قل لمن تاه في الورى بغناه ... لا يساوي الغنى حذار زواله
مرن النفس للقناعة كرهاً ... اي مال يفي بذل سؤاله
وقوله:
تبين أهل الحجى أن لي ... لساناً فصيحاً وقولا صحيحا
ولكنني ابداً ساكت ... أعالج بالصبر قلباً جريحا
فما لي عدو يساوي الهجاء ... ومالي صديق يساوي المديحا
وقوله:
لقد كنت حيناً أقصد الناس مادحا ... لجهل بهم فالآن أصبحت تائباً
أدافع آمالي ببأس لأنني ... نظرت فما ابصرت في الحمد راغبا
وقوله:
رأيت الدهر يسعد كل نذلٍ ... ويقصد كل حر بامتهان
فقلت لقلبي استمسك بصبرٍ ... فإن الدهر دهر بني الزواني
وقوله:
أرى مثل النجوم دموع عيني ... إذا ما غاب وجهك عن فنائي
كذاك الشمس حين تغيب تبدو ... نجوم الليل في أفق السماء
وقوله:
سلام على بدر الدجى كوكب الحجى ... سماء العلى شمس الفخار أبي الخير
على من إذا استطلعت قلبي لا ارى ... لعقلي برهاناً على أنه غيري
وقوله:
أقول لسار في الخرونة والسهل ... ليبصر أعيان البلاد ذوي الفضل
تيمم أبا الفضل بن ميكال واترك ... سواه فكل الفضل حيث أبو الفضل
أبو محمد عبد الله بن محمد الدوغابادي أعجوبة العصر وبكر عطارد وذلك أنه حديث السن رطيب الغصن ولو قلت أنه معجز بلدته في الشعر لما قلت شططا ومن خبره أنه استظهر كتاب اليتيمة كله وله طبع نافذ وخاطر عامر وقريحة ثاقبة وكياسة نادرة فانتجع بدائع الخواطر واجتنى ثمار الأفكار وحمل على الروح حتى تطبع بطباع أفكار الشعراء العصريين وجرى في طرق المفلقين المبدعين وكسا المعاني والبديعة الخفية معارض اللفاظ الرشيقة الجلية فإن شاء فالسري والخالدي وإن أراد فالببغاء والسلامي وإن نشط تعزل وأطرب وإن آثر مدح فأعجب وعجب وهو الآن بالحضرة في ديوان الرسائل مرشح للأعمال الجلائل ومن شعره في الغزل قوله من قصيدة:
ونمل عذاره نقلت إليه ... وهن ضعائف حب القلوب
نقلن له القلوب وهن ضعفى ... فكيف إذا قدرن على الدبيب
وقوله في معناه من أخرى
فحذار من ذاك العذار فإنما ... نقلت له حب القلوب نمال
ومن أخرى:
مري جفنك الممراض من غير علة ... يشم سيفه إنا آتيناه عوداً
وقوله من أخرى
وظبية إنس بين أسد طرقتها ... على حذر والليل في لون خالها
وما غرضي منها سوى ورد خدها ... وبرق ثناياها وبرد زلالها
وقوله:
سلى صدغه المسكي كيف قراره ... على نار خديه وكيف يكون
ويشرب من فيه المدام معلقاً ... على لهب أن الجنون فنون
ومن سلطانيات شعره قوله من قصيدة:
الملك بعد نظام الدين محمود ... للقائم الملك المنصور مسعود
إن كان داود زار الغيث تربته ... ولى فهذا سليمان بن داود
من كان شمس ملوك الأرض وارثه ... ونجله فهو حي غير مفقود
ومنها:
لا يطمعن أحد في الملك يملكه ... والسيف في يد مسعود بن محمود
سقى الكماة كؤوس الموت مترعة ... على غناء صهيل الضمر القود
ومنها:
طويل عمر المساعي والندى أبدا ... قصير عمر الأعادي والمواعيد
يداه فوق أكف الناس كلهم ... عزاً وتحت شفاه السادة الصيد
أخذه من قول أبي الفياض الطبري
يد تراها ابداً ... فوق يد وتحت فم
تبارك الله ما ابهاك من ملك ... في تاج عز بكف الله مقعود
زلقت قدمه في ذكر الكف فإنها لا تضاف إلي الله عز اسمه وتعالى عما لم يصف به نفسه ولولا أنه أضاف اليد إلى نفسه وإن كان تأويلها غير ظاهرها لما استجيز قول من قال يد الله وقد نعى على ابن باته قوله وعيب بذلك:
إذا تمنت تمنت أن تعيش لها ... يا راكب العرش بارك في أمانيها(2/217)
لأنه قال ما لم يقل أحد من ركوب العرش وإنما جاز افستواء لأنه جل ذكره وصف به نفسه وإن كان بعضهم تأول فيه الإستيلاء واحتج بقول الشاعر
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
عاد الشعر
قرم يعيد حدود البيض مصلتة ... من الدماء عليها ذات توريد
تخالها وهي كابن الغيم صافية ... كأنما زجتها بنت عنقود
لا تستقر ظباها فهي راحلة ... من الجفون إلى هام الصناديد
ومنها:
مغناك روض أريض مونق خضل ... وأنني عندليب جد غريد
أخذه من أبي القاسم الزعفراني وزاد عليه
وتغنيك في الندي طيور ... أنا وحدي ما بينهن الهزار
لا زال ملكحك مخصوصاً بأربعة ... أمن ويمن وتأييد وتأبيد
فأنت للملك لا فارقته ابداً ... كالنار للعود بل كالماء في العود
وعشت للدين والدنيا وأهلهما ... للعلا والندى والبأس والجود
وله من قصيدة في الشيخ أبي الطيب طاهر بن عبد الله ايده الله أولها:
سقام عينيك للعواد قتال ... ففي العيادة قل لي كيف أحتال
ومنها:
ويح المحبين لما سار عيسكم ... في صحبة الدمع من أجفانهم سالوا
لم يرزقوا الخير منكم غير أنهم ... فضل الشهادة في سبل الهوى نالوا
ناديت دمعي وصوب المزن يسعده ... كلاكما خضل الشؤبوب هطال
ولستما كيد الشيخ العميد ندى ... هي الغمام ولكن وبلها المال
كم أنبتت يد مولانا وسيدنا ... من روضة نبتها مجد وافضال
ومنها:
قل للذي يتمنى نيل رتبته ... ما كل ماشية بالرجل شملال
في دسته عارض هام وبحر ندى ... طام يفيض وصمصام ونبال
كاف إذا ما امتضى الأقلام أنمله ... فالمرهفات له والثمر عمال
يا فارس الدست إن الناس كلهم ... سواك في دست هذا الملك أكفال
مر عبدك الدهر يجنبني نوائبه ... فالدهر طوع لما تقضيه فعال
وأول ثغري بتقبيلي ثراك ندى ... فإن تقبيل ذاك الترب إقبال
واسلم فإنك في افق العلى قمر ... وافخر فأنت على خد الندى خال
وأنت نبع العلى إذ غيرك الضال ... وأنت بحر الندى إذ غيرك الآل
وكتب إلى أبي القاسم الطائي الكاتب يساله تذكيره وعداً له عليه
