"""""" صفحة رقم 358 """"""
فشدَا على ورد الريا . . . ضِ فأحْرق الأحشاءَ وَقْدَا ورأيتُ ذاتَ الطَّوقِ أبْ . . . دتْ مثلما قد كان أبْدَى أترى الزمانَ يُعيد لِي . . . في عَوْدِ من أهْواه رِفْدَا يا دهرُ خُذْ رُوحِي إذا . . . بشَّرْتَني سَلَفاً ونَقْدَا وقوله : وحقِّ ليالٍ قد مضَيْنَ عفائفاً . . . وحُرْمةِ أيامٍ مضتْ بصفَاءِ لأنْتِ بسَوْداوَيْن قلبي وناظِري . . . وذكرُك وِرْدِي بُكْرتي ومَسائِي وإنِّي على العهدِ الذي كان بيننا . . . مُقِيمٌ على وُدِّي وحُسْنِ وَفائِي وقوله مضمنا : فُتِنتُ بظَبْيٍ أهْيَفِ القَدِّ فاتنٍ . . . بعينٍ لها عن قَوْسِ حاجِبه جَذْبُ صبَوْتُ به لما رأيتُ جمالَه . . . ومَن ذا يرى هذا الجمالَ ولا يصْبُو وقوله : كأنما الخالُ قُرْبَ الثغر مِن رَشَأٍ . . . مُعذَّرٍ راشِقٍ سهماً من المُقَلِ شُحْرورُ وردٍ أراد الوِرْدَ ثم أرى . . . صِلاًّ يدور حَواليْه فلم يصِلِ حام فيه على معنى الحرفوشي في قوله : كأنما الخالُ فوق الثغرِ حين بدَا . . . وقد غدَا فِتْنةَ الألْباب والمُقَلِ هَزارُ أيْكٍ سعَى من روضةٍ أُنُفٍ . . . لمَنْهَلٍ راجياً رَيّاً فلم يصِلِ وله ملغزا في شعير : ما اسمُ شيءٍ من النَّبات إذا ما . . . زال حرفٌ منه غدا حيَوانَا رُبْعه معدِناً تراه وشمساً . . . وترى فيه جَهْرةً إنسانَا وبتصْحِيف بعضِه فهْو نارٌ . . . وتُروِّي من بعْضِه الظمآنَا
محمد بن عبد الرحمن
درة مغفلة ، وخزانة مقفلة . ولولا أني ظفرت باسمه عفوا ، ووردت من منهل أدبه الفياض صفوا . لبقي محجوباً عن العيان ، ونسجت عليه عناكب النسيان .(2/358)
"""""" صفحة رقم 359 """"""
ورأيت فضله كمن في إهابه ، وبراعته دثر رسمها به . وهو مطبوع الطبع على النظم ، إلا أنه إذا نظم جاء بالمخ والعظم . وولعه بأوابد الكلام ، كولعه بشوارد نفثات الأقلام . ولا بد مع الرطب من سلاء النخل ، ومع العسل من إبر النحل . فقد أوردت له ما تحمده عليه ، وتترك لأجل ممدوحه تفويق سهم الانتقاد إليه . فمنه قوله من كافيّة : خَلِّ العوانِسَ ذاتَ الخَبِّ والرَّتَكِ . . . تسْرِي بنا بِبُجور الْآلِ كالفُلُكِ تعْلُو الحزُون فلا فُلَّتْ مَناسِمُها . . . ةلا يُغِبَّنَّها وِرْدٌ بمُشتركِ ولا عَداها هَطُولُ المُزْنِ في فَيْفٍ . . . ولا أُحِيدتْ من الحوماءِ في شَرَكِ حتى تجُوبَ الفَيافِي والوِهادَ وتسْ . . . تِقلَّ في مَرْبَعٍ بالبِرِّ مُحْتبِكِ حيثُ المَلاذُ المُرجَّى المجْتَبى قِدماً . . . المُصطَفى مُنقذُ العاصِي من الدَّرَكِ حامِي حِمى الدِّين مَن شَأْواه قد رُفِعتْ . . . على العُلَى حيث حُطَّت دُرَّةُ الفلَكِ مَن قد سَما وسَما من فوق كل سَما . . . حتى وطِي بشُسُوعٍ ربَّةَ الحُبُكِ محمدٌ أحمدُ المحمودُ خيرُ فتىً . . . له فَخارٌ عَلا بالفضل كلَّ ذَكِي وقوله من أخرى : أحسنُ من بَهْجة نَوْحِ الحمامْ . . . وسجعِ وَرْقاءَ بمتْن البَشامْ وصَدْحِ قُمْرِيٍّ شَجِيٍّ عَلَى . . . خَمِيلةِ الضَّالِ وأثْلِ الخُزامْ ومن صفِيرٍ صاتَه بُلْبُلٌ . . . على قضيبٍ مائِدٍ وهْو سامْ وشَدْوِ شُحْرورٍ فصيحِ اللُّحونِ . . . مُعْتجمِ اللفظِ دَغِيمِ الكلامْ ودَوْحةٍ قد أنْبتتْ زهرَها . . . ترُوق للناظرِ في الانْتظامْ وطَلِّ أنْداءَ بأوْراقِه . . . تنْثُره فيه غَوادِي الغَمامْ وأرْقمٍ تنْسِج أيدِي النَّسا . . . ئمِ مَوْجا له كفِرِنْدِ الحُسامْ وقَهْوةٍ حَلْبِ عصيرٍ غدَا . . . يسعَى بها ساقٍ كبدرِ التَّمامْ ومُطْربٍ قد شَدَّ أطْباقَه . . . وحَرَّك العودَ وأبْدى النَّغامْ ومن هوَى حسْناءَ رُعْبُوبةٍ . . . قد كُحِّلتْ أجفانُها بالسَّقامْ(2/359)
"""""" صفحة رقم 360 """"""
مليحةٍ تُخْجل غصنَ النَّقا . . . وتَسلُب اللُّبَّ بِلِين الكلامْ أحسنُ من هذا وذا كلِّه . . . وكلِّ ذي حُسْن به يُسْتَهامْ مَدْحُ النبيِّ المصطفى أحمدٍ . . . مَن قد أتى رحمة للْأنامْ
محمد بن الشاه بندر
هو من حين تحيز ، بنعمةٍ بأدواتها تميز . تغاديه النشوة وتراوحه ، وتناوحه أنفاس القصف وتفاوحه . فنبغ ونجب ، وقضى من حق التحصيل ما وجب . وفتق ثناءً كالمسك صدراً ووردا ، وتخلق بخلق كالماء الزلال عذبا وبردا . فوجه أدبه شادخة غرره ، وسلك نظمه متسقة درره . وهذه قطعة من شعره ، تعلم منها أنه أوتي الإصابة ، واستحق أن ينوه به بين هذه العصابة . وهي قوله : ذَرِ الصدَّ إني لستُ أقوى على الصدِّ . . . وعُدْ للذي عوَّدْتَني منك من وُدِّ فِطامِيَ عن ثُدْيِ الوَلا مُتمنِّعٌ . . . وطِفلُ نُزوعِي لا يُعلَّلأ بالمَهْدِ حَنانَيْك ما هذا التجنِّي فإنني . . . لفي نُكرٍ من مَزْج هَزْلِك بالجِدِّ لئن يكُ شَطَّ الوَهْمُ عنِّي لهفْوةٍ . . . فعَدِّ وعُدْ وابْشِر فغُفْرانُها عندِي وحقِّك لم أحسَبْك قطُّ مُفارِقي . . . ولم يكُ ظنِّي فيك خُلْفَك للوعْدِ فكيف تُنائِي وَيْحَ غيرِك هاشماً . . . حَباك بمَحْض الودِّ في القربِ والبعدِ فوا لَهَفي لو كان يُغنى تلُّهفِي . . . ووا أسَفِي إذ صرتُ أبْطأَ من فِنْدِ فما هكذا عهْدي بفَقْدِك أُلْفَتِي . . . أأحدَثْتُ أمْراً لم يكن منك في عَقْدِ لقد كنتَ لي حسَبَ اقْتراحِي ومُنْيَتي . . . مُفْدّىً إذا اشكو وأنتَ الذي أفْدِي مُجيباً بمطْلوبٍ مُلَبٍّ بدعوةٍ . . . مُراع بمَرغوبٍ سريعا إلى رِفْدِي فماذا عسى أنْكرتَ منِّي وما الذي . . . أباحَك تعْذِيبي وقتْلي على عَمْدِ أراك وقد خلَّفْتني ذا لَواعِجٍ . . . من البَيْن ذا قلبٍ أشَدَّ من الصَّلْد لمن صِرْتَ لا زَلَّت بك النَّعْلُ غادِياً . . . حلِيفاً وذا أهلٍ وقد كنتَ لي وَحْدِي فيا ناسياً للوُدِّ إنِّي ذاكرٌ . . . ويا ناقضَ المِيثاق إنِّي على العهدِ(2/360)
"""""" صفحة رقم 361 """"""
أبى اللّهُ أن أرعَى ذِمامَك جاهداً . . . وتُبْخسَني حقِّي وتُكثِر في جَهْدِي فلا كان لي قلبٌ لغيرك جَانِحٌ . . . ولا صحِبَتْني مُقلةٌ فيك لا تُنْدِي فقدْتُك إبراهيمٌ فُقْدانَ آدمٍ . . . على دَعَةٍ من أمرِه جنةَ الخلدِ أُعلِّل قلْباً لا يحيل تعِلَّةً . . . به عنك ذَا تَوْقٍ جزيلٍ وذا وَقْدِ وأُنْشِد بيتاً سالفاً حسبَ لوعتي . . . إذا هاج تَهْيامِي وقد فاتني قصْدِي لعلَّ الذي أبْلَى بهجْرك يا فتى . . . يردُّك لي يوماً على أحْسَنِ العهدِ أقلِّبُ طَرْفي لا أراك فينْثَني . . . بوابِلِ دمعٍ كالجُمان على خَدِّي ودَدْتُك تدرِي ما الذي بِي من الجوَى . . . عسى كنتَ تَرْثِي لي من الهمِّ والوجدِ أما تذكُرَنْ ما دار بالوصلِ بيْننا . . . أبارِيقَ لَذَّاتٍ ألذَّ من الشُّهْدِ لأيَّةِ حالٍ قد تناسيْتَ خُلَّتِي . . . وكيف اسْتجزْتَ الهجرَ والنَّكْثَ للعهدِ سلامِي على اللَّذاتِ بعدك والهوَى . . . وحلوِ التَّصابي والتَّشُّوقِ للمُرْدِ فيا ليتَ شعرِي مَن تبدَّلْتَ بي ومَن . . . غدا حاسدِي في القرب بالبَيْن تسْتعْدِي فما أمُّ خِشْفٍ راعَها حبلُ صائدٍ . . . فأذْهَلها عنه وغابتْ عن الرُّشدِ تَحِنُّ فتسْتهْدِي الأسودِ لِغابِها . . . فلا أثراً تلْقَى ولا هادِياً يهْدِي بأفْجعَ منِّي حين فارقتُه ضُحىً . . . حليفَ أُوارٍ لا أُعِيدُ ولا أُبْدِي لئن كنتَ أخلفتَ العهودَ وخُنْتَ بالْ . . . مَواثيقِ عن جهلٍ ومِلْتَ عن الرشدِ فحبُّك في قلبي وذكرُك في فمِي . . . وأنت بعيْني ما حَيِيتَ إلى اللَّحْدِ قوله ' أبطأ من فند ' مثل . وفند هذا مولى عائشة ابنة سعد بن أبي وقاص ، وكان أحد المغنين المحسنين ، وكان يجمع بين الرجال والنساء . وله يقول ابن قيس الرقيات : قل لفِنْدٍ يشَيِّع الأظْعانَا . . . طال ما سَرَّ عيشَنا وكَفانَا وكانت عائشة أرسلته يأتيها بنار ، فوجد قوماً يخرجون إلى مصر ، فخرج معهم ، فأقام بها سنة ، ثم قدم فأخذ ناراً ، وجاء يعدو ، فعثر وتبدد الجمر ، فقال : تعست العجلة . وفيه يقول الشاعر :(2/361)
"""""" صفحة رقم 362 """"""
ما رأيْنا لِغُرابٍ مثَلا . . . إذ بعثْناه يجِي بالمِشْمَلَهْ غيرَ فِنْدٍ أرْسلوه قابساً . . . فثَوَى حولاً وسبَّ العجَلَهْ المشملة : كساء يجمع المقدحة وآلاتها . وقالبعضهم المشملة ، بفتح الميم ، وهي مهب الشمال ، يعني الجانب الذي بعث نوح عليه السلام إليه الغراب ؛ ليأتيه بخبر الأرض أجفَّت أم لا ، فاشتغل بجيفة رآها في طريقه ، وفيه يقال : ' أبطأ من غراب نوح ' .
