مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (29) العدد (1)2007
Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Arts and Humanities Series Vol. (29) No (1) 2007
يثرب في شعر شعرائها
الدكتور عدنان أحمد(1)
علي أحمد يونس(2)
(تاريخ الإيداع 26 / 3 / 2007. قبل للنشر في 11/6/2007)
( الملخّص (
هذه الدراسة محاولة لتسليط الضوء على يثرب كما تجلت في شعر شعرائها، ويثرب كما هو معروف، كانت حاضرة من حواضر الحجاز في العصر الجاهلي، توفرت فيها كل مقومات الحياة بأشكالها الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى كونها قد أنجبت مجموعة من الشعراء، كان لهم أثرهم في حركة الشعر الجاهلي، ثم كان لأكثرهم دور بارز في حركة الشعر في صدر الإسلام فيما بعد.
وقد تبين أن أحاديث الشعراء اليثربيين عن مدينتهم قد تناولتها من خلال معطيات ثلاثة هي: الطبيعي والعمراني والاجتماعي، وقد جاءت المادة الشعرية متناسقة مع هذه المعطيات، فإذا بالمكان يتجلى وفقاً لرؤية الشاعر والحالة التي أراد التعبير عنها.
كلمات مفتاحية: يثرب، معطيات الحضور في شعر شعرائها.
مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (29) العدد (1)2007
Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Arts and Humanities Series Vol. (29) No (1) 2007
Yathreb in the Poetry of Its Poets
Dr. Adnan Ahmad(3)
__________
(1) أستاذ في قسم اللغة العربية ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة تشرين ـ اللاذقية ـ سورية.
(2) طالب دكتوراه في قسم اللغة العربية ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة تشرين ـ اللاذقية ـ سورية.
(3)
*Professor, Department of Arabic, Faculty of Arts and Humanities, Tishreen University, Lattakia, Syria.
**Postgraduate Student, Department of Arabic, Faculty of Arts and Humanities, Tishreen University, Lattakia, Syria.(1/1)
Ali Ahmad Younes **
(Received 26 / 3 / 2007. Accepted 11/6/2007)
( ABSTRACT (
This study tries to shed light on Yathreb as shown in the poetry of its poets. Yathreb was one of Alhijaz Urban Centers in the Pre-Islamic Age (Aljahili Age), in which all life constituents were present with their natural, economical and social forms. Moreover, it had a group of poets who influenced the movement of Aljahili Poetry. Most of those poets had a prominent role in the poetry movement of the early Islamic Age.
It has been shown that the talks of Yathreb Poets about their city came through three trends: the natural, the urban and the social. The poetical material came in harmony with these trends; thus the place came up according to the vision of the poet and the situation he wanted to express.
Keywords: Yathreb, Trends handled in the Poetry of its Poets.
...
مقدمة:
شكلت يثرب، تاريخياً، إحدى حواضر الحجاز، وهي من المدن التي أسهمت العوامل الاقتصادية والتجارية والدينيّة والقبليّة والجغرافية، وغير ذلك من العوامل في جعلها مدينة مركزية تتمتع بسيادة وتتحكم بسائر المناطق المجاورة. ومع أنَّ يثرب توصف بأنها "أقل من نصف مكة " (1) التي تبعد عنها حوالي ثلاثمئة ميل من ناحيتها الشمالية، فقد استطاعت أن تحتل مكانة مهمة عند ظهور الإسلام(2)، كونها كانت تقوم في واحة خصيبة، تكتنفها المرتفعات، وتكثر فيها الآبار والعيون، فكان جوّها معتدلاً، وكثرت فيها الزروع والأشجار والنخيل، والثمار والخيرات، فكانت من أبرز المراكز الزراعية ببلاد العرب(3).
__________
(1)
صورة الأرض, ابن حوقل 37.
(2) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام, د. جواد علي: 4/ 128.
(3) تاريخ الأدب العربي, د. علي الجندي: 1/ 27.(1/2)
قال ابن سلام: " شعراؤها الفحول خمسة: ثلاثة من الخزرج واثنان من الأوس فمن الخزرج من بني النجار حسان بن ثابت، ومن بني سلمة كعب بن مالك، ومن بلحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة، ومن الأوس قيس بن الخطيم من بني ظفر، وأبو قيس بن الأسلت من بني عمرو بن عوف " (1)
وثمة شعراء آخرون، لكنهم لم يبلغوا مبلغ هؤلاء في الشعر منهم ( أحيحة بن الجلاح) و(سويد بن الصامت) و( أبو قيس صرمة بن أبي أنس بن مالك ) و( مالك بن العجلان ) و( عمرو بن امرئ القيس ) وآخرون. وقد أشار القرشي في جمهرته إلى المكانة والمرتبة الشعرية التي خُصَّ بها بعض شعراء يثرب ممّن ذكروا سابقاً فقال: " أصحاب المذهبات وهنَّ للأوس والخزرج دون غيرهم من العرب " (2)وربما قصد بهذا الاسم أنها تستحق أن تكتب بالذهب؟ !
وسواء كتبت أو لم تكتب تلك القصائد بالذهب فإن تسميتها بهذا الاسم يدل بوضوح على علو شأنها وشهرتها.