أأبراهيم دام صفاء ودك ... على غير الزمان وصفو عهدك
دعوتك دعوة التعب المعنى ... لتذكرني بفضلك عند ربك
أبو الحسن محمد بن الحسن البرمكي: كثير الفضائل جم المحاسن جامع من العلم والأدب بين العنب والرطب فصيح اللسان والقلم وهو من رياحين الحضرة وطال ما نفد منها رسولاً إلى الخليفة القادر بالله رضي الله عنه فأحسن السفارة واستوفى العبارة وهو الآن يتولى اوقاف الهند وله شعر يدخل على الأذن بلا أذن كقوله
إن شاب راسي فالمشيب موقر ... وذوو العلوم بشيبهم يتبرك
والشيب تغتفر الغواني ذنبه ... ما دام ذاك الشيء فيه يحرك
وله:
وذي عينين كحلاوين يرمي ... بسهمهما سويداء الفؤائد
الم بعارضيه نصف لام ... وهم بشاربيه نصف صاد
وله في الهجاء:
ابو بكر بن حمدان ... بلا أصل ولا فصل
كأن الله صوره ... من الأعجاب والبخل
إذا شاهدت طلعته ... دعوت عليه بالثكل
ترى ما شئت من حمق ... ترى ما شئت من جهل
ترى نغلا على بغل ... ترى نذلا بلا بذل
أبو الفتح المظفر بن الحسن الدليغاني: كان من وجوه خدم الحضرة وأعيانها يرجع إلى أدب وفضل وحسن نظم ونثر وتقلد الأشراف بنيسابور فلم يلبث أن اشرف على الآخرة واختصر بالحتل منذ أشهر وكان قرأ كتابي في التغزل بمأتي غلام مختلف الأوصاف والأحوال والصناعات والمذاهب فأنشدني لنفسه في غلام كرامي
وريم اصار الخانقاه كناسه ... وعارض عمداً رغبتي فيه بالزهد(2/218)
أطال مواعيدي فقلت له أما ... تعبت في دين الهوا بسوى الوعد
فقال اقتصر مني على الوعد في الهوى ... فقد صح إيماني على قولي الفرد
وأنشدني لنفسه في قصيدة في شمس الكفاة رضي الله عنه والإشارة عليه باصطلام أعدائه الذين سعوا به وأعانوا عليه
فسد الزمان فما ترى ... إلا ذئاباً أو ذباباً
هذا يصول فإن يصب ... لم يأل عقراً وإنتهابا
ويحوم ذاك على اذا ... ك فلا تزال به مصابا
فابسط حسامك في الذئا ... ب فلا تدع ظفراً ونابا
واصبب على الذبان من ... عذبات مقرعك العذابا
وله من قصيدة في الشيخ العميد أبي سهل الحمدوئي أدام الله عزه
بابي طلوعك ايها القمر ... حتى متى يا بدر تنتظر
يا مجملاً فيه الجمال له ... خضر كحظي منه مختصر
العشق أول مرة نظر ... كم خاض في دم عاشق نظر
ومنها:
والمجد يحمد فعل أحمده ... في كل ما يأتي وما يذر
الحمدوي المكتفي بندى ... كفيه إما أمسك المطر
ومنها:
وكفى الوزير مهمة فغدا ... منه بحيث السمع والبصر
فإذا دجا خطب يفرجه ... عن وجهه اراؤه الزهر
بعزيمة كالسهم ماضية ... يرتد عنها الصارم الذكر
غرس الصنائع في الورى فغدا ... يجتنى له من شكرهم ثمر
لا يخش صرف الدهر زائره ... فذاره من أحداثه وزر
يا مثرياً من كل مكرمة ... إني إلى جدواك مفتقر
لي حاجة وقضاؤها أمم ... سهل عليك وما لها خطر
ومتى يكن عمراً لها أحد ... فالشيخ سيدنا لها عمر
لا زلت ما سجع الحمام وما ... نفح النسيم ونور الزهر
في عيشة لا جوها قطر ... فيه ولا في صفوها كدر
وقال:
ولقد يئست من الرئي ... سومن بنيه زائده
وضربتهم عرض الجدا ... ر فليس فيهم فائده
وغسلت من معروفهم ... كلتا يدي بواحده
وقال:
أثرنا خبايا العيش في جنب خابيه ... بأجدب حنان وحدباء حانيه
أبو نصرأحمد بن محمد الخالدي أديب بارع شاعر حسن الشعر من المقيمين بغزنة يقول:
متى شملتني صحة وفراغ ... وقوت به لي غنية وبلاغ
واصبحت لهفاناً على مالا يفوتني ... فراسي رأس ليس فيه دماغ
ويقول:
قل للنأوم عن التفض ... ل وادعاً وسط الكرى مه
أحست فإن الحر عب ... د للمبرة والكرامه
وله:
قاضٍ لنا إبليس يشهد أنه ... ما في الفضائح مثله إبليس
فكأنه زبر الحديد فياشل ... وكأنما مفساه مغناطيس
أبو الفتح المظفر بن صالح الرازي المدير: أحد من انتقل من الري من صحبة الراية السلطانية أدام الله نصرتها وتصرف على خدمة الحضرة وهو القائل في سيل أتى بالري بعيد ارتحال الموكب العالي عنها:
أتى كالطود أحمر في اصفرار ... كأن قراه ضمخ بالخلوق
أتانا تجرف الدنيا بليل ... لحاه الله من زور طروق
تغنم فرصة ونوى بياتاً ... لأن البحر مال عن الطريق
ولولا رحلة الملك المرجى ... لما جسر السيول على الطروق
خاتمة الكتاب يشتمل على ذكر أقوام مختلفي الترتيب متفاوتي التاريخ غير معطين حقوقهم من التقديم والتأخير وهم من كل الأقسام الأربعة فمنهم من استفدتهم بآخرة ومنهم قوم ما أنسانيهم إلا الشيطان أن اذكرهم في أماكنهم فقد جمعت في هذا الفصل محاسنهم على ما خيلت وكتبت من لطائف غررهم وملحهم ما يجري مجرى الحلوآء التي تقدم في أواخر الموائد ويكمل به الكتاب والله ولي التوفيق ابو محمد لطف الله بن المعافي يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وهم الكرام السادة الأشراف
وبقيت من خلف كأن وجوههم ... خبز الشعير إذا علاه جفاف
ويقول:(2/219)
ارى ما اشتهيه يفر مني ... وما لااشتهيه إلي يأتي
ومن أهواه يبغضني عناداً ومن أهواه شص في لهاني
كأن الدهر يطلبني بثأر ... فليس يسره إلا وفاتي
وهو القائل:
وهل يذخر الضرغام قوتاً ليومه ... إذا اذخر النمل الطعام لعامه
هذا البيت لأبي العلاء المعري. أبو القاسم علي بن مسرة البغدادي يقول:
زعمت أنما هواي محال ... أتراها ظنت نحولي انتحالا
ولقد زارني الخيال فماصا ... دف مني الخيال إلا خيالا
بت أرعى النجوم فيها وباتت ... من وراء السجوف تنعم بالا
وشكوت الهوى إليها فقالت ... حضري ينمق الأقوالا
وقوله:
الف الحوادث مهجتي فالفتها ... بعد التنافر والكريم الوف
