الأرجوزة
ذات الأمثال
للشاعر العباسي
أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم رحمه الله
المتوفى سنة ش211هـ
إخراج وتعليق
أبي يعلى البيضاوي
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أنعمت فزد
الحمد لله, والصلاة
والسلام على رسول الله القائل : (( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا )) (1)
أما بعد : فهذه درة ثامنة من سلسلة (( كشف خبايا الزوايا من تراث السلف, وكنوز الخلف)), وهي قصيدة من بحر الرجز لشاعر الزهد والحكمة أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم , الشاعر العباسي المشهور المتوفى سنة 211هـ
وهذه القصيدة الجميلة الرائعة المليئة بالحكم , والكلمات البليغة أثبت نسبتها لأبي العتاهية أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))(4\40) , فقال : :
وهذه ((الأرجوزة)) من بدائع أبي العتاهية , ويقال: إن له فيها أربعة آلاف مَثَل اهـ
ثم أورد منه (23) بيتا, وقال : وهي طويلة جدا وإنما ذكرت هذا القدر منها حسب ما استاق الكلام من صفتها اهـ
وكذا أوردها (محسن الأمين) في كتابه ((معادن الجواهر))(ص 434) , ونسبها لابن دريد
وقد قمت باستخراج ((القصيدة)) من ((الموسوعة الشعرية)) للمجمع الثقافي, ومن ((ديوان)) أبي العتاهية المطبوع في دار الأرقم بيروت 1417هـ (ص370), وقابلت بينها, وذكرت الزيادات و الفروق , ورقمت الأبيات , وشرحت ما غمض من الألفاظ والمفردات شرحا ميسرا مبسطا, وترجمت لشاعرنا المجُِيد ترجمة مختصرة, كل ذلك نفعا وحبا لطلبة العلم الشريف , كثر الله منهم , وأعانهم على حسن تحصيله , وخلوص النية في طلبه
والله سبحانه وتعالى المسؤول بفضله أن ينفع بها, ويجعل ما قمت به خالصا لوجهه الكريم, وأن يغفر لي ولوالدي آمين والحمد لله رب العالمين, و صلى الله على نبينا محمد, و على آله وصحبه أجمعين
ترجمة أبي العتاهية
__________
(1) - حديث صحيح أخرجه مالك (1820), والبخاري (5767), وأبو داود (5009), والترمذي (2160) عن ابن عمر.(1/1)
أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي بالولاء الكوفي, الشاعر المشهور مولى عنزة مولده بعين التمر بليدة بالحجاز قرب المدينة
وأكثر الناس ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة, وكان يقول بالوعيد, وتحريم المكاسب, ويتشيع على مذهب الزيدية, وكان مجيدا, وهو من مقدمي المولدين, ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس
أعطاه المهدي سبعين ألفا وخلع عليه, ولما ترك الشعر حبسه في سجن الجرائم, وحبس معه بعض أصحاب زيد الهاشمي, حبس ليدل عليه فأبى فضربت عنقه, وقيل لأبي العتاهية إن قلت الشعر وإلا فعلنا بك مثله, فقاله فاطلقوه
ويقال إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال: عذب الماء فطابا , ثم قال : أجيزوا فترددوا , ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته, وقرب مأخذه حى طلع أبو العتاهية, فقالوا : هذا , قال: وفيم أنتم .؟ , قالوا : قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه, قال : وما الذي قال ؟ قالوا: عذب الماء فطابا , فقال أبو العتاهية:
.................*** حبذا الماء شرابا
ويقال: أطبع الناس بالشعر بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية
وحدث خليل بن أسد الفرشجاني قال : أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا, فقال : زعم الناس أني زنديق, والله ما ديني إلا التوحيد, فقلنا : فقل شيئا نتحدث به عنك , فقال :
( ألا إننا كلنا بائد *** وأي بني آدم خالد )
( وبدؤهم كان من ربهم *** ولك إلى ربهم عائد )
( فيا عجبا كيف يعصي الإله *** أم كيف يجحده الجاحد )
( وفي كل شيء له شاهد *** يدل على أنه واحد )
قال المسعودي : ولم لم يكن لابي العتاهية إلا هذه الابيات التي أبان فيها صدق ال×اء ومحض الوفاء لكان مبرزا على غيره ممن كان في عصره اهـ والابيات المذكورة هي :
إن أخاك الصدق من كان معك *** ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك *** شتت فيه شمله ليجمعك(1/2)
وكان من أبخل الناس مع يساره , وكثرة ما جمع من الأموال, وأبو العتاهية لقب غلب عليه , لأنه كان يحب الشهوة والمجون, فكنى بذلك لعتوه
نص
الأرجوزة ذات الأمثال
الحَمدُ لِلَّهِ عَلى تَقديرِهِ ... *** ... وَحُسنِ ما صَرَفَ مِن أُمورِهِ
الحَمدُ لِلَّهِ بِحُسنِ صُنعِهِ ... *** ... شُكراً عَلى إِعطائِهِ وَمنْعِهِ
يَخيرُ لِلعَبدِ وَإِن لَم يَشكُرُه ... *** ... وَيَستُرُ الجَهلَ عَلى مَن يُظهِرُه
خَوَّفَ مَن يَجهَلُ مِن عِقابِهِ ... *** ... وَأَطمَعَ العامِلَ في ثَوابِهِ
وَأَنجَدَ الحُجَّةَ بِالإِرسالِ ... *** ... إِلَيهِمُ في الأَزمُنِ الخَوالي (1)
نََسْتََعصِمُ اللَهَ فَخَيرُ عاصم ... *** ... قَد يُسعِدُ المَظلومَ ظُلمُ الظالِم
فَضَّلَنا بِالعَقلِ وَالتَدبيرِ ... *** ... وَعِلمِ ما يَأتي مِنَ الأُمورِ
يا خَيرَ مَن يُدعى لَدى الشَدائِدِ ... *** ... وَمَن لَهُ الشُكرُ مَعَ المَحامِدِ
أَنتَ إِلَهي وَبِكَ التَوفيقُ ... *** ... وَالوَعدُ يُبدي نورَهُ التَحقيقُ
حَسبُكَ مِمّا تَبتَغيهِ القوتُ ... *** ... ما أَكثَرَ القوتَ لِمَن يَموتُ
إِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكا ... *** ... فَكُلُّ ما في الأَرضِ لا يُغنيكا
الفَقرُ فيما جاوَزَ الكَفافا ... *** ... مَن عَرَفَ اللَهَ رَجا وَخافا
إِنَّ القَليلِ بِالقَليلِ يَكثُرُ ... *** ... إِنَّ الصَفاءَ بِالقَذى لَيَكدُر (2)
يا رُبَّ مَن أَسخَطَنا بِجَهدِهِ ... *** ... قَد سَرَّنا اللَهُ بَغَيرِ حَمدِهِ
مَن لَم يَصِل فَاِرضَ إِذا جَفاكَا ... *** ... لا تَقطَعَنَّ لِلهَوى أَخاكا
العَنْزُ لاَ يَسْمَنُ ِإلَّا بعَِلَفْ ... *** ... لا يَسْمَنُ العنزُ بقِوَْلٍ بِلَطَفْ
اللَهُ حَسبي في جَميعِ أَمري ... *** ... بِهِ غَنائي وَإِلَيهِ فَقري
__________
(1) - أنجد الشيء : ارتفع, ونَجُدَ الأمر يَنْجُدُ نجودا : وَضَحَ واستبان
(2) - القذى : ما يقع في العين وما ترمى به(1/3)
لَن تُصلِحَ الناسَ وَأَنتَ فاسِدُ ... *** ... هَيهاتَ ما أَبعَدَ ما تُكابِدُ (1)
التَركُ لِلدُنيا النَجاةُ مِنها ... *** ... لَم تَرَ أَنهى لَكَ مِنها عَنها
لِكُلِّ ما يُؤذي وَإِن قَلَّ أَلَم ... *** ... ما أَطوَلَ اللَيلَ عَلى مَن لَم يَنَم
مَن لاحَ في عارِضِهِ القَتيرُ ... *** ... فَقَد أَتاهُ بِالبَلى النَذير (2)
إِنْ اخْتَفَى مَا فِي الزَمَانِ الآتِي ... *** ... فَقِسْ عَلَى المَاضِي مِنَ الأَوْقَاتِ
مَن جَعَلَ النَمّامَ عَيناً هَلَكا ... *** ... مُبلِغُكَ الشَرَّ كَباغيهِ لَكا (3)
يُغنيكَ عَن قولِ قَبيحٍ تَركُهُ ... *** ... [ قَد يوهِنُ ] الرَأيَ الأَصيلَ شَكُّهُ (4)
لِكُلِّ قَلبٍ أَمَلٌ يُقَلِّبُه ... *** ... يَصدُقُهُ طَوراً وَطَوراً يَكذِبُه
المَكرُ وَالخِبُّ أَداةُ الغادِرِ ... *** ... وَالكَذِبُ المَحضُ سِلاحُ الفاجِر (5)
لَم يَصْفُ لِلمَرءِ صَديقٌ يَمذُقُه ... *** ... لَيسَ صَديقُ المَرءِ مَن لا يَصدُقُه (6)
مَعروفُ مَن مَنَّ بِهِ خِداجُ ... *** ... ما طابَ عَذبٌ شابَهَ عَجاج ُ(7)
سَامِحْ إذاُسمت ولا تخش الغبن ... *** ... لَم يَغْلُ شَيْ ءٌ هُوَ مَوْجُودُ الثَّمَنْ (8)
__________
(1) - مكابدة الأمر مقاساة مشقته
(2) - القتير: الشيب
(3) - العين من الكلمات المشتركة المعني وهي هنا : الجاسوس
(4) - في ((الأغاني)) [ يرتهن ]
(5) - الخَبُّ: الخَدَّاع
(6) - المماذقة في الود ضد المخالصة , ومذق الود: لم يخلصه
(7) - الخِدَاجُ: إلقَاءُ النَّاقَةِ وَلَدَها قَبْلَ تَمامِ الأَيَّامِ، والفِعْلُ: كَنَصَرَ وضَرَبَ، وهي خادجٌ، ـ والولَدُ: خَدِيجٌ. ـ والنَّاقَةُ: جاءَتْ بِوَلَدٍ ناقِصٍ، وإنْ كانَتْ أيامُهُ تامَّةً، فهي مُخْدِجٌ، ـ و "صَلاَتُهُ خِدَاجٌ " ، أي: نُقْصانٌ.ـ ورَجُلٌ مُخْدَجٌ اليَدِ: ناقِصُها.
