ككل جميل و غال لدنيا
يضيع ، يضيع و لا شيء يبقى
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عند مفترق الطريق
عند مفترق الطريق
رقم القصيدة : 68401
-----------------------------------
لا تأس ، لا يحزنك أنّ دربنا
أضاعنا قبل الوصول
أشواقنا و امنياتنا الّي
لم ينته المطاف
بنا الى تحقيقها تظلّ ألف مرة
أحلى و أروع
و القبلة الّي تنهدّت على شفاهنا
يوماً و لم تزل
مشوقةٌ تنتظر القطاف
تظل الف مرة
أشهى و أمتع
و الكلمة الخرساء خلف صمتنا
نشدها الى قلوبنا و لا نقولها
تبقى تشعّ في عيوننا بلا انتهاء
كخيمة عظيمة البهاء
لا تأس ان ظلّت على طريقنا
أشواقنا براعماً دفينه
لم تتفتح تحت لمسة الضياء
دعها على انتظارها المليء
تهفو و تتشرئب للسنى و لا يجيء
أزهارنا اذا تفّتحت تموت
و نحن في رمادها نموت -
ننتهي
أكره يا رفيق
أكره برد الموت و السكينة
لا تأس ، لا تحزن
فلست يا رفيق
آسيةً ، و لا أنا حزينه
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في العباب
في العباب
رقم القصيدة : 68402
-----------------------------------
تلاشت الوجوه حولنا
إلاّ الوميض الأزرق المشع في
عينيك والنداء
في الأزرق المشعّ مبحرٌ
وراءه قلبي سفينةً
يشوقها العباب
وشدّنا اليه ذلك العباب
بحر بلا شواطئٍ
يمد ، لا يحدّ
ولا يردّ
يقص فيه الموج قصة الحياه-
والأبد
اذ تختصر
بنظرة ، فتغرق الأرض مع -
اندفاع المدّ والرياح والمطر
********
في ذلك المساء
استيقظت حديقتي وخلّعت
سياجها
أصابع الرياح
واهتز تحت رقصة الرياح والمطر
العشب في حديقتي
والزهر والثّمر
وغابت الوجوه والأشياء -
ذلك المساء
إلاّ الوميض الأزرق المشعّ-
في عينيك والنداء
في الأزرق المشعّ مبحر وراءه
قلبي سفينة يشوقها العباب
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> لحظة
لحظة
رقم القصيدة : 68403
-----------------------------------
-1-
منيتي صمتا ، هدوءاً ، لا تقل لي
كان أو سوف يكون
لا تحدثني عن الأمس ولا -
تذهب لغد(53/294)
هذه اللحظة عندي
ما لها قبل وبعد
لم يعد للزمن المحدود عندي
أي معنى
قد تلاشى الأمس أصداء
وظلاّ
والغد المجهول يمتد بعيداً
ليس يجلى
ربما كان سوف ما رسمت
يد أحلامي وأحلامك فيه
ربما كان سوى ما نرتجيه
هذه اللحظة ، لا شيء سواها
زهرة قد فتّحت بين يدينا
لا ثمارٌ ، لا جذور
زهرةٌ آنية الروعة فلنمسك
بها قبل العبور
يا حبيبي
بوركت لحظتنا
-2-
ما علينا
ان تكن مرّت كظلّ الطير خطفنا
فهي ذخرٌ لرؤانا
عالم من عالم أشهى وأغنى
من دنانا
هي عمر
********************
أترانا
نذرع الأيام ، نمشي مثقلين
نطأ العوسج نعيا
بالذي نحمل مت عبء السنين
أترى من أجل هذا نحن نحيا ؟
ما الذي ننتظر ؟
ما الذي نحيا له؟
نحن قد يملؤنا وهمٌ نسمّيه -
الطموح
نكدح العمر ونشقى فيه كي -
نرقى الذّرى
نجري ونسعى
لنفوق الآخرين
ثم ماذا ؟
الخلود؟
لا تحدثني عن المهزلة الكبرى -
عن الكذبة ، دعها
لمجانين الخلود.
*******************
أم ترى نحيا ليلقى المتعبون
عندنا الفيء ، ليروى الظامئون
من عطاء البئر ، بئر الخير والايثار
فينا
ثم يمضون ، ويمضي كل شيء
غير أحجار عقوق وجحود
رسبت في قاع بئر الخير والإيثار
فينا
*********************
أم ترى نحيا لكي تجرحنا
كلمات الآخرين ؟
ولكي تطعننا في الظهر في غفلتنا
الصداقات التي تفجعنا
والتي ننفض منها الكف نرتدّ على -
أعقابنا من بعدها
خاسرين.
أترى من أجل هذا نحن نحيا ؟
*****************
أم ترانا
نذرع العمر نشق الدرب من
أجل الوصول
نحو قبرٍ
نحن ندري
انه المصير!
***************
منيتي ، إن لم نكن نحيا لهذي
اللحظات النادرات
هذه الواحات في صحرائنا
فيم نلقانا اذن نحيا الحياة ؟
ما الذي ننتظر ؟
ما علينا
ان تكن مرّت كظلّ الطير خطفا
فهي عمر
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مدينتي الحزينة
مدينتي الحزينة
رقم القصيدة : 68404
-----------------------------------
(( يوم الاحتلال الصهيوني))
- - -
يوم رأينا الموت والخيانة(53/295)
تراجع المدّ
وأغلقت نوافذ السماء
وأمسكت أنفاسها المدينة
يوم اندحار الموج ، يوم أسلمت
بشاعة القيعان للضياء وجهها
ترمّد الرجاء
واختنقت بغصّة البلاء
مدينتي الحزينة
*************
اختفت الأطفال والأغاني
لا ظلّ ، لا صدى
والحزن في مدينتي يدبّ عارياً
مخضّب الخطى
والصمت في مدينتي ،
الصمت كالجبال رابضٌ ،
كالليل غامضٌ ، الصمت فاجعٌ -
محمّلٌ
بوطأة الموت وبالهزيمة
أواه يا مدينتي الصامتة الحزينة
أهكذا في موسم القطاف
تحترق الغلال والثّمار ؟
أوّاه يا نهاية المطاف !
أوّاه يا نهاية المطاف !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الطاعون
الطاعون
رقم القصيدة : 68405
-----------------------------------
يوم فشا الطاعون في مدينتي
خرجت للعراء
مفتوحة الصدر إلى السماء
أهتف من قرارة الأحزان بالرياح :
هبّي وسوقي نحونا السّحاب يا رياح
وأنزلي الأمطار
تطهّر الهواء في مدينتي
وتغسل البيوت والجبال والأشجار
هبذي وسوقي نحونا السّحاب يا رياح
ولتنزل الأمطار !
ولتنزل الأمطار !
ولتنزل الأمطار!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> إلى صديق غريب
إلى صديق غريب
رقم القصيدة : 68406
-----------------------------------
صديقي الغريب
لو أنّ طريقي اليك كأمس
لو ان الأفاعي الهوالك ليست
تعربد في كلّ درب
وتحفر قبراً لأهلي وشعبي
وتزرع موتاً ونار
لو أنّ الهزيمة لا تمطر الآن -
أرض بلادي
حجارة خزيٍ وعار
ولو أنّ قلبي الذي تعرف
كما كان بالأمس لا ترعف
دماه على خنجر الإنكسار
ولو أنّني يا صديقي كأمس
أدلّ بقومي وداري وعزّي
لكنت إلى جنبك الآن عند -
شواطئ حبّك أرسي
سفينة عمري
لكنّا كفرخي حمام ...
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الطوفان والشجرة
الطوفان والشجرة
رقم القصيدة : 68407
-----------------------------------(53/296)
في الأسابيع الأولى التي تلت الحرب ، كانت الصحف والإذاعات الأجنبية المعادية تتحدث بتشف وشماتة عن حرب حزيران وكأنما نهاية الأمة العربية كانت منوطة بتلك النكسة .
من هنا كانت قصيدة ((الطوفان والشجرة ))
- - -
يوم الإعصار الشيطانيّ طغى وامتدّ
يوم الطوفان الأسودْ
لفظته سواحل همجيّه
للأرض الطيّبة الخضراء
هتفوا ، ومضت عبر الأجواء الغربيه
تتصادى بالبشرى الأنباء :
هوت الشجرة !
والجذع الطّود تحطّم ، لم تبق
الأنواء
باقيةً تحياها الشجرة !
*************
هوت الشجرة ؟
عفو جداولنا الحمراء
عفو جذورٍ مرتويه
بنبيذٍ سفحته الأشلاء
عفو جذورٍ عربيّه
توغل كصخور الأعماق
وتمدّ بعيداً في الأعماق
**************
ستقوم الشجرة
ستقوم الشجرة والأغصان -
ستنمو ضحكات الشجرة
في وجه الشّمس
وسيأتي الطير
لا بد سيأتي الطير
سيأتي الطير
سيأتي الطير
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حيّ أبدا
حيّ أبدا
رقم القصيدة : 68408
-----------------------------------
يا وطني الحبيب لا ، مهما تدر
عليك في متاهة الظّلم
طاحونة العذاب والألم
لن يستطيعوا يا حبيبنا
أن يفقأوا عينيك ، لن
ليقتلوا الأحلام والأمل
وليصلبوا حرية البناء والعمل
ليسرقوا الضحكات من أطفالنا
ليهدموا ، ليحرقوا ، فمن شقائنا
من حزننا الكبير ، من لزوجة -
الدماء في جدراننا
من اختلاج الموت والحياة
ستبعث الحياة فيك من جديد
يا جرحنا العميق أنت يا عذابنا
يا حبّنا الوحيد
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> رسالة إلى طفلتين في الضفة الشرقية
رسالة إلى طفلتين في الضفة الشرقية
رقم القصيدة : 68409
-----------------------------------
((إلى كرمة وعمر ))
- - -
يا كرمتي أودّ لو أطير
على جناح الشوق لو أطير
لكنّ توقي يا صغيرتي مقيّد أسير ...
يعجزني يا كرمتي العبور
فالنهر يقطع الطريق بيننا
وهم هنا يرابطون
كلعنهٍ سوداء هم هنا يرابطون
قد نسفوا نسفوا الجسور
وحرموني منك يا صغيرتي(53/297)
وحرّموا العبور
**********
الموت رابضٌ على النّهر
الموت رابضٌ لكل من عبر(1)
يا كرم يا غزالتي
العسل الصّافي المضيء في العيون
يوحشني كثير
والخصل الشقراء مثل القمح ، مثل -
موسم الحصاد في حقولنا
توحشني ، توحشني كثير
أود لو أطير يا غزالتي
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عبر المدى ، أود لو أطير
عبر المدى ، أود لو أطير
رقم القصيدة : 68410
-----------------------------------
كتبت هذه القصيدة في الشهور الأولى من الاحتلال الصهيوني ، أيام كانت الجسور بين الضفتين ما تزال منسوفة ، والعبور محظوراً . وخلال هذه الأشهر كان يسقط كل يوم برصاص العدو عشرات الضحايا ممن كانوا يحاولون عبور النهر سباحة .
- - -
يغرقني في لجّة الحنين
وبالحنين والذكر
أفزع يا صغيرتي إلى الشّريط
ويملأ المكان صوتك الصغير:
(خذوني إلى بيسان
إلى ضيعتي الشّتائيه )
الله يا بيسان !
كانت لنا أرضٌ هناك ،
بيارةٌ ، حقول قمحٍ ترتمي مدّ البصر
تعطي أبي خيراتها
القمح والثّمر
كان أبي يحبّها ، يحبّها ،
كان يقول : لن أبيعها حتى ولو
أعطيت ملأها ذهب
... واغتصبت الأرض التّتر !!
ومات جدّك الحزين يا صغيرتي
مات أبي من حزنه
كانت جذوره تغوص في قرار أرضه
هناك ، في بيسان
ويستمّر يلعب الشريط
يدور كالزّمن
حكايةٌ طفليةٌ هنا
وزقزقات ضحكٍ هناك
ونكتةٌ ذكيةٌ يرسلها عمر
يتعبني الحنين يا عمر
لوجهك القمر
هل ذاكرٌ أيام كنت تطلع الجبل
تحمل لي إضمامةً من زهر الجبل
قرن الغزال ، والشقائق الحمراء والزرقاء
والحبق البريّ والشّمر
هدية الربيع في بلادنا لنا
هديّة المطر
. . . . . . . . . .
وأعبر النّهر
وجسري الخيال يا أحبّتي
وجسري الذكر
لو قدروا لقتلوا حتى الخيال
لسفكوا حتى دماء الحب والحنين -
والذكر
واحضن الطفوله
أبوس غرّة الصّباح في وجوهكم
أبوس أعين العسل
ثم يردّني إلى المكان واقعي المهين
وفي ضلوعي الشوك والصبّار
وفي فمي مرارة اليقين
*********(53/298)
أحبّني الصغار خلف النهر يا أحبّي
عندي أقاصيص لكم كثيره
غير حكايا سندباد البحر ،
غير قصة الجنيّ والصياد
وقمر الزمان والأميره
عندي أقاصيص هنا جديده
أخاف لو أروي لكم أحداثها
أطفئ في عالمكم ضياءه
أخاف أن أروّع الطفوله
أهزّ في جزيرة البراءه
رواسي الأمان والسكينه
أخشى على دنياكم الصغيره
من قصص السجين والسّجان
من قصص النّازي والنازيّه
في أرضنا ، فإنها رهيبه
يشيب يا أحبّي لهولها الولدان
**************
لا تسألوا متى وكيف تنتهي
حكاية الشتات والضّياع
لن تفهموا اليوم الجواب
وحين تكبرون يا أحبّتي
تنبيكمو الأيام
ويومها ستحملون العبء مثلنا
وتأخذون الدور مثلنا
في قصة الكفاح
طويلة قصّتنا ، طويلةٌ
حكاية الكفاح
ويومها يا كنزنا المنذور
ستعرفون
متى وأين يلتقي المشتّتون
وكيف تنتهي حكاية الشتات
والضياع
. . . ولكن أولئك الكرامين قالوا فيما
بينهم : هذا هو الوارث . هلمّوا نقتله فيكون
لنا الميراث . فأخذوه وقتلوه وأخرجوه من
يا سيد ، يا مجد الاكوان
في عيدك تصلب هذا العام
أفراح القدس
صمتت في عيدك يا سيّد كلّ
الأجراس
من ألفي عام لم تصمت
في عيدك إلا هذا العام
فقباب الأجراس حدادٌ
وسوادٌ ملتفٌ بسواد
* * *
القدس على درب الآلام
تجلد تحت صليب المحنة -
تنزف تحت يد الجلاّد
والعالم قلبٌ منغلقٌ
دون المأساه
هذا اللامكترث الجامد يا سيد
انطفأت فيه عين الشمس فضلّ-
وتاه
لم يرفع في المحنة شمعه
لم يذرف حتى دمعه
تغسل في القدس الأحزان
* * *
قتل الكرّامون الوارث يا سيّد -
واغتصبوا الكرم
وخطاة العالم ريّش فيهم طير -
وانطلق يدنّس طهر القدس
شيطانياً ملعوناً ، يمقته حتى الشيطان
* * *
يا سيد يا مجد القدس
من بئر الأحزان ، من الهوّة ، من -
قاع الليل
من قلب الويل
يرتفع اليك أنين القدس
رحماك أجز يا سيد عنها هذي الكأس !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الفدائي و الأرض
الفدائي و الأرض
رقم القصيدة : 68411(53/299)
-----------------------------------
من صور المقاومة
- - -
ما جدوى القول؟
ما أحقر أن أجلس كي أكتب
في بهرة الذّهول و الضياع
وشعّ في العينين وهج جمرتين
وهبّ,مازن ,الفتى الشّجاع
يحمل عبء حبّه
وكلّ همّ أرضه و شعبه
و كلّ أشتات المنى المبعثرة!!
* * *
-: ماضٍ أنا أماّه
ماضٍ مع الرفاق
لموعدي
راضٍ عن المصير
أحمله كصخرةٍ مشدودةٍ بعنقي
وكلّ ما لديّ,كل كلّ النبض
أبذله لأجلها,للأرض
مهراً,فما أعزّ منك يا
أماه إلا الأرض
-: يا ولدي!
يا كبدي!-:أماه موكب الفرح
لم يأت بعد
لكنّه لا بدّ أن يجيء
يحدو خطاه المجد
-: لا تحزن إذا سقطت قبل -
موعد الوصول
فدربنا طويلة شقيّة
و دون موعد الوصول ترتمي على المدى
نعبرها على مشاعل الدماء
لكن لن يجيء بعدنا الفرح
لابدّ من مجيئه هذا الفرح
فيتساوى لأخذ و العطاء
- :يا و لدي
اذهب!
وحوّطته أمه بسورتي قرآن
اذهب!
وعوّذته باسم الله و الفرقان
كان مازن الفتى الأمير سيد الفرسان
كان مجدها وكبرياءها و كان
عطاءها الكبير للأوطان
* * *
في خيمة الليل
وفي رحابة العراء
قامت تصلّي
ورفعت إلى السماء وجهها
وكانت السماء
تطفح بالنجوم والألغاز
. . . . . . . . .
يا يوم أسلمته للحياة
عجينةًَ صغيرةً مطيّبة
بكل ما في أرضنا من طيب
يا يوم ألقمته ثديها الخصيب
و عانقت نشوتها
واكتشفت معنى وجودها
. . . . . . . .
. . . . . . .
يا كبدي
من أجل هذا اليوم
من أجله ولدتك
من أجله أرضعتك
دمي و كلّ النبض
وكلّ ما يمكن أن تمنحه أمومة
يا ولدي,يا غرسةً كريمة
اقتلعت من أرضها الكريمة
اذهب,فما أعزّمنك يا
بنيّ الاّ الأرض
* * *
((طوباس)) وراء الربوات
وعيون هاجر منها النوم
الريح وراء حدود الصّمت
تلهث خلف النّفس الضائع
تركض في دائرة الموت!
. . . . . . . .
يا ألف هلا با لموت!
واحترق النجم الهاوي و مرق
برقاً مشتعل الصوت
الربوات
أبداًُ لن يقهرها الموت.
يا كبدي
من أجل هذا اليوم
من أجله ولدتك
من أجله أرضعتك
من أجله منحتك(53/300)
دمي و كلّ النبض
وكلّ ما يمكن أن تمنحه أمومة
يا ولدي,يا غرسةً كريمة
اقتلعت من أرضها الكريمة
اذهب,فما أعزّمنك يا
بنيّ الاّ الأرض
* * *
(3)
((طوباس)) وراء الربوات
آذانٌ تتوتّر في الكلمات
وعيون هاجر منها النوم
الريح وراء حدود الصّمت
تلهث خلف النّفس الضائع
تركض في دائرة الموت!
. . . . . . . .
يا ألف هلا با لموت!
واحترق النجم الهاوي و مرق
عبر الربوات
برقاً مشتعل الصوت
زارعاً الإشعاع الحيّ على-
الربوات
في أرضٍ لن يقهرها الموت!
أبداًُ لن يقهرها الموت.
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> يوميات جرح فلسطيني
يوميات جرح فلسطيني
رقم القصيدة : 68412
-----------------------------------
من الشاعر محمود درويش
"رباعيات مهداة إلى فدوى طوقان"
"محمود درويش"
(1)
نحن في حل من التذكار فالكرمل فينا
وعلى أهدابنا عشب الجليل
ولا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها
لا تقولي
نحن في لحم بلادي، وهي فينا
(2)
لم نكن قبل حزيران كأفراخ الحمام
ولذا لم يتفتّت حبنا بين السلاسل
نحن يا أختاه من عشرين عام
نحن لا نكتب أشعاراً ولكنّا نقاتل!
(3)
ذلك الظل الذي يسقط في عينيك
شيطانٌ إله
جاء من شهر حزيران لكي يعصب -
بالشمس الجباه
إنه لون شهيدٍ
إنه طعم صلاه
انه يقتل أو يحيي، وفي الحالين: آه!
(4)
أول الليل على عينيك كان
في فؤادي قطرة من آخر الليل الطويل
والذي يجمعنا الساعة في هذا المكان
شارع العودة .. من عصر الذبول!
(5)
صوتك الليلة سكينٌ وجرحٌ وضمادُ
ونعاسٌ جاء من صمت الضحايا
أين أهلي؟ خرجوا من خيمة المنفى وعادوا
مرةً أخرى سبايا
(6)
كلمات الحب لم تصدأ ولكن الحبيب
واقع في الأسر - يا حبي الذي حمّلني
شرفات خلعتها الريح .. أعتاب بيوت وذنوب
لم يسمع قلبي سوى عينيك في يوم من الأيام
والآن اغتنى بالوطن! ..
(7)
وعرفنا ما الذي يجعل صوت القبّره
خنجراً يلمع في وجه الغزاه
وعرفنا ما الذي يجعل صمت المقبره
مهرجاناً وبساتين حياه!
(8)(53/301)
عندما كنتِ تغنِّين رأيت الشرفات
تهجر الجدران والساحة ترتدّ إلى
خصر الجبل
لم نكن نسمع موسيقى ولا تبصر لون الكلمات
كان في الغرفة مليون بطل!
(9)
في دمى من وجهه صيفٌ ونبضٌ مستعار
عدت خجلان إلى البيت، فقد خرّ على -
جرحي شهيداً
كان مأوى ليلة الميلاد كان الانتظار
وأنا أقطف من ذكراه عيداً
(10)
الندى والنار عيناه، إذا ازددتُ
اقتراباً منه .. غنّى
وتبخّرت على ساعده لحظة صمت وصلاه
آه سمّيه كما شئتِ شهيداً
إنّه أجمل منّا
غادر الكوخ فتى ثم أتى حين أتى
وجه إله!
(11)
هذه الأرض التي تمتصّ جلد الشهداء
تعدُ الصيفَ بقمحٍ وكواكب
فاعبديها نحن في أحشائها ملحٌ وماء
وعلى أحضانها جرحٌ .. يحارب
(12)
دمعتي في الحلِ يا أختُ، وفي عينيّ -
نار
وتحررتُ من الشكوى على باب الخليفة
كل ما ماتوا، ومن سوف يموتون على -
باب النار
عانقوني، صنعوا منّي قذيفة !
(13)
منزل الأحباب مهجور، ويافا
تُرجمتْ حتى النُخاع
والتي تبحث عني لم تجد مني سوى جبهتها !
اتركي لي كل هذا الموت يا اخت، اتركي -
هذا الضياع
فأنا أضفره نجماً على نكبتها ؟!
(14)
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبه
وأنا لست مسافر
انني العاشق والأرض حبيبه !
(15)
واذا استرسلت في الذكرى نما
في جبهتي عشب الندم
وتحسّرتُ على شيء بعيد
وإذا استسلمت للشوق
تبنّيتُ أساطير العبيد
وأنا آثرتُ أن أجعلَ من صوتي حصاةً
ومن الصخر نغم !
(16)
جبهتي لا تحمل الظلَّ وظلّي لا أراه
وأنا أبصق في الجرح الذي لا
يشعل الليل جباه
خبِّئي الدمعة للعيد فلن نبكي -
سوى من فرحٍ
ولنسمِّ الموت في الساة عرساً ..
وحياه !
(17)
وترعرعت على الجرح وما قلت لأمي
ما الذي يجعلها في الليل خيمه
أنا من ضيعتُ ينبوعي وعنواني واسمي
ولذا أبصرتُ في أسمائها ملون نجمه !
(18)
رايتي سوداء، والميناء تابوت، وظهري
قنطره
يا خريفَ العمرِ المنهار فينا
يا ربيع العالم المولود فينا
زهرتي حمراء والميناء مفتوح، وقلبي
شجره
(19)(53/302)
لغتي صورت خرير الماء في نهر الزوابع
ومرايا الشمس والحنطة في ساحةِ حرب
ربما أخطأت في التعبير أحياناً
ولكن كنت -لا أخجل - رائع
عندما استبدلت بالقاموس قلبي !
(20)
كان لا بد من الأعداء كي نعرف أنّا
توأمان !
كان لا بد من الريح لكي نسكن
جذع السنديان
ولو أن السيد المصلوب لم يكبر على
عرش الصليب
ظلَّ طفلاً ضائع الجرح .. جبان
(21)
لكِ عندي كلمه
لم أقلها بعد، فالظل على الشرفة يحتلّ
القمر
وبلادي ملحمه
كنت فيها عازفاً، صرتُ وتر !
(22)
عالِمُ الآثار مشغول بتحليل الحجاره
إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير
لكي يثبت أني
عابر في الدرب لا عينان لي لا حرف في
سفر الحضاره !
وأنا أزرع أشجاري على مهلي وعن
حبّي أغني
(23)
غيمة الصيف لتي يحملها ظهر الهزيمة
علّقت نسلَ السلاطين على حبل السراب
وأنا المقتولُ والمولود في ليل الجريمه
ها أنا ازددت التصاقاً بالتراب
(24)
آن لي أن أبدل اللفظة بالفعل وآن
لي أن أثبت حبي للثرى والقبره
فالعصا تفترس القيثار في هذا
الزمان
وأنا أصغر في المرآه، مُذ لاحت
لعيني شجره !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عند جسر اللنبي
عند جسر اللنبي
رقم القصيدة : 68413
-----------------------------------
من صور الاحتلال الصهيوني
آهات امام شباك التصاريح
- - -
وقفتي بالجسرِ أستجدي العبورْ
آه، أستجدي العبورْ
اختناقي ، نَفَسي المقطوعُ محمولٌ على
وهج الظهيره
سبعُ ساعاتِ انتظارْ
ما الذي قصَّ جناح الوقت ،
من كسّح أقدام الظهيره ؟
يجلد القيظ جبيني
عرقي يسقط ملْحاً في جفوني
آه ، آلاف العيون
علّقتها اللّهفة الحرَّى مرايا ألمٍ
فوق شباك التصاريح، عناوين
انتظارٍ واصطبار
آه نستجدي العبور
ويدوّي صوت جنديٍّ هجينِ
لطمةً تهوي على وجه الزحام:
(عربن فوضى، كلاب
ارجعوا، لا تقربوا الحاجز، عودوا يا كلاب)
ويد تصفق شباك التصاريح -
تسدّ الدرب في وجه الزحام
آه، إنسانيتي تنزف، قلبي
يقطر المرَّ، دمي سمٌ ونار(53/303)
(عرب، فوضى، كلاب ..) !
آه، وامعتصماه !
آه يا ثار العشيره
كل ما أملكه اليوم انتظار ...
ما الذي قصَّ جناح الوقت،
من كسّح اقدام الظهيره ؟
يجلد القيظ جبيني
عرقي يسقط ملحاً في جفوني
آه جرحي !
مرَّغ الجلاَّد جرحي في الغام
* * *
ليت للبرَّاق عيناً ..
آه يا ذلّ الإسار !
حنظلاً صرت، مذاقي قاتلٌ
حقدي رهيب، موغل حتى القرار
صخرةٌ قلبي وكبريتٌ وفوَّارةُ نار
ألف "هندٍ" تحت جلدي
جوع حقدي
فاغرٌ فاه، سوى أكبادهم لا
يُشبعُ الجوعَ الذي استوطن جلدي
آه يا حقدي الرهيبَ المستثارْ
قتلوا الحب بأعماقي، أحالوا
في عروقي الدَّم غسليناً وقار !!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> إلى الوجه الذي ضاع في التيه
إلى الوجه الذي ضاع في التيه
رقم القصيدة : 68414
-----------------------------------
إلى .. J
-1-
بشذى الذكرى وباقات الهوى
بين قلبي ورفاه الحبِّ صحراءُ -
حبالُ القيظ فيها تلتوي -
تلتف من حولي أفاعي
تخنق الزهر تفحُّ السمَّ فيه
واللّظى
لا تقل لي اذكريني
لا تقل لي
عتّمتْ ذاكرة الحبّ وغامتْ
صور الأحلام، والحبُّ شبحٌ
ضائعٌ يقصيه ليل التيه عن -
عيني وقلبي.
نحرَ الليل القمر
يا رفيقي نحرَ الليل القمر
أنت لو حدَّقت في مرآة قلبي
لم تجد فيها مقر
لسوى الوجه الذي هشّمه الليلُ -
يغطِّي كلَّ قلبي
وجهها الحلو المشوَّه
آه ما أغْلاهُ حلواً ومشوَّه
يا عذاباً يتنامى
يتنامى كل يومٍ
يا جراحاً تتأوَّه !
كيف دارت هذه الدنيا بنا؟
كيف كنّا ؟
حبّنا كان وليداً ، هل نما
وسط الهول وفي قلب الخطر ؟
وطني كانت تغطيه مياه الليل ، كان
قلبه الصامت في ليل الهزيمه
ذاهلاً أسيان ؛ كان الدم في -
الجدران باقات ورود
كنت أهذي :
افتحي صدرك يا أرض الجدودِ
افتحي صدر الأمومه
واحضنيها فالقرابين غوالي
القرابين غوالي
.....
.....
كان وحش الغاب يحسو الخمر في
حان الجريمه
ورياحُ الشؤم تعوي
في الجهات الأربعِ
يومها كان معي
يومها ما كنت في الهول أعي(53/304)
(أم تُرى كنت أعي ؟) أَنَّ الغدا
سوف يقصيه وأنّا
بعده لن نتلاقى أبداً
ولقد نبسم أحياناً لكيما
نخدع الحزن فلا نبكي، وأهذي :
"آه يا حبي الغريب
آه يا حبي لماذا ؟
وطني أصبح باباً لسقر ؟
ولماذا شجر التفاح صار اليومَ -
زقّوماً ، لماذا
لم يعد ضوْءُ القمر
مستحمّاً لبساتين الزهر؟
كان قومي يزرعون الأرضَ يحيونَ -
يحبُّون الحياه
يأكلون الخبز والزيت بحبٍّ وفرحْ
كانت الأثمار والأزهار في كل الفصول
تفرش الأرض بأقواس قزح
أتُرى ترجع تعطي من هداياها الفصول
لبلادي ولقومي ؟
أترى ترجع تعطي ؟ "
كنت أهذي، أتهاوى كذبيحه
وأرى الهوَّة تدعوني ولكنَّ التصاقي -
بذراعه
كان يحميني ، فأرتدُّ لأحيا
ولأقوى
.......
الأٍى يهطل، ليل القدس صمتٌ
وقتام
حظروا التجوال، لا تُطرق في
قلب المدينة
غير دقّاتِ النّعال الدمويّة
تحتها تنكمش القدس كعذراٍ سبيّه
وعلى السّاحة طائر
خرق السهم جبينه
وعلى الأرض دخانٌ وحطام
.....
شرفة المبنى، وطيفان يطلاَّن على -
ليل المدينة
كان في الركن حقيبه
وثياب وادّ كاراتٌ من الأرض الحبيبه
كانت الرزقةُ في عينيه تمتدّ -
بحيراتٍ حزينه
والأسى يطفح من شطآنها ملحاً
وماء
كانت القدس هواه، حبّه الصّوفيَّ كانت
ويقينه
وأنا أهذي وأهذي :
"آه يا حبي لماذا
هجر الله بلادي ؟ ولماذا
حبس النور ، تخلّى عن بلادي
لبحار الظلمات ؟!"
وأرى العالم تنّيناً خرافيّاً
على باب بلادي
وأنادي : "يا حبيبي
من يفك اللّغز من يكشفُ
سرَّ الكلمات ؟ "
آه: عشرون قمر
مرَّ عشرون قمر
وحياتي تستمر
وغيابك
كحياتي يستمرُّ
ومعي ذاكرةٌ واحدةلإ : وجه بلادي
وجهها الحلو يغطّي كل قلبي
......
وحياتي تستمرُّ
وتلفُّ الريح أيامي على الدرب العصي
مع شعبي، ويلاقينا على حافاتِهِ -
صخرٌ وأشواكٌ وصَلْبُ
وحياتي مع شعبي تستمرُّ
ووراء النهر غابات الرماحِ السمرِ -
تهتز وتربو
وهدير العاصفه
يكشف اللغز ويعطي العالمَ التنّينَ -
سرَّ الكلمات
وهبوبٌ ودويْ
ولهيبٌ وشرر(53/305)
يلفح السّارين في الدرب العصىْ
والأضاحي زُمرٌ إثر زُمرْ
في عناقٍ واحدٍ تهوي وموت أخويّ
ويظل الليل - ما طال - يلد
أنجماً تقفو خطاها في الدروبِ -
السود أنجم
وبلادي كوز رمّانٍ يفور الدمُ -
فيه ويغمغم
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرْ
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرْ
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حمزه
حمزه
رقم القصيدة : 68415
-----------------------------------
(1)
كان حمزه
واحداً من بلدتي كالآخرين
طيّباً يأكل خبزه
بيد الكدح كقومي البسطاء الطيبين
* * *
قال لي حين التقينا ذات يومِ
وأنا أخبط في تيه الهزيمه:
اصمدي، لال تضعفي يا ابنة عمي
هذه الأرض التي تحصدها -
نار الجريمه
والتي تنكمش اليوم بحزنٍ وسكوتْ
هذه الأرض سيبقى
قلبها المغدور حياً لا يموت
* * *
هذه الأرض امرأة
في الأخاديد وفي الأرحام -
سر الخصبِ واحد
قوَّةُ السرِّ التي تُنبتُ نخلاً -
وسنابل
تُنبتُ الشعب المقاتل
* * *
دارت الأيام لم التق فيها -
يابن عمّي
غير أنّي كنتُ أدري
أنَّ يطن الأرض تعلو وتميد
بمخاضٍ وبميلادٍ جديد
(2)
كانت الخمسة والستُّون عام
صخرةً صمّاءَ تستوطن ظهره
حين ألقى حاكمُ البلدة أمره:
"انسفوا الدار وشدّوا
إبنه في غرفة التعذيب !" ألقى
ثم قام
يتغنّى بمعاني الحبِّ والأمنِ -
وإحلال السلام !
* * *
طوَّق الجندُ حواشي الدار -
والأفعى تلوَّتْ
وأتمّت ببراعه
اكتمال الدائره
وتعالت طرقات آمره :
"اتركوا الدار" ! وجادوا بعطاءِ
ساعةٍ أو بعض ساعه
* * *
فتّح الشرفات حمزه
تحت عين الجند للشمس وكبّر
ثم نادى:
"يا فلسطين اطمئني
أنا والدار وأولادي قرابين خلاصك
نحن من أجلك نحيا ونموت"
وسرت في عصب البلدة هزّه
حينما ردَّ الدى صرخة حمزه
وطوى الدارَ خشوعٌ وسكوت
* * *
ساعةٌ، وارتفعت ثم هوت
غرُ الدار الشهيده
وانحنى فيها ركام الحجرات
يحضنٌ الأحلام والدفء الذي كان - ويطوي
في ثناياه حصاد العمر، ذكرى
سنوات(53/306)
عُمِّر بالكدح، بالأصرار؛ بالدمعِ -
بضحكاتٍ سعيده
........
أمس أبصرتُ ابنَ عمي في الطريق
يدفعُ الخطو على الدرب بعزمٍ ويقين !
لم يزل حمزه مرفوعَ الجبين
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مخاض
مخاض
رقم القصيدة : 68416
-----------------------------------
(1)
الريحُ تنقلُ اللّقاح
وأرضنا تهزها في الليل -
رعشةُ المخاض
ويُقنعُ الجلاَّ نفسهُ
بقصة العجز ، بقصة الحطامِ -
والأنقاض
* * *
يا غدنا الفتيَّ خبّر الجلاَّد
كيف تكون رعشةُ الميلاد
خبّره كيف يولد الأقاحْ
من ألم الأرض، وكيف يُبعث الصباح
من وردة الدّماء في الجراح
(2)
كيف تولد الأغنية:
نأخذ اغنياتنا
من قلبك المعذب المصهور
وتحت غمرة القتام والديجور
نعجنها بالنور والبخور
والحبّ والنذور
ننفخ فيها قوَّة الصَّوَّانِ -
والصخور
ثم نردّها لقلبك النقيِّ -
قلبك البلّلور
يا شعبنا المكافحَ الصبور !
وجاء عام الفيل
تقطعها الفصول بين الموت والحياة
تفجر الصوت العظيم بالرعود والبروق
حاملاً النبوءة
مجتثاً الحرافه
وانطلق المجندل المسحوق، نظرة على الطريق
ونظرة على لاسماء الرحبة المضيئة
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حين تنهمر الانباء السيئة
حين تنهمر الانباء السيئة
رقم القصيدة : 68417
-----------------------------------
الريح تجدل الدخان في الأغوار
وفي الدروب الليل والإعصار
تنهمر الصخور والأحجار
سوداء بالرماد
سوداء بالدخان
فلتنهمر كما تشاء هذه الصخور
ولتنهمر كما تشاء هذه الأحجار
فالنهر ماضٍ ، راكضٌ الى منصبّه
وخلف منحنى الدروب ، في -
رحابة المدى
ينتظر النهار
من أجلنا ينتظر النهار
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عاشق موته
عاشق موته
رقم القصيدة : 68418
-----------------------------------
تخطفني الرؤيا مع ابتسامة الصباح
أراه طائري يطير
يهجرني قبل الأوان
يفلت من يديّ في -
دوّامة الرياح
يدافع الرياح ثم يهوي
من مشارف الكفاح
. . . . . .(53/307)
. . . . . .
وتفتح الصخور ساعديها
جدولي حرير
تلقف طائري الذي يطير
يهجرني قبل الأوان
وتستردّ إبنها الأوطان ، تسترده
لقلبها الحيّ العتيق
* * *
يا شجر المرجان عرّشت غصونه
على جوانب الطريق
أعشق موتي تحت ظلّك المضرّج الغريق
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> كفاني أظل بحضنها
كفاني أظل بحضنها
رقم القصيدة : 68419
-----------------------------------
كفاني أموت على أرضها
وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشباً على أرضها
وأبعث زهره
تعيث بها كف طفلٍ نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
تراباً
وعشباً
وزهره
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حرية الشعب
حرية الشعب
رقم القصيدة : 68420
-----------------------------------
نشيد :
حريتي !
حريتي !
حريتي !
صوتٌ أردده بملء فم الغضب
تحت الرصاص وفي اللهب
وأظل رغم القيد أعدو خلفها
وأظل رغم الليل أقفو خطوها
وأظل محمولاً على مدّ الغضب
وأنا أناضل داعياً حريتي !
حريتي !
حريتي !
ويردد النهر المقدس والجسور
حريتي !
والضفتان ترددان : حريتي !
ومعابر الريح الغضوب
والرعد والإعصار والأمطار في وطني
ترددها معي :
حريتي ! حريتي ! حريتي !
* * *
سأظل أحفر اسمها وأنا أناضل
في الأرض في الجدران في الأبواب في شرف المنازل
في هيكل العذراء في المحراب في طرق المزارع
في كل مرتفعٍ ومنحدر ومنعطف وشارع
في سجن في زنزانة التعذيب في عود المشانق
رغم السلاسل رغم نسف الدور رغم لظى الحرائق
سأظل أحفر اسمها حتى أراه
يمتد في وطني ويكبر
ويظل يكبر
ويظل يكبر
حتى يغطي كل شبر في ثراه
حتى أرى الحرية الحمراء تفتح كل باب
والليل يهرب والضياء يدك أعمدة الضباب
حريتي !
حريتي
ويردد النر المقدس والجسور :
حريتي !
والضفتان ترددان : حريتي !
ومعابر الريح الغضوب
والرعد والإعصار والأمطار في وطني
ترددها معي :
حريتي حريتي حريتي
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حكاية لاطفالنا
حكاية لاطفالنا(53/308)
رقم القصيدة : 68421
-----------------------------------
وجهٌ على الرمال
وعنقٌ تخزّ فيه عقدة الحبال
هامته مشروخهٌ ودمّه مداد
تشربه حروف مرثاة رهيبة السواد
ظلّت على شفاه أمه تسيل
ظلت تسيل
ظلت تسيل
ستة أعوامٍ طوال
وجاء عام الفيل
ممتطياً مسافه
تقطعها الفصول بين الموت والحياه
تفجّر الصوت العظيم بالرعود والبروق
حاملاً النبوءة
مجتثاً الخرافه
وانطلق المجندل المسحوق ، نظرةٌ على الطريق
ونظرةٌ على السماء الرحبة المضيئة
وغطّ في القناه
مغتسلاً متمماً وضوءه
وقامت الصلاه !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ذهب الذين نحبهم
ذهب الذين نحبهم
رقم القصيدة : 68422
-----------------------------------
إلى أرواح شهدائنا الأحرار
في الغارة الإسرائيلية
الغارة في بيروت ...
كمال ناصر، محمد يوسف النجار وكمال عدوان
نسراً فنسراً غالهم وحش الظلام
من أجلك انفرطت عقود دمائهم
جبات مرجانٍ، كنوز لآلئٍ،
ذهب الذين نحبهم ..
لا صوت للأحزان ، انظر،
أورقت صمتاً على شفتي أجزائي.
وأطبقت الحروف شفاهها
تتساقط الكلمات صرعى مثلهم.
جثثاً مشوهةً، ترى ماذا أقول لهم
ومن عيني ومن قلبي تسيل دماؤه ؟
ذهب الذين نحبهم
رحلوا وما ألقت مراسيها مراكبهم ولا
مسحت حدود المرفأ النائي عيون الراحلين
أواه يا وطني الحزين
كم ذا شربت وكم شربنا
في مهرجانات الأسى والموت كاسات العصير المر
لا أنت ارتويت ولا ارتوينا
إنا سنبقى ظامئين
عند النابيع الحزينة سوف نبقى
طامئين
حتى يقامتهم مع الفجر الذي
حضنوه رؤيا لا تموت ولا يذوب لها حنين
جريمة قتل في يوم ليس كالأيام
(إلى روح الطالبة الشهيدة
منتهى حوراني)
ويحمل سيفاً بيد
ويوم الحبيبة في الأسر هبت عليها الرياح
محملةً باللقاح
جرت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعل أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
(بغرفتها أمها المتعبه
تلملم أوراقها المدرسية:
حذار العدى يا بنيه
فعين العدو تصيب )(53/309)
وما كذب القلب. كان عدو الحية يطاردها في الميره وينشب في عنقها مخلبه
***
تفتح مريولها في الصباح
شقائق حمراً وباقات ورد
وعادت إلى الكتب المدرسية كل سطور الكفاح التي حذفوها
ورفرف مريولها رايةً في صفوف المدارس. رفرف وامتد ظلل في الضفة المشرئبه
واشجارها المثقلات، ورفرف مريولها في النوافذ -
فوق سطوح المنازل فوق رفوف الدكاكين-
ظلل في الضفة المشرئبه
مساجدها والكنائس، ظللها قبةً تلو قبه
***
وما قتلوا منتهى وما صلبوها
ولكنما خرجت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعلن أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
***
وما قتلوا منتهى وما صلبوها
ولكنما خرجت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعلن أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> جريمة قتل في يوم ليس كالأيام
جريمة قتل في يوم ليس كالأيام
رقم القصيدة : 68423
-----------------------------------
(إلى روح الطالبة الشهيدة
منتهى حوراني)
- - -
ويوم امتطى صهوة العالم الصعب يحمل غصناً بيد
ويحمل سيفاً بيد
ويوم الحبيبة في الأسر هبت عليها الرياح
محملةً باللقاح
جرت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعل أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
(بغرفتها أمها المتعبه
تلملم أوراقها المدرسية:
حذار العدى يا بنيه
فعين العدو تصيب )
وما كذب القلب. كان عدو الحية يطاردها في الميره وينشب في عنقها مخلبه
***
تفتح مريولها في الصباح
شقائق حمراً وباقات ورد
وعادت إلى الكتب المدرسية كل سطور الكفاح التي حذفوها
وعادت إلى الصفحات خريطة أمس التي طمسوها
ورفرف مريولها رايةً في صفوف المدارس. رفرف وامتد ظلل في الضفة المشرئبه
شوارعها المغضبه
واشجارها المثقلات، ورفرف مريولها في النوافذ -
فوق سطوح المنازل فوق رفوف الدكاكين-
ظلل في الضفة المشرئبه(53/310)
مساجدها والكنائس، ظللها قبةً تلو قبه
***
وما قتلوا منتهى وما صلبوها
ولكنما خرجت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعلن أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أنشودة الصيرورة
أنشودة الصيرورة
رقم القصيدة : 68424
-----------------------------------
(1967)
منهم من كانوا أطفالا
ما كبروا بعد
أفراخ عصافير صغيره
ما زالت بالعين المبهوره
ترنو وتحدق في الأشياء
في قمر يسطع، في شعله
في رش رذاذ تنعفه نافورة ماء
في قط يربض .. في عصفور ينفض أجنحةً مبتله
يتلفت ، يجفل، يخطف ظله
ويطير إلى ذروة نخله!
منهم من كانوا صبيه
تحرف الشيطنة وتلهو بالألعاب الناريه
تطلق في الريح الغربيه
سرب الطيارات الزرق الحمر الخضر القزحية
تتأبط كل شقاوتها في الأرصفة وفي الساحات
تتشاكس تقفز تصفر تركض تحت عقود الدور الرطبه
تتراشق بالنكت العفوية
بقشور الفستق والضحكات
تتبارز بالأغصان الصلبه
تشهرها سيفاً أو حربه
تتقمص شخصيات كفاح أسطوريه
عنترة العبد الباحث عن حريته في درب الموت
عز الدين القسام الرابض في الأحراش الجبلية
عبد القادر في " القسطل"
يحيا ويمارس عشق الأرض
منهم من كانوا مضغاً بعد
ترقد في الأرحام أجنه
وجه حزيران أربد
زخ المطر الأسود
وهناك على أطراف الأفق هوت وتعلقت اللعنه
حين جراد القحط اندلق سيولا من خوذات الجلد
الأرض تميد تميد وتسقط يبلعها طوفان الحلكه
يعبر نهر الزمن عليها بالخطوات المرتبكه
يزحف ، يرجع أو يتجمد
(كان النهر وراء الأفق حصاناً يعدو
تشتد على شطيه "الحركة" )!
(1976)
كبروا في غاب الليل الموحش، في ظل الصبار المر
كبروا أكثر من سنوات العمر
كبروا التحموا في كلمة حب سريه
حملوا أحرفها انجيلا، قرآنا يتلى بالهمس!
كبروا مع شجر الحناء وحين التثموا بالكوفيه
صاروا زهرة عباد الشمس
كبروا أكثر من سنوات العمر
صاروا الشجر الضارب في الأعماق الصاعد نحو الضوء(53/311)
-الواقف في الريح الهوجاء
صاروا الصوت الرافض صاروا
جدلية هدم وبناء
صاروا الغضب المشتعل على أطراف الأفق المسدود
يكتسح صفوف مدارسهم
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في المدينة الهرمة
في المدينة الهرمة
رقم القصيدة : 68425
-----------------------------------
( رحلة التداعي في هذه القصيدة
تجري بين شارع وكسفورد في لندن
وسوق العطارين في نابلس .
الرحلة تبدأ عند اشارة الضوء الأحمر وتنتهي
عند اشارة الضوء الأخضر ).
وتلقفني في المدينة هذي الشوارع
بغير تماس
ويكتسح المد هذي الشوارع والأرصفه
وجوهٌ وجوهٌ وجوهٌ وجوهٌ ، تموج
على السطح ، يقطن فيها اليباس ، تبقى
بغير تماس .
هنا الإقتراب بغير اقتراب
هنا اللاّحضور حضورٌ ، ولا شيء الاّ
حضور الغياب
. . . . . .
. . . . . .
ويحمرّ ضوء الإشارة والمدّ يرتد.
تعود الخفافيش للذاكره
ونصف مزنجرة تعبر السوق ، أفسح
فيه مكاناً لتعبر ، إنّي تعلّمت
ألاّ أعرقل خطّ المرور. . .
هنا كان سوق النخاسة، باعوا هنا
والديّ وأهلي
فقد جاء وقتٌ سمعنا الذي منع
الرقّ والبيع نادى على الحر : من
يشتري !
وهذي أنا اليوم جزء من الصفقة
الرابحه
أمارس حمل الخطيئة؛ معصيتي أنني
غرسة اطلتها جبال فلسطين . . من
مات أمس استراح ؛
القبور تئنّ وتلعني حين أفسح في
ثم أمضى بغير اكتراث)
ونابلس هادئة والحياة تسير كماء
النهر . . .
يبادلنني خاتم السجن صمتاً فصيحاً (يقول
لها حارس السجن إنّ الشجر
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
لها حارس السجن إنّ الشجر
إن الشجر
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول(53/312)
بالغابة التي تركتها تؤجّ بنيرانها
قبل خمس سنين
وتسمع في الحلم زمجرة الريح بين المعابر .
تقول لسجّانها : لا أصدق ، كيف
اصدّق من جاء من صلبهم ؟
تظلّون يا حارسي أنبياء الكذب
وتقبع في ظلمة السجن تحلم
يظلّها الشجر المنتصب
وتفرحها غابةٌ في البعيد تصلصل
فيها سيوف اللهب
وتحلم عائشة ثم تحلم . . . )
ويخضرّ ذاكرتي ، والخفافيش تهوي الى
قاع بئر غميقه
يغّر ظلٌ طريقه
يتابع ظلّي ، يوازيه ، يمتد جسرٌ:
- لعلك مثلي غريبة ؟
وتنفصل القطتان عن المدّ ثم تغيبان
بين زوايا حديقه
. . . . . .
- تحبين أوزبورن ؟
- و من لا يحبّه؟
- عجائز انكلترا المحبطون وضباطها
الآفلون مع الشمس (( غرب السويس ))
- ترى من سيزرعها شجرة الغد
لهذا البلد ؟
- شباب الهيبيز . . .
- ذاعٌ انت لاذع
ويجتازها سيلهم وهو يجرف تربة لندن
ونسمع صوت انهياراتها
على وقع دقّات (( بج بن ))
. . . . . . .
- هنالك في العطفة الجانبية حانوت خمر
وفي النّزل ذوقٌ وتدفئة مركزية . .
- سدىً ما تحاول
(وتعبر سيدة لندنية
تبث وتشكو إلى كلبها وخز
عرق النّسا والتهاب المفاصل )
- سدى ما تحاول
-ألست ابنة العصر ؟
- كبرت عن الطيش صيّرني الحزن
بنت مئات السنين ،
سدىً ما تحاول .
وارفع عن كتفيّ ذراعيه أفلت خارج
طوق التواصل .
- تحاصرني وحدتي
-كلنا في حصار التوحّد
وحيدون نحن ، نمارس لعبة هذي الحياه
وحيدون ، نحزن نألم نشقى وحيدين
نموت وحيدين ؛
وحيداً تظل ولو حضنتك مئات النساء
. . . . . . .
وتلقفنا في المدينة هذي الشوارع
والأرصفه
مع الناس ، يخرفنا مدّها البشريّ
نموج مع الموج فيها ،
نظلّ على السطح فيها ،
بغير تماس.
. . . . . . . . .
. . . . . . . . .
. . . . . . . . .
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> كوابيس الليل والنهار
كوابيس الليل والنهار
رقم القصيدة : 68426
-----------------------------------
-1-
في شارعنا يمشي الأموات
يتوازن بظلّ الحائط اشباحاً(53/313)
وهياكل جوفاً غير خفافٍ غير ثقال
يا أختي غطّي موتانا
واخجلي اختي عاريةٌ
والجارة عاريةٌ والجار
وأنا لا يسترني ثوبٌ
لا يستر أهل الحي دثار
عاريةٌ حتى الأشجار
الدوّامات الوحشيه
حصدت حتى ريش الأطيار
طرقات الجند على بابي
وتهرول اختي مذعورة :
الجند الجند !
غيبي اختبئي في أيّ مكان . .
ويحي ! وأدور على نفسي
أتسلق نافذتي الشرقيه
موصدة نافذتي الغربيه
أتسلّق نافذتي الغربيه
موصدة نافذتي الغربيه . .
الجند الجند . . أظل ّ أدور أدور أدور
عنترة العبسيّ ينادي من خلف السور :
- يا عبل تزوجك الغرباء وإني العاشق !
- لا ترفع صوتك يا عنتر ويلي ويلي !
- أنا ابن العمّ وعرق العين .
( يا ويلي عنتر مختبئ في أجفاني )
- يسمعك الجند ، يراك الجند .
- يا عبل دعيني أطعم من
زيتون العينين دعيني
لا تقصيني عن زيتونك لا تقصيني
- طرقات الجند على بابي ويلي ويلي !
- يا عبلة يا سيدة الحزن خذي زهرة قلبي
الحمراء
صونيها أيتها العذراء
- الجند على بابي ويلاه !
- حتى الله تخلّى عني حتى الله
- خبئ رأسك !
خبئ صوتك !
وبنو عبسٍ طعنوا ظهري
في ليلة غدر ظلماء
Open the Door!
افتخ إت هاديليت !
افتخ باب!
- وبكل لغات الأرض على بابي يتلاطم
صوت الجند
- يا عبلة اني . . .
- يا ويلي !
.....................
...................
اصحو من احلام الكبت
أحسو القهوة عليّ أوقظ هذي
الرأس المخمورة
أوغل في أبعاد الصمت
أتعمّق احزاني المطموره
فاضلّ الدرب
يا رب لماذا يا رب؟
ويردّ الصمت
* * * *
في صحف القدس اليومية أرمي عينيّ
أقرأ خبراً كالأخبار :
اقرأ شكوى مرفوعه
لوزير الحرب :
ذات الأخبار . .
لا شيء جديد في الأخبار .
لا شيء مثير . .
يغشاني الغثيان المرّ
يا دودة علقٍ في قلبي تغزو قلبي
وتظلّ تمصّ دماء القلب !
ما هذا ما هذا يا رب؟
ويردّ الصمت .
* * *
افتح مذياعي وأطوّف في جنبات المعموره
الوحش الأسطوريّ الأعمى يأكل نفسه :
الموت يحوّم في بلفاست(53/314)
رأسٌ كالزهرة ذهبيّه
قطفتها قنبلة زمنيّه .
في فيتنام
الحزن اليوميّ يلقّح أرض فيتنام
فترعرع بسماد النابالم
في كل مكان طير الموت
ينشب مخلبه المعقوف يغلغله
في اللحم الحيّ
قبلات الموت هدايا رعب
تنثر عبر بريد العالم -
من رصف العالم بالرعب ؟
من سقف العالم بالرعب ؟
يا رب لماذا مات الحب ؟
. . . . . . .
ينكسر الصمت
يعوي حيوانٌ في غابة
وتلعلع في طيات السحب الرعديه
ضحكات الرب !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مرثية الفارس
مرثية الفارس
رقم القصيدة : 68427
-----------------------------------
(( إلى جمال عبد الناصر))
- - -
-1-
ايلول
مهرجان الموت في الذروة ، عمّان
استحالت فيه تابوتاً وقبرا
والطواغيت سكارى منتشون
بالذي فاض به بحر الجنون
فشباك الصيد ملأى
الف مذبوح وألفان وآلاف -
ألا هل من مزيد ؟
هات من صيدك يا بحر فهذا اليوم عيدٌ
أيّ عيد !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الفادي
الفادي
رقم القصيدة : 68428
-----------------------------------
في احتدام الدم والنار وطغيان الجنون
بسط الفادي نبيّ الحبّ كفّيه علينا
وافتدانا
آه ما أغلى الفداء !
واشترانا
آه ما أغلى الفداء !
واشترانا
آه ما أغلى الثمن !
وعلى وخز مسامير الألم
وعلى حزّ سكاكين العياء
أسند الرأس وأرخى
هدب جفنيه ونام
وبعينيه رؤى الحب وأحلام السلام
* * * *
آه ما آن له أن يترجل
والتوت فوق أساها الفرس الثكلى
وتاهت مقلتاها
في الحضمّ الآدمي الهادر المسحوق -
من يفدي فتاها
من يفكّ الفارس الغالي المكبل
من إسار الموت ، من يرجعه -
العاشق المدنف للصهوة للساحة
من يرجعه ؟
والتوت فوق أساها الفرس الثكلى
وعرّت حزنها آهاً فآها
من يفكّ الفارس الغالي المكبل
آه ما آن له أن يترجل
************
قالت الريح : سيأتي
موته الميلاد لا بدّ سيأتي
في يديه الشمس ، ذات الشمس ، في
مقلتيه الوجد ، ذات الوجد والعشق
المعنيّ
من جراح الأرض يأتي
من سنين القحط يأتي(53/315)
من رماد الموت يأتي
موته الميلاد لا بدّ سيأتي !
على قمة الدنيا وحيدا
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ((عنك هناك وعنا هنا . . ))
((عنك هناك وعنا هنا . . ))
رقم القصيدة : 68429
-----------------------------------
إلى الشهيد وائل زعيتر
كانت رسالته وضع الحقيقة
الفلسطينية امام عيون العالم
المضلل واللا مكترث.
- - -
-1-
حين جاء النبأ الريّان من دمّك غطانا الخجل
حين قالوا : كانت الغربة والداء له زاداً وماء
نحن غطانا الخجل
حين قالوا : كان يعطينا على جوعٍ ، تململنا
وغطانا الخجل
وبقينا في العراء
دون ستر أو غطاء
من يغطي عرينا من
يسبل الستر علينا يا بطل ؟!
-2-
حينما الليل الذي أغمض عين الشمس
أمسى في خطر
حينما مستنقع الأكذوبة النكراء أمسى
في خطر
حينما الوجه الذي
قنّعت تشويه الأصباغ أمسى في
خطر
حينما الدنيا الهلوك
وقفت ضدّك واستعصيت انت
وتأبّيت على العالم أنت
اقبلوا في معطف الليل وداروا
في الظلام
دورةًً غدّارةً واقتنصوك
*******
وجهك الغائب يلقانا على صدر الجريده
وعلى نظرة عينيك البعيده
نحن نمضي ونسافر
ونلاقيك ، نلاقيك على
قمة الدنيا وحيداً يا بعيداً ، يا
قريباً ، يا الذي نحويه فينا في الخلايا ،
في مسام الجلد ، في نبض الشرايين التي
وتّرها الحزن المكابر
يا بعيداً ، يا قريباً ، نم على الصدر الذي
يفتحه ((عيبال )) من أجلك أسند
رأسك الشامخة اليوم إلى ((القبة))
فالصخرة في القدس احتوتك الآن
حين الموت أعطاك الحياة
أنت يا
عفّنت لبّاً وقشراً
عطبت لحماً وعظماً ، أنت يا
باعث الهزة في الدنيا الموات
أنت يا ملقى بلا اهل بلا ارضٍ على
أرصفة الغربة ملقىً نازفاً تحضن
في الصدر بساتين الوطن
وسماوات الوطن
والسهول الحالمات
بالأخاديد وبالمحراث والأمطار ، يا من
حزنه كان بأرض التيه والتشريد خبزاً،
نبع ماءٍ ، قمراً ((لا)) للموت والتيه
وللوجه الذي عشرين عاماً ظلّ مسروق
الهويّه
أنت يا شمس القضيه(53/316)
نم هنا في الوطن الحاني فانت الآن فيه
يا بعيداً وقريباً
يا فلسطيني أنت !
أيها الرافض للموت هزمت الموت حين
اليوم متّ.
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عن الحزن العميق
عن الحزن العميق
رقم القصيدة : 68430
-----------------------------------
(مهداة إلى سميح القاسم )
- - -
. . . وعند اشتعال المساء بنيران
شمسك قمت ، تسلّقت جدران كهفي ،
حاولت أقطف وهجاً فأمطر حزني .
وعند انهمار هباتك يديه ، فأزهر
حزني.
وقام التعارض سداً كما الموت ، حال
التعارض دون اندماج العناصر -
شمسك ظلّت قصيّه
وأرضي ظلّت عصيّه
وعند انهيارات جسر التواصل حاولت
حاولت حاولت لكن
ولم يبق مني على راحتيك سوى غيمةٍ
عابره
تجمّد فيها الشرار
وغاب حضوري ، رحلت بعيداً وغصت
بعيداً ، إلى القاع غصت أنادم حزني
أعاقره في غيابة جبٍّ بغير قرار
**********************
لماذا ؟
لماذا ؟
لماذا ؟
رجوتك لا تخترق قشرتي بالسؤال
لتلمس حزني
رجوتك حزني أعزّ وأقدس من أن يقال !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الأغنية الوصية
الأغنية الوصية
رقم القصيدة : 68431
-----------------------------------
اليهم وراء القضبان
((إلى بناتنا وابنائنا الذين التهمتهم السجون في
اسرائيل وفي كل مكان))
- - -
1-
وشرّعت جهنمٌ أبوبها
وابتلعت براعم الصبي الطريّ في أقبائها
ولم تزل هنالك الغنوه
على الشفاه الفتية الفرسان
حمراء مزهوّه
تخترق الظلام والجدران :
((يا اخوتي))
((بدمي أخطّ وصيتي ))
((أن تحفظوا لي ثورتي ))
((بدمائكم ))
((بجموع شعبي الزاحفة ))
((فتح أنا ))
((أنا جبهة))
((أنا عاصفة))
2- من مفكرة ((رندة))
. . . في نصف الليل . . آه !
حذاؤه يدقّ في الدهليز . . آه !
مبتدع التعذيب
آت وتدنيني خطاه
من غرفة التحقيق . . آه !
آتٍ وتدينني خطاه
من زمن الكابوس والجحيم والصراع
. . . . . .
حذاؤه يدقّ في الدهليز
دمي يدقّ وعروقي والنخاع
. . . . . .
توّحشي ما شئت يا(53/317)
شراسة الأوجاع
فلن ينزّ من دمي جواب
3- من مفكرة سجين مجهول مكان السجن
من الفجاج يطفح الظلام عابساً صموت
والليل ناصبٌ هنا شراعه الكبير
لا زحف ضوء النجم واجدٌ طريقة ولا
تسلّل الشروق
ليلٌ بلا شقوق
يضيع فيه الصوت والصدى يموت
*****************
الوقت فاقد هنا نعليه ، واقفٌ
تختلط الأيام والفصول
تراه موسم البذار ؟
تراه موسم الحصاد ؟
تراه ؟
من يقول ؟
لا خبر
ويقف السجّان وجهه حجر
وعينه حجر
يسلب منا الشمس يسلب القمر
********************
خلف حدود الليل
تظلّ خيل الوقت في سباقها . .
تركض نحو موطن الحلم . .
. . . . . .
. . . . . .
خلف حدود الليل
الشمس في انتظارنا تظلّ والقمر
4- من مفكرة ((هبة))
يحوم هنا طيف أمي يحوم
تشعّ بعينيّ جبهة أمي كضوء النجوم
عساها تفكر بي الآن . . . تحلم
قبيل اعتقالي
. . . . . .
رسمت حروفاً على دفتر
جديد عتيق . .
رسمت عليه وروداً
روتها دماء العقيق
وكانت بجنبي أمي
تبارك رسمي . .
. . . . . .
أراها
على وجهها الآن صمتٌ ووحده
وفي الدار صمتٌ ووحده
حقيبة كتبي هناك على رفّ مكتب
ومعطف مدرستي عالقٌ فوق مشجب
أرى يدها الآن تمتدّ ، تنفض عنه الغبار
أتابع خطوات أمي
واسمع تفكير أمي
أتوق إلى حضن أمي ووجه النهار
5- من مفكرة ((تيسير))
يا هذه الجدران
الأخوة الأحباب والأهلون
ما يفعلون الآن ؛؟
لعلّ قاطفي الزيتون يقطفون
لعلّ زيتون الجبال
يئن بين فكيّ المعاصر
لعلّ دمّه يسيل . .
يا حامل القنديل
الزيت وفرٌ ، أطعم القنديل
وارفعه للسارين
ارفعه مثل الشمس
فالوعد لقيا في ربى ((حطين ))
والوعد لقيا في جبال ((القدس))
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> بين الجزر والمد
بين الجزر والمد
رقم القصيدة : 68433
-----------------------------------
((أنا غير ما يرى مني . هذه هي
مكيدتي ظفرت بها ، فليستولدها صلب
الظلام من بطن جهنم خلقاً شاذاً ، اذا
طلع عليه النهار ظهر فظيعاً رهيباً)).
((ياغو)). شكسبير
- - -(53/318)
حين الكلمات تصير على
ألسنة الكذب هلاميّه
أتداخل في ذاتي ، أتقلّص
أنكمش وأضمر
أتجنب كلذ هلاميات الدرب -
وكلّ لزوجته البشريه
أتراجع في ذعري أتحاشى
في الدرب مراوغة الزئبق
أتماسك حتى لا أزلق
وأثبّت قدمي في أرضٍ صابونيه
أقبض كفي لا أبسطها
وأعارف ملامسة الأشياء ، أعارف البسمات
الشوهاء ، وأكفر بالانسان الثعلب
******************
لكني حين يعانقني
طفل ويلامس وجهي المتعب
الخدّ المخمل والكفّان الناعمتان
وأصابع زنبق
لم ينبت فيها مخلب
وتطلّ على قلبي عينان
كسماءٍ غسلتها في الفجر الرطب -
ملائكة الأنوار
يتمدد قلبي
يكبر قلبي
تهرب من قلبي المغلق
كل الأسوار
يتدفق فيه النهر القطبيّ-
وتنمو فيه الأشجار
يرجع من منفاه إلى
قلبي الواسع وجه الانسان
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> امنية جارحة!
امنية جارحة!
رقم القصيدة : 68434
-----------------------------------
((ان تقبلوا نعانق ))
(( ونفرش النمارق ))
((او تدبروا نفارق ))
((فراق غير وامق))
هند بنت عتبة
- - -
ما زلنا في غرف التخدير
على سرر التخدير ننام
والعام يمر وراء العام
وراء العام وراء العام
والأرض تميد بنا والسقف
يهيل ركاماً فوق ركام
والكذب يغطينا من قمة هامتنا
حتى الأقدام . . .
يا إخوتنا قولوا حتام ؟
أوّاه وآهٍ يا فيتنام
آهٍ لو مليون محارب
من أبطالك
قذفتهم ريحٌ شرقيه
فوق الصحراء العربيه
لفرشت نمارق
ووهبتمو مليون ولود قحطانيه !
. . . . . . .
عفواً يا أهل البيت
جارحة هذي الأمنيّه
لكنّا لم يبق لدينا
منكم إلاّ قعقعة الصوت
ضيعنا الأشياء الأصليه
ولقد أعيانا يا أحبابي
رشّ السكّر فوق الموت
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ((ايتان ))
((ايتان ))
رقم القصيدة : 68435
-----------------------------------
في الشبكة الفولاذية
(( ذات صباح سأل طفل من أطفال
الروضة في كيبوتس معوز حاييم : كم
يوماً يتوجب علينا أن نحافظ على الوطن؟ )).
- - -(53/319)
تحت ((الشجرة)) وهي تفرّع ، تكبر تكبر
في إيقاعات وحشيه
تحت ((النجمة)) وهي تشيّد بين يديه
جدران الحلم الدمويه
تحبك بخيوط الفولاذ الشبكه
تسقطه فيها تسلبه الحركه
يفتح عينيه ((إيتان)) الطفل الإنسان
يسأل في سجف العتمه
عن معنى الشبكة والجدران
والزمن المبتور السّاقين ، المتسربل
بالكاكي ، بالموت القاسي ، بالدّخان
وبالأحزان
. . . . . .
لو تنبيء بالصدق النجمه
لو تنبيء بالصدق
لكن النجمة . . .
واأسفاه !
يا طفلي أنت غريقٌ مثلك في
بحر الكذبه
يغرقه الحلم المتضخم . .
ذو الرأس التنينية
والألف ذراع . .
آه آه !
ليتك تبقي الطفل الإنسان
اخشى وأراع
أن تكبر في هذي الشبكه
في هذا الزمن المبتور السّاقين ،
المتسربل بالكاكي ، بالموت القاسي ،
بالنيران وبالأحزان
أخشى يا طفلي أن يقتل فيك الإنسان
أن تدركه السقطة أن
يهوي
يهوي
يهوي للقاع
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> اغنية صغيرة لليأس
اغنية صغيرة لليأس
رقم القصيدة : 68436
-----------------------------------
(( هدية إلى السجينة عائشة أحمد عوده))
(( رداً على رسالتها الموحية التي بعثت ))
(( بها الي من لسجن المركزي في نابلس ))
- - -
. . وحين يمد ، يشدّ ، يمزّق ، يطحن ،
ينفضني
يزرع النخل فيّ ،
ويحرث بستان روحي ،
يسوق اليها الغمام
فيهطل فيها المطر
ويورق فيها الشجر
وأعلم أنّ الحياة تظل صديقه
وأنّ القمر
وإن ضلّ عني ، سيعرف نحوي طريقه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> كبرياء
كبرياء
رقم القصيدة : 68437
-----------------------------------
لا تسلني عن سرّ أدمعي الحرّ
ى فبعض الأسرار يأبى الوضوحا
بعضها يؤثرالحياة وراء ال
حسّ لغزا وإن يكن مجروحا
***
بعضها إن كشفته يستحل حّب
ا مهانا يموت موتا حزينا
بعضها بعضها تكّبر أن يك
شف عما وراءه أو يبينا
***
ومئات الأسرار تكمن في دم
عة حزن تلوح في مقلتين
ومئات الألغاز في سكتة ته
تزّ خلف انطباقة الشفتين
***(53/320)
وعيون وراء أهدابها أش
باح يأس في حيرة وانكسار
تؤثر الظلّ والظلام ارتياعا
من ضياء يبوح بالأسرار
***
وقلوب تضمّ أشلاءها فو
ق جراح وأدمع وذهول
تؤثر الموت كبرياء ولا تنط
ق بالسرّ بالرجاء الخجول
***
وشفاه تموت ظمآى ولا تس
أل أين الرحيق ؟ أين الكأس ؟
ونفوس تحسّ أعمق إحسا
س وتبدو كأنها لا تحس
***
وأكفّ تودّ لو مزّقت لو
قتلت لو تمرّدت في جنون
لو رأتها الحياة قالت : هدوء
وادع في براءة وسكون
***
لو رأتها ماذا ترى ؟ كلّ شيء
مغرق خلف داكنات السّتور
ألف ستر وألف ظلّ من الكب
ت عميق وألف قيد ونير
***
لا تسلني لا تجرح السرّ في نف
سي ولا تمح كبرياء سكوتي
لو تكلمت كان في كلّ لفظ
قبر حلم وفجر جرح مميت
***
لو تكلمت كيف ترتعش الأش
عار حزنا .وترتمي في عياء
لو كشفت السرّ العميق فماذا
يتبقى مني سوى الأشلاء ؟
***
لو تكلمت رعشة في حياتي
وكياني تلحّ أن أتكلم
وسكوتي العميق يكتم أنفا
سي وقلبي يكاد أن يتحطّم
***
لو تكلمت لو سكتّ نداءا
ن عميقان كالحياة استعارا
تتلاقى عليهما كلّ أسرا
ري فأبقى شعرا وحبّا ونارا
***
وتظلّ الحياة تخلق من وج
هي قناعا صلدا يفيض رياءا
جامدا باردا أصمّا ويخفي
بعض شيء سّميته كبرياء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> يوتوبيا الضائعة
يوتوبيا الضائعة
رقم القصيدة : 68438
-----------------------------------
صدى ضائع كسراب بعيد
يجاذب روحي صباح مساء
أنام على رجعه الأبديّ
ويوقظني برقيق الغناء
صدى لم يشابهه قطّ صدى
تغنّيه قيثارة في الخفاء
إذا سمعته حياتي ارتمت
حنينا ونادته ألف نداء
يموت على رجعه كلّ جرح
بقلبي ويشرق كل رجاء
ويمضي شعوري في نشوة
يخدّره حلم يوتوبيا
ويوتوبيا حلم في دمي
أموت وأحيا على ذكره
تخيلته بلدا من عبير
على أفق حرت في سرّه
هنالك عبر فضاء بعيد
تذوب الكواكب في سحره
يموت الضياء ولا يتحقق
ما لونه ما شذى زهره
هنالك حيث تذوب القيود
وينطلق الفكر من أسره(53/321)
وحيث تنام عيون الحياة
هنالك تمتدّ يوتوبيا
***
وحيث يظلّ عبير البنفسج
حيّا ولا يذبل النرجس
وحيث تفيض الحياة رحيقا
نميرا ولا تفرغ الأكؤس
وحيث تضيع حدود الزمان
وحيث الكواكب لا تنعس
هناك الحياة امتداد الشباب
تفور بنشوة الأنفس
هناك يظلّ الربيع ربيعا
يظلّل سكان يوتوبيا
***
هنالك حيث وعت شهرزاد
أقاصيص غنّت بها ألف ليله
هنالك يوتوبيا في الضباب
على شفق لم تر العين مثله
يحفّ بها أبد من عطور
ويمنحها ألف لحن وقبله
وترقد في سكرة لا تحدّ
على رجع أغنية مضمحلة
على شاطيء كضياء النجوم
أسميّه شاطىء يوتوبيا
***
هنالك طوّفت ذات مساء
وكان معي هيكل كالسراب
أحسّ خطاه على الرمل لكن
أرى غير شيء وبعض سحاب
وكان أمامي ممر غريب
تغلّفه دفقات الضباب
ويمتدّ عن جانبيه خليج
وبعض جزائر بعض هضاب
وفي حلمي صحت : أين أسير ؟
فرد صدى:قرب يوتوبيا!
***
أحسست في قعر روحي جنونا
وشوقا عميقا كبحر عميق
تريد انتهاء الطريق الغريب
إلى البلد المتمّنى السحيق
لي ذلك الأفق الأزليّ
وحيث يعيش أبولو الرقيق
على ظمأ لوجود عجيب
يذوب عليه الندى والبريق
على ظمأ صارخ وأخيرا
صحوت ولم أر يوتوبيا
***
وفي حلم آخر كنت أمشي
على شاطيء من حصى ورمال
غريب غريب بلون الأثير
يحفّ به أفق كالخيال
تناهى بأقدامي المتعبات
إلى صخرة رسخت كالمحال
تسلّقها أمل مضمحل
فقد تتزحلق حتى الظلال
وساءلت ماذا ترى خلفها ؟
فقال لي الرمل : يوتوبيا !
***
وفي حلم ثالث خلت نفسي
على بابها المرمريّ الكبير
أحدّق في نشوة لا تحدّ
أكاد أجنّ .. أكاد أطير
أحقا أرى الباب ؟ ألواحه
تلوح مبطنّة بالحرير
تقدمت واجفة في خشوع
وفي مقلتي ومض حلم قرير
أدقّ على الباب في نشوة
ولا ردّ غير السكون المرير
***
ومرت حياتي مرّت سدى
ولا شيء يطفىء نار الحنين
سدى قد عبرت صحارى الوجود
سدى قد جررت قيود السنين
وما زلت أذرع صمت القفار
وأسأل عن سرّها العابرين
يطول على قلبي الإنتظار
وأغرق في بحر يأس حزين(53/322)
أحاول أن أتعزى بشيء
بغاب , بواد , بظلّة تين
دقائق...ثم أخيب وأهتف:
لا شيء يشبه يوتوبيا
سأبقى تجاذبني الأمنيات
إلى الأفق السرمديّ البعيد
وأحلم وأحلم لا أستفي
ق إلا لأحلم حلما جديدا
أقّبل جدرانها في الخيال
وأسأل عنها الفضاء المديد
وأسأل عنها انسكاب العطور
وقطر الندى وركام الجليد
وأسأل حتى يموت السؤال
على شفتّي ويخبو النشيد
وحين أموت..أموت وقلبي
على موعد مع يوتوبيا
دقائق...ثم أخيب وأهتف:
لا شيء يشبه يوتوبيا
***
سأبقى تجاذبني الأمنيات
إلى الأفق السرمديّ البعيد
وأحلم وأحلم لا أستفي
ق إلا لأحلم حلما جديدا
أقّبل جدرانها في الخيال
وأسأل عنها الفضاء المديد
وأسأل عنها انسكاب العطور
وقطر الندى وركام الجليد
وأسأل حتى يموت السؤال
على شفتّي ويخبو النشيد
وحين أموت..أموت وقلبي
على موعد مع يوتوبيا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> تواريخ قديمة وجديدة
تواريخ قديمة وجديدة
رقم القصيدة : 68439
-----------------------------------
لنسر كان أمس ومات
منذ بضع مئات السنين
مسحت ذكره السنوات
وطوته مع المّيتين
وبحثنا زمانا طويل
عن كواكبه الآفلات
واستعرنا يد المستحيل
لنعيد إليه الحياة
وأهبنا بركب العصور
أن يعود على بدء
علّنا نستعيد الشعور
فرجعنا بلا شيء
كم شققنا هناك الظلام
وعبرنا سكون الركود
ونبشنا ركام العظام
لم نجد شيئنا المفقود
ورأينا هناك جباه
لا ترى فهي عمياء
وعيونا طوتها الحياه
صمتت فهي خرساء
ورأينا رفات قلوب
حنّطتها يد الذكريات
وسدى حاولت أن تؤوب
معنا فهي..فهي رفات
ورأينا شفاها خوت
لم تعد تشتكي أو تجوع
وأكفّا ذوت وانطوت
لم يعد لأساها دموع
وسألنا عن الأمس
فعثرنا على تابوت
وهناك على الرمس
يجثم الزمن المبهوت
ورجعنا إلى التقويم
علّنا نخدع الأيام
فسمعنا صراخ الهشين
خلف سخرية الأرقام
ورأينا الغد المنتظر
ساحبا نصفه المشلول
ساحبا نصفه المحتقر
نصفه الجامد المملول
وهناك انطوى سفر(53/323)
واختتمنا النشيد القديم
وغدا ينبت العمر
فوق جرح الزمان الأليم
ويتيه صدى الأمس
في مدار الزمان العميق
ونحسّ على الكأس
فورة الحلم المستفيق
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> صراع
صراع
رقم القصيدة : 68440
-----------------------------------
أحبّ..أحبّ..فقلبي جنون
وسورة حبّ عميق المدى
أحبّ فروحي حسّ غريب
يضيع لديه جمودي سدى
حياتي في العالم الشاعريّ
لهيب من الحبّ لن يخمدا
وجسمي قلب خفوف خفوق
سيلبث ملتهبا موقدا
وأكره أكره قلبي لهيب
وسورة مقت كبير كبير
وروحي مستعر الإحتقار
يرى الكون أفقا وضيعا حقير
حياتي تحسّ وجيب الحقود
على عالم مغرق في الشرور
ونفسي في ثورة لا تفرّ
تحقّر ما حولها من صخور
أحبّ وأكره ..حبّي شقاء
أحبّ وأكره..كرهي ألم
ففيم أعيش ؟ سئمت البقاء
وشاق حياتي صمت العدم
***
وأبكي ..وأبكي..فدمعي لهيب
يحطّم روحي ويذوي المنى
تعذبي حيرتي في الوجود
وأصرخ من ألمي : من أنا
منحت عيونا تحبّ الدموع
وقلبا يحبّذ أن يطعنا
وروحا تعّثر فيما يريد
فمجّ الظلام وعاف السنا
وأضحك من كلّ ما في الوجود
وفي ضحكي مرح ساخر
فقلبي سخرّية واحتقار
يثيرهما العالم العاثر
أحدّق من قمّتي في الثرى
فيضحكني دوده الناخر
وأضحك ضحكة ربّ كئيب
تمرّد مخلوقه الكافر
وأبكي وأضحك..دمعي دماء
وأبكي وأضحك..ضحكي ندم
ففيم أمرّغ تحت الضياء
فؤادا سيرقد تحت الظلم
***
أريد وأجهل ماذا أريد
أريد وعاطفتي لا تريد
أحبّ السماء ولون النجوم
وأمقتها كلّ فجر جديد
أريد وأشعر أني أحسّ
ويسخر مما أحس الوجود
وأرغب في حلم غامض
فليس له هيكل أو حدود
وأنفر من كلّ ما في الوجود
وأهرب من كل شيء أراه
ففي عمق نفسي صوت غريب
يعلّم قلبي ازدراء الحياه
ويصرخ بي : اهربي اهربي
ويتعب أحساس روحي صداه
فأهتف يا عالمي : لا أريد !
وتصرخ بي ذكرياتي : النجاه !
أريد وأنفر تحت السماء
فأرسم كلّ صراعي نغم
ومن أجل لحني سأرضى البقاء
وعار الحياة وذلّ الألم
***(53/324)
أحبّ وأكره ماذا أحبّ
وأكره ؟ أيّ شعور عجيب ؟
وأبكي وأضحك ماذا ترى
يثير بكائي وضحكي الغريب ؟
أريد وأنفر , ايّ جنون
حياتي ؟ أيّ صراع رهيب ؟
لماذا أغني , لماذا أعيش ؟
ومنذا أصارعه , من يجيب ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> عندما انبعث الماضي
عندما انبعث الماضي
رقم القصيدة : 68441
-----------------------------------
أمس في الليل وكانت صور الأسرار شتّى
تتصبّى حاضري الغافي وكان الأمس ميتا
خلتني كفنّته ذات مساء
وتحصّنت بدعوى كبريائي
سمعت روحي في إغفاءة الظلمة صوتا
لم يكن حلما خرافيّ الستور
بعثته رغبة خلف شعوري
كان شيئا , كان في صمت الدجى صوتك أنتا
صوت ماضيّ الذي مات وما خلّف شيّا
غير أشتات احتقار باهت
رسبت في قعر قلبي الصامت
غير أشتات ادّكارات لحبّ كان حيّا
منذ أعوام..وقد فات ومرّا
منذ أعوام..وصار الآن ذكرا
لفّها الماضي وواراها التراب الأبدّيا
ذلك الصوت الذي مرّ على سمعي أمس
كان حلما ذائبا في عبراتي
كان حبّا تائها في أمنياتي
ثم حطمّت على ذكراه قيثارتي وكأسي
عندما ضّيعته تحت الضباب
تعثّرت بأشلاء شبابي
وتهاويت على جثّة أحلامي وانسي
ومضى عامان ممطوطان مرّا في شحوب
كان عمري خربة يصبغها لون الغروب
مدت الذكرى ذراعيها إليّا
لونهايخلق من رعبي دنيا
ويثير الوتر الميّت في قلبي الكئيب
وانقضى عامان ملعونان من أعوام حبي
مزّقت روحي أظفارهما , روحي وقلبي
لم تدع شراعا من رجاء
أبدا لم تبق إلا كبريائي
وأباديد ادّكارات لها قسوة ذئب
أمسي الراسب في أعماق حسّي
عرفت فيها صدى الصوت الذي غمغم قربي
إنه الأمس إذن عاد ليحيا من جديد
إنه عاد إذن يطرق أبواب شرودي
أسفا يا شبحي عد للتراب
لم تعد تملك أن تطرق بابي
لم يعد يربطنا إلا ركام من حدود
هوّة أعمق من ذنبك ! ماذا ؟
غير ذكرى عبرت يوما ومرّت بوجودي ؟
إنه عاد إذن يطرق أبواب شرودي
أسفا يا شبحي عد للتراب
لم تعد تملك أن تطرق بابي(53/325)
لم يعد يربطنا إلا ركام من حدود
هوّة أعمق من ذنبك ! ماذا ؟
قد تبّقى لك عندي غير هذا ؟
غير ذكرى عبرت يوما ومرّت بوجودي ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مرّ القطار
مرّ القطار
رقم القصيدة : 68442
-----------------------------------
الليل ممتدّ السكون إلى المدى
لا شيء يقطعه سوى صوت بليد
لحمامة حيرى وكلب ينبح النجم البعيد ,
والساعة البلهاء تلتهم الغدا
وهناك في بعض الجهات
مرّ القطار
عجلاته غزلت رجاء بتّ انتظر النهار
من أجله.. مرّ القطار
وخبا بعيدا في السكون
خلف التلال النائيات
لم يبق في نفسي سوى رجع وهون
وأنا أحدّق في النجوم الحالمات
أتخيل العربات والصفّ الطويل
من ساهرين ومتعبين
أتخيل الليل الثقيل
في أعين سئمت وجوه الراكبين
في ضوء مصباح القطار الباهت
سئمت مراقبة الظلام الصامت
أتصوّر الضجر المرير
في أنفس ملّت وأتعبها الصفير
هي والحقائب في انتظار
هي والحقائب تحت أكداس الغبار
تغفو دقائق ثم يوقظها القطار
ويطلّ بعض الراكبين
متثائبا , نعسان , في كسل يحدّق في القفار
ويعود ينظر في وجوه الآخرين
في أوجه الغرباء يجمعهم قطار
ويكاد يغفو ثم يسمع في شرود
صوتا يغمغم في برود
"هذي العقارب لا تسير !
كم مرّ من هذا المساء ؟ متى الوصول ؟ "
وتدقّ ساعته ثلاثا في ذهول
وهنا يقاطعه الصفير
ويلوح مصباح الخفير
ويلوح ضوء محطة عبر المساء
إذ ذاك يتئد القطار المجهد
...وفتى هنالك في انطواء
يأبى الرقاد ولم يزل يتنهد
سهران يرتقب النجوم
في مقاتيه برودة خطّ الوجوم
أطرافها ..في وجهه لون غريب
ألقت عليه حرارة الأحلام آثار احمرار
شفتاه في شبه افترار
عن شبه حلم يفرش الليل الجديب
بحفيف أجنحة خفّيات اللحون
عيناه فس شبه انطباق
وكأنّها تخشى فرار أشعة خلف الجفون
أو أن ترى شيئا مقيتا لا يطاق
هذا الفتى الضجر الحزين
عبثا يحاول أن يرى في الآخرين
شيئا سوى اللغز القديم
والقصّة الكبرى التي سئم الوجود(53/326)
أبطالها وفصولها ومضى يراقب في برود
تكرارها البالي السقيم
هذا الفتى..
وتمرّ أقدام الخفير
ويطلّ وجه عابس خلف الزجاج ,
وجه الخفير !
ويهزّ في يده السراج
فيرى الوجوه المتعبه
والنائمين وهم جلوس في القطار
والأعين المترقبه
في كلّ جفن صرخة باسم النهار ,
وتضيع أقدام الخفير الساهد
خلف الظلام الراكد
وبقيت وحدي أسأل الليل الشرود
عن شاعري متى يعود ؟
ومتى يجيء به القطار ؟
أتراه مرّ به الخفير
ورآه لم يعبأ به ..كالآخرين
ومضى يسير
هو والسراج ويفحصان الراكبين
وأنا هنا ما زلت أرقب في انتظار
وأودّ لو جاء القطار..
وأودّ لو جاء القطار..
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> عروق خامدة
عروق خامدة
رقم القصيدة : 68443
-----------------------------------
يا حبّ لم تبق لنا ذكرى
لم يطوها الموت
كان لنا ماض وقد مرّا
ولّفه الصمت
سراب لا شيئين, لا معنى
لا لفظ لا ظلاّ
تدفعنا الآهات والأحزان
وما لنا مأوى
نبكي فلا تحنو علينا يد
بربتة من حنان
نحن هنا اللاأمس واللاغد
نحن هنا اللاكيان
شفاهنا لحم بلا لحن
وروحنا أشلاء
ونلتقي فتسكت النجوى
وتكتم الأنفاس
وتلتقي الكّفان أين الرغاب
ورعشة الأشواق ؟
أصابع ميتّة الأعصاب
ليس لها أعماق
الشرق فيها أسود الآفاق
ويلهث الغرب
وأذرع صمّاء كالأحجار
فارقها الشوق
ونلتقي ينقصنا شيء
شيء وراء الروح
شفاهنا ينكرها الضوء
وليلنا مجروح
يعزّ أن تجمعنا الأيام
وبيننا الأمس
وبيننا هاوية الذكرى
تقذف بالأشباح
وأذرع صمّاء كالأحجار
فارقها الشوق
جامدة لو لامستها النار
لم يستفق عرق
ونلتقي ينقصنا شيء
شيء وراء الروح
شفاهنا ينكرها الضوء
وليلنا مجروح
ونلتقي تفصلنا آلام
وأدمع خرس
يعزّ أن تجمعنا الأيام
وبيننا الأمس
وبيننا هاوية الذكرى
تقذف بالأشباح
سدى أريد الضفّة الأخرى
قد غرق الملاّح
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الجرح الغاضب
الجرح الغاضب
رقم القصيدة : 68444(53/327)
-----------------------------------
أغضب أغضب لم أحتمل الجرح الساخر
جرح قد مرّ مساء الأمس على قلبي
جرح يجثم كالّليل المعتم في قلبي
يجثم أسود كالنقمة في فكر ثائر
جرح لم يعرف إنسان قبلي مثله
لن يشكو قلب بشريّ بعدي مثله
الظلمة في أمسي المطويّ أحسته
ومضت تهمس في صمت الليل : من الجاني
حتى الأبديّة والآفاق أحستّه
وتناسى, لم يعبأ, لم ينتبه الجاني
أغضب, يرتعش الموج معي تحت القمر
ويضجّ وتبلغ ثورته سمع القمر
ويجنّ الغيم الأسود في عرض الأفق
ويلفّ الشاطىء ثوب حداد كجنازه
يتحوّل صمتي نارا تصرخ في الأفق
وأغني رقّة إحساسي لحن جنازه
أمسي , في أمسي قد دفنت أشلاء غدي
كانت, لم يدر بها أحد, شبه جريمه
كيف على الأرض تساقط حلمي بين يدي
كيف المقدور مضى نزقا يقتل قلبا ؟
وتبقّت ذكرى مطفأة كانت أمسا
وتبقّت انّات حيرى كانت لحنا
جدران عارية كانت يوما أمسا
أصداء في غار خاو كانت لحنا
***
يهتف في حزن, في جزع : كيف ابوح ؟
ليت الجرح المظلوم إلى الليل يبوح
ورأيت على الأفق المخضوب بفيض دمي
عيناه الزرقاوان مساءا أهوال
ويداه السوداوان ذراعا عفريت
شبح مجنون أيقظ عاصف أهوال
وأحال دياجيري أحجيّة عفريت
أغضب للجرح المختلج الشاكي أغضب
سيجنّ معي الصبر المذبوح المرتعش
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته
ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟
حتى القمريّة والأشجار أحسّته
وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته
ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟
حتى القمريّة والأشجار أحسّته
وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب
لا مهرب من جرح قد مرّ على قلبي(53/328)
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته
ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟
حتى القمريّة والأشجار أحسّته
وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الباحثة عن الغد
الباحثة عن الغد
رقم القصيدة : 68445
-----------------------------------
"غدا نلتقي" نبأ في الزمان
روته الحياه
تلاشى ولم تروه شفتان
تلاشى وناه
فأين"غدا نلتقي" يا حياة
أعادت ترابا ؟
"غدا نلتقي" ثم مات الزمان
وضاع المكان
وكان لنا موعد فانطوى
صداه ومات
وكم كوكب في الدياجي هوى
وعاد رفات
فأسفر آخرها عن قدر
وذاب الرنين
وكنّا نمرّ فتلانو الحياة
وتومي إلينا
ويطردنا الأمس من كلّ ما
ملكناه يوما
سوى حاضر مغرق في الدما
ويقطر سمّا
صدى لفظتين يجوس الفضاء
"غدا نلتقي"
ويأتي غد في أسى وشرود
بصمت طويل
"غدا نلتقي" ويسود السكون
سكون الخريف
وأسمع تحت المساء الحنون
صراخا عنيف
ترددها شفة حاقده
وراء العصور
"غدا نلتقي" وتمطّ النغم
وتسخر مني
ويأتي غد في أسى وشرود
بصمت طويل
بألف صدى ساخر
في برود وراء النخيل
"غدا نلتقي" ويسود السكون
سكون الخريف
وأسمع تحت المساء الحنون
صراخا عنيف
وقهقهة, فظة , بارده
لجوّ القبور
ترددها شفة حاقده
وراء العصور
"غدا نلتقي" وتمطّ النغم
وتسخر مني
ويبقى غدي في الظلم
يفتّش عني
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> جحود
جحود
رقم القصيدة : 68446
-----------------------------------
في سكون المساء
في ظلام الوجود
حين نام الضياء
واعتراني جمود
فوق قلبي أثير
تحت رجلي قيود
في كياني فتور
في دمي نوء
في إسار الألم
روحي المبهم
يا معاني العدم
آه لو أفهم
وغدا سأعود
دون أن أدري
جسدي في الألم
خاطري في القيود
وسكوني حياة
وظلامي بريق
ألنجاة النجاة
من شعوري العميق
أم أنا جسم
وغرق في الشرور
بل أنا آفاق
من شعور عنيف
ألمقاييس
ليس تعنيني
ألأحاسيس
هي قانوني
فإذا دوّى
في دمي إحساس(53/329)
سرت لا ألوي
سرت خلف الصوت
في دمي إعصار
عاصف بالجمود
وشظايا نار
تتحدّى الركود
فكرة تضحك
أنا أهوى الشر
إن يك الجسم
من تراب حقير
فأنا حل
منه..يا للعار
إن يك الإيمان
هو هذا الجمود
سرت لا ألوي
سرت خلف الصوت
فغدا يطوي
فجر عمري الموت
في دمي إعصار
عاصف بالجمود
وشظايا نار
تتحدّى الركود
كلّ قلبي شك
في معاني الخير
فكرة تضحك
أنا أهوى الشر
إن يك الجسم
من تراب حقير
فأنا إثم.....
أنا لست أثير
إن يك العقل
يمقت الإنفجار
فأنا حل
منه..يا للعار
إن يك الإيمان
هو هذا الجمود
فأنا نكران
أنا كلّي جحود
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ألغاز
ألغاز
رقم القصيدة : 68447
-----------------------------------
دعني في صمتي في إحساسي المكبوت
لا تسأل عن ألغاز غموضي وسكوتي
دعني في لغزي لا تبحث عن أغواري
إقنع من فهم أحاسيسي بالأسرار
لا تسأل إني أحيانا لغز مبهم
أبقى في الغيب مع الأسرار ولا أفهم
روحي لا تعشق أن تحيا مثل الناس
أنا أحيانا أنسى بشريّة إحساسي
حتى حبّك..حتى آفاقك تؤذيني
فأنا روح أسبح كالطيف المفتون
قلبي المجهول يحسّ شعورا علويّا
لا حسّا يشبهه لا وعيا بشريّا
إذذاك أحسّك شيئا بشريّا قلقا
قمّة أحلامي ترفضه مهما ائتلقا
إذذاك يحسّك روحي بعض الأموات
ما سمّي "أنت" هوى, لم تبق سوى ذاتي
في وجهك أنظر لكنّي لا أبصره
في روحي أبحث عن شيء أتذّكره
أتذّكر, لا أدري ماذا, ماذا كانا ؟
شيء لا شكل يحدّده..لا ألوانا
ألمبهم في روحي يبقى في إبهامه
دعه لا تسألني عنه, عن أنغامه
دعني في ألغازي العليا, في أسراري
في صمتي, في روحي, في مهمة أفكاري
في نفسي جزء أبديّ لا تفهمه
في قلبي حلم علويّ لا تعلمه
دعه, ماذا يعنيك لتسأل في إصرار ؟
الحبّ يموت إذا لم تحجبه أسرار
إني كالليل : سكون, عمق, آفاق
إني كالنجم : غموض, بعد, إبراق
فافهمني إن فهم الليل, إفهم حسّي
والمسني إن لمس النجم, إلمس نفسي(53/330)
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أجراس سوداء
أجراس سوداء
رقم القصيدة : 68448
-----------------------------------
لنمت فالحياة جفّت وهذي الأ
كؤس الفارغات تسخر منا
وغيوم الذهول في أعين الأي
ام عادت أجلى وأعمق لونا
وسكون الحياة في جسد الأح
لام لم يبق قطّ للعيش معنى
وفراغ الآهات أثبت أنّا
قد فرغنا من دورنا وانتهينا
***
وعميقا في الليل نسمع أقدا
م الليالي في رهبة ووجوم
ودويّ الأجراس ينذرنا أنّ
ا انتهينا من دورنا المحموم
أنّ ما في الكؤوس يوشك أن ين
ضب إلا من حفنة من هموم
أنّ ما في العيون من عطش الأح
لام أمسى رماد حبّ قديم
***
وبعيدا في الجوّ تنذرنا الأص
وات أنّ الحياة عادت جنونا
أنّ لون الخيال قد حال وارتدّ
شحوبا وواقعا محزونا
أنّ "قبل" الرجاء أصبح "بع
د" فهو فكرة لن تكونا
أن شيئا في عمق أنفسنا يج
ذبنا للمات, شيئا مكينا
***
ولماذا نبقى هنا ؟ أو لم نش
بع ونجر ونرو دون انتهاء ؟
أو لم ندرك النعيم وخمر الن
صر والحبّ نابضا بالرجاء ؟
أو لم نعرف الأسى العاصر
نون والنوم بعد طول البكاء ؟
أو لم نشبع الوجود ومن في
ه احتقارا ونمض باستهزاء ؟
***
ولماذا نبقى هنا ؟ أسمع المو
ت ينادي بنا فلم لا نجيب ؟
لنمت فالرياح تجرح وجهي
نا ولون الدجى عمق رهيب
وهنا نحن متعبان غريب
ن تعايى بنا الشباب الكئيب
وهنا نحن ميّتان وإن كا
ن لعرق الحياة فينا وجيب
***
"الغريبان" هكذا يهمس اللي
ل وأجراسه تلفّ الوجودا
أيها الليل لن يعيش الغريبا
ن ولن يلمسا مساء جديدا
خذهما أرخ جنحك الأسود الها
دىء حوليهما وحلّق بعيدا
خذهما عزّ أن يقولوا " غريبا
ن " وكانت أقصوصة لن تعودا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> نهاية السلم
نهاية السلم
رقم القصيدة : 68449
-----------------------------------
مرّت أيام منطفئات
لم نلتق لم يجمعنا حتى طيف سراب
وأنا وحدي, أقتات بوقع خطى الظلمات
خلف زجاج النافذة الفظّة, خلف الباب
وأنا وحدي..(53/331)
مرّت أيام
باردة تزحف ساحبة ضجري المرتاب
وأنا أصغي وأعد دقائقها القلقات
هل مرّ بنا زمن ؟ أم خضنا اللازمنا ؟
مرّت أيام
أيام تثقلها أشواقي. أين أنا ؟
ما زلت أحدّق في السلّم
والسلّم يبدأ لكن أين نهايته ؟
يبدأ في قلبي حيث التيه وظلمته
يبدّأ..أين الباب المبهم ؟
باب السلّم ؟
***
مرّت أيام
لم نلتق , أنت هناك وراء مدى الأحلام
في أفق حفّبه المجهول
وأنا أمشي, وأرى , وأنام
أستنفد أيامي وأجرّ غدي المعسول
فيفرّإلى الماضي المفقود
أيامي تأكلها الآهات متى ستعود ؟
***
مرّت أيام لم تتذكر أن هناك
في زاوية من قلبك حبا مهجورا
عضّت في قدميه الأشواك
حبا يتضرّع مذعورا
هبه النورا
***
عد.. بعض لقاء
يمنحنا أجنحة نجتاز الليل بها
فهناك فضاء
خلف الغابات الملتفّات, هناك بحور
لا حدّ لها ترغي وتمور
أمواج من زبد الأحلام تقلبّها
أيد من نور
***
عد, أم سيموت,
صوتي في سمعك خلف المنعرج الممقوت
وأظلّ أنا شاردة في قلب النسيان
لا شيء سوى الصمت الممدود
فوق الأحزان
لا شيء سوى رجع نعسان
يهمس في سمعي ليس يعود
لا ليس يعود
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أنا
أنا
رقم القصيدة : 68450
-----------------------------------
الليل يسأل من أنا
أنا سرّه القلق العميق الأسود
أنا صمته المتمرّد
قنّعت كنهي بالسكون
ولففت قلبي بالظنون
وبقيت ساهمة هنا
أرنو وتسألني القرون
أنا من أكون؟
والريح تسأل من أنا
أنا روحها الحيران أنكرني الزمان
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسير ولا انتهاء
نبقى نمرّ ولا بقاء
فإذا بلغنا المنحنى
خلناه خاتمة الشقاء
فإذا فضاء !
والدهر يسأل من أنا
أنا مثله جبّارة أطوي عصور
وأعود أمنحها النشور
أنا أخلق الماضي البعيد
من فتنة الأمل الرغيد
وأعود أدفنه أنا
لأصوغ لي أمسا جديد
غده جليد
والذت تسأل من أنا
أنا مثلها حيرى أحدّق في ظلام
لا شيء يمنحني السلام
أبقى أسائل والجواب
سيظلّ يحجبه سراب
وأظلّ أحسبه دنا
فإذا وصلت إليه ذاب(53/332)
وخبا وغاب
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إلى عمتي الراحلة
إلى عمتي الراحلة
رقم القصيدة : 68451
-----------------------------------
أنا لم أزل في الفجر رانية
للأفق في صمت وإعياء
تتدافع الذكرى على شفتي
بعض ارتعاشات وأصداء
الجرح نديان تعيش به
أصداء ماض ميت ناء
أيامه عادت صدى حلم
لم تبق منه غير أشلاء
غير ابتسامات ممزّقة
أودت بهنّ مرارة الداء
تتدافع الذكرى وتملأني
أشباحها قلقا وأشجانا
ألأمس ما زالت كآبته
حرّى تذكرّني بما كانا :
بالليل كيف سهرته ألما
بالفجر كيف أطلّ ظمآنا
بدموعي العطشى وحرقتها
بتدفق الإحساس أحزانا
باليأس كيف طغت مرارته
وتمرّدت حرقا ونيرانا
الأمس هل في الأمس من حلم
هل فيه ما ينجي من الحرق ؟
هل فيه بعض صدى يناغمني
ذكرى ؟ رجاء غير محترق
لفظ يمرّ ؟ وبسمة ؟ ويد
مرّت برقتها على قلقي ؟
أوّاه..بعض خطى ألوذ بها
من حزني القاسي ومن أرقي
بعض ابتسامتك التي غربت
في الصمت واحتقت على الأفق
ألدمع أذرفه ويذرفني
قلبا يجنّ أسى ويحتضر
قطراتع نار تمزّقني
ما زال منها في دمي أثر
عيناي تحترقان من ألم
تدمى وتقطر فيهما الصور
جرحان لا جفنان أين غدي ؟
أين الطبيعة والهوى النضر ؟
ما للحياة هوت أشعتها
ليلا وعّكر جوهّ القدر ؟
أين التفتّ تصدّني صور
وحشية , وشتيت آلام
ذكرى من الماضي تحطمني
وتظل تصهر جفني الدامي
أوّاه..كيف سقطت ميتة
وأنا أعيش وتلك أوهامي
وأنا أعيش رؤى ممزّقة
وأحزك أهوائي وأحلامي
تتلفت الذكرى إليك وبي
ظمأ يعتّم جوّ أيامي
وأريد أن أنسى فتخنقني
رعشات حزن ساهد مرّ
أبقيت جرحا حافرا قلقا
في قلب أحلامي وفي شعري
كفّ الحنان نسيت ملمسها
وفقدت معبرها على شعري
لم يبق منها غير أغنية
جفّت مرارتها على ثغري
وسهرت أنشدها وأنشدها
في ليلة مأسورة الفجر
أواه من حزني ومن ظمأي
هل عدت طيفا مطفأ المقل
ألقبر ضمّك في برودته بعد
ارتعاشة قلبي الخضل
لا طير يوقظ فيك عرق هوى
لا شيء يبعث خامد الأمل(53/333)
ألظلّ مرّ وأنت ساهية عن
رقصه وشعاعه الثمل
والنجم لاح وأنت هامدة لا
تعبأين بضوئه الخجل
وتمرّ أصداء الحياة ضحى
بوسادك المجزون وا أسفا
صوت المؤذن كم سهرت له
ما باله في مسمعيك غفا ؟
ما بال رعشته تمرّ على
قلب تناسى كيف أمس هفا
ما بالها لاذت بغربتها
ومضت تباكي حولك (النجفا)
تبكي وترسم في انتفاضتها
صوتا يبيت الليل مرتجفا
أوحيدة في القبر هامدة
وأنا أمسّ سريرك الخاوي ؟
خصلات شعرك فوق حرق
في عمق يأسي الصارخ الداوي
ومكان رأسك في الوسادة في
قلبي بقايا كوكب هاو
وقميصك الباكي أما بقيت
فيه حرارة جسمك الذاوي ؟
كيف انطويت وأنت خالدة في
أدمعي ؟ شلّت يد الطاوي
أصغي وهل تصغين ؟ هل بلغت مثواك أصداء ارتعاشاتي
كيف انتفضت وأنت هامدة في مخلبي ألمي وآهاتي
تتعثر النغمات في شفتي
بصراخ أحزاني وأنّاتي
مزّقت أيامي التي سلفت
ودفنت فيك بشاشة الآتي
وأضعت أفراحي ومن عبث
شبه ابتساماتي وضحكاتي
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> لنكن أصدقاء
لنكن أصدقاء
رقم القصيدة : 68452
-----------------------------------
لنكن أصدقاء
في متاهات هذا الوجود الكئيب
حيث يمشي الدمار ويحيا الفناء
في زوايا الليالي البطاء
حيث صوت الضحايا الرهيب
هازئا بالرجاء
لنكن أصدقاء
فعيون القضاء
جامدات الحدق
ترمق البشر المتعبين
في دروب الأسى والأنين
تحت سوط الزمان النزق
لنكن أصدقاء ,
ألأكفّ التي عرفت كيف تجبي الدماء
وتحزّ رقاب الخلّيين والأبرياء
ستحسّ اختلاج الشعور
كلّما لامست إصبعا أو يدا
والعيون التي طالما حدّقت في غرور
ترمق الموكب الأسودا
موكب الرازحين العبيد
هذه الأعين الفارغات
ستحسّ الحياة
ويعود الجمود البليد
خلفها ألف عرق جديد
والقلوب التي سمعت في انتعاش
صرخات الجياع العطاش
ستذوب لتسقي صدى الظامئين
كأسة ولتكن ملئت بالأنين
لنكن أصدقاء
نحن والحائرون
نحن والعزّل المتعبون
والذين يقال لهم "مجرمون"
نحن والأشقياء
نحن والثملون بخمر الرخاء(53/334)
والذين ينامون في القفر تحت السماء
نحن والتائهون بلا مأوى
نحن والصارخون بلا جدوى
نحن والأسرى
نحن والأمم الأخرى
في بحار الثلوج
في بلاد الزنوّج
في الصحارى وفي كلّ أرض تضمّ البشر
كلّ أرض أصاخت لآلامنا
كلّ أرض تلقّت توابيت أحلامنا
ووعت صرخات الضجر
من ضحايا القدر
لنكن أصدقاء
إن صوتا وراء الدماء
في عروق الذين تساقوا كؤوس العداء
في عروق الذين يظلّون كالثملين
يطعنون الإخاء
يطعنون أعزّاءهم باسمين
في عروق المحبّين..والهاربين
من أحبّائهم , من نداء الحنين
في جميع العروق
إنّ صوتا وراء جميع العروق
هامسا في قرارة كلّ فؤاد خفوق
يجمع الأخوة النافرين
ويشدّ قلوب الشقّيين والضاحكين
ذلك الصوت , صوت الإخاء
فلنكن أصدقاء
في بعيد الديار
ووراء البحار
في الصحارى , وفي القطب , في المدن الآمنه
في القرى الساكنه
أصدقاء بشر
أصدقاء ينادون أين المفر ؟
ويصيحون في نبرة ذابله
ويموتون في وحدة قاتله
أصدقاء جياع , حفاة , عراه
لفظتهم شفاه الحياه
إنهم أشقياء
فلنكن أصدقاء
من بعيد
صوت عصف الرياح الشديد
ناقلا ألف صوت مديد
من صراخ الضحايا وراء الحدود
في بقاع الوجود
ألضحايا , ضحايا العراك
وضحايا القيود
وصدى "هياواثا " هناك
مثقلا بأنين الجياع
بأسى المصطلين لظى الحمّى
بالذين يموتون دون وداع
دون أن يعرفوا أما
دونما آباء
دونما أصدقاء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> جنازة المرح
جنازة المرح
رقم القصيدة : 68453
-----------------------------------
سأغلق نافذتي فالضياء
يعكّر ظلمتي البارده
سأسدل هذا الستار السميك
على صفحة القصة البائده
وأطرد صوت الرياح البليد
وإشعاعة الأنجم الحاقده
وأسند رأسي إلى الذكريات
وأغمس عينيّ في دمعتين
وأرسل حبي يلفّ القتيل
ويدفىء جبهته الهامده
لعلي أردّ إليه الحياة
وأمسح من زرقه الشفتين
سأغلق نافذتي فالقتيل
يحب الظلام العميق العميق
واكره أن يتمطّى الضياء
على جسمه الشاعريّ الرقيق(53/335)
على جبهة زرعتها النجوم
ولوّنها ضوؤها بالبريق
وكانت تشعّ الحياة فعادت
تمجّ الأسى والرّدى والعذاب
تخطّ عليها ذراع الممات
أساطير عهد سحيق سحيق
أمرّ عليها بكفّي فأصر
خ رعبا واسقط فوق التراب
سأغلق نافذتي فالظهير
ة لا ينتهي حقدها الراعب
تصبّ سكينتها في برود
ويسخر بي وجهها الغاضب
يطاردني صمتها السرمديّ
ويكئبني لونها الراسب
وأين المفر ؟ تكاد الستائر
تدخلها غرفتي المظلمه
وأين المفر ؟ وهذا القتيل
يروّعني وجهه الشاحب
أمامي القتيل وخلفي الظهير
ة يا للمطاردة المؤلمه
سأصبر حتى يجيء الدجى
ويغرب خلف الوجود الضياء
فأحمل هذا القتيل البريء
إلى هوّة من كهوف المساء
أسير بأشلائه موكبا
بطيء الخطى كليالي الشتاء
وتتبعني شهقات التذكّ
ر مهمومة في أسى وشرود
وفي آخر الموكب المترّنح وجه يشيعه في ازدراء
وفي آخر الموكب المترّنح وجه يشيعه في برود
عرفت الجبين عرفت الشفاه
وهذي العيون الغلاظ الأديم
عرفت بها وجه حزني الدفين
وقد عاد يحمل جرحي القديم
وفي يده مدية لم يزل
علة حدّها دم أمسي الأليم
عرفت العدوّ اللجوج هناك
يسير على أثر الموكب
يحدّق مستهزئا بالقتيل
ويضحك ضحكة فظّ أثيم
نعم هو ..أعرفه جيدا
فكم مرّة قبل قد مرّ بي
وأبصرت في أثري ألف طيف
حزين تلفّع بالعبرات
عرفت بها البسمات التي
لقيت بها لطمات الحياة
عرفت بها الضحكات التي
سكبت نداها على الذكريات
أهذي إذن بسماتي ؟ حنانا
أعدن عبوسا ورجع أنين ؟
أهذي إذن ضحكاتي أهذي
نهاية ما صغت من بسمات
وهذا القتيل أحقا فقدت
به مرحي المضمحلّ الدفين ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> يوتوبيا في الجبال
يوتوبيا في الجبال
رقم القصيدة : 68454
-----------------------------------
تفجّري يا عيون
بالماء , بالأشعّة الذائبه
تفجّري بالضوء , بالألوان , فوق القرية الشاحبه
في ذلك الوادي المغشّى بالدجى والسكون
تفجّري باللحون
فوق انبساط السفح بين التلال
في المنحنى حيث توج الظلال(53/336)
تفجّري بالجمال
وشيّدي يوتوبيا في الجبال
يوتوبيا من شجرات القمم
ومن خرير المياه
يوتوبيا من نغم
نابضة بالحياه
تفجّري , سيلي على منحدرات الصخور
حيث يطير الفراش
في نشوة وارتعاش
تفجّري حيث تنام الطيور
في جنّة من عطور
حيث يغطّي السفح غاب كثيف
صنوبريّ الحفيف
تفجّري نقيّة فوق حصى المنحدر
في عطفة الوادي العميق المخيف
في ظلل الجوز الرقيق الوريف
تحت انبساط الشجر
تفجّري في الصباح
تفجّري جارفة كالرياح
تفجّري في الغروب
وشيّدي يوتوبيا من قلوب
من كلّ قلب لم تطأه الحقود
ولم تدنسّه أكفّ الركود
من كلّ قلب شاعريّ عميق
لم يتمرّغ بخطايا الوجود
من كلّ قلب رقيق
مستغرق في حلمه لا يفيق
إلا على حلم بعيد المدى
ليس له من حدود
حلم تحدّى الغدا
من كلّ قلب لا يطيق الجمود
ولا صرير القيود
تفجّري بيضاء فوق الصخر
لونا وضوءا يتحدى كلّ رجس البشر
تفجّري لن يسأم المنحدر
سيلي على النائمين
وأغرقي تهويمة الظالمين
فيضي على الميّتين
على قلوب لا تحسّ الحنين
على عيون لم تطهّرها أكفّ البكاء
على نفوس لا تحسّ السماء
على أكف تجهل الكبرياء
سيلي بعيدا في القرى الجائعه
حيث الحفاة العراه
وحيث لا يبلغ سمع الحياه
إلا صراخ الأنفس الضارعه
إلا عواء الذئاب
في عطفة الوادي الشقيّ الحزين
في شاهقات الهضاب
وحيث لا تبصر عين السنين
إلا أسى المتعبين
قوافل يحدو بها أشقياء
في جنّة من رخاء
قوافل الجائعين
في ذلك الوادي الخصيب التراب
قوافل الظامئين
يلتمسون السراب
والماء يجتاح انزلاق السنين
قوافل للملال
يحرمها الكدّ نقاء الجبال
قوافل مجّت رنين الفؤوس
وغيرها للكؤوس
للنوم والأحلام تحت الظلال
أنصاف موتى لا تحسّ الجمال
تفجّري يا مياه
تفجّري فوق قبور البشر
تفجّري في الصخر
وسجّلي مأساة هذي الحياه
فوق جبين القدر
ما زالت القرية منذ القدم
أقصوصة ممزوجة بالألم
قصّت أساها الرياح
على شحوب الصباح
تفجّري, سيلي وغطّي القمم
ألقي على القصّة ستر العدم(53/337)
لا تذكري هذا النشيد الحزين
ما كان إلا رجع صوت وهون
أصغت إليه السنين
في لحظة, ثم مضت في سكون
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> وجوه ومرايا
وجوه ومرايا
رقم القصيدة : 68455
-----------------------------------
يا كؤوس الأحلام يا من تخيّل
تك أفقا تضمّه الأضواء
آه لو تدركين كيف أحسّ ال
كون صحراء خلفها صحراء
والرحيق الذي حلمت به كي
ف طوته المرارة الخرساء
كيف حين استلمت كأسي أرسل
ت دموعي ولم يفدني ارتواء
***
إرتوائي ؟ أوّاه من حرق الرّو
ح لماذا تظلّ روحي ظمأى ؟
إرتوائي ؟ هذا السّراب الذي ير
كض قلبي وراءه وهو ينأى
إرتوائي حسبته شفقا حل
وا فلمّا دنوت لم أر شيئا
ليس غلا اللاشيء يصدم شوقي
ويذيب الأحلام جزءا فجزءا
***
ألفراغ الفراغ يقتلني أوّ
آه لو كان للوجود وجود
آه لو لم تحل مواقع أقدا
مي امتدادا حدوده اللاحدود
السكوت السكوت يفغر فاه
وغدا يغرب الهوى والنشيد
والظلام الظلام يطفىء عينيّ
فماذا أحسّ ؟ ماذا أريد ؟
***
أيّها الليل ليل روحي أما من
ملجأ من برودة الظلماء ؟
ظمأ صارخ بأعماق نفسي
لشعاع مسلسل من ضياء
آه لو لم يحل رجائي الإلهيّ
سرابا ضحلا وبعض عزاء
آه لو كانت السعادة شيئا
غير هذي الفقاعة السوداء
***
لقبّوها الحياة وهي اضطراب
أبدي ولهفة لا تقرّ
وامتداد للاّنهاية لا يب
دأ لا ينتهي فأين المفرّ ؟
لقبّوني " أنا " ولم يفهموني
ما أنا ما وجودي المكفهرّ
أنا ماذا ؟ تحرّق ليس يرتا
ح وظلّ سرعان ما سيمرّ..
***
في صفاء المرآة حدّقت في طي
في طويلا والشكّ في مقلتيّا
كائن شاحب يحدّق في وج
هي مثلي محيّرا مطويّا
هذه هذه أنا ليس من شكّ
فلم لا أمسّها بيديّا ؟
لم لا أستطيع أن ألمس الذا
ت ؟ وأمحو تحرّقي الأبديّا ؟
***
ثم ماذا ؟ أمدّ كفّي في شو
ق عميق فلا أعانق ذاتي
صدمة صدمة تمزّق روحي
ليس إلا برودة المرآة
الزجاج الجبّار شفّ ولكن
عن مثال مشوّه للحياة
عن كيان رسمته أنا وحدي
فإذا غبت غاب في الظلمات(53/338)
***
الكيان الممسوخ ها أنا أمحو
ه كفاه هزءا بنار أسايا
ضربة من يدي تحطّمت المر
آة فوق الثرى وعادت شظايا
ليتني كنت صنتها عاد وجهي
ألف وجه تطلّ منها الضحايا
ليتني كنت صنتها ليتني أع
لم كيف المرآة عادت مرايا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> قبر ينفجر
قبر ينفجر
رقم القصيدة : 68456
-----------------------------------
ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
لن تدفني جسدي النقيّ الثائرا
وهتفت يا روح الممات : تمزّقي
لن تحبسي قلبي الجريء الساخرا
وصرخت بالأرض الدنيئة : إرفعي
من قلب هذا الطين روحي الشاعرا
هذا فؤادي نابضا , هذا دمي
متفجّرا تحت التراب مشاعرا
بالأمس في هذا الظلام دفنتني
تحت الثرى ولففتني بصخوره
لم تسمعي دقّات قلبي في الدجى
وأشحت عن إحساسه وشعوره
لم تفهمي روحي وخلت سكونه
موتا ولم يبلغك رجع هديره
ووهمت أيتها الحياة فلم تري
في أدمعي غير الردى وفتوره
ما نفع أكداس التراب جميعها ؟
ألآن ينفجر التراب الغاصب
الجثة الظمأى التي أودعتها
بالأمس والوجه الكئيب الشاحب
ألآن ينفجران نارا حيّة
ويسابق الإعصار روحي الصاخب
والآن ينبثقان من قلب الثرى
ويعود لي الأمل الجميل الذاهب
ما خلته صخرا إليك وجيبه
ما خلته صمتا إليك نشيده
ألقبر ضجّ وضاق تحت عواطفي
والطين حولي لن أطيق ركوده
هذا الرماد حذار من أعماقه
فوراءه جمر نسيت رعوده
يا من حسبت النار طينا خامدا
ونسيت إعصار الصبا وخلوده
هذي العيون حذار منها إنها
خلف الجفون عميقة أغوارها
هذي العروق حذار من فورانها
فغدا سيصرخ في المدى إعصارها
هذي الشفاه حذار من سكناتها
فغدا ستجتاح المدى أشعارها
هذا الفؤاد حذار من غفواته
فوراء رقدته الحياة ونارها
ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
وهتفت يا روح الممات : تمزّقي
وصرخت بالأرض الدنيئة : إرفعي
أسر التراب عن الشباب المرهق
فإذا الحياة مشيحة عن صرختي
لم يأتها نغم اللهيب المحرق
وأنا على صدر التراب تمرّد
حرّ ونار توثّب وتحرّق(53/339)
لم يبق إلا أن يحطّم ساعدي
هذي القيود وها أنا , هذي يدي
سأفجّر القبر الصغير حجارة
وأطير من أمسي القريب إلى غدي
وسأصرع الموت الضعيف وأنثني
بمخاوفي وسعادتي وتنهدّي
وسأنثر الألحان في صمت الدجى
يا أنجم الليل المضيئة فاشهدي
ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
فتفجّرت تحت المساء المظلم
وجمعت أحلامي ومزّقت الثرى
بصفائها ووقفت تحت الأنجم
وفتحت صدري للضياء وسحره
وصرخت بالكون الجميل الملهم
أنا حيّة يا أرض , هذي نغمتي
هذا نشيد فؤادي المتكلّم
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ذكريات
ذكريات
رقم القصيدة : 68457
-----------------------------------
كان ليل , كانت الأنجم لغزا لا يحلّ
كان في روحي شيء صاغه الصمت المملّ
كان في حسّي تخدير ووعي مضمحلّ
كان في الليل جمود لا يطاق
كانت الظلمة أسرارها تراق
كنت وحدي لم يكن يتبع خطوي غير ظلي
أنا وحدي , أنا والليل الشتائيّ..وظلي
***
لم أكن أحلم لكن كان في عينيّ شيء
لم أكن أبسم لكن كان في روحي ضوء
لم أكن أبكي لكن كان في نفسي نوء
مرّ بي تذكار شيء لا يحدّ
بعض شيء ما له قبل وبعد
ربّما كان خيالا صاغه فكري وليلي
وتلفتّ ولكن لم أقابل غير ظلّي
***
كان صمت راكد حولي كصمت الأبديّة
ماتت الأطيار أو نامت بأعشاش خفيّة
لم يكن ينطق حتى الرغبات الآدميّة
غير صوت رنّ في سمعي وذابا
لحظة لم أدر حتى أين غابا
آه لو أدركت من ألقاه في الصمت المملّ
أتراني لم أكن أمشي أنا وحدي وظلي ؟
كانت الظلمة تمتدّ إلى الأفق الغريب
كلّ شيء وغرق فيها كقلبي , كشخوبي
ظلمة ممتدّة كالوهم كالموت الرهيب
غير ضوء خاطف مرّ بجفني
لحظة لم تدر ماذا كان ,عيني
كان ضوءا لونه لون خيال مضمحلّ
مرّ بي لمحا وأبقاني أنا وحدي وظلّي
***
كان في الجوّ الشتائيّ ارتعاش وجمود
جمد الظلّ من البرد وغشّاه الركود
ليلة يرتجف في أجوائها حتى الجليد
غير دفء طاف من قلبي الوجيع
فزت فيه من شتائي بربيع(53/340)
وإذا في عمق قلبي فرحة الفجر المطلّ
غير أني كنت في الليل أنا وحدي وظلّي
***
كان في روحي فراغ جائع كاللاّنهايه
كان ظلي صامتا لا لحن لا رجع حكايه
باهتا يتبع مسرى خطواتي دون غايه
غير كأس عبرت حين صرخت
قطرة واحدة ثم ارتويت
أتراه كان أكذوبة إحساسي المضلّ
أو ما كنت أنا وحدي مع الليل وظلّي ؟
***
كان قلبي متعبا يسكنه حزن فظيع
رقصت فيه وشدّته إلى الجرح دموع
صور في قعره يصبغ مرآها النجيع
كان , لكنّ يدا مرّت عليه
حملت بعض تحاياها إليه
باركت آلامه السوداء كانت يد طفل
أيّ طفل ؟ لم يكن في الليل غيري غير ظلّي
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> تهم
تهم
رقم القصيدة : 68458
-----------------------------------
أعبّر عمّا تحسّ حياتي وارسم
إحساس روحي الغريب
فأبكي إذا صدمتني السنين
بخنجرها الأبديّ الرهيب
وأضحك مما قضاه الزمان
على الهيكل الأدميّ العجيب
وأغضب حين يداس الشعور
ويسخر من فوران اللهيب
أعبّر عن كلّ حسّ أعيه
وأبكي الحياة ولا أنكر
وأضحك من كلّ ما تحتويه
وأغضب لكنّني أشعر
يقولون شاعرة في السحاب
تحلّق خلف سراب النجوم
أنانيّة لا تحسّ الوجود
وإن صرعته جبال الغموم
خياليّة تمقت الكائنات
وتخلق عالمها في الغيوم
خريفيّة تكره الضاحكين
لتدفن جبهتها في الهموم
أنانيّة وأحب البشر
خياليّة وحياتي تسير
خريفيّة وأناجي الزهر
وعاطفتي لهب من شعور
يقولون:عاشقة للظلام تحبّ
الدياجي وتهوى السكون
وتنشد أشعارها للجبال
وترسم أحلامها للعيون
تحبّ الحياة ولكنّها
تعكّرها بخيال المنون
ترى جوّها غيهبا حالكا
يضيق بآثامه الملهمون
أحبّ الظلام ولكنني
أثور على كلّ أحلامكم
أحبّ الحياة على أنني
أحقر موكب أيامكم
يقولون: جامدة الحسّ تحيا
مع الأمس في حلم جامد
يقولون: صوفيّة فالحياة
تنوح على حسّها الخامد
عواطفها جمدت كالنجوم
كتهويمة القمر البارد
وتحليقها كان ثم امّحى
على صدر إحساسها الراكد
يقولون لكنّني تائهه(53/341)
ألوذ بصمتي الخفيّ الغريب
أعيش حياتي كالآلهه
وقلبي شعور وروحي لهيب
يقولون دعهم غدا يعلمون
ودعني أنا للشّذى والجمال
أحبّ الحياة بقلبي العميق
وأمزج واقعها بالخيال
أحبّ الطبيعة حبّ جنون
أحبّ النخيل أحبّ الجبال
وأعشق ذاتي ففي عمقها
خيال وجود عميق الظلال
وأهتف يا نار قلبي الغريب
وموج أحاسيسي الثائره
إذا اتّهموا فلماذا أجيب
بغير ابتسامتي الساخره ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> رماد
رماد
رقم القصيدة : 68459
-----------------------------------
أهكذا داست علينا الحياه
لم تبق منا صدى
لم تبق إلا الندم الأسودا
وصوت واخيبتاه
أليس من كوكبنا الآفل
إيماضة تستعاد ؟
أليس من كوكبنا الآفل
إيماضة تستعاد ؟
أليس عنّا نبأ أو نشيد
أو همسة واحده ؟
ألم تعد قصّتنا البائده
توقظ عرقا جديد ؟
ألم يعد قطّ لنا من مكان
في القصّة الجاريه ؟
أليس في كاساتنا الخاليه
شيء يهمّ الزمان ؟
وذلك الموكب والسائرون
فوق ثرى المنحدر
لم يدركوا أنّ هوانا اندثر
في عمق قبر السكون
ووقع أقدام الهوى الراحله
إلى مكان بعيد
تنقاها الريح فلا تستعيد
ألحانها القافله
ونحن ما زلنا نجرّ الحنين
والأمس والذكريات
أقيادنا مثقلة بالحياة
ونحن في الميّتين
ونحن ما زلنا نسوق الرّماد
لنطعم الموقدا
وأذرع الأحلام ترجو سدى
خلق غد من جماد
وبعث ماض لون أركانه
من مزق الأحلام
أمسى رهيبا تنكر الأيام
عاري جدرانه
أمسى بعيدا تحجب الوديان
أسواره القاتمه
تعيث فيه الهدأة الساهمه
ويحكم النسيان
والريح لم تبق على بابه
حروف أسمائنا
لم تبق حتى وقع أقدامنا
في جوّ محرابه
وربّما طافت به في ذهول
أشباحنا الباكيه
تطوف حول الغرف الخاليه
سدى تريد الدخول
أشباحنا يضلّها الإعصار
تحت غلاف الضّباب
تظلّ ولهى تلطم الأبواب
والحائط المنهار
أشباحنا حافرة في ارتعاد
مقبرة الذكريات
لا صورة تنبض فيها حياة
لا شيء غير الرّماد
تنصت في رعب وفي إعياء
عند السياج الحزين(53/342)
فلا تعي إلا بقايا أنين
ترسله الأقباء
أشباحنا تستفهم النسيان
عن أمسها الضائع
فلا ترى إلا الردى الجائع
يقوّض البنيان
وأذرع السرو تمدّ الذهول
فوق شحوب الخراب
كأنها تقذف فوق القباب
معنى الردى والذبول
ولفظة واحدة واحده
تكرّرت في المكان
سمعتها تفحّ كالأفعوان
في الشرف البارده
أبصرتها مكتوبة باللهيب
في الغرف الباليه
وفوق ساق السروة العاريه
وفي الفناء الجديب
أحسستها تهمس معنى "مضى"
ملء المساء الكئيب
أبصرتها في كلّ ركن رهيب
أبصرت لفظ " انقضى"
وتلتقي أشباحنا في المساء
باردة واجمه
تنظر في تقطيبة ساهمه
في سورة من غباء
أشباحنا تطلب ماضينا
لا تدرك الأسرار
كيف انقضى ؟ ألم يعد في الدار
صوت ينادينا ؟
أهكذا داست علينا الحياه
لم تبق منا صدى ؟
لم تبق إلا الندم الأسودا
وصوت واخيبتاه ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الخيط المشدود في شجرة السرو
الخيط المشدود في شجرة السرو
رقم القصيدة : 68460
-----------------------------------
-1-
في سواد الشارع المظلم والصمت الأصمّ
حيث لا لون سوى لون الدياجي المدلهمّ
حيث يرخي شجر الدفلى أساه
فوق وجه الأرض ظلاّ ,
قصة حدّثني صوت بها ثم اضمحلا
وتلاشت في الدّياجي شفتاه
قصة الحبّ الذي يحسبه قلبك ماتا
وهو ما زال انفجارا وحياة
وغدا يعصرك الشوق إليّا
وتناديني فتعيى ,
تضغط الذكرى على صدرك عبئا
من جنون , ثم لا تلمس شيئا
أيّ شيء , حلم لفظ رقيق
أيّ شيء , ويناديك الطريق
فتفيق..
ويراك الليل في الدرب وحيدا
تسأل الأمس البعيدا
أن يعودا
ويراك الشارع الحالم والدفلى , تسير
لون عينيك انفعال وحبور
وعلى وجهك حبّ وشعور
كلّ ما في عمق أعماقك مرسوم هناك
وأنا نفسي أراك
من مكاني الداكن الساجي البعيد
وأرى الحلم السعيد
خلف عينيك يناديني كسيرا
.....وترى البيت أخيرا
بيتنا , حيث التقينا
عندما كان هوانا ذلك الطفل الغريرا
لونه في شفتينا
وارتعاشات صباه في يدينا
-3-(53/343)
"ها هو البيت كما كان , هناك
فوقه النرنج والسرو الأغنّ
وهنا مجلسنا..
ماذا أحسّ ؟
حيرة في عمق أعماقي , وهمس
ونذير يتحدّى حلم قلبي
ربما كانت..ولكن فيم رعبي ؟
هي ما زالت على عهد هو أنا
هي ما زالت حنانا
وستلقاني تحاياها كما كنا قديما
وستلقاني....." .
وتمشي مطمئنا هادئا
في الممر المظلم الساكن , تمشي هازئا
بهتاف الهاجس المنذر بالوهم الكذوب :
" ها أنا وقد فارقت أكداس ذنوبي
ها أنا ألمح عينيك تطلّ
ربما كنت وراء الباب , أو يخفيك ظلّ
ها أنا عدت , وهذا السلّم
هو ذا الباب العميق اللون , مالي أحجم ؟
لحظة ثم أراها
لحظة ثم أعي وقع خطاها
ليكن ...فلأطرق الباب .."
وتمضي لحظات
ويصرّ الباب في صوت كئيب النبرات
وترى في ظلمة الدهليز وجها شاحبا
جامدا يعكس ظلاّ غاربا :
" هل..؟ ويخبو صوتك المبحوح في نبر حزين
لا تقولي إنها.."
" يا للجنون
أيها الحالم , عمّن تسال ؟
أنها ماتت"
وتمضي لحظتان
أنت ما زلت كأن لم تسمع الصوت المثير
جامدا , ترمق أطراف المكان
شاردا , طرفك مشدود إلى خيط صغير
شدّ في السروة لا تدري متى ؟
ولماذا ؟ فهو ما كان هناك
منذ شهرين..وكادت شفتاك
تسأل الأخت عن الخيط الصغير
ولماذا علقّوه ؟ ومتى ,
ويرنّ الصوت في سمعك: "ماتت.."
"إنها ماتت.." وترنو في برود
فترى الخيط حبالا من جليد
عقدتها أذرع غابت ووارتها المنون
منذ آلاف القرون
وترى الوجه الحزين
ضخّمته سحب الرّعب على عينيك "ماتت.."
-4-
هي "ماتت.." لفظة من دون معنى
وصدى مطرقة جوفاء يعلو ثم يفنى
أتراها هي شدّته ؟ ويعلو
ذلك الصوت المملّ
صوت "ماتت.." داويا , لا يضمحلّ
"إنها ماتت" صدى يهمسه الصوت مليا
وهتاف رددته الظلمات
وروته شجرات السرو في صوت عميق
"إنها ماتت" وهذا ما تقول العاصفات
"إنها ماتت" صدى يصرخ في النجم السحيق
وتكاد الآن أن تسمعه خلف العروق
-5-
صوت ماتت رنّ في كلّ مكان
هذه المطرقة الجوفاء في سمع الزمان
صوت " ماتت" خانق كالأفعوان(53/344)
كلّ حرف عصب يلهث في صدرك رعبا
وتجني مخلب مختلج ينهش نهشا
وصدى صوت جحيميّ أجشا
هذه المطرقة الجوفاء : "ماتت"
هي ماتت , وخلا العالم منها
وسدى ما تسأل الظلمة عنها
وسدى تصغي إلى وقع خطاها
وسدى تبحث عنها في القمر
وسدى تحلم يوما أن تراها
في مكان غير أقباء الذكر
إنها غابت وراء الأنجم
واستحالت ومضة من حلم
-6-
ثم ها أنت هنا , دون حراك
متعبا , توشك أن تنهار في أرض الممرّ
طرفك الحائر مشدود هناك
عند خيط شدّ في السروة , يطوي ألف سرّ
ذلك الخيط الغريب
أنه كلّ بقايا حبّك الذاوي الكئيب
-7-
ويراك الليل تمشي عائدا
في يديك الخيط , والرعشة , والعرق المدوّي
"إنها ماتت.." وتمضي شاردا
عابثا بالخيط تطويه وتلوي
حول إبهامك أخراه , فلا شيء سواه ,
كلّ ما أبقى لك الحبّ العميق
لفظ " ماتت" وانطوى كلّ هتاف ما عداه
ويراك الليل تمشي عائدا
في يديك الخيط , والرعشة , والعرق المدوّي
"إنها ماتت.." وتمضي شاردا
عابثا بالخيط تطويه وتلوي
حول إبهامك أخراه , فلا شيء سواه ,
كلّ ما أبقى لك الحبّ العميق
هو هذا الخيط واللفظ الصفيق
لفظ " ماتت" وانطوى كلّ هتاف ما عداه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أول الطريق
أول الطريق
رقم القصيدة : 68461
-----------------------------------
لنلتق , فالريح تعصف والمنحنى لا يعي
وغمغة الهاجس المتهدّد في سمعي
وهذا الطريق الذي سلبته خطاي السكون
غريب مخيف المعابر يشبه لون المنون
أحسّ السراب
وراء الهضاب
وألمس في لونه مصرعي
وأنت بعيد وراء الظنون
لنلتق , .. إني أخاف المساء الغريق الضياء
أرى ماردا من أساي الممزّق يطوي الفضاء
ينقل أقدامه السود بين عيون السنا
ويطفئها , عدت أخشى أذاه على نجمنا
فعين الإله
غفت عن أذاه
وقد يستعير لهيب البكاء
ويغمده في ابتساماتنا
***
لنلتق..ما أطول الإنتظار على الخائفين
لنلتق , تحجبنا فكرة عن عيون السنين
هنالك ترصدنا نجمة من هوانا الرقيق(53/345)
تمدّ يديها لترشدنا لمكان سحيق
وراء الجراح
ولسع الرّياح
بعيدا وراء كهوف الأنين
هنالك يبدأ كلّ طريق
***
هنالك تبتدىء الذكريات سجلا جديد
وتبدو حدود طريق يشقّ الفضاء المديد
إلى موضع في المدى المرتمي حجبته الظلال
وما كشفت عن خفاياه حتى عيون الخيال
سنعبر فيه
إلى ألف تيه
سدى يتحرّى الزمان البليد
خطانا فنحن وراء المحال
***
سنحيا معا في عوالم حافلة بالوعود
ونملك ليلا يبيع النّعاس وعطر الورود
سينبجس الماء حيث لمسنا أديم الثرى
ويرقص حول خطانا بأجنحة من شذى
سنمحو الزّمان
وننسى المكان
هناك ونقسم ألاّ نعود
إلى أمسنا المنطوي
سر بنا !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أغنية
أغنية
رقم القصيدة : 68462
-----------------------------------
اسكني يا أغاني الأمل
فالهوى قد رحل
وانطوى سرّه في مقل
رصفت بالملل
***
أين أين ترى ذاهبين
في سكون السنين
والطريق الذي تسلكين
صامت لا يبين
***
ولمن تخلقين العطور
والليالي تدور ؟
ولمن دفؤك المسحور ؟
للدجى ؟ للقبور ؟
***
ولمن أنت والمنشدون
رحلوا في سكون ؟
والأسى , يا أغاني , ديون
دفعتها عيون
***
كم ملأنا بك الأقداح
وسقينا الرياح
كم منحناك للأشباح
في رضا وسماح
***
فابحثي في شعاب الوجود
عن هوانا الشرود
كفّنا نديت بالوعود
وهو ليس يعود
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> دعوة إلى الأحلام
دعوة إلى الأحلام
رقم القصيدة : 68463
-----------------------------------
تعال لنحلم , إنّ المساء الجميل دنا
ولين الدجى وخدود النجوم تنادي بنا
تعال نصيد الرؤى ونعدّ خيوط السّنا
ونشهد منحدرات الرمال على حبّنا
***
سنمشي معا فوق صدر جزيرتنا الساهدة
ونبقي على الرمل آثار أقدامنا الشاردة
ويأتي الصباح فيلقي بأندائه البارده
وينبت حيث حلمنا ولو وردة واحده
***
سنحلم أنّا صعدنا نرود جبال القمر
ونمرح في عزلة اللانهاية واللابش
بعيدا , بعيدا, إلى حيث لا تستطيع الذكر(53/346)
إلينا الوصول فنحن وراء امتداد الفكر
***
سنحلم أنّا استحلنا صبيّين فوق التلال
بريئين نركض فوق الصخور ونرعى الجمال
شريدين ليس لنا منزل غير كوخ الخيال
وحين ننام نمرّغ أجسامنا في الرمال
***
سنحلم أنّا نسير إلى الأمس لا للغد
وأنّا وصلنا إلى بابل ذات فجر ند
حبيبين نحمل عهد هوانا إلى المعبد
يباركنا كاهن بابليّ نقيّ اليد
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الشهيد
الشهيد
رقم القصيدة : 68464
-----------------------------------
في دجى الليل العميق
راسه النشوان ألقوه هشيما
وأراقوا دمه الصافي الكريما
فوق أحجار الطريق
***
وعقابيل الجريمة
حمّلوا أعباءها ظهر العمود
ثم ألقوه طعاما للحّود
ومتاعا وغنيمة
***
وصباحا دفنوه
وأهالوا حقدهم فوق ثراه
عارهم ظنّوه لن يبقى شذاه
ثم ساروا ونسوه
***
والليالي في سراها
شهدت ما كان من جهد ثقيل
كلّما غطّوا على ذكرى القتيل
يتحدّاهم شذاها
***
حسبوا الإعصار يلوى
إن تحاموه بستر أو جدار
ورأوا أن يطفئوا ضوء النهار
غير أنّ المجد أقوى
***
ومن القبر المعطّر
لم يزل منبعثا صوت الشهيد
طيفه أثبت من جيش عنيد
جاثم لا يتقهقر
***
وسيبقى في ارتعاش
في أغانينا وفي صبر النخيل
في خطى أغنامنا في كلّ ميل
من أراضينا العطاش
***
فليجنّوا إن أرادوا
دونهم..وليقتلوه ألف قتله
فغدا تبعثه أمواه دجله
وقرانا والحصاد
***
يا لحمقى أغبياء
منحوه حين أردوه شهيدا
ألف عمر , وشبابا , وخلودا ,
وجمالا , ونقاء
***
إنّه عاد نبيّا
وهو قد أصبح نارا تتحرّق
في أمانينا وثأرا يتشوّق
وغدا يبعث حيا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> لعنة الزمن
لعنة الزمن
رقم القصيدة : 68465
-----------------------------------
كان المغرب لون ذبيح
والأفق كآبة مجروح
والأشباح الغامضة اللون تجوس الظلمة في الآفقاق
والنهر ظنون سوداء
والريح مراوح نكراء
والضفّة أرض جرداء
تمضغها الظلمة في استغراق(53/347)
كانت خطوات الظلمة ترطم جو الشاطىء في استغراق
والصمت يفكر في الأحداق
***
كنّا نتبع نعش الضوء
ونراقب خطو اللاشيء
إتنين يلوح على استغراقهما المبهم لون العشّاق
كنّا نرقب كأس الأفق
ترضع من أوشال الشفق
وتصبّ الحمرة في قلق
في سيقان صفر الأوراق
في سيقان عرّتها الريح من اللولن , من الأوراق
ومضت تبكيها في إشفاق
***
كنا كالأمواج الخرس
في عينينا لون الشمس
في وجهينا الوقرين خشوع المغرب والأبد الخلاّق
كنا نهمس كالأنداء
كصدى مجداف في الماء
لم تقطع صمت الظلماء
بمدامع ذكرى أو أشواق
كنّا قد كفّنّا الماضي ودفنّا اللهفة والأشواق
في الظلمة في صمت الأعماق
***
وأراق المغرب ألوانه
فوق الأشياء الوسنانه
لم يبق بناء لم تحمّر أعاليه , لم يبق زقاق
حتى في صفرة خدينا
حتى في وجمة قلبينا
أحسسنا اليقظة واللونا
حتى في دمنا ,في الأعراق
أحسسنا شيئا كالثورة في الدم , في الأعين , في الأعراق
شيئا كاللهفة , كالأشواق
***
حتى طرق الماضي الخربه
تلك الآفاق المكتئبه
لاحت واضحة الصمت يغازلها ضوء القمر المشتاق
لا فيها أشباح حيرى
تتبعنا غاضبة غيرى
ذات عيون تقطر غدرا
في الليل , ولا فيها أنفاق
لا فيها هاوية تسكن فيها الأغوال , ولا أنفاق
لا شيء سوى القمر البرّاق
***
وهجسنا شيئا منفعلا
في قلبينا , شيئا ثملا
يلهث عاطفة بعد جمود سنين مرّت في استغراق
وانبجست أشواق وسنى
من أعيننا لونا..لونا..
وتحرّك في دمنا معنى
ناريّ الشوق صد تواق
وسدى حاولنا أن نسكته فهو صد مرح , توّاق
وسدى نطمره في الأعماق
***
ووقفنا في الظلمة نحلم
بالموج وبالليل المبهم
ونحوك من الأنجم والرؤيا والأمواج لنا أطواق
ونجوب العالم في عربات
صنعتها أذرع جنّيات
من عطر الأزهار الخجلات
من أسلاك الضوء الآلاّق
في قعر النهر على أرض لم يلمسها القمر الآلاّق
وتناست مولدها الآفاق
***
لكنّ إذ كنّا نحلم
أحسسنا شبه صدى مبهم
في الأمواج الداكنة الصمت , سمعنا شبه صدى خفّاق(53/348)
" الجنيات المنتقمات
يصعدن إلينا في عربات "
وأجاب رفيقي : لا , هيهات
ذلك صوت الموج الرقراق
الريح الحالمة البيضاء تمرّ على الموج الرقراق
وتخادع أسماع العشاق "
***
لأيا وتبينّا الحركه
ثمّة وإذا جثّة سمكه
طافية فوق الموجة ميّتة والشاطيء في إشفاق
وصرخت : رفيقي ! أين نسير ؟
لنعد , فالجثة همس نذير
أرسلها عملاق شرير
إنذار أسى ودليل فراق
فأجاب رفيقي : " نحن هنا يحرسنا الحبّ فأي فراق ؟"
وغرقنا في صمت برّاق
***
ومشينا لكنّ الحركه
ظلت تتبعنا , والسمكه
تكبر تكبر حتى عادت في حضن الموجة كالعملاق
وصرخت " رفيقي أي طريق
يحمينا من هذا المخلوق ؟
لنعد , فالدرب يضيق يضيق
والظلمة محكمة الإغلاق "
فأجاب رفيقي مرتعشا , والظلمة محكمة الإغلاق :
" نهرب , لن تسلمنا الآفاق "
***
وبقينا نهرب والسمكة
تتبع أرجلنا المرتبكه
تلك الأحداق وأين المهرب من لعنة تلك الأحداق ؟
وزعانفها السود الشوهاء
سدت في وجهينا الأرجاء
وأراقت في الجوّ الوضاء
سحبا سوداء ولون محاق
حتى وجه القمر السحريّ غشاه أسى وظلام محاق
وتلاشى مبسمه البرّاق
***
ورجعنا نسحب قلبينا
ونجرّ كآبة ظلينا
تتبعنا الأحداق النهمات بنظرة هزء ليس تطاق
حتى الأغصان المشتبكه
عادت تشبه عين السمكه
وتروع خطانا المرتبكه
والأنجم عادت كالأحداق
والغد والماضي والدنيا وهوانا في تلك الأحداق
رسبت وتوارت في الأعماق
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> طريق العودة
طريق العودة
رقم القصيدة : 68466
-----------------------------------
نعود إذن في الطريق الطويل
تواجهنا الأوجه الجامده
يواجهنا كل شيء رأيناه منذ قليل
كما كان في ركدة بارده
نعود إذن , لا ضياء ينير
لأعيننا الخامده
نسير ونسحب أشلاء حلم صغير
دفنّاه بعد شباب قصير
***
نعود وهذا طريق الإياب
يمدّ مرارته ورتابة أسراره
نسير ويبرز باب
هنا , وجدار هناك يسدّ الطريق
بأحجاره
وثم سياج عتيق ,
تهدّم عند النهر(53/349)
وعابرة , دون معنى تمدّ البصر
إلى حيث لا نعلم ,
تمرّ بنا , لا تفكر فينا
وننسى ونجهل أنّا نسينا
ولا نفهم .
***
نعود إذن في طريق الإياب المرير
وكنّا قطعناه منذ زمان قصير
وكنّا نسّميه , دون ارتياب , طريق الرواح
ونعبره في ارتياح :
يمد لنا كلّ شيء نراه يدا
يكاد يعانقنا ويصبّ علينا غدا
دقائقه نسجتها المنى
وكنّا نسّميه , دون ارتياب , طريق الأمل
فما لشذاه أفل
وفي لحظة عاد يدعى يدعى طريق الملل ؟
وعدنا نسير ويسلمنا المنحنى
إلى آخر ضيق
ويدفعنا كلّ شيء نراه
إلى يأسنا المطبق
ونشعر أنّا ضجرنا ضجرنا وعفنا الحياه
وعدنا نمجّ الحياه
***
لماذا نعود ؟
أليس هناك مكان وراء الوجود
نظلّ إليه نسير
ولا نستطيع الوصول ؟
مكان بعيد يقود إليه طريق طويل
يظلّ يسير يسير
ولا ينتهي , ليس منه قفول
هنالك لا يتكرر مشهد هذا الجدار
ولا شكل هذا الرواق
ولا يرسل النهر في ملل نغمة لا تطاق
نصيخ لها في احتقار
لأن الطريق طريق الرجوع
لأنّا بلغنا نهاية درب الرّواح
وأصبح لا بدّ من أن نذوق الجراح
ونحن نسير ونقطع درب الرجوع
ونذرعه بالدموع
***
ألا بد من أن نؤوب
وتدفعنا خلجات المرارة دون حلم ؟
ألم ينطفىء كلّ حلم كذوب
وها نحن نعلم أنّا بلغنا القمم ؟
وسرنا على أوجها مرة , ثم حان الإياب
وعدنا نجرّ قيود الألم
وندرك كيف تغيّر حتى التراب
تغّير حتّى الطريق
وأصبح يرفضنا في ملال وضيقوعاد يصبّ علينا جمودا عميق
***
وعدنا نسير
نجرّ أحاسيسنا الراكده ,
وتصدمنا الأوجه الجامده.
نسير , نسير ,
نحدّق في أي شيء نراه ,
بهذا السياج المهّدم أو بسواه
نحدّق , لا رغبة في النظر
ولمن..لأن لنا أعينا .
نعّلق , لا شوق يغري بنا
ولكن لأنّا سئمنا السكون المخيف
ووقع خطانا الرتيبات فوق الرصيف
سئمنا فأين المفر ؟
ولا بدّ من أن نعود
فليس هناك مكان وراء الوجود
نظلّ إليه نسير
ولا نستطيع الوصول
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الأعداء
الأعداء
رقم القصيدة : 68467(53/350)
-----------------------------------
نحن إذن أعداء
من عالم لا يفهم الأشواق
ولا يعي أغنية الحداق
أعيننا لا تفهم النجوى
الحبّ فيها سيرة تروى
كان لها أمس
وضمّه رمس
من تربة البغضاء
***
نحن إذن أعداء
تفصلنا عوالم شاسعة
حدودها الجهولة الضائعه
تبثّ في دروبنا المستحيل
فنذرع العمر الجديب الطويل
بحثا عن الباب
وحبّنا الخابي
يغري بنا الصحراء
***
نحن إذن أعداء
ترقد في أعماقنا الذكرى
مشلولة , ضائعة , حيرى
المقت يلقي فوقها ظلاّ
والحقد لم يبق لها شكلا
ولعنة الأيّام
خّلفت الأحلام
فوق الثرى أشلاء
***
نحن إذن أعداء
وإن تكن تجمعنا أحلام
من أمسنا أودت بها الأيّام
وإن تكن قد خلّفت أشياء
في المقل الفارغة الجدباء
في الأوجه الذاوية
كنجمة خابيه
تغرب في الظلماء
***
نحن إذن أعداء
وإن طغت في دمنا الأشواق
ودّبت اليقظة في الأرماق
وبيننا عوالم شتّى
ندركها كما يعي الموتى
تحت التراب المهين
وقع خطى العابرين
وضجّة الأحياء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> حصاد المصادفات
حصاد المصادفات
رقم القصيدة : 68468
-----------------------------------
حينما يرقد الهوى ميّتا فو
ق تراب الأيّام والأعوام
وتعود الذكرى صدى جامد الوق
ع لعهد مغلّف بالظلام
وتوت الألوان في المقل الجد
باء في حسرة وفي استسلام
ويذيع الفراغ أغنية الجد
ب وتطغى الفوضى على الأنغام
***
حينما يصبح الهوى قصّة كا
نت ومرّت بالكون منذ عصور
عشّش الصمت في خرائبها النك
راء خلف الخيال والتفكير
وطوى نبضها البرود ال
مرّ في كلّ شهقة وشعور
وخمود الفراغ لفّ صداها
بجمود الموتى وصمت القبور
***
وتحسّ العيون أنّ عيونا
مات فيها المعنى وعادت رمادا
لم تعد في أهدابها خلجة تس
تصرخ الشوق والصدى والسهادا
ضاع في جوّها النداء وردّت
آهة في السكون تنعى المنادى
وارتمت في أنحائها رغبات ال
أمس والذكريات عادت جمادا
***
عندما ينطوي النداء وتمحى
كلمات النجوى وتطوى الأماني(53/351)
وتحسّ القلوب أنّ قلوبا
بردت في أصابع النسيان
عنكبوت الجمود شبّك فيها
عشّه والسكون لفّ الأغاني
وغبار السنين جرّ على الأش
واق ستر اللاّلون واللاّكيان
***
ربّما يلتقي هنالك طيفا
ن من الأمس في شعاب طريق
يعبران الحياة قد ضيّعا مم
لكة الحبّ في الزمان السحيق
في برود يمرّ كلّ على الآ
خر خابي العيون ميت العروق
لا شعور يلوح في اعين صمّ
اء غرقى في لجّ صمت عميق
***
من حصاد المصادفات يمرّا
ن كنجمين في امتداد الفضاء
ربّما لخّصا غرامهما الما
ضي بشبه ابتسامة جدباء
ربّما ألقيا التحيّة لا عم
ق لها , في برودة الغرباء
ثم ّ سارا كأنّما لم تكن يو
ما حياة عطشى وراء الدّماء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> النائمة في الشارع
النائمة في الشارع
رقم القصيدة : 68469
-----------------------------------
في الكرّدة , في ليلة أمطار ورياح
والظلمة سقف مدّ وستر ليس يزاح
وسكون رطب يصرخ فيه الإعصار
الشارع مهجور تعول فيه الريح
والحارس يعبر جهما مرتعد الخطوات
يكشفه البرق وتحجب هيكله الظلمات
تنتفض الظلمة فيه ويرتعش الرعد
***
حرست ظلمته شرفة بيت مهجور
كان البرق يمرّ ويكشف جسم صبيه
الإحدى عشرة ناطقة في خدّيها
في رقة هيكلها وبراءة عينيها
رقدت فوق رخام الأرصفة الثلجيّه
ضمّت كفّيها في جزع في إعياء
وتوسّدت الأرض الرطبة دون غطاء
والحمّى تلهب هيكلها ويد السّهد
ظمأى , ظمأى للنوم ولكن لا نوما
ألم يبقى ينهش , لا يرحم مخلبه
السّهد يضاعفه والحمّى تلهبه
أشباح تركض , صيحات شيطانّيه
عبثا تخفي عينيها وسدى لا تنظر
وتظلّ الطفلة راعشة حتى الفجر
حتى يخبو الإعصار ولا أحد يدري
أيّام طفولتها مرّت في الأحزان
تشريد , جوع , أعوام من حرمان
والطفلة جوع أزلي , تعب , ظمأ
ولمن تشكو ؟ لا أحد ينصت أو يعنى
والناس قناع مصطنع اللون كذوب
خلف وداعنه اختبأ الحقد المشبوب
والرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس
ونيام في الشارع يبقون بلا مأوى(53/352)
هذا الظلم المتوحّش باسم المدنيّه ,
باسم الإحساس , فواخجل الإنسانيه
***
أيّام طفولتها مرّت في الأحزان
تشريد , جوع , أعوام من حرمان
إحدى عشرة كانت حزنا لا ينطفىء
والطفلة جوع أزلي , تعب , ظمأ
ولمن تشكو ؟ لا أحد ينصت أو يعنى
البشرية لفظ لا يسكنه معنى
والناس قناع مصطنع اللون كذوب
خلف وداعنه اختبأ الحقد المشبوب
والمجتمع البشري صريع رؤى وكؤوس
والرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس
ونيام في الشارع يبقون بلا مأوى
لا حمّى تشفع عند الناس ولا شكوى
هذا الظلم المتوحّش باسم المدنيّه ,
باسم الإحساس , فواخجل الإنسانيه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مرثية امرأة لا قيمة لها
مرثية امرأة لا قيمة لها
رقم القصيدة : 68470
-----------------------------------
ذهبت ولم يشحب لها خدّ ولم ترتجف شفاه
لم تسمع الأبواب قصة موتها تروى وتروى
لم ترتفع أستار نافذة تسيل أسى وشجوا
لتتابع التابوت بالتحديق حتى لا تراه
إلا بقيّة هيكل في الدرب ترعشه الذكر
نبأ تعثّر في الدرب فلم يجد مأوى ضداه
فأوى إلى النسيان في بعض الحفر
يرثي كآبته القمر
***
والليل أسلم نفسه دون اهتمام , للصباح
وأتى الضياء بصوت بائعة الحليب وبالصيام ,
بمواء قطّ جائع لم تبق منه سوى عظام ,
بمشاجرات البائعين , وبالمرارة والكفاح ,
بتراشق الصبيان بالأحجار في عرض الطريق ,
بمسارب الماء الملوّث في الأزقة , بالرياح ,
تلهو بأبواب السطوح بلا رفيق
في شبه نسيان عميق.
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الأرض المحجبّة
الأرض المحجبّة
رقم القصيدة : 68471
-----------------------------------
صوّروها جنّة سحريّة
من رحيق وورود شفقّيه
وأراقوا في رباها صورا
من حنان , وتسابيح نقيّه
ثم قالوا إن فيها بلسما
هيّأته لجراح البشريّه
وأردناها فلم نظفر بها
ورجعنا لأمانينا الشقيّه
***
الملايين عيون ظمئت
عزّ أن تملك سلوى واحده
والملايين شفاه عطشت
ليس ترويها الوعود البارده(53/353)
ذلك المشتعل هاتوه فقد
أكل الليل العيون الساهده
وأمرّوه على أشباحنا
لتروا لون دمانا الجامده
***
عمرنا كان طريقا معتما
فأنيروه إلى القبر أخيرا
وصبانا كان جرحا ساهدا
يشرب الملح ويقتات السعيرا
وأغانينا رصفناها أسى
وسقفناها غيوما وهجيرا
وهوانا والنى بعناهما
واشترينا بهما حزنا كثيرا
***
أين ذاك النبع ؟ في أيّ ضحى
سنلاقيه ؟ وفي أية ليله ؟
لم نزل نحفر في أعمارنا
ظلمات ليس فيها طيف شعله
وزحفنا وجررنا معنا
ألف قيد في الأكف المضمحلّه
ووجدنا دربنا مقبرة
ما لنا فيها سوى الموت أدلّه
***
حدّثونا عن رخاء ناعم
فوجدنا دربنا جوعا وعريا
وسمعنا عن نقاء وشذى
فرأينا حولنا قبحا وخزيا
ورتعنا في شقاء قاتل
وكفانا بؤسنا شبعا وريّا
وعرينا وكسونا غيرنا
وكسبنا القيد والدمع السخيّا
***
أين تلك الأرض ؟ من حجبّها ؟
نحن شدناها برنّات الفؤوس
وأجعنا في الدجى أطفالنا
لنغذّيها وجدنا بالنفوس
وزرعنا وحصدنا عمرنا
وجنينا ظلمة الدهر العبوس
وسقينا أرضها من دمنا
ومنحناها لأرباب الكؤوس
***
أين تلك الأرض ؟ هل حان لنا
أن نراها أم ستبقى مغلقه ؟
لم تزل فينا حنينا صامتا
وابتهالا في شفاه مطبقه
والملايين حنين جارف
يتلظّى ورؤى محترقه
افتحوا الباب فقد صاح بنا
صوت آلاف الضحايا المرهقه
***
صوتهم خشّنه البؤس فما
فيه دفء أو بريق أو ليونه
وحشاه الدمع ملحا قاسيا
وشكايات وجوعا وخشونه
صوتهم خالطه الصبر وكم
قد صبرنا في شحوب وسكينه
لعنة الحسّ علينا إن يكن
غدنا كالأمس أقيادا مهينه !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> لنفترق
لنفترق
رقم القصيدة : 68472
-----------------------------------
لنفترق الآن ما دام في مقلتينا بريق
وما دام في قعر كأسي وكأسك بعض الرحيق
فعمّا قليل يطلّ الصباح ويخبو القمر
ونلمح في الضوء ما رسمته أكفّ الضجر
على جبهتينا
وفي شفتينا
وندرك أن الشعور الرقيق
مضى ساخرا وطواه القدر
***
لنفترق الآن , ما زال في شفتينا نغم(53/354)
تكّبر أن يكشف السر فاختار صمت العدم
وما زال في قطرات الندى شفة تتغنّى
وما زال وجهك مثل الظلام له ألف معنى
كسته الظلال
جمال المحال
وقد يعتريه جمود الصّنم
إذا رفع الليل كفيّه عنّا
***
لنفترق الآن , أسمع صوتا وراء النخيل
رهيبا أجشّ الرنين يذكّرني بالرحيل
وأشعر كفّيك ترتعشان كأنّك تخفي
شعورك مثلي وتحبس صرخة حزن وخوف .
لم الإرتجاف ؟
وفيم نخاف ؟
ألسنا سندرك عمّا قليل
بأن الغرام غمامة صيف
***
لنفترق الآن , كالغرباء , وننسى الشّعور
وفي الغد يشرق دهر جديد وتمضي عصور
وفيم التذكّر ؟ هل كان غير رؤى عابره
أطافت هنا برفيقين في ساعة غابره ؟
وغير مساء
طواه الفناء
وأبقى صداه وبعض سطور
من الشعر في شفتي شاعره ؟
***
لنفترق الآن , أشعر بالبرد والخوف , دعنا
نغادر هذا المكان ونرجع من حيث جئنا
غريبين نسحب عبء ادّكاراتنا الباهته
وحيدين نحمل أصداء قصتنا المائته
لبعض القبور
وراء العصور
هنالك لا يعرف الدهر عنّا
سوى لون أعيننا الصامته
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> سخرية الرماد
سخرية الرماد
رقم القصيدة : 68473
-----------------------------------
لو رجعنا غدا وأراد الزمان
أن يرانا كما كنّا
والتقينا فهل ينبض الميّتان
خلف ألواح صدرينا
***
لو رجعنا غدا ورآنا القمر
بعد غيبتنا الكبرى
ورأى كيف نمنح ما قد غبر
ومضى فرصة أخرى
***
لو رجعنا غدا ورأتنا النجوم
نجمع الذكر الذابله
نستعيد الهوى ونظلّ نحوم
حول أحلامنا الراحله
***
لو رآنا الطريق نشقّ السكون
بتعابيرنا الجامده
ويخادعنا ما طوته المنون
من رغائبنا الخامده
***
ونزيل رماد شهور طوال
عن هوى لفّه المستحيل
فوق أشلائه ذكريات ثقال
من دموعي وحزني الطويل
***
سترانا النجوم نسير معا
يخدع الليل مرآنا
خلف أهدابنا شغف مدّعى
ساتر سرّ ما كانا
***
وسيسخر من شبحينا القمر
وهو يرقب كيف نسير
كيف ننشر ما قد طواه القدر
واحتواه سكون المصير
***
وهناك نرى جثث الأشواق(53/355)
في خمود طويل عميق
ويخادعنا لونها البرّاق
فتؤمّل أن تستفيق
***
ونرى ركب أيّامنا الماضيه
لم يزل لاهث الأنفاس
فنمدّ له الأذرع الذاويه
علّه يوقظ الإحساس
***
ويرانا الدّجى راكعين على
تربة المرقد الجافيه
نلمس الجثث المرسلات إلى
الأفق أعينها الخابيه
***
ويرانا الدّجى فجأة في عياء
في أسى غامق شارد
واقفين نحسّ اصطدام الرجاء
بثرى الواقع البارد
***
ويمرّ على جبهتينا المساء
باردا مثل لوح جليد
وتعود كواكبه البيضاء
أعينا طفحت بالوعيد
***
ويشيّعنا القمر الهادىء
ببرود مثير غريب
ويلاحقنا وجهه الهازىء
حيث سرنا بصمت مريب
***
ونحسّ أخيرا بأنّ القضاء
قد طوى حبّنا الآفلا
وبقينا حيارى هنا غرباء
نذرع العمر القاحلا
***
وهنالك سوف يغنّي الرّماد
وسيسخر حتى القمر
من أسانا ومن أمل لا يعاد
كان يوما لنا واندثر
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> صائدة الماضي
صائدة الماضي
رقم القصيدة : 68474
-----------------------------------
انتظرني , غدا سيقذف بي المو
ت إلى شطّك الغريب البعيد
ثم تمشي بي السنين إلى با
بك بعد البحث الطويل المديد
وتراني خاف الزجاج أجرّ ال
أمس في لهفة المشوق العنيد
أتحدّى الصخور في الشاطىء العا
ري وألوي شموخها بنشيدي
انتظرني , وإن تمزّق في صد
رك ما كان ذات يوم رجاء
أو سمعت الرياح تصرخ عاد ال
حبّ ذكرى ورغبة عمياء
أو رأيت النجوم تنكر في أه
دابك الشوق والصّدى والنداء
أو أبت مقلتاك أن ترسما حل
ما جديدا وثارتا كبرياء
***
ومضت توقظ الشكوك وتغري
بلياليك عاصفات الظنون
وتخيّلت أنّني بعت ذكرا
ك وأمعنت في الجمود المهين
فانتظرني , لا بد أن نلتقي يو
ما وألوي بشكّك المجنون
***
ساصيد الأحلام من أمسنا الها
رب حلما حلما , وراء الزمان
ألقط الذكريات دون كلال
من غبار السكون والنسيان
وأناشيدنا ألمّ صداها
وأعيد الحياة للأوزان
***
ثم أمضي , ينير وجهك التأ
ريخ بحثا عن حبّنا المغدور
ذلك الأمس , لو عثرت عليه(53/356)
في زوايا التاريخ بين العصور
ثم نمشي معا إليك , إلى شط
طك فوق الأمواج بين الصخور
***
وترانا فجاءة نصعد السّل
م في لهفة وشوق كلانا
أنا والأمس كلّه , نطرق البا
ب غريبين لامسا الأوطانا
وتحسّ النجوم أنّا رجعنا
نعصر الدهر لحظة من هوانا
ويقول الزمان : عادا إلى الحب
وعاد الفراق وهما كانا
وترانا فجاءة نصعد السّل
م في لهفة وشوق كلانا
أنا والأمس كلّه , نطرق البا
ب غريبين لامسا الأوطانا
وتحسّ النجوم أنّا رجعنا
نعصر الدهر لحظة من هوانا
ويقول الزمان : عادا إلى الحب
وعاد الفراق وهما كانا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إلى أختي سها
إلى أختي سها
رقم القصيدة : 68475
-----------------------------------
هيّا معي فالليل مختلج الدجى حبا وشعرا
وعرائس الأحلام تفرش دربنا لونا وعطرا
وهناك في أعماقنا نبرات آلهة تغنّي
ونحسّها تلقي إلينا ألف أغنية ولحن
هيّا معي تتبسم الدنيا إذا أنت ابتسمت
ماذا يثير أساك ما دمنا نظلّ , أنا وأنت ؟
ألليل يعرفنا , خطانا طالما زرعت دجاه
والنجم يذكرنا فكم سهرت علينا مقلتاه
أختاه هاتي كفّك اليمنى فقد حان المسير
ألمجد يصرخ يستحث خطاك والحلم الكبير
لا , لا تخافي أن تخادعك الرؤى إن أنت جئت
فالليل يعرفنا ونحن معا نظل أنا وأنت
***
سيري معي فتحرّق المجهول يصخب في دمانا
والأمس , تلك الغرفة الصمّاء غابت عن رؤانا
ماذا يشدّ هنا ليالينا الحزينات الشقيّه ؟
وهناك في الأفق البعيد ضباب شطآن خفيّه
ستريق أنجمها على أقدامنا إن أنت جئت
وصحبتني لنجوب آفاق الوجود , أنا وأنت
***
وصحبتني ونسيت درب الذكريات الكاسفه
حيث الصخور السود والحيّات تلهث زاحفه
حيث انجرحنا ثم لملمنا الجراح على عجل
ونهضت تتبعني خطاك الحائرات بلا أمل
أختاه لا تبكي على الماضي سدى ما قد بكيت
لن يرجع الماضي وإن نحنا عليه , أنا وأنت
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الهاربون
الهاربون
رقم القصيدة : 68476(53/357)
-----------------------------------
إلام نجوب سحيق البلاد ؟
يعيث السراب بنا
تناولنا وهدة لوهاد
ويخدعنا المنحنى
***
وفيم أتينا ؟ يسائلنا البحر : ماذا نريد ؟
وتلحقنا عربات الرياح وتبقى تعيد
تعيد السؤال
ولا ردّ إلا خطوط الملال
على صمت أوجهنا في الليالي الطوال
نفرّ وتدركنا من جديد
***
ويسألنا الأفق أين نسافر ؟ أين نسير ؟
ومن أيّ شيء هربنا ؟ وفيم ؟ لأي مصير ؟
وفي صمتنا
قلوب تدقّ , ووقع المنى
على يأسنا فرح لا يطاق فهيّا بنا
لنبحث عن جرح حزن صغير
***
وفي سيرنا نسمع الليل يسخر من سرّنا
يلاحقنا بالظلام ويغري الرياح بنا
يقول الطريق
لماذا نجوب الوجود السحيق
يلاحقنا أمسنا ورؤانا ووجه صديق
وحتام نهرب من ظلّنا ؟
***
وفي سيرنا في الدياجير نبصر هزء القمر
ويغضبنا في سناه البرود , وبعض الشجر
يسدّ السبيل
علينا , ويسخر منّا الأصيل
وينبئنا أنّنا الباحثون عن المستحيل
وأنّا , برغم منانا , بشر
***
ونسمع من جنبات المسالك ذات مساء
صدى هامسا في الدجى أنّنا.. أنّنا جبناء
نخاف الأصيل
ونرحل لا رغبة في الرحيل
ولكن نهرب من ذاتنا , من صراع طويل
ومن أنّنا لم نزل غرباء
***
وها نحن , حيث بدأنا , نجوب الظلام الفظيع
شتاء يموت , وأسئلة لم يجبها ربيع
حيارى العيون
يسائلنا غدنا من نكون ؟
ويتركنا أمسنا المنطوي في ضباب القرون
فيا ليل , يا بحر , أين نضيع ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ماذا يقول النهر؟
ماذا يقول النهر؟
رقم القصيدة : 68477
-----------------------------------
ماذا يقول النهر؟
أقصوصة
ينسجها من رقص ضوء القمر
ينسجها من غزل ناعم
يداعب النخل به المنحدر
من نور مصباح يغذّي الدجى
حرارة ويستثير الشجر
من وقع مجداف خفيف الخطى
يشقّ في الظلمة صدر النهر
ماذا يقول النهر؟
أغنية
قديمة , بنت ليال طوال
غنّى أساها مرّة عاشق
والليل سكران بكأس الجمال
مثقلة بالدفء , ما زال في
ألحانها بعض حنين الجمال(53/358)
وخشعة الهودج تحت الدجى
ووقع أقدام الداة الثقال
***
تسبيحة
من بابل النشوى بعطر البخور
وموكب الكهّان في معبد
دجلة يطوي سرّه والصخور
وذكريات الليل والشمس عن
(مدينة الشمس ) وراء العصور
وعن (حمورابي ) وعن حبّه
وما طوى سفر الزمان الغدور
***
ماذا يقول النهر؟
دعي غلاف السرّ كثّا عميق
لو كشف الزّنبق ألغازه
لم يبق معنى لشذاه الرقيق
دعي غلاف السرّ كثّا عميق
لو كشف الزّنبق ألغازه
لم يبق معنى لشذاه الرقيق
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الزائر الذي لم يجيء
الزائر الذي لم يجيء
رقم القصيدة : 68478
-----------------------------------
..ومرّ المساء , وكاد يغيب جبين القمر
وكدنا نشّيع ساعات أمسية ثانيه
ونشهد كيف تسير السعادة للهاويه
ولم تأت أنت..وضعت مع الأمنيات الأخر
وابقيت كرسّيك الخاليا
يشاغل مجلسنا الذاويا
ويبقى يضجّ ويسأل عن زائر لم يجيء
***
وما كنت أعلم أنّك إن غبت خلف السنين
تخلّف ظلّك في كلّ لفظ وفي كلّ معنى
وفي كلّ زاوية من رؤاي وفي كلّ محنى
وما كنت أعلم أنّك أقوى من الحاضرين
وأنّ مئات من الزائرين
يضيعون في لحظة من حنين
يمدّ ويجزر شوقا إلى زائر لم يجيء
***
ولو كنت جئت..وكنا جلسنا مع الآخرين
ودار الحديث دوائر وانشعب الأصدقاء
أما كنت تصبح كالحاضرين وكان المساء
يمرّ ونحن نقّلب أعيننا حائرين
ونسأل حتى فراغ الكراسي
عن الغائبين وراء الأماسي
ونصرخ أنّ لنا بينهم زائرا لم يجيء ؟
***
ولو جئت يوما - وما زلت أوثر ألا تجيء-
لجفّ عبير الفراغ الملوّن في ذكرياتي
وقصّ جناح التخيّل واكتأبت أغنياتي
وأمسكت في راحتيّ حطام رجائي البريء
وأدركت أنّي أحبّك حلما
وما دمت قد جئت لحما وعظما
سأحلم بالزائر المستحيل الذي لم يجيء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الراقصة المذبوحة
الراقصة المذبوحة
رقم القصيدة : 68479
-----------------------------------
إرقصي مذبوحة القلب وغنّي
واضحكي فالجرح رقص وابتسام(53/359)
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني
أدموع , أسكتي الدمع السخينا
واعصري من صرخة الجرح ابتساما
اانفجار ؟ هدأ الجرح وناما
فاتركيه واعيدي القيد المهينا
***
أيّ معنى لاختلاجات الضحايا ؟
بعض أحزان ستنسى , ورزايا
وقتيل أو قتيلان , وجرحى
***
إقبسي من جرحك المحرق لحنا
لم تزل فيها بقايا من حياة
لنشيد لم يفض بؤسا وحزنا
***
صرخة ؟ أيّ جحود وجنون !
أتركي قتلاك صرعى دون دفن
أيّ معنى لانتفاضات السجين ؟
***
إنتفاضات ؟ وفي الشعب بقايا
من عروق لم تسل نبع دماء ؟
إنجارات ؟ وبعض الأبرياء
بعضهم لم يسقطوا بعد ضحايا ؟
***
لم يكن جرحك بدعا في الجروح
فارقصي في سكرة الحزن المميت
الأرقّاء الحيارى للسكوت
***
إضحكي للمدية الحمراء حبّا
واسقطي فوق الثرى دون اختلاج
منّة أن تذبحي ذبح النعاج
منّة أن تطعني روحا وقلبا
وجنون يا ضحايا أن تثوري
وجنون غضبة الأسرى العبيد
أرقصي رقصة ممتنّ سعيد
وابسمي في غبطة العبد الأجير
***
وابسمي للقاتل الجاني افتتانا
إمنحيه قلبك الحرّ المهانا
ودعيه ينتشي حزّا وطعنا
***
وارقصي مذبوحة القلب وغنّي
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني
وابسمي للقاتل الجاني افتتانا
إمنحيه قلبك الحرّ المهانا
ودعيه ينتشي حزّا وطعنا
***
وارقصي مذبوحة القلب وغنّي
واضحكي فالجرح رقص وابتسام
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الشخص الثاني
الشخص الثاني
رقم القصيدة : 68480
-----------------------------------
لو جئت غدا وعبرت حدود الأمس إلى غدي الموعود
وشدا فرحا بمجيئك حتى المعبر والباب المسدود
ولقيتك أبحث فيك عن المتبقّي من أمسي الفقود
لو جئت ولم أجد الماثل في ألحاني
وأطلّ على روحي منك الشخص الثاني
الشخص الثاني , من أعماق شهور التيه المطموره
حاكته دقائق تلك الأيّام الجانية المغروره(53/360)
وترّسب في عينيه تثاقلها ورؤاها المذعمره
وسأبحث فيك عن الماضي في اطمئنان
فيفاجىء لهفتي الحرّى الشخص الثاني
***
ومكان الواحد في عينيك المرهفتين أحس اثنين
ويقابلني الشخصان معا وسدى أرجو فصل الضدّين
وسأسأل عمّا خلّفه لي عامان
من وجهك , والردّ جبين الشخص الثاني
***
وسيسكن هذا الشخص الثاني الأحمق حتى في البسمات
وسيرمقني في خبث , مختبئا حتى خلف الكلمات
ولمن أشكو هذا المخلوق الشيطاني
والأول فيك محته يد الشخص الثاني ؟
عندما قتلت حبي
وأبغضتك لم يبق سوى مقتي أناجيه
وأسمعه صراخ الحقد في أغنية جهمه
وأبغضت اسمك الملعون والأصداء والظلاّ
وتلك الذكريات الخشنة الممقوتة الفظّه
هوت وتأكّلت وثوت مع الآباد في لحظه
وعدت قصيدة فجرية جذلى
وقلت الأمس ما عاد سوى لفظه
***
وتمّ النصر لي وهويت تمثالا إلى الهوّه
وراح الرفش في كفّي يشقّ الأرض في نهم
فلامس في الثرى جسدا رهيبا بارد القدم
ورحت أجرّه للضوء مزهوّه
فمن كان ؟
بقايا جثّة الندم
***
وكان الليل مرآة فأبصرت بها كرهي
وكنت قتلتك الساعة في ليلي وفي كأسي
وكنت أشيّع المقتول في بطء إلى الرمس
فأدركت ولون اليأس في وجهي
بأني قطّ لم أقتل سوى نفسي
فلامس في الثرى جسدا رهيبا بارد القدم
ورحت أجرّه للضوء مزهوّه
فمن كان ؟
بقايا جثّة الندم
***
وكان الليل مرآة فأبصرت بها كرهي
وأمسي الميت لكني لم أعثر على كنهي
وكنت قتلتك الساعة في ليلي وفي كأسي
وكنت أشيّع المقتول في بطء إلى الرمس
فأدركت ولون اليأس في وجهي
بأني قطّ لم أقتل سوى نفسي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الرسائل المحترقة
الرسائل المحترقة
رقم القصيدة : 68481
-----------------------------------
أحقاً رسالاتي إليك تمزقت
وهن حبيباتي .. وهن روائعي
أأنكر ما فيهن ؟ لا يا صديقتي
عليهن أسلوبي .. عليهن طابعي
عليهن أحداقي ، وزرقة أعيني
وروعة أسحاري وسحر مطالعي
حروفي .. سفيراتي .. مرايا خواطري(53/361)
وأطيب طيب في زوايا المخادع
وأجمل ما غنيت .. ما طرزت يد
وأكرم ما أعطت أنامل صانع
بأعصاب أعصابي .. رسمت حروفها
وأطعمتها من صحتي ، من مدامعي
وأنفقت أيامي .. أصوغ سطورها
بدقة مثال ، وأشواق راكع
أجيبي .. أجيبي .. ما مصير رسائلي
فإني مذ ضيعتها ألف ضائع ..
ألم تترك النيران منها بقية
ألم ينج حتى مقطع من مقاطعي ؟
حصيلة عام .. تنتهي في دقائق
وتلتهم النيران كل مزارعي
وتذهب أوراقي التي استهلكت دمي
فلا رجع موال .. ولا صوت زارع
أمطعمة النيران .. أحلى رسائلي
جمالك ماذا كان ؟ لولا روائعي
فثغرك بعض من أناقة أحرفي
وصدرك بعض من عويل زوابعي
أنا بعض هذا الحبر .. ما عدت ذاكراً
حدود حروفي من حدود أصابعي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أوريانتيا
أوريانتيا
رقم القصيدة : 68482
-----------------------------------
أوريانتيا
صديقة من آسيا
الأنف من شيراز
والعينان من قفقاسيا
.. والشفتان .. زهرتا أضاليا
أوريانتيا
.. تكونت
من رغوة البحار
من نكهة المانغو
.. من الأصداف والمحار
من كل ما في الهند
من طيب .. ومن بهار
أوريانتيا
شاحبة جملت الشحوب
.. دافئة
كالبن في مزارع الجنوب
تائبة ! من قال ؟
جل الحسن أن يتوب
أوريانتيا
نهدان واقفان
كقبتي نحاس
في ذهب المغيب
صحنان صينيان رائعان
قلعان من لهيب
.. تزودا من آسيا
.. بزهرتي غاردينيا
.. بعنبر .. بفلفل .. بطيب
.. وحبتي زبيب
أوريانتيا
شاحبة جملت الشحوب
أوريانتيا
.. أحر ما عرفت من توابل الجنوب
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ثلاث بطاقات من آسيا
ثلاث بطاقات من آسيا
رقم القصيدة : 68483
-----------------------------------
من آسيا
عليك يا صديقتي السلام
.. فبعد عينيك أنا
لا أعرف السلام
قطعت في تشردي الطويل
.. يا قمري
يا أرنبي الجميل
يا رغوة الحليب والرخام
قطعت ألف عام
بدون عينيك . بلا خبز .. ولا طعام
! تصوري
أتي بلا عينيك .. ألف عام
بدون مصباحين أخضرين
.. بدون شمعتين(53/362)
.. بينهما أنام
*
.. فيروزتي
ما زلت في سفينتي
أصارع الشموس ، واللصوص ، والدوارة
نزلت في مرافئ موبوءة المياه
صليت في معابد ليس لها إله
.. وأرخص الخمور ذقت
أرخص الشفاه
.. قتلت ألف مرة
.. غرقت ألف مرة
صلبت فوق حائط النهار
وسبعة قطعتها .. من أوسع البحار
من أخطر البحار
.. لمست سقف الشمس
كانت رحلتي انتحار
.. تصوري
أتي بلا عينيك ، يا حبيبتي ، قرون
لا كوكب في الأفق .. لا منار
بحارتي .. في السطح ميتون
وخبزي الإسفنج .. والمحار
تصوري الأرض وما تكون
يا أرنبي الحنون
بدون عينيك .. بلا فسقيه اخضرار
بدون شاطئين مقمرين
.. بدون غابتين
أنشد في حمامها القرار
*
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تلفون
تلفون
رقم القصيدة : 68484
-----------------------------------
صوتك القادم من خلف الغيوم
مد لي أرجوحةً من نغم
! من ترى يطلبني ؟ مخطئة
أنا جرحٌ مطبقٌ أجفانه
رقمي . من أين قد جئت به
بعد أن عاش غربياً مهملا
كيف .. من بعد شهور ٍ خمسة
حُبنا .. كان عظيماً مرة
( أتقولين : ( أنا آسفة
لم أعد أُخدع يا سيدتي
صوتك العائد .. لا أعرفه
حلوتي ! بالرغم مما قلته
داعبي كل مساءٍ رقمي
كلمة ٌ منك .. ولو كاذبة
حُبنا .. كان عظيماً مرة
وطوينا قصة الحب العظيم
( أتقولين : ( أنا آسفة
بعدما ألقيت حبي في الجحيم
لم أعد أُخدع يا سيدتي
بالحديث الحلو .. والصوت النغوم
صوتك العائد .. لا أعرفه
كان يوماً جنتي .. كان نعيمي
حلوتي ! بالرغم مما قلته
فأنا ، بعد ، على حبي القديم
داعبي كل مساءٍ رقمي
و اصدحي مثل عصافير الكروم
كلمة ٌ منك .. ولو كاذبة
عمرت لي منزلاً فوق النجوم .
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نهرُ الأحزان
نهرُ الأحزان
رقم القصيدة : 68485
-----------------------------------
كنهري أحزانِ
لوراءِ ، وراءِ الأزمانِ
سيّدتي .. ثمَّ أضاعاني
يتساقطُ أنغامَ بيانِ
والقدحُ العاشرُ أعماني
نيراني تأكلُ نيراني
آهٍ لو كانَ بإمكاني(53/363)
إلا عينيكِ وأحزاني
تتمزّقُ فوقَ الخلجانِ
حطّمَ في صدري إيماني
يا ظلَّ الله بأجفاني
يا أجملَ .. أجملَ ألواني
أحلى من عودةِ نيسانِ ؟
في عُتمةِ شعرٍ إسباني
فدموعُكِ تحفرُ وجداني
أأقولُ أحبكِ يا قمري ؟
فأنا إنسانٌ مفقودٌ
ضيّعني دربي .. ضيّعَني
تاريخي ! ما ليَ تاريخٌ
إني مرساةٌ لا ترسو
ماذا أعطيكِ ؟ أجيبيني
ماذا أعطيكِ سوى قدرٍ
أنا ألفُ أحبّكِ .. فابتعدي
فأنا لا أملكُ في الدنيا
أحلى من عودةِ نيسانِ ؟
أحلى من زهرةِ غاردينيا
في عُتمةِ شعرٍ إسباني
يا حبّي الأوحدَ .. لا تبكي
فدموعُكِ تحفرُ وجداني
إني لا أملكُ في الدنيا
إلا عينيكِ .. و أحزاني
أأقولُ أحبكِ يا قمري ؟
آهٍ لو كان بإمكاني
فأنا إنسانٌ مفقودٌ
لا أعرفُ في الأرضِ مكاني
ضيّعني دربي .. ضيّعَني
إسمي .. ضيَّعَني عنواني
تاريخي ! ما ليَ تاريخٌ
إني نسيانُ النسيانِ
إني مرساةٌ لا ترسو
جرحٌ بملامحِ إنسانِ
ماذا أعطيكِ ؟ أجيبيني
قلقي؟ إلحادي ؟ غثياني
ماذا أعطيكِ سوى قدرٍ
يرقصُ في كفِّ الشيطانِ
أنا ألفُ أحبّكِ .. فابتعدي
عنّي .. عن ناري ودُخاني
فأنا لا أملكُ في الدنيا
إلا عينيكِ ... وأحزاني
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عندما تمطر فيروزاً
عندما تمطر فيروزاً
رقم القصيدة : 68486
-----------------------------------
لا تسأليني .. هل أحبهما ؟
ألدي مرآتان من ذهب
أستغفر الفيروز .. كيف أنا
أبلحظة تنسين سيدتي
وجميع أخباري مصورة
نهران من تبغ ومن عسل
وستارتان إذا تحركتا
عام .. وبعض العام سيدتي
كم جئت أمسح فيهما تعبي
كوخان عند البحر .. هل سنة
أحشو جيوبي كلها صدفاً
عاد الشتاء بكل قسوته
الشمس منذ رحلت مطفأة
الآن أدرك حيث لا قمر
عام .. وبعض العام سيدتي
وأنا أضئ الشمع حولهما
كم جئت أمسح فيهما تعبي
كم نمت .. كم صليت عندهما
كوخان عند البحر .. هل سنة
إلا قضيت الصيف تحتهما
أحشو جيوبي كلها صدفاً
وأذيب حزني في مياههما
عاد الشتاء بكل قسوته(53/364)
يمتص أيامي فأين هما ؟
الشمس منذ رحلت مطفأة
والأرض غير الأرض بعدهما
الآن أدرك حيث لا قمر
.. ماذا أنا .. ماذا.. بدونهما
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> صديقتي وسجائري
صديقتي وسجائري
رقم القصيدة : 68487
-----------------------------------
واصل تدخينك يغريني
ولتترك في شعري الأسود
ولتترك في شعري الأسود
يفنى في الركن ويفيني
ولتترك في شعري الأسود
فعروق يديك تسليني
يفنى في الركن ويفيني
أن أشعر أنك تحميني
ولتترك في شعري الأسود
أتأمل في الوجه المجهد
فعروق يديك تسليني
تنهي أعصابي تنهيني
يفنى في الركن ويفيني
وتصرف فيه كمجنون
أن أشعر أنك تحميني
تتسلل من خلف المقعد
تتسلل من خلف المقعد
ولتترك في شعري الأسود
دخن لاأروع من رجل
أتأمل في الوجه المجهد
وأعد أعد عروق اليد
فعروق يديك تسليني
وخيوط الشيب هنا وهنا
تنهي أعصابي تنهيني
دخن لاأروع من رجل
يفنى في الركن ويفيني
أحرقني أحرق بي بيتي
وتصرف فيه كمجنون
فأنا كإمرأة يعجبني
أن أشعر أنك تحميني
أن أشعر أن هناك يداً
تتسلل من خلف المقعد
كي تمسح رأسي وجبيني
تتسلل من خلف المقعد
لتداعب أذني بسكوني
ولتترك في شعري الأسود
عقداً من زهر الليمون
دخن لاأروع من رجل
يفنى في الركن ويفنيني
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> شعري .. سرير من ذهب
شعري .. سرير من ذهب
رقم القصيدة : 68488
-----------------------------------
شعري .. سرير من ذهب
غمسته في الشمس
بعثرته .. أحس
جملته ، شكلته
شعري أنا قصيدة
داخت عصافير به
فأين من شعري له
لواحد أحبه .. ربيته
سقيته من خفقة الضوء
خبأت تموز به
له .. له .. أطلته
تعبت في تطويله
تعبت كي ينسى التعب
أقعد في الشمس أنا
.. أفتل أسلاك الذهب
هذا الطويل المنسكب
سقيته من خفقة الضوء
.. ورعشات اللهب
خبأت تموز به
قمحا .. ولوزا .. وعنب
له .. له .. أطلته
جعلته بطول مداد الطرب
تعبت في تطويله
تعبت في تدليله
تعبت كي ينسى التعب
لواحد .. لواحد(53/365)
أقعد في الشمس أنا
.. من سنة
.. أفتل أسلاك الذهب
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> فستان التفتا
فستان التفتا
رقم القصيدة : 68490
-----------------------------------
أمس أنتهى .. فستاني التفتا
أرأيت فستاني ؟
حققت فيه جميع ما شئتا
.. وشيا .. ونمنمه
.. وطرائفا شتى
أرأيت فستاني ؟
أرأيتني ؟
أنا بعض نيسان
أنا كل نيسان
أرايت فستناني ؟
.. صنعته حائكتي
من دمع تشرين
من غصن ليمون
.. من صوت حسون
إخترته لونا حشيشيا
لونا يشابه لون عينيا
.. فصلته
شكلا أثيريا
فأنا به أخفى من الرؤيا
ومشيت .. لم أسال عن الدنيا
ما همني الدنيا
..أنا الدنيا
ورجعت أحمله إلى البيت
وأخذت أمسحه وأطويه
.. أسقيه ، أطعمه ، أغنيه
.. لأجيء فيه ليلة السبت
.. لتكون .. أول من الاقيه
أمس أنتهى .. فستاني التفتا
.. من عند حائكتي
أكمامه عشب البحيرات
أزراره .. كقطيع نجمات
أمس انتهى .. لم تدري والدتي
.. فيه .. ولم أخبر رفيقاتي
.. ما قصتي ؟ أثلاث ساعات
وأنا أدور أمام مرآتي
أقصيه عن صدري .. وأدنيه
أرجوه ، أساله ، أناديه
وأعده للموعد الآتي
.. حتى تراني فيه
أمس انتهى فستاني التفتا
ما همني رأي الرفيقات ؟
! يكفي إذا أحببته أنت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> سميرا ميس
سميرا ميس
رقم القصيدة : 68491
-----------------------------------
سكر الليل
باللظى المخمور
واقشعرت معالم الديجور
وسرت نسمة
فهش ستار
و استخفته ضحكة التغرير
فتنزى من غرفة
وسرير كان يجثو في قلبها المخدور
ورأى الليل شمعة
تتلاشى
في دموع تمرغت بالنور
أطلقت ضوءها الكئيب فاغفى
فوق ظلين
هوّ ما في السرير
وتهاوى لمسمع الصمت همس
شنج النار
في الفراش الوثير
لملمت طفلة السكون الأمان
وتناهت في كهفها المسحور
وغفت ضجة النهار
فماذا ...؟
حرك الحس في الدجى المخمور
اغرام ... !
