يا مَليكَ الوَرَى المُفَرِّقَ مَحْياً
وَمَمَاتاً فيهِمْ وَعِزّاً وَذُلاّ
قَلّدَ الله دَوْلَةً سَيْفُهَا أنْـ
ـتَ حُساماً بالمَكْرُماتِ مُحَلّى
فَبِهِ أغْنَتِ المَوَاليَ بَذْلاً
وَبِهِ أفْنَتِ الأعاديَ قَتْلا
وَإذا اهْتَزّ للنّدَى كانَ بَحراً
وَإذا اهْتَزّ للرّدَى كان نَصْلا
وَإذا الأرْضُ أظلمتْ كانَ شَمساً
وَإذا الأرْضُ أمحَلَتْ كانَ وَبْلا
وَهوَ الضّارِبُ الكَتيبَةَ وَالطّعْـ
ـنَةُ تَغْلُو وَالضّرْبُ أغلى وَأغلَى
أيّهَا البَاهِرُ العُقُولَ فَمَا تُدْ
رَكُ وَصْفاً أتعَبْتَ فكري فمَهْلا
مَنْ تَعَاطَى تَشَبّهاً بِكَ أعْيَا
هُ وَمَنْ دَلّ في طَرِيقِكَ ضَلا
وَإذا ما اشتَهَى خُلُودَكَ داعٍ
قالَ لا زُلتَ أوْ ترَى لكَ مِثْلا
العصر العباسي >> المتنبي >> ذي المعالي فليعلون من تعالى
ذي المعالي فليعلون من تعالى
رقم القصيدة : 5616
-----------------------------------
ذي المَعَالي فلْيَعْلُوَنْ مَن تَعَالى
هَكَذا هَكَذا وَإلاّ فَلا لا
شَرَفٌ يَنْطِحُ النّجومَ برَوْقَيْـ
ـهِ وَعِزٌّ يُقَلْقِلُ الأجْبَالا
حَالُ أعْدائِنَا عَظيمٌ وَسَيْفُ الـ
ـدّوْلَةِ ابنُ السّيوفِ أعظَمُ حالا
كُلّما أعْجَلُوا النّذيرَ مَسيراً
أعجَلَتْهُمْ جِيادُهُ الإعجَالا
فأتَتْهُمْ خَوَارِقَ الأرْضِ ما تحـ
ـمِلُ إلاّ الحَديدَ وَالأبْطالا
خَافِياتِ الألْوانِ قَدْ نَسَجَ النّقـ
ـعُ عَلَيْهَا بَرَاقِعاً وَجِلالا
حَالَفَتْهُ صُدُورُهَا وَالعَوَالي
لَتَخُوضَنّ دُونَهُ الأهْوَالا
وَلَتَمْضِنّ حَيثُ لا يَجِدُ الرّمـ
ـحُ مَداراً وَلا الحصانُ مَجَالا
لا ألُومُ ابنَ لاوُنٍ مَلِكَ الرّو
م وَإنْ كانَ ما تَمَنّى مُحَالاَ
أقْلَقَتْهُ بَنِيّةٌ بَينَ أُذْنَيْـ
ـهِ وَبَانٍ بَغَى السّماءَ فَنَالا
كُلّما رَامَ حَطّها اتّسَعَ البَنْـ
ـيُ فَغَطّى جَبينَهُ وَالقَذالا
يَجْمَعُ الرّومَ وَالصَّقالِبَ وَالبُلْـ
ـغَارَ فيهَا وَتَجْمَعُ الآجَالا(47/340)
وَتُوافيهِمِ بها في القَنَا السُّمْـ
ـرِ كمَا وَافَتِ العِطاشُ الصِّلالا
قَصَدوا هَدْمَ سُورِهَا فَبَنَوْهُ
وَأتَوْا كَيْ يُقَصّرُوهُ فَطَالا
وَاستَجَرّوا مكايِدَ الحَرْبِ حتى
تَرَكُوها لهَا عَلَيْهِمْ وَبَالا
رُبّ أمْرٍ أتَاكَ لا تَحْمَدُ الفَعّـ
ـالَ فيهِ وَتَحْمَدُ الأفْعَالا
وَقِسِيٍّ رُمِيتَ عَنها فَرَدّتْ
في قُلُوبِ الرّماةِ عَنكَ النّصَالا
أخذوا الطُّرْقَ يَقطَعُونَ بها الرّسْـ
ـلَ فَكانَ انقِطاعُهَا إرْسَالا
وَهُمُ البَحْرُ ذو الغَوَارِبِ إلاّ
أنّهُ صَارَ عندَ بحرِكَ آلا
مَا مَضَوْا لم يُقاتِلُوكَ وَلَكِـ
ـنّ القِتالَ الذي كَفاكَ القِتَالا
وَالذي قَطّعَ الرّقابَ مِنَ الضّرْ
بِ بكَفّيْكَ قَطّعَ الآمَالا
وَالثّباتُ الذي أجادوا قَديماً
عَلّمَ الثّابِتِينَ ذا الإجْفَالا
نَزَلُوا في مَصَارِعٍ عَرَفُوهَا
(يَنْدُبُونَ الأعْمَامَ وَالأخْوَالا
تَحْمِلُ الرّيحُ بَيْنَهُمْ شَعَرَ الهَا
مِ وَتَذْرِي عَلَيهِمِ الأوْصَالا
تُنْذِرُ الجِسْمَ أنْ يَقُومَ لَدَيها
فتُريهِ لِكُلّ عُضْوٍ مِثَالا
أبْصَرُوا الطّعنَ في القلوبِ دِراكاً
قَبلَ أنْ يُبصِرُوا الرّماحَ خَيَالا
وَإذا حاوَلَتْ طِعانَكَ خَيْلٌ
أبْصَرتْ أذْرُعَ القَنَا أمْيَالا
بَسَطَ الرّعبُ في اليَمينِ يَميناً
فَتَوَلّوْا وَفي الشّمالِ شِمَالا
يَنفُضُ الرّوْعُ أيدياً ليسَ تدري
أسُيُوفاً حَمَلْنَ أمْ أغْلالا
وَوُجوهاً أخافَها مِنكَ وَجْهٌ
تَرَكَتْ حُسْنَهَا لَهُ وَالجَمَالا
وَالعِيانُ الجَليُّ يُحْدِثُ للظّـ
ـنّ زَوالاً وَللمُرادِ انْتِقالا
وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ
طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا
أقْسَمُوا لا رَأوْكَ إلاّ بقَلْبٍ
طَالَما غَرّتِ العُيُونُ الرّجَالا
أيُّ عَيْنٍ تَأمّلَتْكَ فَلاقَتْـ
ـكَ وَطَرْفٍ رَنَا إلَيْكَ فَآلا
مَا يَشُكُّ اللّعِينُ في أخْذِكَ الجَيـ
ـشَ فَهَلْ يَبعَثُ الجُيوشَ نَوَالا(47/341)
مَا لمَنْ يَنصِبُ الحَبَائِلَ في الأرْ
ضِ وَمَرْجاهُ أن يَصِيدَ الهِلالا
إنّ دونَ التي على الدّرْبِ وَالأحْـ
ـدَبِ وَالنّهْرِ مِخلَطاً مِزْيَالا
غَصَبَ الدّهْرَ وَالمُلُوكَ عَلَيْها
فَبَناهَا في وَجنَةِ الأرْضِ خَالا
فهيَ تمشي مَشْيَ العَرُوسِ اختِيالاً
وَتَثَنّى عَلى الزّمَانِ دَلالا
وَحَمَاهَا بكُلّ مُطّرِدِ الأكْـ
ـعُبِ جَوْرَ الزّمَانِ وَالأوْجَالا
وَظُبىً تَعْرِفُ الحَرامَ مِنَ الحِـ
ـلّ فَقَدْ أفنَتِ الدّمَاءَ حَلالا
في خَميسٍ مِنَ الأُسودِ بَئيسٍ
يَفْتَرِسْنَ النّفُوسَ وَالأمْوَالا
إنّمَا أنْفُسُ الأنِيسِ سِبَاعٌ
يَتَفَارَسْنَ جَهْرَةً وَاغْتِيالا
مَنْ أطاقَ التِماسَ شيءٍ غِلاباً
وَاغْتِصاباً لم يَلْتَمِسْهُ سُؤالا
كُلُّ غادٍ لحَاجَةٍ يَتَمَنّى
أنْ يكونَ الغَضَنْفَرَ الرّئْبَالا
العصر العباسي >> المتنبي >> ما لنا كلنا جو يا رسول
ما لنا كلنا جو يا رسول
رقم القصيدة : 5617
-----------------------------------
مَا لَنَا كُلُّنَا جَوٍ يا رَسُولُ
أنَا أهْوَى وَقَلبُكَ المَتْبُولُ
كُلّما عادَ مَن بَعَثْتُ إلَيْهَا
غَارَ منّي وَخَانَ فِيمَا يَقُولُ
أفْسَدَتْ بَيْنَنَا الأمَانَاتِ عَيْنَا
هَا وَخَانَتْ قُلُوبَهُنّ العُقُولُ
تَشتَكي ما اشتكَيتُ مِن ألمِ الشّوْ
قِ إلَيها وَالشّوْقُ حَيثُ النُّحولُ
وَإذا خامَرَ الهَوَى قَلبَ صَبٍّ
فَعَلَيْهِ لِكُلّ عَينٍ دَلِيلُ
زَوِّدينَا من حُسنِ وَجْهِكِ ما دا
مَ فَحُسنُ الوُجوهِ حَالٌ تحُولُ
وَصِلِينَا نَصِلْكِ في هَذِهِ الدّنـ
ـيَا فإنّ المُقَامَ فيها قَليلُ
مَنْ رَآهَا بعَيْنِها شَاقَهُ القُطّـ
ـانُ فيهَا كمَا تَشُوقُ الحُمُولُ
إنْ تَرَيْني أدِمْتُ بَعْدَ بَيَاضٍ
فَحَميدٌ مِنَ القَناةِ الذُّبُولُ
صَحِبَتْني على الفَلاةِ فَتَاةٌ
عادَةُ اللّوْنِ عندَها التّبديلُ
سَتَرَتْكِ الحِجالُ عَنهَا وَلكِنْ
بكِ مِنهَا منَ اللَّمَى تَقبيلُ(47/342)
مِثْلُهَا أنتِ لَوّحَتْني وَأسْقَمْـ
ـتِ وَزَادَتْ أبْهاكُما العُطْبُولُ
نَحْنُ أدْرَى وَقد سألْنَا بِنَجْدٍ
أطَوِيلٌ طَرِيقُنَا أمْ يَطُولُ
وَكَثيرٌ مِنَ السّؤالِ اشْتِيَاقٌ
وَكَثِيرٌ مِنْ رَدّهِ تَعْليلُ
لا أقَمْنَا عَلى مَكانٍ وَإنْ طَا
بَ وَلا يُمكِنُ المكانَ الرّحيلُ
كُلّمَا رَحّبَتْ بنا الرّوْضُ قُلْنَا
حَلَبٌ قَصْدُنَا وَأنْتِ السّبيلُ
فِيكِ مَرْعَى جِيادِنَا وَالمَطَايَا
وَإلَيْهَا وَجِيفُنَا وَالذّميلُ
وَالمُسَمَّوْنَ بالأمِيرِ كَثِيرٌ
وَالأمِيرُ الذي بها المَأمُولُ
ألّذِي زُلْتُ عَنْهُ شَرْقاً وَغَرْباً
وَنَداهُ مُقابِلي مَا يَزُولُ
وَمعي أيْنَمَا سَلَكْتُ كَأنّي
كُلُّ وَجْهٍ لَهُ بوَجْهي كَفِيلُ
وَإذا العَذْلُ في النّدَى زَارَ سَمْعاً
فَفَداهُ العَذُولُ وَالمَعْذُولُ
وَمَوَالٍ تُحْيِيهِمِ مِنْ يَدَيْهِ
نِعَمٌ غَيْرُهُمْ بهَا مَقْتُولُ
فَرَسٌ سابِحٌ وَرُمْحٌ طَوِيلٌ
وَدِلاصٌ زَغْفٌ وَسَيفٌ صَقيلُ
كُلّمَا صَبّحَتْ دِيارَ عَدُوٍّ
قالَ تِلكَ الغُيوثُ هذي السّيولُ
دَهِمَتْهُ تُطايِرُ الزّرَدَ المُحْـ
ـكَمَ عَنْهُ كَمَا يَطيرُ النّسيلُ
تَقنِصُ الخَيلَ خَيلُهُ قنَصَ الوَحـ
ـشِ وَيَستأسرُ الخَميسَ الرّعيلُ
وَإذا الحَرْبُ أعرَضَتْ زَعَمَ الهَوْ
لُ لِعَيْنَيْهِ أنّهُ تَهْوِيلُ
وَإذا صَحّ فالزّمانُ صَحيحٌ
وَإذا اعْتَلّ فالزّمانُ عَليلُ
وَإذا غابَ وَجْهُهُ عَنْ مَكانٍ
فَبِهِ مِنْ ثَنَاهُ وَجْهٌ جَميلُ
لَيسَ إلاّكَ يا عَليُّ هُمَامٌ
سَيْفُهُ دونَ عِرْضِهِ مَسْلُولُ
كَيفَ لا تأمَنُ العِراقُ وَمِصْرٌ
وَسَرَاياكَ دونَهَا وَالخُيُولُ
لَوْ تَحَرّفْتَ عَن طَرِيقِ الأعادي
رَبَطَ السِّدْرُ خَيلَهُمْ وَالنّخيلُ
وَدَرَى مَنْ أعَزّهُ الدّفعُ عَنهُ
فيهِمَا أنّهُ الحَقِيرُ الذّليلُ
أنتَ طُولَ الحَيَاةِ للرّومِ غازٍ
فَمَتى الوَعْدُ أن يكونَ القُفولُ
وَسِوى الرّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ(47/343)
فَعَلَى أيّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ
قَعَدَ النّاسُ كُلُّهُمْ عَنْ مَساعيـ
ـكَ وَقامتْ بها القَنَا وَالنُّصُولُ
ما الذي عِنْدَهُ تُدارُ المَنَايَا
كالّذي عِندَهُ تُدارُ الشَّمولُ
لَسْتُ أرْضَى بأنْ تكُونَ جَوَاداً
وَزَمَاني بأنْ أرَاكَ بَخيلُ
نَغّصَ البُعدُ عَنكَ قُرْبَ العَطايا
مَرْتَعي مُخصِبٌ وَجِسمي هَزِيلُ
إنْ تَبَوّأتُ غَيرَ دُنْيَايَ داراً
وَأتَاني نَيْلٌ فَأنْتَ المُنيلُ
فمِن عَبيدي إنْ عِشتَ لي ألفُ كافو
رٍ وَلي مِن نَداكَ رِيفٌ ونِيلُ
مَاأُبالي إذا اتّقَتْكَ اللّيَالي
مَنْ دَهَتْهُ حُبُولُها وَالْخُبُولُ
العصر العباسي >> المتنبي >> لا تحسن الوفرة حتى ترى
لا تحسن الوفرة حتى ترى
رقم القصيدة : 5618
-----------------------------------
لا تَحْسُنُ الوَفْرَةُ حَتّى تُرَى
مَنْشُورَةَ الضَّفْرَينِ يَوْمَ القِتالْ
عَلى فَتًى مُعْتَقِلٍ صَعْدَةً
يَعُلّهَا مِنْ كُلّ وَافي السِّبَالْ
العصر العباسي >> المتنبي >> محبي قيامي ما لذلكم النصل
محبي قيامي ما لذلكم النصل
رقم القصيدة : 5619
-----------------------------------
مُحبّي قيَامي مَا لِذلِكُمُ النّصْلِ
بَريئاً مِنَ الجرْحَى سَليماً من القَتلِ
أرَى من فِرِنْدي قِطعَةً في فِرِنْدِهِ
وَجودةُ ضربِ الهَامِ في جودة الصّقلِ
وَخُضرَةُ ثوْبِ العيش في الخضرةِ التي
أرَتكَ احمرارَ المَوْتِ في مدرَج النّملِ
أمِطْ عَنكَ تَشبيهي بمَا وَكَأنّهُ
فَمَا أحَدٌ فَوْقي وَلا أحَدٌ مِثْلي
وَذَرْني وَإيّاهُ وَطِرْفي وَذابِلي
نكنْ واحداً يلقى الوَرَى وَانظرَنْ فعلي
العصر العباسي >> المتنبي >> أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا
أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا
رقم القصيدة : 5620
-----------------------------------
أحْيَا وَأيْسَرُ مَا قاسَيْتُ ما قَتَلا
وَالبَينُ جارَ على ضُعْفي وَمَا عَدَلا
وَالوَجدُ يَقوَى كما تَقوَى النّوَى أبداً
وَالصّبرُ يَنحلُ في جسمي كما نَحِلا(47/344)
لَوْلا مُفارَقَةُ الأحبابِ ما وَجَدَتْ
لهَا المَنَايَا إلى أرْوَاحِنَا سُبُلا
بمَا بجفْنَيْكِ من سِحْرٍ صِلي دَنِفاً
يهوَى الحيَاةَ وَأمّا إنْ صَدَدتِ فَلا
إلاّ يَشِبْ فَلَقَدْ شابَتْ لَهُ كبدٌ
شَيْباً إذا خَضَبَتْهُ سَلْوَةٌ نَصَلا
يَحِنّ شَوْقاً فَلَوْلا أنّ رَائِحَةً
تَزورُهُ مِن رِياحِ الشّرْقِ مَا عَقَلا
هَا فانْظُري أوْ فَظُنّي بي تَريْ حُرَقاً
مَن لم يَذُقْ طَرَفاً منها فقدْ وَألا
عَلّ الأميرَ يَرَى ذُلّي فيَشْفَعَ لي
إلى التي تَركَتْني في الهَوَى مَثَلا
أيْقَنْتُ أنّ سَعيداً طَالِبٌ بدَمي
لمّا بَصُرْتُ بهِ بالرّمْحِ مُعْتَقِلا
وأنّني غَيرُ مُحْصٍ فَضْلَ والِدِهِ
وَنَائِلٌ دونَ نَيْلي وَصْفَهُ زُحَلا
قَيْلٌ بمَنْبِجَ مَثْواهُ ونَائِلُهُ
في الأفْقِ يَسألُ عَمّنْ غيرَهُ سألا
يَلوحُ بَدْرُ الدّجى في صَحنِ غُرّتِهِ
وَيَحْمِلُ الموتُ في الهيجاء إن حمَلا
تُرَابُهُ في كِلابٍ كُحْلُ أعْيُنِهَا
وَسَيْفُهُ في جَنَابٍ يَسْبِقُ العَذَلا
لنُورِهِ في سَمَاءِ الفَخْرِ مُخْتَرَقٌ
لوْ صاعدَ الفكرَ فيهِ الدّهرَ ما نَزَلا
هُوَ الأميرُ الذي بَادَتْ تَميمُ بهِ
قِدْماً وساقَ إليْها حَيْنُهَا الأجَلا
لمّا رَأوْهُ وَخَيْلُ النّصْرِ مُقْبِلَةٌ
وَالحَرْبُ غَيرُ عَوَانٍ أسلموا الحِلَلا
وَضاقَتِ الأرْضُ حتى كانَ هارِبُهمْ
إذا رَأى غَيرَ شيءٍ ظَنّهُ رَجُلا
فَبَعْدَهُ وإلى ذا اليَوْمِ لوْ رَكَضَتْ
بالخَيْلِ في لهَوَاتِ الطّفلِ ما سَعَلا
فَقَدْ تركْتَ الأُلى لاقَيْتَهُمْ جَزَراً
وَقَد قَتَلتَ الأُلى لم تَلْقَهُمْ وَجَلا
كَمْ مَهْمَهٍ قَذَفٍ قَلبُ الدّليلِ به
قَلْبُ المُحِبّ قَضاني بعدما مَطَلا
عَقَدْتُ بالنّجْمِ طَرْفي في مَفاوِزِهِ
وَحُرَّ وَجْهي بحَرّ الشّمسِ إذْ أفَلا
أوْطَأتُ صُمَّ حَصاها خُفَّ يَعْمَلَةٍ
تَغَشْمَرَتْ بي إليكَ السهلَ وَالجَبَلا
لوْ كنتَ حشوَ قَميصي فوْقَ نُمرُقهَا(47/345)
سَمِعْتَ للجنّ في غيطانهَا زَجَلا
حتى وَصَلْتُ بنَفْسٍ ماتَ أكثرُها
وَلَيْتَني عِشْتُ مِنْهَا بالّذي فَضَلا
أرْجو نَداكَ وَلا أخشَى المِطالَ بهِ
يا مَنْ إذا وَهَبَ الدّنْيا فقَد بخِلا
العصر العباسي >> المتنبي >> فقد شغل الناس كثرة الأمل
فقد شغل الناس كثرة الأمل
رقم القصيدة : 5621
-----------------------------------
فقَدْ شَغَلَ النّاسَ كَثرَةُ الأمَلِ
وَأنْتَ بالمَكْرُمَاتِ في شُغُلِ
تَمَثّلُوا حَاتِماً وَلَوْ عَقَلُوا
لَكُنْتَ في الجُودِ غايَةَ المَثَلِ
أهْلاً وَسَهْلاً بما بَعَثْتَ بهِ
إيهاً أبا قاسِمٍ وبالرّسُلِ
هَدِيّةٌ مَا رَأيْتُ مُهْديَها
إلاّ رَأيْتُ العِبَادَ في رَجُلِ
أقَلُّ مَا في أقَلّهَا سَمَكٌ
يَسْبَحُ في بِرْكَةٍ مِنَ العَسَلِ
كَيفَ أُكَافي عَلى أجَلّ يَدٍ
مَنْ لا يَرَى أنّهَا يَدٌ قِبَلي
العصر العباسي >> المتنبي >> قفا تريا ودقي فهاتا المخايل
قفا تريا ودقي فهاتا المخايل
رقم القصيدة : 5622
-----------------------------------
قِفَا تَرَيَا وَدْقي فَهَاتَا المَخايِلُ
وَلا تَخْشَيا خُلْفاً لِما أنَا قائِلُ
رَماني خساسُ النّاس من صائبِ استِهِ
وآخَرَ قُطْنٌ من يَدَيهِ الجَنَادِلُ
وَمن جاهلٍ بي وَهْوَ يَجهَلُ جَهلَهُ
وَيَجْهَلُ عِلمي أنّهُ بيَ جاهِلُ
وَيَجْهَلُ أنّي مالكَ الأرْضِ مُعسِرٌ
وَأنّي على ظَهرِ السِّماكَينِ رَاجِلُ
تُحَقِّرُ عِندي هِمّتي كُلَّ مَطلَبٍ
وَيَقصُرُ في عَيني المَدى المُتَطاوِلُ
وما زِلْتُ طَوْداً لا تَزُولُ مَنَاكبي
إلى أنْ بَدَتْ للضّيْمِ فيّ زَلازِلُ
فقَلْقَلْتُ بالهَمّ الذي قَلْقَلَ الحَشَا
قَلاقِلَ عِيسٍ كُلّهُنّ قَلاقِلُ
إذا اللّيْلُ وَارَانَا أرَتْنا خِفافُها
بقَدحِ الحَصَى ما لا تُرينا المَشاعِلُ
كأنّي منَ الوَجْناءِ في ظَهرِ مَوْجَةٍ
رَمَتْ بي بحاراً ما لَهُنّ سَواحِلُ
يُخَيَّلُ لي أنّ البِلادَ مَسَامِعي(47/346)
وأنّيَ فيها ما تَقُولُ العَواذِلُ
وَمَنْ يَبغِ ما أبْغي مِنَ المَجْدِ والعلى
تَسَاوَ المَحايي عِنْدَهُ وَالمَقاتِلُ
ألا لَيسَتِ الحاجاتُ إلاّ نُفُوسَكمْ
وَلَيسَ لَنا إلاّ السّيوفَ وَسائِلُ
فَمَا وَرَدَتْ رُوحَ امرىءٍ رُوحُهُ له
وَلا صَدَرَتْ عن باخِلٍ وَهوَ باخِلُ
غَثَاثَةُ عَيشي أنْ تَغَثّ كَرامَتي
وَلَيسَ بغَثٍّ أنْ تَغَثّ المَآكلُ
العصر العباسي >> المتنبي >> أحببت برك إذ أردت رحيلا
أحببت برك إذ أردت رحيلا
رقم القصيدة : 5623
-----------------------------------
أحْبَبْتُ بِرّكَ إذْ أرَدْتَ رَحيلا
فوَجَدْتُ أكثرَ ما وَجَدْتُ قَليلا
وَعَلِمْتُ أنّكَ في المَكارِمِ رَاغِبٌ
صَبٌّ إلَيْها بُكْرَةً وَأصِيلا
فَجَعَلْتُ مَا تُهْدِي إليّ هَدِيّةً
مِني إلَيْكَ وَظَرْفَها التّأمِيلا
بِرٌّ يَخِفّ عَلى يَدَيْكَ قَبُولُهُ
وَيَكُونُ مَحْمِلُهُ عَليّ ثَقِيلا
العصر العباسي >> المتنبي >> عزيز إسا من داؤه الحدق النجل
عزيز إسا من داؤه الحدق النجل
رقم القصيدة : 5624
-----------------------------------
عَزيزُ إساً مَن داؤهُ الحَدَقُ النُّجْلُ
عَيَاءٌ بهِ ماتَ المُحبّونَ من قَبْلُ
فَمَنْ شاءَ فَلْيَنْظُرْ إليّ فمَنظَري
نَذيرٌ إلى مَن ظَنّ أنّ الهَوَى سَهْلُ
وما هيَ إلاّ لحظَةٌ بَعدَ لحظَةٍ
إذا نَزَلَتْ في قَلبِهِ رَحَلَ العَقْلُ
جرَى حبُّها مجْرَى دَمي في مَفاصِلي
فأصْبَحَ لي عَن كلّ شُغلٍ بها شُغْلُ
سَبَتْني بدَلٍّ ذاتُ حُسْنٍ يَزينُها
تَكَحُّلُ عَيْنَيها وليسَ لها كُحلُ
كأنّ لحاظَ العَينِ في فَتْكِهِ بِنَا
رَقيبٌ تَعَدّى أوْ عَدُوٌّ لهُ دَخْلُ
ومن جَسَدي لم يَترُكِ السّقمُ شعرَةً
فَمَا فَوْقَها إلاّ وفيها لَهُ فِعْلُ
إذا عَذَلُوا فيها أجَبْتُ بأنّةٍ:
حُبَيّبَتي قلبي فُؤادي هيا جُمْلُ
كأنّ رَقيباً منكِ سَدّ مَسامِعي
عنِ العذلِ حتى ليس يدخلها العذلُ
كأنّ سُهادَ اللّيلِ يَعشَقُ مُقلَتي(47/347)
فبَيْنَهُما في كُلّ هَجْرٍ لنا وَصْلُ
أُحِبّ التي في البدرِ منها مَشَابِهٌ
وأشكو إلى من لا يُصابُ له شكلُ
إلى واحِدِ الدّنْيا إلى ابنِ مُحَمّدٍ
شُجاعَ الذي لله ثمّ لَهُ الفَضْلُ
إلى الثّمَرِ الحُلْوِ الذي طَيِّءٌ لَهُ
فُرُوعٌ وقَحْطانُ بنُ هودٍ لها أصلُ
إلى سَيّدٍ لَوْ بَشّرَ الله أُمّةً
بغَيرِ نَبيٍّ بَشّرَتْنَا بهِ الرّسْلُ
إلى القابضِ الأرْواحِ والضّيغَمِ الذي
تُحَدّثُ عن وَقفاته الخيلُ والرَّجْلُ
إلى رَبّ مالٍ كُلّما شَتّ شَملُهُ
تَجَمّعَ في تَشتيتِهِ للعُلَى شَمْلُ
هُمَامٌ إذا ما فَارَقَ الغِمْدَ سَيْفُهُ
وعايَنْتَهُ لم تَدرِ أيّهُمَا النّصْلُ
رَأيْتُ ابنَ أمّ المَوْتِ لوْ أنّ بَأسَهُ
فَشَا بينَ أهْلِ الأرْضِ لانقطعَ النسلُ
على سابِحٍ مَوْجُ المَنايا بنَحْرِهِ
غَداةَ كأنّ النَّبلَ في صَدرِهِ وَبْلُ
وَكَمْ عَينِ قِرْنٍ حَدّقَتْ لِنِزالِهِ
فلم تُغْضِ إلاّ والسّنانُ لها كُحلُ
إذا قيلَ رِفقاً قالَ للحِلمِ موْضِعٌ
وَحِلْمُ الفتى في غَيرِ مَوْضِعه جَهْلُ
ولَوْلا تَوَلّي نَفسِهِ حَملَ حِلْمِهِ
عن الأرض لانهدّتْ وناء بها الحِملُ
تَباعَدَتِ الآمالُ عن كلّ مَقصِدٍ
وضاقَتْ بها إلاّ إلى بابِهِ السُّبْلُ
ونادى الندى بالنّائمينَ عن السُّرَى
فأسمَعَهمْ هُبّوا فقد هلَكَ البُخلُ
وَحالَتْ عَطايا كَفّهِ دونَ وَعْدِهِ
فَلَيسَ لَهُ إنْجازُ وَعْدٍ وَلا مَطْلُ
فأقْرَبُ مِن تَحديدِها رَدُّ فائِتٍ
وأيسَرُ من إحصائِها القَطرُ والرّملُ
وَما تَنْقِمُ الأيّامُ مِمّنْ وُجُوهُهَا
لأخْمَصِهِ في كلّ نائِبَةٍ نَعْلُ
وَمَا عَزَّهُ فيها مُرَادٌ أرَادَهُ
وإنْ عَزّ إلاّ أن يكونَ لَهُ مِثْلُ
كَفَى ثُعَلاً فَخْراً بأنّكَ مِنْهُمُ
ودَهْرٌ لأنْ أمْسَيتَ من أهلِهِ أهلُ
ووَيْلٌ لنَفسٍ حاوَلَتْ منْكَ غرّةً
وَطُوبَى لعَينٍ سَاعَةً منكَ لا تخلو
فَما بفَقيرٍ شامَ بَرْقَكَ فَاقَةٌ(47/348)
وَلا في بِلادٍ أنْتَ صَيّبُها مَحْلُ
العصر العباسي >> المتنبي >> صلة الهجر لي وهجر الوصال
صلة الهجر لي وهجر الوصال
رقم القصيدة : 5625
-----------------------------------
صِلَةُ الهَجْرِ لي وهَجرُ الوِصالِ
نَكَساني في السُّقمِ نُكسَ الهِلالِ
فَغَدا الجِسْمُ ناقِصاً والذي يَنْـ
ـقُصُ مِنْهُ يَزيدُ في بَلْبَالي
قِفْ على الدِّمْنَتَينِ بِالدَّوِّ من رَيّـ
ـا كَخالٍ في وجنةٍ جنبَ خالِ
بطُلُولٍ كأنّهُنّ نُجُومٌ
في عِراصٍ كأنّهُنّ لَيَالِ
وَنُؤيٍّ كأنّهُنّ عَلَيْهِـ
ـنّ خِدامٌ خُرْسٌ بسُوقٍ خِدالِ
لا تَلُمْني فإنّني أعْشَقُ العُشّـ
ـاقِ فيها يا أعْذَلَ العُذّالِ
ما تُريدُ النّوَى منَ الحَيّةِ الذوّ
اقِ حَرَّ الفَلا وبَرْدَ الظّلالِ
فهوَ أمضَى في الرّوْعِ من مَلَكِ الموْ
تِ وأسرَى في ظُلمةٍ من خيالِ
ولحَتْفٍ في العِزّ يَدْنُو مُحِبٌّ
ولعُمْرٍ يَطُولُ في الذّلّ قالِ
نحنُ رَكْبٌ مِلْجِنِّ في زيّ ناسٍ
فوْقَ طَيرٍ لها شخوصُ الجِمالِ
من بَناتِ الجَديلِ تَمشي بنا في الـ
ـبيدِ مَشْيَ الأيّامِ في الآجالِ
كُلُّ هَوْجاءَ للدّياميمِ فيها
أثَرُ النّارِ في سَليطِ الذُّبَالِ
عامِداتٍ للبَدْرِ والبَحْرِ والضِّرْ
غامَةِ ابنِ المُبارَكِ المِفْضالِ
مَنْ يَزُرْهُ يَزُرْ سُلَيْمانَ في الملْـ
ـكِ جَلالاً ويُوسُفاً في الجَمَالِ
ورَبيعاً يُضاحِكُ الغَيثُ فيهِ
زَهَرَ الشّكْرِ من رِياضِ المَعالي
نَفَحَتْنَا منهُ الصَّبَا بنَسيمٍ
رَدّ روحاً في مَيّتِ الآمَالِ
هَمُّ عَبدِ الرّحم?نِ نَفعُ المَوالي
وبَوارُ الأعْداءِ والأمْوالِ
أكبرُ العَيبِ عندَهُ البُخلُ والطّعْـ
ـنُ عَلَيْهِ التّشْبيهُ بالرّئْبَالِ
والجِراحاتُ عِندَهُ نِعَمَاتٌ
سُبِقَتْ قَبلَ سَيْبِهِ بِسُؤالِ
ذا السّراجُ المُنِيرُ هذا النّقيُّ الـ
ـجَيْبِ هذا بَقِيّةُ الأبْدالِ
فَخُذا ماءَ رِجْلِهِ وانْضِحا في الـ
ـمُدْنِ تأمَنْ بَوائِقَ الزّلْزَالِ(47/349)
وامْسَحَا ثَوْبَهُ البَقيرَ على دا
ئِكُما تُشْفَيَا مِنَ الإعْلالِ
مالِئاً مِنْ نَوالِهِ الشّرْقَ والغَرْ
بَ ومن خَوْفِهِ قُلوبَ الرّجالِ
قابِضاً كَفّهُ اليَمينَ على الدّنْـ
ـيَا ولَوْ شاءَ حازَها بالشّمالِ
نَفْسُهُ جَيْشُهُ وتَدْبيرُهُ النّصْـ
ـرُ وألحاظُهُ الظُّبَى والعَوالي
ولَهُ في جَماجِمِ المالِ ضَرْبٌ
وَقْعُهُ في جَماجِمِ الأبْطالِ
فَهُمُ لاتّقائِهِ الدّهْرَ في يَوْ
مِ نِزالٍ ولَيسَ يَوْمُ نِزالِ
رَجُلٌ طِينُهُ منَ العَنبَرِ الوَرْ
دِ وطينُ العِبادِ مِنْ صَلْصَالِ
فَبَقِيّاتُ طِينِهِ لاقَتِ المَا
ءَ فَصارَتْ عُذوبَةً في الزُّلالِ
وبَقايا وقارِهِ عافَتِ النّا
سَ فصارَتْ رَكانَةً في الجِبالِ
لَستُ ممّنْ يَغُرّهُ حُبُّكَ السِّلْـ
ـمَ وأنْ لا تَرَى شُهودَ القِتالِ
ذاكَ شيءٌ كَفاكَهُ عَيشُ شانيـ
ـكَ ذَليلاً وقِلّةُ الأشْكالِ
واغْتِفارٌ لَوْ غَيَّرَ السُّخطُ منْهُ
جُعِلَتْ هامُهُمْ نِعالَ النّعالِ
لجِيادٍ يَدْخُلْنَ في الحَرْبِ أعرا
ءً ويخرُجنَ مِن دَمٍ في جِلالِ
واسْتَعارَ الحَديدُ لَوْناً وألْقَى
لَوْنَهُ في ذَوائِبِ الأطْفالِ
أنتَ طَوراً أمَرُّ مِنْ ناقِعِ السّمّ
وطَوْراً أحْلى مِنَ السّلْسالِ
إنّما النّاسُ حَيثُ أنْتَ وما النّا
سُ بناسٍ في مَوْضِعٍ منكَ خالِ
العصر العباسي >> المتنبي >> ومنزل ليس لنا بمنزل
ومنزل ليس لنا بمنزل
رقم القصيدة : 5626
-----------------------------------
ومَنْزِلٍ لَيسَ لَنَا بمَنْزِلِ
ولا لغَيرِ الغَادِياتِ الهُطَّلِ
نَدِيْ الخُزامَى أذْفَرِ القَرَنْفُلِ
مُحَلَّلٍ مِلْوَحْشِ لم يُحَلَّلِ
عَنّ لَنا فيهِ مُراعي مُغْزِلِ
مُحَيَّنُ النّفسِ بَعيدُ المَوْئِلِ
أغناهُ حُسنُ الجيدِ عن لُبسِ الحلي
وعادَةُ العُرْيِ عَنِ التّفَضّلِ
كأنّهُ مُضَمَّخٌ بصَنْدَلِ
مُعْتَرِضاً بمِثْلِ قَرْنِ الأيّلِ
يَحُولُ بَينَ الكَلْبِ والتأمّلِ(47/350)
فَحَلَّ كَلاّبي وِثَاقَ الأحْبُلِ
عَن أشْدَقٍ مُسَوْجَرٍ مُسَلسَلِ
أقَبَّ ساطٍ شَرِسٍ شَمَرْدَلِ
مِنْها إذا يُثْغَ لَهُ لا يَغْزَلِ
مُؤجَّدِ الفِقْرَةِ رِخْوِ المَفْصِلِ
لَهُ إذا أدْبَرَ لَحْظُ المُقْبِلِ
كأنّما يَنظُرُ مِنْ سَجَنْجَلِ
يَعْدو إذا أحْزَنَ عَدْوَ المُسْهِلِ
إذا تَلا جَاءَ المَدى وقَدْ تُلي
يُقْعي جُلُوسَ البَدَويّ المُصْطَلي
بأرْبَعٍ مَجْدولَةٍ لَمْ تُجْدَلِ
فُتْلِ الأيادي رَبِذاتِ الأرْجُلِ
آثارُها أمْثالُها في الجَنْدَلِ
يَكادُ في الوَثْبِ مِنَ التّفَتّلِ
يَجْمَعُ بينَ مَتْنِهِ والكَلْكَلِ
وبَينَ أعْلاهُ وبَينَ الأسْفَلِ
شَبيهُ وسْميّ الحِضارِ بالوَلي
كأنّهُ مُضَبَّرٌ مِنْ جَرْوَلِ
مُوَثَّقٌ على رِماحٍ ذُبّلِ
ذي ذَنَبٍ أجْرَدَ غَيرِ أعْزَلِ
يخطّ في الأرْضِ حسابَ الجُمّلِ
كأنّهُ مِنْ جِسْمِهِ بمَعْزِلِ
لوْ كانَ يُبلي السّوْطَ تحريكٌ بَلي
نَيلُ المُنى وحُكمُ نَفسِ المُرْسِلِ
وعُقْلَةُ الظّبي وحَتفُ التَّتفُلِ
فانْبَرَيا فَذيّنِ تحتَ القَسطَلِ
قَد ضَمِنَ الآخِرُ قَتلَ الأوّلِ
في هَبوَةٍ كِلاهُما لم يَذْهَلِ
لا يأتَلي في تَرْكِ أنْ لا يأتَلي
مُقْتَحِماً على المَكانِ الأهْوَلِ
يخالُ طُولَ البحرِ عَرْض الجدولِ
حتى إذا قِيلَ لهُ نِلْتَ افْعَلِ
إفْتَرّ عن مَذرُوبَةٍ كالأنْصُلِ
لا تَعْرِفُ العَهدَ بصَقلِ الصّيقلِ
مُرَكَّباتٍ في العَذابِ المُنْزَلِ
كأنّها من سُرْعَةٍ في الشّمْألِ
كأنّها مِنْ ثِقَلٍ في يَذْبُلِ
كأنّها مِن سَعَةٍ في هَوْجَلِ
كأنّهُ مِنْ عِلْمِهِ بالمَقتَلِ
عَلّمَ بُقْراطَ فِصادَ الأكْحَلِ
فَحالَ ما للقَفْزِ للتَجَدّلِ
وصارَ ما في جِلْدِهِ في المِرْجَلِ،
فلم يَضِرْنا مَعْهُ فَقدُ الأجدَلِ
إذا بَقيتَ سالماً أبَا عَلي
فالمُلْكُ لله العَزيزِ ثُمّ لي
العصر العباسي >> المتنبي >> أبعد نأي المليحة البخل
أبعد نأي المليحة البخل
رقم القصيدة : 5627(47/351)
-----------------------------------
أبْعَدُ نأيِ المَليحَةِ البَخَلُ
في البُعْدِ ما لا تُكَلَّفُ الإبلُ
مَلُولَةٌ ما يَدومُ لَيسَ لَها
مِنْ مَلَلٍ دائِمٍ بهَا مَلَلُ
كأنّمَا قَدُّها إذا انْفَتَلَتْ
سكرانُ من خمرِ طَرْفِها ثَمِلُ
بي حَرُّ شَوْقٍ إلى تَرَشّفِها
يَنفَصِلُ الصّبرُ حينَ يَتّصِلُ
ألثّغْرُ والنّحْرُ والمُخَلْخَلُ والـ
ـمِعْصَمُ دائي والفاحِمُ الرّجِلُ
ومَهْمَهٍ جُبْتُهُ على قَدَمي
تَعجِزُ عَنهُ العَرامِسُ الذُّلُلُ
بصارِمي مُرْتَدٍ، بمَخْبُرَتي
مُجْتَزِىءٌ، بالظلامِ مُشْتَمِلُ
إذا صَديقٌ نَكِرْتُ جانِبَهُ
لم تُعْيِنِي في فِراقِهِ الحِيَلُ
في سَعَةِ الخافِقَينِ مُضْطَرَبٌ
وفي بِلادٍ مِنْ أُخْتِها بَدَلُ
وفي اعْتِمارِ الأميرِ بَدْرِ بنِ عَمّـ
ـارٍ عَنِ الشّغلِ بالوَرَى شُغُلُ
أصْبَحَ مالٌ كَمالِهِ لِذَوي الـ
ـحاجَةِ لا يُبْتَدَا ولا يُسَلُ
هَانَ عَلى قَلْبِهِ الزّمانُ فَما
يَبينُ فيهِ غَمٌّ ولا جَذَلُ
يَكادُ مِنْ طاعَةِ الحِمامِ لَهُ
يَقْتُلُ من مَا دَنَا لَهُ الأجَلُ
يَكادُ مِنْ صِحّةِ العَزيمَةِ مَا
يَفْعَلُ قَبْلَ الفِعالِ يَنْفَعِلُ
تُعْرَفُ في عَيْنِهِ حَقائِقُهُ
كأنّهُ بالذّكاءِ مُكْتَحِلُ
أُشْفِقُ عِندَ اتّقادِ فِكرَتِهِ
عَلَيْهِ مِنها أخافُ يَشْتَعِلُ
أغَرُّ، أعْداؤهُ إذا سَلِمُوا
بالهَرَبِ استَكبَرُوا الذي فَعَلُوا
يُقْبِلُهُمْ وَجْهَ كُلّ سابحَةٍ
أرْبَعُها قَبلَ طَرْفِها تَصِلُ
جَرْداءَ مِلْءِ الحِزامِ مُجْفِرَةٍ
تكونُ مِثْلَيْ عَسيبِها الخُصَلُ
إنْ أدْبَرَتْ قُلتَ لا تَليلَ لها
أو أقبَلَتْ قلتَ ما لها كَفَلُ
والطّعنُ شَزْرٌ والأرْضُ واجفةٌ
كأنّما في فُؤادِها وَهَلُ
قَدْ صَبَغَتْ خَدَّها الدّماءُ كمَا
يَصبُغُ خَدَّ الخَريدَةِ الخَجَلُ
والخَيْلُ تَبكي جُلُودُها عَرَقاً
بأدْمُعٍ ما تَسُحّها مُقَلُ
سارٍ ولا قَفْرَ مِنْ مَواكِبِهِ
كأنّما كلّ سَبْسَبٍ جَبَلُ(47/352)
يَمْنَعُهَا أن يُصِيبَها مَطَرٌ
شِدّةُ ما قَدْ تَضايَقَ الأسَلُ
يا بَدْرُ يا بحْرُ يا غَمامَةُ يا
لَيثَ الشّرَى يا حِمامُ يا رَجُلُ
إنّ البَنَانَ الذي تُقَلّبُهُ
عِندَكَ في كلّ مَوْضِعٍ مَثَلُ
إنّكَ مِنْ مَعشَرٍ إذا وَهَبُوا
ما دونَ أعمارِهمْ فَقد بخِلُوا
قُلُوبُهُمْ في مَضاءِ ما امتَشَقُوا
قاماتُهُمْ في تَمامِ ما اعْتَقَلُوا
أنتَ نَقيضُ اسمِهِ إذا اختَلَفتْ
قَواضِبُ الهِنْدِ والقَنَا الذُّبُلُ
أنتَ لَعَمري البَدْرُ المُنيرُ ولكِـ
ـنّكَ في حَوْمَةِ الوَغى زُحَلُ
كَتيبَةٌ لَسْتَ رَبَّها نَفَلٌ
وبَلْدَةٌ لَستَ حَلْيَها عُطُلُ
قُصِدْتَ مِنْ شَرْقِها ومَغْرِبِها
حتى اشتَكَتْكَ الرّكابُ والسُّبُلُ
لم تُبْقِ إلاّ قَليلَ عافِيَةٍ
قد وَفَدَتْ تَجتَديكَهَا العِلَلُ
عُذْرُ المَلُومَينِ فيكَ أنّهُمَا
آسٍ جَبَانٌ ومبْضَعٌ بَطَلُ
مَدَدْتَ في راحَةِ الطّبيبِ يَداً
فَما درَى كيفَ يُقطَعُ الأمَلُ
إنْ يَكُنِ البَضْعُ ضَرّ باطِنَهَا
فَرُبّما ضَرّ ظَهْرَها القُبَلُ
يَشُقّ في عِرْقِها الفِصادُ ولا
يَشقّ في عِرْقِ جُودِها العَذَلُ
خامَرَهُ إذ مَدَدْتَها جَزَعٌ
كأنّهُ مِنْ حَذاقَةٍ عَجِلُ
جازَ حُدودَ اجتِهادِهِ فأتَى
غَيرَ اجتِهادٍ، لأمّهِ الهَبَلُ
أبْلَغُ ما يُطْلَبُ النّجاحُ به الـ
ـطّبْعُ وعندَ التّعَمّقِ الزّلَلُ
إرْثِ لهَا إنّها بمَا مَلَكَتْ
وبالذي قَدْ أسَلْتَ تَنْهَمِلُ
مِثْلُكَ يا بَدْرُ لا يَكونُ ولا
تَصْلُحُ إلاّ لِمثْلِكَ الدّوَلُ
العصر العباسي >> المتنبي >> بقائي شاء ليس هم ارتحالا
بقائي شاء ليس هم ارتحالا
رقم القصيدة : 5628
-----------------------------------
بَقائي شاءَ لَيسَ هُمُ ارْتِحالا
وحُسْنَ الصّبرِ زَمّوا لا الجِمالا
تَوَلّوْا بَغْتَةً فَكَأنّ بَيْناً
تَهَيّبَني فَفاجأني اغْتِيالا
فكانَ مَسيرُ عيسِهِمِ ذَميلاً
وسَيْرُ الدّمْعِ إثْرَهُمُ انهِمالا(47/353)
كأنّ العِيسَ كانَتْ فَوْقَ جفني
مُناخاتٍ فَلَمّا ثُرْنَ سَالا
وحَجّبَتِ النّوَى الظّبَيَاتِ عني
فَساعَدَتِ البراقِعَ والحِجالا
لَبِسْنَ الوَشْيَ لا مُتَجَمّلاتٍ
ولكِنْ كَيْ يصنّ بهِ الجَمَالا
وضَفّرْنَ الغَدائِرَ لا لحُسْنٍ
ولكنْ خِفنَ في الشّعَرِ الضّلالا
بِجِسْمي مَنْ بَرَتْه فلَوْ أصارَتْ
وِشاحي ثَقْبَ لُؤلُؤةٍ لجَالا
ولَوْلا أنّني في غَيرِ نَوْمٍ
لَكُنْتُ أظُنّني مني خَيَالا
بَدَتْ قَمَراً ومالَتْ خُوطَ بانٍ
وفاحَتْ عَنْبَراً ورَنَت غَزالا
وجارَتْ في الحُكومَةِ ثمّ أبْدَتْ
لَنا من حُسنِ قامَتِها اعتِدالا
كأنّ الحُزْنَ مَشْغُوفٌ بقَلبي
فَساعَةَ هَجرِها يَجِدُ الوِصالا
كَذا الدّنْيا على مَن كانَ قَبْلي
صُروفٌ لم يُدِمْنَ عَلَيْهِ حَالا
أشَدُّ الغَمّ عِنْدي في سُرورٍ
تَيَقّنَ عَنهُ صاحِبُهُ انْتِقالا
ألِفْتُ تَرَحّلي وجَعَلْتُ أرضي
قُتُودي والغُرَيْرِيَّ الجُلالا
فَما حاوَلْتُ في أرْضٍ مُقاماً
ولا أزْمَعْتُ عَن أرْضٍ زَوالا
على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي
أُوَجّهُها جَنُوباً أوْ شَمَالاً
إلى البَدْرِ بنِ عَمّارَ الذي لَمْ
يكُنْ في غُرّةِ الشّهْرِ الهِلالا
ولم يَعْظُمْ لنَقْصٍ كانَ فيهِ
ولم يَزَلِ الأميرَ ولَنْ يَزالا
بلا مِثْلٍ وإنْ أبْصَرْتَ فيهِ
لكُلّ مُغَيَّبٍ حَسَنٍ مِثَالا
حُسَامٌ لابنِ رائِقٍ المُرَجّى
حُسامِ المُتّقي أيّامَ صالا
سِنانٌ في قَناةِ بَني مَعَدٍّ
بَني أسَدٍ إذا دَعَوا النّزالا
أعَزُّ مُغالِبٍ كَفّاً وسَيْفاً
ومَقْدِرَةً ومَحْمِيَّةً وآلا
وأشرَفُ فاخِرٍ نَفْساً وقَوْماً
وأكْرَمُ مُنْتَمٍ عَمّاً وخالا
يكونُ أخَفُّ إثْنَاءٍ عَلَيْهِ
على الدّنْيا وأهْليها مُحَالا
ويَبْقَى ضِعْفُ ما قَد قيلَ فيهِ
إذا لم يَتَّرِكْ أحَدٌ مَقَالا
فيا ابنَ الطّاعِنينَ بكُلّ لَدْنٍ
مَواضعَ يَشتَكي البَطَلُ السُّعالا
ويا ابنَ الضّارِبينَ بكُلّ عَضْبٍ(47/354)
منَ العَرَبِ الأسافِلِ والقِلالا
أرَى المُتَشاعِرينَ غَرُوا بذَمّي
ومَن ذا يَحمَدُ الدّاءَ العُضالا
ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ
يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا
وقالوا هَلْ يُبَلّغُكَ الثّرَيّا؟
فقُلت نَعَمْ إذا شئتُ استِفالا
هوَ المُفني المَذاكي والأعادي
وبِيضَ الهِنْدِ والسُّمْرَ الطّوالا
وقائِدُها مُسَوَّمَةً خِفافاً
على حَيٍّ تُصَبّحُهُ ثِقَالا
جَوائِلَ بالقُنيّ مُثَقَّفاتٍ
كأنّ على عَوامِلِها ذُبَالا
إذا وَطِئَتْ بأيْديها صُخُوراً
يَفِئْنَ لوَطْءِ أرْجُلِها رِمَالا
جَوابُ مُسائِلي ألَهُ نَظِيرٌ؟
ولا لكَ في سُؤالكَ لا ألاَ لا
لَقَد أمِنَتْ بكَ الإعدامَ نَفْسٌ
تَعُدّ رَجاءَها إيّاكَ مَالا
وقد وَجِلَتْ قُلُوبٌ منكَ حتى
غَدَتْ أوجالُها فيها وِجَالا
سُرورُكَ أنْ تَسُرَّ النّاسَ طُرّاً
تُعَلّمُهُمْ عَلَيْكَ بهِ الدّلالا
إذا سألُوا شكَرْتَهُمُ عَلَيْهِ
وإنْ سكَتُوا سألْتَهُمُ السّؤالا
وأسعَدُ مَنْ رأيْنا مُسْتَميحٌ
يُنيلُ المُسْتَمَاحَ بأنْ يُنَالا
يُفارِقُ سَهمُكَ الرّجلَ المُلاقَى
فِراقَ القَوْسِ ما لاقَى الرّجالا
فَما تَقِفُ السّهامُ على قَرارٍ
كأنّ الرّيشَ يَطّلِبُ النِّصالا
سَبَقْتَ السّابقينَ فَما تُجارَى
وجاوَزْتَ العُلُوّ فَما تُعَالَى
وأُقْسِمُ لوْ صَلَحْتَ يَمينَ شيءٍ
لمَا صَلَحَ العِبَادُ لَه شِمَالا
أُقَلّبُ مِنكَ طَرْفي في سَمَاءٍ
وإنْ طَلَعَتْ كَواكِبُها خِصالا
وأعجبُ منكَ كيفَ قدَرْتَ تنشا
وقد أُعطِيتَ في المَهدِ الكَمالا
العصر العباسي >> المتنبي >> في الخد أن عزم الخليط رحيلا
في الخد أن عزم الخليط رحيلا
رقم القصيدة : 5629
-----------------------------------
في الخَدّ أنْ عَزَمَ الخَليطُ رَحيلا
مَطَرٌ تَزيدُ بهِ الخُدودُ مُحُولا
يا نَظْرَةً نَفَتِ الرُّقادَ وغادَرَتْ
في حَدّ قَلبي ما حَيِيتُ فُلُولا
كَانَتْ مِنَ الكَحْلاءِ سُؤلي إنّما(47/355)
أجَلي تَمَثّلَ في فُؤادي سُولا
أجِدُ الجَفَاءَ على سِواكِ مُرُوءَةً
والصّبرَ إلاّ في نَواكِ جَميلا
وأرَى تَدَلُّلَكِ الكَثيرَ مُحَبَّباً
وأرَى قَليلَ تَدَلُّلٍ مَمْلُولا
حَدَقُ الحِسانِ من الغواني هِجنَ لي
يَوْمَ الفِراقِ صَبابَةً وغَليلا
حَدَقٌ يُذِمّ مِنَ القَواتِلِ غيرَها
بَدْرُ بنُ عَمّارِ بنِ إسْماعِيلا
ألفَارِجُ الكُرَبَ العِظامَ بمِثْلِها
والتّارِكُ المَلِكَ العزيزَ ذَليلا
مَحِكٌ إذا مَطَلَ الغَريمُ بدَيْنِهِ
جَعَلَ الحُسامَ بمَا أرَادَ كَفيلا
نَطِقٌ إذا حَطّ الكَلامُ لِثامَهُ
أعْطَى بمَنْطِقِهِ القُلُوبَ عُقُولا
أعْدَى الزّمانَ سَخاؤهُ فَسَخا بهِ
ولَقَدْ يكونُ بهِ الزّمانُ بَخيلا
وكأنّ بَرْقاً في مُتُونِ غَمامةٍ
هِنْدِيُّهُ في كَفّهِ مَسْلُولا
ومَحَلُّ قائِمِهِ يَسيلُ مَواهِباً
لَوْ كُنّ سَيْلاً ما وَجَدْنَ مَسيلا
رَقّتْ مَضارِبُهُ فَهُنّ كأنّمَا
يُبْدينَ مِنْ عِشقِ الرّقابِ نُحُولا
أمُعَفِّرَ اللّيْثِ الهِزَبْرِ بسَوْطِهِ
لمَنِ ادّخَرْتَ الصّارِمَ المَصْقُولا
وَقَعَتْ على الأُرْدُنّ مِنْهُ بَلِيّةٌ
نُضِدَتْ بها هامُ الرّفاقِ تُلُولا
وَرْدٌ إذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً
وَرَدَ الفُراتَ زَئِيرُهُ والنّيلا
مُتَخَضّبٌ بدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ
في غِيلِهِ مِنْ لِبْدَتَيْهِ غِيلا
ما قُوبِلَتْ عَيْناهُ إلاّ ظُنّتَا
تَحْتَ الدُّجَى نارَ الفَريقِ حُلُولا
في وَحْدَةِ الرُّهْبَانِ إلاّ أنّهُ
لا يَعْرِفُ التّحْرِيمَ والتّحْليلا
يَطَأُ الثّرَى مُتَرَفّقاً مِنْ تِيهِهِ
فكأنّهُ آسٍ يَجُسّ عَلِيلا
ويَردّ عُفْرَتَه إلى يَأفُوخِهِ
حتى تَصِيرَ لرَأسِهِ إكْليلا
وتَظُنّهُ مِمّا يُزَمْجِرُ نَفْسُهُ
عَنْها لِشِدّةِ غَيظِهِ مَشْغُولا
قَصَرَتْ مَخَافَتُهُ الخُطى فكأنّما
رَكِبَ الكَميُّ جَوادَهُ مَشْكُولا
ألْقَى فَريسَتَهُ وبَرْبَرَ دونَهَا
وقَرُبْتَ قُرْباً خالَهُ تَطْفِيلا(47/356)
فتَشابَهَ الخُلُقانِ في إقْدامِهِ
وتَخالَفَا في بَذْلِكَ المأْكُولا
أسَدٌ يَرَى عُضْوَيهِ فيكَ كِلَيْهِما
مَتْناً أزَلَّ وساعداً مَفْتُولا
في سرْجِ ظامِئَةِ الفُصوصِ طِمِرّةٍ
يأبَى تَفَرُّدُها لهَا التّمْثيلا
نَيَّالةِ الطَّلِبَاتِ لَوْلا أنَّهَا
تُعْطي مَكانَ لِجامِها مَا نِيلا
تَنْدَى سَوالفُها إذا استَحضَرْتَها
ويُظَنّ عَقْدُ عِنانِها مَحْلُولا
ما زالَ يَجْمَعُ نَفْسَهُ في زَوْرِهِ
حتى حَسِبْتَ العَرْضَ منه الطّولا
ويَدُقّ بالصّدْرِ الحِجارَ كأنّه
يَبْغي إلى ما في الحَضِيضِ سَبيلا
وكأنّهُ غَرّتْهُ عَيْنٌ فادّنَى
لا يُبْصِرُ الخَطْبَ الجَليلَ جَليلا
أنَفُ الكَريمِ مِنَ الدّنيئَةِ تارِكٌ
في عَينِهِ العَدَدَ الكَثيرَ قَليلا
والعارُ مَضّاضٌ ولَيسَ بخائِفٍ
مِنْ حَتْفِهِ مَنْ خافَ ممّا قِيلا
سَبَقَ التِقاءَكَهُ بوَثْبَةِ هاجِمٍ
لَوْ لم تُصادِمْهُ لجازَكَ مِيلا
خَذَلَتْهُ قُوّتُهُ وقَدْ كافَحْتَهُ
فاستَنْصَرَ التّسْليمَ والتّجْديلا
قَبَضَتْ مَنِيّتُهُ يَدَيْهِ وعُنْقَهُ
فَكَأنّما صادَفْتَهُ مَغْلُولا
سَمِعَ ابنُ عَمّتِهِ بهِ وبحالِهِ
فنَجا يُهَرْوِلُ أمسِ منكَ مَهُولا
وأمَرُّ مِمّا فَرّ مِنْهُ فِرارُهُ
وكَقَتْلِهِ أنْ لا يَمُوتَ قَتيلا
تَلَفُ الذي اتّخَذَ الجراءَةَ خُلّةً
وعَظَ الذي اتّخَذَ الفِرارَ خَليلا
لَوْ كانَ عِلْمُكَ بالإل?هِ مُقَسَّماً
في النّاسِ ما بَعَثَ الإل?هُ رَسُولا
لَوْ كانَ لَفْظُكَ فيهِمُ ما أنزَلَ الـ
ـفُرْقانَ والتّوْراةَ والإنْجيلا
لَوْ كانَ ما تُعطيهِمُ من قبلِ أنْ
تُعْطيهِمُ لَمْ يَعرِفُوا التّأمِيلا
فلَقَدْ عُرِفْتَ وما عُرِفتَ حَقيقَةً
ولقد جُهِلْتَ وما جُهِلْتَ خُمُولا
نَطَقَتْ بسُؤدُدِكَ الحَمامُ تَغَنّياً
وبما تُجَشّمُها الجِيادُ صَهيلا
ما كلّ مَنْ طَلَبَ المَعالي نافِذاً
فيها ولا كُلّ الرّجالِ فُحُولاَ(47/357)
العصر العباسي >> المتنبي >> أرى حللا مطواة حسانا
أرى حللا مطواة حسانا
رقم القصيدة : 5630
-----------------------------------
أرَى حُلَلاً مُطَوَّاةً حِسَاناً
عَداني أنْ أراكَ بها اعْتِلالي
وهَبْكَ طَوَيتَها وخرَجتَ عنها
أتَطوي ما عَلَيكَ من الجَمالِ
وإنّ بها وإنّ بهِ لَنَقْصاً
وأنتَ لها النّهايةُ في الكَمالِ
لَقَدْ ظَلّتْ أواخِرُها الأعالي
مَعَ الأُولى بجِسْمِكَ في قِتالِ
تُلاحِظُكَ العُيُونُ وأنتَ فيها
كأنّ علَيكَ أفْئِدَةَ الرّجالِ
متى أحصَيْتُ فَضلَكَ في كَلامٍ
فقَدْ أحصَيتُ حَبّاتِ الرّمالِ
العصر العباسي >> المتنبي >> عذلت منادمة الأمير عواذلي
عذلت منادمة الأمير عواذلي
رقم القصيدة : 5631
-----------------------------------
عَذَلَتْ مُنادَمَةُ الأميرِ عَواذِلي
في شُرْبِها وكَفَتْ جَوابَ السّائِلِ
مَطَرَتْ سَحابُ يَديكَ رِيَّ جَوانحي
وحملتُ شكرَكَ واصطناعُك حاملي
فمَتى أقُومُ بشُكرِ ما أوْلَيْتَني
والقَوْلُ فيكَ عُلُوّ قَدْرِ القائِل
العصر العباسي >> المتنبي >> بدر فتى لو كان من سؤاله
بدر فتى لو كان من سؤاله
رقم القصيدة : 5632
-----------------------------------
بَدْرٌ فَتًى لوْ كانَ مِنْ سؤَّالِهِ
يَوْماً تَوَفّرَ حَظُّهُ مِنْ مالِهِ
تَتَحَيّرُ الأفْعالُ في أفْعالِهِ
ويَقِلُّ ما يأتيهِ في إقْبالِهِ
قَمَراً نَرَى وسَحابَتينِ بمَوضعٍ
مِنْ وَجْهِهِ ويَمينِهِ وشِمَالِهِ
سَفَكَ الدّماءَ بجُودِهِ لا بأسِهِ
كَرَماً لأنّ الطّيرَ بعضُ عِيالِهِ
إنْ يَفنَ ما يحوي فَقَد أبْقَى لهُ
ذِكْراً يَزولُ الدّهرُ قَبلَ زوالِهِ
العصر العباسي >> المتنبي >> قد أبت بالحاجة مقضية
قد أبت بالحاجة مقضية
رقم القصيدة : 5633
-----------------------------------
قَدْ أُبْتُ بالحَاجَةِ مَقضِيّةً
وعِفْتُ في الجَلسَةِ تَطويلَها
أنتَ الذي طُولُ بَقاءٍ لَهُ
خَيرٌ لنَفسِي مِنْ بَقائي لَهَا(47/358)
العصر العباسي >> المتنبي >> لك يا منازل في القلوب منازل
لك يا منازل في القلوب منازل
رقم القصيدة : 5634
-----------------------------------
لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ
أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ
يَعْلَمْنَ ذاكَ وما عَلِمْتِ وإنّمَا
أوْلاكُما يُبْكَى عَلَيْهِ العاقِلُ
وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّةَ طَرْفُهُ
فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القاتِلُ
تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّباءِ وعِنْدَهُ
من كُلّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ
أللاّءِ أفْتَكُهَا الجَبانُ بمُهْجَتي
وأحَبُّهَا قُرْباً إليّ البَاخِلُ
ألرّامِياتُ لَنَا وهُنّ نَوافِرٌ
والخاتِلاتُ لَنَا وهُنّ غَوافِلُ
كافأنَنَا عَنْ شِبْهِهِنّ مِنَ المَهَا
فَلَهُنّ في غَيرِ التّرابِ حَبَائِلُ
مِنْ طاعِني ثُغَرِ الرّجالِ جآذِرٌ
ومِنَ الرّماحِ دَمَالِجٌ وخَلاخِلُ
ولِذا اسمُ أغطِيَةِ العُيُونِ جُفُونُها
مِنْ أنّها عَمَلَ السّيُوفِ عَوامِلُ
كم وقْفَةٍ سَجَرَتكَ شوْقاً بَعدَما
غَرِيَ الرّقيبُ بنا ولَجّ العاذِلُ
دونَ التّعانُقِ ناحِلَينِ كشَكْلَتيْ
نَصْبٍ أدَقَّهُمَا وضَمَّ الشّاكِلُ
إنْعَمْ ولَذّ فَلِلأمورِ أواخِرٌ
أبَداً إذا كانَتْ لَهُنّ أوائِلُ
ما دُمْتَ مِنْ أرَبِ الحِسانِ فإنّما
رَوْقُ الشّبابِ علَيكَ ظِلٌّ زائِلُ
للّهْوِ آوِنَةٌ تَمُرّ كأنّهَا
قُبَلٌ يُزَوَّدُهَا حَبيبٌ راحِلُ
جَمَحَ الزّمانُ فَلا لَذيذٌ خالِصٌ
ممّا يَشُوبُ ولا سُرُورٌ كامِلُ
حتى أبو الفَضْلِ ابنُ عَبْدِالله رُؤ
يَتُهُ المُنى وهيَ المَقامُ الهَائلُ
مَمْطُورَةٌ طُرُقي إلَيهَا دونَهَا
مِنْ جُودِهِ في كلّ فَجٍّ وابِلُ
مَحْجُوبَةٌ بسُرادِقٍ مِنْ هَيْبَةٍ
تَثْني الأزِمّةَ والمَطيُّ ذَوامِلُ
للشّمسِ فيهِ وللسّحابِ وللبِحَا
رِ وللأسُودِ وللرّياحِ شَمَائِلُ
ولَدَيْهِ مِلْعِقْيَانِ والأدَبِ المُفَا
دِ ومِلْحيَاةِ ومِلْمَماتِ مَنَاهِلُ(47/359)
لَوْ لم يَهَبْ لجَبَ الوُفُودِ حَوَالَهُ
لَسَرَى إلَيْهِ قَطَا الفَلاةِ النّاهِلُ
يَدْري بمَا بِكَ قَبْلَ تُظْهِرُهُ لَهُ
مِن ذِهْنِهِ ويُجيبُ قَبْلَ تُسائِلُ
وتَراهُ مُعْتَرِضاً لَهَا ومُوَلّياً
أحْداقُنا وتَحارُ حينَ يُقابِلُ
كَلِماتُهُ قُضُبٌ وهُنّ فَوَاصِلٌ
كلُّ الضّرائبِ تَحتَهُنّ مَفاصِلُ
هَزَمَتْ مَكارِمُهُ المَكارِمَ كُلّهَا
حتى كأنّ المَكْرُماتِ قَنَابِلُ
وقَتَلْنَ دَفْراً والدُّهَيْمَ فَما تَرَى
أُمُّ الدُّهَيْمِ وأُمُّ دَفْرٍ ثَاكِلُ
عَلاّمَةُ العُلَمَاءِ واللُّجُّ الّذي
لا يَنْتَهي ولِكُلّ لُجٍّ ساحِلُ
لَوْ طابَ مَوْلِدُ كُلّ حَيٍّ مِثْلِهِ
وَلَدَ النّساءُ وما لَهنّ قَوابِلُ
لَوْ بانَ بالكَرَمِ الجَنينُ بَيانَهُ
لَدَرَتْ بهِ ذَكَرٌ أمْ أنثى الحامِلُ
ليَزِدْ بَنُو الحَسَنِ الشِّرافُ تَواضُعاً
هَيهاتِ تُكْتَمُ في الظّلامِ مشاعلُ
جَفَختْ وهم لا يجفَخونَ بها بهِمْ
شِيَمٌ على الحَسَبِ الأغَرّ دَلائِلُ
مُتَشابِهُو وَرَعِ النّفُوسِ كَبيرُهم
وصَغيرُهمْ عَفُّ الإزارِ حُلاحِلُ
يا کفخَرْ فإنّ النّاسَ فيكَ ثَلاثَةٌ
مُسْتَعْظِمٌ أو حاسِدٌ أو جاهِلُ
ولَقَدْ عَلَوْتَ فَما تُبالي بَعدَمَا
عَرَفُوا أيَحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائِلُ
أُثْني عَلَيْكَ ولَوْ تَشاءُ لقُلتَ لي
قَصّرْتَ فالإمْساكُ عنّي نائِلُ
لا تَجْسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ ههُنا
بَيْتاً ولكِنّي الهِزَبْرُ البَاسِلُ
ما نالَ أهْلُ الجاهِلِيّةِ كُلُّهُمْ
شِعْرِي ولا سمعتْ بسحري بابِلُ
وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ
فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ
مَنْ لي بفَهْمِ أُهَيْلِ عَصْرٍ يَدّعي
أنْ يَحْسُبَ الهِنديَّ فيهِمْ باقِلُ
وأمَا وحَقّكَ وهْوَ غايَةُ مُقْسِمٍ
لَلْحَقُّ أنتَ وما سِواكَ الباطِلُ
ألطِّيبُ أنْتَ إذا أصابَكَ طِيبُهُ
والماءُ أنتَ إذا اغتَسَلْتَ الغاسِلُ
ما دارَ في الحَنَكِ اللّسانُ وقَلّبَتْ(47/360)
قَلَماً بأحْسَنَ مِنْ ثَنَاكَ أنَامِلُ
العصر العباسي >> المتنبي >> أماتكم من قبل موتكم الجهل
أماتكم من قبل موتكم الجهل
رقم القصيدة : 5635
-----------------------------------
أماتَكُمُ من قَبلِ مَوْتِكُمُ الجَهْلُ
وجَرّكُمُ من خِفّةٍ بكُمُ النّمْلُ
وُلَيْدَ أُبيِّ الطّيّبِ الكَلْبِ ما لَكُم
فطَنتُمْ إلى الدعوَى وما لكُمُ عَقلُ
ولوْ ضرَبَتْكُم مَنجَنيقي وأصْلُكُمْ
قَوِيٌّ لهَدّتكُمْ فكَيفَ ولا أصْلُ
ولوْ كُنْتُمُ ممّنْ يُدَبِّرُ أمْرَهُ
لمَا صِرْتُمُ نَسلَ الذي ما لهُ نَسْلُ
العصر العباسي >> المتنبي >> يا أكرم الناس في الفعال
يا أكرم الناس في الفعال
رقم القصيدة : 5636
-----------------------------------
يا أكرَمَ النّاسِ في الفَعالِ
وأفْصَحَ النّاسِ في المَقَالِ
إنْ قُلتَ في ذا البَخُورِ سَوْقاً
فهَكَذا قُلتَ في النّوالِ
العصر العباسي >> المتنبي >> أتاني كلام الجاهل ابن كيغلغ
أتاني كلام الجاهل ابن كيغلغ
رقم القصيدة : 5637
-----------------------------------
أتاني كلامُ الجاهِلِ ابنِ كَيَغْلَغٍ
يَجُوبُ حُزُوناً بَيْنَنا وسُهولا
ولوْ لم يكُنْ بينَ ابنِ صَفراءَ حائِلٌ
وبَيْني سِوى رُمْحي لكانَ طَوِيلا
وإسْح?قُ مأمُونٌ على مَنْ أهانَهُ
ولَكِنْ تَسَلّى بالبُكاءِ قَلِيلا
ولَيسَ جَميلاً عِرْضُهُ فيَصُونَهُ
ولَيسَ جَميلاً أن يكونَ جَميلا
ويَكْذِبُ ما أذْلَلْتُهُ بهِجائِهِ
لقَدْ كانَ منْ قَبلِ الهِجاءِ ذَليلا
العصر العباسي >> المتنبي >> لا تحسبوا ربعكم ولا طلله
لا تحسبوا ربعكم ولا طلله
رقم القصيدة : 5638
-----------------------------------
لا تَحْسَبوا رَبعَكُمْ ولا طَلَلَهْ
أوّلَ حَيٍّ فِراقُكُمْ قَتَلَهْ
قَد تَلِفَتْ قَبْلَهُ النّفوسُ بكُمْ
وأكثرَتْ في هَواكُمُ العَذَلَهْ
خَلا وفيهِ أهْلٌ وأوْحَشَنَا
وفيهِ صِرْمٌ مُرَوِّحٌ إبِلَهْ
لوْ سارَ ذاكَ الحَبيبُ عن فَلَكٍ(47/361)
ما رضيَ الشّمسَ بُرْجُهُ بَدَلَهْ
أُحِبّهُ والهَوَى وأدْؤرَهُ
وكُلُّ حُبٍّ صَبابَةٌ ووَلَهْ
يَنصُرُها الغَيثُ وهيَ ظامِئَةٌ
إلى سِواهُ وسُحْبُها هَطِلَهْ
واحَرَبَا مِنكِ يا جَدايَتَهَا
مُقيمَةً، فاعلَمي، ومُرْتَحِلَهْ
لَوْ خُلِطَ المِسْكُ والعَبيرُ بهَا
ولَستِ فيها لَخِلْتُها تَفِلَهْ
أنا ابنُ مَن بعضُهُ يَفُوقُ أبَا الـ
ـباحِثِ والنَّجلُ بعضُ من نَجَلَهْ
وإنّما يَذْكُرُ الجُدودَ لَهُمْ
مَنْ نَفَرُوهُ وأنْفَدوا حِيَلَهْ
فَخْراً لعَضْبٍ أرُوحُ مُشْتَمِلَهْ
وسَمْهَرِيٍّ أرُوحُ مُعْتَقِلَهْ
وليَفْخَرِ الفَخْرُ إذْ غدَوْتُ بهِ
مُرْتَدِياً خَيْرَهُ ومُنْتَعِلَهْ
أنا الذي بَيّنَ الإل?هُ بِهِ الـ
ـأقْدارَ والمَرْءُ حَيْثُما جَعَلَهْ
جَوْهَرَةٌ تَفْرَحُ الشِّرافُ بهَا
وغُصّةٌ لا تُسِيغُها السّفِلَهْ
إنّ الكِذابَ الذي أُكَادُ بِهِ
أهْوَنُ عِنْدي مِنَ الذي نَقَلَهْ
فَلا مُبَالٍ ولا مُداجٍ ولا
وانٍ ولا عاجِزٌ ولا تُكَلَهْ
ودارِعٍ سِفْتُهُ فَخَرَّ لَقًى
في المُلْتَقَى والعَجاجِ والعَجَلَهْ
وسامِعٍ رُعْتُهُ بقافِيَةٍ
يَحارُ فيها المُنَقِّحُ القُوَلَهْ
ورُبّما أُشْهِدُ الطّعامَ مَعي
مَن لا يُساوي الخبزَ الذي أكَلَهْ
ويُظْهِرُ الجَهْلَ بي وأعْرِفُهُ
والدُّرُّ دُرٌّ برَغْمِ مَنْ جَهِلَهْ
مُسْتَحْيِياً من أبي العَشائِرِ أنْ
أسْحَبَ في غَيرِ أرْضِهِ حُلَلَهْ
أسْحَبُها عِنْدَهُ لَدَى مَلِكٍ
ثِيابُهُ مِنْ جَليسِهِ وَجِلَهْ
وبِيضُ غِلْمانِهِ كَنائِلِهِ
أوّلُ مَحْمُولِ سَيْبِهِ الحَمَلَهْ
ما ليَ لا أمْدَحُ الحُسَينَ ولا
أبْذُلُ مِثْلَ الوُدِّ الذي بَذَلَهْ
أأخْفَتِ العَينُ عندَهُ أثَراً
أمْ بَلَغَ الكَيْذُبانُ ما أمَلَهْ
أمْ لَيسَ ضَرّابَ كلّ جُمجمَةٍ
مَنْخُوّةٍ ساعةَ الوَغَى زَعِلَهْ
وصاحِبَ الجُودِ ما يُفارِقُهُ
لَوْ كانَ للجُودِ مَنْطِقٌ عَذَلَهْ
وراكِبَ الهَوْلِ لا يُفَتِّرُهُ(47/362)
لَوْ كانَ للهَوْلِ مَحْزِمٌ هَزَلَهْ
وفارِسَ الأحْمَرِ المُكَلِّلَ في
طَيِّءٍ المُشْرَعَ القَنَا قِبَلَهْ
لمّا رأتْ وَجهَهُ خُيُولُهُمُ
أقْسَمَ بالله لا رأتْ كَفَلَهْ
فأكْبَرُوا فِعْلَهُ وأصْغَرَهُ؛
أكبَرُ مِنْ فِعْلِهِ الذي فَعَلَهْ
القاطِعُ الواصِلُ الكَميلُ فَلا
بَعضُ جَميلٍ عن بَعضِهِ شَغَلَهْ
فَواهِبٌ والرّماحُ تَشْجُرُهُ
وطاعِنٌ والهِباتُ مُتّصِلَهْ
وكُلّما أمّنَ البِلادَ سَرَى
وكلّما خِيفَ مَنْزِلٌ نَزَلَهْ
وكُلّما جاهَرَ العَدُوَّ ضُحًى
أمكَنَ حتى كأنّهُ خَتَلَهْ
يَحْتَقِرُ البِيضَ واللِّدانَ إذا
سَنّ علَيهِ الدِّلاصَ أوْ نَثَلَهْ
قد هَذَبَتْ فَهْمَهُ الفَقاهَةُ لي
وهَذّبَتْ شِعريَ الفَصاحَةُ لَهْ
فصِرْتُ كالسّيفِ حامِداً يَدَهُ
لا يحمدُ السّيفُ كلَّ من حَمَلَهْ
العصر العباسي >> المتنبي >> أتحلف لا تكلفني مسيرا
أتحلف لا تكلفني مسيرا
رقم القصيدة : 5639
-----------------------------------
أتَحْلِفُ لا تُكَلّفُني مَسِيراً
إلى بَلَدٍ أُحَاوِلُ فيهِ مَالا
وَأنْتَ مُكَلِّفي أنْبَى مَكَاناً
وَأبْعَدَ شُقّةً وَأشَدّ حَالا
إذا سِرْنَا عَنِ الفُسْطاطِ يَوْماً
فَلَقّنيَ الفَوَارِسَ وَالرّجَالا
لتَعْلَمَ قَدْرَ مَنْ فارَقْتَ منّي
وَأنّكَ رُمْتَ من ضَيمي مُحَالا
العصر العباسي >> المتنبي >> لا خيل عندك تهديها ولا مال
لا خيل عندك تهديها ولا مال
رقم القصيدة : 5640
-----------------------------------
لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ
فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ
وَاجْزِ الأميرَ الذي نُعْمَاهُ فَاجِئَةٌ
بغَيرِ قَوْلٍ وَنُعْمَى النّاسِ أقْوَالُ
فَرُبّمَا جَزَتِ الإحْسَانَ مُولِيَهُ
خَريدَةٌ مِنْ عَذارَى الحَيّ مِكسالُ
وَإنْ تكُنْ مُحْكَماتُ الشّكلِ تمنَعُني
ظُهُورَ جَرْيٍ فلي فيهِنّ تَصْهالُ
وَمَا شكَرْتُ لأنّ المَالَ فَرّحَني
سِيّانِ عِنْديَ إكْثَارٌ وَإقْلالُ(47/363)
لَكِنْ رَأيْتُ قَبيحاً أنْ يُجَادَ لَنَا
وَأنّنَا بِقَضَاءِ الحَقّ بُخّالُ
فكُنْتُ مَنبِتَ رَوْضِ الحَزْنِ باكرَهُ
غَيثٌ بِغَيرِ سِباخِ الأرْضِ هَطّالُ
غَيْثٌ يُبَيِّنُ للنُّظّارِ مَوْقِعُهُ
أنّ الغُيُوثَ بِمَا تَأتيهِ جُهّالُ
لا يُدرِكُ المَجدَ إلاّ سَيّدٌ فَطِنٌ
لِمَا يَشُقُّ عَلى السّاداتِ فَعّالُ
لا وَارِثٌ جَهِلَتْ يُمْنَاهُ ما وَهَبَتْ
وَلا كَسُوبٌ بغَيرِ السّيفِ سَأْآلُ
قالَ الزّمانُ لَهُ قَوْلاً فَأفْهَمَهُ،
إنّ الزّمَانَ على الإمْساكِ عَذّالُ
تَدرِي القَنَاةُ إذا اهْتَزّتْ برَاحَتِهِ
أنّ الشقيَّ بهَا خَيْلٌ وَأبْطَالُ
كَفَاتِكٍ وَدُخُولُ الكَافِ مَنقَصَةٌ
كالشمسِ قُلتُ وَما للشمسِ أمثَالُ
ألقائِدِ الأُسْدَ غَذّتْهَا بَرَاثِنُهُ
بمِثْلِهَا مِنْ عِداهُ وَهْيَ أشْبَالُ
ألقاتِلِ السّيفَ في جِسْمِ القَتيلِ بِهِ
وَللسّيُوفِ كمَا للنّاسِ آجَالُ
تُغِيرُ عَنْهُ على الغارَاتِ هَيْبَتُهُ
وَمَالُهُ بأقَاصِي الأرْضِ أهْمَالُ
لَهُ منَ الوَحشِ ما اختارَتْ أسِنّتُهُ
عَيرٌ وَهَيْقٌ وَخَنْسَاءٌ وَذَيّالُ
تُمْسِي الضّيُوفُ مُشَهّاةً بِعَقْوَتِهِ
كأنّ أوْقاتَهَا في الطّيبِ آصَالُ
لَوِ اشْتَهَتْ لَحْمَ قارِيهَا لَبَادَرَهَا
خَرَادِلٌ مِنهُ في الشِّيزَى وَأوْصَالُ
لا يَعْرِفُ الرُّزْءَ في مالٍ وَلا وَلَدٍ
إلاّ إذا حَفَزَ الضِّيفَانَ تَرْحَالُ
يُروي صَدى الأرض من فَضْلات ما شربوا
محْضُ اللّقاحِ وَصَافي اللّوْنِ سلسالُ
تَقرِي صَوَارِمُهُ السّاعاتِ عَبْطَ دَمٍ
كَأنّمَا السّاعُ نُزّالٌ وَقُفّالُ
تَجْرِي النّفُوسُ حَوَالَيْهِ مُخَلَّطَةً
مِنهَا عُداةٌ وَأغْنَامٌ وَآبَالُ
لا يَحْرِمُ البُعْدُ أهْلَ البُعْدِ نائِلَهُ
وغَيرُ عاجِزَةٍ عَنْهُ الأُطَيْفَالُ
أمضَى الفَرِيقَينِ في أقْرَانِهِ ظُبَةً
وَالبِيضُ هَادِيَةٌ وَالسُّمْرُ ضُلاّلُ
يُرِيكَ مَخْبَرُهُ أضْعَافَ مَنظَرِهِ(47/364)
بَينَ الرّجالِ وَفيها المَاءُ وَالآلُ
وَقَدْ يُلَقّبُهُ المَجْنُونَ حَاسِدُهُ
إذا اختَلَطْنَ وَبَعضُ العقلِ عُقّالُ
يَرْمي بهَا الجَيشَ لا بُدٌّ لَهُ وَلَهَا
من شَقّهِ وَلوَ کنّ الجَيشَ أجبَالُ
إذا العِدَى نَشِبَتْ فيهِمْ مَخالِبُهُ
لم يَجْتَمِع لهُمُ حِلْمٌ وَرِئْبَالُ
يَرُوعُهُمْ مِنْهُ دَهْرٌ صَرْفُهُ أبَداً
مُجاهِرٌ وَصُرُوفُ الدّهرِ تَغتالُ
أنَالَهُ الشّرَفَ الأعْلى تَقَدُّمُهُ
فَمَا الذي بتَوَقّي مَا أتَى نَالُوا
إذا المُلُوكُ تَحَلّتْ كانَ حِلْيَتَهُ
مُهَنَّدٌ وَأصَمُّ الكَعْبِ عَسّالُ
أبُو شُجاعٍ أبو الشّجعانِ قاطِبَةً
هَوْلٌ نَمَتْهُ مِنَ الهَيجاءِ أهوَالُ
تَمَلّكَ الحَمْدَ حتى ما لِمُفْتَخِرٍ
في الحَمْدِ حاءٌ وَلا ميمٌ وَلا دالُ
عَلَيْهِ مِنْهُ سَرَابيلٌ مُضَاعَفَةٌ
وَقَدْ كَفَاهُ مِنَ الماذِيِّ سِرْبَالُ
وَكَيْفَ أسْتُرُ ما أوْلَيْتَ من حَسَنٍ
وَقَدْ غَمَرْتَ نَوَالاً أيّهَا النّالُ
لَطّفْتَ رَأيَكَ في بِرّي وَتَكْرِمَتي
إنّ الكَريمَ على العَلْياءِ يَحْتَالُ
حتى غَدَوْتَ وَللأخْبَارِ تَجْوَالٌ
وَللكَوَاكِبِ في كَفّيْكَ آمَالُ
وَقَدْ أطَالَ ثَنَائي طُولُ لابِسِهِ...
إنّ الثّنَاءَ عَلى التِّنْبَالِ تِنْبَالُ
إنْ كنتَ تكبُرُ أنْ تَخْتَالَ في بَشَرٍ
فإنّ قَدْرَكَ في الأقْدارِ يَخْتَالُ
كأنّ نَفْسَكَ لا تَرْضَاكَ صَاحِبَهَا
إلاّ وَأنْتَ على المِفضَالِ مِفضَالُ
وَلا تَعُدُّكَ صَوّاناً لمُهْجَتِهَا
إلاّ وَأنْتَ لهَا في الرّوْعِ بَذّالُ
لَوْلا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ؛
ألجُودُ يُفْقِرُ وَالإقدامُ قَتّالُ
وَإنّمَا يَبْلُغُ الإنْسانُ طَاقَتَهُ
مَا كُلّ ماشِيَةٍ بالرّحْلِ شِمْلالُ
إنّا لَفي زَمَنٍ تَرْكُ القَبيحِ بهِ
من أكثرِ النّاسِ إحْسانٌ وَإجْمالُ
ذِكْرُ الفتى عُمْرُهُ الثّاني وَحاجَتُهُ
مَا قَاتَهُ وَفُضُولُ العَيشِ أشغَالُ(47/365)
العصر العباسي >> المتنبي >> كدعواك كل يدعي صحة العقل
كدعواك كل يدعي صحة العقل
رقم القصيدة : 5641
-----------------------------------
كدَعْواكِ كُلٌّ يَدّعي صِحّةَ العقلِ
وَمَن ذا الذي يدري بما فيه من جَهْلِ
لَهِنّكِ أوْلَى لائِمٍ بِمَلامَةٍ
وَأحْوَجُ ممّنْ تَعذُلِينَ إلى العَذلِ
تَقُولِينَ ما في النّاسِ مِثلَكَ عاشِقٌ
جِدي مثلَ مَن أحبَبْتُهُ تجدي مِثلي
مُحِبٌّ كَنى بالبِيضِ عن مُرْهَفَاتِهِ
وَبالحُسنِ في أجسامِهِنّ عن الصّقلِ
وَبالسُّمْرِ عن سُمرِ القَنَا غَيرَ أنّني
جَنَاهَا أحِبّائي وَأطْرَافُها رُسْلي
عَدِمْتُ فُؤاداً لم تَبِتْ فيهِ فَضْلَةٌ
لغَيرِ الثّنَايَا الغُرّ وَالحَدَقِ النُّجلِ
فَمَا حَرَمَتْ حَسْناءُ بالهَجرِ غِبْطةً
وَلا بَلّغَتْها مَن شكا الهَجرَ بالوَصْلِ
ذَرِيني أنَلْ ما لا يُنَالُ مِنَ العُلَى
فصَعْبُ العلى في الصّعب وَالسهلُ في السهلِ
تُريدينَ لُقيانَ المَعَالي رَخيصَةً
وَلا بُدّ دونَ الشّهدِ من إبَرِ النّحلِ
حَذِرْتِ عَلَينَا المَوْتَ وَالخَيلُ تدَّعي
وَلم تَعلَمي عن أيّ عاقِبَةٍ تُجْلي
وَلَسْتُ غَبِيناً لَوْ شَرِبْتُ مَنِيّتي
بإكْرَامِ دِلّيرَ بنِ لَشْكَرَوَزٍّ لي
تَمَرُّ الأنَابِيبُ الخَوَاطِرُ بَيْنَنَا
وَنَذْكُرُ إقْبالَ الأمِيرِ فَتَحْلَوْلي
وَلَوْ كُنتُ أدرِي أنّهَا سَبَبٌ لَهُ
لَزَادَ سُرُوري بالزّيادَةِ في القَتْلِ
فَلا عَدِمَتْ أرْضُ العِراقَينِ فِتْنَةً
دعَتكَ إليها كاشفَ البأس وَالمَحلِ
ظَلِلْنَا إذا أنْبَى الحَديدُ نِصَالَنَا
نجرّدُ ذكراً منك أمضَى من النّصْلِ
وَنَرْمي نَوَاصِيها منِ اسمكَ في الوَغى
بأنْفَذَ مِن نُشّابِنا وَمِنَ النَّبْلِ
فإنْ تَكُ منْ بَعدِ القِتالِ أتَيْتَنَا
فَقَدْ هَزَمَ الأعْداءَ ذِكرُك من قَبلِ
وَما زِلْتُ أطوي القلبَ قبل اجتِماعِنا
على حاجَةٍ بَينَ السّنابِكِ وَالسُّبْلِ
وَلَوْ لم تَسِرْ سِرْنَا إلَيكَ بأنْفُسٍ(47/366)
غَرَائِبَ يُؤثِرْنَ الجِيادَ على الأهلِ
وَخَيْلٍ إذا مَرّتْ بوَحْشٍ وَرَوْضَةٍ
أبَتْ رَعْيَها إلاّ وَمِرْجَلُنَا يَغلي
وَلكنْ رأيتَ القَصْدَ في الفضْلِ شِركةً
فكانَ لكَ الفضْلانِ بالقصْدِ وَالفضْلِ
وَلَيسَ الذي يَتّبَّعُ الوَبْلَ رَائِداً
كمَنْ جاءَهُ في دارِهِ رَائِدُ الوَبْلِ
وَمَا أنَا مِمّنْ يَدّعي الشّوْقَ قَلبُهُ
وَيَحْتَجّ في تَرْكِ الزّيارَةِ بالشّغلِ
أرَادَتْ كِلابٌ أنْ تَفُوزَ بدَوْلَةٍ
لمن ترَكتْ رَعْيَ الشُّوَيهاتِ وَالإبْلِ
أبَى رَبُّها أنْ يترُكَ الوَحشَ وَحْدَها
وَأن يُؤمِنَ الضّبَّ الخبيثَ من الأكلِ
وَقَادَ لهَا دِلّيرُ كُلَّ طِمِرّةٍ
تُنيفُ بخَدّيهَا سَحُوقٌ من النّخلِ
وَكلَّ جَوَادٍ تَلْطِمُ الأرْضَ كَفُّهُ
بأغنى عنِ النّعْلِ الحَديد من النّعلِ
فَوَلّتْ تُريغُ الغَيثَ والغَيْثَ خَلّفَتْ
وَتَطلُبُ ما قَد كانَ في اليَدِ بِالرِّجْلِ
تُحاذِرُ هُزْلَ المَالِ وَهْيَ ذَليلَةٌ
وَأشْهَدُ أنّ الذّلّ شرٌّ من الهُزْلِ
وَأهْدَتْ إلَيْنَا غَيرَ قاصِدَةٍ بِهِ
كَريمَ السّجايَا يَسبِقُ القوْلَ بالفعلِ
تَتَبَّعَ آثَارَ الرّزَايَا بجُودِهِ
تَتَبُّعَ آثَارِ الأسِنّةِ بالفُتْلِ
شَفَى كُلَّ شَاكٍ سَيْفُهُ وَنَوَالُهُ
منَ الدّاءِ حتى الثّاكِلاتِ من الثكلِ
عفيفٌ تَروقُ الشمسَ صُورَةُ وَجهِه
فَلَوْ نَزَلَتْ شَوْقاً لحَادَ إلى الظّلِّ
شُجاعٌ كأنّ الحَرْبَ عاشِقَةٌ لَهُ
إذا زَارَهَا فَدّتْهُ بالخَيْلِ وَالرَّجْلِ
وَرَيّانُ لا تَصْدَى إلى الخمرِ نَفْسُهُ
وَصَدْيانُ لا تَرْوَي يَداهُ من البَذلِ
فتَمْليكُ دِلّيرٍ وَتَعْظيمُ قَدْرِهِ
شَهيدٌ بوَحْدانِيّةِ الله وَالعَدْلِ
وَمَا دامَ دِلّيرٌ يَهُزّ حُسَامَهُ
فَلا نَابَ في الدّنْيَا للَيثٍ وَلا شِبلِ
وَمَا دامَ دِلّيرٌ يُقَلّبُ كَفَّهُ
فَلا خلقَ من دعوَى المكارِم في حِلِّ
فَتًى لا يُرَجّي أنْ تَتِمّ طَهَارَةٌ(47/367)
لمَنْ لم يُطَهّرْ رَاحَتَيْهِ من البُخلِ
فَلا قَطَعَ الرّحْم?نُ أصْلاً أتَى بهِ
فإنّي رَأيتُ الطّيّبَ الطّيّبَ الأصْلِ
العصر العباسي >> المتنبي >> ما أجدر الأيام والليالي
ما أجدر الأيام والليالي
رقم القصيدة : 5642
-----------------------------------
مَا أجْدَرَ الأيّامَ وَاللّيَالي
بأنْ تَقُولَ مَا لَهُ وَمَا لي
لا أنْ يكونَ هكَذا مَقَالي
فَتىً بنِيرانِ الحُروبِ صَالِ
مِنْهَا شَرَابي وَبهَا اغْتِسَالي
لا تَخطُرُ الفَحشاءُ لي ببَالِ
لَوْ جَذَبَ الزّرّادُ مِنْ أذْيَالي
مُخَيِّراً لي صَنْعَتَيْ سِرْبَالِ
مَا سُمْتُهُ زَرْدَ سِوَى سِرْوَالِ
وَكَيفَ لا وَإنّمَا إدْلالي
بِفارِسِ المَجْرُوحِ وَالشَّمَالِ
أبي شُجاعٍ قاتِلِ الأبطالِ
سَاقي كُؤوسِ المَوْتِ وَالجِرْيالِ
لمّا أصَارَ القُفْصَ أمْسِ الخالي
وَقَتّلَ الكُرْدَ عَنِ القِتالِ
حتى اتّقَتْ بالفَرِّ وَالإجْفَالِ
فَهَالِكٌ وَطائِعٌ وَجَالِ
وَاقْتَنَصَ الفُرْسانَ بالعَوَالي
وَالعُتُقِ المُحْدَثَةِ الصّقالِ
سَارَ لصَيدِ الوَحشِ في الجِبالِ
وَفي رَقَاقِ الأرْضِ وَالرّمَالِ
على دِمَاءِ الإنْسِ وَالأوْصَالِ
مُنْفَرِدَ المُهْرِ عَنِ الرّعَالِ
مِنْ عِظَمِ الهِمّةِ لا المَلالِ
وَشِدّةِ الضِّنّ لا الاسْتِبْدالِ
ما يَتَحرَّكْنَ سِوَى انْسِلالِ
فَهُنّ يُضرَبنَ على التَّصْهَالِ
كُلُّ عَليلٍ فَوْقَهَا مُخْتَالِ
يُمْسِكُ فَاهُ خَشْيَةَ السُّعَالِ
من مَطلِعِ الشّمسِ إلى الزّوالِ
فَلَمْ يَئِلْ ما طارَ غَيرَ آلِ
وَمَا عَدا فانغَلّ في الأدْغالِ
وَمَا احتَمَى بالماءِ وَالدِّحَالِ
مِنَ الحَرَامِ اللّحْمِ وَالحَلالِ
إنّ النّفُوسَ عَدَدُ الآجَالِ
سَقْياً لدَشْتِ الأرْزَنِ الطُّوَالِ
بَينَ المُرُوجِ الفِيحِ وَالأغْيَالِ
مُجاوِرِ الخِنْزِيرِ للرّئْبَالِ
داني الخَنانيصِ مِنَ الأشْبَالِ
مُشْتَرِفِ الدّبّ عَلى الغَزَالِ
مُجتمِعِ الأضْدادِ وَالأشكالِ(47/368)
كَأنّ فَنّاخُسْرَ ذا الإفْضَالِ
خَافَ عَلَيْهَا عَوَزَ الكَمَالِ
فَجَاءَهَا بالفِيلِ وَالفَيّالِ
فَقِيدَتِ الأيّلُ في الحِبَالِ
طَوْعَ وُهُوقِ الخَيلِ وَالرّجالِ
تَسيرُ سَيرَ النَّعَمِ الأرْسَالِ
مُعْتَمّةً بيَبِسِ الأجْذالِ
وُلِدْنَ تحتَ أثْقَلِ الأحْمَالِ
قَدْ مَنَعَتْهُنّ مِنَ التّفَالي
لا تَشْرَكُ الأجْسامَ في الهُزالِ
إذا تَلَفّتنَ إلى الأظْلالِ
أرَيْنَهُنّ أشْنَعَ الأمْثَالِ
كَأنّمَا خُلِقْنَ لِلإذْلالِ
زِيادَةً في سُبّةِ الجُهّالِ
وَالعُضْوُ لَيسَ نافِعاً في حَالِ
لِسَائِرِ الجِسْمِ مِنَ الخَبَالِ
وَأوْفَتِ الفُدْرُ مِنَ الأوْعَالِ
مُرْتَدِياتٍ بِقِسِيِّ الضّالِ
نَوَاخِسَ الأطْرَافِ لِلأكفَالِ
يَكَدْنَ يَنْفُذْنَ منَ الآطالِ
لهَا لِحىً سُودٌ بِلا سِبَالِ
يَصْلُحنَ للإضْحاكِ لا الإجْلالِ
كُلُّ أثِيثٍ نَبْتُهَا مِتْفَالِ
لم تُغْذَ بالمِسْكِ وَلا الغَوَالي
تَرْضَى من الأدْهانِ بالأبْوَالِ
وَمِنْ ذَكيّ الطّيبِ بالدَّمَالِ
لَوْ سُرّحَتْ في عارِضَيْ مُحتالِ
لَعَدّهَا مِنْ شبكاتِ المَالِ
بَينَ قُضَاةِ السّوْءِ وَالأطفَالِ
شَبيهَةِ الإدْبَارِ بالإقْبَالِ
لا تُؤثِرُ الوَجهَ على القَذَالِ
فاخْتَلَفَتْ في وَابِلَيْ نِبَالِ
مِنْ أسْفَلِ الطّوْدِ وَمن مُعَالِ
قَدْ أوْدَعَتْهَا عَتَلُ الرّجَالِ
في كلّ كِبْدٍ كَبِدَيْ نِصَالِ
فَهُنّ يَهْوِينَ مِنَ القِلالِ
مَقْلُوبَةَ الأظْلافِ وَالإرْقالِ
يُرْقِلْنَ في الجَوّ على المَحَالِ
في طُرُقٍ سَرِيعَةِ الإيصالِ
يَنَمْنَ فيهَا نِيمَةَ المِكسَالِ
على القُفِيّ أعْجَلَ العِجالِ
لا يَتَشَكّينَ مِنَ الكَلالِ
وَلا يُحاذِرْنَ مِنَ الضّلالِ
فكانَ عَنهَا سَبَبَ التّرْحالِ
تَشْوِيقُ إكْثَارٍ إلى إقْلالِ
فَوَحْشُ نَجْدٍ منْهُ في بَلْبَالِ
يَخَفْنَ في سَلمى وَفي قِيَالِ
نَوَافِرَ الضِّبَابِ وَالأوْرَالِ،
وَالخاضِبَاتِ الرُّبْدِ وَالرِّئَالِ(47/369)
وَالظّبيِ وَالخَنْسَاءِ وَالذَّيّالِ
يَسْمَعْنَ من أخبارِهِ الأزْوَالِ
ما يَبعَثُ الخُرْسَ على السّؤالِ
فَحُولُهَا وَالعُوذُ وَالمَتَالي
تَوَدّ لَوْ يُتْحِفُهَا بِوَالِ
يَرْكَبُهَا بالخُطْمِ وَالرّحالِ
يُؤمِنُهَا مِنْ هَذِهِ الأهْوَالِ
وَيَخْمُسُ العُشْبَ وَلا تُبَالي
وَمَاءَ كُلِّ مُسْبِلٍ هَطّالِ
يا أقْدَرَ السُّفّارِ وَالقُفّالِ
لوْ شِئتَ صِدتَ الأُسدَ بالثّعالي
أوْ شِئتَ غرّقتَ العِدَى بالآلِ
وَلَوْ جَعَلْتَ مَوْضِعَ الإلالِ
لآلِئاً قَتَلْتَ بِاللآّلي
لم يَبْقَ إلاّ طَرَدُ السّعَالي
في الظُّلَمِ الغَائِبَةِ الهِلالِ
على ظُهُورِ الإبِلِ الأُبّالِ
فَقَدْ بَلَغْتَ غايَةَ الآمَالِ
فلَمْ تَدَعْ منها سِوَى المُحالِ
في لا مَكانٍ عِندَ لا مَنَالِ
يا عَضُدَ الدّوْلَةِ وَالمَعَالي
ألنّسَبُ الحَلْيُ وأنْتَ الحالي
بالأبِ لا بالشَّنْفِ وَالخَلْخالِ
حَلْياً تَحَلّى مِنْكَ بالجَمَالِ
وَرُبّ قُبْحٍ وَحِلًى ثِقَالِ
أحسَنُ منها الحُسنُ في المِعطالِ
فَخْرُ الفَتى بالنّفسِ وَالأفْعَالِ
مِنْ قَبْلِهِ بالعَمّ وَالأخْوَالِ
العصر العباسي >> المتنبي >> إثلث فإنا أيها الطلل
إثلث فإنا أيها الطلل
رقم القصيدة : 5643
-----------------------------------
إثْلِثْ! فإنّا أيّهَا الطّلَلُ
نبْكي وَتُرْزِمُ تَحْتَنَا الإبِلُ
أوْ لا فَلا عَتْبٌ عَلى طَلَلٍ
إنّ الطّلُولَ لمِثْلِهَا فُعُلُ
لَوْ كُنْتَ تَنْطِقُ قُلتَ مُعتَذِراً
بي غَيرُ ما بكَ أيّهَا الرّجُلُ
أبكاكَ أنّكَ بَعضُ مَن شَغَفُوا
لم أبكِ أنّي بَعضُ مَن قَتَلُوا
إنّ الذينَ أقَمْتَ وَارْتَحَلُوا
أيّامُهُمْ لِدِيَارِهِمْ دُوَلُ
الحُسْنُ يَرْحَلُ كُلّمَا رَحلوا
مَعَهُمْ وَيَنْزِلُ حَيثُمَا نَزَلُوا
في مُقْلَتيْ رَشَإٍ تُديرُهُمَا
بَدَوِيّةٌ فُتِنَتْ بهَا الحِلَلُ
تَشكُو المَطاعِمُ طولَ هِجرَتِها
وَصُدودَها وَمَنِ الذي تَصِلُ(47/370)
ما أسْأرَتْ في القَعْبِ مِن لَبَنٍ
تَرَكَتهُ وَهوَ المِسكُ وَالعَسَلُ
قالَتْ ألا تَصْحُو فَقُلتُ لَهَا
أعْلَمْتِني أنّ الهَوَى ثَمَلُ
لَوْ أنّ فَنّاخُسْرَ صَبّحَكُمْ
وَبَرَزْتِ وَحْدَكِ عاقَهُ الغَزَلُ
وَتَفَرّقَتْ عَنكُمْ كَتَائِبُهُ
إنّ المِلاحَ خَوَادِعٌ قُتُلُ
مَا كُنتِ فَاعِلَةً وَضَيْفُكُمُ
مَلِكُ المُلُوكِ وَشأنُكِ البَخَلُ
أتُمَنّعِينَ قِرىً فتَفْتَضِحي
أمْ تَبْذِلينَ لَهُ الذي يَسَلُ
بَلْ لا يَحِلّ بحَيْثُ حَلّ بِهِ
بُخْلٌ وَلا خَوَرٌ وَلا وَجَلُ
مَلِكٌ إذا مَا الرُّمحُ أدرَكَهُ
طَنَبٌ ذَكَرْنَاهُ فَيَعْتَدِلُ
إنْ لم يَكُنْ مَن قَبلَهُ عَجَزُوا
عَمّا يَسُوسُ بهِ فَقد غَفَلُوا
حتى أتَى الدّنْيَا ابنُ بَجدَتِهَا
فَشكَا إلَيْه السّهلُ وَالجَبَلُ
شكوَى العَليلِ إلى الكَفيلِ لَهُ
أنْ لا تَمُرَّ بجِسْمِهِ العِلَلُ
قالَتْ فَلا كَذَبَتْ شَجاعَتُهُ
أقْدِمْ فنَفْسُكَ مَا لهَا أجَلُ
فَهُوَ النّهَايَةُ إنْ جَرَى مَثَلٌ
أوْ قيلَ يَوْمَ وَغىً منِ البَطَلُ
عُدَدُ الوُفُودِ العَامِدينَ لَهُ
دونَ السّلاحِ الشُّكلُ وَالعُقُلُ
فَلِشُكْلِهِمْ في خَيْلِهِ عَمَلٌ
وَلِعُقْلِهِمْ في بُخْتِهِ شُغُلُ
تُمْسِي على أيْدي مَوَاهِبِهِ
هِيَ أوْ بَقِيّتُهَا أوِ البَدَلُ
يُشْتَاقُ مِنْ يَدِهِ إلى سَبَلٍ
شَوْقاً إلَيْهِ يَنْبُتُ الأسَلُ
سَبَلٌ تَطُولُ المَكْرُماتُ بِهِ
وَالمَجْدُ لا الحَوْذانُ وَالنَّفَلُ
وَإلى حَصَى أرْضٍ أقَامَ بهَا
بالنّاسِ مِنْ تَقبيلِهِ يَلَلُ
إنْ لم تُخَالِطْهُ ضَوَاحِكُهُمْ
فَلِمَنْ تُصَانُ وَتُذخَرُ القُبَلُ
في وَجْهِهِ مِنْ نُورِ خَالِقِهِ
غُرَرٌ هيَ الآيَاتُ وَالرّسُلُ
فإذا الخَميسُ أبَى السّجودَ لهُ
سَجَدَتْ لَهُ فيهِ القَنَا الذُّبُلُ
وَإذا القُلُوبُ أبَتْ حُكُومَتَهُ
رَضِيَتْ بحُكمِ سُيُوفِهِ القُلَلُ
أرَضِيتَ وَهشُوذانُ ما حكَمَتْ
أمْ تَسْتَزِيدَ لاُِمّكَ الهَبَلُ(47/371)
وَرَدَتْ بِلادَكَ غيرَ مُغْمَدَةٍ
وَكَأنّهَا بَينَ القَنَا شُعَلُ
وَالقَوْمُ في أعيانِهِمْ خَزَرٌ
وَالخَيْلُ في أعيانِهَا قَبَلُ
فأتَوْكَ لَيسَ بمَنْ أتَوْا قِبَلٌ
بهِمِ وَلَيسَ بمَنْ نَأوْا خَلَلُ
لم يَدْرِ مَنْ بالرّيّ أنّهُمُ
فَصَلُوا وَلا يَدري إذا قَفَلُوا
وَأتَيْتَ مُعْتَزِماً وَلا أسَدٌ
وَمَضَيْتَ مُنهَزِماً وَلا وَعِلُ
تُعْطي سِلاحَهُمُ وَرَاحَهُمُ
مَا لمْ تَكُنْ لِتَنَالَهُ المُقَلُ
أسخَى المُلُوكِ بِنَقْلِ مَملَكَةٍ
مَنْ كادَ عَنْهُ الرّأسُ يَنتَقِلُ
لَوْلا الجَهَالَةُ مَا دَلَفْتَ إلى
قَوْمٍ غَرِقْتَ وَإنّمَا تَفَلُوا
لا أقْبَلُوا سِرّاً وَلا ظَفِرُوا
غَدْراً وَلا نَصَرَتْهُمُ الغِيَلُ
لا تَلْقَ أفرَسَ منكَ تَعْرِفُهُ
إلاّ إذا ما ضاقَتِ الحِيَلُ
لا يَسْتَحي أحَدٌ يُقَالُ لَهُ
نَضَلُوكَ آلُ بُوَيْهِ أوْ فَضَلُوا
قَدَرُوا عَفَوْا وَعدوا وَفَوْا سُئلوا
أغنَوْا عَلَوْا أعْلَوْا وَلُوا عَدَلوا
فَوْقَ السّمَاءِ وَفَوْقَ ما طلَبوا
فإذا أرادوا غايَةً نَزَلُوا
قَطَعَتْ مكارِمُهُمْ صَوَارِمَهمْ
فإذا تَعَذّرَ كاذِبٌ قَبِلُوا
لا يَشْهَرُونَ عَلى مُخالِفِهِمْ
سَيْفاً يَقُومُ مَقَامَهُ العَذَلُ
فأبُو عَليٍّ مَنْ بهِ قَهَرُوا
أبُو شُجَاعٍ مَنْ بِهِ كمَلُوا
حَلَفَتْ لِذا بَرَكاتُ غُرّةِ ذا
في المَهْدِ أنْ لا فَاتَهُ أمَلُ
العصر العباسي >> المتنبي >> وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه
رقم القصيدة : 5644
-----------------------------------
وَفاؤكُما كالرَّبْع أشْجاهُ طاسمه
بأنْ تُسعِدا والدّمْعُ أشفاهُ ساجِمُهْ
وما أنَا إلاّ عاشِقٌ كلُّ عَاشِقٍ
أعَقُّ خَليلَيْهِ الصّفِيّينِ لائِمُهْ
وقَدْ يَتَزَيّا بالهَوَى غَيرُ أهْلِهِ
ويَستَصحِبُ الإنسانُ مَن لا يُلائمُهْ
بَليتُ بِلى الأطْلالِ إنْ لم أقِفْ بها
وُقوفَ شَحيحٍ ضاعَ في التُّرْبِ خاتمُهْ(47/372)
كَئيباً تَوَقّاني العَواذِلُ في الهَوَى
كمَا يَتَوَقّى رَيّضَ الخَيلِ حازِمُهْ
قِفي تَغرَمِ الأولى من اللّحظِ مُهجتي
بثانِيَةٍ والمُتْلِفُ الشّيْءَ غارِمُهْ
سَقاكِ وحَيّانَا بكِ الله إنّمَا
على العِيسِ نَوْرٌ والخدورُ كمائِمُهْ
وما حاجةُ الأظعانِ حَوْلَكِ في الدّجى
إلى قَمَرٍ ما واجدٌ لكِ عادِمُهْ
إذا ظَفِرَتْ منكِ العُيونُ بنَظرَةٍ
أثابَ بها مُعيي المَطيّ ورازِمُهْ
حَبيبٌ كأنّ الحُسنَ كانَ يُحِبّهُ
فآثَرَهُ أوْ جارَ في الحُسنِ قاسِمُهْ
تَحُولُ رِماحُ الخَطّ دونَ سِبائِهِ
وتُسبَى لَهُ منْ كلّ حَيٍّ كرائِمُهْ
وَيُضْحي غُبارُ الخَيلِ أدنَى سُتُورِهِ
وآخِرُها نَشْرُ الكِباءِ المُلازِمُهْ
وما اسْتَغْرَبَتْ عَيني فِراقاً رأيْتُهُ
ولا عَلّمَتْني غَيرَ ما القلبُ عالمُهْ
فَلا يَتَّهِمْني الكاشِحونَ فإنّني
رَعَيتُ الرّدى حتى حَلَتْ لي علاقمُهْ
مُشِبُّ الذي يَبكي الشّبابَ مُشيبُهُ
فكَيفَ تَوَقّيهِ وبانِيهِ هادِمُهْ
وتَكْمِلَةُ العَيشِ الصِّبا وعَقيبُهُ
وغائِبُ لَوْنِ العارِضَينِ وقادِمُهْ
وما خَضَبَ النّاسُ البَياضَ لأنّهُ
قَبيحٌ ولكِنْ أحْسَنُ الشَّعرِ فاحِمُهْ
وأحسَنُ مِنْ ماءِ الشّبيبَةِ كُلّهِ
حَيَا بارِقٍ في فازَةٍ أنا شائِمُهْ
عَلَيها رِياضٌ لم تَحُكْها سَحابَةٌ
وأغصانُ دَوْحٍ لمْ تُغَنِّ حَمَائِمُهْ
وفَوْقَ حَواشي كلّ ثَوْبٍ مُوَجَّهٍ
من الدُّرّ سِمْطٌ لم يُثَقّبْهُ ناظِمُهْ
تَرَى حَيَوانَ البَرّ مُصْطَلِحاً بِهِ
يُحارِبُ ضِدٌّ ضِدَّهُ ويُسالِمُهْ
إذا ضَرَبَتْهُ الرّيحُ ماجَ كَأنّهُ
تجولُ مَذاكيه وتَدأى ضَراغِمُهْ
وفي صورةِ الرّوميّ ذي التّاجِ ذِلّةٌ
لأبْلَجَ لا تيجانَ إلاّ عَمائِمُهْ
تُقَبّلُ أفْواهُ المُلُوكِ بِساطَهُ
ويَكْبُرُ عَنها كُمُّهُ وبَراجِمُهْ
قِياماً لمَنْ يَشفي مِنَ الدّاءِ كَيُّهُ
ومَن بَينَ أُذْنَيْ كلّ قَرْمٍ مَواسمُهْ
قَبائِعُها تَحْتَ المَرافِقِ هَيْبَةً(47/373)
وأنْفَذُ ممّا في الجُفُونِ عَزائِمُهْ
لَهُ عَسكَرَا خَيْلٍ وطَيرٍ إذا رَمَى
بها عَسكَراً لم يَبقَ إلاّ جَماجمُهْ
أجِلّتُها مِنْ كلّ طاغٍ ثِيابُهُ
ومَوْطِئُها مِن كلّ باعٍ مَلاغمُهْ
فَقَدْ مَلّ ضَوْءُ الصّبْحِ ممّا تُغيرُهُ
ومَلّ سَوادُ اللّيلِ ممّا تُزاحِمُهْ
ومَلّ القَنَا ممّا تَدُقّ صُدورَهُ
ومَلّ حَديدُ الهِنْدِ ممّا تُلاطِمُهْ
سَحابٌ مِنَ العِقبانِ يزْحَفُ تحتَها
سحابٌ إذا استَسقتْ سقتها صَوارِمُهْ
سلَكتُ صُروفَ الدّهرِ حتى لقيتُهُ
على ظَهرِ عَزْمٍ مُؤيَداتٍ قَوائِمُهْ
مَهالِكَ لم تَصْحَبْ بها الذئبَ نَفسُه
ولا حَمَلَتْ فيها الغُرابَ قَوادِمُهْ
فأبصَرْتُ بَدراً لا يَرَى البدرُ مِثْلَهُ
وخاطَبْتُ بحْراً لا يرى العِبرَ عائِمُهْ
غَضِبْتُ لَهُ لمّا رَأيْتُ صِفاتِهِ
بلا واصِفٍ والشِّعرُ تهذي طَماطِمُهْ
وكنتُ إذا يَمّمْتُ أرضاً بَعيدَةً
سرَيتُ فكنْتُ السرّ واللّيلُ كاتمُهْ
لقد سَلّ سيفَ الدّولَةِ المَجدُ مُعلَماً
فلا المَجدُ مخفيه ولا الضّرْبُ ثالمُهْ
على عاتِقِ المَلْكِ الأغَرِّ نِجادُهُ
وفي يَدِ جَبّارِ السّماواتِ قائِمُهْ
تُحارِبُهُ الأعداءُ وهْيَ عَبيدُهُ
وتَدّخِرُ الأمْوالَ وهْيَ غَنائِمُهْ
ويَستَكبرُونَ الدّهرَ والدّهْرُ دونَهُ
ويَستَعظِمونَ المَوتَ والموْتُ خادمُهْ
وإنّ الذي سَمّى عَلِيّاً لَمُنْصِفٌ
وإنّ الذي سَمّاهُ سَيفاً لَظالمُهْ
وما كلُّ سَيفٍ يَقْطَعُ الهَامَ حَدُّهُ
وتَقْطَعُ لَزْباتِ الزّمانِ مَكارِمُهْ
العصر العباسي >> المتنبي >> أين أزمعت أيهذا الهمام؟
أين أزمعت أيهذا الهمام؟
رقم القصيدة : 5645
-----------------------------------
أيْنَ أزْمَعْتَ أيّهذا الهُمامُ؟
نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَى وأنتَ الغَمامُ
نَحْنُ مَن ضايَقَ الزّمانُ له فيـ
ـكَ وخانَتْهُ قُرْبَكَ الأيّامُ
في سَبيلِ العُلى قِتالُكَ والسّلْـ
ـمُ وهذا المُقامُ والإجْذامُ(47/374)
لَيتَ أنّا إذا ارْتَحَلْتَ لكَ الخَيْـ
ـلُ وأنّا إذا نَزَلْتَ الخِيامُ
كُلَّ يَوْمٍ لكَ احْتِمالٌ جَديدٌ
ومَسيرٌ للمَجْدِ فيهِ مُقامُ
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً
تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ
وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا
وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ
ولَنَا عادَةُ الجَميلِ منَ الصّبْـ
ـرِ لَوَ انّا سِوَى نَوَاكَ نُسامُ
كُلُّ عَيْشٍ ما لم تُطِبْهُ حِمامٌ
كلُّ شَمسٍ ما لم تكُنْها ظَلامُ
أزِلِ الوَحْشَةَ التي عِندَنَا يا
مَن بِهِ يأنَسُ الخَميسُ اللُّهامُ
والذي يَشهَدُ الوَغَى ساكِنَ القَلـ
ـبِ كَأنّ القِتالَ فيها ذِمَامُ
والذي يَضرِبُ الكَتائِبَ حتى
تَتَلاقَى الفِهاقُ والأقدامُ
وإذا حَلّ ساعَةً بمَكانٍ
فأذاهُ عَلى الزّمانِ حَرامُ
والذي تُنْبِتُ البِلادُ سُرُورٌ
والذي تَمْطُرُ السّحابُ مُدامُ
كُلّما قيلَ قَد تَناهَى أرانَا
كَرَماً ما اهتَدَتْ إليهِ الكِرامُ
وكِفاحاً تَكِعُّ عَنْهُ الأعادي
وارْتِياحاً تَحارُ فيهِ الأنامُ
إنّما هَيْبَةُ المُؤمَّلِ سَيْفِ الـ
ـدوْلَةِ المَلْكِ في القلوبِ حُسامُ
فكَثيرٌ مِنَ الشّجاعِ التّوَقّي
وكَثيرٌ مِنَ البَليغِ السّلامُ
العصر العباسي >> المتنبي >> أنا منك بين فضائل ومكارم
أنا منك بين فضائل ومكارم
رقم القصيدة : 5646
-----------------------------------
أنَا مِنكَ بَينَ فَضائِلٍ وَمَكارِمِ
وَمِنِ ارْتِياحِكَ في غَمامٍ دائِمِ
وَمِنِ احتِقارِكَ كُلَّ مَا تَحْبُو بِهِ
فيما أُلاحِظُهُ بعَيْنَيْ حَالِمِ
إنّ الخَليفَةَ لم يُسَمِّكَ سَيْفَهَا
حَتى بَلاكَ فكُنْتَ عَينَ الصّارِمِ
فإذا تَتَوّجَ كُنتَ دُرّةَ تاجِهِ
وَإذا تَخَتّمَ كنتَ فَصّ الخاتِمِ
وإذا انتَضاكَ على العِدى في مَعَركٍ
هَلَكُوا وضاقَتْ كَفُّهُ بالقائِمِ
أبدَى سَخاؤكَ عَجزَ كلّ مُشَمِّرٍ
في وَصْفِهِ وأضاقَ ذَرْعَ الكاتِمِ
العصر العباسي >> المتنبي >> إذا كان مدح فالنسيب المقدم(47/375)
إذا كان مدح فالنسيب المقدم
رقم القصيدة : 5647
-----------------------------------
إذا كانَ مَدحٌ فالنّسيبُ المُقَدَّمُ
أكُلُّ فَصِيحٍ قالَ شِعراً مُتَيَّمُ
لَحُبّ ابنِ عَبدِالله أولى فإنّهُ
بهِ يُبدَأُ الذّكرُ الجَميلُ وَيُختَمُ
أطَعْتُ الغَواني قَبلَ مَطمَحِ ناظري
إلى مَنظَرٍ يَصغُرنَ عَنهُ وَيَعْظُمُ
تَعَرّضَ سَيْفُ الدّولَةِ الدّهرَ كلّهُ
يُطَبِّقُ في أوصالِهِ وَيُصَمِّمُ
فَجازَ لَهُ حتى على الشّمسِ حكمُهُ
وَبَانَ لَهُ حتى على البَدرِ مِيسَمُ
كأنّ العِدَى في أرضِهِم خُلَفاؤهُ
فإن شاءَ حازُوها وإن شاءَ سلّمُوا
وَلا كُتْبَ إلاّ المَشرَفيّةُ عِنْدَهُ
وَلا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ
فَلَم يَخْلُ من نصرٍ لَهُ مَن لهُ يَدٌ
وَلم يَخْلُ مِن شكرٍ لَهُ من له فَمُ
ولم يَخْلُ من أسمائِهِ عُودُ مِنْبَرٍ
وَلم يَخْلُ دينارٌ وَلم يَخلُ دِرهَمُ
ضَرُوبٌ وَما بَينَ الحُسامَينِ ضَيّقٌ
بَصِيرٌ وَما بَينَ الشّجاعَينِ مُظلِمُ
تُباري نُجُومَ القَذفِ في كلّ لَيلَةٍ
نُجُومٌ لَهُ مِنْهُنّ وَردٌ وَأدْهَمُ
يَطَأنَ مِنَ الأبْطالِ مَن لا حَملنَهُ
وَمِن قِصَدِ المُرّانِ مَا لا يُقَوَّمُ
فَهُنّ مَعَ السِّيدانِ في البَرّ عُسَّلٌ
وَهُنّ مَعَ النّينَانِ في المَاءِ عُوَّمُ
وَهُنّ مَعَ الغِزلانِ في الوَادِ كُمَّنٌ
وَهُنّ مَعَ العِقبانِ في النِّيقِ حُوَّمُ
إذا جَلَبَ النّاسُ الوَشيجَ فإنّهُ
بِهِنّ وَفي لَبّاتِهِنّ يُحَطَّمُ
بغُرّتِهِ في الحَربِ والسّلْمِ والحِجَى
وَبَذلِ اللُّهَى وَالحمدِ وَالمجدِ مُعلِمُ
يُقِرُّ لَهُ بالفَضلِ مَن لا يَوَدُّهُ
وَيَقضِي لَهُ بالسّعدِ مَن لا يُنَجِّمُ
أجَارَ على الأيّامِ حتى ظَنَنْتُهُ
يُطالِبُهُ بالرّدّ عَادٌ وَجُرهُمُ
ضَلالاً لهذِي الرّيحِ ماذا تُرِيدُهُ
وَهَدياً لهذا السّيلِ ماذا يُؤمِّمُ
ألم يَسألِ الوَبْلُ الذي رامَ ثَنْيَنَا
فَيُخبرَهُ عَنْكَ الحَديدُ المُثَلَّمُ(47/376)
وَلمّا تَلَقّاكَ السّحابُ بصَوبِهِ
تَلَقَّاهُ أعلى منهُ كَعْباً وَأكْرَمُ
فَبَاشَرَ وَجْهاً طالَمَا بَاشَرَ القَنَا
وَبَلّ ثِياباً طالَمَا بَلّهَا الدّمُ
تَلاكَ وَبَعضُ الغَيثِ يَتبَعُ بَعضَهُ
مِنَ الشّأمِ يَتْلُو الحاذِقَ المُتَعَلِّمُ
فزارَ التي زارَت بكَ الخَيلُ قَبرَها
وَجَشّمَهُ الشّوقُ الذي تَتَجَشّمُ
وَلمّا عَرَضتَ الجَيشَ كانَ بَهَاؤهُ
على الفَارِسِ المُرخى الذؤابةِ منهُمُ
حَوَالَيْهِ بَحْرٌ للتّجافيفِ مَائِجٌ
يَسيرُ بهِ طَودٌ مِنَ الخَيلِ أيْهَمُ
تَسَاوَت بهِ الأقْطارُ حتى كأنّهُ
يُجَمِّعُ أشْتاتَ الجِبالِ ويَنْظِمُ
وكُلُّ فَتًى للحَربِ فَوقَ جَبينِهِ
منَ الضّربِ سَطْرٌ بالأسنّةِ مُعجَمُ
يَمُدُّ يَدَيْهِ في المُفاضَةِ ضَيْغَمٌ
وَعَيْنَيْهِ من تَحتِ التّريكةِ أرقَمُ
كَأجْنَاسِهَا راياتُهَا وَشِعارُهَا
وَمَا لَبِسَتْهُ وَالسّلاحُ المُسَمَّمُ
وَأدّبَهَا طُولُ القِتالِ فَطَرفُهُ
يُشيرُ إلَيْهَا مِن بَعيدٍ فَتَفْهَمُ
تُجاوِبُهُ فِعْلاً وَما تَسْمَعُ الوَحَى
وَيُسْمِعُها لَحْظاً وما يَتَكَلّمُ
تَجانَفُ عَن ذاتِ اليَمينِ كأنّهَا
تَرِقّ لِمَيّافَارَقينَ وَتَرحَمُ
وَلَو زَحَمَتْهَا بالمَناكِبِ زَحْمَةً
دَرَت أيُّ سورَيها الضّعيفُ المُهَدَّمُ
على كُلّ طاوٍ تَحْتَ طاوٍ كَأنّهُ
من الدّمِ يُسقى أو من اللّحم يُطعَمُ
لها في الوَغَى زِيّ الفَوارِسِ فَوقَهَا
فكُلّ حِصانٍ دارِعٌ مُتَلَثّمُ
وما ذاكَ بُخْلاً بالنّفُوسِ على القَنَا
وَلَكِنّ صَدْمَ الشّرّ بالشّرّ أحزَمُ
أتَحْسَبُ بِيضُ الهِندِ أصلَكَ أصلَها
وَأنّكَ منها؟ سَاءَ ما تَتَوَهّمُ
إذا نَحْنُ سَمّيْناكَ خِلْنَا سُيُوفَنَا
منَ التّيهِ في أغْمادِها تَتَبَسّمُ
وَلم نَرَ مَلْكاً قَطّ يُدْعَى بدُونِهِ
فيَرضَى وَلكِنْ يَجْهَلُونَ وتَحلُمُ
أخَذْتَ على الأرواحِ كُلّ ثَنِيّةٍ
من العيشِ تُعطي مَن تَشاءُ وَتحرِمُ(47/377)
فَلا مَوتَ إلاّ مِن سِنانِكَ يُتّقَى
وَلا رِزقَ إلاّ مِن يَمينِكَ يُقْسَمُ
العصر العباسي >> المتنبي >> واحر قلباه ممن قلبه شبم
واحر قلباه ممن قلبه شبم
رقم القصيدة : 5648
-----------------------------------
وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي
وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ
إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ
فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ
قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ
فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ
وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ
فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ
في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ
لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ
ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئاً لَيسَ يَلزَمُها
أنْ لا يُوارِيَهُمْ أرْضٌ وَلا عَلَمُ
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً
تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ
وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ
تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا
بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي
حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ(47/378)
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها
أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ
رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ
وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ
حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ
الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً
حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ
وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ
مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ
لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ
إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا
فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ
وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ
إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ
وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي
أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ
يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ
لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا
لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا
أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ
تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ
قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ(47/379)
العصر العباسي >> المتنبي >> ألمجد عوفي إذ عوفيت والكرم
ألمجد عوفي إذ عوفيت والكرم
رقم القصيدة : 5649
-----------------------------------
ألمَجْدُ عُوفيَ إذْ عُوفيتَ وَالكَرَمُ
وَزَالَ عَنكَ إلى أعدائِكَ الألَمُ
صَحّتْ بصِحّتكَ الغاراتُ وَابتَهَجتْ
بها المكارِمُ وَانهَلّتْ بها الدّيَمُ
وَرَاجَعَ الشّمسَ نُورٌ كانَ فارَقَهَا
كأنّمَا فَقْدُهُ في جِسْمِهَا سَقَمُ
وَلاحَ بَرْقُكَ لي من عارِضَيْ مَلِكٍ
ما يَسقُطُ الغَيثُ إلاّ حينَ يَبتَسِمُ
يُسْمَى الحُسامَ ولَيستْ من مُشابَهَةٍ
وَكيفَ يَشتَبِهُ المَخدومُ وَالخَدَمُ
تَفَرّدَ العُرْبُ في الدّنْيا بمَحْتِدِهِ
وَشارَكَ العُرْبَ في إحسانِهِ العَجَمُ
وَأخْلَصَ الله للإسْلامِ نُصْرَتَهُ
وَإنْ تَقَلّبَ في آلائِهِ الأُمَمُ
وَمَا أخُصّكَ في بُرْءٍ بتَهْنِئَةٍ،
إذا سَلِمْتَ فكُلّ النّاسِ قد سَلِموا
العصر العباسي >> المتنبي >> قد سمعنا ما قلت في الأحلام
قد سمعنا ما قلت في الأحلام
رقم القصيدة : 5650
-----------------------------------
قد سَمِعْنَا ما قُلْتَ في الأحْلامِ
وَأنَلْنَاكَ بَدْرَةً في المَنَامِ
وَانْتَبَهْنَا كمَا انْتَبَهْتَ بلا شَيْ
ءٍ فكانَ النّوَالُ قَدْرَ الكَلامِ
كُنتَ فيما كَتَبْتَهُ نَائِمَ العَيْـ
ـنِ فَهَلْ كنتَ نائِمَ الأقْلامِ
أيّهَا المُشْتَكي إذا رَقَدَ الإعْـ
ـدامَ هَلْ رَقْدَةٌ مَعَ الإعْدامِ
إفتَحِ الجفنَ وَاترُكِ القوْلَ في النّوْ
مِ وَمَيّزْ خِطابَ سَيْفِ الأنَامِ
ألّذي لَيسَ عَنْهُ مُغْنٍ وَلا مِنْـ
ـهُ بَديلٌ وَلا لِمَا رامَ حَامِ
كُلُّ آبَائِهِ كِرامُ بَني الدّنْـ
ـيَا وَلَكِنّهُ كَريمُ الكِرامِ
العصر العباسي >> المتنبي >> على قدر أهل العزم تأتي العزائم
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
رقم القصيدة : 5651
-----------------------------------
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ(47/380)
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها
وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ
وَقد عَجِزَتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ
وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه
وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ
يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْراً سِلاحَهُ
نُسُورُ الفَلا أحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرّها خَلْقٌ بغَيرِ مَخالِبٍ
وَقَدْ خُلِقَتْ أسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها
وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا
وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بهَا مثْلُ الجُنُونِ فأصْبَحَتْ
وَمِنْ جُثَثِ القَتْلى عَلَيْها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَهَا
على الدّينِ بالخَطّيّ وَالدّهْرُ رَاغِمُ
تُفيتُ کللّيالي كُلَّ شيءٍ أخَذْتَهُ
وَهُنّ لِمَا يأخُذْنَ منكَ غَوَارِمُ
إذا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلاً مُضارِعاً
مَضَى قبلَ أنْ تُلقى علَيهِ الجَوازِمُ
وكيفَ تُرَجّي الرّومُ والرّوسُ هدمَها
وَذا الطّعْنُ آساسٌ لهَا وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَمُوهَا وَالمَنَايَا حَوَاكِمٌ
فَما ماتَ مَظلُومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأنّمَا
سَرَوْا بِجِيَادٍ ما لَهُنّ قَوَائِمُ
إذا بَرَقُوا لم تُعْرَفِ البِيضُ منهُمُ
ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ
خميسٌ بشرْقِ الأرْضِ وَالغرْبِ زَحْفُهُ
وَفي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ
تَجَمّعَ فيهِ كلُّ لِسْنٍ وَأُمّةٍ
فَمَا يُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاّ الترَاجِمُ
فَلِلّهِ وَقْتٌ ذَوّبَ الغِشَّ نَارُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صَارِمٌ أوْ ضُبارِمُ
تَقَطّعَ ما لا يَقْطَعُ الدّرْعَ وَالقَنَا
وَفَرّ منَ الفُرْسانِ مَنْ لا يُصادِمُ(47/381)
وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ
كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ
تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً
وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى
إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ
ضَمَمْتَ جَناحَيهِمْ على القلبِ ضَمّةً
تَمُوتُ الخَوَافي تحتَها وَالقَوَادِمُ
بضَرْبٍ أتَى الهاماتِ وَالنّصرُ غَائِبٌ
وَصَارَ إلى اللّبّاتِ وَالنّصرُ قَادِمُ
حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيّاتِ حتى طَرَحتَها
وَحتى كأنّ السّيفَ للرّمحِ شاتِمُ
وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا
مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ
نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الأُحَيْدِبِ كُلّهِ
كمَا نُثِرَتْ فَوْقَ العَرُوسِ الدّراهمُ
تدوسُ بكَ الخيلُ الوكورَ على الذُّرَى
وَقد كثرَتْ حَوْلَ الوُكورِ المَطاعِمُ
تَظُنّ فِراخُ الفُتْخِ أنّكَ زُرْتَهَا
بأُمّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصّلادِمُ
إذا زَلِقَتْ مَشّيْتَها ببُطونِهَا
كمَا تَتَمَشّى في الصّعيدِ الأراقِمُ
أفي كُلّ يَوْمٍ ذا الدُّمُسْتُقُ مُقدِمٌ
قَفَاهُ على الإقْدامِ للوَجْهِ لائِمُ
أيُنكِرُ رِيحَ اللّيثِ حتى يَذُوقَهُ
وَقد عَرَفتْ ريحَ اللّيوثِ البَهَائِمُ
وَقد فَجَعَتْهُ بابْنِهِ وَابنِ صِهْرِهِ
وَبالصّهْرِ حَمْلاتُ الأميرِ الغَوَاشِمُ
مضَى يَشكُرُ الأصْحَابَ في فوْته الظُّبَى
لِمَا شَغَلَتْهَا هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ
وَيَفْهَمُ صَوْتَ المَشرَفِيّةِ فيهِمِ
على أنّ أصْواتَ السّيوفِ أعَاجِمُ
يُسَرّ بمَا أعْطاكَ لا عَنْ جَهَالَةٍ
وَلكِنّ مَغْنُوماً نَجَا منكَ غانِمُ
وَلَسْتَ مَليكاً هازِماً لِنَظِيرِهِ
وَلَكِنّكَ التّوْحيدُ للشّرْكِ هَازِمُ
تَشَرّفُ عَدْنانٌ بهِ لا رَبيعَةٌ
وَتَفْتَخِرُ الدّنْيا بهِ لا العَوَاصِمُ
لَكَ الحَمدُ في الدُّرّ الذي ليَ لَفظُهُ
فإنّكَ مُعْطيهِ وَإنّيَ نَاظِمُ
وَإنّي لَتَعْدو بي عَطَايَاكَ في الوَغَى(47/382)
فَلا أنَا مَذْمُومٌ وَلا أنْتَ نَادِمُ
عَلى كُلّ طَيّارٍ إلَيْهَا برِجْلِهِ
إذا وَقَعَتْ في مِسْمَعَيْهِ الغَمَاغِمُ
ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَداً
وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ
هَنيئاً لضَرْبِ الهَامِ وَالمَجْدِ وَالعُلَى
وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ
وَلِمْ لا يَقي الرّحم?نُ حدّيك ما وَقى
وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ
وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ
العصر العباسي >> المتنبي >> أراع كذا كل الأنام همام
أراع كذا كل الأنام همام
رقم القصيدة : 5652
-----------------------------------
أرَاعَ كَذا كُلَّ الأنَامِ هُمَامُ
وَسَحَّ لَهُ رُسْلَ المُلُوكِ غَمَامُ
وَدانَتْ لَهُ الدّنْيا فأصْبَحَ جالِساً
وَأيّامُهَا فِيمَا يُريدُ قِيَامُ
إذا زَارَ سَيْفُ الدّوْلَةِ الرّومَ غازِياً
كَفَاهَا لِمَامٌ لَوْ كَفَاهُ لِمَامُ
فَتًى تَتْبَعُ الأزْمانُ في النّاسِ خَطوَهُ
لكُلّ زَمانٍ في يَدَيْهِ زِمَامُ
تَنَامُ لَدَيْكَ الرّسْلُ أمْناً وغِبطةً
وَأجفانُ رَبّ الرّسْلِ ليسَ تَنَامُ
حِذاراً لمُعْرَوْري الجِيادِ فُجَاءَةً
إلى الطّعْنِ قُبْلاً مَا لَهُنّ لِجَامُ
تَعَطَّفُ فيهِ وَالأعِنّةُ شَعْرُهَا
وَتُضْرَبُ فيهِ وَالسّياطُ كَلامُ
وَما تَنْفَعُ الخَيلُ الكِرامُ وَلا القَنَا
إذا لم يكُنْ فوْقَ الكِرامِ كِرامُ
إلى كَمْ تَرُدُّ الرُّسْلَ عَمّا أتَوْا لَهُ
كأنّهُمُ فيما وَهَبْتَ مَلامُ
فإنْ كنتَ لا تُعْطي الذّمامَ طَواعَةً
فَعَوْذُ الأعادي بالكَريمِ ذِمَامُ
وَإنّ نُفُوساً أمّمَتْكَ مَنيعَةٌ
وَإنّ دِمَاءً أمّلَتْكَ حَرَامُ
إذا خَافَ مَلْكٌ من مَليكٍ أجَرْتَهُ
وَسَيْفَكَ خافُوا وَالجِوارَ تُسَامُ
لهُمْ عنكَ بالبِيضِ الخِفافِ تَفَرّقٌ
وَحَوْلَكَ بالكُتْبِ اللِّطَافِ زِحَامُ
تَغُرُّ حَلاواتُ النّفُوسِ قُلُوبَهَا
فتَختارُ بَعضَ العَيشِ وَهْوَ حِمامُ(47/383)
وَشَرُّ الحِمَامَينِ الزّؤامَينِ عِيشَةٌ
يَذِلُّ الذي يَختَارُها وَيُضامُ
فَلَوْ كانَ صُلْحاً لم يَكُنْ بشَفاعَةٍ
وَلَكِنّهُ ذُلٌّ لَهُمْ وَغَرَامُ
وَمَنٌّ لفُرْسانِ الثّغُورِ عَلَيْهِمِ
بتَبْليغِهِمْ ما لا يَكادُ يُرامُ
كَتائِبُ جَاؤوا خاضِعِينَ فأقْدَمُوا
وَلَوْ لم يكونوا خاضِعينَ لخَامُوا
وَعَزّتْ قَديماً في ذَرَاكَ خُيُولُهُمْ
وَعَزُّوا وَعامَتْ في نَداكَ وَعَامُوا
على وَجْهِكَ المَيمونِ في كلّ غارَةٍ
صَلاةٌ تَوَالى مِنْهُمُ وَسَلامُ
وَكُلُّ أُنَاسٍ يَتْبَعُونَ إمَامَهُمْ
وَأنتَ لأهْلِ المَكْرُماتِ إمَامُ
وَرُبّ جَوَابٍ عَن كتابٍ بَعَثْتَهُ
وَعُنْوَانُهُ للنّاظِرِينَ قَتَامُ
تَضِيقُ بهِ البَيداءُ من قَبْلِ نَشرِهِ
وَمَا فُضّ بالبَيْداءِ عَنهُ خِتَامُ
حُرُوفُ هِجاءِ النّاسِ فيهِ ثَلاثَةٌ:
جَوَادٌ وَرُمْحٌ ذابِلٌ وَحُسَامُ
أخا الحَرْبِ قد أتْعَبْتَها فَالْهَ ساعَةً
ليُغْمَدَ نَصْلٌ أوْ يُحَلَّ حِزامُ
وَإنْ طالَ أعمَارُ الرّماحِ بهُدْنَةٍ
فإنّ الذي يَعْمُرْنَ عِندَكَ عَامُ
وَمَا زِلْتَ تُفني السُّمْرَ وَهْيَ كَثيرَةٌ
وَتُفْني بهِنّ الجَيْشَ وَهوَ لُهَامُ
متى عاوَدَ الجَالُونَ عاوَدْتَ أرْضَهُمْ
وَفيهَا رِقَابٌ للسّيُوفِ وَهَامُ
وَرَبّوْا لكَ الأوْلادَ حتى تُصِيبَهَا
وَقَدْ كَعَبَتْ بِنْتٌ وَشَبّ غُلامُ
جَرَى مَعَكَ الجارونَ حتى إذا انتَهوا
إلى الغايَةِ القُصْوَى جرَيتَ وَقَامُوا
فَلَيْسَ لشَمسٍ مُذْ أنَرْتَ إنَارَةٌ
وَلَيسَ لبَدْرٍ مُذْ تَمَمْتَ تَمَامُ
العصر العباسي >> المتنبي >> أيا راميا يصمي فؤاد مرامه
أيا راميا يصمي فؤاد مرامه
رقم القصيدة : 5653
-----------------------------------
أيَا رَامِياً يُصْمي فُؤادَ مَرَامِهِ
تُرَبّي عِداهُ رِيشَهَا لسِهامِهِ
أسِيرُ إلى إقْطَاعِهِ في ثِيَابِهِ
على طِرْفِهِ مِنْ دارِهِ بحُسامِهِ
وَمَا مَطَرَتْنِيهِ مِنَ البِيضِ وَالقَنَا(47/384)
وَرُومِ العِبِدّى هَاطِلاتُ غَمَامِهِ
فَتًى يَهَبُ الإقْليمَ بالمالِ وَالقُرَى
وَمَنْ فيهِ مِنْ فُرْسانِهِ وَكِرَامِهِ
وَيَجْعَلُ مَا خُوّلْتُهُ مِنْ نَوَالِهِ
جَزَاءً لِمَا خُوّلْتُهُ من كَلامِهِ
فَلا زَالَتِ الشّمسُ التي في سَمَائِهِ
مُطالِعَةَ الشّمسِ التي في لِثَامِهِ
وَلا زَالَ تَجتازُ البُدُورُ بوَجْهِهِ
فَتَعْجَبُ مِن نُقْصانِها وَتَمَامِهِ
العصر العباسي >> المتنبي >> رأيتك توسع الشعراء نيلا
رأيتك توسع الشعراء نيلا
رقم القصيدة : 5654
-----------------------------------
رَأيْتُكَ تُوسِعُ الشّعرَاءَ نَيْلاً
حَديثَهُمُ المُوَلَّدَ وَالقَدِيمَا
فتُعْطي مَنْ بَقَى مالاً جَسيماً
وَتُعْطي مَن مضَى شرَفاً عَظيمَا
سَمِعْتُكَ مُنشِداً بَيْتَيْ زِيادٍ
نَشِيداً مِثْلَ مُنْشِدِهِ كَرِيمَا
فَمَا أنكَرْتُ مَوْضِعَهُ وَلَكِنْ
غَبَطْتُ بذاكَ أعْظُمَهُ الرّميمَا
العصر العباسي >> المتنبي >> ذكر الصبي ومراتع الآرام
ذكر الصبي ومراتع الآرام
رقم القصيدة : 5655
-----------------------------------
ذِكَرُ الصّبَي وَمَرَاتِعِ الآرَامِ
جَلَبَتْ حِمامي قَبلَ وَقْتِ حِمامي
دِمَنٌ تَكاثَرَتِ الهُمُومُ عَليّ في
عَرَصَاتِها كَتَكاثُرِ اللُّوّامِ
وَكَأنّ كُلّ سَحَابَةٍ وَقَفَتْ بهَا
تَبكي بعَيْنيْ عُرْوَةَ بنِ حِزَامِ
وَلَطَالَمَا أفْنَيْتُ رِيقَ كَعَابِهَا
فِيهَا وَأفْنَتْ بالعِتابِ كَلامي
قَد كُنْتَ تَهْزَأُ بالفِراقِ مَجَانَةً
وَتَجُرّ ذَيْلَيْ شِرّةٍ وَعُرَامِ
لَيسَ القِبابُ على الرّكَابِ وَإنّمَا
هُنّ الحَيَاةُ تَرَحّلَتْ بسَلامِ
ليتَ الذي فَلَقَ النّوَى جعَل الحَصَى
لخِفافِهِنّ مَفَاصِلي وَعِظامي
مُتَلاحِظَينِ نَسُحُّ مَاءَ شُؤونِنَا
حَذَراً مِنَ الرُّقَبَاءِ في الأكْمَامِ
أرْوَاحُنَا انهَمَلَتْ وَعِشْنَا بَعدَهَا
من بَعدِ ما قَطَرَتْ على الأقدامِ
لَوْ كُنّ يَوْمَ جرَينَ كُنّ كصَبرِنَا(47/385)
عندَ الرّحيلِ لَكُنّ غَيرَ سِجَامِ
لم يَتْرُكُوا لي صاحِباً إلاّ الأسَى
وَذَمِيلَ ذِعْلِبَةٍ كَفَحْلِ نَعَامِ
وَتَعَذُّرُ الأحْرارِ صَيّرَ ظَهْرَهَا
إلاّ إلَيْكَ عَليَّ ظَهْرَ حَرَامِ
أنتَ الغَريبَةُ في زَمَانٍ أهْلُهُ
وُلِدَتْ مَكارِمُهُمْ لغَيرِ تَمَامِ
أكْثَرْتَ من بَذْلِ النّوَالِ وَلم تزَلْ
عَلَماً على الإفْضالِ وَالإنْعَامِ
صَغّرْتَ كلّ كَبيرَةٍ وَكَبُرْتَ عَنْ
لَكَأنّهُ وَعَدَدْتَ سِنّ غُلامِ
وَرَفَلْتَ في حُلَلِ الثّنَاءِ وَإنّمَا
عَدَمُ الثّنَاءِ نِهَايَةُ الإعْدامِ
عَيْبٌ عَلَيكَ تُرَى بسَيفٍ في الوَغى
مَا يَصْنَعُ الصّمْصَامُ بالصّمصَامِ
إنْ كانَ مِثْلُكَ كانَ أوْ هُوَ كائِنٌ
فَبَرِئْتُ حِينَئِذٍ مِنَ الإسْلامِ
مَلِكٌ زُهَتْ بِمَكَانِهِ أيّامُهُ
حتى افتَخَرْنَ بهِ على الأيّامِ
وَتَخالُهُ سَلَبَ الوَرَى مِن حِلْمِهِ
أحْلامَهُمْ فَهُمُ بِلا أحْلامِ
وَإذا امتَحَنْتَ تَكَشّفَتْ عَزَمَاتُهُ
عَن أوْحَدِيّ النّقْضِ وَالإبْرامِ
وَإذا سَألْتَ بَنَانَهُ عَنْ نَيْلِهِ
لم يَرْضَ بالدّنْيَا قَضاءَ ذِمَامِ
مَهْلاً ألا لِلّهِ ما صَنَعَ القَنَا
في عَمْرِو حَابِ وَضَبّةَ الأغْتَامِ
لمّا تَحَكّمَتِ الأسِنّةُ فِيهِمِ
جَارَتْ وَهُنّ يَجُرْنَ في الأحكامِ
فَتَرَكْتَهُمْ خَلَلَ البُيُوتِ كأنّما
غَضِبَتْ رُؤوسُهُمُ على الأجْسامِ
أحجارُ ناسٍ فَوْقَ أرْضٍ مِنْ دَمٍ
وَنُجُومُ بَيْضٍ في سَمَاءِ قَتَامِ
وَذِراعُ كُلّ أبي فُلانٍ كُنْيَةً
حَالَتْ فَصَاحِبُها أبُو الأيْتَامِ
عَهْدي بمَعْرَكَةِ الأميرِ وَخَيْلُهُ
في النّقْعِ مُحْجِمَةٌ عنِ الإحجامِ
صَلّى الإل?هُ عَلَيْكَ غَيرَ مُوَدَّعٍ
وَسَقَى ثَرَى أبَوَيْكَ صَوْبَ غَمَامِ
وَكَسَاكَ ثَوْبَ مَهَابَةٍ مِنْ عِنْدِهِ
وَأرَاكَ وَجهَ شَقيقِكَ القَمْقَامِ
فَلَقَدْ رَمَى بَلَدَ العَدُوّ بنَفْسِهِ
في رَوْقِ أرْعَنَ كالغِطَمّ لُهَامِ(47/386)
قَوْمٌ تَفَرّسَتِ المَنَايَا فِيكُمُ
فرَأتْ لكُمْ في الحرْبِ صَبرَ كِرَامِ
تَالله مَا عَلِمَ امرُؤٌ لَوْلاكُمُ
كَيفَ السّخاءُ وَكَيفَ ضرْبُ الهَامِ
العصر العباسي >> المتنبي >> عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم
عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم
رقم القصيدة : 5656
-----------------------------------
عُقْبَى اليَمينِ على عُقبَى الوَغَى ندمُ
ماذا يزيدُكَ في إقدامِكَ القَسَمُ
وَفي اليَمينِ عَلى ما أنْتَ وَاعِدُهُ
مَا دَلّ أنّكَ في الميعادِ مُتّهَمُ
آلى الفَتى ابنُ شُمُشْقيقٍ فأحنَثَهُ
فتًى منَ الضّرْبِ تُنسَى عندَه الكَلِمُ
وَفاعِلٌ ما اشتَهَى يُغنيهِ عن حَلِفٍ
على الفِعْلِ حُضُورُ الفعل وَالكَرَمُ
كلُّ السّيوفِ إذا طالَ الضّرَابُ بهَا
يَمَسُّهَا غَيرَ سَيفِ الدّوْلَةِ السّأمُ
لَوْ كَلّتِ الخَيْلُ حتى لا تَحَمَّلُهُ
تَحَمّلَتْهُ إلى أعْدائِهِ الهِمَمُ
أينَ البَطارِيقُ وَالحَلْفُ الذي حَلَفوا
بمَفرِقِ المَلْكِ وَالزّعمُ الذي زَعَموا
وَلّى صَوَارِمَهُ إكْذابَ قَوْلِهِمِ
فَهُنّ ألْسِنَةٌ أفْوَاهُها القِمَمُ
نَوَاطِقٌ مُخْبِرَاتٌ في جَمَاجِمِهِمْ
عَنهُ بما جَهِلُوا مِنْهُ وَما عَلِمُوا
ألرّاجعُ الخَيلَ مُحْفَاةً مُقَوَّدَةً
من كُلّ مثلِ وَبَارٍ أهْلُهَا إرَمُ
كَتَلّ بِطْرِيقٍ المَغرُورِ سَاكِنُهَا
بأنّ دَارَكَ قِنِّسْرِينُ وَالأجَمُ
وَظَنّهِمْ أنّكَ المِصْباحُ في حَلَبٍ
إذا قَصَدْتَ سِوَاها عادَها الظُّلَمُ
وَالشّمسَ يَعنُونَ إلاّ أنّهم جَهِلُوا
وَالمَوْتَ يَدْعُونَ إلاّ أنّهُم وَهَموا
فَلَمْ تُتِمّ سَرُوجٌ فَتحَ نَاظِرِهَا
إلاّ وَجَيشُكَ في جَفْنَيْهِ مُزْدَحِمُ
وَالنّقْعُ يأخُذُ حَرّاناً وَبَقْعتَهَا
وَالشّمسُ تَسفِرُ أحياناً وَتَلْتَثِمُ
سُحْبٌ تَمُرّ بحصْنِ الرّانِ مُمسِكةً
وَمَا بها البُخلُ لَوْلا أنّها نِقَمُ
جَيْشٌ كأنّكَ في أرْضٍ تُطاوِلُهُ
فالأرْضُ لا أَمَمٌ وَالجَيشُ لا أمَمُ(47/387)
إذا مَضَى عَلَمٌ منها بَدا عَلَمٌ
وَإنْ مَضَى عَلَمٌ مِنْهُ بَدَا عَلَمُ
وَشُزَّبٌ أحمَتِ الشّعرَى شكائِمَهَا
وَوَسّمَتْها على آنَافِها الحَكَمُ
حتى وَرَدْنَ بِسِمْنِينٍ بُحَيرَتَهَا
تَنِشُّ بالمَاءِ في أشْداقِهَا اللُّجُمُ
وَأصْبَحَتْ بقُرَى هِنريطَ جَائِلَةً
تَرْعَى الظُّبَى في خصِيبٍ نَبتُه
فَمَا تَرَكنَ بها خُلْداً لَهُ بَصَرٌ
تَحْتَ التّرَابِ وَلا بازاً لَهُ قَدَمُ
وَلا هِزَبْراً لَهُ مِنْ دِرْعِهِ لِبَد
وَلا مَهَاةً لهَا مِنْ شِبْهِهَا حَشَمُ
تَرْمي على شَفَراتِ البَاتِراتِ بهِمْ
مكامنُ الأرْضِ وَالغيطانُ وَالأكَمُ
وَجاوَزُوا أرْسَنَاساً مُعصِمِينَ بِهِ
وكيفَ يَعصِمُهُمْ ما ليسَ يَنعَصِمُ
وَما يَصُدُّكَ عَنْ بَحرٍ لهمْ سَعَةٌ
وَمَا يَرُدُّكَ عن طَوْدٍ لهُمْ شَمَمُ
ضرَبْتَهُ بصُدورِ الخَيْلِ حامِلَةً
قَوْماً إذا تَلِفوا قُدماً فقد سَلِمُوا
تَجَفَّلُ المَوْجُ عن لَبّاتِ خَيلِهِمِ
كمَا تَجَفَّلُ تحتَ الغارَةِ النَّعَمُ
عَبَرْتَ تَقْدُمُهُمْ فيهِ وَفي بَلَدٍ
سُكّانُهُ رِمَمٌ مَسكُونُها حُمَمُ
وَفي أكُفّهِمِ النّارُ التي عُبِدَتْ
قبل المَجوس إلى ذا اليوْم تَضْطَرِمُ
هِنْدِيّةٌ إنْ تُصَغّرْ مَعشَراً صَغُرُوا
بحَدّها أوْ تُعَظّمْ مَعشراً عَظُمُوا
قَاسَمْتَها تَلّ بِطْرِيقٍ فكانَ لَهَا
أبطالُهَا وَلَكَ الأطْفالُ وَالحُرَمُ
تَلْقَى بهِمْ زَبَدَ التّيّارِ مُقْرَبَةٌ
على جَحافِلِها من نَضْحِهِ رَثَمُ
دُهْمٌ فَوَارِسُهَا رُكّابُ أبْطُنِها
مَكْدودَةٌ وَبِقَوْمٍ لا بها الألَمُ
منَ الجِيادِ التي كِدْتَ العَدُوّ بهَا
وَمَا لهَا خِلَقٌ مِنها وَلا شِيَمُ
نِتَاجُ رَأيِكَ في وَقْتٍ عَلى عَجَلٍ
كَلَفْظِ حَرْفٍ وَعَاهُ سامعٌ فَهِمُ
وَقَدْ تَمَنّوْا غَداةَ الدّرْبِ في لجَبٍ
أنْ يُبصِرُوكَ فَلَمّا أبصرُوكَ عَمُوا
صَدَمْتَهُمْ بخَميسٍ أنْتَ غُرّتُهُ
وَسَمْهَرِيّتُهُ في وَجْهِهِ غَمَمُ(47/388)
فكانَ أثْبَتُ ما فيهِمْ جُسُومَهُمُ
يَسقُطْنَ حَوْلَكَ وَالأرْواحُ تَنهَزِمُ
وَالأعوَجيّةُ مِلءُ الطُّرْقِ خَلفَهُمُ
وَالمَشرَفِيّةُ مِلءُ اليوْمِ فَوْقَهُمُ
إذا تَوَافَقَتِ الضّرْباتُ صَاعِدَةً
تَوَافَقَتْ قُلَلٌ في الجَوّ تَصْطدِمُ
وَأسْلَمَ ابنُ شُمُشْقيقٍ ألِيّتَهُ
ألاّ انثنى فَهْوَ يَنْأى وَهيَ تَبتَسِمُ
لا يأمُلُ النّفَسَ الأقصَى لمُهجَتِهِ
فيَسْرِقُ النّفَسَ الأدنَى وَيَغتَنِمُ
تَرُدّ عَنْهُ قَنَا الفُرْسان سابِغَةٌ
صَوْبُ الأسِنّةِ في أثْنائِها دِيَمُ
تَخُطّ فيها العَوَالي لَيسَ تَنفُذُهَا
كأنّ كلّ سِنَانٍ فَوْقَهَا قَلَمُ
فَلا سَقَى الغَيثُ ما وَاراهُ من شجَرٍ
لَوْ زَلّ عَنهُ لوَارَتْ شخصَهُ الرّخَمُ
ألهَى المَمَالِكَ عن فَخرٍ قَفَلْتَ بهِ
شُرْبُ المُدامةِ وَالأوْتارُ وَالنَّغَمُ
مُقَلَّداً فَوْقَ شكرِ الله ذا شُطَبٍ
لا تُستَدامُ بأمضَى منهُما النِّعَمُ
ألقَتْ إلَيكَ دِماءُ الرّومِ طاعَتَهَا
فَلَوْ دعَوْتَ بلا ضَرْبٍ أجابَ دَمُ
يُسابِقُ القَتلُ فيهِمْ كلَّ حَادِثَةٍ
فَمَا يُصِيبُهُمُ مَوْتٌ وَلا هَرَمُ
نَفَتْ رُقادَ عَليٍّ عَنْ مَحاجِرِهِ
نَفْسٌ يُفَرّحُ نَفساً غَيرَها الحُلُمُ
ألقائِمُ المَلِكُ الهادي الذي شَهِدَتْ
قِيَامَهُ وَهُداهُ العُرْبُ وَالعَجَمُ
ابنُ المُعَفِّرِ في نَجْدٍ فَوَارِسَهَا
بسَيْفِهِ وَلَهُ كُوفانُ وَالحَرَمُ
لا تَطْلُبَنّ كَريماً بَعْدَ رُؤيَتِهِ
إنّ الكِرامَ بأسخاهُمْ يَداً خُتِمُوا
وَلا تُبَالِ بِشِعْرٍ بَعْدَ شاعِرِهِ
قد أُفْسِدَ القوْلُ حتى أُحمِدَ الصّممُ
العصر العباسي >> المتنبي >> فكفي أراني ويك لومك ألوما
فكفي أراني ويك لومك ألوما
رقم القصيدة : 5657
-----------------------------------
فكُفّي! أرَاني، وَيْكِ، لَوْمَكِ ألوَما
هَمٌّ أقَامَ عَلى فُؤادٍ أنْجَمَا
وَخيَالُ جِسْمٍ لم يُخَلّ له الهَوَى
لَحْماً فَيُنْحِلَهُ السّقامُ وَلا دَمَا(47/389)
وَخُفوقُ قَلْبٍ لَوْ رَأيتِ لَهِيبَهُ
يا جَنّتي لَظَنَنْتِ فيهِ جَهَنّمَا
وَإذا سَحابَةُ صَدّ حِبٍّ أبْرَقَتْ
تَرَكَتْ حَلاوَةَ كُلّ حُبٍّ عَلقَمَا
يَا وَجْهَ داهِيَةَ الّذي لَوْلاكَ مَا
أكلَ الضّنى جسدي وَرَضّ الأعظُمَا
إنْ كَانَ أغْنَاهَا السُّلُوُّ فإنّني
أمْسَيتُ مِنْ كَبِدي وَمنها مُعْدِمَا
غُصْنٌ عَلى نَقَوَيْ فَلاةٍ نَابِتٌ
شمسُ النّهارِ تُقِلُّ لَيلاً مُظْلِمَا
لمْ تُجْمَعِ الأضدادُ في مُتَشَابِهٍ
إلاّ لتَجْعَلَني لغُرْمي مَغْنَمَا
كَصِفاتِ أوْحَدِنَا أبي الفَضْلِ التي
بَهَرَتْ فأنْطَقَ وَاصِفِيهِ وَأفْحَمَا
يُعْطيكَ مُبْتَدِراً فإنْ أعْجَلْتَهُ
أعطاكَ مُعْتَذِراً كَمَنْ قد أجرَمَا
وَيَرَى التّعَظّمَ أن يُرَى مُتَواضِعاً
وَيَرَى التّواضُعَ أنْ يُرَى مُتَعَظِّمَا
نَصَرَ الفَعالَ عَلى المِطالِ كأنّمَا
خَالَ السّؤالَ عَلى النّوالِ مُحَرَّمَا
يا أيّهَا المَلَكُ المُصَفّى جَوْهَراً
من ذاتِ ذي المَلكوتِ أسمى من سَمَا
نُورٌ تَظاهَرَ فِيكَ لاهُوتِيُّهُ
فتَكادُ تَعْلَمُ عِلْمَ ما لَنْ يُعْلَمَا
وَيَهِمُّ فيكَ إذا نَطَقْتَ فَصاحَةً
من كُلّ عُضوٍ مِنكَ أنْ يَتَكَلّمَا
أنَا مُبْصِرٌ وَأظُنّ أنّي نَائِمٌ
مَنْ كانَ يَحْلُمُ بالإلَهِ فأحْلُمَا
كَبُرَ العِيَانُ عَليّ حتى إنّهُ
صارَ اليَقِينُ مِنَ العِيانِ تَوَهُّمَا
يَا مَنْ لجُودِ يَدَيْهِ في أمْوالِهِ
نِقَمٌ تَعُودُ على اليَتَامَى أنْعُمَا
حتى يَقُولُ النّاسُ مَا ذا عَاقِلاً
وَيَقولُ بَيْتُ المالِ مَا ذا مُسْلِمَا
إذكارُ مِثْلِكَ تَرْكُ إذكاري لَهُ
إذْ لا تُرِيدُ لِمَا أُريدُ مُتَرْجِمَا
العصر العباسي >> المتنبي >> إلى أي حين أنت في زي محرم
إلى أي حين أنت في زي محرم
رقم القصيدة : 5658
-----------------------------------
إلى أيّ حينٍ أنْتَ في زِيّ مُحْرِم
وَحتى مَتى في شِقْوَةٍ وَإلى كَمِ
وَإلاّ تَمُتْ تَحْتَ السّيوفِ مكرَّماً(47/390)
تَمُتْ وَتُقاسي الذّلّ غَيرَ مُكَرَّمِ
فَثِبْ وَاثِقاً بالله وِثْبَةَ مَاجِدٍ
يرى الموتَ في الهيجا جنى النحل في الفَمِ
العصر العباسي >> المتنبي >> ضيف ألم برأسي غير محتشم
ضيف ألم برأسي غير محتشم
رقم القصيدة : 5659
-----------------------------------
ضَيْفٌ ألَمّ برَأسِي غيرَ مُحْتَشِمِ
ألسّيفُ أحْسَنُ فِعْلاً منهُ باللِّمَمِ
إبْعَدْ بَعِدْتَ بَياضاً لا بَياضَ لَهُ
لأنْتَ أسْوَدُ في عَيني مِنَ الظُّلَمِ
بحُبّ قاتِلَتي وَالشّيْبِ تَغْذِيَتي
هَوَايَ طِفْلاً وَشَيبي بالغَ الحُلُمِ
فَمَا أمُرّ برَسْمٍ لا أُسَائِلُهُ
وَلا بذاتِ خِمارٍ لا تُريقُ دَمي
تَنَفّسَتْ عَن وَفاءٍ غيرِ مُنصَدِعٍ
يَوْمَ الرّحيلِ وشَعْبٍ غَيرِ مُلْتَئِمِ
قَبّلْتُها وَدُمُوعي مَزْجُ أدْمُعِهَا
وَقَبّلَتْني على خَوْفٍ فَماً لفَمِ
قد ذُقْتُ ماءَ حَياةٍ مِنْ مُقَبَّلِها
لَوْ صَابَ تُرْباً لأحيا سالِفَ الأُمَمِ
تَرنو إليّ بعَينِ الظّبيِ مُجْهِشَةً
وتَمْسَحُ الطّلَّ فَوْقَ الوَرْدِ بِالعَنَمِ
رُوَيْدَ حُكمِكِ فينا غيرَ مُنصِفَةٍ
بالنّاسِ كُلِّهِمِ أفديكِ من حكَمِ
أبدَيتِ مثلَ الذي أبدَيتُ من جَزعٍ
وَلَمْ تُجِنّي الذي أجنَيتُ من ألَمِ
إذاً لَبَزَّكِ ثَوْبَ الحُسنِ أصغَرُهُ
وَصِرْتِ مثليَ في ثَوْبَينِ من سَقَمِ
لَيسَ التّعَلّلُ بالآمَالِ مِن أرَبي
وَلا القَناعَةُ بالإقْلالِ من شِيَمي
وَلا أظُنّ بَناتِ الدّهْرِ تَتْرُكُني
حتى تَسُدّ علَيها طُرْقَها هِمَمي
لُمِ اللّيالي التي أخْنَتْ على جِدَتي
بِرِقّةِ الحالِ وَاعذِرْني وَلا تَلُمِ
أرَى أُناساً ومَحصُولي على غَنَمٍ
وَذِكْرَ جُودٍ ومحْصُولي على الكَلِمِ
وَرَبَّ مالٍ فَقِيراً مِنْ مُرُوءَتِهِ
لم يُثْرِ منها كما أثْرَى منَ العُدُمِ
سيَصحَبُ النّصلُ مني مثلَ مَضرِبِه
وَيَنجَلي خَبري عن صِمّةِ الصَّمَمِ
لقد تَصَبّرْتُ حتى لاتَ مُصْطَبَرٍ
فالآنَ أقْحَمُ حتى لاتَ مُقْتَحَمِ(47/391)
لأترُكَنّ وُجوهَ الخَيْلِ ساهِمَةً
وَالحرْبُ أقوَمُ مِن ساقٍ على قَدَمِ
والطّعْنُ يُحرِقُها وَالزّجرُ يُقلِقُها
حتى كأنّ بها ضَرْباً مِنَ اللَّمَمِ
قَد كَلّمَتْها العَوالي فَهْيَ كالحَةٌ
كأنّما الصّابُ مَذرُورٌ على اللُّجُمِ
بكُلّ مُنصَلَتٍ ما زالَ مُنْتَظري
حتى أدَلْتُ لَهُ مِنْ دَولَةِ الخَدمِ
شَيخٌ يَرَى الصّلواتِ الخَمسَ نافلةً
ويَستَحِلّ دَمَ الحُجّاجِ في الحرَمِ
وكُلّما نُطِحَتْ تحْتَ العَجاجِ بهِ
أُسْدُ الكتائبِ رامَتْهُ ولم يَرِمِ
تُنسِي البِلادَ بُرُوقَ الجَوّ بارِقَتي
وتَكتَفي بالدّمِ الجاري عَنِ الدِّيَمِ
رِدِي حِياضَ الرّدى يا نفسِ وَاتّركي
حياضَ خوْفِ الرّدى للشّاء والنَّعَمِ
إنْ لم أذَرْكِ على الأرماحِ سائِلَةً
فلا دُعيتُ ابنَ أُمّ المَجدِ والكَرَمِ
أيَمْلِكُ المُلْكَ وَالأسيافُ ظامئَةٌ
وَالطّيرُ جائِعَةٌ لَحْمٌ على وَضَمِ
مَنْ لَوْ رَآنيَ ماءً ماتَ مِنْ ظَمَإٍ
وَلَوْ عَرَضْتُ لهُ في النّوْم لم يَنمِ
ميعادُ كلّ رَقيقِ الشّفرَتينِ غَداً
ومَن عصَى من ملوكِ العُرْبِ والعجمِ
فإنْ أجابُوا فَما قَصدي بهَا لَهُمُ
وَإنْ تَوَلّوْا فَمَا أرْضَى لَها بهمِ
العصر العباسي >> المتنبي >> أبا عبد الإل?ه معاذ إني
أبا عبد الإل?ه معاذ إني
رقم القصيدة : 5660
-----------------------------------
أبَا عَبْدِ الإل?هِ مُعاذُ: إنّي
خَفيٌّ عَنْكَ في الهَيْجا مَقامي
ذكَرْتُ جَسيمَ ما طَلَبي وإنّا
نُخاطِرُ فيهِ بالمُهَجِ الجِسامِ
أمِثْلي تأخُذُ النّكَباتُ مِنْهُ
وَيَجزَعُ مِنْ مُلاقاةِ الحِمامِ
ولو بَرَزَ الزّمانُ إليّ شَخصاً
لخَضّبَ شعرَ مَفرِقِهِ حُسامي
وما بَلَغَتْ مَشيئَتَها اللّيالي
ولا سَارَتْ وفي يَدِها زِمَامي
إذا امتَلأتْ عُيُونُ الخَيْلِ مني
فَوَيْلٌ في التّيَقّظِ والمَنَامِ
العصر العباسي >> المتنبي >> إذا ما شربت الخمر صرفا مهنأ
إذا ما شربت الخمر صرفا مهنأ
رقم القصيدة : 5661(47/392)
-----------------------------------
إذا ما شرِبْتَ الخَمرَ صِرْفاً مُهَنّأً
شرِبْنا الذي من مثلهِ شرِبَ الكَرْمُ
ألا حَبّذا قَوْمٌ نُداماهُمُ القَنَا
يُسَقّونَها رِيّاً وساقيهِمِ العَزْمُ
العصر العباسي >> المتنبي >> وأخ لنا بعث الطلاق ألية
وأخ لنا بعث الطلاق ألية
رقم القصيدة : 5662
-----------------------------------
وَأخٍ لَنَا بَعَثَ الطّلاقَ ألِيّةً
لأُعَلَّلَنّ بِهَذِهِ الخُرْطُومِ
فَجَعَلْتُ رَدّي عِرْسَهُ كَفّارَةً
مِنْ شُرْبِها وَشَرِبْتُ غيرَ أثيمِ
العصر العباسي >> المتنبي >> ملامي النوى في ظلمها غاية الظلم
ملامي النوى في ظلمها غاية الظلم
رقم القصيدة : 5663
-----------------------------------
ملامي النّوى في ظُلْمِها غايةُ الظّلمِ
لَعَلّ بها مِثْلَ الذي بي من السُّقْمِ
فَلَوْ لم تَغَرْ لم تَزْوِ عني لِقاءَكُم
ولَوْ لم تُرِدكم لم تكن فيكمُ خصْمي
أمُنْعِمَةٌ بالعَوْدَةِ الظّبْيَةُ التي
بغَيرِ وَليٍّ كانَ نائِلُها الوَسمي
تَرَشّفْتُ فاهَا سُحْرَةً فكأنّني
تَرَشّفْتُ حرّ الوَجدِ من بارِدِ الظَّلمِ
فَتاةٌ تَساوَى عقدُها وكَلامُها
ومَبسِمُها الدُّرّيُّ في الحسنِ والنّظمِ
ونَكْهَتُها والمَنْدَليُّ وقَرْقَفٌ
مُعَتَّقَةٌ صَهباءُ في الرّيحِ والطّعمِ
جَفَتْني كأنّي لَستُ أنْطَقَ قَوْمِها
وأطعنَهم والشُّهبُ في صورةِ الدُّهمِ
يُحاذِرُني حَتْفي كأنّيَ حَتْفُهُ
وتَنْكُزُني الأفعَى فيَقتُلُها سُمّي
طِوالُ الرُّدَيْنِيّاتِ يَقْصِفُها دَمي
وبِيضُ السُّرَيجيّاتِ يَقطَعُها لحمي
برَتْني السُّرَى برْيَ المُدى فرَدَدْنَني
أخَفَّ على المركوبِ من نَفَسي جِرْمي
وأبصرَ من زرقاءِ جَوٍّ لأنّني
متى نَظَرَتْ عَينايَ ساواهما عِلمي
كأنّي دحوْتُ الأرضَ من خبرتي بها
كأنّي بَنى الإسكَندرُ السدّ من عزْمي
لألقَى ابنَ إسحقَ الذي دَقّ فَهْمُهُ
فأبْدَعَ حتى جَلّ عن دِقّةِ الفَهْمِ(47/393)
وأسْمَعَ مِنْ ألفاظِهِ اللّغَةَ التي
يَلَذّ بها سمعي ولَوْ ضُمّنتْ شَتمي
يَمينُ بني قَحْطانَ رأسُ قُضاعَةٍ
وعِرْنينُها بدرُ النّجُومِ بَني فَهْمِ
إذا بَيّتَ الأعداءَ كانَ سَمَاعُهُمْ
صَريرَ العَوَالي قَبلَ قَعقَعَةِ اللُّجمِ
مُذِلُّ الأعزّاءِ المُعِزُّ وإنْ يَئِنْ
بهِ يُتْمُهُمْ فالمُوتِمُ الجابرُ اليُتْمِ
وإنْ تُمْسِ داءً في القُلُوبِ قَنَاتُهُ
فمُمْسِكُها منْهُ الشّفاءُ منَ العُدمِ
مُقَلَّدُ طاغي الشّفرَتَينِ مُحَكَّمٍ
على الهامِ إلاّ أنّهُ جائرُ الحُكْمِ
تَحَرّجَ عن حَقْنِ الدّماءِ كأنّهُ
يرَى قتل نفس ترْكَ رَأسٍ على جسْمِ
وَجَدْنا ابنَ إسحقَ الحُسينَ كحَدّهِ
على كَثْرَةِ القَتلى بَريئاً من الإثْمِ
مَعَ الحَزْمِ حتى لوْ تَعَمّدَ تَرْكَهُ
لألحَقَهُ تَضييعُهُ الحَزْمَ بالحَزْمِ
وفي الحَرْبِ حتى لوْ أرادَ تأخّراً
لأخّرَهُ الطّبْعُ الكَريمُ إلى القُدْمِ
لَهُ رَحمَةٌ تُحيي العِظامَ وغَضْبَةٌ
بها فَضلَةٌ للجُرْمِ عن صاحبِ الجُرْمِ
ورِقّةُ وجْهٍ لوْ خَتَمْتَ بنَظرَةٍ
على وَجْنَتَيْهِ ما انمَحَى أثرُ الخَتمِ
أذاقَ الغَواني حُسنُهُ ما أذَقْنَني
وعَفّ فجازاهنّ عني على الصَّرْمِ
فِدًى مَنْ على الغَبراءِ أوّلُهُمْ أنَا
لهذا الأبيّ المَاجِدِ الجائِدِ القَرْمِ
لقد حالَ بينَ الجِنّ والأمنِ سَيفُهُ
فما الظنّ بعد الجنّ بالعُرْبِ والعُجمِ
وأرْهَبَ حتى لوْ تَأمّلَ دِرْعَهُ
جَرَتْ جَزَعاً من غَيرِ نارٍ ولا فَحمِ
وجَادَ فَلَوْلا جُودُهُ غيرَ شارِبٍ
لَقُلْنا كَريمٌ هَيّجَتْهُ ابنَةُ الكرْمِ
أطَعْناكَ طوْعَ الدّهرِ يابنَ ابنِ يوسُفٍ
بشَهْوَتِنا والحاسِدُو لكَ بالرّغْمِ
وَثِقْنا بأنْ تُعْطي فَلَوْ لم تَجُدْ لَنا
لخلناكَ قد أعطَيتَ من قوّةِ الوَهْمِ
دُعيتُ بتَقْرِيظيكَ في كلّ مَجلِسٍ
فَظَنّ الذي يَدعو ثَنائي عليكَ اسمي
وأطْمَعْتَني في نَيْلِ ما لا أنالُهُ
بما نِلْتُ حتى صِرْتُ أطمَعُ في النجمِ(47/394)
إذا ما ضَرَبْتَ القِرْنَ ثمّ أجَزْتَني
فَكِلْ ذَهَباً لي مَرّةً منهُ بالكَلْمِ
أبَتْ لكَ ذَمّي نَخْوَةٌ يَمَنِيّةٌ
ونَفسٌ بها في مأزِقٍ أبَداً تَرْمي
فكَمْ قائِلٍ لو كانَ ذا الشخصُ نفسه
لكانَ قَراهُ مكمَنَ العسكرِ الدَّهْمِ
وقائِلَةٍ والأرْضَ أعْني تَعَجّباً
عليّ امرُؤ يمشي بوَقري من الحلْمِ
عَظُمْتَ فَلَمّا لم تُكَلَّمْ مَهابَةً
تواضَعتَ وهوَ العُظمُ عُظماً من العُظمِ
العصر العباسي >> المتنبي >> أحق عاف بدمعك الهمم
أحق عاف بدمعك الهمم
رقم القصيدة : 5664
-----------------------------------
أحَقُّ عافٍ بدَمْعِكَ الهِمَمُ
أحدَثُ شيءٍ عَهداً بها القِدَمُ
وإنّما النّاسُ بالمُلُوكِ ومَا
تُفْلِحُ عُرْبٌ مُلُوكُها عَجَمُ
لا أدَبٌ عِندَهُمْ ولا حَسَبٌ
ولا عُهُودٌ لهُمْ ولا ذِمَمُ
بكُلّ أرْضٍ وطِئْتُها أُمَمٌ
تُرْعَى بعَبْدٍ كأنّها غَنَمُ
يَسْتَخشِنُ الخَزّ حينَ يَلْمُسُهُ
وكانَ يُبْرَى بظُفْرِهِ القَلَمُ
إنّي وإنْ لُمْتُ حاسدِيّ فَمَا
أُنْكِرُ أنّي عُقُوبَةٌ لَهُمُ
وكَيفَ لا يُحْسَدُ امْرُؤٌ عَلَمٌ
لَهُ على كلّ هامَةٍ قَدَمُ
يَهابُهُ أبْسأُ الرّجالِ بِهِ
وتَتّقي حَدّ سَيْفِهِ البُهَمُ
كَفانيَ الذّمَّ أنّني رَجُلٌ
أكْرَمُ مالٍ مَلَكْتُهُ الكَرَمُ
يَجْني الغِنى لِلِّئَامِ لَوْ عَقَلُوا
ما لَيس يَجني عَلَيهِمِ العُدُمُ
هُمُ لأمْوالهِمْ ولَسْنَ لَهُمْ
والعارُ يَبقَى والجُرْحُ يَلْتَئِمُ
مَن طَلَبَ المجدَ فَليَكُنْ كعَلِـ
ـيّ يَهَبُ الألْفَ وهوَ يَبْتَسِمُ
ويَطْعَنُ الخَيْلَ كُلَّ نافِذَةٍ
لَيسَ لهَا مِنْ وَحائِهَا ألَمُ
ويَعْرِفُ الأمْرَ قَبْلَ مَوْقِعِهِ
فَما لَهُ بعدَ فِعْلِهِ نَدَمُ
والأمْرُ والنّهْيُ والسّلاهبُ والـ
ـبيضُ لَهُ والعَبيدُ والحَشَمُ
والسّطَواتُ التي سَمِعْتَ بها
تكادُ منها الجِبالُ تَنقَصِمُ
يُرْعيكَ سَمعاً فيهِ استِماعٌ إلى الـ
ـدّاعي وفيهِ عنِ الخَنى صَمَمُ(47/395)
يُريكَ مِنْ خَلْقِهِ غَرائِبَهُ
في مَجْدِهِ كيفَ تُخلَقُ النّسَمُ
مِلْتُ إلى مَنْ يَكادُ بَيْنَكُما
إنْ كُنتُما السّائِلَينِ يَنْقَسِمُ
مِنْ بَعدِ ما صِيغَ من مَواهِبِهِ
لمَنْ أُحبُّ الشُّنُوفُ والخَدَمُ
ما بَذَلَتْ ما بهِ يَجُودُ يَدٌ
ولا تَهَدّى لِمَا يَقُولُ فَمُ
بَنُو العَفَرْنَى مَحَطّةَ الأسَدِ الـ
أُسْدُ ولكِنْ رِماحُها الأجَمُ
قَوْمٌ بُلُوغُ الغُلامِ عِنْدَهُمُ
طَعنُ نُحورِ الكُماةِ لا الحُلُمُ
كأنّما يُولَدُ النّدَى مَعَهُمْ
لا صِغَرٌ عاذِرٌ ولا هَرَمُ
إذا تَوَلّوا عَداوَةً كَشَفُوا
وإنْ تَوَلوا صَنيعَةً كَتَمُوا
تَظُنّ من فَقْدِكَ اعْتِدادَهُمُ
أنّهُمُ أنْعَمُوا ومَا عَلِمُوا
إنْ بَرَقُوا فالحُتُوفُ حاضِرَةٌ
أو نَطَقُوا فالصّوابُ والحِكَمُ
أو حَلَفُوا بالغَمُوسِ واجتَهَدوا
فَقَوْلُهُمْ خابَ سائِلي القَسَمُ
أو رَكِبُوا الخَيْلَ غَيرَ مُسرَجَةٍ
فإنّ أفْخاذَهُمْ لهَا حُزُمُ
أوْ شَهِدوا الحَرْبَ لاقِحاً أخَذوا
من مُهَجِ الدّارِعينَ ما احتكموا
تُشرِقُ أعْرَاضُهُمْ وأوْجُهُهُمْ
كأنّها في نُفوسِهِمْ شِيَمُ
لَوْلاكَ لم أترُكِ البُحَيرَةَ والـ
ـغَوْرُ دَفيءٌ وماؤها شَبِمُ
والمَوْجُ مِثْلُ الفُحولِ مُزْبدَةً
تَهْدِرُ فيها وما بِها قَطَمُ
والطّيرُ فَوْقَ الحَبابِ تَحسَبُها
فُرْسانَ بُلْقٍ تَخُونُهَا اللُّجُمُ
كأنّها والرّياحُ تَضْرِبُهَا
جَيْشا وَغًى هازِمٌ ومُنْهَزِمُ
كأنّها في نَهارِهَا قَمَرٌ
حَفّ بهِ مِنْ جِنانِها ظُلَمُ
تَغَنّتِ الطّيرُ في جَوانِبِها
وجادَتِ الأرْض حَوْلَها الدّيَمُ
فَهْيَ كَمَاوِيّةٍ مُطَوَّقَةٍ
جُرّدَ عَنها غِشاؤها الأدَمُ
يَشينُها جَرْيُها عَلى بَلَدٍ
تَشينُهُ الأدْعِياءُ والقَزَمُ
أبا الحُسَينِ اسْتَمعْ فمَدْحُكُمُ
بالفِعْلِ قَبلَ الكَلامِ مُنْتَظِمُ
وقَد تَوالى العِهادُ مِنْهُ لكُم
وجادَتِ المَطْرَةُ التي تَسِمُ
أُعيذُكمْ من صُرُوفِ دَهْرِكُمُ(47/396)
فإنّهُ في الكِرامِ مُتّهَمُ
العصر العباسي >> المتنبي >> فؤاد ما تسليه المدام
فؤاد ما تسليه المدام
رقم القصيدة : 5665
-----------------------------------
فُؤادٌ ما تُسَلّيهِ المُدامُ
وعُمْرٌ مثلُ ما تَهَبُ اللِّئامُ
ودَهْرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ
وإنْ كانتْ لهمْ جُثَثٌ ضِخامُ
وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم
ولكنْ مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ
أرانِبُ غَيرَ أنّهُمُ مُلُوكٌ
مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيَامُ
بأجْسامٍ يَحَرّ القَتْلُ فيها
وما أقْرانُها إلاّ الطّعامُ
وخَيْلٍ ما يَخِرّ لها طَعِينٌ
كأنّ قَنَا فَوارِسِها ثُمَامُ
خَليلُكَ أنتَ لا مَن قُلتَ خِلّي
وإنْ كَثُرَ التّجَمّلُ والكَلامُ
ولو حِيزَ الحِفاظُ بغَيرِ عَقْلٍ
تَجَنّبَ عُنقَ صَيقَلِهِ الحُسامُ
وشِبْهُ الشيءِ مُنجَذِبٌ إلَيْهِ
وأشْبَهُنَا بدُنْيانا الطَّغامُ
ولَوْ لم يَعْلُ إلاّ ذو مَحَلٍّ
تَعالى الجَيْشُ وانحَطّ القَتَامُ
ولَوْ لم يَرْعَ إلاّ مُسْتَحِقٌّ
لرُتْبَتِهِ أسامَهُمُ المُسَامُ
ومَنْ خَبِرَ الغَواني فالغَواني
ضِياءٌ في بَواطِنِهِ ظَلامُ
إذا كانَ الشّبابُ السُّكرَ والشّيْـ
ـبُ هَمّاً فالحَياةُ هيَ الحِمامُ
وما كُلٌّ بمَعذورٍ بِبُخْلٍ
ولا كُلٌّ على بُخْلٍ يُلامُ
ولم أرَ مِثْلَ جيراني ومِثْلي
لمِثْلي عِندَ مِثْلِهِمُ مُقامُ
بأرْضٍ ما اشْتَهَيْتَ رأيتَ فيها
فلَيسَ يَفُوتُها إلاّ الكِرامُ
فهَلاّ كانَ نَقْصُ الأهْلِ فيها
وكانَ لأهْلِها مِنها التّمامُ
بها الجَبَلانِ مِنْ صَخْرٍ وفَخْرٍ
أنَافَا ذا المُغيثُ وذا اللُّكامُ
ولَيْسَتْ مِنْ مَواطِنِهِ ولكِنْ
يَمُرّ بها كَما مَرّ الغَمامُ
سَقَى الله ابنَ مُنْجِيةٍ سَقَاني
بدَرٍّ ما لراضِعِهِ فِطامُ
ومَنْ إحْدى فَوائِدِهِ العَطَايا
ومَن إحدى عَطاياهُ الذّمامُ
وقد خَفيَ الزّمانُ بهِ عَلَينَا
كسِلْكِ الدُّرّ يُخْفيهِ النّظامُ
تَلَذّ لهُ المُروءَةُ وهيَ تُؤذي(47/397)
ومَنْ يَعشَقْ يَلَذّ لهُ الغَرامُ
تَعَلّقَها هَوَى قَيسٍ للَيْلى
وواصَلَها فَلَيسَ بهِ سَقَامُ
يَروعُ رَكانَةً ويَذوبُ ظَرْفاً
فَما يُدرَى أشَيْخٌ أمْ غُلامُ
وتَمْلِكُهُ المَسائِلُ في نَداهُ
وأمّا في الجِدالِ فلا يُرامُ
وقَبضُ نَوالِهِ شَرَفٌ وعِزٌّ
وقبضُ نَوالِ بعضِ القومِ ذامُ
أقامتْ في الرّقابِ لَهُ أيَادٍ
هيَ الأطواقُ والنّاسُ الحَمامُ
إذا عُدّ الكِرامُ فتِلْكَ عِجْلٌ
كمَا الأنْواءُ حينَ تُعَدّ عامُ
تَقي جَبَهاتُهُمْ ما في ذَرَاهُمْ
إذا بشِفارِها حَمِيَ اللِّطامُ
ولو يَمّمْتَهُمْ في الحَشْرِ تجدو
لأعطَوْكَ الذي صَلّوا وصامُوا
فإنْ حَلُمُوا فإنّ الخَيلَ فيهِمْ
خِفافٌ والرّماحَ بها عُرامُ
وعِندَهُمُ الجِفانُ مُكَلَّلاتٌ
وشَزْرُ الطّعْنِ والضّرْبُ التُّؤامُ
نُصَرّعُهُمْ بأعْيُنِنا حَيَاءً
وتَنْبُو عَن وُجوهِهِمُ السّهامُ
قَبيلٌ يَحْمِلُونَ منَ المَعالي
كما حَمَلَتْ من الجسدالعِظامُ
قَبيلٌ أنتَ أنتَ وأنتَ منهُمْ
وجَدُّكَ بِشْرٌ المَلِكُ الهُمَامُ
لِمَنْ مالٌ تُمَزّقُهُ العَطَايا
ويُشْرَكُ في رَغائِبِهِ الأنامُ
ولا نَدْعُوكَ صاحبَهُ فترْضَى
لأنّ بصُحبَةٍ يَجِبُ الذّمَامُ
تُحايدُهُ كأنّكَ سامِرِيٌّ
تُصافِحُهُ يَدٌ فيها جُذامُ
إذا ما العالِمُونَ عَرَوْكَ قالُوا
أفِدْنا أيّها الحِبْرُ الإمامُ
إذا ما المُعْلِمُونَ رأوْكَ قالوا
بهَذا يُعْلَمُ الجيشُ اللُّهامُ
لقد حَسُنتْ بكَ الأوقاتُ حتى
كأنّكَ في فَمِ الزّمَنِ ابتِسامُ
وأُعطيتَ الذي لم يُعْطَ خَلْقٌ
عَلَيكَ صَلاةُ رَبّكَ والسلامُ
العصر العباسي >> المتنبي >> نرى عظما بالبين والصد أعظم
نرى عظما بالبين والصد أعظم
رقم القصيدة : 5666
-----------------------------------
نَرَى عِظَماً بالبَينِ والصّدُّ أعظَمُ
ونَتّهِمُ الواشِينَ والدّمْعُ مِنْهُمُ
ومَنْ لُبُّهُ مَع غَيرِهِ كَيفَ حالُهُ
ومَنْ سِرّهُ في جَفْنِهِ كيفَ يُكتَمُ(47/398)
ولمّا التَقَيْنا والنّوَى ورَقيبُنا
غَفُولانِ عَنّا ظِلْتُ أبكي وتَبسِمُ
فلَمْ أرَ بَدراً ضاحِكاً قبلَ وجْهِها
ولم تَرَ قَبْلي مَيّتاً يَتَكَلّمُ
ظَلومٌ كمَتنَيْها لِصَبٍّ كَخَصْرِها
ضَعِيفِ القُوَى مِن فِعلِها يَتَظلَّمُ
بفَرْعٍ يُعيدُ اللّيْلَ والصّبْحُ نَيّرٌ
ووَجهٍ يُعيدُ الصّبحَ واللّيلُ مُظلِمُ
فلَوْ كانَ قَلبي دارَها كانَ خالِياً
ولكنّ جَيشَ الشّوْقِ فيهِ عرَمرَمُ
أثَافٍ بها ما بالفُؤادِ مِنَ الصَّلَى
ورَسْمٌ كَجسمي ناحِلٌ مُتَهَدّمُ
بَلَلْتُ بها رُدْنَيَّ والغَيمُ مُسْعِدي
وعَبْرَتُهُ صِرْفٌ وفي عَبرَتي دَمُ
ولَوْ لم يكُنْ ما انهَلّ في الخدّ من دمي
لمَا كانَ مُحْمَرّاً يَسيلُ فأسْقَمُ
بنَفْسِي الخَيَالُ الزّائري بعد هجعَةٍ
وقوْلَتُهُ لي بعدَنا الغُمضَ تَطعَمُ
سَلامُ فلَوْلا الخَوْفُ والبُخلُ عندَهُ
لقُلتُ أبو حَفْصٍ عَلَينا المُسَلّمُ
مُحِبُّ النّدَى الصّابي إلى بَذْلِ ماله
صُبُوّاً كمَا يَصْبُو المُحبُّ المُتَيَّمُ
وأُقْسِمُ لَوْلا أنّ في كلّ شَعْرَةٍ
لَهُ ضَيغَماً قُلنا لهُ أنتَ ضَيغَمُ
أنَنْقُصُهُ من حَظّهِ وهْوَ زائِدٌ
ونَبْخَسُهُ والبَخْسُ شيءٌ مُحَرَّمُ
يَجِلُّ عنِ التّشبيهِ لا الكَفُّ لُجّةٌ
ولا هوَ ضِرْغامٌ ولا الرّأيُ مِخذَمُ
ولا جُرْحُهُ يُؤسَى ولا غَوْرُهُ يُرَى
ولا حَدُّهُ يَنْبُو ولا يَتَثَلّمُ
ولا يُبْرَمُ الأمْرُ الذي هوَ حالِلٌ
ولا يُحْلَلُ الأمْرُ الذي هوَ مُبْرِمُ
ولا يَرْمَحُ الأذْيالَ مِنْ جَبَرِيّةٍ
ولا يَخْدُمُ الدّنْيَا وإيّاهُ تَخدُمُ
ولا يَشْتَهي يَبْقَى وتَفْنى هِبَاتُهُ
ولا تَسْلَمُ الأعداءُ منْهُ ويَسْلَمُ
ألَذُّ مِنَ الصّهْبَاءِ بالماءِ ذِكْرُهُ
وأحْسَنُ مِنْ يُسرٍ تَلَقّاهُ مُعدِمُ
وأغْرَبُ من عَنقاءَ في الطّيرِ شكلُهُ
وأعْوَزُ مِنْ مُسْتَرْفِدٍ منه يُحرَمُ
وأكثرُ من بَعدِ الأيادي أيادِياً
من القَطرِ بعد القَطْرِ والوَبلُ مُثجِمُ(47/399)
سَنيُّ العَطايا لوْ رَأى نَوْمَ عَيْنِهِ
منَ اللّؤمِ آلى أنّهُ لا يُهَوِّمُ
ولو قالَ هاتُوا دِرْهَماً لم أجُدْ بهِ
على سائِلٍ أعْيا على النّاسِ دِرْهَمُ
ولَوْ ضَرّ مَرْأً قَبْلَهُ ما يَسُرّهُ
لأثَّرَ فيهِ بأسُهُ والتّكَرّمُ
يُرَوّي بكالفِرْصادِ في كلّ غارَةٍ
يَتامَى منَ الأغمادِ تُنضَى فتُوتِمُ
إلى اليَوْمِ ما حَطّ الفِداءُ سُرُوجَهُ
مُذُ الغَزْوِ سارٍ مُسرَجُ الخيل مُلجَمُ
يَشُقّ بلادَ الرّومِ والنّقْعُ أبْلَقٌ
بأسْيافِهِ والجَوُّ بالنّقْعِ أدْهَمُ
إلى المَلِكِ الطّاغي فكَمْ من كَتيبَةٍ
تُسايِرُ منهُ حَتْفَها وهيَ تَعْلَمُ
ومِنْ عاتِقٍ نَصرانَةٍ بَرَزَتْ لَهُ
أسيلَةِ خَدٍّ عَنْ قَليلٍ سيُلْطَمُ
صُفُوفاً للَيْثٍ في لُيُوثٍ حُصُونُها
مُتُونُ المَذاكي والوَشيجُ المُقَوَّمُ
تَغيبُ المَنَايا عَنْهُمُ وهْوَ غائِبٌ
وتَقْدَمُ في ساحاتِهِمْ حينَ يَقدَمُ
أجدَّكَ ما تَنفَكّ عانٍ تَفُكّهُ
عُمَ بنَ سُلَيْمانٍ ومالٌ تُقَسِّمُ
مُكافيكَ مَنْ أولَيْتَ دينَ رَسولِهِ
يداً لا تُؤدّي شُكرَها اليَدُ والفَمُ
على مَهَلٍ إنْ كنتَ لَستَ براحِمٍ
لنَفْسِكَ مِنْ جُودٍ فإنّكَ تُرْحَمُ
مَحَلُّكَ مَقْصُودٌ وشانيكَ مُفحَمٌ
ومِثْلُكَ مَفقودٌ ونَيلُكَ خِضرِمُ
وزارَكَ بي دونَ المُلوكِ تَحَرُّجٌ
إذا عَنّ بَحْرٌ لم يَجُزْ لي التّيَمّمُ
فعِشْ لوْ فدى المَملوكُ رَبّاً بنفسِهِ
من الموْتِ لم تُفقَدْ وفي الأرض مُسلمُ
العصر العباسي >> المتنبي >> أجارك يا أسد الفراديس مكرم
أجارك يا أسد الفراديس مكرم
رقم القصيدة : 5667
-----------------------------------
أجارُكِ يا أُسْدَ الفَراديسِ مُكْرَمُ
فتَسكُنَ نَفسي أمْ مُهانٌ فمُسلَمُ
ورائي وقُدّامي عُداةٌ كَثيرَةٌ
أُحاذِرُ مِنْ لِصٍّ ومنكِ ومِنْهُمُ
فهَلْ لكِ في حِلفي على ما أُريدُهُ
فإنّي بأسْبابِ المَعيشَةِ أعْلَمُ
إذاً لأتاكِ الرّزْقُ مِنْ كلّ وِجْهَةٍ(47/400)
وأثْرَيْتِ مِمّا تَغْنَمِينَ وأغْنَمُ
العصر العباسي >> المتنبي >> ما نقلت عند مشية قدما
ما نقلت عند مشية قدما
رقم القصيدة : 5668
-----------------------------------
ما نَقَلَتْ عِندَ مَشيَةٍ قَدَمَا
ولا اشتَكَتْ مِنْ دُوارِها ألَمَا
لم أرَ شَخْصاً مِنْ قَبلِ رُؤيَتِها
يَفْعَلُ أفْعالَها ومَا عَزَمَا
فَلا تَلُمْهَا على تَواقُعِهَا
أطْرَبَها أنْ رأتْكَ مُبْتَسِمَا
العصر العباسي >> المتنبي >> لا افتخار إلا لمن لا يضام
لا افتخار إلا لمن لا يضام
رقم القصيدة : 5669
-----------------------------------
لا افْتِخارٌ إلاّ لمَنْ لا يُضامُ
مُدْرِكٍ أوْ مُحارِبٍ لا يَنَامُ
لَيسَ عَزْماً مَا مَرّضَ المَرْءُ فيهِ
لَيسَ هَمّاً ما عاقَ عنهُ الظّلامُ
واحتِمالُ الأذَى ورُؤيَةُ جانِيـ
ـهِ غِذاءٌ تَضْوَى بهِ الأجسامُ
ذَلّ مَنْ يَغْبِطُ الذّليل بعَيشٍ
رُبّ عَيشٍ أخَفُّ منْهُ الحِمامُ
كُلُّ حِلْمٍ أتَى بغَيرِ اقْتِدارٍ
حُجّةٌ لاجىءٌ إلَيها اللّئَامُ
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ
ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
ضاقَ ذَرْعاً بأنْ أضيقَ بهِ ذَرْ
عاً زَماني واستَكرَمَتْنِي الكِرامُ
واقِفاً تحتَ أخمَصَيْ قَدْرِ نَفسي
واقِفاً تحتَ أخْمَصَيّ الأنَامُ
أقَراراً ألَذُّ فَوْقَ شَرارٍ
ومَراماً أبْغي وظُلْمي يُرامُ
دونَ أنْ يَشرَقَ الحِجازُ ونَجْدٌ
والعِراقانِ بالقَنَا والشّامُ
شَرَقَ الجَوِّ بالغُبَارِ إذا سَا
رَ عَليُّ بنُ أحْمَدَ القَمْقامُ
الأديبُ المُهَذَّبُ الأصْيَدُ الضّرْ
بُ الذّكيُّ الجَعدُ السّرِيُّ الهُمامُ
والذي رَيْبُ دَهْرِهِ مِنْ أسَارَا
هُ ومِنْ حاسدي يَدَيْهِ الغَمامُ
يَتَداوَى مِنْ كَثْرَةِ المَالِ بالإقْـ
ـلالِ جُوداً كأنّ مَالاً سَقَامُ
حَسَنٌ في عُيُونِ أعْدائِهِ أقْـ
ـبَحُ من ضيْفِهِ رأتْهُ السَّوامُ
لوْ حَمَى سَيّداً منَ المَوتِ حامٍ
لَحَماهُ الإجْلالُ والإعْظامُ(47/401)
وعَوارٍ لَوامِعٌ دِينُهَا الحِـ
ـلُّ ولَكِنّ زِيَّها الإحْرامُ
كُتبَتْ في صَحائِفِ المَجْدِ: بِسْمٌ
ثمَّ قَيسٌ وبعدَ قَيسَ السّلامُ
إنّما مُرّةُ بنُ عَوْفِ بنِ سَعْدٍ
جَمَراتٌ لا تَشْتَهيها النَّعامُ
لَيلُها صُبْحُها مِنَ النّارِ والإصْـ
ـبَاحُ لَيْلٌ منَ الدّخانِ تِمامُ
هِمَمٌ بَلّغَتْكُمُ رُتَبَاتٍ
قَصُرَتْ عَنْ بُلُوغِها الأوْهامُ
ونُفُوسٌ إذا انْبَرَتْ لِقِتَالٍ
نَفِدَتْ قَبْلَ يَنْفَدُ الإقْدامُ
وقُلُوبٌ مُوَطَّناتٌ على الرّوْ
عِ كأنّ اقْتِحامَهَا استِسْلامُ
قائِدو كُلّ شَطْبَةٍ وحِصانٍ
قَدْ بَراها الإسْراجُ والإلجامُ
يَتَعَثّرْنَ بالرّؤوسِ كَما مَرّ
بتاءاتِ نُطْقِهِ التَّمتَامُ
طالَ غشْيانُكَ الكَريهَةَ حتى
قالَ فيكَ الذي أقُولُ الحُسَامُ
وكَفَتْكَ الصّفائِحُ النّاسَ حتى
قد كَفَتْكَ الصّفائحَ الأقْلامُ
وكَفَتْكَ التّجارِبُ الفِكْرَ حتى
قَدْ كَفاكَ التّجارِبَ الإلْهَامُ
فارِسٌ يَشتَري بِرازَكَ للفَخْـ
ـرِ بقَتْلٍ مُعَجَّلٍ لا يُلامُ
نائِلٌ منكَ نَظْرَةً ساقَهُ الفَقْـ
ـرُ عَلَيْهِ لفَقْرِهِ إنْعَامُ
خَيْرُ أعضائِنا الرّؤوسُ ولَكِنْ
فَضَلَتْها بقَصْدِكَ الأقْدامُ
قَد لَعَمري أقْصَرْتُ عَنكَ وللوَفـ
ـدِ ازْدِحامٌ وللعَطايا ازْدِحامُ
خِفْتُ إن صرْتُ في يَمينِكَ أن تأ
خُذَني في هِباتِكَ الأقوامُ
ومنَ الرُّشْدِ لم أزُرْكَ على القُرْ
بِ، على البُعدِ يُعرَفُ الإلمامُ
ومِنَ الخَيرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عني
أسرَعُ السُّحْبِ في المَسيرِ الجَهامُ
قُلْ فَكَمْ مِنْ جَواهرٍ بنِظامٍ
وُدُّها أنّها بفيكَ كَلامُ
هابَكَ اللّيْلُ والنّهارُ فَلَوْ تَنْـ
ـهاهُما لم تَجُزْ بكَ الأيّامُ
حَسْبُكَ الله ما تَضِلّ عَنِ الحَـ
ـقّ ولا يَهْتَدي إلَيكَ أثَامُ
لِمَ لا تَحْذَرُ العَواقِبَ في غَيْـ
ـرِ الدّنَايا، أمَا عَلَيْكَ حَرامُ
كَمْ حَبيبٍ لا عُذْرَ لِلّوْمِ فيهِ
لَكَ فيهِ مِنَ التُّقَى لُوّامُ(47/402)
رَفَعَتْ قَدْرَكَ النّزاهَةُ عَنْهُ
وثَنَتْ قَلْبَكَ المَساعي الجِسامُ
إنّ بَعضاً مِنَ القَرِيضِ هُذاءٌ
لَيسَ شَيئاً وبَعضَهُ أحْكامُ
مِنْهُ ما يَجْلُبُ البَراعَةُ والفَضْـ
ـلُ ومِنْهُ ما يَجْلُبُ البِرْسامُ
العصر العباسي >> المتنبي >> ألا لا أري الأحداث مدحا ولا ذما
ألا لا أري الأحداث مدحا ولا ذما
رقم القصيدة : 5670
-----------------------------------
ألا لا أُري الأحداثَ مَدحاً ولا ذَمّا
فَما بَطشُها جَهلاً ولا كفُّها حِلمَا
إلى مثلِ ما كانَ الفتى مرْجعُ الفتى
يَعُودُ كمَا أُبْدي ويُكرِي كما أرْمَى
لَكِ الله مِنْ مَفْجُوعَةٍ بحَبيبِها
قَتيلَةِ شَوْقٍ غَيرِ مُلحِقِها وَصْمَا
أحِنّ إلى الكأسِ التي شرِبَتْ بها
وأهوى لمَثواها التّرابَ وما ضَمّا
بَكَيْتُ عَلَيها خِيفَةً في حَياتِها
وذاقَ كِلانا ثُكْلَ صاحِبِهِ قِدْمَا
ولوْ قَتَلَ الهَجْرُ المُحبّينَ كُلَّهُمْ
مضَى بَلَدٌ باقٍ أجَدّتْ لَهُ صَرْمَا
عرَفْتُ اللّيالي قَبلَ ما صَنَعَتْ بنا
فلَمَا دَهَتْني لم تَزِدْني بها عِلْمَا
مَنافِعُها ما ضَرّ في نَفْعِ غَيرِها
تغذّى وتَرْوَى أن تجوعَ وأن تَظْمَا
أتاها كِتابي بَعدَ يأسٍ وتَرْحَةٍ
فَماتَتْ سُرُوراً بي فَمُتُّ بها غَمّا
حَرامٌ على قَلبي السّرُورُ فإنّني
أعُدّ الذي ماتَتْ بهِ بَعْدَها سُمّا
تَعَجَّبُ مِنْ لَفْظي وخَطّي كأنّما
ترَى بحُرُوفِ السّطرِ أغرِبةً عُصْمَا
وتَلْثِمُهُ حتى أصارَ مِدادُهُ
مَحاجِرَ عَيْنَيْها وأنْيابَها سُحْمَا
رَقَا دَمْعُها الجاري وجَفّتْ جفونها
وفارَقَ حُبّي قَلبَها بَعدمَا أدمَى
ولم يُسْلِها إلاّ المَنَايا وإنّمَا
أشَدُّ منَ السُّقمِ الذي أذهَبَ السُّقْما
طَلَبْتُ لها حَظّاً فَفاتَتْ وفاتَني
وقد رَضِيَتْ بي لو رَضيتُ بها قِسْمَا
فأصْبَحتُ أسْتَسقي الغَمامَ لقَبرِها
وقد كنْتُ أستَسقي الوَغى والقنا الصُّمّا
وكنتُ قُبَيلَ الموْتِ أستَعظِمُ النّوَى(47/403)
فقد صارَتِ الصّغَرى التي كانتِ العظمى
هَبيني أخذتُ الثأرَ فيكِ منَ العِدَى
فكيفَ بأخذِ الثّأرِ فيكِ من الحُمّى
وما انسَدّتِ الدّنْيا عليّ لضِيقِهَا
ولكنَّ طَرْفاً لا أراكِ بهِ أعمَى
فَوَا أسَفا ألاّ أُكِبَّ مُقَبِّلاً
لرَأسِكِ والصّدْرِ اللّذَيْ مُلِئا حزْمَا
وألاّ أُلاقي روحَكِ الطّيّبَ الذي
كأنّ ذكيّ المِسكِ كانَ له جسمَا
ولَوْ لمْ تَكُوني بِنْتَ أكْرَمِ والِدٍ
لَكانَ أباكِ الضّخْمَ كونُكِ لي أُمّا
لَئِنْ لَذّ يَوْمُ الشّامِتِينَ بيَوْمِهَا
لَقَدْ وَلَدَتْ مني لأنْفِهِمِ رَغْمَا
تَغَرّبَ لا مُسْتَعْظِماً غَيرَ نَفْسِهِ
ولا قابِلاً إلاّ لخالِقِهِ حُكْمَا
ولا سالِكاً إلاّ فُؤادَ عَجاجَةٍ
ولا واجِداً إلاّ لمَكْرُمَةٍ طَعْمَا
يَقُولونَ لي ما أنتَ في كلّ بَلدَةٍ
وما تَبتَغي؟ ما أبتَغي جَلّ أن يُسْمى
كأنّ بَنيهِمْ عالِمُونَ بِأنَّنِي
جَلُوبٌ إلَيهِمْ منْ مَعادِنه اليُتْمَا
وما الجَمْعُ بَينَ الماءِ والنّارِ في يدي
بأصعَبَ من أنْ أجمَعَ الجَدّ والفَهمَا
ولكِنّني مُسْتَنْصِرٌ بذُبَابِهِ
ومُرْتكِبٌ في كلّ حالٍ به الغَشمَا
وجاعِلُهُ يَوْمَ اللّقاءِ تَحِيّتي
وإلاّ فلَسْتُ السيّدَ البَطَلَ القَرْمَا
إذا فَلّ عَزْمي عن مدًى خوْفُ بُعده
فأبْعَدُ شيءٍ ممكنٌ لم يَجِدْ عزْمَا
وإنّي لَمِنْ قَوْمٍ كأنّ نُفُوسَهُمْ
بها أنَفٌ أن تسكنَ اللّحمَ والعَظمَا
كذا أنَا يا دُنْيا إذا شِئْتِ فاذْهَبي
ويا نَفسِ زيدي في كرائهِها قُدْمَا
فلا عَبَرَتْ بي ساعَةٌ لا تُعِزّني
ولا صَحِبَتْني مُهجَةٌ تقبلُ الظُّلْمَا
العصر العباسي >> المتنبي >> أنا لائمي إن كنت وقت اللوائم
أنا لائمي إن كنت وقت اللوائم
رقم القصيدة : 5671
-----------------------------------
أنا لائمي إنْ كنتُ وقتَ اللّوائِمِ
عَلِمتُ بما بي بَينَ تلكَ المَعالِمِ
ولَكِنّني مِمّا شُدِهْتُ مُتَيَّمٌ
كَسالٍ وقَلبي بائحٌ مثلُ كاتِمِ(47/404)
وقَفْنا كأنّا كُلُّ وَجْدِ قُلُوبِنَا
تَمَكّنَ مِن أذْوادنا في القَوائِمِ
ودُسْنا بأخْفافِ المَطي تُرابَهَا
فَما زِلْتُ أستَشفي بلَثْمِ المَناسِمِ
دِيارُ اللّواتي دارُهُنّ عَزيزَةٌ
بِطُولَى القَنا يُحفَظنَ لا بالتّمائِمِ
حِسانُ التّثَنَّي يَنقُشُ الوَشْيُ مثلَهُ
إذا مِسْنَ في أجسامِهِنّ النّواعِمِ
ويَبسِمْنَ عَن دُرٍّ تَقَلَّدْنَ مثلَهُ
كأنّ التّراقي وُشّحَتْ بالمَباسِمِ
فما لي وللدّنْيا! طِلابي نُجومُها
ومَسعايَ منها في شُدوقِ الأراقِمِ
من الحِلمِ أنْ تَستَعمِلَ الجهلَ دونَه
إذا اتّسعتْ في الحِلمِ طُرْقُ المظالِمِ
وأنْ تَرِدَ الماءَ الذي شَطْرُهُ دَمٌ
فتُسقَى إذا لم يُسْقَ مَن لم يُزاحِمِ
ومَنْ عَرَفَ الأيّامَ مَعرِفتي بها
وبالنّاسِ رَوّى رُمحَهُ غيرَ راحِمِ
فَلَيسَ بمَرْحُومٍ إذا ظَفِروا بهِ
ولا في الرّدى الجاري عَلَيهم بآثِمِ
إذا صُلْتُ لم أترُكْ مَصالاً لفاتِكٍ
وإنْ قُلتُ لم أترُكْ مَقالاً لعالِمِ
وإلاّ فخانَتْني القَوافي وعاقَني
عنِ ابنِ عُبيدِالله ضُعْفُ العَزائِمِ
عَنِ المُقْتَني بَذْلَ التِّلادِ تِلادَهُ
ومُجْتَنِبِ البُخلِ اجتِنابَ المَحارِمِ
تَمَنّى أعاديهِ مَحَلَّ عُفاتِهِ
وتَحْسُدُ كَفّيْهِ ثِقالُ الغَمائِمِ
ولا يَتَلَقّى الحرْبَ إلاّ بمُهْجَةٍ
مُعَظَّمَةٍ مَذْخُورَةٍ للعَظائِمِ
وذي لجَبٍ لا ذو الجَناحِ أمَامَهُ
بنَاجٍ ولا الوَحشُ المُثارُ بسالِمِ
تَمُرّ عَلَيْهِ الشّمسُ وهْيَ ضَعيفَةٌ
تُطالِعُهُ من بَينِ رِيش القَشاعِمِ
إذا ضَوْؤُها لاقَى منَ الطّيرِ فُرْجَةً
تَدَوّرَ فَوْقَ البَيضِ مثلَ الدراهِمِ
ويَخْفى عَلَيكَ الرّعدُ والبرْقُ فوْقَهُ
منَ اللّمعِ في حافاتِهِ والهَماهِمِ
أرَى دونَ ما بَينَ الفُراتِ وبَرْقَةٍ
ضِراباً يُمِشّي الخَيلَ فوْقَ الجماجمِ
وطَعنَ غَطارِيفٍ كأنّ أكُفّهُمْ
عَرَفنَ الرُّدَيْنِيّاتِ قبلَ المَعاصِمِ
حَمَتْهُ على الأعداءِ من كلّ جانبٍ(47/405)
سُيوفُ بني طُغجَ بن جُفّ القَماقِمِ
هُمُ المُحسنونَ الكرَّ في حومةِ الوَغى
وأحْسَنُ منهُ كَرُّهُمْ في المَكارِمِ
وهم يحسنُونَ العَفْوَ عن كلّ مُذنبٍ
ويحتَمِلونَ الغُرْمَ عن كلّ غارِمِ
حَيِيّونَ إلاّ أنّهُمْ في نِزالِهِمْ
أقَلُّ حَيَاءً مِنْ شِفارِ الصّوارِمِ
ولَوْلا احتِقارُ الأُسدِ شَبّهتُهمْ بها
ولكِنّها مَعدودَةٌ في البَهائِمِ
سرَى النّوْمُ عني في سُرايَ إلى الذي
صَنائِعُهُ تَسرِي إلى كلّ نائِمِ
إلى مُطلِقِ الأسرَى ومُختَرِمِ العِدى
ومُشكي ذوي الشّكوَى ورَغمِ المُراغمِ
كريمٌ لَفَظتُ النّاسَ لمّا بَلَغْتُهُ
كأنّهُمُ ما جَفّ مِنْ زادِ قادِمِ
وكادَ سروري لا يَفي بنَدامَتي
على تَرْكِهِ في عُمْرِيَ المُتَقَادِمِ
وفارَقْتُ شرّ الأرْضِ أهْلاً وتُرْبَةً
بها عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غيرُ هاشِمِ
بَلا الله حُسّادَ الأميرِ بحِلْمِهِ
وأجْلَسَهُ مِنهُمْ مكانَ العَمائِمِ
فإنّ لهمْ في سُرْعَةِ المَوْتِ راحَةً
وإنّ لهُمْ في العَيشِ حَزَّ الغَلاصِمِ
كأنّكَ ما جاوَدْتَ مَن بانَ جودُهُ
عَلَيكَ ولا قاوَمْتَ مَنْ لم تُقاوِمِ
العصر العباسي >> المتنبي >> حييت من قسم وأفدي مقسما
حييت من قسم وأفدي مقسما
رقم القصيدة : 5672
-----------------------------------
حُيّيتَ مِنْ قَسَمٍ وأفْدي مُقْسِمَا
أمْسَى الأنَامُ لَهُ مُجِلاًّ مُعْظِمَا
وإذا طَلَبْتُ رِضَى الأميرِ بشُرْبِهَا
وأخَذْتُها فلَقَدْ تَرَكتُ الأحرَمَا
العصر العباسي >> المتنبي >> غير مستنكر لك الإقدام
غير مستنكر لك الإقدام
رقم القصيدة : 5673
-----------------------------------
غَيرُ مُسْتَنكَرٍ لَكَ الإقدامُ
فَلِمَنْ ذا الحَديثُ والإعْلامُ
قد عَلِمنا من قَبلُ أنّكَ مَن لا
يَمْنَعُ اللّيلُ هَمَّهُ والغَمامُ
العصر العباسي >> المتنبي >> إذا غامرت في شرف مروم
إذا غامرت في شرف مروم
رقم القصيدة : 5674
-----------------------------------(47/406)
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ
فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ
كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
ستَبكي شَجوهَا فَرَسي ومُهري
صَفائحُ دَمْعُها ماءُ الجُسُومِ
قُرِينَ النّارَ ثمّ نَشَأنَ فيهَا
كمَا نَشأ العَذارَى في النّعيمِ
وفارَقْنَ الصّياقِلَ مُخْلَصاتٍ
وأيْديهَا كَثيراتُ الكُلُومِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ
وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكلّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغني
ولا مِثلَ الشّجاعَةِ في الحَكيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً
وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ
على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ
العصر العباسي >> المتنبي >> لهوى النفوس سريرة لا تعلم
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
رقم القصيدة : 5675
-----------------------------------
لهَوَى النّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ
عَرَضاً نَظَرْتُ وَخِلْتُ أني أسْلَمُ
يا أُختَ مُعْتَنِقِ الفَوَارِسِ في الوَغى
لأخوكِ ثَمّ أرَقُّ منكِ وَأرْحَمُ
رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَياضِ بمَفْرِقي
وَلَوَ انّهَا الأولى لَرَاعَ الأسْحَمُ
لَوْ كانَ يُمكِنُني سفَرْتُ عن الصّبى
فالشّيبُ مِنْ قَبلِ الأوَانِ تَلَثُّمُ
وَلَقَدْ رَأيتُ الحادِثاتِ فَلا أرَى
يَقَقاً يُمِيتُ وَلا سَوَاداً يَعصِمُ
وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسيمَ نَحَافَةً
وَيُشيبُ نَاصِيَةَ الصّبيّ وَيُهرِمُ
ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ
وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ
وَالنّاسُ قَد نَبَذوا الحِفاظَ فمُطلَقٌ
يَنسَى الذي يُولى وَعَافٍ يَنْدَمُ
لا يَخْدَعَنّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ
وَارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ
لا يَسلَمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى
حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ
يُؤذي القَليلُ مِنَ اللّئَامِ بطَبْعِهِ
مَنْ لا يَقِلّ كَمَا يَقِلّ وَيَلْؤمُ
وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ(47/407)
ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ
وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي
عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ
وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرّ كَأنّهَا
مَطْرُوفَةٌ أوْ فُتّ فيها حِصرِمُ
وَإذا أشَارَ مُحَدّثاً فَكَأنّهُ
قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ
يَقْلَى مُفَارَقَةَ الأكُفّ قَذالُهُ
حتى يَكَادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمّمُ
وَتَراهُ أصغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقاً،
وَيكونُ أكذَبَ ما يكونُ وَيُقْسِمُ
وَالذّلّ يُظْهِرُ في الذّليلِ مَوَدّةً
وَأوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدّ الأرْقَمُ
وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفْعُهُ
وَمِنَ الصّداقَةِ ما يَضُرّ وَيُؤلِمُ
أرْسَلْتَ تَسألُني المَديحَ سَفَاهَةً
صَفْرَاءُ أضْيَقُ منكَ ماذا أزْعَمُ
فلَشَدّ ما جاوَزْتَ قَدرَكَ صَاعِداً
وَلَشَدّ ما قَرُبَتْ عَلَيكَ الأنجُمُ
وَأرَغْتَ ما لأبي العَشَائِرِ خالِصاً
إنّ الثّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ
وَلمَنْ أقَمْتَ على الهَوَانِ بِبَابِهِ
تَدْنُو فيُوجأُ أخْدَعاكَ وَتُنْهَمُ
وَلمَنْ يُهِينُ المَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ
وَلمَنْ يَجُرّ الجَيشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ
وَلمَنْ إذا التَقَتِ الكُماةُ بمَأزِقٍ
فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَميُّ المُعْلِمُ
وَلَرُبّمَا أطَرَ القَنَاةَ بفَارِسٍ،
وَثَنى فَقَوّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ
وَالوَجْهُ أزْهَرُ وَالفُؤادُ مُشَيَّعٌ
وَالرّمْحُ أسمَرُ وَالحُسامُ مُصَمِّمُ
أفْعَالُ مَن تَلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ
وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الأعَاجِمُ أعجمُ
العصر العباسي >> المتنبي >> روينا يا ابن عسكر الهماما
روينا يا ابن عسكر الهماما
رقم القصيدة : 5676
-----------------------------------
رَوِينَا يا ابنَ عَسْكَرٍ الهُمَامَا
ولم يَتْرُكْ نَداكَ لَنَا هُيَامَا
وصارَ أحَبُّ ما تُهْدي إلَينَا
لغَيرِ قِلًى وَداعَكَ والسّلامَا
ولم نَمْلَلْ تَفَقُّدَكَ المَوالي
ولم نَذْمُمْ أياديكَ الجِسامَا(47/408)
ولَكِنّ الغُيُوثَ إذا تَوالَتْ
بأرْضِ مُسافِرٍ كَرِهَ الغَمامَا
العصر العباسي >> المتنبي >> أعن إذني تمر الريح رهوا
أعن إذني تمر الريح رهوا
رقم القصيدة : 5677
-----------------------------------
أعَنْ إذني تَمُرّ الرّيحُ رَهْواً
ويَسري كُلّما شِئتُ الغَمامُ
ولَكِنّ الغَمَامَ لَهُ طِباعٌ
تَبَجُّسُهُ بها وَكَذا الكِرامُ
العصر العباسي >> المتنبي >> فراق ومن فارقت غير مذمم
فراق ومن فارقت غير مذمم
رقم القصيدة : 5678
-----------------------------------
فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ
وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ
إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً
منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ
عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ
بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ
عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى
هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ
وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ
وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ
أُصَادِقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِهِ
وَأعْرِفُهَا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ
وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّهُ
متى أجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ
وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عابِسٍ
جَزَيْتُ بجُودِ التّارِكِ المُتَبَسِّمِ
وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيذَعٍ
نَجيبٍ كصَدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ
خطتْ تحتَهُ العيسُ الفلاةَ وَخالَطَتْ
بهِ الخَيلُ كَبّاتِ الخميسِ العرَمرَمِ
وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ(47/409)
وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ
وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميلِ بفاعِلٍ
وَلا كُلّ فَعّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ
فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَا
سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ
أغَرَّ بمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ
إلى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ
إذا مَنَعَتْ منكَ السّياسةُ نَفْسَها
فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَهُ تَتَعَلّمِ
يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُرَى
ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليلَ التّكَرّمِ
وَمَن مثلُ كافورٍ إذا الخيلُ أحجَمَتْ
وَكانَ قَليلاً مَنْ يَقُولُ لها اقدِمِي
شَديدُ ثَباتِ الطِّرْفِ والنقعُ وَاصِلٌ
إلى لهَوَاتِ الفَارِسِ المُتَلَثِّمِ
أبا المسكِ أرْجو منك نصراً على العِدى
وآمُلُ عِزّاً يخضِبُ البِيضَ بالدّمِ
وَيَوْماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحَالَةً
أُقيمُ الشّقَا فِيها مَقامَ التّنَعّمِ
وَلم أرْجُ إلاّ أهْلَ ذاكَ وَمَنْ يُرِدْ
مَوَاطِرَ من غَيرِ السّحائِبِ يَظلِمِ
فَلَوْ لم تكنْ في مصرَ ما سرْتُ نحوَها
بقَلْبِ المَشُوقِ المُستَهامِ المُتَيَّمِ
وَلا نَبَحَتْ خَيلي كِلابُ قَبَائِلٍ
كأنّ بها في اللّيلِ حَمْلاتِ دَيْلَمِ
وَلا اتّبَعَتْ آثَارَنَا عَينُ قَائِفٍ
فَلَمْ تَرَ إلاّ حافِراً فَوْقَ مَنْسِمِ
وَسَمْنَا بها البَيْدَاءَ حتى تَغَمّرَتْ
من النّيلِ وَاستَذرَتْ بظلّ المُقَطَّمِ
وَأبْلَجَ يَعصِي باختِصاصي مُشِيرَهُ
عَصَيْتُ بقَصْدِيهِ مُشيرِي وَلُوَّمي
فَسَاقَ إليّ العُرْفَ غَيرَ مُكَدَّرٍ
وَسُقْتُ إلَيْهِ الشكرَ غيرَ مُجَمجَمِ
قدِ اخترْتُكَ الأملاكَ فاخترْ لهمْ بنا
حَديثاً وَقد حكّمتُ رَأيَكَ فاحكُمِ
فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ
وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِمِ
وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّةً
وَأكثرَ إقداماً على كلّ مُعْظَمِ
لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بها
سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَساءَةَ مُجرِمِ(47/410)
وَقَدْ وَصَلَ المُهْرُ الذي فوْقَ فَخْذِهِ
منِ اسمِكَ ما في كلّ عنقٍ وَمِعصَمِ
لكَ الحَيَوَانُ الرّاكبُ الخَيلَ كلُّهُ
وَإنْ كانَ بالنّيرانِ غيرَ موَسَّمِ
وَلَوْ كنتُ أدرِي كم حَياتي قَسَمتُها
وَصَيّرْتُ ثُلثَيها انتِظارَكَ فاعْلَمِ
وَلَكِنّ ما يَمضِي منَ الدّهرِ فائِتٌ
فَجُدْ لي بخَطّ البادِرِ المُتَغَنِّمِ
رَضِيتُ بمَا تَرْضَى بهِ لي مَحَبّةً
وَقُدْتُ إلَيكَ النّفسَ قَوْدَ المُسَلِّمِ
وَمِثْلُكَ مَن كانَ الوَسيطَ فُؤادُهُ
فَكَلّمَهُ عَنّي وَلَمْ أتَكَلّمِ
العصر العباسي >> المتنبي >> ملومكما يجل عن الملام
ملومكما يجل عن الملام
رقم القصيدة : 5679
-----------------------------------
مَلُومُكُمَا يَجِلُّ عَنِ المَلامِ
وَوَقْعُ فَعَالِهِ فَوْقَ الكَلامِ
ذَرَاني وَالفَلاةَ بِلا دَليلٍ
......وَوَجْهي وَالهَجِيرَ بِلا لِثَامِ
فإنّي أسْتَرِيحُ بذي وَهَذا
وَأتْعَبُ بالإنَاخَةِ وَالمُقَامِ
عُيُونُ رَوَاحِلي إنْ حِرْتُ عَيني
وَكُلُّ بُغَامِ رَازِحَةٍ بُغامي
فَقَدْ أرِدُ المِيَاهَ بِغَيرِ هَادٍ
سِوَى عَدّي لهَا بَرْقَ الغَمَامِ
يُذِمّ لِمُهْجَتي رَبّي وَسَيْفي
إذا احْتَاجَ الوَحيدُ إلى الذّمَامِ
وَلا أُمْسِي لأهْلِ البُخْلِ ضَيْفاً
وَلَيسَ قِرًى سوَى مُخّ النّعامِ
وَلمّا صَارَ وُدّ النّاسِ خِبّاً
جَزَيْتُ على ابْتِسامٍ بابْتِسَامِ
وَصِرْتُ أشُكُّ فيمَنْ أصْطَفيهِ
(لعِلْمي أنّهُ بَعْضُ الأنَامِ
يُحِبّ العَاقِلُونَ على التّصَافي
وَحُبّ الجَاهِلِينَ على الوَسَامِ
وَآنَفُ مِنْ أخي لأبي وَأُمّي
إذا مَا لم أجِدْهُ مِنَ الكِرامِ
أرَى الأجْدادَ تَغْلِبُهَا كَثِيراً
على الأوْلادِ أخْلاقُ اللّئَامِ
وَلَسْتُ بقانِعٍ مِن كلّ فَضْلٍ
بأنْ أُعْزَى إلى جَدٍّ هُمَامِ
عَجِبْتُ لمَنْ لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
وَيَنْبُو نَبْوَةَ القَضِمِ الكَهَامِ
وَمَنْ يَجِدُ الطّرِيقَ إلى المَعَالي(47/411)
فَلا يَذَرُ المَطيَّ بِلا سَنَامِ
وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً
كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ
أقَمْتُ بأرْضِ مِصرَ فَلا وَرَائي
تَخُبُّ بيَ الرّكابُ وَلا أمَامي
وَمَلّنيَ الفِرَاشُ وَكانَ جَنبي
يَمَلُّ لِقَاءَهُ في كُلّ عامِ
قَليلٌ عَائِدي سَقِمٌ فُؤادي
كَثِيرٌ حَاسِدي صَعْبٌ مَرَامي
عَليلُ الجِسْمِ مُمْتَنِعُ القِيَامِ
شَديدُ السُّكْرِ مِنْ غَيرِ المُدامِ
وَزَائِرَتي كَأنّ بهَا حَيَاءً
فَلَيسَ تَزُورُ إلاّ في الظّلامِ
بَذَلْتُ لهَا المَطَارِفَ وَالحَشَايَا
فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ في عِظامي
يَضِيقُ الجِلْدُ عَنْ نَفَسي وَعَنها
فَتُوسِعُهُ بِأنْوَاعِ السّقَامِ
كأنّ الصّبْحَ يَطرُدُها فتَجرِي
مَدامِعُهَا بأرْبَعَةٍ سِجَامِ
أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيرِ شَوْقٍ
...مُرَاقَبَةَ المَشُوقِ المُسْتَهَامِ
وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصّدْقُ شرٌّ
إذا ألْقَاكَ في الكُرَبِ العِظامِ
أبِنْتَ الدّهْرِ عِندي كُلُّ بِنْتٍ
فكَيفَ وَصَلْتِ أنتِ منَ الزّحامِ
جَرَحْتِ مُجَرَّحاً لم يَبقَ فيهِ
مَكانٌ للسّيُوفِ وَلا السّهَامِ
ألا يا لَيتَ شِعرَ يَدي أتُمْسِي
تَصَرَّفُ في عِنَانٍ أوْ زِمَامِ
وَهَلْ أرْمي هَوَايَ بِرَاقِصَاتٍ
مُحَلاّةِ المَقَاوِدِ باللُّغَامِ
فَرُبَّتمَا شَفَيْتُ غَليلَ صَدْرِي
بسَيرٍ أوْ قَنَاةٍ أوْ حُسَامِ
وَضَاقَت خُطّةٌ فَخَلَصْتُ مِنها
خَلاصَ الخَمرِ من نَسجِ الفِدامِ
وَفَارقْتُ الحَبيبَ بِلا وَداعٍ
وَوَدّعْتُ البِلادَ بِلا سَلامِ
يَقُولُ ليَ الطّبيبُ أكَلْتَ شَيئاً
وَداؤكَ في شَرَابِكَ وَالطّعامِ
وَمَا في طِبّهِ أنّي جَوَادٌ
أضَرَّ بجِسْمِهِ طُولُ الجَمَامِ
تَعَوّدَ أنْ يُغَبِّرَ في السّرَايَا
وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ في قَتَامِ
فأُمْسِكَ لا يُطالُ لَهُ فيَرْعَى
وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللّجَامِ
فإنْ أمرَضْ فما مرِضَ اصْطِباري
وَإنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعتزَامي(47/412)
وَإنْ أسْلَمْ فَمَا أبْقَى وَلَكِنْ
سَلِمْتُ مِنَ الحِمامِ إلى الحِمامِ
تَمَتّعْ مِنْ سُهَادٍ أوْ رُقَادٍ
وَلا تَأمُلْ كرًى تحتَ الرِّجَامِ
فإنّ لِثَالِثِ الحَالَينِ مَعْنًى
سِوَى مَعنَى انتِباهِكَ وَالمَنَامِ
العصر العباسي >> المتنبي >> من أية الطرق يأتي مثلك الكرم
من أية الطرق يأتي مثلك الكرم
رقم القصيدة : 5680
-----------------------------------
من أيّةِ الطُّرْقِ يأتي مثلَكَ الكَرَمُ
أينَ المَحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ
جازَ الأُلى مَلكَتْ كَفّاكَ قَدْرَهُمُ
فعُرّفُوا بكَ أنّ الكَلْبَ فوْقَهُمُ
ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ
وَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم
يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ
ألا فَتًى يُورِدُ الهِنْدِيَّ هَامَتَهُ
كَيما تزولَ شكوكُ النّاسِ وَالتُّهمُ
فإنّهُ حُجّةٌ يُؤذي القُلُوبَ بهَا
مَنْ دينُهُ الدّهرُ وَالتّعطيلُ وَالقِدمُ
ما أقدَرَ الله أنْ يُخْزِي خَليقَتَهُ
وَلا يُصَدِّقَ قَوْماً في الذي زَعَمُوا
العصر العباسي >> المتنبي >> أما في هذه الدنيا كريم
أما في هذه الدنيا كريم
رقم القصيدة : 5681
-----------------------------------
أمَا في هَذِهِ الدّنْيَا كَرِيمُ
تَزُولُ بِهِ عنِ القَلبِ الهُمومُ
أمَا في هَذِهِ الدّنْيَا مَكَانٌ
يُسَرّ بأهْلِهِ الجارُ المُقيمُ
تَشَابَهَتِ البَهَائِمُ وَالعِبِدّى
عَلَيْنَا وَالمَوَالي وَالصّميمُ
وَمَا أدري إذَا داءٌ حَديثٌ
أصَابَ النّاسَ أمْ داءٌ قَديمُ
حَصَلتُ بأرْضِ مِصرَ على عَبيدٍ
كَأنّ الحُرّ بَينَهُمُ يَتيمُ
كَأنّ الأسْوَدَ اللابيّ فيهِمْ
غُرَابٌ حَوْلَهُ رَخَمٌ وَبُومُ
أخَذْتُ بمَدْحِهِ فَرَأيْتُ لَهْواً
مَقَالي لِلأُحَيْمِقِ يا حَليمُ
وَلمّا أنْ هَجَوْتُ رَأيْتُ عِيّاً
مَقَاليَ لابنِ آوَى يا لَئِيمُ
فَهَلْ مِنْ عاذِرٍ في ذا وَفي ذا(47/413)
فَمَدْفُوعٌ إلى السّقَمِ السّقيمُ
إذا أتَتِ الإسَاءَةُ مِنْ وَضِيعٍ
وَلم ألُمِ المُسِيءَ فَمَنْ ألُومُ
العصر العباسي >> المتنبي >> يذكرني فاتكا حلمه
يذكرني فاتكا حلمه
رقم القصيدة : 5682
-----------------------------------
يُذكّرُني فاتِكاً حِلْمُهُ
وَشَيْءٌ مِنَ النّدّ فيهِ اسمُهُ
وَلَسْتُ بِنَاسٍ وَلَكِنّني
يُجَدّدُ لي رِيحَهُ شَمُّهُ
وَأيَّ فَتىً سَلَبَتْني المَنُو
نُ لم تَدْرِ ما وَلَدَتْ أُمُّهُ
وَلا مَا تَضُمّ إلى صَدْرِهَا
وَلَوْ عَلِمَتْ هالَهَا ضَمُّهُ
بمِصْرَ مُلُوكٌ لَهُمْ مَالُهُ
وَلَكِنّهُمْ مَا لَهُمْ هَمُّهُ
فأجْوَدُ منْ جُودِهِمْ بُخلُهُ
وَأحْمَدُ مِنْ حَمْدِهِمْ ذَمُّهُ
وَأشرَفُ مِنْ عَيْشِهِمْ مَوْتُهُ
وَأنْفَعُ مِنْ وَجْدِهِمْ عُدْمُهُ
وَإنّ مَنِيّتَهُ عِنْدَهُ
لَكالخَمْرِ سُقّيَهُ كَرْمُهُ
فذاكَ الذي عَبَّهُ مَاؤهُ
وَذاكَ الذي ذاقَهُ طَعْمُهُ
وَمَن ضاقَتِ الأرْضُ عَنْ نَفسه
حَرًى أن يَضِيقَ بها جِسمُهُ
العصر العباسي >> المتنبي >> حتام نحن نساري النجم في الظلم
حتام نحن نساري النجم في الظلم
رقم القصيدة : 5683
-----------------------------------
حَتّامَ نحنُ نُساري النّجمَ في الظُّلَمِ
ومَا سُرَاهُ على خُفٍّ وَلا قَدَمِ
وَلا يُحِسّ بأجْفانٍ يُحِسّ بهَا
فقْدَ الرّقادِ غَريبٌ باتَ لم يَنَمِ
تُسَوِّدُ الشّمسُ منّا بيضَ أوْجُهِنَا
ولا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذرِ وَاللِّمَمِ
وَكانَ حالهُمَا في الحُكْمِ وَاحِدَةً
لوِ احتَكَمْنَا منَ الدّنْيا إلى حكَمِ
وَنَترُكُ المَاءَ لا يَنْفَكّ من سَفَرٍ
ما سارَ في الغَيمِ منهُ سارَ في الأدَمِ
لا أُبْغِضُ العِيسَ لكِني وَقَيْتُ بهَا
قلبي من الحزْنِ أوْ جسمي من السّقمِ
طَرَدتُ من مصرَ أيديهَا بأرْجُلِهَا
حتى مَرَقْنَ بهَا من جَوْشَ وَالعَلَمِ
تَبرِي لَهُنّ نَعَامُ الدّوّ مُسْرَجَةً
تعارِضُ الجُدُلَ المُرْخاةَ باللُّجُمِ(47/414)
في غِلْمَةٍ أخطَرُوا أرْوَاحَهُم وَرَضُوا
بمَا لَقِينَ رِضَى الأيسارِ بالزَّلَمِ
تَبدو لَنَا كُلّمَا ألْقَوْا عَمَائِمَهمْ
عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُوداً بلا لُثُمِ
بِيضُ العَوَارِضِ طَعّانُونَ من لحقوا
مِنَ الفَوَارِسِ شَلاّلُونَ للنَّعَمِ
قد بَلَغُوا بقَنَاهُمْ فَوْقَ طاقَتِهِ
وَلَيسَ يَبلُغُ ما فيهِمْ منَ الهِمَمِ
في الجاهِلِيّةِ إلاّ أنّ أنْفُسَهُمْ
من طيبِهِنّ به في الأشْهُرِ الحُرُمِ
نَاشُوا الرّماحَ وَكانتْ غيرَ ناطِقَةٍ
فَعَلّمُوها صِياحَ الطّيرِ في البُهَمِ
تَخدي الرّكابُ بنَا بِيضاً مَشافِرُهَا
خُضراً فَرَاسِنُهَا في الرُّغلِ وَاليَنمِ
مَكْعُومَةً بسِياطِ القَوْمِ نَضْرِبُها
عن منبِتِ العشبِ نبغي منبتَ الكرَمِ
وَأينَ مَنْبِتُهُ مِنْ بَعدِ مَنْبِتِهِ
أبي شُجاعٍ قريعِ العُرْبِ وَالعَجَمِ
لا فَاتِكٌ آخَرٌ في مِصرَ نَقْصِدُهُ
وَلا لَهُ خَلَفٌ في النّاسِ كُلّهِمِ
مَنْ لا تُشابِهُهَ الأحيْاءُ في شِيَمٍ
أمسَى تُشابِهُهُ الأمواتُ في الرِّمَمِ
عَدِمْتُهُ وَكَأنّي سِرْتُ أطْلُبُهُ
فَمَا تَزِيدُني الدّنيا على العَدَمِ
ما زِلْتُ أُضْحِكُ إبْلي كُلّمَا نظرَتْ
إلى مَنِ اختَضَبَتْ أخفافُها بدَمِ
أُسيرُهَا بَينَ أصْنامٍ أُشَاهِدُهَا
وَلا أُشَاهِدُ فيها عِفّةَ الصّنَمِ
حتى رَجَعْتُ وَأقْلامي قَوَائِلُ لي
ألمَجْدُ للسّيفِ لَيسَ المَجدُ للقَلَمِ
أُكْتُبْ بِنَا أبَداً بَعدَ الكِتابِ بِهِ
فإنّمَا نحنُ للأسْيَافِ كالخَدَمِ
أسْمَعْتِني وَدَوَائي ما أشَرْتِ بِهِ
فإنْ غَفَلْتُ فَدائي قِلّةُ الفَهَمِ
مَنِ اقتَضَى بسِوَى الهِنديّ حاجَتَهُ
أجابَ كلَّ سُؤالٍ عَن هَلٍ بلَمِ
تَوَهّمَ القَوْمُ أنّ العَجزَ قَرّبَنَا
وَفي التّقَرّبِ ما يَدْعُو إلى التُّهَمِ
وَلمْ تَزَلْ قِلّةُ الإنصَافِ قاطِعَةً
بَين الرّجالِ وَلَوْ كانوا ذوي رَحِمِ
فَلا زِيارَةَ إلاّ أنْ تَزُورَهُمُ(47/415)
أيدٍ نَشَأنَ مَعَ المَصْقُولَةِ الخُذُمِ
من كُلّ قاضِيَةٍ بالمَوْتِ شَفْرَتُهُ
مَا بَينَ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ وَمُنْتَقِمِ
صُنّا قَوَائِمَهَا عَنهُمْ فَما وَقَعَتْ
مَوَاقِعَ اللّؤمِ في الأيْدي وَلا الكَزَمِ
هَوّنْ عَلى بَصَرٍ ما شَقّ مَنظَرُهُ
فإنّمَا يَقَظَاتُ العَينِ كالحُلُمِ
وَلا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ
شكوَى الجريحِ إلى الغِرْبانِ وَالرَّخَمِ
وَكُنْ عَلى حَذَرٍ للنّاسِ تَسْتُرُهُ
وَلا يَغُرَّكَ مِنهُمْ ثَغْرُ مُبتَسِمِ
غَاضَ الوَفَاءُ فَما تَلقاهُ في عِدَةٍ
وَأعوَزَ الصّدْقُ في الإخْبارِ وَالقَسَمِ
سُبحانَ خالِقِ نَفسي كيفَ لذّتُها
فيما النّفُوسُ تَراهُ غايَةَ الألَمِ
ألدّهْرُ يَعْجَبُ من حَمْلي نَوَائِبَهُ
وَصَبرِ نَفْسِي على أحْداثِهِ الحُطُمِ
وَقْتٌ يَضيعُ وَعُمرٌ لَيتَ مُدّتَهُ
في غَيرِ أُمّتِهِ مِنْ سالِفِ الأُمَمِ
أتَى الزّمَانَ بَنُوهُ في شَبيبَتِهِ
فَسَرّهُمْ وَأتَينَاهُ عَلى الهَرَمِ
العصر العباسي >> المتنبي >> قد صدق الورد في الذي زعما
قد صدق الورد في الذي زعما
رقم القصيدة : 5684
-----------------------------------
قَد صَدَقَ الوَرْدُ في الذي زَعَمَا
أنّكَ صَيّرْتَ نَثْرَهُ دِيَمَا
كأنّمَا مائِجُ الهَوَاءِ بِهِ
بَحْرٌ حَوَى مِثلَ مائِهِ عَنَمَا
نَاثِرُهُ النّاثِرُ السّيُوفَ دَمَا
وَكُلَّ قَوْلٍ يَقُولُهُ حِكَمَا
وَالخَيْلَ قَد فَصّلَ الضّياعَ بهَا
وَالنِّعَمَ السّابِغاتِ وَالنِّقَمَا
فَلْيُرِنَا الوَرْدُ إنْ شَكَا يَدَهُ
أحسَنَ منهُ من جُودِها سَلِمَا
فَقُلْ لهُ لَستَ خَيرَ ما نَثَرَتْ
وَإنّمَا عَوّذَتْ بكَ الكَرَمَا
خَوْفاً منَ العَينِ أنْ يُصَابَ بهَا
أصَابَ عَيْناً بها يُصَابُ عَمَى
العصر العباسي >> المتنبي >> نزور ديارا ما نحب لها مغنى
نزور ديارا ما نحب لها مغنى
رقم القصيدة : 5685
-----------------------------------(47/416)
نَزُورُ دِياراً ما نُحِبّ لهَا مَغْنى
وَنَسْألُ فيها غَيرَ ساكِنِهَا الإذْنَا
نَقُودُ إلَيْهَا الآخِذاتِ لَنَا المَدَى
عَلَيْهَا الكُماةُ المُحْسِنونَ بها ظَنّا
وَنُصْفي الذي يُكنى أبا الحسنِ الهَوَى
وَنُرْضِي الذي يُسمى الإل?هَ وَلا يُكنى
وَقَدْ عَلِمَ الرّومُ الشّقِيّونَ أنّنَا
إذا ما تَرَكْنا أرْضَهُمْ خلفَنا عُدْنَا
وَأنّا إذا ما المَوْتُ صَرّحَ في الوَغَى
لبِسنا إلى حاجاتِنا الضّرْبَ والطّعْنَا
قَصَدْنَا لَهُ قَصْدَ الحَبيبِ لِقاؤهُ
إلَيْنَا وَقُلْنَا للسّيُوفِ هَلُمّنَّا
وَخَيْلٍ حَشَوْنَاهَا الأسِنّةَ بَعدَمَا
تكَدّسنَ من هَنّا عَلَيْنَا وَمن هَنّا
ضُرِبنَ إلَيْنَا بالسّياطِ جَهَالَةً
فَلَمّا تَعَارَفْنَا ضُرِبنَ بهَا عَنّا
تَعَدَّ القُرَى وَالْمُسْ بنا الجيشَ لمسةً
نُبَارِ إلى ما تَشتَهي يَدَكَ اليُمْنى
فَقَدْ بَرَدَتْ فَوْقَ اللُّقَانِ دِماؤهمْ
وَنحنُ أُنَاسٌ نُتْبِعُ البارِدَ السُّخنَا
وَإنْ كنتَ سَيفَ الدوْلَةِ العَضْبَ فيهمِ
فدَعنا نكنْ قبل الضّرابِ القنا اللُّدنَا
فنَحنُ الأُلى لا نَأتَلي لكَ نُصرَةً
وَأنْتَ الذي لَوْ أنّهُ وَحْدَهُ أغنى
يَقيكَ الرّدَى مَن يَبْتَغي عندك العُلى
وَمَن قال لا أرْضَى من العيش بالأدنَى
فلَوْلاكَ لم تَجرِ الدّماءُ وَلا اللُّهَى
وَلم يَكُ للدّنْيا وَلا أهلِها مَعْنى
وَمَا الخَوْفُ إلاّ مَا تَخَوّفَهُ الفَتى
وَمَا الأمْنُ إلاّ ما رآهُ الفَتى أمْنَا
العصر العباسي >> المتنبي >> ثياب كريم ما يصون حسانها
ثياب كريم ما يصون حسانها
رقم القصيدة : 5686
-----------------------------------
ثيَابُ كَرِيمٍ ما يَصُونُ حِسَانَهَا
إذا نُشِرَتْ كانَ الهِباتُ صِوَانَهَا
تُرِينَا صَنَاعُ الرّومِ فيهَا مُلُوكَهَا
وَتَجْلُو عَلَيْنَا نَفْسَها وَقِيانَهَا
وَلم يَكفِهَا تَصْوِيرُها الخَيْلَ وَحدَها
فَصَوّرَتِ الأشْيَاءَ إلاّ زَمانَهَا(47/417)
وَمَا ادّخَرَتْهَا قُدْرَةً في مُصَوِّرٍ
سِوَى أنّهَا مَا أنْطَقَتْ حَيَوَانَهَا
وَسَمْرَاءُ يَسْتَغْوي الفَوَارِسَ قدُّها
وَيُذْكِرُهَا كَرّاتِهَا وَطِعَانَهَا
رُدَيْنِيّةٌ تَمّتْ وَكادَ نَبَاتُهَا
يُرَكِّبُ فِيهَا زُجَّهَا وَسِنَانَهَا
وَأُمُّ عَتِيقٍ خالُهُ دُونَ عَمّهِ
رَأى خَلْقَهَا مَنْ أعْجَبَتْهُ فعانَهَا
إذا سَايَرَتْهُ بَايَنَتْهُ وَبَانَهَا
وَشانَتْهُ في عَينِ البَصِيرِ وَزانَهَا
فأينَ التي لا تأمَنُ الخَيلُ شَرَّهَا
وَشَرّيَ لا تُعطي سِوايَ أمَانَهَا
وَأينَ التي لا تَرْجعُ الرّمْحَ خائِباً
إذا خَفَضَتْ يُسرَى يَدَيّ عِنانَهَا
وَمَا لي ثَنَاءٌ لا أرَاكَ مَكَانَهُ
فهَلْ لكَ نُعْمَى لا تَراني مكانَهَا
العصر العباسي >> المتنبي >> حجب ذا البحر بحار دونه
حجب ذا البحر بحار دونه
رقم القصيدة : 5687
-----------------------------------
حَجّبَ ذا البَحرَ بحارٌ دونَهُ
يَذُمّهَا النّاسُ وَيَحْمَدونَهُ
يا مَاءُ هَلْ حَسَدْتَنَا مَعِينَه
أمِ اشْتَهيتَ أنْ تُرَى قَرِينَهُ
أمِ انْتَجَعْتَ للغِنى يَمينَهُ
أمْ زُرْتَهُ مُكَثّراً قَطينَهُ
أمْ جِئْتَهُ مُخَنْدِقاً حُصونَهُ
إنّ الجِيادَ وَالقَنَا يَكْفينَهُ
يا رُبّ لُجٍّ جُعِلَتْ سَفينَهُ
وَعازِبِ الرّوْضِ تَوَفّتْ عُونَهُ
وَذي جُنُونٍ أذْهَبَتْ جُنُونَهُ
وَشَرْبِ كأسٍ أكثرَتْ رَنينَهُ
وَأبْدَلَتْ غِنَاءَهُ أنِينَهُ
وَضَيْغَمٍ أوْلَجَهَا عَرِينَهُ
وَمَلِكٍ أوْطَأهَا جَبينَهُ
يَقُودُهَا مُسَهِّداً جُفُونَهُ
مُباشِراً بِنَفْسِهِ شُؤونَهُ
مُشَرِّفاً بطَعْنِهِ طَعينَهُ
بَحْرٌ يكونُ كلُّ بَحْرٍ نُونَهُ
شمسٌ تَمَنّى الشّمسُ أن تكونَهُ
إنْ تَدْعُ يا سَيفُ لتَسْتَعينَهُ
يُجِبْكَ قَبْلَ أنْ تُتِمّ سِينَهُ
أدامَ مِنْ أعدائِهِ تَمكينَهُ
مَنْ صَانَ منهُمْ نَفْسَهُ ودِينَهُ
العصر العباسي >> المتنبي >> الرأي قبل شجاعة الشجعان(47/418)
الرأي قبل شجاعة الشجعان
رقم القصيدة : 5688
-----------------------------------
الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ
هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ
بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ
بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ
أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ
وَلما تَفَاضَلَتِ النّفُوسُ وَدَبّرَتْ
أيدي الكُماةِ عَوَاليَ المُرّانِ
لَوْلا سَميُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ
لمّا سُلِلْنَ لَكُنّ كالأجْفانِ
خاضَ الحِمَامَ بهنّ حتى ما دُرَى?