(8) - الغبن : من غبَنَهُ في البَيْعِ يَغْبِنُهُ غُبْناً ِ: خَدَعَهُ، فهو مَغْبُونٌ، والاسمُ: الغَبينَةُ.(1/4)
مَنْ عَاشَ لم يَخْلُ مِنْ الُمصِيبِة ... *** ... وَقَلَّ مَا يَنْفَكُّ عَنْ عَجِيبَة
َيا طَالِبَ الدُّنْيَا بِدُنْيَا الِهمَّة ... *** ... أَيْنَ طَلَبْتَ الَّلهَ كَانَ َثمَّة (1)
يُوسِعُ الضِّيقَ الرِّضَا بِالضِّيقِ ... *** ... وَإنَّمَا الرُّشْدُ مِنَ التَّوْفِيقِ
أَسْتودِعُ اللهَّ أمُورِي كلُهََّا ... *** ... إِنْ لم يكن رَبِّي لَهَا فمن لَهَا
ماَ أبَْعَدَ الشَّيْءَ إِذَا الشَيْءُ فُقِدْ ... *** ... مَا أَقْرَبَ الشَّيْ ءَ إِذَا الشَّيْ ءُ وُجِدْ
يَعِيشُ حَيٌّ بِتُرَاثِ مَيْتِ ... *** ... يَعْمُرُ بَيْتٌ بِخَرَابِ بَيْتِ (2)
صُلْحُ قَرِينِ السُّوءِ لِلْقَرِينِ ... *** ... كَمِثْلِ صُلْحِ اللَّحْمِ وَالسِّكِيِن
مَا عَيشُ مَن آفَتُهُ بَقاؤُهُ ... *** ... نَغَّصَ عَيشاً طَيِّباً فَناؤُه (3)
إِنّا لَنَفنى نَفَساً وَطَرفا ... *** ... [ لَم ] (4)يَترُكِ المَوتُ لِإِلفٍ إِلفا(5)
وَلِلكَلامِ باطِنٌ وَظاهِرُ ... *** ... في ساعَةِ العَدلِ يَموتُ الفاجِرُ
عَلِمتَ يا مُجاشِعُ بنَ مَسعَدَة ... *** ... أَنَّ الشَبابَ وَالفَراغَ وَالجِدَة (6)
__________
(1) - الدنيالأولى الحياة الدنيا نقيض الآخرة, والدنيا الثانية بمعنى السفلى والدنيئة وهي صفة للهمة
(2) - التُّراث: ما يُخَلِّفه الرجُل لورَثَتِهِ، والتاء فيه بَدل من الواو
(3) - نغص نغصا : لم تتم له هنائته والنغص كدر العيش
(4) - في ((الأغاني)) [ لن ]
(5) - الإلف: الشخص الذي تألفه والجمع آلاف
(6) - الجدة والوجد والوجدان: الحصول على المال
قال الصولي: قال أحمد بن عبد الله: كان لمسعدة أربعة بنين: مجاشع، وهو الذي يقول فيه أبو العتاهية:
علمت يا مجاشع بن مسعده*** أن الشباب والفراغ والجده *** مفسدة للمرء أي مفسدة
وهو مسعدة بن سعد بن صول الصولي مولى خالد بن عبد الله القسري، كان كاتبا له, وكان أيضا من كتاب خالد بن برمك، ثم كتب بعده لأبي أيوب وزير المنصور على ديوان الرسائل, مات في سنة 214هـ, وابنه أبو الفضل عمرو بن مسعدة، من جلة كتاب المأمون و أهل الفضل والبراعة والشعر(1/5)
*مَفسَدَةٌ [ لِلمَرء ]ِ أَيُّ مَفسدَة (1)*
[ يا لِلشَبابِ المَرِح ] التَصابي (2) ... *** ... رَوائِحُ الجَنَّةِ في الشَباب (3)ِ
اصْحَبْ ذَوِي الفَضْلِ وأَهْلَ الدِّينِ ... *** ... فَالَمرْءُ مَنْسُوبٌ إِلَى القَرِينِ
إِيَّاكَ والغَيْبَة وَالنَّمِيمَة ... *** ... فَإِنَّهَا مَنْزِلة ذَمِيمَة (4)
لَا تهبن ِفي الأُمُورِ فرطَا ... *** ... لاَ تَسْأَلَن إِنْ سَأَلْتَ شَططاًَ(5)
* وَكُنْ مِنَ النَّاسَ جَمِيعاً وَسَطاً (6)*
__________
(1) - في ((الأغاني)) [ للعقل ] , قال أبو الفرج : ذكر سليمان بن أبي شيخ قال : قلت لأبي العتاهية : أي شعر قلته أجود , وأعجب إليك ؟ قال : قولي :
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للعقل أي مفسدة
وقولي ايضا :
إن الشباب حجة التصابي *** روائح الجنة في الشباب
(2) - في ((الأغاني)) : إن الشباب حجة التصابي ] والتصابي والصبا والصيوة : جهلة الفتوة واللهو من الغزل
(3) - قال أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))( ): أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاع قال: تذاكروا يوماً شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ؛ إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سماها "ذات الأمثال"؛ فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله:
يا للشباب المرح التصابي *** روائح الجنة في الشباب
فقال الجاحظ للمنشد: قف: ثمن قال: انظروا إلى قوله:
........................*** روائح الجنة في الشباب
فإن له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب، وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد التطويل وإدامة التفكير, وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه.