إن شهادة القرشي هذه تتعدى الذوات الفردية للشعراء، لتدلل على مكانة موطن سكناهم أَلاَ وهي يثرب التي لم تعرف في الجاهلية غير هذا الاسم، وإن كانت تعددت الآراء بصدد تسميتها، لكنه بقي هو الاسم الذي التزم به شعراء يثرب في الجاهلية، والشعر الجاهلي الذي وصلنا من شعر المخضرمين(3)
يثرب وتجليّات الحضور في دوحة الشعر:
__________
(1) طبقات الشعراء, لابن سلام ص 87.
(2) جمهرة أشعار العرب, القرشي, ص 121.
(3) المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي, محمد حسن شراب: 1/ 31.(1/3)
تركت يثرب أثراً طيباً في نفوس الشعراء الجاهليين ولاسيما شعراء (الأوس والخزرج) وقد تجلى ذلك في قصائدهم حتى غدت القصيدة وثيقة من الوثائق التي لا يمكن الاستغناء عنها عند التعرف على البيئة وأطراف الحياة الأخرى(1) ولكنَّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن كيف برز هذا التجلي في الشعر؟ لعل الإجابة على ذلك تستلزم الوقوف عند معطيات تبرز هذا الحضور منها:
أ- المعطى المكاني ( الطبيعي ):
ويقصد به التشكل الجغرافي والتقسيم الطبوغرافي للمكان ذاته، فقد وصَّف الشعر الجاهلي، ملامح البيئة العربية في ( يثرب ) تلك البقعة من حواضر الحجاز، مسجلاً بذلك كل حركات الطبيعية الصامتة من أرض وسهول وأودية وجبال وأشجار وينابيع وغيرها. .. وهنا يغدو النص الشعري " مجرد تصوير لمعطى بصري أو إحساس
بصري. ..دون الحاجة إلى رمز أو تشكيلات فنيّة في الصور أو الصور المتلازمة في النص " (2) أي أن موضوع الحديث عن المكان في الشعر يعكف على وصف أشيائه وتفاصيله وأجزائه. ومن دراسة الشعر اليثربي نتعرف على جغرافية المدينة وبيئتها الزراعية الخصبة، ومدى غناها بالنخيل والمياه والينابيع. يقول حسان بن ثابت مبرزاً ذلك:(3)
لنا حَرَّةٌ مَأْطُورَةٌ بِجِبالِها ... بَنَى العِزُّ فِيها بَيْتَه فَتَأهَّلا (4)
بها النَّخْلُ والأَعْنابُ تَجري خِلالَها ... جَدَاوِلُ قَدْ تَعْلو رِقاقاً وَجَرْولاَ(5)
__________
(1) الأدب في العصر الجاهلي, د. عاطف حميد عواد, ص 58.
(2) مكة وتجليات المكان في الشعر العربي, د. وليد مشوّح, مجلة التراث العربي, دمشق العدد / 102 / لعام 2006, ص 59.
(3) الأبيات في ديوانه ص 275.
(4) الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرات, كأنها أحرقت بالنار, والجمع حرّات وحرار ( اللسان: حرر ) مأطورة: محاطة. تأهل: اتخذ أهلاً.
(5) الرقاق: الأرض الصلبة المستوية, والجرول: الموضع في الجبل الكثير المجاري.(1/4)
إذا جَدْوَلٌ منها تصَرَّمَ مَاؤُهُ ... وَصَلْنا إِليه بالنَّواضِحِ جَدْوَلاَ (1)
على كُلَّ مِفْهاق خسِيف غُرُوبُها ... تُفَرِّغُ في حَوْضٍ من المَاءِ أَنْجَلا(2)
لَهُ غُلَلٌ في ظِلِّ كُلِّ حَديقَةٍ ... يُعَارِضُ يَعْبُوباً من الماء سَلْسَلاَ(3)
إِذا جِئْتَها أَلْفَيْتَ في حَجَرَتِها ... عَناجيجَ قُبّاً والسَّوامَ المؤَبَّلاَ (4)
كما نجد في أشعار أحيحة بن الجلاح إشارات متعددة، توصّف بيئة بيثرب الطبيعة وما فيها.
ففي إشارته إلى الحرة أو اللابة يقول: (5)
هُمْ نكَّبوكَ عَنِ الطَّرِيْـ ... ـقِ فَبِتَّ تَرَكبُ كُلَّ لابَهْ
ويقول مشيراً إلى النخيل وفائدته: (6)
هي الظِّلُ في الحَرِّ حَقَّ الظَّليـ ... ـلِ والمنْظَرُ الأحْسَنُ الأَجْمَلُ
تَعَشَّى أَسافِلُها بالجَبُوبِ ... وتَأْتي حَلُوَبتُها مِنْ عَلُ
ويقول في الجدول الذي يترقرق في بستانه: (7)
يَزْخَرُ في أَقْطارِهِ مُغْدِقٌ ... بِحافَتَيْهِ الشُّوعُ والغِرْيَفُُ
__________
(1) النواضح: الواحد ناضح, وهو البعير يُستقى عليها الماء من البئر
(2) المفهاق: البئر الكثيرة الماء. الخسيف: البئر التي تحفر في الحجارة فلا ينقطع ماؤها.
الغروب: واحدها, الغرْب, وهو الدلو: الأنجل: الواسع.