أمِنِ احتِقارٍ ذاكَ أمْ نِسْيَانِ
وَسَعَى فَقَصّرَ عن مَداهُ في العُلى
أهْلُ الزّمانِ وَأهْلُ كلّ زَمَانِ
تَخِذُوا المَجالِسَ في البُيُوتِ وَعندَه
أنّ السّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهّموا اللعِبَ الوَغى والطعنُ في الـ
ـهَيجاءِ غَيرُ الطّعْنِ في الميدانِ
قادَ الجِيَادَ إلى الطّعانِ وَلم يَقُدْ
إلاّ إلى العاداتِ وَالأوْطانِ
كُلَّ ابنِ سَابقَةٍ يُغيرُ بحُسْنِهِ
في قَلْبِ صاحِبِهِ عَلى الأحزانِ
إنْ خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بآدابِ الوَغَى
فدُعاؤها يُغني عنِ الأرْسانِ
في جَحْفَلٍ سَتَرَ العُيُونَ غبارُهُ
فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذانِ
يَرْمي بهَا البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ
كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَرِيبٌ دانِ
فكأنّ أرْجُلَهَا بتُرْبَةِ مَنْبِجٍ
يَطرَحنَ أيديَها بحِصْنِ الرّانِ
حتى عَبرْنَ بأرْسَنَاسَ سَوَابحاً
يَنْشُرْنَ فيهِ عَمَائِمَ الفُرْسانِ
يَقْمُصْنَ في مثلِ المُدَى من بارِدٍ
يَذَرُ الفُحُولَ وَهنّ كالخصْيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ
تَتَفَرّقانِ بِهِ وَتَلْتَقِيَانِ
رَكَضَ الأميرُ وَكاللُّجَينِ حَبَابُهُ
وَثَنى الأعِنّةَ وَهْوَ كالعِقيانِ
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فوْقَهُ
وَبَنى السّفينَ لَهُ منَ الصّلْبانِ(47/419)
وَحَشاهُ عادِيَةً بغَيرِ قَوَائِمٍ
عُقُمَ البطونِ حَوَالِكَ الألوَانِ
تأتي بما سَبَتِ الخُيُولُ كأنّهَا
تحتَ الحِسانِ مَرَابضُ الغِزْلانِ
بَحْرٌ تَعَوّدَ أنْ يُذِمّ لأهْلِهِ
من دَهْرِهِ وَطَوَارِقِ الحِدْثَانِ
فتَرَكْتَهُ وَإذا أذَمّ مِنَ الوَرَى
رَاعَاكَ وَاستَثنى بَني حَمدانِ
ألمُخْفِرِينَ بكُلّ أبيَضَ صَارِمٍ
ذِممَ الدّرُوعِ على ذوي التّيجانِ
مُتَصَعْلِكينَ على كَثَافَةِ مُلكِهم
مُتَوَاضِعِينَ على عَظيمِ الشّانِ
يَتَقَيّلُونَ ظِلالَ كُلّ مُطَهَّمٍ
أجَلِ الظّليمِ وَرِبْقَةِ السِّرْحانِ
خَضَعتْ لمُنصُلكَ المَناصِلُ عَنوَةً
وَأذَلّ دِينُكَ سَائِرَ الأدْيانِ
وَعلى الدّروبِ وَفي الرّجوعِ غضَاضَةٌ
وَالسّيرُ مُمْتَنِعٌ مِنَ الإمْكانِ
وَالطّرْقُ ضَيّقَةُ المَسَالِكِ بالقَنَا
وَالكُفْرُ مُجتَمعٌ على الإيمَانِ
نَظَرُوا إلى زُبَرِ الحَديدِ كأنّمَا
يَصْعَدْنَ بَينَ مَناكِبِ العِقْبانِ
وَفَوَارِسٍ يُحيي الحِمامُ نُفوسَها
فكأنّهَا لَيستْ مِنَ الحَيَوَانِ
مَا زِلتَ تَضرِبهُم دِرَاكاً في الذُّرَى
ضَرْباً كأنّ السّيفَ فيهِ اثْنانِ
خصّ الجَماجمَ وَالوُجوهَ كأنّمَا
جاءتْ إليكَ جُسُومُهمْ بأمانِ
فرَمَوْا بما يَرْمونَ عَنْهُ وَأدْبَرُوا
يَطَأونَ كُلّ حَنِيّةٍ مِرْنَانِ
يَغشاهُمُ مَطَرُ السّحاب مُفَصَّلاً
بمُهَنّدٍ وَمُثَقَّفٍ وَسِنَانِ
حُرِموا الذي أمَلُوا وَأدرَكَ منهُمُ
آمَالَهُ مَنْ عادَ بالحِرْمانِ
وَإذا الرّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ
شَغَلَتْهُ مُهْجَتُهُ عَنِ الإخْوَانِ
هَيهاتِ عاقَ عنِ العِوادِ قَوَاضِبٌ
كَثُرَ القَتيلُ بها وَقَلّ العَاني
وَمُهَذَّبٌ أمَرَ المَنَايَا فِيهِمِ
فأطَعْنَهُ في طاعَةِ الرّحْمانِ
قد سَوّدتْ شجرَ الجبالِ شُعُورُهم
فكأنّ فيهِ مُسِفّةَ الغِرْبانِ
وَجَرَى على الوَرَقِ النّجيعُ القَاني
فكأنّهُ النّارَنْجُ في الأغصانِ
إنّ السّيُوفَ معَ الذينَ قُلُوبُهُمْ(47/420)
كقُلُوبهنّ إذا التَقَى الجَمعانِ
تَلْقَى الحُسامَ على جَرَاءَةِ حدّهِ
مثلَ الجَبانِ بكَفّ كلّ جَبَانِ
رَفعتْ بكَ العرَبُ العِمادَ وَصَيّرَتْ
قِمَمَ المُلُوكِ مَوَاقِدَ النّيرانِ
أنسابُ فَخرِهِمِ إلَيْكَ وَإنّمَا
أنْسَابُ أصْلِهِمِ إلى عَدْنَانِ
يا مَنْ يُقَتِّلُ مَنْ أرَادَ بسَيْفِهِ
أصْبَحتُ منْ قَتلاكَ بالإحْسانِ
فإذا رَأيتُكَ حارَ دونَكَ نَاظرِي
وَإذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني
العصر العباسي >> المتنبي >> أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني
أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني
رقم القصيدة : 5689
-----------------------------------
أبْلى الهَوَى أسَفاً يَوْمَ النّوَى بَدَني
وَفَرّقَ الهَجْرُ بَيْنَ الجَفنِ وَالوَسَنِ
رُوحٌ تَرَدّدَ في مثلِ الخِلالِ إذا
أطَارَتِ الرّيحُ عنهُ الثّوْبَ لم يَبنِ
كَفَى بجِسْمي نُحُولاً أنّني رَجلٌ
لَوْلا مُخاطَبَتي إيّاكَ لمْ تَرَني
العصر العباسي >> المتنبي >> قضاعة تعلم أني الفتى ال
قضاعة تعلم أني الفتى ال
رقم القصيدة : 5690
-----------------------------------
قُضاعَةُ تَعْلَمُ أنّي الفَتى الّـ
ـذي ادّخَرَتْ لصُروفِ الزّمَانِ
وَمَجْدي يَدُلّ بَني خِنْدِفٍ
عَلى أنّ كُلّ كَريمٍ يَمَانِ
أنَا ابنُ اللّقاءِ أنَا ابنُ السَّخاءِ
أنا ابنُ الضِّرابِ أنا ابنُ الطِّعانِ
أنَا ابنُ الفَيافي أنَا ابنُ القَوافي
أنَا ابنُ السُّروجِ أنَا ابنُ الرِّعانِ
طَويلُ النِّجادِ طَوِيلُ العِمادِ
طَويلُ القَناةِ طَويلُ السِّنانِ
حَديدُ اللّحاظِ حَديدُ الحِفاظِ
حَديدُ الحُسامِ حَديدُ الجَنَانِ
يُسابِقُ سَيْفي مَنَايَا العِبادِ
إلَيْهِمْ كأنّهُمَا في رِهَانِ
يَرَى حَدُّهُ غامِضاتِ القُلُوبِ
إذا كنتُ في هَبْوَةٍ لا أرَاني
سَأجْعَلُهُ حَكَماً في النّفُوسِ
وَلَوْ نَابَ عَنْهُ لِساني كَفاني
وَلَوْ نَابَ عَنْهُ لِساني كَفاني
العصر العباسي >> المتنبي >> كتمت حبك حتى منك تكرمة(47/421)
كتمت حبك حتى منك تكرمة
رقم القصيدة : 5691
-----------------------------------
كَتَمْتُ حُبّكِ حتى منكِ تكرمَةً
ثمّ اسْتَوَى فيهِ إسراري وإعْلاني
كأنّهُ زادَ حتى فَاضَ عَن جَسَدي
فصارَ سُقْمي بهِ في جِسْمِ كِتماني
العصر العباسي >> المتنبي >> إذا ما الكأس أرعشت اليدين
إذا ما الكأس أرعشت اليدين
رقم القصيدة : 5692
-----------------------------------
إذا ما الكأسُ أرْعشَتِ اليَدَينِ
صَحَوْتُ فلم تَحُلْ بَيْني وبَيني
هجَرْتُ الخَمرَ كالذّهبِ المُصَفّى
فخَمري ماءُ مُزْن كاللُّجَينِ
أغارُ مِنَ الزّجاجَةِ وهْيَ تَجري
على شَفَةِ الأميرِ أبي الحُسَينِ
كأنّ بَياضَها والرّاحُ فيها
بَياضٌ مُحْدِقٌ بسَوادِ عَيْنِ
أتَيْناهُ نُطالِبُهُ بِرِفْدٍ
فَطالَبَ نَفْسَهُ منهُ بدَينِ
العصر العباسي >> المتنبي >> الحب ما منع الكلام الألسنا
الحب ما منع الكلام الألسنا
رقم القصيدة : 5693
-----------------------------------
الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الألْسُنَا
وألَذُّ شَكْوَى عاشِقٍ ما أعْلَنَا
ليتَ الحَبيبَ الهاجري هَجْرَ الكَرَى
من غيرِ جُرْمٍ واصِلي صِلَةَ الضّنى
بِتْنَا ولَوْ حَلّيْتَنا لمْ تَدْرِ مَا
ألْوانُنَا ممّا اسْتُفِعْنَ تَلَوُّنَا
وتَوَقّدَتْ أنْفاسُنا حتى لَقَدْ
أشْفَقْتُ تَحْتَرِقُ العَواذِلُ بَينَنَا
أفْدي المُوَدِّعَةَ التي أتْبَعْتُهَا
نَظَراً فُرادَى بَينَ زَفْراتٍ ثُنَا
أنْكَرْتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرّةً
ثُمّ اعْتَرَفتُ بها فصارَتْ دَيْدَنَا
وقَطَعْتُ في الدّنْيا الفَلا ورَكائِبي
فيها وَوَقْتيّ الضّحَى والمَوْهِنَا
فوَقَفْتُ منها حيثُ أوْقَفَني النّدَى
وبَلَغْتُ من بَدْرِ بنِ عَمّارَ المُنى
لأبي الحُسَينِ جَداً يَضيقُ وِعاؤهُ
عَنْهُ ولَوْ كانَ الوِعاءُ الأزْمُنَا
وشَجاعَةٌ أغْناهُ عَنْها ذِكْرُها
ونَهَى الجَبَانَ حَديثُها أن يجُبنَا
نِيطَتْ حَمائِلُهُ بعاتِقِ مِحْرَبٍ(47/422)
ما كَرّ قَطُّ وهَلْ يكُرُّ وما کنْثَنَى
فكأنّهُ والطّعْنُ منْ قُدّامِهِ
مُتَخَوِّفٌ مِنْ خَلفِهِ أنْ يُطْعَنَا
نَفَتِ التّوَهُّمَ عَنْهُ حِدّةُ ذِهْنِهِ
فقَضَى على غَيبِ الأمورِ تَيَقُّنَا
يَتَفَزّعُ الجَبّارُ مِنْ بَغَتاتِهِ
فَيَظَلّ في خَلَواتِهِ مُتَكَفِّنَا
أمْضَى إرادَتَهُ فَسَوْفَ لَهُ قَدٌ
واستَقرَبَ الأقصَى فَثَمّ لهُ هُنَا
يَجِدُ الحَديدَ على بَضاضةِ جِلْدِهِ
ثَوْباً أخَفَّ مِنَ الحَريرِ وألْيَنا
وأمَرُّ مِنْ فَقْدِ الأحِبّةِ عِندَهُ
فَقْدُ السّيُوفِ الفاقِداتِ الأجْفُنَا
لا يَستَكِنّ الرّعبُ بَينَ ضُلُوعِهِ
يَوْماً ولا الإحسانُ أنْ لا يُحْسِنَا
مُسْتَنْبِطٌ من عِلْمِهِ ما في غَدٍ
فكأنّ ما سيَكونُ فيهِ دُوِّنَا
تَتَقاصَرُ الأفهامُ عَنْ إدْراكِهِ
مِثْلَ الذي الأفْلاكُ فيهِ والدُّنَى
مَنْ لَيسَ مِنْ قَتْلاهُ من طُلَقائِهِ
مَنْ لَيسَ ممّنْ دانَ ممّنْ حُيِّنَا
لمّا قَفَلْتَ مِنَ السّواحِلِ نَحْوَنَا
قَفَلَتْ إلَيْها وَحْشَةٌ من عِندِنا
أرِجَ الطّريقُ فَما مَرَرْتَ بمَوْضِعٍ
إلاّ أقامَ بهِ الشّذا مُسْتَوْطِنَا
لَوْ تَعْقِلُ الشّجَرُ التي قابَلْتَها
مَدّتْ مُحَيّيَةً إلَيكَ الأغْصُنَا
سَلَكَتْ تَماثيلَ القِبابِ الجِنُّ من
شَوْقٍ بها فأدَرْنَ فيكَ الأعْيُنَا
طَرِبَتْ مَراكِبُنَا فَخِلْنا أنّها
لَوْلا حَيَاءٌ عاقَها رَقَصَتْ بنا
أقْبَلْتَ تَبْسِمُ والجِيادُ عَوَابِسٌ
يَخْبُبْنَ بالحَلَقِ المُضاعَفِ والقَنَا
عَقَدَتْ سَنابِكُها عَلَيْها عِثْيَراً
لوْ تَبتَغي عَنَقاً عَلَيْهِ لأمْكَنَا
والأمْرُ أمرُكَ والقُلُوبُ خوافِقٌ
في مَوْقِفٍ بَينَ المَنيّةِ والمُنى
فعَجِبْتُ حتى ما عَجبتُ من الظُّبَى
ورأيْتُ حتى ما رأيْتُ منَ السّنى
إنّي أراكَ منَ المَكارِمِ عَسكَراً
في عَسكَرٍ ومنَ المَعالي مَعْدِنَا
فَطَنَ الفُؤادُ لِما أتَيْتُ على النّوَى
ولِمَا تَرَكْتُ مَخافَةً أنْ تَفْطُنَا(47/423)
أضحَى فِراقُكَ لي عَلَيْهِ عُقُوبَةً
لَيسَ الذي قاسَيْتُ منْهُ هَيّنَا
فاغْفِرْ فِدًى لكَ واحبُني مِنْ بعدها
لِتَخُصّني بِعَطِيّةٍ مِنْها أنَا
وَانْهَ المُشيرَ عَلَيكَ فيّ بِضِلّةٍ
فالحُرُّ مُمْتَحَنٌ بأوْلادِ الزّنَى
وإذا الفتى طَرَحَ الكَلامَ مُعَرِّضاً
في مجْلِسٍ أخذَ الكَلامَ اللَّذْ عَنى
ومَكايِدُ السّفَهاءِ واقِعَةٌ بهِمْ
وعَداوَةُ الشّعَراءِ بِئْسَ المُقْتَنى
لُعِنَتْ مُقارَنَةُ اللّئيمِ فإنّهَا
ضَيْفٌ يَجرُّ منَ النّدامةِ ضَيْفَنَا
غَضَبُ الحَسُودِ إذا لَقيتُكَ راضِياً
رُزْءٌ أخَفُّ عليّ مِنْ أنْ يُوزَنَا
أمسَى الذي أمْسَى برَبّكَ كافِراً
مِنْ غَيرِنا مَعَنا بفَضْلِكَ مُؤمِنَا
خَلَتِ البِلادُ منَ الغَزالَةِ لَيْلَها
فأعاضَهاكَ الله كَيْ لا تَحْزَنَا
العصر العباسي >> المتنبي >> يا بدر إنك والحديث شجون
يا بدر إنك والحديث شجون
رقم القصيدة : 5694
-----------------------------------
يا بَدْرُ إنّكَ والحَديثُ شُجُونُ
مَنْ لمْ يَكُنْ لِمثَالِهِ تَكْوِينُ
لَعَظُمْتَ حتى لوْ تَكُونُ أمَانَةً
ما كانَ مُؤتَمَناً بها جِبْرِينُ
بَعْضُ البريّةِ فَوْقَ بَعْضٍ خالِياً
فإذا حضَرْتَ فكُلُّ فَوْقٍ دُونُ
العصر العباسي >> المتنبي >> أفاضل الناس أغراض لدى الزمن
أفاضل الناس أغراض لدى الزمن
رقم القصيدة : 5695
-----------------------------------
أفاضِلُ النّاسِ أغراضٌ لَدى الزّمَنِ
يَخلُو مِنَ الهَمّ أخلاهم من الفِطَنِ
وإنّما نَحْنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ
شَرٍّ على الحُرّ من سُقْمٍ على بدَنِ
حَوْلي بكُلّ مكانٍ مِنهُمُ خِلَقٌ
تُخطي إذا جِئتَ في استِفهامِها بمَنِ
لا أقْتَري بَلَداً إلاّ على غَرَرٍ
ولا أمُرّ بخَلْقٍ غيرِ مُضْطَغِنِ
ولا أُعاشِرُ من أملاكِهِمْ مَلِكاً
إلاّ أحَقَّ بضَرْبِ الرّأسِ من وَثَنِ
إنّي لأعْذِرُهُمْ مِمّا أُعَنّفُهُمْ
حتى أُعَنّفُ نَفْسِي فيهِمِ وأني(47/424)
فَقْرُ الجَهُولِ بِلا قَلْبٍ إلى أدَبٍ
فَقْرُ الحِمارِ بلا رَأسٍ إلى رَسَنِ
ومُدْقِعِينَ بسُبْرُوتٍ صَحِبْتُهُمُ
عارِينَ من حُلَلٍ كاسينَ من دَرَنِ
خُرّابِ بادِيَةٍ غَرْثَى بُطُونُهُمُ
مَكْنُ الضِّبابِ لهمْ زادٌ بلا ثَمَنِ
يَسْتَخْبِرُون فَلا أُعْطيهِمِ خَبَري
وما يَطيشُ لَهُمْ سَهْمٌ منَ الظِّنَنِ
وخَلّةٍ في جَليسٍ ألْتَقيهِ بهَا
كَيما يرَى أنّنا مِثْلانِ في الوَهَنِ
وكِلْمَةٍ في طَريقٍ خِفْتُ أُعْرِبُها
فيُهْتَدَى لي فلَمْ أقدِرْ على اللَّحَنِ
قد هَوّنَ الصّبرُ عِندي كلَّ نازِلَةٍ
ولَيّنَ العَزْمُ حَدَّ المَركَبِ الخشنِ
كم مَخلَصٍ وعُلًى في خوضِ مَهْلَكَةٍ
وقَتْلَةٍ قُرِنَتْ بالذّمّ في الجُبُنِ
لا يُعْجِبَنّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِ
وهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَنِ
لله حَالٌ أُرَجّيها وتُخْلِفُني
وأقْتَضِي كَوْنَها دَهْري ويَمطُلني
مَدَحْتُ قَوْماً وإنْ عِشنا نَظَمتُ لهم
قَصائِداً مِنْ إناثِ الخَيلِ والحُصُنِ
تَحْتَ العَجاجِ قَوافيها مُضَمَّرَةٌ
إذا تُنُوشِدْنَ لم يَدْخُلْنَ في أُذُنِ
فلا أُحارِبُ مَدْفُوعاً إلى جُدُرٍ
ولا أُصالِحُ مَغروراً على دَخَنِ
مُخَيِّمُ الجَمْعِ بالبَيداءِ يَصْهَرُهُ
حَرُّ الهَواجِرِ في صُمٍّ من الفِتَنِ
ألقَى الكِرامُ الأُلى بادوا مكارِمَهُمْ
على الخَصيبيّ عندَ الفَرْضِ والسُّننِ
فَهُنّ في الحَجْرِ منهُ كلّما عرَضَتْ
لَهُ اليَتَامَى بَدا بالمَجْدِ والمِنَنِ
قاضٍ إذا التَبَسَ الأمرانِ عَنّ لَهُ
رأيٌ يُخَلِّصُ بَينَ الماءِ واللّبَنِ
غَضُّ الشّبابِ بَعيدٌ فَجْرُ لَيْلَتِهِ
مُجانِبُ العَينِ للفَحْشاءِ والوَسَنِ
شَرابُهُ النَّشْحُ لا للرّيّ يَطْلُبُهُ
وطُعْمُهُ لِقَوامِ الجِسْمِ لا السِّمَنِ
ألقائِلُ الصّدْقَ فيهِ ما يُضِرّ بهِ
والواحِدُ الحالَتَينِ السّرِّ والعَلَنِ
ألفاصِلُ الحُكْمَ عَيَّ الأوَّلونَ بهِ
والمُظْهِرُ الحَقَّ للسّاهي على الذَّهِنِ(47/425)
أفْعالُهُ نَسَبٌ لَوْ لم يَقُلْ مَعَها
جَدّي الخَصيبُ عرَفنا العِرْقَ بالغُصُنِ
العارِضُ الهَتِنُ ابنُ العارِضِ الهتنِ ابـ
ـنِ العارِضِ الهَتنِ ابنِ العارِضِ الهتنِ
قد صَيّرَتْ أوّلَ الدّنْيا وآخِرَها
آباؤهُ مِنْ مُغارِ العِلْمِ في قَرَنِ
كأنّهُمْ وُلدوا مِنْ قبلِ أنْ وُلِدوا
أو كانَ فَهْمُهُمُ أيّامَ لم يَكُنِ
الخاطِرِينَ على أعْدائِهِمْ أبداً
منَ المَحامِدِ في أوقَى من الجُنَنِ
للنّاظِرِينَ إلى إقْبالِهِ فَرَحٌ
يُزيلُ ما بِجباهِ القَوْمِ مِنْ غَضَنِ
كأنّ مالَ ابنِ عبدِالله مُغْتَرَفٌ
من راحَتَيْهِ بأرْضِ الرّومِ واليَمَنِ
لم نَفْتَقِدْ بكَ من مُزْنٍ سوَى لَثَقٍ
ولا منَ البَحرِ غيرَ الرّيحِ والسُّفُنِ
ولا مِنَ اللّيثِ إلاّ قُبحَ مَنْظَرِهِ
ومِنْ سِواهُ سوَى ما لَيسَ بالحَسَنِ
مُنذُ احْتَبَيْتَ بإنْطاكِيّةَ اعتَدَلَتْ
حتى كأنّ ذَوي الأوْتارِ في هُدَنِ
ومُذْ مَرَرْتَ على أطْوَادِها قُرِعَتْ
منَ السّجودِ فلا نَبْتٌ على القُنَنِ
أخلَتْ مَواهبُكَ الأسواقَ من صَنَعٍ
أغنى نَداكَ عنِ الأعمالِ والمِهَنِ
ذا جُودُ مَن لَيسَ مِنْ دَهرٍ على ثقةٍ
وزُهْدُ مَنْ ليسَ من دُنياهُ في وَطنِ
وهَذِهِ هِمّةٌ لم يُؤتَهَا بَشَرٌ
وذا اقْتِدارُ لِسانٍ لَيسَ في المُنَنِ
فمُرْ وأومىء تُطَعْ قُدّستَ من جبلٍ
تَبارَكَ الله مُجْرِي الرّوحِ في حَضَنِ
العصر العباسي >> المتنبي >> قد علم البين منا البين أجفانا
قد علم البين منا البين أجفانا
رقم القصيدة : 5696
-----------------------------------
قَدْ عَلّمَ البَينُ مِنّا البَينَ أجْفانَا
تَدْمَى وألّفَ في ذا القَلبِ أحزانَا
أمّلْتُ ساعةَ ساروا كَشفَ مِعصَمِها
ليَلْبَثَ الحَيُّ دونَ السّيرِ حَيرانَا
ولوْ بَدَتْ لأتاهَتْهُمْ فَحَجّبَهَا
صَوْنٌ عُقُولَهُمُ من لحظِها صانَا
بالواخِداتِ وحاديها وبي قَمَرٌ
يَظَلُّ من وَخْدِها في الخِدرِ خَشيانَا(47/426)
أمّا الثّيابُ فَتَعْرَى مِنْ مَحاسِنِهِ
إذا نَضاها ويَكسَى الحُسنَ عُرْيانَا
يَضُمّهُ المِسكُ ضَمَّ المُسْتَهامِ بهِ
حتى يَصيرَ على الأعكانِ أعكانَا
قد كنتُ أُشفِقُ من دَمعي على بصري
فاليَوْمَ كلُّ عزيزٍ بَعدَكمْ هَانَا
تُهدي البَوارِقُ أخلافَ المِياهِ لكُمْ
وللمُحِبّ مِنَ التّذكارِ نِيرانَا
إذا قَدِمْتُ على الأهوالِ شَيّعَني
قَلْبٌ إذا شِئْتُ أنْ أسلاكمُ خانَا
أبدو فيَسجُدُ مَنْ بالسّوءِ يذكُرُني
فَلا أُعاتِبُهُ صَفْحاً وإهْوَانَا
وهكَذا كُنتُ في أهْلي وفي وَطَني
إنّ النّفِيسَ غَريبٌ حَيثُمَا كَانَا
مُحَسَّدُ الفَضْلِ مكذوبٌ على أثَري
ألقَى الكَميَّ ويَلقاني إذا حَانَا
لا أشرَئِبّ إلى ما لم يَفُتْ طَمَعاً
ولا أبيتُ على ما فاتَ حَسرَانَا
ولا أُسَرّ بمَا غَيري الحَميدُ بهِ
ولَوْ حَمَلْتَ إليّ الدّهْرَ مَلآنَا
لا يَجْذِبَنّ رِكَابي نَحْوَهُ أحَدٌ
ما دُمتُ حَيّاً وما قَلقَلنَ كِيرانَا
لوِ استَطَعْتُ رَكبتُ النّاسَ كلّهمُ
إلى سَعيدِ بنِ عَبْدِالله بُعْرَانَا
فالعِيسُ أعْقَلُ مِنْ قَوْمٍ رَأيْتُهُمُ
عَمّا يَراهُ منَ الإحسانِ عُمْيانَا
ذاكَ الجَوادُ وإنْ قَلّ الجَوادُ لَهُ
ذاكَ الشّجاعُ وإنْ لم يرْضَ أقرانَا
ذاكَ المُعِدّ الذي تَقْنُو يَداهُ لَنَا
فَلَوْ أُصِيبَ بشيءٍ منهُ عَزّانَا
خَفّ الزّمانُ على أطْرافِ أُنْمُلِهِ
حتى تُوُهِّمنَ للأزْمانِ أزْمانَا
يَلْقَى الوَغَى والقَنَا والنّازِلاتِ بهِ
والسّيفَ والضّيفَ رَحبَ البال جذلانَا
تَخالُهُ من ذكاءِ القَلْبِ مُحْتَمِياً
ومن تَكَرّمِهِ والبِشْرِ نَشْوانَا
وتَسْحَبُ الحِبَرَ القَيْناتُ رافِلَةً
من جُودِهِ وتَجُرّ الخَيلُ أرْسَانَا
يُعْطي المُبَشِّرَ بالقُصّادِ قَبْلَهُمُ
كَمَنْ يُبَشّرُهُ بالمَاءِ عَطْشانَا
جَزَتْ بني الحَسَنِ الحُسنى فإنّهُمُ
في قَوْمِهِمْ مثلُهُمْ في الغُرّ عَدْنانَا
ما شَيّدَ الله مِنْ مَجْدٍ لسالِفِهِمْ(47/427)
إلاّ ونَحْنُ نَراهُ فيهِمِ الآنَا
إنْ كوتبوا أوْ لُقوا أو حورِبوا وُجدوا
في الخَطّ واللّفظِ والهَيجاءِ فُرْسانَا
كأنّ ألسُنَهُمْ في النّطقِ قد جُعلَتْ
على رِماحِهِمِ في الطّعنِ خِرْصانَا
كأنّهُمْ يَرِدونَ المَوْتَ مِنْ ظَمَإٍ
أو يَنْشَقُونَ منَ الخطّيّ رَيحَانَا
الكائِنِينَ لِمَنْ أبْغي عَداوَتَهُ
أعدَى العِدى ولمن آخيتُ إخوانَا
خَلائِقٌ لوْ حَواها الزِّنْجُ لانْقَلَبوا
ظُمْيَ الشّفاهِ جِعادَ الشَّعرِ غُرّانَا
وأنْفُسٌ يَلْمَعِيّاتٌ تُحِبّهُمُ
لها اضطِراراً ولَوْ أقْصَوْكَ شَنآنَا
ألواضِحينَ أُبُوّاتٍ وأجْبِنَةً
ووالداتٍ وألْباباً وأذْهانَا
يا صائِدَ الجَحْفَلِ المَرْهوبِ جانِبُهُ
إنّ اللّيوثَ تَصيدُ النّاسَ أُحْدانَا
وواهِباً، كلُّ وَقْتٍ وقْتُ نَائِلِهِ
وإنّما يَهَبُ الوُهّابُ أحْيَانَا
أنتَ الذي سَبَكَ الأموالَ مَكْرُمَةً
ثمّ اتّخَذْتَ لها السُّؤَّالَ خُزّانَا
عَلَيْكَ منكَ إذا أُخليتَ مُرْتَقِبٌ
لم تأتِ في السّرّ ما لم تأتِ إعْلانَا
لا أسْتَزيدُكَ فيما فيكَ من كَرَمٍ
أنا الذي نامَ إنْ نَبّهْتُ يَقْظَانَا
فإنّ مِثْلَكَ باهَيْتُ الكِرامَ بِهِ
ورَدّ سُخْطاً على الأيّامِ رِضْوانَا
وأنْتَ أبعَدُهُمْ ذِكراً وأكْبَرُهُمْ
قَدْراً وأرْفَعُهُمْ في المَجدِ بُنْيَانَا
قد شَرّفَ الله أرْضاً أنْتَ ساكِنُها
وشَرّفَ النّاسَ إذْ سَوّاكَ إنْسانَا
العصر العباسي >> المتنبي >> زال النهار ونور منك يوهمنا
زال النهار ونور منك يوهمنا
رقم القصيدة : 5697
-----------------------------------
زالَ النّهارُ ونورٌ مِنْكَ يُوهِمُنا
أنْ لم يزُل ولجِنْحِ اللّيلِ إجْنَانُ
فإنْ يكُنْ طَلَبُ البُسْتانِ يُمسِكُنا
فَرُحْ فكُلُّ مَكانٍ مِنْكَ بُسْتانُ
العصر العباسي >> المتنبي >> ما أنا والخمر وبطيخة
ما أنا والخمر وبطيخة
رقم القصيدة : 5698
-----------------------------------
ما أنا والخَمرَ وبِطّيخَةً(47/428)
سَوْداءَ في قِشرٍ منَ الخَيْزُرانْ
يَشغَلُني عَنها وعَنْ غَيْرِهَا
تَوْطينيَ النّفسَ ليَوْمِ الطِّعانْ
وكُلِّ نَجْلاءَ لهَا صائِكٌ
َخضِبُ ما بينَ يَدي والسِّنانْ
العصر العباسي >> المتنبي >> بم التعلل لا أهل ولا وطن
بم التعلل لا أهل ولا وطن
رقم القصيدة : 5699
-----------------------------------
بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ
وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني
مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ
ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ
فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ
وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ
مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ
هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ
في إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ
تَحَمّلُوا حَمَلَتْكُمْ كلُّ ناجِيَةٍ
فكُلُّ بَينٍ عَليّ اليَوْمَ مُؤتَمَنُ
ما في هَوَادِجِكم من مُهجتي عِوَضٌ
إنْ مُتُّ شَوْقاً وَلا فيها لهَا ثَمَنُ
يَا مَنْ نُعيتُ على بُعْدٍ بمَجْلِسِهِ
كُلٌّ بمَا زَعَمَ النّاعونَ مُرْتَهَنُ
كمْ قد قُتِلتُ وكم قد متُّ عندَكُمُ
ثمّ انتَفَضْتُ فزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قولهِمِ
جَماعَةٌ ثمّ ماتُوا قبلَ مَن دَفَنوا
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
رَأيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ
وَلا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ
جَزاءُ كُلّ قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ
وَحَظُّ كُلّ مُحِبٍّ منكُمُ ضَغَنُ
وَتَغضَبُونَ على مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ
حتى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ وَالمِنَنُ
فَغَادَرَ الهَجْرُ ما بَيني وَبينَكُمُ
يَهماءَ تكذِبُ فيها العَينُ وَالأُذُنُ
تَحْبُو الرّوَاسِمُ مِن بَعدِ الرّسيمِ بهَا
وَتَسألُ الأرْضَ عن أخفافِها الثَّفِنُ(47/429)
إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ
وَلا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ
وَلا أُقيمُ على مَالٍ أذِلُّ بِهِ
وَلا ألَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ
سَهِرْتُ بَعد رَحيلي وَحشَةً لكُمُ
ثمّ استَمَرّ مريري وَارْعَوَى الوَسَنُ
وَإنْ بُلِيتُ بوُدٍّ مِثْلِ وُدّكُمُ
فإنّني بفِراقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ
أبْلى الأجِلّةَ مُهْري عِندَ غَيرِكُمُ
وَبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ وَالرّسَنُ
عندَ الهُمامِ أبي المِسكِ الذي غرِقَتْ
في جُودِهِ مُضَرُ الحَمراءِ وَاليَمَنُ
وَإنْ تأخّرَ عَنّي بَعضُ مَوْعِدِهِ
فَمَا تَأخَّرُ آمَالي وَلا تَهِنُ
هُوَ الوَفيُّ وَلَكِنّي ذَكَرْتُ لَهُ
مَوَدّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ
العصر العباسي >> المتنبي >> صحب الناس قبلنا ذا الزمانا
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا
رقم القصيدة : 5700
-----------------------------------
صَحِبَ النّاسُ قَبلَنا ذا الزّمَانَا
وَعَنَاهُمْ مِن شأنِهِ مَا عَنَانَا
وَتَوَلّوْا بِغُصّةٍ كُلّهُمْ مِنْـ
ـهُ وَإنْ سَرّ بَعْضَهُمْ أحْيَانَا
رُبّمَا تُحسِنُ الصّنيعَ لَيَالِيـ
ـهِ وَلَكِنْ تُكَدّرُ الإحْسَانَا
وَكَأنّا لم يَرْضَ فينَا برَيْبِ الـ
ـدّهْرِ حتى أعَانَهُ مَنْ أعَانَا
كُلّمَا أنْبَتَ الزّمَانُ قَنَاةً
رَكّبَ المَرْءُ في القَنَاةِ سِنَانَا
وَمُرَادُ النّفُوسِ أصْغَرُ من أنْ
تَتَعَادَى فيهِ وَأنْ تَتَفَانَى
غَيرَ أنّ الفَتى يُلاقي المَنَايَا
كالِحَاتٍ وَلا يُلاقي الهَوَانَا
وَلَوَ کنّ الحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ
لَعَدَدْنَا أضَلّنَا الشّجْعَانَا
وَإذا لم يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ
فَمِنَ العَجْزِ أنْ تكُونَ جَبَانَا
كلّ ما لم يكُنْ من الصّعبِ في الأنـ
ـفُسِ سَهْلٌ فيها إذا هوَ كانَا
العصر العباسي >> المتنبي >> عدوك مذموم بكل لسان
عدوك مذموم بكل لسان
رقم القصيدة : 5701
-----------------------------------
عَدُوُّكَ مَذْمُومٌ بِكُلّ لِسَانِ(47/430)
وَلَوْ كانَ مِنْ أعدائِكَ القَمَرَانِ
وَلله سِرٌّ في عُلاكَ وَإنّمَا
كَلامُ العِدَى ضَرْبٌ منَ الهَذَيَانِ
أتَلْتَمِسُ الأعداءُ بَعدَ الذي رَأتْ
قِيَامَ دَليلٍ أوْ وُضُوحَ بَيَانِ
رَأتْ كلَّ مَنْ يَنْوِي لكَ الغدرَ يُبتلى
بغَدْرِ حَيَاةٍ أوْ بغَدْرِ زَمَانِ
برَغْمِ شَبيبٍ فَارَقَ السّيفُ كَفَّهُ
وَكانَا على العِلاّتِ يَصْطَحِبانِ
كأنّ رِقَابَ النّاسِ قالَتْ لسَيْفِهِ
رَفيقُكَ قَيْسِيٌّ وَأنْتَ يَمَانِ
فإنْ يَكُ إنْساناً مَضَى لسَبيلِهِ
فإنّ المَنَايَا غَايَةُ الحَيَوَانِ
وَمَا كانَ إلاّ النّارَ في كُلّ مَوْضعٍ
تُثِيرُ غُباراً في مكانِ دُخَانِ
فَنَالَ حَيَاةً يَشْتَهيها عَدُوُّهُ
وَمَوْتاً يُشَهّي المَوْتَ كلَّ جَبَانِ
نَفَى وَقْعَ أطْرَافِ الرّمَاحِ برُمْحِهِ
وَلم يَخْشَ وَقْعَ النّجمِ وَالدَّبَرَانِ
وَلم يَدْرِ أنّ المَوْتَ فَوْقَ شَوَاتِهِ
مُعَارَ جَنَاحٍ مُحسِنَ الطّيَرَانِ
وَقَدْ قَتَلَ الأقرانَ حتى قَتَلْتَهُ
بأضْعَفِ قِرْنٍ في أذَلّ مَكانِ
أتَتْهُ المَنَايَا في طَرِيقٍ خَفِيّةٍ
عَلى كلّ سَمْعٍ حَوْلَهُ وَعِيَانِ
وَلَوْ سَلَكَتْ طُرْقَ السّلاحِ لرَدّها
بطُولِ يَمِينٍ وَاتّسَاعِ جَنَانِ
تَقَصّدَهُ المِقْدارُ بَينَ صِحابِهِ
على ثِقَةٍ مِنْ دَهْرِهِ وَأمَانِ
وَهَلْ يَنفَعُ الجَيشُ الكَثيرُ الْتِفَافُهُ
على غَيرِ مَنصُورٍ وَغَيرِ مُعَانِ
وَدَى ما جَنى قَبلَ المَبيتِ بنَفْسِهِ
وَلم يَدِهِ بالجَامِلِ العَكَنَانِ
أتُمْسِكُ ما أوْلَيْتَهُ يَدُ عَاقِلٍ
وَتُمْسِكُ في كُفْرَانِهِ بِعِنَانِ
وَيَرْكَبُ ما أرْكَبْتَهُ مِنْ كَرَامَةٍ
وَيَرْكَبُ للعِصْيانِ ظَهرَ حِصانِ
ثَنى يَدَهُ الإحسانُ حتى كأنّهَا
وَقَدْ قُبِضَتْ كانَتْ بغَيرِ بَنَانِ
وَعِنْدَ مَنِ اليَوْمَ الوَفَاءُ لصَاحِبٍ
شَبيبٌ وَأوْفَى مَنْ تَرَى أخَوَانِ
قَضَى الله يا كافُورُ أنّكَ أوّلٌ
وَلَيسَ بقَاضٍ أنْ يُرَى لكَ ثَانِ(47/431)
فَمَا لكَ تَخْتَارُ القِسِيَّ وَإنّمَا
عَنِ السّعْدِ يُرْمَى دونَكَ الثّقَلانِ
وَمَا لكَ تُعْنى بالأسِنّةِ وَالقَنَا
وَجَدُّكَ طَعّانٌ بِغَيرِ سِنَانِ
وَلِمْ تَحْمِلُ السّيفَ الطّوِيلَ نجادُه
وَأنْتَ غَنيٌّ عَنْهُ بالحَدَثَانِ
أرِدْ لي جَميلاً جُدْتَ أوْ لمْ تَجُدْ به
فإنّكَ ما أحبَبْتَ فيَّ أتَاني
لَوِ الفَلَكَ الدّوّارَ أبغَضْتَ سَعْيَهُ
لَعَوّقَهُ شَيْءٌ عَنِ الدّوَرَانِ
العصر العباسي >> المتنبي >> لو كان ذا الآكل أزوادنا
لو كان ذا الآكل أزوادنا
رقم القصيدة : 5702
-----------------------------------
لَوْ كانَ ذا الآكِلُ أزْوَادَنَا
ضَيْفاً لأوْسَعْنَاهُ إحْسَانَا
لَكِنّنَا في العَينِ أضْيَافُهُ
يُوسِعُنَا زُوراً وَبُهْتَانَا
فَلَيْتَهُ خَلّى لَنَا طُرْقَنَا
أعَانَهُ الله وَإيّانَا
العصر العباسي >> المتنبي >> جزى عربا أمست ببلبيس ربها
جزى عربا أمست ببلبيس ربها
رقم القصيدة : 5703
-----------------------------------
جَزَى عَرَباً أمْسَتْ بِبُلْبَيْسَ رَبُّهَا
بمَسْعاتِهَا تَقرِرْ بذاكَ عُيُونُهَا
كَرَاكِرَ من قَيسِ بنِ عَيلانَ ساهراً
جُفُونُ ظُبَاها للعُلَى وَجُفُونُهَا
وَخَصّ بهِ عَبدَ العَزيزِ بنَ يُوسُفٍ
فَمَا هُوَ إلاّ غَيْثُهَا وَمَعِينُها
فَتًى زَانَ في عَيْنيَّ أقْصَى قَبِيلِهِ
وَكَمْ سَيّدٍ في حِلّةٍ لا يَزِينُهَا
العصر العباسي >> المتنبي >> مغاني الشعب طيبا في المغاني
مغاني الشعب طيبا في المغاني
رقم القصيدة : 5704
-----------------------------------
مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَاني
بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ
وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا
غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ
مَلاعِبُ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا
سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ
طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالخَيلَ حتى
خَشِيتُ وَإنْ كَرُمنَ من الحِرَانِ
غَدَوْنَا تَنْفُضُ الأغْصَانُ فيهَا(47/432)
على أعْرافِهَا مِثْلَ الجُمَانِ
فسِرْتُ وَقَدْ حَجَبنَ الحَرّ عني
وَجِئْنَ منَ الضّيَاءِ بمَا كَفَاني
وَألْقَى الشّرْقُ مِنْهَا في ثِيَابي
دَنَانِيراً تَفِرّ مِنَ البَنَانِ
لهَا ثَمَرٌ تُشِيرُ إلَيْكَ مِنْهُ
بأشْرِبَةٍ وَقَفْنَ بِلا أوَانِ
وَأمْوَاهٌ تَصِلّ بهَا حَصَاهَا
صَليلَ الحَلْيِ في أيدي الغَوَاني
وَلَوْ كانَتْ دِمَشْقَ ثَنى عِنَاني
لَبِيقُ الثّرْدِ صِينيُّ الجِفَانِ
يَلَنْجُوجيُّ ما رُفِعَتْ لضَيْفٍ
بهِ النّيرانُ نَدّيُّ الدّخَانِ
تَحِلُّ بهِ عَلى قَلْبٍ شُجاعٍ
وَتَرْحَلُ منهُ عَن قَلبٍ جَبَانِ
مَنَازِلُ لمْ يَزَلْ منْهَا خَيَالٌ
يُشَيّعُني إلى النَّوْبَنْذَجَانِ
إذا غَنّى الحَمَامُ الوُرْقُ فيهَا
أجَابَتْهُ أغَانيُّ القِيانِ
وَمَنْ بالشِّعْبِ أحْوَجُ مِنْ حَمامٍ
إذا غَنّى وَنَاحَ إلى البَيَانِ
وَقَدْ يَتَقَارَبُ الوَصْفانِ جِدّاً
وَمَوْصُوفَاهُمَا مُتَبَاعِدانِ
يَقُولُ بشِعْبِ بَوّانٍ حِصَاني:
أعَنْ هَذا يُسَارُ إلى الطّعَانِ
أبُوكُمْ آدَمٌ سَنّ المَعَاصِي
وَعَلّمَكُمْ مُفَارَقَةَ الجِنَانِ
فَقُلتُ: إذا رَأيْتُ أبَا شُجاعٍ
سَلَوْتُ عَنِ العِبادِ وَذا المَكانِ
فَإنّ النّاسَ وَالدّنْيَا طَرِيقٌ
إلى مَنْ مَا لَهُ في النّاسِ ثَانِ
لَقد عَلّمتُ نَفسِي القَوْلَ فيهِمْ
كَتَعْليمِ الطّرَادِ بِلا سِنَانِ
بعَضْدِ الدّوْلَةِ امتَنَعَتْ وَعَزّتْ
وَلَيسَ لغَيرِ ذي عَضُدٍ يَدانِ
وَلا قَبضٌ على البِيضِ المَوَاضِي
وَلا حَطٌّ منَ السُّمْرِ اللّدَانِ
دَعَتْهُ بمَفْزَعِ الأعْضَاءِ مِنْهَا
لِيَوْمِ الحَرْبِ بِكْرٍ أوْ عَوَانِ
فَمَا يُسْمي كَفَنّاخُسْرَ مُسْمٍ
وَلا يَكْني كَفَنّاخُسرَ كَانِ
وَلا تُحْصَى فَضَائِلُهُ بظَنٍّ
وَلا الإخْبَارِ عَنْهُ وَلا العِيانِ
أُرُوضُ النّاسِ مِنْ تُرْبٍ وَخَوْفٍ
وَأرْضُ أبي شُجَاعٍ مِنْ أمَانِ
يُذِمّ على اللّصُوصِ لكُلّ تَجْرٍ(47/433)
وَيَضْمَنُ للصّوَارِمِ كلَّ جَانِ
إذا طَلَبَتْ وَدائِعُهُمْ ثِقَاتٍ
دُفِعْنَ إلى المَحَاني وَالرِّعَانِ
فَبَاتَتْ فَوْقَهُنّ بِلا صِحابٍ
تَصِيحُ بمَنْ يَمُرُّ: ألا تَرَاني
رُقَاهُ كلُّ أبيَضَ مَشْرَفيٍّ
لِكُلّ أصَمَّ صِلٍّ أُفْعُوَانِ
وَمَا تُرْقَى لُهَاهُ مِنْ نَدَاهُ
وَلا المَالُ الكَريمُ مِنَ الهَوَانِ
حَمَى أطْرَافَ فارِسَ شَمّرِيٌّ
يَحُضّ على التّبَاقي بالتّفاني
بضَرْبٍ هَاجَ أطْرَابَ المَنَايَا
سِوَى ضَرْبِ المَثَالِثِ وَالمَثَاني
كأنّ دَمَ الجَماجِمِ في العَناصِي
كَسَا البُلدانَ رِيشَ الحَيقُطانِ
فَلَوْ طُرِحَتْ قُلُوبُ العِشْقِ فيها
لمَا خافَتْ مِنَ الحَدَقِ الحِسانِ
وَلم أرَ قَبْلَهُ شِبْلَيْ هِزَبْرٍ
كَشِبْلَيْهِ وَلا مُهْرَيْ رِهَانِ
أشَدَّ تَنَازُعاً لكَرِيمِ أصْلٍ
وَأشْبَهَ مَنظَراً بأبٍ هِجَانِ
وَأكثرَ في مَجَالِسِهِ استِمَاعاً
فُلانٌ دَقّ رُمْحاً في فُلانِ
وَأوّلُ رَأيَةٍ رَأيَا المَعَالي
فَقَدْ عَلِقَا بهَا قَبلَ الأوَانِ
وَأوّلُ لَفْظَةٍ فَهِمَا وَقَالا:
إغَاثَةُ صَارِخٍ أوْ فَكُّ عَانِ
وَكنْتَ الشّمسَ تَبهَرُ كلّ عَينٍ
فكَيفَ وَقَدْ بَدَتْ معَها اثنَتَانِ
فَعَاشَا عيشةَ القَمَرَينِ يُحْيَا
بضَوْئِهِمَا وَلا يَتَحَاسَدَانِ
وَلا مَلَكَا سِوَى مُلْكِ الأعَادي
وَلا وَرِثَا سِوَى مَنْ يَقْتُلانِ
وَكَانَ ابْنا عَدُوٍّ كَاثَرَاهُ
لَهُ يَاءَيْ حُرُوفِ أُنَيْسِيَانِ
دُعَاءٌ كالثّنَاءِ بِلا رِئَاءٍ
يُؤدّيهِ الجَنَانُ إلى الجَنَانِ
فَقد أصْبَحتَ منهُ في فِرِنْدٍ
وَأصْبَحَ منكَ في عَضْبٍ يَمَانِ
وَلَوْلا كَوْنُكُمْ في النّاسِ كانوا
هُرَاءً كالكَلامِ بِلا مَعَانِ
العصر العباسي >> المتنبي >> أغلب الحيزين ما كنت فيه
أغلب الحيزين ما كنت فيه
رقم القصيدة : 5705
-----------------------------------
أغلَبُ الحَيّزَيْنِ ما كنتَ فِيهِ
وَوَليُّ النَّمَاءِ مَنْ تَنْمِيهِ(47/434)
ذا الذي أنْتَ جَدُّهُ وَأبُوهُ
دِنْيَةً دونَ جَدّهِ وَأبيهِ
العصر العباسي >> المتنبي >> ألناس ما لم يروك أشباه
ألناس ما لم يروك أشباه
رقم القصيدة : 5706
-----------------------------------
ألنّاسُ ما لم يَرَوْكَ أشْباهُ
والدّهْرُ لَفْظٌ وأنتَ مَعْناهُ
والجُودُ عَينٌ وأنْتَ ناظِرُها
والبأسُ باعٌ وأنتَ يُمْناهُ
أفْدي الذي كلُّ مَأزِقٍ حَرِجٍ
أغْبَرَ فُرْسانُهُ تَحَاماهُ
أعْلى قَنَاةِ الحُسَينِ أوْسَطُها
فيهِ وأعْلى الكَميّ رِجْلاهُ
تُنْشِدُ أثُوابُنا مَدائِحَهُ
بِألْسُنٍ ما لَهُنّ أفْواهُ
إذا مَرَرْنا على الأصَمّ بهَا
أغْنَتْهُ عَنْ مِسْمَعَيْهِ عَيْناهُ
سُبحانَ مَن خارَ للكَواكِبِ بالـ
ـبُعْدِ ولَوْ نُلْنَ كُنّ جَدواهُ
لَوْ كانَ ضَوْءُ الشّموسِ في يَده
لَصاعَهُ جُودُهُ وأفْنَاهُ
يا راحِلاً كُلُّ مَنْ يُوَدّعُهُ
مُوَدِّعٌ دينَهُ ودُنْيَاهُ
إنْ كانَ فيما نَراهُ مِنْ كَرَمٍ
فيكَ مَزيدٌ فَزادَكَ الله
العصر العباسي >> المتنبي >> قالوا ألم تكنه فقلت لهم
قالوا ألم تكنه فقلت لهم
رقم القصيدة : 5707
-----------------------------------
قالوا ألَمْ تَكْنِهِ فقُلتُ لَهُمْ:
ذلِكَ عِيٌّ إذا وَصَفْنَاهُ
لا يَتَوَقّى أبُو العَشائِرِ مِنْ
لَبْسِ مَعاني الوَرَى بمَعْناهُ
أفْرَسُ مَنْ تَسْبَحُ الجِيادُ بِهِ
ولَيسَ إلاّ الحَديدَ أمْواهُ
العصر العباسي >> المتنبي >> أحق دار بأن تدعى مباركة
أحق دار بأن تدعى مباركة
رقم القصيدة : 5708
-----------------------------------
أحَقُّ دارٍ بأنْ تُدْعَى مُبَارَكَةً
دارٌ مُبارَكَةُ المَلْكِ الذي فِيهَا
وَأجْدَرُ الدُّورِ أنْ تُسْقَى بسَاكِنِها
دارٌ غَدا النّاسُ يَستَسقُونَ أهليهَا
هَذِه مَنازِلُكَ الأُخْرَى نُهَنّئُهَا
فَمَنْ يَمُرّ على الأولى يُسَلّيهَا
إذا حَلَلْتَ مَكاناً بَعدَ صاحِبِهِ
جَعَلْتَ فيهِ على ما قَبْلَهُ تِيهَا(47/435)
لا يُنكَرُ الحِسُّ مِنْ دارٍ تكونُ بها
فإنّ رِيحَكَ رُوحٌ في مَغانِيهَا
أتَمَّ سَعْدَكَ مَنْ أعطاكَ أوّلَهُ
وَلا اسْتَرَدّ حَيَاةً مِنكَ مُعطيهَا
العصر العباسي >> المتنبي >> لئن تك طيء كانت لئاما
لئن تك طيء كانت لئاما
رقم القصيدة : 5709
-----------------------------------
لَئِنْ تَكُ طَيّءٌ كَانَتْ لِئَاماً
فألأمُهَا رَبِيعَةُ أوْ بَنُوهُ
وَإنْ تَكُ طَيّءٌ كانَتْ كِراماً
فَوَرْدانٌ لِغَيرِهِمِ أبُوهُ
مَرَرْنَا مِنْهُ في حِسْمَى بعَبْدٍ
يَمُجّ اللّؤمَ مَنْخِرُهُ وَفُوهُ
أشَذَّ بعِرْسِهِ عَنّي عَبيدي
فأتْلَفَهُمْ وَمَالي أتْلَفُوهُ
فإنْ شَقِيَتْ بأيديهِمْ جِيادي
لَقد شَقِيَتْ بمُنصُليَ الوُجُوهُ
فُدِيتَ بمَاذا يُسَرُّ
وَأنتَ الصّحيحُ بذا لا العَليلُ
عَوَاقِبُ هَذا تَسُوءُ العَدُوَّ
وَتَثْبُتُ فيهِمْ وَهذا يَزُولُ
رَأى خَلّتي من حَيثُ يخفَى مكانُهَا
فكانَتْ قَذَى عَينَيهِ حتى تجَلّتِ
أتُنْكِرُ يا ابنَ إسْحَقٍ إخائي
وتَحْسَبُ ماءَ غَيرِي من إنائي؟
أأنْطِقُ فيكَ هُجْراً بعدَ عِلْمي
بأنّكَ خَيرُ مَن تَحْتَ السّماءِ
وأكْرَهُ مِن ذُبابِ السّيفِ طَعْماً
وأمْضَى في الأمورِ منَ القَضاءِ
ومَا أرْبَتْ على العِشْرينَ سِنّي
فكَيفَ مَلِلْتُ منْ طولِ البَقاءِ؟
وما استَغرقتُ وَصْفَكَ في مَديحي
فأنْقُصَ مِنْهُ شَيئاً بالهِجَاءِ
وهَبْني قُلتُ: هذا الصّبْحُ لَيْلٌ
أيَعْمَى العالمُونَ عَنِ الضّياءِ؟
تُطيعُ الحاسِدينَ وأنْتَ مَرْءٌ
جُعِلْتُ فِداءَهُ وهُمُ فِدائي
وهاجي نَفْسِهِ مَنْ لم يُمَيّزْ
كَلامي مِنْ كَلامِهِمِ الهُراءِ
وإنّ مِنَ العَجائِبِ أنْ تَراني
فَتَعْدِلَ بي أقَلّ مِنَ الهَبَاءِ
وتُنْكِرَ مَوْتَهُمْ وأنا سُهَيْلٌ
طَلَعْتُ بمَوْتِ أوْلادِ الزّناءِ
أنَا عاتِبٌ لتَعَتّبِكْ
مُتَعَجّبٌ لتَعَجّبِكْ
إذ كُنتُ حينَ لَقيتَني
مُتَوَجّعاً لتَغَيُّبِكْ
فَشُغِلْتُ عَنْ رَدّ السّلا(47/436)
مِ وكانَ شُغلي عنكَ بكْ
وَلا عَيبَ فيهم غيرَ أنّ سُيوفَهمْ
بهِنّ فُلُولٌ مِن قِرَاعِ الكتائِبِ
تُخُيِّرْنَ من أزمانِ يوْمِ حَليمَةٍ
إلى اليوْم قد جُرِّبْنَ كلّ التّجارِبِ
العصر العباسي >> المتنبي >> أوه بديل من قولتي واها
أوه بديل من قولتي واها
رقم القصيدة : 5710
-----------------------------------
أوْهِ بَدِيلٌ مِنْ قَوْلَتي وَاهَا
لمَنْ نَأتْ وَالبَديلُ ذِكْراهَا
أوْهِ لِمَنْ لا أرَى مَحَاسِنَها
وَأصْلُ وَاهاً وَأوْهِ مَرْآهَا
شَامِيّةٌ طَالَمَا خَلَوْتُ بهَا
تُبْصِرُ في ناظِري مُحَيّاهَا
فَقَبّلَتْ نَاظِري تُغالِطُني
وَإنّمَا قَبّلَتْ بهِ فَاهَا
فَلَيْتَهَا لا تَزَالُ آوِيَةً
وَلَيْتَهُ لا يَزَالُ مَأوَاهَا
كُلُّ جَرِيحٍ تُرْجَى سَلامَتُهُ
إلاّ فُؤاداً رَمَتْهُ عَيْنَاهَا
تَبُلُّ خَدّيّ كُلّمَا ابتَسَمَتْ
مِنْ مَطَرٍ بَرْقُهُ ثَنَايَاهَا
مَا نَفَضَتْ في يدي غَدائِرُهَا
جَعَلْتُهُ في المُدامِ أفْوَاهَا
في بَلَدٍ تُضْرَبُ الحِجالُ بهِ
عَلى حِسَانٍ وَلَسْنَ أشْبَاهَا
لَقِينَنَا وَالحُمُولُ سَائِرَةٌ
وَهُنّ دُرٌّ فَذُبنَ أمْوَاهَا
كُلُّ مَهَاةٍ كأنّ مُقْلَتَهَا
تَقُولُ إيّاكُمُ وَإيّاهَا
فيهِنّ مَنْ تَقْطُرُ السّيُوفُ دَماً
إذا لِسَانُ المُحِبّ سَمّاهَا
أُحِبّ حِمْصاً إلى خُناصِرَةٍ
وَكُلُّ نَفْسٍ تُحبّ مَحْيَاهَا
حَيثُ التَقَى خَدُّها وَتُفّاحُ لُبْـ
ـنَانَ وَثَغْري عَلى حُمَيّاهَا
وَصِفْتُ فِيها مَصِيفَ بَادِيَةٍ
شَتَوْتُ بالصّحصَحانِ مَشتاهَا
إنْ أعشَبَتْ رَوْضَةٌ رَعَيْنَاهَا
أوْ ذُكِرَتْ حِلّةٌ غَزَوْنَاهَا
أوْ عَرَضَتْ عَانَةٌ مُقَزَّعَةٌ
صِدْنَا بأُخْرَى الجِيادِ أُولاهَا
أوْ عَبَرَتْ هَجْمَةٌ بنا تُرِكَتْ
تَكُوسُ بَينَ الشُّرُوبِ عَقرَاهَا
وَالخَيْلُ مَطْرُودَةٌ وَطارِدَةٌ
تَجُرّ طُولى القَنَا وَقُصْرَاهَا
يُعْجِبُهَا قَتْلُهَا الكُماةَ وَلا(47/437)
يُنظِرُهَا الدّهْرُ بعدَ قَتْلاهَا
وَقَدْ رَأيْتُ المُلُوكَ قاطِبَةً
وَسِرْتُ حتى رَأيْتُ مَوْلاهَا
وَمَنْ مَنَايَاهُمْ بِرَاحَتِهِ
يأمُرُهَا فيهِمِ وَيَنْهَاهَا
أبَا شُجاعٍ بِفارِسٍ عَضُدَ الدّوْ
لَةِ فَنّاخُسْرُواً شَهَنْشَاهَا
أسَامِياً لم تَزِدْهُ مَعْرِفَةً
وَإنّمَا لَذّةً ذَكَرْنَاهَا
تَقُودُ مُسْتَحْسَنَ الكَلامِ لَنَا
كما تَقُودُ السّحابَ عُظْمَاهَا
هُوَ النّفِيسُ الذي مَوَاهِبُهُ
أنْفَسُ أمْوَالِهِ وَأسْنَاهَا
لَوْ فَطِنَتْ خَيْلُهُ لِنَائِلِهِ
لم يُرْضِهَا أنْ تَرَاهُ يَرْضَاهَا
لا تَجِدُ الخَمْرُ في مَكارِمِهِ
إذا انْتَشَى خَلّةً تَلافَاهَا
تُصَاحِبُ الرّاحُ أرْيَحِيّتَهُ
فَتَسْقُطُ الرّاحُ دونَ أدْنَاهَا
تَسُرُّ طَرْبَاتُهُ كَرَائِنَهُ
ثمّ تُزِيلُ السّرُورَ عُقْبَاهَا
بكُلّ مَوْهُوبَةٍ مُوَلْوِلَةٍ
قَاطِعَةٍ زِيرَهَا وَمَثْنَاهَا
تَعُومُ عَوْمَ القَذاةِ في زَبَدٍ
مِن جُودِ كَفّ الأميرِ يَغشَاهَا
تُشْرِقُ تِيجَانُهُ بِغُرّتِهِ
إشْرَاقَ ألْفاظِهِ بمَعْنَاهَا
دانَ لَهُ شَرْقُهَا وَمَغْرِبُهَا
وَنَفْسُهُ تَسْتَقِلّ دُنْيَاهَا
تَجَمّعَتْ في فُؤادِهِ هِمَمٌ
مِلْءُ فُؤادِ الزّمَانِ إحْداهَا
فإنْ أتَى حَظُّهَا بأزْمِنَةٍ
أوْسَعَ مِنْ ذا الزّمانِ أبْداهَا
وَصَارَتِ الفَيْلَقَانِ وَاحِدَةً
تَعْثُرُ أحْيَاؤهَا بمَوْتَاهَا
وَدارَتِ النّيّرَاتُ في فَلَكٍ
تَسْجُدُ أقْمَارُهَا لأبْهَاهَا
ألفَارِسُ المُتّقَى السّلاحُ بِهِ الـ
ـمُثْني عَلَيْهِ الوَغَى وَخَيْلاهَا
لَوْ أنْكَرَتْ منْ حَيَائِهَا يَدُهُ
في الحَرْبِ آثَارَهَا عَرَفْنَاهَا
وَكَيفَ تَخْفَى التي زِيادَتُهَا
وَنَاقِعُ المَوْتِ بَعضُ سِيمَاها
ألوَاسعُ العُذْرِ أنْ يَتِيهَ على الـ
ـدّنْيَا وَأبْنَائِهَا وَمَا تَاهَا
لَوْ كَفَرَ العالَمُونَ نِعْمَتَهُ
لمَا عَدَتْ نَفْسُهُ سَجَايَاهَا
كالشَمسِ لا تَبتَغي بما صَنَعَتْ(47/438)
مَعْرِفَةً عِنْدَهُمْ وَلا جَاهَا
وَلِّ السّلاطِينَ مَنْ تَوَلاّهَا
وَالجَأْ إلَيْهِ تَكُنْ حُدَيّاهَا
وَلا تَغُرّنّكَ الإمَارَةُ في
غَيرِ أمِيرٍ وَإنْ بهَا بَاهَى
فإنّمَا المَلْكُ رَبّ مَمْلَكَةٍ
قَدْ أفْعَمَ الخافِقَينِ رَيّاهَا
مُبْتَسِمٌ وَالوُجُوهُ عَابِسَةٌ
سِلْمُ العِدى عِندَهُ كَهَيْجاهَا
ألنّاسُ كالعَابِدِينَ آلِهَةً
وَعَبْدُهُ كالمُوَحِّدِ اللّهَ
العصر العباسي >> المتنبي >> كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
رقم القصيدة : 5711
-----------------------------------
كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا
وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا
تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَى
صَديقاً فأعْيَا أوْ عَدُواً مُداجِيَا
إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ
فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا
وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ
وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا
فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى
وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا
حَبَبْتُكَ قَلْبي قَبلَ حُبّكَ من نأى
وَقد كانَ غَدّاراً فكُنْ أنتَ وَافِيَا
وَأعْلَمُ أنّ البَينَ يُشكيكَ بَعْدَهُ
فَلَسْتَ فُؤادي إنْ رَأيْتُكَ شَاكِيَا
فإنّ دُمُوعَ العَينِ غُدْرٌ بِرَبّهَا
إذا كُنّ إثْرَ الغَادِرِين جَوَارِيَا
إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصاً من الأذَى
فَلا الحَمدُ مكسوباً وَلا المالُ باقِيَا
وَللنّفْسِ أخْلاقٌ تَدُلّ على الفَتى
أكانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا
أقِلَّ اشتِياقاً أيّهَا القَلْبُ رُبّمَا
رَأيْتُكَ تُصْفي الوُدّ من ليسَ صافيَا
خُلِقْتُ ألُوفاً لَوْ رَجعتُ إلى الصّبَى
لَفارَقتُ شَيبي مُوجَعَ القلبِ باكِيَا
وَلَكِنّ بالفُسْطاطِ بَحْراً أزَرْتُهُ
حَيَاتي وَنُصْحي وَالهَوَى وَالقَوَافِيَا
وَجُرْداً مَدَدْنَا بَينَ آذانِهَا القَنَا
فَبِتْنَ خِفَافاً يَتّبِعْنَ العَوَالِيَا(47/439)
تَمَاشَى بأيْدٍ كُلّمَا وَافَتِ الصَّفَا
نَقَشْنَ بهِ صَدرَ البُزَاةِ حَوَافِيَا
وَتَنظُرُ من سُودٍ صَوَادِقَ في الدجى
يَرَينَ بَعيداتِ الشّخُوصِ كما هِيَا
وَتَنْصِبُ للجَرْسِ الخَفِيِّ سَوَامِعاً
يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضّمِير تَنَادِيَا
تُجاذِبُ فُرْسانَ الصّباحِ أعِنّةً
كأنّ على الأعناقِ منْهَا أفَاعِيَا
بعَزْمٍ يَسيرُ الجِسْمُ في السرْجِ راكباً
بهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجسْمِ ماشِيَا
قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ
وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا
فَجاءَتْ بِنَا إنْسانَ عَينِ زَمانِهِ
وَخَلّتْ بَيَاضاً خَلْفَهَا وَمَآقِيَا
تجُوزُ عَلَيهَا المُحْسِنِينَ إلى الّذي
نَرَى عِندَهُمْ إحسانَهُ وَالأيادِيَا
فَتىً ما سَرَيْنَا في ظُهُورِ جُدودِنَا
إلى عَصْرِهِ إلاّ نُرَجّي التّلاقِيَا
تَرَفّعَ عَنْ عُونِ المَكَارِمِ قَدْرُهُ
فَمَا يَفعَلُ الفَعْلاتِ إلاّ عَذارِيَا
يُبِيدُ عَدَاوَاتِ البُغَاةِ بلُطْفِهِ
فإنْ لم تَبِدْ منهُمْ أبَادَ الأعَادِيَا
أبا المِسكِ ذا الوَجْهُ الذي كنتُ تائِقاً
إلَيْهِ وَذا اليَوْمُ الذي كنتُ رَاجِيَا
لَقِيتُ المَرَوْرَى وَالشّنَاخيبَ دُونَهُ
وَجُبْتُ هَجيراً يَترُكُ المَاءَ صَادِيَا
أبَا كُلّ طِيبٍ لا أبَا المِسْكِ وَحدَه
وَكلَّ سَحابٍ لا أخُصّ الغَوَادِيَا
يُدِلّ بمَعنىً وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ
وَقد جَمَعَ الرّحْم?نُ فيكَ المَعَانِيَا
إذا كَسَبَ النّاسُ المَعَاليَ بالنّدَى
فإنّكَ تُعطي في نَداكَ المَعَالِيَا
وَغَيرُ كَثِيرٍ أنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ
فَيَرْجعَ مَلْكاً للعِرَاقَينِ وَالِيَا
فَقَدْ تَهَبُ الجَيشَ الذي جاءَ غازِياً
لِسائِلِكَ الفَرْدِ الذي جاءَ عَافِيَا
وَتَحْتَقِرُ الدّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ
يَرَى كلّ ما فيهَا وَحاشاكَ فَانِيَا
وَمَا كُنتَ ممّن أدرَكَ المُلْكَ بالمُنى
وَلَكِنْ بأيّامٍ أشَبْنَ النّوَاصِيَا(47/440)
عِداكَ تَرَاهَا في البِلادِ مَساعِياً
وَأنْتَ تَرَاهَا في السّمَاءِ مَرَاقِيَا
لَبِسْتَ لهَا كُدْرَ العَجاجِ كأنّمَا
تَرَى غيرَ صافٍ أن ترَى الجوّ صَافِيَا
وَقُدتَ إلَيْها كلّ أجرَدَ سَابِحٍ
يؤدّيكَ غَضْبَاناً وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا
وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطيعُكَ آمِراً
وَيَعصِي إذا استثنَيتَ أوْ صرْتَ ناهِيَا
وَأسْمَرَ ذي عِشرِينَ تَرْضَاه وَارِداً
وَيَرْضَاكَ في إيرادِهِ الخيلَ ساقِيَا
كَتائِبَ ما انفَكّتْ تجُوسُ عَمائِراً
من الأرْضِ قد جاسَتْ إلَيها فيافِيَا
غَزَوْتَ بها دُورَ المُلُوكِ فَباشَرَتْ
سَنَابِكُها هَامَاتِهِمْ وَالمَغانِيَا
وَأنْتَ الذي تَغْشَى الأسِنّةَ أوّلاً
وَتَأنَفُ أنْ تَغْشَى الأسِنّةَ ثَانِيَا
إذا الهِنْدُ سَوّتْ بَينَ سَيفيْ كَرِيهَةٍ
فسَيفُكَ في كَفٍّ تُزيلُ التّساوِيَا
وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ
فِدَى ابنِ أخي نَسلي وَنَفسي وَمالِيَا
مَدًى بَلّغَ الأستاذَ أقصَاهُ رَبُّهُ
وَنَفْسٌ لَهُ لم تَرْضَ إلاّ التّنَاهِيَا
دَعَتْهُ فَلَبّاهَا إلى المَجْدِ وَالعُلَى
وَقد خالَفَ النّاسُ النّفوسَ الدّوَاعيَا
فأصْبَحَ فَوْقَ العالَمِينَ يَرَوْنَهُ
وَإنْ كانَ يُدْنِيهِ التّكَرُّمُ نَائِيَا
العصر العباسي >> المتنبي >> أريك الرضى لو أخفت النفس خافيا
أريك الرضى لو أخفت النفس خافيا
رقم القصيدة : 5712
-----------------------------------
أُرِيكَ الرّضَى لوْ أخفَتِ النفسُ خافِيا
وَمَا أنَا عنْ نَفسي وَلا عنكَ رَاضِيَا
أمَيْناً وَإخْلافاً وَغَدْراً وَخِسّةً
وَجُبْناً، أشَخصاً لُحتَ لي أمْ مخازِيا
تَظُنّ ابتِسَاماتي رَجاءً وَغِبْطَةً
وَمَا أنَا إلاّ ضاحِكٌ مِنْ رَجَائِيَا
وَتُعجِبُني رِجْلاكَ في النّعلِ، إنّني
رَأيتُكَ ذا نَعْلٍ إذا كنتَ حَافِيَا
وَإنّكَ لا تَدْري ألَوْنُكَ أسْوَدٌ
من الجهلِ أمْ قد صارَ أبيضَ صافِيَا
وَيُذْكِرُني تَخييطُ كَعبِكَ شَقَّهُ(47/441)
وَمَشيَكَ في ثَوْبٍ منَ الزّيتِ عارِيَا
وَلَوْلا فُضُولُ النّاسِ جِئْتُكَ مادحاً
بما كنتُ في سرّي بهِ لكَ هاجِيَا
فأصْبَحْتَ مَسرُوراً بمَا أنَا مُنشِدٌ
وَإنْ كانَ بالإنْشادِ هَجوُكَ غَالِيَا
فإنْ كُنتَ لا خَيراً أفَدْتَ فإنّني
أفَدْتُ بلَحظي مِشفَرَيكَ المَلاهِيَا
وَمِثْلُكَ يُؤتَى مِنْ بِلادٍ بَعيدَةٍ
ليُضْحِكَ رَبّاتِ الحِدادِ البَوَاكِيَا
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> ليس للمساء إخوة - 1
ليس للمساء إخوة - 1
رقم القصيدة : 5713
-----------------------------------
في هذه القرية
تُنسى أقحواناتُ المساء
مرتجفةٌ خلف الأبواب.
في هذه القرية التي تستيقظ
لتشرب المطر
إنكسرتْ في يدي زجاجةُ العالم.
II
هذه المياه
تَفتحُ أقنيةَ الليل في الجسد.
هذه المياه وهذه المراكب
نقودُ عميانٍ
نسوا أنفسَهم على أرصفة الضوء
ونسوا
أن يرفعوا شبكة العمر.
III
ستخرجون بقميصٍ صارخةٍ لتقابلوا اعتزالاتكم.
في الليل أو في النهار
ستخرجون
وعلى حدةٍ يقابل كلُّ واحد اعتزالاتِه
ينقّب طويلاً في مزارع الحقول
ولا يجد كنز حياته
في الليل أو في النهار
ستثقب المحيطاتُ بدلاتِكم
وتبحثون عبثًا عن إبرة الشمس.
IV
إعرفْ أنّك لن تجعل من الشمس حبيبةً
وإنْ كنتَ في رداءٍ كثيرِ الثقوب
وأنّك
حين تَدلفُ فوق ساقية الروح ببطء
ستكون الماءَ الضائع
وحين ترصف أنفاسَك في الفضاء قضبانًا كثيرة الذكريات.
أنت
ولو كانت لك نجمةٌ صغيرة
ولو فتحَ الليلُ أحيانًا حياتَهُ
لأعواد ثقابك
ستأخذ غيرَ الضوء طريقًا
وتطلُّ في وقت غير مناسب على نافذة العالم.
V
فراشةُ الحُبّ تطير بعيدًا
وعطلةٌ قصيرة على كفّها
لكنَّ يدي أضاعت مفاتيحَها.
أتدلَّى
فوق سور الأسماء
وغيمةٌ تشبه اليد
ترفع لي قميصَ الشتاء.
VI
بعيدًا عن السقوف الحميمة
جميعُ الأمطار لا تغسل مظلاتنا
والنهاراتُ الناسية مظلَّتَها في يد الليل
تقذف بنفسها من مطلقِ نافذة
لتستخرج خاتمَ نومها.
VII(47/442)
من كلِّ محطةٍ في الأرض
العرباتُ مقبلة
كأسماء واضحة في ملفّات التعاسة،
والنهار
سوق المرايا
جدرانٌ مزهرة أكثر ممّا ينبغي
والعيونُ غيوم
سقطتْ.
VIII
في يدكَ تنمو شرايينُ الذهول
وتغترب
يدكَ التي تلوّح للمارّة
كالرسائل.
IX
مع أنّ وعاءَ الصمتِ هو الوحيدُ يلمعُ بيننا
أعرفكَ أيّها العالم
أيّها العجوز القميء في صحن ذاكرتي.
وإنّي، إذ أتقدّمَ بخطى مبعثرة
إلى أبواب مودّتك المقفلة،
لا أكون ناسيًا أنّ المفاتيح
التي نعثرُ عليها في أشواقنا
هي المفاتيح الخطأ.
أعرفُ أية مجارٍ من التأسف
أيامُكَ
مع أنّ كلّ شيء مضى الآن
ولم يعد يتدلّى بيننا
غيرُ عشبة الماضي الجافّة.
X
إنّها محاولةُ الدخول في عنق الحُبّ
الذي يندلق خارج فمي
أو التقاطُ نجمةٍ
كساعةٍ مخرَّبة في صندوق الأمل
ثم الوقوف
والالتفاتُ نحو
مزرعةٍ شحيحةِ البصر
تعبر فيها الفصول
بقليلٍ من التعاسة.
XI
بينما كنتَ تعبر أمكنةً واسعة
كان ثمّةَ شيء يشبه الحُبّ
يتذكّركَ
أمّا الآن
وقد قطعتَ شوارعَ غير مدثَّرة
وودّعتَ أرصفةً كثيرة
فالأمل
الذي أراد التحدّثَ إليكَ عند كلّ خطوة
يكفّ عن النداء.
أنتَ
يا من حسبَ أنَّه عبرَ كلّ الاشياء
جلستَ وقتًا أطول
في مقهى الماضي.
XII
ينبغي الإعترافُ بأنّ الأيّام
ترسو كضفادع ميّتةٍ
وتجعلُ الإبتساماتِ موجعةً
أمام البحيرات،
وأنّ المحبّة
ملحٌ أزرق
ملحٌ يسقطُ الآن وحيدًا
وأزرق.
XIII
إذنْ
رأيتُ نفسي
كمعطفٍ مثقلٍ بأوحال النهار
أقفُ أمام صبّاغ المساء
المقفل.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> ليس للمساء إخوة -2 - مرحلة أولى
ليس للمساء إخوة -2 - مرحلة أولى
رقم القصيدة : 5714
-----------------------------------
(1973 - 1980)
مرحلة أولى
***
كيف يكون هذا الشوق
كضفدعٍ خارجَ بحيرته؟
كيف هذا النهارُ رمادٌ في السماء؟
وهذه العاصفة في الرأس كيف لا تحرّك غصنًا؟
I
ما فائدةُ الوثوب إلى الغابات
وإطعام الغزالة النحيلة
حين تسقط عصافيرُ الدهشة(47/443)
كخشبةٍ من بناية قديمة؟
أنا النموُّ الاسودُ تحت الأبراج
والحيواناتُ الكونيّة ترعاني
لستُ الصبيُّ الذي يدخل
برجَ العائلةِ في المساء
أبحثُ عن نجمةٍ أقرأ تحتها حياتي
أرتقي سلّمَ الضوء
أهبُ ورقةَ نقدي الأخيرة
لليد المعروقة
فوق جسر القلب.
II
هؤلاء الّذين يتوقون العودة
وليس لهم قطار
ولا نجمة
ولا حتّى صرصار في طريقهم يغنّي،
الّذين كّرتْ كنزةُ أحلامهم
ولحياتِهم صوتُ ارتطامِ المرآة على الحجر،
مرّات كثيرة سيعرفون موتَ المسافات
ويكتشفون العالم
بلا طريق.
III
تغرقُ في بئرِ المحبّة اليابسة
سكران
ماذا تقول للمارّة كي تخطفَ مرفأ؟
شربتَ نهاركَ دفعةً واحدة
رقصنا في الساحة ولم تقدّم نشوتك
رفعْنا مياهَنا إلى حدودها
وأنتَ تفكّر في صحراء يدك
بعْها
قلنا لكَ بعْها وارفعْ وجهكَ لا رايةََ الحرّية
قلْ هذه شجرتي
وأنا أرغب في عريها
لكنّك حرّكتَ إبرةَ الألم
وأعدْتَ حياكةَ يأسنا جميعًا.
IV
الرغبة نقاءٌ مالح
مرايا عاريةُ الظهر
عشبةُ التجاويف
قريةُ ميّتة في فمي.
V
تقول القابلة القرويّة:
وُلدتَ في زاوية البيت
بين قمر النعاس والعيون المطفأة
كانت الأزهار صغيرة
الطريقُ عجوزًا
وشجرةُ الرحمة تهتزُّ في النهر
حيث الغصون والعصافير
ترى نفسَها مكسورة.
VI
العشقُ مَرَّةً أسقط الملاك
في وجهي
حمل أصابعه وخرج
إلى الموت
يربط عنقَه بوردة
وخرج من العمر حصان
أنهى سباق الرغبة.
VII
جلس المنظّرون والعشّاق والسكارى والأموات
يحيون ذكرى الأرض القديمة
هيكلُهم على كلس الجدار
حطامهم على المفارق
ينتظرون زهرة الخدر
من حجارة العيون.
VIII
نقّبوا عن ظلال رؤوسكم
وتفيّأوا
الزمن جفّف القلوب
ولا بئر غير عيوننا
ندفن فيها وجوهَ من نُحبّ.
IX
أيُّ زمن سيأتي
بقميص أبيض؟
أيّ درب ستأتي
ونلعب مع الأطفال؟
أيّ خروف
نطعمه أيدينا؟
أيّ حلم
وكلّنا على قارعة الطريق
نلملم انهيار الوجوه.
X
يصعدُ الليل إلى الحلم
ونحن نرسم غصنَ الشوق
يصعد النوم إلى الثمر(47/444)
ونحن نوقظ زهر النشوة.
هكذا بخطوةٍ أولى
يُستنزف الحُبّ
وأصابعه الحمراء تلوّح
ولا ترى القتلى.
XI
ماذا على الّذين مثلي أن يفعلوا
وأصغرُ فراشة
هي أكثرُ دهشة؟
الدائرةُ نفسها
المشهد، النافذة، الوجه.
سأخرج فارغًا
حتى من قميص قلبي
وبرصاصةٍ وحيدة أطلُّ على الصمت
هذا الهدف المتراقص أبدًا.
XII
هناك مشروعُ قصيدة
ضفّة
أفرشُ عليها السمكَ الواجف في رأسي.
اذهبي
يا امرأة سوداء على بابي يا مراكب
اذهبي
أحلامي كافية لأغلق هذا الباب
وأنام
مياهي كافية
لأغرق.
XIII
يجب أن يكون هناك طريقٌ آخر
إلى الغابة
الوترُ المشدود بين عينيَّ والأشجار
على وشك الانقصاف.
أيّتها الكلمات يا غابتي
يا شجرتي اليابسة في فمي
على طول الطريق سواقٍ وأزهار
حجارةٌ لمن تعبوا
شمسٌ للنهار قمرٌ للّيل
وليس على حروفك عصفورٌ يسلّي.
يجب أن يكون هناك طريقٌ آخر
الأصواتُ أقفاص.
IVX
أودُّ أن أعلّق قلبي على جبيني
كما تعلّق الأمُ اسمَ طفلها على مريوله
أودُّ أن أكتب رغبتي على الثلج
وعلى رمل البحر محبّتي.
في العيون في العيون
الشمسُ تثلج.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> ليس للمساء إخوة -2 - مرحلة ثانية
ليس للمساء إخوة -2 - مرحلة ثانية
رقم القصيدة : 5715
-----------------------------------
مرحلة ثانية
***
ها هي الطريقُ تنكسر كعودٍ يابس
وعلى أعلى جبال القلب
تجمع الخرافُ البيضاءُ نفسَها
وتعود إلى الحظيرة.
I
قبالةَ البحر أو الجدار
أريدُ الدفاعَ عن نفسي
بكلّ الرعب
لا بالصراخ
لأنَّ الوقت مرَّ طويلاً
ولا أعرف
إذا الصراخُ لا يزال.
II
مهما بدا طاهرًا هذا الوجه
إنّه ملعب العائلة.
الذكرى ثلج
لا يُضمن الوقوفُ فوقه طويلاً
إرحلْ.
III
سأذهبُ إلى الغابة أقعدُ مع الحطّابين
وبفأس دهشتهم
أقطعُ أحلامي وألقيها في النار.
يقول الحطّابون:
اليابسُ يُقطع.
IV
إذا سقط نجم
علامةُ شؤم
إذا سقطتْ شجرة
موت
إذا سقطتَ في وجهي أيّها النورس
فلأنّي
أدرتُ غروبي صوب الشرق(47/445)
ومضيتُ في مياهي.
V
أزقّةُ أيّامي مليئةٌ بالزجاج
ومثل صبيّ يركضُ عمري حافيًا في عمري.
VI
أحملُ ذهولي
مخترقًا جنونَ الحلقات
في وجهي تنزفُ حربةُ الأبديّة.
أنا نظيف
البياضُ يكسوني
أمشي على طريق أبيض
أقعد على كرسيّ أبيض
أحلامٌ ناصعة
نسيانٌ ناصع.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> ليس للمساء إخوة -3 - مرحلة ثالثة
ليس للمساء إخوة -3 - مرحلة ثالثة
رقم القصيدة : 5716
-----------------------------------
مرحلة ثالثة
***
نتسلّق ضحكاتنا
لأنّ صراخنا شاهقُ جدًا.
I
لم يَعُدْ في دمي غيرُ الكلمات واللون الأحمر
البسْ قناعَ الرحمة واطردْني
يشتاق صمتي غيرَ لهاثك.
ماذا جئتَ تفعل ماذا جئتَ تقول ماذا جئتَ تقطف
يا زارع اليباس كي يكلّم الفراغَ كالأبله؟
حديقتي أصغرُ من جنين
ليس فيها غيرُ ورقةِ السهو
نبتتْ في غيابك.
II
أنتم قميص المجاعة.
دلقتم محابر وجوهكم على أوّل النهار فاسودَّ عمرُنا القصير. غرقتْ أقدامُنا في الأسْوَدِ وصارت صالحةً للكتابة. بها وقّعنا على الطرقات أحصنة جديدة.
أوقفوا نسلَ الاحلام. ما عاد العالم يسع.
أسمعُ ضجيجًا هائلاً، قرقعةَ عظام، الأحلام ترفس نفسها، تنهق، تفترس، تروث.
أوقِفوا نسلَ الأحلام. كَثُرَ الروث وانبرتْ زهرةُ الأزمنة.
على صدر كلٍّ منكم زهرة الزمان.أحار كيف أسمّيكم.
III
سيّدتي في الفضاء الكئيب
لا تُرجعي وجهي إليَّ
لا تتدفّقي نحوي كالأنهار
لا تندلقي كالبراميل
الحرّيةُ نصفُ اشمئزازي
والرهينة نصفي الآخر
وكلُّ أولادي الموت.
IV
يا قاطعَ الطرق يا شرسًا يا مجنونًا يا حُبّي
دعْ ممرًّا لرحيلي
دعني بعيدًا مع ورق الشجر أستلقي
على حجر يمكنني أن أقعد
مع صرصار أستطيع أن أغنّي
لنملة أقرأُ قصائدي
في مِزَق ثوبي ثلاثُ ابتسامات من الفجر وثغرٌ كاملٌ للغروب
على رؤوس أصابعي قطيعٌ غريب
لا يعود من البراري.
V
أخرجُ إلى تسكّعي قاطعًا حدائق الوجوه
رائحةُ الصمتِ برتقالة
وشيخوخة الوعي قطارٌ سريع.(47/446)
أيَّهُ لقاءُ الحزن أيَّهُ لقاءُ الحلمِ يا قطرات الطريق؟
VI
مرَّ الوردُ ابني الحبيب ورجع وقال:
خلّصني يا أزرقَ الأرض
يا أبيضَ الفراشة
المكان يؤنّث نفْسَه.
VII
اشتبكي معي يا حشائش الأيّام الأولى في رقصة الأيّام الأخيرة
في كلا عنقينا أشعَّةٌ مترمِّدة.
VIII
تقفُ في آخر صفّ المسافرين إلى النهار
وتُريدُ أن ترى نفسكَ العاشقَ الوحيد
اعترفْ أنَّ القطار انكسر
وأنّكَ وحيدٌ على الرصيف
شوقُك الحمّى برودةٌ كئيبة
وأسنانُكَ حين تبتسم لا تضيء
حتى فمَك.
IX
الأبراج المبلّلة بالضوء تطفو على كتفي
إنّه شروق سخيف
بدايةُ أوّل يوم في مصنع العالم
وجهي يقتله ظلُّه
على الشرفة.
X
قولوا أيَّ شيء للعصافير في شجرة التفاح كي ترحل
خبزٌ في أشواقها
يأسر خطواتي.
XI
إلى جاد وسيمون وغادة، وأنتَ
ما اسمكَ؟ لا أعرف
لكن ألم أرَ وجهكَ تحت شتاء آذار يذوب كحبّة سكّر وأنتَ تسرع؟
ومرَّةً قعدنا؟
كان الزغبُ ينبت في وجوهنا.
قالت أمّنا تطيرون غدًا. زقزقنا.
وها على الثلج نقعد نتأمّل أقدامنا الصغيرة.
ما هذا الواقع من فم السماء كأنه لنا؟
قالوا جاء يزيحُ الصخرَ يفتحُ الباب. انخفِضوا انخفضنا.
سمعنا ارتطامَ جسده. رأينا تفتُّحَ جراحه.
وقلتُ: لن أمسّ جرحك أبدًا لئلا يُقفل نبعُ الرغبة.
وضع جاد عينه في الماء صارت سمكة. سيمون عينُه في الفضاء غيمة. وعينُ غادة قطنٌ ينفشه الحزن.
كنّا التقينا. دخل البوّابُ أعلنَ انتهاءَ الزيارة.
كيف تصيرين هكذا مطرًا أحمر ينزل عليَّ في الشوارع؟
أمّي غزلتْ لي كنزةً بيضاء عملتْ لها جيوبًا للزبيب وعبّأتْها.
لبستُها وخطرتُ أمامكِ.
أبي مرّةً زار المدينة. ضيّفوه برتقالةً حملها إليَّ من بيروت في جيبه. اقتسمناها وركضنا في البساتين.
أبحثُ عن زبيبةٍ، حبّةِ قمحٍ، بذرةِ برتقالٍ أضعُها في منقادكِ وأنت في العش لا أجد.
كيف يصير أهل القرى من دون قمح هكذا؟
جاء الشتاء يمزج البرد بالذكرى
وها نحن لا نريد غيرَ غطاء.(47/447)
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> المياه المياه !
المياه المياه !
رقم القصيدة : 5717
-----------------------------------
المياه المياه
نشيد 1983
****
أُرفرفُ
لا لأنّ هذا قفصٌ أو غابة
بل لأنّ الريح تضربني
الهواءُ كثيرٌ والأجنحة مستجيبة
ولكنْ
بقاعٌ كلّها هذه البقاع
منحنٍ على النهر
لا أريد الجلوس
منحنٍ
لا أريد الوقوف
ماءٌ وسقسقةٌ
وماء
للجذوع الهرمة
جمْعٌ سائر في الظلام
وصمت
في البدء كنتُ صيفًا ممَّددًا
ورأسُ خَصْمي معلّقٌ على الغصون
كنتُ مائتًا جميلاً في سفينة
ثلجَ نيْسانٍ غريبٍ على أرخبيل
وأرمي
خواتمَ الوعود الآن
أتثاءبُ من الزهر إلى الزهر
أرمي الخواتم
وأنام
عندي فَرَسٌ لا اعرفُ ماذا أفعل بها
أمتطيها
لأتسلَّى
لا ماء هنا
لا جذوع
لا جَمْع
بل مجرَّد وهْم
ولا وقت لتقول الوداع
كلُّ الذينَ عرفتُهُمْ
ماتوا
وكلُّ من أعرفُهُ يموت
هنا في جزيرة الفجر كنتُ سمَّاكًا
يرث القصب
في الصباح سائسٌ
وفي المساء أقعدُ
أراقبُ الغروب
طيورٌ سودٌ تنقر الخبزَ عن رأسي
محكومٌ بالإعدامِ
وبذكرى يمامةٍ ثلجيَّة
رشَشْتُ لها الحَبَّ طيلة الشتاء
كنّا وحيدين في الغابة
لم يكن هناكَ ما نقوله
صمَتْنا ونظرْنا في السماء
هذه مدينة الموتى
أنا بعينيَّ المظلمتين أراهم
يملأون الممرّ
متهدّلٌ
عيناي مفقوءتان
وأرى
وأنتظرُ العالمَ السفليّ
في ظلِّ الجدار
هذه عصاي
حيّةٌ مستقيمة
فتحت لها طريقًا
وفي رحلتي الطويلة والرمحُ في يدي
سمعتُ الصوتَ
كمياهٍ كثيرةٍ ونحاسٍ نقيّ)
(وميّت...
كنتُ بيلسانًا عاشقًا في حقل أبي
كنتُ قرية في وسط الرذاذ
أُطِلُّ عليها من مفرقٍ قديم
السواقي اجتمعت الآن في وجهي
والأطفال عادوا إلى البيوت
ماذا في هذه الجبال إذًا
غير أن يجري النهر
أن أفسِحَ الطريق للعابر الغريب
أغسلَ الحصى
أترك على الحفافي قَصَبًا
وأمضي
المياهُ المياه
الجهات موحشة
وكثيرة
كيفَ أعودُ إلى أهلي مليئًا هكذا
بالهبوب
أنتظرُ الطيورَ المهاجرة(47/448)
لأعيدَ محبَّتي إلى الجبال
سأغادر
لكنّي أعود
لأُلقي حطبي
الغابة وهبتني نهارًا آخر
استضافني البطيء الزاحف على الأوراق
ومرّ السمّنُ السرّي
فوق رأسي
كنتُ ريَّانًا مليئًا بالغيوم
فانحنيتُ على نبعي
ودلقتُ الدموع
نامتْ أورور على حقلٍ يباس
ولم ترَ جسدًا يصعد إلى السماء
ولا ملحًا يمشي
ما رأتْ أورورُ غيرَ أقدامٍ
وملحٍ في البحر
لو أنَّ هذا البحرَ
مبلّل
لو أنَّ هذا الخشب اليابس يابسٌ حقًّا
بماذا
يمسحُ الإنسان نفسه لينام؟
طوى النسرُ جناحيه على النبع القديم
عائدًا إلى النعاس
عصفورة حكيمة
تعرفُ أنّ ما رآه
كان حزنًا غابرًا
في الجبال
عشبٌ كاسد
ها أنا أمشي وحيدًا تحت المطر
:أمشي وحيدًا وأهتف
هذي هي الأرض، هذي هي الأرض
مولود جديد
يتعرّض الآن للهواء
يا حارسة البوّابة يا امرأة المزلاج يا صاحبة القفل المقدّس)
ماء سيّدك في داخلي إنّه في داخلي
فليمْض إلى الأرض
وطأتُ المدينةَ الموفُورة
غابةَ الظِلِّ الوارف
والمياه الأولى
الخضراءَ المتباعدةَ الركبتين
وعندما ارتفعتُ ارتفعتْ معي كلُّ الأسماك
اضطربَ الغمرُ زال عن البحر وجهُ المرح
واستبدَّ الهلع
(بالأنهار العالية
قطرةً قطرة
ينزل الموتى على بابي
ومركبٌ يتوقّف لأجلي تحت الشمسُ
وجالية فقيرة من الرعشات
تعودُ إلى الرمل
أيها الماء الأبديّ
أنا المغسُول في نهر الخلود
كنت جميلاً كغابة)
(أبيض كالشمس في الماء
أرعى غَنمي على رأس الجبل
وأمامَ الجميلة
(كنهرٍ يبتعدُ عن النبع)
فارقتُ الحياة
أنا الآن الريشةُ الزرقاء)
(يتركها العصفور للشوك
رميتُ إبرةَ الرعب كطاووس صغير
أنا فطرٌ عاشق
تحتَ السَّهْم
لا شيءَ هنا
لا شيء غيرُ عشب الصمت
لماذا أنْهَرُ غزلانَ غفلتي
على مهل فلترعَ هذه الخرافُ
على مهلٍ فلترعَ
وتَسْتَلْقِ
لستُ الراعي ولستُ الغنم لكني
أحنو على المياه
تركتُ جرَّتي في العين
ورجعْتُ
الشمسُ أشرقت عليَّ طويلاً
وأرسلتُ ثغائي كلَّهُ
خَزَفًا إلى الجبال
الشبكة(47/449)
تصفّي نفسَها من الملح
ماذا ينفعُ أن أرمي محبَّتي على الماء
أن اُعَرِّضَ ملائكتي للأحلام
ليلي للملائكة
أنْ أفتحَ إناءَ عشقي
وأُفسد سهوي
الزمنُ يشفي وجهَهُ
ببطء
ويمسحُ الشوقَ عن شواطئي
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> رجل في هواءٍ مستعمل ..
رجل في هواءٍ مستعمل ..
رقم القصيدة : 5718
-----------------------------------
رجل في هواءٍ مستعمل
يقعد ويفكّر في الحيوانات
1985
-------
مدخل
**********
إنَّهُ رملٌ مشبوه
تحت سماء حقيقية
وشاعر يقدّم برتقالةَ رأسه
بقليل من الكلمات لأوَّل بوهيميّ.
رجُلٌ آخر
يحاول كتابةَ القصائد
وأمطارٌ غزيرة.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> شيء من هذا القبيل
شيء من هذا القبيل
رقم القصيدة : 5719
-----------------------------------
لم أحلم مطلقاً بأنَّ ذلك قد يحدث:
مجموعةً هائلة من السنوات
وعليَّّ أن أُبيدها
بمطرقة!
كلُّ هذا وَصَلَ فجأة
كبركان يجب أن أعزل بلحظةٍ جميعَ رماده
ولستُ آسفاً
لكنني ضجران
وتعبتْ يدي.
سنوات!
سنوات!
سلالم لا تنتهي لالتقاط ملاكٍ أو ذبابة
لأيَّام وحيتان
بَشَرٌ غيرُ مدعويّن ومطابخ ورؤوس نيئة أو مشويَّة
وفروجٌ آلاتُ رجالٍ ومزابل
لا يمكن وضعها كلَّها الآن في طابور
وهرْس أصابعها.
لذلك
الرؤيا باردة
وينبغي الصراخ بشيء آخر
الأرواح تافهة
يمكنك أن تثقل أجنحتها بالأسراب الانتحارية
أو تطلق عليها مصارعي السومو
وتتفرَّج.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> على الجبال
على الجبال
رقم القصيدة : 5720
-----------------------------------
على الجبال التي
لا يضحّي الثلجُ بنعله الجديد لهبوطها
يسلَّم بريدُ الحماقات اليوميَّة، قسراً،
لقلوب مفتوحة كقعر سفينة-
(جان جيونو يتذكَّر أكثر المساعي مهانةً
وتلقيح الناس ضد السموم بتسميمهم قليلاً كلَّ يوم،
إدوارد توماس يتفحَّص الجبهة تحت مطر بارد وناعم
حائراً هل يبقى قرب النافذة(47/450)
أم على السلَّم حيث يأتي تحطُّمه في الطبقة السفلى
بشكل أفضل،
وجوه روبرت موزيل تجمع بين رافائيل وأنثى الخنزير
وهو متأكد أنَّ المرء يمشي
بعد سلاسل الحراس
كأيّ سائح) -
على الجبال إذن
حيث تُسلَّم جميع الرسائل لغير أصحابها،
مع خصياتٍ صغيرة جائزةِ ترضية،
يلاحَظ أنَّ الغوغاء تجمَّعت
بفعل اللواط
وأنَّ تشريح الحنان البشريّ والسلام المحشّش باستمرار
يتمُّ بلا دم.
الشوارع تنام هكذا:
ثلاثة مليارات نعل في خبطة واحدة
تحّركها جماجمُ للاستعمال الخارجيّ،
مراكزُ عبادة بُنيت مناصفة
بين عرق الرجال والمومسات،
فلوريساناتٌ أوتوماتيكية من أقدام العبيد
فوق مكاتب الرؤساء،
سماواتٌ بأعضاء تناسلُّية
وآلهة
تنتف شَعرها بسكَّر رخيص.
على الجبال؟
أيّ جبال؟
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> العمل اليومي
العمل اليومي
رقم القصيدة : 5721
-----------------------------------
هاي أنت
تعال
لن نفعل شيئاً اليوم
الشمس مملَّة والمطر رتيب
وليس لي جَلَدٌ حتى لارتداء قبَّعتي.
هاي أنت
لا تقلْ إنك مستعجل
وصائب حتماً كالطلقة
لن تخسر شيئاً إذا ألغيتَ كلَّ الرحلة
يمكنك أن تستغني عن الله
وتكلّمني
هل كان عليك أن تتعلَّم كلّ الكلمات
لتقول فقط
وداعاً أيها الأصدقاء؟
ساعدني قليلاً
للاستلقاء على هذا الرصيف
ومنع العبور إلى تلك البقعة
ساعدني فقط
لكي يمرَّ الهواء.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> في شارع الكسليك
في شارع الكسليك
رقم القصيدة : 5722
-----------------------------------
في شارع الكسليك. تحت غيمة. مع ريشٍ وحده فى الفضاء. ريش، وحده.
الأصدقاء رشُّوا الحمام. نظروا إلى الشتاء. وضعوا كتباً على المنضدة. وناموا.
الشمس تتدلَّى أيضاً
يجب إسعافها بالمخدرات، كفيرونيك الفرنسية
ليل بكامله لامتصاص شارع الكسليك من دمي
ليل لفأر
يقضم الحوانيت ويجعل قدموسَ مجذافاً يقطع السين بلحظةٍ بين فخذيها.
في شارع الكسليك أربعة رجال يراقبونني(47/451)
وقمر غير مكتمل
بنايات لا يزال عمَّالها يرفعون الأحجار
والشوارع تتدلَّى
يجب إسعافها بالنظرات، كاليونانية الضائعة في ساحة سينداغما، مخدَّرة وحزينة
وأنا أمتص أرسطو من دمها
وأُرسل سقراطَ ليلعب بالكونيا.
أربعة آلاف رجُل وراء امرأة واحدة. أربعة آلاف مسلَّح، لأنَّ ذكراً وأنثى يقذفان من أحشائهما مدينة
لأنَّ مصريأً كان يرتجف، يتمدَّد، يسيل فوق أربع خفَّانات.
لبنان، لبنان، تظنُّ أننا لا نرى.
ملاحةٌ دموية. سياحةُ جلود.
شفاهٌ تلثم دولاراً على قفا أميركا.
الذي يرتجف يضعُ نفسَه في الماء. يذوب كعشبٍ حنون. ينحني ويذهب
يترك وراءه ساعةَ يد، وكمَّين.
لبنان، لبنان، وراءك ارتجافات مهجورة.
أرى خرطومَ مدفعٍ في أنفك، مستودعَ جثثٍ في عينيك، وشحاذاً يتبعه كلب على
صلعتك.
لبنان، هذا دولار لك، انصرفْ.
أريد عطوساً. يجب أن أسحب لبنان من صدري.
في شارع الكسليك، أتثاءب أحياناً.
الليلة عيد القديس جاورجيوس، ذهبنا إليه في مرسيدس 180، وضعنا له ليرتين، وعدنا لنطعم القطط.
مريولُ طفلٍ على الحبل. وشاحنات جنود.
أجسادٌ تعرق وتتبخَّر، بلا صوت.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> رأيت رفاقي
رأيت رفاقي
رقم القصيدة : 5723
-----------------------------------
رأيتُ رفاقي متعبين يمشون كأبطأ السواقي
يستعيرون قصباً نحيلاً ويغنُّون لإلهاء خيباتهم
يصرخون أحياناً
لإعادة دمهم الذي يتنزَّه في الشوارع
ويحفرون ثقوباً
لنوم المتأخرين من عروقهم.
رأيت رفاقي يجلسون أياماً على الكراسي ليسلُّوا أرواحهم الضجرة على الطاولات
يوصلون بصعوبةٍ تنفُّسَهم بسلك الهواء ويرسلون
شيفرةَ حياةٍ غير مسموعة
المتجوِّلون مع الفجر قطعةً قطعة
مغسولين كيفما كان بأيدي السجناء
الذين ضربوا حارس المحطَّة وسافروا بلا حقيبة
استلقوا صامتين
في ارتعاشات منحرفة
نخزوا شرايينهم وفرشوا السجائر في طريقهم
من الباب إلى الدرَج ومن الدرج إلى الباب(47/452)
غير واجدين ما يبرِّر خطوة إضافية.
عرفتُهم من عيونهم
من وقوفها الطويل في الشتاء البطيء
رأيتُ خصلات شعرهم حمائم
وجبينهم كزقاق جانبيّ
هادىْ.
سمعتهم ينادون أصواتهم لتعود من الهواء
ورأيت ظلالهم تغفو
على حائط بسيط.
مخنَّثون
قدّيسون
غرقى وسكارى
جاؤوا من السهول والغابات لنسف القطار
التقوا حكماء وأحجارأً ونبتات مضحكة
تحسَّسوا لحم بعضهم بعضاً
ارتطموا بأضلاعهم
وتفكَّكوا.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> محاولة للوصول إلى بيروت من بيروت
محاولة للوصول إلى بيروت من بيروت
رقم القصيدة : 5724
-----------------------------------
قصيدة إلى سركون بولص
*********
هل كان عليَّ أن أخرج اليوم لأمسّد
بأصابعي الصغيرة قذيفةَ الأعداء
أن أذهب في طريق يذوب إسفلتها مستعيداً
عمَّالَ منجمه الذين تناثروا
بديناميت
مستعيداً عميانه، وبوهمييّن قدامى
يراقبون انسلاخَ الآرض عن جلدها
كقرصان محروق
هل كان عليَّ أن أخرج لأذهب إليكِ
بعد موت آخر أرساغي، وقدميّ، ويديَّ المتعانقتين
كعريسين أُطلِقَ عليهما الرصاصُ قبل المساء
بعد أن جُرِّدتُ من أسلحتي جميعها في وادٍ
يلعب فيه المغول،
وأذهب إليكِ الآن، أحاول أن أذهب إليكِ
بما بقي لي:
فكُّ مدروزة بالرصاص
نُصبتْ علامةً للجنود في وقت فراغهم
رأسٌ يوضع عادةً فوق كتفين كفلّينة تقاوم حوتاً في رأس صنَّارة
ذراعٌ لا تستطيع التلويح
قريةٌ بعيدة، بعيدة جداً
انبثقتْ ذات يوم من دخان السطوح
وشجرة
تزيّنها ابتساماتُ الغربان.
أحاول أن أذهب إليكِ
وذلك لا يستدعي سوى رحلة بسيطة:
نزهةِ رصاصة
بين التباريس وشارع الحمراء
لكنَّ ضفَّتيك مفصولتان ببحر لامع من المتفجرات
وحرّاس بابك يركلونني، فأتدحرج
أتدحرج
بلا قرار.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> فرس على الباب
فرس على الباب
رقم القصيدة : 5725
-----------------------------------
هل يجب أن يطول هذا إلى ما لا نهاية؟
الهواء
الإشارة الأبدية(47/453)
واليد التي فلتتْ خلسةً مني؟
في البدء،
ماذا كنت أريد في البدء
حين أُخذت على حين غرَّة بحياةٍ
لا تزال تلطم حوافرها على بابي
حين رأيتُ، أو ظننت أني أرى
رملاً
سيكون في آخر المطاف لؤلؤةً قلتُ
ونمتُ من التعب أخيراً
على ظهر باخرة
تنقل حمولةَ عظامي.
جُننتُ
وجُننتُ ثم
جُننتُ
كواحد دوَّره التدحرج
في تفسُّخات الأرض
كجمجمةٍ في أطلسٍ مهملٍ
وسحريٍّ كمنيٍ مقذوف
وفيه جمجمة!
هل كان يجب أن يطول هذا إلى ما لا نهاية؟
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> على بعد خطوة
على بعد خطوة
رقم القصيدة : 5726
-----------------------------------
بضربةِ سكّينٍ حاد
ربما ينشطر الغشاء هذه المرَّة
وتخرج الخيولُ من دمي
العروقُ مستلقية كجريمةٍ مهمَلَة
وعلى بُعد خطوة
انزلاق بسيط يمكن أن يُحدثَ المعجزات
فالمعجزات
زلَّة قدم.
على بُعد خطوة
المعمل فوق القناة
فيه إصلاحات بلا نهاية
وسكارى تحت الرذاذ
يعبثون بأصابعهم
على بعد خطوة
عاهرة الميناء
حيث تغتسل ثيابُ التاريخ
وتُنشر على الحافة
وجميعُ الرجال يرفعون البنادق
لوضع نقطة.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> المشهد
المشهد
رقم القصيدة : 5727
-----------------------------------
هذا هو المشهد
مع شيء من الإثارة لامرأة
تحبل في وسط الشارع
ورأس على الرصيف لا يتسلَّمه أحد
وبين وقت وآخر
يد
فارغة
وسائق يحاول
تحريك فمه.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> صدفة
صدفة
رقم القصيدة : 5728
-----------------------------------
هكذا صدفة
رجلٌ مبلول يقف على الساحل
رجل عاد أخيراً
من محاولة يائسة لشفاء النمور
من داء الغابات
قرصان
أراد الاستيلاء على النحاس
ومداواةَ حيواناتٍ منقرضة
هنديٌ أحمر
يتذكَّر صيحات
وريشاً ملَّوناً،
هكذا ببساطة
رجل يعوّض خساراته
بالوقوف قليلاً
أمام دكَّان مقفل.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> البحث عن عميل
البحث عن عميل
رقم القصيدة : 5729(47/454)
-----------------------------------
وأيضاً قطارٌ عائد من الحرب
بجثثٍ أُجالسها
ونحتسي القهوة.
هناك عميل بين المسافرين
يجب أن أجده في الحال
عميل يأخذني فوراً إلى رأس العالم
في هذه اللحظة يجب أن يتمَّ كلُّ شيْ
انفجارٌ يودى بالعجلات
أو يوقف سلحفاةَ الدماغ
العنيدة
وهذا الجنديُّ إلى يميني
وامرأة تسحب نفسها
وتدخل المرحاض
والبصَّارة ثانيةً
والخطوط والحلازين.
الآن فوراً
مع الجثث
والقهقهات.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> مهما شرحوا
مهما شرحوا
رقم القصيدة : 5730
-----------------------------------
مهما شرحوا لي
هناك مجموعة أخيرة من الأصدقاء تتدلَّى فوق السور
شحَّاذٌ يمشي
تحت شمسٍ بارزةِ العظام
يدٌ نحيلة
في يومٍ معزول.
الفضاء ملقىً تحت سطحٍ خشبيَ
وعشرُ بطَّاتٍ تنام منذ الأمس
في ضوءٍ ضعيف
وقطَّة سوداء تتأمَّل الأجساد
المربوطةَ بالشجر.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> محطة الشمال
محطة الشمال
رقم القصيدة : 5731
-----------------------------------
مهرِّبون بياقات بيضاء
تحت ثلج ناعم
ومعطَّلة الآن قشرة الأرض ومحطَّة الشمال
حيث كان يجب أن نذهب.
أمام صفَّارة القطار
محيطاتٌ منشورة لتجفّ،
بالكاد أسمعُ هذا.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> قليل من الأرواح
قليل من الأرواح
رقم القصيدة : 5732
-----------------------------------
لا شيء يوجب الذهاب الى الغابة
ربما الأفضل أن أتوقَّف كالحيوان اللطيف
لأشمَّ رائحةَ الهواء،
ولا شيء يوجب الذهاب الى البحر
إذا أردتَ أن تطعم العائلة أو
ترسلَ التحيات،
الصنوجُ كانت كافية
مع قليل من النار
والأرواح.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> كان همّي
كان همّي
رقم القصيدة : 5733
-----------------------------------
كان همّي أن أصطاد
بفكّي السفلى
هرَّةَ الألوهة
وأُوقف ضربات المنجم فوق رأسي
حيث تعرق ملائكةٌ مهجَّرة
كعمَّال مضحكين،
عوض ذلك
أفيض بالجثث(47/455)
باحثاً عن دواءٍ لهرموناتٍ
مزوَّدةٍ برماح
وجزءٌ من ذاكرتي
أسقف يتمخَّط
يفتحني كجمجمةٍ تنخرها ذبابة
جمجمة فتىً مائل
إلى شجرة الإعدام
طويلاً غائماً مبلَّلاً
بكسلٍ
بدمٍ
أكثر بطئاً من السهول
وكلُّ نبضة من جسده
تعانق المتنزّهين في الحديقة.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> دخان أبيض
دخان أبيض
رقم القصيدة : 5734
-----------------------------------
ماءٌ يسقط على الجسر
ولبوءات
في دفن الشتاء
والهواءُ يتابع السير إلى المقهى.
الحمام يأتي اليوم
وسنذهب لرؤية المداخن
الدمُ نقيٌّ بحيث تُمكن رؤية العظام:
كائنات مالحة في وعاء
ودخان أبيض.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> صداع بسيط
صداع بسيط
رقم القصيدة : 5735
-----------------------------------
بعد الخطوات الخفيفة والابتسامة
التي أرسلتُها على كلّ حال
في هواءٍ مستعمَل
يومٌ آخر،
القميص على يدي طوال الوقت
وعظامُ النهار
هذه.
إنه يومٌ عاديٌّ
زجاجةٌ مكسورة في حديقةٍ عامَّة
فقط يومٌ مهمَل
كصداعٍ بسيط.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> جيّد
جيّد
رقم القصيدة : 5736
-----------------------------------
أجلس بنَّيةٍ واضحة ومشروعة
إلى فنجان قهوة
الأمور الشخصيَّة تتمشَّى
وما تبقَّى يجلب اليأس،
البنُّ البرازيليُّ في النهاية
جيّد.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> نهار طيّب
نهار طيّب
رقم القصيدة : 5737
-----------------------------------
السكرتيرة الألوفة
تترجَّل من قميصها
العامل النشيط
يصبُّ مصنعاً
في كأسه،
إنه نهارٌ طّيب
خالة امرأتي ذهبتْ إلى مصر
وعادت!
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> وصل الحديد
وصل الحديد
رقم القصيدة : 5738
-----------------------------------
اطمأننتُ أخيراً،
حياتي تأخذ اتجاهها الصحيح
قبولي في معمل الصلْب
شهادة على حسن سلوكي،
رافعةُ السيكسويلات تُثبت لي هذا بإصبعها
ومطارقها تؤكّد
عدمَ خيانتي.
إفعلْ شيئاً أرجوك(47/456)
وَصَلَ الحديد،
حديدٌ يُصهَر ثانيةٌ
لتحويله إلى سكاكين
فالشوارع ستُفرَم كخسٍ طازج.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> الليلة
الليلة
رقم القصيدة : 5739
-----------------------------------
الليلة
ثيابٌ نظيفة تأخذ وجهةٌ مخطئة
وبحرٌ يتوارى
كسبَّاح.
هذه الليلة
الشبيهة بجبلٍ يفرُّ من الأرض
كم من الحيوانات كانت ستنتسب إلى رائحتي
وكم كنتُ
سأعضُّ الفجر.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> واضح ومختصر
واضح ومختصر
رقم القصيدة : 5740
-----------------------------------
كنتُ صبوراً جداً
لأتقبَّل تلك الحركات
بحذاءٍ نظيف
ورأسٍ مليءٍ بالقناني.
في الأدغال
بندقية مسنَّة
وثعلب واضح ومختصر.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> الطريق إلى الحيوان
الطريق إلى الحيوان
رقم القصيدة : 5741
-----------------------------------
أعرف على الأقلّ من حذائي
أنًّ المطاردة لا تزال طويلة
لكني لن أكفَّ عن رشق هذا الحيوان بالماء والحجارة
وربما سأبحث عن سلاحٍ آخر
كالتظاهر بالموت
أو التلويح بجثَّة ثورٍ برّي يرعى في عظامي
أو أية حيلة أخرى
كمعاودة الهبوط إلى الغابة
والتغلغل في النمور والشرايين
أو النوم
قرب أحمال القصب
وافتراس الوقت بالغناء.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> التحدث إلى الخيول
التحدث إلى الخيول
رقم القصيدة : 5742
-----------------------------------
كان عبثاً أن أُفهم الأحصنة
أنَّ السباق مخجل في هذه المنحدرات
وأني أفلست تماماً من القمح اليوميّ
والماء
للذكرى
وعبثاً أرمي علفَ الصداقة
وأدعُ رأسي خفيفاً كنسمة تذهب إلى الشاطئ
فيما الطرقاتُ سنونواتٌ مهاجرة
ويجب أن ألقّم البنادق لاصطياد المهاجرين،
ولم يكن عليَّ أن أنام أو أنهض
لأعرف أنَّ الشمس
لا تتعثر بالدلافين.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> هذا ما يحدث
هذا ما يحدث
رقم القصيدة : 5743
-----------------------------------
السريرُ مرَّةٌ أخرى(47/457)
قبل أن أنتشرَ في النهار كالشظايا،
يحدث دائماً:
نشيجٌ متقطّع
قنواتٌ من المصل على الظهور
قبالةَ دكَّان التبغ حيث يمكن
تأمُّل الأضلاع الناجمة
عن تداخل الشوارع.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> غراب الأبدية
غراب الأبدية
رقم القصيدة : 5744
-----------------------------------
يوم قَّررتُ اصطيادَ غراب الأبديَّة
أفهمتُهم جيّداً أنَّ هذه الغابة ليست من عاداتي
وأنَّ في فمي طيوراً
تنقد النمل الأصفر والكآبة،
ورميتُ خطواتي في النهر
لأغسل عني الفضاء.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> السفر إلى أثينا
السفر إلى أثينا
رقم القصيدة : 5745
-----------------------------------
كانت تمطر وننتظر البواشق
قبل أن نقرّر متابعةَ الطريق
إلى صديقين في أثينا:
جاد وسركون.
أحدهم يصرخ في وجهي
مطلوب قَدَمٌ شاغرة
للحدائق العامة،
عملٌ كاملٌ بلا معاش
أخذتُ فرصةً وها أنا ذاهب إلى أصدقائي
يقال هناك أكروبول
يتَّسع لثلاثة سكيرين.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> تحية لقدمي
تحية لقدمي
رقم القصيدة : 5746
-----------------------------------
جالس
أتأمَّل قدميّ:
أدغالٌ خرَّبتها قميصٌ مستعجلة
أظافُر ملساء في منتجعٍ روحيّ
تستقبل ذئاباً تخرج تباعاً
من أفواه الماشية:
إنها خدعة للتودُّد
ليتحمَّل اثنان أنهما شبيهان
يتَّجهان معاً وفي الوقت نفسه
إلى طريدة الغد،
إلى الحافة التي لا يمكن هبوطها على مهل،
الغد المرفوس في أيّ لحظة
بمؤخّرة الماضي
بأذنابٍ ضربتْه طويلاً
وهي تلوّح في الهواء
وبقدمين
تستعدَّان لجولة
في دماء الطريق.
ألا يمكنني أن أزهو
لأنَّ قدميَّ هنا، أمامي
وصديقتان!
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> الحفلة
الحفلة
رقم القصيدة : 5747
-----------------------------------
بما أني أصبحت جاهزاً للأعراس
مثل إوزَّة على طبق
فلتبدأِ الحفلة الآن
ليرقصِ القتلة واللواطيون
مع الملوك والقديسين(47/458)
ولتباركِ العاهراتُ هذا العرسَ بدلاً من الكهنة
ليكون لهذه الليلة نسل جميل.
لتبدأِ الحفلة
فأنا جاهز تماماً
كالصناديق.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> الحيّ الغامض
الحيّ الغامض
رقم القصيدة : 5748
-----------------------------------
على عجَل
وبفتَّاحة العلب في يدي
يخرجُ المزيد من الرغوة:
رجالٌ يمشون
كتمرينٍ ضعيف على البيانو
أنهارٌ تنتظر عند البَّوابة
وضلوع
تفتح كمِظلَّة.
في الشارع نهار غائم
وبقعٌ من الأسبوع الماضي،
إنهم ذاهبون في جنازة
هذا الأحد.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> كان يمكن
كان يمكن
رقم القصيدة : 5749
-----------------------------------
كان يمكن أن يحدث شيء ما
كالظلّ، مثلاً
أو ضربة ثوب
قي فضاءٍ قلِق.
كان يمكن للنهار أن يذهب في كلّ اتجاه
كمدفعِ رشاش
وأن نقف
كرداء
يلقي نظرةً على الميناء
بعد حمَّامٍ ساخن
نهار رائع يا سيّد شارل.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> بينكم
بينكم
رقم القصيدة : 5750
-----------------------------------
في هذه الأيام
أحاول أن أجدَ لصّاً
يأخذ كلَّ شيء دون أن يوقظني
أبحثُ عن ضمانٍ أكيد للآخرةِ
كأتونٍ جديد مثلاً
يبدّد فحمَ ماضيَّ أو
امرأة
أرشو بها من يعاند تدلّي جسدي،
في هذه الأيام
الخاليةِ من مشنقةٍ عشيقة
أريد أن أعرف فقط
كيف ألوك ألسنةَ الساعات كلَّها
لحظةٌ لحظة
ومع ذلك تفتح فمي في الصباح كلمةٌ لطيفة
ورمح
يدأب في تشطيب هوائي.
لصّ
أليس بينكم لصُّ محترم
يا سادة؟
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> السهر مع شارل شهوان
السهر مع شارل شهوان
رقم القصيدة : 5751
-----------------------------------
بعد محاولات كثيرة
وسقوطِ ريفٍ بكامل سكاَّنه
العالمُ مجدَّداً
وصديق
أربط معه بقية النهار بشرفة
صديقٌ يضع عادةٌ ساحلاً
في جيبه
بين مجموعة من الآلام
والقصائد.
لكننا
ونحن نعبر الجسر
عثرنا على فكّ ديناصور
وحذاءِ متسكّعٍ يتابع السير
بعد توقُّف صاحبه.(47/459)
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> مهمة محدّدة
مهمة محدّدة
رقم القصيدة : 5752
-----------------------------------
إنها عربةُ زنوج
تنقل كسيحاً من "الإنكا" إلى نيويورك،
عربة تغصُّ بالطبول وسط شارعٍ
يغصُّ بالمتسوّلين
وأضواء تكشف بهدوء
أحذية المارّة.
مهمَّة محدَّدة:
جنرال بقدمين
يتعقَّب آثار قدم واحدة
في ليلٍ مخصَّصٍ أصلاً
للزواحف.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> البحيرة الأيروتيكية
البحيرة الأيروتيكية
رقم القصيدة : 5753
-----------------------------------
سقطتُ من السماء
مع أنَّ هذه الحركة ليست موسيقية
سأمضي الليلة في الخارج
مع نجوم جديدة
ربما.
أنا، وديع،
أجلسُ كسلطعون على الرصيف
منتظراً أصدقائي،
اجتزتُ بحيرةَ الله
الإيروتيكية
واستلقيت.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> الإقامة
الإقامة
رقم القصيدة : 5754
-----------------------------------
في الغرفة الوحيدة التي لا تتكلَّم اليونانية في أثينا
أمام بحر
يأتي زبدهُ من لهاثِ غريق
أنتظرُ باخرة كْريتْ
المحمَّلة بِفتى
يتحوَّل إلى برميل راكي
أو نملةً
ذهبتْ بتذكرةٍ مجانيّة
إلى سان فرانسيسكو في رأس صديقي.
في الرقم 75 من شارع إيبيرو اليوناني-
المؤجَّر مع ابتسامة شهرية
من المرأة المسمّاة آريتي تسيتزاس
المولودة خصيصاً لنصب الكمائن على باب جيبي-
أكملتُ تدريبات الانتظار
كحصانٍ يقف حائراً بعد معركةٍ مات فيها جميع الجنود
يتأمل حبرَ معاهدة السلام
ولا يفهم،
أقف كسائق صهريج ضخم
يرى فرساً تحت الدواليب
تحاول أن تتذكَّر، بَعْد، سطرين من أشعار الفروسية.
هل هي الإقامة اذاً؟
إذا كانت الإقامة
حسناً تكون:
الإقامة
في الاسم الموسيقيّ لإيبيرو
المحشوّ كمصرانٍ بالمهاجرين
والذي تعبره مع الفلاسفة
شاحنات البطيخ.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> أفهم أحيانًا
أفهم أحيانًا
رقم القصيدة : 5755
-----------------------------------
أفهمُ أحياناً(47/460)
ماذا يحدث بعد الصلاة:
ملاك يذهب طيراناً
إذا سبقه الباص
ومؤمنون مصابون بالغرغرينة
يرتاحون على الصخور.
إذا كان الشرفاء وحدهم يدخلون الجنَّة
ماذا لو تهيَّجوا؟
ليس ممنوعاً طبعاً ارتجاف قضيب على نفقته الخاصة
أم أنكم تريدون
أن يتحمل اللهُ النفقات؟
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> دعوة إلى الرقص
دعوة إلى الرقص
رقم القصيدة : 5756
-----------------------------------
أرغبُ أن يخرج من هذه القصيدة كلب
أتملَّقه بعظم، بحلمة راقصة
أغريه بحرف ناعم، بواو كذنب كلبة تستعدُّ للمضاجعة، بصور أكثر الكلبات شبقاً في التاريخ
كلب أو أية تسلية أخرى حتى نهاية القصيدة
ماذا يمكن أن أفعل غير هذا؟
أجذب الرب من رقبته وأدعوه إلى الرقص؟
أحيك زوجاتِ السفراء ملابسَ داخلية؟
أبني مصنعاً لدعم الاقتصاد الوطني؟
مطبعةَ مستندات سرية لخدمة الحكومة؟
أم أطلّق زوجتي؟
اسمعْ، أيمكن أن يطلّق الرجل امرأته اذا كتب قصيدة وخرج منها كلب؟
أرغب إذن أن يخرج كلب
ففي قصيدة سابقة خرج العالم
أقنَعته بالعودة إلى المصحّ
وَعَدَني، ولم يذهب
واستعملتُ كلَّ الكلمات البحرية ولم تعلق سمكة
بماذا يفيد الورق
فليخرج الكلب.
شعراء العراق والشام >> وديع سعادة >> كمين أخير
كمين أخير
رقم القصيدة : 5757
-----------------------------------
لن أتوقَّع شيئاً
فليذهبِ القطار
كلُّ شيء باقٍ
حتى صراخُ طفلي بين الجدران،
هناك جارٌ يزورني
لشرب القهوة أو
لإبادة النهار
وبعد ذلك جميلٌ
أن أذهب إلى النوم.
****************
خاتمة
------
هذا كلُّ ما أردتْ أن أرسله في يومٍ محتشد:
قنينة وقبَّعة
لرجل
مات قبل لحظة.
شعراء العراق والشام >> إبراهيم طوقان >> ملائكة الرحمة
ملائكة الرحمة
رقم القصيدة : 5758
-----------------------------------
بيضُ الحَمَائِمِ حَسْبُهُنَّهْ
أَنِّي أُرَدِّدُ سَجْعَهُنَّهْ
في كُلِّ رَوْضٍ فَوْق َ دَانِيَةِ
القُطُوفِ لَهُنَّ أَنَّهْ(47/461)
وَتَخَالُهُنَ بلاَ رُؤُوسٍ
حِينَ يُقْبلُ لَيْلُهُنَّهْ
فَإذَا صَلاَهُنَّ الهَجيرُ
هَبَبْنَ نَحْوَ غَدِيرِهِنَّهْ
فَإذَا وَقَعْنَ عَلَى الغَدِيرِ
تَرَتَّبَتْ أَسْرَابُهُنَّهْ
كُلٌّ تُقَبِّلُ رَسْمَهَا
في المَاءِ سَاعَةَ شُرْبهِنَّهْ
يَقَعَ الرَّشَاشُ إذَا
انْتَفَضْنَ لآلِئَاً لِرُؤُوسِهِنَّهْ
تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّقُ
كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّهْ
كَمْ هِجْنَنِي فرَوَيْتُ
عَنْهُنَّ الهَدِيلَ ... فَدَيْتُهُنَّهْ
الروضُ كالمُستشفياتِ
دَواؤُها إيْناسُهُنَّهْ
يَشْفي العليلَ عناؤُهُنَّ
وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّهْ
مَهْلاً فعندي فارِقٌ
بينَ الحَمَامِ وبَيْنَهُنَّهْ
أمّا جَمِيلُ المُحْسِنَاتِ
ففي النَّهَارِ وفي الدّجَنَّهْ
وَيَطِرْنَ بَعْدَ الإِبْتِرَادِ
إِلى الغُصُونِ مُهُودِهِنَّهْ
تُنْبيكَ أَجْنِحَةٌ تُصَفِّقُ
كَيْفَ كَانَ سُرُورُهُنَّهْ
وَتَمِيلُ نَشْوَانَاً - وَلاَ
خَمْرٌ - بعَذْبِ هَدِيلِهِنَّهْ
كَمْ هِجْنَنِي رَوَيْتُ
عَنْهُنَّ الهَدِيلَ ... فَدَيْتُهُنَّهْ
المُحْسِنَاتُ إلى المريضِ
غَدَوْنَ أشباهاً لَهُنَّهْ
الروضُ كالمُستشفياتِ
دَواؤُها إيْناسُهُنَّهْ
ما الكَهْرَباءُ وطِبُّهَا
بأَجَلَّ من نَظَرَاتِهِنَّهْ
يَشْفي العليلَ عناؤُهُنَّ
وعَطْفُهُنَّ ولُطْفُهُنَّهْ
مُرُّ الدَّواءِ بفيكَ حُلْوٌ
من عُذوبَةِ نُطْقِهِنَّهْ
مَهْلاً فعندي فارِقٌ
بينَ الحَمَامِ وبَيْنَهُنَّهْ
فَلَرُبّما انقطَعَ الحَمَائِمُ
في الدُّجَى عن شَدْوِهِنَّهْ
أمّا جَمِيلُ المُحْسِنَاتِ
ففي النَّهَارِ وفي الدّجَنَّهْ
شعراء العراق والشام >> إبراهيم طوقان >> غريرة في المكتبة
غريرة في المكتبة
رقم القصيدة : 5759
-----------------------------------
وَغَرِيرَةٍ في المَكْتَبَهْ
بِجَمَالِهَا مُتَنَقِّبَهْ
جَلَسَتْ لِتَقْرَأَ أَوْ لِتَكْـ
ـتُبَ مَا المُعَلِّمُ رَتَّبَهْ
وَحَبَسْتُ حَتَّى لا أُرَى(47/462)
أَنْفَاسِيَ المُتَلَهِّبَهْ
رَاقَبْتُهَا فَشَهِدْتُ أَنَّ
اللهَ أَجْزَلَ في الْهِبَهْ
وَسَقَاهُ في الفِرْدَوْسِ مَخْـ
تُومِ الرَّحِيقِ وَرَكَّبَهْ
يَا لَيْتَ حَظَّ كِتَابِهَا
لِضُلُوعِيَ الْمُتَعَذِّبَهْ
فَإِذَا انْتَهَى وَجْهٌ ونَا
لَ ذَكَاؤُهَا مَا اسْتَوْعَبَهْ
وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ الـ
كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ
إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا
تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ
هِيَ لَوْ عَلِمْتَ مِنَ الْـ
مَحَاسِنِ عِنْدَ أَرْفَعِ مَرْتَبَهْ
وَأَمَا وَقَلْبٍ قَدْ رَأَتْ
في السَّاجِدِينَ تَقَلُّبَهْ
خَفَقَانُهُ مُتَوَاصِلٌ
وَاللَّيْلُ يَنْشُرُ غَيْهَبَهْ
وَأمَا وَعَيْنِكِ وَالْقُوَى السِّـ
حْرِيَّةِ الْمُتَحَجِّبَهْ
وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً
حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ
وسَمِعْتُ وَهْيَ تُغَمْغِمُ الـ
كَلِمَاتِ نَجْوَى مُطْرِبَهْ
وَرَأَيْتُ في الفَمِ بِدْعَةً
خَلاّبَةً مُسْتَعْذَبَهْ
إحْدَى الثَّنَايَا النَّيِّرَا
تِ بَدَتْ وَلَيْسَ لَهَا شَبَهْ
مَثْلُومَةً مِنْ طَرْفِهَا
لا تَحْسَبَنْهَا مَثْلَبَهْ
هِيَ لَوْ عَلِمْتَ مِنَ الْـ
مَحَاسِنِ عِنْدَ أَرْفَعِ مَرْتَبَهْ
هِيَ مَصْدَرُ السِّيْنَاتِ تُكْـ
سِبُهَا صَدَىً مَا أَعْذَبَهْ
وَأَمَا وَقَلْبٍ قَدْ رَأَتْ
في السَّاجِدِينَ تَقَلُّبَهْ
صَلَّى لِجَبَّارِ الجَمَالِ
وَلا يَزَالُ مُعَذَّبَهْ
خَفَقَانُهُ مُتَوَاصِلٌ
وَاللَّيْلُ يَنْشُرُ غَيْهَبَهْ
مُتَعَذِّبٌ بَنَهَارِهِ
حَتَّى يَزُورَ الْمَكْتَبَهْ
وَأمَا وَعَيْنِكِ وَالْقُوَى السِّـ
حْرِيَّةِ الْمُتَحَجِّبَهْ
مَا رُمْتُ أَكْثَرَ مِنْ حَدِيـ
ـثٍ طِيبُ ثَغْرِكِ طَيَّبَهْ
وَأَرُومُ سِنَّكِ ضَاحِكَاً
حَتَّى يَلُوحَ وَأَرْقُبَهْ
شعراء العراق والشام >> إبراهيم طوقان >> الشاعر المعلم
الشاعر المعلم
رقم القصيدة : 5760
-----------------------------------(47/463)
شَوْقِي يَقُولُ وَمَا دَرَى بِمُصِيبَتِي
قُمْ لِلْمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبْجِيلا
َلكِنْ أُصَلِّحُ غَلْطَةً نَحَوِيَّةً
مَثَلاً وَاتَّخِذ الكِتَابَ دَلِيلا
وَأَغُوصُ في الشِّعْرِ الْقَدِيمِ فَأَنْتَقِي
مَا لَيْسَ مُلْتَبِسَاً وَلاَ مَبْذُولا
وَأَكَادُ أَبْعَثُ سِيبَوَيْهِ مِنَ الْبلَى
وَذَويِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الأُولَى
وَأَكَادُ أَبْعَثُ سِيبَوَيْهِ مِنَ الْبلَى
وَذَويِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الأُولَى
فَأَرَى (حِمَارَاً ) بَعْدَ ذَلِكَ كُلّه
رَفَعَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَالْمَفْعُولا
فَأَرَى (حِمَارَاً ) بَعْدَ ذَلِكَ كُلّه
رَفَعَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَالْمَفْعُولا
فَأَرَى (حِمَارَاً ) بَعْدَ ذَلِكَ كُلّه
رَفَعَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَالْمَفْعُولا
لاَ تَعْجَبُوا إِنْ صِحْتُ يَوْمَاً صَيْحَةً
وَوَقَعْتُ مَا بَيْنَ الْبُنُوكِ قَتِيلا
لاَ تَعْجَبُوا إِنْ صِحْتُ يَوْمَاً صَيْحَةً
وَوَقَعْتُ مَا بَيْنَ الْبُنُوكِ قَتِيلا
لاَ تَعْجَبُوا إِنْ صِحْتُ يَوْمَاً صَيْحَةً
وَوَقَعْتُ مَا بَيْنَ الْبُنُوكِ قَتِيلا
لاَ تَعْجَبُوا إِنْ صِحْتُ يَوْمَاً صَيْحَةً
وَوَقَعْتُ مَا بَيْنَ الْبُنُوكِ قَتِيلا
لاَ تَعْجَبُوا إِنْ صِحْتُ يَوْمَاً صَيْحَةً
وَوَقَعْتُ مَا بَيْنَ الْبُنُوكِ قَتِيلا
يَا مَنْ يُرِيدُ الانْتِحَارَ وَجَدْتهُ إ
ِنَّ الْمُعَلِّمَ لاَ يَعِيشُ طَويلا
شعراء مصر والسودان >> علي محمود طه >> فلسطين
فلسطين
رقم القصيدة : 5761
-----------------------------------
أَخِي ، جَاوَزَ الظَّالِمُونَ المَدَى
فَحَقَّ الجِهَادُ ، وَحَقَّ الفِدَا
أَنَتْرُكُهُمْ يَغْصِبُونَ العُرُوبَةَ
مَجْدَ الأُبُوَّةِ وَالسُّؤْدَدَا ؟
وَلَيْسُوا بِغَيْرِ صَلِيلِ السُّيُوفِ
يُجِيبُونَ صَوْتَاً لَنَا أَوْ صَدَى
فَجَرِّدْ حُسَامَكَ مِنْ غِمْدِهِ
فَلَيْسَ لَهُ، بَعْدُ ، أَنْ يُغْمَدَا(47/464)
أَخِي، أَيُّهَا العَرَبِيُّ الأَبِيُّ
أَرَى اليَوْمَ مَوْعِدَنَا لاَ الغَدَا
أَخِي، أَقْبَلَ الشَّرْقُ فِي أُمَّةٍ
تَرُدُّ الضَّلالَ وَتُحْيِي الهُدَى
أَخِي، إِنَّ فِي القُدْسِ أُخْتَاً لَنَا
أَعَدَّ لَهَا الذَّابِحُونَ المُدَى
صَبَرْنَا عَلَى غَدْرِهِمْ قَادِرِينَ
وَكُنَّا لَهُمْ قَدَرَاً مُرْصَدَا
طَلَعْنَا عَلَيْهِمْ طُلُوعَ المَنُونِ
فَطَارُوا هَبَاءً ، وَصَارُوا سُدَى
أَخِي، قُمْ إِلِى قِبْلَةِ المَشْرِقَيْن ِ
لِنَحْمِي الكَنِيسَةَ وَالمَسْجِدَا
أَخِي، قُمْ إِلَيْهَا نَشُقُّ الغِمَارَ
دَمَاً قَانِيَاً وَلَظَىً مُرْعِدَا
أَخِي، ظَمِئَتْ لِلْقِتَالِ السُّيُوفُ
فَأَوْرِدْ شَبَاهَا الدَّمَ المُصْعَدَا
أَخِي، إِنْ جَرَى فِي ثَرَاهَا دَمِي
وَشَبَّ الضَّرَامُ بِهَا مُوقدَا
فَفَتِّشْ عَلَى مُهْجَةٍ حُرَّةٍ
أَبَتْ أَنْ يَمُرَّ عَلَيْهَا العِدَا
وَخُذْ رَايَةَ الحَقِّ مِنْ قَبْضَةٍ
جَلاَهَا الوَغَى ، وَنَمَاهَا النَّدَى
وَقَبِّلْ شَهِيدَاً عَلَى أَرْضِهَا
دَعَا بِاسْمِهَا اللهَ وَاسْتَشْهَدَا
فِلَسْطِينُ يَفْدِي حِمَاكِ الشَّبَابُ
وَجَلَّ الفِدَائِيُّ وَالمُفْتَدَى
فِلَسْطِينُ تَحْمِيكِ مِنَّا الصُّدُورُ
فَإِمَّا الحَيَاةُ وَإِمَّا الرَّدَى
شعراء العراق والشام >> ناصيف اليازجي >> المال
المال
رقم القصيدة : 5762
-----------------------------------
ألا يا جامعَ الأموالِ هَلاَّ
جَمَعْتَ لَها زماناً لافْتِرَاقِ
رأيتُكَ تطلبُ الإبحارَ جَهْلاً
وأنتَ تكادُ تغرقُ في السَّواقي
إذا أحرزْتَ مالَ الأرضِ طُرَّاً
فما لَكَ فوقَ عيشِكَ منْ تَرَاقِ
أتأكلُ كُلَّ يومٍ ألفَ كَبْشٍ
وتلبسُ ألفَ طَاقٍ فوقَ طاقِ
فُضولُ المالِ ذاهبةٌ جُزافاً
كَمَاءٍ صُبَّ في كأسٍ دِهَاقِ
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> مائدةٌ للطيرِ والسنجاب
مائدةٌ للطيرِ والسنجاب
رقم القصيدة : 5763(47/465)
-----------------------------------
هيّأتُ صباحَ اليومِ وليمةَ عيدٍ للطيرِ
وللسنجابِ ؛
اليومَ ربيعٌ أوّلُ
_ أعني أولَ يومٍ لا يثقلُكَ المعطفُ فيهِ ... _
أحسستُ بأنّ روائحَ تأتيني من قِممِ الأنديزِ
ومن أعماق الغوطةِ
من أرباض نهاوندَ ،
وقلتُ : أُبارِكُ ضَوعَ العالَمِ ،
فلأنثرْ خبزي اليوميَّ ،
ليأكلْ منه العصفورُ ، ويقضمْ منه السنجابُ ؛
مددتُ بساطَ العشبِ
_ طريّاً ونديّاً كانَ _
وعدتُ إلى نافذتي ...
جاء الزرزورُ الأولُ
فالثاني
فالثالثُ ...
هبطَ السنجابُ خفيفاً من جذع الجوزةِ
مختطفاً كِسْرةَ خبزٍ ،
ليعودَ إلى مَرْقَبِهِ في أعلى الدوحةِ .
....................
...................
...................
كم كنتُ سعيداً !
لكنّ العقعقَ جاءَ
وجاءَ الثاني
فالثالثُ ...
في طرفةِ عينٍ فرِغتْ مائدةُ العشبِ ...
..............
..............
..............
إذاً ... سأظلُّ : أُفَكِّرُ بالزرزورِ
وبالسنجابِ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> كلامٌ فارغٌ
كلامٌ فارغٌ
رقم القصيدة : 5764
-----------------------------------
لكمُ البلادُ ،
ولي البَلادَةُ ...
إنني لا أفهَمُ الـPolitics
سوف تقولُ لي :
إنْ كنتَ حقّاً هكذا ، فاخْرَسْ !
لماذا تخلطُ الأوراقَ ؟
دَعْنا ننتفعْ من غفلةِ التاريخِ ...
دَعْنا نَستفِدْ من أهلِ روما ، مالَ روما ؛
حِقْبةٌ ، وتَمُرُّ ...
يا مُتَنَسِّكاً بين " القرى المتهيِّباتِ خطاكَ ، والمُدُنِ الغريبةِ " :
نحنُ ، نحنُ ، رفاقُكَ -
انتبِهِ !
الرصاصةُ سوفَ سوفَ تكونُ وارِدَةً ...
......................
.....................
.....................
إذاً ، فَلأعترِفْ :
لكمُ البلادُ
ولي البَلادةُ ...
إنني لا أفهمُ الـ Politics
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> أطاعَ غناءَ الحوريّاتِ
أطاعَ غناءَ الحوريّاتِ
رقم القصيدة : 5765
-----------------------------------(47/466)
هو لم يخسرْ شيئاً حينَ أطاعَ نداءَ الحوريّاتِ ...
لقد غامَرَ حقّاً :
حطَّمَ مركبَهُ ، عَمْداً ، عند صخورِ الشاطيءِ ،
فاضطُرَّ إلى أن يسبحَ
كي يمسكَ جِذعاً أنقَذَهُ من غرقٍ حَتْمٍ ...
- كان غناءُ الحوريّاتِ يهدهدُهُ حتى في الغرقِ الماثلِ -
كان سعيداً ؛
أغفى ، ملتَفّاً بالرملِ الدافيءِ
والأصدافِ
وهدهدةِ الحوريّاتِ ؛
ولم يستيقظ إلاّ بعدَ ثلاثِ ليالٍ من حُلُمٍ ...
في ليلتهِ الأولى
سارَ إلى سفْحٍ وتَمدّدَ في كوخ رُعاةٍ ،
في ليلته الثانيةِ
استَلقى بين زهورِ الخشخاشِ ،
وفي ليلته الثالثةِ
اختارتْه الحوريّاتُ السَّبعُ لِيُمسي الأُضْحِيةَ ...
....................................
.................................
................................
البَحّارُ أفاقَ
-كما في القَصصِ الأولى -
يفرِكُ عينيهِ ، ويشعرُ بالجوعِ وبالعطشِ ...
الوقتُ ضحىً
والبحرُ الهاديءُ كان يُوَشوشُ ... وِشْوِشُ ... وِشْوِشُ ... وِشْوِشُ
ثمّتَ عينٌ يترقرقُ فيها الماءُ
ويكشفُ عن حصباءَ ملوّنةٍ وحصىً أزرقَ ؛
واللوتُسُ طافٍ
يلمعُ إذْ يتضوّعُ :
هل تقطفُني يا بحّارُ ؟
اقطفْني يا بَحّارُ
اقطفْني أُطعِمْكَ من الجوعِ
اقطفْني !