(4) - ذميمة أي مذمومة، فَعِيلة بمعنى مفعولة
(5) - الفرط : العجلة , وفرط في الأمر فرطا أي قصر فيه وضيعه حتى فات, والشطط مجاوزة الحدد في البيع والقدر يقال شططت وأشط و أشططت جرت عن الحق
(6) - الأبيات [43 و44 و45 و46 ] زيادة من ((الأغاني))(1/6)
لَيسَ عَلى ذي النُصحِ إِلّا الجَهدُ ... *** ... الشَيبُ زَرعٌ حانَ مِنهُ الحَصدُ
*الغَدرُ نَحسٌ وَالوَفاءُ سَعدُ*
هِيَ المَقاديرُ فَلُمني أَو فَذَر ... *** ... تَجري المَقاديرُ عَلى غَرزِ الإِبَر (1)
*إِن كُنتُ أَخطَأتُ فَما أَخطأ القَدَر*
إِنَّ الفَسادَ [ بَعدَهُ ] الصَلاحُ ... *** ... يا رُبَّ جِدٍّ جَرَّهُ المِزاحُ (2)
[ ما ] تَطلُعُ الشَمسُ وَلا تَغيبُ ... *** ... إِلّا لِأَمرٍ شَأنُهُ عَجيبُ (3)
لِكُلِّ شَيءٍ مَعدِنٌ وَجَوهَرُ ... *** ... وَأَوسَطٌ وَأَصغَرٌ وَأَكبَرُ
وَكُلُّ شَيءٍ لاحِقٌ بِجَوهَرِه ... *** ... أَصغَرُهُ مُتَّصِلٌ بِأَكبَرِه
مَن لَكَ بِالمَحضِ وَكُلٌّ مُمتَزِج ... *** ... وَساوِسٍ في الصَدرِ [ مِنكَ ] تَعتَلِج (4)
مَنْ لَكَ بِالمَحْضِ وَلَيْسَ مَحْضُ ... *** ... َيخْبُثُ بَعْضٌ وَيَطِيبُ بَعْضُ
لِكُلِّ إِنسانٍ طَبيعَتانِ ... *** ... خَيرٌ وَشَرٌّ وَهُما ضِدّانِ
إِنَّكَ لَو تَستَنشِقُ الشَحيحا ... *** ... وَجَدتَهُ أَخبَثَ شَيءٍ رِيحاً
عَجِبتُ لَمّا [ ضَبَّني ] السُكوتُ ... *** ... حَتّى كَأَنّي حائِرٌ مَبهوتُ (5)
كَذا قَضى اللَهُ فَكَيفَ أَصنَعُ ... *** ... وَالصَمتُ إِن ضاقَ الكَلامُ أَوسَعُ
نَعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَيطانِ ... *** ... ما أَولَعَ الشَيطانَ بِالإِنسانِ
خَيرُ الأُمورِ خَيرُها عَواقِبا ... *** ... مَن يُرِدِ اللَهُ يَجِد مَذاهِبا
الجودُ مِمّا يُثبِتُ المَحَبَّةَ ... *** ... وَالبُخلُ مِمّا يُثبِتُ المَسَبَّه (6)
__________
(1) - غرز الإبرة غرزا أدخلها وكل ما سمر في شيء فقد غرز زغُرِّز
(2) - في ((الأغاني)) [ ضده ]
(3) - في ((الأغاني)) [ لا ]
(4) - المحض : الخالص من كل شيء, وتعتلج : أي تتعارك وتتصارع, في ((الأغاني)) [ منه ]
(5) - أضب على الشيء وضب : سكت عليه, وأمسك عن الحديث , وأضب إذا تكلم وأفاض في الحديث فهو من الأضداد
(6) - المسبة والسبة : العار(1/7)
لِكُلِّ شَيءٍ أَجَلٌ مَكتوبُ ... *** ... وَطالِبُ الرِزقِ بِهِ مَطلوبُ
لِكُلِّ شَيءٍ سَبَبٌ وَعاقِبَه ... *** ... وَكُلُّها آتِيَةٌ وَذاهِبَة
يا عَجَباً مِمَّن يُحِبُّ الدُنيا ... *** ... وَلَيسَ لِلدُنيا عَلَيهِ بُقيا (1)
الصِدقُ وَالبِرُّ هُما الوِقاءُ ... *** ... يَومَ تَقومُ الأَرضُ وَالسَماءُ
وَكُلُّ قَرنٍ فَلَهُ زَمانُ ... *** ... وَلَم يَدُم مُلكٌ وَلا سُلطانُ
ما أَسرَعَ المَوتَ وَإِن طالَ العُمُر ... *** ... وَرُبَّما كانَ قَليلاً فَكدُر
مَسَرَّةُ الدُنيا إِلى تَنغيصِ ... *** ... وَرُبَّما أَكَدت يَدُ الحَريص(2)
ما هِيَ إِلّا دُوَلٌ بَعدَ دُوَل ... *** ... تَجري بِأَسبابٍ تَأَتّى وَعِلَل
ما قَلَبَ القَلبَ كَتَقليبِ الأَمَل ... *** ... لِلقَلبِ وَالآمالِ حَلٌّ وَرَحَل (3)
وَكُلُّ خَيرٍ تَبَعٌ لِلعَقلِ ... *** ... وَكُلُّ شَرٍّ تَبَعٌ لِلجَهلِ
لِكُلِّ نَفسٍ هِمَمٌ وَنَجوى ... *** ... لا كَرَمٌ يُعرَفُ إِلّا التَقوى
لِيَجهَدِ المَرءُ فَما يَعدو القَدَر ... *** ... وَرُبَّما قادَ إِلى الحَيْنِ الحََذَر(4)
ما صاحِبُ الدُنيا بِمُستَريحٍ ... *** ... وَالداءُ داءُ النَهِم الشَحيح (5)
لَم نَرَ شَيئاً يَعدِلُ السَلامَه ... *** ... لا خَيرَ فيما يُعقِبُ النَدامَه
__________
(1) - البُقْيَا : الإبقاء ومعنى أن الدنيا لا تبقي عليه أي لا ترحمه ولا تشفق عليه
(2) - الكَدُّ: الإتعاب، يُقال: كَدّ يَكُدّ في عَمَله كَدّاً، إذا اسْتَعْجل وتَعِب. ومنه الحديث : «لَيْسَ من كَدِّك ولا كَدِّ أبيك» أي ليس حاصِلاً بِسَعْيِك وتَعَبِك
(3) - حل بالمكان أي نزل به
(4) - الحَيْنُ: الهلاكُ، والمِحْنَةَُ.
(5) - النَّهَمُ، والنَّهامَةُ، وهو إفْراطُ الشَّهْوَةِ في الطعامِ، وأن لا تَمْتَلِئ عَيْنُ الآكِلِ ولا يَشْبَعَ، نَهِمَ، فَهو نَهِمٌ ونَهِيمٌ ومَنْهُومٌ.(1/8)
بِحَسبِكَ اللَهُ فَما يَقضي يَكُن ... *** ... وَما يُهَوِّنهُ مِنَ الأَمرِ يَهُن
كَم مِن نَقِيِّ الثَوبِ ذي قَلبٍ دَنِس ... *** ... الُموحِشُ الباطِلِ وَالحَقُّ أَنِس (1)
تَحَرَّ فيما تَطلُبُ البَلاغا ... *** ... وَاِغتَنِمِ الصِحَّةَ وَالفَراغا (2)
المَرءُ يَبغي كُلَّ مَن يَبغيهِ ... *** ... وَكُلُّ ذي رِزقٍ سَيَستَوفيهِ
في كُلِّ شَيءٍ عَجَبٌ مِنَ العَجَب ... *** ... وَكُلُّ شَيءٍ فَبِوَقتٍ وَسَبَب
الحَقُّ ما كانَ أَحَقُّ ما اِتُّبِع ... *** ... وَرُبَّما لَجَّ لَجوجٌ فَرَجَع(3)
الأَمرُ قَد يَحدُثُ بَعدَ الأَمرِ ... *** ... كُلُّ اِمرِئٍ يَجري وَلَيسَ يَدري
دُنيايَ يا دُنيايَ غُرّي غَيري ... *** ... إِنّي مِنَ اللَهَ بِكُلِّ خَيرِ
لِكُلِّ نَفسٍ صِبغَةٌ وَشيمَه ... *** ... وَلَن تَرى... عَزيمَه
لا تَترُكِ المَعروفَ حَيثُ كُنتا ... *** ... وَاِعزِم عَلى الخَيرِ وَإِن جَبُنتا
الحَمدُ لِلَّهِ كَثيراً شُكرا ... *** ... اللَهُ أَعلى وَأَعَزُّ أَمرا
لاَبُدَّ ِممَّا لَيْسَ مِنْهُ بُدُّ ... *** ... والغَيُّ لاَ يَنْزِلُ حَيْثُ الرُّشْدُ
ما شاءَ رَبّي أَن يَكونَ كانا ... *** ... وَالمَرءُ يُردي نَفسَهُ أَحيانا(4)
كُلُّ اِجتِماعٍ فَإِلى اِفتِراقِ ... *** ... وَالدَهرُ ذو فَتحٍ وَذو إِغلاقِ
كُلٌّ يُناغي نَفسَهُ بِهاجِسِ ... *** ... [ تَعلُّقٌ ] مِن عُلَقِ الوَساوِس ِ(5)
__________
(1) - الدَّنَسُ: الوسخُ. وقد تَدَنَّس الثَّوبُ: اتَّسخ.