(3) الغلل: الماء الذي يجري بين الشجر. اليعبوب: النهر. السلسل: الماضي في جريانه
(4) حجراتها: نواحيها. العناجيج: الواحد عنجوج, وهو الفرس الجواد. القب: الضامرة البطون. السوام: الإبل الراعية. المؤبّل: المقتنى.
(5) انظر: البيت في الكامل في التاريخ: 1/ 587. نكبوك: نحَّوْك.
(6) البيتان في شرح أبيات المغني: 6/ 133. وفي اللسان ( ظلل ). أسافلها: يريد أن النخل تشرب الماء من أسفل. والجبوب: الأرض. حلوبتها: شبه النخل بالإبل, فأسفلها يأخذ غذاءه من التراب, والمثمرة منها يدرك ثمرُها فوقها.
(7) انظر: البيت في التاج ( شوع ) أقطاره: جوانبه. الشُّوعُ والغريق: ضرب من الشجر ينبت في الجبال(1/5)
كما يصف الشاعر أحيحة الطريقة التي يسقي بها اليثربيون زرعهم وذلك بإرسال الماء في مجاريه يقول: (1)
لها ثَلاثُ بئارٍ في جَوانِبها ... فَكُلُّها عُقَبٌ تُسْقَى بإقْبالِ
وهكذا نلحظ مما تقدم حضور المعطى الطبيعي ليثرب في صور شعرية حسيّة واقعيّة، إلاّ أن هذه الحسيّة التي يتسم بها هذا الشعر " لا تعزى بمجملها إلى البدائية والاندلاق البشري في الطبيعة وكفى، بل هي تعبير عن الصدق والبعد عن الزيف والافتعال " (2) إنه هنا شعر شهادة بامتياز حيث الواقع بكل ما فيه (3)، لكنَّ الأهم الذي برز في هذا الواقع تلك المكانة الاقتصادية التي تميّزت بها يثرب بين حواضر الحجاز.
ب- المعطى العمراني ( الحصون والآطام ):
__________
(1) انظر: البيت في معجم البلدان 3/ 175 وفي الأغاني 15 / 28.
(2) مقدمة للشعر الجاهلي, يوسف اليوسف, مجلة المعرفة, العدد 156 لعام 1975, ص 122.
(3) مقدمة للشعر العربي, أدونيس, ص 24.(1/6)
لقد أبرز المعطى الطبيعي ليثرب أنها حاضرة مأهولة، تعج بالحركة الاقتصادية والاجتماعية، وتتوافر فيها كل مقومات الحياة، إلاَّ أن هيمنة البيئة الجاهلية على مشاعر العربي وأفكاره، جعلته ينصرف تحت هذا التأثير إلى حياة تتسق مع ما تفرضه عليه هذه البيئة ": فالمكان الذي لا يتيح أي شيء إلاَّ بالقوة " (1) قاد الشاعر الجاهلي إلى اكتشاف مؤداه أن للمكان وجهين: وجهاً جذاباً، وآخر مخيفاً، كما أدرك أنه من المكان تأتي مفاجآت السقوط، من هنا كان هاجس الشاعر الجاهلي كيف يجعل من المكان ملجأً (2)، إنه البحث عن الاستقرار والحياة الحضرية التي قوامها العمران من ( قصور وحصون وآطام ) وهكذا تطورت صورة المكان في الشعر العربي، بتطور تجلّياته، ولعل نظرة متفحصة لصورة المكان في النص الشعري الجاهلي، تقودنا إلى حقيقة تقول: " (إن الصورة المكانية تتطور بتطور المكان نفسه حيث التقدم الحضاري الذي يشهده من جهة، والوعي الاجتماعي للمعطى الحضاري من جهة أخرى " (3)باختصار إن الشعر لم يكن منعزلاً عن البيئة المحيطة به، فقد استطاع الشاعر منذ القدم أن يستلهم من العمران مادة لشعره يتغنى بها. وقد امتازت يثرب بميزات ضمنت لها التفوق العمراني على ما حولها من حواضر الحجاز، فإلى جانب القصور (بيوت السادة) فقد اشتهرت ببناء (الحصون والآطام أو الآجام) التي غدت مَعْلماً عمرانياً جديداً كاد ينافس القصور، وأحياناً يفوقها، نظراً لاستخدامها في أغراض شتى. وتدلل كلمات إسرائيل ولفنسون على مدى الأهمية التي كانت للآطام في يثرب فيقول " وكان يفزع إليها أفراد البطن عند هجوم العدو، ويأوي إليها النساء والأطفال والعجزة، حين يذهب الرجال لمقاتلة الأعداء، وقد كانت الآطام تستعمل كالمخازن تجمع فيها الغلال والثمار...
__________
(1) المرجع نفسه, ص 15.
(2) المرجع نفسه, ص ذاتها.
(3) مكة وتجليات المكان في الشعر العربي, د. وليد مشوّح, ص 61.(1/7)
وكان الأطم مرجعاً لكنز الأموال والسلاح " (1)
وتسجل كلمات الشاعر جبهاء أو جبيهاء الأشجعي(2) حليف الخزرج في الجاهلية ضد الأوس في حرب بعاث هذا السبق ليثرب فيقول: (3)
قَالَتْ أَنِيسَةُ بِعْ بلادَكَ والتَمِسْ ... داراَ بيثربَ رَبَّةِ الآجامِ
تَكْتُب عِيالَكَ في العَطاءِ وتَفْتَرِض ... وكذلك يَفْعَلُ حازِمُ الأَقْوامِ
ونستدل من دلالة البيتين كثرة الآطام في المدينة، مما جعل الشاعر يصفها بربّة الآطام، وهذه الخاصية كانت من أهم خصائصها في الجاهلية لا يضاهيها فيها بلد آخر، وظاهرة مميزة لها تعرف بين المدن (4).