صالح بن قمر
هلال نجابته يعد بأقمار ، وفيه وفي نباهته أحاديث وأسمار . كتب وقيّد بخطه الكثير ، ونظم ونثر فجاء بالدر النظيم واللؤلؤ النثير . وقد أوردت له ما تستبدعه ، وتحفظه في خزانة النفس وتستودعه . فمنه قوله : يا مقلةَ الحِبِّ مهلاً . . . فقد أخذتِ بِثارِكْ وأنتِ يا وجنتيْه . . . لا تحْرقيني بنارِكْ فقد كفاني لهيبٌ . . . أصابني من شَرارِكْ هيهات أنْجُو سليماً . . . من بعد خَطِّ عِذارِكْ وخالُك الخال غالٍ . . . لوقْعةٍ في نُضارِكْ وثغرُك العذبُ فيه . . . لنا غِنىً عن عُقارِكْ وقَدُّك الغُصْنُ لكن . . . لا يُجْتنَى من ثمارِكْ أنت الذي ما رأيْنا . . . في حُسنِه من مُشارِكْ فارفُق بصَبٍّ عليلٍ . . . أفْناه بُعْدُ مَزارِكْ إلى متَى تتْرُكَنِّي . . . أرْعَى نجومَ انْتظارِكْ وكم على ليلِ ضَعْفِي . . . تسْطُو بجَوْرِ نهارِكْ إن كان يُرضيك قتْلي . . . عَمْداً بحُسْن اخْتيارِكْ فذَاك صَبٌّ عمِيدٌ . . . في ساحةِ الذلِّ بارِكْ ولم يزلْ في التَّصابِي . . . بالصبرِ فيك يُعارِكْ عسى يلُوح صَباح الرِّ . . . ضَا له من ديارِكْ(2/362)
"""""" صفحة رقم 363 """"""
وتشمل الصَّبَّ قُرْباً . . . من بعد طولِ ازْورارِكْ فجُدْ وسامحْ وواصِلْ . . . واعطِفْ وعجِّل ودارِكْ
صالح بن نصر الله المعروف بابن سلوم
رئيس الأطباء للسلطان محمد ونديمه الذي صح به تركيب الزمان ، ووفى له الأمل بالضمان . تقدم في حلبة النبلاء بحلب ، ودر له ضرع الأماني فحلب . طالما وفى العيش حقه بمنادمة يهتز لها مرحاً عطف الشباب ، وسقى السمع كأس محاورة ترقص السامعين رقص الحباب . حتى تقضقض آبنوسه ، وأشرف عناه وبوسه . فأنف الإقامة في حيه وربعه ، ودعاه إلى الرحلة حب الرياسة المركوز في طبعه . فرحل إلى دار السلطنة العالية ، وحل منها محل العافية من الأبدان العافية البالية . واتفق إثر وصوله وصول خبره للسلطان فاستدناه ، وصيره رئيس أطبائه وندمائه فبلغه من وفور الجاه ما يتمناه . وتبدلت نحوسه سعودا ، وأنجز له الدهر الضنين وعودا . فأبرز من نفيس صنعته ما لم تتنفس به لهوات ابن النفيس ، وشفى عليل صدور الملهوفين ولا بدع ف ' الشفاء ' للرئيس . وبالجملة فجمل فضائله مما تقصر عن وصفه جمل العبارات ، وإذا وقعت لذات الفضل إشارات فلذلك الرئيس تلك الإشارات . وله في الأدب روايةٌ طال بها باعا ، ودرايةٌ أبرأ بها من مرض الزمان قلوباً وطباعا . ولم أقف له إلا على بيتين أجد معناهما ، ولم تتمتع أذن سامعٍ بغيرهما في معناهما .(2/363)
"""""" صفحة رقم 364 """"""
وهما قوله : سقانيَ مَن أهوَى كلوْنِ خدودِه . . . مُداماً تُرِي سرَّ القلوب مُذاعَا ومُذ شبَّب الإبريقُ في كأسِ حانِنا . . . أقامتْ دراويشُ الحَباب سَماعَا
مصطفى الزيباري
هو في هذه لحلبة ، كالعقد النفيس في اللبة . وله جامعية فنون تربو على الحصر ، وفضائل لا يستطيع جحودها نبهاء العصر . لكنه أتى الدهر وقد هرم ن فلم يترو زهير روضه بمثل ندى هرم . فهو يشتكي زمناً بعيد الإحسان ، لا يستجلبه ولا دعوة الغيد الحسان . وينظم الشعر لا فاقة ، ما له منها إفاقة . بجدٍ أمضى من النصل ، وهزلٍ أحلى من الوصل . وقد ذكرت له ما يستلذ وصفه الوصاف ، والقول له أنه غايةٌ في بابه من الإنصاف . فمنه قوله ، من قصيدة يمدح بها البهائي : هي الشمسُ إن حيَّى بها الأوطَفُ البَدْرُ . . . فخُذْها هنيئاً لا مَلامٌ ولا وِزْرُ دهاقاً دَهاقاً غيرَ عانٍ فإنها . . . إذا صافحتْ ذا عُسْرةٍ حَلَّه اليُسْرُ ولا تخْشَ إمْلاقاً فإن حَبابَها . . . فرائدُ ياقوت وذائبُها تِبْرُ ولا تعتبرْ قولَ المُعيبين صَحْبَها . . . فأَتْرابُها زُهْرٌ وأكوابُها زَهْرُ وقُل لمدير الرَّاح سِرَّاً وجَهْرةً . . . ألا فاسْقِنِي خَمْراً وقل لي هي الخمْرُ ومكْسُولةِ الألْحاظ معْسولةِ اللَّمَى . . . تَخال بها قَطْر النَّباتِ ولا قَطْرُ لها لَحظاتٌ تسلُب اللُّبَّ والحجَى . . . وما فارقتْ جَفْناً وهذا هو السحرُ وجيدُ مَهاةٍ بل غزالٍ كأنه . . . عَمُود لُجَيْنٍ فوقه بَزَغَ البدْرُ وليلٍ كبحرٍ خُضْتُ أمواجَ جُنْحِه . . . على سابحٍ عن سَيْرِه قصَّر النَّسْرُ أكَفْكِف أذْيالَ البوادِي تعسُّفاً . . . ولا يرْعَوِي إن راعَه الضربُ والزَّجْرُ كان أبا الفضلِ البهاءَ محمَّداً . . . لنا حيث سِرْنا من صباحتِه فَجْرُ وقوله من أخرى ، مطلعها : أأيَّتُهنَّ إذْ تبدو نَوارُ . . . صَدُوف أم كَنُود أم نَوارُ(2/364)
"""""" صفحة رقم 365 """"""
بعيشِك هل سمعتَ فما سمعْنا . . . بآرامٍ وليس لها نِفارُ برَزْنَ من الخدورِ مُحجَّباتٍ . . . ومحمودٌ من البدرِ السِّرارُ طَلعْنَ عليك ثم خَنَسْنَ عُجْباً . . . كذلك تفعل الغُرُّ الجِوارُ حَذارِ لواحظاً منهن دُعْجاً . . . فمقْتول الهوى منها جُبارُ وبِي منهنَّ أُمْلُودٌ رَدَاحٌ . . . نأتْ عنِّي وقد شطَّ المَزارُ لقد غدرت أُخَيَّ وغادرتْني . . . وحيداً لا أزور ولا أزارُ وأنشد له السيد عبد الله الحجازي ، يهجو قرية أوارين : ولو أن لي في كلِّ وقتٍ وساعةٍ . . . بقريَة أوّارينَ ما أتمنَّاهُ لقُلت خليليَّ ارْحلا بي عن التي . . . تُكثِّر أوْصابِي فلا بارك اللَهُ
مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي
خطيب وابن خطيب ، وعبير مستفاد من مسك وطيب . تناول المجد كابراً عن كابر ، واستفاده ما بين أسرة ومنابر . وهو من قوم رقوا عن الدرج ، وأمن مادحهم من الاعتراض والحرج . لأياديهم فتحت بالثناء أفواه الأعلام ولأقدامهم طأطأت رؤوس المنابر والأقلام . لم تزل النجابة فيهم نسقاً على نسق ، وإذا لاحت وجوههم أضاءت بالليل وما وسق . وأنا إذا أمسكت عن ذكرهم لساناً رطيباً ، فقد قام اشتهارهم عني في الآفاق خطيباً . وقد نبغ منهم هذا الندب كما شاءت العلى ، فجاء متحلياً من الفضائل الغر بأفخر الحلى . وقد عرف فيه الرشد ، من حين وضع في اللفافة وشد . إلا أنه اخترمه الأجل وغصنه يانع ، وليس له عند التوسع في الملآثر مانع . وقد أنشدني بعض الأدباء له بيتين ، جئت بهما في هذا المحل مثبتين . وهما قوله : قالوا سَلاَ قلبُه عن حبِّهم وغدا . . . مُفرَّغَ الفكرِ منهم خاليَ البالِ قلتُ اثبِتُوا أن لي قلباً أعيشُ به . . . ثم اثْبِتُوا أنه عن حبِّهم سالِي(2/365)
"""""" صفحة رقم 366 """"""
وهذا معنى حسن ، وقلت فيه من قطعة : وظننتَ قلبي سالياً . . . أتركْتَ لي قلباً فيسْلُو وقلت أيضاً : قال تسَلَّى وقد جفانِي . . . ونام عن صَبْوتي وحُبِّي صدقتَ بالقلبِ كنتُ أهوى . . . ما حِيلتي إذ أخذتَ قلبِي والأصل فيه قول بشار : عَذِيرِي من العُذَّالِ إذ يعْذِلونني . . . سَفَاهاً وما في العاذلين لبيبُ يقولون لو عزَّيْتَ قلبَك لارْعَوَى . . . فقلتُ وهل للعاشقين قلوبُ ومثله لابن الوضاح المرسي : يقولون سلِّ القلبَ بعد فِراقِهمْ . . . فقلتُ وهل قلبٌ فيسْلو عن الحبِّ وللعرجي ما هو منه ولا يبعد عنه : وزعمتِ أن الدهر يُقْنِعني . . . صبْراً عليك وأين لي صبرُ وللبهاء زهير : جعل الرُّقادَ لي يُواصل مَوعِداً . . . من أين لي في حبِّه أن أرْقُدَا وللبوريني : يقولون في الصبحِ الدعاءُ مُؤثِّرٌ . . . فقلتُ نعم لو كان ليلِي له صبحُ وللشهاب الخفاجي : يقولون لي لم تُبْقِ للصلحِ مَوْضِعاً . . . وقد هجرُوا من غير ذَنْبٍ فمَن يُلْحَى صدقْتُم وأنتُم للفؤادِ سلَبتُمُ . . . وماليَ قلبٌ غيره يطلُب الصُّلْحَا
محمد بن محمد البخشي
من أفراد العلم الكبار ، الحسان الآثار والأخبار . وكان من سمو القدر ، واتساع الصدر ، ونببل الهمة ، ورعى الذمة .(2/366)
"""""" صفحة رقم 367 """"""
في حدٍ ما وراءه مطمع ، ولا يتقرط بمثل خبره مسمع . إلى تقوى باطنه معمور ، وقناعة موطنه ببركاته مغمور . وإيثار بما ملك ، ووقارٍ يتبعه أنى سلك . توازن به السحب الهواطل إذا حبا ، ولا ترضى أن تشبهه الجبال الروازن إذا احبتى . صحبته بالروم فشاهدت ملكاً في صورة إنسان ، مطبوعاً على الخير فما يشاب بشرٍ ولا يشان . فما شرته محباً له محبة الصحابي للسنة ، وفارقته فتلهفت عليه تلهف آدم على الجنة . أنسى الأيام وأذكره ، وأذك مكارمه فأشكره . وهاجر آخر أمره إلى مكة ، فكان بها سحاباً ماطراً ، ونسيماُ إذا هب هب عاطراً . فأقبل أكثر أهلها عليه ، وسلموا زمام انقيادهم إليه . ووردوا مشرع وفاقه ، وانتظموا في سلك رفاقه . ثم لم يلبث أن دعاه الكريم إلى داره ، فتولاه عفوه بمنهله ومدراره . وكان أملى علي من أشعاره قطعاً سهلة ، ربما حفظتها لجودتها من أول وهلة . فلم أعلقها في دفتر اعتماداً على الحفظ مني ، ولم أدر أن الأيام وشواغلها تنفرها عني . ثم وقفت له بمكة على قصيدة فتعلقت بها وجعلتها من المعلقات ، وأنا من عهدها شغفٌ بترديدها حرصاً على تذكر تلك العلاقات . والقصيدة هي هذه ، قالها في مدح الشريف أحمد ، وأخيه الشريف سعد ابني زيد ، وهما بدار الخلافة : خليليّ إيهٍ عن حديث صَبا نَجْدٍِ . . . وإن حركت داءً قديماً من الوَجْدِ فآهاً على ذاك النَّسِيم تأسُّفاً . . . وآهٌ على آهٍ تروِّح أو تُجْدِي عليلةُ أنْفاسٍ تُصِحُّ نفوسَنا . . . مُعطَّرةُ الأرْدانِ بالشِّيح والرَّنْدِ(2/367)