ليس البلاء علي صنفاً واحداً ... لكن علي اليوم منه صنوف
محمد بن أحمد الشيرجي أديب فقيه ظريف شاعر خليع يقول:
يا خليلي عرجاً بي إلى القف ... ص وحطا الرحال بالبردان
واتركاني من التفقه في الدي ... ن فحسب تعلمي ما كفاني
واسقياني على وجوه الغواني ... واصطفاق النايات والعيدان
ويقول:
الق الدساكر والمعاصر والسواحر والزوامر
ودع الدفاتر والمحابر والقماطر والمساطر
وكتب إلى صديق له يستذيره:
اليوم يوم انجحار ... ويوم إيقاد نار
ويوم عزف وقصف ... ويوم شرب عقار
وكل هذا لدينا ... فاحضر مع الحضار
وكان كثيراً ما يقول لأخوانه: أنعم الله صباحك وأدام لرأسك الخضرة ولوجهك الحمرة ولوجه حاسدك الصفرة ابو الفضل أحمد بن محمد الكاتب: ثقيل وزن الفضل خفيف روح الشعر يقول:
دخلت إلى النحاس يوماً وعنده ... غلام صبيح الوجه أتلع أحور
فقلت له هذا الغلام تبيعه ... فقال به عيب وذلك يستر
فقلت فأظهره فقال اباقه ... فقلت رضىً بالعيب فالظبي ينفر
ويقول:
قد قلت والصدغ على خده ... كالليل يبدو تحته الفجر
البدر من ابراجه ... عقرب فصار برج العقرب البدر
ابو المظفر عبد الجبار بن الحسن البيهقي الجمحي: كثير المحاسن حلو الأدب مليح الشعر يعيش في ظل الكفاية ويخدم السلطان ويعاشر الأخوان ويقول مثل قوله في بعض الصدور
وإن أبا سعد لعائن ربنا ... عليه لشيخ حامض في المشايخ
فلو أنني وليت شغل وكالة ... لوفرت في خديه خل المطابخ
وقوله:
وجه أبي العباس ما اصلده ... نعم ويوم البعث ما اسوده
يخيب من يرجوه في يومه ... ثم مع الخيبة يخشى غده
قل لمليك الشرق هذا الذي ... يكتب في الديوان ما ابرده
إن شئت أن تبسط بين الورى ... عدل أنوشروان فاقبض يده
وقوله:
دخلت على أبي سعد وإني ... اداخله على ود سقيم
رأيت لديه كتاباً ظرافاً ... حيارى حول محزون كظيم
تصور لي ملائكة كرام ... قعود حول شيطان رجيم
ففي ديوانه كرم ولكن ... مدارعه تزر على لئيم
يعز علي أن يلقاه شتمي ... بلا ضرب أكرره اليم
وقوله في قصيدة
عبق بكفي من خيال طارق ... عند الكرى متصافح متعانق
فأبيت أضحك من وصال كاذب ... وأظل ابكي من فراق ٍ صادق
إني اصافحه بكفي صائن ... لكن ألاحظه بعيني فاسق
ما للهموم ألفن كل متيم ... اعشقن مهجة كل صب عاشق
ابو منصور على بن أحمد الحلاب: شاب كان متقدم في الفضل والأدب كتب في ديواني الرسائل بنيسابور والري وبرع وخدم وخدم وقد ذكرت له ابياتاً في مرثية صديقه أبي بكر الصبغي وكتبت الآن ما أنشدني لنفسه قوله في خط العذار:
كم سقيت الدموع عارض حتى ... اشتهي خطه على غير حين
فتباطى النبات حتى إذا ما ... رويت خده وجفت شؤوني(2/220)
دار فيها السواد وهو شبيه ... بخطى النمل في جنى الياسمين
كيف استنكر العذار نباتاً ... وهو في عبرتي زرع جفوني
وقوله:
حلى المشيب محلاً ... عن كل ورد التصابي
ما للغواية والصبا ... بة غير ريعان الشباب
أبو سهيل الجندي الكاتب: من كتاب الرسائل في ديوان السلطان الأعظم ولي النعم أدام الله ملكه ومن الأدب والفضل بحيث يضرب به المثل وله شعر يجمع الحسن واللطف والظفر كما أنشدي الحاكم أبو جعفر محمد بن إسحق البحاثي قال أنشدني هذا الشيخ لنفسه:
أفدى فتاة حرمت ... ظلماً علي جمالها
ود الهلال بأن يكو ... ن لساقيها خلخالها
قد واعدتني زورة ... تشفى الجوى فبدالها
وأنشدني أيضاً قال أنشدني لنفسه:
سقياً لزائرة زارت على عجل ... والليل ألبس غيطان الفلا غسقا
في ليلة بات شمل الأنس مجتمعاً ... فيها وشمل الأسى والحزن مفترقا
قطعت أولها شرباً وأوسطها ... سكراً وآخرها ضماً ومعتنقاً
حتى بدا الصبح محمراً ذوائبه ... كأنه موقد في افقه سذقا
قالت تودعني والعين باكية ... يا ليت أن بياض الصبح ما خلقا
أبو طالب محمد بن علي بن عبد الله المعروف بالبغدادي المستوفي: أخبرني أنه واسطي خدم الصاحب والأجل واقتبس من أنوارهم في صباه وانتقل إلى خراسان فشاخ بها على الإستيفاء في الديوان وكان أديباً كاتباً حاسباً كريما فاضلاً به طرش يسير وله حفظ كثير وطلع بنيسابور فاطلع شمس فضله وأنشدني لنفسه:
إن كنت عندك يا مولاي مطرحاً ... فعند غيرك محمولا على الحدق
وأنشدني لنفسه في قائد اسمه فولاذ:
قالوا أمتدح فولاذ فاسعد به ... فالحر بالأحرار يعتاذ
فقلت لا يغرركم بره ... فإنه في اللوم استاذ
لو أنه الزيبق لم يجر لي ... فكيف تجري وهو فولاذ
وله في الأمير حسنك رحمه الله تعالى
أبدى لك الدهر في أحواله عبرا ... لو كنت يوماً بما تلقاه معتبرا
انظر بعين النهى في حسنك لترى ... سحاب كل بلاء ارضه مطرا
صلب ورجم وحز الراس بعدهما ... من يقهو الناس في سلطانه قهراً
وانتقل إلى جوار ربه منذ سنيات وله نجيب أديب في ديوان الإستيفاء بالحضرة يكنى أبا غالب أبو عدي الشهر زوري له شعر مدون فقد انتخبت منه قوله
حصلت وعدك سيدي ... وكفى به ثقة لآمل
لكنني كالناس مش ... غوف الفؤاد بكل عاجل
وقوله :
بما كان واحد ... يغلب الألف زائداً
رب ألف رأيتهم ... لا يساوون واحداً
وقوله:
وأنت كالماء يروي الناس كلهم ... وربما شرق الإنسان بالماء
أبو منصور محمود بن علي الملهبي العماني: حدثني أبو الحسن علي بن محمد الحاجبي بالجرجانية قال كنت في أواخر ايام السامانية احرر في ديوان الرسائل بخارا مع جماعة من المحررين وصاحب الديوان إذ ذاك أبو علي بن عيسى الدامغاني ومعنا في الجملة أبو منصور المهلبي وكان اشعر القوم وكان فينا واحد يعرف بأبي الفوارس النيسابوري ردي الخط غليظ الطبع كثير الكتب قليل الأدب يتعاطى الشعر ويفتضح فيه فمدح أبا علي بما اضحكه والقوم فامر المهلبي بهجائه ووصف خطه وبلاغته فقال أبياتاً منها:
وكاتب كتبه تذكرني ال ... قرآن حتى أظل في عجب
فاللفظ:
قالوا قلوبنا غلف ... والخط: تبت يدى أبي لهب
فأعجب أبو علي بقوله وأمر بصلةٍ ولما رأى المهلبي ميل أبي علي إلى وصف خط أبي الفوارس فقال فيه يخاطب أبا علي:
يا سيد السادات في المجالس ... أما ترى خط أبي الفوارس
كأنما يكتب بالمكانس ... فميمه كمنخر الأفاطس
وجيمه كرجل بغلٍ رافس ... وسينه كأرجل الخنافس
وواوه مغرفة الهرائس ... ولامه شريجة المحابس
وما تراه الدهر غير عابس ... أو ناكساً لرأسه كالناعس(2/221)
يدرس طوماراً بفهم دارس ... أو قائلاً شعراً بشق هاجس
أو غايضاً في لجة الوساوس ... كأنه من جملة الأبالس
فارم به في شدق ليثٍ ناهس ... فبئس الكتاب من مجالس
قال ولما قلد أبو محمد عبد الله بن محمد بن عزير الوزارة ببخارا مدحه أبو منصور المهلبي ببيتين فوصله بالفي درهم وهما:
ارى الله البرية كل خيرٍ ... وجنبهم بفضلٍ على ضير
ورد حياتهم ببني عزيرٍ ... كما رد الحياة على عزير
وأنشدني غيره للمهلبي:
قد أولع الناس في الدنيا بأربعةٍ ... أكل وشرب وملبوس ومنكوح
وغاية الكل إن فكرت فيه إلى ... رروثٍ وبولٍ ومطروحٍ ومفضوح
وله:
إذا اعتل برذون الفتى وهو واحد ... فصاحبه حتى يصح عليل
ابو منصور نصر بن أحمد بن سعد السعدي: أنشدني الشيخ أبو الحسن مسافر بن الحسن ايده الله له:
أكرم أليفك ما استطعت فإنه ... ما دمت تكرمه فأنت كريم
فإذا أضعت ذمامه وتركته ... تركتك الفته وأنت مليم
وله في ذم صديقٍ:
الفلك تجري في البحار وانني ... أجريه منك على الصفا والجندل
الله يعلم ما اقاسي دائباً ... من سوء خلقك يا نقيع الحنظل
وله:
يا جامع المال كي تضن به ... تطمع والله في الخلود معه
هل حمل المال ميت معه ... أما تراه لغير من جمعه
ومما ينخرط في سلك هذا النظام قول بعضهم:
يا جامعاً للمال يا مانعاً ... الم تثق بالرازق الباعث
من شح بالمال على نفسه ... جاد قهراً على الوارث
ابو الفرج أحمد بن علي بن خلف الهمداني: في نهاية الفضل وحسن النثر وملاحة الشعر وقد ذكرت له عند أبيه هذين البيتين المرتفعين في الحسن عن النعت الجاريين مجرى السحر:
لئن كنت القريض مبرزاً ... وليست جدودي يعرب واياد
فقد تسجع الوررقاء وهي حمامة ... وقد تنطق الأوتارر وهي جماد
ولم أكن أحفظ إذ ذاك غيرهم م اكتبني الشيخ أبو بكر أيده الله بعد حينٍ من الدهر ما كتبته في سويداء القلب كقوله:
تعيرني وخط المشيب بعارضي ... ولولا الحجول البيض لم تحسن الدهم
حتى الشيب ظهري فاستمرت عزيمتي ... ولولا انحناء القوس ما نفذ السهم
وكقوله:
ولرب كرمٍ نقلنا أعنابه ... وشرابنا حلب مختوم
فجمعت بين ألام فيه وبنتها ... عمداً لكي يتضاعف التحريم
وكقوله من قصيدةٍ فريدةٍ بديعةٍ جداً:
لا تعذليني إن ذكرت كئيبا ... ومنعماً غض الجمال ربيبا
ومنازلاً قضيت بين خيامها ... عيشاً كما يرضى التصابي طيبا
لولا اشتياق الألف لم تر طائراً ... يوفي على غصن الأراك خطيبا
ولقد ترن القوس وهي صليبة ... من أن تفارق سهمها فتغيبا
وكفاك من شرف الهوى تقديمنا ... ابداً على مدح الملوك نسيبا
مهلاً فلست ترى الفتىذا همةٍ ... طماحةٍ حتى تراه طروبا
أما تراني فقد ولهت صبابة ... ورأيت رأى العاشقين مصيبا
فلرب يومٍ قد حجبت سماءه ... بعجاجةٍ تذر الشباب مشيبا
غادرت صدر السمهرية مرعداً ... وثنيت في قلب الخميس وجيبا
سرنا فسارت للنسور عصائب ... ترجو مقاماً للكماة عصيبا
وقيننا شمس النهار وصرن من ... دون الهجير سرادقاً مضروبا
فليجزين صنيعها بفوارس ... تقتات منهم أعيناً وقلوبا
وأبي الذي شهد الكرام بأنه ... أوفاهم في المكرمات نصيبا
هوبي إذا الأبناء عدوا منجب ... وبه أعد إذا افتخرت حسيبا
كالبحر وله دره والغيث أن ... بت روضه ابدي طيبا
اصل وفرع طيبان كلاهما ... ما فيهما أمر تراه معيبا
وكقوله في حال انقضت:(2/222)
قربا الشقر الأغر فإني ... يا خليلي قد مللت المقاما
ورأيت الثواء في بلد الذل ... حماماً وأن أمنت الحماما
وتخيرت للحروب قناةً ... صعدةً صدقةً وسيفاً حساما
فأجيزا عني الكؤوس فإني ... قد الفت السرى وعفت المداما
ودعاني من الأغاريد إلا ... من طنين السيوف يفلقن هاما
ولخير من أن نعيش لئاماً ... مستذلين إن نموت كراما
وقوله من قصيدةٍ:
نشفت بأنفاسي نطاف المناهل ... فاخلفتها دمعي بسحبٍ هواطل
ورحت بقلب في الظعائن سائرٍ ... حثيث ودمع بالأباطح سائل
وأنكر جاراتي خضاب ذوائبي ... وهن به زين بيض الأنامل
فيا عجبا منهن بنكرن باطلاً ... علي ولم يحلين إلا بباطل
وكنت متى أبدي النصول بياضها ... رأيت نصولاً ركبت في مقاتلي
فسل مشيبي من خضابي كأنما ... تسل من الأغماد بيض المناصل
وقوله من أخرى:
شكر لآلآء الوزير فإنه ... أحيى نفوساً قد كمدن تروعا
ولئن تبقت لي مآرب لم أزل ... لنداه في انجازها متوقعا
يأبى حياني أن اطيق بيانها ... وعزوف نفسي أن أرى متوجعا
ولأنت تعلم ما أريد فوقني ... ذل السؤال وجد به متبرعا
وإلا الفتى سبق السؤال بفعله ... كان الذي يأتيه أحسن موقعا
وقوله:
تلوم اميمة أني سخوت ... سيصغي إلى لومها الألأم
أامنع ما ملكته يدي ... ويخلع خلته الأرقم
فيمنح من جسمه بعضه ... ويعظم في عيني الدرهم
إذاً هو أولى بنيل العلى ... وموقفه في الندى أكرم
وقوله:
ولي أنمل تغني وتفني كأنها ... مسار غمام أو مثار حمام