__________
(1) تاريخ اليهود في بلاد العرب ( في الجاهلية وصدر الإسلام ) إسرائيل ولفنسون, ص 116.
(2) جبهاء أو جبيهاء: لقب غلب عليه, واسمه يزيد بن عبيد بن بكر بن أشجع, الأغاني: 18 / 69.
(3) البيتان: في تاريخ المدينة, لابن شبّه: 1/ 288.
(4) دائرة المعارف الإسلامية, 8/ 311.(1/8)
لقد كانت هذه الآطام والحصون عماد أهل المدينة، في الدفاع عن أنفسهم وحمايتهم من الأخطار، ولاسيما أن ما عرف عن يثرب وفقاً لرواية الأخباريين العرب، أنها كانت تشبه مدينة ( الحيرة ) بالعراق من حيث خلّوها من سور أو حائط يحميها (1) ومع أن كثيراً من الروايات تعزو إنشاء الآطام في يثرب إلى اليهود، فإن ما ذكره صاحب كتاب وفاء الوفا (عن منازل الأنصار [ الأوس والخزرج ] وآطامهم ) يشير بوضوح إلى أنها أيضاً كانت من إنشاء الأوس والخزرج وقد ذكر في هذا السياق أكثر من تسعة وخمسين أطماً لسكانها(2) وأوصلها بعضهم إلى السبعين، ولكن يبدو أَنَّ عددها كان أكثر من ذلك، بدليل ما رواه ابن زبالة من أنه كان لبطن واحد من الخزرج أكثر من تسعة عشر أطماً (3) وهذا يعني أن (الأوس والخزرج ) ربما خبرتهم في بنائها نقلوها معهم من اليمن بعد أن طوروا فيها ووسعوا أغراضها، فقد كان في اليمن – موطنهم الأول منشآت مماثلة للآطام (4) ومما يعزز وجهة النظر هذه قول الشاعر حسان بن ثابت مفتخراً بقومه الذين شيدوا الحصون في يثرب وكانوا من أصحاب النعم يقول: (5)
أُولَئِكَ قَوْمي فإِنْ تَسْأَلي ... كِرَامٌ إِذا الضَّيْفُ يَوْماَ أَلَمْ (6)
بِيَثْرِبَ قَدْ شَيَّدُوا في النَّخيلِ ... حُصُوناً وَدَجَّنَ فيها النَّعَمْ (7)
كما تأتي الإشارات الشعرية إلى بعض الآطام [ فيما سيأتي ] دليلاً آخر على معرفة الأوس والخزرج، بهذا الفن المعماري في يثرب، وإن كان المذكور لا يشمل سوى المشهور منها، ويبدو أنها كانت آطام الأغنياء وذوي المكانة.
يقول قيس بن الخطيم مفتخراً بحصون قومه المحاطة بالنخيل المثمر: (8)
__________
(1) المفصل, جواد علي: 4/ 132.
(2) وفاء الوفا, السمهودي: 1/ 132 وما بعدها.
(3) المرجع نفسه: 1/ 145
(4) دائرة المعارف الإسلامية 8/ 312
(5) انظر: ديوانه ص 136 – 137
(6) ألَمْ: نزل
(7) النعم: الإبل والبقر والغنم
(8) انظر: ديوانه ص 118.(1/9)
لنا مع آجامِنا وَحَوْزَتِنا ... بين ذُراها مخارِفٌ دُلُفُ (1)
وذكر السمهودي (2): أنه كان في رحبة بني زيد بن مالك بن عوف [ من الأوس ] أربعة عشر أطماً يقال لها الصياصي (3) أشهرها المستظل والضيحان وهما لأحيحة بن الجلاح وفي أطمه الأخير يقول: (4)
وقد أَعْدَدْتُ لِلْحِدْثانِ حِصْناً ... لَوَ انَّ المرءَ تَنْفَعُهُ العُقولُ(5)
طويلَ الرأسِ أَبيْضَ مُشْمخِرّاً ... يلوحُ كَأَنَّهُ سَيْفٌ صَقيلُ(6)
ويظهر من شعر أحيحة أنه كان مغرماً ببناء الحصون ومستعداً لإنفاق أمواله في بنائها، حرصاً على سلامته وسلامة أهله فهو القائل: (7)
إنّي بنَيْتُ واقِماً والضَّحْيان
والمستظِلَّ قَبْلَهُ بَأَزْمانْ
وقال أيضاً: (8)
بَنَيْتُ بَعْدَ مُسْتَظِلٍّ ضَاحِيا
بَنَيْتُهُ بعُصْبَةٍ مِنْ مَالِيا
والسِّرُّ ممَّا يَتْبَعُ القّواصِيا
أَخْشَى رُكَيْباً أَوْ رُجَيلاً غادِيا
ولعل واقماً كان اسماً لعدة آطام، ولم يقتصر على ما قيل من أنه لأحيحة، فقد ذكر أبو عبيد البكري قائلاً: واقم من أشهر آطام المدينة (9) وإليه نسبت إحدى الحرار، وهي حَرَّةُ واقم وصاحبه هو حضير الكتائب سيّد بني عبد الأشهل قال شاعرهم:
نَحْنُ بَنَيْنا واقِماً بالحرّةِ ... بلازِبِ الطِّينِ وبالأَصِرّة
__________
(1) آجام: حصون. المخارف: جمع مَخْرَفٍ وهو الحائط من النخل. ودلف: التي تدلف بحملها أي تنهض به.