.........................
........................
........................
لم يعُدِ البَحّارُ يرى غيرَ صخورِ جزيرتِهِ
غيرَ السمكِ الميْتِ
وغيرَ طيورٍ متوحشةٍ قد تأكلُهُ يوماً ...
لكنّ البحّارَ يفكرُ ثانيةً :
أوَلستُ أرى الآنَ المِرآةَ ؟
إذاً وَهْماً كانت سنواتُ الرِّحلةِ ...
وهماً كان نشيدُ البحر !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> بيانو كونداليزا رايس
بيانو كونداليزا رايس
رقم القصيدة : 5766
-----------------------------------
آهِ يا بوب مارلي ...
O, Bob Marley!
كيف أُوقِفُ هذا القطارَ ؟
Stop the train !
كيف أُوقِفُهُ ؟
أنتَ لا تعرف المرأةَ المستريحةَ عند البيانو ...
هي سوداءُ حقاً ؛(47/467)
ولكنها يا عزيزيَ ليست صديقةَ حُلمِكَ ، نينا سيمون
آهِ Nina Simone!
هذه المرأةُ المستريحةُ عند البيانو
لم تكن في زمانكَ شيئاً
( هي كوندوليزا رايس )
أمّا المفاتيحُ ، أعني مفاتيحَ ما قد نراه البِيانو
فهي أبوابُ مملكةٍ للجحيم ...
آهِ ، يا بوب مارلي
يا صديقي
يا صديقَ الزمانِ ...
يا صديقَ الأغاني التي تتحدّث عن قارة الحُلمِ
والحبّ
والعنفوانِ العظيم ؛
أنتَ لن تشهدَ السيِّدةْ
لن ترى كيف تأتي مفاتيحُها بملائكةِ الرّعبِ ،
أو كيف تفتحُ أبوابَ أحلامِها لكلاب جهنّمَ ...
لن تشهدَ العصْفَ يطوي سماواتِ بغدادَ ، مثلي ...
O, Bob Marley!
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> نبتة الورد الإيرلندي
نبتة الورد الإيرلندي
رقم القصيدة : 5767
-----------------------------------
تُطْلِعُ نَبْتةُ ما يُدعى الوردَ الإيرلنديّ ، الوردَ كما نعرفُهُ
أو نقرأُ عنهُ ...
هي عندي ، في زاويةٍ من بستاني
( لأُسَمِّ اليارداتِ الأربعَ بستاناً ... لن أخسرَ شيئاً ! )
هي عندي منذُ حللتُ ، هنا ، قبل ثلاثةِ أعوامٍ ، في هذا المُنْتَبَذِ الريفيّ
وأنا أتَعَهّدُها
أسقيها ...
( كلَّ مساءٍ ، وكما اشتَرَطَتْ )
منتظِراً أن تُطْلِعَ ورداً
أو وعداً بالوردِ ؛
( يُسَمّى ذلك جُنْبُذَةً في البصرةِ )
خابَ المَسْعى !
خابَ المسعى !
والناسُ يقولون هنا :
الوردُ الإيرلنديُّ يفكِّرُ ...
فالنبتةُ في لندنَ
لا في دَبْلِنَ ...
.........................
.........................
........................
كيفَ ، إذاً سيكونُ الأمرُ مع البصرةِ ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> سانْتْ آيفيس
سانْتْ آيفيس
رقم القصيدة : 5768
-----------------------------------
ينفتحُ الشاطيءُ كالحدوةِ ...
من أعلى التلّ تطلُّ كنيسةُ بَحّارةْ
ويطلُّ الموتى ، وشواهدُهم في أيديهم ، يستافونَ شميمَ البحرِ
ويضطربون مع الأمواجِ
ومَن ركبوا هَبَواتِ الأمواجِ ؛(47/468)
الريحُ ستهدأُ بِضعَ دقائقَ ،
سوف يعودُ الموتى نحو أسِرَّتهم في الغسقِ المتَرَذْرِذِ
ناسينَ شواهدَهم بين مَنابتِ أشجارٍ قصفَتْها الريحُ ...
الآنَ
سيفتتحُ المَمشى البحريُّ مطاعمَهُ
ومَشاربَهُ ،
ولَسوفَ تجيءُ الفتياتُ من الماءِ مباشرةً
مبتلاّتٍ
أَنصافَ عرايا ...
ستكونُ الموسيقى صاخبةً .
........................
.......................
.......................
أيُّ بيوتٍ ستقولُ لنا : أهلاً ؟
لقد انتصفَ الليلُ
وأغفى السامرُ
واستكملت الأبوابُ مَغالِقَها ...
لكنّا ، نحن الإثنينِ ، نتابِعُ في الطرقاتِ القَفْرِ ، متاهتَنا
لا بابَ لنطرقَهُ
لا شُبّاكَ لننظرَ فيهِ
ولا مِرآةَ لتنظرَ فينا ؛
نحنُ ، الإثنينِ ، علينا أن نستوفيَ دورتَنا ...
............................
...........................
...........................
هل ينفتحُ الشاطيءُ كالحدوةِ
كي نبصرَ في أعلى التلِّ كنيسةَ بَحّارةْ
فنُصلِّي فيها حتى ينبلجَ الفجر؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> أبن عائلة ليبي مقيم في أوربا
أبن عائلة ليبي مقيم في أوربا
رقم القصيدة : 5769
-----------------------------------
قالوا لي : كيف تقيمُ هنا ؟
تترك بيتكَ عند طرابُلُسٍ ، وحقولَ الزيتونِ ، ومقبرةَ الأجدادِ ،
وتسكنُ في حيٍّ من أحياءِ الفقراءِ بروما ؟
قالوا لي أيضاً : إني الأكبرُ سِنّاً في العائلةِ ...
أعرفُ هذا ،
أعرفُ أني أسكنُ في عاصمة القيصرِ
أن جنود الحاميةِ الرومانيةِ في أرباضِ طرابُلُسٍ
يَجْبونَ ضرائبَ فادحةً ،
ويحبّونَ الغلمانَ الليبيينَ
ويغتصبون نساءً أحياناً ...
أعرفُ هذا ؛
لكنْ ... إنْ كانت ليبيا مستعمَرةً للرومانِ
فهل أفضلُ لي أن أسكنَ في مستعمرةٍ ؟
أن أسكنَ داخلَ ما سَمّاه الرومانُ بلادَ برابرةٍ ؟
أنا في حيٍّ من أحياءِ الفقراءِ بروما ... حقّاً
لكنّ العسسَ الليليّ هنا لا يزجرني
لا يسألني
لا يأمرني أن أخلع أثوابي ليفتشني ...(47/469)
والأمرُ بسيطٌ جداً ، جداً ، جداً ؛
فالعسسُ الليليّ هو العسسُ الليليُّ لعاصمةِ القيصرِ
لا للمستعمرةِ ...
.....................
.....................
.....................
الآنَ
سأفتحُ نافذةً كي يدخلَ ضوعُ صنوبرةٍ بعد المطرِ ؛
.......................
.......................
.......................
ابتعدتْ عني رائحةُ البارود .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> نظرة جانبية
نظرة جانبية
رقم القصيدة : 5770
-----------------------------------
حين تنظرُ عبرَ الزجاجِ المواربِ نظرتَكَ الجانبيةَ
تبصر أن الغيومَ ارتدتْ ورقاً من غصونٍ زجاجيّةٍ ...
هل تمادى الرذاذُ على مَسكن النملِ؟
هل هجستْ سلّةُ الزهرِ سنجابَها يترجّحُ ؟
هل كنتُ أهذي بأسماءِ مَن رحلتْ أمسِ
تاركةً مخدعي بارداً يتنفّسُ ؟
...........................
...........................
...........................
كان القطارْ
مسرعاً بين قُصوى محطّاتهِ والمطار ...
انتبهتُ إلى أنني لم أكن في دمشقَ ؛
ولا أنا في القاهرةْ '
وانتبهتُ إلى أن أمطارَ آبٍ حقيقيّةٌ
مثلَ ما أنني جالسٌ لِصقَ نافذةٍ ...
أسمعُ الآنَ صوتَ الرذاذِ الذي صار في لحظةٍ مطراً
أسمعُ الطائراتِ ...
الصواريخُ تنقضُّ
.................
.................
.................
إني أُقِيمُ الصّلاة .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> أكثر من ذكرى ، أقل من ذاكرة
أكثر من ذكرى ، أقل من ذاكرة
رقم القصيدة : 5771
-----------------------------------
يا أرضنا المشتراة المباعةَ ، والمشتراةَ المباعةَ ، ثانيةً
أنتِ ، يا وجه مَن يتذكّر منّا تواريخَ ميلادهِ :
بعُدنا عن النخلِ ...
لكنّ الناس كثيرو النسيان ، هذه الأيام ، بل كاد النسيان يغدو وباءً ، حتى صار المرء يُحاذر ويتّقي خشية أن تصيبه العدوى ، وما أدراك ما العدوى!(47/470)
أمّا أنا فلا أخشى على نفسي من نفسي ، أعني أنني لا أستطيع أن أنسى تاريخ ميلادي ...
صحيحٌ أنني أجهلُ اليوم ، والشهر أيضاً ( وهو أمرٌ كان سائداً في قديم الزمان ) ، إلا أنني أعرف العام جيِّداً ،وهو العامُ الرابع والثلاثون بعد تسعمائةٍ وألف . بالتأكيد أنا لم أسعَ كي يتطابق هذا العامُ مع تاريخ التأسيس العجيب للحزب الشيوعي العراقي ، لكنّ ا
العراقي فتوّةً وشباباً .
قد يقول قائلٌ : ولماذا مضيتَ في هذه الحماقةِ حتى الآن ؟ أليس العالَمُ مسالك ودروباً ؟ ألم يخطر لك أن تختار سبيلاً تمضي فيه ، ولو إلى حين؟
ولسوف أقول لهذا السيد القائل :
الشيوعية ليست حزباً . الشيوعية فلسفةٌ وموسيقى .
إنها إطلالةٌ جذريّةٌ على الكون ، ومسعىً لهندسة جماله ، من أجلِ فقراء الكون ومعذَّبيهِ . وأنا ماضٍ معها لأنني مقتنعٌ بفلسفتها ، ومحبٌّ لموسيقاها الكونيةِ .
وما دام في العراق حزبٌ شيوعيٌّ فأنا معه.
الأمر بهذه البساطة . وأنا امرؤٌ بسيطٌ .
وإن كان للناس أبراجهم ، كما تنشر المجلاتُ ، فأنا لي بُرجي أيضاً :
البرج
كلّما ضقتُ بالسهل ِ ، واجَهني عالياً ...
كان صخرُ الجبالِ القريبةِ ينمو عليه ، وتنمو على الصخرِ أعشابُهُ ...
كان برجاً قديما.
منه أُبصرُ حتىالقلاعَ مُوطّأةً ، والسماءَ التي يحتويها سديما
كان بُرجاً قديما
مائلاً لليسار قليلاً ، ومنهدمَ البابِ
يدخله الصاعدون
ويخرج منه الذين يرون النجومَ القريبة.
ولقد يأخذُ السائحون
في حقائبهم بعضَ أحجارهِ ...
للمَعارضِ والكتبِ والمدنِ المستريبة.
وهو يسخر ، في صمته، عالياً ...
مُشرِعاً بابَه المنهدم
مائلاً لليسار قليلا
ماثلاً في المعارضِ والكتب والمدن المستريبةِ هَمّاً مُقيما
كان بُرجاً قديما...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> أغنية الصرّار
أغنية الصرّار
رقم القصيدة : 5772
-----------------------------------
ربّما ساءلتُ نفسي الآنَ ، عمّا أكتبُ الآنَ ...(47/471)
لماذا أكتبُ الآنَ ؟
وفي أيّ مكانٍ أكتبُ الآنَ ؟
.............
.............
.............
ألمْ يُتعبْكَ نصفُ القرنِ من ألعابِكَ :
الصخرةُ والنبعُ
وهذي اللغةُ ... الألوانُ والغيمُ ...إلخ ؟
إنك لا تبدو دؤوباً مثلَ نجّارٍ
ولا منتبهَ المَلْمسِ كالخزّافِ ؛
أنت الغافلُ
الناحلُ
والتأتاءُ ...
ما شأنُكَ والدنيا ؟
دع العالَمَ يمضي مثلَ ما علّمَنا العالَمُ أن يمضي ،
فما للّهِ ، لِلّهِ
وما قد كان للقيصرِ ، للقيصرِ ...
قُمْ ، فاذهبْ إلى مقهىً على الشاطيءِ
وانعَمْ بنبيذِ الشمسِ إذ تغربُ
والمرأةِ إذ تلعبُ
والسّنجاب ...
...............
...............
...............
كم ساءلْتُ نفسي !
نصفَ قرنٍ ، وأنا أسألُ نفسي :
لِمَ لا تخذلُني أغنيةُ الصّرّارِ ، كي أغفو قليلا ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> عطلة المصارف
عطلة المصارف
رقم القصيدة : 5773
-----------------------------------
قلتُ : لن أكتبَ حرفاً واحداً هذا الصباحَ ...
اليومَ عيدُ المَصرفيّينَ
فلا حافلةٌ تأتي
ولا مصطبةٌ يحتلُّها سكرانُ ؛
والناسُ ينامونَ إلى أن يظهرَ الحقُّ .
البريدُ المَلَكيُّ انصاعَ أيضاً لسياط المصرفيّينَ .
يَمامُ الدغْلِ لم يدخلْ إلى بستاننا يلتقطُ الديدانَ والحَبَّ .
ومَن كانت ستأتي أخلفَتْ موعدَها ( الهاتفُ يكفي ! )
لستُ أدري كيف لا أنتحرُ !
العالَمُ قد أغلقَهُ البنكُ
وتحكي أنتَ عن فُحْشِ بروليتاريا
ومتراسٍ شيوعيٍّ ببرلينَ
وقَرنٍ سالفٍ !
ما أعجبَ الدنيا ...
كأني كنتُ مسؤولاً عن الثورةِ ...
لا بأسَ ، إذاً ؛
كم قلتُ : لن أكتبَ حرفاً واحداً هذا الصباح ْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الليلة أقلد بازوليني
الليلة أقلد بازوليني
رقم القصيدة : 5774
-----------------------------------
لستَ " المتصوِّفَ " ...
لستَ " السرياليَّ "
ولستَ النادمَ عمّا أحببتَ :
النخلَ ، ورايتَكَ الحمراءَ ؛(47/472)
ولستَ المتوسِّلَ بالصحفِ الصفراءِ
( أ كُلُّ الصحفِ الآنَ تسمِّيها صفراءَ ؟ )
إذاً ... كيف ستمضي في هذي المَذأبةِ الكبرى ... ؟
مَن سيترجمُ أشعارَكَ عبرَ لغاتِ السوقِ الأوربيّةِ ؟
مَن سَيُرَشِّحُكَ ، الليلةَ ، في المطعمِ ، للجائزةِ الألمانيةِ ، أو تلكَ الكَرواتيةِ ؟
مَن سيُسجِّلُ عنوانَك والهاتفَ والإيميلَ ، على قائمةِ المدعوِّينَ إلى كل جهاتِ الأرضِ ؟
وأيّ امرأةٍ سوف تُمَسِّدُ خُصلةَ شَعرِكَ ، هذا الأشيبِ ، من عينٍ في هاتفها النقّالِ ؟
و مُؤصدةً ، ستكونُ البابُ أمامَكَ
مُؤصَدةً ، وحديداً ؛ ولَسوفَ يكونُ الظُّهرُ - كما كان الليلُ - شديداً
يبدو أنكَ تعرفُ هذا من زمنٍ ! أ لهذا كانت دعوتُكَ اليومَ إلى الحانةِ ؟
أرجوكَ ، اسمَعْني ! أنا مثلكَ ، أرتاحُ إلى البارِ الإيرلنديِّ
ومثلكَ ، لا أعرفُ أن أتوقّفَ ... مثل قطارات تروتسكي في ثورة أكتوبرَ ،
كم قلتُ لكَ : انتبه ! الدنيا ما عادت تُقرأُ مثلَ الكَفِّ ...
ولكنكَ ، ما زلتَ المأخوذَ بما أتوهَّمُ أنكَ لم تَعُدِ المأخوذَ به :
مثلاً ، بعراقٍ مركونٍ في زاويةٍ من ميثولوجيا وشيوعيينَ !
إذاً سأصدِّقُ : لستَ المتصوِّفَ
لستَ السّرياليَّ
ولستَ النادمَ عمّا أحببتَ :
النخلَ ، ورايتَكَ الحمراء ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تكوين 34
تكوين 34
رقم القصيدة : 5775
-----------------------------------
من قبلِ أن نأتي القواعدَ
كنتَ قاعدةً أمامَ اللهِ والطبقاتِ
كنتَ تفتِّتُ الأحجارَ بين الناصرية والشمالْ
تقولُ للوردِ : التُّوَيجُ مخبّأٌ
وتقول للبرديّ : خبّأنا البنادقَ فيكَ
للورقِ : الجريدةُ أنتَ
للمتياسرينَ : إلَيَّ ...
للفوضى : سلاماً للذين ينظِّمون مدائحَ الفوضى
وينتقلون بين الناصرية والشمالْ .
لوجهكَ : الظلماتُ مطْبِقةٌ
لأهلكَ : ليس بعد الليلِ إلاّ الليل .
للتاريخِ : نحن الفجرُ ...
لم ننزلْ على خيلٍ مُسَوَّمةٍ
فأطلَقْنا خيولَ الجنِّ ...(47/473)
تجدحُ ،
وانطلقنا قبلَ أن نأتي القواعدَ
نحو قاعدةٍ أمام الله والطبقاتِ...
كانت مثلَنا في الناصريةِ .
مثلَنا في صورةِ الأسلافِ
والكوفيةِ الرقطاءِ
والدمِ مُدْلَهِمّاً في خطوطِ الوشمِ
أيّامَ النساءُ محجّباتٌ
في المآتمِ والقطاراتِ البطيئةِ
والمساجدُ تختفي في النخلِ
أيامَ الكنائسُ لم تزلْ بيضاءَ ، يونانيّةَ القُدّاسِ
أيامَ المسمّى ، أنتَ : قاعدةً أمامَ اللهِ والطبقاتِ
سارتْ مثلَنا مقروحةَ الأقدامِ
تحملُ مثلَنا ما يحملُ الأسلافُ
وشْمَ الحِنْكِ والكفَّينِ
والمنشورَ أزرقَ
والرصاصةَ في عيونِ الخيلِ
تحملُ مثلَنا ما يحملُ الأسلافُ
بين الناصريةِ والشمالْ .
سنُعِيدُ هذي الدورةَ الصمّاءَ
هذي الوردةَ المقطوعةَ الأعضاءِ
نُقتَلُ في الخلايا
ثم نُقتَلُ في المواقفِ ،
ثم نُقتَلُ في قواعدنا ...
نعيدُ الدورةَ الصمّاءَ والوردةْ
نعيدُ رهافةَ الوحدةْ
ونسكنُ في التفرُّدِ ... في اخضرارِ الوشمِ
نسكنُ :
في خلايا لم ترشِّحْها الخلايا
في مواقفَ لم تُعَرِّفْها المواقفُ
في قواعدَ تحتفي بدمِ الزمانِ النذلِ ...
ننأى في التفرُّدِ
في تفاصيلِ الهُوِيّةِ والكلامِ
وملْمسِ الأيدي التي وُشِمَتْ ،
وإيقاعِ الرصاصةِ والسؤال :
أتطْلُعُ الأشياءُ
فلتطْلُعْ بنا الأشياءُ كالأشياءِ
تطلُعْ
رايةٌ حمراءُ في التكوينِ : بين الناصرية والشمال .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> هذا المساء سأكون سعيدا
هذا المساء سأكون سعيدا
رقم القصيدة : 5776
-----------------------------------
شمسُ الضحى تملأُ العشبَ الفتيَّ ، وفي القواربِ اصّاعَدَتْ
تلكَ الوشائعُ أشتاتاً
وأبخرةً من المواقدِ ؛
كان الكونُ يغسلُ بالشمسِ الرطوبةَ ...
أيّاماً تَهَدّدَنا ثلجٌ
وأغرقَ أعشابَ الحديقةِ غيثٌ سابغٌ .
رئتي نقيّةٌ ،
ودخانُ الموقدِ احتفلتْ به الرياحُ
وأكوابي مهيّأةٌ
مع النبيذِ المُصَفّى المُصطفى ...
وعلى زجاجِ نافذتي
بُقْيا ندىً ؛(47/474)
أيُّ نُعْمى حينَ تَطْرقُ بابَ البيتِ
أغنيةٌ مع المساءِ ؟
...............
...............
...............
أهذي ليلتي العَجَبُ ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> صلاة الوثني - إلى عبدالرحمن منيف
صلاة الوثني - إلى عبدالرحمن منيف
رقم القصيدة : 5777
-----------------------------------
يا رَبَّ النهرِ ، لكَ الحمدُ :
امْنَحْني نِعْمةَ أن أدخلَ في الماءِ ...
لقد جفَّ دمي
ونشِفتُ ؛ قميصي رملٌ ، وشفاهي خشبٌ
حتى حُلمي صار طوافاً في مَذأبةٍ صفراءَ ...
امنَحْني ، ياربَّ النهرِ
كِساءَ النهرِ ،
لكَ الشكرُ
لكَ الحمدُ
فمَنْ لي غيرُكَ ، يا عارفَ سِرِّ الماءْ ؟
...............
...............
...............
يا ربَّ الطيرِ ، لكَ الحمدُ :
امنَحْني أنْ أتَقرّى بين يديكَ جناحَ الطيرِ
امنحْني نِعمةَ أن أعرفَ نبضَ قوادمِهِ وخوافيهِ
وأنْ أدخلَ فيهِ ...
لقد أُوثِقْتُ ، سنينَ ، إلى هذي الصخرةِ ، يا ربَّ الطيرِ :
أدِبُّ دبيباً
وأرى كلَّ خلائقِكَ ارتفعتْ نحوَكَ تحملُها أجنحةٌ
إلآّيَ ...
امنَحْني ، يا ربَّ الطيرِ ، جناحينِ !
لكَ الشّكر ...
...............
...............
...............
يا ربَّ النخلِ ، لكَ الحمدُ :
امنَحْني ، يا ربَّ النخلِ ، رضاكَ ، وعفوَكَ :
إني أُبصِرُ حولي قاماتٍ تتقاصَرُ
أُبصرُ حولي أمْطاءً تَحدودِبُ ،
أُبصرُ من كانوا يمشونَ على قدمينِ انقلبوا حيّاتٍ تسعى ...
يا ربَّ النخلِ ، رضاكَ وعفوَكَ
لا تتركْني في هذي المحنةِ
أرجوكَ !
امنَحْني ، يا ربَّ النخلةِ
قامةَ نخلةْ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> النبيذ الذي ظل منتظراً كل تلك السنين
النبيذ الذي ظل منتظراً كل تلك السنين
رقم القصيدة : 5778
-----------------------------------
ما أصعب الأغنية!
من ترى، أرسل الأغنية؟
لا أقول الهواء الذي يتبعثرُ بين الشجر
لا أقولُ القطارات تهدر تحت الغيوم الخفيضة
لا أقول انتهيت من الحب أمس...(47/475)
أقول: ليَ الصوتُ
تمتمةٌ
وتمائمُ
ترتيل تر، تر، وتر، تر... تراتيل
ترتد
ترتاد
ترتاح
تنداح
ترفض
تنهدُّ
ترتدُّ...
.........
.........
.........
تنويمةٌ، ان نغني، وأن ننتهي
أن نتمتم من منتهى التمتمات
النسيم
النبيذ الذي ظل منتظرا كل تلك السنين
والبساط الذي لم يكن
والنسيج
النسيج الذي لن يُرى
والنشيج المباغت،
.........
.........
ما أجمل الأغنية!
لندن 19/7/2002
شرفة هاملت (1)
...
مرقاك الوحيد الى الحياة، الموت من مرأى أبيك،
القلعة الليلية انطبقت
اقوقعة القيامة تلك؟
أطبقت الظلال على السلالم...
سوف يقول هوراشيو:
تمهل، يا أمير!
الليل أعمق من مخاوفنا،
واخطر من معارك أمس...
أنت عرفت ما لا يعرف القدماء والبحارة الحكماء
أنت عركت نفسك
واستعذت بها
ولكن الدجى أبد...
ويقول مارسيليوس مرتبكا:
تمهل يا أمير...
ألم تقل: سجن هي الدانيمارك؟
ماذا سوف تلقى من متابعة الصعود؟
ومن، ترى، تلقى؟
أباك؟
لقد رأيناه،
وكان مسلحاً...
?
الليل منتصف
وهذي القلعة البحرية ارتطمت بشاطئها
وهاملت
يصعد المرقى...
لندن 3/7/2002
شرفة هاملت (2)
هنا، كان روزنكرانتس واقفا:
لم تكن شرفة (مثل ما ألف الناس، أو مثل ما جاء في الكتب):
البحر هاويةٌ
وهي كانت مطلا على الهاوية
لكن روزنكرانتس يراها كما قد يرى البرزخ
(النقطة الصِّفر بين الحياة واقنومة الزاوية)
كان روزنكرانتس يراقب ما يقذف البحر
ما يتكسر من سنن أو سفائن
يرقب بحارة
وقباطنة
ينزلون هنا
يرحلون، مع الفجر، أو في ليالي العواصف عاتية، من هنا.
آه روزنكرانتس!
أنت تصنع، من كل ما قد ترى فيه أسئلة، مسرحا
(وليكن مثل ما شئت ان يتبدى، بسيطا)
غير أنك ممتحن، يا صديقي، هذا الصباح:
سفينة هاملت ألقت مراسيها
الآن...
والمسرحية لم تبتدئ، بعد
.........
.........
.........
المسرحية لم تبتدئ، بعد
فلتكشف السر، روزنكرانتس:
أتكون انتهت؟
لندن 3/7/2002
شرفة هاملت (3)
أنا الآن في المرقب:
الريح تدخل في البحر(47/476)
والبحر يدخل في الريح،
ملح هو الأفق
حتى السفائن، في المرفأ الجهم، تبدو مشوشة،
والصباح الذي أرتجي
ليس في الدانيمارك...
المساء سيأتي
وفي مهبط الليل، ينعب، أوحش من خندق القلعة، البوم
والليلة: الحفلة الملكية...
.........
.........
.........
فلأحتفل:
أن تكونك أو لا تكون
آنها سيجيء الجنون.
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الليلة لن أنتظر شيئاً
الليلة لن أنتظر شيئاً
رقم القصيدة : 5779
-----------------------------------
أنا لن أنتظرَ الليلةَ شيئاً :
هو ذا القطنُ الشتائيُّ يغطي ساحةَ القريةِ
والطيرُ الذي ظلَّ يزورُ الكستناءَ ارتحلَ...
الأشجارُ لا تهتزُّ ،
والنافذةُ الوسطى التي تمنحُني إطلالةَ البُرجِ ، تغيمُ
..............
..............
..............
الآنَ تأتي عدنٌ بالبحرِ
تأتي عدنٌ بالسَّيسَبانِ الحُرِّ والأسماكِ
تأتي بالأفاويهِ ...
وتأتيني بما يجعلُ هذا الكونَ ملتفّاً على جمرتهِ ؛
أنظرُ في المرآةِ :
كانَ الشخصُ يدعوني إلى شاطئهِ
مثلَ الغريق ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> البريد الليلي
البريد الليلي
رقم القصيدة : 5780
-----------------------------------
هذه الرسالةُ - النصُّ ، وصلتني البارحةَ . كنتُ عائداً من مشرب القريةِ
بعدَ أن أدّيتُ طقسي المسائيّ باحتساءِ كأسي الكبيرة
من البيرة السوداء . عند أُولى درْجات السُّلَّمِ ، في منزلي ،
وجدتُ المُغَلَّفَ ، وكان شِبه مدعوكٍ . كان الأمرُ مفاجِئاً
إذْ ليس من بريدٍ في مثل هذه الساعة ، كما أن المغلّفَ كان بلا طوابعَ
أو أختامٍ . قلتُ : البريدُ أمرٌ غامضٌ عبر التاريخ . سككُ البريدِ ( كما
سمّاها الفرزدقُ ) كانت للملِك . للخليفة . لِظِلِّ الله .
إذاً ، ثمّتَ ما يصلُ بين البريدِ واللامعقولِ ... خُذْ هذه الرسالةَ مثلاً ...
مَن كتبها ؟ المرسِلُ لم يذكر اسمَه . كلّفني المشقّةَ .(47/477)
ومع قراءتي الرسالةَ ، فهمتُ أنّ أُمّةً كاملةً من الجنِّ كانت في المتْنِ.
خمسةَ عشرَ قرناً من الجنونِ ... ما شأني أنا بهذا ؟ أنا المترهِّبِ في منزلٍ
ريفيٍّ ، في رَبْضٍ من أرباضِ لندنَ ؟ النرجسُ البرِّيُّ مبكرٌ جداً ،
وأسرابُ السنونو أيضاً . المطرُ المنهمرُ دوماً ينهمرُ دوماً ، وأنا شِبهُ
دائخٍ . قلتُ : فَلأَمضِ مع الرسالة . امضِ ، فرُبّتَما هدأتْ هواجسُكَ .
على أي حالٍ ... أنا لم أتوقّفْ في قراءتي ، لأتَثَبّتَ من النصوصِ ،
وأدقِّقَ في روايتِها . خُذي عَبَراتِ عينِكِ عن زَماعي
وصونِي ما أذَلْتِ من القناعِ . أآلِفةَ النحيبِ كم افتراقٍ أجَدَّ فكانَ
داعيةَ اجتماع . وليستْ فرحةُ الأوباتِ إلاّ لموقوفٍ على ترَحِ الوداعِ .
أُسائلُها أيَّ المَواطنِ حَلَّتِ ، وأيَّ بلادٍ أوطأتْها وأيَّةِ ...؟
وماذا عليها لو أشارتْ فودّعتْ إلينا بأطرافِ البنانِ وأومَتِ . ولي دونكم
أهلونَ : سِيْدٌ عُملَّسٌ ، وأرقطُ زهلولٌ وعيفاءُ جَيهَلُ . تمنيتُ أني
بين روضٍ ومنهلٍ مع الوحشِ لا مِصراً حللتُ ولا كَفْراً . ولَمّا
قضينا من مِنىً كلَّ حاجةٍ ومَسَّحَ بالأركانِ مِن هو ماسحُ ، وشُدّتْ
على حُدْبِ المَطايا رِحالُنا ، ولم يعرف الغادي الذي هو رائحُ ...
أخذْنا بأطرافِ الأحاديثِ بيننا ، وسالتْ بأعناقِ المَطيِّ الأباطحُ .
لقد زِدتَ أوضاحي امتداداً ولم أكُنْ بهيماً ولا أرضى من الأرضِ مَجْهَلا
ولكنْ أيادٍ صادفَتْني جِسامُها أغرَّ فأوفتْ بي أغرَّ مُحَجَّلا .
إذا الملِكُ الجبّارُ صَعَّرَ خدَّهُ مشَينا إليه بالسيوفِ .
كأنكَ لم تسمَعْ بقتلِ مُتَوَّجٍ مليكٍ ، ولم تسمَعْ ... رمى واتَّقى
رميي ، ومِن دونِ ما اتّقى هوىً . ما كان ضرَّكَ لو عفوتَ وربّما يعفو
الفتى وهو المَغِيظُ المُحْنَقُ . ظلّتْ سيوفُ بني أبيه تنوشُهُ
لِلّهِ أعراضٌ هناكَ تُمَزِّقُ ! لَربّيتُهُ حتى إذا آضَ شَيظَماً(47/478)
أخا الفحلِ واستغنى عن المسحِ شاربُهْ ، تَغَمَّطَ حقي ظالماً ولوى يدي
لوى يدَهُ اللهُ الذي هو غالبُهْ . ربّيتُهُ مثلَ ... حتى إذا آضَ كالفُحّالِ
شذَّبَهُ أبّارُهُ ونفى عن متنِهِ الكَرَبا ، أضحى يمزِّقُ أثوابي
يؤدِّبُني ... أبعدَ شيبيَ عندي يبتغي الأدبا؟ أعائشُ : لولا أنني كنتُ طاوياً ثلاثاً
لألقيتُ ابنَ أُمِّكِ هالكا ، غداةَ ينادي والرماحُ تنوشُهُ كوقع الصياصي ، اقتلوني
ومالِكا ! قومي همو قتلوا أُمَيمَ أخي ، فإذا رميتُ أصابَني سهمي
ولَئِنْ عفَوتُ لأَعْفُوَنْ جللاً ، ولَئِنْ قسوتُ لأُوهِنَنْ عَظْمي !
إليكِ ، إليكِ يا بغدادُ عنِّي
فإني لستُ منكِ ولستِ منِّي
ولكني وإنْ كثُرَ التجنِّي
يَعزُّ عليَّ يابغدادُ أني ...
فلِمَنْ تغنِّي والمقاهي أغلقتْ أبوابَها ؟
.......................
.....................
.....................
مطرْ
مطرْ
وفي العراق جوعْ .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> وشم الذئب
وشم الذئب
رقم القصيدة : 5781
-----------------------------------
كان مساءُ القريةِ في أوّلِهِ
والحانةُ كانت في أولِ مُقتَرَباتِ القريةِ ؛
في كل مساءٍ أتمشّى من بيتي كي آخذَ كأساً في حانة قريتِنا
وأعود لأدخلَ في ليلي وكوابيسي ...
...........................
...........................
...........................
حين دخلتُ اليومَ الحانةَ
قلتُ : اختلفَ الأمرُ !
فقد وقفتْ خلفَ البارِ المتواضعِ ساقيةٌ أخرى ...
...................
...................
...................
عندَ الفِقْراتِ السُّفلى
من ظَهرِ فتاةِ الحانةِ ،
في مفترَقِ الإلْيةِ هذي
عن تلك الأخرى :
يتمشّى وشمُ الذئبِ الأزرقِ ...
أحياناً يتخفّى الذئبُ الأزرقُ تحت حريرِ قميصٍ حُرٍّ
فتلوبُ فتاةُ الحانةِ ،
باحثةً بين الروّادِ عن الذئبِ ...
وباحثةً بين رماد سجائرِهم عن جَمْرِ العينينِ ؛
وماذا لو سقَطَ الثلجُ الآنَ ؟(47/479)
أترقصُ في الساحةِ إذْ تَبْيَضُّ الساحةُ ؟
أَمْ تُسرعُ كي تبلغَ غرفتَها
فَتُدَفِّيءَ ، عاريةً ، إلْيَتَها
تحتَ الشرشفِ
حيثُ يلوبُ الذئب ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> إذاً .. خذها عند البحر
إذاً .. خذها عند البحر
رقم القصيدة : 5782
-----------------------------------
قد جاءتكَ ، متوَّجةً ، فارعةً
متهلِّلةً
وعلى مَفرِقِها النجمُ القُطبيُّ ...
مزركشةً
أغصاناً وغلائلَ ، دوحةَ ميلادٍ ، في لحظةِ ميلادٍ
ستدقُّ البابَ ، لينفتحَ البابُ ؛
أتأخذُها في أدنى السُّلَّمِ
منتصبَينِ وملتصقَينِ
كصندوقِ كمانٍ ...
أَمْ تُمهِلُها كي ترقى السُّلَّمَ ذا الدّرْجاتِ السَّبعِ ؟
تفكِّرُ أنتَ :
المَمشى بين نهايةِ هذا السلَّمِ والغرفةِ
أطولُ من أن تتحمّلَهُ
من أن تصبرَ ...
هل تأخذها في المَمشى ؟
هل تهصرُها لِصقَ الحائطِ ؟
لكنْ ستفكِّرُ أنتَ :
لماذا لا تتبعُها حتى الغرفةِ
حتى متنفَّسِ ضَوعِ أراكٍ ، ومَجَسِّ حريرِ أرائكَ ...؟
سوف ترى شمساً بينكما
شمساً ومجرّةَ أقمارٍ
ونَثيثاً من طَلٍّ سرّيٍّ ...
ولسوفَ تكونانِ سعيدَينِ ومرتجفَينِ ؛
...........................
..........................
.........................
تفكِّرُ أنتَ :
ولكنّ بهاءً كبهاءِ الزائرةِ العُليا أقدسُ من أن يؤخَذَ
بين أراكٍ وأرائكَ ...
إنّ بهاءً يستغرقُ كوناً لا يتحمّلُ ضِيقَ مكانٍ ؛
..........................
........................
........................
حسناً يا ولدي !
الآنَ تعلَّمتَ من الغائبِ شيئاً
وعرفتَ ...
إذاً ، خُذْها عندَ البحر .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> لاقهوة في الصباح
لاقهوة في الصباح
رقم القصيدة : 5783
-----------------------------------
لليوم الثالثِ
لم أتناولْ قهوةَ صُبحٍ ؛
ليس لأني لا أعرفُ كيف أُعِدُّ القهوةَ
أو أني لم أشتَرِ بُنّاً
( لا سُكّرَ )
قد تتساءلُ : " ما شأني؟ "
حقاً ... ما شأنُكَ أنتَ ؟(47/480)
سواءٌ ، كانت لي قهوةُ صُبحٍ
أم لم تكنِ ...
الغيمُ ، مُسِفٌّ ، دانٍ ، هذا اليومَ
ولم تَتَراءَ الشمسُ
تماماً ، كالقهوةِ ، منذ ثلاثةِ أيّامٍ
وأَزِيدُكَ أن فتاتي لم تأتِ ، ولم تهتفْ ، منذ ثلاثةِ أيّامٍ
وأزيدُكَ أكثرَ أنّ قوائمَ باهظةً للغاز أتتني منذ ثلاثةِ أيامٍ ...
...........................
...........................
...........................
وأخيراً :
أنباءُ جنودِ " الحرس الأسود "
The Black Watch
في بابلَ ...
*
أنتَ صديقي العالقُ ، مثلي ، بالإنترنت ...
أنت صديقي ؛
إنْ لم أشْكُ لكَ البلوى ،
فَلِمَنْ أشكو ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تعشيق
تعشيق
رقم القصيدة : 5784
-----------------------------------
ليس بالمعنى الدقيقِ ، القولُ :
إنّ امرأتي ( أعني فَتاتي ) هجرتْني فجرَ هذا اليومِ ...
حقّاً ، خطفتْ سروالَها والصُّدْرةَ الصوفَ ، من الكرسيّ
ثمّ اندفعتْ ، مُطْبِقةً باباً ، لكي تهبطَ كالبرقِ
على السُّلَّمِ ...
كانَ المطرُ استجمَعَ ما يَهوي به فوقَ الزجاجِ ؛
الريحُ
لم تتركْ على الأشجار إلاّ بضعَ أوراقٍ
كأن الأرضَ كانت ، منذُ كانت ، ورقاً أصفرَ مبلولاً ومبذولاً ...
أقولُ : المرأةُ - القطّةُ
حقاً غادَرَتْني ... وهي لم تعبأْ بما يعصفُ
لم تعبأْ بما لا يوصَفُ : الرعدِ ، وهذا الوابلِ المُنْهَلِّ ...
والرجفةِ ؛
طولَ الليلِ كانت طائراتٌ تَعْبرُ الأعصابَ نحوَ البصرةِ .
الريحُ هديرٌ مَعدِنيٌّ
شاحناتٌ هي إيكاروسُ ليليّاً
ومَعنى القولِ ...
لم أعرفْ لماذا لم أقُلْ للمرأةِ : اسْتَأني رجاءً !
ولماذا لم أَقُمْ من مضجعي أَتبَعُها ...
أنا شخصٌ ساذجٌ
في منتهى التهذيبِ ...
يشتدُّ هديرُ الطائراتِ
الريحُ لا تحملُ إلاّ الطائراتِ
الطائراتِ
الشاحناتِ الجُنْدَ في الليلِ إلى البصرةِ .
إن امرأتي أطبقتِ البابَ
لكي أُصغي إلى صمتي وحيداً ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تداخل
تداخل(47/481)
رقم القصيدة : 5785
-----------------------------------
اليومَ أوّلُ أيامِ الخريفِ . مظلاّتُ المقاهي خذاريفٌ تدورُ
وفي السحائبِ اشتدَّ لونٌ داكنٌ . لِمَن الدنيا؟
لقد كان في أشجارها ثمَرٌ للجائعينَ ، وفي
أوراقِها مطرٌ للسالكينَ دروبَ القيظِ ...
لو رجعتْ أيّامُهُ ، آنَ كانَ الكونُ مُلْتأَماً لأهلِهِ
ومَعاداً للفتوّةِ ... ، يا
صامتاً
تجلسُ بين الناسِ ، في المقهى ( أو الحانةِ ) ، عصراً
ترقبُ الآتينَ
أو تأخذُ شيئاً
وتلُفُّ التبِغَ الأسودَ ( أحببتَ فرنسا دائماً )
ثمّتَ شيءٌ غامضٌ ينبضُ إذْ تجلسُ بين الناسِ ...
ـ لكنكَ لا تعرفُ في المقهى سوى الساقيةِ المشغولةِ ـ
اليومَ أوّلُ أيامِ الخريفِ ... ترى ذوائباً من مديدِ العشبِ
ترفعُها ريحٌ ، وتخفضُها ريحٌ . وثَمَّ خيولٌ
تقتفي أثراً بينَ المَعاشِبِ ، في مَرْجٍ بلا أَثَرٍ .
أنصِتْ لأنفاسِكَ :
الأمطارُ قادمةٌ ...
و
خائفٌ
نَبْضُكَ ... في المقهى أتى رُكّابُ موتورسِيكِلاتٍ .
مثلَ ما شاهدتَ في الأفلامِ : عشرينَ ، أقاموا ما أقاموا ،
وانتهَوا في بَغتةٍ .
رَعدٌ .
لقد أجفلَت الخيلُ ...
وهذا
اليومَ أوّلُ أيامِ الخريفِ . تَناوَحَ النحاسيُّ والصفصافُ* .
يهطلُ كالتفّاحِ ، أخضرَ ، وَبْلُ الكستناءِ ؛
ولا سناجيبَ
لا طيرٌ
ولا قططٌ ...
فاليومَ أوّلُ أيامِ الخريفِ .
أَقِمْ ، إذاً ، في مَهَبِّ الريحِ
سوفَ ترى الثعالبَ
الفجرَ ...
...................
..................
..................
أنتَ ، الآنَ ، تصطحبُ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الطبيعة تلعب بي ..
الطبيعة تلعب بي ..
رقم القصيدة : 5786
-----------------------------------
هاأنتذا حِلٌّ بهذا البلدْ طقسٌ شتائيٌّ ، ويومٌ أحَدْ ...
ما أقربَ الجنّةَ !
إن البحيراتِ تَراءى ، والنجومَ اللواتي غِبْنَ
يأتينَ
كما تأتي فتاةُ الدَّنَفِ الأوّلِ في الحُلْمِ ؛
انتبِهْ !
ساقيةُ البارِ تحيّيكَ ...(47/482)
فأنتَ الرجلُ المُمْعِنُ في التهذيبِ حدَّ اللعنةِ ؛
الصِّبْيانُ يصطادون أعشاباً من القاعِ ،
وفي بحرالشمال اصطفّتِ الأسماكُ كالسّردين في حاويةِ القبطانِ
...........................
...........................
...........................
سِيْدُورِي !
إذاً...
هاأنتذا حِلٌّ بهذا البلدْ
طقسٌ شتائيٌّ ويومٌ أحَدْ !
فجأةً .يتَنَزّلُ المطرُ بقطراتٍ كبيرةٍ . المطرُ صائتٌ ربّما للمرة الأولى في هذا البلد . لستُ أعرفُ ما أنا فاعلٌ . سأخرجُ إلى ساحة القرية . سأقولُ ( لنفسي ، فالناسُ في شُغُلٍ عني بشؤونهم ) مباركةٌ هذه العشية . مبارَكٌ ما تقوله أيها السيّدُ . مب
هاأنتذا حِلٌّ بهذا البلدْ
طقسٌ شتائيٌّ ويومٌ أحدْ !
من شواهد " لسان العرب " *:
عَدَسْ! ما لِعَبّادٍ عليكِ إمارةٌ نجوتِ ، وهذا تحملينَ طليقُ ...
هاأنتذا حِلٌّ بهذا البلدْ
طقسٌ شتائيٌّ ، ويومٌ أحدْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> قارة الآلهة
قارة الآلهة
رقم القصيدة : 5787
-----------------------------------
لو كنتَ وُلِدتَ بإحدى القارات المجهولةِ في قَرنٍ آتٍ
وتنفّستَ هواءً مختلفاً
وطَعِمْتَ غذاءَ من آلِهةٍ
وشربتَ رحيقَ ملائكةٍ ...
ولبستَ لبوسَ فضائيينَ ؛
أقولُ :
إذا أَمْكَنَ هذا
وتمكّنتَ ،
فهل آمُلُ أن أتلقّى منكَ بريداً ؟
ذبذبةً خافتةً مثلاً
أو بضعَ إشاراتٍ ضوءٍ ...
..................
..................
..................
كوكبُنا الآنَ يمُرُّ بقَرنِ ظلامٍ
والظلمةُ ، حتى الظلمةُ ، تشتدُّ على البؤساءِ
( أنا منهم ... )
أسألُكَ الرحمةَ :
هل تتدبّرُ أن يحملني منك شعاعٌ
كي أولَدَ في إحدى القارات المجهولة ، في قَرنٍ آتٍ
فأشِبَّ رهيفاً
بين ملائكةٍ
ومنازلِ آلهةٍ
وفضائيين !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تجربة ناقصة
تجربة ناقصة
رقم القصيدة : 5788
-----------------------------------
أنا منتظِرٌ ما يمحوه الليلُ ؛(47/483)
اختفت الزّرقةُ منذ الآن
ولستُ أرى إلاّ طيراً مَسْكنُهُ سقفي القرميدُ ،
ستُمسي كلُ سقوفِ القرميدِ رماداً
وستلبسُ حتى ساحةُ سياراتِ الحيِّ حِداداً
تلبسُ حتى الأشجارُ سواداً مُلْتبساً ...
مَنْ ستُغَنِّي ؟
هل أُرهِفُ سمعي للرعدِ بأرضٍ أخرى؟
هل ألجأُ للهاتفِ :
غَنِّي لي يا ساقيةَ المقهى البحريّ !
وغَنِّي لي يا صاحبةَ المطعمِ ...
غَنِّي لي يا دُمْيةَ محرابٍ زمنَ العبّاسيينَ ؛
البصرةُ ما صلّتْ لأذانٍ يرفعُه بشّار
البصرةُ لم يُرعِشْها مقتلُ بشّار
لكنَّ الأَمَةَ السوداءَ - فريدةَ أُمَّتِها - سارت تبكي بشّار ...
.................
................
................
اختفت الزُّرقةُ ؛
ها هوذا الليلُ الماحي كلَّ الأفوافِ
المُغْلِقُ كلَّ الأفواهِ
الهابطُ ، كالرمل البركانيّ على الأمواهِ ...
الليلُ المُعْلَنُ ، هذا الليلُ
المُعلَنُ ، والملعونُ
القاتلُ
والمجنونُ ؛
الليلُ السيِّدُ هذا الليل
الليلُ الأبيضُ هذا الليل ...
الليلُ النّصلُ
الصِّلُّ
الصافرُ ...
ليلُ قطاراتِ القتلى المشحونينَ إلى قمرِ الكثبانِ
...............
...............
......... .....
اختفت الزرقةُ ؛
والليلُ يغور
أعمقَ حتى من تهجئة الدَّيجور .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الأسماء
الأسماء
رقم القصيدة : 5789
-----------------------------------
ننسى أسماءَ الأشجارِ اللائي كنَّ سماءَ طفولتِنا
( حتى لو كانت بضعةَ أسماءٍ )
ننساها
( رِحلتُنا طالت ... تعرفُ هذا أنتَ ! )
ولكنّا لم نتعلَّمْ أسماءَ الأشجارِ
على طُرقِ الرِّحلةِ ...
( كان علينا أن نتعلّمَ أسماءَ العجلاتِ على الطرقاتِ القَفْرِ
وأسماءَ الخاناتِ بأرباضِ المدنِ ) ؛
القدماءُ يقولون ( وأحسَبُ ما قالوا حقّاً ) :
إنّ السِّدرةَ روحٌ
والنخلةَ روحٌ
والصفصافةَ سبعةُ أرواحٍ ( كالقطّةِ )
.............
.............
.............
ها نحن أُولاءِ الآنَ
بلا شجرٍ ؛(47/484)
انكونُ ، إذاً ، قد فارقْنا منذُ زمانٍ ، صبَواتِ الروح؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> فراشات الأنذير
فراشات الأنذير
رقم القصيدة : 5790
-----------------------------------
أنا منتظِرٌ ما يمحوهُ الليلُ :
اختفتِ الزُّرقةُ منذ الآن
ولستُ أرى إلاّ طيراً ، مَسْكنُهُ ، أبداً ، سقفي القرميدُ ...
سأوقِدُ قنديلاً
وأحاولُ أن أفتحَ لي مُنْفَسَحاً في مُلْتحَمِ السُّبُلِ -
القُنّةُ بيضاءُ
الشجرُ الأحمرُ ( عُثْنونُ الشيخِ ) على منحَدَرِ السّفْحِ
وكأسي كوبا الحُرّةُ ...
Cuba Libre
بِضعُ قُطَيراتٍ من مطرٍ صيفيٍّ لم يهطلْ بَعدُ تباغتُ أهدابي
افتَحُ جَفنَيَّ على سَعةِ العالَمِ :
ثَمَّ فراشاتٌ سودٌ
هائلةٌ
مثلَ طيورِ الدّغْلِ
ترفرفُ عبرَ فضاءِ الفندقِ نحوَ السّفْحِ ...
..................
..................
..................
البيتُ الريفيُّ
هنا في الضاحيةِ البيضاءِ تماماً
يفقدُ كلَّ خرائطهِ
ويهيم ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> مستعمرة رومانية
مستعمرة رومانية
رقم القصيدة : 5791
-----------------------------------
كنّا يونانيينَ ، منازلُنا عند تخومِ الصحراءِ العربيةِ ؛
لكنّ لنا نهرينِ
وبضعَ قرىً ، ومزارعَ نسقيها من أمواهِ النهرَينِ ...
وكان لنا أيضاً شعراءُ يُقِيمونَ الأوزانَ
ويحكون عن المرأةِ
والأزهارِ ،
وفي قِنّسْرِينَ بنينا مدرسةً للفلسفةِ
( الأمرُ الأغربُ أنّ تلاميذَ أرسطو يأتون إلينا أحياناً
ليقولوا شيئاً عن آخِرِ مخطوطات أثينا )
لكنّا يونانيونَ وفلاّحونَ
فلم نصنع أسلحةً
لم نعرف كيف نُعِدُّ الفتيانَ جنوداً
( ما قال تلاميذُ أرسطو إن مُعلِّمهم كان يدرِّبُ ابنَ فيليب المقَدونيّ على غزو المدنِ ! )
الدنيا تتغيّرُ
قالوا
حتى الشمسُ ستشرقُ من جهة الغربِ ...
...............
...............
...............
أنا أهذي الآنَ ، وحيداً ، في حانة كِرياكوسَ بـ " صَيدا "(47/485)
كوبُ نبيذي الفخّارُ اسْوَدَّ
وشَعري ابْيَضَّ ...
ولا أعرفُ مَن أُخبرُهُ - حتى سِرّاً - أنّ الرومان نفَوني
حين غدَونا مستعمرةً ؛
لكني لا أستبعدُ أن يعرفَ كرياكوسُ الأمرَ .
الدنيا تتغيّرُ
قالوا ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> لوكان الصبح جميلا
لوكان الصبح جميلا
رقم القصيدة : 5792
-----------------------------------
لو كان الصبح جميلاً ، مثلَ حذاءِ الـ Marx & Spencer
أو مثلَ قميصكِ ليلةَ أمسِ الأوّلِ
لو كان الصبحُ جميلاً ...
لمضيتُ عميقاً في ممشى الغابةِ
أبحثُ في الورقِ المُسّاقِطِ عن أزهارٍ نادرةٍ وبُحيراتٍ وعرائسِ ماءٍ ،
وأيائلَ ...
( يسخرُ مني جاك كيرواك حتماً !)
لكني سأُكرِّرُ :
لو كان الصبحُ جميلاً ...
...............
...............
...............
ما أيسرَ ما تطلبه من هذا العالَمِ !
ما أصعبَ ما تطلبه من هذا العالَمْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> لا جناح عليك
لا جناح عليك
رقم القصيدة : 5793
-----------------------------------
مثلَ ما يحْدُثُ الأمرُ دوماً ، ضُحى الأحدِ :
النوم في العسلِ
الكسل
الوشوشات
وتلك الفتاة التي تتلذّذُ أنْ تتوسّلَ بالأمرِ ، من دُبُرٍ ...
سوف يحْدثُ هذا ؛
نَعَمْ
( لا جُناحَ عليكَ )
الحديقةُ لن تتغَيَّرَ ...
لن يسقطَ الطيرُ عن " كستناءِ الحصانِ " *
ولن تُخرجَ الأرضُ أثقالَها ؛
( لا جُناحَ عليكَ )
اطْمَئِنَّ :
إن انكسرتْ جَرّةٌ ، فالجِرارُ التي سوف تؤتَى كثار ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> منتظراً الثلج الأول
منتظراً الثلج الأول
رقم القصيدة : 5794
-----------------------------------
هدأتْ ، كالروحِ ، الريحُ
وهذا الشجرُ العاري
هذا الشجرُ العالي
هذا الشجرُ الماثلُ صارَ تماثيلَ لأشجارٍ في اللوحةِ
( أعني في ما أطّرَ نافذةَ المطبخِ )
لا غصنَ يرفُّ
ولا طيرَ يهِفُّ
ولا مَن أحببتُ ستأتيني الليلةَ ...(47/486)
( يا ما بكّرتُ لأركضَ شوطاً عند الدانوبِ
وكان الثلجُ يعلِّقُ أزهاراً بيضاً وعناقيدَ على كل صنوبرةٍ )
ما أثقلَ ما ننسى!
ما أجملَ مانتذكّرُ !
أعتمت الساحةُ إلاّ من مصباحٍ ،
لكنّ قناديلَ بيوتٍ تبزغُ في الماءِ بعيداً ...
وهنالكَ
آنَ اللحظةُ لا تدخلُ في اللحظةِ
سوف يجيءُ الثلج ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> لزوم مالايلزم
لزوم مالايلزم
رقم القصيدة : 5795
-----------------------------------
ساعِدْني ، يا ربَّ الفَلَواتِ ، على نفسي
ساءَ الماءُ فلا أشربُهُ ،
ساءَ هواءُ الحانِ فلا أتنفّسُهُ
سافرتُ ، ولكنْ كي أدخلَ في الليلِ على داري ...
عَمَّ أُسائِلُ ؟
عن أيِّ زهورٍ تحتَ الثلجِ سأبحثُ ، أو تحتَ الرملِ ؟
عناويني انتثرتْ في الريحِ ، وصرتُ أخافُ
على نفسي ... صرتُ أخاف !
داري نائيةٌ عن داري
دِرعي يتدرّعُ خوفاً من دِرعي
دارَ الكونُ على مَن صَدّقَ دورتَهُ ...
دعْني أُطْبِقْ فُوَّهةَ البئر ، إذاً ، دَعني !
ياما كان الإغفاءُ على عشبِ النهرِ جميلاً
يا ما كانت أوراقُ رسائلِنا حمراء !
يُداعبُ شَعري الآنَ نسيمٌ ...
يَضْفِرُ لي باقةَ زهرٍ صفراءَ ، ويَهربُ منِّي .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> ثلاث قصائد
ثلاث قصائد
رقم القصيدة : 5796
-----------------------------------
كانون أوّل
لن أفتحَ نافذتي ...
الريحُ البحريةُ تُغرِقُ حتى سيقانَ العشبِ ،
وتهتزُّ الأشجارُ معَ المطرِ ؛
الغرفةُ ساكنةٌ ( مزدوجٌ كلُّ زجاجِ المنزلِ )
أسمعُ دقّاتِ الساعةِ :
تكْ
تكْ تكْ تكْ تكْ
أسمعُ في البُعدِ مُوَيجاتِ البُرْكةِ ،
في القُرْبِ ، مويجاتِ أناملَ ...
هل عادتْ ، بعدَ سِفارٍ ، مَن أحببتُ ؟
أَم اللوحةُ تنتظرُ ؟
الأزهارُ الصُّفْر' مبكِّرةٌ جدّاً عندَ مَمَرِّ البيتِ
و لا زائرَ يطرقُ بابي ...
حتى الطيرُ تَدَبَّرَ مُلتَجَأً ؛
لكنّا ، أنا والسنجاب ، نحاولُ أن نمسكَ شيئاً !
لندن 20/12/2003
مسْكن البحيرة(47/487)
تتناوحُ الريحُ التي تأتي من البحرِ ،
المساءُ يقيمُ
والزانُ المرنَّحُ في البعيد يغيْمُ ...
حتى الخيلُ لن تجدَ الصباحَ على المروجِ
كأنّ شميمَ ثلجٍ في الهواءِ ؛
كأنما نبتتْ على الريحِ الأصابعُ ...
أيَّ بابٍ سوف أفتحُ ؟
أيَّ نافذةٍ ...
وايَّ الطيرِ أُطْلِقُ في مهبِّ الريحِ
أُطْلِقُهُ
لأسكنَ في الفضاء ؟
لندن 21/12/2003
شاطيءٌ مهجورٌ
قاربٌ ، ثلُثاهُ على اليابسةْ
ظلَّ ينضحُ ،
والبحرُ منكمشٌ
لائذٌ بكثافتهِ من حبالِ المطرْ ...
قاربٌ لن يقومَ ، ليبدأَ عند السَّحَرْ
رِحلةَ الصيدِ
مثلي ...
لندن 21/12/2003
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تحقق
تحقق
رقم القصيدة : 5797
-----------------------------------
قد كنتُ ...
يا ما كنت آمُلُ
والخريفُ يلوِّنُ الغاباتِ بالذهبِ
وبالجوزيّ
أو بالقرمزِ المكتومِ ...
يا ما كنتُ آمُلُ أن أرى وجه العراقِ ضحىً
وأنْ أُرخي ضفائرَه المياهَ عليّ ،
أنْ أُرضي عرائسَ مائهِ بالدمع مِلْحاً
أنْ أُطَوِّفَ في شطوط أبي الخصيبِ ، لأسأل الأشجارَ :
هل تعرفْنَ يا أشجارُ أنّى كان قبرُ أبي ؟
..............
..............
..............
ويا ما كنتُ آمُلُ !
خَلِّها ...
خَلِّ الخريفَ يُتِمُّ دورتَهُ
فأشجارُ العراقِ تظلّ عاريةً
وأشجارُ العراقِ تظلُّ عاليةً
وأشجارُ العراقِ ، أنيسُها في السرِّ وجهُ أبي ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تحت تالمطر الموحل
تحت تالمطر الموحل
رقم القصيدة : 5798
-----------------------------------
ها نحن أولاءِ نقرفصُ تحت سقيفتنا السعْفِ
قريبينَ من الموقدِ ؛
كان دخانُ الورقِ المبتلِّ يبللُ أعينَنا بالدمعِ
ويَحجبُ عنّا المرأى
حتى لكأنّ أصابعَنا بُتِرتْ ...
نحن نحسُّ بها
لكنْ نعجزُ عن أن نطْبِقَها أو نفتحَها .
ما أغربَ ما تفعلُهُ العينُ إذا عشِيَتْ !
ما أغربَ ما تفعله أوراقُ التينْ ...
ها نحن أولاءِ نراقبُ عند البابِ ، الساحةَ
( أعني ساحةَ قريتنا )(47/488)
نمسحُ عن أعيننا دمعاً وسخاماً
ونحاولُ أن نبصرَ ما يجري ...
لكنّ المطرَ الموحلَ كان كثيفاً ؛
أكثفَ من لَبِنٍ منقوعٍ منذ سنينَ ،
نقولُ : إذاً ، ما جدوى أن ننظرَ ؟
فلْنطْبِقْ أعيُنَنا دهراً منتظِرينْ
ها نحن أولاءِ ، أخيراً ، في الساحةِ ؛
لا ندري كيف تشجّعْنا أن نتحرّكَ ...
لكنّ المطرَ الموحلَ كان كثيفاً وغزيراً
غُصْنا حتى الرُّكَبِ المقرورةِ بالوحلِ
وما زالَ المطر' الموحلُ يهطلُ ...
قلنا : العودةُ أسلمُ ،
فلْنتحصّنْ ، ثانيةً ، بسقيفتنا
ولْنجلسْ حول الموقدِ
نُطعمُهُ ، أكثرَ ، أكثرَ ، أوراقَ التينْ .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> صوت البحر
صوت البحر
رقم القصيدة : 5799
-----------------------------------
يا صوتَ البحرِ الخافتَ
يا وشوشةً ، وهسيساً ، وحشائشَ فيروزاً
وأغانيَ بَحّارٍ أعمى
يا آخرَ آهاتِ الحُمّى
يا بوّابةَ بُرْدِيٍّ
وحصيراً من سعفٍ ضفرتْهُ يدا طفلٍ في الليلِ
ويا ريشاً وسلاحفَ
يا مبتدأَ الرِّحلةِ من قرطِ امرأةٍ
يا أرَجاً يلمع ُ في أشجارٍ دائمةِ الخضرةِ ، شرقيَّ الصين
ويا صوتي المتعَبَ
يا صوتَ البحرِ الخافتَ :
هل أخطأَنا التكوينُ ، لننتظرَ التكوين ؟
...............
...............
...............
يا صوتَ البحرِ الهاديءَ
يا صوتاً أسمعُهُ يتسللُ من قصب الكوخٍ
سلالاً ملأى بالسمكِ المتواثبِ والأعشابِ ...
وأسمعُهُ صلْداً ، وجهيراً ، كالقيظِ المتدلِّي من سقفِ الأعنابِ
أقولُ :
لماذا صرتَ المسموعَ ؟
تُرى ، هل ضقتَ بشكلِ القوقعةِ؟
البحرُ محيطٌ ...
لكنّ الصوتَ من القوقعةِ ارتدَّ إلى القوقعةِ !
الآنَ سنبحثُ عن أرضٍ أخرى
عن صوتٍ أعلى
يا صوتَ البحرِ الهاديءْ ...
..................
..................
..................
يا صوتَ البحرِ الحاضر
يا صوتَ البحرِ الهادر
يا المُصّاعِدَ من وديانِ الأعماقِ
إلى تيجانِ الآفاقِ
ويا صوتَ البحرِ الهادرَ
خَلِّ القمصانَ تطيرُ مع الريحِ(47/489)
القبضاتِ المضمومةَ والراياتِ تطيرُ مع الريحِ
وخَلِّ ضفائرَ مَن أحببناهنّ ، ومَنْ أحببنَ ، تطيرُ مع الريحِ
تطيرُ مع الصوتِ الهادرِ
أعلى من هذي الدنيا
أعلى حتى من مَأتى الرؤيا
يا صوتَ البحرِ الهادر !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الرعيان
الرعيان
رقم القصيدة : 5800
-----------------------------------
قد تعني الأرضُ ، لمن يُنْبتُها البقلَ ، كثيراً
أمّا نحنُ فإنّ الأرضَ لدينا متطايرةٌ
وهشيمٌ
أخضرُ حيناً ، أصفرُ حيناً
ورمادٌ في الريحِ...
صحيحٌ ، نحن وُلِدنا في مُرْتبَعٍ ما
في يومٍ ما، لكنا سربُ جرادٍ
والأرضُ كذلك سربُ جرادٍ ؛ نبلغُها فتطير ...
لكنّا أبصرْنا ، اليومَ ، قوافلَ فولاذٍ تبحرُ في الرملِ فلا تغرقُ
أبصرْنا في الجوِّ نسورَ حديدٍ وصواعقَ ،
قيلَ لنا : الأرضُ لمن يفتحُها ...
عجباً !
نحن هنا منذ قرونٍ :
لم نملِكْ
لم نُمْلَكْ .
أحسسنا ، اليومَ ، بأنّ الأرضَ لها معنى ...
لا يملكُ واحدُنا غيرَ عباءتهِ الصوفِ
يُفضفضُها صيفاً
كي يلتفَّ بها ، مثلَ الكبشِ ، شتاءً ؛
ومع السنواتِ
مع الريحِ
مع المطرِ المتبدلِ والمرعى
سوف يكون اللونُ أخفَّ
يكون الصوف أخفَّ
تكون خيوطُ الصوفِ ملائكةً ...
إذّاكَ يفارقُ واحدُنا عُمْرَ عباءتهِ ، ليموت...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> ايُّهذا الحنينُ ، يا عدوِّي
ايُّهذا الحنينُ ، يا عدوِّي
رقم القصيدة : 5801
-----------------------------------
لي ثلاثونَ عاماً معكْ
نلتقي مثل لصّينِ في رحلةٍ لم يُلِمّا بكلِ تفاصيلها ؛
عرباتُ القطار
تتناقصُ عبرَ المحطاتِ
والضوءُ يشحبُ ،
لكنّ مقعدَك الخشبيّ الذي ظلَّ يَشغلُ كلَّ القطاراتِ ما زال محتفظاً بثوابتهِ
بحُزوزِ السنين
بالرسومِ الطباشيرِ
بالكامراتِ التي لم يعدْ أحدٌ يتذكرُ أسماءَها
بالوجوهِ
وبالشجرِ النائمِ الآنَ تحت الترابِ...
استرقْتُ إليكَ النظرْ
لحظةً
ثم أسرعتُ ألهثُ نحو المقاعدِ في العرباتِ الأخيرةِ ،(47/490)
مبتعداً عنكَ ...
...............
...............
...............
قلتُ : الطريقُ طويلٌ ؛
وأخرجتُ من كيسيَ الخيشِ خبزاً وقطعةَ جبنٍ ...
وإذْ بي أراكَ
تقاسمني الخبزَ والجبنَ !
كيفَ انتهيتَ إليَّ ؟
وكيف انقضضْتَ عليَّ كما يفعلُ الصقرُ ؟
فاسمعْ :
أنا لم أقطعْ عشراتِ الآلافِ من الأميالِ
ولم أطَّوَّفْ في عشراتِ البلدانِ
ولم أتعرَّفْ آلافَ الأغصانِ
لكي تسلبني أنتَ ... الكنزَ
وتحبسني في زاويةٍ !
فاترك المقعدَ الآنَ ، واهبطْ !
قطاري سيسرعُ بي ، بعد هذي المحطةِ ؛
فاهبِطْ
ودعنيَ أمضي إلى حيثُ لن يتوقّفَ يوماً قطارْ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> إلى شيخ عشائر الـ ..
إلى شيخ عشائر الـ ..
رقم القصيدة : 5802
-----------------------------------
سيكون الأمرُ ـ كما تعرفُ ـ معروفاً
لا سرّ لديكَ
ولا سرَّ لديّ
الدنيا ، الآنَ ، غدتْ أضيقَ من جُحْرِ الضّبِّ ...
ـ الخيلُ تخِبُّ بعيداً ـ
والمرأةُ ( أعني آخرَ زوجاتكَ ) تعرف هذا
والمارّةُ
والمرآةُ
وآلافُ الناسِ على شاشات التلفزيون ...
أنا أيضاً أعرفُ هذا
( حتى وأنا في الريفِ بأقصى لندنَ )
أعرفُ أنكَ ملقىً :
وجهُكَ للأرضِ
وجزمةُ جنديٍّ أمريكيٍّ تسحقُ فِقْراتِكَ حتى الأرضِ ؛
زمانٌ مختلفٌ ؟
لا بأسَ ...
إذاً ، ألصِقْ إحدى أذنيكَ بأرضكَ !
ألصِقْها كي تسمعَ
ألصِقْها كي تسمعَ ، مثلَ الخيلِ ، مُغارَ الخيلِ
وألصِقْها كي تسمعَني
( أرجوكَ )
أتسمعُني ؟
لا تحزنْ
إحزَنْ
فالخيلُ ، الآنَ ، تخبُّ بعيداً
وتخبُّ بعيداً
لكنْ أقربَ من نبضكَ ...
لا تحزنْ
إحزَنْ
لا تحزنْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> إيْسْتْبُوْرْنْ في الشتاء
إيْسْتْبُوْرْنْ في الشتاء
رقم القصيدة : 5803
-----------------------------------
في الصيفِ الماضي
بعدَ شِجارٍ بين امرأتي وامرأتي فجراً ،
تركتْني ، عائدةً نحو محطةِ لندن / فكتوريا ...(47/491)
_ أنا لم أتدخّلْ بين الضِدَّينِ المُستَعِرَينِ بصدرِ امرأتي _
فأتاحتْ لي أن أعرفَ شيئاً عن هذا المرفأِ
أو أتلمّسَ ما أرجو بأزقَّتِهِ الخلفيةِ :
فندقَ دائرةِ الهجرةِ ، حيثُ يلوبُ الشبّانُ وحيدينَ
و بارَ الصيّادينَ ؛
أو الكيلومتراتِ الخمسةَ للروضِ الصخريّ على سِيْفِ البحرِ :
الصُبّارَ الفحلَ
ونَبْتَ الصحراءِ الشائكَ
والموجَ ، وما تحملُهُ الموجةُ من نُعْمى الجسَدِ ...
...........................
........................
........................
البحرُ يدمدمُ مرتعِداً
والريحُ تَناوَحُ ، صَرّاً ، تقذفُ بالبحرِ إلى اليابسةِ
الروضُ الحَجَريُّ
يقاوِمُ ،
معتزّاً بنبات الصحراءِ
وأسيافِ الصُبّارِ : الأخضرِ والأبيضِ ،
هذا الراكضُ صبحاً في المِضمارِ البحريّ يقاوِمُ
سعدي يوسف في الفجر الشتويّ
الملتبِسِ
الفظِّ
يقاوِمُ ...
أخشابُ السورِ
صخور مصدّاتِ الموجِ تقاوِمُ ،
إيستبورنُ الوهمُ
وذاكرةُ الصيفِ
تقاوِمُ ...
.........................
.........................
.........................
ليس لدينا الآنَ سوى غفْلتِنا
ليس لدينا الآنَ سوى النظرِ الأوّلِ
ليس لدينا الآنَ سوى المِرآةِ :
مساءً سأكونُ بحانةِ " قَطْرِ ندىً " / Dew Drop Pub
سأحاولُ أن ألقى شيخاً كنتُ تعرَّفتُ عليه هنا
في صيفٍ ما
قبل سنينْ ...
شيخَ البحّارةِ كانَ
وكانَ
وكانْ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> القصيدة قد تأتي
القصيدة قد تأتي
رقم القصيدة : 5804
-----------------------------------
يوماً ، فَيومينِ ، تعوي الريحُ
والمطرُ الكبيرُ ذو القطراتِ المُشْبَعاتِ كحبّاتِ المَسابحِ
والزّعرورِ
يَطرُقُ شُبّاكي
وينهمرُ
مُغَلْغِلاً تحتَ جِلْدي بَرْدَهُ ؛
أهِيَ الرطوبةُ الآنَ ،
أَمْ أنّ العِظامَ غدتْ قبلَ الرميمِ رميماً ؟
أَمْ هوَ القَدَرُ
أن يستَديمَ معَ الأرواحِ مُضطَرَبي
ومستَقَرِّيَ أقصى الغابةِ ؟
..............................(47/492)
............................
...........................
ابتَعِدي عنِّي ، إذاً ، يا فتاةَ البحرِ ...
واتَّرِكي على المُلاءاتِ عَرْفاً منكِ ، أكنِزُهُ مُضَوَّعاً ،
ضائعاً بين الجدارِ وباب الجنّةِ !
..........................
.........................
.........................
الشجرُ المبْتَلُّ
يبدو شفيفاً
ثَمَّ أُغنيةٌ من طائرٍ مسرِعٍ
والغَيمُ ينحسرُ .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> استجابة
استجابة
رقم القصيدة : 5805
-----------------------------------
في الساحةِ ينهمرُ المطرُ
منذُ ثلاثةِ أيامٍ ينهمرُ المطرُ
حتى عَرِيَتْ دَوحةُ تُوتٍ في أعلى البستانِ
وكَفَّ الصفصافُ الباكي عن شُربِ الماءِ من البِرْكةِ ،
لا عصفورَ
ولا عَقْعَقَ
لا سنجابَ
ولا قطّةَ ...
أحياناً يأتي النورسُ ، منفرداً ، من جهةِ البحرِ
كأنّ العالَمَ ، كلَّ العالَمِ ، بحرٌ ...
..........................
.........................
.........................
أتُرانا الغَرقى؟
أَمْ أنّا نغرقُ فعلاً ...
أمْ أنّا قد نُنْبِتُ أجنحةً فنَطِيرُ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> النقيض
النقيض
رقم القصيدة : 5806
-----------------------------------
هو : حانةٌ صغرى
( أظنُّ نِزار قبّاني بـ " طوق ِ الياسمينِ " استعملَ التعبيرَ : أعني حانةً صغرى ، لأول مرةٍ ... )
لكنّ هذا البارَ في غربيّ إيلنغَ الفقيرةِ
( Poor West Ealing)
ليس كما أحَبَّ نِزارٌ !
البابُ الموارَبُ سوف يَدخلُهُ الزبائنُ منذ مقتبَلِ الضحى ؛
لا ظِلَّ لامرأةٍ تُراقِصُهم ،
ولا مرأىً لخاصرةٍ تَكَسَّرُ في الضياء النّزْرِ ،
لا زهرٌ يباعُ موزَّعاً بين الموائدِ
لا حديثَ يدورُ
لا جازٌ ولا لَعِبٌ ...
..............................
..............................
..............................
و منذ سنينَ خمسٍ كنتُ ألقى في الضحى أشياخَ إيرلندا(47/493)
متكأكِئينَ إزاءَ ساقيةٍ وراءَ النُّضْدِ
مبتسمينَ ...
كانوا ، شأنَهمْ دوماً ، يلفّونَ السجائرَ صامتينَ
ويحتسونَ البيرةَ السوداءَ .
أحياناً ، أُحَيِّيهِم ، فأسْتأني
وأحياناً أُتابِعُ خطوتي ، متعجِّلاً ، لأكونَ عندَ النُّضْدِ ...
لكنّ الشيوخَ يتابعونَ الصمتَ والتدخينَ
أشباحاً
كأني ما مررتُ بهم ...
وكأنني شبحٌ سيدخلُ في الجدارِ ويختفي ...
........................................ .
..........................................
..........................................
ما أطولَ السنواتِ !
ما أنأى المَدى !
..........................................
..........................................
..........................................
أمسِ انتهيتُ إلى حقيقةِ ما ظننتُ المستحيلَ :
عرفتُ أني صِرتُ
شيخاً
صامتاً
متطامنَ الحركاتِ
من أشياخِ إيرلندا ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الماندولين
الماندولين
رقم القصيدة : 5807
-----------------------------------
يمكن الكلام عن الماندولين ، إلاّ بلغة الماندولين . أعني أن اللغةَ المعروفة ( أي التي نعرفُها )
ليست أداةً للكلام عن الماندولين . والسبب بسيطٌ ( جداً ؟ ) ... السبب أن ألـ ـ ما ـ
نْـ ـ دو ـ لِيْـ ـ نْ ، هي موسيقى . خشبٌ يُنْبِتُ موسيقى .
لا تَقُلْ لي رأساً إنني مرتبكٌ أو مُتَلبِّكٌ ... No , no, please ! . أنا بكامل هدوئي.
كنتُ في عدنٍ ...
كنتُ خلّفتُ أرواحَ نجدٍ إلى يَمَنٍ
كنتُ في عدنٍ
دَندَنَ العودُ : دانَى ودانَى ...
ومِن حَضرموتَ الأغاني
وقد كنتُ في عدنٍ !
غريبٌ أمْرُكَ معي ! أقولُ لكَ إن قصّتي مع الماندولين حَقٌّ . بمعنى أنها ليست كما تفهمُ أنتَ الشِعرَ .(47/494)
أي أنني أتحدّثُ عن ماندولين حقيقيّة ، من لوحٍ ودمٍ . ماندولين نائمة بارتخاءٍ في صندوقٍ مبطّنٍ بمخملٍ أزرق. أتستزيدني؟ حسناً ! أقولُ لكَ إنني ابتعتُها من شابٍّ كان تدرَّبَ عليها ، في ألمانيا الديمقراطيّة ، ثمّ هجرَها ، هنا ، إلى العود ( لا مشكلَ
أَمّا أنا فطعامي أنتَ تعرفُهُ :
قلبُ الشِفَلِّحِ
والحَلْفاءِ
أو ، تَرَفاً ، رحيقُ ما أنبَتَ البُرديُّ والقصبُ ...
كأننا ، الشعراءَ ، النَّوءُ والسُّحُبُ !
الهامُّ ( مَن يدري ؟ ) ، أن الشابّ قبِلَ ، بعد ترددٍ هيِّنٍ ، أن يدرِّسَني الماندولينَ التي ابتعتُها منه . الأجرُ على قَدْرِ المشَقّة ( لم يقُلْ هو ذلك ... ) . كان يأتي في الضحى العدنيّ الرطبِ مبتسماً
دائماً . يفتح الصندوقَ ، ويُخرجُ الماندولين من نعاسها في المخمل الأزرق . ويقول لي : نبدأ ...
نتدرّب على :
آه ، يا زين ، آه يا زين ...
آه ، يا زين العابدين
يا وردْ !
يا ورد مفتّح بين البساتين ..
يعلِّمني كيف أُمسِكُ بمثلّث البلاستيك الدقيق الذي يصل بيني وبين أوتار الماندولين ، مثل ما يصلُ الراهبُ بين المرءِ والله . أمضي معه ( طبعاً هي قصّةُ أسابيعَ ، وإلاّ كيف ؟ ) ...
أبلُغُ : يا ورد ...
يا أُمَّ الله المقدّسة !
وبعدَها كيف أمضي ؟
يا ورد / مْفَتْ / تَحْ / بين / ال / بسا/ تين ...
لكنني سأفِرُّ من عدنٍ إلى البحر المهدَّدِ بالرصاصِ
سأتركُ البيتَ المعرَّضَ للقذائفِ ، حيثُ أوراقي تَطايَرُ
في هواءِ السُّمِّ والبارودِ ...
خلَّفتُ الحقائبَ كلَّها ؛ وهي الخفيفةُ . وارتقيتُ
السُّورَ مرتبكاً :
تركتُ الماندولين !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> سامرّاء
سامرّاء
رقم القصيدة : 5808
-----------------------------------
" أرى العراقَ طويلَ الليلِ مُذْ ..."
مطرٌ على النوافذِ
والأشجارُ هابطةٌ ، والغيمَ
كان المساءُ الجهمُ يدخل في لوحِ السلالمِِ مقروراً
ويدخلُ في أناملي ؛(47/495)
كيف لاحتْ ، بغتةً ، وبلا معنىً ، مَدارجُ سامرّاءَ ؟
كيف نمتْ مَلْويّةٌ في يدي ؟
كيف صار البئرُ مرتشَفي في اللحظةِ الصِّفْرِ ؟
أمْواهٌ معَجّلةٌ كالخيلِ
تتبعُ سحرَ البحتريِّ ...
تقولُ : سامرّاءُ
سامرّاءُ
حمحمةً وبلوى ؛
يا بساطاً من مِهفاتٍ وخِضْرِمَةٍ
ويا درباً إلى المهديِّ ...
يا بلدي
سلاماً !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تنويع ثالث
تنويع ثالث
رقم القصيدة : 5809
-----------------------------------
أنا منتظِرٌ ما يمحوه الليلُ
اختفت الزرقةُ منذ الآن ،
ولستُ أرى إلاّ طيراً مسكنُهُ سقفي القرميدُ ...
أ جِسرٌ في حمدانَ ، يعِيدُ مياهاً كانت تجري تحت الماءِ ؟
يُغَربِلُها ويُعِيدُ ...
أَم الصيفُ الساخنُ في المِرآةِ ؟
أَم الرعدُ ؟
الطَيَرانُ الحربيُّ يُقَطِّرُ في الدمِ رائحةَ البارودِ
ولكنْ ... في هذي القرية يربطُ ملاّحونَ قواربَهم عند سياجِ الحانةِ ؛
حتى صيّادو السَّمَكِ ابتدأوا يطوونَ خيوطاً وشِباكاً ...
........................
......................
......................
مَن دقَّ على الشُّبّاكِ ثلاثاً :
متتابعتينِ
وثالثةً بعدَ ثوانٍ ... ؟
( كان العمّالُ يجيئون إلى منزلنا ، بالبصرةِ ، سرّاً في الليل ، ويرتحلون الفجرَ )
سأفتحُ !
أرجوكَ ، تَمَهَّلْ ...
لا ترحلْ !
سنكون معاً ، مثل رفيقَينِ ، على طرقاتِ الفجرِ
سنحملُ بَيرقَنا
وندقُّ الصّنجَ الهائلَ ...
....................
....................
....................
لا ترحلْ !
أرجوكَ ، تَمَهَّلْ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> مساءَ انتهت اللعبة
مساءَ انتهت اللعبة
رقم القصيدة : 5810
-----------------------------------
في صمتِ مساءٍ ما ،
سوفَ تفارِقُ هذي اللعبةَ
السنواتُ تمرُّ على ألواحِ زجاجِ الشبّاكِ
وعقائدَ
سوف تكونُ سعيداً لحظاتٍ ...
سوف تكونُ الطفلَ الأوّلَ
ملتحقاً بالكونِ
واستحضارَ مَشاهدَ ؛(47/496)
سوف تكونُ سعيداً لحظاتٍ ...
سوف تكونُ خفيفاً ، محمولاً فوقَ بساطٍ من ريشِ البجعِ الأولِ
سوف تكونُ الطفلَ الأوّلَ
ملتحفاً بالغيمةِ
ملتحقاً بالكونِ
يفارِقُ هذي اللعبةَ حتى الأبدِ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> زاوية للنظر
زاوية للنظر
رقم القصيدة : 5811
-----------------------------------
أَبصِرْ ما ترسُمُه أنتَ !
إنكَ لن تغتفرَ الخطأَ
واللونَ الأصليَّ ...
( لستَ مَن اختلقَ الخللَ )
لكنكَ منذورٌ كي تلعبَ بالأوراقِ
( أتحسَبُها مَحْضَ ثلاثٍ ؟ )
كي تبصرَ ما ترسمُه أنتَ
المشهدُ كانَ ، كما كانَ ، وفي أيّ مكانٍ
لكنكَ منذورٌ كي تلعبَ بالأوراقِ
ملايينَ
( أتحسَبُها مَحْضَ ثلاثٍ ؟ )
ستُغَيِّرُ هذا المشهدَ
كي تبصرَ ما ترسمُه أنتَ
فيغدو ما ترسمُهُ أنتَ : الحَقّ ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> المترحلّون
المترحلّون
رقم القصيدة : 5812
-----------------------------------
لم نَعُدْ تحتَ نجمِ الرعاةِ القَدامى
لم نَعُدْ تحت نجمِ الرُّعاة
لم نَعُدْ ...
مثل ما غابَ عن مريمَ النجمُ بعدَ مآبِ الحواسِّ ...
ومَنحْنا النشيدَ الصِّبا ،
لم يكنْ ذاكَ عدلاً !
................
أتعرفُ ،
أتعرفُ ؟
ولا كنتَ أنتَ المسافرَ ...
أمّا بنو الخائباتِ :
أنتَ
فإنّ لنا ، مثلَ أسلافِنا ، أن نكونَ ملوكَ الهَباء !
أتعرفُ ،
كم كنتُ أرقبُ وجهكَ عند الجوازات أمسِ ؟
أتعرفُ ؟
ما كان " هِيْثْرو " مطاراً ،
ولا كنتَ أنتَ المسافرَ ...
كان اللصوصُ يديرون أحلامهم في فراءِ المغارةِ ،
أمّا بنو الخائباتِ :
أنا
أنتَ
يا صاحبي ، يا حسينُ ...
فإنّ لنا ، مثلَ أسلافِنا ، أن نكونَ ملوكَ الهَباء !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> بيزنطة
بيزنطة
رقم القصيدة : 5813
-----------------------------------
كان الحكماءُ يعودون إلى ساحتهم قربَ المرفأِ
( أعني باحةَ حانِ سِفِرْيادس ) ...
الوقتُ ضحىً(47/497)
والحكماءُ يعودون إلى الساحةِ كلَّ ضحىً ؛
أحياناً يتخلّفُ منهم أحدٌ أو إثنانِ
( لموتٍ أو سفرٍ )
لكنّ الجلسةَ تُعقَدُ
فالحكماءُ لديهم _ طبعاً _ ما يَشْغَلُهم ،
وأهالي بيزنطةَ مرتاحون لأنّ لديهم حكماءَ الساحةِ منذ سنينٍ
وسنينٍ ...
.....................
......................
.....................
والحكماءُ يديرون الظَّهرَ عن المرفأِ ، متّكئينَ ؛
مصاطبُهم من خيرِ رخامٍ أبيضَ
أثوابُهمو من كتّانٍ أبيضَ
أمّا خمرُ سفريادس ...
والناسُ هنا ( أعني في بيزنطةَ ) ينتظرون نهايةَ ما يتفكّرُ فيه الحكماءُ
الناسُ هنا ينتظرون
وينتظرون ...
هل الفرخةُ من تلك البيضةِ
أم أنّ البيضةَ من تلك الفرخةِ ؟
كان الناسُ ، سنيناً ، ينتظرون ...
..............
..............
..............
في المرفأِ
في الغبَشِ المُدّثِّرِ شبهَ ضبابٍ
كان السلطانُ محمدٌ الفاتحُ ، يُزْجي ، في البوغازِ ، سفائنَهُ ،
كانت بيزنطةُ نائمةً
أمّا الحكماءُ فلم يصلوا الساحةَ بعدُ .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> الأشياء تتحرك
الأشياء تتحرك
رقم القصيدة : 5814
-----------------------------------
الغيومُ الصَّدَفْ
والغصونُ الزّمُرّدُ ، والزنبقاتُ ، وأزهارُ " لا تنسَني "
والنوافذُ
والمُصطلَى
والستائرُ
والعشْبُ بين شقوقِ المَمَرِّ
وأعشاشُ نيسانَ
حتى المحطّةُ في المُنتأى _
كلُّها ، الآنَ ، لا تتحرّكُ ...
..................
..................
..................
لكنْ ( أتلمحُ أُذْنَي حصانٍ على المَرْجِ ؟ )
أَنصِتْ !
أ ترتشفُ الوشوشاتِ الشفيفةَ ؟
هل تسمعُ الماءَ في القصبِ ؟
الريشَ ، في هَبّةٍ من طيورِ البُحيرةِ ؟
والنجمَ حينَ الخَفاءُ ؟
المُويجاتِ في القاعِ ، حيثُ المَحارُ ؟
البحيرةُ موسوقةٌ بحقائبها الآنَ
تنتظرُ الليلَ ...
في الليلِ ، آنَ ننامُ جميعاً ، تسافرُ هذي البحيرةُ
كي تبلغَ البحرَ
في لحظةٍ
وتفارقَنا - بين جدراننا - نائمين ...(47/498)
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> مصطفى
مصطفى
رقم القصيدة : 5815
-----------------------------------
( 1 )
شجرٌ صافٍ ، وسماءٌ خضراءْ
وبرائحةٍ من مومباسا يبتلُّ الماءْ
وبرائحةٍ من حنّاءِ البحرِ عرفناكِ وسمّيناكِ . مدينتَنا !
أيامَ أتيناكِ تعلّمْنا كيف يدورُ الفِطْرُ خبيئاً بين الظلِّ
وبين النخلِ ،
تعلّمْنا كيف نؤذِّنُ في العيدِ
وكيف نُلاعبُ أسماكاً هادئةً
كيف نراوغُ حيّاتِ الماء ...
وتعلّمنا أن نجلسَ أحياناً والغيمَ ...
كباراً كنّا ؟
وكباراً كانت قطراتُ المطرِ ؟
استَرْوَحْنا زهرَ النوّامِ
عرفنا كيف تكونُ توَيجاتُ الزهرةِ كاللحمِ .
بعيداً في أنهارٍ غامضةِ الأصواتِ نخوضُ .
ومَن أنبتَ هذي العنبةَ عند مُسنّاةِ الجامعِ ؟
مكتبةُ المخطوطاتِ الأولى في جيبِ الدشداشةِ .
سافرتُ بعيداً حتى بابِ سليمانَ
أميري في قلعتهِ النهريةِ كان سجيناً.
حينَ تظاهَرْنا - طلاّبَ المحموديةِ -
قالوا ستطاردنا الشرطةُ .
دَخَنّا في البستان المهجور سجائرَنا الأولى ،
وبكَينا من خوفٍ .
رائحةُ الأشَناتِ
السمكُ الميّتُ في القيظِ ...
قناطرُ تحملُنا
وقناطر تركلنا
وقناطر تغسلنا ،
شُرُفاتُ أميراتِ الهندِ بعيدةْ
والبستانُ بعيدٌ
بابُ سليمانَ بعيدٌ
والبيتُ بعيدٌ ...
والشمسُ التفّتْ بالسعَفِ اللدْنِ ونامت.
..................
..................
رِجْلُ المعزى
رجْلُ المسحاةِ
...................
ونسمعُ في العتْمةِ خطوَ السّعلاةِ ...
وفي الدمع انطفأتْ نارُ سجائرنا الأولى .
يا حلو ، يا مصطفى
يا قُرّةً للعينْ
نومَ الهنا ... مصطفى
يا أشهلَ العينينْ
غَمِّضْ على خيلنا
والبصرةِ الصّوبَين
تحميك بعد النبي
والسادةِ الألفَين
يحميكَ يا مهجتي
مختارُ " كوتِ الزين "
( 2 )
وردٌ أزرقْ
وسماءٌ حمراءْ
وبأسنانِ الكوسجِ يبتلُّ الماءْ
لا بأسَ ، سأفتحُ جرحاً في كفِّي
لأخبِّيءَ نجماً
ثم أذرُّ دقيقَ الليفِ عليها(47/499)
وأقولُ سلاماً يا حمّالي سفنِ العالمِ
يا عمالَ قطاراتٍ لم تمنحني تذكرةً أو ذاكرةً ...
في الليلِ نجوبُ درابينَ الصيفِ
ونفتحُ في جدرانِ رطوبتهِ ثقباً نتنفسُ منهُ ،
ويا أوحالَ صرائفنا ، يا مطرَ الأمطار
فساتينٌ تَزَّيَّنُ بالأطمار
وتكتمُ نجماً ...
وعباءاتٌ تعتمِرُ البصرةَ كوخاً كوخاً
ومناشيرٌ تخْفُقُ تحتَ سماءٍ حمراء ...
وبين القُرنةِ والفاوِ:
بساتينُ النخلِ ، وأزهارُ الملحِ
سلاماً للطالعِ
للطّلْعِ
لكل امرأةٍ تحملُ في سُرّتها نجماً قطبيّاً
وتُطَوِّفُ بين القرنةِ والفاو ...
مدينتَنا !
سبعُ عرائسِ ماءٍ جئنَ إلينا في ليلٍ شتويٍّ ،
قُلْنَ لنا : أبصرْنا سربَ كواسجَ يأتي من جهةِ الغربِ ،
فأبحَرْنا نلقاهُ ...
لكنْ بزوارقَ من برديٍّ
من ورقٍ
من سعفٍ هشٍّ
أبحرْنا ...
لكنّ البلطةَ كانت تحْتَزُّ زوارقَنا كالماءِ ،
الماءُ سماءٌ حمراءُ
دمٌ يتدفّقُ مطلولاً بين القرنةِ والفاوِ ، وهذا الكوسجُ
يبحثُ عن نجمٍ قطبيِّ يأكلهُ .
انفتحتْ بوّاباتُ الغربِ ...
مدينتَنا !
أيَّ طبولٍ نسمعُ في الليلِ الهامدِ ...
أيُّ حكاياتٍ يسمعها حتى النخلُ
فيذوي منكفيءَ الجذعِ ،
وأيُّ خريفٍ سيطولُ إلى آخرةِ الدنيا ...
يا حلو ، يامصطفى
يا زينة الشبّانْ
مرّتْ غيومُ العِدا
مرتْ على " حمدان"
يا حلو ، يا مصطفى
هانَ الذي ما هانْ
بعد الندى والندامى
ضعضعوا البنيانْ
يا حلو ، يا مصطفى
يا سدرة البستانْ
يا ليت شمس الضحى
حنّتْ على الولهانْ
(3 )
تابوتٌ أخضرْ
وسماءٌ بيضاءْ
وبِطَلْعِ النخلةِ يبتلُّ الماءْ
في الضفةِ الأخرى : عمِّي.
في شاطئنا : كان أبي .
في شط العربِ:
الزورقُ مختبيءٌ بين البرديّ . وحيدٌ .
لم يبقَ من النخلِ سوى أعجازٍ خاويةٍ .
إن سماءً بيضاءَ
سماءً كانت خضراءَ
تمدُّ يديها نحو سماءٍ ثالثةٍ :
" أنا عريانةْ
أنا عريانةْ
ذهبتْ بالنخلِ مدافعُهمْ
ذهبتْ بالأهلِ مدافنُهم
أنا عريانةْ "
والبصرةُ تدخلُ تحتَ شوارعها(47/500)
تدخلُ تحت الماءِ أُجاجاً
تدخل تحت الكتبِ الموصوفةِ
تدخلُ في الروحِ ولا تخرجُ إلاّ والروحَ ...
مدينتنا !
مَن ضيّعَ عاداتِ النورسِ ؟
من جاءَ بغربانِ الجثثِ الأولى؟
من جاءكِ بالأكياسِ الرمليةِ يا فيروزَ الشطآنْ ؟
من عضَّ سِباخَكِ بالقتلى ؟
نهرٌ عبّاسيٌّ يحفر مجراه
قروناً هذا النهرُ العبّاسيُّ يتابع مجراه
من أسباخِ الزَّنجِ يتابعُ مجراه
ونحن ، حلمْنا ، يوماً ، أن نوقفَ بالأيدي مجراه ...
مدينتَنا !
سنظلُّ - وإنْ شِبْنا - أطفالَكِ
نحملُ طلْعَكِ في جيبِ الدشداشةِ
نشربُهُ في حشرجةِ الماء ...
مدينتَنا !
ما ضِعتِ
وما ضعنا ،
لكنْ ، ضَيَّعَنا الأعداءْ ...
يا حلو ، يا مصطفى
يا زينة البصرةْ
نوم الهنا ، مصطفى ...
ما أضيقَ الحفرةْ !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> نشيد شخصي
نشيد شخصي
رقم القصيدة : 5816
-----------------------------------
أهو العراقُ ؟
مباركٌ مَن قالَ إني أعرفُ الطُّرقَ التي تُفْضي إليهِ
مباركٌ من تمتمتْ شفتاهُ أربعةَ الحروفِ :
" عراقُ ، عراقُ ، ليس سوى عراقٍ " ..
سوف تنقَضُّ الصواريخُ البعيدةُ
سوفَ يَدهمُنا الجنودُ مدجّجِينَ
وسوف تنهارُ المنائرُ والمنازلُ
سوف يهوي النخلُ ، منقصفاً ؛ وسوف تضيقُ بالجثثِ التي تطفو
ضفافُ البحرِ والأنهارِ
سوف نرى ، لُماماً ، " ساحةَ التحريرِ " ، في كتُبِ المراثي والتصاويرِ ...
المطاعمُ والفنادقُ:
ماكدونالد Mc Donald
دجاج كنتاكي KFC
وهوليداي إنْ Holiday Inn
سوف تكون خارطةَ الطريقِ ، وبيتَنا في جنّة المأوى ،
وسوف نكون غرقى
مثلَ إسمكَ ياعراقُ
" عراق ، عراق ، ليس سوى عراق... "
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> حياة جامدة
حياة جامدة
رقم القصيدة : 5817
-----------------------------------
تنحني النبتةُ المنزليّةُ تحت الهواءِ الثقيل ...
على الطاولةْ
بين منفضةٍ للسجائرِ ملأى وكيسِ دخانٍ
قوائمُ للغاز والكهرباءِ ،
السفينةُ تبحرُ في الحائطِ(48/1)
الطيرُ ينقرُ رأسَ المُغَنِّي ( غلاف اسطوانةْ ) .
غرفتي تتضايقُ مني
تضيقُ ...
السفينةُ غابت عن المشهدِ
الليلُ يجلسُ في الركنِ
مُلتَحِفاً بالهواء الثّخين .
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> تنويع صعب
تنويع صعب
رقم القصيدة : 5818
-----------------------------------
سلامٌ على هضَباتِ العراق
وشَطَّيهِ ، والجُرفِ ، والمنحنى
على النخلِ...
والقريةُ الإنجليزيةُ الآنَ صارت تجرجرُ ، هُوْناً ، سحائبَها
والمساءُ ادَّنى
فهي تدفأُ ، كالقطِّ ، في نومها
وتذودُ الكوابيسَ عن شجرٍ أغرقتْه البحيراتُ ...
يأتي المساء
بطيئاً
ومنتظماً ( سوف تحصي ثوانيَهُ مرّةً )
هل ستغمضُ عينيكَ ؟
عند نهايةِ ذاك المَمَرِّ
ومن مُرْتبى النافذةْ
نهضتْ دوحةُ الجوزِ ...
يأتي المساء
بطيئاً
ويزحفُ حتى يهدهدَ جفنيكَ :
هل تبصرُ السعفةَ المستحيلةْ ؟
سلامٌ على هضباتِ العراق
وشطَّيهِ ، والجرفِ ، والمنحنى ...
هل كنتُ أدري أنّ وجهي ، بعدكَ ، الطرقاتُ ؟
ابواباً مغلّقةً تركتُ ، ومنزلاً للريحِ . لم تكنِ
البلادَ ، ولم تكنْ أمواهُكَ الخضراءُ جابيتي . لقد
خلّفْتَني في قلعةِ الصحراءِ . ماذا أرتجي
منكَ ، العشيّةَ ؟ في الصباحِ خذلتَني ، ودخلتَ
في الثُّكُناتِ . قلتَ :" الحربُ أجملُ " . لن ترى
قدمَيَّ بعد اليوم . إني منْشِدُ الطرقاتِ والحاناتِ ،
إني الشاعرُ الأعمى . لديّ من الخريفِ الجَهْمِ
موسيقى لألوانٍ . ومن مرأى الغروبِ غضارةُ الوردِ .
وأسألُ عنكَ ، أسألُ عنكَ ، لكنْ مثل ما يتساءلُ الملدوغُ
عمّا حلَّ في دمهِ . سلاماً ... لا أريدكَ أن تردّ ...
اقرأْ على الوشَلِ السلام !
وسلامٌ على هضَباتِ العراقِ ...
الذبيحةُ في العيدِ ، بغدادُ في العيدِ ؛
تلك المقاهي: لها الشايُ مُرّاً ،
وتلك الفنادقُ : سكّانُها الأبعدونَ.
الصلاةُ أقيمتْ
صحونُ الحساءِ بها مرَقٌ من عظامٍ
ومن لحمِ سُحْليّةٍ ...
والمساجدُ مغصوبةُ الأرضِ(48/2)
أبوابُها للجنودِ ، مشاةً ، وبحّارةً
وملائكةً طائرينَ
.............
.... ........
............
سلامٌ على...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> رائحة
رائحة
رقم القصيدة : 5819
-----------------------------------
ليست رائحةً تلك الآتيةُ ، الفجرَ ، من العشْبِ المنقوعِ بأمطار البارحةِ ...
الكفّانِ اصطفتا قفّازَينِ من الضوعِ الممزوج بصمغٍ أخضرَ
والعينُ اليمنى رفّتْ رفّةَ قطرةِ ثلجٍ أولى ؛
ليست رائحةً ...
ثمّتَ صوتٌ ، وتَوَقَّفَ .
صمتٌ ، وتَجَلّى ...
وخيوطُ حريرٍ تتماوجُ ، دانيةً ، من أعلى الشُّرُفاتِ
فهل أحسستَ بهذا الآتي ؟
هذا ...
هذا المجهولِ ، كنبضكَ حين تحبُّ
المعقولِ كإغماضةِ هُدْبٍ
والضائعِ بين هواءٍ تتنفّسُهُ
وهَباءاتٍ في الريح ْ ؟
العصر الجاهلي >> عمرو بن كلثوم >> أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا ( معلقة )
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا ( معلقة )
رقم القصيدة : 671
-----------------------------------
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا
وَلاَ تُبْقِي خُمُوْرَ الأَنْدَرِيْنَا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَا
إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ
إِذَا مَا ذَاقَهَا حَتَّى يَلِيْنَا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ
عَلَيْهِ لِمَالِهِ فِيْهَا مُهِيْنَا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو
وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَا
وَمَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ أُمَّ عَمْرٍو
بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَا
وَكَأْسٍ قَدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَكٍّ
وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَا
وَإِنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَايَا
مُقَدَّرَةً لَنَا وَمُقَدِّرِيْنَا
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنَا
نُخَبِّرْكِ اليَقِيْنَ وَتُخْبِرِيْنَا
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً(48/3)
لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِيْنَا
بِيَوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْناً
أَقَرَّ بِهِ مَوَالِيْكِ العُيُوْنَا
وَأنَّ غَداً وَأنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ
وَبَعْدَ غَدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَا
تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَلاَءٍ
وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَا
ذِرَاعِي عَيْطَلٍ أَدَمَاءَ بِكْرٍ
هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَا
وثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصاً
حَصَاناً مِنْ أُكُفِّ اللاَمِسِيْنَا
ومَتْنَى لَدِنَةٍ سَمَقَتْ وطَالَتْ
رَوَادِفُهَا تَنوءُ بِمَا وَلِيْنَا
وَمأْكَمَةً يَضِيقُ البَابُ عَنْهَا
وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَا
وسَارِيَتِي بَلَنْطٍ أَو رُخَامٍ
يَرِنُّ خَشَاشُ حَلِيهِمَا رَنِيْنَا
فَمَا وَجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقبٍ
أَضَلَّتْهُ فَرَجَّعتِ الحَنِيْنَا
ولاَ شَمْطَاءُ لَم يَتْرُك شَقَاهَا
لَها مِن تِسْعَةٍ إلاَّ جَنِيْنَا
تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّا
رَأَيْتُ حُمُوْلَهَا أصُلاً حُدِيْنَا
فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ
كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِيْنَا
أَبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا
وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِيْنَا
بِأَنَّا نُوْرِدُ الرَّايَاتِ بِيْضاً
وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَا
وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍ
عَصَيْنَا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَا
وَسَيِّدِ مَعْشَرٍ قَدْ تَوَّجُوْهُ
بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِيْنَا
تَرَكْنَ الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ
مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُوْنَا
وَأَنْزَلْنَا البُيُوْتَ بِذِي طُلُوْحٍ
إِلَى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوْعِدِيْنَا
وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّا
وَشَذَّبْنَا قَتَادَةَ مَنْ يَلِيْنَا
مَتَى نَنْقُلْ إِلَى قَوْمٍ رَحَانَا
يَكُوْنُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِيْنَا
يَكُوْنُ ثِقَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ(48/4)
وَلُهْوَتُهَا قُضَاعَةَ أَجْمَعِيْنَا
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّا
فَأَعْجَلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُوْنَا
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ
قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُوْنَا
نَعُمُّ أُنَاسَنَا وَنَعِفُّ عَنْهُمْ
وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُوْنَا
نُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا
وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوْفِ إِذَا غُشِيْنَا
بِسُمْرٍ مِنْ قَنَا الخَطِّيِّ لُدْنٍ
ذَوَابِلَ أَوْ بِبِيْضٍ يَخْتَلِيْنَا
كَأَنَّ جَمَاجِمَ الأَبْطَالِ فِيْهَا
وُسُوْقٌ بِالأَمَاعِزِ يَرْتَمِيْنَا
نَشُقُّ بِهَا رُؤُوْسَ القَوْمِ شَقًّا
وَنَخْتَلِبُ الرِّقَابَ فَتَخْتَلِيْنَا
وَإِنَّ الضِّغْنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَبْدُو
عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِيْنَا
وَرِثْنَا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ
نُطَاعِنُ دُوْنَهُ حَتَّى يَبِيْنَا
وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّتْ
عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِيْنَا
نَجُذُّ رُؤُوْسَهُمْ فِي غَيْرِ بِرٍّ
فَمَا يَدْرُوْنَ مَاذَا يَتَّقُوْنَا
كَأَنَّ سُيُوْفَنَا منَّا ومنْهُم
مَخَارِيْقٌ بِأَيْدِي لاَعِبِيْنَا
كَأَنَّ ثِيَابَنَا مِنَّا وَمِنْهُمْ
خُضِبْنَ بِأُرْجُوَانِ أَوْ طُلِيْنَا
إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسْنَافِ حَيٌّ
مِنَ الهَوْلِ المُشَبَّهِ أَنْ يَكُوْنَا
نَصَبْنَا مِثْلَ رَهْوَةِ ذَاتَ حَدٍّ
مُحَافَظَةً وَكُنَّا السَّابِقِيْنَا
بِشُبَّانٍ يَرَوْنَ القَتْلَ مَجْداً
وَشِيْبٍ فِي الحُرُوْبِ مُجَرَّبِيْنَا
حُدَيَّا النَّاسِ كُلِّهِمُ جَمِيْعاً
مُقَارَعَةً بَنِيْهِمْ عَنْ بَنِيْنَا
فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنَا عَلَيْهِمْ
فَتُصْبِحُ خَيْلُنَا عُصَباً ثُبِيْنَا
وَأَمَّا يَوْمَ لاَ نَخْشَى عَلَيْهِمْ
فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّبِيْنَا
بِرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشْمٍ بِنْ بَكْرٍ
نَدُقُّ بِهِ السُّهُوْلَةَ وَالحُزُوْنَا(48/5)
أَلاَ لاَ يَعْلَمُ الأَقْوَامُ أَنَّا
تَضَعْضَعْنَا وَأَنَّا قَدْ وَنِيْنَا
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا
فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَا
بِاَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرُو بْنَ هِنْدٍ
نَكُوْنُ لِقَيْلِكُمْ فِيْهَا قَطِيْنَا
بِأَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ
تُطِيْعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِيْنَا
تَهَدَّدُنَا وَتُوْعِدُنَا رُوَيْداً
مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِيْنَا
فَإِنَّ قَنَاتَنَا يَا عَمْرُو أَعْيَتْ
عَلى الأَعْدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِيْنَا
إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ
وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةً زَبُوْنَا
عَشَوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّت
تَشُجُّ قَفَا المُثَقِّفِ وَالجَبِيْنَا
فَهَلْ حُدِّثْتَ فِي جُشَمٍ بِنْ بَكْرٍ
بِنَقْصٍ فِي خُطُوْبِ الأَوَّلِيْنَا
وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْفٍ
أَبَاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَا
وَرَثْتُ مُهَلْهِلاً وَالخَيْرَ مِنْهُ
زُهَيْراً نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِيْنَا
وَعَتَّاباً وَكُلْثُوْماً جَمِيْعاً
بِهِمْ نِلْنَا تُرَاثَ الأَكْرَمِيْنَا
وَذَا البُرَةِ الذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ
بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلتَجِينَا
وَمِنَّا قَبْلَهُ السَّاعِي كُلَيْبٌ
فَأَيُّ المَجْدِ إِلاَّ قَدْ وَلِيْنَا
مَتَى نَعْقِد قَرِيْنَتَنَا بِحَبْلٍ
تَجُذَّ الحَبْلَ أَوْ تَقْصِ القَرِيْنَا
وَنُوْجَدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَاراً
وَأَوْفَاهُمْ إِذَا عَقَدُوا يَمِيْنَا
وَنَحْنُ غَدَاةَ أَوْقِدَ فِي خَزَازَى
رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِيْنَا
وَنَحْنُ الحَابِسُوْنَ بِذِي أَرَاطَى
تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُوْرُ الدَّرِيْنَا
وَنَحْنُ الحَاكِمُوْنَ إِذَا أُطِعْنَا
وَنَحْنُ العَازِمُوْنَ إِذَا عُصِيْنَا
وَنَحْنُ التَّارِكُوْنَ لِمَا سَخِطْنَا
وَنَحْنُ الآخِذُوْنَ لِمَا رَضِيْنَا
وَكُنَّا الأَيْمَنِيْنَ إِذَا التَقَيْنَا(48/6)
وَكَانَ الأَيْسَرِيْنَ بَنُو أَبَيْنَا
فَصَالُوا صَوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْهِمْ
وَصُلْنَا صَوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْنَا
فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا
وَأُبْنَا بِالمُلُوْكِ مُصَفَّدِيْنَا
إِلَيْكُمْ يَا بَنِي بَكْرٍ إِلَيْكُمْ
أَلَمَّا تَعْرِفُوا مِنَّا اليَقِيْنَا
أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنَّا وَمِنْكُمْ
كَتَائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرْتَمِيْنَا
عَلَيْنَا البَيْضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِي
وَأسْيَافٌ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِيْنَا
عَلَيْنَا كُلُّ سَابِغَةٍ دِلاَصٍ
تَرَى فَوْقَ النِّطَاقِ لَهَا غُضُوْنَا
إِذَا وَضِعَتْ عَنِ الأَبْطَالِ يَوْماً
رَأَيْتَ لَهَا جُلُوْدَ القَوْمِ جُوْنَا
كَأَنَّ غُضُوْنَهُنَّ مُتُوْنُ غُدْرٍ
تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَا
وَتَحْمِلُنَا غَدَاةَ الرَّوْعِ جُرْدٌ
عُرِفْنَ لَنَا نَقَائِذَ وَافْتُلِيْنَا
وَرَدْنَ دَوَارِعاً وَخَرَجْنَ شُعْثاً
كَأَمْثَالِ الرِّصَائِعِ قَدْ بَلَيْنَا
وَرِثْنَاهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ
وَنُوْرِثُهَا إِذَا مُتْنَا بَنِيْنَا
عَلَى آثَارِنَا بِيْضٌ حِسَانٌ
نُحَاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهُوْنَا
أَخَذْنَ عَلَى بُعُوْلَتِهِنَّ عَهْداً
إِذَا لاَقَوْا كَتَائِبَ مُعْلِمِيْنَا
لَيَسْتَلِبُنَّ أَفْرَاساً وَبِيْضاً
وَأَسْرَى فِي الحَدِيْدِ مُقَرَّنِيْنَا
تَرَانَا بَارِزِيْنَ وَكُلُّ حَيٍّ
قَدْ اتَّخَذُوا مَخَافَتَنَا قَرِيْناً
إِذَا مَا رُحْنَ يَمْشِيْنَ الهُوَيْنَا
كَمَا اضْطَرَبَتْ مُتُوْنُ الشَّارِبِيْنَا
يَقُتْنَ جِيَادَنَا وَيَقُلْنَ لَسْتُمْ
بُعُوْلَتَنَا إِذَا لَمْ تَمْنَعُوْنَا
ظَعَائِنَ مِنْ بَنِي جُشَمِ بِنْ بِكْرٍ
خَلَطْنَ بِمِيْسَمٍ حَسَباً وَدِيْنَا
وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلُ ضَرْبٍ
تَرَى مِنْهُ السَّوَاعِدَ كَالقُلِيْنَا
كَأَنَّا وَالسُّيُوْفُ مُسَلَّلاَتٌ
وَلَدْنَا النَّاسَ طُرّاً أَجْمَعِيْنَا(48/7)
يُدَهْدِهنَ الرُّؤُوسِ كَمَا تُدَهْدَي
حَزَاوِرَةٌ بِأَبطَحِهَا الكُرِيْنَا
وَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ مِنْ مَعَدٍّ
إِذَا قُبَبٌ بِأَبطَحِهَا بُنِيْنَا
بِأَنَّا المُطْعِمُوْنَ إِذَا قَدَرْنَا
وَأَنَّا المُهْلِكُوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَا
وَأَنَّا المَانِعُوْنَ لِمَا أَرَدْنَا
وَأَنَّا النَّازِلُوْنَ بِحَيْثُ شِيْنَا
وَأَنَّا التَارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَا
وَأَنَّا الآخِذُوْنَ إِذَا رَضِيْنَا
وَأَنَّا العَاصِمُوْنَ إِذَا أُطِعْنَا
وَأَنَّا العَازِمُوْنَ إِذَا عُصِيْنَا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْواً
وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَا
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَنَّا
وَدُعْمِيَّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُوْنَا
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً
أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِيْنَا
مَلأْنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا
وَظَهرَ البَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِيْنَا
إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ
تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجِديْنَا
العصر الجاهلي >> عمرو بن كلثوم >> أأجمع صحبتي
أأجمع صحبتي
رقم القصيدة : 672
-----------------------------------
أأجمع صحبتي سحر ارتحالا
ولم أشعر ببين منك هالا
ولم أر مثل هالة في معد
تشبه حسنها ألاّ الهلالا
ألا أبلغ بني جشم بن بكر
وتغلب كلها نبأ جلالا
بأن الماجد البطل ابن عمرو
غداة نطاع قد صدق القتالا
كتيبته ململمة رداح
إذا يرمونها تنبي النبالا
جزى الله الأغر يزيد خيرا
ولقاه المسرة والجمالا
بمأخذه ابن كلثوم بن سعد
يزيد الخير نازله نزالا
بجمع من بني قران صيد
يجيلون الطعان إذا أجالا
يزيد يقدم الشقراء حتى
يروي صدرها الأسل النهالا
العصر الجاهلي >> عمرو بن كلثوم >> ألا من مبلغ
ألا من مبلغ
رقم القصيدة : 673
-----------------------------------
ألا من مبلغ عمرو بن هند
فما رعيت ذمامة من رعيتا
أتغصب مالكا بذنوب تيم
لقد جئت المحارم واعتديتا(48/8)
فلولا نعمة لأبيك فينا
لقد فضت قناتك أو ثويتا
أتنسى رفدنا بعويرضات
غداة الخيل تخفر ما حويتا
وكنا طوع كفك يا ابن هند
بنا ترمي محارم من رميتا
ستعلم حين تختلف العوالي
من الحامون ثغرك إن هويتا
ومن يغشى الحروب بملهبات
تهدم كل بنيان بنيتا
إذا جاءت لهم تسعون ألفا
عوابسهن وردا أو كميتا
العصر الجاهلي >> عمرو بن كلثوم >> إن نسركم غدا
إن نسركم غدا
رقم القصيدة : 674
-----------------------------------
أعمرو بن قيس إنَّ نسركم غدا
وآب إلى أهل الأصارم من جشم
أقيس بن عمرو غارة بعد غارة
وصبة خيل تحرب المال والنعم
إذا أسهلت خبت وإن أحزنت وجت
وتحسبها جنا إذا سالت الجذم
إذا ما وهى غيث وأمرع جانب
صببت عليه جحفلا غانظا لهم
فإن أنا لم أصبح سوامك غارة
كريع الجراد شله الريح والرهم
فلا وضعت أنثى إليَّ قناعها
ولا فاز سهمي حين تجتمع السهم
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> ويضيع العمر
ويضيع العمر
رقم القصيدة : 69
-----------------------------------
يا رفيقَ الدَّرب
تاه الدَّرْبُ منّا .. في الضباب
يا رفيقَ العمر
ضاعَ العمرُ .. وانتحرَ الشباب
آهِ من أيّامنا الحيرى
توارتْ .. في التراب
آهِ من آمالِنا الحمقى
تلاشتْ كالسراب
يا رفيقَ الدَّرْب
ما أقسى الليالي
عذّبتنا ..
حَطَّمَتْ فينا الأماني
مَزَّقَتْنا
ويحَ أقداري
لماذا .. جَمَّعَتنا
في مولدِ الأشواق
ليتها في مولدِ الأشواقِ كانتْ فَرّقَتْنا
لا تسلني يا رفيقي
كيف تاهَ الدربُ .. مِنَّا
نحن في الدنيا حيارى
إنْ رضينا .. أم أَبَيْنَا
حبّنا نحياه يوماً
وغداً .. لا ندرِ أينَ !!
لا تلمني إن جعلتُ العمرَ
أوتاراً .. تُغنّي
أو أتيتُ الروضَ
منطلقَ التمنّي
فأنا بالشعرِ أحيا كالغديرِ المطمئنِّ
إنما الشعرُ حياتي ووجودي .. والتمنّي
هل ترى في العمر شيئاً
غير أيامٍ قليلة
تتوارى في الليالي
مثل أزهارِ الخميلة
لا تكنْ كالزهرِ
في الطُّرُقَاتِ .. يُلقيه البشر(48/9)
مثلما تُلقي الليالي
عُمْرَنا .. بين الحُفَر
فكلانا يا رفيقي
من هوايات القَدَر
يا رفيقَ الدَّرْب
تاهَ الدربُ مني
رغمَ جُرحي
رغمَ جُرحي ..
سأغنّي
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> بيض الردون
بيض الردون
رقم القصيدة : 7
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
بيض الردون..
يبني السراب خيامها..
وسط الخلا واقدامها..
تنبت عشب وتمطر غمام..
لامن لمحت اثارها..
يطري علي عشق الخلا..
وقصيدةٍ (( لبن غيام))1
في حومة العقبان..
في الازرق .. الازرق..
شمس الضحى جمره..
شفت الندى يعرق
في وجنة النوار..
بدخل تحت سدره..
وما سحت الاغصان..
من ظلها البارد..
على الثرى الممطور..
واطلق عيوني طيور..
وانا على المشراف..
ومن حاجرٍ به شيح..
جول الحباري طار..
ريشه يخض الريح..
خض البحر مجداف..
وين انت ياالصقار..
جول الحباري .. طار...
بيض الردون .. طيري
برقة جناحك لي..
وحتوفك لغيري ...
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عيناك أرض لا تخون
عيناك أرض لا تخون
رقم القصيدة : 70
-----------------------------------
ومضيتُ أبحثُ عن عيونِكِ
خلفَ قضبان الحياهْ
وتعربدُ الأحزان في صدري
ضياعاً لستُ أعرفُ منتهاه
وتذوبُ في ليل العواصفِ مهجتي
ويظل ما عندي
سجيناً في الشفاه
والأرضُ تخنقُ صوتَ أقدامي
فيصرخُ جُرحُها تحت الرمالْ
وجدائل الأحلام تزحف
خلف موج الليل
بحاراً تصارعه الجبال
والشوق لؤلؤةٌ تعانق صمتَ أيامي
ويسقط ضوؤها
خلف الظلالْ
عيناك بحر النورِ
يحملني إلى
زمنٍ نقي القلبِ ..
مجنون الخيال
عيناك إبحارٌ
وعودةُ غائبٍ
عيناك توبةُ عابدٍ
وقفتْ تصارعُ وحدها
شبح الضلال
مازال في قلبي سؤالْ ..
كيف انتهتْ أحلامنا ؟
مازلتُ أبحثُ عن عيونك
علَّني ألقاك فيها بالجواب
مازلتُ رغم اليأسِ
أعرفها وتعرفني
ونحمل في جوانحنا عتابْ
لو خانت الدنيا
وخان الناسُ
وابتعد الصحابْ
عيناك أرضٌ لا تخونْ
عيناك إيمانٌ وشكٌ حائرٌ(48/10)
عيناك نهر من جنونْ
عيناك أزمانٌ ومرٌ
ليسَ مثل الناسِ
شيئاً من سرابْ
عيناك آلهةٌ وعشاقٌ
وصبرٌ واغتراب
عيناك بيتي
عندما ضاقت بنا الدنيا
وضاق بنا العذاب
***
ما زلتُ أبحثُ عن عيونك
بيننا أملٌ وليدْ
أنا شاطئٌ
ألقتْ عليه جراحها
أنا زورقُ الحلم البعيدْ
أنا ليلةٌ
حار الزمانُ بسحرها
عمرُ الحياة يقاسُ
بالزمن السعيدْ
ولتسألي عينيك
أين بريقها ؟
ستقول في ألمٍ توارى
صار شيئاً من جليدْ ..
وأظلُ أبحثُ عن عيونك
خلف قضبان الحياهْ
ويظل في قلبي سؤالٌ حائرٌ
إن ثار في غضبٍ
تحاصرهُ الشفاهْ
كيف انتهت أحلامنا ؟
قد تخنق الأقدار يوماً حبنا
وتفرق الأيام قهراً شملنا
أو تعزف الأحزان لحناً
من بقايا ... جرحنا
ويمر عامٌ .. ربما عامان
أزمان تسدُ طريقنا
ويظل في عينيك
موطننا القديمْ
نلقي عليه متاعب الأسفار
في زمنٍ عقيمْ
عيناك موطننا القديم
وإن غدت أيامنا
ليلاً يطاردُ في ضياءْ
سيظل في عينيك شيءٌ من رجاءْ
أن يرجع الإنسانٌ إنساناً
يُغطي العُرى
يغسل نفسه يوماً
ويرجع للنقاءْ
عيناك موطننا القديمُ
وإن غدونا كالضياعِ
بلا وطن
فيها عشقت العمر
أحزاناً وأفراحاً
ضياعاً أو سكنْ
عيناك في شعري خلودٌ
يعبرُ الآفاقَ ... يعصفُ بالزمنْ
عيناك عندي بالزمانِ
وقد غدوتُ .. بلا زمنْ
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لأني أحبك
لأني أحبك
رقم القصيدة : 71
-----------------------------------
تعالي أحبك قبل الرحيل
فما عاد في العمر غير القليل
أتينا الحياة بحلمٍ بريءٍ
فعربد فينا زمانٌ بخيل
***
***
حلمنا بأرضٍ تلم الحيارى
وتأوي الطيور وتسقي النخيل
رأينا الربيع بقايا رمادٍ
ولاحت لنا الشمس ذكرى أصيل
حلمنا بنهرٍ عشقناهُ خمراً
رأيناه يوماً دماءً تسيل
فإن أجدب العمرُ في راحتيَّ
فحبك عندي ظلالٌ ونيل
وما زلتِ كالسيف في كبريائي
يكبلُ حلمي عرينٌ ذليل
وما زلت أعرف أين الأماني
وإن كان دربُ الأماني طويل
***
***
تعالي ففي العمرِ حلمٌ عنيدٌ(48/11)
فما زلتُ أحلمُ بالمستحيل
تعالي فما زالَ في الصبحِ ضوءٌ
وفي الليل يضحكٌ بدرٌ جميل
أحُبك والعمرُ حلمٌ نقيٌّ
أحبك واليأسُ قيدُ ثقيل
وتبقين وحدكِ صبحاً بعيني
إذا تاه دربي فأنتِ الدليل
***
***
إذا كنتُ قد عشتُ حلمي ضياعاً
وبعثرتُ كالضوءِ عمري القليل
فإني خُلقتُ بحلم كبير
وهل بالدموع سنروي الغليل ؟
وماذا تبقّى على مقلتينا ؟
شحوبُ الليالي وضوء هزيل
تعالي لنوقد في الليل ناراً
ونصرخ في الصمتِ في المستحيل
تعالي لننسج حلماً جديداً
نسميه للناس حلم الرحيل
العصر الأندلسي >> أبو البقاء الرندي >> ألثام شف
ألثام شف
رقم القصيدة : 718
-----------------------------------
أَلثامٌ شَفَّ عن ورد ند
أم غمام ضحكت عن بَرَدِ
أم على الأزرار من حُلَّتها
بدرُ تمَّ في قضيب أَملَدِ
بأبي لين له لو أنه
نقلت عطفته للخلد
لا وألحاظ لها ساحرة
نفثت في القلب لا في العقد
لا طلبت الثأر منها ظالما
وأنا القاتل نفسي بيدي
نظرت عيني لحيني نظرة
أخذت روحي وخلت جسدي
هاتها بالله في مرضاتها
قهوة فيها شفاء الكمد
عصرت باللطف في عصر الصبا
فرمت بالمسك لا بالزبد
ما درى مديرها في كأسها
وهي مثل البارق المتقد
درة ضمت على ياقوتة
أم لجين فيه ثوب عسجدي
سقني غير مليم إنني
حنفي الرأي والمعتقد
لا أرى بالسكر إلاّ من هوى
أو هبات الملك المؤيد
ملك العليا ولو أنصفته
ففتحت اللام لم أفند
العصر الأندلسي >> أبو البقاء الرندي >> لكل شيء اذا ماتمّ ( رثاء الأندلس )
لكل شيء اذا ماتمّ ( رثاء الأندلس )
رقم القصيدة : 719
-----------------------------------
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد
ولا يدوم على حالٍ لها شان
يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ
إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ
وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ
كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان(48/12)
أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ
وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟
أتى على الكُل أمر لا مَرد له
حتى قَضَوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك
كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
دارَ الزّمانُ على (دارا) وقاتِلِه
وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ
يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ
فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة
وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادث سُلوان يسهلها
وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاءَ له
هوى له أُحدٌ وانهدْ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتْ
حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ
فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً)
وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)
وأين (قُرطبة)ٌ دارُ العلوم فكم
من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين (حْمص)ُ وما تحويه من نزهٍ
ونهرهُا العَذبُ فياضٌ وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما
عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ
تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من ! ;أسفٍ
كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ
على ديار من الإسلام خالية
قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما
فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ
حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ
إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ
أبعد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟
تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمها
وما لها مع طولَ الدهرِ نسيانُ
يا راكبين عتاق الخيلِ ضامرةً
كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
وحاملين سيُوفَ الهندِ مرهفةُ
كأنها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعةٍ
لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ
فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ؟(48/13)
ماذا التقاُطع في الإسلام بينكمُ
وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ؟
ألا نفوسٌ أبَّاتٌ لها هممٌ
أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ
أحال حالهمْ جورُ وطُغيانُ
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم
واليومَ هم في بلاد الكفرِّ عُبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ
عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ
لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا ربَّ أمّ وطفلٍ حيلَ بينهما
كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت
كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً
والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ
إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> وكان حلماً
وكان حلماً
رقم القصيدة : 72
-----------------------------------
وتبكين حباً .. مضى عنكِ يوماً
وسافر عنكِ لدنيا المحال
لقد كان حلماً .. وهل في الحياةِ
سوى الوهم - ياطفلتي- والخيال ؟
وما العمر يا أطهر الناسِ إلا
سحابةُ صيفٍ كثيف الظلال
وتبكين حباً .. طواه الخريف
وكل الذي بيننا للزوال
فمن قال في العمر شيء يدومُ
تذوب الأماني ويبقى السؤال
لماذا أتيت إذا كان حلمي
غداً سوف يصبح.. بعض الرمال ؟
العصر الأندلسي >> أبو البقاء الرندي >> ياسالب القلب
ياسالب القلب
رقم القصيدة : 720
-----------------------------------
يا سالب القلب مني عندما رمقا
لم يبق حبك لي صبرا ولا رمقا
لا تسأل اليوم عما كابدت كبدي
ليت الفراق وليت الحب ما خلقا
ما باختياري ذقت الحب ثانية
وإنما جارت الأقدار فاتفقا
وكنت في كلفي الداعي إلى تلفي
مثل الفراش أحب النار فاحترقا
يا من تجلى إلى سري فصيرني
دكا وهز فؤادي عندما صعقا
انظر إلي فإن النفس قد تلفت
رفقا علي الروح إن الروح قد زهقا
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> ملحمة النبي
ملحمة النبي
رقم القصيدة : 728
-----------------------------------(48/14)
أي نجوى مخضلة النعماء
رددتها حناجر الصحراء
سمعتها قريش فا نتفضت غضبى
وضجت مشبوبة الأهواء
ومشت في حمى الضلال إلى
الكعبة مشي الطريدة البلهاء
وارتمت خشعة على اللات
والعزى وهزت ركنيهما بالدعاء
وبدت تنحر القرابين نحرا
في هوى كل دمية صماء
وانثنت تضرب الرمال اختيالا
بخطى جاهلية عمياء
عربدي يا قريش وانغمسي ما
شئت في حمأة المنى النكراء
لن تزيلي ما خطه الله للأرض
وما صاغه لها من هناء
شاء أن ينبت النبوة في القفر
ويلقي بالوحي من سيناء
فسلي الربع ما لغربة عبد الله
تطوى جراحها في العزاء
ما لأقيال هاشم يخلع البشر
عليها مطارف الخيلاء
انظريها حول اليتيم فراشا
هزجا حول دافق اللالاء
وأبو طالب على مذبح الأصنام
يزجي له ضحايا الفداء
هو ذا أحمد فيا منكب الغبراء
زاحم مناكب الجوزاء
بسم الطفل للحياة وفي جنبيه
سر الوديعة العصماء
هب من مهده ودب غريبَ
الدار في ظل خيمة دكناء
تتبارى حليمةٌ خلفه تعدو
وفي ثغرها افترار رضاء
عرفت فيه طلعة اليمن والخير
إذا أجدبت ربى البيداء
وتجلى لها الفراق فاغضت
في ذهول وأجهشت بالبكاء
عاد للربع أين آمنةٌ
والحب والشوق في مجال اللقاء
ما ارتوت منه مقلة طالما شقت
عليه ستائر الظلماء
يا اعتداد الأيتام باليتم كفكف
بعده كل دمعة خرساء
أحمد شب يا قريش فتيهي
في الغوايات واسرحي في الشقاء
وانفضي الكف من فتى ما تردى
برداء الأجداد والآباء
أنت سميته الأمين وضمخت
بذكراه ندوة الشعراء
فدعي عمه فما كان يغريه
بما في يديك من إغراء
جاءه متعب الخطى شارد الآمال
مابين خيبة ورجاء
قال هون عنك الأسى يابن عبد
الله واحقن لنا كريم الدماء
لا تسفه دنيا قريش تبوئك
من الملك ذروة العلياء
فبكى أحمد وما كان من يبكي
ولكنها دموع الإباء
فلوى جيده وسار وئيدا
ثابت العزم مثقل الأعباء
وأتى طوده الموشح بالنور
وأغفى في ظل غار حراء
وبجفنية من جلال أمانيه
طيوف علوية الإسراء
وإذا هاتف يصيح به اقرأ
فيدوي الوجود بالأصداء(48/15)
وإذا في خشوعه ذلك الأمي
يتلو رسالة الإيحاء
وإذا الأرض والسماء شفاه
تتغنى بسيد الأنبياء
جمعت شملها قريش وسلت
للأذى كل صعدة سمراء
وأرادت أن تنقذ البغي من أحمد
في جنح ليلة ليلاء
ودرى سرها الرهيب علي
فاشتهى لو يكون كبش الفداء
قال : يا خاتم النبيين أمست
مكة دار طغمة سفهاء
أنا باق هنا ولست أبالي
ما ألاقي من كيدها في البقاء
سيروني على فراشك والسيف
أمامي وكل دنيا ورائي
حسبي الله في دروب رضاه
أن يرى فيّ أول الشهداء
فتلقاه أحمد باسم الثغر
عليما بما انطوى في الخفاء
أمر الوحي ان يحث خطاه
في الدجى للمدينة الزهراء
وسرى واقتفى سراه أبو بكر
وغابا عن أعين الرقباء
وأقاما في الغار والملأ العلوي
يرنو إليهما بالرعاء
وقفت دونه قريش حيارى
وتنزهت جريحة الكبرياء
وانثنت والرياح تجار والرمل
نثير في الأوجة الربداء
هللي يا ربا المدينة واهمي
بسخي الأظلال والأنداء
واقذفيها الله أكبر حتى
ينتشي كل كوكب و ضاء
واجمعي الأوفياء إن رسول الله
آت لصحبة الأوفياء
وأطلّ النبي فيضا من الرحمة
يروي الظماء تلو الظماء
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> رب ضاقت ملاعبي
رب ضاقت ملاعبي
رقم القصيدة : 729
-----------------------------------
رب ضاقت ملاعبي
في الدروب المقيدة
أنا عمر مخضب
وأمانٍ مشردة
ونشيد خنقت في
كبريائي تنهده
رب ما زلت ضاربا
من زماني تمرده
صغر اليأس لن يرى
بين عيني مقصده
بسماتي سخية
وجراحي مضمدة
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> بالرغم منّا .. قد نضيع
بالرغم منّا .. قد نضيع
رقم القصيدة : 73
-----------------------------------
( 1 )
قد قال لي يوماً أبي
إن جئت يا ولدي المدينة كالغريب
وغدوت تلعق من ثراها البؤس
في الليل الكئيب
قد تشتهي فيها الصديق أو الحبيب
إن صرت يا ولدي غريباً في الزحام
أو صارت الدنيا امتهاناً .. في امتهان
أو جئت تطلب عزة الإنسان في دنيا الهوان
إن ضاقت الدنيا عليك
فخذ همومك في يديك(48/16)
واذهب إلى قبر الحسين
وهناك صلي ركعتين
(2)
كانت حياتي مثل كل العاشقين
والعمر أشواق يداعبها الحنين
كانت هموم أبي تذوب .. بركعتين
كل الذي يبغيه في الدنيا صلاة في الحسين
أو دعوة لله أن يرضى عليه
لكي يرى .. جد الحسين
قد كنت مثل أبي أصلي في المساء
وأظلُ أقرأ في كتاب الله ألتمس الرجاء
أو أقرأ الكتب القديمة
أشواق ليلى أو رياضَ .. أبي العلاء
(3)
وأتيتُ يوماً للمدينة كالغريب
ورنينُ صوت أبي يهز مسامعي
وسط الضباب وفي الزحامِ
يهزني في مضجعي
ومدينتي الحيرى ضبابٌ في ضباب
أحشاؤها حُبلى بطفلٍ
غير معروف الهوية
أحزانها كرمادِ أنثى
ربما كانت ضحية
أنفاسُها كالقيدِ يعصف بالسجين
طرقاتُها .. سوداء كالليل الحزين
أشجارها صفراء والدم في شوارعها .. يسيل
كم من دماء الناس
ينزف دون جرح .. أو طبيب
لا شيء فيك مدينتي غير الزحام
أحياؤنا .. سكنوا المقابر
قبلَ أن يأتي الرحيل
هربوا إلى الموتى أرادوا الصمت .. في دنيا الكلام
ما أثقل الدنيا ...
وكل الناس تحيا .. بالكلام
(4)
وهناك في درب المدينةِ ضاع مني .. كل شيء
أضواؤها .. الصفراء كالشبح .. المخيف
جثث من الأحياء نامت فوق أشلاء .. الرصيف
ماتوا يريدون الرغيف
شيخٌ ( عجوز ) يختفي خلف الضباب
ويدغدغ المسكينُ شيئاً .. من كلام
قد كان لي مجدٌ وأيامٌ .. عظام
قد كان لي عقل يفجر
في صخور الأرض أنهار الضياء
لم يبق في الدنيا حياء
قد قلتُ ما عندي فقالوا أنني
المجنونُ .. بين العقلاء
قالوا بأني قد عصيتُ الأنبياء
(5)
دربُ المدينة صارخُ الألوانِ
فهنا يمين .. أو يسارٌ قاني
والكل يجلس فوق جسمِ جريمةٍ
هي نزعة الأخلاقِ .. في الإنسانِ
أبتاه .. أيامي هنا تمضي
مع الحزن العميق
وأعيشُ وحدي ..
قد فقدتُ القلبَ والنبضَ .. الرقيق
دربُ المدينة يا أبي دربٌ عتيق
تتربع الأحزانُ في أرجائه
ويموت فيه الحب .. والأمل الغريق
(6)
ماذا ستفعل يا أبي
إن جئتَ يوماً دربنا
أترى ستحيا مثلنا ؟؟(48/17)
ستموت يا أبتاه حزناً .. بيننا
وستسمع الأصواتَ تصرخُ .. يا أبي : يا ليتنا ..يا ليتنا .. يا ليتنا
وغدوتُ بين الدربِ ألتمسُ الهروب
أين المفر؟
والعمرُ يسرع للغروب
(7)
أبتاهُ .. لا تحزن
فقد مضت السنين
ولم أصلِّ .. في الحسين
لو كنتَ يا أبتاهُ مثلي
لعرفتَ كيف يضيع منا كلُ شيء
بالرغم منا .. قد نضيع
بالرغم منا .. قد نضيع
من يمنح الغرباءَ دفئاً في الصقيع؟
من يجعل الغصنَ العقيمَ
يجيء يوماً .. بالربيع ؟
من ينقذ الإنسان من هذا .. القطيع ؟
(8)
أبتاهُ
بالأمس عدتُ إلى الحسين
صليتُ فيه الركعتين
بقيت همومي مثلما كانت
صارت همومي في المدينةِ
لا تذوب بركعتين
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> امتي
امتي
رقم القصيدة : 730
-----------------------------------
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي ..... مطرق
خجلا من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثا
ببقايا ..... كبرياء ..... الألم
أين دنياك التي أوحت إلى
وتري كل يتيم النغم
كم تخطيت على أصدائه
ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديت كأني ..... ساحب
مئزري فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصة دامية
خنقت نجوى علاك في فمي
أي جرح في إبائي راعف
فاته الآسي فلم يلتئم
ألاسرائيل ..... تعلو ..... راية
في حمى المهد وظل الحرم !؟
كيف أغضيت على الذل ولم
تنفضي عنك غبار التهم ؟
أوما كنت إذا البغي اعتدى
موجة من لهب أو من دم !؟
كيف أقدمت وأحجمت ولم
يشتف الثأر ولم تنتقمي ؟
اسمعي نوح الحزانى واطرب
وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها
تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم ..... لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته
لم يكن يحمل طهر الصنم
لايلام الذئب في عدوانه
إن يك الراعي عدوَّ الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما
كان في الحكم عبيدُ الدرهم
أيها الجندي يا كبش الفدا
يا شعاع الأمل المبتسم
ما عرفت البخل بالروح إذا(48/18)
طلبتها غصص المجد الظمي
بورك الجرح الذي تحمله
شرفا تحت ظلال العلم
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> ياشعب
ياشعب
رقم القصيدة : 731
-----------------------------------
يا شعب لا تشك الشقاء
ولا تطل فيه نواحك
لو لم تكن بيديك مجروحا
لضمدنا جراحك
أنت انتقيت رجال أمرك
وارتقبت بهم صلاحك
فإذا بهم يرخون فوق
خسيس دنياهم وشاحك
كم مرة خفروا عهودك
واستقوا برضاك راحك
أيسيل صدرك من جراحتهم
وتعطيهم سلاحك
لهفي عليك أهكذا
تطوي على ذل جناحك
لو لم تُبح لهواك علياءَ
الحياة لما استباحك
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> من أنتِ ؟
من أنتِ ؟
رقم القصيدة : 732
-----------------------------------
من أنت كيف طلعت في
دنياي ما أبصرت فيا
في مقلتيك أرى الحياة
تفيض ينبوعا سخيا
وأرى الوجود تلفتا
سمحا وإيماء شهيا
ألممت أحلام الصبا
وخلعت أكرمها عليا
مهلا فداك الوهم لا
ترمي بمئزرك الثريّا
أنا في جديب العمر أنثر
ما تبقى في يديّا
عودي إلى دنياك واجني
زهرها غضا زكيا
يكفيك مني أن تكوني
في فمي لحنا شجيّا
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> الأشقياء
الأشقياء
رقم القصيدة : 733
-----------------------------------
تتساءلين علام يحيا هؤلاء الأشقياء ؟
المتعبون ودربهم قفر ومرماهم هباء
الواجمون الذاهلون أمام نعش الكبرياء
الصابرون على الجراح المطرقون على الحياء
أنستهم الأيام ما ضحك الحياة وما البكاء
أزرت بدنياهم ولم تترك لهم فيها رجاء
تتساءلين وكيف ادري ما يرون على البقاء ؟
لشأنك اسكتي أنا واحد من هؤلاء
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> طهر
طهر
رقم القصيدة : 734
-----------------------------------
ألفيتها ساهمة
شاردة تأملا
طيف على أهدابها
كسرها تنقلا
شق وشاح فجرها
خميلة وجدولا
وما ج فيها رعشة
حرى وشوقا منزلا
ناديتها فالتفتت
نهدا وشعرا مرسلا
واللحظ في ذهوله
مغرورق تململا
طوقتها يا للشذا
مطوقا مقبلا(48/19)
فما انثنت حائرة
ولا رنت تدللا
ولا درت وجنتها
من خجل تبدلا
كأنها في طهرها
أطهر من أن تخجلا
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> هكذا تقتحم القدس
هكذا تقتحم القدس
رقم القصيدة : 735
-----------------------------------
صاح يا عبد فرف الطيب
واستعر الكأس وضج المضجع
منتهى دنياه نهد شرس
وفم سمح وخصر طيع
بدوي أورق الصخر له
وجرى بالسلسبيل البلقع
فإذا النخوة والكبر على
ترف الأيام جرح موجع
هانت الخيل على فرسانها
وانطوت تلك السيوف القطع
والخيام الشم مالت وهوت
وعوت فيها الرياح الأربع
قال يا حسناء ما شئت اطلبي
فكلانا بالغوالي مولع
أختك الشقراء مدت كفها
فاكتسى من كل نجم إصبع
فانتقي أكرم ما يهفو له
معصم غض وجيد أتلع
وتلاشى الطيب من مخدعه
وتولاه السبات الممتع
والذليل العبد دون الباب لا
يغمض الطرف ولا يضطجع
والبطولات على غربتها
في مغانينا جياع خشع
هكذا تقتحم القدس على
غاصبيها هكذا تسترجع
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> حنين
حنين
رقم القصيدة : 736
-----------------------------------
لا تغني فإن حشرجة الميت
وجهش النعاة في مسمعيّا
أتغنين ذكرياتي وكانت
كوثرا في فم الزمان شهيا
يوم أسقى من راحة الوحي خمري
وأصوغ الحياة شعرا نديا
وأرى توبة الزمان بعينيك
فأنسى ما قد أساء إليّا
أسمعيني على أنين الأماني
من عثار الشباب لحنا شجيا
أوجوم فيم الوجوم منى النفس
وفيم الذهول يكسو المحيا
أترامت عليك أشباح ذكرى
تترك الحب يا هلوك حييّا
حولي ناظريك عني فما أسطيع
أجلو سرا هناك خفيا
ويح نفسي ما للعواصف تخبو
ويفت الخذلان في ساعديّا
أنا طفل الحياة يا ضلة الروح
فعفوا إن جئت أمرا فريا
فبليني فقد شعرت بروحي
وثبت وارتمت على شفتيّا
لست أنت التي أضمك بل
دنيا فتون وعالما علويا
أتبسمت بعد صمت رهيب
كان يدوي في مسمعيا دويا؟
خدريني بنغمة تقتل اليأس
وتهمي بالمسكرات عليا
حسنا تفعلين غني أعيدي
اخفضي الصوت تمتميه إليّا(48/20)
اتركيني على ذراعك أغفو
وأذيبي الأصداء شيا فشيا
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> نسر
نسر
رقم القصيدة : 737
-----------------------------------
أصبح السفح ملعبا للنسور
فاغضبي يا ذرا الجبال وثوري
إن للجرح صيحة فابعثيها
في سماع الدنى فحيح سعير
واطرحي الكبرياء شلوا مدمى
تحت أقدام دهرك السكير
لملمي يا ذرا الجبال بقايا النسر
وارمي بها صدور العصور
إنه لم يعد يكحل جفن النجم
تيها بريشة المنثور
هجر الوكر ذاهلا وعلى عينيه
شيء من الوداع الأخير
تاركا خلفه مواكب سحب
تتهاوى من افقها المسحور
كم اكبت عليه وهي تندي
فوقه قبلة الضحى المخمور
هبط السفح طاويا من جناحيه
على كل مطمح مقبور
فتبارت عصائب الطير ما بين
شرود من الأذى ونفور
لا تطيري جوابة السفح فالنسر
إذا ما خبرته لم تطيري
نسل الوهن مخلبيه وأدمت
منكبيه عواصف المقدور
والوقار الذي يشيع عليه
فضلة الإرث من سحيق الدهور
وقف النسر جائعا يتلوى
فوق شلو على الرمال نثير
وعجاف البغاث تدفعه
بالمخلب الغض والجناح القصير
فسرت فيه رعشة من جنون
الكبر واهتز هزة المقرور
ومضى ساحبا على الأفق الأغبر
أنقاض هيكل منخور
وإذا ما أتى الغياهب واجتاز
مدى الظن من ضمير الأثير
جلجلت منه زعقة نشت الآفاق
حرى من وهجها المستطير
وهوى جثة على الذروة الشماء
في حضن وهجها المستطير
أيها النسر هل أعود كم عدت
أم السفح قد أمات شعوري
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
رقم القصيدة : 738
-----------------------------------
أنا في موئل النبوة يا دنيا
أؤدي فرائض الأيمان
أسأل النفس خاشعا أترى
طهرت بردي من لوثة الأدران
كم صلاة صليت لم يتجاوز
قدس آياتها حدود لساني!
كم صيام عانيت جوعي فيه
ونسيت الجياع من إخواني!
كم رجمت الشيطان والقلب مني
مرهق في حبائل الشيطان!
رب عفوا إن عشت ديني ألفاظا
عجافا ولم أعشه معاني(48/21)
أنا من أمة تجوس حماها
جاهلياتها بلا استئذان
مزقت شملنا شعائر شتى
وقيادات طغمة عبدان
مرنتنا على الهزيمة والجبن
وبعض الحياة بعض مران
فاستكنا لا بارك الله في
صبر ذليل ولا بكاء جبان
يا بن عبد العزيز وانتفض العز
وأصغى وقال : من ناداني ؟
قلت : ذاك الجريح في القدس
في سيناء في الضفتين في الجولان
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> رسالتها المترجمة
رسالتها المترجمة
رقم القصيدة : 739
-----------------------------------
وتلاقينا غريبين هنا
لم تكن أنتَ ولا كنتُ أنا
بدلت منا الليالي وانتهى
عبث الكأس وإغراء الجنى
موسم الورد أخذنا عطره
وتركنا فيه غصنا لينا
وافترقنا ونأى العهد بنا
ونسينا وتناستنا المنى
لا تثر ذكرى هوانا ربما
نفرت عن مقلتيّ الوسنا
آن للنعش الذي أودعته
كل أشلاء الصبا ان يدفنا
امض من دربي فما أحسبه
في خريف العمر إلا هينا
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> لقاء الغرباء
لقاء الغرباء
رقم القصيدة : 74
-----------------------------------
علمتني الأشواقَ منذ لقائنا
فرأيتُ في عينيكِ أحلامَ العُمر
وشدوتُ لحناً في الوفاءِ .. لعله
ما زال يؤنسني بأيامِ السهر
وغرستُ حُبكِ في الفؤادِ وكلما
مضت السنينُ أراهُ دوماً .. يزدهر
وأمامَ بيتكِ قد وضعتُ حقائبي
يوماً ودعتُ المتاعبَ والسفر
وغفرتُ للأيامِ كُلَّ خطيئةٍ
وغفرتُ للدنيا .. وسامحتُ البشر
***
***
علمتني الأشواقَ كيف أعيشُها
وعرفتُ كيف تهزني أشواقي
كم داعبت عينايَ كل دقيقةٍ
أطياف عمرٍ باسمِ الإشراقِ
كم شدني شوق إليكِ لعله
ما زال يحرق بالأسى أعماقي
***
***
أو نلتقي بعد الوفاءِ .. كأننا
غرباءُ لم نحفظ عهوداً بيننا
يا من وهبتُكِ كل شيء إنني
ما زلتُ بالعهد المقدسِ .. مؤمنا
فإذا انتهت أيامُنا فتذكري
أن الذي يهواكِ في الدنيا .. أنا
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> هي والدنيا
هي والدنيا
رقم القصيدة : 740(48/22)
-----------------------------------
هي والدنيا وما بينهما
غصصي الحرى وأهوائي العنيدة
رحلة للشوق لم أبلغ بها
ما أرتني من فراديس بعيدة
طال دربي وانتهى زادي له
ومضى عمري على ظهر قصيدة
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> اقرئيها ( اوراق ميت )
اقرئيها ( اوراق ميت )
رقم القصيدة : 741
-----------------------------------
إنها حجرتي لقد صدئ النسيان
فيها وشاخ فيها السكوت
أدخلي بالشموع فهي من الظلمة
وكر في صدرها منحوت
وانقلي الخطو باتئاد فقد يجفل
منك الغبار والعنكبوت
عند كأسي المكسور حزمة أوراق
وعمر في دفتيها شتيت
احمليها ماضي شبابك فيها
والفتون الذي عليه شقيت
اقرئيها لا تحجب الخلد عني
انشريها لا تتركيني أموت
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> عناد
عناد
رقم القصيدة : 742
-----------------------------------
هذي الربى كم ضاق في فضاؤها
مالي على جنباتها أتعثر
شب الحصى فيها ودون زحامه
درب يغيب و آخر يتكسر
وملاعبي ومجر أذيالي بها
بعدت فما ترقى إليها الأنسر
ما كنت أحسب أنها تتغير
وأرى الشتاء تطاولت أيامه
وازداد عسفا قلبه المتحجر
كم زارني وكشفت عن صدري له
فأقام لا يزهو ولا يتكبر
ما زلت أذكر كيف كان لهاثه
من دفء أضلاعي يذوب ويقطر
ما كنت أحسب انه يتغير
وأتيت مرآتي وعطري في يدي
فبصرت ما لا كنت فيها أبصر
فخفضت طرفي ذاهلا متوجعا
ونفرت منها غاضبا استنكر
خانت عهود مودتي فتغيرت
ما كنت أحسب أنها تتغير
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> جبل
جبل
رقم القصيدة : 743
-----------------------------------
معاذ خلال الكبر ما كنت حاقدا
ولا غاضبا إن عاب مسراي عائب
فكم جبل يغفو على النجم خده
وأذياله للسائمات ملاعب
نظرت إلى الدنيا فلم ألف عندها
كبيرا أداري أو صغيرا أعاتب
وما هان لي في موقف العز موقف
ولا لان لي في جانب الحق جانب
فيا غربة الأحرار ما أطول السرى
وملء غيابات الدروب غياهب(48/23)
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> في طائرة
في طائرة
رقم القصيدة : 744
-----------------------------------
وثبت تستقرب النجم مجالا
وتهادت تسحب الذيل اختيالا
وحيالي غادة تلعب في
شعرها المائج غنجا ودلالا
طلعة ريا وشيء باهر
أجمال جل ان يسمى جمالا
فتبسمت لها فابتسمت
وأجالت في ألحاظا كسالى
وتجاذبنا الأحاديث فما
انخفضت حسا ولا سفت خيالا
كل حرف زل عن مرشفها
نثر الطيب يمينا وشمالا
قلت يا حسناء من أنت
ومن أي دوح أفرع الغصن وطالا
فرنت شامخة احسبها
فوق انساب البرايا تتعالى
وأجابت أنا من أندلس
جنة الدنيا سهولا وجبالا
وجدودي المح الدهر على
ذكرهم يطوي جناحيه جلالا
بوركت صحراؤهم كم زخرت
بالمروءات رياحا ورمالا
حملوا الشرق سناء وسنى
وتخطوا ملعب الغرب نضالا
فنما المجد على آثارهم
وتخطى بعدما زالوا الزوالا
هؤلاء الصيد قومي فانتسب
إن تجد أكرم من قومي رجالا
أطرق الطرف و غامت أعيني
برؤاها وتجاهلت السؤالا
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> عروس المجد
عروس المجد
رقم القصيدة : 745
-----------------------------------
يا عروس المجد تيهي واسحبي
في مغانينا ذيول الشهب
لن تري حفنة رمل فوقها
لم تعطر بدما حر أبيّ
درج البغي عليها حقبة
وهو ى دون بلوغ الأرب
وارتمى كبر الليالي دونها
لين الناب كليل المخلب
لا يموت الحق مهما لطمت
عارضيه قبضة المغتصب
من هنا شق الهدى أكمامه
وتهادى موكبا في موكب
وأتى الدنيا فرقت طربا
وانتشت من عبقه المنسكب
وتغنت بالمروءات التي
عرفتها في فتاها العربي
أصيد ضاقت به صحراؤه
فأعدته لأفق أرحب
هب للفتح فأدمى تحته
حافرُ المهر جبينَ الكوكب
وأمانيه انتفاض الأرض من
غيهب الذل وذل الغيهب
وانطلاق النور حتى يرتوي
كل جفن بالثرى مختضب
حلم ولى ولم يُجرح به
شرفُ المسعى ونبلُ المطلب
يا عروس المجد طال الملتقى
بعدما طال جوى المغترب
سكرت أجيالنا في زهوها
وغفت عن كيد دهر قلّب
وصحونا فإذا أعناقنا(48/24)
مثقلات بقيود الأجنبي
فدعوناكِ فلم نسمع سوى
زفرة من صدرك المكتئب
قد عرفنا مهرك الغالي فلم
نرخص المهر ولم نحتسب
فحملنا كل إكليل الوفا
ومشينا فوق هام النوب
وأرقناها دماء حرة
فاغرفي ما شئت منها واشربي
وامسحي دمع اليتامى وابسمي
والمسي جرح الحزانى واطربي
نحن من ضعف بنينا قوة
لم تلن للمارد الملتهب
كم لنا من ميسلون نفضت
عن جناحيها غبار التعب
كم نبت أسيافنا في ملعب
وكبت أفراسنا في ملعب
من نضال عاثر مصطخب
لنضال عاثر مصطخب
شرف الوثبة أن ترضي العلى
غلب الواثبُ أم لم يغلب
شعراء العراق والشام >> عمر أبو ريشة >> حسبي
حسبي
رقم القصيدة : 746
-----------------------------------
لك ما أردت فلن أسائل
كيف انتهت أعراس بابل
حسبي مررت بخاطر النعمى
هنيهات قلائل
كم قلتها لك ما حييت و
وكم ختمت بها الرسائل
أنا ما حقدت على الشفاه
ولا عتبت على الأنامل
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> عودة الأنبياء
عودة الأنبياء
رقم القصيدة : 75
-----------------------------------
عطرٌ ونورٌ في الفضاء
والأرضُ تحتضنُ السماء
والشمسُ تنظرُ بارتياح للقمر
والزهرُ يهمسُ في حياءٍ للشجر
والعطرُ تنشُره الخمائلُ
فوق أهداب الطيور
والنجمُ في شوق تصافحه الزهور
ضوء يلوح من بعيد
الأرضُ صارت في ظلامِ الليلِ
لؤلؤةً يعانقها ضياء
والناسُ تُسرعُ في الطريق
صوتٌ يدندن في السماء
الآن ، عاد الأنبياء
***
هذا ضياء مُحمدٍ
ينسابُ يخترقُ المفارقَ والجسور
عيسى وموسى والنبيُ محمدٌ
عطرٌ من الرحمنِ في الدنيا يدور
هذي قلوب الناسِ تنظرُ في رجاء
أتُرى يعودُ لأرضنا زمنُ النقاء ؟
أهلاً بنور الأنبياء
***
موسى يداعبُ زهرةً
ثكلى ..فينتبه الرحيق
الزهرة الخرساءُ تهمسُ : مرحباً
يا أنبياءَ الحقِّ قد ضاع الطريق
الزهرةُ الخرساءُ تهتف في ذهول : يا أنبياءَ الله
يا من ملأتم بالضياء قلوبنَا
يا من نثرتم بالمحبةِ دربنا
بالقلب أحزانٌ وشكوى تختنق(48/25)
وربيع أيامٍ يموتُ .. ويحترق
فالأرضُ كبلها الضلال
تاه الحرامُ مع الحرام مع الحلال
والخوفُ يعبثُ في النفوس بلا خجل
والفقرُ في الأعماقِ يغتالُ المنى
ماذا يفيدُ العمرُ لو ضاعَ الأمل؟
***
الأرضُ يا موسى تضجُ من الجماجمِ والسجون
أطفالنا عرفوا المشانقَ
ضاجعوا الأحزانَ
في زمن الجنون
والشمس ضلت في الشروقِ طريقَهَا
فهوت على شطِّ الغروب
وتأرجحت وسط السماء
ما بين شرقٍ جائرٍ
ما بين غربٍ فاجرٍ
الشمسُ تاهت في السماء
ما عاد فيكِ مدينتي شيءٌ ليمنحنا الضياء
فالليل يحملُ كالضلالِ سيوفه
وبحارُنا صارت دماء
من ينقذ الشطآن من هذي الدماء
في كل ليل داكنِ الأشباح تنتحرُ القلوب
في كلِّ يوم تسخرُ الأحلامُ من زمنٍ كذوب
في كل شبر
من ترابِ الأرضِ أحلامٌ تذوب
قالوا لنا يوماً
بأن الأرض كانت للبشر
موسى بربكَ هل ترى في الأرضِ
شيئاً .. كالبشر ؟
***
عيسى رسول اللهِ
يا مهد السلام
هذي قبورُ الناسِ
ضاقت بالجماجم والعظام
أحياؤنا فيها نيام
وعلى جبين اليأسِ
مات الحبُ وانتحر الوئام
الحقُ مصلوبٌ مع الأنفاسِ في دنيا الدجل
والحبُ في ليل الدراهمِ
والمخابئ والمباحثِ لم يزل
يشكو زماناً يُسحق الإنسانُ فيه بلا خجل
***
أهلاً رسول اللهِ
يا خير الهداةِ الصادقين
أنا يا محمدُ قد أتيتكَ
من دروب الحائرين
فلقد رأيتُ الأرضَ
تسكرُ من دماء الجائعين
والناسُ تحرقُ في رفاتِ العدلِ
ماتَ العدل فينا من سنين
أنا يا رسولَ الله طفلٌ حائرٌ
من يرحم الآباءَ من يحمي البنين ؟
الناسُ تأكلُ بعضَها
هذي لحومُ الناسِ نأكلها ونشرب خلفها
دمعَ الحيارى المتعبين
رفقاً رسولَ اللهِ لا تغضب فهذا حالُنا
فلقد عَصينا الله في زمنٍ حزين
ماذا تقولُ إذا سرقتُ الناس خبّرني
وطيفُ الجوع يقتل طفلتي؟
وأنا أموتُ على الطريقِ وحوله
يسري اللصوصُ وهم سكارى
من بقايا مهجتي ؟
بالله خبرني رسول اللهِ
أين بدايتي .. ونهايتي ؟
أتُرى أعيشُ العمرَ مصلوبَ المنى ؟
***
أنا يا رسول اللهِ(48/26)
لم أعرف مع الدجل الرخيص حكايتي
ماذا أكونُ ؟ ومن أكونُ ؟ أمام قبر مدينتي
وأموتُ في نفسي .. أموت
وأموتُ في خوفي .. أموت
وأموت في صمتي .. أموت
أنا يا رسول الله أحيا كي أموت
قالوا بأن الموت موتٌ واحدٌ
وأمام كل دقيقة قلبي يموت
قلبي رسول الله في جنبي يموت
ماذا أقول وقد رأيتُ الأرضَ تفرحُ
بالمعاصي والذنوب؟
ماذا أقولُ وعمري الحيرانُ
يطحنه الغروب ؟
والحبُ في قلبي يذوب
آهٍ رسولَ الله من أيامنا
فلقد رأيتَ بنورِ قلبكَ حالنََا
يا منصف الأحياءِ والموتى
ويا نوراً أضاء طريقنا
لا تترك الأحزانَ ترتعُ بيننا
***
الشمسُ تصعدُ للسماء
والزهرُ يخنقه البكاء
والليل ينظرُ في دهاء
عاد الظلامُ مدينتي ما كنتِ يوماً .. للضياء
الآن يرحلُ عنكِ نور الأنبياء
النورُ يخترقُ السماء
يمضي بعيداً ، ويح قلبي ليته ما كان جاء
يوماً رأت فيه القلوبُ
بشيرَ صبحٍ عانقت فيهِ الرجاء
***
يا أنبياءَ الله
لا تتركوا الأرضَ الحزينةَ للضياع
لا تتركوا الأرض الحزينة للضياع
يا أنبياء الله
يا من تريدون الوداع
يا من تركتم للظلام مدينتي
قبل الرحيل تنبهوا
الأرض تمشي للضياع
الأرض ضاعت .. في الضياع
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> شهداؤنا
شهداؤنا
رقم القصيدة : 76
-----------------------------------
شهداؤنا بين المقابر يهمسون..
والله إنا قادمون..
في الأرض ترتفع الأيادي..
تنبُت الأصوات في صمت السكون..
والله إنا راجعون..
تتساقط الأحجار يرتفع الغبار..
تضيء كالشمس العيون..
والله إنا راجعون..
شهداؤنا خرجوا من الأكفان..
وانتفضوا صفوفًا، ثم راحوا يصرخون..
عارٌ عليكم أيها المستسلمون..
وطنٌ يُباع وأمةٌ تنساق قطعانا..
وأنتم نائمون..
شهداؤنا فوق المنابر يخطبون..
قاموا إلى لبنان صلوا في كنائسها..
وزاروا المسجد الأقصى..
وطافوا في رحاب القدس..
واقتحموا السجون..
في كل شبر..
من ثرى الوطن المكبل ينبتون..
من كل ركن في ربوع الأمة الثكلى..(48/27)
أراهم يخرجونْ..
شهداؤنا وسط المجازر يهتفونْ..
الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..
الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..
الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..
****
شهداؤنا يتقدمونْ..
أصواتهم تعلو على أسوار بيروت الحزينة..
في الشوارع في المفارق يهدرونْ..
إني أراهم في الظلام يُحاربونْ..
رغم انكسار الضوء..
في الوطن المكبل بالمهانة..
والدمامة.. والمجون..
والله إنا عائدون..
أكفاننا ستضيء يومًا في رحاب القدسِ..
سوف تعود تقتحم المعاقل والحصونْ..
****
شهداؤنا في كل شبر يصرخونْ..
يا أيها المتنطعونْ..
كيف ارتضيتم أن ينام الذئب..
في وسط القطيع وتأمنونْ؟
وطن بعرْض الكون يُعرض في المزاد..
وطعمة الجرذان..
في الوطن الجريح يتاجرون..
أحياؤنا الموتى على الشاشات..
في صخب النهاية يسكرون..
من أجهض الوطن العريق..
وكبل الأحلام في كل العيون..
يا أيها المتشرذمون..
سنخلص الموتى من الأحياء..
من سفه الزمان العابث المجنون..
والله إنا قادمون..
"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا
بل أحياء عند ربهم يرزقون"
****
شهداؤنا في كل شبر..
في البلاد يزمجرونْ..
جاءوا صفوفًا يسألونْ..
يا أيها الأحياء ماذا تفعلونْ..
في كل يوم كالقطيع على المذابح تصلبونْ..
تتنازلون على جناح الليل..
كالفئران سرًّا للذئاب تهرولونْ..
وأمام أمريكا..
تُقام صلاتكم فتسبحونْ..
وتطوف أعينكم على الدولارِ..
فوق ربوعه الخضراء يبكي الساجدونْ..
صور على الشاشاتِ..
جرذان تصافح بعضها..
والناس من ألم الفجيعة يضحكونْ..
في صورتين تُباع أوطان، وتسقط أمةٌ..
ورؤوسكم تحت النعالِ.. وتركعونْ..
في صورتين..
تُسلَّم القدس العريقة للذئاب..
ويسكر المتآمرون..
****
شهداؤنا في كل شبر يصرخونْ..
بيروت تسبح في الدماء وفوقها
الطاغوت يهدر في جنونْ..
بيروت تسألكم أليس لعرضها
حق عليكم؟ أين فر الرافضونْ؟
وأين غاب البائعونْ؟
وأين راح.. الهاربونْ؟
الصامتون.. الغافلون.. الكاذبونْ..(48/28)
صمتوا جميعًا..
والرصاص الآن يخترق العيونْ..
وإذا سألت سمعتَهم يتصايحونْ..
هذا الزمان زمانهم..
في كل شيء في الورى يتحكمونْ..
****
لا تسرعوا في موكب البيع الرخيص فإنكم
في كل شيء خاسرونْ..
لن يترك الطوفان شيئًا كلكمْ
في اليم يومًا غارقون..
تجرون خلف الموتِ
والنخَّاس يجري خلفكم..
وغدًا بأسواق النخاسة تُعرضونْ..
لن يرحم التاريخ يومًا..
من يفرِّط أو يخونْ..
كهاننا يترنحونْ..
فوق الكراسي هائمونْ..
في نشوة السلطان والطغيانِ..
راحوا يسكرونْ..
وشعوبنا ارتاحت ونامتْ..
في غيابات السجونْ..
نام الجميع وكلهم يتثاءبونْ..
فمتى يفيق النائمونْ؟
متى يفيق النائمون؟.
شعراء مصر والسودان >> فاروق جويدة >> رسالة إلى شارون
رسالة إلى شارون
رقم القصيدة : 77
-----------------------------------
قبيح وجهك المرسوم من أشلاء قتلانا
جبان سيفك المسموم في أحشاء موتانا
وضيع صوتك المرصود في آنات أسرانا
إنجيلا .. وقرآنا
قبيح أنت يا خنزير كيف غدوت إنسانا
قبيح وجهك الملعون
مهان يا زمان العار أوسمة وتيجانا
ذليل يا زمان العجز كهانا وأوطانا
جبان يا زمان القهر من قد باع أوخان
خيول أسلمت لليأس رأيتها
فصار الجبن نيشانا
خيول باعها الكهان أمجادا وتاريخا وفرسانا
فصارت ساحة الفرسان يا للعار غلمانا
كسيح يا زمان العجز
حين ينام سيف الحق بين يديك خزيانا
قبيح يا زمان اليأس
حين يصير وجه القدس في عينيك أحزانا
يبول الفاسق العربيد جهرا في مساجدنا
يضاجع قدسنا سفها
ويقضي الليل في المحراب سكرانا
قبيح وجهك الملعون
ويسألني أمام القبر طفل
لماذا لا يزور الموت أوطانا سوانا
لماذا يسكر العربيد من أحشاء أمي
ويجعل خمره دوما ... دمانا
أمام الكعبة الغراء صوت
يصيح الآن يصرخ في حمانا
أيا الله صار العدل سجانا
أيا الله صار الحق بهتانا
أيا الله صار الملك طغيانا
وأضحى القهر سلطانا
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أرقام
أرقام(48/29)
رقم القصيدة : 775
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
في آخر الصفحه .. يسار ..
خبر صغير .. حادث قطار .. مات أربعة ..
مكتوب في السطر الأخير ..
باقي التفاصيل .. في الصفحة العشرين ..
على الثرى .. وبين الورق ..
أجسادهم امقطعة ..
الأربعة .. لجل المساحة ماتشيل ..
وفي باقي الصفحة صور ..
فنان .. وحصان .. و كور ..
وابحث عن الخبر الحزين ..
في نهاية الصفحه يمين ..
حادث قطار ..
ماتوا ثلاثة وطفل ..
وباختصار .. شديد .. شديد ..
كان القطار .. هو الوحيد ..
اللي بأسم ..
بلا ملا مح .. أو أسامي ..
ليه كلنا نموت ..
ليه نهمل الجثه ..
ونتذكر التابوت ..
لأقدامنا صوت ..
من يسمعه ..
من يسمع الأقدام..
هم مروا من تحت الكلام..
الأربعة ..
وصاروا أرقام .. أرقام ..
أنا رقم .. اصقه ضرير ..
المشكلة .. مثلي كثير..
يجمعنا حب الهاويه ..
احلامنا .. انا نصير..
وقاماتنا متساويه..
نركض على ورق الحياه ..
لين ننمحي ..
المشكله مانستحي ..
إنا نمرّ ..
ماشافنا انسان ..
ولا سمعنا انسان ..
اكتبني يالنسيان ..
انا رقم ..
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أبها
أبها
رقم القصيدة : 776
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
كل ما كتبت أبها .. نشت فوق الأوراق
سحابةٍ .. وابتل في الصدر معلوق
أخيل بين أصابعي .. نوض براق
وكن القمر ينبت له غصون .. وعروق
شقت ثياب الليل .. عن جلد الأشفاق
لا بان لي معنى0 .. ولا زانت طروق
ضاع القصيد00وما بقى غير الأشواق
وأحلى الشعر ما يكتب الشوق في الشوق
إن خان بي الشاعر .. فأنا جيت عشاق
وكل عاشق لا بد ما يطلب حقوق
يا سودة أبها .. خاشري كل شعاق
كبد السما لا شك لدي لي بموق
إن كان أبو بندر على الوصل سباق
لي الفخر .. إني من الشيخ مسبوق
لأجلك عسير .. أزعلت خلاني فراق
جيتك .. ودونك أشهب القاع مشقوق
لي ديرةٍ خدانها مثل الآفاق
فاطرافها .. وديان .. وجبال .. وعروق(48/30)
وحّد ما بين ترابها .. دين وأخلاق
وفرّق شمل عدوانها .. كفر وعقوق
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> الا الهوى
الا الهوى
رقم القصيدة : 777
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ابعتذر ... عن كل شيء ...
إلا الهوى .. ما للهوى عندي عذر ..
ابعتذر .. عن أي شي ..
إلا الجراح .. ما للجراح إلا الصبر ..
إن ضايقك اني على بابك أمرّ ...
ليلة ألم ... واني على دربك مشيت عمري وأنا
قلبي القدم ...
ابعتذر ... ابعتذر ... كلي ندم ...
عن كل شيء ... إلا الهوى ...
ما للهوى عندي عذر ...
ا تصدقي ... ما اخترت أنا أحبك ...
ما احدٍ يحب اللي يبي ...
سكنتي جروحي غصب ...
ياحبي المرّ ... العذب ...
ليت الهوى وانتي ... كذب ...
كان اعتذر لك عن هواي ...
ما أقول أنا ... كوني معاي ...
ان ضايقك اني على بابك أمرّ ...
ليلة ألم ...
واني على دربك مشيت عمري وأنا ...
قلبي القدم ...
ابعتذر ... ابعتذر ... كلي ندم ...
عن كل شيء ... إلا الهوى ...
ما للهوى عندي عذر ...
الله كريم .. حبك ... يكون ...
همي القديم ...
وجرحي القديم ...
والله عليم ... يا أحلى العيون ...
ان الفراق ... جزا الفراق ...
ابوعدك ... كان الطريق بيبعدك ...
بامشي الطريق ...
وكان الجحود بيسعدك ...
مالي رفيق ...
ابجمع أوراق السنين ... وأودعك ...
كان الفراق اللي تبين ... الله معك ...
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أول الناس
أول الناس
رقم القصيدة : 778
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
اول الناس انتي .. وكلهم ..
وآخر اللي عيوني .. تملهم ..
لو تحبيني .. هذا يكفيني ..
اسكني عيني .. ونامي ..
انتي يانوري .. وظلامي ..
ياقمرهم .. كلهم ..
أعدل الناس .. وازينهم خجل ..
واغلى من الناس .. في وقت الزعل ..
واجمل اللي حصل لي .. وماحصل ..
لو تحبيني .. هذا يكفيني ..(48/31)
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> تحت المظله
تحت المظله
رقم القصيدة : 779
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
مطر.. معلق .. بنصف السما .. لا ينهمر.. ولا يرتفع ..
وكل ما بغينا نجتمع.. تحت المصابيح الزرقا.. يطيح منه رذاذ ..
اما انهمر فرقا .. و الا تقطع وصل .. يا ماطر الليل ..
لا تاقف بوسط السما ..
لك هالشوارع .. انما تكفيك.. ساعه .. ساعتين ..
بنشيب وحنّا واقفين.. تحت المظله .. ماهو خوف من البلل ..
لكن حنين .. للمصابيح الزرقا.. ولليلةٍسمراء.. سماها صافيه..
وموعد لعيونها..
والله غرفنا دافيه..
ولها شبابيك وستاير..على البروق .. لكن .. زهقنا بيوتنا ..
واللي يخليك .. اما انهمر.. والا ارتفع ..
تمرّ.. ساعه الا ربع .. وتو السحاب.. ما يدري وش يبي ..
أخاف أسأل صاحبي .. ويقول .. خلّنا نسري..
وين نسري.. بدري..
بدري على المسرى ورا السحاب قمرا .. وقمرا ورا الأبواب..
تبي المطر يرقا .. وتهطل نجوم .. وتظهر علي ..أنا لو علي..
تحت المصابيح الزرقا .. قلبي بيحوم .. مثل الفراش ..
تحت الرشاش .. والا الصحو .. لين أشوفك .. مقبله ..
والله .. ضلوعي مبلله.. بالشوق ..
وما ودي احاكي صاحبي .. ولا أساله .. بيقول .. خلنا نسري..
وين نسري بدري .. ساعه وربع.. وحنا واقفين تحت المظله..
اما أنهمر فرقا .. والا تقطع وصل .. يا ماطر الليل ..
لا تاقف .. بوسط السماء ..
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أوقات
أوقات
رقم القصيدة : 780
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أوقات ياخذنا الحكي ..
وننسى بالحكي أوقات ..
واوقات .. يا ليت الكلام سكات ..
يجرحنا الحكي ..
اسهر .. مع حبيبي .. يا قمر الكلام ..
لين يغفى حبيبي .. وجروحي تنام ..
ابعد عن حروفي .. وعن المي وخوفي ..
وابحر في سفينه .. عن بحر الظلام ..
وصلنامدينه .. من عطر وغمام
انا وين القى كلام .. ما مر فـ كلام(48/32)
اوقات .. يا ليت الكلام سكات ..
يجرحنا الحكي ..
بغني لعيونك .. في حزني وفرحي
وبكتب عيونك .. قصيده لجرحي
واخلي ابتسامك .. دموعك كلامك
قمر هالسوالف في ليل السكوت ..
ولو الف نجمه في عيني تموت ..
في حزني أحبك .. ويأسي أحبك ..
أحبك .. مأقول أوقات
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> رشاش
رشاش
رقم القصيدة : 781
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
رشاش ... يتساقط على قلب..
هذا عصفورك... وباقي الصدر اعشاش..
ابتل هالعصفور .. ريشه غدا اثقل
وان مرو الاوباش .. أو مرو الاجمل
صادوه وما اسهل... من صيد عصفورك
طير.. وعليه رشاش ..
وبردٍ على الاحراش ..
وفوق الغصن طيرك ..
يشكي من الامطار ..
مري علي مشوار ..
لو جاء احد غيرك ..
دفاه بالاخبار..
ولف الجروح... بشاش
غشاش .. غشاش
وباشعل الغيره في قلبك البارد ..
ماقوى اخونك
ماقوى اخونك .. ماش
انا قلبي عصفورك وباقي الصدر ..اعشاش
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> بيجيني السفر
بيجيني السفر
رقم القصيدة : 782
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
مربوط بالضي ..
مقيِّدٍ بالظل .. مسجون في الناس ..
مديون لكلمةٍ حلوه .. مرهون لي أنفاس ..
قولي لي .. وش أسوي ..
ملعون هالإحساس ..
لو هو حلو وافر ..
قاضبني لا اسافر..
بـ الهون ..لا تكسري هالقيد .. كله أصابع ..
خليني أفك أصابع الحاير المسكون .. بالخوف ..
عن زندي الخادر ..
يكفي مواجع ..
أظنني قادر على الوقوف ..
وقادر على الترحال ..
بس اصبري ..
لا تسافري .. الين أقوم ..
بالله لا تستعجلي ..
لا تزعلي مني ..
أوراقي وثيابي .. خذيها معك ..
بس افتحي بابي .. وخليه ..
في يوم بيجيني السفر ..
ويدخل علي .. واهج مثل الناس ..
قول وش أسوي .. ملعون هالإحساس ..
لوهو حلو وافر ..
قاضبني لا اسافر ..
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أجمل الحزن
أجمل الحزن
رقم القصيدة : 783(48/33)
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا اجمل الحزن .. لدموعك سلام
من حبيبٍ ... بقى منه الكلام
وين انا منك .. غربني الزمان
وخانني النور ... وابعدني الظلام
لو بعزيك ... سالت دمعتي
تدري الدمع في حبك ... حرام
لو بواسيك ... مايكفي الهوى
ولو أبي ... عذر مايكفي الغرام
أعطنى من عذابك يا البعيد
صرخةٍ ... تجعل ظلوعي حطام
آه ...لو في يدي أبكي معاك
قطرةٍ مادرى عنها الغمام
ماابخل الوقت ... يحرمني البكا
وانت لجلك حرمني الإبتسام
يا اطهر الحزن ... لو كان القصيد
يكشف الغم عن بدر التمام
لكتب الشمس شعرٍ في سناك
وامحي إمن السما...عج وكتام
ياعسي البدر نوره مايغيب
عن حبيبٍ بقي منه الكلام
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أبي النسيان
أبي النسيان
رقم القصيدة : 784
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
تذكرتك .. وأبي النسيان ألايا خل ساعدني
أنا مالي ورى الذكرى .. إلى مات الأمل خيره
أنا ودي على الفرقا حبيبي لو تعاهدني
وإلى شفتك .. تصد ولاتجيب لما مضى سيره
تخيّر غير هذي الأرض .. مكانٍ به تواعدني
تخيّر لك مكانٍ صعب .. أعرف فيوم تقديره
عسى الجرح الذي يدينك أشوفه عنك يبعدني
أنا اللي أكرهك .. وأحبك .. شعورٍ صعب تفسيره
حسيبك .. يالهوى الظالم .. حسيبك لاتعاندني
بيلقى صاحبي غيري وأباالقى في العرب غيره
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> تعبت أسافر
تعبت أسافر
رقم القصيدة : 785
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
تعبت أسافر في عروقي ومليت
من جلدي اللي لو عصيته غصبني
ياما تجاوزت الجسد واستقليت
عن الألم .. لاشك جرحي غلبني
أنا سجين الحال .. مهما تسليت
وانا الطليق وكل شيٍٍ قضبني
حريتي لاعل .. يا كود ياليت
ما شفت حيٍٍ جاد لي ماسلبني
وليت يا ليل التباريح وليت
اما محاني الحزن والاكتبني
كل السما في دفتري وان تجليت
مثل الشموس .. غبار قبري حجبني(48/34)
لي صاحب وان ما تخلى تخليت
لا بد ما نهدم .. ولا بد نبني
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> بحر العيون
بحر العيون
رقم القصيدة : 786
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
تقول اللي طرف عينك أنا مدري هدب أو عود
أحس اني من اللي صابها ماشوف قدامي
ضحكت .. وقلت لاتخافي على بحر العيون السود
على شط الكحل مريت .. وهذا موضع أقدامي
أدوّر عن ذهب عمري .. أدور كنزي المفقود
وأشوف الموج يطوي الموج ويبحر مركب أحلامي
عيوني بسمة اعيونك ولو صارت مطر ورعود
أبا اشرب من ظما دمعك وابااغسل جرحي الدامي
عطيني عيونك الليلة .. وباكر ياعساه صدود
أمانه لا مسحتي الكحل خلي طيف أحلامي
أحبك كان يكفي الحب جروحي في هواك شهود
أنا اللي راس مالي حلم .. وهم الدنيا قدامي
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> بسمة الضي
بسمة الضي
رقم القصيدة : 787
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أنا حبيبي بسمته تخجل الضي
يكسف سنا بدر الدجى من جبينه
راعي العيون الناعسه رمشها فّي
وإن سلهمت ذاب الحشا من حنينه
له نظرةِِ لا هي سَرابٍ ولا مَيّ
راعي الهوى تفنى وراها سنينه
نور الصبايا .. بسمة الدّار والحيّ
نوره ولا شمس الضحى تستبينه
دامه معي أغلى الحبايب فأنا حّي
بالقلب أضمّه يوم قلبي ضنينه
له في ضميري من لهيب الوله كي
روحي معه عذب المناجى رهينه
ياصاحبي لا تنشد الروح عن شيّ
أنا حبيبي .. نور كل المدينه
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> جفن الليل
جفن الليل
رقم القصيدة : 788
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يطيح جفن الليل واهز كتفه
نجمٍ يشع وباقي الليل مطفي
واحاكي الجدران عن وصف غرفه
ماتشبه الجدران ويطول وصفي
وتملني الجدران واظهر لشرفه
تحت السما واسكر الباب خلفي
ريحٍ تهب وتسكن العظم رجفه
وتموت ريح وتسكن اوراق نزفي
على الروابي تهطل دموع وطفه(48/35)
وتصب لمع بروقها وسط طرفي
ياطاري الغدران والعمر رشفه
مع قلها ياليتها يوم تصفي
الحب واجد مير الاقدار صلفه
والأرض واجد لكن الحلم منفى
واللي اعرفه راح ماعاد اعرفه
ولاظن يذكرني الى أقبلت مقفي
ماهو حبيبي مورد القلب حتفه
ولا هو حبيبي يفرح بوقت ضعفي
مر ثمر هالليل وأمر قطفه
يالحنظل اللي قمت اذوقه بكفي
متى الشوارع تجمع اثنين صدفه
لا صار شباك المواعيد مجفي
يابنت تو الليل ماراح نصفه
وياليل بعض اللي مضى منك يكفي
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أنا النخيل
أنا النخيل
رقم القصيدة : 789
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
بين القلم وأصابعي والورق شوق
عشرين حولٍ .. من كتبت القصايد
من يوم بان القلب .. واخفيت بالموق
دمع .. وغدالي بالمحبه .. وعايد
كتبت ما كني على الشعر مسبوق
وقريت ماكن افـ قصيدي .. جدايد
ونزفت لين اتعبت لا حصل اعروق
وسهرت لين امست نجومي قلايد
وصرت الليالي بين عاشق ومعشوق
وصرت الوصل مابين حاضر وبايد
أنا النخيل وشعري اظلال وعذوق
وانا السحاب اللي على الناس جايد
وفـ ليلةِ حسيت من جرحي اعقوق
وقف النزيف وما بذي له عوايد
صار الورق مابين مهمل ومشقوق
وحار القلم ما بين ناقص و زايد
من الشعر مليت ياحادي النوق
و من الجروح اللي .. تمل الضمايد
و من الحروف ونقصها مع هل السوق
وكذب الحسود .. وهم راعي المكايد
ومجاد لي في كل ساذج ومطروق
وخوفي على غر المعاني الفرايد
عشر السنين وعشر .. والجوف محروق
ما غير أشب أطراف ليلي وقايد
مانيب ادور من ورى نزفي احقوق
و لا ابي من سهر عيني فوايد
لو ما بقالي في الملا غير مخلوق
لا من ذكر شعري .. جفته الوسايد
كني بجبين الشمس .. والليل مفروق
وكني بدمعٍ .. فوق خده نضايد
افداه عمرى .. ماشكى صاحبه عوق
لاشك ما في النفس لو قيل كايد
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> ترحيبة الحزن والليل
ترحيبة الحزن والليل
رقم القصيدة : 790(48/36)
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
لما يبعد ... في المساطيف المسافر ..
لما يخفيه الضباب ..
لما يرحل ... بالأمل وبفرح باكر ...
لما ينسا لي عذاب ...
هلا ... يا حزن ...
هلا بالصاحب الطيب ...
ابد ... لو تبعد قريب ...
هقيت إنك مع الفرقا ... تبي تنسى حنينك لي ...
هقيت انك بعد مليت ...
من الماضي عذابك لي ...
عسى ما جرحك فرحي ... عسى يا حزن ...
أنا لو خنت في جرحي ...
وضيعني ... الهنا ليله ...
ترى ما في يدي حيله ...
هقيت إني لمحت النور ...
بيمسح دمعي المبهور .. بمنديله ...
سحرني حلو ترتيله ...
لما يسري في الفضا .. نجم السهاد ...
لما يطفيه السحاب ...
لما يملى عمرنا الماضي السواد ...
تصبح البسمه ... صواب ...
هلا بالليل ..
هلا والله ..
يا ضاوي لو أضمك لي ..
على صدري ... وافني فيك أشواقي ..
أماني ...عمري الباقي ...
هلا بالليل ...
حبيبي كسر الفرحة على صخر الجفا الجاير ...
حبيبي حزنه الزاير لياليا ... يحبك ليل ...
يقول ازرع ضنى شوق النوى فيا ...
وأنا في موعد الشكوى ...
أبي شكوى ... أبي دمعة ضنى تسوّى جراح العمر ...
هلا بالليل ... يا ضاوي بالحنين المر ...
هلا ... والله ...
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> اترامى
اترامى
رقم القصيدة : 791
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
اترامى
هذي عاداتي
في كل العمر مره .. اترامى ..
وصدقيني في حياتي ..
ما هقيت اني عقاب .. ولا يمامه ..
انما لعيونك إنتي ..
طرت لاجمل إبتسامة
لين قلتي وين جناحانك..؟
وين جنحاني .. ؟! وطحت ..
طحت من أعلى غمامه..
أنا ما ادري مريت بين أصابعك رمل ..
او على خصلات شعرك .. ماء ..
كانت غبارٍ وظلما
وكنت أطيح ..
وهذا آخر مااتذكر ..
وين ظنك با تجرح .. واتكسر
فـ أي رمل .. أي صخر .. او عدامه ..
ما هقيت أني عقاب ولا يمامه
انما لعيونك إنتي ..
طرت لاجمل إبتسامه
وما ابي غير السلامه(48/37)
من الجروح .. ومن التداوي
كيف أمس الأرض .. واطيح متساوي
انا صدقت الصغار .. يوم قالوا :
من يحب القمرا يرحل .. لآخر أرض
وينتظر تالي نهار ..
ولا ظهر منها شبر ..
عانق القمرا .. طمر ..
كيف ضاعت كل أحلامي هقاوي ..
يوم قلتي : وين جنحانك ..
وين جنحاني .. ؟! وطحت ..
طحت من أعلى غمامه..
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أنا إنت
أنا إنت
رقم القصيدة : 792
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
انا إنت .. يا إنت أنا ..
لو سألوا حبيبي .. عن إسمي حبيبي ..
قل هذا أنا ..
تشبهني عيونك .. سميني المدى ..
غطيني برموشك .. عن عين العدا ..
ظفرني جدايل .. واكتبني رسايل ..
وانسى من أنا ..
واعدني المدينه .. أوقات الغروب ..
امواجي سفينه .. ورمالي دروب ..
بأمشي لين أشوفك .. لين أقرا بكفوفك ..
إسمي .. ومين أنا ..
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> جده
جده
رقم القصيدة : 793
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
إسقي كل البحر .. من طلك عذوبه ..
وانثري ضيك عليه ..
في المساء مر .. وشذى عطرك في ثوبه ..
وماسك الشمس بأيديه ..
وش عليه يلعب فـ شعرك هبوبه
ويغسل أقدامك في مده
ويكتم أسرارك في جزره
ويلقى في رملك لخده لا تعب .. حضن ومخده
وكل ما جا الطاري في عرس وخطوبه ..
وقلنا مين هي العروس ..
قالوا : جده
لسا صوتك أسمعه .. آخر أيام الربيع
ويالمنادي في الطريق .. وش تبيع
بأشتري عمري العتيق .. لو تبيع
ولسا كيلو اربعه له مكانٍ في النفوس ..
وتبقى أيام الرطوبه والطفوله .. والجري تحت الشموس
أجمل أيام فـ حياتي ..
لما بيني وبين ( صالح )
تبتدي حرب البسوس ..
وتنتهي مرة بسهوله .. أنا العب فـ الظلال
وهوَّ يدخل غرفته .. يفتح الرادو ويغفى
وانا أحفر للمراكب .. في حدود الظل مرفا
وفي ضلوعي حلم .. وأمطار وخصوبه
ابني العالم وأهده ..
وكل ما جا الطاري في عرس وخطوبه ..(48/38)
وقلنا مين هي العروس ..
قالوا : جده
إسقي باقي العمر من طلك عذوبه ..
وشدي أوتار الحنين .. مثل عود
واعزفي قلبي يعود ..
خصله من ليل الظفاير .. وضي من قمر الخدود
نرخي الماضي ونشده .. خيط قي البحر و جلب
ولو رحلنا عنها مدة .. وقلت أسماك الشعب
تبقى دايم هيَّ جده ..
وهي مكان اللي نحب
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> اه يالجراح
اه يالجراح
رقم القصيدة : 804
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
لا جيت أنا بـ سامحك..
تبكي الجراح ما ودها..
مشتاق ودي أصافحك..
عيت يدي لا مدها...
آه. .يا لجراح .. راح اللي راح ..
وراحتي .. من يا ترى بيردها ..
يا حب.. ياذ كرى واسم..
مدري انا ابكي عليك من العذاب اوابتسم..
صدقني في يأسي .. نفسي تبي نفسي تبيك ..
لا يا دفا شمسي تبيك..
ليه خنتني ..الله عليك ..
آه يا الجراح .. راح اللي راح..
وراحتي .. من يا ترى بيردها ..
لا تحاكي عيوني .. يمطر سحاب الملح ..
ولا تلمس أشجوني .. ينبت في قلبي جرح ..
ناظرني يا خلي .. جرح انا كلي ..
وشلون أبـ ارضى الصلح ..
فصل الخريف حبي ..حزن وورق أصفر..
...ودعني يا قلبي..وخل العذاب أقصر..
آه يا الجراح .. راح اللي راح..
وراحتي .. من يا ترى بيردها ..
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> انتي حلم
انتي حلم
رقم القصيدة : 805
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
انتظرتك .. عمري كله .. وانتي حلم
ومرت الايام والله .. وانتي حلم..
ليه تأخرتي علي ..
توهي مره واسالي ..
كوني في غير الزمان .. والا في غير المكان
كوني عمري .. عمري كله..
اللي باقي .. واللي كان..
انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم ..
كل نجمه شعشعت والقلب عتمه .. كانت انتي ..
كل حرفٍ حرك شفاهي بكلمه .. عنك انتي ..
وكل حبي اللي مضى والحب قسمه .. منك انتي ..
كانوا الاحباب ظلك .. بعض احساسك ونورك ..(48/39)
ما عرفتك يوم كلك .. ياللي في غيابك حضورك ..
انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم ..
هذا إنتي .. قولي والله إنه إنتي ..
وين غبتي ؟! .. عني هذا الوقت كله ..
وين كنتي ؟! ..
شيبت عيني طيوفك .. وما أصدق إني أشوفك ..
ياللي قلبي في كفوفك .. نقش حنا ..
وفي جديلك عطر ورد ..
آتمنى .. لو تكوني في فراغ اعيوني وعنى
وفي سموم ضلوعي برد ..
ليه تأخرتي علي ..
وما طرى لك تسألي ..
ليه نأخرتي علي .. وما طرى لك تسألي ..
إنتظرتك عمري كله عمري كله .. وانتي حلم
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> الله اقوى
الله اقوى
رقم القصيدة : 806
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
الله أقوى غدا شوفك سراب
كيف أبا أروي حنيني .. بالظما
يا ممنى حياتي .. بالسحاب
وين غيث المحبه .. ما هما
اجدبت بالحشا أرض العذاب
واشتكت من تجافيك السما
كيف ترضى عليّ .. طول الغياب
وانت حبك جرى مجرى الدما
يا حبيبي ذوى قلبي وذاب
من عذابه وبيح ما كما
وعل عينٍ .. رضت فيك العتاب
تشتكي بعد نوره مـ العمَا
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> أحبابك سروا
أحبابك سروا
رقم القصيدة : 807
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
مابه احد غيري يابنت.. احبابك سروا..
لاتسأليني تغيروا.. يمكن نسوا او مادروا..
ياحلوتي ضاع الوعد.. وباكر بعد..
مري على دروب الجراح.. وتلقين احد غيري..
بالله لاتبكين عندي.. والى رحتي سوى اللي تبين
مالك عزى.. فـ قلبي الحزين
محتار انا اسكت.. ومدري ايش اقول
لاني سبب جرحك.. ولاعندي الحلول
لكن ابوصيك بصبر.. لابد للغايب عذر
وياحلوتي ضاع الوعد.. وباكر بعد...
مري على دروب الجراح.. وتلقين احد غيري
غطي سنا خدك بشال الليل..
وغيبي ياشمس اللي ضيها لغيري..
اه .. لو تعرفي وش كثر انا احبك.. لو كنتي تدري بي
ياعيونها السود.. مابه احد موجود.. غيري انا الموعود
جرحي.. وتعذيبي..(48/40)
ياحلوتي ضاع الوعد.. وباكر بعد...
مري على دروب الجراح.. وتلقين احد غيري...
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> خضار وملح
خضار وملح
رقم القصيدة : 808
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
خضار البحر في عينك ..
وملح البحر في اهدابي ..
وعيا البحر لا يسكن ..
أبد في صفحة كتابي ..
قصيده من خضار .. وملح ..
يا أول .. وأخر احبابي ..
انا من شفتها عيونك
ترى ما جفت ثيابي ..
ولو آخر قصيدي بيت ..
كتبته حب في عيونك ..
ولو يحمل همومي بيت ..
سكنت البحر وعيونك ..
ويبقى البحر .. وعيونك ..
وينشف في قصيدي البحر ..
ويبقى العشب .. وعيونك ..
ويزهر في متون الصخر ..
ويبقى الحب .. وعيونك ..
رغم كل الصحاري نهر ..
وانا والجرح والفرقا ..
وهذا الحزن بسبابي ..
ولو ادري البكا له بيت ..
اسوق فْـ دربه ركابي ..
ابي لا غابت عيونك ..
ابل بدمعي ثيابي ...
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> اقول أحبك
اقول أحبك
رقم القصيدة : 809
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
قالوا حروفي عمي وعيونك بروق
مافي قصيدي جنح ليلٍ وبارق
قلت الذي له داخل ضلوعي حروق
أقرب من اللي في سما الناس شارق
غيري يشوفك وأجود الشعر مطروق
وأنا أحسّك وأصدق الحب فارق
ياللي عيونك دم وعيونك عروق
ولهاث قلبٍ في نواعسك غارق
أقول أحبك يخرج البحر صندوق
تبرالغزاة وكنز سود البيارق
وأقول أحبك صدرالايام مشقوق
عن وجه غرناطه وعن مهر طارق
وأقول أحبك والله إني من الشوق
ألقا طيوفك في جميع المفارق
كتبت لك قلبٍ من القلب مسروق
ولا طاب لي وصفٍ من الوصف سارق
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> الخل العنيد
الخل العنيد
رقم القصيدة : 810
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
تل قلبي .. تل طيرٍ على طلعٍ وكيد
جود المقرود سبقه وعيا يطلقه
يوم فاع اركى جناحه على قاسي الحديد(48/41)
وانكسر ريش النداوي ولا الله وفقه
يكفخ القلب المشقي على الخل العنيد
ما وفا بالعهد لا شك قلبي صدقه
واهني اللي على الحول ينبت له جديد
وش سواة اللي جناحين قلبه محرقه
يا لطيف الروح وبحق خلاق العبيد
اكرم المملوك بالوصل والا فاعتقه
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> إنطلاق
إنطلاق
رقم القصيدة : 811
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
راج ..
طيري في السما ..
شالته امواج الرياح ..
يا ترى وين نيته ..
انتزع حريته ..
وخانني مع السحابه .. والعجاج ..
انشر فْـ كل السما ..
ريش جنحانك ..
يا طيري اللي عذبتك ...
قيود خلانك ..
كل زادٍ .. وانت في الاغلال جوع ..
وكل شربٍٍ وانت في سجنك هماج ..
يا رفيق الخير ..
لك حق تختار ..
بين الديار .. ديار ..
وبين الاهل صحاب ..
وبعض العمار قفار ..
راج طيري في السديم ودار ..