فما انبسطت إلا لاغناء مقترٍ ... ولا انقضت إلا لهز حسام
وقوله في الزهد:
في ظلام الدجى وضوء النهار ... آية للمهيمن الجبار
فلك دائر وقطب مقيم ... ونجوم تجري بغير اختيار
وسماء قامت بغير عمادٍ ... فوق أرضٍ رست بغير قرار
وصعيد يحول نبتاً نضيراً ... مونق الروض مورق الأشجار
شربه واحد والوانه شت ... ى فمن اصفرٍ ومن جلنار
شهد الراسخون في العلم طراً ... إن هذا من صنعة الجبار
خالق الخلق باسط الرزق فيهم ... مالك الملك عالم الأسرار
فهو الواحد الحكيم تعالى ... عن شبيه وعن شريك وجار
هو ذاك الذي إذا خفت أمراً ... قلت يا رب نجني من حذار
فإذا زال ما أخاف وأخشى ... عدت في سكرة وفي إصرار
أيها الغافلون عن نوب الده ... ر وناسون سطوة الأقدار
إن هذي الديار قد نزلت قب ... ل وحلت فأين أهل الديار
أين اين الملوك في سالف الده ... ر وما أثروا على الاثار
كل ذي نخوةٍ وأمر مطاع ... وامتناع وعسكر جرار
ملكوا برهةً فسادوا وقادوا ... ثم صاروا أحدوثة السمار
لم تخلدهم الكنوز التي قد ... كنوزها من فضة ونضار
لم تغثهم يوم الحساب ولكن ... حملوا وزرها مع الأوزار
أبو الحسين الحسني الهمداني: هو والد عباد سبط الصاحب وكان بهمدان في الشرف والجاه واليسار كيحيى ابن عمر العلوي ببغداد وفي الأدب والشعر كالرضي والمرتضى والموسويين(2/223)
بها وكان الصاحب يفتخر بمصاهرته ويتشرف بمواصلته وكان من أعظم الرؤساء مروءة وأوسعهم رحلاً وكان له ندماء فضلاء أدباء لا يغبونه ولا يغيبون عن مائدته وكان يسأل كل واحد منهم عما يتشهاه من الأطعمة فيأمر الطباخ باتخاذه وإحضار جميعه فيأكل بشهواتهم وقال لهم يوماً تعالوا بنا نتكرم اليوم فقالوا أي يوم لا يتكرم سيدنا فيه قال نتكرم من الكرم لا من الكرم قالوا كيف تعمل قال نستغرق مرافق الكرم ومنافعه ومصالحه فنستوقد بقضبان الكرم نتخذ سكباجة وقلية حصرمية وحلواء دبسية ونشرب العيني وننتقل الزبيب فقالوا لا اختيار على هذا الرأي فأمر بذلك كله وطاب يومهم وكنت علقت له أبياتاً ضاعت وعلق بحفظي منها قوله في جارية تحمل شمعة
خطرت لنا قبل العشاء بشمعةٍ ... تحكي بها شكل القنا الخطار
فكأنما طعنت بها عشاقها ... فتكللت بدل النجيع بنار
وقوله من قصيدة:
أعينا على تسويفه واعتلاله ... وتكديرها بالهجر ماء وصاله
لئن كانت الأيام ضنت بقربها ... فإن الليالي اسعفت بخياله
ومنها:
ينفر عنه النفس سوء فعاله ... ويدعو إليه القلب فرط جماله
ألا رب يوم قد نعمت بقربه ... إذا العيش في ريعانه واقتباله
ومنها قوله من قصيدة صاحبية:
إني وإن كنت من يدنيه ابطحه ... إلى الفخار وتنميه أخاشبه
حتى تعليه طوراً فواطمه ... إلى النبي وأطواراً زيانبه
لعبد أنعمك اللاتي ملأن يدي ... طولاً وميزتني عمن أناسبه
وكتب إلى الصاحب مع طبق فضة فيه من ند الملوك وذلك قبل العيد
العيد زارك نازلاً برواقك ... يستنبط الأشراق مع إشراقك
فاقبل من الند الذي أهديته ... ما يسرق العطار من أخلاقك
والظرف يوجب أخذه مع ظرفه ... فأضف به طبقاً إلى أطباقك
والجواب عنه في نهاية الظرف وقد ضاع في جملة ما ضاع، وسهم الرزايا في الذخائر مولع، ولئن عثرت عليه الحقته بحاشية هذه الورقة إن شاء الله تعالى أبو الحسين التغلبي أنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله قال أنشدني ابن أبي علان الأهوازي لأبي الحسين التغلبي في مدح الصغار من قصيدة
وإذارمقت بحلظ طرفك في العلى ... نجماً صغيراً فهو فوق الأنجم
وصغيرة الخمس الأصابع إنها ... أولى بزينة خاتم المتختم
والرمح اصغر عقدة فيه التي ... عند السنان وذاك صدر الهذم
وكذلك الدينار يصغر حجمه ... وهو الثمين تراه فوق الدرهم
وأنشدني غيره في أمرد متكبر
تكبر لما رأى نفسه ... على هيئة الشمس قد صورت
سيندم الفاً على كبره ... إذا الشمس في وجهه كورت
الخليل بن أحمد القاضي السجزي: من افضل القضاة وأشهر أدبائهم وله شعر الفقهاء كقوله:
الشيب أبهى من الشباب ... فلا تهجنه بالخضاب
هذا غراب وذاك باز ... والباز خير من الغراب
وقوله:
من اراني في غلو في الجفا مالم اره ... فانتقامي منه أن أخجله بالبر به
وقوله في الهزل:
إذا نامت العينان من متيقظ ... تراخت بلا شك تشانيج فقحته
فمن كان ذا عقل سيعذر ضارطاً ... ومن كان ذا جهل ففي وسط لحيته
وقوله في الجد
جنبي تجافى عن المهاد ... خوفاً من الموت والمعاد
من خاف من سكرة المنايا ... لم يدر ما لذة الرقاد
قد بلغ الزرع منتهاه ... لا بد للزرع من حصاد
أبو درهم البندنيجي:أنشدني الشيخ أبو بكر ايده الله تعالى له من نتفةٍ
متى ما اقل مولاي افضل منهم ... أكن للذي فضلته منتقصا
الم ترى أن السيف يزري به الفتى ... إذاقال هذا السيف أمضى من العصا
وله ايضاً:
الم ترى هذه الدنيا حطاماً ... توقد بيننا فيه الحروب
إذا نافست فيه كساك ذلاً ... ومسك في مطالبه اللغوب(2/224)
ابو محمد يحيى بن عبد الله الأرزني أحد مدرسي اللغة ببغداد وأصحاب الخطوط بها حدثني أبو الفضل التميمي قال كنت يوماً معه في دار بهاء الدولة فجلسنا على برج منها مطل على دجلة مع فتى اسمر مليح واخذنا نشرب من نبيذ التمر فارتجل ابياتا منها
كأن على البرج المطل غذية ... لنا منزل بين المساكين والنجم
من دوننا فيحاء قد نسجت لها ... يد المزن أفواقاً من الوشي والرقم
ودجلة تحكي في اطراد حبابها ... مضاعفة التسجين محكمة النظم
وكاساتنا تجري بسوداء ما لها ... إذا انتسبت غير الإشاءة من أم