(2) وفاء الوفا:1/ 137.
(3) الصياصي: الحصون وكلّ شيء أمتنع به وتُحُصِّنَ به ( اللسان: صيص )
(4) البيتان في جمهرى القرشي ( مذهبة أحيحة )ص 517 – 521
(5) الحدثان: مصائب الدهر ونوازله. والعقول: جمع عقل, وهو الحصن والمعقل.
(6) المشمخِرُّ: الطويل من الجبال. وصقيل, أي: المجلوّ.
(7) البيتان: في خلاصة الوفا ص 268.
(8) الأبيات: في الأغاني 15 / 47 وفي خزانة الأدب 3/ 334.
(9) معجم ما استعجم, البكري: 2/ 437.(1/10)
ومن آطام يثرب المشهورة ( فارع ) حصن بالمدينة يقال إنه حصن حسان بن ثابت، وفيه يقول حسان: (1)
أَرِقْْتُ لِتوْمَاضِ البُروقِ اللَّوامِعِ ... ونحنُ نَشَاوى بَيْنَ سَلْعٍ وفارِعِ
ومنها أيضاً ( المزدلف ) (2) ابتناه سالم وغنم ابنا عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، وكان بمساكنهم على طرف الحرّة الغربية، وصاحبه هو مالك بن العجلان وفيه يقول:
إِنِّي بَنَيْتُ للحروبِ المزْدَلِف ... قَذَفْتُ فيه جَنْدَلاً مِثْلَ الدَّلُفْ
ومنها ( جذمان ) موضع فيه أطم للخزرج حمل اسمه (3) سمي بذلك لأن تبّعاً كان قد قطع نخله لما غزا يثرب. وفي حرب بعاث التي ظهر فيها الأوس على الخزرج، قال قيس بن الخطيم: (4)
كَأَنَّ رؤوسَ الخَزْرجيين إِذْ بَدَتْ ... كَتائِبُنا تَتْرَى مع الصُّبْحِ: حنظَلُ
فلا تَقْرَبوا جُذْمان إِنَّ حِرارَهُ ... وَجَنَّتَهُ تَأْذَى بِكُمْ فَتَحمَّلوا
كما يذكر ابن الخطيم في قصيدته الدالية أطمي( راتج والشّرعبي ) وهي التي كان يرد فيها على حسان بن ثابت في يوم السَّرارة يقول: (5)
أَلاَ إِنَّ بَيْنَ الشَرعَبيِّ وراتِجٍ ... ضِراباً كَتَخْذيم السَّيالِ المُعَضَّدِ (6)
خلاصة القول: إن الحصون والآطام كانت حاضرة في الشعر اليثربي بأسمائها وأغراضها، وهذا يعني أن المكان في نظر الشاعر لم يعد مجرداً عن إحساسه ووجدانه، بل راح يتفاعل معه بمشاعره ووجدانه كالأمن والاستقرار والافتخار.
ج- المعطى السكاني ( الاجتماعي ):
__________
(1) انظر: ديوانه ص 278
(2) الوفاء: 1/ 99.
(3) معجم البلدان: 3/ 40.
(4) انظر: ديوانه ص 138.
(5) المرجع نفسه ص 124.
(6) ضراباً: قتالاً. تخذيم: تقطيع. السيَّال: شجر له شوك أبيض. المعضَّد: المقطع(1/11)
عرفت يثرب قبل الإسلام تمازجاً سكانياً، كان يضم في داخله ثلاثة عناصر (1): اليهود، والأوس، والخزرج، ومع أن الدراسة هنا ليست بصدد الخوض في كيفيّة وصول هذا التمازج إلى يثرب، لكن المتفق عليه، أن هذا التركيب السكاني كان غير متجانس، فهو يتألف من عدة كتل قبليّة تفتقد إلى التماسك وتنفرد عن بعضها في أحياء
مستقلة (2)، مما جعلها بصورة شبه دائمة في حالة من التناحر والتنافر.
فاليهود الذين تمثلوا بثلاث قبائل كبيرة في يثرب هم ( بنو قريظة، والنضير والقينقاع ) كانوا ممسكين بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فكانت لهم السيادة بداية الأمر، وبقي هذا الواقع مستمراً زمناً، إلى أن تكتل الأوس والخزرج [ وهما أبناء عمومة ] في جبهة واحدة (3)، فصارت لهم الغلبة، ونقلت لهم السيادة بعدما استعانوا بأبي جبيلة الذي كان عظيماً عند الملك الغساني في الشام، وهو من الخزرج، فسار هذا القائد بجمع كبير إلى يثرب، ثم أرسل إلى وجوه اليهود يستدعيهم إليه، مظهراً أنه يريد الإحسان إليهم، وعندما حضروا فتك بأشرافهم وخاصَّتِهم، ومنذ ذلك صارت الأوس والخزرج أعز أهل المدينة، فشاركوا اليهود في النخل والدور. (4) وقد مدح الرمق بن زيد الخزرجي أبا جُبَيْلَة بقصيدة مطلعها (5):
وأَبُو جُبَيْلَةَ خَيْرُ مَنْ ... يَمْشي وَأَوْفاهُم يَمينا
__________
(1) شعر الحرب في الجاهلية, محمد العيد الخطراوي, ص 61.