عهد الغرام توارى
وانطوى
مضجع الهوى المسعور
وتمشى في قصة الأمس سر
أيقظ الموت
في ذرى آشور
فخلا القصر(53/366)
غير طيف فراغ
عصفت فيه لوعة التدمير
وخلا القصر
غير حسناء كانت
تعبد الصمت في الفراغ الكبير
عتقت شهوة الدماء
فجنت
دودة الطين في الدم المأسور
أين نينوس ... ؟
زوجها المتشهى
أين لذات أمسه المأثور
كل عرق في جسمها
يتلوى
بضجيج اختناقها المحرور
قد غفى أمسها الجميل وولى
في المتاهات
كومة من عبير
فإذا البهو غيبة وذهول
فيه ما في فؤادها المستجير
كل شيء هنا
مجرد شيء
وجمود مغلل بعصور
كم رأى الليل أدمعا تتمطى
كجراح في وجهها
كم تهاوى
في مسمعيه نشيج
وانتفاضات قلبها المكسور
كم تمنت
ولو أنها بنت راع
تشجر الليل في لظى تنور
كم تمنت
لو أنها بعض حلم
لم يقيد بعالم شرير
لم يدنس بغمرة الطين يوما
لم يعتق صداه بين القصور
كم تمنت
لو أن تلك اللآلي
وهي في صدرها شهادة زور
زفرات
تبلورت في دنيا
سلها الحب من دما غرير
أو أماني عاشق مستهام
أو دموع
لشاعر مغرور
أي معنى لتاجها ... أتغذي ؟
نهم الجسم من سماه المنير
أي معنى لعرشها المتعالي
وهو يشدو لعمره المنصور
ليس في تاجها
جنون حياة
ليس في عرشها بريق شعور
تتلوى على الفراش
عساها
تزرع الحس في الفراش الغدور
هكذا عفر الخريف
جفونا
لم تزل بعد مرتمى للنور
هكذا صاحب الظلام سناها
وهو ينسل للفناء المرير
*
سميرا ميس ذياك الذي ادريه عن قلبك
سميرا ميس من هذا الذي يغفو إلى جنبك ؟
*
ضجر الصمت ليلة
فتمطى
في غضون السكون همس الرداء
عبر البهو كالخيال
رقيقا
يتوقى مطارف الضوضاء
وعلى ضفة الظلام
تراءت
خفقتان من السنا الوضاء
عكس القلب فيهما
من دماه
بعض أطياف منية هوجاء
فوق نوريهما
التفات سنين وانتفاض لفكرة
حمراء
أي سر ... ؟
في ناظريها يدوي
أي سر ... ؟
في هذه الأصداء
هيه ...
مهلا ...
لقد تحرك باب
وشعاع في الكوة السوداء
وعلى مبسم السكون
تنزت بعض آثار ثورة خرساء
أطلقتها
من مذبح الجسم
أثام فتاهت مع الرؤى في الفضاء
تخلق الحس في الدجى
وتندي
ختلات الضلال بالأغواء
ايه اشور
ذاك تاجك جاث
يتفانى(53/367)
على صديد اشتاء
تلك ... راميس
دودة
تتشهى جيفة الأرض
ثورة الأنواء
شرقت بالسموم حتى تلاشت
صور الطهر في الرؤى الرعناء
أحرقت روحها
وذكرى ليال
كم تعطرن باختلاج الوفاء
فعلى خافق السرير
استبدت
عاصفات
بطينتي أهواه
طوقت ابنها
فسلت دماها
من صدى أمسها القريب ... النائي
طوقته
فطوقت ذكريات
يتخبطن في جنون الدماء
ها .. هنا
ها .. هنا
ربيع فتي
وخريف مضمخ بشتاء
عصف الشر فيهما
فتوارت
خدعة الطهر العفاف المرائي
صاح :
نيناس .. تلك امك
فاسكر
برحيق الخطيئة العمياء
دنس الماضي المسيء
وحطم
تحت رجليك كعبة الأبناء
أنت ... ما أنت
غير كومة طين
فيك
ما في التراب من أشياء
هيه ...
ماذا ... ؟
أرى بعينيك روحي
وجنوني
و عاصفات ندائي وجحيما
يطل من كوة العين ويحبو
في الغرفة الصماء
هيه ...
ماذا ... ؟
أراك تخشى رياحا
أنا أيقظت شرها
من دمائي
فيم تخشى الحياة في موكب النار
فترتد
عن دمى أهوائي
ايه ... نيباس
تلك أمك
فارفق بنداء الأمومة الشوهاء
لبّ صوت الخنا
فلبى نداه
واستوى الفصل في ضمير الخفاء
ولولى الليل جيده
واستفاقت
في شفاه الحياة روح سناء
ثم أغفت
في كوة القصر كالحلم
وظلت كهمسة بيضاء
ورأت ...
قصة
فثار سؤال
في عروق السكينة الملساء
*
سميرا ميس من هذا الذي إلى جنبك
يريق الاثم في قلبك ... ؟
*
هو ابني أيها الليل الذي يولد من رعبك
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أهواك
أهواك
رقم القصيدة : 68492
-----------------------------------
أنا أهواك ولكن
غير ما تهوين أهوى
أنا أهواك جراحا في حياتي تتلوى
كلما هدهدتها
أهدت إلى العالم نجوى
*
أنا أهواك نشيدا
أزليا
يتغنى
فيه ذوبت شبابي الرائع الألحان لحنا
ولنفن بعده
فالحب عمر ليس يفنى
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صدى خريف
صدى خريف
رقم القصيدة : 68493
-----------------------------------
قلب توكا على عكازة الذكرى
وراح يبحث في أنقاض
ما مرا
عن صورة أهملت في قبو أيامي(53/368)
يا قلب ...
دعك من الماضي
وأشلائه
كف السنين أبادت كل لالائه
ولن ترى
غير أشباحي وأوهامي
ظللت أرقصها بالكذب
أياما
حتى استحالت بمر الدهر
أنغاما
أروي بتضليلها قلب الصبا الظامي
إن كنت تبحث
عن حبي
وعن أملي
فالحب أغفى
وماتت همسة القبل
من بعد ما ملأت
صاب الأسى ... جامي
أو كنت تسأل عن آمالي الغر
فتلك كومة وهم
أغرقت فجرى
يوما
ولم تبق إلا يأسك الدامي
كما نسيت الصبا ...
دعه لدنياه
فلن ترّجع لي شيئا
بذكراه
ألا تفجّر أحزاني
وآلامي
يكفيك ما في كؤوسي اليوم
من ألم
وصبوة تتلوى في يد العدم
حيرى
تقلص فيها نبع أحلامي
أراك تمعن في نسيان صورتها
ما صبوتي
غير أحلامي وشقوتها
تلك التي حملت أعباء أعوامي
اليوم تغفو وراء الغيب في كلل
كأنها سئمت
وعدا بلا أمل
يهفو على وتر دام وأنغام
ومثلها فلتنم ..
أيام دنياكا
فالشؤوم يرقص في دربي ومسراكا
(( وقد تمنيت
ألفا ...
دورة العام ))
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نشيج
نشيج
رقم القصيدة : 68494
-----------------------------------
نامت على أجفاني الغافيه
تذيع بين الصمت أحزانيه
ذوبتها
من مهجة ذوبت في لجة من نار آلاميه
عصرتها من أمل خائب
كزهرة ديست بأقداميه
...... حتى التي سقيتها
مهجتي
غمامة
باحت بأسراريه
*
يا دمعتي الليل قد خيمت أشباحه
في غرفتي الباليه
لله
خليني إلى وحدتي
أبث للشمعة أشجانيه
فشمعتي شاعرة طالما
غنت لي النور بأجوائيه
تشكو لي النار
وأشكو لها
نارا
من الحب بخفاقيه
تصارع الليل فما ينتهي
كأنما الظلام
أيامه
صفراء في اللون كطيف التي
وهبتها العمر
وأحلاميه
يا شمعتي ...
أمسّك الضر .. أم ..
سرت بأحشائك أدوائيه .. ؟
أم هذه الصفرة
من وجهها تذكرة
تلهب أشواقيه ... ؟
يا شمعتي ...
ماتت عهود الهوى
دفنتها في ليل اوهاميه
لم يبقى من حبّي
إلا الصدق
مشوش
يرثي
لآماليه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الصمت الحالم
الصمت الحالم
رقم القصيدة : 68495(53/369)
-----------------------------------
كفي التألم
واهجعي
تعب الزمان فلن يعي
عبثا ترومين الصباح وصبح سعدك
قد نعي
عيناك
باهتتان في لجج الظلام المفزع
تتلمسان عواصفا
سوداء لما تهجع
حلمان
قد هربا من الماضي البعيد المفجع
وتأرضت نجواهما بتوجع
نامي ...
على صدري .. مخمور جسمك
واهجعي
ودعي جدائل شعرك الزاهي
تقبل ادمعي
إنا انطلقنا من مدار الأرض
فابتسمي معي
مالي أراك كشاعر
*
جاث
على حلم الطريق
أعمى تعكز بالهواجز والظنون بلا رفيق
يحبو على فجر الصبا
متعثرا بخط الشروق
حسب السنا إغفاءة بيضاء في الوادي العميق
وستنتهي أحلامه الحيرى
إلى أبد عتيق
لا شيء غير الناس ديدان تنام وتستفيق
لا شيء غير الأرض خافقنا الصفيق
لا شيء غير رسومنا تخبو بذاكرة الطريق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الزهرة الحمراء
الزهرة الحمراء
رقم القصيدة : 68496
-----------------------------------
زهرتك الحمراء ... لما تزل
ترقرق الاعطار
في مخدعي
وترقص الأحلام في غرفة
أرقصت دنياها على أدمعي
كوني كما شئت
فإني هنا
أقيم في أوراقها مرتعي
وأرتمي ...
في طيبها
فراشة محمومة لا تعي
*
من بسمة حالمة ...
من رؤى
تهفو على أجفاني الساهمة
أطلقت أيامي تعبّ المنى
من شفتي زهرتك الحالمه
وكلما همّت بتقبيلها
خفق انسانيتي الآثمة
ارتعشت ...
بالله ...
لا تعتد
قد اودع الطهر .. هنا
عالمه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> قيثارة الأمل
قيثارة الأمل
رقم القصيدة : 68497
-----------------------------------
كلّ له قيثارة إلا ..
أنا
قيثارتي في القلب حطمها الضنا
كانت
وكنا
والشباب مرفرف
تشدو فتنشر حولها صور المنى
واليوم
كفنّنا السكون ولم نزل
بربيع عمرينا
فمن يرثي لنا .. ؟
*
في صمتها الدامي
تكرر لحنه مسلولة
تشدو بلا أوتار
هربت من الماضي البعيد وعهد
واتت
لترثي
خلسة .. قيثاري
يا لحنة الذكرى
فديتك .. ارجعي
أخشى ضلالك في دجى
أقداري(53/370)
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> فلترقد
فلترقد
رقم القصيدة : 68498
-----------------------------------
سر وئيدا
إنها تغفو .. هنا .. تحت الجليد
وتكلم هامسا
فهي تعي همس الورود
شعرها البراق
قد لوثه ليل الصدى
طفلة حسناء
أمسى فوقها يغفو الردى
مثلما الزمبقه العذرا
وكالثلج نصوع
جهلت امرأة كانت
فشبت في خشوع
لوح نعش
وصخور فوق نهديها ترامت
أحزنتني
وهي في أرجوحة الراحه نامت
صه .. فما تستطيع ان تسمع للقيثار لحنا
هاهنا .. فجر حياتي تحت ثقل الأرض يضني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لاشيء هنا
لاشيء هنا
رقم القصيدة : 68499
-----------------------------------
ايه يا فجر صباباتي ..انته
لملم ألان صبابات المنى
كل شيء قد طوى تاريخه
وانطوى في ظل عهد
موهنا
اتكا الماضي على أحلامه
يلعن الصمت
ويشكو الزمنا
وسيمضي اليوم محموم الخطى
يتمطى
فوق رجليه الضنا
توغل الظلمة في أيامه
وهو كالامس يصلي للسنا
*
كل ما في حاضري يصرخ بي
أيها المجنون .. لا شيء هنا
*
هاهو الحب يولي
هربا
بعدما أودى بدنياه السأم
لم يعد كالامس
ان غارت به
مدية الحزن تغني بالألم
ومضى ينسج في تلك الدما
خفقت النور والهام الظلم
وإذا مالدهر ابلا أملا
كانت التوبة في جرح
ودم
كيف أمسى طللا كابي الرؤى
وصحارى
من رمال .. وعدم
كلما لذت بدنياه انحنت
غير سطر قال : لا شيء هنا
*
كل آمالي تلاشت
مثلما يتلاشى النور عند الغسق
وتساوى الليل عندي
والضحى
رب ليل فجره لم يفق
أجرع الحزن كؤوسا
كلما
أفرغت أترعتها من ارقي
صوبت من كل صوب اسهم
لست أدري
أي سهم أنقى
إذا استنجدت بالوهم هوت
مدية الأحزان تفري مخنقي
*
أيها التائه في ودياننا
ضل مسراك فلا شيء هنا
أنا انسان كباقي الناس
ولكن .. ويح نفسي أي انسان
تراني
ليس لي ماض
ومالي غير يوم
يرسم العمر على سود أغاني
وغدي
فوق يدي الغيب دنا
لتهاويل رماد
ودخان
تخفق الأيام في راحته
بالأسى
بالذعر
بالصمت المهان(53/371)
وسيمضي مثل يومي بددا
ذابل الأحلام مخنوق الأماني
*
يتلولى في دمائي صيحة
أيها السادر لا شيء هنا
*
وغدا للقبر تسعى قدمي
كي أريق العمر في مظلمه
ويبيد القدر الغافي على
قلبي المحموم بقيا حلمه
فإذا العالم
حس هامد
ترقص الظلم في مأتمه
واذا مرسم إلهامي دجى
تنعب الديدان في مرسمه
كلما لج بها الجوع
مضت
تنحت الحكمة في اعظمه
يا اخا الروح الذي استحقرنا
كل دنياك
بايدينا
.... هنا
أيها الانسان يا من دستني
دودة ... دنياك في كفي .. هنا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صور في كأس
صور في كأس
رقم القصيدة : 68500
-----------------------------------
لا تبسمي المصباح ان السنا
يؤذي جفون الظلمه الحالمه
يكفي من البدر شعاعاته
تحوم في ارجوحه
قائمة
ياسرها الليل بظلماته
فتنثني ساخرة
باسمة
كأنها اشباح حلم خفت
في ظل أجفان الدجى
الساهمه
وقربي الكأس
ففي خمرها
رسوم أيام الصبا جاثمه
فذا شبابي
مورق ظله
يتيه في أحلامه الناعمة
يحوم في روضة اوهامه
جذلان من اشذائها الهائمه
وتلك .. من تلك ..
أرى غادة
في الكأس مثل اللجة الواجمة
ذا ثغرها
وتلك .. ماذا هنا ..
بسمتها القاسيه الغاشمة
ونور عينها
على عهده
بحيرة مزبدة .. فاحمه
تموج في أمواجها شهوه
اعرف فيها اللذة الاثمه
لا تجهدي المصباح إن السنا
لن يعرف الدرب لقلبي الحزين
لا تبسمي شيئا
ففي مهجتي نور غفت في شاطئية المنون
والكأس
ما زال ثمالاتها
تهيج الشوق فيبكي الحنين
ويهتف اليأس بها
صارخا
ويلك اوذيت الشباب الثمين
هجرت دنياك
الى غربه
يصك اذنيك صراخ الانين
انظر الى وجهك
ماذا ترى
تلوي الآلام فوق الجبين
أهرمك الشوق لمأوى الصبا
وأنت ما زلت بباب السنين
تقطع الايام
في غرفة
جاثية فوق شفاه السكون
كأنها
والصمت ثاو بها
جمجمة تخفق فيها الدجون
أين الهوى الممراح
مستلقيا
تحت خميلات الشباب الحنون
لا شيء من حلم الصبا ..
ها هنا
إلا صدى الذكرى وهمس الشجون(53/372)
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نهاية حلم
نهاية حلم
رقم القصيدة : 68501
-----------------------------------
عيناك
ماذا فيهما ...؟
يا للشقاوة ..انطقي
إني أحس وراهما
صوتا سيخنق ما بقي
وأرى
على ظليهما شبح التمرد يرتقي
أنويت قتل غرامنا
في المهد
دون ترفق
ما زال طفلا لم يذق طعم الحنان
بمرفقي
ما زال حلما باسما
لم يغف بعد بمخفقي
*
أنسيت ..؟
يوم طبعت في عينيك ظل تحرقني
فتبسمت
شفتاك في أذني بحلم شيّق
وغفت
على ثغري كأفق بالسعادة مغلق
أبنوره ...؟
أبنوره الثمل الذي غنى فأرقص مغبقي
أطوي لحون شبابنا واسم صبح
تعشقي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> سأم
سأم
رقم القصيدة : 68502
-----------------------------------
يا طيوف الفناء هذي حياتي
دمريها
فقد سئمت الو جودا
بدّلي النور
بالظلام
ودوسي
تحت رجليك عمري المكدودا
قد سئمت الحياة أطلال صمت
ودموعا
ينجس حولي الشقاء
وركاما من الهموم الجوائي
فوق قلبي
تهده اعياء
*
قد صحبنا الزمان حتى .....
مللنا
وجرعنا من السنين الكفاية
فاسدل الستر يا فناء
ومزق
قارئ الأمس والهوى
والرواية
*
كنت بالأمس إن بكيت
تمشت
فوق جفني كفها بحنان
ولكم بالشفاه سلبّت دموعي
لتروي جنانها
من جناني
*
كم رتعنا على شواطئ حلم
نتغنى برائعات الأماني
فرأيت أطياف حب
حالمات سماؤها عينان
*
وإذا ما الزمان لملم أفقي
أفسحت بين جفنها
لي زمانا
وأرقت من ناظرين سماء
كم تنقلت بينها نشوانا
*
أين ذاك الصباح
لا شيء منه
غير ذكرى تزيد قلبي حزنا
ونشيج
مغلف ببقايا من فؤاد يذوب يأسا
ويفنى
*
يا طيوف الفنا
مرّي سريعا
قد خبرت الحياة في كل دور
فعرفت الهدوء
في الموت يحيا ومهاوي الرجاء
أرجاء قبر
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لهاث الوحدة
لهاث الوحدة
رقم القصيدة : 68503
-----------------------------------
أذناي
عمّهما من الماضي البعيد صدى شبح
وخيال أغنية من الذكرى
تفجر من برح
لتعود بالحب الطعين(53/373)
يكاد يزهقه ........الترح
لما تزل تعوي على أطلاله
صور الخداع
وخيانة القدر البهيم
وعالم الوهم المضاع
لما يزال
كالأمس يحلم باللقاء وبالوداع
*
يا حب ...قد ذبلت عروقي
والتظى فيها الهرم
ومضى الشباب عصافة لاذت
بزوبعة الألم
والدهر أيقظ في دمعي المخمور مأساة العدم
يا حب ....
قد مات الشباب وكنت من خلانه
فاجرض حياتك
واندثر في ذاهبات زمانه
أخشى عليه لهاث وحدته
وصمت مكانه
*
فهناك ...
لا حلم يهدده
ولا نجوى أمل
وهو الذي قطع الحياة على عوالم من قبل
ارجع إليه ... وخلني أحيا بماضيه الثمل
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> النهر الأسود
النهر الأسود
رقم القصيدة : 68504
-----------------------------------
زنبقة سوداء
في ثغرها الذاهل قد نام احتضار
المساء
نهر تمشي الليل
في لجة
مسترسلا
يسبح فيه الصفاء
تقلصت أمواجه
شهوة
فكونت
نهدا يناجي السماء
كأن أحلام الصبا
جمدت
في قدحي لحم
وكأسي دماء
وانتفض المغرب
في حلمتي نهدين ...بل
أنشودتي
اشتهاء
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حدثيني
حدثيني
رقم القصيدة : 68505
-----------------------------------
حدثني
عن حياتي الماضية
فهي أنوار الشباب المندثر
وأعيدي لي صدى أيامه
يوم رفت فوق آمال
غرر
جدديها ...
وابعثيها ...ثانية
ذكريات
تمطى في خور
حطمتها كف دهر عاتيه
لم تدع غير شتات من صور
*
حدثيني عن ليالينا الطوال
والهوى ينشر دنياه علينا
نتغنى فوق شطآن خيال
يتهادى
باسما في ناظرينا
فإذا بالدهر أطياف جمال
ووعود
وأمان في يدينا
كيف أهديت سناها للزوال
والليالي لم تزل
ظمأى ..ألينا
حدثيني
فعسى أنسى همومي
بعض حين
بين همس الذكريات
سئمت نفسي اكتئابي
ووجومي
وذهولا سل من عمري الحياة
لم أعد غير أناشيد سهوم
تتلوى
في جحيم الشكويات
فابعثي النشوة من تلك الرسوم
صورة
تومض في عتمة آت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ربيع شقيقة
ربيع شقيقة
رقم القصيدة : 68506(53/374)
-----------------------------------
دخل الربيع لو كرها متسللا
وجثا
وعفّر ثغره بجبينها
فتسللت من روحه الشهّاء أحلام
غفت بين اختلاج جفونها
قالت لها :
قومي ... استفيقي ... وامرحي
ان الشباب دنا وقبّل ناهديك
وأرق دنياه الجميلة
زهرتي نور
وأحلامنا ترف بوجنتيك
*
فتململت فوق الفراش كزهرة
في روضها الفينان
والمعطار ...نشوى
وتململت في صدرها
دنيا هوى
وتثاءبت في العين أطياف ونجوى
*
ضمت وسادتها
وفي شغف هوت
تبلي الوساد بلثمها تجريحها
فكأنها كانت تصب بجسمه
روحها
تبادل روحها التبريحا
*
وإذا استفاقت لم تجد
غير التعاسة والأسى تستل روح
شبابها
قدر يسطرها رواية أدمع
تتجاوب الآلام طي كتابتها
ضمت وسادتها
وسدت عينها
لتعود ثانية الى أحلامها
دنيا الخيال أرق من دنيا صبا
خنقت كوارثها سنى أيامها
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الطبيعة الغاضبة
الطبيعة الغاضبة
رقم القصيدة : 68507
-----------------------------------
الليل جاث
والظلام مكشر عن نابه
والرعد يرعد كلما هتف السناء ببابه
فكأن خلف الليل
قلبا مل طوال عذابه
سئم الدجى والوحشة الرعناء ملء
اهابه
سئم السكون تعربد الأشباح في محرابه
فهوى على الدنيا
يربق بها التمرد والسهوم
ويصب في خلجاته نوح العواصف والغيوم
لم يرحم القمري وهو يثن بين يد الكلوم
يستعطف الريح الغضوب
ويشتكي الليل الظلوم
وبناظريه تأمل دام تقطره الهموم
*
واطل من قلب الظلام ختام أحلام عذاب
يلهو بها قدر وراء السر أضحكته العذاب
فالزهرة الحسناء لفت ساعدين
على اضطراب
ثم انتحت
وغفت على لغز ولم تأس جواب
أترى تسائل نفسها
عما ستلقي في التراب ...؟
*
وهناك يحتاج الدجى المصدور
انسان غريب
هجر المدينة هازئا
بالليل
بالريح الغضوب
ان هوّ ما في دربه
فبقلبه انفرجت دروب
أو حطما روضا له
فخياله روض قشيب
لا الليل بأسره ولا تسمو لدنياه الخطوب
*
من أنت ..؟
يا من ترهب الظلماء خطوته الرهيبة
يمشي كما شاءت عصاه(53/375)
كأنها حفظت دروبه
تتنفس الأشباح في عينيه حالمة
كئيبة
لا الليل أرعبها بما يلي
ولا خشيت قطوبه
من أنت ..؟
اني شاعر عمري أعاصير غريبة
*
فاعصف الأحداث ما شاءت
وما شاءت غير
ولينقل القمري آهات العرائس والشجر
ولتنفجر محمومة الخلجات في الدنيا سقر
لا ... لن تموت نشائدي مادام في قلبي وتر
اني انفجرت من السحاب
وجئت من قلب القدر
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> انتظار
انتظار
رقم القصيدة : 68508
-----------------------------------
يمشي الشتاء بغرفتي متعثرا بظلامها
والدفء مشلول القوى
جاث على أقدامها
قلقا يمرغ ضوءه المخنوق فوق رغامها
*
والليل داج
والعواصف نائحات خلف بابي
ورياح كانون الكئيب
تبادل القلب اكتئابي
عبرى تسطر فوق نافذتي التفاتات اضطرابي
*
والساعة الحمقاء تمطر في الدجى ساعاتها
فعلام لم ترجع ..!
ألم تسمع صدى دقاتها ..؟
ولعلها نسيت حديث الأمس في همساتها
*
رباه ...
إن الشك سقتلني بدون ترحم
فبأي صدر فاجر الشهوات مشبوب الدم
تقضي المساء الآن تهتك وتأثم
*
وأخاها نشوى يسيرها المجون ولا تعي
نشوى تدنس جسمها في مخدع
وتهينه في مخدع
وتذل حبا طاهرا قدست فيه توجعي
*
هذا السرج قد انتهت أحلامه
ودنا الصباح
والفجر يولد مرة أخرى على نزف الجراح
ومحت يد الصفوة الجميل دجى العواصف
والرياح
لكن بقلبي لم تزل ريح تبث أنيابها
وعواصف مجنونة
تملي عليّ جنونها
شك يداهمها فتنثر في الجفون
دفينها
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> اختناق
اختناق
رقم القصيدة : 68509
-----------------------------------
كآبة خرساء
تزفر في قلبي
فتنثر الأرزاء
شوكا على دربي
وترقص الأنوار
سكرى على هدبي
ان مست الأهواء
انهدت الى جنبي
وعافها الماضي
رعشات خذلان
يا خفقة المصباح
يا ضوءه السامي
يا رعشة المفتاح
في باب أحلامي
يا وهمي الملحاح
خنقت أنغامي
فاطلق هنا الأشباح
تنحت أيامي
قد غفى الاصباح
في جرحي الدامي
يرقص أنقاضي
في قبوها الفاني(53/376)
من أين كم من أين
مرت بآذاني
فخلفت ضدين
من مأوانا
فطفن في الأقداح
يبغين سلوانا
واتساقت البلوى
تمتص ألحاني
إن كنت كالإنسان
من طينة حمرا
تخفق بالأدران
من هده البشرى
لا أنت في الأجفان
مهازل أسرى
تخلقها الأشجان
فتخلق الذكرى
والوجد والآهات
في روح سأمان
هاتي لي الذكرى
و أملى بها كاسي
كم ساعة تترى
في جوع أنفاسي
وتنصب الشرا
قي قدس أقداسي
فاحرق العمرا
نورا الى الناس
والليل قد أبر
قلبي وإحساسي
والجوع والعلات
يمضغن إيماني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> كفن من دخان
كفن من دخان
رقم القصيدة : 68510
-----------------------------------
عمري رماد وابتسام دخان
عصرتها من خافقي أشجاني
فدعي الرماد يضم أنوار الصبا
ودعي الدخان
يحوك لي أكفاني
قد كان خلفهما فؤاد خالق
غنى فما أصغت له اذنان
وبكى سنى للناس رفافا ... فما
رفت على خلجاته عينان
فأحال ذاك النور
رغم بهائه ... دنيا رماد قاتم الألوان
وأحال زغردة اللحون وعطرها
ظلمات وهم
وانتفاض دخان
*
قلقا أسير مع الوجود كأنني
أمشي بأيامي على بركان
وهجرت صبحي
وهو مؤتلق السنى
أعمى يكفنه دجى الحرمان
كبدي استحالت قصة
لمدامعي
تطوى ... فتنشرها يد الأحزان
حتى تعودت الحياة
سحابة سوداء ألقت رحلها بجناني
فكأنني والدهر يعبث ساخرا بشبابي
المتهدم الأركان
وتر بقيثار الحياة مقطع ... ماتت
على خلجانه الحاني
يا موجة الأيام هذا شاعر
مضنى خذيه لشاطئ النسيان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> شكاية مهمل
شكاية مهمل
رقم القصيدة : 68511
-----------------------------------
ليل يحوك الرعب حول سكينتي
ويطوف أحلاما تجن بمسمعي
و خفوق أجنحة الظلام يخيفني
وتنفس الأشباح يقلق مضجعي
حتى حسبت الليل
ليثا جائعا
باتت مخالبه تمزق أضلعي
والموت يحبو فوق صدر صباي نشوانا
بلحن شقائي المتقطع
يغتاله قبل الفناء كزهرة تذوي وعيناها
بحلم ممتع
كقصيدة ماتت على شفتي ولم
تسمع صدى إلهامها المتوجع(53/377)
وكشمعة
سحق المساء سناءها فغفت
على كف الدجى بتفجع
وكصورة
سلب الغبار جمالها
في ظل صمت بالظلام ملفع
أنا مثلها
عمري شكاية مهمل وصراخ مهجور
وبسمة ادمع
ما زلت اشتاق الحياة
وإنني ... سأموت والنسيان يقبر مطلعي
سأموت لا ماض يحن لرؤيتي ... يوما
ولا خل سيدرك ما اعي
وحدي أكفن بالظلام تعاستي
وأرى سواد الليل يملأ أدمعي
حتى الدجى القاسي استجاب لشوكتي
لكن ...
خلا ما بكى ساعا معي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> موت شاعر
موت شاعر
رقم القصيدة : 68512
-----------------------------------
أسلم الرأس لكفيه خذولا
وتمطت بازدراء
شفتاه
خفقت بسمته دنيا أسى
كنهار شرب الغيم سناه
هزأ القرطاس من أقراطه
مذ رأى الحيرة تودي برجاه
مذ رأى أجفانه مخمورة
بلحون
لم ترها الشفاه
عصرتها مهجة خفاقة لتروّي
بدماها مبتغاه
رام أن يبصرها في أحرف صدقت وعدا
وما خانت هواه
رامها طير حبيبا علقت
بجناحيه نشيدا كبرياه
... خانه الحرف وها ... أحلامه
قد ذوت مخذولة
فوق لماه
ومضى يستعطف الكأس فما
أنقذته
من دياجير دجاه
جمدت أنظاره في خمرها
وتلظى في الحواشي محجراه
*
بزغ الفجر وقد مدّ تليلا
فرح النور
رقيقا من ضياه
فرأى شاعرنا مستلقيا
فوق دنيا
من خيالات رؤاه
كان في عينيه سطر للمنى ... فمشى
الموت عليه فمحاه
وإذا بالشاعر الغريد جسم
متلاش
لا حراك في قواه
ورأى الكأس حطاما نثرت
بين كفيه وغاصت في دماه
وسكونا
مثقل الصدر جهوما
يتخطى عالما جل أساه
ورأى فيما رأى
أحلامه
قد هوت تعبى وما حاذت ذراه
ورأى فيما رأى
أسفاره
كقبور جثمت تحت كواه
طيها أبلى شبابا يافعا
شرب الموت
و أسقاها الحياة
*
أيها الجرح الذي كنا به
مدية لم تدر ما طعم دماه
كيف أصبحت نشيدا خالدا
ليست الدنيا سوى بعض صداه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> انتفاضة كأس
انتفاضة كأس
رقم القصيدة : 68513
-----------------------------------
يا أبو نؤاس
قم
حي الدجى
حانة الأرواح وأجمع شملنا(53/378)
إن تلك الأيام حالت دوننا
فهي لم تغسل في كأسنا
شفة الكأس التي صاحبتها
لم تزل
تصرخ
في أيامنا
كلما رنت عليها قبلة
خلتها
تروي لياليك لنا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> همس الطريق
همس الطريق
رقم القصيدة : 68514
-----------------------------------
في كل ذرة صمت
تنمو وتخفق فكره هنا يقدس سره
حتى الطريق المسجى
في ناظري رغامه
قد استحال لحونا عميقة فابتسامه
وكدت ألمح دنيا
وراء رعشة صوتي
مذ صحت : يا ليل اني أخاف ظلمة صمتي
حتى التراب الحقير
أراه ليس حقيرا
فالخوف أودع فيه روحا تفيض شعورا
روح تفيض حياة
وراء كومة حسي
ترى أبين ضلالي وجدت هوة نفسي .. ؟
يل درب سر بي فإني
آنست شيئا جديدا
وخلف هذا الوجود لقد خلقت وجودا
فمثل سرك قلبي
ملفع بالظلام
لكن ألف طريق في ظله المترامي
هنا .. جراح عهود
وصبوة وأغاني
وملء تلك وعود تحوك حبل الأماني
فعشت بين خطوط
يا درب مثلك عميا
العار مرّ عليها فمات فيها لتحيا
أبغي سموا ولكن
حواء فيّ آدم
ولست إلا ضلالا لرقصة تتقادم
ولست إلا ترابا
قد نتنته السنون
قاذورة من أمان أغفت عليها الدجون
يا درب سر بي
فإني
في الأرض صرخة ذاتك
بل دمعة
سرقتها
حواء
من بسماتك
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خفقة الطين
خفقة الطين
رقم القصيدة : 68515
-----------------------------------
نزت الآثام في عمري
فثوري
وارقصي نشوى على قلبي الكسير
مضغ الحزن شبابي
يافعا
فامضغي بالشهوة القصوى مصيري
لست أهوى جنة الله ... ولا
ولا أتمناها رجاء في شعوري
لا ... ولا أخشى سعيرا
وصدى سخرية الحزن المرير
فدعي الظن الذي قدسته
نصبا
في معبد الوهم الغرير
لا خلوق
لا دنيء ... كلنا في مسرح الدهر
تماثيل عصور
ان ما نعبده اليوم طهورا
سوف يهزأ بهوى الأمس الطهور
بين نهديك اللذين انطلقا
وعد بركان
بنيران ونور
كل ما في أرضنا من جنة
فاستبيحي حرمة السر الكبير
صور الإثم بعينيك تلوت
كأفاع
تتلوى في سعير(53/379)
أطلقيها تتغذى من دمي
وأقيميها سدوما في سريري
لم تزل في حمأة الجسم بقايا
سكرات
مثل ديدان القبور
يتغنى الإثم في أحلامها
باللظى
بالشر ... بالليل المثير
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> جحيم
جحيم
رقم القصيدة : 68516
-----------------------------------
في ليلة صور فيها القدر
ملاعب الرياح
والمطر
والليل قد لاذ بأردانه
وكللت دنياه شتى صور
سيريني الشوق الى عالم
منعزل
ينفث أثما وشر
لمنزل غاف بكف الدجى
إلا سنى يخاف أن يستتر
يكافح الليل ليهدي الى
منابع الشر
ذئاب الشر
*
طرقت باب الدار في خشية
كأنني
أطرق خفاقيه
هذا جحيم مزبد بالخنى
فكيف يطفي شهوتي العاتية
وما جحيم الناس إلا دجى
يغور بين ناهدي غانية
فلتحرقي يا نفس في ناره
ما صنت في جنة أوهاميه
وحطمي الكأس التي بينها
قطرات أيام الصبا الغالية
*
ما النار ... ؟
ما الجنة ... إلا صدى لنظرة
ماجت بعين امرأه
كم أطفأت عمرا
وكم أوقدت
بنورها من مهج مطفأة
وكم فتى أضله دهره
ثم لقي
في عينها مخبأة
فلا طلق العمر بدنيا اللظى
عسى وإن يرينه
ملجأه
قد سئم الأرض مرافي منى
كاذبة
ولم تكن مرفأه
*
فلم يكد يحضنني عالم الرجس _
وتطويني أيادي سقر
حتى سرت في جسدي
رعشة
رأيت أحلامي تحتضر
ولم اعد إلا صدى شهوة
تحوم في مستنقع
مستعر
... واستقبلتني غادة بضة
ماج بنهديها شاع السحر
و أطرقت في ثغرها
بسمة
تخفي بظليها جراح القدر
فثار شيطاني على شهوتي
وقال لي !
رفقا بأحلاميه
لا تنزل الإنسان من قدسه
إلى حضيض اللذة الفانية
دع لي نجوم الليل
كأسي
طلى
فيها ومنها جرعتي الصافية
وذلك ...
الأفق بألوانه الزرقاء مأوى
روحي السامية
... اكن حياة جحيم الخنى
أغرين باللذة شيطانيه
*
سألته :
أين كؤوس الدجى
أراك لا تصبو إلى كأسه
وأين أفق بالمنى زاخر
وأين ما صورت
في قدسه
حطمت ما قد صنته حقبة
في حمأة الاثم
وفي دنسه
وبعت دنياك لقاء عالم
يستنزف الأثام
من أمسه
_ اسكت
_ إذن .. نسكت يا خيبتي(53/380)
فالسهم قد حرر من قوسه
*
وضمني وغادتي
مخدع
كم ضم قبل اليوم أمثاليه
جثمت نشوان على نهدها
استل حلم الغفوة الواعية
واستقى من منبع فاجر
سخرية
تهزا بأحلاميه
في غرفة تجثو على أمسها
تمتص روح العفة
الغالية
محمومة ترضع من صفرة المصباح
بقايا نوره الواهية
*
كم ساعة ذابت على نارها
وهي
كما كانت لدى الغابر
مرثيته ضمت صنوف الأسى
تسخر
من زماننا الساخر
تستقبل الدنيا وأيامها
بضحك نشوى
وثغا فاجر
يا غرفة افنيت في غمرها
أقدس ما يعبده خاطري
طهري
وأحلامي
ودنيا هوى
تموج نشوى في منى شاعر
*
وغادتي
شيطانة أرسلت
على جناحي قدر مستعر
جنية
تحوم في عينها
أنشودة الشر ونجوى سقر
تجرجر الآثام أذيالها
ما بين جفنيين كفكي صقر
كم من فم أولغ في حسنها
فعافه مستنقعا للبشر
وكم فتى ما طاله دهره
هوى
يدا شلاّء تشكو الخور
*
طوقتها حتى ارتخت اضلعي
وضج من صراعنا
المخدع
اسمم الجسم بآثامها
واثمها
من دمنا يرضع
وبين ثغرينا تمشى صدى
لقصة تقصها الأضلع
واشتكت الفرش لظى شهوة
تمتص جسمينا
ولا تشبع
تقول في تأوه لاهب :
رفقا ...
لقد تمزق المضجع
*
يا أخت حواء التي آدم
باع جنان الخلد من اجلها
وجاء للأرض صريع الأسى
واسكن الدنيا
على وحلها
يا نقمه لما نزل نحتسي
كأس الهوان المر في ظلها
ان اشترى آدم هذي الدنى
من أجل حواء ... على ذلها
سأشتري النار والآمها
واصبر القلب على ويلها
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لعنة التراب
لعنة التراب
رقم القصيدة : 68517
-----------------------------------
أي سر كروعة الخوف
جاث
بين جفنيك موغل في شجونك
كلما أدلف المساء تمطى
افعوان الذهول فوق جفونك
فكأن الظلام جاء بدهر
من أمان
تحطمت في يمينك
أو كأن النجوم تحفظ سرا
قاتم اللون
قاتلا كعيونك
... أي يا لعنة التراب ... رويدا
ضل مسراك في دروب سكونك
فالحياة ... الحياة
قيثار إثم
دغدغيها برائعات لحونك
قطري العمر
لحظة
وسنينا
لا هبات
على سعير مجونك نحن طين
وأي طين حقير(53/381)
فلم الخوف من خوالج طينك
سيدب الغضون
شيئا ... فشيئا
كأفاع تعلقت بجبينك
سوف يغفو هذا الشباب وتدمي
قهقهات السنين سمع فتونك
حاملات من الليالي صحارى
ليس فيها سوى اصفرار ظنونك
ودماء الشباب تمسي دموعا
وشفاها
يلعن عهد جنونك
*
اشربي
اشربي ... فعمري كأس
والخمور الخمور ملء دمائي
عتقتها يدي الضنينة عمرا
في نيران شهوة
واشتهاء
يتلوى الوجود فيها غناء
أزليا يمور بالأنواء
كل شيء لديه خفقة نار
وانتفاضات لذة هوجاء
وجنوح
معربد تتلاشى
دون رجليه عزتي وأبائي
طوقيني . اني أحس بعمري
لم يعد غير
نطفة حمراء
واشرأب الجحيم موعد بعث
حول نهديك
رائع الإيحاء
مالجفنيك يرجفان ... اهذي ...
دعوة الشر ... ؟
أم نذير حياء ...؟
وكأني بشكك ينثر خوفا
خلف رعشات جفنك الرعناء
أتخافين ... !
يا لجبنك ... خلي ...
أنت أقوى الزعزاع النكباء
لا تخافي ...
فليس ثمة شيء مرعب مثل
وهمك المستاء
ايه ما اكبر الخسارة ان لم
يك خلف الوجود غير الفناء
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ستبقى
ستبقى
رقم القصيدة : 68518
-----------------------------------
نفضت بقايا الليل في عمرها
ذكرى
ستبقى بقاء الدهر لعنتها الكبرى
ستبقى الظلال السود ترتاد مخدعا
عصرت بها الآثام والنقمة الحمرا
ستلتفت الأقدار _يوما _وتنتهي
على مذبح الآلام أحلامك السكرى
وتلتفت في عينيك أفعى نكايتي
تسمم ما أبقيت
في الدمعة الحرى
سيرجع ذاك الأمس في ظل عاصف
تحمل نجوى الشر
لا الزهر ... لا العطرا
ستصفعك الأيام حتى أرى غدي
على هويتي عينيك يهزأ مغترا
سيسألك التاريخ عني ...
وأنني
بعيد
أعيش الآن في ضحكة صفرا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> العواصف السود
العواصف السود
رقم القصيدة : 68519
-----------------------------------
يا جيفة
نتنت حبي وأحلامي
لم تتركي بشبابي غير عاصفة
سوداء
تصرخ في ظلماء أيامي
هذي كؤوس أمانينا ... سأسحقها
حتى تبعثر في آثار أقدامي
*(53/382)
يكفيك ما شربت دنياك من كبدي
فما تركت بعمري ما ينير غدي
يا من سرقت شبابي دون ما عوض
لله رفقا بما أبقيت من بددي
يا من عبثت بقلبي في يفاعته
ماذا ترومين
بعد القلب والكبد ... ؟ !
*
عشرون عاما
مصصت الصفو من دمها
حتى تثاءب في أعماقها الضجر
عشرون عاما
ذوت بالشك زهرتها
ومل عمري من طول الأسى الكدر
كأنني
مسرح شاهت مناظره
وما يجدد في تمثيله القدر
*
أتيه في ظلمة الأوهام
مختبلا
حتى تجمد ليل الوهم في حدقي
يا موجة الموت
ضجي
واكسحي زمني
وما تحمل من طيش
ومن نزق
إن الصباح الذي قد كنت آمله
ولى ... وجاء ... ولم أبصر سوى الغسق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الإله الغول
الإله الغول
رقم القصيدة : 68520
-----------------------------------
ارقصي
يا زوابع النار حولي
واستحمي بقلبي المخمور
ان هجس السكون أدمى لحونا
كن سر الحياة في ما خوري
وأطلت من كوة الصمت
دنيا يتلظى في راحتيها مصيري
ايه يا صمت
يا ذبالة عهد
نفضتها السنون في ديجوري
ايه يا ابن الفراغ ...
أي جحيم
يتلوى في وجهك المقرور
أنت يا خالق النبوغ ... إله
جل عن عالم الحياة الغرير
غير أني
ولست غير شظايا
من أمان تحطمت في سرير
أعبد الحس والحياة
فدعني
أتلهى بما تحوك شروري
*
أيها الغول
حانة القلب أغفت
فوق صفات روحك المغرور
مرّ أمسي ببابها
ثم ولى
دون شيء كأي شيء حقير
وتلاشى عبر السنين خطوطا
مبهمات
مخنوقة التعبير
وكؤوس الشباب أدمت طلاها
في شفاه
مسودة كضميري
أيها الغول
يا ربيب المآسي
ضقت ذرعا بأفقك المأسور
ان سجنا شيدته في ضلوعي
سل ما كان في دمي من نور
... أطلق القلب من قيودك
لحنا
ضاحكا ...
هازئا بكل مصير
يعبر الصبح في جناحي فراش
ومع الليل
موعدا في سريري
*
هل تأملت دمعة في جفون
إنها ضحكة الفناء
المرير
هل لمحت الشقاء يعصر قلبا
كي تروي الدماء
عطر الزهور
هل تبينت في كآبة شيخ
بسمة غضة لطفل غرير
كل مل في الحياة حتى
شقاها
ولظاها
إيماءة لسرور(53/383)
خلني ... خلني أذوب ائتلاقا
وابتساما في لج هذي الدهور
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> مهزلة الوجود
مهزلة الوجود
رقم القصيدة : 68521
-----------------------------------
ولدت شقاء للحياة جديدا
ولكم ستجبني
من أساه شقاء
هي لذة حمراء تجتاح الورى
فتصب من سكراتها
البلواء
ماذا جنيت ... ؟
لتقذفي بي في جحيم حياتكم
متمردا
مستاء
وغدا
سأرجع للفناء كأنني
ما جئت إلا كي أكون فناء
ولأشتري كفنا
أضم بجوفه
أدوار عمر قد مضين هباء
ماذا جنيت لا حمل النير الثقيل
تيمنا
ورجاء
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> إيماءة وداع
إيماءة وداع
رقم القصيدة : 68522
-----------------------------------
جاءت
تسائل عن قلبي وماضيه
خليه في دعة النسيان
خليه
لا توقظي الأمس
في طياته دنس
أخاف ان تشتهي عيناك ما فيه
فلست إلا كباقي الناس
من وحل
الشر يرقصه
والإثم يغريه
اني نفضت يدي من إثم تربته
وبعت للعالم المنسي
لياليه
ما كن غير التفاتات مخبلة
كأنها
انطلقت من عين معتوه
*
لا تسألي القلب عن تاريخ أغنية
رعناء
جفت على قيثارة ماضيه
لا تسألي القلب ما فيه سوى خشب
تكاد تلمسه الذكرى
فتوريه
أطلقته طائرا في قلب عاصفة
فما استقرت على شيء
أغانيه
حتى استفاق على دنيا
مدنسة
ونبه العار
إحساس اللظى فيه
فراح يحرق بالتفكير ما رسمته
أنا مل الإثم
في رؤيا دياجيه
وجئت
ابحث في عينيك عن حلم
هاد ... أعيش على نجوى أمانيه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> شتاء محموم
شتاء محموم
رقم القصيدة : 68523
-----------------------------------
ما لي
ومالك يا سني صبابتي
كل مضى في دربه المرسوم
لا أنت راجعه
ولست بما كن
من أن أعود لعهدك المحتوم
دنيا ..تناهبها الفناء وغيبت
بسماتها في غيهب مسموم
وربيع أيام
غفت نزواتها
بشتاء عمر ذاهل ...محموم
فعلام أنبشها
لأخرج طيفها
فأريد من تلك الهموم
همومي
وأقيم أشباح الخطيئة
بعدها
واريت دنياها
وعفت سدومي
عودي(53/384)
لقد أنكرت عهدك ...
فانتهى
ونسيت ظل شبابي
المرجوم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ظلال
ظلال
رقم القصيدة : 68524
-----------------------------------
من أي واد
بعيد الغور كالحلم
أتيت تحمل في عينيك صوت دمعي
إني نسيت الهوى
والأمس
وانتفضت أنامل العمر تمحو
قصة الندم
يا طيفها
لم تدع دنياك من جسدي
شيئا
فماذا سأعطي الدود من رممي
*
أغريتني بالليالي الحمر فانزلقت
على مباسمها السوداء
راياتي
وتاه أمسى عبر الشر منطلقا
ولم يدع لغدي غير الصدى العاتي
وغير أشباح ماض كالظلال هوت
في عتمة من أماسي و ليلاتي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ذلك الشيء الصغير
ذلك الشيء الصغير
رقم القصيدة : 68525
-----------------------------------
أنا لا أخاف من الحياة
وعسفها
ألا عليك
فلقد تركت الأمس أشلاء وجئت
بناظريك
ها كي يدي لنعبر الدنيا
ومدي لي يديك
واذا تلفت غابر ورنت به الذكرى إليك
قولي له :اني
نسيت ماضيك
فاطو على جرح -
الأسى لياليك
قولي :الحياة سخافة يلهو بها قدر
غرير
جاث وراء الغيث يعبث بالسنين
وبالعصور
ويطل أحيانا بقلبي ذلك الشيء الصغير
يلهو فيرسم لهوه
لن أبالي بغد لم يولد
كل عمري
غابر أحيا به
حاضري ماض وماضي غدي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الباب المهجور
الباب المهجور
رقم القصيدة : 68526
-----------------------------------
هذا الصرير الذب ...أعرفه
واذكر ما رواه
ما زلت ألمح في فؤادي
بعض ما تركت خطاه
كم مرة
أيقظت في عيني ما نسجت رؤاه
كم مرة
تاهت خيالاتي لتستجدي صداه
ولكم تأوه في سكوني
قصة خلقت حياة
هذا الصرير العذب ...أعرفه
ولكن ما وراه
*
يا قلب لا تحلم
أخال الريح قد سئمت عذابي
فتمرغت في بابي المهجور
ذكرى من شبابي
أما التي خفقت على ماضيك بالصور
العذاب
فهي التي سدت عليك الباب
مذ نهبت رغابي
ولعل
لا أدري
لعل حياتها أمست كبابي
ليست سوى شفتين من خشب
وقلب من تراب(53/385)
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> إلى سمراء
إلى سمراء
رقم القصيدة : 68527
-----------------------------------
سمراء
يا حلمي المضمخ بالهواجس والظنون
يا غفوة
قدست في واحاتها حتى جنوني
ولكم تفيأت السكون أعب حبك
في سكوني
ولكم تمسح بالدجى وبقلبه الخالي حنيني
فتمد عيني الظلال بخافق الليل
الحزين
وتلفك الأضواء
ولألوان حلما في جفوني
فاحس ...بل إني أرى
دقات قلبك في عيوني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الكوخ الوردي
الكوخ الوردي
رقم القصيدة : 68528
-----------------------------------
غدا إذا يخفق الإعصار
حتى بالرؤى الخضرا
وينهب كوخنا الوردي من أحلامنا
السكرى
وفوق جبينك التفت
دروب تفضح السرا
فماذا سوف تروين
لذلك الغد ...يا سمرا
أجل ماذا ستروين
وقد متنا
بلا ذكرى
*
غدا ..إذ تهمس المرآة في عينيك
عن سر ك
وتروي قصة الموت التي تزحف في
شعرك
وحلما عافه الأمس فراغين
على صدرك
وسوف تقول :
يا سمراء .....
أين الدفء في عطرك
فهل قلبك مرآة ...كقلبي
لم يصن ذكرى
*
غدا
تلتف أسرار حواليك كنجوانا
شفاها تهن في عينيك أطيافا
وألوانا
سجت في الخالق النوري علّ هناك
تلقانا
ولكن ....
لن ترى شيئا فقد لاذت بمرعانا
رياح عافت الكوخ
حطاما ما بها ذكرى
*
غدا
إذ ترقص الأقدار في مأتم أحلامك
ويغفو الأمس والآمال ظلا في
لقى جامك
تناهب روحه الأسيان صمت خريف
أعوامك
فإن ضاقت بك الدنيا وضقت بسود
أيامك
هنا ... ما زال في قلبي ...لنا كوخ ... لنا ذكرى
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خطوات في الظلام
خطوات في الظلام
رقم القصيدة : 68529
-----------------------------------
قدمان مرّا يضربان الليل في رفق
ولين
يتجاذبان مطارف الخفقات في قلب
السكون
....متعثران كأنما
شدت وثقهما الدجون
يتهافت الأعياء فوقهما
ويوقظه الحنين
يا قصتي في الصفحة السوداء ....
ماذا تحلمين ..؟
*
قد كان لي
قلب كخطوتك الأنيقة لا يملّ
قد كان لي(53/386)
عبر الليالي السود أنوار وظل
ولكم لمست ربيعها
ولمست ما يرويه طل
واليوم ..ها أنا ادفن الماضي
واهجر ما اجل
حلمي
وأشواقي ...وامالي
وما تتأملين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صدى عذاب
صدى عذاب
رقم القصيدة : 68530
-----------------------------------
لا تطرقي بابي
فان وراء قلبي ألف باب
ابدا يرغ صمته
شك
ووهم
واضطراب
وأنا ..أنا
كالأمس في هجس الوجود صدى عذاب
وسؤال وهم
في ضمير الكون ظل بلا جواب
امشي
فترسم خطوتي العناء أسرارا عجاب
هي أمسي الدامي ويوم لم يزل رجع انتهاب
ولعل ان مست غدي
ستحيل جنته يباب
*
أتعبد الأوهام في أفق يظلله السراب
تتنفس الآلام في صمتي وينتحب اكتئاب
فأكاد
اخنق في دمي
تلك القبعة من شباب
وأعود للماضي البعيد
وكل أحلامي
تراب
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> شفاه مطبقة
شفاه مطبقة
رقم القصيدة : 68531
-----------------------------------
ايه كم من عالم
في صمتي الدامي ...يموت
كم أمان
في طريق الوهم أعيها السكوت
كم شفاه
في دمعي أطبقها اليأس المقيت
ثم ماذا ...؟
كلها ولت ...وظلت عنكبوت
تنسج الموت لصمتي
وهي مثلي ...ستموت
*
أيها القابع في زاوية مثل حياتي
لفها ظل بليد اللون
يحكي أمنياتي
نفضت وحدة أيامي فيه
بعض ذاتي
أنا في معبدك المهجور قدست انفلاتي
ان تكن تنسج لي الموت
فمثلي... ستموت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> يا طفلتي
يا طفلتي
رقم القصيدة : 68532
-----------------------------------
نامي
وخلي الليل في مقلتي
ينفض أشباح الظلام المريع
واستنشقي الأحلام
من شاطئ
لا يعرف الليل ولا ما يذيع
نامي ...
ولم تعنين يا طفلتي
وبما احوك الآن خلف الدموع
غدا إذا استيقظ فيك النهى
ولملمت عيناك
هذي الربوع
و جاوزت خطاك
باب الروءى
فاصطدمت بألف روح صدوع
ستعرفين
الدهر في دمعتي
وسوف ترثين لهذا القطيع
يسير
لا يبصر إلا خطى
تطوي ربيعا
ثم تطوي ربيع
*
فالان في انعتاق الحياة(53/387)
من قبضة الشر ودنيا الألم
*
غدا ستنهد ظلال الصبا
فكل ما تلقينه
من تراب
تململت حيث ارتمى سرحه
همهمة الذنب
وصوت العقاب
فليس من يقبض ظل السنا
وليس من يركض خلف السراب
كأنما الناس
ودنياهم
سخرية جفت ...ويا لعذاب
يا طفلتي
نامي بقلب الدجى
وانطلقي
إني يمر السحاب
وسرحي دنياك في
سجوة بيضاء لم يخفق عليها اكتئاب
ففي غد
تموت حتى الروءى
ويمحي النور
ويبقى الضباب
*
وليس من امسك واخيبتاه
شيء لكي يملأ هذا العدم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> في الأرض
في الأرض
رقم القصيدة : 68533
-----------------------------------
قلتِ : في الأرض
قلتُ : بيتي فزوري
مصرع الوهم في الهوى المفخور
قلتِ : هذا التراب ...
قلتُ :سماء نحن فيها كواكب دون نور
وتساءلتِ : ما الحياة ... ؟
فدبت كلمات صفيقة في شعوري
إنها جيفة وأنا عليها نتن غارق بحلم كبير
فاقشعرت في ناظريك الأماني
واستشاطت هناك حمى الغرور
*
وتلاشيت في طريق ولكن ...
كل هذي الدروب تقفو مصيري
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نقمة
نقمة
رقم القصيدة : 68534
-----------------------------------
سأخدعها وأنطلق
ويبقى ذلك القلق يراود جفنها الغافي
بأحلام وأطياف
فاضحك حيث أبكيها
واهمس .. سوف نفترق
*
سأخدعها فأنتقم
لأمس شابه الألم أرادت أن تبقيه
فأبقت روحها فيه
وأمسي اليوم بقصيها
فتصرخ حين أبتسم
ستذكرني وتختنق
وينهش عينها الأرق ستلقى روحها شلوا
تريد وليس من يهوى
فتلتف بماضيها
فألعنها وأنطلق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> مدفن الظل
مدفن الظل
رقم القصيدة : 68537
-----------------------------------
_أتحداك ... لن تعود
فضجت كبريائي
وغمغمت :
مسكينه
وتحسست ملء ذاتي عملاقا
تهاوت
عواطف الناس دونه
مرّ بالمجد
فاستهان دراه
ورأى فجره
فداس جبينه
وتسمرت في سكينة نفسي
فإذا الأرض
كلها في سكينه
وإذا الأفق وطرح لخيالي
أتبنى فيه رؤى مجنونه
إن ترآى الوجود
يوما بدربي(53/388)
عقّ وجهي
فلم أصافح يمينه
صرت كالموت عابثا اتنزى حيثما شئت
ضحكة ملعونة
ينسج الصمت في جوانب نفسي
من خطاه الطويلة
المسكونه
عالما
شامخ الذرى
يتأبى
أن يرى نفسه حكاية طينه
*
ايه سمراي ... وقد رجعت
وهذا
مدفن الظل يستعيد رسومه
هذه غرفتي يغص بها الهدء _
وينحل في الظلال المقيمه
كلما مرّ هاجس في خيالي
مرّ فيها
فعاد ذكرى قديمه
*
ها هنا
ها هنا تلفت وجه
حملته السنون روحا لئيمه
وهنا
تبعث الظلال خريفا
وبقايا من أمنيات عقيمه
وغدا
يسرق الجدار هو أنا
صحوه النابض للسنا
وغيومه
ثم أنت ...
سترجعين خطوطا
شاء حسي أن لا تكون وسيمه
يرعش النور في شفاهك ألوانا
وينهدّ لذة محمومه
ثم تمضين ... مثلما أتمنى
تتلوين
صرخة مكتومه
*
واستفاق الزمان في مدفن الظل
فضاعت
أحلامي المجنونه
كان صمت
وكان ثمة حس
و استحالات هدأة ملعونه
ثم ماذا ... ؟
وكبرياء تأبت
تتلهى بجثتي المسنونه
_ ثم ماذا .. ؟
وكان موت بقلبي
يتهزا
مغمغا :
مسكينه
سوف تمضين مثلما جئت يوما
نتنا حالما
وخفقة طينه
*
وتلمست قبضة في ضلوعي
شدها الله فاستحالت سكينه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> طاحوذ
طاحوذ
رقم القصيدة : 68538
-----------------------------------
تلك هي الأرض
فلا تعجبي
ان مرّ بي الفجر وما مر بي
قد كان لي
درب
وكانت رؤى
تواعدا والأمس في مأرب
ومات ما كان
سوى خطوة لما تزل تبحث عن مهرب
شدت بساقي
وما راعها
من مشرقي الدامي ومن مغربي
شيء
سوى أصداء إيقاعها
تئز في صمت
عميق
غبي
أحسها تصرخ في مسمعي
أفّاق ...
يا للعبث المتعب
*
أفاق ... لا أدري
لعلي كما ...
ظل بلا لون ولا مسند
... لن أسأل الفجر إذا مرّ بي
والليل
أن نام على مرقدي
عما سيبقى النور من قصتي
وكم سيمحو الليل من مشهد
لن أرتمي كالناس
في منية
ولن يقود الدهر يوما يدي
فالناس
ما أقبح آلامهم
هذا بلا أمس
وذا في غد
والأرض ما زالت على عهدها
تدور حول الأبد الأسود
طاحونة
أطربها جهدهم(53/389)
فلم تسل عن ثورها المجهد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عبث
عبث
رقم القصيدة : 68539
-----------------------------------
وستبتغي ... وترفضين
وستضحكين ... وتحزنين
ولكم سيحملك الخيال ...
وتحلمين
لكن ... هناك
هناك في العبث الذي لا تدركين
ستظل ساعتك الانيقه
تلهو بأغنية عتيقه
ولن ترى
ما تبصرين
ستتكتك اللحظات فيها كل حين
ستتكتك اللحظات
في المفعى الصغير
وبلا مصير
وتمر عابثة بما تتأملين
لكنما
أنت التي لا تدركين
فستبغين ... وترفضين
وستضحكين ... وتحزنين
ولكم سيحملك الخيال ...
لكم سيحملك الخيال ...
وتحلمين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> مر الربيع
مر الربيع
رقم القصيدة : 68540
-----------------------------------
مر الربيع
وهيبه مر ... غدا يعود
بمسوح قديس جديد
ليقول :
ويك أنا الشتاء
ألا تخاف ... ! ؟
ألا يواليك اتخاف
ويمر بي
وامر أحلم بالورود وبالربيع
وبالشموع
تضيء داري
وبالضلال على الجدار
يطفن في صمت وديع
فهبيه قال : ... أنا الشتاء
أولم يكن هو كالربيع
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> كبريا
كبريا
رقم القصيدة : 68541
-----------------------------------
أنت التي لا تدركين
ماذا أريد
ولعل لو أدركت قلت لآخرين
وبضحكة رعناء مثل الآخرين
ماذا أريد ... ! ؟
ومحوت هاتيك السنين
وتصلب الوجه الحزين
ولعدت أزحف من جديد
في مدفني الرطب الوحيد
في خافق كملاجئ المتشردين
كغد اللصوص الخائفين
ماذا أريد ... ! ؟
لصرخت بالظل الذي يهتز في خجل مهين
لصرخت بالوجه الحزين
وبكل ما حملت هاتيك السنين
ماذا تريد ... ! ؟
ولعدت أضحك مثلهم ...
كالآخرين
أنت التي لا تدركين
ماذا أريد
لم تسألين
عما أريد
أنا لا أريد
أنا لست مثل الآخرين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لن أراها
لن أراها
رقم القصيدة : 68542
-----------------------------------
لن أراها
كان حلما ذلك الوعد الذي شد خطاها
بخيالي
لن أراها(53/390)
ربما ما شفتها يوما
ولم أدرك رؤاها
وضلالي
هو ما وسوس في قلبي ... فتاه
بهواها
وابتنى لي
موعدا طال مع الدهر ...
ولكن
لن أراها
موعدا جئته ضمان فما كانت
ولا كانت سواها
موعدا خلد في نفسي معنى لبقاها
كان حلما
ذلك الوعد الذي شدّ خطاه بخيالي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عقم
عقم
رقم القصيدة : 68543
-----------------------------------
نفس الطريق
نفس البيوت يشدها جهد عميق
نفس السكوت
كنا نقول :
غدا يموت وتستفيق
من كل دار
أصوات أطفال صغار
يتدحرجون مع النهار على الطريق
وسيسخرون بأمسنا
بنسائنا المتأففات
بعيوننا المتجمدات بلا بريق
لن يعرفوا ما الذكريات
لن يفهموا الدرب العتيق
وسيضحكون لأنهم لا يسألون
لم يضحكون
*
كنا نقول :
غدا سندرك ما نقول
ولسوف تجمعنا الفصول
هنا صديق
وهناك إنسان خجول
بالأمس كان هوى عميق
ولعلنا
لم نعن ما كنا نقول
فاليوم تجمعنا الفصول
ذاك الصديق
......... بلا صديق
ذاك الهوى
......... وجه صفيق
وعلى الطريق
نفس الطريق
نفس البيوت يشدها جهد عميق
نفس السكوت
وهناك
خلف النافذات المغلقات
كانت عيون غائرات
جمدت
لتنتظر الصغار
وتخاف أن تمضي النهار
مع الطريق
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أعماق
أعماق
رقم القصيدة : 68544
-----------------------------------
لا تهابي
هذه الريح التي تطرد من باب
لباب
ذلك الأفق الذي ينمو برعب واضطراب
والدروب
إنها ملعب أحلام شبابي
هي بعضي
إنها تلتف كالأفعى ... ولكن
لا تهابي
هي بعضي
هي أعماقي التي تجهل ما بي
هي أفراحي التي تصفر في وحشة غابي
ها هنا
كم شيد الطفل أمانيه
رمالا
وتلالا من تراب
ها هنا
كم جئت والأمس فتى غض الرغاب
فتغنيت بعينيك
بحبي
بشبابي
لا تهابي
لست إلا هذه الريح التي تطرد من باب
لباب
لست إلا
ذلك الأفق الذي ينمو برعب
واضطراب
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ساعي البريد
ساعي البريد
رقم القصيدة : 68545(53/391)
-----------------------------------
ساعي البريد
ماذا تريد ... ؟
أنا عن الدنيا بمنأى بعيد
أخطأت ...
لا شك فما من جديد
تحمله الأرض لهذه الطريد
ما كان
ما زال على عهده
يحلم
او يدفن
أو يستعيد
ولم تزل للناس أعيادهم
ومأتم يربط عيدا بعيد
أعينهم تنبش في ذهنهم
عن عظمة أخرى لجوع جديد
ولم تزل للصين من سورها
أسطورة تمحى
ودهر يعيد
ولم يزل للأرض سيزيفها
وصخرة
تجهل ماذا تريد
*
ساعي البريد
أخطأت ...
لا شك فما من جديد
وعد مع الدرب ويا طالما
جاء بك الدرب
وماذا نريد ... ؟
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وغدا نعود
وغدا نعود
رقم القصيدة : 68546
-----------------------------------
وغدا نعود
وبألف كان
ستظل تمتليء السنين
ونظل نوغل في الزمان
وستذكرين
وككل أمسية نعود
ستذكرين
تلك العهود
تلك الوعود
تلك السنين الضائعات من السنين
وستكذبين وتصدقين
وتظل كان
وبالأمس كان
واليوم كان
وتظل تمتليء السنين
ونظل نوغل في الزمان
وغدا نعود
لكي نعيد
ومن جديد
وبذلك السأم العنيد
نفس الحديث عن العهود
وعن الوعود
وعن السنين الضائعات من السنين
وستكذبين وتصدقين
وتظل كان
وبالأمس كان
واليوم كان
وتظل تمتليء السنين
ونظل نوغل في الزمان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وحدتي
وحدتي
رقم القصيدة : 68547
-----------------------------------
هكذا أنت نموت
عشبه صفراء في ضفة موتي
وحديثا مسرفا بالهمس
كالهجس
كصمتي
هكذا أنت نموت
من سكوتي
من خطى تعبر ليلي في خفوت
من رؤى تضخم ظلي
من بلى ينسج في الوحل بيوت العنكبوت
هكذا أنت نموت
قفرة جرداء لم تحلم بنبت
قفرة جرداء كالخيبة
كالخيبة أنت
فاتركيني
سئمت وجهك نفسي
اتركيني
صخبا أزحف في الطين وأمسي
بعد حين
لي مثل الناس صوتي
لي مثل الناس حسي
وظنوني
لي مرمى
وممر في دروب الشمس أعمى
لي ضحكي
وجنوني
وببيتي
صحوتي تغرق في السكر وتمتص
سنيني
اتركيني
أنا للناس
وللنسر الذي ينهش صدري
أنا موتي(53/392)
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صورة
صورة
رقم القصيدة : 68548
-----------------------------------
القصر
في منعطف المدينه
تغل جنبيه رؤى حزينه
تكاد ان تصرخ في السكينه
وحشته القاتمه اللعينه
*
تكاد ان تصرخ :
ما أقساه
هذا السنا الغارق في نجواه
غدا
إذا ما لملمت دنياه
يد
سيبقى مثلما أراه
يمتد في ابتسامته رهيبه
يمتد في صفرته المريبه
ويحمل التاريخ
في غيبوبه
قد قدس الجسم بها
ذنوبه
*
هذا السنا المنسل في السكون
كأنه
هجس من الظنون
ما خلفه ... ؟
أي لظى مجنون
في المخدع المعفر الجبين
*
يصيح بالإنسان :
ما الانسان
ما الروح
ما الإله
ما الايمان
بوارق ليست لها ألوان
ستنطفي
وتخلد النيران
*
في النار
في المنعتق الكبير
من قسوة الروح من الضمير
إذ يصرخ الانسان :
ما مصيري
غير الهوى المسعور في جذوري
غير الهوى النابض في عروقي
يسير بي كالعبث الطليق
أعمى بلا حلم
بلا طريق
*
غير الهوى
وانهتكت أجواء
غير الهوى
وانخذلت حواء
*
حواء ذات الأعين الشريره
كأنها
مناجم مهجوره
كم مرغ الدهر بها عصوره
ولم تزل
كأمسها قاذوره
*
قاذوره ذات رؤى أثيمه
الله مذ ألقى بها الديمومه
ألقى بها أمنية مسمومه
فخلدت
زلته القديمه
ولم نزل نطوف في جفنيها
وننشد الموت
على يديها
يا أبد يغور في عينيها
ما أخلد الموت ... هنا
لديها
*
ما أخلد الموت ...
وها آشور
محاجر غص بها الشعور
يصلبها هذا السنا المهجور
في كوة القصر الذي يغور
يغور في منعطف المدينه
تغل جنبيه رؤى حزينه
تكاد أن تصرخ في السكينه
وحشته القاتمه اللعينه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صراع
صراع
رقم القصيدة : 68549
-----------------------------------
وتشبثت بالموت ......
عينان
وتشبثت بالموت ......
رجلان
*
وأظل أزحف في الصراع
يهوي شراع
وتموت في جنبي ذراع
وأكاد أوميء بالوداع
يا للجبان
يا للجبان
وخجلت من ضعفي المهان
ضعفي المهان
ما زال يضحك في ارتياع
ويظل يضحك في ارتياع
وهناك(53/393)
في البهو المغبر كالزمان
كانت تعدّ لي الثواني
تلك العجوز بلا حنان
تك ... تك ...
ويدور فيها العقربان
يا للجبان
يا للجبان متى سيوميء بالوداع
؟
وأظل ازحف في الصراع
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ثلاث علامات
ثلاث علامات
رقم القصيدة : 68550
-----------------------------------
والتقينا
كان ود بارد بين يدينا
ان شيء مضحك في ناظريك
قلت في همس :
-تغيرت
-وأنت
وتلفت لنفسي
وتألمت لأمسي
أترى جار علينا ..؟
أترانا
قد أضلتنا خطانا ...فانتهينا
بعض أفكار حزينة
بعض حقد وضغينة
ورموزا لمدينة
لم تشيدها قرانا
أترانا ...
قد أضلتنا خطانا ...فالتقينا
في دروب لم يسر فيها صبانا
وافترقنا
؟
وافترقنا
والتقينا
كان حس ليس منا في يدينا
كان شيء مؤلم في ناظرينا
كان صمت
وحديث خلف صمتنا بعيد
كان للعالم عمر
وحدود
قلت في همس
لنفسي :
-هذه ليست قرانا
هذه ليست دنانا
إنها تجهل أمسي
وتلمست بصوتي
وحشتني
موتى المهانا
أترانا
قد أضلتنا خطانا ...
فالتقينا
وافترقنا
؟
وافترقنا
ثم عدنا فالتقينا
كان صمت بيننا يسخر منا
كان ود ميّت بين يدينا
لم نقل أنا ...
ولكنا ..
انتهينا ...
وافترقنا
أنا لا إذ ...
نحن لا نذكر أن كنا التقينا
*
وافترقنا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الجرح المرائي
الجرح المرائي
رقم القصيدة : 68551
-----------------------------------
لا تمسّي كبريائي
لا تمسي ذلك الجرح المرائي
أنا لا أدري
أنا لا أدري أين من نفسي دائي
أنا لا أدري
فاتركينا
لا تقولي :
لم لم تأت إلينا
لا تقولي :
قد تكبرت علينا
أنت تدرين
وأدري
هكذا نحن انتهينا
بأباء فاتركينا
أنا لا أملك إلا كبريائي
ذلك الجرح المرائي
ذلك الموت الذي يهزأ حتى ..
بانتهائي
فاتركينا
لا تقولي :
قد تكبرت علينا
أنت تدرين
وأدري
هكذا نحن انتهينا ...بأباء
وغدا
ألقاك في دربي
كأنما ما التقينا
بأباء
فاتركينا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> في الليل
في الليل(53/394)
رقم القصيدة : 68552
-----------------------------------
في الليل إذ تدفن الموتى
لياليها
وتتكي الأنفس التعبى على أبد
لم يدر أن يدي
حاكت مآسيها
من كل ما فيها
وأنني في سكون الليل
أسيان
يصبح بي هاجس كالعقل مشدودا
يا رب ...
لم كانوا ...؟
لك كان للأرض تاريخ
وأزمان
ولم يؤبد هذا القيد ماضيها
فتحلم الناس
لو يهديك شيطان
وتبصر الأرض في شتى مناعيها
تلهو بأعينها البيضاء ديدان
فلا تحس
ولا ترثي
ولا ترثي لما فيها
أليس قي قلبك الربى إنسان
؟ !
وسود الجبهة الشماء
خذلان
كأن عاصفة لمست مراميها
وزمجرت
وقست
وانهد سلطان
لكنما الناس
عادوا مثلما كانوا
يشد أرجلهم بالأرض ثعبان
والأرض تنسج في صمت مآسيها
من كل ما فيها
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وها أنت
وها أنت
رقم القصيدة : 68553
-----------------------------------
......
بالأمس إذ كنا صغار
كم كانت الدنيا صغيرة
ما زلت اذكر كل هاتيك السنين
تلك الدروب المعتمات
ضحك السكارى العائدين من الحياة
بلا حياة
لون المساء
كالداء يزحف في أزقتنا الضريرة
ما زلت أذكر كل هاتيك السنين
تلك الوجوه المستديرة
تموت خلف كوى صغيرة
عمياء
من قش وطين
*
ما أصغر الدنيا بحارتنا الفقيرة
هل تذكرين ..؟
تلك الحكايات الطويلة عن أميره
كانت تصر
تصر أن تبقى كدنيا صغيره
ما زلت أذكر كل هاتيك السنين
لون المساء
داري المخفية كالوباء
غور العيون الباسمات بلا رجاء
وهناك ...
امرأة مريرة
ألم نحاول ان نثيره
فتعود ثانية تقول :
-لا لست امرأة مريرة
وتعود ثانية تعيد حكاية ظلت تطول
تنمو ولا تنمو الأميرة
تلك الأميرة ...أينها ..؟
هل تذكرين ..؟
كم كانت الدنيا صغيرة
اليوم كبرت ..وها ...
-لا ...لست امرأة مريرة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> دروب
دروب
رقم القصيدة : 68554
-----------------------------------
ملء الطريق
صمت عميق
ينهد عن قلق وضيق
وهناك في الأفق السحيق
سبل تنام
وتستفسق
أما أنا(53/395)
فلقد تعبت وها هنا
سأنام
لا أهفو ولا تهفو مني
*
وبلا وعود
وبلا عهود
ولتبق في الأفق البعيد
تلك الدروب كما تريد
فغدا ستعبث من جديد
أما أنا
أما أنا
فلقد تعبت وها هنا
سأنام
لا أهفو ولا تهفو مني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> شيخوخة
شيخوخة
رقم القصيدة : 68555
-----------------------------------
شتوية أخرى
.....وهذا أنا
هنا
بجنب المدفأة
أحلم أن تحلم بي امرأة
أحلم أن أدفن في صدرها
سرا
فلا تسخر من سرّها
أحلم أن أطلق في منحنى
عمري سني
تقول :
....هذا السنا ملكي فلا تقري له
امرأة
*
هنا بجنب المدفأة
شتوية أخرى
وهذا أنا
أنسج أحلامي وأخشاها
أخاف أن تسخر عيناها
من صلعة حمقاء في رأسي
من شيبة بيضاء في نفسي
أخاف أن تركل رجلاها
حبي
فأمسي أنا
هناك
جنب المدفأة
ألعوبة تلهو بها امرأة
*
شتوية أخرى وهذا أنا
وحدي
لا أحب
لا أحلام
لا امرأة
عندي
وفي غد أموت من بردي
بجنب المدفأة
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> برمثيوس
برمثيوس
رقم القصيدة : 68556
-----------------------------------
وكالذكرى
تلك التي لا ترى
في صمتها القارص غير الرعود
أعيش في موتي
وأقتا تمن سري الذي كان فكان
الوجود
لا هاجس
يبحث بي عن صدى
و لا غد
يحلم لي بالخلود
والليل إن مرّ ولم ينته
لن يسأل الشك :
ترى ...هل تعود..؟
تعود
أو لا تعود
فليس في مطر حي ساعة
يحصي بها الوقت خداع الوعود
هذي يدي
نفضت عنها غدي
وألف وعد راسف في القيود
فليحلم النسر بأمواته
ولتحلم الموتى بسر الخلود
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> العطر الضائع
العطر الضائع
رقم القصيدة : 68557
-----------------------------------
يا أنت
... إني لن أعود
لن أتبع الزمن الحقود يمر بي
دون اعتذار
يا أنت
اني قد عبثت ولم أزل طربا بعاري
سيضيع عطرك في الفراغ
وما اغتوى
غير احتقاري
واذا بعينيك اللتين عبدت ملأهما
انتصاري
تستجديان هواجسا تومي لفكرك
باصطبار(53/396)
فتطول وقفتك السخية _ويلها _
ويطول ثاري
ويظل يحملك الخيال ولن يقر على القرار
فإذا بدنياك الطليقة تستفيق
على أسار
ويكاد يربط كل شيء في وجودك
بانتظاري
*
يا أنت
اني لن أعود
لن أتبع الزمن الحقود
يا أنت
اني قد عبثت ولم ازال طربا بعاري
وغدا أمر عليك معتذرا فيخدعك
اعتذاري
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حلم
حلم
رقم القصيدة : 68558
-----------------------------------
*
أنت يا من تحلمين الآن
ماذا تحلمين ....؟
بالدروب الرزق
بالغابة
بالموت مع الكون الذي لا تفهمين
ولعلي الآن شيء
غابة
أو ذلك الدرب
أو الموت الذي لا تفهمين
ولعلى
قبضة تخنقك الآن
وعين لا تلين
أو شتاء قارص يندس في قلبك من حين
لحين
ثم ماذا ...؟
أنت يا من تحلمين الآن
ماذا تحلمين ...؟
وغدا إذا تدركين الفجر
ماذا تدركين ..؟
كنت حلما مرّ والليل بلا معنى كأيام سجين
وتلاشت مع الدروب
مع الغابة
والموت الذي لا تفهمين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حب قديم
حب قديم
رقم القصيدة : 68559
-----------------------------------
هل تذكرين ...؟
وخجلت مما تذكرين
أما أنا
فلقد ضحكت ,ضحكت مما تذكرين
كنا صغار
ولعلنا لم ندرك كم كنا صغار
هل تذكرين
كان النهار يموت في الأفق الحزين
وكما تعوّد من سنين
كان انتظار
وأتى القطار
وتصافحت أيد كثار
أيد كثار
إلا ... يدي
هل تذكرين ...إلا يدي ....
كانت مهيأة لأجمل موعد
لكن عبرت
عبرت لم تتلفتي
لم تنشدي سري الدفين
وضحكت مثل الآخرين
أما أنا
فلقد خجلت
خجلت من حبي المهين
هل تذكرين ...؟
وخجلات مما تذكرين
أما أنا
فلقد ضحكت
ضحكت مما تذكرين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عبودية
عبودية
رقم القصيدة : 68560
-----------------------------------
*
عبد ....!
أكاد أثور ...لكني
أحس الغل في أذني
يولول هازئا
مني
ويصرخ ضاحكا ............عبد
عبد...!
أنا الخالق إنساني
أنا الهادم والباني
أنا ربي وشيطاني(53/397)
أتحسب أيها القيد ...؟
فتمتم ساخرا ...عبد
عبد
أكاد أجن يا نفسي
أأنت يا حسي
أهذا العالم المنسي الذي القى به
المهد
ويطوي شعثه اللحد
هو الصارخ ...يا عبد
عبد
أنا العائش في ظلي
أنا الموت بلا شكل
ترى من أنت يا غليّ ...؟
فعاد الصوت يشتدّ
كأن عواصفا تعدو
بأذني
وتربدّ
أنا ...
أنت
أنا العبد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> يا صديقي
يا صديقي
رقم القصيدة : 68561
-----------------------------------
يا صديقي
لم لا تحمل ماضيك وتمضي عن طريقي
قد فرغنا و انتهينا
وتذكرنا كثيرا ونسينا ما تذكرنا
سنينا ما تذكرنا
سنينا ,سنينا
ورمينا
بيدينا
كل ما صناه من حب عميق
كل ما صناه من الماضي السحيق
ورؤى كانت لدينا
كل ما كانت لدينا
قد طوينا وعدنا وانطوينا
يا صديقي
لم لا تحمل ماضيك وتمضي عن طريقي
لم لا تبحث عن دنيا جديده
لم تزل في الأرض أحلام سعيدة
ثم ماذا...؟
أي جدوى لك من ذكرى لعيده
قد فرغنا
وانتهينا
وتذكر كثيرا ونسينا
ما تذكر
سنينا
وسنينا
ثم ضيعت عدوي من صديقي
يا صديقي
لم لا تحمل ماضيك وتمضي عن طريقي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خداع
خداع
رقم القصيدة : 68562
-----------------------------------
ومن خلال
عطش الرمال الى المياه
كانت تلوح لنا الحياة
أطياف آل
فنظل نغرق في الظلال
والدرب
يبدو كما نراه
عطشي مميت
والدرب يبدو كما نراه
تعبي مقيت
والدرب يبدو كما نراه
ماذا وراه ... ؟
هذا التلفت للحياة ... ماذا
وراه ... ؟
ها أنت أنت
ولست أنت
دنياك بعض دجى وصمت
هذا الدجى ... ماذا واره ... ؟
ماذا وراه ... ؟
أنظل نغرق في الظلال
ومن خلال
عطش الرمال الى المياه
أتظل تخدعنا الحياة ... ! ؟
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الخطوة الضائعة
الخطوة الضائعة
رقم القصيدة : 68563
-----------------------------------
كان الشتاء يجر أرصفة المحطه
وتموء عاصفة كقطه
وعلى الطريق
يهتز فانوس عتيق
فيهز قريتنا الضنينه(53/398)
ماذا سأفعل في المدينه ... ؟
وسألتني :
ماذا ستفعل في المدينه ... ! ؟
ستضيع خطوتك الغبية في شوارعها
الكبيرة
ولسوف تسحقك الازقات الضريرة
ولسوف
ينمو الليل في أعماقك الصماء أملا حزينه
ماذا ستفعل في الـ ......
وبلا صديق
لا ...
ليس في تلك المدينه من صديق
وضحكت مني
وهزئت مني
وظللت انتظر القطار الى المدينه
ومضيت عني
ومضيت عنك
ومن خلال زجاج نافذة القطار
مرت قرى
تطفو
وترسب في الرمال وكنت انتظر النهار
مع المدينه
*
مرت سنون كبرت بعيني الليالي السود والتهبت
غيومك يا دجون
فلمن أعود ... !
لقريتي
او للشتاء يحز أرصفة المحطة
او للفوانيس الصغار تهز قريتنا الضنينه
او للنساء المائتات من الحياء
لا ...
لن أعود ...
لمن أعود وقرتي أمست مدينه
في كل منعطف ضياء
في كل زاوية ضياء
في كل مرمى خطوة ضوء لمصباح جديد
سيصيح بي :
_ ماذا تريد ... ؟ ماذا تريد
يا أيها الظل الشريد
ماذا تريد ... ؟
لا شيء يعرفني هنا
لا شيء اعرفه هنا
لا شيء اذكره ولا أشياء تذكرني ...
هنا
ساجر خطوتي الصغيرة في شوارعها
الكبيرة
ولسوف تسحقني الأزقات الضريرة
لا ...
لن أعود لمن أعود
فقريتي أمست ... مدينه
أمست مدينه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> قرف
قرف
رقم القصيدة : 68564
-----------------------------------
وعدت الي
وبين يدي
رجفت
... وأحسست أن لدي
حديثا طويلا يمل
وقلت بهمس :
_ وعن أي شيء ... ؟
انقسوا علي ... !
...........
وينسد غل
لماذا ...
لماذا رجعت إلي
لماذا رجفت
وخفت لماذا ... ؟
أأسكت
ان بقلبي قي
وان هوانا ممل
وان هنا
رغم هذا السرير
هنا
رغم هذا السرير الصغير
سيرقد بيني وبينك ظل
*
رجعت إلي
وجوعك حي
وقلت بجسمك شوق لي
وقلت
وقلت
وفي أذني
يولول همسك عن ألف شيء
ويوغل امسك في كل شيء
وأحسست ان لدي
حديثا
طويلا ... يمل
وانك كتلة لحم عتيق
وعروق تغل هوى لا يفيق
... أشمّ
... أحس بقلبي قي
و أني
دعيني ... دعيني
أذهبي
ففي مغربي(53/399)
أريد من الأرض شيئا الي
أريد من الأرض شيئا
كموتي شيئا الي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ضياع
ضياع
رقم القصيدة : 68565
-----------------------------------
وركضت خلف رؤاه ... لكن
ما أضعت سوى رؤاه
وبحثت في عينيه لم تلقي
سواه
هو نفسه
ما زال يسخر من هواك
ومن هواه
ويظل يسخر ... ما الحياة
هو نفسه
ما زالت الدنيا تراه
ولا تراه
يمشي كما شاءت خطاه
فلا تحس به خطاه
_ لا ...
لن اراه
هذا الهوى الملعون ... لا
أنا لن أراه
*
يا موته العريان ها هي مثلهم
جهلت مداه
جهلت هواه
هي مثلهم ... كالناس ... كالدنيا تراه
ولا تراه
وتظل أنت تقول ... ما أقسى الحياة
ويظل يسخر ... ما الحياة ... ! ؟
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الى أين
الى أين
رقم القصيدة : 68566
-----------------------------------
الى أين ... ؟
ويحك ... لا تسألني
فرجلاي مثلك تستفهمان
أغيب مع الليل في مأملي
واصحو ولا شيء غير الزمان
يلف الليالي على مغزلي
خيوطا رقاقا بلون الدخان
غدا سوف تنشرها أنملي
ستارا يحجب ضعفي المهان
*
الى أين ... ؟
يا للصدى
اسكتي
فليس وراء انفلاتي
مكان
تقلصت الأرض في خطوتي
وضاعت بعينين
تستجديان
وما زلت
امشي على جبهتي
وينسل خلف خطاي الهوان
كأني
على شفتي ميّت
أدبّ
وامتص ما توحيان
واطوي حياتي
على ضحكة
تمتع في خلقها يائسان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عشرون ألف قتيل ... خبر عتيق
عشرون ألف قتيل ... خبر عتيق
رقم القصيدة : 68567
-----------------------------------
صوت المذيع
متخشب
شاءوا له ان لا يحس بما يذيع
(( لندن ))
وتدق بيك بن
... دن ... دن
(( لندن ))
(( عشرون ألفا ))
_ لا ... كفى خبر عتيق كالمذيع
وتقول أنت :
ما الحفاة
وتقول أنت :
من القطيع
وعلى شفاه أخريات
صوت يتمتم في صلاة
رباه ...
احفظ لي حياتي
أنا لا اريد سوى حياتي
*
أماه
يا أمي
رصاصة في جنبي المدمى
... لا تبعدي
... لا تبعدي عني
كالكلب ها اني(53/400)
أموت من أجلك يا أمي
لا تبعدي عني
*
وحدي أنا
وغدا اموت مع القطيع
وحدي
واجر ليلي المنطفي
وحدي
رأسي هنا
رجلي هناك
ويدي تشد على يدي
... ألم فظيع
وأحس بي شوق الربيع
يموت بي
يا للهلاك
ومن هناك
ومن هناك
يا للهلاك
صوت المذيع
متخشب
شاءوا له ان لا يحس بما يذيع
(( لندن ))
وتدق بيك بن
دن ... دن
(( عشرون ألفا ))
_ لا ... كفى خبر عتيق كالمذيع
(( قتلوا ليحيا الآخرون ))
وأنا أتمتم :
يكذبون ... ويكذبون
وتقول أنت :
من الحفاة
(( قتلوا لتزدهر السنون ))
وأنا أتمتم :
يكذبون ... ويكذبون
وتقول أنت :
من القطيع
وعلى شفاه أخريات
صوت يهمهم كالصلاة
أمي تتمتم في صلاة :
رباه ...
أحفظ لي حياتي
أنا لا أريد سوى حياتي
*
أماه
يا أماه
هنا ... بلا حبي ولا بسمتي
أغور في الطين
أغور في الجرح
أغور لا أنت معي
أغور لا شمس معي
ولا الهوى العالق في صبحي
وسوف تنسيني
رغم السنا المطفأ في غرفتي
رغم الغد الفارغ يا أمي
فسوف تنسيني
*
وحدي أنا
ويدي تشد على يدي
... ألم فظيع
واكاد أسمع من هناك
ومن هنا
صوت المذيع
متخشبا
شاءوا له أن لا يحس بما يذيع
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> سر
سر
رقم القصيدة : 68568
-----------------------------------
ادري
ستعود لتحرق لي شعري
ستعود
لتقلع لي ظفري
لن تقتلني
ستشد الحبل ولن تقتلني
ستطيل الليل ولن تقتلني
ستدوس على صدري
ادري
وفمن لن يفرج عن سري
يا للسر
أقطع جفني
أغمس إبهامك في عيني
ففمي لن يفرج عن سري
يا للسر
والسوط سينبح في لحمي
كالسم
سيوغل في جسمي
يا للسر
وستنبش في لوعة صوتي
في موتي
في صمتي المر
ستصيح : أريد ... أريد
أريد
والسوط يعيد
وتقول : ستخنقه
وستحرقه
يا للجبن
أأذيع السر
أأفشي الأمر
يا للجبن
أأخزي ابني
لا ... لا
والصرخة تشهق في عيني
لا ...
لا ...
*
وتعود لتحرق لي شعري
ولتقلع لي ظفري
لكن سري
سيظل كنصلك في صدري
رمزين لإنسان حر
يا أحمق
في سري عذري
كي أصرخ
كي أبصق
كي أسخر من عبد ...(53/401)
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حديث للسبت القادم
حديث للسبت القادم
رقم القصيدة : 68569
-----------------------------------
في الغرفة ذات الغرفة
سيمر السبت
وبلهفه
قد تذكرني
قد تسأل عني
_ لم يأت
_ لن يأتي
ويغور الصمت ... في الغرفة
_ أو تبكين
كلا ... كلا ... لكني
لا أدري
لم اشعر ان السبت حزين
لم اشعر ان البيت حزين
اشعر أني
ادفن شيئا مني
في صمتي
وبلهفه
قد تسمع صوتي
قد ترجع نبرة حزن في صوتي
من يدري ... ؟
قد لا تسمع شيئا غير خطى الموت
تجتاز الغرفة
وتضيع بلا حب أو لهفه
من يدري ... ؟
قد تسخر من صوتي
مني ...
من كل الساعات الثكلى في سرى
_ لم يأت
_ أتمنى ان لا يأتي
وسيضحك في الغرفة غيري
*
في الغرفة ذات الغرفة
سيمر السبت
قد تذكرني ... قد تسأل عني
قد ... لا
ما قيمة ذلك ... اني ميت
ميت في الغرفة ذات الغرفة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> توبة يهوذا
توبة يهوذا
رقم القصيدة : 68571
-----------------------------------
يا صغاري
أنا أدري أن عاري
قصة تنساب من دار لدار
أنا أدري
كلما ألتف شتاء حول نار
وإذا ما شفة مرت باسم
مثل اسمي
ذكروا إثمي
وإثمي خنجر يوغل في قلب صغاري
أنا أدري
أن ما لصته كفاي
وما شادت يدي
من قصور لغدي
لم تعد غير شهود لدماري
أنا أدري
ان ما كنزت في الليل
ومن ويل بريء
وفقير
من دم أهرق مرضاة شروري
يستحيل اليوم
في النور
شهودا لانهياري
*
أنا أدري
ان شعبي يأكل الحقد عروقه
كلما أبصر بي الوحش الذي داس حقوقه
كلما أبصر بي الليل الذي سد طريقه
أنا أدري
أي وحش
أي ليل
كنت يا شعبي عليك
أنا أدري
كيف ألقيتك في الدرب
ولم أترك لديك
غير جوع
ودمار
يا صغاري
أي جدوى لا اعتذاري
بعد ان أحرقت حتى بيت جاري
يا صغاري
أن حكم الموت لن يمسح عاري
عن جبيني
فهنا ...
ألف قتيل
وهنا ...
ألف سجين
وهنا ...
ألف صغير لم ينل غير سجوني
أنا أدري
أن حكم الموت لن يسمح عاري
فأنكروني يا صغاري
واتركوني(53/402)
اتركوني لعنة تزحف في التاريخ
من نار لنار
علّها
تغسل
عاري
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> جئتم مع الفجر
جئتم مع الفجر
رقم القصيدة : 68572
-----------------------------------
جئتم مع الفجر
.... وكانت هنا
مجزرة تنمو بلا عذر
وخلف باب السجن
كانت منى
تعيش في وهن
وكان للغدر
ألف يد تسرق من ذهني
ومن دمي الحر
شوق الليالي السود للفجر
*
جئتم مع الفجر
وكنا هنا
نقتل في صمت ولا ندري
أيصلب الانسان
أتحرق النيران
بيوتنا
صغارنا
لأننا نحلم بالفجر .... ؟
لكنكم جئتم
وكنا هنا
نسأل من أين ستأتي المنى
من أين ...
لن تأتي
لن تشرق الشمس
وفي بيتي
تغور في الموت
أقدام أطفالي بلا صوت
من أين ؟ ...
لن تأتي
فسجننا أعمى بلا كوة
ودربنا يوغل في الهوة
ونحن لا حول ولا قوة
لكنكم جئتم وكن هنا
حكاية عن أمسنا المر
وموكبا من السنا
في فجرنا الحر
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أولئك الرجال
أولئك الرجال
رقم القصيدة : 68573
-----------------------------------
قالوا لنا
لله ... ما اكثر ما قالوا
لله ... ما اكثر ما يكذبون
أولئك الرجال
قالوا لنا :
غدا إذا صرنا كما شاءوا لنا ان نكون
نزحف في الليل كما يزحفون
نهيء الخنجر خلف الظنون
ونقتل الصدق الذي في العيون
فما بها ظلال
كأنها بعض زجاجات
وليست عيون
غدا إذا صرنا كما شاءوا لنا ...
ان نكون
ضحكتنا ملساء كالأفعوان
أحلامنا سود بلون الدخان
لأننا رجال
أعصابنا حبال
تعانق الأطفال حتى تموت
وينعب السكون
وتمحي الألوان
والظلال
والأزمان
فليس في الإنسان
شيء من الإنسان
لأننا رجال
صرنا كما شاءوا لنا ان نكون
*
لله : ... ما اكثر ما يكذبون
أولئك الرجال
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أرض مرة
أرض مرة
رقم القصيدة : 68574
-----------------------------------
من يدري ... ؟
قد نرحل عند الفجر
لا تلق
مرساة
لا تبذر
بذره
فالأرض هنا صماء كالصخرة
عمياء كالصخرة
ومياه الجرف مياه مرة
لا تلق(53/403)
مرساة
لا تنصب
خيمه
سنموت ولن تعبر غيمه
لنصير حياة في زهرة
*
لا تلق
مرساة
لا تبذر
بذره
من يدري
قد نرحل قبل الفجر
عن أرض صماء كالصخرة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أريد أن
أريد أن
رقم القصيدة : 68575
-----------------------------------
أريد أن أغور في شوارع مزدحمة
حكاية
أو غنوة
أو ملحمة
أمد أذني لكل ضحكة
وتمتمة
أريد أن أفهم ما يبتل ملء دمعة
مبتسمة
أفهم ما
في شهقة تشنج كالريح خلال
أضلع مهدمة
أريد أن
أسأل من
يحلم عن ... أحلامه
أريد ان
أسأل من
يألم عن ... آلامه
عن قطرة مسمومة في جامه
المحطمة
اريد أن
أزحزح الليل فلا تختل تحت ظله
أفعى
ولا تسعى
وراء رجله
تنفث ألف فكرة محرمه
أريد ان
أوقظ دنيا مظلمه
اهتز مصباحا
هنا
هناك
ملء نوره
منى
تنير ربوة ومنحى
أريد أن
أكون مثل الناس لي
متهم
ومدع
ومحكمه
لي فجرهم
لي ليلهم يبذر في أنجمه
لي دربهم
أمرّ فيها قصة
أو غنوة
أو ملحمة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> غدا هنا
غدا هنا
رقم القصيدة : 68577
-----------------------------------
غدا
هنا
في هذه اللفتة من أرضنا
سيسأل التاريخ عني ...
أنا
عن ذلك المقطع من عصرنا
عن غرف ما مرّ فيها السنا
لكننا
كنا
وكنا السنا
فينا
ينبع من صمت ليالينا
من رنة القيد بايدينا
من حد جدران توارينا
تشدني
تبعدني
عن قصة يسردها ... ابني
عن زهرة تذبل في بيتي
واعين يرعبها موتي
وعن يد
مثل يدي
معرقة ترسم في الصمت
مدّ ذراعين
لفجر الغد
*
غدا
هنا
سيسأل التاريخ عني
أنا
عن بيتنا الغارق في الظلمة
ودربنا الموحش كالنقمة
عن آهة
تغور في بسمة
عن أرجل تركض ...
عن أمه
تذوب ...
تلتحف الدروب
حافية الرجلين
مبتورة الكفين
لا شيء في عيونها إلا الغد المنطفئ
العينين
وأنت يا حكاية الذنوب
غدا
هنا
يلعنك العصر وفي القمة
سيكتب التاريخ عني ...
أنا
عن خضرة جاءت بها
غيمه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> واليوم ... أعود
واليوم ... أعود(53/404)
رقم القصيدة : 68578
-----------------------------------
في أرضي
الصمت مرير كالبغض
والفجر يجيء بلا ومض
والليل يمر
ولا يمضي
والناس تتمتم في أرضي
كنا
اثنين
عينان تغوران بعينين
منتظرين
الفجر الفضي
والفجر يجيء بلا ومض
في أرضي
*
وسئمنا الركض مع الأحلام
كرهنا الناس
فقدنا الإحساس
مللنا
متنا
وإذا عشنا
فلقطرة سكر في جام
تنسينا
سود ليالينا
تنسينا
سجانا
وسجينا
وأنينا في أرض الصبار حزينا
*
كنا اثنين
عينان تمران بعينين
وبلا حب
وبلا بغض
وكبعض الناس نمر ببعض
والناس
تتمتم في أرضي
*
في بيتي
كنا اثنين
وبصمت
التقت كفان بكفين
_ أستمضي ... ؟
_ لن أبقى ... لن أبقى
وهمست بصوت مبلول
_ سأظل لأشقى ... لن أمضي
وبحبي
وببغضي
سأحيل حقولي
فجرا ينساب على أرضي
*
واليوم
أعود
أرضي تمتد بدون حدود
بيتي رابية
كتفاه ورود
دنياه خلود
دربي
كحديث اثنين عن الحب
عن لهفة قلب
عن لفتة وجود
تخضر وتزهر في جنبيه وعود
وبصمت
التقت كفان بكفين
غرقت عينان بعينين
وهمست بصوت مبلول
أطبق جفنيك
لنغرق في الفجر الفضي
ما أعمق
ما أطيب
ما أوسعها ... أرضي
تلك الأكبر من حبي
تلك الأكبر من كل سني الغربة
والظلمة
والرعب
والأكبر من عفوك يا بغضي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> يهوذا
يهوذا
رقم القصيدة : 68579
-----------------------------------
وأشرت ... أنت
_ أأنا ... ؟ !
_ أجل
وبلا خجل
كانت تصر يداك ... أنت
أجل
وأنت
فكأننا لم نبن في أحلامنا بالأمس بيتا
ليضمنا
دربا
وإيمانا
وصمتا
وكأننا بالأمس لم نقسم
وما شدت يداك على يدي
لتنير من أمسي
غدي
*
يا من وقفت تشير ... أنت
يا من
يا من وقفت مع العيون القائمات
تشير ... أنت
يا من وقفت مع الأصابع آثمات
تصر ... أنت ... أجل
وأنت
هلا ذكرت بأننا
رغم العذاب يهدنا
رغم القيود تشدنا
رغم الليالي الحالكات تدور في داري
ضنى
رغم الخطى المتنصتات
تلص من بيتي السنا
هلا ذكرت بأننا
لا ... لم نقل أبدا :
هنا(53/405)
بيت عرفتك فيه ... أنت
لا ... لم نقل
ليظل ذاك البيت في أحلامنا
دربا
وإيمانا
وصمتا
لا ...لم نقل أبدا :
هنا
بيت عرفتك فيه ... أنت
لنظل في المصباح زيتا
هلا ذكرت
وقد رأيت القيد ينهش من يدي
لينير من أمسي
غدي
هلا خجلت
وقد وقفت مع العيون القائمات
مع الأصابع آثمات
تشير ... أنت
صر ... أنت ... أجل
وأنت
لتبيعني ... حيا وميتا
لتهدني
دربا
وإيمانا
وبيتا
......
لكنني
_ وافرحتاه _
ما كنت ... أنت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> قال لنا شيئا
قال لنا شيئا
رقم القصيدة : 68580
-----------------------------------
بالأمس
مرّ من هنا
قال لنا شيئا ومرّ من هنا
فانساب في قريتنا
فجر
وأينعت منى
واستيقظت كرومنا
لتنحني
حبا
وظلا
وجنى
*
بالأمس
مرّ من هنا
قال لنا شيئا ومرّ من هنا
وكان في نظرته
وعد
وفي بسمته
رعد
وفي قبضته
جرح وآلام تفجر السنا
للأرض
للتاريخ
للدنيا ... لنا
*
بالأمس
مرّ من هنا
قال لنا شيئا ومرّ من هنا
في رجله
أغلاله
في عينيه
نضاله
في قلبه
آماله
وماله للناس للدنيا جنى
*
وفي غد
إذ يمرح الصغار في قريتنا
وفي غد
إذ تشرق الأنوار من بيوتنا
ألف يد
ألف فم
يرفع من حياتنا
تحية لعابر
بالأمس
مرّ من هنا
أبقى لنا شيئا ومرّ من هنا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> العودة الى هيروشيما
العودة الى هيروشيما
رقم القصيدة : 68581
-----------------------------------
أأعود لبيتي ... ؟ !
ولمن ... ؟
الطفل ميت
الكومة أحجار مسخت أطلالا
تجهش في الصمت
الطفلة ... ؟
بالأمس هنا أدركت بها الدنيا
يقظة فله
ردة خصلة
وكنحله
كانت عينين تحومان لنهله
واليوم
هناك
مع الأطلال
هناك
مع العدم العاري
ومع الصمت
ما أعمق ليل الأغوار
أأعود لداري
أأعود لأبحث عن بنتي
في كومة أحجار
في غمرة نار ودخان
في غمرة نار ودخان
ما قيمة إنسان يفني
فهناك
هنا
في ألف مكان
ستصلي شفتاه إنسان
للموت
وستغني كفان
بموت
ما قيمة انسان يفنى
ما قيمة آلاف تفنى(53/406)
من أجل غنى انسان ... !
*
أأعود لبيتي ... ؟
الطفل ميت ... ؟
أأعود لأبحث عن فله
عن نحله
عن طفله
في زحمة أقدام تمشي
لن يقفوا
كي يسأل من يسأل
عن لوعة انسان
ما قيمة
لوعة
انسان
*
أأعود لأبحث عن موتي
والموت
هن ا
والموت هناك
فلتصمت
سيجيء إليك من ألف مكان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> بعد ساعات
بعد ساعات
رقم القصيدة : 68582
-----------------------------------
و أذاعوا
بعد ساعات سينهد شراع
سيجف النور في عين وتنشل ذراع
و أشاعوا جائعا كان
فآوت صوته المرّ الجياع
ضائعا كان
فلمت تيه رجليه الجياع
مجرما كان في نظرته
يلتقي درب
وفجر
ورعاع
ليتهم كانوا كما كنا رعاعا
وذراعا
وشراعا
يعبر التاريخ كالحب نداء
وعطاء
وشعاعا
*
بعد ساعات ستنشل ذراعي
ويد من خلف باب سجن تومي
بالوداع
ويد صفراء كالبهتان تسعى لانتزاعي
غير أني
سوف أبقى
صرخة الانسان في كل مكان
وسأبقى
صورة في كل عينين
وفي كل جنان
وسأبقى
فكرة تزحف في الصمت
ومن موتي
سيبقى
للغد الطالع
للفجر
ذراع وذراع وذراع
وسينساب شراع وشراع وشراع
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الى ولدي
الى ولدي
رقم القصيدة : 68583
-----------------------------------
سأعود ثانية إليك
لا قبل النور الذي في ناظريك
لتنام بين يدي صحوة
راحتيك
ستصيح !
عاد أبي إلي
حيا
برغم الموت عاد أبي إلي
في ناظريه
حكاية
عن ألف إيمان وشك
عن ألف جرح غائر
كالموت يصمت حين يحكي
*
أنا ان رجعت غدا إليك
ان عدت ثانية إليك ... فلا تسل
عما لدي
عن غيمة تجتاز هدأة مقلتي
لا ...
لا تسل
عما وراء الصمت من زهر وشوك
أنا ان سألت
فسوف أبكي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الرحلة الثامنة
الرحلة الثامنة
رقم القصيدة : 68584
-----------------------------------
أطفئ مصابيحك ... ولنغرق
يا حارس المنار
فالحلم في متاهك الأزرق
قد اتعب البحار
فود لو تنتهي
حكاية البحار
حكاية الطواف في البحار
حكاية اللؤلؤ(53/407)
والمرجان
والحار
وود لو تغرق
*
أطفئ له الأنوار
أطفئ ولا تقلق
واتركه للتيار
يحمل للأغوار ما في الحلم من أغوار
يحمل اللؤلؤ والمرجان
والمحار
كل الحكايات عن الجدب
عن عالم يحيا بلا قلب
عن مذنب
يبحث في التوبة عن ذنب
*
يا حارس المنار
اتركه للتيار
يحمل للأغوار ما يحمل في يديه
في عينيه
من أغوار
يحمل للبحار
لتيهها المغلق
مرارة الضياع في البحار
مرارة الصبار ...
فاتركه
لن تقلق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أوديب
أوديب
رقم القصيدة : 68585
-----------------------------------
الصورة
وتطل على ليل ... عيناه
وتغور خطاه
أحلام سوداء ومتاه
وهناك متاه
ومتاه
يا ألف سماء أين ... الله ... ؟
*
أوديب
مهجور كالليل أنا
كالصمت أنا مهجور
وهنا
قرب يدي
ملء غدي
دنياي دجى مقرور
بيداء
ربداء
ونداء مبتور
ودهور تتساقط تجرفها امواه
وأنا الانسان المغرور
أغور
أغور
فأين الله ... ؟
*
الكورس
يا صمتنا في العينين المقرورة
يا مدة أيد المبتورة
اتركنا
لملم خطوات
اتركنا
اغرز اهاتك في ذاتك
اتركنا
يا قرفا من دنيا مهجورة
اتركنا
*
الصورة
وتغور خطاه
وتصيح يداه !
يا ألف سما ... يا الـ ... أين الله ... ؟
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> في الأربعين
في الأربعين
رقم القصيدة : 68586
-----------------------------------
في الأربعين
وعلى يدي
أكداس أحلام تموت بلا غد
لا ...
ابعدي
لا تبحثي في ناظري عن موعد
أنا من سنين
لو تعلمين
ما عدت غير صدى خطاي الشرد
تنساب بي
في ألف منطلق حزين
لا ...
ابعدي
يا أنت ... يا من تحلمين
بالفجر يولد في رؤى زهر ندي
بالياسمين
أنا من سنين
لو تعلمين
أيقظت في الأشواك من عطشي المهين
حقدي الكمين
حقد الأماني المائتات على طريق أسود
ابعدي
يا أنت يا من تحلمين
بالفجر
بالزهر الندي
بالياسمين
بالزهر الندي
بالياسمين
أنا من سنين
لو تعلمين
غابات أحقاد تنام لموعد
قد لا يجيء مع الغد(53/408)
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الى مدينتي
الى مدينتي
رقم القصيدة : 68587
-----------------------------------
يقال :
ان بيتنا كئيب
يقال :
أن دربنا
قد أوحشت خضرته الذنوب
يقال :
ان الناس في مدينتي
قد جف في أعينها اللهيب
*
يقال :
ما اتعس ما يقال
فبيتنا كئيب
تنعب في وحشته الظلال
ودربنا غريب
قد هجرت سمرته الأطفال
يقال :
ما اتعس ما يقال
ان ليس في مدينتي رجال
*
أعرف يا مدينتي الصغيره
يا عرق الرجال في الظهيره
يا كسرة الخبز على حصيره
يا طفلة تحوك في أحلامها ضفيره
لقصة الأمير
للأميره
اعرف يا مدينتي
كم من جراح ثرة ... مريره
تنزف تحت الأجنح الكسيره
لكنني
اعرف يا مدينتي
ماذا وراء بيتنا الكئيب
ماذا وراء صمته الرهيب
أي غد يلمع في الدروب
وإنني
اعرف يا مدينتي
اعرف ان أعين الرجال في مدينتي
لا ترقد
وان ملء صمتهم
مراجلا تتقد
غدا
إذا ما انفجرت
سينحني لها الغد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> إنها تنتظرني
إنها تنتظرني
رقم القصيدة : 68588
-----------------------------------
واهتز ظل من بعيد
لا ... ليس ظلي
ويلوح ظل من جديد
لا ...
ليس ظلي
فأنا
هنا
في السجن يا أمي أجر براءتي
في ألف غل
*
ويدق نصف الليل ... نصف الليل
مثل الويل
ينبش في قلوب الأمهات
أمي كباقي الأمهات
عينان
تنتظران من آت لآت
*
ويلوح ظل من جديد
لا ... ليس ظلي
فأنا
هنا ... في السجن يا أمي
هنا ... رقم
يشد يدي بغلي
*
وتمر أقدام سكارى
ويمر عطر من حديث عن عذارى
وتمر قهقهة تجرجر مومسات
وتظل أمي
قلقا يهمهم في السكون وحفنة
من ذكريات
ورؤى تهوّم حول أسمي
ويلوح ظل من جديد
لا ...
ليس ظلي
فأنا ... هنا
في السجن يا أمي
هنا ... وحدي أعيش بدون ظلي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> بين هاجسين
بين هاجسين
رقم القصيدة : 68589
-----------------------------------
قيلت في وفاة الرئيس عبد الناصر
- - -
في ليلة مثل ليالي الناس
مألوفة بغيمها(53/409)
بنجمها
بكل ما في رحمها
من هاجس يسأل عن ولادة
وهاجس
ينطر في الأجراس
ولدت مثل الناس
كبرت مثل الناس
ومثل كل الناس
سمعت وقع خطوك المهيب في دروبهم
ركضت خلف وقعه
أتعبك الركض وراء وقعه
وعبر ما في وقعه المهيب
أدركت ان دربهم حكاية في لحظة
وضحكة في لحظة
وألف ألف مرة كان الطريق ملتقى
كئيب
عرفتهم
حببتهم
أرخيت في قلوبهم ... كفيك
أدرت عن عيونهم ... عينيك
وكنت في غيوبهم _
الموعد الحبيب
واليوم
إذ ترحل عن دروبهم
لا ترحل إذ لا يزال امسك ... الغد
الذي لا يمحل
يغور في قلوبهم
يطل من غيوبهم
الدرب
والضحكة
والحكايه
والبدء ... لا النهايه
بدء بلا نهايه
*
ولدت مثل الناس
ولم تكن كالناس
لا ...
لم تكن
مذ جاوزت رؤاك ما في هاجس
يسأل عن ولادة
وهاجس ينطر في الأجراس
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وجه أختي ... وجه أمتي
وجه أختي ... وجه أمتي
رقم القصيدة : 68590
-----------------------------------
ألقيت في مهرجان سميرة عزام التأبيني
- - -
وهوت يد
فإذا الطريق مفازة والموعد
وجه يغيب ويبعد
وإذا الغد
ذاك الذي حلمت بمرآه السنون الشرد
هذا الرماد الأسود
يذوره هنّا عاصف
ويلمه
أمل على فجر هناك سيعقد
ويطول ليل
ويغور حتى العظم ويل
ونقول :
سوف نرى الصباح
نصير في لالائه
شرعا
رياحا
ولسوف نحمل شمسه بيتا أبي ان يستباح
ونقول :
سوف يرى الشروق عما
ويفصح أعقد
والرقد
سيرون في عيني السماء تورد
لا ان يأتي الصباح
لا بد ان يأتي فقد جفت من النزف الجراح
لا بد ان ...
وأتى الغد
فإذا الصباح تلفت يستنجد
وهوت يد
يدك التي كانت تقيد وترفد
لا كنت يا هذا الصباح
لا كنت يا هذا الصباح الأسود
لا كنت يا هذا الغد
*
أختاه
لو عقلت شفاهي
لسكت مثلك ما نطقت بغير آه
اذكي بها ألم الرجال العائشين بلا حباه
*
أختاه
أضنتك الطريق
أضنتك عين لا تنام وألف عين لا تفيق
وتعبت
إذا أيقنت أن الدرب يوغل في المتاه
يلتف حول دخينة
ويضيع في صخب المقاهي
تطويه انة يائس(53/410)
وتمجه ضحكات لاه
وسكتّ
يا أختاه
مثل الموت ... لكن
لم تموتي
ولن تموتي
فغدي سيبعث منك يا أختاه
من دمك الصموت
من نبض قلبك وهو يصرخ حيث يمعن
في السكوت
لا ... لم تموتي
ولن تموتي
ما دام حرف أخضر يومي وشمس تولد
ما دام في الدنيا غد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خطوات في الغربة
خطوات في الغربة
رقم القصيدة : 68591
-----------------------------------
هذا
أنا
_ ملقى _ هناك حقيبتان
وخطى تجوس على رصيف لا يعود الى مكان
من ألف ميناء أتيت
ولألف ميناء أصار
وبناظري ألف انتظار
لا ...
ما انتهيت
لا ... ما انتهيت فلم تزل
حبلى كرومك يا طريق ولم تزل
عطشى الدنان
أنا أخاف
أخاف ان تصحو ليالي الصموتات
الحزان
فإذا الحياة
كما تقول لنا الحياة :
يد تلوح في رصيف لا يعود الى مكان
*
لا ...
ما انتهيت
فوراء كل ليالي هذي الأرض لي حب
وبيت
ويظل لي حب وبيت
وبرغم كل سكونها القلق الممض
وبرغم ما في الجراح من حقد
وبغض
سيظل لي حب وبيت
وقد يعود بي الزمان
*
لو عاد بي
لو ضم صحو سمائي الزرقاء هدبي
أترى سيخفق لي بذلك البيت
قلب
أترى سيذكر ابن ذاك الأمس
حب
أترى ستبسم مقلتان
أم تسخران
وتسألان
_ أو ما انتهيت
ماذا تريد ولم أتيت
اني أرى في ناظريك حكاية عن ألف ميت
وستصرخان :
لا تقبروه ففي يديه ... غدا
سينتحر الصباح فلا طريق ولا سنى
لا ...
اطردوه فما بخطوته لنا
غيم لتخضر المنى
وستعبران
*
هذا ... أنا
_ ملقى _ هالك ... حقيبتان
وإذا الحياة
كما تقول لنا الحياة :
يد تلوح في رصيف لا يعود الى مكان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> تحية الشاعر
تحية الشاعر
رقم القصيدة : 68592
-----------------------------------
ألقيت في ذكرى رشيد أيوب وعبد الله غانم
- - -
بك
لا بغيرك يكبر الإنسان
وعلى يديك
لكم تطاول شان
وبمثل ما وهبت يداك
واكرمت
شيدت دنى
وتفتحت أكوان
الفجر
بعض مسار خطوك في الحياة فحيثما
حل استفاق زمان
يا زيت قنديل
وشمعة مدلج(53/411)
في غيهب ليست له شطئان
لولاك
ظل الدهر سغب مفازة
مفعى
يحوّم حوله ثعبان
والأرض
كل الأرض
كل الأرض ورثه جاهل
يشتارها النخاس والشيطان
لولاك
كان الحرف ليلا اليلا
ما زائه قمر به يقظان
يترصد التاريخ عبر ضيائه
فجرا يحق
وظلمة تندان
لولاك
يا الالق الكبير لما ابتدى
درب
ولا أسرى بن أيمان
ولظل هذا الليل رغم نزوحه
ليلا
تتوه بعتمة عميان
*
ما أنصفوك
وقد نطرت كرومهم من ألف عام
فاستوت أغصان
وتآلفت عبر السنين
جنائنا خضرا
زها فيها هوى وأمان
حتى إذا ما أينعت
وتقيلوا
ظلا لها
وتأود الدنان
وانساب قلبك خمر في أكؤس
ما زال فيض يريقهن
جنان
حرموك ما أملت
يا لك واهبا دمه وفيك المنبع
الظمآن
أوقفت عمرك موردا لعطاشهم
وإذا عطشت
فوردك الحرمان
من أنت ... ؟
ما علمتنا ... ؟
ويلهم
لو لم تقل كونوا لهم ...
ما كانوا
الناس
كل الناس أنت
كبارهم
وصغارهم
والمجد والتيجان
ولأنت موعدنا الكبير الى غد
تزهو بوافر جوده الأوطان
يا شامخا
ما طاله نسر
ولا مست ذراه بطرفها
العقبان
أكبرت فيك الحزن ساعة شمته
حرفا يهل
وصفحة تزدان
فلينهك الجرح
الغزير نزيفه فما يجود يعرف
الإحسان
واشمخ بفكرك
رائدا
ومحلقا
بك
لا بغيرك يكبر الإنسان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> النسر
النسر
رقم القصيدة : 68593
-----------------------------------
ألقيت في الذكرى العشرين لعمر فاخوري
علونا
يا هوج الرياح
وبي من همة شمخت
ليال
تأبت أن تكون الى الصباح
فليس الفجر للأحرار ... إلا مرايا
تستبين بها جراحي
فيحصي ألف قدم ما تبقى ... بجسمي
من لجاجات الرماح
وتشمت بسمة في عين وغد
مسحت بجلده بالأمس ساحي
*
ألا يا ليل
مدّ لناظري مسالك لا تنام على
أقاح
وقل للريح : ان شدي
فنسر
تطاول في حماك المستباح
يسد بجنحه أفقا
ويلقي
بجنح في مدارجك الفساح
فلا درب يدل الى سماء
ولا نجم
يصار الى بواح
كأن دناك ملعب راحتيك
يقلبهن
من راح لراح
ألا ... يا ليل(53/412)
أطبق ان مسا من النيران يرعد في جماحي
تألق
فاصطلى أفق
وطارت رؤى عن عين حمقاء وقاح
لكم حسبت بأن جبنا
أدرنا
وجوها عن وجوههم القباح
وإني إذ عفوت
فعن كلال
فما جرؤت
ولا مرؤت رماحي
وإن جبال قومي سوف تهوي
لتدفن ما تخاذل من سلاحي
ألا خسئت
فتلك
بيوت أهلي تألق كالنجوم
على وشاحي
وتلك وجوهها
درب لشمس
وكف خضرت مرمى بطاح
تنام بزهرة
وتفيق حقلا تطلع من سنابله صباحي
فسنبلة تقول :
غدي ربيع وتقسم باسم خابية
وراح
بأن يبقى الطريق طريق الفجر
وفجرك لن يصير الى رواح
وسنبلة تقول :
غدي يدان
سأحضن فيهما حتى جراحي
وانصب من دم حر
أبي
مشاعل هدية
وصوى كفاح
*
أخي عمرا
حملناها دروبا
مشبعة المسالك
والنواحي
نحاذر تارة أفعى
وأخرى
نشد على البقية من سراح
أخي عمرا
لقد مرت دواه
بدارينا
مخضبة الوشاح
وكانت عينيك اليقظى منارا
توهج بالمزيد من المراح
غضبت
وظل صوتك رجع همس
يمسد جبهتي
برؤى ملاح
وكان البحر في سود الليالي
يردد
ما تركت من الصداح
وتحمل موجة غضبي
نشيدا :
علونا فالذرى مرمى جناحي
إذن
فالكون بيتك يا بلادي
ودربي
فيك يا هوج الرياح
ولي
من نسرنا (( عمر )) جناح
يسأل عن ملاعبه الفساح
ولي
من نسرنا (( عمر )) جناح
يسأل عن ملاعبه الفساح
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> تحية الأديب
تحية الأديب
رقم القصيدة : 68594
-----------------------------------
ألقيت في مهرجان تكريم ألبير أديب
- - -
أنا
بعض حرفك
حالما
ومعاني
أنا بعض حرفك في اغتراب مكاني
أنا
بعض حرفك قد أتاك
مخضبا
فاعرف به دمك الزكي
القاني
والمس بنازف جرحه
متغربا
بعدت به سبل
وظل
الداني
عرفته كل مواني الدنيا
خطى
ضاقت بهن مسارب
ومواني
حتى التقاك
فكنت صحو طريقه
ومنار ما ضاعت من الشطئان
فإذا الجراح
على شديد نزيفها
وعد
يشيع النور في الصلبان
وإذا بموضع كل جرح
كوّة
منها بصرت روعة الأكوان
وعلمت ان
حسب الأديب تلفت يبقى مدى في أحرف
ومعان
ما ضاق ظلا
كي تقيس بقاءه شمس تدور(53/413)
ولا انتهى لمكان
هو
ملك كل الأرض
ملك زمانها
فلك بلا أرض ولا أزمان
دنياه
خفقة أحرف ما رادها
زمنا
ليصبح ساعة وثواني
الناس
عمرهم الزمان مقطعا
ما بين ساعات
لهم
وأوان
أما الأديب
فجل عن تلك الحدود وجل عن عد
وعن حسبان
الدهر يسقط دونه
ميتا
فما ألوى بمرقم شاعر حدثان
الدهر يسقط دونه
ما دام في نبض الحروف
غد يثور
وصوت مأثور ودفء أمان
الدهر يسقط دونه
ما دام في نبض الحروف
يد تشد على يد بتلهف
وحنان
الدهر يسقط دونه
ما دام في نبض الحروف مشاعل
عرف الضياء بها دم الانسان
*
يا شامخا
ما طاله نسر
ولا دانت ذراه مسالك العقبان
اني أكاد أمس صوتك
هادرا
في كل شبر من خطى أوطاني
في عين ثائرة
يلوح حكاية عما تقول الأرض في البركان
ويطل من أرز
تطاول فانحنى ظلا
لجهد
متعب
وسنان
وتراه في الانسان حيث تصلب أرض
فما زلت بها قدمان
وتراه
حيث ترى الربيع مرابعا
مرؤت
فكانت ملتقى ألوان
من كل زاهية بثوب أخضر
ولكل مزهرة بلون قان
إذا دجا
ليل الخطوب ... وجدته
فجرا
يضوء على شفير سنان
فعرفت كيف تصير مفردة
لظى
حينا
وكيف تصير زهو مغان
وعرفت أن العمر في صدق الأديب
إذا استظل بشعبه عمران
*
عفوا
لأبيت تعاورها الأسى
فبكت
وكنت أريدهن أغاني
كيف الغناء وقد تألبت العدى
في عرس زانية الى شيطان
دلفت
وقد دجن الظلام
فنصبت
في قدسنا
نصبا من البهتان
وتجمعت سحبا على آفاقها
حبلى
بنار جهمة ودخان
وقفت تنطر أن يلم تجمعنا
وهن
فنحني جبهة لهوان
حتى إذا سقط النصيف تململت
ذئبا
وسما في فم ثعبان
فإذا الربوع وليمة لجرادها
والدار
نهب براثن الغربان
قتلت بما تنوي
فحفلك
حفلة
برؤاك
بالحرف العظيم الشأن
أن نبذلن النفس دون مرادها
ونقلمن
مخالب
العدوان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الى زنجي من آلاباما
الى زنجي من آلاباما
رقم القصيدة : 68595
-----------------------------------
الى والدي
وهو يجهد كل يوم ليمسك بنفسه عبر
الحروف الصفر الحروف الناتئة(53/414)
كالجرح والسكين .
بلند
- - -
قل ...كلا
وافرش جنحيك لنا ظلا
لنواري ميتا
لنشيد بيتا
ولنغسل أختا من عار أسود
ولنعرف من أنت
يا ربا أسود
قل ....كلا
وأفرش جنحيك لنا ظلا
ومصلى
فعلى الدرب الوف قتلى
ما زالت تسأل عن شمعه
عن دمعه
عن رب أسود
مهجور في صمت لا يعبد
يا ربي
يل ذنبي المتأوه في ركعة
قل ....كلا
لن نسمح
أن نذبح
لن نسمح
أن تربح من جلدي نعلا
قل ...كلا
واصنع من حقدك لب نصلا
...صلا
يتململ في نهدي حبلى
سما ..قيحا
قل ...كلا
لن يصبح موتي قمحا
بل ...ملحا
سيئز جراحك ...جرحا ...
جرحا ...
قل ...كلا
يل ربا أسود
كن سما
كن قيحا
كن نسرا كي تعبد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خيبة الإنسان القديم
خيبة الإنسان القديم
رقم القصيدة : 68596
-----------------------------------
ولم يكن لجيل بلند ان يخطو من غربته الأولى ألا ليجد نفسه في
عربة جديدة وإن كانت هذه من حيث طبيعة أثرها الوجداني أكثر عمقا وأوسع مدى
- - -
صليت يا أختاه
صليت حتى صارت الذنوب في مجاهلي
صلاه
وصمت حتى جفت الشفاه
وقلت :
في الشفاه
في الخشب المعدّ للشتاء لي
اله
وإنني سحابة جادت بها يداه
وأنني حلم الرمال السمر بالمياه
وأني من يبسي أفجر الحياة
وكانت الحياة
تسمر الصليب في الجباه
وتصلب المسيح كل ساعة
تصلب هذا الميت كل لحظة
فينتشي من المي مداده
وفي عيوني اليابسات ترتمي سماه
حكاية عن تائه تخنقه خطاه
وكنت يا أختاه
أحمل يا أختاه
أحمل في أعماقي المتاه
صليّت
صمت
صرت في متاهتي اله
وصارت الذنوب في مجاهلي صلاه
وجفّت الشفاه
وها أنا أموت يا أختاه
كما يموت الرب في منفاه
ولست غير خطوة
غرستها
في الرمل
كي تحلم بالمياه
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وحشة
وحشة
رقم القصيدة : 68597
-----------------------------------
1
...يرنُّ ...يرن ..
- من أنت ...؟
- أنا أنت
- لقد أخطأت
...وتموت على كفي السماعة
*
2
...ويرنّ الصوت
...يرنّ...يرنّ ...يرن(53/415)
- من أنت ...؟
- أنا أنت
- لقد أخطأت فنحن اثنان
ومن أرضين بلا ألوان
وأنا لا أعرف من أنت
لقد أخطأت
...ويجفّ الصمت
والموت المتململ في السماعة
يئن ...يئن
من نحن ...من نحن ..من نحـ...
*
3
......ويرنّ الصوت
...يرنّ ...يرنّ ...يرنّ...يرنّ
- من أنت ...؟
- أنا أنت
- لقد أخطأت..وأخطأت .
وأخطأت.
- لا أنت لأنا
- وأنا لا أعرف من نحـ...
هل نحن اثنان
أم جيل ..أم جيلان
يتمدد بينهما الزمن
- لا أدرك ما تعني
- لكني ...سأظل أنازع في السماعة
- سأظل لاني
أبحث عن صوت مني
محبوس في صمت السماعة
في موت السماعة
4
- أخطأت ..لقد أخطأت وأخطـ
...ويموت الصوتان مع السماعة
*
5
ويرن الصوت
... يرنّ ... يرنّ ... يرنّ ... يرنّ ... يرنّ
أجيال تتهدم في أذني
...............
لا شيء منك ولا مني
من نحن ... من نحن ...
صوتان يموتان مع السماعة
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> غصن وصحراء ومظفر
غصن وصحراء ومظفر
رقم القصيدة : 68598
-----------------------------------
(( وبقي في العين من أضواء الشمع الذوب ... الذوب فقط ))
(( مظفر ))
أصحيح يا مظفر
رغم الريح والصحراء
أخضر ... ؟ !
أصحيح
ما روته الريح :
ان البرد في صحراك ملعون
فلن تحيا غصون
في صحارى كل ما فيها منون
كيف يحيا غصن زيتون صغير
كيف يحيا ويصير
لربيع موعدا
كيف يكون ... ؟ !
*
أصحيح ... يا مظفر
ان ذلك الغصن رغم البرد
رغم الريح
أخضر ... ؟ !
*
أصحيح ... ؟
ما تقص الريح
قالت :
أنا لملمت دروبي فالربيع
مثلما ضاع ربيع
وربيع
سيضيع
أنا أجوع اليبس الملتاع في الغصن
الصغير
لن يصير
لربيع موعدا
كيف يكون
والصحارى كل مل فيها منون
لا شتاء يرتجيها
لا ربيع مر فيها
ومراميها
التماعات سراب وسكون
لن يصير
لربيع موعدا غصن صغير
*
أصحيح ... يا مظفر
ظل ذاك الغصن رغم الموت ...
أخضر ...
*
أصحيح
أن شمسا تجمع الصحراء في عيني
مظفر
نبع ماء يتفجر
آه لو تدري عطا شانا على الدرب
المعفر(53/416)
إن في أعماق صحرائك نبعا يتفجر
آه لو تدري عطا شانا على الدرب
المعفر
إن في صحراك حيث الموت تاريخا مسمّر
*
ظل غصن سرقته الريح منها
رغم كل الريح
رغم الموت ...أخضر
*
لن يصير
لربيع موعدا غضنا صغيرا
*
أسكتي يا ريح .. يا ريح أسكتي
أسكتي يا ريح فالإنسان إني كان
نبع يتفجر
وسيبقى الغصن أخضر
*
وسيبقى الغصن أخضر
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أوديب
أوديب
رقم القصيدة : 68599
-----------------------------------
*
1
الصورة
وتصبح يداه
وتطل على ليل عيناه
وتغور خطاه
أحلام سوداء ...ومتاه
يا ألف سماء ...أين الله
أوديب
مهجور كالليل أنا
كالصمت أنا مهجور
وهنا
قرب يدي
ملء غدي
دنياي دجى مقرور
بيداء ربداء ونداء مبتور
ودهور تتساقط تجرفها أهواه
أنا الإنسان المغرور ..
أغور
أغور
أغور
فأين الله ...؟
*
الكورس
يا صمتا في الروح المقرورة
يا مدة أيد مبتورة
اتركنا ...
ألم خطواتك ..
اتركنا ..
أغرز آهاتك
في ذاتك
اتركنا ...
يا قرفا من دنيا مهجورة
اتركنا
اتركنا
اتركنا
*
الصوره
وتغور خطاه
وتصبح يداه
يا ألف سماء .أين الله ؟
*
2الكورس
من أي الأبواب المهجورة
ستعود حكايات أحلامنا
أسطورة
أو منفيا في صوره
أو ضحكة مخبول مبتوره
*
أوديب
آه لو تدري
ما أطول رحلاتي في صدري
في عيني المبقوره
رحلات تمتد طوال اليوم
في اليقظة
في النوم
لا الضحكة تغفو في صدري
لا الرغبة مدت رجليها
واستلقت سرا في سري
لا الصوره
درب في الرحلة للفجر
آه لو تدري
ما أتعب رحلات لا تطلب ميناء
أنواء
أضواء تتساءل في البحر
والليل يطول
والرحلة ما زالت في صدري
في العين المبقوره
أتقول ...
من أي الأبواب المهجورة
سأعود
لا أدري
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> التكوين
التكوين
رقم القصيدة : 68600
-----------------------------------
*
يغرق في عيونها الكبيرة
يبسط في ظلالها السوداء مثل
موته سريره
ويرقد الأمير ألف فكرة
وترقد الأميرة
ظلين مهجورين في جزيرة
*(53/417)
الشمس لا تشرق في جزيرتي
والشمس لا تغيب
والظل لا يعرف أن يطول
أو يقصر
أو يصير غير لونه الغريب
في هذه الجزيرة
لا تولد الناس فلن يكون في المرآة
موته سريره
ويرقد الأمير ألف فكرة
وترقد الأميره
ظلين مهجورين في جزيرة
*
الشمس لا تشرق في جزيرتي
والشمس لا تغيب
والظل لا يعرف أن يطول
أو يقصر
أو يصير غير لونه الغريب
في هذه الجزيرة
لا تولد الناس فلن يكون في المرآة
إلا شكله المريب
ولن يرى ضميه
*
وتكبر الجزيرة
ويكبر الإحساس بالزمان
وتحت وطأة المساء والصباح
و الظهيره
تحرك الظلان
فكان فيما كان
الموت للإنسان
والغضب الملعون للجزيرة
*
وكان إن دارت بنا الساعة في المكان
فأغرقت ...
الموت والإنسان
والجزيرة
فليس إلا الظل في الظهيره
ظل بلا إنسان
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حلم بالعودة
حلم بالعودة
رقم القصيدة : 68601
-----------------------------------
*
أحلم يا مدينتي بالرجوع
لدارنا المطفأة الشموع
أحلم أن أعود
فأوقظ المصباح
أفتح الشباك للرياح
وأترك المفتاح خلف الباب
للصوص
للزوار
للوعود
*
أحلم أن أعود يا مدينتي
أحلم بالرجوع
لكل ما في قلبك المقروح من دموع
لليلك المطروح في الزقاق
صحيفة سوداء مثل العار
يحملها الأفاق
وتاجر الرقيق والخمّار
من حانة لحانة ...لضحكة في بار
وقد يلف الجوع
في عتمتها حذاءه الممزق الطريق
*
أحلم يا مدينتي أن أعود
أبحث عن عيني بين دفتي كتاب
تركته هناك
عند الباب
فأخضرّ أوراقه عتاب
أود لو يعود
أريد أن يعود
من قبل أن تجف في الوعود
سؤالها عن تاءه
في الريح والضباب
*
أحلم يا مدينتي بالرجوع
لكل ما في قلبك المقروح من دموع
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وجهان
وجهان
رقم القصيدة : 68602
-----------------------------------
*
ذات صباح كان الشاعر وجهين في نفسي
سأعلّق رأسك في باب القلعة
وسأقلع عينيك
أقص يديك
ولن تسكب من أجلك دمعه
لن توقد شمعه
وسأنثر لحمك في الضيعه(53/418)
لجياع الضيعه
لضباع الضيعه وسنشرب نخب الأحرار
ومحو العار
فالشاعر فان
وأنا السلطان
التف جذورا صفرا صفرا
كالبهتان
وسأمحو حزن ليالي الجمعه
وسأغسل ناقوس الضيعه
من كل الشك
وكل الظن
وكل الأدران
*
لكني
ثق إني
أحسست كما أحسست العار
ومسست النار
وعرفت الإنسان السبة
في عين صغار
وكبار
وبكيت
كما تبكي الأحرار
في صمت
ورثيت لموتك في موتي
لكني
ثق أني
سأعلق رأسك في القلعة
وليبق السلطان
يلتف جذورا صفرا صفرا
كالبهتان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> رسالة الرجل الصغير
رسالة الرجل الصغير
رقم القصيدة : 68603
-----------------------------------
وأمس يا أماه
مررت قرب دارنا
وكدت أن أقتل قرب دارنا
ولم أخف
وما أرتجف
صغيرك الصغير يا أماه
لأنني عرفت أن الموت قرب دارنا
حياه
*
لا تضحكي
كوني ولو لمرة
أمي كما أريدها أن تكون
تبصر في عيني ظل والدي الكبير
وقلبه الحنون
وصوته الجهير
فلم أعد -والله -مذ مررت قرب دارنا
صغيرك الصغير
لأنني عرفت أن الموت يا أماه
عرفت أن الموت قرب دارنا
حياه
*
لا تبكي يا أماه
كوني ولو لمرة
أمي كما أريدها أن تكون
أكبر من حالمة
تخاف أن يقتل قرب دارها
صغيرها الصغير
تخاف أن يصلب في السجون
صغيرها الصغير
تخاف أن أحمل في عيني ظل والدي الكبير
تخاف أن أصير
أكبر من صغيرها الصغير
*
لا تضحكي
لا تبكي ... يا أماه
فأمس قرب دارنا عرفت أن الموت
لا يخيف كالحياة
ولم أخف
وما ارتجفت
صغيرك الصغير
لأنني حملت في عينَّي ظل والدي الكبير
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الملح المصفر
الملح المصفر
رقم القصيدة : 68604
-----------------------------------
الليل
قد يمر يا صديقتي
ولا يجيء الصبح
والأرض
قد تحتضرّ يا صديقي
وليس غير الملح
ونحن إذ نضحك يا صديقتي
نطفيء كلّ ساعة
سيجارة في جرح
لكننا
لن نقلب الفنجان
نبحث في خطوطه القاتمه الألوان
عن دربنا
بين صحارى الملح
عن موعد للصبح
ولن نرى في الجرح(53/419)
منفضة الرماد والدخان
غير الدم المحترق المهان
فالمارد الجبار يا صديقتي
إنسان
بكل ما توقد في عينيه من نيران
بكل ما في الليل من توق الى الصبح
بكل ما ينبض خلف الجرح
بكل ما في الملح
من دعوة
لغيمة
تعبر في نيسان
لكننا
لن نقلب الفنجان يا صديقتي
لأننا
نؤمن أن الأرض للإنسان
بليلها وصبحها
بملحها المصفرِّ كالبهتان
بجرحها المطروح للذباب والديدان
وإننا
نؤن أن جرحنا
أعمق يا صديقي
من قطرة سوداء في فنجان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عصر الأختام المطاطية
عصر الأختام المطاطية
رقم القصيدة : 68605
-----------------------------------
ارجع لنا
يا عصرنا
يا عصر أختام من المطاط
يا بحة السياط
في جلودنا
يا أيها القيد بلا جريمة
أرجع لنا
عيوننا القديمة
أبوابنا الكئيبة السوداء
مفتوحة لليل والأنوار
ارجع لنا
ما هزت الشموع من ظلالنا
في عتمة المساء
ارجع لنا
أطفالنا العراة تحت غضبة الشتاء
أيديهم الصغيرة التودُّ لو
تمزق السماء
يا عصرنا
يا عصر أختام من المطاط
يا أيها القيد بلا جريمة يا بحة السياط
ارجع لنا
عيوننا القديمة
لنعرف النصر الذي يلوح في الهزيمة
وأنصب لنا
من أرجل الجراد في صحرائنا
من يبس الصبار في بلادنا
من أذرع الأموات من أبنائنا
مشانقا
تسألنا
عن غضب يحملنا
في غنوة عظيمه
فقد سئمنا
وجهك المغرور
في المطاط
في التراب
في الجريمة
وددت لو
وددت لو
قتلت يا صديقي
وددت لو
شنقت لو
علقت في أعمدة الطريق
إذن لقلت :
ذلك الشامخ ألف راية
......... صديقي
*
وددت لو
آثرت أن تكون
أكبر من إصبعك الخؤون
تحملها في عتمة السجون
وشاية
بكل ما نكن من تلفت عميق
لأذرع تصرخ في الطريق
وددت لو
صمت حتى الموت يا صديقي
إذن ..لما ..
كلا ...فما
هذا الذي يبيعنا ...صديقي
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ضحكة قصيرة
ضحكة قصيرة
رقم القصيدة : 68606
-----------------------------------
*
لو قلنا ما لم نفهم
لفهمنا ممن لم يفهم
ما قلنا(53/420)
ولصرنا
في عتمة أحلام
رؤيا
دنيا تمتد وتستلهم
لو قلنا :
الموت شراع
والصمت القاع
والناس ضفاف عرى تتمرأى في عري ضفاف
لتلألأ في عين العراف
بياع الأصداف
معنى ابعد من همس الصمت
ورعب الموت
لرأى في القاف
لرأى في اللام وفي التاء
معنى
ما كان له معنى
لو لم يأت لنا العراف
لو لم يأت بنا العراف
*
يا أرض الزيف يا عصر الزيف
سنصلي للبحر الغرق في الأصداف
لحصى العرّاف
و سنسمل عين الشمس لكي نحيا
في رؤيا
في دنيا تمتد و تستلهم
سنصلي يا عصر الزيف
لزيف العراف
فالموت شراع
والصمت القاع
والناس ضفاف عري تتمرأى في عري
ضفاف
والضحكة ألاّ نفهم
ما نفهم
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الأشرعة المنتظرة
الأشرعة المنتظرة
رقم القصيدة : 68607
-----------------------------------
*
لو عدت يا صباح
ألفيتني أحمل كل أوجهي
أشرعة
تنتظر الرياح
تنتظر الإبحار
لشاطئ لا لؤلؤ فيه و لا محار
لا شيء
غير الجوع والإعصار
وأرجل الرجال
تغور حتى الموت في الأوحال
تغور خلف الليل والنهار
كأنها تريد أن
تنبت من عروقها الجذور والأغصان
والثمار
تريد أن
تضوء ملء أعين الصغار
أسطورة
عن أرجل تنبت في الأوحال
في شاطئ لا لؤلؤ فيه ولا محار
لا شيء غير الجوع والإعصار
وأرجل الرجال
*
لو عدت يا صباح
ألفيتني الزورق والشراع والرياح
والبحار
ألفيتني أضواء ملء أعين الصغار
كأنني
الجذور والأغصان والثمار
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> اختناق
اختناق
رقم القصيدة : 68608
-----------------------------------
ساعة ان تتمكن اللحظة من اختزان أعوام ستتخطى
حدود إنساننا الذي ألفناه وستقلقنا كثافة الأشياء في
أرضنا فنبحث في فسحة الغد عن زاوية لنا .
(( من هامش في دفتر عتيق ))
رغم الغد المفتوح في الأفق
كأنني ابتلعت كل أرضنا
هواءها
وماءها
فليس في عروقها إلا عروقي
تحترق
*
أحس بالقيء الذي جمعته
ألفي سنة
من وجه عاهرة ... هناك
ووجه قديس ... هنا
منهم
ومن جوعي أنا(53/421)
يلفني وينطلق
ليغمر البيوت والوجوه
والطرق
والناس اما سائل
عن القلق
بلا قلق
أو قلق يبحث في سكوته عن منعتق
والقيء
ما جمعته ألفي سنه
منهم
ومن جوعي أنا
يغرق كل الأسئلة
فالمسالة
في أن نكون
أو لا نكون
ليست حدود المسألة
بل الغد المفتوح في الأفق
يسأل في انفتاحه
عن فجوة لينعتق
بل الغد المفتوح في الأفق
يسأل في انفتاحه
عن فجوة لينعتق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نداء أمة
نداء أمة
رقم القصيدة : 68609
-----------------------------------
امض
مت في الساحة يا ولدي
ما قيمة ان نحيا
والدنيا
لا تبني بيتا في عيني
لا تحمل لي شيئا
لا دربا للوطن
لا خضرة أرض من بلدي
من يدري
ان ظلت في أرضي خضرة
أو زهرة
تتساءل في خجل عني
عن فجرفي عين ابني
فالريح المرّة
ما زالت تجتاح الدنيا
من يدري ... ؟
ان كانت قد تركت بقيا
مما غرسته يدي
يحيا
في بلدي
*
مت يا ولدي
مت في الساحة يا ولدي
كن دربي للوطن
فلعلك ميتا
ستشيد لي بيتا
يمتد دهورا في عيني
وستحيا
رغم الموت مع الخضرة
في تلك الزهرة
في فجر غد
مت يا ولدي
ما دمت تموت لكي تحيا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حلم بالثلج
حلم بالثلج
رقم القصيدة : 68610
-----------------------------------
قالت : ما شعرت مرة بعين رجل تحيلني قطعة لحم إلا
وتصلبت خشبة قاسية كالموت .
(( عتاب في ساعة كئيبة ))
- - -
كوني ولو للحظة
دما
فما
جهنما
تقذف في عينيك ألف شهوة
مخبأة
كوني امرأة
يا خيبة تموت خلف النافذات
المطفأة
كوني امرأة
وليحلم الثلج الذي في ناظريك مرة بمدفأة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> في المفترق
في المفترق
رقم القصيدة : 68611
-----------------------------------
أعرف كم أصبحت تافهة في نظرك ... قلها
هامسا ولن نتطرق الى الموضوع ثانية .
من (( رسالة صفراء ))
وينتهي دربان في المفرق
من حلم شيق
وأحرف شاخت ولم تورق
ومن رؤى
أعيدها إليك ... لا تقلقي
لا تفزعي من مزق تجف(53/422)
لا تفرقي
علّك ان مر شتاء غدا
ببابك المهجور في صمت كئيب
شقي
تلقين ما تحرقين
تلقين ما يدفيء صمتا حزين
تلقين ما بقي
من أحرف شاخت ولم تورق
دفئا لهذا العالم المغلق
لقلبك المرهق
*
_ وأنت ... ؟
أما أنا ... ما زال مجدافي في زورقي
والبحر ما زال مدى حالما
يدعو
وقد اسأل عن مطلق
_ وأنت ... ؟
_ لم تفهمي ... سدي إذن بابي
ولا تقلقي
_ لم تفهمي ... سدي إذن بابي
ولا تقلقي
_ لم تفهمي ... سدي إذن بابي
ولا تقلقي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> طفل من الحرب الأولى
طفل من الحرب الأولى
رقم القصيدة : 68612
-----------------------------------
في عالم الخبز الأسمر
في عالم ليال نهمات كجراد اصفر
ودلت أمي
وجهي المدمي
وكبرت مع الحرب الأولى جرحا
ولعقت دمي
وكبرت ... كبرت ... وصار أسمي
رقما لا يعرف ما اسمي
وعرفت الحرب الأولى
في الخبز الأسمر
في عيني ميت لم يقبر
وبألف ذراع صلبت في دفتر
وحزنت لأمي
ولوجهي المدمى الملفوف بخبز أسمر
والملقى وعدا لجراد أصفر
*
يا أمي
قد كبرت عيناي
وصارت دنياي حديثا اكبر
أكبر من بيت شادته يداي على رمل
... أكبر
من فرحة طفل
بجناح طار به في الحلم ... وأكبر
من وجهي المدمى
فأنا يا أمي
يا عتمة ظل لقتيل لم يقبر
اسأل عن معنى لاسمي
في خبزي الأسمر
في جوع ليال نهمات كجراد أصفر
وأنا يا أمي
أبحث في حرب أكبر
عن طفل ميت في عين قتيل لم يقبر
*
في عام الخبز الأسمر
ولدت أمي
أجيالا من جوع من خبز أسمر
ولدت في وجهي المدمى
حربا أكبر
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ليل وبرد وحراس
ليل وبرد وحراس
رقم القصيدة : 68613
-----------------------------------
سجن (( النقره ))
والساعة تجتاز العشرة
سيجيء الحراس
وسيصرخ صوت
... أحمد ... سلمان ... عباس
ويجف الصمت
... يا هذا ... يا أنت ... عباس
الموت يدب بسجن (( النقره))
لا أم تبكي لا أجراس
لا غصن يلتف على زهره
ولا أسم يتنفس في صخره
لا ناس(53/423)
فهنالك في الأرض المره
الناس تموت ولا ناس
لا الحراس والليل طويل يا حراس
والبرد شديد
والجرح عميق يا حراس
*
وتهمهم في الظلمة أصوات
_ ماتوا
وتغور العتمة
_ راحوا
_ فليرتاحوا
_ أو ليس لهذا الليل صباح ... ؟
ونحسّ بشيء كالنقمة
وتلوح على بعد نجمة
لن تعبر دنياهم غيمه ... راحوا
_ سيطل صباح
_ لن تنهض في الصبح الأموات
_ هل ماتوا ... !
وتجوس الليل خطى الحراس
والليل طويل يا حراس
والبرد شديد
والثأر مرير يا حراس
سلمان ما مات ... ولا عباس
*
على الأرض
أصوات الأغلال فحيح أفاعي
تلتف على ألف ذراع
تلتف على ألف شراع
يا حقدي
يا بغضي
يا رجع صدى مسموم في (( النقره ))
لا ...
لا تومي لوداعي
مدّي ...
مدّي يديك فمن نظره
من حرقة عبره
من غصن ما ألتف على زهره
ومن اسم لم يحفر في صخره
سنحطم سجنك يا (( نقره ))
سنحطم سجنك يا (( نقره ))
ولليل طويل يا حراس
والبرد شديد
والثأر مرير يا حراس
سلمان ما مات ... ولا عباس
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> متهم ولو كنت ...بريئا
متهم ولو كنت ...بريئا
رقم القصيدة : 68614
-----------------------------------
في غرفة في الطابق السابع
التقينا ...
تحدثنا
تصارعنا
ناما معا
وأسدل الستار
في غرفة في الطابق السابع
....................
لكنني بقيت مصلوبا لدى الجدار
ومثلما أردتني
بقيت كالمسمار
أغوار في عينهما
أغور في سريهما
أغور في الجدار
في غرفة في الطابق السابع
.............
سمعتها يا سيدي
تسأله عن حبه الرائع
عن جسد
-معذرة يا سيدي -
قالت له :بأنه يحرق مثل النار
يحرقني كالنار
ومرّة تحدثا عن عالم ضائع
عن نطفة في عالم ضائع لكنني
ومثلما أردتني ...ومثلما خلقتني
لم أفهم الحوار
لأنني علوت عن حبهما الرائع
عن جسد كالنار
ومثلما حذرتني :- الناس مجرمون -
الكل مجرمون
حتى الهوى البريء في العيون
ومثلما أردتني
بقيت كالمسمار
أغور في عينيهما
أغور في سريهما
أنبش في الجدار
في غرفة الطابق السابع(53/424)
أبحث في الهمسة والضحكة والحوار
عن موعد للثار
عن غضب الثوار
عن منية تصير في عنقيهما حبلا
وفي كفيهما مسمار
.........
معذرة يا سيدي
كانا بريئين بإصرار
كانا بريئين بإصرار
*
وعندما استيقظ في مدينتي النهار
تسربت في نشرة الأخبار
حكاية عن غرفة في الطابق السابع
عن موعد للثار
عن غضب الثوار
وكان عنقيهما حبل وفي كفيهما
مسمار
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> رحلة الحروف الصفراء
رحلة الحروف الصفراء
رقم القصيدة : 68615
-----------------------------------
من ألف عام يا صغار قريتي الكئيبة
كنا الحرف الصفر
في التوراة
والقرآن
والإنجيل
كنا الجفاف الصلب في الأزميل
نحفر في عيونكم ظلالنا المريبه
وكانت الظلال
تعبد في أعماقكم
تصير تاريخا بلا رجال
فيستطيل الحرف فهو تارة
مئذنة تعكف في ابتهال
وتارة
كنيسة في وحشة الجبال
وتارة مشانق سوداء
أو حبال
تعرفها دروبكم
تعرفها ذنوبكم في القرية الكئيبة
*
من ألف عام
كنا الحرف الصفر في الإنجيل
والتوراة
والقرآن
وكانت الحرف من رغام
تجسدت في كل يوم حبلا مدنسا
تجسدت أصنام
تجسدت في السوط والسلطان
في الله والشيطان
ولم تكن لمرة ... انسان
*
من ألف عام يا صغار قريتي الكئيبة
كنا مع التاريخ في غيبوبه
نعبد في عيونكم ظلالنا المريبه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أقراص للنوم
أقراص للنوم
رقم القصيدة : 68616
-----------------------------------
قف واقرأ
لا تعتبر
قف .....احذر
..........
ماذا في صحف اليوم
إعلان باللون الأحمر
خذ قرصا للنوم
خذ قرصا
قرصا للنوم
...........لن اقرأ
...........لن احذر
سأنام بلا قرص للنوم
*
ويشيع الضوء الأحمر
طفل يقرأ...ناولني قرصا
كهل يقرأ....ناولني قر...
بنت تقرأ...قرصا ...قرصا
أمي تتمنى لو تقرأ
يا أمي
لن نقرأ ....لن نقرأ....لن
سننام بلا قرص للنوم
*
قف
قف .........
ماذا في صحف اليوم ...؟
نيكسون يخطب في المجلس
عن خير للدنيا وسلام
ماذا ...!(53/425)
تصريح للبابا يولس
عن خير للدنيا وسلام
......
يا عتمة بيت المقدس
نامي بسلام
فالدنيا تتحدث الأطفال القتلى في الفيتنام
نامي بسلام
فالخط الأحمر
كاللون الأحمر
كالضوء الأحمر
تتساءل عن قرص النوم
قف
قف ...
ماذا في صحف اليوم ...؟
نيكسون يخطب في المجلس
تصريح للبابا بولس
بنك يفلس
رقص في ساحات الإعدام
والدنيا في صحف اليوم
تتحدث عن خير وسلام
عن قرص للنوم
القتلى في الفيتنام
لقتلى في بيت المقدس
طفل يقرأ...ناولني قرصا
كهل يقرأ....ناولني قر...
بنت تقرأ...قرصا ...قرصا
أمي تتمنى ....
يا أمي نامي بسلام
فالدنيا ما زالت
تتحدث عن خير وسلام
*
- ناولني قرصا لأنام
خذ قرصا يا ولدي لتنام
*
يتحشرج صوت البائع
يتدحرج
يرتج الشارع
شيء رائع
رائع
أقرص للنوم
خذ قرصا للنوم
......
- ناولني قرصا سأنام
قرصا لأنام
................
وينام الشارع
شيء رائع ....رائع
أقراص للنوم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> دعوة للخدر
دعوة للخدر
رقم القصيدة : 68617
-----------------------------------
*
لتصمت الأجراس
وافقأ بعقب حذائك الشمس
و أطفئ عيون الناس
فليس في مدينة النعاس
غد ولا أمس
ونم
يا أيها المستيقظ الوحيد كالألم
علق على مشجبك الصديء ما -
تحمل من أتعاب
ونم
يا أيها المنبوذ في الندم
انزع جلود الناس
دعها لهم وليمة في الغاب
فليس في مدينة النعاس
غد ولا أمس
ولن ترى في قطرات الدم
هابيل
أو بغيك العجوز او بكارة العروس
فنم
العالم الكبير خلف الباب
نام
لا ساعة تأرق في عينيه لا أرقام
ونامت الكلاب
والليل نام
ونامت اللصوص والحراس
فنم
أطفئ عيون الناس
ونم
ولتصمت الأجراس
لتصمت ...الـ...
راس
آس ....سـ
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حلم في أربع لقطات
حلم في أربع لقطات
رقم القصيدة : 68618
-----------------------------------
لقطة أولى
تفترش الشاشة عينان
انفرجت شفتان
ابتسمت
لمعت عدة أسنان
ويغور اللون الأخضر في كل الألوان
*(53/426)
لقطة ثانية
رجلان تجوسان الليل بلا صوت
الظلمة توحي بالموت
تلتمع السكين
تتجمع في النصل رؤى لسنين
وسنين
وبلا صوت
تنطبق الشفتان
ما من أثر للقبلة في الفم
لا شيء سوى قطرة دم
ويغور اللون الأحمر في كل الألوان
*
لقطة ثالثة
اسم المخرج ... أنت ... أنا ... هم
اسم المنتج ... أنت ... أنا ... هم
اسم المتفرج ... أنت ... أنا ... هم
والشاشة فسحة حلم
والقاتل والمقتول أنا
لا شيء سواي أنا
معنى
يتململ في قطرة دم
لقطة رابعة تصوير من الخارج
سقط الفلم
فر المخرج من باب خلفي
بصق المتفرج في كفي
سقط الفلم
أربع لقطات غرقت في نقطة دم
... ... ...
لكني وأنا المخرج
والمنتج
والمتفرج
لا أملك من كل الدنيا إلا ...
فسحة حلم
لا أملك بيتا لحنيني
صدرا يأويني
لا أملك مأوى في أي مكان
ولأني
لا املك مأوى
لا أعرف مقهى
ملهى
مبغى يلقاني ...
ولا امرأة في حان
سأظل هنا
وسأنتظر الدور الثاني
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> النزع
النزع
رقم القصيدة : 68619
-----------------------------------
أشعر بالدوار
أشعر بالأرض التي حببتها
في مخلب لقطي
وصبوة في عين كلب جار
تنهار
تغور في بئر بلا قرار
*
تصرخ بي :
لا تقرب السياج ان أرضنا تنهار
ستسقط الشمس ... فلا ...
لا تقرب السياج
لا تحكم الرتاج
أمسك بقايا النفس اللائذ بالفرار
*
أتسقط الشمس التي عرفتها
حكاية طويلة
في رحلة الرمال والبحار
في رحلة الصباح عبر دارنا
ودارها
ودارهم
وألف ... ألف دار
أتسقط الشمس التي عرفتها
في نظرة الغواص من سنين
في استغاثة المحار
أجمع رجلي سؤالا ساخرا
سأكل السماء
سأركل السحاب والنجوم والمستوحد
الزناء
أركله
أقتله
أغرس أسناني في جثته الزرقاء
أشعله
أسحله من شارع لشارع أقيم
من جذاه
آلهة صغار
إن شئت أن أعبدها ... أعبدها
إن شئت أن أطردها ... أطردها
أرقصها
أوشم في أثدائها زانية وزانيا
وكومة الحجار
أركله
أقتله
أقيم من خصيته الفارغة الشوهاء
أهلة وانجما(53/427)
مسالكا هوالكا ... لهالكا ... يكبر المتاه
آن لنا
أن نبدل الإنسان بالإنسان في المتاه
أجمع رجلي سؤا ساخرا
قهقهة
فما مدى ساخرا
أتسقط الشمس ولم ... !
*
تصرخ بي
تصرخ بي بألف فم
يصير عظم كوسخ في حلقها الألم
لا تقرب السياج
لا تحكم الرتاج
أمسك بقايا النفس اللائذ بالفرار
ستسقط الشمس ولما ينقض النهار
داكنة
سوداء مثل القار
ستسقط الشمس ولما ينقض النهار
*
دورا ... دورا
تمتصني سماكة الأسوار
تنكفئ الوجوه والأبعاد والأسفار
وينطفي الجدار
ولم تزل عيناي موعدين وانتظار
دوار ... دوار
يداي ترحلان في الظلام والغبار
الشمس تلتف خيوط عنكبوت
يرتطم الجناح بالسكوت
لا تقربي ... لا تقربي
... ها إنها تموت
ذبابة ثانية تموت
... ...
أسقط في بئر بلا قرار
لا شمس ...
لا أرض ولا نهار
*
ويصمت الزئبق في المحرار
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> هم ... وأنا
هم ... وأنا
رقم القصيدة : 68620
-----------------------------------
قلت لكم ... مرات ... مرات و أعدت مرارا
قلت لكم سيموت ... لقد ... مات ... لقد ...
_ مت جيفارا ... مت جيفارا
_ قل يحيا
_ من يحيا
_ قل يحيا ... يحيا تروتسكي ... يحيا
مت ... يحيا ... مت ... يح
مت ... يحيا ... فارا ... تسك
مت ... يحيا ... فارا ... تسكي
*
ضحك تروتسكي
ر زمت ضحكته الخرساء
شحنت في علب ملساء
ختمت
... يحيا
... يحيا
زارت كل مواني الدنيا
صارت في هذا الميناء
بيتا
صارت في عنف مدينتا قديسة حب
وفداء
_ يحيا تروتسكي ... يحيا ... يحيا
بيعت في أقداح الويسكي
فشربنا نخب تروتسكي
وسكرنا
صرنا
أغنية
حانات قيثارا
لنغني في موتك جيفارا
يحيا ... مت يحيا ... مت
_ قلت لكم سيموت ... لقد ...
_ كلا ... كلا
_قلت لكم سيموت ... لقد ...
_ إلا ... إلا ... جيفارا
يولد جيلا جبارا
وسنعبد في البيت المحروق الموتى
وسنعبد حتى النار
كي نولد جيفارا
*
جيفارا يضحك خلف الباب الموصد
جيفارا يعبد
جيفارا يوقد في المعبد(53/428)
قنديلا أسود
والناس تمر صغارا
وتمر كبارا
والجسد الموقد
يتململ في ضوء القنديل ظلالا
تلتف على الدنيا
يحيا ... يحيا
تبعث في أرض أشجارنا
تبعث في أخرى نارا
تبعث حينا رملا وحجارا
وتصير هنا
في حانة ضيعتنا قيثارا مبحوحا
فجرا مجروحا
وسكارى
مت ... يحيا
مت ... يحيا
*
مت ... يحيا ... مت ... يحيا
قلت لكم سيموت .. لقد مات ...
_ تروتسكي
_ جيفارا
_ كلا ... كلا ...
_ قرنكم العشرون ... وجهكم المجنون
_ كلا ... كلا ...
زرعونا في نقمة شمس ظهيرتنا ظلا
فبقينا في البيت الأول والثاني
في الثالث والرابع
في الخامس والسادس و... و ...
أطفالا مصلوبين على الجدران
وجه الانسان بلا انسان
*
طفت الحي
أسأل عن بيت امرأة يعرفها الحي
كل الحي
وطرقت الأبواب طرقت الأبوا ...
بابا ... بابا
وكللت سؤالا وجوابا
ما ردّ علي ... أحد
ودروب الليل تثرثر في الهجس
ولا تعد
أتعبكما يا رجلي
وتعبت وما صار لدي
أكثر من درب يلتف يثرثر في الهجس
ولا يعد
هل ابحث عن جيفارا ... ؟
كلا ... كلا ... قريتنا ماتت
هل يعرفني تروتسكي ؟
كلا ... كلا
فمدينيه المهجورة في رحلة شمس
هربت كل شوارعها من بين أصابعي الخمس
هل ابحث عن مجنون
قال : أنا القرن العشرون
كلا ... كلا ... قال : أنا الحاضر
لا آت يحويني ولا أمس
زمن لا يمتدّ
ولا يرتدّ
ولا يغرق إلا في ظل منسي
كلا ... كلا
في وجهي شيء منه ... لكني لن ابحث عنه
كلا ... كلا فأنا غابات
أصنع من جذعي فأسي
أنا لا أسأل إلا عن بيت امرأة
يعرفها الحي كل الحي
يعرفها اللزج المتبقي في نفسي
أعرفها امرأة في الحي
وستبقى امرأة
يجتر مع الصمت مع الموت ليال العرس
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ثرثرة في الشارع الطويل
ثرثرة في الشارع الطويل
رقم القصيدة : 68621
-----------------------------------
• أمؤلم أن تلبس الحذاء كل يوم ... ؟
_ أجل ... اجل اكره أن انزعه
اكره أن البسه
اكرهه لولاه ما كانت لنا
غير مسافات الرؤى في النوم(53/429)
لولاه لم نسأل
ولو نرحل
ولم نكن لغير أمسنا البخيل
• تكرهه ... ؟ !
- أجل ... أجل أبصقها بلا وجل
لولاه ما كان لنا في الشارع الطويل
الرعب
والضياع
والمدينة القتيل
• كيف إذن شريته ... ؟ !
_ شريته ... ! يا لك من مجنون
من يشتري حذاءه اللعنة من ؟ !
من يشتري استغاثة التاريخ والزمن ... ؟ !
من يشتري رائحة العفن ... ؟ !
• كيف إذن ... ؟
_ ألم تبح بذلك الآلهة الجديدة الحنون ؟
... الآلهة جديدة حنون
كما يسميها المذيعون
لشدّ ما يكذبون
ما سمعت صوتها الهادر في المذياع
لا عذر بعد اليوم للاتباع
لا عذر للأشياع
لا عذر للملوك والرعاع
لا عذر بعد اليوم
فكلكم
أصغر من فيكم
أكبر من فيكم
القوم كل القوم
أمسكته حذاءه الملعون
فقرننا العشرون
ألغى مسافات الرؤى في النوم
كل المسافات
لا شيء غير الموت للحفاة
ولن تروا في عتمة المرآة
الآي وجه مصنع ومدفع ومرضع
الآي وجه عالم مقنع
لا عذر بعد اليوم
وحدي أنا الإله الحنون
وحدي أنا الوحشة والجنون
*
• لكنني ...
_ لا عذر بعد اليوم
• لا اعرف الإله الحنون
_ لا عذر بعد اليوم
لا أعرف المذياع
ولم يكن في قريتي حذاء
أو شارع مضاء
أو رغبة في سفرة تبعد عن مشارف المساء
فمن أكون ... ؟ !
ومن تكون ... ؟ !
_ لا تقترب ... لا تقترب ... يا لك من مجنون
أبعد عن الشوارع المضيئة
فالنور كالخطيئة
ابعد عن الـ ...
أخاف أن تأسرك استغاثة التاريخ
والزمن
أخاف أن تأسرك المدن
أخاف أن تصير في حذائك العفن
لا عذر بعد اليوم
... ولا المسافات رؤى في النوم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الطرد
الطرد
رقم القصيدة : 68622
-----------------------------------
ولدت خلف الباب
كبرت
خلف الباب
وخلف هذا الباب
كم مرة صار الهوى في جسدي
مخالبا
وناب
كم مرة يا دمي المسفوح للتراب
يا أيها الحاضر في الغياب
كنت أنا القاتل
والمقتول كنت الجرح والذباب
كم مرة
أوصدت دوني الباب
ونمت لا احلم
لا اسأل
لا أبحث عن جواب
لأنني ...(53/430)
لا تقلقي
سترجع الذئاب
سترجع الذئاب
ومرة ثانية
ثالثة
رابعة
سيولد الانسان خلف الباب
وإننا ...
لا تقلقي ...
نظل في الوليمة الصغيرة الحضور في الغياب
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الشاهد المقتول
الشاهد المقتول
رقم القصيدة : 68623
-----------------------------------
من قتل المقام الأخير ...؟
أعرف من
أعرف من سمل عينيه ومن
قطّع كفيه ومن
مثّل يا عطوفة الأمير
بحلمه الكبير
أعرف من
فقد رعيت ذلك الصغير من سنين
من قبل أن يولد في الرؤيا
وفي الحنين
من قبل أن يصير في منعطف كمين
من قبل أن يصير كل الحب في دنياه
كل الأرض في رؤياه
آه
من قبل أن يصير
ذاك الفتى الصغير
نزق جرحه تارة
وتارة
تنظّر الجراح في السكين
أعرف من
أعرف يا عطوفة الأمير
من قتل المقام الأخير
*
أعرف من
فألف ألف ليلة أقمت عند بابه
سهرت في عتمة أهديه
وصرت بعض ما يضوء في اغترابه
..........................
و ألف ألف مرة
كنت الدم الموحل في اهابه
*
أعرف من
- من قتل المقاوم الأخير ...؟
من قتل الـ...
- أعرف من
- قل من هو
- من هو من
- لو قلت من
لصرت يا عطوفة الأمير
الشاهد المقتول في المقام الأخير
*
أنا أنت أيها الأمير
أنا و أنت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أنا و أنت
أنا و أنت
رقم القصيدة : 68624
-----------------------------------
اعتذار
معذرة ضيوفنا الأسياد
قد كذب المذيع في نشرته الأخيرة
فليس في بغداد
بحر
و لا در و لا جزيرة
وكل ما قال به السندباد
عن ملكات الجن
عن جزر الياقوت والمرجان
عن ألف ألف من يد السلطان
خرافة من نسيج قيظ الصيف
في مدينتي الصغيرة
من احتراق الظل في الظهيرة
من غربة النجوم في صمت لياليها
كان لنا فيها
الحر والأصداف واللآلئ البيضاء
والقمر والضوضاء
وعودة الصياد في المساء
كان لنا فيها
في كذبة المذيع في نشرته الأخيرة
جنتنا الحالمة الغريرة
فنحن يا ضيوفنا الأسياد
نكذب كي نولد من جديد(53/431)
نكذب كي تظل في تاريخنا المديد
خرافة قال بها السندباد
كان لنا فيها
البحر والأصداف واللآلئ البيضاء
وساعة الميلاد
*
معذرة ضيوفنا الأسياد
قد كذب المذيع في ليلته الأخيرة
فليس في بغداد
بحر و لا در ولا جزيرة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> النرفانا
النرفانا
رقم القصيدة : 68625
-----------------------------------
يا أرض الموتى
موتي
غوري في الموت لحد النتن
لحد الجزع
وابتلعي
أمواتك ... ميتا ... ميتا
واقتلعي الصمت
اقتلعي الموت من الرمه
صيري العتمة
في حزن محاجرنا البيضاء
*
يا أرض الموتى
أيتها الهجرة في تيه ليالينا السوداء
صيري
غوري
ابتلعي
اقتلعي
لا تدعي للشره الموتور سوى البغضاء
وغير الصبّار
وغير الصحراء
وغير النار المتدلية الأثداء
*
أيتها الهجرة
يا مزق الأشرعة القذرة
يا قلقي المتيبس في شفتي المره
غوري
اقتلعي
لا تبقي ولا تدعي
للدود المستيقظ في الظن
الحالم بالنتن
ألا الموت
*
يا أرض الموتى
موتي
لنصير بموتك كل الموت
موت الموت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> بين مسافتين
بين مسافتين
رقم القصيدة : 68626
-----------------------------------
الريح لن تخيفنا
ان أعولت
أو ولولت مزمجره
والليل خلف بابنا المسكره
يظل أرضنا مقمره
ما دام لي عبر دروب أمسي المبعثره
مسافة تسألني عن موعد
وموعد يمتد في ألف غد
ما دام لي
في كل عرق في يدي المسمره
حكاية لم تولد
ولم أزل في عتمها المؤبد
أحلم ان أصير بعض صندل
محترق
ومبخره
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> قل لي ... هل لي
قل لي ... هل لي
رقم القصيدة : 68627
-----------------------------------
طوبى لك
قد مت ولم تك ملعونا
طوبى لك
قد مت ولم تك جرحا او سكينا
طوبى لك
قد مت وما كنت السجان ولا المسجونا
فأنا يا جدي
سأموت غدا في ألف غد
ويدي
لن تحمل إلا رقمي المطعونا
إلا شرفي المطعون
*
أنت غرست الوعد
وقلت : صن العهد
وإذ مت رحلت ولم تك ملعونا(53/432)
لم تك سجانا أو مسجونا
أما الوعد
فقد صار بي الجرح وصرت به السكينا
اما العهد
فقد عرفته مناحات الساحات الثكلى
في بلدي
ورآه غدي
مشنقة ويدا تتدلى كل مساء
وبغيا ما زالت تنتظر الزناء
يا جدي
يا كل براءات الوعد
بأن لا تصبح جرحا أو سكينا
قل لي ...
كيف غدت في جبل النقمه
كل براءاتك تهمه
وغدوت بك الرقم المطعونا
الشرف المطعونا
الأمس المطعونا
*
يا جدي
قل لي
هل لي
أن ابعث في امسك
أن أولد ثانية في فرحة عرسك
في حلم أبى المتنسك ... هل لي
أن أولد ... لا جراحا
لا سكينا
لا سجنا ... لا سجانا ... لا مسجونا
فأنا يا جدي
ما زلت براءاتك ... كل براءاتك
في الوعد وفي العهد
قل ... لي
هل ... لي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حوار في المنعطف
حوار في المنعطف
رقم القصيدة : 68628
-----------------------------------
• ألم تنم ... يا حارس الحزين
متى تنام
يا أيها الساهر في مصباحنا من ألف عام
يا أيها المصلوب بين فتحتي كفيه من سنين
ألا تنام
_ للمرة العشرين ... أريد ان أنام
أسقط في النوم ولا أنام
للمرة الخمسين
سقطت في النوم ولم أنام
فالنوم عند الحارس الحزين
يظل مثل حافة السكين
أخاف ان أنام
أخاف أن أفيق في الأحلام
_ ليحرقوا روما ليحرقوا برلين
ليسرقوا السور من الصين
عليك ان تنام ...
آن لهذا الحارس الحزين
أن يتكي للحظة ... ينام
_ أنام ... ولم تزل تحرق كل لحظة برلين
يسرق كل ساعة من سور الصين
يولد بين لمحة ولمحة تنّين
أخاف ان أنام
فالنوم عند الحارس الحزين
يظل مثل حافة السكين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> اعترافات من عام 1961
اعترافات من عام 1961
رقم القصيدة : 68629
-----------------------------------
لن أذهب
لن أذهب
ما اتعس ان اقضي كل حياتي في عتمة مكتب
نفس الوجه المرمي على الطاولة السوداء
نفس الزمن المرتهل
في الظل
ونفس الحرف المتسائل عن حرف
.........
وعلى الحائط
ما زال اسم الله يحاول أن يفتح عينيه(53/433)
يمد ذراعيه
يقول :
تعال الي لمائت باسم الإنسان
يتدلى اللامان الكوفيان
يتدلى الله بلامين من السقف
من المصلوب بلاميه ...من المصلوب ..؟
أجيبيني يا بخل ذراعيه
فلقد أرهقتني وجهي المرمي على الطاولة
السوداء
وتعبت من التوقيع على كذب سيذاع صباح
مساء
وكرهت شعاراتي الجوفاء
. . . . .
ما أتعس أن أذهب
ما أتعس ان أقضي كل حياتي في عتمة
مكتب
مصلوبا ما بين اللامين الكوفيين
وبين الحرف المتسائل عن حرف
*
و كأمس
ذهبت
يفتح فراشي باب الغرفة يحني قامته
العطشى
وبلهفة من عوّده الجوع على أن يحني
قامته
ويذل تحيته حدّ الهمس
سيقول :
صباح الخير
. . . . .. . . .
صباح الخير ...اسم مغنية..كلا..اسم قصيدة
كلا..اسم قصيدة
أعرفها
أعرف صاحبها ...كان صديقي
أهداني في يوم ما ديوان المتنبي للبرقوقي
حدثني عن فجر قد يأتي برقا كالسيف
وقتالا كالسيف
حدثني عن معنى أبعد من شكل الحرف
. . . .
وأردّ:صباح الخير
القهوة ..أشربها في الشرفة
أغلق باب الغرفة
القهوة لا تنسى ...مره
وأنا أكرهها مره
أكره هذا القار الأسود
أكره هذا الدرب الأسود في قعر الفنجان
وأكره حتى الحبر الأسود ...حتى اللا....
...لا تكفر ..لن لن يغفر ربك هذي الفكرة
- مره
- أجل... مره
فمصاب بالسكري لا يأخذ قهوته إلا مره
- كيف أصبت به ومتى
- لا تسأل
وتذكرت الحي ..ومدرسة الحي ...وأستاذ الدين لا سين في الدين و لا جيم ...أفهمتم يا طلاب ..
أسمعتم يا طلاب
لكنا ..لم نسمع ...لم نفهم
وكبرنا
صرنا أكبر من أن نخشى الجيم المعقوف
وأكبر أن يجرحنا سيف السين
ورأينا كل أصابع أطفال الحي تشير إلينا :
بوركتم يا وجه الثورة
بوركتم يا وجه القرن العشرين
- كيف أصبت به ومتى
آه لو تعلم ...أن الثوار في القرن العشرين
لا تهدي الثوار سوى السكري
والقرحة
والقهوة ...مرّه
وأنا كنت من الثوار
وعرفت النوم على الإسمنت البارد
مثل القرن العشرين
وعرفت السجانين الثوار
وعرفت المسجونين الثوار
وعرفت بأن الثورة(53/434)
قد تقلع ظفري
قد تصل كل صباح حلاجا في صدري
ولمست أصابعهم في عيني تقول :
أنت الملعون فكن طعما للنار
صرنا طعما للنار
للسكري ..والقرحة ...والقهوة ...المره
والثورة
صارت هذين اللامين الكوفيين
وهذا الرأس المرمي على الطاولة منذ سنين
. . . .
لم يفهم فراشي شيا
حيا وكما عود حيا
في اللامين .... الثورة
حيا في رأس المرمي ...الثورة
أحنى قامته العطشى
وبلهفة
سد علي الباب على اللامين الكوفيين
على اسم اللـ...
وغرقنا في صمت الغرفة
*
لكن وراء الأبواب المسدودة
كان ابن الفراش يعد الثورة
كان ابن الفراش هو الثورة
من يدري
قد لا يشرب قهوته ... مره
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> إلى مدينة ...كالحجر الناتئ
إلى مدينة ...كالحجر الناتئ
رقم القصيدة : 68630
-----------------------------------
أيتها الحبيبة التي تجيء كآخر الليل
مثقلة
بهموم العشاق المنبوذين الا...
من حلم آت قبل الصبح
أيتها الحبيبة المستيقظة في الألم كالجرح
أيتها الرغبة القديمة
يا أرض الملح
ها أنا أسقط عند أسوارك
أتعلق بنواتيء أحجارك
اسقط
و أقوم
اسقط
و أقوم
ويظل الليل وراء الأسوار طويلا
مثل حكايات عجائزنا
مثل مغازلهن تكر حكايات وأغاني
سوداء
عن امرأة تحبل في الحي ولا تلد
تكبر في الوهم و لا تعد
ها أنا
أسقط
أسقط
و أقوم
ويظل الليل طويلا
يتخثر في الحجر الناتئ جرحا
يتخثر في الجرح دما
يا ليل ...إن صرت فما
خبرها عن هذا المرمى وراء الأسوار
خبرها أن دمي ما زال على الأسوار
*
سأجيء إليك كآخر ليلك
مثقلة
ببشائر صبح
بالبرء المتململ خلف الجرح
سأجيء إليك كآخر ليـ
ليلى لا آخر له
مقطوع في الغربة من يعشق ظله
*
و مددنا كفينا
مد بها أكثر
مدي بها أكثر
لا...ما التقينا ..ها نحن نعود لصمتينا
*
سأجيء إليك ..أجيء إليك
- ولكن ...لن تصلي
فأنا ممحو في ظلي ...ظلي لا يعرف شيئا عني
فلماذا تأتين ...ولن تصلي
*
و مددنا كفينا
-مد بها أكثر ...أكثر(53/435)
لن تصلي ..أكثر ...أكثر ..لن تصلي
ها نحن نعود لصمتينا
نسقط في عتمة عيننا
لا شيء سوى الليل يلملم ظلي
*
...والليل طويل خلف الأسوار
الليل طويل
أطول من برد شتانا
أبرد من عين امرأة لا تملك سرا
يا أنت
الليل البارد خلف الأسوار
يا أنت الحجر الناتيء بين الأحجار
يا أرض الملح
يا حبا كالجرح
هل لي ... أن أسأل ليلك أن يستر عاري
هل لي ...أن أغسل في الظلمة أوزاري
هل لي ...
*
يا وجه امرأة أقسى من وطني
سيجيء الصبح
وستعبر بي مرميا خلف الأسوار
ومدميا خلف الأسوار
ولكن ...لن تعرفيني
لن تعرفيني
فأنا ممحو في ظلي ...ظلي لا يذكر شيئا عني
لن تعرفني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أنت مدان ...يا هذا
أنت مدان ...يا هذا
رقم القصيدة : 68631
-----------------------------------
...وخرجت الليلة
كانت في جيبي عشر هويات تسمح لي
أن أخرج هذي الليلة
اسمي ..بلند ابن اكرم
وأنا من عائلة معروفة
لم أقتل أحدا
لم أسرق أحدا
بجيبي عشر هويات تشهد لي
فلماذا لا أخرج هذي الليلة
. . . . . .. . . . . . . .
كان البحر بلا شطئان
والظلمة كانت أكبر من عيني إنسان
أعمق من عيني إنسان
ورصيف الشارع كان ..
خلوا إلا من صوت حذائي
طق....طق .....طق......
أجمع ظلي في مصباح حينا ...و أوزعه حينا
وضحكت لأني
أدركت بأني
أملك ظلي
وبأني أقدر أن أرميه ورائي
أن أغرقه في بركة ماء وحل
إن أسحقه تحت حذائي
أن أخنقه بين ردائي
طق...طق...طق
والظل ورائي
طق ..طق
الظل ورائي ...ورائي ...ورائي
ما أكبر ظلك إنسانا يملك عشر هويات
في لا يملك أي هويه
*
غنيت
صفرت
صرخت
ضحكت ...ضحكت ..ضحكت
وأحسست أني أملك كل البحر وكل الليل
وكل الأرصفة السوداء
إني أجبرها الآن على ان تصغي لي
أن تصبح رجعا لندائي
أن تصبح جزءا من صوت حذائي
طق ......طق ......طق.....
ومددت يدي ..ما زلت عشر هوياتي في جيبي
هذا اسمي
هذا رسمي
هذا ختم مدير الشرطة في بلدي(53/436)
هذا توقيع وزير العدل وقد مد به زهو حز فمي
وأطاح بسن من أسناني
خدش بعضا من عنواني
وخشيت بأن ..فبلعت لساني
ومعي سبع هويات أخرى
أقسم لو مر بها جبل أحنى قامته ولقال :
هي الكبرى
عن شعري
عن أدبي
عن علمي
عن فني
ولاني
احمل عشر هويات في جيبي
غنيت
صفرت
صرخت
ضحكت ...ضحكت ..ضحكت
ما أكبر ظلم إنسانا يحمل عشر هويات في عتمة ليل
عشر هويات في زمن لا يملك أي هويه
*
في اليوم الثاني
كان ببابي شرطيان
سألاني من أنت ..؟
أنا.. ؟!
بلند بن اكرم
وأنا من عائلة معروفة
وأنا لم أقتل أحدا
وأنا لم أسرق أحدا
وباني ...فلماذا ..؟
....ضحكا مني ..من كل هوياتي العشر
ورأيت يد تومض في عيني
تسقط ما بين الخيبة والجبن
- أنت مدان يا هذا
- يا هذا
ماذا فعلا باسمي ...وبرسمي وبتوقيع وزير العدل
لم أدر ..لم أدر
لكني
أدركت بأن هوياتي ما كانت إلا شهادة زور
وبأني سأنام الليلة في السجن وباسم و هوياتي العشر
وضحكت ...وضحكت ...وضحكت
*
في زمن لا يملك أي هوية
سيكون مدانا من يملك أي هويه
مزقها ..مزقها يا سجاني
اسحقها ...اسحقها يا سجاني
...وسمعت خطاه ورائي
طق...طق...طق..
كان البحر له ..والليل له ...وجميع الأرصفة السوداء
طق...طق...طق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لا...لم يمت
لا...لم يمت
رقم القصيدة : 68632
-----------------------------------
الى غسان كنفاني
خسئتم من قال :مات
من عروقي بالحياة
خسئتم
ما مات غسان ولا الأرض التي
جادت به تموت
قد يهون العناء بعض وهلة
جفونه
وقد تعطي جرحه المدمى بعض وهلة
عيونه
لكنه
يظل في النزف دما يقيت
لا ..لم يمت
ما دام فجر أمه في جرحه يبيت
*
خسئتم
غدا إذا ما زحزحت أكفنا
سكونه
ستدر كون
ما الذي أبقى لنا مهاجر صموت
ستدركون
ما الذي خبأ تحت جفنه السكوت
وكيف ان مسربا في الليل قد أضاءه تابوت
وكيف أن بعضا يولد مذ يموت
*
خسئتم
لا لم يمت
ها ...نحن آتون به
فهللي
أيتها المشارف الخضراء يا بيارقا تملأ رحب(53/437)
الأرض والسماء يا موكب الفداء ..ها
ها ...نحن آتون به
من آخر النداء من آخر ما نملك من رجاء
فهللي
لا تشعلي الشموع إن بيته مضاء
لا تغسلي جراحه
قتلك كانت ساحة وتلك كانت
أرضه
زتلك كانت بيته المزهو بالدماء
لا تلمسي
جفونه
يخاف أن يوهنها العياء
لا تصرخي
غوري وراء صمته حكاية
أروع ما أبقى بها
أن تولدي في موته
مشارفا خضراء
بيارقا تملأ رحب الأرض والسماء
إن صرت في الموت لنا ..الرجاء
إن صارت الموتى به ...أحياء
*
خسئتم
لا ...لم يمت
ها نحن آتون به
مواكبا تسال عن طريقها في الموت والفداء
لا ...لم يمت
ها نحن آتون به
مواكبا تسال عن طريقها في الموت والفداء
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حوار الأبعاد الثلاثة
حوار الأبعاد الثلاثة
رقم القصيدة : 68633
-----------------------------------
يا كلكم
يا غيبة الحاضرين
يا أنتم المارون كل لحظة ببيتي المنكفيء
الأضواء
والحاملون ليلي الثقيل في صمتكم المرائي
أنا ...هنا ....أموت من سنين
أزحف من سنين
خيطا من الدماء بين الجرح والسكين
نم أيها المجنون ...نريد ان ننام
نم أيها اللعين ..نريد ان ننام
نريد أن يعتقنا الظلام
. . .
يا أيها العدل المعلق في رقابا لمائتين
يا أنت يا ملاءة سوداء في الأقبية العتيقة
أصرخ بهم :
قد كذبوا
فليس بين الزيف والحقيقة
إلا دمٌّ جف على الإسفلت من سنين
جف فلن يذكره الجرح ولن تعرفه السكين
أصرخ بهم :
غدا إذا مر بن الصبح
ستلتقي السكين والجرح
وبقعة الدم التي تحملها أحذية العابرين
خطيئة أخرى بلا خاطئين
أصرخ بهم :
غدا ما استيقظ زنزانة السجين
إذا التقى المسجون والسجان
يسقط من عينيهما وجهان
الله
والشيطان
وليس إلا قسوة الجدران
شهادة صفراء كالبهتان
وليس إلا كوّة كان لها إنسان
نم أيها المجنون
نم أيها اللعين
قد تعب الصدى وانغلق المدى
على صراخك الحزين
واستيقظ السجان في السجن
نم أيها المجنون
نريد ان ننام
نريد أن يعتقنا الظلام
كورس مشترك :(53/438)
ربنا ...ربنا ..ربنا
تعلم اننا لسنا من هؤلاء ولا من هؤلاء
وإننا وجهك في الرجاء
وأمرك في البقاء
فلا تأخذان الرائي بجريرة ما رأى
و لا السامع بجريرة ما سمع
فبالأذن التي أعطيت سمعنا
وبالعين التي وهبت رأينا والعين لا تشبع
من النظر
والأذن لا تمتلئ من السمع
وبمشيئتك القائمة على الحق ...
نقول الحق .
كورس نسائي
هللويا ...هللويا
باسمك ولد
وباسمك استشهد في أزمنة الضيق
يوم أن عرفك في الحر المطلق
ويوم أن عرفك نفسه في العبد الموثق
رغب فيك
ورغب عنك
فكان أن ثار بك عليك فقتل
فاستشهد
ربنا ...ربنا...ربنا
من عرفك في نفسه
كبر بك عن جنتك وصغرت به جحيمك
فلا هو من جنتك
ولا هو من جحيمك
فاقبله شهيدا من أجلك
كورس مشترك :
اللهمّ غفرانك
لسنا في هذا الصوت سواك
ولا في ذاك الصوت
سواك لسنا إلا حقك في هذا الصوت
وفي ذاك
نجتمع في الرغبة ونموت في الرجاء
فإن سمعنا فالسامع أنت وإن رأينا فإنك
أنت الرائي
كورس رجالي :
هللويا ...هللويا
عرفوك في المسافة فكنت الرب وكانوا العبد
فمن رغب عن حريتك جردك منها وقتلك
فليقتل بما رغب
اللهم ...الحرية حاجة
من أدرك نفسه في عبد فيه تجاوزها في حر فيك
لتكون المسافة في الوصل كل الوعد في
الوصل بين الرب
وبين العبد
كورس نسائي :
باسم الرب ولد وباسمه استشهد
فكان انسان
كورس رجالي :
باسم الرب قتلوا
فكان الإنسان
كورس مشترك :
ربنا ...ربنا ...ربنا
لسنا من هؤلاء ولا من هؤلاء لا نحن شهدائك
ولا نحن من مجاهديك
لسنا إلا الحرف السامع لسنا إلا الحرف
الرائي
لسنا إلا بعبدك في خطوة إنسانك عبر الأرض
بعدك في الصحو النائم كل مساء
بعدك في النزع المتسائل في ألف رجاء
هللويا ...هللويا ...هللويا
*
القاعة ذات القاعة
بكراسيها
وبصوت مناديها
بعيون كلاب الصيد المغروزة في لحم أضاحيها
نفس الياقات البيضاء
ونفس الأحذية اللماعه
والزمن المتخثر في الساعة
ما زال كما...
-صه ..لا تحك
واللوحة ما زالت ذات اللوحة منذ العهد التركي(53/439)
العدل أساس الملك
ماذا ...؟
العدل أساس الملك
-صه ...لا تحك
كذب ...كذب ...كذب ...كذب
الملك أساس العدل
أن تملك سكينا تملك حقك في قتلي
-صه لا تحك
ما أكذبهم ...ما ألعنهم
العدل أساس الملك
أو شك أن أضحك لو لا أني
أترسب في الظن
فأوشك أن ابكي
-صه ...لا تحك ...لا تحك ...لا
-اصمت ..اصمت
.............
-وصمت ...وها أني
أسقط في بعدي الأول
وجهي يغرق في وجهي
عيني تبحث عن عيني
ها أني
أتمزق بين اثنين
رجل يصمت في طفل يسأل
*
باسم الرب
باسم الشعب
باسم القانون
سنحاكم هذا الوجه المتجهم كالأرض البور
الخائب كاللعنة
سنسمر في باب القاعة كفيه
وسنحفر في عينيه الجنة
-ما أكبر عدلك يا ربي
ما أكبر ظلمك في القاتل باسمك يا شعبي
ما أوسع ظلي
فلا جلي بعث الوعد المدفون
ولا جلي
صاروا الرب وصاروا الشعب وصاروا القانون
و لا جلي سيكون
الكل بلا ذنب
فأنا وحدي المقتول بقتل أبي
والذنب وحيد مثلي
*
-ما اسمك ...؟
لم أعرف لي اسما...لا أذكر ما أسمي
فلقد ماتت أمي
وأنا لم أولد بعد بمعنى في اسم
ولأني لم احمل اسما
لم من كانت لي أما ...تلت أبي
- أقتلت أباك ...؟!
- قتلت أباك ...قتلـ...؟!
- ت أي
سمو القتل محمود أو أحمد
مسعود أو أسعد
سموه اسما يدينه من الصلب
فدم المجرم عرس الرب
دم المجرم عرس الرب ...عرس الرب
الرب ...الرب
- ماذا قلتم وبماذا تفتون ؟
- فليعدم ...يعدم ...يعدم ...فليعدم
باسم الرب ...سيعدم
باسم الشعب ...سيعدم
باسم القانون
-لا تغسل كفيك فلن تندم
فالجرم يظهره الدم
لا شيء سوى الدم ...دم...دم...
دم....دم
-القاعة ذات القاعة منذ العهد التركي
العدل أساس الملك
أشك أن أضحك لو لا أني
أترسب في الظن
فأوشك ان ...
أبكي
كورس مشترك :
ربنا...ربنا ...ربنا..
ها أننا مثلك نولد في التكرار لنخلد في العادة
مثلك في الصيف الذاهب والصيف الآت
مثلك في الحجر الساقط في الموت بلا مأساة
مثلك في درب المحراث
يا ربنا
أفردتنا في العبد فرأينا الكل وأضعنا سرك(53/440)
في الأجزاء
صرنا حقك في القاتل مذ صرنا حقك في المقتول
فدروب المحراث سواء
تجرح في ذهابها
تجرح في إيابها
والجرحان رجاء
كورس نسائي :
هللويا ... هللويا
ساعة أن ولد في الرغبة
نسيك في الوعد القائم في النار وفي القار وفي الرهبة
فتيبس ثدياها
جفت شفتاه
على ثديها
سأل عنها فيهم
وتساءل عن وجه أبيه ليعرف قاتل أمه
صرخوا في وجهه :
ما اسمك ... ما اسمك ... ؟ من لا أسم له
لا أم له
من لا أسم له نكرته أبوته
أعطوني اسما لا صير به حبكم في الأرض
لا صير به وعد محبه
قالوا له أسماؤنا صلباننا
نتعذب فيها
نحلم فيها
وسيعرفنا الرب بها يوم الدينونه
لن نعطيها ما لم نعرف وجهك في القاتل
أو وجهك في المقتول
يا رب ... لقد أسقطه حقده في الغربة
هجرته مسافتهم ...
سحبوا أرضهم من بين خطاه
فكان أنت
وكنت القاتل والمقتول به
كورس رجالي :
ربنا ... ربنا ... ربنا
يا من سمعت بأذننا ...