"""""" صفحة رقم 368 """"""
وهيهاتَ نجدٌ والعُذَيْب ودونَه . . . مَهامهُ تغوى الكدر فيها عن الوِرْدِ ومن كل شمَّاخِ الأهاضبِ خالَط السَّ . . . حابَ يرومُ الشمسَ بالصدِّ والرَّدِّ وتسْرِي الصَّبا منه فتُمسِي وبيننا . . . من البَوْنِ ما لبين السَّماوةِ والسِّنْدِ هذا في المبالغة وقول ابن عنين رفيقا عنان . وقوله هو : سامحتُ كُتْبَك في القطيعةِ عالِماً . . . أن الصحيفةَ لم تجدْ من حاملِ وعذَرتُ طَيْفَك في الوصولِ لانه . . . يغْدو فيصبح دوننا بمَراحلِ ولا أقول ما قال ابن بسام : لقد شنع وبشع أبو زيد في الكذب ، حيث قال : وشِمْتَ سيوفَك في جِلَّقٍ . . . فشامتْ خُراسانُ منها الحيَا وبعد وبدع مهلهل ، حيث قال : ولولا الريحُ أسمَعَ من بُحْجرٍ . . . صليلُ البَيض تُقرَعُ بالذُّكورِ لأن الصبا قد تتخلف لهبوب غيرها أيلاماً فبيت ابن عنين كذبه ولاضح ، وللعذر فاضح . والبيت الذي نحن فيه منشيه موصون بصدق المقال ، ومنشده مستريحٌ من حمل الأثقال . سقا اللّهُ من نجدٍ هضاباً رياضُها . . . تنفَّس عن أزْكى من العَنْبَرِ الوَرْدِ وحيَّى الحَيا حَيّاً نعِمْنا بظلِّه . . . بنَعْمان ما بين الشَّبِيية والرِّفدِ نُغازِل غِزْلانا كوانِس في الحشَى . . . أوانسَ في ألْحاظها مَقْنِصُ الأُسْدِ تُحاكِي الجَوارِي الكُنَّسَ الزُّهْرَ بَهْجةً . . . وتفضُلها في رفعةِ الشأن والسَّعدِ حِجازيَّةُ الألْفاظِ عُذريَّة الهوى . . . عراقيَّة الألْحاظ ورديَّة الخدِّ بعيدةُ مَهْوَى القُرْطِ معسولةُ اللَّمَى . . . مُرهَّفةُ الأجفانِ عَسَّالةُ القَدِّ تَمِيسُ وقد أرْخَتْ ذوائبَ فَرْعِها . . . فتخْطُر بين الْبَانِ والعلَم الفَرْدِ وتعْطُو بجِيدٍ عطَّل الْحَليُ حسنَه . . . كأن ظَبْيةٌ تعْطو إل رَيِّقِ المردِ وكم ليلةٍ باتتْ يَداها حمائلِي . . . وباتتْ يدي من جِيدها مَطْرَح العِقدِ ندير سُلافاً من حديث حَبابِها . . . على حين تَرْشافٍ ألَذَّ من الشُّهْدِ ولمَّا تمطَّى الصبحُ يطلُب علْمنَا . . . تكنَّفَنا ليلٌ من الشَّعَرِ الجَعْدِ(2/368)
"""""" صفحة رقم 369 """"""
عفِيفيْن عمَّا لا يليق تكرُّما . . . على كا بنا من شدةِ الشوقِ والوَجْدِ وقد كاد يسعى الدهرُ في شَتِّ شَمْلِنا . . . ولكن توارَى شفْعُنا عنه بالفَرْدِ فأصبحتُ أشكو بَيْنَها وفِراقَها . . . بشَطِّ النوى شكوَى الأسيرِ إلى القِدِّ وإنِّي قد استطْلعتُ دَرْكَ مطالبِي . . . وتبْليغَ آمالِي وما نَدَّ عن حَدِّي بطلْعة نَجْلَىْ دَوحةْ المجد غاربِ الْ . . . مَعالي سَنامِ الفخر بل غُرَّةِ المجدِ إمامِ المصلَّى والمُحصَّب والصَّفا . . . وِراثة جَدٍّ عن نُمَيٍٍّ إلى جدِّ أبي أحمد زيْن الصَّناديد في الوغَى . . . بني حسَن الأُسدِ الكواسرةِ الحدِّ بُزاةِ العلى الغُرِّ المَيامنةِ الأُلى . . . سما قدرُهم يوم التفاخُر عن نِدِّ غيوثٌ إذا أعطَوْا ليوثٌ إذا سطُوا . . . مناقبُهم جلَّتْ عن الحدِّ والعَدِّ فما أفَلتْ شمس لزيْد وقد بدا . . . لنا من ضِياها شمسُ أحمدَ أو سعدِ هما نَيّرا أوْج المَعالي وشَرَّفا . . . بُروجَ قصورِ الروم في طالع السعدِ ومُذْ رحَلا عن مكةٍ غاب أُنْسُها . . . فكانا كنَصْل السيفِ غاب عن الغِمْدِ منها : جَواديْن في شَطِّ المَماجد جَلَّيا . . . وحازا رِهانَ السَّبْقِ في حَنَق الضِّدِّ يِراحاتهمْ إن ينبُت الجودفي العطَا . . . فتلك بحورٌ تتَّقي الجَزْرَ بالمَدِّ وإن أحْيتِ السحبُ النَّباتَ بمائها . . . فكم أحْيَتِ الراحاتُ أنفسَ مُسْتجْدِي رياضٌ لمُرتادٍ حصونٌ للَائذٍ . . . رُجومٌ لمُستْعدٍ نجومٌ لمستهدِي شمائلُ تهزُو بالشَّمائلِ لُطْفُها . . . وعِطْف شَمُولِ الرَّاحِ هزَّتَه تُبْدِي منها : بنو هاشمٍ إن كنتَ تعرف هاشماً . . . وما هاشمٌ إلا الأسِنَّةُ للمجدِ بهم فخَرَتْ عَدْنانُ والعُرْبُ كلُّها . . . ودانتْ لهم قَحْطانُ أهلُ القَنا الصُّلْدِ فمِن مجدهم يُستَقْبَس المجدُ كلُّه . . . ومن جُودِهم أهلُ المكارمِ تسْتجْدِي هنِيئاً لأبْنا المصطفى الشرفُ الذي . . . تسَامَى فلا يُحْصَى بعدٍّ ولا حَدِّ بمِدْحتكم جاء الكتابُ فما عسى . . . تقول الورى من بعد حم والحمدِ وعُذْراً بني الزَّهْراءِ إنِّيَ ظامئٌ . . . إلى المدحِ والأيامُ تُنْسِي عن الوِرْد(2/369)
"""""" صفحة رقم 370 """"""
ِ يوَدُّ لساني لو يُترجِمِ بعضَ ما . . . لكم في فؤاد الصَّبِّ من صادقِ الوعدِ وقد نضَبتْ منه القريحةُ نَضْبةً . . . على حذَرٍ من حاذرٍ أحْذر الرَّيْدِ كنَفْثةِ مَصدورٍ ولمحةِ عاشق . . . تُسارِقه عينُ الرقيب على بُعْدِ فإن أعْطَتِ الأيامُ بعضَ قيادِها . . . رأيتُم له من مَدْحِكم أعْظمَ الوِرْدِ
إبراهيم بن أبي اليمن البتروني
صدر منشرح الصدر ، موفية محاسنه على الشمس والبدر . من أسرة نسقوا الفضائل ولا ، وسحبوا من المعلوات مطارف وملا . افتر لهم الزمان وابتسم ، وارتسم بهم نقش المآثر واتسم . كما تبسم ثغر زهرٍ عن شعاع ، وترقرق جعد نهرٍ بظلٍ لماع . وهذا الفاضل محله منهم محل العين الناظرة تصان عما يقذيها ، واليد الباطشة تحفظ عما يؤذيها . أوصافه لا تجاريه فيها أقدام الوطر ، زنعوته لا تزاحمه عليها مناكب الخطر . فهي مسلمةٌ إليه إذا نوزع من ادعاها ، مقرة لديه إذا دوفع من استدعاها . وله مآثر يفارق فرق الفرقدين قعيدها ، إذا وطئت أقدامه الأرض ربت واهتز فيها صعيدها . إلا أن الأيام عاندته في منصب قومه ، وعوضته هم أمسه مضافاً إلى يومه . وعارضه صادق المقدور ، فراح من الدنيا بنفثة المصدور . وقد رأيت له شعراً يدل على قدره الجليل ، دلالة النسيم العليل ، على الروض البليل . فأثبت منه ما ألفيت ، وبالدلالة عليه اكتفيت . فمنه قوله من مكاتبة : على فَرْطِ التشوُّق والبِعادِ . . . وإخْلاصِ المحبَّةِ في العبادِ(2/370)
"""""" صفحة رقم 371 """"""
فإني مُوقِرٌ غُرَرَ التَّحايا . . . ومُهْديها إلى الشَّهْم الجوادِ خليلي ذِي الخِلال بلا اخْتلالٍ . . . وخِذْني ني الفضائِل والودادِ وصَفْوتِيَ المُصفَّى والمُوفِّى . . . حقوقَ مودَّتي في كلِّ نادِ منها : وهل يصْفُو الزمانُ وقد بَراه . . . إلهي غادراً من قبلِ عادِ إذا ما فَارقتْ منه سهامٌ . . . فلا تُخْطِي قواتلُها فؤادِي فَبي من صَرْفه ما لو تراءَى . . . لأوْدَى بالبَرايا والبوادِي ألا قُل لي فَدَيِتُك هل أرى لي . . . مُعِيناً في البلوغ إلى المُرادِ رحِيبَ الصدرِ ذا صدقٍ ودينٍ . . . لأجعلَه ادِّخارِي واعْتمادِي وقوله من قصيدة : جاءت اليك وقد أرتك قصورها . . . عذراء شادت بالثناء قصورها حسناءُ صاغ لها المَديحُ قلائداً . . . حلَّت بها بين الحسانِ نحُورَها باهتْ بفخْرك كلَّ مُمتدَحٍ وما . . . تاهتْ وصَانتْ عن سواك نظيرَها واستَمْطَتِ الجوزاءَ قدْراً حيث إن . . . كنتَ المآلَ لها وكنتَ سميرَها يا ايها الصرر الذي اقتعد العلى . . . بمكارم اضحن الكمال سميرها منها : ورجعتَ منصوراً وعُدتَ بنعمةٍ . . . قد نلْتَ من رب الورى مَوْفورَها وحَظِيتَ بالأجرِ الجزيل وهذه . . . نِعَم فكُن بالمَكْرُمات شَكُورَها ويعجبني قوله في التخلص من قصيدة قالها في الأمير محمد بن سيفا : ولقد شكوتُ له الهوى ليرِقَّ لي . . . فنأَى عن المُضْنَى بقلبٍ جَلْمَدِ وأبَى سوى رِقِّي فقلتُ له اتَّئِدْ . . . إني رفيقٌ للأمير محمدِ وله في الفتح بن النحاس ، وكان يهواه : مُهْلِكَ العشاق مَهْلاً . . . فيك لي منك انْتقامُ بشُعَيْرَاتٍ كمِسْكٍ . . . هي للحسن خِتامُ وله فيه ، من أبيات :(2/371)
"""""" صفحة رقم 372 """"""
بيني وبينك مدةٌ فإذا انقضَتْ . . . كنتَ الجديرَ بأن تُعزَّى في الوَرى منها : رِفْقاً بقلبٍ أنت فيه ساكنٌ . . . إن الحياةَ إذا قَضى لا تُشْتَرى فارْدُدْ على طَرفي السُّهادَ لعله . . . يلْقَى خيالاً منك في سِنةِ الكَرَى واسْألْ عيوناً لا تمَلُّ من البكا . . . عن حالتِي يُنبِيك دمعي ما جرَى وله فيه ، وقد عشق مليحاً اسمه موسى ، فتجنى عليه : كلُّ فِرْعونَ له موسى وذا . . . في الهوى مُوساكَ يُولِيك النَّكَدْ فكما أكْمدتَ من يَهْواك بالصَّ . . . دِّ مُتْ صَدَّاً وذَقْ طعمَ الكمَدْ
أحمد بن محمد المعروف بابن المنلا
شارح مغنى اللبيب عالم الشهباء ومصنفها ، ومقرط العلياء ومشنفها . بتآليف وشح بيراعة براعتها صدور المهارق ، وأتى فيها من معجزات البلاغة بالخوارق . حاز بها في تلك الحلبة غاية الظهور ، وفاز بقصب السبق فيما بين ذلك الجمهور . وله عقود كلام لو تجسم لفظها لما رصعت إلا على التيجان ، وتنزهت عن أن ترى أفرادها مواضع اللؤلؤ والمرجان . تشتمل من رود القوافي ، وخود الغزليات الصوافي . على غرر كقطع الرياض غب القطر ، وفقر أحسن من الغنى بعد الفقر . فما يتبين في معاني بلاغته انحلال معاقد ، ولا تلين قناة براعته لغمز ناقد .(2/372)