(لاواحلالاه ياطيري)
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> إنشد البحار
إنشد البحار
رقم القصيدة : 812
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أنشد البحار على سر الحنين
عن قصيد البحر .. وجروح السفين
عن حبال الشوق تظمأ للشطوط
عن حروق الملح في شفاه السنين
ما عرفت الغوص في اليم المخيف
ولا رهنت العمر في الدر الثمين
جيت أنا من نجد .. في قلبي الرياض
وفي عروقي التهم .. والبيت الأمين
في كفوفي تصرم نخيل الحسا
ومن ذواري الرمل غادي لي جبين
جيتكم .. والعشق يطرحني سؤال
هو صحيح الشط له صدر ويدين
عانقتني بيوتكم .. وأنا بعيد
ما عبرت الجسر .. ما شفت القطين
ياهوى البحرين مريت الديار
عابرٍ والقلب باللهفة ضنين
لين حطت بي رحالي في هواك
وانبعث نبع المحبة في الكنين
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> حلم
حلم
رقم القصيدة : 813
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أطوي الجديلة في كفوفي .. وهي ليل
ولا من طويت اليل .. صار الجديله(48/42)
حلمٍ جمعني فيك .. ما كان بالحيل
حلمٍ ولكن .. شوفتي لك قليله
ناديت لك لين إسمعتني المواصيل
واشتقت لك .. كن العمر صار ليله
ولمستك بروحي .. وكانت قناديل
أصابعي .. والقلب نار.. وفتيله
ما هو غريب .. أبتل من جارف السيل
لا شك ينبت في عروقي خميله
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> انفاس
انفاس
رقم القصيدة : 814
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يازين مافي العيون نعاس
والقلب مشغول بهمومه
اما معي نطرد الهوجاس
والا لك النوم وحلومه
هذي نجوم السما .. جلاس
وعيبٍ على العاشق القومه
لاجل الهوى عذبونا الناس
ومن بيح السد ما الومه
انفاسنا ماغدت انفاس
من حرها دوم مكتومه
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> انا الجفا
انا الجفا
رقم القصيدة : 815
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
عن كل نجم ظهر بسدل أجفاني
لعل ما عيش حزني لحظة غروبه
وعن كل خلٍِ طويل الصمت كفاني
الصاحب اللي قليل الهرج عذروبه
وعن كل ثوبٍ جديد باالبس أكفاني
وأدله ولا ألقى رسايل هم في جيوبه
أنا الجفا ليه أخاف الناس تجفاني
وأنا الحبيب الذي من يعشق عيوبه
راعي الوعد وأن صدق مرة ولاقاني
يحتار بين السراب وقلب محبوبه
يامن عذابه يشققني ويرفاني
فرقاك غصب علي بالحيل مكتوبه
خبرت نصف تعب من نصفه الثاني
بعضي الرماد وبعضي نار مشبوبه
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> البتول
البتول
رقم القصيدة : 816
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
كل أرضٍ تشيلك يا ثقيل الحمول
وكل وقتٍ كريمٍ بالرضا والزعل
وين مارحت تلقى لك حبيب وعذول
وين ما كنت تلقى مثل ياسك..أمل
ياطريق الترجي والوله والنحول
والله إني مشيتك... لين حد الثمل
مالقيت فوصولي لغير قبري وصول
ولا عرفت فحياتي مثل عرفي الجهل
لا تظن المسافر من يسوق الرحول
من وقف دون حلمه عاجزٍ ما رحل
وما لمخلوق منجا في الحذر والجفول(48/43)
ما تصيب السهام ولا يطيش الاجل
الليالي خوات.. مير منهي البتول
والحوادث عشاير مير وين الفحل
ليلةٍ لك .. وليله بالفرح ما تطول
وليلةٍ من شهدها ذب راس الجبل
أتذكّر في عين الشمس طفلٍ خجول
شالته في هدبها وقت لين إشتعل
أعجب الناس وهجه بالجدل والفضول
ما دروا عن (جمال الجرح) لين إندمل
والله اني كتبته في العطش والذبول
لين غصنه تعدل بالورق وإعتدل
والله إني كتبته لين قال الجهول
والله إني كتبته وانتشى واحتفل
ما أتفه الشعر كانه هالحكي اللي نقول
لا تعدى المديح ولا تعدى الغزل
إن لثمت الزهور وصاحبتني الحقول
ماهقيت ان صافي الشهد عيب النحل
مابقى في ضلوعي كود ريح معمول
وثوب شاشٍ عليه من الندامه وحل
ألتفت للطريق وما عبر منه زول
في جفوني تزاحم عبرتي والوجل
طلت يالعمر والا قلعتك لا تطول
طاولتنا الليالي بالسهر والملل
إن تعبنا نحب ولا لقينا قبول
ما تسر الاماني .. ولا يفيد العذل
لكن .. الله كريم وكل همٍ يزول
ما على الله بعيد .. ولا جفاك المحل
كل أرضٍ تشيلك .. يا ثقيل الحمول
وكل وقتٍ كريمٍ بالرضا والزعل
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> اغفر لي الزله
اغفر لي الزله
رقم القصيدة : 817
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
أبيك في كلمةٍ لو هي خطا تغفر لي الزله
وردتك ظاميٍ وان عز وصلك بااقطع حبالي
أحبك ذا ترى أول كلامي .. وآخره كله
ولكن وش يضر اليوم لو تدري عن احوالي
وخذ ما جاز لك من هالحكي واللي تبي خله
انا لا قلت ما في خاطري والله ما بالي
ظلال العاشق جروحه ومن ما يتبعه ظله
أمانة يا شعاع الشمس لا تغضب من ظلالي
وتقدر تطوي الدرب البعيد وتقدر تفّله
ولكن صعب تمنع في الهوى صبري وترحالي
وتقدر تغمد السيف الرهيف وتقدر تسلّه
ولكن عند خلاّق البرية علم الأجالي
متى عمرك سمعت بعاشق قد مات من غلّه
هذاك الحاسد وراعي الهوى تتلفه الأمالي
حبيبي من يعزك في الهوى ما تقدر تذله(48/44)
ترى قربك يزيدك بالغلا وان عفتني غالي
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> اربع ليال
اربع ليال
رقم القصيدة : 818
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
من اربع ليال ...
طيقك وقف ...
ما بين الرمش ... والرمش ...
ما غمضت لي عين ...
يا ابن الحلال ...
اما استرح ... والا امش ...
من أربع لال ... في مجلسي منك خيال ...
وفوق الجرايد والكتب ... اسمك حروفه تنكتب ...
يا ابن الحلال ...
اما استرح ... والا امش ...
من اربع ليال ... هبت من ديارك شمال ...
بريح الخزامى ... والنفل ...
أنا الظما ... انتي الأمل ...
داري لها عامين ... ما ربعت ...
وما غمضت لي عين ...
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> اكذب
اكذب
رقم القصيدة : 819
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
صحيح اني انسى الحوداث.. والملامح .. والأسامي
لما أكتب عن آلامي .. شعر ابعد ما يكون ..
عن مجرد جرح دامي .. والأساور .. والمرايه .. والهوى القاسي الحنون ..
عندي هموم القصيدة .. غامضة .. صعبة .. عنيده ..
وانت عاشق للوضوح ..
يتعبك بحري ظلامي ..
ودك بسري أبوح .. وانا آخر همي بوح ..
تكفى لا تزيد فـ خصامي .. وقلي ما تفهم كلامي ..
انا انسى .. الحوادث .. والملامح .. والأسامي ..
2
لما أكتب أغنية مثل (الرسايل ) .. وانا أكذب ..
والخيال العذب كذب ..
كنت لازم أخفي سري وما اقول ..
إن هالمرة شعوري .. هو خيالات الحقول ..
تطرد اسراب الطيور .. عن حقيقة .. عن شعور
ما هو في حب السنابل .. انما تحت الجذور ..
كسروا العشاق بابي .. قطعوا لحمي ثيابي ..
خلعوا الأدراج .. طاحت مزهرياتي الجميلة ..
شققوا جفني كتابي ..وسألو وين ( الجديلة )
( وبسمة العين الكحيلة ) .. ما لقوا في بيتي إلا ..
ما لقوا في صدري إلا.. مالقوا في قلبي إلا ..
أمنياتي المستحيلة ..
وإني احلم .. بس أحلم ..
3(48/45)
أعبر الشارع معاي .. في الرصيف الثاني قهوة ..
فيها اربع طاولات .. وحده اجلس فيها وحدي ..
ووحده للي يجي بعدي .. ووحدة لأجمل حرف عندي ..
أما رابع وحدة دايم للي مات ..
زحمة .. لكن كل من في القهوة ربعي .. كلهم ..همي ودمعي ..
ليه ما تجلس مكاني .. وهذا شوفي .. هذا سمعي ..
أطلب اقلام ودفاتر .. حاول اكتب عن حقيقة ..
ما هي وجه .. ولا مكان .. ولا دقيقة ..
أدخل الزحمة فـ ضميرك ..
لا تلفّت .. وانت ما في القهوه غيرك .. غمض الدنيا ..
وأكتب .. وإن سأل في يوم سائل .. عن معاني .. عن شعور ..
قله مابين السطور ..
وإلا تدري .. قله أكذب
شعراء الجزيرة العربية >> بدر بن عبدالمحسن >> ياهلا بك
ياهلا بك
رقم القصيدة : 820
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
يا هلا بك ولا تطري الوداع
عش معي لحظة الفرحة حبيبي
عمرنا اليوم والباقي ضياع
تصبح الأرض في قربك وساع
دام فرحة عيونك من نصيبي
ونبتت ضاقت الأرض الوساع
آه لولاك يا دافي الشعاع
كان مرتاح بالي وش تبي بي
تشغل البال يا دافي الشعاع
أحسب إني على الفرقا شجاع
بطوي الجرح أو بخفي نحيبي
وأثر ما في الهوى مغرم شجاع
يا هلا بك عدد عمري اللي ضاع
او عدد ماتمنيت حبيبي ليت الأيام ما فيها وداع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> شموخ الصابرين
شموخ الصابرين
رقم القصيدة : 821
-----------------------------------
لحقَ الشيخُ بركبِ الصالحين
فلماذا يا جراحي تنزفين؟
ولماذا يا فؤادي تشتكي
ولماذا يا دموعي تَذرفين؟
رحل الشيخ عن الدنيا التي
كلُّ ما فيها سوى الذِّكر لَعين
فارقَ الدنيا، وما الدنيا سوى
خيمةٍ مَنصوبةٍ للعابرين
فارقَ الدنيا التي تَفَنَى إلى
منزلٍ رَحبٍ وجناتٍ، وَعِين
ذاكَ ما نرجو، وهذا ظنُّنا
بالذي يغفر للمستغفرين
رحل الشيخُ على مِثلِ الضُّحَى
من صلاحٍ وثباتٍ ويقين
فلماذا أيُّها القلبُ أرى
هذه اللَّوعَةَ تسري في الوَتين؟(48/46)
ولماذا يا حروفَ الشعر عن
سرِّ آلام فؤادي تكشفين
أتركي الحسرةَ في موقعها
تتغذَّى من أسى قلبي الحزين
وارحلي بي رحلةً مُوغلة
في حياةِ العُلماءِ الأكرمين
واسلُكي بي ذلكَ الدَّربَ الذي
ظِلُّه يحمي وجوهَ السالكين
يا حروفَ الشعر لا تَصطحبي
لغةَ الشعر الى جُرحي الدَّفين
ربماأحرقها الجرحُ، فما
صار للشعر فَمٌ يَروي الحنين
واتركي لوعةَ قلبي، إنَّها
تارةً تقسو، وتاراتٍ تَلين
وادخلي بي واحةَ العلم التي
فُتحت أبوابُها للوافدين
عندها سوف نرى النَّبعَ الذي
لم يزل يَشفي غَليلَ الظامئين
شيخُنا ما كانَ إلاَّ عَلَماً
يتسامى بخشوع العابدين
عالمُ السنَّةِ والفقهِ الذي
هزَمَ اللهُ به المبتدعين
لا نزكّيه، ولكنَّا نرى
صُوراً تُلحِقُه بالصادقين
في خيوط الشمس ما يُغني، وإن
أنكرتها نظراتُ الغافلين
راحلٌ ما غاب إلا جسمُه
ولنا من علمه كنزٌ ثمين
ما لقيناه على دَربِ الهوى
بل على دَربِ الهُداةِ المهتدين
لكأني أُبصر الدنيا التي
بذلت إغراءَها للناظرين
أقبلت تَعرض من فتنتها
صوراً تَسبي عقول الغافلين
رقصَت من حوله، لكنَّها
لم تجد إلا سُموَّ الزَّاهدين
أرسل الشيخُ إليها نَظرةً
من عُزوف الراكعين الساجدين
فمضت خائبةً خاسرةً
تتحاشى نظراتِ الشَّامتين
أخرجَ الدنيا من القلبِ، وفي
كفِّه منها بلاغُ الراحلين
لم يكن في عُزلةٍ عنها، ولم
يُغلقِ البابَ عن المسترشدين
غيرَ أنَّ القلبَ لم يُشغَل بها
كان مشغولاً بربِّ العالمين
أوَ ما أعرض عنها قَبلَه
سيِّدُ الخلقِ، إمامُ المرسلين
أيُّها الشيخُ، لقد علَّمتنا
كيف نرعى حُرمَةَ المستضعفين
كيف نَستَشعِرُ من أمَّتنا
صرخة الثَّكلَى ودَمعَ الَّلاجئين
كيف نبني هِمَّةَ الجيل على
منهج التقوى، ووعي الراشدين
كنتَ يا شيخ على علمٍ بما
نالنا من غَفلةِ المنهزمين
قومُنا ساروا على درب الرَّدَى
فغدوا ألعوبةَ المستعمرين
شرَّقوا حيناً وحيناً غرَّبوا
واستُبيحت أرضهم للغاصبين(48/47)
هجروا الصَّالحَ من أفكارهم
فتلقَّتهم يدُ المستشرقين
وارتموا في حضن أرباب الهوى
من ذيول الغاصب المستعربين
ضيَّعوا الأقصى وظنُّوا أنَّهم
سوف يحظون بِسِلمِ المعتدين
فإذا بالفارس الطفل على
هامة المجد ينادي الواهمين
صاغها ملحمةً قُدسيَّةً
ذكَّرتنا بشموخ الفاتحين
قالها الطفلُ، وقُلنا معه
إنَّ بيعَ القدس بَيعُ الخاسرين
أيُّها الشيخُ الذي أهدى لنا
صُوَراً بيضاءَ من علمٍ ودين
لم تكن تغفل عن أمَّتنا
وضلالاتِ بَنيها العابثين
كنتَ تدعوها إلى درب الهُدَى
وتناديها نداءَ المصلحين
قلتَ للأمةِ، والبؤسُ على
وجهها الباكي غبارٌ للأنين
إنما تغسل هذا البوسَ عن
وجهكِ الباكي، دموع التائبين
أيها الشيخُ الذي ودَّعَنا
عاليَ الهمَّةِ وضَّاح الجبين
نحن نلقاك وإن فارقتَنا
في علومٍ بقيت للرَّاغبين
أنتَ كالشمسِ إذا ما غَربَت
أهدتِ البَدرَ ضياءَ المُدلجين
أنتَ ما ودَّعتَنا إلاَّ إلى
حيث تُؤويكَ قلوبُ المسلمين
إن بكيناكَ فإنّا لم نزل
بقضاء الله فينا مُوقنين
في وفاةِ المصطفى سَلوَى لنا
وعزاءٌ عن وفاةِ الصالحين
ذلك الرُّزءُ الذي اهتزَّ له
عُمَرُ الفاروقُ ذو العقل الرزين
ماتَ خيرُ الناس، هذا خَبَرٌ
ترك الناسَ حيارى تائهين
طاشت الألبابُ حتى سمعوا
ما تلا الصدِّيقُ من قولٍ مُبين
لا يعزِّينا عن الأحبابِ في
شدَّةِ الهول سوى مَوتِ الأمين
إنها الرُّوح التي تسمو بنا
ويظلُّ الجسم من ماءٍ وطين
يحزن القلب ولكنَّا على
حُزنه نَبني شموخ الصابرين
كلُّنا نفنَى ويبقى ربُّنا
خالق الكون ملاذُ الخائفين
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> حوار بيني وبين أمي
حوار بيني وبين أمي
رقم القصيدة : 822
-----------------------------------
أمي تسائلني تبكي من الغضب
ما بال أمتنا مقطوعة السببِ؟!
ما بال أمتنا فلّتْ ضفائرها
وعرّضت وجهها القمحيّ للّهبِ؟!
ما بال أمتنا ألقت عباءتها
وأصبحت لعبة من أهون اللّعَبِ؟!(48/48)
ما بال أمتنا تجري بلا هدف
وترتمي في يدي باغ ومغتصبِ؟!
ما بال أمتنا صارت معلّقةً
على مشانق أهل الغدر والكذبِ؟!
ما بالُها مزّقت أسباب وحدتها
ولم تُراع حقوق الدين والنّسَبِ؟!
أمي تسائلني والحزن يُلجمني
بني مالك لم تنطق ولم تُجبِ؟!
ألست أنت الذي تشدوا بأمتنا
وتدّعي أنها مشدودة الطُّنبِ؟!
وتدعي أنها تسمو بهمتها
وتدعي أنها مرفوعة الرتبِ؟!
بني، قل لي، لماذا الصمت في زمن
أضحى يعيش على التهريج والصّخبِ؟!
أماه .. لا تسألي إني لجأت إلى
صمتي، لكثرة ما عانيت من تعبي
إني حملت هموماً، لا يصورها
شعر، وتعجز عنها أبلغ الخطب ِ
ماذا أقول؟، وفي الأحداث تذكرة
لمن يعي، وبيان غير مقتضبِ
تحدّث الجرحُ يا أماه فاستمعي
إليه واعتصمي بالله واحتسبي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> ريحانة القلب
ريحانة القلب
رقم القصيدة : 823
-----------------------------------
حسبي من الهّم أنّ القلب ينتحبُ
وإن بدا فرحي للناس و الطربُ
مسافرٌ في دروب الشوق تحرقني
نار انتظاري ووجداني لها لهب
كأنني فارس لاسيفَ في يده
والحرب دائرة والناس تضطرب
أو أنني ُمبحر تاهت سفينته
والموج يلطم عينيها وينسحب
أو أنني سالكُ الصحراءِ أظَمأه
قيظٌ ، وأوقفه عن سيره التعب
يمد عينيه للأفق البعيد فما
يبدو له منقذ في الدرب أو سبب
يا شاعرا ما مشت في ثغره لغةٌ
إلا وفي قلبه من أصلها نسب
خيول شعرك تجري في أعنّتها
ما نالها في مراقي عزّها نصب
ريحانةَ القلب عين الشعر مبصرةٌ
وفجرنا في عروق الكون ينسكب
وأنت كالشمس لولا نورُها لطغى
ليل المعاناةِ وازدادت به الحُجب
يا من أبى القلبُ إلا أن يكون لها
وفيه مأوى لعينيها ومنقلب
الله يكتب يا ريحانتي فإذا
أراد أمضى وعند الناس ما كتبوا
لو اجمعَ الناسُ أمراً في مساءتنا
ولم يُقدّر لما فازوا بما طلبوا
ريحانةَ القلب روح الحب ساميةٌ
فليس ُيقبل فيها الغدر والكذب
ليس الهوى سلعةً ُتشرى على ملأٍ(48/49)
ولا تباع ولايأتي بها الغَلب
قد يعشق المرءُ من لامالَ في يده
ويكره القلبُ من في كفّه الذهب
حقيقةٌ لو وعاها الجاهلون لما
تنافسوا في معانيها ولااحتربوا
ما قيمة الناس إلا في مبادئهم
لا المال يبقى ولا الألقاب والرتب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> آآه يا إيمان
آآه يا إيمان
رقم القصيدة : 824
-----------------------------------
أَيُّ ذئبٍ خائنٍِ أيُّ قَطيعْ
أيُّ غَدْرٍ في روابيها يشيعْ؟
أيُّ جرحٍ في حماها نازفٍ
أيُّ مأساةٍ، لها وجهٌ مُرِيعْ؟
أيُّ عصرٍ، لم يزلْ قانونُه
يمنحُ العاريَ ثوباً من صَقيعْ؟
يمنحُ الجائعَ رَكْلاً في القفا
صائحاً في وجهه: كيف تجوعْ؟!
يمنَع العطشانَ من منبعه
وإذاحاوَلَ، أسقاه النَّجيعْ
أيَّها السائل عمَّا أشتكي
من لظى الحزن الذي بين الضُّلوعْ
لاتسلْ عن جَذْوةٍ أشعلها
ظالمٌ يقتل أزهارَ الرَّبيعْ
لا تسلني، واسأل الغَرْبَ الذي
يأمر اللَّيلَ بإطفاء الشموعْ
ينقض العَدْلَ بحقِّ النَّقض في
مجلسٍ يعجز عمَّا يستطيعْ
أسأل الغَرْبَ الذي واجهنا
منه قلبٌ بالأباطيل وَلُوعْ
قل له: مهلاً فقد بان لنا
فَشَلٌ في نُصرة الحق ذَريعْ
أنتَ للباغي يَدٌ ممدودةٌ
ليت شعري، أين أَخلاق "يَسُوعْ"؟!
أيُّها السائل عُذْراً، فأنا
أُبصر الأطفال من غير دروعْ
واجهوا الحرب كما واجهَها
إبنُ عفراءَ، وسعدُ بن الرَّبيعْ
وأرى دبَّابةً غاشمةً
حولها ألْفُ جريحٍ وصريعْ
وأرى سرْبَ قرودٍ خلفها
ووراء السِّرب خنزيرٌ وضيعْ
لا تسلني عن حقوقٍ لم تزلْ
بين تجَّار الأباطيلِ تضيع
لا تسلني عن يد راجفةٍ
لم تزلْ تَشري أساها وتبيعْ
لا تسلْ عن واحةِ الصَّمت التي
ضاقت التُّربةُ فيها بالجذوعْ
يالَها من ليلةٍ حالكةٍ
نسَيِتْ أنجمُها معنى الطُّلوعْ
رسم القصفُ لها خارطة
بعد أنْ مرَّ من اللَّيل هَزيعْ
كانت الأُسرةُ في منزلها
ترقب الفجرَ، وفي الأحشاءِ جُوْع
طفلةٌ مُنْذُ شهورٍ وُلدتْ
بين جدرانٍ مشتْ فيها الصُّدوع(48/50)
أمَّها تنتظر الزوجَ على
شاطىءِ الذكرى بأحلام الرُّجوعْ
تُرضع الطِّفلةَ من ثَدْي الأسى
في مساءٍ فاقدٍ معنى الهجوعْ
أغلقت باباً على مزلاجه
بَصْمةٌ دلَّتْ على الجُرْمِ الفظيعْ
مَن تنادي، وإذا نادتْ، فمن
يكشف الغفلةَ عن هذي الجموعْ؟!
يا لها من ليلةٍ ماجت بها
وبما فيها من القَصْفِ الربوعْ
غارةٌ جوِّيةٌ أشعلها
ظالمٌ مُسْتَوْغِرُ الصَّدر هَلُوعْ
صارت الدَّارُ بها دارَ أَسَىً
واشتكى من جَدْبهِ الرَّوض المَريعْ
فشراب ُ الطفلِ ماءٌ آسِنٌ
وطعامُ الأمِّ فيها مِنْ ضَريع
أين منها مجلس الخوف الذي
لم يردِّدْ بَعْدُ أفعالَ الشروعْ؟!
غارةٌ جوِّيةٌ وانكشفتْ
عن ضحايا شربوا السُّمَّ النَّقيعْ
غارةٌ، وانكشفتْ عن وردةٍ
كان من أشلائها المِسْكُ يَضُوعْ
آهِ يا إِيمانُ من أُمَّتنا
لم تزلْ تَجْتَنِبُ الدَّرْبَ الوَسيعْ
صلَّت الفَرْضَ صلاةً جَمَعَتْ
كلَّ ما في نفسها، إلاَّ الخُشوعْ
أصبحتْ تسأل عن موقعها
بعد أن حطم رجليها الوقوعْ
حُسِمَ الأَمرُ وما زالتْ على
وهمها بين نزولٍ وطُلوعْ
كيف ترجو الخيرَ ممَّن يَقتفي
أَثَرَ المظلوم، بالظلم الشَّنيعْ
ويُرينا كلَّ يومٍ صورةً
حيَّة فيها إلى البغي نُزُوعْ
يمنحُ الأُمَّ التي أثْكلَها
قَسْوَةً تَسلُبُ عينيها الدُّموعْ
إنه الغَدْرُ اليهوديُّ الذي
لم يزلْ يضربنا الضَّرْبَ الوَجيعْ
آهِ يا إِيمانُ، يا راحلةً
قبل أنْ تُكملَ سُقياها الضُّروعْ
أنتِ كالشمس التي غيَّبها
ليلُها قَبْلَ بداياتِ السُّطوعْ
أنتِ كالنَّجمةِ لمَّا أَفَلَتْ
قبل أنْ يستكملَ الضوءُ اللُّموعْ
أطلقوا نحوَكِ صاروخاً فيا
خَجْلَةَ القَصْفِ من الطفل الوَديعْ
لا تظني أمتي خاضعةً
هيَ يا إِيمانُ، في صُلْبِ الخضوعْ
دَمُكِ الغالي بيانٌ صارخ
فارفعي الصوتَ، وقولي للجميعْ:
يا ضَياعَ العَدْلِ في الأَرض التي
تَرتضي أَنْ يُقْتَلَ الطِّفلُ الرَّضيعْ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> من أين أبدأ رحلتي(48/51)
من أين أبدأ رحلتي
رقم القصيدة : 825
-----------------------------------
الليل مكتئبٌ وقريتنا يضاجعها الخراب
ونساء قريتنا على الطرقات يسدلن الحجاب
يخشين - يا أبتي - على أعراضهن من الذئاب
وبكاؤهن يشيع في آفاق قريتنا اكتئاب
وعويل أطفال يذيب القلب ، قد فقدوا الصواب
وهزيم رعد - يا أبتي - يفضي بآلام السحاب
ووميض برق تستضيء به المشارف والشعاب
وسفينة في البرِّ آمنة وأخرى في العُباب
وغناء عصفور على فننٍ يردده غراب
وأنين أفئدة يمزقها التلهف والعذاب
ويد مكبلة وهذا السيف يلمع كالشهاب
وصراخ أسئلة بلا وعي ، تحن إلى جواب :
ما بالهم يستأسدون ويطحنون رؤى الشباب ؟!
ويعربدون ، وينشرون على الورى قانون غاب ؟!
ما بالهم ، في غيهم يتسلطون على الرقاب ؟
ما بالهم ، شربوا دماء الأبرياء بلا حساب ؟؟
همج .. أليس لهم إلى البشر ، انتماء وانتساب ؟؟
بشر؟؟ نعم لكنهم عند عند الرغائب كالدواب
هم كالوحوش بدا لهم في حربنا ظفرُ وناب
أواه من جور العدو ومن مجافاة الصحاب
من أين أبدأ- يا أبي ؟ والليل يرفده الضباب
من أين ألبس - يا أبي ؟ جسدي يحن إلى الثياب
كل المنابع أصبحت مستنقعات للذباب
صارت وجوه الهاربين دفاتر الأمل المذاب
وعيونهم صارت كهوفا للذهول وللعذاب
من أين أبدأ رحلتي ووجوه أصحابي غضاب ؟
يبست على دربي الخطا وتنابحت حولي الكلاب
ستقول يا- أبتي - تصبر ، سوف نقتحم الصعاب
ستقول : لا تجزع ، فمثلك في الحوادث لا يهاب
أتظن أني لا أرى ما نحن فيه من اضطراب ؟!
أتظن أني لا أرى سجني ، ولا تلك الرحاب ؟!
إني لأسمع ما يقال على المنابر من سباب
إني لأعرف كل وجه يختفي خلف الحجاب
كم من وعود - يا أبي - لكنها مثل السراب
هذا صواب يا بني ، وهل تقول سوى الصواب ؟؟
أعداؤنا مثل الذئاب ونحن نصطاد الذئاب
بيقيننا نمضي ونهزم كل شك وارتياب
وإلى متى هذا السؤال وعندنا نحن الجواب
سنسد باب الظلم يا ولدي ونفتح ألف باب(48/52)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> أيها العالم ما هذا السكوت
أيها العالم ما هذا السكوت
رقم القصيدة : 826
-----------------------------------
أيُّها العالمُ ما هذا السكوتُ
أو ما يؤذيك هذا الجبروتُ؟
أو ما تُبصر في الشيشان ظلماً
أو ما تُبصر أطفالاً تموتُ؟
أو ما يُوقظ فيك الحسَّ شعبٌ
جمعُه من شدَّة الهول شَتِتُ؟
أرضه تُصلى بنيران رصاصٍ
وشظايا هُدمت منها البيوتُ
أو ما تُبصر آلاف الضحايا
ما لها اليوم مقيلٌ أو مبيتُ؟
شرَّدتها الحربُ في ليلٍ بهيمٍ
ما لها في زحمة الأحداث قوتُ
تأكل الأخضر واليابس حربٌ
كل ما فيها من الأمر مقيتُ
أين منها مجلس الأمن وماذا
صنع الحلفُ وأين الكهنُوتُ؟
أيها العالمُ ما هذا التغاضي
كيف وارى صوتك العالي الخفوتُ؟
أو ما صُنعت قوانين سلامٍ
عجزت عن وصف معناها النُعوتُ؟
قاذفات الروس إعلان انتهاكٍ
لقوانينك ، واللَّص فَلُوتُ
فرصة أن تُعلن الحق ولكن
فرص الحق على الباغي تفوت
ربما تعلن قول الحق لكن
بعد ما يعلنه في البحر حوت
أيها الأحباب في الشيشان صبراً
إن من ينصر حقاً يستميتُ
إن يكن للروس آلات قتالٍ
فلنا في هجعة الليل القنوتُ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> غداً يتحدث الرطب
غداً يتحدث الرطب
رقم القصيدة : 827
-----------------------------------
حروف الشعر تنتحب
فلا فكر ولا أدب
وأوزاني معلقة
فلا زحف ولا خبب
ذوت أغصان روضتنا
فلا تين ولا عنب
كأن الأرض ما استمعت
إلى ما قالت السحب
تعفر وجه خيمتنا
وما شدت لها الطنب
عجبت لأمر أمتنا
يقاتل دونها الطرب
ملابسها مرقعة
وبحر جراحها لجب
وفي أفكارها خلل
على الإيمان ينسحب
وبعض رجالها بقر
ولكن ما لهم قتب
أرى حربا فوا أسفا
سيوف رجالنا خشب
أرى الأخطار محدقة
وفي أفواهها لهب
تحدثنا بلهجتها
وفيها الخوف والرهب
وأمتنا يخدرها الهوى
المكشوف واللعب
أسائل أمتي وعلى
لساني الملح والقصب
لماذا كلما طلبوا
يلبى عندنا الطلب(48/53)
فنأكل كلما أكلوا
ونشرب كلما شربوا
ونفرح كلما فرحوا
ونغضب كلما غضبوا
وننزل كلما نزلوا
ونركب كلما ركبوا
ونسكت كلما سكتوا
ونصخب كلما صخبوا
ونرفض كلما رفضوا
ونرغب كلما رغبوا
أقول لأمة قعدت
وجيش عدوها يثب
إذا داسوا كرامتنا
فماذا ينفع الذهب
وماذا ينفع التلفيق
والتضليل والكذب
إذا جفت منابعنا
فماذا تنفع القرب
وكيف ?تكن من مطر
بيوت سقفها خرب
أسائل بعض من قرءوا
وأسأل بعض من كتبوا
لماذا أمتي احترقت
فمنها النار والحطب
حماها يستباح ولم
تجرد سيفها العرب
ألا يا أمتي انتفضي
فإن الكون يرتقب
ولا تخشي ظلام الليل
إن الحر يحتسب
فلولا الليل ما رقصت
على أهدابنا الشهب
إلا يا جذع نخلتنا
غدا يتحدث الرطب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> يا صديقاً
يا صديقاً
رقم القصيدة : 828
-----------------------------------
ياصديقا عشت أيام صفاءٍ
تنطوي في ظلها الأوهام طيا
أين ذاك الود يامنكره
يوم كنا ننسج الحب سويا
صحوة الحاقد ياصاحبنا
ربما تغفو غفواً سرمديا
راقب الأيام في رحلتها
وترى السابح في أفكاره
وترى فيها فقيراً وغنيا
وترى المغموس في لوعته
وترى فيها عصياً وتقيا
كلهم يمضي إلى وجهته
ثم يأتي الموت لايترك شيا
يافؤادي لاتجامل صاحباً
إن أراد الشر أوحاول غيا
عبثاً حاولت أن أقنعه
أن هذا الحقد لاينفع حيا
فأبى أن يقنع اليوم وقد
تقنع الايام من يبقى عصيا
خير مافي المرء إن رام الهدى
وصلاح الأمر أن يبقى وفيا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> ليس هذا عيدي
ليس هذا عيدي
رقم القصيدة : 829
-----------------------------------
قابَلتني في فرحةٍ بالتحية
ولها بسمة على الثغر حيه
خطوها راقص تقول سروراَ
هاهو العيد جئت أبغي الهديه
فتمطت في القلب آهة جرح
وتساءلت والدموع سخيَّه
أي عيد رقصت شوقاً إليه ؟
أي عيد ذكرته يا أخيه ؟
أهو عيد للقدس عاد إلينا ؟
بعد أن دمَّرته أيد غبيَّه
عجبت أختي الصغيرة من حا(48/54)
لي وقالت في دهشة ورديَّه:
إنه عيدنا وعيد رفاقي
عيد حلوى وذكريات غنيَّه
قم معي يا أخي نُؤرجح بعضاً
في أراجيحنا ونلعب( فَيّه)
قلت يا أختُ (مرجحي ) وتغنَّي
لم تزل نفسك الطهور نقيَّه
كنت طفلاَ يا أخت مثلك خِلواَ
من همومي، وليس في القلب كيَّه
كم غدونا إلى البيوت صباحاَ
يوم عيدي نحن الرفاق سويّه
وطلبنا من ربَّة البيت حلوى
وسرقنا إذا استطعنا البقيَّه
كم هنئنا بمثل عيدك هذا
فاصدحي بالرضى وعيشي هنيَّه
هو عيد الأطفال مثلك يا أختي
وعيد الأبطال عيد البريَّه
ليس هذا عيدي ، فإن جراحي
لم تزل يا حبيبة القلب حيَّه
ليس هذا عيدي ولكنَّ عيدي
أن أرى أمتي تعود أبيَّه
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> مشاهد من يوم القيامة
مشاهد من يوم القيامة
رقم القصيدة : 830
-----------------------------------
وقفت جميع مشاعري تتأمل
وفمي عن النطق المبين معطل
ما كنت في حلم ولا في يقظة
بل كنت بين يديهما أتململ
أرنو إلى الأفق البعيد فماأرى
إلا دخانا تائها يتجول
وحشود أسئلة تجر ذيولها
نحوي وباب الذهن عنها مقفل
أحسست أن إرادتي مسلوبة
وشعرت أن مخاوفي تترهل
وشعرت أني في القيامة واقف
والناس في ساحاتها قد هرولوا
يسعون كالموج العنيف عيونهم
مشدوهة وعقولهم لا تعقل
والكون من حولي ضجيج مرعب
والأرض من حولي امتداد مذهل
قد أخرجت أثقالها وتأهبت
للحشر وانكسر الرتاج المقفل
والناس أمثال الفراش تقاطروا
من كل صوب هاهنا وتكتلوا
كل الجبال تحولت من حولهم
عهنا وكل الشامخات تزلزل
وجميع من حولي بما في نفسهم
لاه فلا معط ولا متفضل
كل الخلائق في صعيد واحد
جمعت فسبحان الذي لايغفل
وأقيم ميزان العدالة بينهم
هذا به يعلو وذلك ينزل
وتجمعت كل البهائم بعضها
يقتص من بعض وربك أعدل
حتى إذا فرغ الحساب وأنصفت
من بعضها نزل القضاء الأمثل
كوني ترابا يا بهائم .. عندها
صاح الطغاة وبالأماني جلجلوا
يا ليتنا كنا ترابا مثلها
يا ليتنا عن أصلنا نتحول(48/55)
هيهات لا تجدي الندامة بعدما
نصب الصراط لكم وقام الفيصل
ومضيت أقرأ في الوجوه حكاية
إجمالها عند الذكي مفصل
ورأيت مالا كنت أحلم أن أرى
حولي وقد كشف الستار المسدل
هذا هو النمرود يندب حظه
والدمع من هول المصيبة يهطل
وهناك فرعون المأله نفسه
يسعى بغير بصيرة ويولول
وهناك كسرى تاه عند إيوانه
مترنح في سيره متململ
وهناك قيصر نفسه مكسورة
وبقلبه مما يعاني مرجل
وهنا ابو جهل يراجع نفسه
عيناه توحي أنه يتوسل
يارب أرجعنا لنعمل صالحا
غير الذي كنا نقول ونعمل
هيهات قد طوي الكتاب ألم يكن
فيكم نبي بالهداية مرسل
سبحان ربك هؤلاء جميعهم
كانت لهم دار هناك تبجل
لكنهم كفروا بمن أعطاهم
ملكا وعاثوا في البلاد وقتلوا
ورموا بشرع الله خلف ظهورهم
عزلوه عن حكم الزمان وعطلوا
جمع الطغاة هنا وقد هانوا على
ربي وعد المؤمن المتبتل
وقفوا وآلاف الضحايا حولهم
فاليوم ينظر في الأمور ويبطل
واليوم يسعد مؤمن بيقينه
واليوم يشقى الفاسق المتحلل
واليوم يمتد الصراط فمسرع
نحو النعيم وزاحف متمهل
ومحمل بالذنب زلت رجله
فهوى ونار جهنم تستقبل
فأجلت طرفي ساعة فرأيت من
أمر القيامة مايروع ويذهل
هذا أب يسعى إليه وحيده
وبمقلته ترقب وتوسل
أبتاه أرهقني المسير وحاجتي
شيء يسير لايمض ويثقل
شيء من الحسنات ينقذني وقد
خفت موازيني وفيك أؤمل
أنت الذي عودتني فيما مضى
بذلا ومثلك في المصائب يبذل
وإزور وجه أبيه عنه مرددا
نفسي أحق بما تقول وأمثل
ومضى كسيف البال يسأل نفسه
ماذا جرى لأبي .. أهذا يعقل ؟
وبدت له بين الجموع حليلة
كانت تفضله وكان يفضل
وغدا يناديها رويدك زوجتي
فأنا الحبيب وليس مثلك يجهل
ريحانتي أنسيت أيام الصبا
أيام كنا من هوانا ننهل ؟
أنا من وهبتك في فؤادي منزل
ماكان فيه لغير حبك منزل
شيء من الحسنات ينقذني وقد
خفت موازيني وفيك أؤمل
قالت له والهم يشعل قلبها
لهبا وفي أحشائها يتغلغل
عذرا فأنت رفيق عمري إنما
نفسي أحق بما تقول وأمثل(48/56)
ومضى كسيف البال حتى لاح في
وسط الزحام خيال من لايبخل
أم رؤوم راح يركض نحوها
جذلا وهل بعد الأمومة موئل ؟
حملته في أحشائها وتحملت
من أجل راحته الذي لايحمل
أماه ياأماه مدي لي يدا
فلكم بذلت إذا أتيتك أسأل
شيء من الحسنات ينقذني وقد
خفت موازيني وفيك أؤمل
قالت له والدمع يغلب صبرها
نفسي أحق بما تقول وأمثل
ونقلت طرفي لحظة فرأيت ما
لاتستريح له النفوس وتقبل
بشر كأنهم الحوامل قد مشوا
مشيا ثقيلا والمصيبة أثقل
من هؤلاء ؟ فقال من يدري بهم :
أهل الربا بئس المقام المخجل
أكلوا الربا جهرا ولم يتورعوا
عن أكله ومشوا إليه وأرملوا
ماصدهم عن أكله بطلانه
وكذاك باطل كل قوم يبطل
وأخذت ناحية أفكر بالذي
يجري وأرسل ناظري وأنقل
ماذا أرى رجل يحيط برأسه
طوق وفي رجليه قيد محجل
من ذلك الرجل التعيس ؟ فقال لي
من عنده خبر يقين ينقل
هذا الذي خان العهود وعاش في
دنياه يغتصب الحقوق ويأكل
يسطوا على مال الضعيف وأرضه
واليوم يجني ماثراه ويحمل
الشبر في الدنيا يقابله هنا
سبع من الأرضين بئس المحمل
ورأيت قوما يدعسون كأنهم
نمل وقد ذاقوا الهوان وجللوا
من هؤلاء البائسون أراهم
هانوا ومن كتب الكرامة أعقلوا
فأجابني : هم كل مختال له
فيما مضى كبر عليه يعول
وذهلت عنهم حين أبصر ناظري
رجل يساق الى الجحيم ويعتل
ووراءه امرأة يحيط بجيدها
حبل يلف من الجحيم ويفتل
من ذلك الرجل الشقي وهذه
تجري على أعقابه وتولول
هذا أبو لهب وزوجته التي
كانت تجول على النبي وتجهل
وأخذت ناحية فلاح لناظري
روض وأزهار ونور مقبل
غرف بطائنها الحرير وتربها
مسك بماء المكرمات مبلل
ونساؤها حور فوجه مشرق
كالشمس ساطعة وطرف أكحل
أنهارها عسل وخمر لذة
للشاربين وشربها لايثمل
وبناؤها من فضة من فوقها
ذهب وعند الله ماهو افضل
أقل من فيها نصيبا حظه
أضعاف دنيانا وربك يجزل
رأيت فيها الساكنين ربوعها
نحو الجنان وفي المنازل أنزلوا
على الأرائك يجلسون حديثهم
مستبشرين بما رأوه وحصلوا(48/57)
يتذكرون حوادث الدنيا التي
صمدوا لها وعلى الإله توكلوا
طوبى لكم هذي منازلكم فما
خابت مساعي من يجد ويعمل
أجلت طرفي في الوجوه فلاح لي
وجه بدا وكأنما هو مشعل
وجه الرسول يشع نورا صادقا
قد جاء في حلل السعادة يغفل
ورأيت أصحاب الرسول وقد مضوا
نحو الجنان وفي المنازل أنزلوا
ورأيت مؤمن آل فرعون الذي
نبذوا .. وصفحة وجهه تتهلل
والكوثر الرقراق لاتسأل فما
مثلي يجيب وليس مثلي يُسأل
نهر كأن الدر يجري بينه
أو أنه النور الذي يتسلسل
سبحان ربك هاهنا حصل الذي
ماكان لولا فضل ربك يحصل
ورفعت طرفي لحظة فرأيت من
لاشيء يشبهه وليس يمثل
نور تجلى للخلائق كلها
فتواضعوا لجلاله وتذللوا
وقعوا سجودا يلهجون بذكره
والكون بالصمت المهيب مكلل
سجدوا وأما المبطلون فحاولوا
أن يسجدوا لكنهم لم يفعلوا
وصحوت من حلمي ونفسي بالذي
شاهدت مؤمنة وعيني تهمل
وشعرت أن مظاهر الدنيا التي
لهوى ..مظاهر نشوة لا تكمل
وعلمت ان الله يمهل عبده
عطفا عليه وأنه لا يهمل
وهنا وقفت وفي فؤادي دوحة
تحنو علي غصونها وتظلل
هي روضة الإيمان يجري نهرها
عذبا ويشدوا في رباها البلبل
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> ذات الوشاح
ذات الوشاح
رقم القصيدة : 831
-----------------------------------
أزهارُ الوادي,.
تَبعَثُ عِطرَ شذاها
ورحيق الطَّلِّ,.
يُسَلسِلُ في الأغصانِ نَداها
أهدابُ الشمس,.
تُراقب خَيط رُؤاها
ورُؤاها ترسمُ وجهَ هواها
وهواها نارٌ,.
تحرق مَن خَلفِ البابِ,.
تُلَوِّحُ للشمس يَداها
وأمام البابِ عيونٌ,.
تُغمَضُ حين تَراها
قامتُها تسمع وَقع خطاها وخطاها تسمع هَمسَ ثراها
وثراها يُنشد لحن الخِصبِ,.
ويهتف حين يراها
من سرَّبَ في عينيها النومَ,.
ومن أغمض جَفنَ الليلِ عليها,.
مَن غطاها؟؟
ولماذا قبل طلوع الفجر دَعاها؟؟
وأباح لجيش الرُّعبِ حماها؟
مَن أسكنَ فيها الرُّعبَ,.
ومن أغواها؟؟
ولماذا امتص رحيق براءتها,.
ووراء جدار الحسرة ألقاها؟(48/58)
مَن أطفأ شمعة بسمتها,.
ولماذا انقلبت شفتاها؟
مَن مزَّق فضل عباءتها
وبثوب الاغراء كساها؟
من أحرق قمح بيادرها
وبحب الحنظل غذَّاها؟
ولماذا عكَّر منبعها
وبكأس الأوهام سقاها؟
ولماذا اغتال محاسنها
بالصمت وعد خطاياها؟
مَن تلك، وكيف تحدِّثنا
عن أنثى نجهل فحواها؟
ولماذا صِرتَ تلاحقنا
بحكايا نجهل مغزاها؟
عمن تسألنا، عن ليلى
فلماذا تبعث ذكراها؟!
ولماذا لا تسأل قيسا
ليصور بعض سجاياها؟!
وليقرع باب قبيلتها
بالحب ليطلب لقياها
عمن تسألنا، عن لُبنَى
أو سُعدى او مَن والاها؟
مهلا,.
فسؤالي عن أخرى
يخفق بالحب جناحاها
حيرني وصف ملامحها
والشعر بعالمها تاها
عيناها,, كيف أصورها
والأفق الحالم عيناها
ربطت بالسحر ضفائرها
وعليه تلاقى جفناها
فكأن البدر استنسخها
وكأن الحسن تبناها
أسألكم عن ذات وشاحٍ
صبحها الرعب ومساها
تشكو والليل يلاحقها
يدفن في الظلمة شكواها
وأبوها يفتل شاربه
يغمض عينيه ويتباهى
وأخوها الأكبر يتغنى
في بلد الغربة بسواها
وأخوها الأوسط يتلهى
بنوادي الليل ويغشاها
وأخوها الأصغر يتلقى
زيف القنوات وطغواها
أما أبناء عمومتها
فقلوب تطفو بهواها
أسألكم عن أجمل انثى
رُفِعَت للخالق كفاها
شجر الزيتون موائدها
والتين المثمر حلواها
تضحك للشمس مآذنها
والبدر يتوق لنجواها
اسألكم عن ذات وشاحٍ
تمسك بالجمرة يُمناها
أنتم أخلفتم موعدها
ونقضتم بالذل عُراها
اسأل عن أجمل فاتنة
صوبها الغدر وأدماها
تشهد بالجرح مآذنها
ويحدِّث عنها أقصاها
والمسرى يسمع صرختها
ويكاد إلينا ينعاها
لو كان لها عين تبكي
لاجتاحت بالدمع رباها
عاشقة أسرف عاشقها
في الهجر، فمن يتولاها؟؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> وقفة أمام عام الحزن
وقفة أمام عام الحزن
رقم القصيدة : 832
-----------------------------------
لمن يتدفَّق النَّغَمُ؟
وماذا يكتب القَلَمُ ؟!
ومَنْ ترثي قصائدُنا؟
وكيف يُصوَّر الألمُ؟
إذا كان الأسى لَهَباً(48/59)
فقُلْ لي: كيف أبتسمُ؟
وقُلْ لي: كيف يحملني
إلى آفاقه الحُلُمُ؟
إذا كانتْ مَوَاجعُنا
كمثل النَّارِ تضطرمُ
فقُلْ لي: كيف أُطْفِئُها
وموجُ الحزن يَلْتِطم؟!
أَعامَ الحُزْنِ، قد كَثُرَتْ
علينا هذه الثُّلَمُ
كأنَّك قد وعَدْتَ المَوْت
َ وعداً ليس ينفصمُ
فأنتَ تَفي بوعدكَ،
وهوَ يمضي ـ مسرعاً ـ بِهِمُو
ألستَ ترى رِكَاب الموتِ
بالأَحباب تنصرمُ؟!
ألستَ ترى حصونَ العلمِ
ـ رَأْيَ العينِ ـ تنهدم؟
نودِّع ها هنا عَلَماً
ويرحل من هنا عَلَمُ
جهابذةُ العلوم مضوا
فدمعُ العين ينسجم
مضوا ـ وجميعُ مَنْ وردوا
مناهلَ علمهم ـ وَجَموا
تكاد الآلةُ الحًدْبَا
ءُ، والأَقدام تزدحِم
تطير بهم إلى الأعلى
وبالجوزاءِ تلتحمُ
أكادُ أقول: إنَّ الشِّعرَ،
لم يَسْلَمْ له نَغَمُ
وإنَّ عقاربَ الساعاتِ
لم يُحْسَبْ لها رقمُ
تشابهتِ البدايةُ والنهايةُ
واختفتْ "إرَمُ"
ونفَّذ سَدُّ مَأْرِبَ كلَّ
ما نادى به "العَرِمُ"
هوى نجمُ الحديثِ كما
هوتْ من قبله قِمَمُ
وكم رجلٍ تموتُ بموتهِ
الأَجيالُ والأُمَمُ
أَناصرَ سُنَّة المختارِ،
دَرْبُكَ قَصْدُه أَمَمُ
رفعتَ لواءَ سنَّتنا
ولم تَقْصُرْ بك الهِمَمُ
قَضَيْتَ العمرَ في عملٍ
به الأَوقاتُ تُغْتَنَمُ
خَدَمْتَ حديثَ خيرِ النَّاسِ،
لم تسأمْ كمن سئموا
حديثُ المصطفى شُرِحَتْ
به الآياتُ والحِكَمُ
فنحن بنور سنَّته
إلى القرآنِ نحتكمُ
خَدَمْتَ حديثَ خير النَّاسِ،
لم تُنْصِتْ لمن وَهِمُوا
ولم تُشْغَلْ بما نثروا
من الأهواءِ أو نظموا
سَلِمْتَ بعلمك الصافي
من "البَلْوَى" وما سَلموا
غَنِمْتَ بما اتجهْتَ له
ومَنْ نشروا الهدى غَنموا
ومَنْ جعل العُلا هَدفاً
فلن ينتابَه السَّأَمُ
أَناصرَ سنَّة الهادي
سقاكَ الهاطلُ العَمَمُ
بكتْكَ الشَّامُ ـ وَيْحَ الشَّامِ ـ
أخفتْ بَدْرَها الظُّلَمُ
وخيَّم فوق "أَرْدُنِها"
سحابٌ غَيْثُه الأَلمُ
بكتْ "ألبانيا" لعبتْ
بها أحقادُ من ظلموا
وعشَّش في مرابعها(48/60)
بُغاثُ الطير والرَّخَمُ
بكاكَ المسجدُ القُدْسيُّ
والمدَنيُّ، والحَرَمُ
بكتْكَ سلاسلُ الكتبِ
التي كالدُّرِّ ، تنتظم
فسلسلةُ الأحاديث
التي صحَّتْ لمن فهموا
وسلسلةُ الأحاديث
التي ضَعُفَتْ لمن وَهموا
وتحقيقُ الأسانيد
التي ثبتتْ لمن علموا
علومٌ كلُّها شَرَفٌ
تعزُّ بعزِّها القِيَمُ
أناصرَ سنَّةِ الهادي
لنا من ديننا رَحِمُ
لقيتُكَ دونَ أن ألقاكَ،
تُورق بيننا الشِّيَمُ
لقيتُكَ في ظِلالِ العلمِ
والأزهارُ تبتسم
تجمِّعنا محبَّةُ خير
مَنْ سارتْ به قَدَمُ
خَدَمْتَ جَلال سنَّته
فيا طُوبى لمن خَدَموا
رحلْتَ رحيلَ مَنْ أخذوا
من الأمجادِ واقتسموا
كأنَّك لم تُدِرْ قلماً
ولم يُجْرِ الحديثَ فَمُ
حزنَّا، كيف لم نحزنْ
وشِرْيانُ القلوبِ دَمُ؟
ولكنَّا برغم الحزنِ
لم يشطحْ بنا الكَلِمُ
نعبِّر عن مَواجعنا
وبالإسلام نلتزمُ
ولولا أنَّ أَنْفُسَنا
بربِّ الكون تعتصمُ
لَمَاجتْ بالأسى وغدتْ
أمام الحزن تنهزم
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> الباحة
الباحة
رقم القصيدة : 833
-----------------------------------
صوتي لصوتك يا قلبي الحنون صدى
فاهتف بلحن الرضى واجعل أساك فدى
أنخْ هنا ركبك الساري، فأنت على
أرض ستُنبت أزهار الهناء غدا
أسمعْ رُبى غامدٍ لحناً، تردّده
زهرانُ، فالدّرب صار اليوم متّحدا
إنّي حفرتُ روابي الشعر، أزرعها
حباً، وصدقاً وللإنسان ما قصدا
يا فهدُ .. ها أنت والأزهار راقصة
من حولنا تزدهي حبا لمن وفدا
الباحةُ - اليوم - لحن سوف أنشده
شعراً، وتُنشدُه هذي الرُّبى أبدا
أرضيتها بلقاء، سوف يحفظه
تاريخها زمنا، لا يعرف العددا
سمعتُ أزهارها تحكي، وقد حلفت
بالله صدقا، إذا أحسنتم المددا
لتصبحنّ مثال الحسن في بلد
لكم محاسنه ... أنعم به بلدا
وعدتُ قلبي بحلم كنتُ أرقبه
إنّ الفتى من يفي دوماً بما وعدا
وها أنا اليوم ألقي الشعر تسمعني
ربوعها، وأرى في ربعها فهدا
شعرا يعيش على أنغامه أملي(48/61)
ويقتل اللحن فيه الحزن والكمدا
يشدو به "حُزنةُ" العالي، وينقله
لحناً شجياً إلى كل الربوع "شدا"(1)
أفنيتُ فيها شباب الحرف أنظمه
وصفاً لها. كلما قرّبته ابتعدا
يا بلبل النغم العذب الذي غرست
ألحانه عبر هاتيك الرّبوع صدا
إن كنت تشدو على أغصانها فعلى
غصون قلبي عصفور الهناء شدا
يا شعر غرّد على أيك المشاعر في
صدق فقد يؤنسُ التغريد من وجدا
هذا اللقاء الذي نحياه، ينقلني
إلى زمان، أضاء المشرقين هدى
رأيت فيه رسول الله، يملؤه
عدلا، وكان لمن يحتاجه سندا
وقد رأيت به الصدّيق ممتثلاً
كما رأيت به الفاروق متّقدا
ولم تزل تسمع الأيام صرخته
ويشرب الدهر منها عزّة وفدى
قد قالها عمر الفاروق في ثقة
بالله، يمهرها الأموال والولدا
فلو تعثّر في صنعاء راحلة
براكب، كنت مسئولا ومنتقدا
من حقّق النصر في بدر ومن جعل
الأحزابَ، بالرغم من إحكامها، بددا؟
ومن طوى الأرض للإسلام طائعه
إلا الذي لم يزل في حكمه أحدا
إنا نكوّن بالإسلام رابطة
مهما اختلفنا فقد صرنا بها جسدا
لو اشتكى كدرا ماءُ الخليج شكا
منه الفرات، ولم ينس الأسى بردى
ليس التزمّت طبعاً في عقيدتنا
ولا التّحلّل .. إنّا نبتغي رشدا
وليس من يمتطي للمجد همّته
كمن قضى عمره لهوًا فضاع سُدى
لا يعرفُ الحرّ إلا من تعامُلهِ
ولا الشجاع الفتى إلا إذا صمدا
قد يغرق المرء في لذّاته، ويرى
دنياه نشوى ويأتي عيشُه رغدا
حتى إذا ما تمادى في غوايته
تبدّلت حاله بعد الرضى نكدا
مهما غفا الناس إعراضاً فلن يجدوا
من دون ربهم الرحمن ملتحدا
في كل ذرّة رمل من جزيرتنا
معنى من العزّ، بالبشرى يسيل ندى
تمّت لنا نعم الرحمن في بلد
كالمنهل العذب، كم من ظامئ وردا
إليه تهفو قلوب المسلمين على
بُعد المسافات، والإسلام منه بدا
دستورنتا الحق، لا نرضى به بدلا
به نسير إلى أهدافنا صُعُدا
فبالهدى نجعل الأيّام ناعمةً
تزهو.. وإن أحكمتْ أعداؤنا العُقدا
نمضي بإيماننا، و الله يكلؤنا
ما خاب من مدّ لله الكريم يدا(48/62)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> الجيل المتطرف
الجيل المتطرف
رقم القصيدة : 834
-----------------------------------
صبح تنفس بالضياء وأشرقا
الصحوة الكبرى تهز البيرقا
وشبيبة الإسلام هذا فيلق
في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا
وقوافل الإيمان تتخذ المدى
دربا وتصنع للمحيط الزورقا
وحروف شعري لا تمل توثبا
فوق الشفاه وغيب شعري أبرقا
وأنا أقول وقد شرقت بأدمعي
فرحا وحق لمن بكى أن يشرقا
ما أمر هذه الصحوة الكبرى
سوى وعد من الله الجليل تحققا
هي نخلة طاب الثرى فنما
لها جذع قوي في التراب وأعذقا
هي في رياض قلوبنا زيتونة
في جذعها غصن الكرامة أورقا
فجر تدفق من سيحبس نوره
أرني يدا سدت علينا المشرقا
يا نهر صحوتنا رأيتك صافيا
وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى
ورأيت حولك جيلنا الحر الذي
فتح المدى بوابة وتألقا
قالوا تطرف جيلنا لما سما
قدرا وأعطى للبطولة موثقا
ورموه بالإرهاب حين أبى الخنى
ومضى على درب الكرامة وارتقا
أو كان إرهابا جهاد نبينا
أم كان حقا بالكتاب مصدقا
أتطرف إيماننا بالله في عصر
تطرف في الهوى وتزندقا
إن التطرف ما نرى من غفلة
ملك العدو بها الزمام وأطبقا
إن التطرف ما نرى من ظالم
أودى بأحلام الشعوب وأرهقا
لما رأى جريان صحوتنا طغى
وأباح أرواح الشباب وأزهقا
ما زال ينسج كل يوم قصة
تروى وقولا في الدعاة ملفقا
إن التطرف أن يسافر مسلم
في لهوه سفرا طويلا مرهقا
إن التطرف أن نرى من قومنا
من صانع الكفر اللئيم وأبرقا
إن التطرف أن نبادل كافرا
حبا ونمنحه الولاء محققا
إن التطرف أن نذم محمدا
والمقتدين به ونمدح عفلقا
إن التطرف أن نؤمن بطرسا
وهو الذي من كأس والده استقى
إن التطرف وصمة في وجه من
جعلوا صليبهم الرصاص المحرقا
إن التطرف في اليهود سجية
شربوا به كأس العداء معتقا
إن التطرف أن يظل رصاصنا
متلعثما ورصاصهم متفيهقا
يا من تسائلني وفي أجفانها
فيض من الدمع الغزير ترقرقا
وتقول لي رفقا بنفسك إننا(48/63)
نحتاج منك الآن أن تترفقا
أو ما ترى أهل الضلالة أصبحوا؟
يتعقبون شبابنا المتألقا
لا تجزعي إن الفؤاد قد امتطى
ظهر اليقين وفي معارجه ارتقى
غذيت قلبي بالكتاب وآيه
وجعلت لي في كل حق منطقا
ووطئت أوهامي فما أسكنتها
عقلي وجاوزت الفضاء محلقا
أنا لا أخدر أمتي بقصائد تبني
على هام الرياح خورنقا
يسمو بشعري حين أنشد صدقه
أخلق بمن عشق الهدى أن يصدقا
أوغلت في حزني وأوغل في دمي
حزني وعصفور القصيدة زقزقا
أنا يا قصيدة ما كتبتك عابثا
كلا ولا سطرت فيك تملقا
عيني وعينك يا قصيدة أنورا
دمعا وشعرا والفؤاد تحرقا
قالوا قسوت ورب قسوة عاشق
حفظت لمن يهوى المكان الأعمقا
بعض الرؤوس تظل خاضعة فما؟
تصحو وما تهتز حتى تطرقا
خوان أمته الذي يشدو لها
بالزيف والتضليل حتى تغرقا
خوان أمته الذي يرمي لها
حبلا من الأوهام حتى تشنقا
كالذئب من يرمي إليك بنظرة
مسمومة مهما بدا متأنقا
شتان بين فتى تشرب قلبه
بيقينه ومن ادعى وتشدقا
شتان بين النهر يعذب ماؤه
والبحر بالملح الأجاج تمذقا
إني لأعجب للفتي متطاولا
متباهيا بضلاله متحذلقا
سلك العباد دروبهم وهو الذي
ما زال حيران الفؤاد معلقا
الشمس في كبد السماء ولم يزل
في الشك في وضح النهار مطوقا
النهر يجري في القلوب وماؤه
يزداد في حبل الوريد تدفقا
وأخو الضلالة ما يزال مكابرا
يطوي على الأحقاد صدرا ضيقا
يا جيل صحوتنا أعيذك أن أرى
في الصف من بعد الإخاء تمزقا
لك من كتاب الله فجر صادق
فاتبع هداه ودعك ممن فرقا
لك في رسولك قدوة فهو الذي
بالصدق والخلق الرفيع تخلقا
يا جيل صحوتنا ستبقى شامخا
ولسوف تبقى بالتزامك أسمقا
سترى رؤى بدر تلوح فرحة
بيمينها ولسوف تبصر خندقا
سترى طريقك مستقيما واضحا
وترى سواك مغربا ومشرقا
فتحت لك البوابة الكبرى فما
نخشى وإن طال المدى أن تغلقا
إن طال درب السالكين إلى العلا
فعلى ضفاف المكرمات الملتقى
وهناك يظهر حين ينقشع الدجا
من كان خوانا وكان المشفقا(48/64)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> يا قدس
يا قدس
رقم القصيدة : 835
-----------------------------------
ما كلُّ مَنْ نطقوا الحروفَ أبانوا
فلقد يَذوبُ بما يقولُ لسانُ
لغة الوفاءِ شريفةٌ كلماتُها
فيها عن الحبِّ الأصيلِ بَيانُ
يسمو بها صدقُ الشعور إلى الذُّرا
ويزُفُّ عِطْرَ حروفها الوجدانُ
لغةٌ تَرَقْرَقَ في النفوس جمالُها
وتألَّقتْ بجلالها الأَذهانُ
يجري بها شعري إليكم مثلما
يجري إلى المتفضِّل العِرْفانُ
لغةُ الوفاء، ومَنْ يجيد حروفَها
إلا الخبير الحاذق الفنَّانُ؟
أرسلتُها شعراً يُحاط بموكبٍ
من لهفتي، وتزفُّه الألحانُ
ويزفُّه صدقُ الشعور وإِنَّما
بالصدق يرفع نفسَه الإِنسانُ
أرسلتُ شعري والسَّفينةُ لم تزلْ
في البحر، حار بأمرها الرُّبَّانُ
والقدس أرملةٌ يلفِّعها الأسى
وتُميت بهجةَ قلبها الأحزانُ
شلاَّلُ أَدْمُعِها على دفَقاته
ثار البخار فغامت الأَجفانُ
حسناءُ صبَّحها العدوُّ بمدفعٍ
تَهوي على طلقاته الأركانُ
أَدْمَى مَحاجرها الرَّصاص ولم تزلْ
شمَّاءَ ضاق بصبرها العُدوانُ
لْقَى إليها السَّامريُّ بعجله
وبذاتِ أَنواطٍ زَهَا الشَّيْطَانُ
نَسي المكابرُ أنَّ عِجْلَ ضلالِه
سيذوب حين َتَمُّسه النيرانُ
حسناءُ، داهمَها الشِّتاءُ، ودارُها
مهدومةٌ، ورضيعُها عُريانُ
وضَجيج غاراتِ العدوِّ يَزيدها
فَزَعاً تَضَاعف عنده الَخَفقانُ
بالأمسِ ودَّعها ابنُها وحَليلُها
وابنُ اْختها وصديقُه حسَّانُ
واليوم صبَّحتِ المدافعُ حَيَّها
بلهيبها، فتفرَّق الجيرانُ
باتت بلا زوجٍ ولا إِبنٍ ولا
جارٍ يَصون جوارَها ويُصَانُ
يا ويحَها مَلَكتْ كنوزاً جَمَّة
وتَبيت يعصر قلبَها الِحرْمانُ
تَستطعم الجارَ الفقيرَ عشاءَها
ومتى سيُطعم غيرَه الُجوْعَانُ
صارتْ محطَّمةَ الرَّجاء، وإنَّما
برجائه يتقوَّت الإِنسانُ
يا قدسُ يا حسناءُ طال فراقُنا
وتلاعبتْ بقلوبنا الأَشجانُ
من أين نأتي، والحواجزُ بيننا:(48/65)
ضَعْفٌ وفُرْقَةُ أُمَّةٍ وهَوانُ؟
من أين نأتي، والعدوُّ بخيله
وبرَجْلهِ، متحفِّزٌ يَقْظَانُ؟
ويَدُ العُروبةِ رَجْفَةٌ ممدودةٌ
للمعتدي وإشارةٌ وبَنانُ؟
ودُعاةُ كلِّ تقُّدمٍ قد أصبحوا
متأخرين، ثيابُهم أَدْرَانُ
متحدِّثون يُثَرْثِرُون أشدُّهم
وعياً صريعٌ للهوى حَيْرانُ
رفعوا شعارَ تقدُّمٍ، ودليلُهم
لِينينُ أو مِيشيلُ أو كاهانُ
ومن التقدُّم ما يكون تخلُّفاً
لمَّا يكون شعارَه العصيانُ
أين الذين تلثَّموا بوعودهم
أين الذين تودَّدوا وأَلانوا؟
لما تزاحمت الحوائجُ أصبحوا
كرؤى السَّراب تضمَّها القيعانُ
كرؤى السَّرابِ، فما يؤمِّل تائهٌ
منها، وماذا يطلب الظمآنُ؟
يا قدس، وانتفض الخليلُ وغَزَّةٌ
والضِّفتان وتاقت الجولانُ
وتلفَّت الأقصى، وفي نظراته
أَلَمٌ وفي ساحاته غَلَيانُ
يا قُدس، وانبهر النِّداءُ ولم يزلْ
للجرح فيها جَذْوةٌ ودُخانُ
يا قدس، وانكسرتْ على أهدابها
نَظَراتُها وتراخت الأَجفانُ
يا قُُدْسُ، وانحسر اللِّثام فلاحَ لي
قمرٌ يدنِّس وجهَه استيطانُ
ورأيتُ طوفانَ الأسى يجتاحُها
ولقد يكون من الأسى الطوفانُ
كادت تفارق مَنْ تحبُّ ويختفي
عن ناظريها العطف والتَّحنانُ
لولا نَسائمُ من عطاءِ أحبَّةٍ
رسموا الوفاءَ ببذلهم وأعانوا
سَعِدَتْ بما بذلوا، وفوقَ لسانها
نَبَتَ الدُّعاءُ وأَوْرَقَ الشُّكرانُ
لكأنني بالقدس تسأل نفسَها
من أين هذا الهاطلُ الَهتَّانُ؟
من أين هذا البذلُ، ما هذا النَّدى
يَهمي عليَّ، ومَنْ هُم الأَعوانُ؟
هذا سؤال القدس وهي جريحةٌ
تشكو، فكيف نُجيب يا سَلْمانُ؟
ستقول، أو سأقول، ما هذا الندى
إلاَّ عطاءٌ ساقه المَنَّانُ
هذا النَّدى، بَذْلُ الذين قلوبُهم
بوفائها وحنانها تَزْدَانُ
أبناءُ هذي الأرض فيها أَشرقتْ
حِقَبُ الزمان، وأُنزِل القرآنُ
صنعوا وشاح المجد من إِيمانهم
نعم الوشاحُ ونِعْمَتِ الأَلوانُ
وتشرَّف التاريخ حين سَمَتْ به
أخبارُهم، وتوالت الأَزمانُ(48/66)
في أرضنا للناس أكبرُ شاهدٍ
دينٌ ودنيا، نعمةٌ وأَمانُ
هي دوحةُ ضَمَّ الحجازُ جذورَها
ومن الرياض امتدَّت الأَغصانُ
الأصل مكةُ، والمهاجَرُ طَيْبةٌ
والقدسُ رَوْضُ عَراقةٍ فَيْنَانُ
شيمُ العروبة تلتقي بعقيدةٍ
فيفيض منها البَذْلُ والإحسانُ
للقدس عُمْقٌ في مشاعر أرضنا
شهدتْ به الآكامُ والكُثْبانُ
شهدت به آثارُ هاجرَ حينما
أصغتْ لصوت رضيعها الوُديانُ
شهدت به البطحاء وهي ترى الثرى
يهتزُّ حتى سالت الُحْلجانُ
ودعاءُ إبراهيمَ ينشر عطره
في الخافقين، وقلبُه اطمئنان
هذي الوشائج بين مهبط وحينا
والمسجد الأقصى هي العنوانُ
هو قِبلةٌ أُولى لأمتنا التي
خُتمت بدين نبيِّها الأديانُ
أوَ لَمْ يقل عبدالعزيز وقد رأى
كيف الْتقى الأحبار والرُّهبانُ
وأقام بلْفُورُ الهياكلَ كلَّها
للغاصبين وزمجر البُركان
وتنمَّر الباغي وفي أعماقه
حقدٌ، له في صدره هَيجَانُ
وتقاطرتْ من كلِّ صَوْبٍ أنْفُسٌ
منها يفوح البَغْيُ والطغيانُ
وفدوا إلى القدس الشريف، شعارهم
طَرْدُ الأصيل لتخلوَ الأوطانُ
وفد اليهود أمامهم أحقادهم
ووراءهم تتحفَّرُ الصُّلبان
أوَ لم يقل عبدالعزيز، وذهنُه
متوقدٌ، ولرأيه رُجْحَانُ
وحُسام توحيد الجزيرة لم يزلْ
رَطْباً، يفوح بمسكه الميدانُ
في حينها نَفضَ الغُبارَ وسجَّلَتْ
عَزَماتِه الدَّهناءُ والصُّمَّانُ
أوَ لم يَقُلْ، وهو الخبيرُ وإِنما
بالخبرةِ العُظْمى يقوم كيانُُ:
مُدُّوا يدَ البَذْلِ الصحيحةَ وادعموا
شعبَ الإِباءَ فإنهم فُرْسَانُ
شَعْبٌ، فلسطينُ العزيزةُ أَنبتتْ
فيه الإباءَ فلم يُصبْه هَوانُ
شَعْبٌ إذا ذُكر الفداءُ بَدا له
عَزْمٌ ورأيٌ ثاقبٌ وسنانُ
شعبٌ إذا اشتدَّتْ عليه مُصيبةٌ
فالخاسرانِ اليأسُ والُخذلاُن
لا تُخرجوهم من مَكامنِ أرضهم
فخروجُهم من أرضهم خُسران
هي حكمةٌ بدويَّة ما أدركتْ
أَبعادَها في حينها الأَذهانُ
يا قُدْسُ لا تَأْسَي ففي أجفاننا
ظلُّ الحبيبِ، وفي القلوبِ جِنانُ(48/67)
مَنْ يخدم الحرمين يأَنَفُ أنْ يرى
أقصاكِ في صَلَفِ اليَهودِ يُهانُ
يا قُدسُ صبراً فانتصاركِ قادمٌ
واللِّصُّ يا بَلَدَ الفداءِ جَبَانُ
حَجَرُ الصغير رسالةٌ نُقِلَتْ على
ثغر الشُّموخ فأصغت الأكوانُ
ياقدسُ، وانبثق الضياء وغرَّدتْ
أَطيارُها وتأنَّقَ البستانُ
يا قدس، والتفتتْ إِليَّ وأقسمتْ
وبربنا لا تحنَثُ الأَيمانُ
واللّهِ لن يجتازَ بي بحرَ الأسى
إلاَّ قلوبٌ زادُها القرآنُ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> حسرة في قلب إمرأة صومالية
حسرة في قلب إمرأة صومالية
رقم القصيدة : 836
-----------------------------------
قم يا محمد نامت الأعراب
وتقطعت ببلادك الأسباب
جاء الصليب مدججا بسلاحه
ووراءه التطبيل والإرهاب
قم يا محمد عرض أمك خائف
وأمام كوخي يا بني كلاب
انظر إلى العلج الذي تروعني
نظراته فأنا بها أرتاب
ماذا يريد بكوخنا هذا الذي
ما فيه زاد يبتغى وشراب
كوخ حقير فيه شيخ هده
سقم وطفل جائع ودلاب
وعباءة سترت بقايا هيكل
مني وثوب هالك وحجاب
وبقية من ثوب عرسي ما لها
كمٌ وحبر جامد وكتاب
قم يا محمد إن مقديشو على
جمر تغلّق دونها الأبواب
هذا أزيز الطائرات يروعها
والجند فيها جيئة وذهاب
ما بالهم جاءوا سراعا نحونا
وعلى سراييفوا يصيح غراب
هلا حموا أطفالها من صربهم
وتبرؤوا مما جنوه وتابوا
أإعادة الأمل الجميل سجية
للغرب ، هذا يا بني كلاب
كم علقونا بالوعود وما وفوا
وكذاك وعد الكافرين سراب
ساق الغرور جنودهم فعقولهم
سكرى وما لعيونهم أهداب
هذي الصفوف من الجنود كأنها
نعم وإن عظمت لها الألقاب
أوما تراها لا تصلي ركعة
أوما تراها والقلوب خراب
قالوا لنا سيؤمنون غذاءنا
أتؤمن الغنم الجياع ذئاب
قم يا محمد جاءنا مستعمر
قد سال منه على البلاد لعاب
عين على الصومال والأخرى
على سوداننا فليوقن المرتاب
قم يا بني فإن أمك تشتكي
وهنا وجرح فؤادها ثغاب
وبثغرها أطلال أسئلة عفت
آثارهن فهل هناك جواب(48/68)
ما بال إخوان العقيدة فرطوا
حتى خلت من مائها الأكواب
حتى تولى المعتدون شؤوننا
وجرى القطار وسافر الركاب
ما بالهم لم يستجيبوا عندما
صحنا وحين دعى العدو أجابوا
ما بالهم لما أتى أعداؤنا
جاءوا ولو غاب العدو لغابوا
خطأ كبير يا بني وقومنا
حلفوا يمينا إنه لصواب
أصواب قومك أن تسلم أرضنا
للغاصبين ويحزن المحراب
قم يا بني إلى الجهاد فإنه
للعز في عصر المذلة باب
قم يا بني إلى الجهاد وقل معي
خسر الطغاة الماكرون وخابوا
يا أرض أحلامي جفافك راحل
فغدا سيغسل راحتيك سحاب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> وقفة على أشلاء مضيئة
وقفة على أشلاء مضيئة
رقم القصيدة : 837
-----------------------------------
يهوى شموخك ياجبل
ما بين آلامٍ مؤكدةٍ ، وصبرٍ محتمل
ما بين عينٍ لا ترى إلا الأنين إذا اشتعل
وفمٍ يردد بعض أبيات الزجل
أسرج شموخك يا بطل
كن كالربيع إذا تألق بالبشاشة واحتفل
كالفجر حين يزفًّ للدنيا ..
تباشير الأمل
مالي أراك كسرتَ سيفك يا بطل
وقتلتَ همّتك العظيمة بالوجل
وتركت ناصية اليمين ..
وسرت في دروب اليسار بلا خجل
ولثمتَ أقدام السُّفوح ..
وكنت في أعلى الجبل
أوّاه منك ومن هواك
من رحلت العبث التي قتلت خطاك
من لوثة الوهم التي اختطفت رؤاك
من ألف أغنية نصيبك بالخدَر
من غفلة تسري بقلبك في سراديب الخطر
أسرج شموخك يا بطل
مالي أراك تسير سير السلحفاة إلى العمل ؟
وأراك تركض ..
حين يدعوك الكسل ؟
مالي أراك كشمعة
تذوي على باب الزًلل ؟
كقصيدة شمطاء فيها من تذبذبها خلل ؟
تاهت معالمها ..
فلا مَدْحُ ولا وَصّفُ ولا هي من ترانيم الغزل
كذراع لصَّ مدَّها في ليلةٍ ليلاء ..
كوكبها أفل
مالي أراك وقفت كالشمس التي
وقفت على باب الطَّفَلْ ؟
واستسلمت لليل حين طوى المعالم وانسدل
مالي أراك كسرت سيفك يا بطل ؟
ووقفت مشدوهاً
كأنك لا تُحسُّ بما حصل
وكأن ما اقترف اليهود حكايةُ
تروى عن (الشَّعرَى) البعيدةِ أو (زُحَلْ)(48/69)
أسرج شموخك يا بطل
مالي أراك لبست ثوب الوهم ..
في عصرٍ بمنطقه احتفل ؟
وخلعت ثوب الوعي ..
واستسلمتَ لليأس الذي يلد الملل ؟
وغرقت في بحر الفضائيات ..
واستهواك تكسير المُقَلْ ؟
مالي أراك خرجت من بيت الإباء ؟
وسلكت درب الموبقات بلا حياء ؟
وسكنت دار الأشقياء
وغزوت سرداب الرَّذيلة ..
واستقيت من الغثاء ؟
قل لي - بربِّك -:
أين مَنْ يغزو الرَّذائل ..
من مواجهة الذي يغزو الفضاء
أسرج شموخك يا بطل
عجباً لرأيك كيف يغلبه الخَطَلْ !!
أو ما رأيت إضاءة الأشلاء ..
حين تناثر الجسد المناضل ؟؟
ليذكَّر الدنيا بظلم المعتدي الباغي المقاتل
ليذكَّر التاريخ ..
أن الطفل في الأقصى تواجهه القنابل
ليذكر الغرب الذي مازال في صَلَفٍ ..
يجادل
أن الحقيقية لا تموت ..
وإنْ تحركت المعاول
ليذكِّر الغرب الذي أسْمَى المؤامرةَ السلاما
أن الحقيقية فوق معنى مجلس الخوف
الذي ..
يخشى على شارون من دمع اليتامى
يخشى على الرشاش من زهر الخُزامى
أسرج شموخك يا بطل
أخرج إلى الميدان فالحقد اليهوديُّ اشتغل
وأعِدْ لنا سِيَرَ البطولات الأول
أخرج على مثل الضحى هدفاً
فإنك لن تفرَّ من القَدَرْ
أخرج ..
فأشلاء المجاهد قد أضاءت ..
في ربوع المسجد الأقصى الحفر
سلِّم على الطفل الذي عَزَفَ الحَجَرْ
وعلى الفتى البطل الذي ..
رفضت خُطاه المنحدَرْ
وعلى الذين تمنطقوا بالموت ..
يرتقبونَ ميدان الفداء المنتظر
ليعلَّقوا في ساحة الأقصى ..
بيانات الظَّفَرْ
سلَّم على الأم التي صارت بطولاتها حكايَهْ
سلم على البيت الفلسطيني يُسْرَجُ بالهدايَهْ
ويعلم الصلف اليهودي الثبات إلى النهايَة
سلم على الشعب الذي ..
عبر السدود إلى البطولَهْ
سلِّم عليه بني قلاع الصبر في شَمَمٍ
وأسرج في حمايتها خيولَهْ
سلِّم على البيت الفلسطيني يسكنه اللإباءْ
ويعلم الأبناء كيف يواجهون الأدعياء
ويعانقون الشمس في كبد السماء
ويكفِّنون (الهيكل المزعوم) في ثوب الفناء(48/70)
ويعلًّمون الفجر كيف تسير قافلةُ الضياء
سلِّم على البيت الفلسطيني يحتضن الأشاوسْ
وُيمدُّ ساحات الجهاد بفارسٍ من بعد
فارسْ
ويقول للأرضِ : أطمئنّي ..
إنني للقدس حارسْ
أسرج شموخك يا بطل
أو ما ترى غيث البطولة ..
في رُبى الأقصى هًطَلْ ؟
أو ما ترى الطفل الذي ..
صَعَدَ الشموخ وما نزل ؟
أو ما ترى أمَّ الشهيد
تصوغ ملحمة الأزلْ ؟
أو ما سمعت حصان أطفال الحجارة ..
قد صَهَلْ ؟
أو ما ترى جيلاً يخوض البحر في ثقةٍ
ويخرج منه مبتهج البلل ؟
أسرج شموخك يا بطل
للحرب مركبةُ تسير على عجل
للحرب زمجرةُ فلا تقتل طموحك بالجدل
إني أشاهد ركب ملحمةٍ إلى الأقصى وصل
إني لأسمعها تحذِّر من غَفَلْ
أسرج شموخك يا بطل
لا تقترف إثم النكوص إلى الوراء ..
فقد يفاجئك الأَجلْ
دع كل تحليلٍ عن الأخبار ..
واقرأ وجه شارون الذي بدأ العملْ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> نظرة في شموخ اليتيم
نظرة في شموخ اليتيم
رقم القصيدة : 838
-----------------------------------
أسمى صفاتِكَ أنْ تكون كريما
وتكونَ بَراً بالعباد رحيما
أسمى صفاتِكَ أنْ تكونَ مميَّزاً
بسداد رأيكَ في الأمور، حكيما
تسعى بكَ الدنيا، وأنتَ تقودُها
بالحقِّ، تُسْعِدُ قلبها المهموما
تلقى الخطوبَ وأنتَ أرفَعُ هامةً
منها، وتأنَف أنْ تعيش ذَميما
أسمى صفاتكَ أنْ ترى الدنيا بلا
غَبَشٍ، وأنْ يبقى الفؤادُ سليما
أنْ تجعل التاريخَ يَمْلأُ كأسَه
وتكونَ أنتَ رحيقَها المختوما
ترمي بسهمكَ، لا لِتَقْتُلَ آمناً
لكنْ لتحرُسَ خائفاً محروما
تسعى إلى كَسْبِ العلومِ تقرُّباً
للهِ، لا ليُقَالَ: صار عليما
أسمى صفاتكَ أنْ تحلِّقَ عالياً
بجناح عدلكَ، تنصر المظلوما
يا حاملَ الدُّنيا على كتفِ الرِّضا
يا من رأيتُكَ للجَفاءِ غَريما
يا ساعياً للخير في العصر الذي
ما زال حَبْلُ وفائه مصروما
للخير أغصانٌ تطيب ثمارُها
فامنحْ جَناها خائفاً وعَديما
واحملْ إلى أفيائها الطفلَ الذي(48/71)
ما زال في حُفَرِ الشقاء مقيما
فلَرُبَّ ماسحِ أَدْمُعٍ من مقلةٍ
تبكي، رأى فضلاً بهنَّ عَميما
انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ
إلا صديقاً لليتيمِ حميما
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ
فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على
كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوما
ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً
للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيما
ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ
تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميما
ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها
وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيما
انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له
عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريما
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما
يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
لولا الحنانُ لَمَا رأيتَ سعادةً
لولا السماءُ لَمَا رأيتَ نجوما
لولا الرّياحُ لَمَا رأيتَ لَواقحاً
لولا البحارُ لَمَا رأيتَ غيوما
لولا الغصونُ لما رأيتَ ظِلالَها
لولا الرعودُ لَمَا سمعتَ هَزيما
لولا الربيعُ لما رأيتَ زُهورَه
تشدو، ولا لامَسْتَ فيه نَسيما
يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ
مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما
ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ
منها نجهِّز للحياةِ عظيما
ونحوِّل الحرمانَ فيها نعمةً
كُبْرى تُزيل عن الفؤادِ هموما
قَسَمَ الإلهُ على العباد حظوظَهم
فالكلُّ يأخذ حَظَّه المقسوما
وسعادةُ الإنسانِ أن يرضى بما
قَسَمَ الإلهُ، ويُعلنَ التَّسليما
قالوا: اليتيمُ، فقلتُ: أَيْتَمُ مَنْ أرى
مَنْ كان للخلُقِ النَّبيل خَصيما
قالوا: اليتيمُ، فقلتُ أَيْتَمُ مَنْ أرى
مَنْ عاشَ بين الأكرمينَ لَئيما
كم رافلٍ في نعمةِ الأبويْن، لم
يسلكْ طريقاً للهدى معلوما
يا كافلَ الأيتام، كفُّكَ واحةٌ
لا تُنْبِتُ الأشواكَ والزَّقُّوما
ما أَنْبَتَتْ إلاَّ الزُّهورَ نديَّةً
والشِّيحَ والرَّيحانَ والقَيْصُوما
أَبْشِرْ فإنَّ الأَرْضَ تُصبح واحةً
للمحسنين، وتُعلن التكريما
أبشرْ بصحبةِ خيرِ مَنْ وَطىءَ الثرى
في جَنَّةٍ كمُلَتْ رضاً ونَعيما(48/72)
قالوا: اليتيمُ، وأرسلوا زَفَراتهم
وبكوا كما يبكي الصحيحُ سَقيما
قلت: امنحوه مع الحنانِ كرامةً
فلرُبَّ عَطْفٍ يُوْرِثُ التَّحطيما
ولَرُبَّ نَظْرةِ مُشفقٍ بعثتْ أسىً
في قَلبه، جَعَلَ الشفيقَ مَلُوما
قالوا: اليتيمُ، فَمَاج عطرُ قصيدتي
وتلفَّتتْ كلماتُها تَعظيما
وسمعْتُ منها حكمةً أَزليَّةً
أهدتْ إِليَّ كتابَها المرقوما:
حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي
نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> حاضرة الدمعة يا عيني
حاضرة الدمعة يا عيني
رقم القصيدة : 839
-----------------------------------
حاضرة الدمعة يا عيني
مأسور الحسرة يا قلبي
حيرني أمركما إني
لا أعرف ما خطبي
أتالم أحيانا لكني
أتساءل ماذا يؤلمني
أبكي تتعذب نفسي
ولهيب الحسرة يحرقني
أظل حزينا لكني
لا أعرف أسباب جراحي
قد مل النجم مرافقتي
وتأوه مني مصباحي
يا دنيا ماذا يجعلني
أتألم في داخل نفسي
أتراك قسوت على قلبي
أتراكي مشيتي على حسي
فأجابت وعليها ثوب
منسوج بخيوط الفتن
عش عمرك في أحسن
حال وتمتع فالعمر قصير
لا تمنع نفسك من
شيء يأتيك هناء وسرور
أنساق فؤادي فانتفضت
في نفسي روح الإيمان
قائلة كذبتك الدنيا كم
خدعت قبلك ذا شأن
وتيقض حسي مبتهجا
وتكلل بالفرحة قلبي
وغدوت أرددفي صدق
يارب عفوك يا ربي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> إلى ياسر عرفات ( بعها )
إلى ياسر عرفات ( بعها )
رقم القصيدة : 840
-----------------------------------
بعها فأنت لما سواها أبيع
لك عارها ولها المقام الأرفع
لك وصمة التاريخ أنت لمثلها
أهل ومثلك في المذلة يرتع
شبح مضى والناس بين مكذب
ومصدق ويد الكرامة تقطع
ضيعت جهد المخلصين كأنهم
لم يبذلوا جهدا ولم يتبرعوا
والله ما أحسنت ظني في الذي
تدعو ولا مثلي بمثلك يخدع
وقرأت في عينيك قصة غادر
أمسى على درب الهوى يتسكع
وعلمت أنك ابن اسرائيل لم تفطم
وأنك من هواها ترضع(48/73)
لكن بعض القوم قد خدعوا
بما نمّقته فتأثروا وتسرعوا
ظنوك منقذهم ولو علموا
بما تخفي وأنك في الرئاسة تطمع
لرماك بالأحجار طفل شامخ
ما زال يحرس ما هجرت ويمنع
يا من تزوجت القضية خدعة
وحلفت أنك بالحقيقة تصدع
عجبا لزوج لا يغار فقلبه
متحجر وعيونه لا تدمع
عجبا لزوج باع ثوب عروسه
لا ينزوي خجلا ولا يورع
يا بائع الأوطان بيعك خاسر
بيع السفيه لمثله لا يشرع
هذي فلسطين العزيزة لم تزل
في كل قلب مسلم تتربع
مسرى النبي بها وأول قبلة
فيها وفيها للبطولة مهيع
فيها عقول بالرشاد مضيئة
فيها حماس وجهها لا يصفع
هذي فلسطين العزيزة ثوبها
من طلعة الفجر المضيئة يصنع
هذي فلسطين العزيزة طفلها
متوثب لا يستكين ويخضع
هي أرض كل موحد لا بيع من
باعوا يتمّ ولا الدعاوى تسمع
سيجيء يوم حافل بجهادنا
والخيل تصهل والصوارم تلمع
قد طال ليل الكفر لكني أرى
من خلفه شمس العقيدة تسطع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> موازين الرجال
موازين الرجال
رقم القصيدة : 841
-----------------------------------
تسير بها الأَوائل والتَّوَالي
وترفع بيننا أسمى مثالِ
وتتَّخذ الرِّياحَ لها بساطاً
تطير به إلى رُتَب المعالي
سحائبُ من عقيدتنا، سقتْنا
بماءٍ من مبادئنا زُلالِ
ونَبْعٌ لم يزلْ ثَرّاً غنيَّاً
يغرِّد خِصْبُه فوقَ التِّلالِ
ونهرٌ لم يزلْ يجري نقيَّاً
يُسَلْسِلُ ماؤُه خَرَزَ الرِّمالِ
قوافل، ما مشتْ فيها مطايا
على رملٍ، ولا خُدِعَتْ بآلِ
ولا تخشى مواجهةَ الرَّزايا
ولا تخشى العَناءَ ولا تُبالي
رأتْ فوقَ النُّجوم الزُّهْرِ حصناً
له بابٌ من الرُّكنِ الشمالي
ومن شُرُفاته برزتْ وجوهٌ
تحدِّثنا بأسرارِ الجَمَالِ
هنالكَ حدَّثَ التاريخُ عنَّا
حديثَ حقيقةٍ مثلَ الخيالِ
وليَّ العهدِ، في بلدٍ أمينٍ
تََلأْلأُ فيه أَوسمةُ الجَلاَلِ
رأيتُكَ، والمواقفُ ناطقاتٌ
يفتِّش عن إجابتها سؤالي
رأيتُكِ في مواجهةِ القضايا
تذكِّر بالحقوقِ ولا تغالي(48/74)
دعوك إلى زيارتهم، ولكنْ
رأيتَ القُدس مُوْحِشَةَ اللَّيالي
رأيتَ الحربَ دائرةً، وجيشاً
دَعَا الطفلَ الرَّضيعَ إلى النِّزالِ
فقلتَ لمن دعوكَ، أَما رأيتم
ضحايا قدسِنا في شرِّ حالِ؟!
نعم، أنا لن أزورَ بلادَ قومٍ
تُؤيِّد جَوْرَ مذمومِ الخصالِ
تَمُدُّ له اليَدَ اليُمْنَى احتفاءً
وتمنح غيرَه طَرَفَ الشِّمال
عَصَا (الفيتو) تُلوِّح في يديها
لتضربَ من ينادي باعتدالِ
وكيف تُزارُ أَرَضٌ، وهي تَحمي
ظهورَ الماردين على الضَّلالِ؟!
وتَحتضن الذين بغوا علينا
وداسونا بجيش الإحتلالِ
وكيف تُزارُ أرضٌ وهي تدري
بما نلقى، ولكنْ لا تُبالي؟!
هي الأرض التي مدَّتْ يديها
موطَّأَةً لإخوانِ السَّعالي
لها تمثالُها الموصوفُ زوراً
بأحسنِ ما يُصاغُ من المقالِ
دَعاوى لم تصدِّقْها فَعَالٌ
وما نَفْعُ الكلامِ بلا فَعَالِ؟
نعم، أَيَظنُّ (قَرْنُ الوَهمِ) أنَّا
سننسى جَوْرَ ساحات القتال؟!
ولسنا مِن دُعاةِ الحربِ، لكنْ
رأينا القُدْسَ منها في اشتعالِ
تُشَبُّ على الأَراملِ واليتامى
وتقتحم البيوتَ على العيالِ
وعينُ الغربِ تَرصُدهم، ولكنْ
بعينِ الذئِب راصدةِ الغزالِ
ترى الأشلاءَ في الأقصى، ولكنْ
كَمَن شُغلُوا بـ (أَلعاب التَّسالي)
تُراهم ما رأوا طفلاً صَريعاً
وشيخاً، ثوبُه المشقوقُ بالي؟
ولا سمعوا أَنينَ زهورِ يافا
ولا شكوى حقولِ (البرتقالِ)؟
ولا سمعوا عن الأقصى حديثاً
ينادينا إلى شَدِّ الرِّحالِ؟
نعوذ برِّبنا من شرِّ قومٍ
رأوا فِعْلَ الحرامِ من الحَلاَلِ
كأني بالجَوائح قد أغارتْ
على أهلِ التَّطاوُل والتَّعالي
أَعبدَ اللَّه شكراً ثم شكراَ
يُزَفُّ إليكَ من بلد النِّضالِ
يُزَفُّ إليكَ من طفلٍ جريحٍ
ومن حَسَراتِ رَبَّاتِ الحِجالِ
ومن شيخٍ بلا مَأْوى، يُرينا
بهيكل عَظْمِه معنى الهُزَالِ
أعَبْدَ اللَّهِ ما كلُّ المرَايا
تُرينا صورةَ الوجه المثالي
ولا كلُّ الغيومِ تُثير بَرْقاً
يحرِّك وَمْضُه شَغَفَ الجبالِ(48/75)
وفي كلِّ الزُّهور شَذَاً، ولكنْ
قليلٌ من شذا الأَزهارِ غالي
هي الأمجادُ، تعرف حين تسعى
لغايتها موازينَ الرِّجالِ
وتعرف أنَّ أهلَ الحقِّ أولى
بها من كلِّ ذي جاهٍ ومالِ
عقيدُتنا تعلِّمنا وفاءً
وصِدْقَ مقالةٍ وهدوءَ بَالِ
أعبَد اللَّه ما وقفتْ خُطانا
عن السَّير الحثيثِ إلى الكمالِ
فإِنَّ رياحَنا تجري رُخاءً
تَسوقُ مواكبَ السُّحُبِ الثِّقالِ
تَزفُّ إلى أَصَالتِنا التَّحايا
مُنَضَّدَةَ الجواهرِ والَّلآلي
تَحذِّرنا من الباغي علينا
ومن أَتْباع نَهْجِ (أبي رِغالِ)
تبشِّرنا بنصر الله، إِني
لأسمعُه على شفتَيْ (بلالِ)
تقرِّبه المآذنُ وهي رَمْزٌ
عظيمٌ للتَّلاحُمِ والوِصالِ
أرى نَصْراً يلوحُ، وإنْ تَراءَى
لبعض الناسٍ من ضَرْبِ المُحالِ
فأبعدُ ما نرى، منَّا قريبٌ
إذا عُدْنا إلى رَبِّ الجَلالِ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> قلعة العلم
قلعة العلم
رقم القصيدة : 842
-----------------------------------
خفقان قلب الشعر أم خفقاني
أم أنه لهب من الأحزانِ
ماذا يقول محدثي أحقيقة ما
قال أم ضرب من الهذيان
مالي أرى ألفاظه كحجارة
ترمي بها الأفواه للآذان
الشيخ مات عبارة ما خلتها
إلا كصاعقة على الوجدان
أو أنها موج عنيف جائني
يقتاد نحوي ثورة البركان
يا ليتني أستوقفت رنة هاتفي
قبل إستماع نداء من نادني
أو أني أغلقت كل خطوطه
متخلصاً من صوته الرنانِ
الشيخ مات أما لديك عباره
أخرى تعيد به إتزان جناني
قلي بربك أي شيء ربما
أنقذتني من هذه الأشجان
قلي بربك أي شيء قال لي
عجباً لأمرك يا فتى الفتيان
أنسيت أن الموت حقاً واقعاً
ونهاية كتبت على الإنسان
أنسيت أن الله يبقى وحده
وجميع من خلق المهيمن فاني
أنسيت لا والله لكني إلى باب
الرجاء هربت من أحزاني
الشيخ مات صدقت أني مؤمن
بالله مجبول على الإذعان
الشيخ لا بل قلعة العلم التي
ملأت برأي صائب وبياني
هو قلعة العلم التي بنيت على
ثقة بعون الخالق المنانِ(48/76)
وأمامها هزمت دعاوى ملحد
وارتد موج البغي والبهتان
وتتطايرت شبه العقول لأنها
وجدت بناءاً ثابت الأركان
أنست بها نجدُُ ومهبط وحينا
واسترشد القاصي بها والداني
هو قلعة ظلت تحاط بروضة
خضراء من ذكر ومن قرآني
صان الإله عقيدة أمة
في عصرنا المتذبذب الحيرانِ
ماذا تقول قصائد الشعر التي
صارت بلا ثغر ولا أوزان
ماذا تقول عن بن باز أنها
ستظل عاجزةً عن التبيان
ماذا تقول عن التواضع شامخاً
وعن الشموخ يحاط بالإيمان
ماذا تقول عن السماحة والنهى
عن فقه هذا العالم الرباني
مات بن باز للقصائد ان ترى
حزن القلوب وادمع الأجفان
في عين طيبة أدمع فياضة
تلقى دموع الطائف الولهان
والخرج تسأل والرياض ومكة
عن قصة مشهورة العنوان
عن قصة الرجل الذي منحت
له كل القلوب مشاعر إطمئنان
ما زالت أذكر صوته يسري
إلى أعماقنا بمودة وحنان
يفتي وينصح مرشداً وموجهاً
ومعلماً للناس دون توانِ
نوراً على الدرب ارتوى من فقهه
وسرت منابعه إلى الظمآن
يا رب قد أصغت إليك قلوبنا
وتعلقت بك يا عظيم الشان
الشيخ مات عليه أندى رحمه
وأجل مغفرة من الرحمان
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> مادلين اولبرايت
مادلين اولبرايت
رقم القصيدة : 843
-----------------------------------
ما بالها أقبلت من غير توقيت
تسير مابين تصفيق وتصويت
رأيتها لارعى الرحمن صورتها
انسانة أقبلت في جسم خرتيت
في وجها صورة للمكر بارزة
كأنها حين يبدو وجه عفريت
كأنها حين تبدو لناظرها شيطانة
خرجت من بطن تابوت
من أين جاءت ؟ روى الراوي لنا
خبراً بأنها من سلالات ابن مسحوت
أما ابن مسحوت فالنسابة اتفقوا
بأنه جاء من أصلاب ابن مغلوت
وحدثتنا الروايات التي رويت
بأن مفلوت ممن صادروا قوتي
وأنها انحدرت من صلبه ونمت
نمو شوك وزقوم وحلتيت
وأنها ولدت والليل مكتئب
مابين مدخل سرداب وحانوت
وحدثتنا عن التخثير في دمها
وأنها من بقايا جيش جالوت
وأنها لم يسر في دربها أحد
إلا وضاع ولم يفرح بخريت(48/77)
لو كنت املك يوماً أن أزوجها
لكنت زوجتها من وحش تكريت
فربما اغتالها ليلاً وحنطها
كما تحنط أشباح العفاريت
وربما سربت في جوفه حمماً
من ريقها فتوارى في التوابيت
لو تنطق الأرض قالت حين تبصرها
تمشي ملفلفة في جنحها موتي
طاف الممالك لم تصر كمنظرها
ولامشابه قبح عين ياقوت
كأنما وجهها من سوء طلعته
هو القفا وقفاها وجه مسبوت
ثيابها قصرت حتى غدت مثلاً
لكل ثوب قبيح النسج ممقوت
حوت يسير على رجلين حملتا
بجثة ، فتأمل مشية الحوت
أعوذ بالله من ساقين مامشتا
إلا لزرع خلافات وتشتيت
كأنما هي سعلاة لها شفة مقلوبة
الصقت في وجه منحوت
في ذهنها فعل أمريكا التي فعلت
فعل الجوارح في زغب الكتاكيت
وعندها سيف أمريكا تريق به دم
الضعيف وتحمي رأس طاغوت
لابأس في عرفها من قتل كوكبة
من الصغار ومن جور وتبكيت
وليس يزعجها هدم البيوت
على سكانها وانتقاص الماء والقوت
ولا يضايقها غدر اليهود بنا
ونقضهم عهد هاروت وماروت
وحرق مسجدنا الأقصى يروق لها
فكم تجود ببارود وكبريت
سفينة الغدر مازالت تخوض بها
محيط أطماعها والظالم النوتي
تصغي إلى قول أفاك يبادلها
زوراً بزور لا تصغي لمكبوت
تدعوا لحفظ حقوق الناس وهي على
سلب الحقوق تصب الخل في التوت
صاغت لنا صورة المأساة كاملة
مابين مسجدنا الأقصى وبيروت
سألت عن قلب أمريكا فحدثني
صلب الحديد بأخبار الديناميت
فقلت يارب جنبنا مكائدها
واكتب لنا النصر في حفظ اليواقيت
يا كفر جالوت لا تفرح فسوف
ترى ما سوف يصنعه إيمان طالوت
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> حوار مع التاريخ
حوار مع التاريخ
رقم القصيدة : 844
-----------------------------------
أَفقِْ أَيُّها التّاريخُ ، نَبِّهْ رِجالَنَا
فَيارُبَّ مَرْموقٍ لهُ أَلْفُ هَفْوَةِ
َأِفْق أَيُّها التاريخُ ، أَدْرِكْ حَقيقَتي
فَعَنْ نَهْجَ ديني لن تَضِلَّ مَسيرَتي
أَفِق ، و انتَظِر من أُمَّتي وَثَباتِها(48/78)
فَلَن تَقِفَ الأعْداءُ في وَجْهِ وَثْبَتي
فَلي من كِتابِ اللهِ أَعظمُ رائدٍ
ومِنْ سُنَّةِ العَدْنانِ أَعْظَمُ قُدْوَةِ
أَفِقْ فالفُؤادُ الحُّرِ لا يَعْرِفُ الخَنا
ولن تَصْلُحَ الأَيامٌ إلا بِسُنَّتي
سَفَحَتْ دَمَ الأَحْقادِ دُونَ شَريعَتي
وأَعْدَدْتُ للأَيامِ كامِلَ عُدَّتي
وكَيْفَ يَنالُ اليَأْسُ قَلْبًا مُوَحِّدًا
إلى اللهِ يَرْنو مُؤْمِنًا كُل لَحْظَةِ
أُخوتًنا في اللهِ ، مَهْما تَباعَدَتْ
مَسافاتُ أَوْطاني مِثالُ الأُخُوَّةِ
عَليها بَنى أَسلافُنا صَرْحَ مَجْدِنا
فَكَيْفَ هَدَمْنا صَرْحَنا بالتَّعَنُّتِ
وقُلْ لَلعِدى مَهْمَا يَجُورُنَ إننَا
حَمَلْنا إلى الدُّنْيا مَعالِمَ نَهْضَةِ
وَإِنّا سَنَمْضي في الطَّريقِ الذي مَضى
على نَهْجِهِ أَسْلافُنَا سَيْرَ حِكْمَةِ
وَإِنْ تَكُ أَوْطاني تَشَتَتَ جَمْعُها
فَعَمّا قَريب سَوْفَ تَمْضي بِهِمَّةِ
أَيا أُمَّةَ الإِسْلامِ لا زِلْتُ صامِدًا
ولا زُلْتُ رَغْمَ الصَّدِّ والهَجْرِ أُمَّتِي
لَكَ اللهُ مازالَ الزَّمانُ مُغَرِّدًا
عَلى قِمَّةِ الإِسْلامِ أَعْظَمُ قِمَّةِ
ُخذُوا كُلَّ ما تَبْغونَ إِلا كَرامَتي
فَمَوْتي لَذيذٌ في سَبيلِ عَقيدَتي
بَني أُمَّتِي ، إِنّ الحَياةَ رَخيصَةُ
إِذا لَمْ نَقُمْ فيها بإِحْياءِ شِرْعَةِ
أَفِيقُوا ، فَما للذِّئْبِ يا قَوْمُ ذِمَّةُ
وأَكْبَرُ عارٍ أَنْ أُضَيِّعَ ذِمَّتي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> عندما يعزف الرصاص
عندما يعزف الرصاص
رقم القصيدة : 845
-----------------------------------
نسبى و نطرد يا أبي و نباد
فإلى متى يتطاول الأوغاد
وإلى متى تدمي الجراح قلوبنا
وإلى متى تتقرح الأكباد
نصحوا على عزف الرصاص كأننا
زرع وغارات العدو حصاد
ونبيت يجلدنا الشتاء بسوطه
جلدا فما يغشي العيون رقاد
يتسامر الأعداء في أوطاننا
ونصيبنا التشريد والإبعاد
وتفرخ الأمراض في أجسادنا
أواه مما تحمل الأجساد(48/79)
كم من مريض مل منه فراشه
ما زاره آسٍ ولا عوّاد
نشرى كأنا في المحافل سلعة
ونباع كي يتمتع الأسياد
في نهر (جيحون) الحزين مراكب
غرقت ودنس صفوه الإلحاد
وعلى ضفاف النهر جثة زورق
يبكي على أشلائها الصياد
وأمامه دار على جدرانها
صور يجدد رسمها ويعاد
صور تلونها دماء أحبة
غرسوا أصول المكرمات وشادوا
رحلوا وللقرآن في أعماقهم
ألق أضاء نفوسهم فانقادوا
أنى اتجهنا يا أبي ظهرت لنا
إحن يحرك جمرها الحساد
أو ما ترى من فوق كل ثنية
صنما يزيد غروره العباد
نصحوا على أصوات ألف مبشر
عزفوا لنا أوهامهم فأجادوا
جاءوا وسيف الجوع يخلع غمده
فشدوا بألحان الغذاء وجادوا
أما دعاة المسلمين فهمهم
أن تكثر الأموال والأولاد
هم في الخوالف حين ينطق مدفع
وإذا تحدث درهم رواد
أرأيت أظلم يا أبي من صاحب
تختال في أعماقه الأحقاد
يسعى ليبني بالخداع حياته
أرأيت صرحا في الهواء يشاد
أين الأحبة يا أبي أو ما دروا
أنَّا إلى ساح الفناء نقاد ؟
أو ما دروا كم دمية في أرضنا
تعلو وكم يزري بنا استعباد؟
أو ما لنا في المسلمين أحبة
فيهم من العوز المميت سداد؟
ما بال إخواننا استكانوا يا أبي
لا شامنا انتفضت ولا بغداد؟
قالوا الحياد وتلك أكبر كذبة
فحيادهم ألا يكون حياد
هذي بساتين الجنان تزينت
للخاطبين فأين من يرتاد؟
يا ويحنا ماذا أصاب رجالنا
أو مالنا سعد ولا مقداد؟
نامت ليالي الغافلين وليلنا
أرق يذيب قلوبنا وسهاد
سلت سيوف المعتدين وعربدت
وسيوفنا ضاقت بها الأغماد
هذا هو الأقصى يلوك جراحه
والمسلمون جموعهم آحاد
دمع اليتامى فيه شاهد ذلة
وسواد أعينهن فيه حداد
أواه يا أبتي على أمجادنا
يختال فوق رفاتها الجلاد
خمسون عاما أتخمت سنواتها
ذلا فكل زمانها إخلاد
ها نحن يا أبتي يسير وراءنا
ليل له فوق السواد سواد
ها نحن يا أبتي نبيت هنا ولا
طنب لخيمتنا ولا أوتاد
أهو القنوط يهد ركن عزيمتي
وبه ظلام مخاوفي يزداد
أهو القنوط فأين إيماني بمن
خلق الوجود وما له أنداد(48/80)
يا أمة ما زال يكتب نثرها
طه ويروي شعرها حماد
ويرتب الحلاج دفتر فكرها
ويقيم مأتم عرسها حداد(1)
ترعى حماها كل سائبة وفي
تمزيقها تتجمع الأضداد
تصغي لأغنية الهوى فنهارها
نوم ثقيل والمساء سفاد
أجدادنا كتبوا مآثر عزها
فمحا مآثر عزها الأحفاد
يا ليل أمتنا الطويل متى نرى
فجرا تغرد فوقه الأمجاد
ومتى نرى بوابة مفتوحة
للحق تقصر عندها الآماد
أنا يا أبي طفل و لكن همتي
فجر به يحلو لي استشهاد
لا تخش يا أبتي علي فربما
قامت على عزم الصغير بلاد
ولربما مات القوي بسيفه
وقضى على مال الغني كساد
في سيف عنترة الفوارس قوة
ما كان يعرف سرها شداد
قل لي بربك يا أبي هل ننزوي
خوفا فليس للعدو قياد
دعنا نسافر في دروب آبائنا
ولنا من الهمم العظيمة زاد
ميعادنا النصرالمبين فإن يكن
موت فعند إلهناالميعاد
دعنا نمت حتى ننال شهادة
فالموت في درب الهدى ميلاد
(1) الأسماء المذكورة رمز لهؤلاء : طه حسين ، حماد الراوية ، الحسين الحلاج ، سعد حداد ..(48/81)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> الأمل القادم
الأمل القادم
رقم القصيدة : 846
-----------------------------------
أنى تغيب ونور وجهك ساطع
وضباء حبك في الفؤاد رواجع
أنى تغيب وأنت في عيني ضحى
يزهو وبرق في خيالي لامع
أنى تغيب وأنت بين جوانحي
شمس وفي الظلماء بدر طالع
أنى تغيب وأنت ظل عندما
تشتد رمضائي إليه أسارع
حاصرتني في نصف دائرة الهوى
وأنا بحظي من حصارك قانع
من أين أخرج والسياج يحيط بي
من كل ناحية وأمرك قاطع
وأنا أقول لظبية الشعر التي
ربيتها إن المسافر راجع
يا ظبية الشعر اطمئني إنني
ما زلت في كتب الحنين أراجع
في القلب شيء قيل لي هو لوعة
وأنا أقول هو الحريق اللاذع
وبمقلتي نهر سينقص قدره
لو قلت هذي في العيون مدامع
وأمام أبواب المشاعر نبتة
في غصنها ثمر المودة طالع
يا ظبية الشعر المؤجج في دمي
تيهي فصيتك في فؤادي ذائع
عاقبتني لما شكوت وإنما
أشكو لأن الحق فينا ضائع
ولأن جدران الكرامة هدمت
في أمتي والذل فيها شائع
ولأنني أبصرت ثعبان الهوى
في نابه المشؤوم سم ناقع
ولأنني أبصرت ما لم تبصري
فهناك ذئب عند بابك قابع
إني أقول لمن يعاتبني أفق
فأنا بسيف الشعر عنك أقارع
أنظر إلى لون السلام وطعمه
مر مذاقته ولون فاقع
قالوا السلام أتى فتابعنا الذي
وصفوا فبان لنا الكلام الخادع
قلنا لهم أين السلام فما نرى
إلا أكف الواهمين تبايع
شتان بين مسالم ومتاجر
إن المتاجر للكرامة بائع
في كف داعية السلام مزاهر
وبكف تجار السلام مقامع
أرأيت في الدنيا سلاما عادلا
تدعو إليه قنابل ومدافع
إني لأخجل حين أضحك لاهيا
وقد ارتمى في الأرض طفل جائع
إني لأخجل حين أشغل بالهوى
وعفاف ليلى البسنوية دامع
إني لأخجل حين أبصر أمتي
تهفو إلى أعدائها وتوادع
ما زلت أدعوها ويجمد في فمي
صوت المحب ولا يجيب الخاضع
ما زلت أدعوها وألف حكاية
تروى عن الأهل الذين تقاطعوا
عن إخوة ركبوا الخلاف مطية
وإلى سراديب الشقاق تدافعوا(49/1)
يا أمة يسمو بها تاريخها
ويسوقها نحو الضياع الواقع
يا أمة تصغي إلى أهوائها
وتسد سمعا حين يصدع صادع
يا أمة ما زلت أسأل حالها
عنها فتنطق بالجواب فواجع
ما لي أراك فتحت أبواب الهوى
وقبلت ما يدعو إليه الطامع
يممت غربا والحقائق كلها
شرق وفي يدك الدواء الناجع
ما لي أراك مددت للمال الربا
جسرا وفي القرآن عنه قوارع
أنسيت حرب الله وهي رهيبة
أوما لديك من العقيدة رادع
أو غاية الإسلام عندك أن يرى
لك في الوجود معامل ومصانع
أنسيت أن الناس فيك معادن
أنسيت أن الأرض فيك مواضع
لا تخدعي بعض الوجوه قبيحة
وتزينها للناظرين براقع
وإذا أراد الله نزع ولاية
عمي البصير بها وصم السامع
يا أمتي عوتبتُ فيك وإنما
خشي المعاتب أن يسوء الطالع
قالوا تدافع بالقصائد قلت
بل بيقين قلبي عن حماك أدافع
شبت عن الطوق الحروف فما
بها حرف يزيف رؤيتي ويخادع
أسلمت للرحمن ناصيتي فما
تلهو القصائد أو يغيب الوازع
إني أتوق إلى انتصار عقيدة
فيها لأنهار النجاة منابع
قالوا : تروم المستحيل ؟ فقلت
بل وعد من الرحمن حق واقع
والله لو جرف العدو بيوتنا
ورمت بنا خلف المحيط زوابع
لظللت أؤمن أن أمتنا لها
يوم من الأمجاد أبيض ناصع
هذي حقائقنا وليست صورة
وهمية فيها العقول تنازع
أنا لن أمل من النداء فربما
أجدى نداء من فؤادي نابع
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> حوار في ساحة المطاف
حوار في ساحة المطاف
رقم القصيدة : 847
-----------------------------------
مرَّ عامٌ، أهكذا مرَّ عامُ
هكذا طوَّفتْ بنا الأيّامُ؟!
مرَّ عامٌ، كأنَّما مرَّ شهرٌ
عجباً، هل تلاشت الأعوامُ؟!
كيف صار المولود فينا رَضيعاً
ومتى حُقَّ للرضيع الفِطامُ؟
ومتى أصبح الفَطيم غُلاماً
ومتى جاوز البلوغَ الغُلامُ؟
ومتى أصبح الغُلام لدينا
رجلاً، تَحتفي به الأقلامُ؟
ثم أضحى شيخاً حنَتْه الليالي
فهو كالجذع مالَ منه القَوامُ
ليت شعري، أهكذا العمرُ يَمضي(49/2)
حين يمضي، وما يُحسُّ الأَنامُ؟؟
كنتُ في ساحةِ المطاف وقلبي
مُطمئنٌّ، والطَّائفون الْتِحَامُ
كنت في ساعةٍ، تحلِّق روحي
في مَداها، وتُشرق الأحلامُ
ها هنا تلتقي نفوسُ البَرايا
يافثٌ هاهُنا و حَامٌ و سَامُ
صورةُ الحجِّ لوحةٌ من جلالٍ
تتجلى فيها أمورٌ عظامُ
كنت أستوقف الخيالَ فيأبى
كيف باللهِ، يُوقَفُ الإلهامُ؟!
طافَ بي حينَها شعورٌ عجيبٌ
بسؤالٍ يُماطُ عنه اللِّثامُ
مَوْسِمَ الحجِّ، كيف عُدْتَ إِلينا
بعد شهرٍ، وَوَعْدُ لُقْياكَ عامُ؟
كنتَ بالأمس عندنا، دون شكٍ
نظري فيكَ دائماً لا يُضامُ
كنتَ بالأمس في المشاعر تمشي
في خشوعٍ، لباسُكَ الإِحرامُ
حولَك الناسُ بالأُلوفِ تلبِّي
فتجيب البِطَاحُ والآكامُ
كنتَ بالأمس في المقام تُصلِّي
لو سألنا، أجاب عنك المقامُ
كنتَ ترمي الجِمَارَ بعد زَوالٍ
للحصى، حينما رَمَيْتَ، ضِرامُ
كنتَ بالأمس في طوافِ وداعٍ
تسأل اللهَ أنْ يطيب الختامُ
أوَ ما بِتَّ في مِنَىً قبلَ شهرٍ
ودليلي على المبيتِ الخيامُ
أوَ ما كُنتَ في رُبَى عَرَفاتٍ
واقفاً، والجموعُ فيها قيامُ
أيّها الحَجُّ، كيف عُدْتَ، أَجبْني
قبل أنْ يُعجزَ اللِّسانَ الكلامُ؟
أنتَ رُكْنٌ مُخصّصٌ بزمانٍ
مثلما خُصَّ بالزمانِ الصِّيامُ
فلماذا أتيتنا بعد شهرٍ
قبل أنْ يتركَ العيونَ المَنام؟
مدَّ كفَّا إليَّ، يمسح رأسي
وعلى ثغره يلوح ابتسامُ
قال لي ضاحكاً : لقد مرَّ عامٌ
منذ ودَّعتكم، وأنتم نيامُ
ودليلي، هذي المشاعر تنمو
وعليها صَرْحُ العَطاءِ يُقام
كلَّ عام تمتدُّ فيها جسورٌ
ودروبٌ، بها تخفُّ الزِّحام
خدْمةٌ للحجيج تُسعد قلبي
واحتفاءٌ بشأنهم واهتمامُ
خَيْرُ هذي البقاع يَمْتَدُّ فوقي
كلَّ عامٍ، كما يُمَدُّ الغَمام
مَرَّ عامٌ على طوافِ وَدَاعي
حَدَثتْ فيه حادثاتٌ جِسَامُ
ودليلي تَجدُّدُ الجرحِ فيكم
والنفوسُ التي طَواها الحِمَامُ
والبيوتُ التي تُهدَّم ظُلْمَاً
والضحايا، والقتلُ، والإِجرامُ(49/3)
ودليلي انتفاضةٌ فجَّرَتْها
في فلسطينَ طفلةٌ وغُلامُ
والثَّكالى، قلوبهنَّ انكسارٌ
يتلظَّى ببؤسها الأَيتامُ
ودليلي الشيشانُ تُخْبِرُ عنها
كلَّ يومٍ أشلاؤها والحُطَامُ
ودليلي كشميرُ في القلب منها
حَسراتٌ، لهنَّ فيه احتدامُ
ودليلي العراقُ ما زال يبكي
ويُغنِّي بجرحه (صَدَّامُ)
لو سألنا بغدادَ عنه لقالتْ
صِحّةُ الاسم عندنا (هَدَّام)
ودليلي نهايةٌ لنظامٍ
عالميٍّ يَفرُّ منه النّظامُ
وانكشافُ الغطاءِ عَمَّا يُسمَّى
بسلامٍ، وليس فيه سَلاَمُ
مَرَّ عامٌ، لديَّ أَلْفُ دليلٍ
فلماذا تَسْتَغلِقُ الأَفهامُ؟
مرَّ عام شهوره ناطقاتٌ
ما بها لَكْنَةٌ ولا إِعجامُ
تُشرق الشمسُ فيه كلَّ صَباحٍ
ويُغطّيه في المساءِ الظلامُ
وَيَهُلُّ الهلالُ فيه، ويبقى
في نُموٍّ، حتى يكونَ التَّمَامُ
مرَّ عامٌ، هذي الحقيقةُ، لكنْ
أنتم الغافلون عمَّا يُرامُ
صار يُلهيكم التكاثُرُ حتى
فَرِحَ (القَسُّ) وانتشى (الحَاخامُ)
وبدا للبعيد منكم خضوعٌ
فرماكم، وطاوعتْه السِّهامُ
لم يُصِبْكم إلاَّ لأنَّ خُطاكم
وقفتْ حَيْثُ ساخت الأَقدامَ
وإذا نالت المذلَّةُ قوماً
طافَ أعداؤهم عليهم وحاموا
واستباحوا دَمَ الكرامةِ فيهم
ليت شعري متى يُفيق الكرامُ؟!
فلماذا تُخبِّئونَ رؤوساً
مثلما تدفن الرؤوسَ النَّعَامُ؟
موسمَ الحجِّ، يا حبيبَ قلوبٍ
صاغها من ضيائه الإِسلامُ
مرَّ عامٌ، نعم، ولكنَّ مثلي
في مَرامي سؤالهِ، لا يُلام
قَصُرتْ خُطْوَةُ الزَّمانِ وفينا
أيُّها الموسم الحبيب انهزامُ
أثقلتْنا بالهمِّ دُنيا، هَواها
طُحْلبيٌّ، والوَجْهُ منها جَهَامُ
بعضُنا لم يزلْ يُخادع بعضاً
ولكَم يَتْبَعُ الخداعَ انتقامُ
كلُّنا نعرف انتقاصَ اللَّيالي
وقليلٌ منَّا الذين استقاموا
كلُّنا، أيُّها الحبيبُ نُغنِّي
غيرَ ألحانِ مجدِنا، والسّلاَمُ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> من أعماق القلب
من أعماق القلب
رقم القصيدة : 848(49/4)
-----------------------------------
أختاه، دونك حاجز وستار
ولديك من صدق اليقين شعار
عودي إلى الرحمن عوْداً صادقاً
فيه يزول الشرّ والأشرارُ
وبه يعود إلى البلاد أمانُها
وبه يُفّكُ عن الخليج حصارُ
أختاه، دينُك منبع يروي به
قلب التقي وتشرق الأنوارُ
وتلاوة القرآن خير وسيلةٍ
للنصر، لا دفّ ولا مزمار
هو في احتدام القيظ ظلّ وارف
وإذا التوى وجه النهار دثارُ
ودعاؤك الميمون في جنح الدّجى
سهم تذوب أمامه الأخطار
الكون_ يا أختاه_ ليس قصيدة
منثورة، في لحنها استهتار
الكون ليس بما حوى ألعوبة
كلا، ولكن بالقضاء يُدار
يروي السياسيون ألف حكاية
وتسوق ما لم يعرفوا الأقدار
أختاه حولك روضة مخضرة
تختال فوق ربوعها الأشجار
نبع ونهر لا يجف مسيله
أبدا، وجذع شامخ وثمار
دين تهون به الخطو، وتزدهي
في ظله همم، ويمسح عار
ولديك يا أختاه منه ذخيرة
يحمى بها عرض، ويحفظ جار
ولديك تاريخ عريق شامخ
يحلو به للمؤمن استذكار
في منهج "الخنساء" درس فضيلة
وبمثله يسترشد الأخيار
أختاه، يصمد للحوادث مخلص
فيما يقول ويسقط السمسار
في كفك النشأ الذين بمثلهم
تصفو الحياة وتحفظ الآثار
هزي لهم جذع البطولة، ربما
أدمى وجوه الظالمين صغار
غذي صغارك بالعقيدة، إنها
زاد به يتزود الأبرار
لا تستجيبي للدعاوى، أنها
كذب وفيها للظنون مثار
إعلام هذا العصر شر ظاهر
فعلى يديه تزور الأخبار
وعلى يديه تشاع كل رذيلة
وعلى يديه تشوه الأفكار
وبه تشب النار يوقد جمرها
وبه يثار من الشكوك غبار
أختاه عين الفجر ترقب ما جرى
وغدا ستشرب نوره الأزهار
وسيحرق الليل الطويل ثيابه
ولسوف تهتك دونه الأستار
وسيكتب القمر المنير حكاية
عن حزنه وستفضح الأسرار
وستعزف الشمس المضيئة نورها
ولسوف تهدم عندها الأسوار
أختاه، كم من ظالم يبني له
ملكا، فيهدم ملكه القهار
أين الجبابرة الذين تسلطوا
ذهبوا، وظل الواحد الجبار
لا ترهبي التيار أنت قوية
بالله مهما استأسد التيار(49/5)
تبقى صروح الحق شامخة وان
أرغى وأزبد عندها الإعصار
إن البناء وإن تسامق واعتلى
ما لم يشيد بالتقى ينهار
قد يحصد الطغيان بعض ثماره
لكن عقبى الظالمين دمار
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> ساكنة القلب
ساكنة القلب
رقم القصيدة : 849
-----------------------------------
بين عينيك قطوف دانية
وغصون ترسم الظل..
على أطراف ثوب الرابية
أنت..
ما أنت سوى الغيث الذي يغسل وجه الدالية
أنت..
ما أنت سوى اللحن الذي يرسم ثغر القافية
أنت لفظ واحد في لغة الشوق محدد
أنت لفظ بارز ..
من كل أصناف الزيادات مجرد
أنت للشعر نغم
أنت فجر ..
يفرش النور على درب القلم
أنت .. ما أنت؟؟
شذا .. نفح خزامي يملأ النفس رضا
يمحو الألم
أنت ـ يا ساكنة القلب ـ لماذا تهجرين؟؟
ولماذا تسرقين الأمل المشرق من قلبي
وعني تهربين؟
ولماذا تسكتين؟
ولماذا تغمدين السيف في القلب الذي تمتلكين؟؟
ولماذا تطلقين السهم نحوي..
سهمك القاتل لا يقتلني وحدي..
فهل تنتحرين؟؟
مؤلم هذا السؤال المر ..
نار في قلوب العاشقين
فلماذا تهجرين؟؟
أنت..
من أنت؟؟
يد تفتح باب العافية
راحة تسمح عيني الباكية
وأنا..
طفل على باب الأماني ينتظر
شاعر يشرب كأس الحزن
يدعو يصطبر
أنا نهر الأمل الجاري الذي لا ينحسر
لم أحرك مقلة اليأس
ولم انظر بطرف منكسر
أنا ـ يا ساكنة القلب ـ الذي لا تجهلين
شاعر يمسح بالحب ..
دموع البائسين
شاعر يفتح في الصحراء دربا..
للحيارى التائهين
أنا ـ يا ساكنة القلب ـ الذي يفهم ما تعني الإشارة
أنا من لا يجعل الحب تجارة
أنا من لا يعبد المال . ولا يرضى بأن يخلع للمال إزاره
أنا من لا يبتني في موقع الذلة داره
أنا من لا يلبس الثوب لكي يخفي انكساره
أنا..
من لا ينكر الود
ولا يحرق أوراق العهود
ما لأشواقي حدود
لهفتي تبدأ من أعماق قلبي
وإلى قلبي تعود
راكض..
والأمل الباسم يطوي صفحة الكون
ويجتاز السدود
راكض. . اتبع ظلي ..
وأدوس الظل أحيانا..(49/6)
وأحياناً أرى ظلي ورائي تابعاً يمنح إصراري الوقود
لم أصل بعد..
ولم ألمس يد الشمس
ولم اسمع تسابيح الرعود
راكض..
مازلت أستشرف ما بعد الوجود
لم أزل أبحث عن حور..
وعن مجلس أنس بين جنات الخلود
لم أزل أهرب من عصري الذي يحرق كفيه..
ويرضى بالقيود
أنا ـ يا ساكنة القلب ـ فتى يهفو إلى رب ودود
لا تقولي: أنت من؟
ولماذا تكتب الشعر
وعمن..
ولمن؟؟
أنا كالطائر يحتاج إلى عش على كفّ فنن
حلمي يمتد من مكة ..
يجتاز حدود الأرض
يجتاز الزمن
حلمي يكسر جغرافية الأرض التي ترسم حداً للوطن
حلمي..
أكبر من آفاق هذا العصر
من صوت الطواغيت الذي يشعل نيران الفتن
حلم المسلم ـ يا ساكنة القلب ـ
كتاب الله, والسنة, والحق الذي..
يهدم جدران الإحن
أتقولين: لماذا تكتب الشعر وعمن ولمن؟؟
أكتب الشعر لعصر هجر الخير وللشر احتضن
أكتب الشعر لعصر كره العدل وبالظلم افتتن
أكتب الشعر لأن الشعر من قلبي
وقلبي فيه حب وشجن ..
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> نحن أدرى
نحن أدرى
رقم القصيدة : 850
-----------------------------------
أيها الحادي الذي يحدو القوافل
أنت ماضِ ، وجدير أن تواصل
أسمع الصحراء صوتاً أنجشياً
صافياً يلهبُ أخفاف الرواحل
وبه تمنحنا الراحة ظلاً
وبه تُطوى من الدرب المراحٍل
أيها الحادي ، أدرُ شدوك فينا
نغماً يوقظ أحلام الغوافل
صوتك العذب يُرينا كيف تهفو
مقل الرمل ، وأهدابُ المنازل
صوتك العذبُ غناء يتلاشى
عنده تغريد أصوات البلابل
كلما أنشدت لحناً ، خلت أني
أمسح النجم بأطرف الأنامل
وأناجي قمر الليل وأبني
فوقه صرحاً ، وأبراج فضائل
وأرى دائرة النور أمامى
غرةً بيضاء في جبهة صاهل
وأرى الأنجم عقداً لؤلؤياً
ما له في عالم الدر مماثل
أيها الحادي ، تألقت فرفقاً
بالقوارير وربات الخلاخل
خفف اللحن الذي أصبح سحراً
يتسامى وصفه عن سحر بابل
أيها الحادي على لحنك سارت
خيلنا الدهم الكريمات الأصائل
لم نزل نُركضها في خير أرض(49/7)
صانها الرحمن من ضرب الزلازل
لم نزل نسقي رمال البيد غيثاً
من سحاب ، عبرت عنه الجداول
لم نزل في رحلة الحب سوياً
نقطع البيد ونجتاز المجاهل
ربما يعذلنا من ليس منا
والفتى الواثق لا يخشى العواذل
نحن ما زلنا على درب هُدانا
نرشد الناس وندعو ونحاول
لا نبالي بخفافيش ظلام
بل نناديها وغيثُ الحب هاطل
يا خفافيش ظلام الليل ، إنا
قد عرفنا كل ما تُخفى الحواصل
عجباً كيف وهمتُم ، أنسيتم
أن بحر الوهم لا يلقاه ساحل؟
لجةً مظلمة يغرق فيها
كل مجنونٍ ومخدوع وعاطل
يا خفافيش ظلام الليل إنا
لم نزل نحمل في الليل المشاعل
ما وجدنا حيرة لما انطلقنا
بل عرفنا كيف نمضي ونواصل
نحن لم نجنح عن الحق ولكن
جنح الواهم واللص المخاتل
دارتِ الدنيا بنا حتى ثبتنا
وورثنا بالهدى مجد الأوائل
وعرفنا لغة التجديد لكن
دون أن نفقد روحا أو نجامل
أرضنا مهبط وحي الله فيها
جمع الإسلام أشتات القبائل
هذه كعبتنا مهوى قلوب
شوقها يغلي كما تغل المراجل
ركنها والحجر الأسود فيها
والمصلى والحمامات الزواجل
صورةً تختصرُ الكون وتمحو
من قلوب الناس آثار الغوائل
يا خفافيش ظلام الليل مهلاً
سرجكم في ساحة الميدان ما ئل
شرقوا أو غربوا إنا ورثنا
من تعاليم الهدى خير الشمائل
ورثنا من كتاب الله علماً
كل علم بعده تحصيل حاصل
ويلكم كيف نسيتم أن ديني
هو نبع الخير والأرض خمائل ؟
انما يحفظ حق الناس دين
يَرِدُ الناس به اصفى المناهل
وبه يحفظ حق لضعيفٍ
وبه يُطعمُ مسكين وعائل
وبه ترفع راياتُ بلادي
وبه تُعرف أحكام النوازل
إن من أعظم ما يرعى حقوقاً
لبني الإنسان ان يُقتل قاتل
ان ترى كفُّ الذي يسرق حدا
صارماً يحمي من اللص السنابل
أن يرى المجرمُ سيفاً حيدرياً
مشرقاً يلمع في قبضة عادل
أن ترى الأمة ما يحمي حماها
من هوى باغِ ومن زلة جاهل
أن يرى من يهتك الأعراض ظلما
كيف يحمي الرجمُ أعراض الحلائل
ان يرى من يقذف الناس بفحش
أن حد القذف يحمي عرضَ غافل(49/8)
في القصاص الأمنُ من سطوة باغ
وبه تُطفأ نيران القلاقل
صورة مُحكمة النسج ودين
واضح تسمو به الأرواح كامل
عجباً ممن يرى في التمر جمراً
ويساوي بين مجنون وعاقل
ويرى أن العصا مثل حسام
ويساوي بين سحبان وباًقل
كيف يرعى من حقوق الناس شيئاً
ومن يناديهم إلى وحل الرذائل؟
ويرى حرية الناس انحلالا
وانحرفا عن موازين الفضائل
عالم الغرب الذي يُطلق فينا
كل يوم صرخة من فم صائل
لم يزل يسبح في بحر المعاصي
وعلى شطآنه تجري المهازل
لم يزل ينهشنا لحماً وعظماً
ويُرينا كيف يجتز المفاصل
عالم الغرب اختراعات عقول
أصبحت في خالق الكون تجادل
يَزنُ الأمر بميزانين هذا
راجح في الوزن والآخر شائل
وكأن الهيئة الشمطاء فيهم
ناقة مسمولة العينين حائل
كيف نرجو من فتىً يأبى التزاما
بفروض الدين تطبيق النوافل؟
ما قلوب الناس إلا كبقاع
بعضها معشوشب والبعض قاحل
كم قلوب كزهور الروض حباً
وصفاء وقلوب كالجنادل
أيها الماضون في درب الدعاوى
دربنا يُسقى من الخير بوابل
نحن أدرى في مملكة أشرق فيها
فجر دين الله يجتاز الحوائل
نحن أدرى بحقوق الناس هذا
ديننا يدفع عنها ويناضل
ديننا للدين والدنيا نظام
جامع مستوعب للكون شامل
ديننا صرح من الخير متين
تتهاوى دونه اعتى المعاول
ديننا اثبت من قنَّة رضوى
كل دين غيره في الأرض باطل
راية التوحيد إعلان صريح
وجواب عندما يسأل سائل
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> حرقة
حرقة
رقم القصيدة : 851
-----------------------------------
أطرقت حتى ملني الإطراق
وبكيت حتى أحمرت الأحداقُ
سامرت نجم الليل حتى غاب عن
عيني وهد عزيمتي الإرهاقُ
يأتي الظلام وتنجلي أطرافه
عنا وما للنوم فيه مذاقُ
سهر يؤرقني ففي قلبي الأسى
يغلي وفي أهدابي الحراقُ
سيان عندي ليلنا ونهارنا
فالموج في بحريهما صفاقُ
قتل وتشريد وهتك محارم
فينا وكأس الحادثات دهاقُ
أنا قصة صاغ الأنين حروفها
ولها من الالم الدفين سياقُ(49/9)
أنا أيها الأحباب مسلمة لها
قلب إلى شرع الهدى تواقُ
حتى إذا انكشف الغطاء وغردت
آمالنا وبدا لنا الإشراقُ
وقف الصليب على الطريق فلا تسل
عما جناه القتل والإحراقُ
وحشية يقف الخيال أمامها
متضالا وتمجها الأذواقُ
أطفالنا ناموا على أحلامهم
وعلى لهيب القاذفات افاقوا
يبكون كلا بل بكت أعماقهم
ولقد تجود بدمعهم الأعماقُ
أوما يحركك الذي يجري لنا
أوما يثيرك جرحنا الدفاقُ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> عندما تبكي الفضيلة
عندما تبكي الفضيلة
رقم القصيدة : 852
-----------------------------------
أغلقت بابي ، من سيفتح بابي
ومن الذي يسعى إلى إغضابي
العالم المسحور جُمع ها هنا
في غرفتي واندس بين ثيابي
مابين آونةٍ وأخرى ألتقي
بقوام راقصةٍ ووجهِ كَعَابِ
وأزور باريس التي ما زرتها
وأزور لندن قِبلَةَ المتصابي
وأزور أمريكا التي أهديتها
بعد التحية صادقَ الإعجابِ
وأزورو هوليود التي رسمتْ لنا
صوراً تثير عواطفي ورغابي
ما الدين، مالخلُقُ الرفيع ومالذي
تتعلقون به من الأسبابِ
أتريدون مني بعد هذا ركعةً
تَنْدَى بذكر الخالقِ الوهاب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> نفحة من بستان الوحي
نفحة من بستان الوحي
رقم القصيدة : 853
-----------------------------------
قام فيها الصَّباحُ بعد المساءِ
فبنى فوقها حصون الضياءِ
وأدار السِّياج حول رُباها
فحماها من سَطْوةِ الدُّخلاءِ
ودعا نحوها السَّحاب فأعطى
ماءه صافياً بدون غثاءِ
وَحَبا الأمن للعصافير حتى
أمتعتْ روضَها بشدو الصفاءِ
لم يدعْها في غَيْهب الليل، لكنْ
سكب النورَ فوقَها من حراءِ
ودعاها إلى الشموخ فسارتْ
تتسامى بخاتم الأنبياءِ
لم يكنْ صوتُه سوى صوتِ حقّ
أسمع الغافلينَ أحلى نداءِ
حينَها ازدانتِ الجبالُ وأحيا
صوتُه العَذْبُ بَهْجَةَ الصحراءِ
حينَها صارت العقيدةُ أُماً
وأباً للعبيد والضعفاءِ
دارت الأرضُ دورةً أيقظتْها(49/10)
من سُباتِ الجهالةِ الجَهْلاءِ
واستدار التاريخُ لما رآنا
ننقش النور في يدِ الجوزاءِ
وانتشى المجدُ حين أصغى إلينا
نتحاكى بقصَّةِ الإسراءِ
كبرياءُ الطُّغاةِ ماتت لأنا
قد سجدنا لصاحب الكبرياءِ
ولأنَّ القرآن نَبعُ يقينٍ
ترتوي منه أنفسُ الأتقياءِ
حين تُتلى آياتُه يَتجلَّى
كلُّ معنىً من التُّقى والنَّقاءِ
تلتقي الأرضُ بالسماءِ لقاءً
لم تَر الأرضُ مثلَه من لقاءِ
رفع الناس من عبادةِ صخرِ
وترابٍ إلى مقام السَّماءِ
خرجوا من براثنِ الكفر لمَّا
بَدَأ المصطفى بكشف الغطاءِ
نشر الحبَّ فوقهم فاستظلُّوا
واستراحوا من قَسْوة الرَّمضاءِ
واستلذُّوا البلاءَ فيه احتساباً
إنَّ في الحقِّ لذَّةً للبلاءِ
مََنْ أبو جهلَ، مَنْ أميَّةُ إلاَّ
أنفسٌ غُذِّيت بشرِّ غذاءِ
صنعوا تمرَهم إلهاً أراقوا
عند رجليه دمعةَ استجداءِ
ثمَّ جاعوا فحوَّلوه طعاماً
فتأمَّل عبادةَ الأهواءِ
إنَّه الكفرُ يجعل الحرَّ عبداً
ويُريه الأَمام مثلَ الوراءِ
يا رياضَ القرآنِ فيكِ احتمينا
من لظى القيظ أو صقيع الشتاءِ
ووجدنا الأمانَ من كلَّ خوفٍ
ولقينا الشِّفاءَ من كلِّ داءِ
يا رياضَ القرآن، نهرُكِ يجري
صافياً في مشاعر الأَتقياءِ
لم يزلْ يمنح النُّفوسَ ارتقاءً
عن مَهاوي الرَّدَى وأيَّ ارتقاءِ
لم يزلْ يمنح الصدور انشراحاً
ويُريح القلوبَ بعد العَناءِ
يا أبا خالدٍ أرى النور يَهمي
صافياً، من تلاوة القرَّاءِ
إنَّه الوحي سرُّ كلِّ نجاحٍ
وفلاحٍ، ومُؤْنسُ الغرباءِ
حينما يلتقي كتابٌ كريمٌ
بسيوفٍ للحقِّ ذاتِ مَضاءِ
يصبح العدلُ منهجاً للبرايا
وغصوناً ممدودةَ الأَفياءِ
إنَّه الوحي، يصرف الشرَّ عنَّا
ويَقينا تسلُّط الأَعداءِ
يا أبا خالدٍ، أرى القدسَ تبكي
لها الحقُّ في شديد البكاءِ
كبَّلَ المعتدي يديها ونادى
كلَّ لص، وقال: هذا فنائي
فخذوا كلَّ ما أردتم وذوقوا
مُتْعة الشُرْب من دموع النساء
واستلذُّوا بقتل طفلٍ بريءٍ
وبما تشربونه من دماءِ(49/11)
أشعلوا بالرَّصاص ثوب فتاةٍ
سجنتْ فيه موجةَ الإغراءِ
وانثروا بالرَّصَاص جَبْهةَ شيخٍ
واستلذُّوا بمنظر الأَشلاءِ
إنَّه الغدر من سجايا يهودِ
منذ تاهوا في لجَّة الصحراءِ
حاجةُ القدس أنْ ترى جيشَ حقٍ
حافظاً للكتابِ صَلْبَ البناءِ
حين يتلو الأنفالَ يفتح منها
أَلْفَ بابٍ إلى طريق الفداءِ
يرفع الحقَّ في سراديب عصرٍ
لم يزلْ يستبيح كلَّ الْتواءِ
يا أبا خالدٍ، هنا البذلُ بَذْلٌ
وهنا يرتقي مقامُ العطاءِ
وهنا يصبح السَّخاءُ سخاءً
تتسامى به معاني السَّخاءِ
أنتَ أََجْرَيْتَ ها هنا نهرَ خيرٍ
وجزاء الرحمن خيرُ الجَزاءِ
إنَّ أقوى جيشٍ على الأرض جيشٌ
غُذِّيَتْ روحُه بوحي السَّماءِ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> خيام المبعدين
خيام المبعدين
رقم القصيدة : 854
-----------------------------------
مضى ليل وأعقبه الصباح
وما رحلت عن القلب الجراح
أرى عصفور أحلامي أمامي
وما غنى ولا خفق الجناح
أشاهد من وراء الغيب وجها
تجلى في ملامحه ارتياح
وأطمح للقاء به ولكن
متى هذا اللقاء به يتاح
كأني والقوافل ماضيات
طريد مات في فمه الصياح
تلفت يمنة فرأى سرابا
وعن يسراه وافاه النباح
فأرخى طرفه وبكى وأبكى
ودمع الحر في الشكوى مباح
وقفت على مشارف ذكرياتي
أراقب من غدوا عنا وراحوا
خيول الراحلين لها صهيل
وقد ضاقت بمن رحلوا البطاح
أسائلهم ولو نطقوا لقالوا
من الأحياء موتانا استراحوا
أرى نخل المشاعر باسقات
عليها من مهابتها وشاح
أراها لا عذوق لها ولكن
لها سعف تغاض به الرماح
وكيف تريد ثمرا من نخيل
إذا لم يجر في دمها اللقاح
تسائلني الحبيبة كيف أشدوا
بأحزاني أفي الحزن انشراح
فقلت لها لأن الحزن شعر
وبينهما انغلاق وانفتاح
وما كل الذين بكوا حزانى
وإن نطقوا بشكواهم وباحوا
بكاء البلبل الشادي غناء
وشدو حمائم الدوح النواح
ولو أني أبوح بما أعاني
لما وفى الأساس ولا الصحاح
رأيت المبعدين ولو رآهم
كرؤيتنا لأنجدهم صلاح(49/12)
لدى رابين مدفأة وبيت
يظلله وريحان وراح
وحراس يروح بهم ويغدو
وساحات ممهدة فساح
وهم فوق الجليد ولا قريب
يناصرهم ولا أمل متاح
إذا سكنوا الخيام شكوا صقيعا
وتلطمهم إذا خرجوا الرياح
أحبتنا لكم منا سلام ، لكم
من بلبل الشوق الصداح
لكم من وزن شعري ما تساما
ومن ألفاظه الغرر الفصاح
رأيناكم فما للحزن حد
ولا للهيبه عنا براح
على أحزاننا نمسي ومنها
كون إذا بدا الفجر (الصباح)
تراكم أمتي بعيون حيرى
يعطلها عن السير الكساح
تتوق شعوبها للذود عنكم
ولكن ما بأيدهم سلاح
شعوب تكره الباغي ولكن
من الحكام للباغي السماح
تسائلني فلسطين المآسي
وقد دارت بحسرتها القداح
متى تصحو ربوعي ذات يوم
على صوت يُفك به السراح
متى أصحو على تكبير جند
وتهليل يطيب به الكفاح
حبيبتنا اعذرينا إن فينا خضوعا
لا يروق له (اقتماح)
تصاغ من السلام لنا دعاوى
وفي الأقصى ولبنان اجتياح
إذا باع الفتى للوهم عقلا
ففكرته التي ولدت سفاح
ولولا أن في الدنيا انتكاسا
لما عشقت مسيلمةً سجاح
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> مأزر الإيمان
مأزر الإيمان
رقم القصيدة : 855
-----------------------------------
هل أنت في حلم يمر سريعا
لما دعاك إليه جئت مطيعا
هذي أمامك طيبة ورحابها
قد بوركت في العالمين ربوعا
هذي المدينة قد تألق فوقها
تاج يرصع بالهدى ترصيعا
هذي سقيفتها تلوح أمامنا
فنرى بها شمل الرجال جميعا
هي مأرز الإيمان في الزمن الذي
يشكو بناء المكرمات صدوعا
هذا قباء ، أما رأيت البدر في
ساحاته لما استتم طلوعا
أوما تشاهد روضة من جنة
مخضرة أوما تحس خشوعا
أوما ترى جذع اليقين قد ازدهى
وامتد عبر الكائنات فروعا
أوما تشم المسك في أرجائها
أوما تشاهد خندقا وبقيعا
مالي أراك وقفت وحدك جامدا
ما بال عينك لا تفيض دموعا
هذا هو الوادي المبارك لم يزل
في الحب في زمن الجفاف ربيعا
هذا هو الجبل الأشم كأنه
يصغي ليسمع شعرك المطبوعا
أحد يحب رسولنا ونحبه(49/13)
ما زال رمزا للوفاء بديعا
ما أنت في حلم فهذي طيبة
قد أوقدت للتائهين شموعا
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> إجلس يا رامي
إجلس يا رامي
رقم القصيدة : 856
-----------------------------------
يا رامي إجلس يا ولدي
وتجنَّب قصفهم الدَّامي
يا رامي اجلس من خلفي
وتترس منهم بعظامي
اجلس يا ولدي من خلفي
لا تنهض فالموت أمامي
طلقات رصاص يا ويحي
إلصق في ظهري يا رامي
طلقات رصاص يا ويحي
ادخل في جسمي يا رامي
احذر فالأرض بما صنعوا
تتزلزل تحت الأقدام
طلقات رصاص يا أبتي
أُسكت يا ولدي يا رامي
أفديك بروحي يا أبتي
أُسكت يا ولدي يا رامي
أحميك بجسمي يا أبتي
أسكت فالله هو الحامي
احذر يا ولدي قد فتحوا
رشاش الحقد المتنامي
طلقات رصاص صرخات
ترسم خارطة الآلام
طلقات رصاص وسكون
يتحدَّث عن موت غُلام
طلقات رصاص ما بالي
لا أسمع صوتك يا رامي
يا فرحة عمري يا ولدي
يا سرّ صفائي يا رامي
ما بالُ يديك قد ارتختا
ما بالك تجمد يا رامي
قل لي يا ولدي حدثني
بالغ في شتمي وخصامي
لكن يا ولدي لا تسكت
لا تقتل زهرة أحلامي
أنفاسك يا رامي سكنت
سكنت أنفاسك يا رامي
هل مات حبيبي هل طويت
صفحته قبل الإتمام
يا أهل النَّخوة من قومي
من يمن العرب إلى الشامِ
يا أهل صلاة وخشوع
يا أهل لباس الإحرام
يا كلّ أب يرحم ابناً
يا كلّ رجال الإسلام
يا أهل الأبواق أجيبوا
يا أهل السَّبق الإعلامي
يا هيئة أمم مقعدة
تشكو آلاف الأورامِ
يا مجلس خوف أحسبه
أصبح مأجور الأقلامِ
يا أهل العولمة الكبرى
يا أخلص جندالحاخامِ
يا من سطرتم مأساتي
ورفعتم شأن الأقزامِ
يا أهل النّخوة في الدنيا
أولستم أنصار سلام ؟
أسلام أن تسرق أرضي
أن يقتل في حضني رامي ؟
ما بالي يتلاشى صوتي
لم أبصر جبهة مقدامِ
طلقات رصاص أشلاءٌ
نارٌ كالحة الإضرامِ
طلقات رصاص صُبُّوها
إن شئتم في قلبي الدامي
صبُّوها في هامة رأسي
وجميع عروقي وعظامي
فالآن تساوت في نظري
أوصاف ضياءٍ و ظلامِ(49/14)
والآن تشابه في سمعي
صوت الرشاش وأنغامي
والآن سيمكث في قلبي
لن يرحل من قلبي رامي
لن أنسى نظرته العطشى
لن أنسى مبسمه الدّامي
لن أنسى الخوف يعلّقه
بذراعي اليمنى وحزامي
حاولت استجداء الباغي
وبعثت نداء استرحام
لكنِّ نداءاتي اصطدمت
بجمود قلوب الأصنام
هل قتلوا رامي ؟ ما قتلوا
فحبيبي مصدر إلهامي
مازال حبيبي يتبعني
ويسير ورائي و أمامي
سأجهز إخوته حتى
يتألَّق فجرُ الإسلام !
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> شاهد التاريخ
شاهد التاريخ
رقم القصيدة : 857
-----------------------------------
اسقني من ماءِ نَهرِ الكوثرِ
شَربَةً تغسل عني كدري
وانطلق بي في ميادين الهدى
بحصانِ المكرُمَاتِ العبقري
لا تدعني واقفاً وحدي على
مركب الحُزنِ الذي لم يَعبُرِ
لا تدعني خائفاً من حُلُمي
ساهراً، همِّي يُغذِّي سهري
أرقبُ النجمَ الذي أَثكله
في دُجَى الظلماءِ، فَقدُ القمر
اسقني ياحارسَ النَّبع ولا
تَبقَ مثلَ الآدِبِ المُنتَقِرِ
فأنا أحمل قلباً خافقاً
بوفاءٍ نادرٍ في البشَرِ
هذه كفّي التي صافحَها
موسمُ الخصب بكفِّ المَطَرِ
مدَّها نحوَك حُبٌّ صادقٌ
فَلتُصافحها بروح الزَّهَرِ
أَسأَلُ الأَمجادَ عن تاريخنا
فتُريني منه أَبهَى الصُّوَر
وتُريني لوحةً مشرقةً
نُقِشَت فيها أَجَلُّ العِبَرِ
وتُريني صورةَ المجد التي
برزت في البيتِ عند الحجرِ
وتُريني المسجدَ الأقصى الذي
ظلَّ يروي خبراً عن خَبَرِ
صامداً في رحلة الحق التي
حفظت هذا البناءَ الأَثَريِ
ثابتاً كالجبل الضَّخم الذي
واجهَ الأزَمانَ لم يندحرِ
عالياً كالكوكب الدُّريِّ في
سُبُحاتِ الأُفُقِ المزدهرِ
كابتهاج الشمس في رَأدِ الضُّحَى
في نهار الأَمَلِ المنتظَرِ
أيُّها المسجدُ، ما زلنا نرى
شاهدَ التاريخ فوقَ المنبرِ
أنتَ أقصى أيُّها المسجدُ في
داخلِ القلبِ عميقُ الأَثَرِ
لم تزل تُلقي علينا خُطبةً
لَفظُها الصادقُ لم ينحدرِ
أيُّها الناسُ اسمعوني إنني(49/15)
سوف استنهضكم بالنُّذُرِ
أبحرت بي سُفُنُ الأيام في
لُجَّةٍ ممزوجةٍ بالَخطَر
كان للأمواج فيها قصصٌ
أسهبت فيها ولم تختصرِ
كم رأت عينايَ من جيلٍ مضى
وطوى أيَّامَه في سَفَرِ
هكذا الدنيا، كما جرَّبتُها
طولُ ما فيها شديدُ القِصَرِ
أيُّها الناسُ اسمعوا، إني أرى
نارَ حربٍ قذفت بالشَّرَرِ
وأرى قَلبَ اليهوديِّ الذي
لم يزل يعكس معنى سَقَرِ
وأرى خُطَّةَ حَربِ، ربما
سبقت كلَّ لبيبٍ حَذِرِ
وأرى دائرةً مُحكَمَةً
لم تزل واقفةً لم تَدُرِ
ربما دارت بنا نَحوَ الرَّدَى
لو رضينا بحياةِ الخَدَرِ
أيُّها الناسُ أفيقوا، واذكروا
صورةَ ابنِ العَلقميِّ الأَشِرِ
واذكروا بغدادَ كيف احترقت
حين كانت هَجَماتُ التَّتَرِ
واذكروا دَورَةَ أيامِ الأسى
كيف ساقَتنا إلى المنحدَرِ
واسألوا الأندلُسَ المفقودَ عن
طائر العزم الذي لم يَطِرِ
أيُّها الناسُ، أنا مسجدكم
مسجدُ المَسرَى لخير البَشَرِ
مرَّتِ الأحداثُ بي داميةً
فأنا في وَردِها والصَّدَرِ
فلكم ذقتُ الأسى بعد الأسى
من خياناتِ الصَّليبِ القَذِرِ
يالَها من ظُلمةٍ حالكةٍ
سوَّدَت وجه المدى في نظري
ضاقَ بي الأَرحَبُ حتى خِلتُني
لن أذوق الصَّفوَ بعد الكَدَرِ
وطواني البُؤسُ حتى هزَّني
ذلك الشَّهمُ الأَبيُّ العبقري
أرسل النورَ إلى أروقتي
وبغيث الحقِّ روَّى شجري
ما صلاحُ الدين إلا فارسٌ
شدَّ من أزري وجلَّى بصري
قادني والليل مسكوبٌ على
ساحتي والموجُ لم ينحسر
غسل الشاطىءَ من أدرانه
ورمى نحوي بأغلى الدُّرَرِ
وأراني بسمةً مشرقةً
وصفاءً في جبين القمرِ
ليت أيَّامي هنا قد وقفت
عند رُمحِ الفارسِ المنتصرِ
ليتَها، لكنَّها أُمنيَّةٌ
قتلتها غَدرَةٌ من غُدَرِ
وَعدُ بِلفُورَ الذي صيَّرني
كسبايا الفُرسِ عند الخَزَرِ
أيُّها الناسُ أَفيقوا، وارحموا
أمَلاً في قلبيَ المُنصَهِرِ
ما يَهودُ الغَدر إلا أَنفسٌ
غُمِسَت في حقدها المُستَعِرِ
لم أزل أشربُ كأساً مُرَّةً
من رزاياهم وأشكو ضَجَري(49/16)
سلبوني نعمةَ الأمن التي
حفظت قدري وصانت جوهري
زرعوا هَيكَلَهم قنبلةً
فاحذروا من صوتها المُنفجرِ
ما يَهودُ الغدر إلَّا عُملَةٌ
نُقِشَت فيها حروفُ البَطَرِ
عُملَةٌ زائفةٌ، قيمتُها
في تضاعيف الرِّبا والمَيسِرِ
إن مضى قِردٌ، فقردٌ قادمٌ
وخَبَال الرَّأي للمنتظر
ما لكم يا قوم، هل ترجون من
قاتلِ الأطفالِ حُسنَ المَعشَرِ؟!
آهِ من أمَّتنا ما لبثَت
تخسر المجدَ، كأن لم تَخسَرِ
كسَدَت سوق الدَّعاوى حَولَها
وهي في سوق الدَّعاوى تشتري
أزهرت كلُّ الرُّبَى من حولها
وهي في جَدب الأسى لم تُزهِرِ
لم تزل تستنجدُ الغَربَ، وهل
عندَه إلاَّ جنونُ البَقَرِ
كيف ترجو من سرابٍ كاذبٍ
شَربَةً للظامىء، المُحتضِرِ؟؟!
مسجدُ الاقصى أنا، أُخبركم
أنني لا أَنثني للخطر
منهج الإسلام عندي واضحٌ
فبه أسمو عن المنحَدَرِ
وبه أسلك دَربَ المجد، لا
اشتكي من شوكه والحُفَرِ
صاحبي منكم، هو الشَّهمُ الذي
يجعل الغُصنَ قريبَ الثَّمَرِ
صاحبي منكم هو الحادي الذي
يُسمع القُدسَ نشيد الظَّفَرِ
صاحبي، مَن لايُريني غَفلَةً
ويُريني جَبهةَ المنكسرِ
صاحبي مَن يحمل القرآن في
قلبه يكسر بابَ الضَّجَرِ
صاحبي طفلٌ أَبيٌّ لم يَزَل
يُسمع الدنيا غناءَ الحَجَرِ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> بوح
بوح
رقم القصيدة : 858
-----------------------------------
إلهى من سناك قبستُ نوري
وأنبت المحبة في ضميري
أعوذ بنور وجهك يا إلهي
من البلوى ومن سوء المصير
أفرُ إليك من نكدي ويأسي
ومن عفن الضلالة في شعوري
فقيراً جئت بابك يا إلاهي
ولستُ إلى عبادك بالفقير
غنى عنهمو بيقين قلبي
وأطمع منك في الفضل الكبير
إلهي ما سألت سواك عوناً
فحسبي العون من رب قدير
إلهي ما سألت سواك عفواً
فحسبي العون من ربق غفور
إلهي ما سألت سواك هديا
فحسبي الهدي من رب بصير
إذا لم أستعن بك يا إلهي
فمن عوني سواك ومن مجيري
إليك رفعتُ يا ربي دعائي
أجود عليه بالدمع الغزير(49/17)
لأشكو غربتي في ظل عصر
ينكس رأسه بين العصور
أرى فيه العداوة بين قومي
وأسمع فيه أبواق الشرور
وألمح عزة الأعداد حولي
وقومي ، ذلهم يُدمي شعوري
أرى في كل ناحية سؤالاً
ملحتاً ، والحقيقة في نفوري
وأسمع في فم الأقصى نداءً
ولكن العزائم في فتور
إلهي ما يئسنا إذ شكونا
فإن اليأس يفتكُ بالضمير
لنا يا رب إيمان يرينا
جلال السير في الدرب العسير
تضيق بنا الحياة وحين نهفو
إلى نجواك نحظى بالسرور
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> لغة الحجارة
لغة الحجارة
رقم القصيدة : 859
-----------------------------------
أبتاه ما زالت جراحي تنزفُ
والليل أعمى والمدافع تقصفُ
بيني وبين مطامحي ألف يد
هذي تريق دمي وهذي تغرفُ
ليل التخاذل سيطرت ظلماته
والقلب بالهمّ الثقيل مغلفُ
وتثائب الصمت الطويل ومقلتي
ترنو الى الافق البعيد وتذرفُ
وأمام باب الدار يرقبني الردى
وعلى النوافذ ما يخيف ويرجفُ
من أين أخرج يا أبي والى متى
أحيا على خدر الوعود وأضعفُ
نشقى وتجار الحروب قلوبهم
بلقاء من شربوا دمي تتشرفُ
ويسومنا الاعداء شر عذابهم
فإلى متى لعدوّنا نتلطف ؟
ها نحن يا أبتي نعيد لقومنا
شرف الدفاع عن الحمى ونشرّفُ
طال انتظار صغاركم فتحركوا
لما رأو أن الكبار توقفوا
وتلفتوا نحو السلاح فما رأوا
إلا الحصى من حولهم تتلهف
عزفوا بها لحن البطولة والحصى
في كف من يأبى المذلة تعزف
هذي الحجارة يا أبي لغة لنا
لما رأينا أننا لا ننصف
لما رأينا أن حاخاماتهم
يتلاعبون بنا فيرضى الأسقف
لما رأينا أن أمتنا على
أرض الخلاف قطارها متوقف
ماذا نؤمل يا أبي من فاسق
يلهو ومن متدين يتطرف ؟
جيش الحجارة يا أبي متقدم
والمعتدي بسلاحه متخلف
أنا لا أتوق الى الفناء وإنما
موت الكريم على الشهادة أشرف
بيني وبين حصى بلادي موعد
ما كان يعرفه العدو المرجف
يتعوذ الرشاش من طلقاتها
ويفر منها المستبد الأجوف
لغة الحجارة يا أبي ، رسمت لنا
وعد الإباء ووعدها لا يخلف(49/18)
وغدت تنادينا نداء صادقا
وفؤادها من ضعفنا يتألف
لا تألفوا هذا الركون الى العدا
فالمرء مشدود الى ما يألف
هزوا سيوف الحق في زمن على
كتفيه من ظلم العدا ما يجحف
عفواً أبي فقصائدي مجروحة
تشكو معانيها وتبكي الأحرف
وقلوبنا مشحونة باليأس في
زمن يداس به الضعيف ويجرف
يتطلع الاقصى اليّ وحوله
عين تراقبه وسمع مرهف
ويد مجمدة على الرشاش لم
تغسل بماء منذ ساء الموقف
في وجه صاحبها نفور صارخ
وعلامة للغدر ليست توصف
هذا هو الاقصى وطائر مجده
يشدوا بألحان الهدى ويرفرف
تتحلق الاعوام في ساحاته
حِلَقاً تسبّح للإله وتهتف
ويقبّل التاريخ ظاهر كفه
وبثوبه جسد العلا يتلحف
واليوم يرقبنا بطرف ساهر
ويداه من هول المصيبة ترجف
ما زال يدعو يا أبي وفؤاده
من كل معنى للتخاذل يأنف
يا أمة ما زلت أنشد مجدها
شعراً يطاوعني صداه ويسعف
المجد مجدك إنما أزرى به
راع يتيه وعالم يتزلّف
وشبيبة هجرت مبادئ دينها
وغدت لأفكار العدا تتلقّف
يا زورق أحلام في بحر الأسى
هذي يدي رغم القيود تجدف
وبوارج الأعداء تختزن الردى
ربّانها متطاول متعجرف
واجهت يا أبتي الخطوب وعدتي
قلب عصاميّ وحسٌ مرهف
وتوجهٌ لله يجعل هامتي
أعلى ، وإن جار الطغاة وأسرفوا
أبتاه لن يحمي حمى أوطاننا
إلا حسام لا يُفلّ ومصحفُ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> في خيمة الحب
في خيمة الحب
رقم القصيدة : 860
-----------------------------------
شعري وحبي فيكَ يلتقيانِ
وعلى المسير إليكَ يتَّفقانِ
فتحا ليَ الباب الكبيرَ وعندما
فَتحا رأيتُ خمائلَ البستانِ
ورأيتُ نَبعاً صافياً وحديقةً
محفوفةً بالشِّيحِ والرَّيحانِ
ورأيتُ فيها للخُزامى قصةً
تُروَى موثَّقةً إلى الحَوذانِ
ودخلتُ عالمَكَ الجميلَ فما رأت
عينايَ إلاَّ دَوحةَ القرآنِ
تمتدُّ فوق السالكين ظِلالُها
فيرون حُسنَ تشابُكِ الأغصانِ
ورأيتُ بستانَ الحديثِ ثمارُه
تُجنى لطالب علمِه المتفاني
ورأيتُ واحات القصيم فما رأت(49/19)
عينايَ إلاّ منزلي ومكاني
لما دخلتُ رأيتُ وجهَ عُنيزةٍ
كالبدر ليلَ تمامِه يلقاني
ورأيتُ مسجدَها الكبيرَ وإِنما
أبصرتُ صرحاً ثابتَ الأركانِ
ورأيتُ محراباً تزيَّنَ بالتُّقى
وبصدق موعظةٍ وحُسنِ بيانِ
وسمعتُ تكبير المؤذِّن إنني
لأُحبُّ صوتَ مؤذِّنٍ وأذانِ
الله أكبر تصغر الدنيا إذا
رُفعت وتكبرُ ساحةُ الإيمانِ
الله أكبر عندها يَهمي النَّدَى
ويطيب معنى الحبِّ في الوجدانِ
يا شيخُ قد ركضت إليكَ قصيدتي
بحروفها الخضراءِ والأوزانِ
في ركضها صُوَرٌ من الحبِّ الذي
يرقى بأنفسنا عن الأضغانِ
في خيمة الحبِّ التقينا مثلما
تلقى منابعَ ضَوئها العينانِ
يا شيخ هذا نَهرُ حبي لم يزل
يجري إليكَ معطَّرَ الجَرَيانِ
ينساب من نَبع المودَّةِ والرِّضا
ويزفُّ روحَ الخصب للكثبانِ
حبٌّ يميِّزه الشعور بأننا
نرقى برُتبَتِه إلى الإحسانِ
والحبُّ يسمو بالنفوس إذا غدا
نبراسَها في طاعة الرحمنِ
هذي فتاواكَ التي أرسلتَها
لتضيءَ ذهنَ السائلِ الحيرانِ
فيها اجتهدتَ وحَسبُ مثلكَ أن يُرى
منه اجتهادٌ واضح البرهانِ
فَلأَنتَ بين الأجر والأَجرين في
خيرٍ من المولى ورفعةِ شانِ
يحدوك إيمانٌ بأصدقِ ملَّةٍ
كَمُلَت بها إشراقةُ الأَديانِ
فَتوَاكَ ترفُل في ثيابِ أَمانةٍ
وتواضُعٍ للخالق الديَّانِ
فَتواكَ ترحل من ربوع بلادنا
عَبرَ الأثيرِ مضيئةَ العنوانِ
سارت بها الرَّكبانُ من يَمَنٍ إلى
شامٍ .. إلى هِندٍ إلى إيرانِ
وصلت إلى أفريقيا بجنوبها
وشمالها .. ومضت إلى البلقانِ
ومن الولايات البعيدة أبحرت
من بَعدِ أوروبا إلى الشيشانِ
فَتواكَ نورٌ في زمانٍ أُلبِسَت
فيه الفتاوى صِبغَةَ الهَذَيانِ
وغَدَا شِعارُ اللَّابسين مُسُوحَها
فَتوايَ أمنحُها لمن أعطاني
يا ويلهم دخلوا من الباب الذي
يُفضي بداخله إلى الخُسرانِ
يا شيخُ ما أنتم لأمتنا سوى
نَبعٍ يُزيل غشاوةَ الظمآنِ
علَّمتمونا كيف نجعل همَّنا
في خدمة الأرواحِ لا الأبدانِ
علَّمتمونا كيف نُحسن ظنَّنا(49/20)
بالله في سرٍّ وفي إعلانِ
علَّمتمونا أنَّ وَعيَ عقولنا
يسمو بنا عن رُتبَةِ الحَيَوانِ
يا شيخَنا أَبشر .. فعلمكُ واحة ٌ
فيها ثمارٌ للعلومِ دَوانِ
حَلَقاتُ مسجدك الكريمِ منارةٌ
للعلم تمسحُ ظُلمَةَ الأَذهانِ
بينَ الحديثِ وبينَ آي كتابنا
تمضي بكَ السَّاعاتُ دونَ تَوَانِ
وعلوم شرع الله خيرُ رسالةٍ
في الأرض ترفع قيمة الإنسانِ
يا شيخَنا دعواتُنا مبذولةٌ
رُفِعت بها نحو السَّماءِ يَدَانِ
نرجو لكم أجرا وسابغَ صحَّةٍ
وسعادةً بالعفو والغفرانِ
يا شيخُ لا والله ما اضطربت على
ثغري حروفي أو لَوَيتُ لساني
هو حبُّنا في الله أَثمَرَ غُصنُه
شعراً يبثُّ كوامنَ الوُجدانِ
هذا بناءُ الخير أنتَ بَنَيتَه
وعلامةُ التوفيق في البنيانِ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> تسولي
تسولي
رقم القصيدة : 861
-----------------------------------
ما أنت الا مثلٌ من شعبكِ المرحل
مدي يديكِ .. أطلبي لا تخجلي
فربماوجدت كفنا لزوجك المجندلِ
وربما وجدت كسرة من خبزكِ المفضلِ
وربما وجدتِ رقعةٌ لثوبكِ المهلهلِ
وربما وجدتِ آثراً من بيتكِ المزلزلِ
لا تقلقي من رؤية الطائرة المحلقة
وثورة القنبلة المحرقة
لا تقلقي من صحفٌ مأجورةٌ ملفقة
ان هدموا منزلكِ الصغير فاسكتي
لا تصرخي ولا تعاتبي ولا تبكتي
فربما أصبحتي في قائمة الارهاب
اذا صرختي او بكيتي او بالغتي في العتاب
تسولي ياأختنا تسولي
لا تشتكي ولا تولولي
فعندك الرصيف خير منزلِ..نعم
ففي الرصيف راحة من مطبخ وغرفه وغرسة ومكتل
هم يرسمون ياأخيتي وجة الطريق الامثل
فلا تولولي .. لا تغضبي
فانهم لم يقصدوا ان يهدموا البيوت والمساجد
لم يقصدوا ان ينثروا أشلاء ركعٌ وساجدِ
قد يخطىْ الطيار يا اخيتي
وتخطىْ المقاصدِ
وربما ينحرف الصاروخ او يعاندِ
وربما تدحرجت قنبلة بريئة
وأشعلت بيوتكم أجزاؤها المضيئة
وأحدثت مالم يكن في الخطة الجريئة
تسولي يا أختنا تسولي
فحربهم تلاحق الجناة في الجبال(49/21)
لم يقصدوا ان يقتلوا الاطفالِ
اطفالكم هم الذين ضيقوا المجالِ
فانهم هداهم الالة يلعبون
ويسرحون في ربوعكم ويمرحون
هم يخرجون لحظة الزلزال
يواجهون القصف والاهوال
كم يخطىء الاطفال يا أخيتي
تسولي يا أختنا تسولي
فحربهم تريد ان تزيل عنكم الشقاء
>
لم يقصدوا ان يقتلوا الشيوخ والنساء
شيوخكم قد اخطأوا
وأخطأت نساؤكم فكلكم خطاء
لانكم هداكم الالة تخرجون في العراء
وتهربون حينما تمطركم قنابل الوفاء
نعم قنابل الوفاء
اليس يرمي قبلها او بعدها الغذاء ؟؟
كم يخطىء الشيوخ يا أخيتي وتخطىء النساء
تسولي .. يا أختنا تسولي
لابأس ان يموت طفلك الصغير
وان يموت جده الكبير
وان يئن قلبك الكسير
وان تشب في دياركم السعير
لابأس ان تضربكم طائرة تغير
قائدها يمسك علبة عصير
جهازها يرقب في جبالكم تحرك الخيول والحمير
لانها وسيلة لنقلكم خطيرة
تحملكم ظهورها في الطرق العسير
هداكم الالة يا أخيتي
فعندكم أسلحةٌ مثيرة
لابأس ان يراقبوا مسيرة الحمارة الثيثة
وحركات القطة الغثيثة
فربما تطلق من اذنها بودرة للجمرة الخبيثة
تسولي .. يا أختنا تسولي
فربما تسللت من أرضكم فراشة
عنيفة قوية الهشاشة
وقطعت مسافة تقصر او تطول
وحينما تحقق الوصول
تفجرت في برجهم والناس في ذهول
ألستِ ياأخيتي في عصرنا العجيب ؟؟
بعقلةِ وفكرةِ الغريب
فربما تحولت فراشةٌ من أرضكم صغيرة
وأصبحت طائرةٌ كبيرة
واصطدمت ببرجِهم وأوقدت سعيرة
وأصبحت فراشةالارهابِ جديرةٌ بالضرب والعقاب
تسولي .. يا أختنا تسولي
فربما وجدت عابراً يمد كف مفضلِ
لا تشتكي ,,!!
أتشكين المر يا اخيتي الى نبات حنظل ؟؟
أتشكين هدم منزلِ الى ضمير معولِ
لاتشتكي ورددي أدعية وحوقلي
وسبحي وهللي وأبشري
فالليل مهما طال سوف ينجلى ؟؟؟
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> الأقصى
الأقصى
رقم القصيدة : 862
-----------------------------------
قُطع الطريقُ عليّ يا أحبابي
ووقفتُ بين مكابر ومحابي(49/22)
ذكرى احتراقي ما تزالُ حكاية
تُروى لكم مبتورة الأسبابِ
في كل عامٍ تقرؤون فصولَها
لكنكم لا تمنعون جَنابي
أوَ ما سمعتم ما تقول مآذني
عنها ، وما يُدلي به محرابي؟
أوَ ما قرأتم في ملامح صخرتي
ما سطّرته معاولُ الإرهابِ؟
أوَ ما رأيتم خنجرَ البغي الذي
غرسته كفُّ الغدر بين قِبَابي؟
أخَواي في البلد الحرامِ وطيبةٍ
يترقبانِ على الطريقِ إيابي
يتساءلان متى الرجوع إليهما
يا ليتني أسطيعُ ردّ جوابِ
وَأنا هُنا في قبضة وحشيّة
يقف اليهوديُّ العنيدُ ببابي
في كفّه الرشاش يُلقي نظرة
نارية مسمومةَ الأهدابِ
يرمي به صَدرَ المصلّي كلُما
وافى إليّ مطهّرَ الأثوابِ
وإذا رأى في ساحتي متوجّهاً
للهِ ، أغلقَ دونَه أبوابي
يا ليتني أستطيعُ أن ألقاهما
وأرى رحابَهما تضمُّ رحابي
أَوَلستُ ثالثَ مسجدينِ إليهما
شدّتْ رِحالُ المسلم الأوّابِ؟
أوَ لم أكن مهدَ النبوّاتِ التي
فتحت نوافذَ حكمةٍ وصوابِ؟
أوَ لم أكن معراجَ خير مبلّغٍ
عن ربّه للناس خيرَ كتابِ ؟
أنا مسجد الإسراء أفخرُ أنني
شاهدتُه في جيْئة وذَهابِ
يا ويحكم يا مسلمون ، كانّما
عَقِمَتْ كرامتكم عن الإنجابِ
وكأنَّ مأساتي تزيدُ خضوعكم
ونكوص همّتكم على الأعقابِ
وكأنّ ظُلْمَ المعتدين يسرُّكم
وكأنّكم تستحسنون عذابي
غيّبتموني في سراديب الأسى
يا ويلَ قلبي من أشدّ غيابِ
عهدي بشدْو بلابلي يسري إلى
قلبي ، فكيف غدا نعيقَ غُرابِ ؟!
وهلال مئذنتي يعانق ماعلا
من أنجمِ وكواكبٍ وسحابِ
أفتأذنون لغاصبٍ متطاولٍ
أنْ يدفن العلياء تحت ترابي؟!
يا مسلمون ، إلى متى يبقى لكم
رَجعُ الصدى، وحُثالةُ الأكوابِ ؟؟
يا مسلمون ، أما لديكم هِمّة
تجتاز بالإيمان كلّ حجابِ ؟؟
أنا ثالث البيتين هل أدركتمو
أبعادَ سرّ تواصُل الأقطابِ؟!
إني رأيتُ عيونَ من ضحكوا لكم
وأنا الخبيرُ بها ، عيونَ ذئابِ
هم صافحوكم والدماءُ خضابُهم
وا حرّ قلبي من أعزّ خَضَابِ
هذي دماءُ مناضلٍ ، ومنافحٍ
عن عرضه ، ومقاوم وثّابِ(49/23)
ودماءُ شيخٍ كان يحملُ مصحفاً
يتلو خواتَم سورة الأحزابِ
ودماءُ طفلٍ كان يسألُ أمّهُ
عن سرّ قتل أبيه عندَ البابِ
إني لأخشى أن تروا في كفّ مَن
صافحتموه ، سنابلَ الإغضابِ
هم قدّموا حطباً لموقد ناركم
وتظاهروا بعداوة الحطّابِ
عجَباً أيرعى للسلام عهوده
مَنْ كان معتاداً على الإرهابِ؟؟
من مسجد الإسراء أدعوكم إلى
سفْرِ الزمان ودفتر الأحقابِ
فعلّكم تجدون في صفحاتهِ
ما قلتُهُ ، وتُثمّنون خطابي
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> بين الهوى والعقل
بين الهوى والعقل
رقم القصيدة : 863
-----------------------------------
قالت أيسمو الشعر في
دنياك عن أوصافنا؟
ويعز يا من تنسج الأشـ
ـواق عن أشواقنا؟
يا شاعر الآهات لم نسمـ
ـمع حديث غرامنا؟!
تشدو به فيذيب بالأ
لحان مُرّ جراحنا
أنسيت أيام الرضى؟
ونسيت عذب كلامنا؟
أنسيت ترنيم القصا
ئد في ربوع صفئنا؟
******
فأجبتها - متلطفا -
حقا ذكرت ولا عليك
فلكم ركضت وراء
أحلامي لألمح مقلتيك
فلقد أرى في الهدب
رسم بشائر مما لديك
والقلب - يا من تعتبين
عليّ- كم يرنو إليك
ويغار - لا تستنكري ما
قلت - حتى من يديك
لما تلامس يا فتاة
الحسن وردة وجنتيك
******
لكنني بشريعتي
أحيا على درب اليقين
أنا لاأدافع حين أنشد
عن قلوب الوالهين
فقلوب أهل الشعر لا
تخشى الصبابة والأنين
والقلب حين تناله الأشـ
ـواق يحرقه الحنين
أناعاشق للقمة الشمـ
ـاء للحبل المتين
لكتابي السامي ويكفيـ
ـني به شرفا ودين
******
فتراجعت والأدمع
الخجلى على وجناتها
وعيونها الكحلاء تنظـ
ـر في سجل حياتها
رسمت أمامي صورة
الآلام من زفراتها
وتكلمت والصدق يسبقـ
ـها إلى كلماتها:
أنعم بقصدك فاسم
للعلياء من طرقاتها
وارحم مشاعر أمة
تبكي على فلذاتها
******
إنا سنعلنها فما نهـ
ـوى الشباب التائهين
نهوى شبابا أريحيا
يرتدي ثوب القين
ويرد عن أوطانه بالعـ
ـزم كيد الخائينين
نهوى شبابا شاعريّ الحـ
ـس موفور الحنين(49/24)
متوقد العزمات ذا شـ
ـرف وذا خلق ودين
يعلو بدين الله في
صف الرجال الخالدين
******
ومضت وفي عينيّ أشتـ
ـات من الصور العجيبة
قلبي يهيم بها وعقلي
قد سما عن كل ريبة
وظللت يصرع فكري
السامي أماني الغريبة
ومشاعر الإيمان تسقي
ارض أحلامي الخصيبة
فمضيت أدعو أمتي
لترد أوطاني السليبة
يا أمتي ... سيري ، فكـ
ـأس النصر دانية قريبة
شعراء مصر والسودان >> محمد الفيتوري >> من أغاني إفريقيا
من أغاني إفريقيا
رقم القصيدة : 874
-----------------------------------
يا أخي في الشرق ، في كل سكن
يا أخي فى الأرض ، فى كل وطن
أنا أدعوك .. فهل تعرفنى ؟
يا أخاأعرفه .. رغم المحن
إنني مزقتأكفان الدجى
إننى هدمت جدرانالوهن
لم أعد مقبرة تحكى البلى
لم أعد ساقية تبكى الدمن
لم أعد عبد قيودى
لم أعد عبد ماض هرم عبد وثن
أنا حى خالد رغم الردى
أنا حر رغم قضبان الزمن
فاستمعلى .. استمع لى
إنما أذن الجيفة صماء الأذن
إن نكن سرنا على
الشوك سنينا
ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا عراة جائعينا
أو نكن عشنا حفاة بائيسنا
إن تكن قد أوهت الفأس قوانا
فوقفنا نتحدى الساقطينا
إن يكن سخرنا جلادنا
فبنينا لأمانينا سجونا
ورفعناه على أعناقنا ولثمنا قدميه خاشعينا
وملأنا كأسه من دمنا
فتساقانا جراحا وأنينا
وجعلنا حجر القصر رؤوسا ونقشناه جفونا وعيونا
فلقد ثرنا على أنفسنا ومحونا وصمة الذلة فينا
الملايين افاقت من كراها ما تراها
ملأ الأفق صداها
خرجت تبحث عن تاريخها
بعد ان تاهت على الأرض وتاها
حملت فؤسها وانحدرت
من روابيها وأغوار قراها..!
فانظر الإصرار فى أعينها وصباح البعث
يجتاح الجباها
يا أخى فى كل أرض عريت من ضياها
وتغطت بدماها
يا اخى فى كل ارض وجمت شفتاها
واكفهرت مقلتاها
قم تحرر من توابيت الأسى
لست اعجوبتها
أو مومياها انطلق
فوق ضحاها ومساها
شعراء مصر والسودان >> محمد الفيتوري >> طفل الحجارة
طفل الحجارة(49/25)
رقم القصيدة : 875
-----------------------------------
ليس طفلا ذلك القادم فى أزمنة
الموتى الهىّ الأشارة
ليس طفلاً وحجاره
ليس بوقاً من نحاس ورماد
ليس طوقاً حول أعناق الطواويس محّلى بالسواد
انه طقس حضارة
انه العصر يغطى عريه فى ظل موسيقى الحداد
ليس طفلاً ذلك الخارج من قبعه الخاخام
من قوس الهزائم
انه العدل الذى يكبر فى صمت الجرائم
انه التاريخ مسقوفاً بازهار الجماجم
انه روح فلسطين المقاوم
انه الأرض التى لم تخن الأرض
وخانتها الطرابيش
وخاننتها العمائم
انه الحق الذى لم يخن الحق
وخانته الحكومات
وخانته المحاكم
***
فانتزع نفسك من نفسك
واشعل أيها الزيت الفلسطينى أقمارك
وأحضن ذاتك الكبرى وقاوم
وأضىء نافذة البحر على البحر
وقل للموج ان الموج قادم
ليس طفلاً ذلك القادم
فى عاصفة الثلج وأمواج الضباب
ليس طفلاً قط فى هذا العذاب
صدئت نجمة هذا الوطن المحتل فى مسراك
من باب لباب
مثل شحاذ تقوست طويلاً فى أقاليم الضباب
وكزنجى من الماضى تسمرت وراء الليل
مثقوب الحجاب
***
ليس طفلاً يتلهى عابثاً
فى لعبة الكون المحطّم
أنت فى سنبلة النار وفى البرق الملثم
كان مقدوراً لأزهار ك وجه الأعمدة
ولأغصانك سقف الأمم المتحدة
ولأحجارك بهو الأوجه المرتعده
***
ليس طفلاً
هكذا تولد فى العصر اليهودى وتستغرق
فى الحلم أمامهْ
عاريا الأّ من القدس ومن زيتونه
الأقصى وناقوس القيامه
شفقياً وشفيفاً كغمامة
واحتفالياً كأكفان شهيد
وفدائياً من الجرح البعيد
ولقد تصلبك النازية السوداء فى
أقبية العصر الجديد
فعلى من غرسوا عينيه بالقضبان أن
لا يتألم
وعلى من شهد المأساةَ
أن لا يتكلم
شعراء مصر والسودان >> محمد الفيتوري >> قصيدة الرياح
قصيدة الرياح
رقم القصيدة : 876
-----------------------------------
رُبَّمَا لمْ تَزَلْ تلكم الأرض
تسكن صورتها الفلكية
لكن شيئاً على سطحها قدْ تكسَّر
رُبَّمَا ظل بستانُ صيفك
أبْيضَ في العواصف
لكنَّ بْرقَ العواصف(49/26)
خلف سياجكَ أحْمر
رُبَّمَا كانَ طقسُك ، ناراً مُجوسِيَّةً
في شتاءِ النعاس الذي لا يُفَسَّرْ
رُبَّما كُنْتَ أَصغر
ممَّا رَأَتْ فيكَ تلك النبواءتُ
أَو كنتَ أكْبَرْ
غير أنك تجهل أَنَّك شَاهِدُ عَصْرٍ عتيقْ
وأن نَيازِكَ مِنْ بشرٍ تتحدَّى السماء
وأن مَدَارَ النجوم تغير!!
هَاقَدْ انطفأتْ شرفاتُ السِّنين
الْشِعَّةُ بالسِّحْرِ واللُّؤْلؤ الزَليِّ
وَأَسْدَلَ قصْرُ الملائكة المنشِدينَ سَتائِرِهُ
وكأنَّ يَداً ضَخْمَةً نسجت
أُفقاً مِنْ شرايينها
في الفضَاءِ السَّدِيمىّ
هَا قَدْ تداخَلَتْ اللُّغَةُ الْمُستحِيلةُ
في جَدضل الشمْسِ وَالظّثلمَات
كأنَّ أصابعَ مِنْ ذَهبٍ تَتَلَمَّسُ
عبر ثقوب التضاريس
إيقَاعَهَا
تَلِْكُمْ الكائِنَاتُ التي تتضوَّعُ في صَمِتَها
لم تُغَادِرُ بَكاراتَها في الصَّبَاح
وَلَمْ تشتعل كرة الثَّلْجُ بَعْد...!
فَأَيَّةُ مُعْجِزَةٍ في يَدَيْك
وَأَيَّةُ عَاصَفَةٍ في نَهَارِكْ
((إنِّي رأيتُ سُقُوطَ الآله
الذي كانَ في بُخارِسْت
كما لوْ بُرْجُ إيفل في ذات يَوْمٍ
كما لوْ طغَى نَهْرُ السِّين
فوْقَ حوائطِ باريسْ
كانَ حَرِيقُ الإله الذي
مَاتَ في بُوخَارِسْتَ عَظيماً
وَكانَ الرَّمادُ عَظِيماً
وَسَالَ دَم'' بَارد'' في التُّرَابْ
وَأُوصِدَ بَابْ
وَوُرِبَ بَابْ
وَلكنَّ ثَمَّةَ في بوخارِسْت بلادي أنَا
لا تزولُ الطَّواغِيتْ
أَقْنِعَة'' تشرِكُ الله في خَلقه
فهي ليستْ تشيخ
وليْسَتْ تَمُوتْ!
وَقَائمةُ هي ، باسم القضيَّة
وَْأَنْظِمةِ الخطب المِنْبَريَّة
وَحَامِلة'' هى ، سِرَّ الرِّسَالةُ
وَشَمْسَ العدالةْ
وَقَادِرة'' هي ، تَمْسَخُ رُوحَ الجمالْ
ولا تعرف الحقَّ
أو تعرف العدل
أوْ تَرِفُ الاسِتقَاله
وفي بوخارسْت بلادي
أَزْمِنَة'ة تكنِزُ الفَقْرَ خَلفَ خَزَائِنِها
وَسُكون'' جَرِيحْ
وَأَشبَاحُ مَوْتَى مِنَ الجُوع
تخضرُّ سيقانهم في الرمالْ
وتَيْبَسُ ثُمَّ تقِيحْ!
وَمَجْد'' من الكبرياءِ الذليلة(49/27)
وَالْكذِب العربيِّ الفصيحْ
((كأنّك لمْ تأتِ إلاَّ لِكيْ تُشعِلَ النَّارَ
في حطب الشَّرقِ وَحْدك
في حطب الشرقِ وَحْدَكَ
تَأْتِي..
وَشَمْسُكَ زَيُتُونَة''
وَالبَنَفْسَجُ إكليلُ غَارك
ولا شيء في كُتبِ الغَيْبِ غَيرُ قَرَارِكْ))
((إنِّي رَأيتُ رِجَالاً
بَنَوْا مِنْ حِجَارة تارِيِخهِمْ وطناً
فَوْقَ حائِط بَرْلين
وَانْحَفَرُوا فيه
ثم تَوَارَواْ وَرَاءَ السِّنين
لكيْ لا يُنَكِّس رَايَتَهُ المَجْدُ يوماً
على قُبَبِ الميِتِّينْ
وكيلاَ تَدُورَ على الأَرْضِ
نَافَورَةُ الدم والياسمين!))
وفي بُوخَارِسْتَ التي
سَكَبَتْ رُوحَهَا فيك
وَازْدَهَرَتْ في نُقوش إزارِكْ
في بُوخارِسْتَ انتظَارِكْ
سماء'' تكادُ تَسيل احْمِرَاراً
وَأيدٍ مُقَوِّسَة'' تَتَعانَقُ خَلْفَ الغيومْ
وَآجُرَّةُ مِنْ تُرابِ النُّجُومْ
تَظَل تُبعثِرُهَا الرِّيحُ
خَلْفَ مَدَارِكْ!
شعراء مصر والسودان >> محمد الفيتوري >> التراب المقدس
التراب المقدس
رقم القصيدة : 877
-----------------------------------
وَسِّدْ الآنَ رَأْسَكَ
فَوْقَ التُّرَابِ المقدَّس
وَاركَعْ طويلاً لَدَى حَافَةِ النَّهْرِ
ثَمَّةَ من سَكَنَتْ رُوحُهُ شَجَرَ النِّيلِ
أَوْدَخَلتْ في الدُّجَى الأَبنوسيّ
أَوْخَبَّأَتْ ذَاتَها في نُقُوشِ التَّضَارِيس
ثَمَّةَ مَن لَامَسَتْ شَفَتَاهُ
القرابِينَ قَبْلَكْ
مَمْلكةُ الزُّرْقَةِ الوثنيِة...
قَبْلكَ
عاصِفَةُ اللَّحَظاتِ البطيئِة..
قَبْلكْ
يا أيُّها الطيْفُ مُنْفلِتاً مِنْ عُصُورِ الرَّتَا بِةِ والمسْخِ
مَاذا وراءك
في كتب الرمل؟
ماذا أمامك؟
في كتب الغيم
إلاّ الشموس التي هبطت في المحيطات
والكائنات التى انحدرت في الظّلام
و امتلاُؤك بالدَّمْع
حتَّى تراكمت تحت تُراب الكلام
****
وسد الآن راسك
متعبة'' هذه الرأس
مُتعبة''..
مثلما اضطربت نجمة'' في مداراتها
أمس قد مَرّ طاغية'' من هنا
نافخاً بُوقه تَحت أَقواسها
وانتهى حيثُ مَرّ(49/28)
كان سقف رَصَاصٍ ثقيلاً
تهالك فوق المدينة والنّاس
كان الدّمامة في الكون
والجوع في الأرض
والقهر في الناس
قد مرّ طاغيةُ من هُنا ذات ليل
أَتى فوق دبّابةٍ
وتسلَّق مجداً
وحاصر شعباً
غاص في جسمه
ثم هام بعيداً
ونصَّب من نفسه للفجيعة رَبَّا
****
وسد الآن رأسك
غيم الحقيقة دَربُ ضيائك
رجعُ التَّرانيم نَبعُ بُكائك
يا جرس الصَّدفاتِ البعيدة
في حفلة النَّوْء
يشتاقك الحرس الواقفون
بأسيافهم وبيارقهم
فوق سور المدينة
والقبة المستديرة في ساحة الشَّمس
والغيمةُ الذَّهبيَّةُ
سابحة في الشِّتَاءِ الرمادي
والأفق الأرجوانى والارصفة
ورؤوس ملوك مرصعة بالأساطير
والشعر
والعاصفة
***
أمس جئت غريباً
وأمس مضيت غريباً
وها أنْتَ ذا حيثما أنت
تأتي غريباً
وتمضي غريباً
تُحدَّق فيك وجوه الدُّخَانِ
وتدنو قليلاً
وتنأى قليلا
وتهوى البروق عليك
وتجمد في فجوات القناع يداك
وتسأل طاحونةُ الرِّيح عَنك
كأنك لم تكُ يوماً هناك
كأن لم تكُنْ قطُّ يوماً هنالك
***
وَسِّد الآن راسك
في البدء كان السُكُونُ الجليل
وفي الغد كان اشتعالُك
وسد الآن رأسك
كان احتجابُك
كان غيابُك
كان اكتمالك
***
وسد الآن راسك
هذا هو النهر تغزلهُ مرتين
وتنقضه مرتين
وهذا العذاب جمالُك
شعراء مصر والسودان >> محمد الفيتوري >> رؤيا
رؤيا
رقم القصيدة : 878
-----------------------------------
خارجاً من دمائك
تبحث عن وطن فيك
مستغرق في الدموع
وطن ربما ضعيت خوفاً عليه
وأمعنت في التِّيه.كى لا يضيع
أهو تلك الطقوس؟
!التي ألأبستك طحالِبها في عصور الصقيع
أهُوتلك المدائن؟
تعشق زوارها ، ثم تصلبهم فى خشوع
أهو تلك الشموس ؟
التي هجعت فيك
حالمة بمجىءِ الربيع
أهُو أَنت؟
وقد أبصرتك العيون
!وَأبصرتها في ضباب الشموع
***
خارجاً من غيابك
لا قمر في الغياب
ولا مطر في الحضور
مثلما أنت في حفلة العُرس والموت
لا شىْ إلا أنتظار مرير
وانحناء'' حزين على حافة الشعر
في ليل هذا الشتاء الكبير(49/29)
ترقب الأفق المتداخل
في أفُقٍ لم يزال عابراً في الأثير
رُبَّما لم تكن
ربما كنت في نحلة الماء
أو يرقات الجذور
ربما كان أجمل
!لو أطبقت راحتاك على باقةٍ من زهور
شعراء مصر والسودان >> محمد الفيتوري >> هوانا
هوانا
رقم القصيدة : 879
-----------------------------------
الهوى كل هوى دون هوانا
نحن من أشعلت الشمس يدانا
والخُطى مهاتناءت أودنت
فهى في دورتها رجع خطانا
واذا التاريخُ أغنى أُمَّةً
بشهيدً فأُلوف شهدانا
واذا الثورة كانت بطلاً
يطأُ الموت ويحتلّث الزمانا
فلنا في كُلِّ جيل بطل''
مجدهُ يحتضن المجد أحتضانا
عرب'' نحن .. وهذا دمنا
يتحدى في فلسطين الهوانا
عرب رايتُنَا وحدتنا
حلقت صقرا وحطت في سمانا
عرب'' .. لا أمضُغُ الملح ، ولا
أكسر السيف بعينيّ مُهُانا
فأنا أعرف أنَّ الروح من
روحنا نحن..وأن الكون كانا
وأنا أعرف أن الشمس في غيبة
ثم تعود الدورانا
والمخاضاتُ عذاب..
ولقد تلدُ الأرحامُ وَحلاً واحتقانا
وأنا أعرفُ أني أُمَّةُ
هي عند الله أعلى صولجانا
وأنا أركضُ فى بسُتانها
خيلاءً..وأغُنىَّ المهرجانا
وأسألوُا التاريخ عنها
ينتفض كلُّ عرق عربي عُنفُوانا
***
***
أه يا ذاكرة الأرض
لكم ثقُلتْ أقدامُهم فوق ثرانا
والدُّجى كان بطيئاً
والأسى كان مُرًّا رَشَفَتُه شفتانا
شعراء مصر والسودان >> محمد الفيتوري >> المتنبي
المتنبي
رقم القصيدة : 880
-----------------------------------
يَمُرُّ غَيْركَ فِيهَا مُحْتضرُ
لا برق يخطف عينيه ولا مطر
وأنت.. لا أسألأُ التاريخ عن هرمٍ
في ظلِّه قمم التاريخ تنتظر
عن عاشق في الذُّرى..
لم تكتمل أبداً
إلا على صدره الآيات والسور
عن الذي كان عصرا شامخا
ويدداً تشد عصرا اليها
وهو ينحدر
يمر غيرك
بعض العابريت على بطونهم
يثقلون الأرض إن عبروا
كمثل من أبصرت عيناك
ثم نأت عيناك عنهم
فلا غابوا.. ولا حضروا
وبعضهم أنت تدري
ان شعرك لو لم يلق ضوءاً
على أيامهم غبروا(49/30)
كانوا ملوكا على أرض ممزقة
يجوع فوق ثراها النبت والبشر
كانوا ملوكا مماليكا
وأعظمهم تحت السموات
من في ظللك استتروا
***
ورحت تنفخ فيهم منك
ترفعهم ، فيسقط البعض
أو تبنى ..فينكسر
أردت تخلق أبطالاً ، تعيد بهم
عصر النبوة والرؤيا ، فما قدروا
هتفت : ياعمر
مكتوب لك العمر
وليس ينقص فيك الجهد والسهر
وإنما تنقص الاعمار في وطن
يغتاله القهر، أو يغتاله الخطر
!وقلت..