(2) الحجاز والدولة الإسلامية, د. ابراهيم بيضون, ص 40.
(3) الأنصار والإسلام, د. ابراهيم بيضون, ص 15.
(4) الكامل في التاريخ, 1/ 585.
(5) البيت في المصدر نفسه, ص: ذاتها(1/12)
لكن الانقسام ما لبث أن حلَّ بين الأوس والخزرج، وجرَّ إلى صراع طويل تمثل فيما عرف (بالأيام) ويبدو أنها كانت كثيرة لكن الذي وصل إلى علمنا هو المشهور منها يقول ابن الأثير: " وكان بينهما أيام ذكرنا المشهور منها وتركنا ما ليس بمشهور " (1) وقد دامت حروب الأوس والخزرج على ما تذكره بعض الروايات التاريخية مئة عام، وترتيبها على ما ذكره ابن الأثير (2)سُمَيْر، كعب بن عمرو السَّرارة، الحُصَيْنِ بن الأسلت، ربيع الظَّفَري، فارع، حاطب، ويتبعها ( الربيع، البقيع، الفِجار الأَوَّلْ، مُعَبِّس ومُضَرِّس، الفِجار الثاني ) وحرب بعاث، وهذه الحروب أشعلت الحركة الأدبيّة في يثرب واقترنت بذكر جماعة من كبار الشعراء الجاهليين والمخضرمين، وبما أن المكان في الشعر يبدو قريناً للمجتمع، والأخير هو الذي " يمنح المكان قيمته سواء تعلَّق بمكان الحبيبة أو بمكان الأهل والأسرة والوطن، لهذا قال دوركهايم(3): إن المجتمع هو الأساس في تحديد مفهوم المكان " (4)
__________
(1) انظر: الكامل في التاريخ 1/ 595
(2) المصدر نفسه, 1/ 586 وما بعدها.
(3) هو أميل دوركهايم (1858-1917) فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي وباحث في الأخلاق, يعد أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث. انظر: المعجم الموسوعي في علم النفس نوربير سيلامي, تر: وجيه أسعد, منشورات وزارة الثقافة, سورية ـ دمشق, 2001م, 3/1102
(4) مكة تجلّيات المكان في الشعر العربي, د. وليد مشوّح, ص 63..(1/13)
كما شاعت في الشعر الجاهلي إضافة الإنسان إلى المكان وبالعكس، وعبر هذه التبادليّة سوف نتلمس مدى التلازم بين المكاني والاجتماعي، فيثرب التي كانت ميداناً للصراع الدموي لحرب الأيام بين الأوس والخزرج كانت حاضرة [ سواء ذكرت مباشرةً أم تلميحاً ] في السجالات الشعرية التي دارت بين شعراء الفريقين المتحاربين، ولكنه حضور يتجاوز أبعاد الدلالة على المكان في ذاته إلى دائرة الأغراض الشعرية من فخر ومدح وهجاء، وهذا بحدّ ذاته يدخل في المكونات النفسيّة والشعورية( الوجدانية ) للشعراء، ففي حرب الربيع الظَّفَري التي اقتتل فيها الأوس والخزرج قتالاً شديداً، وكان أشدَّ قتال بينهم، نجد الشاعر حسان بن ثابت الخزرجي في فخره بقومه، يتغنى بيثرب المكان فيقول:(1)
وَيَثْرِبُ تَعْلَمُ أَنَّا بِهَا ... إِذا أَلْبَسَ الحَقَّ مِيزَانُها(2)
ويَثْرِبُ تَعْلَمَ أَنَّا بِهَا ... إِذا قَحَطَ القَطْرُ نَوْآنُها(3)
وَيَثْرِبُ تَعْلَمُ أَنّا بِهَا ... إِذا خَافَتْ الأَوْسَ جِيراَنُها (4)
وَيَثْرِبُ تَعْلَمُ أنَّ النَّبيتَ ... عند الهَزَاهِزِ ذُلاَّنُهَا (5)
ويَثْرِبُ تَعْلَم أنَّ النَّبيتَ ... لَيْسَتْ بِشَيءٍ وأَعْوانُها
متى تَرَنا الأَوْسُ في بَيْضِنا ... نَهُزُّ القَنَا تَخْبُ نِيرانُها (6)
__________
(1) انظر: ديوانه ص 313 – 314.
(2) ألبس الحق: من اللبس, وهو اختلاط الأمر
(3) القطر: المطر. نوآنها: الأنواء, إذا ألمّ بها القحط والجدب كنا مطرها
(4) إذا غدرت الأوس بجيرانها: أجرناهم من هذا الغدر.
(5) النبيت: عمرو بن مالك بن الأوس. الهزاهز: الحروب والشدائد. ذلاتها: أذلاؤها.