"""""" صفحة رقم 373 """"""
فمن كلامه الدائر بين الرواة ، المرتصف دراً أصدافه الأفواه . هذه اقطعة من موشح أطلعها منيرة ، وبعث بها الأشجان لنار الوجد المثيرة . وقد عارض به موشح ابن سهل الذي يقول في مطلعه : هل درَى ظبيُ الحِمَى أن قد حَمى . . . قلبَ صَبٍّ حلَّه عن مَكْنَسِ وهو من الموشح الموزون ، الذي يتسلى به قلب المحزون : رُبَّ رِيمٍ رام قلبي فرمَى . . . فيه سهماً جاء عن غير قِسِي من رى ظَبْياً أرانا أسْهُما . . . من لحاظٍ كعيونِ النَّرجِسِ يا نديمِي قُم صَفا وقتُ الهنا . . . فامْلَ لي الكأسَ وعجِّل بالطِّلَا وأدِرْها خمرةً تُولِي المُنَى . . . فزَمان الأُنْسِ بالبشرِ حُلاَ والحَيَا قد ألْبَس الروضَ الثَّنَا . . . وعلى الدَّوْحِ من الزَّهْرِ حُلاَ وحكتْ بالأنْجُم الأرضَ السما . . . إذ غدَت بالزُّهْرِ منها تكْتَسِى وحَبا الأغصانَ طَرْزاً مُعْلَما . . . حين ماماسَ بأبْهَى مَلبَسِ دور ما ترى يا صاحِ أغصانَ الرُّبى . . . مائِلات القَدِّ من خمر السحابْ رنَّحتْها سُحْرةً أيْدِي الصَّبا . . . فصَبا القلبُ إليها باكْتئابْ ومن الزَّهْر لها أغْلى قِبَا . . . ومن الدَّوْح لها عالِي القِبابْ نَقَّطتْها السُّحبُ دُرّاً مثلما . . . كستِ الروضَ بثوْبٍ سُنْدُسِي وشذا عَرْف نسيمٍ هَيْنَما . . . وكذا يفعُل ذاكي النَّفَسِ دور ما لِلاحٍ مُذْ لحَى طاب الهوى . . . في حبيبٍ وجهُه يحْكِي القمَرْ لَذَّ لِي في حبِّه مُرُّ النوى . . . وارْتكابُ الهَوْلِ يوماً إن خطَرْ ما على مَن نجمُه فيه هوَى . . . حبن ما صَدَّ دَلالا ونفَرْ أحوريُّ اللحْظِ معسولُ اللَّمَى . . . فاحِمُ الشعرِ شهيُّ اللَّعَسِ ثَغْرُه ابدى لنا برقَ الحمى . . . وأثِيثُ الشعرِ ثوبَ الغَلَسِ دور(2/373)
"""""" صفحة رقم 374 """"""
يالَه بدراً حَمى عنِّي الكرَى . . . قدُّه والطَّرْفُ عَضْبٌ وأسَلْ في دُجَى شعرٍ له بدرٌ سرَى . . . وبشمسِ الوجه ليلٌ قد نَزَلْ خَنِثٌ في جَفْنِه أُسْدُ الشَّرَى . . . وعلى أعْطافِه لِينٌ ودَلّ ساحرُ المُقْلةِ معشوقُ الدُّمَى . . . قمرُ الأُفْق وظَبْيُ المَكْنَسِ ذُو لِحاظٍ كم أراقتْ من دِماً . . . وهي تُفْدَى بالجَوارِي الكُنَّسِ ومن بدائعه قوله : نازَع الخدَّ عِذارٌ دائرٌ . . . فوق خالٍ مِسْكُه ثَمَّ عبِقْ قائلاً للْخال هذا خادمِي . . . ودليل أنه لَوْنِي سرَقْ فانْتَضى الطرفُ له سيفَ القضا . . . ثم نادَى كما الذي أبْدَى القلقِ أيها النُّعمانُ في مذهبِكم . . . حجةُ الخارجِ بالمِلك أحَقْ وقوله : وأسمرٍ من بني الأتْراكِ ذي غَنَجٍ . . . يهُزُّ قدّاً كغُصن الْبان في هَيَفِ كأنه حين يعْلُو سُورَ قلعتِه . . . وينْثنى شَرفاً منه على الشَّرَفِ غصنُ الصِّبا مزهِراًقد رنَّحتْه صَبا . . . عليه بدرٌ بدا من دَارَةِ الشَّرَف ومن تضامينه العجيبة ، قوله في شخص عابه بانحسار شعر رأسه : يَعِيبني أن شعرَ الرأسِ مُنْحسِرٌ . . . منه فتىً قد عَرَى من حُلَّة الأدبِ وليس ذلك إلا من ضِراِم هوىً . . . سرَى إلى الرأس منه ساطِعُ اللهبِ أقْصِر فدَيْتُك ذا داءٌ بمَبْعَرِه . . . والعيبُ في الرأسِ دون العيبِ في الذَّنَبِ وله في شريف يعرف بالمشهدي يدعي الشعر : المَشْهَدِيُّ لِسانُه . . . قد فّلَّ كلَّ مُهَنَّدِ إن رام إنْشادَ القَرِي . . . ضِ فقُل له يا سيدِي يشير إلى قول القائل في ابن الشجري العلوي : يا سيِّدي والذي يُعِيذك من . . . نظْم القريضِ يصْدَا به الفكرُ ما فيك من جَدِّك النبيِّ سوى . . . أنك لا ينْبغي لك الشعرُ وفي كتاب الكناية والتعريض للثعالبي : يقولون في فلان فضيلتان من فضائل النبي e : إحداهما أنه أمي ، والثانية أنه لا يقول الشعر ، وهاتان الخصلتان من فضائل رسول الله e وليستا من غيره بفضيلة .(2/374)
"""""" صفحة رقم 375 """"""
وإذا كان الرجل متشاعراً غير شاعر ، قالوا : فلانٌ نبيٌ في الشعر . يعهني أنه لا ينبغي له ذلك ، وعلى هذا بنى مخلد الموصلي قوله : يا نَِبَّي اللّه في الش . . . عرِ وعيسى بنَ مريَمْ أنتَ من أشْعرِ خلْ . . . قِ اللّه مالمْ تتكلَّمْ وله : قالوا حبيبُك أمسى لا تكلِّمه . . . ولا تميلُ لرُؤْيا وجهِه النَّضِرِ فقلتُ أمرٌ دعاني نحو جَفْوتِه . . . والحبُّ للقلبِ لا للِّفظِ والنَّظَرِ وله : ادَّعَو أن خَصْره في انْتحال . . . فلذا بان قَدُّه المَمْشوقُ وأقاموا الدليلَ رِدْفاً ثقيلاً . . . قلتُ مهلاً دليلُكمْ مَطْروقُ وممن منشآته قوله من رسالة : يقبل الأرض معترفاً برق العبودية قرباً وبعداً ، ومقراً بأن فراق تلك الحضرة الزاكية لم يبق له على مقاومة التصبر جهداً . ارتكب مجاز التصبر ليفوز بحقيقة الاصطبار ، واستعار لقلبه جناح الشوق فهو هو يود لو أنه نحوكم قد طار . عجل عليه البين بدنو حينه ، وسبك في بودقة خدوده خالص إبريز دمعة عينه . وقطر بتصعيد أنفاسه لجين دموعه ، ونفى بتأوهه وأنينه طير هجوعه . بين أيادي من حلاه الله بأشرف المناقب ، ورفع رتبته العلية على أعلى المراتب . ونصب له لواء المجد ، وخفض له جناح السعد . المجزوم بأنه أوحد العصر والأوان ، والمحكوم بقصر الفضل عليه من غير احتياج إلى حجة وبرهان . من فتح لأبناء دهره أبواب التحقيق ، وفاق أقرانه بحسن التنقيح والتدقيق . وحل من مشكلات العلوم ما أعجز كل نحرير ، وأبرز غواضم الدقائق على أطراف الثمام بأحسن تقرير . فهو المسند إليه في باب العلم ، والمشار إليه بأنه إمام الحلم . وله من رسالة أخرى :(2/375)
"""""" صفحة رقم 376 """"""
انفتح له في فضل تصريف الأيام أبواب المزيد ، وتسلطت عل أصوله أيدي العلل فعاين العذاب الشديد . فحاله رق له أولو التمييز ، ومتى ارتفعت زفراته بعامل التجني من يوسف الملاحة نادى أيها العزيز . تناوب في إهلاكه ماضي طرفه وسمهري قده فقرأت باب تنازع العاملين ، وتمادى موصول جفاه فأرسل سحاب الناظرين . وأوقع الفؤاد في عروض الأسقام ، وآذن بتقطيع الأوصال بسيوف الغرام .
محمد بن حسن الكواكبي
عنوان كتاب العلى ، يكتب آخراً ويقرأ اولاً . له يفرض الشكر ويحتم ، وبه يبدأ الذكر ويختم . فلهذه ختمت به باب أولى الفتوة والبسالة ، كما ختمت بمحمد e باب النبوة والرسالة . فإنه من خلص نحلته ، القائم بتأييد ملته . ومن تقدمه بالنسبة إليه ، كلهم في الفقه عيالٌ عليه . فهم مقدمات لشكل الفضل الأول ، وهي النتيجة التي عليها في القياس المعول . فقد يتأخر الهاطل عن الرعد ، والنائل عن الوعد . ومراتب الأعداد ، تترقى بتأخير رقمها وتزداد . وتجيءُ فَذْلَكةُ الحسابِ أخيرةً . . . لتكون جامعةَ العديد الأوْفرِ ولا غرو فالكبير تتقدمه المواكب ، والشمس بطلوعها تغيب الكواكب . فهو النير الأعظم ، وعصماء عقد النفاسة المنظم . مزاياه تستغرق الألفاظ من النثير والنظيم ، والذي قسم الحظوظ بين الناس حباه بالخلق العظيم . وقد متعه الله بحوالسه وأعضائه ، وأمته بني الدنيا بإيناسه وإغضائه . فاقتعد الرتبة التي أرته إلى الفلك صاعدا ، وصحب الهمة التي صيرته يتناول الكواكب قاعداً . وأنا إذا أردت وصفه الذي بهر ، وبدا كالصبح إذا اشتهر . قلت في شأنه الباهر ، ومحله الزاهي الزاهر : ليت الكواكبَ تدْنُو لي فأنْظمِهَا . . . عقودَ مدحٍ فلا أرضَى له كَلَمِي(2/376)
"""""" صفحة رقم 377 """"""
وله من النظم الذي أبدعه فكره ، واكسب صحائف الأيام فخر الأبد ذكره ما يسمو إلى الأسماع سمو حباب الماء ، ويعمل في القلوب عمل الأفعال في الأسماء . فمنه قوله مضمناَ بيتي المرسي : حتَّى م في ليلِ الهمو . . . مِ زِنادَ فكرِك تقْتدِحْ قلبٌ تحرَّق بالأسَى . . . ودموعُ عيْنٍ تنْسفِحْ ارْفُق بنفسِك واعْتصِمْ . . . بحِمَى المهيْمِنِ تنْشرحْ اضْرَعْ له إن ضاق عن . . . ك خِناقُ حالِك تنْفسِحْ ما أَمَّ ساحةَ جُودِه . . . ذُو مِحْنةٍ إلا منحْ أو جاءَه ذو المُعْضِلا . . . تِ بمُغْلَق إلا فتَحْ فدعِ السِّوَى وانْهَجْ على النَّ . . . هجِ القويمِ المُتَّضِحْ واسمعْ مقالةَ ناصحٍ . . . إن كنتَ ممَّن ينْتصِحْ ما تمَّ إلا ما يُري . . . د فدَعْ مُرادَك واطَّرِحْ واتْرُكَ وَساوسَك التي . . . شغلتْ فؤادَك تسْترَح وله في الغزل : وَرْقاءُ من عهد الحبيب تُتَرْجمُ . . . لِيَهْنِك إلفٌ بالغُوَيرِ مَخيِّمُ لئِن تندُ بي إلْفاً وما شَطَّ حيُّه . . . فإني على شَطِّ المَزارِ مُتيَّمُ وهَبْ سَجْعك اللموزون باللحن معرِبٌ . . . فدمعِيَ أوْفَى صامتٍ يتكلمُ لكِ مثلٌ في العَنْدَلِيب وسَجْعِه . . . ولي بالفَراشِ الشِّبْه والفَرْقُ يُعْلَمُ وله : يا أيها البدرُ المُنيرُ إذا بدَا . . . وإذا رَنَا يا أيُّهذا الرِّيمُ ومعلِّم الغصنِ الرَّطِيب تمايُلاً . . . رق النسيمُ لها فصار يَهيمُ كم ذا تُمَوِّه عن صَبابةِ عاشقٍ . . . صَبٍّ على طولِ الصدودِ مقيمُ فارْحَمْ ضَنا جسدِي وحسَن تَصَبُّرِي . . . وارْعَ الجميلَ فما الجمالُ يدومُ وله في ألكن : فلا تعجبوا من لُكْنةٍ في لسانِه . . . فمن حُلْوِ فِيه لا يفارقُه الشُّهدُ وهذا المعنى أصله بالتركية ، وكنت عربته قبل أن رأيت تعريبه .(2/377)