والشاهدان ، اللّيل والسفر
وشغلة في مدار الكون تستعر
هذي الطيور التي احمرت مخاليبها
فوق الصخور لنا
ولتستح الحفر
وسرت غضبان في التاريخ
لا عنق إلأ ومنك على طياته أثر
تصفو ، وتجفو
وتستعلي ، وتبتدر
وتستفز ، وتستثنى ، وتحتقر
هذا زمانك
لا هذا زمانُهم
فأنت معنى وُجُودٍ ليس ينحصر
في كل أرض وطئتها أمم
تُرعى بعيدٍ كأنها غنم
وإنما الناس بالمملوك
وما تصلح عرب ملوكها عجم
وتكفهر على مرآتك الصُّوَرُ
!أتعقم الأ{ض؟ هذي الأم
أيُ دجى هذا الذي في عُيون الناس ينتشر
وينحني شجر الأيام
والغضب القدسي يغدُو انكسارات
وينحسر
***
فلتسمع النُصُبُ الجوفاء والأُطُرُ
هذى الأغاني البواكي في فمي نذر
إذا تساقط في أيامهم علمُُ
فأن أعلام من يأتي ستنتصر
وإن يخن خائن فالارض واحدة
برغم من خان .. والآلأم مُخْتبرُ
***
وقلت بغداد
يا بغدادُ أيُّ فتى كان الفتَى
وهو في عينيك يزدهر
أنت التي اخترته للعشق
كان إذا رآكِ في لهب الأحداث
ينفجر
ويحرث الأرض كالمجنون
يحرثها براحتين هما الإحباط والظفر
أقل مجك أن الفاتحين وقد
جاءوا غُزاةًَ على أبوابك انكسروا
وبعض مجدي ، أنَّ الكون لي فلكُُ
شعري وأنت عليه : الشمس والقمر
بغدادُ.. أشأمتُ مشدوداً إليك
ويا شام الهوى أنا في العاقُول أنتظر
ويا حدائق كافور القديم
سوى تلك الثمار التي حُمِّلتها الثَّمرُ
**
الله.. يا كم تغرّبنا
وكم بلغت منا الهموم
كما لم يبلغ الكبر
فإن أكُن أمس قد غازلت أُمنيةً
حيث آستوى الصمتُ
أو حيث استوى الضّجر(49/31)
فالمجد أعظم ايقاعاً
وَربَّ دمٍ يمشي حزيناً
ويمشي إثرهُ القَدَرُ
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> كيف أنساك يا أبي
كيف أنساك يا أبي
رقم القصيدة : 885
-----------------------------------
أيّ ذكرى تعودُ لي بعد عامٍ
لم تزل فيه نازفاتٍ جراحي
أيّ شهرٍ، ربيعُ عمري ولّى
فيه، وارتاح في ضلوعي التياحي
أيّ خطبٍ مروّعٍ كنت أخشا
هُ فأبلى عزمي وفلّ سلاحي
أيّ يتمٍ أذلّ كبرَ أنيني
وأراني دجن المسا في صباحي
أيّ يومٍ ودّعتُ فيه حبيبي
ثم أسلمتُ مهجتي للنّواح
إنه يوم ميتتي قبل موتي
واختلاجُ الضياء في مصباحي
إنه يومُ من تمنيتُ لو ظلّ
قريباً من هينمات صُداحي
إنه يومُ فيصلٍ خرّ فيه الـ
ـطّودُ لله ساجداً، غير صاح
يوم من كان للوجود وجوداً
عامراً بالتّقى وكلّ الصلاح
ليتني كنتُ فديةً للذي ما
تَ، فماتت من بعده أفراحي
***
"فيصلي" يا مهنداً ما أحبّ الـ
ـغمدَ، يوماً، ولا ارتوي من طماح
يا حساماً في قبضة الحقّ والإيـ
ـمان سَلّت شباهُ أعظمُ راح
راحُ "عبد العزيز" ملحمةُ العز
وأسطورة العُلى والكفاح
كيف أرثيك يا أبي بالقوافي
وقوافيّ قاصراتُ الجناح
كيف أبكيك والخلودُ التقى فيـ
ـك شهيداً مجسّماً للفلاح
كيف تعلو ابتسامةُ الصفو ثغري
كيف تحلو الحياةُ للمُلتاح
كيف لا أحسبُ الوجود جحيماً
يحتويني في جيئتي ورواحي
كيف أقوى على احتباس دموعي
وأنا لا أخاف فيك اللاّحي
كيف أنساك يا أبي .. كيف يمحو
من خيالي خيالك الحُلْوَ ماح
ليس لي والذهول أمسى نديمي
والأسى رغم وأده فضاحي
غيرُ ربّي أرجوه مدّيَ بالصبـ
ـر، ولقياكَ في الجنان الفساح
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> من أجل عينيك
من أجل عينيك
رقم القصيدة : 886
-----------------------------------
من أجل عينيك عشقتُ الهوى
بعد زمانٍ كنتُ فيه الخَلِي
وأصبحتْ عيناي بعد الكرى
تقول للتسهيدِ لا ترحل
وكنتُ لا ألوي على فتنةٍ
يحملها غضّ الصّبا المقبل
حتى إذا طارحتني نظرةً(49/32)
حالمةً من طرفك الأكحل
أحسستُ وقد النار في أضلعي
كأنها قامت على مِرجل
وجمّل الدنيا على ما بها
دفقُ سنّى من حسنك الأمثل
***
يا فاتناً لولاه ما هزّني
وجدٌ.. ولا طعم الهوى طاب لي
يا من على أقدامه بعثرت
غلائلٌ من ظله المخملي
إذا رنا فالزهرُ من حوله
موجُ طيوبٍ سال كالجدول
وإن شدا أصغتْ إليه الدنُّا
إصغاءة الإصباحِ للبلبل
وإن مشى كان السّها ركبةُ
عبر نجومٍ شعشعت من عل
هذا فؤادي فامتلك أمرَهُ
واظلمهُ .. إن أحببت .. أو فاعدِل
بخلتُ قبل اليوم عن بذله
وفي سوى قلبي لم أبخل
لأنني أخشى انعدام الوفا
لدى حبيبٍ فيّ .. لم يشغل
وأكره التسيار في روضةٍ
إن لم يكن خطوي في الأوّل
لكنني .. بعدك يا فاتني
أصبحتُ عن كبري في معزل
وبات قلبي بعد تيهِ الهوى
أسيرَ حبّ في هواك ابتُلي
كل الذي يرجوه من عمرهِ
رجعُ صدىً من شدوكَ المرسل
لو شُغِلَ الناسُ بما في الدّنا
لم يُعْنَ إلا بكَ، أو يُشغَل
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> ثورة الشك
ثورة الشك
رقم القصيدة : 887
-----------------------------------
أكاد أشك في نفسي لاني
أكاد أشك فيك وانت مني
يقول الناس إنك خنت عهدي
ولم تحفظ هواي ولم تصني
وانت مناي أجمعها مشت بي
إليك خطى الشباب المطمئن
وقد كان الشباب لغير عود
يولي عن فتى في غير أمن
وها أنا فاتني القدر الموالي
باحلام الشباب ولم يفتني
كان صباي قد ردت رواه
على جفني المسهد أو كأني
يكذب فيك كل الناس قلبي
وتسمع فيك كل الناس أذني
وكم طافت علي ظلال شك
أقضت مضجعي واستبعدتني
كأني طاف بي ركب الليالي
يحدث عنك في الدنيا وعني
علي اني اغالط فيك سمعي
وتبصر فيك غير الشك عيني
وما أنا بالمصدق فيك قولا
ولكني شقيت بحسن ظني
وبي مما يساورني كثير
من الشجن المورق لاتدعني
تعذب في لهيب الشك روحي
وتشقي بالظنون وبالتمني
أجبني إذ سالتك هل صحيح
حديث الناس خنت؟الم تخني
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> مواويل الغد الآتي(49/33)
مواويل الغد الآتي
رقم القصيدة : 888
-----------------------------------
يا رفيقي..
صار طفل الأمس في لحم الزمان
خنجرا يحفر في كل مكان
يرسم الإنسان،
يعطينا البشارة
صار أن يأتي لنا طفل جميل
يمسك الشمس بكفيه ويعطينا انتصاره
يا رفيقي
صار أن نقفز من قبر الجليد
يدنا مطرقة،
فأس ومنجل
يدنا ممسكة كف البنادق
صار أن نحفر في الأرض الخنادق
وضياء الفجر في الأكواخ يغزل.
وبغني
نتبع الإيقاع والتاريخ يكتب
يا رفيقي سوف نكتب
فوق جذع النخلة الخضراء نكتب
أحرفا حمراء تخضر إذا جاء الصباح
ما الذي تفعله فينا الرياح.
وأيادينا على مفتاح باب العالم الآتي
وشلال الجراح
يغسل الشمس،
وعين الطفل
قلب الرجل الصامد
والحب الجديد
تقفز الآن مع الفخر الوليد.
آه يا حزن الحروف الخضر يا سر الحياة
كيف لا تعرف ما تصنعه بالكلمات
يا رفيقي، والحياة
زهرة طالعة للشمس من قلب الصغار زهرة تكبر في كل نهار
والغزاة
حلم مات مع الليل وفات
فحساب الأرض صعب
وحساب البشر الأطفال نار يا غزاة
يا رفيقي
ما الذي أفعله بالكلمات،
في يدي طوفان أشعار وفي قلبي الحياة
مثل شلال الجراح الداميات
وعيوني سوف تنهار إذا ما الليل طال
آه ، لكن العيون
في قلوب الفقراء
تبصر الطفل الذي يركض في عين النهار
آه لكن السؤل،
سوف يبقى كالجنون
ويظل الطفل شيطانا خطيرا
يرهب الليل برايات النهار
ويحط الشمس في الفجر،
وأشعاري تصير
بذرة الأرض الجديدة.
فانتظرني
زمن الإعصار جاء
ومواويل الغد الراكض نحو النور
في الدرب،
وحرف الأصدقاء
ودم ا لأعداء
سفر البشر الأحياء
والقيد الجديد
تقفز الآن من القبر البليد
يا رفيقي
ما الذي نفعله بالكلمات
هل عرفت الآن جدوى الكلمات.
باختصار
نكتب الشعر البشارة
كي يكون الحب نارا.. باختصار
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> يا أيها الإنسان
يا أيها الإنسان
رقم القصيدة : 889
-----------------------------------
يا أيها الإنسان
نحن أمام صفحة جديدة(49/34)
في دفتر الأحزان
في عالم
الصدق فيه يسكن الأشجار
والأشياء والجدران
لكنه لا يعرف الإنسان
يا أيها المصلوب فوق الباب
هل تعرف العذاب؟
وكيف يساقط كل الحب في التراب
حين يموت حسرة في دمنا الحنان؟
يا أيها الإنسان
نحن نموت في الصباح مرة
وفي المساء مرة
لأننا نبحث عن أمان
لأننا نبحث عن أسطورة الوفاء
فنكسر الجدار في طريقنا
نعانق الوفاء في خيالنا
لكنه يصفعنا بالحجر الصوان
يخذلنا جميع أصدقائنا
واضيعة الإنسان
تسحقنا حقيقة مريرة،
جميع أصدقائنا الأحباب
يرمون في وجوهنا أقنعة التراب
ويبدأ العذاب
بدمعة كبيرة في الزمن المهان
ونكتب المأساة فوق دفتر الأحزان
هذا أنا يا أيها الإنسان
معذب قلبي على أحبتي
من سالف الأزمان
أحبهم
لكنهم بالحقد يضحكون
والزيف يضحكون معلقون هكذا بين حدود العقل والجنون
يمارسون الحب كالعادة في حياتهم
كالتبغ، كالدخان
تغرق في ضميرهم سفينة الحنان
يا أيها الإنسان
نحن نعيش عالما مزيف الإحساس
الحب في ضميره المثلوم مستعار
والصدق مستعار
والألم العميق مستعار العالم الذي نعيش يا أحبتي يعيش الانتحار
وفوق وجه الصفحة الجديدة
من دفتر الأحزان
نكتب هذا الزيف والتزوير
وجرمنا الكبير
نكتب ما نعيش في دوامة النفاق
نبحث عن نهاية تمسح كل عارنا
فيصرخ الفراق
لأننا نخلق من لقائنا بداية لقصة الإنسان
يا أيها الإنسان
نحن نعيش عالما سخيف
الصدق- واضيعتنا- ينام في الرصيف
الصدق- واحسرتنا- لا يعرف الإنسان
نحن نعيش عالما سكران
خمرته دماؤنا،
وتسقط العقول فيبحث المقتول عن قاتله
ليمسك الإنسان
يا دفتر الأحزان
فلتفتح السطور والأوراق
ولترتو من دمنا المراق
فالحب والوفاء
والصدق والحنان والصفاء
وكل من كانوا لنا- يا قلب- أصدقاء
توقفوا، وانفجر ا لبكاء
تراجعوا، وانهارت الأشياء
تساقطوا، وسافر ا لوفاء
يا أيها الإنسان
نحن أمام صفحة جديدة من دفتر الأحزان
فلنكتب التاريخ من ضميرنا
وليسقط الجبان
وليصمد الإنسان(49/35)
في معركة يحارب الإنسان
ليس أمام الدفتر الحزين
سوى انتظار الجولة التي بها
ينتصر الإنسان
ويسقط الجبان
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> رسالة الى المنفي
رسالة الى المنفي
رقم القصيدة : 890
-----------------------------------
أخط إليك يا أجمد
بقايا نبضي المجهد
وعبر البحر والجدران والذكرى
تشد بأضلعي الخضراء
تلك الهمسة الحيرى
وذاك الخاطر المحتد
أخط إليك يا أحمد
إليك إليك في التشريد والتغريب يا مبعد
شراع الشوق يطوي في بحار النار
يضرب في ظلام الليل أعواما بلا مقود
يجد إليك يا أحمد
ويحمل من تراب الأرض شلالا
وغصنا أخضرا مالا
ليعطي النور أرض طريقنا الأبعد
اخط إليك يا أحمد
كتاب الشوق من أمي
ومن أصحابي التعساء
من فوارة الآلام من جيراني البؤساء
كتاب الشوق تكتبه دماء الخافق المسهد
ذكرتك غنوة خضرا
ذكرتك ثورة كبرى
ذكرتك يا قوي البأس في دوامة الذكرى
يزلزل صوتك الهادر
صروحا ليلها كفر
وستر نفاقنا الأسود
تغص طيورنا حسرى
على لحن بعيد الدار
تغص تغص لا وتر يمد اللحن في القيثار
طيور سمائنا جرحى
تظل تموت لا يوم ولا موعد
عيون صغارنا تدمع
قلوب صغارنا تدمع
بيوت الملح تسقط فوق هامتنا
وتكسر صفحة المجمع
عيون صغارنا تبكي
تصيح تصيح أن ترجع
فهلا عدت يا أحمد
بقايا من حديث النفس فوق السيف لم تكمل
وأشعار غزلت بها ثياب الناس لم تكمل
مشاوير مشينا بعضها عمرا
تركت الأرض والمشوار لم يكمل
وأحلام بنينا دارنا فيها،
هدمت الحلم والأسوار لم تكمل
إليك إليك يا أحمد
أقول بكل ما في الشعر من قوة
ستبقى ما بقي حرفي
ستبقى نار أشعاري
تحز خرافة الخوف
ستبقى في الدم الواري
عظيم الموت والمولد
***
أخط إليك يا أحمد
وأخشى أن أذوق الموت
أريد لقاك ينشلني بعيدا عن بحار الصمت
نريدك يا بهي السمت عملاقا عظيم الرفش والمحراث
قوي القرع والأجراس
نريدك يا بهي السمت تحرث عالم الأحزان
تحفر قبر آلامك
نريدك شعلة الإنسان
تغسل بؤس جيرانك(49/36)
أخط إليك لا أحمد
تحية شوق انسانك
بعيد الدار يا أحمد
قريبا في عيون القلب يا أحمد
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> غربة
غربة
رقم القصيدة : 891
-----------------------------------
أشتاق حتى الموت يا صحبي إلى وطني
أشتاق لو ناطورنا المأفون يعتقني
القيد في بيتي على طفلي
وفوق الرأس في رجلي
وعبر حشاشة الزمن
أشتاق يا وطني
لو نخلة خوصاتها الخضراء في بدني
لو تستحيل دما
في أعرقي الصفراء كالأنهار
لو فارسي المنهار
لا يشكو من الوهن
لو في جوادي نبضة إنسانة ترقى
كالنجمة الزرقا
في قلب ربي
ما انثنى علمي
***
يا مبحرا بالقارب النشوان عبر دمي
عد بي إلى وطني
يمم شواطي القلب في أرضي
يحيا هناك الحب والإنسان في نبضي
واضرب صخور البحر والرفض
وتطهري بالنور يا سفني
ماذا لو الزيف الذي يقتات أوردتي
في النار أحرقه
دفئا لأشرعتي
ماذا لو الشعراء في وطني
يستيقظون على عيد من الألم
عرس من السقم
ماذا.. على وطني
ظلم .. سحاب دونما نجمه
ليل من القهر الذي يفضي إلى النقمة
.. وحقيقة
أشتاق حتى الموت للوطن
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> حروفنا
حروفنا
رقم القصيدة : 892
-----------------------------------
لأن حروفنا نار
لأن جميع من وقفوا ومن ساروا
ومن قتلوا بعين الشمس
أحسوا النبض طوفانا وأعصارا
لأن حروفنا الخضراء والحمراء ملء مخاضها ثوره
فتخرج في دم المسلول والمصدور
تصبغ دربنا ثورة
لأن حروفنا صخرة
تدق الباب
تطلب، يا ربيع الأرض يا شمسا و يازهرة
وتقتل كلمة الكذاب بالصخرة
لأن حروفنا يا صاح تأبى ذل من خسروا
ومن داروا
على بوابة الدنيا
فما دخلوا وما ساروا
رفاقي في طريق الشمس
جيراني.. أحبائي
لأن حروفنا نار
ستحرق في أصابعنا
وتأكل من كواهلنا
إلى أن ينتهي العار
لأن جميع من صرخوا ومن ثاروا
ومن حملوا شعار الحب للإنسان
أحسوا ضيعة الإنسان
ما انخذلوا وما انهاروا
سنبقى عاشقين الحرف
سنبقى.. لا يكل العزف
فإن ماتت قصائدهم(49/37)
وإن ماتوا
.تظل حروفنا نارا
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أسى يبكي على شباك جارتنا
أسى يبكي على شباك جارتنا
رقم القصيدة : 893
-----------------------------------
أسى يبكي على شباك جارتنا
يغني الليل في دوامة البيت
..وجارتنا
تطيل الصمت كالموت
تعمق في صدى الأحزان أحزانا بلا صوت
أسى يا ليل لا يمحوه دمع العمر
أسى يا ليل يقذف في مسامعنا
:كليمات كنار العمر
(أ موت.. أ موت)
يصرخ في مسامعنا
فكيف يموت في دمنا
.ونحن قد خلقناه
أسى يا صمت جارتنا
كنور مات في أحشاء خافقنا
وأنت هناك في شباكها الوردي
تبكى الليلي والزمنا
وتقتل همسة الآمال والأحلام في دمنا
جدار، يا ظلام الصمت، من خوف
على آفاق كاهلنا
فيثقل ربقة الإنسان في الدنيا
ويقصلنا
ويا شباك جارتنا
أقبل وجه أخشابك
وأسجد في خشوع الليل فارحم قلب أحبابك
أروي عظمك المورق
أعطى من دمى خمرا لأعصابك
فيا شباك جارتنا
دع الأحلام ترقص في عواطفنا
فكم من طفلة ترنو إلى شوط بلعبتنا
السكنةفترقص رقصة
على حلم يخالجنا
فتعثر في منازلها
وتسقط في خواطرنا
الصعكيروطفل يعشق
لا ينسى زواياه
تفرق صحبه عنه وراح يجر شكواه
وعذراء تعيش الحب
تبغي سيف فارسها
تتوق متاهة الأحلام في أشعار عاشقها
تنال عبير عينيه
وذكراه
وتكمل حلمها دمعا يزيد جحيم موقدنا
.ويمحوا ما كتبناه
سلاما يا أسى الأيام
سلاما يقطر الأحزان يجري في مدامعنا
متى ترحل
متى يا لعبة الإنسان ترحل عن مصائرنا
متى ترتاح من ليل عوالمنا؟
نريد نهاية الأشجان
.نبغي الحب يسمو في ضمائرنا
بريق من وراء الليل أشعره يناديني
بعيد عن مسامعنا ويسكن في شراييني
بريق زاحف للشرق يجرح جبهة الطين
بلى يا صمت جارتنا
سيأتي النور، يأتي النور.. يحييني
فيا شباك جارتنا
تنسم نور آمالك
ستأتي الشمس تغسل كل أحوالي وأحوالك
غدا أبكي على حزني
أساي يموت،
تذهب جارتي عني
ويبقى في تراب الأرض ظل سوادنا الحالك
أيا وهما خلقناه
ويا تمثال خيبتنا(49/38)
نعيش، نعيش كالحشرات في حلم يخدرنا
ولا ندري
أكانت رحلة خضراء أم صفراء تقتلنا
ولن نبقى كما تبغي الظروف لنا
سلاما جارتي البلهاء
سلاما يشبه الكفن
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> حنين الفارس الأسيان
حنين الفارس الأسيان
رقم القصيدة : 894
-----------------------------------
أحس بأني أموت.. أموت
بدوت يديك تشد يدي
أحس بأني فقير.. فقير
بلا عطر صوتك يهمي على
أريد أنام على راحتيك
أريد أقول كلامي إليك
وأترك رأسي
و أبكي.. و أبكي
إلى أن تجف بعيني الدموع
..وأحرق نفسي
و أحكي.. و أحكي
إلى أن تذوب بصدري الضلوع
أحن إليك حبيبة حبي وزهرة قلبي
أريد أسافر في مقلتيك
أسافر وحدي بدون رجوع
أريد أضيع
وإن سأل الناس عني مرارا
تقولين مات
تقولين فات
تقولين- يا قبلة في الفؤاد
أحب التراب أحب البشر
وكان يحب انهمار المطر
إلى أن تجرع كأس العذاب بدون خبر،
أحب ومالت
أظل أسافر في مقلتيك
وقلبي عليك
ورأسي ينام على راحتيك
و أبكي.. و أبكي
إلى أن تجف بعيني الدموع
..وحبي إليك
كعطر المزارع في وجنتيك
يضوع.. يضوع
واحمل في رحلتي يا حبيبة فؤادا جريحا
فؤادا يحب ولا يستريح
وعند وصول البلاد الغريبة
أموت شهيدا
لأني عشقتك قبل رحيلي
فهل تكتبين إلي
وهل ترحلين وراء رحيلي؟
أموت شهيدا
لأني عشقتك يوم ولدت
لأني عشقتك حتى الممات
تغربت وحدي بقلبي الجريح
فحين تمرين فوق طريقي
على أرض تلك البلاد الغريبة
فيا.. يا حبيبة تعالي إلي،
و زوري الضريح
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الموت وقوفا
الموت وقوفا
رقم القصيدة : 895
-----------------------------------
يا سفر الإنسان المقهور
دعني أكتب حرفا أحمر
يزرع فيه حزنا اخضر
يثمر أفراحا من بلور
دعني أحفر فيك الخندق
لتطل علينا أغنيه
ترقص في ثوب الجنية
رقصا كالطوفان الأزرق
قل لي يا شيئا يجهلني
هل تعرف ما معنى الإنسان
يعيش بلا طير يصدح
هل تعرف ما معنى الإنسان
يعيش العرس ولا يفرح(49/39)
من غير سماء تعرفه
مجهول القصة والعنوان
يا سفرا للزمن الآتي
سجل تاريخ محبتنا
للأرض وللحرف الفاعل
للحبر الأحمر نسكبه
نهرا في البحر المتفائل
سجل قمرا
سجل طفلا
سجل غصنا ينبت من أحداق مقاتل.
يا سفر الإنسان الواقف
الجذوة في النبض القادم
الثورة في القلب المدحور
العودة في الجرح النازف
مرحى لك يا سيفي المكسور
كقلب العذراء المهدور
ما جف الحب على الأوراق
رسائلنا
ما زالت نهرا من أقمار وما يبست في الليل دماء مي الإحداق
الحب الغاضب في الشريان تقول النار
يا سفرا للجيل الآتي
سجل ما يمليه الإنسان
أكتب، أكتب بدم الأحزان
النور يقول
الأرض تقول
الكف تقول
تموت هنا الريح العاقر
ومخاض في قلب التربة
في عيني الدمعة والحبة
تأتي من مليون مسافر
نحو الشمس الطفلة تأتي
عبر الدرب الأخضر تأتي
تأتي كالبركان الهادر
يا سفر الإنسان الصابر
هل تشعر ما يحدث في الطين
حين يهان، يجن، ويقتل
يحرق في قلب التنور
وبعد سنين
تزرع في أعماق الطين
نار من آثار النور
تصحو، تلمع
تبرق كالأفكار .. تثور
هل تعرف يا سفر الإنسان
ما معنى أن يهوي إنسان
الرملة في عين تدمع
في أرض كالجرح الأحمر
في حب كالطير الأخضر
في القلب حروف طينيه
تفرح بالدمع ولا تبكي
تركض في شباك بلادي
لعيون الشمس على الشوك
حرف كالشوق بقريتنا
لربيع يطلع فبه النور
يا مطرا يعشق نخلتنا
يا فرحة قلب لم تكتب
في سفر الإنسان المقهور
دعني أكتب حرفا واحدا
حرفا شاهدا حرفا راقصا حرفا.. و أموت
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> من أبجدية القرن العشرين العربي
من أبجدية القرن العشرين العربي
رقم القصيدة : 896
-----------------------------------
ألف
الأمر يختلف
فالأبجدية آلتي نعيشها جديدة
فنحن لا نكتب فوق الماء
لكننا نخط بالدماء
في مقاطع القصيدة
فالشاعر الشجاع يعترف
ويغمس الريشة في الجراح
ويصرع الرياح
ويركب العذاب عبر الرحلة البعيدة
فالشاعر الجديد في زماننا الجديد يختلف(49/40)
والأمر يا رفاق يختلف
الأمر يا رفاق يختلف
تاء
تمزقت أقنعة الورق
تقدم الفداء
لا شيء في الطريق سوف يوقف النداء
لن ينقذ التاريخ من يموت بالغرق
تنفس الطوفان
وانفجر البركان
وكل شيء في طريق النار يحترق
يا أيها الإنسان
حين تكون الثورة المنتصرة
طريقنا للقدس والجليل
حين يكون خنجرا في ظهرنا والشرف النبيل
ليس أمام القدم المقتدرة
ودربنا الطويل
غير طريق النار والإنسان
يا أيها الإنسان
تمزقت أقنعة الورق
والهيكل القديم يحترق
فنركب الطوفان.. يا أيها الإنسان
جيم
وعالم الحريم
نحن هنا في عالم الحريم
في كهف شهريار في بغداد
فنلبس الأبيض في المساء
وعندما يبتسم الصبح لنا
نموت في السواد
لأن في شارعنا التعيس
سيصرخ العريس
ويسرق الفتاة رغم رفضها
من حبها العظيم
:لان والد الفتاة قال
(ليس لدي طفلة تعاند الرجال)
هذا هو القانون في حضارة الحريم
ونلبس السواد
لأن في شارعنا أربع زوجات على الرصيف
يبحثن عن رغيف
أو أي موت جاهز للشرف المخيف
جريمة أن تنطق الأنثى هنا
في عالم الحريم
حاء
والحرب في فيتنام
وفي فلسطين فتيل مدفع يركض للسلام
الحرب في روما وأفريقيا.. وباكستان
الحرب في الخليج والسلاح في إيران
الحرب في زماننا تزعزع الأركان
وتهدم العرش على ساحته
وتسحق السلطان
الحرب في الكتاب والأقلام
الحرب في حمامة السلام
الحرب في الطلاب والعمال والجدران
الحرب في عمان
الحرب تأتى هكذا بدونما عنوان
الحرب مثل الحب في الإنسان
الحرب تأتي عندما ينعدم السلام
فتزرع ا لسلام
خاء
تمزقت خيامنا وانتحب الخليج
فانكسرت أعمدة الزجاج
وارتفع احتجاج
فكان أن يضيع في الضجيج
فأخطبوط البحر لا يخاف
من صرخة الأطفال والنساء
وهمسة المساء
خيامنا تمزقت وانهارت السماء
على رؤوس البشر الأحياء
ولم يعد أمامنا في آخر الضفاف
سوى انفجار حقدنا
والغضب المحبوس في انتظار
لننقذ الخليج
ليصبح الخليج
لؤلؤة في قلبنا لا تسمع النشيج
والنار لا تخاف كالموت.. لا يخاف
دال(49/41)
ويصرخ الأطفال في أوال
وتدمع العيون
فالشمس لا تغيب يا رجال
ما دام في أطفالنا جنون
الحب في أوال
ينام في الشوارع
يضحك في المزارع
ويخصب البيوت
الحب في أوال لا يموت
فعندما يستيقظ الأطفال
:ويصرخ السؤال
(من أين يا بشر؟)
فتفتح السماء بابها ويهطل
فتنثني أوال
لتمسح الأحزان عن جباهنا وتحضن الأطفال
إليك يا حبيبتي
إليك يا أوال محبة الرجال
ذال
والذل يكسو جبهة الرجال
:وتنتهي قافية الذل هنا ويقفز السؤال
(من أين يا بشر)
لابد من مماتنا إن كان ما نكتبه عبارة ابتذال
الطين في الهامات والهامات من حجر
والكل في زوال
:وتبتدع قافية النور هنا ويصرخ الجواب
(طريقنا إلى الضياء أخوتي من أسفل التراب
فنزرع الأطفال في شارعنا
والحب في الأبواب
ويذهب الأغراب
قافية النار هنا تشتعل اشتعال
تشرب من دمائنا
وتكتب الكتاب
زاي
الموت في زيورخ يا شهيد
والقبر في بيسان
والنعش يأتي حاملا بطاقة البريد
حرية الإنسان
يمر فوق أعين العمال في الجنوب
ويصبغ الجبال في الشمال
ويمسح الخوف عن الأطفال
ويرفع القلوب
فنقرأ العنوان في بطاقة البريد
حرية الإنسان
يمر فوق قاعة الإعدام
وفوق سرحان الذي يمثل الحرمان
من غصن زيتون ومن أمان
يجلس فوق الحكم والحكام
:يصرخ في وجوههم
قتلته لأنني حقيقة،
لأنه أوهام
عقوبتي أعرفها يا أيها الحكام
لكنني حقيقة
والحق لا يموت بالإعدام
سين
والعالم المسكين
نحن هنا في العالم المسكين
حيث انفتاح الجرح في الضلوع
حيث الرغيف الأحمر الممنوع
في العالم المسكين
الماء فوق النار مثل الجوع
في قلب أطفال القرى والجرح والسكين
في بيتنا
والموت في قلب الصغار وقلبنا المحزون
نظل رغم الجوع والتشريد
والمرض الشديد
بالطين والهواء نستعين
وخيبة العمر التي تستهلك السنين
يا والدي المصدور يا إنسان
يا قاهر البحر الذي أعطى لنا الحرمان
نحن هنا في العالم المسكين
يا والدي المسكين
الموت يأتي مثلما تأتي لنا الأحلام
تأتي به الأيام(49/42)
لكنه نصر لنا في العالم المسكين
شين
كل شيء كالعجين
قاعة السلطان والحراس والسور الحصين
والجواري وملايين العبيد
وجدار السجن والقيد الحديد
كل شيء كالعجين
الأميرات الحسان
وصناديق ا للآلي والجواهر
وجماعات المصلين على الديباج في قاع المنائر
وصخور المسجد الأبيض والنوق السمان
وصفوف الجيش من مليون عام
وعواميد الكلام
كل شيء.. كل شيء كالعجين
ضربة واحدة من كف ثائر
تسقط الأشياء فوق الأرض كالعز المسافر
كل شيء كالعجين
صاد
وساعة الحصاد
تأتي سريعا في بلادنا ويتعب الفلاح
ونحن في السهول والحقول
ننتظر الطعام والأفراح
في عالم الحصاد
فبعد أن نسقي أرض القمح بالعرق
وبعد أن نسهر ليل العمر مي الشتاء بدونما أرق
فنشرب البرد مع التراب
وليسأل الأطفال عن طعامهم فيجمد الجواب
ويركض الجوع إلى بيوتنا ويكسر الأبواب
ويصرخ الرضيع بالكلام
يبحث عن حليبه يحلم بالسلام
في عالم الحصاد يا أولاد
تحتكر الثمار
ويتخم التجار
ونحن في عالمنا نحلم بالحصاد
في عالم الحصاد
طاء
طرقنا بابكم مرات نبغي الحب والقوة
كما الفقراء يا أحباب نبغي اللحظة الحلوة
جرحنا في شغاف القلب
عدنا، في مآقينا دموع الذل والحسرة
وقيد في أيادينا
طرقنا بابكم مرات عشقنا حبكم مرة
وسرنا في طريق الشمس
في فمنا نشيد الأمس
مثل حرارة الجمرة
فمنذا يكسر الفولاذ والأسوار والصخرة
عن الكهف الذي في القلب
من يقوى على كسره؟
طرقنا بابكم مرات
نبغي حبكم مرة
عين
عشرون ليلا باردا ونحن في العراء
أكفنا جامدة على حدود الشوك والأنواء
ننتظر الأمر الذي يأتي من السماء
تخشبت أعصابنا والأمر لا يجئ
فنشرب الخرافة المعلبة وموتنا البطيء
عشرون ليلا باردا ونحن في الرياح
نغوص في الجراح
على حدود أرضنا الخضراء في الشتاء
الليل في عيوننا محجر الجناح
ونحن في أعماقنا نحلم بالصباح
عشرون ليلا باردا طويل
نرحل ألف مرة من غير ما رحيل
غين
صوت غيفارا يجيء
صوته الساخن مثل الحب يأتي عبر غابات الجنوب(49/43)
مثل نسر يقطع الأبعاد في الليل المسافر
صوت غيفارا هدير الريح ثائر
يا رصاصات تجوب
يا جراح الأرض في جلد الرجال
أي ليل لا يموت
تحت وقع القدم الخضراء
يا ليلا يموت
صوت غيفارا كصوت المستحيل
يقطع الأبعاد من كوبا
إلى غابات بوليفيا
إلى أرض الجليل
صوته يأتي ليجتاح الموات
ويخض الحجر المرصوص في جرح الحياة
.صوت غيفارا و غيفارا يجيء
فاء
وعالم ينقصه الوفاء
فبعد أن كنا على الطريق أصدقاء
نفترش التراب في بساطة ونلبس السماء
وبعد أن جعنا إلى الطعام
والحب في القلوب،
نعيش في سلام
تفرقت قلوبنا بدونما سبب
تحول الغرام في قلوبنا كقطعة الخشب
واجتاحنا النسيان
تحول الزمان في دقيقة كنسمة الهواء
فبعد أن كنا على الطريق أصدقاء
تحول الحب إلى عداء
.وسافر الوفاء
هاء
وانهارت الأشياء
بعد حزيزان الذي يكتب بالدماء
حكاية النصر على الهزيمة
وقصة النار التي تأكل من أوراقنا القديمة
وتسقط الأسماء
جاء حزيران لنا وانهارت الأشياء
.وانفجر الفداء
ياء
استيقظوا يا أيها الرجال
يا شاربي الخمور في موائد الأنذال
الحب لا ينفع حين يحقد الإنسان
تعلموا الحقد ولو للحظة لتنقذوا الأوطان
فباطل شعورنا بالعفو والإيمان
وباطل سامحه الرحمن
فكل ما يقوله الكتاب
خرافة
.إن بقي الإنسان في التراب
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> لأن العيون
لأن العيون
رقم القصيدة : 897
-----------------------------------
لأن الغرام
دليل على الصدق في كوننا
يصير حراما على قلبنا
يصير حرام
وأبقى وحيدا أمام الجدار
وتبقى معي
وتبكي لأن الغرام
يموت بطيئا قبيل النهار
فأمسح دمعة حزن كبيرة
وأبقى وحيدا.. وحيد
أغازل نفسي على الماء مرة
وأضحك مره
وأبكي كثيرا
لأن الصغار، بدون عشاء
ينامون دوما بدون عشاء
لأن الشتاء يعود سريعا ونحن عرايا
بدون طعام
بدون لحاف بدون غرام
وأبكي لأن الفؤاد الصغير
يظل حبيسا وراء الجدار
لأن الجدار يظل ثقيلا على كاهلي(49/44)
فلا تسألي لأن السؤال يلح، يلح بدون انفجار
وأبقى وحيدا
وتبقى معي
أحملق في مقلتيها
تحملق في مقلتي
ويبقى السؤال
فتصرخ بي: يا أبي
ويا نصف عمري
وأختي وأمي
ويا.. يا حبيبي
أليس لديك الجواب
أليس لديك بداية عمري؟
فتبكي العيون
ويزرع فوق لساني السكون
ويبقى لدي التراب
ويبقى الضباب
تظل العيون تقول الذي لا يقال
تظل المحبة في خافقينا كنهر كبير
يريد المصب ولا يلتقيه
فيبكي علينا لأن الغرام
يصير حراما إذا كان صدقا يصير حرام
ولو كان فوق الجبين القناع
لكان اللقاء سلاما وأمنا
وكان الحرام حلالا
بزيف القناع
و أبقى وحيدا
وتبقى البطاقات عبر البريد
طريقا وحيدا
كشيء خطير
كصوت السؤال
وصوت الجواب الذي في العيون
لأن العيون
تظل تقول الذي لا يقال
فكيف ترى نلتقي
أحتى اللقاء الصغير
أحتى اللقاء البريء ي
كون جريمة
أحتى النوايا السليمة
تظل تهان
أحتى وريقة حب صغيرة
تكون خطيرة
..أحتى
.ويسقط كل الكلام بدون كلام
ترى كيف نبقى وحيدين لحظة
وكيف نكون بعيدين عن جارحات العيون
وكيف يكون الغرام غراما
إذا كان جرما بغير جريمة
إذا كان جرحا عميقا بقلبي
إذا كان حبي
عميقا كجرحي يضم البشر
لماذا البشر
!يدوسون قلبي بكل ضغينة؟
أحقا تريدين مني الجواب؟
أحقا تريدين نزف جراحي بهذا السؤال ؟
فأشعر نصلا يحز الوريد
وأبقى وحيدا
وأنت بقربي جواب الجواب
لأن العيون .. تظل تقول الذي لا يقال
وحين تكون الجريمة حلا
نكون التقينا
فتغضب كل العيون علينا
وترتج أحجار ذاك الجدار
وتبقى بلحظة خوف طويلة
ويبدو الذهول علينا
أظل أحملق في مقلتيها
تظل تحملق في مقلتي
كأنا قتلنا ونحن وقوفا
كأنا نسينا الجدار
فألقي حروفي على كتفيها
وأكتب شعرا غريبا
وأقرأ شعرا غريبا
فيبدو كأن النحيب
يسير إلى وجنتيها
:فتصرخ بي كانفجار النهار
(أحقا أكون حبيبة؟
أحقا تكون حبيب؟
لماذا أظل غريبة،
وقل لي لماذا
لماذا تظل غريبا؟
ويبقى السؤال يسوخ،
يسوخ كأحلام نار
وتبقى العيون(49/45)
تقول الذي لا يقال
وحين يكون لزاما علينا السكوت
لأن (القضا والقدر)
يريد الجراح لكل قلوب البشر
تظل الأماني تموت
كموت القمر
ونحن عرايا بدون لحاف
لأن القدر
ونحن عطاشى بدون غرام
لأن القدر
أحقا لأن القدر؟
فتقفز قطعة شمس تلوب بجرح البشر
لان السؤال الذي في القلوب كنزف الجراح
.يظل يميت القضا والقدر
وتبقى عيون الصباح
لترفض قولي الجواب الصموت
لأن السكوت - وجرح كبير بقلب الحبيب
محال يدوم
محال يظل الغرام جريمة
ومقتل طفل بريء محال
لأن الرجال
سترفض تلك الوصايا القديمة
ويا أيها الشيء الذي لا يقال أقول تعال
فلابد هذا الجدار اللئيم
.سيسقط يوما ببأس الرجال
أقول تعال
لان اللقاء يكون قريبا على الأوفياء
ويبقى النفاق ترابا يداس مع الأولياء
.وتبقى السماء.. سماء جديده
..أقول تعال
لأن القصيدة
محال تظل بدون ختام
ولما يجيء إلينا الغرام
يكون أمانا
يكون لحافا
يكون طعاما
فيا أيها الشيء الذي لا يقال
أقول تعال
ولما يصير اللقاء لقاء
بعيدا عن الأعين الجارجات
تكون الحياة بدون جدار
لأن الجدار انهدم
لأن ا لألم
سيحرق كل نفاق الحياة
.بدون ندم
ومن دون خوف
.تكون الحياة حياة
فأبقى أحملق في مقلتيها
وتبقى تحملق في مقلتي
كأنا ولدنا ونحن وقوفا
كأنا خلقنا لكي لا نموت
ويمضي السؤال
.نظل نقول ائذي لا يقال
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> توقف الطرق والحديد ساخن
توقف الطرق والحديد ساخن
رقم القصيدة : 898
-----------------------------------
نأتي لكم -1
نأتي لكم كلامنا محمل بالشوق والفزع
..محمل برعشة العصفور
بانتفاضة القلوب
نأتي لكم جراحنا تلوب
ورأسنا يشكو من الوجع
يا أيها الباكون في نوافذ البيوت
بكاؤنا أغنية حزينة الإيقاع
باردة.. ساخنة الإيقاع
..بكاؤنا يغرق في بكائكم
ويرفض ا لوداع
يا أيها الباكون من أفراحكم.. هل تفتحون الباب؟
هل تمسحون دمعة جارحة الأوتار؟
هل توقدون النار؟
وتكتبون الشمس والإنسان والجواب؟(49/46)
..نأتي لكم لأننا نعرفكم أكثر من حياتنا
مع الأطفال -2
الشمس حين نلتقي تجلس في كلامنا الطويل
وتغسل الجراح والأحزان والعويل
..الشمس والنجوم في مائدة اللقاء
وزهرة حمراء
مغروسة في الكتف اليسار
وشعلة من نار
. تعزف في أغنية النخيل
الشمس يا أحبابي
..البشر نعرف كيف تمسح الكآبة
عن وجهنا وتطرد السحابة
..تعرف أن لحظة اللقاء
غالية كالله في السماء
لذا تجيء شمسنا في الليل والنهار
.تجلس في أحضاننا تلاعب الصغار
الشمس يا أحبتي حكاية يجهلها الكبار
لأنها تأتي على سواعد الأطفال
تأتي لنا في لحظة اللقاء
.. صافية، بريئة قوية
. تأتي مع الأطفال
من عين الشمس -3
يا طفل الشمس الآتي من عين الشمس
ابعث ساعدك الأسمر يحضن فجر الغد
أرفع هامتك المزروعة بالورد
والمس أوتار الأغنية
.ما عادت في الدنيا أوتار تخشى اللمس
يا طفل اليوم الآتي
اليوم المولود بجرح الأمس
احمل مطرقة الوالد
حطم أسوار التاريخ الفاسد
ما دمت جريحا في الشارع
..ما دامت أقلامك صامدة
. ترفض أن تمشي في درب
تأخذها للخطو الراجع
مادام حديدك محميا
اضرب بالمطرقة الكبرى
..واصنع من قيدك سكينا
واغرسها- يا طفلي الآتي-
. في عين الخائف من شمسك
..نعرف أن نبضة القلب التي ترقص في صدوركم
.. ترقص في صدورنا
هل تفتحون الباب؟
..نفرغ كلى حزننا في جلسة واحدة
ونكسر الأكواب
..ندوس كلى يأسنا في ساعة في لحظة
.نخط في الكتاب
..نعرف أن بيتنا الصغير
محاصر بالحزن والأخطار
.. نعرف أن النار.. طريقنا
هل تفتحون الباب؟
..هل نزرع القلوب في تربتها
يا أيها الأطفال؟
نأتي لكم في الليل والنهار
نأتي لكم في الصمت أو في كتب الصغار
.نأتي لكم في موعد لا يعرف الصبر والانتظار
.نعرف أن البطل القابع في دمائنا.. يأتي مع الجواب
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحب الصعب ملصقات على الجدار
الحب الصعب ملصقات على الجدار
رقم القصيدة : 899
-----------------------------------
1
أهلا من القلب(49/47)
والحيرة التي لديك في دمي
تسري إلى قلبي
كيف أناديك أنا؟
ماذا أقول للتي تسكنني؟
!أختي
أقول هكذا
أقول يا صديقتي
أهمس يا غاليتي
..أصرخ يا
.وأرتمي في واحة البكاء
يا أنت يا واحدة النساء
أعرف أن في دمى حكاية إليك
أود لو أقولها
لكنها.. إليك
تجيء في الحروف والعيون واللقاء
يا أنت.. يا بكاء
.يملؤني بقوة أحتاجها يملؤني وفاء
2
ما أصعب الحب الذي يأتي من الدماء
ما أصعب اللقاء
الحب صعب هكذا.. لأننا أيتام
لأننا.. ما أصعب الغرام
3
لو بيدي أغير التاريخ
لو بيدي أعيده، لكان
أغنية رائعة لا تعرف الحرمان
..لو بيدي يا أنت يا
لما أكلت آخر الكلام
لو بيدي الكلام
لكنه المقدر المكتوب
.تقرؤه الآن بكل حسرة يا قلبنا المصلوب
4
أقول يا
.. أشتاق لو أكون في عينيك
أشتاق لو أغنيتي عصفورة تنام في كفيك
..أشتاق لو إليك
.يأخذني مسافر إليك
5
نغمس رأس الريشة المسنونة الخضراء
في بركة الدماء
ونطفئ الظلام في دفترنا
و "نكتب الكتاب"
وتنتهي أسطورة السماء
وحينما يجئ بعد غيبة خطاب
6
مضمخا بالدم والغربة والغياب
أكون عند الباب
فوق صليب الصبر والغضب
وأفتح القلب الذي في داخل الكلام
و دونما تحية، و دونما سلام ن
:بدأ في العتاب
(يا أنت.. يا كاتبة الكتاب)
لا تفتحي بوابة الدموع
لا تندبي على غناء الوتر المقطوع
لا تنشري أشرعة الغياب
فيهجم البكاء
وتمسح الدموع آخر الكلام
أعرف أن قمة البكاء
لقاؤنا، لكنه سواء
البعد واللقاء يا واحدة النساء
في عصرنا سواء
لأننا نحتاج أن نكتب ما نريد
لأننا نعشق بالبريد
7
لكم أود لو ينام دفتري الحزين
بين يديك ساعة خضراء
لكي أراك لحظة بالحب تقرأين
.أحرفي الحزينة الخضراء
8
و ها أنا مازلت في القاموس
أبحث عن هدية إليك
عن بيت شعر رائع جديد
أريد أن أكتبه إليك
يا قلبي البعيد
فيسقط القاموس
.في أقدامنا ويبدأ الحوار
9
يا أنت يا حزينة العينين
يا غريبة العينين
حزني الذي ترين
أنت التي كتبته في دفتري الحزين(49/48)
أنت التي أهديته إلي
أنت التي.. إلي
.أهديت كل الحب والأحزان
10
من قبل أن يجيء طائر اللقاء
كنت تعيشين هنا
وتسكنين دائما في الذاكرة
وتولدين دائما في الذاكرة
من قبل أن تأتي لنا عواصف المساء
كان لنا لقاء
في الأرض والأشعار والسماء
في الصوت والتاريخ والحمامة المسافرة
كان لنا لقاء
من قبل أن يقوم في طريقنا جدار
كانت لنا حكاية، كان لنا حوار
لكنه، لكنه الجدار
..أصرخ يا
.لا بد من تعبير
11
توقفوا على حدود قرية محروقة الأشجار
توقفوا يا عاشقي النهار
هذا زمان العشق في القبور
هذا زمان الخطأ المغفور
هذا زمان النور
توقفوا على حدود قرية تجهل معنى النور
وحاربوا الحريق بالحريق، والظلام بالنهار
يا عاشقي النهار
هذا زمان العالم المنهار
12
أصرخ يا.. نهار
فتسقط الحيرة عن جباهنا
وتنطق العقول
هذا هو القاتل في جراحنا
فلينهض المقتول
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> شهرزاد قولي لنا
شهرزاد قولي لنا
رقم القصيدة : 900
-----------------------------------
نهر الدموع على خدود الليل سال
وشهرزاد
تطوي عباءتها الممزقة السواد
لتقول في عين النهار
: قصص الحقيقة حين ينتحر الخيال
ا( كانت بحار
الحزينة بنلوب في عين
تسقي الدمع البحار،
من ألف عام
والمغزل المسكين يسبح في الظلام
في ليله المصلوب يسجد في خشوع
من ألف عام
والفارس العبسي في شوق إلى بر الأمان
يرنو إلى القمر الذي خلف الزمان
ويمد ساعده الذي ألف الصراع
أبدا يمد،
يمد ساعده الشراع
ليطول خيط الغزل يا بعد المزار
طال الغياب،
وتظل بنلوب المضيعة الشباب
تشدو بأغنية المغازل والعذاب
لتزيد خيط العمر يا بعد المزار
كانت ذئاب
من خلف جدران الظلام
: تعوي
نريدك يا قمر
نبغي الوصول إلي المرام
والفارس العبسي يكتسح الصعاب
في كل يوم ينتهي عمر ويحتضر المطر
في كل ناحية ليغرقه التراب
والريح كالسكين في قلب الصخر
الفارس العبسي في المنفى تغيبه البحار
في القاع في الأصداف في الدرر الكبار(49/49)
بنلوب في الشطان تنتظر الخبر
وتريد أغنية البحر
الكبيرة من على ظهر الجواد للهولو تشتاق
من قلب فارسها المغامر
ظافرا يطوي الوهاد
كانت ليال
بنلوب فيها تغزل الوهم الذي خدع الليال
لتمد جسرا للوصال
ليجيء فارسها الذي تخشى الرجال
طال الغياب
أواه قد طال الغياب
فمتى يعود يعود
قد كلت يداي
ومغزلي واهي العيون
والخيط مات
وفارسي لما يعود
يا فارسي سأرش من دمى الطريق
والثوب من شعري سأغزله
وألتهم الحريق
يا فارسي لما تعود
فمتى تعود؟
وتظل بنلوب الحزينة تطعم الليل النهار
في قلبها حب وشوق وانفجار،
وتظل تروي قصة العبسي لليل الجريح
والملفع المنكوب ترويه الدموع
ويظل فارسها على قمم البحار
يقتات من رمل الصحارى والعظام من الضلوع
وتظل فوق الدرب نار، بنلوب قد ذهب النهار
والفارس العبسي لم يأت إلى قمر النهار
سيظل يرتاد الصحارى والبحار
( والانتظار ويظل
قد جاء المساء،
وشهرزاد تطوي عباءتها المسودة السواد
يا شهرزاد
قولي لنا،
قولي لنا يا شهرزاد
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> النسر
النسر
رقم القصيدة : 901
-----------------------------------
ومن الجنوب إلى الخليج
يأتي على ريح الجنوب
نسر كبير
من خلف جدران الليالي الحالكات
من الجنوب
يأتي يرفرف فوق مئذنة البلاد
نسر كبير
ويقول قد مات الغروب
والفجر يخلق في شواطئنا الحياة
بعد السنين الباليات
من فوق مئذنة البلاد
من الجنوب
صوت على نغماته ضحكت وهاد
كسرت قيود
فوق الصخور القاسيات بلا حدود
ها قد سمعنا صوت قرقعة القيود
مكسورة صوب الجنوب
والشمس تشرق في الصباح وفي المساء
الشمس تشرق لا تميل إلى الغروب
يكفي غروب
يكفي ظلاما فوق نهر من دماء
الشمس تشرق حينما تلد النساء
فجرا جديدا
داخل الكهف الذي كسر الصخور
نسر كبير
من فوق مئذنة البلاد
يشدو بأغنية الخلود
بلا قيود
كالنور حين يثور نار
يأتي على ريح الجنوب
من الجنوب
حيث العيون العاشقات سنى النهار
حيث انهيار الليل والدم والجدار.(49/50)
يا نسر رفرف فوق صحراء القلوب
ضمخ شوارعنا بأزهار الجنوب
أنثر طيوبا في جناحك
فالعصافير الصغار
في بيتنا الواهي الصغير
تبغي دماء النار والقبل الكبار
فطيورنا مطر الشتاء أذاقها برد الطريق
على الطريق
تعيش شوق الانتظار
ومن الجنوب يأتي على ريح الجنوب
نسر كبير
يقول أن لا تتركوا حب التراب
ويقول إن حقيقة الإنسان تحيا في التراب
فدعوا السكوت.
ومن التراب إلى التراب
نسر كبير
يقول قد مات الغروب
طار الجراد عن الجنوب
يا دورة الحجر الكبير على القلوب
يا نجمة بيضاء في الثوب الممزق كالشراع
حيث الرياح تهب إعصارا كبيرا.
انه نفس الصراع
فوق الخليج.
وتحط أرتال الجراد
ومن البلاد إلى البلاد
تأتي الرياح من الجنوب
لتحط في عين الخليج
على القلوب
واحمل سلام الأهل يا ريح الجنوب
إلى الرجال
والى النساء الصانعات دم المحال
بلغ سلام المجهدين التاعسين
للساهرات من العيون
على الحدود
الصابغات دم الشهيد على الخدود
إياك أن تنسى السلام
قل للجباه السمر أن تهدي السلام.
قل للتراب
بأن في شط الخليج
رملا يتوق إلى الحياة
وعيون أطفال تعيش بلا جباة
ولسوف يرتاد الجميع ذرى الجبال
بلغ سلاما للرجال
واصرخ بهم :
نسر جديد سيهب من عين الخليج
نسر كبير ومن الخليج إلى الجنوب
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالله الفيصل >> ألا واشيب عيني
ألا واشيب عيني
رقم القصيدة : 902
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
الا واشيب عيني يوم قالوا لي فمان الله
وتحققت انهم من عقب جمعاهم مقفيني
تغايا لي خيال الموت يومه مد لي يمناه
ولد بعينه الخرسا عقب ماقفى يراعيني
نهت وقلت مماجال بالصندوق واعزاه
سراب اللال باكر يطرد مابينه وبيني
حلفت برب خلقه لو يطول البعد انا منساه
انا وشلون ابيع اللي من العربان شاريني
تصبر ياخفوق صار داه اليوم وسط ارداه
على رجوى ان رب العرش يدنيهم ويدنيني
مثل ماخذت قلبي المحبوب عطني اياه
على شان انتساوى في المحبة بالموازين(49/51)
ايلا قارنت غيرك بك خجلت وقلت :وانقصاه
انا وشلون اقارن كامل الاوصاف بالشين
ولو هو في حلى يوسف كسف لي بنت نور اضياه
وختم القول رب بك تبلاني يقويني
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> الجرح والكف
الجرح والكف
رقم القصيدة : 905
-----------------------------------
مدينتنا مبانيها
بلا قاعٍ ولا سقفِ
وكل مواطنٍ فيها
يجيدُ النقرَ بالدفِّ
لقد طفحت مجاريها
من التشهيرِ والقذفِ
فلا البخورُ يُزكيها
وعطرُ الكونِ لا يكفي
ولكني أواسيها
بأن الجرحَ في الكفِّ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> سين وجيم
سين وجيم
رقم القصيدة : 906
-----------------------------------
سألوهُ : هل يأتي السلام ؟؟
فأجابهم : يأتي ولكن في المنام
وإذا على وتدٍ يبيضُ الطائرُ الرنّام
وإذا الشتاءُ أتى بصيف
وإذا الكريمُ أسى بضيف
وإذا رأيتَ الشمسَ في غسقِ الظلام
***
سألوهُ : لكن هل سيأتي بعد عام
فأجابهم : هو قادمٌ وسَطَ الزحام
خطواتُهُ نحو الوراءِ فليس يمشي للأمام
ويقولُ يأتيكم غدا
فالبيعُ مجانا غدا
ويوزّعُ الحلوى .. لفائفَ من عظام
***
سألوهُ : ما شاراتُه ألَهُ . .كلام ؟؟
هل يرتدي زيّ العرب ؟
ولهُ جذورٌ من نسب ؟
ورفيقُهُ الزيتونُ مع سربِ الحمام
فأجابهم : صبرا سيأتي لا محال
سيجئيكم معه سلال
أطفالُ قانا والقنال
سيجيء ممتطياً جماجم
من باحةِ الأقصى وساحاتِ المآتم
يلقي حمولَته على مرأى الأنام
ليُقايضَ الجرحَ المجذّرَ بالسلام
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> الأوراق الثبوتية لبابا نويل
الأوراق الثبوتية لبابا نويل
رقم القصيدة : 907
-----------------------------------
لا تسأل
ماذا نقدرُ أن نفعل !!
بابا نُوَيل
بهذا الليل
قد لا يعرفُ .. أن يتسلل
*****
قد يأتي .. جائز
قد لا يأتي .. أيضا جائز
فدروبُ المهدِ حواجز
آهاتُ يتامى ... ودعاءُ عجائز
مدافعُ وَيل
تقصفُ حتى بابا .. نُوَيل
بهذا الليل(49/52)
الوحشُ بقربِ المزودِ جاهز
يلتهمُ الطفلَ .. ولا يخجل
لا تسأل ..
***
حتى لو جاء فسوف يضيع
لن يلقى في الناس مسرّه
لن يلقى غيرَ صقيع
نشروا النخلَ .. كسروا الجرّه
صلبوا الطفلَ وهو رضيع
ذبحوا (( الدرّه ))
قصفوا المزود
داسوا الصخره
هدموا المعبد
طفحَ الكيل
فكيفَ سيأتي بابا نوَيل
والمهدُ مكبّل
لا تسأل ..
***
يأتي ...حتماً يأتي
في عامٍ آخرَ يأتي
من كلَ الأبوابِ سيأتي
من باب الأسباط
من بابِ الرحمه
من ديرِ الأقباط
من سوقِ النجمه
لا يخشى العُتمه
كاتمَ صوتٍ أو مطّاط
يأتي .. يأتي
من خانِ الزيتِ
من بابِ البيتِ
فدعِ الدمع
وأصغِ السمع
سنابكُ خيل
تَدّكُ الويل
ومعها شمع
ينيرُ الليل
وبابا نويل
معه هدايا مثلُ السيل
معه المَحمَل
فتحمّل
وتجمّلْ بالصبرِ .. تجمّلْ
فغداً أبهى وغداً أجمل
إن لم يسألْ ربُّكَ عنا
فعمّن ربُّكَ قد يسأل ؟؟
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> المجنون
المجنون
رقم القصيدة : 908
-----------------------------------
معاذ الله
معاذَ الله
يقولُ الطفلُ أن أباه
يُحدّثُ كلَّ من يلقاه
بأنَّ الله
يشيحُ بوجهَه عنا
فلا يُرضيهِ أن صُمنا
وأن قُمنا
وأن سِرنا
على تقواهْ
معاذَ الله
معاذَ الله
********
أتى شيخٌ كسيرُ القلبْ
إلى الملكوتِ عندَ الربّ
فعاتبَهُ
وخاطبَهُ
لماذا شئتَ تُحييني ؟؟
خَليليّاً فلسطيني ؟؟
وغَزيّاً فلسطيني ؟؟
تُشرّدُني .. وتُشقيني
تُجَرّحُني .. وتُدميني !!
وأنتَ الربّ
وفي وجهي .. تَسُدُّ الدرب
فمن إلّاكَ يحميني ؟؟
أتحمي غاصباً وطغاهْ
معاذً الله
معاذَ الله
********
تَجلّى الخالقُ الباري
على الكرسي
وبينَ يديهِ أطفالٌ من القدسِ
كسيلٍ دمعُهم جاري
من الإحباطِ واليأسِ
تَملَّكَهم دوامُ الرعشْ
فلاذوا كُلُّهم بالعرشْ
بصوتٍ واحدٍ صاحوا
ألا يكفي .. شبعنا بطشْ
حنانَ الأمّ ما نلناه
ودفءُ البيتِ لا نلقاهْ
فيا الله ..
لماذا شئتَ تخلقُنا
وتُغرقُنا
ببحرِ الآه
معاذَ الله
معاذَ الله(49/53)
******
.. أتى المجنون
يسوقُ أمامهُ .. عنزهْ
ويحملُ جرّةَ الزيتون
وفوقَ ذراعِهِ .. كنزه
تحلّقَ حولهُ .. سبعونْ
بحضرة مالكِ العزّه
فسادَ الجمعَ شبهُ سكون
سوى المجنون ..
فأرعدَ مثلما .. هزّه
وأزبدَ صارخا .. غزّه
متى ستهون .؟؟
إذا ما قلتَ كُن سيكون .. !!
وتمتمَ في أسىً وأنينْ
أتدري .. لو أعودُ جَنينْ
وتسألُني لأي حمىً سترسِلُني
.. أقولُ جِنينْ وذاك السهلُ في حطينْ
ولو حتى ستنذرُني
بأنني .. ها .. هنا .. أشقى
وألقى نفسَ ما .. ألقى
ستعذُرُني
فعشقُ القدسِ يأسرُني
ويأمرني
بأن أبقى
على نجواهْ
وإن أهوى .. فقط أهواهْ
فيا الله
أيوجدُ مثلٌ رام الله
معاذ الله
معاذَ الله
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> الدفتر الفلسطيني
الدفتر الفلسطيني
رقم القصيدة : 909
-----------------------------------
كتبنا سطر
.......
تركنا سطر
.......
حفظنا الدرسَ أن الصبر
هو الترياقُ والبلسم
خبزناهُ
أكلناهُ
فكانَ أمرَّ من علقم
ولم نعلم
بأنّ الصبرَ أحياناً
يكونُ أصمَّ .. بل أبكم
ولا يدري ولا يفهم
ويمضي عام
ويأتي عام
ونحنُ نسامُ كالأنعام
ننامُ بأمر
نقومُ بأمر
لنكتبَ سطر
ونتركَ سطر
من الميلادِ حتى القبر
*****
لقد فُرِجتْ .. تعودنا
وأدمنا
ركوبَ الصعب
فما عادت
تُؤرِقُنا
وتقلقنا
سُدودُ الدرب
وما عادت
تُروِّعنا
وتُوجِعُنا
سياطُ الضرب
فحتى - الآهَ - تَكتُمها
وتخنقُها
نياطُ القلب
لقد فرجت
نُحرنا .. نحرْ
شُطرنا .. شطرْ
قبضنا الجمر
لنكتبَ سطر
ونتركَ سطر
******
ألفنا الأسرَ في الأطواق
وإغلاقاً على إغلاق
يروحُ حصار
يجيءُ حصار
بلا جدوى على الإطلاق
لقد فرجت تعودنا على التكرار
فحتى الطفلَ نرضعُهُ
ونشبعُه
حَليبَ نياق
فيحبو شامخاً عملاق
كمثل الصخر
ولُعبتُه تكونُ الصبر
فيكتبُ سطر
ويقفزُ سطر
________________________
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> بيت جالا
بيت جالا
رقم القصيدة : 910(49/54)
-----------------------------------
بيتُ جالا .. بيتُ جالا
هيَ نجمٌ .. يتلالا
خبزُها .. كان صلاةً
ملحهُا .. كان إبتهالا
في ظلالَِ الربِّ تغفو
تأبى .. لا تجفو الظلالا
قنَعت تحيا .. بزُهدٍ
سعِدَت نفساً وحالا
قد حباها اللهُ زيتاً
لا سيوفاً أو نِبالا
حولها الزيتونُ خصرٌ
لوحةٌ تضفي جلالا
قرعت أجراسَ حبٍّ
فأجابوها .. قتالا
حوصِرت من كلّ صوبٍ
تحتَ قصفٍ يتوالى
أفرغوا فيها رصاصاً
منعوا عنها الغلالا
أفزعوا الأطفالَ ليلا
خلّفوا فيها ثكالى
أغرقوها في ظلامٍ
شدّوا للموتِ حبالا
صلبوها فوقَ نارٍ
غرزوا فيها النصالا
فأتى عيسى يُداوي
يحفزُ الناسَ إحتمالا
وأتى ظه يواسي
سوفَ يلقونَ وبالا
كلُّ غازي سوفَ يمضي
يلقى موتاً أو زوالا
صمدت تنزفُ صبراً
خرجت تهتفُ . لا . لا
نارهم ردّت عليهم
عارُهم صار مثالا
بقيت رغم جراحٍ
تتسامى .. تتعالى
إنها قصةُ شعبٍ
جسّدَتهُ بيتُ جالا
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> وصية محمد الدّرة
وصية محمد الدّرة
رقم القصيدة : 911
-----------------------------------
هو مشهدْ
لمحمدْ
كل يومٍ يتجدد
كان زهره
ساطعا يشبهُ درّه
في صرير الريحِ يهوي
مثلَ قنديلٍ بمعبد
يتمدد
يتشّهد
يسألُ الكونَ ليشهد
أن ّ هولاكو .. تنمرد
****
خردقوهُ .. بالرصاص
مزّقوهُ .. لا مناص
إنّه وقتُ الخلاص
فتلوى .. وتلوى
عجباً منهُ .. تروّى
موصياً .. قولوا لماما
أن بابا
صدّ عني بالضلوع
والدموع
قد تشبثتُ يا ماما
أتحامى
إنما كانّ هناك
دراكولا وباراك
قطّعوني
ذبحوني
حقدهم كالفحم أسود
وأنا .. واللهُ نشهد
*****
وغفا من فوقِ أحضانِ أبيه
والدما .. سيلٌ وأنهارٌ .. بفيه
... المدى يعلنُ موتَه
والصدى يُرجِعُ صوتَهْ
أينَ أمي
هي حبي
ليتها اليومَ بقربي
كي تراني أتشهد
أسألُ الكونَ ليشهد
دراكولا قد تجدد
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> سلام .. قف
سلام .. قف
رقم القصيدة : 912
-----------------------------------(49/55)
فِلسطيني .. وضع في ياقَتِكْ
وَردَهْ
فِلسطيني .. وضعْ في هامتِكْ
مَجدَهْ
فِلسطيني .. ولو حتى مضى وَحدَه
عن المليونِ يُغنيكَ
ويُرضي اللهَ .. يُرضيكَ
يُضحي أجلَ يحميكَ
تدثّرْ آمناً بُردَهْ
فلسطيني .. وضع في ياقتِكْ ..
ورده
**
فِلسطيني .. فَقُم إن مرَّ .. حيّيهِ
وقَبِّل ظَهرَ راحتِهِ .. أياديهِ
ولا تنبُسْ.. لديهِ المجدُ يكفيهِ
يُقيمُ مُلازِماً عندَه
فلسطيني .. وضع في ياقَتِكْ ..
وَردَهْ
***
فلسطيني .. فلسطيني يُناطِحُ رأسُهُ السُحُبا
فإن صافحتَهُ يومًا فأنتَ تُصافحُ الشُهُبا
ففيهَ القدسُ عابقةٌ ويشدو صوتُه حَلَبا
تذَوّقْ قانعاً شَهدَه
فلسطيني وضع في ياقتِكْ ..
وَردَه
***
فلسطيني .. عليهِ تُصَبّحُ الأطيارُ والصبُحُ
وفيهِ إحتارتِ الدنيا فلا يغفو ولا يصحو
يُكابدُ دونما مللٍ .. يُضَمّدُ جُرحَهُ جُرحُ
تَوسّدْ للوغى .. زِِندَه
فلسطيني وضع في ياقتِك ..
وَردَه
***
فلسطيني .. لهُ الساحاتُ والباحاتُ والشمسُ
لهُ الأيامُ قاطبةً .. لهُ الآتي .. لهُ الأمسُ
وحتى دمعُهُ يبقى هوَ الأفراحُ والعُرسُ
كَمِثلِ الغوثِ في الشدّه
فلسطيني وضع في هامتِكْ ..
مَجدَهْ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> رسالة من محمد الدرة
رسالة من محمد الدرة
رقم القصيدة : 913
-----------------------------------
من قالَ أني قد رحلت
من قالَ أني قد مَضيتْ
أحنيتُ رأسي لحظةً
نحو الثرى . حتى دنوتْ
فطبعتُ فوقَهُ .. قبلةً
من بعدِ ذلكَ .. قد سموتْ
لأصيرَ نوراَ ساطعا
من فاسَ حتى حضرَموت
من قالَ أني قد مضيت
***
إني هنا .. وأنا هناكْ
طفلٌ تجسّدَ في ملاكْ
يتحسّسونَ ملامحي
يستنسخونَ جوارحي
حتى غدوت
في كلَ بيت
قنديلَ زيت
من قالَ أني قد مضيت
****
قولوا لأمي كي تكفَّ عن الحزن
فلقد تركتُ أمانةً .. نقّافتي
وحقيبتي
ودفاتري
ومساطري
ونشيدَ - فليحيا الوطن
فإذا أتى طلابُ صفّي
أعطهم لمساتِ كفّي
خضّبي خصلاتهم
عطرا وزيتْ(49/56)
قولي لهم .. أنا ما مضيت
صبحاً .. أحلّقُ في الحسا
عصرا .. أقبّلُ بيرَ زيت
ليلاً .. أمرُّ .. على قنا
وأزورُ أنحاء الكويت
من قالَ أني قد مضيت
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> زفة في الخليل
زفة في الخليل
رقم القصيدة : 914
-----------------------------------
هنا (( الحاووزُ )) و (( والسهلَه ))
إليكم نشرةُ الأنباء
عن الشهداء
بلا .. عدٍّ .. وبالجُمله
يقالُ بأنهم عشرون
وبل أكثر
يقالُ بأنهم خمسون
وبل أكثر
وطفلٌ كانَ مع طفله
بحيّ إسمَهُ (( السهله ))
لقد سقطا مع الحلوى
بنيرانِ من العسكر
وما نطقا سوى (( آهٍ ))
وما شبعا من السكر
****
أتانا الآنَ برقيه
جرت غاره
أصابت مركزَ الحاره
فماتت أم فهميه
وفهميه
ومحمودُ وعزيّه
وحتى الآن لم يُذكر
إذا وجدوا (( أبو عنتر ))
فمنهم من رأى رأسه
ومنهم من رأى فأسه
ومنهم من رأى أكثر
(( أتدري ما هو الأكثر ))
من الأشلاءِ في سلّه
لقد سقطوا برشاشٍ
على التلّه
وقيلَ بأنهم فاحوا
كمثلِ المسكِ والعنبر
****
سننقلُ صورةً حيّه
لأعراسٍ ستجري الآن
هنا أطفالُ فهميه
وعزيّه
وأهلُ مدينةِ الرحمن
ودبكاتٍ
وسحجاتٍ
لقد بدأت لهم زفّه
ومن سطحٍ إلى شرفه
صبايا زغردت (( مرحى ..
قلبتم ليلنا صبحا ))
ورودٌ تلقى بل تنثر
وتمضي نعوش
تُحاكي عروش
مكللةً .. بأغصانٍ من الزيتونِ و الزعتر
بتيجانٍ بها نفخر
وظلَّ هناك في (( السهله ))
على التلّه
وحوشٌ .. إسمها عسكر
تموتُ بدونِ رشّاشٍ
ولكن من .. كذا منظر
***
الحاووز والسهله : منطقتان في مدينة الخليل
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> الشيخ والحدوته
الشيخ والحدوته
رقم القصيدة : 915
-----------------------------------
لنا جدٌ يُسلينا
يضيءُ لنا ليالينا
يُسامِرُنا على شايٍ
ويُرشدُنا ويهدينا
ويُطعِمُنا تجاربَهُ
وبالأمثال يَسقينا
فنضحَكُ من طرائفِهِ
وأحياناً يُبَكّينا
يقول الدهرُ دولابٌ
يُباعِدُنا ويُدنينا
لنا جدٌ يُسلينا
*****(49/57)
يُحَدّثُنا عن السلطانْ
وعمّا كانَ منذٌ زمانْ
عن البابا
علي بابا
وكيفَ تحرّرتْ طابا
وكيفَ هوى بنو عثمان
وقد كانوا سلاطينا
لنا جدٌ .. يُسلينا
*****
ويحكي قصةَ الجِفلِك
وأيامَ السفرْ برلك
عن الحبّهْ
نمتْ في جوفِها قبّه
وصارِ الشيخُ بالجِبّهْ
أسيرَ النفطِ و البشلكْ
يبيعُ الوعظَ والدينا
لنا جدٌ يُسلينا
*****
يحدّثُنا عن الشاطرْ
وعن عامِرْ
وعن _ ورده _ وبرلنتي
وبرجِ الحظِّ والبختِ
وكيفِ تدورُ معركةٌ
من اليختِ
إلى اليختِ
وبالألوانِ والصوتِ
على المذياعِ والشاشه
بفضلِ مهارةِ الباشا
أضعنا القدسَ مع سينا
لنا جدٌ ... يُسلينا
*****
ويروي قصّةَ - الفوله
- وعفّوله
وكيف السوسُ ينخُرُها
ويحملُها إلى الغوله
فتأكلُهُ ويأكلُها
وتقتلُهُ ويقتُلُها
ونمشي في جنازتها
على الأكتافِ محموله
وبعدَ الدفنِ نرثيهم ونرثيها
ونمطرُها تعازينا
لنا جدٌّ ... يُسلينا
*****
وقبل النومِ كي يرتاحْ
نجيءُ إليهِ بالمصباحْ
نهدهدُهُ بحدوته
لها لحنٌ لها نوته
فنسردُ قصةِالعملاقْ
فقد سجنوهُ في المزّه
وفي غزّه
وقربَ النيلِ في بولاقْ
فلم ييأسْ على الإطلاقْ
أهالوا فوقهُ التربه
لكي لا يخرجَ البتّه
وسدّوا باللظى دربَه
وظلَّ يجيئهُم بغته
يقاتلُهم على شجره
على ثمره
على الزيتونِ والدراقْ
أحاطوهُ من البرِّ
من البحرِ
طوالَ العامِ والشهرِ
فظلَّ يجيئهُم خلسه
ليعقِدَ في الحمى عرسهْ
على مرمى من البيدرْ
وقربَ الشيحِ والزعترْ
وحولَ اللوزِ والتينه
لنا جدٌّ يسلينا
ينيرُ لنا ليالينا
*****
ويغفو الجدُّ في راحه
ليسكنَ جوفَ تفّاحه
على الألحانِ والنوته
ويُعطينا
عَباءتَهُ
وسبحتَهُ
ونبّوتَهْ
ويوصي الأهلَ بالزيتونِ والتوتهْ
ونكتبُ في أغانينا
لنا جدٌّ يُسلينا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** الفوله وعفوله : يلدتان فلسطينيتان أحتلتا في حرب 1948
*** تفاحه : يطلق الفلسطيني كلمة تفاحه كناية عن القبر(49/58)
** الجفلك : معسكر أبعاد زمن الإنتداب البريطاني
** البشلك : عملة عثمانية
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> خمس أغنيات إلى حبيبتي..!
خمس أغنيات إلى حبيبتي..!
رقم القصيدة : 916
-----------------------------------
علي جناح طائر
مسافر..
مسافر..
تأتيك خمس أغنيات حب
تأتيك كالمشاعر الضريرة
من غربة المصب
إليك: يا حبيبتي الاميره
الأغنية الأولى
مازلت أنت.....أنت
تأتلقين يا وسام الليل في ابتهال صمت
لكن أنا ،
أنا هنا:
بلا (( أنا ))
سألت أمس طفلة عن اسم شارع
فأجفلت..........ولم ترد
بلا هدى أسير في شوارع تمتد
وينتهي الطريق إذا بآخر يطل
تقاطعُ ،
تقاطع
مدينتي طريقها بلا مصير
فأين أنت يا حبيبتي
لكي نسير
معا......،
فلا نعود،
لانصل.
الأغنية الثانية
تشاجرت امرأتان عند باب بيتنا
قولهما علي الجدران صفرة انفعال
لكن لفظا واحدا حيرني مدلوله
قالته إحداهن للأخرى
قالته فارتعشت كابتسامة الأسرى
تري حبيبتي تخونني
أنا الذي ارش الدموع ..نجم شوقنا
ولتغفري حبيبتي
فأنت تعرفين أن زمرة النساء حولنا
قد انهد لت في مزلق اللهيب المزمنة
وانت يا حبيبتي بشر
في قرننا العشرين تعشقين أمسيا ته الملونة
قد دار حبيبتي بخاطري هذا الكدر
لكني بلا بصر:
أبصرت في حقيبتي تذكارك العريق
يضمنا هناك في بحيرة القمر
عيناك فيهما يصل ألف رب
وجبهة ماسية تفنى في بشرتها سماحة المحب
أحسست أني فوق فوق أن اشك
وأنت فوق كل شك
وإني أثمت حينما قرأت اسم ذلك الطريق
لذا كتبت لك
لتغفري
الأغنية الثالثة
ماذا لديك يا هوى
اكثر مما سقيتني
اقمت بها بلا ارتحال
حبيبتي: قد جاءني هذا الهوى
بكلمة من فمك لذا تركته يقيم
وظل ياحبيبتي يشب
حتى يفع
حتى غدا في عنفوان رب
ولم يعد في غرفتي مكان
ما عادت الجدران تتسع
حطمت يا حبيبتي الجدران
حملته ، يحملني ،
الى مدائن هناك خلف الزمن
اسكرته ، اسكرني
من خمرة أكوابها قليلة التوازن
لم افلت
من قبضة تطير بي الى مدى الحقيقة(49/59)
بأنني أصبت،....اشتاق يا حبيبتي
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الآخرون دائماً
الآخرون دائماً
رقم القصيدة : 917
-----------------------------------
لا تنظروا لي هكذا ،
إني أخاف..
لست أنا الذي سحقت الخصب في أطفالكم ،
جعلتهم خصيان
لست أن الذي نبشت القبر ،
كي أضاجع الجثمان
لست أنا الذي اختلست ليلة
لدى عشيقة الملك
فلتبحثوا عمن سيدلي باعتراف
الآخرين
( 1 )
هذا الصبي في فراشه اضطجع
وفي كتاب أحمر الغلاف
تجمدت عيناه في سطور :
***
((...وفجأة....ساد الظلام ...))
(( غالب لوبين نفسه......))
(( أشهر روجر مسدسة:
هل أطلق الرصاص بوبين ...))
(( ..ومزق الرصاص هدأة السكون ..))
(( صوت ارتطام جسم في الظلام ..))
(( صوت محرك يدور في نهاية الطري ..))
.....وهب من فراشه يطارد الشبح
فشبح رأسه في قائم السرير..
تحسس الدماء في جبهته،
ثم انبطح
ليطلق الرصاص خلف المجرمين..
( 2 )
صديقتي .. شدت على يدي ،
وقالت: لن أجىء غرفتك
لا بد أن نبقى معا إلى الأبد..
ولم أرد
لأن ثوب العرس في معارض الأزياء
نجمة تدور في سراب
لم أزل أدق بابا بعد باب..
وخطوتي تنهيدة،
وأعيني ضباب..
حتى وصلت غرفتي في آخر المطاف
وهرتي تلد..
مواؤها عذاب أثنى ليلة المخاض
أنثى وحيدة تلد..
وأخلد الجيران للسكون
وقطهم جاف على نافذة بين
يعلق في فروته الناصعة البياض
يعلق عن فروته عذاب هرتى المتحد
.. سعت إليه ذات ليلة،
ولم تسله ثوباً للزفاف
لأن ثوب العرس في معارض الأزياء
نجمة تدور في سراب
(3)
بلقيس ألهبت سليمان الحكيم
أنثى رمت بساطها المضباف للنجوم
لكن سليمان الحكيم..
يقتل غيلة أمير الجند
لأنه يريد أن يبنى بزوجة الأمير
وزوجة الأمير تغتال ابن بلقيس الصغير
لأنها تريد أن يكون طفلها ولى العهد
لكن ولى العهد قال لي
بأنه حين يفع
بلقيس راودته ذات ليلة عن نفسها
لم يستطع
أن يمتنع
..كانت غلالة من الحرير
تهتز فوق مشجب المساء
سألته:
هل تستطيع يا صديقي الإفشاء(49/60)
عن ابن بلقيس ..أبوه من يكون؟
قال: أنا ما قلت شيئا،
ما فعلت شى
الآخرون.........................
***
لأنني أخاف
لا تنظروا لى هكذا،..فالآخرون
هم الذين يفعلون
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> الزيارة
الزيارة
رقم القصيدة : 918
-----------------------------------
يقال لم يجئ..
وقيل: لا .. بل جاء بالأمس
واستقبلته في المطار بعثة الشرف
وأطلقوا عشرين طلقة- لدى وصوله-
وطلقة..في كبد الشمس
(لذا فإن الشمس لم تشرق علينا ذلك الصباح)
*
.. وقيل.. قيل إنه بعد مجئيه انصرف!
فلم يطب له المقام.
وقيل معشوقته هى التى لم ترض بالمقام
ثارت.. لأن كلبها الأثير لم يحتمل الحر..
فعافت نفسه الطعام
(أصدرت السلطات مرسوماً بأن يكف الطقس عن حرارته!!
لذا فإن الشمس لم تشرق علينا هذا الصباح)
*
من منكم الذي رأى صورته تنشر في صدارة الصحف
يقال إن أذنه مقطوعة الصوان!
هل شظيه في الحرب؟!
هل خنجر لأمرأة غيور؟
أم.. شده سيده منها مؤنباً..
ما قاقتلعتها يده في الجذب؟!
وقيل إن أنفه ملتهب من الشراب
ويدمن النساء في نداوة الشباب
(فهومن الفرسان في هذا المجال:
قرر أن ينضم باسم شعبة للأمم المتحده..
حين رأى موظفاتها بديعات الجمال ! )
أنّى مشى..تحوطه حاشيه من النساء
يكسفن وجه الشمس أو يخسفن القمر
(لذا فإن الشمس لم تشرق علينا هذا الصباح )
***
ظللتُ أصغى للذي يشيع
حتى تهدلت على أذني أقاويل الوشاة
لكنني...حين أويت في نهاية المساء
عثرت في الراديو على محطة تغدق فوقه الثناء
تقول عنه..انه لولاه..ما تساقط المطر
ولا تبلور الندى...ولا تنفس الشجر
ولا تدفأت عاصفير الشتاء
..كان المذيع لاينى يقول
يصفه بأنه حامي حمى الدين المنيع
وانه ينهج في حياته نهج الرسول
****
ترى ..أكان صادقا ما تتناقل الشفاه ؟!؟
أم كان صدقا مايقوله المذيع؟!؟
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> إلى صديقة دمشقية
إلى صديقة دمشقية
رقم القصيدة : 919(49/61)
-----------------------------------
إذا سباكِ قائدُ التتار
وصرتِ محظية..
فشد شعرا منك سعار
وافتض عذرية..
واغرورقت عيونك الزرق السماوية
بدمعة كالصيف ، ماسية
وغبت في الأسوار ،
فمن ترى فتح عين الليل بابتسامة النهار؟
***
مازلتِ رغم الصمت والحصار
أذكر عينيك المضيئتين من خلف الخمار
وبسمة الثغر الطفولية..
أذكر أمسياتنا القصار
ورحلة السفح الصباحية
حين التقينا نضرب الأشجار
ونقذف الأحجار
في مساء فسقية !
****
قلتِ - ونحن نسدل الأستار
في شرفة البيت الأمامية:
لاتبتعد عني
انظرْ إلى عيني
هل تستحق دمعةً من أدمع الحزن؟
ولم أجبكِ، فالمباخر الشآمية
والحب والتذكار
طغت على لحني
لم تبق مني وهم ، أغنية !
وقلتُ ، والصمت العميق تدقه الأمطار
على الشوارع الجليدية:
عدتُ إليك..بعد طول التيه في البحار
أدفن حزني في عبير الخصلات الكستنائية
أسير في جناتك الخضر الربيعية
أبلٌ ريق الشوق من غدرانها ،
أغسل عن وجهي الغبار!!
نافحتُ عنك قائد التتار
رشقتُ في جواده..مدية
لكنني خشيت أن تَمسّكِ الأخطار
حين استحالت في الدجى الرؤية
لذا استطاع في سحابة الغبار
ان يخطف العذراء....تاركا على يدي الأزرار
كالوهم ، كالفريه !
.......... ............ .........
(......ما بالنا نستذكر الماضي ، دعي الأظفار...
لا تنبش الموتى ، تعرى حرمة الأسرار.....)
****
يا كم تمنت زمرة الأشرار
لو مزقوا تنورة في الخصر...بُنيّة
لو علموك العزف في القيثار
لتطربيهم كل امسية
حتى إذا انفضت أغنياتك الدمشقية
تناهبوك ؛ القادة الأقزام..والأنصار
ثم رموك للجنود الانكشارية
يقضون من شبابك الأوطار
****
الآن...مهما يقرع الإعصار
نوافذ البيت الزجاجية ،
لن ينطفي في الموقد المكدود رقص النار
تستدفئ الأيدى على وهج العناق الحار
كي تولد الشمس التي نختار
في وحشة الليل الشتائية!
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> العشاء ..!
العشاء ..!
رقم القصيدة : 920(49/62)
-----------------------------------
قصدتهم في موعد العشاء
تطالعوا لي برهة ،
ولم يرد واحد منهم تحية المساء !
......وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
في طبق الحساء
........ ....... .........
نظرت في الوعاء :
هتفت : (( ويحكم ....دمي
هذا دمي .....فانتبهوا ))
........لم يأبهوا !
وظلّت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
وظلت الشفاة تلعق الدماء !
شعراء مصر والسودان >> أمل دنقل >> مقتل القمر
مقتل القمر
رقم القصيدة : 921
-----------------------------------
....وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس
في كل مدينة ،
(( قُتِل القمر ))!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد ،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري :
-(( كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))
وتقول جارتنا الصبية :
- (( كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟))
..... ........ .......
وتدلت الدمعات من كل العيون
كأنها الأيتام - أطفال القمر
وترحموا...
وتفرقوا.....
فكما يموت الناس.....مات !
وجلست ،
أسألة عن الأيدي التي غدرت به
لكنه لم يستمع لي ،
..... كان مات !
****
دثرته بعباءته
وسحبت جفنيه على عينيه...
حتى لايرى من فارقوه!
وخرجت من باب المدينة
للريف:
يا أبناء قريتنا أبوكم مات
قد قتلته أبناء المدينة
ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف
وتفرَّقوا
تركوه فوق شوارع الإسفلت والدم والضغينة
يا أخوتي : هذا أبوكم مات !
- ماذا ؟ لا.......أبونا لا يموت
- بالأمس طول الليل كان هنا
- يقص لنا حكايته الحزينة !
- يا أخوتي بيديّ هاتين احتضنته
أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه !
قالوا : كفاك ، اصمت
فإنك لست تدري ما تقول !
قلت : الحقيقة ما أقول
قالوا : انتظر
لم تبق إلا بضع ساعات...
ويأتي!
***
حط المساء
وأطل من فوقي القمر(49/63)
متألق البسمات ، ماسىّ النظر
- يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا
فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض المدينة ؟
قالوا: غريب
ظنه الناس القمر
قتلوه ، ثم بكوا عليه
ورددوا (( قُتِل القمر ))
لكن أبونا لا يموت
أبداً أبونا لايموت !
شعراء الجزيرة العربية >> مساعد الرشيدي >> العنود
العنود
رقم القصيدة : 922
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
العنود اللي مساء البارح وانا سيد سهرها
اقبلت مثل البياض وودعت مثل الخطية
المساء ضج بسوالف عطرها واشعل سفرها
والعروق اللي روت مسيارها خضر وندية
مانشدت اخت المهاه ليامتى حزة خدرها
حد علمي يوم امد لجيدها شرهة ايدية
عقدها المغرور تاة بعطرها ولا نحرها
ساعة اشرة علية وساعة يشرة علية
كل مالدت على البال والعقد يخرزها
قلت انا ماني خوي عادتة ينسى خوية
ليتها تدري وعقد الماس لويدري عذرها
اشهد ان الجمرة اللي في الحشاء منى وفية
من سرت يمي وانا مالي خيار الا قدرها
كنها كل السنين المقبلة والأولية
من غدت همي وانا مالي ديار الا ديرها
جالها بين الظلوع الظامية روحة وجية
جادل كل الدروب المعشبة تنبت بثرها
جت تبي جرح وقصيد وخلت الثنتن لية
من يحدثني حديث الثلج للجمر بثغرها
والله اني كنت ناوي لي بهاك الجمر نية
من نشد هاك الوساع الخرس عن دنيا حورها
وش جمع سحر الغموض بسودها والنرجسية
الوكاد اني بشط الكحل غنيت لبحرها
ماحلا هوسة هدبها والمساء والسامرية
من يعلم مستريح الريح عن فوضى شعرها
الحرير اللي كسى هاك المتون العسجدية
علموة ان مازح الغرى ونشد عن قمرها
لايخاف ان شاف ظلما وشاف الشمس حية
شعراء الجزيرة العربية >> مساعد الرشيدي >> طنايا عبس
طنايا عبس
رقم القصيدة : 923
نوع القصيدة : عامي
-----------------------------------
ادخل على الله واسلم الامر تسليم
واستغفرة واستذكرة واستميحة
وضح النوايا والمساري مجاهيم
والحلم غالي واليالي شحيحة
سادت مفاهيم وبادت مفاهيم(49/64)
ويح الزمن يابنت الاجواد ويحة
خلي علوم أمسيسن المرازيم
واخذي علوم مصمصمين القريحة
حنا طنايا عبس يامذير الريم
حنا مقابيس الوغى يامليحة
حنا سلايل قاسم الخيل ودليم
وزعتنا يوم المكايد رجيحة
بدو حفايا مانصفتنا المقاسيم
وبصدورنا عز تطارخ فحيحة
نرعى رفيق البرق في ساقة الغيم
ومن يستبيح حدودنا مانبيحة
ولاياترع في هرجتة دفش وبهيم
خطو الهبود اللي تكابر فطيحة
عن ساقط الهرجة نطق الملاطيم
ومن طاح فيها مارحمنا مطيحة
نكبر عن الطفسة ونجزع من الضيم
ونموت ما ناطا شليل الفضيحة
نزوم زومات الرجال المحاشيم
ونهد هدات النمور الجريحة
ربع على در المنايا مفاطيم
من هازنا زاغت عجوزة تصيحة
اليا تغشلينا عسير الشغاميم
لومك على اللي مايبرهن مديحة
وان لولشن محشمات الملاثيم
والموت حثرب بالحناجر ضبيحة
جينا من اقصانا سحايب مراديم
كل يذكي حروتة عن نطيحة
يازين دح قفوشنا لة ترانيم
والعج واقف والفعايل صريحة
كان المنايا سوقها مابعد سيم
والخوف برك بالقلوب الكسيحة
حنا زباينها على الملازيم
علما يقرية النصيح لنصيحة
واللي بنى بيتة نبية ابراهيم
انا طريق المستميت لضريحة
بني رشيد ان عتم الجو الجو تعتيم
ماللردى فينا ملامح وليحة
أجسر من الرعاد واكرم من الديم
سمر الجباة اهل الوجية الفليحة
خوينا نقرية عزة وتحشيم
دخيلنا دونة عن الموت صيحة
يابنت ماحنا فقارا معاديم
لوماسكنّا القصور الفسيحة
تجار لوحاشت يدينا ملاليم
ومن الغناة قلوبنا مستريحة
مانستضيق ليالفونا معازيم
لضيف لونذبح حدينا ذبيحة
دايم ايدينا للعطايا مواليم
لي خانت الفزعة وجية كليحة
طال القريض ومقبل الود ومقيم
والبال عيا طارقة لايريحة
اقولها وابصم على القول تبصيم
والعلم بين زايفة من صحيحة
ماهو قصور بالحرار الصماصيم
كل بدرب العز قد هب ريحة
مدحي لربعي مايذم الاكاريم
ولايستشك الا خبيث الشريحة
والحق واضح لرجال المفاهيم
والحقد يخرث بنفوس القبيحة(49/65)
شعراء الجزيرة العربية >> عبدالرحمن العشماوي >> أين بغداد عنا ؟!
أين بغداد عنا ؟!
رقم القصيدة : 925
-----------------------------------
يا شذا المجدِ في تُخُوم العراقِ
يا بواكيرَ ذكرياتِ التَّلاقي
يا نخيلاً ما زال يُنْتِجُ تَمْراً
ويُرينا بَشاشةَ الإِعذاقِ
يا خَيولاً يحدِّث الرَّكْضُ عنها
بسباقٍ يَزُفُّ بُشْرَى سباقِ
يا فُراتاً، به تُرَوَّى المعالي
ويُغنِّي بمائه كُلُّ ساقي
يا تَراتيلَ دِجْلَةِ الخير ، لمَّا
سمع النَّهرُ هَمْهماتِ السَّواقي
يا غصوناً،لمَّا انجلى الليلُ عنها
علَّمتْ مَنْ يُحبُّ معنىَ العناق
جادها الغيثُ ، فاستجاب ثَراها
وتَغنَّى بخُضْرةِ الأَوراقِ
يا شذا المجد،أنتَ ما زلتَ تَسري
في شرايين مُدْنَفٍ مُشتاقِ
تُنعش القلبَ في مساءٍ حزينٍ
يلبس البدرُ فيه ثَوْبَ المُحاَقِ
تُنعش القلبَ في مساءٍ حزينٍ
يلبس البدرُ فيه ثَوْبَ المُحاَقِ
يا شُموخَ ابنِ حنْبلٍ،حين أعطى
مثلاً للوفاءِ بالميثاقِ
يا ابتسامَ الرَّشيد ، حين رآها
وهي تَنْأى شديدةَ الإبراقِ
أمطري يا سحابةَ الخير أَنَّى
شئتِ ، جُودي بغيثكِ الدَّفَّاق
فسيأتي إليَ منكِ خَراجٌ
من عطاءاتِ ربِّنا الرَّزَّاقِ
يا شذا المجد ، أينَ بغدادُ عنَّا
ما لها استسلمتْ لطول الفراقِ؟
ما لها سافرتْ وراءِ سرابٍ
ما سقاها إلا سمومَ النِّفاقِ؟
أين بغدادُناَ ، لماذا تلظَّى
بين أحشائها لهيبُ الشِّقاقِ؟
ولماذا أضلَّها الوَهْمُ حتى
أسلمتْها يداه للإِخفاقِ؟
يا بقلبي تلكَ المَغاني ، أَراها
تتلوَّى من قَسْوةِ الإحراقِ
يا بقلبي وجهَ المروءاتِ أمسى
كالحاً من تسلُّطِ الفُسَّاقِ
يا بقلبي صوتَ الحقيقةِ لمَّا
ضاع منَّا في ضَجَّة الأبواقِ
يا شذا المجد،عين بغدادَ تبكي
يا بقلبي مدامعَ الأحداقِ
آه يا دارة الرشيد ، رأينا
كيف تسطو قبيحةُ الأشداق
ورأينا الصِّراعَ ، بين طُغاةٍ
فيكِ ، لا يُؤمنون بالإشفاقِ
كَبُرَ الجرحُ يا حبيبةُ حتىَ(49/66)
أصبح الدمعُ حائراً في المآقي
ما استطعْنا سيراً ، لأنَّا حُفاَة
ولأنَّ الرؤوسَ في إطراقِ
ولأنَّ الإعصارَ هَبَّ علينا
وبقاياَ الخيام دُوْنَ رِواَقِ
ولأنَّا عن نَبْعِنا قد شُغِلنا
بسراب المَجاهلِ الرَّقْراقِ
يا شذا المجدِ،عينُ بغداد تبكي
وتعاني من شدَّةِ الإرهاقِ
أين راياتُ خالدٍ ، والمثنَّى
أينَ إشراقةُ الصَّباحِ العراقي؟
أين فَتْحُ الفتوحِ يومَ رسمنا
لخيول الإيمانِ دَرْبَ انطلاقِ؟
حين سُقْنا قوافلَ الخير، سُقْنا
للبرايا مكارمَ الأخلاقِ
ومددْنا لهم جسورَ التَّآخي
وفتحنا منافذَ الآفاقِ
هكذا يا عراقُ ، واراكَ عنَّا
في وحولِ الرَّدَى جُنونُ الرِّفاقِ
فتحوا الباب للجراثيم حتَّى
صِرْتَ تَشكو من"حَصْبَة ٍ"وحُمَاَقٍ
قدَّسواالوهم،وامتطواكلَّ ظهر
غير ظهر الخشوعِ للخلاَّق
لكأني أرَى " حلَبْجة" تسقي
عطش الظُّلْمِ بالدَّمِ المُهْراقِ
هكذَا يا عراقُ صِرْتَ حبيباً
بينَ باغٍ ومُلْحدٍ أَفَّاقِ
في خِضمِّ القصفِ العنيف،رأينا
كيف تبدو حضارةُ الأَطباقِ
ورأينا حضارةَ القومِ عُنْفاً
تتلقَّى الأَرواحَ بالإِزْهاقِ
تَهْدم الدارَ، تقتلُ الطفلَ، ترمي
بشظايا أحقادها مَنْ تُلاقي
لمَّعَتْ وجهَها الدَّعاوىَ ، ولكنْ
مالها عند ربِّنا مِنْ خَلاَقِ
يا شذا المجد في عراقِ الأَماني
والمنايا ، والوَرْدِ والحُرَّاق
يا شذا المجد في عراق التَّجلِّي
والتَّخلّيِ ، والخِصْبِ والإملاقِ
طوَّقَتْ أمتي الحوادثُ ، حتّى
أصبحتْ تشتكي من الأطواقِ
ما يَئِسْناَ-واللهِ-إناَّ لنرجو
فَرَجَ اللهِ ، بعدَ هذا الخِنَاقِ
ما يئسْناَ ، فإِنَّ طَعْم المآسي
في سبيل الرحمنِ ،حَلْوُ المذاقِ
سوف تفنى حجَافلُ الظُّلمِ مهما
أحكمتْ غُلَّها على الأَعناقِ
يدّعي المُدَّعونَ،والحقُّ شَمْسٌ
تُلْجِمُ المُدَّعينَ بالإشْراقِ
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> بطاقة إلى ممدوح عدوان
بطاقة إلى ممدوح عدوان
رقم القصيدة : 5820(49/67)
-----------------------------------
أنتَ معنى الفُتوّةِ
تهجئةُ العَيشِ حتى القَرارِ : الثُّمالةِ
راعي تقاليدِنا
في التسكُّعِ ، والعَرَقِ المُرِّ
أو قَولِ : لا !
أنتَ مَنْ راوغَ السَّيفَ
واستنفدَ الخوفَ
واعتبَرَ الحرفَ حتى غَلا ...
كيفَ خلّفتَني في المَفازةِ ؟
كيفَ انتهيتَ إلى أن تغادرَني أوّلا ؟
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> دم فاسد
دم فاسد
رقم القصيدة : 5821
-----------------------------------
دمٌ فاسدٌ
Mauvais sang
قال رامبوووووووووووو ؛
إذاً ، كيف جئتَ ، تحاسبُني ، في الصباحِ المبكِّرِ ؟
لم تحترمْ قهوتي المُرّةَ ،
الطيرَ في " كستناء الحصانِ " ...
و لا غفلَتي ،
- أنتَ تعرفُ أنيَ أسهو -
ولم تبتدرْني ، كما يفعلُ الناسُ ، ما قلتَ حتى : " صباحكَ خيرٌ ... "
وجئتَ تحاسبُني ...
لأقُلْ أوّلاً : مَن تكونْ ؟
ولأقُلْ ثانياً : هل لكَ الحقُّ في أن تكون جليسي على قهوةِ الصبحِ ؟
لا بأسَ
فلْنحترمْ ، مثلَ كلِ العبادِ ، الحقيقةَ :
نحنُ ، هنا ، جالسانِ معاً ...
OK ?
OK...
هل ستتركُني قبلَ أن تُكملَ الجملةَ المتعثِّرةَ ؟
اصبِرْ قليلاً
وأتمِمْ ...
فما نفْعُ أن تتزوّدَ من قهوتي المُرّةِ ؟
الصبحُ ليسَ زمانَ الهروبِ
المسدّسُ ليس سلاحَ دفاعٍ ...
أَقِمْ
وارتشِفْ ، رائقاً ، قهوتي مُرّةً ؛
أرهِفِ السمعَ للطيرِ في الوُكُناتِ الرفيعةِ من " كستناء الحصانِ " ؛
دمي فاسدٌ
أنتَ تعرفُ هذا ...
وتعرفُ أنّ الفسادَ مقيمٌ به ، أحمرٌ ، كالكُرَيّاتِ حمراءَ
لا تَفْزَعَنَّ !
اطْمَئِنَّ ...
فليس الذي بيَ مثلَ الذي بكَ ...
والثورةُ المستحيلةُ أبعدُ من أن تراك !
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> القطار الإيرلندي
القطار الإيرلندي
رقم القصيدة : 5822
-----------------------------------
في دَبْلِن
كان قطارُ الليلِ ، الحانةَ
حانةَ فيتزجيرالد
وأنت تغمغمُ في إحدى عربات المطعمِ :(49/68)
يا ليلُ ، يا صاحبي ، راحَ الفتى وارتاحْ
وامتدَّ ثوبُ الدُّجى ، واسوَدّت الأقداحْ
حتى المجاذيفُ ملّتْ حيرةَ المَلاّحْ
يا ليلُ ، يا صاحبي ... سُمُّ الأفاعي فاحْ
حانةُ فيتزجيرالد
مَمَرٌّ ضاقَ بأنفاسِ زبائنهِ
ونوافذُ مُصْمَتَةٌ
مثل قطارِ الهندِ ،
ولكنكَ
حتى لو كنتَ مسافرَ ليلٍ بقطارِ الهندِ
ستبحثُ عن مأوى
تبحثُ عمّا سيكونُ سؤالاً أو سلوى
تبحثُ عن " سعدي " المُتَلَبِّثِ في الظلمات
تبحثُ عمّا ماتَ
وعمّن مات ؛
أأخطأتَ طريقَكَ حينَ بلغتَ أخيراً
إحدى عرباتِ المطعمِ ؟
هل كانت دَبْلِنُ في اللوحِ ؟
إذاً ، أين فُجاءتُها ؟
أينَ الدهشةُ في أنْ تلقى ما قُدِّرَ أن تلقى ؟
في أن تقرأَ ما في اللوحِ ، وأنت اللوح . ؟ .
يا ليلُ ، أين الصّفا ؟ أين انطفا المأمولْ
أرضُ السوادِ انتهتْ للشوكِ والعاقولْ
كلُّ الجيوشِ اقتضتْ منها ، وحالَ الحَولْ
يا حسرتي للضميرِ المشترى المقتولْ
UK troops in Iraq
indefinitely, says Straw .The Irish Times - 06.01.04
واقعُ الأمرِ أنني لستُ قاريءَ صحفٍ مدمناً ؛
لكني كنتُ في طائرة الخطوط الجوية الإيرلندية
عائداً إلى لندن مع صديقتي . هذه الصديقةُ
أطبقتْ جفنيها فجأةً لتعودَ إلى الحانةِ التي
شربتْ فيها الموسيقى ، البارحةَ ، حتى الفجر.
صحيفة The Irish Times كانت بين يدَي
الشخصِ الثالث الذي لا أعرفُه . لا أدري
كيف لمحتُ الخبرَ ... وكيف سجّلتُه
على التذكرةِ المستنفَدة . عُذراً !
اسمَعْني الآن !
ألستَ تغمغمُ في آخرِ أيامِ السنةِ ؟
_ الحانةُ تنطلق الليلةَ مثلَ قطارٍ في الهندِ _
ابحَثْ في إحدى عرباتِ المطعمِ
عن كرسيٍّ
أو صورةِ كرسيٍّ ...
فالليلُ طويلٌ
بل سيكونُ الأطولَ من أنفاسِ مَمَرِّ الحانةِ
إذْ تبحثُ عمّا ماتَ
وعمّن مات ...
اسمَعْني الآن ...
يا ليلُ ، يا صاحبي ، ما أوحشَ الوحدةْ !
أطبَقْتَ يا ليلُ ، حتى ماتت الوردةْ
وارتَدَّ مَن كان مجبولاً على الرِّدّةْ(49/69)
لكنّ صوتي سيبقى للصدى ، وحدهْ
ستدقُّ الساعةُ معلنةً عن ضوءٍ
في آخِرِ هذا النفقِ المظلمِ ...
..............
.............
.............
ايّانَ تدقُّ الساعةُ ؟
أيّانَ ستأتيكَ ملائكةٌ ؟
أيّانَ ستهدأُ أنفاسُكَ
بين ملائكةٍ وشموع ...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> فن الشعر
فن الشعر
رقم القصيدة : 5823
-----------------------------------
وتقولُ لي :
" عيناي واسعتانِ
تدخلُ فيهما الأشياءُ كي تمسي إذا حلَّ المساءُ شريطَ ألوانٍ " ،
أقولُ : " إذاً ، أرفّةُ هُدبكِ الزرُّ الذي يصلُ الشجيرةَ بالتصوّرِ ؟
هل إذا أغمضتِ جفنَكِ
سوف ينفتحُ التّفَكُّرُ ؟
أمْ هما العينانِ واسعتانِ دوماً ؟... "
..................
..................
..................
يا فتاةً حرّةً
إني أجرِّبُ ما تقولينَ ...
الضَّبابُ يشوِّشُ المرآةَ
لا الأشجارُ تبدو في البعيدِ كما هي الأشجارُ نعرفها
ولا تلك البنايةُ ؛
إن لي عينينِ واسعتينِ أيضاً ...
غير أن الزرَّ مفقودٌ ، هنا ، في اللحظةِ الصمّاءِ هذي .
.................
................
...............
يا فتاةً حرةً
مَن لي بعينيكِ ؟
التفكُّرُ سوف يدخلُ
سوف يقتلني ؛
وداعاً...
شعراء العراق والشام >> سعدي يوسف >> إذهب وقلها للجبل
إذهب وقلها للجبل
رقم القصيدة : 5824
-----------------------------------
كيف؟
أنت الساحةُ الآن ، ولا تدري بما يَحدُثُ في الساحةِ ؟
ما أسهلَ أنْ تغمضَ عينيكَ ...
ولكنّ الرصاصَ انطلقَ ؛
الدبابةُ " ابراهيمُ " في المفترَقِ الأولِ
والرشّاشُ لا يهدأُ ...
ما كنتَ بعيداً ، حين كانت " ساحة التحرير " تلتَمُّ على أشلائها :
الدبابةُ " ابراهيم " في المفترق الأولِ
والسمْتيّةُ السوداءُ ، آباشي ، على رأسكَ
والبرجُ يدورُ ...
انتبه العصفورُ
والمقتولُ
والحائطُ ،
لكنك لم تنتبهِ
الشمسُ على رأسكَ تحمرُّ ، ولم تنتبهِ
الساحةُ بارودٌ من الأعلى
دمٌ إهْرِيقَ في الأسفلِ(49/70)
طابورٌ من النملِ
ولم تنتبهِ ...
الليلةَ ، يأتي طائفٌ من آخرِ القَصْباء .
يأتينا الشِقِرّاقُ بما فاهت به جنّيةُ الهورِ
وتأتي عبرَ مجرى الماءِ أفراسُ النبيّ .
الطينُ من زقّورةِ المَنأى سيأتي
والخُلاسيّونَ والجرحى ، وما تحمله الفاختةُ
الأولى ، وما ينفثه الثورُ السماويُّ ،
ويأتينا عليُّ بنُ محمد ...
هذه الأرضُ لنا
نحن ، بَرأْناها من الماءِ
وأعلَيْنا على مضطرَبٍ من طينها ، سقفَ السماءِ
النخلَ
والذاكرةَ الأولى...
وكنّا أولَ الأسلافِ ، والموتى بها
والقادمين ؛
الأرضُ لن تتركنا
حتى وإنْ كنّا تركناها ...
ستُرخي هذه الأرضُ ، لنا ، المَنْجاةَ ، مَرْساً من حريرِ الشَّعرِ
مجدولاً ،
ستعطينا ، أخيراً ، إسمَها :
ويْلِي على الشطآنْ
ويلي على أهلِ الحِمى والشانْ
ويلي على أهلي
ويلي على جسر المسيّبِ
والزبيرِ
وقريتي حمدان
ويلي على ظلِّي الذي يمحوه أمريكانْ
كيف؟
أنت الساحةُ الآنَ
فكُنْ أدرى بمن أنتَ
وكنْ أدرى بما تفعلُ
فالساحةُ ـ حتى لو تناستْ إسمَها أو غفلتْ عنه ـ هي الساحةُ
أنت الآنَ معنىً ؛
لا تحاورْ
ولْتَدَعْ مَن خاننا يأكلْ طويلاً شجرَ الزقّومِ
واثبُتْ ...
لا تحاورْ :
هذه الأرضُ لنا
هذه الأرضُ لنا
هذه الأرضُ لنا
منذُ بَرأْناها من الماءِ
وأعلَينا ، على مضطرَبٍ من طينِها ، سقفَ السماء ...
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> طويل العمر
طويل العمر
رقم القصيدة : 5825
-----------------------------------
ماذا إذا ماتَ الزعيم
يا ويلنا
من ذا سيخذلُ خيلَنا
من ذا يعوّدُ خدّنا
فنِّ اللطيم
***
ستكونُ كارثةٌ وتحدُثُ زلزله
فلقد كتبنا إسمهُ
في كلِّ زاويةٍ وفوقَ المزبلهْ
ولقد نقشنا رسمَهُ
في ظهرِ عملتِنا وصدرِ المقصلهْ
يا ويلنا
من ذا يُصرّفُ أمرنا
من ذا سيقصُمُ ظهرنا
ولمن نجيّرُ صوتنا
عاشَ العظيم
***
قالوا لنا من بولِهِ يشفى السقيم
وعلى رذاذِ بُصاقِهِ تلدُ العقيم
وهو المسببُ والسبب
وهو الندى وهو اللهب(49/71)
لولاهُ ما كان العرب
فوقَ لأديم
يا ويلنا
ماذا إذا عنا إحتجب
من ذا سيفرُمُ لحمنا
من ذا يُهشّمُ عظمنا
من ذا يُرَمّلُ أمّنا
ويُيَتّمُ الطفلَ الفطيم
***
لا لن يكونَ شبيهُه في العالمين
فلقد خصانا واحتوانا أجمعين
من ظلمِهِ نجري إليه
ونخافُ لو ندعو عليه
نجثو لنلثمَ راحتيه
فإذا تواضعَ سبّنا
وإذا تمادى كبّنا
للريجِ تذرونا كما يُذرى الهشيم
يا ويلنا
ممن سيأتي بعدَهُ أيكونُ إبليسُ الرجيم
***
كم ذا يكلّفنا الخليفةُ من نفاقْ
سيكونُ أمرٌ لا يطاق
سنجر رغم أنوفنا من كل بيت أو زقاقْ
حتى نجرّّعَ مُرّنا
حتى نجدد عهَرنا
يا ويلنا
فالعبدُ يخصى مرةً لا مرتين
لكنّهُ قدرٌ علينا بل ودَين
أن نبقى دوما بينَ .. بَين
لا نحنُ نحسبُ سادةً أو كالعبيد
مأساتنا أن الكبير مع الوليد
مستنسخون عن الزعيم
عاشَ الزعيم
عاشَ الزعيم
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> عيد الاستقلال
عيد الاستقلال
رقم القصيدة : 5826
-----------------------------------
عزفت بموسيقى القرب
تلك الكتائب للطرب
وأمامها في بزة
رسمية شيخ العرب
القائد الاعلى هنا
في صدره كيلو ذهب
وعلى اليمين سموه
وعلى اليسار ابو لهب
فوق المنصة خلفهم
القابضون على الرتب
يستعرضون بفرحة
كالطفل يلهو باللعب
جيشا يلمع نفسه
جيشا تمرس في الهرب
والقوم بحر زاخر
جاءوا ليلهووا عن كثب
البعض ينظر واقفا
والبعض اقعى بالركب
حتى " رهيجة " زغردت
وكأنما الزيت التهب
حمى الوطيس فكلهم
برموا لمراها الشنب
هتف النشاما خلفها
الله اكبر يا عرب
والطفل يسأل امه
ما السر في هذا الصخب
هل ذاك ما قالوا لنا
يا أم صندوق العجب؟!
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> مؤتمر صحفي
مؤتمر صحفي
رقم القصيدة : 5827
-----------------------------------
سألوهُ : هل يأتي السلامْ
فأجابهم : يأتي ولكن في المنامْ
وإذا على وتدٍ يبيضُ الطائرُ الرنّامْ
وإذا الشتاءُ أتى بصيفْ
وإذا الكريمُ أسى بضيفْ(49/72)
وإذا رأيتَ الشمسَ في غسقِ الظلام
***
سألوهُ : لكن هل سيأتي بعد عامْ
فأجابهم : هو قادمٌ وسَطَ الزحامْ
خطواتُهُ نحو الوراءِ فليس يمشي للأمامْ
ويقولُ يأتيكم غداُ
فالبيعُ مجاناً غداً
ويوزّعُ الحلوى .. لفائفَ من عظامْ
***
سألوهُ : ما شاراتُه .. ألَهُ . .كلامْ
هل يرتدي زيّ العربْ
ولهُ جذورٌ من نسبْ
ورفيقُهُ الزيتونُ مع سربِ الحمامْ
فأجابهم : صبرا سيأتي لا محالْ
سيجئيكم معه سلالْ
أطفالُ قانا والقنالْ
سيجيءُ ممتطياً جماجم
من باحةِ الأقصى وساحاتِ المآتمْ
يُلقي حُمولَتَهً على مرأى الأنامْ
ليُقايضَ الجرحَ المجذّرَ بالسلامْ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> إعدام مقدسي
إعدام مقدسي
رقم القصيدة : 5828
-----------------------------------
الموتُ يا هذا لِمَنْ ؟؟
حكموا عليكَ بألفِ موتْ
ماذا إذنْ
هم أعدموا حتى الكويتْ
وهو الوطنْ
*****
شنقوا هُناكَ الأحمدي
سوقَ المناخِ وسُبحةَ المُتَعبّدِ
حتى قبابَ المسجدِ
قلبوا الكويتَ إلى كفنْ
ماذا إذنْ ؟؟
باسمِ التحررِ حالفوا كلّ الغزاه
رهنوا العباءةَ والمضافةَ والصلاهْ
عبدوا الوثنْ
باعوا الإلهْ
ماذا إذنْ
لو أنتَ يوماً قلتَ .. آهْ
من فوقِ حبلِ المشنقهْ
فالشمسُ تبقى مُحرِقهْ
فوق الخليجِ وغردقهْ
طولَ الليالي والزمنْ
ماذا إذن ؟؟
فوجوههُم يا مقدسيّ مُخَزّقَهْ
وجباهُهُم يا مقدسيّ مُمَزّقه
وتظلّ أنت المحرقهْ
وهمو العفن
فالموتُ يا هذا لمن ؟؟
*****
من قربِ ألسنَةِ اللهبْ
حيثُ الحقولً من الذهبْ
ما زالَ يأكُلُها الحريق
يا مقدسيّ أيا عريقْ
ما أنتَ إلا لجةٌ
وهمو الغريقْ
ما أنتَ إلا شمعةٌ
عبر الطريقْ
فَلِمَ العتبْ ؟
لو قَطّعوكَ إلى إربْ
أنتَ السببْ
من قالَ تكتبُ قي الصحافه
تدعو إلى عصرِ النظافه ؟؟
وإلى التحلي بالأدبْ
وإلى التمسكِ بالعرب
أوَلستَ تُمعِنُ في السخافهْ
فالشيخُ يتبعُ من غلبْ
الشيخُ وقفٌ للطربْ
أوطانُهُ تلكَ العُلبْ
لا القدسُ أو حتى حلبْ(49/73)
لا مصرَ أو شطّ العربْ
لا فاسَ أو حتى عدنْ
فالموتُ يا هذا لمنْ
*****
لا .. لا تقلْ لم أقترفْ
هيا إعترفْ
أولستَ تدعو للتضامنِ والإخاءْ؟
لتعيدَ أمجادَ الرشيدِ وحنظلهْ
أولستَ تدعو للوفاء
هيا إذنْ للمقصلهْ
ستموتُ لكنْ في العلاء
وتظلّ أنتَ الجلجلهْ
وتكونُ أنتَ الزلزلهْ
غضباً يفجّرُهُ غضبْ
في كلّ أقطارِ العربْ
ينهي الدشاديشَ التي
تكسو جسوماً من حطبْ
تكسو براميلَ النتنْ
فالموتُ يا هذا لمنْ ؟؟
حكموا عليكَ بألفِ موتٍ
ماذا إذنْ
هم أعدموا حتى الكويتْ
وهو الوطنْ !!!!
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> في المشمش
في المشمش
رقم القصيدة : 5829
-----------------------------------
رأيناهُ على التلفازْ
يُخاطِبُنا ولم يرمشْ
فحدَّثَنا عن الإنجازْ
وعنْ إنمائهِ المُقرِِشْ
وكيفَ قضى على الإعوازْ
فقالَ الشعبُ في المشمشْ
*****
مضى يُوصي بنا الوزراءْ
فلا جوعى ولا فقراءْ
ولا مرضى ولا أوباءْ
وكاد أمامنا يُجهِشْ
.. فردَّ الشعبُ في المشمشْ
*****
وأعطى الأمر والإيعازْ
لكل مواطنٍ ساعهْ
وغليونٌ وولاعهْ
وللراعي وللخبازْ
سِروالٌ ودُرّاعهْ
فصاحَ مُذيعُهُ مدهشْ
وردَّ الشعب في المشمشْ
*****
سأقطعُ دابرَ الواشي
ومن يغنى على الماشي
ولن أرضى عن الواشي
سأطرُدُ كلَّ من يهبشْ
فصاحَ الشعبُ في المشمشْ
*******
سأخلعُ عنكمُ النيرا
وأجعلُ أمرَكم شورى
وتسهيلاً وتيسيرا
فلا قراقوشَ أو قِرقِش
فردَّ الشعبُ في المشمشْ
********
سأُصدِرُ في غدٍ أمرا
يُجيزُ الطبعَ والنشرا
ويسمَحُ نقدَنا جهرا
سأسجنُ كلّ من يَبطِش
فقالَ الشعبُ في المشمشْ
*******
أضافَ يقولُ في إيجازْ
بكُلّ الفخرِ والإعزازْ
سنزرعُ كلّ ما يُزرعْ
من الفولا إلى الصويا
سنصنعُ كلَّ ما يُصنعْ
من الكُولا إلى البويا
سنصبحُ دولةَ الإعجازْ
وأنهى القولَ في التلفازْ
وودّعنا ولم يرمشْ
وما نلنا سوى المشمشْ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> سجدة كربلاء
سجدة كربلاء(49/74)
رقم القصيدة : 5830
-----------------------------------
كفكفْ دموعَكَ ليسَ ينفعُكَ البكاءْ
واستمطرِ الإنقاذَ من ربِ السماءْ
أوقفْ نزيفكَ فالمَدى يلدُ المدى
وأمامَكَ الأيامُ أخْذٌ مع عَطاءْ
فإذا كبوتَ فإنّ جُرحَكَ عابِرٌ
عُد للوثوبِ وللتمرتسِ بالرجاءْ
في كفّها بغدادُ سيفٌ صارمٌ
مُتَحرقٌ شوقاً لساحاتِ الفداءْ
يا إبنَ الفراتِ لديكَ بابِلُ وحدها
أعجوبةُ الدنيا وإبداعُ الذكاءْ
فيها الثرى مخضوضرٌ ومعطرٌ
فلأنتَ أوّلُ من تعالى للسماءْ
ولأنتَ من خطّ الحروفَ معلّما
ولأنتَ من وضعَ القواعدَ للقضاءْ
العدلُ عندكَ .. كلُّ عينٍ مثلُها
من يعتدي صبحاُ يجازى في المساءْ
فاشحذْ لهم نصلاً لثأرٍ قادِمٍ
فالربُّ يُمهِلُ والخواتمُ للإباءْ
ها هم جدودُكَ .. كالكواكبِ شعلةٌ
هذا هو العباسُ رَمزٌ واقتداءْ
هذا الحسينُ بنورِه وجلالهِ
مشتشهَدٌ متجددٌ يُضفي سناءْ
سلّّمْ على العتباتِ في نجفِ الألى
ما صدَّهُم ضيمٌ ولا حتى إبتلاءْ
يا أبنَ الذين تطايرتْ أشلاؤهم
من فوقِ دجلةَ والنخيلِ وكربلاءْ
كي ينسجوا بدمائهم راياتِهم
جفَّ الزمانُ ولم تجفَّ لهم دماءْ
في كلِّ شبرٍ بالعراقِ مُحدّثٌ
الأرضُ تبقى .. والطغاةُ إلى فَناءْ
من ها هنا عبرَ المغولُ وغيرُهم
والرافدانِ مُخلّدانِ على سَواءْ
وأبو حُنيفةَ .. هل تٌرى يروي لنا ؟
كيفَ إتّقتْ بغدادُ ألوانَ العداءْ
وأبو الفراتِ بشعرِهِ وقصيدِهِ
لو ظلَّ حياً .. هل يمرُّ بلا رثاءْ
اللهُ أكبرُ يا عراقُ على العدى
إربيلُ يدفعها البلاءُ إلى بلاءْ
والكرخُ في حزنٍ محالٌ وصفُهُ
كركوكُ تنزفُ لا فراشَ ولا غطاءْ
بغدادُ نجوانا وقرّةُ عيننا
من غيرِها الدنيا .. خَواءٌ في خَواءْ
الأرضُ من دونِ العراقِ خَرابةٌ
فهي الشذى وهي الندى .. وهي البهاءْ
وبها العروبةُ رُسِّختْ أمجادُها
لا بالكويتِ ولا بأبناء البغاءْ
ما أنجبتَ إلا خيولَ معامعٍ
لا رهطَ كازٍ يُحسبونَ كما الإماءْ
فلها المشارفُ والمطارفُ كلها(49/75)
ولها الحدائقُ والبيارقُ والثناءْ
أما الذينَ تمرغوا بأنوفِهم
فالطوزُ يذروهم كما يُذرى الحذاءْ
يبقى العراقُ مليكَهم وأميرَهم
فهي المشيئةُ للورى .. واللهُ شاءْ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> إنتخبوا
إنتخبوا
رقم القصيدة : 5831
-----------------------------------
حكّمْ ضميرَكَ وانتخبْ
تسعينَ عضواً للنيابهْ
تسعينَ عضوا كلّهم
يتنحنحونَ بلا مهابه
ويصفقونَ مهللينَ إذا
رأوا شيخَ العصابه
والخيرُ إن لم يعرفوا
فنَّ القراءةِ والكتابه
حكم ضميركِ وانتخب
*****
*****
حكّم ضميركَ وانتخب
تسعينَ عضواً طائعين
يتدافعونَ إلى الولائمِ
والمآدبِ شاكرين
ويؤيدونِ بشدّةٍ
أكلَ السمينِ على السمين
ويوقّعونَ على بياضٍ
حاضرينَ وغائبين
حكّم ضميركِ وانتخب
*****
*****
حكّمْ ضميركَ وانتخب
حتى تُريحَ وتستريحْ
سيّان كنتَ معارضاً
أم كنتَ من أهل المديحْ
فكلاهما في جيبِنا
وكلاهما ركبٌ مريح
ما الفرقُ بينَ مخنّثٍ
يشكو .. وآخرَ لا يصيحْ
حكمّ ضميركَ وانتخب
*****
*****
حكم ضميركَ وانتخب
سَجّل ((نعم )) فهيَ الدواءْ
ماذا يفيدكُ قولُ (( لا ))
فالأمرُ يا هذا سواءْ
لو ألفُ (لاءٍ ) قلتَها
ستكونُ في الجردِ هباءْ
لا تنتخب غيري أنا
كي تبقى مثلَ المُومَياءْ
حكم ضميركَ وانتخب
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> في بيتنا شيطان
في بيتنا شيطان
رقم القصيدة : 5832
-----------------------------------
في بيتنا شيطانْ
بالصوتِ والألوانْ
ما أن نلامسَهُ
حتى يفيقَ الجانْ
فنرى على الشاشهْ
الجندَ والباشا
وجلالةَ السلطان
*****
وكما هيَ العادهْ
تمتدُّ سِجّادهْ
من فوقها يمشي
ليودّعَ القادهْ
والزلمَ والأعيانْ
وقناصلَ البلدانْ
****
ويواصلُ السفرا
في صحبَةِ الكامِرا
لنظلَّ في الصورهْ
ونتابعُ السيرهْ
فلأجلِنا يشقى
يتحمّلُ الطيرانْ
فالصبحُ في بُرقهْ
والعصرُ في اليونانْ
يقضي الضحى في نيسْ
وينامُ في باريسْ
يتَسوّقُ العطرا
والفسقَ والفُجرا(49/76)
ويجيءُ في النشرهْ
من أجلنا سافرْ
ولأجلنا حاضرْ
وكلامُهُ ثوره
في العلمِ والإيمانْ
ومبادىء الطغيانْ
*****
تأتي حقائبُهُ
ملأى من الرحلهْ
نخشى نُحاسبُهُ
وتُعيّدُ الدولهْ
نصّطَفُ في الطرقاتْ
وتُرفرِفُ الراياتْ
وتُزغردُ النسوانْ
ويُصفّقُ الغلمانْ
****
نبني لهُ نَصَبا
ويزيدُنا كَذِبا
ويذاعُ في النشرهْ
عمّا سيفعلُهُ
من أجلنا بكُرهْ
ونقفلُ الشيطانْ
وننامُ في نسيانْ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> قارئة الفنجان
قارئة الفنجان
رقم القصيدة : 5833
-----------------------------------
أضمُرْ ..
إني أعرفُ ما تضمرْ
في بالِكَ تحضُنُ يافا
تخشعُ في الأقصى
.. تذكُرْ
تُقيمُ ليالي
تحتَ دوالي
تأكلُ .. تعصُرْ
تخرجُ في زفّهْ
تدبكُ في خفّهْ
تفرحُ .. تسمُرْ
***
.. أضمُرْ ..
في نفسِكَ خبزُ الصاجْ
طابونُ دجاجْ
وضيوفك أفواجٌ .. أفواجْ
تحمدُ .. تشكُرْ
فالخير يزيدُ ويكثرْ
من غزّةَ يأتيكَ الليمونْ
من (يعبُدَ) .. أحمالُ الزيتونْ
سماؤكَ تمطرْ
لبناً .. عَسَلا
ورداً .. قُبَلا
فاحرسها .. وانطُرْ
***
.. أضمُرْ ..
في ذهنكَ صورةُ مريمْ
عذراء الدنيا تتبسمْ
تذرفُ دمعا
تشعلُ شمعا
بعيون الرحمةِ تنظُرْْ
تغفرُ .. تعبُر
***
.. أضمُرْ ..
تقول لنفسكَ .. يأتي يومْ
أيأتي يومْ
تلبسُ أسوارُ القدسِ الطرحهْ
يعودُ القوم
يعمّ السعدُ .. تعمّ الفرحهْ
في وجدانِكَ إني أنظُرْ
ما لا يخُطُرُ أو يخطُرْْ
لا غيركَ يأخذُ .. ليلى
يعشقُ بئر الزيتْ
لا غيركَ يزرعُ سهلا
ينامُ بخانِ الزيتْ
تنزَلُ أهلا
كربِّ البيت
في وجدانِكَ يا قمري
منقوشٌ .. منقوشْ
تزولُ .. عروشْ
تهبُّ جيوشْ
تموجُ وتهدُرْ
لعقدِ قرانكِ في القدسِ
لا غيرَكَ فوقَ الشمسِ
سينهَى .. يأمُرْ
يا قمري
.. أضمُر
لا سيّدَ غيركَ
من بابِ المندبِ حتى الأقُصُرْ
لا سيّدَ بعدكَ
من سهلِ جنينَ إلى تدمُرْ
.. أضمُرْ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> لا للكويت
لا للكويت(49/77)
رقم القصيدة : 5834
-----------------------------------
حتى مقابلَ بئرِ زيتْ أنا لن أعودَ إلى الكويتْ
.. فلَديَّ قوتْ .. وسِلالُ توتْ
وكرامةٌ أبداً تظلُّ ولن تموتْ
أنا من بلادٍ عطرُها في كلَ بيتْ أنا بلدتي .. هيَ ( بيرُ زيت )
***
عندي هنا الأقصى وباحاتُ المساجدْ عندي الكنائسُ .. إنَّ من حقي أزايدْ
فهنا أقامَ الأنبياءْ وهُنا تُلامسُنا السماءْ
لا (( طوزَ )) أو جُدَري بل طلعةُ القَمَرِِ
هلا رأيتْ ؟؟
لمَ لن أعودَ إلى الكويتْ حتى مقابلَ حقلِ زيتْ
****
ماذا هناكَ سوى الجوارُ من الجحيمْ وسوى حكاياتُ الشيوخِ مع الحريمْ
(( والدونُ )) من غلمانْ (( والدونُ )) من نسوانْ
لكن أنا عندي هنا
(( الفوقُ )) في كلِّ الدنى
وطني إرتقى نحو العلا وأنا إرتقيت
أَوَ بعدَ هذا .. هل أعودُ إلى الكويتْ ؟ حتى ولو صبّوا على قَدَميَّ زيتْ
****
أنا لستُ مشتاقاً لدشداشٍ يطيرْ فإذا القماءةُ تحتَه .. قبحٌ كبيرْ
لا نسمةً أو حورَ عينْ لا كرمةً أو غصنَ تينْ
فعليَّ ألفُ طلاقْ أني على الإطلاقْ
لا لن أعودَ إلى الكويتْ حتى مقابلَ بحرِ زيتْ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> تنبؤات
تنبؤات
رقم القصيدة : 5835
-----------------------------------
..... أتنبّا .....
ما الذي يأتي بهِ عامٌ جديدْ ؟؟
سوفَ نبقى مثلما كنا عبيدْ
..... أتنبّا .....
سيظلُّ العُربُ عُربا
ينهبونَ الأرضَ نهبا
خلفَ ثديٍ وفخاذٍٍ وثريدْ
***
..... أتنبّا .....
سيكونُ الأبُ جلفاً
ويكونُ الإبنُ عاقْ
والنشامى في حروبٍٍ
إنما ضد الرفاقْ
..... أتنبّا .....
أن يظلَّ الغربُ ربّا
ويكبُّ الشرَّ كبّا
يتمادى يشربُ الكازَ
ويسقينا الشقاقْ
****
..... أتنبّا .....
بعد جيلٍ يحزمُ النفطُ الحقائبْ
من شعاعِ الشمسِ قد يلقى المتاعبْ
..... أتنبّا .....
تُقلَبُ الطاقُة قلبا
ويصيحُ الشعبُ تُبّا
سيبيعُ الشيخُ سجادَ المكاتب
***
..... أتنبّا .....(49/78)
سيعودُ (( الطوزُ )) كي يغزو الكويتْْ
ويَلفُّها .. في الأحمدي بيتاً ببيتْ
ويَدبُّ الأرضَ دبّا
لا يرى زيتاًوحبّا
..... أتنبّا .....
سوفَ لا يبقى سوى روثِ العبيدْ
مثلما في البدء كانوا أو يزيدْ
..... أتنبّا .....
ذاكَ ما يأتي بهِ العامُُ الجديدْ
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> وجبة رمضانية
وجبة رمضانية
رقم القصيدة : 5836
-----------------------------------
لا فطورْ
لا سحورْ
وجبتي كل الدهورْ
طبَقٌ من عذابٍ
وشَرابٌ من بثورْ
***
حينَ يأتينا (( المُسحّرْ ))
يطرقُ البابَ .. يُكبّرْ
وحّدوا الله وصوموا
هيا قوموا
لا نفكرّ
فلدينا الصومُ مُرتاحٌ .. مُعسكِرْ
ملّ منا
فهوَ مشتاقٌ .. لِيُفطِرْ
.. يتمنى
أن يرى يوماَ ..لدينا
وجبةً فيها سرورْ
فمتى المدفعُ يدوي
ومتى الشعبُ يثور !!
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> هي حبلى !
هي حبلى !
رقم القصيدة : 5837
-----------------------------------
كلما طافَ بها طَلْق
كلما لاحَ لها برق
قامَ فينا من يُبشّر
سوفَ يُولَدْ
وقريباً سوف يولدْ
ونُُعسكِرْ ونُعسكرْ
في انتظارٍ وتَوكّل
نطبخُُ الصبرَ ونأكل
***
إعتصمنافي دهاليزِ الخنوع
دون نجمٍٍ أو سراجٍٍ أو شموعْ
نحتسي طوفانَِ ذُلٍّ وخنوع
نتلوّى ونُثرثر
نتغنى ونُكبّر
سوف يولد
وقريبا سوف يولد
غير أن الدهرَ ولّى
رحُمُها أصبحَ كهلا
هو نفخٌ ليسَ إلا
حملها وهمٌ وكاذب
لم تضع إلا أرانب
وغثاءا وعقارب
إنها تشتاقُ فحلا
حينها تصبحُ حبلى
حينها يأتي المبشّر
هاتفا فينا يُكبر
هيا هبوا لنعسكر
دونَ لغوٍ وتوكّل
نقطُفُ المجدَ ونأكل
أجهضوها وأشاعوا
هيَ عاقر
ظلموها وأذاعوا
أنّها ( يأساً ) تُعاقر
ضاجعوها لقّحوها
بخطابات المنابر
حَضَنوها أرغموها
دون مهرِ من عساكر
ثم قلنا سوف يولد
وقريبا سوف يولد
إنتظرنا وصبرنا
ملّ منا الإنتظار
إنتظرنا ونظرنا
فإذا الدنيا بوار
بإختصارٍ .. بإختصار
ألمحُ الدولابَ دار
وجَدت في القوم بعلا(49/79)
فارسا شهما وفحلا
يملأ الآفاق عدلا
إنه الحادي يبشّر
هاتفا فينا يكبر
هي حبلى
هي حبلى
حملت سيفاً و شبلا
هو ما نحتاجُ فعلا
هو أصلٌ ليس ظلا
سوفَ تعطينا بحق
بعدَ أوجاعٍ وطلق
مطراً يعقبُ برق
شعراء العراق والشام >> عبدالوهاب زاهدة >> أيوب
أيوب
رقم القصيدة : 5838
-----------------------------------
أنا أيوبْ
وإسمُ أبي .. أبو أيوبْ
وكانت زوجتي حبلى
فأسمتْ إبنها أيوبْ
وتسكنُ قربنا جارهْ
لها طفلانِ في الحارهْ
لكلٍّ منهما تشدو
حبيبَ العمرِ يا أيوب
*****
ولدتُ على رصيفِ الموتْ
وكانت دايتي .. دمعه
على الأشواكِ سرتُ .. حَبَوتْ
بدربي لم أجدْ شمعهْ
وأوّلُ ما نطقتُ .. رَجَوتْ
أسمى في الورى .. أيوبْ
أنا أيوبْ
*****
فُطِمتُ على عصيرِ الجوعْ
على الممنوعْ
عليَّ تُحرّمُ الضحكهْ
ويُحظَرُ أن أرى دبكهْ
وأن أسقى من الينبوعْ
ولمّا أن بلغتُ الرشدْ
تَمَلّكني الأسى والسُهدْ
فزادَ الأمرُ في منعي
من التعبيرِ بالسجعِ
.. وبالنثرِ
.. وبالشعرِ
وأن أبقى أسيرَ دموعْ
فقال الناسُ في عجبٍ
كشبهِ يسوعْ
وقال سِواهمو .. أيوب
أجل أيوب
*****
أنا والسجنُ والسجّانْ
ثُلاثيٌّ مدى الأزمانْ
من المهدِ
إلى اللحدِ
بأمرِ جلالةِ السطانْ
يُلازِمُ بعضُنا بعضا
ولا نرضى
سوى الإدمانْ
أنا أدمنتُ في جَلَدي
وسجني أدمنَ النسيانْ
وسجّاني على جِلدي
يَخُطُّ بسوطِهِ أيوبْ
أنا أيوبْ
*****
شقيقي زادَ في مضغي
وألقاني ظلامَ الجُبّ
لُدغتُ أنا من اللدغِ
وحتى من رفيقِ الدربْ
يشيبُ المرؤُ في الصَدْغِ
ويغزوني أنا في القلب
فَتُدهِشُ قصتي أيوبْ
أنا أيوبْ
*****
ملفّي .. لونُهُ أحمرْ
وذا يعني أنا المطلوبْ
لكلّ مخافرِ العسكرْ
من الإحسا إلى قليوب
ملفّي لم يعدْ دفترْ
أضافوهُ إلى الحاسوبْ
بَبندٍ .. إسمُهُ أيوبْ
أنا أيوبْ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الطوفان
الطوفان
رقم القصيدة : 5839
-----------------------------------(49/80)
آه على القمر الذي يشتاقه ليل البشر
يجتاحه التشريد، يضنيه القدر
قمري المخضب بالدماء
قمري الذي يشتاقه قلب السماء
آه على ضوء القمر
قدم تسوخ تسوخ في ليل الضجر
في تيه عالمنا الكئيب
في نار دواماتنا السكري الملونة النحيب
يغتالنا جوع رهيب
جوع إلى النور الذي يعطي الحياة
أملا حبيب
ولصرخة الطوفان خلاق البشر
شوق يؤرقنا وصخب في النفوس
نبغي الولادة من جديد
يا ويلتاه
بشر نسير بلا رؤوس
آه على القمر الذي ألف القيود
بالليل من سجن إلى سجن يهان
قمري ا لحزين
حطم جدار الموت يا طوفان نوح
واغسل تراب الأرض واكتسح ا لحدود
واكسر حديد السجن للقمر الحزين
واقلب جذور العالمين
المجد لك
المجد يا طوفان لك
المجد للإنسان يا طوفان نوح
لكننا من غير فجر لا نعيش
فعلى المصاطب فوق أكتاف الطريق
ناس تنوح من ثقل أحزان الظلام
من قسوة الإنسان، تحتاج البريق
بارك تراب الأرض يا طوفان نوح
واغسل شرور الناس والدم والجروح
وازرع بعالمنا سلام الحب
فالإنسان يحتاج السلام
من عهد عاد
والناس تخشى الماء والريح العظيم
من بعد أن صرخ الرجال
بأننا خوف عظيم
لكننا نبغي الرياح
فالريح تخلق من ضحايانا رجالا
و الجراح ،
آه على القمر الذي ألف العذاب
من طول ما ذاق العذاب
آه على القلب المضمخ بالغياب
قلب يعيش الانتظار
في غزل أمال وأحلام كبار
يا ليل لا تبخل علينا بالجواب
قمري الحزين
لابد أن تأتي الرياح مع المياه
لابد أن يجتاحنا الطوفان في هذي الحياة
فابشروا يا أصدقاء
في أخر الليل الجريح
يعيش مصباح جديد
وفي الختام،
من بعد صمت الموت قيثار جديد
يهدي إلى درب الحقيقة والسلام
إن الحقيقة لا تعيش على السحاب
لكنها مخبوءة تحت التراب
تأتى مع القمر الذي في السجن غاب
يا كل أقمار البشر
يا قوة الإنسان يا موت القدر
طوبى لكم
طوبى لكم
طوبى لصناع المحبة والأمل
ولكل إنسان يثور على الملل
قد جاءنا الطوفان يصطحب النهار
ويصيح قد جاء المخاض
يجتاح عالمنا، وإنسان عتيد(49/81)
يأتي.. لقد جاء المخاض
آه على القمر الذي يجتاح جدران الحديد
.. قد جاءنا طوفان نوح
نوح جديد
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> البشارة
البشارة
رقم القصيدة : 5840
-----------------------------------
يا ثوب والدتي المرفرف فوق هامة بيتنا
البشارة يعطي
الذي قد غاب عاد ( سيزيف ) إن
عاد يحمل صخرة الإنسان يا بحر الرماد
سيزيف عاد
والحر تكفيه الإشارة
في وجنتيه علامة الشوق الجريح
وفي يديه
تبكي شرايين على ماض كسيح
لحن طويل
سيزيف عاد آه عليه
قد عاد يسحب عمره الوهن الطويل
من فوق هامة بيتنا ومن المنارة
!يا ثوب والدتي المزركش هل ترى كانت خسارة؟
ليتني رافقته في رحلة الربح فيها أن تكون بلا خسارة
من سعفة تهتز من موجات سيف
من طفلة بالحبل ترقص
من صدى نغم لطيف
تأتى تباشير الطريق
تأتي لتغتال الكآبة والخريف
فبألف سيزيف هنا تكتظ دار
قهروا بحار الليل
دكوا حصن فئران الجدار
شبعت جزيرتنا بكاء
شبعت شقاء
فلتسكت الأنشودة الثكلى
وتشرع في الغناء
أنشودة الإنسان والغد والبناء
أبدا يموت
الليل في أعماقنا
أبدا يموت
والفجر يصطخب اصطخابا،
في يديه
نور يمزق ثوبنا القذر البليد
نور جديد.
يا ثوب والدتي المرفرف في السحاب
تدو بصوتك واخبر الساهين أن البوم عاد
واكسر جليد صقيعنا
ولك البشارة.
يا ثوب والدتي،
ولن تطفى الشموع
فالصخرة السوداء قد لانت
ولان أسى الضلوع
وراح الحب في الإنسان
يضحك في ثنايانا
فخاف خريف دنيانا
وظلت شمعة الإنسان ترعانا
أتى سيزيف
ينشر ثوب والدتي
ويكمل لجن مغنانا
فبشر شمسنا يا ثوب
أن الغيمة السوداء قد ماتت
وقد ماتت خطايانا
سيأتي موعد أخر
لنكمل رحلة الإنسان
لنغزل فجرنا الأخضر
وننسى عمرنا الأسيان
بعيد دربنا يا بحر
سنغوص في قلب البحار
نجتاح قلب الليل،
قلب المستحيل
ونحمل الإنسان
نحرق في شواطئنا
كلاب البحر والأحزان
غدا نرحل
غدا يا حبنا الأول
غدا نرتاد بحر الليل
والمحمل البوم فوق
غدا نرحل
نعيد حكاية البحار(49/82)
يا أمي من الأول
كلاب البحر والأحزان
***
غدا نرحل
غدا نرحل
غدا يا حبنا الأول
غدا نرتاد بحر الليل
والمحمل البوم فوق
غدا نرحل
نعيد حكاية البحار
يا أمي من الأول
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ثورة من الداخل
ثورة من الداخل
رقم القصيدة : 5841
-----------------------------------
.. ويا أماه
أين حنانك المعطار
أين يداك تنشغلان بالتجديف في شعري
وكيف نسيت صوت فتاتك المحتار،
همس الشوق يا أمي كهمس النار
في صدري
ويا أماه كيف أعيش في قبر بلا أبواب
كالمنفي في موت بلا سرداب
ظلام في عيون الشمس
ظلام في جبين الأمس
وتعتيم تغلغل في جروح الدهر
وأبقى، وحدة حمقاء تسقيني بكأس عذاب
المحفور فوق الصدر البخنق وذاك
كأوراق على بركان
يثور الحب في قلبي من الداخل
ويهتز الصدى في الصدر يا أمي
بلا حسبان
وأشعر نشوة الإنسان
حين يعيش
حين يثور
حين الرعشة الأولى
أحس حقيقة الإنسان
يا أماه،
شعور في شراييني كدفق دماي
أحسي به سيحييني
أحس بأنه معناي
فليس لثورتي حد، إذا انفجرت
فأين يداك تحرسني وعيناك لتحميني
لقد جاء الذي ما جاء لولاه انطلاق هواي
ومات (البخنق) الملعون في صدري
كموت مات
أيا أمي أريد حياة
سئمت تحجر الكلمات فوق جدارنا الصخري
سئمت الموت عبر حياتنا يسري
أريد حياتي الكبرى- أيا أمي- بلا سجان
بلا قبر جميع جهاته جدران
بلا سور يحز حقيقة الإنسان
أريد الحلم أصنعه بلا قضبان
أريد الحب أشعره كما الإنسان
أنا إنسان يا أمي
أنا إنسان
يا أما؟
يصيح بكاهلي المتعب
حنين الشوق يسكب أنهر الأحزان
ويكسر خاطري المكسور فقر الحب
أتوق إليه
أتوق لعالمي الموعود
أبغي كسر هذا الطوق
أحن لفوق
حيث يداه تنشلني لسقف الحب
ألقاه،
ونحيا الحب دون حدود
ثار الحب في قلبي من الداخل
يا أماه..
في قلبي من الداخل
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> عن الصليب والقمر
عن الصليب والقمر
رقم القصيدة : 5842
-----------------------------------(49/83)
غصت في الأرض إلى أطول شعره
وشربت المطر المخزون في الأرض إلى آخر قطرة
فرأيت القمر الميت من مليون عام
ذلك الغائب عن عالمنا الممدود في عين الظلام
قمر الدرب الطويل
كان يشكو المرض المغموس في الطين، وكان
يبصق القيء، وتعلوه على الخدين صفرة
مثلنا كان غريبا ذلك الطفل الجميل
تحت جلد الأرض مصلوبا على أبواب قبره
ماتت الرغبة في الإبحار عني
ماتت الرغبة إلا في الرجوع
ذلك النور الذي يشكو الغباء
وصراخ البشر الأموات من أجل البقاء
ليس لي إلا الرجوع
فسكبت المطر المخزون في قلبي على صدر القمر
وتلوت الآية الكبرى
تيممت وصليت لربي ركعتين
عند أقدام القمر
وقرأت السور الكبرى مع الصغرى
وطولت الدعاء
عشت في التوراة مرة
وعلى صفحة وجه القمر المسكين فوارة ماء
عشت في الإنجيل والقران - في رهبة قلبي- ألف مرة
ولبست الخرقة البيضاء
أفنيت، تصوفت، ترجيت الإله
أجل أن يعطي أمرا بالحياة
لدماء القمر الميت في أسفل صخرة
وتصبرت على السم الذي يأكل مني وانتظرت الأمر يأتي مثل برق
مثل سرب من حمام
يحمل النور إلى أرضي ويعطيها السلام
آه .. لكني تحجرت على جبهتي الملقاة في الأرض
وحاكيت الجدار
كاد موت القمر الميت يسري في عروقي
مثل أحلام الشروق
في نهايات النهار
قمت، حركت ذراعي، شلت ظهري
وشربت المطر المخزون في الأرض إلى آخر قطره
وحملت الألم المحزون في قلبي وأعددت الرحال
ذلك الجرح الذي يضرب إحداقي وأحداق النهار
ذلك الجرح الذي ينبت نار
ليس تفنيه الخرافات وأشباه الرجال
فنفضت الذل عن رأسي وأسقطت الخيال
ثم عانقت صليبي
وحملت القمر الميت من جوف التراب
وتقدمت بحملي
أضرب الأرض بإصراري وثقلي
وتجرعت العذابات الغزيرة
وتصارعت مع الموت- الذي مات على دربي- مرات كثيرة
وقتلت الألم المزروع في ملح البحار
فتخطيت البراكين التي تقذف نار
والمفازات المريرة
وإذا الجدران في دربي تنهار
ويحيا ألف باب
فعرفت الحب في خطوي و يممت السحاب(49/84)
فرأيت القمر المحمول يرتج على صدري
يجري في فضاء الكون
يغتال السراب
وإذا النور الذي غاب عن الأرض يعود
مثلما يرجع إنسان إلى عهد الطفولة
عاد نور القمر الغائب في حب وثورة
يا رفاقي، فاسمعوا مني
اشربوا مثلي ماء المطر المخزون في الأرض إلى أخر قطره
يا رفاق العمر
غوصوا في عيون الأرض
وارتادوا إلى أطول شعره
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> صدأ السيوف في الغمد المألوف
صدأ السيوف في الغمد المألوف
رقم القصيدة : 5843
-----------------------------------
تجاسرت
ألغيب كل مواعيد قتلي
ولذت بصدر الطفولة
دخلت كتاب النبيي نقسرا
ومن بابه المستباح
وكان الصباح غبيا , ونحن سيوف القبيله
صرخت افتحوا
حاورتني عيون الضغينه
ومرت علينا الحوافر , ليلا
تجاسرت , لم أترك السيف يمضي
تيممت بالجرح
كانت مياه المدينة سما وقارا
فتحت كتاب الصعاليك عند المساء
كتبت حروفي الشريده
وعند انحسار النعاس عن المقلتين
قرأت مواعيد قتلي بصدر الجريده
تجاسرت , حاصرت سيف الخليفة في غمده
حاصرتني الخيول
وأفصحت عن رغبتي في الدخول
كانت الخيل والسيف والليل حلما
وباض الخليفة في جنده
حاصرتني الخيول
تلكأ جرحي المثار بباب المدائن
ليشحذ سيف الجياع
ليسرد نكتته الباقيه
ولكن غمد الخليفة في اللحظة التاليه
يكبل جرحي
تناثرت في خبر الأرض لما كتبت المدائن
محوت اسمنا من كتاب السلاطين
كان المداد من الدمع
صارت دماء الرجال كتابه
تجاسرت , واخترت صيغة موتي
لبست وشاح الرعونه
ترافقت والدرب عبر القرون الحزينة
حتى انثني السيف في هامتي
إن في السيف شرخا
وفي الغمد طعم الليونه
وألغيت كل مواعيد قتلي
تجاسرت , صرت احتضارا لهم
عانقتني جراح الرياح
وحين أتوا
قلت : حاولت تغيير كل التضاريس فيعهد كم
قاطعوني
وسنوا القوانين ضدي
تجاسرت , لكن هم جردوا السيف من غمده
حاصرتني الخيول
ولما أتت لحظة الموت كنت قتيلا على الأرصفه
عرضة للنكات السخيفة والضحكة النازفه(49/85)
تجاسرت واخترت ساعة موتي
ولكن هم عاجلوني بسيف الخليفه
كان الصدأ
يأكل السيف في غمده
لم تكن جثتي
كان سيفا قتيلا
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> كلمات جندي رهن الاعتقال
كلمات جندي رهن الاعتقال
رقم القصيدة : 5844
-----------------------------------
حين يفرغ الحاكمون من كلامهم ،
سوف يتكلم المحكومون .
بريخت
1
كنت واحداً من الذين يمسحون جبهة البنادق
انحنيت عندما لطخني الضابط
بالشتائم الصفراء،
كنت لا أزال راكضاً عبر ظلام الخوف
وكانت البنادق .
أسطورة تداعب الأطفال
حين مددت ساعدي تكسر الجليد ،
قمت مثلما كنت أقوم في الطفولة التي فقدتها
وكنت مثل الرجل المسجون في أحلامه العجولة .
2
ممنوع عني الخبز الأحمر
ممنوع عني الماء الرائق في صحراء معسكر
ممنوع . .
(لم يبق لدينا في الخيمة
لم يبق سوى تلك النجمة)
أما أن آكل من كتفي
أو أبقى في الصحراء، وأكفر .
3
هل صدقتم ما قيل عن الخط الأسود؟
هل . . ؟
لا يمكن أن أكتب شيئا بالأسود
جربت جميع كتابات العالم، لا يجدي
حرف لا يتعب،
لا يحمله كتف مجهد
هل صدقتم أني أكتب . . ؟
لو أن الحرف القادم في رأسي
طل على وجه العالم
لانهارت في بيتي الأوثان المركونة
من دهر غابر
لكني حين صلبت الحرف القادم
من أجل الشمس المسبية
طاش جنون الطلق الأول .
4
لا تسكتوا .
عرفت أن القدم الداست على أصابعي
جاءت إليكم قبل أن أجيء
مررت في طريقي الملتوي الجوانب الرقطاء
مثل حية ميتة تنفث في سمها
وسمها يقتلني
والموت لا يجيء
سمعت صوت الطلقة الأولى بصدر صاحبي
ترن مثل الجرس العظيم
في عظم كل جائع في كف كل سارق بريء.
لا تسكتوا ،
عرفت أن الطلقة الثانية الملقاة في ضلوعنا
تحرق في غبار صمتكم يا ويلكم
الموت لا يأتي إليكم باردا بطيء .
5
نبشوا كل القطن النائم في بيتي ،
سألوني عن ولدي الميت
إن كان يزور فناء الدار .
طلبوا مني تصريحا
كي تبكي والدتي عني ،
لكني واريت الضحكة في حلقي ،(49/86)
( من أين يجيء الدمع إليها
والدتي العمياء ، العمياء؟)
أكسر في نفسي كل الأبواب الموصودة
أبواباً في سجني
أشعل قنديلاً وقصيده
كي أسمع صوتاً يأتيني مثل الطوفان
صوت حنين الأطفال الغرباء،
صوت النار المصبوغة بالدم،
صوت الهم النازل من أعماق الفقراء
الأموات من الجوع
صوت طلوع الشمس المقبلة الخضراء
صوت الماء الأحمر
صوتك ، صوتي ، صوت الناس .
6
هذا الصف الأول
يسقط في درب الشمس الساخنة الضوء
هذا الصف الأول يتقدم عبر حريق الضوء
هذا الصف الأول يقفز ، ينهض صف آخر بعده
( من يمشي في حومة دربي
لا يعرف دربا للعودة)
هذا الصف الـ . .
افتح بابك
دور الصف الثاني قادم
( السجن ممر نعبره
كي نغسل عن وجه العالم
أسطورة هالشعب الخادم )
دور الصف الثاني فليتقدم .
7
عابر كل مسافات الألم
راكب فوق رياح الخير والشر
وجنيات هذا العالم الميت،
لا أشكو سوى شوقي إليكم
يا نيام العالم المصلوب في عين الخطر
هذه زوادتي مملوءة بالنار والتاريخ
والحب المحنى بالدماء
وملايين البطاقات التي لا تعرف العنوان ؛
والإنسان مشدود إلى حمالة المفتاح
في كف عدوي .
أينكم، جاءت رياح النار
لن يأتي لكم دجال
لن يأتي الرسول المنتظر .
8
حركوا أعضاءكم للشمس
يا جيران هذا الحقل
شيلوا الثمرة .
9
في السنة العاشرة
هل يعرف الطفل جميع الحروف
ويقر أ الدرس الذي من دمي
كتبته في السنة العاشرة .
سبتمبر 1970
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحجاج يقدم أوراق اعتماده
الحجاج يقدم أوراق اعتماده
رقم القصيدة : 5845
-----------------------------------
طفول ، نقطة دم في عيون الخليج ،
- استشهدت
وداعا أيتها الفتاة الحلوة ، أيتها
الوردة الفاتحة ، ستذهبين
صوب الحب وسأذهب صوب الموت .
(لوركا)
أما آن لهذا الفارس أن يترجل
أسماء بنت أبي بكر
لابنها المصلوب عبدالله بن الزبير
نخلة بين الأغاني ، هل فم ينقع فيه السم يعطي؟
كيف لا تسقط هذي الشمس في حضن السبايا ؟(49/87)
حربة الحجاج تصطاد الغزالات . ونحن
أين نحن ؟
لا تقولوا هزنا الشوق إلى فوق ،
سقطنا
لغة الترياق والموت تصير الآن قرآنا بخط النسخ
لو كنا مجانين قرأنا
(واستحالت عوسجات الصحراء
أمراء .
واستحلنا نهرا يسقي جذور
العوسج البري بالدم،
ونحن الفقراء)
لا تقولوا : كيف ؟
كانت طفلة في رئة الرمح
تجز الليل من بطن الجديلة
نفضت كل عباءات القبيلة
و انتضت سيفا وماء
فبكوا لما رأوها وردة تشرب في جمجمة الأعداء
واغتالوا حنين الصوت فيها ،
ألف قد علمتنا لغة نقرأ فيها
ياسمين الزمن البكر ،
رغيفا يحلم الأطفال فيه برزخا للشمس
سيفا أحمرا ،
أو برتقاله .
آه لكنا مضغنا لذة الخوف،
انزعوها شوكة القلب
وكونوا نخلة بين الأغاني
( هل نهز الجذع يساقط زيتا
أم نهز الجذع يساقط موتى ؟)
يسكت الصوت الذي يأتي من الخلف
وترتاح الملايين من النوم،
وتأتي المفردات هاربات
من قواميس المراثي
كالحمامات التي عذبها الحب وأبكاها الفراق .
هكذا ، رأسها في الرياح
تقصم ظهر الملثم ، وابن جلا واقف
يجلد العسكر المستباح
(وضعت العمامة لكنهم جهلوني
وردوا السيوف لنحري
وهزوا عروش الخليفة)
أخبرونا ، هل وراء الشجر اليابس عصفور
وهل قبر يصلي ؟
لو قرأتم سورة الحجاج،
لو نافذة مثل بلادي
ثم آه
حين نامت طفلة في دم لوركا
واستفاق الزنبق الوحشي فينا
كسرت قافية السلطان بالورد الجميل
كيف لم نعرف حكاياها وكيف
زينوا كل شريد في بلادي بشذاها .
لم تصر( كانت) ولكن أصبحت جرحا بهيج
آه يا لوركا ،
أغانيك تصير الآن دفئا
لتراب الحب في غر ناطة أو في الخليج .
نخلة تعطي .
احتراقا أيها الغصن
و لام تنثني تحرث صدر الآخرين
كل شيء يغرق الآن بضحكات القتيل
و طفول
تزرع الألغام في كل الجسور
وبلادي في ظلام اللحظة الملتهبة
ألبسوها زمنا من ورق الخيش المقوى
و طفول
تركب القافلة القادمة الآن إلينا بالهدايا
حيث تساقط شمس فوق أحضان السبايا .
تقدمت في رئة المدينة
وخاطبت بالجرأة الحزينة :(49/88)
( ترجل أيها الرجل المسافر في قتال العسكر الوحشي آن لك الأوان.
عرج على تلك الخيام لكي تنام . و طفول تغسل كل ليل، يستحيل
الجرح في يدها رسائل تحمل البارود توصلها لأطفال يصيرون انتفاضات أليفه
آه عبدالله لو جزر الغياب وساحل الزيت استكانوا، مت في خشب الصليب .
آه لكن سوف تمشي مثلما يمشي الحبيب إلى الحبيب)
و الخاء ترفع رأسها مزدانة بالبرق والآيات
ترفض نفسها الأشياء، والخبز البعيد عن البطون،
أغنية رفضية فقدت ملامح وجهها
والجوع لحن مجرم ، لو يعرفون .
( هل مشينا
هل يمد الظل أقداما على الأحياء
هل تأتي وريقات الشهادة من دم الحجاج
نرفضها ونرفض ساكنيها )
نجمة كانت وما زالت يسيل على دماها
عطر .
تعالوا . قالت الأخبار . هل صدقت،
وهل ذهبت إلى الأرض
استحالت طفلة أخرى تعيش على هواها ؟
علمتنا كيف نختار الورود بدون خوف الخنجر البراق
لام ترسم الأغصان
كيف نكون لغما في سطور الشعر
نفتح شرفة في البيت،
آه أدركونا .
جاءت رسائلكم، حملناها ، خرجنا من سماء الضوء
أدخلنا عواصمنا إلى أرض الغرابة
وتوضأنا برمل الشهداء
وعرفنا كيف في غر ناطة تبكي سحابه
كيف صارت فجأة ، كيف استحالت
بعد أن كانت خرابه .
(جاءت الياء تزحف في جسد المستحيل،
تسمي البغايا بأسمائهن ، ترى المفردات الغريبة،
توزع نار المحبة والأصدقاء
وتمحو تقاويم عصر المرابين ، نكتب عصر النقاء)
كيف (أسماء) جاءت وما جئت
أنت
وطارت لنا زغردات قتيلة
ابتدأت من الموت، كنت مماتا لهم،
واستطعت الوصول .
المقاهي تلوك الضحايا
ونحن يتامى عرايا
ترى يفهمون الرموز؟
أنصتوا ، تبدأ النار تقرأ في سورة الساقطين .
( وكان أن تلد الثورة أبناءها )
ولكنهم يستعيرون أقنعة من خشب تأكل فيه السوسة،
وكانت الثورة -اللعبة المستطيلة، ولكنهم جولة خاسرة )
من هنا تبدأ الدرب فينا
من هنا تنهض كل الضحايا
تصير لكل الحروف أظافر
مثل الأساطير تقفز من كتب الله شوقا
ويا أختاه برحنا الهوى(49/89)
للعشق سهم أحمر ( وأنا أكون ولا أكون)
ما خنت ، لكن القوافل لا تسافر وحدها في الليل
والأصحاب ناموا ، وانتهوا في أول الدرب
استعاروا زمن القات، وقالوا :
نستريح الآن أتعبنا السفر
( وأنا أكون ولا أكون )
وتولدين من الخواصر .
نخلة بين الأغاني ، والفم المنقوع بالسم،
ارتعاشا التراتيل القبيحة .
لغة لا تستطيع القول ،
صوت ، من زمان قادم
يضرب جدران التواريخ الجريحة
حين يغتالونها في أرضها تصبح أخرى
نخلة أخرى ونهرا لا يطيع الخلفاء،
غضب
كل السلاطين هباء
والذي سمره الحجاج في بوابة التاريخ
يمشي في خليج الأعين الحمراء
أسماء بلا عنوان في كل مكان
تطبخ الثورة في قدرتها
هل يستحيل الرمز في داخلنا بوابة أخرى إلى التاريخ؟
لا تستصرخوا حزنا
(وسموا كل بنت باسمها الآن وسموها الشجر،
ريثما ، أو بلغوها بصراخ الأرض
سموا باسمها كل العذارى في السجون)
افتحوا نافذة في الريح، لوركا ولد يهوى الممات
فوق أحداق المساكين المصابين بداء الحب
في غر ناطة أو في الخليج .
(جيم . منجل تحصد الرؤوس وتبني على جثة الخليفة عالما.
عاد من صلبه . ذهبت إلى الموت. لكن طفول هنا .
تساقط الآن كل الشموس بحضن العذارى)
الذين يدوسون صدر الأغاني هنا
انتهى عهدهم ابتدا عهدنا
خليج مسالم،
يصير اسمه مثل وجه الجراح
يشيل السواعد من غمدها
ثم يتلو كتاب الخطايا الذي من ولاة الخليفة .
امتقع يا زمان الأناقة والجوع
امتقع يا زمان البغايا النظيفة .
ستبقى طفول هناك
وتبقى هنا
( وسموا كل بنت باسمها الآن وسموها القمر
غرقت في الضوء لما قاتلت موت الدخول
زينوا أسلحة الفجر، اصقلوها
أطلقوها في فم الأطفال
في ألواننا الحمراء
سموا باسمها كل الفصول)
لم تكن غائبة عنا ولكن السيوف
لا تطيق النوم في غمد الرجال.
طفلة
نعرفها الآن كما نعرف رمز الوطن المرصوص
في القلعة في أرصدة البنك التي يملكها الوالي
وجوع الزنبقات
ورموز الطلقة القادمة الآن
وطفله .(49/90)
لا تقولوا نحن في الشوق الذي نام
افتحوا باب الأساطير ، انتضوا سيفا وماء
وتعالوا فقراء
فتصيرون اشتهاءا ورعونة
نخلة هزوا فيساقط زيتا
نخلة هزوا فتساقط نار
نحن من سجن خرجنا ، آه لكن السجون
ألف بوابة شمس وظهيرة
اقطعوا بالسيف، مدوا صوتكم عبر الخليج
وشرارات الجزيرة
دمنا الحاقد من كل كتاب يصبغ الفجر ،
وأعصاب القصائد
لم تزل مشدودة والشمس في حضن العذارى
والخيول
في انتظار الفارس الغاضب، هل يعطي الشجر
ثمر السوس إذا الخضرة جاءت؟
أدركونا
لم تزل بوابة التاريخ في الشرق
وما زالت أيادينا على زند الحياة
علمتنا طفلة معنى الخطورة
في ربيع يلد الأطفال أبطالا ،
ومن نار الحدائق تستفيق القبرات .
نخلة فوق الأغاني
آه لوركا ، ها هنا الفاشست يغتالون أعناق القصائد
دمك المطلول دفئا لقلوب الشعراء
الشعراء
حيث يختال ( . . . . . . ) على عار الخليج ،
لغة دفؤك ، أزميل به يطلع شعر
ونقاتل
تركض الأرض إلى غر ناطة أو في الخليج
لا تقولوا طفلة كانت ولكن أبجديه .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سقوط البكائيات الواقفة
سقوط البكائيات الواقفة
رقم القصيدة : 5846
-----------------------------------
أمس كان الوقت باكرا ،
غدا سوف يفوت الأوان ،
. . . اليوم.
- ل -
( قفا نبك )
وهل ظلت دموع لم تصرع أشجار
وهل بقيت لنا وقفه
(قفا ) . . من قال ؟
لا نقف
وإن وقفت سهام الليل عند الباب ، إن وقفوا
إذن ، فالنار تحت رماد قتلانا وما عرفوا
سنختصر الطريق إليك منذ الآن
نلف كتابنا لفه
ونركب أي مهر أو براق نحتمي بالنور،
فانتصبي
أيا أحزان هذا البحر
يا ورداً تفتح داخل الأحداق
يا أغنية ، من قال ؟
هل وقفت سجونهم
وهل تعطي السماء الخبز ؟
لا نقف .
وحين تذيقنا الساعات كيف تصلبت في البرد أقدام
وكيف القوم حين توالد الخطر
غفوا في حانة بلهاء وانتحروا
وحين أتتهم الأخبار ما انتصروا
وقالوا ( يومنا خمر وبعد اليوم نفتكر )
لقد هاموا .
قفا أحزاننا اتحدي .(49/91)
خليج قبل موتتنا يصافحنا
فصول الحقد يا بلدي تعلمنا
(قفا . . ) لا ،
هذه النيران ما ولدت سوى من هذه الكبد
قفا . مشتاقة يدنا .
ونختصر الطريق إليك منذ الآن
نعرف كيف نخرج ، كيف ندخل مثلما الأزهار
من جرح التواريخ التي لم تعرف الإنسان
لكن البكاء سفينة مثقوبة
( هل يستطيع الزيت
أن يبقى بقاع الماء؟
هل خبز يجيء إلى
الجياع غدا بغير دماء؟ )
إليك على براق الشوق
راحلة قوافل أهلي الفقراء عبر جزيرة العرب
لتبحث في حريق الليل عن لغة تحاور نفسها
عن ثأر .
قوافلنا تجيء ونارها فيها
تعالي يا منى في النفس يا . .
( من قال ؟
من أين الدموع تجيء
كيف تصير ، كيف زنازن الكفار
أسواقا يباع البرق فيها
هل تحول عشقنا لغة
نساوم عبرها الأعداء؟
كيف النار؟)
قفا . لا
أيها الأحباب لا جدوى
سيقتلنا الوقوف
سوف تميتنا الدمعة
قفا نضحك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> خروج رأس الحسين من المدن الخائنة
خروج رأس الحسين من المدن الخائنة
رقم القصيدة : 5847
-----------------------------------
(لو تُرِكَ القَطا لنام)
صاحب الرأس
نسير بلا حيرة- كانت الحيرة مثل القناديل
في جلدنا
نسير على أرض كل الشوارع،
أقدامنا رعد كل الزوابع يتبعنا الحزن والياسمين
ونستصرخ الموت ، والموت يصرخ فينا : تجيئون ؟
برقا نجيء من المدن الخائنة
( مدينتنا لم تخن - نحن خنا )
وحين تداخلت الصور المرعبة
صرخنا ، وجئنا نسن حراب الفجيعة
نشرب خمر التغرب
نصنع من حجر الموت كأسا ، وأنخابنا
من بروق المحبة والحقد والاعتراف .
على أرض كل الشوارع في مدن الثورة النائمة
زحفنا ، ولما فتحنا كتاب السماء
ولما عرفنا الدماء
توقف نبض الحديد ، وجاءت لنا الساعة القائمة .
نسير بلا حيرة . كانت الحيرة مثل الوسام
على بطن كل الضفادع في المدن الخائنة .
نسير . ندحرج تاريخنا ونركله باحترام
ولم نأخذ الأرض بالسيف . كنا قطاة
وكانت محابرنا من دماء وكان الذي فوقنا(49/92)
يبول علينا ، ونحن نقول : اسقنا
ونشرب ، نسكر حتى تمر الليالي علينا
وحتى نصدق أن السكوت كلام .
نسير ونعرف كيف نشق التراب ، ونبذر داخله الكائنات
وكيف نحز الرؤوس ونزرعها عبر كل العصور
فنحن الحسين المسافر من كربلاء
ورأس الحسين الممزق بين دمشق وبين الخليج
ونحمله ، نستريح على سورة المومياء .
نسير ورايتنا الغالبة
ونخرج من كل كوخ على أرض هذا الخليج
لندخل كل القصور ، ونبني على رسمها قبلة غاضبه
ليزهر ورد الرماد ، الرماد الذي تحته النار أو طفلة
في ربيع الخطورة
أو جائع ، تحته نحن ، من ألف عام نصير ركاما .
ويركبنا البحر من غير صارية أو شراع
يصيد اللآلئ من قلبنا
تصير جماجمنا كرة
عليها خرائط كل المدائن حين تجوع
ويحترق الحب ، والموت ورد
وحين نجوع تصير عظام الجدود مناجم
تصير ملاعق من ذهب ورصاص
تصير مرايا وآبار نفط
( ما مر عام والخليج ليس فيه جوع) 1
ويستقبل الجوع رأس الحسين ويفتح باب الحريق
ليدخل رأس الحسين . . .
تصير البلاد عروسا لها ألف طفل وألف عشيق .
( ينتشر الحب في كل مكان ، ويسقط الحب
قتيلا لحظة المجابهة نحاول معرفة الخيط
الأسود من الخيط الأبيض يختلط كل شيء
بكل شئ )
نقيم سرادق عرس على مأتم الميتين
ونبصق كلمة حب وحقد بوجه المحقق ،
نرقص داخل كل السجون .
وتنهد جدران كل المسافات حين نمد مفاتيحنا
ترانا انقلبنا على ظهرنا
مثل هذي البلاد التي تحسن الكر و الفر
هذي الفتاة التي سرقوها بسيف
فسالت دماها براميل زيت ومن وسلوى ؟
ونبحر من كل أرض إلى كل بحر .
مدائن حزن صحارى سجون .
نسير معا ، تلد العاقرات الأغاني ،
نسير ونحن جميع اللغات الغريبة
ونحن الحبيب الذي عرف الدرب نحو الحبيبة
نسير ، انتظرنا طويلا ، تأخر موعدنا فقتلنا
وقمنا من القبر ثانية وقتلنا ،
وقمنا . . . ولكننا ما هزمنا
وسرنا مع الرأس ، سرنا إلى كل أرض وكل حياة
نسير بلا حيرة
لم تعد شعرة بيننا الآن لا وردة من دخان
فنفتح وجه الزمان(49/93)
ونحمل رأس الحسين المحاصر في كل أرض غريبة
نسير إلى مدن النار ، نحرق أسوارها ، نحترق
ونكتب فوق معاصم أطفال تلك المدن
محطات عشق وسيرا بلا حيرة في الطرق .
نسير معا اتبعونا
نلاقيكم عند رأس الخليج
نسير ونحن جميع اللغات الغريبة
ونحن الحبيب الذي عرف الدرب نحو الحبيبة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الدم الثاني
الدم الثاني
رقم القصيدة : 5848
-----------------------------------
أنت . وهل يجهلك العاشق . أنت
تغسلين اللغة المزهوة اللون. هنا لغم
.وفي خديك أو في العطش الشمسي خيط
تنشرين اللغة المألوفة الغريبة
هل بيننا جسر من الخوف
استرح يا لهب الموت الذي يغزو غبار الوطن
الأول . تأتين من الأزرق حتى آخر الأرض
لتدنو طفلة مستعرة
كخدود الشجرة
اطلعوا من خضرة اليأس
فهذا الوطن الأنثى وأنتم
أنت
هل يعرفك العاشق أم يجهلك العسكر
هل يلتقيان
بين جلد الجسد المسحوب من آخرة الماء
وبين الشهداء
وأنا - أنتظر الوقت لكي يدخل في الوقت
وطير يحمل الأطفال في ريش من الطين - هنا
جالس ليست يدي صارية تعلو ولا كفي شرار
انه الليل الذي حو لني غصنا من النوم إلى الماء
فصار الماء نار
كيف لا يطلع هذا الوهم من نافذتي
كيف لا نافذة ت فتح في النوم ولا ريح تجي
كيف لا أعرف لا أعرف
تجلس الصرخة الآن بين الحدائق
تستصرخ الموت أو تستغيث
من الجرح بالرمح
لا تتركوا الصوت يمضي بعيدا وأنتم هنا
انها الصرخة المستعارة من نكهة القتل
لا تتركوها
سيبقى الجنون لنا راية
وتقبين أنت
وأنت التي ود عتني كثيرا ولكنها لا ت سافر
وأنت التي حو لتني قصائد خوف
ولكنها علمتني أ غامر
-وأنت
:أنا أذكر الآن - قلت
لم لا تبقى معي
لم لا أبقى معك
لم لا نبقى معا؟
ولكنها عذ بتني
خذيني إلى ضفتيك المحاصرتين
أخاصرك ثم نرقص
كي تمطر الأرض أسلحة
والحدائق نفتحها للمصابين بالعشق
هاتي . خذيني . هو الحب هذا السؤال
كما اللغم يصعقنا كل يوم جميل(49/94)
وفي دهشة الخوف أجلس . أستنطق الوقت
لا وقت للكلمات المعارة من جدول الصمت
لا وقت للكلمات
لكني خذوا قدمي سوف تمشي على كل لغم
وتنسف كل الخرائط لكن خذوني
حو لني العشق شيئا من النار
شيئا من الماء
هل تسأل النار عن مائي الأول
أم يسأل البرق عن معطف الخوف
ندخل كالماء في الأرض أو نتداخل
نستوطن القبلة الخائفة
عادة نلتقي في الحروب المستهامة
بالنوم
أو في نهاياتها العاصفة
إذا حولتك السجون انتقالا من اللون
قل هذه حربنا الخاطفة
ليس في الحب نصف
جنوني عصف وأنت اجتياح
وهذا الوطن
حو لوه إلى عسل خاثر بالجريمة والحب رمز
سأعرف كيف أحاصر صوت ك عشقا
أ حوله أغنيات لأطفالنا المقبلين
فمن حمرة البحر يأتي مناخ الشجر
ومن خضرة الأرض تطلع رائحة الرعب فينا
لنخلع خوفا ونصنع للعالم الخوف منا
تعالي هنا سيد العشق أسطورة للعذاب
تعالي سيعرفك العاشقون المعارون للنار
يعرفك الناهضون من النوم
يعرفك التائهون
أنا شهوة الهدم
كل السلاطين أحذية للغزاة
:تساءلت
هذا مضيق يبرز خنا بين فخذيه
أم يستبينا؟
أنا أول البحر هل يبدأ البحر فيكم
وأنت
بلادي نوافذ ها للبكاء
وأبوابها للعساكر مفتوحة كالسماء
وأنت ي غازلك الشاعر الوهج
والشاعر الرهج
لكنك تجفلينز
قد قلت - ولتحمل الريح صوتي
هنا المهرجانات قائمة
كي تسمي للون لونين
للقوس عائلة كالقزح
وتمسح في الجرح طعم الفرح
وقد قلت :
مابين خط البياض وخط السواد
خصومة
نحن الطفولة للأرض أنت الأمومة
واللون سيدة مصطفاة من البحر
لا تتركوا العيد يأخذنكم غفلة
انه الحزن
هذا النبي الجديد
فلا العيد عيد ولا المهرجان الفجائي برق
ولا الصولجان
فقد علمتني البلاد الغريبة ايقاعها
أخذت من يدي مائي الأول المستريب
وأعطتني ماءا لأسرار ها
انها الآن تصغي لنا
علنا نستحيل النبوءة والانبياء
نصير خرابا يحول هذي الخرائب
حقلا وبيت
نحر ض هذا السواد على الأبيض النائم الآن في العين
نستصرخ المرأة كي تحضن اليوم عشاقها(49/95)
والطقس كي نحضر العرس والمستحيل
ونستقبل الرعب في الصدر حبا
ولا نستقيل
أنت اذن
ترسلين الاشارات والرمز للغائبين عن الحلم
تستفردين بقلبي
فنمتد بين القصيدة والقبر فاكهة للبكاء
فكيف ألملم قافيتي من فناء البلاد الأليفة
وأكتب كي يقرأ الهدم جذر السكون
وكيف أغادر تاريخك الدموي المسور
بالشجر الانثوي
إ نهم يعرفون
فالخبز لا يشبه الخبز والصوت لا يشبه الفم
وهذي اللغات التي أرهقوها ستخذل أطفالنا
في الصباح
فكل الدفاتر وحشية كالجنود المعارين
للعرس والمهرجان
ولكنهم يهرفون
وأنت ولست وحيدا
فجيش الهجوم معي
في الأصابع والكتف والقدمين اللتين تصيغان
للغم صوتا
وللصوت دم
تعالي
تعالوا هنا لغة لا تخاف
وأرض ست شهر نصلا رهيفا وتسكن في الغيم
قبل الشتاء
تحاوركم
إنه العنف قابلة للولاد ة
تسألكم نزهة في السؤال
توزع أسمالها ثرة في الدخول
وتغلق فخدين جنا بوقت الخروج
لتفتح دفتر عشاقها الضائعين
ولست وحيدا
وقفت بين شعرة الحب وأول القراءة
كانت يدي صديقة العشاق كنت الشجر الخجول
وكان مائي طفلة الحقول
تمشي ويمشي خلفها البكاء
وكلما قرأت في حب يصير سيدي
وكل شكل أول البراءة
وقفت عند الرأس كان نزهة , وعرس
دخلت من يعرفني
إ سم من الأ سماء
أمتد من سورة ياسين إلى طفولة الأشياء
أبتكر الآية من أولها ياوطني المراق
كنت نهرا وشمس
تصعد فوق الهمس
كيف استحال صوتك الر اعد كالهجوم
بحيرة يغرقها الوجوم
ولست وحدي إنها النجوم
والكوكب الداخل في بكورة الهموم
والشجر الناعس فوق صدرها والعوسج المسموم
والوردة الضاحكة النهدين
والقلب في العينين
أنت وهذا الو له الشاهق والقصائد
بين حروف الرفض والقبول
تأصلي : كأنني الأرض التي تجوع للحقول
كأنك الغرسة أو كأنك الأ صول
هل صعب
وهل ضاقت بنا الأرض
هنا في القلب متسع تعالي
ماؤك الدموي تاريخي
يجيء الحب من شفتين زاهبتين
هل صعب
وهل بوابة للعشق ما ضحكت سوى للبحر
تسمعنا
وقبلتك الأخيرة دهشة في الخوف(49/96)
ها زنزانتي تسع الفضاء
وليس صعب أن نكون
فأنت في جهة ستأخذ شكلها السري من لغتي
وتدخل في قميص الكون كوكبة وتخرج في جنوني
راية للهجم
أو للهدم
لا تستعطف الجلاد لا يأخذها الشرطي
من مذبحة الشارع
أنت جهتي الأخرى
طوى راحتيه على الحزن
تعود أن يحفظ الحزن سرا تعو ده الحزن
تحسس جرحا على الصدر ي سمونه القلب
قال للماء :
غير رداءك
خذ لون وجهي والبس قميصي
واصبح دمي
يا أيها الماء غاد ر فمي
واحتملني
قال للماء
ضيعت مني دما في الهواء
وقد كانت الأرض مشتاقة للدماء
وقد كانت الأرض مشتاقة
وقد كانت الأرض
قلت
من ينقذ الماء من لونه
يستحيل حريقا يحول هذي الحديقة حربا
فيا أيها الصمت يا أيها الخوف يا أنبياء الخصومة
مابين نهر الغزاة ونهر الغر ق
نزهة الأ صدقاء الذين يموتون حبا
ويستنجدون من الصوت بالصمت
لا يقرأون سوى الذاكرة
ويا أصدقاء الأنوثة هل تعرفون الغواية
بين البداية في الحلم والآخرة
انها المرأة المستقاة من الجرح محمولة كالرماح
وملجومة كالرياح
استفزوا الأقاليم كي تنهض الأرض من نومها
واستعيروا من البرق زو ادة للرحيل
وجيئوا من الصيف والسيف والقبلة الساهرة
هي الآن مرتاحة في ضميري
تراوح بين الدماء وبين المياه
تعالي دما آخرا سوف يقرأه الأنبياء
وينسجه الغيم بيتا لنا
انه الطقس يسرق أزياءه من بلادي
ويغوى
لنا الرمز يمشي على فوهة كي يفجر ما لا يقال
اذن هكذا تكتبون الطريق المؤدي إلى الظل
فوق الطريق المؤدي إلى الخاصرة
أيعرف هذا الشهيق المؤجل لوني
تداخلت في وله العنف جيئوا
إذا استوت الأرض كو رتها بغتة وانشطرت على صدرها
ليس غير الجنون الذي يلبس الحقل خوفا
وليس سوى شجر الغزو في الوجه
والشمس طاقية للعصافير
هل كل يوم يدوس علينا يؤجلنا للدخول
اذن سوف ندخل من حيث لا يدخل الآخرون
وأنت معي كوكب في الهجوم
سيقتلنا العصف
لكن سيغرق أعداؤنا في الوجوم
أحاول معرفة الجهة الواقفة
فأكتشف الوصل بيني وبين الرماد(49/97)
وبيني وبين الفساد المؤسس في الدم
كيف أحول أعصابنا لهجة راعفة
وأسأل
هل جمرة القبر أنا أم ثلجة الحياة
هل أول الأرض أنا أم آخر المياه - وهل إلهي
حاكم أم انني إله
فتدخل الغزالة المحاصرة
في الأفق الشمسي والدهشة والمغامرة
وتبحر المراكب المسو رة
بالحلم الوحشي حبا واللغات الكافرة
تعالوا إذن غيروا شكل أجسادكم
ثم صيغوا الخرائط كي تضحك الأرض
كي يدخل الرقم في الحرف والوطن الطفل
في الأصل
ينتشر الوعد كالرعد والحزن سيدنا
فيالذة الفضح , لا شيء يفصل بين الوساوس
والصوت غير البكاء
ولا شيء يبكي سوى العورة النائمة
هو الخشب المر والرحلة الواقفة
ونافذتان على الكون
واحدة تعرفين اختياراتها الشائكة
وواحدة تعرفون السطوع الطفولي في الماء والسر
اخلعوني من القيد كي تنصبوني على القوس
لا يدخل الضوء إلا العصافير في الفجر
والمهرة الخائفة
هي الأرض لغم رهيف كحلم الطفولة
لو تستحيل الطفولة نافذة للكلام
لكنا قريبين كالفاجعة
وكنا علانية في الحدائق نستصرخ العشق
والحزن سيدنا
ثم أسمع رائحة الثورة الزاحفة
غيروا شكل أسمائكم
غيروا الشعر والخبز والعشب لكن
دعوني أغني دمي مرة قبل موتي
دعون أوقع تاريخي المستهام ارتعاشا
بصوتي
لكم صوتكم
وهي صوتي
أنت ورائحة الثورة الطفلة الوجه أنت
غيروا شكل أطفالكم
غير الصوت ايقاعه في دمائي تغيرت
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> نكهة الرعد
نكهة الرعد
رقم القصيدة : 5849
-----------------------------------
فجأة صار انتصاري خشباً في النعش ، صار النعش باب
وتساءلت عن الموت / هل الريح طريق ، والتراب
كيف .. ؟ / هذا شجر الدهشة في ثوبي
( هاجرت الثياب)
قلت من أين دمائي ؟
صوت هذا الشارع المزدان بالصحو ، وبالعنف
وغادرت الغياب
وأنا في أول الحلم / استحلنا غضباً
سرنا وصرنا صرخة في غابة النوم
ابتدأنا في نهايات الوقوف
تذكرون ،
قلت هذي الرئة الأخرى لهم ، هذا الرماد
تحته قنبلة موقوتة ، هل تذكرون ؟(49/98)
أعرف الإيقاع ، أستنفر ، أعطي ، وأنا حلم العيون
( علمتني لغة البرق
دخول العصف والرقص
وأعطتني الحنين )
أعطني ساعدك الدامي ، أنا الطفل
وأنت الحلمة الملتهبة
شعبي المرتعش الملدوغ من كل الجهات
أعطني كل أغاني ، وأعطيك اللغات الهاربة
يا زمان الضحك والجوع أتينا
رافقتنا الجهة المختصرة
وحديث الشجرة
نحن من فاكهة الرعد وغصن الشمس ، نحن الثمرة
( أسأل الأرض ولكن السماء
سقطت وانكسرت ، صارت دماء)
يمطر الظل نحيباً في ضلوعي ، والبيوت
فرح في أول العمر / جلسنا في جدار الوردة الحمراء
غازلنا تواريخ القيامة
وتبادلنا حمامة
ريشها اللون الذي لا ينتهي
بيتها في آخر الصيف ، وحد السيف بيتي
إشتعلنا
( كذب العراف في القصر
وجاء الرعد في كوخ على ملح الخليج)
نحن في عشق العذارى والغصون
يا زمان القتلة
شارد من زهر الوالي وتقويم الخليفة
- هل تراقصنا وكنا جهلة ؟
كنت لا أقرأ غير الرمل ، لا أعرف لوني
أعذريني ، خائف من لغة الحزن عليك
إشتعلنا
عندنا نافذة للخوف / عندي لغة النار
وصوتي رحلة متصلة
ينبغي أن نرقص الآن على الإيقاع
أعطوا صوتكم صوتي ، ونادوني إلى العزف
تعالوا
ينبغي أن نحسن الرقص على رسم القصور الزائلة .
ألبس الشمس / اغتربنا عنك يا أخبارنا / هل عانقوني ؟
فجأة أصبحت في الحلم / ولي غصن العصافير
وعندي كلمة السر
ترجلنا عن الجسر القديم
دخلت أطرافنا في الضوء
وارتاحت / قتلنا مرة أخرى بلا جرم
وأعطوا لحمنا للطير ( هل رافقتموني ؟)
وليكن قيدي سجاني جنوني
خشباً للدفء ، هذي حلبة الرقص / ومن باب الجنون
تدخل الثورة أسمالاً وأطفالاً / لدينا كلمة في السر
أنتم
ولنكن سوسة هذا العصر / هذي المهزلة
ارفضوا أن يضحك الطفل من الحزن
اخرجوا يا فرحة مفتعلة
( هل ستعطينا مخاضات الغراب
قمراً أو قنبلة ؟)
حين صارت يدنا الجسر - عبرنا
واخترعنا لهجة يعرفها التاريخ / أصغوا
يكتب التاريخ صوتاً / لهب صوتي /
اتصلنا بجذور الغيم /(49/99)
شادوا من عظام الناس أقفالاً / تطاولنا /
ترى هل أ سكنونا الوردة المنفردة
والزوايا الباردة ؟
قلت : لما يجيء الوقت ، وجاء الوقت .. جاء
تكدسوا في المداخل . اعتقلوا . اغتالوا. صدرت مراسيم الخوف .
واتكأ الحكم على مقصلة. من يرتق الفتوق الكثيرة ؟
عندنا خاتمة الرحلة / أمشي
معي الريح وعصف الجوع / أمشي
جهتي قافية يكتبها الجمع ، يغني لحنها الأطفال تمشي معنا الريح
/ هل الدهشة في ثوبي / هل في شجر العشق تجمعنا
/ وهل في ورق الورد
( اشتعلنا
علنا نستغفر الرغبة في الرقص ولغم الموت
هل ... ؟ )
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تحولات طرفة بن الوردة
تحولات طرفة بن الوردة
رقم القصيدة : 5850
-----------------------------------
منذ أن مزقت أوراقي أمام الليل واجتزت القبيلة
ركضت أشعاري العطشى وراء الماء
صرت الصوت يرقص حوله الأطفال والغزلان
والأرض البخيلة
جئت في موسم عرس الشمس لكني تأخرت عن الجلوة
لم أشرب سوى خمر السكوت
قلت :
هل أسكر أم أغسل وجه البحر
هل أضحك في حزن البيوت ؟
باغتتني صرخة القلب
انهضي يا مدن النوم
وهاتي يدك اليسرى فإن الرقص جاء
هل تناثرنا معاً في الماء واجتزنا القبيلة ؟
أخرجوني من الغمد
ناديت : هذي بلاد تآمر فيها السماسرة الخلفاء
على الأنبياء
هذي بلاد ستأكل من ثديها حرة
وناديت :
هذي بلاد ستخلع أبناءها واحداً واحداً
في الخفاء
ومازلت أعشق هذي البلاد التي قتلتني
مازلت أحملها كوكباً في قميصي
وأقبل أعذارها ، ثم أصرخ فيها
بلادي التي تشبه القتل مدعوة في المساء
لتحضر جلوة عشاقها حرة
ومدعوة لاختراق الدماء الخجولة.
رأيت الذي سوف يحدث حاورني
ما الذي حول الغصن بيتاً
و حولني ضحكة في البكاء .
وحيد وصحرائي العشق
مازلت أخلق في الليل باباً ونافذة للحوار
وأبحث عن شاطئ يرسم البحر
مثل البلاد التي سوف أقبل أعذارها
ثم أصرخ
أيتها الأرض لا تخذليني
أيتها المرأة المستقرة في القلب والقيد
لا تقتليني(49/100)
تقدموا معي. هنا الكلمة التي من آلاف السنين أقف فيها . لم يكن بوسعي أن أجلس . لم يكن بإمكانها أن تعود. كل الجهات مغلقة. أنا والكلمة نقطة وحولها يدور العالم. تأتي عصور وتذهب . يتحول كل شئ وقضاة العالم حكموا بأن الكلمة جميلة وطيبة ومقدسة ، لكن يجب أن تقف . ص
وضعوني شرارة في الثلج ومضوا درجة البعد والاقتراب لا تكاد تقاس في حالة انعدام الوزن لكن تقدموا لا أدعوكم، لكن تقدموا لا أحذركم، لكن أعتذر عن هذا الحب . تقدموا في غبطة الأشياء لا تتوقفوا كثيراً مثلما وقفت .
الكلمة وأنا وأنتم إذا لم نتحول انكسرنا.
إقرأ بسم هذا الدم
ولنسكر معا في خمرنا الثوري
هذا العرس مفتاح لأسرار الأساطير . انطلق
لا توقف الصحراء سيفاً غارقاً في النوم
أو في الحلم
إقرأ بسم هذا الدم
أطفالي حروف تثقب التاريخ تبقى هجرة
في جرحنا الشمسي
تمشي نجمة
نمشي معاً في خمرنا الثوري
لا تفتح يداً أخرى سوى للماء
لا تعط السما لغة
هنا الكون الذي يأتي من الأسماء
والأسماء دامية
لتقرأ ، ولتصغ رعداً
لتقرأ ، ولتصغ أسطورة مفتوحة الأبواب
ولندخل معا رقصاً
فهذا الكون هذا الشارع المزحوم بالخيبة
وهذا الـ ...
.... كيف لي أن أفتح الرغبة في نفسي على الخذلان
يا نفسي التي هرمت وتاهت في صحارى العشق
يا نفسي التي تعبت من الألوان
يا قلبي المشرد في محطات البرودة يا ..
هنا وقت تسافر طلقة في الحبر أو في الدم
أحملها وأعرف أن في ثوبي وفي كتبي غرور البحر
قلبي راكض في الليل
خلف الليل
من يعطي لأعصابي دماً أخر ؟
هنا تهتز بين العين والأخرى لغات الطفل
تكبر ، تستحيل الشمس عصفوراً أغازله
وأعرف أن هذا القلب موثوق بحد السيف في كفي
وأعرف أن في خوفي
نوافذ تفتح الأيام.
أمشي على الأحزان . والأشجار
نوافذ للعالم الموصد للأخبار
تنقل صوتي أول النهار
تنقل موتي آخر النهار
في سفري أكتشف الحياة في مرآة
يكسرها الرصاص . والرصاص
مخبأ في كتب الحرب ، وحلم النار(49/101)
في شفتي أطفالنا يهز هذا النخل
هذي اللغة البخار
يا لغة تحملني في أول النهار
تقتلني في آخر النهار .
أحمل اغتيالي ولا أدري. في المرة الماضية لم أقرأ. والآن ، من جنون الماء وبراءة الخنجر ، أرسلني الخليفة بهذا القتل إلى هنا :
( من الخليفة الدائم ، الذي لا ينام إلا بين فخذي امرأة ، ولا يتوضأ بغير الدم ولا تخلو سجونه من الشعراء والعشاق ، إلى عاملنا في البحرين ، حين يصلكم حامل هذا الكتاب ، اعملوا سريعاً على قتله من قبل أن يرف جفنه اليسار ، ولتحرقوا ما قال من أشعار ، وأتوا لنا بال
هكذا أخبرتني بلادي التي كتبت أسمها في القصيدة
وأعطتني صوتي وألوان حبري
ولكنها شردتني
وحين التقينا قبلت جميع اعتذاراتها
وقلت احمليني يداً للهدايا الجديدة
( هل أنا يا بلادي البتول
هل أنا هارب في الصحارى
وأنت انتظار لقتلي
وأنت طفول ؟)
تبدأ الأرض ،
يطاردني الليل والوحشة المائلة
هل الشعر والعشق جرح
وهل يقتل الحرف أن كان بحثاً عن الأسئلة
يا سماء البلاد الصغيرة يا أرضها القاحلة
لبست قميص الغرابة والدهشة القاتلة
تحولت شوكاً بأحداقهم في الصباح
وناراً وثلجاً وبابا
فلم يفتحوا لي كتابا
وقاومت قوساً من القهر والاحتضار
فتحت النهار
وما مت يا قلب هذى البلاد الصغيرة
يا دمعة سائلة.
كوني في اللقاء وردة تسكب ضوئها في أرجائي. أمنحك الحب .
حبي والسجن طريق مزروع بالوحشة والانتظار.
كوني في هذه الصخور المسنونة وردة أو لا تكوني.
شارد ، شهوتي العنف . تجرع لغتي .صرخة في الليل في الصحراء ماء
كنت مرسوماً على الضوء ، وكنا نشرب الضوء معاً
قلت تاريخي رماد وتراثي دمي المخلوع
كان الطقس يحمل رؤية الآتي
تقدم
لا تقف في الظل
كان الطقس يحمل جثة للبيت
يطرق كل نافذة ويدخل ساطعاً كالصوت.
من سماك مقتولاً ولا تقرأ
من أعطاك قتلاً قبل وقت العرس
هل تقرأ لون القتل في الصفحة في كفيك
في الدم الذي يفصد أو يركض
فوق النهر أو في ... ؟
أقرأ الآن عناوين السجون(49/102)
وتواريخ الفتوحات التي تغلق أبواب الدخول
وليكن صوتي جسراً
يا طفول
طرفة الآن براق يكسر السقف السماوي
ويعطي الرعد إذناً بالنزول
فافتحي شباك زنزاناته العذراء
كي يجلس ضوء البرق في عينيك
يأتي طرفة الآن وبعد الآن في ماء الحقول
( من الذي يقرأ هذا الرمز والإضاءة
من الذي يصير التاريخ قطرتي دم
من الذي يحول الرماد من نار إلى براءة
من يعرف القراءة ؟)
لما جاءني الأصحاب
لاقوني قتيلاً فوق نهر الخمر
شالوني و أعطوا ساعدي المقطوع تفاحاً
وخلوا وردة في الصدر
لما قمت لم يبق سوى التفاح
أين الورد
هل يأتي مع الأصحاب ؟
يجئ دمي في البريد البطيء
يستنفر الماء أطرافه
والجزيرة زوادة للمرابين
جيئوا كما يحضر الحلم قبل الصباح .
وقفت قائمة الشمس على أكتافنا في الفجر
لكن الظهيرة
صهرت آخر تمثال من الشمع حوالينا
وكالماء انسكبنا
لم يكن طرفة هذا الرمز في هذى الجزيرة
دخل الصحراء كي يزرعها شعراً وأطفالاً
وجاء
نقطة الأرض التي يغرس فيها السيف
لم تفتح له باباً ولم تصغ إليه
لغة مكسورة القلب تحاورنا بها
ورسمنا شجراً فيها وزيتنا السلاح
وتصايحنا لأن الليل دهر
هل تأخرنا ولم يأت الصباح ؟
لقد صاغوا لنا تاريخاً من الكذب ، يولد الشاعر ولا يعطونه الفرح
لكن يعدون له السجن والنعش والمقصلة ويقولون (لقد كان) .
هل أسمي غربة الروح التي تسكنني حلماً
واحتال على الليل لكي يمضي ونبقى أصدقاء
هل يظل العوسج الشوكي مرتاحاً على نحري
وأدعو للغناء
هل أقول الشعر و السيف الذي في الحلق
مسنون بعظم الشعراء
هل أنا في وحشة الصحراء مشدود إلى الشمس
بآي دون ماء
هل أنادي الفقراء .
إنها آخرة الأرض وبدء البحر
هاتوا الخمر ولنرقص معاً
هاتوا الغناء
ساعدي جرح وخصر الوطن الراقص في صدري عرس
وطفول
خمرنا الثوري فلنشرب معاً
حول الصحراء حقلاً صاخباً يزهو
لكي نبقى معاً .
يعبر الوردة والنهر ويقرأ
اقرأوا ، فالدم تاريخ
مشى طرفة مقتولاً وعيناه كلام(49/103)
شجر يرتعش الحلم على أغصانه قبل الظلام
شجر
في كل يوم تقتل الراحة من يمتد في الصمت ولا يقرأ
يأتي بغتة
أو سوف يأتي أو أتى كالوقت
والوقت سلام .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> غنغرينا . وأول الماء حلم
غنغرينا . وأول الماء حلم
رقم القصيدة : 5851
-----------------------------------
لو يسطع الرعب في راحتي و يمشي .
دوار يخض حنين الشهادة والبدء
مازلت في أول الموت
هذا تراب النبيين في ساعدي
سرير الطفولة يهتز
لكنه لا ينام.
وطن واحد. حولوني إلى قبعات وكوفية
إلى خوذة يغادرها كل يوم شهيد
وأدخل
سيدة الليل لا تفتحي نهدك الآن
سيدتي في مدار الفصول التي عذبت قيدها
اغلقي فجوة الصيف
لو يسطع الرعب
سيدتي
كل موت يشيل الغبار عن الأرض
والأرض محمولة في جبيني
هل أستعير اللغات المريضة كي أوضح الهمس.
لقد أرهقتني المحطات والحرب واقفة وحدها
أرهقتني المحطات والرعب واعدني في المساء
هنا المحطات مرهقة . غادرتني الغصون وأخبارها
واستل نوم العصور انحداراته واصطفاني على النعش
منذ احتلمنا على الأرض ما فارقتنا القبور
قبور تحكم أطرافها في الحياة
قبور تمد الجسور إلى الحلم
والقبر قاطرتي
والجيوش التي يهزم الجوع أحلامها الشائكة
أنا الوطن العربي الذي كان أغنية في الرماد
الذي صيرته الرياح احتضاراً توقعه اللغة الضاحكة
بخار يحوله الصمت أرجوحة للكلام
ودهراً من الدم يمتد في سور هذي الخريطة :
أفريقيا لهب مستثار
ونار الغصون التي تكتب الشعر مثل الهواء
أفريقيا
لماذا الكلام
يمتد نهراً من الدم . هذي الخريطة :
في كل أرض لي الآن عاصمة للخجل ، وعاصمة للبكاء
هو النيل دمع وماء الفرات دم واشتهاء
وتاريخ يافا المجفف يترك قاعات حظر التحول
من مومياء ، إلى أنبياء
لماذا البكاء
يمتد نهراً من الدم ، هذى الخريطة :
خليج من النوم والعاصفة
استداروا يغطون أطرافها بالعباءات
يستفردون بها نقطة نقطة .
حلم جامح يكسر الوقت ، والمجلس الآن منعقد(49/104)
حلم يتحول من أول العمر حتى احتضار القتيل
والشرطة الآن منذورة كي تضبط الوقت فوق المعاصم
حلم تهجيته
ح ل م
في طرف الحلم قبر :
لقد كان سلطان نجمة صبح فصار في طرف الحلم قبراً
: إذا مر لغم على بابكم في المساء وغنى ، فهذا محمد في طرف القبر .
حلم : أنا الطرف الثالث للحلم. ماء يسير ويختصر الموت والمهرجان.
سأفصل مابين عصر الوقوف وبيني
لي الآن حرية في الرحيل
لغاتي ذائبة وحدها في الهواء
إذا شئت أدخل من فجوة الليل أو أستقيل
حوانيت توزع مرض الحزن والنوم. ومصحات بحجم السأم المرابط تنشر سلالة الشرطي والصلاة والشفق واحتقان الأمل في الوريد . وتحتل الغفلة جيلاً بلا أسئلة.
أنا خندق عمقته السؤالات والشك أن الطفولة ماء
وأن النخيل طريق إلى الماء .