(2) - البَلاغُ : الكِفايَة
(3) - لج في الأمر لجاجة ولجاجا فهو لجوج تمادى فيه وأبى أن ينصرف عنه
(4) - يردي : يهلك
(5) - المناغاة المغازلة , تكليمك الصبي بما يهوى من الكلام, والمرأة تناغي الصبي أي تكلمه بما يعجبه ويسره, والهاجس : الخاطر, في ((الموسوعة)) [ تقلق ](1/9)
نَستَوفِقُ اللَهَ لِما نُحِبُّ ... *** ... ما أَقبَحَ الشَيخَ الكَبيرَ يَصبو (1)
في كُلِّ رَأسٍ نَزوَةٌ وَطَربَة ... *** ... رُبَّ رِضىً أَفضَلُ مِنهُ غَضبَة (2)
*كَم غَضبَةٍ طابَت بِها المَغَبَّة * (3)
يا عاشِقَ الدُنيا تَسَلَّ عَنها ... *** ... وَيلي عَلى الدُنيا وَوَيلي مِنها (4)
ما أَسرَعَ الساعاتِ في الأَيّامِ ... *** ... وَأَسرَعَ الأَيّامَ في الأَعوامِ
لِلمَوتِ بي جِدٌّ وَأَيُّ جِدِّ ... *** ... وَلَستُ لِلمَوتِ بِمُستَعِدِّ
هَل أُذُنٌ تَسمَعُ ما تسمع ... *** ... قَوارِعُ الدَهرِ الَّتي تُقَرِّع ُ (5)
ما طابَ فَرعٌ لاَ يَطيبُ أَصلُهُ ... *** ... اِحذَر مُؤاخاةَ اللَئيمِ فِعلُهُ
اِنظُر إِذا آخَيتَ مَن تُؤاخي ... *** ... ما كُلُّ مَن آخَيتَ بِالمُؤاخي
الحَمدُ لِلَّهِ الكَثيرِ خَيرُهُ ... *** ... لَم يَسَعِ الخَلقَ جَميعاً غَيرُهُ
مَن يَشتَكِ الدَهرَ يَطُل في الشَكوى ... *** ... الدَهرُ ما لَيسَ عَلَيهِ عَدوى (6)
لَم نَرَ مَن دامَ لَهُ سُرورُ ... *** ... وَصاحِبُ الدُنيا بِها مَغرورُ
نَعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَقاءِ ... *** ... ما أَطمَعَ الإِنسانَ في البَقاءِ
لَم يَخلُ مِن حُسنِ يَدٍ مَكانُهُ ... *** ... وَالمَرءُ لَم يُسلِمَهُ إِحسانُهُ (7)
__________
(1) - يقال صبى وتصابي إذا مال إلي الجهل والفتوة
(2) - النزوة : التفلت والسَوْرِة
(3) - المَغَبَّةِ، بالفَتْحِ والغِبُّ، بالكسر: عاقِبَةُ الشَّيْء
(4) -تسل من السلو : وهو نسيان الشيء والذهول عنه
(5) - جمع قارعة وهي الداهية
(6) - العدوى : طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك, والعدوى النصرة والمعونة ومنه :استعداه : نصره وأعانه
(7) - يسلمه :أسلم فلان فُلاناً إذا ألْقاه إلى التهلَكة ولم يَحْمه من عدُوِّه ومنه الحديث : «المُسْلم أهو المسلم لا يظلِمُه ولا يُسلمه».(1/10)
مَن يَأمَنُ المَوتَ وَلَيسَ يُؤْمَنُ ... *** ... نَحنُ لَهُ في كُلِّ يَومٍ نُؤذَنُ (1)
يا رُبَّ ذي خَوفٍ أَتى مِن مَأمَنِه ... *** ... كَم مُبتَلىً مِن يَأسِهِ بِأَمَنِه
اِستَغنِ بِاللَهِ تَكُن غَنِيّاً ... *** ... اِرضَ عَنِ اللَهِ تَعِش رَضِيّا
يا رَبِّ إِنّا بِكَ يا عَظيمُ ... *** ... إِنَّكَ أَنتَ الواسِعُ الحَكيمُ
يَكونُ ما لا بُدَّ أَن يَكونا ... *** ... وَكُلُّ راجٍ رَجَّمَ الظُنونا (2)
سُبحانَ مَن لا يَنقَضي عَجَائِبُه ... *** ... سُبحانَ مَن لا يَخيبُ طالِبُه
لَم يَعدَمِ اللَهُ وَلِلَّهِ القِدَم ... *** ... وَالسابِقُ اللَهُ إِلى كُلِّ كَرَم
ما كُلُّ شَيءٍ يُبتَغى يُنالُ ... *** ... وَطَالِبُ الحَقِّ لَهُ مَقالُ
أَفَلحَ مَن كانَ لَهُ تَفَكُّرُ ... *** ... ما كُلُّ ذي عَيشٍ يَرى ما يُبصِرُ
وَكُلُّ نَفسٍ فَلَها تَعَلُّلُ ... *** ... وَإِنَّما النَفسُ عَلى ما تُحمَل (3)
وَعادَةُ الشَرِّ فَشَرُّ عادَة ... *** ... وَالمَرءُ بَينَ النَقصِ وَالزِيادَة
لِكُلِّ ناعٍ ذاتَ يَومٍ ناعِ ... *** ... وَإِنَّما النَعيُ بِقَدرِ الناعي (4)
*وَكُلُّ نَفسٍ فَلَها دَواعِ *
ما أَكرَهَ الإِنسانَ لِلتَفَضُّلِ ... *** ... وَإِنَّما الفَضلُ لِكُلِّ مُفضِلِ
رَبِّ لَكَ الحَمدُ وَأَنتَ أَهلُهُ ... *** ... مَن لَزِمَ التَقوى أَنارَ عَقلُهُ
ما غايَةُ المُؤمِنِ إِلّا الجَنَّه ... *** ... تَبارَكَ اللَهُ العَظيمُ المِنَّه (5)
يا عَجَباً لِلَّيلِ وَالنَهارِ ... *** ... لا بَل لِساعاتِهِما القِصارِ
__________
(1) - من أذِنَ بالشيء، إِذْناً، بالكسر ويُحَرَّكُ، وأذاناً وأذانَةً: عَلِمَ به.
(2) - الرجم القول بالظن والحدس والقذف بالغيب والظن وكلام مرجم غير يقين ولا ثابت
(3) - تعلل بالأمر واعتل : تشاغل
(4) - النعي : خبر الموت , والناعي : الذي يأتي به
(5) - عاية كل شيء منتهاه , المنة : الإحسان والنعمة(1/11)
ما أَطحَنَ الأَيّامَ لِلقُرونِ ... *** ... كَم لِاِمرِئٍ مِن مَأمَنٍ خَؤونِ (1)
يا رُبَّ حُلوٍ سَيَعودُ سُمّا ... *** ... وَرُبَّ حَمدٍ سَيَعودُ ذَمّا
وَرُبَّ سِلمٍ سَيَعودُ حَربا ... *** ... وَرُبَّ إِحسانٍ يَعودُ ذَنبا
المَوتُ لا يُفلِتُ حَيٌّ مِنهُ ... *** ... كَم ذائِقٍ لِلمَوتِ لاهٍ عَنهُ
ما أَسرَعَ البَغيَ لِكُلِّ باغِ ... *** ... وَرُبَّ ذي بَغيٍ مِنَ الفَراغِ
لِكُلِّ جَنبٍ ذاتَ يَومٍ مَصْرَعْ ... *** ... وَالحَقُّ ذو نورٍ عَلَيهِ يَسطَعْ
لا تَطلُبُ المَعروفَ إِلّا مِن أَخِ ... *** ... يَسومُكَ الوِدَّ بِهِ سَومَ السَخي
*الزُهدُ في الدُنيا هُوَ العَيشُ الرَخي*
يا رُبَّ شُؤمٍ صارَ لِلبَخيلِ ... *** ... أَكْرِم بِأَهلِ العِلمِ بِالجَميلِ
مَن كانَ في الدُنيا لَهُ زَهادَة ... *** ... فَعِندَها طابَت لَهُ العِبادَة
أَصلِح وَمَن يُصلِح فَماذا يَربَحْ ... *** ... وَالشَيءُ لا يَصلُحُ إِن لَم يُصلَحْ
كُلُّ جَديدٍ سَيَعودُ مُخلِقاً ... *** ... وَمَن أَصابَ مَرَفِقا
ما اِنتَفَعَ المَرءُ بِمِثلِ عَقلِه ... *** ... وَخَيرُ ذُخرِ المَرءِ حَسنُ فِعلِه (2)
لَم يَزَلِ اللَهُ عَلَينا مُنعِما ... *** ... وَمَن طَغى عاشَ فَقيراً مُعدَما
اليُبسُ وَالبَأسِ لِأَهلِ الباسِ ... *** ... وَسادَةُ الناسِ خِيارُ الناسِ
أَيُّ بِناءٍ لَيسَ لِلخَرابِ ... *** ... وَأَيُّ آتٍ لَيسَ لِلذَهابِ
كَأَنَّ شَيئاً لَم يَكُن إِذا اِنقَضى ... *** ... وَما مَضى مِمّا مَضى فَقَد مَضى
ما أَزيَنَ العَقلَ لِكُلِّ عاقِلِ ... *** ... ما أَشيَنَ الجَهلَ لِكُلِّ جاهِلِ (3)