"""""" صفحة رقم 378 """"""
وبيتي هو : ما لُكنةٌ فيه تِشينُ وإنما . . . تأبَى الحروفُ فِراق شُهْدِ لسانِهِ ثم رأيت في ديوان الشهاب ما زاد عليه ، وهو قوله : باللّه حدِّث عن تلَجْلُجِ نُطْقِه . . . سُكْراً وأتْحِفْني بعذْبِ بَيانِهِ الضِيقِ فِيه ليس يخرُج لفظُه . . . أم لا يُريد فِراق عَذْبِ لسانِهِ ومما يستعذب هنا قول ابن تميم : عابُوا التَّلَجْلُجَ في لسانِ مُعذِّبي . . . فأجبْتُهم للصَّبِّ فيه بَيانُ إن الذي يُنْشِي الحديثَ لسانُه . . . ولسانُه من ريقِه سَكْرانُ ولهذا الأصل الطيب المغرس ، فرعٌ لم يزل ولا يزال تتعرف فيه المعالي وتتفرس . وهو أحمد القائم مقام أبيه في رتبته ، والمفرع لأفانين البلاغة من سامي هضبته . زاده الله تعالى فضلاً ونبلاً ، وضاعف له الثناء بعداً كما ضاعفه قبلاً . وذلك إن كان بقي مزيدٌ بعد التمام ، على أنه لم يبق إلا الاستدامة كما قال أبو تمام : نعمةُ اللّهِ فيه لا أسألُ اللّ . . . هَ إليه نُعْمَى سوى أن تدوما ولو أنِّي سألتُ كنتُ كمن . . . يسألُه وهْو قائمٌ أن يقُومَا الجزء الثالث الباب الثالث في نوابغ بلغاء الروم(2/378)
"""""" صفحة رقم 2 """"""
الجزء الثالث(3/2)
"""""" صفحة رقم 3 """"""
بسم الله الرحمن الرحيم وهذا الباب فيه الغرض المروم ؛ فإن دار خلافتها وإن تباين فيها اللسان ، ففي أهلها حذق لا يعيقه مزية وجدت في نوع الإنسان . فسبحان من جعل جبالها السبع بمنزلة الأفلاك ، مطالع الأضوا ومغارب الأحلاك ، ومغرد طيور جملة الأملاك ، وسبب انتظام هذه الأسلاك . فسما بها الفرع الباسق ، والأصل الثابت ، وطاب لعمري فيها المنبت والنابت . كيف وهي حاضرة الدنيا ، وواحدة المفردة والثنيا . ومجمع أهل الفضل تنظمهم في سلك ، وتنزههم فيما أنالها الله من ملك وملك . وقد أمنت بحمد الله من الصائل ، وحمدت فيها البكر والأصائل . ولها الحظوة التامة ، والمحاسن الخاصة إلى الخيرات العامة . مع اللطافة المشربة بالغضارة ، والطلاقة الممكنة من مفاصل النضارة . فهي قيعة الظل الأبرد ، وكناس الغيد الخرد . ومهوى هوى الغيث الهاتن ، ومأوى اللفظ الساحر واللحظ الفاتن . وبها المباني الشم الأنوف ، والقصور الجمة الحلي والشنوف . رياضها وريقه أريضة ، وأهويتها صحيحة مريضة . ومرابعها مراتع النواظر ، ومطالع المسرات النواضر . تصبو النسمات إلى مسارحها الرحاب ، وتبكي شوقاً إليها جفون السحاب . ولعهدي بها إذا أخذت بدائع زخارفها ، ونشرت طرائف مطارفها . وقد ساقت إليها أرواح الجنائب ، زقاق خمر السحائب . فسقت مروجها مدام الطل ، فنشأ على أزهارها حبابٌ كاللؤلؤ المنحل . هناك رأيت كل شعب يحدث عن شعب بوان ، وكل منظر يتجلى عن أشكال من الزهر وألوان . بُسِطت فَوقه بُرودُ ربيعٍ . . . عندما زاره وفودُ الشمائلْ خُطَّ فيه كتابُ توحيد ربِّي . . . نَقْطُه النَّورُ والمياهُ الجداولْ فتلتْه طيورُه دارساتٍ . . . وأعادتْه مُفْصِحات العنادِلْ أغْنَتِ السمعَ عن مِراءِ جدالٍ . . . رامياتٍ لنقْل حمْل الدلائلْ وأنا إذا بسطت فيها القول ، وهدرت هدر الشول . فغاية ما أقول : هي العروس المتبرجة ، والروضة المتأرجة . فصان الله جمالها وجلالها ، ووقى من حر الهجير ببرد النعيم ظلالها . ولا زالت قوافل العوائد الإلهية واصلةً إليها ، ودامت دار إيمانٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ومع ما أعطاها الله من تحفٍ تحف بها وكرامة ، فقد اجتنت أهلها أثمار الرحلة في ظل الإقامة .(3/3)
"""""" صفحة رقم 4 """"""
فكلهم عصابة بارعة ، وآراؤهم إلى الغوامض مسارعة . بأنفس كريمة الشمائل والغرائب ، وقرائح تقذف بحارها بدرر الغرائب . وحرص على لقاء كل ذي علم ، وتخلق بأخلاق كل ذي مروءة وحلم . وقد خرج جماعةٌ من أعيانهم ، زانوا الأدب وزينوه بحسن بيانهم . أشعارهم بالألسنة الثلاثة حجة أهل اللسن ، وفاضحة المذهبات الثلاث الماء والخضرة والوجه الحسن . لو كنت أوفيهم حقهم الراتب ، وأخلص من تبكيت المزدري والمعاتب . لجعلت الطرس من صحيفة الخد ، والقلم من ألف القد . ثم كتبت وصفهم بالتبر ، فضلاً عن الحبر . ووهبت للناسخ ، نفس ودي الراسخ . وقلت فليكن الناقل ، ممن لا يقذف صفحته إلا إلى الصاقل . وقد ابتدأت الباب باثنين منهم ، رويت حديث الثنا في محلهم عنهم . وعقبتهم باثنين آخرين ، رأيتهما بدمشق وقد بزغا كالقمرين . ثم أذكر بعدهم من له شعرٌ عربي اطلعت عليه ، ثم من له شعر تركي انتخبت من شعره مفردات عربتها ونسبتها إليه :
شيخ محمد بن لطف الله بن زكريا بن بيرام
أستاذي وملاذي ، وعتادي وعياذي . عين المعالي وإنسانها ، وقلب المعارف ولسانها .(3/4)
"""""" صفحة رقم 5 """"""
صحيفة مجده لم يجد نقط شكلها حسود ، وأقلام مدحه ليس همها إلا ركوع وسجود . أنديته مصب مزن الفضل ، فهي ذات سقيط وندىً مخضل . تبذل الأعمار في لقائه نقدها ، وتنتطق الجوزاء في خدمته عقدها . ومن حق هيبته عند ذوي الآداب ، أن يعقدوا إذا لمحوه الحواجب بالأهداب . أراد البحر أن يحاكي نداه ، فقصر عنه ولم يدرك أدنى مداه . فهو لذلك في اضطراب وأمواجه في التطام ، وطفل النبت يغتذي بندى كفه فلا يخشى عليه منها إلا الفطام . فلو استجارت أوراق الخريف ، بظل حمى نداه الوريف . لما سلبت برداً زهى للعيون وراق ، وظلت شاكرةً فضل الربيع بلسان الأوراق . إليه انتهت الرغائب ، وحضر نداه الخضر وهو غائب . وهو الذي دخلت الروم لأجله ، وحصلت من لقاه على أعظم الأمل وأجله . وهو إذ ذاك عن رتبة البدر متقاعد ، ومع الشمس في الظهور رابعة النهار متواعد . فشاهدت ملكاً في صورة إنسان ، يملأ العين بالحسن والكف بالإحسان . وله السعادة مهيأة ، وبه الدنيا وأهاليها مهنأة . فوردت بحراً من جوده نميرا ، وارتقيت حيث أعد النجم سميرا . وكم مجلسٍ بين يديه ، قرأت فيه سورة الأدب لديه . تنطقني فضائله بما أنظم فيه من الغرر ، فأغدو كمن قلد البحر من فرائده بعقود الدرر . ثم أفيض عنه فيض النهر ، وأنصرف انصراف الصبا عن الزهر . وقد آليت لا توقعت خيراً سوى خيره ، ولا أملت الرغبة عن شق القلم لمدحه غيره . وصفوي محميٌّ به عن الشوائب ، وجسدي محرم على أنياب النوائب . وكانت لي وراء رأيه مواعيد ، كنت منها على نيلٍ قريب غير بعيد . فعاق عنه موته الذي بدل السرور بالترح ، وترك الحزن شامتاً بالفرح . فدفن به كنزٌ كان في الزمان لقية ، وتم به السرور لكل حي وكانت عندنا منه بقية . فنعته الهمم ، وماتت بموته أمم . وما فُجِعت به الدنيا ولكن . . . غدتْ بِفراقه الدنيا يتيمهْ فعلى قبره من الرحمة الحافة ، عدد أنفاس الخلائق كافة . وقد أوردت له من آثاره التي جلت ، وأسفرت عن شمس البلاغة حين تجلت . ماهو(3/5)
"""""" صفحة رقم 6 """"""
في مقلة الأدب حور ، وفي قلب الحسود خور . فمن ذلك قوله : يرمِي فيُوقع فتنةَ النَّظَرِ . . . وتراه يسألني عن الخبرِ نَزْهٌ خيالُ الفكر يُغضِبه . . . فيكاد يمنعني من الفِكَرِ ما شاهدتْ عيْنايَ طلعتَه . . . إلا وأغْناها عن القمرِ يُرْجَى من الفِتَن الخلاصُ إذا . . . سلمتْ لواحظُه من الحَوَرِ وقوله : أترى الزمانَ يُعيد لي أُنْسِي . . . ويردُّ بدرِي حاملاً شمسِي فإذا تكرَّم رحتُ أشكرُه . . . وتركتُ يومي عاتباً أمسِي وقوله : صافيْتُكم من عهدِ أن . . . كنتمْ فما هذا الجفَا وبيْننا مودةٌ . . . تعلِّم الآسَ الوفَا وقوله : يسْبِي العقولَ بلَحْظه فكأنما . . . سُقِيتْ سيوفُ لِحاظِه بسُلافِ سَيْفُّيهُ صاد القلوبَ بنَظْرةٍ . . . من بين مثل قوادم الخَطَّافِ السيفي : طائر من الجوارح يشبه الصقر . ومن رباعياته قوله : ناديتُ أحبَّتِي لأجل السَّلْوَى . . . والدهرُ رسومَ رَبْعهم قد سَوَّى بالنَّوْحة جُدْتُ في المغاني حتى . . . قد ساعدني على بكائِي رَضْوَى ولي فيه مدائح كثيرة ، من جملتها قصيدة قلتها في ابتداء ورودي عليه . ومستهلها : دَنا الرَّكْب من حَيٍ تقادَم عهدُه . . . وهَيَّج فيه القلبَ وجداً يُجِدُّه دعتْه إلى الشكوَى معالمُ أُنْسِه . . . ولكن أسرارَ الغرام تصُدُّهُ بنفسِيَ مِن آرامِه كلّ شادِنٍ . . . تملَّك مني حبَّةَ القلبِ وُدُّهُ من الغِيد يرْنُو عن حُسامِ لَواحظٍ . . . يقُدُّ قلوبَ الدَّارِعين فِرِنْدُهُ أرُدُّ عيوني عنه خِيفةَ كاشحٍ . . . وهل يمنع الصَّادِي عن الماء وِرْدُهُ سقاني وقد حيَّى مُداماً تروَّقتْ . . . إذا لم تكُن من كَرْمِه فهْيَ خَدُّهُ سُلافاً تُعير الصبحَ في كَشْفِه لنا . . . قِناعَ الدجى منها سَناً يسْتمدُّهُ(3/6)
"""""" صفحة رقم 7 """"""