وطن ! ؟
هذا انتظار مجرم
هل يخرج التمثال من أحجاره السوداء. هذا وطن
قولوا
لماذا ؟
كيف ؟
من أين ؟
إلى أين ؟
رجوع نحو كهف الله . من يأخذكم للتيه
هذي جثث تجلس فوق الحكم
والتاريخ في زنزانة البنك
وفي صمت الملايين التي تركع باسم الثورة الراقصة الآن على الحبل
وأخبار الملوك
تخرجون الآن من أكفانكم
حجر النوم إله. وتغنون لعيد القتل
تبكون تصلون من الهجرة حتى حرب تشرين التي حولها
الناطق باسم الخلفاء متحفاً
وقبيل الموت تنثالون كالرمل
هنا مستنقع الرغبة في زيف الفتوحات التي تصقل أبواب السجون.
شهي زهوك الطازج الرائق الآن ، مفتوحة النهد لا يحمل السيف دون انفجار الوقيعة ما بين أحداقك المستحيلات أشجار صحو وبين البكاء
شهي ،
والورد يبدأ عند الصباح بقامته الفارعة
والشمس مرتاحة
عكازها النخل ، والماء يسأل :
هل أدخل الآن جرح السماء
وأخرج من فتق كل السلاطين ؟
الماء يسأل الماء.
لو يسطع الرعب في راحتي ويمشي
ليعرف ماء السؤال احتمالاته الساهرة
ليرحل في وردة الليل سهواً . ونسمع في نشرة الطقس
عرس الأقاليم كي لا يموت الجياع على كاهلي
فيخضر قاع السماء
وتمشي الفصول إلى الماء حاملة قيدها(49/105)
لو الرعب شكل يحدده الوقت
لو الرعب وقت له شكل خارطة
لاستحالت نوافذها شرفة للقاء
أنا الوطن العربي الذي جرحته الحروب الحكومية الختم
مازالت الأرض مفطورة بالسكوت
ومازال في خدها الوشم لغزاً يسمونه القدس
عرساً يسمونه كربلاء .
وطن
هذا اختمار شجر عاشره الدم
سباقات إلى الذبح تسمى فرحاً
والشعب في نهد بلا قاع
ولا رائحة الراحة تجتاح غصون الأرض
والأرض غبار .
جسد ،
تعب الماضي يغطي نفق الحلم ولا ندخل في الحرف
سوى لهث يموت
وطن . شاهدة القبر أنا
من هنا قتل وموت سيد يأتي وباب يغلق الأرض
على سكانها
من هنا شجر يأخذ شكل الجثث المصقولة الأطراف
والنوم الذي يشبه قتل الأنبياء
جسد مهترئ تزرق جدران المسافات بلا أذن
ويبقى عفناً للذكريات
ونفاق القبلات المستريبة
وعلامات من اللون الرمادي المقوى
بين رمز الجسد الأول للحلم وبين الشعراء
افتحي نهدك يا سيدتي للماء كي تغتسلي
ويظل الكون مزهواً لأن الكلمات
حولتها الثورة المفتعلة
كفناً للأسئلة .
الماء السري الذي يشبه البرق لا يمر من البرلمان ولا تكتبه السماء
الماء : هو بحر من هناك نهر من هنا وخليج يأخذ شكل الوقت .
يا وردة الليل يا لونها المستباح
يغطون أحداقك العاشقات برمز من الطين
يسمونك الحلم
والليل دهر قصير يغير عنوانه في الصباح
يا وردة الليل
غيرت كل اتجاهات هذي الحروف
تعالي من الطرف البكر
كل الدروب القديمة ملغومة
لي وحدي حرية في الرحيل إلى مدن الماء
والسر في جسد بارد
هل تسألون القتيل عن الرمز ؟
وحدي
تعالي شتاء له شهوة العرس . هذي الحديقة جبانة
والقصائد نعش وكل الشهود يقولون
أن الجريمة واضحة كالدخان
وأنت هنا وردة الليل متهم صدرك المستهام
ومزدانة بالرؤوس الفدائية أكتافهم
والقضاة يحنون أطرافهم بالدماء
قطرة قطرة
انه الدم العربي انبجاس من الوهم
يركض
يرسم
يلبس ثوب الحضور ويدخل نار الغرابة
ما بين عنق الكتابة والسأم
ليس أمام القتيل سوى الموت
يخرج من هذا التفسخ جسد(49/106)
يبدأ في التفسخ .
الوطن يتكئ على الشهداء
يفتح باب ويغلق .
تطل نافذة وتسقط
لا أحد يدخل لا أحد يخرج
فتبدأ الرائحة .
دم عربي على ضوئه يدخل العسكر البيت يستدفئون
وطن عبد
والحرب مرهونة باللغات التي صقلتها الطفولة
جبانة كل درب تقود إلى حلمنا الأبدي
ساعة الحائط الآن تجهل وقت انتصاراتنا
لا يدخل الحرب إلا شريد
ويخرج في خوذة فارغة
ولا تعرف الساعة موعدنا الدموي
انه ضائع بين حبر المراسيم والصرخة الغارقة
دم عربي
أيسطع رعب على راحتي ويمشي
دواراً تموتون في رعشة الحلم
هذا سرير الطفولة يهتز لكنه لا ينام
فيا سيد الموت يا وردة الليل يا كل احتضاراتنا
لي الآن حرية في الرحيل
ولي لغة استقيها من الماء أبكي على صدرها
أرهقتني محطات أشعاركم
وحيد على زنبق الماء وقت يسمى
ق ا س م
قوس إلى سحر أمجادكم
افتحي نهدك
إنني أول الماء
موتي نبي يغادر قرآنه
ثم يغلق باب السماء
افتحي نهدك
أول الماء والماء يسأل
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> وقت الحلم الأول
وقت الحلم الأول
رقم القصيدة : 5852
-----------------------------------
قولوا
من يعطي هذا الوقت الواقف صوته
قولوا
من يأخذ عن هذا الغصن الطالع موته ؟
من منكم يا أبناء النوم الساطع يخرج من دائرة الصوم
ويرج حياد الماء علانية ويفارق صمته ؟
أنتم يا رئة الله المائلة اللون
يا زمن الحلم الراجع خلف رماد الكون
هل يعرف هذا الحجر الجالس ما بين الكتفين
حدود الحلم الأول ؟
يا حجر الماء الأول
سأقول الليلة حملي الآخر
يا أبناء الحلم الأول
يا منشغلين بغزل قميص الحلم الأول
فضوا سيرة أبنائي
ودعوا صوتي المكسور يقول :
هذا الوقت المصلوب على صدري وقت مجنون
وأنا منتشر كالعطر الأخرس من خمس سنين
وقت جامح
غطوه بصبر الحلم الأول
وانفتح الجرح الأول
تساقط أغصان الشمس على الماء
وترسل أوراق الليل نشيج الأسماء
يترجل حبر الرغبة في الصوت الصارخ
ويكاد الرمل الأصفر يذبحني
وأنا منتصب كحروف النفي(49/107)
قدمي الأولى في قبر الحلم الأول
قدمي الأخرى في وطني
ويكاد الرمل الأصفر يذبحني
قولوا
من منكم لا يلمح صورته في قاع الكأس
من منكم لا يتذكر تاريخ ولادته
وطول أصابعه
وملامحه منذ الصحوة حتى الرأس
في كل خيوط الثوب أراه يلوح لي جرحاً
وأراه ملوحة هذا الكون المائل
أنتم يا أبناء الحلم الأول خلف الباب
وأنا في حلمي الآخر منذور دون جواب
وأنا السائل
إن كان النوم ، الراحة ، حبل السرة
أطراف الفعل البارد ، غفلتكم
وتراث الميلاد ، وطعم الله
إن كنتم منسجمين معاً
إن كان المجلس ، والصحف الصفراء ، ونهر العمال
يصبون الأحلام معاً
إن كنتم مقتنعين بأن الشمس غداً
تشرق باسم القانون
إن كانت أقدام الطفل تضيع بأحذية السلطان
وأن الطلقة ضائعة مازالت تبحث عن عنوان
إن كنتم منسجمين معاً في نوم الحلم الأول
والنوم صلاة الزمن الواقف
لا تنتبهوا
سيجيء زمان الصحوة يا أبناء وحيد القرن
يا قوماً إن ماتوا انتبهوا
هذي الليلة أولها غيم أسود
آخرها مطر أخضر
هذي خاتمة البدء ونحن القطرات الأولى
فليمسح كل منكم قطرات الدم عن الياقات
وليدفن موتاكم موتاهم
في ظل سلام الليل الوطني
حين خرجت جريحاً من كهف الحلم الأول
عانقني الرمل الأصفر بالحب الغائص في الحقد
بالحب الطفل المقتول على مائدة الإفطار
يا أصحابي المرتاحين على تابوت الثوار
مابين حدود حناجركم وخناجركم قوس مكسور
من أعطاكم لغة تمشي في لهب الماء
من وحدكم في قنبلة عند الأعداء
من حولكم يا أصحابي رملاً أصفر
لا تلتفتوا خلف سرير الراحة
حين تعود الشهوة للأسرار الأخرى
ينفجر الوقت المنتظر الآن على طرف الفعل
قوم إن ماتوا انتبهوا
لا تنتبهوا حتى الموت
هل أسمع خطو الخشب المخلص في التابوت
هل تحمل شرفة أطفالي دمع الأحجار المرخية
فوق النار
يا أصحابي
حين تركت الكهف الحلم الأول في صدري
سيف السلطان
وفي إيقاع الشعر هدير الرايات التعبى
وطن يبكي
موسيقى النعش وحقد الخيبة
والأطفال المولودون قبيل الموت(49/108)
وطير الغابات المحروقة لا ينقذه غير الفعل
يا أصحابي
يا من كانوا
يا من بكت الأيام علينا في حضرتهم
حين يغوص الثائر في خطأ الأحلام الأولى
تمشي الأحلام ويبقى الثائر مقتولاً
يا أصحابي
يا من كانوا
يا من حولهم حقد الحب النائم
سيفاً آخر في ظهري
يا أصحاب الراحة فوق توابيت الثوار
هل أسألكم
من ينقل هذا الوقت الواقف عبر الدم
من يعرف - يا أبناء اللغة الملعونة -
حجم الهم ؟
قولوا يا منشغلين بصقل مكاتبكم بأنين الشعب
من يدفع أيديكم بالسيف الآخر في الظهر
من أية أرض تأتي رايات اللعبة
هل تجرأ يا قنديل الرعب
هذي شرطة والينا حاضرة مثل الوقت
هذي كل جواسيس السلطان الأول صاغية
تلعق من عمر الأطفال
تسمح أو لا تسمح بالتحريض على اللعب
تسمح أو لا تسمح بالضحك على القانون
من يضحك في السر يموت
فلنملأ قاعة هذا الليل الباكي بالضحكات
ولنسرق فرحتنا الأخرى بين الأحزان
فليتعلم أصحابي
أو من كانوا
أن الكلمات الملعونة جرح في حلم الإنسان
لكن الفعل دواء لا يخطئ
إن كنتم منسجمين معاً
فالفعل دواء لا يخطئ
قولوا
من منكم يا أبناء وحيد القرن
من يعطي هذا الوقت الواقف لونه
أسألكم
من يعطي هذا الشعر الصارخ في البرية وزنه ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> زهرة الحزن
زهرة الحزن
رقم القصيدة : 5853
-----------------------------------
هذه الهاربة العينين والجرح الذي يضحك
أمي
هذه الخاصرة التعبى من الحزن وبرد
الجهة الأخرى ومني
هي أمي
هذه الثلجية الفودين
من حوّل هذا الليل قنديلاً يغني
آه يا أمي
لقد أعطيتني صوتاً له طعم الملايين
التي تمشي إلى الشمس وتبني
كنت في صدرك عصفوراً
رمته النار ، سمته يداً تخضر
ها عصفورك الناري في السجن يغني
أنت يا هاربة العينين والجرح الذي يضحك
غني
ليس بين الضوء والأرض التي تمشي وتحتار وبيني
غير هذا الأفق المحمر والوقت وأمي
آه يا أمي التي خاطت لي الثوب بعينيها
لماذا لا يمر الثوب بالسجن(49/109)
لماذا لا تخيطين لنا أثوابنا الأخرى
تمدين المناديل التي تمسح حزني
ولم الرعب الذي حولني شعراً
على جدران سجني
لا يحيل الشجر الشوكي في أحداقك التعبى
عصافير تغني .
آه يا هاربة العينين يا العرس الذي يبكي
أنا منك كلام طالع كالبرق من ليل الأساطير
وأنت وردة العمر التي تطلع مني
فلماذا يهرب الحزن إلى خديك يا زهرة حزني
ولماذا ... ؟
( وطن يلبس قبل النوم تاريخاً
وبعد النوم تاريخاً ويستيقظ بعد
الموعد المضروب لا يعرف باباً للدخول
وطني هذا أم الدهشة في خارطة
البحر استوت رملاً ، لماذا ،
وطن يلبس عنوان السلاطين وسروال الملوك
وطني هذا أم الثورة صارت نهراً للدم
هذا وطن لا يخجل الآن من الألوان
والصورة بالأسود والأبيض
هل يذكر ؟ هل تختلط الألوان
في عين بلادي ، هل أقول ؟
وطني الآن بلا نافذة
يدخل السواح من باب على السوق
يبيعون بلادي
وأنا منفلت أبتكر الأطفال والشعر
بلادي تخلع الأستار في الليل
كما قال صديقي
وصديقي كان لا يخجل من عورات
هذا الوطن الواقف في الحلق
لماذا تخجلون ؟
وطن أتخمه الجوع فهل تأخذه الغفوة
وطني هذا أم الغربة أم قائمة البحر
أم الغاب أم القافلة الغاربة الآن
أم الأم التي تنسج ثوباً للسجون ،
والتي تدخل في وجه بلادي في المساء
تخرج الآن مع الحلم ،
وهذا وطني هذي بلادي هذه أمي
لا أدري حدود الوطن الأم
البلاد ) .
لك يا هاربة العينين والجرح الذي
يرقص في الحزن أغاني الجديدة
أنت في ذاكرة التاريخ ورد عاصف يأتي
وفي السجن قصيدة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> يا حبيبتي
يا حبيبتي
رقم القصيدة : 5854
-----------------------------------
كشحاذ
أضع جبهتي على عتبة باب الكلمة
وأنتظر
منتفضا كعصفور
لعل الكلمة تخرج من صمتها
وتعطف على تضر عي
لعلها تتبرع لي بمعطف يدفىء أيامي
أو بقميص صغير
يغطي هذا الصدر المفتوح للريح
كراية
وحين أحر ك رأسي بعد حين
تتحرك عتبة باب الكلمة
من جبهتي
والكلمة واقفة كطود شاهق(49/110)
يا حبيبتي أرجوك
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الأطفال
الأطفال
رقم القصيدة : 5855
-----------------------------------
أولئك الأطفال الكُثرْ
الذين يتراكضون في مَداكِ
هل اخترت أسماءً لهمْ
أم أنكِ ستعتمدين على الحدائقْ ؟
أولئك الأطفال الخُضر
هل سيصعدون من أعماق
أم سيهبطون من أعالٍ ؟
أولئك الأطفال الصغار جداً
إني أراهم الآن كالأسماك الملونة
في زجاجة المدى
وأنتِ ماؤهمْ .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> كلهم
كلهم
رقم القصيدة : 5856
-----------------------------------
كلهم قالوا أن لا فائدة
كلهم قالوا أنني أحاول الاتكاء على غبار الشمس
و أن الحبيبة التي أقف
أمام - تحت
شجرتها
لا تُطال
كلهم قالوا أنني مجنون حين أضع نفسي
في حضن بركان
و أغني
كلهم قالوا إن ذلك الجبل المالح
لن يعطيني كأساً واحداً من النبيذ
كلهم قالوا باستحالة الرقص بقدم واحدة
لأنها لن تلبي دعوتي
كلهم قالوا إن السهرة ستكون
بلا أنوار
كلهم قالوا
وكلهم حضروا الحفلْ .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> من كان يصدق
من كان يصدق
رقم القصيدة : 5857
-----------------------------------
مَنْ كانَ يصدّق
أن تلك الصبيّة الغامضة
الخارجة من الملح
ستلعب بي هكذا ؟
من كان يصدّق
أن نبيذاً منسياً
سيحرق شفتي بوجعه
هكذا
من كان يصدق
ان البنت المزروعة هناك
والولد المرتمي هنا
سيلتقيان في شراسة الاقتتال
كنمرة ونمر في أجمل الغابات
من كان يصدق
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الهزم الأليف
الهزم الأليف
رقم القصيدة : 5858
-----------------------------------
يتدفق الفرّو من أصابعك
حين تمرين بها على طرقاتي
وأظل مستغرقاً في ترفك السماوي
وأنت لا تعرفين البخل
وحين تنفر أفراسي في جمحٍ بطوليٍّ
تضحك كل نوافذك
هازئة مني
من قلقي ازاء الاستفزاز الجميل
الكامن في فيروزك الفارِه
لكن أفراسي تتمسك بهجومها
وأبوابك
- وطناً جميلاً للعصفور الغريب(49/111)
الباحث عن الدفء -
تنفتح كأشداقٍ تُقبِّلْ
وحين تتحول أصابعك الأليفة
الى أظافر ظارية
تتجول في دمائي
نلتحم اقتتالاً
وتصير الهزائم انتصارات لا تُضاهى
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> القرط
القرط
رقم القصيدة : 5859
-----------------------------------
يا رحلة القرط الطويلة
ذلك السفر الذي بدأ
ولم ينته بعد
بين شرفة الأذن وساحة الكتف
مسافة وزمن
القرط دمعة تتأرجح ولا تسقط
يا لعذاب القرط
يا لعذابي
هو يتوق لسرير الثلج
الذي يشتعل في الأسفل
يتأجج هناك
ينضج ولا يصل
وأنا أتوق اليك
أستفسر عن طريق التحول
لكي أصل اليك
ولا أصل
آه من عذاب القرط في قلبي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> بحرّيةٍ أكثر
بحرّيةٍ أكثر
رقم القصيدة : 5860
-----------------------------------
بحريّةٍ
كنت أقيم علاقتي مع الكلمات
وفي محبرة جحيمك اللذيذة
أغمس ريشاتي وأكتب
وكنت أول من يقرأ نزيفي
وبغتة
أخذوني من أحضانك
منعوا عني أقلامي وأوراقي
أبعدوني عن كتبي
وعن دفئك الذي يجعل كلماتي أكثر جمالاً
فوجدت أصابعي تتلمس
- في ظلامات الزنزانة -
طرقاً تتوهج
وتؤدي إلى الكلمة
ولم أعد في حاجة إلى الأقلام والأوراق
صارت قلوب رفاقي
دفاتر تقرأ وتحضن
وبحرية أكثر
صرت أقيم علاقات مع الأفق
وحين أكون في البحر أو في الصحراء
في الغابة الحجرية
أو في الغيبوبة
لا يفارقني الشعر
لا يحتاج الشاعر سوى لشوقٍ في القلب
من أجل أن يتدفق
وأنا لست في حاجة لشيء سواك
فأنت شوقي المتأجج
كالألق في كلماتي.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الأعلى
الأعلى
رقم القصيدة : 5861
-----------------------------------
في السرير الذي أعلى من الغيم
كان النوم لا يأتينا
النوم قصير القامة
ونحن في الشهق الشاهق
في السرير الأعلى
حيث منبت المطر
وحيث لا نوم
كنا نصنع الأطفال كما يحلو لنا
نرسمهم .. نلوّنهم ..
نكسيهم .. نعرّيهم
فوق السرير الذي أعلى من الأشياء
نعلمهم المشي(49/112)
فيتدافعون كالسكارى
من الخمرة التي أحلى من المطر
في السرير الأعلى
حيث لا يطالنا النوم القصير القامة
نُخلَقُ ونَخلِقُ
ونتفرج على المطر .. من هناك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ربما
ربما
رقم القصيدة : 5862
-----------------------------------
ربما يصير الانتظار شجرة
أو نافذة أو سحابة
ربما يدخل انتظاري في الليل والسؤال
والتعب
ربما يمتزج انتظاري بالريح والحرف
والحنين
ربما يختلط انتظاري بالنوم والنحلة
والنخيل
ربما
ربما
ولكن من أجل النيلوفر النافر في عينيك
سيأتي الثمر والمطر والراحة
والجواب والعاصفة والقصيدة
والحلم والعسل والبلح
من أجل النيلوفر .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> شجرة الماء
شجرة الماء
رقم القصيدة : 5863
-----------------------------------
رأيت الشجر النظيف بعد المطر
مغسولاً قبل لحظة
فرأيتك خارجة من الغسل
ملتفة بالأخضر الخجول
والأسود المنسول ينسدل
كشال فوق رأسك
أطرافه هنا أطرافه هناك
... تبكي بوجع الماء
رأيتك يا شجرة الماء الأخضر هكذا
فيهأت لك دخولاً في الغسل ..
كل يوم .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> رجاء
رجاء
رقم القصيدة : 5864
-----------------------------------
كيف لهذا الجسد المريض أن يتحمل حبك
أليس بوسعك أن تخففي ثقل الورد
على أكتافي
فقد أنهك حبك جسدي
وأرهق الشوق المتأجج أطرافي
ساعديني
لم أعد قادراً على احتمال حب لا يرحم
ان الموجة القادمة كجبل .. ستأخذني
وأنت مينائي الوحيد
لماذا تنظرين إليّ بغرورٍ .. هكذا ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تصوّري
تصوّري
رقم القصيدة : 5865
-----------------------------------
يسمونني فأر السهرة
تصوّري
ما ذنبي إذا كنت أفشل دوماً
في السيطرة عليك في داخلي
ويقولون أنني فأر السهرة
تصوّري ما الذي يحدث في الليل
حين ينام الرفاق
أحسّك تنداحين هنا .. هنا
كالموجة العظيمة في قلبي
كيف يمكن اخفاء ذلك ..(49/113)
أو السيطرة عليه ؟
ساعتها ألْتَصقُ تماماً بقلبي
أحضنه وأنتفض معه
ونتكىء معاً على إبرة الأزرق
نُحدِثُ أصواتاً رفيعةً
رفيعة جداً
بحيث يتحول صمت الليل الى ضجة
وواحداً واحداً
يُطلُ الرفاق من أحلامهم
ويعتقدون أن فأراً يستفرد بقطعة الخبز اليابسة
وفي الصباح
يكتشفون أنني كنت ألقّنُ الشعر ..
درساً في اللياقة
فيصرخ بي أحد الرفاق ضاحكاً :
أيها الفأر الذي يسهر متأخراً ..
هلاّ سهرت أكثر ؟؟ .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الفندق المجاورة
الفندق المجاورة
رقم القصيدة : 5866
-----------------------------------
مرة .. ضحك الحزن مني
لكثرة الغرف التي استأجرتها في بيته
ضحك .. ضحك حتى استلقى على قفاه
ساعتها انحسرَ ثوبه عن أنهارٍ هادرةٍ
من الدموع
وحين اعتدلَ
وجدني أقف على باب الفندق المجاور
فقد كان حزن جديد ..
ينشر صريخة في قلبي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سفينة الماء
سفينة الماء
رقم القصيدة : 5867
-----------------------------------
سنوات من لبن الحُرقة وخبز التوقع
حبالكِ مقذوفةٌ نحوي
لكنها لا تصل
وفي مائدة الانبهار
يتوفر كل شيء
كل شيء .. عدا الماء
سنوات الماء الغائب تسوّر مائدتي
وتعطش معي السهول والساحات والسفن
حبالك مقذوفة نحوي
لكنها لا تصل
إيه .. يا سفينة الماء
أنا ميناؤك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سيدة القلب
سيدة القلب
رقم القصيدة : 5868
-----------------------------------
يا سيدة قلبي
تأمَّلي جيداً بأعذاري
لم أحمل في جيبي مفتاحاً
ولا أفهم في الاقفال
فقط أعرف أنني أحب ذلك الغصن الناري
الذي يطل من شرفتك
وان خفقة قلبي التالية
متوقفة على ابتسامة تلك الوردة
المتعلقة في أعلى الغصن
هناك حيث تقفين
وبالتحديد ..
تلك الوردة التي تجاور صدرك
من ناحية اليسار
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> خيط الشجن
خيط الشجن
رقم القصيدة : 5869
-----------------------------------(49/114)
هل أنتَ هكذا
أيها الشجن المُسيطر ؟!
تُوقِظُ العاشق من أجمل راحاته
لتُدخله في أمل متاعبه
هل أنت هكذا
تمزج العاشق بالهواء
وترسم به ماء الوله المتقافز في القلب ؟
أيها الشجن إصهرني بلقاءٍ واحد
لقاء واحد أيها الشجن
لقاء عميق كالنوم في الطفل
وسيع كالأفق في الحلم
رهيف كالشيء الذي يَرجُّ
ويرجفُ كالخفقِ في القلب
أيها الشجن
إنذرني خيطاً في قميصك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> حزن المطر
حزن المطر
رقم القصيدة : 5870
-----------------------------------
هذا الشتاء الذي يرتدي معاطفه الرمادية
ويجيء
أحبه كثيراً
لكنه بجلب لقلبي الحزن المألوف
لا أكون كئيباً ولكني أحزَنْ
لأن الشتاء دون كل الفصول
يجعلكِ هاجساً لجوجاً في ذاكرتي
يجعلك ذاكرتي ذاتها
ويكفي أن تدق ساعة المطر
وتبلل كتف الزنزانة
لكي تتفجر الذكريات
الذكريات التي تحطك في روحي كالوهج الشرس
تتفجر كدموع الطفل الذي تركوه وحيداً
وذهبوا
وشتاء هذا العام سيكون حزيناً أكثر
ليس لأنك مازلت في طرف المسافات
وأنا في الطرف الآخر
ليس لأن السفن لا تبحر في الصحراء
ليس لأن المطر يموج بي كاللهفة
ليس لأن الرسائل ..
ولكن لأنك سوف تنتظرين
في احدى الليالي المغسولة بالشوق
ولأنني لن أجيء
في هذا الشتاء .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> عذوبة
عذوبة
رقم القصيدة : 5871
-----------------------------------
عذابك عذب فاعذريني
اعذريني ..
اذا كابرتُ ولم أتضرع
أما أنتِ
فاعتقدي بقدرتي على الاحتمال
إلى أن أستشهدْ
ويومها ستقولين :
( ما أجمل المكابرة )
وحين تلتقين بعاشقٍ سواي
يستعذبُ عذابك .. مثلي
وأكثر
ستقولين :
( ما أقبح التضرع ).
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تلك اللحظة
تلك اللحظة
رقم القصيدة : 5872
-----------------------------------
كأنني عائد إليك بعد قليل
كأنني لن أعود أبداً
غادرتك في ذلك الصباح الذاهل
كأنني حملتك معي .. هنا(49/115)
وكأن ( هنا ) هو كل العالم
كأنكِ رعشتِ بين أصابعي كذبح العصفور
وكأننا لم نُخلق إلا في تلك اللحظة.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> من قال
من قال
رقم القصيدة : 5873
-----------------------------------
ربما ،
لكن الغيوم التي أيقظتني صباح هذا اليوم
كانت قادمة من ناحيتك
لأنها أغرقت وسادتي بقرنفلات كثيرة
وسوّرَتْ نوافذ زنزانتي ..
بعصافير المطر الشقية
العصافير التي لا تهيدأ
والتي لها تغريدٌ يتصل بالليل من هناك
وبالنهار من هنا
ربما ،
لكن القطرة التي انتظرتني وأنا خارج من الغسل
قالت لي أن الأخضر يزدهر عندك
وجَسَّتْ أصابعي
لأتأكد من أن النبض الصاهل في دروبك الولهي
لم يهدأ
بل ازداد عنفواناً
ربما ،
لكن الوقت الذي أضع فيه فوطتي
فوق حبل الشمس
كان كافياً لكي أفتح نافذة في جبهة السحابة
.. وأطل عليك
ربما كانت المسافة التي تفصلنا شاسعة
لكن ..
مَنْ قال اننا بعيدين عن بعضنا ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> اثنان في واحد
اثنان في واحد
رقم القصيدة : 5874
-----------------------------------
يتمشيان .. اثنان في واحد
والأخضر يرافقهما
يتقافز من شجرة إلى أخرى
كالطائر الشقيّ
يسرعان فيسرع
يبطئان فيبطىء
يضحكان
الاثنان في واحد
يجلسان
مقعدٌ واحدٌ يسعهما
والأخضر لا يجلس
لا يسعه الفسيح
فقط يضع خدّه على الغصن
ينظرُ و ينتظرْ
تكلَّمَ الاثنان في واحد :
( تعال نسأل هذا الأخضر الفضولي ..
ماذا يريد !؟ )
اقتربا ..
فقال :
( أنا أخضر .. فقط
خذاني )
فواصلا سيرهما
في جيوبهما الشجر والعشب
والاحتمالات التي تنضج
يتمشيان
اثنان في واحدْ .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> قولي
قولي
رقم القصيدة : 5875
-----------------------------------
ماذا ستقولين للصَدَفات
المنتظرات على وسادتك في الصباح
حين تستيقظ .. ولا ماء حولها ؟!
ماذا ستقولين للنورس الهائم في فراشك
حين يخرج من الغفوة ..
ولا ريح تحت جناحيه ؟!(49/116)
ماذا ستقولين للموجة الناهدة في لحافك
حين تفتح عينيها ..
ولا سواحل هناك ؟!
ماذا ستقولين لهم
وأنا الماء والريح والسواحل ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> النوم الناعم
النوم الناعم
رقم القصيدة : 5876
-----------------------------------
يطيبُ لي كثيراً
أن أتركها تنام قبلي
وأُسندُ رأسي
.. وأتأملْ
أظل أتأملها .. هكذا
كشيء غير موجود ... هنا
تتنفس بهدوء منتظم كوردة
تعبس أحياناً كثيرة
ويحق لها ذلك
لأنها لم تعبس أبداً في يقظتها
أحياناً ..
يتراكض حول وجهها
ملائك في شكل سنونوات زيتية
أحياناً ..
تُحدِثُ أصواتاً بأنفاسها
.. إيقاعاً كالأطفال
وفي احدى المرات
رأيت يدها تمتد لتصطدم بحافة السرير
واذا بتاجاتٍ كثيرة تتناثر ..
من جرح السرير
وحين تضج وهي في النوم ..
.. لا أعرف النوم
هل تعرفين أنك تنامين بكشلٍ جميل ..
يا حبيبتي ؟! .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أيامي معك
أيامي معك
رقم القصيدة : 5877
-----------------------------------
أفتحُ كل الحقائب المنتظرة على رفوفي
أفرش ذكرياتي .. وأبدأ
كل هذه الأشياء أيامي
أيامي معك
من المنديل الى معطف المطر
ترتبط بك ذكريات حية ..
كأنها الآن
وأعتقد أن أياماً جديدة تولد
.. مع الدخول في الآن الماضي
أياماً جديدة تدخل في :
الآن القادم .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المدن تخلع الحداد
المدن تخلع الحداد
رقم القصيدة : 5878
-----------------------------------
تدفَّقي .. تدفَّقي هكذا
مثل النبيذ الذي يُؤرِّخْ
هكذا مثل غابات البُنِ المزدحمة بالرغبة
هكذا كالشلال الذي يشبه الشوقْ
تدفَّقي في الضحك
.. فالموسيقى جائعةٌ إليك
وسيركض إليك الشجرُ والوحش
والنهر والقوافلْ
استغرقي في الضحك .. هكذا .. هكذا
أيضاً وأيضاً
فإن المدينة تخلع حِدادها إذا ما ضحكتِ
تدفِّقي أكثر
تنهضُ المدنُ جميعها من الحزن .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أنت كلماتي(49/117)
أنت كلماتي
رقم القصيدة : 5879
-----------------------------------
أنا
لا أستطيع أن لا أكتب عنك
ليس بوسعي أن أتفادى الكتابة فيك
أنا
حين أكتب عن الأشجار والسفن
والعمل والأصابع
أن تغيبي عن كلماتي
لأنك أنت كلماتي
هل بوسع الكلمات أن تكتب
بدون الكلمات .؟؟؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أنت الموسيقى وأنا الرقص
أنت الموسيقى وأنا الرقص
رقم القصيدة : 5880
-----------------------------------
كالرقص المتمرد في السهول الرِهراهة
أتموّجُ وأنتِ موسيقاي
ينداحُ معي الزرع وتنهضُ الزوبعة
وتَنْهَدُ الحَلمةُ الراهقةُ في خطواتي
أمشي ليس على الأرضْ
أطيرُ ليس في الهواءْ
فأنا الرقصُ
وأنتِ موسيقاي
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> لا أنحني
لا أنحني
رقم القصيدة : 5881
-----------------------------------
أقف عارياً في ثلج الريح
وحيداً
كحرف الألف
ولا أنحني
أتمرد على كل الآلهة
ولا أنحني
أخرج من نارٍ وأدخل في نار
ولا أنحني
أعتقد بالتقاء النقيض بالنقيض
ولا أنحني
أمتزجُ بالرماد
ولا أنحني
لسواك.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> خميس العصافير
خميس العصافير
رقم القصيدة : 5882
-----------------------------------
كان ذلك خميس العصافير
حيث اتخذتْ تلك الطيور اللذيذة
قميصَ أحد الرفاق موعداً لها
وتذكرتكِ
لأن عصافير كثيرة
كانت تتناول طعامها من أصابعك
وأنت في النوم
وحين تنهضين
تنهض معك العصافير
كالملائك الصغيرة حول عروس
وأذكر أنك صادقتِ طيوراً
ذات ألوان مختلفة
في تلك الحديقة الصغيرة
التي تمنينا كثيراً
لو أنها توجد في دارنا .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الهديل .. الهديل
الهديل .. الهديل
رقم القصيدة : 5883
-----------------------------------
الهديل وحده يعرف
كم أنت غنية بالرحيل
مسكونة برهبة الغربة
الهديل وحده قال لي
" لقد غامرت بحياتك
حين وقعت في غرامٍ كهذا "(49/118)
والهديل وحده علّمني بطرقاتك السرية
وأعطاني كلمات السر
التي تفتح لي بوابات الرهبة
والرغبة
والغربة
والهديل وحده تركني وحدي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> قيامة
قيامة
رقم القصيدة : 5884
-----------------------------------
مرة - أذكرُ -
من سنوات طويلة
قلتُ : ( أحبك )
ومن ساعتها - تذكرين ؟!
قامتْ القائمة
ولم تقعد بعدْ .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> من حيث بدأنا
من حيث بدأنا
رقم القصيدة : 5885
-----------------------------------
نبدأ هكذا
من حيث تبدأ الأقدام
ولكننا لا نصير إلى ما تصير إليه
لطرقاتِ دموعنا همهماتٌ تختلف
لمنحنيات انتظارنا نكهة الأحمر
وإيقاع الأخضر
نتمشي
أصابعنا في المناديل
نكتب عصافير كثيرة
على قلوب الذين أحبوا
ونزرع أقواساً قزحية
في محطات الذين لم يحبوا بعد
نلمس أحجار الطريق ونحوّلها زمرداً
وحين يغفوا عشيق في كتف العشق
ندفعه فيقع في الشغف
وبعد ذلك لا يهدأ له ليل
ولا تسعه النهارات
من حيث بدأنا سيبدأ الآخرون
لكنهم لن يصلوا إلى ما حيث سنصل .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> مأدبة البحر
مأدبة البحر
رقم القصيدة : 5886
-----------------------------------
.. فجاءنا بكل أسماكه وأعشابه
وقواقعه وأمواجه
وكثير كثير من الملح
وكان العشاء جاهزاً
هل جرّب أحدكم أن يدعو البحر على العشاء ؟!
كان عليّ أن أفعل ذلك
فقد كانت حبيبتي تحب البحر
إلى درجة الغيرة
وفي غمرة الغضب
وعدتني انها ستقلع عن البحر
اذا دعوته على العشاء
لمرّة واحدة فقط
.. فجاءنا بكامل حلّته
فتحوَّلتْ الدار إلى سواحلْ
وكنت أتجرع غيرتي قدحاً
قدحاً
فيما كان البحر يعلّم حبيبتي العوم
وهي تفتعل الغرق في كل مرة
وقبل أن يتفجر الجحيم في رأسي
جاء من يطرق الباب :
- على البحر أن يذهب
لأن السفن معطلة عن السفر
واسترحتُ في وداع البحر عند الباب
قال : ( عشاءكم طيب ومُغر )
وذهبْ
وحين دخلت إلى حبيبتي
أسأل عن وعدها لي(49/119)
وجدتها قد أقلعتْ
ولكن في البحر .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> اللهث
اللهث
رقم القصيدة : 5887
-----------------------------------
ألهثُ . كالسهم خلف الهدف
ألهث . كالحقيبة في الأسفار
ألهث . كحرف في نهاية الكلمة
ألهث . كالكبرياء في الكواكب
ألهث . كالبكاء المتعب
أقول لكِ كلمة الحب قبل فوات الأوان
وأنتِ
تلعبين بي وبلَهثي
وبالوقت الذي يلهثُ معي
هل تسمعين أيتها الغرور اللاهث :
أنتِ قلبي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> من التهدّج
من التهدّج
رقم القصيدة : 5888
-----------------------------------
أتكيءُ على كتف الوجد
خارجاً من التهدّج
أعلن لك يا حبيبتي :
أن الموت لا يقتل العشاق
كنت أسمعهم يقولون
لكنني الآن عائش في التجربة
أترك أعضائي المتعبة على كتف الباب
وأقرأ هسهسةَ السكوت
هذا صمتي الذي يسبق عاصفتي
فإن لم تطلي
أيتها الحبيبة المغرورة
على العاشق الذي في عذوبة العذاب
فسوف يطلع ماردٌ
من هذا الجسد الصغير جداً
كما لو كان قمقماً .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> لماذا
لماذا
رقم القصيدة : 5889
-----------------------------------
... وأقفُ كالمذهول هكذا
أستعدُّ للقائك كما لو أنه امتحان صعب
أهندسُ جملاً وموضوعات
وأردد كلمات مصاغةً من لغاتٍ كثيرة
وأحسِبُ الخطوات التي سيطلع فيها بستانٌ فسيح
إلى أن أصلك
واللحظات التي ستمسك يدي بيدك
وترتاح فيها
واللجهة الليّنة البطولية المتضرعة
المهيبة العاشقة الصديقة
التي سأخاطبك بها
وفي لحظة اللقاء اندفع إليك بكل بسالة
لكنني أمامك ..
أقف مذهولاً .. هكذا.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سبحانيات
سبحانيات
رقم القصيدة : 5890
-----------------------------------
سبحان اليد التي رمت اللهفة في قلبي
فبدوت كسفينة صغيرة مثل صدفة
واللهفة شراع كبير كجبل
وسحبان الموجات التي تحملني إليك
سبحان المزاج الرائق الذي خلقك هكذا ..
من كرمة العنب الأزرق(49/120)
في تنورة ليلكية
وسبحان المنجم الذي سيسقي أضلاعي
زجاجاً زاهياً
فأصيرُ قدحاً ينتظرْ
سبحان الفراشة التي تخرج من الشمس
وسبحان الحرف الذي يخرج ..
من اللامبالاة إلى المبارزة
سبحان الحب
الذي أخرجني من سبحانياتي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> قراءة
قراءة
رقم القصيدة : 5891
-----------------------------------
أفتحُ كفكِ وأقرأ
لا أؤمن بذلك .. لكنني أؤمن بك
لذلك أقرأ
في صفحة كفك .. آه
يا لها من عوالم لا تُصدّق
هنا .. حيث جذر الخنصر
أرى المقعد الأسود الذي يسهر بي ..
ويثير غضبك
وهناك .. هناك
حيث تتقاطع طرق عديدة
اكتشف شجيرة النارنج ..
تجلس تحتها فراشات صديقة .. زرقاء
تتناول حليباً بالقهوة
ثم تنام
وفي بؤرة الكف
أراني عاري الصدر
تمسك برقبتي طفلة جميلة
ترتدي لباس البحر
وعند محطة السبابة
تنتصب سرادقات كثيرة
لا أستطيع الحدس بها !
هل للحزن هي أم للفرح
من السرادقات يخرج عصفوران يرعشهما البرد
يختبئان في كتفي
أغلق كفك
العصفوران مازالا على كتفي
.. وأنا مؤمن بك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> زهرة الطرقات
زهرة الطرقات
رقم القصيدة : 5892
-----------------------------------
كل طرق العالم تأخذني إلى ياقوتة عينيك
الصّهدُ الذي يتفصّد من جبين الكلمة وهي تولد
اللثغة الحلوة في غناء راعٍ على كتف سهلٍ بعيد
النحيب الذي تجهش به الشجرة
متضرعة لفأس حطابٍ بردان
القبلة الأخيرة في وداع عاشقين
لم يلتقيا بعد
النهدة الصاعدة من ظلامات العُمق
في جسدٍ فتيٍّ يتعرف على الحب السري
فاكهة الموسم الدائم في نهر النضوج
تكمنين لي في منحنيات كل الطرق
ولم أكتشف بعد طريقاً لا تنتهي إليك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ألْهُنا والْهُناك
ألْهُنا والْهُناك
رقم القصيدة : 5893
-----------------------------------
الحبيب هنا
والحبيبة هناك
لا مختصمان ولم يفرّق بينهما الغضب
فقط منزل الحبيبة يطل على البحر(49/121)
وزنزانة الحبيب تقبع في الصحراء
الشمس التي تدفئهما واحدة
والليل الذي يجلد لياليهما واحدْ
سرير الحبيبة ثلجة في صقيع الشتاء
وفراش الحبيب جمرة في تنور الصيف
هي هنا
وهو هناك
تعذّبها انتظارات لا تُحصى
وتلعب به هواجس وهموم كثيرة
لا يشكيان
لا يسأمان
لا يتعبان
فقط يواصلان الحب
هي هنا
وهو هناك.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> نظل أطفالاً
نظل أطفالاً
رقم القصيدة : 5894
-----------------------------------
أجلسُ في حرير الوحشة
وأتذكرُ كيف كنتِ تغزلين لأطفالنا
أفراحاً وأغطية وضحكات
وشرفات تطل على الغبطة
وأتمنى لو أنني أعود طفلاً وأجيء
لأتمتع بكل تلك الأشياء التي تغزلينها
أتذكر وأتمنى
وأنا جالس في حرير الوحشة
ترى أليس بامكانك
ولو لمرة واحدة
أن تغزلي مواعيد لنا ؟
نحن أطفالٌ أيضاً
ألم يصادف أن رأيت أطفالاً
في منتصف العمر ؟! .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الجحيم الحميم
الجحيم الحميم
رقم القصيدة : 5895
-----------------------------------
شتاء وصحراء و وحدة
شجيرة الصبّار .. هناك
ليل وسكون
والجميع يهبطون في آبار النوم العميقة ..
ذات الأحلام
وأنا وحدي هائم في غابات الليل
مهلهل الأطراف
أُهَجْهِجُ كالنورس الضائع المنتوف
لا أهجع
حروف وكلمات وشظايا
خيالات وومض فوق الوسادة
الرفاق يتنقلون من حلمٍ لم ينته
الى حلم لم يبدأ
وأنا لا أهجع
كالموجة المجنونة المتأرجحة ..
في قدم مارد طائش
ولا أهجع
يختلط الفردوس بالجحيم في لهج صريخي
ولا أهجع
وفي الصباح
حين يستيقظ الرفاق
يجدون في فراشي جسداً مريضاً
وقصيدة نشيطة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أن تأتي
أن تأتي
رقم القصيدة : 5896
-----------------------------------
أنامُ وأنتظركِ
أصحو وأنتظرك
أتحدث وأنتظرك
أكتب وأنتظر
أعيش حياتي .. وأنتظرك
ولأنك احتمالٌ دائم في معطف الوقت
أعرف أن انتظارك حلو
ويجعل ريش قلبي زاهياً
لكن الأحلى والأكثر زهواً(49/122)
هو أن تكوني هنا .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الموت في الحياة
الموت في الحياة
رقم القصيدة : 5897
-----------------------------------
كغزالٍ كنتُ أتطاير في الحدائق
أغمس ريشتي في بنفسج عينيك
.. وأكتب
لم يكن للشعر موعد
من أهداب أصابعك تبدأ كل المواعيد
وفي صهيل الغيوم الضائعة على صدرك
تتحول نمنماتي الى رسائل
وحينما أدخل كضوء في ظلامك
.. تفرح الغابات والمرتفعات والجبال
حتى السماء تشرع في هطلها
فتسيل الوديان وتتحدث الجداول
ومن الصعب عندئذ أن نعرف
هل هو موت أم حياة ...
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> انظروا
انظروا
رقم القصيدة : 5898
-----------------------------------
انظروا
انه ينتفض كالمقتول الذي لم يمتْ
انظروا .. إنه يُحبْ
كالشمس التي توزع المرايا
وأنتِ
هلاّ فتحتِ نافذتك يوماً
ورشقتِ هذا الواقف
- كغصن الأرض -
بوردة ؟
هلاّ صرت شمساً تُوزِّعْ
قبل أن أصير ذلك المقتول
.. الذي يموتْ ؟
أنظروا .. انها لا تفعل شيئاً
أنظروا .. انني لا أستطيع أن أموت .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> كيف .. ؟!
كيف .. ؟!
رقم القصيدة : 5899
-----------------------------------
كيف تسنى لك ذلك ؟!
تلبسين أجمل فساتينك
وتذهبين السهرة مع سواي
كيف تسنى لك أن تضعي عقدك
الزمردي الأحمر الوحيد
وتدعينه يتأرجح بعنف في الرقص ؟!
كيف تسنى لخصرك اللبني أن يستريح
.. في قوس ذراعٍ أخرى ؟!
كيف تسنى لي أن أحتمل الحضور
في تلك السهرة
.. التي تشبه قدّاسي ؟!
كيف . تسنى لك .. كيف
يا لك من عذراء لا تعرف الخجل
آه يا حبيبتي
معذرة
لقد كان ذلك حلماً .. فحسب .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الرقصة
الرقصة
رقم القصيدة : 5900
-----------------------------------
هكذا تبدأ الرقصة يا حبيبتي
تنتصبين على جمرة قدميك
وبرشاقة التأمل ..
تحرّكين اليسرى إلى الأمام
بتأنٍ ... بتأنٍ هكذا
كالحلم .. انظري(49/123)
ثم نطة صغيرة من شغَفِ اليمنى
إلى أعلى .. أعلى .. أعلى
وتنشرين يديك كفراشة
جميل ..
حسناً
أنت تحلقين الآن .. ولا أروع
.. في بؤرة الايقاع
حيث .. حيث
هكذا على المشط الصغير
الصغير جداً الذي ..
وتبدأ الرقصة في العنف
الآن انفلتي كالمهرة .. المهرة
المهرة الباحث
تماماً ..
وارحمي الأرض .. ارحميها
لئلا تنكسر تحت هذا ال ...
وانتظري الموسيقى .. انتظريها
انها تلهث في أثرك
و .. يا الهي .. يا
.. أيتها الرقصة ..
تعالي ..
علميني ..
أنا لا أعرف .. هكذا .. ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الوطن موسيقى أيضاً
الوطن موسيقى أيضاً
رقم القصيدة : 5901
-----------------------------------
في الموسيقى التي تتجول في غرف بيتنا الصغير
والتي تتسلق الجدران والنوافذ ورفوف الكتب
الموسيقى التي تتناول معنا العشاء والحب
وتقرأ الشعر
في الموسيقى المنسربة تحت الحفتنا
والسابحة في حليب أطفالنا
والتي ننام ونصحو
وهي ساهرة تحرس أيامنا
في هذه الموسيقى انتظريني
في هذه الموسيقى أنتظرك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> صلاة
صلاة
رقم القصيدة : 5902
-----------------------------------
صليل كلماتك يحيط بي كخاتم الحب
أخبىء قلبك في قلبي
وأظل محاصراً
بين جحيم هاجم
وجحيم كامن ..
وأُصلّي ..
يا نار .. كوني برداً وسلاماً على العاشق .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> معاً ...
معاً ...
رقم القصيدة : 5903
-----------------------------------
من السهو ..
جاءَني الكناريُّ وكنتُ في حلم
رأيتُ في أحداق الكناريِّ ..
وكنتِ هناك
ذائبة كالرؤيا
مهموسة كالحب
قلتُ : ( ماذا تريد ؟ )
قال : ( أخرجْ من حلمك )
خرجتُ
فوجدتُ نفسي في حلمٍ آخرْ
وفي بهجةِ السَهوِ
كركر الكناريُّ وفتح أحداقه لي
كنتِ هناك .. وكنتُ .
سهونا معاً ..
ذُبنا معاً في قلب الحبْ .!
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> النخلة
النخلة
رقم القصيدة : 5904(49/124)
-----------------------------------
شامخةٌ كالنخلةِ أنتِ
والشال الأخضر المتلفُّ حول عنقك
كالذراعين
يجعلني أكتبُ رسائلَ كثيرة
أبعثها لك
ولكن معظمها لا يصلْ
ولا أعرف ما الذي يحدث عندكِ
هناكْ
في ربيع شالكِ الواقفُ على الجهاتْ
أية قناديل مكتنزة تزهو
هناكْ
سأنتظرُ إلى الأبد
من أجل أن تصلني جوابات رسائلي
وبعد الأبدْ
سأقفُ على سيقان السُكَّرِ
وأحاولْ
أو أنني سأهزُّ جذعكِ المتطاولِ
وأنشرُ حضني
أستقبلُ غرورَ النُضجِ ..
في قناديلكْ.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الميزان
الميزان
رقم القصيدة : 5905
-----------------------------------
تذكرين ؟!
يومها كنا معاً
حين تمنيتُ لشدّة نشوتي بكِ
لو أكونُ مثل ( فان جوخ )
مجنوناً
لكي أهدي إليك احدى أذنيَّ
فضحكتِ كنجمةٍ تكبرُ كلما استغرقتْ في الضَحكْ
تذكرين ؟!
إذنْ تأكدي أنني حققتْ أمنيتي الآن
وصارتْ الأذن هديةً اليكْ
هي ليست لي
ليست عندي الآن
أما الأذن الأخرى
فانني لن أبخلُ بها عليكِ
إذا رغبتِ
أرجوك خُذيها قبل أن تذهب
تعالي ستكون ذكرى طريفة
لأنها ميزان شاعر.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ولا أموت
ولا أموت
رقم القصيدة : 5906
-----------------------------------
أنتِ فضيحتي
ولا أستطيع أن أخفيك
كالجرح النازف
وأنت دمي
كيف أخفيك ؟
كالبحر الغاضب
وأنت موجي
كيف أخفيك ؟
كالفرس الجامح
وأنت صَهْلي
كيف أخفيك ؟
كالخفق الخائف في قلبي
كيف أخفيك ... ولا أموت ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ولا أجدك
ولا أجدك
رقم القصيدة : 5907
-----------------------------------
أتحرك في كل الاتجاهات
كسمكةٍ انتُشلت تواً من الماء
تأخذ شهقتها الأخيرة
وترتعش بجنون
أبحث عنك ولا أجدك
أضرب الهواء بأطرافي
كطفلٍ محمول من وسطه
وهو يصرخ
أبحث عنك ولا أجدك
كغزالة تنتفض تحت وطأة
حربة وحشية
أتحرك في كل الاتجاهات
أبحث عنك
تعالي
اني
- اذا تأخرتِ -
أتحوّلْ.(49/125)
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ولا يزال
ولا يزال
رقم القصيدة : 5908
-----------------------------------
أذكر جيداً ذلك الشارع الذي مشينا
وخلف خطواتنا
كان بنبت ريفٌ من الزهر الأحمر
وحيث تلتقي كفانا في لهفة
يولد عصفور أزرق
ونعطف على الأرصفة
التي كانت تبكي كالأطفال
ننحني
ونمسح بكاءها
أذكر أيضاً
مقاعد كثيرة انتظرتْ جلوسنا
فتحت أحضانها لنا
لكن الشارع كان شارعاً
وكانت لنا أقدام جائعة
أذكر جيداً
أن الشارع كان طويلاً وجميلاً
ولا يزال .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> كالأبيض
كالأبيض
رقم القصيدة : 5909
-----------------------------------
من الأزرق تخرج عصافير كثيرة
تنقل في مناقيرها مناديل ضاحكة
ومن الليلكي تتثاءب أقمار
أتعبها السهر
تغسل خديها بماء الصحو وتبدأ في العمل
من اللازوردي تتدافع أحلام الشعوب النشيطة
تسرج فرس اليقظة وتبدأ في التحقّق
من الوردي تتباهي الشهوة
تطوي رايات الخجل
وتنشر ألوية الأحمر
وتكسر القاعدة
من سرور عينيك أبتدىءُ أنا
كالأسطورة
أتلفتُ
لا أجد سوى سيوف مرتعشة
كغابة أغصانٍ في عاصفة
وحين يهجم بكاؤك
تجرفني السيول
فلا تسعيني السفن ولا السواحل
وأشتاق إليك
كالأبيض للألوان .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ليلة الليلك
ليلة الليلك
رقم القصيدة : 5910
-----------------------------------
ماذا قال الجيران عن تلك الليلة ؟
حيث فاض الليلك من نافذتنا
وسال في شرفاتهم
ماذا قال الجيران
عن ذلك الليلكي الذي ظل
أسبوعاً كاملاً
لا يكف عن البكاء
حيث لم يكن غاضباً
ولا متألماً ولا كئيباً
ولكننا ليلتها تراهنّا على :
مَنْ يرسم ليلكاً أكثر من الآخر
أنت أم أنا
كلانا هُزم وفاز الليلك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> في العشق
في العشق
رقم القصيدة : 5911
-----------------------------------
في الشلالات
التي توزع حكايات الخطوبة والزواج
التقى عاشقان
اختارا لهما حكاية تليقْ(49/126)
لكن
لم تأت كل الخواتم على مقاسهما
ولم يجدا سريراً يسعهما
ولم تعجبهما موسيقى من العزف
لذلك عادا إلى ذلك الشلال
وأعطياه حكايته
التي لم تكن مناسبة أبداً
لم يدخلا في الخطوبة ولا الزواج
ولكنهما مايزالان في العشق .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحبيب
الحبيب
رقم القصيدة : 5912
-----------------------------------
انه يستعد
يؤطر صورها بشرائط الشمس
ويُصوغ هدايا صغيرة
صغيرة جداً أحياناً
كأنه سيمر من ثقب
يؤلف قصة ثم يفك غزلها
ليغزلها من جديد
يحلم بجزر وساحات ومدن وشواطىء
وسهرات وعناقات طويلة
يهيء لها كلمات جديدة
جديدة جداً أحياناً
كأنه يتعلّم اللغة لأول مرة
انه يستعد ، ليحمل لها كل عمره
وكلما استعد أكثر للبقاء
اتصل أكثر باللقاء .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> من الرماد
من الرماد
رقم القصيدة : 5913
-----------------------------------
نيران كثيرة .. وأَرقْ
ماذا يريد الأرقُ مني
وماذا تريد النيرانْ ؟
تركتُ لديكِ قلبي
فماذا فعلتِ به ؟
ماذا فعلتِ
فجعلتِ الوقت يزأر ويصهل ويغرّد
والليل يأرقْ
والنيران الكثيرة تُغرِقُ قمصاني
دعيني أقول لك الحقيقة
أيتها الحبيبة .. يا أرقي ونيراني :
ماذا ستفعلين بعاشقٍ من الرماد .. غداً ؟!
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تاج الحزن
تاج الحزن
رقم القصيدة : 5914
-----------------------------------
يا تاج أحزاني
اذا تأخرتْ رسائلك
أثقُ أكثر بأنها ستصل
وحين تتأخر أكثر
يصيرُ انتظارها جميلاً جميلاً
كما الأطفال حين يولدون
وعند ما تنقطع رسائلك عني
أقع في الذروات العديدة لنضوج توقعاتي
وأقترب من الاعتقاد
بأن فرحي برسالتك القادمة
كفيل بقتلي
فأظل أنتظر مقتلي .. بوجلٍ لذيذ .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> غيرة
غيرة
رقم القصيدة : 5915
-----------------------------------
تملكتني الغيرة من هذه الموسيقى
التي تأخذ أرديتها من خزانتك
وتُباهي بها(49/127)
كأننا لا نعرف الحقيقة
كأننا غائبون عن الوعي
أيتها الموسيقى الراكضة في قلوب العشاق
انطقي
من أين لك هذا الشال القزحي المتأجّج
إنني أحبك
لكن أين صاحبة هذا الشال الأجمل ؟؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحبيبة
الحبيبة
رقم القصيدة : 5916
-----------------------------------
صادَقَتْ أسرار الموج
واتكأتْ على هَتَفِ القواقع
وغرور اللؤلؤ
لبستْ مناعة الصَدَف
وشفافية الزبد
وتاج الماءْ
فرشتْ بيتها بالأزرق والشفق والأفق
زيّنتْ سريرها بالاندياح الرشيق
والنوارس الخجولة
وموّجتْ العتبة بنعومة الرمال الذهبية
ووضعت يدها على خدها ..
تنتظر
لقد قالوا أن حبيبها قادم .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> قمر الشتاء
قمر الشتاء
رقم القصيدة : 5917
-----------------------------------
يُطلُ على كل الجهات
يغمر الشوارع والساحات
والمحيطات والغابات
وبلداناً بعيدة
وحدود لا نهائية
ولكن الأهم من ذلك
انه يُطل علينا من النافدة
وينثر علينا تِبْنهُ الفضي
ولا يدعنا ننام
وحين يتغافل بعضنا عنه
يمد ذراعه التي تلمع
ويشدنا من أصابعنا
من ياقة القميص الصوف
ويفرّك جليده في رقبتنا
فنتضاحك بفرح
كما الأطفال حين يتهدّم عليهم
كوخ الثلج في الحلم
ونهدأ لحظة
لأنه يصير جسوراً تأخذنا لذكريات بعيدة
بعيدة جداً
لا تفصلنا عنها سوى خطوات صغيرة
تتراكم فيها جدران وقضبان
وأسلاك شائكة وجنود
وبنادق وأجراس انذار
وقوانين وقضاة وأقزام وقصابين
ونحن لسنا أكثر من عصافير صغيرة
صغيرة جداً
ولكن كلما ازدهر القمر الشتائي في حدائقه
كلما صارت العصافير صغيرة جداً
أكثر قوة من العنف والعسف
المتراكمين
ويواصل القمر في الهطول .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> مغامرة
مغامرة
رقم القصيدة : 5918
-----------------------------------
دعيني أدخل قميصك مرة
لن أخدش عاجك المكتنز
أعرفك
رقيقة كجناح فراشة
لكني دعيني ولو مرة واحدة أدخل
هناك(49/128)
حيث السهرة تحلو في دفء القهوة
دعيني ولو مرة واحدة
وسأكون طفلاً مؤدباً
لا يخرج عن حدود اللياقة
دعيني
سأدخل من شفة الياقة
لكن لن أعرف كيف أخرج
ولا أريد .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> فاكهة
فاكهة
رقم القصيدة : 5919
-----------------------------------
في هذا البرد البرد البرد الباردْ
احتاجكِ يا تنوريَ البعيد
حنانك
- حيث تعجز كل مدافىء العالم -
وحده كفيل باعطائي المودّة الدافئة
أيتها البرتقالة الملتهبة
دوري حولي
دوري دوري يا فاكهتي
غطيني في ليل البرد ببرقك
باهِي بي بستان البهجة
رُدي ردي ردي
هذا الثلج الوحشيّ
عن الوله الساهر في قلبي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أيتها المراكب
أيتها المراكب
رقم القصيدة : 5920
-----------------------------------
يا مراكب الرحيل
انتظريني .. انتظريني
أنا قادم مع هذه الحبيبة
التي تسافر بلا حقائب
انتظري ..
انها تخرج من الجمر
لابسةً لونه ودفئه
ولن نغلق باب دارنا
فان سنونوات كثيرة أوصتنا
لكي نترك لها بعض الغرف
انتظري ..
أيتها المراكب الراحلة
ان حبيبتي تضع معطفها على كتفٍ واحد ..
في عجلة ..
وتأتي
انتظري .. سنذهبْ
لكن ..
أيتها المراكب التي ترحل
الراحلون يذهبون نحو الحب
ونحن الحب
فالى أين نذهب ..
أيتها المراكب.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> قميص القهوة
قميص القهوة
رقم القصيدة : 5921
-----------------------------------
تلبسين القهوة ، وتقولين لي :
إنتصرْ !
أتوجه الى الغابات تهرب
أستدير الى البحار تضطرب
أجتاز المدن والقرى وأصل إليك
استبسل
أدفع فنجاني
وأسمع قهقهة القهوة في القميص
الزاهي كالزمرد
أصير جنوناً في فنجان
وأنت تتصنعين الصمود
وفي لذة الهجم ،
أتذوق الزبد اللبني الغامر
وأنتصر
حيث تتلاطم استغاثات القهوة
في النضوج.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> جزيرتان
جزيرتان
رقم القصيدة : 5922
-----------------------------------(49/129)
لتلك الجزيرة الصغيرة الفسيحة
القريبة من داركم
كنا نهيء رحلات بحرية لا تُحصى
يتآخر في سبيلها جميع الأصدقاء من أجلنا ..
لكي نلتقي
ولهذه الجزيرة الكبيرة الضيقة
هيأ لنا الأعداء
تهجيراً طويلاً
يتآمرون فيه ضدنا
لكي نفترق .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحرية
الحرية
رقم القصيدة : 5923
-----------------------------------
في الجزيرة التي تأخذ شكل المرأة الحبلى
يتثاءب عاشقٌ في زنزانةٍ
طويلةٌ كقبر
عميقةٌ كبئر
وينشر ابتسامته الساخرة ..
في الجزيرة التي حَبَلَتْ حبلتْ حبلتْ
.. ولم تلدْ
جاءوا يزفّون له الطفل الصغير
الصغير جداً
الذي ولدته زوجته
ويقولون له :
( صرتَ أباً الآن )
تثاءَبَ بنفس الابتسامة الساخرة
لم يكترث كثيراً
وقال :
( لكن أمي .. متى تلدني ؟!) .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> وأنت هناك
وأنت هناك
رقم القصيدة : 5924
-----------------------------------
تعالي .. تعالي
فان هذا القلب لا ينام
لا يرتاح الا فوق وسادتك
يا المرأة الممتدة من قلبي ..
الي قلوبٍ كثيرة
كيف حدث انك خرجتِ من الخريطة
واتكأت على مُهَجِ الناس ؟!
تعالي ..
هذا القلب لا يستريح الا في جناحك
يا الواحدة المتوزعة في كثيرْ
كيف .. كيف سيطاوعك الدم
وتقطعين الغياب وتأتين ؟
يا حبيبتي
فبدون انتظارك ..
كيف يكون لأيامي لون وطعم ورائحة ؟
يا حبيبتي
تعالي .. وأنت هناك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> علاقات
علاقات
رقم القصيدة : 5925
-----------------------------------
من راحتيكِ تقلع السفن
ومن الديمة تركض الأمطار
من كتفيك تخرج السنونوات الساهمة
ومن العمل يتصاعد العَرَقُ الصادق
من خصلاتك تأخذ الحقول جنسيتها
ومن النار الغابيّة يولد جمر كثير
من أصابعك النجمية
تتساقط الأسماء الجميلة ..
.. على الأزهار
ومن الثلجة الصغيرة المتدحرجة من هناك
.. فوق بساط البياض
يتكون جبل زائر
منك جئت أنا
ومن الانتظار ..(49/130)
تهطل تنهدات اللهفة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> مكان
مكان
رقم القصيدة : 5926
-----------------------------------
حسناً ،
علينا أن نتفق على المكان
ان ذلك المقعد المستطيل بعمق
كنوم الطفل تحت شجرة الناس ..
- لكنهم سَيَرون قبلتنا !
لا بأس .
هل ضحكة القهوة مكانٌ مناسبْ ؟
- لكنهم سيسمعون تنهداتنا !
يا الهي .. هذا صحيح
لذلك فان تلك الغرفة الصغيرة
التي رسمها الأفق هناك ، ستكون ..
-لكنهم سيعرفون !
اذن ، أين .. أين .. أين
علينا أن نتفق
ها أنت ترين
ان كل الأماكن المناسبة .. لا تصلح
هل لديك ..
- تعال .. سنلتقي هنا
.. في قلبي ! .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> جوهرة العذاب
جوهرة العذاب
رقم القصيدة : 5927
-----------------------------------
جديدة كالوقت
تلمعين كجوهرة خارجة من العذاب
ألْمَسُكِ ... فيضربُ الْلَسْعُ أصابعي
لماذا أنت حارّةٌ هكذا
كيف يمكنني أن أحضنك إذن ؟!
سأبدو كمن يدخل الحرقَ مختاراً
علميني .. كيف أجيء إليك ..
دون أن أذهبْ
دون أن أحترقْ
والا فان الوقت سيمرُّ على أشلائي
تعالي ، أصيرُ جوهرةً ..
.. وأنتِ عذابي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> في الهواء
في الهواء
رقم القصيدة : 5928
-----------------------------------
... فدخلت
دخلت وصرت جميع الأوقات معا
وشعرت بأني بدء لم يبدأ
صرت النطفة
صرت جنينا طفلا
والرجل الكهل الشائخ صرت
كأني لم أولد بعد
وليس لموتي وعد
دخلت
وكان الوهج الفضي ثقيلا يتمطى
وكأني في الفضة أمشي
زمن الخطوة لا قبل له ولا بعد
لم أعرف أين وأين وأين وأين دخلت
أنا في الخطوة في فضة حلم
وعيوني موغلة في التحديق
الفضة غامرة
غائمة
كالغبش البدئي
سديم
أتلفت
هذا الكون غريب
هذا الكون غريب
والفضة سيدة الوقت
دخلت
كأني أدخل في التكوين
الفضة طائرة في الريح المتثاقل
صرت كأني أبحث عن نفسي
وكأني أبحث صرت
كأني همت
فمدت يدها أخذت بيدي(49/131)
أطراف أصابعها كالريش النائم
كانت ريشا
جاءت
لمست أطراف يدي أخذ ت بيدي
قالت هات يديك
تعال تعال أريك المحتمل القادم
هات يديك أريك أريك أريك
أ شك ل في عينيك الأشياء
تعال أريك الحلم وسر الحلم
تعال تعال
أريك المدهش هات
فجئت
وكنت الطفل الكهل
وكنت الشيء اللي ن والسائل والمتكو ن
كنت
ولم أعرف كيف وأين وكانت تأخذني
وتعال أريك
فجئت
دخلت وكانت تعرفني
لكني أجهل
كنت جنينا طفلا رجلا لا أعرف أين
وكانت تعرف أني كنت
...وجئت
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> في التراب
في التراب
رقم القصيدة : 5929
-----------------------------------
وقفتُ
فهذي الأرض الرخوة لا تحملني
وقفتُ
الأرض الرخوة ترخي تربتها وتسوخ
تسوخ تسوخ وتهملني
من يمشي فوق الرخو بلا خوفٍ
قال تعال
ستمشي من غير مخاف فوق الرخو وفوق الماء
ستمشي
أنت الشيء الموغل في المعجز والمدهش
أنت الشيء الشارد من شبح الأشكال المألوفة
تمشي فوق الرخو
تقدم فتململت
تقدم فتلفت
أخذت بيدي تعال تعال
الجزء الرخو من الأرض بلاد هجرتها الشمس
فطل عليها
أنظر فتقدمت
حملت الخطوة من كبدي
ووضعت الخطوة في كبدي
وتقدمت
صار الرخو قوياً
صار الرخو صخورا تحت القدمين العاريتين
ومد الرخو يديه
تثاقل قال تعال
أنقذني
هات الشمس
تكلم عني
باركني بالدم تجيء الشمس
تحيل الطمي السائل صلبا
هات أصهرني حولني جلمودا
ترتاح حوافر خيل الشمس عليه
أخبطني بالقدمين الضاريتين أصير
أنظر فرأيت الأفق الرخو يخر على قدمي يصلي
يركع يتضرع
ماذا ما هذا
كدت أردت ولا تسأل
أدخل في رخو الكون دخلت
وكان الريش النائم يسعفني في الوقت
يهدهد أسئلتي ويحرضها ويعارضها
الريش النائم لا يسهو لا يهملني
فمددت يدي ملأت الكف برخو الأرض
وصافحت الجزء الرخو من الكون
فضج الفرح الخالق في أوردة الأرض
سمعت الفرح المخلوق
كفى فكففت
فتحت الكف تعال تعال.*
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> في النار
في النار
رقم القصيدة : 5930(49/132)
-----------------------------------
تعالي أريك أمانيك تصير
أريك خيالا كنت تراه تحلم
كنت ومن أين كيف
لا أذكر أني كنت رأيت
ولا أذكر أني كنت
ولا أذكر أني
لا اذكر
لا
هات تعال أريك المعجن الشئ المكنون
أريك الشئ الساكن المسكون بتوق البدء
أريك جنون العقل ولا تسأل كيف ستنظر
لكن لا تسأل هذي الفضة عن أسماء
الرؤيا غامضة
لا تسأل كيف دخلت ستعرق كيف
وقفت
وكنت كأني في الحلم
كأني حلم الفضة حلي وبطيئا همت
وكالسابح في الرئبق صرت أرى
ورأيت الشئ وكان جميلا
كانت تمسك أطراف يدي
ويدي ترتعش الآن للمس الريش النائم خائفة
و الشئ جميل صرت أرى
وعرفت بأني أقف الآن بوهج الفضة
هذي فضة أيامي الأولى
حين دخلت
دخلت النار
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> في الماء
في الماء
رقم القصيدة : 5931
-----------------------------------
يا فضة أيامي الأولى هاتي
أخذت بيدي ويدي تتكون في يدها كالطيف
وحد السيف
تعال أباهي بك أيام الليل
أريك الوهم
أسمي فيك الحلم الآتي
كنت تريد وتحلم تهجس كنت
متى
لا أذكر أني كنت أريد وأحلم أهجس
لا أذكر أني كنت
لا أذكر أني
لا أذكر
هذا الريش الناعم
هذي الفضة لم تفهمني
فأنا ما كنت هنا ما كنت هناك
الآن أصير و أعرف
أدخل فدخلت
كان الماء جميلا كان كأن الماء أنا وكأني أعرفه
فاجأت الماء وفاجأني
ولهجت بحبٍ قبلني
أنت تعال تعال
تعبت من النطرة
كيف تأخر فيك الوقت تعال
دنوت وشيء في قلبي كالريش النائم يصحو
فاحتفل الماء وشرع لي أبواب القلب دخلت
دخلت دخلت وكان الماء جميلا
كان بلادا تعشق زوار الحب
وجهز لي مائدة القلب شهقت
فقال الريش الناهض قال
جلست وكان عشاء الماء يموج
فقال الريش الهائم
هذا الدم الثاني يعرفك الآن
أتذكر من أين
من أين سأذكر هذا الماء اللاهج أعرفه
من أين سأذكر
هذا الماء الشامخ يفهمني
فأنا من أين وكيف
تعال يقول السر إليك
تعال يقول الماء
دنوت فمال علي الماء وقال
غسلت القلب هو الفردوس يقول(49/133)
وكدت أتيه
الماء يحط يديه على كتفي والماء يقول
سمعت سمعت سمعت سمعت
قال كفى فصرخت
الماء أنا وأنا عطش
فتعال كفى وبكيت
الشيء الحلو الراكض في جسدي يصطخب الآن
كفى وتعال تعال
رأيت الماء بكى كالماء وعلمني
فبكيت بكيت ولهج القلب يضج
مشيت وسر الماء معي
أخذت بيدي وسر الماء العاشق في رئتي
ارتاح وقال أراك
رأيت يدي في الدم وماء الدم
فهمت .
****
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أ - مرآة قهوة الدم
أ - مرآة قهوة الدم
رقم القصيدة : 5932
-----------------------------------
الفضة رفقة هذا المجهول
الكون اللحد المهد
المتحول أفقا
تعال فلي وقت أحتال به
وأحول عينيك إلى بوابات
يدخل منها الخلق
أخذت بيدي ومشيت
كأن النبض الراقص في ريش أصابعها نبضي
الفضة كون والكون الفضي وسيع
وأنا في الكون البدئي أضيع
أضيع أضيع هنا
لولا يدها في الدرب وضوء الدرب
يكاد الضوء الساطع في الوهج يضيع
تعال أريك ولا تسأل كيف
أدخل فدخلت
وكان الشيء جميلا كان
رأيت دماً يختال
يضيء ويشرب قهوته في نصر شعوب تلهث
جاء الهمس
فهذا بدء نهايات التعب اليومي
تأمل فتأملت وهمت
كانت قهوة هذا الدم تزيل الهم
رأيت الطفلة تلعب في شفق القهوة
قال دعاني وسقاني فنجانا
قال كفى
أخذت بيدي والفضة تعرفني وأنا في ذهل المدهش
يبدأ تكوين الشيء بروحي
هات تعال هنا سترى و رأيت
رأيت الشجر المائل يشرب من ماء الناس
ويمسح عن شفتيه العطش الشمسي رأيت
هذا فرح الأحزان الواقف خلف الضحكة
كالأهداب المغسولة
هات تعال فماء الناس جديد
مد الغصن الأقداح إلي
شربت شربت
فقال كفى وشهقت
فماء الناس جديد . *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ت - مرآة لؤلؤة الوقت
ت - مرآة لؤلؤة الوقت
رقم القصيدة : 5933
-----------------------------------
هدير القدم المكتشف المدهوش يمد
وأدخل في لؤلؤة الوقت
صوت الشيء الحلو يرافقني
أدخل فدخلت
تعال(49/134)
أريك الرايات المرفوعة فوق رؤوس البشر المقتولين بفأس الدولة
هات أريك الدولة دائلة
والفقر الملك المالك
يشرق في حنجرة الحرف
أريك النزف المتألق
هات يديك أريك المغلق يفتح
حيث العمال يهزون جذور الكون الميت
يبنون جمال الكون الحي
أريك التوق الأحلى الشوق الأعلى
في الخطوة مندهش مرتعش أصغي وأجيء
أخذت بيدي
هذا الأسود عتم الأيام يضيء
دخلت الأسود والأسود صمت وحشي
ادخل فدخلت محاق الأيام
وكيف أرى
فأردت وكدت
تلك الأسئلة المحظورة مخفورة
تلك الصورة عتم وأنا أحداق
كان الريش الناعم يلمسني
فوثقت بأن الفضة تحرسني
أنظر ففتحت الأحداق كباب الريح
رأيت الأسود في الصمت يلوب
يحرك خوف الأطراف
رأيت الأسود يفتح نافذة ويطل
أي محاق يسكن هذا الثلج
وأي قرائن أجمعها في هذا
أنظر
الريش الناعم فضة هذا الكون تؤرق نوم الأسود
هذي الخطوة تسجنني أيان دخلت
كان الأسود يضحك لي يضحك من جهلي
ويهز سريرا طفلا في الركن الموحش
حيث الفضة قالت لي
فنظرت الطفل النائم يعرفني
طفل في النوم ويعرفني
لا أعرف كيف أصوغ سؤالا
كيف لهذا الطفل
الطفل النائم أن يعرف شيئا
وأنا
يا غضب الريش الهائم
لم أسأل هذي هذيانات الدهشة
لم أسأل
الفضة غاضبة
لكن الطفل النائم يعرف
لا تسأل
الأسود يضحك لي يضحك من جهلي
ويهز سرير الطفل النائم
ذات الطفل العارف
رأيت الطفل الطفل ينام ويعرفني
هذا طفل الأيام الممقوتة يزدهر الآن قليلا في النوم
ولا يصحو
هذا طفل الأيام الممقوتة ينتظر الآن ليأتي عصر النصر
يقوم من اللحد ويركض قبل المهد
يحقق أحلام الأمم الموقوتة
الفضة أنظر
فرأيت الفضة تدخل في ذيل عباءة صمت الأسود
تبدأ نار تتصاعد
الأسود يضحك
ويغطي النار بكم الثورة
يحضنها ويقبلها
ويهز سرير الطفل النائم
والطفل ينام ويعرفني. *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أ - مرآة الجسد
أ - مرآة الجسد
رقم القصيدة : 5934
-----------------------------------
دخلت ،
الفضة سيدة الوقت(49/135)
ريش الكشف الشامخ يغريني فدخلت
هذي القاعة قاعدة القمم الممسوخة
في قاع الآبار المسمومة
هذي القاعة قبر أم قبرة أم ...
تاهت لغتي فتلفت
تقدم وانظر هذا ...
أخذتني الخطوة نحو التابوت
ذهبت ذهلت
ولولا ريش كان صرخت لهول
تعال
هذا الدم الذاهل في جسدي يرعش كالخرقة
كان التابوت بدون غطاء
تعرفه كيف سأعرف
هذا جسد لا رأس له
كيف سأعرف وأنا النطفة والطفل
أنا الكهل بلا موت أو ميلاد
من أين الجسد الحي الميت يعرفك الآن
اقترب
خبأت الذعر دنوت
هذا شخص يخرج من أشخاص تحت ظلال يديك
ولن تذكره
ما مات ولم يقتل بعد ولن يأخذه الموت
الجسد الحي الميت جاء بلا رأس
يعرفك الآن فجس النبض
شعرت بلغط في أعماقي
هذا جثمان كيف
تعال وجس النبض
مددت وكان الدم يدور كعادته في أروقة الجسد الحي الميت
اعتدل الحي الميت بالكتف العالي
مد يديه وقال بصوت يشبه خرخرة القبر المنحل :
أكون صديقا ميتا للآتين
أقول الكذب بصدق
فأنا قبرة القبر
و ألعق جرح الأرض الناغل
أنقل هذا التابوت
وأسأل عن رأس غاب
هذا وطني
أحمله وأسير وأبحث عن رأس أحمله
والرأس هناك هناك هناك
فخذني
هات الرأس أقوم وأقلب قاعات الكون.
تقلص حتى كاد يصير قديدا
أنظر فهلعت
اقترب التابوت إلى ساقي
صرخت
الفضة تحرسني والريش الناعم يلمسني
فأصير قويا
والتابوت يلح تعال تعال
فهذا التابوت سيحمل حيا ميتا ويدور به
ويموت به
فالجسد الحي الميت وحش البشر الجائل في ليل الناس
لح التابوت على ساقي
رفست الخشب المر رفست
رفست فقالت دعه
فالجسد الميت هذا سوف يموت
أخذت بيدي تعال
هو التابوت سيتبعني
أعرف
من لحم الماضي هذا الخشب المر وسحر المستقبل فيه
هات خطوت مشى
أسرعت فأسرع
ثرت
صرخت اتركني اتركني اتركني اتركني
اتركني اتركني
اتركني اتركني
اتركني اخجل
واتركني
لكن الموتى موتى
والموتى لا يشعرون بالخجل. *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أ - مرآة الانتماء
أ - مرآة الانتماء
رقم القصيدة : 5935(49/136)
-----------------------------------
رأيت
رأيت السفن الشاحبة العينين تزود ميناء الأرض بحزن وبكاء وأسلحة وتوابيت رأيت القرصان يشد حبال الأرض ويربط صارية بالنخل وصارية بحنين الماء رأيت بضاعتهم وتجارتهم والجوع الطالع في ثمر الأسواق الموتورة كالوحش رأيت الساق المكسورة تسحب في رمل كالأطفال رأيت وكان ا
الحبلى
قال هناك هناك
هناك صوار ينهض فيها النور ويرتاح على شرفتها العصفور هناك صوار طاوعها العصف وصلى في شهق إشارتها إصعد بالفضة سوف ترى فهناك صوار تعلو فيهدهد هامتها الغيم
انظر
فلمحت سواحل قلب الشرق تغادر تسرع نحو السفن المشرقة العينين رأيت شهيق التوق
فهمت أخذت بيدي فضة أيامي الأولى
لمستني بالشيء الحلو
لمست الشيء الحلو
وكان جمال الشيء يفيض.
ضم يدي ومشى
فمشيت.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ن - مرآة ماء اللوتس
ن - مرآة ماء اللوتس
رقم القصيدة : 5936
-----------------------------------
فصرت الخلوة
الكشف أمامي يدخل في حجب تفتحها العين
الريش النائم يوقظني
هات يديك أريك الواقع في الحلم
أريك هنا فدخلت الفضة
جدران الكون الفضية أرض سقف
والريح المتثاقل فضة هذا الدرب
رأيت العين تمد الخطوة نحو الشيء
رأيت نساء مضطربات الخفق
فتحت القلب فطارت أسراب اللوتس
تحمل حبا لرجال في الغيب
نهدت أريد وكدت تذكرت
بأن سؤال الفضة يعني
لكني في الغيب
وأي رجال في الغيب
في الغيب رجال تعرفهم وستعرفهم
فلمحت الشيء يكاد
ومدت لي كلمات الخفق المفتوح بقلب نساء
أعرفهن سأعرفهن
وأعرف
لكن من أين سأعرف أن الشيء الحلو يكونني
ويضيع ويهدي النفس تواريخ الوهج
سمعت الخفق يناديني فدنوت
ووشحني اللوتس في حلم نساء ينطرن
وقبلني اللوتس
قال كفى أخذت بيدي
والصهد المتفصد يكتب في جسدي
وأنا أتكون كالوردة ورقة ورقة
ألتف وأفتح قلبي فيمد الشيء الحلو يديه
ويقرئني ويعلمني
سأريك أريك الماء الثاني في القلب
أريك الحب.
دخلت(49/137)
وكانت أعراس حدائق قوس القزح الكوني تفضض أرجاء الخطوة والخطوة راجفة الفرح وألوان القزح الحلوة ترقص هات يديك وشارك في هذا الحفل أغانيه تكون الألوان موزعة في غدك الموعود يكون القوس الفضي الباب الواسع يدخل منه الغيم وترفس فيه الأفراس الأرض وتقفز نحو الشمس فها
مد القوس خيوط الفضة
رحت ولم أعرف كيف فعلمني
ورقصت رقصت رقصت وقال كفى
أخذت بيدي كان الرقص قريباً كنت خجول. *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> م - مرآة شجرة الدم
م - مرآة شجرة الدم
رقم القصيدة : 5937
-----------------------------------
ستعرف دون سؤال
ستعرف
هذي الفضة جذر الكون
وماء الكون يؤرخ في عينيك
تعال أريك الميت من تاريخ الناس
أريك الناهض في تاريخ الناس
أريك الكأس تعب الخمرة من شفتيك
أريك الشمس محاصرة بخيول الفجر
أريك النهر يعارض منبعه ويشط
تعال وكنت مريض القلب بحب الماء
تعال وكنت قوي القلب بحب الماء
فجئت أخذت بيدي
ويدي في الريش الساهم ساهمة
أدخل فدخلت
كان الشجر الأحمر كان الحلم عظيما كان
الطائر كالغيمة نعشا
فجعت كأم النعش وكانت أكتاف الناس
تمد يديها للنعش
وكان النعش يطير يطير يطير
الكفن الخائر في دم النعش يصير شراعا
ويرفرف
كالقلب بصدر الأم
النعش الغيمة يغمس في جرح الناس حراشفه
والشجر الأحمر معترضا درب النعش
أنا في النعش بقلبي
ما هذا الطائر كالغيمة ما.
سوف ستعرف من غير سؤالٍ
والنعش يطير ويعلو هامات الأشجار الشوكية
يعلو
يعلو
يعلو
لكن الشجر الأحمر يقذف أغصانا شاخصة
كالحبل الشوكي
النعش يهيم بلا أكتاف
تعترض الأغصان طريق الغيمة
و النعش يهيم
تداخل أضلاع النعش بشوك الشجر الأحمر
تنغرس الأغصان السيفية في لحم النعش
وكان الأحمر في النعش يفيض
يفيض
يفيض
يفيض
الحلم الخارج من غابات الشجر الأحمر
موت صديق
أنظر
فالنعش المصلوب على الشجر الأحمر يعرفك الآن
أيعرفني من
لا تسأل من أين سأعرف أن النعش سيعرفني
وصديقا كان النعش
وسوف يصير(49/138)
اقترب الآن تقدم
إلمس خيط الكفن القاني تعرفه أو يعرفك
اقترب الآن ستعرفه فاقترب اقترب الآن
تقدمت
ومد الخيط حديثا قال بأن الطقس القادم عصف
والقحط المتجذر في سقف الناس سيمكث
حتى تنبت للنعش بيارق
قال بأن الرعد القادم يطحن كل جبال الهم
المرتاحة في قلب الناس
وقال كفى
فلمحت النعش يهيئ للبيرق خفقة قلب
هات تعال
دنوت إليها أخذت بيدي
مسحت كبدي برحيق الشوق.*
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ء - مرآة الاغتسال
ء - مرآة الاغتسال
رقم القصيدة : 5938
-----------------------------------
رأيت خيول النار السبعة تركض في طرق الليل تجر الشمس الغافلة العينين رأيت الأطفال المعروقين يطوفون الطرق الحلوة في مدن الليل يغنون لضوء الشمس المنساب المنسكب المتدفق عبر أزقة أرض الناس المقهورين رأيت الناس تطل على الضوء الباهر يطرق حزن الشمس نوافذهم والناس
يحنون الغرة بالحب
ويمسح كل جبهته بالعرق الشمسي الهاطل من أكتاف خيول النار.
ثار الوهج الفضي بقلبي
قال الريش الناعم
هذا فرح الناس بشمس تغمرهم بالحب وتكسوهم
فتقدم مرّغ شفتيك
اغسل بنبيذ الخيل يديك
تعال اقترب امتد
دنوت تقافز أطفال الناس ينادون
تعال تعال
ومد الناس قلوبا في الكف
تعال فهذا عرق الشمس لديك
اغسل زنديك بخمر النار يشب الغار على كتفيك
دنوت غمست يدي في ذهب الشمس المنسرح المنساب
على أوداج الخيل
حسوت نبيذ النار بكفي
قال كفى ففرحت لأن الناس
قال الريش الهائم سوف يجيء الوقت الآتي
سوف يجيء
تذكر أن خيول النار السبعة سوف تكون هناك
فكن للخيل هناك
دهشت لأني سوف أكون هناك
انظر فرأيت الشمس تسرح شعر الأطفال
وعمر الأطفال يطول يطول
يطول ويزهو
أخذت بيدي ويدي في شعر الأطفال تجول. *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ت - مرآة التأسيس
ت - مرآة التأسيس
رقم القصيدة : 5939
-----------------------------------
تعال أريك رؤى وأريك الرايات
تعال أريك الآيات(49/139)
أريك الوطن الطين الطمي الصلصال
تعال تعال
يدي في الفضة هائمة
أخذت فمشت
الأزرق في خطوات الريش يشب
أدخل فدخلت
الأزرق بالريش الفضي وكان البحر
البحر
البحر
البحر
وآه آه
أنظر
فرأيت البحر يشيل السفن الكسلى
يمسح دمع الشوق بعينيها
ويغني لقلوب المنتظرين
رأيت البحر يهدهد رمل الشاطئ
ينسله ويصوغ شرائطه
ويرصع بالأسماك جدائله
وجميلا كان البحر جميل
تقدمت تقدمت
يدي في الرمل يدي في الأزرق كان البحر الداخل في عيني يتضاحك يقذفني بالموج ويهديني من لؤلؤه وقواقعه والرمل الذهبي يرش قميصي بالزبد الفضي وكان كأن البحر الأزرق يعرفني من أين سأعرف هذا الشيء الحلو الناضج جاء البحر وقبلني كأن العطش الناهض في جوفي لم يشرب بعد ث
كفى
واقترب الريش العائم يمسح عني الملح ويصحبني
انظر فرأيت
رأيت البحر أليف الريح
يصهل كالعصف ويجلد أفراس الهجم ويخبط سقف المدن الموبوءة يكسر جدران قصور الملك الدموي
ويركض يركض
يرفع أحزان الناس المغمورين المغموسين
بوحل الجهل
يغرق تلك المدن الهامدة الرايات يزو بع ليل الغرف
المشحونة بالضيم و أصل الغيم
رأيت البحر يغادر كل سواحله
ويؤسس شطآنا في شرفات الجوع
ويفرش أرصفة الميناء المتهالك
هذا البحر الملك المالك يعتمر الرمل
وينثره في قدم الناس
ويعلن حرب النرجس ضد الفأس
البحر المألوف يطوف ويدعو سفن الشيء الحلو
ليرحل فيها يحملها نحو الفردوس
كان البحر على الميناء
رأيت البحر وكنت هناك.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> 1 الوطن يقرأ نار الأطفال
1 الوطن يقرأ نار الأطفال
رقم القصيدة : 5940
-----------------------------------
سترى الأشياء المألوفة في غير أوانيها
وترى الماء يصلي
ذات الماء الكافر في ركع المحراب
وسوف ترى المحموم إذا طاب
وتلمس قلب الأمل الواقف في الجمر
إذا خاب
مدت يدها
هذا الباب الموصود سيفتح
أدخل فدخلت
كان الجمر عظيما كان
تناثر حولي لهب وشواظ
النار تأج
والشيء الحلو يشد يدي
اثبت فثبت(49/140)
جحيم الأحمر يفغر أشداقا ضاحكة كالموت
الريش الناعم في اليم يكون حولي
فتح النار دخلت
كان هناك ملوك وعساكر قوادين وتجار وصرافون
جباة جلادون هناك
وكانت مأدبة واسعة
أنظر فرأيت
رأيت رؤوسا وأياد لامرأة ولطفل كان
ورأسا قال بأني أعرفه
صحت أردت وكدت تذكرت
رأيت الجمع الوحشي يحيط بمائدة الأكل
ويأكل
ماذا يأكل هذا الجمع الوحشي
وماذا في الأطباق ويأكل هذا الوحش
رؤوس الأطفال
وأجساد النسوة يأكل في الناس
صرخت وكدت فقالت انظر
فنظرت
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الكوكب الأرضي
الكوكب الأرضي
رقم القصيدة : 5941
-----------------------------------
هذا الكوكب الأرضي
لو بيدي
لو أني أقْدر أن أقْلِبه هذا الكوكبْ
لو أني أملك أن أملأه هذا الكوكبْ
ببذور الحبّْ
فتعرِّش في كلّ الدنيا
أشجار الحبّْ
ويصير الحب هو الدنيا
ويصير الحب هو الدربْ
***
لو بيدي أن أحميه هذا الكوكبْ
من شر خيار صعبْ
لو أني أملك لو بيدي
أن أرفع عن هذا الكوكبْ
كابوس الحربْ
أن أفرغه من كل شرور الأرضْ
أن أقتلِعَ جذورَ البُغضْ
أن أُقصي قابيلَ الثعلبْ
أقصيه إلى أبعد كوكبْ
أن أغسل بالماء الصافي
إخْوة يوسفْ
وأطهّرُ أعماق الإخوة
من دنسِ الشرْ
***
لو بيدي
أن أمسح عن هذا الكوكبْ
بصمات الفقرْ
وأحرّره من أسْر القهرْ
لو بيدي
أن أجتثّ شروش الظلمْ
وأجفّف في هذا الكوكبْ
أنهار الدمْ
لو أني أملك لو بيدي
أن أرفع للإنسان المتعبْ
في درب الحيرة والأحزان ْ
قنديل رخاء واطمئنانْ
أن أمنحه العيش الآمِنْ
لكن ما بيدي شيْء
إلاّ لكنْ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> اللجوء إلى خيمة اللاجئين
اللجوء إلى خيمة اللاجئين
رقم القصيدة : 5942
-----------------------------------
تعال أريك الجيش الجائع يدخل في سم الإبرة
يدخل فيه الطفل الطائش
والشحاذون المكسورون
ويدخل رعب الساعات المغبونة
والإبرة ضيقة يهصرها الحمل الداخل في السم(49/141)
هات يديك أريك كنائس تكنس أحلام المحمومين
صلاة المصلوبين
أريك الدين الديوان
أريك الإنسان الداخل والخارج
دخلت
المشهد متسع كالأفق رأيت الخيمة
كان السهل يسهل سيل الناس
وباب الخيمة مفتوح
الناس تجيء وتدخل
الخيمة تكبر
والناس تجيء تجيء تجيء تجيء
الخيمة باب للأفق
جهات الأرض تجيء يجيء الناس من المدن التعبى
من أطراف بلاد لا أعرفها
من غابات لن أعرفها
الخيمة تحضن جيش المذعورين الجوعى
المسحورين الجرحى
المذبوحين الأسرى المخمورين
المغمورين بطرد المدن القاتل
تهت وأجهدني الجيش الشارد من أحضان الدفء المفقود
اللاجئ في أحضان الدفء الموعود
تعال انظر
فرأيت المدن الحجرية تأكل من لحم بنيها
والناس تطير وتسبق نار الهجمة
تدخل في تيه الخيمة
والخيمة تكبر تحضن كل لجوء والناس
تجيء
الريش الناعم يهدج أو يتهدج
هذي خيمة ناس سوف تضيق الأرض بهم
وتلاحقهم كل سكاكين القادة و القوادين
تطاردهم سنن الحكام المسلولة من غابات الوحش
تحاصرهم أسياف الجوع ونار القمع وسم الجنس
انظر فرأيت
حضنت الأذرع مشرعة من ناس الخيمة.
هل تعرفني
من أين سأعرف يا ...
قد جئت لأن الحكم يهددني بالموت إذا نمت
أنا الشارد من حريات القتل
أنا المطرود من الدار لأن الجار قوي
أنا الميت قبل الموت
أنا وأنا وأنا وأنا و
كفى
أنا في كف الريش الناعم ملتهب
الريش يمد يديه
تعال أمد يدي
ويدي في لجأ الناس تدور
تدور
تدور. *
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> رجاءً لا تمُتْ
رجاءً لا تمُتْ
رقم القصيدة : 5943
-----------------------------------
يا أخا الروحِ رجاءً لا تمُتْ
أو فخُذْ روحي معك
ليتني أحمِلُ عن قلبكَ ما
يوجع قلبك
لو ترى كم رفع القلبُ إلى اللّه
صلاة القلب كي يشفي بروح منه جُرحَك
يا أخا الروح رجاءً لا تمُتْ
نقطةُ الضوءِ بعمري أنت
نبراسي المضيء
ابْقَ لي أرجوك
ابْقَ الضوءَ والنكهةَ والمعنَى
وأحلى صفحةٍ في سِفْر شِعري
وّجَت آخرَ عمري
حلمٌ
حلمتُ...(49/142)
رأيت قصائد قلبي التي لم أقلها
تموت واحدة بعد أخرى
حزنتُ... وقمت إليها
ألملمها جثثًا ورفاتْ
بكيت عليها وغسلّتها بالدموعْ
وسلّمتها لمهب الرياحْ
رجعت بخفي حنينْ
بكفين فارغتين
وظل شرود حزين يدبّ على مقلتيّ
وذكرى
بنيتُ لها معبدًا يتهجدُ قلبي لديه
ويضئُ الشموع
لذكرى قصائد ماتتْ
وليس لها من رجوعْ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الصعاليك يفتحون العواصم
الصعاليك يفتحون العواصم
رقم القصيدة : 5944
-----------------------------------
هات يديك الملهمتين
أريك النبأ الطازج يزدان بزهو الزئبق
هات أحقق في عينيك الأحلام
أريك سلام الأرض لطير البحر
أريك القهر المتخثر في الدم
أريك الهم يغادر عاصمة الأوطان
أريك زمانا يأتي مثل ملاك
وأريك هلاك الطاغوت
يصير القوت صديقا للفقراء
تعال ترى تاريخ التاج يموت
ترى الأرتاج رمادا في التنور
قبيل النور
تعال وهات يديك الضارعتين
أريك نبياً مات نبياً تاه نبياً زاغ
أريك إلهاً سوف
إلهاً مات
أريك الكأس المكسور
لأن الخمرة جامحة
رأيت كان اللون يؤجج أفق العينين
رأيت صعاليك الأرض يقومون من الأشجار
من الأحجار
رأيت النار تضيء الوقت لهم وترافقهم
كانوا كالطير
رأيت بلادا تفتح أبواب الحزن لهم
والطير يطير
ويحزم صوت الصعلوك نشيج الأرض
رأيت صعاليك الأرض يغنون
وينداحون كموج البحر المسكون بوهج الجنس
فيشهق قلب الفرح بقلبي
هذا جيش يمتد
يؤسس تاريخا يغوي ويغير يغير
هذا جيش جاء يسير خطو الخلق
بقلب الشرق
رأيت صعاليك الفوضى ينسربون من الصخر
وعبر شقوق النهر
رأيت أظافر جوع تفتح للخبز طريقا
للضحكة جرحا
وتشق شرائع شاخصة في الغدر
وغاب الهدر
الباب يؤرخ يرخي فدخلت
كان عشاء الحب معدا
مد الصعلوك لي الأنخاب وقال اشرب
فشربت
الخمر يضج بصخب الحب وكان
الساهر ينداح فطاح الكأس
لأن الخمرة واسعة والكأس تضيق بها
سكر الريش
سيخرج من خمر الصعلوك الغامر جيل يجتاح
خذ المفتاح وفض الباب وخذني(49/143)
عين الفضة موغلة والدرب جميل الخطو
فهات يديك الساكرتين
أريك بلاد الأسماء . *
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> إلى أين ؟
إلى أين ؟
رقم القصيدة : 5945
-----------------------------------
إلى أين تنأين عن جاذبية شيءٍ مقدّرْ
يشدك قسرًا إليه?
رويدك مَهْمَا تشبثت أنت بذيل القرار
ما من مفرْ
بأي جناحين أنت تطيرين هاربة منه
طيري كما شئت نحو أقاصي المدى
جناحاك من طينةِ الشمعِ الشمسُ
ملء الأقاصي وما من مفرْ
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أنشودةٌ للحبِّ
أنشودةٌ للحبِّ
رقم القصيدة : 5946
-----------------------------------
كان وراء البنت الطفلةِ
عشرةُ أعوامْ
حين دعته بصوتٍ مخنوقٍ بالدمعِ:
حنانك خذني
كن لي أنت الأبَ
كن لي الأمّ
وكن لي الأهلْ
وحدي أنا
لا شيء أنا
أنا ظلّ
وحدي في كون مهجور
فيه الحبُّ تجمّدْ
فيه الحسُّ تبلّدْ
وأنا الطفلةُ تصبو للحبِّ وتهفو
للفرحِ الطفْليِّ الساذجْ
للنطّ على الحبلِ
وللغوصِ بماءِ البركةِ
للّهو مع الأطفالْ
لتسلّق أشجارِ الدارْ
القمعُ يعذبني
والسطوة ترهبني
والجسم سقيمٌ منهار
أرفعُ وجهي نحو سماءِ الليلْ
أهتفُ
أرجُو
أتوسّل:
ظلّلني تحت جناحيكَ
أغثني
خذني من عشرة أعوامِي
من ظلمةِ أيامي خذنِي
وسّعْ لي حضنَك دَعْني
أتوسَّدُ صدرَك امنحني
أمنًا وسلام
يا بلسمَ جرحِ المطحونينْ
وخلاص المنبوذين المحرومينْ
خذني!
خذني!
يجري نهرُ الأيام يمرُّ العامُ
وراءَ العامِ وراءَ العامِ
الطفلةُ تكبَرُ والأنثى
وردةُ بستانْ
تتفتّح والأطيارُ تطوفْ
وتحوم رفوفًا حول الوردةِ
بعد رفوفْ
الزّمنُ الصعْبُ يصالحها
ومجالي الكوْن تضاحكها
والحبُّ يفيضُ عليها
من كلّ جهات الدنيا
ويطوّقها بتمائمه
ويباركها بشعائِرِه
ويساقيها من كوثرِهِ
ما أحلى الحبّ وما أبهاه!
الأنثى الوردةُ بعد سُراها
وتخبّطها في ليلِ متاههْ
تتربَّعُ في ملكوتِ الحبّْ
تصير إلههْ
هالاتُ النورِ تتوّجُها
وتلاطفها قُبَلُ الأنسامْ(49/144)
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
فيه الليلُ سماءٌ تَهْمِي
تُمطر موسيقى وقصائدْ
وقناديلُ الكلماتِ تصبُّ
الضوءَ على أملٍ واعدْ
ما أحلى الحبّْ!
تتفتح فيه عيون القلبْ
ما أحلاه حين يمسُّ شغافَ القلبِ
فيبصرُ ما لا يبصرهُ العقلُ ويدرِكُ
ما لا يدركه الفكرُ ويسبرُ ما لا
تبلغُهُ الأفهامْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
كونٌ مكتملٌ ومعافى
لم يتشظَّ ولم يتمزَّقْ
يتناسق فيه العمرُ ويمسي
إيقاعًا كونيّ الأنغامْ
تتماهى فيهِ (أنا) مع (أنتْ)
تزهو بحوارٍ موصولٍ
حتى في الصمتْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
يحيا بين يديْه رميمْ
تندى أرضٌ, تحضرُّ عظامْ
فيه الزمنُ المسحورُ يقاسُ
بدقّاتِ القلبِ المبهورْ
لا بالسَّاعاتِ يُقاس ولا
بتوالي الأشهرِ والأعوامْ
ما أحلى الحبّْ!
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الفوضى تشكل المدائن كما ينبغي
الفوضى تشكل المدائن كما ينبغي
رقم القصيدة : 5947
-----------------------------------
ستعرف قال
وأوقفني في ريف الأسماء
كنت يدين وقلبا مسحورا
كنت حضورا
قال تعال
أريك البدء وسر البدء
خطوت
لمست السحر الكوني بقلبي
قال دخلت وكان الماء يضيء
تعال أريك الطوفان يضيء ويغسل وجه الأرض
فترجف تنداح المدن النائمة النبض
يجيء ويكشط وجه الأرض يشيل سلاطين السوس
ملوك الرجع
يكنس وقت القادة والأقزام المغرورين
تراث الأموات الحاكم في الأحياء
تعال أريك الماء يخلخل يخلع أصل التاريخ
الدموي الغامر
هات أريك الطوفان يجيء يضيء ظلام الإنسان
ادخل فترى الأسماء
دخلت رأيت
وكنت حمامة يوم الطوفان
رأيت الربع الخالي مملوءا برباط الخيل
رأيت النيل يسيل بشهد الأيام
رأيت الشام يشب يعب الكأس
انظر فرأيت الأحمر في الأوراس يوزع زهر الآس
رأيت المغرب يشرق
كان فرات الأرض يدغدغ جذر النخل ويخلع حزن الدهر
رأيت جبالا خضراء وتحمر
رأيت الصخرة جمرة زيتون في الحقل
ومأرب تنهض تهرب من رقدتها
رأيت وكان الأرز يهز الثلج ويلهج في صنين(49/145)
رأيت الطين يصير رأيت مصير الماء
انظر فرأيت الأسماء تعانق ضوء الماء
وكنت أحملق محموما بدماء الماء
بحثت كأن الطوفان نسى
فتلفت أنظر
فرأيت رأيت بدون سؤال
رأيت أوال تأول لأهل الدار
رأيت جميع الأسرار
رأيت أوال تصير وتبدأ كالأطفال
دخلت وصرت حمامة يوم الطوفان
وصرت الغبطة في الإنسان
وسمعت الماء كفى
الريش يقول
فهذا ماء المحتمل الآن
يصير جمال الأرض جميلا بعد الطوفان
فهات يديك أريك جمال المحتمل الحلو
مددت وكنت يدين وقلبا مسحورا
والريش الفضي يكاد يصير سؤالا
فلذت بصمت العلم
رأيت شريك الشمس يقول
تعال نؤرخ تاريخا ونحققه
نفتح بلدانا وندللها
تعال نفض الفوضى ونوزعها في لبن الطفل
ونمزجها بجنون العقل
تعال نؤسس رفضا في النبض وومض الأرض
ونغوي الشهوة بالغزو وحلو اللهو
تعال نشكل لفظ الحرف ونكسره
ونغرر بالكلمات المتزنات ونغتصب العذراء
نولدها أجمل ما تحمل
هات يديك نجر السفن العربات الخيل السيل
ونربطها بدم الأحلام تعال ننام
فهذي الفضة باردة فلندفئها بالحب
تعال الكون يصير إذا نمنا ويصير الحلم لنا
فتعال وهات يديك يديك
يصير الشيء الحلو جميلا
عبر يديك . *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> بدايات عرس الأرض
بدايات عرس الأرض
رقم القصيدة : 5948
-----------------------------------
فتحت
رأيت سلام الأرض يهيم ويصرخ في الغابات
يؤجج جمر العشق الكامن
يكسر في أغصان النوم الآمن سور الحلم
رأيت حضيض الأرض يفيض بكأس الرفض
فقلت لخطو الريش تعال
فجاء وكنت ألج بفضة أيامي
فرأيت السمك الفسفوري يصيح
بأن مياه النهر تجف وتخذله
فتعال نرى
فالشمس على باب الفضة تلبس حلتها تنتظر العرس
تعال أريك ترى فالشمس هناك
رأيت الشيء الحلو يلوح لي
ففرحت لأن الشيء الحلو سيعرفني
مددت يدي والريش البادئ يحنو يحتك
ويلبسني
أدخل فدخلت رأيت زجاج الشمس يداعبني
فدنوت
كان الوهج يأج دخلت زجاج الشمس
وكان الباب دخلت(49/146)
رأيت الجوهرة الحمراء وراء الباب وتفتح نافذة
وتوزع ألوانا تسرق من أحداق العين
رأيت حنين النوم يفور كقلب الحب
تعال دخلت جحيم الجوهر
كان الريش الدافئ يصرخ
كان الريش الدافئ يصرخ بي أنظر
فرأيت النور يسافر من جوهرة الشمس
ويحمل ماء يطفئ حزن الأرض
أنظر
فعصافير الذهب الحلوة تأتي وتمد جناحات الهمس
تعال أريك رأيت شريك الشمس
وكان جناح العصفور دليل الخطو
رأيت سرير الشمس وسيما كدت أضيع
وكان الجمع هناك
رأيت البشر المنذور يزور حديقتها ويرافق نبض القلب
بحفل العرس وفرحتها
كنت من الأحباب قريب
دفء الريش يصيح كأن الطفل به يرتج
رأيت الجمع يشير
دنوت وصهد القلب يسيل كنهر اللون
فقال أتعرف هذا الجمع
فضعت أهيم وأبحث عن أجوبة
أبحث عن أسئلة
تنتشل القلب العاصف من دهشته
تهت كان الريش يهدهدني
هات يديك أريك رفاقا تعرفهم فتعال
دخلت وكان الحفل عظيما
وامتدت غابات الأذرع تحضنني
فسمعت هسيس الأسماء المنذورة هات يديك
فوق سرير الشمس ارتاح الريش معي
هذا عرس الشمس
وأنت شريك الشمس القادم من أرض الناس المأخوذين
بوهج الشمس
أنظر فرأيت
رأيت الشيء الحلو رفاقا أعرفهم
لكن من أين سأذكر أني أعرف هذا الجمع
كدت أردت وأوشكت
لكن الريش الجالس في كتفي قال كفى
عرفت كثيرا وستعرف من دون سؤال
جميل الشيء الكامن في القلب يظل جميلا قبل القول
وليس يقال
تعال فهذي جوهرة الشمس تزف إليك تعال
كان العرس يصير
وكنت أصير ضياء يرحل من نافذة الشمس
ليغسل يأس الناس. *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> حين مات الرقص على العتبات
حين مات الرقص على العتبات
رقم القصيدة : 5949
-----------------------------------
أوقفني الريش القائم في غيمٍ
قال تعال
امتد على سقف الكون تكون
فأريك الآتي في جيب الغيب
أريك مساجد ساجدة للناس
أريك لجؤا يتوسع
يسع الخارج والهارب والمطرود
أريك جنود الوطن الممتد يهيمون بلا ماء في الليل
أريك صحار تركض نحو المدن المتراكمة(49/147)
المقهورة في الليل
تعال أريك الرؤيا
أوقفني في عتبات الفجوة
بين الفعل و رد الفعل
انظر فرأيت الفضة فوق فراش الرؤيا تستلقي
تلقي عطر ظفائرها الشامل
تشملني بالعطر وتسكرني
فدخلت
الشيء الحلو يؤانسني في باب الرقص
دخلت تعال
انهال الرقص على العتبات وشد يدي
وقفت على شفرة باب الرقص
وكان الفتيان يشدون خصور الحلوات
ويعزف شيء أسطوري النبع
رأيت الرقص يضج بعنف
يغرق يغرق
ويموت ببطء كالشجر المحروق
يتداعى يتهاوى ويموت
رأيت الرقص يموت
كأن الخشب المنخور بداخله يتهدم
يتلاشى كرماد الشجر المحروق
كان الرقص جميلا
كان الرقص المذبوح جميلا
والموت السري يزو بع
هذا رقص الشجر المحروق يموت كموت الناس
بسلسال العطر المسموم
رأيت الرقص يلوح لي بالفحم وبالأشلاء
ويقذفني ببكاء الأقدام المنذورة
للرقص وللحرق
حملت بكاء القدم المقتول وكان يقول
اعرف وجعي
سيكون الموت قميصا للفزاعات البشرية
فاحفظ وجعي
سيموت الخلق المائل والمكسور
يثور الوجع الكوني
احفظني احفظني
خذ أوسمة الرقصة مني
فقال كفى
الموت هناك يطاردني وكفى
طالعت الريش الناعم كان يراقبني
تعال الرقص يموت
يموت الناس على الساحات بلا إيقاع
فالدولة سوف تجيز القتل على أنغام زفاف الشمس
تعال تعال
تعال أريك الزف الزاهي.*
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الخطوة سيدة الدرب
الخطوة سيدة الدرب
رقم القصيدة : 5950
-----------------------------------
هذي فضة أيامي تفتح لي فدخلت
بيديك الغامضتين تفض القفل وتدخلني
بيديك الساهرتين تدس الحلم بنوم الأطفال
تعال أريك الأمثال
تعال أريك ترى
فهناك ترى الأفلاك تدور
تدور بغير مدار وتدور
وتحتار تضج وتحتج
تهجر خط السور المسطور
أريك شموسا تشرب قهوتها في دار شعوب عاشقة
أريك شعوبا تخلع ثورات القصر البيضاء
توشح أيام الدم بنهضتها
وشعوبا نضجت فاكهة الصبر بصحوتها
فتعال الخطوة سيدة الدرب
أنظر فرأيت الباب أمامي همت(49/148)
فقد كان الذهب الشامخ يسمعني ويرد سلامي
كدت
وكان الذهب الإبريز يؤطر باب الخطوة كالتطريز
رأيت جمال القدم الصارم قدامي يلهج بالبدء
الدرب يطول يطول يطول
ويسطع كالإفريز
وخجولا كنت كالطفل خجول
فجاء الريش اللائم يهفو ويقول
ادخل فدخلت
و رحبا كان الباب ورمل الدرب يدغدغ خطو اللهفة
في قدمي
صار الريش معي
في الباب وفي الرمل وفي الخطوة
قال انظر
هذا الباب طريق يعبره الذاهب للمجهول الواضح
للمألوف الجارح
يعبره الصبر المنسي
وكان الدرب يطول يطول
وفوق خيول الحلم قفزت
كنت برغم الذهب الشامخ في الآفاق أجول.*
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> عشاء لضيوف لا مواعيد لهم
عشاء لضيوف لا مواعيد لهم
رقم القصيدة : 5951
-----------------------------------
رأيت الدم يقيم موائده للمطر الشارد من حضن الغيم
رأيت الريش الساهم يسألني عن لون الفضة
تهت سبقت خطاي
رأيت المطر الشارد من ليل الزنزانات
رأيت الزوجات المنتظرات الهطل
رأيت الهمل القاتل يأكل كتف الصبر
سمعت خطاي تئن وتشحذ شوق الكشف
وتدخل غيم الهتف
تشق سديم الفضة
كان الريش معي والدرب معي
ويداي بتيه يحملني فدخلت
رأيت حدائق باكية ونساء وماء وخيط سماء
يخيط فتوق الكون بلهف النسوة والأسماء
هذي زوجات تأرق
هذي امرأة تخلق
هذي أخت هام الصبر بها
كانت زوجات الغائب يغزلن قميصا يلمع كالأفق الذهبي
يطرزن الأكمام مع الأيام
لا يأتي النوم إليهن وتأتي الأحلام
اقترب اقترب
الخيط قوي
والأم تراقب ضوء القنديل يفضض مفرقها
وتقول : سيأتي
رغم سواد الليل
أضيء الليل له بالفضة
يأتي
اقترب
الخيط قوي
الأخت تبشر جارتها وتقول
أخي في الحلم يطمئنني ويقول
امضوا في طبخ عشاء الناس
أنا آتٍ
الفضة يوم الماء معي
امضوا
فمضيت وكان الريش الذاهل يسألني فعرفت
مددت يدي للخيط وكان قويا
نبض الأم يلجلج في قلبي فعرفت
كان الخيط قويا كان
كنت أنا المرساة لقاربها
فشددت الخيط شددت شددت(49/149)
فقال كفى نهضت في النسوة نشوتهن وقفن
وكنت من الأسماء قريب
الريش يشد فقلت لخطوي خذني جئت
قال يغيب الغائب في الغيب
وتبقى النسوة في وطن الصبر
وحين يعود
يؤسس للأطفال المحمولين حدائق تضحك
هات يديك إلي أنظر فرأيت
رأيت الغيب يشرع أبوابا تهدي الغياب لنسوتهن
تعال أريك الغيب. *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المرأة تنسج الرايات
المرأة تنسج الرايات
رقم القصيدة : 5952
-----------------------------------
يديك دليل الدرب
تعال أريك الحب مغامرة
وترى الشطآن موزعة في كتب الرمل
تعال فجئت
صرت السهل الداخل من باب الصعب
دخلت رأيت الدرهم والدينار ملوك الدار
رأيت سنابك خيل الروم تعود لتغلق كل فتوحات الناس
رأيت المالك والمملوك
رأيت صكوك الغفران تحارب مهد الطفل
ولحد الرجل الواقف عبر النار
رأيت تعال تعال أريك العرش أريك الوحش أليفا
هات يديك الساهرتين ترد الدين
أدخل فدخلت
رأيت المرأة تركض بالرايات وتفتح دربا صعبا
تخطو في صحراء الوطن المحزون
رأيت الرمل الفضي يفضض إصبعها
وتداعب خيط الدم بخطوتها
المرأة ضاربة في تيه المدن الملتاعة
ترهص بالمستقبل بالقبل الحلوة
ترفع رايات المحتمل الآت
وتكتب أياما تزخر بالجنات
رأيت صلاة خرجت من صلصلة السجد
وسلت سيف الكفر
رأيت ختام الصبر النافر
والمرأة في الرايات المقذوفة في الريح
رأيت البحر يصيح كجرح الجبل المفجوع
كان المكتوب على رايات المرأة دمعا
دمع دار الأرض ودق جميع الأبواب وعاد
يحرض عين الدم
لكي تهتم
فصحت خذيني جئت
وكان الدمع الراكد في الرايات هناك
مددت يدي ومسحت التعب الكوني
وعين المرأة تحضنني
هل تعرفها
من أين سأعرف
هذي المرأة تعرفني لكن من أين
غطت دهشة عيني ببهجتها ففرحت
هذي المرأة سيدة الأحزان
عرفت بأن مدينتها تسكن في سجن الحزن
وأن المرأة حاملة الرايات تحقق أحلام
المدن المغدورة تخرج عن طاعات الطوطم
تلطم وجه الرأس المحني وتصرخ في زمن الصمت(49/150)
عرفت بأن الصوت الصارخ في تيه المدن المأسورة
صوت إلهٍ يصحو
هات أريك إلها يولد من جوهرة في قلب الشمس
جئت وكنت سؤالا يسأل صرت. *
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> دخول في الدخول
دخول في الدخول
رقم القصيدة : 5953
-----------------------------------
أعطيت الشيء الحلو يدي
فتذكرت تذكرت تذكرت
تذكرت البدء
تذكرت الخطوة في اللون وفي الكون
تذكرت البحر المرآة الحمراء
تذكرت الماء الصارخ بي أدخل
فدخلت دخلت مرايا الأحلام
وكنت سلام الماضي للقادم
رأيت الأشياء تعلمني
كلمت المحتمل الراكض
قلت سأعرف
قال الريش عرفت
فجئت عبرت جحيم العالم والفردوس
صرت أجس المستقبل
أجلس في راحات الهجس
تذكرت المرآة الأولى تصرخ بي
أدخل فدخلت
صرت الضوء تكلمت الماء
رأيت الريش الهاطل من جسدي ويدي يقول
فقلت
رأيت إلها يولد في مرآة الناس
فملأت الكأس.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> هندسة الجسد
هندسة الجسد
رقم القصيدة : 5954
-----------------------------------
جسدي يوازي الغيم ويُغنِيه بالمرايا
وليس للمطر طريق سواي
ملطخ بالنداآت التي من الطين
بالهذيان الصاعد الحامل جذوراً
وعطشاً
أنحني وأعطي جسدي
للصبايا العاريات اللواتي في الحلم
توازي أعضاؤهن أعضائي
تصير المرايا سريرا للجسد الذي يوازي
ويزهو
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> التمائم
التمائم
رقم القصيدة : 5955
-----------------------------------
... فعرفته التمائم
يَتم صلاته عند انكسار الليل
ويتهجد
سجادته تهدج المرأة
وتربته طينة التدله
وقبلته العري الذي لا يفضح
عرفته التمائم
عرفته
فبشرت به الكنائس ومئذنة النوم
دلت عليه الضريح الذي ترضخ تحته الأمم
هاهو يلحد تضرعه في محو امرأة
تلد السيوف
ويخلع جبته المنسولة من الإرث
يتصاعد كطيورٍ تفر من حريق الخرائب
فتعرفه التمائم
تعرفه
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الذي خرج من السقيفة ولم يزل
الذي خرج من السقيفة ولم يزل(49/151)
رقم القصيدة : 5956
-----------------------------------
مرحبا
أيها الفارس
يا قاطع الطريق
الذي عذبه البرد والجوع
وجفلته الرياح
تعال إنكسر في خيمتي
إسترح برهة واكسب لسيفك الوقت
هذه النار التي تدفىء الروح ل ك
وهذا الرداء المغسول بالطل لك
والخمرة المدخرة في الخباء لك
والغرس المتحفزة للجمح لك
والرمح الذي من البرق لك
ولك الوسادة
لكن لا تأخذك الغفوة
فتلك القوافل التي
تملأ الأفق ل ك
لك لك لك
لك
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> محفوفا بالفراشات
محفوفا بالفراشات
رقم القصيدة : 5957
-----------------------------------
المطارد المشبوه المطلوب
الذي تبحث عنه هراوات العسس
يدلف ببطء
إلى حديقة السجن
متأبطا فراشة نائمة
يطلب قهوة وقيدا
فيسأله الشرطي من أنت ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المسيح الثاني بعد الميلاد
المسيح الثاني بعد الميلاد
رقم القصيدة : 5958
-----------------------------------
أيضا ..
سأموت أيضا
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> يطير ويلجأ / محاولة ثانية
يطير ويلجأ / محاولة ثانية
رقم القصيدة : 5959
-----------------------------------
ألجأ للقراءة
البياض الذي في الكتب
يستعصي على اللغة
جسد جمرة يقرأ في الكفن
والأفق مثل آخر البياض
ألجأ لقراءة ما لا يقرأ
عصفور يتعلم رقرقة الحروف
والأجنحة
أتعثر كثيرا بحبال الغسيل
ولغو الشارع
وشهيق النوافذ
أنفر من الدرس وزرافة الوعظ
وألجأ وأطير
دوما أطير وأقرأ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الخروج من الطين
الخروج من الطين
رقم القصيدة : 5960
-----------------------------------
لست بريئا من القتل
قتلته
ذلك الدم المؤسس في جسدي
الكثير التوله
قتلته
كان صوت له احتضرت
وقلت
لا يخرج من غفوة العشب
فأعطاني خرابه والنزف المهودج
قتلته
فلم يتأرجح الشنق في بلادٍ مثل جسدي
شاهقا كان عكازه النخل كان
وأكثر رعبا ورهبة من النوم(49/152)
أصفاده في الطفولة مرصودة
هيأ القتل لي واصطفاني
أحداقه في كاحلي
وفي كاهلي يسرج الجوع
مت احتضرت
مت شريدا مت وحيدا
ومت
صوت كان يتقمص الكلام
ويستغرق
قتلا قتلته
شحذ العظم قيدي
وصار سيفا مكابرا
قتلته
لست بريئا
تبرأت من جسدٍ يمعن في التوله
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> اعتراضات القصيدة
اعتراضات القصيدة
رقم القصيدة : 5961
-----------------------------------
لا أنا ذاكرة الناس
ولا غيمة تسكن الجبل
أنا المحو المحو والتناسي
حيث ينفي هواي هواي
وأغفو على صحوة الناس
أغفو ولا أتذكر
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ظلال
ظلال
رقم القصيدة : 5962
-----------------------------------
تشع فأصطادها
وأرى إلى الصور تهطل من السقف
رأسي مكشوفة كعورة الجبل
والكواكب تحتشد في أصابعي
يغمر الماء المراكب
فتصير الرحلة مغامرة إلى حيث
لا يتصدق الحلم ولا تكذب
تشع وبعدها ينتهي كل شيء
حيث يبدأ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> عندما جد الجد
عندما جد الجد
رقم القصيدة : 5963
-----------------------------------
قال البحر :
ابحثوا عن وسائل .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الأرجوان
الأرجوان
رقم القصيدة : 5964
-----------------------------------
أرجوان له كتف لا يخالجه الخوف
وللبندقية كعب يكتمل بالاتكاء
يفتح نيرانه
ظهره للحائط وعيونه ترشد النار
ترش العطر السلاحي في الشهقة الأخيرة للأرض
حيث ينتشر الغبش في زجاج النهاية
آهٍ تصرخ الأرض
والأرجوان المندفق يتدفق
الأرض في الأرض
والناس ينتصرون على الأرجوان بالموت
لا تفتح النوافذ لا تقلب الورقة
لا تسأل الأطفال لا تضع الألوان في الآنية
آهٍ لا تصرخ
الأرجوان سيد الطبيعة
بريده يأتي ولا يعود
آهٍ تصرخ الأرض في الأرض تصرخ
والأرجوان إصبع في الزناد كعب في الكتف
و اندفاق يوزع الرسائل/ تصرخ الأرض آه
والناس في الموت لا يسمعون(49/153)
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> البحث
البحث
رقم القصيدة : 5965
-----------------------------------
تتلاطم به الطرقات
ويتخلل الغبار أعضاءه باحثا عن محمود
محمود الذي يؤجج حزنه وفجيعته و بلواه
يتسارع كما الصاعقة الخائفة
محمود الذي يؤجج الحزن بلا ذريعةٍ
قبل أن يخبو
لا يطيق الحزن خابيا
ومحمود لا يطل
يظل مجهولا تحت مشاغله اللجوجة
كأنه يبحث عن الشيء الذي لا يوجد
مأخوذا بما يسبب الفرح
وهو يبحث عن محمود
لكي يتأجج حزنه شلوا شلوا o
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ماء له .. ماء لي
ماء له .. ماء لي
رقم القصيدة : 5966
-----------------------------------
يغيبك الغار الكثيف
مكشوفة لي
وآتيك مدججا باستعاراتي
معي الماء والنبات والآيات
لا قيد ولا قرمز
أنت العتبة والباب والمحراب
وأنت الصلاة
كشفك الشفيف
حيث اصطراع الرفقة يغري
واجتياحك
غار وغبار وماء له
وماء لي
آتيك آتيك
أجهلك أعرفك
أصطفيك
وأدخل الخديعة o
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أيقونة النار الهادئة
أيقونة النار الهادئة
رقم القصيدة : 5967
-----------------------------------
السلاحف
تعرف الطريق
أكثر مما تعرفه الأرانب o
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> إذا
إذا
رقم القصيدة : 5968
-----------------------------------
إذا فتحت لك لا تدخلي
لا
تنصلي من الوقت
أو فاعقدي المراثي
خلي هلهلات الدمع تنشق
واكذبي على أكاذيبي
إذا فتحت لا تفتحي
لا تفتحي
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> لغة
لغة
رقم القصيدة : 5969
-----------------------------------
فعل ناقص
ونحاة الكوفة
يستبسلون
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> جرح ... ونصال كثيرة
جرح ... ونصال كثيرة
رقم القصيدة : 5970
-----------------------------------
جرح واحد
وكل هذه السكاكين لي
طلعت من تاريخ الجثث
من يحصي جثثا ليس لها عد ؟
ليس البحر صادق
ولا أخبار الشجر محمولة بوعد(49/154)
الجرح الوحيد الواحد
مرصود للنصال الكثيرة
والجثث شرفة القبور الطرية الغامرة
ليست من الحروب ولا البرد
إنها من الأخبار التي تقعقع في الكتب العتيقة
صار أن نهجر المدارس
ونذبح الأساتذة الذين يجهلون
ونرسم للطفل قميصا تطاله الجراح
وتهتدي إليه النصال
جرح واحد وكل هذه السكاكين لي
ولي أن أفضح الموت وأستعصي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تكوين
تكوين
رقم القصيدة : 5971
-----------------------------------
رجراجة هذه الأرض
أين أضع قدمي ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> يخرج ولا يرى
يخرج ولا يرى
رقم القصيدة : 5972
-----------------------------------
يخرج
يوزع لوتسا على الأصدقاء
ويستريح من الوجع الذي تغلغل
ينتظر النسل ويتلفت
فيطلع العوسج باسقا باسقا
باسقا
يتشبث بوجعه مذعورا
سيدخل قبل انتهاء اللوتس
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> القنديل
القنديل
رقم القصيدة : 5973
-----------------------------------
أنا الغامض الذي لا يتوضح
ولا يقبل التفسير
الغيم يقرأ المطر
الشجرة تحاور الريح
الرمل يحزم البحر و يزنر السواحل
الجرح يصادق النصل بغتة لكنه يفهم
وأنا الغامض الذي ليس للوضوح
أغوي النجوم أسويها أحذية
لكلماتي
وأهيئ الجبل لدخول البيت
الصوت لي
والسيف لي
لكم الجرح والحنجرة
ولا أقبل التوضيح
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الخريطة
الخريطة
رقم القصيدة : 5974
-----------------------------------
ينظر الأطفال إلى الوطن العربي
فيهلعون
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أول الاحتمالات
أول الاحتمالات
رقم القصيدة : 5975
-----------------------------------
مفتولة الأحلام
لا جنية ولا تعشق الماء
تأتي من حيث لا نتوقع لها
ولها نخل وخيول وزعفران
مربوطة بالتذكر الصاعق
- هل أنت واحدة أم كثير ؟
ولا تأبه كأن لا أسئلة تستعصي
والشعر أجنحة وأفق وحنين لها
ولها الزينة وأسرارها(49/155)
والمرايا مرصودة للقوانين والقيد
ولا تأبه كأن لا حدود تستعصي
تقذف حبل أحلامها
وتظل مربوطة في عروة الريح
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحارس
الحارس
رقم القصيدة : 5976
-----------------------------------
في عريشتي
لا أغفل عن ذلك العرش
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> اعتراف
اعتراف
رقم القصيدة : 5977
-----------------------------------
دعوني أشرح شهادتي
( لقد قُتلت ) .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> نشيج
نشيج
رقم القصيدة : 5978
-----------------------------------
تشبثت بالجب
ففي الأفق جبانة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> صوت ينتسب للخارج
صوت ينتسب للخارج
رقم القصيدة : 5979
-----------------------------------
لست للنشيد
لكن للشارد من عتمة القبيلة
للخيل وهي تحرن
وتفرك الأرض
وتستبسل ضد السقيفة والفتنة
للخروج
ولست أعطي بكائي لتهويدة الوأد
صوتي لنهرٍ يجنح عن عادة الماء
للحرف ضد القواميس
والنحو و الصرف
للشعر في النثر
أعني الشريد في صرخة الليل
أعنيه مستقبلا سوف يمضي
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> بيان قطاع الطرق
بيان قطاع الطرق
رقم القصيدة : 5980
-----------------------------------
سنفضض القدم العارية بتراب السماء
ونسوي طريقا لا يهتدي إليها الغزاة
نفتح للأطفال سبل الخوف و الخشية
ولا نعد الحبلى بوضعٍ آمنٍ
أو مخاضٍ خالص
لنا الجدار الوحيد أمام الغدارة
ولنا الخشبة التي من البصرة جاءت
مطلولة بالسياب ورسائله
بالحلاج وأخطائه
ولنا رماح الخليفة مخلوقة لنا
لنا وحدنا
حيث القدم العارية لا تخجل من الريح
ولا تعبأ بالسماء
وحدنا الخشبة والخرقة والخرافة
والطريق التي تهيم وتخدع
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> في حضرة السيف
في حضرة السيف
رقم القصيدة : 5981
-----------------------------------
بين القتل والآخر
يجلس على سرير أحلامه
يدفع القهوة إلى سيفه
- إشرب إشرب(49/156)
هذه قهوة تدفئ الأصابع
وتجعل الشفرة العادلة أكثر عدلا
وتخلص الجبان من شهوة التراجع
إشرب بين القتل والقتل
يبحث عن سريرٍ وعن قهوةٍ
وسيفٍ لا يعرف الوهن
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> طلق آخر
طلق آخر
رقم القصيدة : 5982
-----------------------------------
فليسمع المحشورون في صندوقة الكتفين
هذا النواح
وليحن كل ذي رأسٍ رأسه
والمعارون من الكتب
والذين ألسنة كثيرة ليست قادرة
هذا النواح
ليفتح الهائمون في الغياب الأخير
ليكن لهم خيال الخبز
وحنجرة البجعة وقت الذبح
ليسمع المهانون بمنحة الحياة
وأشراكها
هذا نواح
ليس محمولا ولم تطلقه امرأة
وليس له غصن ولا تاريخه كتابة
ومنه يتبرأ الهواء
ليسمع المخلوعون من أحداقهم
ومن له ساعد فليسمع
هذا النواح
النواح
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> مثل يافا
مثل يافا
رقم القصيدة : 5983
-----------------------------------
بياض
بياض أخضر
مثل أفيالٍ كثيرةٍ تركض
والغابة لا تستيقظ
لا تعرف الكتابة
ولا تتعلم
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الجنس المحايد
الجنس المحايد
رقم القصيدة : 5984
-----------------------------------
رأيت الجنس المحايد يحكم ويتحكم
يحتكم إليه الرجال والنساء
والحيوانات اللبونة
فيخرج نسل دميم مشوه
ليس طفلا ولم تلده النساء
ولا للرجال . من يقمع الجنس المحايد فينا
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> منحوتات
منحوتات
رقم القصيدة : 5985
-----------------------------------
ينسى
لأن ذاكرة اليدين مأخوذة
مغمورة بالصلصال
أشكاله لا تلغو تفعل
ينسى أفعاله ويرتكب الجميلة
يعرف أن يديه مربوطتان به
يداه لقلبه
ولا يتذكر الكأس التي عبّها
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سطوة/ محاولة أولى
سطوة/ محاولة أولى
رقم القصيدة : 5986
-----------------------------------
أمام الورقة
أقف مذهولا مباغتا
من يجسر على كسر هذا البياض الجميل(49/157)
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> حوار
حوار
رقم القصيدة : 5987
-----------------------------------
أن أختلف مع الجرح
على أن أأتلف مع السكين
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> عباءة الأرض
عباءة الأرض
رقم القصيدة : 5988
-----------------------------------
من يلم هذا البكاء ويهديه إلى أمي
لقد أرهقتها بالغياب
صارت في الشوارع محسورة الرأس
تبحث عن بكاءٍ تستر به الأرض
أعطوها بكاء أسعفوها لكي تصبر علي
فإنني أمعن في التيه
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> النوارس
النوارس
رقم القصيدة : 5989
-----------------------------------
هل أنت وطني ؟
لست في ريبةٍ ولا في ثقة ؟
ولكن النوارس المذبوحة في قلبي
لا تقدر أن تنام ؟
تظل مرعوشة تنتفض وترهش
فتصبغ ثيابي بأرجوانها
لا تخجل النوارس من ذبحها
لم تكن في ريبةٍ ولا في ثقة ؟
ولكنها كانت تسأل
هل أنت وطني ؟
تلك النوارس المذبوحة في قلبي
والتي لا تنام
ماذا أقول لها لكي تهدأ في الذبح ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تاريخ
تاريخ
رقم القصيدة : 5990
-----------------------------------
الذين كانوا ،
كانوا
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الشاعر
الشاعر
رقم القصيدة : 5991
-----------------------------------
الذي خلقته الحرائق
يهيئ الجمر اسما له
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سيرة الألف المألوف / محاولة ثالثة
سيرة الألف المألوف / محاولة ثالثة
رقم القصيدة : 5992
-----------------------------------
بدأت
وحيدا
ولم أزل
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سجادة الماء
سجادة الماء
رقم القصيدة : 5993
-----------------------------------
يستوي ويعطي ويحتفي
أسماكه تبعث الرسائل من حديقة الماء
يكسر الجسور ويهدم لذة الصيد
ليس لاسمه حرف ولا علاقة له بالريح
السفينة التي أخذت سرها من البستان
حملتني كثيرا كثيرا
وهو لا يعبأ
يهدهد القيد في كاحلي(49/158)
ويجس / لا تحزن
للأرض شروش من الغياب الكاسر
ينتظر من الساحل إلى الساحل
- من أنت؟
وحين تتعثر الرسائل في الصواري
يعرف يرسل موجه
فأظن .
لكنه يدفع الياسمينة برفقٍ
يترفق بي فيمر العمر برفقٍ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> صمت يجهر
صمت يجهر
رقم القصيدة : 5994
-----------------------------------
أرجوان له كتف لا يخالجه الخوف
وللبندقية كعب يكتمل بالاتكاء
يفتح نيرانه
ظهره للحائط وعيونه ترشد النار
ترش العطر السلاحي في الشهقة الأخيرة للأرض
حيث ينتشر الغبش في زجاج النهاية
آهٍ تصرخ الأرض
والأرجوان المندفق يتدفق
الأرض في الأرض
والناس ينتصرون على الأرجوان بالموت
لا تفتح النوافذ لا تقلب الورقة
لا تسأل الأطفال لا تضع الألوان في الآنية
آهٍ لا تصرخ
الأرجوان سيد الطبيعة
بريده يأتي ولا يعود
آهٍ تصرخ الأرض في الأرض تصرخ
والأرجوان إصبع في الزناد كعب في الكتف
و اندفاق يوزع الرسائل/ تصرخ الأرض آه
والناس في الموت لا يسمعون
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> نسل الفوضى
نسل الفوضى
رقم القصيدة : 5995
-----------------------------------
أدخلت الحروف في فوضاي
فوضتها أمري
وفاضت روح الحروف في روحي
من يعدل الكون ويهندس المجرة
ميم
سين
ألف ياء
صاد
لام
ويكسر الخيط ويكسوني
شاهد ينتضي حلم فوضاي ويفضي إلي
أدخلتها وهي حولي جواسق
ومرايا و نرجسات وسبائك
تكتب للاسم اسما وللعربات أفراسا
وترسم الطريق
في الفوضى يلد الماء أخطاءه
ويغفر المخلوق للخالق
للواثق شكا وللريح شكيمة
هنا ولا لجام ولا جنة
تجهل النطفة تاريخها
ولا ترائب
أصلابها الريب والرهينة
أدخلتها وارتحت في فوضاي
حيث الفضاء يضيق على الكون
ويبدأ في حروفٍ مشحونةٍ
يتهجى ، هذه الأبجدية o
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> العاشق
العاشق
رقم القصيدة : 5996
-----------------------------------
أنا ولدٌ تاهَ
وأغواني هوايَ
ولا أجدُّ في نية الحضور o(49/159)
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> عشاء المحبة
عشاء المحبة
رقم القصيدة : 5997
-----------------------------------
مائدتي مفتوحة لعابري السبيل
للصعاليك والزنج والخوارج والدراويش واللصوص
والمتصوفة والقرامطة والقراصنة
والذين يسألون ويشكون
وليس لسيوفهم غرف غير الصدور
كسيفٍ من الله جاء
إلى الله يذهب
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الطريق
الطريق
رقم القصيدة : 5998
-----------------------------------
قدماه سكرانتان
في شارع الناس
يتلاطم كالطفل في الحلم
واحدة تتعثر في طين أفكاره
واحدة تندس في قصعة الجوع
وطريقه خندق في طرق الناس
في سكرة الخلق
وحش يستأنس الغابة
قل عن الرؤية عن وعدها
عن قدميك مأسورتين
من أي خمرٍ تصدر
ويرصدك الجند في غفلة الناس
تتلاطم لا أنت تيه ولا تحار
ولا تعرف
تسأل عن حانةٍ في ساحة الناس
والناس في غبارٍ ولهجٍ
يداه في الخلق قدمان سكرانتان
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> في التجربة
في التجربة
رقم القصيدة : 5999
-----------------------------------
عندما كان الحارس يغفو
أهزُّهُ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أسرار
أسرار
رقم القصيدة : 6000
-----------------------------------
أرى في المرأة مرآة تكشف السر
وتهادن التواطؤات
أتزوج بها نتلابس ونمحو أقدامنا
أرى إليها ترى إلي
ولا نصدق أسرارنا
فبعد المساء تتهاجم العساكر
ويهجو الملوك رعاياهم
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المؤودة
المؤودة
رقم القصيدة : 6001
-----------------------------------
من قتل الصبية الحلوة
وخبأها في سرير الأرض ؟
أيها البدوي القديم
لقد رأتك السماء في ذلك المساء
وأنت تمسح يديك في ردائك
هاهي الصبية الحلوة
تشير إليك من هناك :
( كان يقول لي : خبأت لك هدية هنا )
وراح يرفع عن غطاءٍ عن درجٍ
عن سريرٍ عن وسادةٍ من الحجر
ولم تكن هنا هدية لي
طوى ظفيرتي الطويلة التي ربيتها حول رقبتي(49/160)
وربط بها يدي وقدمي
وقال : ( انظري إلى هذا الوشاح )
ثم هال التراب
رأيت إلى السماء نظرة أخيرة
كأنها الأولى .
ولم أنس
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> قصيدة
قصيدة
رقم القصيدة : 6002
-----------------------------------
من يقدر أن ينازل
قصيدة لا تنهزم ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> شمس ليست لنا
شمس ليست لنا
رقم القصيدة : 6003
-----------------------------------
أيها الرجال
تحسسوا الصارية
والطقس والمناخ
ثمة شمس ليست لنا مرصودة للشرق
وتلك الريح الوحيدة التي ننتظرها
مربوطة بالضفائر الكثيرة
يا رجال
اتركوا صليل الجسد يدهن الدفة
ويحرس المرافئ
ويا نساء
أرخين أحلامكن أيضا وأيضا
فعندما تغتسل الأمواج بشهوة السفر
تصير الأشرعة تاجا للبحر
ويلتئم جرح السواحل الموحشة
أيها الرجال
لم يبق لأصدقائنا القراصنة خبز
ولم يبق ملح
فالشمس ليست لنا
والريح الوحيدة وحيدة
النساء في الزينة
ولهن الفزع والفجيعة
السفينة لرغبة الرحيل
والخليج ميناء لا يتسع
لتظل الصواري منتورة
كرماحٍ راكضةٍ نحو الأفق
أبعد من الشمس
الشمس التي ليست لنا
يا رجال تحسسوا
إن الشمس التي ليست لنا ليست لنا
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أحوال النهر والنساء
أحوال النهر والنساء
رقم القصيدة : 6004
-----------------------------------
أكز على قلبي
والهلع في رأسي
أرى إلى الفرات هاربا من القتل
هاربا هاربا من النهر ينز
أرى إلى الدم المدفوق في السواحل
والخليج نساء في الخدور
يغرقن في التعاويذ
أرى إليه راكضا راكضا
والقتل في الطريق و الخطوة
افتحوا
افتحوا له الفضاء
أيتها النساء أخرجن
أطلقن سلاما لهذا الفرات
الهارب المشرد
حليبا له كطفل
حليبا لئلا يموت
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المأخوذ
المأخوذ
رقم القصيدة : 6005
-----------------------------------
يشعل الشمعة الوحيدة في البيت
يفتح باب الغرفة الليلية
التي ورثها من الأجداد(49/161)
يدفع قدمه الأولى ببطء
ويدخل المكان الذي بلا ضوءٍ
يجوس بالشمعة الشاهدة باحثا عن الظلام
تنطفئ ويشعلها تنطفئ ويشعلها
الثقاب يكاد أن ينتهي ولا يجد الظلام
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الخبيئة
الخبيئة
رقم القصيدة : 6006
-----------------------------------
حزين
ويأسي يغمر البيت
فأولاد النمور يوارون عار الجنازة
لا أدخل في خشية الكشف
أفضح عورة يأس يأمل
أقول للجنازة يا جنازة
أفسد عرس البهائم وأخرب البيت
مدججا بالحزن واليأس
واثقا في خبيئة الرماد
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> غزالة الليل والنهار
غزالة الليل والنهار
رقم القصيدة : 6007
-----------------------------------
من العتمة إذن
تلك العتمة الموغلة في الضوء الواسع
جئت يا غزالة ساحليه
من هناك
حيث لا يرى في الضوء
غير الظلام الأبيض
من العتمة
حيث لا النهارات تسع العمل
ولا الليالي الطويلة تسع الحب
أيتها الغزالة التي من هناك
توغلي في النهار والليل .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ذهب سعيدا في الموت
ذهب سعيدا في الموت
رقم القصيدة : 6008
-----------------------------------
هو ذاك
كان صديقي
الذي فتح جسده يستقبل النصل
ليس مجنونا ولا طائشا
كان صديقي
الذي يفتح الكون باللغة
وضع شارة لمسيرة النخل
قال انتهى
ولم يكن يهجس بذلك ولا يستشرف
أسس لكلماته مناخا
وألقى بجسده في طريق الأقدام النحاسية
قال أنتهي مع النخل
سمع المطر في بكاءٍ والأرض تنشج
يهاجم المدينة بالقرية
ويحزم الحجارة بالعشب
أحداقه كالوقت
مزج الحبيبة بالوطن
وأسس لها مجدا من الكلمات
يقتحم يهاجم
حواره لغة تعلم الكلام
هو ذاك
وكان صديقي
مولعا بافتتاح الأفق والفروق
سريعا يصوغ مخلوقاته
سريعا يقول سريعا يفعل
وسريعا يموت
إلتفت يسأل فأدركه النصل
فتح جسده ودخل القتل
كأنه لم يطق الموت بلا موتٍ فمات
هو ذاك
صديقي الذي كان
صغيرا على الحب والشعر والوطن
صغيرا على الموت
لكنه مات(49/162)
هو ذاك
الذي كنت صديقه
والذي لم أزل
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الانتظار
الانتظار
رقم القصيدة : 6009
-----------------------------------
أحيط بكل جراح الأصدقاء
صاهلا مثل يمامة
أحشو معطفي بالجراح الصديقة
وفي السفر
أضع كفي في معطفي
فتطير العصافير في لونٍ أخضر
مثل قلب فراشة
أعرف أن جراحا جديدة
يهيئوها أصدقائي
تنتظرني
فأنتظر بشغفٍ شامل
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الأغنية
الأغنية
رقم القصيدة : 6010
-----------------------------------
أبحث عن الرياح المائلة
التي تسعل لشدة العشق
تسعل وتطرش المناديل بشظايا الصدر
وهشيم الصندوق
في أدراج هذه الرياح
أطلق صوتي بالأغنية
حيث لا سناجب تقرض الصدى
وليس للسنونو وحشة ولا يخاف
أجمع أشتاتي وأدخل المناديل
حيث المرض الصادق
الأقوى من العافية وأبعد
أدخل أدراج الرياح
والأغنية والسعال الصديق
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الرمح
الرمح
رقم القصيدة : 6011
-----------------------------------
برته الأيام
نحيل رهيف مشحوذ
انظروا إلى هذا النصل
كم هو باسل بارق وينتظر
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ذاكرة ذلك كله
ذاكرة ذلك كله
رقم القصيدة : 6012
-----------------------------------
بوسعهم أن يمنعوا القهوة
والنوافذ والدفاتر
بوسعهم أن يسيجوا الأشجار
والنهر والأساطير
بوسعهم أن يعبئوا الغابات
في القوارير والأحزمة
بوسعهم أن يقطعوا الطرق
في وجه البريد والنحل
وهذه السواحل الرشيقة
لهم أن يحيلوها جباناتٍ ومواقف للعناكب
ولقبضاتهم حرية الانتقال بين الريح
والضريح والمواكب
بوسعهم أن يفعلوا ذلك كله
ولكن بوسعنا أن لا ننسى
أنهم فعلو ذلك كله
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> حضور الضمائر الغائبة
حضور الضمائر الغائبة
رقم القصيدة : 6013
-----------------------------------
الغابة الجميلة الشرسة
تحتازني ،
سوار من الوحوش التي تغيب(49/163)
أبحث عن وحشٍ يعرف اللغة
ويفتح نوافذه لي
لي لي لي
فقد اتسعت الصحراء في قلبي
اتسعت
قلت يا أصدقائي الذين في الاحتمال
إلبسوا أظافر الضبع
وهيئة الذئب
وصراحة اللبن
وتعالوا
أيها الأصدقاء المشردون
في القرى والمدن والبراري
تعالوا
بذاكرة الكلاب المخلصة
برعونة الوعول وسياسة الثعالب
تعالوا فالغابة الجميلة تفقد طراوتها
ولا يصير الليل فضاءا
ولا الأحلام نوافذ ولا الوحل
الوحل العظيم الذي اغتسلنا به
تطهرنا بقذارته المقدسة
من لي
والغابة ذات الجمال والحبائل
والقتال الضاري
صدرا عاريا
حيث لا قميص الطين
ولا أصدقائي المدججين بالماء
من لي من لي من لي
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أيها الغريب الغريب
أيها الغريب الغريب
رقم القصيدة : 6014
-----------------------------------
صار في أقدامه شوك
ولا يأمن السعة
كل راحةٍ فخ أو احتمال له
يستجيب لكل الغوايات
مرة قال له الغريب
( أيها المطمئن ذو اللسان الأعوج
تعال )
فلم يتأخر
ركض في طريقٍ على كل الطرق
تقمص الظلام فابتكر ضوءا
تاهت له الأبصار
قيل جنون
وقيل خرس يدب في اللغة
أيها الغريب الغريب تأخرت
يطرح أسئلة على الأجوبة
يستسهل المعجز
ويأخذ الجبل في رحيله
لم يقنع بالنهايات وأطراف الحروب
حروبه القتال الطويل والترصد
عقد أحلافا مع المرايا
وراح يغرر بعذارى الكلمات
ويزني بها فتسمو
يبحث عن الواضح الذي صار ،
يؤآلف بين الوحش والغريب
يقول للرمح أنا نقيضك
يصغي إلى الطريدة التي تتدافع
وتتدارك وتهفو وتحنو على حليبة الطير
تنقاد لمهوى السماء تداوي جراح النبيين
تدنو تتغافل تغفو وتنداح
لها للتي ضاع ميراثها
تتداعى وتلهو
لها للتي ليس ميعادها في وصولٍ
وتنجو من الحياة
يصغي إلى الطريدة يصغي
ويغلق الصحراء في وجهها
يقول لها ارجعي
طاردي الرمح والرامي
لا رمية أنت
ولا فلاة مفتوحة
أضيق من خاتمٍ هذا المدى
أضيق
فاسترجعي وارجعي
واستعيدي عنصر المذابحة
له الغابة والغيم ويغوي(49/164)
يهدهد القتلى ويحنو على الدم
عيونه تحضن الأفق
ولا باب جدير بالثقة
كل نافذةٍ تطل على سجنٍ
على قيدٍ وزنزانةٍ
مفاتيحه الريح والراحة نعش له
أو ضريح
لا يطوي مزاليجه إلا عند طفل
وأطفاله طلع وطيور
يبسط الماء لأوهامه سجادة
مرة قال له الغريب
( أيها الغريب الغريب
أجج لغاتٍ
وافتح كتابة الماء
إفتح صلاة بلا إله)
ولم يتأخر
ركض في طريقٍ طفلةٍ
وأزهرت أقدامه شوكا
أيها الغريب الغريب
لا يتأخر العرس
تأبط أحزانا كثيرة وجاء
وكان قد اكتشف طرقا في الطريق
وأسئلة وشكا في الأجوبة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الفتح
الفتح
رقم القصيدة : 6015
-----------------------------------
يركض الأطفال بجنونٍ في دمائي
ينبغي أن افتح الطرق أمامهم
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> إشراق
إشراق
رقم القصيدة : 6016
-----------------------------------
في الهدوء المأسور
أسمع حداء الإبل
وقبائل تزحف
تخوض في أخضر الأيام
فأقبع في أسري
في يأسي المكابر مستسلما
أنسى وأتذكر
وأنسى
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الأحفاد
الأحفاد
رقم القصيدة : 6017
-----------------------------------
فيما يميل وينتقل ويتأجج
تصير له ذكورة وانوثة
وتصاغ التراثات له وتلهج به
ويتصل بأحفاد
أيتها النيران اصهريه
وسويه ينهض هذا الاله الجارح
اجرحي شفتيه وقولي له الكلمة
دو زني الكون وكونيها
فيما ينتقل ويتلجلج
يخرج أحفاده من الكتاب الكامن
ويسبقون
الحرق يجنحون يشكون
في الشمس والشمائل
لهم الحرف ولا كلمة تقول ولا تقدر
لا ميل ولا احتيال لهم
يطوفون
يحصون المداخل والخليج يرد السفائن
يسهو عن القتال
ويستبسل في قتال آخر
ويقولون للماء اشتعل
وليس كلامهم كتبا ولا تكايا
يفكون لغز الوضوح
يقولون نحن الغوامض
يمضون
يمضون
يمضون
الأرض قيد لهم
والسماء طريق لفخ يخون
شعراء العراق والشام >> أحمد دحبور >> طبيعة صامتة
طبيعة صامتة
رقم القصيدة : 6018(49/165)
-----------------------------------
تطلب الياسمينة ماء،
لا ضوء يكفي ليغسل وجه المكان
والعطر يرسله الياسمين إلى لا أحد
يتجعد في المزهرية -
وانفرد
لم تضيء شمعه،
كل ما كان أني هنا وهناك،
ويمكث، حيث تركت، الزبد.
شعراء العراق والشام >> أحمد دحبور >> جنسية الدمع
جنسية الدمع
رقم القصيدة : 6019
-----------------------------------
صباح من الغبش الحلو يفتح باب النهار
نهار من الصحو إلا بقايا الغبار
مدارس من أمل,و الأمل
ترجل عن حلم في عيون الكبار
إلى فرح يرتجل
فمن أين خوذة هذا المسربل بالبقع السود؟
كيف انطوى العشب تحت الفتى و تلون بالزهر؟
خل كان يدري اله الجنود,
بما سوف يدري إذا أطلقوا النار؟
اسمع صفارة, و أرى صوت حوامّة في السحابة,
يرمي الجنود حروف الكتابة بالجمر,
فالحال في حالة....... و يئن المضارع,
والشارع الآن جملة حرب,
دريئتهم كل راس و قلب,
أصابوا النهار,
إصابته غير قاتلة,
فالرصاصة في كتف الفجر,
و النهر يجري
و روح العصافير تسري
و ما هي إلا دقائق,
ما هي إلا رقائق من شجر الورد و الصبر,
حتى يطير الجناحان,
والنهر يجري فلا يملا البحر,
يصعد من رئة البحر البحر قوسا قزح
و ما هي إلا حدائق كانت نساء,
و أزواجهن, و طفلين
حتى يسيل الصباح دماءً,
تغذي مجنزرة بالوقود
فيربض فيها اله الجنود و يضحك
تبكي ملائكة غادرت قبر يوسف,
تعجز عن أن ترد الكلام الذي ,
لم يصل, بعد,إسماع تلميذتين
فأسمع دمع السحابة,
من رامة الله تسري إلى طولكرم
ونابلس و الخليل
إلى خان يونس
من صخرة القدس حتى رفح
و تبكي ملائكة جاورت قبر يوسف
سيدنا الخضر في بئر زيت
سيدخل في كل موت
و يخرج من نخلة ضربت موعدا ً للقيامة في عمق دير البلح
و نعرف جنسية الدمع منذ بكى آ دم,
يا فلسطين,
يا دمعة الله،
للحزن أن يترجل يوما ً, ليدخل,من بيت لحمك,طفل الفرح
و نعرف ماذا يخبئ, في الدمع,هذا القطار
ولكن أيرجع من ذهبوا؟
لقد ذهبوا ليعيدوا النهار(49/166)
و لكنهم ذهبوا
و لسنا نكابر...بل هدنا التعب
سنفقدكم كلما هدأ البيت
هم عودونا:إذا حضروا يزهر الصخب
سنفقد من يكسر الصحن,
ينكسر الشر فينا
ولا ينتهي الشغب الحلو,
يا روحهم انت... يا شغب
عزاء,و كيف العزاء بمن ذهبوا؟
أنزعم,في غفلة,أنهم هربوا؟
وعند المساء يجيئون بالكتب المدرسية,
و القدس,
و الفرح و المرتجي... والنهار
سيبعث أصغرهم بكراريس إخوته.. ويدور الشجار
و نضحك,
نفتح نافذة فنرى أفقا ً لا تعكره البقع السود,
يمضي الجنود و يبقى الصغار
سنكتشف البحر,
نسرح في السهل,
نصغي لنبض الحصاة بقلب الجبل
و نوقظ,من نومه,جبلا غارقا في الأمل
سنفعل هذا و اكثر,نضحك ...نبكي
سيصبح هذا ربابتنا...و سنحكي
و لكن لماذا يباهتنا الدمع؟
يا أملا ذهبوا ليجيئوا به...فلتجئ
و يا قمرا ذهبوا يقطفون لنا ضوءه..فلتضئ
ويا غد...
فلنبتدىء يا غد الغد يا غدنا
لقد نام عمرا,و آن له أن يفيق الجبل
وآن لنا.....
شعراء العراق والشام >> أحمد دحبور >> رهين الجثتين
رهين الجثتين
رقم القصيدة : 6020
-----------------------------------
مرأة أم صاعقة ؟
دخلت، في، من العينين،
واستولت على النبع،
ولم تترك لدمعي قطرتين
- أنت لن تجترحي معجزة،
حتى ولو أيقظت شمسا تحت هدبي
غير أني منذ أن أصبحت نهرا،
دارت الدنيا على قلبي،
وأنهيت إلى نبعي مصبي
فاستحمي بمياهي مرتين
نحلة أم عاشقة
دخلتني من طنين مزمن في الأذنين
تركت روحي رمالا
وأعارتني نخيلا وجمالا
وحلمنا أننا نحلم بالماء فيزرق التراب
- لن تميتيني كما شاء الأسى،
أو تنشريني في كتاب
غير أني منذ أن أضحيت صحراء،
نزعت الشمس عني
وجعلت الماء، في الرمل، يغني
فاغرفي مني سرابا باليدين
هل دمي صاعقة أم عاشقة؟
أم هي النار التي توغرها حرب اثنتين؟
هكذا أمسيت،
لا في الحرب،
لكن في حرب،
وانتهاكات،
ونار عالقة
من يدي يسقط فنجاني على ثوب صديقي
هو ذا يسمع من صوتي اعتذاراتي،
ولم يسمع طبول الحرب في رأسي،
ولم يبصر حريقي(49/167)
بعد، لن أضحك أو أعبس،
حتى تشهد الحرب التي في جسدي -
واحدة من طعنتين
فأواري صاعقة ميتة فوق رمال العاشقة
أو أجاري جسدي الهارب -
من موت إلى موت..
وأين؟
ربما يندفع النبع إلى وجهي،
وقد تنتشر الصحراء في رأسي،
وقد يختلط الأمر على طول الطريق
إنني أصغي إلى الداخل،
أنشد إلى الحرب التي تمتد،
- من قلبي إلى صدغي -
فهل حرب ولا موت؟
أم الحي الذي يعلن هذا..
في مكان منه يخفي جثتين؟
شعراء العراق والشام >> أحمد دحبور >> إضراب
إضراب
رقم القصيدة : 6021
-----------------------------------
أضرب الشباك، لكن الفضاء
لم يزل يهب، من مستقبل الشباك، أو يأتي إليه
أضرب العصفور، لكن الغناء
لم يزل يقتاد طفلا حالما من أذنيه
أضرب الغيم، ولكن الشتاء
حدد الموعد،
والمزراب يغري العتبه
ما الذي تطلب هذي الكائنات المضربة؟
كيف إضراب ولا إغلاق؟
لا إعلان حتى في جريدة
إسترح وارتشف المرة،
لا خوف من العصيان،
لا أخبار عن مزرعة الفلفل في هذا المساء
كل ما في الأمر أن الحبر والصبر معا، والموهبة
عجزت أن تقنع الأشياء بالتجريد،
أو تدخلها في تجربه
هكذا لن تصبح الأشياء موضوع قصيدة
شعراء العراق والشام >> معين بسيسو >> المعركة
المعركة
رقم القصيدة : 6022
-----------------------------------
أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح
أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح
واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال
يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال
يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال
ولتحملوا البركان تقذفه لنا حمر الجبال
هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة
هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة
للثورة الكبرى على الغيلان أعداء الحياة
فإذا سقطنا يا رفيقي في حجيم المعركة
فإذا سقطنا يا رفيقي في حجيم المعركة
فانظر تجد علما يرفرف فوق نار المعركة
ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة(49/168)
ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> ليالي بيروت
ليالي بيروت
رقم القصيدة : 6023
-----------------------------------
ليالي بيروت
في ليالي الضِّيقِ والحرمانِ
والريحِ المدوِّي في متاهاتِ الدروبْ
مَن يُقَوِّينا على حَمْلِ الصليبْ
مَن يَقينا سَأمَ الصَّحْراءِ,
مَن يَطْرُدُ عنَّا ذلك الوحشَ الرَّهيبْ
عندما يزحَفُ من كَهفِ المغيبْ
واجِمًا محتَقِنًا عبرَ الأزقَّهْ,
أَنَّةٌ تُجْهِشُ في الريحِ, وَحُرْقَه,
أعينٌ مشبوهَةُ الوَمضِ
وأشباحٌ دَميمَهْ.
ويثورُ الجنُّ فينا
وتُغاوينا الذنُوبْ
والجَريمهْ:
"إنَّ في بيروتَ دنيا غيرَ دنيا"
"الكَدحِ والمَوتِ الرتيبْ"
"إنَّ فيها حانةً مسحورةً,"
"خمرًا, سريرًا مِن طيوبْ"
"للحيارى"
في متاهات الصحارَى,
في الدهاليزِ اللعينَهْ
ومواخيرِ المدينَهْ
(...)
مَن يقوِّينا على حملِ الصليبْ
كيف نَنجُو مِن غِواياتِ الذنوبْ
والجَريمَهْ?
مَن يقينا وهلةَ النَّوْمِ
وما تَحملُ مِن حُمَّى النَّهارْ.
أين ظلُّ الوردِ والرَّيْحانِ
يا مِروحَةَ النوْمِ الرَّحيمَهْ?
آهِ مِن نومي وكابوسي الذي
ينفُضُ الرُّعْبَ بوَجْهي وَجَحيمَهْ
مُخدعي ظلُّ جدارٍ يتداعى
ثُمَّ ينهارُ على صَدْري الجِدارْ
وغريقًا ميِّتًا أطفو على دَوَّامةٍ
حرَّى ويُعميني الدُّوارْ
آهِ والحقْدُ بقلبي مِصهرٌ
أمتَصُّ, أجترُّ سمومَهْ
ويدي تُمسِكُ في خِذْلانها
خَنجَرَ الغَدرِ, وسُمَّ الانتِحارْ,
رُدَّ لي يا صُبحُ وجهي المستعارْ
رُدَّ لي, لا, أي وجهٍ
وجحيمي في دمي, كيف الفِرارْ
وأنا في الصبحِ عبدٌ للطواغيتِ الكبارْ
وأنا في الصبحِ شيءٌ تافهٌ, آهِ من الصبحِ
وجَبْروتِ النَّهارْ!
أَنَجُرُّ العمرَ مشلولاً مدمًّى
في دروبٍ هدَّها عبءُ الصليبْ
دون جدوى, دون إِيمانٍ
بفردوسٍ قريبْ?
عمرُنا الميِّتُ ما عادتْ تدمِّيه الذنوبْ
والنيوب
ما علَيْنا لَوْ رَهنَّاهُ لدى الوحشِ,(49/169)
أو لدى الثعلَبِ في السوقِ المُريبْ
ومَلأنَا جَوفَنا المَنْهومَ
مِنْ وهجِ النُّضار
ثُمَّ نادَمنا الطواغِيتَ الكبارْ
فاعتَصَرْنا الخمرَ من جوعِ العَذارى
والتَهمْنا لحمَ أطفالٍ صغارْ,
وَغَفوْنا غَفْوَ دُبٍّ قُطُبيٍّ
كهْفُه منطمِسٌ, أعمى الجِدارْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> في جوف الحوت
في جوف الحوت
رقم القصيدة : 6024
-----------------------------------
ومتى يُمْهِلُنا الجَلاَّدُ والسَّوطُ المُدَمَّى?
فنموتْ
بين أيدٍ حانياتٍ,
في سكوتٍ, في سكوتْ
ومتى يَخْجَلُ مصباحُ الخفيرْ
من مخازي العارِ
والدمعِ المدوِّي من سريرٍ لسريرْ?
ومتى يُحْتَضَرُ الضوءُ المقيتْ
ويموتْ
عن بقايا خِرَقٍ شوهاءَ,
عنَّا, عن نُفاياتِ المقاهي والبيوتْ?
حُشِرَت في مِصْهَرِ الكبريتِ,
في مستَنْقعِ الحمَّى,
رَسَتْ في جَوفِ حوتْ
مُضْغَةً يجْترُّها الغازُ الجحيميُّ السعيرْ,
حشرجاتٍ تَتَعالى
سُحُبًا صفراءَ في وجه القديرْ
والضميرْ
ذلك الصوت المُرائي
كم يُرائي المستَجيرْ,
ذلك الجوُّ الجحيميُّ السعيرْ
في مداه لا غدٌ يُشرِقُ,
لا أمسٌ يفوت
غيرَ آنٍ ناءَ كالصَّخر على دنيا تموتْ
أتُراهُ كان لي دنيا سِواها,
كانَ لي يومٌ نضيرْ
وعرفتُ الحلمَ والإيمانَ والحبَّ القريرْ:
نَبْضُ قلبينِ, وَزنْدٌ لَيِّنٌ,
وصدًى يهمسُه دفءُ الحريرْ,
وَصليبٌ وَرِعٌ فوق السريرْ
وخيالٌ يتحدَّى
عَتْمَةَ المجهولِ والسرَّ الكبيرْ.
أتُراهُ كانَ لي يومٌ معافًى ونضيرْ
أم حكاياتُ ثلوجٍ مَدَّها
البُحْرانُ في وَهْجِ الهجيرْ?
كل ما أذكرُه أنِّي أسيرْ,
عُمْرُهُ ما كان عُمْرًا,
كان كهفًا في زواياهُ
تدبُّ العنكبوتْ
والخفافيشُ تطير ْ
في أسى الصمتِ المريرْ
وأنا في الكَهف محمومٌ ضريرْ
يتمطَّى الموتُ في أعضائِهِ,
عُضوًا فعُضوًا, ويموتْ
كلُّ ما أعْرفه أنِّي أموتْ
مُضغَةً تافهةً في جوف حوتْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> السجين
السجين
رقم القصيدة : 6025(49/170)
-----------------------------------
أتُرى هلْ جُنَّ حسِّي فانطوى الرعبُ
تُرى عادَ الصدى, عادَ الدُّوارْ?
مَن تُرى زحزح ليلَ السجنِ عن صدري
وكابوسَ الجدار?
اَلكوى العميا يغطّيها
سوادٌ رَطِبٌ, طينٌ عتيقْ
اَلكوى ما للكوى تنشقُّ
عن صبحٍ عميقْ
وصدى يهزج من صوب الطريقْ:
"هِيَ, والشَّمسُ, وضحكات الصغارْ,"
"وبقايا الخِصبِ في الحَقْل البوارْ,"
"كلُّها تذكر ظلِّي, تَعَبي"
"كَفِّي المغَنِّي للبذار"
"كلُّها تُغري وتُغري بالفرار".
طالما أغرى الصدى قلبي وجفني
طالما راوَغَني صوت المُغنِّي
طالما أدْمَتْ يدي جدْرانُ سِجني
طالما ماتَتْ على كيْد الجدارْ
ردَّ باب السِّجنِ في وجه النهارْ
كان قبل اليوم يُغري العفوُ
أو يُغري الفرارْ
قبلَ أن تصدأ في قلبي الثواني
لا صدى تُحصيهِ, لا حمَّى انتظارْ
قبل أن تمتصَّني عتمَةُ سجني
قبْلَ أنْ يأكُلَ جفنيَّ الغبارْ
قبلَ أنْ تنحلَّ أشلاءُ السَّجينْ
رِمَّةً, طينًا, عِظامًا
بعثَرتْها أرجلُ الفيرانِ
رثَّت من سنينْ
كيْفَ تلتمُّ وتحْيا وتلينْ,
كيف تخضرُّ خُيوطُ العنكبوتْ
تتَشهَّى عودَةً للمَوْتِ
في دنيا تموتْ?
ما الذي يَهْذي تُرى?
صوتُ المُغنِّي
لم يعد يخْدع كَفَّيَّ وجفني
لم يعد يخدعني العَفوُ اللَّعينْ
بعد أن رثَّت عظامي من سنينْ
هل أخَلِّيها, أُخلِّيها وأمضي
خاويَ الأعضاءِ وجهًا لا يبينْ
شبحًا تجلده الريحُ
وضوءُ الشمْس يُخزيهِ
وضحكاتُ الصغارْ
يتخَفَّى من جدارٍ لجِدارْ
ردَّ باب السِّجْن في وجه النهارْ
كان قبل اليومِ
يُغري العفو أو يُغري الفرار
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> سدوم
سدوم
رقم القصيدة : 6026
-----------------------------------
ماتَتِ البَلوَى ومُتنا مِن سنينْ
سَوفَ تبْقى مثلما كانتْ
ليالى الميِّتينْ
لا اذِّكارٌ يُلهِبُ الحسْرَةَ
من حينٍ لحِينْ
لا فصولٌ,
سوف نَبْقى خلْفَ مرمى
الشمسِ والثلجِ الحزينْ
ليس يُغوينا ابتهالٌ
يَجتدي العاتي يقينًا مطمئنًّا(49/171)
يَجتَديه بعضَ ما استنزف منًّا
بعضَ إشراقِ الرؤى بعضَ اليقينْ
بعضَ ذكرى
أيُّ ذِكْرى, أيُّ ذكرى
من فراغٍ ميِّتِ الآفاقِ.. صَحْرا
مسحتْ ما قبْلها, ثم اضمحلَّتْ
خَلَّفتْ مطرحَها طعمَ رمادْ
مطرحَ الشمسِ رمادًا وسوادْ,
هيَ ذكرى ذلك الصبحِ اللَّعينْ
كان صبحًا شاحبًا
أتعسَ من ليلٍ حزينْ,
كان في الآفاقِ والأرضِ سكونْ
ثم صاحَتْ بومةٌ, هاجتْ خفافيشٌ
دجا الأفقُ اكْفهرَّا
وَدَوَت جَلجلةُ الرعدِ
فشقَّتْ سحُبًا حمراءَ حرَّى
أمطرتْ جمرًا وكبريتًا وملحًا وسموم
وجرى السيلُ براكينَ الجَحيمْ
أحرقَ القرية, عرّاها,
طوى القتلى ومرَّا
عَبَرَتنا محنةُ النارِ
عَبَرْنا هَوْلَها قبرًا فقبرا
وتلَفَّتْنا إلى مطرحِ ما كانَ لنا
بيتٌ, وسمَّارٌ, وذِكرى
فإِذا أضلُعُنا صمتُ صخورٍ
وفراغٌ مَيِّتُ الآفاقِ.. صَحْرَا
وإذا نحنُ عواميدٌ من الملحِ,
مُسُوخٌ من بلاهاتِ السنينْ
إنْ تُذَكِّرْ عابرَ الدربِ
بحالِ الميِّتينْ
فهي لا تذكرُ, جوفاءَ,
بلا أمسٍ, بلا يومٍ وذكرى
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> حب وجلجلة
حب وجلجلة
رقم القصيدة : 6027
-----------------------------------
وأَنا في وحشَة المَنفَى
مَع الداءِ الذي ينثرُ لَحْمي
ومع الصمت وإِيقَاعِ السُّعالْ,
أنفُض النومَ لَعلِّي أَتَّقي
الكابوسَ والجِنَّ التي تحتلُّ جِسْمي
وإِذا الليلُ على صدري جلاميدٌ,
جدارُ الليلِ في وجهي
وفي قلبي دخانٌ واشتعالْ,
آهِ ربِّي! صوتهم يصرخُ في قبري:
تعالْ!!
كيف لا أنفضُ عن صدري الجلاميدَ
الجلاميدَ الثقالْ
كيف لا أصرعُ أوجاعي ومَوتي
كيف لا أضرعُ في ذلٍّ وصمتِ:
"رُدَّني, ربي, إِلى أرضي"
"أعِدني للحياة"
وليكن ما كانَ, ما عانيتُ منها
محنةَ الصلب وأعيادَ الطغاة.
غير أني سوف ألقى كل من أحببتُ
مَنْ لولاهُمُ ما كان لي
بعثٌ, حنينٌ, وتمنِّي
بِي حنينٌ موجع, نارٌ تدوِّي
في جليد القبر, في العرق المواتْ,
بِي حنينٌ لعبير الأرضِ,(49/172)
للعصفور عند الصبحِ, للنبعِ المغنِّي
لشبابٍ وصبايا
من كنوزِ الشمس, من ثلجِ الجبالْ
لصغارٍ ينثرونَ المرجَ
مِنْ زهوِ خطاهمْ والظِّلالْ
في بيوتٍ نَسيَتْ أَنَّ وراءَ
السور مرجًا وظلال.
أنتُمُ أَنتنَّ يا نسل إلهٍ.
دمُهُ يُنبت نيسانَ التِّلالْ
أنتُمُ أَنتنَّ في عمري
مصابيحٌ, مروجٌ, وكفاهْ
وأنا في حُبِّكمْ, في حبكنَّ
- وفِدى الزنبق في تلك الجباهْ -
أتحدَّى محنةَ الصَّلبِ,
أُعاني الموتَ في حبِّ الحياهْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> دعوى قديمة
دعوى قديمة
رقم القصيدة : 6028
-----------------------------------
ضجَّةُ "الطَّاحونَةِ الحمرا"
ضباب التبْغ والخَمْرةِ, والحمَّى اللئيمَهْ
غُصَّتي الحَرَّى لِفَخْذٍ وجَريمَهْ,
وارتخاءُ الشفة السُّفلى على الشَهْوةِ
والرعبُ متى شدَّت يدي "نينا" الشهيَّهْ.
وأنا ثوب بلا ظلٍّ, بلا ضوءٍ
سوى البَسْمَةِ في عَينيَّ
تستَعْطي التَحِيَّهْ
ضعف أعصابي, ارْتِفاع الضغطِ
والحمَّى اللَّئيمَهْ,
غُصَّتي الحَرَّى على مُرضِعَة الأمس الرحيمَهْ,
حضنُها كَهْفٌ من الصفْصافِ
رَيَّانُ الظِلالْ:
"إن لَفْحَ الشمسِ يُحفي"
"الجفْنَ وَالحاجِبَ في جرد الجبال".
زندُها التفَّ على أَعْناقِنا
سمَّرنا في حنوة الظلٍّ, مُحال..
ضحك أَطفالٍ, سريرٌ دافىءٌ, حلمٌ,
حكاياتٌ بجَنْبِ النار, أَعيادٌ, وليمَهْ
ما جرى بَعدَ الوَليمَهْ
للرياحينِ الصغارْ?
أتُرى تَهْويمَ بعد الظهر هوَّمْنا
أفقْنا سربَ غربانٍ كبارْ
في بَقايا شَعْرِنا يُزهرُ وهْجُ الثَلْجِ
أدغالاً على الصَحراءِ تلتفُّ إطارْ
حلوةُ الحَيِّ
تُرى مَن مطَّ ثديَيْها إِلى البَطنِ
وألوى أنفَها مِنقارَ بُومهْ?
كيف لا يدوي ويحْتَجُّ الصَّدى
يدوي جريمَهْ??
إنَّها دَعوى قديمَهْ
عفَّنتْ في سلَّة للمُهْمَلاتْ
ما لها قاعٌ, وفيها ماردٌ
يبْتَلِعُ الحقّ المواتْ
رحمَةً كانت على الأمِّ الرحيمَهْ
عَمِيتْ, وانْطَفأتْ بعد الوَليمَهْ(49/173)
ضعفُ أعصابي, ارتفاع الضغطِ
والحمَّي اللئِيمَهْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> الجروح السود
الجروح السود
رقم القصيدة : 6029
-----------------------------------
خليتُها تَروحْ
وانهارَ قلبي رُمةً
جنازَةً خرساءَ لا تنوحْ
تطلُّ من رسم على الجدارْ
ضحكةُ عينيها.. وعبر الدرب والغُبارْ
اِمرَآةٌ تُخفي بكفٍّ عينها
المزرقةَ الرهيبَهْ
تعيا بثقل الشمس والحقيبَهْ
تمضي إلى محطة القطارْ
مرارةٌ وعارْ
تفلٌ بلا طعمٍ
بقايا الحب, تفلُ الحقد في القرارْ.
وكيفَ أصبحْنا عدوَّينِ
وجسمٌ واحدٌ يضمُّنا, نفاقْ
كلٌّ يعاني سجنَهُ, جحيمَهُ
في غمرة العناقْ
لو كان فينا جمرةٌ خضرا
لثارَتْ واستَحالتْ خنجرًا يصيحْ
من لَهَبٍ أخْضرَ في الجروحْ
تُفتِّقُ البلسمَ والريحانَ والظلالْ,
كانت جروحٌ.. عاصفٌ وزالْ.
خلَّيتُها تروحْ,
جنازةٌ خرساءُ لا تنوحْ,
حمَّى جروحٍ
ودمٌ يَسْودُّ في الجُروحْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> جحيم بارد
جحيم بارد
رقم القصيدة : 6030
-----------------------------------
ليتَني ما زلتُ في الشارع أصطادُ الذُّبابْ
أنا والأعمى المُغَنِّي والكِلابْ
وطَوافي بزوايا الليلِ,
بالحاناتِ مِن بابٍ لِبابْ
أتَصدَّى لذئاب الدربِ..!
ماذا? ليتَني ما زِلتُ دربًا للذئابْ
وعلى حشرجة الأنقاض في صدري,
على الكَهْف الخَرابْ
يلهثُ الوغدُ بحمَّى رئتَيهِ
بدعابات السكارى, بالسِّبابْ
أنا والدربُ نعاني الليل وَطْئًا وسِبابْ
ليتَه ما لَمَّني من وحلة الشارعِ
ما عوَّدني دفءَ البيوتْ
ويدًا تمسحُ عاري وشحوبي
ليت ما سلَّفَني ثوبًا وقوتْ..
وَنَعِمْنا بعضَ ليْلاتٍ.. تَلاها:
هذيانٌ, سأَمٌ, رعْبٌ, سكوتْ
اَلرؤى السوداءُ, ربِّي, صَرَعتْهُ
خَلَّفَتْهُ باردًا مرًّا مقيتْ
ليت هذا البارِدَ المشلولَ
يحيا أو يموتْ
رثَّ فيه حسُّه,
أعصابُه انحلَّت شِباكًا مِن خيوط العنكبوتْ
شاعَ في البيت مُناخُ القبرِ: دلفٌ,
عَتْمةٌ, ريحٌ حبيسٌ, وسكوتْ(49/174)
بِرْكةٌ سوداءُ يطفو في أَساها
وَجْهُه المُرُّ الترابيُّ الصَّموتْ,
ليْتَ هذا البارِدَ المشلولَ
يَحْيَا أو يموتْ
ليته!
يا ليت ما سلَّفني دفئًا وقوتْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> بعد الجليد
بعد الجليد
رقم القصيدة : 6031
-----------------------------------
( 1 ) عصر الجليد
عندما ماتتْ عروقُ الأرضِ
في عصرِ الجليدْ
مات فينا كلُّ عِرْقٍ
يبستْ أعضاؤنا لحمًا قديدْ
عَبثًا كُنَّا نصدُّ الريحَ
والليْلَ الحزينا
ونداري رعشةً
مقطوعةَ الأنفاسِ فينا,
رعشةَ الموتِ الأكيدْ
في خلايا العظمِ, في سرِّ الخلايا
في لُهاثِ الشمسِ, في صحو المرايا
في صريرِ البابِ, في أقبيَةِ الغَلَّةِ,
في الخمرةِ, في ما ترشحُ الجدرانُ
من ماءِ الصَديدْ
رعشةُ الموت الأكيدْ
***
يا إلهَ الخصبِ, يا بعلاً يفض
التربةَ العاقِرَ
يا شمسَ الحصيدْ
يا إلهًا ينفضُ القبرَ
ويا فِصْحًا مجيد,
أنتَ يا تموزُ, يا شمسَ الحصىدْ
نَجِّنا, نجِّ عروقَ الأرضِ
من عُقْمٍ دَهاها ودهانا,
أَدْفئِ المَوتَى الحزانى
والجلاميدَ العَبيدْ
عَبْرَ صحراءِ الجليدْ
أَنتَ يا تمُّوزُ, يا شمسَ الحصىدْ.
عَبثًا كنا نصلِّي ونصلِّي
غرَّقتْنا عتْمَةُ الليلِ المهلِّ
عَبثًا نَعْوي ونعْوي ونُعيدْ
عَبْرَ صحراءِ الجليدْ
نَحنُ والذئبُ الطريدْ
عبثًا كنا نهزُّ الموتَ
نبكي, نتحدّى,
حُبُّنا أقوى من الموتِ
وأَقوي جمرُنا الغَضُّ المُندَّى.
وارتمَيْنا جثثًا, لحمًا حزينَا
ضمَّ في حسرته لحمًا قديدْ,
عبثًا نغتصبُ الشَّهْوةَ حرَّى
عَبثًا نسْكبُها خمْرًا وجمْرا
مِنْ بقايا في الوَريدْ,
علَّهُ يُفرخ من أَنقاضنا نسلٌ جديدْ
ينفُضُ الموْتَ, يغلُّ الريحَ,
يدوي نبضَة حرَّى
بصحراءِ الجليدْ
"حُبُّنا أقوى من الموتِ العنيدْ"
غير أنَّ الحبَّ لم يُنبِتْ
مِن اللحْمِ القديدْ
غَيْر أَجْيالٍ من الموتى الحزانى
تتمطَّى في فم الموت البليدْ
***
( 2 ) بعد الجليد
كيف ظلَّتْ شهوةُ الأرضِ(49/175)
تدوِّي تحت أَطباقِ الجليدْ
شَهوةٌ للشمسِ, للغيثِ المغنِّي
للبذارِ الحيِّ, للغَلَّةِ في قبوٍ ودنِّ
للإله البعلِ, تمُّوزِ الحصىدْ,
شَهوةٌ خضراءُ تأبي أنْ تبيد,
وحنينٌ نبضُه يسري إلى القبرِ, إلينا,
يا حنينَ الأرضِ لا تقسُ علينا
لا تحر الدمَ في الأمواتِ, فينا
موجِعٌ نبضُ الدَّمِ المحرُورِ
في اللَّحمِ القديدْ,
في عروقٍ بَعْضُها حُمَّى ربيعٍ
وجحيمٌ يبْتَلينا
بعضُها صمتٌ ثقيلٌ وجليدْ,
إنْ يكنْ, ربَّاهُ,
لا يُحيي عروقَ الميِّتينا
غيرُ نارٍ تلدُ العنقاءَ, نارْ
تتغذَّى من رمادِ الموتِ فينا,
في القرارْ,
فَلْنعانِ من جحيمِ النارِ
ما يمنحُنا البعثَ اليَقينا:
أُممًا تنفضُ عنها عفنَ التاريخِ,
واللعنَةَ, والغيبَ الحزينا
تنفُضُ الأمسَ الذي حجَّرَ
عَينَيها يواقِيتًا بلا ضوءٍ ونارْ,
وبحيراتٍ من الملحِ البوارْ,
تنفُضُ الأمسَ الحزينا
والمهينا,
ثم تحيا حُرةً خضراءَ تزهو وتُصلِّي
لصدى الصبحِ المطلِّ
وتُعيدْ
مِن ضِفاف "الكنجِ" "للأردنِّ" "للنيلِ"
تصلِّي وتُعيدْ:
يا إِله الخصبِ, يا تمُّوزُ, يا شمسَ الحصىدْ
بارِكِ الأرضَ التي تُعطي رجالاً
أقوياءَ الصُّلبِ نسلاً لا يَبيدْ
يَرثونَ الأرضَ للدهرِ الأبيدْ,
باركِ النَسل العَتيدْ
باركِ النَسل العَتيدْ
باركِ النَسلَ العتيدْ
يا إله الخصبِ, يا تموزُ, يا شمسَ الحصيدْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> الجسر
الجسر
رقم القصيدة : 6032
-----------------------------------
وكفاني أَنَّ لي أطفالَ أترابي
ولي في حُبِّهم خمرٌ وزادْ
مِن حصادِ الحَقلِ عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ,
أنَّ لي عيدًا وعيدْ
كُلَّما ضَوَّأَ في القَريةِ مصباحٌ جديدْ,
غَيرَ أَنِّي ما حملتُ الحب للموتى
طيوبًا, ذهبًا, خمرًا, كنوزْ
طفلُهُم يُولدُ خفَّاشًا عجوزْ
أينَ مَنْ يُفني ويُحيي ويُعيدْ
يتولَّى خَلْقَه طفلاً جديدْ
غَسْلَهُ بالزيتِ والكبريت
مِن نَتنِ الصديدْ(49/176)
أينَ مَن يُفْني ويُحيي ويُعيد
يَتَولّى خَلْقَ فرخ النسرِ
مِن نَسلِ العَبيدْ
أنكَرَ الطفلُ أباهُ, أُمَّهُ
ليسَ فيه منهُما شبْهٌ بَعيدْ
ما لَهُ يَنْشَقُّ فينا البَيْتُ بَيْتَينِ
وَيَجري البَحرُ ما بَيْنَ جديدٍ وعتيقْ
صرخةٌ, تقطيعُ أرحامٍ,
وتَمزيقُ عُروقْ,
كَيفَ نَبقي تحتَ سَقفٍ واحدٍ
وبحارٌ بيننا.. سورٌ..
وصَحراءُ رمادٍ باردِ
وجليدْ.
ومتى نطفرُ مِن قبوٍ وسجْنِ
ومتى, ربَّاهُ, نشتدُّ ونبني
بِيَدينا بَيتنا الحُرَّ الجَديدْ
يَعبرونَ الجِسرَ في الصبحِ خفافًا
أَضلُعي امتَدَّتْ لَهُم جِسْرًا وطيدْ
مِن كُهوفِ الشرقِ, مِن مُستنْقعِ الشَرقِ
إِلى الشَّرقِ الجديدْ
أَضْلُعي امْتَدَّتْ لَهُم جِسرًا وطيدْ
"سوفَ يَمضونَ وتَبْقى"
"صَنَمًا خلَّفَهُ الكهَّانُ للريحِ"
"التي تُوسِعُهُ جَلْدًا وَحرْقًا"
"فارغَ الكَفَّيْنِ, مصلوبًا, وحيدْ"
"في ليالى الثَّلْجِ والأفقُ رمادٌ"
"ورمادُ النارِ, والخبز رمادْ"
"جامِدَ الدَّمْعَةِ في لَيْلِ السهادْ"
"ويوافيكَ مع الصبحِ البريدْ:"
".. صَفحَةُ الأخبارِ.. كم تجترّ ما فيها"
"تُفَلِّيها.. تُعيدْ..!"
"سوفَ يَمضونَ وتبقى"
"فارغَ الكَفَّيْن, مصلوبًا, وحيدْ".
***
اِخرسي يا بُومةً تقرعُ صدري
بومةُ التاريخِ مِنِّي ما تُريدْ?
في صَناديقي كُنوزٌ لا تَبيدْ:
فرحي في كُلِّ ما أَطعَمتُ
مِن جَوهرِ عُمْري,
فَرَحُ الأيدي التي أعْطَتْ وإِيمانٌ وذِكرى,
إنَّ لي جَمْرًا وخَمْرًا
إِنَّ لي أطفالَ أترابي
ولي في حُبِّهم خَمْرٌ وزادْ
مِن حصادِ الحَقْلِ عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ,
يا مَعادَ الثلجِ لَن أخْشاكَ
لي خَمْرٌ وجَمْرٌ للمَعادْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> بعد الجليد !!
بعد الجليد !!
رقم القصيدة : 6033
-----------------------------------
( 1 ) في الصومعهْ
بيني وبينَ البابِ أقلامٌ وَمِحْبرةٌ,
صَدًى متأفِّفٌ,
كُوَمٌ من الوَرَقِ العتيقْ.
هَمُّ العبورِ,(49/177)
وخطوةٌ أو خطْوتانِ
إلى يقين البابِ, ثمَّ إلى الطريقْ
*************
( 2 ) كذبٌ,
دَمي ينحَرُّ, يشتمني, يَئنُّ:
إِلى متى أزني, وأبصِقُ
جَبهتي, رِئَتي
على لقبٍ وكرسيٍّ
أُضاجعُ مومياءْ?
أنا لستُ منكمْ طغمةَ النسَّاكِ
واللحمَ المقدَّدَ في خلايا الصومعَهْ
لن يستحيلَ دمي إلى مصْلٍ
كذبتُ, كذبتُ,
جرُّوني إلى الساحاتِ, عرُّوني
اسلخوا عنِّي شِعَارَ الجامعَهْ
*************
( 3 ) اَلنَّاي
"اِبني, وقاهُ اللهُ, كنزُ أبيهِ,"
"جسرُ البيتِ, يحملُ همَّنا همًّا ثقيلْ"
"... اَلعامُ خلفَ البابِ يا بِنْتي, يعودُ"
"غدًا, يعودُ إِليكِ, بَعْضَ الصَّبرِ"
"سوفَ يعُودُ, واللهُ الكفيلْ."
***
ولربَّما ماتَتْ غدًا
تلكَ التي يبسَتْ على اِسمي
ومصَّ دماءَها شَبحِي
وما احتفلتْ بلذَّاتِ الدماءْ,
ماتَتْ مع النايِ الذي تهواهُ
يسْحَبُ حزنَهُ عَبْرَ المساءْ
ومع الورودِ متى التوَتْ
بيضاءَ, ينسجُ عُرسهَا ثلجُ الشتاءْ
طولَ النهارِ
مدى النهارْ
تنحلُّ في عَصَبي جِنازَتُها
يحزُّ النَّايُ فيهِ
وما يزيحُ عنِ القرارْ:
ماتَتْ وما احتفلتْ وما عَرَفَتْ
رَفَاهَ يدٍ تُظلّلُها ودارْ.
*************
( 4 ) الرِّيح
طولَ النهارِ
مدى النهارْ
رَبّي متى أَنشقُّ عن أُمِّي, أَبي
كُتُبي, وصومَعَتي, وعَن تلكَ التي
تحيا, تموتُ على انتظارْ
أطأُ القلوبَ, وبينها قلبي,
وَأَشرَبُ من مراراتِ الدروبِ بلا مرارَهْ,
ولعلَّ تخصِبُ مرة أُخرى
وتعْصِفُ في مدى شَفَتِي العِبارَهْ.
دربي إلى البدويَّةِ السمراءِ
واحاتِ العَجينِ البكرِ,
والفجواتِ أَوديةِ الهجيرْ,
وزوابعِ الرملِ المريرْ.
تعصَى وليْسَ يَرُوضُها
غيرُ الذي يتقمَّصُ الجَمَلَ الصَّبُورْ
وبقلبهِ طفلٌ يكوِّر جنَّةً,
غيرُ الذي يقتاتُ من ثَمَرٍ عجيبْ:
نِصْفٌ من الجنَّاتِ يسقطُ في السلاَلْ
يأْتي بلا تَعَبٍ حلالْ
نصْفٌ من العَرَقِ الصَّبيبْ.
اَلشوكُ ينبتُ في شقوقِ أظافِري
اَلشوكُ في شفتيَّ يمرجُ باللهيبْ(49/178)
... في وجهها عَبَقُ الغريزةِ
حين تصْمتُ عن سؤَالْ
... نهضَتْ تلمُّ غرورَ نهدَيْها
وتنفضُ عن جدائلها حكاياتِ الرمالْ,
تحدو, تدورُ كما أُشيرُ بإصبعِي
ولربَّما اصطَادَتْ بُروقًا
في دهاليزي تمرُّ وما أَعي
وبدونِ أَن أُملي الحروف وأَدَّعي
تحدو, تدورُ, تزوغُ زوبعَةً طروبْ
وأَرى الرياحَ تسيحُ; تنبعُ
من يدَيْها:
منبعَ الريحِ المعطَّرةِ الجنوبْ
ومنابعَ الريحِ الطَّريَّةِ والغضوبْ
للريحِ موسمُها الغضوبْ.
***
وحدي مع البدويةِ السمراءِ
كنتُ مع العِبارَهْ
في الرملِ كنتُ أَخوضُ
عَتْمَتهُ ونارَهْ
شربُ المراراتِ الثقالِ
بلا مرارَهْ.
***
ريحٌ تهبُّ كما تشيرُ عبارتي
للريحِ موسمُها الغضوبْ,
للريحِ جوعُ مَبارِدِ الفولاذِ
تمسحُ ما تحجَّرَ
من سياجات عتيقَهْ
ويعُود ما كانت عليهِ
التربةُ السمراءُ في بدء الخليقَهْ
بكرًا لأوَّلِ مرَّةٍ تشهَى
بحضنِ الشمسِ, ليلُ الرعدِ
يوجعُها وتَسْتَمْري بروقَهْ
ماذا سوى أَرضٍ تَعُبُّ
الحلْمَ, تُنبِتُهُ كرومًا والكرومُ
لها شروشُ السنديانِ,
لها عروق السنديان
وَرَفَاهُ فيءِ البيلسانْ,
ماذَا سوى عَقْدِ القبابِ البيضِ
بيتًا واحدًا يزهو بأَعمدةِ الجباهْ
يزهو بغاباتٍ من المُدُنِ الصَّبايا
لِين أَرصفةٍ وَجَاهْ
أَيصحُّ عَبْرَ البحرِ تفسيخُ المياهْ?
***
وأرى, أَرى الطَاووسَ يُبْحِرُ
في مراوحِ ريشهِ,
نشوانَ يبحر وهو في ظلِّ السياجْ
ويظُنُّ أَنَّ الوردَ والشِّعْرَ المنمَّقَ
يسترانِ العَارَ في تكوينهِ والمهزلَهْ
في صدره ثديانِ
ما نبتَا لمرضعَةٍ
ولا للعَانسِ المُسْترجلَهْ
ثديانِ يأْكلُ منهما عسلاً
ويحصدُ منْهما ذهبًا وعاجْ
لو يستحقُّ صلبتُهُ
ما شأنهُ بصَلِيبِ إيمانٍ
يسوقُ لجُلْجُلَهْ
وكَّلْتُ ريحَ الرملِ
تعْجنُهُ بوحلةِ شارعٍ أَو مزبلَهْ
هو والسياجْ
وطيوبُ ثديَيْهِ وما حصَداهُ
من عَسلٍ وعاجْ
في موسم الريحِ الغضوب
مَسْحُ السياجات العتيقة في العقولِ
وفي الدروبْ
*************(49/179)
( 5 ) الناسك
ألنَّاسكُ المخذولُ في رأْسي
يُطِلُّ عليَّ, يَسألني, يَحَارْ
"أَهملتَ فرضَكَ",
"هَلْ جُنِنْتَ فرحتَ تحلُمُ في النهارْ"
"حلم النَّهَارْ"
"مدى النَّهَارْ?"
"هلْ كنْتَ تتبعُ ذلكَ الجنِّيَّ"
"هل أغواكَ شيطَانُ المغارَهْ?"
- وحدي مع البدويةِ السمراءِ
كنْتُ مع العبارَهْ
في الرملِ كنْتُ أَخوضُ
عَتْمتَهُ ونارَهْ,
شربُ المراراتِ الثِقالِ
بلا مرارَهْ.
- "أَلغازُ مجنونٍ" وعاد
لغرفةِ الآثارِ في رأْسي,
وللسلعِ العَتيقةِ,
عاد منخَلعَ الوقارْ.
*************
( 6 ) طولَ النَّهارِ
مدى النهارْ
اَلحينُ بعْدَ الحينِ تعْبرُ جَبْهَتي
صُوَرٌ وتنْبتُ في الطَّريقْ
صورٌ يشوِّهُها الدوارْ
أُمِي, أَبي, تلك التي
تحيا تموتُ على انتظارْ.
اَلنَّاسك المخْذولُ في رَأسي
يشدُّ قُواهُ ينهرني, أُفيقْ:
بيني وبين البابِ
صحراءٌ منَ الورقِ العَتيقِ وخلفَها
وادٍ منَ الورقِ العَتيقِ وخلفَها
عمرٌ من الورقِ العَتيقْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> وجوه السندباد
وجوه السندباد
رقم القصيدة : 6034
-----------------------------------
**************
( 1 ) وَجْهانِ
لَمْ تَرَ الغربةَ في وجهي
ولي رسمٌ بِعَينَيْها
طريٌّ ما تغَيَّرْ
آمِنٌ في مَطْرحٍ لا يعْتريهْ
ما اعترى وجهي
الذي جارَتْ عليهِ
دمغَةُ العُمرِ السفيهْ
كيْفَ - ربي - لا تَرَى
ما زَوَّرَ العُمرُ وحفَّر,
كيفَ مرَّ العُمرُ من بعْدي,
وما مرَّ,
فظلَّتْ طفلةُ الأمسِ وأَصغَرْ
تغْزل الرسمَ على وجهي,
وتحكي ما حكته لي مِرَارْ
عن صبيٍّ غصَّ بالدمعَةِ
في مقهى المطَار
"غِبْتَ عنِّي,
والثواني مَرِضَتْ,
ماتَتْ على قلبي,
فما دَارَ النَّهارْ,
... ليلُنَا في الأرْزِ من دهرٍ تُراهُ
أم تُراهُ البارحهْ?
... صدرُكَ الطَّيِّبُ
نفسُ الدفءِ والعُنْفِ,
ونفسُ الرائحَهْ,
وجهك الأسمرُ..."
- أدري أنَّ لي وجهًا طريًّا
أسمرًا لا يعْتريهْ
ما اعترى وجهي
الذي جارَتْ عليهِ(49/180)
دمغَةُ العُمر السفيهْ
وجهيَ المنْسوجَ من شتَّى الوجوهْ
وجهَ مَنْ راح يتيهْ:
**************
( 2 ) سجينٌ في قطارْ
مُرَّةٌ ليلتهُ الأولى
ومُرٌّ يومُهُ الأولُ
في أرضٍ غريبَهْ,
مُرَّةً كانتْ ليَاليهِ الرتيبَهْ,
طالما عضَّ على الجوعِ
على الشهوةِ حرَّى
وانطَوى يعْلِكُ ذكْرَى
يمسحُ الغَبرةَ عن أمتعة ملءَ الحقيبَهْ.
حَجَرٌ تحملُهُ الدوَّامةُ الحرَّى,
سجينٌ في قطَارْ
ما دَرَى ما نكهةُ الشمسِ,
وما طِيبُ الغُبارْ
ورشاشُ الملحِ في ريج البحارْ.
***
مِن أَسابيعَ وفي غرفتِهِ
تلك الكئيبهْ.
تأكلُ الغبرةُ أشيَاءَ الحقيبَهْ
تأكلُ الوجهَ الذي خلَّفَهُ
لمَّا تعرَّى
ومضى وجهًا طريًّا
ما له أَمسٌ وذِكْرى.
**************
( 3 ) مع الغَجَر
مَنْ تُرَى يحْتلُّ ذاكَ الفنْدقَ الريفيَّ,
عُرسُ الجنِّ فيه... مُحْرَقَهْ!
لَهَبُ الرقصِ,
ورقصٌ في اللهَبْ,
والتعَبْ?
مَنْ تُرَى يتعبُ مِنْ
لينِ الزنودِ المحرقَهْ
مَنْ تُرَى يرتاحُ في حُمَّى السريرْ!
صاحَ: "هذا الكأسُ لي
من أَهرقَهْ?"
ضَحِكَتْ:
"ثوبي الدِّمَشْقِي الحرير ْ
لستُ أَدري, لَم أَسَلْ مَنْ مَزَّقَهْ"
***
أَتْقَنَ الدوخةَ من خَصْرٍ لخَصْرٍ,
عادَ من عُرسِ الغَجَرْ
دمغَةٌ في وجههِ,
في دمهِ شلاَّلُ نارٍ
وعلى قُمْصانِهِ ألفُ أثَرْ.