بُؤسى لِمَن قالَ بِما لا يَعلَمُ ... *** ... وَصاحِبُ الحَقِّ فَلَيسَ يَندَمُ
__________
(1) - الخؤون : أي خائن : وهوالذي يؤتمن فلا ينصح
(2) - ذخر الشيء ذخرا واذخره اذخارا : اختاره, وقيل اتخذه
(3) - الشين : العيب والقبح ضد الزين(1/12)
الخَيرُ أَهلٌ أَن يُحِبَّ أَهلُهُ ... *** ... وَالحَقُّ ذو خِفٍّ ثَقيلٍ حَملُهُ
*وَالحَينُ خَتّالٌ لَطيفٌ خَتلُهُ* (1)
أَينَ يَفِرُّ المَرءُ أَينَ أَينا ... *** ... كُلُّ جَميعٍ سَيُلاقي بَينا (2)
إِلَيكِ يا دُنيا إِلَيكِ عَنّي ... *** ... ماذا تُريدينَ تَخَلّي مِنّي
يا دارُ دارَ الهَمِّ وَالمَعاصي ... *** ... هَل فيكِ لي بابٌ إِلى الخَلاصِ
نَطلُبُ أَن نَبقى وَلَيسَ نَبقى ... *** ... كُلٌّ سَيَلقى اللَهَ حَقّا حَقّا
لِكُلِّ عَينٍ عِبرَةٌ فيما تَرى ... *** ... وَالحَقُّ مَحفوفٌ بِأَعلامِ الهُدى (3)
*يَقبَلُهُ العَقلُ وَيَنفيهِ الهَوى*
كَم بارَكَ اللَهُ لِقَلبي فَاِتَّسَع ... *** ... وَاللَهُ إِن بارَكَ في شَيءٍ نَفَع
لا تُتبِعِ المَعروفَ مِنكَ مِنّا ... *** ... أُخِيَّ أَحسِن بِأَخيكَ الظَنّا (4)
سُبحانَكَ اللَهُمَّ سَلِّم سَلِّمِ ... *** ... وَتَمِّمِ النُعمى عَلَينا تَمِّمِ
طوبى لِمَن صَحَّت بَناتُ حِسِّهِ ... *** ... وَمَن كَفاهُ اللَهُ شَرَّ نَفسِهِ
كَم دَولَةٍ سَوفَ يَكونُ غَيرُها ... *** ... وَسَوفَ يَفنى شَرُّها وَخَيرُها
يا عَجَباً لِلدَهرِ في تَقَلُّبِه ... *** ... المَرءُ مُذ كانَ عَلى تَوَثُّبِه
ما أَعظَمَ الحُجَّةَ إِن عَقَلنا ... *** ... ما يَغفُلُ المَوتُ وَإِن غفَلنا
اِعتَبِرِ اليَومَ بِأَمسِ الذاهِبِ ... *** ... وَاِعجَب فَما تَنفَكُّ مِن عَجائِبِ
__________
(1) - الختل : التخادع عن غفلة و والمخاتلة : مشي اصياد قليلا قليلا في خفية لئلا يسمع الصيد حسه, كل خدع خاتل وختول
(2) - جميع يمعنى مجتمع , البَيْن : الفراق والتشتت
(3) - محفوف :من أحف بالشيء أحاط به وأحدق به واستدار
(4) المن الإعتداد بالإحسان, والمَنَّانُ الذي لا يُعْطِي شيئاً إلاَّ مَنَّه. واعْتَدَّ به على مَن أعطاهُ، وهو مَذمُومٌ لأن المِنَّةَ تُفْسِدُ الصَّنِيعَة(1/13)
تَرى الأُمورَ ....... ... *** ... وَاللَهُ في كُلِّ الأُمورِ يَقضي
تَبارَكَ اللَهُ ........ ... *** ... يا صاحِبَ التَسويفِ ماذا تَنتَظِر
مَن قَنِعَ........... ... *** ... وَالمَوتُ ما أَسرَعَهُ وَأَوحى
يا رَبِّ إِنّي بِكَ أَنتَ رَبّي ... *** ... وَمِنكَ إِحسانٌ وَمِنّي ذَنبي
أَستَغفِرُ اللَهَ فَنِعمَ القادِرُ ... *** ... اللَهُ لي مِن شَرِّ ما أُحاذِرُ
حَتّى مَتى المُذنِبُ لا يَتوبُ ... *** ... أَما تَرى ما تَصنَعُ الخُطوبُ (1)
ما المُلكُ إِلّا الجاهُ عِندَ اللَهِ ... *** ... الجاهُ عِندَ اللَهِ خَيرُ جاهِ
كأسَ اِمرُؤٌ مُنتَظِرٌ لِلمَوتِ ... *** ... وَكأسَ مَن بادَرَ قَبلَ الفَوتِ
سَبيلُ مَن ماتَ هُوَ السَبيلُ ... *** ... بَقاؤنا مِن بَعدِهِم قَليلُ
قَد يَضحَكُ القَلبُ بِعَينٍ تَبكي ... *** ... وَالأَخذُ قَد يَجري بِمَعنى التَركِ
ما هِيَ إِلّا الحادِثاتُ حَتّى ... *** ... تَترُكَ أَهلَ الأَرضِ بَتّا بَتّا (2)
لا بُدَّ لا بُدَّ مِنَ الحَوادِثِ ... *** ... تَمُرُّ تَطوي حادِثاً بِحادِثِ
لا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ أَهْلِ الآخَِرةْ ... *** ... إِنَّا لنَعَمْىَ وَالعُيُونُ نَاظِرَةْ
المَوتُ حَقٌّ لَيسَ فيهِ شَكٌّ ... *** ... تَفنى المُلوكُ وَيَبيدُ المُلكُ
اللَهُ رَبّي وَهوَ المَليكُ ... *** ... لَيسَ لَهُ في مُلكِهِ شَريكُ
اللَهُ يَفنينا وَلَيسَ يَفنى ... *** ... لَهُ الجَلالُ وَالصِفاتُ الحُسنى
اللَهُ مَولانا وَنِعمَ المَولى ... *** ... فَقُل لِمَن يَعصيهِ أَولى أَولى
ما هُوَ إِلّا عَفوُهُ وَحِلمُهُ ... *** ... سُبحانَ مَن لا حُكمَ إِلّا حُكمُهُ
نَتائِجُ الأَحوالِ مِن لا وَنَعَم ... *** ... وَالنَفسُ مِن بَينِ صُموتٍ وَعَدَم
يَذهَبُ شَيءٌ وَيَجيءُ شَيُّ ... *** ... ما هُوَ إِلّا رَشَدٌ وَغَيُّ
__________
(1) - جمع خَطْبُ: وهو الشأنُ، والأَمْرُ صَغُرَ أو عظُمَ،
(2) - البَتُّ: القَطْعُ(1/14)
وَإِنَّما العِلمُ بِعَينٍ وَأَثَر ... *** ... وَإِنَّما التَعليمُ عِلمٌ وَخَبَر
نَحنُ مِنَ الدُنيا عَلى وِفازِ ... *** ... طوبى لِمَن أَسرَعَ في الجِهازِ (1)
وَكُلُّ مَأخوذٍ فَسَوفَ يُترَكُ ... *** ... وَالمُلكُ لا يَبقى وَلا المُمَلَّكُ
أَتَت مُلوكٌ وَمَضَت مُلوكُ ... *** ... غَرَّتهُمُ الآمالُ وَالشُكوكُ
المَلِكُ الحَيُّ هُوَ المُميتُ ... *** ... لَهُ الجَميعُ وَلَهُ الشَتيتُ
في كُلِّ شَيءٍ عِبرَةٌ مِنَ العِبرِ ... *** ... وَكُلُّ شَيءٍ بِقَضاءٍ وَقَدَر
رَبّي إِلَيهِ تُرجَعُ الأُمورُ ... *** ... أَستَغفِرُ اللَهَ هُوَ الغَفورُ
عَمِلتُ سوءً وَظَلَمتُ نَفسي ... *** ... وَخِبتُ يَومي وَأَضَعتُ أَمسي
وَلي غَدٌ يُؤخَذُ مِنّي لَهُما ... *** ... هُما الدَليلانِ عَلى ذاكَ هُما
يا عَجَباً مِن ظُلمِ الذُنوبِ ... *** ... إِنَّ لَها رَيناً عَلى القُلوبِ (2)
اللَهُ فَعّالٌ لِما يَشاءُ ... *** ... غَداً غَداً يَنكَشِفُ الغِطاءُ
*كَم شِدَّةٍ مِن بَعدِها رَخاءُ*
إِنَّ الشَقِيَّ لِلشَقِيُّ الخائِنُ ... *** ... وَكُلُّنا عَمّا نَراهُ بائِنُ (3)
كُلٌّ سَيَفنى عاجِلاً وَشيكا ... *** ... تَرحَلُ عَن تَيّا وَتَنأى تيكا
*ناهيكَ مِمّا سَتَرى ناهيكا*
وَكُلُّ شَيءٍ مُقبِلٌ مُوَلِّ ... *** ... وَكُلُّ ذي شَيءٍ لَهُ مُخَلِّ
رَضيتُ بِاللَهِ وَبِالقَضاء ... *** ... ما أَكرَمَ الصَبرَ عَلى البَلاءِ
__________
(1) - الوَفْزُ والوَفَز: العَجَلة والجمْع: أوْفاز. يُقال: نَحن على أوْفَاز: أي على سَفَرٍ قَدْ أشْخَصْنا, وجهاز المسافر ما يحتاج غليه في سفره
(2) - الرَّيْنُ: الطَّبَعُ، والدَّنَسُ.