من مديحها : يرِفُّ به غصنٌ من الحمدِ يانِعٌ . . . ويعبَق من نَشر الثَّنا فيه نَدُّهُ ولا تعثُر اللَّحظاتُ في باب مجدِه . . . بغير مَنالٍ يقْدَح العزَّ زَنْدُهُ أدَرَّ على الأيام سَيْباً ففجَّرتْ . . . ينابِيعَ حتى الصخرُ أعْشَب صَلْدُهُ ومنها هذه القصيدة ، قلتها وقد ألبسني فروةً من فراه ، وهي بعض ما نالني من قراه : شأنُ المُوَلَّه أن يعيش مُتيَّما . . . والحبُّ ما منع القَرارَ المُغرَمَا هو ما علمتَ غرامُ صَبٍ دمعُه . . . ما زال يُظهِر سِرَّه المتكتِّمَا لو شاء من أضناه هجيره . . . رد الحياة لجسمه منكرما وإذا الصبابةُ خامَرتْ قلبَ امرىءٍ . . . وجد الشِّفاءَ من الحبيب تنعُّمَا ولَرُبَّ مُغْبَرِّ الأديمِ قطعتُه . . . من فوق مُبْيَضِّ القوائمِ أدْهَمَا لا تستطيع الشمسُ ترسم ظلَّه . . . مهما مشَى سبَق القضاءَ المُبرَمَا والليلُ بحر قد تدافَع مَوْجُه . . . وترى الكواكبَ فيه تسْرِي عُوَّمَا وكأن وجهَ الأُفْقِ تُنقَدُ فضةً . . . والبدرَ تحسَبه عليه دِرْهَمَا وكأنما المَرِّيخُ شعلة قابسٍ . . . أو رأسُ نَصْلٍ خضَّبْته يدٌ دَمَا أسْرِي وشخصُك لا يزال مُسامِري . . . وأرى التصبُّر عنك مُرّاً عَلْقَمَا يا آفةَ الأرواحِ ما ألْهاك عن . . . دَنِفٍ لذكْرِ هواك يهوَى اللُّوَّمَا من مديحها : مولىً إذا ظلمَ الزمانُ فما يُرَى . . . إلاَّ إلى عزَماته مُتظلِّمَا جارَى الملوك إلى مقاماتِ العلى . . . فتأخَّرُوا عنه وكان مُقدَّمَا لو مَدَّ راحتَه لثَغْرِ مُقَبِّلٍ . . . أنِف الثُّريَّا أن تكون له فَمَا أو تنطق الدنيا بِمِدحةِ ماجدٍ . . . نطَق الزمانُ بمدْحِه وتكلَّمَا دعَواتُه تجلو الكروبَ وعَزمُه . . . لو يلْتقيه الموتُ مات توهُّمَا ولو اسْتجار به النهارُ من الدجى . . . لم تبصرِ الأحداقُ شَيّاً مظلِمَا منها : ألْبَسْتني نِعَماً رأيتُ بها الدجى . . . صبحاً وكنتُ أرى صباحِي مظلِمَا ما عُذْرُ من شرَّفتَه بفضيلةٍ . . . أن لا ينالَ بها السُّهَا والمِرْزَمَا وإليْكها زهراءَ ذاتَ بلاغةٍ . . . لو رامَها قُسٌّ لأصبح أبْكَمَا من كل بيتٍ لو تجسَّم لفظُه . . . لرأيتَه وَشْياً عليك مُنَمْنَمَا(3/7)
"""""" صفحة رقم 8 """"""
واسلَمْ لنَشْر فضيلةٍ معلومةٍ . . . لوْلاك طال على المَلا أن تُعلَمَا إن العُلَى بدأتْ بذكرِك مثْلَما . . . آلتْ بغيرِك في الورى لن تُخْتَمَا ومنها هذه الرائية ، مدحته بها في أول فصل الربيع ، وأولها : باكِر الحانةَ والكأسُ تُدارُ . . . فشبابُ العمر ثوبٌ مستَعارُ هذه الأرضُ اكْتستْ أزهارَها . . . ما على من يغْنَمِ اللذاتِ عارُ وكأنَّ الروضَ وَشْيٌ فاخرٌ . . . نَقْشُه آسٌ ووردٌ وبَهارُ إن سَرتْ فيه نُسَيمات الصَّبا . . . فضَح العنبرَ رَنْدٌ وعَرارُ وكأنَّ المُزْنَ تِبْرٌ كنزُه . . . دُرَّةٌ بيضاءُ والماءُ نُضارُ فتَقتْ كفُّ الغوادِي جَيْبَها . . . فالذي منها على الروضِ نِثارُ يا رَفِيقَيَّ دعانِي والهوى . . . إنما الصَّبْوةُ للصَّبِّ شِعارُ كنتُ أُخفِي محنةً في خَلَدي . . . لو يكنْ للقلب في العشقِ اختيارُ من بيِتْ وَلْهانَ في حبِّ الظِّبا . . . خانَه القلبُ وعزَّ الاصْطبارُ يعذُب الهجرُ لمن يعرفُه . . . وبمَطْل الغِيد يحلُو الانتظارُ إنما نَشْوانُ أحْداقِ المَها . . . صَحْوُه من سَكْرةِ العشق خُمارُ يا سَقى موطِنَ لَهْوِي بالحمى . . . أدْمُعِي إن شحَّتِ السحبُ الغِزارُ كم ليالٍ فيه قد قضَّيْتُها . . . ومن الأيامِ حلوٌ ومِرارُ فانْقَضتْ أسرعَ من سهم القضا . . . يا ابنَ وُدِّي ليس للعيشِ قَرارُ وحبِيبٍ بات زَنْدِي طوقَه . . . والمُنى ثالثُنا والأنسُ جارُ قد نأَى لكنْ عن العينِ وكم . . . نازحِ الدار له القلبُ ديارُ أيُّ نفعٍ في اقترابِ الجسم إن . . . بعُد القلبُ وما يُغنِي الجِوارُ هكذا تفعل أحكامُ الهوى . . . في بَنِي العشقِ وللدهرِ الخِيارُ ينْقضي العمرُ ومالي مُسْعِفٌ . . . ومن الضَّيْم مُصِيخٌ لا يُجارُ هذه حالي وإن طال المدى . . . واعْتبارُ الحالِ للمرءِ اختبارُ غيرَ أن الحرصَ غَلاَّبُ النُّهىَ . . . والمُنى منها اختيارٌ واضطرارُ لا أذُمُّ الدهرَ حاشَى وله . . . أنْعُمُ المولَى عن الذنبِ اعْتذارُ كعبةِ الآمالِ والركنِ الذي . . . للمنى فيه اسْتلامٌ واعْتمارُ قد جَلا خَطْبَ الليالي عَزْمُه . . . مثْلما يجلُو دُجَى الليلِ النهارُ لو يكُنْ للبحر أدْنَى بِرِّه . . . لم يلُحْ للعينِ بَرٌّ وقِفارُ وحِماهُ مُلْتقَى عِيسِ المُنى . . . لا سِواه للنَّدى مَأوىً وجارُ(3/8)
"""""" صفحة رقم 9 """"""
روضُ فضلٍِ نجتَني إحسانَه . . . وكذا تُجنَى من الروضِ الثِّمارُ أيها الأستاذُ والمولى الذي . . . غَرِقتْ في سَيْب كفَّيْه البحارُ لك أُنْهِي نُوَباً من بعضِها . . . يذْهَل اللبُّ وذو العقلِ يَحارُ حَلَّ بي الشيْبُ فأفنَى رَوْنقِي . . . وكذاك البدرُ يمْحوه السِّرارُ فأغِثْني من كروبٍ في الحَشا . . . حُرَقٌ منها وفي الطَّرْفِ انكسارُ وتمتَّع بقوافٍ كَرُبىً . . . ضاحَكَ النَّوْرِ عليها الجُلَّنارُ بِدَعٌ قد أُشْرِبتْ ألفاظُها . . . رِيقةَ المبْسَم والخمرَ العُقارُ كخُدودِ الغِيد تحمْرُّ حَياً . . . وإذا شئْتَ كما اخْضَرَّ العِذارُ أنا حسَّان القوافي فإذا . . . فُهْتُ طاب الشعرُ وارْتاح الفَخارُ وإذا غنَّتك أطْيارُ الثنا . . . فأنا من بينها وحدِي الهَزارُ ليس لي مالٌ ولكن كَلِمِي . . . عَسْجَدٌ تِبْرٌ وإلاّ فنُضارُ لم أقُلْ طالتْ وإطْنابُ الورَى . . . في مَعاليك مدَى الدهرِ اخْتصارُ فابْقَ أعْلَى الناسِ جاهاً ونَدىً . . . وإلى مَجدِك بالعِزِّ يُشارُ لك أهْنَى عِيشةٍ تخْتارها . . . ولأَعْداك البلايَا والدَّمارُ وقد اكتفيت بما أثبته عن الباقي ، ورددت بعد هذه الخمرية القدح إلى الساقي .
عبد الباقي بن محمد الشهير بعارف
بحرٌ وأنواع المعارف ماؤه ، وبدر وأوج السعادة سماؤه . لم ير نظيره في المحاسن النواضر ، لأن محاسنه ملأت القلوب والنواظر . له السبق الأشهر ، ونطقه الياقوت والجوهر . استولى على العلوم ، وألحق المجهول منها بالمعلوم . وأما الأدب وفنونه ، فهو الذي تشير إليه عيونه . فالنسب ، إلى حفظه انتسب . والأيام والدول ، عنده منها خبر الأواخر والأول . وأما الأخبار فهو ينسي التاريخ ومن ورخ ، وله استقصاءٌ يعلم به الذي باض وفرخ . وقد وفر الله له غاية الحظ في محاسن الخط ، فخطه نتيجة ما أودع الباري من مقدمتي البرى والقط . كلما دور القلم نور المقل ، وحلى العقول وحل العقل . وقد اعتنق الأشعار وألفها ، كما اعتنقت لام الكتابة ألفها . وجاء منها بفرائد تحسدها سبح الدر من الثنايا المنظمة في العقيق ، وتغض من حيائها حدق النور وتحمر خدود الشقيق .(3/9)
"""""" صفحة رقم 10 """"""
وكنت وأنا بالروم اجتمعت به مرات ، وشاهدت طلعةً هي موسم أفراح ومسرات . فلما ورد دمشق كانت رؤيتي له ثانية ، وفيها تدلت على ثمرات إقباله متداينة . وشديت للقاهرة في خدمته الرحل ، وكنت معه بها في زمنٍ كزمن الفطحل . في أوقاتٍ كلها برؤيته نعيم وطلاوة ، أتلو بها أوصافه على القلم فيسجد لها سجدة تلاوة . وأنا أعلق من نفسائه كل ذخيرة ، وينسيني الليلة الأولى منه بالأخيرة . وتسهر عيْني فيه والحَظُّ نائمٌ . . . كأنِّيَ من خوفِ المَكارِه أحرسُهْ ولقد أشتهى أن أحل كل جسم ، ليكون لي من رؤية وجهه كل قسم . وإذا رغب إلى الله راغبٌ ، في تسهيل ما له من مطالب ورغائب . فإني أرغب في التوسل بطول عمره ، وارتقاء أمره . إلى أن يعمل الاسم في الحرف ، ويمتنع زيد من الصرف . وحتى يشغل الجسم حيزين ، ويحل في مكانين . وقد أخذت من أشعاره التي جاوز الشعرى تراقيها ، وكأنما نظم المحاسن عقد في تراقيها . ما لو ضربت بيوتها بالحجاز ، لأقرت لها العرب العاربة بالإعجاز . قصائدُ إن تكنْ تُتْلَى على مَلأٍ . . . صدورُها علمتْ منها قوافيهَا ينْسى لها الراكبُ العَجْلانُ حاجتَه . . . ويصبحُ الحاسدُ الغضْبانُ يرْوِيهَا فمنها قصيدة نبوية ، أولها : متى هتفتْ بالجُنْحِ وُرْقُ الحمائمِ . . . أنارتْ جوَى قلبٍ من الوجدِ هائمِ سقَى اللّهُ ساحاتِ العُذَيْبِ وبارِقٍ . . . بكل هَمُولِ الوَدْقِ أوْطفَ ساجمِ إذا بارِقٌ شِمْناه من نحو بارِقٍ . . . تأجَّج نارٌ في الحشَا والحيَازِمِ فها أنا مَطْوِيُّ الضلوعِ على الجوى . . . إلى لَثْمِ هاتيك الرُّبَى والمَعالمِ ألا أيها الحادِي ترفَّقْ بمُهْجتِي . . . وباليَعْمَلات الدَّامِياتِ المَناسِمِ أحِنُّ ادِّكاراً نحوَ مُنْعَرَج اللِّوَى . . . وأصْبُو إلى سفْحِ النَّقَا فالأناعمِ فيَسِّرْ إلهي أن أعفِّر جبهتي . . . بساحاتِ هاتِيكَ الرُّبَى والمَعالم(3/10)
"""""" صفحة رقم 11 """"""