يا من رأيت بعيننا
باركهم في القتل فلو لا أسمك ما قتلوا
أدنيتهم منك فكنت في مسقط نورك فيهم
وعدهم بالحق ... فالحق ... هم
وكان المتنكر لك بينهم فأدين بحقك فيهم
ضيقت مسافتهم
فالجزء هو الكل لديهم
والمجرم من لا يعرفك في هذا الجزء
أو ذلك الجزء
فكيف بمن لم يصعد جبلا ليبارك مسكنة
الروح
ليبارك من يرثون الأرض
ليقول لهم :
طوبى لكم في الجوع
وفي العطش
في الحزن
وفي المزن الساقط باسم الرب
ليقول لهم :
لن يفسد ملح الأرض
ربنا ... ربنا ... ربنا
أن تقبله شهيدا من أجلك في الحق اقبلهم
في القتل طريقا للحق
هللويا
هللويا ... هللويا
*
بأي شيء تحلمين الآن يا مسالك الرماد
أي رؤى قد صيرت عينيك أرض الله والميعاد
فامتدتا دربين أخضرين
وكنت
كل الأرض
كل الجنة السمحاء في الدربين
طوبى لكم
ما أرحب السماء بين غمضتي جفنين
ما أنجس الجنة إذ نبتاعها بالدين
نامي إذن
ثرثرة الغابات لا تسأل عن أذنين
نامي إذن
فالليل في مسالك الرماد
يصير أرض الله والميعاد
يصير في عينين
دربين أخضرين
ولتصرخي(53/441)
كما تشائين اصرخي بوجهي المرمي
تحت أرجل الجراد
يكفي المسمرة
بالجسد الموصل بين ناره وبين من يحلم خلف
المبخرة
كما تشائين اصرخي :
كذبتم ... لم يكذبوا
لم يصلبوا الحق وإن صلبوا
مسيحنا
فدربنا ليس زقاقا أسود
ولا دما على زقاق أسود
قولي لنا :
كذبتم ... لم يكذبوا
فالحق ليس شارعا يلتف كالحبل على المدينه
ولا يدا ضنينه
الحق هذا السفر الوضاء عبر الزيف
والأحلام والسكينة
قولي لنا :
كذبتم ...لم يكذبوا
فالحق ليس شارعا يلتف كالحبل على المدينة
و لا يدا ضنينه
الحق هذا السفر الوضاء عبر الزيف
والأحلام والسكينة
قولي لنا أيتها الخدعة :
إن ناموا كما ننام كي ندرك
أرض الله والميعاد
قولي لنا :
الحق ليس الحد بين الموت والميلاد
ناموا كما ننام
ليرجع الدربان بالحق الذي تبتغونه أبيض
كالأحلام
فلم تزل أعينكم ملأى بما تحمل من نعاس
تحمل من مآذن ولهى
ومن أجراس
تحمل من درب الى الله بلا سجن بلا حراس
ناموا كما ننام ما أرحب السماء بين غمضتي جفنين
ما أنجس الجنة إذ نبتاعها بالدين
...
كذبتم ...كذبتم ...كذبتم
نم أيها اللعين ...نريد أن ننام
نريد أن يعتقنا الظلام
لا توقظ السجان في السجين
أقسم لن أنام
توت عيني ولن أنام
وأنني أسخر من دربين أخضرين في مسالك الرماد
أنا هو الدم الذي جف على الإسفلت من سنين
يعرفه الجرح
و لن تنكره السكين
أنا هو الموت الذي يجيء كالميلاد
*
كورس نسائي :
الهنا...
يا من صيرت قيامة ذاتي كلمات عزائي في زمن الضيق
ونداء محبه يوم الغضبة
ما أظلم إنسانك في الفرد إذ سواك على شكله
ليقايض مجدك ذاك الخالد بالوجه الفاني
للإنسان
كانوا ضدك ساعة إن ظنوا أنهم نعموا
بمحبتك
أرضوا ودك
باسمك قالوا :فليفن هذا الابن العاق
هذا الراغب أن يصبح صبح صنوك في المجد الباق
ففنوا فيه
وتأبد فيهم
عاش الإنسان نزوعا في الإنسان ومانوا في صفرة
كفيه وسكتة عينيه
و تلك إرادتك
تلك مشيئتك في الدرب الصائر دربين(53/442)
الأول يستر نفسه عن نفسه ويعود لا مسه
والآخر يكشف نفسه في نفسه
والدربان
وعدك ان يبقى ووعديك أن يفنى
الأول يسقط في الخارج لتصير الأجساد معابد
إن هرمت
هرمت في الظل نبؤتك
أمست حجرا
تتستر
خلف كثافته ديدان الأرض وولائم ديدان
وفياللعنة
من يرفض وعدك بالحنة يبقك في الأرض
محبه
هللويا
هللويا
كورس رجالي:
اللهم اسمعنا ...
لا عذر لهذا الإنسان
سدت أذناه فلم يسمع أجراسك يا رب
عميت عيناه فلم يبصر وراء الصلبان
أجل يا رب
جحدت شفتاه عطاياك فكان الخاسر في النكران
وكان ...وكان ...وكان
لا عذر لهذا الإنسان
فلقد شفناه
ورأينا خنجره الغائر في قلب أبيه
وسمعنا دم ذاك المظلوم
ينعب مثل البوم
يسأل عنك وفيك
يا رب
قتل الأب
أكبر من كل خطاياهم السبع
يا رب
لا ترحمه فتصير الرحمه
دربا للقاتل والمجرم والآبق
مأوى للسارق من بيت أبيه
أرث الإنسان الى الإنسان
...الهنا الخالد في الحرف الموصي بالعدل
المتصلب
كالغل المتعنت كالقتل
الهنا الخالد في الحرف القائل :
أن كونوا
كالصيف الذاهب والصيف الآت
كالحجر الساقط في الموت بلا مأساة
ماذا يبقى من أرضك أن ثار الأبناء على أباء
ماذا يبقى من امسك إن صار الحاضر نفيا
للأمس
إن صار الطهر سبيها بالجرس
ويماذا تطعم نارك يوم الدينونه
ولماذا يحلم من يحلم بالجنة
يا رب
إن كنت ستعفو فلماذا أوجدت الذنب
هللويا
هللويا ...هللويا
*
ولأني لم احمل اسما
لم أعرف لي أما
صيرت حليب الثدي اليابس سما
مت به يوما
عشت به يوما
وكبرت سؤالا ..ما اسمي ...؟
من كان أبي ...؟
من كانت امي ...؟
يا ناس هبوني اسما
اسما يحملني وعدا
رعدا
غيما
مطرا قد يعود بالنعي
سموني اسما ...مسعودا أو أسعد
محمودا أو أحمد
اسما يدينني من الرب
اسما يدينني من الصلب
اسما ...اسما ..اسما
فأنا يا ناس بلا اسم
سكين أوغل في القلب أبي
...
وطرقت الأبواب ...بابا ...بابا
ورشوت البوابا
استجديت امرأة ...طفلا ...شيخا ..
وشبابا
ما ردوا(53/443)
لا باب ينفك ولا شباك ينسد
إن جاء مساء
أمسيت رصيفا في هذا الشارع
تسحقني أقدامهم
أبيض بها حينا ...أحيانا اسود
إن جاء صباح
أصبحت قمامة زبل لا تعد
ورغيفا نتنافي كف طفل جائع
وبكيت هنا
وبكيت هناك
وتسكعت هنا
وتسكعت هناك
أبحث عن نفسي في عنوان ضائع
مرت آلف الأسماء
لوحات
ألوانا
أضواء
أسماء تخنقها ياقات بيضاء ...
أسماء تعرق تحت معاطف سوداء
أسماء بيوت
أسماء شوارع لا يحصيها عدد
مرت ... لم يسألني أحد
من أبكاك ... ؟
من أين أتيت وأي حليب
بلل فاك ... ؟
... لا أحد
فقمامة زبل لا تعد ...
ورصيف الشارع لا أحد
...
ها اني
أسقط في بعدي الثاني
عيني تبحث في عين أبي
عن موت انسان
ها اني
أتمزق بين اثنين
هذا المرمى على الدرب صراخ امرأة
يستنجد بي
أقتله ... أقتله ... أقتله
وأنا الغائر في التوبة حتى الذنب
...
يا وجه أمي المنفي بلا كسرة خبز او قطرة ماء
لم عدمت
أما أدركت
بأنك مت ككل الأشياء
وصدئت ككل الأشياء
فلماذا عدت إلي ... !
لا شيء لدي ... إلا جبني
وبكائي المشدود الى أذني
فلماذا عدت ... لماذا عدت ... لما
يا وجه أمي المنفي
انزع وجهك من وجهي
اقلع كفك من كفي
يكفي
ان أسقط في عينك وجها آخر منفيا
في عري الصحراء
أفقر من عري الصحراء
أفقر من كسرة خبز أو قطرة ماء
فلماذا عدت الي
لا شيء لدي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> مسيرة الخطايا السبع
مسيرة الخطايا السبع
رقم القصيدة : 68634
-----------------------------------
1
ومرة ركضت خلف ظلي
حاولت ان امسكه
حاولت ان أصير فيه كلي
وعندما انحنيت كان
منحنيا مثلي
محدقا مثلي
في كسرة عتيقة من وجهي الطفل
ظللت بلا أرض ولا زمان
ظللت بلا ظل
2
أحلم
كي أرفض ان أولد في محرار
لأنني
أعلم ان الليل والنهار
لن يسألا أين أنا
في الثلج
أم في النار
3
وأمس
إذ ولدت في حقيبة لامرأة مريبة
أدركت في مرآتها
كل الذي أجهل من أسرارها الرهيبة
أدركت أن أرضها أصغر من حقيبة
4
وعندما نفيق او ننام(53/444)
لا نحفر الأرض ولا نبحث في الركام
عن وجهنا المطمور بين كومة العظام
ولن تقيس عمرنا
جمجمة تيبست في قبحها الأعوام
نحن هنا
مسافة
تجهل ان تطول او تقصر في أرقام
إذ ليس في طريقها مدينة
تولد في استغاثة الصباح
او تموت في انحناءة الظلام
وليس
في سنينا أيام
5
ساعة ان تغمر صحوة حلمنا البحار
ننساب في التيار
أشرعة
تحمل في حنينها اللؤلؤ والمرجان والمحار
او منية لصبية صغار
تمرح في شواطئ عذراء ما مر بها إعصار
6
أنا امرأة
ولدت في ليل شتائي طويل المدى
فكان أن سددت باب غرفتي
أغلقت شباكي على الرياح والنجوم والصدى
فصار ببيتي مدفأة
ونمت كي أولد كل لحظة في موت
7
لكي نظل نحلم
ان جاءنا مسيحكم
كنا كما أرادنا أدعية تتمتم
وان أبحتم قتله
صرنا له المسمار والنار التي لا ترحم
وحسبنا من كل ما كان له
من كل ما شاء لنا
أقنعة جوفاء لا تبكي ولا تبتسم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نداء الخطايا السبع
نداء الخطايا السبع
رقم القصيدة : 68635
-----------------------------------
كررت
ألف مرة
بأننا زائفون ... ... زائفة أيامنا
وزائف ألهانا
وان ثقب بابنا
ليس له مفتاح
وانه
ما حبلت شمس به ولا زنت رياح
وأنه ما كان
إلا طريق الموت والنسيان
ألف ... ألف مرة
قلت لنا : بأنه لن يكون
وعدا لنا في الصباح
وإننا ... زائفون
وإننا ... ضائعون
وإننا لا أرض لا شمس لنا
إننا ... حالمون
هلا علمت أننا
الشمس التي تدفئنا
وإننا الأرض التي تحملنا
وإننا الصبح الذي نريد ان يكون
فأطفئ قناديلك يا مجنون
نريد ان ننام
نريد أن يعتقنا الظلام
كورس مشترك :
ربنا ... ربنا ... ربنا
هلا غفرت لنا ذنوبنا
فها نحن كهؤلاء وهؤلاء
نترسب في صوتيهم ونتوه في المسافة الضيقة
ما بين عينيهم
شئنا ان نبصر ... لم نبصر
شئنا أن نسمع ... لم نسمع
فالأرض مسافات يا رب ... الأرض
مسافات
ولكل مسافة
أبعاد قد تبدأ من هذي العين
ولا تبدأ من تلك العين(53/445)
قد ترحل من هذي اللمسة لا من تلك اللمسة
والحق هو البعد المتحرك بين الأشياء
بين الإنسان
وظل الإنسان
بين الزمن المتغلغل في الداخل
والزمن المتخثر في الخارج
يا رب فمن ... بعد عنك ... لم يرك
والقائل :
اني أنا الرب ... لم يرك
ربنا
ربنا ... ربنا
هلا غفرت لنا ... ذنوبنا
فأنت
أنت أقمت الناس حدودا
صيرت الواحد منها نفيا للآخر
ليكون الموت خلودك في الأرض
يا ربنا
في الحب وفي البغض
أقبلنا شاهد عدل ... لم يبصر شيئا
لم يسمع شيئا
لم يدرك إلا بعدك بين الأشياء
يصير رجاء في قلب
ويصير فناء في قلب
والخالد مثل الموت هو أنت
يا ربي
هللويا
هللويا ... هللويا
*
ان خفت
تسترت بجوعي من خوفي
وكبرت على ضعفي
ان جعت
اقتت بجوعي
ومددت ذراعي لجياع خلفي
وكبرت على ضعفي
وإذا جفت شفتي يبست كظهيرة صيف
أوسعت لها جرحا في كفي
خبأت به صوتي
خبأت به شفتي
ونظرنا
وانتظرت أن تندى في زمن النزف
وكبرت على ضعفي
... ...
ومشيت دروب الناس
لملمت خطاهم
لملمت رؤاهم
ما يسقط منهم في رقم أو حرف
فعلمت
بأن السراق هم الوجه الآخر للحراس
وعلمت بأنني بين الناس
وجهان لهذا العبد
وذاك النخاس
وعلمت بأني في الجبل الشامخ حد
فكبرت على ضعفي
ما هنت
ولا شئت
ولا كنت
ألا الموت الناطر في حد السيف
والمقت المترصد في الجوع
وفي الخوف
فاعتقني يا زمن النزف
أنزل ابليسك عن كتفي
سأدك جبالهم
سأهد كهوفهم
وسأوقظ في موتهم حتفي
_ صه ... لا تحك
_ لا تحك
_ لا تحك ... لا
لن أسكت ... لن أسكت ... لن
يا أنت الحجر الساقط في الموت بلا مأساة
كن موتي
كي تولد في الزمن الآت
كن جرحا في كفي
كن أفعى في صوتي
كن أنت الله الانسان
بلا موت
...
ماذا قلتم وبماذا تفتون
فليعدم ... يعدم ... يعدم ... فليعدم
باسم الرب ... سيعدم
باسم الشعب ... سيعدم
باسم القانون
*
اكره أن اشنق في مفارق الطرق
_ تشنق في
ترجم في
تحرق في مفارق الطرق
ولن تكون شارة لقرية
أو مرتجى مدينه
ولن تكون ملتقى دروبنا في منيه(53/446)
ولا يدا
تبحث عن دفء دماها في يدي
هنا
على مفارق الطرق
غدا تصير مسربا للريح والرمال والغسق
وتنتهي
لا جبهة كنت ولا
دما ... ولا
فما ... ولا
ألا جذى ما كنت من تلك الرؤى
وذلك الملتقى ...
_ أجل وذلك الملقى هوى أضاء دربا واحتراق
_ كذبت ... لا
لا شيء غير رمة للصقر الجائع ...
لا شيء سوى جمجمة تصفر فيها الريح ...
لا شيء سواك مأتما وميتا ملقى على مفارق الطرق
... ...
يا أيها الناس
أيتها المآذن الولهى ويا أجراس
من يوقد النار له ... ؟
أنا
أنا
أنا
أنا
من يغرز المسمار في كفيه من ... ؟
أنا
أنا
أنا
أنا
من يجمع الحجار كي نرجمه ...
أنا
أنا
أنا
أنا
....
يا أيها الناس
يا وجهي الآخر في الانسان
يا وجهي الآخر في المسمار والنيران
متى ... متى
تدرك ان من أتى
بوجدك الحي يظل حيا
يبعث من مسمارك الغارز في راحته
نبيا
_ تكذب يا مجنون
تكذب فالمسمار درب المطرقة
_ جدفت يا ملعون
_ يا وجهي الآخر في الانسان
الى متى
تصير لي في مرة سنبلة
ومرة
تصير لي موتا وحبل مشنقة
كورس مشترك :
ربنا ... ربنا ... ربنا
شاهدنا شيئا لم نفهمه ... ورأينا حقا لم ندركه
وجه امرأة محفورا في جبل قرب المفرق
ورأينا في عينها نبعي ماء
قمرا
ونجوما
وسماء
ورأينا الجسد العاري رغم الصقر الجائع
والريح الملعونة والليل الداجي
رغم المسار ورغم النار يتحول أرضا
خضراء
وسمعنا صوتا لم يأت من أرضك يا رب
لم يأت من تلك النار الموعودة ... يا رب
لم يأت من جنتك المرصودة ... يا رب
صوت امرأة قال :
ابني لم يشنق ... ابني ما مات
من مات إذن قرب المفرق ... يا ربنا
يا ربنا ... يا ربنا
من مات إذن قرب المفرق ... ؟
والمرأة
تلك المرأة من كانت ... يا رب
؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الخرافة
الخرافة
رقم القصيدة : 68636
-----------------------------------
حين كنا .. في الكتاتيب صغارا
حقنونا .. بسخيف القول ليلا ونهارا
: درسونا
"ركب المرأة عورة"
"ضحكة المرأة عورة"(53/447)
"صوتها - من خلف ثقب الباب - عورة"
.. صوروا الجنس لنا
.. غولا .. بأنياب كبيرة
.. يخنق الأطفال
.. يقتات العذارى
خوفونا .. من عذاب الله إن نحن عشقنا
.. هددونا .. بالسكاكين إذا نحن حلمنا
.. فنشأنا.. كنباتات الصحاري
. نلعق الملح ، ونستا ف الغبارا
يوم كان العلم في أيامنا
.. فلقة تمسك رجلينا وشيخا.. وحصيرا
.. شوهونا
شوهوا الإحساس فينا والشعورا
.. فصلوا أجسادنا عنا
.. عصورا .. وعصورا
.. صوروا الحب لنا .. بابا خطيرا
لو فتحناه.. سقطنا ميتين
فنشأنا ساذجين
وبقينا ساذجين
نحسب المرأة .. شاه أو بعيرا
.. ونرى العالم جنسا وسريرا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تذكرة سَفر لامرأةٍ أحبّها
تذكرة سَفر لامرأةٍ أحبّها
رقم القصيدة : 68637
-----------------------------------
أرجوك يا سيدتي .. أن تتركي لبنان
، أرجوك باسم الحب ، باسم الملح
أن تغادري لبنان
.. فالبحر لا لون له
.. والشكل لا شكل له
والموج - حتى الموج - لا يكلم الشطآن
.. أرجوك يا سيدتي أن ترحلي
.. حتى أرى لبنان
.. أرجوك يا سيدتي أن تختفي
.. بأي شكل كان
.. باي سعر كان
أن ترجعي البحر إلى حدوده
وترجعي الشمس إلى مكانها
وترجعي الجبال والوديان
.. أرجوك يا سيدتي
.. أن ترجعي براءتي
.. والزمن المكسور .. فوق ساعتي
.. وترحلي عني ، وعن لبنان
.. بأي شكل كلن
.. بأي سعر كان
أرجوك يا سيدتي
أن تدركي بأني إنسان
وتسحبي السيف الذي زرعته في فوهة الشريان
أرجوك .. باسم الزعتر البري ، والشربين ، والريحان
.. والثلج ، والضباب ، والرعاة ، والقطعان
وباسم عامين .. هما .. خلاصة الزمان
باسم ( جعيتا ) واليدان فوقها يدان
ونحن مبحران في عرس من الألوان
( وباسم نادي الصيد في ( جبيل
.. والنبيذ .. والدخان
( وبيتنا المهجور في ( طبرجة
وشعرك المنثور فوق الأرض والحيطان
وباسم ثوب أحمر
كنت به رائعة كزهرة الرمان
.. أرجوك يا سيدتي
باسم جميع الكتب المقدسة(53/448)
والشمع ، والبخور، والصلبان
أرجوك بالأحزان يا سيدتي
إن كنت تعرفين ما الأحزان
أرجوك .. بالأوثان يا سيدتي
إن كنت تؤمنين في عبادة الأوثان
أرجوك .. باسم الأنس
أرجوك .. باسم الجان
.. أن تتركي لبنان
.. كل هداياك التي تحرك الشجون
( كل المناديل التي تحمل حرف ( النون
( أزرار قمصاني التي تحمل حرف ( النون
.. فكلها أفيون
.. يا أنت
.. يا أخطر ما عرفت من أفيون
أرجوك أن تسترجعي
مصباحك القريب من وسادتي
وكلبك الأبيض من سياراتي
فإنها قد أصبحت .. نوعا من الإدمان
.. يا امرأة .. قد جعلتني أدمن الإدمان
رفيقتي ، على دروب ( اليرزة )الخضراء
رفيقتي ، أمام باب مريم العذراء
رفيقتي بالحزن والبكاء
أرجوك ، يا سيدتي ، أن ترجعي
علاقنتي الأولى مع الأشياء
.. أن ترجعي الأشجار مستقيمة
،، والأرض مستديرة
والقمح ، والنجوم، والسنابل الخضراء
.. أرجوك يا سيدتي
أن ترجعي إلى البحار الماء
.. والرب للسماء
.. أرجوك يا سيدتي
أن تحزمي حقائب النسيان
أكبر من مساحة الأجفان
أرجوك يا سيدتي
أن تتركي بيروت في عناية الرحمن
.. وتتركي لي الحزن
.. فهو صاحبي الوحيد من زمان
.. لبنان
كان أنت .. يا حبيبتي
.. ويوم ترحلين عن صدري
.. لبنان
كان أنت .. يا حبيبتي
.. ويوم ترحلين عن صدري
.. فلا لبنان
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يا زوجة الخليفة
يا زوجة الخليفة
رقم القصيدة : 68638
-----------------------------------
! يا زوجة الخليفة
، لا يفهم الحراس ما قضيتي
.. يا زوجة الخليفة
.. رسائلي إليك .. يرفضونها
.. أزهاري الحمراء .. يرفضونها
.. يا زوجة الخليفة
قصائدي الكتبتها بالضوء والقطيفة
لم يقبلوا استلامها
يا زوجة الخليفة
أنك كنت زوجتي
قبل وجود القصر .. والخليفة
، حراسك الغلاظ، يا سيدتي
لا يقرأون الشعر
.. لا يفهمون الشعر
حاولت أن أقنعهم
أنك شمس العمر
.. جربت سحري معهم
فما أفاد السحر
.. جربت أن أرشوهم بالمال
أو بالخمر
.. لكنهم .. لم يقبلوا(53/449)
أن يدخلوني القصر
- كل القصور - منذ أن كانت
.. تخاف الشعر
.. تخاف الشعر
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أُقَدِّمُ اعتِذارِي
أُقَدِّمُ اعتِذارِي
رقم القصيدة : 68639
-----------------------------------
.. أقدم اعتذاري
لوجهك الحزين مثل شمس آخر النهار
.. عن الكتابات التي كتبتها
.. عن الحماقات التي ارتكبتها
عن كل ما أحدثته
في جسمك النقي من دمار
وكل ما أثرته حولك من غبار
.. أقدم اعتذاري
عن كل ما كتبت من قصائد شريرة
.. في لحظة انهياري
فالشعر ، يا صديقتي ، منفاي واحتضاري
.. طهارتي وعاري
ولا أريد مطلقا أن توصمي بعاري
من أجل هذا .. جئت يا صديقتي
.. أقدم اعتذاري
.. أقدم اعتذاري
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أنا قطار الحزن
أنا قطار الحزن
رقم القصيدة : 68640
-----------------------------------
.. أركب آلاف القطارات
.. وأمتطي فجيعتي
وأمتطي غيم سجاراتي
حقيبة واحدة .. أحملها
.. فيها عناوين حبيباتي
.. من كن ، بالأمس ، حبيباتي
يمضي قطاري مسرعا.. مسرعا
.. يمضغ في طريقه لحم المسافات
يفترس الحقول في طريقه
يلتهم الأشجار في طريقه
.. يلحس أقدام البحيرات
يسألني مفتش القطار عن تذكرتي
.. وموقفي آلاتي
.. وهل هناك موقف آتي ؟
فنادق العالم لا تعرفني
.. ولا عناوين حبيباتي
.. لا رصيف لي
أقصده .. في كل رحلاتي
أرصفتي جميعها .. هاربة
.. هاربة .. مني محطاتي
.. هاربة .. مني محطاتي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أعنف حب عشته
أعنف حب عشته
رقم القصيدة : 68641
-----------------------------------
تلومني الدنيا إذا أحببته
كأني أنا خلقت الحب واخترعته
كأنني على خدود الورد قد رسمته
.. كأنني أنا التي
للطير في السماء قد علمته
وفي حقول القمح قد زرعته
.. وفي مياه البحر قد ذوبته
.. كأنني أنا التي
كالقمر الجميل في السماء قد علقته
.. تلومني الدنيا إذا
.. سميت من أحب .. أو ذكرته
.. كأنني أنا الهوى(53/450)
.. وأمه .. وأخته
من حيث ما انتظرته
.. مختلف عن كل ما عرفته
مختلف عن كل ما قرأته
.. وكل ما سمعته
.. لو كنت أدري
أنه نوع من الإدمان .. ما أدمنته
.. لو كنت أدري أنه
باب كثير الريح ، ما فتحته
.. لو كنت أدري أنه
عود من الكبريت ، ما أشعلته
هذا الهوى . أعنف حب عشته
.. فليتني حين أتاني فاتحا
يديه لي .. رددته
.. وليتني من قبل أن يقتلني
.. قتلته
.. هذا الهوى الذي أراه في الليل
.. أراه .. في ثوبي
.. وفي عطري .. وفي أساوري
.. أراه .. مرسوما على وجه يدي
.. أراه .. منقوشا على مشاعري
.. لو أخبروني أنه
.. طفل كثير اللهو والضوضاء ما أدخلته
.. وأنه سيكسر الزجاج في قلبي
.. لما تركته
.. لو اخبروني أنه
سيضرم النيران في دقائق
ويقلب الأشياء في دقائق
ويصبغ الجدران بالأحمر والأزرق في دقائق
.. لكنت قد طردته
.. يا أيها الغالي الذي
.. أرضيت عني الله .. إذ أحببته
أروع حب عشته
فليتني حين أتاني زائرا
.. بالورد قد طوقته
.. وليتني حين أتاني باكيا
.. فتحت أبوابي له .. وبسته
.. وبسته
.. وبسته
.. فتحت أبوابي له .. وبسته
.. وبسته
.. وبسته
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بإنتظار سيدتي
بإنتظار سيدتي
رقم القصيدة : 68642
-----------------------------------
أجلس في المقهى.. منتظرا
.. أن تأتي سيدتي الحلوة
.. أبتاع الصحف اليومية
أفعل أشياء طفوليه
"أفتش عن "برج الحمل
" .. ساعدني يا "برج الحمل
" .. طمئني يا "برج الحمل"
.. هل تأتي سيدتي الحلوة ؟
هل ترضى أن تتزوجني
هل ترضى سيدتي الحلوة ؟
.. يخبرني برجي عن يوم
.. يشرق بالحب وبالأمل
.. يخبر .. عن خمسة أطفال يأتون
.. وعن شهر العسل
.. أبقى في المقهى .. منتظرا
.. عشرة أعوام قمرية
.. منتظرا .. سيدتي الحلوة
تقرأني الصحف اليومية
.. ينفخني غيم سجاراتي
.. يشربني .. فنجان القهوة
.. ينفخني غيم سجاراتي
.. يشربني .. فنجان القهوة
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى صامتة(53/451)
إلى صامتة
رقم القصيدة : 68643
-----------------------------------
.. تكلمي .. تكلمي
أيتها الجميلة الخرساء
فالحب .. مثل الزهرة البيضاء
تكون أحلى .. عندما
.. توضع في إناء
، كالطير في السماء
والأسماك في البحار
. واعتبريني منك يا حبيبتي
.هل بيننا أسرار ؟
أبعد عامين معا؟
.تبقى لنا أسرار
.. تحدثي
عن كل ما يخطر في بالك من أفكار
، عن قطة المنزل
عن آنية الأزهار
عن الصديقات اللواتي
.. زرت في النهار
.. والمسرحيات التي شاهدتها
.. والطقس ، والأسفار
.. تحدثي
عما تحبين من الأشعار
، عن عودة الغيم
وعن رائحة الأمطار
.. تحدثي إلي عن بيروت
.. وحبنا المنقوش
فوق الرمل والمحار
.. فإن أخبارك يا حبيبتي
.. سيدة الأخبار
.. تصرفي حبيبتي
كسائر النساء
.. تكلمي عن أبسط الأشياء
وأصغر الأشياء
، عن ثوبك الجديد
عن قبعة الشتاء
عن الأزاهير التي اشتريتها
(من (شارع الحمراء
، تكلمي ، حبيبتي
عما فعلت اليوم
- أي كتاب - مثلا
قرأت قبل النوم؟
أين قضيت عطلة الأسبوع ؟
وما الذي شاهدت من أفلام ؟
بأي شط كنت تسبحين ؟
هل صرت
لون التبغ والورد ككل عام ؟
.. تحدثي .. تحدثي
من الذي دعاك
هذا السبت للعشاء ؟
بأي ثوب كنت ترقصين ؟
وأي عقد كنت تلبسين ؟
،فكل أنبائك ، يا أميرتي
أميرة الأنباء
.. عادية
تبدو لك الأشياء
.. سطحية
تبدو لك الأشياء
.. لكن ما يهمني
أنت مع الأشياء
.. وأنت في الأشياء
.. وأنت في الأشياء
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أين أذهب .؟
أين أذهب .؟
رقم القصيدة : 68644
-----------------------------------
لم أعد داريا .. إلى أين أذهب
كلَ يومٍ .. أحس أنك أقرب
كل يوم .. يصير وجهك ُجزءاً
من حياتي .. ويصبح العمر أخصب
وتصير الأشكال أجمل شكلا
وتصير الأشياء أحلى وأطيب
قد تسربتِ في مسامات جلدي
مثلما قطرة الندى .. تتسرب
.. اعتيادي على غيابك صعبٌ
واعتيادي على حضورك أصعب
كم انا .. كم انا أحبك حتى
أن نفسي من نفسها .. تتعجب(53/452)
يسكن الشعر في حدائق عينيك
فلولا عيناك .. لا شعر يكتب
منذ احببتك الشموس استدارت
والسموات .. صرن انقي وارحب
منذ احببتك .. البحار جميعا
اصبحت من مياه عينيك تشرب
حبك البربري .. أكبر مني
فلماذا .. على ذراعيك أصلب ؟
خطأي .. أنني تصورت نفسي
ملكا ، يا صديقتي ، ليس يغلب
.. وتصرفت مثل طفل صغير
.. يشتهي أن يطول أبعد كوكب
سامحيني .. إذا تماديت في الحلم
.. وألبستك الحرير المقصب
أتمني .. لو كنت بؤبؤ عيني
أتراني طلبت ما ليس يطلب ؟
أخبريني من أنت ؟ إن شعوري
كشعور الذي يطارد أرنب
أنت أحلى خرافة في حياتي
.. والذي يتبع الخرافات يتعب
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حارقة روما
حارقة روما
رقم القصيدة : 68645
-----------------------------------
. كفي عن الكلام يا ثرثارة
.. كفي عن المشي
على أعصابي المنهارة
ماذا أسمي كل ما فعلته ؟
.. سادية
.. نفعية
..قرصنة
.. حقارة
ماذا أسمي كل ما فعلته ؟
يا من مزجت الحب بالتجارة
.. والطهر بالدعارة
ماذا أسمي كل ما فعلته ؟
.. فإنني لا أجد العبارة
أحرقت روما كلها
.. لتشعلي سجارة
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ثلاث أغنيات شيوعية
ثلاث أغنيات شيوعية
رقم القصيدة : 68646
-----------------------------------
-1-
إذا نزل الليل هذي الروابي فقم يا رفيق
نراقبه من ثقوب الدجى في السكون العميق
لعلّ الظلام يعدّ مؤامرة في الخفاء
ويحبكها مع ضوء النجوم وصمت المساء
فهذي الروابي وذاك الطريق
وهذا الدجى , كلّهم عملاء
وسوف نفتّش حتى الأريج وحتّى المطر
نقلّب حتى خيوط الضياء ولون الزهر
ونفضح ما دّبرت كلّ جاسوسة زنبقه
وما روّجته العصافير بالرقص والزقزقه
وإنّا لنعلم أنّ القمر
تآمر فلننصب المشنقه
***
وتزوير سوسنة نذلة وعريش لعين
وتلك الينابيع إنّ دسائسها أبديّه
وهذا الأصيل يذيع أراجيفه الغسقيّه
حذار رفيقي فللورد دين
وهذا الشذى روحه عربيّه
-2-
تحيّة شقائق النعمان(53/453)
يا لون ما نضمر من حقود
***
وردتنا الشريفة الحمراء
يا راية الكفاح
يا حمرة القتل لك الدماء
***
إن تظمأي فبالدم المعش
أختاه لا نبخل
هيهات يا حمراء أن تعطشي
وثمّ من نقتل
من أجل هذا اللون نجري النجيع
جداولا تنثال
وباسمه نقتل حتى الربيع
ونذبح الأطفال
***
يا غلّة محرقه
بحقدنا نقسم أن تسلمي
يا وردة المشنقه
***
والآن جئناك به فاحتسي
دم كثير فاشبعي وانعسي
يا أخت واحمرّي
-3-
ظلمة , وخز , صراخ في وجودي
الرياح السود ملح في دمي فوق خدودي
وجززت الورد من خدّيه حبّا للسلام
فإذا أشلاؤه تصحو وتحيا من جديد
وأراه باسما منتصبا تحت الظلام
ومن الآفاق ينهال دويّ
عربيّ عربيّ عربيّ
ثمّ ماذا ؟ أصبح الدرب أعاصير وقصفا
الغلام الأرعن الغادر قد أصبح ألفا
هبطوا لم أدر من أين: صبايا وشبابا
أوجه أسقيت السمرة والشمس شرابا
بدّلوا أمني شكوكا ومحاذير وخوفا
وتهاوى حلمي الأحمر للأرض ترابا
لاعنا تسعين مليون محيا
عربيّا عربيّا عربيّا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إلى وردة بيضاء
إلى وردة بيضاء
رقم القصيدة : 68647
-----------------------------------
كنز البرودة والرحيق وخبأ اللين العطر
يا من عصرت من الثلوج من الحليب من القمر
يا ضوء خدّ من حرير أبيض ملء النظر
بيضاء يا ملقى فراشات الربيع المنتظر
الشمس ودّت لو سقيت ضياءها منحا أخر
والفجر تابعك الأمين يريق ظلّك في النهر
يا ملتقى حبّ السّواقي والقنابر والشجر
واحسرتاه على البشر
مرّوا بكنزك سائلين
مسكينة ما تملكين ؟
***
بيضاء : نحن أنا وأنت سنكتم السرّ المثير
سرّي وسرّك لن نبوح به إلى الركب الضرير
ماذا ملكنا ؟ لا ضياع ولا عبيد ولا قصور
لا شيء إلا رعشة القمر المرّنح في الغدير
وغناء أنسام المساء المخمليّات المرور
وصداقة العصفور والفجر الملوّن والعبير
ومودّة الشمس الحنون وقبلة المطر الغزير
ووساد أعشاب وثير
وارحمتا للسائلين
وسؤالهم : ما تملكين ؟(53/454)
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أغنية لطفلي
أغنية لطفلي
رقم القصيدة : 68648
-----------------------------------
ماما ماما ماما ماما ماماما
برّاق الحلو اللثغة ينوي النوما
والنوم وراء الربوة هيّأ حلما
والحلم له أجنحة ترقى النجما
والنجم له شفة ويحبّ اللثما
واللثم سيوقظ طفلي :
ماما ماما
***
بابا بابا بابا بابا بابابا
برّاق الغافي الساهي يسرق قلبا
والقلب سيمرع ينبت وردا رطبا
والورد يرشّ المهد أريجا عذبا
وأريج الورد لعوب يهوى الوثبا
والوثب سيوقظ طفلي :
بابا بابا
***
دادا دادا دادا دادا دادادا
الحقل مشوق للخضرة لا يهدا
والخضرة خاوية لا تملك وردا
والورد إلى الحمرة مرتعش وجدا
والحمرة عند صغيري ثغرا خدّا
وسيصحي الورد صغيري :
دادا دادا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> البعث
البعث
رقم القصيدة : 68649
-----------------------------------
أنّا غنيت للظلال وأعطي
ت هواي المفتون للأشباح
وعبرت الحياة وسنى وشيّد
ت قلاعا جدرانها من رياح
وعصرت الأوهام في قبضتي حي
نا وأهديت للطيوف صداحي
وأخيرا أتيت أنت واسلم
ت كؤوسي إلى شفاه الصباح
نغمي كان جدولا سكّريّ ال
ماء ينساب ليس يسقي العطاشا
ضنّ أن تسبح العصافير فيه
وأهان الضحى وصدّ الفراشا
وورودي لمّت رحيقا عبيريّ
ا وآلت لا تمنح الأحراشا
خزنت في عروقها قطرات ال
عطر بخلا بشهدها وانكماشا
***
الفقاعات فيه ضاقت بما يث
قلها من حرارة وحياة
بحثت في تحرّق وارتعاش
عن شفاه أو أعين عطشات
لتصّب الصباح فيها وتسي
ها كؤوسا مشغوفة الحافات
***
وورودي التي تغصّ بما قي
ها من العطر والرحيق الثمين
أنت علّمت عطرها سكرة التج
وال علّمتها اشتعال الحنين
أنت نبّهت غفوة الفلّ في حق
لي وبخل البنفسج المفتون
***
أنّا أغلقت باب قلبي على كلّ
جمال وكلّ خلجة شوق
وجعلت الهوى المزنبق سرا
ضائع الحدّ في امتداد وعمق
خفت أن يخدش النهار حواشي
ه فأبقيته رهينة رقّ
***(53/455)
ذلك الحبّ لم أحدّث به قطّ
غديرا أو ربوة أو حقلا
لم أصفه لتلّة تطعم اللي
لك من قلبها وتسقي الظلاّ
غرت أن تعرف العصافير اٍر
ري فأسلمتها السكون الملاّ
***
يا هوى ظلّ شاحب الخدّ خجلا
ن من الشمس خائف الألحان
يتوارى عن النجوم ويخفي
وجهه عن زنابق الغدران
ألحدت ذكرياته بخرير ال
جدول العذب وانفعال الأغاني
وبنى الصمت معبدا كفر المر
مر فيه ولاذ بالكتمان
أنّا لولاك كنت ما زلت سرّا
خافت اللحن باهت التلوين
أنت حرّرت ذلك الوله الخص
ب وأخجلت فيه ذلّ السكون
جئت كالضوء فانحنى لك قيدي
وتلاشى توحّشي وجنوني
وأفاق الشعور ينفض علر ال
صمت عن سرّ قلبي المكنون
***
أنت صيّرتني هتافة حبّ
ثرّة الوقع بعد طول نضوب
أنّا غنيت باسمك العذب في كلّ
انحناء ومفرق موهوب
لا تلمني إذا ملأت بك الدن
يا فصاحت معي : حبيبي , حبيبي !
جئت كالضوء فانحنى لك قيدي
وتلاشى توحّشي وجنوني
وأفاق الشعور ينفض علر ال
صمت عن سرّ قلبي المكنون
***
أنت علّمت قلبي المطبق الكفّ
سخاء الندى وبذل اللهيب
أنت صيّرتني هتافة حبّ
ثرّة الوقع بعد طول نضوب
أنّا غنيت باسمك العذب في كلّ
انحناء ومفرق موهوب
لا تلمني إذا ملأت بك الدن
يا فصاحت معي : حبيبي , حبيبي !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> المدينة التي غرقت
المدينة التي غرقت
رقم القصيدة : 68650
-----------------------------------
وراء السداد التي ضمّدوا جرحها بالحصير
وخلف صفوف الصرائف حيث يعيش الهجير
يسير طريق تدثّر بالطين نحو المدينه
وأطلاها حيث بات يعيش اصفرار السكينه
***
وكانت تجيش وتزخر ساحاتاتها بالحياة
***
وكانت تهشّ وتضحك للشمس كلّ صباح
***
وكانت منازلها المرحات تلاقي القمر
بضحك نوافذها فاستكانت وصاح القدر
وجاء الخراب ومدّد رجليه في أرضها
وأبصر كيف تنوح البيوت على بعضها
***
لسقف هوى وتداعى وشرفة حبّ صغيره
***
وأرسل عينيه في نشوة يرمق الأبنيه
***
وجاء الخراب وسار بهيكله الأسود(53/456)
ذراعاه تطوي وتمسح حتى وعود الغد
واسنانه الصفر تقضم بابا وتمضغ شرفه
وأقدامه تطأ الورد والعشب من دون رأفه
***
وسار يرشّ الردى والتأكّل ملء المدينه
يخرّب حيث يحلّ وينشر فيها العفونه
***
يهبّ الخراب ويضحك نشوان بين الحفر
***
ويرسل ضحكته العصبّية ملء الفضاء
***
وتنمو الخشونة حيث يلامس وجه التراب
وتنبت أقدامه طحلبا لزجا وذباب
ويأتي الصباح ويختبىء في مكمن
وتخفيه مستنقعات فساح عن الأعين
***
وماذا تبقّى سوى الموت والملح في كأسها ؟
ويرسل ضحكته العصبّية ملء الفضاء
فتنفر منه النجوم ويثقل مسّ الهواء
***
وتنمو الخشونة حيث يلامس وجه التراب
وتنبت أقدامه طحلبا لزجا وذباب
***
ويأتي الصباح ويختبىء في مكمن
وتخفيه مستنقعات فساح عن الأعين
***
وتصحو المدينة ظمأى وتبحث عن أمسها
وماذا تبقّى سوى الموت والملح في كأسها ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> حدود الرجاء
حدود الرجاء
رقم القصيدة : 68651
-----------------------------------
كنّا نراها في ضباب الكرى
ملفوفة الهيكل بالمستحيل
كنّا شفاها عطشت والتظت
وكان مرآها يروّي الغليل
كنّا ملايين نعاني اللّظى
وظلّها فوق منانا ظليل
وكانت الأحلام تلقي بنا
في كلّ فجر فوق صحو ثقيل
وكم عبرنا نحوها من مدى
الرّيح فيه تلتقي بالأنين
دماء مقتولين من يعرب
تضجّ في أعماق ليل حزين
وموكب يعقبه موكب
من شهداء سقطوا هاتفين
يا صوتها , يا وجهها , يا اسمها
إبقي ضياء يتحدّى السنين
***
وكم بنينا صرحها المشتهى
على تلال الرّمل في أمسنا
وكم حسبنا أنّها قد دنت
منّا فأخفى ضوءها المنحنى
وجه سرابيّ السّنا كم هوى
كلّ رجاء دونه مثخنا
***
من دونها ضعنا فلا زهرة
توقظنا أشذاؤها الساريه
لا نخلة تضحك في أرضنا
لا زارع ينشد لا راعيه
جفّت أراضينا وأشجارنا
وارتحلت أطيارنا باكيه
***
نحن عبرنا كلّ أفق نأى
نبحث عن شذاها الجميل
عن لونها عن روحها عن صدى
منها يدوّي في السكون الثقيل(53/457)
وانصرمت تلك السنين التي
تاهت خطاها في ضباب العويل
***
واليوم حان الفجر يا أمتّي
فنحن قاربنا حدود الرّجاء
تلالها تبدو وراء المدى
مغرقة في غمرة من ضياء
الوحدة الكبرى دنا ركبها
منّ فيا بشرى الشفاه الظماء
***
واليوم حان الفجر يا أمتّي
فنحن قاربنا حدود الرّجاء
تلالها تبدو وراء المدى
مغرقة في غمرة من ضياء
الوحدة الكبرى دنا ركبها
منّ فيا بشرى الشفاه الظماء
يا فرحة السارين تحت الدجى
قد لاحت الدار وحان اللقاء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إن شاء الله
إن شاء الله
رقم القصيدة : 68652
-----------------------------------
ناديت الوردة ذات صباح : " يا وردة إني عطشى "
فرنت وانتفضت وابتسمت
وجها , قلبا , شفة , رمشا
منحتني العطر , اللون , الحبّ , وما بخلت
فرشت لي خدّيها وحنت
.. .. .. ..
وسألت حبيبي أن ألقاه
فتطلّع فيّ وقال : أجل , إن شاء الله..
بضعة ألفاظ ثم مضى
وعد منه وحماس من قلبي ورضى
وغدا أو بعد غد يحضر إن شاء الله..
إن شاء الله..
وعد في شفة الزنبق غطّى المرج شذاه
وتألّق فجر منبثق خلف مسافات مبهوره
ونسائم تعبر في وديان مسحوره
(إن شاء الله ) رؤى أغنية طافحة وندى وصلاه
(إن شاء الله ) تسابيح وصدى أجراس
وبشاشة كأس لامس كأس
(إن شاء الله ) تفجّر أعياد وحياه
وتلاقي أعناب ومياه
***
فجّرت العالم بالخضره
(إن شاء الله ) وجاش البحر وأعطانا
سمكا ولآلي ورشاشا رطّب أوجهنا ورؤانا
(إن شاء الله ) وألف يد مرّت وتيقّظ ألف وتر
وتألّق حولي ألف قمر
وأنا ما زلت أعيش وأحلم أن ألقاه
فمتى يشرق لي فجرك يا (إن شاء الله ) ؟
***
( هل ) و ( متى ) لحن جفون ضارعه وشفاه
هل تحضر ؟ هل يأتي المطر ؟
هل يسخو العطر وينهمر ؟
إن شاء الله
إن شاء الله
ومتى يسري نسغ السكّر
في الرمّان الحامض ؟ والفجر متى يظهر ؟
والشاطىء بعد ضنى الأسفار متى سنراه
إن شاء الله ؟
في الرمّان الحامض ؟ والفجر متى يظهر ؟(53/458)
والشاطىء بعد ضنى الأسفار متى سنراه
إن شاء الله ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لحمُها .. وأظَافري
لحمُها .. وأظَافري
رقم القصيدة : 68653
-----------------------------------
.. لا تقولي : أرادت الأقدار
إنك اخترت ، والحياة اختيار
إذهبي .. إذهبي إليه .. فبعدي
.. لن تعيش الدفلى ، ولا الجلنار
بعت شعري .. بحفنة من حجار
أخبريني . هل أسعدتك الحجار
وظننت السراب ، جنة عدن
.. حين لا جنة .. ولا أنهار
لا تقولي : خسرت أيام عمري
هكذا .. هكذا .. يكون القمار
كنت في معصميك إسوار شعر
وعلى الدرب .. ضاع منك السوار
أو هذا .. الذي انتهيت إليه ؟
.. مجدك الآن .. قنب .. وغبار
كنت سلطانة النساء جميعا
.. ولك الأرض كلها ، والبحار
ثم أصبحت ، يا شقية ، بعدي
.. ربوة .. لا تزورها الأمطار
شامت .. شامت أنا بك جدا
.. لا يريح المقتول .. إلا الثأر
إنني منك .. لا أريد اعتذارا
ما تفيد الدموع والأعذار ؟
ما بوسعي أن أفعل الآن شيئا
.. كل ما حولنا دمار .. دمار
ما بوسعي إنقاذ وجه جميل
.. أكلته من جانبيه النار
.. وسهل على النساء الفرار
فلماذا ؟ تبكين ملكا مضاعا
.. أنك اخترت . والحياة اختيار
.. أنك اخترت . والحياة اختيار
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصِيدة واقِعية
قصِيدة واقِعية
رقم القصيدة : 68654
-----------------------------------
.. لو كنت امرأة مثل سواك
.. لما أكملت معي شهرا
.. لو أطلب ملكا في نهديك
ملكتها .. شبرا.. شبرا
.. أو أطلب نصرا من شفتيك
.. لكنت تركتهما قشرا
، لو كانت تعنيني الأرقام
.. لكنت بأوراقي صفرا
.. لو كنت مجرد عابره
.. تأتي .. وامرأة تتعرى
.. لغدوت الآن .. مع الذكري
.. لحصلت عليه .. من امرأة أخرى
.. من أية واحدة أخرى
.. لكنك .. معجزة كبرى
معجزة .. اكبر من كبرى
تمطرني .. تمطرني .. شعرا
.. وأنا يا سيدتي رجل
.. لا يقدر أن ينسى الشعرا
.. يا امرأة
.. تساوي عيناها عصرا(53/459)
.. لو عندي امرأة .. مثلك أنت
.. لكنت هرقلا
.. أو كسرى
.. لكنت هرقلا
.. أو كسرى
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قطتي الشامية
قطتي الشامية
رقم القصيدة : 68655
-----------------------------------
.. أضناني البرد ، فكومني
داخل قبضتك السحرية
.. خبئني فيها أياما
.. إحبسني فيها أعواما
.. إحبسني كالطير المرسوم
.. على مروحة صينيه
.. فالحبس لذيذ، ومثير
.. داخل قبضتك السحرية
.. لا تفتح كفك .. واتركني
.. أرعى كالأرنب
.. في غابات يديك الوحشية
لا تغضب مني .. لا تغضب
فأنا قطتك الشامية
.. هل احد
يغضب من قطته الشامية ؟
.. أتركني ألعب كالسنجاب
على الأدراج العاجية
.. وفتات السكر ، ألحسه
.. داخل قبضتك السحرية
أمنيتي تلك ، وما عندي
.. أغلى من تلك الأمنية
.. لو أملك زاوية بيديك
.. لكنت ملكت البشرية
.. خبئني .. في خلجان يديك
فإن الريح شمالية
، خبئني .. في أصداف البحر
وفي الأعشاب المائية
.. خبئني .. في يدك اليمنى
.. خبئني .. في يدك اليسرى
.. لن أطلب منك الحرية
.. فيداك .. هما المنفى
.. وهما.. أروع أشكال الحرية
.. أنت السجان.. وأنت السجن
وأنت قيودي الذهبية
.. قيدني .. يا ملكي الشرقي
.. فإني امرأة شرقية
.. تحلم بالخيل .. وبالفرسان
.. وبالكلمات الشعرية
- إني مولاتك - يا مولاي
.. فغص في صدري كالمدية
.. سافر في جسدي كالأفيون
.. وكالرائحة المنسية
.. سافر في شعري .. في نهدي
.. كطعنة رمح وثنية
سافر - يا ملكي - حيث تريد
.. فكل شطوطي رملية
.. سافر .. فالريح مواتية
.. وأنا .. راضية مرضية
.. ضيعني
.. في أحراج يديك
.. سئمت .. سئمت المدنية
.. حيث الأشجار بلا عمر
.. حيث الأزمان خرافية
.. أرجعني .. صافية كالنار
.. وكالزلزال بدائية
.. حررني .. من عقدي الأولى
.. مزق .. أقنعتي الشمعية
وادفني .. تحت رماد يديك
.. شهيدة عشق صوفية
.. أدفني
.. حيث يشاء الحب
.. أنا رابعة العدوية(53/460)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بالأحمرِ فقَط
بالأحمرِ فقَط
رقم القصيدة : 68656
-----------------------------------
في كل مكان في الدفتر
إسمك مكتوب بالأحمر
حبك تلميذ شيطان
.. يتسلى بالقلم الأحمر
يرسم أسماكا من ذهب
ونساء .. من قصب السكر
وهنودا حمرا .. وقطارا
.. ويحرك آلاف العسكر
يرسم طاحونا ، وحصانا
.. يرسم طاووسا يتبختر
وامرأة يرسم .. عارية
.. ولها ثديان من المرمر
يرسم عصفورا من نار
مشتعل الريش ، ولا يحذر
وقوارب صيد ، وطيورا
.. وغروبا وردي المئزر
يرسم بالورد والياقوت
ويترك جرحا في الدفتر
حبك رسام مجنون
.. لا يرسم إلا .. بالأحمر
، ويخربش فوق جدار الشمس
ولا يرتاح ، ولا يضجر
ويصور عنترة العبسي
ويصور عرش الإسكندر
ما كل قياصرة الدنيا؟
. ما دمت معي .. فأنا القيصر
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مع بيروتيه
مع بيروتيه
رقم القصيدة : 68657
-----------------------------------
.. لم يبقى سوانا في المطعم
لم يبقى سوى
.. ظل الرأسين الملتصقين
لم يبقى سوى
.. حركات يدينا العاشقتين
وبقايا البن الراسب
.. في أعماق الفنجانين
.. لم يبق سوانا في المطعم
.. بيروت . تغوص كلؤلوة
.. داخل عينيك السوداوين
.. بيروت . تغيب بأكملها
، رملا ، وسماء ، وبيوتا
.. تحت الجفنين المنسبلين
، بيروت . أفتش عن بيروت
.. على أهدابك ، والشفتين
فأراها طيرا بحريا
وأرها عقدا ماسيا
.. وأرها امرأة فاتنة
تلبس قبعة من ريش
تشبك دبوسا ذهبيا
وتخبيء .. زهرة غاردينيا
.. خلف الأذنين
بيروت ! وأنت على صدري
.. شيء .. لا يحدث في الرؤيا
.. من يوم تلاقينا فيها
.. صارت بيروت
.. هي الدنيا
لم يبقى سوانا .. في المطعم
.. شال الكشمير .. على كتفيك
.. يرف حديقة ريحان
.. يدك الممدودة .. فوق يدي
.. أعظم من كل التيجان
.. عيناك .. أمامي صافيتان
.. صفاء سماء حزيران
وطفولة وجهك مقنعة
.. أكثر من كل الأديان
ما دامت مملكتي عينيك(53/461)
.. فإني سلطان زماني
.. المطعم أصبح مهجورا
.. وأنا أتأمل فنجاني
ماذا سيكون بفنجاني ؟
، غير الأمطار ، وغير الريح
.. وغير طيور الأحزان
.. تذبحني امرأة من لبنان
.. تساوي ملك سليمان
.. آه.. يا حبي اللبناني
.. آه.. يا جرحي اللبناني
.. لا غيرك يسكن ذاكرتي
لا غيرك يسكن أجفاني
قد ماتت كل نساء الأرض
.. وأنت بقيت بفنجاني
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يَدي
يَدي
رقم القصيدة : 68658
-----------------------------------
جزءاً من يدي
جزءاً من انسيابها
من جوها الماطر
من سحابها
.. كأنما
في لحمها ، حفرت
.. في أعصابها
.. أصبحت جزءا من يدي
، أراك في عروقها ، في غيمها الازرق ، في ضبابها
أراك في هدوئها
أراك في اضطرابها
، في حزنها ، في صمتها الطويل ، في اكتئابها
أراك في الدمع الذي
.. يقطر من أهدابها
أراك يا حبيبتي
.. على يدي نائمة
.. كطفلة نامت على كتابها
.. أصبحت جزءاً من يدي
إسمك مكتوب على أبوابها
وجهك مرسوم على ترابها
.. تذكري
كم مرة .. لعبت بالثلج على هضابها
وضعت كالنجمة في أعشابها
.. كم مرة
.. دفأت كفيك على أحطابها
لا .. لست جزءاً من يدي
. أنت يدي
بشمسها .. وبحرها
.. وطهرها .. وكفرها
.. ونثرها .. وشعرها
، وحبك المحفور ، بالسكين
.. في أعصابها
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصة خلافاتنا
قصة خلافاتنا
رقم القصيدة : 68659
-----------------------------------
برغم .. برغم خلافاتنا
.. برغم جميع قراراتنا
.. بأن لانعود
.. برغم العداء .. برغم الجفاء
.. برغم البرود
.. برغم انطفاء ابتساماتنا
.. برغم انقطاع خطاباتنا
.. فثمة سر خفي
.. يوحد مابين أقدارنا
.. ويدني مواطئ أقدامنا
.. ويفنيكِ فيّ
.. ويصهر نار يديكِ بنار يديّ
.. برغم جميع خلافاتنا
.. برغم اختلاف مناخاتنا
.. برغم سقوط المطر
.. برغم استعادة كل الهدايا .. وكل الصور
.. برغم الإناء الجميل
.. الذي قلت عنه.. انكسر
..برغم رتابة ساعاتنا(53/462)
.. برغم الضجر
..فلا زلت أؤمن أن القدر
.. يصر على جمع أجزائنا
.. ويرفض كل اتهاماتنا
.. برغم خريف علاقاتنا
.. برغم النزيف بأعماقنا
..وإصرارنا
.. على وضع حد لمأساتنا
.. بأي ثمن
.. برغم جميع ادعاءاتنا
.. بأنيَ لن
.. وأنكِ لن
.. فإني أشك بإمكاننا
.. فنحن برغم خلافاتنا
.. ضعيفان في وجه أقدارنا
.. شبيهان في كل أطوارنا
.. دفاترنا .. لون أوراقنا
.. وشكل يدينا .. وأفكارنا
.. فحتى نقوش ستاراتنا
.. وحتى اختيار اسطواناتنا
.. دليل عميق
.. على أننا
.. رفيقا مصير .. رفيقا طريق
.. برغم جميع حماقاتنا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحَسْناء والدّفتَر
الحَسْناء والدّفتَر
رقم القصيدة : 68660
-----------------------------------
قالت : أتسمح أن تزين دفتري
.. بعبارةٍ أو بيت شعرٍ واحد
بيت ٍ أخبئه بليل ضفائري
و أريحه كالطفل فوق و سائدي
قل ما تشاء فإن شعرك شاعري
أغلى و أروع من جميع قلائدي
ذات المفكرة الصغيرة .. أعذري
ما عاد ماردك القديم بمارد
من أين ؟ أحلى القارئات أتيتني
.. أنا لست أكثر من سراج خامد
أشعاري الأولى .. أنا أحرقتها
ورميت كل مزاهري وموائدي
أنت الربيع .. بدفئه و شموسه
. ماذا سأصنع بالربيع العائد ؟
لا تبحثي عني خلال كتابتي
شتان ما بيني وبين قصائدي
أنا أهدم الدنيا ببيتٍ شاردٍ
و أعمر الدنيا ببيتٍ شارد
بيدي صنعت جمال كل جميلةٍ
و أثرت نخوة كل نهدٍ ناهد
أشعلت في حطب النجوم حرائقاً
وأنا أمامك كالجدار البارد
كتبي التي أحببتها و قرأتها
ليست سوى ورقٍ .. وحبرٍ جامد
لا تُخدعي ببروقها ورعودها
فالنار ميتةٌ بجوف مواقدي
سيفي أنا خشبٌ .. فلا تتعجبي
إن لم يضمك ، يا جميلة ، ساعدي
إني أحارب بالحروف و بالرؤى
ومن الدخان صنعت كل مشاهدي
شيدت للحب الأنيق معابداً
.. وسقطت مقتولاً .. أمام معابدي
.. قزحية العينين .. تلك حقيقتي
هل بعد هذا تقرأين قصائدي ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القصيدة البحرية(53/463)
القصيدة البحرية
رقم القصيدة : 68661
-----------------------------------
في مرفأ عينيك الأزرق
أمطار من ضوء مسموع
وشموس دائخة .. وقلوع
ترسم رحلتها للمطلق
في مرفأ عينيك الأزرق
شباك بحري مفتوح
وطيور في الأبعاد تلوح
.. تبحث عن جزر لم تخلق
في مرفأ عينيك الأزرق
يتساقط ثلج في تموز
ومراكب حبلى بالفيروز
أغرقت الدنيا ولم تغرق
في مرفأ عينيك الأزرق
أركض كالطفل على الصخر
.. أستنشق رائحة البحر
.. وأعود كعصفور مرهق
في مرفأ عينيك الأزرق
أحلم بالبحر وبالإبحار
وأصيد ملايين الأقمار
وعقود اللؤلؤ والزنبق
في مرفأ عينيك الأزرق
تتكلم في الليل الأحجار
في دفتر عينيك المغلق
من خبأ آلاف الأشعار ؟
لو أني .. لو أني .. بحار
لو أحد يمنحني زورق
أرسيت قلوعي كل مساء
في مرفأ عينيك الأزرق
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لو كنت في مدريد
لو كنت في مدريد
رقم القصيدة : 68662
-----------------------------------
لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا سهرنا وحدنا
في حانة صغيرة
ليس بها سوانا
تبحث في ظلامها عن بعضها يدانا
كنا شربنا الخمر في اوعية الخشب
.. كنا اخترعنا - ربما - جزيرة
.. أحجارها من الذهب
.. أشجارها من الذهب
.. تتوجين فيها اميرة
لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا راينا .. كيف في اسبانيا
.. أيتهاالصديقة الاثيرة
تشتعل الحرائق الكبيرة
.. في الاعين الكبيرة
.. كيف تنام الوردة الحمراء في الضفيرة
كنا عرفنا لذة الضياع في الشوارع
وجوهنا تحت المطر
ثيابنا تحت المطر
كنا رأينا في مغارات الغجر
.. كيف يكون الهمس بالاصابع
.. والبوح والعتاب بالمشاعر
. وكيف للحب هنا .. طعم البهار اللاذع
.. لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا ذهبنا آخر الليل للكنيسة
.. كنا حملنا شمعنا وزيتنا
.. لسيد السلام والمحبة
كنا شكونا حزننا اليه
.. كنا أرحنا رأسنا لديه
.. لعله في السنة الجديدة
.. ايتها الحبيبة البعيدة
.. يجمعني اليك بعد غربة(53/464)
في منزل جدرانه محبة
.. وخبزه محبة
لو كنت في مدريد في رأس السنة
.. كنا ملأنا المدخنة
.. عرائسا ملونة
. لطفلة دافئة العيون
.. نعيش ياحبيبي بوهمها
.. من قبل أن تكون
نبحث ياحبيبتي عن اسمها
من قبل ان تكون
كنا صنعنا تختها الصغير من ظنون
تختا من الاحلام .. والقطيفة الملونة
.. تنام فيها - ربما - بعد سنة
. لو كنت في مدريد في رأس السنة
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> نحن وجميلة
نحن وجميلة
رقم القصيدة : 68663
-----------------------------------
جميلة ! تبكين خلف المسافات , خلف البلاد
وترخين شعرك كفّك دمعك فوق الوساد
أتبكين أنت ؟ أتبكي جميلة ؟
أما منحوك اللحون السخيّات والأغنيات ؟
أما أطعموك حروفا ؟ أما بذلوا الكلمات ؟
ففيم الدموع إذن يا جميلة ؟
وجرّحنا الوصف , خدّش أسماعنا المرهفه
وأنت حملت القيود الثقيله
وحين تحرّقت عطشى الشفاه إلى كأس ماء
حشدنا اللحون وقلنا سنسكتها بالغناء
ونشدو لها في الليالي الطويله
***
وقلنا : لقد سمّروها على خشبات صليب
وقلنا : سننقذها , سوف نفعل ! ثم غرقنا
وراء مدى " سوف " بين الحروف النشاوى وصحنا
تعيش جميلة ! تعيش جميلة !
***
وذبنا غراما ببسمتها وعشقنا الخدود
وهمنا بغمّازة وجديله
أمن جرحها الثرّ نطعم أشعارنا بالمعاني ؟
وذوبي أمام الجراح النبيله
***
هم حمّلوها جراح السكاكين في سوء نيّه
ونحن نحملّها - في ابتسام وحسن طويّه-
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة !
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة !
جراح المعاني الغلاظ الجهوله
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> خصام
خصام
رقم القصيدة : 68664
-----------------------------------(53/465)
زمان الصفاء مضى وتلاشى مع الذكريات
وها نحن مختصمان
وجاء زمان الصراع فلا لطف لا بسمات
ولا دفقة من حنان
وها نحن مختصمان دفنّا الوئام
وراء التوتّر في قعر ألفاظنا البارده
ولم نبق كأسا ولا منهلا للغرام
ولم نبق عشّا لأحلامنا الساهده
***
بأعماق أنفسنا من عيوب جميله
ويدرك كلّ بأنّ الهوى
طوى ما طوى من معايبنا المترفات الأصيله
ولم نبق إلا محاسننا الفجّة المستحيله
***
وها نحن نعرف أبعادنا الشاسعه
وكيف ملكنا عيوبا منوّعة رائعه
تخبّيء أوجهها خلف ستر الرضى والليونه
وخلف الوداعة خلف السكينه
***
وفي لحظات الصفاء لمسنا شذاها الرصينا
وذقنا محاسننا السمحة المنعمه
وغطّى الحماقة والضعف فينا
***
وفي لحظات الحنين هوينا
بساطتنا وعشقنا العذوبه
وها نحن نعشق ما تخلق الآدميّة فينا
وما في حماقتنا من جمال شذ وخصوبه
***
وكنّا عشقنا انبثاق الحرارة في مقلتينا
فدعنا نحبّ النضوب
وكنّا هوينا التورّد والشعر في شفتينا
فلم لا نحبّ الشحوب
***
وكنّا عقدنا الصداقة بين المحاسن فينا
فدعنا نقم أسس الحبّ والودّ بين العيوب
وأفسح مكانا لبعض الحماقات بعض الذنوب
ودعنا نكن بشرا طافحين نفيض جنونا
وننصح ضحكا ودمعا سخينا
***
وكنّا عقدنا الصداقة بين المحاسن فينا
فدعنا نقم أسس الحبّ والودّ بين العيوب
وأفسح مكانا لبعض الحماقات بعض الذنوب
ودعنا نكن بشرا طافحين نفيض جنونا
وننصح ضحكا ودمعا سخينا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ثلاث أغنيات عربية
ثلاث أغنيات عربية
رقم القصيدة : 68665
-----------------------------------
-1-
الساعة
دقّت الساعة في أرض بلادي العربيّه
جلجلت , ضجّت , ودوّت ملء وديان قصيّه
غلغلت عبر بساتين النخيل العنبريّه
وتلوّت في صحاررسخت كالأبديّه
دقّت الساعة واهتزّت لها سمر الصحاري
وارتوت بيد عطاش لانبلاج , لانفجار
ورمال لم تزل منذ عصور في انتظار
فتحت أذرعها العطشى وألوت بالإسار
***(53/466)
إحملي أغنية الصحو إلى خضر المروج
ووعودا مورقات عربيّات الأريج
نبضت بين المحيط المترامي والخليج
***
إثنتا عشرة من دقّاتها هزّت ربانا
غلغلت عبر صحارينا النشاوى وقرانا
وسمعناها تنادي وأفقنا من كرانا
***
-2-
اللصوص
ولصوص هناك كثار
أقبلوا من وراء البحار
***
يأخذون الثرى والهواء
***
يخنقون الأغاني الحنون
***
إنّهم يقطعون الطرق
-3-
النسر المطعون
حيث النخيل السامق المزدهي
وحيث أغنيات أنهارنا
هناك ألقى طائر ظلّه
***
في كبرياء الريش تحيا ذرى
أقام فوق الأرض لا يرتقي
واللانهايات تنادي وفي
في قلبه النابض قد أغمدوا
من صدره الحرّ يغذّي الثرى
يا رمح اسرائيل مهما ارتوى
-3-
النسر المطعون
حيث النخيل السامق المزدهي
حيث الينابيع وكاساتها
وحيث أغنيات أنهارنا
هناك ألقى طائر ظلّه
***
جنحاه مبسوطان فوق المدى
في كبرياء الريش تحيا ذرى
أقام فوق الأرض لا يرتقي
واللانهايات تنادي وفي
***
في قلبه النابض قد أغمدوا
من صدره الحرّ يغذّي الثرى
يا رمح اسرائيل مهما ارتوى
يبقى ثرانا عربيّ الشذى
***
يافا وحيفا في غد نلتقي
تبقى فلسطين لنا نغمة
ونسرنا الشامخ لن ينثني
غدا فلسطين لنا كلّها
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ثلج ونار
ثلج ونار
رقم القصيدة : 68666
-----------------------------------
تسأل ماذا أقصد ؟ لا , دعني , لا تسأل
لا تطرق بوّابة هذا الركن المقفل
اتركني يحجب أسراري ستر مسدل
إنّ وراء الستار ورودا قد تذبل
إن أنا كاشفتك , إن عرّيت رؤى حبّي
وزوايا حافلة باللهفة في قلبي
فستغضب مني , سوف تثور على ذنبي
وسينبت تأنيبك أشواكا في دربي
***
هل يقبل ثلج عتابك قلبي الملتهب ؟
أترى أتقبّل ؟ لا أغضب ؟ لا اضطراب ؟
لا ! بل سأثور عليك..سيأكلني الغضب
***
وإذا أنا ثرت عليك وعكّرت الأجواء
فستغضب أنت وتنهض في صمت وجفاء
وستذهب يا آدم لا تسأل عن حوّاء
***
وإذا ما أنت ذهبت وأبقيت الشوقا
عصفورا عطشانا لا يحلم أن يسقى(53/467)
وإذا ما أنت ذهبت..فماذا يتبقّى ؟
***
لا , لا تسأل..دعني صامتة منطويه
أترك أخباري وأناشيدي حيث هي
اتركني أسئلة وردودا منزويه
***
يا آدم لا تسأل.. حوّاؤك مطويّه
في زاوية من قلبك حيرى منسّيه
ذلك ما شاءته أقدار مقضيّه
آدم مثل الثلج , وحوّاء ناريّه
***
يا آدم لا تسأل.. حوّاؤك مطويّه
في زاوية من قلبك حيرى منسّيه
ذلك ما شاءته أقدار مقضيّه
آدم مثل الثلج , وحوّاء ناريّه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مشغول في آذار
مشغول في آذار
رقم القصيدة : 68667
-----------------------------------
ينام الورد أو يصحو
ويبسم في المدى ليل ند أو ينتشي صبح
سواء ذاك أو هذا , حبيبي , أنت مشغول
سدى مني أوتار تصّلي وتراتيل
على مكتبك البارد تنكبّ بلا أحلام
وتسرق روحك الأرقام
وعند رتاجك المسدود ترتدّ المواويل
وقد أضحك , قد أبكي , وأسهر في الدّجى وأنام
سواء ... أنت مشغول
بأوراقك , والحبّ على المكتب مقتول ,
ألا فلتسقط الأوراق والأقلام
وآذار الندي وأنا ..وراء الباب
نرشّ جبينك الجديّ بالأطياب
نرقرق في دواة الحبر بعض تحرّق الموج
وننجي خشب المكتب من برد ومن ثلج
ونهديك الندى والعطر كأس شراب
حبيبي فافتح الأبواب
أنا والقمر المشتاق جئنا نطرق الشبّاك
عبرنا الصخر والأشواك
ووديانا من الآهات والأوصاب
أتينا هاهنا لنراك
حبيبي فافتح الشبّاك
***
حبيبي فافتح الأبواب , نحن هنا
جميعا :
أنت , آذار , وفرحة حبّنا , وأنا
أنا والشمس نحمل سمرة النهر
وأكوابا من العطر
وحزمة أنجم وسنا
حبيبي فافتح الأبواب , نحن هنا
جميعا :
أنت , آذار , وفرحة حبّنا , وأنا
شعراء الجزيرة العربية >> صالح بن سعيد الزهراني >> قاعدة الزعنفة
قاعدة الزعنفة
رقم القصيدة : 68668
-----------------------------------
يحدّثنا النّحو مِلَّةُ آبائنا صانعي الزهو ، زهوِ الكلام ، وزهو الرِّجالِ ،
وزهوِ سيوفِ الهوى المُسرِفه
يعلّمنا كيف تعلو الرّؤوس(53/468)
تُشَدّ الكفوف ، السيوفُ
يصوغ الفتى أحرُفَه
كيف كان يُسافر في لُجَّة البوحِ ، يَجُدل من طينة المستحيلِ لنا موقَفِه
يُحَدِّثنا أنَّ للصَّافِناتِ الجسارهْ
وأنَّ " لأحلى وأغلى الكلام الصَّدارة "
وأنَّ الحروف الحضارة
فكيف تجلّت لنا " المبهمات " وبدَّل نهر القوافي مسارَه ؟؟!
فيا أيّها النَّحو أين " الرُّؤى المُنصِفَه "
أناشِدُك الله هل تُصطفى " النكراتُ " على " المعرفة " ؟!
أما قلت : إنّ الكلام حضارة
وإنّ " لأحلى وأغلى الكلام الصَّدارة "
وللصافنات الجسارة
فكيف تجلّت لنا " المُبهمات " وبَدَّل نهرُ القوافي مساره ؟؟!
أجب أيُّها النَّحو أين " قاعدة الزُّعنفة "
هل أنت يا لغة السابحين على السَّيفِ
أذعنت للألسُنِ المترفة ؟؟!
كيف تستدرجُ " النخلةَ " " الرِّيحُ " ، كيف تُطاطيءُ للعاصِفَة
يُولد المجد من " جملة ناسفة "
يبتدي الوجد من لحظة نازفة
كل شيءٍ يهونُ ، تهونُ العواصِفُ ، قصفُ الرّصاصِ ، دِماءُ الجروحِ يظلُّ لنا غارةً زاحِفة
نظَلُّ نقادِمُ ، نخرج من جمرة الأرجوانِ ، ومن صفرةِ الزَّعفرانِ لظى قاذِفة
الموتُ
والموتُ
والموت
في لغة زائفة
لم يُجب ، كنت أقرأ أغلى الوجوهِ ، الحروف تنام على الأرصفَة
ومن شُرْفِة القصر كانت تُطِلُّ على العابرين " قاعدة الزعنَفة "
أيها النُّحوُ
في النّحو لا نحوَ
في الموتَ لا موتَ
في الصوتِ لا صوتَ
إن سقط المحتوى أوَّلُ الشامتين له الأغلِفَة
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حُبْلَى
حُبْلَى
رقم القصيدة : 68669
-----------------------------------
لا تَمْتَقِعْ!
هيَ كِلْمَةٌ عَجْلَى..
وصرختَ كالملسوعِ بي.. "كلاَّ"..
سنُمزِّقُ الطفلا..
وأخذتَ تشتُمُني..
وأردتَ تطرُدُني..
لا شيءَ يُدْهِشُني..
فلقد عَرَفْتُكَ دائماً نَذْلا..
*
وبَعَثْتَ بالخَدَّام يدفَعُني..
في وحشة الدربِ
يا مَنْ زَرَعْتَ العارَ في صلبي
وكَسَرتَ لي قلبي..
ليقولَ لي:
"مولايَ ليس هنا.."(53/469)
مولاهُ ألفُ هنا..
لكنهُ جبُنَا..
لمَّا تأكَّدَ أنني حُبْلى..
ماذا.. أَتَبْصُقُني؟
والقيءُ في حَلقي يُدَمِّرُني
وأصابعُ الغَثَيان تخنُقُني..
ووريثكَ المشؤومُ في بَدَني
والعَارُ يسحَقُني..
وحقيقةٌ سوداءُ.. تملؤني
هي أنني حُبْلَى..
هذا إذنْ ثَمَني؟
ثمنُ الوفا يا بُؤرَةَ العَفَنِ..
أنا لم أجِئْْكَ لمالِكَ النَتِنِ..
"شُكْراً.."
سأُسقِطُ ذلك الحَمْلاَ
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أوعيةَ الصَّدِيد
أوعيةَ الصَّدِيد
رقم القصيدة : 68670
-----------------------------------
" لا.. لا أُريدْ.."
"المرَّةُ الخمسونَ.. إني لا أُريد.."
ودَفَنْتَ رأسكَ في المِخدَّة يا بَليدْ
وأدرتَ وجهكَ للجدار.. أيا جداراً من جَليدْ
وأنا وراءَك - يا صغيرَ النَفْس- نابحةُ الوريدْ
شَعْري على كَتِفي بَدِيدْ..
والريحُ تَفْتُلُ مقبضَ الباب الوَصِيدْ
ونباحُ كلْْبٍ من بعيدْ
والحارسُ الليليُّ، والمِزْرَابُ مُتَّصِلُ النشيدْ..
حتى الغطاءَ .. سَرَقْتَهُ
وطعنتَ لي الأملَ الوحيدْ
أملي الذي مَزَّقتَهُ..
أملي الوحيدْ..
ماذا أُريدْ؟
وقُبيلَ ثانيتينْ..
كنتَ تجولُ كالثور الطَريدْ
والآنَ..
أنتَ بجانبي..
قفصٌ من اللحمِ القديدْ..
ما أشنَعَ اللحمَ القَديدْ..
*
ماذا أريدْ؟
يا وارثاً عبد الحميدْ..
والمُتَّكى التركيُّ، والنرجيلةُ الكسلى تَئِنُّ وتستعيد
والشَرْكسيَّاتُ السبايا حول مضجعهِ الرغيدْْ
يَسْقُطْنَ فوقَ بساطهِ..
جيداً فجيدْ..
وخليفةُ الإسلام، والمَلِكُ السعيدْ
يرمي.. ويأخُذُ ما يُريدْ..
لا.. لم يمُتْ عبدُ الحميدْ
فلقد تَقَمَّصَ فيكمُ عبدُ الحميدْ
حتى هنا. حتى على السُرُر المقوَّسةِ الحديدْ(53/470)
نحنُ النساءَ لكمْ عبيدْ
وأحطُّ أنواع العبيدْ..
كم ماتَ تحت سياطكمْ نَهْدٌ شهيدْ
وبكى من استئثاركمْ خَصْرٌ عميدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى أجيرة
إلى أجيرة
رقم القصيدة : 68671
-----------------------------------
بِدَراهمي!
لا بالحديثِ الناعمِ
حَطَّمتُ عزَّتَكِ المنيعَةَ كُلَّها .. بِدَراهمي
وبما حَمَلْتُ من النَفَائسِ، والحريرِ الحالِمِ
فَأطَعْتِني..
وتَبِعْتِني..
كالقِطَّة العمياءِ مؤمنة بكلِّ مزاعمي..
فإذا بصَدْرِكِ - ذلك المغْرُورِ - ضمْنَ غَنَائمي
أينَ اعتدادُكِ؟
أنتِ أطوَعُ في يدي من خَاتَمي..
قد كان ثغرُكِ مَرَّةً..
رَبِّي.. فأصبح خادمي
آمنتُ بالحُسْن الأجيرِ.. وطأْتُهُ بدراهمي..
ورَكَلْتُهُ..
وذَلَلْتُهُ..
بدُمىً، بأطواقٍ كَوَهْم الوَاهمِ..
ذَهَبٌ .. وديباجٌ .. وأحجارٌ تَشُعُّ فقاومي!!
أيُّ المواضع منكِ .. لم تَهْطُلْ عليهِ غَمَائِمي
خَيْراتُ صدركِ كُلُّها ..
من بَعضِ .. بَعْضِ مواسمي..
بدراهمي!
بإناءِ طيبٍ فاغمِ
ومشيتِ كالفأرِ الجَبَان إلى المصير الحاسمِ
ولَهَوْتُ فيكِ.. فما انتخَتْ شفتاكِ تحت جرائمي
والأرْنَبَانِ الأبيضانِ.. على الرُخَامِ الهاجِمِ
جَبُنا .. فما شَعَرا بظُلْم الظَالمِ..
وأنا أصبُّ عليهما..
ناري.. ونارَ شتائمي..
رُدِّي.. فلستُ أُطيقُ حُسْناً..
لا يَرُدُّ شَتَائِمي..
*
مسكينةٌ..
لم يَبْقَ شيءٌ منكِ... منذُ اسْتَعْبَدَتْكِ دَرَاهمي!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لن تُطفِئي مَجدِي
لن تُطفِئي مَجدِي
رقم القصيدة : 68672
-----------------------------------
ثَرْثَرْتِ جدّاً.. فاتْرُكيني
شيءٌ يُمَزِّقُ لي جبيني
أنا في الجحيم، وأنتِ لا(53/471)
تَدرينَ ماذا يَعتريني
لنْ تفهمي معنى العَذابِ
بريشتي.. لن تفهميني
عَمياءُ أنتِ .. ألم تَرَيْ
قلبي تَجمَّعَ في عُيوني؟
ماتَ الحنينُ .. أتسمعينَ؟
ومُتِّ أنتِ مع الحنينِ
لا تسأليني.. كيف قِصَّتُنَا
انْتَهتْ، لا تَسأليني
هي قصَّةُ الأعصاب، والأفْيونِ
والدمِ.. والجنونِ
مَرَّتْ.. فلا تَتَذكَّري
وجهي.. ولا تتذكَّريني
إنْ تُنكِريها.. فاقرَأي
تاريخَ سُخفْكِ .. في غُضُوني
*
أمريضةَ الأفكارِ.. يأبى
الليلُ أن تستضعفيني
لنْ تُطْفِئي مجدي على
قَدَحٍ.. وضمَّةِ ياسمينِ
إن كان حُبُّكِ.. أن أعيشَ
على هُرائكِ.. فاكرهيني..
*
حَاولتِ حرقي.. فاحْترقتِ
بنار نفسكِ.. فاعذريني
لا تطلبي دَمْعي، أنا
رَجُلٌ يعيشُ بلا جُفُونِ
مَزَّقْتِ أجملَ ما كتبتُ
وغِرْتِ حتى من ظُنُوني
وكسرتِ لوحاتي، وأضرمتِ
الحرائقَ في سُكُوني
وكرِهتني .. وكرهتِ فَنَّاً
كنتُ أُطعمهُ عيوني
ورأيتني أهَبُ النُجومَ
محبَّتي فوقفتِ دُوني
حاولتُ أن أعطيكِ من
نفسي، ومن نور اليقينِ
فسخرتِ من جُهدي، ومن
ضرباتِ مطرقتي الحَنون
وبقيتِ - رغم أناملي-
طيناً تراكمَ فوق طينِ
لا كُنتِ شيئاً .. في حسابِ
الذكرياتِ، ولَنْ تَكُوني
*
شَفَتي سأقطعها.. ولَنْ
أمشي إليكِ على جبيني..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى نَهْدَيْن مَغروُرَيْن
إلى نَهْدَيْن مَغروُرَيْن
رقم القصيدة : 68673
-----------------------------------
عندي المَزيدُ من الغُرُورِ .. فلا تَبيعيني غُرُورَا
إنْ كنتُ أرضى أن أُحِبَّكِ..
فاشْكُري المولى كثيرا..
منْ حُسن حَظِّكِ..
أَنْ غَدَوْتِ حبيبتي.. زَمَناً قصير
فأنا نفختُ النارَ فيكِ..
وكُنتِ قَبْلي زَمْهَريرا..
وأنا الذي أَنْقَذْتُ نَهْدَكِ من تَسَكُّعِهِ..
لأجعَلَهُ أميرا..
وأدَرْتُهُ.. لولا يدايَ .. أكان نهدُكِ مُسْتديرا؟
وأنا الذي حَرَّضتُ حَلْمَتَكِ الجبانةَ كي تَثُورا
وأنا الذي ..
في أرضكِ العَذْراءِ.. ألقيتُ البُذُورا(53/472)
فتفجَّرتْ.. ذَهَباً، وأطفالاً، ويَاقُوتاً مُثيرا
*
مِنْ حُسْنِ حَظِّكِ.. أن تُحِبِّيني
ولو كذِباً وزُورا..
فأنا بأشعاري فَتَحتُ أمامكِ البَابَ الكبيرا
وأنا دَلَلْتُ على أُنوثتِكِ .. المراكبَ والطُيُورا
وجَعَلْتُ منكِ مليكةً
ومَنَحْتُكِ التاجَ المُرصَّعَ ، والسريرا
حَسْبي غُرُوراً أنَّني علَّمتُ نَهْدَيكِ الغُرُورا
فَلْتَشْكُري المولى كثيرا..
أنِّي عَشِقْتُكِ ذاتَ يومٍ..
اشْكُري المولى كثيرا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نَهْدَاكِ
نَهْدَاكِ
رقم القصيدة : 68674
-----------------------------------
سَمْرَاءُ.. صبِّي نهدَكِ الأسمرَ في دُنْيَا فَمِي
نَهْدَاكِ نَبعَا لذَّةٍ حمراءَ تُشعِلُ لي دمي
مُتمردانِ على السماء، على القميص المُنْعَمِ
صَنَمانِ عاجيَّانِ... قد ماجا ببحرٍ مُضْرَمٍ
صَنَمانِ.. إنِّي أَعْبُدُ الأصنامَ رَغْمَ تَأثُّمي
فُكِّي الغِلالةَ.. واحْسِري عن نَهْدِكِ المُنْصَرمِ
لا تكبتي النارَ الحبيسةَ، وارتعاشَ الأعظُمِ
نارُ الهوى، في حَلْمَتيكِ، أكُولةٌ كجهنَمِ
خَمْريَّتانِ.. احْمَرَّتا بلظى الدمِ المُتَهَجِّمِ..
مَحْرُوقَتَانِ.. بشهوةٍ تبكي، وصَبْرٍ مُلْجَمِ
*
نَهْداكِ وحشيَّان.. والمصباحُ مَشْدوهُ الفمِ
والضوءُ مُنْعكسٌ على مَجرى الحليبِ المُعتِمِ
وأنا أمُدُّ يدي.. وأسْرُقُ من حُقُول الأنْجُمِ
والحَلْمَةُ الحمقاءُ.. ترصُدُني بظِفْرٍ مُجْرِمٍ
وتَغُطُّ إصْبَعَها وتغمسُها بحبرٍ من دمي..
يا صلبَةَ النَهْدَيْنِ.. يأبى الوهمُ أن تَتَوهَّمي
نَهْداكِ أجملُ لوحَتَينِ على جدارِ المَرْسَمِ..
كُرَتَانِ من زَغَب الحرير، من الصَبَاح الأكرمِ
فتقدَّمي، يا قِطَّتي الصُغْرَى، إليَّ تقدَّمي..
وتحرَّري ممَّا عليكِ.. وحَطِّمي.. وتَحَطَّمي..
*
مَغْرُورةََ النَهْدَينِ.. خَلِّي كبرياءَكِ وانْعَمي
بأصابعي ، بزوابعي ، برُعُونتي ، بتَهَجُّمي
فغداً شبابُكِ ينْطَفي مثلَ الشُعَاع المُضْرَمِ(53/473)
وغداً سيذوي النَهْدُ والشَفَتَانِ منكِ.. فأقدِمي
وتَفَكَّري بمصير نهدكِ.. بعدَ موتِ المَوْسِمِ
لا تَفْزعي.. فاللَّثمُ للشُعَرَاء غيرُ مُحَرَّمِ
فُكِّي أسيرَيْ صدركِ الطِفْلَيْنِ.. لا.. لا تظلمي
نَهْداكِ ما خلِقا للثمِ الثوبِ.. لَكنْ.. للفمِ
مَجنونةٌ مَنْ تحجبُ النهدين.. أو هي تحتمي
مَجنونةٌ.. من مَرَّ عهدُ شبابِها لم تُلْثَمِ..
*
.. وجَذَبْتُ منها الجسمَ، لم تَنْفُرْ ولم تتكَلَّمِ
مخمورةٌ.. مالتْ عليَّ بقدِّها المُتَهَدِّمِ
وَمَضَتْ تُعلِّلُني بهذا الطافرِ المُتَكَوِّمِ
وتقولُ في سُكْرٍ ، مُعَرْبِدَةً ، بأرشق مبسمِ
"يا شاعري.. لم أَلقَ في العشرينَ مَنْ لم يُفْطَمِ.."
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> البغي
البغي
رقم القصيدة : 68675
-----------------------------------
1
نازفَ الشريانِ ، مُحمرَّ الفتيلهْ
في زقاقٍ ضَوَّأتْ أوكارُهُ
كلُّ بيتٍ فيه، مأساةٌ طويلَهْ
غرَفٌ .. ضيِّقَةٌ .. موبوءةٌ
وعناوينُ لِ (ماري) و (جميلَهْ)
وبمقهى الحيِّ.. حاكٍ هَرِمٌ
راح يَجْتَرُّ أغانيهِ الذليلَهْ
وعَجوزٌ خلفَ نرجيلتها
عُمْرُها أقدمُ من عُمْر الرذيلَه
إنَّها آمِرَةُ البيتِ هنا..
تَشْتُمُ الكسلى، وتَسترضي العَجولَهْ
وأمامَ الباب.. صُعلوكُ هَوَىً
تافهُ الهيئة، مسلوبُ الفضيلهْ
يعرضُ اللحمَ على قاضِمِه..
مثلما يعرضُ سَمْسَارٌ خيولَهْ
"هذهِ.. جاءتْ حديثاً.. سيِّدي
ناهدٌ ما زالَ في طور الطُفُولهْ..
أو إذا شئتَ.. فرافِقْ هذهِ
إنَّها أشهى من الخمر الأصيلَهْ.."
أيُّ رِقٍّ .. مثلَ أُنثى ترتمي
تحت شاريها، بأوراقٍ ضئيلَهْ
قيمةُ الإنسان ، ما أحقَرَها
زَعَموهُ غايةً.. وهْوَ وسيلَهْ..
لو تَرَى الرُدْهَةَ فيها اضْطَجَعَتْ
كلُّ بنتٍ كانفتاح الزَهَرَهْ
نَهْدُها منتظرٌ جَزَّارَهُ
صابرٌ حتى يُلاقي قَدَرَهْ
هذه المُذْهَبةُ السِنِّ.. هنا
ترقُبُ البابَ بعينٍ حَذِرهْ
حَسرَتْ عن رُكبَةٍ شاحبةٍ(53/474)
لونُها لون الحياة المُنكرَهْ
مَنْ سيأتي؟ مَنْ سيأتي معها؟
أيُّ صُعْلوكٍ، حقيرٍ، نَكِرَهْ؟
وهناكَ.. انْفَرَدَتْ واحدةٌ
عطرُها أرخَصُ من أنْ أذْكُرَهْ..
حَاجِبٌ بُولِغَ في تخطيطِهِ
وطَلاءٌ كجدار المقبَرهْ..
وفَمٌ .. مُتَّسِعٌ.. مُتَّسِعٌ
كغلافِ التينةِ المُعْتَصَرَهْ
الفُضُوليُّونَ من خلف الكُوَى
أعيُنٌُ ، جائعةٌ مُسْتعرهْ
وشِجارٌ دائرٌ في منزِلٍ
وسكارى.. ونكاتٌ قَذِره..
من رآهُنَّ.. قواريرَ الهوى
كنعاجٍ بانتظار المجْزَرَه
كم صبايا، مثلَ ألوان الضُحى
أفْسَدَتْهُنَّ عَجُوزٌ خَطِرَهْ
3
كوباءٍ.. كبعيرٍ نَتِنِ
مثلَ مَيْتٍ خارجٍ من كَفَنِ..
حُفَرٌ في وجهها مُرْعبةٌ
تَرَكَتْها عَجَلاتُ الزَمَنِ..
نَهْدُها حَبَّةُ تينٍ.. نَشِفَتْ
رَحِمَ اللهُ زمانَ اللَّبنِ..
فالعصافيرُ التي كانت هنا
تتغذَّى بالشذَا والسوسَنْ
كلُّها طارَتْ بعيداً.. عندما
لم يَعُدْْ في الأرضِ غيرُ الدِمَنِ
إنها الخمسونَ.. ماذا بعدَها؟
غيرُ أمطارِ الشتاء المُحزِنِ
إنَّها الخَمسُونَ.. ماذا ظَلَّ لي؟
غيرُ هذا الوَحْلِ، هذا العَفَنِ
غيرُ هذي الكأس أستهلكُها
غيرُ هذا التَبْغ يَسْتهلِكُني
غيرُ تاريخٍ مُدَمَّىً .. حيثُما
سِرتُ، ألقى ظلَّهُ يتبعُني
غيرُ أقدامِ الخطايا.. رجعتْ
تُحْرِقُ الغرفة بي.. تُحرقُني
غيرُ رَبٍّ.. كنتُ لا أعرفُه
وأراهُ الآنَ.. لا يعرِفُني..
4
يا لصوصَ اللحم.. يا تجَّارَهُ
هكذا لحمُ السَبَايا يُؤكَلُ
أنتمُ الذِئبُ.. ونحنُ الحَمَلُ
تَفْعَلُ الحُبَّ، ولا تَنْفَعِلُ..
أُنْبُشُوا في جُثَثٍ فاسِدةٍ
سارقُ الأكفانِ لا يَختَجِلُ
وارقُصُوا فوق نُهُودٍ صُلِبَتْ
ماتَ فيها النورُ.. مات المُخْمَلُ
من أنا؟ إحدى خطاياكمْ أنا
نَعْجَةٌ في دمكمْ تغتسلُ
أشْتهي الأسرةَ والطفلَ .. وأنْ
يحتويني، مثلَ غيري، مَنْزِلُ
ارْجموني.. سَدِّدوا أحجاركُمْ
كُلَّكُمْ يومَ سقُوطي بَطَلُ
يا قُضاتي، يا رُماتي، إنَّكمْ(53/475)
إنَّكم أجبنُ منْ أن تَعْدِلوا..
لَن تُخيفوني ففي شُرعَتِكُمْ
يُنْصَرُ الباغي، ويُرمى الأعْزَلُ
تُسْأَلُ الأُنثى إذا تَزْني.. وكم
مُجْرمٍ دامي الزِنَا.. لا يُسْأَلُ
وسريرٌ واحدٌ.. ضَمَّهُمَا
تَسْقُطُ البِنْتُ، ويُحْمَى الرَجُلُ..
يُنْصَرُ الباغي، ويُرمى الأعْزَلُ
تُسْأَلُ الأُنثى إذا تَزْني.. وكم
مُجْرمٍ دامي الزِنَا.. لا يُسْأَلُ
وسريرٌ واحدٌ.. ضَمَّهُمَا
تَسْقُطُ البِنْتُ، ويُحْمَى الرَجُلُ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أبي
أبي
رقم القصيدة : 68676
-----------------------------------
أماتَ أَبوك؟
ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي.
ففي البيت منه
روائحُ ربٍّ.. وذكرى نَبي
هُنَا رُكْنُهُ.. تلكَ أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألف غُصْنٍ صبي
جريدتُه. تَبْغُهُ. مُتَّكَاهُ
كأنَّ أبي - بَعْدُ - لم يّذْهَبِ
وصحنُ الرمادِ.. وفنجانُهُ
على حالهِ.. بعدُ لم يُشْرَبِ
ونَظَّارتاهُ.. أيسلو الزُجاجُ
عُيُوناً أشفَّ من المغرب؟
بقاياهُ، في الحُجُرات الفِساحِ
بقايا النُوُر على الملعبِ
أجولُ الزوايا عليه، فحيثُ
أمرُّ .. أمرُّ على مُعْشِبِ
أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ
أُصلِّي على صدرهِ المُتْعَبِ
أبي.. لم يَزلْ بيننا، والحديثُ
حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبالى
تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ..
أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ
ومعنى من الأرْحَبِ الأرْحَبِ..
وعَيْنَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ
فهل يذكرُ الشَرْقُ عَيْنَيْ أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ، وذاكرةِ الكوكبِ..
*
أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ..
على اسْمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ
شهيِّ المجاني، إلى أطيبِ
حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي
فكيف ذَهَبْتَ.. ولا زلتَ بي؟
*
إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ
فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا(53/476)
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى قِدّيسَة
إلى قِدّيسَة
رقم القصيدة : 68677
-----------------------------------
ماذا إذَنْ تَتَوقَّعينْ؟
يا بِضْعَةَ امْرأةٍ.. أجيبي.. ما الذي تَتَوقَّعينْ؟
أَأَظلُّ أَصطَادُ الذُبابَ هُنا؟ وأنتِ تُدَخِّنين
أَجتْرُّ كالحشَّاش أحلامي..
وأنتِ تدَخِّنينْ..
وأنا أمامَ سريرك الزَاهي كقِطّ مُسْتَكين..
ماتتْ مخالبُهُ، وعزَّتُهُ، وهَدَّتْهُ السِنينْ
*
أنا لَنْ أكونَ - تأكَّدي- القطَّ الذي تتصورينْ..
قِطَّاً من الخَشَب المُجوَّفِ.. لا يُحرِّكُهُ الحنينْ
يغفو على الكُرسيِّ إذ تَتَجردينْ
ويَرُدُّ عَيْنَيْهِ.. إذا انْحَسَرَتْ قِبَابُ الياسَمينْ..
*
تلكَ النهايةُ ليس تدهِشُني..
فمالكِ تدهشينْ؟
هذا أنا.. هذا الذي عندي..
فماذا تأمُرينْ؟
أعصابيَ احْتَرَقَتْ.. وأنتِ على سريركِ تقرأين..
أَأَصُومُ عن شَفَتَيْكِ؟
فوقَ رُجُولتي ما تطلبينْ..
ما حِكْمَتي؟
ما طيبتي؟
هذا طعامُ الميِّتينْ..
مُتَصوِّفٌ! من قالَ؟ إنِّي آخرُ المتصوِّفينْ
أنا لستُ يا قدِّيستي الرَبَّ الذي تَتَصورينْ
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ
بطَهَارتي..
بِنَذَالتي..
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ
فيهِ مزايا الأنبياء، وفيهِ كُفْرُ الكافرينْ
وَوَداعةُ الأطفالِ فيهِ..
وقَسْوَةُ المُتَوحِّشينْ..
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ..
رَجُلٌ يُحِبُّ -إذا أحَبَّ- بكُلِّ عُنْفِ الأربعينْ
لو كنتِ يوماً تَفْهَمينْ
ما الأربَعُونَ.. وما الذي يَعْنيهِ حُبُّ الأربعينْ
يا بضْعَةَ امْرأةٍ.. لو أنَّكِ تفهمينْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كُونْشِرتُو البيانو
كُونْشِرتُو البيانو
رقم القصيدة : 68678
-----------------------------------
1
في ذلك الليلِ الذي يثقبُهُ صوتُ المَطَرْ
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
حينَ يكون المرءُ بالكونياكِ مغسولاً
وبالأحزان مغسولاً
وبالمجهول مسكوناً
وحين المرءُ لا يرضى بأن يبقى حَجَرْ..(53/477)
فلماذا؟
تستشيرينَ الفناجينَ، لماذا؟
تطرحينَ الأسئلَهْ..
ولماذا؟
جئتِ صوبَ البحر،
إن كنتِ تخافينَ السَفَرْ..
2
ما بينَ تشرينَ، وتشرينَ،
كهذا السُكَّرِ الدافقِ من قلب الثَمَرْ...
فاتْرُكي أمركِ للهِ.. ونامي
إن نهدَيْكِ يجيئانِ إلى الدنيا قضاءً وقَدَرْ..
ويموتانِ قضاءً وقَدَرْ..
3
سوفَ يأتي الحبُّ في موعدِهِ..
فالبسي قُفْطَانَكِ المصريَّ..
أذكُرُ الآنَ حقولَ القطن في الدِلْتَا..
فاجلسي حيثُ تُحِبّينَ..
فكونشرتُو البيانُو
سوفَ يُلغي الوقتَ..
يُلْغِيكِ..
ويُلْغِيني
ويُلْغي العُقَدَ الأولى التي نحملها منذُ الولادَهْ
سيجيءُ الحبُّ في موعدهِ..
ويجيءُ الجنسُ في موعدِهِ..
إنَّ كونشرتو البيانو
يمسحُ الأشياءَ بالكافور والزيتِ،
يذيبُ الثلجَ عن وجه البحيراتِ..
ويأتي بالفراشاتِ الغريباتِ،
ويأتي بالحقولْ..
فاتركي الأمرَ طبيعياً.. وسَهْلاً..
إنَّ كونشرتو البيانو
يتولّى هو إيجادَ الحُلُولْ..
سيجيءُ الحبُّ في موعده..
والبيانو..
سينادينا إلى غرفته المائيَّةِ الشكلِ،
ولا أعلمُ ما سوفَ يقولْ..
4
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
في ذلك الليل الذي يثقبُهُ صوتُ المطَرْ
إن تشايكوفسكي..
يمرُّ الآنَ كالعصفور من ساحاتِ بطرسبرغَ،
ينساب كحُلْمٍ أخضرٍ من حيِّ مونبارناسَ،
يمرُّ الآنَ من ذاكرة الورد،
يلمُّ الورقَ الأصفرَ من غابات أوربا..
يُصلِّي في أياصُوفْيا..
ويبكي في رحاب النجفِ الأشرفِ،
ما بين المرايا.. والقبابِ الذهبيَّهْْ..
5
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
في ذلك الليل الذي يثقبُهُ صوتُ المطَرْ..
فالبسي قُفْطَانَكِ الكُرديَّ..
لا أدري لماذا..
أذكرُ الموصلَ أيّامَ الربيعْ
وحقولَ القَصَبِ المائيِّ في الأهوارِ،
تحضر الآنَ إلى بالي بساتينُ الرصافَهْ
والكتاباتُ التي يكتبها اللهُ.. بوردٍ وذهَبْ..
عند لَحْظَاتِ الغروبْْ
فوقَ شَعْر النخل في شطِّ العربْ..
6
يا صباحَ الفُلِّ.. هل أنتِ بخيرٍ؟..
إنَّ كونشرتو البيانو(53/478)
أشعلَ النارَ لنا.. ثمَّ ذَهَبْ..
تحضر الآنَ إلى بالي بساتينُ الرصافَهْ
و (الشناشيلُ) التي تملأ شطَّ الأعظميَّهْ
والكتاباتُ التي يكتبها اللهُ.. بوردٍ وذهَبْ..
عند لَحْظَاتِ الغروبْْ
فوقَ شَعْر النخل في شطِّ العربْ..
6
يا صباحَ الفُلِّ.. هل أنتِ بخيرٍ؟..
إنَّ كونشرتو البيانو
أشعلَ النارَ لنا.. ثمَّ ذَهَبْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> البرتقالة
البرتقالة
رقم القصيدة : 68679
-----------------------------------
1
يُقشِّرُني الحبُّ كالبُرْتُقَالةِ..
يفتحُ في الليل صدري،
ويتركُ فيهِ:
نبيذاً، وقمحاً، وقنديلَ زيتْ
ولا أتذكَّرُ أنّي انْذَبَحتُ
ولا أتذكَّرتُ أني نَزَفْتُ
ولا أتذكّرُ أنّي رأيتْ..
2
يبعثرني الحبُّ مثلَ السحابةِ،
يُلغي مكانَ الولادةِ،
يُلغي سنينَ الدراسةِ،
ييُلغي الإقامةَ، يُلغي الدِيانةَ،
يُلغي الزواجَ، الطلاقَ ، الشهودَ ، المحاكمَ..
يسحبُ منِّي جوازَ السَفَرْ..
ويغسلُ كلَّ غُبار القبيلةِِ عنِّي
ويجعلني..
من رعايا القَمَرْ..
3
يُغيِّرُ حُبُّكِ طقسَ المدينةِ، ليلَ المدينةِ،
تغدو الشوارعُ عيداً من الضوء تحت رَذّاذ المَطَرْ
وتغدو الميادينُ أكثرَ سحرا
ويغدو حمامُ الكنائس يكتبُ شِعْرا
ويغدو الهوى في مقاهي الرصيف
أشدَّ حماساً، وأطولَ عمرا..
وتضحكُ أكشاكُ بيع الجرائدِ حين تراكِ..
تجيئينَ بالمعطفِ الشَتَويِّ إلى الموعد المنتظَرْ..
فهل صدفةٌ أن يكونَ زمانُكِ
مرتبطاً بزمانِ المَطَرْ؟..
4
يُعلِّمني الحبُّ ما لستُ أعلمُ،
يكشفُ لي الغيبَ، يجترحُ المعجزاتْ
ويفتَحُ بابي ويدخُلُ..
مثلَ دخول القصيدة،
مثلَ دخول الصلاةْ..
وينثرني كعبير المانوليا بكلِّ الجهاتْ
ويشرحُ لي كيف تجري الجداولُ،
كيف تموجُ السنابلُ،
كيف تُغنِّي البلابلُ والقُبَّراتْ
ويأخُذ مني الكلامَ القديمَ،
ويكتُبُني بجميع اللُّغَاتْ..
5
يقاسمني الحبُّ نصفَ سريري..
ونصفَ طعامي،
ونصفَ نبيذي،(53/479)
ويسرق منِّي الموانئَ والبحرَ،
يسرقُ منِّي السفينَهْ
وينقُرُ كالديكِ وجهَ الشراشفِ،
يصرخُ فوق قباب المساجدِ..
يصرخُ فوقَ سطوح الكنائسِ..
يوقظُ كلَّ نساءِ المدينَهْْ..
يعلّمني الحبُّ كيف تكونُ القصائدُ مائيَّةَ اللونِ،
كيف تكون الكتابةُ بالياسمينْ..
وكيف تكون قراءةُ عينيكِ..
عَزْفاً جميلاً على المانْدُولينْ
ويأخذني من يدي.. ويُريني بلاداً
نهودُ جميلاتها من نحاسٍ..
وأجسادُهُنَّ مزارعُ بُنٍّ..
وأعيُنُهُنَّ غناءُ فلامنكو حزينْ
وحينَ أقولُ: تعبتُ
يمدُّ عباءتَهُ تحت رأسي
ويقرأ لي ما تيسَّرَ من سورةِ الصابرينْ
7
يفاجئني الحبُّ مثلَ النُبُوءة حين أنامْ
ويرسمُ فوق جبيني
هلالاً مضيئاً، وزوجَ حَمَامْ
يقولُ: تكلَّمْ!!
فتجري دموعي، ولا أستطيعُ الكلامْ
يقولُ: تألَّمْ!!
أُجيبُ: وهل ظلَّ في الصدر غيرُ العظامْ
يقولُ: تعلَّمْ!!
أجاوبُ: يا سيِّدي وشفيعي
أنا منذُ خمسينَ عاماً
أحاولُ تصريف فعل الغرامْ
ولكنني في دروسي جميعاً رسبتُ
فلا في الحروب ربحتُ..
ولا في السلامْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حين أحبك
حين أحبك
رقم القصيدة : 68680
-----------------------------------
يتغيَّرُ - حينَ أُحِبُّكِ - شكلُ الكرة الأرضيَّهْ..
تتلاقى طُرق العالم فوق يديْكِ.. وفوقَ يَدَيَّهْ
يتغيَّرُ ترتيبُ الأفلاكْ
تتكاثرُ في البحر الأسماكْ
ويسافرُ قَمَرٌ في دورتي الدَمَوِيَّهْ
يتغيَّرُ شَكْلي:
أُصبحُ شَجَراً.. أُصبحُ مَطَراً..
أُصبِحُ أسودَ، داخلَ عينٍ إسبانيَّهْ..
***
تتكوَّنُ - حينَ أُحبّكِ- أَوديَةٌ وجبالْ
تزدادُ ولاداتُ الأطفالْ
تتشكَّلُ جُزرٌ في عينيكِ خرافيَّهْ..
ويشاهدُ أهلُ الأرضِ كواكبَ لم تخطُرْ في بالْ
ويَزيدُ الرزق، يزيدُ العشقُ، تزيدُ الكُتُبُ الشِعريَّهْ..
ويكونُ اللهُ سعيداً في حجْرَتِهِ القَمَريَّهْ..
تتحضَّرُ - حينَ أُحبّكِ- آلافُ الكَلماتْ
تتشكَّلُ لغةٌ أخرى..
مُدُنٌ أُخرى..
أُمَمٌ أُخرى..(53/480)
تُسرِعُ أنفاسُ الساعاتْ
ترتاحُ حروفُ العَطْف.. وتَحْبَلُ تاءاتُ التأنيثِ..
وينبتُ قمحٌ ما بين الصَفَحَاتْ
وتجيءُ طيورٌ من عينيكِ.. وتحملُ أخباراً عسليَّهْ
وتجيءُ قوافلُ من نهديكِ.. وتحملُ أعشاباً هنديَّهْ
يتساقطُ ثَمَرُ المانغو.. تشتعلُ الغاباتْ
وتَدُقُّ طُبُولٌ نُوبِيَّهْ..
***
يمتلئُ البحرُ الأبيضُ - حينَ أُحِبُّكِ- أزهاراً حمراءْ
وتلوحُ بلادٌ فوق الماءْ
وتغيبُ بلادٌ تحت الماءْ
يتغيَّرُ جلدي..
تخرجُ منهُ ثلاثُ حماماتٍ بيضاءْ
وثلاثُ ورودٍ جُوريَّهْ
تكتشفُ الشمسُ أنوثَتَها..
تَضَعُ الأقراطَ الذهبيَّهْ
ويهاجرُ كلُّ النحل إلى سُرَّتكِ المنسيَّهْ
وبشارع ما بين النهدينْ..
تتجمَّعُ كلُّ المَدَنِيَّهّْ..
يستوطنُ حزنٌ عبَّاسيٌّ في عينيكِ..
وتبكي مُدُنٌ شِيعيَّهْ
وتلوحُ مآذنُ من ذَهَبٍ
وتُضيءُ كُشُوفٌ صوفيَّهْ
وأنا الأشواقُ تُحوِّلني
نَقْشاً.. وزخارفَ كُوفيَّهْ
أتمشّى تحت جسور الشَعْر الأسودِ،
أَقرأُ أشعاري الليليَّهْ
أَتَخَيَّلُ جُزُراً دافئةً
ومراكبَ صيدٍ وهميَّهْ
تحمل لي تبغاً ومحاراً.. من جُزُر الهند الشرقيَّهْ..
***
يتخلَّصُ نهدُكِ - حينَ أُحِبُّكِ - من عُقْدَتِهِ النفسيَّهْ
يتحوَّلُ برقاً. رعداً. سيفاً. عاصفةً رمليَّهْ..
تَتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ - كلُّ المُدُنِ العربيَّهْ
تتظاهر ضدَّ عصور القَهرِ،
وضدَّ عصور الثأر،
وضدَّ الأنظمة القبليَّهْ..
وأنا أتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ - ضدَّ القبح،
وضدَّ ملوكِ الملحِ،
وضدَّ مؤسَّسة الصحراءْ..
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قِراءةٌ في نَهدَين إفريقيَّينْ
قِراءةٌ في نَهدَين إفريقيَّينْ
رقم القصيدة : 68681
-----------------------------------
أعطيني وقتاً..
كي أستقبلَ هذا الحبَّ الآتي من غير استئذانْ
أعطيني وقتاً..(53/481)
كي أتذكَرَ هذا الوجهَ الطالعَ من شَجَر النسيانْ
أعطيني وقتاً..
كي أتجنَّبَ هذا الحبَّ الواقفَ في نِصْفِ الشِرْيَانْ
أعطيني وقتاً..
حتَّى أعرفَ ما اسِْمُكِ..
حتَّى أعرفَ ما اسْمِي..
حتَّى أعرفَ أين ولدتُ،
وأينَ أموتُ،
وكيف سأُبْعَثُ عُصفوراً بين الأجفان
أعطيني وقتاً..
حتى أدرسَ حالَ الريحِ،
وحالَ الموجِ،
وأدرسَ خارطةَ الخلجانْ..
***
يا امرأةً تسكُنُ في الآتي..
يا حَبَّ الفُلْفُلِ والرُمَّانْ..
أعطيني وطناً يُنسيني كلَّ الأوطانْ
أعطيني وقتاً..
كي أتفادى هذا الوجهَ الأندلسيَّ، وهذا الصوتَ الأندلسيَّ،
وهذا الموتَ الأندلسيَّ..
وهذا الحزنَ القادمَ من كلّ مكانْ..
أعطيني وقتاً يا سيِّدتي
كي أتنبَّأ بالطوفانْ..
***
يا امرأةً..
كانوا كتبوها في كُتُب السِّحْرْ
من قَبْلِكِ كان العالمُ نثراً..
ثم أتيتِ فكان الشِّعْرْ
أعطيني وقتاً..
كي أستوعبَ هذا النهدَ الراكضَ نحوي مثلَ المهْرْ..
كرويٌّ نهدُكِ مثل النقطة فوق السطرْ..
بدويٌّ.. مثل حبوبِ الهالِ،
ومثلَ القهوة فوق الجمرْ..
وقديمٌ مثل نحاس الشامِ..
قديمٌ مثل معابد مصرْ..
وأنا مهتمٌ بالتاريخِ،
وعصرٍ يُخرجُني من هذا العصرْ
وأنا بدويٌّ.. أَخزنُ في رئتيَّ الريحَ،
وأخزنُ في شفتيَّ الشمسَ،
وأخزن في أعصابي الثأرْْ..
فانكسِري فوق سرير الحُبِّ، انكسري
مثل دواة الحبرْ..
وانتشري.. كالعطر الهنديّ
فإنّي اللحمُ.. وأنتِ الظِفْرْ..
***
أَعطيني الفرصةَ..
كي ألتقطَ السَمَكَ السابحَ تحت مياه الخصرْ..
قَدَماكِ على وَبَرِ السُجَّادةِ.. حالةُ شِعْرْ
ويداكِ.. على البطن المتحمّسِ للأطفالِ،
قصيدةُ شِعْرْ..
أعطيني الفرصةَ..
كي أكتشف الحدَّ الفاصلَ بين يقين الحُبّ..
وبين الكُفْرْ..
أعطيني الفرصةَ..
حتى أَقْنَعَ أنيِّ قد شاهدتُ النجمَ
وكَلَّمني سيِّدُنا الخُضْرْ..
***
يا امرأةً.. يسقُطُ من فخذيْها البَلَحُ الأشقرُ..
مثلَ النخلة في الصحراءْ..(53/482)
يتكلَّمُ نهدُكِ سبعَ لُغَاتٍ..
وأنا أحترفُ الإصغاءْ..
أعطيني الفرصةَ..
كي أتجنّبَ هذا الحبَّ العاصفَ،
هذا الحبَّ الجارفَ..
هذا الحبَّ الشَتَويَّ الأجواءْ
أعطيني الفرصةَ حتى أقنعَ، حتى أؤمنَ، حتى أكفرَ..
حتى أدخلَ في لحم الأشياءْ..
أعطيني الفرصةَ.. حتى أمشيَ فوقَ الماءْ..
***
أعطيني الفرصةَ..
كي أتَهَيّأَ قبل نزول البحرْ..
فكثيفٌ ملحُ البحر العالقُ بين السُرَّةِ.. والنهدينْ
وكثيفٌ سَمَكُ القرش القادمُ.. لا أدري من أينْ؟
أعطيني الفرصةَ كي أتنفَّسَ..
إن حشيشَ البحر خرافيٌّ تحت الإبطينْ
أعطيني الفرصةَ..
حتى أقرأ حظّي في عينيكِ المغلقتينْ..
فأنا سيِّدتي لم أتعوّدْ..
أن أتقمَّصَ في رَجُلَيْنْ..
***
يا ذاتَ الوجه الإفريقيِّ، المأساوِيِّ، السِنْجاني..
يا امرأةً تدخل في تركيب النار، وفي تركيب الأعشابِ..
أعطيني الفرصةَ كي أتهيَّأَ..
كي أتأقلَمَ..
كي أتعوَّدَ..
كي أتأكَّد من ماهيّة إعجابي..
أعطيني عشرَ دقائقَ.. خمس دقائقَ..
حتى يهدأَ زَبَدُ الجنسِ، وتهدأَ حربُ الأعصابِ..
***
أعطيني الفرصةَ كي أرتاحَ..
وعند الفجر، سأُعطيكِ جوابي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أُحبّك.. أُحبّك.. والبقية تأتي
أُحبّك.. أُحبّك.. والبقية تأتي
رقم القصيدة : 68682
-----------------------------------
حديثُكِ سُجَّادةٌ فارسيَّهْ..
وعيناكِ عُصفوتانِ دمشقيّتانِ..
تطيرانِ بين الجدار وبين الجدارْ..
وقلبي يسافرُ مثل الحمامة فوقَ مياه يديكِ،
ويأخُذُ قَيْلُولةً تحت ظلِّ السِّوارْ..
وإنِّي أُحبُّكِ..
لكنْ أخافْ التورُّطَ فيكِ،
أخافُ التوحُّدَ فيكِ،
أخافُ التقمُّصَ فيكِ،
فقد علَّمتْني التجاربُ أن أتجنَّب عشقَ النساءِ،
وموجَ البحارْ..
أنا لا أناقش حبَّكِ.. فهو نهاري
ولستُ أناقشُ شمسَ النهارْ
أنا لا أناقش حبَّكِ..
فهو يقرِّرُ في أيِّ يوم سيأتي.. وفي أيَّ يومٍ سيذهبُ..
وهو يحدّدُ وقتَ الحوارِ، وشكلَ الحوارْ..
***(53/483)
دعيني أصبُّ لكِ الشايَ،
أنتِ خرافيَّةُ الحسن هذا الصباحَ،
وصوتُكِ نَقْشٌ جميلٌ على ثوب مراكشيَّهْ
وعِقْدُكِ يلعبُ كالطفل تحت المرايا..
ويرتشفُ الماءَ من شفة المزهريَّهْْ
دعيني أصبُّ لكِ الشايَ، هل قلتُ إنِّي أُحبُّكِ؟
هل قلتُ إنِّي سعيدٌ لأنكِ جئتِ..
وأنَّ حضورَكِ يُسْعِدُ مثلَ حضور القصيدَهْ
ومثلَ حضور المراكبِ، والذكرياتِ البعيدَهْْ..
***
دعيني أُترجمُ بعضَ كلام المقاعدِ وهي تُرحِّبُ فيكِ..
دعيني، أعبِّرُ عمّا يدورُ ببال الفناجينِ،
وهي تفكّرُ في شفتيكِ..
وبالِ الملاعقِ، والسُكَّريَّهْ..
دعيني أُضيفُكِ حرفاً جديداً..
على أحرُفِ الأبجديَّهْ..
دعيني أُناقضُ نفسي قليلاً
وأجمعُ في الحبّ بين الحضارة والبربريَّهْ..
***
- أأعجبكِ الشايُ؟
- هل ترغبينَ ببعض الحليبِ؟
- وهل تكتفينَ -كما كنتِ دوماً- بقطعةِ سُكَّرْ؟
- وأمّا أنا فأفضّلُ وجهكِ من غير سُكَّرْ..
...............................................................
...............................................................
...............................................................
أُكرّرُ للمرَّة الألفِ أنّي أُحبُّكِ..
كيف تريدينني أن أفسِّرَ ما لا يُفَسَّرْ؟
وكيف تريدينني أن أقيسَ مساحةَ حزني؟
وحزنيَ كالطفل.. يزدادُ في كلِّ يوم جمالاً ويكبرْ..
دعيني أقولُ بكلِّ اللغات التي تعرفينَ والتي لا تعرفينَ..
أُحبُّكِ أنتِ..
دعيني أفتّشُ عن مفرداتٍ..
تكون بحجم حنيني إليكِ..
وعن كلماتٍ.. تغطّي مساحةَ نهديكِ..
بالماء، والعُشْب، والياسمينْ
دعيني أفكّرُ عنكِ..
وأشتاقُ عنكِ..
وأبكي، وأضحكُ عنكِ..
وأُلغي المسافةَ بين الخيال وبين اليقينْ..
***
دعيني أنادي عليكِ، بكلِّ حروف النداء..
لعلّي إذا ما تَغَرْغَرْتُ باسْمِكِ، من شفتي تُولدينْ
دعيني أؤسّسُ دولةَ عشقٍ..
تكونينَ أنتِ المليكةَ فيها..
وأصبحُ فيها أنا أعظمَ العاشقينْ..(53/484)
دعيني أقودُ انقلاباً..
يوطّدُ سلطةَ عينيكِ بين الشعوبِ،
دعيني.. أغيّرُ بالحبِّ وجهَ الحضارةِ..
أنتِ الحضارةُ.. أنتِ التراث الذي يتشكّلُ في باطن الأرض
منذ ألوف السنينْ..
***
أُحبُّكِ..
كيفَ تريديني أن أبرهنَ أنّ حضوركِ في الكون،
مثل حضور المياهِ،
ومثل حضور الشَجَرْ
وأنّكِ زهرةُ دوَّار شمسٍ..
وبستانُ نَخْلٍ..
وأُغنيةٌ أبحرتْ من وَتَرْ..
دعيني أقولُك بالصمتِ..
حين تضيقُ العبارةُ عمّا أُعاني..
وحين يصيرُ الكلامُ مؤامرةً أتورّط فيها.
وتغدو القصيدةُ آنيةً من حَجَرْ..
***
دعيني..
أقولُكِ ما بين نفسي وبيني..
وما بينَ أهداب عيني، وعيني..
دعيني..
أقولكِ بالرمزِ، إن كنتِ لا تثقينَ بضوء القمرْ..
دعيني أقولُكِ بالبَرْقِ،
أو برَذَاذ المَطَرْ..
دعيني أُقدّمُ للبحر عنوانَ عينيكِ..
إن تقبلي دعوتي للسَفَرْ..
لماذا أُحبُّكِ؟
إنَّ السفينةَ في البحر، لا تتذكَّرُ كيف أحاط بها الماءُ..
لا تتذكَرُ كيف اعتراها الدُوارْ..
لماذا أُحبّكِ؟
إنَّ الرصاصةَ في اللحم لا تتساءلُ من أينَ جاءتْ..
وليست تُقدِّمُ أيَّ اعتذارْ..
***
لماذا أُحبُّكِ.. لا تسأليني..
فليسَ لديَّ الخيارُ.. وليس لديكِ الخيارْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تناقضات ن.ق الرائعة
تناقضات ن.ق الرائعة
رقم القصيدة : 68683
-----------------------------------
1
وما بين حُبٍّ وحُبٍّ.. أُحبُّكِ أنتِ..
وما بين واحدةٍ ودَّعَتْني..
وواحدةٍ سوف تأتي..
أُفتِّشُ عنكِ هنا.. وهناكْ..
كأنَّ الزمانَ الوحيدَ زمانُكِ أنتِ..
كأنَّ جميعَ الوعود تصبُّ بعينيكِ أنتِ..
فكيف أُفسِّرُ هذا الشعورَ الذي يعتريني
صباحَ مساءْ..
وكيف تمرّينَ بالبالِ، مثل الحمامةِ..
حينَ أكونُ بحَضْرة أحلى النساءْ؟.
2
وما بينَ وعديْنِ.. وامرأتينِ..
وبينَ قطارٍ يجيء وآخرَ يمضي..
هنالكَ خمسُ دقائقَ..
أدعوك ِ فيها لفنجان شايٍ قُبيلَ السَفَرْ..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..(53/485)
بها أطمئنُّ عليكِ قليلا..
وأشكو إليكِ همومي قليلا..
وأشتُمُ فيها الزمانَ قليلا..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
بها تقلبينَ حياتي قليلا..
فماذا تسمّينَ هذا التشتُّتَ..
هذا التمزُّقَ..
هذا العذابَ الطويلا الطويلا..
وكيف تكونُ الخيانةُ حلاًّ؟
وكيف يكونُ النفاقُ جميلا؟...
3
وبين كلام الهوي في جميع اللّغاتْ
هناكَ كلامٌ يقالُ لأجلكِ أنتِ..
وشِعْرٌ.. سيربطه الدارسونَ بعصركِ أنتِ..
وما بين وقتِ النبيذ ووقتِ الكتابة.. يوجد وقتٌ
يكونُ به البحرُ ممتلئاً بالسنابلْ
وما بين نُقْطَة حِبْرٍ..
ونُقْطَة حِبْرٍ..
هنالكَ وقتٌ..
ننامُ معاً فيه، بين الفواصلْ..
4
وما بين فصل الخريف، وفصل الشتاءْ
هنالكَ فَصْلُ أُسَمِّيهِ فصلَ البكاءْ
تكون به النفسُ أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى للسماءْ..
وفي اللحظات التي تتشابهُ فيها جميعُ النساءْ
كما تتشابهُ كلُّ الحروف على الآلة الكاتبهْ
وتصبحُ فيها ممارسةُ الجنسِ..
ضرباً سريعاً على الآلة الكاتبَهْ
وفي اللحظاتِ التي لا مواقفَ فيها..
ولا عشقَ، لا كرهَ، لا برقَ، لا رعدَ، لا شعرَ، لا نثرَ،
لا شيءَ فيها..
أُسافرْ خلفكِ، أدخلُ كلَّ المطاراتِ، أسألُ كلَّ الفنادق
عنكِ، فقد يتصادفُ أنَّكِ فيها...
5
وفي لحظاتِ القنوطِ، الهبوطِ، السقوطِ، الفراغ، الخِواءْ.
وفي لحظات انتحار الأماني، وموتِ الرجاءْ
وفي لحظات التناقضِ،
حين تصير الحبيباتُ، والحبُّ ضدّي..
وتصبحُ فيها القصائدُ ضدّي..
وتصبحُ - حتى النهودُ التي بايعتْني على العرش- ضدّي
وفي اللحظات التي أتسكَّعُ فيها على طُرُق الحزن وحدي..
أُفكِّر فيكِ لبضع ثوانٍ..
فتغدو حياتي حديقةَ وردِ..
6
وفي اللحظاتِ القليلةِ..
حين يفاجئني الشعرُ دونَ انتظارْ
وتصبحُ فيها الدقائقُ حُبْلى بألفِ انفجارْ
وتصبحُ فيها الكتابةُ فِعْلَ انتحارْ..
تطيرينَ مثل الفراشة بين الدفاتر والإصْبَعَيْنْْ
فكيف أقاتلُ خمسينَ عاماً على جبهتينْ؟
وكيفَ أبعثر لحمي على قارَّتين؟(53/486)
وكيفَ أُجَاملُ غيركِ؟
كيفَ أجالسُ غيركِ؟
كيفَ أُضاجعُ غيركِ؟ كيفْ..
وأنتِ مسافرةٌ في عُرُوق اليدينْ...
7
وبين الجميلات من كل جنْسٍ ولونِ.
وبين مئات الوجوه التي أقنعتْني .. وما أقنعتْني
وما بين جرحٍ أُفتّشُ عنهُ، وجرحٍ يُفتّشُ عنِّي..
أفكّرُ في عصرك الذهبيِّ..
وعصرِ المانوليا، وعصرِ الشموع، وعصرِ البَخُورْ
وأحلم في عصرِكِ الكانَ أعظمَ كلّ العصورْ
فماذا تسمّينَ هذا الشعور؟
وكيفَ أفسِّرُ هذا الحُضُورَ الغيابَ، وهذا الغيابَ الحُضُورْ
وكيفَ أكونُ هنا.. وأكونً هناكْ؟
وكيف يريدونني أن أراهُمْ..
وليس على الأرض أنثى سواكْ
8
أُحبُّكِ.. حين أكونُ حبيبَ سواكِ..
وأشربُ نَخْبَكِ حين تصاحبني امرأةٌ للعشاءْ
ويعثر دوماً لساني..
فأهتُفُ باسمكِ حين أنادي عليها..
وأُشغِلُ نفسي خلال الطعامْ..
بدرس التشابه بين خطوط يديْكِ..
وبينَ خطوط يديها..
وأشعرُ أني أقومُ بِدَوْر المهرِجِ...
حين أُركّزُ شالَ الحرير على كتِفَيْها..
وأشعرُ أني أخونُ الحقيقةَ..
حين أقارنُ بين حنيني إليكِ، وبين حنيني إليها..
فماذا تسمّينَ هذا؟
ازدواجاً.. سقوطاً.. هروباً.. شذوذاً.. جنوناً..
وكيف أكونُ لديكِ؟
وأزعُمُ أنّي لديها..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> دعوة إلى حفلة قتل
دعوة إلى حفلة قتل
رقم القصيدة : 68684
-----------------------------------
ما لعينيكِ على الأرض بديلْ
كلُّ حبٍّ غيرُ حبِّي لكِ، حبٌّ مستحيلْ
فلماذا أنتِ، يا سيدتي، باردةٌ؟
حين لا يفصلني عنكِ سوى
هضبتيْ رملٍ.. وبُسْتَانَيْ نخيلْ
ولماذا؟
تلمسينَ الخيلَ إن كنتِ تخافين الصهيلْ؟
طالما فتّشتُ عن تجربةٍ تقتلني
وأخيراً... جئتِ يا موتي الجميلْ..
فاقتليني.. نائماً أو صاحياً
أقتليني.. ضاحكاً أو باكياً
أقتليني.. كاسياً أو عارياً..
فلقد يجعلني القَتْلُ وليَّاً مثل كلِّ الأولياءْ
ولقد يجعلني سنبلةً خضراءَ.. أو جدولَ ماءْ..
وحماماً...
وهديلْ..
***
اقتليني الآنَ...(53/487)
فالليلُ مُمِلٌّ.. وطويلْ..
اقتليني دونما شرطٍ.. فما من فارقٍ..
عندما تبتدئُ اللعبةُ يا سيِّدتي..
بين من يَقْتُلُ.. أو بين القتيلْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصة قصيرة
قصة قصيرة
رقم القصيدة : 68685
-----------------------------------
لا تقنطي أبداً من رحمةِ المَطَرِ..
فقد أُحبّكِ في الخمسينَ من عُمُري..
وقد أُحِبُّكِ، والأشجارُ يابسةٌ
والثلج يسقطُ في قلبي، وفي شَعري
وقد أُحبُّكِ، حين الصيفُ غادَرَنا
فالأرضُ من بعدهِ، تبكي على الَثَمَر
وقد أُحِبُّكِ، يا عصفورتي، وأنا
مُحَاصَرٌ بجبال الحزنِ والضَجَر..
قد تحملُ الريحُ أخباراً مُطَمْئِنةً
لناهديكِ، قُبَيْلَ الفجر، فانتظري..
لَنْ تخرجي من رهان الحبِّ خاسرةً
عندي تُراثي.. وعندي حِكْمَةُ الشَجَرِ..
فاستمتعي بالحضاراتِ التي بقيتْ
على شفاهي، فإنّي آخرُ الحَضَرِ..
***
قرأتُ شعري عليها .. وهي نائمةٌ
فما أحسَّتْ بتجريدي، ولا صُوَري
ولا تحمَّسَ نهداها لقافيةٍ
ولا استجابا لقَيْثَارٍ ولا وَتَرِ..
هَزَزْتُها من ذراعَيْها.. فما انْتَبَهَتْ
ناديتُ: يا قِطّتي البيضاءَ.. يا عُمُري
قُومي.. سأُهديكِ تيجاناً مُرَصَّعةً
وأشتري لكِ ما في البحر من دُرَرِ..
وأشتري لكِ بلداناً بكاملها...
وأشتري لكِ ضوءَ الشمس.. والقَمَرِ..
***
ناديتُ .. ناديتُ.. لكنْ لم يُجِبْ أحَدٌ
في مخدع الحُبِّ، غيرُ الريحِ والمَطَرِ..
أَزَحتُ أثوابَها عنها.. فما اكترثتْ
كأنَّها يئِستْ مِنّي.. ومن خَطَري..
***
وكان ليلي طويلاً.. مثلَ عادتِهِ
وكنتُ أبكي على قبريْن من حَجَرِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وصفةٌ عربيةٌ لمداواة العشق
وصفةٌ عربيةٌ لمداواة العشق
رقم القصيدة : 68686
-----------------------------------
تصوَّرتُ حُبَّكِ..
طَفْحَاً على سطح جلْدِي..
أداويهِ بالماء.. أو بالكُحُولْ
وبرَّرتُهُ باختلافِ المناخْ..
وعلَّلتُه بانقلاب الفُصٌولْ..(53/488)
وكنتُ إذا سألوني، أقولْْ:
هواجسُ نَفْسٍ..
وضَرْبَةُ شمسٍ..
وخَدْشٌ صغيرٌ على الوجهِ.. سوف يزولْ...
سَيُحيي المراعي.. ويَرْوي الحقولْ..
ولكنَّهُ اجتاحَ برَّ حياتي..
فأغرَقَ كلَّ القرى..
وأتلفَ كلَّ السُهُولْ..
وجرَّ سريري..
وجدرانَ بيتي..
وخَلَّفني فوق أرض الذُهُولْ..
***
تصوَّرتُ في البدءِ..
أنَّ هواكِ يمرُّ مرورَ الغمامَه
وأنَّكِ شطُّ الأمانْْ
وبرُّ السلامَهْ..
وقدَّرتُ أن القضيّةَ بيني وبينكِ..
سوفَ تهونُ ككُلِّ القضايا..
وأنّكِ سوف تذوبينَ مثلَ الكتابة فوق المرايا..
وأنَّ مرورَ الزمانْ..
سيقطعُ كلَّ جُذور الحنانْ
ويغمُرُ بالثلج كلَّ الزوايا
***
تصوَّرتُ أنَّ حماسي لعينيكِ كان انفعالاً..
كأيِّ انفعالْ..
وأنَّ كلامي عن الحُبِّ، كان كأيِّ كلامٍ يُقَالْ
واكتَشفتُ الآنَ.. أنيَ كنتُ قصيرَ الخيالْ
فما كان حُبُّكِ طَفْحاً يُداوى بماء البنفسج واليانسُونْ
ولا كان خَدْشاً طفيفاً يُعالَجُ بالعشب أو بالدُهُونْ..
ولا كان نوبةَ بَرْدٍ..
سترحلُ عند رحيل رياح الشمالْ..
ولكنَّهُ كان سيفاً ينامُ بلحمي..
وجَيْشَ احتلالْ..
وأوَّلَ مرحلةٍ في طريق الجُنونْ..
وأوَّلَ مرحلةٍ في طريق الجُنونْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إن الأنُوثة من علم ربّي
إن الأنُوثة من علم ربّي
رقم القصيدة : 68687
-----------------------------------
1
يذوبُ الحنانُ بعينيكِ مثلَ دوائر ماءْ
يذوبُ الزمانُ، المكانُ، الحقولُ، البيوتُ،
البحارُ، المراكبُ،
يسقطُ وجهي على الأرض مثلَ الإناءْ
وأحملُ وجهي المكسَّرِ بين يديَّ..
وأحلُمُ بامرأةٍ تشتريهِ..
ولكنَّ من يشترونَ الأواني القديمةَ، قد أخبروني
بأنّ الوجوهَ الحزينةَ لا تشتريها النساءْ
***
2
وصلنا إلى نقطة الصِفْرِ..
ماذا أقولُ؟ وماذا تقولينَ؟
كلُّ المواضيع صارتْ سواءْ..
وصارَ الوراءُ أَمَاماً..
وصار الأَمَامُ وراءْ..
وصلنا إلى ذروة اليأس.. حيث السماءُ رصاصٌ..(53/489)
وحيثُ العناقُ قِصاصٌ..
وحيثُ ممارسةُ الجنس، أقسى جزاءْ..
***
3
تُحِبِّين.. أو لا تُحِبِّينَ..
إنَّ القضيَّةَ تعنيكِ أنتِ على أيٍِّ حالْ
فلستُ أجيدُ القراءةَ في شفتيكِ..
لكي أتنبَّأ في أيِّ وقتٍ..
سينفجرُ الماءُ تحت الرمالْ
وفي أيِّ شهرٍ تكونينَ أكثرَ عُشْباً..
وأكثرَ خِصْباً..
وفي أيِّ يومٍ تكونينَ قابلةً للوصالْ
***
4
تُريدينَ.. أو لا تُريدينَ..
إنَّ الأنوثةَ من علم ربّي..
ولو كنتُ أملكُ خارطةَ الطقس،
كنتُ قرأتكِ سطراً.. فسطراً
وبرّاً.. وبحراً..
ونهداً.. وخصراً..
وكنتُ تأكّدتُ من أيِّ صوبٍ.
تهبُّ رياحُ الجنوبِ،
ومن أيِّ صَوْبٍ، تهبُّ رياحُ الشمالْ
وكنتُ اكتشفتُ طريقي
إلى جُزُر التبغ، والشاي، والبرتُقَالْ..
***
تُحِبِّين.. أو لا تُحِبِّينَ..
إنَّ السنينَ، الشهورَ، الأسابيعَ،
تمرقُ كالرمل من راحَتَيْنَا..
أحاولُ تفسيرَ هذا التشابه في الحزنِ في نظرتَيْنَا.
أحاولُ تفسيرَ هذا الخرابِ..
الذي يتراكمُ شيئاً.. فشيئاً على شَفَتَيْنَا..
أحاولُ أن أتذكَّرَ عصرَ الكلام الجميلْ
وعصرَ المياهِ وعصرَ النخيلْ
أحاولُ ترميمَ حبِّكِ.. رغمَ اقتناعي
بأنَّ التصاقَ الزُجَاجِ المكسَّرِ ضربٌ من المستحيلْ..
***
تجيئينَ .. أو لا تجيئينَ..
إنَّ القضيَّةَ لا تستحقُّ الوقوفَ لديها طويلاً..
ولا تستحقُّ الغَضَبْ..
لقد أَصبحَ الماءُ مثلَ الخَشَبْ
لقد أَصبحَ الماءُ مثلَ الخَشَبْ
وكلُّ النساء اللواتي دخلنَ حياتي
أَتَيْنَ.. ورُحْنَ.. بغير سَبَبْ!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تكذيبٌ رسمي لسيدة ثرثارة
تكذيبٌ رسمي لسيدة ثرثارة
رقم القصيدة : 68688
-----------------------------------
لماذا تقولينَ للناس إنِّي حَبيبُكِ؟...
في حينَ لا أتذكَّرُ أنِّي..
وتروينَ أشياءَ مرّتْ بظنّكِ أنتِ،
لكنَّها لم تمُرَّ بظنّي؟
لماذا تقولينَ ما لا يُقالْ؟
وتبنينَ كلَّ قصورِكِ فوق الرمالْ(53/490)
وَتَسْتَمْتِعينَ بنَسْج أقاصيصَ فاقتْ حدودَ الخيالْ
لماذا تقولينَ: إنِّي خدعتُكِ..
إنّي ابتَزَزْتُكِ..
إنّي اغتصبتُكِ..
في حين لا أتذكَّرُ أنِّي..
فهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى من قبيل التمنِّي..
***
لماذا تَغِشِّينَ في وَرَق الحُبِّ؟.
تحترفينَ الفضيحةَ،
تحترفينَ الإشاعةَ،
تحترفينَ التجنّي..
لماذا تقولينَ:
إنَّ بقايا الأظافرِ فوق ذراعيْكِ مِنِّي...
وإنَّ النزيفَ الخفيفَ بزاوية الثغر مِنِّي...
وإنَّ شظايا الزُجاج المكسَّرِ ما بين نهديكِ.. مِنِّي..
لماذا تقولينَ هذي الحماقاتِ؟
في حين لا أتذكَّرُ أنّي رأيتُكِ..
لا أتذكَّرُ أنّي اشتهيتُكِ..
لا أتذكَّرُ أنّي..
فهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
تُرى من قبيل التمنّي..
***
لماذا تُسيئينَ فَهْمَ حناني؟
وتخترعينَ كلاماً عن الحُبِّ ما مرَّ فوق لساني
وتخترعينَ بلاداً إليها ذَهَبْنَا..
وتخترعينَ فنادقَ فيها نَزَلْنَا..
وتخترعينَ بحاراً..
وتخترعينَ مَوَاني
وتخترعينَ لنفسكِ ثوباً
من الورد، والنار، والأُرجوانِ..
لماذا ، على اللهِ سيِّدتي، تكذبينْ؟
وهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى من قبيل التمنّي..
لماذا تقولينَ؟
إنَّ ثلاثةَ أرباع شعري..
عن الحُبِّ، كانتْ إليكِ..
وإني اقتبستُ حروفَ الكتابةِ من شَفَتَيْكِ..
وإنّي تربَّيْتُ مثلَ خَرُوفٍ صغيرٍ على ركبتيْكِ..
لماذا تجيدينَ فنَّ الروايةِ؟
تختلقينَ الزمانَ..
المكانَ..
الوجوهَ..
الحوارَ..
الثيابَ..
المَشَاهِدَ...
في حين لا أتذكَّرُ وَجْهَكِ بين حُطَام الوجوهِ،
وبين حُطَام السنينْ..
ولا أتذكَّرُ أنِّي قرأتُكِ.. في كُتُب الورد والياسمينْ
فهل تكتُبينَ السيناريو الذي تشتهينْ؟
لكي تطمئِّني..
هل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى، من قبيل التمنّي...
***
لماذا تقولينَ بين الصديقاتِ والأصدقاءْ؟
بأنّي اختطفتُكِ...
_ رغمَ احتجاج رجالِ القبيلةِ،
رغمَ نباح الكلابِ، وسُخْطِ السماءْ _
لماذا تُعانينَ من عُقْدَة النَقْص؟(53/491)
تختلقينَ الأكاذيبَ..
تنتحرينَ بقطرة ماءْ..
وتستعملينَ ذكاءكِ حتى الغباءْ..
لماذا تُحبّينَ تمثيلَ دور الضحيّةِ؟
في حين ليسَ هناكَ دليلٌ..
وليسَ هناكَ شهودٌ...
وليسَ هناكَ دماءْ...
لماذا تقولينَ:
إنّكِ منِّي حَمَلْتِ.. وأَجْهَضْتِ..
في حين لا أتذكّرُ أنّي تشرَّفتُ يوماً بهذا اللقاءْ
ولا أتذكَّرُ من أنتِ.. بين زحام النساءْ
ولا ربَطَ الجنْسُ بيني وبينكِ..
لا في الصباحِ.. ولا في المساءْ
ولا في الربيعِ.. ولا في الشتاءْ
فكيف إذن تزعُمينْ
بأنِّي .. وأنيِّ.. وأنِّي..
وهل كان حَمْلُكِ منِّي
تُرى من قَبيل التمنّي؟...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> سأبدأ من أول السطر
سأبدأ من أول السطر
رقم القصيدة : 68689
-----------------------------------
سأَبدأُ من أَوَّلِ السطر.. إن كنتِ تعتقدينْ
بأنيِّ سقطتُ أمام التحدّي الكبيرْ!!
سأَبدأُ من أوَّلِ الخَصْر.. إن كنتِ تعتقدينْ
بأنِّي تلعثمتُ، مثل التلاميذ، فوق السريرْ..
سأبدأ من قِمّة الصدر.. إن كنتِ تعتقدينْ
بأنّي تصرّفتُ كالأغبياءْْ
أمام دموع المرايا.. وشكوى الحريرْ..
سأبدأُ من شفتيكِ نزولاً..
إذا كنتِ تخشينَ من غربة الليل والزمهريرْ
سأَبدأُ من قَدَمَيْكِ صعوداً..
إذا كان لا بدَّ لي أن أموتَ..
لأَربَحَ هذا الرهانَ الكبيرْ!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> راسبوتين العَربي
راسبوتين العَربي
رقم القصيدة : 68690
-----------------------------------
صراخُكِ دونما طائلْ
ورفضُكِ دونما طالْ
أنا القاضي بأمر اللهِ، والناهي بأمر اللهِ،
فامْتَثِلي لأحكامي،
فحبّي دائماً عادلْ..
أنا المنحدرُ كُليّاً إلى نهديْكِ..
والعصريُّ والحجريُّ..
والمَدَنيُّ والهَمَجيُّ..
والرُوحيُّ والجِنْسيُّ..
والوثنيُّ والصوفيُّ..
والمتناقضُ الأبديُّ..
والمقتولُ والقاتلْ..
أنا المكتوبُ بالكوفيِّ.. فوق عباءة العشّاق..
والعلنيُّ والسريُّ..
المرئيُّ والمخفيُّ..(53/492)
والمجذوبُ، والمسلوبُ، والحشَّاشُ، والمتعهِّرُ الفاضلْ.
أنا الممتدُّ مثل القوس بين الثلج والتُفَّاح،
بين النار والياقوتِ،
بين البحر والخلجانِ..
والموجودُ والمفقودُ
والمولودُ كالأسماك عند سواحل الكلماتْ
أنا المُتَسَكِّعُ الغَجَريُّ تأخذني خطوطُ الطولِ
في سَفَرٍ إلى الأعلى.. وتأخذني خطوطُ العرضِ
في سَفَرٍ إلى الأحلى.. فأسقط مثلَ درويشٍ
أمام تقاطع الفخذين.. والطُرُقاتْ..
وأستلقي على ظهري
وتنزلُ فوقيَ الآياتْ...
أنا القِدّيسُ تأتيني نساءُ العالم الثالثْ
فأَغسِلُهُنَّ بالكافور والحِنَّهْ..
وأغمرُهُنَّ بالبَرَكاتْ..
وأعطي كلَّ واحدةٍ بنفسجةً.. ومُوالاً..
وأرزقهنَّ أطفالا..
وأزرعهنَّ كالأشجار في الغاباتْ
وأوصيهنَّ أن يحفظنَ أشعاري
فشِعْري يُدْخِلُ الجنَّهْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يوميّات مريض ممنوع من الكتابة
يوميّات مريض ممنوع من الكتابة
رقم القصيدة : 68691
-----------------------------------
1
ممنوعةٌ أنتِ من الدخول، يا حبيبتي ، عَلَيَّهْ..
ممنوعةٌ أن تلمسي الشراشفَ البيضاءَ، أو أصابعي الثلجيَّهْ
ممنوعةٌ أن تجلسي.. أو تهمسي.. أو تتركي يديكِ في يَديَّهْ
ممنوعةٌ أن تحملي من بيتنا في الشامْ..
سرْباً من الحَمَامْ
أو فُلَّةً.. أو وردةً جُوريَّهْ..
ممنوعةٌ أن تحملي لي دُمْيَةً أحضُنُها..
أو تقرأي لي قصّةَ الأقزام، والأميرةِ الحسناء، والجنيَّهْ.
ففي جناح مرضى القلب يا حبيبتي..
يصادرونَ الحبَّ، والأشواقَ ، والرسائلَ السريَّهْ..
2
لا تَشْهَقي .. إذا قرأتِ الخَبَرَ المثيرَ في الجرائد اليوميَّهْ
قد يشعرُ الحصانُ بالإرهاق يا حبيبتي
حينَ يدقُّ الحافرَ الأوّلَ في دمشقْ
والحافرَ الآخرَ في المجموعة الشمسيَّهْ..
3
تَمَاسَكي.. في هذه الساعات يا حبيبتي
فعندما يقرّرُ الشاعرُ أن يثقبَ بالحروفِ..
جِلْدَ الكُرَة الأرضيَّهْ.
وأن يكونَ قلبُهُ تُفّاحةً(53/493)
يقضُمُهَا الأطفالُ في الأزِقّة الشعبيَّهْ..
وعندما يحاول الشاعرُ أن يجعل من أشعارِهِ
أرغِفَةً.. يأكُلُها الجياعُ للخبز وللحُريَّهْ
فلن يكونَ الموتُ أمراً طارئاً..
لأنَّ من يكتبُ يا حبيبتي..
يحملُ في أوراقه ذبْحَتَهُ القلبيَّهْ..
4
أرجوكِ أن تبتسمي.. أرجوكِ أن تبتسمي..
يا نَخْلَةَ العراق، يا عصفورةَ الرصافة الليليَّهْ
فَذّبْحةُ الشاعر ليستْ أبداً قضيَّةً شخصيَّهْ
أليسَ يكفي أنني تركتُ للأطفال بعدي لغةً
وأنني تركتُ للعُشّاق أبجديَّهْ..
5
أغطِيتي بيضاءْ..
والوقتُ، والساعاتُ، والأيَّامُ كلُّهَا بيضاءْ
وأوجُهُ الممرضات حولي كُتُبٌ أوراقُهَا بيضاءْ
فهل من الممكن يا حبيبتي؟
أن تضعي شيئاً من الأحمر فوق الشفة الملساءْ
فمنذ شهرٍ وأنا.. أحلُمُ كالأطفال أن تزورَني
فَرَاشةٌ كبيرةٌ حمراءْ..
6
أَطلب أقلاماً فلا يعطونني أقلامْ...
أطلبُ أيَّامي التي ليس لها أيَّامْ
أسألُهمْ برشامةً تُدخلني في عالم الأحلامْ
حتى حبوبُ النوم قد تعوَّدتْ مثلي على الصحو.. فلا تنامْ..
7
إن جِئتني زائرةً..
فحاولي أن تلبسي العقودَ، والخواتمَ الغريبةَ الأحجارْ
وحاولي أن تلبسي الغابات والأشجارْ..
وحاولي أن تلبسي قبّعةً مفرحةً كمعرض الأزهارْ
فإنّني سئمتُ من دوائر الكِلْسِ.. ومن دوائر الحَوَّارْ..
8
ما يفعلُ المشتاقُ يا حبيبتي في هذه الزنزانة الفرديَّه
وبيننا الأبوابُ ، والحُرَّاسُ، والأوامرُ العُرْفيَّهْ..
وبيننا أكثرُ من عشرين ألفَ سنةٍ ضوئِيَّهْ..
ما يفعلهُ المشتاقُ للحُبِّ، وللعزف على الأنامل العاجيَّهْ
والقلب لا يزالُ في الإقامة الجبريَّهْ..
9
لا تَشْعُري بالذنْبِ يا صغيرتي.. لا تشْعُري بالذَنْبْ..
فإنَّ كلَّ امرأةٍ أحببتُها..
قد أورثَتْني ذبحةً في القلب..
10
وصيَّةُ الطبيب لي:
أن لا أقولَ الشعرَ عاماً كاملاً..
ولا أرى عينيكِ عاماً كاملاً..
ولا أرى تحوُّلاتِ البحر في العين البنفسجيَّه(53/494)
الله.. كم تُضْحِكُني الوصيَّهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> 100 رسالة حُبّ (1)-(10)
100 رسالة حُبّ (1)-(10)
رقم القصيدة : 68692
-----------------------------------
(1)
لا يُشبهُ الكلامْ
وأخترع لغةً لكِ وحدكِ
أفصّلها على مقاييس جسدك
ومساحةِ حبّي.
*
أريدُ أن أسافرَ من أوراق القاموس
وأطلبَ إجازةً من فمي.
فلقد تعبتُ من استدارة فمي
أريدُ فماً آخر..
يستطيع أن يتحوّل متى أرادْ
إلى شجرة كَرَز
أو علبة كبريت
أريد فماً جديداً
تخرج منه الكلماتْ
كما تخرج الحوريّات من زَبَد البحر
وكما تخرج الصيصَانُ البيضاء
من قبَّعة الساحر..
*
خذُوا جميعَ الكتب
التي قرأتُها في طفولتي
خذُوا جميع كراريسي المدرسيّة
خذوا الطباشيرَ..
والأقلامَ..
والألواحَ السوداءْ..
وعلّموني كلمةً جديدة
أُعلّقها كالحَلَقْ
في أُذُن حبيبتي
*
أريدُ أصابعَ أخرى..
لأكتبَ بطريقةٍ أخرى
فأنا أكرهُ الأصابعَ التي لا تطول .. ولا تقصر
كما أكرهُ الأشجار التي لا تموت .. ولا تكبر
أريد أصابعَ جديدة..
عاليةً كصوراي المراكبْ
وطويلةً ، كأعناق الزرافاتْ
حتى أفصّل لحبيبتي
قميصاً من الشِعرْ..
لم تلبسه قبلي.
أريدُ أن أصنع لكِ أبجديّة
غيرَ كلّ الأبجدياتْ.
فيها شيء من إيقاع المطرْ
وشيء من غبار القمرْ
وشيء من حزن الغيوم الرماديّة
وشيء من توجّع أوراق الصفصاف
تحت عَرَبات أيلول.
*
أريد أن أهديكِ كنوزاً من الكلماتْ
لم تُهْدَ لامرأةٍ قبلك..
ولنْ تُهْدَى لامرأةٍ بعدكْ.
يا امرأةً..
ليس قَبْلَها قَبْلْ
وليس بَعْدَها بَعْدَ
*
أريدُ أن أعلَّم نهديْكِ الكسوليْنْ
كيف يُهجِّيان اسمي..
وكيف يقرءان مكاتيبي
أريدُ .. أن أجعلكِ اللغة..
(2)
(2)
أريدُ .. أن أجعلكِ اللغة..
نهارَ دخلتِ عليَّ
نهارَ دخلتِ عليَّ
في صبيحة يومٍ من أيام آذارْ
في صبيحة يومٍ من أيام آذارْ
كقصيدةٍ جميلةٍ .. تمشي على قَدَمَيْها
كقصيدةٍ جميلةٍ .. تمشي على قَدَمَيْها
دخلت الشمسُ معك..(53/495)
دخلت الشمسُ معك..
ودخل الربيعُ معك..
ودخل الربيعُ معك..
كان على مكتبي أوراقٌ.. فأورقَتْ
كان على مكتبي أوراقٌ.. فأورقَتْ
وكان أمامي فنجانُ قهوة
وكان أمامي فنجانُ قهوة
فشربني قبل أن أشربه
فشربني قبل أن أشربه
وكان على جداري لوحةٌ زيتية
وكان على جداري لوحةٌ زيتية
لخيول تركض..
لخيول تركض..
فتركتْني الخيولُ حين رأتكِ
فتركتْني الخيولُ حين رأتكِ
وركضتْ نحوك..
وركضتْ نحوك..
*
*
نهارَ زُرتني..
نهارَ زُرتني..
في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ
في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ
حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض
حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض
وسقَطَ في مكان ما.. من العالم
وسقَطَ في مكان ما.. من العالم
نيزكٌ مشتعلْ..
نيزكٌ مشتعلْ..
حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسلْ..
حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسلْ..
وحسبتهُ النساء..
وحسبتهُ النساء..
سواراً مرصَّعاً بالماسْ..
سواراً مرصَّعاً بالماسْ..
وحسبه الرجال..
وحسبه الرجال..
من علامات ليلة القدْرْ..
من علامات ليلة القدْرْ..
*
*
وحين نزعتِ معطفكِ الربيعيّ
وحين نزعتِ معطفكِ الربيعيّ
وجلستِ أمامي..
وجلستِ أمامي..
فراشةً تحمل في أحقابها ثيابَ الصيف..
فراشةً تحمل في أحقابها ثيابَ الصيف..
تأكّدتُ أن الأطفال كانوا على حقّ..
تأكّدتُ أن الأطفال كانوا على حقّ..
والنساء كُنَّ على حقّ..
والنساء كُنَّ على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
وأنّكِ..
وأنّكِ..
شهيّةٌ كالعسلْ..
شهيّةٌ كالعسلْ..
وصافيةٌ كالماسْ..
وصافيةٌ كالماسْ..
ومذهلةٌ كليلة القدرْ...
ومذهلةٌ كليلة القدرْ...
(3)
(3)
عندما قلتُ لكِ :
عندما قلتُ لكِ :
"أُحبّكِ".
"أُحبّكِ".
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة
أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة
وأقرع أجراسَ الفضيحة
وأقرع أجراسَ الفضيحة
كنتُ أريد أن أستلم السلطة(53/496)
كنتُ أريد أن أستلم السلطة
لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً
لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً
وبحارَ العالم أكثرَ زرقةً
وبحارَ العالم أكثرَ زرقةً
وأطفالَ العالم أكثرَ براءة.
وأطفالَ العالم أكثرَ براءة.
كنتُ أريد..
كنتُ أريد..
أن أُنهي عصرَ البربريَّة
أن أُنهي عصرَ البربريَّة
وأقتلَ آخر الخلفاء
وأقتلَ آخر الخلفاء
كان في نيّتي _عندما أحببتكِ_
كان في نيّتي _عندما أحببتكِ_
أن أكسر أبوابَ الحريم
أن أكسر أبوابَ الحريم
وأنقذَ أثداءَ النساء..
وأنقذَ أثداءَ النساء..
من أسنان الرجال..
من أسنان الرجال..
وأجعلَ حَلَمَاتهنّ
وأجعلَ حَلَمَاتهنّ
ترقصُ في الهواء مبتهجة
ترقصُ في الهواء مبتهجة
كحبّات الزعرور الأحمر..
كحبّات الزعرور الأحمر..
عندما قلتُ لكِ:
عندما قلتُ لكِ:
"أُحبّكِ".
"أُحبّكِ".
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنني أخترع أبجديةً جديدة
أنني أخترع أبجديةً جديدة
لمدينةٍ لا تقرأ..
لمدينةٍ لا تقرأ..
وأنشد أشعاري في قاعة فارغة
وأنشد أشعاري في قاعة فارغة
وأقدّم النبيذ
وأقدّم النبيذ
لمن لا يعرفون نعمة السُكْرْ.
لمن لا يعرفون نعمة السُكْرْ.
*
*
عندما قلتُ لكِ:
عندما قلتُ لكِ:
"أُحبّكِ"
"أُحبّكِ"
كنتُ أعرف.. أن المتوحّشين سيتعقبونني
كنتُ أعرف.. أن المتوحّشين سيتعقبونني
بالرماح المسمومة.. وأقواس النشّاب.
بالرماح المسمومة.. وأقواس النشّاب.
وأنّ صُوَري..
وأنّ صُوَري..
ستُلصَق على كلّ الحيطان
ستُلصَق على كلّ الحيطان
وأنَّ بَصَماتي..
وأنَّ بَصَماتي..
ستوزَّع على كلَّ المخافر
ستوزَّع على كلَّ المخافر
وأن جائزةً كبرى..
وأن جائزةً كبرى..
ستُعطى لمن يحمل لهم رأسي
ستُعطى لمن يحمل لهم رأسي
ليُعلّقَ على بوّابة المدينة
ليُعلّقَ على بوّابة المدينة
كبرتقالةٍ فلسطينية..
كبرتقالةٍ فلسطينية..
عندما كتبتُ اسمكِ على دفاتر الورد..
عندما كتبتُ اسمكِ على دفاتر الورد..
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..(53/497)
أنّ كلَّ الأُميّين سيقفون ضدّي
أنّ كلَّ الأُميّين سيقفون ضدّي
وكلَّ آلِ عثمان.. ضدّي
وكلَّ آلِ عثمان.. ضدّي
وكلَّ الدراويش .. والطرابيش .. ضدّي.
وكلَّ الدراويش .. والطرابيش .. ضدّي.
وكلّ العاطلين بالوراثة
وكلّ العاطلين بالوراثة
عن ممارسة الحبّ .. ضدّي
عن ممارسة الحبّ .. ضدّي
وكلَّ المرضى بوَرَم الجنس..
وكلَّ المرضى بوَرَم الجنس..
ضدّي..
ضدّي..
عندما قرّرتُ أن أقتلَ آخر الخلفاءْ
عندما قرّرتُ أن أقتلَ آخر الخلفاءْ
وأُعلنَ قيامَ دولةٍ للحبّ..
وأُعلنَ قيامَ دولةٍ للحبّ..
تكونين أنتِ مليكتَها..
تكونين أنتِ مليكتَها..
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنَّ العصافير وحدَها..
أنَّ العصافير وحدَها..
ستعلنُ الثورةَ معي..
ستعلنُ الثورةَ معي..
(4)
(4)
حين وزَّع اللهُ النساءَ على الرجالْ
حين وزَّع اللهُ النساءَ على الرجالْ
وأعطاني إيَّاكِ..
وأعطاني إيَّاكِ..
شعرتُ..
شعرتُ..
أنّه انحاز بصورة مكشوفة إليّْ
أنّه انحاز بصورة مكشوفة إليّْ
وخالفَ كلَّ الكتب السماويّة التي ألَّفها
وخالفَ كلَّ الكتب السماويّة التي ألَّفها
فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة
فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة
ألبسني الحرير، وألبسهم القطن
ألبسني الحرير، وألبسهم القطن
أهدى إليَّ الوردة
أهدى إليَّ الوردة
وأهداهم الغصن..
وأهداهم الغصن..
*
*
حين عَرَّفني اللهُ عليكِ..
حين عَرَّفني اللهُ عليكِ..
وذهب إلى بيته
وذهب إلى بيته
فكَّرتُ .. أن أكتب له رسالة
فكَّرتُ .. أن أكتب له رسالة
على ورقٍ أزرقْ
على ورقٍ أزرقْ
وأضعها في مُغلّفٍ أزرقْ
وأضعها في مُغلّفٍ أزرقْ
وأغسلها بالدمع الأزرقْ
وأغسلها بالدمع الأزرقْ
أبدؤها بعبارة: يا صديقي
أبدؤها بعبارة: يا صديقي
كنتُ أريد أن أشكرَهُ
كنتُ أريد أن أشكرَهُ
لأنّه اختاركِ لي..
لأنّه اختاركِ لي..
فاللهُ _ كما قالوا لي _
فاللهُ _ كما قالوا لي _
لا يستلم إلا رسائلَ الحب
لا يستلم إلا رسائلَ الحب(53/498)
ولا يجاوب إلا عليها..
ولا يجاوب إلا عليها..
*
*
حين استلمتُ مكافأتي
حين استلمتُ مكافأتي
ورجعتُ أحملك على راحة يدي
ورجعتُ أحملك على راحة يدي
كزهرة مانوليا
كزهرة مانوليا
بستُ يدَ الله..
بستُ يدَ الله..
وبستُ القمر والكواكب
وبستُ القمر والكواكب
واحداً .. واحداً
واحداً .. واحداً
وبستُ الجبال .. والأودية
وبستُ الجبال .. والأودية
وأجنحة الطواحين
وأجنحة الطواحين
بستُ الغيومَ الكبيرة
بستُ الغيومَ الكبيرة
والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة
والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة
بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط
بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط
والجُزُرَ التي لا تزال بذاكرة الخرائط
والجُزُرَ التي لا تزال بذاكرة الخرائط
بستُ الأمشاط التي ستتمشّطين بها
بستُ الأمشاط التي ستتمشّطين بها
والمرايا .. التي سترتسمين عليها..
والمرايا .. التي سترتسمين عليها..
وكلَّ الحمائم البيضاء..
وكلَّ الحمائم البيضاء..
التي ستحمل على أجنحتها
التي ستحمل على أجنحتها
جهازَ عرسك..
جهازَ عرسك..
(5)
(5)
لم أكُنْ يوماً ملِكاً
لم أكُنْ يوماً ملِكاً
ولم أنحدر من سلالات الملوكْ
ولم أنحدر من سلالات الملوكْ
غير أن الإحساسَ بأنّكِ لي..
غير أن الإحساسَ بأنّكِ لي..
يعطيني الشعورَ
يعطيني الشعورَ
بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمسْ
بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمسْ
وأسيطر على نزوات المطر، وعَرَبات الريح
وأسيطر على نزوات المطر، وعَرَبات الريح
وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس..
وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس..
وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي..
وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي..
وألعب بكواكب المجموعة الشمسية..
وألعب بكواكب المجموعة الشمسية..
كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر...
كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر...
لم أكنْ يوماً مَلِكاً
لم أكنْ يوماً مَلِكاً
ولا أريدُ أن أكونه
ولا أريدُ أن أكونه
غيرَ أن مُجرَّدَ إحساسي(53/499)
غيرَ أن مُجرَّدَ إحساسي
بأنّكِ تنامين في جوف يدي..
بأنّكِ تنامين في جوف يدي..
كلؤلؤة كبيرة..
كلؤلؤة كبيرة..
في جوف يدي..
في جوف يدي..
يجعلني أتوهَّم..
يجعلني أتوهَّم..
بأنّني قيصر من قياصرة روسيا
بأنّني قيصر من قياصرة روسيا
أو أنّني..
أو أنّني..
كسرى أنو شروانْ..
كسرى أنو شروانْ..
(6)
(6)
لماذا أنتِ؟
لماذا أنتِ؟
لماذا أنتِ وحدك؟
لماذا أنتِ وحدك؟
من دون جميع النساء
من دون جميع النساء
تغيِّرين هندسةَ حياتي
تغيِّرين هندسةَ حياتي
وإيقاعَ أيّامي
وإيقاعَ أيّامي
وتتسلّلين حافيةً..
وتتسلّلين حافيةً..
إلى عالم شؤوني الصغيرة
إلى عالم شؤوني الصغيرة
وتُقفلين وراءكِ الباب..
وتُقفلين وراءكِ الباب..
ولا أعترض..
ولا أعترض..
*
*
لماذا؟
لماذا؟
أُحبّكِ أنتِ بالذاتْ
أُحبّكِ أنتِ بالذاتْ
وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ
وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ
وأسمح لكِ..
وأسمح لكِ..
بأن تجلسي فوق أهدابي
بأن تجلسي فوق أهدابي
تُغنّين،
تُغنّين،
وتُدخّنين،
وتُدخّنين،
وتلعبين الورق..
وتلعبين الورق..
ولا أعترض.
ولا أعترض.
*
*
لماذا ؟
لماذا ؟
تشطبينَ كلَّ الأزمنة
تشطبينَ كلَّ الأزمنة
وتوقفين حركةَ العصور
وتوقفين حركةَ العصور
وتغتالين في داخلي
وتغتالين في داخلي
جميعَ نساء العشيرة
جميعَ نساء العشيرة
واحدة .. واحدة..
واحدة .. واحدة..
ولا أعترض
ولا أعترض
*
*
لماذا؟
لماذا؟
أعطيكِ، من دون جميع النساء
أعطيكِ، من دون جميع النساء
مفاتيحَ مُدُني
مفاتيحَ مُدُني
التي لم تفتح أبوابَها..
التي لم تفتح أبوابَها..
لأيّ طاغية
لأيّ طاغية
ولم ترفع راياتها البيضاء..
ولم ترفع راياتها البيضاء..
لأيّة امرأة..
لأيّة امرأة..
وأطلب من جنودي
وأطلب من جنودي
أن يستقبلوك بالأناشيد
أن يستقبلوك بالأناشيد
والمناديل..
والمناديل..
وأكاليل الغار..
وأكاليل الغار..
وأبايعكِ..
وأبايعكِ..
أمامَ جميع المواطنين
أمامَ جميع المواطنين
وعلى أنغام الموسيقى، ورنين الأجراس(53/500)
وعلى أنغام الموسيقى، ورنين الأجراس
أميرةً مدى الحياة..
أميرةً مدى الحياة..
(7)
(7)
علّمتُ أطفالَ العالم
علّمتُ أطفالَ العالم
كيف يهجّون اسمكِ..
كيف يهجّون اسمكِ..
فتحولت شفاهُهُم إلى أشجار توتْ.
فتحولت شفاهُهُم إلى أشجار توتْ.
أصبحتِ يا حبيبتي..
أصبحتِ يا حبيبتي..
في كُتُب القراءة ، وأكياس الحلوى.
في كُتُب القراءة ، وأكياس الحلوى.
خبأتُكِ في كلمات الأنبياء
خبأتُكِ في كلمات الأنبياء
ونبيذ الرهبان.. ومناديل الوداع
ونبيذ الرهبان.. ومناديل الوداع
رسمتكِ على نوافذ الكنائس
رسمتكِ على نوافذ الكنائس
ومرايا الحُلُم..
ومرايا الحُلُم..
وخشب المراكب المسافرة..
وخشب المراكب المسافرة..
أعطيتُ أسماكَ البحر..
أعطيتُ أسماكَ البحر..
عنوانَ عينيكِ
عنوانَ عينيكِ
فنسيتْ عناوينها القديمة
فنسيتْ عناوينها القديمة
أخبرتُ تجّار الشرق..
أخبرتُ تجّار الشرق..
عن كنوز جسدك..
عن كنوز جسدك..
فصارت القوافل الذاهبةُ إلى الهند
فصارت القوافل الذاهبةُ إلى الهند
لا تشتري العاج
لا تشتري العاج
إلا من أسواق نهديك..
إلا من أسواق نهديك..
أوصيتُ الريحَ
أوصيتُ الريحَ
أن تمشّط خصلات شعرك الفاحم
أن تمشّط خصلات شعرك الفاحم
فاعتذرتْ.. بأنَّ وقتها قصيرْ..
فاعتذرتْ.. بأنَّ وقتها قصيرْ..
وشعركِ طويلْ..
وشعركِ طويلْ..
(8)
(8)
من أنتِ يا امرأة؟
من أنتِ يا امرأة؟
أيّتها الداخلة كالخنجر في تاريخي
أيّتها الداخلة كالخنجر في تاريخي
أيّتها الطيّبة كعيون الأرانب
أيّتها الطيّبة كعيون الأرانب
والناعمة كوَبَر الخوخة
والناعمة كوَبَر الخوخة
أيتها النقيّة، كأطواق الياسمين
أيتها النقيّة، كأطواق الياسمين
والبريئة كمرايل الأطفال..
والبريئة كمرايل الأطفال..
أيتها المفترسة كالكلمة..
أيتها المفترسة كالكلمة..
أُخرجي من أوراق دفاتري
أُخرجي من أوراق دفاتري
أُخرجي من شراشف سريري..
أُخرجي من شراشف سريري..
أُخرجي من فناجين القهوة(54/1)
أُخرجي من فناجين القهوة
وملاعق السُكَّرْ..
وملاعق السُكَّرْ..
أُخرجي من أزرار قمصاني
أُخرجي من أزرار قمصاني
وخيوط مناديلي..
وخيوط مناديلي..
أخرجي من فرشاة أسناني
أخرجي من فرشاة أسناني
ورغوة الصابون على وجهي
ورغوة الصابون على وجهي
أخرجي من كلّ أشيائي الصغيرة
أخرجي من كلّ أشيائي الصغيرة
حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل...
حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل...
(9)
(9)
إني أُحبّكِ..
إني أُحبّكِ..
ولا ألعبُ معكِ لعبةَ الحبّ
ولا ألعبُ معكِ لعبةَ الحبّ
ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماكِ البحر
ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماكِ البحر
سمكة حمراء لكِ..
سمكة حمراء لكِ..
وسمكة زرقاء لي..
وسمكة زرقاء لي..
خذي كلَّ السمك الأحمر والأزرقْ
خذي كلَّ السمك الأحمر والأزرقْ
وظلّي حبيبتي..
وظلّي حبيبتي..
خذي البحرَ ، والمراكبَ ، والمسافرين.
خذي البحرَ ، والمراكبَ ، والمسافرين.
وظلّي حبيبتي..
وظلّي حبيبتي..
إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك..
إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك..
ولا أفكر في حساب الربح والخسارة..
ولا أفكر في حساب الربح والخسارة..
ربّما ..
ربّما ..
لم يكن عندي أرصدة في البنوك
لم يكن عندي أرصدة في البنوك
ولا آبار بترول أتغرغر بها..
ولا آبار بترول أتغرغر بها..
وتستحمّ فيها عشيقاتي..
وتستحمّ فيها عشيقاتي..
ربّما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان..
ربّما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان..
ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيس
ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيس
فأنا لستُ سوى شاعر..
فأنا لستُ سوى شاعر..
كلُّ ثروتي.. موجودةٌ في دفاتري
كلُّ ثروتي.. موجودةٌ في دفاتري
وفي عينيكِ الجميلتينْ..
وفي عينيكِ الجميلتينْ..
(10)
(10)
رماني حبُّكِ على أرض الدهشة
رماني حبُّكِ على أرض الدهشة
هاجمني..
هاجمني..
كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ..
كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ..
فاجأني..
فاجأني..
وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة(54/2)
وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة
نسيتُ القصيدة..
نسيتُ القصيدة..
فاجأني..
فاجأني..
وأنا أقرأُ خطوطَ يدي
وأنا أقرأُ خطوطَ يدي
نسيتُ يدي..
نسيتُ يدي..
داهمني كديكٍ متوحّش
داهمني كديكٍ متوحّش
لا يرى.. ولا يسمع
لا يرى.. ولا يسمع
إختلط ريشُه بريشي
إختلط ريشُه بريشي
إختلطتْ صيحاتُه بصيحاتي
إختلطتْ صيحاتُه بصيحاتي
فاجأني..
فاجأني..
وأنا قاعدٌ على حقائبي
وأنا قاعدٌ على حقائبي
أنتظر قطارَ الأيام..
أنتظر قطارَ الأيام..
نسيتُ القطارْ..
نسيتُ القطارْ..
ونسيتُ الأيّامْ..
ونسيتُ الأيّامْ..
وسافرتُ معكِ..
وسافرتُ معكِ..
إلى أرض الدهشة..
إلى أرض الدهشة..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (11)-(20)
رسالة حُبّ (11)-(20)
رقم القصيدة : 68702
-----------------------------------
(11)
أحملكُ كالوّشم على ذراع بدويّ،
أَحملكِ .. كطُعْم الجُدَريّ
وأتسكّع معك..
على كلّ أرصفة العالم.
ليس عندي جوازُ سفر
وليس عندي صورةُ فوتوغرافية
منذ كنتُ في الثالثة من عمري.
إنّني لا أُحبّ التصاوير..
كلّ يوم يتغيّر لونُ عيوني
كلّ يوم يتغيّر مكانُ فمي
كلّ يوم يتغير عددُ أسناني
إنّني لا أحبّ الجلوس
على كراسي المصوّرين..
ولا أحبّ الصورَ التذكارية
كلّ أطفال العالم يتشابهون..
وكلّ المعذّبين في الأرض يتشابهون
كأسنان المشط..
لذلك..
نقعتُ جوازَ سفري القديم..
في ماء أحزاني.. وشربتُه..
وقررتُ..
أن أطوفَ العالم على درّاجة الحريّة
وبنفس الطريقة غير الشرعيّة
التي تستعملها الريح عندما تسافر..
وإذا سألوني عن عُنواني
أعطيتُهمْ عنوان كلّ الأرصفة
التي اخترتُها مكاناً دائماً لاقامتي.
وإذا سألوني عن أوراقي
أريتهمْ عينيك يا حبيبتي..
فتركوني أمرُّ
لأنّهم يعرفون..
أن السفر في مدائن عينيكِ..
من حقّ جميع المواطنين في العالم
(12)
وجهُكِ محفورٌ على ميناء ساعتي
محفورٌ على عقرب الدقائق..
وعقرب الثواني..
محفورٌ على الأسابيع..(54/3)
والشهور.. والسَنَواتْ..
لم يعد لي زمنٌ خصوصيّ
أصبحتِ أنتِ الزمنْ.
*
إنتهتْ معكِ..
مملكةُ شؤوني الصغيرة.
لم يعد لديَّ أشياء أملكها وحدي.
لم يعد عندي زهورٌ أنسّقها وحدي.
لم يعد عندي كُتُبٌ
أقرؤها وحدي..
أنتِ تتدخّلين بين عيني وبين وَرَقتي.
بين فمي ، وبين صوتي.
بين رأسي ، وبين مخدَّتي.
بين أصابعي ، وبين لُفافتي.
*
طبعاً..
أنا لا أشكو من سُكْناكِ فيّْ..
ومن تدخّلك في حركة يدي..
وحركة جفني.. وحركة أفكاري
فحقولُ القمح لا تشكو من وفرة سنابلها
وأشجارُ التين لا تضيق بعصافيرها
والكؤوس لا تضيق بسكنى النبيذ الأحمر فيها.
كلُّ ما أطلبه منكِ يا سيّدتي
أن لا تتحرّكي في داخل قلبي كثيراً..
حتى لا أتوجّع..
(13)
ليس لكِ زمانٌ حقيقي خارجَ لهفتي
أنا زمانكِ
ليس لكِ أبعادٌ واضحة
خارج امتداد ذراعيّ
أنا أبعادُكِ كلّها
زواياك ودوائرك..
خُطوطُكِ المنحنية..
وخُطوطُكِ المستقيمة.
يومَ دخلتِ إلى غابات صدري
دخلتِ إلى الحريّة
يومَ خرجتِ منها
صرتِ جارية..
واشتراكِ شيخُ القبيلة.
*
أنا علّمتُكِ أسماءَ الشجرْ
وحوارَ الصراصير الليليّة
وأعطيتكِ عناوينَ النجوم البعيدة.
أنا أدخلتكِ مدرسةَ الربيع
وعلّمتكِ لغة الطير
وأبجديَّةَ الينابيع.
أنا كتبتُكِ على دفاتر المطرْ
وشراشف الثلج ، وأكواز الصنوبر
وعلّمتُكِ كيف تكلّمين الأرانبَ والثعالب..
وكيف تمشّطين صُوفَ الخِراف الربيعيَّة.
أنا أطلعتُكِ..
على مكاتيب العصافير التي لم تُنْشَرْ
وأعطيتُكِ .. خرائطَ الصيف والشتاء..
لتتعلّمي .. كيف ترتفع السنابلْ
وتزقزقُ الصيصانُ البيضاءْ..
وتتزوّج الأسماكُ بعضَها..
ويتدفّق الحليبُ من ثدي القمرْ..
لكنّكِ ..
تعبتِ من حصان الحريّة
فرماكِ حصانُ الحريّة
تعبتِ من غابات صدري
ومن سمفونية الصراصير الليليّة
تعبتِ من النوم عاريةً..
فوق شراشف القمر..
فتركتِ الغابة..
ليأكلكِ الذئب..
ويفترسَكِ ــ على سُنَّة الله ورسُوله
شيخُ القبيلة..
(14)(54/4)
السنتان اللتان كنتِ فيهما حبيبتي
هما أهمُّ صفحتين..
في كتاب الحبّ المعاصرْ.
كلُّ الصفحات ، قبلَهما ، بيضاء
وكلُّ الصفحات ، بعدَهما ، بيضاءْ
إنّهما خطّ الاستواء
المارّ بين فمي وفمك
وهُما المقياس الزمنيّ
الذي تعتمده المراصد
وتُضبطُ عليه كلّ ساعات العالم..
(15)
كُلّما طالَ شَعْرُكِ
طالَ عُمْري..
كُلَّما رأَيتُهُ منثوراً على كتفيكِ
لوحةً مرسومةً بالفحم،
والحبر الصينيّ..
وأجنحة السنُونُو
حوَّطتُهُ بكلّ أسماء الله..
هل تعرفين؟
لماذا أستميتُ في عبادة شَعْرك..
لأنّ تفاصيلَ قصّتنا
من أوّل سطر إلى آخر سطرٍ فيها
منقوشةٌ عليه..
شعرُكِ .. هو دفترُ مذكّراتنا
فلا تتركي أحداً..
يسرقُ هذا الدفترْ..
(16)
عندما تضعين رأسكِ على كَتِفي..
وأنا أسوق سيّارتي
تترك النجومُ مداراتها
وتنزل بالألوف..
لتتزحلق على النوافذ الزجاجيّة..
وينزل القمر..
ليستوطنَ على كَتِفي..
عندئذ..
يصبح التدخينُ معكِ مُتْعة..
والحوارُ متعة
والسكوتُ متعة
والضَياعُ في الطُرُقاتِ الشتائيهْ
التي لا أسماء لها..
متعة.
وأتمنّى .. لو نبقى هكذا إلى الأبد
المطر يُغنّي..
ومَسَّاحات المطر تُغنّي
ورأسك الصغير،
متكمّشٌ بأعشاب صدري
كفراشةٍ إفريقية ملوّنة
ترفض أن تطير..
(17)
كُلَّما رأيتُكِ..
أيأسُ من قصائدي.
إنّني لا أيأس من قصائدي
إلا حين أكونُ معك..
جميلةٌ أنتِ .. إلى درجةِ أنّني
حين أفكّر بروعتك .. ألهث..
تلهث لغتي..
وتلهث مُفْرَداتي..
خلّصيني من هذا الإشكال..
كُوني أقلّ جمالاً...
حتى أستردَّ شاعريتي
كُوني امرأةً عادية..
تتكحّل .. وتتعطّر .. وتحبل .. وتلِدْ
كُوني امرأةً مثلَ كلّ النساء..
حتى أتصالح مع لغتي..
ومع فمي..
(18)
لستُ معلِّماً..
لأعلّمك كيف تُحبّينْ.
فالأسماك، لا تحتاج إلى معلِّمْ
لتتعلَّمَ كيف تسبحْ..
والعصافير، لا تحتاج إلى معلِّمْ
لتتعلّمَ كيف تطير..
إسبحي وحدَكِ..
وطيري وحدَكِ..
إن الحبّ ليس له دفاتر..(54/5)
وأعظمُ عشّاق التاريخ..
كانوا لا يعرفون القراءة..
(19)
دعي بورجوازيَّتكِ ، يا سيّدتي
وسريرَ لويس السادس عشر
الذي تنامين عليه..
دعي عطورَك الفرنسية
وحقائبك المصنوعة من جلد التمساح..
واتبعيني..
إلى جُزُر المطر..
والأناناسْ..
والتوابل الحارقة..
حيث مياه السواحل ساخنة كجسدك..
وثمار المانغو..
مستديرة كنهديكِ..
إرمي كلَّ شيء وراءك..
واقفزي على صدري..
كسنجاب إفريقي..
فأنا يعجبني..
أن تتركي خدشاً واحداً على سطح جلدي.
أو جرحاً واحداً على زاوية فمي..
أتباهى به..
أمام رجال العشيرة..
آهِ .. يا امرأةَ التردّد .. والبرودْ
يا امرأة ماكس فاكتور.. وإليزابيت آردنْ
متحضِّرة أنتِ إلى درجة لا تحتملْ..
تجلسين على طاولة الحب..
وتأكلين بالشوكة والسكّينْ
أما أنا يا سيّدتي..
فبدويّ يختزن في شفتيه
عصوراً من العطش..
ويخبّئ تحت عباءته
ملايينَ الشموس..
فلا تغضبي منّي..
إذا خالفتُ آدابَ المائدة
ونزعتُ عن رقبتي الفوطةَ البيضاء
وعرَّيتكِ من ملابسك التنكّرية
وعلّمتكِ ..
كيف تأكلين بكلتا يديكِ
وتعشقين بكلتا يديكِ
وتركضين على رمال صدري
كمهْرةٍ بيضاءْ
تصهل في البادية..
(20)
لأنّني أُحبُّكِ..
يحدث شيءٌ غير عاديّ
في تقاليد السماء..
يصبح الملائكةُ أحراراً في ممارسة الحبّ..
ويتزوّج اللهُ .. حبيبته..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (21)-(28)
رسالة حُبّ (21)-(28)
رقم القصيدة : 68712
-----------------------------------
(21)
وَعَدتُكِ..
أن أبقى محتفظاً بوقاري
كلّما ذكروا اسمكِ أمامي
أرجوكِ . أن تحرّريني من وعدي القديم.
لأنّني كلّما سمعتُهم..
يتلفّظون باسمك..
أبذُلُ جهدَ الأنبياء..
حتى لا أصرخ..
(22)
أتغرغرُ بذكرياتك الصغيرة الملوَّنة
كما يتغرغر عصفورٌ بأغنية..
كما تتغرغر نافورةُ بيتٍ أندلسي
بمياهها الزرقاءْ...
(23)
فكّرتُ أن أستولدكِ طفلاً..
يأتي.. وفي فمه قصيدة.
فكّرتُ أن استولدكِ قصيدة..
فكّرتُ..(54/6)
في ليالي الشتاء الطويلة
أن أعتدي على جميع الشرائع
وأزرعَ في رحمك عصفوراً..
يحفظ سلالةَ العصافير..
فكّرتُ ..
في ساعات الهّذَيان واحتراق الأعصابْ..
أن أستنبت في أحشائكِ
غابةَ أطفال..
يحفظون تقاليدَ الأُسرة
في كتابة الشعر
ومغازلةِ النساءْ..
(24)
من أيّ جنسٍ أنتِ يا امرأة؟
من قبَّعة أيّ ساحرٍ خرجتِ؟
مَنْ يدّعي أنه سرق مكتوباً واحداً
من مكاتيب حبّك .. يكذبْ
مَنْ يدّعي أنه سرق إسوارةَ ذهبٍ صغيرة
من خزانتك يكذبْ..
مَنْ يدّعي أنّه سرق مشطاً واحداً
من أمشاط العاج التي تتمشّطين بها..
يكذبْ..
مَنْ يدّعي..
أنه اصطاد سمكةً واحدة..
من بحار عينيك.. يكذبْ.
من يدّعي أنه اكتشف..
نوعَ العطر الذي تستعملينه
وعنوانَ الرجل الذي تكاتبينه..
يكذبْ..
من يدّعي .. أنه اصطحبكِ
إلى أيّ فندق من فنادق العالم
أو دعاكِ إلى أيّ مسرح من مسارح المدينة
أو اشترى لكَِ طوقاً من الياسمين..
يكذبْ .. يكذبْ .. يكذبْ ..
فأنتِ متحفٌ مُغْلَقْ..
يومَ السبت، ويوم الأحدْ..
يومَ الثلاثاء ، ويوم الأربعاءْ
وفي كلّ أيّام الأسبوع
متحفٌ مغلقْ..
في وُجُوه جميع الرجالْ
طَوَالَ أيّام السنة...
(25)
رسائلي إليكِ..
تتخطّاني.. وتتخطّاكِ..
لأن الضوءَ أهمُّ من المصباحْ
والقصيدةَ أهمُّ من الدفترْ
والقبلةَ أهمُّ من الشفة..
رسائلي إليكِ..
أهمُّ منكِ .. وأهمُّ منّي
إنّها الوثائق الوحيدة..
التي سيكتشفُ فيها الناس
جمالكِ..
وجُنوني..
(26)
لن أكونَ آخر رجلٍ في حياتكِ.
ولكنني آخرُ قصيدة
مكتوبةٍ بماء الذهبْ
تُعلَق على جدار نهديْكِ
وآخرُ نبيّ
أقنع الناسَ بوجود جنّة ثانية
وراء أهداب عينيكِ.
(27)
بيني وبينك..
اثنتان وعشرون سنةً من العُمْرْ..
وبين فمي وفمك..
حين يلتصقان..
تنسحق السَنَوات..
وينكسر زجاجُ العمرْ..
(28)
في أيّام الصيف..
أَتمدّد على رمال الشاطئ
وأمارس هوايةَ التفكير بكِ..
لو أنّني أقول للبحر..
ما أشعر به نحوكِ
لترك شواطئَه..
وأصدافَه..(54/7)
وأسماكَه..
وتبعني...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (29)-(50)
رسالة حُبّ (29)-(50)
رقم القصيدة : 68720
-----------------------------------
(29)
عندما أسمعُ الرجال..
يتحدّثون عنكِ بحماسة
وأسمع النساء..
يتحدّثن عنكِ بعصبيَّة..
أعرفُ..
كم أنتِ جميلة..
(30)
كنتُ أعرفُ دائماً..
أنّكِ فُلّة..
ولكنّني عندما رأيتُكِ بثياب البحر.
أدركتُ ..
أنّك شجرةُ فُلّْ..
(31)
صداقةُ يَدَيْنَا..
أقوى من صداقتي معك..
وأصفى .. وأعمقْ..
فحين كنَّا نختصمُ .. ونغضبْ..
ونرفعُ قبضاتنا في الهواءْ..
كانت يدانا تلتصقان.. وتتعانقان..
وتتغامزان.. على غبائنا...
(32)
طالت أظافرُ حبّنا كثيراً..
علينا..
أن نقصَّ له أظافرَهْ
وإلا ذبحكِ..
وذبحني..
(33)
كلّما قبَلتُكِ..
بعد طول افتراق..
أشعر أنني..
أضعُ رسالةَ حبٍّ مستعجلة
في علبة بريد حمراء..
(34)
رسائلي إليكِ..
ليستْ مقاعد من القطيفة
تستريحين عليها..
إنّني لا أكتب إليكِ .. كي تستريحي
إنني أكتب إليكِ..
كي تحتضري معي..
وتموتي معي..
(35)
يندفع حبِّي نحوكِ..
كحصانٍ أبيض..
يرفضُ سرجَه وفارسَه
لو كنتِ يا سيّدتي
تعرفينَ أشواقَ الخيول
لملأتِ فمي..
لوزاً .. وكرزاً..
وفستقاً أخضر..
(36)
عندما تذهبين إلى الجَبَل
تصبحُ بيروت قارةً غيرَ مسكونة..
تصبحُ أرملة..
أنا ضدَّ الاصطياف كلّه
ضد كلّ ما يأخذك
بعيداً عن صدري..
(37)
كلُّ رجل سيُقبِّلُكِ بعدي..
سيكتشف فوق فمك
عريشةً صغيرةً من العنب
زرعتُها أنا...
(38)
إبتعدي قليلاً عن حدقتيْ عينيّ
حتى أُميِّزَ بين الألوان
إنهضي عن أصابعي الخمسة
حتى أعرف حجمَ الكون..
وأقتنع..
أن الأرض كُرويَّة..
(39)
كان المطرُ ينزل علينا معاً..
فتنمو ألوفُ الحشائش
على معطفينا.
بعد رحيلك..
صار المطر يسقط عليَّ وحدي..
فلا ينبت شيء..
على معطفي..
(40)
أتكوَّم..
على رمال نهديكِ.. مُتْعبَاً
كطفلٍ لم ينم منذ يوم ولادته
(41)(54/8)
آهِ.. لو تتحرّرينَ يوماً..
من غريزة الأرانب..
وتعرفين..
أنني لستُ صيّادَكِ
لكنني حبيبُكِ..
(42)
خطر لي ذاتَ يوم..
أن أخطفكِ على طريقة الشراكسة..
وأتزوّجَكِ..
تحت طَلَقات الرصاصْ..
والتماع الخناجرْ..
لكنّكِ قتلت حصاني
وهو يَلحس الشمعَ عن أصابع قدميك
وقتلتِ معه..
أجملَ لحظة شعر.. في حياتك.
(43)
عندما تزورينني..
بثوبٍ جديدْ..
أشعر بما يشعر به البستانيّ
حين تُزهر لديه شجرة..
(44)
عيناكِ..
حفلةُ ألعاب ناريّة
أتفرّج عليها مرةً .. كلَّ سنة.
وأظلّ طَوَالَ العام..
أُطفيء الحرائق المشتعلة..
في جلدي..
وفي ثيابي..
(45)
أريد أن أركب معكِ
ولو لمرةٍ واحدة..
قطارَ الجنون..
قطاراً ينسى أرصفتَه،
وقضبانَهُ ، وأسماءَ مسافريه..
أريد أن تلبسي..
ولو لمرة واحدة...
معطفَ المطر..
وتقابليني في محطّة الجنون..
(46)
شكراً .. على الدفاتر الملوّنة
التي أهديتها إليّ.
لا شيء يفتح شهيتي في الدنيا
أكثر من ورق الدفاتر الملوّنة
أنا كالثور الإسباني..
يطيب لي أن أموت..
على أية ورقة ملوّنة
ترتعش أمامي..
فهل كنتِ تعرفين يوم أهديتني دفاترك
نَزَواتي الإسبانية؟
(47)
كلّما سافرتِ..
طالبني عطرُكِ بكِ
كما يطالب الطفل بعودة أمّه..
تصوّري..
حتّى العطور..
حتّى العطورْْ..
تعرفُ الغربةَ..
وتعرف النفيْ..
(48)
هل فكّرتِ يوماً .. إلى أينْ؟
المراكبُ تعرف إلى أينْ..
والأسماكُ تعرف إلى أينْ..
وأسرابُ السنونو تعرف إلى أينْ..
إلا نحن..
نحن نتخبَّط في الماء ولا نغرفْ..
ونلبس ثيابَ السفر ولا نسافرْ
ونكتب المكاتيبَ ، ولا نرسلها..
ونحجز تذكرتينْ..
على كلّ الطائرات المسافرة..
ونبقى في المطار.
أنتِ ، وأنا ، أجبنُ مسافريْنْ
عرفَهما العصرْ..
(49)
مزّقتُ ، يومَ عرفتُكِ ،
كلَّ خرائطي .. ونُبُوءاتي.
وصرتُ كالخيول العربية
أشمُّ رائحةَ أَمطاركِ ، قبل أن تبلّلني
وأسمعُ إيقاعَ صوتك
قبل أن تتكلَّمي..
وأفكُّ ضفائرَك .. بيدي
قبل أن تضفريها..
(50)(54/9)
إغلقي جميعَ كُتُبي
واقرأي خطوطَ يدي
أو خطوطَ وجهي..
إنني أتطلّع إليك بانبهار طفل
أمامَ شجرةِ عيد الميلادْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (51)-(60)
رسالة حُبّ (51)-(60)
رقم القصيدة : 68721
-----------------------------------
(51)
فكّرتُ أمس.. بحبّي لكِ..