موجةٌ واحدةٌ في دمهِ,
في زوغةِ الشمسِ,
وحمَّى المعْدنِ المصْهورِ,
في البركانِ, في وَهْجِ الثمارْ,
موجةٌ تغزلُ في المرجِ فراشاتٍ,
وتغْفو في خوابي الخمرِ
تغْفو في قوارير البَهارْ,
موجةٌ فوَّرها في دمهِ
عرسُ الغَجَرْ
عاد منْه ما له ذاكرةٌ
تُحصي الصُوَرْ
عمرُهُ ثانيةٌ عَبْرَ الثواني
يتلقَّاها, وينْسى ما عَبَرْ,
عمرهُ عمرُ الغَجَرْ
وله وجهُ الغَجَرْ
وجهُ من تبصُقُهُ الدوامةُ الحرَّى
فيرسو في المواني
ومحطاتِ القطَارْ
لِبَنَاتِ "البارِ" ما في جيْبهِ,
ضحكةٌ
حشرجةٌ خلفَ الستارْ,
وجهُ من يتعَبُ من نارٍ
فيرتاحُ لنارْ.
**************(49/181)
( 4 ) بعْد الحمَّى
وجهُ مَنْ يصْحو من الحمَّى:
فراغٌ, شاشةٌ ترتجُّ
عينٌ مطْفأَه,
وصريرُ المدفأَهْ.
**************
( 5 ) جنَّةُ الضجَر
وجهُ ذاك الطَّالبِ القاسي
على أعصَابِ عينٍ متعَبَهْ
في زوايا متحَفٍ, في مكتَبَهْ
وجهُهُ يعْرقُ مصْلوبًا
على سِفْرٍ عتيقْ
وعلى صمتِ الصُورْ,
ووجوهٍ من حَجَرْ,
ثم يرتاحُ إلى الصَّمتِ العَريقْ
حيث لا عمرٌ
يبوخُ اللونُ فيه والبريقْ,
ضَجَرٌ في دمهِ
في عينهِ الصَّمتُ الذي
حجَّرَهُ طولُ الضجَرْ
وجهُهُ مِن حجَرٍ
بينَ وجوهٍ من حَجَرْ
**************
( 6 ) اَلأَقنعَهْ, اَلقرينهْ, جسْرُ واترلو
لو دعاهُ عابرٌ للبيْتِ,
للدفءِ, لكأسٍ مترعَهْ,
سوفَ يحكي ما حكى المذياعُ,
يحكي: "سرعةُ الصَّاروخِ,
تسعيرُ الريالْ,
جوُّنا المشحونُ بالإِشعاعِ
والموتى بحمَّى الخوفِ,
لا, شؤْمٌ, محالْ,
طَيِّبٌ جوُّ العِيال,
اِبتذالْ".
لو دعاهُ عابِرٌ للبيْتِ
لن يمضى معَهْ,
لو دعتْهُ اِمرأَهْ,
ربَّما طابَتْ لها الخمرُ
وطاب الشعْرُ.. نِعْمَ التوطئهْ..
"ما بِنا لا ما بِنا من حاجةٍ
للضوءِ.. أَو للمدفأَهْ.."
***
ما لها فرَّتْ وغابتْ
حلوةً كانت, وكانت طيِّعَهْ!
***
عَتْمةُ الشارعِ,
والضوءُ الذي يجلو فراغ الأقنعَهْ
وقنَاعٌ مسَّهُ, حدَّقَ فيهِ,
لو دعاهُ? آه لن يمضى معَهْ
"أَنْتَ! هلْ أَنتَ? بَلَى,
لا, لستَ, لا, عفوًا,
ضبابٌ موحل يُعْمي مصَابيحَ الطَّريقْ,
إنَّ في وجهكَ بعْضَ الشبْهِ
من وجه صديقْ".
- فلأَكُنْ ذاكَ الصَّديقْ
كُنْتُ أَمشي معهُ في دربِ "سوهو"
وهو يمشي وحدَهُ في لا مكانْ
وجههُ أَعتقُ من وجهي ولكنْ
ليس فيه أَثرُ الحمَّى
وتحفيرُ الزمانْ,
وجههُ يَحْكي بأَنَّا توءَمانْ.
ولماذا ساقني للجسرِ
حيْثُ الموجُ إِثْرَ الموجِ
يدوي يتدَاعى
مُدْخنَاتُ الفحْمِ تعْوي
من محطَّاتِ القطَارْ
والبخَار ْ
وضبابٌ كالحٌ ينبعُ
من صوب البحارْ,
كلُّها تغزلُ حول الجسرِ
حولي أُفعُوانًا, أُخْطُبوطًا(49/182)
وَسِخَ الأظفارِ, أَشداقًا رهيبَهْ,
"مُتعَبٌ أَنتَ وحضنُ الماءِ
مرجٌ دائمُ الخضرةِ, نيسانٌ,
أَراجيحٌ تغَنِّي, وسريرْ
مخمليُّ اللينِ شفَّافٌ حرير,
وبناتُ الماء ما زِلْنَ
على الدهرِ صبايا
ربَّما كانَ لديهنَّ
قواريرٌ من البلسمِ,
أَعشابٌ, تعَازيمٌ عجيبَهْ
تمسحُ التحفيرَ عن وجهكَ
تسقيهِ غِوَى سُمْرتهِ الأولى المَهيبَهْ
لونَ لبنانٍ وطِيبَهُ".
مُتعَب, دوَّامةٌ عمياءُ,
هذا اللولبُ الملتفُّ حولي,
ذلك التيارُ دوني والدُّوارْ,
متعبٌ.. ماءٌ.. سريرْ..
متعَبٌ.. ماءٌ.. أَراجيحُ الحريرْ..
متعبٌ.. ماءٌ.. دُوَارْ..
وتلمَّستُ حديدَ الجسرِ
كانَ الجسرُ ينحلُّ ويهوي,
صورٌ تهوي, وأَهوي مَعَها,
أَهوي لِقَاعٍ لا قَرَارْ
وتلمَّستُ صديقي, أينَ أنتَ,
كيفَ غابْ?
اَلضبابُ الرطبُ في كفِّي
وفي حَلْقي وأعصابي ضَبابْ
ربَّما عادتْ إلى عنصُرِها الأَشياءُ
وانحلَّتْ ضبابْ.
**************
( 7 ) في عَتمَة الرَّحِم
خفِّفُوا الوطءَ
على أعصَابِنا يا عابرينْ
نحنُ ما مُتْنَا, تعِبنَا
من ضبابٍ وَسِخٍ,
مهتريءِ الوجهِ, مُدَاجي
يتمطَّى أُفْعُوانًا, أُخطُبوطًا,
وَأَحاجي,
رَحِمُ الأرضِ ولا الجوُّ اللعِينْ
خفِّفُوا الوِطءَ
على أعصَابِنَا يا عابرينْ,
نحنُ في عَتْمَةِ قبوٍ مُطْمئنِّ
نمسحُ الحمَّى, ونصْحو, ونغنِّي
نتخفَّى,
ونخفِّي العُمرَ من دربِ السنِينْ
خفِّفُوا الوطءَ
على أعصَابِنا يا عابرينْ.
**************
( 8 ) الوجهانِ
بيْنَمَا أمسحُ عن وجهي
تُرابَ القبوِ, ذكراهُ,
تلفَّتُّ, انحنَيتْ
فوقَ عَينَيْها, رأيتْ
وجهَ طفلٍ
غصَّ بالدمعَةِ في مقهى المطَارْ,
وهي تحكي ما حَكَتْهُ لي مِرارْ,
وكأَنَّ العُمْرَ ما فاتَ على زهوِ
الصَبايا وحكاياتِ الصِغَارْ
**************
( 9 ) الوجه السرمدي
عشتِ في حنوةِ بيتٍ, ما وقاكِ
أَنه بيت على الصَّخْرِ تعَمَّرْ,
إنَّ خلف البابِ,
في صمت الزوايا
يحفرُ الموْجُ, وتدوي الْهمْهَمَهْ
إنَّ في وجهكِ آثارًا(49/183)
من الموجِ, وما محَّى, وحفَّرْ,
وأنا عُدتُ من التيَّارِ وجهًا
ضاعَ في الحمَّى,
وفي الموج تكسَّرْ,
بعْضنا ماتَ, ادفنِيهِ, ولماذا
نعْجِن الوهمَ ونطْلي الجُمْجُمَهْ
***
أسندِي الأَنقاضَ بالأَنقاضِ
شُدِّيها.. على صدري اطمئنِّي,
سوف تخضرُّ,
غدًا تخضرُّ في أعضاء طفلٍ
عمرُهُ منْكِ ومنِّي
دَمُنَا في دمِهِ يسترجعُ
الخصْبَ المغَنِّي,
حُلْمُهُ ذِكرى لنَا,
رجع لِما كنَّا وَكانْ,
ويمر العُمرُ مهزومًا
ويَعْوي عنْد رِجلَيهِ
ورِجْلَيْنا الزمانْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> السندباد في رحلته الثامنة
السندباد في رحلته الثامنة
رقم القصيدة : 6035
-----------------------------------
( 1 )
دَاري التي أَبحرتِ غرَّبتِ معي,
وكنتِ خيرَ دارْ
في دوخةِ البحارْ
وغربةِ الديارْ,
والليلُ في المدينهْ
تمتصُّني صحراؤُه الحزينهْ
وغرفتي ينمو على عَتْبَتِها الغبارْ
فأَبتغي الفرارْ,
أَمضى على ضوءٍ خفيٍّ
لا أَعي يقينَهْ
فتزهر السكينهْ
وأَرتمي والليلَ في القطارْ
***
رِحلاتيَ السبعُ وما كنَّزْتُهُ
مِنْ نعْمةِ الرحمانِ والتجارَهْ
يومَ صرعت الغُولَ والشيطَانَ
يومَ انشقَّتِ الأكفانُ عنْ جسمي
ولاحَ الشقُّ في المغارهْ,
رَوَيْتُ ما يَرْوُونَ عنِّي عادةً
كَتَمْتُ ما تعْيَا لهُ العِبارَهْ
ولم أَزَلْ أَمضى وأَمضى خلْفَهُ
أُحسُّهُ عندي ولا أَعيهِ
وكيفَ أَنساقُ وأَدري أَنني
أَنساقُ خلف العري والخسارَهْ
أودُّ لو أَفرغتُ داري عَلّهُ
إن مرَّ تُغْويه وتدَّعيهِ
أُحسُّه عندي ولا أَعيهِ.
( 2 )
وكان في الدارِ رواقٌ
رَصَّعَتْ جدرانَهُ الرسومْ
موسى يَرى
إزميل نارٍ صاعقَ الشرَرْ
يحفرُ في الصخْرِ
وصايا ربِّهِ العَشَرْ:
اَلزفتُ والكبريتُ والملحُ على سَدُومْ.
هذَا على جدارْ
على جدارٍ آخرٍ إطارْ:
وكاهنٌ في هيكلِ البعْلِ
يُرَبِّي أُفعُوَانًا فاجرًا وَبُومْ
يَفْتَضُّ سرَّ الخصبِ في العَذَارى
يهلِّلُ السكارى
وتُخصبُ الأرحامُ والكرومْ(49/184)
تُفَوِّرُ الخمرةُ في الجِرَارْ.
على جدارٍ آخرٍ إطارْ:
هذا المعَرِّي,
خلف عينَيْهِ
وفي دهليزِهِ السحيقْ
دنياهُ كيدُ امرأَةٍ لم تغْتسِلْ
من دمِها, يشتمُّ ساقَيْها وما يُطِيقْ
شطَّي خليجِ الدنسِ المطليِّ بالرحيقْ
تكويرةُ النهدينِ من رغوتِهِ
وسوسنُ الجباهْ,
اَلمجرمُ العتيقْ
والثمرُ المرُّ الذي اشتهاهْ.
***
من هذه الرسومْ
يرشحُ سيلٌ
مثقلٌ بالغَازِ والسمومْ
تمتصُّهُ الحيَّةُ في الأنثى
وما في دمها من عنصر الغَجَرْ
والنِمرُ الأعمى وحمَّى يدهِ
في غَيرةِ الذكَرْ:
"لوركا" و"عُرسُ الدمِ" في إسبانيا
وسيْفُ ديكِ الجِنِّ يوم ارتدَّ من حماهْ
اَلعُنُقُ العاجِيُّ نهْرٌ أَحْمَرٌ
يا هولَ ما جمَّدَهُ الموتُ على الشفاه.
هذا الدمُ المحتقنُ الملغُومُ في العُروقْ
تعضُّهُ, تكويهِ ألفُ حُرْقَهْ
وفي حنايا دَرَجٍ
في عَتْمَةِ الأَزقَّهْ
حشرجةٌ مخنوقةٌ وشهقَهْ.
***
عاينتُ في مدينةٍ
تحترفُ التمويهَ والطهاره
كيف استحالتْ سمرةُ الشمسِ
وزهوُ العمرِ والنضارهْ
لغصَّةٍ, تشنُّجٍ, وضيقْ
عبرَ وجوهٍ سُلختْ من
سورها العتيقْ,
عاينتُ في الوجوهْ
وجهَ صبيٍّ ناءَ بالعمرِ
الذي أتلفَهُ أبوهْ
وأَطعمَ الجوعَ من الأفيونِ
رؤْيا خلَّفتهُ يعلكُ اللِّجامْ
وبعدَ حينٍ يحمدُ الصيامْ.
مدينةُ التمويهِ والطهارهْ
مدينةُ (...) تستفيقْ
فتبصرُ الأدغالَ تغْزو سورَها العتيقْ
وتبصرُ الحجارَهْ
تفرُّ في الطريقْ
ومن كهوفٍ شبعتْ مرارَهْ
تفورُ قطعانٌ جياعٌ
ليسَ يرويها سوى التدمير والحريقْ
***
هذا الدمُ المحتقنُ الملغومُ في العروقْ
( 3 )
بَلَوتُ ذلك الرِّوَاقْ
طِفلاً جَرَتْ في دمهِ الغازاتُ والسمومْ
وانْطَبَعتْ في صدرِهِ الرسومْ
وكنتُ فيه والصحابَ العتاقْ
نرفِّهُ اللؤْمَ, نحلِّي طعْمَهُ بالنفاقْ
بجُرْعةٍ من "عَسَلِ الخليفَهْ"
"وقهوة البشيرْ"
أُغَلِّفُ الشفاهَ بالحريرْ
بطانةِ الخناجرِ الرهيفَهْ
لحلوتي لحيَّةِ الحريرْ
***
سلَختُ ذاكَ الرِّواقْ(49/185)
خلَّيتْهُ مأْوى عتيقًا للصحابِ العِتاقْ
طهّرْتُ داري من صدى أشباحِهِمْ
في الليل والنهارْ
من إلِّ نفسي, خنجري,
لِيني, ولينِ الحيَّةِ الرشيقَه,
عشتُ على انتظارْ
لعَلّهُ إن مَرَّ أُغويهِ,
فما مرَّ
وما أرسلَ صوبي رعدَهُ, بروقَهْ.
طلبتُ صحوَ الصبح والأمطَارَ, ربِّي,
فلماذا اعتكرتْ داري
لماذا اختنقَتْ بالصمتِ والغُبارْ
صحراءَ كلسٍ مالحٍ بَوَارْ.
وبعدَ طعْمِ الكلسِ والبَوَارْ
اَلعَتْمَةُ العَتْمَةُ فارَتْ مِنْ
دهاليزي, وكانت رَطْبةً
مُنْتِنَةً سخينَهْ
كأَنَّ في داري التقَتْ
وانسكبَت أَقنيةُ الأوساخِ في المدينَهْ,
تَفُورُ في الليلِ وفي النهارْ
يعُود طعْمُ الكلس والبَوَارْ
وذاتَ ليلٍ أرْغَتِ العَتمةُ
واجترَّتْ ضلوعَ السقفِ والجدَارْ,
كيف انطوى السقفُ انطوى الجدارْ
كالخرقةِ المبتلَّةِ العتيقَهْ
وكالشراعِ المرتمي
على بحارِ العَتْمَةِ السحِيقَهْ,
حفُّ الرياحِ السودِ يُحْفيهِ
وموجٌ أَسودٌ يعلِكُهُ,
يرميهِ للرياحْ,
أغلقتِ الغَيْبوبةُ البَيْضاءُ عَيْنَيَّ
تركتُ الجَسدَ المطحونَ
والمعْجونَ بالجراحْ
للموجِ والرياحْ
( 4 )
في شاطىءٍ من جُزُرِ الصَّقيعْ
كنتُ أَرى فيما يَرَى المُبَنَّجُ الصريعْ
صحْراءَ كلْسٍ مالحٍ, بَوارْ,
تمرجُ بالثلجِ وبالزهرِ وبالثِّمارْ
داري التي تحطَّمَتْ
تنهضُ من أَنقاضِها,
تختلِجُ الأخشابُ
تلْتمُّ وتحيا قُبَّةً خضراءَ في الرَّبيعْ
لن أَدَّعي أَنَّ ملاكَ الربِّ
ألقى خمرةً بكرًا وجمرًا أخضرًا
في جسدي المغْلُولِ بالصقيعْ
صفَّى عروقي من دمٍ
محتقنٍ بالغَازِ والسمومْ
عن لوحِ صدري مسحَ
الدمغَاتِ والرسومْ,
صحوٌ عميقٌ موجُهُ أُرجوحةُ النجومْ.
لن أَدَّعي, ولستُ أَدري كيفَ,
لا, لعَلَّها الجراحْ,
لعلَّهُ البحرُ وحفُّ الموجِ والرياحْ
لعلَّها الغَيْبوبةُ البيضاءُ والصقيعْ
شدَّا عروقي لِعُروقِ الأرضِ
كانَ الكفنُ الأبيضُ درعًا
تحتَهُ يختمرُ الربيعْ,
أَعشبَ قلْبي,
نبضَ الزنبقُ فيهِ,(49/186)
والشراعُ الغَضُّ والجناحْ,
طفل يغَنّي في عروقي الجهلُ,
عريانٌ وما يُخلجني الصباحْ,
اَلنبضةُ الأولى,
ورؤْيا ما اهتدت للَّفظِ
غصَّتْ, أَبرقتْ وارتعَشَتْ دموعْ
هلْ دعوةٌ للحُبِّ هذا الصوتُ
والطيفُ الذي يلْمعُ في الشمس
تجسَّدْ واغْترفْ من جَسَدي
خبزًا وملْحًا,
خمرةً ونارْ,
وحدي على انتظارْ
أفرغتُ داري مرة ثانيةً
أَحيا على جمرٍ طريٍّ طَيبٍ وجوعْ
كأَنَّ أَعضائي طيُورٌ
عَبَرَتْ بحارْ
وحدي على انتظَارْ
( 5 )
في ساحة المَدينهْ
كانَتْ خُطَاها
زورقًا يجيءُ بالهزيجْ
من مَرَحِ الأمواجِ في الخلِيجِ
كانَتْ خُطَاها تكسرُ الشمسَ
على البلَّورِ, تسقيهِ الظلالَ
الخضرَ والسكينهْ,
لمْ يَرَها غيري تُرَى
في ساحةِ الْمدينَهْ?
لم تَرَها عينٌ من العُيونْ.
اَلعُمرُ لن يقولْ
يا ليتَ من سنينْ
ملءُ دمي وساعدي
أَطيَبُ ما تزهو به الفصولْ
في الكرم والينْبوعِ والحقولْ,
اَلعُمرُ لن يقولْ
يا ليتَ من سنينْ.
( 6 )
داري تعاني آخرَ انتظارْ
وقعُ الخطى الجَريئهْ
تُفتِّقُ المرجانَ والمرجَ
بأَرض الدارِ والجدارْ,
مرآةَ داري اغتسلي
من همِّكِ المعْقودِ والغُبارْ
واحتفلي بالحلوةِ البريئهْ
كأَنها في الصبحِ
شُقَّتْ من ضلُوعي
نبتتْ من زنبقِ البحارْ
ما عكَّرَ الشَّلالَ في ضحكتها
والخمرَ في حلْمَتِها
رعبٌ من الخطيئهْ
وما دَرَتْ كيْفَ تروغُ الحيَّةُ
الملْساءُ في الأقبيَةِ الوَطيئهْ,
اِحتفلي بالحلوَةِ البريئهْ
بالصحوِ في العيْنَيْنِ,
ما صحوُ الشعاعِ الغَضِّ
عَبْرَ النبعِ والثلوجْ,
بالصدرِ والخصرِ,
ترى ما تربةُ المسكِ
طريًّا دافئًا
ما بيْدرُ الحنطةِ والمروجْ
ما سُمْرةُ الصَّيْفِ على الثمارْ
ما نكهةُ البهارْ
ما كلُّ ما رَوَيْتْ
خلَّيْتُ للغَيرِ كنوزَ الأرضِ
يكفيني شبِعْتُ اليومَ وارتَوَيْتْ,
اَلحلوة البريئهْ
تُعْطي وتدري كلَّما أَعطَتْ
تَفُورُ الخمْرُ في الجِرَارْ
بريئةٌ جريئهْ
جريئةٌ بريئهْ
في شفَتيْها تُزبدُ الخمْرُ(49/187)
وتصفُو الخمرُ في القَرارْ
لن يتخَلَّى الصُّبحُ عنا
آخِرَ النَهارْ.
( 7 )
وليلُ أَمسِ كانَ ليلَ الجنِّ
والزوبعَةِ السوداءِ
في الغَاباتِ والدروبْ
مال إليْنا الزنبقُ العريانُ
أَدفأناهُ باللمسِ وزودْناهُ بالطيُوبْ
أَوَتْ إليْنا الطيرُ
من أعشاشِها المخرَّبَهْ
رُحْنا مع القافلَةِ المغَرِّبَهْ
في أرخبيلِ "الجُزُرِ الحِيتانِ"
حوَّلْنا استرحنَا والتحَفْنَا الليْلَ والغُيُوبْ,
غريبةٌ ومثلُها غريبْ
حيْثُ نَزلْنا ارتفعَتْ
دارٌ لنا ودَارْ
خَفَّ إليْنا ألفُ جارٍ مُتعَبٍ وجارْ
في دَوْخةِ البحارْ
وغُرْبةِ الديَارْ
( 8 )
ولم أزَلْ أَمضى وأَمضى خلْفَهُ
أُحسُّهُ عنْدي ولا أَعيهِ
أَودُّ لو أفرغتُ داري علَّهُ
إنْ مرَّ تُغْويهِ وتدَّعيهِ
أُحسُّهُ عنْدي ولا أَعيهِ.
***
تمضي إلى غُرفتها
تعْثرُ في وَحْشتي,
وحدي,
مَدى عَتْمَتي
مَدى ليالى السهَادْ
دقَّاتُ قلْبي مثلُ دَلْفٍ أَسودٍ
تحفِّرُ الصمتَ
تزيدُ السوادْ,
وكانَ ما عاينتُ ممَّا ليْسَ
يُروى عادةً أَو يُعَادْ:
بئرٌ جفافٌ فوَّرَتْ,
وفورَتْ من عَتْمتى منارَهْ
أُعاينُ الرؤيا التي تصرعني حينًا,
فأَبكي,
كيْفَ لا أَقوي على البشارَهْ?
شهرانِ, طالَ الصمتُ,
جفَّتْ شَفَتي,
مَتَى مَتَى تُسعِفُني العبارَهْ?
وطالما ثُرْتُ, جلدتُ الغُولَ
والأَذنابَ في أَرضي
بصقتُ السم والسبابْ,
فكانتِ الأَلفاظُ تجري من فمي
شلاَّلَ قطْعَانٍ مِن الذئابْ,
واليَومَ, والرؤيا تغَنِّي في دمي
برعشَةِ البرق وصحو الصباحْ
وفطرةِ الطيرِ التي تَشْتَمُّ
ما في نيَّةِ الغاباتِ والرياحْ
تُحِسُّ ما في رَحِمِ الفَصْلِ
تَرَاهُ قبلَ أن يولدَ في الفُصُولْ,
تُفَوِّرُ الرؤْيا, وماذَا,
سوف تأتي ساعةٌ,
أَقول ما أَقولْ:
( 9 )
تحتلُّ عَيْنيَّ مروجٌ, مُدْخَناتٌ
وإلَهٌ بَعْضُهُ بَعْلٌ خصِيبٌ
بعْضُهُ جبَّارُ فحْمٍ ونارْ,
ملْيُونُ دارٍ مثلُ داري ودارْ,
تزهو بأَطفالٍ غصُونِ الكرمِ
والزيتونِ, جمرِ الربيعْ(49/188)
غبَّ ليَالى الصَّقيعْ
يحتلُّ عيْنيّ رِواقٌ شمختْ
أَضلاعُهُ وانعَقَدَتْ عَقْدَ
زنودٍ تبتنيهِ, تبتني المَلْحَمَهْ
ومن غِنى تربتنا تستنبتُ
البلَّورَ والرخامْ
تكدَّسَ البلَّورُ من رؤيا عيُونٍ
ضوَّأَتْ واحترقتْ في حلَكِ الظَلامْ
وفرَّخَتْ أَعمدةُ الرخامْ
من طينَةِ الأَقبيَة المعْتِمَهْ
تلْك التي مصَّتْ سيُولَ الدمعِ,
مصَّتْ رَبَواتٍ
من طحينِ اللحْمِ والعِظَامْ
واختمرتْ لألفِ عامٍ أَسودٍ وعامْ
فكيْفَ لا يفرخُ منْها ناصعُ الرخامْ
أَعمدةً تنمو ويعْلوها رِواقٌ أَخضَرٌ
صَلْبٌ بوجهِ الريحِ والثلوجْ
اَلمِحورُ الهادىءُ والبرجُ الذي
يصْمدُ في دوَّامَةٍ تبتلِعُ البروجْ
***
رؤيا يقين العَينِ واللمسِ
وليْست خَبَرًا يحدو به الرواةْ
***
ما كانَ لي أن أحتفي
بالشمْسِ لو لم أرَكُمْ تغْتَسِلُونَ
الصُّبحَ في النِّيلِ وفي الأردنِّ والفُراتْ
من دمغَة الخطيئهْ
وكلُّ جسمٍ ربوةٌ تجوهرتْ في الشمْسِ,
ظلٌّ طيِّبٌ, بحيرةٌ بريئهْ.
أَمَّا التماسيحُ مَضَوا عن أرضِنَا
وفارَ فيهم بحرُنا وغَارْ
وخلَّفُوا بعْضَ بقايا
سُلِخَتْ جلُودُهُمْ,
ما نبتَتْ مطرحَها جلُودْ,
حاضرُهُم في عَفَنِ الأمس الذي
ولَّى ولنْ يَعُودْ
أَسماؤهمْ تحرقُها الرؤيا بعَينيَّ
دخانًا ما لها وجودْ.
***
ربِّي, لماذَا شاع في الرؤيا
دخانٌ أحمرٌ ونارْ?
أَحببتُ لو كانت يدي سيْلاً,
ثلُوجًا تمسحُ الذنوب
من عَفَنِ الأمس تنمِّي الكرْمَ والطيُوبْ,
تضيعُ في بحري التماسيحُ
وحقدُ الأنهرِ الموحلَهْ
وينبعُ البَلْسَمُ من جرحٍ
على الجُلْجُلَهْ.
أَحببتُ, لا, ما زالَ حبّي مطرًا
يسخُو على الأخضَرِ في أرضي,
عداهُ حطَبٌ وَقودْ
تحرقها الرؤيا بعَينيَّ دخانًا
ما لها وجودْ,
وسوف يأْتي زمنٌ أَحتضنُ
الأرضَ وأَجلو صدرَها
وأَمسَحُ الحدودْ
( 10 )
رِحلاتيَ السبْعُ رواياتٌ عن
الغُولِ, عن الشيطَانِ والْمَغارَهْ
عن حِيَلٍ تعْيا لها المَهارَهْ,
أُعيدُ ما تحكي وماذَا, عَبَثًا,(49/189)
هيهاتِ أَستعِيدْ,
ضيَّعتُ رأس المالِ والتجَارَهْ,
ماذا حكى الشلاَّلُ
للبِئرِ وللسدودْ
لريشةٍ تجوِّدُ التمويه تُخفِي
الشحَّ في أقنِية العِبَارَهْ
ضيَّعْتُ رأس المالِ والتجارَه,
عدتُ إليكم شاعرًا في فمه بشارَه
يقولُ ما يقولْ
بِفِطرةٍ تحسُّ ما في رَحِمِ الفَصْلِ
تراهُ قَبْلَ أن يولدَ في الفُصُولْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> الكهف
الكهف
رقم القصيدة : 6036
-----------------------------------
وعرفتُ كيف تمطُّ أَرجلها الدقائقُ
كيف تجمد, تستحيل إلى عصورْ
وغدوتُ كهفًا في كهوف الشطِّ
يدمغ جبهتي
ليلٌ تحجَّر في الصخورْ
وتركتُ خيل البحر تعلكُ
لحم أحشائي
تغيِّبه بصحراءِ المدى
عاينتُ رعب زوارقٍ
تهوي مكسَّرة الصدى,
عبثًا يدوِّي عبر أقبيتي الصدى
يلقي على عينيَّ ليل جدائلٍ
في الريح تُعولُ, تستغيثُ, وترتمي
غبَّ انسحاب البحرِ
يرسب في دمي
سمك مواتٌ,
بعض أثمار معفنة, قشورْ
ويدي تميع وتنطوي في الرملِ
ريحُ الرمل تنخرها,
وتصفر في العروقْ
ويحزُّ في جسدي وما يدميهِ
سكِّين عتيقْ,
لو كان لي عصبٌ يثورْ
ربَّاهُ كيف تمطُّ أَرجلَها الدقائقُ
كيف تجمدُ, تستحيلُ إلى عصور
***
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> حفرة بلا قاع
حفرة بلا قاع
رقم القصيدة : 6037
-----------------------------------
عمّقِ الحفرة يا حفَّارُ,
عمِّقها لِقاع لا قرارْ
يرتمي خلف مدار الشمسِ
ليلاً من رمادٍ
وبقايا نجمة مدفونة خلف المدارْ
لا صدى يرشح من دوَّامة الحمّى
ومن دولاب نارْ
آهِ لا تلقِ على جسمي
ترابًا أحمرًا حيًّا طري
رَحِمًا يمخره الشرش ويلتفُّ
على المَيْت بعنف بربري
ما ترى لو مدَّ صوبي
رأسه المحمومَ
لو غرَّق في لحمي نيوبهْ
من وريدي راح يمتصُّ حليبَهْ
لُفَّ جسمي, لُفَّه, حنِّطْه, واطمرْهُ
بكلس مالح, صخرٍ من الكبريتِ,
فحمٍ حجري
***
كيف يُحييني ليجلو
عتْمةً غصَّت بها أُختي الحزينَهْ
دون أن يمسح عن جفنيَّ(49/190)
حمّى الرعب والرؤيا اللعينَهْ:
لم يزلْ ما كان من قبلُ وكانْ
لم يزل ما كانَ:
برقٌ فوق رأسي يتلوَّى أُفعوانْ
شارع تعبره الغولُ
وقطعان الكهوف المعتمَهْ
مارد هشَّم وجه الشمسِ
عرَّى زهوها عن جمجمَهْ
عَتْمة تنزف من وهج الثمارْ,
اَلجماهير التي يعلكها دولابُ نارْ,
وتموت النار في العتْمةِ,
والعتْمة تنحلُّ لِنارْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> ضباب وبروق
ضباب وبروق
رقم القصيدة : 6038
-----------------------------------
طَالَمَا أَوْغَلْتُ في بَحْرٍ خَفيٍّ
لا يُداني
شَطَّهُ المَرْصودَ إيقاعُ الثّواني,
حيْثُ لا يَشْتدّ هَوْلُ المَوْجِ
حتّى يمّحي نَجْمٌ وصُبْحٌ ومواني
حيْثُ لا يَنْشَقُّ مَرْعى الغَيْمِ
عَنْ وَهْجِ البُروقْ
غَابةً سَوْدَا وأَدْغالاً
يُدَمّيها الحَريقْ
شَبَحٌ يُبحِرُ في البُحْرَانِ
يُغويه السَرابْ
تَلْتقيهِ في ضَبابِ التَّبْغِ
أَشْباحٌ يُغَشّيها الضَبابْ,
وسَوَادٌ صامِتٌ
يَهْبطُ في المَقْهى
على وَهْجِ الشّرَابْ
***
طالَمَا عايَنْتُ رَسْمًا
في ضَبابِ التَّبْغِ يَنْمو بَيْنَ
عَيْنيَّ ويَنمو في وُجُومْ
يَتَخَطَّى فُسْحَةَ المَقْهى
ويُخْفي ظلُّه سَيْلَ الرُّسومْ,
كَيْفَ كانَتْ تَلْتَوي الشَّهْوَةُ
في وَجْهِ خَصِيٍّ
سَخِرَتْ مِنْه الجَواري
يَمْتطي الفُرْسانَ
مَرْهوبًا, وليًّا, لا يُدَاري
كَيْفَ ساقَتْني إلى غَيْب الصّحَارِي
لَعْنةُ العارِ القَديمْ,
(...)
فتَجَلَّتْ فيه نارٌ صَلْبةٌ
تَعْصى عَلى نارِ الجَحيمْ
تَتَعالى شُهُبًا
من رَحِمِ الأَرضِ لأبْراجِ النُّجُومْ
***
طالما أَغْمَضْتُ دون البَرْقِ
عَيْنيّ, وأَرْخَيْتُ الستائرْ
وتَرَكْتُ اللّيْلَ
يَنهَالُ على أَشْلاَءِ مِصْباحٍ يَموتْ
وتَلَحَّفْتُ السّكُوتْ
فَتَلَوْتُ خَلْفَ جَفْنَيّ
مِنَ البَرْقِ التِماعاتُ الخَنَاجرْ:
أنْتَ يا مَنْ غوَّرَتْ
في جَوْفه الرّؤْيَا وغَصّتْ
فاسْتحالتْ جَمْرةً مُلْتهمَهْ
تلْكَ رؤْيا اخْتَنَقَتْ(49/191)
في الكَلِمَهْ
حين ثَارَتْ, وتَحَدَّتْ
لعنةً ما بَرِحَت تَشْتدُّ
من جيلٍ لجيلْ,
لعنةَ الأرْضِ البغيِّ الهَرمَهْ
يَوْمَ كانَ الصّبْحُ يَنْهلُّ على
أَرْضٍ بَتُولْ
فَجّرَتْ فيها سُيولاً وَسُيولْ
مِنْ خُيولِ الفَتْحِ
رؤْيا التَمَعَتْ في كَلِمَهْ
***
أَتُرَى هَلْ كَان ما عَايَنْتَهُ يَوْمًا
سِوى صُبْحٍ غَريبْ
شَمْسُهُ تَطْلعُ مِنْ صَوْبِ المَغيبْ
وَسِوى نَهْرٍ عَجِيبْ
تمَّحي اللّعنةُ فيه,
والتّجاعيدُ, وَيَنْحَلُّ المَشيبْ?
***
كان أَجْدَى
لَوْ بَنَتْ كفَّاكَ بُرْجًا مُتَعالي
في حنايا صَمْتِهِ
يَرْفلُ وَهْجُ الطّيبِ
في وَهْج اللآلي
وَغُلالاتٍ مِنَ الوَهْمِ المُغَالي
وشَّحَتْهَا حَنْوةُ اللّيْلِ الطّري
وصفاءٌ مُخْمَليٌّ قَمَرِي
يَلْتوي عَنْها جُنُونُ الشَّمْسِ
تَرتدُّ ظُنونُ الأَعْيُنِ المُتَّهمَهْ
كان أَجدَى
لو تَبَرَّجْتَ
وبَرَّجْتَ البَغِيَّ الهِرمَهْ
***
طَالمَا غَرَّبْتُ في الخَمرةِ
عَنْ طَبْعي وحالي
غِبْتُ في طَبْعِ صَبيٍّ لا يبالي
غِبْتُ في طَبْعِ الدّوالي
أَرتوي من مَرَحِ الشّمْسِ
وما يَنْهَلُّ مِنْ صَحْوِ السّحَابْ.
ضَجَّةُ المَقْهَى,
ضَبابُ التَّبْغِ
مِصْباحٌ وأشْباحٌ يُغَشّيهَا الضَّبابْ
لا أُبالي
إِنّ لي طَبْعَ الدّوالي
وَطِباعًا وطباعًا وطِباعْ:
شررًا, مَوْجًا, غُيومْ,
بَعْضُهَا يَنْحَلُّ في بَعْضٍ
ولا يُبقي
سِوى طَعْمِ الصّراعْ
وسوى طَعْمِ الضّياعْ.
إِن يَكُنْ يَطْمَعُ بالغُفْرَانِ
مَنْ يَبْكي, يُصَلّي, وَيَصومْ
فأَنا طَبْعٌ غَريبٌ لا يَدومْ
يكتوي بالرّعبِ مِنْ طَبْعٍ
غريبٍ لا يَدومْ
***
في جبالٍ مِنْ كوابيسِ التّخلّي والسّهَادْ
حَيْثُ حَطَّت بومةٌ خَرْسَاءُ
تَجْترُّ السّوادْ
اَلصّدى, وَالظِّلُّ, والدّمعُ جمادْ,
يَتَجلّى فارسٌ غَضٌّ مَنيعْ
فارسٌ يَمْسَحُ غَصّاتِ الحزانى والجِياعْ
ويُعَرّي الفِعْلَ
من اِسْمٍ وظَرْفٍ وقِناعْ,
وتَودُّ البومةُ الخَرْسَاءُ(49/192)
لَوْ ماتَ الجَميعْ
لو تَوارَى الفارِسُ الغَضُّ المَنيعْ
مَوْجَةً يلهو بها, يَهْدمُهَا
مَوْجُ الطّباعْ
وَأَرى الفارِسَ يَهوي وَيغيبْ
وأَرى البُومَةَ تَهْوي وتَغيبْ
بَيْنَ شطَّيْنِ مِنَ المَوْجِ العُبابْ
وَأَرى عبْرَ الغيابْ
شَبَحًا يُبحرُ في البُحْرَانِ
يُغويهِ السّرَابْ
تَلتقيهِ في ضَبابِ التّبْغِ
أَشْباحٌ يُغَشِّيهَا الضَّبابْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> قطار المحطّة
قطار المحطّة
رقم القصيدة : 6039
-----------------------------------
ما زالَ من عامٍ
يُرَاوحُ في محطّتِهِ قطارْ
يَفْري على الخطَّينِ
أَشلاءَ الصغارِ مع الكبارْ
***
في زَحمة القتلَى
على كفنٍ وتابوتٍ وبئرٍ ضَيِّقَهْ
عايَنْتُ خطًّا يَمَّحي
بَينَ الزمانِ ولا زَمانْ
عايَنْتُ خطًّا يمَّحي
بينَ التوهُّمِ والعيانْ
أَعددتُ للأعمارِ في الدنيا
جنائزَ مطلقَهْ
***
أوغَلْتُ في نَفَقٍ
من الهولِ الثقيلِ إلى المبيتْ
صوتٌ جريحٌ يستجيرُ ولا يُجارْ
تَتَفتقُ الأَصْدَاءُ
عن شررٍ يشيعُ مدى السكوتْ
أُمِّي العجوزُ
يَعَضُّهَا ظنٌّ, يرسِّخُهُ انتظارْ
وتكادُ من جَزَعٍ تموتْ.
***
رَاوَغْتُ طولَ الليلِ,
غولَ مؤَامراتٍ واغتِيالْ
يَشْتَفُّ طَعْمَ غرائبِ التعذيبِ
ممتعةً, حلالْ,
وحمدتُ ذئبًا يشتهي
لحمَ الفريسةِ
غصَّةَ الأَعضاءِ غيرَ مشوَّهَهْ,
وبَلوتُ لسعَ السوطِ
في جسد البريءِ
وعشتُ في أعضائِهِ المتأوّهَهْ
***
لو كان يعصم عفَّةَ الأُنثى امتناعْ
ما غَوّرَتْ دربٌ, مدى الساقينِ,
واسعةً مُشَاعْ
تجتاحُهَا حمَّى الحماةِ بلا انقطاعْ
***
بشرٌ يمدُّ لسانَهُ فأْرًا
ويمخر مُزْبِلَهْ
اَلعارُ أَصلُ طباعِهِ
لن يُخجلَهْ
***
اَلسيِّدُ المختارُ
يُتقنُ من صراعِ الفكرِ
حالاتِ التشنُّجِ في الصريعْ
يُرْغِي بحبِّ اللهِ والإنسانِ
والقيمِ التي تَلِدُ الحضارَهْ
وأَرَى فروخَ البومِ
تنبتُ في ضميرٍ بَاعَ نارَهْ
ومضى يَبيعْ
لحمًا تبعثَر في الشوارعِ(49/193)
لحمَ لبنانَ "المخلَّعِ" و"المنيعْ".
***
أُمِّي تخافُ النَّوْمَ يَفْتَحُ
ثقلَ جفنَيْهَا على غَضَبِ السماءِ,
بلى, بلى... غضَبٌ.. مُحَالْ,
يا مَنْ تعوَّدَ أَن يُريحَ المتعبينَ,
بلا سؤَالْ
***
ما همَّ لو بَكَتِ العجوزُ
ذبيحةً بين الذبائحِ
تفتَدِي جبلَ الطيوبْ,
تَجلُوهُ من كيدٍ
تَصلَّبَ في القلوبْ
في البدءِ لم يفتِكْ أَخٌ بأخيهِ
لم يهربْ من العينِ الخفيةِ والعليمهْ
في البدءِ لم تكن الجريمهْ!!
لبنانُ سوف يشدُّ يمناهُ على اليُسْرَى,
يعودُ, تضمُّهُ الأُم الكريمَهْ
***
لِمَ لا أَقولْ:
خوفٌ خفيٌّ يَنْطوِي, ينسَلُّ
في صُلْبِ الفوارسِ والوُعُولْ
يدوي فيَرْتَجِفُ الحجَرْ,
يمضى فيبتسم الضَّجرْ,
حرفُ الرغيفِ
يشدُّ أَفواهًا تئنُّ, تئنُّ
تلهثُ في مَدَارْ
أَلقى صحابي في المدارِ على احتقارْ
يرتدُّ خَنْجَرُهُ إلى صَمْتي
ويبتلعُ الوحولْ
قلبٌ يهمُّ ولا يقولْ,
لِمَ لا أَقولْ:
تَتَحَجَّرُ العينانِ
في صمتٍ يحجِّرهُ الذهولْ:
إِنَّ الفجائعَ مُزْمنَهْ
إِنَّ الغمائمَ مزمنَهْ
لونَ ياقوت, جمان, أُرْجُوَانْ,
وبياضَ حلمِ الطفلِ
يهجعُ وهو يرضعُ في أَمانْ,
حُلْمٌ
يولِّدُهُ سوادُ القلبِ
يُزْهرُ في عروق موهنَهْ
إنّ الفجائعَ مزمنَهْ
إن الغمائمَ مزمنَهْ
أَدركتُ سرَّكَ
يا أبا الهولِ الذي لا يلتقي
عبرَ الزمانْ
سرًّا أصيلاً يستجدُّ فيعلنَهْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> في سدوم للمرّة الثالثة
في سدوم للمرّة الثالثة
رقم القصيدة : 6040
-----------------------------------
أَمسي احتراقٌ
واحتراقٌ غدي
وخطوةٌ مرهقةٌ مرهقَهْ
تَهمُّ في الظنِّ ولا تَبتدي
في سَبْخةٍ محروقةٍ محرقَهْ
***
يَحْتَرقُ التُّرَابْ!
يَحْتَرِقُ الحَجَرْ!
يَحْتَرِقُ السَّحَابْ!
***
لا يَلْتَقي ظلٌّ على أَرضِهَا
مِنْ غَيمةٍ أَو نَبْتةٍ مُورِقَهْ.
***
حوافرُ الدوابْ
تُرصِّعُ الأَوحالَ بالحُفَرْ.
***
بعضُ البياضِ الشاهقِ البعيدْ(49/194)
ينحلُّ فيهَا, يمَّحي فِي رَغْوةِ الصديدْ
***
وشهوةُ البشَرْ
تشتفُّ ما لا تشتهي
وغيرَ ما تريدْ
مَا يَلْتوي عَنْهُ دويُّ اللهَبِ
المسعورِ في الكِلاَبْ
وتَلْتَوي قَنَاطِرُ الذُبَابْ
مسعورةً, تشفُّ عَنْ شَرَرْ
***
يَحْتَرقُ التُّرَابْ!
يَحْترِقُ الحَجرْ!
لست أدري
لستُ أدري
كيف تصفو أسطري
صفوة الوهجِ الطري
أتراها انسكبت
من دفقة الينبوع
لفظًا ومعاني?
أم ترى صفّيت
لفظًا ومعاني
عبر عصرٍ يتمطى ويعاني
ما يعانيه اجترارا
في اجترارِ
دون طعمِ الملح
أو طعمِ البهارِ??
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> في الجنوب
في الجنوب
رقم القصيدة : 6041
-----------------------------------
جُولي سَبَايا الأَرضِ
فِي أَرْضِي
وَصُولي واطْحَنِي شَعْبِي
جُولي وَصُولي
واطحنِي صُلبي
لَنْ يَكْتَوي قَلْبي
لنْ يكتوي قلبي ولَنْ يَدْمَى
تنحلُّ حمَّى العَارِ
فِي غيبوبةِ الحُمّى
لن يَكْتَوي قَلْبي ولَنْ يَدْمَى
قَلْبي الأَصمُّ الأَبْكَمُ الأَعمَى
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> أرض الوطن
أرض الوطن
رقم القصيدة : 6042
-----------------------------------
أَغمضتَ عينيكَ عَلى رَمَادْ
أَغمضتَ عينيكَ عَلى سَوَادْ
***
تغُورُ في أَرضٍ بِلا سريرهْ
غُصَّاتُكَ المريرهْ
***
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> قطع اللّسان
قطع اللّسان
رقم القصيدة : 6043
-----------------------------------
خَلَعَ الرمحُ سِنانَهْ
بين كفَّيْ خارجيٍّ
قطع الفلسُ لسانَهْ
وتجلَّى في ضميرِهْ
ومصيرِهْ
بارقٌ ينهلُّ
من ختم أَميرِهْ
***
كانَ يمشي مرِحًا,
يَزْهُو ويلهو ويَنامْ
نومَ طفلٍ
يَجتني من جنَّةٍ ما يشتهيهْ
حيثُ لا تُفزعُهُ
أظفارُ جنيٍّ كريهْ
حيثُ لا تصرخُ في عينيهِ
غصَّاتُ الفطامْ
كانَ يَلقى وجهَهُ الريّانَ
يلقى ما تعوَّدْ
وامّحى ما كان وَعْرًا شاهقًا
في صمتِ صخرٍ يتمرّدْ
لا يلبّي غيرَ جبَّارٍ
خفيٍّ يتوعّدْ
***
كانَ قبل اليومِ(49/195)
غِرًّا يتَّقي طعمَ الحرامْ
يتَّقي منقارَ نسرٍ
ينهشُ الأكبادَ في طبعِ اللئَامْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> أنتِ ..
أنتِ ..
رقم القصيدة : 6044
-----------------------------------
أَنتِ يا فرخَ الحَمامْ
أَنتِ يا زهرَ الغَمامْ
وغَمامَ الزهرِ في
ضَوءِ القمرْ
حِينَ ينهلُّ
عَلَى صحوِ السَّحَرْ
***
أَنتِ يا مَنْ تَغْسلُ الدُّنْيا
رُؤَاهَا
وكَفَاهَا
ظِلُّهَا الرَّيّانُ
عَنْ وَهْجِ الدَّرَارِي
أَنتِ يا مَنْ لا تُدَارِي
لا تُضَامْ
لا تُدَانيهَا
كوابيسُ الظَّلاَمْ
والضَّوَارِي
تَرتَوي في ظلِّهَا الريَّانِ
مِنْ طِيبِ الصِّيَامْ
شعراء العراق والشام >> خليل حاوي >> زحفت يداك
زحفت يداك
رقم القصيدة : 6045
-----------------------------------
زحفت يداك
من السفوحِ إلى الأعالي
وعرفت
ما طعمُ الصواعق في جبالي
وعرفت
جفوة مطرح يعلو المطارح
عزم الضواري يلتوي
عن حدّه الأدنى
وأجنحة الجوارح
وعرفت
ما صحو يرصِّعه الندى
صحو يهلّ ولا يبالي
وسمعت
صمت الصحو
بلّورًا يفسّخه الصدى
ويشف
عن طعم الصواعق في جبالى
**********
( لبنان)
كنا جدارًا يلتقي جدار
ما أوجع الحوار
ما أوجع القطيعه
تغصُّ بالفجيعه
ما أوجع الجوار
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> رذاذ
رذاذ
رقم القصيدة : 6046
-----------------------------------
أتأرجف على طرف اللغة
أحتمي أتحصن بما لا يكفي
بقطرة الكلمة وأقل من الحرف
أقول لمنثوراتي لمي وتجمعي واحتدمي
وأمسك الكلام الذي يتهاطل
تنكسر الرماح والسيوف
والحصن لا يتعلم
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> إستنطاق
إستنطاق
رقم القصيدة : 6047
-----------------------------------
هذا الرعب المهيمن على روحي
ورثته من طرقة الباب في الليل
الطرقة التي لا موعد لها
ولها كل المواعيد
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> صلاة ليست له
صلاة ليست له
رقم القصيدة : 6048
-----------------------------------
إلهي(49/196)
إلمسْ هذا القلب بقلبك
هل تعرفه إنه لك
مولع بك ومأخوذ
لكنهم سدوا كل الطرق التي إليك
كل فريقٍ يستحوذ طريقا ويصنع له بابا
ويقول : ( بابي هي الطريق )
إلهي ، دلني على طريق
لا مملوكة ولا محكومة
ولا باب لها ولا جند
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> زيون
زيون
رقم القصيدة : 6049
-----------------------------------
النوم
في النوم
تبكي في النوم
الطفلة تبكي في النوم
تبكي
ما الذي جعل الطفلة تبكي في النوم
ولا تحلم ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> حصون
حصون
رقم القصيدة : 6050
-----------------------------------
أجلس في لغة الماء
وأستصرخ من يحاور ؟
هذه المدينة ذات الآبار المسمومة
مسنونة الأسنان تفتح الأحضان
تعال
وأنا / لا
من يحاور ؟
لغة الماء في وحشة المدينة
من يحاور ؟
لا أعرف الحروب
أعرف حروف الحنين كلها
ولا أحد يصغي
جيش الأطفال وهمس القواقع والقبرات
أسأل / يسأل الماء/ يصرخ
آه من العطش
اللغة
الطريق الوحيدة لكي يكون الشاعر هنا
وتأخذ إلى القتل هذه الطريق
وحين يصطفق قلب الشاعر باللغة
لا يصدق أن الكلمات له
والوسادة له
والأسماك الملونة له
لا يصدق أنه / له
الشاعر لا يصدق
وحدها اللغة تدفعه إلى الثقة و الوحشة
يلبس الماء
يجلس في لغة الماء
قميص يشف عن الإهاب الذي بقى
في المدينة ذات القلعة والقنديل الشرس
لا أحد يحاور
أجلس / ليس لي وهج المقصلة
والوقت لا يسع
وتضيق بي اللغات
المدينة قبر أو نعش يأخذ إلى القبر
يصرخ بي الشاعر الذي تحت الدم /
من يحاور ؟
فأكتشف الصمت
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الدخول الملكي
الدخول الملكي
رقم القصيدة : 6051
-----------------------------------
دخل الملوك
القرية قانعة بحصيرتها الوحيدة
تجلس وتسرح أحلام أطفالها
طويلة طويلة
مثل طريق الحرية
لم تكن تشبع
لكنها ليست للموت
تمر عليها العربات
تنقل المناديل الكثيرة
التي يتزوج فيها الزيت والزنازن(49/197)
والأساطير تتدافع بلا موانئ
تحرس القرية لئلا تحمي نفسها
ودخل الملوك
فصارت القرية صافناتٍ عوجتها الحظائر
فقدت حصيرتها الوحيدة
تكسر المشط الخشبي
تنقلت المناديل بين الدم والدموع
والقصر يلوح بحرية الموت
في أقاليم النخل
صار الملوك في قريةٍ كانت
وللملوك سطوة على الطقس
حتى فسد الهواء
دخل الملوك دخلوا دخلوا دخلوا
ولم تعد النملة تتنازل عن ثقبها لأحد
فالقرية لا تتسع لغير الملوك والخراب
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> إغواء
إغواء
رقم القصيدة : 6052
-----------------------------------
رأيت الأخضر يغلب الجبل
ويغويه
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المحارب
المحارب
رقم القصيدة : 6053
-----------------------------------
محاصر بالرمح ..
والرمية o
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الفرح الأول
الفرح الأول
رقم القصيدة : 6054
-----------------------------------
ضحك
لأنه مات.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ولوج / محاولة رابعة
ولوج / محاولة رابعة
رقم القصيدة : 6055
-----------------------------------
أملك الآن أن أحتفي بالكتابة
أملك الآن أن أحتفي
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> نجمة الدم
نجمة الدم
رقم القصيدة : 6056
-----------------------------------
شاهقٌ مثل دمٍ يسير في الطرقات
له أقدام الأجراس وعنق الطريدة
لرأسه غيم ويطرق الباب
لا أحد سواه
دم وحيد في طرقٍ تغص بالفراغ
تطاله السماء
شاهقاً لاهجاً بالفرح الكوني
كان على المنحنى
يبحث عن مقاتلٍ وعدت به الأيام
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> فصل الحلم
فصل الحلم
رقم القصيدة : 6057
-----------------------------------
أيها المستحيل الرابع
إرفق بي
وتحقق
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الأصدقاء يذرعون الممشى
الأصدقاء يذرعون الممشى
رقم القصيدة : 6058
-----------------------------------
أيها الرفاق الذين ماتوا سريعا(49/198)
ما هذه الخديعة
ماذا فعلتم بي
ذهبتم
فضاقت بي النهارات
الليل لا يسع
وسدنة العقم يخلعون
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> محاولة خامسة / النص
محاولة خامسة / النص
رقم القصيدة : 6059
-----------------------------------
الورقة البيضاء
سيدة الكلام
وعبدة القراءة
بيضاء بعد الكتابة
وتظل بيضاء
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحكاية
الحكاية
رقم القصيدة : 6060
-----------------------------------
العصفور يبني أراجيحه
صغاره للريح
والأفخاخ منصوبة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أبانا الذي ..
أبانا الذي ..
رقم القصيدة : 6061
-----------------------------------
موجة تنتفض خائفة
من الموجة التي تركض بعدها
والبحر المتعاظم الجبار
غامر في الأفق والبؤبؤ
أصرخ به
أيها البحر الأب الذي لا يهتم بنسله
إرأف بها
إنها مشمولة بخوفٍ عظيم وتبكي
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الذبائح
الذبائح
رقم القصيدة : 6062
-----------------------------------
أيها الأصدقاء الذين بعدي
لا تشربوا من ذات الكأس
ذات الخمرة
كانت خمرة فاخرة
سكرت بها سكرت
سكرت وتعتعت
وتعلمت أيضا
تعلمت أنها كادت
وأوشكت أن تفتك بي
فقد شربت من الكرم التي
لم أزرعها ولم أحرسها
ولا أعصرها بصبري
لا تشربوا ذات الكأس
ذات الخمرة
ازرعوا كرمة جديدة
واعصروها بأيديكم
وعبئوا قنانيها ورصوها
وعتقوها طويلا
واصبروا عليها اصبروا
فالحفل لا يأتي على عجلٍ
والوقت يأتي في وقته
أيها الأصدقاء
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سلالة
سلالة
رقم القصيدة : 6063
-----------------------------------
قالت أمه
جئت من رجلٍ مزج البحر بالحديد
حمل ألعابك من القواقع
حيث نجمة البحر تصير فرسا
ومن الدم يخرج الحبر و الكتابة
يطرق طويلا على الرمل
متأملا مأخوذا
ويهديك خواتم وأختاما وخوذا
لم يتعب
تعب الحديد منه وتعبت الموج و العناصر
جئت من كل ذلك فأين ذاهب الآن ؟(49/199)
أهيم يا أمي
أحلم أن أكون شاعرا
أمزج العناصر و أزهزه لها
أناقضها أ آلفها
وأبني جسورا مكتظة
لا لأحدٍ فسحة عليها
يا أمي
متى أصير شاعرا متى
ولي أطفال و زوجة تقول :
جئتم من رجلٍ مزج الحلمة
بالحلم
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الخلق
الخلق
رقم القصيدة : 6064
-----------------------------------
هذا السرير الشاسع
يجعلني أتعب كثيرا
قبل النوم وبعده
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> للبحر تحولاته .. أفسحوا
للبحر تحولاته .. أفسحوا
رقم القصيدة : 6065
-----------------------------------
ضيق ضيق
مثل بؤبؤ العين
أعني من يرى o
رأيت
ويضيق / أصغر بحر رأيت
لا يكاد يتسع لسعلة نورسٍ غريب
ولا تجد الأسماك الصغيرة فسحة
لكي تستدير
أديروا الكلام
وحدها اللغة تخلع الصور وتوزعها
لست / وحدها اللغة
فيدخل البحر في الأروقة
أصغر من غرغرة القواقع
مخنوقة
حتى لكأنه لا يكفي قبعة للجزيرة الوحيدة
في البرد تظل الجزيرة الوحيدة
مكشوفة الرأس وتظل وحيده
ترسل الريح أخبارا لها
والعاصفة بلا معاطف ولا تصل
ضيق
ولا نملك أن نصنع منه قميصا لطفلٍ
أصغر من منديل الوداع
بحر صغير ضيق مثل هذا
ماذا أفعل به
بحر له أظافر وأشرس من العصافير المغدورة
الذي يعرف البحر الصغير الضيق
يحق له أن ينشر قلوع البكاء
فالجزيرة أكبر من البحر
البحر أكبر أكبر
وأكثر اتساعا ومجدا
مفتوحة على سماءٍ وأسماءٍ
وسرائر ليست للعلانية
والبحر أضيق من الكتب والزنازن
ومن لقاءات السجين بالزوجة
هل البحر ميناء
هل هو وتد لخيمة القبيلة
هل دمعة الأرض المسورة بالصحراء
وأين تذهب السفن كيف تبحر
والمسافرون والرسائل
والأشرعة والأسماك القديمة
بحر ؟
حتى انه لا يغسل الحرف الأول من الكلمة
حتى انه لا يوقظ الجبل
وليست للمآتم حظوة لديه
أخباره له
أخباره له له وحده
أي بحرٍ بخيلٍ هذا
لا يسعف الغريق
ليس يسمع ولا يرى
لسان ولا يفهم اللغات
أديروا الكلام
أعطوا البحر أن يرفضَ
أن ينهضَ(49/200)
امنحوه سعة
وكثيرا من السواحل
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تجليات العذاب / محاولة أبدية
تجليات العذاب / محاولة أبدية
رقم القصيدة : 6066
-----------------------------------
يفتح أوراقه يمسك القلم
يسطع البياض في الشاطئ الفسيح
يقول سأكتب
كيف أكتب متى أكتب
ويزيد الأوراق مساحة تلهج
في البياض
قلمه يرتجف بين إصبعين
يكتب / يمحو
لا يكتب
لا يعرف أن يكتب
لكننا نقرأ بياضه بانتشاءٍ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحجر و القاموس
الحجر و القاموس
رقم القصيدة : 6067
-----------------------------------
أبوح بأحجاري
متوسلا بالرماد
وأغادر سلالتي مثل أفعوان الطبيعة
لغتي ملطخة بي ولا تفسرني القواميس
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سورة الجسر
سورة الجسر
رقم القصيدة : 6068
-----------------------------------
للجسر الراقد
بين ميم المرارة وميم المأساة
حيث هنا أبعد من هناك
كتبت رسائل كثيرة
كلماتٍ لها شكيمة أقدامي
حيث الأسود الذهبي يصير بساطا
ويتواطأ مع الجند
كان الهدير والهراوات والهروب الذي لا يقف
الأقدام في رقصٍ والبحر يحرس
الرماة في الجهات والطلقة قيد للقدم
والخطوة تسبق الطريق
جسر اللذاذات كان
عن أي شيء كنت أبحث
من أي شيء كنت أهرب
من كان يصوغ الآخر
تهتف النوارس والمراكب والبيارق
والشمس كانت وحدها
وحدها تقدر على أقدامي
أصهل مغمورا بالرغائب
على كتف الجسر والجسر يحنو
يصير راحة وحريرا ومراوح وحرية للحلم
مكشوفا للسماء كان،
وللرحيل الذي يأخذ إلى التجربة
أيها الجسر الذي علمني الخطوة
وقال للطريق : خذي هذه القدم
شبت عن الطوق والطريقة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> بحر
بحر
رقم القصيدة : 6069
-----------------------------------
لا يهدأ ولا ينام
أفراسه تتدافع في نشيجٍ
تشج السواحل وتقلع المراسي
أفراسه البحر وأفراسه
والجنون الجميل
لا سرير له ولا يهدأ
يطلق الأزرق
يمزج صبر القواقع(49/201)
بالرمل والرمل والرمل
الرمل في السرج
بحر له حصة في التعازيم
بحر وأفراسه حرة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المائدة
المائدة
رقم القصيدة : 6070
-----------------------------------
له امرأة تنام في عريشة العنب
وكلما طال انتظارها
توغل النبيذ في التاريخ
فتضيف كأسا جديدة إلى المائدة
ليسكر حتى الصباح .. حين يأتي.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الفخ
الفخ
رقم القصيدة : 6071
-----------------------------------
على صهوة الماء
فيضٌ
جدفت !؟
أهذي ولستُ لأهوائي الصحو
للريح لو تستريح
اعترضت وعارضت خيط الصلاة
هو الماء يهشل بالسرج ضعضعت ضلت خطاي إلتقيت وللماء أشراكه تلك عيناي في لجلجاتٍ وفي غفوةٍ سوف تصحو تشك وتهذي لكي تحتذي آه ضعضعت عظمي على صهوة الأرض يا شرك الماء خذني تهالكت في ولعٍ واندلعت ولا فيض لي مثل نهرٍ نبي سأمحو الطريقة جدفت أمحو الطريقة جدفت أمحوك أ
جدفت جدفت جدفت جدفت جدفت جدفت
لا قاربي في وصولٍ ولا الربُّ يعفو
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الوليمة
الوليمة
رقم القصيدة : 6072
-----------------------------------
ذئاب وتقتتل
من يأكل الشاة
والشاة
فريسة الأساطير لحم التمائم ترجف
اقتتال ومن يأكل الشاة
استغاثت تحركت
ثم كادت
فدار الذئاب إليها وأنشبت
ذئاب وشاة
فلا تحلموا بالفرار
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> مبعوث الكواكب
مبعوث الكواكب
رقم القصيدة : 6073
-----------------------------------
رأيت البيارق تملأ الأفق
تميل وتتدافع
ويرشح منها الأرجوان
أخضرها يحضن الرمل
والهوادج تهتز وتتغنج
مكنوزة بالهدايا
رأيت البيارق والبرق سقف لها
مثل عرس تماوجت
ربما كانت الخمرة كان النبيذ
والصبايا الخجولات يسترن نهودهن
بصدور الشباب ويصرخن
مهتاجة هذه الأرض
رأيت البيارق مغسولة بالغيم
وباب السماء
البيارق في أرق الخلق
ماذا / سألتo
شهيد يتزوج الأرض
وهذا احتفاء له(49/202)
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> مشهد الدخان
مشهد الدخان
رقم القصيدة : 6074
-----------------------------------
ودخان على القلب هذا الدخان
دخان،
دخان
خرجت من النور أم خانني النص،
حتى ليزداد أو يتجدد هذا الغياب،
وتنأى ظلال النهار،
وينأى الأمان
دخان
دخان
تدور بي الدائرات بعيدا
رماد الهواجس يومي
ويكسر قلبي الرهان
دخان
دخان
ويظلم دوني المكان
درجت هنا عزلة عزلة
ورماني الحنان
وقلت أمرن حالى على الاحتمال،
ويصقل روحي المران
دخان،
دخان
فلا حصدت كلماتي سوى الكلمات،
ولا خف في جانبي اعتمال
ولا واصل الأقحوان
سكينة من بات في الظل،
مكتفيا بالقليل،
وأيامه جيشان
دخان،
دخان،
ويكتب ما يفلق الصخر حزنا
يململ هذا الفضاء
ويهفو له الخفقان
هوى إذ روى
واستبد الجوى
بمجامعيه،
وتقاطيعه،
وانتهى المهرجان
دخان
دخان
رعيت الأوز وأطعمت بين يديك الحمام،
وما شاب قمحي زؤان
وأعرف ما كنت إلا الغلام القتيل،
وسياف نفسي أفردت جدا
فمن أين يأتي ائتمان
دخان،
دخان
يموت الندى كل يوم
ويذبل في حبه البيلسان
دخان على القلب هذا الدخان
دخان،
دخان.
شعراء العراق والشام >> محمد القيسي >> قصيدة يونانية
قصيدة يونانية
رقم القصيدة : 6075
-----------------------------------
(إلى هنري ميللر)
مشبع بالرنين
مشبع بتفاصيلها
وبسيط كخيط الأنين
وهي حبلى بأشياء غامضة،
غالبا ما أجيء نضارتها بعد حين
مشبع بالرنين
قرب سورلبيت
يظل بمكنونه لا يبين،
وآنا يبين
كيف أملأ هذا الفراغ إلهي
وأخفر ساحل أهدابها
برياش الحنين!
إنني ميت لا محالة من فرحي
وأسيف
وبي نفحة مثلما قيل لي
من سلالة قوم،
قضوا
عاشقين
مشبع بالرنين
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أوراق الجاحظ الصغيرة
أوراق الجاحظ الصغيرة
رقم القصيدة : 6076
-----------------------------------
( مخطوط )
وكنت في الصلاة
تقول لي
طير من الفلاة
يجيء من عذابه
فافتح له الحياة
رأيت
جاء الطائر الغريب(49/203)
وكنت في اللهب
( رسالة )
قالوا بأني خاشع في طلل مسكون
أظلل الشمس
أسوي شلك هذي الأرض
في ترابها يقين
أعرف يا خاتون
تبقين لي وحدك مثل الوشم في العيون
سوف يقولون بأنك الصدى
للعاشق المجنون
أعرف يا خاتون
( صوت )
قام أبو عثمان وصل ى الفجر وحيدا
خط المخطوطات وحيدا
وكان بقرب الله ... وحيدا
لخلق الله
وكان الله يرى
أبو عثمان يقوم يصل ي العصر وحيدا
ويعود جواب رسائله الشمسية
أسلحة وجنودا سجانين
ومحترفين
وما زال الله يرى
( مخطوط )
وحيد ليس لي أم ولا ولد
صلوا معي
لكنهم في ركعة النيران لا أحد
( رسالة )
تحملق في مرصدي المنصوب
صادفت الشمس وكنت مريضا من شكى
مريضا حتى عظمة قلبي
والشمس المقذوفة في أفق المنظار محايدة
الشمس محايدة
الشمس تضيء وتغمر بالضوء مسافات
بين النهر وبين البحر
أسألها
الشمس محايدة
تختال وترسل ضوءا
لكن كلاما لا تتكلم
أسألها لا تتكلم
فأروح أحملق في المنظار وأستقصي
فالشك يعذب روحي
والشمس محايدة لا تتكلم
فحملقت وحملقت وحملقت
حتى جحظت عيناي
جحظت عيناي
وظلت شمس الناس محايدة
( صوت )
يتقصى لغة الرمل
يحثو عليه السؤالات
يحنو عليه ويحتال
والرملي عطي قميص الغ بار إلى الريح
الرمل يختال كالخيط في خرقة بالية
ماذا يقول الغبار عن الرمل
والريح تركض في صخرة خالية
( رسالة )
العينين تحاصرني بشهيق الشهوة . هذا الشيخ
وأنا . نتدافع في جسد طفل . عينان معذبتان
وخاتون تقاتلني بالنسرين . يضج الشيخ بجلدته
ويفز ينز وينضح ماء العشق . رأيت الشيخ
يراهق في الستين . الشهوة يا خاتون ستفضحني
فهشيم الجسد الطفل يشيخ . إرتدعي يا كلماتي
لا ترتدع الكلمات وخاتون معذ بة العينين مراهقة بالجنس
الناضج كالعينين الجاحظتين بفعل الحب . ارتدعي
ويا خاتون ويا شهوتها
لا ترتدعي
( رسالة )
مفتوحة فوه هذي الأرض في يقظة
عطشانة للماء
والنهر قارورة
حبيبتي خاتون في زينة
أمام مرآة على رأسها
زجاجة
والشمس مسكورة
( صوت )
سمعت صوت الله(49/204)
يأتي مع الغبار
الماء والغبار
يقول لي وضعت سر القول
سمعته وقال لي
بدأت من ماء ومن غبار
( مخطوط )
أنتخب الطين أسو يه
في صورة
لا ت شبه الأسلاف
لا يعقد الأحلاف في مأدبة
والماء في فيه
مر أبو عثمان وكانت أنخاب الدولة
فمد يديه وشد رداء النعش
فبانت جثتها
تتفسخ في بطء
والعرس , جريمة هذا العرس , يكاد
ما زال أبو عثمان يمر على الأعراس العربية
يفضح جثت ها
تتفسخ في بطء
والعرس . العرس الوحشي يكاد
جلست إليه أحاور ه
عن أسفار بدأت
عن أسفار تحلم بالبدء
وكان دوار يلعب بالرأس
توسد رملته
مد يديه مرغ خدي بزرقته
قال
فأجمل أسفاري ما بدأت بعد
ولدي رفاق ينتظرون
وكل نخيل الضفة تحرس أشرعتي
ورياحي
ارتاحي ارتاحي يا خاتون
ففي بغداد رفاق ينتظرون المركب
في بغداد المحصورة في قوسين
تسهر تحت شموع القلب
لنقرأ مخطوطاتي
هناك رفاق تعشق مخلوقاتي
ارتاحي فوق وسادة هذي الرملة
لصلاة الفجر يحين الوقت لها
يا خاتون
يا خات
تهد ج في الصوت عذاب حلو
واسترخي في ريش الرملة
كان النهر يصل ي في محراب الع زلة
كان النهر يفيض
( صوت )
أمتد بين الشك واليقين
أمتد كالمعين
أمد أضلاعي لفعل الفعل
لا ترخو ولا تلين
فلا تقولوا للذي نام على كتابه
إياك نستعين
( مخطوط )
لاقيت وحش الغاب
كلمته
كلمت في لسانه البشر
علمته كيف يموت الناس في صمت
على فجيعة
وينطق الحجر
صادقت وحش الغاب
كأنني الريشة في مخطوطة
كأنه كتاب
يعلم البشر
( صوت )
جلست في غمدي
فليس سلطان بني العباس أو مروان
قضيتي
فقلت يا وحدي
بمائي المغسول بالقند
كأنني
كأنني وحدي
( رسالة )
لست منسجما
ولست مهيأ للانسجام
( مخطوط )
جحظت
فسهرت أوشوش أوراقي وأنقحها
وأخيط الأرض بأحداقي
وأفتقها
طفحت بالحزن
وما سألوني يا خاتون
فبأي عيون
سيراني الله وعيني في العقل المجنون
وما سألوني يا خاتون
ما سألوني
( صوت )
لقد ضاع أبو عثمان في ظنونه
وكنت مثل الماء في جنونه
قلت لهم
تشابه البق
( رسالة )(49/205)
من يقرأ تاريخ الكلمات العربية
من يسمع خاتون البحرية
صارخة في برية هذا الشرق
من يجرؤ أن يسأل عن حجر يحمل طعم الحرق
من يعرف هذا الحجر العربي العاشق
( صوت )
أضىء لنا طلسم هذا الميل في الميزان
أطلسم
فقد ترون عورة السلطان
مدجج
فلتكتبوا قصيدة الرمان
قصيدة الرمان
( مخطوط )
هيأت أشكالي
لأخلع الأرض التي تعفنت في ثوبها البالي
وص غت أمثالي
لكنني قتلت قبل الموعد التالي
( مخطوط )
لجأت للغفلة في سلالة البهيم ه
أيقضت ها
عل مت ها
وقلت يا بهيمه
( صوت )
قال . اخرجوا من شرك السلطان
من دمائه النظيفه
من يقبل الحياة في جنازة
والموت في قطيفه
قال . خلعت سيدي
منتشر في ناري الأليفه
تبق نوا بالشك
صرت سيدا
ورؤيتي سقيفه
( مخطوط )
أرخت للدماء في س رادق العروس
وقلت للطاووس
أرخت . كنت الكتب الجريحه
بعثت أوراقي إلى رفاقي
أر خت . صارت جنتي بغداد
آه على بغداد
محزومة بالماء والزنازن الفسيحه
أر خت للعروس
لو أر خت غير الكتب الكسيحه
( صوت )
مرو على خاتون
وعالجوا فؤادها بالشعر
مات أبو عثمان قبل الماء
هيأت أشكالي
لأخلع الأرض التي تعفنت في ثوبها البالي
وص غت أمثالي
لكنني قتلت قبل الموعد التالي
( مخطوط )
لجأت للغفلة في سلالة البهيم ه
أيقضت ها
عل مت ها
جادلت فيها الصل ة القديمه
وقلت يا بهيمه
تدفقي بالقول والحكمة يا حكيمه
( صوت )
قال . اخرجوا من شرك السلطان
من دمائه النظيفه
من يقبل الحياة في جنازة
والموت في قطيفه
قال . خلعت سيدي
فلا يد على يدي
منتشر في ناري الأليفه
قال . ادخلوا
تبق نوا بالشك
صرت سيدا
ورؤيتي سقيفه
( مخطوط )
أرخت للدماء في س رادق العروس
وقلت للطاووس
تصير غربانا على الذبيحه
أرخت . كنت الكتب الجريحه
مصابة بالكتب الفؤوس
بعثت أوراقي إلى رفاقي
أر خت . صارت جنتي بغداد
آه على بغداد
محزومة بالماء والزنازن الفسيحه
أر خت للعروس
لو أر خت غير الكتب الكسيحه
( صوت )
مرو على خاتون
وعالجوا فؤادها بالشعر
قولوا لها(49/206)
يا نرجس العيون
مات أبو عثمان قبل الماء
ولم يفك السر
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> التداعي الثاني
التداعي الثاني
رقم القصيدة : 6077
-----------------------------------
يا حبيبي
قتلوني خمس مرات و أعطوا جثتي للأغنيات
يا حبيبي خمس مرات
وصوتي في تضاريس اللغات
يا حبيبي
أذكر الآن : ( صباح الخير يا ذات العيون الخضر
يا طعم السفر )
وتماديت : ( أطلي
شرفتي تتسع اليوم لاثنين يحبان السهر )
أذكر الآن ولم يكتمل الحب
تعرضت لقصف المخفر السري قضاءً وقدر
وتبادلت مع الموت الصور
وضعوا الطلقة في عيني وقالوا
قلت : لا وتحملت الألم .
يا حبيبي
جثتي لا تعرف التاريخ والعنوان
فاعذرني
ففي فبراير الثلجي ضيعت احتضاري
مطر ثوري أعطى معطفي لوناً
وقلبي في جواري
واقفاً أرتجل الأشعار في فبراير الشعبي مختالاً
وموتي في انتظاري .
يا حبيبي
أعلنوا أن الشتاء
خارج القانون والأشعار ضد الشمس
أعطوا قصتي للانفجار
فتحاملت على الأشلاء في صمت
ولونت انتصاري
يا حبيبي
قلت : لا وتحملت الألم .
يا حبيبي
عندما يستيقظ الماء من النهر
سأبكي فرحاً
فلقد حاولت أن أنتشل الماء من الغفلة
كنت الخيط
كنت السمك الأزرق والزورق
أرخيت شجون الماء
أوشكت ولكن يا حبيبي
أدركوني سمكاً جف
وخلوا خشب الزورق في حلقي
وقالوا قلت : لا وتحملت الألم .
يا حبيبي
ما الذي أدخلني في نرجس الأسرار
والضوء البعيد
والذي أسس ريش الجوع في قلبي
وأعطى للنشيد
والذي . أذكر
من يدخل في مستقبل الأيام لا ينسى
وما كنت وحيد
يا حبيبي
كانت الدقات لا تأتي مع الإيقاع
والساعة في منتصف الليل
وطفلي في حرير الحلم منساباً
وكنا يا حبيبي
كانت الدقات في دربي
وكانت تذبح الأطفال
فانداحت يدي في الوقت
ضد الوقت
كانت يا حبيبي
آخر الدقات في قلبي
وقالوا إن وقت الدولة الرسمي
قالوا يا حبيبي
قلت : لا وتحملت الألم .
يا حبيبي
خمس مرات وعمال المطار
رفضوا أن يفتحوا الأرض لغزو الطائرات
رفضوا واستقبلوني(49/207)
وأعانوني على رسم النهار
ضاحكاً في خبز أطفالي
وأفراح الجنون
خمس مرات وقلبي في انتظار
والتي تسهر في راحاتها حتى الندى
كانت عيوني
وتذكرت
وعمال المطار
أخذوا من وجع الإسفلت في المدرج درساً
و أحالوني على مستقبل الأيام
مخفوراً بهتف القبرات
يا حبيبي
قبل أن أدرج في أرض المطار
صادروا كل الفراشات وقانون السفر
أدركوني قبل أن أحكي لعمال المطار
وجع الطير الذي قال ( صباح الخير ) للأطفال
قبل الصبح واجتاز النهر
أدركوني وأنا منتعش في طرف الفعل
قضاء وقدر
وضعوا السكين في الجرح
وقالوا فتحملت الألم .
يا حبيبي
أذكر الآن رحيلي عاصفاً ذات مساء
وطني مختبئ في الجسد المرضوض
في صدري في قلبي
في خفقته الأولى قبيل الموت
وحدي هادئاً ذات مساء
يا حبيبي
لم تضق بي هذه الآفاق
لكن المغني
يبحث الآن عن الدفء ويدعو للغناء
لم أجد في ذلك الليل سوى ثقب صغير
خلته بوابة العالم
فانهالت خطاي الباردات .
يا حبيبي
ما الذي يفعله المهدور غير الركض رعباً
في تضاريس اللغات
يا حبيبي
لم أكن وحدي وحيداً هادئاً أعصف في ذات مساء
وطني في اللهث
في الخطوة نحو الثقب
كان الثقب باب الكون في عيني
فألقيت بكل التعب الدهري في الركض
رأيت الثقب ماء
يا حبيبي
ما الذي يفعله العاشق مقتولاً
سوى الرقص مع الموت المؤدي للحياة
واقتربت
الثقب في عيني ووحدي في عيون الثقب
وحدي للحياة
يا حبيبي خلته ..
لكنه كان عيون البندقية
... وتناسيت البقية .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المدينة
المدينة
رقم القصيدة : 6078
-----------------------------------
كلما ازداد الإنسان معرفة ازداد أسىً
العهد القديم
كيف أترجم نفسي ؟
فتح الغيم و انثال رمل بخطوي
دماء اللغات استضافت
أهيئ ،
ماشياً في شظايا الرجوع
أدحرج . أسست للنار نهراً يطوف ويغوي
أدحرج . غير الصدى في المدينة
غير المراثي وغير الخشوع
اللغات استضافت
أترجم
والحرف يمشي ويكبو
والحرف طفل سيحبو(49/208)
دخلت المدينة صادقت أحجارها . صرت فيها
هات أطرافها
لثغة واكتشفت
نام أو أيقظ الطين أو ...
يا أيها الغيم غير لغات لها عوسج عاقر
لها أمنيات قبيحة
لها مدية للضحايا الجريحة
دمي رافض
غير هذي القيود بلادي
وغير الشهيق يداي وغيري
أتخطاك يا نقطة الضوء
أمشي على شهوة الغيم
أمشي أهيئ
هاتي . أسميك لي شرفةً في الحدائق .
رملي فسيح وشباك عينيك يغوي
أديري خلاياك واستنهضيني
أسميك أمس الغبار
يا نقطة الضوء يا شيء قلبي أسميك
أعطي خطاي الوصايا .
هل أنت
يا نقطة الضوء
يا شوكةً في يقيني
أمشي فسيحا وناري حدود المدينة
مدي خلاياك واستهدفيني
أسمي وأغوي تواريخك في تراثي
وأغويك مدي يديك إلى جثتي وازرعيني
أسميك أمحو شهيق المدينة
أكتب حلم المدينة
مدي ، تعالي تلاشي على طينتي واحصديني
يا نقطة الضوء
ها أتخطاك أترك لا تتركيني .
كيف أترجم نفسي ؟
ناديت ليل السكوت
اللغات استضافت
ولكنها حين ناديت رمل الخطى
قلت للقيد
قلت : السكوت الذي في المدينة
قلت : البيوت المآتم
تركض نحو العيون الحزينة
أترجم ؟
ماذا تقول الدماء عن الدم ؟
ماذا أهيئ ؟
يخرج من جرحه هجرةً
في يقين من الشك
يخرج أرسمه خيمةً للنهار
فمن يمتطي صهوة في المدينة
ماذا تقول الدماء عن الدم ؟
صادقتها صرت فيها
اكتشفت المدينة
حدقت هذا صديقي
وهذا الذي رأسه بيرق للنشيد
وهذا الذي في الحديد
وهذا الجديد
حدقت هذا صديقي الذي ...
ولكنه لا يحيد .
نافذة البحر تصحو
كأن الخطى طفلة
كأن الشوارع تسأل
كأن النوارس في عرسها ترجمان
فيا أيها الغيم غير
( يمشي ولا ينسى
يلملم جرحه السري
حزناً شاهقاً يمشي ولا ينسى
دم في أول الكلمات
لا يسهو ولا مرتاحة عيناه
في حلم
وأسماء العذارى نزهة في القلب
ممتد كخيط الحب بين الماء والمعنى
يواري جرحه السري عن عينيه
لا مرتاحة عيناه ، لا يبكي
دم في آخر الكلمات
لا يغفوا ويمشي في بياض الوقت
لا تعب ولا ينسى
وقبل الموت يرفع ياقةً للثلج
يا فبراير الثلجي(49/209)
هل ينسى ؟ )
أترجم نفسي ؟
من يسأل الجرح عن نزفه ؟
انحدرت إلى السهل
هذي المدينة كهف
وهذي الشوارع مرصوفة بالحراب
انحدرت وفي كل باب من البيت جبانة
ليس بيتي ولكنه سهرة للخراب
انحدرت ولي هجرة في الحقول
النهارات موصولة في دمي كالصراخ
اصرخ الآن يا ماء قلبي
سؤالاتهم مثل باب السماء
اصرخ الآن ، قل كلمةً
قل لهم ، فالدماء ...
من يسأل العرس عن عزفه ؟
قلت : ها أنت
وانثال كالرمل صوتي
كأن المدينة تخلع قمصانها
( لست بيتي )
وهاجرتها ( لست صوتي )
وهاجمتها ( أنت موتي )
عرفت المدينة ؟
علم سواحلها وانشطر في مداها
عرفت المدينة ؟
ها أنت ...
أخلع ماء المدينة أغسلها بالهموم
وأصعد أصعد
أحزمها بالسواحل والعشب
أركض فيها كأن الغيوم .
نهضت ، وشلت المدينة
هيأت للأرض شمسي
من أنت ؟
اخترقت المتاريس
كانت بلادي وكنت
أترجم
أمشي على مهل في ضحايا الخضوع
وأفزع .
المتاريس محشوة بالضحايا
حدقت هذا صديقي
وهذا الذي يحتسي يأسه
وهذا الذي رأسه
وهذا الذي وردة في طريقي
حدقت هذا ... صديقي .
رأيت العذارى الضحوكات في القتل
يلبسن عطر الجدائل
أمشي على مهل في دمي
كنت أمشي
وكانت توزع أزياءها في الأغاني
كأن الرسائل
عرفت الذي ينتمي
والذي يحتمي
والذي حين يحتاج كأساً
سيشرب حمى دمي
( فيا أيها الماء غادر فمي
واحتملني )
فهذي المدينة يا سيد الومض
تنور قلبي
وقدس رمادي
أنادي المدى والشظية
هذي بلادي
فدعني أكون الصدى والهدية
ها أنت . هيئ
( هل أمشي على خيط من الرمل
انتحلت الموجة المنذورة العينين
هل أمشي على حزن الحليب الشارد العينين
هل أمشي
ولي إشراقة الطلقات في فجر المرايا
لي هدايا الشمس
هل أمشي ونصفي واقف في الهمس
نصفي هارب .
ماذا يقول الدم
هل أمشي
ولي حلم يسور جثتي
وضياع أطفالي بقلب الناس
لي في رفقة الأحلام
لي أيام
لي أمشي ولا أنسى
بلادي خمرة في الكأس)
يا أيها الغيم غير ،
ولكنها يممت نحو ماء الرماد
فيا سيد الومض قدس رمادي(49/210)
تعلمت أن الغموض الذي في زنادي
وفي لهجتي وردة في وسادي
تعلمت أن البلاد التي أعلنت صمتها في الميادين
ليست بلادي
ويا سيد الومض قدس
وزين جراح الصبيات
حول فساتينهن احتفالاً
وأسرارهن الخجولات
إشراقةً في سوادي
ويا سيد الومض
إمض
تعلمت ؟ علِّمْ سمائي وأرضي
أجج غموضي وكن جامحاً في قيادي
يا أيها الغيم
لكنها ضيعتني شريداً
أترجم ؟
ماذا تقول الدماء عن الدم ؟
أعطيتها للعصافير
أعطيت قمصاني الخارجات من الدم
للحلم
هات أطرافها
فالغيم يغوي
يا رملها يا مداها
احتملني غريباً
لي الصافنات التي تشبه البرق
لي عطرها
صحت يا صوتها هات لي تاج أسرارها
هات لي الشكل واللب والاحتمال
احتملني . احتضني شريداً
وترجم لغاتي
ولا تحتفل باكياً في مماتي
دخلت المدينة صادقتها
صار لي سجنها
صحت يا صمتها أنت موتي
وأعلى من الحلم صرت
وأحلى من السنبلة
جميل غناء بلادي
سأعشقها حيث تصحوا النخيل
وحيث تصير الحدائق ريفاً من الأسئلة
وأحلى من الفرح البرتقالي
أعلى من الاختيال الفدائي عرسي
هنا أول المرحلة .
كيف أترجم نفسي ؟
اللغات استضافت وخافت
في فضاء العناقات صوتي يهيم
اللغات المسافات ضاقت
رأيت الحريق
فهل أحتمي بالمدينة ؟
يعرف سر المدينة
يحمل مفتاحها
ويؤرجح ميزانها
طاعن في رماد التقاليد
يفضح فيها ويهزمها في التلافيف
يكمن في صمتها مثل لغم
ويهزأ من خوفها
طاعن في المدينة
( افتح القفل تلق المدينة
تلق شرايينها مثل فحم )
ويعرف سر المدينة .
بوابةً للرجوع وسجادةً للركوع
يغني ويحرق سور المدينة
يرسل نيرانه للرؤوس التي لم تعد
للصدور التي لم تعد
يختفي ثم يبدو كأن الفصول
تؤلب راحاتها بالضحايا
يغني كأن السيول
ويهتك سر المدينة
يسكر في نارها ثم ...
من يحتمي بالمدينة ؟؟
( اتصلت
حولت ذاك الشفق الشقيق
مستقبلاً
دفأته بالحب
أو أخفيته في الأمل العميق
فتحت ثوب الوله المزدان بالأحزان
وقلت : هذا الكون مكسور
فدب القلق الصديق
في راحة القبول(49/211)
وشكت الحقول في الأغصان
والنخل في البستان
ولم أقل لو أنني أقول
حرضت يأس الجمر والأنهار
أغريتها بالنار والأمطار
وقلت للآفاق اتسعي
اتسعي ،
لي لغة ،
لكنها تضيق )
من يسأل الشاعر عن أحلامه ؟
- أين ذهبت ؟
- توزعت في كتب الليل
في أزرق القلب
أعطيت صوتي شكل العصافير
وزعت في الظن والياسمين احتفالي
توهجت مثل اتساع الرمال
تداخلت في خفقة في الحجر
تلفت تراني
أقسم نبضي في كل رفض
أشكل عبر المرايا الصور
تساءلت كيف أترجمها
فامتزجت
وهاجت على كاهلي رجفة الكون
ماجت دموع المساكين في داخلي
وامتزجت
وما الفرق بيني وبين الحنين
وما الفرق بين الهدايا التي أجهضت
والهدايا التي تشبه الياسمين
وما الفرق
ما الفرق بيني وبين المدينة
توجت برد المسافات بالنار
خليته بيرقاً يحتفي
شلته في غنائي
وهيأت للحرق نفسي .
مرغت قلبي على بابها وانتظرت
لكنها غادرتني
فقلت انتهى حبها واعتذرت
لكنها راودتني
فأغريتها بالحدائق
أدخلتها في سرير الحرائق
أرهقتها واختلجت .
دخلت المدينة
رافقت أحجارها
صار بيني وبين الحجر
شرفة واحتضان
صرت جزءاً من الطرقات السخية
حاكيت تربتها في الفصول الوفية
أشجارها في شجون العناقات
صرت .
- ومن أنت ؟
- ليست بلادي
ليست مراثي المآتم
ليست صديد القرابين
ليست بكاء التمائم
ماذا جرى للمدينة ؟
سألت الحجر
قال : إن الحروب التي وانكسر
و ها أنت
لكنها وردة في الطريق
تحركت وانثال رملٌ بخطوي
وغادرت سهوي
ماذا جرى للمدينة ؟
سألت الطريق
قال : إن الحريق الذي واستعر
فناديت يا غيم غير
وأعطيت للطين تكوينه
قلت ماذا جرى للمدينة ؟
سألت الخطى
قالت : اتبع خطاي
فهيأت للسور فأسي .
الغيم ينثال في الأفق
ترجمْ ،
سألت اللغات ولكنها أحجمت
واستدارت
- ومن أنت ؟
- كيف أترجم نفسي ؟
وكل اللغات التي صغتها حاربتني
تبطنت همس الغصون إلى الماء
حاورت رمل المواعيد
حولت هتف الكواكب
سجادةً للمواكب .
- ومن أنت ؟
- كيف أترجم نفسي ؟
وكل السهام التي ...(49/212)
قد رمتني
- هل كنت غيماً ؟
- كشفت الليالي
وسميت هذي العباءات حزناً
دعوت الرياح وخبأتها في الطفولة
قلت : ( انتهى عهدكم )
ثم سميت بدء النهايات سجناً
- وهل صرت ماءً ؟
- قطعت الحبال
وغادرت كل الموانئ
حرضت موجاً خجولاً
وأرخيت للريح شوق المراكب
- هل أنت ؟
- صرت الصريخ الذي يحزم الأرض بالبحر
غيرت شكل الأنين
وحولته رايةً في دم الياسمين
سميت أطفال قلبي نجوماً على الحلم
أعطيت شهق الرفاق احتمال الكواكب .
- وهل ... ؟
- كنت أمشي وكان ...
فسميت وقتي خليج الصواري
وغيرت صوتي
وشكل احتراقي وقتلي
وغيرت خبز الجحيم
انتقلت امتزجت
وغيرت إيقاع عشقي
وغيرت غيرت غيرت
لكنني في مداري .
تلعثمت
كل الدموع التي حين جاوبتها
ساءلتني
تلفت كل الدماء التي حين ساءلتها
جاوبتني
وها أنت
كيف أترجم نفسي ؟
لبست المدينة زينتها بالقتال
أرخيت شعر الليالي على صدرها
وارتعشت
ولكنها عسكرت في دمائي
اختلجت
حملت المدينة في رقصتي
درت عانقت فيها
وهندستها
أرهقتني اللغات التي في السؤال استضافت
تيقنت أني ...
فأسلمتها لهجتي
ويممت نحو السهول
كأن الخيول استعارت صهيلي
توسمت بالغيم والغيم بوابتي ودليلي .
لبست المدينة وذوبتها في الخيال
غسلت المدينة وحولتها في رحيلي
وأغرقتها في حليب الطفولة
صبغت بها الدم أنشدتها في العناقات
أسستها في السؤال
وأصغيت .
لبست المدينة
دخلت بها في دماء المساكين
مغسولةً بالضحايا
كتبت اسمها في البقايا
مشيت لينثال خطوي وترجمتها
صرت لهج المدينة
وأصغيت للبحر أصغيت
لعل العصافير في البحر
لعل القواقع في القاع تذكرني وتجيء
لعل الرحيل البطيء يؤجج هجرته
في المدينة .
قلت كيف أترجم نفسي ؟
لعل العصافير تسمع إصغاء قلبي
لعل العصافير
كيف أترجم نفسي
وكيف ... كأن الضجيج الذي في دمائي مواسم
كأن الإشارات واللافتات التي في طريقي
واضحة كالطلاسم
كأني أقول لكل اللغات استثيري
أقول لشمس الليالي أطلي على مقتلي
واستديري .
مارس 1978(49/213)
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> اشراقات طرفة بن الوردة
اشراقات طرفة بن الوردة
رقم القصيدة : 6079
-----------------------------------
( 1 )
خذيني
فرحة الأطفال في لغتي
وفي أحلى سنيني
موغل في البحر
خيط الشعر أشرعتي
ولي سفن موشاة بأزهار الحنين
خذيني وافتحي شباك هذا الكون
مجنون أنا والعشق قافيتي
وطفل في جنوني
افتحي
ولتأخذي حلماً تفصد في دمي
كالياسمين .
( 2 )
أتوهج في السجن رهيفاً كالسيف
أحاور حزن الصحراء
فحين تصير الزنزانة ضيقةً
تتوسع في قلبي الأرجاء
فأدخل بالشعر مغامرةً وأصير حروفاً في الأسماء .
( 3 )
بحرٌ أنا
وسفينة قلبي ، تسافر في المدى
وموانئي تعبت من التلويح
هذي الريح تأخذني ، وأبحر .
في عيون حبيبتي أفق
وأمشي فوق كتف الماء
لا غرق وصدري يقبل التجريح .
( 4 )
في هذا السجن الداخل في برد الليل
أحاور صمتي
أنتظر البرق القادم في كلمات العشق المرتعشات
وأنت ، حلمي الأبدي المأمول
الموصول ببطء الوقت
أستوحش في البرد وكل رفاق الوجد معي
وكأني وحدي
فالنار صديقة ليل لا تأتي .
( 5 )
قرأت بأني أموت قتيلاً
وأن بلادي تؤرقها الكلمات
ولكن عرسي الحزين يصير ضئيلاً
لأن بلادي محاصرة بالغزاة .
( 6 )
من بين نساء العالم واحدة
أدخلت الكون بقلبي :حبيبة قلبي
من بين بلاد العالم أرض أجمل من كل الجنات :
أرض الوطن الساكن في قلبي .
( 7 )
عطرٌ أنا
وكل حديقة مني ستأخذ لونها
وتصير مثل اللغز في الأسوار
هذا الرمز لكن الغموض نوافذ مفتوحة
كالجمر نحو النار
تيجان من الكلمات ، كل مغامر يختار
تاج الغار أو تاجاً من الأزهار
( 8 )
أعذب الزيف بالصدق
والحقد بالحب
والجرح بالفرح واليأس بالأمل
والوقت بالفعل
أوحد بين النقيض وبين النقيض
أعذب الوضوح بالغموض وأستغرق .
( 9 )
موحش وحش
شحيح ليل هذا البحر
لكن البحار حديقتي
وحبيبتي، قمر يطل من النوافذ كالنهار،
في انتظاري عائداً
واللؤلؤ الناري كل هديتي ودم ازدهاري(49/214)
فيصير هذا الليل ماءً ليناً كالحلم
تزهر جنتي يوم انتصاري .
( 10 )
يا سيدة الحزن الشاهق
هاتي فالشوق الخاثر عذبني
والصدر الراهق يرهقني
غني وخذي بيدي
يا سيدة الصوت الواثق .
( 11 )
مخير يا وردة الغموض
ما بين ذل الموت والشهادة
مقاتل وفارس وفي دمي أخوض
لست الذي يحار في الخيار
ما بين هذا السيف والوسادة .
( 12 )
حين تجيئين إلي ملاكاً في الحلم
يرتعش الفرح الطفلي بقلبي
وعند الصباح تكون بقايا الأزهار الليلية
فوق كتابي
فيساورني الشك بأن الحلم ...
( 13 )
بكيت بكيت من الصبح حتى المساء
لأني حين تبرعت باللون للأرض
أعطيت للماء نبضي
فقيل بأن البحار التي من وريدي
ليست دماء
لقد كان بعضي يشك ببعضي
فقلت بأن دمائي ماء .
( 14 )
يا الذي كان يغني العشب شعراً وتحول
وطني يدعوك للرقص الجماعي
فهل بالرقص تقبل فتأمل
رغم حد السيف والصيف الشتائي
فإن العشب في الأحلام أجمل .
( 15 )
غارق في الهموم
أنقل خطوي رعشاً
وأحمل حزناً عميقاً ، فتبدو كأن الغيوم
بلاد مهيأةً للزوال
كأن الجبال
تماثيل ممسوخة، والنجوم
عصافير مرسومة في الخيال
فمن يحمل الهم عني قليلاً
لكي أفصد السم عن ساعدي في دمائي السموم .
( 16 )
أتوزع كالعطر الثوري بأفق الأحلام
وأجمع ما بين الوردة والنار
وما بين الجمرة والثلجة
أوحد بين عناصر هذا الكون
هل أحد يعرف سر العطر الثوري
وهل أحد... ؟
( 17 )
لغمٌ أنا
فمن ذا سيشعل رأس الفتيل ؟
أفجر هذي القبائل بالشعر
أعرف سوف يقال بأني الغلام القتيل
لأني رفضت القبول
أرفضوا وانهضوا إن موتاً كموتي
جميل جميل جميل
( 18 )
لا تثقوا بحياد الماء .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> البحر
البحر
رقم القصيدة : 6080
-----------------------------------
( 1 )
مازال معتزلاً يموج
وزنبق في عينه
يده ملطخة بماء الوقت
في يده حرير الخيل
بعد دقيقتين عميقتين يطل في كلماتكم
للغصن تاريخ ومرآة وقيل نجومكم حبلت
فلا تتأخروا(49/215)
ما زال مشدوهاً ومحترقاً
وتصحبه القواقع والمحارات التي شهقت
وسوف . دقيقتان غزيرتان
وآه آه البحر
لا تتناثروا
قد ينهض البحر المسجى في السواحل
راكضاً فرحاً
وأحياناً ترافقه .
ويسمع . قالت الأخبار
إن بيوتكم ضاقت وإن السجن أوسع ما يكون
مهيأ ،
والموج كان يكون فوج الرفقة
المتطاولين على النخيل
يطل بعد دقيقتين صغيرتين
الفتية المستهترون بموتهم
نهضوا يطالون المدى الرملي في يدهم
ولا يستسلمون
الفتية اللاهون بالصلصال يعتمرون ثلج الوقت
يبنون الذي هدمته عين الليل
لا تتأخروا
سيطل ، ما زال اللجام الأخضر المغزول من وبر
على كتف الصهيل
يسمعكم ،
تمر دقيقتان مريرتان
الشارع العربي يكسر قلب عبد الماء
والمدن الغياب وسيعة
ضاقت بمن فيها
نوافذ هذه الأرض الطرية تستوي حجراً
فلا تتكسروا
للأرض ألف طريقة كي تولدوا
فهنا الدقائق ليس في يدها مفاتيح القصائد
قلب عبد الماء مائي ورمل مولع
والأرض تطلع في القصائد مثل وشم
فاكتبوا عن عشقها السري
لا ماتت ولا عرف العساكر سرها
قتلت و ها تمشي فلا تتأخروا
سيطل تعرفه البحار
وتعشق الأرض اضطراب يديه
قبل دقيقتين ثقيلتين ليبدأ التكوين
تعرفه القواقع والسواحل
تهجس الأحجار ( سوف يجيء )
هذا الواسع المنزوع من شفق
(يجيء ..) وتهمس الآفاق
هذا النافر المجبول من قلق
يغيم الواضح المألوف في العينين
أحياناً .
( 2 )
معتزل و مندفق العواطف مثل عاصفة
ولا تثق العواصف
كل دقيقة سفر
يغادر حالة البحار
يحشو فوهةً بالنار
يعجنها ويكسر كل صارية سترجع
يمسح الميناء يصمت ينطق الأشياء
هذا الموج معتزل فلا تتساءلوا
سيطل بعد دقيقتين صديقتين
يجيء
كل دقيقة شجر
سمعنا قالت الأشعار :
هذا الشارع العربي
هذي الخيمة الأوتاد
هذا الأسود الذهبي
هذا الموت ..
سوف يموت .
قالت : سوف ترتادون .
لا سفن ولكن موجة كالخيل
حمحمة صهيل زرقة الصحراء
جامحة خيول البحر
لا أحداقه ضاقت
ولا في الفتية المرحين من يسهو
عن الشجر الذي يمشي(49/216)
وكانت قالت الأشعار :
هل شجر ويمشي ؟
لم نصدق قامت الصحراء .
( 3 )
مازال معتزلاً
يداعب خرقة في كتفه اهترأت
طواها مرةً صارت رسائل للمغنين
استحالت بلبلاً نضراً
وأحياناً ينشرها مناخاً كالوشيعة
فتية كالملح فوق الجرح والأرض الوسيعة
فارس ومغامرون .
خرقة في كتفه
خيط من الرايات
داعبها دنت رسل القبائل
فاحتذى في عزلة
صاغ الكواكب وشوش الأخبار
والصور القديمة والجديدة
فز قلب الفتية اللاهين في وله
دنوا فانداحت الواحات
داعب فتيةً قذرين من شبق الصحارى
عفرت أطرافهم في الرمل
كان الرمل يلبسهم
وكانوا مهرةً شقراء
داعبها .
أمعتزل؟
ويخرج من سرير الساحل الشرقي
خرقته انتظارات
وعزلته انتشار وامتزاج
يجمع الشطآن
داعب فتيةً ليجيء فيهم
آه لا تتأخروا
فالعمر محض دقيقتين دقيقتين
الغصن صارية وتاريخ له
ويقوم من ومض الرماد
الدفة المعجونة الكتفين بالنيران
والموج احتمال الغامض المألوف
في العينين زنبقتان أحياناً .
( 4 )
بكى من لوعة في قاع حسرته
ولم تسمعه
غير الدفة المكسورة الودجين
لم تسمعه شقراء الجدائل وردة العينين
لم تسمعه غير الريح مسرعةً
بكى من زرقة في القلب
لا تعب ولا خذلان
لكن
ربما شهقت شجيرات البنفسج
في دم الإنسان أحياناً .
( 5 )
أمعتذر ؟
يد في حمحمات الخيل
سوف يطل بعد دقيقتين غريبتين
الشعر مندفق وموج لا ينام
ولا نوارس في عيون الأفق
إلا واسمها في دفتر الصحراء
معتذر؟
بنفسجتان في خديه
هذا البحر هل يبكي ؟
سمعنا جاء في الأخبار
والصور القديمة والجديدة
موغل عار مضى
مازال مرتدياً رسائلكم ويسهر عند باب الماء
لا تتأخروا
فدقيقتان جريحتان ويفتح القتلى دفاترهم
وينتشرون
يهدي البحر زرقته
فتبدو هذه الصحراء عاشقة ونرجستين
لا تستوحشوا
ما كان مختضبا بماء كان في دمه
ويلبس صخب هذا الموج
مختلجاً
كأن دقيقتين دقيقتين
وسوف يدخل
فاتركوا أثراً على ماء الصحارى
قالت الأشعار : إن الأرض من ماء هنا
والموج سيدها
اتركوا أثراً(49/217)
فهذا الشارع العربي سوف يعود
في خشب من السفن الكريهة
فارقبوا الميناء
والشجر الذي يمشي ويكمن خلف هذي الأرض
لا تثقوا
فكل مدينة بعثت رسائلها إلى الصحراء
لسنا وحدنا
( ما ضيعونا
إنما ضاعوا بلا ماء على الصحراء ) .
( 6 )
للغصن تاريخ ونافذتان
للمتناقضين رسائل
خجلٌ بنفسجتان
سوف يطل
لا متوحد في عزلة
هل مات ؟
أو كسرت قوادمه الشموس ؟
يداه في غبش
ونافذة تطل على شمال القلب
نافذةً فلا تتكسروا كالعطر
لا تتوزعوا مثل الزجاج الأزرق البحري
فوق الرمل
فالأعداء يختلسون نرجسةً
ويختبئون في شجر
وتكمن في السواحل آخر الأسماك
لا تتكابروا
للأرض ألف طريقة والبحر درب واحد
هل مات ؟
بعد دقيقتين غريقتين يطل من غسق الليالي
آه نافذتان نافذتان
أوسع ما يكون الأزرق القلبي
نصغي هسهسات؟
ربما يبكي
فللبحر احتمال
ربما يبكي
فموج شاهق ترك احتراف الركض
خلف الأفق
موج هاجر الأعماق والظلمات
موج مات
لو يبكي
لكي ينثال رمل الأرض
في يده شجيرات من الخجل الإلهي
افتحوا كفيه متعبتان
فيه الشهق فيه البرق
فيها الأزرق المقتول
في يده
دعوا يده فسوف تقول .
( 7 )
- من أي البحار أتيت يا خيلاً يموج
كأنه وطني ؟
- من البحر الذي سجنوه في وهم
من الأسفار والسفن .
( 8 )
بعد دقيقتين حريقتين يجيء بالنيران
للسفن الرماديات
ها موج يهاجر شرفة الميناء
يفتح ثغرةً في الرمل
ها موج إلى الصحراء
بعد دقيقتين بعيدتين
الفتية الغاوون يرتاحون في تعب
هناك قبيلة ضربت خيام الرجع في الإسفلت
فوق الشارع العربي
مقتول ومعتزل
يهيئ في يديه الأفق والجمرات
يمعن يحرق الميناء والسفن التي تغري
استديروا ها بريد البحر منطلق
ويمرق في عروق الفتية اللاهين
هذي النار توقظهم
أطلوا .
قالت الأشجار : بعد البحر تمتدون تجتاحون
تبنون الكواكب في جذور الرمل
معتزل
يد في فتية عشقوا
يد في فتية شهقوا
يد في حلم بحارين يعتزلون
قد تركوا سفين البحر
لا ابتلوا ولا غرقوا
يداعب
كان عبد الماء .
( 9 )(49/218)
مات أو قتلوه
أو ماتوا على أشلائه
سيطل متكئاً على أضلاعه المتآكلات
رموه في جب
مشت عنه القوافل
آه عبد الماء
قبل دقيقتين طويلتين
نسوك ممتزجا بأقواس البدايات
انتضوا وطناً وسموه
وأنت مغامر في الحلم
ممتزج يصير الحب نافذةً على الأسماء
هل قتلوه ؟
عبد الماء سوف يموت أحياناً .
( 10 )
- أي معتزل سيفتح مغلق الصحراء ؟
- عبد الماء
- وأي مقتول سيفضح لعبة الأسماء ؟
- عبد الماء
عبد الماء منتشر تضيق به الفضاءات
وعبد الماء محتمل تناقضه القناعات
وعبد الماء مكسور القوادم
يصبغ الطرقات من دمه
وعبد الماء يجري الماء في دمه
فلا تتمهلوا الراحات
من جب
ومن حجر شجاع يخرج البحر الذي غسل المدينة
آه عبد الماء من وجع المدينة
مغلق الصحراء منذور
فلا تستمهلوا أفقاً تضج به السموات .
( 11 )
تأمل في سراب الأفق مأخوداً
- هي الأشجار
حدق في رمال الشارع العربي
في الأسفلت
في . لكنها تمشي تدب
فمن يصدق ؟
كانت الأشجار
تمشي نحو عاصمة مضيعة
وكان الفتية اللاهون منذهلين
فالأشجار قادمة
وبحر خارج في راية زرقاء .
مأخوذ
وكان الشارع العربي مسفوحاً
مدائنه محاصرة بأشجار العدو
الكامن المكشوف أحياناً .
فلا تتكاسروا
ردوا الوشيعة في رسائل خيله
والبحر أعماق وأعشاب ونافذتان :
واحدة تؤسس للمرايا غرفةً للعرس
واحدة تهاجر في احتمال الشمس
للمتناقضين رسائل وجل
و زنبقتان
لا تتأثروا بعواطف القرصان
كل سفينة ستعود في هزم
ستحرقنا
احرقوها
من رماد الدفة المكسورة الودجين
بعد دقيقتين جريئتين يغادر الإسفلت
شارعه
يصير الأسود الذهبي عوسجة وذكرى
يغسل البحر الصحارى
شارع عربي
لا رَجْعٌ ولا مستسلمون ولا حيارى
كل مرآة من التاريخ
موج حوَّلَ الرملَ احتفالاً
خرقة في كتف عبد الماء
لا تستغربوا
قتلوه .
أو ماتوا على أشلائه
للبحر أضلاع تآكلت اهتراء
فاستوت للوقت متكأ
له كتف قديم خرقة
يتدفأ العارون والغرباء يكتشف الحيارى
يرتخي في خيطها المتطاولون على النخيل(49/219)
يداعب خرقة فتصير خلقاً .
( 12 )
آه عبد الماء
يجهلك القراصنة المعارون
( التهوا بالليل)
تعرفك الصبايا الموغلات بعطرهن
الدافق البحري
بحار سلا البحر القديم
عساكر الميناء تسأل عنك
هل بحر ويحرق في اندفاق الحلم
كل سفينة كي يهجر الشطآن ؟
مروا فتية مروا
وكانت آخر الأخبار
والصور القديمة والجديدة في معاطفهم
(قديماً رمموا كهفاً وسموه سماء)
قالت الأخبار
فانداحوا تدافع بعضهم
- ماذا تسمون السواحل دونما بحر ؟
( 13 )
مشى في الشارع العربي مختلجاً
يجرجر ساعدين تكسرا
والصدر مفتوح لحرب ساومت أعداءها
في الشارع العربي : ( مقتول وأعرف قاتلي )
هل مات ؟
سوف يموت أحياناً .
( 14 )
سلاماً زرقة الصحراء
داعب خرقة في كتفه اهترأت
فصار الماء والصبوات
معتذر
يد في غرة شقراء في كتف
يد تنداح في دعة
على الجسد المموج
والحرير السارح الممراح
يد ترتاح في حلم من الوبر المطيع
معتزل ومتعذر ومقتول
ويهلع حين ترتعش الخيول كأنها ألق
ويلهج مثل أجنحة وينبثق
أمعتذر
وصهل المهرة الشقراء يشعل في خيوط
الخرقة التاريخ نيراناً من الشهوات
داعبها تضرج خصرها خجلاً
سلاماً زرقة الصحراء
يلهج أي موجة موغل في اللج لا يبتل ؟
( 15 )
ما زال يخرج من هزائمه الكثيرة
بعض أشلاء وبعض رفاة
لا حي ولا أمواته المرحون قد ذهبوا
وما زالت هزائمه الكثيرة تصبغ الإسفلت بالأزرق
يلملم بعض أشلاء وينهض .
سوف يلقاه العساكر عندما يأتون
هذا البحر معتزل ومقتول
ولكن حارب الصحراء أحياناً .
( 16 )
وقت
وبعد دقيقتين شقيقتين
يرافق صافنات الخيل
( لا وحدي ولا سفن سترجع بي ولا ميناء )
بعد دقيقتين شريدتين يشف هذا الأفق
إن عادت فسوف تعود أخشاباً بلا أسماء
لا تتحيروا فالفتية اختضبوا مشوا في راحة
ما زال معتزلاً
وقد تعبوا
وكل نوارس الميناء فوق نوافذ الصحراء
ترتادون
لا عطش فعبد الماء مندفق
وليست شهوة سفراً إلى خشب
دموع الشارع العربي في الأهداب
معتذر وزند في صرير الباب(49/220)
لا رمل بلا لغة
ولا اقتعد العشيق الدار
لم يتأخروا مروا على رمل على حجر
فباب الماء أوسع ما يكون
الفتية المرحون يعتمرون جمر الوقت
أغنية النوارس
إنه كالدم منبثق
ونافذة على البحر الذي احترقت أصابعه
ونافذة على الصحراء
عبد الماء هل موج ولا يبتل ؟
مختلج كأن الخلق بعد دقيقتين رهيفتين
سيبدأ افتتحوا
وكان الشارع العربي يكتب اسم عبد الماء
هذا الوقت مائي
سيمحوا .
يونيو 1979
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الخلق يبدأ
الخلق يبدأ
رقم القصيدة : 6081
-----------------------------------
أبدأ
من قاع الهجس
ومن قاعات النرجس
من يأس الوطن المتألق كاللوتس في النهر
كسحر الصهد بنهد مراهقة ولدت من زبد الشمس
أبدأ من حلمتها كالحلم
أبدأ كالحلم الخارج من كل الأحلام الحلوة
أهذي أهتز
أهز سرير الوطن المستغرق
أغرق
من يرسم قربي قارب قوس
ينتشل الماء ويتركني
في الركن الساخن في وطني
في الركن البادئ في وطني
أبتدئ الآن
فأبدأ من هلهلة الطفل الهائل
من هول الهم الواقف للطفل وراء الباب
أبوح بحرقة أيام الحيرة
من ساعات الأمل المائل
من ملل الليل الزائل
من مبتدأ الخبر الخاثر في أحداق
سؤال الأم المنذورة للفقد
فقدت قياد يدي ودمي وهذيت
وهذي ذال ذكورة كل الكلمات المكسورة
تخلع نقطتها وتغطي عورتها
بالغار وزهو العار
وتصهل دعني دعني
هذا وطني يبدأ
فأبدأ
من أسنان السور السرية
في سجن ليس له سعة
أبدأ من قانون يعزف زعزعةً وزعافاً
من زفرة شعب يعجز عنه الهزم
فيعبر جلجلةً اللج ويسمو
أبدأ من موت صديق صاح بصمت الكون
( أكون صدىً لصرير الباب المفتوح
بكسر وحشي لأحشاء شهيد نعرفه )
نبدأ
من لغلغة اللغة المغلولة
من غرغرة الدم بنحر شهيد
نحمله حمل الحب
فيصرخ فينا :هذا وطن يبدأ في
وأبدأ في بيدره
من شهق العرس الشاخص
حيث تشق عروس ثوب الزف الزائف
من عرق يتموج كالمجد الجبلي الجانح
في عمال بلادي المرضوضة بالضيم
أبدأ
لا أعرف حداً للكلمة(49/221)
أعرف حداً للسيف
أبدأ من رعش حنين النرجس للجنس
فترجف تنهد حالمةً كل مدائن قلبي
من قلعة شعبي
من أسرار البحر
وأقلع في سفن الدهشة
أخرج من هذي المدن الهشة
أدخل في هذي المدن الرثة
في رئة الوطن الساكر في محراب الضوء
الضوء وهذا وطني يتوضأ بالضوء
وهذا وطني يتدفق في هذيان الوجد
ويذهلني
يصرخ بي دعني
أبتدأ الآن كوقت يأتي
أبدأ من ذهب الذل الذاهب
من حدب الحاء بحريات بلادي
من قصص الحب
وحلو حنان الأم المنذور
لحضن شهيد الحنطة
أبدأ من تكوين الكون
وأرخي لحروفي أتركها تبدأ بي
تدخل بي قاعات النرجس والسندس
حيث ابتدأ السحر الساهر
فوق سرير السين
وأستأنس وحش اللغة الشارد
أدخله في هذياني
وأزواج بين الحزن الحائر في عين بلادي
في الليل
وبين الوادي في السيل
وأربط أطراف الطرقات المخمورة
والمهجورة والمحظورة
بالقدمين
أبدأ من دفتر أطفال بلادي
أقرأ في اللبن المرسوم عليها
بأياد حلبتها المرأة
من ضرع الزمن الزائغ كالنصل
ومن كل حروف الوصل
من نافذة ينفذ منها فل الفسقيات
المزدانة بالسهد
والغضب الوردي يلون خد مراهقة
نسيت قبلتها في لهف عشيق شق القرطاس
وخط الحب على القلب
وصاح ( هذا وطني يبدأ )
أبدأ من كل بدايات الشجر الشاهد
بالشوك ويصرخ
أبدأ من خيبات الخلق الأول
والثاني والثالث
من خلخلة الخوف وخلط الأوراق
ورقرقة الوهم الهاطل
في كف الهم الهسهاس وهمس
القرط المنزوع
وخيط الدم على كتف المرأة
والمرآة المرتجفة والمشروخة بالغيم
من ذهل الهدهد في حضرة بلقيس
وبالعيس الظامئ والنهر على كتفيه
ويهيم
أبدأ من خيمة بنك السهرة
فوق رصيف بلادي
من قصر يتمرغ في وحل يتحول أو يتوزع
في أرصدة التنويمات
وفي وهج الجرح يشف الواقع
عن حلم يحلو ويباغت
لوعة غصن مغبون
أبدأ بالحرف المجنون الجامح
كالجرس المسنون
يصيح بنوم العالم
( هذا وطني
أعرفه كالأحمر في الدم ويعرفني )
يا كل نشيج العالم
أنشج دمع الباكين وأبكي بالكون
وأكتب في كراس الكفر(49/222)
سلاماً للساهين عن الحب
وسر الحب
أبدأ من لوعة برد النطرة
من نظرة أم للباب لكي يفتح
عن ولد غاب
وأبدأ من غيب يسفر عن ساق الحرية
مهما طال
من أطفال كبروا قبل الوقت
ومن وقت بتخلف عن وقته
من وقت لاه
من سعة ضاقت بي
أبدأ من خطوة جيل آت
من جبل مات
وجيل كاد
من صبر امرأة أرهقها الحب
وراقت في عينيها الكلمات المشدودة
بين الحب وبين القلب
فتشرق في حنجرة الفجأة
أبدأ من رجل صادق أحجار الشمس
ورافق همس جهات خمس
من عرش القمر المنفعل الفاعل
في عرس الليل طقوساً قاسية
كالقوس القادم من قزح
من فرح
من تعب يوصل بين الترب وبين السحب
يوزع في الأرض مواعيد
يهيئ عيداً للتفاح
يشد الغصن إذا طاح
ويصرخ :
( هذا وطني
أعرفه
كالبلح الغاضب في حد الصيف
يكسر طمي النهر الناضب في الغفل
ويبدأ )
أبدأ من أشلاء الشكل الشائخ
من وهج رماد الأمس المحطوم
من الهم المفطوم
كثلج الفجر الناهض
والوجل الباهض
أبدأ من رايات العتمة
في قداس الضحك الراكد
في كدر الفرقة كالدن
يدندن في أذن نبيذ الذبح
لينبذ قصعته ويطير .
أبدأ من خلع قواف ليست لي
من قلع القاف الواقفة الآن كترس
في صدر حروفي
أبدأ من جسر الغامض والمعجز
واللغز وسن الواقع والجامد واللين
والصعب السهل الآتي الذاهب
في زورق غمز لا يغرق
في ماء القلب الأزرق
ويكون البحر سلاماً للشعر الحلم الوهم السهم
البادئ من لا حيث بدأت
ويصرخ ( هذا وطني يبدأ ) .
من لوتس أيام التحديق بحزن الإبر يسم
من برسيم الدمع الداكن في منديل الدولة
من إبريق الكلمات البراقة كالبرق
وقرص القند
من نهنهة الرضع تلج بجوهرة في النهد القادر
في إصبع ساحرة تغزل للعشاق مواعيد
ولا ينقصها غير التحقيق
أبدأ من بدء الخلق الغامر بالقنديل القاني
من عصفور دججه الجوع بجرح جمري
أبدأ من رغوة ألواني
من هذياني المذهول بذات الوطن الذائب
في ذاتي
أهمس
كالناسك ينسج ماء صلاة الخشع ،
ما أكبر هذا الوطن الشاهق
في السطع
وما أصغرني .
شتاء 1978(49/223)
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الوردة الرصاصية
الوردة الرصاصية
رقم القصيدة : 6082
-----------------------------------
1
في البدء كانت جنة الرؤيا
أرى فيما أرى
تبكي صنوبرة على صحن المدينة , والخيام تجل ل الرؤيا
أرى طرقا ستأخذني إلى طرق ستأخذني إلى طرق وبحرا
كالمدى
فيما أرى
كانت ستعشقني العذارى . سوف أصبح نجمة
في شرفة . لو نشرة المذياع قالت آخر الاخبار قبل الهجرة
الأولى
رأيت وما رأيت
مدينة تمشي وعذراواتها يفقدن عشاقا ويقتقن القميص
ويحترفن الغزل كي يفتقن ثانية
رأيت كما رأيت
لهن شاهقة الرؤى / لي منتهى شجر سيحنو فوق
جنتي المحاصرة المباحة / هل رأت تفاحة القصحى قلنسوة
البلاغة غيمة الشعراء / كانت جنة الرؤيا بدايتي الأخيرة
هل رأت فيما رأيت
نهاية الهجرات / كل مدينة و جر ومنعطف السلالة
جيفة ترث الجزيرة
هل أرى وطنا يعيد الشكل , يمزج جنة الرؤيا بفوضاي
الجميلة , يخطىء المعنى معي , يهتاج في لهب السبابا
قالت الاخبار هجرتي الكسيرة في طريق كلها طرق مطوقة
بعراوات
يحرسن المخيم بالدم العاري
ويسطعن انتشاء في دم لي
أو دم لغموض أخباري
لهن خفائف يخفقن فوق مخيم وكنيسة تنأى
رأيت صلاتهن جنازة
يعشقن فرسانا ويفتقن القميص
لكي يطيب الغزل . يفتحن الصدور . لهن جرح وردة في
القلب . يفضحكن العواصم بالمخيم
هل أرى فيما أرى
مرآتي انهارت على حجر الطريق ورفقتي ينصبن أشراكا
يسمين الحراب حديقة والماء مأوى
يبتكرن نهودهن , يضعن في شرفات أحلامي حناجرهن
لي عشق مغامرة بلاد هيأت أسرارها
لذبيحة الرؤيا
أرى فيما أرى
مدنا تجرجر عارها ومدينة تستنفر الأسرى
ترص ع جمرها مختالة
وتصيح بي في هودج الهجرات
لي ماء يقاومني لكي أنسى
لها ماء يسمى ملجأ وخديعة تئد
النساء
يطأن قلبي
كل ما ينسي يسمى جنة الرؤيا
لهن تميمة في طينة الجسد الطري / وكلما أنسى
أسم ي وردة الفوضى عشيقتي الصغيرة . كلما أنسل(49/224)
من ليل المدائن , من سلالة جيفة ترث الجزيرة
كلما
في جنة الرؤيا أرى مستقبلا
وأرى حفيرة
2
أسعفته اللغات ليحتمل الموت
كي يشهد الشرق مستسلما للغروب
حوله جوقة / ليس للشرق , لم يبق الا صد للقيود
التي تنحت العظم / إني بريء من الشرق
من قلعة من كهوف
برىء من الصمت مختبئا في الكلام
اللغات التي أسعفتني إلى الموت غادرتها
ألجأ الآن للخيمة الحرة المشتهاة
ألجأ الآن للتيه للمنتهى / ليس لي
للبيوت التي طاردتني
لجبانة ضاق بي قبرها
للمدى يحضن الطائرات المغيرة ليلا
ويغتالني
3
مشى في شهوة الفوضى
يواري كل شيء في فضاء الشرق في شكل له
لا يقبل الترميم
مشى في وحشة التهويم
لن يصل الكلام اليه
يمضي شاهقا يفضي لجن ته التي أشهى
يؤالف أم يخالف
أم يؤدي طاعة للطقس في ردهات
هذا الكهف
لا تسأ
فقد أضحى بعيدا نحو جنته
وحيدا صار في حل من التنظيم
لن يصغي لمنعطف اللغات , تراثه تيه
ويخرج من جمال رماده شعب الشظايا
شهقة القنديل
جلجلة الكتابة والصدى
وفضيحة التنجيم
يمشي خارج التقويم
4
أسعفته / ولكنها حاصرتني
رمته على كوكب الليل / هاجرت كي أفضح الليل في
الشرق
لكنها
في غبار التراتيل كانت له
للذي نكهة الخبز في ساعديه
الذي يبدأ الشرق من لثغة في يديه
الذي
اسعف ته اللغات وصلت عليه
التي أسعفتني شكتني لشرق النهايات / نحنو عليه
بشمس
رصاصية / ودعته / دعته لكي يقبل القتل , كي يحسن
اللغو واللهو
كي يستفيق الحطام الالهي
لكنها حاصرتني
5
سألوه
واشتبكت جيوش فوق جثته
تلائم
أو تقاوم
طينة الجسد الرمادي احتمت بسلالة الشورى
: تقاوم أو تلائم
طينة الجسد الطري تحاسرت
عبرت بلادا كالشواهد , راودتها شهوة المنفى
تلائم
عندما سألوه كانت نحلة الرؤيا تغيم بمقلتيه
وكان تاريخ يضلله الوضوح
سألوه
كان موزعا بين السقيفة واحتمالات الخلافة
واضطراب النص والفتوى
ومختلف الشروح
سألوه في شفق الوقيعة والمشانق كلها
كانت له
: قاومت
لكن ما الذي يبقى
تقاوم لأجلك الرايات(49/225)
موتك سيد
ستكون عبدا عندما لا تنحني في ظل قوس النصر
يبقى , ما الذي يبقى
تقاوم أو تلائم
جنة الرؤيا يداك
وكاحلاك على رماد بارد , قامت أو لاءمت
كانوا يسألون الفقه والقانون والمتن الذي
كتبوا هوامشه وسدوه بجلدة كاسر
وجميع ما يبقى لك الآن
الكتابة والغياب
هذيت أو كاشفت , إن سألوك
قل لهم الجواب
هذيت أو حاصرت أسرار الذبيحة
سيد في الموت
لا دمك الذي يغري بأنخاب دم عبد
ولا العربية الفصحى ستبتكر البلاغة عندما ترثيك
قاوم
واحفظ الطين الطري
ولا تلائم
كلما سألوك
قاوم
سوف تهذي سيدا ويموت موتك
عندما نصبوا السرادق خارج الاسوار وانتظروا
لكي ينهار وقتك
أين صوتك د ع لهم سعة لكي تصل القوافل مكة
بالقدس
تمتد القبائل
د ع لهم , يطأون جثتك الفطيسة
كلما واصلت صمتك
فاتئد
سيكون في الطين الذي ليديك شاهدة
لتسمع عندما تهذي
: يقاوم
أو يلائم
عندما ت غوي يديك سفينة التيه
انفصل
دع فسحة كي لا تغادر جنة الرؤيا
وقاوم
6
رأيت يدين تستبكان في جسد
رأيتهما ملطختين بالتلوين
صلصال وصورة عاشق وتفجع الحبلى
/ خفائفها الجميلة سوف تستقط / من لها
ويدان تشتبكان في الجسد الطري . وجنة في الطين
رأيتهما
عشيق شارد
ومخاضها يغري اللغات / خطيئة العربية الفصحى
لها
ولها خفائفها الجميلة . كدت من خوف عليها
من لها
مغدورة ويدان تشتبكان في جسد تفصته
الحروب . رأيتها
ورأيت فيها لحظة التكوين
7
أسرار فاكهة المساء , سريرة المأوى
ومحتملان
موت للذي ينسى
وموت للتذكر
سيد في القيد أرخى للمدائن من مدينته
سيهذي مثل شعب
من له / من لي بهاوية ليهذي
جنتي نعش على رئتيه
من لي / من له
طرق ستأخذني إلى طرق ستأخذني الي طرق
وأحجار الطريق ستلبس اللحم الذي / قدمان عاريتان
في برد, وكل الاسلحة
تكتظ في أثر طريد
رمبا هلعا / شريد
ربما ولعا
لها . قدمان
جنات , جحيم , ربما تنسى جميع الاضرحة
قدمان
هل قدم مقدسة الخطايا والخطى ابتهلت
لشيء ليس يسمع
ليس يغفر(49/226)
خيمة أم خرقة في شهقة الصوفي
أسرار لفاكهة
ستنسى عندما تهتاج في شغف وترتطم الحجارة
بالمدائن المدى
من للصدى
من لي بصارية تسملها المرافىء
للمرافىء
للمرافىء
انه يهذي
يجانس أو ي طابق أو يناقض
انه يهوي الى لغة الشرائك
من له قلب ستكسره المناديل الصديقة
أو له شعب ستخلعه الخوازيق الشقيق
جنتي عرش على قدميه
محتملان
موت للذي ينسى
وموت للتذكر
سيد في القوس
يصغي للقرى ويقايض المدن الحبيسة بالاغاني
عندما ضاقت به , اتسعت له
و سعت لأكثر من دم
يمشي ويهذي
لم يكن قلبا له / جرحا
وكل رصاصة تأتي بظهر رصاصة
والقلب , هذا الجرح لا ينسى
ولا يتذكر القتلى
لعلي صرخة في أمة ثكلى
لعلي أمة ثكلى
لها من لي بذاكرة تحاصرني .. ولا تبلى
أتوا من فجوة في البحر
جاءوا من جنوب الوقت
كان الله لا يسهو
ولكن الجهات أتت مدججة
بمالا يذكر الجندي أو ينسى
8
وردة للبحر
أشكال لموت الأرض
عرش للذي يغزو
قالت واحتمت بالخنجر الدامي
لها قتل وللشعراء فاجعة الكلام
وللذي يدتد قبر
لم يعد قبر
هي الأرض التي للموت
للبحر المراكب والمدى , وممالك مالت على رئة لشعب
شب عن قبص اللغات
لها لأطفال لها , لمغامر ينجو . لهودجة المدائن
وهي تكبو غير عابئة . لشعب شط في تيه ويستثني
ويغفوا
غير عابئة وتكبو
من لها . من لي
أرى جثثا تسير وتحمل الرايات
تهتف في عباءات مغمسة بزيت الله . تهتف . والمساجد
لم تزل في سجدة الخوف الكئيبة . لم تزل في وهدة
ورأيت نعشا سيدا
لغة وبحر
والذي يرتد مرصود
له قيد وقبر
سيدي ملك على بحر
وذاكرة ستنسى عرشها , وعريشة أشهى
ومختبلون مأخوذون بالبحر المدج ج
بالمدى العربي مثل القيد , بالقتلى
بمحتمل العواصم وهي في كيس الخراج
بأمة مصلوبة تهفو لموت سيد
ومقاصل أقسى .. وأعلى
لم تزل
مغدورة تهتاج في قوسين
شامخة بوجه الذبح , تصرخ
كالذبيحة في المدى العربي .. كلا
قال لي
ما أجمل القتلى
هناك موزعين على المداخل يحرسون قبورهم
وأنا على قيدي هنا(49/227)
هل كنت مختلجا يواري عار ه
أم كنت مثل الوقت محتلا
من لي بذاكرة تحاصرني .. ولا تبلى
9
هودجها يميل
عد ل الفرسان هودجها / يميل
مليكة في غربة الشطآن
موغلة تعذبها القبائل
واحتمال الليل , والسفر الطويل
تختال في وجع
له في كل أرض خنجر
ومآتم منصوبة وفم قتيل
مرصودة للهتك , أطفال لها
ولها الصحارى والمدى العربي في قيد
وهودجها يميل
وحشة تبكي على وحش
وهودجها مليك الافق
أعراس لها في مأتم القتلى
ولن تغفو
ولن يهتز بعد الآن هودجها الثقيل
10
رأيت رماده يرد يهزج يستعيد نثاره شجرا وتاريخا
ومحتملان
دار للذي دمه بروج الوقت
دائرة لمن ينسى
رأيت رماد إرثا لمعراج الصدى. د ر جا لشعب شارد
في غربة الأمواج مثل التاج . كان رماده تاجا على شرق
النهاية وهي تبدأ . لم يكن ينسى عناصره . حريق غامر
وعرائس القتلى وبلدان لها مدن تقاتل أهلها وتحاصر
الشهداء , مرتدا من الانقاض يخرج , لم يكن هذيانه تعبا
ولا فوضاه تذكرة الخديعة , كان في و له رمادا سيدا
م لك على كلماته. غنى . رأيت كلامه شجرا وتاريخا
ومحتملان
زوج للصبية حينما يتضاحك النهدان
في خجل ويكتضطان بالشوق الشهي
زجازجة الرؤيا لمن ينسى ويغفر
عندما يهذي يصوغ رماده وطنا , وطينته الطرية أول
التكوين
11
شكل البرتقال وزينة الفوضى وخندقة القتال وعاشق
يحظى بعاشقة وقافلة من الاعداء
شامخة
كأن نقيضة الاسماء : تذكارات ها لغة
وللكلمات في أشكالها جنس الذبيحة وابتهالات
الغبار
وصورة للماء
خل وها دما فينا
يداها دورة الافلاك
أبراج لها تاج
وهودجها يغطينا
دعوها تحضن الجرحى وتنتخب الضحايا
تفتدي , وتحاسب الموتى اذا ماتوا
دعوها حرة فينا
ستعطينا دماثتها لنشعل زيتها فينا
يداها برتقالة دارنا وحديقة لتهالك الاسماء
كانت عندما كانت هوت في حوضها مدن وأفراس
ونجم شاحب وشرارة الانواء
12
فضحت نا مثلما سك ينة تندس
هذا حلم وحش
ونختال به
نسأل من أين إلى أين ولا نسأ عن تاريخها الآتي(49/228)
ولا تهتز في أحجارنا سنبلة للشك لا نسكو من الوحش
فجاءت
مثلما جنية تهذي لكي تلهو بنا
فضحتنا
فت ركنا للذي ينثال من أحلامنا
حرية الموتى
تركنا كوكبا في جسد الشرق لكي يختار من أيامنا
وتركنا ماءنا الغالي لكي نشرب من بئر المقابر
فضحتنا
والذي ينهار لن نرأف به
للفضح هذا الجسد
الهالك
هذا الجدث
المالك
لم يبق لهذا الشرق من وقت
سنبكي عندما يخطئه الهدم
افضحينا
13
أحجارها تاج على ذهب المدائن
صورة للماء
أخبار الحدائق في خبيئتها وليست جنة للنار
مدت لليتامى للمصابين ابتلاءا بالردى
مدت يدا
كانت تحاصر آخر الرايات في شرف القبيلة
من رأى مدنا مدكسة
رأيت هوادج القتلى على خشب عتيق
ربما العرب الذين
مدينة صارت وتختصر المدن
تمحو وتكتب
من رأى امرأة تلملم ظل ها لتصد جيشا
من رآها - في قميص واحد
حلما ووحشا
من رأى عربا على عرب
سلالات , لغات
من رآها أمة منذورة
عرشا ونعشا
14
لهن تميمة الذكرى ومدخراتها
يمشين مصطبرات
ثاكلة وعذراوات
في قمصانهن غزالة مذعورة وجسارة الأسرى
سينسين الكلام . خيامهن الهتك . من أعطى
لفاكهة المساء سفينة مكسورة ومحا الهواء
وصاد ر الميناء
من أعطى النساء نوافذ الرؤيا وأطفأ نجمة
الأفلاك
من دمنا على يده
ومن يده على دمنا
ومن منا سيرسم آخر الاشراك
من للنسوة اللاتي بنين النهر والمجرى
لهن خديعة الذكرى
لهن الفقد والنسيان
من لي بعدهن ومن لهن عريشة بعدي
وحيدات على خشب المخيم
والمدائن تشحذ المنفى
ويرجع لي الصدى
وحدي
لهن القبر
لي قيد وللفوات أختام الطرائ د
للموائد نخبة الاقداح
للرسل الكثيرة فجوة في التيه
مصطبرات
لايمشين لا يمشي بهن الماء
عذراوات
من لي / ما الذي أسرى لمنعطف الخريطة
مشرقا كحمامة البشرى
غريبا غائبا
ومضرجا بتمائم الذكرى
أحايد بين موتين
انتهاء الأرض حتى قهوة المأوى
وخاتمة النشيد
بكت لي أو بكت في جنة تهوي على القدمين . قالت
ربما
وتشبثت بتهد ج الفرسان
من لي بعدكمز خلوا خيولكم(49/229)
تخب وخيموا عندي . دعوها
تحرس اللغة الجريحة
كي أموت وحيدة في حضن
فارسي الوحيد
بدأت خاتمة النشيد بدأت في الذكرى
دعوني خائفا لو أنهم تركوا لقلبي حسرة الفقد الذي
ينسى
نسوني في نساء , خب أوني في سرير الغدر . لو أن السفائن
كلها ضاقت لكان القتل أجمل من يد مغلولة في وحشة
الصحراء
بكت عند الرحيل وكنت في الذكرى
15
بغتة تبرق أسرارنا
في دماء الكوامن في آخر الليل
من ليلة هيأت ها التآويل , من قاتل , من مليك ملاك
من هناك
حيث أسماؤنا في بلاد
وأحباب نا القاتلون احتموا في بلاد
ونحن بلا مدخل للسماء
سيبقى على الموت أن يفتدينا
سيبقى لنا في القبور وأسرارنا فسحة للفضيحة
يبقى هلاك لنا
هل رأيت الجنائز تخرج محتجة
ورأيت الدماء المهانة في موتها
ورأيت السما ء
تضيق بعصفورة الانبياء
سيبقى هلاك
لنا بغتة هذه المزدهاة بتاريخها
طفلة في السبايا
لها في اللغات انتحار
وفي الشجر المستهام انكسار الغصون
لها في الجنون احتمال البقايا
ترى من لها ف السفائن في غربة البحر في جيئة
وزعت ها القبائل في شهقة حرة .. أن تموت
طفلة صدرها في السيوف وأخبارها شغف للحياة
وقمصانها مثل شمس تطوف ملطخة مترعة
ببقايا الصباح وقهوتها للضيوف الغزاة
وميزانها غاية الاشرع
طفلة راهقت
والسلاح تميمها
ظهرها في المخيم والأمة الراجعة
16
نهض الرماد كأنه ينأى
كأن شهيقه في زينة البحر
انتهى وقت
سيأتي آخر
فدخلت في نار العناق
سيذهبون الآن
من لي
من لهذي الخيمة المكسورة الوتدين
من يبقى يصد رصاصة الموت الأخير
بكيت في التذكار
كان البحر وحشيا وكنت ملطخا بالفقد
مازال الدم المهدور في كأس الشوارع في رؤى خشب
يمنعطف المواكب
كانت الرايات تجهش
سوف تذهب
من سيبقى
كنت في شفق من الذكرى
كأن السبي فينا مرة أخرى
كأن البحر لن يسع المراكب , والنوارس
سوف تغرينا بمقتبل الضياغ
كأنما ينأى
ويحتكمون للفوضى
لهم أسرار ولهم بلاد
جنة الجرح التي رسم الملائك حولها سورا
سيحتكمون للفوضى(49/230)
بلاد لم تزل
وحجارة تمشي
وقلب أثقلته كثافة الرؤيا / ب ك ت لي
دع جوادك يرتوي
من زرقة النهدين
دعني
ربما بعدي ستحتدم الرماح
وبعدك الصحراء
قالت
كلما تنأى
سيحتكمون / تبدأ هذه الفوضى
يد في صخرة الوديان , سوسنة تسن براءة الامواج
كنا فتية في وردة الفوضى
يعيدون الملامح للذبيحة
يستعيدون الطريدة
فتية للفقد منتصرون في أشلائهم
ويد على جرح
يد في جنة
ساروا على أسرارهم
كان الطريق يعيرهم ليد فترسمهم على حجر الطريق
ملك على الفوضى
وسيدة بلا عرش
وفاقلة توز ع جمرة الرايات , يخلعها الصديق
خطيئة الرؤيا
ستذهب
من لها / من لي
ستهرع عادة القتلى الى حجر / د عوه
ذلك الحجر الجميل
دعوه
يبنون البلاد عليه / فوضاهم وجنتهم
لهم أسرار فاكهة ونهر سوف يكسر عادة المجرى
ويركض أو يشط
وربما ينأى
لنافذة تخبىء نجمة لليل
هل تسع المراكب كل هذا
الموج
دعني
دع دمي في وردة الفوضى
يفيض ويحتمي كطريدة النيران خلف الغابة / البركان
يحتكمون
قائمة القضاة
منصة الحكم
المحامون
الذبيحة والطريدة
شاهد الرؤيا
وحراس المدينة
لم يزل ينأى
تلاحقه المذابح
من له / من لي
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> النهروان
النهروان
رقم القصيدة : 6083
-----------------------------------
تاريخ الومض
هذا هو الشاحب الصوت
يشحذ تاريخه
شاخصا في خراب يؤرخ
يرخي رواياته
يستعيد الوميض الذي لم يمت
الوميض الذي لا يموت
شاخصا في السكوت
الحنين الرمادي مستنفر
قيل ماتوا / وقيل انتهوا
من يؤرخ / كان الرماد
بروجا من الماء مرخية / من يؤرخ للماء
من يحتفي
والنهر مستغرق في نشيج البيوت
شاخصا في السكوت المؤجج
مستسلماً للوميض
حكوا / سوف يحكون
وحدك الآن في غابة / صادق الوحش
وافتح له قلبك المستريب
وحدك الآن فاهدر وسلسل خليجاً من النخل
وحدك الآن مستوحش
والفوارس مشغولة ، تخلع الوقت
تاريخها خاضع
سوف يحكون / فاصغ ..
2 قولي له الخروج
في هذا اللهب المستريب الذي يعانق(49/231)
تتعلم الأشجار كيف تشحذ السيوف الكسولة
وتجلس الخميرة في رواق
تقول للأصابع المضطربة : إبدأي
فتبدأ
مثل النهايات الأولى لخروج يغتصب الرمل
حيث جنية النخل تخلع أعضاءها
فيغمرها الحليب
افتحي لجمرة النهر نهديك
لك سرير الأسرار . هذا اللهب
حين يحتازك الفارس الغريب
ينتشر الأطفال في ردائك الأخضر
فتخرج النوارس من أحلامك
أجنحة وأصدافاً وكواكب
افتحي طريقا ، حيث الخميرة تدوزن القتل في النهاية الأولى
وتبدأ ذكريات المستقبل في التدفق
لا تقولي للغريب الكلمات قولي له القبل
قولي له الكأس والوسادة
قول له الشهيق الضاري الذي لا يخجل
حيث الجحيم الذي يتناسل
والأحجار تحتسي درسها الأخير الأول
قولي هو السيف عاريا .
3 حكمة الماء
يبدأ النهر من غيمة مشتهاة
من الطمي يطفو بدمع
من النخل مستغرقا في صلاة
من الصمت يبحث
/ من أين
قمصانهم من رماد الأساطير
يبكون من فرح / يبدأ النهر
من أين مروا
بسطنا لهم من صليل الحجارة سجادة
واحتكمنا إلى الماء / كان الرماد بروجا
فمروا على الأفق والرمل في غفلة
كيف مروا /
مشى النهر في هودج الأرض مستبسلا
واحتسى خمرة ألهته
بسطنا لهم خندقا
/ كيف مروا
رأينا علاماتهم في النخيل الذي ظل مستغرقا
في صلاة وفي خمرة
هم الآن مستوحشون
الصحارى تباغت أطرافهم / كيف
ليس ما بيننا من لغات/ دم بيننا
واحتمال وماء
وما بيننا
حكمة الماء مسقوفة بالسيوف التي تسبق الدم
يبدأ النهر من صخرة الليل
من حجر أسود
كيف مروا
لهم عند كل انحناءة حرف بقايا
لهم في الحجارة تعويذة
كيف مروا ، و هذي الشوارع
هذي التواريخ مكتظة بالوصايا
هم الآن مستفردون
البلاد التي قاتلت حلمهم أمة في سبات
فمروا
بسطنا وضوءا وسجادة واحتكمنا
هو الماء فاصغوا ...
4 وحشة الفارس
السيد النهر مستوحش / وحده في النخيلة
فرسانه يسأمون
يعبون من ضجر الاحتمال
وحده يجمع الوحش ، يسقيه
يبسط أسطورة من حرير على كتفه
وحده / والفوارس مهدورة في انتظار الهزائم(49/232)
رمل النخيلة مستنفر
سوف ينتابني الرعب من حافر سوف يرتج منه دم
هارب سوف يهتاج مستنجدا من غد سوف ينتابني
الاحتمال الذي رافق الله في خلقه
وحده النهر مستفرد بالفريسة
قولوا يد سوف تمتد تطوي سرير السماء المطرز بالجوع
قولوا حسام سيخرج عن غمده البدوي ويفضي إلى الجسر
ظمآن
قولوا الدماء التي في اخضرار النخيل رماد له خاتم لا يسمى
وقولوا الرسائل لن تحمل الحب بين النخيلة و النهروان
انتهوا / سوف نبدأ ...
5 حالات الحروف والأسماء
( الحروف كلها مرضى إلا الألف
أما ترى كل حرف مائل
أما ترى الألف قائما غير مائل
إنما المرض الميل
و إنما الميل للسقام
فلا تمل )
مريض من الحب والاحتمال
شريد وينساب في الأرض / والكلمات احتفال قتيل
ويهلع في وحشة الرمل
أسراره الجنس والموت
أخباره في النساء اللواتي اختبلن اشتياقا / وينساب
أحلامه بيرق الليل ، والحرف والبرق أسرى له
يحتذي هدأة السرج في صهوة مصطفاة / ويشرد
ليست مدائنه الآمنات
يرتدي صمته الصارم المستثار
هو الوحش مستفرد هارب
كان في سجنه آمنا كان مستغرقا في حرير الزنازن
مستعصيا كان في قتله مستحيلا له الليل سجادة
والصلاة احتفالا له / كان حرا
هو الآن في قيده المستطيل
أخباره في النساء اللواتي اغتسلن اشتهاءا بأمواجه
والحروف المنارات والسر والسلسبيل
اسقني
كان لا تفرغ الكأس من خمرة الأصدقاء . اسقني
كل حرف مريض سينهض بالكأس . هات اسقني
نشوة العرس تاج لأسراره ، فاسقني
هو الآن في قتله المستحيل
( سيأتيك الحرف وما فيه
سيأتيك منه اسمي وأسمائي
سيأتيك منه العلم
وفي العلم عهودي إليك ووصاياتي
سيأتيك منه السر
وفي السر محادثتي لك وإيمائي
وسيدفعونك عنه
فادفعهم عن نفسك )
هذا هو النهر مستسلما لابسا قتله المستحيل
ناسجا من حرير انتظاراته كوكبا
فاستجيروا به
من رماد / له الخلق / من طينة
فاستجيروا
له الخلق / من زعفران المرارات / من نهروان
حكوا / سوف يحكون(49/233)
قالوا انتهى / قيل بدء له في قميص من الطمي
في صخرة طفلة / سوف يحكون
هذا هو النهر مستغرقا عابرا قبره المستطيل
يؤرخ للجوع يحنو عليه ، ويمنح أطفاله وردة للخروج
استجيروا / هم الآن في ظاهر النخل
لم يحمل الرمل أخبارهم / جاءوا مع الماء
من يقطع الماء بالسيف
مروا
رأينا الجياد الجميلة مزدانة بالكلام الجميل
أسمع الأرض تهذي بأطفالها ، تستغيث
افتح الخندق الرحب / تهذي
مشى فاتح على جرحها / أول النهر / محزومة بالبكاء
انتهت / سوف يحكون / تهذي
وجيش النخيلة يصغي لتنويمة الموت /
يصغي وتهذي
تآبينها مشتهاة دما واحتقان
فتهتز في مهدها الرحب والنهر مستبسل
أنا زعفران الصلاة الأخيرة
أنا زعفران الصلاة الصغيرة
والأرض تهذي إلى النهر مهتوكة
... فرأيت عليا يتبنى التراب ويحثوه على التاريخ بدمع . رأيته يجثو إلى النخل يرويه يروي له عن شهيد سيخرج عن سبايا عن الضحايا المصطفاة . عن الخيل تحجل في العظم يحكي له عن خجل الموت . عن رفض سيملأ الأفق. عن الخاتمة وهي تفتح الأرض لخروج أبدي ، عن الفاتحة وهي ت
النهر في نهروان الخليفة مستغرق
سوف يحكون عن عروة الومض / يحكون
عن خارج في حسام له سطوة الرعب في الأرض
عن عاشق يعبر الشارع العربي / يؤرخ
للقتل مائدة
للكتاب الأخير افتتاحية
/ صاح غيلان في السوق :
( من يشتري كل هذا التراث الموشى بدمع )
حكوا / سوف يحكون
لكنه مثل حرف نبي
له السمت والصوت والصولجان
سيغزوا بهم في رماد التراث الذي في يسار الكلام
( فالحرف ناري
الحرف قدري
الحرف حتمي في أمري
والحرف خزانة سري )
سيدفعهم في حريق الشوارع
في الجوع والجرح والجمرات.
6 الكلام الأول
موغل في يسار الكلام
ليس لي صورة في الوقيعة
لي خمرة طفلة حرة أحتسيها وأرتاح من وجعي بالوجيعة
بلاد هي الآن مفتوحة / نهرها في سرير من الأرض
في خندق في خداع خنوع
هي الآن مخلوعة للخليفة . منذورة للخراب
هي الآن مذهولة في صلاة هي الآن(49/234)
يا خمرة أحتسيها وأرتاح من وجعي بالفجيعة
حكوا / سوف يحكون .
مضى في عذاب له
حاملا من تراث الهزائم أسطورة
مثقلا مثل رمل النخيلة قبل الكلام الجميل
تراتيله جوقة فوق عشب البدايات
أطفاله /
من يغني له في عذاب له شرفة الماء مزهوة
سيفه الأول المستهام
/ المدينة مفتوحة للصهيل الغريب
فمن يشتري كل هذا التراث ..
7 تراث المدينة
عروة قيل يدعى . وقيل الذي موته نافر . قيل غيلان
يدعى . وسموه ماء الكلام الجميل . سموه ما لا يسمى .
حكوا / سوف يحكون
هذا تراث من العري / من يشتري موته باحتمال
ومن يعبر النهر للنخل ، حيث النخيلة بوابة
للسرادق أو للجواسق أو غرفة مشتهاة
السوق مفتوحة كالمدينة
قال لي : بع لهم من تراث القبيلة / واسكت
فرأيت المعري يعري الصلاة الطويلة
( أفيقوا أفيقوا )
ولم يستفق نائم في قبور الجزيرة
لم يتعظ هائم في فضاء الخليج
فمن يشتري كل هذا النشيج
قال لي : بع لهم وابسط المسجد الأموي بصمت
فيا جثتي في رماد الصلاة الأخير .
8 طفل يؤسس الماء
زهرة . نهروان . وفسقية من دم
أيهذا الرماد الذي مثل ماء ويغوي
أدر واسقنا
واسق هذا النخيل الرشيق
هو النهر /
هذا دم أسس الماء فيه بلادا وأسرى / له الخلق
فافتح له القلب / هذا الغموض ازدهار وفوضى
له الخلق / فوضى
حكوا / سوف يحكون
فاستسلم النهر مستعذبا موته
كل مسقوفة موته
كل موت له نطفة سوف تجتاح .
... وقيل أن الماء لم يتكون بعد . فرسم الفرات وغطاه بحزن وشحه
بتراث الذبح ، ثم قال :
أيها الطفل تموت ظمأ ، ومات .
مستسلم للغموض الرمادي
والزعفران المقاتل مستبسل / خارج عن حدود السماء
له الخلق في خرقة فاستجيروا
سماء له الأرض يبني عليها المدائن
يبني الفراديس
قمصانه كوكبات وتيجانه سعفة النخل
هذا هو النهر مستسلم للخليج
اختلاجاته راية لطختها انتظاراته
فانحنى
آه لو ينحني مثل غصن
ولكنه ينحني هاتفا بالقتيل
سلام له
سلام على القدم الخارجة ..
9 الصلاة الصغيرة(49/235)
حين انتضت الخطوات سريرة الأرض
انشطر الوقت عن طفلتين
قالت الأولى كلاما
وأنشأت الأخرى حديث الخوف
فاسترجع الطريق طبيعته الأولى
حكوا / سوف يحكون
فارأف بهذا الوطن
إرأف به
أنت عذبته بالمرايا المريبة ، هيأت أشجاره للحدائق حينا
وأحرقتها
أنت / فارأف به من حوافر أحلامك الغادرة
هو النرجس الشارد القلب ، فارأف بأطفاله
بالعظام التي تلبس الجلد ، بالزعفران الموشى
غدا سوف يغشاك حزن يسمونه الذكريات
التفت للمرايا المريبة / وارأف به
أي نهر سيغسل أحزان هذا الوطن .
10 قل هو النخل
قيل . سمعنا النهر يبكي عند باب الرمل
قيل الرمل لا يصغي
وقيل النهر مقتول قبيل الموت
هل ميت ويبكي
قيل . أسرار له . والرمل لا يكتم سر القتل
لو يحكون .
رأيت أحزانه التي لا تحصى مسقوفة بالتضرع
رأيتها قلادات تتأرجح في كتابة ليست للكتب
رأيت دمعا كقوس قزح يحتضن الطبيعة
رأيته في قتل كثير ولا يموت
مر طفل جريح وظمآن
فارتج ماء الرماد احتفاء / له الخلق /
مستسلم للرؤى
لا رمل له حول عليه ولا له قتل
له سجادة من هسهسات العشب والألوان
مأخوذ / له جيش يؤرخ للصحارى
قل هو النخل .
11 الوشيعة
... رأيته يتداعى و ينداح في بريق نصل غير ملجوم
رأيته يوزع أطفاله للسم والعطش ، ولا ينحني لغير
الصلاة
على الأرض يطوي وشيعته ، والوشيعة تهذي وتنسج
أحلامه . ورأيت الفجيعة تركض في بيت علي
سمعت الفجيعة سجادة للصلاة
حكوا / سوف يحكون
عن نهروان يجر السقيفة في موكب خارج
عن رماد مشى في تراث الخليفة
عن سدرة المنتهى وهي تهذي / ويحكون
فاصغوا ولكن أعدوا جوابا لمؤودة سوف تسأل .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الباب
الباب
رقم القصيدة : 6086
-----------------------------------
يحاور مخلوقات الله
يعارضها
يكسر مرآة الخلق الأولى
ويحفر تكوينا بهي الأفق تلجه المخلوقات مطهرة
مطهمة بالنقاوة لا جذر لأصابعها لا أسلاف ولا أسماء
يدجج وجناتها بالقرنفل
يدعوها(49/236)
ادخلي أزواجا أو أفواجا هنا باب لا يوصد فيلج الهيكل والروح والخلية كطفل كطين النطفة يمحو وجه الأرض
يرسم وجه الأرض
يلهو باللون والتضاري
ينثر مواطئه هنا وهناك لعل المواكب تقتفي آثاره وتهتدي بشكل أنفاسه
والرب في التيه يهيء هودجه ويقايض الجند بأسرار الجنة والنار
يطمس غربة صارية واقفة في اللج يشد سعفة نخل ساهمة كالسيف يرسل نورسه في الغمر ويزين تاج يديه
ليمحو لغة ويرسم لغة يعلمها سر الله والفتح
وباب الله شهي
تصلصل قيد في شفتيه لجلجت الكلمات وتاهت عيناه صارت يداه تشق ان الغيم ويدخل في لب الشكل وتيه الأصلاب
قال كلاما يمزج حزن النخلة بالترنيم وكان الباب إلها
يذكر غفلة أهل الدار ويغفرها
يصير كلاما يخرج من نثر الخالق يندفق في شعر المخلوق
وجنسا يطلع كالمعجز في فردوس الأرض يصير كلاما أشهى لغة أجمل سيشعل قنديل الجنة والنار
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> هو
هو
رقم القصيدة : 6087
-----------------------------------
هو الصعب الأليف المهاجِم المهزوم . ياقوتة الكأس حين يترع فيه. هو الفأس يفتح المغلق . أصلابه مكنوزة بالرقيق وهمس القواقع . أخرج العذب من المالح. أسرى مثل جيش مطارد. غده في الشرائك ، والشك فيه . هو المحو في الصحن كالزعفران ، كالندى يكسر النصل . لا معجز ، ول
غده في الرماد المخادع، في سطوة الخف والحافر، في الأرض مهتوكة حصاة حصاة . في الجسر يحنو بغزو جسور . وشهقة الرعب فيه . أصلابه مشحونة بالضحايا. يغطي أحفاده بالتعاويذ . صلصاله صوت نهد . صوت لأحلامه.
أليف مهادن مثل فخ.
هو الصعب المؤرخ ، يمزج الماء بالماء . يكسر البحر صارية صارية . ويبسط الأرض سجادة للخديعة.
تصفن أحصنة في قطيفة وتصلي. يحتفي بالنهايات . آياته في يديه.
يتأنسن :
رافقته، كان وحشا صديقا، وشحني وأعطاني
سريرة الكلام الباقي. اختبأت في خلق ،
وجئت .
يتوحشن : أخلع جلد البداية . لست آدم ولا حواء من أضلاعي(49/237)
أمعن في التيه، جنتي في ضياعي .
هو الصعب الأليف والفارس الفريسة. مولع في جناحيه . يهلع،
كالخوف في النخل، والطريدة فيه .
أصلابه تتهودج بالتذكر ينسى انه سوف ينسى .
أبواب . مفاتيحه في غيهب وفي غيوم .
يا سيد الهتك . أرض مذبوحة، مخنوقة بالصمت،
والذين انتهوا في الكلام، انتهوا . هات التعازيم،
قداسنا مهيأ، وأشهى من كلام النخيل نخل ويبكي .
تهاديت، أرخيت
حتى مشى في ردائك جيش جبان
فيا سيد الهتك، صعب أليف
لك الملك فاحمل عليهم
تخندقت في خوذة خرقة !
تخندق لهم في قميص أليف، وفي قصعة
أرض وبحارة
وخيالة يحرثون
يا سيد الهتك
ازرع الطين بالكاف والنون
واهتف لكل النهايات تبدأ .
يا سيد الهتك
افتك بنا في هدوء
هدوء
لكي لا ننام.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> شهوة الغزو
شهوة الغزو
رقم القصيدة : 6088
-----------------------------------
جاءوا لها من فجوة السقيفة، أدنى من القوس .
فأغاروا عليها . وكانت مشدوخة الرأس، تجرجر من حروب إلى غدر.
لهم خيمة هرأتها الريح والرماح .
يتدحرجون في جيفة وفي جناز .
خيول تخادع خرقة الخيام وتغير. تيمموا لصلاة مجوسية .
ولم تكن الأرض سجادة، كانت سورا وزنزانة .
ولهم قبة، قاب قوس وأدنى من الموت،
جاءوا يدقون أوتادها في القرى بالقرابين .
قال طفل لأطفاله :
الأرض محزومة بنشيج، فاشربوا الدمع .
منذورة لسبع عجاف . ربما قاب قوسين .
قال طفل لأطفاله .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> نبوءة النخل
نبوءة النخل
رقم القصيدة : 6089
-----------------------------------
تشبثتُ بالأرض حتى مشى الدم
حتى بكت نخلة الله تحت السيوف الغريبة
يا نخلة الله هاتي قميص القتيل الموارى
رسولاً إلى الأرض صاريةً في المياه
ربما يسمع الغائبون
ربما القراصنة الأوفياء يحنون للنخل
يأتون للؤلؤات السليبة
يا أرض
يا أرض لا تفتحي شرفة للبكاء
افتحي نار عينيك نحو الغزاة
افتحي للطريد النجاة . افتحي واستعدي(49/238)
أعدي لحزن الكئيب اشتعالاته في بحار غريبة
أعدي له هودجا لا يميل
وهاتي عشاء المحبة في ضوء نهديك بالزيت
والزنجبيل
فهذا المطارد، هذا القتيل الجميل انتخاب المرايا
فيا نخلة الله ماذا ترين على الأفق ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> اللؤلؤة
اللؤلؤة
رقم القصيدة : 6090
-----------------------------------
وطني بعيد مثل لؤلؤة البحار
وطني تزنره المياه وتستريح يدي عليه كأنه سعة المدار
مستفرد في زرقة الملكوت، لا ملك عليه ولا يد
إلا صهيل الساعد البحري منفلتا
كنجم الله في شفق الصواري
وطني .
تهجيت الكواكب واحتميت، كأن بيتي موقد
وكأن مائدة النبيذ على دمي
وكأن أحلام الوشيعة خبز أيامي وقافلة انتظاري
وطني بعيد فالتجأت
قلت، أستثني لآخر مرة
وأطوف أكتب هذه الشطآن، آخر مرة وأصير ذاكرة الضواري .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تجربة الجسد
تجربة الجسد
رقم القصيدة : 6091
-----------------------------------
جسد هاصرته الأراجيف واستفردته النمور
إذا أزْيَنتْ الأرضُ غطى بها فجوة في الخليقة
وارتاح في فسحة، واحتذى نخلة
ربما خادعته النذور
جسد
كلما هز جذعاً تساقط تيهاً ومذبحة
كلما هَزَّ جذعاً تراكضتْ الدارُ في وحشة
أي جذع سيفضي إلى النخلة المشتهاة
وأي الترانيم محفورة في الصدور
مَدَّ أعضاءه في تراثٍ بطيء
تُصلصِلُ أحلامُه مثل قيد القناديل
أغفى، وقيل انتهى
ربما طاردته الذئاب البريئة
من برَّأ الذئب والجب أشداق مقصلة
هزها، فانحنى هودج
ليس عرسا ولكنها الدار سكرانة
كالذبيحة مغدورة وتدور
جسد، كل تاريخه نخلة
حولوها إلى خيمة فاستوت واحة للقبور .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الربان
الربان
رقم القصيدة : 6092
-----------------------------------
بنى سفينته وسواها بروجا تشهق فيها البيارق .
وسوَّرَ الماءَ بحزامٍ من المنارات
النوارسُ وحدها تعرف الضوء والوقت والمدارات الوسيعة .(49/239)
كَنَزَ الأروقةَ بالنبيذ والخبز،
وأرخى المدارجَ للبحارة المحتملين .
هيأ القلوع فصار الأبيض فضاءاً يملأ الأفق .
ووقف، كالصارية الأعلى،
يحرس وينتظر البحارة .
تأخر . تأخر كثيرا ولكنه بقي ينتظر .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تأويل الأسماء
تأويل الأسماء
رقم القصيدة : 6093
-----------------------------------
فقرأتُ أسماءَ النخيل
وبكيتُ في كتف النخيل .
ورأيت أيامي الملفقة المضاعة
كلما تمضي همست لها : اطمئني إنه وطني
سينسى غدره اليوميّ يوماً
قلت: لا تستعجلي موتي فهذا النخل يعرفني
عقدت بكاحليه الخيلَ يوماً
كنت مضطرباً طريداً شارداً والماء ينقصني
فأعطاني عباءته وكوخاً دافئاً
فدخلت في التأويل والأسرار
يا أيامي المتراكضات عرفتُ أسماء النخيل،
وضمني كتفٌ . سينسى - حين ينساني - عناصرَهُ
وينسى حافر الخيل التي صهلت على رئتيه
يا أيامي الأولى التي تمضي : اطمئني إنه وطني
وأغوتني البحار، صرخت في وجع الغياب
ارتجَّ في جسدي دَمٌ ، والأرض دورته الأخيرة .
لقد ضيعت أخباري، على جزرٍ مُجزأةٍ
وأرخيت المراسي في متاهة لجة وحسبتها وطني
ولكني رأيت بآخر الآفاق محتمل النجاة،
بكيت من فرح : هو النخل الذي ينسى ليذكرني
فيا أيامي احتملي مرارات الهزيمة
ربما هيأت للنخل الحزين رماد أسمائي
وسورت المدائن بالندى والعشب
هذا النخل يعرفني،
حزينٌ شاحبٌ مستغرقٌ في شهوة النسيان،
يذكرني لينسى فاطمئني، إنه وطني .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> مخلوقات الماء
مخلوقات الماء
رقم القصيدة : 6094
-----------------------------------
أقذفُ مخلوقاتي نحو مضيق متسع
أمسحُ عن لغتي ويديَّ الطحلبَ و الطمي
و أطهو كلماتي .
أكتب تاريخاً أرَّخَ لي ونسى .
فارتبك البحر وهزت صاريةُ الريح قلائدها
أذكرُ نسيانَ الكتب الصفراء لأحفادي
فأدحرج مخلوقاتي للأرض لكي تخرج من غفلتها
وتعيد العشبَ لشعبٍ شرده النسيانُ(49/240)
وطافت كل العربات الوحشية في رئتيه
أسمِّي لغتي شجراً، و أسميها طرقاً ومسافات
و أسمِّيها أحصنةً ، و أساوم بردَ الليل على كفنٍ يدفئ
أرض تسحب خرقتها الملصوقة في اللحم
فتخرج أرغفة و عصافير تغني قبل الكلمات
وقبل الخلق
تعرف مخلوقاتي لغة
تعرف غيماً وحشياً يرتاد السفن المقذوفة للشطآن
يغرر بالريح لكي تأخذها للتيه السيد
تكشف عورة دارٍ خانعةٍ
وتفضح غدر الصارية الأعلى بالنورس
تعرف مخلوقاتي لغة
تعرف شوقاً شبقاً مكتظاً بالنرجس و الأفخاخ
وتعرف أن النورس في حلٍ من خمرة أشرعة
مزقها التيه السيد
لغتي شجرُ الأشراك
يضيع الغافلُ فيها ويحاورها الضائعُ يغلبها
لغتي تنسى بهجتها الأولى
تخلع أقنعة الكلمات الأولى
تفتح تاريخاً
كتباً
أنساباً كاذبةً
لغتي تطلع من فضح العار وثلج النار
لغتي تبدأ بالأحجار السوداء
لغتي ... هذا الماء ...
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سورة التهيؤ
سورة التهيؤ
رقم القصيدة : 6095
-----------------------------------
تهيأن يا نساء يخرجن من يقظة البحر
ويفتحن فحولة الرمل
لكن تاجات العشب تشق من الريبة
لكن سرير الغمر و نوارس الخديعة
حيث لا يابسة غير ذخيرة الصدر،
ولا طريق سوى دهشة الناس
تهيأن بالعري و العنفوان ولهج المواكب
هذه فجوة المساء العاصف
هذه خبيئة الصدر
أخرجن في وقتكن ولا تعقدن السفائن في أحجار النوم
تهيأن الآن قبل الفجر في صحوة الجند وانتباهة الرماح
فالفتيان هنا يقتحمون الشهقة و التعازيم
يقيمون سقيفة الزواج قدام المعسكر
كل خيمة نبيذ وراحة من الماء الدافق
كل خيمة أطفال مؤجلون ونسل من المرايا
وليكن في أقدامكن تميمة العرس
حيث وحشة النهايات خلق يبدأ
للأرض أن تحتفي، أن تهذي في ماء الجسد الطاغي وزبد الخلق.
كل خيمة طريق لعناق يتعاقب فيه نسلُ الأيام
يبدأ مثلما تبدأ فوضى الكلام و النسيان
تهيأن يا نساء يخرجن من ماء السكينة
إلى تلال تشرف على الهتك.
تهيأن وتسلحن بشكيمة الجوارح(49/241)
افتحن أحداق صدوركن لاحتضان الشبق الشاهق في فتية المعسكر
بهي عناق الجسر
حيث المواكب مفتوحة على الحلم والنسيان،
مفتوحة على أطفال يدخرون النسل الجميل
افتحن قبل الوأد
فالقبيلة تعبر الجسر بعد السقيفة
ادخلن في العناق
حيث الفتية في غفوة البحر و النخيل.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> محتملات
محتملات
رقم القصيدة : 6096
-----------------------------------
غيرتُ محتملَ الخيالِ
وجلست في سعة الغبار مؤرجحاً قدمي على ماء الجمال
كتفي سرير الله،
و الأنهار تركض حالمات مثل شاردة الغزال
غيرت، لكن الدم المنذور في شكل له
يحتال في شبق ويشهق في اختيال
ففتحت للوقت اجتياح الدار مغمورا ومشتعلا
بخاتمة القتال
بحرية العينين، جمر الجنس يخلقها
تراهق ثم تنضج ثم تستعدي سيوف الماء
تبدأ بالنزال
أرضُ و مكتشفون
لا سقف لصوت يدي،
وأشلائي موزعة على حجر الطريق
ورفقة الحانات في صحو
ولي في شهوة العينين محتملُ النصال على النصالِ
غيرت مكتشفات أحلامي تهيأت
وهيأت احتمالي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> بحارون
بحارون
رقم القصيدة : 6097
-----------------------------------
سفنٌ و بحارون،
للتذكار سطوته وشهوته القديمة
مستبسلون،
كأنما وحش البحار عباءة للشمس
والمحار زنبقة النهار
مقاتلون،
وخوذة الجندي نافذة، وغربتهم تميمة
جسد الرقيق على صليب الملح .
من يحنو على وجع القواقع
كلما تعبوا يعود الليل محلول الشكيمة
سفن و بحارون،
ليست نزهة.
نعش تهدهده المياه،
ونورس ضاعت عواصمه على صبر السواحل
لم يعد في لؤلؤ الأعماق محتمل سوى نصر الهزيمة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> فضاء العناصر
فضاء العناصر
رقم القصيدة : 6098
-----------------------------------
نَسِيَتْ عناصرَها السماءُ
فهذيتُ مثل فراشةٍ في الليل تنقل جرحها
بخطى ثقيلة
سور وسنبلة تزاحمت الفصول بخصرها
مزدانة بالاحتمال .
لها يد تمتد إذ تمشي ولا تجد الوسيلة(49/242)
نسيت سمائي بابها الأرضي،
و احتالت لئلا تعبر العربات غرفتها
و تهتك شهوة الأحلام و اللغة الجميلة
أنسى يدي في عنصر التكوين
ما أبنيه من هذيان أسراري سيخلع أول العربات
فلتأت المذابح في تعاويذ القبيلة
مرخية لغتي على ماء العناصر
لي يدٌ مشدوهة ويدٌ قتيله
ليس احتضارا
إنه شجر تحاصره المدائن و المآذن
يا سماء الله
أي عناصر في الغيب و النسيان
أية خوذة تكتظ بالأسماء،
أي محارب يزهو بضحكته الطويلة
جسدي جواد الليل
هذي الأرض لا تنسى عناصرها
أنا مستقبل الماضي
و وحدي،
ربما أبكي على جزر مضيعة
و أحلام بخيله .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الكواسر
الكواسر
رقم القصيدة : 6099
-----------------------------------
أسع المدى
وتضيق بي طرقات أرضي
أينما أمضي تطاردني الكواسر
خيمتي مهتوكة، ولغات أهلي تحتفي بنهايتي
وتجس نبضي
كلما أرخيت أحلامي على حجرٍ مشى
وبقيت في سر المدى وبقيت وحدي
كلما أرخيت شدوني على خشب المدينة شاردا
تهتاج بي ساحاتها
وبقيت في لغة الصدى و بقيت وحدي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> خوذة الرمل
خوذة الرمل
رقم القصيدة : 6100
-----------------------------------
مجد الغبار لنا، وكوكبة من الأنساب في لون البيارق
والمدى المائي مفتوح كجرح الأرض
أي مغامر ينسى القلاع ويفتديها،
أي جندي سيملأ خوذة رملاً يسميه بلاداً ،
قلْ أفقْ و افتحْ لهذا الزعفران الباب
أفق يا أيها الكذاب
جرح الأرض يزدرد القلاع المستطيلة
قل دماً ، علانية يغادر زنبقات الليل
لا خوذ ستحميه، ولا درع يرد تراجع الجثث الجميلة
قل ستحتفظ البلاد بعارها،
وتضيع في جزر مضيعة
وقل مجدُ الغبار لكل شاهدة تؤجل موتها
وتظل باكية على رممٍ قتيله.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> صباح اليأس
صباح اليأس
رقم القصيدة : 6101
-----------------------------------
ها عدت مأخوذا. يشف اليأس عن أملي
وتحتدم المواكب في جراحي(49/243)
ها عدت مشتملا على أيقونة .
وقميصي المغسول في غبش الغياب كبيرق الهزم المهيأ
كاجتراح الحلم يغدرني سلاحي
ها عدت، لي قدم هنا قدم هنالك
من يسيِّرُ للغزالة موسماً ، ويطمئن الشطآن
إن الأرض في سعة هنا كأس تشفُّ عن الصباح .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أنخاب الوقيعة
أنخاب الوقيعة
رقم القصيدة : 6102
-----------------------------------
أعطيك قوساً مثلما أعطيتني
ليديك متسع، وماء للندى .. فارتد
كي تمشي بلا قدمين .
هذي جنة الأحياء إن ماتوا
وتابوت لأطفالي
لتفتح .
إنه قوس على مستقبل الماضي .
لتفتح
إنه جبانة الأيام .
هات الكأس ها أعطيك نخبا مثلما أعطيتني
لا تحتمي في شهوة النسيان
أن أعطيك أيامي و أدفع بالهوادج في اتساع يديك
لا يغري بمحتمل من النكران
هذي جنة مخفورة بالسيف والخوذات والحرب التي هربت
وتمشي مثل عوسجة بلا هدف ولا عنوان
ها أعطيك أقواسا ملفقة لئلا تهتدي للماء
لو أعطيتني لغة تحارب نفسها
فالنخل في تابوته الرملي
ها أعطيك ياقوتا وصافنة وبحارين
أعطيك الحيازيم السريعة
ربما أعطيتني مدنا و أسرى
ربما جندا وكشافين، أو أعطيتني ماءا بلا قدح
وسميت الهواء زجاجة تمشي وخمرا
ربما أوشكت أن تعطي يدي حجرا لكي أبني
فأوشكت الفجيعة
مثلما .
لكنني أعطيك أقواسا مطهمة، وتذكرة لمحتمل الوشيعة
ربما أعطيك تاريخا كما أعطيتني
و أهيئ الطقس المشاغب و الفصول، كأن قانون الطبيعة
يمشي كما أعطيك
لو أوشكت أن تمشي بلا قدمين
لو حاولت أن تحتال، أن ترتد ..
كنت رأيتهم يردون
بحارون منجردين في خشب المدى
لا النورس المرسوم في جسدي سيرشدهم
ولا نجم سيأخذهم إلى الدار الوسيعة
لتفتح
إنه قوس على مستقبل الأيام
و الأفق الذي يفضي لمفترق الخديعة
يا بحر
إن أعطيك أحلامي، فلا تغريك غافلة السفائن
إن بدت مهتاجة في الريح أو مشحونة بدم الوجيعة
أعطيك أفلاكا مدججة، وتعطيني قراصنة ومكتشفين
تعطيني .
أرى فيما أرى(49/244)
جسد الرقيق مجللا بالزيت الزرنيخ و الأمم الصريعة
يا بحر
ما أعطيك لا يكفي لكي أنسى
ولا يدعوك للنسيان .
فلتشرب
إذا أعطيتني ..
أسقيك من كأس الوقيعة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> طائر الروح
طائر الروح
رقم القصيدة : 6103
-----------------------------------
احتفي بالنهايات
حيث الأصابع في الجرح
والموت سجادة لي
بها أصطفي سورة ضرَّجتها التآويل والشك
لكنني أحتفي
كل ماء ترجل عن غفلة الغيم أعطيه كأسا
وأحسوه، أحنو عليه وأحميه من وسخٍ في الكلام
أخبئه في رمادي .
لا يفتح الحلم لي شرفة
أيها الحلم أعطيك ترنيمة من دمائي
وأعطيك مائي
ولكنه . أيها الحلم . لكنه .
افتحوا الدفتر الآن
دفأت روحي على جمر عشقٍ وأدخلتها جنة كالجحيم
افتحوا الدفتر
ارتاحت الروح في ساعة الخلق
فالماء في طين روحي وتكوينها
انه الماء في الطين ..
قلت للماء . قال : افتحوا
مثل جنية هذه الروح ،
مثل الغموض الذي لفَّ تاريخيَّ المستعاد
انتهى ؟! كيف ؟
لا ينتهي .
غاب حيناً وعاد
افتحوا . إن في شرفة الحلم طيرا
فمن يطلق النار في ماء روحي
قلت : من يطلق الطير من قفص الروح
من يحتفي بالنهايات
من يستعيد السقيفة قبل الصلاة
قلت للماء . قال : افتحوا طاقة الحرف
للروح ما تشتهي .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تراث الليل
تراث الليل
رقم القصيدة : 6104
-----------------------------------
أنا الحطب الذي للنار
كل سقيفة وشم على جسدي
يدي في زعفران الليل
يا وجعا تراثيا
أنا الحطب الذي مثل الرماد الكامن المرصود
كل سقيفة تعطي ضياع الخيمة الأوتاد والرقع الوسيعة
كنت مزدانا بأحلام الرجوع، رجعت في حلم
وكنت وشيعة للريح . شردني الغبار
لا ذئب بريء من دمي .
جسدي تراث الليل
لا جب بريء في دمي كذب
أنا الحطب الذي يجتاز
من شجر إلى سفن إلى نعش
شريدا سوف يحملني
وكل سقيفة بوابة للقبر أو للقيد
لا وحدي ولا جبانة صوتي
أنا مستقبل الماضي(49/245)
أغادر في الطبيعة، في دم الأشجار
أعضائي مسافرة لترميم العناصر في غبار النار
سوف يقال :
( تكوين تقمصه الرماد
وفارس أغفى كئيبا.. وانتهى )
جثث مرممة تواري عارها،
ودمي يهاجر كالوشيعة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الفاتح
الفاتح
رقم القصيدة : 6105
-----------------------------------
جياد الفاتح الرملي في رئتي وأنسى
ربما أنسى ليذكر كاهلي المكسور قوس الماء
لي أرض وكوكبة تسافر
والمدى يأتي إلى بابي ويرمي في حقائبه نخيل الدار
يرمي زنبقات والمدى شباك شطآني
يناديني .. وينسى .
كنت مأخوذا بترديد القواقع والطحالب
عندما جاءت جياد الفاتح الرملي
مأسورا بوقع الموج عند حديقتي ..
أمشي .. وأنسى
والجياد مدججات بالقبائل
كنت لا أ بكي على أحد سواي
وكنت أنسى عندما أمشي
وأنسى عندما أبكي
وأنسى عندما أنسى
ولكن المدى، شباك أحزاني .
يهيئ نورسا يبكي على كتفي
سيذكرني .. وينساني
فتفتح لي جياد الفاتح الرملي تاريخا تزينه القبائل
تفتح الآفاق حيث النورس المذبوح
لا يبكي على أحد سواي
وشمس أيامي تغادر دفتي
فأظل مشدوها، أمد إلى المدى يأسي .. وأنسى
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحوذي
الحوذي
رقم القصيدة : 6106
-----------------------------------
يا سيد العربات لا تمش على مهل بحافر خيلك البدوي لا تستبطن الساعات،
هذي الأرض من طين المرايا والرؤى مجبولة
هل تحتفي بالوقت، فالعربات ترهقها الرصاصة في عظام الروح والعربات في هجم الوعول كأنها ريح محاربة كأن الليل منتصف الخليقة،
فانتظر يا سيد العربات أحلامي مشعشعة بأشلاء الضحايا
وانتظر صوتي دروعا للنباتات البخيلة
أيها الحوذي هل تمشي على مهل لكي تنسى
وتمشي كي تؤرخ للدقائق وهي تحتز الوريد القرمزي بشهوة السكين
هل تمشي على مهل بلا وجل لكي تعطي المقابر فسحة للدفن
يا جبانة لا تحتويني راكضا بين البقايا
إن لي في سيد العربات ثارات سأحملها على كتف الدروب(49/246)
قلت : يا جبانة البحر الفسيحة هيئي سعة لقناصين
يزدردون في مهل نخيل البيت .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> بكاء الخريطة
بكاء الخريطة
رقم القصيدة : 6107
-----------------------------------
يطوي خريطته القديمة . لم يكن يبكي
دم في راحتيه، كأن كوكبة من الأصحاب ينتظرون عند الجرح
مشحون و مختبل بعشق
لم يزل أصحابه المتشردون على خريطته القديمة مشرأبين
انتهى جرح ليبدأ .
ربما يطوي خريطته لينسى
ربما ينسى دما في الراحتين ويرتخي، يرخي أعنة خيله
والنخل يعرف أهله
يطوي خبيئته ويذكر أن أصحابا له انتظروا بقرب الجرح
كوكبة تعيد صياغة الفرسان
لو ينسى ليذكر . ربما يطوي دما في الراحتين
ولم يكن يبكي
طوى تاريخه البحري واستلقى على أمل
لكي يأتي البكاء .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سفن الانتظار
سفن الانتظار
رقم القصيدة : 6108
-----------------------------------
... وتتهادى السفن المكتنزة بشبق الياقوت والغبطة مثل نساء ولودات في ظهيرة الوحم الفاتك، والهوادج المرهرهة بالحليب الغامر، والأحضان المبسوطة تبدأ من سرير الرمل وزبد الخلق . يفتك المرفأ الوحيد بصرير الصرة . وتقتحم الحيازيم ريف الحشائش الطرية والعشبة الأشهى .
رسمت الصحو لكي تنداح المراكب خشبة خشبة .
قيل يصلون في شريعة الليل، وقيل لا يصلون قبل صهيل البداية . نصبت سرادق العرس وتشبثت باحتمالات الوعول . وللسفن أن تتهادى وتكتنز . ولها أن تقتحم انتظارات الرمل والعشب . لتظل مرجانات الليل تتدفق في حضرة الفصول والمواسم . وحدها السفن المكتنزة تراهق بصدرها المك
وحدها السفن تفضح أسرار الحيض والخصب واللقاح .
والأرض تنتظر.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> السقيفة
السقيفة
رقم القصيدة : 6109
-----------------------------------
هل أضاعوكَ على جسر السقيفة ؟
لاهجاً مستوحشاً
لا أزرقُ العينين يُهدي رمله الفضي
لا نخل يهودج فوق كتفك
لا جياد . غادروا(49/247)
ويداك في طين الخليقة، كنت مهتاجا وفي شبقٍ
وتاريخ الوعول يَخُبُّ في حقويك
مندفقُ البذار، كأنما تركوا رماداً كامناً
ويداك في عنق القذيفة
ماذا أضاعوا عند مفترق السقيفه :
سيد الكلمات ؟ محتمل النبوءة ؟ شاهدا يغوي القضاة ؟
مقاتلاً هزمته نارُ الله في شكٍ ؟
أضاعوا - ربما - وطناً
وأعطوا فاتحا سيفين من ذهب، وأخطاءا نظيفة
وحشٌ وتبحث عن يدٍ في ظلمة الصلصال
فاستأنسْ جسارتك، احتكمْ للخائف المهدور في دار الخليفة
هل أضاعوك على جسر المراثي ؟
ربما ضاعوا بلا ماء وتاهوا في سلالات السقيفة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> نهار القراصنة
نهار القراصنة
رقم القصيدة : 6110
-----------------------------------
قلت، من يخشى انتخاب الموت في دهليز تاريخ يناوشه القراصنة النهاريون.
أي قبيلة زاغتْ فَطَشَّ الزيتُ والزقومُ، واندحرتْ.
و أي قبيلةٍ قَبلتْ مهادنة القطيع وخوذة مأخوذة بالموت.
من يخشى انتخاب الموت في غسقٍ لينتصر القتالُ
مرة . إن مرت العربات في لحمي بهودجها، تضرجت المنافذ بالدم المطلول،
واحتفلت حيازيمُ السبايا مثقلاتٍ بالمعادن،
والمدى ضاقت سرائره بأثداءٍ مشرعة لرضعٍ،
ليس تعرفه الطفولة أو تنازله الرجولة
مرة. لي صافناتُ الخيل، و الأنخابُ لي مرصودةٌ
ولي السؤالُ
فالنخلُ يعرف أهلَهُ
وحقيبةُ الأخطاء لي مشحونةٌ بالمسكِ من دارينِ
والأصفادُ من داري .
وقمصان الذبيحة سوف تغزلها الجبالُ
كلما / عيدٌ ، وتنعقد الحبالُ
قيل لي جبانةٌ داري
ومنفيون فيها منذ أن مشتْ الحجارةُ
و احتفى بالخاتمات البحر
منذ الدورة الأولى بصاريةٍ وبحارين
هيأها ورافقها احتمالُ
قيل لي :لا تقرأ التاريخَ في قلقٍ وفي شكٍ
وليس لك الخيارُ أو الخيالُ
قيل لي :أرضٌ من الصُبَير فاصبرْ
قيل /
وانحدرتْ أراجيحُ العزاء بمقلتي
ليستْ بكاءا هذه الشرفات . أخطائي ملفقة
ولي في الصافنات مطهماتٍ فانتظرتُ(49/248)
يلتقي لحمي مع العربات في شبقٍ تطاولَ وارتدى غيمَ السرادق،
وانتشى شغفاً فطوَّحه الجمالُ
مرت العربات فاختلجَ السؤالُ
يا فارس السفن الغريبة، ينثني ميزانُ هذا البيت
لو لغةٌ من الأشراك تبدأ في التداعي
لو تآبينُ الفرائس تغمر الأفلاك و الكتب العتيقة
لو حريقة دارنا دارت وراء الدورة الأولى
هنا جسد الرقيق مسيج بالبحر
مسحوب على سجادة المحار و الملح
انتظرْ
لو أن لي صبراً ولكني انتظرتُ
محبوسة روحي كلؤلؤ هذه الأعماق
في محارة الجسد الرمادي
انتهى فيها الهواء وشاغلتها رغبة في الموت
لا مقتولة روحي ولا مهدورة في الريح
و الأعماق راسبة على قاعٍ ولا قاعٌ يُطالُ
قلت : من يختارني هدفاً ويطلق رحمةً روحي
ويطويها و يبسطها، ويحرق روحَهُ فيها،
ويفتح في تراث الدار نرجسةً ويرسم هودجاً ليدي،
وأي يد ستحمل نعش أسمائي تشيعها كعرس النخل،
أي دَمٍ يقالُ.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> لمن لا بيت له
لمن لا بيت له
رقم القصيدة : 6111
-----------------------------------
جحيمٌ وجنةٌ،
وجحيمٌ ثانيةٌ
قلادات في القيد وقناديل تقدر على العتمة،
وكلام لا يقول
قوافل في الصيف وقوافل للشتاء،
وقوالب قند
وطريق على السيف إلى سمرقند وقندهار والقدس و القطيف والفسطاط.
أسئلة لها شهوة الهتك و الفضيحة .
رفقة لا تخلع الخرقة، وسرير لمن لا بيت له
لها كل ما تشتهي
نارٌ و جارٌ و قصعةٌ ، و فرسٌ تصهلُ.
ولا للسقيفة حيث كسرة الخبز و الفضاء
لها كل ما تشتهي
و الفارس يتشبث بلجام الحرب و الحسرة، لا يصل
يمسح أحجار الطريق خائفا هاربا يتذكر أحلامه
لها كل ما تشتهي
فأعدوا لهم ما استطعتم
أعدوا، ولكنهم
لم يزل فارس الليل في وحشة الليل يجتاز جيش الكلام .
أحتفي بالنهايات
أصحو على خمرة الوقت، قلبي لها الكأس
أحسو وأرسو بدفة روحي على شاطئ يحتويني
ويحمي شظاياي
لي كل بدء وتنهيدة و اهتياج
ولي ثغرة في السياج
بدأت بكل النهايات، رافقت لهث الطريدة(49/249)
حاورتها، وانتخبنا كؤوسا، تجرعت ماء الزجاج
أحتفي بالنهايات كالبدء
لي شهوة الروح سجادة
من يصلي ؟
تفيأتها .
خرقة هذه الروح
قال : الذي ينتهي
ينتهي في حذاء وتاج .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> العطايا
العطايا
رقم القصيدة : 6112
-----------------------------------
أعطوك ؟!
لا تغفرْ لمقتصليك
كل ترابةٍ وطنٌ وجيشٌ
عندما مروا على حقويك حطتْ آخر العربات أوتادا وحامية
و ما التفتوا
إذا أعطوك لا تسهو عن الموتى إذا ماتوا
عن الحجر الذي يرتد تحت يديك
لا تغفر لمغتصبيك، لا تدخل خيامهم الكسيحة
ربما أعطوك أوسمة النهاية
عندما دخلوا إلى عينيك في شرر الحوافر
فاحتفل بالبدء في قوسٍ وفي قدحٍ
لتسكرْ ، مثلما تحلو النوارسُ ، مثل كأسٍ
قيل لي أعطوك . لكن
عندما تغفو على وطنٍ بكل ترابةٍ ،
تصحو كمكتنز الهوادج،
أيقظْ الصلصالَ وارسمْ شكلَ مقتصليك
لا تغفر لمحتفلي نهايتك الأخيرة .
مرت العجلات في لحم الكواحل، فانتخبْ موتاً جميلا
عندما لا تنتهي تنسى
فكن مستقبل الماضي، ولا تغفر لذاكرة الوعول
استنفر الأحلام
كل مدججٍ بالحلم ذاكرةٌ تهندسُ شكلها
وتغادر الأيام .
إن أعطوك لا تأخذ سوى لغة تحاور نفسها
تمحو وتنسى
ثم ترسم شكل مغتصبيك
هل أعطوك ؟
أعطوني دماً و جنازة، فاخلعْ قناعَ الوحم
واطلق زهرة الصلصال
لا تغفر لمزدردي ترابك، وانتخب وطناً
له أطفاله ونخيله
ومحارة تعطي .
لترفض كلما أعطوك .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> اعتذارات
اعتذارات
رقم القصيدة : 6113
-----------------------------------
قدمتْ الشمسُ اعتذاراتها
فلن تعبر الجسر
لن تنحني عند باب السقيفة
فالطين يأخذ أشكاله وازدهاراته بالفجيعة
لن تعبر الجسر
مأخوذة باعتراضات سيف القبائل
موغلة في ضجيج العساكر
فالغائبون التهوا بالجنازة
من يغسل الجسد النبوي
و من يحتفي بالتآويل
من يبسط النعش في هدأة النخل
ا نخل
هذي بقاياك مكنوزة في ختام النبيين(49/250)
و الشمس مرصودة للخديعة و الفقد
يا نخلُ
لو أنهم أحضروا رقعةً ثم أصغوا
يا نخل
لو أن سجادة الله مشغولة بالكلام الأخير
يا نخل
لكنها لن تعبر الجسر
لن تنحني للسقيفة
فاقبلْ جميعَ اعتذاراتها،
واعطها أن تعيد الهدايا لمائدة الرمل
يا نخل يا نخل فاشهد
هنا فسحة البحر تحنو على الأرض
والشمس لا تنحني مثل ذل العبيد
السقيفة معقودة
والغزاة المعارون مستنفرون
دم الشك في ساعديك الكسيرين
فاخرج على الأرض في شاهق الشمس
واقبل جميع اعتذاراتها .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> غبار الملك
غبار الملك
رقم القصيدة : 6114
-----------------------------------
فوقفت في قدم الوقيعة كاشفا جسدي لمملكة الغبار
كل محتدم على جرحي قراصنة وقناصون محترفون
تنحدر الدروع على ذراعي
مثلما جبل يسير إلى جواري
قيل لي : تغفو على ضيم التميمة
ثم تستعصي على النسيان
فاسترخيت في وجع النهار
قيل لي ما قيل للأوتاد
فازدحمت ضعاف الخيل واهتزت يدي في حمحمات الليل
كل سقيفة عُقدتْ تشابكتْ الفصولُ بها
وظل دمي تخوضُ به الممالكُ
كنتُ في غفوِ المؤامرة القديمة،
والدمُ المهتوكُ متسعٌ تضيقُ به الوسيعة.
كل محترب يهيئ حربة للصدر أو للظهر
و الخيل الضعيفة مستجيرات بمملكتي وناري
يا رب
يا نار الوشيعة و الشجار
حاربت،
لي جسد يكافح راعشاً وجع الفجيعة مستجيرا
بالرماد الكامن المرصود
يا رئة تخوض بها العجلات، يا وحش الفرائس
أين محتمل الضواري
ليس في جسد الرقيق زجاجة للضوء
مثل زجاجة الأسماء كالمشكاة
كنت محارَباً ويدي قلوعٌ في السفائن
ليس في جسد الرقيق مغامر يجتاح
كنت محارِباً ويهادن الأشلاء
يا مستوحشاً يغري الذبيحة بالصواري
وقفت،
لي قدم تخب على القرى و النخل
تشتعل ابتهاجاً بالذي ينسى ويبدأ
مثلما نهدٌ يقاوم حربةً
ويشد أشتاتاً ويستثني وينسى
وقفت،
كأن في فرح الطبيعة شرفة شرقية
تغوي النساء المستحمات اشتعالا للحوار .(49/251)
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أخطاء الموج
أخطاء الموج
رقم القصيدة : 6115
-----------------------------------
ينشرن جدائلهن كأنها القلوع التي تعبر البرزخ
تشبث بالخطأ أيها الموج، ولا تصب
دع الملح يهيئ الطقس
و اغمس كاحليك في دم الطريدة
اغمسهما، حتى تلبس الجوزتان قميصهما القرمزي
فليس للبرزخ مضيق غير التوغل
أنظر لهن
جدائل منشورة تغمر الأفق
تتزاحم و تنتظم
تتدافع و تتهادى
تغوص و تطفو
تيأس و تنقذها أخطاء الموج
فترى البرزخ كخاتم الخنصر الذي في الكف
و يكفي
أيها البحر الجميل، لا تخلع الطريدة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> وحشة الموج
وحشة الموج
رقم القصيدة : 6116
-----------------------------------
من وحشة الموج أخرج
من غربة في عيون النساء .
انتظرن الصواري و لما تصل
خارج ،
وحدها شهقة القلب تدري
يدي في رصاص ثقيل، يدي نترة في الحبال الخطيرة
كفاكهة الليل صوتي على الرمل . أمشي،
ألملم أطراف سجادة الماء .
و الناطرات احترقن اشتياقا
و أخرج،
أشلائي المشتهاة المضاعة مرصودة للنساء الجميلات
للدار مفتوحة الجرح للحرب من غير أسلحة أو ذخيرة
ليس لي شرفة أدفع الخيل فيها
وليست قلوعي مصادفة أو هيام
و ليس المدى قوس ماء جميل
و ليست بلادي جزيرة
ستبقى تمد العيون على زرقة الأفق .
تبقى مدلهة بالغياب العميق الموارى،
ويبقى عذاب العبيد
سلاسل منذورة كالوصايا الأخيرة
من وحشة الموج هذي السفائن هاربة كالغزالات مذعورة
كيف تنسى
دعوا نخلة الله مفتوحة
مثل باب البلاد الذي دكَّهُ الفاتحون
الذي داست العربات الغريبة أخشابه
مثل بحر سينسى
ترى كيف تنسى السفائن، ينسى العبيد العذاب
خلوه سجادة للنساء العفيفات.
للسبي تلك النساء العفيفات للهتك
فاستنهضوا نخلة سوف تنسى الحروب الصغيرة
يا نخلة الله لا تغفري للقبور التي تحكم الأرض
لا تغفري للبيوت الفقيرة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> من كل ذلك
من كل ذلك(49/252)
رقم القصيدة : 6117
-----------------------------------
من وجع النوافذ التي تطل على سريرة الناس
من التربص للحلم وحلمة الرضيع
من الشهقة الأخيرة لبداية الخلق
من الرسائل التي انتظرتها وكانت لا تصل
من تضرع الخبز و قصعة الجوع
من الذي لم يمت و الذي قتلوه و الذي صديقا لي
و الذي لا أعرفه و الذي لا اسم له
من الزجاج الصادق الذي لا يشفعن شيء غير البرد والشظايا
من الخوف الذي لا يذهب مع القمصان ولا الغسل
ولا يصير ذكرى
من الخطوة التي وراء قدمي
من الحقائب المشحونة حصارا
من كل ما ليس في الظن و المحتمل ولا يصدق
أتكون كتابا يتحول إلى صفرة السنابل
ورقة ورقه
وعلي أن أتشبث بما ليس يأسا.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تاريخ الماء
تاريخ الماء
رقم القصيدة : 6118
-----------------------------------
جاء مأخوذا
تقمصه الرماد، وغادرت عيناه في هلع
سيسأل : لماذا مرت العربات في بطء على رئتيه ؟
جاء مطهما بالملح
كان البحر يعرفه ، وكان النخل يعرفه
لماذا عندما تاهت سفائنهم
نسوه معفرا في الرمل ؟
هل سينسى البحر مقبرة الصواري والقراصنة النهاريين ؟
لماذا عندما اختلجت جوارحهم نسوه؟
كان الماء جنته
وكان الماء نارا للذي ينسى
لماذا عندما اكتنزت قوافلهم
نسوا تاريخ هذا الماء ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ذاكرة الرمل
ذاكرة الرمل
رقم القصيدة : 6119
-----------------------------------
للأرض تاريخها
مثلما للتراب التفاصيل والنخل والذاكرة
من يقرأ الرمل
مازال في نرجس البحر شوق
وياقوتة القلب تغوي الإشارات
فاستنهضوا سرها
أي بحر يقود السفائن والريح مرصودة للشراع
وللدفة النافرة
للذي جاء للنوم في ليلها
إن للأرض أحداقها الساهرة
ربما كان يأتي لينسى
ربما يذكر الآن سيفين في الغمد
ليل السقيفة
خيل وخيالة واحتيال
كأن الكتاب الذي كان بوابة ينتهي في التفاصيل
أو ربما سوف ينسى
سيفان في الغمد
سيف وتعويذة للقتال(49/253)
وسيف لأحلامه الغادرة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> خراج الجزيرة
خراج الجزيرة
رقم القصيدة : 6120
-----------------------------------
أذكر/
... عندما هجعت الجيوش في سقيفة الوقت، لهثت الصحراء كالذئبة الهاربة من الهجم . تناسلت . وأكلت من نسلها، ثم أطلت على الماء :
( لنكتشف الأرض الصغيرة التي هناك،
الوحيدة التي هناك.