ولو كان من عمر الحبيس معرسي ... إذا لأتت صهباء من حلب الكرم
الحبيس كان في بلاد الشام او الجزيرة
ولكنما اذري بنا أن دارنا ... ببلدة لا خال يعد ولا عم
بلا قد زهاها أن لونك لونها ... فجاءت تضاهي المسك في اللون والشم
وأنشدني غيره له في امرأة تزوجها فلم تحمدها وشبهها بالنرجس ذاماً لها
أبنت أبي اسحق هل أنت نرجس ... فإنا كلا شخصيكما متماثل
فساقاك خضروان والرأس أبيض ... ووجهك مصفر وجسمك ناحل
أوحد الملك أبو طاهر الحسن بن أحمد بن حسول يلقب بالأستاذ أوحد الملك ويرشح للوزارة ومحله محل الوزراء وهو ابن عم الإستاذ صفي الملك أبي العلاء وله بلاغة بالغة وشعر مع قرب لفظه بعيد المرام مستمر النظام كقوله
اشرب فقد اقبل الربيع بلا ... مطل وخل العذول في تعب
وسقني قهوة معتقة ... وكأنها جذوة من اللهب
وانظر إلى السن الرياض وقد ... نضنضن يتلو عوارف السحب
كأن اشجارها منورة ... منقوطة بالكواكب الشهب
تسري إليها الشمال مدنفة ... مسرى شفاء إلى اخ وصب
كأنما النرجس الجني إذا ... منحته اللحظ طرف مرتقب
والورق مثل القيان في كلل ال ... أغصان يوقظن هاجد الطرب
وخلني وأسخ على رشأ ... خللي دموعي مفضوضة السحب
وكقوله:
وأغيد يهجرني دائباً ... ويمنحني الطيف من سخطه
كأن الثريا وقد صوبت ... قبيل التبلج من قرطه
وله من رسالة: عاقتني عن زيارة مولاء الأنواء مضاهية تدفق بنانه بالعطاء وتموج ببحره بالحباء المرتوية من الأنداء ارتواه من الكرم والحياء ثم صدني أيضاً ما نحن بصدده في المعسكر المأهول من الخطر المهول والوحول التي تسوخ فيها اثباج الفيول فضلا عن الخيول ومن اخرى: غرست في فنا مولاي آمالا متهدلة الأفنان مغضلة الأغصان فلم استثمر منها إلا التأخر عن جماعة لم يجرؤا في الخدمة والطاعة إلى أمد معي ولم يضربوا في الغناء بمثل قدمي ومن أخرى ومعاذ الله أن استعدى على كرمةٍ إلا بكرمه ولو أحوجت إلى استفاف الثرى أو يشاهد مني غير الثناء ولو أزار نعرتي حد الظبي ومن أخرى: قد شاهدت عهود الصبا حاضرة وأغصان الشبيبة ناضرة القاضي أبو علي عبد الوهاب بن محمد: أمام قد غزر علمه ونقى جيبه وسلم غيبه ولم يدنس ذيله واستوى في النزاهة نهاره وليله ولا عهود لنيسابور بمثله في الزهد والورع والبعد عن الطمع وربما يقول شعر ادباء الأئمة كقوله وأنشدنيه له الحاكم أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن دست أيده الله قال أنشدني لنفسه
شباب أنست بأيامه ... فولى بايامه وانقضى
وأورثني عنه شيباً أضاء ... كصبح أتى بعد ليل مضى
قال وأنشدني أيضاً لنفسه:
ما في شكاية من به ... بعض الأذية من حرج
والصبر أجمل بالفتى ... والصبر مفتاح الفرج
الحاكم أبو علي الحسن بن منصور بن العلاء الدرابجردي النيسابوري من شبان الحكام سناً ومشايخهم علماً وفضلاً وكأن البحتري يعينه بقوله:
وشبيبة فيها النهى فإذا بدت ... لذوي التوسم فهو شيب أسود
وله أدب من ثماره شعر حسن كقوله في الغزل:
تجلت كمثل الشمس فوق جبينها ... سلاسل من مسك عقدن على در(2/225)
إذا نظمت تحت العقيق لئالئا ... نثرت يواقيت الجفون على تبر
وقوله:
وإذا مررت بموضع مرت به ... خلت التراب غدا فتيت العنبر
أرجاً على أرجائه وكأنما ... خلط العبير به بمسكٍ اذفر
وقوله:
ولما تداعوا للرحيل وودعوا ... وظل حداة العيس توضع بالوخد
ترددت في تلك المواقف باكياً ... ومعكت في آثار أخمصها خدي
وقوله في الربيع من نتفةٍ:
لقد طال لبثك في البيوت كثيراً ... فاعزم إلى صحن الفضاء مسيراً
وانهض إلى حسن الرياض وطيبها ... تشتم مسكاً بينها وعبيراً
راقت بدائعها فصرن كأنما ... ألبسن من حلل الجنان حبيرا
فاحت روائحها وفاح نباتها ... في القلب نوراً ساطعا وسروراً
وقوله في الخريف:
جمع الزمان محاسن الألوان ... وافتر عن بشر وطيب أوان
واهتز أعطاف الهواء كأنما ... تحكي الهواء تمايل النشوان
وامتد ظل الليل في أطرافها ... مثل امتداد مواقف الهجران
فانظر إلى حسن الزمان وطيبه ... وتلون الأشجار بالألوان
من بين أحمر قد علاه واصفر ... مثل العقيق تطمن بالعقيان
وتمايلت تلك الغصون فاشبهت ... يوم الوداع تعانق الخلان
تتطاير الأوراق في أفق الهوا ... قلقاً كقلب الهائم الحيران
خلع الرياح على الرياض نثارها ... في اطيب الأوقات والأزمان
يا طيب ذاك العيش في أرجائها ... لو نام عنها أعين الحدثان
أبو الحسن علي بن محمد الحميري من وجوه العمال بنيسابور واديب فاضل شاعر يقول في أبي علي الزاهر الشاعر البلخي الذي وقع يسير من شعره في اليتيمة
لنا صديق شعره داجن ... لا يألف الأسفار والغربه
لكنني أنشدنه راعياً ... لحقه في قدم الصحبة
ويقول في الغزل:
وأغيد ساحر الألحاظ أدعج ... يتيه علي بالخد المضرج
افاض على فؤادي الوجد لما ... أضاف إلى شقائقه البنفسج
ويقول ايضاً:
ابو الفضل اخو النق ... ص وعم الخرق والجهل
حمار بني آ ... دم محمول على بغل
أبو القاسم علي بن الحسين الاليماني: أصله من الري وكان مقامه بنيسابور بعد تركه التصرف وكان يقول شعراً مليحاً ظريفاً كقوله في استقبال رئيس
كيف استقبل من حيث مضى ... طار قلبي معه في سفره
فهو في غيبته يخدمه ... مثلما يخدمه في حضره
وكقوله في وزير:
سيرة الشيخ سيرة مذكوره ... واياديه بيننا مشكوره
إذ لديه محل كل كريم ... كمحل الكلاب في المقصوره