وأحببتُ التفكيرَ بتفكيري..
تذكّرتُ فجأةً..
قَطَراتِ العَسَل على شفتيكِ
فلحستُ السُكَّرَ عن جدران ذاكرتي..
(52)
أرجوكِ أن تحترمي صمتي..
إنَّ أقوى أسلحتي هو الصمتْ.
هل شعرتِ ببلاغتي عندما أسكت؟
هل شعرتِ بروعة الأشياء التي أقولها؟
عندما لا أقولُ شيئاً..
(53)
عندما ركبتِ معي..
(تِلفرِيك) جونيه..
وانزلقتْ المركبةُ بنا على رؤوس الشجرْ..
وأكواز الصنوبرْ..
وصواري السفن..
شعرتُ أنّني ورثتُ العرشَ فجأة..
وخطر لي أن أتزوّجك
في هذه الغرفة الزجاجيّة
المتدحرجة على الغيم.. كفندقٍ صغير
وأن يكون شاهدَ عُرْسِنا الوحيدْ
هو الله..
(54)
علاّقةُ المفاتيح الذهبيّة
التي أهديتنيها..
لا تفتحُ باباً واحداً
من أبوابك الحجريّة
وإنما تفتحُ..
أبوابَ جُروحي..
(55)
لماذا تطلبينَ منّي أن أكتبَ إليكِ؟
لماذا تطلبين منّي
أن أتعرّى أمامكِ كرجل بدائيّ؟
الكتابةُ هي العملُ الوحيدُ الذي يعرّيني.
عندما أتكلّم..
فإنني أحتفظ ببعض الثياب
أما عندما أكتب..
فإنني أصير حرّاً ، وخفيفاً
كعصفور خرافيٍّ لا وزن له..
عندما أكتب..
أنفصل عن التاريخ.. وعن جاذبيَّة الأرض..
وأدورُ ككوكبٍ..
في فضاء عينيك..
(56)
المتعاملُ معكِ..
كالمتعامل مع طيّارة وَرَقْ..
كالمتعامل..
مع الريح، والصُدْفة، ودُوار البحر.
لم أشعر معكِ في يوم من الأيام
بأنني أقف على شيء ثابت..
وإنما كنتُ أتدحرجُ..
من غيمة.. إلى غيمة
كالأطفال المرسومين على سقوف الكنائس.
(57)
إنزعي الخنجرَ المدفونَ في خاصرتي
واتركيني أعيش..
إنزعي رائحتَك من مسامات جلدي
واتركيني أعيش..
إمنحيني الفرصة..(54/10)
لأتعرّف على امرأة جديدة
تشطب اسمَكِ من مفكّرتي
وتقطعُ خُصُلاتِ شعرك
الملتفّة حول عنقي..
إمنحيني الفرصة..
لأبحث عن طُرُقٍ لم أمشِ عليها معكِ
ومقاعد لم أجلس عليها معكِ..
ومقاهٍ لا تعرفكِ كراسيها..
وأمكنةٍ ..
لا تذكركِ ذاكرتُها.
إمنحيني الفرصة..
لأبحث عن عناوين النساء اللواتي
تركتٌهنّ من أجلك..
وقتلتُهنّ من أجلك
فأنا أريد أن أعيش..
(58)
كلّما ضربَ المطرُ شبابيكي..
أتلمّس مكانكِ الخالي..
كلّما لَحَسَ الضبابُ زجاجَ سياّراتي
وحاصرني الصقيع..
وتجمّعت العصافير
لتنتشل سيّارتي المدفونة في الثلج
أَتذكّر حرارةَ يديكِ الصغيرتين..
والسجائر التي كنا نقتسمها
كالجنود في خنادقهم..
نصفٌ لكِ ..
ونصفٌ لي..
كلما علكت الرياحُ ستائرَ غرفتي
وعلكتْني..
أتذكر حبَّكِ الشتائي..
وأتوسّل إلى الأمطار
أن تُمطِرَ في بلادٍ أخرى
وأتوسّلُ إلى الثلج
أن يتساقطَ في مُدُنٍ أخرى
وأتوسّل إلى الله
أن يلغي الشتاء من مفكّرته
لأنني لا أعرف..
كيف سأقابل الشتاء بعدك..
(59)
الطائرة ترتفع أكثرَ .. وأكثرْ..
وأنا أحبّكِ أكثرَ .. وأكثرْ..
إنني أعاني تجربةً جديدة
تجربةَ حبّ امرأة على ارتفاع ثلاثين ألف قدم.
بدأتُ الآن أفهم الصوفيّة
وأشواقَ المتصوّفين..
*
من الطائرة..
يرى الإنسانُ عواطفه بشكل مختلف
يتحرّر الحبُّ من غُبار الأرض
من جاذبيتها..
من قوانينها..
يصبح الحبُّ كرةً من القطن، معدومةَ الوزن.
الطائرة تنزلق على سجّادة من الغيم المنَّتف.
وعيناك تركضان خلفها..
كعصفوريْْنِ فضوليّينْ..
يلاحقان .. فراشة.
*
أحمق أنا..
حين ظننتُ أنّي مسافرٌ وحدي..
ففي كلِّ مطار نزلتُ فيه..
عثروا عليكِ..
في حقيبة يدي..
(60)
قبلَ أن أدخلَ مدائنَ فمك
كانت شفتاكِ زهرتيْ حَجَرْ
وقدحي نبيذٍ .. بلا نبيذْ
وجزيرتين متجمّدتين في بحار الشمالْ..
ويوم وصلتُ إلى مدينة فمك..
خرجت المدينة كلُّها..
لترشَّني بماء الورد
وتفرشَ تحت موكبي السّجادَ الأحمرْ(54/11)
وتبايعني خليفةً عليها..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (61) - (70)
رسالة حُبّ (61) - (70)
رقم القصيدة : 68722
-----------------------------------
(61)
قُضيَ الأمرُ.. وأصبحتِ حبيبتي
قُضيَ الأمر..
ودخلتِ في طيّات لحمي.. كالظفر الطويلْ..
كالزِرِّ في العُرْوَة..
كالحَلَق في أُذُن امرأةٍ إسبانية..
*
لن تستطيعي بعد اليوم..
أن تحتجّي..
بأنّي مَلِكٌ غيرُ ديمُقراطي
فأنا في شؤون الحُبِّ.. أصنعُ دساتيري
وأحكم وحدي.
هل تستشير الورقةُ الشجرةَ قبل أن تطلع؟
هل يستشير الجنينُ أمَّه قبل أن ينزل؟
هل يستشير النهدُ الغلالة..
قبل أن يتكوَّر؟
*
كوني إذَنْ حبيبتي
واسكتي..
ولا تناقشيني في شرعيّة حبّي لكِ
لأن حبّي لكِ شريعةٌ
أنا أكتُبها..
وأنا أنفّذها..
أما أنتِ..
فمهمّتك أن تنامي كزهرة مارغريت
بين ذراعيّ
وتتركيني أحكمُ..
مهمّتك يا حبيبتي
أنْ تظلي حبيبتي..
(62)
أنتِ امرأةٌ مستريحة..
مستريحةٌ ككلّ المقاعد التي لا طموح لها..
وككلّ الجرائد المتروكة في الحدائق العامة.
الحبّ لديك.. حصانٌ
لا يتقدّم.. ولا يتقهقر
ساعي بريد .. يجيء أو لا يجيء
أيّامك كلُها..
مرسومةٌ في خطوط فناجين القهوة..
ووَرَق اللعِبْ..
ووَدَع المنجّماتْ..
مستريحةٌ أنتِ.. كأرجُلِ الطاولة..
نهدُكِ الأيمنُ، لا يعرف شيئاً ، عن نهدك الأيسرْ
وشفتُك العليا..
لا تدري، بشفتك السفلى..
*
أردتُ أن أنقل الثورة..
إلى مرتفعات نهديك.. ففشلتْ.
أردتُ أن أعلّمكِ الغضبَ، والكفرَ ، والحرّية
ففشلتْ..
الغضبُ لا يعرفه إلا الغاضبون
والكفرُ لا يعرفه إلا الكافرون..
والحرية سيفٌ..
لا يقطع إلا في يد الأحرار
أما أنتِ..
فمستريحةٌ إلى درجة الفجيعة
تراهنينَ على الخيول الراكضة
ولا تمتطينها..
وتلعبين بالرجال..
ولا تحترمين قواعدَ اللُّعْبَة..
أنتِ لا تعرفينَ قشعريرةَ المغامرة
والصدام مع المجهول ، واللامنتظَرْ
أنتِ تنتظرينَ المنتظَرْ..(54/12)
كما ينتظر الكتابُ من يقرؤه..
والمقعدُ من يجلس عليه..
والإصبعُ خاتمَ الخطبة..
تنتظرين رجلاً..
يُقشِّر لكِ اللوزَ والفستق
ويسقيكِ لبَنَ العصافيرْ
ويعطيكِ مفاتيحَ مدينةٍ
لم تحاربي من أجلها..
ولا تستحقّين شرفَ الدخول إليها..
(63)
يخطُرُ لي أحياناً..
أن أجلدكِ في إحدى الساحات العامة..
حتى تنشر الجرائد..
صورتي وصورتك في صفحاتها الأولى
وحتى يعرفَ الذين لا يعرفونْ..
أنّكِ حبيبتي.
*
لقد ضجرتُ .. من ممارسة الحبّ خلف الكواليس
ومن تمثيل دور العشَّاق الكلاسيكيين..
أريد أن أعتلي خشبةَ المسرحْ..
وأمزّق السيناريو..
وأعلن أمام الجمهور..
أنني عاشق على مستوى العصرْ
وأنكِ حبيبتي
رغمَ أنفِ العصرْ..
*
أريدُ..
أن تعترف الصحافةُ بي
كواحدٍ .. من أكبر فوضوييّ التاريخ
فهذه هي فرصتي الوحيدة..
لأظهرَ معكِ في صورةٍ واحدة
وليعرفَ الذين يقرأون صفحةَ الجرائم العاطفية
أنّك حبيبتي..
(64)
لا أستطيع أن أخرج من حدود بشريتي
وأعاملكِ على طريقة المجاذيب..
والأولياءْ..
إنني أهين أنوثتَكِ
إذا استبقيتُكِ عندي
كزهرةٍ من الورق..
*
ماذا تقول أنوثتك عني؟
إذا عاملتكِ..
كحقل لا يرغب أحدٌ في امتلاكه..
أو كأرضٍ محايدة..
لا يدخلها المحاربون..
ماذا يقول نهداكِ عني؟
إذا تركتهما يثرثران خلف ظهري..
ونمتْ..
ماذا تقول شفتاكِ عني..
إذا تركتُهما تأكلان بعضهما..
وذهبتْ..
*
ليس بوسعي
أن أنظرَ إليكِ
كما تنظر الأبقار الكسلى..
إلى خطوط سكّة الحديدْ..
ليس بوسعي أن أظلّ واقفاً
تحت جُنون مطرك الاستوائيّ..
بلا مظلّة..
(65)
عندما تكونينَ برفقتي
أحبُّ أن أتجاوز جميعَ إشارات المرور الحمراءْ
أُحسُّ بشهوة طفولية
لارتكاب ملايين المخالفات..
وملايين الحماقات..
*
عندما تكون يدُكِ مطمورةً في يدي
أُحبُّ أن أكسر جميعَ ألواح الزجاج
التي ركّبوها حول الحُبّ..
وجميعَ البلاغات الرسمية
التي أصدرتها الحكومة
لمصادرة الحُبّ..
وأشعرُ، بنشوةٍ لا حدود لها(54/13)
حين تصطدم نثاراتُ الزجاج المكسور..
بعجلات سيّارتي..
(66)
أنتِ لا تستحقّين البحرَ أيتها البيروتيّة..
ولا تستحقّين بيروتْْ
فمنذ عرفتك..
وأنتِ تقتربين من البحر..
كراهبة خائفة من الخطيئة..
تريدُ ماءً بلا بَلَل
وبحراً بلا غَرَق..
وعبثاً .. حاولتُ أن أقنعك
أن تخلعي نظَّارتكِ السوداءْ..
وجواربَكِ السميكة
وساعةَ يدِك..
وتنزلقي في الماء كسمكة جميلة..
ولكنّني فشلت.
وعبثاً حاولتُ أن أشرح لكِ
أن الدُوَارَ جزءٌ من البحر
وأن العشقَ فيه شيء من الموت
وأن الحُبَّ والبحر..
لا يقبلان أنصافَ الحلولْ..
ولكنني يئستُ من تحويلك إلى سمكة مغامرة..
فقد كانت كلُّ شروشك بريّة
وكلُّ أفكارك بريّة..
لذلك أبكي عليكِ يا صديقتي
وتبكي معي بيروت..
(67)
كان عندي قبلّكِ .. قبيلةٌ من النساءْ
أنتقي منها ما أريدْ..
وأعتق ما أريدْ..
كانت خيمتي..
بستاناً من الكُحْل والأساورْ
وضميري مقبرةً للأثداء المطعونة
كنتُ أتصرّف بنذالة ثريّ شرقي..
وأمارسُ الحبَّ..
بعقلية رئيس عصابة..
وحين ضربني حبُّكِ.. على غير انتظارْ
شبَّت النيرانُ في خيمتي
وسقطتْ جميعُ أظافري
وأطلقتُ سراحَ محظيّاتي
واكتشفتُ وجهَ الله..
(68)
مرّتْ شهورٌ..
وأنا لا أعرف رقم هاتفكْْ
أنتِ تفرضين حصاراً..
حتى على رقم هاتفكْ..
تمنعين الكلامَ أن يتكلّمْ..
ترفضين صداقةَ صوتي..
وزيارةَ كلماتي لكِ..
*
إذا كنتُ لا أستطيع أن أزورَكِ
فاسمحي لصوتي..
أن يدخلَ غرفةَ جلوسك
وينامَ على السجّادة الفارسيّة..
أنا ممنوع..
من دخول مملكتك الصغيرة..
فلا أعرف في أيِّ ركن تجلسينْ
وأيَّ المجلات تقرأينْ..
لا أعرف لونَ غطاء سريرك..
ولا لونَ ستائرك..
لا أعرف شيئاً عن عالمك الخرافيّّ
ولكنَّني أخترعه..
أضع الأبيضَ .. على الأحمرْ
والأزرقَ .. على الأصفرْ
حتى أصبحَ عندي ثروةٌ من اللوحاتْ
لا يمتلك مثلَها متحفُ اللوفر..
ولكنْْ..
إلى متى أظلّ أخترعك
كما يخترع الصوفيُّ ربَّهْ..
إلى متى؟(54/14)
أظلُّ أصنعكِ من خلاصة الأزهارْ
كما يفعل بائع العطور..
إلى متى أظلّ أجمعكِ..
قطعةً .. قطعة
من حقول التوليب في هولندا..
وكروم العنب في فرنسا
وهفيفِ المراوح في إسبانيا..
(69)
حين رقصتِ معي..
في تلك الليلة..
حدث شيء غريبْ.
شعرتُ .. أن نجمةً متوهّجة
تركت غرفتها في السماء
والتجأت إلى صدري..
شعرتُ ، كما لو أنّ غابةً كاملة
تنبتُ تحت ثيابي..
شعرتُ..
كما لو أن طفلةً في عامها الثالث
تقرأ .. وتكتب فُروضَها المدرسيّه
على قماش قميصي..
*
ليس من عادتي أن أرقص..
ولكنني .. في تلك الليلة
لم أكن أرقص فحسب..
ولكنني ..
كنتُ الرقصْ..
(70)
عاد المطرُ ، يا حبيبةَ المطرْ..
كالمجنون أخرج إلى الشرفة لأستقبلَهْ
وكالمجنون ، أتركه يبلّل وجهي..
وثيابي..
ويحوّلني إلى إسفنجة بحريّة..
*
المطر..
يعني عودةَ الضباب ، والقراميد المبلّلة
والمواعيد المبلّلة..
يعني عودتَكِ .. وعودةَ الشعر.
أيلول .. يعني عودة يديْنا إلى الالتصاقْ
فطوال أشهر الصيف..
كانت يدُكِ مسافرة..
أيلول..
يعني عودةَ فمك، وشَعْرك
ومعاطفك، وقفّازاتك
وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسيفْ.
*
المطر.. يتساقط كأغنية متوحّشة
ومَطَركِ..
يتساقط في داخلي
كقرع الطبول الإفريقية
يتساقط ..
كسهام الهنود الحُمْرْ..
حبّي لكِ على صوت المطرْ..
يأخذ شكلاً آخر..
يصير سنجاباً..
يصير مهراً عربياً..
يصير بَجَعةً تسبح في ضوء القمرْ..
كلما اشتدَّ صوتُ المطرْ..
وصارت السماء ستارةً من القطيفة الرمادية..
أخرجُ كخَرُوفٍ إلى المراعي
أبحث عن الحشائش الطازجة
وعن رائحتك..
التي هاجرتْ مع الصيف..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (71) - (80)
رسالة حُبّ (71) - (80)
رقم القصيدة : 68723
-----------------------------------
(71)
يوم تعثرينَ على رَجُل..
يقدر أن يحوّل كلَّ ذرَة من ذرّاتكِ
إلى شِعْرْ..
ويجعل كلَ شَعْرة من شَعَراتكِ .. قصيدة
يوم تعثرين على رَجُل..(54/15)
يقدر _ كما فعلتُ أنا _
أن يجعلك تغتسلينَ بالشِعرْ..
وتتكحّلين بالشِعرْ..
وتتمشّطين بالشِعرْ..
فسوفَ أتوسّلُ إليكِ..
أن تتبعيه بلا تردّد..
فليس المهمّ أن تكوني لي..
وليس المهمّ .. أن تكوني له
المهمّ..
أن تكوني للشعرْ..
هوايةً خطيرة..
وهي أن أتحدّثَ عنكِ إلى النساءْ..
لذةٌ كبيرةٌ .. أن أزرعَكِ في عيون النساءْ
في فضولهنّ..
في دهشتهنّ.
لذةٌ ما بعدها لذّة..
أن أُضرمَ النارَ في ثياب الجميلاتْ
وأتفرّج بفرح شيطاني..
على الحرائق المشتعلة فيهنّ..
عيونُ النساءْ..
هي المرايا المدهشة..
التي تطمئنني أن قصّة حبّنا غير مألوفة..
وأنكِ امرأة لا تكرّر..
سامحيني إذا فعلتُ هذا..
فأنا لا أطيقُ تعذيبَ الآخرينْ..
غير أنّي أردتُ رسْمَ صورتك
في أحداق النساء..
لأرى.. كيف تزدادُ اتساعا..
(73)
لا تشتكي من تطرّفي..
هي تلك الأيّام التي نسيتِ فيها تمدّنك
وانزرعتِ بلحمي .. كحربةٍ مسمومة..
أروعُ أيّامك..
_إذا كان لكِ أيَّامٌ قبلي_
هي الأيّام التي اختلط فيها رمادُك برمادي..
كما يختلطُ رمادُ لُفَافَتينْ..
في منفضةٍ واحدة..
(74)
لا أنا أستطيع أن أفعلَ شيئاً
ولا أنتِ تستطيعن أن تفعلي شيئاً
ماذا يستطيع أن يفعل الجرح
بعد دقائق . تضربُ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..
وينتهي عامٌ .. ويولدُ عامْ..
لا تهمّني السنوات التي تولد..
ولا السنواتُ التي تموت..
فأنتِ الزمنُ الوحيد..
لن أُقَبِّلك عندما تُطفأ الأنوارْ..
كما يفعل كلُّ الأغبياء..
ولن أرقصَ معكِ بشراسة
كما يفعل كلُّ المجانين..
ولن اخترعَ كلاماً سخيفاً
يحمل إليكِ أطيبَ تمنياتي بعامٍ جديدْ.
فالتمثيلُ ليس مهنتي..
إنّي أحبّكِ..
بعيداً عن كؤوس الويسكي..
وقُبَّعات الورقْ..
بعيداً عن موسيقى الجاز..
وانفجار البالونات الملوّنة..
أحبّك..
وأنا أنزفُ على الطاولة وحدي..
كما ينزف مصارع الثيرانْ..
أحبّكِ..
قبل أن تضربَ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..
وبعد أن تضربَ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..(54/16)
وإنما حبيبة كلِّ الساعاتْ..
وكلِّ الأزمنة..
بعد دقائقْ..
سيرحل عامٌ كنتِ سيّدتَه ومليكتَهْ
فيا سيّدتي ومليكتي
لا أريد من الله ذهباً ولا قصوراً..
لا أريد منه ديباجاً ولا حريرا..
أريدُ منه فقط..
أن يُبقيكِ حبيبتي..
(76)
يوم تعرّفتُ عليكِ .. منذ عامينْ
كنتِ قطّةً تركية مدلّلهْ..
تتشمَّس..
وتتثاءب..
وتلحس فروتها..
كنتِ تموئين.. وتشربينَ الحليبَ المعقَّمْ..
وتلعبين بخيوط الصوفْ..
ومن بَصَمات أصابعي..
عندما تعرّفتُ عليكِ..
لم تكن لديكِ همومٌ عاطفية
كبقيَّة القِطَطْ..
ولم تكن لديكِ شهيّةُ المغامرة..
والتناسل ، في الأزقة الضيّقة
كملايين القِطَطِ الأخرى..
*
بعد عامينْ..
من المناقشات العصبيَّة
والغضَب ، والتشنّجاتْ..
تحوّلتِ من قطة سمينة ومترهّلة..
تتعاطى الحبوبَ المنوِّمة..
والماريجوانا..
إلى قطةٍ ترفض تاريخَها..
فكسرتِ زجاجةَ الحليب المعقَّمْ
ورميتِ كرةَ الصوف على الأرض..
ووثبتِ إلى حضني..
*
بعد عامين معي..
أصبحتِ قطةً غيرَ عاديَّهْ
أصبحتِ قطّتي..
(77)
كنتُ ساذجاً..
حين تصوّرتُ أنّني أستطيع أن أغتالكِ بالسفرْ..
وأقتلكِ..
تحت عَجلات القطارات التي تحملني..
صوتُكِ..
يتبعني على كلِّ الطائراتْ..
يخرج كالعصفور من قبّعات المضيفاتْ..
ينتظرني..
في مقاهي سان جرمان.. وسوهو..
كنتُ ساذجاً..
حين ظننتُ أنّي تركتكِ ورائي.
كلُّ حقيبة أفتحها..
أجدكِ فيها..
كلُّ قميصٍ ألبسه ، يحمل رائحتكِ...
كلُّ جريدةٍ صباحية أقرؤها..
تنشر صورتك..
كلُّ مسرحٍ أدخله..
أراكِ في المقعد المجاور لمقعدي..
كلّ زجاجة عطرٍ أشتريها..
هي لكِ..
فمتى .. متى أتخلّص منكِ
أيتها المسافرةُ في سفري..
والراحلةُ في رحيلي..
(78)
أعرف..
ونحن على رصيف المحطّة.
أنَّكِ تنتظرين رجلاً آخر..
وأعرفُ، وأنا أحمل حقائبك
أنكِ ستسافرين مع رجل آخر..
وأعرف .. أنني لم أكنْ..
سوى مروحةٍ صينية خفَّفتْ عنكِ حرارة الصيفْ
ورميتِها بعد الصيفْ..
أعرف أيضاً..(54/17)
أن رسائل الحبّ التي كتبتُها لكِ..
لم تكن سوى مرايا..
ومع هذا ..
سأحملُ حقائبك..
وحقائبَ حبيبك..
لأنّني .. أستحي أن أصفع امرأةً
تحمل في حقيبة يدها البيضاءْ..
أحلى أيّام حياتي..
(79)
كلَّما مرَّ صوتُكِ البنفسجيّ
من أسلاك الهاتف..
وصَبَّحَ عليّْ..
أتحوّلُ إلى غابة..
(80)
لنْ يكونَ ذهابُكِ مأساوياً
كما تتصوّرينْ..
فأنا كأشجار الصفصافْ
أموتُ دائماً..
وأنا واقفٌ على قدميّْ..
لأنّني .. أستحي أن أصفع امرأةً
تحمل في حقيبة يدها البيضاءْ..
أحلى أيّام حياتي..
(79)
كلَّما مرَّ صوتُكِ البنفسجيّ
من أسلاك الهاتف..
وصَبَّحَ عليّْ..
أتحوّلُ إلى غابة..
(80)
لنْ يكونَ ذهابُكِ مأساوياً
كما تتصوّرينْ..
فأنا كأشجار الصفصافْ
أموتُ دائماً..
وأنا واقفٌ على قدميّْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (81) - (89)
رسالة حُبّ (81) - (89)
رقم القصيدة : 68724
-----------------------------------
(81)
بعد ما احترقتْ روما
واحترقتِ معها..
لا تنتظري منّي..
أن أكتبَ فيكِ قصيدةَ رثاءْ
فما تعودتُ..
أن أرثي العصافير الميِّتة..
أنتِ قاتلتِ على طريقة دون كيشوتْ..
وأنتِ مستلقية على سريرك..
هجمتِ على الطواحين..
وقاتلتِ الهواءْ..
فلم يسقط ظفرٌ واحدٌ..
من أظافرك المطليّة..
ولم تنقطع شعرةٌ واحدةٌ.. من شعرك الطويلْ..
ولم تسقط نقطةُ دمٍ واحدة..
على ثوبك الأبيضْ..
*
أيّ حربٍ.. تتحدّثين عنها؟
فأنتِ لم تدخلي معركةً واحدةً
مع رجل حقيقي..
لم تلمسي ذراعَهْ..
ولم تشُمّي رائحةَ صدرهْ..
ولم تغتسلي بعَرَقِهْ..
وإنّما..
كنتِ تخترعينَ رجالاً من الورقْ..
وفرساناً من الورقْ..
وخيولاً من الورقَ..
وتحبّين .. وتعشقين.. على الورقْ..
*
فيا أيتها الدونكشوتيّه الصغيرة..
إستيقظي من نومك،
واغسلي وجهك،
واشربي كُوبَ حليبك الصباحيّ..
وستعرفين بعدها..
أن كلَّ الرجال الذين عشقتهمْ..
كانوا من ورقْ..
(83)
هل لديكِ حلٌّ لقضيتنا؟(54/18)
ولا تستطيع أن تغرقْ..
*
فلقد شربتُ من ملح البحر
ما فيه الكفاية..
وشَوَتِ الشموسُ جِلْدي
بما فيه الكفاية..
وأكلتِ الأسماكُ المتوحّشة من لحمي
ما فيه الكفاية..
*
أنا شخصياً..
ضجرتُ من السَفَر
وضجرتُ من الضَجَرْ
فهل لديك حلٌّ .. لهذا السيف
الذي يخترقنا .. ولا يقتلنا؟
هل لديك حلٌّ؟.
لهذا الأفيون الذي نتعاطاه..
ولا يخدّرنا..
*
أنا شخصياً..
أريد أن أستريحْ..
على أيّ حَجَرٍ.. أريد أن أستريحْ
على أيّ كَتِفٍ..
أريدُ أن أستريحْ..
فلقد تعبتُ من المراكب التي لا أشرعةَ لها.
ومن الأرصفة التي لا أرصفة لها.
فقدّمي حلولكِ يا سيّدتي!
وخذي توقيعي عليها قبل أن أراها..
واتركيني أنامْ..
(84)
جاءني صوتُكِ بعد الظهر..
متوهّجاً كسبيكة الذَهَبْ..
كان عندي امرأة..
من فوق أجساد جميع النساءْ..
أقفز إليكِ..
وأتركهنَّ في الظلّ..
وأذهب معكِ..
ومرعبٌ . وبَشِعْ..
فظيع.. أن أغازلكِ..
وأنا واقفٌ على نهديْنِ عارييْنْ..
ولكنني فعلتُها..
ولكنني فعلتُها..
لأتحدّاكِ بوفرة من أعرف من النساءْ
ولأتحرر من بَصَمات أصابعك على أيّامي..
*
ولكنني حين سمعتُ صوتك في الهاتف
يتوهّج كسبيكة الذهبْ..
نسيتُ نسائي، ومحظيّاتي على الأريكة
وتبعتُكِ..
فيا أيّتها المستعمرةُ دقائقَ عمري..
إرفعي يديكِ لحظةً.. عن شَهَواتي..
لأعرفَ..
كيف أستعملُ جَسَدي..
(85)
أحببتِني بالحساب. وأحببتُكِ بالشعرْ..
وضعتِ رأسي على مخدةٍ من الحَجَرْ..
ووضعتُ رأسكِ على مخدَّةٍ من القصائدْ
أعطيتِني سمكةً.. وأعطيتُك البحرْ..
أعطيتني قطرةً من زيت القنديلْ..
وطوّبتُ لكِ البيادرْ..
أخذتِني إلى المدن المسكونة بالزمهريرْ
وأخذتُك إلى المدن المسكونة بالدهشة..
*
كنتِ رصينةً كمعلّمة مدرسة..
وجليديةً كالآلات الحاسبة..
ورضيتِ أن أُطعم نهديكِ تيناً وزبيباً
لأنّهما لم يأكلا منذ قرون..
أعطيتني شفتيك، وأنتِ خائفة من الزُكامْ
وصافحتِني .. وأنت تلبسين قفازات الدانتيلْ..
أما أنا..(54/19)
فقد تركتُ في فمكِ نصف فمي..
وتركتُ في راحتكِ .. نصفَ أصابعي...
(86)
إشربي فنجانَ قهوتك..
واستمعي بهدوء إلى كلماتي..
فربّما..
لن نشربَ القهوةَ معاً.. مرةً ثانية
ولن يُتاح لي أن أتكلّم مرةً ثانية.
*
لن أتحدّثَ عنكِ..
سطرانِ مكتوبانِ بالرصاص على هامشهْ..
ولكنني سأتحدّث ..
عمّا هو أكبرُ منكِ .. وأكبرُ منّي
وأنظفُ منكِ .. وأنظفُ منّي..
سأتحدث عن الحبّ..
عن هذه الفَرَاشة المدهشة..
التي حطّتْ على أكتافنا وطردناها..
عن هذه السمكة الذهبيّة..
عن هذه النجمة الزرقاءْ
التي مدّت إلينا يدها
ورفضناها..
*
ليست القضية أن تأخذي حقيبتكِ .. وتذهبي.
كلُّ النساء يأخذن حقائبهنَّ
في لحظات الغضب ويذهبنْ..
ليست القضية أن أطفىء لفافتي بعصبيَّة
في قماش المقعدْ..
كلُّ الرجال يحرقون قماشَ المقاعد عندما يغضبونْ
القضيَّة ليست بهذه البساطة..
وهي لا تتعلّق بكِ .. ولا تتعلّق بي
فنحنُ صِفْرانِ على شمال الحبّ..
وسطرانِ مكتوبانِ بالقلم الرصاص.. على هامشهْ.
القضية هي قضيّة هذه السمكة الذهبيّة..
التي رماها إلينا البحر ذاتَ يوم..
وسحقناها بين أصابعنا..
(87)
أنا متَّهمٌ بالشهريارية..
من أصدقائي..
ومن أعدائي..
متَّهم بالشهرياريّة.
وبأنني أجمعُ النساءْ..
كما أجمعُ طوابعَ البريد..
وعُلَبَ الكبريت الفارغة..
وأعلقهنّ بالدبابيس..
على جدران غرفتي..
وبالأوديبيَّة
وبكلِّ ما في كُتُب الطبّ النفسيّ من أمراض..
ليُثبتوا أنّهم مثقفون..
وأنّني منحرِفْ..
*
لا أحَدَ . يا حبيبتي
يريد أن يستمع إلى إفادتي..
فالقضاةُ معقّدون..
والشهود مرتشون..
وقرار إدانتي
يفهمُ طفولتي..
فأنا أنتمي إلى مدينةٍ لا تحبُّ الأطفالْ..
ولا تعترف بالبراءة..
ولم يسبق لها..
أن اشترت وردةً.. أو ديوانَ شعرْ..
أنا من مدينةٍ .. خشنة اليدينْ..
خشنة القلب..
خشنة العواطف
من كثرة ما ابتلعت من المسامير.. وقِطَعِ الزجاج.
أنا من مدينة جليديّة الأسوار
مات جميعُ أطفالها..(54/20)
من البرد..
*
إنني لا أفكّر في الاعتذار لأحدْ..
وليس في نيّتي أن أوكّل محامياً
ينقذ رأسي من حبل المشنقة.
فلقد شُنِقتُ..
آلافَ المرّاتْ..
حتى تعوّدتْ رقبتي على الشنقْ..
وتعوّد جَسَدي..
على ركوب سيّارات الإسعاف..
*
ليس في نيّتي أن أعتذر لأحدْ..
ولا أريد حكماً بالبراءة..
من أحدْ..
ولكنّني .. أريد أن أقول لكِ..
لكِ وحدَكِ، يا حبيبتي
في جلسةٍ علنيّة..
وأمام جميع الذين يحاكمونني..
بتهمة حيازة أكثر من امرأة واحدة..
واحتكار العطور، والخواتم ، والأمشاط
في زّمّن الحربْ..
أريدُ أن أقول:
إنّني أحبّك وحدَكِ..
وأتكمَّش بكِ..
كما تتكمَّش قشرةُ الرمّانة بالرمّانة..
والدمعةُ بالعين..
والسكينُ بالجرحْ..
أريد أن أقولْ..
ولو لمرةٍ واحدة
إنني لستُ تلميذاً لشهريارْ
ولم أمارس أبداً هوايةَ القتل الجماعيّ
وتذويب النساء في حامض الكبريتْ.
ولكنني شاعرٌ..
يكتبُ بصوتٍ عالٍ..
ويعشق بصوتٍ عالٍ..
وطفلٌ أخضرُ العينين..
مشنوقٌ على بوّابة مدينةٍ..
لا تعرفُ الطفولة..
(88)
لماذا تخابرينَ .. يا سيّدتي؟
لماذا تعتدينَ عليَّ بهذه الطريقة المتحضِّرة؟
ما دام زمنُ الحنان . قد ماتْ.
وموسم البَيْلَسَان قد ماتْ.
لماذا .. تكلّفين صوتكِ..
أن يغتالني مرةً أخرى؟
إنّني رجلٌ ميّت.
والميّت لا يموت مرّتينْ.
صوتُكِ له أظافرْ..
ولحمي، مطرّز كالشرشف الدمشقيّ،
بالطَعَناتْ..
ممدوداً بيني وبينكِ .. حبلاً من الياسمينْ
وأصبح الآن حبلَ مشنقة..
كان هاتفكِ..
فراشَ حريرٍ أستلقي عليه..
صار صليباً من الشوك أنزف فوقه..
كنتُ أفرح بصوتك..
عندما يخرجُ من سمّاعة الهاتف..
كعصفور أخضرْ..
أشربُ قهوتي معهْ..
وأدخّن معهْ..
وأطير إلى كلّ الآفاق..
معهْ..
كان ينبوعاً، ومِظلّة، ومروحة..
يحمل لي الفرحَ، ورائحةَ البراري..
صار كنواقيس يوم الجمعة الحزينة
يغسلني بأمطار الفجيعة..
*
أوقفي هذه المذبحة يا سيّدتي
فشراييني كلُّها مقطوعة..
وأعصابي كلُّها مقطوعة..(54/21)
ربّما ..
لا يزال صوتُكِ بنفسجياً
كما كان من قبل..
ولكنني _ مع الأسف _
لا أراه .. لا أراه..
لأنني مصاب بعمى الألوانْ..
(89)
هل وصلنا بحبّنا إلى نقطة اللارجوعْ؟
الرجوع لا يدخل في نطاق همومي.
الذهاب معكِ.. ونحوكِ.. وإليكِ..
هو أساسُ تفكيري.
الذهاب الذي لا يرجع
وليس لديه تذكرةُ عودة.
*
إنني أُحبّكِ..
ولا أطلب منكِ وثيقةَ تأمين
ضدَّ الموت عشقاً.
بل سأطلب منكِ _ على العكس_
أن تساعديني على الموت حرقاً
على الطريقة البوذيّة..
امرأةً مثلك..
تتشقّق قشرةُ الكون
وتصبح الأرضُ
علبة كبريت في يد طفل..
*
مجنونةٌ أنتِ .. إذا فكّرتِ
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
ولا حبوباً لمقاومة الدُوارْ
إنّني بخير هكذا..
إنّني بخير هكذا..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..(54/22)
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
ولا حبوباً لمقاومة الدُوارْ
إنّني بخير هكذا..
إنّني بخير هكذا..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (90) - (95)
رسالة حُبّ (90) - (95)
رقم القصيدة : 68725
-----------------------------------
(90)
رسالتُكِ ، في صندوق بريدي ، فُلَّةٌ بيضاء
حمامةٌ أَليفة..
تنتظرني لتنامَ في جوف يدي
فشكراً لكِ يا سخيَّةَ اليدينْ..
شكراً على موسم الفُلّْ..
*
تسألين:
ماذا فعلتُ في غيابك؟
غيابُكِ لم يحدثْ.
ورحلتُكِ لم تتم.
ظللتِ أنت وحقائبك قاعدةً على رصيف فكري
ظلَّ جوازُ سفرك معي
وتذكرةُ الطائرة في جيبي..
*
ممنوعةٌ أنتِ من السَفَرْ..
إلا داخلَ الحدود الإقليمية لقلبي..
ممنوعةٌ أنتِ من السفرْ..
خارجَ خريطة عواطفي واهتمامي بك..
أنتِ طفلةٌ لا تعرف أن تسافر وحدَها..
أن تمشي على أرصفة مُدُن الحبّ.. وحدَها..
أن تنزل في فنادق الأحلام.. وحدَها.
تسافرينَ معي.. أو لا تسافرينْ..
تتناولينَ إفطارَ الصباح معي..
وتتكئين في الشوارع المزدحمة على كَتِفي.
أو تظلّين جائعة..
وضائعة..
رسالتُك في صندوق بريدي
جزيرةُ ياقوتْ..
وتسألين عن بيروتْ..
شوارعُ بيروت، ساحاتُها، مقاهيها، مطاعمُها،
مرفأها.. بواخرها.. كلُّها تصبُّ في عينيْكِ
ويوم تغمضين عينيكِ..
تختفي بيروتْ.
لم أكن أتصوّر من قبل..
أن امرأةً تقدر أن تعمِّرَ مدينة..
أن تخترعَ مدينة..
أن تعطي مدينةً ما..
شمسَها ، وبحرها ، وحضارتَها..
لماذا أتحدّث عن المدن والأوطانْ؟
أنتِ وطني..
وجهُكِ وطني..
صوتُكِ وطني..
تجويف يدك الصغيرة وطني..
وفي هذا الوطن ولدتُ..
وفي هذا الوطن..
أريدُ أن أموت...
*
رسالتُكِ في صندوق بريدي
شمسٌ إفريقيَّة..
وأنا أُحبّكِ(54/23)
على مستوى الهمجيّة أُحبّك..
على مستوى النار والزلازل أُحبّكِ..
على مستوى الحمّى والجنون.. أُحبّكِ
فلا تسافري مرةً أخرى..
لأنّ الله _ منذ رحلتِ _ دخل في نوبة بكاء عصبية..
وأضربَ عن الطعام..
رسالتُكِ في صندوق بريدي..
ديكٌ مذبوحْ..
ذبحَ نفسَه.. وذبحني..
أحبّ أن يكون حبي لكِ على مستوى الذبحْ
على مستوى النزيف والإستشهادْ..
أُحبّ أن أمشي معكِ دائماً
على حَدِّ الخنجرْ..
وأن أتدحرجَ معكِ عشرةَ آلاف سنة
قبل أن نتهشَّم معاً على سطح الأرض.
تقرأين تعاليمَ ماو..
وكلَّ كُتُب الثورة الثقافية..
وتمشينَ في المسيرات الطويلة
ترفعين لافتات الحريّة
وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم
وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم..
وحين يهاجمك الحبّ..
كوحش أزرق الأنيابْ..
ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة..
وترمين صورة ماو على الأرض
وترمين معها، كلَّ لافتات الحرية
التي رفعتِها .. أنت وزميلاتك..
وتلتجئين باكيةً..
إلى صدر جدّتك
وتتزوَّجين..
على طريقة جدّتك..
(91)
تلبسين ملابسَ الهيبيّينْ..
وتعلّقين على شعرك الزهورْ
وفي رقبتك الأجراسْ..
وتمشينَ في المسيرات الطويلة
ترفعين لافتات الحريّة
وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم
وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم..
وحين يهاجمك الحبّ..
كوحش أزرق الأنيابْ..
ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة..
وترمين صورة ماو على الأرض
وترمين معها، كلَّ لافتات الحرية
التي رفعتِها .. أنت وزميلاتك..
وتلتجئين باكيةً..
إلى صدر جدّتك
وتتزوَّجين..
على طريقة جدّتك..
(92)
أشعر بالحاجة إلى النطق باسمك هذا اليوم..
لم أزرعه شمساً في رأس الورقة.. لم أتدفّأ به..
واليوم، وتشرين يهاجمني ويحاصر نوافذي، أشعر بحاجة إلى النطق به. بحاجة إلى أن أوقد ناراً صغيرة.. بحاجة إلى غطاء.. ومعطف.. وإليك.. يا غطائي المنسوج من زهر البرتقال، وطرابين الزعتر البريّ..(54/24)
لم أعد قادراً على حبس اسمكِ في حلقي. لم أعد قادراً على حبسك في داخلي مدةً أطول. ماذا تفعل الوردةُ بعطرها؟
أين تذهب الحقول بسنابلها، والطاووس بذيله، والقنديل بزيته؟
أين أذهب بكِ؟ أين أُخفيكِ؟
والناس يرونك في إشارات يدي، في نبرة صوتي في إيقاع خطواتي..
من رائحة ثيابي يعرف الناس أنكِ حبيبتي، من رائحة جلدي يعرف الناس أنكِ كنتِ معي، من خَدَر ذراعي يعرف الناس أنكِ كنتِ نائمة عليها..
لن أستطيع إخفاءك بعد اليوم..
فمن أناقة خطي يعرف الناس أنني أكتب إليكِ..
من فرحة خطاي يعرفون أنني ذاهبٌ إلى موعدك..
من كثافة العشب على فمي يعرفون أني قبّلتكِ..
لا يمكننا.. لا يمكننا .. أن نستمر في ارتداء الملابس التنكريَّة.. بعد الآن..
فالدروبُ التي مشينا عليها لا يمكن أن تسكت..
والعصافيرُ المبلّلة التي وقفت على أكتافنا سوف تخبر العصافيرَ الأخرى..
كيف تريدينني أن أمحو أخبارنا من ذاكرة العصافير..
كيف يمكنني أن أُقنع العصافير.. أن لا تنشر مذكّراتها؟
(93)
هذه رسالة غير عاديّة، عن يوم غير عاديّ.
قليلة جداً هي الأيّام غير العاديّة في حياة الإنسان. الأيّام التي يخرج بها من قفص بشريّته .. ليصبح عصفوراً.
يوم.. أو نصف يوم.. ربّما.. في حياة الانسان كلّها، يخرج فيه من السيلول الضيق، ليمارس حرّيته، ليقول ما يشاء.. ويحرّك يديه كما يشاء، ويحبّ من يشاء في الوقت الذي يشاء..
فإذا كتبتُ لكِ عن هذا اليوم غير العاديّ، فلأنني أشعر أنني تحرّرت في هذا اليوم من دَبَقي ومن صمغي.. وخرجتُ من صندوق النفاق الإجتماعي، ومن مغارة التاريخ، لأمارس حريتي كما يمارسها أيّ عصفور شارد في البريّة.
*
البحر كتابٌ أزرقُ الغلاف.. أزرقُ الصفحات..
وأنتِ بثوب الإستحمام، تقرأين تحت الشمس.
الحشرات الصغيرة تزحف على جسدك الزنبقيّ لتشرب الضوء..
ظَهْرُكِ مكشوف.. وقدماكِ تلعبان بحرية وطفولة على العشب النابت أمام باب بيتنا البحريّ..(54/25)
وأخيراً.. أصبح لنا بابٌ .. ومفتاحٌ.. ومنزلٌ بحريّ نلتجيء إليه..
ربّما لا تدركين معنى أن يكون للإنسان بيت، ومفتاح، وامرأة يحبّها..
ربّما لا تدركين أنني تلميذٌ هاربٌ من جميع مدارس الحبّ ومعلّميها..
هارب من ممارسة الحبّ بالإكراه، وممارسة الشوق بالإكراه، وممارسة الجنس بالإكراه..
وللمرة الأولى منذ عشرين سنة، أدخل معك منزلنا البحريّ فلا أشعر أن له سقفاً .. وجدراناً..
للمرة الأولى أدفن وجهي في صدر امرأةٍ أُحبُّها.. وأتمنى أن لا أستيقظ..
للمرة الأولى أقيم حواراً طويلاً مع جسد امرأةٍ أُحبّها.. ولا أفكر في الحصول على إجازة..
للمرة الأولى منذ عصور، أفكّر بتجديد إقامتي معك..
وحين يفكر رجل في تمديد إقامته مع امرأة .. فهذا يعني أنه دخل مرحلة الشعر.. أو مرحلة الهيستريا..
*
البحر شريطٌ من الحرير الأزرق على رأس تلميذة..
ونهداكِ يقفزان من الماء.. كسمكتين متوحّشتين..
وأنا أنكش في الرمل الساخن بحثاً عن لؤلؤة تشبه استدارة نهدَيْكِ..
نخلتُ كلَّ ذرّات الرمل، وفتحتُ مئات الأصداف، ولم أعثر على لؤلؤة بملاستهما..
إنتهى رملُ البحر كلُّه.. وانتهت قواقعي كلُّها.. ورجعتُ إلى صدرك نادماً ومعتذراً.. كطالبٍ راسبٍ في امتحاناته..
نتخبّط في الماء.. كطائرين بحرييّن لا وطن لهما.
قطراتُ الماء تكرج على الجسدين المتشابكينْ..
تتدحرج.. تشهق.. تغنّي.. ترقص.. تصرخ.. لا تعرف أيَّ الجسدَيْن تبلِّل..
قطراتُ الماء دوَّختها جغرافيةُ الجسدينْ المتداخلين..
لم تعد تعرف أين تسقط.. على أيّ أرض تتزحلق..
ضاعت جنسيّةُ الرخام. لم يعد للعنق اسم.. ولا للذراع اسم.. ولا للخصر اسم.. ضاعت أسماء الأسماء. الرخام كلّه معجون ببعضه.. براري الثلج كلها تشتعل.. وأنا.. وأنتِ.. مزروعان في زرقة الماء.. كسيفيْنِ من الذَهَب..
*
الحبُّ يجرفنا كصَدَفتيْن صغيرتيْن..
وأنا أتمسّك بشعرك بشراسة إنسان يغرق..(54/26)
لم يكن بإمكاني أن أكون أكثر تحضّراً، فحين تلتصقين بي كسمكة زرقاء.. أكونُ سخيفاً وغبيّاً إذا لم أجرّك معي إلى الهاوية.. لنستقرّ في قعر البحر سفينتيْن لا يعرف أحدٌ مكانَهما...
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
ذهبتِ أنتِ . وظلّتْ رغوةُ البحر تزحف على جسدي..
ظلّت الشمس جرحاً من الياقوت على جبيني.
حاولتُ أن أستعيدَكِ ، وأستعيدَ البحر..
نجحتُ في استرداد البحر.. ولم أنجح في استردادك.. فما يأخذه البحر لا يردّه.
حاولتُ أن أركِّبَ يومنا البحريّ تركيباً ذهنيّاً..
وألصق عشرات التفاصيل الصغيرة ببعضها.. كقطع الفسيفساء.
تذكّرتُ كلَّ شيء.
قبَّعتكِ البيضاء، ونظّارة الشمس، وكتابك الفرنسيّ المطمور بالرمل.. حتى النملة الخضراء، التي كانت تتسلّق على ركبتك الشمعيّة.. لم أنْسَها.. حتى قطرات العَرَق التي كانت تتزحلق كحبّات اللؤلؤ.. على رقبتك لم أنسَها..
حتى قَدَمُكِ الحافية التي كانت تتقلّب على الرمل، كعصفورة عطشى.. لم أنْسَها..
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
لا زال ثوبُ استحمامك البرتقاليّ، مشتعلاً كشجرة الكرز في مخيّلتي..
لا زال الماء المتساقط من شعرك.. يبلّل دفاتري..
كلُّ سطر أكتبه .. يغرق في الماء.
كلُّ قصيدة أكتبها.. تغرق في الماء..
واتركي الشمس.. تُشرق ثانيةً، على جَسَدي
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
وكتبَ البحرُ في دفتر مذكّراته:
"كانا رجلاً وامرأة..
وكنتُ بحراً حقيقياً.."
(94)
ساعة الكرملين تدقُّ في موسكو.. منتصف الليل..
وأنا عائد إلى فندقي من مسرح البُلْشوي حيث شاهدت باليه (بحيرة البجع)، تحفة تشايكوفسكي المذهلة.
خلال فترة العرض بحثتُ عن يدك أكثر من مرة.. عن يميني بحثت عنها.. وعن يساري بحثت عنها..
عندما أكون في حالة الفن، أو في حالة العشق.. أبحث عن يدك.. ألتجيء إليها، أكلّمها.. أضغط عليها.. أنزلق على لزوجتها.. أنام في جوفها..
ومن خلال أمطار الياسمين، خرجتِ أنتِ بَجَعةً بيضاء من بحيرة ذكرياتي.(54/27)
ورجعتُ إلى فندقي في آخر الليل.. لألملم زَغَبَ القطن المتناثر على ثيابي..
(95)
الفودكا.. تمرُّ فوق لساني سيفاً من نار..
ومع كلّ قطرةٍ تمرين أنتِ.
حاولتُ هذه الليلة أن أجامل..
حاولتُ أن أكون روسياً..
يبتلع عَشَرات الحرائق.. ولا يحترقْ
لكنني فشلت..
لأنّني كنتُ أواجه ناريْنْ..
فتاةُ المطعم موسكوفيَّة. إسمُها ناتاشا..
وأُحبّ أن أسمّيكِ ، مثلها، ناتاشا..
وأحبّ أن تركضي معي
وأحبّ أن تركضي معي
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
*
*
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
أما أنا فأشربُها..
أما أنا فأشربُها..
لأهربَ إليك..
لأهربَ إليك..
وأحبّ أن تركضي معي
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
*
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
أما أنا فأشربُها..
لأهربَ إليك..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (96) - (100)
رسالة حُبّ (96) - (100)
رقم القصيدة : 68726
-----------------------------------
(96)
أكتب إليكِ من لينغراد. عاصمة القياصرة.
درجة الحرارة صفر. وأنا ألبسك على جسدي كنزةً من الحنان.. واتدفَّأ بكِ كما تتدفَّأ كنيسةٌ بشموعها..
يُريحني أن ألبسَكِ على جسدي، فأنتِ حَطَبي وفحمي في هذه القارَّة المرتعشة المفاصل.
قضيتُ اليوم كلَّه في متحف الهيرميتاج.
كلُّ متاحف العالم تبدو أكواخاً فقيرة من القشّ أمام هذا المتحف الخرافة، حتى اللوفر العظيم يغطِّي وجهه بيديه مختجلاً إذا ذُكر اسمُ الهيرميتاج.(54/28)
ألفا غرفة تضمّ أروع وأثمن ما صنعته أصابع البشر، جمعها القياصرة قطعةً قطعةً من كلّ زاوية من زوايا الأرض.
كلُّ مصوّري العالم ونحّاتيه يتنفّسون في غرف الهيرميتاج ويتحدّثون مع الزوّار..
الهيرميتاج هو فندق كلّ عباقرة العالم.. فيه ينامون.. وفيه يرسمون .. وينحتون...
هنا وطن الفنّانين.. فلوحات رينوار، وماتيس، وفان غوخ ، وغويا، والغريكو، وروبنس، الموجودة هنا أعظم من آثارهم الموجودة في بلادهم الأصلية.
زرتُ الجناح الخاص بالامبراطورة كاترينا الثانية. رأيت ملابسها، وجواهرها، وأمشاطها، وخواتمها، وأثواب نومها المطرّزة بالذهب، ومعاطفها المشغولة بالحجارة الثمينة.
في لحظة من لحظات الحلم تصوَّرتك كاترين الثانية..
وأردتُ أن أُخرج جميع ما في الخزائن البللورية من عقود وأساور وأطرحها على قدميكِ.. يا قيصرةَ القياصرة..
في لحظة من لحظات الشرود، تصوّرت أن المتحف متحفك، والتيجان تيجانك، والوصيفات وصيفاتك..
وأنكِ تركبين العربة الملكيّة الموشّاة بالذهب وأحجار الياقوت والزمرّد.. وتنزلقين على ثلوج لينغراد.
هل تسمعين صوتي، وأنا أهتف مع الرعايا المتناثرين على أرصفة لينغراد (حفظ الله الملكة).
أنا واحدٌ من رعاياكِ يا قيصرة القياصرة.
أنا مواطنٌ يُحبّكِ..
على سواحل بحر الشمال تلتفّ ذراعي حول خصرك بحركة تلقائية..
على كلّ البحار أنت متمدّدة..
وعلى سطوح كلّ المراكب أنت مستلقية..
سمك منتشر في شراييني كبقعة حبر على ثوب أبيض..
ونهدك يطيعني كما تطيع التفاحة جاذبية الأرض..
إنفصالي عنكِ خرافة..
فنحن نسقط إلى الأعلى، نتدحرج إلى ذروة الشمس، يمسح الواحدُ منا حدودَ الآخر.. يُلغيه..
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
إنفصالي عنكِ خرافة..
(98)(54/29)
فنحن نسقط إلى الأعلى، نتدحرج إلى ذروة الشمس، يمسح الواحدُ منا حدودَ الآخر.. يُلغيه..
لستُ نادماً على أعوامي الضائِعةِ معكِ..
لستُ نادماً على أعوامي الضائِعةِ معكِ..
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
فأنا لا أحترفُ الندامة.
فأنا لا أحترفُ الندامة.
ولستُ آسفاً ..
لأنني لعبتُ على حصانٍ خاسرْ..
إن المقامرة على النساء.. كالمقامرة على الخيولْ..
غيرُ مضمونة النتائج..
ولا تصدُقُ فيها النُبُوءاتْ..
فكلُّ رجل ينتقي فَرَساً..
وكلُّ امرأة تنتقي جواداً..
ولا يربح في نهاية الشوط..
سوى النساءْ..
*
إن تجاربي مع الخيل والنساء.. متشابهة..
أربحُ مرةً.. وأخسرُ مرّاتْ..
أنتصرُ مرةً.. وأُهزم مرّاتْ..
ورغم هذا أستمرُّ في اللعبة..
وأجدُ في ممارستها الكثير من الشعرْ..
فلا أجمل من السقوط المفاجئ..
تحت حوافر الخيلْ..
أو تحت حوافر الحُبّ..
(99)
إطمئني يا سيّدتي!
فما جئت لأشْتُمَكِ،
أو لأشنقَكِ على حبال غَضَبي
ولا جئتُ، لأراجع دفاتري القديمة معكِ
فأنا رجلٌ ..
لا يحتفظ بدفاتر حبّه القديمة..
ولا يعود إليها أبداً..
لكنني جئتُ لأشكرك..
على زهور الحزن التي زرعتها في داخلي
فمنكِ تعلّمتُ أن أحبَّ الزهورَ السوداءْ..
وأشتريها..
وأوزّعها في زوايا غرفتي.
*
ليس في نيّتي،
أن أفضح انتهازيّتكِ..
أو أكشف الأوراق المغشوشة
التي كنتِ تلعبين بها.. خلال عامينْ..
لكنني جئتُ لأشكرك..
على مواسم الدمع..
وليالي الوجع الطويلة..
وعلى كلّ الأوراق الصفراء
التي نثرتِها على أرض حياتي..
فلولاكِ، لم أكتشفْ
لذّةَ الكتابة باللون الأصفرْ
ولذّةَ التفكير..(54/30)
باللون الأصفرْ..
ولذّةَ العشق باللون الأصفرْ..
(100)
هذه هي رسالتي الأخيرة..
ولن يكون بعدها رسائلْ...
هذه.. آخرُ غيمةٍ رماديةٍ
تمطر عليكِ..
ولن تعرفي بعدها المطرْ..
هذا آخرُ النبيذ في إنائي..
وبعده..
لن يكون سُكْرٌ.. ولا نبيذْ..
هذه آخرُ رسائل الجنونْ..
وآخرُ رسائل الطفولة...
ولن تعرفي بعدي، نقاءَ الطفولة، وطرافة الجنونْ..
لقد عشقتُكِ..
كطفلٍ هاربٍ من المدرسة..
يخبئ في جيوبه العصافير..
ويخبّئ القصائدْ..
كنتُ معكِ..
طفلَ الهلوسة، والشرود، والتناقضاتْ..
كنتُ طفلَ الشعر، والكتابة العصبيّة
أما أنتِ..
فكنتِ امرأةً شرقيّةَ الشروشْ
تنتظر قدَرَها..
في خطوط فناجين القهوة..
وملاءات الخاطباتْ....
ما أتعسكِ يا سيّدتي..
فلن تكوني في الكُتُب الزرقاء.. بعد اليوم
ولن تكوني في ورق الرسائلْ،
وبكاء الشموعْ..
وحقيبة موزع البريدْ..
لن تكوني في عرائس السُكَّرْ..
وطيّارات الورق الملوّنة..
لن تكوني في وَجَع القصائدْ..
فلقد نفيتِ نفسكِ خارجَ حدائق طفولتي..
وأصبحتِ نثراً....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحب لا يقف على الضوء الأحمر
الحب لا يقف على الضوء الأحمر
رقم القصيدة : 68727
-----------------------------------
" أنت في العشرين تستطيع أن تُحبّ..
وأنت في الثمانين تستطيع أن تُحبّ..
هناك دائماً مناسبة لاشتعال البرق.."
فرانسواز ساغان
- - -
إفتتاحيّة
هذا كتابي الأربعُونَ .. ولم أزَلْ
أحْبُو كتلميذٍ صغيرٍ .. في هَوَاكِ
هذا كتابي الأربَعُونَ..
ورغمَ كلِّ شَطَارتي .. ومَهَارتي
لم يرضَ عنّي ناهداكِ...
كلُّ اللغات قديمةٌ جداً..
وأَضْيَقُ من رُؤايَ ومن رُؤاكِ..
لا بدَّ من لغةٍ أُفَصِّلُها عليكِ .. حبيبتي..
لا بدَّ من لغةٍ تليقُ بمستواكِ
***
حَلَّقتُ آلافَ السنين.. وما وصلتُ إلى ذُرَاكِ
وجلبتُ تيجانَ الملوكِ..
وما حصلتُ على رضَاكِ..
وصعدتُ فوق الأبْجَديَّة كي أراكِ..(54/31)
يا مَنْ تخيطُ قصائدي ثوباً لها..
هل ممكنٌ بين القصيدةِ .. والقصيدةِ ..
أنْ أراكِ؟؟...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القرار
القرار
رقم القصيدة : 68728
-----------------------------------
إنّي عشِقْتُكِ .. واتَّخذْتُ قَرَاري
فلِمَنْ أُقدِّمُ _ يا تُرى _ أَعْذَاري
لا سلطةً في الحُبِّ .. تعلو سُلْطتي
فالرأيُ رأيي .. والخيارُ خِياري
هذي أحاسيسي .. فلا تتدخَّلي
أرجوكِ ، بين البَحْرِ والبَحَّارِ ..
ظلِّي على أرض الحياد .. فإنَّني
سأزيدُ إصراراً على إصرارِ
ماذا أَخافُ ؟ أنا الشرائعُ كلُّها
وأنا المحيطُ .. وأنتِ من أنهاري
وأنا النساءُ ، جَعَلْتُهُنَّ خواتماً
بأصابعي .. وكواكباً بِمَدَاري
خَلِّيكِ صامتةً .. ولا تتكلَّمي
فأنا أُديرُ مع النساء حواري
وأنا الذي أُعطي مراسيمَ الهوى
للواقفاتِ أمامَ باب مَزاري
وأنا أُرتِّبُ دولتي .. وخرائطي
وأنا الذي أختارُ لونَ بحاري
وأنا أُقرِّرُ مَنْ سيدخُلُ جنَّتي
وأنا أُقرِّرُ منْ سيدخُلُ ناري
أنا في الهوى مُتَحكِّمٌ .. متسلِّطٌ
في كلِّ عِشْقِ نَكْهةُ اسْتِعمارِ
فاسْتَسْلِمي لإرادتي ومشيئتي
واسْتقبِلي بطفولةٍ أمطاري..
إنْ كانَ عندي ما أقولُ .. فإنَّني
سأقولُهُ للواحدِ القهَّارِ...
عَيْنَاكِ وَحْدَهُما هُمَا شَرْعيَّتي
مراكبي ، وصديقَتَا أسْفَاري
إنْ كانَ لي وَطَنٌ .. فوجهُكِ موطني
أو كانَ لي دارٌ .. فحبُّكِ داري
مَنْ ذا يُحاسبني عليكِ .. وأنتِ لي
هِبَةُ السماء .. ونِعْمةُ الأقدارِ؟
مَنْ ذا يُحاسبني على ما في دمي
مِنْ لُؤلُؤٍ .. وزُمُرُّدٍ .. ومَحَارِ؟
أَيُناقِشُونَ الديكَ في ألوانِهِ ؟
وشقائقَ النُعْمانِ في نَوَّارِ؟
يا أنتِ .. يا سُلْطَانتي ، ومليكتي
يا كوكبي البحريَّ .. يا عَشْتَاري
إني أُحبُّكِ .. دونَ أيِّ تحفُّظٍ
وأعيشُ فيكِ ولادتي .. ودماري
إنّي اقْتَرَفْتُكِ .. عامداً مُتَعمِّداً
إنْ كنتِ عاراً .. يا لروعةِ عاري(54/32)
ماذا أخافُ ؟ ومَنْ أخافُ ؟ أنا الذي
نامَ الزمانُ على صدى أوتاري
وأنا مفاتيحُ القصيدةِ في يدي
من قبل بَشَّارٍ .. ومن مِهْيَارِ
وأنا جعلتُ الشِعْرَ خُبزاً ساخناً
وجعلتُهُ ثَمَراً على الأشجارِ
سافرتُ في بَحْرِ النساءِ .. ولم أزَلْ
_ من يومِهَا _ مقطوعةً أخباري..
***
يا غابةً تمشي على أقدامها
وتَرُشُّني يقُرُنْفُلٍ وبَهَارِ
شَفَتاكِ تشتعلانِ مثلَ فضيحةٍ
والناهدانِ بحالة استِنْفَارِ
وعَلاقتي بهما تَظَلُّ حميمةً
كَعَلاقةِ الثُوَّارِ بالثُوَّارِ..
فَتشَرَّفي بهوايَ كلَّ دقيقةٍ
وتباركي بجداولي وبِذَاري
أنا جيّدٌ جدّاً .. إذا أحْبَبْتِني
فتعلَّمي أن تفهمي أطواري..
مَنْ ذا يُقَاضيني ؟ وأنتِ قضيَّتي
ورفيقُ أحلامي ، وضوءُ نَهَاري
مَنْ ذا يهدِّدُني ؟ وأنتِ حَضَارتي
وثَقَافتي ، وكِتابتي ، ومَنَاري..
إنِّي اسْتَقَلْتُ من القبائل كُلِّها
وتركتُ خلفي خَيْمَتي وغُبَاري
هُمْ يرفُضُونَ طُفُولتي .. ونُبُوءَتي
وأنا رفضتُ مدائنَ الفُخَّارِ..
كلُّ القبائل لا تريدُ نساءَها
أن يكتشفْنَ الحبَّ في أشعاري..
كلُّ السلاطين الذين عرفتُهُمْ..
قَطَعوا يديَّ ، وصَادَرُوا أشعاري
لكنَّني قاتَلْتُهُمْ .. وقَتَلْتُهُمْ
ومررتُ بالتاريخ كالإعصارِ ..
أَسْقَطْتُ بالكلمَاتِ ألفَ جِدَارِ ..
أَصَغيرتي .. إنَّ السفينةَ أَبْحَرتْ
فَتَكَوَّمي كَحَمَامةٍ بجواري
ما عادَ يَنْفعُكِ البُكَاءُ ولا الأسى
فلقدْ عشِقْتُكِ .. واتَّخَذْتُ قراري..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> معها .. في باريس
معها .. في باريس
رقم القصيدة : 68729
-----------------------------------
لا الشعرُ ، يُرضي طُمُوحاتي ، ولا الوَتَرُ
إنّي لعَيْنَيْكِ ، باسمِ الشِعْرِ ، أَعتذِرُ..
يا مَنْ تَدُوخُ على أقدامِكِ الصُوَرُ
يُروِّجُونَ كلاماً لا أُصَدِّقُهُ
كم صَعْبةٌ أنتِ .. تَصْويراً وتَهْجِيَةً
إذا لَمَسْتُكِ ، يبكي في يدي الحَجَرُ(54/33)
ولا البصيرةُ ، تكفيني ، ولا البَصَرُ
نَهْداكِ .. كان بودِّي لو رَسَمْتُهُمَا
***
أيا غَمَامةَ مُوسيقى .. تُظلِّلُني
الحَرْفُ يبدأُ من عَيْنَيْكِ رحْلتَهُ
كلُّ اللُغاتِ بلا عينيكِ .. تَنْدثِرُ
إلى نبيذٍ ، بنار العِشْق يَخْتَمِرُ
ولم أُخَطِّطْ لهُ .. لكنَّهُ القَدَرُ..
هزائمي في الهوى تبدو مُعَطَّرَةً
تركتُ خَلْفيَ أمجادي .. وها أنذا
بطُولِ شَعْرِكِ _ حتى الخَصْرِ _ أفْتَخِرُ
وأنتِ .. أجملُ ما في حُبِّكِ الخَطَرُ
يا مَنْ أُحِبُّكِ .. حتى يستحيلَ فمي
جرائرُ الكُحْلِ في عينيكِ مُدْهِشَةٌ
ماذا سأفعلُ لو ناداني السفرُ؟؟
ولُؤلُؤُ البحر شفَّافٌ .. ومُبْتَكرُ
هل تذكرينَ بباريسَ تسكُّعَنَا ؟
خُطَاكِ في ساحة (الفاندوم) أُغنيةٌ
وكُحْلُ عينيكِ في (المادلين) ينتثرُ ..
ما زال في رُكْنِنَا الشعريِّ ، ينتظرُ
كلُّ التماثيل في باريسَ تعرفُنا
حتّى النوافيرُ في (الكونكُورد) تذكُرُنا
ما كنتُ أعرفُ أن الماءَ يَفْتكِرُ ..
نبيذُ بُوردو .. الذي أحسُوهُ يصرعُني
ودفءُ صوتِكِ .. لا يُبْقي ولا يَذَرُ
ما دامَ حُبُّكِ يُعْطيني عباءتَهُ
فكيفَ لا أفتحُ الدنيا .. وأنتصِرُ ؟
والعاشقُ الفذُّ .. يحيا حين ينتحِرُ ...
تمشينَ أنتِ .. فيمشي خلْفكِ الشجرُ
خُطَاكِ في ساحة (الفاندوم) أُغنيةٌ
وكُحْلُ عينيكِ في (المادلين) ينتثرُ ..
صَديقَةَ المطعم الصِينيِّ .. مقعدُنا
ما زال في رُكْنِنَا الشعريِّ ، ينتظرُ
كلُّ التماثيل في باريسَ تعرفُنا
وباعةُ الورد ، والأكشَاكُ ، والمَطَرُ
حتّى النوافيرُ في (الكونكُورد) تذكُرُنا
ما كنتُ أعرفُ أن الماءَ يَفْتكِرُ ..
***
نبيذُ بُوردو .. الذي أحسُوهُ يصرعُني
ودفءُ صوتِكِ .. لا يُبْقي ولا يَذَرُ
ما دُمْتِ لي .. فحدودُ الشمس مملكتي
والبرُّ ، والبحرُ ، والشُطْآنُ ، والجُزُرُ
ما دامَ حُبُّكِ يُعْطيني عباءتَهُ
فكيفَ لا أفتحُ الدنيا .. وأنتصِرُ ؟
سأركبُ البحرَ .. مَجنوناً ومُنْتَحراً..(54/34)
والعاشقُ الفذُّ .. يحيا حين ينتحِرُ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> من يوميات تلميذ راسب
من يوميات تلميذ راسب
رقم القصيدة : 68730
-----------------------------------
1
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
ما هُوَ المطلوبُ بالتحديد منّي ؟
إنَّني أنْفَقتُ في مدرسة الحُبّ حياتي
وطَوالَ الليل .. طالعتُ .. وذاكرتُ ..
وأنهيتُ جميعَ الواجباتِ..
كلُّ ما يمكنُ أن أفعلَهُ في مخدع الحُبِّ ،
فَعَلْتُهْ ...
كلُّ ما يمكنُ أن أحفرَهُ في خَشَب الوردِ ،
حَفَرْتُهْ ...
كلُّ ما يمكنُ أن أرسُمَهُ ..
من حُرُوفٍ .. ونقاطٍ .. ودوائرْْ ..
قد رَسَمْتُهُ ..
فلماذا امتلأَتْ كرَّاستي بالعَلاَمات الرديئَهْ ؟.
ولماذا تَسْتَهينينَ بتاريخي ..
وقُدْراتي .. وفنّي ..
أنا لا أفهمُ حتى الآنَ ، يا سيِّدتي
ما هُوَ المطلوبُ منّي؟.
2
ما هُوَ المطلوبُ منّي؟
يشهدُ اللهُ بأنِّي ..
قد تَفرَّغْتُ لنهديْكِ تماما ..
وتَصَرَّفْتُ كفنّانٍ بدائيٍّ ..
فأنْهَكْتُ .. وأَوْجَعْتُ الرُخَاما
إنّني منذُ عصور الرِقِّ .. ما نِلْتُ إجازَهْ
فأنا أعمَلُ نَحَّاتاً بلا أَجْرٍ لدى نَهْدَيْكِ
مُذْ كنتُ غُلامَا ..
أحملُ الرملَ على ظَهْري ..
وأُلْقِيهِ ببحر اللانهايَهْ
أنا منذ السَنَة الألفَيْنِ قَبْلَ النهدِ ..
يا سيِّدتي - أفعلُ هذا ...
فلماذا؟
تطلبينَ الآنَ أن أبدأَ - يا سيّدتي - منذُ البدايَهْ
ولماذا أُطْعَنُ اليومَ بإبْداعي ..
وتشكيلاتِ فنّي ؟
ليتني أعرفُ ماذا ...
يبتغي النَهْدَانِ منّي؟ ؟
3
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
كي أكونَ الرجُلَ الأوَّلَ ما بين رجالِكْ
وأكونَ الرائدَ الأوَّلَ ..
والمكتشفَ الأوَّلَ ..
والمستوطنَ الأوَّلَ ..
في شّعْرِكِ .. أو طَيَّاتِ شَالِكْ ..
ما هو المطلوبُ حتّى أدخلَ البحرَ ..
وأَستلقي على دفءِ رمالِكْ ؟
إنني نفَّذْتُ - حتى الآنَ -
آلافَ الحماقاتِ لإرضاء خيالِكْ
وأنا اسْتُشْهِدتُ آلافاً من المرَّاتِ
من أجل وصالِكْ ..(54/35)
يا التي داخَتْ على أقدامِها
أقوى الممالِكْ ..
حَرِّريني ..
من جُنُوني .. وجَمالِكْ ..
4
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
ما هُوَ المطلوبُ حتى قطَّتي تصفحَ عنّي ؟
إنَّني أطْْعَمْتُها ..
قمحاً ... ولَوْزاً ... وزَبيبا ..
وأنا قدَّمتُ للنهديْنِ ..
تُفَّاحاً ..
وخمراً ..
وحليباً ..
وأنا علّقتُ في رقْبَتِها ..
حَرَزَاً أزْرَقَ يحميها من العَيْنِ ،
وياقُوتاً عجيبا ..
ما الذي تطلبهُ القِطَّةُ ذاتُ الوَبَر الناعِم منّي ؟
وأنا أَجْلَسْتُها سُلْطَانةً في مقعدي ..
وأنا رافقتُها للبحر يومَ الأَحَدِ ...
وأنا حَمَّمْتُها كلَّ مساءٍ بيدي ..
فلماذا ؟
بعد كلِّ الحُبِّ .. والتكريمِ ..
قد عضَّتْ يدي ؟.
ولماذا هي تدعوني حبيباً ..
وأنا لستُ الحبيبا ..
ولماذا هيَ لا تمحُو ذُنُوبي ؟
أبداً .. واللهُ في عَليائهِ يمحُو الذُنُوبَا ..
5
ما هُوَ المطلوبُ أن أفعلَ كي أُعْلِنَ للعشق وَلاَئي
ما هُوَ المطلوبُ أن أفعلَ كي أُدْفَنَ بين الشُهَدَاءِ ؟
أَدْخَلُوني في سبيل العِشْق مُسْتَشفى المجاذيبِ ..
وحتَّى الآنَ - يا سيِّدتي - ما أَطْلَقُوني ..
شَنَقُوني _في سبيل الشِعْر_ مرَّاتٍ .. ومرَّاتٍ ..
ويبدُو أنَّهُمْ ما قَتَلُوني
حاولو أن يقلَعُوا الثورةَ من قلبي .. وأوراقي ..
ويبدُو أنَّهُمْ ..
في داخل الثورة - يا سيِّدتي -
قد زَرَعُوني ...
6
يا التي حُبِّي لها ..
يدخُلُ في باب الخُرَافاتِ ..
ويَسْتَنْزِفُ عُمْري .. ودمايا ..
لم يَعُدْ عندي هواياتٌ سوى
أن أجْمَعَ الكُحْلَ الحجازيَّ الذي بَعْثَرْتِ في كلِّ الزوايا ..
لم يعُدْ عندي اهتمامَاتٌ سوى ..
أَنْ أُطفيءَ النارَ التي أشْعَلَها نَهْدَاكِ في قلب المرايا ..
لم يعُدْ عندي جوابٌ مُقْنِعٌ ..
عندما تسألُني عنكِ دُمُوعي .. وَيَدَايا ..
7
إشْرَبي قهوتَكِ الآنَ .. وقُولي
ما هو المطلوبُ منِّي ؟
أنا منذُ السَنَةِ الألفَيْنِ قَبْلَ الثَغْرِ ..
فكَّرْتُ بثغرِكْ ..(54/36)
أنا منذُ السنَة الألفَيْنِ قَبْلَ الخَيْل ..
أَجْري كحصانٍ حَوْلَ خَصْرِكْ ..
وإذا ما ذكروا النيلَ ..
تَباهَيْتُ أنا في طُول شَعْرِكْ
يا التي يأخُذُني قُفْطَانُها المشْغُولُ بالزَهْر ..
إلى أرض العَجَائبْ ..
يا التي تنتشرُ الشَامَاتُ في أطرافِها
مثلَ الكواكبْ ..
إنَّني أصرخُ كالمجنون من شِدَّة عِشْقي ..
فلماذا أنتِ ، يا سيِّدتي ، ضدَّ المواهبْ ؟
إنّني أرجُوكِ أن تبتسمي ..
إنني أرجُوكِ أن تَنْسَجمِي ..
أنتِ تدرينَ تماماً ..
أنَّ خِبْراتي جميعاً تحتَ أَمْرِكْ
وَمَهاراتي جميعاً تحتَ أَمْرِكْ
وأصابيعي التي عَمَّرتُ أكواناً بها
هيَ أيضاً ..
هيَ أيضاً ..
هيَ أيضاً تحت أَمْرِكْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تصوير
تصوير
رقم القصيدة : 68731
-----------------------------------
إضْطَجعي دقيقةً واحدةً..
كي أُكْمِلَ التصويرْ.
إضْطَجعي مثلَ كتابِ الشِعْر في السريرْ
أريدُ أن أُصَوِّرَ الغاباتِ في ألوانها
أريدُ أن أُصَوِّرَ الشاماتِ في اطمئنانِها
أريدُ أن أُفاجيءَ الحَلْمَةَ في مكانِها
والناهدَ الأحمقَ _ يا سيِّدتي _
قُبَيْلَ أن يطيرْ.
فساعديني..
_ إن تكرَّمْتِ _ لكَيْ أصالحَ الحريرْ
وساعديني..
_ إنْ تكرَّمْتِ_ لكي أفوزَ في صداقة الكَشْمِيرْ
لعلَّهُ يسمحُ لي بِرَسْمِ هذا الكوكبِ المُثيرْ..
ولْتَقْبلي تحيّتي..
مَقْرُونةً بالحُبِّ والتقديرْ.
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> من غير يَدَيْن
من غير يَدَيْن
رقم القصيدة : 68732
-----------------------------------
لم أكُنْ مُنْتَظراً..
أنْ تَثْقُبيني مثلَ رُمْحٍ وَثَنِيّْ
لم أكُنْ منتظِراً..
أن تدخلي في لُغتي .. وكَلامي..
وإشاراتِ يَدَيّْ
لم أكُنْ منتظِراً..
أن تُصبحي أنتِ الثقافَهْ..
لم أكُنْ منتظراً..
أن أخسرَ التاجَ.. وحَقِّي بالخِلافَهْ..
فلقد كنتُ قويَّاً .. وشهيراً
وجُنُودي يملأونَ البرَّ والبحرَ..(54/37)
وراياتي تُغَطِّي المَشْرِقَينْ
لم أكنْ منتظراً أن يحدثَ الزَلْزَالُ..
أن ينْشَطِرَ البحرُ..
وأن تكسِرَني عيناكِ ، يوماً ، قِطْعَتَيْنْ..
***
لم أكُنْ منتظراً..
حينَ قَبَّلتُكِ أن أنسى لَدَيْكِ الشَفَتَينْ
لم أكُنْ منتظراً..
حينَ عانقتُكِ.. أن أرجعَ من غيرِ يَدَيْنْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التقصير
التقصير
رقم القصيدة : 68733
-----------------------------------
منذُ ثلاثينَ سَنَهْ
أحلُمُ بالتغييرْ
وأَكتُبُ القصيدةَ الثورةَ.. والقصيدةَ الأزْمةَ..
والقصيدةَ الحريرْ...
منذُ ثلاثينَ سَنَهْ
وأكتبُ التاريخَ بالشكل الذي أَشاءْ..
وأجعلُ النقاطَ، والحروفَ ، والأسماءَ ، والأفعالَ،
تحت سُلْطَة النساءْ.
وأدَّعي بأنّني الأوّلُ في فَنِّ الهوى..
وأنَّني الأخيرْ..
***
وعندما دخلتُ .. يا سيِّدتي
إنْكَسَرتْ فوق يدي قارورةُ العبيرْ
وانْكَسَرَ التعبيرْ...
***
ولا أزالُ كلَّما سافرتُ في عينَيْكِ .. يا حبيبتي
أشعرُ بالتقصيرْ..
وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..
قُبَيْلَ أن أراكِ يا حبيبتي..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصيدة سريالية
قصيدة سريالية
رقم القصيدة : 68734
-----------------------------------
1
لا أنتِ ، يا حبيبتي ، معقولةٌ
ولا أنا معقولْ..
هل من صفات الحُبِّ..
أن يُحَطِّمَ العاديَّ ، والمألوفَ ، والمعقولْ؟
هل من شروط الحُبِّ ..
أن نجهلَ ، يا حبيبتي ، أسماءَنا؟
هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟
أن لا نَرَى أمامَنا..
ولا نَرَى وراءَنا..
هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟
بأنْ أُسَمَّى قاتلاً حينَ أنا المقتولْ..
2
لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..
ولا أنا معقولْ
فَشَطِّبي _ حينَ أكونُ غاضباً
من كلماتي ، نِصْفَ ما أقُولْ..(54/38)
وهذِّبي مشاعري..
وقَلِّمي أظَافري..
ولَمْلِمي جميعَ ما أرميهِ من شوكٍ ومن وُحُولْ
وصَدِّقيني دائماً..
حين أجيءُ حاملاً إليكِ يا حبيبتي
الأزهارَ .. والأقمارَ .. والفُصُولْ..
3
لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..
ولا أنا معقولْ..
ورغْمَ هذا..
يستمرُّ الرفْضُ والقَبُولْ
ورغْمَ هذا ..
يستمرُّ الضِحْكُ ، والصُرَاخُ ، والشُرُوقُ ، والأُفُولْ
فما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟
لو أنتِ قد أعطيتني يَدَيْكِ
وسافرتْ يَدَايَ فوق الذَهَب المَشْغُولْ
وما الذي نخسرُ يا مليكتي؟
لو انْطَلَقْنَا مثلَ عُصْفُورَيْنِ في الحُقُولْ
وما الذي نخسرُ يا أميرتي؟
إذا طَبَعْتُ قُبْلةً في الأحمر الخَجُولْ..
وما الذي نخسرُ يا سبيكتي؟
إذا ارْتَفَعْنَا مثل صُوفيٍّ إلى مرتبة الفَنَاءِ والحُلُولْ
وما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟
لو نحنُ صلَّيْنا على الرَسُولْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> من يوميّات رجل مجنون
من يوميّات رجل مجنون
رقم القصيدة : 68735
-----------------------------------
1
إذا ما صَرَختُ:
" أُحِبُّكِ جِدَّاً"
" أُحِبُّكِ جِدَّاً"
فلا تُسْكِتيني.
إذا ما أضعتُ اتزّاني
وطَوَّقتُ خَصْرَكِ فوق الرصيفِ،
فلا تَنْهَريني..
إذا ما ضَرَبتُ شبابيكَ نَهْدَيْكِ
كالبَرْقِ، ذات مَسَاءٍ
فلا تُطْفئيني..
إذا ما نَزَفْتُ كديكٍ جريحٍ على سَاعِدَيْكِ
فلا تُسْعِفيني..
إذا ما خرجتُ على كلِّ عُرْفٍ ، وكُلِّ نظامٍ
فلا تَقْمَعيني..
أنا الآن في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضيعين فُرْصَةَ عُمْركِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
2
إذا ما تدفَّقْتُ كالبحر فوقَ رِمَالكِ..
لا تُوقِفيني..
إذا ما طلبتُ اللجوءَ إلى كُحْل عَيْنَيْكِ يوماً،
فلا تطرُديني..
إذا ما انْكَسَرتُ فتافيتَ ضوءٍ على قَدَميْكِ،
فلا تَسْحقيني..
إذا ما ارْتَكَبْتُ جريمةَ حُبٍّ..
وضَيَّع لونُ البرونْزِ المُعَتَّقِ في كَتِفَيْكِ .. يقيني(54/39)
إذا ما تصرّفتُ مثلَ غُلامٍ شَقيٍّ
وغَطَّسْتُ حَلْمَةَ نهداكِ بالخَمْرِ...
لا تَضْرِبيني.
أنا الآنَ في لَحَظات الجُنُونِ الكبيرِ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
4
إذا ما كتبتُ على وَرَق الوردِ،
أَنِّي أُحِبُّكِ...
أرجوكِ أَنْ تقرأيني..
إذا ما رَقَدتُ كطفلٍ، بغاباتِ شَعْرِكِ،
لا تُوقظيني.
إذا ما حملتُ حليبَ العصافير .. مَهْرَاً
فلا تَرْفُضيني..
إذا ما بعثتُ بألفِ رسالةِ حُبٍّ
إليكِ...
فلا تُحْرِقيها .. ولا تُحْرِقيني..
5
إذا ما رأَوكِ معي، في مقاهي المدينة يوماً،
فلا تُنكريني..
فكُلُّ نِسَاء المدينة يعرفْنَ ضَعْفي أمامَ الجَمَالِ..
ويعرفنَ ما مصدرُ الشِعْرِ والياسمينِ..
فكيف التَخَفّي؟
وأنتِ مُصَوَّرَةٌ في مياه عُيوني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُون المُضيءِ
وسوفَ تُضِيعينَ فُرْصَةَ عُمْركِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني.
6
إذا ما النبيذُ الفَرَنْسيُّ ،
فَكَّ دبابيسَ شَعْرِكِ دونَ اعتذارِ
فحاصَرَني القمحُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني الليلُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني البحرُ من كُلِّ جانبْ
وأصبحتُ آكلُ مثلَ المجانينِ عُشْبَ البراري..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يميني..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يساري؟
7
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى الفُروقَ القديمةَ بين بقائي وبين انتحاري
فأرجوكِ ، باسْمِ جميع المجاذيبِ ، أن تَفْهَميني
وأرجوكِ، حين يقولُ النبيذُ كلاماً عن الحُبِّ.
فوق التوقُّع .. أن تعذُريني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُونِ البَهيِّ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمركِ
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنوني..
8
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألْغَى الوُجُوهَ ،
وألْغَى الخُطُوطَ،
وألْغَى الزوايا.
ولم يَبْقَ بين النساءِ سواكِ.
ولم يَبْقَ بين الرجال سوايا.
وما عدتُ أعرفُ أين تكونُ يَدَاكِ ..
وأينَ تكونُ يدايا..
وما عدتُ أعرفُ كيف أُفرِّقُ بين النبيذِ،
وبين دِمَايا..(54/40)
وما عدتُ أعرفُ كيف أُميِّز بين كلام يديْكِ
وبين كلام المرايا..
إذا ما تناثرتُ في آخر الليل مثلَ الشظايا
وحاصَرَني العشْقُ من كُلِّ جانبْْ
وحاصَرَني الكُحْلُ من كُلِّ جانبْ
وضَيَّعتُ إسْمي.
وعُنوانَ بيتي..
وضيَّعْتُ أسماءَ كُلِّ المراكِبْ
فأرجوكِ ، بعد التناثُرِ ، أن تَجْمَعيني.
وأرجوكِ ، بعدَ انْكِساريَ ، أن تُلْصِقيني
وأرجوكِ ، بعدَ مَمَاتيَ ، أن تَبْعَثيني
أنا الآن في لَحَظاتِ الجنونِ الكبيرِ
وسوف تُضِيعين فُرْصَةَ عُمْرِكِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنوني.
9
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ ،
شالَ الكيمونُو عن الجَسَد الآسيويِّ
فأطْلَعَ من عُتْمةِ النَهْد فَجْرَا
وأطْلَعَ منهُ مَحَاراً..
وأطْلَعَ منه نُحاساً، وشاياً وعاجاً
وأطْلَعَ أشياءَ أُخرى..
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى اللُّغاتِ جميعاً.
وحوَل كُلَ الثقافات صِفْرَا..
وكُلَّ الحضاراتِ صِفْرَا
وحوَّل ثَغْرَكِ بُسْتَانَ وردٍ
وحوَّلَ ثَغْريَ خمسين ثَغْرا..
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ أعلنَ في آخر الليلِ ،
أنّكِ أحلى النساءْ..
وأرشقُهُنَّ قواماً وخَصْرَا
وأعْلَنَ أنَّ الجميلاتِ في الكون نَثْرٌ
ووَحْدَكِ أنتِ التي صِرْتِ شِعْرَا
فباسْم السُكَارى جميعاً
وباسْمِ الحَيَارى جميعاً
وباسْمِ الذينَ يُعانونَ من لعنة الحُبِّ ،
أرجوكِ لا تَلْعَنيني..
وباسْمِ الذين يعانونَ من ذَبْحةِ القلبِ،
أرجوكِ لا تَذْبحيني..
أنا الآنَ في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضِيعين فُرْصَة عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> فاطمة في الريف البريطاني
فاطمة في الريف البريطاني
رقم القصيدة : 68736
-----------------------------------
1
شهرُ ديسمبرَ رائعْ...
شهرُ ديسمبرَ في لندنَ ، هذا العامَ ، رائعْ
فبِهِ هاجَمَني الحُبُّ ..
وألقاني جريحاً كمصابيح الشَوَارعْ..
هذه فاطمةٌ تلبسُ بَنْطَالاً من الجلد نبيذيَّاً..(54/41)
وتُوصيني بأَنْ أُمْسِكَها من يدِها كي لا أضيعْ
وهي تدري جيِّداً..
أنَّني من يوم ميلادي ، ببحر الحُبِّ ضَائعْ
فلماذا في (هارودزِ) نَسِيَتْني؟
ولماذا غضِبَتْ منّي .. لماذا أَغْضَبَتْني؟
وهي تدري أنَّني من دُونها..
لا أَقْطَعُ الشارعَ وحدي..
لا ولا أدخُلُ في المعطفِ وحدي..
لا ولا أشرَبُ فنجاناً من القهوة وحدي..
لا ولا أعرف أن أرجعَ للفُنْدُق وحدي..
فلماذا في (هارودزٍ) صَلَبَتْني؟
فوق أكداس هداياها .. لماذا صَلَبَتْني؟
وهي تدري أنني أعبُدُها
من رأسِها حتّى الأصابعْ..
شهرُ ديسمبرَ رائعْ.
2
شهرُ ديسمبرَ ، يبقى مَلِكاً بين الشُهُورْ
فهو أعطاني مفاتيحَ السماواتِ..
وأعطاني مفاتيحَ العُصُورْ..
ورماني كوكباً مُشْتَعِلاً
حول نَهْدَيْكِ يدُورْ..
سَقَطَتْ في لندنٍ ، كلُّ التواريخِ،
وغَابَتْ تحت جفنَيْكِ جبالٌ وبُحُورْ..
شهرُ ديسمبرَ ، ألغاكِ .. وألغاني..
فنحنُ الآنَ ضوءٌ غيرُ مرئيٍّ..
وعطرٌ .. وبَخُورْ..
شهرُ ديسمبرَ .. مجنونٌ تَعلَّمْتِ به.
أن تَثُوري..
وتعلَّمتُ به كيف أثُورْ..
شهرُ ديسمبرَ ..
ألغى عُقْدَةَ الحُبِّ التي نحملُها
فإذا بي مثلَ عُصْفُورٍ طليقٍ..
وإذا بكِ ، يا فاطمةٌ ،
دونَ جُذُورْ..
3
لندنٌ .. باردةٌ جدّاً..
فيا فاطمةٌ..
إفْتَحي فوقي مِظَلاَّتِ الحَنَانْ
لندنٌ قاسيةٌ جدّاً..
وإنِّي خائفٌ جدّاً..
فرُدّي لي شعوري بالأمَانْ
خَبِّئيني تحت قفطانِكِ ، يا فاطمةٌ
مثلَ طفلٍ..
فلقد ضيَّعتُ أبعادي، وأبعادَ المكانْ
حاولي أن تُصْبحي أُمِّي .. كما أنتِ الحبيبَهْ
من زمانٍ .. لم أضَعْ رأسي على صدرٍ حَنُونٍ..
مِنْ زمانْ...
4
لندنٌ حُبِّي..
وفي بارْكَاتِها غَنَّيْتُ أحلى أُغْنِياتي
لندنٌ مَجْدي..
ففيها قد تَغَرْغَرْتُ بأُولى كَلِماتي..
لندنٌ حُزْني..
على كلِّ رصيفٍ دمْعةٌ من دَمَعَاتي
لندنٌ عاصمةُ القلبِ..
وفيها قد تلاقيتُ بسِتِّ المَلِكَاتِ..
لندنٌ،
تعرفُ وجهي جيّداً..(54/42)
فأنا جُزْءٌ من اللون الرَمَاديِّ..
ومن أعْمِدَة النُورِ..
وأضْوَاءِ الميادينِ..
وصَوْتِ القُبَّراتِ..
منذُ أنْ جئتُ إليها عاشقاً
أصبحتْ لندنُ إحدى المُعْجزاتِ..
لندنٌ .. تأخذني كالطفل في أحضانِها..
وطَوَالَ الليل، تتلو من كتاب الذكرياتِ..
لندنٌ صاحبةُ الفَضْلِ .. فقد
علَّمَتْني العِشْقَ في كُلِّ اللُغَاتِ...
5
هذه فاطمةٌ..
تقتحمُ التاريخَ من كُلِّ الجِهَاتِ..
إنَّها تدخُلُ كالإبْرَةِ..
في كلِّ تفاصيل حياتي..
آهِ .. كم تعجبني فاطمةٌ..
عندما تجلسُ كالقِطَّةِ بين المُفْرَدَاتِ..
تأكُلُ الفَتْحَةَ .. والضَمَّةَ .. في شِعْري..
وتَبْتَلُّ بأمطار دَوَاتي..
مُبْحِرٌ في زَمَن الكُحْل..
ولا أدري لأينْ؟
مُبْحِرٌ فيكِ .. ولا أدري لأينْ؟
يا صباحَ الخير.. يا عُصْفُورتي
أنا في أحسن حالاتي..
فما أطيبَ القهوةَ في قُرْبكِ..
ما أرْشَقَ هاتَيْنِ اليَدَيْنْ..
ثم ما أروعَ أن يكتشفَ الإنسانُ
في ذاتِ صباحٍ لندنيٍّ..
في مكانٍ ما.. على ظهر الحبيبَهْ...
شامَتَينْ...
لم تكونا، عندما جئتِ مساءَ البارحَهْ..
مولودتْينْ...
فاتركيني.. أضفُرُ الشَعْرَ الذي
طالَ في لندنَ، من فَرْط حناني، بُوصَتَيْنْ..
واتركيني..
أُمْسكُ الشمسَ التي تغطُسُ بين الشفَتَينْ..
أتركيني ، أوقفُ التاريخَ يا فاطمةٌ
لحظةً .. أو لحظتَينْ..
أخذُوا كلَّ عناويني.. ولم يبقَ أمامي
غيرُ هذا الشارعِ الضَيِّقِ بين الناهِدَينْ...
7
لندنٌ تُمْطرني ثلجاً .. وأبقى باشتهائي بَدَويَّا..
لندنٌ تمنحني كلَّ الثقافات .. وأَبقى بجنوني عربيَّا..
لندنٌ تُمطرني عقلاً .. وأبقى فوضويَّا..
لندنٌ تجهل حتى الآنَ .. من أنتِ لديَّا
آهِ .. يا سَنْجابةَ الليل التي تدخُلُ في الأعماقِ
رُمْحاً وَثَنيَّا...
إنَّ تاريخَكِ قَبْلي كان تاريخاً غبيَّا
إنَّ عَصْري قَبْلَ أن يُرْسِلَكِ اللهُ إليَّا
كان عصراً حجريَّا..
فاشْرَبي شيئاً من الخمر معي..(54/43)
إشْرَبي شيئاً من الحُلْم معي..
إشْرَبي شيئاً من الوَهْم معي..
إشْرَبي شيئاً من الفَوْضَى معي..
إشْرَبي حتَّى تصيري امرأةً..
واتْرُكي الباقي عليَّا..
شهرُ ديسمبرَ يأتي
لابساً معطفَ شاعرْ
شهرُ ديسمبرَ يُهديني دموعاً .. وشُمُوعاً .. ودَفَاترْ..
هذه فاطمةٌ تلبسُ كيمُونو من الصينِ..
مُوَشَّى بالأزَاهرْ..
شايُ بَعْدَ الظهر مِنْ بين يَدَيْها
مهرجاناتٌ من اللون..
ومُوسيقى أساورْ..
لم تكُنْ فاطمةٌ مُشْرِقةَ الوجهِ
كما كانتْ (بمارلُو)..
لم تكُنْ صافيةَ العين كما كانتْ (بمارلو)..
لم تكنْ معتزَّةَ النهدَيْن مِنْ قَبْلُ..
كما كانتْ (بمارلو)..
لم تكن ملفوفة الخَصْرِ..
كما كانتْ (بمارلُو)..
إنّني آمنتُ أنَّ الحُبَّ ساحرْ..
9
هذه فاطمةٌ..
تغسلُ نَهْدَيها النُحاسِيَّينِ بالماء.. كطائرْ
وأنا في الغرفة الخضراءِ أسْتَلقي سعيداً
تحت أشجار الكاكاوُ..
وهُتافاتِ المرايا والستائرْ..
فاشْرَبي شيئاً من الشِعْر معي..
فأنا _ دونَكِ يا سيّدتي_ لستُ بشاعرْ
إشربي حتى تصيري امرأةً..
إن حُبِّي لك مَجْنُونٌ .. ومَلْعُونٌ..
وَوَحْشِيُّ الأظافرْ..
وَرَق الأشجار في (مارلُو)..
نحاسيٌّ .. وورديٌّ .. وأصفَرْ..
ولقائي بكِ في الريف البريطانيِّ
حُلْمٌ لا يُفسَّرْ..
والعصافيرُ ترى ثغرَكِ في أحلامها
وردةً .. أو نجمةً .. أو قُرْصَ سُكَّرْ
وأنا معتقلٌ ما بين نهديْكِ ..
ولا أطلبُ - يا سيّدتي- أن أتحرَّرْ..
آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو)..
ليتَني أقدرُ أن أغرقَ في فَرْوكِ أكثَرْ...
ليتَني أقدرُ أن أبقى..
بهذا الفندق الضائعِ بين الغيم أكثَرْ.
ليتَني أقدرُ أن أدخلَ في جِلْدكِ..
في شَعْرِكِ..
في صوتكِ أكثَرْ..
آهِ .. يا أيَّتُها الأنثى التي لا تتكرَّرْ
هل عشقتُ امرأةً قَبْلَكِ.. يا فاطمةٌ؟
إنَّني لا أتذكَّرْ..
هل سأهوى امرأةً بَعْدَكِ .. يا فاطمةٌ
إنَّني لا أتصوَّرْ..
11
آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو) الساحِرَهْ(54/44)
علِّميني .. كيف تُلغى الذَاكِرَهْ
هل سألقاكِ (بمارلُو)؟.
بعد عامٍ ، ربَّما ، أو بعد شَهْرِ..
فتنامينَ على أعشاب صدري..
وتُفيقينَ على أعشاب صدري..
قبل (مارلُو) ليس لي عمرٌ .. فأنتِ الآن عُمْري..
بعدَ (مارلُو) سيقولُ الناسُ:
ما أجملَ عينيكِ .. وما أعظمَ شِعْري..
لم أُشاهِدْ ليلةَ القَدْر.. فهلْ
أنتِ ، يا فاطمةٌ ، ليلةُ قَدْري؟؟
12
أرْجِعيني مرةً أخرى إلى (مارلو)..
ففيها عِشْتُ عصري الذَهَبيَّا..
لم يرَ الريفُ البريطانيُّ من قبلكِ
عَيْنَيْنِ تَقُولانِ كلاماً عربيَّا..
قبلَ أن ألقاكِ في فندق (مارلو)
كنتُ إنساناً..
وأصبحتُ نبيَّا
أَرْجِعي لي غرفتي في ملتقى النهرِ،
وأحلامي..
ورُكْني الشاعريَّا..
قبل (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا
بعدَ (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا
إنَّ عيْنَيْكِ هُمَا ما كَتَبَ اللهُ عليَّا
فاتركيني نائماً بينهما..
واقْفِلي البابَ عليَّا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مع فاطمة في قطار الجنون
مع فاطمة في قطار الجنون
رقم القصيدة : 68737
-----------------------------------
1
إبْحَثي عن رَجُلٍ غيري..
إذا كنتِ تريدينَ السَلامَهْ..
كلُّ حُبٍّ حارقٍ..
هو _ يا سيِّدتي _ ضِدَّ السلامَهْ
كلُّ شِعْرٍ خارقٍ..
هو _ في تشكيلِهِ _ ضِدَّ السلامَهْ
فابحثي عن رَجُلٍ غيري..
إذا كنتِ تُحسِّينَ بأصوات الندامَهْ
إبحثي عن رَجُلٍ..
يمتلكُ القدرةَ والصبرَ .. لتثقيف حَمَامَهْ
فأنا من قَبْلُ .. ما حاولتُ تثقيفَ حَمَامَهْ...
إنَّ حُبِّي لكِ يا سيِّدتي
أشْبهُ في يوم القيامَهْ..
من تُرَى يقدرُ أن يهربَ من يوم القيامَهْ؟
فاقْبَلي ما قسمَ اللهُ عليكِ..
بإيمانٍ عميقٍ .. وابتسامَهْ..
واتْبَعيني ..
عندما أركبُ في الليل قطاراتِ الجُنُونْ..
طالما أنتِ معي..
لستُ مهتمّاً بما كانَ..
وما سوفَ يكُونْ...
2
آهِ .. يا سُنْبُلةَ القمح التي تخرج من وَسْط الدُمُوعْ(54/45)
دَخَل السيفُ إلى القلب، ولا يمكننا الآنَ الرُجُوعْ
إنّنا الآنَ على بوَّابة العشق الخطيرَهْ..
وأنا أهواكِ حتى الذَبْحِ..
حتى الموتِ..
حتى القَشْعريرَهْ..
نحنُ مَشْهُورانِ جداً..
وجريئانِ على التاريخ جدّاً..
والإشاعاتُ كثيرَهْ..
هكذا يحدث دوماً في العلاقات الكبيرَهْ.
آهِ .. يا فاطمتي..
يا التي عِشْتُ وإيّاها ملايينَ الحماقاتِ الصغيرَهْ
إنّني أعرفُ معنى أن يكونَ المرءُ في حالة عشْقٍ
خلفَ أسوار الزمان العربيّْ
وأنا أعرفُ معنى أن يبوحَ المرءُ..
أو يهمسَ..
أو ينطقَ..
في هذا الزمان العربيّْ..
وأنا أعرفُ معنى أن تكوني امْرأتي..
رَغْمَ إرهابِ الزمان العربيّْ..
فأنا تطلبني الشُرْطةُ للتحقيق في ألوان عَيْنَيْكِ..
وفيما تحتَ قُمصَاني..
وفيما تحتَ وجداني..
وأسفاري .. وأفكاري .. وأشعاري الأخيرَهْ..
وأنا لو أمْسَكُوني..
أسرُقُ الكُحْلَ الذي يُمْطِرُ من عينيْكِ..
صَادَتْني بواريدُ العشيرَهْ..
فافْتَحي شَعْرَكِ عن آخرِهِ..
إنَّني مُضْطَهَدٌ مثلَ نبيٍّ..
ووحيدٌ كجزيرَهْ..
إفْتَحي شعرَكِ عن آخرِهِ..
وانْزَعي منه الدبابيسَ .. فهذي فرصةُ العمر الأخيرَهْ
3
آهِ .. يا أَيْقُونةَ العمر الجميلَهْ
يا التي تأخذني كلَّ صباحٍ من يدي
نحو ساحات الطفولَهْ..
وتُريني تحت جَفْنَيْها شُمُوعاً مُسْتَحيلَهْ..
وبلاداً مستحيلَهْ..
أيُّها الكنزُ الخرافيُّ الذي كان معي
في قطاراتِ الشمالِ..
إنَّ حِبْرَ الصين في عيْنَيْكِ _ يا سيِّدتي_
فوق احتمالي..
يا التي تمرُقُ من بين شراييني..
كعطر البرتُقالِ..
4
يا التي تشطُرُني نِصْفَيْنِ في الليل..
وعند الفجر، تُلقيني على رُكْبَتِها .. نِصْفَ هلالِ..
يا التي تحتلُّني شرقاً .. وغرباً..
ويميناً .. وشمالاً..
إسْتَمرّي في احتلالي..
أنا مشتاقٌ إلى أيام (وندرمير)..
مشتاقٌ لأنْ أمشي وإياكِ على الماءِ..
وأن أمشي على الغيمِ..
وأن أمشي على الوقتِ..(54/46)
ومشتاقٌ لأنْ أبكي على صدركِ حتى آخرِ العمرِ..
وحتّى آخرِ الشِعْرِ..
ومشتاقٌ لحانات الضَواحي..
وكراسينا أمامَ النار..
مشتاقٌ إلى كلّ الذُرَى البيضاءِ..
حيثُ أختلط الكُحْلُ الحجازيُّ مع الثلج..
ومشتاقٌ إلى شيءٍ من الكونياكِ..
في بَرْد الليالي..
5
آهِ .. يا عصفورةَ الماء التي تجلس قربي..
في قطارات الشِمالِ..
إمْسِكيني من ذراعي جيّداً..
فالقراراتُ التي يصدرها السلطانُ لا تُشْغِلُ بالي..
ومِلفَّاتي لدى الشُرْطة لا تُشْغِلُ بالي..
وحدَهُ حبُّكِ - يا سيّدتي- يُشْغِلُ بالي..
نحنُ قامرنا كثيرا..
وتطرَّفْنَا كثيرا..
وتجاوزنا إشاراتِ المُرُورْ..
فامْسِكيني من ذراعي جيداً..
لتدورَ الأرضُ..
فالأرضُ بلا حُبٍّ كبيرٍ .. لا تدُورْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أحبكِ.. أحبكِ.. وهذا توقيعي
أحبكِ.. أحبكِ.. وهذا توقيعي
رقم القصيدة : 68738
-----------------------------------
1
هل عندكِ شَكٌّ أنَّكِ أحلى امرأةٍ في الدُنيا؟.
وأَهَمَّ امرأةٍ في الدُنيا ؟.
هل عندكِ شكّ أنّي حين عثرتُ عليكِ . .
ملكتُ مفاتيحَ الدُنيا ؟.
هل عندكِ شكّ أنّي حين لَمَستُ يَدَيْكِ
تغيَّر تكوينُ الدنيا ؟
هل عندكِ شكّ أن دخولَكِ في قلبي
هو أعظمُ يومٍ في التاريخ . .
وأجمل خَبَرٍ في الدُنيا ؟
2
هل عندكِ شكٌّ في مَنْ أنتْ ؟
يا مَنْ تحتلُّ بعَيْنَيْها أجزاءَ الوقتْ
يا امرأةً تكسُر ، حين تمرُّ ، جدارَ الصوتْ
لا أدري ماذا يحدثُ لي ؟
فكأنَّكِ أُنثايَ الأُولى
وكأنّي قَبْلَكِ ما أحْبَبْتْ
وكأنّي ما مارستُ الحُبَّ . . ولا قبَّلتُ ولا قُبِّلتْ
ميلادي أنتِ .. وقَبْلَكِ لا أتذكّرُ أنّي كُنتْ
وغطائي أنتِ .. وقَبْلَ حنانكِ لا أتذكّرُ أنّي عِشْتْ . .
وكأنّي أيّتها الملِكَهْ . .
من بطنكِ كالعُصْفُور خَرَجتْ . .
3
هل عندكِ شكٌّ أنّكِ جزءٌ من ذاتي
وبأنّي من عَيْنَيْكِ سرقتُ النارَ. .
وقمتُ بأخطر ثَوْرَاتي(54/47)
أيّتها الوردةُ .. والياقُوتَةُ .. والرَيْحَانةُ ..
والسلطانةُ ..
والشَعْبِيَّةُ ..
والشَرْعيَّةُ بين جميع الملِكَاتِ . .
يا سَمَكَاً يَسْبَحُ في ماءِ حياتي
يا قَمَراً يطلع كلَّ مساءٍ من نافذة الكلِمَاتِ . .
يا أعظمَ فَتْحٍ بين جميع فُتُوحاتي
يا آخرَ وطنٍ أُولَدُ فيهِ . .
وأُدْفَنُ فيه ..
وأنْشُرُ فيه كِتَابَاتي . .
4
يا امْرأَةَ الدَهْشةِ .. يا امرأتي
لا أدري كيف رماني الموجُ على قَدَميْكْ
لا ادري كيف مَشَيْتِ إليَّ . .
وكيف مَشَيْتُ إليكْ . .
يا مَنْ تتزاحمُ كلُّ طُيُور البحرِ . .
لكي تَسْتوطنَ في نَهْدَيْكْ . .
كم كان كبيراً حظّي حين عثرتُ عليكْ . .
يا امرأةً تدخُلُ في تركيب الشِعرْ . .
دافئةٌ أنتِ كرمل البحرْ . .
رائعةٌ أنتِ كليلة قَدْرْ . .
من يوم طرقتِ البابَ عليَّ .. ابتدأ العُمرْ . .
كم صار جميلاً شِعْري . .
حين تثقّفَ بين يديكْ ..
كم صرتُ غنيّاً .. وقويّاً . .
لمّا أهداكِ اللهُ إليَّ . .
هل عندكِ شكّ أنّكِ قَبَسٌ من عَيْنَيّْ
ويداكِ هما استمرارٌ ضوئيٌّ ليَدَيّْ . .
هل عندكِ شكٌّ . .
أنَّ كلامَكِ يخرجُ من شَفَتيّْ ؟
هل عندكِ شكٌّ . .
أنّي فيكِ . . وأنَّكِ فيَّ ؟؟
6
يا ناراً تجتاحُ كياني
يا ثَمَراً يملأ أغصاني
يا جَسَداً يقطعُ مثلَ السيفِ ،
ويضربُ مثلَ البركانِ
يا نهداً .. يعبقُ مثلَ حقول التَبْغِ
ويركُضُ نحوي كحصانِ . .
قولي لي :
كيف سأُنقذُ نفسي من أمواج الطُوفَانِ ..
قُولي لي :
ماذا أفعلُ فيكِ ؟ أنا في حالة إدْمَانِ . .
قولي لي ما الحلُّ ؟ فأشواقي
وصلَتْ لحدود الهَذَيَانِ .. .
7
يا ذاتَ الأَنْف الإغْريقيِّ ..
وذاتَ الشَعْر الإسْبَاني
يا امْرأَةً لا تتكرَّرُ في آلاف الأزمانِ ..
يا امرأةً ترقصُ حافيةَ القَدَمَيْنِ بمدْخَلِ شِرْياني
من أينَ أتَيْتِ ؟ وكيفَ أتَيْتِ ؟
وكيف عَصَفْتِ بوجداني ؟
يا إحدى نِعَمِ الله عليَّ ..
وغَيْمَةَ حُبٍّ وحَنَانٍ . .(54/48)
يا أغلى لؤلؤةٍ بيدي . .
آهٍ .. كم ربّي أعطاني . .
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حبيبتي تقرأ فنجانها
حبيبتي تقرأ فنجانها
رقم القصيدة : 68739
-----------------------------------
1
توقَّفي .. أرجوكِ .. عن قراءةِ الفنجانْ
حينَ تكونينَ معي..
لأنّني أرفضُ هذا العبثَ السخيفَ،
في مشاعر الإنسانْ.
فما الذي تبغينَ، يا سيّدتي ، أن تعرفي؟
وما الذي تبغينَ أن تكْتَشِفي؟.
أنتِ التي كنتِ على رمال صدري..
تطلبينَ الدفءَ والأَمَانْ..
وتصهلينَ في براري الحُبِّ كالحِصَانْ...
أَلَمْ تقولي ذاتَ يومٍ..
إنَّ حُبِّي لكِ من عجائب الزَمَانْ؟
أَلَمْ تَقُولي إنَّني ..
بَحْرٌ من الرقّةِ والحَنَانْ؟
فكيفَ تسألينَ ، يا سيِّدتي،
عنّي .. مُلُوكَ الجانْ؟
حين أكونُ حاضراً..
وكيفَ لا تصدِّقينَ ما أنا أقولُهُ؟
وتطلبينَ الرأيَ من صديقكِ الفنجانْ...
تَوقَّفي .. أرجوكِ .. عن قراءة الغُيُوبْ..
إنْ كانَ من بشارةٍ سعيدةٍ..
أو خَبَرٍ..
أو كان من حمامةٍ تحمل في منقارها مَكْتُوبْ.
فإنّني الشخصُ الذي سيُطْلِقُ الحَمَامَهْ..
وإنّني الشخصُ الذي سيكتُبُ المكْتُوبْ..
أو كان يا حبيبتي من سَفَرٍ..
فإنَّني أعرفُ من طفولتي .. خرائطَ الشمال والجنوبْ..
وأعرفُ المدائنَ التي تبيعُ للنساءِ أروعَ الطُيُوبْ..
وأعرفُ الشمسَ التي تنامُ تحت شَرْشَفِ المحبُوبْ..
وأعرفُ المطاعمَ الصُغْرى التي تشتبكُ الأيدي بها..
وتهمسُ القلوبُ للقلوبْ..
وأعرفُ الخمرَ التي تفتحُ يا حبيبتي نوافذَ الغُرُوب
وأعرفُ الفنادقَ الصغرى التي تعفو عن الذُنُوبْ
فكيفَ يا سيّدتي؟
لا تقبلينَ دعوتي
إلى بلادٍ هَرَبتْ من مُعْجَم البُلْدَانْ..
قصائدُ الشِعْر بها..
تنبتُ كالعُشْبِ على الحيطانْ..
وبَحْرُها..
يخرجُ منه القمحُ .. والنساءُ .. والمَرْجَانْ..
فكيفَ يا سيّدتي..
تركتنِي .. منْكَسِرَ القلب على الإيوانْ
وكيف يا أميرةَ الزمانْ؟.
سافرتِ في فنجانْ...
3(54/49)
فإنّي لستُ مُهتمّاً بكَشْفِ الفَالْ..
ولستُ مهتمّاً بأن أُقيمَ أحلامي على رمالْ
ولا أرى معنى لكلّ هذه الرسومِ ، والخطوطِ ، والظلالْ..
ما دام حُبّي لكِ يا حبيبتي..
يضربني كالبَرْقِ والزَلْزَالْ..
فما الذي يفيدُكِ الإسْرَافُ في الخيالْ؟
ما دام حبّي كلَّ لحظةٍ سنابلاً من ذَهَبٍ..
وأنهراً من عَسَلٍ.. وعِطْرَ بُرتُقالْ..
فما الذي يفيدُكِ السؤالْ؟
عن كلِّ ما يأتيكِ من أطفالْ..
وكيف ، يا سيّدتي ، يفكّرُ الرجالْ..
***
توقّفي فوراً..
فإنِّي أرفضُ التزييفَ في مشاعر الإنسانْ
توقَّفي .. توقَّفي ..
من قبل أن أُحَطِّمَ الفنجانْ...
توقَّفي .. توقَّفي ..
من قبل أن أُحَطِّمَ الفنجانْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى ممثّلة فاشلة
إلى ممثّلة فاشلة
رقم القصيدة : 68740
-----------------------------------
1
في طَبْعكِ التمثيلْ
في طَبْعكِ التمثيلْ
ثيابُكِ الغريبةُ الصارخةُ الألوانْ..
وصوتُكِ المُفْرِطُ في الحنانْ..
وشَعْرُكِ الضائعُ في الزمان والمكانْ..
والحَلَقُ المغامرُ الطويلْ
جميعُها .. جميعُها..
من عُدَّةِ التمثيلْ..
2
سيّدتي:
إيّاكِ أن تستعملي قصائدي
في غَرَض التجميلْ
فإنَّني أكرهُ كلَّ امرأةٍ
تستعملُ الرجالَ للتجميلْ
لستُ أنا .. لستُ أنا..
الشخص الذي تُعلِّقينَ في الخِزَانَهْ
ولا طُموحي أن أُسمَّى شاعرَ السُلْطَانَهْ
أو أن أكونَ قِطَّةً تُرْكيةً
تنامُ طولَ الليل تحت شَعْركِ الطويلْ
فالدورُ مستحيلْ
لأنَّني أرفضُ كلَّ امْرَأةٍ..
تُحِبُّني .. في غَرَض التجميلْ..
3
لا تسْحَبيني من يدي..
إلى مشاويركِ مثلَ الحَمَل الوديعْ.
لا تحسبيني عاشقاً من جُمْلة العُشَّاق في القطيعْ.
ما عدتُ أستطيعُ أن أحتملَ الإذلالَ يا سيِّدتي،
والريحَ .. والصقيعْ..
ما عدتُ أستطيعْ..
نصيحتي إليكِ .. أن لا تَصْبغي الشفاهَ من دمائي
نصيحتي إليكِ .. أن لا تقفزي من فوق كبريائي
نصيحتي إليكِ .. أن لا تعرضي(54/50)
رسائلي التي كتبتُها إليكِ كالإمَاءِ..
فإنَّني آخرُ مَنْ يُعْرَضَ كالخيول في مجالس النساءِ..
4
نصيحةٌ برئيةٌ إليكِ .. يا عزيزتي
لا تحسبيني وَصْلَةً شِعْريّةً أكونُ فيها نَجْمَ حَفْلاتِكْ.
أو تحسبيني بطلاً من وَرَقِ يموتُ في إحدى رواياتِكْ
أو تُشْعليني شَمْعةً لتضْمَني نجاحَ سَهْراتِكْ..
أو تلبسيني معطفاً لتعرفي رأيَ صديقاتِكْ..
أو تجعليني عادةً يوميَّةً من بين عاداتِكْ..
5
نصيحةٌ أخيرةٌ إليكِ .. يا عزيزتي
لا تسْتَغِلّي الشِعْرَ حتى تُشْبِعي إحدى هواياتِكْ
فلنْ أكونَ راقصاَ مُحْترفاً...
يسعى إلى إرضاء نَزْواتِكْ
وها أنا أقدِّمُ استقالتي
من كُلِ جنَّاتِكْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> العصفور
العصفور
رقم القصيدة : 68741
-----------------------------------
لو حَمَيْناهُ من البَرْد قليلا..
وحَمَيْناهُ من العين قليلا..
لو غَسَلنا قَدَميْهِ بمياه الورد والآسِ قليلا..
آهِ .. لو نحنُ أخذناهُ إلى ساحات باريسَ العظيمَهْ
وتصوَّرنا مَعَهْ..
مرةً في ساحة (الفاندومِ) أو في ساحة (الباستيلِ)
أو في الضفَّة اليسرى من السينْ..
آهٍ .. لو تَدَحْرَجْنا على الثلج مَعَهْ..
وهو بالقُبَّعة الزرقاءِ يجري..
ودموعي جدولٌ يجري مَعَهْ..
2
آهِ .. لو نحنُ أخذناهُ إلى عالم (ديزني)..
وركبنا في القطارات التي تمرُقُ من بين ملايين
الفَرَاشاتِ إلى قَوْس قُزَحْ..
آهِ .. لو نحن استجبنا لأمانيه الصغيراتِ..
وآهٍ.. لو أكلنا معه (البيتزا) بروما..
وتجوَّلنا بأحياء فلورنسا..
وتركناهُ ليرمي خبزَهُ لطيور (البُندقيَّهْ)..
فلماذا هربَ العصفورُ منّا يا شَقِيَّهْ؟
قد رَسَمْناهُ بأهداب الجفونْ
ونَحَتْناه بأحداق العُيُونْ
وانتظرناهُ قُروناً .. وقُرونْ
فلماذا هربَ العصفورُ منّا؟
دونَ أن يُلقي التحيَّهْ...
3
ربَّما.. لو أنتِ من جنَّتكِ الخضراء ، يا سيّدتي..
لم تطرُديهِ ..
ربَّما .. لو أنتِ ، يا سيِّدتي ، لم تقتُليهِ..(54/51)
كانَ سلطانَ زمانِهْ..
ربَّما ... لو كانَ حيّاً
دخلَ الشمسَ على ظهر حصَانِهْ
ربَّما .. لو قال شِعْراً..
يقطُرُ السُكَّرُ من تحت لسانِهْ
ربَّما .. لو شاءَ يوماً أن يُغنّي..
يطلعُ الوردُ على قَوْس كَمَانِهْ..
ربَّما .. لو ظلَّ حيّاً..
حرَّكَ الأرضَ بأطرافِ بَنَانِهْ..
4
لا تَقُولي : (لا تُؤاخِذْني ) ..
فقد كانَ قضاءً وقَدَرْ..
هل يكونُ الجهلُ والسُخْفُ قضاءً وقَدَرْ؟
قَمَراً كانَ..
ومَنْ يقتُلُ ، يا سيّدتي ، ضوءَ القَمَرْ؟
وَتَراً كانَ..
ومَنْ يقطعُ من عُودٍ وَتَرْ؟
مَطَراً كانَ ..
ولنْ يأتي إلينا مرةً أُخرى المَطَرْ..
أنتِ لو أعطيتِهِ الفرصةَ يا سيِّدتي..
ربَّما كانَ المسيحَ المُنْتَظَرْ...
5
آهِ .. يا قاتلةَ الحُلْمِ الجميلِ المُبْتَكَرْ..
مؤسفٌ أن يقتلَ الإنسانُ حُلْما..
مؤسفٌ أن تكسري في الأُفْق نَجْما..
يا التي تبكي طَوَالَ الليل عصفورَ الأمَلْ
سَبَقَ السيفُ العَزَلْ..
لا تلوميني إذا ما يبسَ الدمعُ بعينيَّ
وصارَ القلبُ فَحْمَا..
فأنا كنتُ أباً..
مُدْهِشَ الأحلام.. لكنْ
أنتِ ، يا سيِدتي ، ما كُنْتِ أُمَا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> فاطمة في ساحة الكونكورد
فاطمة في ساحة الكونكورد
رقم القصيدة : 68742
-----------------------------------
1
يُمْطِرُ عليَّ كُحْلُكِ الحجازيّْ
وأنا في وَسَط ساحة (الكونكوردْ)
فأَرْتَبكْ..
وترتبكُ معي باريسْ
تسقطُ حكومةٌ .. وتأتي حكومَهْ
وتطيرُ الجرائدُ الفرنسيّةُ من أكْشَاكِها
وتطيرُ الشراشفُ من فوق طاولات المقاهي..
وتطلبُ العصافيرُ اللجوءَ السياسيْ
إلى عَيْنَيْكِ العَربيَّتيْنْ...
2
أيَّتها العربيَّةُ الداخلةُ كالخنجر في صَبَاحات باريسْ
يا مَنْ ترتشفينَ القهوةَ بالحليبْ
وترتشفين معها كُرَيَّاتي الحمراءَ والبيضاءْ
ما كانَ في حسابي أن أُلاقيكِ في محطّة الحزنْ
وأن تلتقطيني بأهداب حنانِكْ
وأنا في ذَرْوَة البرد، والخَوْف، والإنْكِسَارْ(54/52)
لكنَّ باريسَ قادرةٌ على كلِّ شيءْ
ونبيذُ بوردو الأحمر، هو الذي سَيُلغي الفُروقْ
بين صقيع أوروبا..
وشُموس العالم الثالثْ
بين حيائكِ الجميلْ...
وبين جُنُوني...
3
أيَّتها العربيَّةُ التي تتكسَّرُ على أرصفة (المونْمَارترْ)
فتافيتَ ياقُوتٍ..
وغابةَ سُيوفْ..
يا مَنْ يتصالحُ في عَيْنَيْها الضوءُ .. والعُتْمَهْ..
والماءُ .. والحرائقْ
ما كان في حسابي..
وأنا أتمشَّى بين (الفاندوم) .. و( المادلينْ)..
أن أدخلَ في جَدَليَّةِ اللون الأسودْ
وإشكَاليّة العُيُونِ الواسعَهْ
كخواتمِ الفضَّهْ...
ما كانَ في حسابي..
أن أدخلَ في تفاصيل التاريخ العَرَبيّْ
فلقد تخانقتُ مع تاريخي..
وجئتُ إلى باريسَ .. لأُلغيَ ذاكرتي
ولكنْ .. ما أن نزلتُ من الطائرَهْ..
حتى نَزَلَتْ ذاكرتي معي..
ونَزَلَ شَعْرُكِ الغَجَريُّ معي..
ونزلتْ أثوابُكِ .. ومعاطفُكِ..
وأدواتُ زينتكِ معي..
لتسدَّ مداخلَ الطُرُقاتْ
من مطار (شارل دوغول)
إلى كنيسة نوتردامْ...
4
يا فاطمةَ ساحة (الكونكوردْ)..
يا فاطمةَ الفاطِماتْ
أيُّها السيفُ المرصَّعُ بأجمل الآياتْ
أيُّها اللغةُ التي ألغَتْ جميعَ اللغَاتْ..
أُرحِّبُ بكِ في باريسْ..
وأرجو لكِ قامةً سعيدَهْ
فوق أعشاب صدري...
5
يا ذاتَ الشفتينِ المُمْتَلِئتيْنِ كحبَّتَيْ فاكِهَهْ..
كم هُوَ استفزازيٌّ نوعُ العطر الذي تضعينَهْ
وكم هُوَ رائعٌ إفطارُ الصباح معكِ..
وأنتِ تنقرينَ قطعةَ (الكرواسَانْ) كعصفورْ
وتنقرينَ فمي كعصفورْ
أيَّتُها السنجابةُ الآسيويَّهْ
التي تنطُّ من أعلى (برج إيفل) إلى صدري..
ولا تخشى الدُوارْ..
وتستحمُّ بنوافير (قصر فرساي)
ولا تخشى الغَرَقْ..
وتنامُ عاريةً على أعشاب حديقة (التويلري)..
ولا تخشى الفضيحَهْ..
6
أيَّتُها العربيّةُ التي ينقِّطُ العَسَلُ الأسودُ من عينيْها
نُقْطَةً .. نُقْطَهْ..
ويُنقِّطُ الشِعْرُ من شَفَتها السُفْلى
قصيدةً .. قصيدَه(54/53)
ويرنُّ حَلَقُها الطويل صباحَ يوم الأَحَدْ
كناقُوسِ كنيسَهْ..
ما كانَ في حسابي..
أن أمرَّ معكِ ذاتَ يومٍ تحتَ قَوْس النصرْ
لنضعَ وردةً على قبر العاشق المجهولْ..
ولا كانَ في حسابي..
أن أرى صورتَكِ في متحف اللُوفر
مع أعمال رينوارْ..
وماتيسْ..
وسيزانْ..
وأن أرى أعمالي الشعريَّهْ
تباعُ في مكتبات الضفّةِ اليُسْرى
مع أعمال رامبو..
وفيرلينْ..
وجاك بريفير..
7
صَباحَ الخير..
أيّتها العصفورةُ القادمةُ من المياه الدافئَهْ
لتغتسلَ بأمطار باريسْ
وأمطار حنيني..
صباحَ الخير..
أيَّتُها السَمَكةُ التي تتكلَّمُ اللغةَ العربيَّهْ
وتتهجّى كَلِماتِ الحُبِّ باللغةِ الفَرَنسيَّهْ.
وتتهجَّاني بكُلِّ لُغَاتِ الأُنوثَهْ...
8
كُلَّما سافرتُ إلى باريسَ دونَ حَجْزٍ..
تصيرينَ فُنْدُقي...
9
صَباحَ الخير .. يا بُسْتَانَ الزَعْفَرانْ
صباحَ الخير .. يا سُجَّادةَ الكاشانْ
صباحَ الخير على أصابعكِ النائمة بين أصابعي..
وعلى معطف المطر الذي كنتِ تلبسينَه معي..
وعلى جرائد الصباح التي كنتِ تتصفَحينها معي..
صباحَ الخير..
على الكافيتريات التي ثَرثَرْنا فيها..
وعلى البُوتيكات التي رافقتُكِ إليها..
وعلى المرايا التي دخلناها معاً...
ثم سافرتِ..
وتركتِني حتى الآن .. مَرْسُوماً عليها...
10
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> فاطِمَهْ
فاطِمَهْ
رقم القصيدة : 68743
-----------------------------------
يا ذاتَ الشَفَتيْنِ المعطَّرتينِ بحَبِّ الهالْ
والقَدَميْنِ المرسُومتيْنِ بالأكْوَاريلْ
لم يكنْ في حسابي
أن أكون أشهرَ العُشَّاق بتاريخ العَرَبْ..
وأشهرَ العُشّاق في تاريخ فرنسا..
لم يكُنْ في حسابي..
أن أدخلَ إلى باريسَ بجواز سَفَر عربي
وأخرجَ منها..
رئيساً للجمهوريَّة الخامسَهْ!!..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> امرأة تمشي في داخلي
امرأة تمشي في داخلي
رقم القصيدة : 68744
-----------------------------------
1(54/54)
لا أحَدَ قَرأَ فنجاني..
إلاَّ وعرفَ أنَّكِ حبيبتي
لا أَحدَ درَسَ خُطُوطَ يدي
إلا واكتشفَ حروفَ اسْمِكِ الأربعهْ..
كلُّ شيء يمكنُ تكذيبُهْ
إلاَّ رائحةَ امرأةٍ نُحبُّها..
كلُّ شيءٍ يمكنُ إخفاؤُهْ
إلاّ خَطَواتِ امرأةٍ تتحرَّكُ في داخلنا..
كلُّ شيءٍ يمكنُ الجَدَلُ فيه..
إلا أُنوثَتكِ..
2
أينَ أُخْفيكِ يا حبيبتي؟
نحنُ غابتان تشتعلانْ
وكلُّ كاميرات التلفزيون مسلَّطةٌ علينا..
أينَ أُخبِّئكِ يا حبيبتي؟
وكلُّ الصحافيين يريدونَ أن يجعلوا منكِ
نَجْمةَ الغلافْ..
ويجعلوا منّي بطلاً إغريقيّاً
وفضيحةً مكتوبَهْ..
3
أينَ أذهبُ بكِ؟
أينَ تذهبينَ بي؟
وكلُّ المقاهي تحفظُ وجوهَنا عن ظَهْر قلبْ
وكلُّ الفنادق تحفظُ أسماءنا عن ظَهْر قلبْ
وكلُّ الأرصفة تحفظُ موسيقى أقدامِنا
عن ظَهْر قلبْ..
نحنُ مكشوفان للعالم كشُرْفَةٍ بحريَّهْ
ومرئيّانِ كَسَمَكتيْنِ ذهبيَّتيْنْ..
في إناءٍ من الكريستالْ..
4
لا أحَدَ قرأ قصائدي عنكِ..
إلاّ وعرفَ مصادرَ لغتي..
لا أحدَ سافر في كُتُبي
إلا وَصَل بالسلامة إلى مرفأ عينَيْكْ
لا أحَدَ أعطيتُهُ عُنْوانَ بيتي
إلا توجَّهَ صَوْبَ شفتيكْ..
لا أحَدَ فتحَ جواريري
إلاّ ووجدكِ نائمةً هناكَ كفرَاشَهْ..
ولا أحدَ نبشَ أوراقي..
إلاَّ وعرفَ تاريخَ حياتِكْ..
5
علِّميني طريقةً
أحبسُكِ بها في التاء المربوطَهْ
وأمنعُكِ من الخروجْ..
علِّميني أن أرسمَ حول نهديْكِ
دائرةً بالقَلَم البنفسجيّْ
وأمنعهُمَا من الطيرانْ
علِّميني طريقةً أعتقلكِ بها كالنقطة في آخر السطرْ..
علميني طريقةً أمشي بها تحت أمطار عينَيْكِ .. ولا أتبلّلْ
وأشمُّ بها جسدَكِ المضمَّخَ بالبَهَارات الهنديَّة.. ولا أدوخْ..
وأتَدَحْرَجُ من مُرْتَفَعاتِ نهديْكِ الشاهقينْ..
ولا أتفتَّتْ....
6
إرفعي يَدَيْكِ عن عاداتي الصغيرَهْ
وأشيائي الصغيرَهْ..
عن القلم الذي أكتُبُ بِه..
والأوراقِ التي أُخَرْبشُ عليها..(54/55)
وعَلاَّقةِ المفاتيح التي أحملها..
والقهوةِ التي أحتسيها..
ورَبْطَات العُنُق التي أقتنيها
إرفعي يَدَيْكِ عن كتابتي..
فليس من المعقول أن أكتبَ بأصابعكِ
وأتنفّسَ برئَتَيْكِ..
ليس من المعقول أن أضحكَ بشفَتيْكِ
وأن تبكي أنتِ بعُيُوني!!.
7
إجلسي معي قليلاً..
لنُعيدَ النظرَ في خريطة الحُبّ التي رسَمْتِها
بقَسْوَة فاتحٍ مَغُوليّْ..
وأنانيّةِ امرأةٍ تريدُ أن تقولَ للرجل:
" كُنْ .. فيكونْ .."
كلِّميني بديمقراطيَّهْ ،
فذُكُورُ القبيلة في بلادي..
أتقنوا لُعْبَةَ القَمْعِ السياسيّْ
ولا أريدُكِ أن تًُمارسي معي
لُعْبَةَ القَمْعِ العاطفيّْ..
8
إجلسي حتى نرى..
أينَ حدودُ عينَيْكِ؟.
وأينَ حدودُ أحزاني؟.
أين تبتديءُ مياهُكِ الإقليميَهْ؟
وأين ينتهي دمي؟.
إجلسي حتى نتفاهَمْ..
على أيِّ جزءٍ من أجزاء جَسَدي
ستتوقّفُ فتوحاتُكْ..
وفي أيِّ ساعةٍ من ساعات الليلْ
ستبدأ غَزَوَاتُكْ؟
9
إجلسي معي قليلاً..
حتى نتّفقَ على طريقة حُبٍّ
لا تكونينَ فيها جاريتي..
ولا أكونُ فيها مستعمرةً صغيرَةً
في قائمة مستعمراتِكْ..
التي لا تزالُ منذ القرن السابع عَشَرْ
تطالبُ نهدَيْكِ بالتحرُّرْ
ولا يسمعانْ..
ولا يسمعانْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لا أرى أحداً سواكِ
لا أرى أحداً سواكِ
رقم القصيدة : 68745
-----------------------------------
أنا لا أفكِّرُ..
أن أقاومَ ، أو أثُورَ على هواكِ..
فأنا وكلُّ قصائدي..
من بعض ما صنعتْ يداكِ..
إنَّ الغرابةَ كلَها..
أنّي محاطٌ بالنساءِ..
ولا أرى أحداً سواكِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> على عينيك يضبط العالم ساعاته
على عينيك يضبط العالم ساعاته
رقم القصيدة : 68746
-----------------------------------
1
قبل أن تُصبحي حبيبتي
كانَ هناكَ أكثرُ من تقويمٍ لحساب الزَمَنْ.
كان للهُنُود تقويمُهُمْ،
وللصينيِّنَ تقويمُهُم،
وللفُرْسِ تقويمُهُمْ،
وللمصريِّينَ تقويمُهُم،(54/56)
بعدَ أن صرتِ حبيبتي
صارَ الناس يَقُولون:
السنةُ الألفُ قبل عَيْنَيْها
والقرنُ العاشر بعد عَيْنَيْها.
وصلتُ في حُبِّكِ إلى درجة التَبَخُّرْ
وصارَ ماءُ البحر أكبرَ من البحرْ
ودَمْعُ العين أكبرَ من العينْ
ومساحةُ الطَعْنَةِ..
أكبرَ من مساحة اللَّحْمْ.
3
وأتوحَّدَ بكِ أكْثَرْ
صارتْ شفتايَ لا تكفيانِ لتَغْطيةِ شَفَتَيْكِ
وذِرَاعايَ لا تكتفيانِ لتطويقِ خَصْرِكْ
وصارتْ الكِلماتُ التي أعرفُها
أَقَلَّ بكثيرٍ،
من عدد الشَامَاتِ التي تُطرِّزُ جَسَدكِ.
4
لم يعُدْ بوسْعي،
فمنذُ أعوامٍ،
وهُمْ يُعْلِنونَ في الجرائد أنَّني مفقودْ
ولا زلتُ مَفْقُوداً..
حتى إشعارٍ آخَرْ..
5
لم يَعْدْ بوسْع اللغة أن تَقُولَكِ..
صارتِ الكِلماتُ كالخيول الخَشَبيَّهْ
ولا تَطَالُكِ..
كُلَّما اتَّهمُوني بحُبِّكِ..
أشعُرُ بتفوّقي.
وأعقدُ مؤتمراً صحفيَّاً،
أوزِّعُ فيه صُوَرَكِ على الصحافَهْ،
وأظهر على شَاشةِ التلفزيونْ
وأنا أضَعُ في عروة ثوبي
وردةَ الفضيحَهْ..
7
كنتُ أسمعُ العُشَّاقَ
يتحدَّثُونَ عن أشواقِهمْ
فأضْحَكْ..
وشربتُ قهوتي وحدي..
عرفتُ كيف يدخلُ خنجرُ الشوق في الخاصرة
ولا يخرجُ أبداً..
8
مُشْكلتي مع النَقْد
أنَّني كلَّما كتبتُ قصيدةً باللون الأسودْ
قالوا إنَّني نَقَلْتُها عن عَيْنَيْكِ..
9
أنَّني كلَّما نفيتُ علاقتي بكِ
سَمِعْنَ خَشْخَشَةَ أساوركِ
في ذَبْذَبات صوتي
ورأينَ قميصَ نَوْمكِ
10
لا تُعوِّديني عليكِ..
فقد نصحني الطبيبْ
أن لا أتركَ شفتيَّ في شَفَتَيْكِ
أكثرَ من خَمْسِ دقائقْ
وأن لا أجلس تحت شمس نَهْدَيْكِ
أكثرَ من دقيقةٍ واحدةٍ
11
إنْ كنتِ تعرفينَ رَجُلاً..
يُحِبُّكِ أكثرَ منّي
فدُلّيني عليهْ
لأُهنِّئهُ..
وأَقْتُلَهُ بعد ذلكْ..
أكثرَ من دقيقةٍ واحدةٍ
حتَّى لا أحترقْ..
11
إنْ كنتِ تعرفينَ رَجُلاً..
يُحِبُّكِ أكثرَ منّي
فدُلّيني عليهْ
لأُهنِّئهُ..
وأَقْتُلَهُ بعد ذلكْ..(54/57)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> في وصف قطّة سيامية
في وصف قطّة سيامية
رقم القصيدة : 68747
-----------------------------------
1
تخلعُ فاطمةُ حَذَاءَها...
وتتكوَّمُ،
كقِطَّةٍ سِيَاميَّةٍ في جَوْف راحتي
ترمي حقيبتَها على مَقْعَدْ...
وكيسَ مُشْترياتِها على مقعدْ
وتدخُلُ...
في أوّل شريانٍ تصادِفُهْ.
تخلعُ فاطمةُ أسماءَها..
وتقرّرُ في شجاعةٍ باهرَهْ
أن تكونَ امرأتي..
تَنْتَزعُ الحَلَقَ من أُذُنَيْها
تَنْتَزِعُ الأساورَ من يَدَيْهَا
ترمي خواتمَهَا..
ودبابيسَ شَعْرِها على الأرضْ
وذاكرتَها .. وأيَّامها المتشابهةَ على الأرض
وتَنْدسُّ كشجرة الكاكاو...
تحت ثيابي..
3
تختارُ لونَ ستائري،
ولونَ دفاتري،
وتَفْرضُ عليَّ ذَوقَها في الطعام، وفي الحُبّ
وتُغَمْغَمُ من فَرَحِها..
كقِطَّة سياميَّهْ..
4
تدخُلُ فاطمةُ عليَّ..
تَضَعُ مجلاتِها النسائيّةَ على مكتبي.
وثوبَ نومها في خزانتي..
وملاقطَ شَعْرِها في جواريري..
تضعُ فُرْشَاةَ أسنانها،
قُرْبَ فُرْشاةِ أسناني،
فأُدركُ أنَّها قرّرتِ احتلالي...
5
تضجر فاطمةُ من شكل نهديْها
وتحاولُ رسْمَهُما من جديدْ..
وتأمُرُها أن تتحوَّلَ إلى عُصْفور..
لا شيءَ أروعَ من فاطِمَهْ
عندما تخرجُ من بيت الطاعَهْ
وتصهل كمِهْرَةٍ..
تحت شمس الحريَّهْ.
6
تقودُ فاطمةُ انقلاباً تاريخياً على جَسَدِها..
وتستلم السُلْطَهْ.
تضعُ وزراءَها في السجنْ
وقيس بنَ الملوَّحِ، وجميلَ بُثَيْنَةَ
وجميع الشعراء العُذريّينَ في السجنْ
وجميعَ الذين ألَّفُوا في فَنِّ الحُبّ
ولم يلامسوا إصْبَعَ امرأهْ...
وجميع الذينَ تحدَّثوا عن انتصاراتهم النسائيَّةَ
دون أن يصابُوا
بطَعْنَةٍ واحدةٍ..
أو بقُبْلةٍ واحدةٍ
أو بذَبْحَةٍ قلبيّةٍ واحدَهْ..
وجميع الذين كتبُوا عن جحيم الجنسْ
ولم يناموا مع ذبابَهْ..
وتعلنُ فاطمةُ أمام الجماهير التي جاءتْ لمبايعتها
وفي لحظة صدقٍ لا يعرفُها العرب
أنَّها حبيبتي..
7(54/58)
ترفُضُ فاطمةُ جميعَ النُصُوصِ المشكوكِ بصِحَّتها
وتبتديءُ من أَوَّل السطرْ..
تمزِّقُ جميع المخطوطات التي ألَّفَها الذُكُورْ
وتبتديءُ من أبجديَّةِ أنوثتها.
وتقرأ في كتاب فمي.
تهاجرُ من مُدُن الغبار
وتتبعني حافيةً إلى مُدُن الماءْ.
تقفز من قطار الجاهلية
وتتكلّم معي لغةَ البحر..
تكسر ساعتَها الرمليَّه..
وتأخذُني معها إلى خارج الوقتْ...
8
تعتقدُ فاطمَهْ
-وفاطمةُ دائماً على حقّ-
أنَّ حركةَ التاريخ تبدأ من عَيْنَيْها،
وأن الإنسانَ الأوَّلَ،
عمَّر مغارتَهُ ما بين نهدَيْها..
والموسيقى لا صوت لها..
والألوانَ لا لونَ لها..
وأن الشِّعْرَ - إذا هي رَفَعتْ يدها عنه -
سيُقفل البابَ على نفسه،
وينتحرْ...
9
تُعْجِبُني قَرَاراتُ فاطِمَهْ
عندما تتحوَّلُ من حَجَرٍ مُسْتَديرْ
إلى نافُورة ماءٍ في بيتٍ أنْدَلُسيّْ
ومن قصيدةٍ مَوْزُونةٍ ومُقفَّاةْ
إلى حمامةٍ تحطُّ على كَتِفي
ومن جاريةٍ في بلاط هارون السادسِ عَشَرْ
10
تعجبني حماقاتُ فاطمَهْ..
عندما تتجاوزُ الإشَاراتِ الحمراءْ
التي وضَعَها التاريخيُّونَ حول كلامِها،
وحول أحْلامِها..
وتذبحُهُمْ في خيمَتِهِمْ
واحداً .. واحداً..
وتعجبُني مبالاتُ فاطمَهْ
وتُعيِّنني حارساً على نهدَيْها
بمرتَّبٍ قدرُهُ عَشَرَةُ آلافِ قُبْلةٍ
في الليلة الواحدَهْ....
11
أُحِبُّ فاطمَهْ
حين تشربُ قهوتَها الصباحيَّةَ،
وتشربُني..
وأُحبُّها أكثَرْ
حين تؤكِّدُ لي:
أنَّها سوفَ تحتلُّ العالَمَ،
وتَحْتَلُّني..
12
وهي تصطادُ السَمَكَ الأحمرْ
على شواطئِ دمي..
13
تعتقلني فاطمةُ تحت أهدابِها
فلا أعرفُ متى ينتهي الليل
ومتى يبدأ النَهَارْ..
14
على يَدَيْ فاطِمَهْ
ومحارباً جيّداً
كما علَّمتني أن أحِبَّها جيداً
وعلى يَدَيْ فاطمَهْ
تعلَّمتُ أن الليبراليَّةَ هي امرأَهْ.
فَهُوَ رَجُلُ مخابَراتْ...
15
مَنْ لم يعرِفْ فاطِمَهْ
لم يعرِفْ ما هي أعظَمُ أعمالِ اللهْ..
16
تُحَطِّمُ فاطمَهْ(54/59)
جميعَ قوارير الطبِّ العربيّْ
وجميعَ مُعْتَقلاتِ الحُبِّ العربيّْ
وتُخْرجُني من ثبات النَصِّ العربيّْ
وتفتحُ لي بابَ الإجتهادْ.
17
فاطِمَهْ.
هي أهَمُّ امرأةٍ بين نساء العالَمْ.
وحَمَلَ السلاحَ معها..
مَنْ لم يعرِفْ فاطِمَهْ
لم يعرِفْ ما هي أعظَمُ أعمالِ اللهْ..
ولَمْ يعرفْ ما هو الشِعْرْ..
16
تُحَطِّمُ فاطمَهْ
جميعَ قوارير الطبِّ العربيّْ
وجميعَ مُعْتَقلاتِ الحُبِّ العربيّْ
وتُخْرجُني من ثبات النَصِّ العربيّْ
وتفتحُ لي بابَ الإجتهادْ.
17
فاطِمَهْ.
هي أهَمُّ امرأةٍ بين نساء العالَمْ.
وأنا، أَهَمُّ رَجُلٍ أحَبَّها
وحَمَلَ السلاحَ معها..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إنها تُثلج نِساءً
إنها تُثلج نِساءً
رقم القصيدة : 68748
-----------------------------------
1
إنَّها تُثْلِجُ نساءً..
أَنْزَعُ معطفَ المطر الذي أرتديهْ،
وأُقفل مظلَّتي،
وأتْرُكُهنَّ يتساقَطْنَ على جسدي
واحدةً .. واحدَهْ
ثماراً من النارْ
وعصافيرَ من الذَهَبْ.
إنَّها تُثْلِجُ نساءً..
أفْتَحُ جميعَ أزرار قميصي
وأتركُهُنَّ يَتَزَحْلَقْنَ على هضابي
ويغْتَسِلْنَ بمياهي
ويَرْقُصْنَ في غاباتي
ويَنمْنَ في آخر الليل كالطيور فوق أشجاري..
3
أخرجُ كالطفل إلى الحديقَهْ
وأتركُهُنَّ يكرُجْنَ كاللآليء على جبيني
إمرأةً .. إمرأَهْ
ولُؤْلُؤةً .. لُؤلُؤَهْ..
أحملُهُنَّ كالثلج على راحة يدي
وأخافُ عليهنَّ أن يذُبْنَ كالثلج بين أصابعي
من حرارة العشقْ.
4
إنَّها تُثْلِجُ نساءً..
البوادي تخرجُ .. والحواضرُ تَخْرُجْ
الأغنياءُ يخرجونَ .. والفقراءُ يخرجون
واحدٌ يحملُ بارودةَ صيدْ
وواحدٌ يحملُ صنَّارةَ سمكْ
وواحدٌ يحمل بَطْحَةَ عَرَقْ
وواحدٌ يحملُ مخدَّةً وسريرا..
5
إنَّها تُثْلِجُ نساءً..
والوطَنُ كلُّهُ مُسْتَنْفَرٌ للهجوم على اللون الأبيضْ
وواحدٌ يريد أن يتزوَّجَ الثلجْ..
وواحدٌ يريدُ أن يأكلَهُ..(54/60)
وواحدٌ يريدُ أن يأخذَه لبيت الطاعَهْ..
وواحدٌ يسحبُ دفترَ شيكاته من جيبه
ليشتري أيَّ نهدٍ أشْقَرَ يسقطُ من السماءْ
كي يجعلهُ ديكوراً في حجرة نومِهْ....
6
يَسْمَعُ الثلجُ قَرْعَ الطبولِ ، وخَشْخَشَةَ السلاسِلْ
ويَرَى بريقَ الخناجر ، والتماعَ الأنيابْ
يخافُ الثلجُ على عذريَّتهِ..
ويقرّرُ أن يسقطَ في بلادٍ أُخرى...
يَسْمَعُ الثلجُ قَرْعَ الطبولِ ، وخَشْخَشَةَ السلاسِلْ
ويَرَى بريقَ الخناجر ، والتماعَ الأنيابْ
يخافُ الثلجُ على عذريَّتهِ..
فيحزم حقيبتَهُ،
ويقرّرُ أن يسقطَ في بلادٍ أُخرى...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحبّ لا يقف على الضوء الأحمر
الحبّ لا يقف على الضوء الأحمر
رقم القصيدة : 68749
-----------------------------------
1
لا تُفَكِّرْ أبداً.. فالضوءُ أحمَرْ..
لا تُكلِّمْ أحداً .. فالضوءُ أحمَرْ
لا تًجادلْ في نصوص الفقْهِ..
أو في النَحْوِ..
أو في الصَرْفِ..
أو في الشِعْرِ..
أو في النَثْرِ..
إنَّ العقلَ ملعونٌ ، ومَكْروهٌ ، ومُنْكَرْ...
لا تُغادرْ..
قُنَّكَ المختومَ بالشَمْع.. فإنَّ الضوءَ أحمَرْ
لا تُحِبَّ امْرَأةً .. أو فَاْرةً..
إنَّ ضوءَ الحُبِّ أحمَرْ..
لا تُضاجعْ حائطاً .. أو حَجَراً .. أو مَقْعَداً..
إنَّ ضوءَ الجنْسِ أحمَرْ..
إبْقَ سِرِّياً..
ولا تكشِفْ قَرَاراتِكَ حتَّى لذُبَابَهْ..
إبْقَ أُمِّياً..
ولا تدخُلْ شريكاً في الزنى أو في الكتابَهْ..
فالزنى في عصرنا..
أهونُ من جُرْم الكتابَهْ..
3
وبأشجارِ .. وبأنهارِ .. وأخبارِ الوطَنْ
لا تُفكِّرْ بالذين اغتصبُوا شمسَ الوطَنْ..
إنَّ سيفَ القَمْع يأتيكَ صباحاً
في عناوين الجريدَهْ..
وتَفَاعيلِ القصيدَهْ..
وبقايا قَهْوَتِكْ
لا تَنمْ بين ذرَاعَيْ زوجتِكْ...
إنَّ زُوَّاركَ عند الفجر موجودونَ تحت الكَنَبَهْ..
4
لا تُطالعْ كُتُباً في النقد أو في الفلسفَهْ
مزروعونَ مثلَ السُوسِ في كلِّ رفوف المكْتَبَهْ..(54/61)
إبْقَ في برميلكَ المملوءِ نَمْلاً.. وبَعُوضاً.. وقِمَامَهْ
إبْقَ مِنْ رجْلَيْكَ مشنوقاً إلى يوم القيامَهْ..
إبقَ من صوتِكَ مشنوقاً إلى يومِ القيامَهْ..
إبْقَ من عقلكَ .. مشنوقاً إلى يوم القيامَهْ..
إبْقَ في البرميل.. حتَّى لا ترى
وَجْهَ هذي الأمّةِ المُغْتَصبَهْ..
5
أنتَ لو حاولتَ أن تذهبَ للسلطانِ..
أو زوجتِهِ..
أو كلبِهِ المسؤولِ عن أَمن البلادْ..
والذي يأكُلُ أسماكاً.. وتُفَّاحاً.. وأطفالاً..
كما يأكُلُ من لحم العبادْ..
لوجدتَ الضوءَ أحمرْ..
6
أنتَ لو حاولتَ أن تقرأَ يوماً
نَشْرةَ الطقس.. وأسماءَ الوفيّاتِ.. وأخبارَ الجرائمْ..
لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ..
أو أحذيةِ الأطفالِ..
أو سعرِ الطماطمْ..
لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ..
أنتَ لو حاولتَ أن تقرأ يوماً
صفحةَ الأبراجِ..
كي تعرفَ ما حَظُّكَ قَبْلَ النَفْطِ..
أو حظُكَ بعدَ النَفْطِ..
أو تعرفَ ما رقْمُكَ ما بين طوابير البهَائمْ..
لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ..
7
أنتَ لو حاولتَ..
أن تبحثَ عن بيتٍ من الكرتُون يأويكَ..
أو سيِّدةٍ - من بقايا الحرب- ترضى أن تُسَلِّيكَ.
وعن نهديْنِ معطُوبيْنِ..
لوجدت الضوءَ أحمَرْ..
أنتَ لو حاولتَ..
أن تسألَ أستاذَكَ في الصفّ.. لماذا؟
يتسَلَّى عربُ اليوم بأخبار الهزائمْ؟
ولماذا عربُ اليوم زُجَاجٌ فوقَ بعضٍ يتكسَّرْ؟
لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ..
8
لا تُسافِرْ بجوازٍ عربيّْ..
لا تسافرْ مرةً أخرى لأوروبّا
فأوروبّا - كما تعلمُ - ضاقَتْ بجميع السُفَهَاءْ..
أيُّها المنبوذُ..
والمشبُوهُ..
أيُّها الديكُ الطعينُ الكبرياءْ..
أيُّها المقتولُ من غير قتالٍ..
أيُّها المذبوحُ من غير دماءْ..
لا تُسافرْ لبلاد اللهِ..
إنَّ الله لا يرضى لقاءَ الجُبَنَاءْ..
9
لا تُسافِرْ بجوازٍ عربيّْ..
وانتظرْ كالجُرْذ في كُلِّ المطاراتِ،
فنَّ الضوءَ أحمَرْ..
لا تقُلْ باللغة الفُصْحَى..
أنا مروانُ.. أو عدنانُ..
أو سَحْبَانُ
إنَّ الإسمَ لا يعني لها شيئاً..(54/62)
وتاريخُكَ - يا مولايَ - تاريخٌ مُزَوَّرْ..
لا تُفاخِرْ ببطولاتكَ في (لليدو)
فسوزانُ..
وجانينُ..
وكوليتُ..
وآلافُ الفَرَنْسِيَّاتِ.. لم يقرأنَ يوماً
قصّةَ الزيرِ وعنتَرْ..
يا صديقي:
أنتَ تبدو مُضْحكاً في ليل باريسَ..
فَعُدْ فوراً إلى الفندقِ..
إنَّ الضوءَ أحمَرْ..
11
لا تُسافِرْ..
بجوازٍ عربيٍّ بين أحياءِ العَرَبْ!!
فهُمُ من أجل قرشٍ يقتُلُونَكْ..
وهُمُ - حين يَجُوعُونَ مساءً - يأكُلُونَكْ
لا تكنْ ضيفاً على حاتمِ طيّْ
فهو كذَّابٌ..
ونصَّابٌ..
وصناديقُ الذَهَبْ..
12
يا صديقي:
لا تَسِرْ وحْدَكَ ليلاً
بين أنيابِ العَرَبْ..
أنتَ في بيتكَ محدودُ الإقامَهْ..
أنتَ في قومكَ مجهولُ النَسَبْ..
يا صديقي:
رحِمَ اللهُ العَرَبْ!!.
وصناديقُ الذَهَبْ..
12
يا صديقي:
لا تَسِرْ وحْدَكَ ليلاً
بين أنيابِ العَرَبْ..
أنتَ في بيتكَ محدودُ الإقامَهْ..
أنتَ في قومكَ مجهولُ النَسَبْ..
يا صديقي:
رحِمَ اللهُ العَرَبْ!!.
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نظرية جديدة لتكوين العالم
نظرية جديدة لتكوين العالم
رقم القصيدة : 68750
-----------------------------------
"لا ثقافة بغير حُبّ. إن الذي يُحبّني يخلُقني"
أراغون
- -
- -
"أعلنُ اتّحادي بالحرية. أعلن اتحادي بالآخرين.."
بوشكين
جان كوكتو
- - -
في البّدْءِ.. كانت فاطمَهْ.
وكانت اللغاتُ والأسماءْ..
والصباحُ، والمساءْ
وبعد عينيْ فاطمَهْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> محاولاتٌ لقتل امرأةٍ لا تُقْتَل
محاولاتٌ لقتل امرأةٍ لا تُقْتَل
رقم القصيدة : 68751
-----------------------------------
1
وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..
ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْتْ
وعدتُكِ أن لا أعودَ...
وعُدْتْ...
وأن لا أموتَ اشتياقاً
ومُتّْ
وعدتُ مراراً
وقررتُ أن أستقيلَ مراراً
ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ...
2
وعدتُ بأشياء أكبرَ منّي..
فماذا غداً ستقولُ الجرائدُ عنّي؟(54/63)
أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي جُنِنْتْ..
أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي انتحرتْ
وعدتُكِ..
أن لا أكونَ ضعيفاً... وكُنتْ..
وأن لا أقولَ بعينيكِ شعراً..
وقُلتْ...
وعدتُ بأَنْ لا ...
وأَنْ لا..
وأَنْ لا ...
وحين اكتشفتُ غبائي.. ضَحِكْتْ...
3
وَعَدْتُكِ..
أن لا أُبالي بشَعْرِكِ حين يمرُّ أمامي
وحين تدفَّقَ كالليل فوق الرصيفِ..
صَرَخْتْ..
وعدتُكِ..
أن أتجاهَلَ عَيْنَيكِ ، مهما دعاني الحنينْ
وحينَ رأيتُهُما تُمطرانِ نجوماً...
شَهَقْتْ...
وعدتُكِ..
أنْ لا أوجِّهَ أيَّ رسالة حبٍ إليكِ..
ولكنني - رغم أنفي - كتبتْ
وعَدْتُكِ..
أن لا أكونَ بأيِ مكانٍ تكونينَ فيهِ..
وحين عرفتُ بأنكِ مدعوةٌ للعشاءِ..
ذهبتْ..
وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..
كيفَ؟
وأينَ؟
وفي أيِّ يومٍ تُراني وَعَدْتْ؟
لقد كنتُ أكْذِبُ من شِدَّة الصِدْقِ،
والحمدُ لله أني كَذَبْتْ....
4
وَعَدْتُ..
بكل بُرُودٍ.. وكُلِّ غَبَاءِ
بإحراق كُلّ الجسور ورائي
وقرّرتُ بالسِّرِ، قَتْلَ جميع النساءِ
وأعلنتُ حربي عليكِ.
وحينَ رفعتُ السلاحَ على ناهديْكِ
انْهَزَمتْ..
وحين رأيتُ يَدَيْكِ المُسالمْتينِ..
اختلجتْ..
وَعَدْتُ بأنْ لا .. وأنْ لا .. وأنْ لا ..
وكانت جميعُ وعودي
دُخَاناً ، وبعثرتُهُ في الهواءِ.
5
وَغَدْتُكِ..
أن لا أُتَلْفِنَ ليلاً إليكِ
وأنْ لا أفكّرَ فيكِ، إذا تمرضينْ
وأنْ لا أخافَ عليكْ
وأن لا أقدَّمَ ورداً...
وأن لا أبُوسَ يَدَيْكْ..
وَتَلْفَنْتُ ليلاً.. على الرغم منّي..
وأرسلتُ ورداً.. على الرغم منّي..
وبِسْتُكِ من بين عينيْكِ، حتى شبِعتْ
وعدتُ بأنْ لا.. وأنْ لا .. وأنْ لا..
وحين اكتشفتُ غبائي ضحكتْ...
6
وَعَدْتُ...
بذبحِكِ خمسينَ مَرَّهْ..
وحين رأيتُ الدماءَ تُغطّي ثيابي
تأكَّدتُ أنّي الذي قد ذُبِحْتْ..
فلا تأخذيني على مَحْمَلِ الجَدِّ..
مهما غضبتُ.. ومهما انْفَعَلْتْ..
ومهما اشْتَعَلتُ.. ومهما انْطَفَأْتْ..
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدْقِ(54/64)
والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...
7
وعدتُكِ.. أن أحسِمَ الأمرَ فوْراً..
وحين رأيتُ الدموعَ تُهَرْهِرُ من مقلتيكِ..
ارتبكْتْ..
وحين رأيتُ الحقائبَ في الأرضِ،
أدركتُ أنَّكِ لا تُقْتَلينَ بهذي السُهُولَهْ
فأنتِ البلادُ .. وأنتِ القبيلَهْ..
وأنتِ القصيدةُ قبلَ التكوُّنِ،
أنتِ الدفاترُ.. أنتِ المشاويرُ.. أنت الطفولَهْ..
وأنتِ نشيدُ الأناشيدِ..
أنتِ المزاميرُ..
أنتِ المُضِيئةُ..
أنتِ الرَسُولَهْ...
8
وَعَدْتُ..
بإلغاء عينيْكِ من دفتر الذكرياتِ
ولم أكُ أعلمُ أنّي سأُلغي حياتي
ولم أكُ أعلمُ أنِك..
- رغمَ الخلافِ الصغيرِ - أنا..
وأنّي أنتْ..
وَعَدْتُكِ أن لا أُحبّكِ...
- يا للحماقةِ -
ماذا بنفسي فعلتْ؟
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،
والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...
9
وَعَدْتُكِ..
أنْ لا أكونَ هنا بعد خمس دقائقْ..
ولكنْ.. إلى أين أذهبُ؟
إنَّ الشوارعَ مغسولةٌ بالمَطَرْ..
إلى أينَ أدخُلُ؟
إن مقاهي المدينة مسكونةٌ بالضَجَرْ..
إلى أينَ أُبْحِرُ وحدي؟
وأنتِ البحارُ..
وأنتِ القلوعُ..
وأنتِ السَفَرْ..
فهل ممكنٌ..
أن أظلَّ لعشر دقائقَ أخرى
لحين انقطاع المَطَرْ؟
أكيدٌ بأنّي سأرحلُ بعد رحيل الغُيُومِ
وبعد هدوء الرياحْ..
وإلا..
سأنزلُ ضيفاً عليكِ
إلى أن يجيءَ الصباحْ....
*
10
وعدتُكِ..
أن لا أحبَّكِ، مثلَ المجانين، في المرَّة الثانيَهْ
وأن لا أُهاجمَ مثلَ العصافيرِ..
أشجارَ تُفّاحكِ العاليَهْ..
وأن لا أُمَشّطَ شَعْرَكِ - حين تنامينَ -
يا قطّتي الغاليَهْ..
وعدتُكِ، أن لا أُضيعَ بقيّة عقلي
إذا ما سقطتِ على جسدي نَجْمةً حافيَهْ
وعدتُ بكبْح جماح جُنوني
ويُسْعدني أنني لا أزالُ
شديدَ التطرُّفِ حين أُحِبُّ...
تماماً، كما كنتُ في المرّة الماضيَهْ..
11
وَعَدْتُكِ..
أن لا أُطَارحَكِ الحبَّ، طيلةَ عامْ
وأنْ لا أخبئَ وجهي..
بغابات شَعْرِكِ طيلةَ عامْ..
وأن لا أصيد المحارَ بشُطآن عينيكِ طيلةَ عامْ..(54/65)
فكيف أقولُ كلاماً سخيفاً كهذا الكلامْ؟
وعيناكِ داري.. ودارُ السَلامْ.
وكيف سمحتُ لنفسي بجرح شعور الرخامْ؟
وبيني وبينكِ..
خبزٌ.. وملحٌ..
وسَكْبُ نبيذٍ.. وشَدْوُ حَمَامْ..
وأنتِ البدايةُ في كلّ شيءٍ..
ومِسْكُ الختامْ..
12
وعدتُكِ..
أنْ لا أعودَ .. وعُدْتْ..
وأنْ لا أموتَ اشتياقاً..
ومُتّ..
وعدتُ بأشياءَ أكبرَ منّي
فماذا بنفسي فعلتْ؟
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،
والحمدُ للهِ أنّي كذبتْ....(54/66)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التانغو الأخير
التانغو الأخير
رقم القصيدة : 68752
-----------------------------------
فوق حقل من التوليب الأحمر..
1
كُنْتِ..
في أحسن حالاتِكِ - يا سيّدتي - هذا المساءْ
كانَ نَهْداكِ..
يُذِيعانِ بلاغَ الثورة الأولى بتاريخ النساءْ
ويقُودان انقلاباً ضدَّ كلّ الخُلَفَاءْ..
كانَ في عينيكِ غَيْمٌ أسودٌ..
وبداياتُ شتاءْ..
ونُبُوءاتُ جميع الأنبياءْ..
2
لم تكوني امرأة عاديةً...
في ذلك اليوم الشتائيِّ الذي يحكمُهُ الكونياكْ،
والقهوةُ.. والجِنْسُ.. وإيقاعُ المزاريبِ،
وموسيقى المَطَرْ..
كنتِ جَمْراً. كُنْتِ فَحْما
كنت شيئاً لا يُسَمَّى.
لم تكوني دُمْيَةً مَحْشُوةً بالقطنِ.. مثلَ الأخْرَياتِ
كنتِ وَحْشاً رائعَ الجلد جميلا..
لم تكوني نَسْمةً من نسمات الصيفِ..
لكنْ كنتِ زلزالاً مَهُولا.
لم تكوني زهرةً من ورقٍ..
بل حصاناً.. يمضغ الشرشَفَ شوقاً وصهيلا..
3
كان تشرينُ بلا عقلٍ..
وكان العشبُ متروكاً على فطرته الأولى..
وماري، تصنعُ الحُبَّ على فطرتها الأولى..
وكانت تتهجّى جَسَدي حرفاً فحرفا..
دونَ أن تُخْطئَ في تشكيل كلِّ الكَلِماتِ
ربّما الكونياكُ قد ثقَّفَ ماري..
فهي تختارُ أرقَّ المُفْرَدَاتِ.
ربّما الكونياكُ قد علَّمَها
أنَّ في إمكان نهدَيْها احتلالَ الكائناتِ
هذه الليلةَ، يا ماري، سأبقى صامتاً
فالبراندي، هو سُلْطَانُ اللغاتِ..
4
كنتِ في أخصب أيامِكِ، يا ماري،
وكانت أنْهُرُ الياقوتِ تجري بهدوءٍ..
والأزاهيرُ تغطي كلّ أنحاء السريرْ..
لم تكوني امرأةً مذعورة.. أو خائفَهْ
كُنْتِ سِكّينا بقلب العاصفَهْ
شَرِبتْ سجّادةُ الموكيت، يا سيدتي، نصفَ دمي
وأنا اقتطفُ التوليبَ مبهوراً..
وأحسو المَطَرَ الورديَّ من أعلى الينابيعِ..
وأكوي بالبراندي شَفَةَ الجُرْح..
ولا أحسبُ للنار حسابْ..
آهِ.. يا ماري التي تفتحُ لي أسوارَها مثلَ كتابْ
لم يعُد عنديَ ما أقرؤهُ.(55/1)
فأنا آتٍ من الأرض الخرابْ..
5
آهِ.. يا ماري التي تلبس لي
في أوّل الليل قميصاً معجزَهْ..
وإذا ما انتصفَ الليلُ..
قميصاً معجزَهْ..
كيفَ صارَ الزَغَبُ الطالعُ من إبْطيْكِ..
أسلاكَ حريرْ؟
آهِ.. يا ماري التي تحفرني في بطنها العاري..
كجرحٍ مستديرْ..
يا التي أزرعُ في أحشائِها..
السيفَ الأخيرْ..
6
أحرقَ الكونياكُ أعصابي..
وفي عينيْكِ بَرْقٌ.. ورعودٌ.. ومَطَرْ
وقلوعٌ.. واحتمالاتُ سَفَرْ
لم أكن أُدْرِكُ ما يجري تماماً..
غيرَ أن الأرضَ كانت تحتَنا تهتزُّ..
والجدرانُ، والأبوابُ، والأكوابُ، واللوحاتُ،
والأشجارُ، والأوراقُ في الريح تطيرْ
لم أكن أسمعُ إلا جَرَس القرية في الليلِ،
وإلا وَقْعَ أقدامٍ على الثلجِ،
وإلا صَرْخَةَ الأنثى التي تُشْعِلُ النارَ بقلب الزمهريرْ
آهِ.. يا ماري التي تشرح لي كلَّ شيءٍ.. مثل
تلميذٍ صغيرْ.
أنتِ منفاي النهائيُّ.. ومينائي الأخيرْ
فاسحبيني من يدي..
قبلَ أن يبلعني البحرُ الكبيرْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى سمكةٍ قبرصية.. تُدعى تامارا
إلى سمكةٍ قبرصية.. تُدعى تامارا
رقم القصيدة : 68753
-----------------------------------
1
باسم ليماسُولَ..
شكراً يا تامارا
باسْم هذا الخاتم المشغولِ بالفيروزِ..
شُكْراً يا تامارا
باسْمِ هذا الدفتر المفتوح للضوءِ.. وللشِعْر..
وللعشَّاقِ..
شكراً يا تامارا
باسم أسرابٍ من النَوْرَسِ كانَتْ
تنقر الحنطةَ من ثغركِ..
شكراً يا تامارا
باسم كلِّ القبرصيينَ الذين اكتشفُوا
اللؤلؤَ الأسودَ في عينيْكِ.
شكراً يا تامارا
باسم أحزاني التي ألقيتُها في بحر بيروت.
وأجزائي التي أبحث عنها..
في زوايا الأرضِ ليلاً ونَهَاراً...
ألفُ شكرٍ.. يا تامارا.
*
يا تامارا القبرصيّة:
أيُّها السيفُ الذي يقتلني من قبل أن يُلقي التحيَّة
باسْمِ مقهانا البدائيِّ على البحرِ..
وكُرْسيَّيْنِ مزروعينِ في الرمل..
و (أنطونيو) الذي كان خلالَ الصيف عرَّابَ هوانا.(55/2)
والذي كان وديعاً مثلَ قط منزليٍّ..
وعريقاً مثل تمثال حكيمٍ من أثينا،
ورقيقاً.. وصديقاً.. عندما يختارُ في الليل لنا
فاكهةَ البحر..
ويوصيكِ بأن ترتشفي (الأوزو)
الذي تشربُه آلهةُ اليونانِ في الحبِّ وفي الحربِ..
ويرجوكِ بأن تستمتعي بمذاقِ (الكالامارْ)
ومَذَاقِ العشق في تلك الجزيرَهْ
باسم آلاف التفاصيل الصغيرَهْ..
ألفُ شكرٍ .. يا تامارا
3
كيف أنسى امرأةً من قبرصٍ..
تُدْعى تامارا..
شَعْرُها تعلكهُ الريحُ..
ونهداها يُقِيمان مع الله حِوارَا..
خرجَتْ من رَغْوَة البحر كعَشْتَارٍ.. وكانتْ
تلبسُ الشمسَ بساقَيْها سِوارَا..
كيفَ أنسى جسداً؟
يقدحُ كالفوسفور في الليل شَرارَا..
كيفَ أنسى حَلْمَةً مجنونةً
مزَّقتْ لحمي، صعوداً..
وانحدارا...
4
إصْهلي.. يا فَرَسَ الماء الجميلَهْ
إصرخي.. يا قطّةَ الليل الجميلَهْ
بلّليني برَذَاذِ الماء والكُحْلِ..
فلولاكِ لكانتْ هذه الأرضُ صَحَارى..
بلّليني.. بالأغاني القبرصيَّهْ
ما تهمُّ الأبجديّاتُ.. فأنتِ الأبجديَّهْ..
يا التي عشتُ إلى جانبها العشقَ.. جُنُوناً
وانتحارا..
يا التي ساحلها الرمليّ يرمي لي..
زُهوراً.. ونبيذاً قبرصياً.. ومَحَارا..
لم يكُنْ حبُّ تامارا..
ذلك الحبّ الروائيّ ، ولكنْ
كانَ عَصْفاً ودمارا.
لم يكُنْ جدولَ ماءٍ
إنما كانَ حُبّاَ صغيراً..
فقد احتلَ بلاداً.. وشعوباً.. وبحارا..
كلُّ أمجادي سرابٌ خادعٌ
ليس من مجدٍ حقيقيٍ..
سوى عينيْ تامارا..
5
تحت سطح الماء.. أحببتُ تامارا..
ورأيتُ السَمَكَ الأحمرَ.. والأزرقَ.
والفضيَّ..
فوجئتُ بغاباتٍ من المرجانِ..
داعبتُ كطفلٍ سلحفاةَ البحرِ،
لامستُ النباتات التي تفترسُ الإنسانَ،
حاولتُ انتشالَ السفن الغرقى من القَعْرِ..
ولملمْتُ كنوزاً ليسَ تُحصى..
ونجوماً .. وثمارا..
تحت سطحِ الماءِ.. أعلنتُ زواجي بتامارا.
فإذا بالموج قد صار نبيذاً..
وإذا الأسماكُ أصبحنَ سُكارى..
6
ما الذي يحدثُ تحت الماء في جلد تامارا؟(55/3)
فهُنا.. الأحمرُ يزدادُ احمرارا..
وهنا .. الأخضرُ يزداد اخضرارا..
وهنا السُرَّةُ تزدادُ أمام الضوءِ..
خوفاً.. وانبهارا..
ما الذي يحدثُ في عقلي.. وفي عقل تامارا؟
سَمَكُ الدولفين يرمي نفسَهُ.
كالمجانين يميناً.. ويسارا..
سَمَكُ الدولفين يدعوني لكي أقفزَ في الماءِ..
وفي مملكة الأسماكِ..
لا أملكُ رأياً أو خيارا..
عَبَثٌ.. أن يُسْأَلَ الإنسانُ عن ماضيه أو حاضرهِ،
عندما يتّخذ البحرُ القرارا...
7
يا تامارا..
أنتِ في قبرضَ كبريتٌ .. وشَمْعٌ
وأنا موسى الذي أوقَدَ تحت الماء نارا...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ثلاث مفاجآتٍ لامرأة رومانسية
ثلاث مفاجآتٍ لامرأة رومانسية
رقم القصيدة : 68754
-----------------------------------
سَتُفاجأ - سيِّدتي - لو تعلمُ
أني أجهلُ ما تعريفُ الحبّْ!!
وستحزن جداً.. حين ستعلمُ
أن الشاعرَ ليس بعلاّمٍ للغيبْ..
أنا آخرُ رجلٍ في الدنيا
يَتنبَّأُ عن أحوال القلبْ
سيّدتي.
إنّي حين أحبُّكِ..
لا أحتاجُ إلى (أل) التعريفْ
سأكونُ غيباً لو حاولتُ،
وهل شمسٌ تدخُلُ في ثقبْ
لو عندكِ تعريفٌ للشِعْرِ.
فعندي تعريفٌ للحُبّْ..
*
ستُفاجأ سيّدتي لو تعلمُ
أنّي أميٌّ جداً في علم التفسيرْ
إنْ كنتُ نجحتُ كتابياً في عَمَل الحُبّ
فما نَفْعُ التنظيرْ؟؟
أيصدِّقُ أحدٌ أن مليكَ العِشْقِ، وصيَّادَ الكلماتْ
والديكَ الأقوى في كلّ الحَلَباتْ
لا يعرفُ أينَ.. وكيفَ..
تبلّلنا أمطارُ الوجدْ
ولماذا هندٌ تُدخِلُنا في زمن الشِعر..
ولا تُدْخِلُنا دعدْ..
أيصدّقُ أحدٌ أن فقيهَ الحبِّ ، ومرجعَهُ
لا يُحسِنُ تفسيرَ الآياتْ..
*
ستُفاجأُ سيّدتي لو تعلمُ،
أني لا أهتمُّ بتحصيل الدرَجَاتْ
وبأني رجلٌ لا يُرْعبُهُ تكرارُ السَنَواتْ
وتُفاجأُ أكثرَ..
حين ستعلمُ أني رغْمَ الشيب.. ورغْمَ الخبرةِ..
لم أتخرَّجْ من جامعة الحُبّْ..
إني تلميذٌ سيّدتي..
إني تلميذُكِ سيّدتي..
وسأبقى - حتى يأذَنَ ربّي - طالبَ علمْ(55/4)
وسأبقى دوماً عصفوراً..
يتعلَّمُ في مدرسة الحُلْمْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الجديد
الجديد
رقم القصيدة : 68755
-----------------------------------
.. وأجهلُ حين أكونُ بحضرة عينيكِ
ماذا أُريدُ.. وما لا أريدْ.
ولم يكُن الحبّ شيئاً جديداً عليَّ..
ولكنَّ حبَّكِ كان الجديدْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الربُّ العاشق
الربُّ العاشق
رقم القصيدة : 68756
-----------------------------------
سيّدتي:
حبُّكِ صعبٌ
حبُّكِ صعبٌ
حبُّكِ صعبْ
لو عانى الربُّ كما عانيتُ
لصاحَ من البلوى: "يا ربّْ"..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> 5 دقائق
5 دقائق
رقم القصيدة : 68757
-----------------------------------
إجلسي خَمْسَ دقائقْ
لا يريدُُ الشِعْرُ كي يسقطَ كالدرويشِ
في الغيبوبة الكبرى
سوى خَمْسِ دقائقْ..
لا يريدُ الشعرُ كي يثقبَ لحمَ الورقِ العاري
سوى خمْسِ دقائقْ
فاعشقيني لدقائقْ..
واخْتَفِي عن ناظري بعد دقائقْ
لستُ أحتاجُ إلى أكثرَ من عُلْبَة كبريتٍ
لإشعالِ ملايين الحرائقْ
إن أقوى قِصَصِ الحبّ التي أعرفُها
لم تدُمْ أكثرَ من خمس دقائقْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الديك
الديك
رقم القصيدة : 68758
-----------------------------------
سَبَقَ السيفُ العَزَلْ
سَبَقَ السيفُ العَزَلْ
غرقَ المركبُ في الليل بِنَا
قبل أن نبدأَ في شهر العَسَلْ
واستقال الديكُ من منصبهِ
تاركاً من خلفهِ،
عشرينَ ديوانَ غَزَلْ
واستقالَ الليلُ من عبء الهوى
واستقال الثغرُ من نار القُبَلْ
فلماذا أنتِ في المسرح يا سيّدتي
بعد أن ماتَ البَطَلْ؟؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نرجسيّة
نرجسيّة
رقم القصيدة : 68759
-----------------------------------
إمرأةٌ مُطْفَأَةُ الذكاءْ
غبيّةٌ في قمّة الغبَاءْ
هل ممكنٌ أن تبلُغي خمْسَاً وعشرينَ سَنَهْ؟
ولا تزالين تعيشين على هوامش التاريخ والأشياءْ
هل ممكنٌ..(55/5)
أيّتها الساذجَةُ، السطحيّةُ، الحمقاءْ
هل ممكنٌ أن تجهلي..
أنّي الذي أسَّسَ جمهوريةَ النساءْ؟؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بروتوكول
بروتوكول
رقم القصيدة : 68760
-----------------------------------
بوُسعك أن تجلسي حيثُ شئتِ..
لكنْ..
حَذَارِ بأن تجلسي في مكان القصيدَهْ
صحيحٌ بأني أُحِبُّكِ جداً
ولكنني في سرير الهوى
سأنسى تفاصيلَ جسمكِ أنتِ..
وأختارُ جسْمَ القصيدَهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التراجيديا
التراجيديا
رقم القصيدة : 68761
-----------------------------------
يُسمُّونني في بلادي (مليكَ النساءْ).
وما عرفوا أنّ قصري زجاجٌ
وعَرْشي هواءْ
يقولون إنّي بخيرٍ..
وما شاهدوني
أخوّضُ في بِرْكةٍ من دماءْ
*
يقولونَ إني القويُّ المهيمنُ، والفاتحُ الأعظمُ
وأن حريميَ لا تغربُ الشمسُ عنهُ
وممتلكاتي العيونُ الكبيرةُ، والأنجُمُ
فأيّ مليكٍ تعيسٍ أنا؟
إذا كنتُ أملكُ جيشَ نساءٍ
ولا أحكُمُ!!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الرجل المعدني
الرجل المعدني
رقم القصيدة : 68762
-----------------------------------
شَفَتَاكَ من حَجَرٍ.. وصوتُك من حَجَرْ
ويداكَ آنيتانِ من عصر الحَجرْ..
وأنا على طرف السرير.. كنَخْلةٍ
من ألف قرنٍ.. وهي تنتظر المَطَرْ
إنْهَضْ.. فإنَّكَ حالة ميئوسةٌ
إنْهَضْ.. فلا عِلْمٌ لديكَ ولا خَبَرْ..
أنْسَيْتني شكلي.. وشكْلَ أنوثتي
وكسرت أغصاني.. وأَتْلَفْتَ الزَهَر
إنّي أعضُّ على بياضِ شَراشِفي
وأعضُّ من قهري شبابيكَ القَمَرْ
يا أيُّها الرجُلُ النحاسيّْ الذي أحبَبْتُهُ
خطأً.. وهذا بعضُ سخرية القَدَرْ
الجِنْسُ عندكَ.. كيمياءٌ صِرْفةٌ
والعشقُ عندكَ من تقاليد السَفرْ
يا فاقدَ الإحساسِ.. قُلْ لي كِلْمةٌ
قُلْ لي كلاماً حامضاً.. أو مالحا..
قُلْ لي كلاماً غامضاً.. أو واضحا
قلْ قصةً.. قلْ طُرْفةً
فأنا أموتُ من الضَجَرْ...(55/6)
يا أيُّها القرويّْ.. عاملني معاملةَ الشَجَرْ
رُشَّ المياهَ على فمي
إزْرَعْ بذوركَ في دمي..
إزْرَعْ مساماتي عصافيراً.. وعبِّئْني ثَمَرْ..
يا أيُّها البدويُّ.. إحسبْني هلالاً أو قَمَرْ
إعْزِفْ على خصري..
أما شاهدتَ قبل الآن.. ناياً أو وَتَرْ؟
*
يا داخلاً سوقَ النساء بناقةٍ
ودجاجتينِ.
أليسَ هذا من أعاجيبِ القَدَرْ؟
إنّي بقمَّةِ فِتْنَتي وتفجّري
وأراكَ. لا علمٌ لديكَ ولا خَبَرْ
*
يا أيُّها المتخلّفُ العقليُّ.. قد أخْجَلْتَني
فالناسُ قد دخلوا إلى عصر الفضاءِ
وأنتَ - واأسفي عليكَ-
بقيتَ في عصر الحجرْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نهدان
نهدان
رقم القصيدة : 68763
-----------------------------------
للمرأة التي أُحِبُّها
نهدانِ عجيبانْ
واحدٌ من بلاد النبيذْ
وواحدٌ من بلاد الحنطَهْ
واحدٌ مجنونٌ كرامبو
وواحدٌ مغرورٌ كالمتنبّي
واحدٌ من شمال أوروبا
وواحدٌ من صعيد مصرْ
وبينهما...
دارتْ كلُّ الحروب الصليبيَّهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رائحة الكتابَة
رائحة الكتابَة
رقم القصيدة : 68764
-----------------------------------
للمرأة التي أُحبُّها
قَدَمانِ صغيرتانِ جداً..
تشبهانِ كلامَ الأطفالْ
ولجسدها رائحة سرّية جداً
كرائحة الكتابة الممنوعَهْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تدخين
تدخين
رقم القصيدة : 68765
-----------------------------------
كنتُ أُدَخّنُ مئةَ سيجارةٍ في اليومْ
وتوقَّفتُ عن الانتحار ببطولَهْ
والآن..
أحاولُ التوقُّفَ عن تدخين امرأةٍ واحدهْ
فلا أستطيعْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> موسيقى
موسيقى
رقم القصيدة : 68766
-----------------------------------
أمطارُ أوروبا
تعزف سوناتات بيتهوفن
وأمطارُ الوطن..
تعزفُ جراحات سيّد درويش
وأنا بدون تردد
مع هذا الإسكندرانيّْ
الذي يضيءُ في حنجرته قَمَرُ الحزن.
ومآذنُ سيّدنا الحسينْ..(55/7)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> طبيعةُ الرجل
طبيعةُ الرجل
رقم القصيدة : 68767
-----------------------------------
يحتاجُ الرجلُ إلى دقيقةٍ واحدَهْ
ليعشقَ امرأَهْ...
ويحتاجُ إلى عصورٍ لنسيانِها...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الخروج عن النص
الخروج عن النص
رقم القصيدة : 68768
-----------------------------------
1
أرسمُ على كرَّاستي مُهْرَيْنِ صغيرينْ
يلعبان على ساحل البحرْ
ويرشَّان بعضهما بالماءْ
واحدٌ له جناحٌ من صوف الأنغورا
والثاني له جناحٌ من دانتيل فينيسيا
واحدٌ يأكل العشب من مراعي القمرْ
وواحد يأكل العشْب من مراعي صدري
واحدٌ.. أضعُ على رأسه نقطةً حمراءْ
وواحدٌ.. أتركه بلا تنقيطْ
أرسمُ على كراستي مُهْرَيْن صغيرينْ
واحدٌ تعوّد أن يرضع حليبَ أمه..
والثاني تعوّد أن يرضع دمي..
وأسمّيهما مجازاً (النهْدَينْ)..
يكفّرني الذين لم يشاهدوا في حياتهم نهداً حقيقياً.
لأنني رسمتُ على كرَّاستي حصاناً
وعندما انتهيتُ من رسم الحصانْ
قفز من الكرّاسة، وطارْ..
يعتبرونَ عملي بِدْعَةً
وخروجاً عن النصّ..
فالنصّ سجنٌ للنساءْ
النهدُ انقلابٌ أبيضْ
النصّ نظام استعماريّ قديمْ
النهدُ حركة ليبراليهْ..
النصّ زجاجةٌ ضيقة العُنُقْ
والنهدُ سمكهْ...
3
عندما أخبرهم أنني عرفتُ في أسفاري
نهوداً من جُزُر تاهيتي
تنبت كأشجار جوز الهندْ
ونهوداً من بساتين شط العَرَبْ
تنطّ على كتف الرجل.. كضفدعةٍ نهريِّهْ
ونهوداً من تايلاند
تختصر رقّةَ كونفوشيوس
وعنفَ ماوتسي تونغ..
ونهوداً من جنوب السودان
لها رائحةُ البُنّ المحروقْ
تدخُلُ في خاصرة العاشقْ
ولا تخرجُ.. إلى أن يشاء اللَّهْ..
4
يُدينني..
أرنباً يركضْ
يطلقونَ النارَ على أسماكي..
وضفادعي..
وأزاهيري الاستوائيهْ..
يطلقونَ النارَ على حصاني
لأنه حملكِ على ظهره ذاتَ ليلهْ
ومشى سبعة أيامٍ.. وسبعَ ليالٍ
حتى أوصلك بسلامة الله
إلى شواطئ صدري(55/8)
ومشى سبعة أيامٍ.. وسبعَ ليالٍ
حتى أوصلك بسلامة الله
إلى شواطئ صدري
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أريد أن أعيش
أريد أن أعيش
رقم القصيدة : 68769
-----------------------------------
ساعديني على الخروج حياً..
من متاهات الشفتين المكتنزتين.. والشعر الأسودْ
إنّ معركتي معكِ ليست متكافئهْ
فأنا لستُ سوى سمكةٍ صغيرهْ
تسبح في حوض من النحاس السائلْ
ساعديني على التقاط أنفاسي
فإنَّ نَبْضي لم يعد طبيعياً
ووقتي صار مرهوناً بمزاجيّة نهديْكِ
فإذا ناما نمتْ..
وإذا استيقظا استيقظتْ
ساعديني على التفريق بين بدايات أصابعي
ونهايات عمودك الفقريّ..
ساعديني على السفر من خريطة جسدكْ
فإنني أريدُ أن أعيشْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قراءة في كفّ امرأة جميلة
قراءة في كفّ امرأة جميلة
رقم القصيدة : 68770
-----------------------------------
ليس هناك امرأةٌ في الدنيا أجملَ منك..
ولكن مشكلتكِ..
كمُشْكِلة الوردة التي لا تشمُّ عطرَها..
كمشكلة الكتاب الذي لا يعرفُ القراءة..
أنتِ أهمُّ امرأة في العالم..
لا لأن عينيكِ هما حديقتان آسيويتان مقمرتانْ
ولا لأن شفتيك تحتكران نصفَ محصول فرنسا
من النبيذْ
ولا لأن نهديكِ هما أوَّل ديكتاتوريْنِ يحكمان
العالم الثالثْ..
ولا لأن جسَدك الذكيّ..
يفهم ما أقوله، قبل أن أقوله..
أنتِ أهمّ امرأة في العالم..
لأنني أحبُّك....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أشهرك في وجه البشاعة.. دفتر شِعْر
أشهرك في وجه البشاعة.. دفتر شِعْر
رقم القصيدة : 68771
-----------------------------------
1
أُشْهِرُكِ في وجه العالم
سيفاً من الياسمين..
وأُعلنُ انتصاري..
أُشْهِرُكِ في وجه الكافرينَ،
كتاباً مقدّساً
وفي وجه الأميينَ، قصيدهْ..
وفي وجه البداوةِ، مملكةً من الرخَامْ..
أرمي جوازَ سفري في البحرْ..
وأُسمّيكِ وطني..
أرمي جميعَ معاجمي في النارْ
وأسمّيكِ لُغَتي..(55/9)
وأغتالُ جميعَ ملوكِ الطوائفْ
وأُسمّيكِ مليكتي..
2
أُشهِرُكِ في وجه تَمُّوزَ
وعداً بالمَطَرْ
وفي وجه العَصَافيرِ..
وعداً بالشَجَرْ
وفي وجه النوارس..
وعداً باللون الأزرقْ
وأرافقُ الأطفالَ في رحلةٍ مدرسيةٍ
حولَ نهديكِ..
ليلعبوا بكُرات الثلج..
ويصطادوا البطَّ المائيّْ
ويُشاهدوا - على الطبيعة-
كُرويّةَ الأرضْ...
أُشْهِرُكِ في وجه الصحراء
نَخْلَهْ...
وفي وجه الجَفَاف، سُنْبُلَةَ قمح
وفي وجه الظلام،
شمعداناً من الذَهَبْ
وفي وجه الجائعينَ، رغيفَ خُبْزْ
وفي وجه المسْتَعْبَدِينْ
رايةَ حُرّيةْ..
أُشْهِرُكِ في وجه البشاعَةْ
حمامةً بيضاءْ
ونافورةَ ماءٍ.. وكتابَ شعرْ
4
أغنيَهْ..
وفي وجه النفط العربيّْ
قارورةَ عطرْ
وفي وجه الموت العربيّْ
بشارةَ ولادَهْ...
5
أعلنُ أمامَ أكَلَة لحوم النساءْ
فيرمونَ أضراسهُمْ في البحرْ
ويقلعونَ أظافرهُمُ
ويغسلونَ الدمَ عن ثيابهمْ
ويدخلون عصر النهضةْ...
ويقلعونَ أظافرهُمُ
ويغسلونَ الدمَ عن ثيابهمْ
ويدخلون عصر النهضةْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الطيران فوق سطح العالم
الطيران فوق سطح العالم
رقم القصيدة : 68772
-----------------------------------
1
قرّرتُ نهائياً.. أن أتفرَّغ لكِ..
فليس هناك قضيةٌ
تستحق أن يموتَ الإنسان من أجلها
إلا حبُّكِ..
ولا محطةٌ تستحقّ الوقوف فيها
إلا محطة شَعْرك الليليّْ
وليس هناك أيديولوجية متكاملة
أكثرَ إقناعاً من تقاطيع وجهكْ..
وليس هناك مكانٌ للانتحار
أعلى من ذروة نهديْكِ..
لقد جرّبتُ كلَّ الأعمال اليدويَّهْ
من رَسْمٍ على الزجاج..
وحفرٍ على الخَشَبْ
واستنفدتُ جميعَ امكانيات الصلصال والسيراميكْ
فلم أكتشف آنيةً خزفيّةً
أكثرَ تناسقاً من جسدكْ
وأصغيتُ إلى عَشَرات التنويعات على البيانو
فلم أستمع إلى معزوفةٍ
أحسنَ تأليفاً من أصابعكْ...
3
أن أتخلى عن جواز سفري
وأصبحَ واحداً من رعاياكِ.
قرّرتُ نهائياً..
أن أتعلَّق بأية سحابةٍ(55/10)
هاربةٍ مع أطفالها باتجاه البحرْ
فلم يَعُدْ لي وطنٌ أَلتجئ إليهِ..
سوى سواحل يَدَيْكِ..
أنتِ الوطنُ الأخيرُ الباقي على خريطة الحريّهْ
أنتِ الوطنُ الأخير الذي أطعمني من جوعٍ..
وآمنني من خوفْ..
وكلُّ الأوطان الأخرى.. أوطانٌ كاريكاتوريّهْ
كرسوم والت ديزني..
أو بوليسية...