(6) البيض: من الحديد, أي لباس الحرب. وتخب: تضعف.(1/14)
لقد سجلت يثرب حضورها المتكرر في أبيات حسان كحقيقة مكانية، ولكن الشاعر استطاع أن يتجاوز بها حدود المكان إلى ما هو أبعد من ذلك، فربطها باللحظة النفسيّة والوجدانية التي انسالت فيها كلماته، إنها علاقة تبادل شعوري، يتحول فيها البراني إلى جواني، والجواني إلى براني، ولكأنه أراد بصيغة التكرار والعلم " ويثرب تعلم "
[ أنسنة المكان ] واستنطاقه ليكون شاهداً على ما أراد أن يفخر به سواء لجهة قومه أو لجهة التقليل من خصومه.
وبالقدر ذاته نجد يثرب حاضرة في أبيات قيس بن الخطيم عندما يرد على حسان بن ثابت ويفخر بقومه. يقول: (1)
وَنَحْنُ الفوارِسُ يومَ الرُّبَيْـ ... ـعِ قَدْ عَلِموا كَيْفَ فُرْسانُها (2)
ولاقَى الشَّقاءَ لدى حَرْبِنا ... دُحَيٌّ وعوفٌ وإِخوانُها(3)
وَقَدْ عَلموا أَنْ مَتَى نَنَبعِثْ ... على مِثْلِها تَذْكُ نيرانُها (4)
ولولا كَراهَةُ سَفْكِ الدِّماءِ ... لعادَ لِيَثْربَ أَدْيَانُها (5)
وَيَثْرِبُ تَعْلَمُ أَنَّ النَّبيـ ... تَ راسٍ بيثرِبَ مِيزانُها (6)
وبالشْوطِ من يَثْربَ أَعْبُدٌ ... سَتَهْلِكُ في الخَمْر أَثْمانُها (7)
يَهونُ على الأَوْسِ أَثْمانُهم ... إذا راحَ يَخْطِر نَشْوَانُها(8)
__________
(1) انظر: ديوانه ص 66.
(2) الرُّبيع: الجدول الصغير في لغة أهل المدينة. والجدولة لغة أهل اليمامه, وهو هنا يشير إلى يوم الربيع.
(3) لاقى الشقاء, أي: الشدة والمعاناة. دُحي وعوف: من الخزرج أبناء عم مالك بن النجار.
(4) بعثه على الشيء: حمله على فعله. والضمير في ( مثلها) و ( نيرانها) يعود إلى الحرب.
(5) أديانها: جمع دين وهي الأمور التي تعارفوا عليها, وقيل: الدين: العادة.
(6) راس: ثابت
(7) الشوط: اسم حائط و يعني بستاناً بالمدينة.
(8) يخطر, أي: إذا تبختر.(1/15)
وإذا كان ابن الخطيم يرد على حسان بقصيدة نقيضه، فإنه مع ذلك لا يريد للقوة أن تكون عمياء صماء، فشجاعتهم في إشعال الحرب تقابلها شجاعة في إطفائها، وهذا ما أبرزه في كراهة سفك الدماء، دون أن ينسى تمثلهم لقيم المجتمع التي كانت سائدة ومعروفة. وعندما يقول " ويثرب تعلم " لا يريد من العبارة مجرد التكرار وحسب، بل هو حضور متفاعل يأتي بمثابة الشاهد على ما يقول من الداخل النفسي والخارج المكاني.
كما يتكرر مشهد الحضور المكاني لـ( يثرب ) في أبيات عبد الله بن رواحة عندما يَرُّدُّ على قيس بن الخطيم في يوم الفضاء. يقول: (1)
مَتَى ما تَأْتِ يَثْرِبَ أَوْ تَزُرْها ... تَجِدْنا نَحْنُ أَكْرمها جُدودا
وأَغْلَظَها على الأَعداءِ رُكْناً ... وَأَلْيَنَها لباغي الخَيْر عُودا
وأَخْطَبَها إذا اجتَمعوا لأَمْرِ ... وأَقْصدَها وأَوْفاها عُهُودا
فالشاعر ابن رواحة يقرن ( يثرب ) المكان بمفردات الأمان، والكرم والشجاعة، والشدة على الأعداء، والحكمة والعدل والوفاء، فإذا هي تحل في المسافة الممتدة بين قومه وبين المتلقين ( القادمين أو الزائرين ) ولعله بهذا الحضور يكشف عن وشيجة متوضعة في النفوس تحبب الانجذاب إلى المكان كما ينجذب العاشق إلى معشوقه.
خلاصة القول: لقد سجل المعطى الاجتماعي لـ ( يثرب ) حضوراً دائماً تجاوز حدود المكان إلى ما بعده في علاقة تبادلية تداخل فيها الوجداني بالطبيعي في لوحة فريدة، صاغتها عبقرية الشاعر المبدع الخلاق.