الأمير أبو القاسم علي بن عبد الله الميكالي أكبر ابناء الأمير السيد أبي الفضل أدام الله عزه وأدبهم وأعلمهم وهو في الكرم همام وفي الطب أمام وله شعر لم يخرج بعده لأنه لا يظهره ترفعاًعنه وسوء ظن به فمما اختلسه حفظي منه قوله في شدة الحر
كأننا والهجير يطبخنا ... والبق تقتات كلما نضجا
طبخ صيام يراقبون به ... أدراكه والظلام أن يلجا
وسألحق ما أجده من غرره بهذا الكتاب إن شاء الله تعالى الأمير أبو العباس إسمعيل بن عبد الله كثير المحاسن غزير الفضائل كريم النفس شريف الطبع كتب إلى الأمير أبيه ايدهما الله وكان خرج إلى ناحية أبياتاً منها
ولو أني غداة البين أغدو ... أمام الخيل في خدم الأمير
للاحت لي تباشير الأماني ... وهشت اسارير السرور
ولكني لقيد الأذن منه ... أقمت وجد قلبي في المسير
أبو الحسن علي بن عبد الله الدلشاذي من كتاب ديوان الرسائل بالحضرة حرسها الله يتناسب وجهه وخطه وشعره حسنا وسنه فويق العشرين وهو من أهل البيوتات بنيسابور ويقول في غلام جندي:
يا من حوى جد القتال وهزله ... وسبى الورى بحسام طرف سله(2/226)
صدغاه مثل الصولجان وخده ... ميدانه وقلوبنا كره له
أبو منصور عبد الرحمن بن سعيد القائني: أنشدني الشيخ أبو بكر أيده الله له
يا من تخطى إلى داري فأخطاني ... طوباي طوباي لو قد كنت في الدار
لو أن لي الف دينار وكان معي ... نثرت بين يديه الف دينار
السلامي المقيم ببخارا: له ملح ظريفة كقوله:
قال السلامي محنتي عجب ... أصغرها في القياس أعظمها
من ذاك أني اشتريت جارية ... خادمة لي فصرت أخدمها
وكقوله:
قال السلامي إن شئت أن ... تبصر محروقاً ومسكينا
فذاك من لم تر في كمه ... في زمن البطيخ سكينا
الأصمعي المقيم بها: لما استوزر الشيخ أبو الحسين محمد بن كثير رحمه الله ببخارا قال الأصمعي:
صدر الوزارة أنت غير كثير ... لأبي الحسين محمد بن كثير
فأعجب به الصدور والسامعون واستحسنوا قرب المأخذ وسهولة المطلع وممن ذكر الكنية الإسم واسم الوالد والبلدة في بيت واحد أبو القاسم الأليماني حيث قال:
إلى الشيخ الجليل أبي علي ... محمد بن عيسى الدامغاني
وممن ذكر الاسم واسم الأب واسم الجد واسم جد الأب أبو حسين بن بلقين في قوله لأبي الفضل العارض بالري
أنا نرى للملك بعد حوادث ... حدثت به وتصرفت أطوارا
في ظل راية زيد بن محمد ب ... ن علي بن القاسم استقرارا
والأصل في مثله قول الأول
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ... بعتيبة بن الحرث بن شهاب
ومما يستظرف من شعر هذا الأصمعي قوله:
قد ارتهنت قلبي غداة لقيتها ... وقد هيجت شوقي إلى القمر السعد
سرخسية الألحاظ مروية الحشا ... بخارية الألفاظ بلخية القد
أبو علي الحسين بن أحمد الأسفرايني من حسنات اسفرائن وافرادها عقلاً وفضلاً وكتابة وظرفاً ومعرفة بالنجوم يقول :
يا ايها الشيخ الجليل الذي ... من غير مغناه يذل العزيز
طال مقامي وانتهت غربتي ... ومسني الضر وأنت العزيز
ويقوله:
قد قلت لما أن كساه الردى ... يوم الثلا ثا بردة الهالك
يا ملك الموت تسلمته ... مني فسلمه إلى مالك
أبو نصر المهلبي القائد شاعر أسفرائني المولد عراقي المنشأ : صحب أعراب البوادي وأخذ عنهم وتصافح متشبها بهم وكتب إلى الشيخ الإمام الموفق أيده الله وقد تتابعت عليه أمراض في شبيبته:
أقول لأصحابي وقد قال بعضهم ... أرى نفسه في لجة الموت تغرق
عزيز عليكم أن يموت فتى له ... لسان بحد الهند وأنى ينطق
لئن غبت عن مغناك يا ابن محمد ... بموت فكم جيب علي يشقق
وكم من سرير زينته يد العلى ... بريحان فضلي في القاليم يخرق
ولم ارى من دنياي بعد لذاذة ... ولم يتمتع بي الغزال المطوق
وما سرني دست العلا وأنا الذي ... بأنجم فضلى سنة الشمس تشرق
ابو القاسم هبة الله بن محمد الأسفرايني الفقيه: أنشدت له في غلام صيدلاني
قد صاد باللحظ مهجتي غنج ... عذار خديه صولجاني
ما خلت كي اتقي مخائله ... أن يحسن الصيد صيدلاني
ابن هلال العسكري أنشدت له من قصيدة:
شقائق من تحت اغصان بان ... كمثل العرايس من تحت كله
ودجلة زرقاء مثل السماء ... وفيها زبازبها كالأهلة
ابو صالح سهل بن أحمد النيسابوري المستوفي: هناك من الجمع بين الأدب الديواني والشعر الكتابي وتقد القدم في براعة الصناة مالا خفاء بمكانه وله ديوان شعر كتبت منه قوله في أبي سعد بن أرمك من قصيدة مهرجانية مطبوعة مصنوعة:
سلك ابن ارمك للسماح مسالكا ... لو مر فيها خاتم لم يهتد
وسما بهمته التي قد ذللت ... هام السماك وقرن سعد الأسعد
ومنها:
تهدى إليك طرائف وهديتي ... حلل الثناء عليك تنشرها يدي
تفنى الهدايا وهي باقية على ... مر الزمان بقاء نقش الجلمد(2/227)
غراء بكراً صنتها عن غيره ... وزففتها نحو الأغر الأصيد
مهرج على يمن وطول سلامة ... ودوام عافية وعز سرمد
وقوله في سنة الأفاضل من قصيدة:
دهاني الشتاء بضيق اليد ... وأنساني الشغل بالخرد
ومنها:
ومما أساء له عطلتي ... ودين أقض له مرقدي
كأن الزمان وهجر الحبيب ... وبرد الشتاء وضيق اليد
تجمعن ثم ترصن لي ... فوافين مني على موعد
وهي طويلة في السهولة والعذوبة ومن حقها أن تكتب كلها دون بعضها وكذلك سائر فقره وله من سذقية في بعض اصحاب الدواوين
إذا حدث المرء عن فضله ... أصاخوا إليه وقالوا صدق
كفى أمر ديوانه وحده ... وقام بواجبه فاتسق
ودبر أعمال سلطانه ... ودوج من ماله ما أنغلق
ومنها:
ولو لم يقيض لتدبيرها ... لأضحت معالمها تنحمق
وبات الرعية في شقوةٍ ... وواليهم لم يكن يرتفق
ومنها:
ارى الناس يهدون ما استطرفوا ... من البر ما جل منه ودق