كمؤلفات آغاتا كريستي..
أنتِ آخرُ سنْبُلَهْ..
وآخرُ قَمَرْ..
وآخرُ حمامَهْ..
وآخرُ غمامَهْ
وآخرُ مركبٍ أتعلَّقُ به..
قبل وصول التَتَارْ....
*
أنتِ آخرُ وردةٍ أشُمُّها
قبل أن ينتهي زمنُ الوردْ..
وآخرُ كتابٍ أقرؤه..
قبل أن تحترقَ كلُّ المكتباتْ
وآخرُ كلمةٍ أكتُبُها
قبل أن يأتي زُوَّارُ الفجرْ
وآخرُ عَلاقةٍ أُقيمها مع امرأَهْ
قبلَ أن تصبحَ الأنوثَهْ
كلمةً نفتش عنها بالعَدَسات المكبِّرَهْ
في المعاجم والموسوعاتْ....
4
قرّرتُ أن أذهبَ معكِ..
وآخرِ نقطةٍ من دمي...
إنني مشتاقٌ إلى الجُزُرِ التي لا تتعاملُ مع الوقتْ
ولا تقرأ الجرائدَ اليوميَّهْ
لم يَعُدْ عندي أيُّ مَتَاعٍ يُؤسَفُ عليه...
فلحمي.. أكلته الأسماكُ بين بيروت ولارنكا
ووطني..
نَشَلُوهُ من جيبي قبل أن أصعد إلى ظهر
السفينهْ...
وتذكرة هويتي...
عليها صورةُ رجلٍ آخَرْ..
كان يُشْبِهُني قبلَ خمسينَ عاماً..
ماذا تنتظرينَ كي تَفْتَحي قلوعَ شعرك الأسودْ؟؟
إن رائحةَ الملح والتُوتياءِ في الميناءْ
تخترقُني كسيفٍ معدنيّْ
فلماذا لا تفتحينَ واحداً من شرايينكِ لإيوائي؟
أنا الذي فتحتُ جميعَ شراييني..
لاستقبالِكْ...
5
لم يَعُدْ عندي أسئلةٌ أطرحُها
فأنتِ والبحرُ..
لم يعد عندي ارتباطاتٌ بأيِّ حَجَرْ...
أو بأية شجرهْ
أو بأية رائحهْ..
أو بأية خزانة ملابسْ..
فكلُّ ما تبقى لي..
هو سروالُ الجينز الأزرق الذي ألبسه.
والذي كان رفيقَ تسكّعي..
ورفيقَ السَفَرِ.. والمنفى، والمقاهي،
والقطاراتِ،
وبواخرِ الشحن، والدُّوار، والليل، والبراندي،
والجنس، والصراخِ العصبيِّ في دهاليز الجنونْ.(55/11)
كلُّ ما تبقى لي...
هو هذا الجينزُ التاريخيّْ..
المغطَّى بالطَعَناتِ.. وفُتَات الخبز..
وفُتات الجِنْسِ.. وفُتَات صرخاتي ودموعي..
والذي صارَ المتحفَ القومي لمشاعري..
والمفكّرةَ التي أسجّلُ عليها مواعيدَ الإقلاع..
والرسو.. ومواعيدَ الغيبوبة والكحولْ
وصارَ، بعد سقوط كلِّ الأوطان..
وَطَني...
6
لن أعود إلى حماقاتي السابقَهْ..
ولن أسألكِ إلى أينْ؟
إن الجغرافيا لم تعد عندي ذاتَ موضوعْ
العالمْ.
والمسافةُ بين ولادتي وموتي تُحسب
بالسنتيمراتْ.
لن أسألك إلى أينْ؟
المهمّ.. أن تنتزعيني من ذاكرتي
ومن أوراق الرزنامة العربية..
وترميني على ظهر سفينةٍ
لا ترفعُ عَلَمَ أي دولَهْ....
فأنا لم أعُدْ مكترثاً بالممالك.. ولا
بالجمهورياتْ..
إن زجاجة البراندي..
هي الجمهوريةُ الأكثرُ عدلاً وأماناً في التاريخ..
فاغسلي قَدَميكِ بمائها المقدَّسْ
فهذه فرصتُنا الوحيدَهْ..
للطيران فوق سطح العالَمْ....
إن زجاجة البراندي..
هي الجمهوريةُ الأكثرُ عدلاً وأماناً في التاريخ..
فاغسلي قَدَميكِ بمائها المقدَّسْ
فهذه فرصتُنا الوحيدَهْ..
للطيران فوق سطح العالَمْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> درسٌ في اللغة لتلميذة مبتدئة
درسٌ في اللغة لتلميذة مبتدئة
رقم القصيدة : 68773
-----------------------------------
1
خُذي كلَّ شيءٍ تريدينَهْ..
واتركي لي لُغتي..
فأنا بحاجةٍ حين تكونينَ معي
إلى لغةٍ جديدةٍ أُحبُّكِ بها..
وأُمشِّطُ شعرَكِ بها..
وأغسلُ أقدامَكِ بها..
وأُغطّيكِ بحنان حروفِها،
عندما تنامينْ..
2
إنني أعرفُ أنّكِ من أقدم اللُغاتْ
ومن أخْصَب اللُغاتْ
ومن أصعب اللغاتْ
ولكنني بحاجةٍ حين تكونينَ معي
أن أصنعَ معجزةً صغيرَهْ
أتحدَّى بها نَهْدَيْكِ الرافِضَينِ لكلِّ شيءْ..
والقادرينِ على كلِّ شيءْ
بحاجةٍ إلى لغةٍ ثانيَهْ..
أتفوَّق فيها على جسدك الخرافيّْ..
وأرفعُ فيها بيارقي
على أبراجك التي لا تغيب عنها الشمسْ...
3(55/12)
بلا لُغَتي..
أنتِ امرأةٌ مثل باقي النساءْ
وبها، أنتِ كلُّ النساءْ
بلا لُغتي..
أنتِ إشاعةُ امرأَهْ..
قُصاصةُ امرأهْ..
مشروعُ امرأه..
رَسْمٌ تجريديٌ لم يستوعبه أَحَدْ..
ومخطوطةٌ شِعْرِيّةٌ
كُتِبتْ بحبرٍ سريّ
ولم ينتبه إليها الناشرونْ...
4
بلا لغتي..
أنتِ إسْوَارةٌ بلا مِعْصَمْ
وملكةٌ بلا شعبْ
ووطنٌ بلا مواطنينْ..
وكنيسةٌ بلا مصلّينْ..
وقصيدةٌ جميلةٌ لم يقرأها أَحَدْ
وها أنذا جئتُ لكي أعلّم الناسْ
كيفَ يَتَهجُّونَكِ...
5
بلا لُغتي..
أنتِ فراشةٌ من حَجَرْ
لا تحطُّ .. ولا تطيرْ
وبيدرٌ لا تهاجمه العصافيرْ
وجزيرةٌ لا تقصدها المراكبْ
وشفةٌ مكتظّةٌ بالعنبْ
لكنَّها..
لا تعرفُ طعْمَ النبيذْ...
6
بلا لُغتي..
لن تجدي مرآةً تتمرّينَ بها..
ولن تجدي مكحلةً تتكحَّلين بها..
ولن تجدي حَلَقاً تضعينَه في أُذُنَيْكِ..
أصفى من دموعي..
فكلماتي هي مراياكِ
ومفرداتي هي أدواتُ زينتِكْ
فخذي كلَّ شيء تريدينهْ..
واتركي لي لغتي..
فهي صولجانُ مجدكْ
وإكليلُ الغار على جبينكْ
وهي العصفورُ الجميل الذي سيحملك على جناحيهْ
ويطير بك حول الكرة الأرضيَّهْ.
7
بلا لغتي..
أنتِ كتابٌ لا يزالُ تحت الطبعْ
وقبلةٌ مؤجَّلةُ التنفيذْ
وصلصالٌ لم يتشكَّلْ بعدْ..
ووردةٌ لم تكتشف عطرها بعدْ..
ونهدٌ .. لم يعرف ما اسمُهُ بعدْ..
فهو ينتظرني حتى أسمّيهْ..
8
خُذي كلَّ شيء تريدينَهْ
واتركي لي لغتي..
فهي الورقةُ الوحيدةُ التي بقيتْ في يدي..
والحصانُ الأخيرُ الذي أقامرُ عليهْ..
لقد ربحتِ حتى الآن عَشَراتِ الجولاتْ..
وهزمتِني عشرات المرّاتْ..
في معركة الحبّ..
فاسمحي لي أن أنتصرَ عليكِ
ولو لمرةٍ واحدةْ..
في معركة الكلماتْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الموت الأخير
الموت الأخير
رقم القصيدة : 68774
-----------------------------------
هذا هو الحدُّ الأقصى لجُنُوني
ولم أعُدْ أقدر أن أحِبّكِ أكثرْ..
هذا هو المدى الأخيرُ لذراعيّْ(55/13)
ولم أعُدْ أستطيعُ أن أضُمَّكِ أكثرْ..
هذه أعلى نقطة يمكنني الوصول إليها
على جبال نهديكِ.. المتوّجين بالثلج والذَهَبْ..
ولم يَعُدْ بوسعي أن أتسلَّق أكثرْ..
هذه آخرُ معركةٍ أدخلها..
للوصول إلى نوافير الماء في غرناطهْ
ولم يعد بوسعي أن أقاتلَ أكثرْ..
هذا آخرُ موتٍ.. أموتُه مع امرأهْ
ومن أجل امرأهْ..
ولم يَعُدْ يمكنني أن أموتَ أكثَرْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> من ملفّات محاكم التفتيش
من ملفّات محاكم التفتيش
رقم القصيدة : 68775
-----------------------------------
1
يطالبُني حكماءُ القبيلَهْ
أن أتركَ أشعاري على باب خَيْمتِكْ
وأدخلَ عليكِ، مجرّداً من السلاحْ
ماذا يبقى مني؟
إذا نزلتُ عن فَرَس العشقْ
ورهنتُ راياتي وأوسمتي
ومعطفَ الكلمات الجميلَهْ
الذي كنتُ أختالُ به
كفهدٍ إفريقيٍ مرقّطْ..
يطالبني عقلاءُ القبيلَهْ
حتى لا تشتعلَ الفتنَهْ
وحتى لا يتقاتلَ الرجالُ مع الرجالْ
من أجل حَفْنةِ كُحْلْ..
وحتى لا يسيلَ دمُ التاريخ من أجل غزالَهْ
أن أفكّ ارتباطي بعينيكِ السوداوينْ
وأحتكمَ إلى العقلْ..
ماذا يبقى من وطن الكحلْ؟
الذي أعطاني جنسيّتي، وجوازَ سفري
إذا قبلتُ التحكيمْ
وخرجتُ من عينيكِ السوداوينْ
تلبيةً لمقتضيات الأمن البدويِّ....
3
باسم الوصايا العشْرِ التي لم أقرأها
وباسم دولة الذكور التي لا أعترف بها
وباسم المؤلفات التي ألَّفها الجرادُ الصحراويّ
وباسم شجرة العائلة
التي كسرتُها.. وتدفأتُ على حطبها
أن أتركَ عشقي لكِ في غمدهْ..
وأتخلى عن أجمل سيفٍ من الذَهَبْ
اقتنيتُهُ في حياتي...
4
يحاكمني على حبّي بكِ..
العشقْ
ولم يسمعوا بـ (طَوْق الحمامة) لابن حَزْمْ..
وبـ (فنّ الحب) لأوفيد
ويطالبُ برأسي..
مثقفونَ يمارسون الحبَّ مع ذباب المقاهي
ولُوطيُّونْ..
لم يتشرفوا بالوقوف في حضرة امرأهْ
أو بالسباحة في صوت امرأهْ..
5
ينصحني شعراءُ القبيلَهْ
الذين رفضت الأميرةُ قصائدَهُمْ(55/14)
لأنهم لم يفهموا لُعْبَة الأنوثَهْ
ولا لُعْبَةَ الشِعرْ..
وتلعثموا حين سألَتْهُمْ:
عن الفرق بين إيقاعات البحر الطويلْ
وإيقاعات شعرها الطويلْ
وعن الفرق بين خصائص شفتيْها
وخصائص النبيذ الفرنسيّْ
وعن الفرق بين النقطة في آخر السَطرْ
والشَامَة في أعلى الظهرْ...
6
ينصحني مرتزقةُ البَلاطْ
أن أعودَ من حيثُ أَتيتْ
لأن الأميرةَ لا تفتحُ نافذتها
وأنني لو فشلتْ..
دفنتني في عتمة ضفائِرها..
7
أضعُ دمي على كفّي
وأرشُّ شراشفَ الأميرة بأشعاري
يستيقظُ النَهْدانِ الكَسُولان من نَوْمهما،
ويهربانِ معي....
يجتمع حكماءُ القبيلة ومستشاروها في جلسةٍ طارئَهْ
ويدرسونَ مِلفّي ورقةً ورقهْ..
وأعمالي قصيدةً .. قصيدَهْ..
ويستعرضون حبيباتي إمرأةً.. إمرأهْ..
يأخذونَ بصمات يدي.. وبَصَمات فمي..
جاؤوا من كلِّ المدن العربية ليشهدوا ضدّي...
9
يقرِّرون بالإجماع: أنني فضيحةٌ مقروءَه
وأنني خطرٌ على الأمن النسائيّْ..
يطلبون مني أن أغادر الوَطَنْ
خلال ثمانٍ وأربعين ساعَهْ
فأغادره...
وتتبعني إلى المنفى كلُّ نساء القبيلَهْ...
9
يقرِّرون بالإجماع: أنني فضيحةٌ مقروءَه
وأنني خطرٌ على الأمن النسائيّْ..
يطلبون مني أن أغادر الوَطَنْ
خلال ثمانٍ وأربعين ساعَهْ
فأغادره...
وتتبعني إلى المنفى كلُّ نساء القبيلَهْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حوارٌ مع يدين أرستقراطيتين
حوارٌ مع يدين أرستقراطيتين
رقم القصيدة : 68776
-----------------------------------
1
بالرغم من نزعتي الراديكاليَّهْ
وتعاطفي مع جميع الثورات الثقافية في العالمْ
فإنني مضطرٌ أن أرفع قبّعتي
ليديْكِ البورجوازيتيْنْ...
المصنوعتين من الذَهب الخالصْ..
مُضْطَرٌ أن أعترف بنعومتها القصوى
وأنوثتها القصوى..
وسلطتِهما المطلقة على الماء والنَبَاتْ
والحَجَرِ والبَشَرْ..
ومضطرٌ أن أعترف بفضلهما
على حضارة الإغريقْ
وحضارة الفراعنَهْ
وحضارة ما بين النَهْرَيْنْ.(55/15)
ومضطرٌ أن أعترفْ
بذكائهما حين تتكلَّمانْ
وبعمقهما حين تصمتان
وبحضارتهما...
حين تُمْسِكان إبريقَ الفضَّهْ
وتسكبان الشايَ في فنجاني...
يداكِ أرستقراطيتانِ.. بالوراثَهْ
كما الزُرَافَةُ ممشوقةٌ بالوراثَهْ
وكما البلبلُ موسيقيٌّ بالوراثَهْ
وأنا...
لستُ ضدُّ يديْكِ.. المرفّهتيْن.. المدلّلتيْنْ..
ولا أفكّرُ - حين أكونُ معهما-
بأيِّ مشاعرَ طبقيِهْ...
فأنا لا أخلطُ أبداً..
وبين ما أعتقد أنه جميلْ..
بين الأيديولوجيات التي ألمسها بذهني
والأيديولوجيات التي تنقّط حليباً وعسلاً
في راحة يدي...
بين روعة المبادئْ
وروعة يديْكِ المليستيْنْ
كأواني الأوبالينْ
وزجاج (غَاليهْ)...
3
يداكِ ملوكيّتانْ..
وأنا لا أعرف كيف أجلس على طاولة الملوكْ
وما هي اللغةُ المستعملة في مخاطبة الملوكْ
إنني لم أعشقْ في حياتي مليكةً غيرك..
ولم أتورط مع امرأةٍ..
من صاحبات الدم الأزرقِ سواكِ...
فأنا واحدٌ من أفراد هذا الشعبْ
قلبُهُ ينبضُ كتفّاحةٍ حمراءْ
وأنفهُ يشمُ رائحةَ الأنثى
بصورةٍ بدائيّهْ...
فعلِّميني..
كيف أكون مهذَّباً مع يديكِ المُهذَّبتيْنْ..
علّميني كلمة السرّ التي توصل إلى كنوز يَدَيكْ
وعلميني كيف أستعملُ ملاعقَ الفضّهْ
وكيف أتسلّق السلالمَ العاجيَّهْ
وكيف أسند رأسي..
على المخدات المصنوعة من القطيفة وريش
العصافيرْ
يا ذاتَ اليدينْ اللتيْن تربَّتا في العزّ والدلالْ
علميني ماذا أقول لحَرَسِكْ؟
حتى يسمحوا لي بالدخول إلى قاعة العرشْ
لأقدِّمَ ولائي لأصابعكِ الخرافية التكوين
وأتلو صلواتي أمام أغلى شمعدانين من الفضّهْ
في تاريخ الكنائس البيزنطيَّهْ....
4
يداكِ مثقَّفتانِ كثيراً..
وأُستاذتانِ في علم الجمالْ
وأذاكرُ جميعَ دروسي
وأدخلُ جميعَ امتحاناتي
وأنالُ جميعَ شهاداتي
برعايتهما، وحنانهما، ودَعَواتهما الصالحاتْ
فيا ذاتَ اليديْن اللتينِ أدينُ لهما بكل ما أعرفْ
لا تُخْبري أحداً..
أنَّ يديْكِ هما مصدرُ ثقافتي..
5(55/16)
زرتُ متاحفَ الدنيا
من اللوفر، إلى المتروبوليتان، إلى البرادو
ورأيتُ أروعَ الأعمال التشكيليَّهْ
ولكنني لم أشاهد مَنْحُوتةً
بَهَرَتْني أكثرَ من يَدَيْك...
6
يداكِ مخطوطتانِ عربيّتان نادرتانْ
وكتابانِ .. ليس لهما نسخة ثانيَهْ
فلا تسحبي يَدَكِ من يدي
حتى لا أعودَ أُمِيّاً...
يداكِ أميرتانِ من العصر الوسيطْ
تركبانِ عربةً من الذَهبْ
فمتى يصبح النظامُ في وطني ديمقراطياً
لأتمكّن من مصافحة الأميرتينْ؟
8
أن يَدَيْكِ تتردّدانِ على المقهى كلَّ يومْ
لتركوا فناجينَ قهوتهمْ
وشربُوا يَدَيْكِ...
9
يقفُ المؤمنونْ
مبهورينْ...
وأقفُ أمامَ كنيسة يديْكِ..
حاملاً زيتي.. وشموعي..
علّني أحظى بمفاتيح الجنّةْ...
10
وأنت تقرأينَ فنجاني
فأطمئنُّ على مستقبلي..
11
يَدَاكِ سحابتانِ ربيعيّتانْ
لولاهُمَا..
لمات العالمُ عَطَشاً...
12
من فيرجيل إلى رامبو..
ومن المتنبي إلى ماياكوفسكي
تبدو أمام كلام يديكِ الموهوبَتيْن
وكأنَّهما مُسودَّات لقصائدَ لم تكتمِلْ..
أصابعُ موزارتْ
توصلني إلى حالة انعدام الوزنْ
وأصابعكْ..
تُوصلني إلى اللهْ....
12
كلّ قصائد الشعرْ
من فيرجيل إلى رامبو..
ومن المتنبي إلى ماياكوفسكي
تبدو أمام كلام يديكِ الموهوبَتيْن
وكأنَّهما مُسودَّات لقصائدَ لم تكتمِلْ..
13
أصابعُ موزارتْ
توصلني إلى حالة انعدام الوزنْ
وأصابعكْ..
تُوصلني إلى اللهْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ليلةٌ في مناجم الذهب
ليلةٌ في مناجم الذهب
رقم القصيدة : 68777
-----------------------------------
1
جسمُكِ مدْعُوكٌ بالثلج والنارْ
ومعجونٌ ببعضهْ..
كمربّى التين والسفرجَلْ
ومطروقٌ كأباريق النحاسْ
ومليسٌ كالبروكار الدمشقيّ
وعابقٌ كأسواق البهارْ
في مدينةٍ آسيويَّهْ.
جسمُكِ مطرّزٌ بالشاماتِ
كليل الباديَهْ
ومزخرفٌ بالأزهارِ،
كالخَط الكوفيّ
وطازجٌ كعروق النعناعْ
ولامعٌ تحت الشمس كفَقَمةِ البحرْ
ومُسْتَنْفَرٌ للقتال..(55/17)
كديكٍ لا يَنامْ....
3
يُقَامُ تحت رعاية اللهْ....
4
جسمك ليرةٌ ذهبيَّهْ
ولم يجرؤ أيٌّ من السلاطينْ
أن يصكَّ مثلَها مرةً ثانيَهْ...
5
جسمُكِ مكتظٌّ بالأحجار الكريمَهْ
مكتظٌ بالمعادن،
والتوت البريّْ
وأشجار السُمَّاقْ
مكتظٌّ بالنُبُوءات كالكُتُب المقدَّسهْ
ومضروبٌ بالحليبِ والعَسَلِ الأسودْ
ومُشرَّبٌ بالشمس
كلحم الفاكهة الاستوائيَّهْ..
6
جسمكِ له رائحةُ القِرْفة واليانسونْ
ورائحةُ الأطفالْ
في اليوم الأول من ولادتهمْ..
جسمُكِ مَقَامٌ عراقيٌّ قديمْ
وقهوةٌ.. وهالْ
وأمطارُ لؤلؤٍ كريمْ
و "إنّه من سليمانَ،
8
جسمُكِ مكتنزٌ كبرتقالَهْ
ومغامرٌ كسَمَكَهْ
ومفتوحٌ كورقة الكتابَهْ..
9
جسمُكِ برجٌ من الذَهَبْ
ويودّع ألفَ حمامَهْ
10
جسمُكِ شَجَرةُ موسيقى
كلّما هززتُها
ودموعُ إسحق الموصلي..
11
جسمُكِ دفترٌ سريّْ
سجّلتُ عليه
وكلَّ تفاصيل ليلة القَدْرْ
12
جسمُكِ وليمةٌ مجنونَهْ
من ولائم الرومانْ
يسكرُ فيها النهدْ..
نجمةً محترقَهْ...
13
جسمُكِ قبيلةٌ تحترف الحربْ
كتيبةٌ مدجّجةٌ بالأنوثَهْ..
غَزْوَةٌ حضارية
14
جسمُكِ كاتدرائيةٌ قوطيّةُ الأقواسْ
تمارَسُ فيها كلُّ الدياناتْ
وتُضاءُ الشموعْ
وتقرعُ الأجراسْ
جسمُكِ منارةُ المناراتْ
ووطن العصافير التي تموت من شدّة البردْ
ووطنُ الكلمات
التي تموتُ من شدة القمعْ..
15
جسمُكِ مزارٌ..
ومخطوطةٌ من العهد القديمْ
عليها تواقيعُ ملوكٍ وأنبياءْ
ومغنّنين وشعراءْ
ورسّامينَ من عصر النهضَهْ
ومعماريينَ..
من السلالة الفرعونية الرابعَهْ..
16
جسمُكِ عصفورٌ يلعبُ على البيانو جيداً
ويغنّي.. ويرقص..
ويكتب الشعرَ جيداً..
تسافرُ في لحمي.. جيداً..
وتذبحني..
جيداً.. جيداً.. جيداً....
17
جسمُكِ حاضرُ البديهة دائماً
كثعلبٍ متربّصٍ في غابَهْ...
18
جسمُكِ كتابٌ يُقرأ من كلِّ الجهاتْ
عَمُودياً يُقرأْ..
وفي الصباح يُقرأْ
وفي المساء يُقرأْ
وفي وقت القيلولة يُقرأْ(55/18)
ومن الْتِفَاتَةِ العُنُق يُقرأْ
ومن شموخ النهدين يُقرأْ
ومن أصابع القدمينِ يُقرأْ
ومن استدارة الفخذَين يُقرأْ
جسمُكِ قارةٌ متعدّدةُ اللغاتْ...
جسمُكِ فيه كلُّ عَظَمة التراثْ
وكلُّ دهْشَة الحداثََهْ
فيه شيءٌ من أصولية المتنبي
وهَلْوَسَات سيلفادور دالي...
20
جسمُكِ ثَوْريٌّ بالفطرَهْ
وفدائيّ بالفطرَهْ
وقاتلٌ أو مقتولٌ..
بالفطرَهْ..
12
إذا كان نهداكِ مثقّفينِ ثقافةً عاليَهْ
- كما تقولينْ -
فلماذا لم يعترفا حتى الآنْ
بقانون الجاذبية الأرضيّهْ؟
22
أن نَهْدَكِ..
هو أقدمُ إعلان للحريّة
عرفه العالمْ..
23
جسمُكِ إشكالٌ لغويٌّ كبيرْ
فلا أنا أعرف كيف أحفظُهْ..
24
جسمُكِ هو المَلِكْ
وهو يحكُمُنَا باسم اللهْ...
ويطردنا منها .. بأَمْرِ اللهْ...
25
ويقررُ جسمُكِ أن يلقيَ قصيدتَهْ..
أستقيلُ أنا من الكلامْ....
- كما تقولينْ -
فلماذا لم يعترفا حتى الآنْ
بقانون الجاذبية الأرضيّهْ؟
22
درَّسُونا في كلية الحقوقْ
أن نَهْدَكِ..
هو أقدمُ إعلان للحريّة
عرفه العالمْ..
23
جسمُكِ إشكالٌ لغويٌّ كبيرْ
فلا أنا أعرف كيف أحفظُهْ..
ولا أنا أعرفُ كيف أنساهْ
24
جسمُكِ هو المَلِكْ
وهو يحكُمُنَا باسم اللهْ...
ويطردنا منها .. بأَمْرِ اللهْ...
25
عندما تجلسين على المقعد الأخضرْ
ويقررُ جسمُكِ أن يلقيَ قصيدتَهْ..
أستقيلُ أنا من الكلامْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قبل أن.. بعد أن..
قبل أن.. بعد أن..
رقم القصيدة : 68778
-----------------------------------
1
قبل أن أحبّكِ..
كنتُ متصالحاً مع اللغَهْ
ألعبُ لها، بمهارة ساحرٍ محترفْ
وأحرِّك خيوطَها..
كما يحرِّك طفلٌ طيارةً من ورقْ
كنتُ أميرَ الطير.. وسيِّد المُغنّينْ
وكنتُ إذا سرتُ في الغابَهْ
تركض خلفي الأرانبْ..
وتتبعني الأشجارْ
وتكلمني الضفادعُ النهريّهْ
وتنزلُ النجومُ من شُرُفاتها
لتنامَ على كَتِفي..
قبل أن أحبّكِ..
كانت إقطاعاتي الأدبيَّهْ(55/19)
لا تغيبُ عنها الشمسْ
ومملكتي الشعريَّهْ
تمتدُّ من الماء إلى الماءْ
ومن النساءِ.. إلى النساءْ
وكانت الشفةُ التي لا أكتب عنها
تتحوّلُ إلى وردةٍ من وَرَقْ..
وكان النهدُ الذي لا يبايعني
ملكاً مدى الحياهْ
يُعتبر نهداً أميّاً.. ورجْعياً
وتسقطُ عنه حقوقُه المدنيّهْ..
3
كان يختبئُ في حنجرتي عشُّ عصافيرْ
ويعزفُ في دمي
ألفُ تشايكوفسكي..
وألفُ رحمانينوفْ
وألفُ سيّد درويشْ
كانت الأبجديّةُ صديقتي
وكانت الثمانيةُ وعشرونَ حرفاً
تكفي لبوحي، واعترافاتي
وتتبعني كقطيعٍ من الغزلانْ
تأكُلُ العشبَ من يدي
وتشربُ الماءَ من يدي..
وتتعلَّمُ أصولَ الحبّ على يدي..
4
قبل أن أحبّكِ..
وأحلامي على قَدِّي
وحزني.. وفَرَحي.. وجنوني
على قَدِّي..
وحين جاء الحبّ الكبيرْ
بدأ المأزِقُ الكبيرْ
وتمزّقتْ خرائطُ اللغَهْ
وصارَ كلُّ ما أعرفه من كلامٍ جميلْ
لا يكفي لتغطية عَشْر دقائقَ من الحنينْ
عندما أدعوكِ للعشاءْ..
5
قبل أن تصبحي حبيبتي
كنتُ أضطجعُ على سرير اللغَهْ
أتغزّلُ بالكلمة التي أريدْ
وأتزوّجُ المُفْرَدَةَ التي أريدْ
لم يكنْ عندي مشكلةٌ مع اللغَهْ
كنتُ مسكوناً بالرنين كأرغُنِ كنيسَهْ
وكنتُ أهدل كالحمائمْ
وأصدح كطيور الكناري
وألبس اللغةَ في إصبعي
خاتماً من الزمرّد الأخضرْ..
6
بعد أن صرتِ حبيبتي
أضعتُ ذاكرتي اللغويّةَ نهائياً
ونسيتُ كيف تُهجَّى الحروف.. وكيف تُكْتَبْ..
إلا إسمَكِ..
ولم أعُدْ أتذكر من الأصوات..
إلا صوتَكِ...
ولا أتذكّر من موانئ البحر الأبيض المتوسّطْ
سوى عينيكِ المكتظتينِ..
بالحزنِ..
والكُحْلِ..
وطيورِ النَوْرَسْ...
7
بعدَ.. أن دخَلَ سيفُكِ في لحمي
ولحم ثقافتي
إكتشفتُ أن مساحةَ الفن تضيقْ
كلما اتَّسعتْ مساحةُ العشقْ
سقطتْ من التداولْ
كعملةٍ ورقية ليس لها تغطيَهْ
وأن جميعَ ما أعرفه من مفرداتْ
لا يكفي لتسديد ثمن فنجانيْ قهوَهْ
في أحد مقاهي فينيسيا.. أو كومو..
أو فيينا.. أو لوغانو..
أو بيروتْ..
8(55/20)
يا التي تعتقلني في داخل قصائدي
وتتحكم بمفاتيح حنجرتي
ومقامات صوتي..
لم يعد يكفيني أن أقولَ (أُحبّكِ)
أريد أن أصل معكِ إلى مرحلة ما بَعْدَ اللغَهْ
وسُحَيْم..
وعُرْوَةِ بنِ الوردْ
والرمزيين، والبرناسيين، والسرياليينْ...
فيا سيّدتي، التي أخذت في حقيبتها اللغهْ..
وسافرتْ...
لماذا أطلقتِ الرصاصَ على فمي؟
وأرجعتنِي إلى مرحلة التَأْتأَهْ....
وسُحَيْم..
وعُرْوَةِ بنِ الوردْ
والرمزيين، والبرناسيين، والسرياليينْ...
فيا سيّدتي، التي أخذت في حقيبتها اللغهْ..
وسافرتْ...
لماذا أطلقتِ الرصاصَ على فمي؟
وأرجعتنِي إلى مرحلة التَأْتأَهْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحب.. على شريط تسجيل
الحب.. على شريط تسجيل
رقم القصيدة : 68779
-----------------------------------
1
كلامُكِ ليسَ يُطاقُ..
وتعبيرُ عينيكِ ليسَ يُطاقُ..
وهذي الأغاني التي يَتَغَرْغَرُ فيها المُسجِّلُ
منذُ ابتداء النهار، إلى مطلعِ الفجرِ
ليست تطاقُ..
ولا بدَّ لي أن أغادرْ..
لماذا أظلُّ هنا؟ حين كلُّ الوسائد ضدِّي..
وكلُّ المقاعد ضدّي..
وكلُّ المرايا.. وكلُّ الزوايا .. وكلُّ الستائرْ..
لماذا أظلُّ هنا بعد موت جميع المشاعرْ؟
لماذا أظلُّ هنا؟
حين أشعر أني سأُشنقُ في آخر الليل..
فوقَ الضفائرْ..
لماذا أظلُّ هنا؟
حين أعرفُ أني سأُدفَنُ تحت رنين العُقُودِ..
وضَوْع البخورِ..
وشكوى الأساورْ..
سأذهبُ حتى أقابلَ شِعْري
فإني نسيتُ تماماً، طريقةَ رَسْمِ الحُروفِ،
نسيتُ بياضَ الدفاترْ..
فنصفي مقيمٌ لديكِ
ونصفي مسافرْ...
3
لكنَّ هذا المناخَ العدائيَّ بيني وبينكِ..
أطفأ كلَّ النجوم،
وأيْبَسَ كلَّ البيادرْ
صحيحٌ.. بأنَّ المكانَ أنيقٌ
وأن النبيذَ عميقٌ
وأنَّ التماثيلَ رائعةٌ، والأزاهرْ
ولكنّني، رَغْمَ هذا الإطار الملوكيِّ حولي،
أحِسُّ بأني أموتُ كشاعرْ...
4
ويا ستَّ كل الجميلاتِ..
وأنَ جُنودَكِ كُثْرٌ..(55/21)
وأنَّ وصالَكِ قَهْرٌ.. وهَجْرَكِ قَهْرٌ..
وأنَّ الذي لا يسبّحُ باسمكِ كافرْ
فلا تَضَعيني.. بقائمة الرُكَّع الساجدينْ
ولا تُدْخليني.. بجيشِ الدراويش والصابرينْ
ولا تحسبيني..
خَرُوفاً تَجُزِّينَ عن جسمه الصوفَ.. كالآخرينْ
ولا تستبدّي برأيكِ فوقَ فراش الهوى
لأنّي من اللهِ.. لا أتلقى الأوامرْ...
خَرُوفاً تَجُزِّينَ عن جسمه الصوفَ.. كالآخرينْ
ولا تستبدّي برأيكِ فوقَ فراش الهوى
لأنّي من اللهِ.. لا أتلقى الأوامرْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أنا والنساء
أنا والنساء
رقم القصيدة : 68780
-----------------------------------
1
أريدُ الذهابَ ..
إلى زَمَنٍ سابقٍ لمجيء النساءْ..
إلى زمنٍ سابقٍ لقُدُوم البكاءْ
فلا فيهِ ألمحُ وجهَ امرأهْ..
ولا فيهِ أسمعُ صوتَ امرأهْ..
ولا فيهِ أشنقُ نفسي بثدي امرأَهْ..
ولا فيه ألعقُ كالهرِّ رُكْبَةَ أيّ امرأَهْ...
2
أريدُ الخروجَ من البئر حيَّاً..
لكي لا أموتَ بضَرْبَة نَهْدٍ..
وأُهْرَسَ تحت الكُعُوب الرفيعةِ..
تحت العيون الكبيرةِ،
تحت الشفاه الغليظةِ،
تحتَ رنين الحِلَى، وجُلُود الفِراءْ
أريدُ الخروجَ من الثقبِ
كي أتنفَّسَ بعضَ الهواءْ..
3
أريدُ الخروجَ من القِنِّ..
حيثُ يفرّقْنَ بين الصباحِ وبين المَسَاءْ
أُريدُ الخروجَ من القِنِّ..
إنَّ الدَجَاجاتِ مزَّقْنَ ثوبي..
وحللنَ لحمي..
وسَمَّيْنَني شاعرَ الشُعَراءْ....
4
كرهتُ الإقامةَ في جَوْف هذي الزُجاجَهْ..
كرهتُ الإقامَهْ..
أيمكنُ أن أتولّى
حِرَاسَةَ نَهْدَيْنِ..
حتى تقومَ القيامَهْ؟؟
أيمكنُ أن يصبح الجِنْسُ سِجْناً
أعيشُ به ألفَ عامٍ وعامْ
أريدُ الذهابَ..
إلى حيث يمكنني أن أنامْ...
فإني مللتُ النبيذَ القديمَ..
الفِرَاشَ القديمَ..
البيانو القديمَ..
الحوارَ القديمَ..
وأشعارَ رامبو..
ولَوْحَات دالي..
وأعينَ (إلْزَا)
وعُقْدَةَ كافْكَا..
وما قالَ مجنونُ لَيْلَى
لشرح الغرامْ...(55/22)
متى كانَ هذا المُخَبَّلُ مجنونُ ليلى..
خبيراً بفنّ الغرامْ؟
أريدُ الذهابَ إلى زمن البحرِ..
كي أتخلَّصَ من كل هذي الكوابيسِ،
من كلّ هذا الفِصَامْ
فهل ممكنٌ؟
- بعد خمسينَ عاماً من الحُبِّ-
أن أستعيدَ السلامْ؟؟
5
أريدُ الذهابَ.. لما قَبْلَ عصر الضفائرْ
وما قَبْلَ عصر عُيُون المَهَا..
وما قَبْلَ عصر رنين الأساورْ
وما قَبْلَ هندٍ..
ودَعْدٍ..
ولُبْنَى..
وما قَبْلَ هزِّ القُدُودِ،
وشَدِّ النهودِ..
ورَبْط الزنانير حول الخواصرْ..
أريدُ الرحيلَ بأيِّ قطارٍ مُسَافرْ
فإنَّ حُرُوبَ النساءْ
بدائيّةٌ كحروب العشائرْ
فقَبْلَ المعاركِ بالسيفِ،
كانتْ هناكَ الأظافِرْ!!.
*
6
كرهتُ كتابةَ شعري على جسد الغانياتْ
كرهتُ التَسَلُّق كلَّ صباحٍ، وكلَّ مساءٍ
إلى قمة الحَلَماتْ..
أريدُ انتشالَ القصيدة من تحت أحذية العابراتْ
أريدُ الدخولَ إلى لغةٍ لا تجيد اللغاتْ
أريدُ عناقاً بلا مُفْرَداتْ
وجنْساً بلا مُفْرَداتْ
وموتاً بلا مُفْرَداتْ
أريدُ استعادةَ وجهي البريءِ كوجه الصلاةْ
أريدُ الرجوعَ إلى صدر أمّي
أريدُ الحياةْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حبٌّ.. تحت الصفرْ
حبٌّ.. تحت الصفرْ
رقم القصيدة : 68781
-----------------------------------
1
هو البحرُ.. يفصل بيني وبينَكِ..
والموجُ، والريحُ، والزمهريرْ.
هو الشِعْرُ.. يفصل بيني وبينكِ..
فانتبهي للسقوط الكبيرْ..
هو القَهْرُ.. يفصل بيني وبينكِ..
فالحبُّ يرفُضُ هذي العلاقَةَ
بين المرابي.. وبين الأجيرْ..
أحبُّكِ..
هذا احتمالٌ ضعيفٌ.. ضعيفْ
فكلُّ الكلام به مثلُ هذا الكلام السخيفْ
أحبُّكِ.. كنتُ أحبُّكِ.. ثم كرهتُكِ..
ثم عبدتُكِ.. ثم لعنتُكِ..
ثم كَتبتُكِ.. ثم محوتُكِ..
ثم لصقتُكِ.. ثم كسرتُكِ..
ثم صنعتُكِ.. ثم هدمتُكِ..
ثمَّ اعتبرتُكِ شمسَ الشموسِ.. وغيّرتُ رأيي.
فلا تعجبي لاختلاف فصولي
فكل الحدائقِ، فيها الربيعُ، وفيها الخريفْ..
هو الثلجُ بيني وبينكِ..(55/23)
ماذا سنفعلُ؟
إنَّ الشتاءَ طويلٌ طويلْ
هو الشكُّ يقطعُ كلَّ الجُسُورِ
ويُقْفِلُ كلّ الدروبِ،
ويُغْرِقُ كلَّ النخيلْ
أحبّكِ!.
يا ليتني أستطيعُ استعادةَ
هذا الكلام الجميلْ.
أُحبُّكِ..
أين تُرى تذهبُ الكَلِماتْ؟
وكيف تجفُّ المشاعرُ والقُبُلاتْ
فما كان يمكنني قبل عامَيْنِ
أصبح ضرباً من المستحيلْ
وما كنتُ أكتبُهُ - تحت وهج الحرائقِ -
أصبحَ ضرباً من المستحيلْ..
3
إن الضبابَ كثيفٌ
وأنتِ أمامي.. ولستِ أمامي
ففي أي زاويةٍ يا تُرى تجلسينْ؟
أحاولُ لَمْسك من دون جدوى
فلا شفتاكِ يقينٌ.. ولا شفتايَ يقينْ
يداكِ جليديّتانِ.. زجاجيّتان.. محنّطتانِ..
وأوراقُ أيلولَ تسقُط ذاتَ الشمال وذاتَ اليمينْ
ووجهُكِ يسقط في البحر شيئاً فشيئاً
كنصف هلالٍ حزينْ..
4
تموتُ القصيدةُ من شدَّة البَرْدِ..
من قِلّة الفحم والزيْتِ..
تيبَسُ في القلب كلُّ زهور الحنينْ
فكيف سأقرأ شعري عليكِ؟
وأنتِ تنامينَ تحت غطاءٍ من الثلجِ..
لا تقرأينَ.. ولا تسمعينْ..
وكيف سأتلو صلاتي؟
إذا كنتِ بالشعر لا تؤمنينْ..
وكيف أقدّمُ للكلمات اعتذاري؟
وكيف أُدافعُ عن زمن الياسمينْ؟
5
جبالٌ من الملح.. تفصل بيني وبينكِ..
كيف سأكسر هذا الجليدْ؟
وبين سريرٍ يريدُ اعتقالي..
وبين ضفيرة شعرٍ تكبِّلني بالحديدْ؟
6
أحبُّكِ.. كنت أُحبُّكِ حتى التَنَاثُرِ.. حتى التبعثُرْ..
حتى التبخّرِ.. حتى اقتحامِ الكواكبِ، حتى
ارتكابِ القصيدة،
أُحبُّكِ.. كنتُ قديماً أحبّكِ..
لكنَّ عينيكِ لا تأتيانِ بأيِّ كلامٍ جديدْ
أُحبُّكِ.. يا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت البنفسج،
لكنَّ فصلَ الربيع بعيدْ..
ويا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت القصيدة،
لكنَّ فصلَ الجنون انتهى من زمانٍ بعيد.
لكنَّ عينيكِ لا تأتيانِ بأيِّ كلامٍ جديدْ
أُحبُّكِ.. يا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت البنفسج،
لكنَّ فصلَ الربيع بعيدْ..
ويا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت القصيدة،
لكنَّ فصلَ الجنون انتهى من زمانٍ بعيد.(55/24)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> 22 نيسَان
22 نيسَان
رقم القصيدة : 68782
-----------------------------------
المَسَا ، شَلالُ فَيْرُوزٍ ثَرِي
وبِعَيْنَيْكِ ، ألوفُ الصُوَرِ
ضَوْءُ عينَيْكِ .. وضَوْءُ القَمَرِ ..
وبِعَيْنَيْكِ مرايا اشتعلتْ
وانفتاحاتٌ على صَحْوٍ.. على
رحلتي طالَتْ .. أما من مرفأٍ
فيه أَرسُو ، عَسَليِّ الحَجَرِ؟
قَبْلَ بَدْءِ البَدْءِ ، قبلَ الأعصُر
أنا بعثرتُ نُجومي فيهما
ما المصابيحُ التي لاحتْ على
فَتْحتيْ عينيْكِ .. إلا فِكَري
إعْقِدي الشالَ .. فلو أنتِ معي
مرة ، غيَّرتُ مجرى القَدَرِ
بَعْدُ .. تدعوكِ ، فلا تَفْتكِري
رَجَعَ الصيفُ لعينيكِ.. ولي
وأراجيحُ لنا معقُودةٌ
نحنُ منثورُ الرُبَى .. زَنْبَقُها..
شَهْقَةُ النَجْماتِ في المُنْحَدَرِ
بالأغاني .. برُفُوف الزَهَرِ
إنَّهُ أوَّلُ صيفٍ مَرَّ بي
***
مَنْ تكونينَ أَيَا أٌغْنيةً
أنتِ يا وَعْداً يصَحْوٍ مُقْبِلٍ
بعطايا فوق وُسْع البَيْدَرِ
وافتكارٌ بإنائَيْ جَوْهَرِ..
وتَوَقَّعْتُكِ دَهْراً .. فإذا
فوقَ ما يحلُمُ ثلجٌ بِذُرىً
وترابٌ برجوع المَطَرِ
لو معي حبُّكِ .. لاجْتَحْتُ الذُرى
ولحرَّكْتُ ضميرَ الحَجَرِ
في عُرَى هذا القميص الأحمرِ
تُنْبِئي الليلَ بهذا الخَبَرِ
واتْرُكيهِ .. واتْرُكيني نَبَأً
***
أيُّ فَضْلٍ لكِ في الدنيا إذا
ضَلَّ إزْمِيلي .. إذا لم تُصْبِحي
قَمَراً .. أو شُرْفةً في قَمَرِ ...
وتَوَقَّعْتُكِ دَهْراً .. فإذا
بكِ فوقَ المُرْتَجَى المُنْتَطَرِ..
فوقَ ما يحلُمُ ثلجٌ بِذُرىً
وترابٌ برجوع المَطَرِ
***
لو معي حبُّكِ .. لاجْتَحْتُ الذُرى
ولحرَّكْتُ ضميرَ الحَجَرِ
ولَجمَّعتُ الدُنَا .. كُلَّ الدُنا
في عُرَى هذا القميص الأحمرِ
إنَّني أعبُدُ عَيْنَيْكِ .. فلا
تُنْبِئي الليلَ بهذا الخَبَرِ
واتْرُكيهِ .. واتْرُكيني نَبَأً
لم يَجُلْ بَعْدُ بفكرِ المُضْمَرِ..
***
أيُّ فَضْلٍ لكِ في الدنيا إذا(55/25)
أنتِ لم تحترقي كالشَرَرِ
ضَلَّ إزْمِيلي .. إذا لم تُصْبِحي
قَمَراً .. أو شُرْفةً في قَمَرِ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كريستان دِيُور
كريستان دِيُور
رقم القصيدة : 68783
-----------------------------------
شَذَايَ الفَرَنْسِيُّ .. هل أثْمَلَكْ؟
حبيبي،
فإنّي تطيَّبْتُ لَكْ ..
لأَصْغَرُ .. أصْغَرُ نُقْطةِ عطرٍ..
ذِرَاعٌ تُمَدُّ..
لِتَسْتَقْبِلَكْ..
تُناديكَ في الرُكْن .. قارورةٌ
ويسألني الطيبُ ..
أن أسألَكْ ..
لديَّ مفاجأةٌ ..
فالتفِتْ لي ...
ومَرِّرْ على عُنُقي أَنْمُلَكْ
وقُلْ لي بأنَّكَ ..
لا .. لا تَقُلْ لي ..
وأَبْحِرْ بشَعْري الذي ظلَّلَكْ
صَنَعْتُ لكَ الجوَّ ..
وصَدْراً .. أتَذْكُرُ كم دلَّلَكْ ؟
وشَعْراً قصيراً ..
لماذا شَهَقْتَ؟
أخيَّبَ شَعْري تُرى مأملَكْ
شَذَاكَ المُفضَّلُ رَشْرَشْتُهُ
على بَدَنٍ طالما أَذْهَلَكْ..
هُنا .. عند نَحْري..
هُنا .. خَلْفَ أُذْني ..
شَكَوتُكَ للليلِ .. ما أكْسَلَكْ
أأبخَلُ بالطيبِ ..
لا كان صَدري
يميناً .. أنا يومَ تأتي إليَّ
سَأَبْني على فُلَّةٍ منزلَكْ ..
إذا لم يكُنْ مرةً مَشْتَلَكْ
يميناً .. أنا يومَ تأتي إليَّ
سَأَبْني على فُلَّةٍ منزلَكْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عوْدة أيلول
عوْدة أيلول
رقم القصيدة : 68784
-----------------------------------
لا زَيْتَ .. لا قَشَّهْ
لا فَحْمَةٌ في الدارْ
جَهَّزْ وجاقَ النارْ
في حَلْمَتي رِعْشَهْ..
أَيْلُولُ للضَمِّ
هل أَخْبَرُوا أُمِّي؟
أَنِّي هُنا عندكْ ..
***
ما أطيبَ الوحْدَهْ
والساعِدَ المفتوحْ
***
تفرَّقَ الصِبْيانْ
في ساحة البلْدَهْ
وصَوَّحَ الوزَّانْ
***
مُعَطَّرَ الضِحْكَهْ
لاشَتِ الأقمارْ
في موطن (الدَبْكَهْ)
***
من عُتْمة الرَفِّ
في كَرْمِنَا الصيفي..
***
يا طيبَ أيلولا
يُلحِّنُ الأبوابْ
كانتْ مواويلا؟..
لآثرَ اللينَا
مِنْ هذه الأخشابْ
كانتْ كراسينا ..
***(55/26)
نُرَطِّبُ التَلَّهْ
في خاطر السَلَّهْ
***
لا آهَ .. لا مَوَّالْ
يُزَرْكشُ القريَهْ ..
يُكحِّلُ الآجالْ
بمجد سُوريَّهْ ..
إذا مَضَى الصيفُ
وأقْفَرَ البَيْدَرْ
في بُؤبُؤٍ أخْضَرْ
كُنَّا مع النَسْماتْ
نُرَطِّبُ التَلَّهْ
ونحشُرُ النَجْمَاتْ
في خاطر السَلَّهْ
***
لا آهَ .. لا مَوَّالْ
يُزَرْكشُ القريَهْ ..
يُكحِّلُ الآجالْ
بمجد سُوريَّهْ ..
إذا مَضَى الصيفُ
وأقْفَرَ البَيْدَرْ
فموطني يغفُو
في بُؤبُؤٍ أخْضَرْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يا بَيْتَها
يا بَيْتَها
رقم القصيدة : 68785
-----------------------------------
أُعْطِيكَ مِنْ أَجَلَي وَعَيْنَيَّا
يا بَيْتَها .. في آخِرِ الدُنْيَا
ويَئِنُّ بابُكَ .. بين جَنْبَيَّا
يا ضَائعاً في الأرضِ ، يا نَغَماً
نَوَّارُ مرَّ عليكَ ، وانْفَتَحَتْ
أزوارُهُ ، لا فيكَ بَلْ فِيَّا
تَهْمِي سَمَاوِيَّاً .. سَمَاوِيَّا
ومَغَالقُ الشُبَّاك مُشْرَعَةٌ
دَرَجاتُهُ وَهْمٌ .. وسُلَّمُهُ
يمشي .. ولكنْ فوق جَفْنَيَّا
يا بَيْتَها .. زَوَّادتي بيدي
والشمسُ تمسحُ وجه وادِيَّا
(بالميْجَنَا) و (الأوفْ) و (اللَيَّا)
الوردُ جُوريٌّ .. وموعدنُنا
***
يا بَيْتَها .. زَوَّادتي بيدي
والشمسُ تمسحُ وجه وادِيَّا
وبلادُ آبائي مُغَمَّسةٌ
(بالميْجَنَا) و (الأوفْ) و (اللَيَّا)
الوردُ جُوريٌّ .. وموعدنُنا
لمَّا يَصيرُ الوَرْدُ جُورِيَّا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> العُقْدة الخضراءَ
العُقْدة الخضراءَ
رقم القصيدة : 68786
-----------------------------------
يا عُقْدتي .. ارْتَفِّي مطَلَّ اخْضِرَارْ
ويا نَهَاري ، قَبْلَ كونِ النهارْ
ويا قُلُوعَ الصَحْو .. مَنْشُورةً
يُصفِّقُ الشُبَّاكُ ، شُبَّاكُنا
عُشِّ عصافيرٍ مع الصيف طارْ..
تختبئُ النَحْلاتُ في ظِلِّها
فبينها وبينهُ .. ألفُ ثَارْ
ضَلَّ .. فما هذا زمانُ البِذَارْ
قِطْعَةُ صَحْوٍ .. رَطَّبتْ سَهْلَنا(55/27)
فارتاح نَبْعٌ ، واسْتَلَذَّ انحدارْ
***
تَوَقَّفي .. ولَوْ لِلَمِّ الإزَارْ
قِطْعَةُ صَحْوٍ .. رَطَّبتْ سَهْلَنا
فارتاح نَبْعٌ ، واسْتَلَذَّ انحدارْ
وللنُجميْماتِ عليَّ انْهِمَارُ..
***
تَوَقَّفي .. ولَوْ لِلَمِّ الإزَارْ
لكُلِّ قرميدٍ لدينا يَدٌ
قِطْعَةُ صَحْوٍ .. رَطَّبتْ سَهْلَنا
فارتاح نَبْعٌ ، واسْتَلَذَّ انحدارْ
للشرق - إمَّا طَفَرَتْ - ضِحْكَةٌ
وللنُجميْماتِ عليَّ انْهِمَارُ..
***
إنْ لُحتِ قبلَ الشمسِ في بابنا
تَوَقَّفي .. ولَوْ لِلَمِّ الإزَارْ
لكُلِّ قرميدٍ لدينا يَدٌ
وكلُّ شُبَّاكٍ لدينا انتظارْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كُمّ الدانتيل
كُمّ الدانتيل
رقم القصيدة : 68787
-----------------------------------
يا كُمَّها الثَرْثَارَ .. يا مَشْتَلْ
رَفِّهْ عن الدنيا ولا تَبْخَلْ
ونَقِّطِ الثَلْجَ على جُرْحنا
يا رائع التطريز .. يا أهْدَلْ
يا شَفَةً تَفْتيحُها مُمْكِنٌ
ويا سُؤالاً ، بَعْدُ ، لم يُسْأَلْ ..
أَقْبَلْتَ يا صَيْفِيُّ في جَوْقَة
من السُنُونُو ، والشَذَا المُرْسَلْ
يا كُمَّها المُنْشَالَ عن ثروة
إذْهَلْ .. فإنَّ الخيرَ أن تذهَلْ
أليسَ لي زاويةٌ رَطْبَةٌ
بين حِرَاجِ اللوز والصَنْدَلْ
يا كُمَّها .. أنا الحريقُ الذي
أصبحَ في هُنَيْهةٍ جَدْوَلْ
مَسَاندُ التُفَّاحِ ، مرفُوعةٌ
أمامَ عيني ، كيفَ لا أقبَلْ؟
والزنبقُ الأسودُ .. من شوقهِ
يقولُ : كُلْ .. فزهرُنا يُؤكَلْ..
قِطْعَةُ "دَنْتيلٍ" أنا مركبي
إن يَرْتَحِلْ مع الندى .. أَرْحَلْ
جَدِّفْ بنا في قَمَرٍ أسودٍ
أرصُدُه ، في كوكبٍ مُهْمَلْ
أيا شِراعَ الخير ، لا تَخْتَجِلْ
شَرَانقُ الحرير لا تَخْجَلْ..
غَامِرْ .. فإنَّ الريحَ شَرْقِيَّةٌ
ما نَحنُ؟ إن لم نَطْلُبِ الأجْمَلْ ..
لَنَا ، بظِلِّ الظِلِّ ، فُسْقِيَّةٌ
وألفُ ميعادٍ لنا أَوَّلْ ..
يا رَوْعَةَ الرَوْعَةِ ، يا كُمَّها
يا مُخْمَلاً صَلَّى على مُخْمَلْ..(55/28)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عِنْدَنَا
عِنْدَنَا
رقم القصيدة : 68788
-----------------------------------
يُولَدُ المَوَّالُ حُرَّاً
عندنا بين الضِيَاعِ
وأنفاسِ المراعي
من وُجاق النار.. مِنْ
مِنْ خَوَابينا الطفيحاتِ
ومِنْ كَرَمٍ مُشَاعِ
يَرْشَحُ رَصْداً.. كُلُّ راعي
والمَوَاويلُ لدَيْنَا
حَبَكتْ أَنْوَالُنا
أوَّلَ خَيْطٍ في شراعِ
لَفْتةُ السيفِ الشُجَاعِ
وبلادي ، شُرْفَة؟ُ الصَحْوِ
مَوطِني ، من زُرْقة الحُلْمِ
ومِنْ عَزْمِ القِلاعِ..
لَفْتةُ العُنْقِ لدينا
لَفْتةُ السيفِ الشُجَاعِ
وبلادي ، شُرْفَة؟ُ الصَحْوِ
وميناءُ الشُعَاعِ..
مَوطِني ، من زُرْقة الحُلْمِ
ومِنْ عَزْمِ القِلاعِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بَيْتي
بَيْتي
رقم القصيدة : 68789
-----------------------------------
في حُرْجِنَا المَدْرُوزِ شُوحَاً
سَقْفُ منزلنا اخْتَفَى
فانْزَوَى .. وتَصَوَّفا
نَسَجَ الثُلُوجَ عَبَاءَةً
وبِدَخْنةٍ من غَزْل مِغْزَلِهِ
اكتسى وتلَفْلَفا..
أَتُريدُ أَنْ لا يُعْرَفا..
وحُدُودُ بيتي .. غيمةٌ
حَمَلْتهُ ألفُ فَرَاشَةٍ
بيتي ، فلا مَاتَ الوَفَا
الجريحةَ واكتفى ..
قِطَعُ الحَصَى في أرضِهِ
كَمْ مَرَّةٍ ، مَرَّ الصَبَاحُ
ببابهِ.. وتَوَقَّفا...
والمطَلَّ المُشْرِفَا..
سَقْفَاً ، ومَدْخَنَةً
يَرْقَى إليه الدَرْبُ
سكرانَ الخُطى مُتَعَطِّفا
انتهتِ الطريقُ.. تَخَلَّفا..
كَمْ نَجْمَةٍ دَخَلتْ عليَّ
تَرَكَتْ بِسُورِ حديقتي
شَالَ الحريرِ مُنَتَّفا..
سَقْفَاً ، ومَدْخَنَةً
وباباً ، ضارعاً ، مُتَفَلْسِفَا
يَرْقَى إليه الدَرْبُ
سكرانَ الخُطى مُتَعَطِّفا
حاذَى الطريقَ .. وعندما
انتهتِ الطريقُ.. تَخَلَّفا..
كَمْ نَجْمَةٍ دَخَلتْ عليَّ
تظنُّ عندي مُتْحَفَا..
تَرَكَتْ بِسُورِ حديقتي
شَالَ الحريرِ مُنَتَّفا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> سَاعي البَريد
سَاعي البَريد(55/29)
رقم القصيدة : 68790
-----------------------------------
أَغْلَى العُطُورِ ، أُريدُها
أزْهَى الثيابْ
فإذا أَطلَّ بريدُها
بعدَ اغترابْ
وطويتُ في صدري الخطابْ
عَمَّرْتُ في ظَنِّي القِبَابْ
وأَمَرْتُ أن يُسْقَى المساءُ
معي الشَرَابْ..
وَوَهَبْتُ للليلِ النُجومَ..
بلا حِسَابَ .. بلا حِسَابْ
***
أنا عند شُبَّاكي الذي
يَمْتَصُّ أوردةَ الغيابْ..
وشجيرةُ النارَنْج..
يابسةٌ
مُضَيَّعةُ الشبابْ..
ومُوَزِّع الأشواق
يتركُ فَرْحَةً في كُلِّ بَابْ..
خَطَواتُهُ
في أرضِ شارعنا
حديثٌ مُسْتَطَابْ
وحقيبةُ الآمالِ
تَعْبَقُ بالتحارير الرِطَابْ
هذا غِلافي القُرْمُزيُّ
يكادُ يلتهبُ التهابْ
وأكادُ ألتهمُ النِقابَ الفُسْتُقيَّ
ولا نِقابْ..
أنا قَبْلَ أن كانَ الجوَابُ..
طيبانِ لي. طيبُ الحُرُوفِ
وطيبُ كاتبةِ الكِتَابْ..
أَطفُو على الحَرْفِ الذي صَلَّى على يدها وتابْ
خَطٌّ..
من الضَوْءِ النحيتِ
فكُلُّ فاصلةٍ شِهَابْ
هذا غلافي - لا أشُكُّ-
يرفُّ مَجْرُوحَ العِتابْ
عُنْوانُ منزلنا المغمَّسِ بالسَحَابْ
عُنْوانُنَا..
عند النجومِ الحافياتِ..
على الهضابْ
***
يا أنتَ..
يا سَاعي البريد..
ببابنا، هَلْ مِنْ خِطابْ؟
ويُقَهْقِهُ الرجُلُ العَجُوزُ
ويختفي بين الشِعَابْ
ماذا يقولُ ؟ يقولُ:
ليس لسيِّدي إلا التُرابْ
إلا حُرُوفٌ من ضَبَابْ..
أَينَ الحقيبةُ؟
أينَ عُنْواني؟
سَرَابٌ .. في سَرَابْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى عَيْنَين شماليّتَين
إلى عَيْنَين شماليّتَين
رقم القصيدة : 68791
-----------------------------------
إسْتَوْقَفَتْني ، والطريقُ لنا
ذاتُ العُيُون الخُضْرِ .. تَشْكُرُني
والشعرُ يكرُمُ إذْ يُكَرِّمني
لا تَشْكُريني .. واشْكُري أُفُقاً
وجُنَيْنةً خضراءَ .. إن ضَحِكَتْ
فعلى حُدُودِ النَجْم تَزْرَعُني
أأرُدُّ مطلبَهُ .. أَيُمكنُني؟
***
والمَدُّ يطويني .. ويَنْشُرني
فإذا الكُرُومُ هناكَ .. عارشةٌ(55/30)
هذي بِحَارٌ كنتُ أجهلُها
مَعَنا الرياحُ .. فقُلْ لأَشْرِعَتي
عُبِّي المَدَى الزيتيَّ ، واحْتَضِني
في مَرْفأَينِ بآخرِ الزَمَنِ
ماذا؟ أيُتْعِبُكَ المَدَى ؟. أَبَداً
أَرجُو الضَياعَ ، وأَستريحُ لهُ
يا ويلَ دَرْبٍ لا يُضَيِّعُني..
ما زلتُ أعرفُها وتعرِفُني
بَيْتي .. وبَيْتُ أبي .. وبَيْدَرُنا
***
تَاهَتْ بِعَيْنَيها وما عَلِمَتْ
ماذا؟ أيُتْعِبُكَ المَدَى ؟. أَبَداً
لا شيءَ في عَيْنَيْكِ يُتْعِبُني
أَرجُو الضَياعَ ، وأَستريحُ لهُ
يا ويلَ دَرْبٍ لا يُضَيِّعُني..
وتَطَلَّعَتْ .. فطريقُ ضَيْعتِنَا
ما زلتُ أعرفُها وتعرِفُني
بَيْتي .. وبَيْتُ أبي .. وبَيْدَرُنا
وشُجَيْرَةُ النارَنْجِ تحضُنُني
***
تَاهَتْ بِعَيْنَيها وما عَلِمَتْ
أنَّي عَبَدْتُ بعينِهَا .. وَطَني
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القمِيصُ الأبيض
القمِيصُ الأبيض
رقم القصيدة : 68792
-----------------------------------
أَلَسْتَ تُهنِّئُني يا بَخِيلُ ؟
بهذا القميص الجديدِ عَلَيّْ
أأنتَ الحنُونُ .. أأنتَ الوفيّْ ؟
مغارزُ خيطانِهِ .. أُغْنِيَاتٌ
سألتُكَ دَغْدِغْ غُرُوري .. فإنَّ
جميلاً لديكَ ، جميلٌ لَدَيّْ
وضاقَ .. وضاقَ على ناهِدَيّْ
ورَشْقُ التطاريز .. والنَمْنَمَاتُ
تبارَكَ هذا القميصُ ، ملأتِ
ظُنُوني نَقَاءً ، ملأتِ يَدَيّْ
إذا يَبِسَ الضوءُ في نَاظِرَيّْ
تَذَكَّرْتُ تُفَّاحةً .. عندنا
***
لأَنتَ رفيقَ الشُموس .. رفيقي
صَبَاحُ الأصابيح أنتَ ، تَوَالَدْ
نُجُوماً ، أيا غُصْنَ لَوْزٍ صَبِيّْ
نقيَّاً .. كوجهِ بلادي النقيّْ ..
إذا أزْهَرَتْ أمْطَرَتْنَا حُليّْ
***
لأَنتَ رفيقَ الشُموس .. رفيقي
كأنَّ عُراكَ تَفتَّحْنَ فيّْ
صَبَاحُ الأصابيح أنتَ ، تَوَالَدْ
نُجُوماً ، أيا غُصْنَ لَوْزٍ صَبِيّْ
على حَجَر العَيْنِ .. صَفِّقْ قميصاً
نقيَّاً .. كوجهِ بلادي النقيّْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رحلة في العُيون الزرق(55/31)
رحلة في العُيون الزرق
رقم القصيدة : 68793
-----------------------------------
أَسُوحُ بتلكَ العيُونْ
على سُفُنٍ من ظُنُونْ
هذا النقاءِ الحَنُونْ
أَشُقُّ صباحاً .. أَشُقُّ
وتَعْلَمُ عيناكِ أنِّي
أُجَدِّفُ عَبْرَ القُرُونْ
جُزْرَاً .. فَهَلْ تُدركينْ ؟
أنا أوَّلُ المُبْحِرينَ على
حِبَالي هناكَ .. فكيفَ
تقولينَ هذي جُفُونْ؟
تجرحُ صدرَ السُكُونْ
تساءلتِ ، والفُلْكُ سَكْرَى
أَفي أَبَدٍ مِنْ نُجُومٍ
ستُبْحِرُ ؟ هذا جُنُونْ..
قَذَفْتُ قُلُوعي إلى البحر
لو فَكَّرَتْ أنْ تَهُونْ
على مرفأٍ لَنْ يَكُونْ ..
عزائي إذا لَمْ أعُدْ
أَفي أَبَدٍ مِنْ نُجُومٍ
ستُبْحِرُ ؟ هذا جُنُونْ..
***
قَذَفْتُ قُلُوعي إلى البحر
لو فَكَّرَتْ أنْ تَهُونْ
ويُسْعِدُني أَنْ ألُوبَ
على مرفأٍ لَنْ يَكُونْ ..
عزائي إذا لَمْ أعُدْ
أَنْ يُقَالَ : انْتَهَى في عُيُونْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رباط العنق الأخضر
رباط العنق الأخضر
رقم القصيدة : 68794
-----------------------------------
مِنْهَا .. رِبَاطُ العُنُقِ
فيا ضُلُوعي أَوْرِقي ..
سَيِّدتي ، فَضْلُكِ لا
أسْعَى بهِ .. وبي غُرُورُ
ويا نُجُومُ حَدِّقي
ما دامَ مَشْدُوداً إلى
لي من طليقٍ مُوثَقِ
على غديرٍ تَسْتَقي ..
أَخَافُ أن تمضي .. فيا
شِفَاهَ قلبي .. أَطْبِقي
وجانحٌ غاصَ بأشواقي
***
أَخَافُ أن تمضي .. فيا
شِفَاهَ قلبي .. أَطْبِقي
بكى في المَشْرِقِ
وجانحٌ غاصَ بأشواقي
***
صَدْرٌ .. على صَدْري .. فلا
أَخَافُ أن تمضي .. فيا
شِفَاهَ قلبي .. أَطْبِقي
فجانحٌ شَالَ كمَوّالٍ
بكى في المَشْرِقِ
وجانحٌ غاصَ بأشواقي
فلم يُحَلِّقِ
***
صَدْرٌ .. على صَدْري .. فلا
خَوْفَ بألا نلتقي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المُدَخِّنة الجميلة
المُدَخِّنة الجميلة
رقم القصيدة : 68795
-----------------------------------
حَارِقَةَ التَبْغِ .. اهْدَأي ، فالدُجى(55/32)
من هَوْل ما أحْرَقْتِ إعْصَارُ
شَوَّهتِ طُهْرَ العاج ، شوِّهتِهِ
وغابَ في الضَبَاب إسْوَارُ ..
تلكَ الأَصابيعُ التي ضَوَّأتْ
دُنْيَايَ ، هل تمضي بها النارُ؟
والتُحَفُ الخُمْسُ التي صُغْتُها
تَنْهَارُ من حولي .. فأَنْهَارُ ..
ورَوْعَةُ الطِلاءِ في ظِفْرها
تمضي ، فما للفجر آثارُ
أناملٌ تلك التي صَفَّقَتْ
أم أنَّها للرَّصْدِ أنهارُ ..
المشْرَبُ الفِضِّيُّ ، ما بينها
مُقَطَّعُ الأنفاس ، ثَرْثَارُ
على الشفاهِ الحُمْرِ .. ميناؤُهُ
وصُحْبَةُ الشفاهِ أقدارُ
يسرقُ فوقَ الثغر غَيْبُوبَةً
ما دام ، بَعْدَ الليل ، إبْحَارُ
تَعَانَقَا .. حتى استجارَ الهوى
والتفَّ مِنْقَارٌ .. ومِنْقَارُ
لو كنتُ هذا المشْرَبَ المُنْتَقَى
أَخْتَارُ هذا الثغرَ .. أَخْتَارُ
***
مَذْعُورَةَ السالِفِ .. لا تيأسي
فلم يَزَلْ في السَفْح أزْرَارُ
النَهْدُ ، جَلَّ النَهْدُ ، في مجدهِ
مِنْ حَوْلِهِ، تُلَمُّ أقمارُ..
حسناءُ .. ما يُشقيكِ من عَالَمٍ؟
ما زال في عَيْنَيْكِ يحتارُ
وأنتِ يا أغنى أساطيرِهِ
نَوَّارُه ، إنْ غابَ نَوَّارُ
صغيرةٌ أنتِ .. عَلامَ الأسى
والأرضُ مُوسِيقَا وأنوارُ
النارُ في يُمْناكِ مَشْبُوبَةٌ
والوعدُ في عَيْنَيْكِ أطوارُ
لا تُؤمَنُ العُيونُ إن سَالَمتْ
صَحْوُ العُيونِ الخُضْرِ .. أمطارُ
تلك اللُّفَافَاتُ التي أُفْنِيَتْ
خواطرٌ تُفْنَى .. وأفكارُ ..
إنْ أطْفَأَتْها الريحُ.. لا تَقْلَقي
أنا لها الكبريتُ والنارُ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مَشبُوهَة الشفتين
مَشبُوهَة الشفتين
رقم القصيدة : 68797
-----------------------------------
مَشْبُوهَةَ الشَفَتَيْنِ ، لا تَتَنسَّكي
لَنْ يَسْتريحَ الموعدُ المكْبُوتُ
وغريزةُ الكِبْريتِ في طُغْيانها
ماذا؟ أيكظُمُ ما بِهِ الكِبْرِيتُ؟
شَفَتَانِ معصيتانِ .. أَصْفَحُ عنهُما
ما دامَ يَرْشَحُ منهُمَا الياقوتُ
إنَّ الشفاهَ الصابراتِ أُحِبُّها(55/33)
ينهارُ فوق عقيقها الجَبَروتُ
كَرَزُ الحديقةِ عندنا مُتَفتِّحٌ
قَبَّلتُهُ في جُرْحِهِ ونَسِيتُ
شَفَتانِ للتدمير ، يا لي منهُما
بهما سَعِدْتُ ، وألفُ ألفُ شَقِيتُ
شَفَتانِ مَقْبَرتَانِ ، شَقَّهُما الهوى
في كُلِّ شطرٍ أحمرٍ تابوتُ
شَفَةٌ كآبار النبيذ مليئَةٌ
كم مرةٍ أَفْنَيْتُها وفَنِيتُ
الفَلْقةُ العُلْيَا .. دُعَاءٌ سافرٌ
والدِفءُ في السُفْلَى .. فأينَ أمُوتُ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى ساذَجَة
إلى ساذَجَة
رقم القصيدة : 68798
-----------------------------------
لا شَكَّ .. أنتِ طَيِّبَهْ
بسيطةٌ وطَيِّبَهْ ..
بساطةَ الأطفال حين يلعبونْ
وأَنَّ عَيْنَيْكِ هُمَا بُحَيْرَتا سُكُونْ
لكنَّني ..
أَبْحَثُ يا كبيرةَ العُيُونْ
أَبْحَثُ يا فارغةَ العُيُونْ
عن الصلاتِ المُتْعِبَهْ
عن الشِفاهِ المُخْطِئَهْ
وأنتِ يا صديقتي
نَقِيَّةٌ كالُؤلؤَهْ
باردةٌ كالُؤلؤَهْ
وأنتش يا سَيِدتي
مِنْ بَعْدِ هذا كلِّه ، لستِ امْرأَهْ
هل تسمعينَ يا سَيِّدتي
لستِ امْرَأَهْ..
وذاكَ ما يُحزِنُني
لأنَّني
أَبْحَثُ يا عاديَّةَ الشِفَاهْ
أَبْحَثُ يا مَيِّتَةَ الشِفَاهْ
عن شَفَةٍ تأكُلُني
من قبل أن تَلْمسَني
عن أَعْيُنٍ..
أمطارُها السوداءُ .. لا تترُكني
أرتاحُ ، لا تترُكُني
وأنتِ يا ذاتَ العُيُونِ المُطْفَأَهْ..
طيِّبةٌ كاللُؤلؤَهْ ..
طيِّبةٌ كالأرنب الوَديعْ
كالشَمْع .. كالألعاب .. كالربيعْ
هامدَةٌ كالموتِ .. كالصقيعْ..
وذاكَ ما يُؤسِفُني..
لأنّني ..
يا أرْنَبي الوَديعْ ..
أضيقُ بالربيعْ
وأكْرَهُ السَيْرَ على الصقيعْ..
لأنهُ يُتْعِبُني..
لأنه يُرهِقُني
***
وَدِدْتُ يا سَيِّدتي
لو كنتُ أستطيعْ
حُبَّكِ يا سَيِّدتي.
لو كنتُ أسْتَطيعْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى ميّتة
إلى ميّتة
رقم القصيدة : 68799
-----------------------------------
إنْتَهتْ قهوتُنا
وانتَهَتْ قِصَّتُنا(55/34)
وانتَهَى الحُبُّ الذي كنتُ أُسمِّيهِ عنيفا
عندما كنتُ سخيفا ..
وضعيفا ..
عندما كانتْ حياتي
مَسْرَحاً للتُرَّهاتِ
عندما ضَيَّعتُ في حُبّكِ أزْهَى سَنَواتي.
بَرَدَتْ قهوتُنا
بَرَدَتْ حُجْرَتُنا
فلنَقُلْ ما عِندَنَا
بوضوحٍ ، فلنَقُلْ ما عِندَنَا
أنا ما عُدْتُ بتاريخكِ شيئا
أنتِ ما عُدْتِ بتاريخيَ شيئا
ما الذي غَيَّرني؟
لم أعُدْ أُبْصِرُ في عينيكِ ضَوْءَا
ما الذي حَرَّرني ؟
مِنْ حكاياكِ القديمَهْ
مِنْ قَضَاياكِ السقيمَهْ ..
بعد أنْ كنتِ أميرهْ..
بعد أن صَوَّرك الوَهْمُ لعينيَّ.. أميرَهْ
بعد أَنْ كانتْ ملايينُ النُجُومِ
فوق أحداقكِ تغلي
كالعصافير الصغيرهْ..
***
ما الذي حَرَّكني؟
كيفَ مَزَّقْتُ خُيُوطَ الكَفَنِ ؟
وتمرَّدْتُ على الشوق الأجيرِ ..
وعلى الليلِ .. على الطيبِ .. على جَرِّ الحريرِ
بعدَ أن كانَ مصيري
مرةً ، يُرْسَمُ بالشعر القصيرِ ..
مرةً ، يُرْسَمُ بالثغر الصغيرِ ..
ما الذي أيقظني ؟
ما الذي أرْجَعَ إيماني إليَّا
ومسافاتي ، وأبْعَادي ، إِليَّا ..
كيف حَطَّمتُ إِلهي بيديَّا ؟.
بعد أن كادَ الصَدَا يأكُلُني
ما الذي صَيَّرني ؟؟
لا أرى في حسنكِ العاديِّ شَيَّا
لا أرى فيكِ وفي عَيْنَيْكِ شَيَّا
بعد أنْ كُنتِ لدَيَّا
قِمَّةً فوق ادِّعاءِ الزَمَنِ..
عندما كُنْتُ غَبِيَّا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عَوْدة التنّورة المزركَشة
عَوْدة التنّورة المزركَشة
رقم القصيدة : 68800
-----------------------------------
ضِيقي .. مع التَيَّار ، واتَّسِعِي
وتَفَرَّقي ، ما شئتِ ، واجْتَمِعي ..
طيري ، حقيبةَ أنْجُمٍ ورؤىً ..
يا .. يا مُغَامَرَةً مُصَوَّرةً ..
لَتَلُمُّكِ الأحداقُ .. إنْ تَقَعِي ..
وتَثَاءَبي ، يا بَوْحَ مَزْرَعَةٍ
أنا والرياحُ عليكِ ، فارْتَفِعِي
وتَمَسَّكي بمَحَطِّ خاصرةٍ
زُنَّارُها يبكي بلا وَجَعِ
لمَّا رأونا في الطريق معاً
قالوا : صَنَوبَرةٌ تسيرُ معي !(55/35)
إن تَحْتَمي من عَصْفِ عَاصِفَةٍ
بِيَدَيْكِ .. ما يَحْمِيكِ من طَمَعي؟
***
جَبَليةٌ .. نَهبَتْ مواسِمَنَا
فبلادُ آبائي هُناكَ تَعِي ..
شالَ الهواءُ بِبَيْدَرٍ مَرِحٍ
مِنْ موطن الموَّالِ مُنْتَزَعِ..
زَهَراتُ ليمونٍ ، تُطرِّزُها
كُلْ يا فُضُولي الخَيْطَ .. إن تَجُعِ ..
وامْضَغْ ثُلُوجَ الرُكْبَتَيْنِ .. فإنْ
رَحَلتْ فُصُولُ الثلج .. فَاخْتَرِعِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نِفَاق
نِفَاق
رقم القصيدة : 68801
-----------------------------------
كَفَانَا نِفَاقْ!..
فما نَفْعُهُ كلُّ هذا العِناقْ؟
ونحنُ انتهَيْنَا
وكُلُّ الحكايا التي قد حكينَا
نِفَاقٌ ..
نِفَاقْ ..
إنَّ قُبْلاتِكَ الباردَهْ
على عُنُقي لا تُطَاق
وتاريخُنا جُثَّةٌ هامِدَهْ
أمام الوُجَاق
***
كَفَى ..
إنَّها الساعةُ الواحِدَهْ ..
فأينَ الحقيبَهْ؟..
أَتَسْمَعُ؟ أينَ سَرَقْتَ الحقيبَهْ؟
أجَلْ. إنَّها تُعْلِنُ الواحِدَهْ..
ونحنُ نلُوكُ الحكايا الرتيبَهْ
بلا فائِدَهْ..
لِنَعْتَرِفِ الآنَ أنَّا فَشِلْنَا
ولم يبقَ مِنَّا
سوى مُقَلٍ زائغَهْ
تَقَلَّصَ فيها الضياءْ
وتجويفِ أعْيُنِنَا الفارغَهْ
تَحَجَّر فيها الوفَاءْ
***
كَفَانا..
نُحَمْلقُ في بعضنا في غَبَاءْ
ونحكي عن الصِدْق والأصدقاءْ
ونَزْعُم أنَّ السماءْ..
تَجنَّتْ علينا..
ونحنُ بكِلْتَا يدَيْنَا
دَفَنَّا الوفاءْ
وبِعْنَا ضمائرنَا للشتاءْ..
وها نحنُ نجلسُ مثلَ الرفاقْ
ولسنا حبيبينِ .. لسنا رِفَاقْ
نُعيدُ رسَائلَنا السالِفَهْ..
ونضحكُ للأسطُرْ الزائفَهْ..
لهذا النِفَاقْ
أنحنُ كتبناهُ هذا النِفَاقْ؟
بدون تَرَوٍ .. ولا عاطِفَهْ..
***
كَفَانَا هُرَاءْ..
فأينَ الحقيبةُ؟.. أينَ الردَاءْ؟..
لقد دَنَتِ اللحظةُ الفاصِلَهْ
وعمَّا قليلٍ سيطوي المساءْ
فُصولَ علاقَتِنَا الفاشِلَهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الجَوْربُ المقطوع
الجَوْربُ المقطوع
رقم القصيدة : 68802(55/36)
-----------------------------------
طائشةَ المِشْيَةِ .. لا تَغْضَبي
تُشْمِتُني الطَعْنةُ في الجوْرَبِ ..
عَفْواً .. وكَرَّ الخَيْطُ في شَهْقَةٍ
نادمةٍ .. في أسَفٍ مُطْرِبِ
فالقَمَرُ المرسومُ في سُرْعةٍ
يُرضِعُني من جُرحِهِ المُذْهَبِ..
جزيرةٌ .. في صُدْفةٍ كُوِنَتْ
فاغْرُزْ هنا المرساةَ يا مَرْكَبي
ويا فمَ الجَوْرَبِ .. لا تَنْطَبِقْ
موسمُنا أكثرُ من طَيِّبِ ..
***
لا تَأسَفي عليهِ .. إنِّي هُنا
مَرْمَى شبابيكي على المَغْرِبِ ..
أُكَوِّمُ النَجْمَاتِ في سَلَّتي
لم يَتْعَبِ الجُرْحُ ... ولم أَتْعَبِ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسَائِل لم تُكْتَبْ لهَا
رسَائِل لم تُكْتَبْ لهَا
رقم القصيدة : 68803
-----------------------------------
1
مَزِّقيها ..
كُتُبي الفارغَةَ الجَوْفَاءَ إنْ تَسْتَلِميها ..
والْعَنِيني .. والْعَنِيْها
كاذباً كنتُ. وحُبِّي لكِ دعوى أَدَّعِيْها..
إنَّني أكتُبُ لللهوِ.. فلا تعتقدي ما جاءَ فيها..
فأنا ــ كاتبهَا المهْوُوُسَ ــ لا أذكرُهُ
ما جاءَ فيها ..
2
إقْذِفيها ..
إقْذِفي تلكَ الرسالاتِ .. بِسَلِّ المُهْمَلاتِ
واحْذَري ..
أنْ تَقَعي في الشَرَكِ المُخْبُوءِ بين الكَلِمَاتِ
فأنا نفسيَ لا أُدركُ معنى كَلِمَاتي..
فِكَري تَغْلي ..
ولا بُدَّ لطُوفان ظُنُوني مِنْ قَنَاةِ..
أَرْسُمُ الحرفَ
كما يمشي مريضٌ في سُباتِ
فإذا سَوَّدتُ في الليلِ تِلالَ الصَفَحَاتِ..
فلأنَّ الحرفَ ، هذا الحرفَ ..
جزءٌ من حياتي
ولأنِّي رِحْلَةٌ سَوْدَاءُ .. في موج الدَوَاةِ
3
أَتْلِفيها ..
وادْفُني كُلَّ رسالاتي بأحشاءِ الوَقْودِ
واحذري أنْ تُخْطِئي ..
أنْ تقرأي يوماً بريدي ..
فأنا نفسيَ لا أذكُرُ ما يحوي بريدي ! ..
وكتاباتي ،
وأفكاري ،
وزَعْمي ،
وَوُعودي ،
لم تكُنْ شيئاً ، فحُبِّي لكِ جُزْءٌ من شُرُودي
فأنا أكتُبُ كالسَكْرانِ ..
لا أدري اتّجاهي وحُدُودي ..(55/37)
أَتَلهَّى بكِ ، بالكِلْمَة ، تَمْتَصُّ وريدي ..
فحياتي كُلُّها ..
شَوْقٌ إلى حرفٍ جديدِ
ووُجُودُ الحرف من أبسطِ حاجاتِ وُجُودي
هل عرفتِ الآنَ ..
ما معنى بَريدي؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وُجُوديَّة
وُجُوديَّة
رقم القصيدة : 68804
-----------------------------------
كانَ اسْمُها جَانِينْ..
لقيتُها - أَذْكُرُ - في باريسَ من سِنِينْ
أَذْكُرُ في مغارة (التابُو).
وَهْيَ فَرَنْسِيَّهْ..
في عَيْنَيْهَا تَبْكي
سماءُ باريسَ الرَمَادِيَّهْ
وَهْيَ وُجُوديَّهْ
تعرفُها
مِنْ خُفِّها الجميلْ
مِنْ هَسْهَساتِ الحَلَقِ الطويلْ
كأنَّهُ غَرْغَرَةُ الضوء بفُسْقِيَّهْ..
تعرفُها
من قَصَّة الشَّعرْ الغُلاميَّهْ..
من خُصْلةٍ في الليل مَزْرُوعَةٍ
وخُصْلةٍ .. لله مَرْمِيَّهْ
***
كانَ اسْمُهَا جَانينْ
بِنْطالُها سَحْبَةُ كُبرياءْ
خَيْمَةُ حُسْنٍ تحتَها .. يختبيءُ المَسَاءْ
وتُولَدُ النُجُومْ
وخُفُّها المُقَطَّعُ الصغيرْ
سفينةٌ مَجْهُولةُ المصيرْ
تقولُ للجاز: ابْتدِيءْ..
أريدُ أَنْ أَطيرْ..
مع العصافير الشتائيَّهْ..
إلى مَسَافاتٍ خُرَافيَّهْ
أُريدُ أَنْ أَصيرْ
أغْنِيَةً أو جُرْحَ أُغْنِيَّهْ
تمضي بلا اتِّجاهْ
تحتَ المصابيح المسائيَّهْ
في حَارَةٍ ضَيِّقةٍ ،
في ليل باريسَ الرَمَادِيَّهْ
***
كانَ اسْمُها جَانِينْ..
وَهْيَ وُجُوديَّهْ
تعيشُ في التابُو .. وللتَابُو
وليلُها جَازٌ وسِرْدَابُ..
صَنْدَلُها المنسوجُ منْ رُعُودْ
يزيدُ من إغرائِها
وكيسُها الراقصُ من ورائِها..
صديقُها في رِحْلَة الوُجُودْ
تقولُ لللحْنِ : انْهَمِرْ
أريدُ أن أَرُودْ
جَزَائراً في الأرضِ مَنْسِيَّهْ
جَزَائراً مَرْسُومةً بأدْمُع الوُرُودْ
ليسَ لها سُورٌ .. ولا بابٌ .. ولا حُدودْ
***
كانتْ وُجُوديَّهْ
لأنَّها إنسَانةٌ حيَّهْ..
تُريدُ أنْ تختارَ ما تَرَاهْ
تُريدُ أنْ تُمزِّقَ الحَيَاهْ..
مِنْ حُبِّها الحَيَاهْ..
***(55/38)
كَانَتْ فَرَنْسِيَّهْ
في عَيْنِها تبكي سَمَاءُ باريسَ الرَمَادِيَّة
كانَ اسْمُهَا جَانِينْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عِنْدَ واحِدَة
عِنْدَ واحِدَة
رقم القصيدة : 68805
-----------------------------------
قُلْنَا .. ونَافَقْنَا .. ودَخَّنَا
لم يُجْدِنَا كُلُّ الذي قُلْنَا ..
الساعةُ الكُبْرَى .. تُطاردُنا
دَقَّاتُها .. كَمْ نحنُ ثَرْثَرْنَا !
حَسْنَاءُ ، إنَّ شِفَاهَنَا حَطَبٌ
فلْنَعْتَرِفْ أنَّا تَغَيَّرْنَا ..
ما قيمةُ التاريخِ ، ننبُشُهُ
ولقد دفَنَّا الأمْسَ وارْتَحْنَا ..
هذي الرُطُوبةُ في أصابعنا
هيَ من عويل الريح .. أَمْ مِنَّا؟
أَتْلُو رسائلَنا .. فَتُضْحِكَني
أبمثْلِ هذا السُخْفِ قد كُنَّا ؟
هذي ثيابُكِ في مَشَاجِبها
بَهَتَتْ .. فلستُ أُعيرُها شأنا ..
فالأخضَرُ المُضْنَى أضيقُ به
ومتى يُمَلُّ الأخضَرُ المُضْنَى ؟
اللونُ ماتَ .. أم أنَّ أعْيُنَنَا
هيَ وَحْدَها لا تُبصِرُ اللونَا ..
يَبِسَ الحُنُّو .. على محاجرنا
فعُيونُنَا حُفَرٌ بلا معنى ..
ما بالُ أيدينا مُشَنَّجَةٌ
فالثلجُ غَمْرٌ إنْ تَصَافَحْنَا
مَمْشَى البَنَفْسَجِ في حديقتنا
قَفْرٌ .. فما أَحَدٌ به يُعْنَى ..
مَرَّ الربيعُ على نوافذنَا
ومَضَى ليُخبرَ أنَّنَا مُتْنَا ..
ما للمقاعد لا تُحِسُّ بنا
أهِيَ التي اعتادَتْ أم اعتَدْنَا ..
أينَ الحرائقُ ؟ أينَ أنفُسُنا ؟
لمَّا أضَعْنَا نارنَا ضِعْنَا ..
كُنَّا ، وأصْبَحَ حُبُّنا خَبَراً
فلْيَرْحَمِ الرحْمَنُ ما كُنَّا ..
يتنفَّسَ الوادي ، وزنبقُهُ
وشَقيقُهُ ، إمَّا تَنَفَّسْنَا ..
نَبْني المَسَاءَ بجرِّ إصْبَعَةٍ
فَنُجُومُهُ من بعض ما عِفْنا ..
كُتُبي .. ومِعْزَفُكِ القديمُ هُنا
كَمْ رَفَّهَتْ أضلاعُهُ عَنَّا
وصَحَائفٌ للعَزْفِ شاحبةٌ
غَبْرَاءُ .. لا نُلْقي لها أُذْنا
هذا سِجِلُّ رُسُومِنَا .. تَرِبٌ
العَنْكَبُوتُ بَنَى له سِجْنَا ..(55/39)
هذا الغلامُ أنا .. وأنتِ معي
ممدودةٌ في جانبي .. لحنا
لا .. ليسَ يُعْقَلُ أن صُورَتَنا
هذي .. ولَسْنَا من حَوَتْ لَسْنَا
***
قُلْنَا .. ونَافَقْنَا .. ودَخَّنَا
لم يُجْدِنَا كُلُّ الذي قُلْنَا ..
حَسْنَاءُ .. إنَّ شِفاهَنَا حَطَبٌ
فَلْنَعْتَرِفْ أنَّا تَغَيَّرْنَا ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> شمْع
شمْع
رقم القصيدة : 68806
-----------------------------------
جِسْمُكِ في تَفْتيحِهِ الأرْوعِ
فانْغَرِسي في الشَمْع يا إصْبَعِي
في غابةٍ ، أريجُها مُوجَعٌ
ولوزُها .. أكثرُ مِنْ مُوجَعِ ..
كُلي شُمُوساً .. وامْضَغِي أنْجُمَا ..
لا تقنعي ، مَنْ أنتِ إنْ تقنَعي ..
وَلَقِّطي الغُرُوبَ عن حَلْمةٍ
كَسْلَى ، بغير الورد لم تُزْرَعِ
جادتْ وجادتْ ، حين شجَّعتُها
وحينَ حَطَّتْ .. لم أجِدْ أضْلُعي
مُنْزَلَقُ الإبط .. هُنا .. فاحْصُدي
حشائشاً طازجةَ المطلعِ ..
الزَغَبُ الطفلُ على أُمِّهِ
بيادراً .. فيا يدي قَطِّعِي ..
والنَهْدُ ، مِشْكَاكُ النجومِ ، الذي
شالَ إلى الله ولم يَرْجِعِ ..
عَرَفْتُهُ أصغَرَ من قَبْضَتي
أصغرَ ممَّا يدَّعي المُدَّعي
حُقاً من اللؤلؤ .. كَمْ جئتُهُ
أعجنُهُ بالجُرْح والأدْمُعِ ..
**
تَنَقَّلي ، قِطْعَةَ صَيْفٍ ، على
وسائدٍ مَمْدُودَةِ الأذْرُعِ ..
أَثَرْتِ لَوْحَاتي على نَفْسِهَا
وفَرَّ من تاريخهِ .. مَخْدَعي
والتَفَتَ الليلُ بأعصابِهِ
إلى إزارٍ .. بَعْدُ لم يُنْزَعِ..
أينَ يدي .. لا خَبَرٌ عن يدي
قَبْلَ سُقُوط الثلج كانَتْ معي ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مِنّي
مِنّي
رقم القصيدة : 68807
-----------------------------------
إنْ رفَّ يوماً .. كتابي
حديقةً في يدَيْكِ
وقالَ صحبُكِ : شِعْرٌ
يقالُ في عينيكِ ..
لا تُخبري الوردَ عنِّي
إنِّي أخافُ عليكِ
ولا تَبُوحي بسرِّي
ومَنْ أكونُ لديكِ
ولْتقرأيهِ بعمقٍ
ولْتُسْبِلي جفنيكِ
ولْتجعليهِ بركنٍ
مُجاورٍ نهديْكِ(55/40)
هذي وُرَيْقَاتُ حُبٍّ
نَمَتْ على شفتيكِ
عَاشَتْ بصدري سنيناً
لكي تعودَ إليكِ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أزرار
أزرار
رقم القصيدة : 68808
-----------------------------------
وتلكَ بضْعَةُ أَزْرَارٍ .. لقد كَبُرتْ
على جداري .. فبيتي كلُّهُ عَبَقُ
تَعَانقتْ عند شُبَّاكي .. فيا فَرَحي
غداً .. تُسَدُّ الرُبى بالورد .. والطُرُقُ
ما هذه العُلَبُ الحمراءُ .. قد فُتِحَتْ
مع الصباحِ ، فسالَ الوَهْجُ والأَلَقُ
لي غُرْفةٌ .. في دروب الغيم عائِمَةٌ
على شريطِ نَدَىً ، تطفو وتنزلقُ
مَبْنِيَّةٌ من غُيَيْماتٍ مُنَتَّفةٍ
لي صاحبانِ بها .. العصفورُ .. والشَفَقُ
أمام بابيَ .. نَجْماتٌ مُكَوَّمةٌ
فتستريحُ لدينا .. ثم تنطلقُ ..
فللصَباح مُرُورٌ تحتَ نافذتي
وفي جوار سريري ، يرتمي الأفُقُ
كم نَجْمةٍ حُرَّةٍ .. أَمسَكْتُها بيدي
وللتطلُّعِ غيري ، ما له عُنُقُ
يُقصِّرُ الشِّعْرُ مِن عُمْري ويُتلفني
إذا سعيتُ ، سعى بي العظْمُ والخِرَقُ
النارُ في جبهتي .. النارُ في رئتي
وريشتي بسُعال اللون تختنقُ ..
نهرٌ من النار في صِدْغي يعذِّبني
إلى متي ، وطعامي الحبرُ والوَرَقُ ؟
وما عتبتُ على النيران تأكُلُني
إذا احتَرَقْتُ ، فإن الشُهْبَ تحترقُ
إني أَضأتُ .. وكم خَلْقٍ أتوا ومَضَوا
كأنُهمْ في حساب الأرض ما خُلِقُوا ..
***
غداً ستحشدُ الدُنيا لتقرأَني
ونَخْبَ شعري ، يدورُ الوردُ .. والعَرَقُ
اليومَ بِضْعَةُ أَزْرَارٍ .. ستعقُبُها أُخرى
وفي كلِّ عامٍ ، يطلعُ الورقُ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بلادي
بلادي
رقم القصيدة : 68809
-----------------------------------
مِنْ لَثْغَةِ الشُحْرُور .. مِن
بَحَّةِ نايٍ مُحْزِنَهْ ..
مِنْ رَجْفَة المُوَّال .. مِنْ
تَنَهُّداتِ المِئْذنَهْ ..
مِنْ غَيْمةٍ تحبكُها
عند الغروب المَدْخَنَهْ
وجُرْحِ قِرْميدِ القُرى
المنشورةِ المزيَّنَهْ ..
مِنْ وشْوَشَاتِ نَجْمَةٍ(55/41)
في شرقنا مُستَوطِنَهْ
مِنْ قصَّة تَدُورُ
بين وردةٍ .. وسَوْسَنَهْ
ومِنْ شذا فَلاحةٍ
تَعبَقُ منها (الميْجَنَهْ)
ومِنْ لُهاث حاطبٍ
عاد بفأسٍ مُوهَنَهْ ..
جبالُنا .. مَرْوَحَةٌ
للشرقِ .. غَرْقى ، ليِّنَهْ
تُوزِّعُ الخيرَ على الدنيا
ذُرانا المُحْسِنَهْ
يطيبُ للعصفور أن
يبني لدينا مسكنَهْ ..
ويغزلُ الصَفْصَافُ ..
في حضن السواقي موطنَهْ
حدودُنا بالياسمينِ
والندَى مُحصَّنَهْ
وَوَرْدُنا مُفَتِّحٌ
كالفِكَرِ المُلوَّنَهْ ..
وعندنا الصخورُ تهوَى
والدوالي مُدْمِنَهْ
وإنْ غضِبْنَا .. نزرعِ
الشمسَ سيوفاً مُؤمِنَهْ ..
***
بلادُنا كانتْ .. وكانتْ
بعدَ هذا الأزمِنَهْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وَشْوَشَة
وَشْوَشَة
رقم القصيدة : 68811
-----------------------------------
في ثغرها ابتهالْ
يهمُسُ لي : تَعَالْ
إلى انعتاقٍ أزرقٍ
حدودُهُ المُحَالْ
نَشْرُدُ تيَّاريْ شَذَا
لم يخفقا ببالْ
لا تَسْتَحي .. فالوردُ في
طريقنا تلالْ
ما دمتِ لي.. مالي وما
قيلَ ، وما يُقَالْ ..
***
وَشْوَشَةُ كريمةٌ
سخيَّةُ الظلالْ
ورَغْبَةٌ مَبْحُوحَةٌ
أرى لها خيالْ
على فمٍ يجوعُ في
عُرُوقِهِ السؤالْ ..
يهتُفُ بي عَقيقُهُ
غداً لكَ النَوالْْ
***
أنا كما وشْوَشْتِني
مُلقىً على الجبال
مخدَّتي طافيةٌ
على دمِ الزَوَالْ
زَرَعتُ ألفَ وردةٍ
فدى انفلاتِ شالْ
فدى قميصٍ أخضرٍ
يُوَزِّعُ الغِلالْ ..
قومي إلى أُرجُوحَةٍ
غريقةِ الحِبالْ
نأكلُ من كُرُومنا
ونُطعمُ السِلالْ
وأشربُ الفمَ الصغيرَ
سُكَّراً حَلالْ
إنْ ألثمِ اليمينَ منكِ
قلتِ : والشِمالْ ؟
لا تسألي : تُحبُّني ؟
كنت ولا أَزالْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بَيْت
بَيْت
رقم القصيدة : 68812
-----------------------------------
قالتْ : حرامٌ أن يكونَ لنا
على أراجيحِ الضيا .. بيتُ ؟
يُغسِّلُ البريقُ شُبَّاكَهُ
وَسَقْفُهُ طَرَّزهُ النْبتُ
وفيه آلاتُ الهوى كلُّها(55/42)
الكوبُ .. والقِرْبَةُ .. والتَخْتُ ..
كمنزل العُصْفُورِ .. أرضى به
فيه الطعامُ السَمْحُ .. والصمتُ
أقولُ فيه كلَّ شيء .. فلا
بُحْْتُ بما كانَ .. ولا بُحْتُ
وبَعْدَها .. لا بأسَ أن ننطفي
كالعطرِ ، لاحِسٌّ .. ولا صوتُ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لولاكِ
لولاكِ
رقم القصيدة : 68813
-----------------------------------
أُفَكِّرُ .. لولاكِ
لو لم يَبُحْ عن عبيركِ عَيْبُ
لو أن اشقرارَ صباحيَ .. لم ينزرع فيه هُدْبُ ..
ولولا نعومةُ رجْليْكِ ..
هل طرَّزَ الأرضَ عُشْبُ ؟
تدوسينَ أنتِ ..
فللصبح نَفْسٌ .. وللصخر قلبُ
تُرى يا جميلةُ ، لولاكِ ، هل ضجَّ بالورد دربُ ؟
ولولا اخضرارٌ بعينيك ثَرُّ المواعيد ، رَحْبُ
أيسبَحُ بالضوء شرقٌ .؟
أيبتَلُّ باللون غربُ ؟
أكانتْ تذرُّ البريقَ الرماديَّ ، لولاكِ ، شُهْبُ ؟
أكانت ألوفُ الفراشات في الحقل ، طيباً تَعُبُّ؟
لو أنيَ لستُ أُحبُّكِ أنتِ ..
فماذا أُحِبُّ ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> على البَيَادِر
على البَيَادِر
رقم القصيدة : 68814
-----------------------------------
وَتَقُولينَ لي : أَجيءُ مع الضوءِ
بحُضْنِ البيادر الميعادُ ..
أنا مُلْقىً على بساط بريقٍ
حوليَ الصحوُ .. والمدى .. والحِصادُ
جئتُ قبل العبير ، قبلَ العصافيرِ ،
فللطَلِّ في قميصي احتشادُ
مَقْعَدي ، غَيْمَةٌ تُطِلُّ على الشرقِ
وأُفْقي تحرُّرٌ وامتدادُ
أتَملَّى خلفَ المسافات .. وجهاً
بَرْعَمَتْ من مُرورِه ، الأبعادُ ..
وتأخَّرتِ .. هل أعاقكِ عنّي
كُوَمُ الزَهْرِ ، أَمْ هُمُ الحُسَّادُ ؟
أم نسيتِ المكانَ حيث دَرَجْنا ؟
منزلُ الورد بيتُنا المعتادُ
والجدارُ العتيقُ وكْرُ حكايانا
إذا نحنُ في الهوى أولادُ ..
نحنُ من طرَّز المساءَ نجوماً
ولنا عُمْرُ وردةٍ .. أو نكادُ ..
وزَرَعْنَا على الجبال الدوالي
فإذا الأرضُ تحتنا أعيادُ
لم يكُنْ حُبُّكِ العميقُ ارتجالاً(55/43)
هو رأيٌّ .. وفكرةٌ .. واعتقادُ ..
لا تقولي أعودُ .. بُحَّ انتظاري
حُبُّنا كان مرةً .. لا تُعَادُ
أين هُدْبٌ يمرُّ .. منسبلَ الريش
قصيفاً ، يُغْمَى عليهِ السوادُ
تَعِبَ الجُرْحُ يا مُلوّنةَ العيْنِ
وطاشَ الهُدى ، وضَلَّ الرشادُ
فاهمُري في المدى ضفيرةَ نُورٍ
يسفحِ الخيرَ ، طيفُكِ المرتادُ
وتلوحينَ .. ديمةً تعصُرُ الرزْقَ
فيجري النَدَى .. ويرضى العِبَادُ
فإذا منزلي مَسَاكِبُ وردٍ
وبثغري ، هذي القوافي الجيادُ
***
ومتى تُدْركينَ .. أنَّكِ أُنثى
عند نَهْدَيْكِ .. يُؤمنُ الإلحادُ ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عَلى الدَّرْب
عَلى الدَّرْب
رقم القصيدة : 68815
-----------------------------------
زُرْ مرةً ما أَصْبَحَكْ !
وابسُطْ عليَّ أَجْنُحَكْ
هيّأتُ قلبي .. فالْتَصِقْ
تعرفُ أنتَ مَطْرَحَكْ
طريقُكَ الوردُ فَدُسْ
وَشْْوَشَني : لَنْ يَجْرَحَكْ
سألتُ فيكَ الله يا مُعذِّبي أن يُصْلِحَكْ
إقلَعْ حبيبي .. أجرَمَ الوشاحُ حين وشَّحَكْ
واقعُدْ معي ..
أبيعُ عمري كلَّهُ كيْ أَرْبَحَكْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الضَفائِر السُّود
الضَفائِر السُّود
رقم القصيدة : 68816
-----------------------------------
"رآها تتسرّح مرة وتنثر
الليل على كتفيها ..."
يا شَعْرَها .. على يدي
شَلالَ ضَوْءٍ أسودِ ..
ألمُّهُ .. ألمُّهُ
سنابلاً لم تُحْصَدِ ..
لا تربطيهِ .. واجعلي
على المساءِ مَقْعَدي ..
من عُمْرنا .. على مخدَّاتِ
الشذا ، لم نرْْقُدِ ..
***
وحَرَّرَتْهُ .. من شريطٍ
أصفر .. مُغرِّدِ
واستغرقتْ أصابعي
في ملعبٍ .. حُرٍّ .. نَدِي
وفَرَّ .. نَهْرُ عُتْمةٍ
على الرُخامِ الأجْعَدِ ..
تُقِلُّني .. أرجوحةٌ سوداءُ
حيرى المقصدِ ..
توزّعُ الليلَ .. على
صباحِ جيدٍ أجْيَدِ
هناكَ . طاشتْ خُصْلةٌ
كثيرةُ التَمَرُّدِ ..
تُسِرُّ لي .. أشواقَ صدرٍ
أهوجِ التنهُّدِ ..
ونَبْضةَ النهد الصغيرِ(55/44)
الصاعِدِ .. المُغَرِّدِ
تَسْتَقْطِرُ النبيذَ مِنْ
لون فمٍ لم يُعْقَدِ ..
وتَرْضَعُ الضياءَ .. من
نَهْدٍ .. صبيِّ المولِدِ
***
قد نلتقي في نجمةٍ
زَرْقَاءَ .. لا تَسْتَبْعِدي
تَصوَّري .. ماذا يكونُ العُمْرُ
لو لم تُوجَدي !
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> دَوَّرْنا القَمَر
دَوَّرْنا القَمَر
رقم القصيدة : 68817
-----------------------------------
جُعْتُ .. وجَاعَ المُنْحَدَرْ
ولا أزالُ أنتظِرْ ..
أنا هُنا وحدي .. على
شرقٍ رماديِّ السُتُرْ
مُسْتلقياً على الذُرى
تلهثُ في رأسي الفِكَرْ
وأرقُبُ النوافذَ الزُرْقَ
على شوقٍ كَفَرْ ..
أقولُ : ما أعاقَها
فستانُها .. أم الزَهَرْ ؟
أم وردةٌ تَعلَّقتْ
بِذَيْلِ ثوبِها العَطِرْ؟
أم الفراشاتُ .. ترامتْ
تحت رجليْها .. زُمَرْ ؟
وأقْبَلَتْ .. مَسْحُوبةً
يخضرُّ تحتها الحَجَرْ ..
ملتفَّةً بشالها
لا يرتوي منها النَظَرْ
أَصْبَى من الضوء ..
وأصفى من دُمَيْعاتِ المطَرْ
تُخْفي نُهَيْداً .. نِصْفُهُ
دارَ .. ونِصْفٌ لم يَدُرْ
قالتْ : صباحَ الوردِ ..
هذا أنتَ ، صاحبَ الصِغَرْ؟
ألا تزالُ مثلما
كنتَ .. غلاماً ذا خَطَرْ ؟
تجعلني .. على الثرى
لُعْباً .. وتَقْطيعَ شَعَرْ ..
فإنْ نهضْنَا .. كانَ في
وُجُوهنا ألفُ أثَرْ
زمانَ طَرَّزْنَا الرُبى
لَثْماً .. وألعاباً أُخَرْ
مُخَوِّضَيْنِ في الندى
مُغَلْغِلَيْنِ في الشجَرْ
أيَّ صبيٍّ كنتَ .. يا
أَحَبَّ طفلٍ في العُمُرْ ؟
***
قلتُ لها : اللهَ ..
ما أكْرَمَها تلك الذِكَرْ
أيَّامَ كنَّا .. كالعصافير
غناءً .. وسَمَرْ
نسابقُ الفراشةَ البيضاءَ
ثمَّ ننتصِرْ
وندفَعُ القواربَ الزرقاءَ ..
في عَرْضِ النَهَرْ ..
وأخطُفُ القُبْلَةَ من
ثغرٍ .. بريءٍ .. مُخْتَصَرْ ..
ونكسِرُ النُجُومَ .. ذَرَّاتٍ
ونُحصي ما انكسَرْ ..
فيستحيلُ حولَنا
الغروبُ .. شَلالَ صُوَرْ
حكايةٌ نحنُ .. فعندَ
كلِّ وردةٍ خَبَرْ !..
***(55/45)
إنْ مرةً .. سُئِلتِ قُولي :
نحنُ دَوَّرنَا القَمَرْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> سُؤَال
سُؤَال
رقم القصيدة : 68818
-----------------------------------
تقولُ : حبيبي إذا ما نَمُوتُ
ويُدْرَجُ في الأرض جثمانُنَا
إلى أيّ شيءٍ يصيرُ هوانا
أيَبْلى كما هي أجسادُنا ؟
أَيتلَفُ هذا البريقُ العجيبُ ؟
كما سوف تتلفُ أعضاؤنا
إذا كان للحُبِّ هذا المصيرُ
فقد ضُيِّعَتْ فيه أوقاتُنا
***
أجبتُ : وَمَنْ قالَ إنَّا نموتُ ؟
وتنأى عن الأرض أشباحُنا
ففي غُرَفِ الفجر يجري شذانا
وتكمُنُ في الجوَ أطيابُنا
نُفيق مع الورد صُبْحاً ، وعند
العشيَّاتِ تُقْفَلُ قمصانُنا
وإن تنفخِ الريحُ طيَّ الشُقُوقِ
ففيها صَدَانا وأصواتُنا
وإن طنَّنتْ نَحْلةٌ في الفراغ
تطنُّ مع النَحْلِ قُبْلاتُنا ..
***
نموتُ .. أما أسَفٌ أن نموتَ؟
وما يَبِسَتْ بَعْدُ أوراقُنا
يقولونَ : من نحنُ ؟ نحنُ الذينَ
حَرَامٌ إذا ماتَ أمثالُنا
ندوسُ فتمشي الطريقُ غلالاً
وتُنْمِي الحشائشَ أقدامُنا
سيسألُ عنَّا الرعاةُ الشيوخُ
وتبكي العصافيرُ .. أصحابُنا
سيخسَرُنا الحُرْجُ والحاطبونَ
وتكسَدُ في الأرضِ أخشابُنا
غداً .. لن نمرَّ عليهم مساءً
ولن تملأ الغابَ نيرانُنَا
وزُرْقُ الحَسَاسين مَنْ بَعْدنَا
سَيُطعمُها ، وهْيَ أولادُنا
وفَرْشَتُنَا ، كُورُنا في الشتاء
بها اللّفْلَفَاتُ .. وألعابُنا
أنترُكُها .. كيفَ نترُكُها ؟
وما أُرهِقَتْ بعدُ أعصابُنا
ومخبأنا في السياج العتيقِ
تدورُ .. تدورُ .. حكاياتُنا
وأنتِ بقلبيَ ملصُوقَةٌ ..
يطولُ على الأرض إغماؤنا
***
سنبقى .. وحين يعود الربيعُ
يعود شَذَانا .. وأوراقُنا ..
إذا يُذْكَرُ الوردُ في مجلسٍ
مع الورد ، تُسْرَدُ أخبارُنا ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> شَرق
شَرق
رقم القصيدة : 68819
-----------------------------------
كُسِرَتْ جِرَارُ اللونِ .. موعدُنا
في الغَيْم .. تحت نوافذ الشَرْقِ(55/46)
بمرافئ الفيروز .. رحلتُنا
وعلى سُتُور المغْرِبِ الزُرْقِ
ومع العبير تسوحُ فَرْشَتُنا
وَرْدِيةً .. عطريّةَ الخَفْقِ ..
وطعامُنا وَرَقُ الورودِ .. وما
في الليل ، من نَغَمٍ ومن عِشْقِ
***
أَحْرَقَتِني .. ومضيتِ كاذبةً
قولي ، أتلتذِّينَ في حَرْقي ؟
عُمْري يُبَاحُ لمئزرٍ خَضِلٍ
ثرِّ المواسم ، غامر الرزْقِ
أَفدي وراءَ الوَهْم .. قادمةً
كالضوء ، من تَرَفٍ ومن ذَوْقِ
قَبْلَ المجيء .. أشُمُّ فِكْرَتَها
وأُحِسُّ خطوتَها على عِرْقي
***
يا تَوْبَتي .. وهواكِ يأكلني
صعبٌ بأنْ تتجاهلي شوقي
مُرّي .. بجوع بيادري كَرَماً
وتَقَطَّري سُحُباً .. على أُفْقي ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مِن كَوّةِ المَقْهَى
مِن كَوّةِ المَقْهَى
رقم القصيدة : 68820
-----------------------------------
"مرّتْ كزوبعة العطر...
تاركةً في جو المقهى خيطاً
من عبير..."
لا تُسْرعي .. فالأرضُ منكِ مُزْهِرهْ
ونحنُ في بُحَيْرةٍ مُعَطَّرَهْ ..
إلى صديقٍ ، أم تُرى لموعدٍ ؟
تائهةً كالفكرةِ المُحَرَّرهْ
والبَسْمةُ النَعْمَاءُ .. فوق مبسمٍ
مُسْتَرْطِبٍ ، تخجلُ منهُ السُكَّرهْ
أم أنتِ لا تبغينَ مثلي وجهةً
فتضربينَ في المَدَى مُسْتَهْتِرَهْ
إذا أردتِ الدفءَ .. عندي مقعدٌ
في هذه الزاويةِ المفكِّرهْ
***
مَنْ علَّم النجومَ كيف تحتفي
بهذه المُلْتَفَّةِ المُزَنَّرَهْ ؟
على جروحي .. نَقْلَةً فنَقْلةً
تقلَّبي ، حديقةً مُخْضَوْضِرَهْ
تَدَفَّقي شَلالَ عطرٍ .. والعبي
على نُجُوم المَغْربِ المُكَسَّرهْ
تَنَبَّهَ المقهى لخيطٍ خيِّرٍ
من الشذا .. ترميه ساقٌ خيِّرَهْ
مهموسةُ الإيقاع .. يا لجوقةٍ
صادحةٍ .. صائحةٍ .. مُعَبِّرهْ ..
ويغزلُ اللهيبَ حولي جَوْرَبٌ
جُنَّ على رخامةٍ مُشَمِّرَهْ
***
من رَبْوَةٍ شقراءَ .. جاءتْ نَفْضَةٌ
دفيئةٌ .. شهيَّةٌ .. مُعَطَّرهْ ..
تنقل لي من نهدها .. رسالةً
غريقةً بالطيب ، ريّا ، مُزْهِرهْ ..(55/47)
غنيّةَ المرور .. مثلَ هذه
فلتكنِ الرسائِلُ المُحَبَّرهْ ..
لو تقبلينَ دَعْوَتي .. فإني
مُحَيَّرٌ يبحثُ عن مُحَيَّرَهْ ..
أقضُمُ من لفافتي مقاطعاً
وأَحتسي أخيلةً وأبخِرهْ
ما ضرَّ لو شاركتني مائدتي
في هذه الخَمَّارةِ المثرثرِهْ
لا تسألي ما اسمُكَ ؟ ما أنتَ ؟ أنا
رطوبةُ القبو .. وصَمْتُ المقبرَهْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> شمعَة وَنَهْد
شمعَة وَنَهْد
رقم القصيدة : 68821
-----------------------------------
يا صاحبي في الدفءِ
إنّي أُختُكَ الشَمْعَهْ
أنا.. وأنتَ.. والهوى
في هذه البقْعَهْ ..
أُوزِّعُ الضوءَ .. أنا
وأنتَ للمتْعَهْ ..
في غُرفةٍ فنَّانةٍ
تلفُّها الرَوْعَهْ
يسكُنُ فيها شاعِرٌ
أفكارُهُ بِدْعَهْ
يرمُقُنا .. وينحني
يخطُّ في رُقْعَهْ ..
صنْعَتُه الحرفُ .. فيا
لهذه الصنْعَهْ..
يا نَهْدُ .. إني شَمْعَةٌ
عراءُ .. لي سُمْعَهْ
إلى متى ؟ نحنُ هُنا
يا أشقَرَ الطَلْعَهْ..
يا دَوْرَقَ العطورِ .. لم
يَترُكْ به جُرْعَهْ
أحَلْمةٌ حمراءُ .. هذا
الشيءُ .. أم دمْعَهْ؟
أطْعَمْتُهُ .. يا نَهْدُ قلبي
قِطْعَةً.. قِطْعَهْ..
***
تلفَّتَ النهدُ لها
وقالَ : يا شَمْعَهْ !.
لا تبخلي عليه مَنْ
يُعطي الوَرَى ضِلْعَهْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى سَاق
إلى سَاق
رقم القصيدة : 68822
-----------------------------------
"نزلت من السيارة بحركة طائشة
فانزاح سِتْر... وعربدت ثلوج...
ثم استرَّتْ في مقعدٍ وثيرٍ صالبةً
ساقيها..."
يا انْضِفَارَ الرخام.. جاعَ بيَ الجوعُ
لدى رَفَّةِ الرِدَا المسْحُوبِ ..
قيلَ : ساقٌ تَمُرُّ .. وارتجفَ الفُلُّ
حبالاً ، على طريقٍ خصيبِ ..
إنَّها طفلةٌ سَمَاويَّةُ العَيْن..
بِفيها ، بعدُ ، اخضلالُ الحليبِ
عَرْبَدَتْ ساقُها .. نُهَيْرَ أناقاتِ
وسالَ البريقُ في أُنْبُوبِ ..
***
أُقْعُدي .. بُرْعُمي الصغيرَ .. استقرّي
بعروقي .. بجفنيَ المتعوبِ..(55/48)
أَيُّ إِثميْنِ أَشْقَرَيْنِ .. تَمُدّينَ..
أضيفي إلى سِجِلِّ ذُنُوبي
ولدى الرُكْبَتَيْنِ .. تعوي شراهاتي
على ثَنْيَةِ اسمرارٍ رهيبِ..
يا صليبَ الإغراء.. من خُصْلَتيْ زهرٍ
شفاهي لمسْحِ هذا الصليبِ
يا دُرُوبَ الحرير .. ماتتْ مسافاتي
وقالت : لقد تعبتُ. دُرُوبي
***
إذهبي . غَيِّري مكانَكِ .. إخفي
تَرَفَ الساق .. أنتِ أصلُ شُحُوبي
أدْخليها لوَكْرِها .. كُلُّ عِرْقٍ
من عروقي يصيحُ : أينَ نصيبي ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حَلَمة
حَلَمة
رقم القصيدة : 68823
-----------------------------------
تهَزْهَزي .. وثُوري
يا خُصْلةَ الحريرِ
يا مَبْسم العُصْفُور .. يا
أُرجُوحَةَ العبيرِ..
يا حرفَ نارٍ .. سابحاً
في بِرْكَتيْ عُطُورِ
يا كِلْمةً مهموسةً
مكتوبةً بنُورِ..
سمراءُ .. بل حمراءُ .. بل
لوَّنها شعوري
دُمَيْعةٌ حافيةٌ
في ملعبٍ غميرِ..
أم قُبْلةٌ تجمَّدَتْ
في نهدكِ الصغيرِ
وارتسمتْ شرارةً
مُخيفةَ الهديرِ..
مِظَلَّةٌ شقراءُ .. فوقَ
قسوةِ الهجيرِ..
مَلْمُومَةٌ .. مَضْمُومَةٌ
فِضيَّةُ السريرِ..
إبريقُ وهجٍ .. عالقٌ
بهضْبَتَيْ سُرورِ
أم أنتِ شُبَّاكُ هوى
مُطرَّزُ السُتُورِ ..
مزروعةٌ قلعَ دمٍ
ملوّنَ المرورِ ..
فراشةٌ.. مغطوطةُ
الجناح في غديرِ..
ونجمةٌ مكسورةُ الريشِ
على الصخورِ..
دافئةٌ.. كأنَّها
مَرَّتْ على ضميري
***
يا حَبَّةَ الرُمّانِ .. جُنّي
والْعَبي .. ودُوري ..
ومَزِّقي الحريرَ .. يا
حبيبةَ الحريرِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> العَيْنُ الخَضْرَاء
العَيْنُ الخَضْرَاء
رقم القصيدة : 68824
-----------------------------------
"جاءت وفي يدها دفتر صغير...
ورغبت إلى الشاعر أن يكتب شعراً
في عينيها...
فإلى صباح عينيها الخضراوين
هذه الحروف..."
قالتْ: ألا تكتُبُ في محْجَري ؟
وانشقَّ لي حُرْجٌ .. ودربٌ ثري
إنْهَضْ لأقلامكَ .. لا تعتذِرْ
من يعصِ قلبَ امرأةٍ .. يَكْفُرِ ..(55/49)
يلذُّ لي .. يلذُّ لي .. أن أرى
خُضْرةَ عينيَّ .. على دفتري
***
وارتعشَتْ جزيرةٌ في مدىً
مُزَغْردٍ .. مُعَطَّرٍ .. أنورِ
خضراءُ ، بين الغيم مزروعةٌ
في خاطر العبير لم تَخْطُرِ ..
يَرْوونَ لي أخبارَ صَفْصَافةٍ
تغسلُ رجْلَيْها على الأنهُرِ ..
لا تُسْبلي ستارةً غَضَّةً
دمي .. لشُبَّاكِ هوىً أخْضَرِ
خَلِّي مسافاتي .. على طُولها
باللهِ .. لا تُحطِّمي منظري ..
***
جاءتْ مع الصباح لي غابةٌ
تقولُ : من نَتَّفَ لي مِئْزَري ؟
حَشَدتِ أوراقَ الربى كلَّها
ضمنَ إطارٍ .. بارعٍ .. أشقرِ
يا عينُ .. يا خضْرَاءُ .. يا واحةً
خضراءَ ترتاحُ على المرمرِ..
أفدي اندفاقَ الصيف من مُقلةٍ
خيِّرةٍ .. كالموسِمِ الخيِّرِ
يا صَحْوُ .. أطعَمْتُكَ من صحَّتي
لا يُوجدُ الشتاءُ في أشْهُري..
***
في عينِها .. لونُ مشاويرنا
نَشْرُدُ بينَ الكَرْمِ والبَيْدَرِ
والشمسُ .. والحِصادُ.. والمنحنى
إذْ نهدُك الصبيُّ لم ينفُرِ..
أيُّ صباحٍ لبلادي غفا
وراءَ هُدْبٍ ، مطمئنٍ ، طري..
عيناكِ .. يا دنيا بلا آخِرٍ
حُدُودُها .. دنيا بلا آخِرِ
كسَّرتُ .. آلافَ النجوم على
دَرْبٍ ستجتازينه .. فَكِّري..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لَوْ
لَوْ
رقم القصيدة : 68825
-----------------------------------
تصوَّري.. لو أنتِ لم تُوجَدي
في ذلك الحَفْلِ البهيجِ الوَضِي
لو حينَ راوَدْتُكِ عن رَقْصةٍ
مهمُوسةٍ ، رأيتِ أن ترفُضي
ولم تَقُلْ أُمُّكِ مَزْهُوّةٌ :
إن الفتى يدعو .. ألا فانْهَضِي..
لو أن مَنْديلَكِ لم يَنْزَلِقْ
في زحمةٍ من ذلكَ المعْرضِ
فقلتُ : يا سيِّدتي .. لحظةً!..
ذهلتِ عن منديلكِ الأبيضِ
هنيهةٌ زَرْقَاءُ لو أفلتَتْ
منّي لم أعرِضْ .. ولم تعرضي
من ذلك التاريخ جاءَ الهوى
وقَبْلُ .. لم أعشَقْ ولم أُبغِضِ
ليلتَها ، عُدْتُ إلى حجرتي
وبي عبيرٌ منكِ لا ينقضي ..
حاولتُ أن أنسى فلم يغتمضْ
جفني ، وجفنُ الحُبّ لم يُغمضِ(55/50)
لو لم يكُنْ ما كان .. لم ترتعشْ
لي ريشةٌ ، والشِّعْرَ لم أقرضِ
وظلَّ قلبي موحشاً ، يابساً
لم يعرف الدفءَ .. ولم ينبُضِ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى رِدَاءٍ أصْفَر
إلى رِدَاءٍ أصْفَر
رقم القصيدة : 68826
-----------------------------------
مرحباً يا ردَاءُ.. يا صَيْحةَ الطيب
وصُبِّحْتَ بالرضا .. يا رداءُ
يا مريضَ الخُيُوط .. يا أصْفَرَ الهَمْس
صباحي عليكَ وردٌ وماءُ ..
مَنْ بدربي رماكَ ؟ شَلالَ لونٍ
فطريقي براعمٌ خضراءُ ..
دُرْتَ .. واحْتَرْتَ .. واحتفلتَ بصدرٍ
مَسَحَتْهُ بكفِّها الكبرياءُ ..
إنْسَدِلْ يا طويلُ .. دُسْ فوقَ نهدٍ
زنبقيٍّ .. صَلَّى عليهِ الضياءُ..
مِنْ شُحوبي غُزِلتَ ثوباً أنيقاً
ترتديه عملاقةٌ فَرْعاءُ ..
لكَ ما شئت .. معصمٌ ، وذراعٌ
ثم نَهْدٌ .. مخدّةٌ بيضاءُ ..
لكَ بالخَصْر رقْفَةٌ .. وعلى الردف
انهيارٌ .. وشَهْقةٌ .. وارتماءُ
ووراءَ الوراءِ .. ثَمَّةَ خَيْطٌ
أكَلتْ منه حَلْمةٌ حمقاءُ ..
هي أعطَتْكَ ما تريدُ .. فصفِّقْ
واسترحْ يا رداءُ حيثُ تشاءُ ..
لحظةً .. يا مُعَطَّرَ الخيط .. جَاعَتْ
بيَ للطيبِ ، شَهْوةٌ شَهَّاءُ
أنتَ نَفْسي ، ولونُ خيطكَ لوني
وعُطُوري ، عُطُوركَ السوداءُ
فيكَ بعضُ الشتاء .. يا شاحبَ الخيط
وكلُّ الفصولِ عندي شتاءُ ..
***
يا خريفيّة الرداءِ .. عُروقي
تحت أمطار عطركِ استجداءُ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسَالة
رسَالة
رقم القصيدة : 68827
-----------------------------------
وأخيراً .. أخذتُ منكِ رسالَهْ
بعد عامٍ لم تَكْتُبي لي خلالَهْ
عَرَّشَتْ وردةٌ على الهُدْب .. لمَّا
رحتُ أتلو سطُورَها في عُجَالَهْ
أبريدُ الحبيبةْ الغضُّ .. هذا ؟
أم ربيعٌ مُجرِّرٌ أذيالَهُ
فعلى أرض حُجْرَتي اندفعَ الزهرُ
وفوق الستارةِ المنهالَهْ
مرحباً .. ضيفةَ الهوى ، يجُفُوني
رقعةٌ ، عاطفيةٌ ، سَلْسَالَهْ
كلُّ حرفٍ فيها خزانةُ طيبٍ(55/51)
يا لَهُ عطرَكِ النسائيَّ .. يا لَهُ
وعليها تَرَكتِ ما يتركُ النَهْدُ
صباحاً .. على نسيج الغِلالَهْ
إنَّه خَطُّكِ النسيقُ .. أمامي
مدَّ فوقي ورودَهُ .. وظلالَهْ
أُنْثَويٌ .. مُلَمْلَمُ الحرفِ .. ممدودٌ
أُحبُّ انخصارَهُ .. وانفتالَهْ ..
أنتِ في غرفتي .. وما أنتِ فيها
صورةٌ في خواطري مُخْتالَهْ
أنتِ بين الحُروف .. هُدْبٌ رحيمٌ
وفَمٌ .. رَفَّ رحمةً ونَبَالَهْ ..
كلُّ شيءٍ .. حتى لهاثُكِ فيها
والسراجُ الذي يصبُّ سُعالَهْ
وانقباضُ الفم الصغير .. وصدرٌ
هاجمُ الحَلْمَتَيْنِ .. أفدي انفعالَهْ
إنني سامعٌ صياحَ قميصٍ
شَرِسٍ .. زلزلَ الهوى زَلْزَالَهْ
وأعي إذْ أعي .. انفلاتةَ شعرٍ
غَجَريٍ . أَرخَى عليَّ خيالَهْ
***
لا تكوني بخيلةً .. واكتُبي لي
في عُروقي مقرُّ كلِّ رسالَهْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الشَفَة
الشَفَة
رقم القصيدة : 68828
-----------------------------------
مُنْضَمَّةٌ .. مُزَقْزِقهْ
مَبْلُولةٌ كالوَرَقَهْ
سُبحانَهُ مَنْ شَقَّها
كما تُشَقُّ الفُسْتُقَهْ
نافورةٌ صادحَةٌ
وفكرةٌ مُحَلِّقَهْ
وعاءُ وردٍ أحمرٍ
في غرفةٍ مُزَوَّقَهْ
وباقةٌ من كَرَزٍ
بأُمِّها مُعَلَّقَهْ
ماذا على السياج؟
أيُّ وردةٍ مُمَزَّقَهْ
قَرَّتْ على لينِ الحريرِ
لَوْحَةً مُوفَّقَهْ..
وعرَّشتْ على بياضِ
وجهها كالزَنْبَقَهْ
رفيقةٌ للهُدْبِ ،
للجديلةِ المُصَفِّقَهْ
للمُقْلة الخضراءِ..
للغِلالة المُغْرَوْرِقَهْ
كم قُبْلَةٍ زَرَعْتُها
منغومةٍ مُمَوْسَقَهْ
على فَمٍ كأنَّما
خَلاَّقُهُ ما خَلَقَهْ
وأنتِ فوق ساعدي
مأخوذةٌ مُسْتَغْرِقَهْ
مرتاعةً .. ضفيرةً
حيرى ، وعيناً مُغْلَقَهْ
أَبينَنَا .. ما بينَنَا
وأنتِ خجلى مُطْرِقَهْ ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى مُضْطَجِعَة
إلى مُضْطَجِعَة
رقم القصيدة : 68829
-----------------------------------
.. ويُقَالُ عن سَاقَيْكِ: إنَّهُمَا(55/52)
في العُرْي .. مَزْرَعَتانِ للفُلِّ
ويقال : أشْرِطَةُ الحرير .. هُما
ويقالُ : أُنْبُوبَانِ من طلِّ
ويقالُ : شَلاَّلانِ من ذَهَبٍ
في جَوْربٍ كالصُبْح مُبْتَلٍّ
هَرَبَ الرداءُ وراءَ رُكْبَتِها
فنعمتُ في ماءٍ .. وفي ظِلِّ
وركَضْتُ فوق الياسمينِ .. فمِن
حقلٍ ربيعيٍّ إلى حقلِ
فإذا المياهُ هناك باكيةٌ
تصبُو إلى دفءٍ .. إلى وَصْلِ ..
يا ثَوْبَها ، ماذا لديكَ لنا؟
ما الثلجُ ؟ ما أنباؤه ؟ قُلْ لي
أنا تحتَ نافذة البريق .. على
خيطٍ غزير الضوء ، مُخْضَلِّ ..
لا تمنعي عنّي الثلوجَ .. ولا
تُخْفي تثاؤبَ مئزرٍ كُحْلي ..
إنِّي ابنُ أخْصَبِ بُرْهةٍ وُجِدتْ
لا تُزْعجي سَاقَيْكِ ، بل ظَلِّي ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إسمُهَا
إسمُهَا
رقم القصيدة : 68830
-----------------------------------
هناكَ .. بعضُ أَحْرُفِ
تَصْحَبُني كمُصْحفي
أهذه جُنَيْنَةٌ؟
تُورِقُ تحتَ معطفي
ففي الضُحى .. وفي الدُجى
وفي الأصابيح.. وفي..
ما صَيْحةُ العُصْفُور .. ما
تَنَهُّداتُ المِعْزَفِ ..
يا سَحْبةً من نغَمٍ
تُومِضُ ثم تختفي
يَمُرُّ ، نَيْسَاناً ، على
شوقي .. على تَلَهُّفي
ويلتوي سِلْكَ حريرٍ
بارعَ التعطُّفِ
ينقلني من رَفْرفٍ
مُخْضَوْضِرٍ .. لرَفْرفِ ..
أنا الذي يعومُ في
جُرْح هوىً لم يَنْشَفِ
***
إسمُكِ .. لا .. عَفْوَكِ
أنتِ فوقَ أن تُعرَّفي ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> غرفَة
غرفَة
رقم القصيدة : 68831
-----------------------------------
يا غُرْفَةً .. جميعُ ما
فيها نَسِيقٌ .. حالمُ
تروي الهوى جدرانُها
والنورُ .. والنسائمُ
أشياؤكِ الأُنثى بها
نَثِيرَةٌ .. تَزَاحمُ
فَدَوْرَقُ العبير يبكي
والوشاحُ واجمُ
وعِقْدُكِ التَرِيكُ
أشجاهُ الحنينُ الدائمُ
وذلكَ السوارُ يبكي
حُبَّنَا .. والخاتمُ
في الركن منديلٌ .. يُناديني
شَفِيفٌ فاغِمُ
ما زالَ في خُيُوطهِ
منكِ عبيرٌ هائمُ
وتلكَ أثوابُ الهوى(55/53)
مواسمٌ .. مواسمُ
هذا قميصٌ أحمرٌ
كالنار لا يُقاوَمُ
وَثَمَّ ثوبٌ فاقعٌ
وَثَمَّ ثوبٌ قاتِمُ
تُذْكي جحيمي صورةٌ
تلُفُّها البراعِمُ
وأنتِ من ورائها
هُدْبٌ .. ووجهٌ ناعِمُ
ومَبْسِمٌ مُلَمْلمٌ
يَحَارُ فيه الراسِمُ
كأنّما أنتِ هنا ..
طيفٌ .. وصوتٌ ناغِمُ
أنتِ التي في جانبي
أم الإطارُ الواهمُ
***
سمراءُ .. يا سمراءُ .. بي
إليكِ شوقٌ ظالمُ
عُودي ! على ضفائر الغيم
اللقاءُ القادمُ ..
لا تتركيني .. لم يكنْ
لولاكِ هذا العالَمُ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المَوْعِد
المَوْعِد
رقم القصيدة : 68832
-----------------------------------
وَمَوْعدٍ .. لها معي
أرمي إليه أَذْرُعي
يَهْتُفُ بي من شَفَةٍ
أنيقةِ التَجَمُّعِ ..
قالَ : نلاقيكَ على
شريط لونٍ ممتعِ
وُجْهَتُنا شواطئ العطر
السخيِّ المُمرعِ
وقلعُنا فراشةٌ
صبيغةٌ ، فَأَسْرعي ..
واحتشد الزمانُ ..
حول امرأةٍ .. ومَوْضِعِ
فَرَغْبَةٌ تنبحُ بي
ورغبةٌ لم تَشْبَعِ
يكادُ أن يطفو على
دمِ النجوم مخدعي
تخطفُ أجفاني انخطافاتُ
وشاحٍ مُسْرعِ
وامرأةٌ تعدُو على
حَدْسي .. على تَوَقُّعي
أكرمُ من أصابع الشتاء
هُلِّي .. وانْبُعي ..
لا تَبْخَلي ! في قبضتي
الدنيا ، إذا أنتِ معي ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> طِفلَتهَا
طِفلَتهَا
رقم القصيدة : 68833
-----------------------------------
"بعد عشرة أعوام من الحب المستحيل،
تمرّّ بالشاعر طفلتها . فيأخذها بين
ذراعيه ليضمّ فيها صورة أمها..."
طَالَعني دَرْبي بها مَرَّةً
تَرفُّ كالفَرَاشة الجامحَهْ
طُفُولةٌ كم تَبُوحُ الرُبى
ومَبْسَمٌ كأنَّهُ الفاتحَهْ ..
وكنتُ شَيَّعْتُ زَمَانَ الهوى
وانْطَفَأَتْ زوابعٌ نابِحَهْ ..
يا طيبَها .. أعزَّ أنمودجٍ
من بعد تلك الغُرْبة الفادحَهْ
وكيفَ هذا كانَ ؟ قد أُورِثَتْ
حتى رنينَ اللثْغَةِ الصادِحهْ
حتى انثيالَ الشَعْر .. حتى
الفمَ الملمُومَ .. حتى النظرةَ السارحهْ(55/54)
يا وَجْهَهَا الصغيرَ .. غبَّ النوى
نَفَضْتَني .. جَارِحةً .. جارِحَهْ ..
هل أَقْبَلَتْ طفلتُها بعدَها
تفجَعُني بأُمِّها النازِحَهْ ..
عَشْرَةُ أعوامٍ .. على حُبِّها
كأنَّهُ في الليلة البارِحَهْ ..
ولم تَزَلْ صُورَتُها في دمي
غريقةً .. أنيقةً .. سابحَهْ
***
أَخَذْتُهَا مُقَبِّلاً باكياً
أما بهَا من أُمِّها رائِحَهْ ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى وِشاحٍ أحمرَ
إلى وِشاحٍ أحمرَ
رقم القصيدة : 68834
-----------------------------------
سَأَلتُكِ ، كيفَ جَمَعْتِ الجراحْ ؟
فجاءت وشاحْ
يُعَربدُ .. قنديلَ نارٍ ووَهْجٍ ..
بكفَّ الرياحْ
ويطفوُ .. ويرسُو .. وقد يستريحُ
ببعض النواحْ ..
على أيِّ وجهٍ يرفُّ .. وينهارُ
أيِّ صَبَاحْ ؟
إذا التمحَ النَهْدَ .. ثارَ .. وحارَ
وهزَّ الجناحْ
وحطَّ على مقْعَدَيْ زَنْبَقٍ
وعُشَّيْ صُداحْ..
ليجمعَ زَهْراً .. ويقطفَ فُلاً
وَيَجْني أَقَاحْ
وعند الجدائل يحصُدُ ظِلاً
وعطراً مُبَاحْ
أُبيحُ شبابي .. لنهر لهيبٍ
إلى أينَ ؟ من صحّتي تُطْعِمِينَ
عُرُوقَ الوشاحْ..
إلى أينَ ؟ من صحّتي تُطْعِمِينَ
عُرُوقَ الوشاحْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> همجيَّة الشفتين
همجيَّة الشفتين
رقم القصيدة : 68836
-----------------------------------
لُفِّي تحاريرَ الهوى .. وامضي
أنا في السماءِ .. وأنتِ في الأرضِ ..
ولْتبتلعْكِ زوابعُ البُغْضِ ..
هَمَجَيَّةَ الشفتينِ .. بِئْسَ هوىً
عَطَّلتُ صدري عند تاجرةٍ
كالدُود ، من رَوْضٍ إلى روضِ ..
فهزِئْتِ من عطري .. ومن وَمْضي
ما أنتِ مِنْ بعْدي .. سوى طَلَلٍ
حاولتُ أن أُدنيكِ من قِمَمِي
فهزِئْتِ من عطري .. ومن وَمْضي
ما أنتِ مِنْ بعْدي .. سوى طَلَلٍ
أنقاضُهُ تبكي على بَعْضِ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إمرأة مِنْ دُخَان
إمرأة مِنْ دُخَان
رقم القصيدة : 68837
-----------------------------------(55/55)
كيفَ فَكَّرتِ في الزيارة؟ قولي
بعد أن أطفأت هوانا السنينُ
إجمعي شَعْرَكِ الطويلَ .. يخيفُ
الليلَ .. هذا المبعثَرُ المجنُونُ
لا تَدُقّي بابي .. وظلِّي بعمري
مُسْتَحيلاً ، ما عانَقَتْهُ الظُنُونُ
أنت أحلى ممنوعةَ الطيفَ ، خجلى
يتمنَّى مُرُوركِ .. الياسمينُ
لا أريدُ الوضوحَ .. كُوني وشاحاً
من دخانٍ .. وَمَوْعداً لا يحينُ
ولْتَعيشي تَخَيُّلاً في جبيني
ولْتكوني خُرافةً لا تكونُ
إترُكيني أبنيكِ شَعْراً .. وصَدْراً
أنتِ لولاي يا ضعيفةُ طينُ
ودعي لي .. تلوينَ عَيْنَيْكِ إني
تتمنَّى ألوانَ وهمي العُيونُ .
لا تجيئي لموعدي .. واترُكيني
في ضَلالٍ ، يبكي عليه اليقينُ
واحرقيني .. إذا أردتِ ، فإنّي
لا أطيقُ الجمالَ حين يلينُ
أنا ما دمتِ في عُرُوقيَ هَمْساً
فإذا كُنتِ واقِعاً ، لا أكونُ !
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نَار
نَار
رقم القصيدة : 68838
-----------------------------------
أُحبُّها أقوى من النارِ
أشدَّ من عويل إعصارِ
فيا لها من دَفْق أمطاري..
لو مرَّ تفكيري على صدرها
أو أُفلِتَتْ حَلْمَتُها .. صُدْفَةً
حدجتُها بعين جَزَّارِ ..
كأنّها تجري بأغواري
***
غيري هواها .. تلك أطواري
أريدُ أن أطوي عليها يدي
أُحبُّها وحدي .. وما ضَرَّني
فيشربُ الصباحُ أنوارَها
ويشربُ الغروبُ أنواري..
ما دُمْتِ لي .. سِرُّ المساءِ معي
وهذه الأقمارُ أقماري..
وفوق جفن الشرق مِشْواري
أن تنقلَ النجومُ أخباري
فيشربُ الصباحُ أنوارَها
ويشربُ الغروبُ أنواري..
***
ما دُمْتِ لي .. سِرُّ المساءِ معي
وهذه الأقمارُ أقماري..
وأَنْجُمُ المساء لي مئزرٌ
وفوق جفن الشرق مِشْواري
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> طائِشة الضَفائِر
طائِشة الضَفائِر
رقم القصيدة : 68839
-----------------------------------
تقولينَ : الهوى شيءٌ جميلٌ
ألم تقرأْ قديماً شِعْرَ قَيْسِ؟
أحَسَّ به المساءُ .. ولم تُحِسِّي(55/56)
أطائشةَ الضَفَائر .. غادريني
لقد أخطأتِ ، حين ظنَنْتِ أني
أبيعُ رجولتي .. وأُضيعُ رأسي
وأعنفُ من لظى شفتيكِ بأسي ..
***
تعيشُ بمخدعي أشباحَ بُؤسِ
وصُورتَكِ المعلَّقةَ احمليها
لقد طرَّزتُ دربَكِ ياسميناً
حملتُ لكِ النجومَ على يميني
وصُغْتُ لكِ الصباحَ عُرْسِ
أتافهةَ الوصالَ .. إليَّ رُدِّي
عويلَ زوابعي .. وجحيمَ حِسِّي
فجفَّتْ ريشتي .. وانبحَّ هَمْسي
أعيديني إلى أصلي جميلاً
حملتُ لكِ النجومَ على يميني
وصُغْتُ لكِ الصباحَ عُرْسِ
***
أتافهةَ الوصالَ .. إليَّ رُدِّي
عويلَ زوابعي .. وجحيمَ حِسِّي
لقد شَوَّهتِ أيَّامي وعمري
فجفَّتْ ريشتي .. وانبحَّ هَمْسي
أعيديني إلى أصلي جميلاً
فمهما كنتِ .. أجملُ منكِ نَفْسي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المستحِمَّة
المستحِمَّة
رقم القصيدة : 68840
-----------------------------------
مُرَاهِقةَ النهد .. لا تَرْبطيهِ
فقد أبْدَعَتْ ريشةُ الله رَسْمَهْ
تهلُّ على الأرض رِزْقاً ونِعْمَهْ
هو الدفءُ . لا تُذْعَري إن رأيتِ
فما عُدْتِ يا طفلتي طفلةً
سيهمي الشِتَا .. غَيْمَةً بعد غَيْمَهْ
ليأكلَ من مسبح الضوء نَجْمَهْ ..
كَبُرتِ .. فَحَوْضُ اغتسالكِ جُنَّ
وصدرُكِ مزرعةُ الياسمينِ
تفتَّقَ عن حَلْمةٍ .. بعد حَلْمَهْ ..
أشقراءُ . يا سَحَبَاتِ الحرير
زَرَعتِ الرمالَ .. اشتهاءً وغُلْمَهْ ..
فينسحبُ البحرُ .. حُبَّاً ورَحْمَهْ ..
تلاشَيْ على مضجعٍ أزرقٍ
أخافُ على البحر أن تُحْرِقيهِ
***
صبيَّةُ .. إنّي احتراقٌ كئيبٌ
أنا دَخْنَةٌ منكِ .. لا تطمئنُّ
فلا تطعميني لنهدَيْكِ .. فَحْمَهْ
تلاشَيْ على مضجعٍ أزرقٍ
وكُوني لأمواجه الهُوج لُقْمَهْ ..
أخافُ على البحر أن تُحْرِقيهِ
فلا تجرحي يا جميلةُ حُلْمَهْ ..
***
صبيَّةُ .. إنّي احتراقٌ كئيبٌ
فمُرِّي بدفءِ جُروحيَ نَسْمَهْ
أنا دَخْنَةٌ منكِ .. لا تطمئنُّ
فلا تطعميني لنهدَيْكِ .. فَحْمَهْ(55/57)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عندَ امرأة
عندَ امرأة
رقم القصيدة : 68841
-----------------------------------
كانتْ على إيوانِها
وكانَ يبكي الموقدُ
مُعطَّرٌ .. مُمهَّدُ
يمدُّ لي ذراعَهُ
حتى الرسومُ تشتهي
هُنا .. ويندى المقعدُ
يعوي شتاءٌ مُلْحِدُ
وفي الذُرى رَعْدٌ .. وفي
وفي صميمي غيمةٌ
تبكي .. وثلجٌ أسودُ
وكنتُ في جوارها
تَصُبُّ لي .. وأُنْشِدُ
شِعْرٌ .. ونبيذٌ جَيِّدُ
وشَمْعةٌ مسلولةٌ
لم يبقَ إلا سَعْلةٌ
***
كانتْ تئنُّ مثلما
تَرنُو إليَّ لَبْوةً
برغبةٍ لها يدُ ..
الغطاء .. أفعى تشرُدُ
وجسمُها تحت اللهيب
والعِقْدُ فوقَ ناهدَيْها
سابحٌ .. مُغرِّدُ
تنهارُ .. ثم تصعدُ ..
كانتْ كما أُريدُها
يحارُ فيها المُوجِدُ
من النساء أعبُدُ
فشَعْرُها كما أُحِبُّ
ونهدُها كسلَّةٍ
من ياسمينٍ يقعدُ ..
كانت إذَنْ ممدودةً
وكان يبكي الموقِدُ
والخليجُ يُزْبِدُ
وفي صميمي غيمةٌ
كعِقْدِها غريزتي
تنهارُ .. ثم تصعدُ ..
***
كانتْ كما أُريدُها
يحارُ فيها المُوجِدُ
قد أدركتْ ذَوْقي وما
من النساء أعبُدُ
فشَعْرُها كما أُحِبُّ
مُهمَلٌ مُبَدَّدُ
ونهدُها كسلَّةٍ
من ياسمينٍ يقعدُ ..
***
كانت إذَنْ ممدودةً
وكان يبكي الموقِدُ
وكانت الأحراجُ تبكي
والخليجُ يُزْبِدُ
وفي صميمي غيمةٌ
تبكي ، وثلجٌ أسودُ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مَصْلوبَة النهدَين
مَصْلوبَة النهدَين
رقم القصيدة : 68842
-----------------------------------
مَصْلوبَةَ النهدين .. يالي منهُما
تركا الرِدا .. وَتَسَلَّقا أضلاعي
والليل يُلْهِبُ أحمرَ الأطماعِ ..
رُدّي مآزرَكِ التريكةَ .. واربطي
لا تترُكي المصلوبَ يخفقُ رأسُه
في الريح .. فهي كئيبةُ الإيقاعِ
يا طفلةَ الشَفَتَيْنِ .. لا تتهوَّري
طَبْعُ الزوابع فيه بعضُ طباعي
شارٍ بأسواق الهوى بَيَّاعِ
جُثَثٌ .. وأمراضٌ .. وبئرُ أفاعي
أضميريَ الموبوءُ .. أيَّةُ كِذْبَةٍ(55/58)
عَوَّذتُ نهدَكِ وهو كَوْمُ أناقةٍ
أن ترهنيهِ للذّتي .. ومَتاعي
عُودي لأُمِّك .. ما أنا بحمامةٍ
فغريزةُ الحيوان تحت قِناعي
بَلْهَاءُ .. تحت فمي وضَغْطِ ذِراعي ..
مَسْمُومةٍ تُلقينَ في أسماعي
عَوَّذتُ نهدَكِ وهو كَوْمُ أناقةٍ
أن ترهنيهِ للذّتي .. ومَتاعي
***
عُودي لأُمِّك .. ما أنا بحمامةٍ
فغريزةُ الحيوان تحت قِناعي
ما أنتِ حينَ أُريدُ ، إلا لُعْبَةٌ
بَلْهَاءُ .. تحت فمي وضَغْطِ ذِراعي ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أَنْتِ لي
أَنْتِ لي
رقم القصيدة : 68843
-----------------------------------
يَرْوُونَ في ضَيْعتِنَا .. أنتِ التي أُرَجِّحُ
شائعةٌ أنا لها مُصَفِّقٌ . مُسَبِّحُ
وأَدَعيها بفمٍ مَزَّقَهُ التَبَجُّحُ
يا سَعْدَها روايةً ألهو بها وأمْرَحُ
يَحْكُونَها .. فللسفُوحِ السُكْرُ والتَرَنُّح
لو صَدَقتْ قَوْلَتُهمْ .. فلي النُجُومُ مَسْرحُ
أو كَذَبَتْ .. ففي ظُنُوني عَبَقٌ لا يُمْسَحُ
لو أنتِ لي .. أرْوِقَةُ الفجر مدايَ الأفْسَحَ
لي أنتِ .. مهما صنَّفَ الواشونَ ، مهما جَرَّحُوا
وحدي .. أَجَلْ وحدي .. ولنْ يَرْقى إليكِ مَطْمَحُ
***
لي مَيْسَةُ الزُنَّارِ .. والخاصِرَةُ المُوَشَّحُ
وكُلُّ ما فَتَّحَ في الصدر .. وما يُفَتِّحُ
لي مَيْسَةُ الزُنَّارِ .. والخاصِرَةُ المُوَشَّحُ
والخالُ لي .. والشالُ لي .. والأسودُ المُسَرَّحُ
وكُلُّ ما فَتَّحَ في الصدر .. وما يُفَتِّحُ
أنتِ .. ويكفيني أنا الغرورُ والتَبَجُّحُ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مُعْجَبَة أَنْتِ لي
مُعْجَبَة أَنْتِ لي
رقم القصيدة : 68844
-----------------------------------
تَقُولُ : أغانيكَ عندي
تَعيشُ بصَدْري كعِقْدي
لصيقٌ بِكِبْدي
فمنهُ أُكَحِّلُ عَيْني
فَبَيْتٌ بلون عيوني
وبيْتٌ بِحُمْرة خدِّي
فيذهَبَ بَرْدي
وأَحْفَظُ منهُ الكثيرَ الكثيرَ
كأنَّكَ رَشَّةُ طيبٍ هريقٍ
تَفَشَّتْ بِبُرْدي
كَسَلَّةِ وَرْدِ
***(55/59)
تسبيحُ ثَغْرٍ جميلٍ بِحَمْدي !!.
تَفَشَّتْ بِبُرْدي
وحَسْبُكَ أنَّكَ في كُلِّ بيتٍ
كَسَلَّةِ وَرْدِ
***
كَفَاني مِنَ المَجْد
تسبيحُ ثَغْرٍ جميلٍ بِحَمْدي !!.
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تَطْريز
تَطْريز
رقم القصيدة : 68845
-----------------------------------
مِنْ نَهَوَنْدٍ .. أم رَجَزْ
أم مِنْ جِراحَاتِ الكَرَزْ
وعِزَّةِ التَخيُّلِ
كُنْتِ .. وقالَ اللهُ لي :
مِنْ شاطِىءٍ مُزَرْكَشِ
أَمْ مِنْ حفيفِ الرِيَشِ
وزُرْقَةِ الوُعُودْ
وغُنَّةِ المَطَارِقِ
هَوَّمْتِ شالاً أزْرَقَا
يَرُشُّ عمْري رَوْنَقَا
نَوْلاً من الحريرْ
أَمْ أنتِ عُنْقُودُ فِكَرْ
فَوَشَّحَ الهِضَابا
وكانتِ (العَتَابَا)
والضوءُ والسُنُونُو
وكانَ في الأرض السَنَا
أَمْ أنتِ عُنْقُودُ فِكَرْ
ألقَاهُ شُبَّاكُ القَمَرْ
فَوَشَّحَ الهِضَابا
وكانتِ (العَتَابَا)
والريحُ والغُصُونُ
والضوءُ والسُنُونُو
وكانَ في الأرض السَنَا
وكنتُ - مِنْ بَعْدُ - أنا ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كَيْفَ كَان ؟
كَيْفَ كَان ؟
رقم القصيدة : 68847
-----------------------------------
تَسَاءَلتْ في حنانْ
عن حُبِّنَا ، كيفَ كانْ ؟
حرائقاً في ثَوَانْ
صِرْنا ضياءً .. وصِرْنا
فالناسُ لو أبْصَرُنا
قَالُوا : دُخانُ الدُخَانْ ..
وأيْنَ هذا المكانْ ؟
هل كانَ جَذْعاً عتيقاً
أم كانَ منزلَ راعٍ
مُسَرْبَلاً بالأَغَانْ ؟
فأصْبَحَتْ مَهْرَجانْ
فحيثُ رَفَّتْ خُطَانا
وحيثُ سَالَ شَذَانا
وتَفَتَّحَتْ وَرْدَتَانْ
كُنَّا لَهُ شَمْعَدَانْ
نَهْدِيهِ حتَّى كأنَّا
فحيثُ رَفَّتْ خُطَانا
تَفَتَّقَتْ نَجْمَتَانْ
وحيثُ سَالَ شَذَانا
وتَفَتَّحَتْ وَرْدَتَانْ
ويعرفُ الليلُ أَنَّا
كُنَّا لَهُ شَمْعَدَانْ
نَهْدِيهِ حتَّى كأنَّا
لللَيْلِ غَمَّازَتَانْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المَوْعِدُ المُزَوَّر
المَوْعِدُ المُزَوَّر
رقم القصيدة : 68849(55/60)
-----------------------------------
ومِيعادٌ .. على فَمِها شَحِيحُ
يُحَاوِلُ أن يَبُوحَ ، ولا يَبُوحُ
يُبَارِك وَهْجَ حُمْرَتِها المَسِيحُ
يُريدُ .. ولا يُريدُ .. فيا لثَغْرٍ
ويَدْعوني إليهِ .. ورُبَّ وَعْدٍ
لهُ نَبْضٌ .. وأَعْصَابٌ .. ورُوحُ ..
عليها الحَرْفُ مُبْتَهِلٌ .. ذَبيحُ ..
يُرَاوِدُني .. ويُنْكِرُ مُدَّعَاهُ
وأَسْتَرْضي العقيقَ .. لَعلَّ فَجْرَاً
يُشَقُّ ، فَتَسْتَريحُ .. وأَسْتَريحُ
أخائفةَ الشِفَاهِ .. ألا اعترافٌ
تُدَمْدِمُهُ العرائشُ والسُفُوحُ ؟
وأَسْتَرْضي العقيقَ .. لَعلَّ فَجْرَاً
يُشَقُّ ، فَتَسْتَريحُ .. وأَسْتَريحُ
***
أخائفةَ الشِفَاهِ .. ألا اعترافٌ
تُدَمْدِمُهُ العرائشُ والسُفُوحُ ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حِكَاية
حِكَاية
رقم القصيدة : 68850
-----------------------------------
كنتُ أَعدُو في غابة اللَّوْز .. لما
قالَ عنِّي ، أُمَّاهُ ، إِنِّي حُلْوَهْْ ..
وعلى سَالِفي ، غَفَا زرُّ وَرْدٍ
وقميصي .. تفلَّتَتْ منهُ عُرْوَهْ
قالَ ما قالَ ، فالقميصُ جحيمٌ
فوق صدري ، والثوبُ يقطرُ نَشْوَهْ
قالَ لي : مَبْسِمي وُرَيْقَةُ تُوتٍ
ولقد قالَ : إنَّ صدريَ ثَرْوَهْ
وروى لي عن ناهِدَيَّ حكايا
فَهُمَا جَدْوَلا نبيذٍ وقَهْوَهْ ..
وهُمَا دَوْرَقَا رحيقٍ ونُورٍ
وهُمَا رَبْوةٌ تُعانِقُ رَبْوَهْ ..
أأنَا حُلْوةٌ ؟. وأَيْقَظَ أُنثى
في عُرُوقي ، وشَقَّ للنُور كُوَّهْ ..
إنَّ في صوتِهِ قَرَاراً رخيماً
وبأحداقِهِ بريقُ النُبُوَّهْ
جَبْهَةٌ حُرَّةٌ كما انْسَرَحَ النورُ
وثَغْرٌ فيه اعتدادٌ وقَسْوَهْ
يَغْصِبُ القُبْلَةَ اغْتِصَاباً .. وأَرضى
وجميلٌ أَنْ يُؤخَذَ الثَغْرُ عُنْوَهْ
وردَدْتُ الجُفُونَ عنهُ حَيَاءً
وحَيَاءُ النساءِ .. للحُبِّ دَعْوَهْ
تَسْتَحي مُقْلَتي .. ويسألُ طُهْري
عن شَذَاهُ ، كأنَّ للطُهْرِ شَهْوَهْ ..
***
أَنتِ .. لَنْ تُنْكِري عليَّ احتراقي(55/61)
كُلُّنا في مَجَامرِ النار .. نِسْوَهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أَثواب
أَثواب
رقم القصيدة : 68851
-----------------------------------
ألوانُ أَثْوابها تَجْري بتفكيري
جَرْيَ البيادر في ذهْنِ العصافيرِ ..
كأنَّهُنَّ أساطيرُ الأساطيرِ
أينَ الزمانُ ، وقد غَصَّتْ خِزانَتُها
فَثَمَّ رافِعَةٌ للنَهْدِ .. زاهيةٌ
إلى رداءٍ ، بلَوْنِ الوَجْد ، مَسْعُورِ
إلى وشاحٍ ، هريقِ الطيب ، مَخْمُورِ
***
تَزْهُو بكُلِّ لطيفِ الوَشْي ، مَنْضُورِ
وهل مَنَامَتُكِ الصفراءُ .. ما بَرِحَتْ
هل أنتِ أنتِ .. وهَلا زلتِ هاجمةَ
وصَدْرُكِ الطِفْلُ .. هل أَنسى مواسمَهُ
وحَلْمَتَاكِ عليهِ ، قَطْرَتَا نُورِ ..
ما بين مُنْفَلتٍ حُرٍّ .. ومَضْفُورِ
إذ المِخَدَّاتُ بالأشواق سَابِحَةٌ
أينَ الحرائرُ ألوانٌ وأَمْزِجَةٌ
حَيْرَى على رَبْوَتَيْ ضوءٍ وبللُورِ ..
لكُلِّ مُنْحَسِرٍ .. أو نِصْفِ مَحْسُورِ ..
أهفُو إلى طيبكِ الجاري ، كما اجْتَمَعَتْ
وأَينَ شَعْرُكِ ؟ أَطْويهِ .. وأَنْشُرُهُ
ما بين مُنْفَلتٍ حُرٍّ .. ومَضْفُورِ
إذ المِخَدَّاتُ بالأشواق سَابِحَةٌ
ونحنُ سِكِّيرَةٌ جُنَّتْ بِسِكِّيرِ ..
أينَ الحرائرُ ألوانٌ وأَمْزِجَةٌ
حَيْرَى على رَبْوَتَيْ ضوءٍ وبللُورِ ..
وللغريزةِ لَفْتَاتٌ مُهَيَّجَةٌ
لكُلِّ مُنْحَسِرٍ .. أو نِصْفِ مَحْسُورِ ..
أهفُو إلى طيبكِ الجاري ، كما اجْتَمَعَتْ
على المنابعِ أعْنَاقُ الشحاريرِ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مانيكور
مانيكور
رقم القصيدة : 68852
-----------------------------------
قَامَتْ إلى قَارُورَةٍ
مَحْمُومَةِ الرحيقِ
وَهْجُ الكَرَزِ الفتيقِ
واسْتَلَّتِ المِبْرَدَ مِنْ
يَنْحَتُ عَاجَ ظِفْرِهَا
المُدَلَّلِ النَميقِ
المَرْمَرِ الغَريقِ
يحصُدُ في نَقْلَتِهِ
ويأكُلُ النورَ الذي
تاهَ عن الطريقِ ..
واهتزَّتِ الريشةُ
ذاتُ المقبَضِ الأنيقِ
فَنَّانَةَ الخُفُوقِ(55/62)
تَتْرُكُ بعضَ قلبها
وتُفْرِزُ الغُرُوبَ
هُنَيْهَةٌ .. فالسُلَّمُ العاجيُّ
في حريقِ
في مَعْبَدٍ عَتيقِ
***
سُجَّادَةَ العقيقِ
إنْ كَفَرتْ سَيِّدتي
فقُلْ لها : إنَّكَ قد
رضِعْتَ مِنْ عُرُوقي
هُنَيْهَةٌ .. فالسُلَّمُ العاجيُّ
في حريقِ
عَشْرُ شُمُوعٍ أُوقِدَتْ
في مَعْبَدٍ عَتيقِ
***
يا ظِفْرُ .. يا وَرْدِيُّ .. يا
سُجَّادَةَ العقيقِ
إنْ كَفَرتْ سَيِّدتي
بعَهْديَ الوثيقِ
فقُلْ لها : إنَّكَ قد
رضِعْتَ مِنْ عُرُوقي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الفَمُ المُطَيَّب
الفَمُ المُطَيَّب
رقم القصيدة : 68853
-----------------------------------
هذا فَمٌ مُطّيَّبُ
ينبُعُ منه المَغْرِبُ
يَرْقُدُ طفلٌ مُتعَبُ
عاتَبَني .. أتعرفُ
صَلَّى على ضفافِهِ
وَعْدُ هوىً مُعَذَّبُ
منهُ ، انتظارٌ مُرْعِبُ
دارَ .. فألفُ رَغْبَةٍ
الياسمينُ تَحْتَهُ
مِخدَّةٌ ومَلْعَبُ
لو لم يكُنْ .. في وجهكِ
البريءِ .. قلتُ : مِخْلَبُ
مِخْلَبٌ مُهَذَّبُ !
مِخدَّةٌ ومَلْعَبُ
***
لو لم يكُنْ .. في وجهكِ
البريءِ .. قلتُ : مِخْلَبُ
لكنَّهُ - إذا غَفَرْتِ -
مِخْلَبٌ مُهَذَّبُ !
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ضحكَة
ضحكَة
رقم القصيدة : 68854
-----------------------------------
وَصَاحِبَتي .. إذا ضَحِكَتْ
يسيلُ الليلُ مُوسِيقَا
من النَهَوَنْد تَطْويقَا
فَأَشربُ من قرار الرَصْدِ
تَفَنَّنُ حين تُطْلِقُها
كحُقِّ الورد تَنْسِيقا
تَرْخِيماً وتَرْقِيقا ..
***
تُمْعِنُ فيَّ تَمزيقا
أيا ذاتَ الفَمِ الذَهَبِّي
***
أناملُ صوتِكِ الزَرْقَاءُ
تُمْعِنُ فيَّ تَمزيقا
أيا ذاتَ الفَمِ الذَهَبِّي
رُشِّي الليلَ مُوسِيقَا ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أُحِبُّكِ
أُحِبُّكِ
رقم القصيدة : 68855
-----------------------------------
أُحِبُّكِ .. حتَّى يَتِمَّ انْطِفَائي
بعَيْنَيْنِ ، مثلَ اتَّسَاع السَمَاءِ(55/63)
إلى أَنْ أغيبَ وريداً .. وريداً
بأعماق مُنْجَدِلٍ كَسْتَنَائي
إلى أَنْ أُحِسَّ بأنَّكِ بَعْضي
وبعضُ ظُنوني .. وبعضُ دمائي
أُحِبُّكِ .. غَيْبُوبةً لا تُفيقُ
أنا عَطَشٌ يستحيلُ ارتوائي
أنا جَعْدَةٌ في مَطَاوي قميصٍ
عَرَفْتُ بنَفْضَاتِهِ كِبْريائي
أنا - عَفْوَ عَيْنَيْكِ - أنتِ . كلانا
ربيعُ الربيعِ .. عَطَاءُ العَطَاءِ
أُحِبُّكِ .. لا تَسْأَلي أيَّ دعوى
جَرَحْتُ الشُمُوسَ أنا بادِّعائي
إذا ما أُحِبُّكِ .. نَفْسي أُحِبُّ
فنحنُ الغِنَاءُ .. ورَجْعُ الغِنَاءِ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> آلا غارسون
آلا غارسون
رقم القصيدة : 68856
-----------------------------------
A LA GARCONNE
كيفَ اجْتَرَأتِ على جدار شَذَا
زَمَنَ الشتاءِ بمرْسَلٍ جَعْدِ
وحصدتِ شَعْرَكِ .. وهو زَرْعُ يدي
يا طالما شَهَقَتْ على زَنْدي
نَجْدَاً ضَمَمْتُ ، ولا صَبَا نَجْدِ
سقفي .. وبستاني .. ومدفأتي
وفِراشيَ المجدولُ من وَرْدِ
***
وأَذرُّهُ .. يا ضَيْعَةَ الجُهْدِ
أنا كم عَقَدْتُ عليه أشرطتي
وَفَرَشْتُهُ ليلاً على كِبْدي
حتى إذا اندفعتْ غدائرُهُ
عصَفَ المقصُّ بهِ .. فمزَّقَهُ
بَلْهَاءُ .. شاحبةَ الجبينِ .. تُرى
حَلَّ الشتاءُ بكُلِّ زاويةٍ
عاشتْ حِراجُ اللوز من بَعْدي
***
وكَحَلْتُهُ بمكاحِلِ السُهْدِ
حتى إذا اندفعتْ غدائرُهُ
عصَفَ المقصُّ بهِ .. فمزَّقَهُ
***
بَلْهَاءُ .. شاحبةَ الجبينِ .. تُرى
حَلَّ الشتاءُ بكُلِّ زاويةٍ
فالثلجُ عند مفاتق النَهْدِ
عاشتْ حِراجُ اللوز من بَعْدي
***
إنَّ السوالفَ مجدُها مجدي
وكَحَلْتُهُ بمكاحِلِ السُهْدِ
حتى إذا اندفعتْ غدائرُهُ
نَهْراً من الكَافُورِ ، والرَنْدِ
عصَفَ المقصُّ بهِ .. فمزَّقَهُ
وتكسَّرَتْ قارورةُ الشَهْدِ
***
بَلْهَاءُ .. شاحبةَ الجبينِ .. تُرى
أطْفَأْتِ ثأرَكِ منهُ .. فاعْتَدِّي
حَلَّ الشتاءُ بكُلِّ زاويةٍ
فالثلجُ عند مفاتق النَهْدِ(55/64)
لا تكشِفي العُنُقَ الغُلامَ .. فلا
عاشتْ حِراجُ اللوز من بَعْدي
***
لا تَقْرَبيني .. أنتِ ميِّتَةٌ
إنَّ السوالفَ مجدُها مجدي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حَبِيبي
حَبِيبي
رقم القصيدة : 68857
-----------------------------------
لا تسأَلُوني .. ما اسْمُهُ حبيبي
أخْشَى عليكُمْ ضَوْعَةَ الطُيُوبِ
تكدَّسَ اللَيْلَكُ في الدُرُوبِ
لا تبحثُوا عنهُ .. هُنا بصدري
تَرَوْنَهُ في ضِحْكة السواقي
في رَفَّةِ الفَرَاشةِ اللَّعُوبِ
وفي غناءِ كُلِّ عندليبِ
في أَدْمُعِ الشتاء حين يبكي
لا تسألوا عن ثغرِهِ .. فهلا
رأيتُمُ أناقَةَ المغيبِ
وخَصْرُه تَهَزْهُزُ القضيبِ
محاسِنٌ لا ضَمَّها كتابٌ
وصدْرُهُ .. ونَحْرُهُ .. كفاكُمْ ..
فَلَنْ أبُوحَ باسْمِهِ حبيبي ...
ومُقْلَتَاهُ شاطئا نَقَاءٍ
وخَصْرُه تَهَزْهُزُ القضيبِ
محاسِنٌ لا ضَمَّها كتابٌ
ولا ادَّعَتْها ريشةُ الأديبِ
وصدْرُهُ .. ونَحْرُهُ .. كفاكُمْ ..
فَلَنْ أبُوحَ باسْمِهِ حبيبي ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أَحمَرُ الشفَاه
أَحمَرُ الشفَاه
رقم القصيدة : 68858
-----------------------------------
كَمْ وَشْوَشَ الحقيبةَ
السوداءَ .. عن جَوَاهْ
والمرِآةِ .. ما رآهْ
على فمٍ أَغْنَى
يَرْضَعُ حَرْفَ مُخْمَلٍ
تَقْبيلُهُ صَلاهْ
وما تحرَّقَتْ يَدَاهْ
ليسَ يَخَافُ الجَمْرَ
***
إنْ نَهَضَتْ لزينةٍ
وارْتَفَّ .. والْتَفَّ .. على
ياقُوتَةٍ وتَاهْ
الهُجَّعِ انْتِبَاهْ
جَدْوَليْ مِياهْ
يَغْزِلُ نِصْفَ مَغْرِبٍ
حيثُ جَرَتْ ريشتُهُ
فالرزْقُ والرَفَاهْ
مُضيئةٍ دِمَاهْ
مَدَاهُ .. قَوسُ لازَوَرْدٍ
يَرُشُّ رشَّةً هُنا
حَمراءَ .. مِنْ دِمَاهْ
غَلْغَلَتْ خُطَاهْ
إذا أَتَمَّ دَوْرَةً
***
أنْتَ شفيعي عِنْدَها
يُهْرِقُ في دائرةٍ
مُضيئةٍ دِمَاهْ
مَدَاهُ .. قَوسُ لازَوَرْدٍ
ليتَ لي مَدَاهُ ..
يَرُشُّ رشَّةً هُنا
حَمراءَ .. مِنْ دِمَاهْ(55/65)
ويوقِدُ الشُمُوعَ .. حيثُ
غَلْغَلَتْ خُطَاهْ
إذا أَتَمَّ دَوْرَةً
قال العقيقُ : آهْ
***
أنْتَ شفيعي عِنْدَها
يا أحْمَرَ الشِفَاهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أَنَامِل
أَنَامِل
رقم القصيدة : 68859
-----------------------------------
لَمَحْتُها .. إذْ نَسَلَتْ
قُفَّازَهَا المُعطَّرَا
وقالتْ : هل تَرَى ؟
أرْشَقَ مِنْ أصابعي
أُنْظُرْ يَدِي .. وانْفَلَتَ
الحريرُ فوقي أَنْهُرَا
معي يَدٌ جميلةٌ
تَغْزِلُ شَمْعاً أصفرا
من النُجُوم قُطِّرا
تَرْشُقُ دربي جوهرَا
أناملٌ .. كأضْلُع البِيَانِ
مَرْصُوفةٌ ، ترجو بَنَانَ
عازفٍ لِتَجْهَرا
في النورِ خَاتم الهَوَى
غَفَا شِراعاً أشقرا
مُغَنِّياً مُسْتَبْشِرا
أَرجُوكِ .. رُدِّي مِخْلَبَاً
أخافُ إنْ جُنَّ الهَوَى
أنْ تُشْهِرِيهِ خِنجَرَا
***
في النورِ خَاتم الهَوَى
غَفَا شِراعاً أشقرا
حَطَّ على إصْبَعِها
مُغَنِّياً مُسْتَبْشِرا
أَرجُوكِ .. رُدِّي مِخْلَبَاً
عنِّي ، غميساً أحمرا ..
أخافُ إنْ جُنَّ الهَوَى
أنْ تُشْهِرِيهِ خِنجَرَا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وشَاية
وشَاية
رقم القصيدة : 68860
-----------------------------------
أأنتَ الذي يا حبيبي .. نَقَلْتَ
لِزُرْقِ العصافير أخْبارَنَا ؟
تَدُقُّ مناقيرُها الحُمرُ شُبَّاكَنا
وتُغْرِقُ مَضْجَعَنَا زَقْزَقَاتٍ
ومَنْ أخْبَرَ النَحْلَ عن دارنا ؟
فجاءَ يُقاسمُنا دارَنَا
يُزَرْكِشُ بالنور جُدْرَانَنَا ؟
وَمَنْ قَصَّ قِصَّتَنا للفَرَاشِ ؟
سَيَفْضَحُنا يا حبيبي العبيرُ
فقد عَرَفَ الطيبُ مِيعادَنا ...
وَمَنْ قَصَّ قِصَّتَنا للفَرَاشِ ؟
فراحَ يُلاحقُ آثارَنا
سَيَفْضَحُنا يا حبيبي العبيرُ
فقد عَرَفَ الطيبُ مِيعادَنا ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> هيَ
هيَ
رقم القصيدة : 68861
-----------------------------------
.. وَ وَشْوَشَتْني النَسْمَةُ الحافيَهْ :(55/66)
لَمَحْتُها تَعْدُو على الرابيَهْ
كانَتْ كأحلى ما يكونُ الصِبَا
وشاحُها الشَبَابُ والعافيَهْ
مُقْلَتُها .. هَدْبَاءُ سُوريَّةٌ
ولونُها من عِزَّة الباديَهْ
ونَهْدُها .. فَلْقَةُ تُفَّاحَةٍ
وثَغْرُها تَنَفُّسُ الخابيَهْ
وتَمْتَمَ الغُرُوبُ : شَاهَدْتُها
تُبَعْثِرُ النجومَ في الساقيَهْ
وقالَ عُصفُور لنا عابرٌ :
فِرَاشُها مِنْ وَرَق الداليَهْ
وبَاحَتْ الغَابَةُ .. مَرَّتْ هُنا
وانْطَلَقَتْ من هذه الناحيَهْ
وقالت الوردةُ : كانَتْ معي
وقطَّعَتْ غِلالَتي القانِيَهْ
واسْتَقْطَرَتْ من سائلي دَمْعَةً
ولَوَّنَتْ حَلْمَتَها النامِيَهْ
***
سَأَلْتُ عنها الطيبَ في بيتِهِ
والريحَ .. والغمامةَ الباكيَه
والسَفْحَ .. والضياءَ .. والمُنْحَنَى
والليلَ .. والنَجْمَةَ .. والراعِيَهْ
بَحَثْتُ عنها في الذُرى .. في الكُوى
وفي دُمُوع الليلة الشاتيَهْ
حتَّى إذا عُدْتُ إلى مَخْدَعي
مُحَطَّماً .. أَجُرُّ أقْدَامِيَه
سمِعتُ قلبي من خلال الدُجَى
يَضْحَكُ منِّي ضِحْكَةً عالِيَهْ
***
.. وكانَ أنْ رأيتُها تَخْتَبي
من جنبيَ الأيْسَرِ .. في الزاويَهْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> خَصْر
خَصْر
رقم القصيدة : 68862
-----------------------------------
ضنًى وانْهِدَامْ
وخَصْرٌ مَنَامْ
ومروحةٌ للهوى لا تنامْ
كآهِ الحريرِ .. تلوَّى وهامْ
دعاني .. وغابَ ، فيا ليتَ دامْ
مدىً للسُيُوف لديهِ احْتِكَامْ
إذا قُلت : خصري اعتَرَاهُ السُقَامْ ..
تَحوَّلْتُ عنهُ ..
وقلتُ : حَرَامْ
أيا ريشَةَ العُود .. كُلِّي انْسِجَامْ
أمِنْ مَدْرَج الرَصْدِ .. هذا المَقَامْ ؟
وحَدْو الصحارَى .. وزَهْوِ الخيَامْ
إذا جادَ .. أنْعَشَ صدراً غُلامْ
وتَعْتَعَ في الصدر ، حَرْفَيْ رُخَامْ ..
وماتَ الحِزَامْ ..
ضنىً ..
وانْهِدَامْ ..
ضنىً ..
وانْهِدَامْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نَحْت
نَحْت
رقم القصيدة : 68863(55/67)
-----------------------------------
... ومِنْ جَعْدةِ المُخْمَلِ وَدَمْدَمةِ المِعْوَلِ
جَبَلْتُكِ إبريقَ طيبٍ على العُمْر ، لم يُجْبَلِ
وحَرَّكتُ نَهْدَكِ شمساً تدورُ .. فَهَلْ أنتِ لي ؟
زَرَعْتُ النُجَيْمَاتِ في ناظرَيْكِ .. ولم أَبْخَلِ
أنا مَنْ هديتُ الرياحَ إلى شَعْركِ المُرْسَلِ
وحينَ اكْتَمَلتِ .. ذَهِلْتِ عن الصانع الأَوَّلِ
وكانَ الصقيعُ تلالاً على صَدْركِ الأعزَلِ
وتنسين أنَّ قميصَكِ مَرَّ على مِغْزَلي
وليتكِ تدرينَ أنَّ المحبَّةَ أنْ تَبْذُلي
أنا مَنْ عرفتِ هواهُ .. وآثرتِ أن تَجْهلي
أُحِبُّكِ .. فوقَ ظُنُون الظُنُونِ .. فلا تَسْأَلي ..
أُحِبُّكِ .. فوقَ ظُنُون الظُنُونِ .. فلا تَسْأَلي ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ثوبُ النَوْمِ الوَرديّ
ثوبُ النَوْمِ الوَرديّ
رقم القصيدة : 68864
-----------------------------------
أَغْوَى فساتينكِ .. هذي البُرْدةُ المُطيَّبَهْ
ذاتُ التطاريزِ .. وذاتُ الطُرَّةِ المُقَصَّبَهْ
والذَيْلِ .. والرُسُومِ .. والزرْكَشَةِ المُحَبَّبَهْ
إذْ أنتِ زَهْوُ غرفتي البَشُوشَةِ المُرحِّبَهْ
تُجَرِّرينَ الراهلَ الطويلَ .. نَشْوَى مُعجَبَهْ
والأحْمَرُ الرعَّادُ .. أشْهى من وُرُود المأدُبَهْ
***
أجْمَلُ ما لبستِ من غلائلٍ مُعشَوشِبَهْ
مَنَامَةٌ .. رَفُّ الحواكيرِ ، وبَوْحُ المسْكَبَهْ
أنا حَبيسُ عُرْوَةٍ هناك .. كَسْلَى مُتْعَبَهْ
لا تَقْلَعيها .. إنَّها غوايتي المُحَبَّبَهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المَايوه الأزرق
المَايوه الأزرق
رقم القصيدة : 68865
-----------------------------------
مرحباً .. ماردةَ البحر .. على الأشواق طُوفي
غَمِّسي في الماءِ ساقَيْنِ .. كتسبيح السُيُوفِ
وانْبُضي حَرْفاً من النار على ضِلْع الرصيفِ
واشْرُدي أُغْنِيَةً في الرمل .. شَقْراءَ الحُرُوفِ
دَرْبُكِ الأحداقُ .. فانْسَابي على الشوق المُخيفِ(55/68)
بَدَناً كالشَمْعة البيضاء .. عاجيَّ الرفيفِ
زَنبقيَّاً ، رُبَّما كانَ ، على وَرْدٍ خفيفِ
ونُهِيْداً .. راعِشَ المنقارِ ، كالثلجِ النَدِيفِ
تلبسين المغربَ الشاحبَ في بُرْدٍ شفيفِ
أزْرَقٍ .. مُغْرَوْرِقِ الخيط .. سَمَاويِّ الحفيفِ
أنتِ .. يا أنتِ .. لقد وَشَّحْتِ بالدفءِ خريفي ..
أنتِ .. يا أنتِ .. لقد وَشَّحْتِ بالدفءِ خريفي ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وَرْدَة
وَرْدَة
رقم القصيدة : 68866
-----------------------------------
أقْبَلَتْ خَادِمُها تهمُسُ لي :
هذه الوردةُ من سَيِّدتي !!
وَرْدَةٌ .. لم يَشْعُر الفَجْرُ بها
لا ولا أُذْنُ الرَوَابي وَعَتِ
هيَ في صدريَ .. سِرٌّ أحمرٌ
ما دَرَتْ بالسِرِّ حتى حَلْمَتي ..
إنَّ لي عذْري إذا خَبَّأتُها
خَوْفَ عُذَّالكُمَا في صُدْرَتي
***
... ثُمَّ دَسَّتْ يَدَها في صدرها
فَدَمي سَكْرَانُ في أوْرِدَتي
أَفْرَجتْ راحَتَها ، وانْدَفَعَتْ
حَلَقَاتُ الطيب في صَوْمَعَتي
أَهْيَ منها .. بعد تشريد النَوَى ؟
سَلَّمَ اللهُ الأصابيعَ التي ..
وردةٌ .. سَيِّدَةُ الورد .. أَلا
قَبِّلي عنِّي يَدَيْ مُلْهِمَتي
في إناءِ الوردِ .. لن أجْعَلَها
إنَّني غارسُها في رئتي
ليلةٌ سَاهَرني العطرُ بها
واسْتَحمَّتْ بالندى أغطيتي
وتلمَّسْتُ سريري .. فإذا
كُلُّ شيءٍ .. عاشقٌ في حُجْرَتي
***
لو أحالَ اللهُ قلبي .. وَرْدَةً
لا أرُدُّ الفَضْلَ يا سَيِّدَتي ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الصَّليبُ الذّهَبِيّ
الصَّليبُ الذّهَبِيّ
رقم القصيدة : 68867
-----------------------------------
أنُقْطَةُ نُورٍ .. بين نَهْدَيكِ ترجِفُ
صَليبُكِ هذا .. زينَةٌ أم تَصَوُّفُ ؟
على قالَبَيْ شَمْعٍ .. يَمُدُّ بِسَاطَهُ
ومِنْ دَوْرَقَيْ ماسٍ .. يَعُلُّ ويرشفُ
تَدَلَّى كعُنقُود اللهيبِ .. وحَوْلَهُ
تَثُورُ الأماني ، والقميصُ المُرَفْرِفُ
يتُوه على كَنْزَيْ بياضٍ ونِعْمَةٍ(55/69)
ويكرَعُ من حُقَّيْ رُخَامٍ .. ويُسْرِفُ
تكمَّشَ بالصدرِ الفطيمِ .. فتارةً
يقرُّ .. وطوراً يُسْتثارُ ويعُنفُ
***
أَمُرْتَعِشَ الأسلاك .. يا لونَ حيرتي
سريرُكَ مَصْقُولٌ .. وأرضُكَ مُتْحَفُ
مداكَ أضاميمُ القُرُنْفُلِ .. فانْطَلِقْ
على زَحْمَة الأفْيَاء .. دَرْبُكَ مُتْرَفُ
أتَشْكُو ؟ وهل يشكُو الذي تحت رأسِهِ
حريرٌ .. وأضواءٌ .. ووردٌ مُنَتَّفُ
أجامحةَ السلْسَالِ .. إِنِّيَ شاعرٌ
حُرُوفي لهيبُ الله .. هل نَتَعرَّفُ ؟
طَلَعْتِ على عُمْري خيالَ نبيَّةٍ
صليبٌ .. وسلْسَالٌ ثمينٌ .. ومِعْطَفُ
تَرَهَّبْتِ في عُمْر الوُرُود .. ومَنْ لَهُ
بَرَاءةُ هذا الوجه ، هل يَتَقَشَّفُ
أَتَبْغينَ مرضاةَ السماءِ .. وإنَّما
بمثلكِ تَعْتَزُّ السماءُ وتَشْرُفُ
***
أذاتَ الصليب اللُؤلُؤيِّ .. تَلفَّتي
وراءَكِ هذا المُؤمِنُ المُتَطرِّفُ
فلا تَمْنَعي أَجْري .. وأنتِ جميلةٌ
ولا تَقْطَعي حَبْلي .. ودِينُكِ يُنْصِفُ
على صَدْركِ المُعْتَزِّ .. يَنْتَحِرُ الأسى
وتَبْرَا جِراحَاتُ المسيح وتَنْشَفُ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تَزَوَّجْتُكِ أَيَّتُهَا الحُريَّة
تَزَوَّجْتُكِ أَيَّتُهَا الحُريَّة
رقم القصيدة : 68868
-----------------------------------
مدخل
وهوَ يَمشي في غَابَةٍ من خَنَاجِرْ ..
أَطلَقوا نارَهُمْ على المُتَنبِّي .
وأراقُوا دماءَ مجنُونِ عَامِرْ .
لو كَتَبْنَا يوماً رسالةَ حُبٍّ ..
شَنَقُونَا على بَيَاض الدَفَاتِرْ
ما بِوُسْع السيَّاف قَطْعُ لساني
فالمَدَى أزْرَقٌ .. وعندي أَظَافِرْ ...
1
2
كنتُ الرَجُلَ الأوحدَ في التاريخِ ..
فلا أولادَ .. ولا أحفادَ .. ولا ذُرِيَّهْ
كنتُ أميرَ العِشْقِ ..
وكنتُ أُسَافِرُ يوماً في الأحداقِ الخُضْرِ ..
ويوماً في الأحداقِ العَسَلِيَّهْْ ..
كانَ هناكَ العِطْرُ الأَسودُ .. والأمطارُ الأولى ..
والأَزْهَارُ الوحشيَّهْ ..
كانَ هناكَ عُيُونٌ(55/70)
كان هناكَ شفَاهٌ مُفْتَرِسَاتٌ كَالأَصْدَافِ البحريَّهْ ..
كانَ هنالكَ سَمَكٌ حَيٌّ تحتَ الإبْطِ ،
وثَمَّةَ رائحةٌ بَحْرِيَّهْ ..
كانَ هناكَ نُهُودٌ تَقْرعُ حَوْلي ..
مثلَ طُبُولٍ إفريقيَّهْ ...
3
إنّي قِدّيسُ الكَلماتِ ..
وشَيْخُ الطُرُقِ الصُوفيَّهْ ..
وأنا أَغْسِلُ بالمُوسيقَى وَجْهَ المُدُنِ الحَجَريَّهْ
وأنا الرائي .. والمُسْتَكْشِفُ ..
والمسكونُ بنارِ الشِعْر الأبديَّهْ .
كنتُ كمُوسى ..
أَزْرَعُ فوق مياهِ البَحر الأحْمَرِ وَرْداً
كنتُ مَسيحاً قبلَ مجيءِ النَصْرَانِيَّهْ .
كلُّ امْرَأَةٍ أُمْسِكُ يَدَهَا ..
4
كانَ هُنالِكَ .. ألفُ امرأَةٍ في تاريخي .
إلا أنّي لم أَتزوَّجْ بين نساءِ العَالمِ
إلا الحُرِيَّهْ ...
وأنا الرائي .. والمُسْتَكْشِفُ ..
والمسكونُ بنارِ الشِعْر الأبديَّهْ .
كنتُ كمُوسى ..
أَزْرَعُ فوق مياهِ البَحر الأحْمَرِ وَرْداً
كنتُ مَسيحاً قبلَ مجيءِ النَصْرَانِيَّهْ .
كلُّ امْرَأَةٍ أُمْسِكُ يَدَهَا ..
تُصْبِحُ زَنْبَقَةً مَائيَّهْ ..
4
كانَ هُنالِكَ .. ألفُ امرأَةٍ في تاريخي .
إلا أنّي لم أَتزوَّجْ بين نساءِ العَالمِ
إلا الحُرِيَّهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تَفَرُّد
تَفَرُّد
رقم القصيدة : 68869
-----------------------------------
ما تَتَلْمَذْتُ على شِعْرِ المَعَريِّ ،
ولم أقرأْ تعاليمَ سُليمانَ الحكيمِ
إنَّني في الشِعْرِ لا آباءَ لي .
فلقد أَلقيتُ آبائي جميعاً في الجحيمِ
من هو الشاعرُ ، يا سيِّدتي ؟
إنْ مَشَى فوق الصراطِ المُسْتَقِيمِ ؟ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لم أُخَطِّطْ
لم أُخَطِّطْ
رقم القصيدة : 68870
-----------------------------------
لَمْ أُخَطِّطْ أَبداً .. كي أدخلَ العِشْقَ ،
فتاريخي النِسائيُّ ..
قَضَاءٌ وَقَدَرْ .
كم تَفَاجأتُ بحُبِّ امرأةٍ
جَعَلَتْني وردةً ..
بعدما كنتُ حَجَرْ .(55/71)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حزبُ المَطَرْ
حزبُ المَطَرْ
رقم القصيدة : 68871
-----------------------------------
أنا لا أسكنُ في أيِّ مكانٍ
إِنَّ عنواني هو اللا منتظرْ ..
مُبْحراً كالسَمَكِ الوَحْشِيِّ في هذا المَدَى
في دمي نارٌ .. وفي عَيْني شَرَرْ
ذاهباً أبحثُ عن حُرّيةِ الرِيحِ ،
التي يُتْقِنُها كلُّ الغَجَرْ ..
راكضاً خَلْفَ غَمَامٍ أخْضَرٍ
شارباً بالعين آلافَ الصُوَرْ
ذاهباً .. حتَّى نهاياتِ السَفَرْ ..
*
مُبْحِراً .. نحو فَضَاءٍ آخَرٍ
نافضاً عنِّي غُبَاري
ناسياً إِسْمي ..
وأَسْماءَ النَبَاتَاتِ ..
وتاريخَ الشَجَرْ ..
هارباً من هذه الشَمْسِ التي تجلُدُني
بكرابيج الضَجَرْ ..
هارباً من مُدُنٍ نامتْ قُرُوناً
تحت أقدامِ القَمَرْ ..
تاركاً خلفي عُيُوناً من زُجَاجٍ
وسماءٍ من حَجَرْ ..
ومَضَافَاتِ تميمٍ ومُضَرْ ..
*
لا تقولي : عُدْ إلى الشَّمس .. فإِنِّي
أَنتمي الآنَ إلى حِزْبِ المَطَرْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حُلُمٌ قوميّ
حُلُمٌ قوميّ
رقم القصيدة : 68872
-----------------------------------
ما زلتُ برَغْم صِرَاعِ الإِخْوَةِ
أَخْتَرِعُ الأَحلامْ
وأقولُ بأَنَّ اللّهَ ..
سيجمعُ يوماً ما بينَ الأرْحَامْ
جَسَدي يشتاقُ إلى بغدادَ
وقلبي عند نساءِ الشَامْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وَجْهُكِ مثلُ مطلع القصيدة
وَجْهُكِ مثلُ مطلع القصيدة
رقم القصيدة : 68873
-----------------------------------
وَجْهُكِ .. مثلُ مَطْلَعِ القصِيدَهْ
يَسْحَبُني ..
يَسْحَبُني ..
كأَنَّني شِرَاعْ
ليلاً ، إلى شواطئِ الإِيقاعْ .
يَفْتَحُ لي ، أُفْقَاً من العَقيقْ
ولَحْظَةَ الإِبْداعْ
وجْهُكِ .. وجهٌ مُدْهِشٌ
وَلَوْحَةٌ مَائيَّةٌ
ورِحلَةٌ من أبْدَعِ الرِحْلاتِ
بينَ الآسِ .. والنَعْنَاعْ ..
*
وجْهُكِ ..
هذا الدفترُ المفتوحُ ، ما أَجْمَلَهُ
حينَ أراهُ ساعةَ الصَبَاحْ(55/72)
يحملُ لي القَهْوةَ في بَسْمَتِهِ
وحُمْرةَ التُفَّاحْ ...
وجْهُكِ .. يَسْتَدْرِجُني
لآخِرِ الشِعْرِ الذي أَعرفُهُ
وآخِرِ الكَلامْ ..