(3) - أي مفارق ومنفصل(1/15)
نَلعَبُ وَالدَهرُ بِنا سَريعُ ... *** ... وَالمَوتُ بينا دائِبٌ ذَريعُ (1)
*كُلُّ بَني الدُنيا لَها صَريعُ(2) *
أَلا اِنتَبِه ثُمَّ اِنتَبِه يا ناعِسُ ... *** ... أُخَيَّ لا تَلعَب بِكَ الوَساوِسُ
دُنيايَ يا دُنيايَ يا دارَ الفِتَن ... *** ... يا دارُ يا دارَ الهُمومُ وَالحَزَنَ
يا غَيرَ الدَهرِ وَيا صَرفَ الزَمَن ... *** ... إِن أَنا لَم أَبكِ عَلى نَفسي فَمَن
لِكُلِّ هَمٍّ فَرَجٌ مِنَ الفَرَجِ ... *** ... تَثَقَّفَ الحَقُّ فَما فيهِ عِوَج (3)
يا عَجَباً ما أَسرَعَ الأَيّاما ... *** ... عَجِبتُ لِلنائِمِ كَيفَ ناما
يا عَجَباً كُلٌّ لَهُ تَصريفُ ... *** ... صَرَّفَهُ المُصَرِّفُ اللَطيفُ
وَأَيُّ شَيءٍ لَيسَ فيهِ فِكرَة ... *** ... وَأَيُّ شَيءٍ لَيسَ فيهِ عِبرَة
نَرى اِفتِراقاً وَنَرى اِجتِماعا ... *** ... نَرى اِتِّصالاً وَنَرى اِنقِطاعا
المُؤمِنُ المُخلِصُ لا يَضيعُ ... *** ... وَحُكمَةُ اللَهِ لَهُ رَبيعُ (4)
حَتّى مَتى لا تَرعَوي حَتّى مَتى ... *** ... لَقَد عَصَيتَ اللَهَ كَهلاً وَفَتى (5)
__________
(1) - السريع الكثير وفي صفته - صلى الله عليه وسلم -:«كان ذَرِيعَ المَشْي» أي سَريعَ المشْيِ واسِع الخَطْو, ومنه الحديث: «فأكلَ أكْلاً ذَرِيعاً» أي سريعا كَثيرا
(2) - الصريع : المطروح على الأرض والمجنون
(3) - ثَقَّفَه تَثْقيفاً: سَوَّاهُ.
(4) - الربيع : النَّهر الذي يَسْقي الزَّرع, ومنه الحديث : (( فعدَاَ إلى الربيع فتطَهَّر )), والربيع أيضا : الزمان المعروف في السنة, وفي حديث الدعاء : (( اللهم اجْعَل القُرآنَ ربِيع قَلْبي )) جَعَله ربِيعاً له لأنّ الإنْسَانَ يرتاح قلبُه في الرَّبيع من الأزْمَان ويميلُ إليه.
(5) - الكَهْل من الرِجال: مَن زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين,.وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين,. وقد اكْتَهل الرجل وكاهَل، إذا بَلَغ الكُهولة فصار كَهْلاً.(1/16)
ما أَقرَبَ النَقصَ مِنَ النَماءِ ... *** ... وَكُلُّ مَن تَمَّ إِلى فَناءِ
أَرى البِلى فينا لَطيفَ الفَحصِ ... *** ... بَينَ الزِياداتِ وَبَينَ النَقصِ (1)
إِن كُنتَ تَبغي أَن تَكونَ أَملَسا ... *** ... فَكُن مِنَ الدُنيا أَصَمَّ أَخرَسا
*وَأَرغَب إِلى اللَهِ عَسى اللَهُ عَسى*
يا ذا الَّذي اِستيقاظُهُ مُشتَبَهُ ... *** ... لا راقِدٌ أَنتَ وَلا مُستَنبِهُ
مَن آثَرَالمُلكَ عَلى الكَينونَة ... *** ... كانَ مِنَ المُلكِ عَلى بَينونَة
لِيَخشَ عَبدٌ دَعوَةَ المَظلومِ ... *** ... وَحِكمَةِ الحَيِّ بِها القَيّومِ
وَيحَكَ يا مُغتَصِبَ المِسكينِ ... *** ... وَيحَكَ مِن دَيّانِ يَومِ الدَينِ
الدينُ لِلَّهِ هُوَ الدَيّانُ ... *** ... وَحُجَّةُ اللَهِ هِيَ السُلطانُ
تُدانُ يَوماً ما كَما تَدينُ ... *** ... وَيحَكَ يا مِسكينُ يا مِسكينُ
لِمِثلِ هَذا فَلَيبكَ الباكي ... ** ... حَسبُكَ بِالبُيودِ مِن هَلاكِ (2)
لَيسَ الرِضى إِلّا لِكُلِّ راضِ ... *** ... وَكُلُّ أَمرِ اللَهِ فينا ماض
السُخطُ لا يَبرَحُ كُلَّ ساخِطِ ... *** ... أَيُّ هَوىً فيهِ سُقوطُ الساقِطِ
وَصِلِ اللَهَ عَلى ما تَهوى ... *** ... وَلازِمِ الرُشدَ لِكَي لا تَغوى
مَن ضاقَ حَلَّت نَفسُهُ في الضيقِ ... *** ... لَيسَ اِمرُؤٌ ضاقَ عَلى الطَريقِ
ما أَوسَعَ الدُنيا عَلى المُسامِحِ ... *** ... ما فازَ إِلّا كُلُّ عَبدٍ صالِحِ
عاقِبَةُ الصَبرِ لَها حَلَاوَة ... *** ... وَعادَةُ الشَرِّ لَها ضَراوَة
تَعَزَّ بِالصَبرِ عَلى ما تَكرَهُ ... *** ... وَلا تُخَلِّ النَفسَ حينَ تَشرَهُ (3)
النَفسُ إِن أَتبَعتَها هَواها ... *** ... فاغِرَةٌ نَحوَ هَواها فَاهَا
__________
(1) - الفحص : شدة الطلب خلال كل شيء
(2) - البيود : الإنقطاع والذهاب
(3) - تعز : من العزاء والتعزية : وهو الصبروالتسلية بعد المصيبة(1/17)
لا تَبغِ ما يَجزيكَ مِنهُ دونَهُ ... *** ... وَإِن رَأَيتَ الناسَ يَطلُبونَهُ
أَيُّ غِنىً لِلمَرءِ في القُنوعِ ... *** ... وَالمَرءُ ذو حِرصٍ وَذو وَلوعِ (1)
المَرءُ دُنياهُ لَهُ غَرّارَة ... *** ... وَالنَفسُ بِالسوءِ لَهُ أَمّارَة
ما النَفسُ إِلّا كَدرٌ وَصَفو ... *** ... طَعمٌ لَهُ مُرُّ حُلو وَطَعمٌ
لِكُلِّنا يا دارُ مِنكِ شَجْوُ ... *** ... وَبَعضُنا مِن شَجوِ بَعضٍ خِلْوُ
ما زالَتِ الدُنيا لَنا دارَ أَذى ... *** ... مَمزوجَةَ الصَفوِ بِأَلوانِ القَذى
الخَيرُ وَالشَرُّ بِها أَزواجُ ... *** ... لِذا نِتاجٌ وَلِذا نِتاجُ (2)
سُبحانَ رَبّي فالِقِ الإِصْبَاحِ ... *** ... ما أَطلَبَ المَساءَ لِلصَباحِ
إِنَّ الجَديدَينِ هُما هُما هُما ... *** ... هُما هُما دائِرَةٌ رَحاهُما (3)
يا دارُ الباطِلِ المُعَتَّقِ ... *** ... عَلِقتُ مِمَّن فيكَ كُلَّ مَعْلَقِ
لا عَيشَ إِلّا عَيشُ أَهلِ الحَقِّ ... *** ... دارُ خُلودٍ لِحِسابِ الحَقِّ
ما عَيشُ مَن ضَلَّ الرِضى بِعَيشِ ... *** ... الساخِطِ العَيشِ كَثيرُ الطَيشِ
جَدَّ بِنا الأَمرُ وَنَحنُ نَلعَبْ ... *** ... وَكُلُّ آتٍ فَكَذاكَ يَذهَبْ
يَنعى حَياةَ الحَيِّ مَوتُ المَيِّتِ ... *** ... يُسمِعُهُ النَعيَ بِصَوتٍ صَيِّتِ (4)