نفتحها ونرضى بخراج يجيء من الرمل والنخل والأصداف )
أذكر/
... من فجوة البحر، وطرحوا السيف والذهب . السيف من هناك . والذهب من هنا. جيوش مهزومة تتناسل في خوذة القبيلة التي ثقبتها الريح والخديعة . غطت الرمل بالخيام ونامت في الجواسق . تلهث في الهزيمة مثل ذئبة محاصرة بالهجوم .
أذكر /
... حيث النخل لا ينسى
والحيازيم المكسورة لا تنسى
والأحجار المطلولة ذاكرة الماء
والرمل
والرمية .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> غفوة القتيل
غفوة القتيل
رقم القصيدة : 6121
-----------------------------------
أغفى على وجع قديم يحتفي
حقواه مكسوران
مخذول، وقافية تضيق به
يطأون تذكاراته فيميل في جزع
فأغفى .. وانتهى
طحنته في بطء يد العربات عند الساحل الصخري
أغفى .. وانتهى
حقواه مكسوران، كل نوارس النسيان تذكره علانية
فيبكي في اختلاج
ربما ينسى لآلئه المصادرة . انتهى
يتذكر العجلات والخيل الغريبة،
ساهرا يمتد من بدء بعيد مثل قافلة من
استوى بيتا
تذكر أو تناسى، أو نسته الريح
محاراته غرف، تجاسر واحتمى فيها وحارب .. وانتهى
من يحتفي
حقوان مأسوران . أرخى
كلما أرخى تحاصره السفائن والسواحل .
كلما أرخى خبت في مقلتيه النار
خانته القلوع ومزقت رئتيه قابلة قبيل الوقت
أغفى .. وانتهى
من يحتفي بنهاية ويعالج الحقوين
من ينسى بدايته ويمشي مثل قوس
كلما أرخى ..
تهجى .. وانتهى.
شعراء العراق والشام >> معين بسيسو >> ثلاثة جدران لحجرة التعذيب
ثلاثة جدران لحجرة التعذيب
رقم القصيدة : 6122(49/254)
-----------------------------------
(عند طلوع الفجر )
ساقاومْ...
ما زالَ في الجدارِ صفحةٌ بيضاءْ
ولم تذبْ أصابعُ الكفينِ بعدُ...
هناكَ من يدَقْ
برقيةٌ عبر الجدارْ
قدْ أصبحتْ أسلاكُنا عروقُنا
عروقُ هذه الجدرانْ...
دماؤنا تصبُّ كلُّها،
تصبُّ في عروقِ هذه الجدرانْ...
برقيةٌ عبرَ الجدارْ
قد أغلقوا زنزانةً جديدهْ
قد قتلوا سجينْ...
قد فَتَحوا زنزانةً جديدهْ
قد أحضروا سجينْ...
********
(عندما ينتصف النهار )
قد وضعُوا أمامي الورقْ،
قد وضعُوا أمامي القلمْ
قد وضعوا مفتاحَ بيتي في يدَي
الورقُ الذي أرادوا أن يُلطِّخوهُ
قال: قاومْ َ
والقلمُ الذي أرادوا أن يُمرِّغوا جبينَهُ في الوحلِ
قالَ: قاومْ
مفتاحَ بيتي قالَ: باسمِ كلِّ حجرٍ
في بيتكَ الصغيرِ قاومْ
ونقرةٌ على الجداره
برقيةٌ عبرَ الجدارِ من يدٍٍ محطّمهْ
تقولُ: قاومْ
والمطرُ الذي يسقطُ
يضربُ سقفَ حجرةِ التعذيبْ
كلُّ قطرةٍ
تصيحُ: قاومْ...
********
(بعد غروب الشمس)
لا أحدٌ معي
لا أحدٌ يسمعُ صوتَ ذلك الرجلْ
لا أحدٌ يراهُ
في كلِّ ليلةٍ وحينما الجدرانْ
تُغْلقُ والأبوابْ...
يخرجُ من جِراحَي التي تسيلْ
وفي زنزانتي يسيرْ
كانَ أنا،
وكانَ مثلما كنتُ أنا...
فمرةً أراهُ طفلاً
ومرةً أراهُ في العشرينْ
كانَ عزائيَ الوحيدْ
وحبيَ الوحيدْ
كان رسالتي التي أكتبها في كلِّ ليلةٍ
وكانَ طابعَ البريدْ
للعالم الكبيرْ
للوطنِ الصغيرْ
في هذهِ الليلةِ قد رأيتُهُ
يخرجُ من جراحي، ساهماً معذباً حزينْ
يسيرُ صامتاً ولا يقولْ
شيئاً كأنهُ يقولْ:
لن تراني مرةً ثانيةً لو اعترفتْ
لو كتبتْ...
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> الوقت
الوقت
رقم القصيدة : 6123
-----------------------------------
( مقاطع )
حاضِنًا سُنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
ما الدّمُ الضّاربُ في الرّملِ, وما هذا الأفولُ?
قُلْ لَنا, يا لَهَبَ الحاضِرِ, ماذا سنقولُ?
مِزَقُ التّاريخِ في حُنجرتي(49/255)
وعلى وجهي أماراتُ الضّحيّهْ
ما أَمَرَّ اللّغةَ الآنَ وما أضيقَ بابَ الأبجديّهْ.
حاضنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
جُثَثٌ يقرؤُها القاتِلُ كالطُّرْفَةِ / أَهْراءُ عِظامٍ,
رأسُ طِفْلٍ هذه الكتله, أم قطعةُ فَحْمٍ?
جسَدٌ هذا الذي أشهدُ أم هيكلُ طينٍ?
أَنحني, أرتُقُ عينين, وأَرفو خاصِره
ربّما يُسعفُني الظنُّ ويَهديني ضياءُ الذّاكره
غيرَ أنّي عبثًا أَسْتقرىءُ الخيطَ النَّحيلْ
عبثًا أجمعُ رأسًا وذراعينِ وساقين, لكيْ
أكتشفَ الشّخصَ القتيلْ
حاضِنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
... / كَشَفَ البهلولُ عن أسرارِهِ
أَنّ هذا الزّمَنَ الثّائرَ دُكّانُ حِلّيٍ,
أنّه مُسْتَنْقَعٌ ( ... )
كشفَ البهلولُ عن أَسْرارِهِ
سيكونُ الصِّدقُ موتًا
ويكون الموتُ خُبْزَ الشّعراءْ
والذي سُمّي أو صارَ الوطَنْ
ليس إلاّ زمنًا يطفو على وجهِ الزَّمَنْ.
حاضِنًا سنبلةَ الوقت ورأسي برجُ نارٍ:
شَجرُ الحبّ بقصّابينَ آخى
شَجَرَ الموتِ ببيروتٍ, وهذي
غابَةُ الآسِ تُؤَاسي
غابةَ النَّفْي, - كما تدخلُ قَصّابينُ في خارطةِ
العشْبِ, وتَسْتَقْطِرُ أحشاءَ السّهولْ
دخلَتْ بيروتُ في خارطةِ الموتِ / قبورٌ
كالبساتينِ وأشلاءٌ - حقولْ
ما الذي يسكبُ قصّابينَ في صيدا, وفي صورٍ,
وبيروتُ التي تَنسكبُ?
ما الذي, في بُعدِه, يقتربُ?
ما الذي يمزجُ في خارطتي هذي الدِّماءْ?
... يبسَ الصّيفُ ولم يأتِ الخريفْ
والرّبيعُ اسْوَدَّ في ذاكرةِ الأرضِ / الشّتاءْ
مثلما يرسمُه الموتُ: احتضارٌ أو نزيفْ
زمنٌ يخرجُ من قارورةِ الجَبْرِ ومِن كفِّ القضاءْ
زمنُ التّيه الذي يَرْتَجلُ الوقتَ ويجترّ الهواءْ,
كيفَ, من أينَ لكم أن تعرفوهْ?
قاتِلٌ ليس له وجْهٌ / له كلُّ الوجوهْ...
حاضِنًا سنبلةَ الوقْتِ, ورأسي برجُ نارٍ:
مُنْهَكٌ أَلْتفِتُ الآنَ وأَسْتشرفُ - ما تِلك الخِرَقْ?
أتواريخٌ? إبلدانٌ? أَراياتٌ على جُرْفِ الغسَقْ?(49/256)
هُوذا أقْرأُ في اللّحظةِ أجيالاً وفي الجُثّةِ آلاف الجُثَثْ
هوذا يغمرُني لُجُّ العَبَثْ,
جسدي يُفْلِتُ من سَيْطرتي
لم يعدْ وجهيَ في مِرْآتِهِ
ودمي يَنْفُرُ من شَرْيانِهِ..
أَلأنّي لا أرى الضّوءَ الذي يَنقلُ أحلامي إليهْ?
ألأنّي طَرَفٌ أقْصى من الكونِ الذي بارَكَهُ غيري وجَدّفْتُ
عليهْ?
ما الذي يَجْتَثُّ أعماقي ويمضي
بين أدغالٍ من الرّغبة, بلدانٍ - محيطاتِ دموعٍ
وسلالاتِ رموزٍ?
بين أَعْراقٍ وأجناسٍ - عصورٍ وشعوبٍ?
ما الذي يفصلُ عن نفسيَ نَفْسي?
مَا الذي يَنقضُني?
أَأَنا مُفْتَرقٌ
وطريقي لم تعدْ, في لحظةِ الكشفِ, طريقي?
أَأَنا أكثرُ من شخصٍ, وتاريخيَ مَهْوايَ, وميعادي
حريقي?
ما الذي يصعدُ في قَهْقَهَةٍ تصعدُ من أعضائيَ المختنقهْ?
أَأَنا أكثرُ من شَخْصٍ وكلٌّ
يسألُ الآخرَ: مَن أنتَ? ومِن أينَ?
أأعضائيَ غاباتُ قتالٍ
... في دمٍ ريحٍ وجسمٍ وَرقَهْ?
أجُنونٌ? مَنْ أنا في هذه الظُّلمة? علِّمْني وأَرْشِدْنيَ
يا هذا الجنونْ
مَنْ أنا يا أصدقائي? أيّها الرّاؤون والمُسْتَضْعَفونْ
ليتَني أقدِرُ أن أخرُجَ من جلديَ لا أعرفُ مَنْ كنتُ,
ولا مَن سأكونْ,
إنّني أبحثُ عن إسْمٍ وعن شيءٍ أسمّيهِ,
ولا شيءَ يُسمّى
زمنٌ أعمى وتاريخٌ مُعَمَّى
زَمَنٌ طَمْيٌ وتاريخٌ حُطامْ
والذي يملكُ مملوكٌ, فسبحانَكَ يا هذا الظّلامْ.
حاضِنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي بُرْجُ نارٍ:
آخِرُ العَهْدِ الذي أمطَرَ سِجّيلاً يُلاقي
أوّلَ العهدِ الذي يُمطِرُ نفْطًا
وإلهُ النَّخْل, يجثو
لإِلهٍ من حديدٍ,
وأنا بين الإلهينِ الدّمُ المسفوحُ والقافلةُ المنكفِئَهْ
أَتَقَرّى ناريَ المنطفئة
وأرَى كيف أُداري
موتيَ الجامحَ في صحرائِه,
وأقولُ الكونُ ما ينسجُهُ حُلْميَ.. / تَنْحلُّ الخيوطْ
وأرى نفسيَ في مَهْوى وأَسْترسل في ليلِ الهبوطْ
طُرقٌ تكذِبُ, شُطآنٌ تَخونُ
كيف لا يصعقُكَ الآنَ الجنونُ?(49/257)
هكذا أَنْتَبِذُ الآكِلَ والأكْلَ وأرتاحُ إلى كلِّ مَتَاهْ
وعَزائي أنّني أُوغِلُ في حلميَ, - أَشْتَطُّ, أموجْ
وأغنّي شهوةَ الرّفضِ, وأهْذي
فَلَكُ الزُّهرةِ خلخالٌ لأِياميَ, والجَدْيُ سِوارٌ
وأقولُ الزَّهرُ في تيجانِهِ
شُرُفاتٌ...
وعَزائي أنّني أخرجُ - أسْتَنْفِرُ أفْعال الخُروجْ.
هكذا أَبْتدئُ
حاضِنًا أرضي وأسرارَ هَواها, -
جَسَدُ البحرِ لها حبٌّ له الشّمسُ يَدانْ
جَسَدٌ مُستودَعُ الرَّعْدِ ومَرْساةُ الحنانْ
جسدٌ وَعْدٌ أنا الغائبُ فيهِ
وأنا الطّالِعُ مِن هذا الرّهانْ
جَسَدٌ / غطّوا بضوءِ المطرِ العاشقِ وَجْهَ الأقحوانْ,
وَلْيَكنْ...
أحتضِنُ العصرَ الذي يأتي وأَمْشي
جامِحًا, مِشْيةَ رُبّانٍ, وأختطُّ بِلادي, -
إِصْعدوا فيها إلى أعلى ذُراها
إهْبطوا فيها إلى أَغْوارِها
لن ترَوْا خوفًا ولا قيدًا - كأنّ الطّيرَ غُصْنٌ
وكأنَّ الأرضَ طِفْلٌ - والأساطيرَ نِساءْ
حُلُمٌ?
أُعطي لمن يأتون مِن بَعديَ أن يفتتحوا هذا الفضاءْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> لون الماء
لون الماء
رقم القصيدة : 6124
-----------------------------------
لونكَ لونُ الماء
يا جَسَدَ الكَلامْ
حين يكون الماءْ
خميرةً أو صاعقاً أو نارْ
وَاشْتعَلَ الماءُ وصارَ صاعقاً وصارْ
خميرةً ونارْ،
نَيُلوفراً
يسْألُ عن وسادتي
ينامْ...
يا نَهَرَ الكَلامْ
سافرْ معي يومين، جمعتين في خميرة الأسرارْ
نلتقطُ البحارَ، أو نسْتكشف المحارْ
نُمطرُ ياقوتاً وآبنوساً
نعرفُ أنَّ السّحرْ
جنّيةٌ سوداءْ
ترفضُ أن تعشقَ غير البَحرْ.
سافرْ معي واظهرْ هنا... وغِبْ هنا...
واسألْ معي يا نَهَرَ الكَلامْ
عن صَدفٍ يموتُ كي يَصيرْ
سحابةً حمراءْ
تُمطِرُ،
عن جزيرهْ
تَسيرُ أو تطيرْ،
وَاسألْ معي يا نَهَرَ الكلامْ
عنِ نجمةٍ أسيرهْ
بين شِباكِ الماءْ
تحمل تحت ثديها
أياميَ الأخيرهْ.
واسألْ معي يا نهرَ الكلامْ
عن حجرٍ ينبُعُ منه الماءْ
عن موجةٍ يولد منها الصّخرْ(49/258)
عن حيوان المِسكِ، عن يَمامةٍ من نورْ
واهبطْ معي في شَبك الدّيجورْ
في القاع،
حيثُ الزّمنُ المكسورْ
وَلْيكنِ الكلامْ
قصيدةً تلبَس وجهَ البَحْر.
شعراء العراق والشام >> سركون بولص >> هذا السيد الأمريكي
هذا السيد الأمريكي
رقم القصيدة : 6125
-----------------------------------
الموت
هذا سيّدٌ
من أمريكا
جاء ليشربَ
من دجلةَ
ومن الفراتَ.
|||
الموت
هذا سيدٌ عطشان
سيشربُ كلَّ ما في آبارنا
من نفط، وكلَّ ما
في أنهارنا
من ماء.
|||
الموت.
هذا سيَّدٌ جائع
يأكلُ أطفالنا بالآلاف
آلافاً بعد آلافٍ
بعد آلاف.
|||
هذا سيّدٌ
جاء من أمريكا
ليشرب الدم
من دجلةَ
ومن الفرات.
شعراء العراق والشام >> سركون بولص >> لم يبق من بياض
لم يبق من بياض
رقم القصيدة : 6126
-----------------------------------
طردتِ الأرضُ النادلَ الكبيرَ
لتدخل شيخوختها بأمان.
فلتكن هناك..
أقصد جالساً بين الجبال.
فآخر نهرِ،
سيمرُ بكَ محمولاً على عربة ٍ
تعمل بطاقة الأنين.
كن هناك..
أقصد ُ ظلاً يتفشى على سبورةٍ
يقيمُ عليها خطُ الاستواء.
أو تعال.
ترى المناجمَ فارغةً.
الطيورَ بوالينَ بغاز العزلة.
الكتبَ مُجمدّات لهوائيات الدماغ
فيما ستكون الأمشاط ألسنةً
للذكريات.
القطار الأخير،
بعد ساعة ودون سكة هذه المرة.
النبعُ،
زجاجةٌ فارغةٌ دون إقامة
بعد اليوم.
يا للهوّل..
أن يصبح الوداعُ متقاعداً.
أن تدخل التفاحة المشرحة َ.
أن يصبح الليل فروّة محترقة.
شعراء العراق والشام >> سركون بولص >> أنا الذي !
أنا الذي !
رقم القصيدة : 6127
-----------------------------------
أنا الذي
لا نأمةٌ.
هل مات من كانوا هنا؟
لا كلمةٌ
تَرِدُ اللسان -
الانتظارُ أم الهجوم؟
أم التملّصُ من ...
كهذا الصمت
حين أُهيل جمرَ تحفُّزي حتى
يبلّدني التحامُ غرائزي: أرعى كثورٍ في الحقول
أنا نبوخذُ نُصَّر -
تُلقي الفصولُ إليَّ
أعشاباً ملوَّثةً، وأُلقي النردَ
في بئر الفصول -
لأجتلي سرّاً(49/259)
يعذّبني؟
يعذبني طوال الليل. حتى صيحة
الديك الذبيح.
لأجتلي سرّاً.
وأسمعَ ضجّةَ الأكوانِِ؟
(إنهُ مأتمُ
قالوا لنا: عُرْسٌ)
جيوشُ الهمّ تسحبني
بسلسلةٍ
ويستلمُ الزمانُ أعنّةَ الحوذيّ -
تسبقنا الظلالُ.
وراءنا:
كلُّ الذينَ، وكلُّ مّنْ
"طال الزمن"، قال الرجل.
شمسٌ على هذا
المشمّع فوق مائدتي:
نهارٌ لا يضاهيه نهار. كوجه الله
تبقى تحت عينيّ انعكاستها، وتخرقني
الى قاعي كرمْحٍ -
إنها شمسي.
وملأى غرفتي، بيتي، كقارب رَعْ
تسافرُ في المتاهة
بالهدايا.
شمسٌ على صحني
وصحني، في الحقيقة، فارغٌ:
حبّات زيتونٍ، بقايا قنّبيطٍ، عظمةٌ...
ما زاد عن مطلوبنا.
تلك البقايا..
نُتفةٌ في كل يومٍ، قشرةٌ
نلقي بها في لُجة التيار - يبقى الصحنُ.
والسّكين.تبقى شوكةُ
أبقى. وجوعي، تُخمتي.
*
الشمسُ أو ليمونةٌ
تطفو على وجه الغدير المكتسي
بطحالبٍ ألقي الى أكداسها حجراً
فتخفقُ، مرةً، وتُبقْبِقُ الأغوارُ
فقّاعاتُ أوهامٍ مبّددةٍ
رغابٌ لم تجسدها الوقائعُ
جَمجَماتٌ لا محلّ لها من الإعراب
أطماعٌ. دهاليزٌ. وعود بالعدالة؟
(بالسعادة!)
رغوةُ الكلمات في بالوعة المعنى
تواريخٌ
وثمّةُ من يُفبركها، ويشطبنا بممحاةٍ -
لنبقى.
قال الرجل: "فاتَ الأمل.
زادَ الألم"
شدّوا الضحيّة بين أربعةٍ
من الأفراسِ
جامحةٍ.
جنودٌ يسكرون. جنازةٌ عبرت وراء
التل. هل جاء البرابرةُ القدامى
من وراء البحر؟
هل جاؤوا؟
وحتى لو بنينا سورنا الصيني،ّ سوف يقال: جاؤوا.
انهم منّا، وفينا. جاء آخَرُنا
ليُضحكنا، ويُبكينا..
ويبني حولنا سوراً من الأرزاء. لكن، سوف نبقى.
هناك، في بلاد باتاغونيا، ريحٌ
يسمّونها "مكنسة الله"
ريحٌ
أريدُ لها الهبوبَ، على مدار
الشرق، في أسماله الزهراء
والغرب المدجّج بالرفاه: أريد أن أختارها
لتكون لي
أن أستضيف جنونها
إذ تكنس الأيام والأسماء
تكنس وجه عالمنا كمزبلةٍ
لتنكشف التجاعيدُ العميقة تحت
أكداسٍ من الأصباغ
والدم، والجرائمِ
والليالي.(49/260)
أقْبلي، يا ريحُ.
مكنسةَ الإلهِ، تَقدّمي.
قال الرجل. قال الرجل
لا ترمِ في مستنقعٍ حجراً
ولا تطرق على بابٍ فلا أحدٌ
وراءه غيرُ هذا
الميّت الحيّ الموزع بينَ بينٍ في أناهُ، بلا أنا
يأتي الصدى:
هل مات.
من كانوا.
هنا.
*
جاء الواحدُ الذي يقولُ، والآخر الذي يصمتُ.
الذي يمضي، والآتي من هناك.
بينهما
كلمةٌ، أو نأمةٌ.
بينهما أنهارٌ من الدم جرتْ، فيالقٌ تسبقها الطبولُ.
ولم يستيقظ أحد.
بينهما صيحةٌُ الجنين على سنّ الرمح
في يد أول جنديٍّ أعماهُ السُّكْر
يخسفُ بابَ البيت.
بينهما مستفعلنٌ، أو ربّما متفاعلنٌ؟
لا
ليس بينهما سوايَ :
أنا الذي
شعراء العراق والشام >> سركون بولص >> محلولة، سلفا، كل الأحاجي
محلولة، سلفا، كل الأحاجي
رقم القصيدة : 6128
-----------------------------------
كل الطرقات مفتوحة
أمامي، كل الأحاجي محلولة
سلفا؛ طرقة على الباب، وينفتح...
الليل، للنهار، زوجة.
ومع ذلك
ففي نهر الدم أخوض، ولن ألقى البوابة
أو أدخل ليلا إلى المدينة
في مهرجان من نباح الكلاب.
وما هي إلا نبضة
سرية من دم القصيدة
تسمح لي بالدخول.
وها هي المسألة:
أي علقم أشرب، أي إيقاع أتبع حتى
أتحاشى الجنون...
سوى هذه الكلبة
التي تغطي بعوائها الأفق
سوى هذه الذئبة المجنونة
سائحة في خيالاتي
قائلة للعالم أنها تعرف أسراري
مهما نزفتُ، أو تلفظتُ بهذا الزبد
مهما، ومهما...
شعراء العراق والشام >> سركون بولص >> المرأة الجانحة مع الريح
المرأة الجانحة مع الريح
رقم القصيدة : 6129
-----------------------------------
لو رأتها، تلك المرأة
الجانحة مع الريح
وفي عينيها علائم زوبعة قادمة
وشعرها، منذ الآن، ينتفش في دواماتها،
لا
تترددْ
وخبّرني، فهي قد تكون ضالتي
قد تكون من ذهبتُ أبحث عنها في القرى
والأرياف البعيدة
حالماً أن أجدها في زقاق
مقفر، ذات يوم، تحمل طفلا بين
ذراعيها أو تطل من نافذة
أو حتى أن أعرف أنها هي
في ثمّة صوت، في ثمة أغنية على(49/261)
الراديو
أغنية تقول أشياء جميلة
عن الحزن
أو الهجرة
وقد لا تراها
سوى في جناحي فراشة
ترفرف لازقة في قار الطريق
عينيها الملطختين بمكحلة التاريخ العابثة
نهديها المثقلين يأنداء حزن أمة
وفاكهتها اليتيمة
كبضعة أحجار في سلة
تعود بها من سوق أقفلت دكاكينها تصفر في أخشابها الريح
على أطراف بلدة
ولدنا فيها، وحلمنا أحلامنا الصغيرة
ثم هجرناها
شعراء العراق والشام >> سركون بولص >> مرثية إلى سينما السندباد
مرثية إلى سينما السندباد
رقم القصيدة : 6130
-----------------------------------
هناكَ طريقٌ
ترصّعها سقوفٌ قرميدُها
غسلته الذاكرة
حتى ابيضّ تحت سماء بلغت
أوجَ حُرقتها
حيث كلماتي
تُريدُ أن تعلو مثل أدراجٍ
مثل أصوات ترتقي
السُلَّم الضائع
في دفتر الموسيقيّ الذي ماتَ
في السجن، نوطة بعد أجرى.
أعثر على ذاك المبنى
وأفتح باباً
على المهْوى:
كل آثار حياتي
الغابرة، يسمّي ذاتَه
بأسمائه، هناك.
ساقيةُ المواضي
مازالت تجري في الحُفر
لكن أمواجَها
أبطأُ من نبض السلحفاة.
زماننا وكيف ضيَّع تذكراته!
قالوا لي...
إنهم هدموا سينما السندباد!
يا للخسارة.
ومن سيُبحر بعد الآن؟
من سيلتقي بشيخ البحر؟
هدموا تلك الأماسي؟
حجرًا على حجر؟
قمصاننا البيضاء، صيف بغداد
حبيباتنا الخفراوات حتى
التجلي...
سبارتاكوس، شمشون ودليلة
فريد شوقي، تحية كاريوكا،
ليلة مراد؟
وهل يمكننا أن نُحبّ الآن؟
كيف سنحلمُ بعد اليوم
بالسفر؟
إلى أي جزيرة؟
هدموا سينما السندباد؟
ثقيلٌ بالماء شعرُ الغريق
الذي عاد إلى الحفلة
بعد أن أطفأوا المصابيح
وكوموا الكراسي
على الشاطئ المقفر
وقيّدوا بالسلاسل أمواجَ دجلة.
شعراء العراق والشام >> سركون بولص >> بورتريه للشخص العراقي في آخر الزمن
بورتريه للشخص العراقي في آخر الزمن
رقم القصيدة : 6131
-----------------------------------
أراه هنا، أو هناك:
عينهُ الزائغة في نهر
النكبات، منخراه المتجذّران
في تُربة(49/262)
المجازر، بطنه التي طحنتْ
قمحَ
الجنون في طواحين بابل
لعشرة آلاف عام...
أرى صورتَهُ
التي فقدت إطارها
في انفجارات التاريخ
المستعادة
تستعيد ملامحها كمرآةٍ
لتدهشنا في كل مرة
بمقدرتها الباذخة على التبذير.
وفي جبينه الناصع
يمكنك أن ترى
كأنما على صفحات كتابٍ
طابورَ الغزاة يمرُّ
كما في فيلم بالأبيض والأسود:
أعطه أيَّ سجن ومقبرة
أعطه أي منفى
أي هنا، أو هناك
ورغم ذلك يمكنك أن ترى
المنجنيقات تدكُّ الأسوار
لتعلو مرّة أخرى.
وتصعد أوروك من جديد
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> أعيش مع الضوء
أعيش مع الضوء
رقم القصيدة : 6132
-----------------------------------
أعيشُ مع الضوء عُمْري عبيرٌ
يمرّ, وثانيتي سنواتُ
وأعشق ترتيلةً في بلادي
تَناقَلها كالصباح الرعاةُ;
رَموْها على الشمس قطعةَ فجرٍ نقيٍّ
وصلّوا عليها وماتوا -
إذا ضحك الموتُ في شفتيكَ
بكت, من حنينٍ إليكَ, الحياةُ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> بين عينيك وبيني
بين عينيك وبيني
رقم القصيدة : 6133
-----------------------------------
حينما أُغرقُ في عينيكِ عيني,
ألمح الفجر العميقا
وأرى الأمس العتيقا
وأرى ما لست أدري,
وأحسّ الكون يجري
بين عينيكِ وبيني .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> العباءة
العباءة
رقم القصيدة : 6134
-----------------------------------
في بيتنا عَباءةٌ
فصّلها عمْرُ أبي
خَيّطها بالتّعبِ.
تقولُ لي - كنتَ على حصيرِه
كالغُصُنِ المنجرِد
وكنتَ في ضميرِه
غدَ الغدِ.
في بيتنا عباءةٌ
مرميّةٌ, مبعثره
تشدّني لسقفهِ
لطينهِ للحجَره
ألمح في ثقوبها
ذراعه المحْتضنهْ
وقلبه ولهفةً في قلبه مُستوطنه
تحرسني تلفّني تملأ دربي أدعيه
تتركني شَبَابةً وغابةً وأغنيه .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> من ثلاث مرثيات لأبي
من ثلاث مرثيات لأبي
رقم القصيدة : 6135
-----------------------------------
على بيتنا, كان يشهق صمتٌ ويبكي سكونُ(49/263)
لأنّ أبي مات, أجدبَ حقلٌ وماتت سنونو .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> العهد الجديد
العهد الجديد
رقم القصيدة : 6136
-----------------------------------
يجهلُ أن يتكلّم هذا الكلامْ
يجهل صوتَ البراري,
إنه كاهِنٌ حجريُّ النعاسْ
إنه مُثْقَلٌ باللغات البعيدهْ.
هوذا يتقدّم تحت الركامْ
في مناخ الحروف الجديدهْ
مانحًا شعره للرياح الكئيبهْ
خشِنًا ساحرًا كالنحاسْ.
إنه لغةٌ تتموّج بين الصواري
إنه فارس الكلمات الغريبهْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> ليس نجما
ليس نجما
رقم القصيدة : 6137
-----------------------------------
ليس نجمًا ليس إيحاءَ نبيّ
ليس وجهًا خاشعًا للقمرِ -
هُوَذا يأتي كرمحٍ ( ... )
غازيًا أرض الحروفْ
نازفًا - يرفع للشمس نزيفهْ;
هُوَذا يلبس عُرْيَ الحجَرِ
ويصلّي للكهوفْ
هوذا يحتضنُ الأرض الخفيفَهْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> صوت
صوت
رقم القصيدة : 6138
-----------------------------------
مهيارُ وجهٌ خانهُ عاشقوهْ
مهيارُ أجراسٌ بلا رنينْ
مهيارُ مكتوبٌ على الوجوه
أغنيةً تزورنا خِلسةً
في طُرُقٍ بيضاء منفيّهْ,
مهيار ناقوسٌ من التائهينْ
في هذه الأرض الجليليّه .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> لغة المسافر
لغة المسافر
رقم القصيدة : 6139
-----------------------------------
أمسِ تحت المحاجر سافرتُ تحت الغُبارْ
فسمعتُ صدانا
وسمعتُ انهيارَ الحدودْ
ورجعتُ, وقيل نسيتُ هنالكَ,
مِن دهشةٍ, خُطواتي
خطواتي? بلَى وَكأنّي أراها
حُرَّةً تَتنقَّل بين الشرايين بين الرّئاتِ
وتطوف الحنايا وتنقادُ
مذهولةً أو تحارْ
في ثنايا الخواصر في الجلْد
في هُوّةٍ لا تراها
وكأني أراها
بعد هذا تعودْ.
ستمرّ, ولن تلمحوا, خُطواتي
بيننا لغةٌ للمسافة يجهل ألفاظها سوانا .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> سفر
سفر
رقم القصيدة : 6140
-----------------------------------
سأسافرُ في موجةٍ في جَناحْ(49/264)
سأزور العصور التي هجرتْنا
والسماءَ الهُلاميّة السابعهْ,
وأزور الشفاه
والعيونَ المليئةَ بالثلج, والشفرةَ اللامعه
في جحيم الإِلهْ;
سأغيب, سأحزم صدري
وأربطُه بالرّياحْ
وبعيداً سأتركُ خطويَ في مفرقٍ,
في متاهْ ... .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> بين المجاذيف
بين المجاذيف
رقم القصيدة : 6141
-----------------------------------
يَهْبط بين المجاذيف بين الصخورْ
يتلاقى مع التائهينْ
في جِرار العرائسِ
في وَشوشاتِ المحارْ;
يُعلنُ بعثَ الجذورْ
بعثَ أعراسِنا والمرافىء والمنشدينْ -
يُعلن بعْثَ البحارْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> وجه مهيار
وجه مهيار
رقم القصيدة : 6142
-----------------------------------
وجْهُ مهيار نارْ
تحرقُ أرض النجوم الأليفه,
هوذا يتخطّى تخومَ الخليفه
رافعًا بَيْرَق الأفولْ
هادمًا كلّ دارْ;
هوذا يرفُض الإمامَهْ
تاركًا يأسَه علامهْ
فوق وجه الفصولْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> الآخرون
الآخرون
رقم القصيدة : 6143
-----------------------------------
عرف الآخرينْ
فرمى صخره فوقهم واسْتدارْ
حاملاً غُرّة النهارْ
والسنينَ التي تُهرول عُذْريَةَ الجنينْ.
وجههُ عالِقٌ بالحدود الغريبهْ
ينحني فوقها ويُضيءُ;
حيث لا يلتقي بسواه يجيءُ
حيث لا يلمح الآخرين استدارْ
حاملاً غُرّة النهارْ
ماحيًا صَفْحَة السماء القريبه .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> ملك الرياح
ملك الرياح
رقم القصيدة : 6144
-----------------------------------
طَرَفٌ رايتي لا تُؤاخي ولا تتلاقى
طَرَفٌ أغنياتي.
ها أنا أحشد الزهور وأستنفر الشجَرْ
وأمدُّ السماء رواقا
وأحب وأحيا وأُولَدُ في كلِماتي
ها أنا أجمع الفَراشات تحت لواء الصباح
وأربّي الثمارْ
وأبيتُ أنا والمطَرْ
في الغيوم وأجراسِها, في البحارْ;
ها أنا أُشرع النجومَ وأُرْسي
وأُنصّبُ نفسي
مَلِكًا للرياحِ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> أسلمت أيامي(49/265)
أسلمت أيامي
رقم القصيدة : 6145
-----------------------------------
أسلمْتُ أيامي لهاويةٍ
تعلو وتهبط تحت مركبتي
وحفرتُ في عينيّ مقبرتي,
أنا سيّد الأشباح أمنحُها
جِنْسي وأمسِ منحتُها لغتي
وبكيتُ للتاريخ منهزمًا
مُتعثرًا يكبو على شفتي
وبكيت للرعب الذي احترقتْ
أشجارُه الخضراء في رئتي;
أنا سيّد الأشباح أوقظها
وأسوقها بدمي وحنجرتي
الشّمس قُبّرةٌ رميتُ لها
أُنشوطتي والريح قبّعتي .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> أمنية
أمنية
رقم القصيدة : 6146
-----------------------------------
لو أرْزةٌ من شجَر الأعماق والسنينِ
غوايةَ اللؤلؤ والشراعْ,
يرسو وراء قشرها الحزينِ,
في الأفْقِ - هذا البلد الأمينِ.
في شجر الأعماق والسنينِ
نارٌ من الحمّى من الضَّياعْ
في الأفْقِ - هذا البلد الأمينِ.
لكنني أحيا وكلّ غُصنٍ
في شجر الأعماق والسنينِ
نارٌ على جبيني
نارٌ من الحمّى من الضَّياعْ
تَلْتهمُ الأرضَ التي تقيني .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> رياح الجنون
رياح الجنون
رقم القصيدة : 6147
-----------------------------------
صدِئتْ عَرَباتُ النهارْ
صَدىء الفارسُ.
إنني مقبلٌ من هناكْ
من بلاد الجذور العقيمهْ,
فَرَسي برعمٌ يابسُ
وطريقي حِصارْ.
ما لكم, ما لكم تَسخرونْ?
اهرُبوا فأنا من هناكْ
جئتكم, فلبستُ الجريمهْ
وحملتُ إليكم رياحَ الجنونْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> زهرة الكيمياء
زهرة الكيمياء
رقم القصيدة : 6148
-----------------------------------
ينبغي أن أسافرَ في جنّةِ الرّمادْ
بين أشجارها الخَفيّهْ
في الرّمادِ الأساطيرُ والماسُ والجُزَّةُ الذّهبيّهْ.
ينبغي أن أسافرَ في الجوع, في الوَرِد, نحو الحصادْ
ينبغي أن أسافرَ, أن أستريحْ
تحت قوسِ الشّفاهِ اليتيمَهْ,
في الشّفاهِ اليتيمَةِ في ظِلّها الجَريحْ
زَهرةُ الكيمياءِ القديمَهْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> شجرة الليل والنهار
شجرة الليل والنهار(49/266)
رقم القصيدة : 6149
-----------------------------------
قبل أن يأتيَ النهارُ, أجيءُ
قبل أن يتساءَل عن شَمسِه, أُضيءُ
وتجيءُ الأشجارُ راكضةً خلفي, وتمْشي في ظلِّيَ الأكمامُ
ثم تبني في وجهيَ الأوهامُ
جُزُرًا وقِلاعًا من الصَّمْتِ يجهل أبوابها الكَلامُ
ويُضيءُ الليلُ الصّديقُ, وتنسى
نفسَها في فراشيَ الأيامُ
ثمّ, إذ تسقطُ الينابيعُ في صدري,
وتُرْخي أزرارَها وتَنامُ
أُوقِظُ الماءَ والمرايا, وأجلو
مثلَها, صَفْحةَ الرؤى, وأنامُ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> غابة السحر
غابة السحر
رقم القصيدة : 6150
-----------------------------------
لِيكُنْ,
جاءتِ العصافيرُ وانضَمَّ لفيفُ الأحجار للأحجارِ
لِيكنْ,
أُوقظُ الشّوارعَ واللّيلَ
ونمضي في موكبِ الأشجارِ
الغصونُ الحَقائبُ الخُضْرُ والحلْمُ وسادٌ
في عطلةِ الأسْفارِ
حيث يبقي الضُّحى غريبًا ويبقى
وَجهُهُ خاتمًا على أسراري.
ليكُنْ,
دَلّني شُعاعٌ ونادانيَ صَوْتٌ
من آخر الأسوارِ... .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> الصقر
الصقر
رقم القصيدة : 6151
-----------------------------------
لِيكُنْ,
جاءتِ العصافيرُ وانضَمَّ لفيفُ الأحجار للأحجارِ
لِيكنْ,
أُوقظُ الشّوارعَ واللّيلَ
ونمضي في موكبِ الأشجارِ
الغصونُ الحَقائبُ الخُضْرُ والحلْمُ وسادٌ
في عطلةِ الأسْفارِ
حيث يبقي الضُّحى غريبًا ويبقى
وَجهُهُ خاتمًا على أسراري.
ليكُنْ,
دَلّني شُعاعٌ ونادانيَ صَوْتٌ
من آخر الأسوارِ... .
صَلّيتُ
وَشوَشْتُ حتّى الحجارْ
وقرأتُ النّجومَ, كتبتُ عناوينَها ومحوتُ
راسِمًا شَهْوتي خريطَهْ
وَدَمي حِبْرُها وأعماقيَ البَسيطَهْ.
لو أنّني أعرفُ كالشّاعر أن أغيّرَ الفصولْ
لَو أنّني أعرف أن أكلّمَ الأشياءْ,
سحرتُ قبرَ الفارسِ الطّفل على الفراتْ
قبر أخي في شاطىء الفرات
(ماتَ بلا غسْلٍ ولا قَبْرٍ ولا صَلاهْ
وقلتُ للأشياء والفُصولْ
مُدّي ليَ الفُراتْ(49/267)
خَلَّيهِ ماءً دافقًا أخضَرَ كالزَّيتونْ
في دَميَ العاشقِ في تاريخيَ المسْنونْ.
لو أنّني أعرف كالشّاعر أن أُشاركَ النَّباتْ
أَعْراسَهُ,
قَنَّعْتُ هذا الشّجَرَ العاريَ بالأطفالْ,
لو أَنَّني أعرفُ كالشاعر أَنْ أُدَجِّنَ الغَرابَه
سَوّيْتُ كلّ حَجَرٍ سحابَهْ
تُمْطرُ فوق الشّامِ والفراتْ,
لو أَنّني أعرفُ كالشّاعر أن أغيّر الآجالْ
لو أَنّني أعرفُ أن أكونْ
نَبْوءَةً تُنْذِرُ أو علامَهْ,
لَصِحْتُ يا غمامَهْ
تكاثَفي وأَمْطري
باسْميَ فوقَ الشَامِ والفراتْ
باللهِ يا غمامَهْ...
علامَةٌ...
مَهْلَكَ يا حَنيني...
أَلصَّقْرُ في باديةِ العروق في مدائنِ السّريرَهْ
أَلصَّقْرُ كالهالةِ مرسومٌ على بوَّابةِ الجزيرهْ
والصّقْرُ في الحنينِ في الحيرة بين الحلْمِ والبُكاءْ
والصّقرُ في مَتاههِ, في يأسه الخلاَّقْ
يَبْني على الذُّروةِ في نهايةِ الأعماقْ
أندلسَ الأعماقْ
أندلسَ الطَّالع من دمشقْ
يحمل للغرب حصادَ الشَّرْقْ.
يُومىء الصَّقرُ للصّقورْ -
مُتْعَبٌ, حَملْتهُ مَتاهاتُهُ, حملتهُ الصّخورْ
وجههُ يتقدّمُ والشَّمسُ حُوذيّهُ,
والفضاءْ
مَوْقِدٌ,
والرّياحُ عجوزٌ تقصُّ حكاياتها,
والصّقورْ
مَوكبٌ يفتَحُ السّماءْ;
يرفَعُ كالعاشقِ في تفجّرٍ مَريدْ
في وَلَه الصَّبْوةِ والإِشراقْ
أندلسَ الأعماقْ
يرفَعُها لِلكون - هذا الهيكلِ الجديدْ
كلُّ فَضَاءٍ باسْمهِ كتابٌ
وكلُّ ريحٍ باسْمهِ نَشيدْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> مقدمة لتارخ ملوك الطوائف
مقدمة لتارخ ملوك الطوائف
رقم القصيدة : 6152
-----------------------------------
وجه يافا طفلٌ هل الشجَرُ الذابل يزهو? هل
تَدخل الأرض في صورة عذراء? من هناك يرجّ
الشرق? جاء العصف الجميلُ ولم يأتِ الخرابُ
الجميلُ صوتٌ شريدٌ...
(كان رأسٌ يهذي يهرّجُ محمولاً ينادي أنا الخليفةُ),
هاموا حفروا حفرةً لوجهِ عليٍّ
كان طفلاً وكان أبيضَ
أو أسودَ, يافا أشجارُه وأغانيه ويافا.(49/268)
تكدّسوا, مزّقوا وجهَ عليٍّ
دمُ الذبيحة في الأقداحِ, قولوا: جبّانةٌ,
لا تقولوا: كان شعريَ وردًا وصار دماءً,
ليس بين الدماءِ
والورد إلا خيط شمسٍ, قولوا: رماديَ بيتُ
وابنُ عبّادَ يشحذ السّيفَ بين الرأس والرأسِ
وابنُ جَهْورَ ميْتُ.
لم يكن في البدايهْ
غير جذْرٍ من الدمع أعني بلادي
والمدى خيطيَ - انقطعتُ وفي الخُضْرَةِ العربيّهْ
غرِقتْ شمسيَ
الحَضارة نَقّالةٌ, والمدينهْ
وردةٌ وثنيّهْ -
خيمةٌ:
هكذا تبدأ الحكايةُ أو تنتهي الحكايَهْ.
والمدى خيطيَ - اتَّصلْتُ أنا الفوهةَ الكوكبيهْ
وكتبتُ المدينهْ
(حينما كانت المدينة مقطورةً والنواحْ
سورُها البابليُّ), كتبتُ المدينهْ
مثلما تنضحُ الأبجديّهْ
لا لِكَيْ ألأمَ الجراحْ
لا لِكَيْ أبعثَ المومياءْ
بل لكي أبعْثَ الفروقَ...الدِّماءْ
تجمعُ الوَرْدَ والغرابَ لكي أقطَعَ الجسورْ
ولكي أغسل الوجوه الحزينه
بنزيف العصورْ.
وكتبتُ المدينه
مثلما يذهب النبيُّ إلى الموت أعْني بلادي
وبلادي الصَّدى
والصّدى والصدّى...
كشفَتْ رأسها البَاءُ, والجيمُ خصلةُ شَعْرٍ,
انْقرضْ انْقرضْ
ألِفٌ أولُ الحروف انقرضْ انْقرضْ
أسمعُ الهاءَ تنشجُ, والراءُ مثلُ الهلالْ
غارقًا ذائبًا في الرمالْ
انقرضْ انقرضْ
يا دمًا يتخثّر يجري صحارَى كلامْ
يا دمًا ينسج الفجيعة أو ينسج الظلامْ
إنْقرض إنْقرض
سحرُ تاريخكَ انتهى,
واعْذري واغْفري
يا قرونَ الغزالاتِ, يا أعينَ المها...
أحارُ, كلَّ لحظةٍ أراكِ يا بلادي
في صورةٍ,
أحملكِ الآنَ على جبيني, بين دمي وموتي:
أأنتِ مقبرهْ أم وردةٌ?
أراكِ أطفالاً يُجرْجِرونْ
أحشاءهم, يُصغونَ يسجدونْ
للقيد, يلبسونْ
لكلِّ سَوْطٍ جلدهُ... أمقبرهْ
أم وردةٌ?
قتلتِني قتلتِ أغنياتي
أأنتِ مجزرَهْ
أم ثورةٌ?
أحارُ, كلّ لحظةٍ أراكِ يا بلادي في صورةٍ...
وعليٌّ يسأل الضوءَ, ويمضي
حاملاً تاريخَهُ المقتولَ من كوخٍ لكوخٍ:
(علَّموني أنّ لي بيتًا كَبَيْتي في أريحا(49/269)
أنَّ لي في القاهره
إخوةً,
أنّ حدودَ الناصره
مكةٌ.
كيف اسْتَحَالَ العلمُ قيدًا
والمدى نارَ حصار, أو ضَحيّهْ?
ألهذا يَرْفضُ التاريخ وجهي?
ألهذا لا أرى في الأفْقِ شمسًا عربيّه?)
آهِ لو تعرف المهزلَهْ
(سمِّها خطبةَ الخليفةِ أو سمِّها المهرجانْ)
ولها قائدانْ
واحدٌ يَشْحذُ المقصلَهْ
واحدٌ يتمرّغُ... لو تعرف المهزلَهْ
كيف, أينَ انْسلْلتْ
بين عُنْقِ الذّبيح ومِقْصلة الذّابحينْ?
كيف ماذا, قُتِلتْ?
كُنتَ كالآخرينَ, انتهيتَ
ولم تَنْتَهِ المَهزلهْ
كنتَ كالآخرينَ - ارْفضِ الآخرينْ
بدأوا من هناكَ ابتدىءْ من هُنا
حول طفلٍ يموتْ
حولَ بيتٍ تهدَّم فاسْتعمَرتْه البيوتْ
وابتدىءْ من هنا
من أنين الشوارع من ريحها الخانقهْ
من بلادٍ يصير اسمها مقبره
وابتدىءْ من هنا
مثلما تبدأ الفجيعةُ أو تُولَدُ الصّاعقهْ
مُتَّ? ها صرْتَ كالرعد في رَحِم الصّاعقه
بارئًا مثلما تَبْرأُ الصاعقه
أُنظرِ الآن كيف انْصهرتَ وكيف انبعثتَ,
انتهيتَ ولم تَنْتَهِ الصّاعِقَهْ.
أعرفُ, كان ملكُكَ الوحيدُ ظِلَّ خيمةٍ, وكان فيها خِرَقٌ,
ومرّةً يكونُ ماءٌ, مرَّةً رغيفٌ,
وكان أطفالك يكبرونْ
في بُرْكةٍ,
لم تَيْأسِ انْتفضْتَ صرتَ الحلمَ والعيونْ
تظهرُ في كوخٍ على الأرْدنِّ أو في غَزَّةٍ والقدْسْ
تقتحمُ الشارعَ وهو مَأتَمٌ تتركه كالعرْسْ
وصوتُك الغامرُ مثلُ بحَرٍ
ودمُكَ النافرُ مثلُ جبلٍ
وحينما تحملك الأرضُ إلى سريرها
تترك للعاشقِ للاَّحقِ جدولينْ
من دمكَ المسْفوحِ مرَّتينْ.
وجه يافا طفلٌ هل الشجرُ الذابلُ يزهو? هل تدخل
الأرضُ في صورةِ عذراءَ
مَنْ هناكَ يرجُّ الشرق
جاء العَصْفُ الجميلُ ولم يأتِ الخرابُ الجميلُ صوتٌ شريدٌ...
سقطَ الماضي ولم يسقطْ (لماذا يسقط الماضي ولا يسقطُ?)
دالٌ قامةٌ يكسرها الحزنُ (لماذا يسقط الماضي ولا يسقطُ?)
قافٌ قابُ قوسين وأدْنى
أطلبُ الماءَ ويعطينيَ رملاً
أطلب الشمسَ ويعطينيَ كهفًا
سيّدٌ أنتَ? ستبقى(49/270)
سيّدًا. عبدٌ? ستبقى
هكذا يؤثَرُ, يعطينيَ كهفًا وأنا أطلبُ شمسًا, فلماذا سقط الماضي ولم يسقط?
لماذا هذه الأرضُ التي تَنْسلُ أيامًا كئيبَهْ
هذه الأرضُ الرّتيبهْ.
سيّدٌ أنتَ? ستبقى
سيّدًا. عبدٌ? ستبقى
غيّرِ الصورةَ لكن سوف تبقى
غيّرِ الرايةَ لكن سوف تبقى
... في خريطةٍ تمتدّ... إلخ, حيث يدخلُ السيّد المقيمُ في الصفحة 1 راكبًا
حيوانًا بحجم المشنقة, يتحوّل إلى تمثالٍ ملء الساحات العامة. و(كانت)
الحاكمة ( ... ) وحولها نساءٌ يدخلن في الرّمح ويمضغن بخورَ القصر والرجال
يسجِّلون دقات قلوبهنّ على زمنٍ يتكوّم كالخرقة بين الأصابع حيث
ك ترتجف تحت نواةٍ رفضيّةٍ بعمق الضوء
شجرٌ يثمرُ التحوّلَ والهجرةَ في الضوءِ جالسٌ في فلسطينَ وأغصانُهُ نوافذُ
أصغينا لأبعادِه قرأنا معه نجمةَ الأساطير جندٌ وقضاةٌ يدحرجون عظامًا
ورؤوسًا, وآمِنونَ كما يرقد حلمٌ يُهَجَّرون, يُجَرّونَ إلى التِّيه...
كيف نبدأُ?
(- يكفيني رغيفٌ, كوخٌ وفي الشَّمس ما يمنح فَيْئًا, لا لستُ خوذةَ سيّافٍ ولا
ترسَ سيّدٍ, أنا نَهَرُ الأردنّ أسْتَفْردُ الزهورَ وأغويها دمٌ نازفٌ
تبطّنتُ أرضي ودمي ماؤها دمي وسيبقى ذلك السّاهِرُ النحيلُ: غبارٌ يمزجُ
العاشقَ المشرَّدَ بالريح, ويبقي نسْغٌ).
يتمتم طفلٌ, وجهُ يافا
طفلٌ :هنا سقط الثائرُ
حيفا تئنُّ في حجَرٍ أسوَدَ
والنَّخْلةُ التي فيّأت مريمَ تبكي
همسْتُ في قدمي جوعٌ
وفي راحتيَّ تضطرب الأرضُ
كشفنا أسرارَنا (بُقع الدمع طريقٌ) أجسُّ خاصرة الضوء يجثّ
الصحراءَ والكونَ مربوطًا بحبل من الملائكِ هل تشهدُ آثار كوكبٍ, يسمع
الكوكبُ صوتي رويتُ عنه سأروي...
في زَمن الرّماد, شَخْصٌ رَمَى تاريخه لجمْرِ أيّامِنا, وماتَ
(لن تعرفَ حرّيةً ما دامت الدولةُ موجودةً).
تذكرُ? (والقاعدهْ
وسلطةُ العمال...) ما الفائده
تنحدرُ الثورة بعد اسْمهِ
في لفظةٍ, تمتدّ في مائدهْ
هل تقرأ المائده?(49/271)
كان فدائيٌّ يخطّ اسمه نارًا وفي الحناجر البارده
يموتُ
والقدسُ تخطّ اسمها:
لم تزل الدولةُ موجودةً
لم تزل الدولةُ موجودةً.
غيرَ أنَّ النّهَرَ المذبوحَ يجري:
كلّ ماءٍ وجه يافا
كل جرحٍ وجه يافا
والملايين التي تصرخُ: كلاّ, وجه يافا
والأحبّاء على الشُّرفة, أو في القيد, أو في القَبْر يافا
والدَّمُ النّازِفُ من خاصرةِ العالم يافا
سمِّني قيسًا وسَمِّ الأرض ليلى
باسْم يافا
باسم شعبٍ يرفع الشمس تَحيّهْ
سمِّني قنبلةً أو بندقيّهْ...
هذا أنا: لا, لستُ من عصر الأفولْ
أنا ساعةُ الهتْك العظيم أتت وخلخلةُ العقولْ
هذا أنا - عبرَتْ سحابه
حبلى بزوبعة الجنونْ
والتّيهُ يمرق تحت نافذتي, يقول الآخرونْ:
ماذا يقول الآخرون?
(- يرعى قطيع جفونهِ
يصل الغرابةَ بالغرابهْ).
هذا أنا أصلُ الغرابةَ بالغرابهْ
أرّخْتُ: فوق المئذنهْ
قمرٌ يسوس الأحصنَهْ
وينام بين يدَيْ تميمه
وذكرتُ: بقّعتِ الهزيمه
جَسدَ العصورْ
وَهْرانُ مثل الكاظميَهْ
ودمشق بيروت العجوز
صحراءُ تزدردُ الفصولَ, دمٌ تعفّنَ - لم تعد نارُ الرموزْ
تلِد المدائنَ والفضاء, ذكرتُ لم تكن البقيّهْ
إلاّ دمًا هَرمًا يموتُ يموتُ بقّعتِ الهزيمَهْ
جسدَ العصورْ.
... في خريطةٍ تمتدّ إلخ, حيث تتحول الكلمة إلى نسيجٍ تعبرُ في مسامّه رؤوسٌ
كالقطن المنفوش, أيامٌ تحمل أفخاذًا مثقوبةً تدخل في تاريخٍ فارغ إلاّ من
الأظافر, مثلَّثاتٌ بأشكال النساء تضطجع بين الورقة والورقة; كلّ شيء يدخل
إلى الأرض من سُمّ الكلمة, الحشرةُ ( ... ) الشاعر.
بالوَخْز والأرق وحرارةِ الصّوت, بالرّصاص والضوء, بالقمر ونملة سليمان,
بحقولٍ تثمر لافتاتٍ كتب عليها (البحث عن رغيف) أو (البحث عن عجيزة لكن
استتروا) أو (هل الحركة في الخطوة أم في الطريق?).
والطريقُ رملٌ يتقوّس فوقه الهواء والخطوة زمنٌ أملس كالحصاة...
وكان الوقت يشرف أن يصبح خارج الوقت وما يسمّونه الوطن يجلس على حافّة(49/272)
الزمن يكاد أن يسقط, (كيف يمكن إمساكه?) سأل رجل مقيّد وشبه ملجوم.
لم يجئه الجواب لكن جاءه قيدٌ آخر وأخذ حشدٌ كمسحوق الرمل يفرز مسافةً
بحجم لام ميم ألف أو بحجم ص ع ي هـ ك ويسير فيها ينسج راياتٍ وبُسُطًا
وقِبابًا ويبني جسرًا يعبر عليه من الآخرة إلى الأولى...
حيث عبرت ذبابةٌ وجلست على الكلمة, لم يتَحرَّك حرف, طارت وقد استطال
جناحاها عبرَ طفلٌ وسأل عن الكلمة طلع في حنجرته شوكٌ وأخذ الخرَس يدبّ إلى لسانه...
في خريطةٍ تمتد... إلخ, حيث
(العدوُّ يطغى وهم يخسرون, ويمدّ وهم يَجْزُرون, ويطول وهم يَقْصرُون, إلى أن
عادوا إلى علمٍ ناكسٍ وصوتٍ خافت, ( ... )
... وعندما يجدّ الجِدُّ ويطلب الأندلس عَوْنَ الملك الصالح لاستخلاص إقليم
الجزيرة, وقد سقط في أيدي الأسبان, يكتفي بالأسَف والتّعزية ويقول بأنَّ
الحرب سجالٌ وفي سلامتكم الكفاية, ... ولم يزل العدوّ يواثبهم ويكافحهم
ويُغادِيهم القتالَ ويراوحهم حتَّى أجْهضَهم عن أماكنهم وجَفّلهم عن مساكنهم,
وأركبهم طبقًا عن طبق واسْتأصلهم بالقتل والأسر كيفما اتفق...).
في خريطةٍ تمتد... إلخ,
رفضَ التاريخُ المعروفُ الذي يُطبخ فوق نار السلطان أن يذكر شاعرًا... والبقية
آتيةٌ,
في خريطةٍ تمتدّ... إلخ,
يأتي وقتٌ بين الرّماد والورد
ينطفىءُ فيه كلّ شيء
يَبْدأ فيه كلّ شيء.
... وأغنِّي فجيعتي, لم أعد ألمح نفسي إلاَّ على طرَف التاريخ في شفْرةٍ
سأبدأ, لكن أين? من أين? كيف أوضح نفسي وبأيّ اللّغات? هذي التي أرضع
منها تخونُني سأزكّيها وأحيا على شفير زمانٍ ماتَ, أمشي على شفير زمانٍ
لم يجىءْ.
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> غير أني لست وحدي
غير أني لست وحدي
رقم القصيدة : 6153
-----------------------------------
... ها غزالُ التاريخ يفتحُ أحشائيَ نهرُ
العبيد يهدُر, يجتاحُ اكتشفنا ضوءًا يقود إلى
الأرض, اكتشفنا شمسًا تجيء من القبضةِ,
هاتوا فؤوسكم نحملُ الماضي كشيخٍ يموت,(49/273)
نَستشْرفُ الآتي, هُيامًا ورغبةً.
لستُ وحدي.
... وجه يافا طفلٌ هل الشجر الذابل يزهو? هل
تدخل الأرض في صورة عذراء? من هناك يرجّ
الشرقَ? جاء العَصْفُ الجميل ولم يأت الخراب
الجميل
صوتٌ شريدٌ...
خرجوا من الكتب العتيقةِِ حيثُ تهترىءُ الأصولْ
وأتوا كما تأتي الفصولْ
حضنَ الرَّمادُ نقيضَهُ
مَشَتِ الحقولُ إلى الحقولْ:
لا, ليس من عصر الأفولْ
هو ساعةُ الهتْكِ العظيمِ أتتْ, وخلخلةُ العقولْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> هذا هو اسمي
هذا هو اسمي
رقم القصيدة : 6154
-----------------------------------
ماحيًا كل حكمةٍ هذه ناريَ
لم تبقَ - آيةٌ - دميَ الآيةُ
هذا بدْئي
دخلتُ إلى حوضكِ أرضٌ تدور حوليَ
أعضاؤكِ نيلٌ يجري
طَفَونا ترسَّبْنا
تقاطعتِ في دمي قطعَتْ صدركِ أمواجيَ
انْهصرتِ لنبْدأ: نسيَ الحبُّ شفرَةَ الليل هل
أصرخُ أنَّ الطوفان يأتي? لِنبْدأ: صرخةٌ
تعرج المدينةَ والناسُ مرايا تمشي إذا عبَر الملحُ
التقينا هل أنتِ?
- حبِّيَ جرحٌ
جسديَ وردةٌ على الجرح لا يُقطَفُ إلاّ موتًا. دمي
غُصُنٌ أسلم أوراقَه استقرَّ...
هل الصخرُ جوابٌ? هل موتكِ السيدُ النائم
يُغْوي? عندي لثدييكِ هالاتُ وَلوعٍ لوجهك الطفل
وجهٌ مثلهُ... أنتِ? لم أجدكِ.
وهذا لهبي مَاحيًا
دخلتُ إلى حوضكِ عندي مدينةٌ تحت
أحزانيَ عندي ما يجعل الغُصنَ الأخضرَ ليلاً
والشمسَ عاشقةً سوداءَ عندي...
تقدَّموا فقراءَ الأرض غطّوا هذا الزّمان بأسمالٍ
ودمْعٍ غطّوهُ بالجسد الباحث عن دفئِه... المدينةُ
أقواسُ جُنونٍ رأيتُ أن تلدَ الثورة أبناءَها, قبرت
ملايين الأغاني وجئتُ (هل أنتِ في قبريَ)? هاتي
ألمسْ يديكِ اتبعيني.
زَمني لم يجىءْ ومقبرة العالم جاءت عندي
لكل السلاطين رمادٌ هاتي يديك اتبعيني...
قادِرٌ أن أغيِّر: لغْمُ الحضارة - هذا هو اسْمي.
(لافتة)
... وقفت خطوة الحياة على باب كتابٍ محوته
بسؤالاتِيَ ماذا أرى? أرى ورقًا قيل استراحت فيه(49/274)
الحضارات (هل تعرف نارًا تبكي?) أرى المئة اثنين
أرى المسجدَ الكنيسةَ سيّافيْن والأرض وردةً.
طار في وجهيَ نَسْرٌ
قدَّستُ رائحة الفوضى
ليأت الوقتُ الحزين لتستَيْقِظْ شعوب اللهيب
والرَّفض
صحرائيَ تنمو أحببتُ صفصافةً تحتارُ
بُرْجًا يتيهُ مِئْذنةً تهرمُ أحببتُ شارعًاصَفَّ لبنانُ
عليه أمعاءَهُ في رسومٍ ومرايا وفي تمائِمَ
قلتُ الآن أُعطي نفسي لهاوية الجنس وأعطي
للنار فاتحة العالم قلتُ استَقِرَّ كالرمح يا نيرون
في جبهة الخليقةِ روما كلُّ بيتٍ روما التخيُّل
والواقع روما مدينةُ الله والتاريخ قلتُ استقرَّ
كالرمح يا نيرونُ...
لم آكل العيشَّة غير الرّملِ, جوعي يدورُ كالأرضِ
أحجارٌ قصورٌ هياكلٌ أتهجّاها كخبزٍ رأيت
في دميَ الثالثِ عينيْ مُسافرٍ مزج الناس بأمواج
حلمِه الأبديِّ
حاملاً شعلةَ المسافات في عَقْلٍ نبيٍّ وفي دمٍ وَحْشيِّ.
... وعليٌّ رَمَوْهُ في الجبِّ غَطُّوهُ بقشٍّ والشمس
تحمل قتلاها وتمضي هل يعرف الضوءُ
في أرض عليٍّ طريقَهُ? هل يُلاقينا? سمعنا دمًا
رأينا أنينًا.
سنقول الحقيقة: هذي بلادٌ
رفعت فخذَها
رايةً...
سنقول الحقيقة: ليست بلادًا
هي إصطبلنا القمريّ
هي عُكَّازة السّلاطين سجَّادةُ النبيّ
سنقول البساطة: في الكون شيءٌ يسمّى
الحضور وشيءٌ
يُسمى
الغيابَ نقول الحقيقةَ:
نحن الغيابْ
لم تلدنا سماءٌ لم يلدنا ترابْ
إننا زَبدٌ يتبخَّرُ من نَهَرِ الكلماتِ
صدأٌ في السماء وأفلاكها
صدَأُ في الحياةِ!
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> وطني فيّ لاجيء
وطني فيّ لاجيء
رقم القصيدة : 6155
-----------------------------------
وليكنْ وجهيَ فيئًا!
دهْرٌ من الحجر العاشق يمشي حولي أنا
العاشق الأول للنار
تحبلُ النار أياميَ نارٌ أُنثى دَمٌ تحت
نهديها صليلٌ والإِبطُ آبارُ دمعٍ نهَرٌ تائهٌ وتلتصق
الشمس عليها كالثوبِ تزلقُ جرحٌ فَرَّعتْه
وشعشعَتْهُ ببَاهٍ وبهارٍ (هذا جنينُكِ?) أحزانيَ وَرْدٌ.(49/275)
دخلتُ مدرسة العشب جبيني مُشقّقٌ ودمي يخلع
سلطانَه: تساءلتُ ما أفعلُ? هل أحزم المدينة
بالخبز? تناثرتُ في رواقٍ من النار اقتسمْنا
دمَ الملوكِ وجعْنا
نحمل الأزمنه
مازجين الحصى بالنجومْ
سائقين الغيومْ.
كقطيعٍ من الأحصنَه.
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> سلام
سلام
رقم القصيدة : 6156
-----------------------------------
لوجوهٍ تسير في وحدة الصحراء للشرق يلبس
العشب والنارَ سلامٌ للأرض يغسلها البحر
سلامٌ لحبّها... عُرُيكَ الصاعقُ أُعطَى أمطاره
يتعاطانيَ رعدٌ في نهديَ
اختمرَ الوقت تَقدَّمْ هذا دمي أَلقُ الشرق اغترفْني
وغِبْ
أضِعْني لفخذيك الدويّ البرق اغترفني تبطّنْ جسدَي
ناريَ التوجّه والكوكب جرحي هدايةٌ أتهجَّى...
أتهجَّى نجمةً أرسمُها
هاربًا من وطني في وطني
أتهجَّى نجمة يرسمها
في خطى أيامه المنهزمه
يا رماد الكلمه
هل لتاريخيَ في ليلك طفلٌ?
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> لم يعد غير الجنون
لم يعد غير الجنون
رقم القصيدة : 6157
-----------------------------------
إنني ألمحهُ الآنَ على شبّاك بيتي
ساهرًا بين الحجار الساهره
مثل طفلٍ علَّمته الساحره
أنَّ في البحر امرأه
حمَلتْ تاريخه في خاتمٍ
وستأتي
حينما تخمد نارُ المدفأه
ويذوب الليل من أحزانِه
في رماد المدفأه...
... ورأيت التاريخ في رايةٍ سوداء يمشي كغابةٍ
لم أُؤرّخْ عائشٌ في الحنين في النار في الثورة في
سحر سُمِّها الخلاَّق
وطني هذه الشرارة, هذا البرق في ظلمة الزمان
الباقي... .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> أول الشعر
أول الشعر
رقم القصيدة : 6158
-----------------------------------
أجمل ما تكونُ أن تُخلخلَ المدى
والآخرون - بعضهم يظنّك النّداءَ
بعضهم يظنّك الصّدى.
أجمل ما تكونُ أن تكون حجّةً
للنور والظّلامِ
يكون فيك آخرُ الكلامِ أوّلَ الكلامِ
والآخرون - بعضهم يرى إليك زبدًا
وبعضهم يرى إليك خالقًا.
أجمل ما تكون أن تكون هدفًا -(49/276)
مفترقًا
للصّمتِ والكلامِ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> أول التهجية
أول التهجية
رقم القصيدة : 6159
-----------------------------------
نقدرُ, الآنَ, أن نتساءلَ كيف التقينا
نقدرُ, الآنَ, أن نَتَهجّى طريقَ الرّجوعْ
ونقولَ: الشواطىءُ مهجورةٌ,
والقلوعْ
خَبَرٌ عن حُطامٍ.
نقدر, الآن, أن ننحني, ونقولَ: انْتَهَيْنا .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> قيس
قيس
رقم القصيدة : 6160
-----------------------------------
كان قيسٌ يقول: اكتسيتُ بليلى
وكسوتُ البَشَرْ
ورأيتُ إليه يُغطّي
وجنتيهِ بنارٍ
ويسامرُ غاباتها ويُطيل السّمَرْ.
ورأيتُ إليه يلمُّ القمَرْ
حُفنةً حفنةً من ضِفافِ السّهَرْ .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> أول الكلام
أول الكلام
رقم القصيدة : 6161
-----------------------------------
ذلك الطّفل الذي كنتُ, أتاني
مرّةً
وجهًا غريبًا.
لم يقل شيئًا. مشينا
وكِلانا يرمقُ الآخرَ في صمتٍ. خُطانا
نَهَرٌ يجري غريبًا.
جمعتْنا, باسْمِ هذا الورقِ الضّارب في الرّيح, الأصولُ
وافترقْنا
غابةً تكتبها الأرضُ وترْويها الفصولُ.
أيها الطّفل الذي كنتُ, تَقَدَّمْ
ما الذي يجمعنا, الآنَ, وماذا سنقولُ? .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> مفرد بصيغة الجمع
مفرد بصيغة الجمع
رقم القصيدة : 6162
-----------------------------------
1
لم تكن الأرض جرحًا كانت جسدًا
كيف يمكن السفر بين الجرح والجسد
كيف تمكن الإقامة?
2
كان لإقامته بين الشجر والزَّرْعِ شحوبُ
القصب وسَكْرَةُ الأجنحة
تآصَرَ مع الموج
أَغْرى بِهدأة الحجر
أَقْنَع اللّغَة أن تؤسِّس حِبْرَ الخشخاش
وكان سُلَّمٌ يقال له الوقت يتكىء على اسْمِه ويصعد
نبوءةً
نبوءةً
من الأجنحة يخرج الأثير
من المصادفة يخرج الحتْم
لكن
أيتها الشمس الشمس ماذا تريدين مني?
وجهٌ يجتمع بُحيرةً يَفْترق بجعًا
صدرٌ يرتعش قبّرةً يهدأ لُوتَسًا
حوضٌ يتفتّح وردةً ينغلق لؤلؤةً(49/277)
تلك هي أدغال الهجرة وراياتُ القَفْر
وللنهار يدا لعبة
وللفَلكِ نَبرةُ المهرِّج
لكن
أيتها الشمس الشمس ماذا تريدين مني?
يلبس الموتُ حالةَ البنفسج
يسكن النّرجس آنيةَ الثلج
يحلم أن الحبّ وجهٌ
وأنَّه مرآته -
الحجرُ برعمٌ, الغيمةُ فراشةٌ
وعلى العتبة جسدٌ - شرارَةٌ لقراءة الليل
ليس الموتُ عزلةَ الجسد
الموت عزلةُ ما ليس جسدًا
لكن,
أيتها الشمس الشمس ماذا تريدين مني?
أَبحث عما لا يلاقيني
باسمه أنغرسُ وردةَ رياحٍ
شمالاً جنوبًا شرقًا غربًا
وأضيفُ العلوَّ والعمق
لكن, كيف أتجه?
لعينيَّ لونُ كسرة الخبز
وجسدي يهبط نحو داءٍ له عذوبةُ الزّغب
لا الحبّ يطاولني
ولا تَصل إليَّ الكراهية
لكن,
كيف أَتَّجه? وماذا تريدين مني
أيتها الشمس الشمس?
3
يمحو وجهه - يكتشف وجهه
يتقدَّم الخطف تلبسكِ فتنةٌ بفجرها الأول
يتقدّم الوقت أين المكان الذي تُزْمِنُ فيه الحياة?
تتقدَّم العتمة أيّة رَجَّةٍ أنْ أوزِّعكِ في كريّات دمي
وأقولَ أنتِ المناخُ والدّورة والكُرَة
أيّة زلزلة?
يتقدّم الضوء يُلْيِلُ في أنحائي
أنقطع أتَّصل
والوقتُ يأخذ هيئة البشَرة
يخرجُ من الوقت
وسقطَ
غزوكِ
عليّ
وشَهَقَتْ إليكِ أحوالي
لماذا حين دخلتِ أخَذَتِ الحقول تشتعل وكانت
يداي أوَّل النار,
ولماذا, كلّ ليلةٍ,
كنت أحمل زَغَب نهديكِ لليلةٍ مقبلة?
أُدخلي
وعلى ركبتيكِ
ترابٌ وفي الطريق إليك - إليّ
الجبالُ
وسَرْوُ المنحدرات
وشرْبينُ الأودية أقول نلتقي - نفترق
وأَستجمع أنحائي:
أيها الحَنْظَلُ المتناثر ملحًا على موائد الإباحة
أنت العذوبة وأمنحكَ طعميَ الأول.
جسدكِ التّيه أخرج
وأسفارُ خروجي أنتِ
آخذكِ أرضًا لا أعرفُها
تلالاً وأوديةً تغطّيها نباتاتُ البحث
امتدادات غامضةً
وآخذكِ واقفًا
قاعدًا
راقدًا
ولا أقنع بغيركِ
آخذكِ
في تنهداتي
في اليقظة والنوم
في الحالات الوسيطة
وفي ما يُعدّه لي الوقت
آخذكِ
ثنيّةً ثنيّةً
وأفتتح مسالكي
أتمدَّد فيكِ لا أصل
أتدوّر لا أصل(49/278)
أتسلَّك أنتسجُ لا أصل
أصلُ من أقاصيكِ لا أصل
ما بعد المسافاتِ أنتِ ما بعد المفازات
أنتِ أين وهل وماذا وكيف ومتى وأنتِ
لا أنتِ
انْبسطي على جسدي وانْغرسي
خليّةً في خليَّة
عرْقًا في عِرْق
ولتخرجْ منكِ آلاف الشفاه
آلاف الأسنان
ولتكن غيرَ معروفةٍ لتكونَ على قَدْرِ حبِّنا
( ... )
وأكون علّقتُ صورتكِ بجميع الصور
ويكون جاءني الكشف وقلت:
هذا لقاؤنا الأخير
من أنتِ?
آخذكَ
حيوانًا
يضع السّمَّ في شفةٍ
والبلسمَ في شفةٍ
وكلّ ليلةٍ, أقول
هذا لقاؤنا الأول
أيها الأحد
ق
م
ر
ش ع ش ا ع
وليس لي معك غيرُ الهواتف
وغيرُ البوارق
وما يطوف
ويهتزّ جسدي بالكُنْهِ اللازمِ له
والملكاتِ الواجبة في أشيائه
وأصرخُ: أنتَ الهباءُ
وأنت القادِر
من أنتَ?
جسدٌ يكبَرُ في الخَزَام والخالدة
ينحدر يعلو يَسْتشرف
يجمع الضّفاف ويقرأ هذَيان القصب
جَسَسْتُكِ بِعينيَّ
رقصًا يتقدَّم في خطوات الفصول
تنهّدتُ في ناردينٍ
وأخذتْ أشكالٌ تروح وتجيء في لُججِ
الخاصرة يصطدم الغريق بالغريق
أخرج من الخيزران
أَدخل المِدقّة
أتغلغل في أخْبية القاعدة
حيث يكمن البيضُ وينتهي قَلَم السمَّة
أتجمّع كما يتجمّع اللّقاح
أخلعك أتزيّا بكِ
أنسلخ منكِ أتَّحد بكِ
وأخلق بيني وبينك
خداعًا بعلوّ الشمس
رياءً يكسر الزَّمن غصنًا غصنًا
من أنتِ?
تحت البَشرة الهويّةُ
في شراييني خَبْطةُ المسّ
أتدحرج بين أنا الجمر وأنا الثلج
وبين
الياء
والألف
أَتدلى
أَخلق في اليوم يومًا آخر
وأَربط بحبل الدقائق أهوائي
تقول المرآة اكسريني
تقول الخطوات قيِّديني
وبين آلة الموت وحيوانِ الألفاظ
أَنْغرسُ أنجذرُ
وأَلعب نَرْدَ الطبيعة.
4
(...)
دائمًا
كان
بيننا
مسافة قلنا
يمحوها اللهب الذي نسميه الحبَّ
والتصقَ النهار بالنهار الليلُ بالليل
وبقيت بيننا مسافة
أطفأنا ما لا ينطفىء
أشعلنا ما لا يشتعل
وبقيت بيننا مسافة
وفي ساعات التحام الشهيق بالشَّهيق والنطفة بالنطفة
بقيت بيننا مسافة(49/279)
أيّها الحب, أيها النسل المنطفىء
تَقدّمْ واجلس على ركبتيَّ - ركبتيها
خُذْ إبرَ الدمع وانسُجِ الماء
تحيّينا أجراس الرَّغبات
نبتكر موتًا يطيل الحياة
نبتكر خداعًا بعلوِّ الطفولة
رياءً بصدق الشمس
من نحن?
يجمعنا جسرٌ لا نقدر أن نعبره
يوحّدنا جدارٌ يفصلنا أدخل فيكِ أخرج منّي
أخرج منكِ أدخل فيَّ
ما أبنيه يَهدِمني
تشبّهتِ لي أَنَّك الفضاء
وأَضْغَثْتُ الرؤيا
أمسكتُ بوردةٍ هبطتُ واديك انتظرت
بيننا نهرٌ والجسر بيننا نهر آخر
سمعتكِ تسألين: أيّنا الكبدُ
أيّنا النواح?
اختلطتِ بالجَزَعِ وأعشاشه
صرختِ اتّحدنا كرةً من النار
انْطفئي الآن أَنطفىء الآن
لِنعرفَ نعمة الجمر
نمحو وجهينا نكتشف وجهينا
هواجس
أصدافًا
مرايا
ننفذ عِبرَها إلى شخوصنا الثانية
نفتح صدرينا للأكثر علوّاً
ينفتح لنا الأكثر انخفاضًا
ويدخل كلانا في برج الوحْدنة
في عزلة عصفورٍ يُحتضر
ويتذوَّق كلانا طعم الآخر
وتسكر أعضاؤه بالحياة لحظةَ يسكر الآخر
بالموت
وكلانا يُسِرّ نعم لحظةَ يجهر لا
ويُسرّ لا لحظةَ يجهر نعم
كيف تغسلين جسدك ويزول ماؤك الثاني?
كيف أغسل جسدي ويعود لي مائي الأول?
أنا سؤالكِ
ولستِ أنتِ جوابي
عرَّفتكِ بحنيني
بشرَّتك بِه وربطتك بنفسي
لكي يتحرَّك جسدكِ حركة الحكيم
وأتحرّك به
بما فوقه
بما تحته
وبالذي بين يديه
لكي أحيطَ بكِ إحاطةً تخلَّصني من كل قاطعٍ
يقطعني عنكِ
أقرأَ كتاب كنهكِ
أتطوّرَ في أصولكِ
أذوقَ موجوداتها
وأشخَّصَهَا في أوهامي
لكي تكوني النقطة
وأكون الخطّ والشكل
لكي تكوني مِنْ وما يتلوها
عَنْ وما عندها
حيث لا تسعني الكلمات
حيث لا يسعني غير التخييل والرمز
لم أقصدكِ
لستُ بحركِ
لست البجع الذي تنتظرينه
وليس لي غير أطرافٍ
أطراف تتيهُ
تتوه في حُمَّى لم أكتشف حدودها بعد.
محوتكِ - اكتشفتكِ
بسطت على الورق أجنحتي واستدعيتكِ
قلتُ: الموت شيخ
من أين له بعد أن يلحق بنا?
قلتُ: جسدي شمالٌ والزمن جنوب
كيف لهما أن يلتقيا?(49/280)
ولكِ أَماميَ الذي لا يهرم
ولك أبديّة الجهات الباقية من أعضائي
ولكِ منحتُ عينيَّ الأرقَ ويأسيَ النوم
ولك ساويتُ بين الصحراء والبحر
العينِ والشّوك
ولكِ استثنيتُ المعنى من حشود الكلمات
وسمّيته الصورة
ووفاءً لأسمائك التي أنزلتها سلطانًا
قلت للأبجدية: تشهَّيتِ ووحَّمْتكِ
ولكِ غيْرتُ وأقنعت سنواتي أن تكون جمرة التغير
ولكِ استوهَبْتُ اللهبَ أخطائي وأقنعت الجسد
أن يكون مجدَ الصفات
ألتهمكِ خليّةً خليَّةً لا تروينني
أَحتويكِ نبضةً نبضةً لا راحةَ لي فيكِ
لا الغيرة تفصلني عنك لا الكراهية
يفصلني شعور لا اسْمَ له
وأنتِ الآن الزّمنُ والموت:
من أين لي أن أَسترجعكِ?
تُحتضرينَ أندفع نحوكِ
أجسُّ بقاياكِ
وألمس كيف ترحلين
لم
أكن
لستُ إلا رذاذًا يُشهيَّ
كنت البطيءَ وسبقتْني ثيابي
موتي سُلَّمٌ لجسدي وجسدي بلا قرار أين أثبت?
أثبتّ السّحاب قلتُ للزبد أن يكون
مفتاحَ الموج أين أثبت?
ليس الاسم جذرًا ليس الجذر امرأةً ليس أين أثبت?
القشُّ يأتزر بالورد والكلمات تكسر صلبانها أين أثبت?
وجاءني الأفق سَمَّى نفسه بِاسْمي
ليس الاسم حضنًا
ليس الحضن امرأةً
آخذ شفتيَّ منكِ هذه الليلة
أيتها الأرض الوَحْمى ولا حَبَل,
لأعرفَ كيف تهطلين أيتها الصحراء
كيف تزدادين اتساعًا
لأعرفَ حَتْمَ اليأس
لأعرفَ كيف نحبّ دون أن نحبّ
كيف يذبل ما تسمَّى بأسمائنا الأولى
وارتوى بما حسبناه لا يعرف الذبول
الجرح دلتا
البلسم ألف
والجسد حروفٌ بلا نقاط
أيّة هاوية تَتّسع لأعضائي
ليس للمكان قصبةٌ لأتوكّأ
ليس في مناخهِ غيومٌ لأتوسّمَ المطر
وها أسمع في جسدي
جذوعًا تَنْبتر
وأشلاءَ تَتطاير
وها أنسكب في شظايايَ
وأَسترخي
أيّها الحبّ - الرأسُ الذي يَشجُّه الجَسد عرقًا عرقًا
أيها الحب, يا أرومةَ الماء
اتّسعْ
كن الهباءَ والشمس
وأثْبِتِ الغُبار بالغبار.
تمرحَلْ, أيها الجسد, من الآن إلى الموت
- متى وُلدتَ, ما عمرك?(49/281)
تَمدَّدْ, أيها البخار, يا دمي ورافق استطالاتي
ثمة أمواجٌ تقبل من شواطىء غير مرئية
تقول إنّها استطالاتي
ثَمَّة صلصالٌ غيَّر اسمه
حَرْفٌ خرج من صوته
أُفقٌ على شَفَا الأفق
تقول إنها استطالاتي
وبين العصب والعصب صَحَارى
تقول إنها استطالاتي
وأنتِ, يا زهرة الآلام امْنحينيَ احتمالاتٍ أخرى
كوني أمومةً زهرةً بآلاف الأَسْدية والمِدَقَّات,
الكؤوس والتّويجات
امْنحيني - اذْكري وجهي
كنتِ تَنْحنين عليه كلّما جمعنا ماءٌ أو هواءٌ
لِنقرأ الموت
تمتزج رائحتانا
تنمو أطرافُنا توائمَ توائمَ
أقول لكِ: تَموتينَ مأخوذةً بالماء
تقولين لي: تموت مأخوذًا بالشمس
لكن,
لحظةَ تذبلين بين عينيَّ
يفصلنا لَهَبٌ لَهَبٌ لَهَبٌ
ومتاهاتُ الأحد السبت الجمعة الخميس
أصِلُ فيك الشهوة بطعم التراب
والفرحَ بنكهة الموت
وها هو جسدي
موشومًا ببقع الحسرة
يزحف بين كلماتي
تتكاثفُ أدغال الأرق
تعلو أمامي الجبالُ
الشجر ينام
ولكلِّ حصاةٍ أذنان تُصغيان إليَّ.
توهَّمتُ أنَّ اليدَ يَدٌ وأنَّ الوجهَ هو الوجه
وكان هذا تعاطفًا مع الرمل.
الجسدُ يتذكّر الحبّ ينسى
الحبّ أن نذهب الجسدُ أن نجيء
الحبّ أن نستوهم الجسدُ أن نتَبلبل
الحبّ - هذا الهَزْل الكوني
من أجل أن يظلَّ الأبد مشقوقًا
من أجل أن نُهَسْهِسَ الشّكّ.
7
باسم جسدي الميت - الحي الحي - الميت
ليس لجسدي شكلٌ
لجسدي أشكالٌ بعدد مَسَامِّه
وأنا لا أنا
وأنتِ لا أنتِ
ونصحّح لفظَنا ولسانيْنا
ونبتكر ألفاظًا لها أحجامُ اللسان والشفتين,
الحنَكِ
وأوائلِ الحنجرة
ويدخل جسدانا في سديم دَغَلٍ وأعراس
يَنْهدمان
يَنْبنيان
في لُجّةِ
احتفالٍ
بلا شكل
بطيئًا سريعًا
نحو ما سميناه الحياة
وكان فاتحةَ الموت.
باسم جسدي الميت - الحي الحي - الميت
ارتفع السَّرْوُ بين الاسم والوجه
عادت اللغة إلى بيتها الأول
كان الحب قبرًا دخلتُ إليه وخرجتُ
كان القبر نزهةً لراحة الأوردة
ومات النحو والصرف(49/282)
وحُشرا بين يَديْ أول قصيدة كتبتها وآخر قصيدة
وأخذ الحَشْرُ يحكم ويَفْصل
يبرّئ ويَدين
لكي يأتي الليلُ
يشرد النهار خارج النهار
لكي يأتي النهار
يشرد الليل خارج الليل
لكي تحتفظ الأرض بذكرى العشب
تَتَغطَّى بالقش
باسم جسدي الحي - الميت الميت - الحي
للجسد أن يفصل بين جسدي وجسدي
له أن يعتقل عضوًا بعضو
يحارب خليّةً بخلية
له أن يزرع دمي ويحصده
وللجسد أن يكون جسدي
ضِدّ جسدي.
8
( ... )
سلامًا لآلاتٍ غير مرئية أَبتكرها لأبتكر أجسادي الأخرى
قلوبي الأخرى
سلامًا لكوكبي الجالس على طرف القيد
يتَّخذ من قدميَّ وذراعيَّ حدودًا وأعلامًا
سلامًا لوجهي يتبع فراشةً تتبع النار
// هل أفصل نفسي عن نفسيَ
هل أجامعها / هل الجما
عُ لحظة انفراد أم لحظة ازدوا
ج? هل آخذ وجهًا آخر? وما
ذا يفعل جسد تبقّعه جراحٌ لا تلتـ
ـئم? إنها الصحراء
تطبق عليّ, وها هو
الجرادُ يَحْتَنِكُ أطرافي //
أجلسْ, أيها الموتُ, في مكانٍ آخر
ولْنتبادَلْ وجهينا
أصنع نبضي نسْغًا لأبجديتي
أسوّيك الجلد
أسمّيك النظر
طعمَ الأشياء
( ... )
وأقول باسمكَ:
ابتسمْ, أيها النهر, لجفافك
امرحي, أيتها الزهرة, بين الشّوكة والشوكة
وأقول باسمكَ:
في الرّماديّ أفتحُ جسدًا أتجوّلُ في أرجائه
حيث يتمشّى قوس قزحٍ بخطوة الطفل
ويكون لخيالي أن يفترسَ عينيَّ
ويهدم الجسورَ بيني وبين ما حولي
ويكون لي أن أصعدَ وألتقفَ الهواءَ المحيط.
وأقول باسمكَ, هامسًا لأشباحك:
أيتها العطور التي تفرز الرّغبة
تزيّني
واسْتهويني.
وأقول باسمكَ:
دائمًا على شَفَا الجنون
لكنني لا أُجنّ.
اجلسْ, أيها الموت, في مكانٍ آخر ولنتبادل وجهينا
أُسمّيك الجسدَ وأسأل
كيف أعيش مع جَسَدٍ أتَّهمه
وأنا المتَّهَمُ والشاهِدُ والحكَم?
وأسميكَ جسدي
وأرى إليك إليه يتفكَّك ويتركَّب
السَّاعد فخذٌ
المعصم كاحِلٌ
اليد قَدمٌ
الكتف مِرْفقٌ
وما تبقَّى غيرُ ما تبقَّى
وأستسلمُ, أنا الراسخ,
كانهيارٍ ثلجيّ(49/283)
عنقي يهبط في التّرقوة
وتهبط هذه في الصدر
ويهبط الصدر في ليل الرّدفين
والرِّدفان في شمس الأحقاء
وتكون الأحقاء رصاصًا يرسب في أطراف
الساقين وتتَنَوَّرُ بأعضائي أعضائي.
وتقول باسمي:
أسميكَ عاشقًا
وجْهًا إلى الحيوان
وجهًا إلى النبات
وأصغي إلى هذيانك يطلعُ
في لهاث العناصر:
دال تاء
- بحسب حركاتكَ يجري أمري
والليل والنهار بريدي إليك
يتراكضان كمُهرين في سباق
كيف أقمع هوائجي
والحاجة إليكَ هتكتني?
واو نون
- كيف أقمع هوائجي
والحاجة إليكِ هتكتني?
تبكين?
- لا تحرق النار موضعًا مَسَّهُ الدمع
لذلك أبكي
ينبت القرنفل في الدمع
لذلك أبكي
وأمس قرأت: (كلّ شهوة قسوة إلاّ
الجماع يُرقِّقُ ويُصفّي)
لذلك أبكي.
سين ألف
- أدخلي, كأنك نقبتِ الجحيم وخرجت منها
أو كأنك امرأة تشتري العطرَ بالخبز
أُحْصيك وأستقصيكِ
أُزمِنُ فيكِ وأُكوكب حولك أعضائي
وكنت صادَفْتُ نفسي فيكِ
وحين تبعتكِ
قلتُ: النَّفَسُ يتبع بعضُها بعضًا.
لكن,
لماذا أنا كثيرٌ بنفسي قليلٌ بكِ?
لماذا, كلما اقتربْتِ إليّ, أشعر كأنّ عضوًا يسقطُ مني?
مع ذلك, ادخلي
لا يزال جسدي رطبًا بذكركِ
وكيف أقمع هوائجي
والحاجة إليكِ هتكتني?
وأقول, باسمك, لجسدها:
جسدكِ صوتي أسمعه
نظري أتشرد فيه جسدكِ رحيلي وكل خليّةٍ منطلَق
جسدكِ مرفأي وأضلِّل المراسي جسدك الصخر يستبقيني
الغبارُ يطير بي
جَسدُكِ هبائي
ويظلِّلني
جسدك فضاؤكِ وأنا وحُوشهُ المجنّحة
جسدكِ قوسُ قزحٍ وأنا المناخُ والتحوّل.
وأسأل, باسمكَ:
أَصْحَرْتُ لا مأوى
اسْتَأْسَنْتُ من يُطهّرني?
من يعصمني من العبارةِ
تكدر,
من الإشارة
تضمحلّ
وكيف يتحرّر القفص?
وتقول, باسمي:
أَبْدع لجسدك ما يناقضه
كُنِ الهباءةَ والحصاةَ في جسدٍ واحد
أكمل جسدَكَ بنفيه
ولتكن اللّغةُ شكل الجسد
وليكن الشعر إيقاعه.
إجلسْ, أيها الموت في مكان آخر ولنتبادل وجهينا
أقول باسمك وباسمي:
نُضلِّل الحياة وهي التي تقودنا
ماذا أفعل(49/284)
وجسدي أوسع من الفضاء الذي يحتويه
أنا الباحث
وليس أمامي غير الموت?
ونقول باسمها وباسمك وباسمي:
تجوهرتُ بكِ
وكنت أطمح إلى التبدّد
وفتحتك بجسدي لكن,
بماذا أختمك?
ومع أنني مَشُوبٌ بكِ
فأنا شيءٌ لا يستند إلى شيء
ليس مربوطًا
ولا ملتحمًا
ولا حالاً
لكنني أسيلُ لا أقف
وجسدي رمَى إذ رمى
بقاب قوسين
وأنا الصَّحيحُ المريض برزخُ الجنس
استوليتُ
إلبْتُ الكَمَّ والكيف
فُتُّ ما يُقال
مع ذلك,
عييت من تصوّرِك على أنحاءَ ومراتب
وأعوذُ بأسمائنا من علم اليقين
(أليقينُ شَرَكُ الضمائر
والمعرفة
أن
تعلم وتجهل)
هكذا أتحرّك في سلاسل جنوني وأنوّع الحلقات
هكذا أيّها الثابت
المتبدّل
المتصوّن
يا جسدي
وكذا
وكذا
وكذا
هكذا أسأل:
أنتَ صِراطي كيف أقطعك?
أو
أسأل:
هل أنتَ حكايةٌ محرَّفةٌ ومكذوبةٌ عليَّ?
هكذا,
أُنكر ما يفرّقني
وما يجمعني
وأقول باسمكَ:
أنا الماء يلهو مع الماء .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> أغنيات
أغنيات
رقم القصيدة : 6163
-----------------------------------
( 5 )
سَكَنَتْ وجهها
سَكَنَتْ في نخيل? من الصّمتِ بين رؤاها وأجفانها...
بيتُها شارِد?
في قطيع الرّياحِ, وأيّامُها
سَعَف? يابِس?,
ورمال?.
مَنْ يَقولُ لِزيْنَبَ: عينايَ ماء?
ووجهيَ بيت?, لأحزانِها?
( 7 )
ألمحُ الآنَ أحزانَها
كالفراشاتِ, تضربُ قِنديلَها
حُرّةً, ذاهِلَهْ
وأراهَا تُمزّق مِنديلَها...
ألمحُ الآنَ أمّي:
وَجْهُها حُفْرة?, ويدَاها
وردة? ذابِلَهْ.
( 12 )
كان هذا مَمَرّاً إلى بيتها, - كثيرًا
خبّأتْنا شجيراتُه, ورسمنا
في تقاطِيعِه خُطانا, -
وهنا كان مروان يجمع أصحابَهُ...
مات ميثاقهم وماتوا
وامَّحت هذه العتَباتُ.
( 13 )
أخذوهُ إلى حفرة?, حرقوهُ
لم يكن قاتلاً, كان طِفْلاً
لم يكن... كان صوتًا
يَتموّجُ, يعلو مع النّار, يَرْقى على دَرَجات الفضاءْ
وهُوَ, الآنَ, شَبّابَة?
في الهواءْ.
( 14 )
ليس منديلُها لِيُلَثِّمَ وجهًا(49/285)
أو يردَّ الغبارَ, وليس لكي يمسحَ الدّمعَ, منديلُها
طَبقُ الخبز والجبن والبيضِ, وهو لِحاف?
لِرشّاشِها, -
كان منديلُها رايةً...
( 15 )
تَرَكَ القافله
ومزاميرَها وهواها, -
مُفْرَد?, ذابِل?
جذبتهُ إلى عِطرها
وردة? ذابله.
( 16 )
ستَظلُّ صديقي
بين ما كان, أو ما تَبقَى
بين هذا الحطامْ,
أيُّهذا البريقُ الذي يلبس الغيمَ, يا سيّدًا لا ينامْ.
(18 )
أخذت ما تيسّر من خبزها / كان طفل?
يتلهّى بعكّازها
ويدبّ على قدمَيْها, -
حملته كجوهرة?, غَمَرتْهُ
ورمت فوقَهُ وجْهَهَا
وَمَضَتْ تتوكّأُ / عُكّازُها
إرثُها من أب?
مات قَتْلاً...
(19 )
أَلنّهار رغيف?
والمساءُ إدام? لهُ,
أَلمساءُ رغيف?
والنهارُ إدام? لهُ
ورق? يتقلّب في ريحه /
سيكونُ الشتاء طويلاً
سيموت الربيعُ بلا أُغنيات?, -
إنّ هذا رثاء? لليلى التي لم تمُتْ... .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> لو أن البحر يشيخ
لو أن البحر يشيخ
رقم القصيدة : 6164
-----------------------------------
لو أنّ البحر يشيخ
لاختار بيروت ذاكرة له.
كلّ لحظة
يبرهن الرماد أنه قصر المستقبل.
يسافر,
يخرج من خطواته
ويدخل في أحلامه.
كلما هذّبته الحكمة
فضحته التجربة.
يرسم خرائط
لكنّها تمزّقه.
أغلق بابه
لا لكي يقيد أفراحه,
بل لكي يحرّر أحزانه,
رماده يفاجىء النار
وناره تفاجىء الوقت.
ينكر الأشياء التي تستسلم له
تنكره الأشياء التي يستسلم لها.
الماضي بحيرة
لسابح واحد: الذكرى.
لا وقت للبحر لكي يتحدث مع الرمل:
مأخوذ دائمًا بتأليف الموج.
اليأس عادة, والأمل ابتكار.
للفرح أجنحة وليس له جسد,
للحزن جسد وليس له أجنحة.
الحلم هو البريء الوحيد
الذي لا يقدر أن يحيا إلاّ هاربًا.
الفكر دائمًا يعود
الشعر دائمًا يسافر.
السرّ أجمل البيوت
لكنه لا يصلح للسكنى.
يصدأ اللسان من كثرة الكلام,
تصدأ العين من قلة الحلم.
أنّى سافرت, كيفما اتّجهت:
أعماقك أبعد الأمكنة.
جُرحتُ باكرًا
وباكرًا عرفت:(49/286)
الجراح هي التي خلقتني.
قرية صغيرة هي طفولتك
مع ذلك,
لن تقطع تخومها
مهما أوغلتَ في السفر .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> الحب جسد
الحب جسد
رقم القصيدة : 6165
-----------------------------------
الحب جسد أحنّ ثيابه الليل.
للأعماق منارات
لا تهدي إلاّ الى اللجّ.
شجرة الحور مئذنة
هل المؤذّن الهواء?
أقسى السجون وأمرّها
تلك التي لا جدران لها.
كان أبي فلاّحًا
يحبّ الشعر ويكتبه,
لم يقرأ قصيدة
إلاّ وهي تضع على رأسها رغيفًا.
الحلم حصان
يأخذنا بعيدًا
دون أن يغادر مكانه.
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> قناديل
قناديل
رقم القصيدة : 6166
-----------------------------------
ما هذا الإنسان
الذي لا نعثر على اللاإنساني
إلاّ فيه?
أهواء الحكم
تفتح الأبواب واسعة
لحكم الأهواء.
بقدر ما تضيق رقعة القول
تضيق رقعة الوجود.
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> دليل السفر في غابات المعنى
دليل السفر في غابات المعنى
رقم القصيدة : 6167
-----------------------------------
ما الغيب?
بيت نحب أن نراه,
ونكره أن نقيم فيه.
ما السر?
باب مغلق إذا فتحته انكسر.
ما الحلم?
جائع لا يكف عن قرع باب الواقع.
ما اليقين?
قرار بعدم الحاجة الى المعرفة.
ما القبلة?
قطاف مرئي
لثمر غير مرئي .
شعراء العراق والشام >> أدونيس >> المهد
المهد
رقم القصيدة : 6168
-----------------------------------
... إِذَنْ أَدْعُو إِلَى تَوَاطُؤِ الهَمْسِ وَالشَّمْسِ, العُنُقِ وَالأُفُقِ
إِذَنْ, أُشَبِّهُ غُمْدَانَ بِالنَّهَار, وَبَلْقِيسَ بِاللَّيْل, وَأَنَا بَيْنَهُمَا الهَدِيل.
1
شَجَرُ أَيَّامِهِ عَارٍ, وَالجذْرُ الَّذِي نَمَاهُ يَأْخُذُ شَكْلَ الصَّحْرَاء, وَهَا
هُوَ التَّارِيخُ يُلَفُّ بِالسَّرَاوِيل, وَالوطَنُ يُكْسَى بِالرَّمْلِ لَكِنْ هَذَا
الظَّاهِرُ لاَ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ يَعْرِفُهُ بَاطِنٌ لَمْ يَحِنْ ظُهُورهُ بِالْغِيَابِ(49/287)
يَمْتَحِنُ وَيَسْتَقْصِي, وَبِاسْمِ الحُضُورِ يسُنّ شَفْرَةَ الكِتَابَةِ وَيُحَزِّرُ
هَذِهِ الأَرْض.
إِنَّهَا مُهْرَةُ الحِبْر تَخبُّ فِي سُهُولِ الحُلْمِ, لَكِنْ لأَحْلاَمِهِ طَبِيعَةُ
الجِبَال مَحَارَاتٌ وَقَواقِعُ يلفظُهَا مَوْجُ الذَّاكِرَة الزَّبَدُ يَنْعَقدُ أَسَاوِرَ
في مِعْصَم الشَّاطىء, وَالصَّخْرُ صَنَّارَةُ الهَواء وَرَأَى أَنَّ لأَيَّامِهِ
جَسَدًا تَمْسَحُهُ الرِّياحُ بِرِيشِهَا, وَأَنّ دَرْبَهُ غَابَاتٌ تَحْتَرِقُ
كيْفَ يُحَرِّرُ هَذَا الأُفُقَ الَّذِي يَلْتَهِمهُ مِنْشَارُ الرُّعْبِ?
2
قَالَ أَنْسَلخُ مِنْ أَنْقَاضِي وَأَرْمِي نَرْدِيَ ( ... ), -
(عَلِي أَحْمَد سَعِيد, اسْمٌ يَمَانيّ),
سَمِعْتُ هَذَا مِرَارًا والنّقْشُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ قَصْرِ غُمْدانَ يَعْرِفُ
اسْمِي وَالحَجَرُ الذِي نُصِبَ لِعَشْتَرَ يَتَذَكَّر اسْمِي لي فِي
تُرَابِ اليََمَن عِرْقٌ مَا طِينَتِي قَابِلَةٌ وَغَرِيزَتِي حُرّة, -
أَنَا الأُسْطُورَةُ وَالهَوَاءُ جَسَدِي الذِي لاَ يَبْلَى
هَكَذا ذَهَبْتُ مَعَ ظَنِّي الجَمِيلِ انْسَلَخْتُ مِنْ أَنْقَاضِي وَرَمَيْتُ نَرديَ
( ... ) /
هُوذَا أَتَوَهَّجُ مَع رَامْبُو بَيْنَ جَمْرَةِ عَدَنٍ وَتَبَارِيحِ المَنْدَب عاريًا
مِنِّي مَكْسُوًا بِهَا أَضِيعُ فِيهَا وَتَتَضوَّعُ فِيَّ -
عَدَنٌ / قَدمَاهَا موجٌ
جِذْعُهَا بَرَاكِين فَجْرُهَا يَطُوفُ سَاحَاتِهَا بِقَمِيصٍ مِنْ نَارٍ وَحِينَ
يَقْرَعُ بَابَكَ يَأْتِي مَحُمُولاً عَلَى أَجْنِحَةِ النَّوارِس تَنْهَضُ وَتَجْلِسُ مَعَ
شَمْسٍ تَجْمَعُ بَيْنَ حِكْمَةِ الغُرَابِ وَعُذُوبَة البجعِ تَرَى إِلَى البَوَاخِرِ
تَتَدَوَّر قِبَابًا تَكْتَنِزُ المُحِيط وَمِنْ كِتَابِهَا مَفْتُوحًا عَلَى مَدَى الزُّرقَة
تَسْمَع كَلمَاتٍ لَم تَأْلفْهَا تُفْرِغُهَا عَلَى صَفَحَاتِ الشَّوارِعِ رَافِعَاتٌ(49/288)
وَعَرَبَاتٌ / مَحَابِرُ وَأَقْلاَمٌ مِنْ مَعْدَنٍ آخَر وَكُنْتُ أَسْمَعُ كَلِمَاتٍ
أُخْرَى تَتَسَاقَطُ عَلَى الأَرْصِفَة / يَمْتَلِىءُ وَجْهُهَا بِالْجِرَاحِ وَلاَ
شِفَاءَ لِرُضُوضِهَا وَبَيْنَ أَسْلاَكِ الحَدِيدِ وَأَسْلاَك القنّبِ يَتَصَاعَدُ
الصّخب:
عُمَّالٌ يَفْتَحُونَ خَزَائِنَ المَوْجِ
عُمَّالٌ يُفْرِغُونَ وَيَفْرِزُونَ
عُمَّالٌ يَحْزِمُونَ وَيُكَوِّمُونَ
وَتَرَى إِلَى العرقَ يَتَدَحْرَجُ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَأَعْنَاقِهِم وَتَتَمَرْأَى فِيهِ
كَأَنَّكَ تَتَمَرْأَى فِي مَاء عَالمٍ جَدِيد وَتَرَى إِلَى طُيُورِ البَحْرِ تَتَكَتَّبُ
وَتَهْجُمُ تُرِيدُ أَنْ تُشَارِكَ فِي هَذِهِ الضجَّةِ الخَالِقَة وَتُنْسِيكَ طَلاَسِمُ
التّقْنِيَةِ الَّتِي تَكْتُبُ المَدِينَة طَلاَسِمَ كُنْتَ تَتَوَسَّلُهَا فِي طُفُولَتِكَ لِتَقْرَأَ
الغَيْبَ
... / وَأَخَذَتْ عَدَن تَتَرَاءى قَصِيدَةً لَمْ تُكْتَب وَكَانَ رَامْبُو قَدْ حَاوَلَ,
- اسْتَخْرَجَ حبرًا آخَرَ مِنْ كِيمِيَائِهَا, لَكِنْ خَانَتْهُ كِيميَاءُ العَصْر.
3
أَتَحَدَّثُ مَعَ عَدَنٍ وَتُوحِي إِلَيَّ صَنْعَاء تَسِيرُ مَعَكَ الأُولَى وَتُقْبل
إِلَيْكَ الثانيةُ فيما تَجْلِسُ حَوْلَهُمَا الجِبَالُ كَمثلِ شُهُبٍ هَدَّهَا
السَّيْرُ.
صَنْعَاءُ - تسنُدُني أَشْجَارُ السِّدْر تُظَلِّلُنِي أَشْجَارُ العَرْعَر
تَحضنُنِي بُيُوتٌ أَعْشَاشٌ تُوَاكِبُنِي مدَرَّجَاتٌ سَلاَلِمُ وَحِينَ أَنْخَفِضُ
فِي تِهَامَةَ وَأَلْتَبِسُ بِعُشْبِ الأَقَالِيم تَتَخَطَّفنِي نَبَاتَاتٌ تَتَآلفُ مَعَ
الصَّخْرِ وَنَبَاتَاتٌ تَعشقُ الملوُحَة وَتَنْفَجِرُ أَمَامِيَ الأَوْدِيَةُ حُقُولاً
فَيْضِيَّةً - وَهَا هِيَ المِيَاهُ أُمَّهَاتٌ يُرْضِعْنَ النَّخِيلَ وَالأَثْلَ الأَرَاكَ
والطَّلْحَ وَيُرْضِعْنَ حَشَائِشَ لاَتَفْقَهُهَا اللُّغَة(49/289)
صَنْعَاءُ, - أَسْتَسْلِمُ لِمُهْرَة الحِبْرِ وَأُلْقِي رَأْسِي عَلَى خَاصِرَةِ
أَحْلاَمِهَا: هَلْ أَهْمِسُ لِبَلْقِيسَ أَنْ تكْسِرَ عَقْرَبَ الوَقْتِ? هَل الذَّاكِرَةُ
بلْقِيسُ هَلْ بلْقِيسُ النّسْيَان? هَلْ بَلْقِيسُ نَجْمَةُ العَصَب هَلْ هِيَ
أَنِينُ القَصَب? هَلْ هِيَ الضَّوْءُ تُفْرِزُهُ شَمْسٌ لاَ تَتْرُكُ أَثَرًا
لِخُطُوَاتِهَا? هَلْ هِيَ الحَنَانُ يَدْفُقُ عَارِيًا وَأعْزل كَمَاء اليَنَابِيع?
هَلْ هِيَ المنْجَلُ يَحْصُدُ الظَّلاَم? السُّؤَالُ يجمَح وَلاَ أعْرفُ كَيْفَ
أُرَوِّضُهُ.
لِي فِي تُرَاب اليَمَن عِرْقٌ مَا,
وَاْلخَرِيفُ الذِي يَتَسَاقَطُ مِنْ أَعْضَائِي وَرَقٌ يَكْتُبُهُ مَهَبُّ المَرَارَات
يَتَسَاقَطُ فِي خَيْطٍ يَجِيءُ مَنْ جَنَائِنَ عُلِّقَتْ بِقَدَمَيْ كَوْكَبٍ تَائِهٍ,
جَنَائِن تَنْعَكِسُ فِيهَا الفُصُولُ وَتَعُومُ أَشْلاَءُ النَّهَارِ وَاللَّيْل جَنَائِنُ
أَجْهَدُ فِيهَا أَنْ أُعَرِّيَ الرَّقِيمَ وَالكَهْف أَنْ أُلاَمِسَ نَصْلَ اللَّقَاحِ
حَيْثُ يَرْقُدُ غُبَارُ الطَّلع أَجْهَدُ أَنْ أَكْتَشِفَ وَحْدَةَ الشّفَاه بَيْنَ الزَّهْر
والنَّحْل وَأَنْ أَنْقُشَ الجَانِبَ الآخَرَ مِنْ عُمْلَةِ السرّ
لِي فِي تُرَاب اليَمَن عِرْقٌ مَا,
هَلْ يُجْدِي هَذَا الجَيْشُ الَّذِي أَتَقَدَّمُهُ فِي جَبِينِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ حَيْثُ
يَخْرُجُ طَائِرُ الرِّغْبَة نَحْوَ سَمْتٍ مِنَ السَّرْخَسِ وَدوًَّار الشَّمْسِ?
هَلْ يُجْدِي ذَلِكَ الحُزْنُ الَّذِي أَصْقُلُ صَفَائِحَه بِأَهْدَابِي? خَيْرٌ
لِي أَنْ أَتَوَتّرَ قَوْسًا لِسَهْمٍ أَحْتَارُ فِيهِ مِنْ أَيْنَ وَكَيْفَ خَيْرٌ لِي أَنْ
أَرْسُمَ خَرِيطَةَ أَحْشَائِي وَأَتَنَقَّلَ بَيْنَ تُخُومِهَا فِي هَذَيَانٍ أُهَنْدِسُ
عَمَارَاتِهِ وَأَفْرِضُ عَلَيْهَا ضَرِيبَةَ المَفَاتِيح(49/290)
هَكَذَا أُطْعِمُ كَائنَاتِي خُبْزًا آخَرَ وَأُغَيِّر آدَابَ المَائِدَة وَحِينَ
يَجْلِسُ الزَّمَنُ إِلَيْهَا أُعَدِّلُ جلْسَتَهُ مَاسِحًا كَتِفَيْهِ بِحَنَانِ شَيْخٍ
يَمُوتُ ثُمَّ أَمْلأُ الكُؤُوسَ بِخَمْرةِ الفَجِيعَة وَأُنَادِم الرَّفْض
لِي فِي تُرَاب اليَمَنِ عِرْقٌ مَا,
أَقْدَامُ حَدِيدٍ تَسْقُفُ المَكَانَ
نِسَاءٌ يَنْقُشْنَ قُبُلاَتهنّ عَلَى شَفَتَيْ
عَصْرٍ يَتَغَطَّى بِالإِسْمَنتْ
لَيْسَ لذِي يَزَنٍ إَلاَّ أَنْ يُغَالِبَ أَسْوَارًا يُحْتَضَرُ وَرَاءَهَا الأَسْرَى
وَإِلاَّ أَنْ يَسْتَطلعَ الدُّرُوبَ فِي آثَارِ خُطُوَاتِهم لَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَنْ
يُكَرِّرَ قِرَاءاتِهِ لأَبْجَدِيَّة الغُبَار
صَنْعَاءُ, - نَوَافِذُ بِلُطْفِ الطُّفُولَةِ مَمَرَّاتٌ كَأَنَّهَا الكِتَابَةُ وَبَيْنَ
الخَطّ وَالخَطّ فَوَاصِلُ وَحَرَكَاتٌ تُوَشْوِشُ, -
لِلْقَنَاطِر خُيُولٌ وَهَذَا القَوْسُ حَاجِبَانِ وَثَمّةَ أَقْمَارٌ تَقْفِزُ مِنْ
أَعَالِي البُيُوتِ وَمِنْ أَطْرَافِ المَآذِنِ يَنْكَسِرُ شُعَاعُهَا وَيَلْتَئِمُ
غَلاَئِلَ وَعَبَاءاتٍ
وَفِي الأَزِقَّة المَرْصُوفَةِ بِأَسْنَانِ تَارِيخٍ شيخٍ كُنْتُ أَتَخَيَّلُ وَقْعَ
قَدَمَيَّ مَمْلُوءًا بِأَشْبَاحٍ لَهُنَّ هَيْئَةُ الكَواكِبِ.
4
- (حَقّ العشْرِين بِعَشْرَه, يَابَلاَشْ يَابَلاَشْ) / يُكَرّر طِفْلٌ
نِدَاءَاتِه يَسْحَبُ خُيوطَ صَوْتِهِ بَيْنَ سُوق البَزّ وَسُوق النُّحَاس
فِيمَا يَرْفَعُ مَرآتَهُ الصَّغِيرَةَ فِي اتِّجَاهِ شَمْسٍ تتسكّعُ
بين الأَرْجُل وَفِي أَرِيجٍ مِنَ البَهَارَات تَتَشَابَكُ الأَسْوَاقُ أَوْرِدَةً
وَشَرايِين في هذا الجِسْمِ الذِي لَيْس مِن وَاقِعٍ وَلاَ حُلْمٍ.
صَنْعَاءُ, - آخذُكِ بَيْنَ ذِرَاعيَّ
نَمْشِي مَعَ رِجَالٍ يَرْفَعُونَ
النَّهَارَ مِظلَّةَ أَحْزَان
مَعَ نِسَاء يَحْمِلْنَ عَلَى أَكْتَافِهِنَّ
هُمُومًا بِلَوْنِ الزَّبِيبِ(49/291)
وَلَيْسَ لأَقْدَامِهنَّ إِلاَّ شَهْوَةٌ
وَاحِدَة: أَنْ تقبِّلهَا الرِّيح
قَنَادِيلُ وَجَامِعُ أَرْوَى يتَّكِىءُ عَلَى رِيَاضِيَّاتِ سَبأ
قَنَادِيلُ انْطَفَأَتْ وَلَهَا شَرَارَةُ الوَحْي
أَقْرَأُ أَسْرَارَهَا مَتْنًا مَتْنًا
وَأُرْجىءُ الهَوَامِشَ وَالتَّفَاصِيلَ
ثمَّةَ عَصْفٌ مَا وَأَسْألُكِ
أَيَّتُها القَنَادِيلُ أَيْنَ السَّاهِرُونَ وَمَنْ يُمْسِكُ بالزِّناد?
أَوَّلُ السُّوق / مَهْلاً - لَيْسَ هَذَا مَاءً بَلْ دَمٌ لَيْسَ هَذَا جِدَارًا بَلْ
العَمُودُ الفِقَرِيّ لِرَجُل قَالَ مَرَّةً كَلاّ
آخِرُ السُّوقِ / امْرَأَةٌ كَوْكَبٌ آبنُوسِيٌّ يَسْبَحُ فِي أَثِير التنهُّدَات
- (أَلَنْ نَلْتَقِي بَعْدُ?)
تَرَكْتُ اللَّيْل يَنَامُ عَلَى عَتَبَةِ بَيْتِهَا فِيمَا كَانَت نَجْمَةٌ تَتَهَيَّأُ لِكَيْ
تَقْتَحِمَ غُرْفَتِي وَتقْرَأَ جَسَدَهَا عَليَّ
وَكَانَتِ الأَسْوَاقُ تَهْدِرُ وَتَتَمَوَّجُ فِيمَا كُنْتُ أَسْتَعِيد
قَوْلَ الهَمَدَانِيّ:
(لاَ تَلْحَقُ بِحَسْنَاء صَنْعَاءَ امْرَأَةٌ مِنَ العَالَم).
أَتَحَدَّثُ مَعَ صنْعَاءَ وَأَتَجَوَّلُ فِي عَدَن,
صَيَّادُونَ يَرْسُمُونَ ظِلاَلَهُمْ عَلَى البَحْرِ
حَضَرٌ وَبُدَاةٌ يَسْتَنْطِقُونَ
جَسَدَ المَادَّة وَيَرُجُّونَ ذَاكِرَةَ الشَّوَاطِىء
تَنْفُرُ أَحْلاَمُهُم أحْصِنَةً تصْهلُ, -
فَرَسُ شَهْوَةٍ
شُعَاعُكَ أَيُّهَا التَّارِيخُ وَقِشْرَتُكَ تُعَاكِسُ شَهَوَاتِنَا
لَكِنَّ سِلاَحَكَ صَدَأ وَنَحْنُ صَوَّانُ الرَّغَبَات
نَخْتَارُكَ أَيُّهَا الصَّوّان بَيْنَ مُلْكِ الصَّحْرَاء بِكَ
تَسَمَّيْنَا انْشِقَاقًا بِكَ فَكَّكْنَا بِكَ تَمَاسَكْنَا وَالتَحَمْنَا
وَأَنْتَ فِينَا شَقِيقٌ لِلْمَاء (الصّوانُ مَاءٌ جَامِدٌ المَاءُ
صوَّانٌ سائِل)
أقُولُ عَدَنٌ وَصَنْعَاءُ وَأُضْمِرُ هَذَا المرَكّبَ - المَهْد /(49/292)
(... نَحْنُ آسِيَا وَأَفْرِيقيَا مَغْسُولَتَيْنِ بِمَاء المُسْتَقْبَل
مَكْسُوَّتَيْنِ بِسَعَفِ البِدَايَات وَلَسْنَا مِنْ عَصْرِ
المَعْدِن بَلْ مِنْ عَصْرِ الإِنْسَان)
أَقُولُ عَدَنٌ وَصَنْعَاءُ وَأَعْنِي هَذَا المرَكّب - المهد /
- كَيْفَ لِغُمْدَانَ أَنْ يظَلَّ شَابًّا مُنْذُ آلافِ السَّنَواتِ?
- كَيْفَ أجِيبُ وَأَنَا (حَصَّنْتُ غُمْدَانَ بِمُبهَمَات?)
(إكْلِيل الهَمَدَانِي)
صَنْعَاءُ, - مِنْ هُنَيْهَةٍ رَأَيْتُكِ فِي صُورَةٍ وَالآنَ
تَتَحَوَّلِينَ أَنْتِ الثَّوبُ يُفْتَقُ وَيُرْتَقُ بِرَفَّةِ الهُدِْبِ وَمَا
أَغْرَبَ الخَلِيطَ الذِي يُنْسَجُ هَذِهِ اللَّحْظَة /
سُوق الحَرِير, -
امْرَأَةٌ مِن جِنّ سَبَأ
ثَوْبُهَا تَعْرِيشُ بَطرٍ وَتَخْرِيمُ
شَهَوَاتٍ حَافِيَةٌ وَكُمَّاهَا طَائِرَان
لَوْحٌ: (أَبْكَارُ النِّسَاء كَإِنَاثِ الخَيْل
لاَ يَسْمَحْنَ إِلاَّ عَنْ صَهِيلٍ
وَمُغَالَبة) (بلقِيس)
سُوق الحَبّ, -
نَقْشٌ: (هَذَا العَالَمُ لاَ يَحْلُو فِي عَيْنِي
وَمَا لاَ يَحْلُو فِي العَيْنِ لاَ يَحْلُو فِي الفَمِ).
سُوق الذَّهَب, -
لَوْحٌ: (كلّ قَرِيبٍ شَاسِعٌ)
نَقْشٌ: (يَزْهَدُ العَاقِلُ كَأَنَّهُ المَوْت
وَيَعْمَلُ كَأَنَّهُ الأَبَدُ).
سُوق الفِضَّة, -
نَقْشٌ: (يُوقِنُ الصَّائِغُ لِيُصْلحَ نَفْسَهُ
وَيُتْقِنُ ليُصْلح الدُّنْيَا).
سُوق القَات, -
رُقْعَة: (تُدْرِكُ يَدَايَ مَا لاَ تَرَاهُ عَيْنَايَ).
سُوق العطارةَ, -
رُقْعَة: (يَذْهَبُ عَنِّي مَا أُرِيدُ وَيَأتِينِي مَا لاَ أُرِيدُ)
سُوق الزَّبِيب, -
نَقْشٌ: (أَنَا رَاعِي الحَيّ فَإِذَا سَكرتُ ضَاع).
سُوق الحَنَّاء, -
لَوْحٌ: (مَا لَوْنُ الربّ?) (بلْقِيس)
لِي فِي تُرَاب اليَمَن عِرْقٌ مَا,
أَهْبِطُ مَعَهَا إِلَى البِدَايَات كَيْ أُحْسِنَ اكتِشَافَ مَا
يَأْتِي
شَقَائِقُ نُعْمَانٍ
سِلاَلُ عِنَبٍ تَنْهَضُ مِنْ أسِرَّةِ التِّلاَلِ(49/293)
نَهْدَانِ يَسْتَعْجِلاَنِ القطَاف
وَوَرَاءهمَا يتَفَتَّتُ فَخَّارُ الأَزْمِنَة
شُكْرًا لِلْحَيَاة وَلَيْلِهَا
المُزْدَوِجِ شُكْرًا لِحِكْمَةِ صَوّانٍ يَسْتَوْهِمُ أَنَّهُ
صَدِيقِي
وَأَنْتِ حَاذِرِي أَنْ تَبْتَرِدِي - أُغَطِّيكِ يَا أَسْرَارِي
صَنْعَاءُ, - حَقًّا تُقِلِّني
الرِّيح أَتَعَلَّمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَمَنْطِقَ كُلّ شَيْء
تَسِيرُ مَعِي الجِبَالُ وَتَجْلِسُ وَرَائِيَ الجِنّ.
5
اهْبِطْ, أَيُّهَا الشَّاعِرُ, إِلَى الكثيبِ
الأَحْمَر فِي أَسْفَلِ وَادِي الأَحْقَافِ, وَاسْأَلْ
قَبْرَ هُود: مَنْ أَنْتَ, وَمِنْ أَيْن?
إِيلِ / عَلِي
أُقْسِمُ بِهَذَا الوَادِي, كُنْتُ أَسْتَطِيعُ مُتَوكِّلاً عَلَى
امْرِىء القَيْس, أَن أَتَسلَّقَ الفَضَاءَ وَأَنْ أَخْتَرِقَهُ,
وَلَسْتُ سَاحِرًا وَلاَ أَدَّعِي النبُوَّة.
كَانَتْ أَطْرَافِي قَدْ امْتَلأَتْ بِلَيْلِ حَضَرمَوْت,
وَازَّينَتْ حَوَاسِّي
وكُنْتُ اسْتَيْقَنْتُ أَنَّ اللَّيْلَ فِيهَا لَيْسَ مَغِيبًا
لِلشَّمْسِ وَأَنَّ السَّمَاءَ فَوْقَهَا لَيْسَتْ قُبَّةَ الأَرْضِ بَلْ
ثَوْبُهَا الَّذِي يَلْتَصِقُ بِجَسَدِهَا -
(يَا لَلْجَسَد - هَادِرًا بِنَشِيدِ الْبِدَايَاتِ
لاَ تَتَّسِعُ لِخُطُوَاتِهِ سَاحَةُ الوَقْتِ,
يَا لَلْجَسَدِ مَوْجًا يُزَحْزِحُ شطْآنَ التَّارِيخ);
إِنَّهَا النُّجُومُ تَهْبِطُ إِلَيَّ,
وَهَا أَنَا أَتَشَرَّدُ مَعَهَا,
يَحْرِسُنِي التّرَاب نَفْسُهُ,
وَسِلاَحُهُ الخَطّ المُسْنَدُ, وَالنُّقُوشُ, والتَّمَاثِيلُ,
وَفِي كُلِّ نَاحِيةَ مِنْ كِنْدَةَ يُدَنْدِنُ امرؤُ القَيْس
شفتَاكِ, فَاطِمُ, عَسَلُ دَوْعن
نَهْدَاكِ تَمْرٌ مَدِينِيّ
وَظَنِّي أَنّ هَذَا المَدَى الذِي ينْسجُهُ المَدَرُ قَدْ فَهِم
طِينَتِي
وَأَنْتِ, يَا فَاطِمُ, سَأُسَمِّيكِ فِي هَذَا الوَادِي
بِاسْمٍ تَجْهَلُهُ الشِّفَاهُ(49/294)
وَأَنْتَ يَا جَسَدِي, سَأَكْتُبُ بِالخَطِّ المُسْنَدِ رَسَائِلَ
شَوْقِكَ إِلَى المَعْنَى.
اهْبطْ أَيُّهَا الشَّاعِر
الفَضَاءُ بَيْتٌ تَسْقفُهُ أَحْلام النّسَاء
وَالقَمَرُ يَتَسَلَّقُ الجُدْرَان,
وَيُوَصْوِص مِنَ النَّوَافِد, -
وَهَا هِيَ الأَزِقَّةُ وَالحُقُولُ تَسْهَرُ كَمِثْلِ الكُتبِ التِي
تخْتَصِرُ الطَّبِيعَة.
سَيؤُون تَرِيم شِيبَام
أَبْوَاقٌ مِنْ عَالَمٍ آخَرَ تَصْدحُ تَحِيَّةً لِلْعَنَاصِرِ
الأَيَّامُ تَنْزِلُ عَلَى سَلاَلِمهَا كَمثلِ الأَطْفَالِ,
وَمُنْذُ أَنْ تَصِلَ الشَّمْسُ إِلَيْهَا,
تَجْلِسُ عَلَى عَتَبَاتِهَا وَتَتَنَهَّدُ كَأَنَّهَا لاَ تُرِيدُ
أَنْ تَنْهَضَ
اهْبِطْ أَيُّهَا الشَّاعِرُ, -
أَظُنّ أَنّ ذَاكِرَتِي تَسِيلُ فِي وَادِي الأَحْقَافِ
أَظُنُّ أَنَّ الزَّمَنَ يَنْكَسِرُ بَيْنَ يَدَيَّ كَمِثْلِ قَضِيبٍ
يابِسٍ
أَظُنّ أَنّ الجِبَالَ التِي تُظَلِّلُ
أَحْمَد بْنَ عِيسَى المُهَاجِر,
جَاءتَ تُشَارِكُنَاالدَّانَ فِي فُنْدُق سَيؤُون,
ذَلِكَ المَسَاءَ, وَتَرْقُصُ
فِي طَرَبٍ شِبْه صوفِيّ,
أَظُنّ أَنَّنِي قُلْتُ: لاَ شَكَ أَنَّنِي سَلِيلُ مُوسِيقَى
خَرَجَتْ مَرَّةً
مِنْ حُنْجَرَةِ السَّمَاء, ثُمّ آثَرَتْ ألاَّ تَعُود
- أيّتُهَا المُوسِيقَى,
أَهْلاً بِكِ عَلَى هَذِهِ الأَرْض, فِي دَارِ هِجْرَتِنَا
الدَّائِمَة.
وَالآنَ,
جَاءَتِ الشّفَافِيَةُ تَحْمِلُنِي وَتَتَعَالَى أقْدِرُ أَنْ أَتَحَوَّلَ
أن أتَمَاهَى وَمِثْلَمَا كُنْتُ الطيِّعَ أقْدِرُ الآنَ أَنْ أكُونَ
الآمِرَ أَقُولُ لِكُلِّ طينَةٍ كُونِي صُورَةً لِكُلِّ صُورَةٍ
تَكَوَّنِي أُعْطِي لِلأَشْيَاء حَرَكَاتِي وَأَهْوَائِي
يَمْتَلِىءُ كُلّ شَيْء بِضِيَاء هذِهِ الخَلِيقَةِ وَأَكُونُ قَدْ
عَرَّيْتُ الزَّمَنَ /
رَمَيْتُ ثَيَابَهُ الحِجَازيّة فِي خِزَانَة بلْقِيس
وَنَثَرْتُ أَيَّامَه النّجْدية فِي مَأرِبَ وَمَا حَوْلَهَا(49/295)
وَأَكُونُ قَدْ أَجْرَيْتُ عَلَيْهِ ماءَ تَكْوِينٍ آخَرَ,
وَكَسَوْتُهُ بِأَنْفَاسِ لُغَةٍ ثَانِيةٍ -
هَكَذَا أَتَكَلَّمُ بِطَرِيقَةٍ تُجسِّدُ
أَصْدِقَائِي شُعَرَاءَ الْجَاهِلِيَةِ (أَقْصِدُ شُعَرَاءَ
البَصِيرَةِ وَالهُيَامِ والرِّغْبَةِ) أَقُولُ لِكَلِمَاتِي أَنْ
تَنْتَشِيَ فِي مَكَانِهَا بَيْنَ شَفَتَيَّ وَهَذَا الضَّوْء الذِي
يَجِيئُهَا مِنْ أَشْيَاء الوَاقِعِ أُغْرِيهَا بِالسَّفَرِ فِي
وَحْشِيّةِ سُقُوطٍ لَيْسَ إِلاَّ صُعُودًا آخَر
حَيْثُ نَرَى لِلرِّغْبَةِ جَسَدًا يُولَدُ فِي الجَسَد
حَيْثُ نقْدر وَرَاءَ كَلّ حِجَابٍ أَنْ نُحَيِّي امرؤَ
القَيْس,
وَنَسْتَشِفّ عُمَر بْنَ أَبِي رَبِيعَة,
وَحَيْثُ نَسْمَعُ الحَجَرَ وَالمَاءَ يَتَحَدَّثَانِ دَائمًا عَنْ
يُوسُفَ وامْرأَةِ العَزِيزِ, -
سَلاَمًا حضرَمُوت -
أَيَّتُها العَيْنَان السَّوْدَاوَان في هَذَا الرّأسِ الأَزْرَقِ
الذِي سُمِّي السَّماء,
أَيَّتُها المَرْأَةُ التِي تَغْتَسِلُ بِعَسَل دَوْعن,
حِزَامُهَا بَحْرُ العَرَب
وَخَلْخَالُهَا المَوْج.
6
... / إِنَّهَا سَاعَةُ المَقِيل, - أَرْبِطُ مُخَيِّلَتِي بِتِلْكَ
الخضرَة وَأُخْلِي جسْميَ من دَبِيبِ الهَوَاجِس
مَاذَا? فِي قَرَارَاتِي وَخْزٌ
(نَاسٌ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثَمَنُ الرَّأْس منْدِيل وَلاَ
شَيْءَ إِلاَّ السِّلاَحُ وَالصّياحُ)/
هَلْ أَجِيءُ مِنْ دَاء لا يَشْفَى?
وَخُيِّلَ إِليَّ أَنَّنِي أَسْمَعُ صَوْتًا يلفظهُ قَيْءُ
الصَّحْرَاء يَتَحَدَّثُ عَنْ قَمَرٍ صِنَاعِيّ اسْتَقَالَ مِنَ
الجَاذِبيّة عَنْ مسْتَوْصَفَاتٍ للِنِّسَاء
الآليّات عَنْ فَنَادِقَ لِلْكِلاَبِ وَأَعْرَاسٍ لِلْقِطَطِ
وَتَرَاءَتْ لِي جُذُوعٌ بَشَريَّةٌ مَبْتُورَةٌ تَلْتَئِمُ حَوْلِيَ تَارَةً
وَتَتَمَزَّقُ تَارَةً فِي أَحْشَائِي وَكُنْتُ كَمَنْ يَسْبَحُ فِي(49/296)
شَرْق تَثْقُبُهُ بُحَيْرَاتُ الدَّم وَشُبِّهَ لِي أَنَّنِي فِي
مهْرَجَان أَعْنَاقٍ تَحْتَفِلُ بِذَبْحِهَا دُونَ أنْ تَدْرِي
وَتَمْتَمْتُ: أَنْ تَكْتُبَ هُوَ أَنْ تُهَرِّبَ الكَلاَم /
لَنْ تُغْرِينَي أَيُّهَا المَلاَكُ وَالشَّيْطَانُ أعْقَلُ مِنْ أَنْ
يُوَسْوِسَ إِلَيَّ عَيْنَايَ تَفِرَّانِ إِلَى الأَمَامِ
وَقَدَمَايَ نَشْوَةٌ وَرَقْص الإِيقَاعَ الإِيقَاعَ
وَلْنَرْقُصْ فَوْقَ رَمَادِ هذِهِ الأَزْمِنَة
هَكَذَا ذَهَبْتُ مَعَ ظَنِّي الجَمِيل
فجْأَةً رَأَيْتُنِي
أَسْتَسْلِمُ لأَلَقِ لَحْظَةٍ تَنْضَحُ بِرَائِحَةِ عُودٍ يُؤَاخِي
بَيْنَ النّسْيَانِ وَالذِّكْرَى وَأُصْغِي إِلَى حَكِيمٍ يُمْلِي -
- (كَلاَّ, لَنْ تَجِدَ الطَّبِيعَةُ زُهُورًا جَدِيدَةً إِلاَّ فِي
جِرَاحِنَا كَلاَّ لَنْ يحْظَى تَارِيخُنَا بِنَبْضِهِ إِلاَّ
فِي مَنْفَانَا).
وَحَسِبْتُ أَنّ آسِيا العَجُوز تَجْلِسُ فِي رِوَاقِ أَرْوَى
والفُصُولَ تَتَبَادَلُ قُمْصَانَهَا بَيْنَ ذِي يَزَنٍ وَعَشْتَار.
.../ إِنَّهَا سَاعَةُ المَقِيل, -
أَيَّتُها الإِيقَاعَاتُ الطَّالِعَةُ مِنَ الأَوَائِل أَمْتَزِجُ بِك
وَأُضِيفُ بَصِيرَتِي إِلَيْكِ أَتركُ لأَوْتَارِي أَنْ تَصْهَركِ
طِينَةً ثَانِيَةً وَمِنْ هَذَا الرِّوَاقِ الَّذِي نَرْعَاهُ أَصْدِقَائِي
وَأَنَا نكتبُ لِتِلْكَ الجِهَة المَطْمُوسَةِ مِنْ عُرُوبَةِ القَلْبِ
لأُولَئِكَ المسْحُوقِينَ يَمُوتون وهُمْ يَتَقَاسَمُونَ الرَّغِيفَ
لأُولَئِكَ التَّائِهينَ يَسْقُطُونَ وَهُمْ يَتَشَبَّثُونَ بِالأَعَالِي
يُشاركونَ الحُقُولَ كَآبَةَ الجَدْبِ وَيُصَادِقُونَ الهَوَاءَ
لأُولَئِكَ المَنْبُوذِينَ يَنْتَعِلُونَ الأودية وَيَلْتَحِفونَ الجِبَال
... / إِنَّهَا سَاعَةُ المَقِيل, -
تَنْهَضُ فِي قَصَائِدِنَا أَبْوَابٌ وَشُرُفَات نَكْتَشِفُ
زَوَايَا مِنْ جَسَدِ صَنْعَاء لاَ تَزالُ عَصِيَّةً عَلَى(49/297)
الصُّور نَسْمَعُ كَلِمَاتٍ فِي حُنْجُرَةِ عَدَنٍ لاَ
شَوَاطِىءَ لَهَا
- بِلاَدٌ نَاقَةٌ تَرْعَى أَعْشَاب الفِقْه /
الصَّحْرَاء تَابُوتٌ يَتَنَقَّلُ عَلَى رُؤوسِنَا وَاللُّغَةُ بَبَّغَاءُ
فِي قَفَصِ الرُّعْبِ
- كَيْفَ نَخْتَرِقُ هَذَا الرّبْعَ الخَالِي? أَيْنَ لُقْمَانُ
وَحِكْمَتُهُ? هَلْ عَلَيْنا أَنْ نجْدلَ شعْرَ السَّمَاء أَعِنَّةً
لِخُيُولِنَا? أَنَّ نَصْرخَ بِالنُّجُومِ مُدّي أَيْدِيَكِ إِلَيْنَا?
هَلْ عَلينا أنْ نَشُقَّ القَمَر?
- مِنْ أَيْنَ لِنَمْلَةٍ أَنْ تُغْرِيَ نَسْرًا?
- نُنَاضِلُ كَمن يُقَاتِلُ الغُبَار كَمن يَكْتُبُ أَبْجَدِيَّة الرَّمْلِ
كَمن يَرْضع ثَدْيَ الحَجَرِ
- ألْوَطَنُ فُرْنٌ يُطْبَخُ فِيهِ مَنْ يَجِيءُ لإِيلاَفِ مَنْ يَرُوح
- لَيْتَ السَّمَاءَ تَمْرٌ
إِذَنْ كُنَّا أَكَلْنَاهُ وَاسْتَرَحْنَا
- مَا أَنْتِ وَمَنْ أَيَّتُهَا الشَّجَرَة?
- رُبَّمَا كُنْتُ حَبْلَ سُرَّةٍ بَيْنَ رَحِمِ اليَأْسِ وَسَرِيرِ
الغِبْطَة رُبَّمَا كُنْتُ لُغَةً يَلُوذُ بِهَا الحَيّ فِي حِوَارِهِ
مَعَ المَيِّتِ رُبَّمَا كُنْتُ لَوْنًا يُوَحِّدُ بَيْنَ قَوْسِ قُزَحٍ
وَقَوْسِ الأَيَّامِ رُبَّمَا كُنْتُ إِكْسِيرًا
يَتْرُكُ لِكُلِّ شَيْء أَنْ يَسْبَحَ فِي شِعْرِهِ الخَاصّ
- إِذَنْ مَا شَكْوَاكَ أَيُّهَا القَاتُ الصَّامتُ?
- ... أَنّ صَدِيقِي الوَقْتَ أَقَلُّ اخْضِرَارًا مِنِّي /
هَكَذَا نَسْتَنْبِتُ قَاتًا آخَرَ لاَ مِنَ الأَرْضِ
لاَ مِنَ النَّبَاتِ بَلْ مِنَ الصَّبْوَةِ وَانْفِجاَرَاتِها, -
نَشْوَةٌ: حِينَ تَأسرُكَ العَاصِفَةُ اسْتَسْلِمْ,
لَكِنْ كُنِ الوَتَرَ الَّذِي يَعْزِفُ الرِّيحَ,
حِكْمَةٌ: الغبَارُ حِكْمةُ الَيدِ وَالعَتَبَةُ غَرِيزَةُ القَدَم.
أُمْثُولَة: أرْضَعَتِ الشَّمْسُ عَدَنًا وَنَسَجَتْ لَهَا
غَلاَئِلَ لاَ تَخْرِقُهَا أَظَافِرُ الدّهْر.(49/298)
شَطْحَةٌ: النُّجُومُ فِي صَنْعَاءَ قَطِيعٌ
وَالقَمَرُ رَاعٍ يَتَوَكَّأ عَلَى عَصَاهُ وَرَاءَ سِيَاج
الفَضَاء.
مُكَاشَفَة: لِكَيْ لاَ تَتَعَثَّرَ فِي طَرِيقكَ أَوْ تَسْقُطَ
قُلْ لِقَلْبِكَ أَنْ يَتَرَجَّلَ وَيَمْشِي أَمَامَك
لِي فِي تُرَابَ اليَمَنِ عِرْقٌ مَا /
مِنْ أَجْلِ شَوَارِعَ تَرْتَسِمُ شَامَاتٍ فِي وَجْهِ النَّهَارِ
مِنْ أَجْل لَيْلٍ يَلْبسُ النُّجُومَ قَلاَئدَ وَأَقْرَاطًا
مِنْ أَجْلِ أَرَاغِنَ تَضْحَك وَتَبْكِي فِي سِرِيَرةِ كُلّ شَيْء
مَنْ أَجْلِ غَرَابَةٍ تُهَيْمِنُ عَلَى أَحْشَائي
مِنْ أَجْلِ أَيْدٍ تَنْسُجُ البُكَاءَ خِيَامًا لِلْحُلْمِ
مِنْ أَجْلِ مَجْهُولٍ أَنْغَرِسُ فِيهِ وَتَنْغَرِسُ أُرُومَة الخَلْقِ
أَقُولُ فِي تُرَاب اليَمَنِ
لِي عِرْقٌ مَا,
وَأَنْتَمِي إِلَيْهِ
بَلَدًا بَلاَ عُمُرٍ
كَأَنَّهُ وَجْهُ الله.
هَكَذَا نَنْضجُ فِي خَابِيةِ الزَّمَنِ يَكْتُبُ دَمُنَا مَا لاَ
تقْدرُ أَنْ تَمحُوَهُ
أَيْدِينَا وَكَيْفَ أَكُونُ المُفْرَدَ وَمَا أَنَا, إِنْ لَمْ أَلْبس
الشُّخُوصَ كلّهم إِنْ لَمْ أَكُنْ هَذَا الجَمْعَ? انظُرُوا
إِلَى المَشْهَدِ يَتَحَرَّكُ فيه الخَلِيفَةُ وَالإِمَامُ القَاضِي
وَالفَقِيهُ المُشَرِّعُ وَالشُّرَطِيّ الأَمِيرُ وَالجنديّ
أَعْنِي يَتَحَرَّكُ المُتَمَرِّدُ وَالمُرْتَدّ الثَّائِرُ وَالعَاشِقُ
الخارجُ وَالشَّاعِرُ الصَّعْلُوكُ وَالفَارِسُ
وَبَيْنَ سَوْرَةِ القَلْبِ تَتَفَطَّرُ شِعْرًا
وَسَوْرَةِ الذِّهْنِ تَتَلأْلأُ نظرًا
أَكْتُبُ وَأُعْلِنُ: كِتَابَتِي غِوَايَةٌ, - وَأُكَرِّر: لَسْتُ
الجَوْهَرَ لَسْتُ النّوعَ النّقِيّ أَنَا جَوَاهِرُ وَأنْوَاعٌ
مَزِيجُ قَمَرٍ وَشَمْسٍ في لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ
وَ(حِينَ أَضْحَكُ
أَضْحَكُ لِكَيْ أنْفَصِل بِفَرَحٍ عَنِ المَاضِي) (مَارْكس)
مُعْلِنًا حَقِّي فِي أَنْ أَكُونَ مَتَنَاقِضًا (مَنْطِقِي أَكْثَرُ(49/299)
شُمُولاً مَنْ مَنْطِقكُم الظَّاهِريِّ)
وَأَنْتَ أَيُّهَا الطُّوفَانُ يَا صَدِيقِي تَقَدَّمْ
هَكَذَا نَنْضُجُ فِي خَابِيَةِ الزَّمَنِ وَنَسْتَنْبِتُ قَاتًا آخَرَ, -
صَنعَاءُ / (الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ يُوجَدُ لاَمِنْ حَيْثُ
يُولَدُ)
عَدَنٌ / (الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ يَثْبُتُ لاَ مِنْ حَيْثُ ينْبُتُ)
صَنعَاءُ / الجَسَدُ ثَقَافَةُ اللُّغَة وَالحَيَاةُ أَنْ تُعَاشِر المَوْت
عَدَنٌ / (لِمَاذَا) هِي البَدَاهَةُ (كَيْفَ) هِي المُشْكِلَةُ
صَنعَاءُ / أُضَلِّلُكِ وَأَنَا الهَادِي
عَدَنٌ / هَلْ أشْتمُ الفَلَكَ?
صَنعَاءُ / (الصَّدَاقَةُ رَضَاعٌ ثَانٍ)
عَدَنٌ / لاَ سُلْطَانَ كُلّ إِنْسَانٍ سُلْطَان
مَوْتٌ أَنْ تَحْيَا بِأَفْكَارٍ مَاتَتْ
الأَفْكَارُ كُلُّهَا لِكَيْ تَمُوتَ مِنْ أَجْلِكَ
وَأَنْتَ أَيُّهَا الطُّوفَان يَا صَدِيقِي تَقَدَّمْ
7
الأُفُقُ جَائِعٌ وَأَنَا فِي خَلِيجِ عَدَنٍ أخْبزُ عَرَقِي
أشْجَارُ المُرَيْمَرةِ تَئِنّ وَتَكَادُ أَنْ تُجَنَّ وَكَيْفَ تقدر
أَنْ تَتَجَنَّبَ الفُؤُوسَ التِي تَخْرُجُ مِنْ نَعِيق الغُرْبَانِ?
أُسْنِدُ جِسْمِي عَلَى الغُرُوبِ أُوَحِّدُ بَيْنَ مَشَاعِرِي
وَلَعِبِ المَوْجِ أَقُولُ لِلرَّمْلِ الذِي يَشْرَبُ المِلْح وَلاَ
يَرْتَوِي: مِنْ أَيْنَ لَكَ, أَيّهَا الضَّامِرُ, هَذِهِ المِعدة?
يَا صَدْرِي, يَا صَدْرًا بآلافِ الطَّبَقَاتِ - اكتَنِزْ
بِهَذَا النّسِيم الذِي يَهُبّ فِي أَحْضَانِ الخَلِيجِ
العَدَنِيّ
لَوِّحْ لِتِلْكَ المرَاكِب غَيْر المَرْئِيّة التِي تَعْمُرُ أُفق المَاء
وَأَوْسِعْ فِي أَنْحَائِكَ المَرافِىءَ
أَصْغِ لِشَمْس عَدَنٍ تُوَشْوِشُ الخَلِيج وَهي تَغْتَسِلُ
بِرُطُوبَةِ المَسَاء
وانظُرْ لِهَذَا النَّوْرَس كَيْفَ يَحْمِلُ عَلَى كَتِفَيْهِ عِبءَ
الشَّوَاطِئ
حَقّاً, لِكَيْ تَدْخُلَ فِي إِيقَاعِ اليَمَنِ,(49/300)
يَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ كَيْفَ يُغَنِّي البُكَاءُ الضَّحكَ,
وكَيْفَ يَنَامُ القَمَرُ والشَّمْسُ عَلَى مِخَدَّةٍ وَاحِدَةٍ,
يَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ كَيْفَ تَكُونُ فِي اللَّحْظَةِ نَفْسِهَا
النّهَارَ وَاللَّيْلَ,
وَكَيْفَ يَتَحَوَّلُ الغُبَارُ فِي خُطوَاتِكَ إِلَى صِيَّادٍ
لِلْوَقْتِ,
يَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ كَيْفَ يُكْسَرُ الحَجَرُ كَمَا يُكْسَرُ
الجَوز.
... / أرْضٌ تَكْتُبُ أَعَاجِيبَهَا بِحِبْرِ المَادَّة البَحْرُ
فِيهَا يَخْرُجُ مِنَ الصُّدُورِ وَالأَيْدِي النُّجُومُ تَطْلعُ
مِنَ البُيُوتِ
سمْعًا,
مَا الَّذِي يَقُولُهُ هَذَا الحِزَامُ الفِضِّي لِخَصْرِ هَذِهِ
المرْأة?
مَا هَذِهِ الشَّمْسُ التِي تَنْزَلِقُ خِفْيَةً فِي مُلاَءةِ هذِه
المرْأة?
مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ التِي تَتَحَوَّلُ إِلَى قُبَلٍ تَرْتَسِمُ
هَالاَتٍ هَالاَتٍ حَوْلَ جَسَدٍ هَذِهِ المرْأَة?
كَلاَّ, لَمْ يَصِلْ أَحَدٌ إِلَى ذَلِكَ النَّهَار الذِي يَعْرِفُ
وَحَدَهُ كَيْفَ يَلْبسُ لَيْلَ هَذِهِ المرْأة.
نَفْهَمُ الآنَ كَيْفَ تَسْتَنِدُ امرَأَةٌ يَمَانِيةٌ إِلَى دُمُوعِهَا
فِيمَا تَمْسَحُ الغُبَار عَنْ وَجْه الأُفُقِ وَكَيْفَ تلقِي
التَّارِيخَ عَلَى كَتفيها كَمنْدِيلٍ أخْضَرَ نَعْرِفُ الآنَ
كَيْفَ تُزَفُّ عَرَائِسُ البَحْرِ إِلَى رؤوسِ الجِبَالِ
نَعْرِفُ اللَّقَاحَ الذِي يُوَحِّدُ وَيُعَدِّدُ نَعْرِفُ كَيْفَ
يَعْمَلُ الجَبَلُ لكَيْ يُصْبِحَ سَمَاءً وَكَيْفَ تَعْمَلُ
السَّمَاءُ لِكَيْ تُصْبِحَ شَجَرَةً
نَقدر الآنَ أَنْ نُسَمِّي الذَّاكِرَةَ سَفِينَةً وَأَنْ نَقُولَ
اللَّيْلُ نَبْعٌ وَالنَّهَارُ إِبْرِيقٌ ونَزْعم أَنَّ التَّارِيخَ كَثيِرًا
مَا يأخُذ هَيْئَة شَاعِرٍ ضَيْفٍ يَأْسِرُهُ الغِنَاء اليَمَانِيّ
إِنَّهَا المَادَّةُ نَفْسُهَا تُطْلِقُ أَفْرَاسَ المُخَيِّلَةِ فِي(49/301)
الْجِهَاتِ الخَفِيَّة مِنْ كَوْكَبِ الحَيَاةِ أسمعُ
أَجْرَاسًا تَتَدَلَّى مِنْ أَعْنَاقِ الأَشْيَاء أَكْتَشِفُ
الأَسْمَاءَ المَرْقُومَةَ في كتاب
المجَرَّةِ أَرَى الفَضَاءَ عَتَبَةً لِرَأْسٍ يَبْحَثُ عَنْ وِسَادَةٍ
فِي مَجْهُولٍ ما,
وَلَسْتُ أَتَحَدَّثُ عَنِ الغَيْبِ أَتَحَدَّثُ عَنْ هَذَا الكَوْنِ
الصَّغِير - الإِنْسَانِ وعن شَهْوَتِه لِكَيْ يَحْتَضِن
الكَوْنَ الكَبِيرَ وَيَلبس اللاَّنهَايَةَ
إِذَنْ مِنْ إِشْعَاعِ البَشَرِ وَمِنْ مَرَاكِب الظنِّ آخُذ
هَذِهِ الحِكْمَةَ: لَيْسَ الإِنْسَانُ هُو الّذي
يَنُوءُ بَلْ الطَّرِيقُ وَسَوفَ نَتَلأْلأُ فِي هَذَا الكُسُوفِ
العَرَبِيّ
نَفْتَتحُ طَرِيقًا آخَرَ
وَنُطْلعُ شَمْسَنَا الثَّانِيةَ
اللَّحَظَاتُ تَزْدَهِرُ ضِدَّ الصَّحْرَاء وَالأَشْيَاءُ انفِجَارٌ
ضَوْئِيّ
الجَسَدُ أكْبَرُ مِنْ مَكَانِهِ وَالعَيْنُ أوْسَعُ مِنْ
فَضَائِهَا, -
نصْغِي لِكَيْ تَقُولَنَا مَوْجَةٌ أَوْ يبثَّنا السّحَرُ ندىً
فَوْقَ مُخْمَلِ الأرْض أَو يَحْمِلَنَا الصَّبَاحُ ماءً
وَخُبْزًا وَمَنْ يَسْأَل الوَرْدَةَ ماذَا يقولُ
عِطْرُكِ أَيَّتُها الشَّاعِرَة? هَكَذَا لَنْ يَسْأَلَكَ أحدٌ مَاذَا
تَقُولُ أَيُّهَا الشَّاعِرُ?
وَبَيْنَ العَرَبِيّ الذِي يَلْتَهِمُهُ الغَرْبُ وَالعَرَبِيّ الَّذِي
يَلْتَهِمُهُ العَرَب سَيَكُونُ مَكَانٌ لِتَارِيخٍ آخَر, -
أنْظُرُوا إِنَّهَا السُّهُولُ تَتَدَثَّرُ بِغُبَارِ الطّلع
إِنَّهَا البَرَاعِمُ تَدْخُلُ فِي أَعْرَاسِ اللِّقَاحِ
(بَلَى, لاَ تَزَالُ هُنَاكَ جَنَّات) (مُونْتِيرْلاَن)
... أَنْغَمِسُ فِي نَوَايَاي وَأُهِيِّىءُ حُروبِي, -
مُنْحَدَرُ التَّارِيخ يَنْعَكِسُ أعْطِي نَشْوَةَ الحُلْمِ
لِبَصِيرَةِ العَمَلِ أغْتَرِبُ لأَعْرِفَ نَفْسِي أهجِّن
الأَصَالَة (أَنْ تبدعَ هُوَ أَنْ تهجِّن) وأَسْأل مَنْ قَالَ(49/302)
العَيْنُ هِيَ وَحْدَهَا البَصَرُ? مَنْ قَالَ اللِّسَانُ هُوَ
وَحْدَهُ الكَلاَمُ? مَنْ قَالَ اليَدُ لاَ تُفَكِّرُ?
وأَقُولُ الجَسَدُ إمْلاَئِي وَشَرْعِيَ التّحَوُّلاَت, -
إفْتَحِي صَدْرَكِ يَا مَلِيكَتِي..
... إِذَنْ فِي انْفِجَار التحَوُّل تَبْدُو الحَيَاةُ اسْتِعَارَةً
وَالْحَقِيقَةُ مَجازًا
إِذَنْ أشَبِّه غُمْدَانَ بِالنَّهَار وَبلقيس بِاللَّيْل وَأَنَا
بيْنَهُمَا الهَدِيلْ .
شعراء العراق والشام >> إبراهيم طوقان >> الشهيد
الشهيد
رقم القصيدة : 6169
-----------------------------------
الشهيد
تلتقي في مزاجها
بالأعاصير والحمم
تجمع الهائج الخضم
إلى الراسخ الأشم
وهي من عنصر الفداء
ومن جوهر الكرم
ومن الحق جذوة
لفحها حرر الأمم
سار في منهج العلي
يطرق الخلد منزلا
لا يبالي, مكبلا
ناله أم مجدلا
فهو رهن بما عزم
ربما غاله الردى
وهو بالسجن مرتهن
لست تدري بطاحها
غيبته أم القنن
إنه كوكب الهدى
لاح في غيهب المحن
أي وجه تهللا
يرد الموت مقبلا
إنا لله والوطن
أرسل النور في العيون,
فما تعرف الوسن
ورمي النار في القلوب,
فما تعرف الضغن
أي وجه تهللا
يرد الموت مقبلا
صعد الروح مرسلا
لحنه ينشد الملا
إنا لله والوطن
أرسل النور في العيون,
فما تعرف الوسن
ورمي النار في القلوب,
فما تعرف الضغن
أي وجه تهللا
يرد الموت مقبلا
صعد الروح مرسلا
لحنه ينشد الملا
إن لله والوطن
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> الشهيد
الشهيد
رقم القصيدة : 6170
-----------------------------------
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان
ورود المنايا ونيل المنى
وما العيش? لا عشت إن لم أكن
مخوف الجناب حرام الحمى
إذا قلت أصغى لي العالمون
ودوى مقالى بين الورى
لعمرك إني أرى مصرعي
ولكن أعد إليه الخطى
أرى مصرعي دون حقي السليب
ودون بلادي هو المبتغى(49/303)
يلد لأذني سماع الصليل
ويبهج نفسي مسيل الدما
وجسم تجل في الصحصحان
تناوشه جارحات الفلا
فمنه نصيب لأسد السماء
ومنه نصيب لأسد الثرى
كسادمه الأرض بالأرجوان
وأثقل بالعطر ريح الصبا
وعفر منه بهي الجبين
ولكن عفارا يزيد البها
وبان على شفتيه ابتسام
معانية هزء بهذي الدنا
ونام ليحلم حلم الخلود
ويهنأ فيه بأحلى الرؤى
لعمرك هذا ممات الرجال
ومن رام موتا شريفا فذا
فكيف اصطباري لكيد الحقود
وكيف احتمالى لسوم الأذى
أخوفا وعندي تهون الحياة
وذلا وإني لرب الإبا
بقلبي سأرمي وجوه العداة
فقلبي حديد وناري لظى
وأحمي حياضي بحد الحسام
فيعلم قومي أني الفتى
شعراء العراق والشام >> عبدالرحيم محمود >> الشعب الباسل
الشعب الباسل
رقم القصيدة : 6171
-----------------------------------
شعب تَمرَّس في الصِّعاب
ولم تَنَلْ منه الصعاب
لو هَمُّه انتاب الهضاب
لدُكْدِكَتْ منه الهضاب
مُتَمَرِّدٌ لم يَرْضَ يومًا
أن يُقِرَّ على عذاب
وعُداته رغم الأنوف
تذلُّلاً حانو الرقاب
مثلٌ حدا حادي الزمان
به وناقَلَت الركاب
إِنْ تجهلَ العَجَبَ العُجاب
فإننا العَجَب العُجاب
نحن الألى هاب الوجود
وليس فينا من يَهاب
وَسَلِ الذي خَضَع الهواءُ
له وذَلَّ له العُبَاب
هل لانَ عُوْدُ قناتِنا؟
أم هل نَبَتْ عند الضِّراب؟
أو شام عيبًا غير أنا
ليس نرضى أن نُعاب
حُيِّيتَ من شعب تَخَلَّد
ليس يعروه ذهاب
لَفَتَ الورى منك الزَّئير
مُزَمْجِرًا من حول غاب
وأرى العِدا ما أذهل الدنيا
وشاب له الغُراب
عرف الطريق لِحَقِّه
ومشى له الجَدَد الصواب
الحقُّ ليس براجع
لذويه إلا بالحِرابْ
والصرخة النكراء تجدي
لا التلطف والعتاب
والنار تضمن والحديد
لمن تساءَل أن يُجاب
حَكِّمْهُما فيما تريد
ففيهما فَصْلُ الخطابْ
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> حجر الضياع
حجر الضياع
رقم القصيدة : 6172
-----------------------------------(49/304)
لماذا كلما أرخيتُ في هذا البياض حجارة تمشي ورائي
كلما أعطيت من مائي تساقطت السماء على دمائي
كل قنديل بهذا البيت مزدان بزيت الله
يغفو ثم يصحو ثم لا سجادة للركع
لا وقت يطل على يدي وحدي
وكل ترابة مجبولة . أرخي على هذا البياض
وكلما أرخيتُ أعطوني دما
أرخيتُ أعطوني دماً
أرخيتُ
لو أرخيتَ لي أرضاً أسويها مدائنَ مشرئبات
وأدخل في ضياعي
إلهي
جندك المتحاجزون تكاسروا في وحشة الصحراء
تاهوا
كلما أرخيت في بيت أضاعوني
وداري خيمة أرخيت
لو أرخيت لي حجرا بنيت الكون فيه
كلما أرخيت شَدُّوا
هذه الأرض انطوت في خيمةٍ
ما أدخلوني في يدٍ ضاعوا
أضاعوني
وأي فتىً
لماذا كلما هيأت أحلامي أحالوني إلى خرق
أشد لكي أرد البرد، يأتي الثلج
وحدي
ليست الصحراء لي جسد يفيض به
إلهي كلما أرخيت شدوني على خشب وتاهوا
جنودك، أم قراصنة نهاريون
لو أرخيت لي سفنا غزوت بها وناديت المدى
وحدي
لماذا كلما وحدي على هذا البياض،
وقلت للماء :انتصر
أعطيت . لو أعطيت لي بلورة التكوين
لو أن الفتى . ماذا سيبقى
جندك احتكموا و أرخوني
وهذا الجُبُّ تاريخ
لماذا كلما أرخيت كي أنسى أحالوني لذاكرة الجنازة
كلما أنسى لكي أرخي دمائي
يستحيلون احتفالا شاحبا كالليل .
داري خيمة، والأرض لا تبكي .
إلهي
جندك احتالوا وأعطوني
لماذا خيمة في البرد، أعني خرقة.
وحدي
وليست فسحة الصحراء .
لي جسد يفيض به
لماذا كلما أرخيه في سعة تضيق به
لماذا كلما أرخت كي أنسى أحالوني لذاكرة السقيفة.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أسرار الساحر
أسرار الساحر
رقم القصيدة : 6173
-----------------------------------
... فاستسلمتْ شرفات روحي عند مفترق الوضوح
كانت الأشجار ذاهلة الغصون ورفقتي تهذي
على طرف الحوار بلا طموح
كل غامضة من التذكار محتمل
وكل مدجج بالرمز مفتوح ويحلم بالفتوح
ساحرا أنسى وتأخذني التآويل الجديدة
كنت مزداناً بأعراسي ومنتشياً
وكان الكأسُ يدَّخِرُ النبيذَ على جراحي(49/305)
مستسلماً في خلق أشكالي
لي الأنخابُ لكنْ ليس لي دِرعٌ يَصِدُّ الفتحَ
لي صدرٌ ينازِلُ لستُ أسأل عن حدود القتل أو شكل السلاح
فلكل أصلٍ سِرَّهُ
من يحتفي بنهاية الأسرار
من يعطي لهاوية الحوار خديعة ويدسُّ في أملِ الصباح
قلت : في حلٍ أنا من شهوة التوضيح
نسرٌ جامحٌ صوتي
ليّ الشَهْقُ الشموخُ
وللضفادع شهوة الموت البطيء على السفوح .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> نخلة العذاب
نخلة العذاب
رقم القصيدة : 6174
-----------------------------------
أيها المستجير بعلم السلالات
لا تخلع الدرع
مازالت الحرب منصوبة
والقبائل في ريبة
ومحتمل شكها
مازالت الأرض مهتاجة
والخيام التي غادرت عشبها للمتاهات
مرصودة للرحيل
لك أن تصطفي باب موت يليق
وتعطي السلالة خرقتها لتسد الفضيحة والعار
لك أن تحتفي بانتصار الهزائم
أو ترتدي بيرقا رده آخر الهاربين
لك أن تختفي أو تلين
لك . لا لم يعد .
ملكك الآن في الطين، في الوعر
في فجوة الأرض فوق السرير الذي /
تذكر الآن هذا السرير الذي ليس يُنسى
لا تخلع الدرع، دعه
مازالت الحرب في جسد الأرض
والأرض ذاكرة للنخيل
نخلة تعرف علم السلالات
تذكر دفق الدماء التي ارتعشت في التراب
ليطلع لون ويزهو
تذكرُ من جزها، لتموت، ويلهو
وتذكر زَحْفَ الخيام الفقيرة
تذكر وحشَ القبيلة يجتاحُ رِيفَ القرى والمدينة
نخلةٌ طفلةُ الأرض
من قال تمشي النخيلُ وتنسى ؟
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> النساء
النساء
رقم القصيدة : 6175
-----------------------------------
نساء يخرجن من البحر قواقع تمشي في خفر جنسي
يتمرأى فيهن الشبق الأزرق. فيهن كلام يفضح.
صبر عتقه الوقتُ
كأنَّ الأعشاب تجر الموج لهن.
نساء يخرجن، قواقع تمشي خجلا في لذتها .
تمشي تيهاً بالأصداف
يداهمن الأرض بزرقتهن .
نساء يولدن كدمع الفجأة في الأصداف
تلألأ فيهن عذابُ المحار
فمن يكتشف البحر و يرسم صورته
ويزاوج بين الألوان ليطلع خلق مختوم بالنسيان(49/306)
نساء يفتحن الشرق بشمس تغزو
يفتحن بيارق هذي الأرض، يُساررن الطين الطازج
يا طين الأرض تقدم
تلك نساء تنسى فيهن بكاء الزنزانات
وتنسى برد الخيمة تنسى أرصفة الطرد
تقدم
تلك نساء عذبهن العشقُ وشَهقُ اللغة الفصحى
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> المذبح
المذبح
رقم القصيدة : 6176
-----------------------------------
عائش في مذبح النيران و الموتى يموتون،
انتهى حلم
ووعلُ البحر يغوي خمرة الحانات و الأقداح مترعة دماً
و طرائدي في الوحل.
في حلٍ أنا من زيزفون الوعد والغزلان
في حل من الألوان
في حل من الصور المعارة للضفادع
قلت في حل أنا من نجمة في عسكر الأعداء
في حل من الأسماء
في حل من اللغة الكسيحة و الهوى
من زعفران المحو من جبانة تمشي
وفي حل من الحرب التي غدرت بأسلحة المقاتل
من جدائل طفلة موؤدة
من أمةٍ لا تقرأ التاريخ
في حل أنا من ميتين يواصلون الموت
في حل . سأمسك دفتي بيدين من نارٍ وماء
أحتمي في مذبحي و أصير أغنية النُفورِ .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> كأس الأسئلة
كأس الأسئلة
رقم القصيدة : 6177
-----------------------------------
من أعطى رممَ الدفن لتمشي في تخريب جمال الأرض وتستبدله بخيام وخوازيق
و أخلاط خائفة، من أعطاها غفلة هذا البحر لتحرثه بحيازيم قراصنة وقبائل،
من أعطاها طقس الطاعة كي ترتعشَ الأرضُ على الأرضْ
تفتح دار الناس سرادقها وتكف عن اللغو، تكف عن الأسئلة المهدورة واللهو، تكف، لتدخل مخلوقات الله مطهمة، فيصير جمال الأرض بلاداً ومدائن مترعة بالتيه، وبوابات تصرخ نحو البحر ونحو النخل تظل الأرضُ متوجةً فوق الأرض
لا تسأل كيف تزيف مخطوطات الردة قبل شتاء الصيف
وتسقط فوق خريطة هذه الأرض صحار كاملة بقبائلها المحزومة بالأنساب
وحد السيف
لا تسأل كيف
سيحني جبل الليل عباءته ويهادن كأس الخمرة،
يرخي تاريخ البحر مراسيه لنخل الناس
لا تسأل كيف
سرادق دار الناس مشرعة(49/307)
فاترع كأسك و ادخل في التيه
إن جمال الأرض المغدورة يبدأ عند بكاء السيف .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> جوانح الهوادج
جوانح الهوادج
رقم القصيدة : 6178
-----------------------------------
جامحٌ أطويك يا ماء التراث مجللاً بدم الذبيحة و النذور
متلبساً سمتَ الحجارة في سرير الله
أستعدي الفؤوس لكي تعيد كتابة الأسماء
مستبقاً حضوري
ربما أطوي تراث الروح في سجادة
في طينة مجبولة بالوهم .
لا نبكي على أحد
لنا جثث تغادرها التمائم
مثلما فسقية تبكي على ترف القصور
أمشي، وتجنح بالهوادج رغبة الأسلاب
لا نبكي على أحد
أضعنا دربنا في الليل
مقهورون منذ الساعة الأولى
ومنذ الدورة الأولى لهذا المركب المكسور
هل قالوا سيجنح هودج في الموج
لا ندري
ولكن الكواثل تحتفي بالرمل
يا ماء التراث، يدي مسافرة
و أيامي تجرجر جرحها ولها
ولا نبكي على أحد
سأطوي صفرة بنخيل هذا الوقت
يا أرضا لها سعة الفضاء وتستضيق بلثغة الغزلان
لا نبكي على أحد
سأطوي ماءك الطيني
كنت ملجأ للنفي، أو كنت حوار أ غير متصلٍ
سيبدأ
قيل لي جبانةً كنتِ
سأطويك، ونخرج من تقاليد القبور
سوف أجنح بالهوادج
فاربطي جرحي بجرحك، وأدفقي ماءا بلا ذكرى
على عبء الجذور .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> ماء المعنى
ماء المعنى
رقم القصيدة : 6179
-----------------------------------
آخيت فوضاي، واستسلمت يداي للغواية
جعلت جسدي آنية اللغة، ورسمت غموضي فضحا للأرض
لأخبارها، لصورة تمزج الماء بالكلام
سميت الكتابة خطيئة القول، وهيأت لجموح المعنى
أرخيت الهذيان الهادر، روضته
مرة، كنت ريفا من الكلمات القديمة، رممت قبرا
وتكلمت كلام البحر الغادر،
غيرت كلاما يخرج من كتب النوم ... كسرت النوم
ففاضت أحلام الفوضى المحبوسة في الليل،
فتحت الليل و آخيت يدي لتغوي لغة في جسدي
وتخالطت بماء المعنى
تطاير في أعضائي سرب الكلمات القادمة
من يقرأ هذه الكأس ويعشق مخلوقاتي ... ويطير .(49/308)
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سقيفة النهايات
سقيفة النهايات
رقم القصيدة : 6180
-----------------------------------
.... فرأيت أكواخا مهددة، رأيت عشبا يغلب النار
كانت الجبال في ذهول، والشرائك مدهوشة الأوداج
رأيت المرايا بلا وجوه ولا ماء ولا زجاج
السيوف تسكن الصدأ و العواصم تخلع هجومها درعا درعا.
تقول القتال، وتوزع الخيام وأكواخ الصفيح من هنا
وتهويدة الصكوك من هناك.
حيث السقيفة منصوبة من الشرارة حتى الرماد.
كنت في أضيق من الوحدة، وأكثر غربة من الكلمة
أتداخل في أنوثة اللغة .
أقول لمخلوقاتي كوني
فأرى أكواخاً ليست لي
ولستُ لسقيفةٍ تشتبك فيها النهايات
وتفتح الصديد والصدى.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> أحفاد الأرض
أحفاد الأرض
رقم القصيدة : 6181
-----------------------------------
اتكأتْ نخلةٌ على شفرة الحلم
حَمَلَتْ و تَوَحْمَتْ وحاضَتْ و أجهضها الجيشُ الهاجع
أرض تئن تحت الحافر، والخفّ يخبط الخاصرة
كيف تخرج من خديعة البحر ؟
نخلة، و أطفالها الهائمون في حل من التميمة
شردتهم سقيفة البدو
لم يخرجوا من سلالةٍ ولا يتصلون بالأنساب
لكنها أرضهم
للنفي، لكنها أرضهم
للدفن، لكنها أرضهم
للفناء،
لكنهم أطفالها الهائمون منذ صحوة الخليقة
حتى خفقة الخوف
اتكأت في وجع
عبئها الغزو الغزو و التناسي
في احتشاد الجبل حجرا
حجرا،
تحتدم النيران
حيث الحطب الذي للنار، في شظايا وفي جنائز .
فالنخلة زينة القرى و المدائن
لها متكأ الجرح و الجيش،
حيث شفرة الحلم
طريق مغدورة، و أطفالها الهائمون ... يهيمون
من سقيفة البدو حتى دورة المجرة
دار تبدأ من الماء ولا تنتهي ولا تنسى
فالبحر حزام لها،
والعبء أطفالها
لا تسعهم المراكب، وتجهلهم السلالة .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> خطيئة المغفرة
خطيئة المغفرة
رقم القصيدة : 6182
-----------------------------------
مثلما أعطيتني أعطيك(49/309)
فاستجمع شجاعتك النبيلة و انتظرني
كل مرآة مغامرة إليك .
عليك أن تنسى مراياك الطويلة
أيها الموج اعتمر زرد القواقع و افتح القوس الذي يغويك،
ها أعطيك أنخابا على شرف القبيلة
قلت لي :
افتح ضلوعك، ربما تأتي النساء إلى هوائك
ربما يبدأن من ضلع يضل طريقة الرؤيا
فتحت و ما رأيت سوى نساء يختلجن وراء قلبي،
كانت الجثث الجميلة
ربما أعطيك، فاكسرني علانية على غصن البكاء
جسد الرقيق محاصر بتناسل الأنساب
إن أعطيتني سفنا موشاة بدمع،
والكواحل رقصة في الرمل
كانت نسوة يذرعن خط الماء
كان البحر مختبئا وراء الأفق،
لو مرآتك انثالت قليلا.
مثلما أعطيتني أعطيك،
أتنذرني على قوس لأبتكر الوسيلة
أيها الكوني يا مستسلما ليدي
لك الأنخاب، لي أعطيك من بلورة التكوين .
هل جثث مرممة ،
وللغزلان تقفز من هداياك النحيلة
ربما أعطيك أسمائي ومحتملي، فلا تغفر
تشبث بالخطيئة، وابتكر عذرا لموتي،
وابتكر جبانة للقادمين من الغبار إلى رماد الدار
لا تغفر لسهوك عندما تنسى،
فقد أعطيتني قوسا على نار أصيلة
ربما أرخيت أشلائي و آخيت التمائم، فابتكر غدر الدمع النسوة المتأججان
لرقصة الرمل، ابتكرني لانتظار الأبيض السكران في الأفق البخيلة
ربما أعطيك صيفا في شتاء العشب، مخذولا جسورآ
فانتظرني
كل أيامي ملفقة، وعظم الحافر الوحشي والعربات والخوذ الأليفة في دمي
والأرض زينتها المدائن و القرى
أعطيك أيامي الملفقة المضاعة
و المضاعة مرة أخرى
و أعطيك الحيازيم التي تندس في لج
فإن أعطيتني أقواسك العطشى، سأعطيك المدى المفتوح للماء المهاجر.
أي عذب يصطفيه الموج للعطش المغامر
للبعيد الغائب المخذول
يا جسرا وحيدا في بكاء النسوة المتأججات البوح
إن أرخيت لي سر البحار،
وفي يدي سر،
وفي أحلامي الأولى نساء
ينتظرن عباءة السفن العليل.ة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> كوامن الرماد
كوامن الرماد
رقم القصيدة : 6183
-----------------------------------(49/310)
كل مكللٍ بالنار قلبي
كل فسقيةٍ توزع حزنها المائي قلبي
كل جرحٍ باب قلبي
آه لو أن القتال مشى سريعاً فوق هذا القلب
لو سعة لنصل تحتفي بنهاية .
قلبي تناثرَ في قلوبٍ
ربما هلعاً
فخلوه علانية يعالج يأسه بالجمر أو بالزعفران
وربما ولعاً
دعوه مستجيرا بالرماد الكامن المرصود أبوابا
على قلبي
سيعبرها القتال الشامخ المسجور في بطء
أباهي بالدم البحري كل قبيلة دقت على قلبي سرادقها
لقلبي شهوة النسيان
أعطوه علانية لينسى
ربما يبكي على نخل ... وينسى
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> هي
هي
رقم القصيدة : 6184
-----------------------------------
ساعديني ..
كي أرممَ مخلوقات الله
أضع الفصول في قصعتها و أستدرج الطبيعة،
لم تعد الأرض في هيئتها ولم تعد السماء
و البحر تائه،
فالسفن التي جنحت عند المساء
بشرت بخطيئة الموج،
والمخلوقات المتناسلة تغادر جيلا بعد جيل
تجر القيود و السلاسل كأنها الأعشاب
و الطحالب و المرجانات ترتدي قفطاناتها
التي من اللازورد
فحولة تفترع البكورة في أنوثة الطين.
تطلع من الأزرق،
فيتخندق الرمل مستنفرا قمصانه وسراويله
ساعديني
لكي أدخل في فوهة اليابسة،
شامخا مثل شهوة السرطانات وشره الطريدة و شكيمة الثاكل
أتمترس بشرائك الموج وغواية الزبد،
محاربا كجيش في جسد.
أكلم الأرض بكلام الغسل فتختجل.
ساعديني،
لكي يبدأ الترميم
افتحي خطيئة اللغة
وكلمي الله
قولي له :
لم يعد الخلق كاملا ولا جميلا
ولا عدل فيه
ساعديني .
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> صحراء
صحراء
رقم القصيدة : 6185
-----------------------------------
في هذه الصحراء العاتية
الصحراء التي تسيلُ مع الشمسٍ كثباناً وشياطينَ
تناسلَ الأسلاف جَدّاً بعد جَدّ
ونبتْنا مصْل أشجارٍ صخريّة
راكضين بين الشاطئ والجبال
بأرجل حافيةٍ وقلبٍ مكلوم.
كبرُنا مع الجمال والحمير
قُدنا القطيع إلى مساقط الوادي
وشاهدنا القطا تغيبُ مع السراب(49/311)
نصبْنا شباكاً للثعالب
وأخرى لوعول الغيب،
وحين سافرنا إلى بلدان العالي
لم نجد أثراً للأضحية في ثيابنا
ولم نجد ضالّة الحنين
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الحديد
الحديد
رقم القصيدة : 6186
-----------------------------------
ليديه حديدٌ يقود صرخة المدينة
ويفتل العربات المصابة بفتوى النهب
حين يتدافع الجليدُ في نفير المداخل
يَحتسي جنودَه ويرتدي خوذَةَ الحلم :
قافلةٌ لزينة الغبار
طريقٌ كبئر ينبغي أن تُردم
قطيعٌ من الوصايا ونقيضها.
لحديد يديه
لشهوته المبذولة
لقميصه الملطخ بشهداء الأنخاب
لمصطفى أشيائه المنهوبة
وقتٌ يعبر ردهات السجن وجمر الحانات
ومختبرات العسف.
يموت قليلا وينهض
ينهال على العجلات
لئلا تفتضَّ بُكورة الكأس
ينام وملء يديه حديدٌ ينضح مجداً ومكابرة
وفتاوى تكبح رائحة الغيم بنار يديه.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> دمٌ سَيدٌ
دمٌ سَيدٌ
رقم القصيدة : 6187
-----------------------------------
كنا نَشْغلُ الطبيعة بهيبتنا
و نكرز للعناصر كي تألفَ الماء
هيأ الكهف أسماءنا و رؤآنا
كنا أمل الرمل و الغصون
تميمة الوهم و النبي
نفتح الوقت و الحجارة
كنا وتر القوس و السماء
نسمّي أخطاءنا و نهيم
نعيد لأجسادنا شغف الموت
لأحفادنا لمنتهانا
لم تزل لأشجارنا طبيعة الوحش
لم تزل شريعة الرعب فينا
نَشغَرُ الوقتَ بالكتاب ونكبو .
طينة تبرأ
لم تزل هذه الفرائس تهرب
و الذي يطلق الطرائد فينا
لم يزل سيدا عبده سيد في دمانا .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الصخور
الصخور
رقم القصيدة : 6188
-----------------------------------
أفهم الصخور
ذريعة الوردة ومهانة الطريق
أجراسها ترشد الجنائز وتهدهد الموتى
أعراسها تهيب بالوعول أن تقبل
وتلقح الأحلام بأظلاف مطلية بالعسل
أفهم الصخور
انتصاب الفحولة
اغتصاب الأنوثة
تهذي كلما تحشرج عندليب في الفخ
تهذي كلما سفح الماء مراثيه ونذوره
لكن(49/312)
عندما يفقد الجنود غداراتهم
ويخسرون الحرب تلو الحرب
تبدأ القوافل الرافلة بالعبيد في النزوح
أفهم أن الصخور
لم تكن سوى أنين الأرامل
و كآبة الغريب .
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الخيول
الخيول
رقم القصيدة : 6189
-----------------------------------
هكذا تركض الخيول
تسفح عربات التبغ
وتجتاح سكينة السوق
تسأل النساء عن أخطاء الليل
وتبوح لهنَّ بأسرار الهتكِ
وحماس الجمر
خيول هائجة ، مجبولة بشهوة الينابيع
توغل في حكاية المساء وتغوي .
الطريدة : بهجة الخطيئة
الأعضاء : إشراقة الجسد
خيول لها أعراف الهداهد وشكيمة القرون
يفزع لها مدمنو الكنائس
والمشحوذون بطينة العقاب
وحين يغسل الهجوم صليل النبيذ
تضع الخيول أعناقها في شرفة الحانة
تاركة للنساء حرية المعانقة
لتعطى الممالك نسلا من المقاتلين الطغاة.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> خطيئة 3
خطيئة 3
رقم القصيدة : 6190
-----------------------------------
أيها الملك ..
نحن رعاياك الذين تباهي بنا الأمم :
لقد سئمنا هذا المجد .
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> موسيقى
موسيقى
رقم القصيدة : 6191
-----------------------------------
حين أخرجُ من البيت
أترك الموسيقى مفتوحة
تحرسُ أرواح الموتى.
موسيقى القدماء التي تحملُ رائحة العشب
وتحرسُ حدائق بابل
معلقةً في الأعماق
حين أخرج من البيت
أتركُ كلّ شيء مغلقاً على نفسه
عدا الموسيقى تضطربُ في الرُدهات الخالية
وعدا بضعَ محاراتٍ،
التقطتُها من الشاطئ القريب
ليلة العاصفة
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> سهرة الأضداد
سهرة الأضداد
رقم القصيدة : 6192
-----------------------------------
على الطريق
نافذة تدعو لسهرة الندم
خبز ونبيذ وقلعة الرمل
وليس أمام الرفقة إلا تعتعة التذكر
واستعادة العذاب
كأن عليهم الخطأ و خيمة الاجتهاد
تتلاطم أجنحة النافذة في رعدة التجربة
ما مِن جسد إلا أصابه الليل(49/313)
ونحتته حديدة الباب وثقبته كهرباء الأسئلة
ما من روحٍ إلا تَقَفصَتْ على النيازك والكائنات.
هذه هي الكأس ،
لك الندمُ إذا احتسيتَ ،
وإن فاتك القدحُ تأخذك الندامة.
هذه هي الكأس ،
والطريق على نافذةٍ تقطع الطريق
تفسد النسيان ..
وتجعل التجربة خديعة المستقبل .
يخرجون من السهرة ملطخين بالجبال
لهم الطريق والنافذة
ولهم الكمين .
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> عوارض تكييف
عوارض تكييف
رقم القصيدة : 6193
-----------------------------------
تصحو من النوم
غارقاً في بحيرةٍ من النعاس والوحل
تتلوّى في الفراش،
رأسُك يعجُ بالموتى
وقدماك ثقيلتان.
تتخيّل أمطاراً في الخارج
وجنائن تنزهن فيها نساء
مظلاتهن صُنعت من القشّ
سعيداتٌ يبتسمن للأفق
والبحرُ، زبدُه يصلُ إلى النافذة
قدمان ثقيلتان
ورأس يعُجُ بالموتى.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> ترانزيت
ترانزيت
رقم القصيدة : 6194
-----------------------------------
من أين جاءتها تلك التأتأةُ
في الكلام..
كانت على شرفة المطار
تنظرُ في فراغ مدلهمّ
في نجوم الظهيرة الساطعة.
كانت قريبةَ من نفسها أكثر من اللازم
لم تلتفت كثيراً لتلوّح بأناملَ
أو محرمةٍ
كانت تقفُ هكذ من غير شموخٍ
أو ذلً
أو ربما من غير تأملٍ..
..........
..........
لم يبقَ منها، عدا ظلّها محفوراً
على الحائط
وعدا رائحةً تنتشرُ باستمرار
في أرجاء المنزل.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> منازل
منازل
رقم القصيدة : 6195
-----------------------------------
إلى ابي تمام
منازلُ كبيرةٌ يرتادُها الفتى
منازلُ مبعثرةٌ في قارات ومدنٍ
وعلى منعطفات حروبٍ وجبال
منازلُ تضيئُها الشموعُ وأخرى تعطسُ
فيها الحيتان
تمتدُ من قصبة الجزائر حتى القطب الغامض
وبلاد الغال.
منازلُ تدحرجُ سكّانها في الأحلام
وترعى قطعان الماشية
في حقولٍ جافة.
لا تستوي على الهضبات،
إلا حين تضيئها عيونُ الثعالب
القادمة من التلال.(49/314)
منازلُ الهاوياتِ المشطورة
بأقمارٍ غزيرةٍ.
نحن الذين خَبرنا غرفها وغيابها الأكيد
لا نستطيعُ الذهاب في الكلام،
أبعد من القول:
مرّت قوافلُ من هنا
أو سالت بطاحٌ،
أو نتحدثُ عن معركة الجيرانِ
وغزوة الذئاب
وذلك الجراد،
الذي بدأت طلائعُه مع فجرٍ شتائي
ومع غجرٍ عابرين.
نحن الذين خبرنا غيابها
وأرواح موتاها وحيواناتها
مدفوعين بفتنة الأسحارِ،
وهي تودّعُ آخر زائريها وسكّانها.
في الماضي كانت لنا منازلُ
كانت لأجدادنا منازلُهُم
تلك التي بنوْها من صوفِ الماعز
ومن الطينِ
الطين الذي غرقت فيه ثيرانُ القرية
لحظة هياج.
كانت لنا منازلُ نأتيها في المساء لننام
أو (وهذا ما يحدثُ غالباً) نأتيها
في الصباحات ونحن نتهاوى من السُكر
مستغيثين برحمة الحائط من صخب الليل
من مخلوقات العنف العاري
ووحشة الطريق التي تسيلُ في أوردتنا ورؤوسنا
دماءً وذكريات.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> تلك البلاد
تلك البلاد
رقم القصيدة : 6196
-----------------------------------
سألتك في حدود المنازعات
بين جبل يمحو الغيوم
و رمال تحمي البحر من يقظته
سألتك ..
كل يوم في حرس و راية و نشيد
في دولٍ تُشبه القرى المنسية
كأنها تكبت الكارثة وتقتسم الشوارع
تهابك الممالك وينشدك العبيد
سألتك في شعب من الحفاة
يذرعون الخرائط يبحثون عنك
مثلي .
هل أنت موجودة في مكان ؟
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> علاقة غاربة
علاقة غاربة
رقم القصيدة : 6197
-----------------------------------
ماذا يعني هذا الصمتُ الذي ران بيننا
ثمّة رغبةٌ سحيقةٌ في الكلام
رغبةٌ في القُبلة.
هذا الصراطُ الذي يفصلُنا
هذه الهياكلُ المحطمةٌ
هذه السفنُ التي تبحر بجلاّديها بيننا
ثمةُ رغبةٌ سحيقةٌ في الكلام
رغبةٌ في القُبلة.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> في ذلك المساء
في ذلك المساء
رقم القصيدة : 6198
-----------------------------------
في ذلك المساء(49/315)
الذي يلهم القاتل ويحزم الأطفال بالحلم الساحر
في ذلك المساء الزاخر باندفاعات أشباح شاردة
تدس بين الطوائف
يحلو للقتلى محو بقايا النصل
و مسح الكآبة عن سجادة الدار
و الأسئلة :
من قال أنّا قُتلنا
من رأى الدم
ها نحن فخورون بإرثنا
أصحّاء مثل جليد الجبال
ما من نافذة إلا وتطل على أملٍ كان .
لماذا في ذلك المساء
يجوز لهم التذكر وليس لنا أن ننسى .
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> ولادة
ولادة
رقم القصيدة : 6199
-----------------------------------
على ذُرى المكيّفات الغاضبة
تبني الطيورُ أعشاشها
التي تموءُ تحتها القطط
تقفزُ من سلك إلى سلك
مفتونةَ بالولادةِ
وفي المساء تغْمرُ المكان بالصياح
كأنما تتنبّأ بالحشْر.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الأشباح
الأشباح
رقم القصيدة : 6200
-----------------------------------
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> عقاب
عقاب
رقم القصيدة : 6201
-----------------------------------
ستجتازُ ليلاَ شرساً وعميقاَ
وتجتازُ المجزرة
حتى تصل إلى طرف السرير
وكأنما إلى طرف الكون
وبعدك القيامة.
لن ترى ممرّات الطفولة
ولن ترى الأعشاشَ والنخيلَ
ولثغةَ طيورٍ وليدة.
ليلٌ بعد ليل
ونهارٌ يجثمُ بمنكبيه على الثقلين
وعلى رأسه إكليلُ القسوة العتيد.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> حكاية هذا الصباح
حكاية هذا الصباح
رقم القصيدة : 6202
-----------------------------------
كان الراعي متكئاً على ذراعه
قرب أشجار الغاف.
أغنامٌ تثغو وآفاقٌ تنكسر
وثمّة رعودٌ في رأسه تقرعُ بوابة الشعاب
الشعاب التي شهدت ولادته مع المراعي والضباع.
كان الراعي، حفيدُ الأنبياء
وآخرُ صولجان السلالة في تلك الأصقاعِ
متكئاً على ذراعه، ذاهباً في نومه الأبدي.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> شبه
شبه
رقم القصيدة : 6203
-----------------------------------
لم نعدْ نشبه هذا البحر
ولا هذه الأرض(49/316)
يبدو أن قروناً مرّت بزواحفها
ونحن نيام.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> طائر
طائر
رقم القصيدة : 6204
-----------------------------------
طائر كبير كبيرٌ يقفُ على السطح
طائرٌ يشبه ممحاة سحابٍ
وإذ حدقتُ فيه قليلاً
نأى بجناحيه العريضين
خلف أفقٍ من ضباب.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> زيارة
زيارة
رقم القصيدة : 6205
-----------------------------------
لا يطرقون الباب
ولا يستأذنون
يدخلون، هكذا، كلّ يوم
كانت ريحٌ خفيّة تسبقهم
كأنها نفثةُ مسحورٍ فوق بحيرة
يشربون ما تبقى في الثلاجة
ويغادرون.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> غرفة
غرفة
رقم القصيدة : 6206
-----------------------------------
في غرفةٍ يسرحُ فيها البعوضُ
أنام مع أشباحي
متذكراً حانات طنجة
وشاعر الإسكندرية العجوز
في مقهى الإليت.
كم كانت أيامك خضراء
حين كنت تدحرُ الليل بِفَرَجٍ
أو تسجنُ المساء في كأس.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> سفر
سفر
رقم القصيدة : 6207
-----------------------------------
في هذه البقاع القصيّة
هذه البقاع المهجورة حتى من عواء الذئب
أسرجُ ضوء الشمعة
وأسافر
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> حنين الأعالي
حنين الأعالي
رقم القصيدة : 6208
-----------------------------------
خلعوا قلوبهم وأوتادهم
قلبوا الخيام على الأحصنة
تبادلوا حديثاً غامضاً
ورحلوا.
تركوا خلفهم مواقد وذكرياتٍ
سلكوا طريقاً غير طريقهم
رأوا شعاباً وأفاعي تسيلُ من اللهب
رأوا سماءً تنهارُ على ساكنيها
ورعوداً تمزقُ جلد الأبدية.
جرفوا الأودية والأشجار بأقدام مُتعبة
وحنينهم دوما إلى الأعالي
التي لن يصلوا إليها أبداً.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> الفتيات
الفتيات
رقم القصيدة : 6209
-----------------------------------
أهيمُ في غفلة الخميرة
الفتيات يخلطن أحلامهن بزيت النسيان
يجدلن أسرارهن ويوقدن تنورهنّ(49/317)
لعل الخميرة تسمع تنهيدة القلب أو رعشة الدم
تحت السوار الموارى
وترمي رغيفا على نهدة الصدر
الفتيات
يفرحن في غمرة الجنس
هذا إنائي ،
أقيس به غبطة الوقت
أحسو به خمرة الخبز
أغوي الفتيات
يسكرن قبل اكتمال الأنوثة
قبل اختلاج الهواء .
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> غياب
غياب
رقم القصيدة : 6210
-----------------------------------
عيونُ زائغةٌ بالغياب
غريبةٌ أينما حلت
كأيامٍ خارج مدارها الفلكيّ
كجُرح ضاق ذرعاً بالهواء
تدورُ في محجرها
تحدّقُ بغضب، تضيء، تنطفئ، تتوسلُ
عرينُ النمور يأخذُ مداه في الغابة.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> وصف رحلة
وصف رحلة
رقم القصيدة : 6211
-----------------------------------
عيونُ زائغةٌ بالغياب
غريبةٌ أينما حلت
كأيامٍ خارج مدارها الفلكيّ
كجُرح ضاق ذرعاً بالهواء
تدورُ في محجرها
تحدّقُ بغضب، تضيء، تنطفئ، تتوسلُ
عرينُ النمور يأخذُ مداه في الغابة.
شقمرٌ يولدُ من سحابةْ
ميلادُه العسيرُ لا يدهشُنا
لكنه يذكرنا بأقمار ماضية،
سفنٌ تعومُ في أفق خالٍ
وأخرى مأهولة بالأساطير
الأساطير النجميّة التي كنا نقطفُها باليد
ذروةُ جبل تمتطي سماءً خفيضة،
تكادُ تلمسُ الرأس.
الليلُ من خلفنا
سهامُه، شهُبٌ وحكايات.
وعيون صيادين تمخرُ المياه
وأيديهم أيضاً...
أيديهم التي تخيطُ الفجر القادم
كما تخيطُ شباك الصيد.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> إمرأة الأنباط
إمرأة الأنباط
رقم القصيدة : 6212
-----------------------------------
كأنما الحياةُ انفجرت
دفعةَ واحدةً من مضيق
كأنما السنونُ ساقت جيوشها إلى الحافّة
كأنما البحرُ
كأنما الحاناتُ والمقاهي
ومساءاتُ المدن الكبرى.
نمرُ الغابة يلعبُ في عينيكِ
وأنت تحدّقين في بحر هائج
حذاء الأوابد الدكناء
بشعرك المسترسل في الريح
كأنما كنت قادمةً من عصورٍ أخرى
تبدين شبق الذئب تجاه الفريسة
وريبة المسافر نحو الطريق.
قادمةً من عصور أخرى(49/318)
معبأة بأحلام شاقة
بنظرة تتكدّسُ تحت سفحها الأزمانُ،
الأزمانُ الخوالي التي تصهلُ في ردهاتها
الأحصنة.
وحيدةَ مثخنةً بالبرد والنعاس.
تكتظُ الفنادقُ بروادها الأنيقين
والأنفاقُ بمشرّديها
وتكتظُ السماء بالملائكة والمعجزات،
وأنت مكتظّةٌ بالصحراء
بهدير الأنباط
قادمين من ضفاف الصخر.
كأنما الحياةُ
انبثقت دفعةً واحدةً
عندما التقينا لأول مرةٍ
في البلاد البعيدة عن مولد الشمس.
شعراء الجزيرة العربية >> سيف الرحبي >> منذ ستة وعشرين عاما
منذ ستة وعشرين عاما
رقم القصيدة : 6213
-----------------------------------
كلّ صباح
حين تستيقظُ من نومك المليء بالمذابح والأحلام
تسألُ نفسك
عاما بعد عام
أمام أرضٍ صمّاء وأرخبيل مغلق،
منذ ستة وعشرين عاماً
ماذا تفعلُ في هذه البلاد؟
ستةُ وعشرون مرّت
وأنت تذرعُ الأفق بقدمٍ مكسورةٍ
ورأس غارق في الجحيم.
بداية الرحلة
ستحلمُ أن هناك مستقراً وكتباً
وربما ثوراتٍ تقلبُ وجه العالم.
فمضيت، تاركاً كل شيء وراءك
عويل أمك على سلم البئر،
الذي ظلّ يلاحقُك في المدن والقارّات،
نظرات أبيك الغاضبة.
مرابع طفولتك بين الجبال والشُهُب.
ميلاد النفط بين عظام الأجداد.
ماضياً وراء ندائك، في ليلةٍ
كانت فيها الرياحُ ثكلى،
فجرَ ليلةٍ مُبهماً.
سيكونُ هناك مستقرٌ
ونساءٌ وثوراتٌ
وفي طريقك عبر الصحراء
رأيت بدواُ أوقدوا نيراناً وكلاباً
دافنين أمتعتهم في الرمل
رأيت المستكشفين يعلّقون خرائط الجزيرة
على رؤوس الأشجار
وآلاتٍ عملاقة، يحسبُها السكاّن
نذيراً بالقيامة.
رأيت الأرض تهتزُ،
كما لو أنها على كفّ عفريت
وجملاً يبتلعُ صاحبه
كما تبتلعُ الصحراءُ العواصف.
بعد قليلٍ ستجتازُ البوادي نحو الأحلام
ستجتازُ حاجز السحرة
ورافعات الحبال الأسطورية.
لكنّ الحافة لا تنتهي
إلا إلى أعماق الهاوية
والصحراء تمتدُ والغبار يعمي الدليل
والقافلة تتلاشى
خريفٌ يمرُ ومدنٌ تتشظّى
كنيرانٍ أخمدتها شهب بين المجرات(49/319)
وبحارٌ تموتُ بالسكتة.
وأنت تعدُ الأعوام
حالماً باجتياز المضيق
شعرُك يغزوه الشيبُ
وجسدُك يتلوّى من ألم غامض
كأنما رياحٌ هوجٌ قذفت أحشاءها
في أعماقك.
ترنو إلى نجمٍ شاحب وسط سماء قفرٍ
تتقاطرُ في مراياها
النساءُ والوجوهُ والأصدقاء.
أيُ الأماكن كان مستقراً
أي طفولةٍ كانت لك؟
وبأيّ زمن رميت سهامك
في عيون الفجر.
فسقطت عصافيرُ الأبديّة.
لا تتذكرُ شيئاً
لا تنسى شيئاً
مشدوداً إلى وتد الجبال
تمشي مغمض العينين
في طرقاتٍ مليئةٍ بالذئاب.
كم مرةً نمت في محطّات القطار
كم مرّةً تقاذفتك أيدي البوليس العنصريّ.
في غرف باردة،
مع غرباء مثلك؟
ربما حصل ذلك في زحمة الكوابيس
حيثُ الأفعى أفاقت بعد نومٍ طويل
لتلتهم الجَنّة
وتلتهم احتمالات العودة.
قلت لا بأس
المهمُ أننا موجودون على هذه الأرض.
هكذا
من غير أحلام ولا معجزات
موجودون في أرض الله والبشر
الأرض.. يكفي أنها تتسعُ لسريرٍ وقبرٍ،
وبينهما ضحكةٌ سوداء.
ولكن قبل ذلك
هناك طرقُ طويلةٌ تفضي إلى ظلمةٍ
تنفجرُ منها مياهٌ وبساتينُ
في قلب كلّ بستانٍ امرأةُ تعوي من الشبق
وأصدقاء لا تنقصُهم الخيانةُ
والبولُ على الجثث.
يمكنك أن تستريح من عناء الرحلة
وتقطن فندقاً في مركز المدينة
حيثُ في كلَ صباحٍ تجلسُ على الشرفة
تشربُ القهوة والنبيذ
وترقبُ الأحياء والأموات
حشوداً تسحبُ أمعاءها في الأزقّة
وحروباً يستعرُ لظاها في المخيّلة.
أو ربما لا تفكرُ في شيء
عدا فنجان القهوة المزدحم سطحُه بالكواكب
فهناك دائماً في المدينة أو القرية
أو الثكنة
من يقومُ كلّ صباحٍ
ماضياً في طريقه إلى الهدف،
الخمّاراتُ تفتحُ أبوابها
(ترمقُ النادل ينظفُ الطاولات
في الضوء الخافت للعاهرات)
والموظّفون يحتشدون في الساحات والمكاتب،
وكذلك العمّال
والكهنةُ والغرقى
لا يحتاجون إلى قافلةٍ
أو دليل.
شعراء الجزيرة العربية >> قاسم حداد >> البحار
البحار
رقم القصيدة : 6214
-----------------------------------(49/320)