وآخِرِ الوَرْد الدِمَشْقِيِّ الذي أُحبُّهُ
وآخِرِ الحَمَامْ ...
*
وجْهُكِ يا سيِّدتي .
بَحْرٌ من الرُمُوزِ ، والأسئلةِ الجديدَهْ
فهل أعودُ سالماً ؟
والريحُ تَسْتَفِزُّني
والموجُ يَسْتَفِزُّني
والعِشْقُ يَسْتَفِزُّني
ورِحْلتي بعيدَهْ ..
*
وَجْهُكِ يا سيِّدتي .
رسالةٌ رائعةٌ
قَدْ كُتِبَتْ ..
ولم تَصِلْ ، بَعْدُ ، إلى السَمَاءْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وَطَنٌ بالإِيجَارْ
وَطَنٌ بالإِيجَارْ
رقم القصيدة : 68874
-----------------------------------
1
كُلَّ نَهَارٍ ،
أَجلِسُ عند صديقي الإِيطاليِّ (رُوبِرْتُو)
كُلَّ نَهَارْ .
أَحْمِلُ تخطيطاتِ الشِعْرِ ،
وآكُلُها بَدَلَ الإِفْطَارْ ...
صارَ (رُوبِرْتُو) يعرفُ وجهي
صارَ يقيسُ مساحةَ حُزْني بالأَمتارْ ..
2
كُلَّ نَهارٍ ،
أمشي فوقَ الوَرَقِ اليابسِ ،
كُلَّ نَهَارْ .
أَتَحَدَّثُ في لغةِ الأَعشابِ ،
وأَفْهَمُ إِحْسَاسَ الأَشجارْ
كُلَّ نَهارٍ ،
أَصْنَعُ أملاً من ألوانِ الطَيْفِ ،
وأَصْنَع شَعْباً من أزهارْ ...
كُلَّ نَهَارٍ ،
أَنوِي فيهِ رُكُوبَ البَحْرِ ..
تَقُولُ الشُرْطَةُ : لا إِبحَارْ
كُلَّ نَهَارٍ ،
أَبني وطَناً أَسكنُ فيهِ
فتجرفُهُ الأمطارْ ...
*
3
كُلَّ نَهارٍ ،
أَلبسُ ذاتَ المِعْطَفِ ،
أَقْطَعُ ذاتَ الشارِعِ ،
أُشْغِلُ ذاتَ المقعدِ ،
أَطلبُ ذاتَ القَهْوَةِ ،
أَشْري صُحُفاً من بُلْدَان الشَرْقِ الأَوسطِ
لا أَتحمَّسُ كي أفْتَحَها
فالأخبارُ هيَ الأَخبارْ
في القرنِ الأَوَّلِ .. أو في القرنِ العاشرِ ..
الأَخبارُ هِيَ الأَخبارْ ..
4
كُلَّ نَهارٍ ،
أجلسُ عند صديقي الإِيطاليِّ (روبِرْتو)
كلَّ نهارْ.
أَطلُبُ قَدَحاً من كونياك فَرَنْسَا
أبلعُهُ سَيْفاً من نارْ
أكتُبُ فوق الفُوطَةِ شِعْراً(55/73)
تبكي منهُ فَتَاةُ البَارْ ...
5
كُلَّ نَهَارٍ ،
تجلسُ فوقَ سريري امْرأَةٌ
تخطُفُها مِنِّي الأَقدَارْ
كلُّ امرَأَةٍ تحملُ طفلاً منّي
يَضْرِبُهَا الإِعْصَارْ
كلَّ نَهَارٍ ،
أكتُبُ للحريَّةِ شِعْراً
يمنعُهُ حتَّى الأَحرارْ ...
6
يا سيِّدتي :
إِنَّ النَمْلَةَ تملِكُ وَطَناً .
إِنَّ الدُودَةَ تَمْلِكُ وطَناً .
إِنَّ الضِفْدَعَ يَمْلِكُ وَطَناً .
إِنَّ الفَأَرَةَ تَمْلِكُ وَطَناً .
إِنَّ الأَرْنَبَ يَمْلِكُ وَطَناً .
والسِحْلِيَّةَ ، والصَرْصَارْ .
وأَنَا مَا مَلَّكَني أَحَدٌ وطناً
ولِذا ، أَسكنُ يا سيِّدتي
وَطَناً بالإِيجَارْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كتاباتٌ على جُدرَانِ المَنْفَى
كتاباتٌ على جُدرَانِ المَنْفَى
رقم القصيدة : 68875
-----------------------------------
1
يا سيِّدتي :
كيفَ أًصوِّرُ هذا العصرَ اللامَعْقُولَ ،
نسيتُ الوَصْفَا .
كنتُ أَظنُّ الكِلْمَةَ بيتي
فإذا بِهِمُ .. سرقُوا البابَ ..
وسرقوا السَقْفَا ..
سَرَقُوا الوَرَقَ الأبيضَ منَّا ،
سَرَقُوا الحَرْفَا .
ماذا نأكُلُ ؟
ماذا نشربُ ؟
كيفَ نُعبِّرُ عن أَنْفُسِنَا ؟
إِنَّا نأْكُلُ ـ يا سيِّدتي ـ قَمْعاً
إِنَّا نَشْرَبُ ـ يا سيِّدتي ـ خَوْفَا
أين سنذهَبُ يا سيِّدتي ؟
إِنَّ عبورَ الشارعِ خَطَرٌ .
إِنَّ ركوبَ المِصْعَد خَطَرٌ .
والسيَّارةُ خَطَرٌ .
والدَّراجَةُ خَطَرٌ .
والطَّيارةُ خَطَرٌ .
ليس هناكَ مكانٌ
يجلسُ فيهِ الكاتِبُ ،
ليسَ هنالكَ مَقْهَى ..
نِصْفُ الجملة في الجبَّانةِ ..
نِصْفُ الفِكْرة في المُسْتَشْفَى ...
2
يا سيِّدتي :
ماذا يبقى من إِنْجِيلِ الثَوْرَةِ ،
حينَ تُقرِّرُ قَتْلَ مُغَنِّيها ؟
ماذا يبقى مِنْ كَلِماتِ الثَورَةِ ،
حينَ ستَمْضَغُ أكبادَ بَنِيها ؟
ماذَا يَبْقَى ؟
حينَ تخافُ الدولةُ من رائحةِ الوردِ ،
فَتُحْرقُ كلَّ مَرَاعِيها ..
ماذا يَبْقَى من فَلْسَفَةِ الثَوْرَةِ ،(55/74)
حين تخافُ طلوعَ الشَمْسِ ،
وتَنْتُفُ ريشَ كَنَاريها ؟.
مَاذا يَبْقَى ؟
مَاذا يَبْقَى ؟
مَاذَا يَبْقى ؟
حينَ تبولُ الثورةُ فوقَ كَلامِ نَبِيِّيها...
3
يا سيِّدتي :
أطلبُ عَفْوَكِ ..
إِنْ لم أكتبْ في عَيْنَيْكِ قصيدةَ شِعْرٍ
إِنَّ العازِفَ نَسِيَ العَزْفَا .
كيفَ أُحِبّكِ ، يا سيِّدتي ؟
إِنَّ مباحثَ أَمْنِ الدولةِ ،
تُلْقي القَبْضَ على الأَحلامِ ..
وتُرْسِلُ أهلَ العِشْقِ إلى المَنْفَى ..
4
يا سيِّدتي .. يا سيِّدتي
كنتُ قديماً أَقرأُ جِسْمَكِ
سَطْراً سَطْراً ..
حَرْفاً حرْفا ..
كنتُ قديماً أُشْعِلُ في نِهْدَيكِ النارَ ..
وأزرعُ بينهما سَيْفَا ..
أَمَّا اليومَ .. فأَصْبَحَ شَكْلُ النَهْدِ ،
يُشَابِهُ أسوارَ المَنْفَى ..
يا سيِّدتي . يا لُؤلُؤتي . يا واحِدَتي .
كيفَ أُمارسُ فِعْلَ الحُبِّ ..
وطَعْمُ الجِنْسِ لهُ طَعْمُ المَنْفَى ؟؟
5
يا سيِّدتي :
كيفَ أُقاومُ هذا العَصْرَ المَمْلُوكيَّ ،
وهذا الحِقْدَ النيرُونيَّ ،
وهذا القَتْلَ المَجَّانِيَّ ،
وهذا العُنْفَا ؟
كيفَ سأُوقفُ هذا المدَّ اللاقوميَّ ،
وهذا الفكرَ التجزيئيَّ ،
وهذا المَطَرَ الكبريتيَّ ،
وهذا النَزفَا ؟
كيف نُعبِّرُ عن مأزِقِنَا ؟
كيف نُعبِّرُ عمَّا يُكْسَرُ في داخِلِنَا ؟
كيفَ سنتلو آيَ الذِكْرِ على جُثَّتِنا ؟
إِنَّ مباحثَ أَمْنِ الدولةِ تطلبُ منَّا
أَنْ لا نَضْحَكَ ..
أَنْ لا نَبكيَ ..
أَنْ لا ننطُقَ ..
أَنْ لا نَعْشَقَ ..
أَنْ لا نلمِسَ كفَّ امرَأَةٍ ..
أَنْ لا نُنْجِبَ ولداً ..
أَنْ لا نُرْسِلَ أَيَّ خِطابٍ
أَنْ لا نَقْرَأَ أَيَّ كتابٍ
إِلا عنْ أَحْوَالِ الطَقْسِ ، وإِلا عَنْ أَسرَارِ الطَبْخِ
فتلكَ قَوَانينُ المَنْفَى ...
6
يا سيِّدتي :
ماذا أفعلُ لو جاءَتْني أُمِّي في الأَحْلامْ ؟
مَاذا أَفْعلُ لو ناداني فُلُّ دِمشْقَ ..
وعاتَبَني تُفَّاحُ الشَامْ ؟
ماذا أَفْعَلُ لو عَاوَدَني طَيْفُ أَبي ؟(55/75)
فالتجأَ القَلْبُ إِلى عَيْنَيْهِ الزَرْقَاوَيْنِ ..
كسِرْب حَمَامْ ..
يا سيِّدتي :
كيفَ أقولُكِ شِعْراً ؟
كيفَ أقولُكِ نَثْراً ؟
كيف أقولُكِ ، يا سيِّدتي ، دُونَ كلامْ ؟
7
يا سيِّدتي :
كيفَ أُبَشِّرُ بالحُريَّة ..
حينَ الشمسُ تواجهُ حكماً بالإِعدَامْ ؟
كيفَ سآكُلُ من غير طَعَامْ ؟
يا سيِّدتي :
إِنِّي رَجُلٌ لم يَتَخَرَّجُ من بَارَات السُلْطَةِ ،
في أَحَدِ الأَيَّامْ ...
أَو أشْغلتُ وظيفةَ قِرْدٍ ..
بينَ قُرُودِ وزاراتِ الإِعلامْ !!
يا سيِّدتي :
إِنِّي رجلٌ لا أَتَوارَى خَلْفَ حُرُوفي
أو أتخبَّأُ تحتَ عَبَاءةِ أيّ إِمَامْ ..
يا سيِّدتي : لا تَهْتَمِّي .
فأنا أعرفُ كيفَ أكونُ كبيراً ..
في عَصْر الأَقزامْ ...
*
8
يا سيِّدتي : لا تَهتَمّي
سوفَ أَظلُّ أُحِبُّكِ ..
حتَّى أَفْتَحَ نَفَقَاً تحتَ البَحرِ ..
وأثقبَ حيطانَ المَنْفى .
لا تَهْتَمِّي ..
لا تَهْتَمِّي ..
لا تَهْتَمِّي ..
إِنَّ المَنْفَى في غاباتِ الكُحْلِ الأَسْوَدِ
ليسَ بمنْفَى ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لكَيْ أُقِيمَ دولةَ الإِنسانْ
لكَيْ أُقِيمَ دولةَ الإِنسانْ
رقم القصيدة : 68876
-----------------------------------
لا تَسْأَليني من أنا؟
وما الَّذي أَفعلُهُ
كي أَتحدَّى الموتَ والزَمَانْ
أنا الذي أسْقَطْتُ ألفَ دولةٍ ودولةٍ
لكيْ أُقيمَ دَوْلَةَ الإِنْسَانْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المُشْكِلة
المُشْكِلة
رقم القصيدة : 68877
-----------------------------------
يا سَائلي عن حاجتي
الحمدُ لله على الصحَّة والرغيفْ
وما تقولُ الصُحُفُ اليوميَّهْ ..
عندي صغارٌ يملأون البيتْ
وزوجةٌ وَفيَّهْ .
وفي الخوابي حنطةٌ وزيتْ .
لكنّما مُشْكلتي ..
ليستْ مع الخبز الذي آكُلُهُ
ولا مع الماء الذي أشربُهُ
مُشكلتي الأُولى هي الحُريَّهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> خَبَرٌ ثقافيّ
خَبَرٌ ثقافيّ(55/76)
رقم القصيدة : 68878
-----------------------------------
هذا بلاغٌ من بَلاط صاحب الجلالَهْ :
الأَخْضَرِ اليَدَيْنِ .. والمكْتَملِ الصفاتِ .. والمُبَجَّلِ الأَلْقَابْ ..
تَحَسُّسَاً مِن مَلِكِ الملوكْ
بحاجة الشعب إلى العَدالَهْ ..
والخُبْز .. والثيابْ ..
فقد رَسَمْنَا ما يلي :
يُطْلَبُ من وزارة التجارَهْ
أن تمنعَ استيرادَ أيَّما كتابْ
وتُقْنِعَ التُجَّارَ أن يستورِدُوا النِخَالَهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> سُلالات
سُلالات
رقم القصيدة : 68879
-----------------------------------
مِنْ سُلالاتِ العَصَافِيرِ .. أنا
لا سُلالاتِ الشَجَرْ
وشَرَاييني امتدادٌ لشَرَايينِ القَمَرْ
إنَّني أخزِنُ كالأسماكِ في عَيْنَيَّ
ألوانَ الصواري ،
ومواقيتَ السَفَرْ .
أنا لا أُشْبِهُ إلا صُورَتي
فلماذا شَبَّهُوني بعُمَرْ ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كانَ الشاعرُ
كانَ الشاعرُ
رقم القصيدة : 68880
-----------------------------------
كانَ الشاعرُ يأكلُ من أوراقِ الوَرْدِ ،
وكانَ ينامُ بأحضانِ الصَفْصَافْ
ثُمَّ أَتَى عَصْرٌ عربيٌّ
صارَ الشاعرُ فيهِ ،
ينامُ بأَحضانِ السَيَّافْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> اللغةُ المستحيلة
اللغةُ المستحيلة
رقم القصيدة : 68881
-----------------------------------
الكاتبُ في وطني
يتكلَّمُ كلَّ لُغَاتِ العالمِ ،
إلا العَرَبِيَّهْ ..
فلدينا لغةٌ مُرْعِبَةٌ
قد سَدُّوا فيها كلَّ ثُقُوبِ الحُريَّهْ !!
اللغةُ المستحيلة
الكاتبُ في وطني
يتكلَّمُ كلَّ لُغَاتِ العالمِ ،
إلا العَرَبِيَّهْ ..
فلدينا لغةٌ مُرْعِبَةٌ
قد سَدُّوا فيها كلَّ ثُقُوبِ الحُريَّهْ !!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلا الكَلِمَهْ
إلا الكَلِمَهْ
رقم القصيدة : 68882
-----------------------------------
ليسَ هنالكَ حَلٌّ آخَرُ ،
إلا الكَلِمَهْ ..(55/77)
ليسَ هنالكَ ثَدْيٌ آخرُ قد أَرْضَعَني
إِلا الكَلِمَهْ ..
ليسَ هنالكَ وَطَنٌ آخرُ قد آواني
إِلا الكَلِمَهْ ..
ليسَ هنالكَ في تاريخي .. امرأَةٌ أُخرى
إِلا الكَلِمَهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الخَطُّ الأَحْمَر
الخَطُّ الأَحْمَر
رقم القصيدة : 68883
-----------------------------------
خلالَ خمسينَ سَنَهْ
عرفتُ أَلفَ امْرَأَةٍ .. وامْرأَةٍ ..
وأَلفَ جسْمٍ رائعٍ
وألفَ نَهْدٍ نافِرٍ ..
لكِنَّني ..
لم أَخْلُطِ النساءَ بالدَفَاتِرِ
والحِبْرَ بالضفائِر
ورنَّةَ القوافي
برنَّةِ الأقراطِ والأَسَاوِرِ
فَثَمَ خَطٌّ أَحمرٌ رَسَمْتُهُ
بين العَشِيقَاتِ .. وبين الشَاعرِ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تَشَبُّث
تَشَبُّث
رقم القصيدة : 68884
-----------------------------------
ليس في وُسْعِكِ ، يا سيِّدتي ، أَن تُصْلِحيني ..
فلقد فاتَ القِطَارْ ..
إنَّني قرَّرتُ أن أدخُلَ في حربٍ مع القُبْح ،
ولا رَجْعَةَ عن هذا القَرَارْ .
فإذا لم أستطعْ إيقافَ جيش الرُومِ ،
أَوْ زَحْفِ التتارْ .
وإذا لم أَستطعْ أن أَقتلَ الوَحْشَ .. فحسبي
أَنَّني أَحْدَثْتُ ثُقْباً في الجدارْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كأَنَّني شِرَاعْ
كأَنَّني شِرَاعْ
رقم القصيدة : 68885
-----------------------------------
ليلاً ، إلى شواطئِ الإِيقاعْ .
يَفْتَحُ لي ، أُفْقَاً من العَقيقْ
ولَحْظَةَ الإِبْداعْ
وجْهُكِ .. وجهٌ مُدْهِشٌ
وَلَوْحَةٌ مَائيَّةٌ
ورِحلَةٌ من أبْدَعِ الرِحْلاتِ
بينَ الآسِ .. والنَعْنَاعْ ..
*
وجْهُكِ ..
هذا الدفترُ المفتوحُ ، ما أَجْمَلَهُ
حينَ أراهُ ساعةَ الصَبَاحْ
يحملُ لي القَهْوةَ في بَسْمَتِهِ
وحُمْرةَ التُفَّاحْ ...
وجْهُكِ .. يَسْتَدْرِجُني
لآخِرِ الشِعْرِ الذي أَعرفُهُ
وآخِرِ الكَلامْ ..
وآخِرِ الوَرْد الدِمَشْقِيِّ الذي أُحبُّهُ
وآخِرِ الحَمَامْ ...
*
وجْهُكِ يا سيِّدتي .(55/78)
بَحْرٌ من الرُمُوزِ ، والأسئلةِ الجديدَهْ
فهل أعودُ سالماً ؟
والريحُ تَسْتَفِزُّني
والموجُ يَسْتَفِزُّني
والعِشْقُ يَسْتَفِزُّني
ورِحْلتي بعيدَهْ ..
*
وَجْهُكِ يا سيِّدتي .
رسالةٌ رائعةٌ
قَدْ كُتِبَتْ ..
ولم تَصِلْ ، بَعْدُ ، إلى السَمَاءْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وهذا العُنْفَا ؟
وهذا العُنْفَا ؟
رقم القصيدة : 68886
-----------------------------------
كيفَ سأُوقفُ هذا المدَّ اللاقوميَّ ،
وهذا الفكرَ التجزيئيَّ ،
وهذا المَطَرَ الكبريتيَّ ،
وهذا النَزفَا ؟
كيف نُعبِّرُ عن مأزِقِنَا ؟
كيف نُعبِّرُ عمَّا يُكْسَرُ في داخِلِنَا ؟
كيفَ سنتلو آيَ الذِكْرِ على جُثَّتِنا ؟
إِنَّ مباحثَ أَمْنِ الدولةِ تطلبُ منَّا
أَنْ لا نَضْحَكَ ..
أَنْ لا نَبكيَ ..
أَنْ لا ننطُقَ ..
أَنْ لا نَعْشَقَ ..
أَنْ لا نلمِسَ كفَّ امرَأَةٍ ..
أَنْ لا نُنْجِبَ ولداً ..
أَنْ لا نُرْسِلَ أَيَّ خِطابٍ
أَنْ لا نَقْرَأَ أَيَّ كتابٍ
إِلا عنْ أَحْوَالِ الطَقْسِ ، وإِلا عَنْ أَسرَارِ الطَبْخِ
فتلكَ قَوَانينُ المَنْفَى ...
يا سيِّدتي :
ماذا أفعلُ لو جاءَتْني أُمِّي في الأَحْلامْ ؟
مَاذا أَفْعلُ لو ناداني فُلُّ دِمشْقَ ..
وعاتَبَني تُفَّاحُ الشَامْ ؟
ماذا أَفْعَلُ لو عَاوَدَني طَيْفُ أَبي ؟
فالتجأَ القَلْبُ إِلى عَيْنَيْهِ الزَرْقَاوَيْنِ ..
كسِرْب حَمَامْ ..
يا سيِّدتي :
كيفَ أقولُكِ شِعْراً ؟
كيفَ أقولُكِ نَثْراً ؟
كيف أقولُكِ ، يا سيِّدتي ، دُونَ كلامْ ؟
7
كيفَ أُبَشِّرُ بالحُريَّة ..
حينَ الشمسُ تواجهُ حكماً بالإِعدَامْ ؟
كيفَ سآكُلُ من غير طَعَامْ ؟
يا سيِّدتي :
إِنِّي رَجُلٌ لم يَتَخَرَّجُ من بَارَات السُلْطَةِ ،
في أَحَدِ الأَيَّامْ ...
أَو أشْغلتُ وظيفةَ قِرْدٍ ..
بينَ قُرُودِ وزاراتِ الإِعلامْ !!
يا سيِّدتي :
إِنِّي رجلٌ لا أَتَوارَى خَلْفَ حُرُوفي
أو أتخبَّأُ تحتَ عَبَاءةِ أيّ إِمَامْ ..(55/79)
يا سيِّدتي : لا تَهْتَمِّي .
فأنا أعرفُ كيفَ أكونُ كبيراً ..
في عَصْر الأَقزامْ ...
*
8
يا سيِّدتي : لا تَهتَمّي
حتَّى أَفْتَحَ نَفَقَاً تحتَ البَحرِ ..
وأثقبَ حيطانَ المَنْفى .
لا تَهْتَمِّي ..
لا تَهْتَمِّي ..
لا تَهْتَمِّي ..
إِنَّ المَنْفَى في غاباتِ الكُحْلِ الأَسْوَدِ
ليسَ بمنْفَى ...
لا تَهْتَمِّي ..
إِنَّ المَنْفَى في غاباتِ الكُحْلِ الأَسْوَدِ
ليسَ بمنْفَى ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مَنْ عَلَّمني حُبَّاً .. كُنْتُ له عَبْدَا
مَنْ عَلَّمني حُبَّاً .. كُنْتُ له عَبْدَا
رقم القصيدة : 68887
-----------------------------------
1
مَن علَّمني
كيفَ أُقَشِّرُ كالتُفَّاحةِ قلبي
حتَّى تأكُلَ منهُ نساءُ الأرضِ جميعاً
كنتُ له عَبْدَا...
2
مَنْ عَلَّمني
كيفَ أُؤسِّسُ وطناً
يُشْبِهُ شَكْلَ القلبِ ،
وشَكْلَ الشِرْيَانِ التاجيِّ ،
وشَكْلَ العُصْفُورِ الدُوريِّ ،
وشَكْلَ التُفَاحِ الشامِيِّ ،
لكنتُ لهُ أيضاً عَبْدَا ...
3
مَنْ عَلَّمني
كَيفَ أُحِبُّ امرأَةً حتَّى حَدِّ الهَذَيَانِ
مَنْ عَلَّمني
كيفَ بوُسْع امرأةٍ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَنْ تتحرَّكَ مثلَ السَمَكِ الأحمرِ داخلَ شِرْيَاني
مَنْ عَلَّمني
كيفَ بوُسْع امرأةٍ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَنْ تخترعَ الشِعْرَ
وتَرْسُمَ شَكْلَ الأَزْمَانِ ..
مَنْ عَلَّمني
كيفَ تصيرُ امرأَةٌ ـ دُونَ سِوَاها ـ
أَقوى نَوْعٍ من أنواعِ الإِدْمَانِ
مَنْ عَلَّمني ما لا أَعْلَمُ
كنتُ له دوماً عَبْدَا ..
4
مَنْ علَمني
أَوَّلَ دَرْسٍ في أحوالِ الوَجْدْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أُواصِلُ عِشْقي
منذُ المَهْدِ .. وحتَّى اللَّحدْ ..
مَنْ عَلَّمني
أَنْ أَسْتَخْرِجَ ذَهَباً مِن أَوْدِيَة النَهْدْ
مِنْ عَلَّمني أَنَّ حبيبي
نَوعٌ من أَعشابِ البحرِ ،
وفَرْعٌ من عائلةِ الوَردْ
مَنْ سَمَّاني مَلِكاً في تاريخ العِشْقِ ،
فقد أعطاني كلَّ المجدْ
مَنْ ثَقَّفني ..(55/80)
مَنْ شَرَّفَني بهوى امرأةٍ
كنتُ لهُ دوماً عَبْدَا ...
5
مَنْ علَّمني
كيفَ أقولُ كلاماً يُشْبِهُ رائحةَ الحِنْطَهْ
أو يُشْبِهُ لونَ الخُبْز الطالعِ من عند الفَرَّانْ
مَنْ علَّمني
أَنْ أَتزَوَّج هذا الشَعْبَ ،
وأَرفُضَ أَيَّ زواجٍ بالسُلْطَهْ
وعُقُودَ اللُؤلُؤِ والمَرْجَانْ ..
مَن عَلَّمني
كيفَ أُواجهُ بالأزهارِ ، وبِالأَشعارِ ،
هَرَواتِ الشُرْطَهْ
مَنْ عَلَّمني
أَنْ لا أعملَ سائسَ خيلٍ عند الوالي
أو جاريةً ترقُصُ في حَفَلات (البابِ العالي)
مَنْ علَّمني
أَنْ لا أحنيَ قامةَ شِعْري
كنتُ لهُ دوماً عَبْدَا ..
6
مَنْ علَّمني
كيفَ أُغَيِّرُ .. كيفَ أُدَمِّرُ ..
كيفَ أُكَنِّسُ هذا القُبْحَ ،
وأَزْرَعُ في الأرض الرَيْحَانْ
مَنْ علَّمني
كيفَ سأُنْقِذُ هذا المركبَ ،
من أَنواءِ البَحْرِ ،
وأسنانِ الجُرْذَانْ
من أعطاني عُودَ ثِقَابٍ
حتَّى أُحرقَ كلَّ أكاذيبِ التاريخ ،
لكنتُ لهُ دوماً عَبْدَا ..
7
مَنْ عَلَّمني
أَنْ أَنْقضَّ على الأَشياءِ
وأَرْفعَ راياتِ العِصْيَانْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أُسافرُ ضدَّ الموجِ .. وضدَّ الريحِ ..
وأُشعلُ في البحر النيرانْ
مَنْ عَلَّمني
كيفَ تكونُ الكِلْمةُ سَيْفاً
في وجهِ السُلْطانْ
من أهداني سِفْرَ الثورةِ ،
كنتُ له دوماً عَبْدَا ..
8
مَنْ علَّمني
كيفَ أَموتُ على أوراقي
حتَّى ينتصرَ الإِنسانْ .
مَن علَّمني
كيفَ أُكَوِّرُ قلبي مثلَ رغيفِ الخبز ،
لكي أُطعِمَهُ للإِنسانْ .
مَنْ علَّمني
كيفَ أُزيلُ الكِلْفَةَ بين كِتَابِ الشِعْرِ ،
وأفواهِ الفُقَراءْ
مَنْ علَّمني
كيفَ أكُونُ بسيطاً
مثلَ العُشْبِ ،
ومثلَ الماءْ ..
مَنْ علَّمني
أَنْ أَستعملَ لغةً
فيها نَزَواتُ الأَطفالِ ..
وفيها إحسَاسُ البُسَطَاءْ ..
مَنْ علَّمني
أَنَّ الشِعْرَ ، رسالةُ حُبٍّ نكتُبُها للناسِ ،
وليسَ هنالكَ شِعْرٌ لا يتوجَّهُ للإنسانْ .
من علَّمني هذي الحِكْمَة في تعريفِ الشِعْرِ ..(55/81)
لكنتُ لهُ دوماً عَبْدَا ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الجنرال يكتبُ مذكّراته
الجنرال يكتبُ مذكّراته
رقم القصيدة : 68888
-----------------------------------
1
قَاتلتُ بالأَسْنَانْ
كي أحملَ الماءَ إلى قبيلتي
وأَجعلَ الصحراءَ بُسْتاناً من الألوانْ
وأَجعلَ الكلامَ مِنْ بَنَفْسَجٍ
وضِحْكَةَ المرأةِ مِنْ بَنَفْسَجٍ
وثَدْيَها .. قِمَّةَ عُنْفُوانْ ...
قاتلتُ بالسَيْفِ وبالقصيدَهْ
كي أحمِلَ الحُبَّ إلى مدينتي .
وأَغْسِلَ القُبْحَ عن الوُجُوه والجُدْرَانْ
وأَجْعَلَ العَصْرَ أَقَلَّ قَسْوَةً
وأَجعَلَ البحرَ أشدَّ زُرْقَةً
وأجعلَ الناسَ ينامونَ
على شَراشفِ الحَنَانْ ..
3
كَيْ أُشعلَ النيرانَ في ذاكرتي
وفي ثياب مَنْ تَبقَّى من بني عُثْمَانْ .
وأُقفَ الذُكُورَ عن إرهَابهمْ
وأُنقذ النِسَاءَ من أقبية السُلطَانْ
حَفِظتُ للكِلمةِ كبرياءَهَا
ولم أُسَافِرْ مرَّةً واحدةً
لأَمْدَحَ المأمُونَ ..
أو لأمْدَحَ الخليفةَ النُعْمَانْ ...
4
قَاتلتُ خمسينَ سَنَهْ
ودولةَ الإِنسانْ .
لكنَّني اكتشفْتُ أَنَّ ما كتبتُهُ
ليس سوى حَفْرٍ على الصَوَّّانْ ..
5
... وها أنا ، مِنْ بعد خمسينَ سَنَهْ
تأكُلُني الأحزانْ
قد تَرَكُوني خَلْفَهُمْ ،
وفضَّلوا عبادَة الشيطَانْ ...
تأكُلُني الأحزانْ
لأَنَ مَنْ حاولتُ أَنْ أَجْعَلَهُمْ آلِهَةً ،
قد تَرَكُوني خَلْفَهُمْ ،
وفضَّلوا عبادَة الشيطَانْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حوارٌ مع امرأةٍ غيرِ مُلْتَزِمَة
حوارٌ مع امرأةٍ غيرِ مُلْتَزِمَة
رقم القصيدة : 68889
-----------------------------------
1
غَيِّري الموضوعَ يا سيِّدتي .
ليسَ عندي الوقتُ والأَعصابُ
كي أمضيَ في هذا الحِوَارْ ..
إِنَّني في ورطةٍ كُبْرَى مع الدُنيا ،
وإحساسي بِعَيْنَيْكِ كإحساسِ الجدارْ ...
قَهْوَتي فيها غُبَارٌ .
لُغَتي فيها غُبَارٌ .
شَهْوتي للحُبِّ يكسُوها الغُبَارْ ..(55/82)
أنا آتٍ من زَمَان الوَجَعِ القوميِّ
آتٍ مِنْ زمانِ القُبْحِ ،
آتٍ مِنْ زَمَانِ الإِنكسَارْ .
إِنَّني أكتُبُ مثلَ الطائِرِ المَذْعُورِ ،
ما بينَ انفجارٍ .. وانفجارْ ..
هل تظنّينَ بأَنَّا وَحْدَنا ؟
إِنَّ هذا الوطنَ المَذْبُوحَ يا سيِّدتي
واقفٌ خَلْفَ السِتَارْ .
فاشْرَحي لي :
كيفَ أَسْتَنْشِقُ عِطْرَ امرأَةٍ ؟
وأَنا تحتَ الدَمَارْ .
إِشْرَحي لي :
كيفَ آتيكِ بوردٍ أحمر ؟
بعدَ أَنْ ماتَ زَمَانُ الجُلَّنارْ ..
2
غَيِّري الموضوعَ ، يا سيِّدتي .
غَيِّري هذا الحديثَ اللا أُباليَّ ..
فما يقتُلُني إِلا الغَبَاءْ .
سَقَطَ العالمُ من حولكِ أجزاءً ..
وما زلتِ تُعيدينَ مَوَاويلَكِ مثلَ البَبَغَاءْ .
سَقَطَ التاريخُ . والإِنسانُ . والعقلُ ..
وما زلتِ تظنّينَ بأنَّ الشَمسَ
قد تُشرقُ من ثوبٍ جميلٍ
أَو حِذَاءْ ..
3
أَجِّلي الحُلْمَ لوقتٍ آخَرٍ ..
فأنا مُنْكَسِرٌ في داخلي مثلَ الإِنَاءْ .
أَجِّلي الشِعْرَ لوقتٍ آخَرٍ ..
ليسَ عندي من قُمَاشِ الشِعْرِ
ما يَكْفي لإِرضَاءِ ملايينِ النِسَاءْ ..
أَجِّلي الحُبَّ ليومٍ أو ليومَيْنِ ..
لشَهْرٍ أَو لشَهْرَيْنِ ..
لعامٍ أَو لِعامَيْنِ ..
فَلَنْ تَنْخَسِفَ الأَرْضُ ،
ولَنْ تنهارَ أبراجُ السَمَاءْ ..
هَلْ مِنَ السَهْل احتضانُ امرأَةٍ؟
عندما الغُرْفَةُ تكتظُّ بأجسادِ الضَحَايا
وعُيُونِ الفُقَرَاءْ ؟
4
إِقْلِبي الصَفْحَةَ يا سيِّدتي
علَّني أَعثرُ في أوراقِ عَيْنَيْكِ
على نَصٍّ جديدْ .
إِنَّ مأساةَ حياتي ، رُبّما
هيَ أَنّي دائماً أبحثُ عن نَصٍّ جديدْ ..
5
آهِ .. يا سيِّدتي الكَسْلَى
التي ليسَتْ لديها مُشْكِلَهْ ..
يا التي ترتَشِفُ القَهْوَةَ ..
من خَلْف السُتُور المُقْفَلَهْ .
حاولي .
أَنْ تطرحي يوماً من الأيام بعضَ الأَسْئِلَهْ .
حاولي أَنْ تعرفي الحُزْنَ الَّذي يَذْبَحُني حتَّى الوريدْ ..
حَاولي .. أَنْ تَدْخُلي العصرَ معي .
حَاولي أَنْ تصرَخي ..(55/83)
أَنْ تغضَبي ..
أَنْ تَكْفُري ..
حاولي .. أَنْ تقلعي أَعْمدَةَ الأرضِ معي .
حاولي أَنْ تَفْعَلي شيئاً
لكي نخرجَ من تحت الجليدْ ...
6
غَيِّري صَوْتَكِ ..
أَوْ عُمْرَكِ ..
أَوْ إِسْمَكِ .. يا سيِّدتي
لا تكُوني امْرَأَةً مخزونةً في الذاكِرَهْ
وَادْخُلي سَيْفاً دمشقيّاً بلحم الخاصِرَهْ
غَيِّري جِلْدَكِ أحياناً ..
لكَيْ يشتعلَ الوردُ ،
وكي يرتفعَ البحرُ ،
وكي يأتي النَشِيدْ ..
7
أُسْكُتي يا شَهْرَزَادْ .
أُسْكُتي يا شَهْرَزَادْ .
أَنتِ في وادٍ .. وأَحزاني بوادْ
فالذي يبحثُ عن قِصَّة حُبٍّ ..
غيرُ من يبحثُ عن موطِنِهِ تحتَ الرَمَادْْ ..
أَنتِ .. ما ضَيَّعتِ ، يا سيِّدتي ، شيئاً كثيراً
وأَنا ضيَّعتُ تاريخاً ..
وأهلاً ..
وبلادْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> اليوميَّاتُ السِرِّيةُ لقصيدةٍ عربيّة
اليوميَّاتُ السِرِّيةُ لقصيدةٍ عربيّة
رقم القصيدة : 68890
-----------------------------------
1
إِذا سَمِعْنَا شاعراً ..
يقرأُ ، في أُمْسِيةٍ شِعْرِيَّةٍ ، أشعارَه
قُلْنَا لهُ : (أَحْسَنْتَ يا مُطْرِبَنا الكبيرْ)..
إِعْقِدْ على خَصْرِكَ شالاً أحمراً ..
وارْقُص لَنَا ،
آخِرَ ما كَتَبْتَ .. يا شاعرَنا الشهيرْ .
أرْقُصْ لنا .. أرقُصْ لَنَا ..
فنحنُ قَوْمٌ لا يرونَ الفَرْقَ
بين دِقَّة الخَصْرِ .. وبينَ دِقَّة التعبيرْ ..
إذا رأينا شاعراً
يَفْتَحُ فوقَ مِنْبَرٍ شِرْيانَهُ
مُبَشّراً بوردة التغييرْ
قُلْنَا لَهُ :
نريدُ أن تُسْمِعَنَا (طَقْطُوقةً) جديدةً
تُنْقِذُنَا من صَحْوَة الضَميرْ
كأنَّما وظيفةُ الشَاعِرِ
أنْ يُخدّرَ العَقْلَ ..
وأَنْ يُعطِّلَ التفكيرْ ..
3
يَنْزِفُ من جناحِهِ كطائِر الكَنَارْ
من أوَّل الليل ، إلى ولادة النَهَارْ
قُلْنَا لَهُ : (ما صَارْ) ..
قُلْنَا لَهُ : (ما صَارْ) ..
لا بُدَّ أن تموتَ فوق أَضْلُع القَيْثَارْ
لا بُدَّ أن تموتَ يا مِهْيَارْ(55/84)
فليسَ في التاريخ من قصيدةٍ عظيمةٍ
لم تَحتَرِقْ بالنارْ ...
4
إذا رأينا شاعراً .
في قاعةٍ ..
تكتظُّ بالسُعَال ، والتصفيقِ ، والصَفيرْ ..
قُلنَا لَهُ :
أَعِدْ .. أَعِدْ ..
يا صاحبَ الحُنْجُرةِ الحريرْ .
أَعِدْ ...
أَعِدْ ...
فما شَبعنَا طَرَباً
في طُقُوس موتِكَ المُثيرْ ..
يا عندليبَ الليلِ ..
يا شاعرَنا الكبيرْ ..
*
5
... ونرفعُ الكُؤوسَ نَخْبَ الشاعرِ الكبيرْ
ونَشْرَبُ الويسكيَّ حتَى الرَمَقِ الأخيرْ
وعندما يَفْرَغُ من وَصْلَتِهِ ..
ونأخُذُ القصيدةَ العَصْمَاءَ للسريرْ ...
... ونرفعُ الكُؤوسَ نَخْبَ الشاعرِ الكبيرْ
ونَشْرَبُ الويسكيَّ حتَى الرَمَقِ الأخيرْ
وعندما يَفْرَغُ من وَصْلَتِهِ ..
نَطْرُدُهُ ..
ونأخُذُ القصيدةَ العَصْمَاءَ للسريرْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> النصائحُ الذهبيَة .. في أدب الكتابة النفْطيَّة
النصائحُ الذهبيَة .. في أدب الكتابة النفْطيَّة
رقم القصيدة : 68891
-----------------------------------
لو شاءَتِ الأقدارُ أن تكونَ كاتباً
يجلسُ تحتَ جُبَّةِ الصَحَافةِ النَفْطِيَّهْ .
فهذه نََصَائحي إليكْ :
1- أُدْخُل إلى مَدْرَسَةٍ تُعَلَِمُ الأُمِيَّهْ .
2- أكْتُبْ بلا أصابعٍ .. وكُنْ بلا قَضيَّهْ .
3- إِمْسَحْ حِذَاءَ الدولةِ العَليَّهْ .
4- إشْطُبْ من القَامُوسِ كِلْمَةَ الحُريَّهْ .
5- لا تتحدَثْ عن شُؤُون الفَقْرِ ، والثورةِ ،
في الشوارعِ الخَلْفِيَّهْ .
6- لا تَنْتَقدْ أجهزةَ القَمْعِ ، ولا تَضَعْ
أنْفَكَ في المسائلِ القوميَّهْ .
7- كُنْ غامضاً .. في كلِّ ما تكتُبُ ،
والزَمْ مبدأَ التقيَّهْ .
8- خَصِّصْ عَمُودَكَ اليوميَّ للأزياءِ ..
والأزهارِ .. والفَضَائحِ الجنسيَّهْ .
9- لا تتذكَّرْ أنبياءَ القُدْسِ .. أو تُرابَها ..
فإنَّها حكايَةٌ مَنْسِيَّهْ .
10- لا تَرثِ بيرُوتَ التي ترمَّلَتْ
فالقتلُ فيها عادةٌ يوميَّهْ .(55/85)
11- لا تتعرَّضْ للسلاطين إذا تَعهَّروا ..
أو قَامَرُوا .. أو تَاجرُوا .. فهذه مسألةٌ شخصيَّهْ .
12- ولا تَقُلْ لحاكمٍ : إِنَّ قِبَابَ قصرِه
مصنوعةٌ من جُثَثِ الرَعيَّهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الكَلِمَاتْ .. بينَ أسنان رجال المُخَابَراتْ ..
الكَلِمَاتْ .. بينَ أسنان رجال المُخَابَراتْ ..
رقم القصيدة : 68892
-----------------------------------
1
وأخيراً .. شَرَّفُوني .
كان قلبي دائماً يُنْبِئُني ..
أَنَّهُم آتونَ ...
كي يعتقلوا الكِلْمَةَ .. أو يَعْتَقِلُوني ..
ولِذَا .. ما فاجأُوني .
كَسَرُوا أبوابَ بيتي في جنيفٍ
لَوَّثوا ثَلْجَ سويسرا ..
ومراعيها .. وأسرابَ الحَمَامْ ..
وتَحدَّوا وطنَ الحُبِّ ، وإنجيلَ السَلامْ .
وَضَعُوا شِعْري بأكياسٍ ..
فهلْ شاهَدْتُمُ ؟
دولةً تَسْرُقُ عِطْرَ اليَاسَمينِ
يا لها مِنْ غَزْوَةٍ مُضحِكةٍ
سرقُوا حِبري ، وأَوراقي ، ولَمْ ..
يسرُقُوا النارَ التي تحت جَبيني
إنَّني أَسكنُ في ذاكرة الشَعْبِ ..
فَمَا هَمَّ .. إذا هُم سَرَقُوني ؟؟...
2
وأخيراً .. دَخَلُوا غُرْفَةَ نومي ..
واسْتَبَاحُوا حُرُماتي
بَعْثَرُوا أَغْطِيتي ..
شَمْشَمُوا أحْذِيَتي ..
فَتَحُوا أدْوِيَتي ..
دَلَقُوا مَحْبَرتي ..
رَقَصُوا فوقَ بياضِ الصَفَحَاتِ .
غَزْوةٌ تافهةٌ جدّاً .. ككُلِّ الغَزَوَاتِ
أيُّ عَصْرٍ عَرَبيٍّ ؟
ذلكَ العصرُ الذي أفْتَى بِقَتْلِ الكَلِمَاتِ ؟
أيُّ عَصْرٍ مَعْدَنيٍّ ؟
ذلكَ العَصْرُ الذي يَفْزَعُ من صوت العصافيرِ ،
وشَدْوِ القُبَّراتِ .
أيُّ عَصْرٍ لا يُسمَّى ؟
ذلك العصرُ الذي يَحْبِسُنَا
خلفَ أَسْوار اللُّغَاتِ .
أيُّ عَصْرٍ ماضَويٍٍّ .. فَوْضَويٍّ .. بَدَويٍّ ..
قَبَليٍّ .. سُلْطَويٍّ .. دَمَويٍّ ؟.
ذلك العصرُ الذي يُطْلِقُ النارَ عَلَيْنا
ثُمَّ يرمي جُثُثَ الكُتَّابِ ..
في قَعْر الدَوَاةِ ؟؟
3
وأَخيراً .. بَلَغُوني ..
أَنَّهُمْ كانُوا هُنَا ..(55/86)
فلماذا بَلَّغوني ؟
إنَّني أعرِفُ بالفِطرَةِ أصواتَ بساطيرِ العَسَاكِرْ ...
وأنا أعرفُ بالفِطْرَةِ ،
أوصَافَ ، وأَحْجَامَ ، وأسماءَ الخَنَاجِرْ ..
جَهَّزوا جيشاً خُرافيَّاً
لكي يَقْتَحِمُوا عُزْلَةَ شَاعِرْ ..
تَرَكُوا خَلْفَهُمُ الرُومَ .. لكيْ
يُعْلِنُوا الحَرْبَ على ريشةِ طَائِرْ ..
قَدِمُوا من آخِرِ العَالَمِ ،
حتَّى يسرُقُوا بَعْضَ الدَفَاترْ ..
آهِ .. كَمْ هُم أغبيَاءْ .
حينَ ظنُّوا أنَّهُمْ
يَقْتُلُونَ الشِعْرَ إنْ هُم قَتَلُوني ...
لم أكُنْ أعرفُ ما حَجْمي ..
إلى أَنْ هاجَمُوني ذاتَ لَيْلَهْ ..
فتأكَّدتُ بأَنّي ..
شاعرٌ يُرْعِبُ دَوْلَهْ ...
4
وأخيراً .. شَرَّفُوني
لم يكونوا مِنْ بلاد البَاسكِ..
أو من جيشِ إيْرلَنْدَا ..
ولا هُمْ من عِصَاباتِ شيكاغُو ..
إنَّني أعرِفُ مَنْ هُمْ غُرَمَائي ..
فلماذا أرْسَلُوا خَلْفي كلابَ الصَيد كي تَنْهَشني ؟
هل كلابُ الصَيدِ صارتْ ..
تَتَسلَّى عندنا في أكْلِ لَحْمِ الشُعَراءِ ؟؟
إنَّهُم يدرونَ أنَّ الشِعْرَ عندي .. هو فَنُّ الكِبْريَاءِ
وهُمُ يدرونَ أنْ لا أحداً نَفَضَ الغَبْرَةَ عَن كَعْبِ حِذَائي ...
وهُمُ يَدْرُون أنّي ..
لم أُقَدِّمْ لسوى اللهِ وَلائي ...
5
وأخيراً .. شَرَّفُوني .
حاولوا أن يَفْتَحُوا ثُقْبَاً بتاريخي
وأَنْ يكْسِرُوا أنْفَ غُرُوري .
نَبَشُوا أَصْلي . وفَصْلي . وجُذُوري.
نَثَرُوا قُطنَ مِخَدَّاتي .. ونامُوا في سَريري .
قَرَأُوا كلَّ رِسَالَهْ ..
وبيانَاتِ المََصَارفْ .
بَحثُوا عن ئبر نَفْطٍ .. كُنْتُ قد خَبَّأتُهُ تحتَ الشَرَاشِفْ !!
حَاوَلُوا أن يَجدوني واقفاً في طوابير العَمَالَهْ ..
أَعَميلٌ أجنبيٌّ ؟ بَعْدَما حَفَرَ الحُزْنُ دُرُوباً في جَبيني
أَعَميلٌ أجنبيٌّ ؟ . بعدَما قدَّمْتُ رُوحي ..
للمَلايينِ .. وقَدَّمتُ عُيُوني ...
6
حَاوَلُوا أن يُمْسِكُوني ..
وأنا أرهُنُ في السوق السياسيِّ ، ثيابي ..(55/87)
حَاوَلُوا أن يضبِطُوني ..
وأنا أقْبِضُ أتعابي على بَيْتٍ من الشِعْر كَتَبْتُهْ ..
أو يُسمُّون إماماً واحداً كنتُ قَصَدتُهْ ..
حَاوَلُوا أن يَجدُوا لي صورةً، وأنا أرقُصُ في ديوانِ كِسْرى
أو أصبُّ الخَمْرَ في عُرْسِ ثريٍّ .. أو أميرِ ..
لم أكُنْ يوماً من الأيَّامِ طَبَّالاً ..
ولا زوَّرْتُ شِعْري .. وشُعُوري..
كانَ شِعْري دائماً أكْبَرَ من كلِّ كبيرِ ..
ليسَ عندي ذَهَبٌ .. أو فِضَّةٌ ..
فرصيدي هو قلبي .. وضميري ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المحضر الكامل لحادثة اغتصاب سياسية
المحضر الكامل لحادثة اغتصاب سياسية
رقم القصيدة : 68893
-----------------------------------
1
سامحُونا ..
إن شَتَمْنَاكُمْ قليلاً .. واسْتَرَحْنَا
سامحونا إنْ صَرْخْنا ..
كتبُ التاريخ لا تعني لنا شيئاً
وأخبارُ عَليٍّ .. ويزيدٍ .. أتْعَبَتنا ...
إنَّنا نبحثُ ..
عمّنْ لا يزالون يقولونَ كلاماً عربيّاً
فوجدنا دولاً من خَشَبٍ ..
ووجدنا لغةً من خَشَبْ ..
وكلاماً فارغاً من أيِّ معنى
سامحُونا ..
إنْ قطعنا صلةَ الرَحْم التي تربطُنا ..
سامحونا إن فَعَلْنا ..
2
سامحُونا
ـ أيُّها السادةُ ـ إن نحنُ جُنِنَّا
ألفُ دجَّالٍ على أكتافنا
إسْتَبَاحُوا دَمَنا منذ وُلِدْنَا
ألفُ بوليسٍ على أوراقنا ..
يُطلقُونَ النارَ .. لكنْ ما سَقَطْنَا ..
حاولوا أن يقطعوا أرجُلَنا
كي يُعيقوا الزَحْفَ .. لكنَّا وَقَفْنَا ..
قَطَعُوا الأيدي. لكي لا نُمْسِكَ الأقلامَ ،
لكنَّا كَتَبْنَا ..
حاولوا أن يُقنعونا..
أنَّ قولَ الشعر كفرٌ .. فكَفَرْنَا ..
3
سامحونا ..
إن قتلنا مرة آباءَنا ..
وشككنا في روايات أبي زيدِ الهلاليِّ
وفي شخصية الزِير .. وفي عَنْتَرةٍ ..
سامحُونا إن شككنا ..
في نُصُوص الشعر والنثر التي نحفظُها
وحديثِ السيفِ .. والرمحِ .. وفي (كانَ) و (كُنَّا)...
سامحُونا إنْ هربنا ..
من بني صخرٍ .. وأوْسٍ ..
ومَنَافٍ .. وكُلَيْبٍ ..(55/88)
سامحُونا إن هربنا ..
ما شربنا مرةً قهوتَهُمْ
إلا اختَنقنا ..
ما طلبنا مرةً نَجدَتَهُمْ
إلا خُذِلنَا ..
إنَّ تاريخَ ابنِ خلدونَ اختلاقٌ
فاعذرُونا ..
إن نسينا ما قرأَنا ....
4
سامحُونا ..
إن دخلنا قصرَكُمْ من غير إذْنٍ
ودخلنا حجرةَ العَرْش .. وقاعاتِ المرايا ..
وشممنا عَبَقَ الأجساد في كُلِّ الزوايا
ورأينا كيف في ثلاجة السلطانِ ،
يبقى طازَجاً لحمُ السَبَابا ..
سامحُونا ..
إن تعدّينا على أملاككُمْ
وعتقنا العدَدَ الأكبرَ من زوجاتكُم
سامحُونا إن خجلنا ..
وكرهنا نفسَنا .. وكرهنا جلدَنا ..
ونحرناكمْ جميعاً .. وانْتَحَرْنا ...
5
سامحونا ...
إن قطعنا مرةً سَكرَتَكُم
وسرقناكُمْ من الويسكيِّ يوماً
وفتحنا جُرْحَنَا ..
سامحُونا .. إن سرقناكُمْ من (الفيديو) قليلاً
كي نريكمْ موتَنا ..
إنّنا نسألُ عن شخصٍ يُسمَّى المُتنبّي
كان في يومٍ من الأيام عصفورَ العَرَبْ
فعرفنا أنه مات على أيدي المباحثْ
ووجدنا طَلْقَةً في رأسِهِ ..
ووجدنا طَلْقَةً في حَلْقِهِ ..
ووجدنا طَلْقَةً في قلبِهِ ..
ووجدنا طَلْقَةً ثانيةً في قلبِنا ..
6
سامحونا
إن تعدَّينَا على عُذْريَّة الدولة يوماً
واغْتَصبنَاها بشكلٍ همجيٍّ ..
واسْتَرَحنا ..
وعَضَضْنَاها كذئبٍ من يَدَيْها
ولَعَنَّا والِدَيْها ..
وأمرنا الشعبَ أن يأكلَ لحماً طازجاً من ناهِدَيْها ..
سامحُونا
إن تجاوزنا اللياقاتِ قليلاً ..
وتصرّفنا كأطفالٍ جياعٍ ..
وشربنا من دم الدولة أنهاراً ...
ونِمنَا ....
7
سامحونا ..
إن تبوَّلنا على كلّ التماثيل التي تملأُ ساحاتِ المدينَهْ ...
وعلى كلِّ التصاوير التي ألصقها البوليسُ ـ بالغَصْب ـ
على كلِّ حوانيت المدينَهْ ..
وعلى كلِّ الشعارات التي يقذفُها بالطوبِ .. أطفالُ المدينَهْ .
سامحُونا ..
إن تجمَّعنا كأغنامٍ على ظهر السفينَهْ ..
وتشرّدنا على كل المحيطات سنيناً .. وسنينا ..
لم نجد ما بين تُجَّار العَرَبْ ..(55/89)
تاجراً يقبلُ أن يعلفَنا .. أو يشترينا ..
لم نجدْ بين جميلات العَرَبْ ..
مَرْأَةً تقبلُ أن تعشقَنا .. أو تَفتَدينا
لم نَجدْ ما بين ثُوَّار العَرَبْ
ثائراً .. لم يُغْمِدِ السِكّينَ فينا ...
8
سامحُونا ..
سامحُونا ..
إن رفَضْنَا كلَّ شيءٍ ..
وكسَرْنَا كلَّ شيءٍ ..
واقْتَلَعْنَا كلَّ شيءٍ
ورمينا لكُمُ أسماءَنا
فالبوادي رفَضَتنا .. والمواني رفَضَتْنا
والمطاراتُ التي تستقبل الطيرَ صباحاً ومساءً .. رَفَضَتْنا
إنَّ شمسَ القمع في كل مكانٍ .. أحرَقَتْنا ..
سامحُونا ..
إن بَصَقنَا فوق عصرٍ ما له تسميةٌ
سامحونا إن كَفَرنَا ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> هناكَ بلادٌ
هناكَ بلادٌ
رقم القصيدة : 68894
-----------------------------------
مدخل
أنْ لا أكونَ شبيهاً بأيِّ أَحَدْ ..
رَفَضْتُ الكلامَ المُعَلَّبَ دوماً
رفضتُ عبادةَ أيِّ وَثَنْ..
أُحَاولُ إِحْرَاقَ كُلَّ النُصوصِ التي أُرْتَديها
فبعضُ القصائد قَبْرٌ
وبعضُ اللُغاتِ كَفَنْ....
إنني محظوظٌ ، لأنَّ أعدائي يتجدَّدون..
لكنني لا أعتقد أنه قد مرَّ في التاريخ
غابرييل غارثيا ماركيز
إنني كتلةٌ هائلةٌ من الشظايا
بيكاسو
- - -
اعذروني، أيُّها السادة.
إنّني سمكةٌ وحشيَّة
داخلَ زجاجة حبرْ..
هناكَ بلادٌ تخافُ على نَفْسِها
وقَهْقَهةِ الريحِ بينَ الشَجَرْ.
هناكَ بلادٌ
تُشَرِّعُ أبوابَها للبَغَايا
تأشيرةً للسَفَرْ ....
ألوفَ الجوامِعْ.
ولكنَّهُمْ يقطعونَ الرقابَ
ويقتلعونَ الأصابعْ
هناكَ بلادٌ..
من حوار المقاهي..
إذْ يعبرونَ الشوارعْ ....
هناكَ بلادٌ تخافُ على نَفْسِها
من هديلِ الحَمَامِ،
وقَهْقَهةِ الريحِ بينَ الشَجَرْ.
وتَسْتَنْفِرُ الجيشَ
برَّاً .. وبَحْراً.. وجوَّاً ..
لكي يَسْتَعِدَّ لقَتْلِ القَمَرْ ...
هناكَ بلادٌ
تُشَرِّعُ أبوابَها للبَغَايا
وترفُضُ أن تمنَحَ الشّعْرَ ،
تأشيرةً للسَفَرْ ....
هناك بلادٌ .. يُشيدُ السلاطينُ فيها(55/90)
ألوفَ الجوامِعْ.
ولا يقطعونَ فُرُوضَ الصلاةِ،
ولكنَّهُمْ يقطعونَ الرقابَ
ويقتلعونَ الأصابعْ
هناكَ بلادٌ..
يخافُ الخليفةُ فيها على نفسهِ
من حوار المقاهي..
ومن قَهْقَهَاتِ التلاميذِ،
إذْ يعبرونَ الشوارعْ ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إستراتيجيَّة
إستراتيجيَّة
رقم القصيدة : 68895
-----------------------------------
سأبقى أُغنِّي ..
سأبقى أُغنّي ..
إلى أن أُحطِّمَ من يَعبُدُونَ الفُرُوج ..
ومَنْ يشترون بشيكّاتِهِمْ
بَنَاتِ الهوى..
ورجالَ القَلَمْ ..
سأَبْقَى أُغنّي
برغْمِ عويلِ الرياحِ، وعصْفِ المَطَرْ
وهم يركُضُونَ وراءَ القصيدةِ،
مثلَ كلابِ الأثَرْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> فوق
فوق
رقم القصيدة : 68896
-----------------------------------
أنا رجلٌ لا يُريحُ .. ولا يستريحْ
فلا تصحبيني على الطُرُقِ المُعْتِمَهْ
فشِعْري مُدانٌ .
ونَثْري مُدانٌ.
ودربي الطبيعيُّ بين القصيدةِ.. والمَحْكَمَهْ...
يُشَرِّفُنِي أنّني ما قبلتُ وساماً
فإنّي الذي يمنحُ الأوسِمَهْ ..
ولم أكُ بُوقاً لأيِّ نظامٍ
فشعريَ فوق الممالكِ والأنظمَهْ ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تلك هي الجريمة
تلك هي الجريمة
رقم القصيدة : 68897
-----------------------------------
1
يقالُ عنّي : شاعِرٌ رَجِيمْ
وإنَّ ما أكتُبُهُ
قصائدٌ رجيمهْ ..
وإنّني أخالفُ الأعرافَ ..
والأخلاقَ .
والمناقبَ الكريمهْ ..
يقالُ أيضاً:
إنني المسؤول عن إفلاسنا الروحيِّ ..
والقوميِّ .. والإحباطِ .. والهزيمهْ ..
يقالُ ألفُ قصّةٍ وقصةٍ .. عني
فكُلُّ مُبْدِعٍ في وطني
يطفُو على بحرٍ من النميمَهْ ،
لكنني أظلُّ دوماً واقفاً
كالرُمْح فوقَ مركبي ..
أواجهُ البروقَ، والرُعُودَ،
والعواصفَ اللئيمَهْ
فإنني أعيشُ يا سيِّدتي ، في وَطَنٍ
تُعتَبَرُ الكِلْمةُ في قانونِهِ ..
جَريمَهْ ...
3
فكُلُّ ما اتُّهِمْتُ فيه من جرائمٍ(55/91)
جرائمٌ جميلَهْ ..
ألمْ أقلْ بأنَّ هذه الدنيا بغير امرأةٍ ؟
كَوْمٌ من الحجارَهْ .
وأنَّ مَنْ لا يعرفُ العِشْقَ
فلا يمكنُ أن يعرفَ ما الحضَارَهْ ...
4
لا تقلقي عليَّ .. يا صديقتي
أني منعتُ البَدْوَ أن يعتبروا النساءَ كالوليمهْ ...
وكُلُّ ما ارتكبْتُهُ
أني رَفَضْتُ القَمْعَ ..
و (الإيدْزَ ) السياسيَّ ..
والفِكْرَ المباحثيَّ ..
والأنظمَة الدميمَه ..
وكُلُّ آثامي ـ وما أروَعَها ـ
أني انْتَخَبْتُ صوتَ فيروزٍ
ولم أنْتَخِبِ الحُكُومَهْ ...
وكلُّ أخطائي التي أزْهُو بها
أنّي رفضتُ أن يُداسَ الشعبُ
بالأحذيةِ القديمَهْ ..
تلكَ هيَ الجريمَهْ .
تلكَ هيَ الجريمَهْ .
5
صديقتي .
صديقتي الحَمِيمَهْ .
سيسقُطُ الطُغاةُ عن آخرِهِمْ
وتصمدُ القصيدةُ العظيمَهْ ...
صديقتي الحَمِيمَهْ .
لا تُتْعِبي نَفْسَكِ في متاعِبِي
سيسقُطُ الطُغاةُ عن آخرِهِمْ
وتصمدُ القصيدةُ العظيمَهْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> هذا أنا
هذا أنا
رقم القصيدة : 68898
-----------------------------------
1
أدمنتُ أحزاني
فصرتُ أخافُ أن لا أحزَنا
وطُعِنْتُ آلافاً من المراتِ
حتى صار يوجعُني ، بأن لا أُطعَنَا
ولُعِنْتُ في كلِّ اللغاتِ ..
وصارَ يُقْلِقُني بأن لا أُلْعَنَا ...
ولقد شُنِقْتُ على جدار قصائدي
ووصيَّتي كانت ..
بأنْ لا أُدْفَنَا .
وتشابهتْ كلُّ البلادِ ..
فلا أرى نفسي هُناكَ
ولا أرى نفسي هُنا ...
وتشابهتْ كلُّ النساءِ
فَجِسْمُ مريمَ في الظلام .. كما مُنَى ..
ما كان شِعْري لُعبةً عَبَثيَّةً
أو نُزْهةً قَمَريةً
إني أقولُ الشعرَ ـ سيِّدتي ـ
لأعرفَ من أنا ....
2
يا سادتي:
إنّي أُسافِرُ في قطار مَدَامعي
هل يركبُ الشعراءُ إلا في قطارات الضَنَى ؟
إني أفكرُ باختراع الماء ..
إنَّ الشِعْرَ يجعلُ كلَّ حُلْمٍ مُمْكِنا
وأنا أُفكِّرُ باختراع النَهْدِ ..
حتى تُطلعَ الصحراءُ ، بعدي ، سوسنا
وأنا أفكر باختراع النايِ ..(55/92)
حتى يأكلَ الفقراءُ ، بعدي ، (المَيْجَنَا ) .
إنْ صادروا وَطَنَ الطُفُولة من يدي
فلقد جعلتُ من القصيدة مَوْطِنَا ..
3
يا سادتي:
إنّ السماءَ رحيبةً جداً..
ولكنَّ الصَيارِفَةَ الذين تقاسموا ميراثنا ..
وتقاسموا أوطاننا ..
وتقاسموا أجسادنا ..
لم يتركوا شِبراً لنا..
يا سادتي:
قاتلتُ عصراً لا مثيل لقُبْحِهِ
وفَتَحْتُ جُرْحَ قبيلتي المُتَعَفِّنَا ..
أنا لستُ مُكْتَرِثاً
بكُلِّ الباعةِ المتجولينَ ..
وكلِّ كُتَّابِ البَلاطِ ..
وكلِّ من جعلوا الكتابة حِرْفَةً
مثلَ الزنى ...
4
يا سادتي :
عَفواً إذا أقلقتُكُمْ
أنا لستُ مُضطراً لأُعلنَ توبتي
هذا أنا ...
هذا أنا ...
هذا أنا ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الطابور
الطابور
رقم القصيدة : 68899
-----------------------------------
طَالبتُ ببعضِ الشمسِ ،
فقالَ رجالُ الشُرْطةِ :
قِفْ ـ يا سيِّدُ ـ في الطابورْ
طَالبتُ ببعض الحِبرِ ، لأكتُبَ إسمِي ..
قالوا: إن الحِبْرَ قليلٌ ...
فالزَم دَوْرَكَ في الطابورْ
طالبتُ بأيِّ كتابٍ أقرأُ فيه ..
فصَاحَ قميصٌ كاكيٌّ :
مَنْ كانَ يريدُ العِلْمَ ..
فإن عليه ، قراءةَ منشورات الحزْبِ ..
وأحكامِ الدُستورْ ..
طالبتُ بإذنٍ حتى ألقى امْرأتي
فأجابوني: إن لقاء المرأةِ صَعْبٌ ..
وعلى العاشقِ ،
أنْ لا ييأسَ من طُولِ الطابُورْ
طالبتُ بإذنٍ ..
حتى أُنْجِبَ ولداً ..
قال نقيبٌ ، وهو يُقَهْقِهُ :
إنَّ النَسْلَ مُهِمٌّ جداً ..
فَلْتَْتَنْظِرْ ، سنةً أخرى ، في الطابُورْ
طالبتُ برؤية وجهِ اللهِ ..
فصاحَ وكيلٌ من وُكلاءِ اللهِ ..
(لماذا ؟)
قلتُ : لأني إنْسانٌ مَقْهُورْ ..
فأشارَ إليَّ بإصْبعهِ
وفهمتُ بأن المقهورينَ
لهم أيضاً طابُورْ ...
أرجو أن ألقاكَ .. ولكنْ لا تترُكني
مثلَ كلاب الشارعِ ، في الطابورْ
من يوم أتيتُ إلى الدنيا
وأنا مزروعٌ في الطابورْ
ساقاي تجمَّدَتَا في الثلجِ ،
ونَفْسِي كالورقِ المنثورْ(55/93)
منتظرٌ وطناً .. لا يأتي
وشواطئَ دافئةً .. وطُيُورْ ..
لا أدري .. كيف أقول الشعرَ
فحيثُ ذهبتُ يُلاحقني السَاطورْ ..
كلُّ الأوراق مُفخَّخَةٌ..
كلُّ الأقلام مُفَخَّخَةٌ ..
كلُّ الأثداء مُفَخَّخَةٌ ...
وسريرُ الحُبِّ ..
يريدُ جوازَ مُرورْ ...
يا ربي:
وهذا الوطنُ القابعُ بين الماءِ .. وبين الماءِ ..
حزينٌ كالسيف المكْسورْ ..
فإذا ودَّعْنا كافُوراً ..
يأتينا .. أكثرُ من كافُورْ ..
يا ربي :
إنَّ الأُفقَ رماديٌّ
إنْ كُنْتَ تُريدُ مساعدَتي
يا ربي .. فاجعَلْني عُصْفُور ...
وأنا أشتاقُ لقَطْرةِ نُورْ
إنْ كُنْتَ تُريدُ مساعدَتي
يا ربي .. فاجعَلْني عُصْفُور ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تصميم
تصميم
رقم القصيدة : 68900
-----------------------------------
ليس في وُسعِكِ ، يا سيدتي ،
أن تُصلِحيني
فلقد فاتَ القِطارْ .
إنني قررتُ أن أدخلَ
في حَرْبٍ مع القُبْح ..
ولا رجعةَ عن هذا القَرَارْ ..
فإذا لم أستطع إيقافَ جيش الرُومِ
أو زحفِ التتارْ
وإذا لم أستطعْ أن أقتلَ الوَحْشَ
فحسبي أنني
أحدثتُ ثُقْباً في الجدارْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إذا
إذا
رقم القصيدة : 68901
-----------------------------------
إذا أردتَ أن تكون شاعراً
مختلفَ الملامحْ ..
وفاتكاً .. وجارحْ ..
فأخرُجْ على غرائز القطيعْ .
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> خيارات
خيارات
رقم القصيدة : 68902
-----------------------------------
ليس هنالكَ لَعِبٌ بالكَلِمَاتْ
فعلى الشاعر أن يختارَ معاركَهُ
أو يختارَ السُكْنَى
في بيت الأمواتْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التماسيح
التماسيح
رقم القصيدة : 68903
-----------------------------------
يُعَمِّرُ الحاكمُ في بلادنا
ألفَ سنهْ ..
وعندما يذهبُ ـ مضْطراً ـ إلى ضريحِهِ
يهنّئُ المشَيِّعُون بعضَهُمْ
وترقصُ الأزهارُ خلفَ نعشهِ
والأحْصِنَهْ ...(55/94)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التصويرُ في الزَمَن الرماديّ
التصويرُ في الزَمَن الرماديّ
رقم القصيدة : 68904
-----------------------------------
1
أحاولُ منذُ الطفولةِ
أن أتصوَّر شَكْلَ الوطَنْ .
رَسَمْتُ بيوتاً ،
رَسَمْتُ سُقُوفاً ،
رَسَمْتُ وُجُوهاً ،
رَسَمتُ مآذنَ مطليَّةً بالذَهَبْ
رَسَمتُ شوارعَ مهجورةً
يُقَرْفِصُ فيها .. لكيْ يستريحَ التَعَبْ
رَسَمْتُ بلاداً ، تُسمَّى مَجَازاً ،
بلادَ العَرَبْ ..
أحاولُ منذُ الطفولة رَسْمَ بلادٍ
تسامِحُني ..
إن كَسَرْتُ زُجاجَ القمرْ
وتشكرني .. إن كتبتُ قصيدةَ حُبٍّ
وتسمح لي أن أمارس فعل الهوى
ككل العصافير، فوقَ الشجرْ ..
أحاولُ رسمَ بلادٍ ..
بها بَشَرٌ يضحكون .. ويبكونَ مثلَ البَشَرْ
أحاولُ أن أتبرَّأ من مُفرداتي
ومن لعنةِ المُبْتَدا .. والخَبَرْ ..
وأنفضُ عني غُباري
وأغسِلَ وجهي بماء المطرْ ..
أحاول من سلطةِ الرمل أن أستقيلَ ...
وداعاً قريشٌ ..
وداعاً كليبٌ ..
وداعاً مُضَرْ ...
3
لها بَرْلَمَانٌ من الياسمين ..
وشَعْبٌ رقيقٌ من الياسمينِ ..
تنامُ حمائمُها فوق رأسي ..
وتبكي مآذِنُها في عُيُوني .
أحاولُ رَسْمَ بلادٍ ..
تكونُ صديقةَ شعري
ولا تتدخلُ بيني .. وبينَ ظنوني
ولا يتجوَّلُ فيها العساكرُ
فوقَ جبيني ..
أحاولُ رَسمَ بلادٍ
تُكافِئُني .. عن حَرَقْتُ ثيابي
وتصفحُ عني ..
إذا فاضَ نهرُ جُنوني ...
4
أُحاولُ رَسْمَ مدينة حُبٍّ
فلا يذْبحونَ الأنوثةَ فيها ..
ولا يقمعونَ الجَسَدْ ..
رحلتُ جنوباً ..
رحلتُ شمالاً ..
ولا فائِدَهْ ..
فقهوةُ كلِّ المقاهي ، لها نكْهَةٌ واحِدَهْ
وكُلُّ النساءِ لهُنَّ ، إذا ما تعرَّيْنَ ..
رائحةٌ واحدَهْ ..
وكلُّ رجالِ القبيلةِ ، لا يمضغونَ الطعامَ.
ويلتهمونَ النساءَ ..
بثانيةٍ واحدَهْ ...
5
أُحاولُ منذُ البداياتِ ..
أن لا أكونَ شبيهاً بأيِّ أَحَدْ
رفضتُ عبادةَ أيَّ وَثَنْ(55/95)
أحاولُ إحراقَ كُلَّ النصوص التي أرتديها
فبعضُ القصائد قَبْرٌ
وبعضُ اللُّغاتِ كَفَنْ .
رسمتُ نزيفَ المقاهي
رسمتُ سُعَالَ المُدُنْ
وواعدتُ آخِرَ أُنثى
ولكنني .. جئتُ بَعْدَ مُرورِ الزَمَنْ ....
6
أحاولُ رسمَ بلادٍ
سريري بها ثابتٌ
ورأسي بها ثابتٌ
ولكنهمْ .. أخذوا عُلْبَةَ الرسمِ منّي
ولم يسمحوا لي ..
بتصوير وَجْهِ الوَطَنْ ...
ورأسي بها ثابتٌ
لكيْ أعرفَ الفرقَ بين البلادِ .. وبين السُفُنْ ..
ولكنهمْ .. أخذوا عُلْبَةَ الرسمِ منّي
ولم يسمحوا لي ..
بتصوير وَجْهِ الوَطَنْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القصيدةُ تطرحُ أسئلتَها
القصيدةُ تطرحُ أسئلتَها
رقم القصيدة : 68905
-----------------------------------
يَسُرُّني جداً..
بأن تُرْعِبَكُمْ قصائدي
وعندكمْ ، مَنْ يقطعُ الأعْناقْ ..
يُسْعِدُني جداً .. بان ترتعشُوا
من قَطْرَةِ الحبرِ..
ومن خشخشةِ الاوراقْ..
يا دَوْلَةً .. تُخيفُها أغنيةٌ
وكلمةٌ من شاعرٍ خلاقْ..
يا سلطةً..
تَخشَى على سُلْطتِها
من عبقِ الوردِ.. ومن رائحةِ الدُرَّاقْ
يا دولةً..
تطلبُ من قوّاتِها المُسَلَّحَةْ
أن تلقيَ القبضَ على الأشواقْ...
أن تُقْفِلُوا أبوابَكُمْ
وتُطلقوا كلابكمْ
خوفاً على نسائكمْ
من ملكِ العشاقْ..
يُسعدني
وتَنْحَرُوا قصائدي
كأنَّها النِيَاقْ..
فسوفَ يغدو جَسَدي
تكيَّةً.. يزورُها العُشَّاقْ
يَقْرؤُني رقيبُكُمْ..
وهو يَسِنُّ شفرةَ الحلاقهْ..
-في أصلهِ- حلاقْ..
ليس هناكَ سلطةٌ
يمكنها أن تمنعَ الخيولَ من صهيلها
وتمنع العصفورَ أن يكتشفَ الآفاقْ
فالكلماتُ وحدها..
ستربحُ السباقْ..
ستقْتُلُونَ كاتباً..
لكنكمْ لنْ تقتلوا الكتابهْ..
وتذبحونَ ، رُبَّما ، مُغنياً
تِسْعٌ وتِسْعُونَ امرأهْ..
تقبعُ في حريمكمْ .
فالنهدُ قرب النهدْ..
والساقُ قربَ الساقْ..
وثيقةُ النكاحِ.. أو وثيقةُ الطلاقْ..
والخمر في كؤوسكمْ
والنار في الأحداقْ
وتمنعون دائما قصائدي(55/96)
حرصا على مكارم الأخلاقْ!!
انتظروا زيارتي..
فسوف آتيكمْ بدون موعدٍ
كأنني المهديُّ..
او كأنني البراقْ..
انتظروا زيارتي
ولستُ محتاجاً إلى مَُعَرِّفٍ
فالناس في بيوتهم يعلِّقُونَ صورتي..
لا صُورةَ السلطانْ..
والناسُ، لو مررتُ في أحلامهمْ ..
ظَنُّوا بأنِّي ( قَمَرُ الزَمانْ ) ....
حين يمرُّ موكبُ الخليفهْ
في زحمة الأسواقْ
يُبَشِّرُ الأطفالُ أُمَّهاتِهِمْ
لقد رأينا..
( طائرَ اللقْلاقْ ) ....
إنتظروني.. أيها الصيارِفَهْ
أهراماً من النفاقْ..
يا من جعلتم شِعْرنا .. ونثرنا..
دُكَّانةَ ارتزاقْ..
انتظروا زيارتي..
فالشعر يأتي دائماً
ومن أقبيةِ القمعِ..
ومن زلازلِ الأعماقْ..
مهما رفعتمْ عالياً أسْواركمْ
لن تمنعوا الشمسَ من الإشْراقْ..
دُكَّانةَ ارتزاقْ..
انتظروا زيارتي..
فالشعر يأتي دائماً
من عرق الشعبِ ، ومن أرغِفَةِ الخُبْزِ ،
ومن أقبيةِ القمعِ..
ومن زلازلِ الأعماقْ..
مهما رفعتمْ عالياً أسْواركمْ
لن تمنعوا الشمسَ من الإشْراقْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أصهارُ الله
أصهارُ الله
رقم القصيدة : 68906
-----------------------------------
1
إلا دَعَا الناسَ إلى المسجدِ ..
يومَ الجمعَهْ ..
وقالَ في خطبتِهِ العَصْماءْ
بأنَّهُ من أولياءِ اللهْ ...
وأصْفِياءِ الله ..
وأصدقاءِ اللهْ ...
2
لهذه المدينةِ المقهورةِ ،
المكْسورةِ ،
الحزينهْ ...
إلا ادَّعى ، بأنه المُمَثِّلُ الشخصيُّ ،
والناطقِ باسْم اللهْ ..
فهلْ من المسموحِ ،
أنْ أسأله تعالى ..
هل أنت قد أعطيتهمْ وكالةً
مختومةً .. مُوقَّعَهْ ؟ ..
كي يجلسوا على رقاب شعبِنَا
إلى الأبدْ ....
هل أنت قد أمرتهمْ
أن يخربوا هذا البلدْ ؟
ويسحقونا كالصراصيرِ ،
بأمر اللهْ ..
ويضربونا بالبساطيرِ ،
بأمر الله ...
فإنْ سأَلتَ حاكماً منهمْ
مَنِ الذي ولاكَ في الدنيا على أمورنا ؟
قال لنا : يا جَهَلَهْ ..
أما علمتمُ أنني ..
أصبحتُ صِهْرَ اللهْ ؟؟
3(55/97)
أريد أن أصرخَ:
هل أنت عيَّنْتَ وزيرَ المالْ ؟
إذنْ .. لماذا انْفَجَر الفقرُ ؟
لماذا انفجرَ الصَبْرُ ؟
لماذا ساءتِ الأحوال ؟
وأصبحَ الصَحْنُ الرئيسيُّ هو الزِّبالَهْ ...
وأصبحَ العصفورُ في بلادنا ..
لا يجِدُ النِخَالَهْ ...
فهل غَلاءُ الخُبْز ..
شأنٌ من شؤونِ اللهْ ؟؟
وهل غَلاءُ الفولِ ؟. والحُمُّصِ ..
والطُرْشيِّ ..
والجَرْجيرِ ..
شأنٌ من شؤون اللهْ ؟...
وهل غلاءُ الموتْ، والأكفانِ،
شأنٌ من شُؤون الله ؟
إذَنْ لماذا يأكلُ الكبارُ كافياراً
ونحن نأكلُ النِعَالْ ؟
إذنْ .. لماذا يشربُ الضُبَّاطُ وسْكياً
ونحنُ نشربُ الأوْحالْ؟
إذنْ.. لماذا لا يفرّقُ الفقيرُ في بلادنا
بين رغيفِ الخُبْزِ .. والهلالْ ...
إذنْ.. لماذا في بطون أمهاتِهِمْ
ينتحرُ الأطفال؟...
4
أريدُ أن أسألَهُ تعالى.
هل أنتَ قد علَّمْتَهُمْ
ويغسلوا دماغَنا ..
ويستبُوا نساءنا ..
ويركبونَا بدل الحميرِ والخُيُولْ ..
أريد أن أسألهُ تعالى
هل أنتَ قد أمرتَهُمْ ؟
أن يكسروا عظامنا ..
ويكسروا أقلامنا ...
ويقتلوا الفاعل والمفعول
ويمنعوا الأزهار أن تنبُتَ في الحُقولْ ؟؟.
5
أريد أن أسألَ:
يا الله ..
هل أنتَ قد أعطيتهُمْ
ليشتروا فرسايَ .. والمملكةَ المُتَّحِدةْ
ويشتروا بابلَ.. والحدائقَ المُعَلَّقَهْ
ويَشْتَرُوا الصحافةَ المُرْتَزِقَةْ ...
هل أنت قد أعطيتهم شِكَّاً على بياضْ ؟
ليشتروا التاجَ البريطاني .. والقصورْ ..
ويشتروا النساءَ في الأقفاص ، كالطيورْ
والقَمَرَ الأخضرَ في سماء نيسابورْ ؟؟
6
أريدُ أن أسْألَ:
يا الله..
هل أنتَ قد صاهَرْتَهُمْ
حقاً؟..
يُصْبِحُ صِهْرَ اللهْ ؟؟
أريدُ أن أسْألَ:
يا الله..
هل أنتَ قد صاهَرْتَهُمْ
حقاً؟..
وهل من قاتلٍ لشعبِهِ
يُصْبِحُ صِهْرَ اللهْ ؟؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مقابلة تلفزيونية مع (غودو) عربي
مقابلة تلفزيونية مع (غودو) عربي
رقم القصيدة : 68907
-----------------------------------(55/98)
1
مُنْتَظِرٌ أن يَرْحَلَ القِطَارْ
أيُّ قطارٍ كانَ ..
لا يهمُّني .
أيُّ اتجاهٍ كانَ ..
لا يهمني ..
للشرقِ .. أو للغربِ ..
لا يهمُّني ..
لجنّةِ الفردَوْسِ ، أو للنارْ ..
أنا كغودو ..
أسْمعُ الصفيرَ في الليلِ ،
ولكنْ .. لا أرى محطَّةً ..
ولا أرى أرْصِفَةً ..
ولا أرى قطارْ ...
وقفتُ في الطابورِ مليونَ سَنَهْ
كي أشتري تذكرةً
نِمْتُ على حقائبي .
نِمْتُ على متاعبي .
قرأتُ ألفَ مرةٍ جريدتي.
ما أسْخَفَ الأخبارْ ..
نَظَرْتُ ألفَ مَرَّةٍ لساعتي .
وَجَدتُها واقفةً
عَدَدْتُ ألفَ مَرَّةٍ أصابعي
وجدتها ناقصةً
فَكَّرتُ أن أذهبَ للمرْحَاضِ ..
لكنْ .. خفتُ أن يفوتني القِطَارْ ...
3
والتحديقُ في القُضْبَانِ ،
والجلوسُ أعواماً على مقهى الضَجَرْ
أتعَبَني انتِظارُ ما لا يُنْتَظَرْ ....
بحثتُ في صحيفة الأبراجِ
عن (بُرج الحَمَلْ)...
فلم أجدْ حمامةً قادمةً
ولا طريقاً للسفرْ ..
بحثتُ عن كأسٍ من الكونياكِ ..
عن سَجَائرٍ ..
بحثتُ عن سيّدةٍ أشمُّ عِطْرَ جِسْمِهَا
قُبَيْلَ أن أسافِرْ ..
وجدتُ صرصاراً على حقيبتي .
سألته من أنتَ؟ قالَ إنني مهاجرْ
وكان مثلي .. يرتدي قُبَّعةً ومعطفاً .
وكان مثلي جالساً ..
ينتظرُ القطار ...
4
غودو أنا ..
وليس في العالم من مدينةٍ
يَعْرِفُني فيها أحدْ .
كلُّ المحطاتِ التي أقْصُدُها
مُطْفَأةُ الأنوارْ .
كلُّ القطاراتِ التي أسمَعُها
تمرُّ فوقَ جُثَّتي
هل القطاراتُ هي الأقدارْ ؟
غودو أنا .
غودو أنا .
تسلَّقَ العُشْبِ على حقائبي
تسلَّقَ العُشبُ على ذاكرتي
والوقتُ فوق رَقْبَتي
يَمُرُّ كالمِنْشَارْ ..
لا تترُكي رأسي في الهواءِ ، يا سيِّدتي
فهذه الدنيا ..
بلا سقفٍ .. ولا جِدارْ ..
لا تترُكيني أبداً ..
فالقلبُ إبريقٌ من الفُخَّارْ ...
5
مُنْتَظِرٌ ، صفَّارةَ القِطَارْ
مُنْتَظِرٌ من يوم أن وُلِدْتُ ،
منتَظِرٌ أن يزحفَ البحرُ على قصائدي ،
وتهطلَ الأمطارْ ..(55/99)
مُنْتَظِرٌ معجزةً ، تُخرِجُني نحو مدار آخرٍ ..
نحو فضاءٍ آخرٍ ..
يؤمِنُ في بَنَفْسجِ البحرِ ،
وفي حرية الحُبِّ ...
وفي تعدُّدِ الحِوَارْ ...
6
من ألفِ عامٍ ..
وأنا منتظرٌ إجازتي
مُنْتَظِرٌ جزيرةً في البحرِ ..
مُنْتَظِرٌ قصيدةً ، خاتَمُها من ذَهَبٍ ..
وخَصْرُها من نارْ ..
مُنْتَظِرٌ فاطمةً .. تأتي ومِنْ ورائِها
جيشٌ من الأشجار
وفي مياه ناهديْها .. تسبحُ الأسماكُ والأقمارْ
مُنتظرٌ فاطمةً .. تحمِلُ في كلامها ،
حضارةَ الوردةِ ، لا حضارةَ الصبَّارْ ...
لولا يَدَا فاطمةٍ ..
ما كان تشكَّلَ النَهَارْ ...
7
غُودُو أنا ..
ولم أزَلْ أبحثُ فوق الرَمْل ، عن بقية اخْضرارْ
ولم أزَلْ أبحثُ في الرُكَامِ عن زَهْرَة جُلَّنارْ
ولم أزلْ أؤمِنُ بالشعر الذي يَطْلَعُ كالوردة
8
غودو أنا ..
ولا يزالُ الرومُ يسجِنُونَني
ويفرضونَ حالةَ الحصارْ .
ولا يزالُ البَدوُ يكرهونني
ويكرهون الماءَ ..
والبِذَارْ ..
فمن سوى فاطمةٍ ؟
تَرُدُّ عنّي هَجْمَةَ التَتَارْ .
ومن سوى فاطمةٍ تُحولُ الفحمَ إلى حدائقٍ
وتقلبُ الليل إلى نَهَارْ ؟..
9
ما زالَ (غُودُو) منذُ مليون سَنَهْ ..
مُرْتدياً مِعْطَفَهُ ،
وحاملاً أكياسَهُ ،
وقانِعاً أن هُناكَ في المدى محطَّةً
وأنَّ في إمكانِهِ ، لو شاءَ ،
أن يخترعَ القِطارْ ...
9
ما زالَ (غُودُو) منذُ مليون سَنَهْ ..
مُرْتدياً مِعْطَفَهُ ،
وحاملاً أكياسَهُ ،
وقانِعاً أن هُناكَ في المدى محطَّةً
وأنَّ في إمكانِهِ ، لو شاءَ ،
أن يخترعَ القِطارْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قراءة ثانية لمقدّمة ابن خلدون
قراءة ثانية لمقدّمة ابن خلدون
رقم القصيدة : 68908
-----------------------------------
1
هذا هو التاريخُ ، يا صديقتي
من غيرِ ما تعليقْ.
وكل ما قرأتِ عن سيرتِنا المعطّرهْ
من كَرَمٍ..
ونَجْدةٍ..
و نَخْوَةٍ..
و العَفْوِ عندَ المقدِرَة..
ليس سوى تَلْفِيقْ..
وكل ما سمعتهِ من قصص الشهامهْ(55/100)
وعن سجايا حاتمٍ
وعن حكايا عنترهْ..
لم يبقَ شيءٌ منه في المفكرهْ
وكل ما سمعتِ عن حروبنا المظفَّرَهْ
وكرِّنَا..
و فَرِّنا..
وأرضنا المحرَّرهْ..
ليس سوى تلفيقْ..
هذا هو التاريخُ ، يا صديقتي
فنحن منذ أن تُوفيَ الرسولُ ،
سائرونَ في جنازهْ ..
ونحن ، منذ مصرعِ الحسينِ ،
سائرون في جنازهْ..
ونحن، من يوم تخاصَمْنَا
على البُلدانِ..
والنسوانِ..
والغلمانِ..
في غرناطةٍ
موتى، ولكن ما لهمْ جنازهْ !..
3
فنِصْفُهُ هَلْوَسَةٌ..
ونصفه خطابهْ..
أطفالُنا، ليسَ لهمْ طفولةٌ.
سماؤنا، ليسَ بها سَحَابَهْ.
نساؤنا.. ما زلنَ في ثلاجة الخليفهْ
عُشَّاقُنا..
يستنشِقُون وردةَ الكآبهْ ..
كُتَّابُنا، يحاولون القفزَ كالفئرانِ ،
من مصيدةِ الرقابهْ ..
4
لا تثقي ، يا صديقتي ،
فعزفها مكررٌ..
وصوتها نشازْ..
المخبرونَ.. كسَّرُوا عِظامَنا
وشعبُنا..
يمشي على عُكَّازْ...
5
صديقةَ العمر التي..
أقرأ في عيونها المأساةْ
والحزنَ .. والشتاتْ..
نحنُ شعوبٌ تجهلُ الفرحْ
أطفالنا ما شاهدوا في عمرهمْ
قوس قزحْ..
هذي بلادٌ أقفلتْ أبوابَها..
وألغتِ التفكيرَ عند شعبها
وألغتِ الإحساسْ..
هذي بلادٌ تطلقُ النارَ على الحَمَامِ..
والغمامِ..
والأجراسْ..
6
ما طارَ طيرٌ عندنا..
إلا انْذَبَحْ..
ولا تغنَّى شاعرٌ بشِعْرِهِ..
7
هذي بلادٌ ..
ما بها مسيرةٌ تمشي..
ولا ذبابةٌ تطيرُ من حيٍّ.. إلى حيٍّ..
ولا أمسيةٌ شعريةٌ تُعْطَى..
8
هذي بلادٌ
نصفها زنزانةٌ
ونصفها حراسْ..
تزوجَ الموتى نساءَ بعضهمْ
فأينَ راحَ الناسْ؟؟
بلادكم أجمل ما شاهدت من بلدانْ.
فالماء فيها ضاحكٌ..
والورد فيها ضاحكٌ..
والخوخُ.. والرمانْ..
والياسمين عندكمْ ،
يمشط الشعرَ على الحيطانْ...
لا يضحكُ الإنسانْ؟؟
بلادكم أجمل ما شاهدت من بلدانْ.
فالماء فيها ضاحكٌ..
والورد فيها ضاحكٌ..
والخوخُ.. والرمانْ..
والياسمين عندكمْ ،
يمشط الشعرَ على الحيطانْ...
فكيف في بلادكُمْ
لا يضحكُ الإنسانْ؟؟(55/101)
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أبو جَهْل.. يشتري (فليتْ ستريتْ)
أبو جَهْل.. يشتري (فليتْ ستريتْ)
رقم القصيدة : 68909
-----------------------------------
1
هل اختفتْ من لندنِ؟
باصاتُها الجميلةُ الحمراءْ .
وصارت النوقُ التي جئنا بها من يَثْرِبٍ
واسطةَ الرُكُوبِ ،
في عاصمة الضبابْ؟
تسرَّبَ البدوُ إلى
قصرِ بكنْغهَامٍ ،
وناموا في سرير الملكهْ
والإنجليزُ ،لَمْلَمُوا تاريخَهُمْ...
وانصرفوا..
واحترفوا الوقوفَ -مثلما كُنَّا-
على الأطلالْ....
3
في (سُوهُو)
وفي (فيكتوريا)..
يُشَمِّرُونَ ذَيْلَ دشْدَاشَاتِهمْ
ويرقصونَ الجازْ...
4
هل أصبحت انجلترا؟
وسَمْفُونيّةِ النِعَالْ؟؟
5
هل أصبحتْ إنْجلترا؟
تمشي على الرصيفِ، بالخُفِّ.. وبالعُقَالْ؟
سبحانهُ مُغَيِّرُ الأحوالْ!!
6
عنترةٌ ... يبحثُ طولَ الليل، عن رُوميَّةٍ
بيضاءَ كالزُبدَةِ..
أو مليسةِ الفخذيْنِ .. كالهلالْ .
من غير ملحٍ - في مدى دقيقةٍ-
ويرفع السروالْ!!
7
لم يبق في الباركَاتِ..
لا بطٌّ، ولا زَهْرٌ، ولا أعشابْ .
قد سَرحَ الماعزُ في أرجائِها
وفَرَّتِ الطيورُ سمائِها
8
ها هم بنو عبسٍ.. على مداخلِ المترو
يعبُّونَ كؤوسَ البيرةِ المُبَرَّدَهْ..
وينهشونَ قطعةٍ..
من نهدِ كلِّ سيدهْ..
9
في بورصة الرِيَالْ؟..
هل أصبحتْ إنجِلترَا عاصمةَ الخلافهْ؟
وأصبحَ البترولُ يمشي ملكاً ..
في شارعِ الصحافَهْ؟؟
10
جرائدٌ..
جرائدٌ..
تنتظرُ الزبونَ في ناصيةِ الشارع،
كالبغايا..
جرائدٌ ، جاءتْ إلى لندنَ ،
كي تمارسَ الحريهْ..
إلى سبايا..
11
جئنا لأوروبَّا..
لكي نشربَ من منابع الحضارهْ
جِئْنَا.. لكي نبحثَ عن نافذة بحريةٍ
من بعدما سدوا علينا عنقَ المحارهْ
جئنا.. لكي نكتب حرياتنا
من بعد أن ضاقتْ على أجسادنا العبارهْ
لكننا.. حين امتلكنا صُحُفاً ،
تحولت نصوصنا
12
جئنا لأوروبا
لكيْ نستنشقَ الهواء
جئنا..
لكي نعرف ما ألوانها السماء؟
جئنا..(55/102)
هروباً من سياط القهر، والقمعِ،
ومن أذى داحسَ والغبراءْ..
لكننا.. لم نتأملْ زهرةً جميلةً
ولم نشاهد مرةً، حمامةً بيضاءْ.
وظلَّتِ الصحراءُ في داخلنا..
13
من كلِّ صوبٍ.. يهجم الجرادْ.
ويأكل الشعر الذي نكتبه..
ويشرب المدادْ.
من كل صوبٍ.. يهجم (الإيدْزُ) على تاريخِنَا
ويحصُدُ الأرواحَ، والأجسادْ.
من كلِّ صوبٍ.. يطلقونَ نفطهمْ علينا
ويقتلونَ أجملَ الجيادْ..
فكاتبٌ مُدَجَّنٌ..
وكاتبٌ مُسْتأجرٌ..
وكاتبٌ يباع في المزادْ
وصار للبترولِ في تاريخنا، نُقَّادْ؟؟
14
للواحد الأوحد.. في عليائه
تزدان كل الاغلفهْ.
وتكتب المدائح المزيفة..
ويزحف الفكر الوصوليُّ على جبينهِ
ليلثمَ العباءةَ المشرفهْ ..
هل هذه صحافةٌ..
أمْ مكتبٌ للصيرَفَهْ؟؟
15
كلُّ كلامٍ عندهمْ ، محرمٌ .
كلُّ كِتَابٍ عندهُمْ، مصلوبْ .
فكيف يستوعب ما نكتبهُ؟
16
على الذي يريدُ أن يفوزَ
في رئاسة التحريرْ..
عليهِ .. أن يَبُوسَ
في الصباحِ ، والمساءِ
رُكْبَةَ الأميرْ ..
عليه.. ان يمشي على أربعةٍ
كي يركب الأمير!!..
لا يبحث الحاكم في بلادنا
عن مبدعٍ..
وإنما يبحث عن أجير..
18
يُعطي طويلُ العمرِ.. للصحافةِ المرتزقهْ
وبعدَها..
ينفجرُ النِبَاحُ.. والشتائمُ المنسقهْ ...
19
ما لليَسَاريِّينَ من كُتَّابِنَا؟
قد تركوا (لينينَ) خلف ظهرهمْ
وقرروا..
أن يركبوا الجِمَالْ!!
20
لكيْ ننعمَ في حريةِ التعبيرْ
ونغسلَ الغبارَ عن أجسادنَا
ونزرع الأشجار في حدائق الضميرْ
فكيف أصبحنا، مع الأيامِ،
في مضافةِ الإسكندر الكبيرْ .؟.؟
21
كلُّ العصافير التي
كانت تشقُّ زرقةَ السماءِ،
في بيروت..
قد أحرق البترول كبرياءها
وريشها الجميل..
والحناجرْ..
فهي على سقوفِ لندنٍ..
تموتْ...
يستعملون الكاتب الكبير.. في أغراضهمْ
كربطةِ الحِذَاءْ..
وعندما يستنزفونَ حِبْرَهُ..
وفِكْرَهُ..
يرمُونَهُ ، في الريح، كالأشلاءْ..
23
هذا لهُ زاويةٌ يوميةٌ..
هذا له عمود..
طريقةُ الركوعِ..
والسجودْ..(55/103)
24
لا ترفع الصوتَ.. فأنتَ آمِنْ .
ولا تناقش أبداً مسدساً..
او حاكماً فرداً..
فأنت آمِنْ..
وكن بلا لونٍ، ولا طَعْمٍ، ولا رائحةٍ..
وكن بلا رأيٍ..
ولا قضيةٍ كبرى..
واكتبْ عن الطقسِ ،
وعن حبوب منع الحملِ - إن شئت-
فأنت آمن..
هذا هو القانون في مزرعة الدواجنْ..
25
كيف تُرى، نؤسسُ الكتابهْ؟
والرمل في عيوننا
والشمس من قصدير
والكاتب الخارج عن طاعتهم
يُذبح كالبعيرْ..
26
أيا طويلَ العمر:
وتشتري الأقلامَ بالأرطالْ..
لسنا نريد أي شيءٍ منك..
فانكح جواريك كما تريد..
واذبح رعاياك كما تريد..
وحاصر الأمة بالنار.. وبالحديد..
لا أحدٌ..
يريد منك مُلْكَكَ السعيدْ..
لا أحدٌ يُريدُ أن يسرُقَ منك جُبَّة الخِلافَهْ..
فاشْربْ نبيذَ النفطِ عن آخِرِهِ..
واتْرُكْ لنا الثقافهْ....
وعن حبوب منع الحملِ - إن شئت-
فأنت آمن..
هذا هو القانون في مزرعة الدواجنْ..
25
كيف تُرى، نؤسسُ الكتابهْ؟
في مثل هذا الزمن الصغيرْ.
والرمل في عيوننا
والشمس من قصدير
والكاتب الخارج عن طاعتهم
يُذبح كالبعيرْ..
26
أيا طويلَ العمر:
يا من تشتري النساءَ بالأرطالْ..
وتشتري الأقلامَ بالأرطالْ..
لسنا نريد أي شيءٍ منك..
فانكح جواريك كما تريد..
واذبح رعاياك كما تريد..
وحاصر الأمة بالنار.. وبالحديد..
لا أحدٌ..
يريد منك مُلْكَكَ السعيدْ..
لا أحدٌ يُريدُ أن يسرُقَ منك جُبَّة الخِلافَهْ..
فاشْربْ نبيذَ النفطِ عن آخِرِهِ..
واتْرُكْ لنا الثقافهْ....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الوضوءُ بماءِ العْشق والياسمينْ (1)
الوضوءُ بماءِ العْشق والياسمينْ (1)
رقم القصيدة : 68910
-----------------------------------
1
ينطلقُ صوتي، هذه المرة، من دمشقْ.
ينطلقُ من بيت أُمّي وأبي.
في الشام. تتغيَّرُ جغرافيّةُ جَسَدي.
تُصْبح كُريَّاتُ دمي خضراءْ.
وأبجديتي خضراءْ.
في الشام. ينبتُ لفمي فمٌ جديدْ
وينبُتُ لصوتي، صوتٌ جديدْ
وتصبحُ أصابعي،
قبيلةً من الأصابعْ.(55/104)
أعودُ إلى دمشقْ
ممتطياً صَهْوَةَ سَحَابَهْ
ممتطياً أجملَ حصانينِ في الدنيا
حصانِ العِشْقْ.
وحصانِ الشِعْرْ ..
أعودُ بعد ستّينَ عاماً
لأبحثَ عن حبل مشيمتي ،
وعن الحلاق الدمشقيّ الذي خَتَنَنِي ،
وعن القابلة التي رَمَتْني في طَسْتٍ تحت السريرْ
وقبضتْ من أبي ليرةً ذهبيَّة
وخرجت من بيتنا ..
في ذلك اليوم من شهر آذار عام 1923
ويَدَاها مُلَطَّخَتانِ بدم القصيدَهْ ....
3
من جهة (باب البريدْ).
حاملاً معي ،
عَشْرَةَ أطنانٍ من مكاتيبِ الهَوَى
كنتُ قد أرسلتُها في القرن الأوّلِ للهُجْرَة
ولكنها لم تصِلْ إلى عُنْوانِ الحبيبْ
أو فَرَمَها مِقصُّ الرقيبْ ..
لذلك.. قرَّرتُ أن أحمل بريدي على كتفي
لعلَّ التي أحببتُها ..
وهي تلميذةٌ في المدرسة الثانويَّة
قبل خمسةَ عشرَ قرناً
لا تزال ترسُبُ في امتحاناتها
تضامناً مع ليلى العامريَّهْ
ومريمَ المجدليَّهْ
ورابعةَ العدويَّةْ
وكلِّ المعذَّبات في الحبِّ .. في هذا العالم الثالثْ.
أو لعلَّ الرقيبَ الذي كان يغتالُ رسائلي
قد نقلوهُ إلى مصلحة تسجيل السيَّارات
أو أدخلوه إلى مدرسةٍ لمحْوِ الأميَّةْ
أو تزوَّجَ ممَّنْ كانَ يقرأ لها رسائلي
منتحلاً إسْمي..
وإمضائي ..
وجُرْأةَ قصائدي ..
4
أعودُ إلى الرَحِمِ الذي تشكّلتُ فيه..
وإلى المرأةِ الأولى التي علَّمَتْني
جُغْرَافِيَّةَ الحُبّْ ..
وجُغْرَافيّةَ النساءْ..
أعودُ..
بعدما تناثَرَتْ أجزائي في كل القاراتْ
وتناثر سُعالي في كل الفنادق
فبعد شراشفِ أمي المعطرة بصابون الغارْ
لم أجد سريراً أنام عليه..
وبعدَ عَرُوسة الزيت والزعترْ ..
التي كانت تلفُّها لي،
لم تعدْ تُعجبني أيُّ عروسٍ في الدنيا..
وبَعْدَ مُربَّى السَفَرجَل الذي كانت تصنعه بيدَيْها
لم أعدْ متحمساً لإفطار الصباحْ
وبعد شراب التُوتِ الذي كانت تعصرُهُ
لم يَعُدْ يُسْكِرُني أي نبيذْ ...
5
أدخل صحنَ الجامع الأمويّْ
أُسلِّمُ على كلِّ من فيهْ
بَلاطةً .. بلاطهْ(55/105)
حمامةً .. حمامَهْ
أتجولُ في بساتين الخطِّ الكُوفيّْ
وأقطفُ أزهاراً جميلةً من كلام اللهْ ...
وأسمعُ بعينيَّ صوتَ الفُسَيْفُسَاءْ ..
وموسيقى مسابح العقيقْ ..
تأخذني حالةٌ من التجلِّي والإنخِطَافْ ،
فأصعدُ دَرَجاتِ أوَّلِ مئذنةٍ تُصادِفُني
مُنَادياً:
" حَيَّ على الياسمينْ ".
"حيَّ على الياسمينْ ".
6
عائدٌ إليكمْ ..
وأنا مضرَّجٌ بأمطار حنيني
عائدٌ .. لأملأَ جُيُوبي
عائدٌ إلى مَحَارَتي .
عائدٌ إلى سرير ولادتي.
فلا نوافيرُ فرسايْ
عوَّضتْني عن (مقهى النوفَرَهْ)..
ولا سُوقُ الهال في باريس
عوَّضَني عن (سوق الجُمْعَهْ) ..
ولا قصرُ باكِنْغهَامْ في لندنْ
عوَّضَني عن (قصر العَظمْ)..
ولا حمائم ساحة (سان ماركو) في فينيسيا
أكثرُ بَرَكةً من حَمَائم الجامع الأمويّْ
ولا قبرُ نابوليون في الأنفاليدْ
أكثرُ جلالاً من قبر صلاح الدين الأيُّوبي ..
قد يتَّهِمُني البعض ..
بأنني عدتُ إلى السباحة في بحار الرومانسيَّةْ
إنني لا أرفضُ التُهْمةْ .
فكما للأسماكِ مياهُها الإقليميةْ
فإن للقصائد أيضاً مياهها الإقليميةْ .
وأنا ـ كأيِّ سَمَكةٍ تكتبُ شِعْراً ـ
لا أريدُ أن أموتَ اخْتِنَاقاً ....
7
أتجوَّلُ في حارات دمشقَ الضَيِّقةْ .
تستيقظُ العيونُ العسليَّةُ ، خلفَ الشبابيكْ
وتُسلِّمُ عليّْ ..
تلبسُ النجوم أساورها الذهبيةْ ..
تحطُّ الحمائمُ من أبْراجها ..
وتُسلِّمُ عليّْ ..
تخرجُ لي القِطَطُ الشاميَّةُ النظيفَهْ
التي وُلِدَتْ مَعَنا ..
وراهقتْ معنا ..
وتزوَّجتْ مَعَنا ..
لتُسَلِّمَ عليّْ ...
تضعُ قليلاً من الماكياج على وجهها ..
شأن كلِّ النساءْ ..
تصنعُ لي قهوةً طيِّبَهْ .
وتُعَرِّفُني على أولادها .. وأصْهارِها .. وأحفادها ..
وتخبرني أن أكبر أولادها ..
سيتخرجُ هذا العامَ ، طبيباً من جامعة دمشقْ
وأن أصغرَ بناتها تزوَّجتْ من أميرٍ عربيّ
وسافَرَتْ معهُ إلى الخليجْ ..
تكرُجُ الدَمْعَةُ في عيني ..(55/106)
وأَستأذِنُ بالإنصرافْ ..
وأنا مطمَئِنٌّ على شجرة العائلَةْ
ومُسْتَقْبَلِ السُلالاتْ ...
8
أتَغَلْغَلُ في ( سُوق البُزُوريَّةْ )
مُبْحِراً في سُحُب البَهَارْ
وغمائمِ القرنفُلِ ..
والقِرفةِ ..
واليانسُونْ ..
وبماء العِشْقِ مرَّاتْ ..
وأنسى ـ وأنا في سُوق العطَّارينْ
جميع مستحضرات (نينا ريتشي ) ..
و (كُوكُو شانيلْ ) ...
ماذا تفعل بي دمشقْ ؟
كيف تغيِّرُ ثقافتي ، وذوقي الجماليّْ ؟
فَيُنْسيني رنينُ طاساتِ (عرقِ السُوسْ)
كونْشِرتُو البيانو لرحْمَا نينوفْ ..
كيف تُغيِّرني بساتين الشامْ ؟
فأصبحُ أولَ عازفٍ في الدنيا
يقودُ أوركِسترا
من شجر الصفصافْ!!
9
جئتُكُمْ ..
من تاريخ الوردةِ الدمشقيّةْ
التي تختصرُ تاريخَ العطرْ ..
ومن ذاكرة المُتَنبِّي
التي تختصرُ تاريخَ الشِّعرْ ..
جئتكمْ..
والأَضاليا ..
والنَرْجِسِ الظريفْ
التي علَّمتني أول الرسمْْ ....
جئتكم..
من ضِحْكَة النساءِ الشاميَّاتْ
التي علَّمتني أول المُوسيقى ...
وأول المراهقةْ ..
ومن مزاريبِ حَارَتِنا
التي علَّمَتْني أول البكاءْ
ومن سجادة صلاة أمي
التي علمتني
أول الطريق إلى الله ....
10
أفتحُ جوارير الذاكرهْ
واحداً .. واحداً ..
أتذكَّرُ أبي ..
خارجاً من معمله في (زُقاق معاويَهْ)
كأنه غَمَامةٌ من عطر الفانيليا ..
أتذكر عربات الخيلْ ..
وبائعي الصَبَّارَةْ ..
التي تكاد ـ بعد بَطْحَةِ العرقِ الخامسَةْ ـ
أن تسقطَ في النهرْ ...
أتذكر المناشفَ الملوَّنَهْ
وهي ترقُصُ على باب (حمَّام الخياطينْ)
كأنها تحتفل بعيدها القوميّْ .
أتذكرُ البيوتَ الدمشقيَّةْ
بمقابض أبوابها النحاسيةْ
وسُقوفها المُطرَّزةِ بالقَيْشَاني
وباحاتها الجُوَّانيةْ
التي تذَكِّرُكَ بأوصاف الجنةْ ....
11
البيت الدمشقيّْ
خارجٌ على نصِّ الفَنِّ المعماريّْ .
هندسةُ البيوت عندنا ..
تقومُ على أساسٍ عاطفيّْ
فكلُّ بيتٍ .. يسندُ خاصرةَ البيت الآخرْ
وكلُّ شُرفةْ ..(55/107)
تمُدُّ يدها للشرفة المقابلهْ ..
البيوتُ الدمشقيّةُ بيوتٌ عَاشِقَةْ ...
وتتبادلُ الزياراتِ ..
ـ في السِرِّ ـ ليلاً ....
12
عندما كنتُ دبلوماسيّاً في بريطانيا
قبلَ ثلاثينَ عاماً .
كانت أميّ ترسل لي في مطلع الربيعْ
في داخل كلِّ رسالَةْ ..
حُزْمَةَ (طَرْخُونْ) ...
وعندما ارتابَ الإنجليزُ في رسائلي
أخَذُوها إلى المخْتَبَرْ ..
وَوَضعُوهَا تحت أشعَّةِ الليزِرْ
وأحالوها إلى سكوتلانديارد ..
وعندما تَعِبُوا منّي .. ومن (طَرْخُوني) ..
سألوني : قل لنا بحقِّ اللهْ ...
ما اسمُ هذه العُشْبَةِ السحرية التي دَوَّخَتْنَا ؟.
هل هي تعويذة ؟
أم هي دواءْ
أم هي شفْرةٌ سِريَّة ؟
وماذا يقابلُها باللغة الإنجليزيَّة ؟ ...
قلتُ لهم: صعبٌ أن أشرحَ لكم الأمرْ ..
(فالطرخُونْ) لغةٌ تتكلَّمُها بساتين الشام فقط ..
وهو عُشْبَتُنا المُقدَّسَةْ ..
وبلاغتُنَا المعطَّرةْ ..
ولو عرف شاعركم العظيم شكسبير (الطرخونْ)
لكانت مسرحياتهُ أفضلْ ..
وباختصارْ..
إنَّ أمي امرأةٌ طيبّةٌ جداً .. وتُحِبُّني جداً ..
وعندما كانت تشتاقُ لي ..
كانت تُرْسِلُ لي باقةَ (طرخُونْ)..
(فالطرخونُ) عندها، هو المعادل العاطفيّ
لكلمة (يا حبيبي) ...
أو لكلمة ( تقبرني)..
وعندما لم يفهم الإنجليز حرفاً واحداً من مُرَافَعتي الشعريةْ ...
أعادوا لي (طَرْخُوني) .... وأغلقوا محضرَ التحقيقْ ....
13
عائدٌ إليكمْ ..
من آخِرِ فضاءات الحُريَّةْ
وآخِرِ فَضَاءاتِ الجُنُونْ.
في قلبي ..
شيءٌ من أحزان أبي فراس الحَمَدانيّْ
وفي عينيَّ ..
قَبَسٌ من حرائق ديكِ الجِنِّ الحمصيّْ
مُشْكِلَتي ..
أن الشعر عندي هو بَرْقٌ لا عقلَ له.
وزلزالٌ ..
رُبما ركبتُ حصانَ الشعرْ ..
برعونةٍ .. ونَزَقْ ..
ولكنني .. لم أُغَيِّر سُرُوجي
ولم أشتغلْ سائساً بالأُجرهْ ..
أو شاعراً بالأُجرَهْ ..
صحيحٌ .. أنني ربحتُ أكثر من سِبَاقْ
وحصلتُ على مداليَّاتٍ ذهبيةٍ كثيرةْ(55/108)
وصحيحٌ .. أن الشعبَ العربيّْ ..
طوَّقني بأكاليل الغارْ..
إلا أن أحزاني ..
كانت دائماً طويلةً كسنابل القمحْ ..
فلقد كُسِرَتْ ساقي ألف مرهْ ..
وكُسِرتْ رقبتي ألفَ مرَّهْ ..
وكُسِرَ عَمُودي الفقريُّ ، مليونَ مرهْ
وإذا كنتُ أقِفُ أمامكمْ على المنبرْ
وأنا بكامل لياقتي الجَسَديَّةْ ..
فلأنَّني ..
أقفُ على عظام كِبْريَائي ....
14
مِنْ (خان أسعد باشا)
يخرجُ أبو خليل القباني
بقُنْبازِهِ الدَامَسْكُو ..
وعمامَتِهِ المُقَصَّبَهْ ..
وعينيهِ المسْكُونتينِ بالأسئلَهْ ..
كعَيْنَيْ (هامْلِتْ) ...
يحاولُ أن يُقدِّمَ مسرحاً طليعياً
فيطالبونَهُ بخيمة قَرَه كُوزْ ..
يحاولُ أن يقدِّمَ نصَّاً من شكسبيرْ
فيسألونَهُ عن أخبار الزيرْ ...
يحاول، أن يجد صوتاً نسائياً واحداً
(يا مالْ الشامْ يا شامي)..
فيُخَرْطِشُونَ بواريدهُمْ العُثمانيَّةْ
ويُطلقونَ النار على كل شجرةِ وردْ..
تحترفُ الغِناءْ ...
يحاولُ أن يجد امرأةً واحدَهْ ..
تردِّدُ وراءَهُ :
(يا طيرَهْ طيري يا حمامَهْ)..
فيستلُّونَ سكاكينَهُمْ
ويذبحون كل سلالات الحمام..
وكل سلالات النساءْ ...
بعد مئةِ عامْ...
إعتذرتْ دمشقُ لأبي خليل القبَّاني
وشيَّدتْ مسرحاً جميلاً باسْمِهْ
وصارت أغنية (يا مال الشامْ، يا شامي)
نشيداً ، رسمياً مُقرَّراً
على كلِّ مدارس الإناث في سوريَّهْ ....
15
ألبِسُ جُبَّةِ محي الدين بن عَرَبيّْ
وأهبطُ من قِمّة جَبَلِ قاسيونْ
حاملاً لأطفال المدينةْ ..
خَوْخا ..
ورُمّاناً ..
وحلاوةً سِمْسِمِيَّهْ ..
ولنسائها ..
أطواقَ الفيروزْ ..
وقصائد الحبّْ ...
أدخلُ ..
في نَفَقٍ طويلٍ من العصافيرْ ..
والمنثورْ..
والياسمينِ العراتليّْ ..
أدخُلُ في أسئلة العطرْ..
تضيعُ منّي حقيبتي المدرسيةْ
والسَفرْطاسُ النحاسيّْ
الذي كنتُ أحملُ فيه طعامي ..
والخَرَزَةُ الزَرْقاءْ ..
التي كانتْ تُعلِّقُها أُمّي في صدري .
فيا أهْلَ الشامْ..(55/109)
مَنْ وجدني منكمْ.. فليرُدَّني إلى (أم المعتزّ)
وثوابه عند الله ..
أنا عصفوركم الأخضر.. يا أهل الشامْ
فمن وجدني منكمْ.. فليُطْعِمْني حبة قمحْ ..
أنا وردتُكُمْ الدمشقيَّةُ .. يا أهل الشامْ
فمنْ وجدني منكُمْ ، فلْيَضَعْني في أول مِزْهريَّهْ
أنا شاعركمْ المجنونُ .. يا أهل الشامْ
فمن رآني منكمْ .. فليَلْتَقِطْ لي صورةً تذكاريةْ
قبل أن أشفى من جنوني الجميل ..
أنا قمركمُ المشردُ .. يا أهل الشامْ
فمن رآني منكمْ ..
فليتبرَّعْ لي بفراشٍ .. وبطانيةِ صوفْ ..
لأنني لم أنمْ منذُ قُرُونْ ...
فيا أهْلَ الشامْ..
مَنْ وجدني منكمْ.. فليرُدَّني إلى (أم المعتزّ)
وثوابه عند الله ..
أنا عصفوركم الأخضر.. يا أهل الشامْ
فمن وجدني منكمْ.. فليُطْعِمْني حبة قمحْ ..
أنا وردتُكُمْ الدمشقيَّةُ .. يا أهل الشامْ
فمنْ وجدني منكُمْ ، فلْيَضَعْني في أول مِزْهريَّهْ
أنا شاعركمْ المجنونُ .. يا أهل الشامْ
فمن رآني منكمْ .. فليَلْتَقِطْ لي صورةً تذكاريةْ
قبل أن أشفى من جنوني الجميل ..
أنا قمركمُ المشردُ .. يا أهل الشامْ
فمن رآني منكمْ ..
فليتبرَّعْ لي بفراشٍ .. وبطانيةِ صوفْ ..
لأنني لم أنمْ منذُ قُرُونْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القصيدةُ الدمشقيَّّة
القصيدةُ الدمشقيَّّة
رقم القصيدة : 68911
-----------------------------------
هذي دِمَشْقُ .. وهذي الكأس والراحُ
إنِّي أحبُّ .. وبعض الحب ذبَّاحُ
لسالَ منه .. عناقيدٌ ، وتفاحُ ..
ولو فتحتمْ شراييني بِمِدْيَتِكُمْ
زراعة القلب، تُشْفي بعض من عشقوا
وما لقلبي - إذا أحببت- جرَّاحُ .
فالنهدُ مُسْتَنْفَرٌ .. والكُحْلُ صَدَّاحُ .
إنَّ النبيذَ هُنا .. نارٌ معطرةٌ
مآذن الشام تبكي إذْ تعانقني
وللمآذن ، كالأشجار ، أرواحُ .
وقطة البيت تغفو .. حيث ترتاحُ
طاحونة البنِّ ، جزءٌ من طفولتنا
هذا مكان (أبي المعتزِّ).. منتظرٌ
ووجه (فائزةٍ).. حلوٌ ، ولَمَّاحُ.(55/110)
فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاحُ؟
كم من دمشقيةٍ ، باعتْ أساورها
أتيت يا شجر الصفصاف معتذراً
فهل تسامح هيفاءٌ ... ووضَّاحُ؟
فوق المحيط، وما في الأفقِ ، مصباحُ
تقاذفتني بحارٌ لا ضِفَاَف لها
أقاتل القبح في شعري، وفي أدبي
حتى يفتِّح نوارٌ... وقَدَّاحُ ..
أليسَ في كتبِ التاريخِ ، أفراحُ؟
والشعر .. ماذا سيبقى من أصالته؟
وكيف نكتبُ ؟ والأقفالُ في فَمِنَا
وكلُّ ثانيةٍ، يأتيكَ سفَّاحُ ..
ماذا من الشعر يبقى، حين يرتاحُ؟
فوق المحيط، وما في الأفقِ ، مصباحُ
تقاذفتني بحارٌ لا ضِفَاَف لها
وطاردتني شياطينٌ .. وأشباحُ
أقاتل القبح في شعري، وفي أدبي
حتى يفتِّح نوارٌ... وقَدَّاحُ ..
ما للعروبة تبدو مثل أرملةٍ
أليسَ في كتبِ التاريخِ ، أفراحُ؟
والشعر .. ماذا سيبقى من أصالته؟
اذا تولاهُ نصابٌ .. ومدَّاحُ.
وكيف نكتبُ ؟ والأقفالُ في فَمِنَا
وكلُّ ثانيةٍ، يأتيكَ سفَّاحُ ..
حملت شعري على ظهري .. فأتعبني
ماذا من الشعر يبقى، حين يرتاحُ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> العطر
العطر
رقم القصيدة : 68912
-----------------------------------
العطر لغةٌ لها مفرداتُها ، وحروفُها ، وأبجديتُها ، ككل
اللغات .
والعطور أصنافٌ وأمزجة .
منها ما هو تمْتَمَةْ ..
ومنها ما هو صلاة ..
ومنها ما هو غزْوَةٌ بربريَّةْ ...
وللعطر المتحضر روعته ..
كما للعطر المتوحش روعته أيضاً ..
وهذا بالطبع يتوقف على الحالة النفسية التي نكون فيها،
عندما نستقبل العطر . وعلى نوع المرأة التي تستعمل
العطر .
والرجل أيضاً ، يلعب لعبته في تقييم العطر ..
بمعنى أن أنف الرجل مرتبطٌ بثقافته ، وتجربته، ومستواه
الحضاري .
هناك رجالٌ يفضِّلونَ العطور التي تهمس..
منهم من يفضَّلونَ العطورَ التي تصرخ..
ومنهم من يفضِّلون العطورَ التي تغتال ....
ثم أن نوعية علاقتنا بالمرأة تلعب دورها في تحديد نوع
العطر الذي يُقنعنا ..
فعطر العشيقة شيء ..(55/111)
وعطر الحبيبة شيءٌ آخر ..
وعطر الطالبة ذات السبع عشر سنة شيء ..
وعطر السيدة في الأربعين شيءٌ مختلف ..
وبالنسبة لي، يتغير العطر الذي أحبُّ ، بتغير حالتي النفسية ..
ففي بعض الأحيان ، أحبُّ العطر الذي نسيَ الكلام ...
وفي بعض الأحيان ، أحب العطر الذي يدخل في حوار
طويل معي ..
وفي بعض الأحيان أحب العطر المسالم ..
وفي بعض الأحيان أحب العطر المتوحش ..
والعدوانيّْ ..
على أن خياري الأول والأخير، في مسألة العطر ، هو
أنني أحب المرأة ـ الغمامة التي تخرج من تحت الدُوش
وهي لا تحمل على جسدها إلا رائحةَ الصابون ..
وقطرات الماء ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عاصي الرحباني
عاصي الرحباني
رقم القصيدة : 68913
-----------------------------------
1
عاصي الرحباني ، هو آخر الأشياء الجميلة في حياتنا .
هو آخر قصيدة ، قبل أن ندخل في الأمية.
وآخر حبة قمحٍ ، قبل أن ندخل في زمن اليَبَاس .
وآخر قمرٍ ، قبل أن تهاجمنا العُتْمَة .
وآخر حمامةٍ تحطُّ على أكتافنا .. قبل زمن الخراب .
وآخر الماء قبل أن تشتعلَ الحرائق في ثيابنا .
وآخر الطفولة .. قبل أن تسرقَ الحربُ طفولتنا .
به بدأ الحبُّ ، وبه انتهى .
وبه بدأ اللونُ الأخضر ... وبه انتهى .
وبه بدأ النبيذُ .. وبه انتهى .
وبه صار بحرُ (أنطلياسْ)
أعظمَ من المحيط الأطلسي.
3
فأحبَبْنَا ...
وهو الذي شجَّعَنا على أن نذهب لمواعيدنا ...
فَذَهبنا ..
وهو الذي علمنا أن تكتب على ضفائر حبيباتنا ..
فكتبنا ...
وهو الذي غطَّانا بشراشفِ الحنان ..
فنمنا ...
4
على يدي عاصي ، تحولت الموسيقى من مُظَاهَرة
وتحولَ الحبُّ من غَزْوَةٍ بربريةٍ
إلى صلاةْ ..
وتحولَ الشعرُ من قرقَعةٍ لغويّة
إلى جملةٍ حضارية ..
وتحولنا نحنُ ، من كائناتٍ ترابيةْ
إلى ضوءٍ مسموعْ ...
5
لم يكنْ عاصي ، حادثاً هامشياً في حياتنا
كان جبلاً .. ومؤسسةً .. وأكاديميةً ..
ويومَ يكتبُونَ تاريخ الشَجَرْ ..(55/112)
وتاريخَ الدِفْلَى والبَيْلَسَانْ
والقرميدِ الأحمر ..
وتاريخ القرى اللبنانيّة التي جعلها عاصي الرحباني
أهم من باريس، ونيويورك ، وسان فرانسيسكو .
يوم يُعلِّمون، بعد ألف سنةٍ في مدارسنا ، أسماء
الجبال في لبنان ، فسيكون عاصي الرحباني أعلى
وأهم جبلٍ في أطلس لبنان ...
أهم من باريس، ونيويورك ، وسان فرانسيسكو .
يوم يُعلِّمون، بعد ألف سنةٍ في مدارسنا ، أسماء
الجبال في لبنان ، فسيكون عاصي الرحباني أعلى
وأهم جبلٍ في أطلس لبنان ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> هوامِشُ على دفتر الهزيمة 1991
هوامِشُ على دفتر الهزيمة 1991
رقم القصيدة : 68914
-----------------------------------
1
لا حربنَا حربٌ، ولا سلامُنَا سلامْ
جميعُ ما يَمُرُ في حياتنا
ليس سوى أفْلامْ ...
زواجُنا مُرتجلٌ .
وحُبُّنا مُرتَجَلٌ .
كما يكونُ الحبُّ في بداية الأَفلامْ .
وموتُنا مُقرَرٌ .
كما يكونُ الموتُ في نهاية الأفلامْ .
لم ننتصِرْ يوماً على ذُبابةٍ
لكنها .. تجارةُ الأوْهامْ .
فخالدٌ ، وطارقٌ ، وحمزةٌ ،
وعُقبَةُ بن نافعٍ ،
والزيرُ ، والقَعقَاعُ ، والصَمْصَامْ .
مُكَدَّسونَ كُلُّهم ..
في عُلبِ الأفلامْ ..
3
وراءها هزيمةٌ ..
وراءها هزيمةٌ ..
كيف لنا أن نربحَ الحربَ
إذا كان الذينَ مَثَّلُوا ..
وصوَّرُوا ..
وأخرجوا ..
تعلَّموا القتالَ في وزارة الإعلامْ ؟؟
4
في كلِّ عشرينَ سَنَهْ ..
ليذبحَ الوَحْدَةَ في سريرها
ويُجهضَ الأحلامْ.
5
في كلِّ عشرينَ سنهْ ..
يأتي إلينا حَاكمٌ بأمرِهِ
ويأخذَ الشمسَ إلى مِنصَّة الإعدامْ .
6
في كلِّ عشرين سنَهْ
يأتي إلينا نَرْجسيٌّ عاشقٌ لذاتِهِ
ليدَّعي بأنه المَهْديُّ ، والمنْقِذُ ،
والواحدُ ، والخالدُ ،
والحكيمُ ، والعليمُ ، والقِدِّيسُ ،
والإمامْ ...
7
في كلِّ عشرين سَنَهْ
يأتي إلينا رجُلٌ مُقامِرٌ
ليرهُنَ البلادَ ، والعبادَ ، والتراثَ ،
والشُروقَ ، والغروبَ ،
والذُكورَ ، والإناثَ ،(55/113)
والأمواجَ ، والبحرَ ،
على طاولةِ القِمَارْ ..
8
في كلِّ عشرين سَنَهْ
يأتي إلينا رجُلٌ مُعَقَّدٌ
يحمل في جيوبهِ أصابعَ الألغامْ ..
9
ليس جديداً خوفُنا
من يوم كُنّا نُطفةً
في داخل الأرْحَامْ .
10
هل النظامُ ، في الأساس ، قاتلٌ ؟
عن صناعة النظامْ ؟
11
إنْ رضي الكاتبُ أن يكون مرةً
دَجَاجَةً ..
تُعاشِرُ الدُيُوكَ .. أو تبيضُ .. أو تنامْ ..
12
للأُدباء عندنا نقابةٌ رسْميَّةٌ
تُشْبهُ في تشكيلها
نقابةَ الأغْنامْ ...
ثم مُلُوكٌ أكلوا نساءَهُمْ
في سالف الأيامْ
لكنَّما الملوكُ في بلادنا
تعوّدوا أن يأكلوا الأقلامْ ...
14
وأصبحَ التاريخُ في أعماقنا
إشارةَ استِفْهَامْ !!
15
هُمْ يقطعونَ النَخْلَ في بلادنا
للسيّد الرئيسِ ، غاباتٍ من الأصنامْ !
16
لم يطْلُبِ الخالقُ من عبادهِ
أن ينحتوا يوماً لهُ
مليونَ تمثالٍ من الرَّخامْ !!
تَقَاطعتْ في لحمنا خناجرُ العُرُوبَهْ
واشْتَبَكَ الإسلامُ بالإِسلامْ ...
18
بعد أسابيع من الإبحار في مراكب الكلامْ
إلا الجلدُ والعِظام ..
19
طائرةُ (الفَانْتُومِ) ..
تنقَضُّ على رؤوسِنَا
20
الحَربُ ..
لا تربحُها وظائفُ الإنشاءْ .
ولا التشابيهُ .. ولا النُعُوتُ .. والأسمَاءْ
فكم دَفَعْنَا غالياً ضريبةَ الكلامْ ...
21
من الذي يُنقذُنا من حالة الفِصَامْ ؟
ونحن كلَّ ليلةٍ ..
نرى على الشاشاتِ جيشاً جائعاً .. وعارياً ..
يشحذُ من خنادق الأعداء (سانْدَوِيشَةً)
وينحني .. كي يلثُمَ الأقدامْ !!
قد دخلَ القائدُ - بعد نَصْرِهِ -
لغرفة الحمامْ ..
ونحن قد دخلنا
لملجأ الأيتامْ !!..
نموتُ مجَّاناً .. كما الذُّبابُ في إفْريقيا
نموتُ كالذُبَابْ.
ويدخلُ الموتُ علينا ضاحكاً
ويُقفِلُ الأبوابْ.
نموتُ بالجُمْلة في فراشنا
ويرفضُ المسؤولُ عن ثلاجة الموتى
نموتُ .. في حرب الإشاعاتِ..
وفي حرب الإذاعاتِ..
وفي حرب التشابيهِ..
وفي حرب الكِنَاياتِ..
وفي خديعة السَّرابْ .(55/114)
نموتُ.. مَقْهورينَ، مَنْبُوذينَ ، ملْعُونينَ..
مَنْسيِّينَ كالكلابْ ..
يُفَلْسِفُ الخَرَابْ...
24
مُضحكةٌ مُبكِيةٌ.
معركة الخليجْ.
فلا النِّصَالُ انكسَرَتْ فيها على النِّصَالْ.
ولا رأينا مرَّةً..
آشورَ بانيبالْ
فكُلُّ ما تبقّى.. لمُتْحَفِ التاريخِ .
أهْرامٌ من النعالْ!!.
25
في كُلِّ عشرين سَنَهْ.
يجيئُنا مِهْيَارْ.
يحملُ في يمينه الشَمْسَ،
وفي شماله النَّهارْ.
ويرسمُ الجنَّاتِ في خيالنا
ويُنْزِل الأمطارْ.
وفجأةً..
يحتلُّ جيشُ الرُوم كبرياءَنا
وتسقُطُ الأسوارْ!!.
26
في كلِّ عِشْرِينَ سَنَهْ.
يأتي امرؤُ القَيْس على حصانهِ
27
أصواتنا مكتومةٌ.
شفاهنا مختومةٌ.
شعوبنا ليست سوى أصفارْ ...
إنَّ الجُنُونَ وحدَهُ،
يصنعُ في بلادنا القَرارْ...
28
نكذِبُ في قراءة التاريخْ.
نكذبُ في قراءة الأخبارْ.
إلى انتصارْ!!.
29
يا وطني الغارقَ في دمائهِ
يا أيها المَطْعُونُ في إبائهِ
مدينةً مدينةً..
نافذةً نافذةً ..
غمامةً غمامةً..
حمامةً حمامةً ..
مئذنةً مئذنةً ..
أخافُ أن أُقرِئَكَ السلامْ ..
يُسافر الخنجرُ في عروبتي
يسافر الخِنجرُ في رُجولتي
هل هذه هزيمةٌ قُطْريَّةٌ ؟
أم هذه هزيمةٌ قوميّةٌ ؟
27
أصواتنا مكتومةٌ.
شفاهنا مختومةٌ.
شعوبنا ليست سوى أصفارْ ...
إنَّ الجُنُونَ وحدَهُ،
يصنعُ في بلادنا القَرارْ...
28
نكذِبُ في قراءة التاريخْ.
نكذبُ في قراءة الأخبارْ.
ونقلبُ الهزيمةَ الكُبْرى
إلى انتصارْ!!.
29
يا وطني الغارقَ في دمائهِ
يا أيها المَطْعُونُ في إبائهِ
مدينةً مدينةً..
نافذةً نافذةً ..
غمامةً غمامةً..
حمامةً حمامةً ..
مئذنةً مئذنةً ..
أخافُ أن أُقرِئَكَ السلامْ ..
30
يُسافر الخنجرُ في عروبتي
يسافر الخِنجرُ في رُجولتي
هل هذه هزيمةٌ قُطْريَّةٌ ؟
أم هذه هزيمةٌ قوميّةٌ ؟
أم هذه هزيمتي ؟؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> البحثُ عن سيّدةٍ إسْمُها
البحثُ عن سيّدةٍ إسْمُها
رقم القصيدة : 68915(55/115)
-----------------------------------
1
سَيِّدتي الشُورَى :
ما أحوالُكِ ؟
ما عُنْوانُكِ ؟
ما صندوقُ بريدكِ ؟
هل يمكنني أن ألقاكِ لخَمْسِ دقائقَ
يا سيِّدتي الشُورَى ؟..
فتَّشْنا عنكِ طويلاً
بين الماءِ .. وبينَ الماءِ ..
وبين الرملِ .. وبين الرملِ ..
وبينَ القَتْلِ .. وبين القَتْلِ ..
وبينَ قُرَيْشٍ .. وقُرَيْشٍ ..
فوجدنَا أنقاضَ خُيولٍ
ووجدنا أجزاءَ سُيُوفٍ
ووجدنا أشباه رجالٍ
ووجدنا جيشاً مَدْحُوراً ...
سَيِّدتي ..
سَيِّدتي الشُورَى :
فتَّشْنا عنكِ بأقْسَام البُوليسِ ،
وقائمةِ السُجَناءِ ،
وطابُورِ الغُرَباءِ ،
وفي غُرَفِ الإنْعَاشِ ،
وثلاجَاتِ الموتى ..
فتّشْنا ..
عن سيّدةٍ فُقِدَتْ منذ القرن الأولِ منّا ،
تُدْعَى الشُورى .
فَوَجدنا رأساً مقطُوعاً ..
ووجدنا جَسَداً مُغْتَصَباً ..
ووجدنا نَهْداً مَبتُورا ...
3
من يومِ وُلِدْنَا
وبأنَّ الشَعْبَ شريكٌ في التفكير ..
وفي التدبير ..
وفي التنظيرِ ..
كما تقضي أنظمةُ الشُورَى
لكنَّا .. لم نُسْألْ أَبَداً
إنْ كُنَّا في الأصل إناثاً
أو كنّا في الأصلِ ذُكورا ...
أو كنَّا بَشَراً .. أو كُنَّا
قِطَطَاً .. وكلاباً .. وطُيُورا ..
أو كُنَّا نأكُلُ فاكهةً
أو نأكُلُ تِبْنَاً .. وشعيرا ..
وبقينا في رسم الإيجارْ
تحلبُنا الدولةُ كالأبقارْ
لا نعرفُ مَنْ يَسْتأجرُنا .
لا نعرفُ من هو مالِكُنا .
لا نعرفُ مَنْ في اليوم التالي يَرْكبُنَا ..
وبقينا نسألُ أنْفُسَنا
هل هي شُورَبَةٌ ..
أم شورَى ؟؟
5
لو أنتَ دخلتَ على فِرْعَونٍ
في عُزْلتهِ الأَبَديَّهْ
قَطَراتِ دماءٍ بَشَريَّهْ .
وتُشاهدُ فوقَ وسادتِهِ
امْرأَةً دونَ ذراعَيْها ..
وقصائدَ دونَ ذراعَيْهَا ..
وخَوَاتمَ ذََهَبٍ مَرميَّهْ ..
وتُشاهِدُ تحت أظافرِهِ
قطعاً من لَحْمِ الحُرّيهْ ..
6
من يوم وُلِدْنَا
نسمعُ عن حُكْمِ الشُورّى
لكنَّ الحاكمَ في الشرق الأوسَطْ
وبالَ على رأي الإنسانِ ..(55/116)
وبالَ على حُكْم الشُورى ..
واحترفَ الرَقْصَ على أجساد الشَعْبِ
وشيَّدَ للظُلْمِ قُصُورا ..
ورمانا في آتون الحَرْبِ
وأحْرَقَ أُمَماً وعُصُورا ..
فأفَقْنَا في ذاتِ صباحٍ
لنرى أنفُسَنَا مكتوبينَ بقائمة الموتى .
ونرى الراياتِ مُمزَقةً .
ونرى الجُدرانَ مُهَدَّمةً .
ونرى الأجْسَادَ مُفَحَّمةً .
ونرى أكفاناً وقُبُورا .
وأفَقْنَا في ذاتِ صباحٍ
لنُلَمْلِمَ وطناً مكْسُورا ..
وعرفنا - بعدَ سُقُوطِ البَصْرةِ -
ما معنى الشُورَى !!
7
ما زلنا منذ طُفُولتنا
نتفاءلُ باللون الكاكيِّ
ونفرحُ بالعُقَدَاءِ ..
وبالنَجْماتِ على الأكتافِ ..
وبالجَزْماتِ ..
وبالأزرارْ ..
ما زلنَا ..
- منذُ بدأنا نقرأُ -
نتلوُ قرآن الثُوَّارْ ..
ونُغَطّي دبَّاباتِ الجيشِ الظافرِ
بالقُبُلاتِ .. وبالصَلَواتِ ..
وبالأزهارْ .
بمجيء الضُبَّاط الأحرارْ ..
8
لا لُغَةٌ ..
تجمعُ بين الحاكم والمحكوم لدَيْنَا
إلا لغةُ البَلْطَة والمِنْشَارْ ..
لا خيطٌ يجمع بينهُمَا
إلا ما يجمعُ
بين القِطِّ .. وبين الفَارْ ..
... وأتانا الضُبَّاطُ الأحرارْ .
وبدأنا ننسى ضوءَ الشَمْسِ ،
وصَوْتَ البحرِ ،
وألوانَ الأشجارْ ..
وبدأنا نسقُطُ تحت نعالِ الخَيلِ ،
ونُصْلبُ في غُرَف التعذيبِ ،
ونُشْوَى في أفْران النارْ ..
شكلَ الإنسانِ - الصَرصَارْ .
وبدأنا نسألُ أنفسنا :
أهنالكَ ربٌّ يسمعُنا خَلفَ الأسوارْ ؟؟
10
يتكسَّرُ وطني
مثلَ قوارير الفَخَّارْ .
تَنْقَرِضُ الأُمَّةُ بين الماءِ وبين الماءِ ..
تهاجرُ أسماكٌ وبحارْ .
تَنْهارُ بناياتُ التاريخِ جداراً بعد جدارْ ..
وأنا أتأمَّلُ ما تعرضهُ الشاشةُ
من أخبار العارْ ..
ومُذيعُ الدولةِ ، يُعْلنُ دونَ حياءٍ ،
بفضلِ نضالِ الحِزْبِ ..
وفَضْلِ الضُبّاطِ الأحرارْ " !!
مثلَ قوارير الفَخَّارْ .
تَنْقَرِضُ الأُمَّةُ بين الماءِ وبين الماءِ ..
تهاجرُ أسماكٌ وبحارْ .
تَنْهارُ بناياتُ التاريخِ جداراً بعد جدارْ ..(55/117)
وأنا أتأمَّلُ ما تعرضهُ الشاشةُ
من أخبار العارْ ..
ومُذيعُ الدولةِ ، يُعْلنُ دونَ حياءٍ ،
"أنَّا قد حقَّقنا النَصْرَ ..
بفضلِ نضالِ الحِزْبِ ..
وفَضْلِ الضُبّاطِ الأحرارْ " !!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى أينَ يذهبُ مَوْتَى الوطَنْ ؟
إلى أينَ يذهبُ مَوْتَى الوطَنْ ؟
رقم القصيدة : 68916
-----------------------------------
1
نَموتُ مُصَادَفةً ..
ككلاب الطريقْ .
ونجهلُ أسماءَ من يَصْنَعُونَ القَرارْ .
نموتُ ...
ولسنا نُنَاقشُ كيف نموتُ ؟
وأينَ نموتُ ؟
فيوماً نموتُ بسيفِ اليمينْ .
ويوماً نموتُ بسيفِ اليَسَارْ ..
نموتُ من القهرِ
حَرباً وسِلماً ..
ولا نتذكَّرُ أوجُهَ من قتلونا
ولا نتذكَّرُ أسماءَ من شَيَعُونا
فلا فرقَ - في لحْظَة الموتِ -
بين المَجُوسِ ..
وبين التََتَارْ ...
بلادٌ ..
تُجيدُ كتابةَ ِشعرِ المراثي
وتمتدُّ بينَ البُكاءِ .. وبين البُكاءْ
بلادٌ ..
جميعُ مدائنها كَرْبَلاءْ ...
3
بِكَعْبِ الحذاءِ تُدارْ ..
فلا من حكيمٍ ..
ولا من نبيٍّ ..
ولا من كتابْ .
بلادٌ ..
بها الشعبُ يأخذُ شَكْلَ الذُبابْ !!
4
بلادٌ ..
بلادٌ يُسيِّجُها الخوف ،
حيثُ العُروبةُ تغدو عقاباً ..
وحيثُ الدَعَارةُ تصبح طُهْراً
وحيثُ الهزيمةُ تغدو انتصارْ ...
5
مبادئُ .. بالرطلِ مَطْروحةٌ
على عرباتِ الخُضارْ ..
تكفلُ حريَّةَ الرأي .. تُعْرَضُ كالفِجْلِ
في عَرَبات الخُضَارْ .
قصائدُ .. ليسَ عليها إزَارْ
تُضاجعُ في الليل كلَّ خليفَهْ ..
وتُرْضي جميع جُنُود الخليفَهْ ..
وتُرمى صباحاً كأيّة جيفَهْ
عل عرَبات الخُضَارْ ..
6
بلادٌ .. بدون بلادْ
فأينَ مكانُ القصيدَةِ
بين الحصارِ ، وبين الحصارْ ؟
فِعْلُ انتحارْ ..
7
بلادٌ ..
تُحاولُ أشجارُها
من اليأسِ ،
أن تتوسَّلَ تأشيرةً للسفَرْ ..
بلادٌ ..
تخافُ على نَفْسِها من قصيدة شعرٍ ..
ومن قَمَر الليل ،
حين يمشّطُ شعرَ المَسَاءْ .
وتخشى على أَمْنِها(55/118)
وعُيُونِ النساءْ ..
9
أُفتّشُ عن وطنٍ لا يَجيءُ ..وأسكنُ في لغةٍ
ليس فيها جدارْ ...
10
بلادٌ ..
تُعِدُّ حقائبَها للرحيلْ
وليس هناكَ رصيفٌ
11
إلى أين يذهبُ مَوتَى الوطَنْ ؟
وكلُّ العقارات فيهِ
ومن يدلكونَ بزيت البَنَفْسجِ صدرَ الرئيسْ ..
وظهرَ الرئيسْ ..
وبطنَ الرئيسْ ..
ومن يحملونَ إليه كؤوسَ اللَّبنْ ..
إلى أين يذهبُ ؟
وما عندهم شِقّةٌ للسَكَنْ !!
12
ولو موتُنا ..
كانَ من أجل أَمْرٍ عظيمْ
لكنَّا ذهبنا إلى موتنا ضاحكينْ
ولو موتُنا كانَ من أجل وقْفة عزٍّ
وتحرير أرضٍ ..
وتحريرِ شعْبٍ ..
سبقنا الجميعَ إلى جنَّة المؤمنينْ
ولكنَهمْ .. قرّروا أن نموتَ ..
ليبقى النِظَامْ ..
وأخوالُ هذا النظامْ ..
وتبقى تماثيلُ مصنوعةٌ من عجينْ !!
13
يموتُ الملايينُ منّا
ولا تتحرَّكُ في رأس قائدنا
شَعْرَةٌ واحدَهْ ..
ولم أكُ أعرفُ أن الطُغَاةْ
يضيقُونَ بالآلة الحاسِبَهْ ..
14
أحاولُ بالشِعْرِ ..
أن أستعيدَ مَرَايا النهارْ .
وعُشْبَ الحقولِ ،
وضوءَ النجومِ ،
وأستنْبِتَ القمحَ من تحت هذا الدَمَارْ .
15
أُحاولُ بالشِعْرِ ..
إنهاءَ عصر التَخَلُّفِ ،
حتى أؤسِّسَ عصراً جديداً
من الوَرْْد والجُلَّنارْ .
أُحاولُ بالشِعرِ ..
تفجيرَ عَصْرٍ
وتغييرَ كَوْنٍ ..
وإشْعَالَ نارْ ..
17
بحثتُ طويلاً عن المُتَنبِّي
فلمْ أرَ من عزَّة النفسِ
بحثتُ عن الكبرياء طويلاً
ولكنني لم أشاهدْ
بعَصْر المماليكِ
إلا الصِغَارَ .. الصِغَارْ ...
من الوَرْْد والجُلَّنارْ .
16
أُحاولُ بالشِعرِ ..
تفجيرَ عَصْرٍ
وتغييرَ كَوْنٍ ..
وإشْعَالَ نارْ ..
17
بحثتُ طويلاً عن المُتَنبِّي
فلمْ أرَ من عزَّة النفسِ
إلا الغُبارْ ..
بحثتُ عن الكبرياء طويلاً
ولكنني لم أشاهدْ
بعَصْر المماليكِ
إلا الصِغَارَ .. الصِغَارْ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الكتابةُ بالحِبْر السريّ
الكتابةُ بالحِبْر السريّ
رقم القصيدة : 68917(55/119)
-----------------------------------
1
هُمْ يكتبُونَ .. كأنهمْ لا يكتُبُونْ .
ويُعاصِرون سقوطَ تاريخٍ ..
وهمْ مثلَ الدَجَاج مُجلَّدُونْ ..
ويُسافرونَ ..
بغير أقدامٍ ، على أوراقهمْ
ويُضاجعون نساءَهم ليلاً
وهُمْ مُتنكّرونْ ..
وطنٌ تَنَاثرَ كالغُبَار أمامهمْ
وهُمُ على أطلاله يتنَزَّهُونْ ..
هُمْ خائفونَ ..
على أناقَتِهمْ ..
وقَصَّةِ شَعْرِهمْ ..
وعلى نَشَاءِ قميصهِمْ ..
هُمْ خائفُونْ .
3
حتى يُبْدِعُوا ..
مِنْ بَعْدِ زيتِ الكازِ ..
ماذا يشربُونْ ؟
هل هؤلاءِ طليعةٌ ثوريَّةٌ
أم باعةٌ مُتجولُونْ ؟؟
4
البائعونَ ثقافةً مغْشُوشَةً
والراقدونَ بغرفةِ الإنعاشِ ..
لا يتحركُّونْ ..
والسائحونَ على ضِفَاف جِراحِنا
ماذا سيفعلُ هؤلاءِ السائحونْ ؟
فمِنَ المقاهي ..
يُعلنونَ حُرُوبَهُمْ .
ومن المقاهي ..
يُطْلِقُونَ رصَاصَهُمْ
وعلى كراسيها الوثيرةِ
يحضنُونَ بُيُوضَهُمْ ..
ويُفرِّخُونْ ..
ما أجْبَنَ الثَوْرَاتِ
تخرُجُ من كُؤُوسِ اليانَسُونْ !!
5
ماذا يريدُ الأنبياءُ الكاذبونْ ؟
الثائرونَ على دفاترهمْ
والشاهرُونَ سيوفَ أحْرفُهِم
وهُمْ مُتَقاعِدُونْ ..
والحاملونَ طُبولَهُمْ .. ودُفُوفَهُمْ ..
فبكلِّ عُرسٍ سُلْطَويٍّ
يدبكُون .. ويرقُصُونْ ..
ولكلِّ طاغيةٍ ..
يُضيئونَ الشموعَ ..
ويسجدُونَ ..
ويركعونْ ..
6
ماذا يريد الهاربونَ
من الشهامةِ ، والرُجولةِ ،
ما يريدُ الهاربُونْ ؟
يُدخِّنُونْ ..
ماذا يريدُ النَرْجسيُّونَ
الذين بحُسْنهم يتغزَّلُونْ ؟
وبشِعْرهِمْ يتغزًّلُونْ ..
وبنثرهمْ يتغزَّلونْ ..
7
الرائدونَ ..
وليس ثمَّ ريَادَةٌ .. أو رائدُونْ ..
والجالسونَ أمامَ أبواب الجوامعِ ..
والكنائسِ ..
يَشْحَذُونْ .
8
ماذا يريدُ اللاعبونَ على اللُّغَاتِ
الشاطرونَ ..
الماكرونْ ؟
الشاهدونَ على جريمة شنْقِنَا
ماذا تراهُم يشهدُونْ ؟
في أيِّ يومٍ يغضَبُونْ ؟
في آبَ ؟ في أيلولَ ؟ في تشرينَ ؟
في يوم القيامةِ - رُبَّما -(55/120)
هُمْ يغضَبُونْ !!.
9
لا شيءَ ..
في العصر البيزنطيِّ الجديدِ يَهزُّهُمْ ..
لا شيءَ ..
في عصر المماليكِ الجديد يَهزُّهُمْ ..
لا شيءَ ..
في عصر (المارينز) يُثيرُهُمْ
أو يرفُضُوا ..
أو يبصُقُوا ..
أو يعلنوا رأياً ..
فهُمْ موتى
وماذا قد يقومُ الميِّتُونْ ؟
10
مَنْ هؤلاءِ السادةُ المُسْتَشْرِقُونْ ؟
ولأيِّ شعبٍ ؟.
أيِّ أرضٍ ؟
أيِّ دينٍ ؟
أيِّ ربٍّ ينتمونْ ؟
ما مسَّهُمْ حَرٌّ ، ولا قَرٌّ ،
ولا قَلَقٌ ، ولا أَرَقٌ ،
ولا مَنْ يَحْزَنُونْ ..
يتكلمونَ .. بألف موضوعٍ
ولا يتكلمونْ ..
ويحركون شفاههمْْ
لكنهم لا ينطقونْ ..
ويشاهدون جنازة الوطن القتيل أمامهمْ
تمشي ..
فلا يترحمونْ ..
11
مَنْْ هؤلاءِ الطارئونَ على مَشَاكلِ عَصْرِنا ؟
مَنْ هؤلاءِ الطارئُونْ ؟
هُمْ يزعمُونَ بأنَّهُمْ سيغيِّرونَ خريطةَ الدنيا ..
وهم مُتَخلّفونْ ..
وبأنهم سيُحرّرونَ الفكرَ والإنسانَ في كَلِمَاتِهمْ
وهُمُ على كُلِّ الموائد يخدُمُونْ ..
وبأنّهمْ عَرَبٌ غطاريفٌ
وهُمْ مُسْتعرِبُونْ ..
مَنء هؤلاءِ
الخائفُونَ على طراوة جِلْدِهمْ ؟
وعلى تناسقِ خَصْرِهمْ
وعلى أنوثة صوتِهمْ
مَنْ هؤلاء المُتْرَفُونْ ؟
هل هؤلاءِ طليعةُ ثوريَّةٌ ؟
أم باعةٌ متجوِّلُونْ ؟؟
وبأنّهمْ عَرَبٌ غطاريفٌ
وهُمْ مُسْتعرِبُونْ ..
12
مَنء هؤلاءِ
الخائفُونَ على طراوة جِلْدِهمْ ؟
وعلى تناسقِ خَصْرِهمْ
وعلى أنوثة صوتِهمْ
مَنْ هؤلاء المُتْرَفُونْ ؟
هل هؤلاءِ طليعةُ ثوريَّةٌ ؟
أم باعةٌ متجوِّلُونْ ؟؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مُدَنَّسَةُ الحَليب
مُدَنَّسَةُ الحَليب
رقم القصيدة : 68918
-----------------------------------
أَطْعِميهِ .. من ناهديْكِ اطْعِميهِ
واسكُبي أعكرَ الحليبِ بفيهِ
خَشَبُ المَهْد كاد أن يشتهيهِ
نَشِفتْ فَوْرَةُ الحليب بثدييكِ
زوجُكِ الطِّيبُ البسيطُ .. بعيدٌ
عنكِ ، يا عِرْضَهُ وأُمَّ بَنيهِ
سوادَ العينينِ كي تشربيهِ..(55/121)
يتركُ الدارَ خاليَ الظنِّ .. ماذا؟
أو آذاكِ يا لئيمةُ .. حتى
في قداسات نسلِهِ تُؤذيهِ؟
يأبى الحياءُ أن تُدْخِليهِ
إستغلّي غيابَهُ .. رُبَّ بيتٍ
***
والرضيعُ الزحَّافُ في الأرضِ يسعى
أمُّهُ في ذراع هذا المُسَجَّى
إن بكى الدهرَ سوفَ لا تأتيهِ
العميقُ العاهات والتشويهِ؟
أأبوهُ هذا؟ ويا رُبّ مولودٍ
***
مُلْكُ الصغير .. لا تسرقيهِ
إنْ سَقَيت الزُّوارَ منه .. فقِدْماً
أمُّهُ في ذراع هذا المُسَجَّى
إن بكى الدهرَ سوفَ لا تأتيهِ
أأبو الطفل .. ذلك الزائرُ الفظُّ
العميقُ العاهات والتشويهِ؟
أأبوهُ هذا؟ ويا رُبّ مولودٍ
أبوهُ الضجيعُ .. غيرُ أبيهِ..
***
إنَّ هذا الغذاءَ يُفرزهُ ثدياكِ
مُلْكُ الصغير .. لا تسرقيهِ
إنْ سَقَيت الزُّوارَ منه .. فقِدْماً
لَعَقَ الهِرُّ من دماء بَنِيهِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى زَائِرَة
إلى زَائِرَة
رقم القصيدة : 68919
-----------------------------------
حَسْبي بهذا النَفْخِ والهَمْهَمَهْ
يا رِعْشَةَ الثعبان .. يا مُجْرِمَهْ
زحفاً إلى غرفتي الملْهَمَهْ..
مفكوكة الأزرار عن جائعٍ
وشَعْرُكِ المسفوحُ .. خُصْلاتُهُ
مهملةٌ ، لا تعرف اللمْلَمَهْ
تائهةٌ كالفكرة المُبْهَمَهْ
ونَهْدُكِ الملتفُّ في ريشهْ
كالأرنب الأبيض في وَثْبِهِ
الله.. كم حاولتُ أن أرسمَهْ
هل ظَلَّ شيءٌ بَعْدُ ما حطَّمَهْ؟
آمنتُ باللَّذاتِ مَسْلُولةً
وكم لدى المرأة من طلبٍ
في جوع عينيها له ترجمَهْ
شهيّةَ العطر . أنا ماردٌ
فحاذِري أن تكسِري قُمْقُمَهْ
عواصفي ، وشهوتي الملْجَمهْ
لا يعرفُ الطوفانُ في جَرْفِهِ
وكم لدى المرأة من طلبٍ
في جوع عينيها له ترجمَهْ
***
شهيّةَ العطر . أنا ماردٌ
فحاذِري أن تكسِري قُمْقُمَهْ
ما أنتِ ؟ ما نَهْدَاكِ؟ إن قَهْقَهْتْ
عواصفي ، وشهوتي الملْجَمهْ
لا يعرفُ الطوفانُ في جَرْفِهِ
ما حلَّلَ اللهُ .. وما حَرَّمَهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى عَجوز(55/122)
إلى عَجوز
رقم القصيدة : 68920
-----------------------------------
عَبَثاً جُهُودُكِ .. بي الغريزةُ مُطْفاَهْ
إني شبعتُكِ جيفةً متقَيِّئهْ
تدعو .. وفي شفتيكِ تحترقُ امرأهْ
إنيّ قرفتُكِ ناهداً مُتَدَلِّياً
أنا لا تُحرِّكني العجائزُ .. فارجعي
لكِ أربعونَ .. وأيُّ ذكرى سَيِّئَهْ
أُختَ الأزقَّةِ .. والمضاجعِ .. والغوى
والغرفةِ المشبوهةِ المتلألئهْ..
شفةً أُقَبِّلُ أم أُقَبِّلُ مدفأهْ؟
الدودُ يملأ قعرَها والأوبئهْ..
صَيَّرتِ للزوّارِ ثَدْيَكِ مَوْرِداً
فبكلِّ ثغرٍ من حليبكِ قطرةٌ
وقرابةٌ في كلِّ عِرْقٍ .. أو رِئَهْ
والإبْطُ .. أَيَّةُ حفرةٍ مَلْعُونةٍ
الدودُ يملأ قعرَها والأوبئهْ..
صَيَّرتِ للزوّارِ ثَدْيَكِ مَوْرِداً
إِمَّا ارتوتْ فِئَةٌ .. عصرتِ إلى فِئَهْ
فبكلِّ ثغرٍ من حليبكِ قطرةٌ
وقرابةٌ في كلِّ عِرْقٍ .. أو رِئَهْ
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أفِيقي
أفِيقي
رقم القصيدة : 68921
-----------------------------------
أفيقي .. من الليلة الشاعِلَهْ
ورُدِّي عباءَتكِ المائِلَهْ
سيفضحُ شَهْوَتَكِ السافِلَهْ
مُغامِرَةَ النَهْدِ .. رُدِّي الغطاءَ
وأينَ ثيابُكِ بَعْثَرتِها
لدى ساعة اللذّةِ الهائلَهْ
كما تنفُخُ الحيَّةُ الصائلَهْ
***
وأقبلتِ الساعةُ العاقلَهْ
هو الطينُ .. ليس لطينٍ بقاءٌ
لقد غَمَرَ الفَجْرُ نهديْكِ ضوءاً
***
ستمضي الشهورُ .. وينمو الجنينُ
هو الطينُ .. ليس لطينٍ بقاءٌ
ولذَّاتُهُ وَمْضةٌ زائلَهْ..
لقد غَمَرَ الفَجْرُ نهديْكِ ضوءاً
فَعُودي إلى أُمِّكِ الغافلَهْ
***
ستمضي الشهورُ .. وينمو الجنينُ
ويفضحكِ الطِفْلُ والقابلَهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القُرْطُ الطويل
القُرْطُ الطويل
رقم القصيدة : 68922
-----------------------------------
جارانِ للسالفِ .. من ذا رأى
على بساطٍ .. رُزْمَتيْ جَوْهَرِ
على طريقٍ مُعْشِبٍ .. مُزْهِرِ..(55/123)
حَبْلا بريقٍ .. رافقا جيدَها
وَشْوَشَةُ المياهِ .. مسموعةٌ
من مقعدي ، وضَجَّةُ الأنهُرِ
سالا على مقالع المَرْمَرِ
كَمْ غَلْغَلا خَلْفَ ذواباتِها
ما تَعِبَا رَقْصاً على جيدها
ولا انتهى الهَمْسُ مع المئزرِ
من نَزَقِ المُدَوَّرِ الأسمرِ ..
أَسْلاكُها تمضي على كَيْفِها
تَحُطُّ إن شاءتْ على شَعْرِها
أو .. لا .. ففوق البؤبؤِ الأخضرِ..
يخافُ أن أعلقَ بالأحْمَرِ
رَغْمَ امتناع القُرْط .. أَجْتاحُهُ
أَسْلاكُها تمضي على كَيْفِها
تمضي .. وتمضي .. في مدى مُقْمِرٍ
تَحُطُّ إن شاءتْ على شَعْرِها
أو .. لا .. ففوق البؤبؤِ الأخضرِ..
يَرُدُّني القُرْطُ كأنِّي به..
يخافُ أن أعلقَ بالأحْمَرِ
رَغْمَ امتناع القُرْط .. أَجْتاحُهُ
أشرسَ من عُصفُورَة البَيْدَرِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مُسَافِرَة
مُسَافِرَة
رقم القصيدة : 68923
-----------------------------------
جِئْتُها نازفَ الجراح ، فقالتْ:
شاعرَ الحُبِّ والأناشيدِ .. ما بِكْ؟
ذاكَ منديليَ الصغيرَ .. فكفْكِفْ
قَطَراتِ الأسى على أهدابِكْ
نَمْ على زنديَ الرحيم .. وأَشْفِقْ
يا رفيقَ الصبا .. على أعصابِكْ
إرفعِ الرأسَ ، والتفتْ لي قليلاً
يا صغيري ، أكْأَبْتَني باكتئابِكْ
مُمْكِنٌ أن نظلَّ بعدُ صديقيْنِ
تَفَاءلْ .. ألم تزلْ في ارتيابِكْ؟
***
ما تقولينَ ؟ كيفَ أحملُ جُرْحي
بيميني .. كيفَ احتمالُ اغترابِكْ
أينَ تَمْضينَ؟ كيفَ تَمْضينَ ؟ رُدِّي
وأغانيَّ ضارعاتٌ ببابِكْ
وببيتي من ضَوْء عَيْنَيْكِ ضوءٌ
وبقايا من رائعاتٍ ثيابِكْ
أنتِ لي رَحْمةٌ من الله بيضاءُ
أُحِسُّ السلامَ في أعتابِكْ
أنتِ كوخُ الأحلام آوي إليهِ
أَشربُ الصمتَ في حمى أعشابِكْ
أنتِ شَطٌ أغفتْ عليه الهناءاتُ
وقِلْعي حيرانُ فوق عُبابِكْ
أنتِ حَانُوتُ خمرتي إن طغى الدهرُ
وجدتُ السلوانَ في أكوابِكْ
أنتِ كَرْمى الدفيقُ .. لو يُعْبَدُ الكرْمُ
عَبَدتُ النيرانَ في أعنابِكْ
***(55/124)
مَسَحَتْ جبهتي .. بأنْمُلِها الخَمْس
وفَكَّتْ لي شعريَ المتشابِكْ
يا صديقي وشاعري : لا تُمَكِّنْ
قَبْضَةَ اليأس من طُمُوح شبابِكْ
أنتَ للفنّ .. قد خُلِقْتَ وللشِعْر ..
سَيَهْدي الدُنيا بريقُ شهابِكْ
أنا دَعْني أسيرُ .. هذا طريقي
وامْشِ يا شاعري إلى محرابِكْ
ما خُلِقْنا لبعضنا .. يا حبيبي
فابقَ للفنِّ .. للغِنَا .. لكتابِكْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وَرَقة إلى القارِئ
وَرَقة إلى القارِئ
رقم القصيدة : 68924
-----------------------------------
كمَيْسِ الهوادج .. شرقيةً
تَرْشُّ على الشمس حُلْوَ الحِدا ..
من الرمل ، ينشفُ فيه النِدا
ومثلَ بُكاء المآذن .. سرتُ
أُعبِّيءُ جيبي نجوماً .. وأَبْني
على مقعدِ الشمس لي مقعدا
ويبكي لأمنحَهُ موعِدَا ..
شراعٌ أنا .. لا يطيقُ الوصولَ
حُرُوفي ، جموعُ السُنُونُو ، تمدُُّ
على الصَحْو .. معطفَها الأسودَا
تَمَزُّقهُ قبلَ أن يُولَدَا ..
أنا لبلادي .. لنجْماتِها
سَفَحتُ قواريرَ لوني نُهُوراً ..
على وطني الأخضرِ المفْتَدَى
ومن شرفِ الفِكْر أن يصعَدَا
تَخَيَّلتُ حتى جعلتُ العطورَ تُرى
***
بأعراقيَ الحُمْرِ .. إمرأةٌ
تَفُحُّ .. وتنفخُ في أعظمي
فتجعل من رئتي مَوْقِدا ..
هَيولاهُ من شاطيء المُبْتَدا
بتركيبِ جسميَ .. جُوعٌ يَحِنُّ
أَتحسِبُ أنكَ غيري ؟ ضللتَ
فإنَّ لنا العنصرَ الأوحدا
شيئاً .. ولولايَ لَنْ تُوجَدَا
ولا فَقَع الثَدْيُ أو عربَدَا
صنعتُكَ من أضلعي .. لا تكنْ
أضَاعَكَ قلبي ، ولما وجدتُكَ
يوماً بدربي .. وجدتُ الهُدَى
عَزَفْتُ . ولم أطلبِ النجمَ بيتاً
ولا كان حلميَ أن أَخْلُدا
ولا أطلبُ "الشاعرَ الجيِّدَا"
شعرتُ "بشيءٍ" فكوّنتُ "شيئاً"
***
فيا قارئي .. يا رفيقَ الطريقِ
سألتُكَ بالله .. كُنْ ناعِماً
إذا ما ضَمَمْتَ حُرُوفي غَدَا ..
عذابَ الحروفِ .. لكي توجَدا ..
***
فُضُولاً .. ولا كان عُمْري سُدى
فما ماتَ من في الزمانِ ..(55/125)
أضَاعَكَ قلبي ، ولما وجدتُكَ
يوماً بدربي .. وجدتُ الهُدَى
***
عَزَفْتُ . ولم أطلبِ النجمَ بيتاً
ولا كان حلميَ أن أَخْلُدا
إذا قيلَ عني "أُحسُّ" كفاني
ولا أطلبُ "الشاعرَ الجيِّدَا"
شعرتُ "بشيءٍ" فكوّنتُ "شيئاً"
بعفويةٍ ، دون أن أقصُدا
***
فيا قارئي .. يا رفيقَ الطريقِ
أنا الشفتانِ .. وأنتَ الصَدَى
سألتُكَ بالله .. كُنْ ناعِماً
إذا ما ضَمَمْتَ حُرُوفي غَدَا ..
تَذَكَّرْ .. وأنتَ تمرُّ عليها
عذابَ الحروفِ .. لكي توجَدا ..
***
سأرتاحُ .. لم يكُ معنى وجودي
فُضُولاً .. ولا كان عُمْري سُدى
فما ماتَ من في الزمانِ ..
أَحَبَّ .. ولا ماتَ من غّرَّدا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مَذعُورة الفسْتَان
مَذعُورة الفسْتَان
رقم القصيدة : 68925
-----------------------------------
مَذْعورَةَ الفُسْتَانِ .. لا تهربي
لي رأيُ فنّانٍ ، وعَيْنَا نبي
واْلتَفَّ بالعِقْدِ .. وبالجوْرَبِ
والتهَمَ الخَيْطَ .. وما تَحْتَهُ
واقْتَحَمَ النهدَ .. وأَسوارَهُ
ولم يُعدْ من ذلك الكوكبِ
يمشي على جُرح هوىً مُرْعِبِ
يمشي بلا وَعْيٍ ولا غايةٍ
حَرَّكتِ بالإيقاع أَحْجَارَهُ
فانْدَفَعتْ في عِزَّةِ الموكبِ
شيئاً من الليلِ .. من المغْرِبِ
أهذه أنتِ ؟ صَبَاحي رِضَا
تَمَهَّلِي في السَيْر .. هل رَغْبَةٌ
ظَلَّتْ بصدر الدرب لم تَرْغَبِ؟
لم ينسجمْ . لم يَبْكِ . لم يَطْرَبِ
تَسَلْسَلي ، إيقاعَ رَصْدٍ ، ثِبي
***
مُخضَرَّةَ الخطوة .. لا تُجْفلي
مَشَى بكِ المقهى .. مشى حَيُّنا
حَلْفَ حفيفِ المِئْزَرِ المُطْرِبِ
حُلْمُ طُيُورِ البحرِ بالمركبِ
أَذْرُعُنا . أَذْرُعُ أشواقِنا
نحنُ ! دعي نحن .. أيا واحةً
يحلمُ فيها كلُّ مُسْتَرْطِبِ ..
لولاكِ وجهُ الأرضِ لم يُعْشِبِ
الرصيفُ . يا للموسمِ الطيَّبِ..
هل تغضبُ الوردةُ .. كي تغضبي؟
مَشَى بكِ المقهى .. مشى حَيُّنا
حَلْفَ حفيفِ المِئْزَرِ المُطْرِبِ
نحنُ افتكارُ الجُرْح في نفسِهِ(55/126)
حُلْمُ طُيُورِ البحرِ بالمركبِ
أَذْرُعُنا . أَذْرُعُ أشواقِنا
تَهْتُفُ بالذَهَابِ : لا تَذْهَبِ .!
نحنُ ! دعي نحن .. أيا واحةً
يحلمُ فيها كلُّ مُسْتَرْطِبِ ..
مَرَرْتِ .. أم نَوَّارُ مَرَّ هنا ؟
لولاكِ وجهُ الأرضِ لم يُعْشِبِ
دُوسي . فَمِنْ خطوكِ قد زَرَّرَ
الرصيفُ . يا للموسمِ الطيَّبِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مكَابَرَةَ
مكَابَرَةَ
رقم القصيدة : 68926
-----------------------------------
تُراني أُحِبُّكِ ؟ لا أَعْلَمُ
سُؤالٌ يحيطُ بهِ المُبْهَمُ
إذا لُحْتِ طاشَ برأسي الدمُ
وحَارَ الجوابُ بحنْجُرتي
وفَرَّ وراءَ ردائكِ قلبي
ليلثمَ منكِ الذي يَلْثمُ
أنا لا أُحِبُّ .. ولا أُغْرَمُ
***
وتطفو على مَضْجَعي الأنجُمُ
وأسأَلُ قلبي : أتعرفُها؟
تُراني أُحِبُّكِ؟ لا . لا . مُحَالٌ
***
وإن كنتُ لستُ أُحِبُّ ، تراهُ
وتلكَ القصائدُ أشدو بها
أما خلفَها امرأةٌ تُلْهِمُ؟
أنا لا أُحِبُّ .. ولا أُغْرَمُ
***
أُلِحُّ . وأرجُو . وأسْتَفْهِمُ
فيهمُسُ لي : أنتَ تعبُدُها
لماذا تكابرُ .. أو تَكْتُمُ ؟
وتلكَ القصائدُ أشدو بها
أما خلفَها امرأةٌ تُلْهِمُ؟
تُراني أُحِبُّكِ؟ لا . لا . مُحَالٌ
أنا لا أُحِبُّ .. ولا أُغْرَمُ
***
إلى أَنْ يَضيقَ فُؤادي بِسرِّي
أُلِحُّ . وأرجُو . وأسْتَفْهِمُ
فيهمُسُ لي : أنتَ تعبُدُها
لماذا تكابرُ .. أو تَكْتُمُ ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> المَوْعِدُ الأوّل
المَوْعِدُ الأوّل
رقم القصيدة : 68927
-----------------------------------
.. ويمنحني ثَغْرُها مَوْعِدَا
فيخضرُّ في شفتيها الصَدَى
وأينَ القرارُ؟ سَبَقْتُ الزمانَ
أُخَوِّضُ في الصُبح .. مِلءَ طريقي
تخافينَهُ؟ نحنُ نهدي الهُدَى
أُحِبُّكِ فوقَ التصَوُّر .. فوقَ
إلى شَعْركِ القمرَ الأسودا..
على اللهِ حتَّى .. فلم يَسْجُدا !!
جَرَحْتُ الأزاميلَ فيكِ . حَمَلْتُ
إلى شَعْركِ القمرَ الأسودا..(55/127)
على اللهِ حتَّى .. فلم يَسْجُدا !!
المسافاتِ .. فوقَ حَكَايا العِدَا
جَرَحْتُ الأزاميلَ فيكِ . حَمَلْتُ
إلى شَعْركِ القمرَ الأسودا..
وشَجَّعتُ نَهْدَيْكِ .. فاسْتَكْبَرا
على اللهِ حتَّى .. فلم يَسْجُدا !!