عَلَيكَ لِلناسِ بِنُصحِ الجَيبِ ... *** ... وَكُن مِنَ الناسِ أَمِينَ الغَيبِ
إِرضَ مِنَ الدُنيا بِما يَفوتُكا ... *** ... وَاِعلَم بِأَنَّ الرِزقَ لا يَفوتُكا
القوتُ مِن حِلٍّ كَثيرٌ طَيِّبُ ... *** ... وَالحظُ بِكرٌ تارَةً وَثَيِّبُ
__________
(1) - أولع يه ولوعا وإيلاعا : إذا لج
(2) - من نتجت الناقة إذا ولدت
(3) - الجديدان : هما الليل والنهار أو الغدوة والعشية وهما من الإثنين الذين لا يفردان من لفظهما
(4) - الصيت :شديد الصوتِ عاليَه(1/18)
أَصلُ الخَطايا خَطرَةٌ وَنَظرَةُ ... *** ... وَغَدرَةٌ ظاهِرَةٌ وَفَجرَةُ (1)
لِيَسلَمِ الناسُ جَميعاً مِنكا ... *** ... وَاِرضَ لَعَلَّ اللَهَ يَرضى عَنكا
تَبارَكَ اللَهُ وَجَلَّ اللَهُ ... *** ... أَعظَمُ ما فاهَت بِهِ الأَفواهُ
ما أَوسَعَ اللَهَ لكل خَلقِهِ ... *** ... كُلٌّ فَفي قَبضَتِهِ وَرِزقِهِ
*بِاللَهِ نَقوى لِأَداءِ حَقِّهِ*
كُلُّ اِمرِئٍ في شَأنِهِ يُرَقّع ... *** ... وَالرَقعُ لا يَبقى وَلا المُرَقِّع
ما أَشرَفَ الكَسبَ مِنَ الحَلالِ ... *** ... ما أَكرَمَ السَعِيَ عَلى العِيالِ
ما أَكذَبَ الآمالِ عِندَ الحَيْنِ ... *** ... وَالسَيرُ في إِصلاحِ ذاتِ البَينِ
آيُّ رَجاءٍ لَيسَ فيهِ خَوفُ ... *** ... وَرُبَّما خانَت عَسى وَسَوفُ
ما هُوَ إِلّا الخَوفُ وَالرَجاءُ ... *** ... لا تَرجُ مَن لَيسَ لَهُ حَياءُ
يا عَينُ يا عَينُ أَما رَأَيتِ ... *** ... أَما رَأَيتِ قَطُّ قَبرَ مَيتِ
*يا عَينُ قَد نُكيتِ إِن بَكيتِ*
بَيتُ البِلى أَقصَرُ بَيتٍ سَمكا ... *** ... سُبحانَ مَن أَضحَكَنا وَأَبكى (2)
يا لِلبَلى يا لِلبَلى يا لِلبَلى ... *** ... إِنَّ البَلى يُسرِعُ تَغيّيرَ الحِلا (3)
لا بُدَّ يَوماً يُحصَدُ المَزروعُ ... *** ... وَكُلُّنا عَن نَفسِهِ مَخدوعُ
نَحنُ جَميعاً كُلُّنا عَبيدُ ... *** ... مَليكُنا مُقتَدِرٌ حَميدُ
لَنا مَليكٌ مُحسِنٌ إِلَينا ... *** ... مَن نَحنُ لَولا فَضلُهُ عَلَينا
أَكثَرُ ما نُعنى بِهِ وَلوعُ ... *** ... طوبى لِمَن كانَ لَهُ قُنوعُ
سُبحانُ مَن ذَلَّت لَهُ الأَشرافُ ... *** ... أَكرَمُ مَن يُرجى وَمَن يُخافُ
ما هُوَ إِلّا العَزمُ وَالتَوَكُّل ... *** ... البِرُّ يَعلو وَالفُجورُ يَسفُل
__________
(1) - الخطرة : الوسوسة وفي حديث سجود السَّهُو : «حتى يَخْطِر الشيطان بين المرء وقَلْبه»
(2) - السمك : السقف
(3) - الحلا جمع حلية : وهي الهيئة والصورة(1/19)
كَم مَرَّةٍ حَفَّت بِكَ المَكارِهُ ... *** ... خارَ لَكَ اللَهُ وَأَنتَ كارِهُ
عَجِبتُ لِلدَهرِ وَلِاِنقِلابِهِ ... *** ... ما لَكَ لا تُعنى بِما يُعنى بِهِ
إِذا جَعَلتَ الهَمَّ هَمّاً واحِدا ... *** ... نَعِمتَ بالاً وَغَنيتَ راشِدا
يا عَجَباً لِلنَفسِ ما أَشرَدَها ... *** ... ما أَقرَبَ النَفسَ وَما أَبعَدَها (1)
النَفسُ أَعدى لَكَ مِمّا تَحسِبُ ... *** ... حَسبُكَ مِن عِلمِكَ ما تُجَرِّبُ
يا عَجَباً يا عَجَباً يا عَجَبا ... *** ... يا عَجَباً لِمَن لَها وَلَعِبا
يا عَجَباً لِلطَرفِ كَيفَ يَطمَحُ ... *** ... يا عَجَباً لِلمَرءِ كَيفَ يَفرَحُ (2)
ما أَسرَعَ المَوتَ لِذي طَرفٍ طَمَح ... *** ... لَم يَترُكِ المَوتُ لِذي لُبِّ فَرَح
يا رَبِّ يا رَبِّ لَقَد أَنعَمتا ... *** ... يا رَبِّ ما أَحسَنَ ما عَلَّمتا
يا رَبِّ أَسعِدني بِما عَلَّمتَني ... *** ... وَلا تُهنِيِّ بَعدَ إِذ أَكرَمتَني
دَع عَنكَ يا هَذا بُنَيّاتِ الطُرُق ... *** ... إِن لَم تَصُن وَجهَكَ يا هَذا خَلُق (3)
دَع عَنكَ ما لَيسَ بِهِ مُستَمتَعُ ... *** ... وَشَرُّ ما حاوَلتَ ما لا يَنفَعُ
وَخَيرُ أَيّامِكَ يَومُ تُنعِمُ ... *** ... وَشَرُّ أَيّامِكَ يَومُ تَظلِمُ
وَخَيرُ ما قُلتَ بِهِ ما يُعرَفُ ... *** ... وَشَرُّ مَن صاحَبتَ مَن لا يُنصِفُ
وَخَيرُ مَن قارَنتَ مَن لا يَخْرُقُ ... *** ... وَشَرُّ مَن خالَفتَ مَن لا يَرفُقُ
كُلٌّ إِذا ما مَسَّهُ الضُرُّ شَكا ... *** ... وَكُلُّ مَن أَبكَتهُ دُنياهُ بَكى
يا عَينُ ما لَكِ لا تَبكينا ... *** ... تَبَصَّري إِن كُنتِ تُبصِرينا
__________
(1) - الشرود : النفور
(2) - طمح بصره إلى الشيء : ارتفع
(3) - بنيات الطريق : هي الطرق الصغار التي تشعب عن معظمه, ويقال للأكاذيب والأباطيل : أيضا ((بنيات الطرق)) وفلان يتشبت ببنيات الطريق أي بالأكاذيب وبما لا أصل له , وخلق : بَلِيَ(1/20)
ما أَعجَبَ الأَمرَ لِمَن تَعَجَّبا ... *** ... ما أَسرَعَ القَلبَ إِذا تَقَلَّبا
يَحُلُّ قَلبُ المَرءِ حَيثُ مالُه ... *** ... ما كُلُّ مَن أَطمَعَني أَنالُه
قَدِّم لِما بَينَ يَدَيكَ قَدِّمِ ... *** ... أُفٍّ وَتُفٍّ لِعَبيدِ الدِرهَمِ
الصِدقُ وَالبِرُّ أَصَبنا تَوأَما ... *** ... وَالمُسلِمُ البَرُّ يَبَرُّ المُسلِما
لا سَعَةٌ أَوسَعَ مِن حُسنِ الخُلُق ... ** ... مَنِ اِعتَدى تاهَ وَمَن تاهَ حَمُق
ما كُلُّ مَعقودٍ لَهُ وَثيقَة ... *** ... وَالصِدقُ ما كانَت لَهُ حَقيقَة
في الغَيِّ خُسرانٌ وَفي الرُشْدِ دَرَك ... *** ... أَوسَعُ خَيرِ المَرءِ خَيرٌ مُشتَرَك
*ما زالَتِ الدُنيا سُكوناً وَحَرَك*
يا عَينُ أَبغي مِنكِ أَن تَجودي ... *** ... بِأَدمُعٍ تَنهَلُّ كَالفَريدِ (1)
*يَئِستُ في الدُنيا مِنَ الخُلودِ*