وكل بمقدار أمكانهم ... يقيمون رسماً لهذا السذق
واصبحت كل شأوهم قاصراً ... فجئت السكيت غداة السبق
ولو كان في قبضتي مهجتي ... لأنفذتها نحوكم في طبق
ولما تعذر ما رمته ... تركت تكلف ما لم اطق
ولست لأقدح في همتي ... ولكن تقاصر عنها الورق
وله من قصيدة ربعية فهي كما تراه كتابة معقودة بالقوافي كشعر البحتري
أما ترى الدهر في أثواب جدته ... قد عاد فينا فتياً بعدما هرما
تحكي البسيطة جاما من زبر جده ... خضراء حيث وضعت النعل والقدما
كأنما البس الدنيا لبهجتها ... حلياً من النور والنوار منتظما
فاشرب على وجهها صهباء صافية ... واستسمع الطير والأوتار والنغما
وأنعم بيومك هذا وارع ذمته ... فإن مثلك يرعى الحق والذمما
أما الربيع فقد أحبى الربى فغدا ... وجه الثرى عن صنوف الدهر مبتسما
كأنما الأرض تجلى وهي ضاحكة ... والجو من غيره تبكي لها ديما
واصبح الروض ذا شكر لنعمته ... كمثل شكريك إذا أوليتني نعما
وله في مهرجانيةٍ:
جآءك المهررجان أطيب وقتٍ ... يتقاضاك ما هو المعهود
من سماع يزيد في الروح روحاً ... وغناء يصبو إليه الوليد
وشراب كأنه المسك نفحا ... طيب الطعم زانه التوريد
وكتب إلى صديق له في حاجة:
يا قاضي الحاج لأخوانه ... ومشتري الحمد بإحسانه
يا من إذا عن لنا مشكل ... فرجه عنا بإمكانه
خادمه يساله حاجة ... تخف في كفة ميزانه
وله في ايام العجوز:
اليوم يوم اعتكاف ... وليس يوم بروز
ويوم بيت دفئ ... ويوم لبس الخزوز
ويوم عزف وقصف ... ويوم شرب بكوز
فإن يومك هذا ... عنوان برد العجوز
وله في إستبطاء عامل في إقامة مرسومة لحق الحساب
يا ايها الشيخ الذي بره ... ابطأ عني بعد طول انتظار
أغفلة الهتك أم نية ... نويت في تأخير رمى الجمار
إذا انقضى الغرس فلا مرحباً ... بالخرفيات التي تستعار
وله في المهرجان:
اسعد بيوم المهرجان ... واشرب على نغم القيان
لا زلت يا عين الزما ... ن تصان عن عين الزمان
وله في رئيس منكوب
يا سيد الصدر الذي ... شهد الصدور على بهائه
إنكان نابك حادث ... فلتصبرن على بلائه
فالبدر يكسف ساعة ... لكي يعود إلى انجلائه
وله في الشرب الدواء:
شربت الدواء فهنيته ... والبست من شربه عافيه(2/228)
ولا زال جسمك في صحة ... وأثار اسقامه عافيه
وله ترجمة فارسية:
خط بنا المآء مع الخف ... تركتنا نغرق في جرف
وله في محرر رديء الخط:
اقبح بخط محرر اقلامه ... لعنت أنامله إذا ما حررا
فكأنما مجت به اقلامه ... أثار ابقع حيث يبحث عن خرا
وله في كاتب ادعى الحساب:
يا كاتباً يدعي الحساب وقد ... أوتي عجبا بحسن تخطيط
دع عنك العجب لست تفرق ... ما بين القناطير والقراريط
إذا أخذت الحساب تكتبه ... مقيداً شكله بتقنيط
حكيت ذا حرفة يقال لها الت ... وقيع في الظهر بالمشاريط
حيدر الخجندي استصفع بقوله:
ما إن سألت الله مذ أيقنت ... نفسي إن الذل تحت السؤال
وإنما كتبته تعجبباً من خرقه وحمقه في الترفع عما يدين به افضل العالم وسيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونظيره في الجهل الكثيف والعقل السخيف الصوفي الذي كان إذا ذكر الله سبحانه لا يقول تبارك وتعالى ولا عز وجل فإذا قيل له في ذلك انشد
إذا صفت المودة بين قوم ... ودام إخاؤهم سمج الثناء
أبو الحسن الأغاجي هو اشهر من شعر الفارسية وفرسانهم من المجرة وله ديوان شعر سائر في بلاد خراسان وربما ترجم شعر نفسه بالعربية كقوله
إن شئت تعلم في الآداب منزلتي ... وإنني قد غذاني العز والنعم
فالطرف والقوس والأوهاق تشهد لي ... والسيف والنرد والشطرنج والقلم
وقوله في بلخ:
وبلدة قد ركب اسم لها ... من أحر البخل هي بلخ
والعيش فيها كاسمها مبدلاً ... من بائها تاء وذا تلخ
أبو بكر محمد بن علي بن أحمد العبداني:جمع غضاضة الشبان إلي أبهة المشايخ ولم يرث الفضل والأدب عن كلالة فقد كان أبوه أبو الحسن رحمه الله تعالى روضة الأدب وغدير العلم مع وجاهته عند الملوك والصدور وأبو بكر من اهل بيت المعاذية بنيسابور وهم هم وله شرف الإنتساب إلى شرف الإكتساب وشعره في صباه مليح لطيف ووراء طبعه على الأيام غرر ودرر وقد كتبت لمعاً من بنات خاطره كقوله من قصيدة
شموس مغاربهن الكلل ... شققنا فؤادي بسهم المقل
وحملنني ثقل أردافهن ... يا ويح قلبي مما حمل
ونادين قلبي فلبى وقال ... عزاي مع الظاعنين ارتحل
فيا عين جودي ولا تبخلي ... وإن كان بالصبر قلبي بخل
وأدمعها كاثرت في الورى ... ايادي الوزير الكبير الأجل
وله من أخرى:
فيا طول أنشادي غداة رحيلهم ... حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا
لئن ضاع سري بعدما قد كتمته ... كذلك سر العاشقين مضيع
وإن طال أنشادي مديح محمد ... فمن طرب ورق الحمائم تسجع
وله من أخرى:
إذا ما كنت ذا رأي سديد ... فلا تغتر بالدهر الخؤون
ولا تغضب فإنك بين قوم ... يقيسون الملائك بالقيون
ابو الحسن علي بن محمد بن عبدونة: يقول من قصيدة:
دموع بما القى من الوجد تنطق ... وقلب بنيران الصبابة محرق
ولو كان لي طرف يحل به الكرى ... رأيت خيالاً للحبيبة يطرق
وهذه خاتمة الخاتمة في ذكر الأستاذ الأوحد أبي عثمان اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني :وهو هو في الإمامة والإنفراد على النظرآء وتقدم القدم في الخطبآء ومما حاضر به من شعره قوله:
طيب الحياة لمن خفت مؤونته
هذا يزجى بيسر عمره طرباً
فاجهد لتزهد في الدنيا وزينتها
يخوض في غمرات الشغل ليس له
فارغب إلى الرب في تيسيره سبباً
فإنه خير مرغوب إليه ومن(2/229)