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> مي في وطنها
مي في وطنها
رقم القصيدة : 67382
-----------------------------------
يا أرز لبنان و قد أقبلت
ميّ و سرب الغانيات الملاح
و انحنت الهامات من هيبة
لمجدك البادي بتلك البطاح
أمّا قرأت الحبّ في سورة
خطّت على تلك الوجوه الصباح
كافحت إعصار الردى ظافرا
فمن محا آثار ذاك الكفاح
و جرّد الدّهر عليك الظبى
فانخذل الدهر و فلّ السلاح
غالبته تسخر من صرفه
كبرا و لا تخشى القضاء المتاح
ما نال منك الدهر إلاّ الذي
نالت من الصخر الأصمّ الرياح
أين سليمان و بلقيسه
اخت هلال الأفق بنت الصباح
و أين ذاك الهيكل المرتجى
هيضت خوافيه و قصّ الجناح
فاتل على ميّ أحاديثه
من يوم شادوه إلى اليوم طاح
***
يا بردى الشام و قد أقبلت
ميّ الفتاة الغادة الشاعرة
لا تنكر الشّوق فقد صفّقت
من وجدها أمواهك الطاهرة
تلا عليها بردى ما جرى
عليه في أيّامه الغابرة
فاستعبرت تذكر آلامه
يا حبّذا المحبوبة الذاكره
خاطبها الماء و لا بدعة
فإنّها يا بردى ساحره
حدّث عن الماضي و أعراسه
و عن صروف الزمن الغادره
و عن جدود فيك ميمونة
و عن جدود بعدها عاثره
و عن عروش حسدت مجدها
في الأفق هذي الأنجم الزاهره
و اتل على ميّ رواياتهم
فإنّها مبكية زاجره
***
يا بعلبك ابتسمي إنّها
ميّ و سرب الغانيات الدمى
و استقبلي الوحي فوحي النّهى
سلّم في السرب الذي سلّما
بنيانك الخالد ما باله
أصبح لغزا غامضا مبهما
ها شاده أهل الثرى معجزا
أم شاده في الأرض أهل السما
لم يدر هذا العصر من سرّه
شيئا فما أبهى و ما أعظما
و اخجل الإنسان في كبره
لا كرّم الحقّ و لا كرّما
لقد سما الأجداد من قبله
كما سما أو فوق ما قد سما(55/128)
هل عنده من يبتني تذمرا
أمغرما في الفنّ أو مرغما
فقدسيّ مبدعها مالكا
لا ينقض الأمر إذا صمّما
واتلي على ميّ أعاجبه
فالمرء مذكور بما قدّما
***
يا ميّ ، و الأرزاق مقسومة
سبحان من قسّمها في الأنام
من مصر لبّيت نداء الهوى
فزرت لبنان و زرت الشام
ثمّ تهاديت على سابح
ممتنع الجانب عند الصدام
تبغين أرض النيل مشتاقة
لمنهل عذب و أهل كرام
قبر ((التنوخي)) الطّهور الثرى
ما ضرّ لو حيّيته بالسّلام
ما أحوج القبر إلى دمعة
من جفن ميّ لا جفون الغمام
فابكي على القبر الذي ضيّعت
أمجاده الفرقة و الإنقسام
و اتلي على القوم أحاديثه
فإنّ فيها عبرة للأنام
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> و ذرني أحيّي الصباحا
و ذرني أحيّي الصباحا
رقم القصيدة : 67383
-----------------------------------
شبح الموت : ما يخيف البرايا
من حتوف تعانق الأرواحا
وجد النّاس في كؤوسك سمّا
غير أنّي وجدت فيهنّ راحا
فاسقنيها قد طال صحوي و مكثي
و تمنّيت سكرة و رواحا
لا تبادر بها و قد نصل اللّيل
و ذرني حتّى أحيّي الصباحا
و تمّهّل حتّى أودّ نور الشمس
إذ همّ أن يلوح فلاحا
ثمّ خذني إليك يا موت جذلان
طروبا إلى الردى مرتاحا
ذاك مصباح صبوتي وشبابي
فتعجّل و أطفئ المصباحا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> يا شاعر التاج
يا شاعر التاج
رقم القصيدة : 67384
-----------------------------------
يا شاعر التاج المضيء على جبين أغرّ فاتح
و فتى القريحة أعطيت عرش الإمارة في القرائح
طيب العراق و إنّه ... للمسك من برديك فائح
نح ما تشاء على العراق فإنّني بالشام نائح
و اسفح دموعك إنّها أخوات أدمعي السوافح
لا الخطب قلّ عن البكاء و لا معين الدمع نازح
هذا النظيم من المدامع ذوّب أكباد قرائح
***
حمي الوطيس فمن يجالد عن هواه و من ينافح
شمّ الأنوف تفرّقوا ما بين منعفر و نازح
ألشامخون إذا الهوان بد بأعناق قوامح
رقدوا رقادهم الأخير و أغمدت بيض الصفائح(55/129)
ويح المطاوح . عطّرت بشذا جراحهم المطاوح
فلتكسر البيض الرّقاق و تعقر الشقر السّوابح
و سل الأباطح عن دماء القوم تنبئك الاباطح
رويت بأكنف العراق و جلّق ظمأى الصحاصح
هوت الجحاجح فاستفق ... يا ثأر قد هوت الجحاجح
أهوى العراق و إن تكن طاحن بسؤدده الطوائح
و أحبّ جنّات العراق و طيبها غاد و رائح
و عيون آرام الفرات على شواطئه سوارح
جرحت قلوب العاشقين : كذاك تصطاد الجوارح
مرضى صحائح ، و القريض صنيعة المرضى الصحائح
***
حدّث فقد طاب الحديث و نام عن نجواك كاشح
و اذكر لنا عبر الحياة فأنت مأمون النصائح
هذي الحياة لمت مضى كالليث مرهوب الجوائح
و العيش معناه الكفاح فهالك من لم يكافح
عرش يطوح ، فتعتلي شرفات عرش غير طائح
و ممالك طارت لغايتها فخانتها الجوانح
و مسيطر ينهى و يأمر في الجزيرة باسم ناصح
باسم الحضارة جاء يزرع ما يشاء من الفضائح
لغو القويّ فهل لما فيها من الأسرار شارح
لغة توارب في الحديث فليتها كانت تصارح
جادت بأسماء المحاسن كلّهنّ على القبائح
***
لا تبطر الأمم القويّة فالعواقب بالفواتح
إن تهن في سعد السّعود فلم يفتها سعد ذابح
و هو الزمان سوانح تمضي فتخلفها بوارح
و لكلّ ناطحة سيصمد من نتاج الدهر ناطح
و اربّ أعزل في الحياة أديل من بطل مشايح
و لربّما شمس الذلول فراح يأرن و هو جامح
كمنت عزائم يعرب فمتى يثير النّار قادح
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> نغمات عودي
نغمات عودي
رقم القصيدة : 67385
-----------------------------------
نغمات عودي لا تملّ لأنّها
شعر يفيض عواطفا و شعورا
نغمات عودي لا تملّ لأنّها
لغو الملائك إذ تناجي الحورا
همست بها الأرواح في ملكوتها
شدوا أرقّ من الصّبا و زفيرا
يدني إليّ من الخيال شواردا
و يهزّ أعطافي هوى و سرورا
في ظلمة الأحزان من نغماته
نفسي الحزينة تستعير النورا
أحنو عليه معانقا متنهدا
فكأنني أمّ تضمّ صغيرا
و أبثّه شكوى الهوى فإخاله(55/130)
يبكي عليّ متيّما مهجورا
سله عن الزمن الخؤون و أهله
تره عليما بالزمان خبيرا
شهد العصور السالفات و هدهدت
أوتاره السفّاح و المنصورا
و رأى حضارة جلّق و جلالها
و الملك في تلك الربوع كبيرا
إذ ماء جلّق كالرحيق عذوبة
و ظباء جلّق كالشموس سفورا
سلب الزمان بها ملوك أميّة
تاجا يشعّ ضياؤه و سريرا
يا لاثما فيها الثرى من حبّه
أعلمت أنّك تلثم الكافورا
و معانقا أغصانها من وجده
دلّل هواك فقد ضممت خضورا
هذا صلاح الدين فاخشع إنّه
ملك الكلوك مسالما و مغيرا
طاف الجلال به مليكا فاتحا
حيّا و طاف بلحده مقبورا
فالثم ثراه فقد لثمت خميلة
للمكرمات و قد شممت عبيرا
و اهتف لدى القبر النديّ مردّدا
بفنائه التهليل و التكبيرا
ليث المعامع و هو أوّل آسر
صيد الفوارس كيف صار أسيرا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> لبنان و الغوطتان
لبنان و الغوطتان
رقم القصيدة : 67386
-----------------------------------
لي موطن في ربى لبنان ممتنع
و لي بنو العمّ من أبنائه النجب
إن فاتهم معقل يوم الوغى أشب
بنوا من السمر صرح المعقل الأشب
و لو مشى الموت في شهباء معلمة
مشوا إلى الموت في الهنديّة القضب
لبنان و الغوطة الخضراء ضمّهما
ما شئت من أدب عال و من نسب
ما في اتّحادهما تالله من عجب
هذا الفراق لعمري منتهى العجب
للخلف في الناس أنواع و أغربها
خلف الشقيقين من قومي بلا سبب
كلّ الربوع ربوع العرب لي وطن
ما بين مبتعد منها و مقترب
للضّاد ترجع أنساب مفرّقة
فالضاد بحلق غريب الدار مغتصب
***
من مبلغ فتية الحيّين مألكة
كالسهم ريش فإن سدّدته يصب
فيم التخاذل لا فلّت جموعكم
و الدهر يزحف بالأرزاء و النوب
مالي و للناس جدّ الناس كلّهم
و ضاع قومي بين الجدّ و اللعب
هل لابن دجلة حقّ غير مغتصب
أم لابن جلّق إرث غير منتهب
أين الشباب و فتيان غطارفة
كالأسد في الغيل ما واثبها تثب
اليعربيّون لا حقد و لا غضب
قد يسلب الحقّ بين الحقد و الغضب
***(55/131)
غنّيت قومي بالأشعار أطربهم
لو يسمع القوم شدو الشاعر الطرب
و أحزن الشعر بيت راح ينشده
دمع تحدّر من أجفان مكتئب
خير القصائد ما أوحته عاطفة
فسار في كلّ دنيا غير مغترب
و للطبيعو شعر راح يسكرني
فهل جرت في قوافيه لبنة العنب
قرأته في النجوم الزهر عن كثب
و في صفاء العيون النجل عن كثب
***
قد كان لي أرب طاح الزمان به
فيا شقاء فتى يحيا بلا أرب
و كان لي مقول كالسيف منصلتا
فحطّم الظلم حدّ المقول الذّرب
لأرحلنّ فلي في الأرض متّسع
إن ضاق بي صدر هذا الموطن الرحب
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> نشوة اليأس
نشوة اليأس
رقم القصيدة : 67387
-----------------------------------
غيّضّ الدهر أدمعي وا حنيني إلى البكاء
شقّ قلبي و لم تسل من جراحاته الدماء
أيّها المبغض الشقاء أنا أعشق الشقاء
شاعر الحزن أين من سحره شاعر الهناء
إنّ لليأس نشوة ضلّ عن مثلها الرجاء
***
أنا لم أدر قيمة الدّمع حتّى فقدته
هو كنز عرفت ما فيه لمّا أضعته
و إله من بعد كفري به قد عبدته
أرجعي يا خطوب من أدمعي ما سكبته
و خذي الإبتسام منّي فإنّي مللته
***
لا تلمه على الحنين فقد أقوت الربوع
جفّ ما في عيونه و ذكرت جمرة الضلوع
و إذا جفّت الأصول فما تورق الفروع
ما أنا الشاعر الذي وشيه بسمة الرّبيع
شاعرا كنت عندما كان في مقلتي دموع
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> الرّوح الثائرة
الرّوح الثائرة
رقم القصيدة : 67388
-----------------------------------
أملّت ضجيج الحياة ففرّت
تريد الحياة بظلّ السكون
تغاف القصور و جنّاتها
و تأوي إلى دوحة الزيزفون
فتشرب ماء الغدير نقيّا
و تسكر من أرج الياسمين
و تسمع لحن الطيور شجيّا
رقيقا على مائسات الغصون
فتذكر عالم قدس نمت
به حرّة بين حور و عين
هيولي تفيض ضياء مبينا
طليقا تراه جميع العيون
و تذكره عالما طاهرا
قضت في رباه ألوف السنين
تحنّ إليه و ماذا يفيد
بعيد الأحبّة طول الحنين
لقد ذكرته فما كفكفت(55/132)
بيمنى يديها عقود الشؤون
بكت و هي في سجنها حرّة
و لا عجب من بكاء السجين
***
حنوت عليها و قد بكّرت
لتتلو كتاب الحياة القديم
فقلت لها : مزّقيه كتابا
يثير الشجون و يذكي الهموم
فإنّ الشقيّ يزيد شقاء
إذا راح يذكر عهد النّعيم
مقيّدة أنت صاغ القيود
ليمناك كفّ القضاء الأثيم
تريدين منّي نسيم عليلا
و هيهات عزّ علينا النسيم
تريدين منّي نسيم الجنان
نقيّا .. و هذا نسيم الجحيم
فلا تنشقيه ففيه سموم الهجير
و من ذا يطيق السموم
***
عذرتك فرّي من الأرض و ابغي
هناك المقام الرفيع الكريم
بقرب النجوم فإنّ الحياة
معطّرة الدنّ بين النجوم
و لا ترحمي الجسم فهو تراب
يعود لمعدنه بعد حين
***
غدا هو بين الربى زهرة
كستها الطبيعة لون الشروق
يقبّلها الصبح في ثغرها
و يلثم في شفتيها العقيق
و تسري الصّبا من بعيد إليها
و قد هوّن الحبّ حزن الطريق
إلى أن تمرّ عليها فتاة
فتنزعها نزع برّ رفيق
و تنزلها منزلا هانئا
على النّور لا يشتكى فيه ضيق
فحينا تقبّل نهدا و حينا
تقبّل خدّا يلون الشقيق
و تبعثها بعد ذاك رسولا
يؤدّي رسالة صبّ مشوق
فنعم الرسالة بين العشيقة
ذات الدلال و بيت العشيق
فيا روح من بين تلك النجوم
أطلي عليها و لا تنكريني
***
أطلّي عليها و قد أشرقت
على صدر خود عروس و ساما
أطلّي عليها و قد ألقيت
بقايا شذا ثمّ عادت رغاما
أطلّي عليها رفيقا قديما
و قولي سلاما تردّ السلاما
ألا و اذكري عهدنا و اذكري
زمانك في الأرض عاما فعاما
أأنكرت شكلا جديدا لجسم
غدا لك قيل الفناء مقاما
و أنكرت ألوانها جمّة
و عطرا نديّا كعطر لخزامى
فلا تعجبي إنّ هذا الذبول
بأوراقها كان فيّ سقاما
و ذا الاحمرار دموعي
و هذا الشذا كان فيّ غراما
و أفناني الدهر إلا شقاء
تأبى عليه و إلاّ هياما
تلاشيت في هذه الكائنات
و لم يتلاش إليك حنيني
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> البلبل الصريع
البلبل الصريع
رقم القصيدة : 67389(55/133)
-----------------------------------
بلبلي مات حبيسا باكيا
لوعة الشعر على ذاك الحبيس
فقد الصبح أناشيد الهوى
بعده و أنفرط العقد النفيس
عطّلوا المجلس يا سمّاره
و أريقوا يا نداماي الكؤوس
قد قضى اليوم جليسي و مضى
لا تطيب الخمر من غير جليس
ما لأغصان الرّبى من بعده
تتهادى عاريات و تميس
و عروس الزهر هل يضحكها
مشرق الشمس و قد مات العريس
ويل أمّ الظلم ثكلى دائما
فنيت طسم و لم تبق جديس
إنّما الدّنيا لمن كافحها
و مشى مستلئما وسط الخميس
بلبلي مات و لم تنج به
وصفه ((الرازي)) و لا طبّ ((الرئيس))
كفّنوه بأزاهير الرّبى
و اغسلوه بالمدام الخندريس
و اصرفوا عنّي لميسا مالذي
أبقت الأحزان منّي للميس
***
عاش ما عاش طليقا بالربى
و الربى حسن و لون و عبير
يتغنّى بأناشيد الهوى
ناعما بالعمر و العمر قصير
يرسل الأشعار في الأيك كما
أرسل الشعر حبيب و جرير
فغدا اليوم أسيرا بعدما
كان حرا بين روض و غدير
إرحموه و اعطفوا ما شئتم
فأحقّ الناس بالعطف الأسير
هو يبكي و أنا أبكي أسى
و كلانا ذو شجون و شعور
من لباب البرّ قد أطعمته
و لقد أرشفته الماء النمير
و كسوت القفص الرحب الذرى
بالقباطيّ الموشّى و الحرير
غير أنّ الطير فاضت روحه
بين حزن و شهيق و زفير
***
بلبلي مات و لم تنجع به
وصفة الرازي و لا طبّ الرئيس
كفّنوه بأزاهير الرّبى
و اغسلوه بالمدام الخندريس
و اصرفوا عني لميسا ما الذي
ابقت الأحزان مني للميس
***
أيّها الصيّاد لا تنصب له
شركا و اسمح بتقطيع الشرك
أيّها الصيّاد ما أعجزه
أيّها الصيّاد بل ما أقدرك
دعه حرا و استمع تغريده
هلّة الصبح و قل : ما أشعرك
دعه حرا فلقد صوّره
خالق الكون الذي قد صوّرك
جارك الأدنى دعاه ظما
و هجير فتفيّا شجرك
أنت سكران و لم تشرب طلا
إنّما البغي الذي أسكرك
تعس الصيّاد من ذي قسوة
جرّب الدنيا طويلا و عرك
مذ رأى البلبل في غفلته
صوّب السهم إليه و برك
فارتمى الطير صريعا و هوى
تاركا أفراخه فيما ترك(55/134)
***
بلبلي مات و لم تنجع به
وصفة الرازي و لا طبّ الرئيس
كفّنوه بأزاهير الرّبى
و اغسلوه بالمدام الخندريس
و اصرفوا عنّي لميسا ما الذي
ابقت الأحزان منّي للميس
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> يا نديمي
يا نديمي
رقم القصيدة : 67390
-----------------------------------
يا نديمي إلى متى الإغفاء
بسم الكون حين حيّت ذكاء
لا تمل بي إلى الرجاء فقد
أودى بنفسي طموحها و الرجاء
و دع اليأس ينتحيني ففي الـ
ـيأس لداء النفس الطموح دواء
فقد رضيت الأكواخ و هي نعيم
و هجرت القصور و هي شقاء
و من الهون أن يقيم كريم
في مكان هانت به الكرماء
***
أترع الكأس و اسقني بمكان
ضلّ عنه الوشاة و الرقباء
حبّذا كوخي النديّ و إن لم
يكتنفه الإعجاب و الخيلاء
لم يشنه في ناظري أن عداه
زخرف في بنائه و رواء
أنا حرّ به .. و ما بعد هذا
عند باغي سرّ الحياة هباء
***
يا نديمي لا تأس بالله و اشرب
لذّة العيش هذه الصهباء
و تمتّع بالنور إذ ربّ قوم
منع الكأس عنهم و الضياء
و استمع : هذه البلابل غنّت
فأثار الشجون ذاك الغناء
لا تخاف الصيّاد ، إذ عصمتها
من دواهيه هذه الصحراء
ذكّرتك الديار جرّ عليها
ذيله بعد قاطنيها العفاء
و حماة الدّيار و هي عبيد
و غواني الديار و هي إماء
***
يا نديمي تعزّ واسل فقبلا
قد عفت بعد أهلها الحمراء
و عفت من ظباء صقر قريش
و أغاني قيانه الزهراء
و تناست قساور العرب في
المرية الخمائل الخضراء
و تعزّت عن ابن عبّاد روض
و قصور في باحة قوراء
بعد أن كان في رباها من العنبر و الزعفران طين و ماء
***
يا نديمي إليّ نبكي فقد يسعد
قلب النائي الحزين البكاء
أنت أوفى منّي و أوثق عهدا
يا نديمي و أين أين الوفاء
فوق شعري بلاغة و بيانا
منك هذي المدامع الحمراء
ترجمت عن أساك فهي قصيد
لم يفته البيان و الانتقاء
إنّما الحزن مرسل الشعر شعرا
و الحزانى هم هم الشعراء
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> تحيّة الملك
تحيّة الملك(55/135)
رقم القصيدة : 67391
-----------------------------------
ألف أهلا بأمير المؤمنين
سيّد البطحاء و البيت الأمين
مرحبا بالتاج مرموق السنى
و بربّ التاج و العرش المكين
بربيب المروتين المنتقى
و فتى زمزم و الركن الركين
خادم الكعبة إرثا طاهرا
عن أبيه و الجدود الأوّلين
قائد الأبطال شوسا للوغى
حامل الأعباء و الله المعين
بابن أقمار العلى من هاشم
و أبى البيض الملوك الفاتحين
ألبهاليل الصناديد الألى
رفعوا راية فهر باليمين
يعرف البيت إذا طاف به
أنّه ابن الطائفين العاكفين
يعرف البيت إذا مرّ به
أنّه ابن الطّيبين الطاهرين
تعرف الأستار إذ يلثمها
أنّه ابن الساجدين الراكعين
تعرف البيض و ما أغمدها
أنّه ابن الطاعنين الضاربين
***
لمن الموكب جبريل به
من جنود الله يمشي من مئين
و من المقبل يعلوه سنّا
من سناء الخلفاء الرّاشدين
شيبة الحمد أرى أم هاشما
أم عليّ الطهر زين العابدين
أم أرى سيّد غمدان مشى
في ظلال البيض وضّاح الجبين
حوّطوا الموكب باسم المصطفى
و بنيه من عيون الحاسدين
و افرشوا الأكباد يمشي فوقها
و اتركوا الورد و خلّوا الياسمين
و انثروا الدمع على موكبه
و دعوا المسك لحور و لعين
أدمع البشر و قد يبكي الفتى
سرّه الدّهر كما يبكي الحزين
و أذنوا للغيد أن تشهده
سافرات في صفوف الشاهدين
سيّد البطحاء في أبنائه
ألف أهلا بالملوك القادمين
تتهادى الأعوجيّات بهم
إنّها تعرف قدر الرّاكبين
ذكرت إذ مسحوا أعرافها
بأكفّ الكرماء المنعمين
هاشما و البيض من أبنائه
ألمطاعين الطوال المطعمين
***
أيّها الآتي إلينا من ذرى
طالما عطّرها الروح الأمين
بيتك الشام و فيه نخبة
من بنيك الأوفياء الصادقين
بردى حنّ غراما و هوى
للأحبّاء الكرام الهاجرين
و ربى الفيحاء أنّت و شكت
فرقة الأحباب لو يغني الأنين
صاحب التاج أجبني هل أتى ععرشك العالي حديث الكاذبين
الألى أهدوا إلى التاج الأذى
و أرادوا أن يضلّوا المهتدين
حدّثوا عنك كذابا و افتروا(55/136)
لا يحبّ الله سعي المفترين
و أتوا بالغشّ لكن أقسموا
أنّهم جاءوا إلينا ناصحين
زعموا أنّك تهوى لندنا
و تحبّ النفر المستعمرين
و تطيع القوم فيما أمروا
و هم تالله شرّ الآمرين
نحن نهواك على رغم العدى
و نجلّ التاج رغم المبغضين
يدك البيضاء لا ننكرها
سوّد الله وجوه المنكرين
***
لح على عمّان بدرا نوره
يكشف اللّيل و يهدي التّائهين
و على الغوطة أقبل يوسفا
حسنه يجلو عيون النّاظرين
و على بغداد أشرق رحمة
تسعد المأمون فيها و الأمين
وحّد العرب و أسعد أمّة
سادت العالم في ماضي السنين
و أعد أيّام هارون و قد
ملأ الدنيا رجالا و سفين
بردى جفّ و ما في دجلة
نغبة تروي الظماء الواردين
***
كلّما هبّ نسيم من منى
أيقظ الأشواق و الوجد الدّفين
لم ألن للدّهر لكن زعمت
عاديات الدّهر أنّي سألين
لم أخن ((لا و الصّفا )) عهدكم
أيّ خير في وجوه الخائنين
أنا بالروح جواد فاغفروا
زلّتي إن رحت بالدمع ضنين
لا ترى الأعداء دمعي جاريا
إنّني أبغض عطف الشامتين
و أنا شاعركم في موطن
ما لمن و الأكم فيه خدين
ناطق فيكم و لو أنّ الظبى
جرّدت فوق رقاب الناطقين
فتقبّلها عروسا و استمع
ما يثير الشوق و الحبّ الكمين
صنتها عن خاطبيها غادة
لفتى البيت إمام المسلمين
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> لا تحبّيني
لا تحبّيني
رقم القصيدة : 67392
-----------------------------------
لا تحبّيني ففي حبّي الشقاء يا فتاة
و اطرديني تطردي عنك البلاء في الحياة
***
قلبك القلب الذي يخفق لي وحده
دمعك الدّمع الذي ينهلّ لي عقده
أنت من يرثى لدمع البؤساء يا فتاة
أنت من يشقى لحزن الأشقياء في الحياة
***
قد تناساني أمّي و أبي و الشقيق
و صديقي قد جفاني يا له من صديق
إنّما الشاعر في هذا الأسى لخليق
غير أنّي و أمامي و الوراء ظلمات
شمت في عينيك أنوار الوفاء يا فتاة
***
كففت دمعي حبّا و هوى راحتاها
آه ما أحلى الذي فاهت به شفتاها
كلم تشفى بها نفس الفتى من أساها(55/137)
لا أرى بيت عطايا الكرماء و الهبات
ما يوازي مسح دمع البؤساء و البكاة
***
ربّ في الكون نفوس جمّة تتألّم
تحمل البؤس حزينات و لا تتكلّم
هي من جور البرايا فاحمها تتظلّم
عزّ يا ربّ لجرحاها الدواء و الأساة
ربّ عدلا ما المطيعون سواء و العصاة
***
منعوها كلّ ما عند البشر من نعيم
لو أطاقوا منعوا عنها المطر و النسيم
و لكانوا حجبوا شمس الضحى و النجوم
راقبوا ربّكم يا أقوياء يا قساة
و ارحمونا نحن حزب الضعفاء و العفاة
***
من نثير الدمع ذا الشعر النظيم فاقرأيه
رنّة الثكلى و أنّات السليم فاسمعيه
ها هو البؤس بشخصي ماثل فالمسيه
لا تحبيني ففي حبّي الشقاء يا فتاة
و اطرديني تطردي عنك البلاء في الحياة
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> عاطفتي
عاطفتي
رقم القصيدة : 67393
-----------------------------------
عاطفتي حزن طويل على
ماض من العمر و مستقبل
عاطفتي أنّه مضنى بكى
على زمان للصبا أوّل
عاطفتي لحن يثير الأسى
و يخلق الهمّ بقلب الخلي
عاطفتي حبّ بعيد المدى
أصاب في رميته مقلتي
عاطفتي زفرة حرّ كليم
ثار على الدّهر و لم يحفل
من يشتري عاطفتي منكم
بغيرها من هذه العاطفات
***
لا تعذلوني حين أبكي أسى
العدل كلّ العدل أن أعذر
سبّب لي هذا الشعور الأسى
مصيبة الإنسان أن يشعرا
من يشتريه منكم خاسرا
أولى بشاري الدمع أن يخسرا
قضى عليّ الدهر و اشقوتي
بالدّهر - أن أبكي و أن أسهرا
من يشتري منّي عقود النظيم
ببسمة تسلمني للكرى
من يشتري الشعر و ألحانه
ببسمة واحدة في الحياة
***
عاطفتي ... مرحمة و اذهبي
لم يبق من عمري غير القليل
أبليت من جدّة عهد الصبا
ظلما و عجّلت أوان الرحيل
أنا عليل بائس فاهربي
لا خير في صحبة نضو عليل
ماذا جاد يا عاطفتي . و الكريم
يضنّ عند الفقر ضنّ البخيل
لم يبق فيه ويحه من قرى
يرضى صروف الدّهر و العاديات
***
سألت قربانا فقدّمته
للهيكل الأقدس قربانا
و فوق ذا المذبح ضحيّته
و ما درى الناس ببلوانا(55/138)
ويحي تلاشت فيك أجزاؤه
كأنّه بالأمس ما كانا
أعطاك ما شئت و أعطيته
ما لم يشأ همّا و أحزانا
أهكذا يجزى المحبّ القديم
و يوسع الآمل حرمانا
أفنيته ظالمة فارقبي
غدا عقاب الله للظالمات
***
أكلّما أنّ أخو لوعة
كلّفتني الحزن و طول الأنين
أكلّما ناح محبّ أسى
حشرتني في زمرة النائحين
أكلّما مرّت على خاطري
صورة بؤس رحت في البائسين
أشقى مع الأيتام مستعبرا
و أسهر الليل مع العاشقين
كتبت آيات العذاب الأليم
غضون همّ فوق هذا الجبين
تتلى و لا يخطئها قارئ
فيا لآيات الأسى البيّنات
***
عاطفتي رحماك و استبدلني
بجسمي الناحل جسما صحيح
جسم فتى لم يدر معنى الأسى
و لا مشى يوما بقلب جريح
و لا حبته بالأسى مقلة
دعجاء أو وجه بهيّ صبيح
دعيه يحيا بعض ساعاته
بمهجة حرّى و جفن قريح
جرّر ما شاء ذيول النعيم
و لم يطمع بالكأس نصح النصيح
فعلّميه كيف يشقى الفتى
و كيف ترعى سرحه النائبات
***
رأيتها صبحا و قد أرسلت
ذكاء في الأفق نثير الذهب
و هبّ في الروض نسيم الصبا
محمّلا طيب الربى حين هب
و للرياحين شذا مسكر
يفعل ما تفعل بنت العنب
عروسة الأحلام أحببتها
و هل يلام المرء في من أحب
أحببتها جمرا على مهجتي
و للهوى في الناس شأن عجب
و همت فيها و أنا ذرّة
هائمة في هذه الكائنات
***
ألصّبر محمود و لكنّني
لم يرضني الصبر و لم أرضه
أهوى نعم أهوى و لي ناظر
فارق مذ فارقته غمضه
ضعي على حرّ فؤادي يدا
كأنّها من خالص الفضّه
و ابتسمي عن لؤلوء و اسفري
عن بشرة ناعمة بضّه
في خدّك القاني الشهيّ الوسيم
تفاحة مترفة غضّه
حكمك الحسن بأهل الهوى
حسبي الهوى ما أظلم الحاكمات
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> لا تذكري الماضي
لا تذكري الماضي
رقم القصيدة : 67394
-----------------------------------
هل نسيت هند زمان الصبا
لله ما أحلى زمان الصبا
إذ نحن كالأطيار في شدوها
طفلان يختالان بين الربى
نلعب في الكرم و لا بدعة
سعادة الطفلين أن يلعبا(55/139)
أحذر أن تغضب من هفوة
و تحذر الحسناء أن أغضبا
يا هند عفوا و اغفري زلّتي
إن أنا هيّجت لهيبا خبا
إن كانت الذكرى تثير الأسى
لا تذكري الماضي و لا تحزني
***
الكرم هل أطياره لم تزل
تشدو على أغصانه الناعمة
و الروض هل أزهاره لم تزل
ثغورها مفترّة باسمة
صفصافة الجدول هل مسّها
داعي الردى أم لم تزل قائمة
يا طالما غنّى بألحانه
و أنت في أفيائها نائمة
لا تنفري منّي و لا تغضبي
و لا تكوني في الهوى ظالمة
إن كانت الذكرى تثير الأسى
لا تذكري الماضي و لا تحزني
***
مررت بالغابة مستعبرا
و الليل قد أرخى سدول الظلام
فقلت و الذكرى أثارت هوى
خبا بقلبي منذ عام و عام
هنا تساقينا كؤوس الهوى
هنا تعانقنا عناق الغرام
هنا تلاقينا هنا ودّعت
هنا أشارت كفّها بالسلام
مالي أرى دمعك واحسرتي
منسجما يا هند أيّ انسجام
إن كانت الذكرى تثير الأسى
لا تذكري الماضي و لا تحزني
من أين هذا القرط قد نلته
و ذلك العقد البهيّ الفريد
من ذا الذي قبلته أثّرت
بورد خدّيك فدته الورود
إستقبلي يا هند فتّانة
ضاحكة عهد غرام جديد
أنا أشقي في الهوى فابسمي
بسمة عطف لمحب سعيد
و ذلك الحبّ القديم الذي
مات تناسيه ، و تلك العهود
إن كانت الذكرى تثير الأسى
لا تذكري الماضي و لا تحزني
***
يا هند و الموت مشى مسرعا
إلى شبابي مؤذنا بالفراق
قضى على جسمي يا ليته
قضى على اللّوعة و الإشتياق
حين تمدّين يدا بضّة
ناعمة مترفة للعناق
فيلتقي الثغران في قبلة
تسكر كالخمر نديّ المذاق
إن كانت الذكرى تثير الأسى
لا تذكري الماضي و لا نحزني
***
و حين تمشين الهوينا و قد
أقبلت الشمس تريد المغيب
بين ورود ضحكت للندى
ثغورها نشوى اخضلال و طيب
لا تدخلي الغابة لا تدخلي
فإنّ في الغابة قبر الغريب
قبرحبيب قد تناسيته
أهكذا ينسى الحبيب الحبيب
و اجتنبي الغابة لا تخرقي
حرمة ذيّاك السكون المهيب
فإنّما الذكرى تثير الأسى
لا تذكري الماضي و لا تحزني(55/140)
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> أغنية البردوني
أغنية البردوني
رقم القصيدة : 67395
-----------------------------------
يا شاعر الأزهار و شاعر الأقمار
من غيد لبنان
تعيد أغنيّه للحبّ سحريّة
فترقص الأغصان
أدرت أقداحك تزفّ لي راحك
فرحت سكران
تهزّ أعطافي في ظلّك الضّافي
للحسن ألوان
الرّوضة المئناف و الحور و الصفصاف
و هذه الغزلان
من خمرة الثغر و خمرة النهر
أصبحت نشوان
آمنت بالوادي و نهره الشّادي
و ريمه الفتّان
الشعر مسدول و الثغر معسول
و الغصن ريّان
و روحي النشوى لا تقبل الصحوا
للصّحو أحيان
غافلت جلاّسي مفرّغا كاسي
ليشرب الرّيحان
أنحتسي الخمرا و نرتوي سكرا
و الورد ظمآن
أضفّر الآسا و أرشف الكاسا
و الكأس ملآن
بحضن جنيّة هيفاء حوريّة
أضاعها رضوان
قبّلت خدّيها دغدغت نهديها
فالبدر غيران
و الروض يخفينا عن عين واشينا
يا ربّ لاكان
و أنت يا هدّار تردّد الأشعار
رقيقة الألحان
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> تلك الأقانيم الثلاثة
تلك الأقانيم الثلاثة
رقم القصيدة : 67396
-----------------------------------
الليل بعد الرّاحلين طويل
او ما لصبغك يا ظلام نصول
يطوي الزمان النابغين فتنطوي
لذهابهم أمم و يهلك جيل
و لربّ نعش غاب في طيّاته
فتح أغرّ و موطن و قبيل
و الناس أسياف فمنها مغمد
صديء و منها الصارم المسلول
و الخطب خطب النابغين فحقّه
بالمشرقين تفجّع و عويل
***
في كلّ يوم للعروبة كوكب
يهوي و سيف يعتريه فلول
قبر باصمة الرّشيد و آخر
في مصر حق ستوره التقبيل
بدران قد بكر الأفول عليهما
و لكلّ بدر مشرق و أفول
و مشيّعان إلى الثرى بمواكب
يرتدّ عنها الطرف و هو كليل
فيها رعيل من ملائكة العلى
و من الجدود الأكرمين رعيل
عيسى و أحمد و الكليم و عصبة
فيها الأمين المنتقى جبريل
يا للعروبة : أين نور نبوغها
ألزيت جفّ و أطفئ القنديل
بغداد شاكية و مصر مرنّة
و الشام حاسرة القناع ثكول
تلك الأقانيم الثلاثة واحد(55/141)
بردى الشام و دجلة و النيل
قالوا : السياسة قلت : رغم دهاتها
ظلّ العروبة في الربوع ظليل
نسب أغرّ و ذروة مضريّة
نبت الربيع بها قنا و نصول
و عقيدة وطنيّة عربيّة
فيها نصول على العدى و نطول
هذا هو الحقّ الصّراح فحسبكم
قول السياسة كلّه تدجيل
***
يا غصبي حقّ العروبة حسبكم
منّا فروع للعلا و أصول
أسهبتم بوعودكم و أطلتم
ضد البلاغة ذلك التطويل
و رفعتم المنديل و هي خديعة
هزم السّلام و مزّق المنديل
قد ضاع في الاويل صدق عهودكم
ألكلّ عهد عندكم تأويل
لا تنكروا حقّ الحياة لأمّة
فيها النّبوغ على الحياة دليل
و تداركوا هذا السلام بطبّكم
و دوائكم إنّ السلام عليل
طعنته أطماع السياسة طعنة
نفذت فراح السلم و هو قتيل
و لقد جزعت من السياسة ، إنّها
غول و هل تلد السلامة غول
دين السياسة، جاء فيه مبشّرا
بالمشرقين : الجيش و الأسطول
قولوا لمن غصب القويّ حقوقه
ألسيف باستردادهنّ كفيل
وإذا تكلّمت الصوارم والقنا
سكت الضعيف ولجلج المكبول
وإذا علا صوت الضعيف فربّما
أخفى صداه زماجر وصهيل
وأرى القويّ يطاع غير مخالف
و يخالف القرآن و الإنجيل
ألشرع ما سنّ القويّ بسيفه
فلسيفه التحريم و التحليل
إن قال ، صدّقه الزمان فقوله
و حي و زور حديثه تنزيل
و الدهر أعدل من عرفت حكومة
و الشاهدون على الزمان عدول
دول تدول و لا مرّد لأمره
يحمى الكناس و يستباح الغيل
و لربّما هزّ اللواء مظفّر
ماضي العزيمة أصيد بهلول
من آل يعرب لا تلين قناته
أنف أشمّ و ساعد مفتول
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> على أطلال الجزيرة العربية
على أطلال الجزيرة العربية
رقم القصيدة : 67397
-----------------------------------
عفت الديار و أنكرت قصّادها
حيّا الحيا تلك الديار و جادها
أبلت بشاشتها الخطوب و أقصدت
فرسانها و تخرّمت أجوادها
و أباد فتيتها الزمان و طالما
مرّ الزمان بفتية فأبادها
هي حسرة فازدد و أنت أخو هوى
حقّ الوفاء عليك أن تزدادها(55/142)
حيّيتهنّ منازلا مهجورة
سبت المنيّة هندها و سعادها
و حبست فيهنّ المطيّ مسائلا
عن أهل ودّك نؤيها و ثمادها
و سكبت ما شاء الهوى بطلولها
حمر الدّموع . أما تخاف نفادها ؟
تلك الدموع قصيدة قد جوّدت
عيناك يوم فراقهم إنشادها
من أنّه الثكلى أخذت رويّها
و من القلوب قد استعرت مدادها
جاءت مهذّبة القوافي ما اشتكت
إبطاءها و زحافها و سنادها
فإذا تلتها العين و هي نديّة
سكر الزمان بلحنها فأعادها
الحزن أرسلها و وقّع لحنها
واختار في شوط القريض جيادها
غرّاء هذّبها و أحكم صنعها
صنع البيان فأتعبت نقّادها
الشعر ما ملك النفوس و هزّها
و أثار ثائرها الكمين وقادها
تتلو الطبيعة في الصباح قصائدا
بذّت بهنّ لبيدها وزيادها
إنّي لتطربني الحمامة أنشدت
فوق الغصون فرنّحت ميّادها
و يهزّني لحن النسيم مقبّلا
نور الخمائل لاثما أورادها
و الصبح مرّ على الربى بحنانه
فكسى بلؤلؤ دمعه أجيادها
والموج يخطب في الصخور مثرثرا
حنقا و ينقم كبرها و عنادها
و الليل غطّى في رداء سكونه
جسم البسيطة شمّها ووهادها
***
يا نفحة حملت إليّ من الربى
غبّ الرّبيع شقيقها و زبادها
أمّي الجزيرة و اسرقي من غيدها
برد الثغور على الصبا و برادها
ما للجزيرة. لا تفيق من الكرى
طلع الصباح فنبّهي آسادها
ملّ الشعوب من الرقاد و بكّروا
للطيّبات فهل تملّ رقادها
بنت الغزاة الفاتحين تحكّمت
فيها العداة و أحكمت أصفادها
ملكوا عليها الدجلتين و حرّموا
بردى وذادوا بالظبى ورّادها
و كست جنودهم العواصم فارتدّت
ثوب الحداد وودّعت أعيادها
يا للعواصم خطّة مغزوّة
ملك الغريب بياضها و سوادها
الدهر فلّ سيوفها هنديّة
بيضا و حطّم بالقراع صعادها
مدّت إلى الفيحاء كفّ رجائها
متروكة و ترقّبت إسعادها
ما أسرع الفيحاء ، لولا أنّها
طغت الخطوب فرّيثت أنجادها
و شكت لبغداد الخطوب و ما درت
أنّ الخطوب تعرّقت بغدادها
حبست مياه الرّافدين و حلاّت
عن ورد دجلة لخمها و إيادها(55/143)
و يح العروبة ! حلّمت أحبابها
ريب الزمان و نزّقت حسّادها
هي جنّة ما ارتادها ذو شرّة
إلاّ و أطمع حسنها مرتادها
كالطير أسكر لحنها صيّادها
فمشى إليها بالردى و اصطادها
ذاك الجمال جنى على أبنائها
ظلما و جلّل بالأذى أحفادها
و لقد أقول لغاصبين مشوا بها
مرحا و أثقلها الشقاء و آدها
هي جذوة حاولتم إطفاءها
و الظلم راح محولا إيقادها
أقبلتم كالمرشدين و ساءكم
بعد الكرى أن تستبين رشادها
قلتم نؤيّد منعة استقلالها
لكنكم أيّدتم استبعادها
إنّ الغزالة لو ملكتم أمرها
لحبستم عن جلّق آرادها
***
يا عصبة الأمم القوية . حاذري
بأس الضعاف و حزمها و كيادها
لا تأمني بأس الأعراب إنّهم
كادت تفارق بيضهم أغمادها
و كأنّني بالصيد من أمرائها
يوم الحميّة أنكرت أحقادها
و كأنّني بالتاج ألّف شملها
نظما و لمّ نثيرها و بدادها
هلّلت للنشء الجديد و قد مشى
يصلى الحياة و حربها و جهادها
و خشعت للنشء الجديد و قلت ذا
جند الشام فمن يطيق جلادها
حيّيت فيه حماتها أبطالها
يوم النزال كماتها قوّادها
تلك المهار و لا أكابد لوعة
إن مدّ في عمري شهدت طرادها
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> طمع الأقوياء
طمع الأقوياء
رقم القصيدة : 67398
-----------------------------------
لا تلمه إذا أحبّ الشاما
طابت الشام مربعا و مقاما
ما رأينا الشام إلاّ رأينا
منزلا طيّبا و أهلا كراما
بردى و الورود في ضفّتيه
مصغيات لشعره و الخزامى
هات حدّث عن الشام و حدّث
وأطل في الحديث عنها الكلاما
عن رباها ، عن غيدها سارحات
يتهادين في الحمى آراما
ما عرفت الغرام لولا رباها
من ربى جلّق عرفت الغراما
من أغاني طيورها ساجعات
قد تعلّمت هذه الأنغاما
أعطني في ربوع جلّق يوما
يا خليلي و خذ من العمر عاما
و أعد ذكرها رحيقا مصفّى
وأدره عليّ جاما فجاما
يا بني أمّ والحياة زحام
ذلّ و الله من يخاف الزحاما
يابني أمّ هبّة بعد نوم
كشف الصبح بالضياء الظلاما
نظرة للشعوب و هي تحيّي(55/144)
بالأهازيج فجرها البسّاما
أمم تكسر القيود و أخرى
يرهف القين سيفها الصمصاما
طالبت بالحياة طعنا و ضربا
بعد أن طالبت بها استرحاما
لا تظنّوا السلام في الأرض حيّا
بعد أن طالبت بها إسترحاما
طمع لو أطاق - فاخشوا أذاه
حبس النور عنكم و الغماما
ليش شعري و للسياسة دين
يرسل النار حجّة و الحساما
أيعدّون قتل شعب حلالا
و يعدّون قتل فردا حراما
عبثوا بالنظام بغيا و قالوا
قد اتيناكم لنحمي النظاما
حطّموا المرهفات و هي رقاق
ثمّ شاؤوا فحطّموا الأقلاما
يالشكوى تغصّ دجلة بالدمع
حنانا و تحزن الأهراما
لو تلاها بأرض يثرب حاد
أبكت الركن و الصفا و المقاما
***
أيّها الأقوياء لينا و عطفا
أشعوبها ترعونها أم سواما
في رماد الضعيف نار فمهلا
أن ظلم القويّ يذكي الضراما
أنا أخشى من الضعيف عليكم
بعد حين تمرّدا و انتقاما
أنا أخشى من الضعيف عليكم
ثورة تبعث الخطوب الجساما
ثورة تهدم القصور و تبني
فوقها الكوخ عاليا و الخياما
ثورة تترك المتوّج عبدا
و أخا الرّق سيدا قمقاما
شدّة البغي و الأذى علّمته
كيف يغشى يوم الصدام الصداما
أرهقونا ما شئتم و اظلمونا
و امنعونا حتى الكرى و الطعاما
و اسلبوا ما ترونه من حطام
لكم وحدكم جمعنا الحطاما
و املأوا هذه السجون إلى أن
تشتكي من ضيوفها الازدحاما
ثمّ سوموا السجود كبرا و تيها
إذ تمرّون : شيخنا و الغلاما
و احكموا بالعسف حتّى كأنّا
قد مثلنا أمامكم أنعاما
لا إخال الأرواح تكسر قيد الأسر
إن لم تعذّبوا الأجساما
يفتك الظلم بالضعيف و يردى
بعد حين بشؤمه الظلاّما
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> أهوى الشام
أهوى الشام
رقم القصيدة : 67399
-----------------------------------
قف بالشام مسائلا آثارها
مرحى لمن أمّ الشام و زارها
أهوى أزهارها . أحنّ لعهدها
أشتاق بلبلها ، أحبّ هزارها
قضّيت أيّامي القصار بظلّها
جادت مدامع مقلتيّ قصارها
أفدي مهفهفة القوام أسيرة
تشكو القيود فمن يفكّ إسارها(55/145)
غلّوا الأسود الصيد من أبطالها
في الغوطتين و حجّبوا أقمارها
و كسوا مناكبها فلا أنجادها
تركوا لقاطنها و لا أغوارها
***
هذي الشام فحيّ ليث عرينها
يوم النزال لبابها مختارها
إن كان قد هجر الشام فإنّه
أبكى الشام و هزّها و أثارها
حزنت قبور الفاتحين و أطلقت
حمر الدموع و أرسلت مدرارها
و بكت غياض الغوطتين أما ترى
أنّ المدامع بلّلت أزهارها
يا ابن الصناديد الألى قد عفّروا
هام الملوك و نكّسوا جبّارها
ألموقدي نار الضيافة أرسلت
مثل الجبال الراسيات شرارها
من كلّ وضّاح الجبين مغامر
يغشى المعامع مستثيرا نارها
كأس المنيّة في فرند حسامه
فإذا التقت حلق البطان أدارها
قد أرقلت بك في الخضمّ مطيّة
هوجاء ما نكث الخضمّ مغارها
ظمأى تسير على الخضمّ مجرجرا
سير الذلول و لا تبلّ أوارها
فإذا بلغت الغرب و هو ممالك
بالسيف تمنع مجدها و ذمارها
رفعت على حدّ السيوف عروشها
و بنت بأشلاء الضعاف ديارها
قل إن جلست مخاطبا طاغوتها
و محاورا في بغيه جزّارها
ما للشام نسيتم ميثاقها
و خفرتم بعد العهود جوارها
قرّبتم للطيّبات عبيدها
و حرمتم حتّى الكرى أحرارها
عزّ العزاء فكفكفوا عبراتها
و خلا النديّ فأطلقوا أطيارها
***
لا تكذب الأمم القويّة ، إنّها
باسم الحضارة ثقّفت خطّارها
و لتهنأ الأمم القوية . إنّها
قد أدركت ممّن تخادع ثارها
قالت : لقد بلّغتكم أوطاركم
و هي التي بلغت بنا أوطارها
يا عصبة الصيد الغطاريف الألى
حفظوا الجدود و خلدوا آثارها
هذي سيوف الفاتحين من البلى
قذ صنتم أجفانها و شفارها
جدّدتم عهد الحفاظ لأمّة
الله طهّر خيمها و نجارها
ارجعتم صور العروبة غضّة
فكأنكم ارجعتم إعصارها
و بعثتم أمم الجزيرة بعدما
طويت و حلل فذكم أطوارها
أنطقتم الصّور الجماد فخبّرت
عن شأنها و رويتم أخبارها
و سللتم صمصامها من غمده
متألّقا و جلوتم دينارها
و رفعتم ركن القضية عاليا
بجهادكم و كشفتم أسرارها
***
مرحى لناشئة الشام و مرحبا(55/146)
بالنشء إن عثرت أقال عثارها
ألناهضين ليمنعوا ميراثها
و يجدّدوا علياءها و فخارها
هذي الرّبوع سررتم غيّابها
بجهادكم و حرستم حضّارها
أسهرتم جفن العدوّ و رحتم
ندمان كلّ فضيلة سمّارها
أرجعتم صور العروبة غضّة
فكأنّكم أرجعتم عصارها
و رفعتم ركن القضيّة عاليا
بجهادكم و كشفتم أسرارها
و أرى العدوّ دعاكم أغرارها
أفدي الذين دعاهم أغرارها
لا تفنطوا فلقد غرستم جنّة
تجني أكفّكم إذا أثمارها
و خذوا شعاركم القلى لعصابة
تخذت مولاة الغريب شعارها
نسيت عروبتها و لم تعشق بها
مئناف جنّات الحمى معطارها
أغفت على أعذارها ، فتريّثوا
ألله ليس بقابل أعذارها
حسب العروبة أنّكم لبّيتم
يوم النداء و كنتم أنصارها
بردى أدار عليكم صهباء
و جلت عرائسه لكم نوّارها
و اخجلتي للناكرين جميلها
و الثالمين مع العدوّ غررها
عقّوا البنين و ما سمعت بناقة
وطئت على مهد الصعيد حوارها
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> فترقبوا الغارات من أيتامها
فترقبوا الغارات من أيتامها
رقم القصيدة : 67400
-----------------------------------
خلّوا الشام و داميات كلاهما
لا تهتكوا الأستار عن آلامها
عربيّة الأنساب تطرب للوغى
في جاهليّتها و في إسلامها
فإذا أراد زمامها ذو قّوّة
شمست على الباغي بفضل زمامها
عطفت عليه بالسّيوف كأنّها
من حزمها صيغت و من إقدامها
السمر حول قبابها مركوزة
و البيض لامعة بظلّ خيامها
و لقد أراد بها القويّ تحكّما
فتنمّرت أنفا على حكّامها
إن صدّها ذو التاج عن حاجاتها
سألته حاجتها بحدّ حسامها
ألغارة الشعواء عيد كماتها
و دم اللطّلى المشبوب كأس مدامها
ورأيتها ظمأى الجوانح للعلى
فعلى الدم المهراق بلّ أوامها
الروض محتاج لقطر دمائها
يوم الحميّة لا لقطر غمامها
و الحق تبلغه ببأس حماتها
لا باستكانتها و لا استرحامها
البأس كلّ البأس كالأشجّ فباهها
أو كالأعزّ الوائليّ فسامها
يا ابن الشام و ما نظمت قصائدي
إلاّ لهزّ عراقها و شامها(55/147)
تشدو الحمائم في الشّام و إنّما
أنغام هذا الشعر من أنغامها
الحرّ يؤسر و الحمائم حرّة
يا ليت لي في الشام حظّ حمامها
أليوم معركة الحياة فما الذي
أعددت من عدد ليوم صدامها
من ليس يمنع حقّه في حربها
هيهات يمنع حقّه بسلامها
و إذا تنكّبت الزحام ففترة
و تخرّ منجدلا غداة زحامها
للأقوياء شريعة مكتوبة
بالسيف شيب حلالها بحرامها
أمنّول الأمم الضعيفة حقّها
و مديلها القهّار من ظلاّمها
فصل الخطاب دنا فأيّد أمّة
لم تبغ إلاّ حقّها بقيامها
و اسمح لنصرك أن يرفرف فوقها
و يطاول الجوزاء في أعلامها
يا ربّ علّمها المسير إلى الردى
بسبيل عزّتها و نيل مرامها
هذي دماء كرامها مطلولة
فاقبل ضحيّتها دماء كرامها
لا ترتجي إلاّ حياة حرّة
يا ربّ ، أجر صلاتها و صيامها
إن لم ترجّ الفوز قبل حمامها
فاسمح به يا ربّ بعد حمامها
فتراه بعد الموت في أرواحها
إن لم تكن شهدنه في أجسامها
***
هيهات تنخذل الشام و قد بدا
أثر القراع على شبا صمصامها
ووراء حقّ الغوطتين عصابة
آساد غابتها شموس ظلامها
ألباذلون دماءهم يوم الوغى
و الثائرون بها على أخصامها
ما للذئاب مدلّة في حيّها
أو لا تخاف الشرّ من ضرغامها
النار خامدة اللهيب فحاذروا
يا ظالمي قحطان من إضرامها
إن تقتلوا آباءها بسيوفكم
قترقّبوا الغارات من أيتامها
***
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> تحيّة الشباب
تحيّة الشباب
رقم القصيدة : 67401
-----------------------------------
غضّ الشباب و أن تلن عذباته
خلقت لإدراك المنى عزماته
الله أكبر للشباب صليبة
للغامزات من الخطوب قناته
الله أكبر للشباب جلاله
ملء العيون و حسنه و سماته
لا يجزع الوطن المدلّ بحقّه
ألباسمون مع الشباب حماته
في ذمّة الفتيان رابة مجده
إنّ الشباب وفيّة ذمّاته
***
خلّوا الأناة و أسرعوا لمناكم
عار الشباب العبقريّ أناته
تاج الجزيرة و هي مهد جدودكم
نزل القضاء فنكّست راياته
يشكو و أنتم سامعون فماله(55/148)
لا يستجاب ، و للشباب شكاته
إنّي لتبكيني الجزيرة . ما نوى
عنها العدوّ و لا ونت غاراته
و إذا الحزين بكى و لم يك شاعرا
فالشعر ما نطقت به عبراته
***
نفحات لبنان الأشمّ عليلة
و حمى الجزيرة عذبة نفحاته
تشتاق ناضرة الشام رماله
و تحبّ خضرة أرزكم فلواته
يشكو جراحته إلى أعدائه
اين الشفاء و جارحوه أساته
هيهات ينجح في القضيّة مدّع
و خصومه يوم الحساب قضاته
***
واضيعة الوطن الصغير . تعدّدت
أديانه و عروشه و لغاته
و لربّ مختال تناساه الرّدى
ووددت لو بكرت عليّ نعاته
صلّى لتفريق الشعوب فبغّضت
عندي الديانة والتقى صلواته
هذا أسيرك يا مذاهب ملّه
عضّ القيود ، ألم يئن إفلاته ؟
هيهات بعد اليوم يهدم مذهب
صرح العروبة و الشباب بناته
إنّي عبدت الله ، لا نيرانه
سرّ التقى عندي و لا جنّاته
و العقل دلّ عليه لا قرآنه
في آية الكبرى و لا توراته
الدين دين الحبّ فهو عقيدتي
و لو أنّه في الشرق قلّ دعاته
و الأفق أقرأه كتابا منزلا
نعم الكتاب نجوم آياته
بيت العروبة حين أسجد قبلتي
لا طوره قصدي و لا عرفاته
من بعض أسماء العروبة أرزه
يوم الفخار و نيله و فراته
كالروض ملتفّ الخمائل ناضرا
ما ضرّه لو نوّعت زهراته
***
حسبي إذا ذكر القريض و أهله
شعر شباب الغوطتين رواته
أنا جمرة الغمرات ، ملء جوانحي
همم الشباب تثيرها نزواته
سكروا و قد أنشدت غرّ قصائدي
فهي الرّحيق طهورة رشفاته
قالوا : الجديد فقلت : من أنصاره
قلم الحكيم وزقّه ودواته
فيه هنات لا أقول ذميمة
بعض الملاحة في الجمال هناته
وأرى القديم يحول حسناته
فتضيع بين ذنوبه ، حسناته
لا تتركوا المرأة غير صقيلة
الشعب روح شبابه مرآته
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> تعالوا نعدّ الصّيد
تعالوا نعدّ الصّيد
رقم القصيدة : 67402
-----------------------------------
أهذي مغاني جلّق و المعالم
لك الخير أم هل أنت و سنان حالم
بلى هذه أمّ العواصم جلّق
و هذه ليوث الغوطتين الضراغم(55/149)
هنا عرش أقمار العلى من أميّة
هنا ارتكزت سمر العوالي اللّهادم
هنا ابن أبي سفيان أشرق تاجه
تؤيّده البيض الرقاق الصوارم
هنا اليعربيّون الألى عزّ جارهم
فليس له في غوطة الشام هاضم
هنا النفر البيض الميامين ، للعلى
ملامح في غرّاتهم و علائم
هنا العرب الأنجاد إن قام ظالم
مشوا بالقنا أو يرجع الحقّ ظالم
من القوم ما زفّت لغير كرامهم
حسانهم البيض الغواني الكرائم
إذا انتسبوا في ندوة المجد حلّقت
بهم للعلى قيس و ذهل و دارم
بني الغرب هاتوا شاهدا عندزعمكم
بغير دليل لا تقوم المزاعم
تعالوا نعدّ الصيد منّا و منكم
ففي الناس مقبول الحكومة عالم
أفيكم لسيف الله و الحقّ خالد
إذا عدّت الأفذاذ ندّ مزاحم
و هاتوا غداة الفخر أنداد خالد
و يحكم فيما بيننا اليوم حاكم
و هاتوا لنا أنداد موسى و طارق
لنعرف من تخزيه منّا المواسم
فلا تفخروا : ألفخر للعرب وحدهم
و للعرب قعساء العلى و المكارم
***
لقد زعموا أني بجلّق هائم
أجل والهوى إنّي بجلّق هائم
وفيت بعهد الغوطتين وهذه
شهودي القوافي و الدموع السواجم
و أصفيت أبناء الشام مودّتي
صغيرا و ما نيطت عليّ التمائم
إذا رضيت عنّي صناديد جلّق
فأهون شيء ما تقول اللّوائم
إذا ظلّ مجد العرب في الشام سالما
فمجد بني قحطان في الشرق سالم
***
سلاما عروس المشرقين و لا مشت
بظلّ مغانيك الخطوب الغواشم
خذي قلّدي ماشت جيدا و معصما
من اللؤلؤ الرطب الذي أنا ناظم
سليني دمي يا أمّ أسفكه راضيا
و ما أنا هيّاب و لا أنا نادم
طلاسم هذا الذلّ دقّت و إنّما
تفكّ بحدّ السيف هذي الطلاسم
و للبطل صولات على الحقّ جمّة
و تسفر عن فوز المحقّ الخواتم
يفوز بأوطار الحياة محارب
و يرجع بالخذلان فيها مسالم
أرى الناس هذا ضاحك متفائل
غرورا ، و هذا نادب متشائم
فقل لضعيف راح يسأل رحمة
رويدك ما للضعف في الناس راحم
و قل للّذي جافي على القرب أهله
رويدك تقوى بالخوافي القوادم
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> شعاع العيون(55/150)
شعاع العيون
رقم القصيدة : 67403
-----------------------------------
حدّثيني عن الهوى حدّثيني
و أثيري كوامن الأشجان
عن ليالي نعمان جادت دموعي
ما جفاه الرباب من نعمان
عن كؤوس الصبا تدار علينا
و الندامى نواعس الأجفان
يا سليمى : و في الأحاديث سلوى
حدّثيني عمّا مضى حدّثيني
***
ذبلت هذه الخميلة حزنا
و سقاها من الردى ساقيها
كيف تذوي غصونها ظامئات
و أنا من مدامعي أرويها
هي في حاجة لعطف فتاة
فاذرفي دمعة الأسى تحييها
لا تضنّي بالدمع يوما عليها
من شروط الوفاء أن تبكيها
واذرفيه شعرا و طيبا و خمرا
إنّ فيه الدمع راحة للحزين
قد جفاها النسيم منذ ليال
آه ممّا جنى عليها النسيم
ضنّ في لحنه الرقيق عليها
بعد جود و قد يضنّ الكريم
فاحملي الناي و اتبعيني إليها
فمن البرّ أن يواسي الكليم
أسمعيها صوت الملائك يرجع
زهوها صوتك النديّ الرخيم
و اعيدي لحن الربيع ففيه
ماتمنّته من هوى و حنين
***
ذرفت دمعها سليمى فأحيت
ذابلات الغصون و الأوراق
و تغنّت ألحانها فأثارت
كامنات الشجون و الأشواق
زيّنت عاطل الخميلة جودا
بلال تجري من الآماق
و أعادت عهد الرّبيع إليها
مذ سقتها بالمدمع الرقراق
و حبتها من عطرها نفحات
تسكر الطير و عي فوق الغصون
عاطفات الحنان في صدر سلمى
كرّم الله هذه العاطفات
أيّ شعر لم يستكن للقوافي
مرقص في ألحانها المسكرات
ما أشدّ الظلام لولا شعاع
يرسل النور في عيون الفتاة
يا شعاع العيون وطفاء نجلا
أنت في ظلمة الأسى تهديني
***
يا شعاع العيون فيك قرأنا
سرّ هذي الحياة وهو دقيق
نعمة الله أنت في الكون لولاك
لعمّ الوجود حزن و ضيق
في ليالي الهموم ترسل نورا
بدعة العطر و الهوى فنفيق
خالق الكون قد براك عزاء
ليداوي آلامه المخلوق
ما عشقنا الحياة وهي شقاء
الناس لولاك يا شعاع العيون
دمعة من عيون هيفاء خود
تخلق العطف في قلوب القساة
بسمة في الحياة من شفتيها
تبعث النور في ظلام الحياة
لمسة من بنانها وهو رخص(55/151)
برد تلك الجوانح الظامئات
نفحة من نهودها سرّ ما
ننشق بين الربى من النفحات
هي سرّ الحياة ، انشودة الله
شفاء الداء العصيّ الكمين
***
أنا أهوى بلا رجاء وما
حال محبّ يهوى بغير رجاء
بائس يا ابنة الصباح شقيّ
كفكفي من مدامع البؤساء
و ارحميني ففي غد يهب الله
ضياء لأوجه الرحماء
وهبيني خميلة جدت ما
جدت عليها بالنور و الأنداء
أنا أشقى منها و أظمأ روحا
أسعديني فالعدل أن تسعديني
***
ذا اعترافي أمام كاهنة الحبّ
فهل يغفر الخطايا اعترافي
لإله الهوى صلاتي و نسكي
و حوالي بيت الغرام طوافي
هيكل الحبّ طاف فيه جدودي
و جثت حول ركنه أسلافي
أنا راض بنظرة أو بوعد
منك للعلة الكمينة شافي
فعديني و لا تبرّي فحسبي
من نعيم الحياة أن تعديني
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> دموع و دموع
دموع و دموع
رقم القصيدة : 67404
-----------------------------------
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ
أنت أولى بالهوى و الشّعر منّي
لك سحر مثل سحري عجب
أترى عندك حزنا مثل حزني
فترنّم بأناشيد الهوى
ناعما ما شئت من غصن لغصن
و تعلّم كيف يبكي شاعر
ضاع ما بين صدود و تجنّ
إنّما الدنيا و في أمثالها
عبر الدنيا و أصداء التمنّي
غارة لم أهيّب جمرها
فنبا سيفي و لم يسلم مجنّي
ربّ دهياء أناخت بالحمى
-غاب حاميه - و خطب مرجحنّ
بين سمع و عيان ، ليتني
لا ترى عيني و لا تسمع أذني
ما على لحني و قد أرسلته
يلهب الدنيا على الغاضب لحني
فإذا لم أستثرها همما
لا ورى زندي و لا ظلّل ركني
***
غنّ يا بلبل فوق الدوح غنّ
أنت أولى بالهوى و الشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ
أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
***
تاج هارون خبا لألاؤه
فبكت دجلة حزنا و الفرات
وذرى الزّهراء خرّت بعدما
طاولت زهر النجوم النيّرات
وبنو مروان ولّوا وانطووا
و تخلّوا عن متون الصافنات
قل لجيش الروم ماذا تتّقي
طاح ريب الدهر غدرا بالغزاة
لا بنو العبّاس في زخم الوغى
لا ولا أبناء حمدان الأباة(55/152)
عقلت بين خيام المنحنى
و الفراتين عتاق السابقات
و هي الأسياف في أغمادها
صدئت يا ويلتي للمرهفات !
***
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ
أنت أولى بالهوى والشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ
أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
***
قف على اليرموك و اخشع باكيا
و تيمّم من صعيد القادسيّة
تربة طيبة طاهرة
و قبور من حيا الدمع رويّه
ها هنا مثوى الصناديد الألى
قد لووا قسرا عنان الجاهليّة
دوّخوا الروم وثلّوا عرشها
وطووا حمر البنود الفارسيّة
و قضوا الأحجار والثمه ثرى
طاهرا واعقر على القبر المطيّة
يا قبورا محيت واندثرت
أنت نبراس الهدى والوطنيّة
لك من دمعي إذا ضنّ الحيا
ديمة تبكي ووطفاء روّيه
***
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ
أنت أولى بالهوى والشّعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ
أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
***
قد رأوا ليلاي تذري دمعها
كرّم الله الدموع الطاهره
حرس الله جفونا عطّرت
بالندى تلك الخدود الناضره
كفكفي دمعك لا يشهده
ناظر حتى النجوم الزاهره
إنّ لي يا ابنة ودّي همّة
تخضد الخطب ونفسا ثائره
وأراني في غد مقتحما
مستظلا بالسيوف الباتره
ملقيا نفسي في غمرتها
كيفما دارت هناك الدائره
فإذا متّ غريبا نائيا
و أنا في التسع بعد العاشره
أذكريني واحفطي عهد الهوى
واندبي شؤم الجدود العاثره
لست تالله محبّا غادرا
لا تكوني بعد موتي غادره
***
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ
أنت أولى بالهوى والشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ
أيهّا الطير دروس الهمّ عني
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> أنا و هي
أنا و هي
رقم القصيدة : 67405
-----------------------------------
أقبل اللّيل فقومي وانثري
فوق هذا الرّوض من وجهك نورا
واقطفي لي وردة قبّلها
لؤلؤ الصبح نظيما ونثيرا
واملأي كأسك لي من ريقة
تسكر الأرواح طيبا و عبيرا
ورد خدّيك نضير مستح
فدعيني ألثم الورد النّضيرا
طهّر الحبّ فؤادي فغدا
كفؤاد الطفل يا ميّ طهورا
عمر النفس شعورا بالأسى(55/153)
و الأسى يخلق في النفس الشعورا
***
إملأي المصباح زيتا و اتركي
لعبيد الوهم نور الكهرباء
وتغنّي بأناشيد الهوى
تسكر الأرواح ألحان الغناء
وارفعي للأفق عينيك تري
أيّ حسن و جلال في السماء
كوخنا يا ميّ في هذي الربى
لا تساميه قصور الأمراء
قد أمنّا قوّة الناس به
أيّ كسب عندنا للأقوياء
صعفاء نحن يا ميّ و ذا
كلّ ما نملك كفّ الضعفاء
***
إسمعي أخبار جنّات الرّبى
ودعينا من أحاديث البشر
بلبلي اليوم حزين صامت
ليت شعري أيّ ألف قد ذكر
و الرّياحين زهت و ابتسمت
حينما غازلها جفن المطر
ذلك الدّوح الذي ظلّلنا
داعبته الريح ليلا فانتثر
أشرق الصبح على زهر الربى
ناثرا لؤلؤه فيما نثر
فاقطفي ما شئت منها و ارفعي
فوق ذا المفرق تيجان الزّهر
***
لا تقولي : قصّ أنباء الورى
حسبنا أنباء هذي الزهرات
و اربإي بالسّمع عن أخبارهم
إنّها تدمي قلوب الفتيات
أمّة تقتل ظلما أختها
و غنيّ مستبدّ بالعفاة
ودماء خضبت وجه الثرى
ودموع كالغوادي جاريات
و شعوب باكيات تشتكي
عنت الأسر و أخرى ضاحكات
وحياة كلّ ما فيها أذى
لا سقى عهد الحيا هذي الحياة
***
إسمعي : لن تسمعي في أرضهم
غير أصوات عويل و بكاء
والد يبكي ابنه أودت به
في الوغى أطماع قوم أقوياء
ورؤوم فقدت واحدها
فتعزّت فيه عن حسن العزاء
ضحكات الأقوياء ارتفعت
و علا بالنوح صوت الضعفاء
أفسدوا الماء على شاربه
فغدا حسرة أكباد ظماء
كيف يروي غلّة الصادي و قد
مزجوه بشابيب الدماء
***
ميّ : عفوا ما لعينيك و هي
فيهما سلك اللآلي فانفرط
أما أحزنتك يا ميّ فهل
يغفر الرحمن لي هذا الشطط
إحسبيني كاذبا وابتسمي
ودعيني أرتشف هذي النقط
أدمع طاهرة ، ذوب الندى
فوق أكمام الأزاهير سقط
لا رعى الله قويّا فاتحا
المنايا ناشطات ما نشط
أنّت الثكلى فولّى ضاحكا
ورأى الأسياف تدمى فاغتبط
***
كفكفي دمعك يا ميّ فقد
جرحت قلبي هذي الأدمع
و تناسي عالم الشرّ فما
في هدى هذي البرايا مطمع
و اتركي القصر منيعا عاليا(55/154)
حسبنا هذا الفضاء البلقع
و اقنعي : أشقى البرايا طامع
سادر في غيّه لا يقنع
تحت أغصان الدوالي بالربى
هيكل الحبّ الطّهور الأرفع
هيكل الحبّ الذي أجثو به
خاشعا : ما حبّ من لا يخشع ؟
***
ها هنا في الروض و الروض شذى
بيعة الله تضمّ المؤمنينا
فالبسي الإكليل يا ميّ فقد
أشرق الصبح على الدنيا مبينا
حفلة العرس و من زهر الربى
قد دعونا يا ابنة الخير مئينا
و طيور الروض يا فاتنتي
قد أقمناها مقام المنشدينا
أقبل البلبل فاجثي و اخشعي
و اتركي الأزهار يلثمن الجبينا
يا له من مؤمن يمنحنا
بركات الأتقياء الصالحينا
شعراء العراق والشام >> بدوي الجبل >> تحيّة وفاء
تحيّة وفاء
رقم القصيدة : 67406
-----------------------------------
إن تهتف الشام : ميخائيل : أنجدها
كأنّه قدر يحمي به القدر
إذا الوجوه عنت لليأس حالكة
أضاء في وجهك الإيمان و الظفر
عففت عن قدرة عصماء باذخة
وربّما عفّ أقوام و ما قدروا
صعب الشكيمة و الأعناق مسلسة
قاس من الحقّ لكن لست تنكسر
لك الشمائل من نور و من كرم
لها على النجم ذيل مترف عطر
رأي كأنّ بنات الغيب تعشقه
فعنده السرّ و الأطياف و الصور
و جرأة في العلى و الحقّ لوجبهت
ليثا تبرأ منه النّاب و الظفر
زينتها بوسيم جلّ مبدعه
من الحياء فلا زهو و لا بطر
و ما استباح عرين الحقّ طاغية
إلاّ وصرح عن أنيابه النّمر
و لم تهادن قويّا في تحكمه
و لا غدرت و شرّ النّاس من غدروا
إذا تأرج ذكر منك أو نبأ
تهلّلت حلب الشهباء تنتظر
أنت اللبانة في نجوى ضمائرها
و فيك عطّر جوّ السامر السّمر
أصفيتك الحبّ لا منّا و لا كدرا
و من هنات المحبّ المنّ و الكدر
و ما اصطفيتك عن خوف و عن ملق
و لا لأنّي إلى نعماك أفتقر
لكن وفاء لنعمى منك سابقة
و أنّك الكنز للأوطان يدّخر
و بلبل الدّوح يرضيه بأيكته
سرّ الجمال . و يرضي غيره الثمر
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> قلق
قلق
رقم القصيدة : 67407(55/155)
-----------------------------------
وَحِينَ تَلُمُّ خُيُوطَ الشَّمْسِ
يَحْتَشِدُ الطَّيْرُ لا يَسْتَقِرُّ
وَيَرْتَعِشُ العُشْبُ لا يَسْتَقِرُّ
تَطِيرُ الفَرَاشَاتُ لِلنَّارِ
تَسْقُطُ
وَالكَوْنُ لا يَسْتَقِرُّ
وَيَأْتَلِفُ النَّهْرُ وَالنَّجْمُ
يَمْنَحُهَا وَرْدَةً
لَمْ تُلَوَّثْ بِمَاءِ الخَلِيجِ
فَتَضْحَكُ ..
يَنْخَلِعُ القَلْبُ لا يَسْتَقِرُّ
وَكُلُّ الّذِي مَرَّ جَنْبَ المُعَسْكَرِ
يَلْسَعهُ جَمْرَهَا
أَيُّ صُبْحٍ وَنَارٍ
عَلى جَسَدٍ دَافِئٍ
قِطَّةٍ وَدُخَان
فَضَاءٌ يَثُورُ ولا يَسْتَقِرُّ
فَأُقْسِمُ أَنَّ لِـ " جَانِيتْ "
ـ كَكُلِّ النِّسَاءِ ـ
قَرَاصِنَةً وَبِحَارا
وَبُرْكَانَ يَهْمِي ولا يَسْتَقِرُّ
أُخَبِّئُ فِتْنَتِهَا فِي القَصِيدَةِ
حِيناً
وَحِيناً
عَلَى كَوْكَبٍ مِنْ غُبَارٍ كَثِيفٍ
فَأَدْنُو
وَأَصْبُو
غِيَابٌ
وَمَوْتُ
حُضُورٌ
وَنَصْلُ
شَرَارٌ
وَوَصْلُ
وَكَوْنٌ يَهِيمُ ولا يَسْتَقِرُّ
وَأُقْسِمُ :
أَنِّي أُرَتِّلُ
فِي الغَامِضِ الهَمَجِيِّ
وَفَوْضَى المَسَاءِ المُرَاوِغِ
خَلْفَ الصَّدَى
رَيْثَمَا يَعْرِفُ السِّحْرُ طَعْمَ النَّجَاةِ
بِمِخْلَبِ قِطَّتِهَا
رَيْثَمَا تَعْرِفُ الكَائِنَاتُ ..
نِسَاءً
تُثِيرُ الحَيَاةَ فلا تَسْتَقِرُّ
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> عابرة
عابرة
رقم القصيدة : 67408
-----------------------------------
مُذْ رَأَيْتُكِ في لَيْلَةٍ مِنْ " دِيسَمْبِر "
والشوارعُ ترتادنِي في كلِّ مساء
واللهاثُ الذي انتابني
يلْكزني في الصدرِ وأمراضُ البردِ
مُذْ رَأَيْتُكِ
والشوارعُ تَسْبَحُ خجْلى
في ذبولٍ
تخلعُ قِمْصَانَهَا
وتُشَارِكُني طَعْماً آخرَ
للمَوْت
فأعلقُ في عروتها
نجماً من حصى الإسفلتْ
مُذْ رَأَيْتُكِ في لَيْلَةٍ مِنْ " دِيسَمْبِر "
وأنا أشعلُ أعضائي
وأرتبُ كلَّ رفاقي
ـ في طاولةِ المقهى ـ خلفَ الباب
فالشوارعُ راحتْ تَرْفُلُ(55/156)
في عطرٍ من نورٍ
منْ ماءٍ
مختطٍ بنشيجِ غناء
تربكهُ أصداءُ الأقدام
تبحثُ عنْ شيءٍ منْ طورِ الأحلام
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> امتزاج
امتزاج
رقم القصيدة : 67409
-----------------------------------
في الليل ..
ــ وبلور المطر المتساقط
وأنين الريح
وشعاع يخدش أحلامي
عبر الشباك جريح ــ
كانت رقصات المطر الزرقاء
تتلبسها امرأة بيضاء
وصدى الأغنيات البعيدة
منقوش فوق الأشواك
عندئذ قامت روحي
تتسكع في الشارع خجلى
تتقطرُ
حُ
لْ
م
اً
ثمراً . . . حلواً
تمتزجُ
بعصارات الأشياء .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> صباح
صباح
رقم القصيدة : 67410
-----------------------------------
على حافة الحلم
كنت أساوم انثى الصباح
وأمسك جمرتها
لأرج اللهيب
الجراح
تفر الحروف من الأغنيات
وتسقط
مني
القصائد
في رعشة العشق
وردة من ضياء .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> اسكندرية
اسكندرية
رقم القصيدة : 67411
-----------------------------------
تتشكلُ الأشياءُ في الإسكندرية
كالنساءِ العاشقاتِ،
البحرِ،
جرحِ اللانهاياتِ،
انفجارِ الطيرِ بالأحلامِ
وبالغناءِ وبالصهيلِ
ووشوشةِ النورسِ الحيرانِ
فوقَ الأبيضِ المتوسطِ
الشعرِ الجنونِ
أريجِ زهرة ياسمين
تتبعثرُ الأقدامُ بينَ الشمسِ
والإسكندريةِ ..
تمنحُنَا أشعتها ، واستباحةَ طفلها
رَامْبُو ..
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> باقة
باقة
رقم القصيدة : 67412
-----------------------------------
أسمي الزهور التي
ضمختني بعطر الإياب : ضياء
لها نشوة الذكريات
وشدو العصافير في الأمسيات
لها جمرة في فؤادي
استحالت سماء
وضوءاً لليل طويل
لأني وحيد
ستسكن هذي الزهور جروحي
وترسم معنى الصباح الجميل
وتمضي إلى الكف لاهثة للسلام
فتمطر حباً ودفء ابتسام
وحلماً بطعم الغناء
لها حاجة في عيوني
ولي حاجة
هكذا أرتجيها
فتخلع قمصانها لاشتباك المسافات
تسكب ألوانها
كالضياء(55/157)
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> توحد
توحد
رقم القصيدة : 67413
-----------------------------------
ربما يسكنني الآنَ :
فضاءُ البهجةِ
الشعرِ
شيءٌ غامضٌ
وشوشةُ الكفين في أبهى ارتباكاتِ الحبيبةِ
.. .. .. ..
ربما تسكنني الآنَ
حين مست يدها صدري ..
وقالت :
" أرتجي فيك جنوني "
ولغة العشق
فلا تتركنني وحدي لضعفي
ربما تسكنني الآن :
سماءٌ كالفراشاتِ
ووشمٌ في فؤادي رسمها ..
وأنا أكشف حالات خلايايَ وروحي
ربما تسكنني الآنَ
أو قل إنها تسكنني الآن ..
ويحملني العشقُ
يلقي فيوضاتِ نوركِ بينَ يديَّ
أُلامِسُ هَاجسَ خطوي إليكِ
وكنتُ أعانقُ روحكَ
منذُ ابتداءِ الخليقةِ
والحلمُ عصفورةٌ منْ نسيم .
على صهوةِ النار
كنّا نساوم هذى المسافاتِ
حتى نجرِّبَ حلمَ العاشقين
" وكانوا قليلاً من الليل ما يهجعونَ "
وظلنا قليلاً . .
وكنا أحباء في رحمِ الغيبِ
طوقنا الشوقُ
ثم امتزجنا
بكأسِ التوحدِ
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> صباح العشق
صباح العشق
رقم القصيدة : 67414
-----------------------------------
هو ذا العشقُ
يتوج كلَّ سُطُورِ القَلْبِ
بأغصانِ الوَجْدِ
بآهاتٍ تَتَقاطرُ كالصَّهْدِ
الممْزُوجِ بأَصْباغِ الوَرْدِ
المنْقُوشِ على أَعْشابِ الوديانِ
وفي حالاتِ المد ِ
هو ذا العشقُ
الساكنُ في أَعْضاءِ الوَلَد ِ
الطَالعِ مِنْ رَحِمِ الأنثى
والعَائِدِ فِيهِا
يُنْبِتُ دَهْشَتَهَا
ويَفُضَ طُقُوسَ أَراضيهَا
ويُهَدْهِدُ جَمْرَ خَطَايَاهُ فَوْقَ الجَسَدِ
المأْخُوذِ بأَسْرَارِ الكَوْنِ
المرْسُومِ عَلَى كُرَاسَاتٍ
بَلَّلَهَا الحُلْمُ بموسِيقَى اللَّوْنِ
هو ذا العشقُ
يَتَقَاطَرُ مِنْ غَيْمَاتِ الصُّبْحِ
ومِنْ نجمَاتِ البَوْحِ
يَتَنَاثَرُ مِنْ أَسْرَابِ فَرَاشَاتِ الصَّحْوِ
ومِنْ بَيْن حَقِيبَةِ تِلْكَ البِنْتِ المرْمَرِ والقَد
فَيُذَوِّبُنِي في الوَعْدِ الممْتَد
ويتوجُ كلَّ سطورِ القلبِ بأغصانِ الوردْ .(55/158)
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> رسالة
رسالة
رقم القصيدة : 67415
-----------------------------------
تجئ الرسالة تقلب خطة قلبي
تشاركني مرة في فؤادي
وأخرى في دمي
فمن أين تأتي الحبيبة هذا المساء ؟
ستدخل من ضلوعي وجلدي
وتشهق روحي :
" عزيزي : بهاء "
أحدق
كانت حروف الرسالة
تخشى العيون
تخاف السؤال
فتشعل بركانها في جروحي
على صهوة من حنين
لأي مكان ستأخذني هذى الرسالة
لأي مكان ؟ !
وتوقظ تلك الرؤى لهفني للحروف
تقول إذن :
" إنها لحظة للعطاء "
وترسم كل المعاني الجميلة
ترتب خارطة من كلام ندي
ليدخل و" الأوكسجين" الرئة
فأحضن تلك الرسالة ثم أنام . . .
تجيء الرسالة حائرة
فتهز سكون الزمان
وتقلب خطة قلبي
تشاطرني في دمي . .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> أنت معنى الكون
أنت معنى الكون
رقم القصيدة : 67416
-----------------------------------
في البدء
لم يكن المريدون ابتداء للرمال
وللعصافير / الفضاء
ولم يكن في رغبة الكون احتمال
غير أنثى من جنون
" أنت معنى الكون كله "
** النور
يصحو على آهات رعشتها
لينبسط الضياء وينطوي ـ في دهشة ـ
والشمس تخلع نشوة الوهج المعاند
حين تلمس كفها امرأة
من النور المقطر في الحقول
** المها
قد أبدع العشق
ارتكاب السحر في عينك
يا حورية العشب ، الحكايات
القصائد والبلاد
فأنت رغبته
وهاجسه المراود للفتى
** الشوارع
في عريها تبدو الشوارع مثل قلبك
يقصد الطير ازدحام العشق فيه
وحلم رحلته إلى عرش النبوة والمدى
** البنايات
سكن تهجته يداي
ورغبة
إذا تحتويني أفرغ الشوق انصهراً
وابتداءً للمضارع والصهيل .
** الحقول
زهر ورابية
على حلم من الجسد
اشتعال في العواصم ، والحدود
من التي ستوحد الروح انفعالاً
غير أنثى من جنون
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> الجواد
الجواد
رقم القصيدة : 67417
-----------------------------------
ثلاثون عاما مضت
والجوادُ يسابقُ خطوَ الرهان(55/159)
ويضربُ في الأفقِ
تنسابُ عندَ حوافرهِ الأمنياتُ
ثلاثونَ عاماً مضتْ
والجوادُ يكابدُ جرحَ الزمانِ
يخطُّ على العشبِ
منْ دمهِ الأرجوانيِّ
بعضَ القصائدِ للأمسياتْ
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> ذاكرتي
ذاكرتي
رقم القصيدة : 67418
-----------------------------------
ذَاكِرَتِي لا تَصْلُحُ إِلَّا لِلْفَوْضَى
وَالهَجَسِ الأَخْضَرِ فِي لَيْلِ الصَّيْفِ
المَمْزُوجِ بِرَائِحَةِ النِّعْنَاعْ
وَخَيَالاتٍ مُتَصَاعِدَةٍ مِنْ كُوبِ الثَّلْجِ
فَأَحْشُوهَا بِالأَسْئِلَةِ الجَدَلِيَّةِ وَالمَوْتْ
وَأُطَوِّحُهَا نَحْوَ " أَنْطُونْيُو "
فَعَلَى شَاشَاتِ التِّلْفَازِ
ثَمَّةُ أحْزَانٍ تَقْتُلُنِي
ذَاكِرَتِي لا تَصْلُحُ إِلا لِلْفَوْضَى ..
وَتَجَاعِيدِ التَّارِيخِ
فَتَدْخُلهَا فِي هَذِي اللَّيْلَةِ .
أَشْجَارٌطَوَّحَهَاالعُمْرُ
وَتَرْحَلُ
أًحْيَاناً نَحْوَ أنِينِ اللَّيْلِ المَخْنُوقِ
فتُنْكِرُ كُلَّ بَرَاءاتِ العَالَمِ
تَتَدَحْرَجُ
تَحْتَ
مَسَارَاتِ الوَجْدِ رُؤىً
للرِّيحِ وللمُدُنِ البَيْضَاءِ
ذَاكِرَتِي لا تَصْلُحُ
مَنْ ذَا يُشَاطِرُهَا الفَوْضَى
فِي هَذا الليْل
ذَاكِرتِي تَرْتَكِب الدَّهْشَةِ
تُخِفِي أَحْلامَ الأَطْفَالِ
بِهَذا النَّبِي المُحْتَجِّ عَلَى كُلِّ الأَشْيَاء
ذَاكِرَتِي مَحْضُ هَبَاء .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> ملامسة
ملامسة
رقم القصيدة : 67419
-----------------------------------
ربما يسكنني الآن
فضاء البهجة
الشعر
شيء غامض
وشوشة الكفين في أبهى ارتباكات الحبيبة
..............
ربما تسكنني الآن
حين مست يدها صدري . . ،
وقالت :
ارتجي فيك جنوني ،
ولغة العشق
فلا تتركنني وحدي لضعفي
ربما تسكنني الآن
سماء كالفراشات
ووشم في فؤادي رسمها . . . .
وأنا أكشف حالات خلاياي وروحي
ربما تكنني الآن
أو قل
إنها تسكنني الآن
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> لاشيء
لاشيء(55/160)
رقم القصيدة : 67420
-----------------------------------
لاشيء معي
غير صراخ الأحلام
وعجوز يشعل سيجارا
وجراح
والليل يجر بقاياه
كحطام الأيام
ونجوم ماتت فوق الشطآن
لا شيء معي
ضاقت كل الأزمان
تقتات الساعات عظامي
وتفتتني زاداً للأحزان
لاشيء معي
غير مغنٍ أعمى
وصدى الألحان
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> هكذا
هكذا
رقم القصيدة : 67421
-----------------------------------
لي أن أعلق
فوق حائطها
الجماجم والضفاضع
والهزائم
.. أن اراقب
شعلة تسري من الكهف البعيد
.. إلى خديعة راهب متمرد
لي أن أجرد كل شيء
في المساء
وعند تأويل الصباح
بمدية الزنجي
أو برباطه الطبي
أشعل ثورة ضد الجهات
وضد أوهام الحقيقة
هكذا ..
حتى أفاجئها
بموتي وامضا ...
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> عام 2000
عام 2000
رقم القصيدة : 67422
-----------------------------------
ليل / داخلي
أقفاص
لافتة حمراء
حيوانات
تركض حول النادل
وامرأة
تكمن في جحرٍ تحت البار
ويكتمل المشهد
بصياح كالعادة
والعربي المخمور
يغني حتى ينتصف الموت
Stop
ظل المشهد لم يتوقف حتى الفجر
ليل / خارجي
مطر من نبالم
يخرج
من قبعة فوق الحائط
يستأصل كفاً بأصابع منفرجة
يزرع أرملة
للجيل القادم
ويوزع من جسدي للفقراء وللجوعى
قطع ( 0 )
ستمر كلاب
عند الفجر
ويعود المطر الساقط
يستأصل كفاً أخرى
بِـ أَ صَـ ـا بِـ عَ مُـ نْـ فَ ـرِ جَ ـة
قطع ( 00 )
سيمر المخمورون
زجاجات فارغة
قدم
نحو
الهاوية
وأخرى
في خيبات الأيام
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> صرخة الروح
صرخة الروح
رقم القصيدة : 67423
-----------------------------------
مَا بَينَ فَوْضَى اللَّيْلِ
والفَجْرِ
ابْتِدَاءُ الحُلْمِ
فِي وَسَطِ الشِّتَاءِ
فَمَنْ يُجَرِّبُ صَرْخَةَ الآتِي إِلى الفَضَاءِ
يُشَارِكُ الأَرْضَ
ارْتِعَاشَ البَدْءِ فِي :
30/1/ 1966م
وَالفَجْرُ وَرْدَتُهُ(55/161)
جَوَى رُوحٍ تُلامِسُ كَوْنِكَ اللَّهُمَّ
تَبْدُو كَالقَصِيدَةِ
وَالمَدَى فِي بَهْجَةٍ
تَسْتَيْقِظُ الخَيْلُ /
العَصَافِيرُ /
النَّهَاراتُ /
ال ......
تُبَارِكُ رِعْشَةَ الجَسَدِ العَجِيبِ
وَيَرْهَنُ الغَيْمُ انْفِجَاراتِ البِلادِ سَنَابِلاً
.. .. .. .. .. .. .. ..
جَسَدٌ سَتُشْعِلهُ الحَرَائِقُ
والقَصَائِدُ
فِي شَذَى صَحْوٍ جَدِيدٍ يَقْظَةٍ
فِي : ( 30/ 1 / 1993م )
قَدْ يَأْخُذُ الحُلْمُ انْتِصًافَ الوَهْمِ
يَمْتَدُّ الحَنِينُ إِلى سَحَابَتِهِ فَضَاءً
يَغْمُرُ الجُرْحَ النَدَى
أُفُقٌ يَحُطُّ عَلَى غُلَالَةِ رُوحِنًا
وَالعُشْبُ يَبْسِطُ وَرْدَةً
فِي غَفْلَةٍ
فَتُهَيِّئُ الرُّوحُ العَذَابَ
تَمُدُّ رِعْشَتِهَا لِعَالَمِهَا
.. .. .. .. .. ..
جَسَدٌ تُؤَجِّجُهُ الحَرَائِقُ
والقَصَائِدُ
والقَنَابِلُ
والنِّسَاءُ
فَيَمْتَطِي الرِّيحَ الشَّدِيدَ
ضَاقَ حَتَّى صَارَ
نُ
قْ
طَ
ةً
بَيْنَ
الغُبَارْ .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> القدس
القدس
رقم القصيدة : 67424
-----------------------------------
مدينة عيونها سلام
وقلبها . . وعقلها
ضجيجها. . وخبزها
أحجارها . . وأهلها
أفراحها وحزنها سلام
يحوطها الزيتون والحمام
تلفها القلوب بالوئام
وفجأة
في غمرة الأحلام
باغتها اللئام
ولفها الدخان والأحزان
ليعلنوا بأنها مدينة السلام .
على رملها أستريح
نخيل وشمس
وبيت قديم
فضاء فسيح
سيسألني في المساء صغاري
ـ وتنزف روحي ـ :
عن الزمن المستحيل
عن الرمل ، عن لحظة قد تجئ
وعن ساعة إذ تجئ تميل
وتعصف ريح
فتشعل فينا الحريق
وتمطر في القلب مر الرحيق
ويبقى فؤادي وحيداً كشيخ جريح
سيسألني في المساء صغاري
وأرهف للزهر ـ حين ينام الجميع ـ
وهم يحلمون
فكيف أخبئ وجهي
وأنزع منه التفاصيلْ
وصمتي خداع جميلْ
ونطقي عذاب ووهم
فكيف أخبئ وجهي العليل
سيسألني في المساء صغاري
أعود إلى البيت
أحمل خبز الرمال
وعشق الرمال(55/162)
أوزعني في الجهات
نحطم هذا المحال
سيسألني في المساء صغاري
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> عودة
عودة
رقم القصيدة : 67425
-----------------------------------
عَائِدٌ يَحْمِلُ فِي جُعْبَتِهِ
بَعْضاً مِنَ الشِّعرِ
غُبَاراً فِي مِدَادٍ
فَتَعَالَى اللهُ ـ فِي كَوْنِهِ ـ عَمَّا يَفْعَلُونْ
.. .. .. .. .. ..
عَائِدٌ يَحْمِلُ حُزْنَ العِشْقِ
مَسْكُوناً بِخَمْرٍ مِنَ الدَّهْشَةِ
والخَوْفِ
فَكُلٌّ فِي الوُجُودِ الآنَ رَمْزٌ
فَالْمَجَرَّاتُ افْتَعَلَتْهَا جُزُرٌ فِي هَيْئَةِ الطَّيْرِ
شِهَابٌ مِنْ سَدِيمٍ غَارِقٍ فِي مَوْطِنِي
يَا أيُّهَا السَّبَّاحُ هَلْ أَنْقَذَكَ المَوْجُ فَتَشْقَى ؟ !
عَادَ رَكْبٌ كَالفَرَاشَاتِ الّتِي تَجْمَعُ أَطْرَافَ رَزَازٍ
لَمْ يَكُنْ يَرْغَبُ فِي شِقْوَتِهَا
فَافْتَعَلَ العِطْرَ
وَمَالَتْ فِي الرُّؤَى أَزْهَارُهُ
تَحْتَ انْفِجَارَاتِ الغُيُومْ .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> أديم
أديم
رقم القصيدة : 67426
-----------------------------------
خفف الوطء
فما الأرض عادت كما كانت
ولا الزمن
الكل تشابك
في خيط المحن
في عراء منخطفٍ بلا سكن
الكل كاد أن يجن
خفف الوطء
فهذا أديم الوطن ..
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> دموع
دموع
رقم القصيدة : 67427
-----------------------------------
دعوني
أجرب لحظةِ موتي
أقاسمكم دمعكم والوجوم
***
في المساء
كانت تشعل قنديلاً
تمسح بروازاً مكسوراً
ثم تزرف دمعتين
دمعة في انتظار الصباح
ودمعة لليل طويل لامنته يئن .
***
في الصباح
يغني عمال السكك الحديدية
وفجأة تشخص كل العيون
وتسقط ما بينَ بين
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> دعوني
دعوني
رقم القصيدة : 67428
-----------------------------------
تَنْسُّلُ رُوحِي رُوَيْداً
مِنْ عِظَامٍ
يُدَغْدِغُ المَسَاءُ
احْتِراقَاتِ النُّخَاعِ بِهَا(55/163)
تَرْتَدُّ نهْراً إِلى قَلْبِي
فَتَغْسِلهُ فِي مَارِجٍ
مِنْ ضِيَاءٍ
والدِّيارُ
دُمُوعُ الفُقَرَاءِ
مَسَافَاتٌ مِنَ الحُزْنِ
.. .. هَكَذَا
تَصِيرُ طُيُوراً
ـ أَوْ صَهِيلاً ـ
تُجَرِّبُ الرَّحِيلَ
الغُرُوبَ
دَهْشَةَ المَوْتِ
صَوْتَ النَّائِحَاتِ
الخُلُودَ
وَالجَوَى
أَوْ تُفَتِتُ الحُضُورَ بَأَحْشَائِي
لِتَقْتَات مِني دَابَةُ الأَرْضِ
وَالأَرْضُ ..
انْتِفَاضَةُ اللامَكَانِ
إِذْ تُشَارِكُنِي
غِوَايَتِي
رِعْشَتِي
تَنْسَلُّ ،
رُوحِي :
روَيْداً ..
فَالبِلادُ التي تُولَدُ مِنْ رَحِمِ المَوْتِ
فَضَاءً
تُشَتِّتُ الجِرَاحَ
وَتَتْرُكُ الفُؤَادَ
وَحِيداً .. يَصْطَلِي
. . . . .
.. .. .. .. ..
.. .. .. .. ..
عِنْدَ مَوْتِي
وَرْدَةٌ تُخْرِجُ البَرَاعِمَ الخُضْرَ
فَوْقَ الجَسَدِ المُتَشَقِّقِ
الَّذِي أَخْلَدَ النَّوْمُ عَلَى رَاحَتَيْهِ
هَلْ أَصِيرُ غُبَاراً
فَوْقَ جُمْجُمةِ الأَرْضِ
بِلا وَطَنٍ
آوِي إِلى لُجْةِ
فِي فِضَاءِ اللهِ
أَمْ .. .. .. .. .. .. ؟؟
هَكَذَا
تَنْسَلُّ
رُوحِي
رُ
وَ
يْ
دَ
اً
والعِظَامُ
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> قصائد
قصائد
رقم القصيدة : 67429
-----------------------------------
(1)
الرُّوحُ تَعْرَى
تَصْطَلِي بِالْعَتْمَةِ
اليَأْسِ
اتِّسَاعِ المَقْصَلَةْ
وَهَزَائِمِي ..
تَتَسَلَّقُ الجُدْرَانَ
فِي الجَسَدِ النَّحِيلِ
وَتَدْخُلُ اشْتِبَاكَ اللَّوْنِ
عِنْدَ مَسَافَةٍ مِنْ غَيْمَةٍ كَالفَاجِعَةْ
(2)
طُوبَى لَكُمْ
يَا أَيُّهَا المَوْتَى
سَأَقْرَأُ سُورَةَ الشَّوْقِ انْفِجَاراً
رَاجِماً حُلْمَ الحَيَاةِ
فَيَسْقُطُ الجَسَدُ ابْتِدَاءً
للْغِنَاءِ
وَلِلْجَفَافِ
فَكُلُّ شَيْءٍ بَاتَ يَعْبَثُ فِي حِذَائِي
لاكْتِمَالِ الزَلْزَلَةْ
(3)
فِي عَيْنَيْهِ
شَارِعٌ طَوِيلٌ
وَبَاعَةٌ
وطِفْلٌ يَشْحَذُ
وامْرَأةٌ فِي سَيَّارَتِهَا إسْفَلْتُ الظَّهِيرَةِ
فِي عَيْنَيْهِ(55/164)
أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ
يَعْبُرُهَا حِينَ يَمُدُّ عَصَاهُ
(4)
طَعْنَتِي تَحْمِلُ مِنْ ـ وِزْرِكُمْ ـ
أُنْشُودَةً مِنْ
رِمَالِ الحُزْنِ
فِي رَقْصَةِ النَّارِ
دَماً حَجْمَ الخَطَايَا
فَاكْتُبُوا التَارِيخَ
مَذْبُحَاً عَلَى أَقْدَامِكُمْ
(5)
مَسَاءٌ مِنْ تَوَابِيتٍ ،
ورَائِحَةٌ ..
تَوَارِيخٌ بِلَوْنِ الصُّبْحِ
يَزْكُمُ النِّيلُ المُسَافِرُ فِي ازْدِحَامِ الطَّمْي
التَّمَاثِيلَ /
الصَّبَاحَ ..
مسَاءٌ مِنْ .... ،
وَرَائِحَةٌ ....،
يُكَوِّنَانِ الوَطَن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الغيم : دائرة من الموت ، الحياة
ولعبة في مهرجان المقصلة
2ـ الغيم : كابوس بلا كفنٍ يتسلق الأهداب .
3ـ عيناه : خطان من الوهم
يلتقيان عند الحزن
ينشطران : خطان من الموت والحياة
ينسحبان في هدوء .. وينسكبان .
4 ـ لتاريخ : مدى ربما يستبيح جبالاً ، وشمساً تطل ، وأرضاً
فيخرج من بين أضلع جدي سنين ركام .
5 ـ كانت خطوط المعبد ـ المنقوش الجدران ـ تسبح في
والليل يسكر بالندى فكأنني مُومْياء .. .. .. .. وَيْ
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> حلم
حلم
رقم القصيدة : 67430
-----------------------------------
هنا شاردة
كل أحلامنا الخائنات
فاشلة
في خداع النوافذ نحو الانطلاق
حلم عادي تماماً
محتشد حول الفتوحات والقرصنة
يقوم في الدم والنخيل
ويشعل في الأغنيات اللهيب
يقيم في الروح
الممالك القادمة
الحلم المتلبس أهداب النبوءة
عادي تماماً
وصائد لكرات الدم والكلمات
يشبه طفلي "محمد" بعض الوقت
ويشبهني أحياناً
يصنع من شعاع الشمس سنابل قمح
ومن ضوء القمر حبات مطر
أسطورة الصهيل الخارج من لوحة سيلفادور دالي
يجوز أن يبتدأ بالكآبة
أو بالحزن
أو بالقهر
أو بالخطو نحو الجحيم
لكنه يظل حلماً واحداً لـ . ..
شعبٍ كثير .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> مرثية
مرثية
رقم القصيدة : 67431
-----------------------------------(55/165)
للشجرة الوحيدة
ثمرة واحدة
وللموت
وجه واحد
ولليل اصطياد الفجيعة
........................
........................
........................
دق الباب على أطراف نحيلة
والموت
يشعل نرجيلته بالعظام
أي سهو
حريص على التذكر
وأي سراب يقود
خطى موسيقا الجنائز
نحو التنكر
دق الباب على أطراف نحيلة
ودق الموت :
خطى اخرى
وعكاز فارغ
يمضي نحو الغبار
كلما أيقنت
عاد السراب على أطرافه يحبو
دق الموت ..
يختصر الزمان الكئيب
يغلفه بخطى شاحبات
والسواد الملازم للبحر
يحتضن الليل
يشعل في ربوع الزمان
دمار الفجيعة
شكل التشرد
.................
................
دق الباب على أطراف نحيلة
فدق الموت
منسكباً فوق قارورة
الأمنيات الضئيلة
وخارجاً من
فساد الزمان الملطخ
بكوابيس العتمة
والأوبئة
.............
دق الموت على أطراف نحيلة
فدق الكون أجراسه القاتلة .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> وليمة
وليمة
رقم القصيدة : 67432
-----------------------------------
لامرأة تقف على باب القلب
عارية
كالإثم
.. .. .. ..
للوطنِ
المضرج بخديعة الحكام
.. .. .. ..
للشعراء الموتى
.. .. .. ..
للجورب المثقوب
باتساع العالم
.. .. .. ..
للصقيع المتقطر
من موسيقا الجاز
.. .. .. ..
لأبي العلاء
حين خدعنا كثيراً
ولم يجنِ على أحد
.. .. .. ..
لانكسار الشعاع
داخل لهفة زجاجية
.. .. .. ..
للنساء اللاتي
قطعن أيديهن من أجلي
وحينها تناسين يوسف
.. .. .. ..
للوركا
وهو يعزف على قيثارته
لون قرطبة القديم
.. .. .. ..
للشهداء
الخارجين من رحم الوطن
المقطوع الكفين
.. .. .. ..
.. .. .. ..
.. .. .. ..
.. .. .. ..
أقول لكم جميعاً :
هذا جسدي فكلوه
وهذا دمي . . .
.. .. .. ..
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> عاصفة
عاصفة
رقم القصيدة : 67433
-----------------------------------
في آخر عاصفة
للقراصنة الموتى
والأمواج
لا تنظر للبحر المتعب
يملؤه ضجيج الأحزان(55/166)
لا تشعل في تلك السفن
الغرقى
نيران الرغبةِ
أو تقرأ أسطورة أوزوريس
واشرب آخر ما في الكأس :
فيروس الكمبيوتر
ضحيا دفن النفايات النووية
جرذان السكك المعتمةِ
دخان القاهرة
وجدب الصعيد المتشعب الأطرافِ
النخاسين البلهاء
. . . . .
. . . . .
اشرب آخر ما في الكأسِ
المضرمة بكابوس الأشياء
واقترب
من
غواية هذى الفوضى الأبدية .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> خديعة العشاق
خديعة العشاق
رقم القصيدة : 67434
-----------------------------------
مفتتح :
في البدء . . .
لم يكن المريدون
ابتداء للرمال
وللعصافير / الفضاء
ولم يكن في رغبة الكون احتمال
غير أنثى من جنون
" أنت معنى الكون كله "
ـ 1 ـ
للفتاة التي مرت
ولم تترك سوى
نسمة العطر
تنداح
فوق القلب خجلى
أرسم وردة
وأدعوها
فتأتيني سعيا .
ـ 2 ـ
في
معطف القلب
مازالت تختبئ
حتى لا أراها
ـ 3 ـ
للحنين جدولان
ينبعان من بين أصابعي
فاغسلي قدميك
ونعلك
يا بنت الأكرمين
ـ 4 ـ
لم يكن منها
سوى أن تتركني وحيداً
كطائر يجدد غربته
كل صباح
ويسترق النظر إلى غرفتها
طوال اليوم
ـ 5 ـ
تنام على سريرها
تمر بين الغرف
. . . . . . .
. . . . . . .
تفعل أشياء كثيرة
وهي تعلم تماماً
أني أسترق النظر
ـ 6 ـ
ليس تماماً
تدركني الغيرة
ليس تماماً
غير أني أخشى
نسمة الهواء
أن تحط على وجهك الجميل
ـ 7 ـ
والبلد
والعيون التي ..
فاضت في كمد
والنساء الشواغل
والشاغلات
بلا حد
لقد رسمت في القلب
أخدوداً
من كبد
ـ 8 ـ
هل ستخدعني الحدائق
هذا الصباح
بفراشاتٍ
وبعض العطر
ثم تتركني وحيداً
في انتظارها .
ـ 9 ـ
الفراغ المرسوم
بين
صفحتي الكتاب
تروح
وتجيء
فيه دائماً
يا للغواية
ـ 10 ـ
للبهجة
هزيمتها الأنثوية
حجر من صهيل
وفراشات تنهار فوق الفصول
ما الذي جدد العطر
بين يديها
وأسكنها انفلاتة جسدك الربيعي
بين يديّ ؟ !
الله
الله
" يا جميع الأمم صفقوا بالأيادي
واهتفوا لله بصوت الابتهاج "
ـ 11 ـ(55/167)
حين تمرين على العشب يصحو
أسميك سحابة
حين تمرين على العشب يرقص
أسميك ريحاً
حين تمرين على العشب يضيء
ويبتهج كثيراً
أسميك قمراً ليلياً
وحين تمرين جنبي
يسقط القلب مني
ويسبقني إليك
فهل ضاعت الجاذبية الأرضية ؟ !
ـ 12 ـ
الفتاة التي..
علمتني السهر حتى الصباح
أسميها قصيدة
وأشعلها باللغة الحداثية
ثم أنام .
ـ 13 ـ
حين اصطفاك الصبح
مائدة للعصافير الملونة
عرف الشعر ألحانه
ـ 14 ـ
للشعر بهجته
إذا يوماً رآها
فعيناها :
" عينان قال الله كونا
فكانتا
. . . فعولان بالألباب
ما تفعل الخمر "
ـ 15 ـ
فوق خديعة الأعشاب
ترقد النساء
تشاكسها فراشات التمرد
النساء على العشب
ترقد ..
.. فوق قصائدنا
حينها أقبل الشجر
والطير
يا الله ما لهذا الفضاء
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> قصائد للخديعة
قصائد للخديعة
رقم القصيدة : 67435
-----------------------------------
خديعة1
يخرج من عظام الوقت
شلال النسوة اللائي يلطمن أرواحهن
إذ تشق لهن جيوب الخديعة
وقضبان السكك الحديدية
تشعل في أوبئة العالم
قطيعاً من الذباب والذئاب
فيغمر المكانَ أشلاء وتضاريس مبعثرة
ورجال خصيان
عتمة
عينان أنهكهما ضوء العتمة
فاستعاضتا عن الوقت
بأغصان الأشجار
مشتهيات
إلى : بطلة رواية مشتهيات للأديبة : سهام بدوي
ليست مشكلة :
ـ أن تشتهي تلك المرأة حمام الحرية
ـ أن تخرج من وحش الذكورة
أو عتبات كوابيس القابلة
ـ أن تتعلم معنى الشيوعية واليسار
ليست مشكلة :
ـ أن تجري خلف الثور الرابض
تحت الأرض بقرنين
ـ أو تقضم تفاح العري على النيل
ـ أو تتحرك أنامل القمر المشروخ بين فحيحها الأنثوي
ليست مشكلة :
غير أن خيوط المطبخ
والغرف المزركشة بالأرابسك
تثقلها بالأنين
سقوط
على أعتاب البقر الوحشي
يرقد بعض القواد
وبعض المأجورين السفلة
.......................
......................
آسف لسقوط الـ ...
من
بين
أصابعي
لسعة
آخر لسعة في الغابة
بعدها يقف العسكر
بين(55/168)
الفرات ودجلة
آخر لسعة في الغابة
بعدها تهب العاصفة على النيل
وتحتشد الكوابيس
لإفراغ النميمة والخديعة
وطن
خر الوطن صريعاً
تحت القدمين العاج
نام الوطن صريعاً
فوق الجسد الرجراج
من أين يمر الماء المائج
والخارج من هذا الوطن
( المهين ) ؟!
المسيح
منذ ألفي عام
كان المسيح يصلي
واليهود غاضبون
بعد ألفي عام
مات المسيح
واليهود غاضبون
مراوغة
البراح خارج الكهف
ليس كما كان
ربما لانطلاق الغبار
أو لافتعال المشانق
والمراوغة .
خديعة 2
أصنع منديل الخديعة
وألقي به في الجب
علَّ سيارة تجر قائدها إليه هذا الصباح
خضوع
الدواء
مرٌّ كالعادة
فاغمض عينيك .
ذاكرة
ليس للذاكرة طريق آخر
هل أشعل شمعة
لهذا الممر المظلم .
الليل
أحمق أيها الليل
فبعد قليل من الجمر
يأتي الصباح
متكئاً على أحلامك الخائنات
فتدثر
البحار
للسماء زرقتها المسائية
والبحار عجوز . . أعمى
لا يملك غير الذكريات
اختيار
للحرية وجه واحد
تنبح حوله
آلاف الوجوه الحمقى
فاختر وجهاً يحلو لك
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> مساء
مساء
رقم القصيدة : 67436
-----------------------------------
المقاهي
تفر إلى الشعر
تسكنها رغبة الساهرين
فتملأ أحزانها الطيور
تشرد في الجالسين
رياح الطفولة
والأرض خمر
وطاولة من دثار
يكوكبها سرب نملٍ
يدخن زوجته
في النراجيل
ثم يفض من الذكريات
رماداً
يسامر بمومة كفيه
حول الزعامة
والجنس
والإيدز
والصرب
والانتخابات
يرشف نار الحضارة
والشاي دون كلام
. . . . . . . . . .
سيهبط بين الدمى
ربما
أو يغني بأغنية
عن سلام جديد
سيقرأ عورته
في الجرائد
وعند انكسار الصهيل
سيهبط
بين
الدمى .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> كشف
كشف
رقم القصيدة : 67437
-----------------------------------
يوغل البحر
ـ سريعاً ـ
في التفاصيل
فهذا موعد الشعر ،
هذا موعد العشق
وركض الوقت ،
هذا ..
ـ كانتصاف الحلم والفوضى ـ
. . ارتحال
. . . . . . . . . .(55/169)
يكتب الليل :
تباريح نساء من لهيب
لاح للفارس وِرْد ،
والفراشات
اشتباك اللغة /
الحلم
خيول الجسد المرمر /
نار
والعصافير ابتهاج الأفق
ذكرى خيال من جنون
فجأة
تخلو المقاهي
والمواعيد خيول ورصاص
لم يعد غير انتظاري
لمجيء المهرة السمراء
حيرى
ترتوي من رغبتي
ـ عند اكتمال الوقت تاريخاً من الإسفلت ـ
أغفو على ساعدها
حتى الصباح
قيل لها :
ادخلي الصرح
فلما رأته لجة
كشفت عن ساقيها
قال لها :
إنه صرح ممرد من قوارير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكشف : بيان ما يستتر عن الفهم ، فيكشف للعبد كأنه رأي العين .
الساق: ساق الشيء أصله .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> مكاشفة الدهشة
مكاشفة الدهشة
رقم القصيدة : 67438
-----------------------------------
نور بمجرى بحره المورود
جاء وقال لي :
من أنت ، من أنا ؟؟
كانت الشمس ،
النجوم جميعها
فرأيتها
والنور في مجرى بحاري
كان في كل الحوادث
شاهد
فتطلعت عيني .. ،
فلم أر غير ضوئه
قال لي :
أنظر بعين فؤادك الخاوي
فنربط قلبك الملتاع
في حضرة القرب المقدس
تشتهي روحي
اتحاد العاشق المجنون
بالمعشوق
حتى لا أرى إلا به
والنور
لا يطوى
ولا يخفى
ولا يبدو انبهاراً
دهشة
. . . . إلا به
.. والعشق
لا يدنو ،
ولا يسمو ،
ولا يصفو ،
ولا يربو ،
ولا يضحى هوى
. . . . .إلا به
فتعطلت لغتي
وكلي هيبة
ثم استمال . . ،
وقال لي :
من يستطيع الخوض في نوري
لا يستطيع العودة
النوم
الحياة
حتى صعقت
ولفني نورٌ
على
نورٍ
مدى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدهشة : سطوة تصدم العقل ، عقل المحب من هيبة محبوبه
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> الغزالة
الغزالة
رقم القصيدة : 67439
-----------------------------------
جسدي
براح للغزالة
في مدار العشق
تدخله
وتسكنه
فما كذب الفؤاد
إذا تصدع
أو تلوع
فاكتوى
ينهار نهراً
من دماء
للغزالة
أو يرف
رفيف طير
في جوى(55/170)
فلمن يغادره
امتداد العشق
في جرح الخليقة والمدى
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
أخرج ضلوعك
تنثني قوساً
فصد
تصطاد قلباً
أبيضاً
من غير سوء
آية أخرى
جسدي
براح للهوى .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> القصيدة
القصيدة
رقم القصيدة : 67440
-----------------------------------
يشب عويل المسافة فينا
وتخطفنا عند هذى الحروف
تؤلفنا في بروق العواصف
والأمسيات
فقط
يعرف الشعر أرضاً براحاً
فيسكن عند المساء
رموزاً
إلى الشمس
يتسع البحر
خارطة للشواطئ
عصفورة للغموض الجميل
دماء تفجر سر النهار
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
تمر السنون
تجادل فينا
قتيل اللغات
وموروث تلك البلاد
تصور موجاً
يعانق ريحاً جسوراً
فتخرج كل المصابيح
من أضلعٍ
قد تشخبط نجم الفصول
وتوغل
في صولجان الرياح
ومأساة هذى الرمال
فهل يدعي العربي
امتداد الصهيل
وحلماً قديماً
وصوتاً يهز بلاداً كثيرة
وهل يدعي العربي
اشتعال السنابل
بين
الحقول .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> خاتمة الكشف
خاتمة الكشف
رقم القصيدة : 67441
-----------------------------------
كون لا منته
من يكشف سر الوردة
من يكشف سر الدمعة
من يدنو حتى يراك
كون .. لا منتهاك
نور يمحو كل المحو
يكشف كل الصحو
ويكشف سر الاسم
ويكشف سر خطاك
. . . . . . . .
نور وكون
لا منتهاك
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> رامبو
رامبو
رقم القصيدة : 67442
-----------------------------------
الولد الطالع بين أقاصي القاهرة
والخارج من الجنوب
يشبهه كثيراً رامبو
لكنني
أدعوه
محمد أبو زيد .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> خروج
خروج
رقم القصيدة : 67443
-----------------------------------
لتبدأ هذا الخلاص بعيداً
وحيداً تموت
وتخلع حزن الكلام
ويبدأ صمت البقاء
لك الآن متسع الياسمين
وحزن البلاد
فلا تبرح العارفين
سيأتي الرجال
وتأتي النساء(55/171)
وتأتي البلاد
على جمرة من وداع القناديل
آه .. تجيء
ونبقى مقيمين في الجسد الطين
مغتربين عن الرب
والروح تهفو
من الطين تخرج
تهرب من غربة الجسد /
الشرنقة
وليس هناك سوى نجمة وحياة
تحس رغائب كل السنين تعود
وأنت الذي حاصرتك البلاد
ثقيلة أنباء هذا المساء
ومفجعة للقصائد
والريح تعوي
ثقيلة أنباء هذا المساء
لأنا مقيمون في الجسد
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> ولادة
ولادة
رقم القصيدة : 67444
-----------------------------------
تخرج الأشياء
من رغبتها
في رحم الوقت
يشد الرعشة / البدء
فمن يحرق في شهوة هذي اللغة /
الروح
انفجاراً ؟ !
من يعدُّ الطمي للفجر
وجوهاً
وتواريخاً
وخيلاً ؟؟
هو ذا الكون
ـ وقد صار جديداً ـ
جسد يخرج من رغبة أنثى
يشعل القادم
من نافذة الحلم
فهيء سهرة
من صفحات امرأة :
للشعر والعشق
وسافر بين ألوان المراعي
تصطفيك الأغنيات
الأرق الليل
والصمت .
شعراء مصر والسودان >> بهاء الدين رمضان >> الراعي
الراعي
رقم القصيدة : 67445
-----------------------------------
سآوي إلى جبل
يمنح الغارقين العراء
يبوح لهم
بخطى امرأة في مفاصل قلبي
تموء
ويتبعها جسد
من ضياء
ملائكة الراغبين
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
يغني
فيحترق العشب
عند الصباح
يمد عصاه
تثور المراعي
غباراً من الذكريات
ويبدأ عطر الحقول
بطعم الظهيرة
أو مطر من جوى
هكذا ظل مثقلاً بالقطيع
تنام المسافات بين يديه
يهش بها غنماً
يختفي في النبوءة
مزدحماً باصطياد الحروف
ففيها مآرب أخرى
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
وعند الغروب
يغني :
" سآوي إلى جبل
يمنح العارفين
الصفاء
يبوح لهم بخطى امرأة
في مفاصل قلبي
تموء " .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> من أرض بلقيس
من أرض بلقيس
رقم القصيدة : 67446
-----------------------------------
واحمل الذكرى من الماضي كما
يحمل أمانيه الجساما(55/172)
هات ردّد ذكريات النور في
فنّك الأسمى و لقّنها الدّواما
ذكريات تبعث المجد كما
يبعث الحسن إلى القلب الغراما
فارتعش يا وتر الشعر وذب
في كئوس العبقريّات مداما
و تنقّل حول مهد المصطفى
وانشد المجد أغانيك الرّخاما
زفّت البشرى معانيه كما
زفّت الأنسام أنفاس الحزاما
و تجلّى يوم ميلاد الهدى
يملأ التاريخ آيات عظاما
واستفاضت يقظة الصحرا على
هجعة الأكوان بعثا وقياما
و جلا للأرض أسرار السما
و تراءى في فم الكون ابتساما
جلّ يوم بعث الله به
أحمدا يمحو عن الأرض الظلاما
و رأى الدنيا خصاما فاصطفى
أحمدا يفني من الدنيا الخصاما
" مرسل " قد صاغه خالقه
من معاني الرسل بدءا و ختاما
قد سعى - و الطرق نار و دم -
يعبر السهل و يجتاز الأكاما
و تحدّى بالهدى جهد العدا
و انتقضى للصارم الباغي حساما
نزل الأرض فأضحت جنّة
و سماء تحمل البدر التماما
و أتى الدنيا فقيرا فأتت
نحوه الدنيا و أعتطه الزّماما
و يتيما فتبنّته السّما
و تبنّى عطفه كلّ اليتامى
و رعى الأغنام بالعدل إلى
أن رعى في مرتع الحق الأناما
بدويّ مدّن الصحرا كما
علّم الناس إلى الحشر النظاما
و قضى عدلا و أعلى ملّة
ترشد الأعمى و تعمي من تعامى
نشرت عدل التساوي في الورى
فعلا الإنسان فيها و تسامى
يا رسول الحقّ خلّدت الهدى
و تركت الظلم و البغي حطاما
قم تجد الكون ظلما محدثا
قتل العدل و باسم العدل قاما
و قوى تختطف العزل كما
يخطف الصقر من الجوّ الحماما
أمطر الغرب على الشرق الشّقا
و بدعوى السلم أسقاه الحماما
فمعاني السلم في ألفاظه
حيل تبتكر الموت الزؤاما
يا رسول الوحدة الكبرى و يا
ثورة و سّدت الظلم الرغاما
خذ من الأعماق ذكرى شاعر
و تقبّلها صلاة و سلاما
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> فلسفة الفن
فلسفة الفن
رقم القصيدة : 67447
-----------------------------------
لا تقل ما دمع فنّي
لا تسل ما شجو لحني
منك أبكي و أغنّيك
فما يؤذيك منّي
سمّني إن شئت نوّحا(55/173)
و إن شئت مغنّي
فأنا حينا أعزّيك
و أحيانا أهنّي
لك من حزني الأغاريد
و من قلبي التمنّي
أنا أرضي الفنّ لكن
كيف ترضي أنت عنّي
كلّ ما يشجيك يبكيني
و يضني و يعنّي
فاستمع ما شئت و اتركني
كما شئت أغنّي
***
لا تلمني إن بكى قلبي
و غنّاك بكايا
لا تسلني ما طواني
عنك في أقصى الزوايا
ها أنا وحدي و ألقا
ك هنا بين الحنايا
ها هنا حيث ألاقيك
طباعا و سجايا
حيث تهوي قطع الظلما
كأشلاء الضحايا
و تطلّ الوحشة الخر
سا كأجفان المنايا
و الدجى ينساب في الصمت
كأطياف الخطايا
و السكون الأسود الغا
في كأعراض البغايا
و أنا أدعوك في سرّي
و أحلامي العرايا
***
يا رفيقي في طريق العمر
في ركب الحياة
أنت في روحيّتي رو
ح و ذات ملء ذاتي
جمعتنا وحدة العيش
و توحيد الممات
عمرنا يمضي و عمر
من وراء الموت آتي
نحن فكران تلاقينا
على رغم الشتات
نحن في فلسفة الفنّ
كنجوى في صلاة
أنا كأس من غنى الشو
ق و دمع الذكريات
فاشرب اللّحن ودع في ال
كأس دمع الموجعات
هكذا تصبو كما شا
ءت و تبكي أغنياتي
***
يا رفيقي هات أذنيك
و خذ أشهى رنيني
من شفاه الفجر أسقيـ
ك و خمر الياسمين
من معين الفنّ أرويـ
ك و لم ينضب معيني
لك من أنّاتي اللّحن
و لي وحدي أنيني
و لك التغريد من فنّي
و لي جوع حنيني
هل أنا في عزلة الشعر
كأشواق السجين
حيث ألقاك هنا في خا
طر الصمت الحزين
في أغاني الشوق في الذكرى
و في الحبذ الدفين
في الخيالات و في شكوى
الحنين المستكين
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> نار و قلب
نار و قلب
رقم القصيدة : 67448
-----------------------------------
يا ابنة الحسن و الجمال المدلّل
أنت أحلى من الجمال و أجمل
و كأنّ الحياة فيك ابتسام
و كأنّ الخلود فيك ممثّل
كلّ حرف من لفظك الحلو فردو
س نديّ و سلسبيل مسلسل
كلّما قلت رفّ من فمك الفجر
و غنّى الربيع بالعطر و اخضلّ
أنت فجر معطّر و ربيع
و أنا البلبل الكئيب المبلبل
أنت في كلّ نابض من عروقي(55/174)
وتر عاشق و لحن مرتّل
كلّما استنطقت معانيك شعري
أرعد القلب بالنشيد و جلجل
وانتزفت اللّحون من غور أغوا
ري كأنّي أذوب من كلّ مفصل
و أغنيّك و الصبابات حولي
زمر تحتسي قصيدي و تنهل
و أناجي هواك في معرض الأو
هام في شاطيء الظلام المسربل
و فؤادي يحنّ في صدري الدا
مي كما حنّ في القيود المكبّل
و هواك الغضوب نار بلا نا
ر و قلبي هو اللّهيب المذلّل
أنت دنيا الجمال نمنمها السحر
فأغرى بها الجمال و أذهل
فتنة أيّ فتنه هزّ قيثا
ري صباها ففاض بالسحر وانهلّ
تسكر الكأس حين تسكرها الكأ
س و تسقي الرحيق أحلى و أفضل
و فتون يهزّ شعري كما هزّ النّـ
سين البليل زهرا مبلّل
و ألاقيك في ضميري كما لاقى الـ
فم المستهام أشهى مقبّل
في دمي من هواك حمّى البراكـ
ين العواتي و ألف دنيا تزلزل
و بقلبي إليك ألف عتاب
و حوار و حين ألقاك أخجل
أنا أهواك للجمال و للإلـ
هام للفنّ للحوار المعسّل
و الغرام الطهور معاني
الحبّ . أسمى ما في الوجود و أنبل
فانفحيني تحيّة و تلقّي
ما من جوانح الحبّ مرسل .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> هائم
هائم
رقم القصيدة : 67449
-----------------------------------
قلبه المستهام ظمآن عاني
يحتسي الوهم من كئوس الأماني
قلبه ظاميء إليك فصبّي
فيه عطر الهوى و ظلّ التداني
واذكري قلبه الحبيس المعنّى
وامتلئي الكأس من رحيق الحنان
إنّه عاشق و أنت هواه
إنّه فيك ذائب الروح فإنّي
أنت في همسة مناجاة أوتا
ر و في صمته أرقّ الأغاني
إنّه في هواك يحرق بالحبّ
و يدعوك من وراء الدخان
سابح في هواك يهفو كفكر
شاعر يرتمي وراء المعاني
أين يلقاك أين ماتت شكاوا
ه و جفّت أصداؤه في اللّسان
إنّه ظاميء إلى ريّك الحا
ني مشوق إلى الظلال الحواني
تائه في الحنين يهوى كروح
ضائع يسأل الدجا عن كيان
ظاميء يشرب الحريق المدمّى
و يعاني من الظمأ ما يعاني
أنت في قلبه الحياة و كلّ الحـ
ب كلّ الهوى و كلّ الغواني(55/175)
فيك كلّ الجمال فيك التقى الحسـ
ن و فيك التقت جميع الحسان
لم يهب قلبه سواك و لكن
لم يذق منك غير طعم الهوان
فامنحيه يا واحة الحبّ ظلّا
و انفضي حوله ندى الأقحوان
و اسكبي الفجر في دجاه وزفّي
في شقا حبّه رفيف الجنان
إنّه هائم يعيش و يفنى
بين جور الهوى و ظلم الزمان
ميّت لم يمت كما يعرف النا
س و لكن يموت في كلّ آن
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سحر الربيع
سحر الربيع
رقم القصيدة : 67450
-----------------------------------
رصّع الدنيا أغاريد و شعرا
و تفجر يا ربيع الحبّ سكرا
وافرش الأرض شعاع و ندى
و ترقرق في الفضا سحرا و إغرا
يا ربيع الحبّ لاقتك المنى
تحتسي من جوّك سحرا
يا عروس الشعر صفّق للغنا
ترقص في ضفاف الشعر كبرا
أسفرت دنياك للشعر كما
أسفرت للعاشق المحروم عذرا
فهنا الطير تغنّي و هنا
جدول يذري الغنا ريذا و طهرا
و صبايا الفجر في حضن السنا
تنثر الأفراح و الإلهام نثرا
و السهول الخضر تشدو و الربّا
جوقة تجلو صبايا اللّحن خضرا
فكأنّ الجو عزف مسكر
و الحياة الغضّة الممراح سكرى
و الرياحين شذيّات الغنا
تبعث اللّحن مع الأنسام عطرا
و كأنّ الرّوض في بهجته
شاعر يبتكر الأنغام زهرا
و كأنّ الورد في أشواكه
مهج أذكى عليها الحبّ جمرا
و كأنّ الفجر في زهر الربا
قبلة عطريّة الأنفاس حرّا
***
يا ربيع الحبّ يا فجر الهوى
ما أحيلاك و ما أشذاك نشرا
طلعة فوجا و جوّ شاعر
عاطفيّ كلّه شوق و ذكرى
تبعث الدنيا حسنها
مثلما تجلو ليالي العرس بكرا
و تبثّ الحبّ في الأحجار لو
أنّ للأحجار أكبادا و صدرا
أنت فجر كلّما ذرّ الندى
أنبتت من نوره الأغصان فجرا
أنت ما أنت جمال سائل
لم يدع فوق بساط الأرض شبرا
و فتون ملهم يضفي على
صبوات الفن إلهاما و فكرا
ترانيما وفنّا كلّه
عبقريّات توشّي الأرض تبرا
ما ربيع الحبّ يا شعر و ما
سحره أنت بسحر الكون أدرى
كلّما أورقت الأعشاب في
حضنه أورقت الأرواح بشرى(55/176)
هو سرّ الأرض غذّته السما
و جلته فتنا بيضا و سمرا
ورواها الفنّ لحنا للهوى
وأدارته كئوس الزهر خمرا
منظر أودعه فنّ السما
من فنون الخلد و الآيات سرّا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> طائر الربيع
طائر الربيع
رقم القصيدة : 67451
-----------------------------------
يا شاعر الأزهار و الأغصان
هل أنت ملتهب الحشا أو هاني
ماذا تغنّي ، من تناجي في الغنا
و لمن تبوح بكامن الوجدان ؟
هذا نشيدك يستفيض صبابة
حرّى كأشواق المحبّ العاني
في صوتك الرقراق فنّ مترف
لكن وراء الصوت فنّ ثاني
كم ترسل الألحان بيضا إنّما
خلف اللّحون البيض دمع قاني
هل أنت تبكي أم تغرّد في الربا
أم في بكاك معازف و أغاني
***
يا طائر الإنشاد ما تشدو و من
أوحى إليك عرائس الألحان
أبدا تغنّي للأزاهر و السنا
و تحاور الأنسام في الأفنان
و تظلّ تبتكر الغنا و تزفّه
من جوّ بستان إلى بستان
و تذوب في عرش الجمال قصائدا
خرسا و تستوحي الجمال معاني
لا الحزن ينسيك النشيد و لا الهنا
بوركت يابن من فنّان
***
يا بن الرياض - و أنت أبلغ منشد -
غرّد و خلّ الصمت للإنسان
واهتف كما تهوى ففنّك كلّه
حبّ و إيمان و عن إيمان
دنياك يا طير الربيع صحيفه
ذهبيّة الأشكال و الألوان
و خميلة خرسا يترجم صمتها
عطر الزهور إلى النسيم الواني
و الزهر حولك في الغصون كأنّه
شعر الحياة مبعثر الأوزان
و العشب يرتجل الزهور حوالما
و يرفّ بالظل الوديع الحاني
و طفولة الأغصان راقصة الصبا
فرحا ودنياها صبا و أماني
و الحبّ يشدو في شفاه الزهر في
لغة الطيور و في فم الغدران
و الورد يدمى بالغرام كأنّه
من حرقة الذكرى قلوب غواني
***
يا طائر الإلهام ما أسماك عن
لهو الورى و عن الحطام الفاني
تحيا كما تهوى الحياة مغرّدا
مترفّعا عن شهوة الأبدان
لم تستكن للصمت ؛ لم تذغن له
بل أنت فوق الصمت و الإذغان
هذي الطبيعة أنت شاعر حسنها
تروي معانيها بسحر بيان
ترجمت أسرار الطبيعة نغمة(55/177)
أبديّة في صوتك الرنّان
و عزفت فلسفة الربيع قصيدة
خضرا من الأزهار و الريحان
***
هذا ربيع الحبّ يملي شعره
فتنا معطّرة على الأكوان
يصبو و دنيا الحبّ في أفيائه
تصبو على إشراقه الفتّان
الفنّ فنّك يا ربيع الحبّ يا
سحر الوجود و فتنة الأزمان
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عودة القائد
عودة القائد
رقم القصيدة : 67452
-----------------------------------
لمن الجموع تموج موج الأبحر
و تضجّ بين مهلّل و مكبّر
لمن الهتاف يشقّ أجواز الفضا
و يهزّ أعطاف النهار المسفر
و لمن تجاوبت المدافع و انبرت
صيحاتها كضجيج يوم المحشر
لمن الطبول تثرثر الخفقات في
ترنيمها المتهدّج المتكسّر
و لمن زغاريد الحسان كأنّها
خفقات أوتار ورعشة مزهر
و لمن تفيض حماجر الأبواق من
أعماقها بترنّم المستبشر
للقائد الأعلى الموشّح بالسنا
علم الفتوح و قاهر المستعمر
لوليّ " عهد الملك " بنّاء الحمى
حلم البطولة و الطموح العبقري
أهلا " وليّ العهد " فانزل مثلما
نزل الشعاع مباسم الزهر الطريّ
أشرقت في مقل الجزيرة كالضّحا
كالصبح كالسحر النديّ المقمر
و على جبينك غار أكرم فاتح
و على محيّاك ابتسام نظفّر
لمّا طلعت أفاقت " الخضرا على
فجر بأنفاس الخلود معطّر
و تعانقت فتن الجمال و تمتمت
بالعطر أعراس الربيع الأخضر
و تسابق الإنشاد فيك و هازجت
نغم المعرّي أغنيات البحتري
و هفت إليك من القوافي جوقة
سكرى متيّمة الغناء المسكر
***
يا من تشخّصت المنى في شخصه
و أهلّ فجر عدالة و تحرّر
حقّق طموح الشعب و اجعل حلمه
فوق الحقيقة فوق كلّ تصوّر
وافيت فانتفضت أماني أمّة
شمّا وشقّ البعث مرقد " حمير "
و يكاد " دويزن " يبعثر قبره
و يطلّ حمير من وراء الأعصر
بلقيس يا أمّ الحضارة أشرقي
من شرفة الأمس البعيد و كبّري
و استعرضي زمر الأشعّة و اسبحي
فيها بناظرك الكحيل الأحور
مولاتي الحسنا أطلّي وانظري
من زهوة الأجيال ما لم تنظري
و تغطرسي ملء الفتون و عنوني(55/178)
فمك الجميل ببسمة المستفسر
ها نحن نبني فوق هامة مأرب
و طنا و نبني ألف صرح مرمري
و نشيد في وطن العروبة وحدة
فوق الثريا خلف أفق " المشتري "
هي وحدة العرب الأباه تسنّمت
في ربوه التاريخ أرفع منبر
و تعانقت صنعا و مصر و جلّق
فيها عناق الشوق و الحبّ البرّي
و جرى على النيل المصفّق صنوة
بردى فصفّق كوثر في كوثر
و ارتادت " الخضرا " الكنانة فانتشت
نسمات مأرب في أصيل الأقصر
لولاك يا بطل الخلافة ما احتوى
صنعا و جلّق حضن أم الأزهر
صافحت مصر فزدت في بنيانها
" هرما " إلى الهرم الأشم الأكبر
أرض الجنوب - و أنت نخزة ثأرها -
ظمأ تحنّ إلى الصراع الأحمر
أرضي و دار أبي وجدّي لم تزل
في قبضة المتوحّش المتنمّر
تطوي على حلم الجهاد عيونها
و تئنّ تحت الغاصب المستهتر
لا حرمة الإنسان تزجره و لا
شرف و لا نهى المتحضّر
متجبّر و أصمّ لم يسمع سوى
رهج الحديد المارد المتجبّر
فازحف إليه يابن بجدتها على
لجج السلاح الفاتح المتهوّر
يا خير من لبّى و من نودي و من
يغشى الوغى كالهول كاللّيث الجري
هذي وعامتك الفتيّة قصّة
بفم الفتوح و في شفاه الأدهر
***
يا بدر هذا الشعب أنت زعيمة
و هواك سحر غرامة المتعسّر
حملتك روح الشعب إيمانا فلم
تخفق بحبّ سواك بل لم تشعر
فاسلم لتاريخ الزعامة آية
بيضا كبهجة عصرك المتبلور
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عروس الحزن
عروس الحزن
رقم القصيدة : 67453
-----------------------------------
منزلها الكبير بجوار الصغير ، و قد لفني و إياها عاطف الحنان و الحنين فتلاقينا على بعد . تظل تغني ، و أظل أصغي إلى أغانيها ، و صوتها يتعثر في دمعها ، و دمعها يتحشرج في صوتها ، و في نغماتها تتحاضن الدموع و الترنم ، كأن صوتها عود ذو وتر واحد ، بعضه يبكي ، و ب
صوتها دمع و أنغام صبايا
و ابتسامات و أنّات عرايا
كلّما غنّت جرى من فمها
جدول من أغنيات و شكايا
أهي تبكي أم تغنّي أم لها
نغم الطير و آهات البرايا ؟(55/179)
صوتها يبكي و يشدو آه ما
ذا وراء الصوت ما خلف الطوايا ؟
هل لها قلب سعيد و لها
غيره قلب شقيّ في الرزايا ؟
أم لها روحان : روح سابح
في الفضا الأعلى وروح في الدنايا ؟
أم تلاقت في حنايا صدرها
صلوات و شياطين خطايا ؟
أن تناجت في طوايا نفسها
لحن عرس و جراحات ضحايا ؟
لست أدري . صوتها يحرقني
بشجوني إنّه يدمي بكايا
كلّما طاف بسمعي صوتها
هزّ في الأعماق أوتار شجايا
و سرى في خاطري مرتعشا
رعشة الطيف بأجغان العشا
أترى الحزن الذي في شجوها
رقّة الحرمان أم لطف السحابا
أم تراها هدّجت في صوتها
قطع القلب و أشلاء الحنايا
كلّما غنّت .. بكت نغمتها
و تهاوى القلب في الآه شظايا
هكذا غنّت ، و أصغيت لها
و تحمّلت شقاها و شقايا
***
يا عروس الحزن ما شكواك من
أيّ أحزان و من أيّ البلايا
ما الذي أشقاك يا حسنا ؟ و هل
للشقا كالناس عمر و منايا ؟
هل يموت الشر ؟ هل للخير في
زحمة الشر سمات و مزايا ؟
كيف تعطي أمّنا الدنيا المنى
و هي تطوي عن أمانينا العطايا
و لقوم تحمل البذل كما
يحمل إلى الحسنا الهدايا
هل هي الدنيا التي تحرمني
أم تراخت عن عطاياها يدايا ؟
أنا حرماني و شكوى فاقتي
أنا آلامي و دمعي و أسايا
لم يرع قلبي سوى قلبي أنا
لا ولا غذّبني شيء سوايا !
جارتي ، ما أضيق الدنيا إذا
لم تشقّ النفس في النفس زوايا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أثيم الهوى
أثيم الهوى
رقم القصيدة : 67454
-----------------------------------
جريح الإبا صامت لا يعي
و في صمته ضجّة الأضلع
و في صدره ندم جائع
يلوك الحنايا و لم يشبع
تهدّده صيحة الذكريا
ت كما هدّد الشيخ صوت النعي
و يقذفه شبح مفزع
إلى شبح موحش مفزع
و يصغي و يصغي فلم يستمع
سوى هاتف اللإثم في المسمع
و لم يستمع غير صوت الضمير
يناديه من سرّه الموجع
فيشكو إلى من ؟ و ما حوله
سوى اللّيل أو وحشة المخدع
كئيب يخوّفه ظلمه
فيرتاع من ظلّه الأروع
و في كلّ طيف يرى ذنبه(55/180)
فماذا يقول و ما يدّعي
فيملي على سرّه قائلا
أنا مجرم النفس و المطمع
أنا سارق الحبّ وحدي ! أنا
خبيث السقا قذر المرتع
هوت إصبعي زهرة حلوة
فلوّثت من عطرها إصبعي
توهّمتها حلوة كالحيا
ة فكانت أمرّ من المصرع
أنا مجرم الحبّ يا صاحبي
فلا تعتذر لي فلم تقنع
و لا ، لا تقل معك الحبّ بل
جريمته و الخطايا معي
و مال إلى اللّيل و اللّيل في
نهايته و هو لم يهجع
و قد آن للفجر أن يستفيق
و ينسلّ من مبسم المطلع
و كيف ينام " أثيم الهوى "
و عيناه و السهد في موضع
هنا ضاق بالسهد و الذكريات
وحنّ إلى الحلم الممتع
فألقى بجثّته في الفرا
ش كسير القوى ذابل المدمع
ترى هل ينام وطيف الفجو
ر ورائحة الإثم في المضجع ؟
و في قلبه ندم يستقي
دماه و في حزنه يرتعي
و في مقلتيه دموع و في
حشاه نجيب بلا أدمع
فماذا يلاقي و ماذا يحسّ
و قد دفن الحبّ في البلقع
و عاد و قد أودع السرّ من
حناياه في شرّ مستودع
فماذا يعاني ؟ ألا إنّه
جريح الإبا صامت لا يعي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> هكذا قالت
هكذا قالت
رقم القصيدة : 67455
-----------------------------------
أشقيتني من حيث إمتاعي
فليتعني من ظلمك الناعي
آلفتني حتّى ألفت اللّقا
تركتني وحدي لأوجاعي ؟
أطمعتني فيك فخلّفتني
لجوع آمالي و أطماعي
ورحت - لا عدت - و ألقيتني
وديعة في كفّ مضياع
إن لم يكن لديك قلب ، فهل
رحمت قلبا بين أضلاعي
رعيتني حتّى ملكت الغنى
عنّي فكنت الذئب في الراعي
يا ظالمي و الظالم طبع الحنى
قطفت عمري قبل إيناعي
قد ضاع ما أرجو فما خيفتي
إذا دعاني للفنا داعي
لا ، لم أعاتبك فقد أقلعت
عنك شجوني أيّ إقلع
إن كنت خدّاعا فإن الورى
ما بين مخدوع و خدّاع
ما بين غلّاب و مستسلم
ما بين محروم و إقطاعي
أوّاه كم أشقى و أسعى إلى
قبري وويح السعي و الساعي
و هكذا قالت ، و في صوتها
دموع قلب جدّ ملتاع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ليالي الجائعين
ليالي الجائعين(55/181)
رقم القصيدة : 67456
-----------------------------------
هذي البيوت الجاثمات إزائي
ليل من الحرمان و الإدجاء
من للبيوت الهادمات كأنّها
فوق الحياة مقابر الأحياء
تغفو على حلم الرغيف و لم تجد
إلاّ خيالا منه في الإغفاء
و تضمّ أشباح الجياع كأنّها
سجن يضمّ جوانح السّجناء
و تغيب في الصمت الكئيب كأنّها
كهف وراء الكون و الأضواء
خلف الطبيعة و الحياة كأنّها
شيء وراء طبائع الأشياء
ترنو إلى الأمل المولّي مثلما
يرنو الغريق إلى المغيث النائي
و تلملم الأحلام من صدر الدّجا
سردا كأشباح الدجا السوداء
***
هذي البيوت النائمات على الطوى
توم العليل على انتفاض الداء
نامت و نام اللّيل فوق سكونها
و تغلّفت بالصمت و الظلماء
و غفت بأحضان السكون و فوقها
جثث الدجا منثورة الأشلاء
و تلملمت تحت الظلام كأنّها
شيخ ينوء بأثقل الأعباء
أصغى إليها اللّيل لم يسمع بها
إلاّ أنين الجوع في الأحشاء
و بكا البنين الجائعين مردّدا
في الأمّهات و مسمع الآباء
ودجت ليالي الجائعين و تحتها
مهج الجياع قتيلة الأهواء
***
يا ليل ، من جيران كوخي ؟ من هم
مرعى الشقا و فريسة الأرزاء
الجائعون الصابرون على الطوى
صبر الربا للريح و الأنوار
الآكلون قلوبهم حقدا على
ترف القصور و ثروة البخلاء
الصامتون و في معاني صمتهم
دنيا من الضجّات و الضوضاء
و يلي على جيران كوخي إنّهم
ألعوبة الإفلاس و الإعياء
ويلي لهم من بؤس محياهم و يا
و يلي من الإشفاق بالبؤساء
أنوح للمستضعفين و إنّني
أشقى من الأيتام و الضعفاء
و أحسّهم في سدّ روحي في دمي
في نبض أعصابي و في أعضائي
فكأنّ جيراني جراح تحتسي
ريّ الأسى من أدمعي و دمائي
ناموا على البلوى و أغفي عنهمو
عطف القريب ورحمة الرحماء
ما كان أشقاهم و أشقاني بهم
و أحسّني بشقائهم و شقائي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> حين يشقى الناس
حين يشقى الناس
رقم القصيدة : 67457
-----------------------------------(55/182)
أنت ترثي كلّ محزون و لم
تلق من يرثيك في الخطب الألدّ
و أنا يا قلب أبكي إن بكت
مقلة كانت بقربي أو ببعدي
و أنا أكدى الورى عيشا على
أنّني أبكي لبلوى كلّ مكد
حين يشقى الناس أشقى معهم
و أنا أشقى كما يشقون وحدي !
و أنا أخلو بنفسي و الورى
كلّهم عندي و مالي أيّ عندي
لا و لا لي في الدّنا مثوى و لا
مسعد إلاّ دجا اللّيل و سهدي
لم أسر من غربة إلاّ إلى
غربة أنّكى و تعذيب أشدّ
متعب وركبي قدمي
و الأسى زادي و حمّى البرد بردي
و الدجا الشاتي فراشي وردا
جسمي المحموم أعصابي و جلدي .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الشاعر
الشاعر
رقم القصيدة : 67458
-----------------------------------
طائر عشّه الوجود و قلب
ملهم عاشق وروح نبيلة
ركّب الله في طبيعته الفنّ
و في فكره طموح الفضيلة
ينشر اللّحن في الوجود و يطوي
بين أضلاعه الجراح الدّخيلة
يفعم الكون من معانيه شهدا
ورحيقا حلوا و يطفي غليله
و يوشّي الحياة سحرا كما و شّـ
ت خيوط الصباح زهر الخميلة
و فنونا ألذّ من بسمة الطفل
و من نسمة الصباح العليلة
و حوارا أرقّ من قبل الحبّ
على وجنه الفتاة الجميلة
أنت - يا شاعر الحياة - حياة
و " كمنج " حيّ و دنيا ظليلة
تعشق النور و الندى و سموّ الـ
روح في النشّ و العقول الجليلة
و تحبّ الطموح في الأنفس العظمى
و تحنو على النفوس الضئيلة
تستشفّ الجمال من ظلم اللّيل
و من زهرة الربيع البليله
من سكون الدّجا و من هجهة الصحـ
را وحشة القفار المهيلة
و ترى الورد في الغصون خدودا
قانيات و اللّيل عينا كحيلة
قد عرفت الجمال في كلّ شيء
و تغنّيت همسة وهديله
و توحّدت للجمال تناجيه
وللفنّ تستقي سلسبيله
ورفضت النفاق و الزور و الزلـ
فى و خلّيت للورى كلّ حيله
و نبذت الرواغ و الملق المخـ
زي و أعباءه الجسام الثقيلة
لم تحاول وظيفة المنصب العا
لي و لا تبتغي إليه وسيلة
لا و لا تعشق النقود اللّواتي
نقشتها يد الحياة الذليلة(55/183)
قد تخلّيت للجمال تناجي
هالة الوحي و السماء الصقيلة
فرأيت الفضائل البيض في الدنـ
يا و لم تلمح الحنّى و الرذيلة
عشت في الطهر للخيال توف
يه كما وافت الخليل الخليله
طائرا عن عوالم الشر لما
أودع الله فيك روحا غسيله .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سائل
سائل
رقم القصيدة : 67459
-----------------------------------
مررت بشيخ أصفر العقل و اليد
يدبّ على ظهر الطريق و يجتدي
ثقيل الخطا يمشي الهويتى بجوعه
واحزانه مشي الضرير المقيّد
و يمضي و لا يدري إلى أين ينتهي
و لم يدر قبل السير من أين يبتدي
و يزجي إلى الأسماع صوتا مجرّحا
كئيبا كأحلام الغريب المشرّد
يمدّ اليد الصفرا إلى كلّ عابر
و لم يجن إلاّ اليأس من مدّة اليد
فيلقي على الكفّ النحيل جبينه
و يسأل هل في الأرض ظلّ لمسعد
هو الشرّ ملء الأرض و الشر طبعها
هو اشر ملء الأمس و اليوم و الغد
وهذا غبار الأرض آهات خيّب
و هذا الحصى حبذات دمع مجمّد
رمى الشيخ فيما حوله نظرة الأسى
ومرّ كطيف المستكين المهدّد
فيا للفقير الشيخ يمشي على الطّوى
و في مأتم الشكوى يروح و يغتدي
يظنّ أكفّ الناس تهوي بجودها
إليه و لم يبصر سوى وهمه الردي
و جوع يلوّي نفسه في ضلوعة
فينساق لا يدري إلى أين يهتدي .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الشمس
الشمس
رقم القصيدة : 67460
-----------------------------------
أطلّت من الأفق بنت السماء
مغلّفة بالشعاع الندي
ووشّت بساط الفضا بالسنا
و باللّهب البارد العسجدي
و بالوهج الدافيء المشتهي
وبالمنظر السحري الأجود
فجنّت بها نشوات الصبا
و فاضت بصدر الضحا الأمرد
و أهدت سناها السماوي إلى
رءوس الربا و اثرى الأوهد
إلى الطود و السهل و المنحنى
إلى الماء و الطين و الجلمد
إلى الكوخ و القصر مهد الغنى
إلى السوق و السجن و المعبد
ووزّعت النور في العالمـ
ين و جادت على العبد و السيّد
على المترفين على البائـ(55/184)
سين على المجتدى و على المجتدي
و أدّت رسالتها حرّة
إلى أقرب الكون و الأبعد
جرى عدل بنت السما في الوجو
د حفيا بجيّده و الردي
و أنفقت النور أمّ الضحا
فزادت ثراء إلى سؤدد
و أربت جمالا وزادت سنا
ونورا إلى نورها السرمدي
و طالت حياة فما تنتهي
من العمر إلاّ لكي تبتدي
و أعطت فدام سنا ملكها
جديد الصبى دائم المولد
و ما زادها كثر إنفاقها
سوى الترف الأكثر الأخلد
***
لقد ضرب الله أمثاله
و من يضلّل الله لا يهتدي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أنا و الشعر
أنا و الشعر
رقم القصيدة : 67461
-----------------------------------
هاتي التآويه يا قيثارتي هاتي
وردّدي من وراء اللّيل آهاتي
و ترجمي صوت حبّي للجمال ففي
نجواك - يا حلوة النجوى - صبابتي
قيثارتي صوت أعماقي عصرت بها
روحي و أفرغت في أوتارها ذاتي
***
قيثارتي أنت أمّ اشعر لم تلدي
إلاّ غنا الخلد أو لحن البطولات
أودعت نجواك آيات النبوغ فيا
قثارتي لقّني التاريخ آياتي
و غرّدي بخيالاتي العذاب فما
حقيقة السحر إلاّ من خيالاتي
و شاعر الطبع موسيقى الغيوب إذا
غنّى أرى الأرض أسرار السموات
قيثارتي إنّي ابن الشعر أنجبني
للخلد ، للعبقريّات الفتيّات
و للحياة و للدنيا و نضرتها
للحبّ للنور للزهر الصبيّات
***
وحدي مع الشعر هزّتني عواطفه
فرقّصت عطفه النشوان رنّاتي
و شفّ لي خافي الدنيا و ألهمني
سحر الجمال و أسرار الجلالات
وهبّت للشعر إحساسي و عاطفتي
و ذكرياتي و ترنيمي و أنّتي
فهو ابتسامي ودمعي و هو تسليتي
و فرحتي و هو آلامي و لذّاتي
يفنى الفنا ! و أنا و الشعر أغنية
على فم الخلد يا رغم الفنا العاتي
أحيا مع الشعر يشدو بي و أنشده
و الخلد غاياته القصوى و غاياتي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بعد الحب
بعد الحب
رقم القصيدة : 67462
-----------------------------------
لا تسل كيف ابتدينا
لا ، و لا كيف انتهينا
لا تقل كيف انطوى الحبّ(55/185)
و لا كيف انطوينا
ملعب دار بعمرينا
فولّى من لدينا
وانقضى الدور فعدنا
عنه من حيث أتينا
لا تسل كيف تنائيـ
نا و لا كيف التقينا
لا تقل كنّا و كان الشوق منّا و إلينا
هل شربنا خمرة الحب و هل نحن ارتوينا
آه لا خمر و لا حبّ
متى كان و أينا
لاحت الكأس لثغريـ
نا وجفّت في يدينا
***
عندما لاح بريق الكأس ولّت بالبريق
وارتشفنا من رحيق الحبّ أطياف الرحيق
و تلاشي حلم الصّفو
كأنفاس الغريق
هكذا كان تلاقينا
على الدور الأنيق
***
وانتهى الدور و ها نحن انتهينا من صبانا
حيث طاف الحبّ كالوهم
و كالوهم تفانى
وانطوى عنّا كما تطوي
الدياجير الدخانا
و تركنا في الرمال الحبّ
آثار خطانا
غير أنا قد نسينا
أو تناسينا لقانا
و سألنا الوهم بعد الحبّ هل كنّا و كانا
أين منّا الملعب الطفل تناغيه منانا
***
ملعب درنا به حينا
فأصابانا و ملّا
ملعب ما كان أصفا
ه و ما أشهى و أحلى
غاب في الأمس فولّينا
عن الأمس وولّى
و تسلّينا و من لم
يلق ما يهوى تسلّى
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> روح شاعر
روح شاعر
رقم القصيدة : 67463
-----------------------------------
صافحتك القلوب قبل النواظر
و استطارت إلى لقاك الخواطر
و تلقّاك عالم اليمن الحرّ
كما لاقت النفوس البشائر
وارتمى يسكب التراحيب ألوا
نا كما تسكب اللّحون القياثر
و تملّت نزولك اليمن الخضرا
قاضت بالأغنيات الحناجر
و تنزّلت في معاني حماها
مثلما ينزل الشعاع المحاجر
و هفا الموطن الكريم يحيّي
مشعل العلم في سناك الباهر
و تغلغلت في حناياه كالإيمان
كالطهر في عفاف الضمائر
كالمنى في القلوب كالدم في الأبدان
كالسكر في دماغ المعاقر
قد تلقاك موطني ينثر الترا
حيب في راحتك نثر الجواهر
و انتشى من شعاعك العلم لمّا
زرت " دار العلم " يا خير زائر
وازدهى الشعر ينثر النغم الحلـ
و كما ينثر الربيع الأزاهر
قد رأى "موطني " بمرآك " مصرا "
منبت الفنّ و الإبا و العباقر
مصر أم الحجار و اليمن الـ(55/186)
سامي و أمّ الشآم أم الجزائر
وحدة العرب راية في رباها
و منى العرب في يديها وزاجر
شادها الله العروبة دارا
وابتناها بنيّرات الزواهر
بلدة تنبت العلوم و أرض
تلد المجد و العلا و المفاخر
نيلها المستفيض أنشودة الله
على مسمع اللّيالي العوابر
وحماها كنانه الله تر
مي في وجوه العدا السهام الثوائر
***
يابن مصر التي تلاقت عليها
شيم العرب و النفوس الحرائر
علمك العلم ينشر الدين في الدنيا
كما تنشر الشعاع المنائر
و تجوب الشعوب في خدمة الإسلام
و الحق و ارتباط الأواصر
إيه عزّام أنت وعي من النيل
إلى العرب تستثير المشاعر
و سفير تشيّد الوحدة الشما
و تستنهض السنا في البصائر
و تنادي البلاد للإتّحاد الحر
و الاتحاد أقوى مناصر
إن في وحدة العروبة مجدا
خالدا ثائرا على كل ثائر
إنّما العرب أمّة وحّدتها
لغة الضاد و الدما و العناصر
إنّما العرب أمّة هزّت الدنيا
و شقّت سود الخطوب العواكر
إنّ للعرب غابرا داس " كسرى "
و تمشّى على رءوس القياصر
فاستمدّي يا أمّتي من سنا الما
ضي معاليك واعمري خير حاضر
يأنف المجد أن يلاقي بنيه
في يدي غاصب و في كفّ آسر
فاطمحي أمّتي إلى كلّ مجد
وانهضي نهضة الصباح الباكر
يا سفير التضامن الحر غنّت
سعيك الحر أمنياتي الشواعر
و تلاشت على هوى العرب روحي
نغما ملهم الغنا و المزاهر
و نشيدا أفرغت فيه أحاسيسي
و ذاتي و خافقي و السرائر
فتلقّى يا شاعر النيل شعري
فهو شعر عنوانه " روح شاعر "
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أمّي
أمّي
رقم القصيدة : 67464
-----------------------------------
تركتني ها هنا بين العذاب
و مضت ، يا طول حزني و اكتئابي
تركتني للشقا وحدي هنا
و استراحت وحدها بين التراب
حيث لا جور و لا بغي و لا
ذرّة تنبي و تنبي بالخراب
حيث لا سيف و لا قنبلة
حيث لا حرب و لا لمع حراب
حيث لا قيد و لا سوط و لا
ظالم يطغى و مظلوم يحابي
***
خلّفتني أذكر الصفو كما
يذكر الشيخ خيالات الشباب(55/187)
و نأت عنّي و شوقي حولها
ينشد الماضي و بي - أوّاه - ما بي
و دعاها حاصد العمر إلى
حيث أدعوها فتعيا عن جوابي
حيث أدعوها فلا يسمعني
غير صمت القبر و القفر اليباب
موتها كان مصابي كلّه
و حياتي بعدها فوق مصابي
***
أين منّي ظلّها الحاني و قد
ذهبت عنّي إلى غير إياب
سحبت أيّامها الجرحى على
لفحة البيد و أشواك الهضاب
ومضت في طرق العمر فمن
مسلك صعب إلى دنيا صعاب
وانتهت حيث انتهى الشوط بها
فاطمأنّت تحت أستار الغياب
***
آه " يا أمّي " و أشواك الأسى
تلهب الأوجاع في قلبي المذاب
فيك ودّعت شبابي و الصبا
وانطوت خلفي حلاوات التصابي
كيف أنساك و ذكراك على
سفر أيّامي كتاب في كتاب
إنّ ذكراك ورائي و على
وجهتي حيث مجيئي و ذهابي
كم تذكّرت يديك وهما
في يدي أو في طعامي و شرابي
كان يضنيك نحولي و إذا
مسّني البرد فزنداك ثيابي
و إذا أبكاني الجوع و لم
تملكي شيئا سوى الوعد الكذّاب
هدهدت كفاك رأسي مثلما
هدهد الفجر رياحين الرّوابي
***
كم هدتني يدم السمرا إلى
حقلنا في ( الغول ) في ( قاع الرحاب )
و إلى الوادي إلى الظلّ إلى
حيث يلقي الروض أنفاس الملاب
و سواقي النهر تلقي لحنها
ذائبا كاللطف في حلو العتاب
كم تمنّينا و كم دلّلتني
تحت صمت اللّيل و الشهب الخوابي
***
كم بكت عيناك لمّا رأتا
بصري يطفا و يطوي في الحجاب
و تذكّرت مصيري و الجوى
بين جنبيك جراح في التهاب
***
ها أنا يا أمّي اليوم فتى
طائر الصيت بعيد الشهاب
أملأ التاريخ لحنا وصدى
و تغني في ربا الخلد ربابي
فاسمعي يا أمّ صوتي وارقصي
من وراء القبر كالحورا الكعاب
ها أنا يا أمّ أرثيك و في
شجو هذا الشعر شجوي و انتحابي .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> فلسفة الجراح
فلسفة الجراح
رقم القصيدة : 67465
-----------------------------------
متألّم . ممّا أنا متألّم ؟
حار السؤال . و أطرق المستفهم
ماذا أحسّ . و آه حزني بعضة
يشكو فأعرفه و بعض مبهم(55/188)
بي ما علمت من الأسى الدامي و بي
من حرقة الأعماق ما لا أعلم
بي من جراح الروح ما أدري و بي
أضعاف ما أدري و ما أتوهّم
و كأنّ روحي شعلة مجنونة
تطغى فتضرمني بما تتضرّم
و كأنّ قلبي في الضلوع جنازة
أمشي بها وحدي و كلّي مأتم
أبكي فتبتسم الجراح من البكا
فكأنّها في كلّ جارحة فم
***
يا لابتسام الجرح كم أبكي و كم
ينساب فوق شفاهه الحمرا دم
أبدا أسير على الجراح و أنتهي
حيث ابتدأت فأين منّي المختم
و أعارك الدنيا و أهوى صفوها
لكن كما يهوى الكلام الأبكم
و أبارك الأمّ الحياة لأنّها
أمّي و كظّي من جناها العلقم
حرماني الحرمان إلاّ أنّني
أهذي بعاطفة الحياة و أحلم
و المرء إن أشقاه واقع شؤمه
بالغين أسعده الخيال المنعم
***
وحدي أعيش على الهموم ووحدتي
باليأس مفعمة وجوّي مفعم
لكنّني أهوى الهموم لأنّها
فكر أفسّر صمتها و أترجم
أهوى الحياة بخيرها و بشّرها
و أحبّ أبناء الحياة و أرحم
و أصوغ " فلسفة الجراح " نشائدا
يشدو بها اللّاهي و يشجي المؤلم
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> تحت اللّيل
تحت اللّيل
رقم القصيدة : 67466
-----------------------------------
منك الجمال و منّي اللّحن و الشادي
يا خمرة الحبّ في أكواب إنشادي
وحدي أغنّيك تحت اللّيل محتملا
جوع الغرام ، و أشواق الهوى زادي
هنا أناجيك و الأطياف تدفعني
في عالم الحبّ من واد إلى وادي
و القلب في زحمة الأشواق مضطرب
كزورق بين إرغاء و إزباد
ووحشة الظلمة الخرسا تهدّدني
كأنّها حول نفسي طيف جلّاد
و الصمت يجثو على صدر الوجود و في
صمتي ضجيج الغرام الجائع الصادي
و اللّيل يسري كأعمى ضلّ وجهته
و غاب عن كفّه العكّاز و الهادي
كأنّه فوق صمت الكون قافلة
ضلّت و ضلّ الطريق السفر و الحادي
و لم أزل أشتهي منك بارقة
من عاطف الحب ، أو إشراق إسعاد
و حبّك الحبّ أخفيه فأنفثه
شعرا فينصبّ خافية إلى البادي
وحدي أناديك من خلف الشجون فيا
نجيّة الحبّ نادي لوعتي نادي(55/189)
فطالما تهت في دنيا هواك و ما
هوّمت خلف الخيال الرائح الغادي
أهفو إليك و حولي كلّ أمنية
تفنى و لليأس حولي ألف ميلاد
و اليأس يطغى وجوع الحبّ في كبدي
يضجّ ما بين إبراق و إرعاد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> البعث العربي
البعث العربي
رقم القصيدة : 67467
-----------------------------------
وحدة المجد و الفخار التليد
زعزعت مرقد الصباح الجديد
واستطارت تحثّ قافلة الفتح
و تطوي الحدود بعد الحدود
و تناجي العدا بألسنة النا
ر و بالموت من شفاه الحديد
وحدة يعربيّة و انطلاق
عربيّ يهزّ صمت اللّحود
إنّما العرب ثورة وحّدتها
يقظة البعث وانتفاض الوجود
فابن " يحيى " مؤزّر " بجمال "
" و جمال " مؤزّر " ط بسعود "
وحّدت شملهم كبار الأماني
و الدم الحرّ واعتزاز الجدود
قد تلاقى الحجار و اليمن الميـ
مون و النيل في اتّحاد الجهود
و استفاقت مواطن العرب الشـ
مّ فعودي يا راية العرب عودي
واذكري في المعارك الحمر " سعدا "
و " عليا " و " خالد بن الوليد "
تأنف العرب أن تدوس حماها
الحرّ شرّ العبيد أدنى العبيد
آن آن الفدى و ثار الدم الحرّ
يذيب القيود إثر القيود
يا نفوس اليهود ذوبي ، و ذوبوا
من لظى الغيظ يا عبيد اليهود
فجيوش الجهاد تزحف للثأ
ر و تهفو إلى الحمى المنشود
يا فلسطين حقّقت وحدة العر
ب أمانيك فاطمحي و استزيدي
وانفضي عن رباك سود اللّيالي
واستفيقي على زئير الأسود
هذه " غزّة " تفيض التهاما
و الجنود الأباة تلو الجنود
و على " جدّة " تجدّد عهد الـ
عرب و اهتاج للوثوب المجيد
***
يا بريطانيا و قد هيّىء الميـ
دان هيّا إلى العراك العنيد
إنّما نحن أمّة تبذل الأر
واح في ذمّة العلا و الخلود
تفتدي المجد بالنفوس و تشفى
غلّه التأر من جراح الشهيد
فتخلّي عن الجنوب و خلّي
" كمران " المصون حرّ البنود
دون ما تبتغين صاعقة المو
ت و برق القنا و قصف الرعود
ويل من يعمر القصور على النـ
ار و لا يتّقي حماس الوقود(55/190)
أمّة العرب ضمّها الجر
ح المدمي و كبرياء الحقود
كلّها أقسمت بأن تثير الأر
واح دون الحقوق نثر الورود
و تروّي صدر الجهاد و تمحو
عن جباه الأباة ذلّ السجود
و ترى مجدها البعيد بعيدا
و لواها يرفّ خلف البعيد
جدّدت بالي العهود و أحيت
ميّت المجد و الإبا من جديد
و تسامت تشيد مستقبل العر
ب علّ زهوة الصباح الوليد .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> منبت الحبّ
منبت الحبّ
رقم القصيدة : 67468
-----------------------------------
ها هنا لاح الحبّ و غابا
و تشظّى في يد الأمس و ذابا
نبت الحبّ هنا كيف غدا
في تراب المنبت الزاكي ترابا
هذه البقعة ناغت حبّنا
فصبا الحبّ عليها و تصابى
و سقتنا الحبّ صفوا و هنا
ثمّ أسقتناه ذكرى و انتحابا
كان حبّ ثمّ أضحى قصّة
تنقل الأمس خيالات كذابا
قصّة تائهة نقرؤها
من فم الذكرى فصولا و كتابا
***
هذه البقعة كم تعرفنا
كم سقيناها ترانيما عذابا
وزرعناها وداعا ولقا
و فرشناها حوارا و عتابا
ليتها تنطق كي تنشدنا
قصّة القلبين خفقا واضطرابا
ليتها لنا نسألها
عن هوانا ليتها تعطي جوابا
***
نحن ذقنا الحبّ فيها خمرة
وصحونا فوجدناه سرابا
نحن غنّينا شبابينا هنا
و تلفتنا فلم نلق الشبابا
***
منبت الحبّ دعانا للهنا
فمضينا ننهب الصفو انتهابا
منبت الحبّ حوانا ظلّه
لحظة وانقلب الظلّ التهابا
فسكبنا حوله المنى
و ملأنا الكأس دمعا و عذابا
ورجعنا عنه نستجدي البكا
و نباكي أملا في الحبّ خابا .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> محنة الفن
محنة الفن
رقم القصيدة : 67469
-----------------------------------
أنا من غازل الجمال و غنّى
للمعالي لحنا و للحبّ لحنا
عاش بين الهوى و بين منى الـ
مجد و لم يلق عمره ما تمنّى
و استخفّ الحياة بالشدو حتّى
زادها فوق حسنها البكر حسنا
***
قلبي القلب يحمل الأمس و اليو
م و يلقي لمقبل العمر ظنّا
قلبي القلب لم يفارقه آت
لا ، و لا الأمس في حناياه يفنى(55/191)
قلبي القلب إن بكى رقّص الـ
دنيا بكاه و حوّل الدمع فنّا
***
دمعة الفنّ بسمة في شفاه الـ
خلد أصفى من الصباح و أسنى
في ظلال الربيع قطّرت أنفا
سي نشيدا أرقّ منه و أحتى
و عصرت الشجون في الروضة الـ
غنّا لحونا أندى وفنّا أغنّا
***
من جمال الحياة سلسلت أنغا
مي و غنّيت عطفها فتثنّى
من هموم الجياع غنّيت للجو
ع وصغت الهموم بحرا ووزنا
و تخيّرت للغنيّ غناء
مترفا راقصا كاعطاف حسنا
أنا أشدو لكلّ قلب طروب
أنا أبكي لكلّ قلب معنّى
***
" محنة الفن " محنة تتعب الـ
فنّان و الخلد من معانيه يهنا
كلّ ما بي أودعته الشعر لكن
في ضميري شعر أنا منه مضنى
***
لا تسلني يا صاحبي أيّ شعري
كان أعلى أو أيّه كان أدنى
أجمل الشهر نغمة لم أوفّعها
و صمتي يطوي لها ألف معنى
فتنفّس يا صمت شعري بما فـ
يك لعلّي يا شعر أن أطمئنّا
و تأوّه لعلّ آهاتك الجر
حى تلاقي في ضجّة الكون أذنا
آه يا شعر آه قد قيّد الصمت
أغانيك فاتّخذ منه سجنا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> من هواها
من هواها
رقم القصيدة : 67470
-----------------------------------
أنا وحدي هنا و كلّي لديها
أسكب القلب قبلة في يديها
فهي خلف البعاد و الوهم يدنيـ
ها و يدني إلى فمي شفتيها
من صباها جنيت أزهار شعري
ولقتطفت اللّحون من وجنتيها
من هواها أذوب منها ، و فيها
من هواها بكيت منها عليها
كلّما شئت أن أفرّ بقلبي
من هواها فررت منها إليها
***
أين عنها أحيد أو
أين بالقلب أنفر
و هي جوّي و مهبطي
و هواي المسعّر
و هي في القلب عالم
بالصبابات يزخر
***
و هي في الصدر ألف قلب يغنّي
بهواها و موجة من لهيب
إنّها وحدها نصيبي من الـ
حبّ و يا حبّ أين منّي نصيبي ؟
هي دنيا تموج بالسحر و الدّلّ
و ترفض بالسنا و الطيوب
حلوة كالأشعّة الزهر كالأشـ
واق كالشعر كالخيال العجيب
فهي فنّ مجسّد يلهم الفنّ
حوار السما و نجوى الغيوب
***
و هي سحر مركّب
و فتون مجسّم
كلّ صوت يمرّ في(55/192)
شفتيها ترنّم
و كأنّ الحروف من
ثغرها الحلو تبسم
***
كلّما حدّثت تلألأت الألـ
فاظ من ثغرها كفجر الربيع
و مشت في حديثها نشوة الـ
حسن و ترنيمة الدلال الطبيعي
إنّها و الهوى بأعطاف لحني
رقصة السحر و الجمال الرفيع
حبّها في فمي نشيد أغنيـ
ه و لحن مذوّب في دموعي
لا فراق و إن تناهى بها البعـ
د و قلبي و حبّها في ضلوعي
***
لا انقطاع فحبّنا
أبدي و ملهم
حبّنا شاعر على
ربوة الخلد يحلم
لا انفصال فإنّنا
في عروق الهوى دم .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> راهب الفن
راهب الفن
رقم القصيدة : 67471
-----------------------------------
ساهر الجرح لم ينم
كيف يغفو على الضرم
مؤلم كلّما بكى
سخر الجرح و ابتسم
لا تسل عنه إنّه
ضاع في زحمة الظلم
شاعر يعزف الشقا
و يغنّ الدجا الأصم
حار في الحب قلبه
حيرة الصمت في القمم
راهب الفنّ صدره
للصبابات مزدحم
كلّما كتّم الهوى
فضح الفنّ ما كتم
كلّما صان سرّه
ضجّ في الصدر و احتدم
لم يطق حشمة الجوى
من رأى الشاعر احتشم ؟
لا تسل ما شدا و لا
كيف غنّى الهوى ؟ و كم ؟
شاعر ذاب صمته
في كؤوس الهوى نغم
و سقاه الحنين من
كأسه خمرة العدم
إنّ تاريخ عمره
قصّة الحبّ و الألم
كلّما ارتاد مرتعا
للهوى عاد بالندم
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> منها و إليها
منها و إليها
رقم القصيدة : 67472
-----------------------------------
أنت يا كلّ من أحبّ و أهوى
في حنيني شعر و في الصمت نجوى
أنت في كلّ دقّة من فؤادي
نغمات من خمرة الحبّ نشوى
و غناء مدلّة ينشر الحبّ
صداه و في فم الصمت يطوى
في ضلوعي إليك شوق و قلب
شاعر يعزف الصبابات شدوا
و عتاب يفضي إليك فإنّ لا
قاك أغضى و ذاب في القلب شكوى
و بقلبي إليك شهر سأرويـ
ه و شعر في خاطري ليس يروي
أيّ فنّ أشدو و ماذا أغنّيـ
ك و فنّ الجمال أسمى و أقوى
أيّ لحن أهدي إليك و معنا
ك لحون تسمو على الفنّ زهوا
آه جفّ النشيد إلاّ نشيدا(55/193)
أنا فيه أذوب عضوا فعضوا
آه يا قلب إنّها صبوة الحسـ
ن المغنّي و أنت أصبى و أغوى
حسنها شاعر الفنون و حبّي
عبقري يطارح الحسن شجوا
كلّ شعر غنيته فهو منها
و إليها و الفنّ يحسوه صفوا .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أم الكرم
أم الكرم
رقم القصيدة : 67473
-----------------------------------
نشوة النور و أحلام الجنان
و شذا الأنسام و الجوّ الجماني
رقصت في الروضة الغنّا كما
ترقص الحور على شدو المثاني
و صبت معجزة الحسن بها
صبوة السكر بأعطاف الغواني
بلدة الفن و " أمّ الكرم " في
حضنها الحاني صبت أمّ الدنّان
نسّق الفن حواشي كرمها
فتعانقن على بعد المكان
و طلى بهجتها صفو الندى
و الصباح الطفل وردي البنان
و العناقيد على أغصانها
كالنهود العاطفيّات الحواني
و تدلّت كالقروط البيض من
أذن الغيد المليحات الحسان
***
روضة فوحاء فردوسيّة
تلد اللّذّات آنا بعد آن
كلّها راح وروح عبق
و ظلال و تثنّي غصن بان
وزهور تبعث العطر كما
تبعث السكر العناقيد الدواني
تفرش الجوّ جمالا و شذا
و الثرى ظلا نديّ العطف هاني
***
الهوى الممراح فيها و الصبا
و حوار الوصل فيها و التداني
و فنون الحسن فيها و الغنا
مهرجان يرتمي في مهرجان
و العصافير على أدواحها
كالقياثير على أيدي القيان
تسكب اللّحن على مرقصها
فتشّي الجو رقصا و أغاني
و كأنّ النهر في أحضانها
شاعر ذوّبه فرّط الحنان
و محبّ كلّما ناجى الهوى
طلمست نجواه " فوضاء " الزمان
فتحال النهر محموم الغنا
مطربا هيمان معقود اللّسان
و كأنّ الروضة الغنّا على
مائه فجر الهوى طفل الأماني
***
بلد توحي مجاليه إلى
مزهر الفنان أبكار المعاني
قلت للشعر و قد ساجله
نغم الفنّ و سحر الإفتنان
أتراه سرق الفردوس أم
هو فردوس بحضن الأرض ثاني
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> نجوى
نجوى
رقم القصيدة : 67474
-----------------------------------
أناجيك يا أخت روحي كما(55/194)
يناجي الغريب خيال الحمى
و أهفو إليك مع الأمنيات
كما يرتمي الفكر نحو السما
و أظما إليك فتروي المنى
خيالي و يزداد روحي ظما
و أبكي و يبكي خيالي معي
نشيدا يباكي الدجا الأبكما
***
أيا قلب كم ذبت في حبّها
لحونا مضرّجه بالدما
و كم هزّني طيفها في الدجا
و كم هزّ قيثاري الملهما
و كم ساجلتني خيالاتها
كما ساجل المغرم المغرما
فما عطفت قلبها رحمة
و لا فكّرت آه أن ترحما
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> في الطريق
في الطريق
رقم القصيدة : 67475
-----------------------------------
وحده يحمل الشقا و السنينا
لا معين و أين يلقى المعينا
وحده في الطريق يسحب رجليه
و يطوي خلف الجراح الأنينا
متعب يعبر الطريق و يمضي
وحده يتبع الخيال الحزينا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> اللّيل الحزين
اللّيل الحزين
رقم القصيدة : 67476
-----------------------------------
كئيب بطيء الخطا مؤلم
يسير إلى حيث لا يعلم
و يسري و يسري فلا ينتهي
سراه و لا نهجه المظلم
و تنساب أشباحه في السكون
حيارى بخيبتها تحلم
هو اللّيل في صمته ضجّة
و في سرّه عالم أبكم
كأنّ الصبابات في أفقه
تئنّ فترتعش الأنجم
حزين غريق بأحزانه
كئيب بآلامه مفعم
كأنّ النجوم على صدره
جراح يلوح عليها الدم
***
هو اللّيل يطوي بأعطافه
قلوبا بأشواقها تضرم
تساهر أعين الساهرين
و تقتات أحلامه النوم
و يشكو إلى جوّه عاشق
و يشدو على صمته ملهم
يناجي المعنّى المعنّي به
و يهفو إلى المغرم المغرم
و يبتهج القصر في ظلّه
و ينتحب الكوخ و المعدم
ففيه التآويه و الأغنيات
و في طيّه العرس و المأتم
و في صدره سرّ هذا الوجود
فماذا يذيع و ما يكتم ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أنا
أنا
رقم القصيدة : 67477
-----------------------------------
ما بين ألوان العنا
ء و بين حشرجة المنى
ما بين معترك الجرا
ح و بين أشداق الفنا
ما بين مزدحم الشرور
أعيش وحدي هاهنا(55/195)
لم أدر ما السلوى ؟ و لم
أطعم خيالات الهنا
الحبّ و الحرمان زا
دي و الغذاء المقتني
***
وحدي هنا خلف الوجود
و خلف أطياف السنا
و هنا تبنّتني الحياة
و ما الحياة و ما هنا
أنا من أنا ؟ الأشوا
ق و الحرمان و الشكوى أنا
أنا فكرة و لهى معانيـ
ها التضنّي و الضنى
أنا زفرة فيها بكاء الـ
فقر آثام الغنى
***
أهوى و ألقى غير ما
أهوى ، فماذا أشتهي ؟
لا أسعد المهوى و لا
جوع الهواية ينتهي
أنا حيرة المحروم تنـ
تحر المنى في صمته
***
و أنا حنين تائه
بين المحبّة و الشقا
أظمأ و أظمأ للجما
ل و أين منّي لامستقي
***
يا قلب هل تلقى المرا
د و ما المراد و ما اللّقا
عمري تمرّغ في اللّهيـ
ب و لذّة أن يحرقا
لا فارق اللّهب الرما
د و لا الرماد تفرقا
***
فمتى متى يطفي الفنا الـ
موعود عمري الأحمقا
كيف الخلاص و لم يزل
روحي بجسمي موثقا
لا الموت يختصر الحيا
ة و لا انتهى طول البقا
لا القيد مزّقه السجـ
ين و لا السجين تمزّقا
حيران لم يطق الحيا
ة و لم يطق أن يزهقا
***
يا آسر العصفور رفـ
قا بالجناح المكسور
سئم الركود و لم يزل
في قبضة الشوك الغرام
درن التراب مجسّد
في الشيخ ، في ثوب الصبي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مع الحياة
مع الحياة
رقم القصيدة : 67478
-----------------------------------
يا حياتي و يا حياتي إلى كم
أحتسي من يديك صابا و علقم
و إلى كم أموت فيك و أحيا
أين منّي القضا الأخير المحتّم
أسلميني إلى الممات فإنّي
أجد الموت منك أحنى و أرحم
و إذا العيش كان ذلّا و تعذيـ
با فإنّ الممات أنجى و أعصم
***
ما حياتي إلاّ طريق من الأشـ
واك أمشي بها على الجرح و الدم
و كأنّي أدوس قلبي على النا
ر و أمضي على الأنين المضرّم
لم أفت مأتما من العمر إلاّ
و ألاقي من بعده ألف مأتم
و حياة الشّقا على الشاعر الحسّـ
اس أدهى من الجحيم و أدهم
***
و أنا شاعر و ما الشعر إلاّ
خفقاتي تذوب شجوا منغّم
شاعر صان دمعه فتغنّى(55/196)
بلغات الدموع شعرا متيّم
علّمته الطيور أحزانها البكـ
ما فغنّى مع الطيور و رنّم
***
إيه يا شاعر الحياة و ماذا
نلت منها إلاّ الرجاء المعشّم
أنت باك تحنو على كلّ باك
أنت قلب على القلوب مقسّم
قد قرأت الحياة درسا فدرسا
و تجّليت كلّ سرّ مكتّم
فرأيت الحياة لم تصف إلاّ
لعبيد الحطام و الذلّ و الدم
طيبها للئام لا الملهم الشا
دي و هيهات أن تطيب لملهم
***
أيّهاذي الحياة ما أنت إلاّ
أمل في جوانح اليأس مبهم
غرّة تضحك العبوس و تبكي
فرحا هانئا و تشقي منعّم
***
يا حياتي و ما حياتي و ما معـ
نى وجودي فيها لأشقى و أظلم
ربّ رحماك فالمتاه طويل
و الدجا في الطريق حيران أبكم
قد أتيت الحياة بالرغم منّي
و سأمضي عنها إلى القبر مرغم
أنا فيها مسافر زادي الأحـ
لام و الشعر و الخيال المجسّم
و شرابي و همّي , و آهي أغاريـ
دي نوري عمى الظلام المطلسم
ليس لي من غضارة النور لحظ
لا و لا فقي يدي سوى الظفر درهم
ليت شعري مالي إذا رمت شيئا
حال بيني و بينه القفر و اليم
لم أجد ما أريد حتّى الخطايا
أحرام عليّ حتّى جهنّم
كلّ شيء أرومه لم أنله
ليتني لم أرد و لا كنت أفهم
أنا أحيا مع الحياة و لكن
عمري ميّت الأماني محطّم
ليتني - و الحياة غرم و غنم -
نلت من صفوها على العمر مغنم .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> من أغني
من أغني
رقم القصيدة : 67479
-----------------------------------
ها هنا في المنزل العاري الجديب
أحتسي الدمع و أقتات النحيب
ها هنا أشكو إلى اللّيل و كم
أشتكي و اللّيل في الصمت الرهيب
و أبثّ الشعر آلام الهوى
و أنادي اللّيل و الصمت يجيب
فإلى من أنفث الشكوى ؟ إلى
أيّ سمع أبعث اللّحن الكئيب ؟
و إلى من أشتكي الحبّ إلى
من إلى من ؟ إنّني وحدي غريب ؟
ها هنا يا ليل وحدي و الجوي
بين أضلاعي لهيب في لهيب
***
و لمن أشدو ؟ و من أشدو ؟
فيا لجنوبي من أغنّي بالنسيب
ما لقلبي يبعث الحبّ به
عبث الإعصار بالغصن الرطيب(55/197)
من أغنّي ؟ لا حبيبا ؟ لا ؟ و لا
لي من الدنيا على الدنيا نصيب
آه إنّي شاعر و الشعر من
محنّي ! أوّاه ما أشقى الأديب !
شاعر و الشعر عمري في غد
أين عمري أين .. في اليوم القريب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> في اللّيل
في اللّيل
رقم القصيدة : 67480
-----------------------------------
لا مشفق حولي و لا إشفاق
إلاّ المنى و الكوخ و الإخفاق
البرد و الكوخ المسجّى و الهوا
حولي و قلبي و الجراح رفاق
و هنا الدجا يسطو على كوخي كما
يسطو على المستضعف العملاق
فلمن هنا أصغي ؟ و كيف ؟ و ما هنا
إلاّ أنا ، و الصمت ، و الإطراق
أغفى الوجود و نام سمّار الدجا
إلاّ أنا و الشعر و الأشواق
وحدي هنا في اللّيل ترتجف المنى
حولي و يرتعش الجوى الخفّاق
و هنا وراء الكوخ بستان ذوت
أغصانه و تهاوت الأوراق
فكأنّه نعش يموج بصمته
حلم القبور و يعصف الإزهاق
نسي الربيع مكانه و تشاغلت
عنه الحياة و أجفل الإشراق
عريان يلتحف السكينه و الدجا
و تئنّ تحت جذوعه الأعراق
***
و اللّيل يرتجل الهموم فتشتكي
فيه الجراح و تصرخ الأعماق
و الذكريات تكرّ فيه و تنثني
و يتيه فيه الحبّ و العشاق
تتغازل الأشواق فيه و تلتقي
و يضمّ أعطاف الغرام عناق
***
و الناس تحت اللّيل : هذا ليله
وصل و هذا لوعة و فراق
و الحبّ مثل العيش : هذا عيشه
ترف و هذا الجوع و الإملاق
في الناس من أرزاقه الآلاف أو
أعلى وقوم ما لهم أرزاق
هذا أخي يروي و أظما ليس لي
في النهر لا حقّ و لا استحقاق
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لست أهواك
لست أهواك
رقم القصيدة : 67481
-----------------------------------
لست أهواك قد خلعت الهواء
و احتقرت الفتون و الإغراء
لست أهواك قد صحوت من الحب
و مزّقت صبوتي و الصبا
و نفخت الغرام من حبّة القلـ
ب كما تنفخ الرياح الهباء
و ترفّعت عن 'رادتك البلـ
ها ورضت الجناح أغزو السما
فاخدعي من أردت غيري من النا(55/198)
س فإنّي وهبت قلبي العلاء
واخجلي أنت و الهوى واستكيني
واخلعي عن كيانك الكبرياء
إنّني قد فرغت منك و بعثر
ت بقايا صبابتي أشلاء
***
آه كم عشت في هواك و كم
مرّغت فيه فتوّتي و الإباء
كم تغنّيت في هواك و سلسلـ
ت دمي في فم الغرام غناء
و أرقت الدموع منك و لكن
غسل الدمع حرقتي و العناء
واستدرّ البكا هواك من القلـ
ب فأفنّى الهوى و أبقى العزاء
و بكاء المحبّ يستنزف الشو
ق نشيجا و الذكريات بكاء
لست أهواك قد نحرت صبابا
تي كما ينحر النوط الرجاء
و نسيت اللّقا و عفت التلاقي
و التصابي و الحسن و الحسناء
***
فامض يا حبّ قد رجعت إلى العقـ
ل المصفّى يديرني كيف شاء
ويل ويل الغرام من يقظة اللّـ
بّ إذا اللّب بالفؤاد تناءى
و إذا صارعت قوى العقل قلبا
عبقريا زادت قواه قواء
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> شعري
شعري
رقم القصيدة : 67482
-----------------------------------
غرّد فأنت الحبّ و الأحلام
إنشد يصفّق حولك الإعظام
يا كافرا بالصمت و الإحجام طر
واهتف فداك الصمت و الإحجام
و اسبح بآفاق الجمال وطف كما
تهوى و يهوى جوّه البسّام
***
يا شعري الفوّاح غرّد تحتفل
فيك العطور و تعبق الأنسام
لك من شفاه الفجر منتزه و في
صدر المروج مراقص و هيام
في كلّ رابية لقلبك خفقة
و بكلّ واد حرقه و ضرام
و لصوتك الحاني بأجفان الربا
غزل و في قلب الربيع غرام
بستانك الغبرا و مسرحك الفضا
فلك الوجود مسارح و مقام
***
شعري و أنت الفنّ أنت رحيقه
شفتاك كأس و اللّحون مدام
حلّقت فوق مسابح الأوهام لم
تلمح خيال جناحك الأوهام
و المارد العملاق يكتسح العلا
فتظلّ تهذي خلفه الأقزام
***
شعري تبنّاك الخلود فأنت في
ربواته الأنغام و النغّام
جسّمت أنفاس الشّذا فترنّحت
فيك الطيوب كأنّها أجسام
وغمست قلبك في الحياة وصغتها
لحنا صداه و صوته الإلهام
و جلوت ألوان الطبيعة مثلما
يجلو الفتاة بفنّه الرسّام
***
شعري تناجى الحسن فيه و الهوى(55/199)
و تناغت الآمال و الآلام
و تحاضرت فيه المنى و تعانقت
في صدره القبلات و التهيام
فإذا بكى أبكى القلوب و إن شدا
رقصت ليالي الدهر و الأيّام
***
ظمآن يرتشف الجمال و كلّما
أروي أواما صاح فيه أوام
فله وراء المجد أمجاد و من
خلف المرام مطامح و مرام
سيظلّ يشدو كالجداول لا و لم
ينضب غناه و لم يجفّ الجام
***
لا ! لم ينم شعري ! و لم يصمت و لم
تصمت على أوتاره الأنغام
لم يستكن و تري و لم يسكت فمي
فلتخرس الأفواه و الأقلام
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> فجر النبوّة
فجر النبوّة
رقم القصيدة : 67483
-----------------------------------
صور الجلال وزهوة الأمجاد
سكبت نمير الوحي في إنشادي
صور من الأمس البعيد حوافل
بالذكريات روائح و غوادي
خطرت تعيد مشاهد الماضي إلى الـ
يوم الجديد إلى الغد المتهادي
حملت من الميلاد أروع آيه
غمرت متاه الكون بالإرشاد
زمر من الذكرى تروح و تغتدي
و تشقّ أبعادا إلى أبعاد
و تزفّ وحي المولد الزاهي كما
زفّ النسيم شذا الربيع الشادي
***
يا فجر ميلاد النبوّة هذه
ذكراك فجرا دائم الميلاد
و تهلّل اكون البهيج كأنّه
حفل من الأعراس و الأعياد
و أفاقت الوثنيّة الحيرى على
فجر الهدى و على الرسول الهادي
فمواكب البشرى هناك و ها هنا
تنبي الوجود بأكرم الأولاد
و المجد ينتظر الوليد كأنّه
و المجد و العليا على ميعاد
و ترعرع الطفل الرسول فهبّ في
دنيا الفساد يبيد كلّ فساد
و سرى كما تسري الكواكب ساخرا
بالشوك بالعقبات و الأنجاد
بالغدر يسعى خلفه و أمامه
بالهول بالإبراق بالإرعاد
لا ... لم يزل يمشي إلى غاياته
و طريقه لهب من الأحقاد
فدعى قريشا للهدى و سيوفها
تهفو إلى دمه من الأغماد
فمضى يشقّ طريقه و يطير في
أفق العلا و الموت بالمرصاد
و يدوس أخطار العداوة ماضيا
في السير لا واه و لا متمادي
لا يركب الأخطار إلاّ مثلها
خطر يعادي في العلا و يعادي
نادى الرسول إلى السعادة و الهنا(55/200)
فصغت إليه حواضر و بوادي
و تصاممت فئة الضلالة و اعتدت
فأتى إليها كالأتيّ العادي
واهتاجت الهيجا فأصبحت العدا
خبرا من الماضي و طيف رقاد
لا تسكب الأوغاد إلاّ وثبة
ناريّة غضبى على الأوغاد
و من القتال دناءة وحشيّة
حمقى و منه عقيدة و مباديء
***
خاض الرّسول إلى العلا هول الدجا
و لظى الهجير اللّافح الوقّاد
واقتاد قافلة الفتوح إلى الفدى
و المكرمات دليلها و الحادي
و هفا إلى شرف الجهاد و حوله
قوم تفور صبابة استشهاد
قوم إذا صرخ العراك توثّبوا
نحو الوغى في أهبة استعداد
و تماسكوا جنبا وارتموا
كالموج في الإغراء و الإزباد
و تدافعوا مثل السيول تصبّها
قمم الجبال إلى بطون الوادي
و إذا تساجلت السيوف رأيتهم
خرسا و ألسنة السيوف تنادي
هم في السلام ملائك ولدى الوغى
جنّ تطير على ظهور جياد
و هم الألى الشمّ الذين تفتّحت
لجيوشهم أبواب كلّ بلاد
الناشرون النور و التوحيد في
دنيا الضلال و عالم الإلحاد
الطائرون على السيوف إلى العلا
و الهابطون على القنا الميّاد
***
بعث الرسول من التفرّق وحدة
و من العدا القاسي أرقّ وداد
فتعاقدت قوم الحروب على الصّفا
و توحّدت في غاية و مراد
و تحرّكت فيها الأخوة مثلما
تتحرّك الأرواح في الأجساد
و محا ختام المرسلين عن الورى
صلف الطّغاة و شرعة الأنكاد
فهناك تيجان تخرّ و هاهنا
بين السكون مصارع استبداد
و هناك آلهة تئنّ و تنطوي
في خزيها و تلوذ بالعبّاد
و المرسل الأسمى يوزع جهده
في الحقّ بين هداية و جهاد
حتّى بنى للحقّ أرفع ملّة
ترعى حقوق الجمع و الأفراد
و شريعة يمضي بها جيل إلى
جيل و آزال إلى آباد
***
يا خير من شرع الحقوق و خير من
آوى اليتيم بأشفق الإسعاد
يا من أتى بالسلم و الحسنى و من
حقن الدّما في العالم الجلّاد
أهدي إليك و منك فكرة شاعر
درس الرجال فهام بالأمجاد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> حيث التقينا
حيث التقينا
رقم القصيدة : 67484(55/201)
-----------------------------------
ها هنا كان يناجينا الغرام
و يناجي المستهام المستهام
ها هنا رفّ بقلبينا الصبا
و تبنّانا التصافي و الوئام
عقد الحبّ فؤادينا كما
يعقد الهدب إلى الهدب المنام
فتلاقينا بأحضان الصّفا
و الصّبا خمر و ثغر الحبّ جام
و تجاذبنا أحاديث الهوى
و سهرنا و ليالينا نيام
و تمنّينا الأغاني و اللّقا
في شفاه الكأس لحن و مدام
و الصبابات الظوامي حولنا
تشرب اللّحن فيهتاج الأورام
ها هنا غنّى الهوى الطفل لنا
و طواه ها هنا عنّا الفطام
و انقضى صفو التلاقي و ذوت
في صبا الحبّ أمانيه الجسام
و انتهى العهد كأنّ لم يبتديء
أو تلاقى البدء فيه و الختام
وانطفا فجر أمانينا و لم
ينطف الشوق و لم يخب الضرام
بدت اللّقيا وولّت ها هنا
فعلينا و على اللّقيا السلام
ضمّنا هذا المقام المشتهي
ثمّ أقصاني و أقصاك المقام
فهنا يا أخت ناغينا الهوى
و هنا ولّى و غطّاه القتام
واختفى الأنس و ذكراه على
مسرح العمر شعاع و ظلام
و من الحبّ ابتهاج و أسى
و من الذكرى دموع ة ابتسام
كلّنا يهوى الهنا لكنّنا
كلّما رمنا الهنا غاب المرام
ها أنا حيث التقينا و على
خاطري من صور الأمس ازدحام
أسأل الذكرى عن الحبّ و هل
للهنا في شرعة الحبّ دوام
ها أنا في منزل اللّقيا و في
جوّه من عهدنا الفاني حطام
أسأل الصمت على الجدران هل
للهوى عهد لديه أو ذمام
و يكاد الصمت يروي حبّنا
قصّة لو طاوع الصمت الكلام
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أنا الغريب
أنا الغريب
رقم القصيدة : 67485
-----------------------------------
غبت في الصمت و الهموم الضّواري
والأماني و الذكريات السواري
و تغلّفت بالوجوم وواريـ
ت همومي في صمتي المتواري
و خنقت اللّحون في حلق مزما
ري و أغفى على فمي مزماري
و انطوت في فمي الأغاني و ماتت
نغمي في حناجر الأوتار
و تلاشى شعري و نام شعوري
نومة اللّيل فوق صمت القفار
و تفانى فنّي و لم يبق إلاّ(55/202)
ذكريات الصدى بشجو ادّكار
و خيال النحيب في عودي البا
كي و طيف النشيج في أسراري
***
و كأنّي تحت الدياجير قبر
جائع في جوانح الصمت عاري
و أنا وحدي الغريب و أهلي
عن يميني و إخوتي عن يساري
و أنا في دمي أسير ، و في أر
ضي شريد مقيّد الأفكار
و جريح الإبا قتيل الأماني
و غريب في أمّتي ودياري
كلّ شيء حولي عليّ غضوب
ناقم من دمي على غير ثار
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ليالي السجن
ليالي السجن
رقم القصيدة : 67486
-----------------------------------
نزلت ليالي السجن بين جوانحي
فحملت صدري للهموم ضريحا
و جثت على قلبي كأنّي صخرة
لا تفهم التنويه و التلميحا
فدفنت في خفق الجراح تألّمي
حيّا و ألحدت الأنين صحيحا
و حملت دائي في دمي وكأنّني
في كلّ جارحة حملت جريحا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عندما ضمنا اللقاء
عندما ضمنا اللقاء
رقم القصيدة : 67487
-----------------------------------
كيف أنسى منك الحوار البديعا
و اللّقا الغضّ و الجمال الرفيعا
كيف أنسى و لا نسيت و عندي
ذكريات حرّى تذيب الضلوعا
كيف أنسى و لست أنسى لقاء
ضمّ قلبا صبّا و قلبا صديعا
ووصالا كانت تفيض معاني
علينا سكينة و خشوعا
عندما ضمّنا اللّقا في ذراعيـ
ه نسينا ما في الوجود جميعا
و صبونا و عانق الحبّ حبّا
مثلما عانق الصباح الربيعا
وامتزجنا و الحبّ يضفي علينا
صبوات مرحى و جوّا وديعا
و بنان الهوى تغازل قلبيـ
نا كما غازل النسيم الشموعا
فأدرنا من الغرام حوارا
عاطفيّا يصبي الهوى و الولعا
و عتابا يكاد من رقّة الألـ
فاظ يجري على الشفاه دموعا
***
كم تساءلت عن لقانا و كم سا
ءلت عن صفوة الظلام المريعا
و ذكرت الوصال ذكرى غريب
يتشهّى أوطانه و الرّبوعا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> وحدي هنا
وحدي هنا
رقم القصيدة : 67488
-----------------------------------
وحدي هنا يا ليل وحدي
ما بين آلامي و سهدي(55/203)
وحدي و أموات المنى
و الذكريات السود عندي
كأنّ أشباح الدجا
حولي أماني مستبدّ
وي أحاسيسي و تنـ
شرها و تخفيها و تبدي
لمّيل يلهو بي كما
يهوى التجنّي و التعدّي
كأنّني في كفّه
عرض الكريم بكفّ وغد
ليل لي قلب يحنّ
إلى العلا بأحرّ وجد
ى العلا و يردّني
عجزي و إن العجز مردّي
اليأس يسلبني عن الـ
عليا و لا الآمال تجدي
و بين مآربي
أقصى النوى و أشقّ بعد
فات مجدي إنّما
في ذمّة الأيّام مجدي
غدا - و ما أدنى غدا
منّي - سأوفي المجد وعدي
لقّن التاريخ آيا
تي و يروي الخلد خلدي
نشيد منّي أمّة
تهدي إلى العليا و تهدي
على عهد العلا
فلتذكر العليا عهدي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الحبّ القتيل
الحبّ القتيل
رقم القصيدة : 67489
-----------------------------------
يا حيرتي أين حبّي أين ماضية
و أين أين صباه أو تصابيه
قتلت حبّي و لكنّي قتلت به
قلبي و مزّقت في صدري أمانيه
و كيف أحيا بلا حبّ و لي نفس
في الصدر أنشره حيّا و أطويه
قتلت حبّي و لكن ! كيف مقتله ؟
بكيت حتّى جرى في الدمع جارية
أفرغت من حدق الأجفان أكثره
دمعا و ألقيت في النسيان باقية
ما كنت أدري بأنّي سوف أقتله
أو أنّني بالبكا الدامي سأفنيه
و كم بكيت من الحبّ العميق إلى
أن ذاب دمعا فصرت اليوم أبكيه
و كم شدوت بواديه الوريف و كم
أفعمت كأس القوافي من معانيه
و كم أهاب بأوتاري و ألهمني
و كم شربت الأغاني البيض من فيه
***
و اليوم واريت حبّي و التفتّ إلى
ضريحة أسأل الذكرى و أنعيه
قد حطّم اليأس مزمار الهوى بفمي
و قيّد الصمت في صوتي أغانيه
إنّ الغرام الذي قد كنت أنشده
أغاني الروح قد أصبحت أرثيه
ويلي وويلي على الحبّ القتيل و يا
لهفي على عهده الماضي و آتيه
ما ضرّني لو حملت الحبّ ملتهبا
يميت قلبي كما يهوى و يحييه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> كيف أنسى
كيف أنسى
رقم القصيدة : 67490
-----------------------------------(55/204)
هيهات أن أنسى هواك و كلّما
حاولت أن أنسى ذكرتك مغرما
يا للشجون و كيف أنسى و الأسى
يقتات أوصالي و ينتزف الدما
يا أخت روحي و ابتسام طفولتي
و بكا شبابي - آه . ما ألقى و ما
خلّفتني وحدي ألوك حشاشتي
أسفا و أفنى حرقة و تضرّما
وحدي مع الأمل الذبيح تطوف بي
ذكر متيّمة يشقن متيّما
و اليوم إنّي حول قبرك صامت
أقتات من جوعي و أستسقي الظما
و أقبّل القبر الحبيب و منيتي
لو أنّ لي في كلّ جارحة فما
و أسائل الصمت الرهيب كأنّني
جوعان محتضر يسائل معدما
***
يا من أناديها و يخنقني البكا
و يكاد صمت الدمع أن يتكلّما
فارقت في مثواك رفق أبوّتي
و فقدت عطف الأم فيك مجسّما
يا قلبي الدامي و آه و أين من
فاضت عليّ عواطفا و ترحّما
غابت و غبت و كلّما فارقتها
لاقيتها في الذكريات توهّما
مالي أناجيها و كيف و كلّما
ناجيتها ناجيت قبرا أبكما
***
وافيت قبرك و السكون يلفّه
و سكينة الأجداث تحيي المأتما
فسألت وارتجف السؤال متى اللّقا
فعصى الجواب لسانه و تلعثما
فذكرت أنّ الموت خاتمة اللّقا
فقلت آمالي و ليت و ربّما
و تألّمت روحي ووجداني إلى
أن كادت الآلام أن تتألّما
***
يا روع قلبي كيف أنسى روضة
حضنت صبا عمري فرفّ منعّما
كم دلّلتني بالحنان و لم تكن
أمّي و قد كانت أرقّ و أرحما
حتّى عميت فكاد يعميها البكا
و حنانها الباكي يشاركني العمى
***
كم صارعت عنت الخطوب و ما مضت
من ظالم إلاّ تلقّت أظلما
و مشت على شوك الحياة و هولها
و كأنّها كانت تدوس جهنّما
فرمت إلى حضن الممات كيانها
و تبدّلت بالكدّ عيشا أنعما
و تبرّمت بحياتها الضنكى و من
برمت به متع الحياة تبرّما
و حييت بعد مماتها ميت الهنا
حيّا أموت تأوّها و تألّما
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أين منّي
أين منّي
رقم القصيدة : 67491
-----------------------------------
أين منّي حنانها أين منّي
ملتقاها لم يبق إلاّ التمنّي
و شجون تهفو بقلبي إليها(55/205)
و ظنون تقصي مرادي و تدني
هي أدنى إليّ من سر قلبي
و هي في القرب أبعد الناس عنّي
و هي في خاطري و أشكو نواها
و أقاسي ظلم الهوى و التجنّي
فاسمعي يا حبيبة الروح نجوى
خاطري وارقصي على شجو لحني
إنّني يا حبيبتي شاعر الـ
حب و للحبّ أغنياتي و فنّي
يجرح الحبّ أغنياتي فيصبيـ
ها و يبكيني الهوى فأغنّي
حين يضنيني الغرام أغنيـ
ه و أسمى الغرام ما كان مضنى
ساجليني يا ربّة الحسن أشوا
قي و عاني معي الغرام المعنّي
إنّني يا إلهة الحسن أهوا
ك و إن الهوى من الحسن يغنّي
إنّني ظاميء إليك و كم أظمأ
و أظما و فيك خمري و دني
في معانيك سكرة الحبّ و الفن
و فيها رقص الخيال المغنّي
و فتون حيّ يموج على أعـ
طاف حسنا يجلّ عن كلّ حسن
إنّها كلّ ما أريد من الدنـ
يا و ما يشتهي يقيني و ظنّي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ميلاد الربيع
ميلاد الربيع
رقم القصيدة : 67492
-----------------------------------
ولد الربيع معطّر الأنوار
غرّد الهوى و مجنّح الأشعار
و مضت مواكبه على الدنيا كما
تمضي يد الشادي على الأوتار
جذلان أحلى من محاورة المنى
و أحبّ من نجوى الخيال السّاري
و ألذّ من سحر الصبا و أرقّ من
صمت الدموع ورعشة القيثار
هبط الربيع على الحياة كأنّه
بعث يعيد طفوله الأعمار
فصبت به الأرض الوقور و غرّدت
و تراقصت فتن الجمال العاري
و كأنّه في كلّ واد مرقص
مرح اللّحون معربد المزمار
و بكلّ سفح عاشق مترنّم
و بكلّ رابية لسان قاري
و بكلّ منعطف هدير حمامة
و بكلّ حانية نشيد هزار
و بكلّ روض شاعر يذرو الغنا
فوق الرّبا و عرائس الأزهار
و كأنّ أزهار الغصون عرائس
بيض معندمة الشفاه عواري
و خرائد زهر الصبا يسفرن عن
ثغر لؤاليّ و خدّ ناري
من كلّ ساحرة الجمال تهزّها
قبل الندي و بكا الغدير الجاري
و شفاه أنفاس النسيم تدبّ في
بسماتها في الأفكار
فتن و آيات تشعّ و تنتشي
كالحور بين تبسّم و حوار
ناريّة الألوان فردوسيّة(55/206)
ذهبيّة الآصال و الأسحار
آذار يا فصل الصبابة و الصبا
و مراقص الأحلام و الأوطار
يا حانه اللّحن الفريد و ملتقى
نجوى الطروب و لوعة المحتار
أجواؤك الفضّيّة الزرقا جلت
صور الهنا و عواطف الأقدار
و محا هواك الشتا القاسي كما
يمحو المتاب صحفيّة الأوزار
في جوّك الشعري نشيد حالم
و عباقر شمّ الخيال عذاري
***
ما أنت إلاّ بسمة قدسيّة
ريّا الشفاه عميقة الأسرار
و بشائر مخصّلة و ترنّم
عبق أنيق السحر و السحار
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> هموم الشعر
هموم الشعر
رقم القصيدة : 67493
-----------------------------------
لمن الهيام ؟ لمن تذوب هياما ؟
و لمن تصوغ من البكا أنغاما
و لمن تسلسل من ضلوعك نغمة
حيرى تناجي اللّيل و الأحلاما
و نشائدا جرحى اللّحون كأنّها
من رقّة الشكوى قلوب يتامى
***
يا شاعر الآلام كم تدمى و كم
تبكي و تحتمل الهموم جساما
خفّف عليك و عش بقلبك وحده
و اسأل نهاك لم البكا و علاما ؟
واربأ بنفسك فهي أسمى غاية
من أن تذوب صبابة و غراما
كم همت بلآلام تشدو باسمها
و على الأنين تدلّل الآلاما
بلواك يابن الشعر فجر شاعر
يهدي إليك الوحي و الإلهاما
و بكاك ترنيم الخلود إذا اشتكى
غنّى الحياة ورقّص الأيّاما
في قلبك المهموم ألف خميله
تلد الهموم أزاهرا و خزامى
جلّت هموم الشعر . إنّ دموعها
فنّ يدير من الدموع مداما
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ما لي صمت عن الرثاء
ما لي صمت عن الرثاء
رقم القصيدة : 67494
-----------------------------------
يقولون لي مالي صمت عن الرثا
فقلت لهم إنّ العويل قبيح
و ما الشعر إلاّ للحياة و إنّني
شعرت ما شعرت أنوح
و كيف أنادي ميّتا حال بينه
و بيني تراب صامت و ضريح
و ما النوح إلاّ للثّكالى و لم أكن
كثكلى على صمت النعوش تصيح
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> هو ... و هي
هو ... و هي
رقم القصيدة : 67495
-----------------------------------(55/207)
لا قيتها و هي تهواني و أهواها
فما أحيلى تلاقينا و أحلاها
و ما ألذّ تدانيها و أجملها
و ما أخفّ تصابيها و أصباها
فهي الربيع المغنّي و هي بهجته
و هي الحياة و معنى الحبّ معناها
و إنّها في ابتسامات الصبا قبل
سكرى تفيض بأشهى السكر ريّاها
و فتنة من شباب الحسن رقّمها
فنّ الصّبا و حوار الحبّ غناها
لاقيتها و أغاريد الهوى بفمي
تشدو و تشدو و تستوحي محيّاها
غازلتها فتغاضت لحظة ودنت
و عنونت بابتسامات الرضا فاها
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> حيرة الساري
حيرة الساري
رقم القصيدة : 67496
-----------------------------------
طال الطريق ، و قلّ الزاد ، و همّ الركب بالرحيل ، و أين ؟ و كيف ؟ كانت اللّيلة عاقرا لم تلد فجرا ، و سياط المطر تضرب العابرين و أجنحة العفاريت تتشابك و تحوم ، و الطريق الوحل يتخبّط بالمتعبين .