ألم يَأْنِ يا مُعطِي المُنَى أن تحصَّلتْ . . . مآرِبُ أصحابِ النفوسِ الأكارمِ وهاج غرامِي نحوَ مكَّة حيثما . . . تُشَّدُّ حِزامُ المُرسَلات الرَّواسمِ وذلك أزْكى مَرْبعٍ صار مَنْشَأً . . . لفخرِ البرايا خيرِ أولادِ آدمِ ترى طَيْبةً قد صار مأوَى شفيعِنا . . . حليفِ النَّدى فخرِ الجدودِ الأكارمِ محمدٍ المبعوثِ بالبِرِّ والتقى . . . وبَذْلِ نوالٍ واقْتناءِ مكارمِ طرازِ رُواءِ الفضلِ من نَسْل يَعْرُبٍ . . . وإنسانِ عين المجد من آل هاشمِ شفيعِ ذوِي الآثامِ نِيطَتْ بحبِّه . . . إزاحةُ آثامٍ وصفحُ جرائمِ ملائكةُ الرحمنِ أمستْ وأصبحتْ . . . تطُوف ذُراها كالطيورِ الحوائمِ وليس يُسامِي النجمُ سُدَّةَ بابِه . . . فمن يعْتلي سقفَ السَّما بالسَّلالمِ فمن يكُ يأوِيها فقد صار لائِذاً . . . إلى مَعْقِلٍ للمستجيرِين عاصمِ ولن تبلُغَ الأملاكُ في القُرْبِ شَأْوه . . . وكيف الخوافِي تسْتَوِي بالقوادمِ وفي ليلةِ الإسراءِ صار مُشرِّفاً . . . بأخْمَصِه فوق السُّها والنَّعائمِ وبعثتُه أضحتْ لكلِّ مُلِمَّةٍ . . . كأيام ذي قارٍ لجار الأراقِمِ ولولاه لم يُوجَد من الخلقِ واحدٌ . . . هو السببُ الأقْصَى لخلقِ العوالمِ بمِيلادِه غارتْ بُحَيرة سَاوةٍ . . . وغِيضَت أوَاذِي سَيْحِها المتراكمِ غَدا حِصْنُ من لم يتَّبِعْ لك دَارِساً . . . ولم يتَّفق بَانٍ له غيرُ هادمِ مَشاربُهم سَمٌّ ذُعافٌ ومالَهم . . . مطاعمُ أشْهَى غير عَضِّ الأباهمِ ألا يا رسولَ اللّهِ جُدْ بشفاعةٍ . . . عسى اللّهُ أن يَمْتاح عفوَ جرائِمي شفَيْتَ نفوساً حيث داويْتَ سُقْمها . . . وسلَّلتَ منها مُرْدِيات السَّخائمِ وسَيْبُك يا ذا الجودِ غيرُ مُمنَّعٍ . . . لمُسْترفِدِ الجَدْوَى ببابِك قادِمِ تركتَ ذوِي اللسَن المصاقعَ مُفْحِماً . . . وإنَّك قد انْطقْتَ عُجْمَ البهائمِ وكم مُفْلِقٍ أعجزتَه مُتحدِّياً . . . بمُعجِز قرآنٍ إلى الحشر قائمِ وهبْتَ جَرِيداً في الوغَى لعُكاشةٍ . . . تحوَّل نَصْلاً من مَواضِي الصَّوارمِ ووجهُ ابن مِلْحان غدَا إذْ مَسَحْتَه . . . مُضيئاً كبَرْقٍ في خلال غمائمِ وشَاءٌ لعبد القيْس في أُذْن سَخْلِها . . . إلى اليوم قد أبْقيتَ بادي المياسِمِ لعمري قد أصبحتُ مُغْرىً ببابِكَ الرَّ . . . فيع مُعَنّىً مُذْ أُمِيطتْ عمائِمي عليك سلامُ اللّهِ ما سطع الضُّحَى . . . وأوْمَض برقٌ في خلال غمائمِ كذلك للصحب الكرام وآله . . . ذوي عِزَّة قَعْساءَ جَمِّ المكارمِ لهم في النَّوادِي فضلُ حِلْمٍ ومُكْنَةٍ . . . وفي حَوْمةِ الهيْجاء عَدْوُ الضَّراغمِ(3/11)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
نجومُ هُدىً من يقْتديهم يفُزْ بما . . . يرومُ اهْتداءً في ليالٍ فواحِمِ وأنشدني من لفظه هذه القصيدة ، مدح بها مفتي السلطنة : أحْيَى رُبوعَ الأجْرَعَيْنِ لِزامَا . . . مُزْنٌ سَقاها وابلاً ورِهامَا ومتى يُرى البرقُ اللَّمُوعُ بذي الغَضا . . . طار الفؤادُ لها شجىً وغَرامَا وثَوى الربيعُ على ذُراها مُلْقِياً . . . برَحِيب ساحتِها العصا فأقامَا والريحُ إذْ هبَّتْ برَيَّا تُرْبِها . . . أذْكَتْ من الوجدِ الصريحِ ضِرامَا زَرَّتْ هَتُون السحبِ في حافاتِها الْ . . . أزْرارَ ناشرةً بها أعْلامَا لو ضَلَّه السَّارِي هدَاه نَحْوَ سا . . . حتِها شَذَا أنْفاسِ نَشْرِ خُزَامَى عهْدي بأيامٍ مَضَيْنَ برَبْعِها . . . يا رِيحُ عنِّي بلِّغِيه سلامَا أوقاتُ أُنْسٍ مثل إبْهام القَطا . . . قد صِرْنَ من قِصَرِ المدى أحْلامَا وبِمُنْحنَى وادِي الأراكِ حبيبةٌ . . . قلبي بشَجْوِ غرامها قد هامَا وبسُرَّةِ البَطْحاء مُرْتَبَعٌ غدا . . . أضْنَى فؤادي صَبْوةً وهُيامَا وبما ارْتدتْ بِرداءِ جَوْنِ سُفُورِها . . . صارتْ على بشر المَوامِي شَامَا شَغَفِي وتَهْيامِي تجدَّد كلّما . . . شدُّوا على العِيسِ الأَمُونِ حِزَامَا للنَّاسِ صيَّرها الإلهُ مَثابةً . . . إذ حيثُ عَيَّن قبلةً إعْظامَا قُصَّادُها تَرْقَى على رُتَبِ العلى . . . مهما تجُوب مَهامِهاً وأَكامَا أصْبُو إلى تقْبيل هاتيك الثرى . . . لأفُوز أن اسْتافَ ذاك رَغامَا وإذا الحجيجُ توجَّهتْ نحو العُلَى . . . أهْفُو إلى تلك الربوعِ غَرامَا إن رُمْتَه نَيْلَ المُنَى مُسترفِداً . . . خُذْ ما ترُوم فقد ظفِرتَ مَرامَا فاطلُبْه ممَّن بالفضائل واللُّهَى . . . لذَوِي الحِجَى والفضلِ صار إمامَا مُفْتِي الورى ومُبِين أعلام الهدى . . . أفْتَى الأنامَ وأوضحَ الأحْكامَا ذو المجد إن أمْعَنْتَه ألْفَيْتَه . . . وجدودَه الغُرَّ العظامَ كِرامَا وبرأْيه المورُوثِ أعطَى راعياً . . . للدولةِ العُظْمى به اسْتحْكامَا أعْطَى بصائب فكرِه وبجُودِه . . . لشَتِيت آمالِ العُفاةِ نِظامَا وأزاح دَيْجورَ الحواديثِ بعد ما . . . قد عَمَّ ساحاتِ الديارِ ظلامَا وأراح مُذْ ساس الورَى فلأجْلِ ذا . . . أضحت عيونُ الحادثاتِ نِيامَا مَن فاز بِشْراً من أسِرَّة وجهِه . . . بَرْقَ البشائرِ والتهَانِي شَامَا(3/12)
"""""" صفحة رقم 13 """"""
ومَنِ اسْتضاءَ بنورِ غُرَّته اجْتلَى . . . وجهَ السرورِ وقد أُمِيطَ لِثامَا ولأجْل أن أغْلَى المعالِي قيمةً . . . سوقُ المعالِي والمعارف قامَا مَن كان مُنتمياً إلى أعْتابه . . . أمسَى وأصبح للأنام إمامَا أنت الذِي أعطيتَ جَدّاً ناعِشاً . . . من يستغيثُك نال ما قد رامَا آنافُ كلِّ مُخالفٍ أجْدَعْتها . . . بشَبَا البراعةِ إذ سَللْتَ حُسامَا وجوادُ فكرك فاق سَبَّاقَ النُّهَى . . . خاض الطِّرادَ وما أثار قَتامَا وسلكتَ في سُبُلِ المكارم مَسْلَكاً . . . أعْيَى الوُلاةَ وأتعبَ الحُكَّامَا من يتَّخِذْ مَثْوَى جنابِك قِبْلةً . . . للناس أصبح أُسْوةً وإمامَا سَبقتْ لِبابِك لي تَلِيدُ عُبودةٍ . . . أنت الأحقُّ بأن تصون ذِمامَا اللّهَ أسألُ أن يُحلِّي دَائباً . . . بوجودِك الأيامَ والأعوامَا دُمْ في ذُرَا طَوْدِ السعادة والعلى . . . تتسَنَّم الهضَباتِ والأعْلامَا وأنشدني رائية خبية الفكر ، والخريدة التي صانها الله صيانة البكر ، وهي في مدح الوزير مصطفى ، أخي الوزير الفاضل . ومطلعهاك دِراكُ المعالي بالمُهنَّدةِ البُتْرِ . . . وَنيْلُ الأماني بالمُثقَّفة السُّمْرِ ومَن يهتْصرْ لَدْنَ القنا باعْتقالِها . . . جنَى يانعاً من دَوْحةِ النُّجْحِ والنصرِ وهل بعد أن الحتْفَ ضربةُ لازبٍ . . . لمن ينْثنِي ذُعْراً عن الزحفِ من عُذْرِ ولو لم يكن بالْهالِع النَّدْلِ سُبَّةٌ . . . كفى فيه خُسْراً سوءُ مُنْقلَبِ الكَرِّ وما لم تُرِقْ لم يُورِق النُّجْحَ ناضراً . . . نَجِيعُ الأعادي كالمُلِثِّ من القطْرِ ومن يعْتنِقْ هِيفَ القَنا يسْلُ مُعرضاً . . . عن الخَفِراتِ البِيض ناحِلةِ الخَصْرِ ويسْتنتج الحَوْماتِ والبأْسِ من يكُن . . . أبا عُذْر ما قد خاض من فتْنةٍ بِكْرِ ومَن لم يخُضْ لُجَّ المَعارِك لم يكَدْ . . . يفُوز بِعقْد النَّحْرِ من لُؤلؤٍ نَثْرِ فها هو ذا الصدرُ الكريم الذي غدا . . . عديمَ المُدانِي غيرَ مُشتَرك النّجْرِ سَمِيُّ النبيِّ المصطفى الناشرُ اللُّهَى . . . غزيرُ الندى شمسُ العلي الواسعُ البِرِّ مُعزُّ أساسِ الدين مُحيِي رسُومهِ . . . مُذِلُّ رقابِ المعتدين ذوِي الكفرِ وناظمُ شمْل الدين للمال ناشرٌ . . . يفوق الورَى في ذلك النظم والنثرِ تطاوَل للأحْرارِ حيث اسْترقَّهمْ . . . بِفَكِّ عُناةٍ منهم عن يَدِ الأسْرِ وصار له خَوْضُ الحروبِ سجِيَّةً . . . ولم يكُ يسْطو في المعارِك بالبُتْرِ(3/13)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
رحيبٌ ذَاره أصبحت مُنْتدَى اللُّهَى . . . وحَضْرتُه العَلْيا غدَتْ منتهى الفخرِ حَرِي للورى أن يُفْرِشوه خُدودَهم . . . يعُدُّونه زَهْواً من الشِّيَم الغُرِّ له شاغلٌ بالبِيض عن أبْيَض الدُّمَى . . . وبالسُّمْر يسْتغني عن الشُّدُنِ العُفْرِ زَكَا خُلْقُه الَّزاهِي ورتبتُه اعْتلَتْ . . . على أنْجُمِ الزَّهْرا بل الأنْجُمِ الزُّهْرِ أزاح بمَاضِي الشَّفْرتيْن صفوفَهم . . . كما حَكَّ سْطراً بعد ما حاك من سَطْرِ وما قد أتى من صَيِّب النُّجْح عاجلاً . . . مَخِيلةُ أن يزْداد من دِيَمٍ غُرِّ وأنت الوزيرُ ابنُ الوزير أخو الندى . . . وصدرُ الصدور الماجِدين ذوي القَدْرِ أحاطتْ أياديك الكرامُ بحيثما . . . يَضيقُ بما خَوَّلْتَ منطقةُ الشكرِ رُواقُ المعالي في ذَراكَ مُطنِّبٌ . . . بحيث غدَتْ أوتادُه مَرْقَبَ النَّسْرِ بغزْوِك آضَ الشرعُ مُسْتوثِق العُرَى . . . وأصبح حبلُ الدِّين مُستحْصِد الشَّزْرِ ومن عَضْبِك البَتَّارِ ما برح العدى . . . إذا أوْمَض البرقُ المُلِيحُ على ذُكْرِ تركْتهمُ تحت السَّنابكِ في الوغى . . . لَقَى بعد ما كانوا اعْتلَوا صَهْوة الكِبْرِ ولاَذُوا حُصوناً قد ظفِرْتَ بفتْحها . . . كما فزِع الطيرُ المَرُوعُ إلى الوَكْرِ ومن يكُ يأوِي من جَنابِك مَلْجأً . . . جَلا أوْجُهَ الآمال مُبتسِمَ البِشْرِ أقلْنِي يُثبْك اللّهُ ما قد تروُمُه . . . وزادَك ما قد حُزْتَ من شرف القدرِ أفاض لك النُّعْمَى وزادك بَسْطةً . . . بما مَنَّ من نُجْحٍ عظيمٍ ومن نصرِ وجازَى بما أعليْتَ من كلِماتِه . . . فكنتَ مُقيلَ الدِّين والشرعِ من عَثْرِ وإنِّي وأيْمُ اللّهِ لم آلُ دَعوةً . . . مُدِيمُ الثناءِ المَحْضِ في السرِّ والجهرِ غدوتُ أخا عُرْىً وضُرٍ وفاقةٍ . . . طَلِيحاً بأعْباءِ الخَصاصةِ والفقْرِ وأضحى عدوِّي راثياً لي لأنني . . . قويُّ الأسَى واهِي التجلُّد والصبرِ وإني لِمَا بي من أسىً مُتجلِّدٌ . . . ولكنَّ أحْزاني تنِمُّ عن سِرِّي وإنِّي جديرٌ أن أُرَوَّي برَشْحةٍ . . . أفَضْتَ بها من فيْضِ نائِلك الغَمْرِ مُنايَ وسُؤْلِي أن أفوز بحِجَّةٍ . . . وأسْرَحَ طَرْفِي بالحَجُونِ إلى الحِجْرِ وفي في سماءِ الصدقِ صادقُ دعوةٍ . . . عَلا في الدياجِي مثل مُنْبَلِج الفجرِ أنِلْ وابْق واسلَمْ مُستماحاً ومَفْزَعاً . . . لمُسْتنْجِدي الجَدْوَى ومُسترفِدي البِرِّ ودُمْ ساحباً ذيلَ المكارم ساكباً . . . سحابَ نوالٍ مُخْجِلٍ نائلَ البحرِ سقى اللّهُ مِن دَانِي الهيَادِبِ صَيِّبٍ . . . حِماك الذي صارت مُناخاً لذي الفقرِ وكتب إليه إبراهيم السؤالاتي ، ملغزاً في ربيع ، قوله ، وقد أنشدنيه وجوابه من لفظه :(3/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