خاتمة:
__________
(1) الأبيات: في ديوان شعر الأيام, جمع وتحقيق ودراسة د. عفيف عبد الرحمن, ص 151.(1/16)
في رحلة البحث عن يثرب في شعر شعرائها، فإن الدراسة قدّمت تعريفاً واضحاً بها، لكنه ليس بلغة أهل الجغرافيا والجيولوجيا هذه المرة، بل بلغة أهل الشعر، وهذا ما أضفى على المكان جمالية خاصة، فالبعد الطبيعي الصامت صورته عدسة الشاعر بكل تفاصيله الحسيّة ممزوجاً بحب المكان والتعلق فيه، كما تفاعلت الصورة الشعرية وتطورت مع التطور الحضاري للمكان، فإذا هو الملجأ الحصين الذي يحمي في أوقات الشدّة ويوفر الاستقرار لساكنيه في حالة السلم.
وفوق هذا وذاك، تأتي الصورة الشعرية لترسم للمكان بعداً متسامياً، يتجاوز الحسّي والعياني، إلى الداخل الجواني، فإذا بالمكان حاضر في النسيج النفسي والوجداني للشاعر يتفاعل مع رغباته وانفعالاته دون حدود أو فواصل، وهنا تكمن أهمية المكان، وعظمة الإبداع الشعري، لأن الشاعر هنا استطاع أن يتجاوز بالمكان إلى ما هو أبعد من حدوده بذاته فينقله إلى حالة الأنسنة أو الاستنطاق، وكأنه يريد للمكان أن يكون شاهداً على ما تجيش به نفسه، وهكذا كانت يثرب حاضرة في الشعر حضوراً تجاوز المكان إلى ما فوقه لتتكامل فيها الصورة بأبعادها الطبيعيّة والعمرانية والاجتماعية.
المراجع:
1. ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن محمد. الكامل في التاريخ، حققه: عمر عبد السلام التدمري، ط2، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان 1420هـ/1999م.
2. أدونيس، علي أحمد سعيد، مقدمة للشعر العربي، ط3، دار العوده، بيروت، 1979م.
3. الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين. الأغاني، تحقيق: إحسان عباس، ط2، دار صادر، بيروت، 1425هـ/2004م.
4. البغدادي، عبد القادر بن عمر. خزانة الأدب ولبّ لسان العرب، تحقيق: محمد نبيل طريفي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1418هـ/1998م.
5. البكري، عبد الله بن عبد العزيز. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، حققه وضبطه: مصطفى السقا، ط3، عالم الكتب، بيروت، 1983م.
6. بيضون، ابراهيم:(1/17)
أ- الأنصار والإسلام (إشكالية الهجرة والمعارضة في الدولة الاسلامية الأولى) ط1، معهد الإنماء العربي للدارسات التاريخية، بيروت، 1989م.
ب- الحجاز والدولة الاسلامية، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1403هـ/1983م.
7. ابن ثابت، حسان. ديوانه، تحقيق: سيد حنفي حسنين، ط1، دار المعارف، القاهرة (ج.م.ع) 1973م.
8. الجمحي، محمد بن سلام. طبقات الشعراء، مع تمهيد للناشر الألماني جوزيف هل، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1408هـ/1988م.
9. الجندي، علي. تاريخ الأدب العربي، ط2، دار مكتبة الجامعة العربية، بيروت، 1966م.
10. الحموي، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله. معجم البلدان، تحقيق: عبد العزيز الجندي، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، لا. ت
11. ابن حوقل، أبو القاسم محمد بن حوقل النصيبي. كتاب صورة الأرض، منشورات، دار مكتبة الحياة، بيروت ـ لبنان، 1979م.
12. الخطراوي، محمد العيد. شعر الحرب في الجاهلية بين الأوس والخزرج، ط1، دار القلم، بيروت، 1400هـ /1980م.
13. ابن الخطيم، قيس. ديوانه، تحقيق: ناصر الدين الأسد، ط2، دار صادر، بيروت، 1387هـ /1967م.
14. دائرة المعارف الإسلامية، نقلها إلى العربية: أحمد الشنتناوي، وآخرون، لا. ط، لا.ت.
15. السمهودي، نور الدين علي بن أحمد. كتاب وفاء الوفا، بأخبار دار المصطفى. مطبعة الآدب والمؤيد، مصر، 1326هـ.
16. سيلامي، نوربير. المعجم الموسوعي في علم النفس، تر: وجيه أسعد، منشورات وزارة الثقافة، سورية ـ دمشق 2001م.
17. ابن شبّه، أبو زيد عمر بن شبّه النميري البصري. كتاب تاريخ المدينة (أخبار المدينة النبوية )، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، ط2، دار الأصفهاني للطباعة والنشر، جدّة، 1392هـ.
18. شراب، محمد حسن. المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي، ط1، دار القلم، دمشق، 1415هـ/1994م.(1/18)
19. علي، جواد. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط1، دار العلم للملايين، بيروت، 1972م.
20. عواد، عاطف حميد. الأدب في العصر الجاهلي، لا. ط. لا. ت.
21. القرشي، محمد بن أبي الخطاب. جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، تحقيق وشرح: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، لا. ت.
22. مشوّح، وليد. //مكة وتجليات المكان في الشعر العربي// مجلة التراث العربي، دمشق، العدد /102/ لعام 2006م.
23. ولفنسون، إسرائيل. تاريخ اليهود في بلاد العرب (في الجاهلية وصدر الإسلام)، مطبعة الاعتماد، بمصر، 1345هـ/1927م.
24. اليوسف، يوسف، //مقدمة للشعر الجاهلي// مجلة المعرفة، دمشق، العدد /156/ لعام 1975.(1/19)