يَحِقُّ لي يا عَينُ أَن بَكَيتُ ... *** ... أَبكي لِعِلمي بِالَّذي أَتَيتُ
أَنا المُسيءُ المُذنِبُ الخَطّاءُ ... *** ... في تَوبَتي عَن حَوبَتي إِبطاءُ
ما عِندَ يَومي ثِقَةٌ لي بِغَدِ ... *** ... لا بُدَّ مِن دارِ خُلودِ الأَبَدِ
يا حَزَني يا حَزَني يا حَزَني ... *** ... لا بُدَّ أَن يَترُكَ روحي بَدَني
يا غَدرَةَ الأَيّامِ ما لي وَلَكِ ... *** ... لَم تُبقِ لي شَيئاً وَلَم تَتَّرِكِ
قَرَّبَتِ الأَيّامِ مِنّي أَجَلي ... *** ... بَرَّحَتِ الأَيّامُ بي في عِلَلي
زادَتنِيَ الأَيّامُ في تَجريبي ... *** ... باعَدَتِ الأَيّامُ في تَقريبي
يا يَومُ يَومَ البَينِ وَالشُحوطِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ العودِ وَالحُنُوطِ (2)
يا يَومُ يَومَ العَلَزِ الشَديدِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ النَفَسِ البَعيد (3)ِ
__________
(1) - الفريد : الدر إذا نظم وفصل بغيره , والجوهرة النفيسة كأنها مفردة في نوعها
(2) - الشحوط : البعد , والحنوط : طيب يخلط للميت خاصة
(3) - العَلَزُ: خِفَّةٌ وهَلَعٌ يُصيب الإنْسان.(1/21)
يا يَومُ يَومَ الأَجَلِ المَعدودِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ المَنهَلِ المَورودِ (1)
يا يَومُ يَومَ السِدرِ وَالكافورِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ الكَفَنِ المَنشورِ (2)
يا يَومُ يَومَ الخَتمِ بِالوَفاةِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ الهَجرِ لِلحُماةِ
يا يَومُ يَومَ المَيِّتِ المُسَجّى ... *** ... عَلى سَريرٍ لِلبَلى يُزَجّى (3)
يا يَومُ يَومَ الرَنَّةِ الطَويلَة ... *** ... يا يَومُ يَومَ العَجزِ عَن ذي الحيلَة (4)
يا يَومُ يَومَ لَيسَ عَنهُ مَدفَع ... *** ... يا يَومُ يَومَ النَفسِ حينَ تُرفَع
صارَ اِمرُؤٌ فيهِ إِلى ما فيهِ ... *** ... يُسْعِدُهُ ذَلِكَ أَو يُشقيهِ
*ما أَشغَلَ المَيِّتَ عَن باكيهِ*
أَسلَمَ مَقبوراً مُشَيِّعُوهُ ... *** ... اِنصَرَفوا عَنهُ وَخَلَّفوهُ
ساعَةَ سَوَّوا تُربَهُ عَلَيهِ ... *** ... وَلَّوا وَلَم يَلتَفِتوا إِلَيهِ
سَيَضحَكُ الباكونَ بَعدَ المَيتِ ... *** ... لا بَل سَيَلهونَ بِلَو وَلَيتِ
إِنّا إِلى اللَهِ لَراجِعونا ... *** ... حَتّى مَتى نَحنُ مُضَيِّعونا
بَينا اِمرُؤٌ بَينَ يَدَيْكَ حَيّاً ... *** ... إِذ صِرتَ لا تُبْصِرُ مِنهُ شَيّا
أَعانَنا اللَهُ عَلى لِقائِهْ ... *** ... كَم مُخطِئٍ ذي عَجَبٍ بِرائِهْ
ما الناسُ إِلّا وارِدٌ وَصادِرْ ... *** ... الطَمْعُ لِلغالِبِ فَقرٌ حاضِرْ (5)
طوبى لِمَن يَقنَعُ ما أَغناهُ ... *** ... وَيحَ مَنِ اِستَعبَدَهُ هَواهُ
أُخَيَّ لا تَذهَب بِكَ المَذاهِبُ ... *** ... أَظَلَّكَ المَوتُ وَأَنتَ لاعِبُ
أُخَيَّ إِنَّ المَوتَ قَدْ أَظَلَّكا ... *** ... هَل لَكَ أَن تُعنى بِهِ لَعَلَّكا
__________
(1) - المنهل : المشرب
(2) - السدر :شجر النبق , واحدتها سدرة , و ورقه غسول يشبه شجر العناب
(3) - يزجى : أي يدفع دفعا رفيقا
(4) - الرَّنَّةُ: الصوتُ, رَنَّ يَرِنُّ رَنِيناً: صاحَ
(5) - الصدر : الانصراف عن الورد وعن كل أمر, والورد ضده(1/22)
اللَهُ رَبّي قُوَّتي وَحَوْليِ ... *** ... اللَهُ لي مِن يَومٍ كُلِّ هَولِ
يا رَبِّ سَلِّمنا وَسَلِّم مِنّا ... *** ... وَتُب عَلَينا وَتَجاوَز عَنّا
*يا رَبِّ إِنّا بِكَ حَيثُ كُنّا*
كَم فَلتَةٍ لي قَد وُقيتُ شَرَّها ... *** ... ما أَنفَعَ الدُنيا وَما أَضَرَّها (1)
إِنّا مِنَ الدُنيا لَفي طَريقِ ... *** ... إِلى الغَسَّاقِ أَو إِلى الرَحيقِ (2)
ما هِيَ إِلّا جَنَّةٌ وَنَارُ ... *** ... أَفلَحَ مَن كانَ لَهُ اِعْتِبَارُ
كاسَ اِمرُؤٌ مُتَّعِظٌ بِغَيرِهِ ... *** ... دَع شَرَّ ما تَأتي وَخُذ في خَيرِهِ
خَلا أَخٌ عَنكَ فَلا تُخَلِّهِ ... *** ... مَن لَكَ يَوماً بِأَخيكَ كُلِّهِ
مَن يَسأَلِ الناسَ يَهُن عَلَيهِمُ ... *** ... بُؤسى لِمَن حاجَتُهُ إِلَيهِمُ
تَرى مُجتَمِعاً لا يَفتَرِقْ ... *** ... وَكُلُّ ما زادَ فَلِلنَقصِ خُلِقْ
مَن يَسأَلِ الناسَ يُخَيِّبوهُ ... *** ... وَيُعرِضوا عَنهُ وَيُصغِروهُ
مَن صَنَعَ الناسَ تَكَنَّفوهُ ... *** ... وَاِقتَرَبوا مِنهُ وَكَرَّموهُ (3)
سُبحانَ مَن باعَدَ في تَقَدُّمِه ... *** ... نَعصيهِ في قَبضَتِهِ بِأَنعُمِه
كِلا الجَديدَينِ بِنا حَثيثُ ... *** ... مِنَ الخُطوبِ عَجِلٌ مَكيثُ (4)
طوبى لِمَن طابَ لَهُ الحَديثُ ... *** ... ما يَستَوي الطَيِّبُ وَالخَبيثُ
*انتهت الأرجوزة المسماة : ذات الأمثال للشاعر المجيدأبي العتاهية رحمه الله وأسأل الله أن ينفع بها قارئها*
*ومستمعها والناظر فيها , وانتهيت من تصفيفها وترتتيبها وشرح مفرداتها*
*في 24 من صفر 1426هـ من هجرة النبي المصطفى صلى الله *
__________
(1) - الفلتة :كلُّ شيءٍ فُعل من غير رَوِيَّة، ولا إحكام
(2) - الغساق : بالتخفيف والتشديد: ما يَسِيل من صَديد أهل النار وغُسَالَتِهم. وقيل: ما يَسِيل من دُمُوعهم وقيل: هو الزَّمْهرير.
(3) - تكننفوه : أحاصوا به
(4) - حثيث : : مسرع , والمكيت : المقيم الثابت(1/23)
*عليه وسلم , وذلك على يد أبي يعلى البيضاوي*
* عفا الله عنه , والحمد لله *
*رب العالمين*
* تم بحمد الله *
*(1/24)