و نادى الشيخ : قد أظلمت فقف ، أعتم الوادي وضلّ الدليل ! و نادى الشيخ :
صاحبي غامت حوالينا النواحي
أيّ مغدى تبتغي أيّ مراح
قف بنا حتّى يمرّ السيل من
دربنا المحفوف بالشّر الصراح
أين تمضي ؟ و القضا مرتقب
و متاح و الرجا غير متاح
و الدجا الأعمى يغطّي دربنا
برؤى الموتى و أشلاء الأضاحي
أين تمضي ؟ و إلى أين بنا
جدّت الظلما فدع حمق المزاح
أظلم الدرب حوالينا فقف
ريثما تبدو تباشير الصباح
***
و هنا نادى على الدرب فتى
صديقه بين اقتراب و انتزاح
يحمل المصباح في قبضته
و ينادي الركب من خلف الجراح
فتلفّتنا إليه فانطوى
صوته بين الروابي و البطاح
واحتوى الصمت الندا واضطربت
حول مصباح الفتى هوج الرياح
***
يا رفيقي هذه ليلتنا
عاقر سكرى بآثام السفاح
و العفاريت عليها موكب
يرتمي في موكب شاكي السلاح
و الأعاصير تدوّي في الربا
و تميت العطر في صدر الأقاح
و غصون الروض عرّاها الهوا
ورمى عن جيدها كلّ وشاح
و الرياض الجرد لهفي لم تجد
لطف أنسام و لا نجوى صداح
نام عنها الفجر و الطير فلا(55/208)
همس منقار و لا خفق جناح
***
يا رفيقي في السرى هل للسرى
آخر ؟ هل لظلام الدرب ماحي ؟
تلك كأس العمر جفّت و هوت
و هوانا في شفاه الكأس صاحي
هل وراء العمر عمر شائق ؟
هل وراء اليأس ظلّ من نجاح ؟
أيّ ركب من هنا يسري و ما
باله يسري إلى غير فلاح
و طريق السفر شوك و دم
يصرح الهول به ساحا بساح
تعب الركب و كلّ الدرب من
ضجّة السفر و ضوضاء التلاحي
" حيرة الساري " متى يغفي ؟ متى
يستريح الدرب من ركب الكفاح ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مدرسة الحياة
مدرسة الحياة
رقم القصيدة : 67497
-----------------------------------
ماذا يريد المرء ما يشفيه
يحسو روا الدنيا و لا يرويه
و يسير في نور الحياة و قلبه
ينساب بين ضلالة و التيه
و المرء لا تشقيه إلاّ نفسه
حاشى الحياة بأنّها تشقيه
ما أجهل الإنسان يضني بعضه
بعضا و يشكو كلّ ما يضنيه
و يظنّ أن عدوّه في غيره
و عدوّه يمسي و يضحي فيه
غرّ و يدمي قلبه من قلبه
و يقول : إن غرامه يدميه
غرّ و كم يسعى ليروي قلبه
بهنا الحياة و سعيه يظميه
يرمي به الحزن المرير إلى الهنا
حتّى يعود هناؤه يرزيه
و لكم يسيء المرء ما قد سرّه
قبلا و يضحكه الذي يبكيه
ما أبلغ الدنيا و أبلغ درسها
و أجلّها و أجلّ ما تلقيه
و من الحياة مدارس و ملاعب
أيّ الفنون يريد أن تحويه
بعض النفوس من الأنام بهائم
لبست جلود الناس للتمويه
كم آدمي لا يعدّ من الورى
إلاّ بشكل الجسم و التشبيه
يصبو فيحتسب الحياة صبيّة
و شعوره الطفل الذي يصبيه
***
قم يا صريع الوهم واسأل بالنهى
ما قيمة الإنسان ما يعليه
واسمع تحدّثك الحياة فإنّها
أستاذة التأديب و التّفقيه
وانصب فمدرسة الحياة بليغة
تملي الدروس و جلّ ما تمليه
سلها و إن صمتت فصمت جلالها
أجلى من التصريح و التنويه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ليلة الذكريات
ليلة الذكريات
رقم القصيدة : 67498
-----------------------------------(55/209)
دعيني أنم لحظة يا هموم
فقد أوشك الفجر أن يطلعا
و كاد الصباح يشقّ الدجا
و لم يأذن القلب أن أهجعا
دعيني أنم غفوة
عسى أجد الحلم الممتعا
دعيني أطلّ عليّ الصباح
و ما زلت في أرقي موجعا
و ما زال يتعبني مضجعي
و يضني تقلّبي المضجعا
لك الله يا ليلة الذكريات
و لي ، ما أمرّ و ما أفزعا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سكرة الحب
سكرة الحب
رقم القصيدة : 67499
-----------------------------------
كم أغنّيك آه كم
أسفح الروح في النغم
و أناجيك و الدجا
بيننا تائه أصم
و الوجود الكبير في
سكرة الصمت و الظلم
و أنادي كأنّني
معدم يسأل العدم
***
و أناجي يا ربّة الحسن و الأشـ
واق حولي مدلّهات صوادي
و خيالي يسمو بأجنحة الحبّ
بعيدا إلى وراء البعاد
و معانيك نغمة ردّدتها
نغماتي على فم الآباد
و صلاة تفجّر الطهر في محـ
راب حبّي و السحر في إنشادي
و الهوى في فمي نشيد نديّ
و صلاة قدسيّة في فؤادي
و أنا في هواك أمضي بجوع الـ
حبّ و الأغنيات مائي وزادي
فاستثيري شجون حبّي وزيدي
في جنوني ، و حرقتي واتّقادي
فجنون الغرام عقل جديد
طائر في مسابح الوحي شادي
أنا أهواك للمعاني فزيديـ
ني غراما يذيب قلب الجماد
***
وافعمي مهجتي هوى
ملهبا ثائر الضرم
واشعليني صبابة
و املئي خاطري حمم
و اجهدي في تألّمي
لذّة الحبّ في الألم
عذّبيني و عذّبي
فعذاب الهوى حكم
***
أضرمي لوعتي تفه بالأغاني
و الحوار الأنيق زاهي البيان
فأجلّ الغرام وجد بلا وصـ
ل و شوق تموت فيه الأماني
و صبيني أو فاهجريني فحسبي
منك فنّ الهوى و حلم التداني
أنا حسبي من الهوى أن يحسّ الـ
قلب فيه قلبا من الحبّ ثاني
إنّما شرعه القلب و الطبـ
ع فزيدي صبابتي و افتتاني
و انتفاض الغرام في الروح معنى الر
وح معني الحياة في الإنسان
ما أمرّ الهوى و أحلى معانيـ
ه و أسمى صبابة الفنان
أنا لولاك ما انتزفت شبابي
نغما خالدا خلود المعاني
لا و لا ذبت في فم الحبّ شدوا(55/210)
قدسيّ الصدى نديّ الحنان
***
و نشيدا متيّما
مغرم الصوت و الصدى
يحتسبه الهوى كما
تحتسي الزهرة الندى
كلّما استنطق الجوى
صمت أوتاره شدا
و تندى عواطفا
عاشقات و غرّدا
***
و تغنّى كأنّه الفجر يبثّ
الصباح شكوى اللّيالي
فاسمعي لوعتي بأنفاس أوتا
ري فإنّي سكبت فيها انفعالي
و احتسي من كئوس حبّي لحونا
وارقصي رقصة الصبا و الدلال
و اسكريني يا هالة الحبّ بالحـ
ب و بالسحر من كئوس الجمال
سكرة القلب بالهوى سكره الأز
هار بالعطر و النّدى و الظلال
سكرة الحبّ سكرة الفجر بالأنـ
وار سكر القلوب بالآمال
أنا من عشت في هواك أغنيّـ
ك و أروي الغرام للأجيال
و معاني هواك في ثغر لحني
بسمات بيض كأزهى اللآلي
كالشّذا في فم الربيع المندّى
كالمنى في خواطر الأطفال
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لا تسل عنّي
لا تسل عنّي
رقم القصيدة : 67500
-----------------------------------
لا تسل عنّي و لا عن ألمي
فلقد جلّ الأسى عن كلمي
و تعايا صوتي المجروح في
عنفوان الألم المضطرم
ضقت بالصمت وضاق الصمت بي
بعد ما ضاقت عروقي بدمي
فدع التسآل عمّا بي فقد
ألجمت هيمنة الصمت فمي
و تهاديت كأنّي أمل
يرتمي فوق بساط العدم
و دمي يصرخ في جسمي كما
تصرخ الثكلى ببيت المأتم
و أراني آه مهزوم المنى
و أنا أحنو على المنهزم
أرحم المحروم إحساسا و لم
تدر كفّي كيف شكل الدرهم
و أنا أحنو على العاني و بي
حسرة العاني وجوع المعدم
و أنا في عزلتي السودا و في
قلبي الدامي قلوب الأمم
و تآويه الحيارى تلتقي
في أحاسيسي و في روحي الظمي
آه كم وقّعت آلامي على
عودي الباكي جريح النغم
و عبرت العمر مخنوق الإبا
مطلق الحسّ حبيس القدم
قلق اليقظة مذعور الكرى
ذاهل الفكر شريد الحلم
حائر الخطو كأنّي مذنب
ميّت الغفران حيّ الندم
و كأنّي قصّة مبهمة
في حنايا كبرياء الظلم
و ضجيج صامت تكنفه
لجة الآلام و اللّيل العمي
و على صدري توابيت الشقا
كالعفاريت الحيارى ترتمي(55/211)
كلّما ساءلت نفسي من أنا
صمتت عنّي صموت الصنم
لا تسل عنّي فآلام الورى
بضلوعي كاللّهيب النهم
و غنا شعري بكا عاطفتي
و تباكي جرحى المبتسم
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> تائه
تائه
رقم القصيدة : 67501
-----------------------------------
كان عملاقا شاخ في فجر ميلاده ، و كاد أن يحتضر في ربيع العمر ، فتراه على بقيّة الأنفاس ، يتراءى كالظّل الحزين على صفحة الماء الراكد ، نصف عمره حلم آت ، و نصف ذكريات ، يدور في محوره كطيف الأمس في أهداب الذكريات ، فهو متاهة الظنون حلم تقلبه أجفان الظلم تائه
خلف ما لا يكون
تائه كالرّجا
في زوايا السجون
كخيال اللّقا
حول وهم الجفون
كرياح الضحا
في صخور الحزون
كانين الشّتا
فوق صمت الغصون
كطيوف المسا
في متاه العيون
وحدة يرتمي
خلف طيف الفتون
بين خفق الرؤى
و ضجيج السكون
آه يا قلبه
حرّقتك الشجون
جفّ خمر الهوى
في كئوس اللّحون
ظاميء يرتوي
بسراب الظنون
ماله هان أو
ماله لا يهون
كفّنت صوته
و صداه السنون
و اختفى ظلّه
في غبار القرون
كوعود المنى
في الزمان الخؤون .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> يا شباب الفدى في الجنوب
يا شباب الفدى في الجنوب
رقم القصيدة : 67502
-----------------------------------
أفق وانطلق كالشعاع النديّ
و فجّر من اللّيل فجر الغد
وثب يابن أمّي وثوب القضا
على كلّ طاغ و مستعبد
و حطّم ألوهيّة الظالمـ
ين و سيطرة الغاصب المفسد
و قل للمضلّين باسم الهدى
تواروا فقد آن أن نهتدي
و هيهات يبقى الشباب
جريح الإبا أو حبيس اليد
سيحيا الشباب و يحيى الحمى
و يفني عداة الغد الأسعد
و يبني بكفّيه عهدا جديدا
سنّيا و مستقبلا عسجدي
و عصرا من النور عدل اللّوا
طهور المنى أنف المقصد
***
فسر يابن أمّي إلى غاية
سماويّة العهد و المعهد
إلى غدك المشتهى حيث لا
تروح الطغاة و لا تغتدي
فشقّ الدجا يا أخي واندفع
إلى ملتقى النور و السؤدد(55/212)
و غامر و لا تحذرنّ الممات
فغري بك الحذر المعتدي
ولاق الردى ساخرا بالردى
ومت في العلا موت مستشهد
فمن لم يمت في الجهاد النبيل
يمت راغم الأنف في المرقد
و إن الفنا في سبيل العلا
خلود . شباب البقا . سرمدي
و ما الحرّ إلا المضحي الذي
إذا آن يوم الفدى يفتدي
وحسب الفتى شرفا أنّه
يعادي على المجد أو يعتدي
أخي يا شباب الفدى طال ما
خضعنا لكيد الشقا الأسود
و مرّت علينا سياط العذاب
مرور الذباب على الجلمد
فلن نخضع اليوم للغاصبين
و لم نستكن للعنا الأنكد
سنمشي سنمشي برغم القيود
ورغم وعود الخداع الردي
فقد آن للجور أن يبتهي
وقد آن للعدل أن يبتدي
وعدنا الجنوب بيوم الجلاء
و يوم الفدى غاية الموعد
سنمشي على جثث الغاصبين
إلى غدنا الخالد الأمجد
و ننصبّ كالموت من مشهد
و ننقضّ كالأسد من مشهد
و نرمي بقافلة الغاصبين
إلى العالم الآخر الأبعد
فتمسي غبارا كأنّ لم تعش
بأرض الجنوب و لم توجد
أخي يا شباب الفدى في الجنوب
أفق وانطلق كالشعاع الندي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الربيع و الشعر
الربيع و الشعر
رقم القصيدة : 67503
-----------------------------------
وافاك مجتمع البلاد فرنّما
وصبا إليك مسبّحا و متيّما
و تدافعت ( صنعا ) إليك كأنّها
حسناء مغرمة تغازل مغرما
وهفت إليك كأنّها مسحورة
ملتاعة الأعصاب ملهبة الدما
ورأت ولي العهد فازدانت به
فكأنّها قبس يسيل تضرّما
و ترقّصت ربواتها الفرحى كما
رقصت على الأفلاك أقمار السما
لقيت وليّ العهد دنياها كما
لقي العطاش الجدول المترنّما
وصبت نواحيها وجنّ جنونها
فرحا و كاد الصمت أن يتكلّما
و تجاذبتك هضابها و سهولها
شغفا كما جذب الفقير الدرهما
نظرت بنور البدر فجر حياتها
ورأت به الأمل الحبيب مجسّما
بدر مطالعه القلوب و نوره
يوحي إلى الأوطان أن تتقدّما
فكأنّه فجر يفيض أشعة
جذلا و فردوس يفيض تبسّما
و كأنّه وهج إلاهيّ السنا
و منابر تمحو دياجير العمى !(55/213)
و كأنّه بفم الربيع نشيده
خضراء نقّشها الصباح و نمنما
وروى فم التاريخ سحر جمالها
فكرا مجنّحة ووحيا محكما
و كأنّه قلب يذوب تأوّها
للبائسين و يستفيض ترحّما
فإذا رأى متألّما شاهدته
متوجّعا ممّا به متألّما
حتّى تراه لكلّ عين ماسحا
عبراتها و لكلّ جرح بلسما
و أحقّ أبناء البسيطة بالعلا
من شارك العاني و آسى المعدما
و أذلّ أهل الأرض قلبا من رأى
عبث الظلوم و ذلّ عنه و أحجما
و إذا تسامى طأطأ رأسه
متهيّبا و كفاه أن يتظلّما
أمحمد من أنت ؟ أنت عدالة
و صبابة حرّى باحشاء الحمى
و عواطف تندى و إنسانية
عصما توشّجت السمو الأعصما
ولدتك آفاق المعالي و العلا
شعلا كما تلد السماء الأنجما
غنّاك شعري و الربيع و صفوة
أهدي إليك زهوره و العندما
حيّاك ميلاد الربيع بطيّه
و شدتك أشعاري نشيدا ملهما
فاسلم تقبّلك القلوب و ترتوي
من فيض بهجتك الأماني و الظّما .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> فجران
فجران
رقم القصيدة : 67504
-----------------------------------
من ساحة الأصنام و الأوثان
من مسرح الطاغوت و الطّغيان
من غابة الوحشية الرعنا و من
دنيا القتال و موطن الأضغان
من عالم الشر المسلّح حيث لا
حكم لغير مهنّد و سنان
بزغت تباشير السعادة و الهدى
بيضا كطهر الحبّ في الوجدان
و أهلّ من أفق الغيوب على الدنى
فجران فجر هدى و فجر حنان
يا فرحة العليا أهلّ محمد
و عليه سيما المجد كالعنوان
و أطلّ من مهد البراءة . و السما
و الأرض في كفّيه تعتنقان
***
ماذا ترى الصحرا ؟ أنوارا سائلا
أم أنّه حلم على الأجفان
فتحت نواظرها فضجّ سكونها
مالي أرى ما لا ترى عينان
و تلفّتت ربوات مكّة في السنا
حيرى تكابد صمتها و تعاني
و تكاد لولا الصّمت تسأل جوّها
ماذا ترى و متى التقى فجران ؟
و تيقّظ الغافي يرى مالا ترى
في الوهم روح الملهم الفنّان
نزل البسيطة بالسلام محمد
كالنصر عند مخافة الخذلان
يا صرعة الطاغوت أشرق بالهدى(55/214)
رجل الهداية و الرسول الباني
فإذا الجزيرة فرحة و صبابة
و الجو عرس و الحياة أغاني
و إذا العداوة وحدة و أخوّة
و البغض حبّ و النفور تداني
هتفت شفاه البعث فانتفض الثرى
و تدافع الموتى من الأكفان
زخرت و ضجّت بالحياة قبورها
واهتاجت الأرواح في الأبدان
و تلاقت الدنيا يهنّيء بعضها
بعضا فكل الكائنات تهاني
***
ولد الرسول من الرسول و من رأى
طفلا له عليا الخلود مغاني
يسعى إلى العليا و تسعى نحوه
فكأنّ بينهما هوى و أماني
من ذلك الطفل الذي عصم الدما
و حمى الضعيف من القويّ الجاني
و تناجت الأكباد حوله جلاله
بالحبّ الحور و الولدان
***
من ذلك الطفل الفقير يشعّ من
عينيه تاريخ و سفر معاني
ما شأن هذا الطفل ما آماله ؟
فوق المنى و الشأن و السلطان
هذا اليتيم و سوف يغدو وحده
رجل الخلود وواحد الأزمان
و تحقّق الأمل الجميل و أينعت
روح النبوّة في أجلّ كيان
حمل الرسالة وحده و مضى على
حدّ السيوف و ألسن النيران
عبر المهالك و السلام سلاحة
يدعو إلى الحسنى ، إلى الإحسان
و إلى الأمانه و البراءة و التقى
و محبّة الإنسان للإنسان
و إلى التآخي و التصافي و الوفا
و البرّ و العيش الظليل الهاني
فتجاوبت حوليه أحقاد العدا
و تفجّرت في الدرب كالبركان
فمشى على نار الحقود كأنّه
يمشي على الأزهار و الغدران
و عدا الحقيقة حوله تجتاحهم
همجيّة دمويّة الألوان
و غواية تصبي الغويّ كأنّها
شيطانه توحي إلى شيطان
و محمد يلقي الأشعة ها هنا
و هنا و يفتح الوسنان
فطغت أعاديه عليه فردّهم
بالآيتين : الصبر و الإيمان
واقتاد معركة الفدى متفانيا
إن الجهاد عقيدة و تفاني
و الحقّ لا تحميه إلاّ قوّة
غضبى كألسنة اللّهيب القاني
و الأرض أم الناس ميدان الوغى
و العاجزون فريسة الميدان
و المجد حظّ مدرّب و مسلّح
و الموت حظّ الأعزل المتواني
رفع الرسول لوا النبوّة بالهدى
و حمى الهدى بالرمح و الفرسان
و غزا البلاد سهولها ووعورها
بالقوّتين : السيف و القرآن(55/215)
و تراه إن لمست يداه بقعة
نشأت على الإصلاح منه يدان
و إذا أتت قدماه أرضا أطلعت
خطواته فجرا بكل مكان
إن الزعامة قوّة و عداله
و شجاعة سمحا و قلب حالي
***
يا خير من حمل الرسالة و التقى
في عزم روح في أرقّ جنان
ذكراك آيات الزمان كأنّها
أنشودة العليا بكل زمان
***
أمحمّد خذ بنت فنّي إنّها
أخت الزهور بريئة الألحان
و عليك ألف تحيّة من شاعر
في كلّ عضو منه قلب عاني
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> إلى قارئي
إلى قارئي
رقم القصيدة : 67505
-----------------------------------
من القبر من حشرجات التراب
على الجمر من مهرجان الذباب
و من حيث كان يدقّ القطيع
طبول الصلاة أمام الذئاب
و يهوي كما يرتمي في الصخور
قتيل على كتفيه ... مصاب
و من حيث كانت كؤوس الجراح
تزغرد بين شفاه الحراب
و من حيث يحسو حنين الربى
غبار المنى و نجيع السراب
و من حيث يتلو السؤال السؤال
و يبتلع الذعر وهم الجواب
عزفت اصفرار الرماد العجوز
ليحمرّ فيه طفور الشباب
و حرّقت أنفاسي المطفئات
و أطفأتها بالحريق المذاب
***
أتشتمّ يا قارئي في غناي
دخان المغنّي و شهق الرباب ؟
و تسمع فيه أنين الضياع
تبعثره عاصفات الضباب
فإنّ حروفي اختلاج السهول
و شوق السواقي ، و خفق الهضاب
و شوق الرحيق بصدر الكروم
إلى الكأس و الثلج في كلّ باب
و خوف المودّع غيب النوى
و سهد المنى في انتظار الإياب
أنا من غزلت انتحار الحياة
هنا شفقا من زفير العذاب
و لحّنته سحرا يحتسي
رؤى الفجر بين ذراعي كتاب
و تنبض فيه عروق السكون
و يمتدّ في ثلجة الالتهاب
و يتّقد الشوق في مقلتيه
و يظمأ في شفتيه العتاب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> في طريق الفجر
في طريق الفجر
رقم القصيدة : 67506
-----------------------------------
أسفر الفجر فانهضي يا صديقه
نقتطف سحره و نحضن بريقه
كم حنّنا إليه و هو شجون
في حنايا الظلام حيرى غريقه
و تباشيره خيالات كأس(55/216)
في شفاه الرؤى ، و نجوى عميقه
و ظمئنا إليه و هو حنين
ظاميء يرعش الخفوق شهيقه
واشتياق يقتات أنفاسه الحمر
و يحسو جراحه ... و حريقه
وذهول كأنّه فيلسوف
غاب في صمته يناجي الحقيقة
و طيوف كأنّها ذكريات
تتهادى من العهود السحيقه
واحتضنّا أطيافه في مآقينا
كما يحضن العشيق العشيقه
و هو حبّ يجول في خاطرينا
جولة الفكر في المعاني الدقيقة
و التقينا نريق دمع المآقي
فأبت كبرياؤنا أن نريقه
واحترقنا شوقا إليه و ذبنا
في كؤوس الهوى لحونا رقيقة
وانتظرناه و الدجى يرعش الحلم
على هجعة القبور العتيقة
و السري وحشة و قافلة السّـ
فر يخاف الرفيق فيها رفيقه
و ظلام لا ينظر المرء كفّيـ
ه و لا يسعد الشقيق شقيقة
هكذا كان ليلنا فتهادى
فجرنا الطلق فلحياة طليقه
***
فانظري " يا صديقتي " رقصة الفجر
على خضرة الحقول الوريقة
مهرجان الشروق يشدو و يندى
قبلات على شفاه الحديقة
فانهضي نلثم الشروق المغنّي
و نقبّل كؤوسه ورحيقه
و اخطري يا صديقتي في طريق الـ
فجر كالفجر ، كالعروس الأنيقه
واذكري أنّنا نعشنا صباه
وحدنا ؛ على خطاه الرشيقه
و سكبنا في مهده دفء قلبيـ
نا و أحلامنا العذارى المشوّقه
نحن صغنا أضواءه من هوانا
و فرشنا بالأغنيات طريقه
و شدونا في دربه كالعصافـ
ير ... و شدو الغرام فيض السليقه
لن نطيق السكوت فالصمت للمسيـ
ت و تأبى حياتنا أن نطيقه
***
نحن من نحن ؟ نحن تاريخ فكر
و بلاد في المكرّمات عريقه
سبقت وهمّها إلى كلّ مجد
و انتهت منه قبل بدء الخليقه
فابتسمي : عاد فجرنا و هو يتلو
للعصافير من دمانا وثيقه .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> صراع الأشباح
صراع الأشباح
رقم القصيدة : 67507
-----------------------------------
وحدي و مقبرة جواري
و الوهم و الأشباح داري
و الأفق بشرق بالدجى
و يلوك حشرجة الدراري
و الريح تزحف كالجنائز
في حشود من غبار
و النجم محمرّ الشعا
ع كأنّه أحلام ثار
و كأنّ عينيه تشهّي جاره
و حنين جار(55/217)
و أنا أتيه ... كنجمة
حيرى ، تفتّش عن مدار
و كأنّني طيف " الفرزدق "
يجتدي ذكرى " نوار "
و أرود منزل غادة
كالصيف عاطرة المزار
و كأنّني أمشي على حرقي ؛
و أشلاء اصطباري
و دنوت منها فانتشت
شفتاي ؛ واخضرّ افتراري
ورنت إليّ فتمتمت
ودنت ؛ و غابت : في التّواري
و أردت عذرا فانطوى
في خاطري الخجل اعتذاري
وهمست : أين فمي ؟ و ناري في دمي تقتات ناري
ورجعت أحمل في الحشا
حرقا ... كحيّات القفار
و أحاور الحسناء في صمتي
فيدنيها حواري
فأظنّها حولي رحيقا
في كؤوس من نضار
تبدو و تخفى كالطيوف ؛ و تستقرّ بلا قرار
و تكاد تقلع ثوبها
حينا و ترمي بالخمار
و أكاد أحضن ظلّلها
جسدا من الرّغبات عاري
و طفقت أزرع من رما
ل الوهم كرما في الصحاري
فدوت حيالي ضجّة
غضبى كدمدمة انفجار
و سعت إليّ غابة
تومي بأشداق الضواري
و عصابة برّاقة الألوان ، دامية الشّفار
تمشي فيحترق الحصا
و الريح تقذف بالشرار
و أحاطها ومض البروق ؛ فسجّلت أخزى اندحار
***
و اللّيل يبتلع السّنى
و الخوف يرتجل الطواري
فتصارع الأشباح أشباحا
على شرّ انتصار
و هنا استجرت بساحر
بادي التقى نتن الإزار
يهذي و يقتاد النزيل
إلى لصيقات العثار
و يبيع ساعات الفجور
لكلّ بائعة و شاري
لصّ يتاجر بالخنا
و يزينه كذب الوقار
و يكاد ينفر بعضه
من بعضه أشقى نفار
و يثور إن ناوأته
في الإثم كالنمر المثار
و بلا انتظار كشّرت
في وجهه ( ذات السوار )
فاهتاج و ابتدر العصا
ودوت كعاصفة الدمار
فانقضّ كالثور الذّبيح ؛ يخور ، يخنق بالخوار
و رمت به للموت يكنسه إلى دار البوار
و تهافت الجيران فاتّقد الشّجار على الشجار
فشردت عنه كطائر
ظمآن طار من الإسار
و الريح تبصقي و تروي للشّياطين احتقاري
***
و كأنّ أنهار تناديني
و تنصب في المجاري
مأعبّ من عفن الرؤى
و حلا ووهما من عقار
و أفرّ من نفسي إلى نفسي
و أهرب من فراري
أهوى على ظلّي كما
يهوى الجدار على الجدار
و أسائل الأحلام عن
دنيا ترقّ على انكساري(55/218)
***
لا تسكتي : لم أنتحر
إنّي أقلّ من انتحاري
أنا من بحثت عن الردى
في كلّ رابية و غار
و نسيت مأتم زوجتي
و أبي وحشرجة احتضاري
***
هل خلف آفاق المنى
دنيا أجلّ من انتظاري ؟ !
خضراء طاهرة الجنى
و الرّي ، دانيه الثمار
و مواسم تندى و تولم للغراب ، و للهزار .
للقبّرات و للصقور ؛ و للعصافير الصغار
إنّي كبرت عن الهوى
و الزيف و الحبّ التجاري
و بصقت دنيا جيفه
تؤذي و تغري بالشّعار
و تصوغ من قذر الخطا
يا السود رايات الفخار
و مللت تيها ميّت الألوان ؛ مكروه الإطار
و سئمت أشباحا أدا
ريها ، و أشتمّ من أداري
و لعنت وجهي المستعا
ر و كلّ وجه مستعار
و هفت إليّ نسيمة
جذلى كآمال العذاري
كتبسمّ الأفراح في
مقل الصبيّات الغرار
***
و تثاءب الفجر الجريح كمن يفيق من الخمار
وانشقّ أفق الغيب عن
عهد المروءات الكبار
و كأنّ دنيا أشرقت
كالحور من خلف السّتار
تلقي المحبّة عن يميني و البراءة عن يساري
و سرت حكايات المدينة كالخيالات السواري
ووجدتني أنهار وحدي و استفقت على انهياري
و نهضت و الدنيا كما
كانت تفاخر بالصغار
و تهاوت الدنيا
خلق افتناني و ابتكاري
فوددت لو ألقى كذاب اللّيل ؛ صدقا في النهار .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عتاب ووعيد
عتاب ووعيد
رقم القصيدة : 67508
-----------------------------------
لماذا لي الجوع و القصف لك ؟
يناشدني الجوع أن أسألك
و أغرس حقلي فتجنيه أنـ
ت ؛ و تسكر من عرقي منجلك
لماذا ؟ و في قبضتيك الكنوز ؛
تمدّ إلى لقمتي أنملك
و تقتات جوعي و تدعى النزيه ؛
و هل أصبح اللّصّ يوما ملك ؟
لماذا تسود على شقوتي ؟
أجب عن سؤالي و إن أخجلك
و لو لم تجب فسكوت الجوا
ب ضجيج ... يردّد ما أنذلك !
لماذا تدوس حشاي الجريح ؛
و فيه الحنان الذي دلّلك
و دمعي ؛ و دمعي سقاك الرحيق
أتذكر " يا نذل " كم أثملك !
فما كان أجهلني بالمصير
و أنت لك الويل ما أجهلك !
غدا سوف تعرفني من أنا
و يسلبك النبل من نبّلك(55/219)
***
ففي أضلعي . في دمي غضّبة
إذا عصفت أطفأت مشعلك
غدا سوف تلعنك الذكريات
و يلعن ماضيك مستقبلك
و يرتدّ آخرك المستكين
بآثامه يزدري أوّلك
و يستفسر الإثم : أين الأثيم ؟
و كيف انتهى ؟ أيّ درب سلك ؟
***
غدا لا تقل تبت : لا تعتذر
تحسّر هنا مأملك
و لا : لا تقل : أين منّي غد ؟
فلا لم تسمّر يداك الفلك
غدا لن أصفّق لركب الظلام
سأهتف : يا فجر : ما أجملك !
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الجناح المحطم
الجناح المحطم
رقم القصيدة : 67509
-----------------------------------
خطرة وانبى النذير وصاحا
الحريق الحريسق يطوي الجناحا
و تعالى صوت النذير و ألوى
آمل العمر وجهه و أشاحا
و دنا من هنا الحريق و أومى
بارق الموت من هناك و لاحا
ورنا السفر حوله ليس يدري
هل يرى الجدّ أم يحسّ المزاحا ؟
تارة يرقب الخلاص و أخرى
يرقب اليأس و الهلاك المتاحا
و تعايا حينا يقلّب كفّيـ
ه و حينا يشدّ بالرّاح راحا
و إذا النار تحتوي مارد الجوّ
ويجتاحه الحريق اجتياحا
خطوة في الرحيل و اختصر الموت
مسافاته الطوال الفساحا
و أطاح الجناح بالركب في الجوّ
و أودي الجناح فيه و طاحا
من رآه في الهوّة الحيرى ؛
و يستجدّ الربى و البطاحا
من رآه على الصخور رفاتا
و شظايا تعطي الرّماد الريّاحا
من رأى الصقر حين مدّ إلى النا
ر جناحا و للفرار جناحا
و هوى الطائر الكسير ودوّى
موكب الرعب ملأه و تلاحى
وارتمى يطرح الجناح المدمّى
مثلما يطرح القتيل السلاحا
***
وانطوى الركب في السكون و أطفت
هجعة الرمل عزمه و الطّماحا
و انتهى عمره و هل كان إلاّ
في مدى النفس غدوة أو رواحا
خلع العمر فاطمأنّ و أغفى
واستراحت جراحة و استراحا
مات ، و الشعب بين جنبيه قلب
خافق يطعم الحنين الجراحا
و يضمّ البلاد خلف الحنايا
أمنيات و ذكريات ملاحا
لم يكد شعبه يذوق هناء
منه حتّى بكى و أبكى و ناحا
***
أيّها الركب ! يا شهيد المعالي !
هل رأيت الحياة شرّا صراحا !(55/220)
أم فقدت النجاح في العمر حتّى
رحت تبغي عند الممات النجاحا
عندما قبّل الثرى منك جرحا
أوراق الترب من دماه و فاحا
هكذا المجد تضحيات ؛ و غبن
عمر من لم يخض إلى المجد ساحا
إنّما الموت و الحياة كفاح
يكسب النصر من أجاد الكفاحا
لا استراح الجبان لا نام جفناه
و لا أدركت خطاه الفلاحا
إنّما الموت مرّة و الدم المهدور
يبقى على الزمان وشاحا
كم جبان خاف الردى فأتاه
و تخطّى ستاره واستباحا
و نفوس شحّت على الموت لكن
أيّ موت صان النفوس الشحاحا ؟
كم مليك يأوي إلى القصر ليلا
ثمّ يأوي إلى التراب صباحا
***
شرعه المجد أن تصارع في المجـ
د ؛ و تستلّ للصفاح صفاحا
أيّها الركب ! نم هنيئا ودعنا
نعتسف بعدك الخطوب الجماحا
ووداعا يا فتية اليمن الخضـ
را وداعا بحرقة الصدر باحا .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لا تسألي
لا تسألي
رقم القصيدة : 67510
-----------------------------------
لا تسألي يا أخت أين مجالي ؟
أنا في التراب و في السماء خيالي
لا تسأليني أين أغلالي سلي
صمتي و إطراقي عن الأغلال ؟
أشواق روحي في السماء و إنّما
قدماي في الأصفاد و الأوحال
و توهمي في كلّ أفق سلبح
و أنا هنا في الصمت كالتمثال
أشكو جراحاتي إلى ظلّي كما
يشكو الحزين إلى الخلّي السّالي
***
و اللّيل من حولي يضجّ و ينطوي
في صمته كالظالم المتعالي
يسري و في طفراته ووقاره
كسل الشيوخ و خفّة الأطفال
و تخاله ينساق و هو مقيّد
فتحسّه في الدرب كالزلزال
و أنا هنا أصغي و أسمع من هنا
خفقات أشباح من الأهوال
ورؤى كألسنة الأفاعي حوّما
ومخاوفا كعداوة الأنذال
و أحسّ قدّامي ضجيج مراقد
و تثائب الآباد و الآزال
و تنهّدا قاقا كأنّ وراءه
صخب الحياة و ضجّة الأجيال
و الطيف يصغي للفراغ كأنّه
لصّ يصيخ إلى المكان الخالي
و كأنّه " الأعشى " يناجي " ميّة "
و يلملم الذكرى من الأطلال
و الشهب أغنية يرقرقها الدجى
في أفقه كالجدول السلسال
و الوهم يحدو الذكريات كمدلج(55/221)
يحدو القوافل في بساط رمال
و الرعب يهوي مثلما تهوي على
ساح القتال جماجم الأبطال
***
و هنا ترقبت انهياري مثلما
يترقّب الهدم الجدار البالي
و سألت جرحي هل ينام ضجيجه ؟
و أمرّ من ردّ الجواب سؤالي !
و أشدّ مما خفت منه تخوّفي
و أشقّ من وعر الطريق كلالي !
و أخسّ من ضعفي غروري بالمنى
و اليأس يضحك كالعجوز حيالي !
و أمضّ من يأسي شعوري أنّني
حيّ الشهيّة ؛ ميّت الآمال
أسري كقافلة الظنون و أجتدي
شبح الظلام و أهتدي بضلالي
و أسير في الدرب الملفّح بالدجى
و كأنّني أجتاز ساح قتال
و أتيه و الحمّى تولول في دمي
و ترتّل الرعشات في أوصالي
***
لا تسأليني عن مجالي : في الثرى
جسدي وروحي في الفضاء العالي
و سألتها : ما الأرض ؟ قالت إنّها
فلوات أوحاش وروض صلال
إن كنت محتالا قطفت ثمارها
أولا : فانّك فرصة المحتال
و أنا هنا أشقى و أجهل شقوتي
و أبيع في سوق الفجور جمالي
***
و العمر مشكلة و نحن نزيدها
بالحلّ إشكالا إلى إشكال
لا حرّ في الدنيا فذو السلطان في
دنياه عبد المجد و الأشغال
و الكادح المحروم عبد حنينه
فيها : وربّ المال عبد المال
و الفارغ المكسال عبد فراغه
و السفر عبد الحلّ و الترحال
و اللّصّ عبد اللّيل و الدجّال في
دنياه عبد نفاقه الدجّال
لا حرّ في الدنيا و لا حريّة
إنّ التحرّر خدعة الأقوال
الناس في الدنيا عبيد حياتهم
أبدا عبيد الموت و الآجال
***
و سألتها ما الموت ؟ قالت : إنّه
شطّ الخضمّ الهائج الصوّال
و سكونه الحاني مصير مصائر
و هدوؤه دعة و عمق جلال
مالي أحاذره و أخشى قوله
و أنا أجرّ وراءه أذيالي ؟ !
أنساق في عمري إليه مثلما
تنساق أيّامي إلى الآصال
***
و سألتها : فرنت و قالت : لا تسل ،
دعني عن المفصول و المفضال !
أسكت ! فليس الموت سوقا عنده
عمر بلا ثمن ، و عمر غالي !!
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عذاب و لحن
عذاب و لحن
رقم القصيدة : 67511
-----------------------------------(55/222)
لمن أرعش الوتر المجهدا
و أشدو و ليس لشدوي مدى ؟
و أنهي الغناء الجميل البديع
لكي أبدا الأحسن الأجودا
و أستنشد الصمت وحدي هنا
و أخيلتي تعبّر السرمدا
فأسترجع الأمس من قبره
و أهوى غدا قبل أن يولدا
و أستنبت الرمل بالأمنيات ؛
زهورا ، و أستنطق الجلمدا
و حينا أنادي و ما من مجيب
و حينا أجيب و ما من ندا
و أبكي و لكن بكاء الطيور
فيدعوني الشاعر المنشدا
***
لمن أعزف الدمع لحنا رقيقا
كسحر الصبا كابتسام الهدى ؟
لعينيك نغّمت قيثارتي
و أنطقتها النغم الأخلدا
أغنّيك وحدي و ظلّ القنوط ؛
أمامي و خلفي كطيف الردى
و أشدو بذكراك لم تسألي
لمن ذلك الشدو أو من شدا ؟
كأن نكن نلتقي و الهوى
يدلّل تاريخنا الأمردا
و حبّي يغنّيك أصبى اللّحون ؛
فيحمرّ في وجنتيك الصدى
و نمشي كطفلين لم نكترث
بما أصلح الدهر الدهر أو أفسدا
و نزهو كأنا ملكنا الوجود ؛
و كان لنا قبل أن يوجدا
و ملعبنا جدول من عبير
إذا مسّه خطونا ... غرّدا
و أفراحنا كشفاه الزهور ؛
تهامسها قبلات الندى
أكاد أضمّ عهود اللّقاء ؛
و ألثمها مشهدا مشهدا
و أجترّ ميلاد تاريخنا
و أنتشق المهد و المولدا
و أذكر كيف التقينا هناك ؛
و كيف سبقنا هنا الموعدا ؟
و كيف افترقنا على رغمنا ؟
و ضعنا : و ضاع هوانا سدى
حطّمنا الكؤوس و لم نرتوي
و عدت أمدّ إليها اليدا
و أخدع بالوهم جوع الحنين ؛
كما يخدع الحلم الهجّدا
أحنّ فأقتات ذكرى اللّقا
لعلّي بذكراه أن أسهدا
و أقتطف الصفو من وهمه
كما يقطف الواهم الفرقدا
أتدرين أين غرسنا المنى ؟
و كيف ذوت قبل أن نحصدا ؟
تذكّرت فاحترت في الذكريا
ت و حيّرت أطيافها الشرّدا
إذا قلت : كيف انتهى حبّنا ؟
أجاب السؤال : و كيف ابتدا ؟
فأطرقت أحسو بقايا البكا
ء و قد أوشك الدمع أن ينفدا
و أبكى مواسمك العاطرا
ت و أيّامها الغضّة الخرّدا
و من فاته الرغد في يومه
مضى يندب الماضي الأرغدا
***
أصيخي إلى قصّتي إنّني
أقصّ هنا الجانب الأنكدا(55/223)
أمضّ الأسى أن تجوز الخطوب
و أشكو فلا أجد المسعدا
و أشقى و يشقى بي الحاسدون
و ما نلت ما يخلق الحسّدا
علام يعادونني ! لم أجد
سوى ما يسرّ ألدّ العدا !
حياتي عذاب و لحن حزين
فهل لعذابي و لحني مدى ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> قصّة من الماضي
قصّة من الماضي
رقم القصيدة : 67512
-----------------------------------
خذها فديتك يا شقيقي
ذكرى أرقّ من الرحيق
و ألذّ من نجوى الهوى
بين العشيقة و العشيق
خذها أرقّ من السنى
في خضرة الروض الوريق
واذكر تهادينا على
كوخ الطفوله و الطريق
و أنا و أنت كموثقين ؛
نحنّ في القيد الوثيق
نمشي كحيرة زورق
في غضّبة اللّج العميق
و نساجل الغربان في الوديان أصوات النعيق
و إذا ذكرت لي الطعام
؛ أكلت أنفاسي وريقي
***
أيّام كنّا نسرق الرمان
في الوادي السحيق
و نعود من خلف الطريق
و ليلنا أحنى رفيق !
و نخاف وسوسة الرياح ؛
و خضرة الطّيف الرشيق
حتّى نوافي بيتنا ...
و الأهل في أشقى مضيق
فيصيح عمّي والشراسة ؛ في محيّاه الصفيق
و هناك جدّتنا تناغينا
مناغاة الشفيق
تهوي الحياة و عمرها
أوهى من الخيط الدقيق
و أبي و أمّي حولنا
بين التنهّد و الشهيق
يتشاكيان من الطوى
شكوى الغريق إلى الغريق
شكواهما صمت كما
يشكو الذّبال من الحريق
و يحدّقان إلى السكون ؛ ورعشة الكوخ العتيق
و اللّيل ينصت للضفادع ؛ و هي تهذي بالنقيق
و الشهب تلمع كالكؤوس ؛ على شفاه من عميق
***
وجوارنا قوم لهم
إشراقة العيش الطليق
من كلّ غرّ يمز
بين الأغاني و النهيق
و تظنّه رجلا و خلف ثيابه وحش حقيقي
و تراه يزعم شخصـ
ين جوهر المسك الفتيق
يتحادثون عن النقود ؛
حديث تجار الرقيق
يتخيّرون ملابسا
تصبي و تغري بالبريق
حتّى تراهم صورة
للزور و الجهل الأنيق
و نماذجا برّاقه
لأناقة الخزي العريق
***
يمشون في نسيج الحرير ؛ فهم رجال من حرير
و كأنّهم مهن خلق نسّاج ؛ و خيّاط قدير
لولا خدّاع ثيابهم
كسدوا بأسواق الحمير(55/224)
فقراء من خلق الرجال ؛
و يسخرون من الفقير
و يسائلون مع الرجال ؛
عن المشاكل و المصير
و مصيرهم بيت البغيذ ؛
و بيت خمّار شهير
و هناك بنت غضّيه
أحلى من الورد المطير
ترنو و في نظراتها
لغة الدعارة و الفجور
و حدجيثها كالجدول
السلسال فضّي الخرير
حسناء تطرح حسنها
للمترفين ؛ و للأجير
فجمالها مثل الطبيعة ؛
للنبيل .... و للحقير
في مشيها رقص الحسان ؛
و خفّة الطفل الغرير
و يكاد يعشق بعضها
بعضا من الحسن المثير
أودى أبوها و هو في
إشراقه العمر القصير
كان امرءا يجد الضعيف ؛ يمينه أقوى نصير
يحنو و ينثر ... ماله
للطفل و الشيخ الكبير
يرعى الجميع فكلّـ
لب سماويّ الضمير
جادت يداه بما لديه ؛ و جاد بالنفس الأخير
فذوت صبيّته الجميلة ؛ كالزنابق في الفهجير
و بكت إلى أختي كما
يبكي الأسير إلى الأسير
و مشت على شوك المآسي
الحمر و اليتم المرير
و مضت تدوس الشوك ؛ و الرمضا على القلب الكسير
و الحزن في قسماتها
كالشك في قلب الغيور
تعرى فتكسوها الطبيعة
حلّة الحسن النظير
صبغت ملامحها الطبيعة
من سنا البدر المنير
من وقدة الصيف البهيج
و هدأة اللّيل الضرير
من خفّة الشجر الصبور ؛ على رياح الزمهرير
و من الأشعّة و الشذى
و صراحة الماء النمير
فتعانقت فيها المباهج ؛
كالأشعّة ... و العبير
فجمالها قبل الحنين ؛ و صدرها أحنى سرير !
***
قل لي . أتذكر يا أخي
من تلك جارتنا الشهيّة ؟
هي فوق فلسفة التراب
و غلظة الأرض الدنيّة
رحمت مجانين الغواية
فهي مشفقة غويّة
بنت الطبيعة فهي ظلّ الحبّ ؛ و الدنيا الشّذيّة
كانت ربيع الأمنيات ؛
و أغنيات الشاعريّة
فانصت إليّ فلم تزل
من قصّة الماضي بقيّة
جاءت بها الذكرى ؛ و ما الذكرى ؟ خلود الآدميّة
حدّق ترى ماضيك فيها ،
فهي صورته الجليّة
أوّاه ! ما أشقى ذكيّ القلب ؛ في الأرض الغبيّه !
***
ما كان أذكى " مرشدا "
و أبرّ طلعته الزكيّه !
كان ابتسامات الحزين ؛
و فرحة النفس الشجيّة
عيناه من شعل الرشاد ،(55/225)
و كلّه من عبقريّة
إن لم يكن في الأنبياء
فروحه المثلى نبيّة
قتلته في الوادي اللّصوص ؛ فغاب كالشمس البهيّة
كان ابن عمّي يزدريه ؛
فلا يضيق من الزريّه
و من ابن عمّي ؟ جاهل
فظّ كليل الجاهليّة
يرنو إلينا ... مثلما
يرنو العقور إلى الضحيّة
نعرى ؛ و يسبح في النقود ؛
و في الثياب القيصريّة
و نذوب من حرق الظماء
و عنده الكأس الرويّه
و الكأس تبسم في يديه ؛ كابتسامات الصبيّة
و الكرم في بستانه
يلد العناقيد الجنيّه
حتّى تزوّج أربعا
أشقته واحدة شقيّة
فكأنّ ثروته دخان
ضاع في غسق العشيّة
فهوى إلينا و التقينا ؛
كالأسارى في البليّة
***
و أتى الخريف و كفّه
تومي بأشداق المنيّة
و توقع الحيّ الفنا
فتغيّرت صور القضيّة
و تحرّك الفلك الدؤوب
فأقبلت دنيا رخيّة
و تضوّع الوادي بانسام الفراديس النديّة
قل لي : شقيقي هل ذكر
ت عهود ماضينا القصيّة
خذها فديتك قصّة
دفاته النجوى سخيّة
و إلى التلاقي يا أخي
في قصّة أخرى طريّة
و الآن أختم الكتا
ب ختامه أزكى تحيّة !
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> نحن و الحاكمون
نحن و الحاكمون
رقم القصيدة : 67513
-----------------------------------
أخي ؛ صحونا كلّه مآتم
و إغفاؤنا ألم أبكم
فهل تلد النور أحلامنا
كما تلد النور الزهرة البرعم ؟
و هل تنبت الكرم وديانا
و يخضرّ في كرمنا الموسم ؟
و هل يلتقي الريّ و الظامئو
ن ؛ و يعتنق الكأس و المبسم ؟
لنا موعد نحن نسعى إليه
و يعاتاقنا جرحنا المؤلم
فنمشي على دمنا و الطريق ؛
يضيّعنا و الدجى معتم
فمنّا على كلّ شبر نجيع ؛
تقبله الشمس و الأنجم
***
سل الدرب كيف التقت حولنا
ذئاب من الناس لا ترحم
و تهنا و حكّمنا في المتاه
سباع على خطونا حوّم
يعيثون فينا كجيش المغول
و أدنى إذا لوّح المغنم
فهم يقتنون ألوف الألوف
و يعطيهم الرشوة المعدم
و يبنون دورا بأنقاض ما
أبادوا من الشعب أو هدّموا
أقاموا قصورا مداميكها
لحوم الجماهير و الأعظم(55/226)
قصورا من الظلم جدرانها
جراحاتنا أبيض فيها الدم
***
أخي إن أضاءت قصور الأمير
فقل : تلك أكبادنا تضرم
وسل ؛ كيف لنّا لعنف الطغاة
فعاثوا هنا و هنا أجرموا ؟
فلا نحن نقوى على كفّهم
و لا هم كرام فمن ألوم ؟
إذا نحن كنّا كرام القلوب ؛
فمن شرف الحكم أن يكرموا
و إن ظلمونا ازدراء بنا
فأدنى الدناءات أن يظلموا
و إن أدمنوا دمنا فالوحوش
تعب النجيع و لا تسأم
و إن فخروا بانتصار اللئام
فخذلاننا شرف مرغم
و سائلنا فوق غاياتهم
و أسمى ، و غاياتنا أعظم
فنحن نعفّ و هل إن رأوا
لأدناسهم فرصة أقدموا
و إن صعدوا سلّما للعروش
فأخزى المخازي هو السّلّم
***
و ما حكمهم جاهليّ الهوى ؟
تقهقه من سخفه الأيّم
و أسطورة من ليالي " جديس "
رواها إلى " تغلب " " جرهم "
و مطمعهم رشوة و الذباب أكول
إذا خبث المطعم
رأوا هدأة الشعب فاستذأبوا
على ساحة البغي و استضغموا
و كلّ جبان شجاع الفؤاد ؛
عليك ؛ إذا أنت مستسلم
و إذعاننا جرّأ المفسدين
علينا و أغراهم المأثم
***
أخي نحن شعب أفاقت مناه
و أفكاره في الكرى تحلم
و دولتنا كلّ ما عندها
يد تجتني وحشى يهضم
و غيد بغايا لبسن النضار
كما يشتهي الجيد و المعصم
و سيف أثيم يحزّ الرؤوس
و قيد و معتقل مظلم
و طغيانها يلتوى في الخداع
كما يلتوي في الدجى الأرقم
و كم تدّعي عفّة و الوجود
بأصناف خسّتها مفعم !
و آثامها لم تسعها اللّغات
و لم يحو تصويرها ملهم
أنا لم أقل كلّ أوزارها
تنزّه قولي و عفّ الفم
تراها تصول على ضعفنا
و فوق مآتمنا تبسم
و تشعرنا بهدير الطبول
على أنّها لم تزل تحكم
و تظلم شعبا على علمه
و يغضبها أنّه يعلم
و هل تختفي عنه و هي التي
بأكباد أمّته تولم ؟
و أشرف أشرافها سارق
و أفضلهم قاتل مجرم
***
عبيد الهوى يحكمون البلاد
و يحكمهم كلّهم درهم
و تقتادهم شهوة لا تنام
و هم في جهالتهم نوّم
ففي كلّ ناحية ظالم
غبيّ يسلّطه أظلم
أيا من شعبتم على جوعنا
و جوع بنينا . ألم تتخموا ؟(55/227)
ألم تفهموا غضبة الكادحين
على الظلم ؟ لا بدّ أن تفهموا ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> نحن و الحاكمون
نحن و الحاكمون
رقم القصيدة : 67514
-----------------------------------
أخي ؛ صحونا كلّه مآتم
و إغفاؤنا ألم أبكم
فهل تلد النور أحلامنا
كما تلد النور الزهرة البرعم ؟
و هل تنبت الكرم وديانا
و يخضرّ في كرمنا الموسم ؟
و هل يلتقي الريّ و الظامئو
ن ؛ و يعتنق الكأس و المبسم ؟
لنا موعد نحن نسعى إليه
و يعاتاقنا جرحنا المؤلم
فنمشي على دمنا و الطريق ؛
يضيّعنا و الدجى معتم
فمنّا على كلّ شبر نجيع ؛
تقبله الشمس و الأنجم
***
سل الدرب كيف التقت حولنا
ذئاب من الناس لا ترحم
و تهنا و حكّمنا في المتاه
سباع على خطونا حوّم
يعيثون فينا كجيش المغول
و أدنى إذا لوّح المغنم
فهم يقتنون ألوف الألوف
و يعطيهم الرشوة المعدم
و يبنون دورا بأنقاض ما
أبادوا من الشعب أو هدّموا
أقاموا قصورا مداميكها
لحوم الجماهير و الأعظم
قصورا من الظلم جدرانها
جراحاتنا أبيض فيها الدم
***
أخي إن أضاءت قصور الأمير
فقل : تلك أكبادنا تضرم
وسل ؛ كيف لنّا لعنف الطغاة
فعاثوا هنا و هنا أجرموا ؟
فلا نحن نقوى على كفّهم
و لا هم كرام فمن ألوم ؟
إذا نحن كنّا كرام القلوب ؛
فمن شرف الحكم أن يكرموا
و إن ظلمونا ازدراء بنا
فأدنى الدناءات أن يظلموا
و إن أدمنوا دمنا فالوحوش
تعب النجيع و لا تسأم
و إن فخروا بانتصار اللئام
فخذلاننا شرف مرغم
و سائلنا فوق غاياتهم
و أسمى ، و غاياتنا أعظم
فنحن نعفّ و هل إن رأوا
لأدناسهم فرصة أقدموا
و إن صعدوا سلّما للعروش
فأخزى المخازي هو السّلّم
***
و ما حكمهم جاهليّ الهوى ؟
تقهقه من سخفه الأيّم
و أسطورة من ليالي " جديس "
رواها إلى " تغلب " " جرهم "
و مطمعهم رشوة و الذباب أكول
إذا خبث المطعم
رأوا هدأة الشعب فاستذأبوا
على ساحة البغي و استضغموا
و كلّ جبان شجاع الفؤاد ؛
عليك ؛ إذا أنت مستسلم(55/228)
و إذعاننا جرّأ المفسدين
علينا و أغراهم المأثم
***
أخي نحن شعب أفاقت مناه
و أفكاره في الكرى تحلم
و دولتنا كلّ ما عندها
يد تجتني وحشى يهضم
و غيد بغايا لبسن النضار
كما يشتهي الجيد و المعصم
و سيف أثيم يحزّ الرؤوس
و قيد و معتقل مظلم
و طغيانها يلتوى في الخداع
كما يلتوي في الدجى الأرقم
و كم تدّعي عفّة و الوجود
بأصناف خسّتها مفعم !
و آثامها لم تسعها اللّغات
و لم يحو تصويرها ملهم
أنا لم أقل كلّ أوزارها
تنزّه قولي و عفّ الفم
تراها تصول على ضعفنا
و فوق مآتمنا تبسم
و تشعرنا بهدير الطبول
على أنّها لم تزل تحكم
و تظلم شعبا على علمه
و يغضبها أنّه يعلم
و هل تختفي عنه و هي التي
بأكباد أمّته تولم ؟
و أشرف أشرافها سارق
و أفضلهم قاتل مجرم
***
عبيد الهوى يحكمون البلاد
و يحكمهم كلّهم درهم
و تقتادهم شهوة لا تنام
و هم في جهالتهم نوّم
ففي كلّ ناحية ظالم
غبيّ يسلّطه أظلم
أيا من شعبتم على جوعنا
و جوع بنينا . ألم تتخموا ؟
ألم تفهموا غضبة الكادحين
على الظلم ؟ لا بدّ أن تفهموا ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> كلّنا في انتظار ميلاد الفجر
كلّنا في انتظار ميلاد الفجر
رقم القصيدة : 67515
-----------------------------------
يا رفاق السرى إلى أين نسري
و إلى أين نحن نجري و نجري ؟
ربنا غائم يغطّيه ليل
فكأنّا نسير في جوف قبر
دربنا وحشة و شوك ووحل
و سباع حيرى ؛ و حيّات قفر
و متاه تحيّر الصمت فيه
حيرة الشكّ في ظنون " المعرّي "
و الرؤى تنبري كظمآن تهوي
حول أشواقه خيالات نهر
و الدجى حولنا كمشنقة العمر
كوادي الشقا : كخيمات شرّ
راقد في الطريق يتّسد الصمـ
ت ؛ و يومي بألف ناب ، و ظفر
ذابل و النجوم في قبضتيه
ذابلات كالغيد في كفّ أسر
***
يا رفاق السرى إلى كم نوالي
خطونا في الدجى إلى لا مقرّ ؟
أقلق اللّيل و السكون خطانا
و خضبنا بجرحنا كلّ صخر
و غرسنا هذا الطريق جراحا
واجتنينا الثمار حبّات جمر(55/229)
فإلى كم نسير فوق دمانا ؟
أين أين القرار هل نحن ندري ؟
كلّنا في السرى حيارى و لكن
كلّنا في انتظار ميلاد فجر
كلّنا في انتظار فجر حبيب
و انتظار الحبيب بصبى و يغري
يا رفاقي لنا مع الفجر وعد
ليت شعري متى يفي ؟ ليت شعري !
***
و هنا أدرك الفتور قوانا
و انتهى الزاد و انتهى كلّ ذخر
و مضينا كالطّيف نصغي فهزّت
سمعنا نغمة كرنّات تبر
فجرحنا السكون حتّى بلغنا
بيت حسنا يدعونها أخت عمرو
فقرتنا لحما و حسنا شهيّا
و حديثا كأنّه ذوب سحر
و ذهبنا و في دمانا حنين
جائع ينخر الضلوع و يفري
و طغى حولنا من السفح موج
من ضجيج كأنّه هول حشر
فإذا قرية تدير ضرابا
و تريش السهام حينا و تبري
فاقتربنا نستكشف الأمر لكن
أيّ كشف نحسبه أيّ أمر
أعين تقذف اللّظى و نفوس
مثخنات تنسلّ من كلّ صدر
و جسوم حمر تنوش جسوما
في ثياب من الجراحات حمر
و تهزّ الخناجر الحمر ... أيد
ترتمي كالنسور في كلّ نحر
وانطفت حومة الوغى فاندفعنا
في سرانا نلفّ ذعرا بذعر
ورحلنا و اللّيل في قبضة الأفـ
ق كتاب يروي أساطير دهر
و شددنا جراحنا وانطلقنا
و كأنّا نشقّ تيّار ... بحر
***
هوّم الطيف حولنا فالتقينا
نحوه كالتفات سفر لسفر
و سمعنا همسا من الأمس يروي
قصّة الفاتحين من أهل " بدر "
فنصتنا للطّيف إنصات صبّ
لمحت يقصّ قصّة هجر
و سرى في السكون صوت ينادي
يا رفاق السرى و أحباب عمري
يا رفاقي تثاءب الشرق و انسلّت
عذاري الصباح من كلّ خدر
و العصافير تنفض الريش في الوكر
و تنفي النعاس من كلّ وكر
و كأنّ الشعاع أيد من الورد
المندّى . تهزّ أهداب زهر
و كأنّ الغصون أيدي الندامى
و شفاه الزهور أكواب خمر
و مضى سيرنا و قافلة الفجـ
ر تصبّ الهدى على كلّ شبر
فإذا دربنا رياض تغنّي
في السنا و الهوى زجاجات عطر
نحن في جدول من النور يجري
و خطانا تدري إلى أين تجري .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عيد الجلوس
عيد الجلوس
رقم القصيدة : 67516(55/230)
-----------------------------------
هذا الصباح الراقص المتأود
فتن مهفهفه و سحر أغيد
و مباهج ما إن يروقك مشهد
من حسنه حتّى يشوقك مشهد
الفجر يصبو في السفوح و في الربى
و الروض يرشف النّدى و يغرّد
و الزهر يحتضن الشعاع كأنّه
أمّ تقبّل طفلها و تهدهد
في مهرجان النور لاح على الملا
عيد يبلوره السنا ... و يورّد
فهنا المفاتن و المباهج تلتقي
زمرا تكاد من الجمال تزغرد
***
عيد الجلوس أعر بلادك مسمعا
تسألك أين هناؤها ؟ هل يوجد ؟
تمضي و تأتي و البلاد و أهلها
في ناظريك كما عهدت و تعهد
يا عيد حدّث شعبك متى
يروي ؟ و هل يروي و أين المورد ؟
حدّث ففي فمك الضحوك بشارة
وطنيّة ؛ و على جبينك موعد
فيم السكوت و نصف شعبك ها هنا
يشقى .. و نصف في اشعوب مشرّد
يا عيد هذا الشعب ، ذلّ نبوغه
و طوى نوابغه السكون الأسود
ضاعت رجال فيه كأنّها
حلم يبعثره الدجى و يبدّد
***
للشعب يوم تستثير جراحه
فيه و يقذف بالرقود المرقد
و لقد تراه في السكينة .. إنّما
خلف السكينة غضبة و تمرّد
تحت الرماد شرارة مشبوبة
و من الشرارة شعلة و توقد
لا ، ألم يلم ثأر الجنوب و جرحه
كالنار يبرق في القلوب و يرعد
لا ، لو يلم شعب ... يحرّق صدره
جرح على لهب العذاب مسّهد
شعب يريد و لا ينال كأنّه
ممّا يكابد في الجحيم .. مقيّد
***
أهلا بعاصفة الحوادث ، أنّها
في الحيّ أنفاس الحياة تردّد
لو هزّت الأحداث صخرا جلمدا
لدوى و أرعد باللذهيب الجلمد
بين الجنوب و بين سارق أرضه
يوم نؤرّخه الدما و تخلّد !
الشعب أقوى من مدافع ظالم
و أشدّ من بأس الحديد و أجلد
و الحقّ يثني الجبش و هو عرمرم
و يفلّ حدّ السيف و هو مهنّد
لا أمهل الموت الجبان و لا نجا
منه ؛ و عاش الثائر المستشهد
يا ويح شرذمة المظالم عندما
تطوي ستائرها و يفضحها الغد !
و غدا سيدري المجد أنّا أمّة
يمنيّة شمّا ؛ و شعب أمجد
و ستعرف الدنيا و تعرف أنّه
شعب على سحق الطغاة معوّد
فليكتب المستعمرون بغيظهم(55/231)
و ليخجلوا ، و ليخسأ المستعبد
***
عيد الجلوس و هل نصّت لشاعر
هنّاك و هو عن المسرّة مبعد ؟
فاقبل رعاك الله تهنئتي و إن
صرخ النشيد و ضجّ فيه المنشد
واعذر إذا صبغ التنهّد نغمتي
بالجرح فالمصدور قد يتنهّد
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> رحلة النجوم
رحلة النجوم
رقم القصيدة : 67517
-----------------------------------
أين عشّي وجودلي و جناني ؟
أين جوّي ؟ و أين برّ أماني ؟
أين منّي بقيّة من جناحي !
فرّ منّي الجواب ، ضاع لساني !
غير أنّي أسائل الصمت عنّي
و انكسار الجواب يدمي حناني
هل أنا من هنا ؟ و هل لي مكان ؟
أنا من لا هنا ، و من لا مكان
كم إلى كم أمشي ، و دربي ظنون
و مداه قاص عن الوهم دان ؟
و سأبقى أسير في غير درب
من تراب ، دربي ظنون الأماني
و أعاني مرّ السؤال ، و يتلو
ه سؤال أمرّ ممّا أعاني
هل هنا موطني ؟ و أضغي : و هل
لي موطن غيره على الأرض ثاني ؟
***
وطني رحلة النجوم فأهلي
و أحبّائي النجوم الرواني
و دياري تيه الخيال وزادي
ذكرياتي و الأغنيات دناني
فليخنّي الزمان و الشعب إنّي
شعب شعبي ، أنا زمان الزمان
يتلاقى الزمان و الشعب في روحي
شجيّين يعرفان كياني
من أنا ؟ شاعر ، حريق يغنّي
و غنائي دمي ، دخان دخاني
فحياتي سرّ الحياة و شدوي
لحن ألحانها ، معاني المعاني
و ضياعي سياحة العطر في الريـ
ح ، و تيهي مزارع من أغاني .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> زحف العروبة
زحف العروبة
رقم القصيدة : 67518
-----------------------------------
لبّيك وازدحمت على الأبواب
صبوات أعياد و عرس تصابي
لبّيك يابن العرب أبدع دربنا
فتن الجمال المسكر الخلّاب
فتبرّجت فيه المباهج مثلما
تتبرّج الغادات للعزّاب
واخضرّت الأشواق فيه و المنى
كالزهر حول الجدول المنساب
و مضى به زحف العروبة و الدنى
ترنو ، و تهتف عاد فجر شبابي
إنّا زرعناه منى و جماجما
فنما و أخصب أجود الإخصاب
و يحدّق التاريخ فيه كأنّه(55/232)
يتلو البطولة من سطور كتاب
***
عاد التقاء العرب فاهتف يا أخي
للفجر ، وارقص حول شدو ربابي
و اشرب كؤوسك واسقني نخب اللّقا
واسكب بقايا الدنّ في أكوابي
هذي الهتافات السكارى و المنى
حولي تناديني إلى الأنخاب
خلفي و قدّامي هتاف مواكب
و هوى يزغرد في شفاه كعاب
و الزهر يهمس في الرياض كأنّه
أشعار حبّ في أرقّ عتاب
و الجوّ من حولي يرنحه الصدى
فيهيم كالمسحورة المطراب
و الريح ألحان تهازج سيرنا
و الشهب أكواب من الأطياف
إنّا توحّدنا هوى و مصائرا
و تلاقت الأحباب بالأحباب
أترى ديار العرب كيف تضافرت
فكأنّ " صنعا " في " دمشق " روابي
و كأنّ " مصر " و " سوريّا " في مأرب "
علم و في " صنعا " أعزّ قباب
لاقى الشقيق شقيقه ، فاسألهما
كيف التلاقي بعد طول غياب ؟
***
اليوم ألقى في " دمشق " بني أبي
و أبثّ أهلي في الكنانة ما بي
و أبثّ أجدادي بني غسّان في
ربوات " جلّق " محنتي و عذابي
و أهيم و الأنسام تنشر ذكرهم
حولي فتنضح بالعطور ثيابي
و أهزّ في ترب " المعرّة " شاعرا
مثلي : توحّد خطبة و مصابي
و أعود أسأل " جلّقا " عن عهدها
" بأميّة " و بفتحتها الغلّاب
صور من الماضي تهامس خاطري
كتهامس العشّاق بالأهداب
***
دعني أغرّد فالعروبة روضتي
ورحاب موطنها الكبير رحابي
" فدمشق " بستاني " و مصر " جداولي
و شعاب " مكّة " مسرحي و شعابي
و سماء " لبنان " سماي وموردي
" بردى " و دجلة و الفرات شرابي
رديار " عمّان " دياري ... أهلها
أهلي و أصحاب العراق صحابي
بل إخوتي و دم " الرشيد " يفور في
أعصابهم و يضجّ في أعصابي
***
شعب العراق و إن أطال سكوته
فسكوته الإنذار للإرهاب
سل عنه سل عبد الإله و فيصلا
يبلغك صرعهما أتمّ جواب
لن يخفض الهامات للطاغي و لم
تخضع رؤوس القوم للأذناب
وطن العروبة موطني أعياده
عيدي ، و شكوى إخوتي أوصابي
فاترك جناحي حيث يهوى يحتضن
جوّ العروبة جيئتي و ذهابي
يا ابن العروبة شدّ في كفّي يدا
ننفض غبار الذلّ و الأتعاب(55/233)
فهنا هنا اليمن الخصيب مقابر
ودم مباح واحتشاد ذئاب
ذكّره بالماضي عسى يبني على
أضوائه مجدا أعزّ جناب
ذكّره بالتاريخ واذكر أنّه
شعب الحضارة مشرق الأحساب
صنع الحضارة و العوالم نوّم
و الدهر طفل في مهود تراب
و مشى على قمم الدهور إلى العلا
و بني الصروح على ربى الأحقاب
و هدى السبيل إلى الحضارة و الدنى
في التيه لم تحلم بلمح شهاب
فمتى يفيق على الشروق و يومه
يبدو و يخفي كالشعاع الخابي
***
يا شعب مزّق كلّ طاغ وانتزع
عن ساقيك مهابة الأرباب
واحذر رجالا كالوحوش كسوتهم
خلعا من " الأجواخ " و الألقاب
خنقوا البلاد وجورهم و عتوّهم
كلّ الصواب و فصل كلّ خطاب
لم يحسبوا للشعب لكن عنده
للعابثين به أشدّ حساب
صمت الشعوب على الطغاة و عنفهم
صمت الصواعق في بطون سحاب
فاحذر رجالا كالوحوش همومهم
سلب الحمى والفخر بالأسلاب
شهدوا تقدّمك السريع فأسرعوا
يتراجعون به على الأعقاب
لم يحسنوا صدقا و لا كذبا سوى
حيل الغبيّ و خدعة المتغابي
***
قل للإمام : و إن تحفّز سيفه
أعوانك الأخيار شرّ ذئاب
يومون عندك بالسجود و عندنا
يومون بالأظفار و الأنياب
هم في كراسيهم قياصرة وهم
عند الأمير عجائز المحراب
يتملّقون و يبلغون إلى العلا
بخداعهم و بأخبث الأسباب
من كلّ معسول النفاق كأنّه
حسنا تتاجر في الهوى و ترابي
و غدا سيحترقون في وهج السنى
و كأنّهم كانوا خداع سراب
و تفيق "صنعاء " الجديد على الهدى
و الوحدة الكبرى على الأبواب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> حديث نهدين
حديث نهدين
رقم القصيدة : 67519
-----------------------------------
كيف أنساه هل تناسيه يجدي ؟
و هو و الذكريات و الشوق عندي
و هو أدنى من الأماني إلى القلب ؛
و بيني و بينه ... ألف بعد
واشتهاء العناق يحلم في جيدي
بانفاسه فيمرح عقدي
عندما يهبط الظلام أراه :
ماثلا في تصوّراتي و سهدي
آه إنّي أخال زنديه في قدّي
تشدّنني فيختال ... قدّي
فكأنّي أضمّه في فراشي(55/234)
و هو يجني فمي و يقطف خدّي
ثمّ أصغي إلى الفراش فلا أسمع
إلاّ حديث نهد لنهد
حلم كاليقين يدنيه منّي ؛
و خيال يخفيه عنّي و يبدي
فأرى طيفه أوانا حنونا
و أوانا في مقلتيه تعدّي
ليت أنّي أراه في صحوة الصبح
فما ضارعا يغنّي بحمدي
كلّما ذاب في الخشوع تأبّيت
وردّيت رغبتي شرّ ردّ
و تحدّيت ناظريه بإعراضي
وأشعلت حبّه بالتحدّي
و تجاهلته و قلبي يناديه
و جسمي يكاد يحرق بردي
ثمّ يجترّني و يجذب جسمي
حضنه جذب قاهر مستبدّ
و هنا : أحتويه بين ذراعيّ ،
و أطويه بين لحمي و جلدي
ليت لي ما رجوت أو ليتني أمـ
حوه ؛ منّي من ذكرياتي ووجدي
ليتني يا جهنّم الهجر أدري
من هواه و من تبدّل بعدي ؟ !
ليته في الشجون مثلي مهجور
فيشتاقني و يذكر عهدي
و يعاني الجوى و يشقى كما أشـ
قى ، بأطيافه و ذكراه وحدي
***
هكذا ترجمت مناها و اللّيـ
ب عبوس ، كأنّه موج حقد
و الظلام الظلام في كلّ مرأى
قدر جاثم يخيف و يردي
صامت و العتوّ في مقلتيه
ظاميء كالسلاح في كفّ وغد
و الخيالات موكب من حيارى
تائه يهتدي و حيران يهدي
و حنين الصباح في خاطر الأنسام
كالعطر في براعم ورد .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> هكذا أمضي
هكذا أمضي
رقم القصيدة : 67520
-----------------------------------
سهدت و أوصاني جميل سهادي
فأهرقت في النسيان كأس رقادي
و سامرت في جفن السهاد سرائرا
لطافا كذكرى من عهود وداد
و نادمت وحي الفنّ أحسو رحيقه
و أحسّو و قلبي في الجوانح صادي
إذا رمت نوما قلقل الشوق مرقدي
و هزّت بنات الذكريات و سادي
و هازجني من أعين اللّيل هاتف
من السحر في عينيه موج سواد
له شوق مهجور ، و فتنه هاجر
و أسرار حيّ في سكون جماد
له تارة طبع البخيل ... و تارة
له خلق مطواع و طبع جواد
تدور عليه الشهب و سنى كأنّها
بقيّة جمر في غصون رماد
***
لك الله يا بن الشعر كم تعصر الدجى
أغاريد عرس أو نحيب حداد
تنوح على الأوتار حينا و تارة
تغنّي وحينا تشتكي و تنادي(55/235)
كأنّك في ظلّ السكينه جدول
يغنّي لواد أو ينوح لوادي
هو الشعر .. لي في الشعر دنيا حدودها
وراء التمنّي خلف كلّ بعاد
ألا فلتضق عنّي البلاد فلم يضق
طموحي و إن ضاقت رحاب بلادي
و لا ضاق صدري بالهموم لأنّها
بنات فؤاد فيه ألف فؤدا
ولا قهرت نفسي الخطوب و كم غدت
تراوحني أهوالها و تغادي
***
قطعت طريق المجد و الصبر وحده
رفيقي ، و مائي في الطريق وزادي
و ما زلت أمشي الدرب و الدرب كلّه
مسارب حيّات و كيد أعادي
و لي في ضميري ألف دنيا من المنى
و فجر من الذكرى وروضة شادي
و لي من لهيب الشوق في حيرة السرى
دليل إلى الشأو البعيد و حادي
هو الصبر زادي في المسير لغايتي
و إن عدت عنها فهو زاد معادي
و لا : لم أعد عن غايتي ؛ لم أعد و لم
يكفكف عناد العاصفات عنادي
فجوري عليّ يا حياة أو ارفقي
فلن أنثني عن وجهتي و مرادي
فإنّ الرزايا نضج روحي و إنّها
غذاء لتاريخي ووري زنادي
***
سأمضي و لو لاقيت في كلّ خطوة
حسام " يزيد " أو وعيد " زياد "
ألا عكذا أمضي و أمضي و مسلكي
رؤوس شياطين و شوك قتاد
ولو أخّرت رجلي خطاها قطعتها
و ألقيت في كفّ الرياح قيادي
فلا مهجتي منّي إذا راعها الشقا
و لا الرأس منّي إن حنته عوادي
و لا الروح منّي إن تباكت و إن شكا
فؤادي أساه فهو ليس فؤادي
هو العمر ميدان الصراع و هل ترى
فتى شقّ ميدانا بغير جهاد ؟
*************************************************
حين يصحو الشعب
جمادى الآخر 1379 ه ، قيلت هذه القصيدة قبل الثورة بثلاث سنوات .
أعذر الظلم و حمّلنا الملاما
نحن أرضعناه في المهد احتراما
نحن دلّلناه طفلا في الصبا
و حملناه إلى العرش غلاما
و بنينا بدمانا عرشه
فانثنى يهدمنا حين تسامى
و غرسنا عمره في دمنا
فجنيناه سجونا و حماما
***
لا تلم قادتنا إن ظلموا
و لم الشعب الذي أعطى الزماما
كيف يرعى الغنم الذئب الذي
ينهش اللّحم و يمتصّ العظاما
قد يخاف الذئب لو لم يلق من
نلبه كلّ قطيع يتحامى(55/236)
و يعفّ الظالم الجلّاد لو
لم تقلّده ضحاياه الحساما
لا تلم دولتنا إن أشبعت
شرّه المخمور من جوع اليتامى
نحن نسقيها دمانا خمرة
و نغنّيها فتزداد أواما
و نهنّي مستبدا ، زاده
جثث القتلى و أكباد الأيامى
كيف تصحو دولة خمرتها
من دماء الشعب و الشعب الندامى ؟
***
آه منّا آه ! ما أجهلنا ؟ !
بعضنا يعمى و بعض يتعامى
نأكل الجوع و نستسقي الظما
و ننادي " يحفظ الله الإماما "
سل ضحايا الظلم تخبر أنّنا
وطن هدهده الجهل فناما
دولة " الأجواخ " لا تحنو و لا
تعرف العدل و لا ترعى الذماما
تأكل الشعب و لا يسري إلى
مقلتيها طيفه العاني لماما
و هو يسقيها و يظمى حولها
و يغذّيها و لم يملك طعاما
تشرب الدمع فيظميها فهل
ترتوي ؟ كلّا : و لم تشبع أثاما
عقلها حول يديها فاتح
فمه يلتقم الشعب التقاما
***
يا زفير الشعب : حرّق دولة
تحتسي من جرحك القاني مداما
لا تقل : قد سئمت إجرامها
من رأى الحيّات قد صارت حماما ؟
أنت بانيها فجرّب هدمها
هدم ما شيّدته أدنى مراما
لا تقل فيها قوى الموت و قل :
ضعفنا صوّرها موتا زؤاما
***
سوف تدري دولة الظلم غدا
حين يصحو الشعب من أقوى انتقاما
سوف تدري لمن النصر إذا
أيقظ البعث العفاريت النياما
إنّ خلف اللّيل فجرا نائما
وغدا يصحو فيجتاح الظلاما
و غدا تخضرّ أرضي ، و ترى
في مكان الشوك وردا و خزامى
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لا تقل لي
لا تقل لي
رقم القصيدة : 67521
-----------------------------------
لا تقل لي : سبقتني و لماذا
لا أوالي وراءك الإنطلاقا ؟
لم أسلبقك في مجال التدنّي
و التلوّي : فكيف أرضي اللّحاقا ؟
أنا إن لم يكن قريني كريما
في مجال السباق عفت السباقا
لا تقل : ضاع في الوحول رفاقي
و أضاعوا الضمير و الأخلاقا
لم أضيّع أنا ضميري و خلقي
و كفاني أنّي خسرت الرفاقا
لا تقل كنت صاحبي فادن منّي
لست أشري و لا أبيع نفاقا
لا تقل لي أين التقينا ؟ و لا أين(55/237)
افترقنا ، فنحن لم نتلاقى ؟
قد نسيت اللّقاء يوما و إنّي
لست أدري متى نسيت الفراقا ؟
لا تذوّق صراحتي فهي مرّ
إنّما من تذوق المرّ ذاقا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الطريق الهادر
الطريق الهادر
رقم القصيدة : 67522
-----------------------------------
هتاف هتاف و ماج الصدى
و أرغى هنا و هنا أزبدا
وزحف مريد يقود السنا
و يهدي العمالقة المرّدا
تلاقت مواكبه موكبا
يمدّ إلى كلّ نجم يدا
عمائمة من لهيب البروق
و أعينه من بريق الفدا
أفاق فناغت صبايا مناه
على كلّ أفق صبا أغيدا
و هبّ ودوّى فضجّ السكون
ورجّعت الريح ما ردّدا
و غنّى على خطوه شارع
ودرب على خطوه زغردا
و منعطف لحّنت صمته
خطاه و منعطف غرّدا
مضى منشدا و ضلوع الطريق
صنوع توقّع ما أنشدا
و أقبل يسترجع المعجزات
و يستنهض الميت و المقعدا
و يبدو مداه فيمضي العنيد
يحاول أن يسبق الأعندا
فتطغى مشاهده كالحريق
و يقتحم المشهد المشهدا
و يرمي هنا و هناك الدخان
و يوحي إلى الجوّ أن يرعدا
***
هو الشعب طاف بإنذاره
على من تحدّاه و استعبدا
وشقّ لحودا تعبّ الفساد
و تنجرّ تبتلع المفسدا
و أوما بحبّات أحشائه
إلى فجره الخصب أن يولدا
أشار بأكباده فالتقت
حشودا مداها وراء المدى
وزحفا يجنّح درب الصباح
و يستنفر الترب و الجلمدا
و ينتزع الشعب من ذابحيه
و يعطي الخلود الحمى الأخلدا
و يهتف : يا شعب شيّد على
جماجمنا مجدك الأمجدا
وعش موسما أبديّ الجنى
و عسجد بإبداعك السرمدا
و كحّل جفونك بالنيّرات
وصغ من سنى فجرك المرودا
لك الحكم أنت المفدى العزيز
علينا و نحن ضحايا الفدا
***
ودوّى الهتاف : " اسقطوا يا ذئاب "
و يا راية الغاب ضيعي سدى
وكرّ شباب الحمى فالطريق
ربيع تهادى و فجر بدا
ومرّ يضيء الحمى كالشموع
يضيء توهجها معبدا
ويزجي عذارى بطولاته
فيشحّ الجرح و السؤددا
و يغشى على الظلم أبراجه
فيزري به و بما شيذدا
و يكسر في مفّ طاغي لبحمى
حساما بأكباده مغمدا(55/238)
و تندى خطاه دما فائرا
يذيب دما كاد أن يجمدا
و يلقي على كلّ درب فتى
دعته المروءات فاستشهدا
يدني إلى الموت حكما يخوض
من العار مستنقعا أسودا
و يجترّ أذيال " جنكيزخان "
و يقتات أحلامه الشردا
و يحدو ركاب الظلام الأثيم
فيبلغ الصمت رجع الحدا
و يحسو النّجيع و لا يرتوي
فيطغى ؛ و يستعذب الموردا
رأى الشعب صيدا فأنحى عليه
وراض مخالبه واعتدى
فهل ترتجيه ؟ و من يرتجي
من الوحش إصلاح ما أفسدا ؟
و هل تجتدي ملكا شرّه
سخيّ اليدين ... عميم الجدا ؟
و حكما عجوزا حناه المشيب
و ما زال طغيانه أمردا
تربّى على الوحل من بدئه
و شاخ على الوحل حيث ابتدا
فماذا يرى اليوم ؟ جيلا يمور
و يهتف " لا عاش حكم العدا "
***
زحفنا إلى النصر زحف اللّهيب
و عربد إصرارنا عربدا
و دسنا إليه عيون الخطوب
و أهدابها كشفار المدى
طلعنا على موجات الظلام
كأعمدة الفجر نهدي الهدى
و نرمي الضحايا و نسقي الحقول
دما يبعث الموسم الأرغدا
لنا موعهد من وراء الجراح
و ها نحن نستنجز الموعدا
وهل يورق النصر إلاّ إذا
سقى دمنا روضه الأجردا
أفقنا فشبت جراحاتنا
سعيرا على الذلّ لن يخمدا
رفعنا الرؤوس كأنّ النجوم
تخرّ لأهدابنا سجّدا
و سرنا نشقّ جفون الصباح
و ننضج في مقلتيه الندى
فضجّ الذئاب ، من الطافرون ؟
و كيف ؟ و من أيقظ الهجذدا
و كيف استثار علينا القطيع ؟
و من ذا هداه ؟ و كيف اهتدى ؟
هنا موكب أبرقت سحبه
علينا وحشد هنا أرعدا
وهزّ القصور فمادت بنا
و أشغل من تحتنا المرقدا
و كادت جوانحنا الواجفات
من الذعر أن تلفظ الأكبدا
***
فماذا رأت دولة المخجلات ؟
قوى أنذرت عهدها الأنكدا
بمن تحتمي ؛ واحتمت بالرصاص
و عسكرت اللّهب الموقدا
و لحّنت الغدر أنشودة
من النار تحتقر المنشدا
و نادت بنادقها في الجموع
فأخزى المنادي جواب الندا
و هل ينفد الشعب إن مزّقته
قوى الشر ؟ هيهات أن ينفدا
فردّت بنادقها و الحسيس
إذا ملك القوّة استأسدا
و جبن القوى أن تعدّ القوى(55/239)
لتستهدف الأعزل المجهدا
و أردى السلاح لأردى الأنام
و أجوده ينصر الأجودا
و يوم البطولات يبلو السلاح
إا كان وغدا حمى الأوغدا
فأيّ سلاح حمى دولة
تغطّي المخازي بأخزى ردا ؟
و تأتي بما ليس تدري الشرور
و لا ظنّ " إبليس " أن يعهدا
لمن وجدت ؟ من أشذّ الشذو
ذ و من أغبن أن الغبن أن توجدا
بنت من دم الشعب عرشا خضيبا
ورضّت جماجمه مقعدا
و أطفت شبابا أضاءت مناه
فأدمى السنا حكمها الأرمدا
وسل كيف مدّت حلوق الردى
إليه فأعيا حلوق الردى ؟
و كم فرشت دربه بالحراب
فراح على دمه ... واغتدى
وروّى التراب المفدّى دما
مضيئا يصوغ الحصى عسجدا
و عاد إلى السجن يذكي النجوم
على ليلة فرقدا فرقدا
و يرنو فينظر خضر لالرؤى
كما ينظر الأعزب الخرّدا
فتختال في صدره موجة
من الفجر تهوى المدى الأبعدا
و يهمس في صمته موعد
إلى الشعب لا بدّ أن تسعدا
سينصبّ فجر و يشدو ربيع
و يخضوضر الجدب أنّى شدا
فهذي الروابي و تلك السهول
حبالى و تستعجل المولدا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> حوار جارين
حوار جارين
رقم القصيدة : 67523
-----------------------------------
خطرات و أمنيات عذارى
جنّحت و همّه فرّق و طارا
و سرى في متاهة الصمت يشدو
مرّة للسرى و يصغي مرارا
و يناجي الصدى و يومي إلى الطيف
و يستنطق الربى و القفارا
و تعايا كطائر ضيّع الوكر ، و أدمى
الجناح ... و المنقارا
ليس يدري أين المصير و لكن
ساقه وهمّه الجموح فسارا
و هنا ضجّ " يا منى " أين نمضي
و إلى أيّ غاية نتبارى ؟
و الطريق لاطويل أشباح موت
عابسات الوجوه يطلبن ثارا
موحش يحضن الفراغ على الصمت
كما تحضن الرياح الغبارا
تأكل الشمس ظلّها في مواميه
كما يأكل الغروب النهارا
***
أين يا ليلتي إلى أين أسري ؟
و المنايا تهيّء الأظفارا
و الدجى ها هنا كتاريخ سجّان
و كالحقد في قلوب الأسارى
يتهادى كهودج من خطايا
حار هادية القفار و حارا
و يهزّ الرؤى كما هدهد السكّير
سكّيره تعاني الخمارا(55/240)
و الرؤى تذكر الصباح المندّى
مثلما يذكر الغريب الديارا
و هي ترنو إلى النجوم كما تر
نو البغايا إلى عيون السكارى
و الأعاصير تركب القمم الحيرى
كما يركب الجبان الفرارا
***
إليه ، يا ليلتي و ما أكبر الأخطا
ر قالت : لا تحتسبها كبارا !
قال من الوجود أقوى من الأخطا
ر ؟ قالت : من يركب الأخطارا !
و تهادى يرجو المفاز و تغشى
دربه غمرة فيخشى العثارا
قلق بعضه يحاذر بعضا
ويداه تخشى اليمين اليسارا
حائرا كالظنون في زحمة الشكّ
و كاللّيل في عيون الحيارى
***
و لوى جيده فأومى إليه
قبس شعّ لحظة و توارى
فرأى في بقيّة النور شخصا
كان يعتاده صديقا وجارا
قدماه بين التعثّر و الوحل
و دعواه تقطف الأقمارا
فتدانى من جاره و رآه
مثلما ينظر الفقير النضارا
و دعاه إلى المسير فألوى
رأسه وانحنى يطيل الإزارا
و ثنى عطفه وضجّ وأرغى
و تعالى ضجيجة و أشارا
فانحنى جاره و قال : أجنبي
هل ترى صحبتي شنارا و عارا
أنت مثلي معذّب فكلانا
صورة للهوان تخزي الإطارا
فاطّرح بهرج الخداع و مزّق
عن محيّاك وجهك المستعارا
كلّنا في الضياع و التيه فانهض :
و يدي في يدك نرفع منارا
قال : أين الهوان ؟ فاذكر أبانا
إنّه كان فارسا لا يجارى
إنّنا لم نهن و أجدادنا الفرسان
كانوا ملء الزمان فخارا
إنّنا لم نهن أما كان جدّانا
الحسيبان " حميرا " و " نزارا "
***
فانتخى جاره و قال : و ما الأجداد ؟
سل عنهم البلى و الدمارا
فخرنا بالجدود فخر رماد
راح يعتزّ أنّه كان نارا
قد يسرّ الجدود منك و منّي
أن يرونا في جبهة المجد غارا
***
و هنا أصغيا إلى أنّه الأوراق
و الريح تعصف الأشجارا
فإذا بالشروق ينخر في اللّيل
كما ينخر اللّهيب الجدارا
و تمادى الحوار في العنف حتّى
أسكتت ضجّة الصباح الحوارا
و تراءى الصباح يحتضن السحر
كما تحضن الكؤوس العقارا
و بنات الشذى تحيّي شروقا
شاعريّا يعنقد الأفكارا
و الصبا ترعش الزهور فتومي
كالمناديل في أكفّ العذارى .(55/241)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> سلوى
سلوى
رقم القصيدة : 67524
-----------------------------------
سلوى و يهمس في ندائي
أمل كأغنية الضياء
سلوى و يرتدّ الصدى
بجوابها : يا لانتشائي
أيّ المنى تخضرّ في
جدبي و تزهر بالهناء
و تعيد " تموزا " و تغزل
من أشعّته ردائي
من ذا إزائي ؟ هل هنا
سلوى ؟ " فنيسان " إزائي
يشدو أمامي بالشذى
و يزنبق الذكرى ورائي
سلوى ؛ و أصغي ؛ واسمها
بفمي ربيع من غناء
و ذا صداها في هواي
مواسم بيض العطاء
و أعود أصغي و الصدى
يدنو و يوغل في التنائي
***
فأفيق أبني في مهبّ
الريح عشا من هباء
و عواصف المأساة تطفئني فيحترق انطفائي
و أنا أغنّيه لأنّ تحرّقي
عطر ... البقاء
و الصمت حولي كالضغائن في عيون الأدنياء
و السهد أفكار معلّقة
بأهداب الفضاء
و اللّيل بحر من دخان
شاطئاه من الدماء
جوعان يبتلع الرؤى
و يمجّ دمع الأشقياء
يهذي كما يروي المشعوذ معجزات الأنبياء
و يعبّ من دم
الذكرى جحيميّ الإناء
و أنا هناك رواية
للحزن تبحث عن " روائي "
أبكي على سلوى أناجيها
أغنّيها ... بكائي
و أعيد فيها مأتمي
أو أبتدي فيها عزائي
وحدي أناديها ؛ و عفوا
نلتقي : في لا لقاء
تبدو و تغرب فجأة
كالحلم يدنو و هو نائي
أو تنثني جذلى كفجرى
الصيف في صحو الهواء
و تسيل في وهمي رحيقا
من عناقيد السماء
و هناك أبتديء الرحيق فينتهي قبل ابتدائي
فأعود أحتضن الشّقاء لأنّني أمّ الشقاء
و مواكب الأشباح في جوّي كحيّات العراء
كتثاؤب الأحزان في
مقل اليتامى الأبرياء
و الظلمة الخرساء تفنى
قريتي قبل الفناء
و تشدّ أعينها و توصيها
بصبر الأغبياء
فيتاجر الحرمان فيها
بالصلاة و بالدعاء
بالحوقلات ، و بالأنين
و حشرجات الكبرياء
و يبيع أخلاق الرجال
و يشتري عرض النساء
***
و أنا كأهلي : ميّت
أحيا كأهلي بادّعائي
و أعيش في أوهام سلوى و الأسى زادي و مائي
أشدو لتعذيبي
تشدو البلابل للشتاء
و الموعد المسلول يبسم
كابتسامات المرائي(55/242)
و يعيد لحنا نائحا
كسعال أمّي في المساء
فتلمّ بي أطياف سلوى
كالصبيّات الوضاء
و ترفّ حولي موسما
أسخى و أوسع من رجائي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> أنا و أنت
أنا و أنت
رقم القصيدة : 67525
-----------------------------------
يا ابن أمّي أنا و أنت سواء
و كلانا غباوة و فسوله
أنت مثلي مغفّل نتلقّى
كلّ أكذوبة بكلّ سهولة
و نسمّي بخل الرجال اقتصادا
و البراءات غفلة و طفوله
و نسمّي شراسة الوحش طغيا
نا ووحشيّة الأناس بطوله
و نقول الجبان في الشرّ أنثى
ووفير الشرور وافى الرجوله
و نرى أصل " عامر " تربة الأر
ض و " سعدا " نرى النجوم أصوله
فننادي هذا هجين و هذا
فرقديّ الجدود الخؤولة
نزعم الإنتقام حزما و عزما
و شروب النجيع الفحولة
***
يا ابن أمّي شعورنا لم يزل طفلا
و ها نحن في خريف الكهولة
كم شغلنا سوق النفاق فبعنا
واشترينا بضاعة مرذوله
لا تلمني و لم ألمك لماذا ؟
يحسّ الجهل في البلاد الجهوله .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> وحدة الشاعر
وحدة الشاعر
رقم القصيدة : 67526
-----------------------------------
حلم الآتي و ذكرى الغابر
مسرح الشعر و دنيا الشاعر
ذكريات الأمس تغريه كما
يفتن المهجور طيف الهاجر
و الغد المأمول في أشواقه
صورة من كلّ حسن باهر
صورة كالوعد من أحلى فم
كابتسامات اللّقاء العاصر
و كعيني طفلة ترنو إلى
مقلتي طفل كسول الناظر
***
عالم الشاعر ذكرى و منى
و حنين كالجحيم الهادر
يقطف الأحلام و الذكرى كما
يقطف العنقود كفّ العاصر
أيّ ذكر ؟ أيّ شوق عادني
فإذا قلبي جناحا طائر
و إذا الدنيا بكفّي معزف
ساحر في كفّ شاد ماهر
تارة أشدو و أصغي تارة
لروايات الزمان الساخر
فيقصّ الدهر من دنيا أبي
ذكرا تخجل وجه الذاكر
و أنا أحمل ذكراه ... كما
يحمل المظلوم سوط الجائر
و أغنّي عزّ أجدادي الأولى
فخروا بالعجز فخر لاقادر
و من الأجداد ؟ ما شرعتهم ؟
شرعة الوحش الغبيّ الكاسر(55/243)
و مخازيهم تراث خالد
ورثوه كابرا عن كابر
كيف أنسى الأمس و اليوم ابنه
و الغد الآتي وليد الحاضر !
و أنا ابن الشعر قلبي عالم
من حنين و حنان غامر
ترتمي الأدهار حولي مثلما
يرتمي موج العباب المآثر
والدنا في عزلتي هائمة
كهوى " ليلى " و طيف " العامري "
وحدتي صمت يغني ورؤى من
عصا " موسى " و عجل " السامري "
من شذوذ الطفل من زهو الفتى
من أسى الشيخ الفقير العاثر
من خيالات الشياطين و من
حكمة الرسل ودجل الساحر
من ضراعات المساكين و من
خيلاء المستبد القاهر
من هوى التاجر في الربح و من
شبح الإفلاس حول التاجر
من شكاوى عاشق يمشي على
قلبه نحو الحبيب ... نافر
وحدتي وحي و دنيا من هدى
و ضلال ويقين حائر
و حنان وانتظار خائف
ورجاء كابتسام الغادر
وهوى يضحك للطيف كما
يضحك الروض لعين الزائر
وحدتي أرجوحة من فكر
دائرات كالشروق الدائر
و بنات الفنّ حولي زمر
كرياحين الربيع الزاهر
و أنا كالراغب المحروم في
موكب الغيد المثير السافر
أشتهي تلك فتدنو أختها
من يديّ كالأبيّ الصاغر
حلوة تدنو و تخفى حلوة
كالسنى خلف الظلام العاكر
هذه تعطي و لا أسألها
و أناجي تلك نجوى الخاسر
و لعوب أجتدي نفحتها
و هي تأبى خاطري
و عدها يبعث ذكرى " حاتم "
ووفاها صورة من " مادر "
كم تناديني فتغري لوعتي
و تولّى كالحبيب ... الماكر
و الدجى مقبرة تغفو على
حلم النعش و نوح القابر
قلق الصمت كرؤيا مومس
هجعت بين ذراعي فاجر
كأماني ظالم يرنو إلى
مقلتيه شبح من ثائر
خائف يسري و في أعطافه
صلف الطاغي وتيه الكافر
و تضيع الشهب في موكبه
كخيالات المريض الساهر
ودخان الحقد في أهدابه
كالخطايا فوق عرض عاهر
يخطر الشيطان فيه و على
شفتيه قهقهات الظافر
و خفوق الصمت ينبي أنّ في
سرّه ضوضاء زحف طافر
و الرؤى تشتفّ من خلف الربى
مطلع اليوم الهتوف الزاخر
و تبثّ الغيب شكوى توبة
تتشهّى بسمة من غافر
و أنا وحدي أناغي هاتفا
من فم الوحي الشذيّ الطاهر
و هدوء الكوخ يستفسرني(55/244)
هل أغنّي للفراغ السادر ؟
قلت إنّي شاعر ، في وحدتي
ألف دنيا من طيوف الشاعر
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لقيتها
لقيتها
رقم القصيدة : 67527
-----------------------------------
أين اختفت من أيّ أفق سامي ؟
أين اختفت عنّي و عن تهيامي ؟
عبثا أناديها و هل ضيّعتها
في اللّيل أم في زحمة الأيّام ؟
أم في رحاب الجوّ ضاعت ؟ لا : فكم
بثّيت أنسام الأصيل غرامي
ووقفت أسأله و قلبي في يدي
يرنو إلى شفق الغروب الدامي
و أجابني صمت الأصيل ,,, و كلّما
أقنعت وجدي ... زاد حرّ ضرامي
***
و إذا ذكرت لقاءها ورحيقها
لاقيت في الذكرى خيال الجام
و ظمئت حتّى كدت أجرع غلّتي
و أضجّ في الآلام أين حمامي
و غرقت في الأوهام أنشد سلوة
و سجت فردوسا من الأوهام
***
و أفقت من وهمي أهيم ... وراءها
عبثا و أحلم أنّها قدّامي
و أظنّها خلفي فأرجع خطوة
خلفي ... فتنشرها الظنون أمامي
و أكاد ألمسها فيبعد ظلّها
عنّي ... و تدني ظلّها أحلامي
و أعود أنصت للسكينة و الربى
و حكاية الأشجار و الأنسام
و أحسّها في كلّ شيء صائت
و أحسّها في كلّ حيّ ... نامي
في رقّو الأزهار في همس الشذى
في تمتمات الجدول ... المترامي
***
فتّشت عنها اللّيل و هو متيّم
ألكأس في شفتيه و هو الظامي
و الغيم يخطر كالجنائز و الدجى
فوق الربى كمشانق الإعدام
و سألت عنها الصمت و هو قصيدة
منثورة تومي إلى النظام
ووقفت و الأشواق ترهف مسمعا
بين الظنون كمسمع النمّام
و النجم كأس عسجديّ ... ملؤه
خمر تحنّ إلى فم " الخيّام "
و همست أين كؤوس إلهامي و في
شفتيّ أكواب من الإلهام
***
و الريح تخبط في السهول كأنّها
حيرى تلوذ بهدأة الآكام
و كأنّ موكبها ... قطيع ضائع
بين الذئاب يصيح : أين الحامي ؟
و تلاحقت قطع الظلام كأنّها
في الجوّ قافلة من الإجرام
و تلفّت الساري إلى الساري كما
يتلفّت الأعمى إلى المتعامي
و أنا أهيم وراءها يجتاحني
شوق وتقتاد الظنون زمامي(55/245)
و سألت ما حولي و فتّشت الرؤى
و غمست في جيب الظلام هيامي
فتّشت عنها لم أجدها في الدنا
ورجعت و الحمّى تلوك عظامي
***
و أهجت آلامي و حبّي فالتظت
و لقيتها في الحبّ و الآلام
و تهيّأت لي في التلاقي مثلما
تتهيّأ الحسناء للرسّام
و تبرّجت لي كالطفولة غضّة
كفم الصباح المترف البسّام
و جميلة فوق الجمال ووصفه
و عظيمة أسمى من الإعظام
تسمو كأجنحة الشعاع كأنّها
في الأفق أرواح بلا أجسام
لا : لا تقل لي : سمّها فجمالها
فوق الكناية فوق كلّ أسامي
إنّي أعيش لها و فيها إنّها
حبّي وسرّ بدايتي و ختامي
و أحب!ها روحا نقيّا كالسنى
و أحبّها جسما من الآثام
و أحبّها نورا و حيرة ملحد
و أحبّها صحوا و كأس مدام
و أريدها غضبي و إنسانيّة
و شذود طفل واتّزان عصامي
***
دعني أغرّد باسمها ما دام في
قدحي ثمالات من الأنغام
فتّشت عنها و هي أدنى من منى
قلبي : و من شوقي و حرّ أوامي
و لقيتها يا شوق أين لقيتها ؟
عندي هنا في الحبّ و الآلام
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> جريح
جريح
رقم القصيدة : 67528
-----------------------------------
لا تسل عن أنينه و سهاده
إنّ في جرحه جراح بلاده
إنّ في جرحه جراحات شعب
راكد الحسّ حيّه كجماده
ثائر يحمل البلاد قلوبا
في حشاه و شعلة في اعتقاده
وهب الشعب قلبه ودماه
و أحاسيسه و صفو وداده
فهو أصواته إذا ضجّ في النّـ
اس و نجوى ضميره في انفراده
إنّه ثائر يريد و يسمو
فوق طاقاته ... سموّ مراده
أوقد الحقد في حناياه ثارا
عاصفا يستفزّ نار زناده
فمضى و العناد في مقليته
صارخ ، و الجحيم في أحقاده
و تلقى الرصاص من كلّ فجّ
و هو ما زال في جنون عناده
كلّما أومأ الفرار إليه
أمسكت قبضة الوغى بقياده
و تحدّى الحتوف حتّى تلظّت
حوله و انتهت بقايا عتاده
***
عاد كالسيف حاملا من دماه
شفقا يخبر الدنا عن جلّاده
و الجراح التي تراها عليه
كالعناوين في سجلّ جهاده
وارتمى في الفراش و التأر فيه(55/246)
ساهر ينذر الوغى بمعاده
لم ينم لحظة و إن نام هزّت
ذكريات الوغى سكون وساده
و تلظّت فيه الجراح فأوهت
جسمه وانطفى حماس اعتداده
يسأل الصمت و المنى كيف يشفي
كبرياء الجراح من جلّاده
فهو بين الطموح و العجز و الأشـ
واق كالصقر في يدي صيّاده
***
لا تلمه إذا شكا إنّ شكواه
و أنّاته دخان اتّقاده
إنّ أنفاسه غبار و جمر
من شظايا فؤاده ورماده
كلّما قابل آه ! أو صعّد الأنفـ
اس شاهدت قطعة من فؤاده
و إذا صاح جوعه في الحنايا
فرقات المنى بقيّة زاده
عمره المدلهمّ سجن وينكي
جرحه أنّ عمره في ازدياده
فهو يشقى في يقظة العين با
لعشب و يشقى بحلمه في رقاده
ملّ طول الحياة لا نال منها
ما يرجّي و لا دنا من حصاده
و الشقيّ الشقيّ من ملّ طول
العمر و العمر لم يزل في امتداد ه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بين ليل و فجر
بين ليل و فجر
رقم القصيدة : 67529
-----------------------------------
في هجعة اللّيل المخيف الشاتي
و اجوذ يحلم بالصباح الآتي
و الريح كالمحموم تهذي و الدجى
في الأفق أشباح من الإنصات
و الشهب أحلام معلّقة على
أهداب تمثال من الظلمات
و الطيف يخبط في السكينة مثلما
تتخبّط الأوهام في الشبهات
والظلمة الخرسا تلعثم بالرؤى
كتلعثم المخنوق بالكلمات
***
في ذلك اللّيل المخيف مضى فتى
قلق الثياب مروّع الخطوات
يمشي و ينظر خلفه و أمامه
نظر الجبان إلى المغير العاتي
و يرى الحتوف إذا تلفّت أو رنا
و يحسّ أصداء بلا أصوات
و يعود بسأل نفسه ما خيفتي ؟
ماذا أحسّ ؟ و أين أين ثباتي ؟
ماذا يخوّفني أنا رجل السرى ؟
و أنا رفيق اللّيل و الفلوات
هل ليلتي غير اللّيالي ؟ أم أنا
غيري ... أكاد الآن أنكر ذاتي
أين الصباح و أين منّي قريتي ؟
و الرعب قدّماي و في لفتاتي
***
و هنا تراءت للمروّع عصبة
كالذعر شيطانيّة اللّمحات
شعث كأهل إلاّ أنّ في
نظراتهم همجيّة الشهوات
و تقلّبت مقل العصابة في الفتى
و كأنّها تشويه بالنظرات(55/247)
و تخيّلت " كيس النقود " فأبرقت
رغباتها في الأعين الشرهات
و تململت فيها الشراسة مثلما
يتململ الزلزال في الهضاب
و التاع فيها الشرّ فاهالت على
ذاك الفتى بالضرب و الطّعنات
فاستلّ خنجره و كسّر وحده
و حشيّة الوثبات بالوثبات
و تلفّتت تلك العصابة حولها
فرأت بعين الوهم ظلّ سراه
***
و هناك لاذت بالفرار و أدبرت
ملعونه الروحات و الغدوات
و عدت يصادم بعضها بعضا كما
تتصادم الآلات بالآلات
و جثا الفتى بين الجراح كمدنف
يستنجد العوّاد بالزفرات
و تلكأت عند التوجّع روحه
بين الممات و بين نصف حياة
وامتدّ في حضن الطريق وداؤه
حيّ وصفرته من الأموات
و تداعت الأوجاع فيه و التظت
فيه الجراح الحمر كالجمرات
و إذا تهيّأ للنهوض تثاءبت
فيه الجراح تثاؤب الحيّات
و على يمين الدرب كوخ تلتقي
في صدره النكبات بالنكبات
بين القصور و بينه ميل و ما
أدنى المكان و أبعد الرحمات !
يشكو إلى جيرانه فيصمّهم
عنه ضجيج القصف و اللّذّات
كوخ إذا خطرت به ريح الدجى
أومى إلى السكان بالرعشات
" سنوات يوسف " عمره وجداره
أبدا تنوء بأعجف السنوات
فيه العجوز و بنتها و غلامها
يتذكّرون موارد الأقوات
فالحقل جدب ظاميء و سماؤه
صحو تلوح كصفحة المرآة
و الأغنياء ، و هل ترقّ قلوبهم ؟
لا ، إنّها أقسى من الصخرات
و تغلغلوا في الصمت فانتبهوا على
شبح ينادي الصمت بالأنّات
فإذا فتى قلق الملامح يختفي
تحت الجراح الحمر و الخفقات
فمشى ثلاثتهم إليه وانثنوا
بالضّيف بين الدمع و الآهات
وروى لهم خبر العصابة أنّها
سدّت عليه الدرب بالهجمات
و تهيّجت فيه الجراح فصدّها
و تستّرت باللّيل كالحشرات
فدنت فتاة الكوخ تمسح وجهه
و تبلسم الأجراح بالدعوات
و تبلّ من دمه يديها إنّها
تشمّ فيه أعبق النفحات
و ترى به ما ليس تدري هل ترة
سرّ القضا ؟ أم آية الآيات
فإذا الجراح تنام فيه و يشتفي
و يردّ عمرا كان وشك فوات
وإزاءه ابنت الجميلة كلّها
روح سماويّ و طهر صلاة(55/248)
يتجاوب الإغراء في كلماتها
كتجاوب الأوتار بالنغمات
أغفى الجريح على السكون و أغمضت
أجفان من حوليه كفّ سبات
و الكوخ في حرق الأسى مترقّب
بشرى ترفّ عليه كالزهرات
***
و اللّيل تمثال سجين يرتجي
فكّ القيود على يد النحّات
فبدا احمرار في الظلام كأنّه
لعنات حقد في وجوه طغاة
و تسلّل السحر البليل على الربى
كالحلم بين الصحو و الغفوات
يندى و ينثر في البقاع أريجه
و يرشّ درب الفجر بالنّسمات
وصيت على الجبل الشموخ أشعّة
مسحورة كطفولة القبلات
فكأنّما الجبل المعمّم بالسنى
ملك يهزّ الفجر كالرايات
رفع الجبين إلى العلا فتقبّلت
في رأسه الأضواء كالموجات
و تسلّق الأفق البعيد شموخه
فترى عمامته من الهالات
و تلألأت فوق السفوح مباسم
ورديّة الأنفاس و البسمات
وانصبّ تيّار الشروق كأنّه
شعل النبوّة في أكفّ هداه
و غزا الدروب فأجفلت قطّاعها
ووجوههم تحمرّ بالصفعات
و تصايحت تلك العصابة ما أرى ؟
هذي الجهات المشرقات عداتي
أين المفرّ ؟ و أين أطلب مهربا ؟
و النور يسطع من جميع جهاتي
كيف القرار ؟ و ليس لي كهف و لا
درب فيا لي ! ! يا لسوء مماتي !
و أفاق أهل الكوخ حين ثقوبه
تومي إلى الأبصار بالومضات
فدنا ثلاثتهم يرون جريحهم
فإذا الفتى في سكرة الفرحات
نفض النعاس وشدّ فيه جراحه
و استقبل الدنيا بعزم أباه
ورمى إلى كفّ الغلام و أمّه
بعض النقود و دعوة البركات
و صبا إلى كفّ الفتاة و قال : يا
" نجوى " خذي نخب الزفاف و هاتي
و طوى الجراح وهبّ يقتاد السنى
و يبشر الأكواخ بالخيرات
و يقود تاريخا و ينبت خطوة
فجرا ينير مسالك القادات
***
فضح الصباح المجرمين فأصبحوا
أخبار جرم في فم اللّعنات
و تعالت الأكواخ تنظر أهلها
يضعون " غار النصر " في الهامات "
لمس الربيع قلوبهم و حقولهم
فاخضوضرت بالبشر و الثمرات
و الجوّ يلقي النور في الدنيا : كما
تلقي السيول مناكب الربوات
و الزهر في وهن الشباب مفتّح
فوق الغصون كأعين الفتيات(55/249)
و الأفق يورق بالأشعّة و الندى
و الأرض تمرح في حليّ نبات
***
و هنا انتهى دور الجرائم و ابتدى
دور وريف الظلّ كالجنّات
فتجمّع الإخوان بعد تفرّق
وانضمّ شمل الأهل بعد شتات
صرعت أباطيل الدجنّة يقظة
أقوى من الإرهاب و القوّات
و الدجل يذهب كالجفاء و لم تدم
إلاّ الحقيقة فوق كلّ عتاة
***
إنّ الحياة مآتم تفضي إلى
عرس و أفراح إلى حسرات
لكنّها بخريفها و شتائها
و بصيفها .. حكم ودرس عظات
فاختر لسير العمر أيّة غاية
إنّ الحقيقة غاية الغايات .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> خطرات
خطرات
رقم القصيدة : 67530
-----------------------------------
قال لي : هل تحسّ حولك رعبا
و عجاجا كالنار طار وهبّا ؟
فكأنّ النجوم شهقات جرحي
جمدت في محاجر الأفق تعبى
***
قلت : إنّ الطريق شبّ عراكا
آدميّا في أجيف الغنم ... شبّا
فكأنّي أشتمّ في كلّ شبر
ميته تستثير كلبا ... و كلبا
أقوياء تفنى الضّعاف و تدعو
خسّة الغالبين نصرا و كسبا
***
قال : إنّا نبكي الضعيف صريعا
و نهني القويّ رغبا ورهبا
زعم المرء أنّه علّة الدنيا
فأشقى ما هبّ فيها و دبّا
واستباح ابنه و أردى أخاه
و تولّى تراث قتلاه غصبا
فكأنّ الثرى رفات ضحايا
زوّرتها السنون طينا و عشبا
***
قلت : لا توقظ " المعرّي " فيلقى
" أمّ دفر " أغوى خداعا و أصبى
ويرانا أخسّ من أن يثير الهجو
أو نستحقّ نقدا و سبّا
لا تذكّر " أبا العلا " إنّ جيل اليو
م أضرى من جيل أمس و أغبى
***
و هنا قال صاحبي : لا تعانى
فترى ألمع المحاسن ذنبا
يا أخي : و الهوى يصمّ و يعمى
كيف ترضى الهوى دليلا وركبا ؟
فتأمّل تجد صراعا ... كريما
و صراعا جمّ النذالات خبّا
و قتيلا يغفو و يسهر ثارا
و شهيدا يندى سلاما و حبّا
و دما في الثرى تجمّد جمرا
و دما في السماء أرقّ شهبا
و نفاحا أخزى هجوما و تربا
سمّدته الدماء فاخضرّ خصبا
***
و ذكرنا أنّا نسير و أغفى
جهدنا و الطريق ما زال صعبا
دربنا كلّه عجاج و ريح(55/250)
كفّنت جوّه رمادا و حصبا
و ظلام تألّه الشرّ فيه
و تمطّى شيطانه فتنبّى
و صراع إن أطفأ الضعف حربا
شبّ حقد الرماد حربا فحربا
***
كيف نسري ؟ وراءنا عاصف يطـ
غى ؛ وقدّامنا أعاصير نكبا
يتلهّى بخطونا عبث الريحين ،
دفعا إلى الأمام وجذبا
قلت : ليت الممات ينهي خطانا
قال : ما كلّ من دعى الموت لبّى
يا رفيقي : ألموت شرّ ... و أدهى
منه ... و أنّا نريده و هو يأبى
***
قال لي : لا تقف : تقوّ بزندي
فمضينا نشدّ بالجنب جنبا
واتحدنا جنبا كأنّا اختلطنا
و جمعنا القلبين في الجنب قلبا
فاهتدى سيرنا كأنّا فرشنا
لخطانا مباسم الفجر دربا
وانتشى جوّنا انتشاء النّدامى
و أدار النجوم أكواب صهبا
يشعل الحبّ من دجى الأفق فجرا
يسفح العطر في طريق الأحبّا
***
و نظرنا في الأفق وهو بقايا
من ظلام محمرّة الوجه غضبى
و خيال السّنى يجرّب عينيه
فيطوي هدبا و يفتح هدبا
و سألنا : فيم التعادي ؟ و فيما
نخضب اللّيل بالجراحات خضبا ؟
و لماذا نجني المنايا ... بأيدينا ؛
و نرمي الحياة في الترب تربا ؟
و الروى أخوة ففيم التعادي ؟
و هو أخزى بدءا و أشأم عقبى ؟
أمّنا الأرض " يسعد الأمّ " أن
تلقى بنيها صبّا يعانق صبّا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مروءات العدو
مروءات العدو
رقم القصيدة : 67531
-----------------------------------
يخوّفني بالنهب و القتل ناقم
عليّ و هل لي ما أخاف عليه ؟
إذا رام نهبي لم يجد ما يرومه
و إن رام موتي فالمصير إليه
إذا سلّ روحي سلّني من يد الشقا
و خلّصني من شرّه بيديه
و أطلقني من سجن عمري فقاتلي
عدوّ ، مروءات الصديق لديه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مصرع طفل
مصرع طفل
رقم القصيدة : 67532
-----------------------------------
كيف انتهى من قبل أن يبتدي
هل تنطفي الروح و لم توقد ؟
و كيف أنهى السير من لم يرح
في دربه المجهول أو يغتدي ؟
وافى من الديجور يحبو إلى
كهف السكون النازح الأسود(55/251)
ألقى به المهد إلى قبره
لم يقترب منه و لم يبعد
***
ما باله خفّ إلى موته ؟
هل كان و الموت على موعد ؟
ما أقصر الشوط و أدنى المدى
ما بين عهد اللّحد و المولد !
يا من رأى الطفل يعاني الردى
و يرفع الكفّ كمن يجتدي !
كأنّه في خوفه ... يحتمي
بكفّه من صوله المعتدي !
و كلّما انهال عليه انطوى
يلوذ بالثوب ... و بالمرقد
و تارة يرنو إلى أمّه
و تارة يلقي يدا في يد
و مرّة يرجو أبا مشفقا
و مرّة يرنو إلى العوّد
***
يهوى أبوه لو يذود القضا
عنه و تهوى الأمّ لو تفتدي
يا من شهدت الطفل في موته
ألم تمت من روعة المشهد ؟ !
***
ياصائد العصفور رفقا به
فلم يخض جوا و لم يصعد
أتى يغنّي الروض لكنّه
لم ينشق الروض و لم ينشد
طفل كعصفور الروابي طوى
ردا الصبا من قبل أن يرتدي
أهلّ في بدء الصبا فانطفى
لم يهد حيران و لم يهتد
و نام في حضن الهنا مبعدا
عن الأعادي و عن الحسّد
عن ضجّة الدنيا و أشرارها
و عن غبار العالم المفسد
تدافع الطفل إلى قبره
فنام تحت الصمت كالجلند
ما أسعد الطفل و أهنى الكرى
على سكون المرقد المفرد !
***
هنا ثوى الطفل و أبقى أبا
يبكي و أمّا في البكا السرمدي
تقول في أسرارها أمّه :
لو عاش سلوى اليوم ، ذخر الغد !
لو عاش لي يا ربّ ، لو لم يمت
أو ليته يا ربّ ، لم يوجد
***
هل خاف هذا الطفل جهد السرى
فاختزل الدرب و لم يجهد ؟
ما باله جفّ وريّ الصبا
حوليه و العيش الظليل الندي ؟ !
مضى كطيف الفجر لم يقتطف
من عمره غير الصبا الأرغد
لم يطعم الدنيا و لم يدر ما
في سوقها من جيّد أو ردي
حبّا من المهد إلى لحده
لم يشقّ في الدنيا و لم يسعد
فهاك يا " عبد العزيز " الرثا
شعرا حزين الشدو و المنشد
يبكي كما تبكي و في شجوه
تعزيه عن طفلك الأوحد .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بعد الضياع
بعد الضياع
رقم القصيدة : 67533
-----------------------------------
إلى من أسير ؟ أهاض المسير
قواي و أدمى جناحي الكسير(55/252)
ةو كيف المسير و دربي طويل
طويل وجهدي قصير قصير ؟ !
فكنت كفرخ أضاع الجناح
و تدعوه أشواقه أن يطير
و لي أمنيات كزهر القبور
يموت و يرعشه الزمهرير
أجرّ خطاي فأخشى العثار
و تجتاحني رغبة كالسعير
فحينا أهبّ كطفل لعوب
و حينا أدبّ كشيخ حسير
و آونة أرتمي في الجراح
كما يرتمي في القيود الأسير
و تدفعني وحشة الذكريات
و تثني خطاي طيوف المصير
***
أمامي غيوب و سرّ رهيب
و خلفي عذاب و ماض مرير
إلى أين أمضي و هل أنثني ؟
أمامي خطير و خلفي خطير
هنا هزّني من وراء المنى
نداء كضحك الصبيّ الغرير
كخفق الأماني كنجوى غدير
شذى الصدى زنبقيّ الخرير
فجئت إليك كمن يلتجي
إلى واجه من جحيم الهجير
ورفّ عليّ هواك الحنون
رفيف الربيع الشذيّ الخضير
فلا تسألي من هداني إليك ؟
هداني إليك صباك النضير
أتخفين عنّي و حولي شذاك
يوشّي الدروب و يغشى الأثير
فأقبلت في الطيب أمشي إليك
على ألف أغنية من عبير
و لمّا التقينا احتضنّا الهوى
كما يحضن الفجر صدر الغدير
و غنّاك حبّي فلاقى لديك
صدى ناعما مترفا كالحرير
و ناديت فيك هوى أوّلا
و ناديت فيّ الحبيب الأخير
***
و سرنا جميعا يدا في يد
نغنّي كثيرا و نبكي كثير
و طاب لنا منزل واحد
صغير كعشّ الهزار الصغير
و لم تسأليني : أعندي سرير ؟
لأنّ المحبّة أحنى سرير
و هل لي سرير أنا شاعر
شعوري غنيّ وجيبي فقير ؟
و حسبي أنا من عطايا الوجود
شعور غنيّ و فكر منير
إذا كان همّي شراب وقوت
فما الفرق بيني و بين الحمير
خلقت حنونا لكلّ الأنام
بأرجاء قلبي قرار قرير
أعزّي الفقير و أرثي الغنيّ
على عجزه و أهنّي القدير
أعزّي الجميع و أهوى الجميع
و محتقر الناس أدنى حقير
و أستلهم الدمع و الأغنيات
و نوح النعيّ و صوت البشير
***
أنا شاعر يا " ابن العمّ " لي
من الحبّ نبع شهيّ غزير
و شعر رقيق كحلم الصباح
على مقل الياسمين المطير
فحسبي و حسبك ديوان شعر
و بيت صغير و حبّ كبير
وكأس من الشوق و الذكريات
و أغنية من شذاك المثير(55/253)
إذا قرّت النفس لذّ المقام
و ساوى التراب الفراش الوثير
فقد يتعس الجدب كوخ المقل
و تشقي الرفاهة قصر الأمير
يضيق الفقير و يشقى الغنيّ
فلا ذاك بدع و لا ذا نكير
فذا يشتهي لم يجد بلغة
و هذا يعاف الغذاء الوفير
و يخفي وراء الطلاء الأنيق
صدوع الحنايا و خزي الضمير
فومض السعادة من حوله
كومض الأشعّة حول الضرير
فكم مترف مبتلى بالألوف
و كم كادح هانيء باليسير
***
لنا يا " ابنه العمّ " من حبّنا
حنان يغنّي و عيش غضير
و فنّ يضمّ هوانا ... كما
يضمّ السميرة أشهى سمير
و يحتضن الحبّ و الأمنيات
كما تحضن الكأس كفّ المدير
إليك انتهت رحلتي في الضيا
ع فأنسيتني هولها المستطير
فلقياك كالظلّ بعد الهجير
و كالنصر بعد الجهاد العسير
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> يوم المعاد
يوم المعاد
رقم القصيدة : 67534
-----------------------------------
يا أخي يا ابن الفدى فيما التمادي
و فلسطين تنادي و تنادي ؟
ضجّت المعركة الحمرا ... فقم:
نلتهب ..ز فالنور من نار الجهاد
و دعا داعي الفدى فلنحترق
في الوغى ، أو يحترق فيها الأعادي
***
يا أخي يا ابن فلسطين التي
لم تزل تدعوك من خلف الحداد
عد إليها , لا تقل : لم تقترب
يوم عودي قل : أنا " يوم المعاد "
عد و نصر العرب يحدوك و قل :
هذه قافلتي و النصر حادي
عد إليها رافع الرأس و قل :
هذه داري ، هنا مائي وزادي
و هنا كرمي ، هنا مزرعتي
و هنا آثار زرعي و حصادي
و هنا ناغيت أمّي و أبي
و هنا أشعلت بالنور اعتقادي
هذه مدفأتي أعرفها
لم تزل فيها بقايا من رماد
و هنا مهدي ، هنا قبر أبي
وهنا حقلي و ميدان جيادي
هذه أرضي لها تضحيتي
و غرامي و لها وهج اتّقادي
ها هنا كنت أماشي إخوتي
و أحيّي ها هن أهل ودادي
هذه الأرض درجنا فوقها
و تحدّينا بها أعدى العوادي
و غرسناها سلاحا و فدى
و نصبنا عزمنا في كلّ وادي
و كتبنا بالدّما تاريخنا
ودما قوم الهدى أسنى مداد
هكذا قل : يا ابن " عكّا " ثمّ قل :(55/254)
ها هنا ميدان ثاري و جلادي
يا أخي يا ابن فلسطين انطلق
عاصفا وارم العدى خلف البعاد
سر بنا نسحق بأرضي عصبة
فرّقت بين بلادي و بلادي
قل : " لحيفا " استقبلي عودتنا
وابشري ها نحن في درب المعاد
و اخبري كيف تشهّتنا الربى
أفصحي كم سألت عنّا النوادي !
قل : لإسرائيل يا حلم الكرى
زعزعت عودتنا حلم الرقاد
خاب " بلفور " و خابت يده
خيبة التجّار في سوق الكساد
لم يسع ، لا لم يسع شعب أنا
قلبه و هو فؤاد في فؤادي
قل : " بلفور " تلاقت في الفدى
أمّة العرب و هبّت للتفادي
***
وحّد الدرب خطانا و التقت
أمّتي في وحدة أو في اتّحاد
عندما قلنا : اتّحدنا في الهوى
قالت الدنيا لنا : هاكم قيادي
و مضينا أمّة تزجي الهدى
أينما سارت و تهدجي كلّ عادي .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> المنتحر
المنتحر
رقم القصيدة : 67535
-----------------------------------
لفظ الروح فاطمأنّت ضلوعه
وانطفى شوقه و نام ولوعه
وقع المتعب الكئيب على الموت
فماذا جرى وكيف وقوعه ؟
جفّت الكأس في يديه و أشتى
فيه وادي المنى و مات ربيعه
حار في الموت و الحياة ... كراع
ضاع تحت الدجى و ضاع قطيعه
كلّما ساءل الدجى أين يمضي
لجّ في الصمت واستفاض خشوعه
وانحنى كالعجوز وانساق كالمخـ
مور و امتدّ في السكون هزيعه
***
لا تسل ذلك الفتى : كيف صاح
الجرح فيه ؟ و كيف صمّ سميعه
كيف أسرار قلبه أيّ سرّ
كان يطوي و أيّ سرّ يذيعه ؟
همّ بالموت و الظنون توارى
حوله الخوف تارة و تشيعه
و تلكّا فدار في ذهنه " سقراط "
هذا اسمه و هذا لموعه
ذلك الفيلسوف لم يدر هل أحأ
سن صنعا أم كيف ساء صنيعه ؟ !
جرعة الكأس أنهت العمر فيه
فانتهى أصل شرّه و فروعه
و تلكّا الفتى و حار ، أيشري
من يد الموت عمره أم يبيعه ؟
أومأت كفّه إلى خنجر الموت
و أومى إلى الحياة نزوعه
***
ليس يدري أيّ الأمرّين أحلى
سعيه نحو حتفه أم رجوعه ؟
طاوع الخنجر الأصمّ يديه
حين كادت يمينه لا تطيعه(55/255)
و توارى في صدره خنجر الموت
فضجّ الحشا وفارت صدوعه
و التوى حوله الردى كالأفاعي
وتلوّى كالأفعوان صريعه
و تراخت على الفراش يداه
ثمّ أغفى و في يديه نجيعه
***
متعب طال عمره و شقاه
و تمادت جراحة و دموعه
طالما شبّ من دماه شموعا
للهوى فانطفى الهوى و شموعه
حين لم يستطع بلوغ مناه
مات : و الموت كلّ ما يستطيعه
وانطوى عمره الطويل فألقى
قيده و انتهى شقاه و جوعه
وانزوى حيث لا يحسّ صديقا
يجتبيه و لا عدوّا يروعه
***
نول المضجع الأخير فلانت
قسوة الشرب و استراح ضجيعه
أسكت القبر فيه كلّ ضجيج
واحتواه سكونه و هجوعه
إنّما القبر مضجع يستوي
العالم فيه رفيعه ووضيعه
نافقت بيننا الحياة فهذا
حلّ كوخا و ذاك طالت ربوعه
يا ظالم الحياة ما أعدل القبر
تساوى فيه الوجود جميعه !
***
لا تلم ذلك الفتى حين أردى
نفسه فالشقا الطويل شفيعه
و انتحار المضيم أخصر للضيّم
و أجدى من أن يطول خضوعه
مزّق العمر ضيّعه العمر
و حمق حفظ الفتى ما يضيعه
كم شوت روحه الضلوع ويوما
لفظ الروح فاطمأنّت ضلوعه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بين ذهاب و معاد
بين ذهاب و معاد
رقم القصيدة : 67536
-----------------------------------
تلفّتت كالسارق الخائف
إلى العشيق اللّاهث الراجف
مذعورة ترتاع من خطوها
من الخيال الكاذب الطائف
شرشفها المذعور كالغصن في
جوّ الخريف الأصفر العاصف
تمشي و يمشي إثرها و الدجى
حوليهما كالراهب العاكف
وانطلقت وانقضّ في إثرها
كالبرق في إيماضه الخاطف
***
حتّى احتوى شخصيهما مخدع
غضّ كأفراح الصبا الوارف
فاللّيل رقص عابث كالصبا
و معزف يشدو بلا عازف
ولاح وهمان لعينيهما
كواقف ريصغي إلى واقف
فقنّعت وجهيهما صفرة
كذكريات المذنب الآسف
و أعتم الجوّ فلم يخشيا
على ستار الحبّ من كاشف
و أنصت اللّيل ولم يستمع
إلاّ شكاوى عمره التالف
كأنّه شيخ على وجهه
مقبرة من عهده السالف
شيخ له وجه كدجل الرؤى
ولحية تدعو يد الناتف(55/256)
أصغى فلم يسمع سوى غيمة
و ثرثرات المطر الواكف
و خطو فلّاح هناك انحنى
يمحو بقايا العرق النازف
***
هنا اطمأنّت واطمأنّ الفتى
إلى اللّقاء الصاخب القاصف
و حدّقت في مجه محبوبها
تحديقة الظامي إلى الغارف
ووسوست ما سرّ إطراقه
و ما ورا إطراقه العارف ؟ !
هل أذهلته فتنتي أم أنا
أسعى وراء الموعد الآزف ؟
هل أجتديه ؟ آه أم ألتجي
إلى سلاحي المدمع الذارف ؟ !
أم لا ينمّ الوجه عن قلبه ؟
أم حبّه كالدرهم الزائف ؟
لا : لم يكن : إنّي أرى قلبه
في عينه كالشّره الواجف
عيناه في عينيّ لكن متى
يدني فمي من فمه الراشف ؟
و أومأت في ثغرها بسمة
إيماءة الزهر إلى القاطف
فضجّ في أحشاءه موكب
من الحنين الدافق الجارف
فضمّها حتّى ارتمت و ارتمى
على السرير الناعم العاطفي
فضمّ سكّيرا و سكّيره
و شدّ مشغوفا إلى شاغف
***
و عاد و الفجر وراء الدجى
لمح كهجس الخاطر الكاسف
و فجأة أومت بنان السنى
أيماءة الحسن ؟إلى الواصف
و أقبل الفجر و في جيده
قلادة من جرحه الراعف
فالدرب في إشراقه جدول
مزغرد في جدول هاتف
و كبرياء البعث أهزوجة
على شفاه الموكب الزاحف
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> بشرى النبوءة
بشرى النبوءة
رقم القصيدة : 67537
-----------------------------------
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار
وحيا و أفضت إلى الدنيا بأسرار
بشرى النبوّة طافت كالشذى سحرا
و أعلنت في الربى ميلاد أنوار
و شقّت الصمت و الأنسام تحملها
تحت السكينه من دار إلى دار
و هدهدت " مكّة " الوسنى أناملها
و هزّت الفجر إيذانا بإسفار
***
فأقبل الفجر من خلف التلال و في
عينيه أسرار عشاق و سمار
كأنّ فيض السنى في كلّ رابية
موج و في كلّ سفح جدول جاري
تدافع الفجر في الدنيا يزفّ إلى
تاريخها فجر أجيال و أدهار
واستقبلت طفلا في تبسّمه
آيات بشرى و إيماءات إنذار
و شبّ طفل الهدى المنشود متّزرا
بالحقّ متّشحا بالنور و النار
في كفّه شعلة تهدي و في فمه(55/257)
بشرى و في عينه إصرار أقدار
و في ملامحه وعد و في دمه
بطولة تتحدّى كلّ جبّار
***
و فاض بالنور فاغتم الطغاة به
و اللّصّ يخشى سطوع الكوكب الساري
و الوعي كالنور يخزي الظالمين كما
يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار
نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت
كتائب الجور تنضي كلّ بتّار
كأنّها خلفه نار مجنّحة
تعدو قدّامه أفواج إعصار
فضجّ بالحقّ و الدنيا بما رحبت
تهوي عليه بأشداق و أظفار
و سار و الدرب أحقاد مسلّخة
كأنّ في كلّ شبر ضيغما ضاري
وهبّ في دربه المرسوم مندفعا
كالدهر يقذف أخطار بأخطار
***
فأدبر الظلم يلقي ها هنا أجلا
و ها هنا يتلقّى كفّ ... حفّار
و الظلم مهما احتمت بالبطش عصبته
فلم تطق وقفة في وجه تيّار
رأى اليتيم أبو الأيتام غايته
قصوى فشقّ إليها كلّ مضمار
وامتدّت الملّة السمحا يرفّ على
جبينها تاج إعظام و إكبار
***
مضى إلى الفتح لا بغيا و لا طمعا
لكنّ حنانا و تطهيرا لأوزار
فأنزل الجور قبرا وابتنى زمنا
عدلا ... تدبّره أفكار أحرار
***
يا قاتل الظلم صالت هاهنا و هنا
فظايع أين منها زندك الواري
أرض الجنوب دياري و هي مهد أبي
تئنّ ما بين سفّاح و سمسار
يشدّها قيد سجّان و ينهشها
سوط ... ويحدو خطاها صوت خمّار
تعطي القياد وزيرا و هو متّجر
بجوعها فهو فيها البايع الشاري
فكيف لانت لجلّاد الحمى " عدن "
و كيف ساس حماها غدر فجّار ؟
وقادها وعماء لا يبرّهم
فعل و أقوالهم أقوال أبرار
أشباه ناس و خيرات البلاد لهم
يا للرجال و شعب جائع عاري
أشباه ناس دنانير البلاد لهم
ووزنهم لا يساوي ربع دينار
و لا يصونون عند الغدر أنفسهم
فهل يصونون عهد الصحب و الجار
ترى شخوصهم رسميّة و ترى
أطماعهم في الحمى أطماع تجّار
***
أكاد أسخر منهم ثمّ تضحكني
دعواهم أنّهم أصحاب أفكار
يبنون بالظلم دورا كي نمجّدهم
و مجدهم رجس أخشاب و أحجار
لا تخبر الشعب عنهم إنّ أعينه
ترى فظائعهم من خلف أستار
الآكلون جراح الشعب تخبرنا
ثيابهم أنّهم آلات أشرار(55/258)
ثيابهم رشوة تنبي مظاهرها
بأنّها دمع أكباد و أبصار
يشرون بالذلّ ألقابا تستّرهم
لكنّهم يسترون العار بالعار
تحسّهم في يد المستعمرين كما
تحسّ مسبحة في كفّ سحّار
***
ويل وويل لأعداء البلاد إذا
ضجّ السكون وهبّت غضبة الثار !
فليغنم الجور إقبال الزمان له
فإنّ إقباله إنذار إدبار
***
و الناس شرّ و أخيار و شرّهم
منافق يتزيّا زيّ أخيار
و أضيع الناس شعب بات يحرسه
لصّ تستره أثواب أحبار
في ثغره لغة الحاني بأمّته
و في يديه لها سكّين جزّار !
حقد الشعوب براكين مسمّمة
وقودها كلّ خوّان و غدّار
من كلّ محتقر للشعب صورته
رسم الخيانات أو تمثال أقذار
و جثّة شوّش التعطير جيفتها
كأنّها ميته في ثوب عطّار
***
بين الجنوب و بين العابثين به
يوم يحنّ إليه يوم " ذي قار "
***
يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت
ذكراه كالفجر في أحضان أنهار
يا صاحب المبدأ الأعلى ، و هل حملت
رسالة الحقّ إلاّ روح مختار ؟
أعلى المباديء ما صاغت لحاملها
من الهدى و الضحايا نصب تذكار
فكيف نذكر أشخاصا مبادئهم
مباديء الذئب في إقدامه الضاري ؟ !
يبدون للشعب أحبابا و بينهم
و الشعب ما بين طبع الهرّ و الفار
مالي أغنّيك يا " طه " و في نغمي
دمع و في خاطري أحقاد ثوّار ؟
تململت كبرياء الجرح فانتزفت
حقدي على الجور من أغوار أغواري
***
يا " أحمد النور " عفوا إن ثأرت ففي
صدري جحيم تشظّت بين أشعاري
" طه " إذا ثار إنشادي فإنّ أبي
" حسّان " أخباره في الشعر أخباري
أنا ابن أنصارك الغرّ الألى قذفوا
جيش الطغاة بجيش منك جرّار
تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم
كأنّهنّ قلاع خلف أسوار
نحن اليمانين يا " طه " تطير بنا
إلى روابي العلا أرواح أنصار
إذا تذكّرت " عمّارا " و مبدأه
فافخر بنا : إنّنا أحفاد " عمّار "
" طه " إليك صلاة الشعرر ترفعها
روحي و تعزفها أوتار قيثار
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مغني الهوى
مغني الهوى
رقم القصيدة : 67538(55/259)
-----------------------------------
لا تسخري يا أخت بالشاعر
تكفيه بلوى دهره الساخر
رفقا بغرّيد الهوى إنّه
ينوح نوح الطائر .. الحائر
يبكي بترديد الأغاني و ما
للحنه و الحبّ ... من آخر
فلا تضيقي بمغنّي الهوى
و هل يضيق الروض بالطائر ؟
تذكّري خلف النوى عاشقا
يلقاك في وجدانه الذاكر
أومى إلى كفّ الهوى قلبه
إيماءه العنقود للعاصر
محرّق الأنفاس تسري به
ظنونه حول الدجى اعابر
***
و اللّيل وادي الحبّ تنثال من
سكونه الذكرى على الساهر
و تلتقي الأشجان في جوّه
مواكبا في موكب سادر
تمرّ بالأشواق أطيافه
كما تمرّ الغيد ... بالعاهر
و تستثير النائمين الرؤى
و تضحك الأوهام للسامر
كم شاق هذا اللّيل خلّا إلى
خلّ و مطواعا إلى نافر
و جالت الأحلام فيه كما
يجول سرّ الحبّ في الخاطر
و ضمّ مشتاق مشوقا به
و حنّ ملهوف إلى زائر
***
سل الدجى عن طيف " ليلى " و كم
حيّاه " مجنون بني عامر "
و سله عن أخبار أهل الهوى
من أبعد الماضي إلى الحاضر
فإنّه رحّالة الدهر ... كم
سرى الهوى في ركبه السائر
مسافر بسري و يطوي السرى
على جناح الفلك الدائر
رحّالة الأزمان يزجي إلى
مستقبل الدهر صدى الغابر
***
كم في حنايا اللّيل سرّ و ما
أكتمه للسرّ ... و الظاهر !
ينساق في الصمت و في صمته
حنين مهجور إلى هاجر
وشوق مفتون إلى فتنه
ووجد مسحور إلى ساحر
وحقد مظلوم على ظالم
وضغن مأسور على آسر
***
يا أخت : هل ألقى إليك الدجى
أشواق قلب بالشّقا زاخر ؟
يستولد الأمال لكن كما
يستولد العنّين من عاقر
***
يا ربّة الحسن هنا نغرم
يصغي لنجوى طيفك العاطر
معذّب تاريخه قصّة
حيرى كقلب التاجر الخاسر
رقّي عليه إنّه كلّه
قلب شجيّ الشعر و الشاعر
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> شاعر الكأس و الرشيد
شاعر الكأس و الرشيد
رقم القصيدة : 67539
-----------------------------------
لو تسامت عقولنا عن هوانا
لهدينا و قدنا الزمانا
و لسرنا و خطونا يلد الفجر(55/260)
المغنّي ... و ينبت الريحانا
لو تلظّت قلوبنا بسنى الحبّ
لما عانت العيون الدخانا
لو كبحنا غرورنا لملأنا
من عطايا الوجود وسع منانا
فعطايا الحياة أوسع من
آمال أبنائها و أسخى حنانا
لو ملكنا الهدى لمل سلّ كفّ
خنجرا راعفا و أدمى سنانا
كيف يستلّ روح بعض
ألنحيى مآتما واضطغانا ؟
و نسمّي لصّ الحياة شجاعا
و نسمّي عفّ اليدين جبانا
***
نحن غرس الإله يحصده الله
لماذا تعيث فيه ... يدانا ؟
ما لنا نسبق الحمام إلينا
و هو أمضى يدا و أحنى بنانا ؟
و نخاف العدى وحين نعادي
هل درينا أنّا خلقنا عدانا ؟
لو نفضنا شرورنا لرأينا
أوجه الخير في الضّياء عيانا
نحن نبدي عيوبنا حين نرمي
بالخطايا فلانة أو فلانا
نحن لو لم نكن أصول الخطايا
ما رأينا ظلالها في سوانا
كم سألنا التفتيش عن جبفة الأثـ
م و سرنا و الإثم يحدو خطانا !
و هتكنا مخابيء الإثم في الحيّ
و عدنا نفتّش الأكفانا
***
لا تنم : يا " أبا نواس " أما
كنت أثيما في لهوة ... يتفانى ؟
أوما كنت أظرف الناس في القصـ
ف و أعلى . الغواة فنّا و شانا ؟
فهتكنا عنك الستار كأنّ لم
يخطر الإثم بيننا عريانا
هل تخوّفت غضبة السوط في الدنـ
يا و هل ذقت في القبور الأمانا ؟
لست أدري . ماذا لقيت ، لماذا
غبت في الصمت لم تحرّك لسانا ؟
إن تمت هيكلا فقد عشت أفـ
كارا و أورقت في الشفاه بيانا
أين منك الردى ؟ و أقوى من الأحـ
ياء ميت يسهد .. الأذهانا
عشت عصرا و لم يزل كلّ عصر
يتساقى فجورك الفنّانا
تلك ألحانك الظوامي كؤوس
تتغنّى فتكسر الندمانا
لكأنّي ألقاك في لحنك الظمآن
روحا ملحّنا ... و كيانا
و ذهول الإلهام يرعش عينيك
كما ترعش الصبا الأقحوانا
و أحسّ " الرشيد " ينزل دنياه
كما ينزل الصباح الجنانا
و تغنّيه و هو ينتزف الكأس
و يسقي المدلّلات الحسانا
و الندامى الصباح بين يديه
و كؤوس تنأى و أخرى تدانى
و المليحات مهرجان من الحسن
يغنّي من الهوى مهرجان
و هو يلهو لهو الشجيّ و يمضي(55/261)
في جنون الهوى يعرّي القيانا
فترى في النديّ ألف ربيع
ينثر العطر و السنى ألوانا
و صباحا من الحسان العرايا
مغرما يعزف الهوى ألحانا
و خصورا تميد بين زنود
بضّة الخصورر اللّدانا
و صدورا نهدى تضمّ صدورا
واحتضانا غضّا يلفّ احتضانا
و الجمال العريان يطغي المحبّين
و يهوى الجنون و الطغيانا
***
ما ترى يا " أبا نوّاس " ؟ ترى
الأكواب ملأى و تحتسي الحرمانا
تتشهّى مدامة ... لم تجدها
فتغنّي خيالها الفتّانا
لو وجدت الرحيق ما ذبت شجوا
و تحرّقت في المنى أشجانا
شاعر الحبّ يهجره المحـ
بوب يفتنّ في الحنين افتنانا
عشت تبكي على المدام وتذرو
في هوى الكأس دمعك الهتّنا
و تنادي الهناء في كلّ وهم
و تهنّي البساط و الصولجانا
***
بدعة الذلّ أن تحنّ و تبكي
و تغنّي " الرشيد " و " و الخيزرانا "
ملك يرضع الدنان كما يهوى
و أنت الذي تغنّي الدنانا
و " الأمين " النديم يمنعك الخمر
و يحسو و تنحني ظمآنا
و هو في القصر يحتسي عرق الشعب
و يروي القيان و الغلمانا
يملأ من دموع اليتامى
و يغنّي على نشيج الحزانى
و يرى أنّه أمين على الدين
و إن ضيّع الرشاد و خانا
كيف دين الإله ظلوم
يتحدّى الإله و الإنسانا ؟
يدّعي عصمة الملائكة الطهر
و يأتي ما يخجل الشّيطانا
***
هكذا يا " أبا نواس " تلوّى
حولك الشعب في الجراح وهانا
كيف مرّغت وجهك الحرّ في الذّلّ
و أسلست للطغاة العنانا ؟
و تغنّيت " للأمين " فأصغى
و تراخى في غيّه و توانى
و تخيّرت " للرشيد " بحورا
قلّدت جيده الغلظ جمانا
و هززت " الخصيب " فاهتزّ جنـ
باه و ذوّبت مقلتيك فلانا
و تباكيت بين كفّيه كالطفل
فيا للشموخ كيف استكانا ؟ !
***
كيف ألقاك يا أخا الكأس في
المدح ذليلا و مطرقا خجلانا ؟
تسأل الصمت كيف حلّت قوا
فيك من الذلّ و لانفاق مكانا ؟
أفترضى للفنّ أخزى مكان ؟
إنّ للفنّ حرمة وصيانا
و ألاقيك في ترنّمك الخمري
ربيعا مرنّما ... جذلانا
تعزف العطر و الفتون المندّى(55/262)
و تهزّ الشباب و العنفوانا
***
لا تقل لي : كيف القينا ؟ و قل لي :
بارك الفنّ و الخيال لقانا !
شاعر الكأس قرّب الطيف عهدينا
فكيف اتّفاقنا ؟ كيف كانا ؟
بعد العهد بيننا فادّكرنا
واختصرنا بالذكريات الزمانا
واعتنقنا على النوى و التقينا
نتشاكى من الأسى ما عنانا
أنا أشقى كما شقيت و لكن :
لا تتمتم ... و أيّنا أشقانا ؟
لا تسلني : فمحنتي أن لي في الـ
يأس أهلا و في الأسى إخوانا
نحن من نحن ؟ مزهران من
الشوق كلانا العذاب كلانا
" شاعر الكأس و الرشيد " وداعا
وسلاما يشذيك آنا فآنا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ليلة
ليلة
رقم القصيدة : 67540
-----------------------------------
رنت و الدجى في خاطر الصمت هاديء
يطاوعه حلم و حلم يناوىء
و بين حنايا اللّيل دهر مكفّن
قديم ودهر في حناياه ناشيء
رنت و السنى في مقلة اللّيل متعب
يئنّ و في دور المدينة طافيء
***
فلاحت لعينيها خيالات عابر
يحثّ الخطى حينا و حينا يباطيء
و جالت بعينيها هناك و ها هنا
فطالعها وجه على العشق طاريء
و قالت : من الآتي ؟ فأرعد قلبه
و أخجل عينيه الغرام المفاجيء
رفّت له من كلّ مرأى صبابة
وضجّ حنين بين جنبيه ظاميء
و قال : فتى تاهت سفينة عمره
و غابت وراء اليأس عنه المرافيء
يفتّش عن سلواه في التّيه مثلما
يفتّش عن أهليه في الطيف لاجيء
فحلارت به واحتار في الحبّ مثلها
فهل تبدأ الشكوى ؟ و هل هو باديء ؟
***
و لفّهما ظلّ السكينه و الهوى
يعاند أحيانا و حينا يمالي
فحدّق يستقصي مفاتن جسمها
كما يتقصّى أحرف السطر قاريء
***
وقال : فتاتي فيك تورق فتنة
و يختال فجر كالطفوله هانيء
و يهتزّ في نهديك موج مضرّم
عميق و في عينيك يحلم شاطيء
و ألفاظك النعسا تشعّ كأنّها
على شفتيك الحلوتين لآليء
و ضمّتهما في زحمة الحبّ نشوة
و هوّم في حضن الخطيئة خاطيء
فتاة يموج الحسن فيها ة ترتمي
عليها الصبابات الجياع الظواميء
جمال و إغراء وروح نديّة(55/263)
و جسم بأحضان الغواية دافيء
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> يوم العلم
يوم العلم
رقم القصيدة : 67541
-----------------------------------
ماذا يقول الشعر ؟ كيف يرنّم ؟
هتف الجمال : فكيف يشدو الملهم
ماذا يغنّي الشعر ؟ كيف يهيم في
هذا الجمال ؟ و أين أين يهوّم ؟
في كلّ متّجه ربيع راقص
و بكلّ جو ألف فجر يبسم
يا سكرة ابن الشعر هذا يومه
نغم يبعثره السنى و يلملم
يوم تلاقيه المدارس و المنى
سكرى كما لاقى الحبيبة مغرم
يوم يكاد الصمت يهدر بالغنا
فيه و يرتجل النشيد الأبكم
يوم يرنّحه الهنا و له ... غد
أهنا و أحفل بالجمال و أنغم
***
يا وثبة " اليمن السعيد " تيقّظت
شبّابة و سمت كما يتوسّم
ماذا يرى " اليمن " الحبيب تحقّقت
أسمى مناه و جلّ ما يتوهّم
فتحت تباشير الصباح جفونه
فانشقّ مرقده وهبّ النوم
و أفاق و الإصرار ملء عيونه
غضبان يكسر قيده و يدمدم
و مضى على ومض الحياة شبابه
يقظان يسبح في الشعاع و يحلم
***
و أطلّ " يوم العلم " يرفل في السنى
و كأنّه بفم الحياة ... ترنّم
يوم تلقّنه المدارس نشأها
درسا يعلّمه الحياة و يلهم
و يردّد التاريخ ذكراه و في :
شفتيه منه تساؤل و تبسّم
يوم أغنّيه و يسكر جوّه
نغمي فيسكر من حلاوته الفم
***
وقف الشباب إلى الشباب و كلّهم
ثقة وفخر بالبطولة مفعم
في مهرجان العلم رفّ شبابه
كالزهر يهمس بالشذى و يتمتم
و تألّق المتعلّمون ... كأنّهم
فيه الأشعّة و السما و الأنجم
***
يا فتية اليمن الأشمّ و حلمه
ثمر النبوغ أمامكم فتقدّموا
و تقحّموا خطر الطريق إلى العلا
فخطورة الشبّان أن يتقحّموا
وابنوا بكفّ العلم علياكم فما
تبنيه كفّ العلم لا يتهدّم
و تساءلوا من نحن ؟ ما تاريخنا ؟
و تعلّموا منه الطموح و علّموا
***
هذي البلاد و أنتم من قلبها
فلذ و أنتم ساعداها أنتم
فثبوا كما تثب الحياة قويّة
إنّ الشباب توثّب و تقدّم
لا يهتدي بالعلم إلاّ نيّر
بهج البصيرة بالعلوم متيّم(55/264)
و فتى يحسّ الشعب فيه لأنّه
من جسمه في كلّ جارحة دم
يشقى ليسعد أمّه أو عالما
عطر الرسالة حرقة و تألّم
فتفهّموا ما خلف كلّ تستّر
إنّ الحقيقة دربه و تفهّم
قد يلبس اللّصّ اعفاف و يكتسي
ثوب النبيّ منافق أو مجرم
ميت يكفّن بالطلاء ضميره
و يفوح رغم طلائه ما يكتم
***
ما أعجب الإنسان هذا ملؤه
خير و هذا الشرّ فيه مجسّم !
لا يستوي الإنسان هذا قلبه
حجر و هذا شمعه تتضرّم
هذا فلان في حشاه بلبل
يشدو و هذا فيه يزأر ضيغم
ما أغرب الدنيا على أحضانها
عرس يغنّيها و يبكي مأتم !
بيت يموت الفأر خلف جداره
جوعا و بيت بالموائد متخم
ويد منعّمة تنوء ... بمالها
و يظلّ يلثمها و يعطي المعدم
***
فمتى يرى الإنسان دنيا غضّة
سمحا فلا ظلم و لا متظلّم ؟
يا إخوتي نشء المدارس يومكم
بكر البلاد فكرّموه تكرّموا
و تفهّموا سفر الحياة فكلّها
سفر ودرس و الزمان معلذم
ماذا أقول لكم و تحت عيونكم
ما يعقل الوعي الكريم و يفهم ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> في الجراح
في الجراح
رقم القصيدة : 67542
-----------------------------------
وحدي وراء اليأس و الحزن
تجترّني محن إلى محن
و طفوله الفنّان .. تذهلني
عن ثقل آلامي و عن وهني
فأنا هنا طفل بدون صبا
و اليأس مرضعتي و محتضني
و عداوة الأنذال تتبعني
و تغسّل الأدران بالدرن
و تفوح جيفتها هنا و هنا
كالريح في المستنقع النتن
و تغيب عن دربي .... و أعينها
في الدرب غابات من الإحن
و عداي أقزام ... يخوّفهم
صحوي و يرتاعون من وسنى
ما خوفهم منّي ؟ و ما اقترنت
بالحقد أسراري و لا علّني
خافوا لأنّ الشرّ معنتهم
و أنا بلا شرّ بلا مهن
و لأنّني أدري نقائصهم
و لأنّهم خانوا و لم أخن
و لأنّهم باعوا عروبتهم
و علوت فوق البيع و الثمن
و رضيت أن أشقى و أسعدهم
وهج الوحول وزخرف العفن
***
أحيا كعصفور الخريف بلا
ريش ؛ بلا عشّ ، بلا فنن
أقتات أوجاعي و أعزفها
و أشيد من أصدائها سكني(55/265)
و أتيه كالطيف الشريد بلا
ماض ؛ بلا آت ، بلا زمن
و بلا بلاد : من يصدّقني ؟
إنّي هنا روح بلا بدن
من ذا يصدّق أنّ لي بلدا
عيناه من حرقي و لم يرني ؟
و أنا هنا أرضعت أنجمه
سهدي ووسّد ليلة شجني
أأعيش فيه و فوق تربته
كالميّت الملقى بلا كفن ؟
وولائدي بسفوحه نهر
و مشاعل خضر على القنن
ماذا؟ أيدري إخوتي و أبي
أنّي يمانيّ بلا يمن ؟
هل لي هنا أو هاهنا وطن ؟
لا ، لا : جراحي وحدها وطني
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> تحدّي
تحدّي
رقم القصيدة : 67543
-----------------------------------
هدّدزنا بالقيد أو بالسلاح
واهدروا بالزئير أو بالنّباح
و كلوا جوعنا و سيروا على أشـ
لائنا الحمر ؛ كالخيول ... الجماح
واقرعوا فوقنا الطبول و غطّوا
خزيكم بالتصنّع الفضّاح
هدّدونا لن ينثني الزحف حتّى
يزحف الفجر من جميع النواحي
***
قسما لن نعود حتّى ترانا
راية النصر في النهار الضاحي
خوّفونا بالموت : إنّا استهنّا
في الصراع الكريم بالأرواح
قد ألفنا الردى كما تألف الغا
بات عصف الخريف بالأدواح
و احتقرنا قطع الرؤوس و أدمـ
نّا المنايا في حانه السفاح
فاحفروا دربنا قبورا فإنّا
سوف نمضي للدّفن أو للنّجاح
***
نحن شعب أعيا خيال المنايا
و تحدّى يد الزمان الماحي
كلّما أدمت الطّغاة جناحا
منه أدمى نحورها بجناح
أتعب السجن و القيود و لم يتعب
و أغفى سجّانه و هو صاحي
ساهر كالنجوم يستولد الفجر
و يومي إليه بالأجراح
***
أيّها العابثون بالشعب زيدوا
ليلنا واملأوه بالأشباح
لغّموا دربنا : و مدّوا دجانا
واطفئوا الشهب وانتظار الصباح
سوف نمشي على الجراحات حتّى
نشعل الفجر من لهيب الجراح
فاستبيحوا دماءنا تتورّد
وجنة الصبح بالدم المستباح
إنّما تنبت الكرامات أرض
" سمّدت تربها " عظام الأضاحي
ودماء الشهيد أنضر غار
في جبين البطولة اللّمّاح
وجراحنا على الأفق أبهى
شفق لامع و أزهى وشاح
قد أجبنا صوت المروءات لمّا
عربد الظالم العنيد الإباحي(55/266)
وابتنى القصر من ضلوع الملا
يين ؛ و جوع الأجير و الفلّاح
فخلعنا عن صدره قلب " شمـ
شون " و عن وجهه قناع " سجاح "
نحن سرنا على ادماء إليه
و على النار و القنا و الصفاح
وانطلقنا على المنايا كأنّا
نتمنّى الحتوف في كلّ ساح
لم ترنّح مصباحنا أيّ ريح
دمنا الزيت في فم المصباح
نحن شعب خضنا إلى الفجر هولا
فاغرا في الطريق كالتمساح
و عبرنا ليلا كألسنة الحيّات
و الدرب عاصف بالتلاحي
و تفشّت دماؤنا في الروابي
السمر ؛ كالعطر في مهبّ الرياح
بيننا و المرام خطوة عزم
واثب كالضحى شباب الطماح
قسما لم نقف عن السير حتّى
نضفر الغار في جبين الكفاح
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> رحلة التيه
رحلة التيه
رقم القصيدة : 67544
-----------------------------------
هدّني السجن و أدمى القيد ساقي
فتعاييت بجرحي ووثاقي
و أضعت الخطو في شوك الدجى
و العمى و القيد و الجرح رفاقي
و مللت الجرح حتّى ... ملّني
جرحي الدامي و مكثي وانطلاقي
و تلاشيت فلم يبق سوى
ذكريات الدمع في وهم المآقي
***
في سبيل الفجر ما لاقيت في
رحلة التيه و ما سوف ألاقي
سوف يفنى كلّ قيد و قوى
كلّ سفاح ، و عطر الجرح باقي
سوف تهدي نار جرحي إخوتي
و أعير الأنجم الوسنى احتراقي
فلنا شعب فمن ينكرني
و هو في دمعي و سهدي و اشتياقي ؟
أنا ألقاه شجونا و منى
فألاقيه هنا قبل التلاقي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الحكم للشعب
الحكم للشعب
رقم القصيدة : 67545
-----------------------------------
لن يستكين و لن يستسلم الوطن
توثب الروح فيه و انتحى البدن
أما ترى كيف أعلا رأسه
و مضى يدوس أصنامه
و هبّ كالمارد الغضبان متحشا
بالنار يجتذب العليا و يحتضن
فزعزعت معقل الطغيان ضربته
حتّى هوى و تساوى التاج و الكفن
و أذّن الفجر من نيران مدفعه
و المعجزات شفاه و الدنا أذن
تيقّظت كبرياء المجد في دمه
واحمرّ في مقلتيه الحقد و الإحن
***
يا صرعة الظلم شقّ الشعب مرقده(55/267)
و أشعلت دمه الثارات و الضغن
ها نحن ثرنا على إذعاننا و على
نفوسنا واستثارت أمنا " اليمن "
لا لا " البدر " لا " الحسن " السجّان يحكمنا
الحكم للشعب لا " بدر " و لا " حسن "
نحن البلاد و سكّان البلاد و ما
فيها لنا ، إنّنا السكان و السكن
اليوم للشعب و الأمس المجيد له
له غد و لهع التاريخ ... و الزمن
فليخسأ الظلم و لتذهب حكومته
ملعونة و ليوليّ عهدها النتن
***
كم كابد الشعب في أشواطه محنا
ماذا ترى ؟ أنضجته هذه المحن !
كم خادعته بزيف الوعد قادته
هيهات أن يخدع الفهّمة الفطن
لن ينثني الشعب هزّ الفجر غضبته
فانقضّ كالسيل لا جبن و لا وهن
حنّ الشمال إلى لقيا الجنوب و كم
هزّت فؤاديهما الأشواق و الشحن
و ما الشمال ؟ و ما هذا الجنوب ؟ هما
قلبان ضمّتهما الأفراح و الحزن
ووحّد الله و التاريخ بينهما
و الحقد و الجرح و الأحداث و الفتن
***
" شمسان " سوف يلاقي صنوة " نقما "
و ترتمي نحو " صنعا " أختها " عدن "
المجد للشعب و الحكم المطاع له
و الفعل و القول و هو القائل اللّسن .
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> من ذا هنا
من ذا هنا
رقم القصيدة : 67546
-----------------------------------
من أنادي ؟ و أنت صمّا سميعه
بين صوتي و بين أمّي قطيعه
من أنادي ؟ من ذا هنا ؟ لم يجبني
آه ، إلاّ صمت القبور الصديعه
يا بلادي : و أنثني أشغل التفتيش
عنّي ، و عن بلادي الصريعة
كيف ماتت ؟ كما يموت شباب العطر
في صفرة الغصون الخليعة
من درى كيف أطبقت مقلتيها
ورمى اللّيل حلمها في مضيعه ؟
أوكلت أمرها الطغاه ... كراع
نام واستودع الذئاب قطيعة
و تعامت فاستبعدتها عبيد اللّهو
باسم الهدى و باسم الشريعة
وانزوت وحدها تئنّ و تستلقي
وراء الحياة ، خلف الطبيعة
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> لنعترف
لنعترف
رقم القصيدة : 67547
-----------------------------------
أين أضعنا يا رفاق السماح
فجرا أفقنا قبل أن يستفيق(55/268)
نسقيه من خلف اللّيالي الشحاح
دما و يسقينا خيال الرحيق
و فجأة من شاطئ اللّيل لاح
و غاب فيه كالوليد ... الغريق
لا تغضبوا ضاع كرجع الصداح
في ضجّة الفوضى و سخف النعيق
***
"لنعترف " أنا أضعنا الصباح
فلنحترق حتّى يضيء ... الطريق
ألم نؤجّج نحن بدء الكفاح ؟
فلنتّقد حتّى مداه ... السحيق
لن ننطفي ما دام فينا جراح
مسهّدات في انتظار الحريق
لن ننطفي رغم احتشاد الرياح
فبيننا و النصر وعد وثيق
و فجرنا الآتي يمدّ الجناح
لنا و يومي باختلاج البريق
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> ثائران
ثائران
رقم القصيدة : 67548
-----------------------------------
من جمال و من أسمّي جمالا ؟
معجزات من الهدى تتوالى
و شموخا يسمو على كلّ فكر
و على كلّ قمّة ... يتعالى
من " جمال " ؟ حقيقة تنثني
عنها الخيالات يحترقن انفعالا
و عناد أعيا البطولات حتّى
رجع الموت عنه يشكو الكلالا
***
موكب من مشاعل إنطفى الحسّاد
من نفخه وزاد اشتعالا
و تدلّت أضواؤه كالعناقيد
فأذكت في كلّ عين ذبالا
وتملأ ثوّار " صنعا "هداه
فاستطاروا يحرّقون الضلالا
و التقوا يغسلون بالنار دنيانا
و يمحون بالدم الأوحالا
وأضاءوا و اللّيل يبتلع الشهب
و أمّ الهلال تطوي الهلالا
فتناغى و مض المآذن : ماذا ؟
أيّ فجر أشتمّ فيه " بلالا " ؟
***
ووراء الحنين شعب مسجّى
ملّ موت الحياة ؛ ملّ الملالا
و الرؤى تسأل الرؤى كيف ضجّ
الصمت ؛ و استفسر الخيال الخيالا
من أطلقوا كصحو نيسان يكسون
الربى الجرد خضرة و اخضلالا
و مضى الثائرون يفدون شعبا
يتدّون باسمه الآحالا
كالقلاع الجهنّميات ينقضّون
يرمون بالجبال الجبالا
و يشبّون ثورة رمت التاج
و هبّت تتوّج ... الأجيالا
و مشت و الشروق في خطوها الجـ
بّار ، ينثال في الدّروب انثيالا
و مددنا المنى فكانت عطاء
سرمديا تجاوز الآمالا
فطفرنا إلى الحياة كموتي
فعتهم قبورهم ... أطفالا
***
و بدأنا الشوط الكبير و أعددنا(55/269)
لأحداثه الكبار ... جمالا "
و اهتدينا به فكان دليلا
و أبا يحمل الجهود ... الثقالا
و بلونا فيه أخا لم تزده
لهب الحادثات إلاّ صقالا
ودروب الكفاح تنبيك عنه
كم طواها و أتعب الأهوالا
و ثنى الموت في " القناة " و ألقى
في أساطيله الحريق ... ارتجالا
ورمى الغزو و الغزاةى رمادا
تخبر العاصفات عنه الرمالا
و فلولا تكابت الروح فيها
مثلما تكبت العجوز السعالا
***
لا تسل " بور سعيد " و اسأل عداه
كيف أدمى اللّظى وجال وصالا
و تحدّى الردى الغضوب و "مصر "
خلفه تسحب الذيول اختيالا
و انتظار الفرار و النصر وعد
يحتمي يدني ... المحالا
و الضحى يرتدي رداء من النار
و يرخى من الدخان ... ظلالا
و منايا تمضي و تأتي منايا
و قتال دام يثير ... قتالا
و سؤال يمضي و ما من جواب
و جواب يأتي يعيد السؤالا
فإذا " ناصر " يقود تلالا
من شباب القوى تدك تلالا
و جحيما تحتلّ أجساد من جاءوا
يرمون عنده ... الإحتلالا
و أباه لا يعتدون و يهدون
إلى المعتدي الأثيم الزوالا
و يطيرون يضفرون النجوم الخضر
" غارا " يكلّلون النضالا
و إذا النصر بين كفّي " جمال "
ينحني خاشعا و يندى ابتهالا
***
من " جمال " ؟ سل البطولات عنه
كيف أغرب به العدى الأنذالا ؟
فتبارت أذناب " لندن " تزري
باسمة فازدهى اسمه و تلالا
و أجادوا فيه السبابا و لكن
يحسن الشمّ من يسيء الفعالا
كيف يخشى أذيال لندن من صبّ
على لندن المنايا العجالا ... ؟
إنّ من تضرب الرؤوس يداه
لا يبالي أن يركل الأذيالا
***
يا لصوص العروش عيبوا " جمالا "
واخجلوا أنّكم قصرتم و طالا
فسقطّتم على الوحول ذبابا
و سما يعبر الشموس مجالا
و اكتلمتم نقصا وزاد كمالا
و مدى النقص أن يعيب الكمالا
فبنى أمّة وشدتم عروشا
خائنات تبارك القتالا
و قصورا من الحنا مثقلات
بالخطايا كالعاهرات الحبالى
فسلوا عنكم اللّيالي السكارى
و الحسان المدلّلات الكسالى
و ضياع الحمى و ما لست أدري
و دنايا شتّى عراضا طوالا(55/270)
لا تضيقوا فإنّ للشرف العالي
رجالا و للدنايا رجالا
لا تضيفوا "إنّ العروبه تدري
من " جمال " و تعرف " السلالا "
بطل الثائرين وافى أخاه
و البطولات تجمع الأبطالا
أخوان تلاقيا فاشرأبّت
" وحده "ك العرب تنحر الإنفصالا
فاهتفي يا حياة إنّا اتّحدنا
في طريق المنى وزدنا اتّصالا
و التقى " النيل " و السعيدة جسما
صافحت كفّه اليمين الشمالا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> وطني
وطني
رقم القصيدة : 67549
-----------------------------------
وطني أنت ملهمي
هزج المغرم الظميّ
أنت نجوى خواطري
و الغنا الحلو في فمي
و معانيك ، شعلة
في عروقي و في دمي
أنت في صدر مزهري
موجة من ترنّم
و صدى مسكر إلى
عالم الخلد ينتمي
و نشيد ... معطّر
كالربيع ... المرنّم
و هتاف مسلسل
كالرحيق ... المختّم
***
إيه يا موطني أفق
من كراك ... المخيّم
طالما تهت في الدجى
و الظلام المطلسم
و قطعت المتاه في
مأتم بعد مأتم
و تمشّيت في اللّظى
و العذاب المنظّم
أنت تجثو على اللّظى
و على الشوك ... ترتمي
ساسك الجوع و الشقا
و النظام الجهنّمي
إنّ بلواك منك هل
أنت من أنت تحتمي ؟
فتوثب إلى العلا
وثبة الفارس الكمي
و خضّ النار و احتمل
كبرياء ... التألّم
واصرع الظلم تكتفي
ذلّ شكوى التظلّم
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> عازف الصمت
عازف الصمت
رقم القصيدة : 67550
-----------------------------------
أطلّت هنا و هناك الوقوف
تلبّي طيوفا و تدعو طيوف
و في كلّ جارحة منك ... فكر
مضيء و قلب شجي شغوف
تغنّي هنا و تناجي هناك
و تغزل في شفتيك الحروف
و تهمس حتّى تعير الصخور
فما شاديا و فؤادا عطوف
و تعطي السهول ذهول النبيّ
و تعطي الربى حيرة الفيلسوف
تلحّن حتّى تراب القبور
و تعزف حتّى فراغ الكهوف
و تفنى وجودا عتيقا حقيرا
و تبني وجودا سخيّا رؤوف
و تغرس في مقلتيك الرؤى
كروما تمدّ إليك القطوف
و ترنو ؛ و ترنو و عيناك شوق
هتوف يناجيه شوق هتوف(55/271)
و أنت حنين ينادي حنينا
و ألف سؤال يلبّي ألوف
و دنياك عشّ يغنّي ثراه
فتخضرّ أصداؤه في السقوف
***
و حين تفيق و تفنى رؤاك
و ينأى الخيال المريد العزوف
ترى ها هنا و تلاقي هناك
صفوفا من الوحل تتلو صفوف
عليها أراق النفاق
ملامحها ؛ و أضاع الأنوف
و قتلى دعوها ضحايا الظروف
و كانوا الضحايا و كانوا الظروف
أكانوا ملاهي صروف ؟
و أولى و أخرى ملاهي الصروف
و تشتمّ فوق احمرار التراب
صدى غائما من أغاني السيوف
و تلمح فوق امتداد الدروب
سياط الخطايا تسوق الزحوف
و مقبرة يظمأ الميّتون
عليها و يحسّون وعدا خلوف
و مجتمعنا حشريّا خلوف
على غير شيء حنين الألوف
و يعد على دمه كالذئاب
و يلقى الذئاب لقاء الحروف
***
فماذا هنا من صنوف السقوط ؟
أحطّ الصنوف و أخرى الصنوف
هنا الأرض مستنقع من ذباب
هنا الجوّ أرجوحة من كسوف
يطيّل للخائنين الطريق
كأنّ حصاه استحالت دفوف
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> مآتم و أعراس
مآتم و أعراس
رقم القصيدة : 67551
-----------------------------------
كيف كنّا يا ذكريات الجرائم
مأتما في الضياع يتلو يتلو مآتم
كيف كنّا قوافلا من أنين
تتعايا هنا كشهقات نادم
و قطيعا من البراءات يهوى
من يديّ ذابح إلى شدق لاقم
و مضينا يسوقنا سيف جلّاد
و تجترّنا سكاكين ظالم
***
ضاع في حطونا الطريق فسرنا
ألما واجما على إثر واجم
و السكون المديد يبتلع الحلم
و يسري في وهمنا و هن جاثم
و الدجى حاقد يبيع الشياطين
فنشري من التبور التمائم
و خطانا دم تجمّد في الأشواك
جمرا و في الصخور مياسم
ورياح الثلوج تشتمّ مسرانا
فتشوي وجوهنا بالشتائم
***
كيف كنّا نقتات جوعا و نعطي
أرذل المتخمين أشهى المطاعم ؟
و جراحاتنا على باب "مولانا "
تقيم " الذباب " منها ولائم
و هو في القصر يحتسي الشعب خمرا
و دما و الكؤوس غضبى لوائم
و يرئي و في حناياه دنيا
من ضحايا و عالم من مآثم
فنفدّيه و هو يغمد فينا
صارما مدمنا و يستلّ صارم(55/272)
و يشيد القصور من جثث الشعب
المسجّى و من رفات المحارم
و يغطّي بالتاج رأسا خلايباه
و أفكاره ذئاب حوائم
و تلال من الحراب و كهف
من ضوار و غابة من أراقم
***
كف كنّا ندعوه مولى مطاعا
و هو " للإنجليز " أطوع خادم
هدّنا الضعف فادعى قوّة " افلجنّ "
و بأس الردى و فتك الضياغم
فتحاماه ضعفنا و اتّخذناه
إلها من " شعوذات " المزاعم
عملق الدجل شخصه وهو قزم
تتظنّاه قاعدا و هو قائم
و صبيّ الشذوذ و هو عجوز
نصفه ميّت ... و باقيه .. نائم !
و أثيم أيّامه ... للدنايا
و لياليه للبغايا ... الهوائم
و يداه يد تجرح شعبا
ويد تقطف الجراح " دراهم "
***
و يولّى على الوزارات و الحكم
رجالا كالعانسات النواقم
و لصوصا كأنّهم قوم " يا جوج "
صغار النهى كبار العمائم
و طوال الذقون شعثا " كأهل
الكهف " بل كالكهوف صمّ أعاجم
يحكمون الجموع و العدل يبكي
و المآسي تدمي سقوف المحاكم
تارة يرقصون فوق الضحايا
و أوانا بشرّعون المظالم
فيسمّون شرعه الغاب حزما
إن أصابوا فالذئب أحزم حازم
و يصلّون و المحاريب تستفتي
متى تصبح الأفاعي ... حمائم ؟
و يعودون يلفظون الحكايا
مثلما تنثر النثيل البهائم
و يميلون يعبرون الرؤى خيرا
وشرّا من خاطر الغيب ناجم
كلّهم متحف الغباء .... و كلّ
يدّعي أنّه محيط المعاجم
فيلوكون من " مريض " التواريخ
حروفا من فهرسات ... التراجم
و ينيلون " باقلا " ثغر " قسّ "
و يعبرون " مادرا " جود " حاتم "
كيف هنّا فقادنا أغبياء
و لصوص متوّجون أكارم ؟
و صغار مؤنثون و غيد
غاليات الحلى رخاص المباسم
***
هكذا كان حاكمونا و كنّا
فنحرنا فينا خضوع السوائم
و انتظرنا الصباح حتّى أفقنا
ليلة و هو ضجّة من طلاسم
أترى قامت القيامة أم هبّ
العفاريت يطحنون القماقم ؟
و أصخنا تفسّر الوهم بالأوهام
و الظنّ بالظنون الرواجم
ووراء الضجيج إيماء رعد
يزرع الشهب في يديه خواتم
و الدجى يعلك السكون و يعدو
مثلما تعلك الخيول الشكائم
و سألنا ماذا ؟ فأومت طيوف(55/273)
زاهرات البنان خضر المعاصم
و تحدّى صمت القبور دويّ
شفقيّ الصدى عنيد الغماغم
و العيان الكبير ميعاد رؤيا
أنكرت صدقه العيون الحوالم
و إذا فاجأ اليقين على الشك
حسبت اليقين تهويل واهم
***
و هنا حرّق الغيوم انفجار
و الصدى يعزف اللّهيب ملاحم
فتراخى " قصر البشائر " كالشيخ
و لاذت جدرانه بالدعائم
و احتمى بالقوى فضجّ عليه
لهب عارم يلبّيه عارم
و حريق يدمي قواه و يمضي
و حريق جهنّميّ .... يهاجم
فارتمى في اللّظى الأفيال
حمر الرؤوس جرحى القوائم
و تعالى الدخان و النار فاللّيل
نهار صحو الأسارير غائم
و تنادى الشروق من كلّ أفق
ثورة فانبثي الربىلا يا نائم
فإذا مأتم أعراس
نشاوى مزغردات نواعم
***
أشرق الثائرون فالموت عرس
و أنين الحمى لحون بواسم
وارتعاش الخريف دفء ربيعـ
يّ؛ وصيف داني العناقيد دائم
و الجراح التي على كلّ شبر
أثمرت فجأة و كانت براعم
***
من رأى الثائرين زحفا من الخصب
وزحفا من شامخات العزائم ؟
و صباحا ضافي الشروق مطلا
و صباحا في شاطيء اللّيل عائم
و شبابا توهجوا فانطفى " نيرون "
وانهار أغبر الوجه فاحم
و استثاروا دفء الحياة فمات المـ
وت ؛ و انقضّ عرشه و هو راغم
و أطلّت وجوههم من وراء
اللّيل ؛ كالصحو من وراء الغمائم
و مشوا تزرع الدروب خطاهم
موسما طيّبا يجرّ مواسم
و شموسا هواتفا و انتصارا
حاسما يهتدي على إثر حاسم
و الضحى في الدروب يمرح كالأ
فراح ؛ في أعين الصبايا النواعم
***
فتهادت مواكب الشعب ألوانا
كنسيان مائج الحسن فاغم
و توالت حشوده الكثر تشدو
فالربى و السهول شاد و باغم
و نسينا في غمره البشر ... عهدا
أسود القلب أحمر السيف قاتم
كلّما عب جيفه مدّ للأخرى
كؤوسا كحنجرات ... الضراغم
كان حكّامه ذبابا عليها
من صديد الجراح أخزى المعالم
و ذئابا بلها قطيعا
قسّمونا و استجمعونا غنائم
***
فانقسمنا برغمنا و سألنا
أين أين القربى ؟ و أين المراحم ؟
أوما نحن إخوة أمّنا الخضراء ؟
فيم اختصامنا ؟ من تخاصم ؟(55/274)
أنجيتنا هذي البلاد فأنهت
بدع الفنّ قبل بدء العوالم
و غذتنا تآخينا كان أبقى
من ربى ريفها ووهج العواصم
***
فمضوا يطعمونا الحقد حتّى
جهل المرء قصده و هو عالم
و تمادوا في الهدم حتّى كسرنا
معول الحقد في يدي كلّ هادم
و دفّنا حكم الشذوذ رفاتا
واحتشدنا نتوّج الشعب حاكم
و التقينا نمدّ للفجر أفقا
من دم التوأمين " عاد " و " هاشم "
و مراحا من تضحيات " البلاقيس "
و مغدى من تضحيات " الفواطم "
فانطلق حيث شئت يا فجر إنّا
قد فرشنا لك الدروب جماجم
وزحفنا نهدي الهدى ةو مددنا
من قوانا إلى الأعالي سلالم
و سمونا صفّا مبادئه الحبّ
و غاياته سماء المكارم
***
و أضأنا حتّى انثنى سارق الإسلام
عريان يحتمي بالهزائم
و اشرأبّت أرض النبيّ تدوّي
من " سعود " ؟ أطغى و أغشم غاشم !
و غبيّ سلم لكلّ عدوّ
و هو حرب على أخيه المسالم
من رآه يرجو " حسينا " و يهذي ؟
من يقينا هولا من النار داهم ؟
فيعود الجواب عنه سؤالا
هل لطاغ من غضبه الشعب عاصم ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الحريق والسجين
الحريق والسجين
رقم القصيدة : 67552
-----------------------------------
هناك وراء الأنين
أنين التراب
حريق سجين
يهدهد خلف امتداد
الغيوم صباحا دفين
يمدّ نهود أغانيه ؛
يرضعن حلم الأنين
و تخضرّ بين جناحي
صداه رمال السنين
على وجهه من سهاد
اللّيالي ذهول حزين
وجوع إلى لا مدى
حنين ينادي حنين
***
و شوق يفتّش في كلّ طيف
عن الجنّة الضائعة
و ينهض من عثرات التراب
منى ضارعة
و يحسو الفراغ ويسقيه
أغنية رائعة
و يستودع الريح أنفاس
رغبته الجائعة
***
و يوقد أشلاءه للرؤى
و الصدى العـ
و يطمع أن يستفزّ ضمير
الدجى ... الحاقد
و حشرجة الشهب فيه
بقايا دم جامد
و يعطي عيون الجليد
رؤى الموسم الواعد
و تعوي الرياح فيخفق
كالطائر البارد
و يعيا جناح فيسمو
على جانح واحد
***
يدلّل فوق انتظار
الربى منية كادحة
و يسقى الحنان قبورا
هناك معذّبة صائحة(55/275)
تعالج أوجاعها المعضلات " بياسين " و " الفاتحة "
و تخشى خيال الشروق فتغلق حفرتها النازحة
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> شمسان
شمسان
رقم القصيدة : 67553
-----------------------------------
حرّق " الجنوب " قذائف في مهجتي
تغزو الحدود و تحرق الأسدادا
و حدي و في أرض الجنوب عشيرتي
تتطلّب السقيا و ترجو الزادا
و تسير في الأصفاد تائهة الخطى
تستنجد الأغوار و الأنجادا
فمتى تحرّق بالدما أصفادها
و تبيد من صنعوا لها الأصفادا
دعني ألمّها في القيود ... لعلّها
تتذكّر الآباء ... و الأجدادا
و لعلّها ترنو إلى تاريخنا
فترى الفتوح و تعرف القوّادا
فعلى ربى التاريخ مجد جدودنا
يهدي البنين و يرشد الأحفادا
أدنى المواطن موطن إن هزّه
جرح الكرامة للصراع تمادى
و أذلّ ما في شعب يجتدي
مستعمرا و يؤلّه استبدادا
و يئنّ من جلّاده و هو الذي
صنع الطّغاه و سلّح الجلّادا
في الناس أنذال و أوغد أمّه
من ولّت الأنذال و الأوغادا
" صرواح " يا شممم البطولة لم يزل
" شمسان " يسطع باسمك الأطوادا
***
" شمسان " زمجر بالأباء وارعدت
هضباته تتحرّق استشهادا
أنف الدخيل فسر إليه وشدّ في
زنديك منه سواعد وزنادا
واذر العداة على السفوح و في الربى
مزقا كما تذرو الرياح رمادا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> قالت الضحيّة
قالت الضحيّة
رقم القصيدة : 67554
-----------------------------------
كيف كنتم أيّام كنت مثيره ؟
حشرات حولي و كنت أميرة
كنت أمشي فتفرشون طريقي
نظرات مستجديات كسيرة
و شجونا حمرا و شوقا رخيصا
و نداء و ثرثرات كثيره
تتناجون بينكم : أتراها
بنت " كسرى " أم " شهرزاد " الصغيرة ؟
لو رأى " شهريار " طيف صباها
باع فيها سلطانه و سريره
و تحرمون تزرعون رمال الجوع
نجوى و أمنيات و فيره
ليتها لي أو ليت أنّي طريق
لخطاها تمدّ فيه المسيره
ليتني مشطها فأشتمّ منها
شعرها أو أكون فيه ضفيره
ليتني ثوبها ؛ و يهمس ثان(55/276)
يدّعي أنّه مناها ... الكبيرة
آخر العهد بيننا سمر الأمس
شكوت الهوى و بثّت سعيره
لا تقولوا : سامرت وهما فما زال
على ساعديّ دفء السميره
فليلبّيه ثالث : ليت أنّي
نقطة فوق خدّها مستديره
و يجاريه رابع : فيغنّي
ليتني البحر و هي فيّ ... جزيرة
و يعيد المنى أديب شجيّ
ليتها جدول أناغي ... خريره
عكذا كنتم أمامي و خلفي
غزلا مغريا و كنت ... غريره
و لأنّي و أمّي عجوز
مات عنها أبي ، سقطت أجيره
***
كيف أروي حكايتي ؟ و إلى من ؟
كيف تشكو إلى العقور العقيره
نشأت قصّتي و كان أبي كهلا ؟
وقور السمات نذل السريره
بشتري كلّ حظّه من عجوز
بالأساطير و الغيوب خبيره !
كان زور المديح يحلب كفّيه
و يعطيه وسوسات خطيره
فيرى أنّ قومة أهملوه
فأضاعوا لاأنقى و أغلا ذخيره
فتمنّى قتل الألوف و لكن
مغيه صعبه القياد عسيره
فالتوى يذبح الصغار من الأطفال
أو يخطف الصبايا النظيره
و يرابي بالبائسات وراء الحيّ
و الهينمات تخفي ... نكيره
واحتمى بالصلاة لم يدن منه
بصر الحيذ أو ظنون البصيرة
فانثنى ليله كما يخبط المخمور
في الوحل ، و السماء مطيره
قلقا تجرح الفراغ خطاه
و هو يصغي إلى خطاه الحسيره
و صفير السكون ينفخ أذنيه
فيرتاب ، يستعيد صفيره
وتمادى تنهّد الجوّ حوليه
ووالى شهيقه ... و زفيره
ورمى خلفه و بين يديه
عاصفا أدمت البروق هديره
و على المنحنى حفيرة صخر
جاءها فانطوت عليه الحفيره
و هناك انتهى أو انقضّت الجنّ
عليه كما تقول : العشيره
زعموه كأن يصيح من الصخر
و يرجو أصداءه أن تجيره
لست أدري كيف انتهى ؟ مات يو
ما ورمى عبئه علينا ... و نيره
***
فتبنّى الصياع طفلا كسيحا
و أنا ، و الأسى و أمّا فقيره
فسهرنا نشقى و نسترجع الأمس
و نبكي أبي و نرويه سيره
كان يشري الحظوظ من أمّ يحيى
كلّ يوم كانت له كالمشيره
كان يمتدّ ها هنا كلّ ليل
و هنا يرتمي ... قبيل الظهيره
***
كنت في محنتي كزنبقة الرمل
أعاني جفافه ... و هجيره
فأشرتم إليّ بالمغريات الخضر(55/277)
و البيض ، و الوعود الغزيرة
و ملأتم يدي و أشعلتموني
شمهة في دجى الخطايا الضريره
و على رغم عفّتي ؛ رغم أمّي
و أبي عدت مومسا سكّيره
و لهونا حينا و أشتى ربيعي
فتعرّيت أرتدي ومهريره
وانصرفتم عنّي أما كنت يوما
عندكم منية الحياة الأثيره ؟
وزعمتم بأنّني كنت وحلا
آدميّا أما شريتم عصيره ؟
و أشعتم في الحيّ أنّي شرّ
يتفادى دنوّه ... و نذيره
فتوقّى حتّى خيال وجودي
و هو حيّ على الحياة جزيرة
***
كيف أبقى هنا و أنصاف ناس
جيرتي ، ليس لي رفاق و جيره
و غدي رهبة و يومي انتحار
واحتقار ؛ و الأمس ذكرى مريره
و هنا حيّنا خطاه إلى الأمس
و أمجاده عظام نثيره
دفن الأمس جثّة من دنايا
وانثنى يستعير منها مصيره
فهو حيّ من الجليد المدمّى
يجتبي لصّه و يجفو خفيره
يدّعي المجد و هو مقبرة تهتزّ
خلف التراب و هي قريره
يزدريني وحدي و إنّي و إيّاه
ضحايا شروره المستطيره
يزدريني و توبتي و حناني
فوق أهدابه صلاة منيره
هل أنادي الضمير و الخلق فيه ؟
لم أجد فيه خلفه أو ضميره
***
أيّها الآكلون عرضي لأنّي
كنت ألعوبة لديكم أسيره
حقّروني يا دود لو لم تكونوا
حقراء ما كنت يوما حقيره
لا تقولوا : كانت بغيّا ، أما الفجّار
كثر و الفاجرات كثيره ؟
لست وحدي ، كم البغايا و لكن
تلك مغمورة و هذي شهيره
صدّقوني إن قلت في دوركم مثلي
قلست الأولى و لست الأخيرة
كلّ حسناء زهرة : هل يردّ الزهـ
ر عنه حتّى الذباب المغيره ؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> الارتداد
الارتداد
رقم القصيدة : 67555
-----------------------------------
الدرب شياطين فرحي
زمر تهذي مرحي مرحي
و تخوض الدرب فتسلبه
رؤيا أعينه القرحى
و تحوّل هجعه ... تربته
تسهيدا ، و لياليه ... جرحى
و تعبّ دما و تمجّ دما
و مداها ترتجل ... الذبحا
و الشهب حنين مصلوب
ظمآن يجترع " الملحا "
فتئن الريح ... تمازحه
و تلوّن أذناه المزحا
و الآفاق الوسنى ورق
محيت ، أو أوراق ... تمحي(55/278)
و الحيّ سكون مصفرّ
كخطايا تستجدي الصفحا
و تموت الشكوى في فمه
فيكلّف رعشته البوحا
إصغاء لم يسمع شدوا
غنّاه و لم يذكر ... نبحا
صمت ؛ إغفاء ؛ ثلجي
لم يلمح في الحلم الصبحا
***
فتثاءب حوليه جبل
و تنهّد غاجترّ السفحا
و تلظّى دمه فامتدّت
كالجذوة قامته السمّحا
و تسلّقت الأطياف إلى
عينيه تقتبس اللّمحا
***
فرنا و الظلمة مشنقة
بجراح الأنجم مبتلّة
و دخان عملاق يرخى
فوق التيه العاني ظلّه
و يروع الحلم فباغته
تيّار الصحو على غلفه
و تلوّى حينا في دمه
و هوى أشلاء منحلّه
و تعالت أحلام الوادي
تومي كعناقيد النخلة
و أفاق ثراه كموعود
بالموت : أبلّ من العلّة
وتمطّى يبدأ ميلادا
خصبا نيسانيّ الحلّه
واهتزّ كأسخى مزرعة
حبلى تتمخّض بالغلّة
وافترّ و باحت شفتاه
للبيدر بشرى مخصّلة
و منى كتبسّم زنبقه
فتحت شفتيها للنحلة
و أعاد الجوّ حكايته
كحديث الطفل إلى الطفله
و كغنج الوعد على ثغر
خمريّ يستهوي القبلة
و أسال الجوّ مبهجه
كالشلالات المنهلّة
و غلا في الثلج دم حيّ
فأحال برودته شعله
***
وامتدّ عمودا جمريّا
واحمرّ بعينيه الأرق
ماذا ؟ من أذكى الرمل هنا ؟
فهفا يخضر و ينطلق
و تنادى الترب فمقبرة
تدوي ورماد يحترق
و هنا احتشد العدم الغافي
كالصيف يفوح و يأتلق
يلد الميعاد بجبهته
تاريخا يبدعه العرق
و يوشّحه أفق صحو
بالدّفء ، و يحضنه أفق
و توالى موكبه الشادي
فتغنّت وازدهت الطرق
و تعنقدت الشهب السكرى
بيديه واخضرّ الشفق
يمضي يجترّ مواسمه
و يزغرد حوليه العبق
و يجنّح فجرا معطاء
ينصبّ و فجرا ... ينبثق
فتغيم هنالك أسئلة
" تلغو " هل يرتدّ الغسق ؟
و تهزّ بقيّة أشباح
تطفو فيرسّبها الغرق
و تزوّر بوحا مسلولا
بسعال الدعوى يختنق
فتضجّ الربوات الجذلى
لم يخفق في الموتى الرمق
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله البردوني >> فارس الآمال
فارس الآمال
رقم القصيدة : 67556
-----------------------------------
أخي أدعوك من خلف اتقادي(55/279)
و أبحث عن لقائك في رمادي
و ينطبق الحريق عليّ ... قبرا
فيمضغني و يعيى بازدرادي
و أحيا في انتظارك نصف ميت
ورائحة الردى مائي وزادي
و أرقب " فارس الآمال " حتّى
أخال إزاي حمحمة الجياد
و ترفعني إليك رؤى ذهولي
فتتكيء النجوم على وسادي
و أهوى عنك أصفع وجه حظّي
و أعطي كلّ " جنكيز " قيادي
و عاصفة الوعيد تهزّ حولي
يد " الحجاج " أو شدقي " زياد "
***
فتخفق منك في جدران كوخي
طيوف كالمصابيح الهوادي
فتشدو كلّ زاويه وركن
و يبدع عازف و يجيد شادي
و يلمع و هم خطوك في الروابي
فترقص كالجميلات الخرد
و يجمع جيرتي فرح التلاقي
و يختلط احتشاد باحتشاد
و يظما الشوق في عيني " سعيد "
فيندى الوعد من شفتي " سعاد "
***
و تعوي الريح تنثر وسوساتي
وريقات تحنّ إلى المد
و تخنق حلم جيراني و حلمي
و تسلب حيّنا صمت
و يحترق الطريق إليك شوقا
فتطفئه أعاصير العوادي
و تقبر فيه قافلة الأماني
و تردي الصوت في فم كلّ حادي
و يسأل هل تعود إلى حمانا ؟
فتسعد سمّر و يضيء نادي
مزارعنا إلى لقياك لهفى
و بيدرنا إلى الحصاد
أترحل تستفزّ الفجر حتّى
شققت دجاه - تبت عن المعاد
أتأبى أن تعود ألا تلبّي
ندائي هل دريت من المنادي ؟
سؤال عنك يحفر كلّ تلّ
و يسبر عنك أغوار الوهاد
أفتّش عنك أطياف العشايا
و أهداب النسيمات الغوادي
و تنأى عن مدى ظني فأمضي
إليك على جناح من سهاد
و أهمس أين أنت ؟ و أيّ ترب
نما و اخضرّ من دمك الجواد
أيسألك النضال دما شهيدا
فتسقيه و أنت تموت صادي ؟
أجب حدّث فلم يخمدك قتل
فأنت الحيّ و القتلى الأعادي
أحسّك في براءه كلّ حيّ
صبيّ و أحسّ نبضك في الجماد
و أشتمّ اختلاج صداك حولي
يمنّيني و يعبق في فؤادي
فأدنو من نجيعك أصطليه
و أشعل من تلظّيه اعتقادي
***
أتسأل كيف جئت إليك إنّي
أفتّش في دمائك عن بلادي ؟
و أنضح من شذاها ذكرياتي
و أقبس من تحدّيها عنادي
أتأبى أن تجيب ؟ و من يحلّي
بغار النصر هامات الجلاد ؟
و هل أرتدّ عنك بلا رجاء ؟(55/280)