نكتةَ الدهرِ لَوْذَعِيَّ الزمانِ . . . عارفَ الوقتِ ألْمَعِي الأوانِ بدرَ أُفْقِ الكمال شمسَ المعالي . . . رُوحَ جسمِ الجمال والعرفانِ والمُجَلِّي طِرْفَ الفضائل والبَذْ . . . لِ سَبُوقاً في حَلْبة الميْدانِ والمحلى جيد الفصاحة بالفك . . . ر عقوداً من لؤلؤ وجمان بيَراعٍ منه تُراعُ المَنايا . . . ويُراعَى فيه ربيعُ الأمانِ ما اسمُ شيءٍ طَلْقِ المُحيَّا نضيرٍ . . . بشَذاه يُرِيحُ لُبَّ الجَنانِ رُبعه خمسُ ربعه وتراه . . . إسمَ شخصٍ وقطعةً من زمانِ شَطْرُه مالكٌ ومقلوبُ باقِي . . . هِ يُصيب الإنسانَ في الأحْيانِ واقلبِ الاسمَ بعد طَرْحِك للصد . . . رِ تراه عيْباً بدا للعَيانِ وإذا ما قلبْتَ حاشيتيْه . . . فعبيرٌ ينِمُّ عن رَيْحانِ وإذا ما حذفتَ ثانيَ هذا . . . فهْو رَكْبٌ يسيرُ في القِيعانِ وانْتشِقْ من تصْحيِفه نَشْرَ شيءٍ . . . هو طِيبُ الأرْواحِ والأبدانِ نصفُه إن ردَدْتَه فهْو شخصٌ . . . طائعٌ والديْه في كلِّ آنِ وفَلاةٌ عريضةٌ وتعالى الل . . . ه ربِّي مُدبِّرُ الإنسانِ وإذا ماحذفتَ ذا فهْو قوتٌ . . . وغذاءٌ للجائعِ اللَّهْفانِ وإذا ما صحَّفْتَه فوِعاءٌ . . . لِغذاء الرضيعِ يا ذا البَيانِ هاك مولايَ من عُبَيْدك لُغْزاً . . . وابْقَ تسْمُو قدراً على كِيوانِ ما سرَتْ نَسْمةُ الرياضِ صَباحاً . . . في رُباها بلَيِلَة الأرْدانِ وتغنَّتْ بسَجْعِ حَمْدك وُرْقٌ . . . بفَصِيحِ التِّبْيانِ والألْحانِ وهذا جوابه : وردةٌ ذي أم مَبْسَمُ الأُقْحُوانِ . . . جاد وَسْمِيّ عارضٍ هَتَّانِ أم ثغورُ المِلاح ألْعَسُ أحْوَى . . . أم خدودُ المِلاح حُمْرُ قَوانِي أم جُمانٌ مُنضَّدٌ لوشاحِ الْ . . . غِيدِ يُزْهِي مَعاقِدَ التِّيجانِ أم سُلافُ الرُّضابِ عذْباً بَرُوداً . . . بِتُّ منها كالْوالِهِ النَّشْوانِ أم كؤوسٌ أدارها أهْيفُ القَدِّ . . . هَضِيمُ الحشا خضيبُ البَنانِ زهرةٌ زانَها السحابُ سُحَيْراً . . . بدموعٍ غزيرةِ الهمَلانِ تلك روضةٌ غَنَّاءُ فيها من الوُرْ . . . قِ بكلِّ الأرْجاءِ سَجْعُ قِيانِ نَفْثةُ السِّحْر أم رُقىً لِمُعنّىً . . . فاترِ القلبِ ساهرِ الأجفانِ(3/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
كنتُ خِلْواً من الغرام فهزَّتْ . . . نِي صَباباتُ هذه الألحانِ حيث جاءتْ ألَذَّ من غَفَواتِ الْ . . . فجرِ طِيباً لِجَفْنيَ السهرانِ يا كريماً بعثتَ سِلْكَ عقودٍ . . . فاضِحاتٍ قلائدَ العِقْيانِ مُلْغِزٌ في اسمِ ما به الرَّبعُ زَاهٍ . . . وهْو للدهرِ موسمُ العُنْفُوانِ جئتَ للّهِ يا ربيعَ المعالي . . . بِمُوشّىً مُحيِّرِ الأذْهانِ يا سَمِيّاً لمن به صِرْنَ بَرْداً . . . وسَلاماً لَواعِجُ النِّيرانِ فُقْتَ كلَّ الورى وصار مُقِرّاً . . . لك بالفضل كلُّ قاصٍ ودَانِ ما تعنَّتْ حمائمٌ ساجعاتٌ . . . بهديلٍ أعالِيَ العِيدانِ أجبت أطال الله بقاك ، وأقول كما قال شيخ المعرة ، حيث أنشد : واقْتنِعْ بالرَّوِيِّ والوزنِ منِّي . . . فهُمومي ثقيلةُ الأوزانِ ومن بدائعه قوله : ترى السَّرْوَ إذْ وافَى السحابُ بثَلْجِه . . . وقلبي المُعنَّى بالهوى جِدُّ مَسْجُورِ يشمِّر أذْيالاً كبِلْقِيس حيثما . . . تبدَّتْ لها بُسْطُ الرُّبَى كالقواريرِ قلت لو كان للسرو رجل أخرى إلى رجله ، لكان تشميره الذيل حتى يسارع بتقبيل الأرض لأجله . ومنه قول ابن زهر الحفيد ، في زهر الكتان : أهلاً بزَهر الَّلازَوَرْدِ ومرحبَا . . . في روضةِ الكَتَّان تعطِفه الصَّبَا لو كنتُ ذا جهلٍ لخِلْتُك لُجَّةً . . . وكشفتُ عن ساقٍ كما فعلتْ سَبَا وأنشدني من لفظه لنفسه : تَوَقَّ الشُّحَّ عن نَشْر الأيادِي . . . وأيْدِي الجود فابْسُطْها سَماحَا أيبْقَى العنكبوتُ بلا جناحٍ . . . أعَدَّ اللّه للرزقِ الجناحَا ولي أنا فيه من المدائح قصائد محررة ، وبرودٌ خِطتْها من جَيِّد الثناء وهي بالقوافي مزررة . فمنها قصيدة أهديتها له عند دخولنا القاهرة ، مستهلها : على رَسْمِها بالمُدَّعِي من مَآلفِ . . . أقامتْ هَزِيماتُ الحيا المتضاعفِ ونسختها اختص بها وحده ، فلهذا لم أذكرها . وكان له ولد طاهر النشأة وقورها ، مبذول المكارم موفورها . انتقل بمصر إلى عفو الله ورضوانه ، وخلى القلوب تعالج لواعج أحزانه . فكتبت إليه أسليه :(3/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
هو الرَّدَى للمرء بالمرصادِ . . . والكونُ كلُّه إلى النَّفادِ وهذه الدنيا التي نعرفُها . . . ما هي إلا مَنْشأُ الأنْكادِ أنكرتُها وأنكرتنْي وأنا . . . إذْ ذاك ما وُضعتُ في المِهادِ فلو أكُنْ أملكُ روحي في يدي . . . أطلقْتُها من ساعة الميلادِ مالي وإيَّاها وكلِّي ألْسُنٌ . . . على فَواتِ عُمُرِي تُنادِي ومن يمتْ أحْسَب يلْقَى راحةً . . . ولا أقَلّ من أذَى الأضْدادِ ويكتفي مع الورى في خَلطٍ . . . مشَّقةً متاعبَ الجهادِ وقد فقدتُ مَن مضَوا ومعهمْ . . . راحلتِي من المُنَى وزادِي وفيهمُ مَن لو يُفدَّى مَيْتُهُ . . . فدَيْتُه بحَبَّةِ الفؤادِ ومن إذا ذكرتُ عهدَ قُرْبِه . . . ودَّعتُ عند ذكرِه رَشادِي ومَن هواه لم يزلْ في خَلَدِي . . . مُنَزَّلاً منزلةَ اعْتقادِي ريحانةُ المجدِ التي بِعَرْفها . . . تعطَّرتْ مَعاطِسُ الأمجادِ قد نقَد الفضلَ صفاتُه التي . . . حَلتْه نَقْد الحُسْنِ للجيادِ وكان في عيْن الزمانِ نُورَها . . . قد حلَّ منها داخلَ السَّوادِ ومَن رآه في بُروجِ سَعْدِه . . . فقد رأى أهِلَّةَ الأعيادِ مضَى سعيداً والرِّضا زميلُه . . . مُصاحبُ الإسْعافِ والإسعادِ فكلُّ بُقْعةٍ به عاطرةٌ . . . تنْفح نَشْرَها بكلِّ وادِ فما على من شَمَّ مِسْكاً أذْفَراً . . . من تُربِه مُضَمَّخَا بِجَادِي لا زال في جنانِ عَدْنٍ ثاوياً . . . يحْبُوه لطفُ المنْعم الجَوادِ وباكرتْ مَضْجَعه من الرِّضا . . . غُرٌّ يحثُّها الصَّبا غَوادِ واللّه يقْضي لمُصابِ فَقْدِه . . . بالصبرِ والجزاءِ في المَعادِ ولا يزال عمرُه عُمْرَ الورى . . . لا ينْقضي لأبَدِ الآبادِ فهو الذي تُرشِدنا علومُه . . . ورأيُه للخير خيرُ هادِ وقلت وأنا برشيد في خدمته أودعه ، وكان المرض أقعدني عن رفقته ، لمشيئة الله وحكمته : أفارقُ من أوَدُّ به التلاقِي . . . وأخْتار الحِمامَ على الفِراقِ وأذكر عهدَ لَيْلاتي المَواضِي . . . فأنْدُبها بتَذْكارِ البَواقِي ولو كانتْ دمشقُ ثَنَى عِنانِي . . . ولا ألْقاك عِفْتُ بها اعْتلاقِي فأنت إذا بعُدتَ فألْفُ بُعْدٍ . . . لآمالي ولا بَرِح اشْتياقِ(3/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
ولولا الضَّعفُ ما اخترتُ التَّواني . . . ولا سلَّمتُ للبلْوَى وَثاقِي فعُذْراً إنني والحظُّ قِدْماً . . . تعاهدْنا على عدَم الوِفاقِ إذا ما رُمْتُ أمْراً فيه نُجْحِي . . . يُعاكِسه ويجْهَد في شِقاقِي فيا صبْري فديْتُك مِن مُطِيقٍ . . . ويا بُؤْسي عدِمتُك من مُطاقِ وأنت أيا مُنَى قصْدِي خبيرٌ . . . بما ألْقَى وما أنا بعدُ لاَقِ فلا تُهْمِل لعبْدك رَعْىَ وُدٍ . . . ودُمْ طولَ الزمان وأنت باقِي
السيد عبد الله ، المعروف بابن سعدى
روضٌ متهدل الغصون ، من شجرة السرو المصون . لم يرق أفصح منه براعة بيان ، ولم يشق أنقش منه يراعة بنان . فكفه توشي الأرض الزخارف ، وتجر على وجه الرياض خضر الطارف . وكان شديد العارضة في المعارضات ، موفى العهد في المقارضات . إلا أنه على جودة طبعه ، وشفوفه في مادة نبعه . زحلي الانتقال ، والعثرة عنده لا تقال . ينحرف من حيث يستقيم ، ويعتل وشكل مادته عقيم . ولهذا ابتلى في قضاه ، بحكمٍ جرى على خلاف رضاه . فجوزي باخترامه ، في احترامه . وقوبل باعتباطه ، من اغتباطه . فصعب عليه أمر العزلة وأشكل ، إلى أن عقل أمانيه المطلقة وتوكل . ثم حصل له إمدادٌ بالرجعة ، فأحله فيما شاء من النجعة . وأطلعت صفحته الصحو ، ونشر بعد ذلك المحو . ولما استقضى بمكة رأيته بالشام وهو يزدهي بالنسب الأوضح ، ويتباهى بنبعةٍ فرعها في السماء ومغرسها سرة الأبطح . وكان بينه وبين أبي حقوق ، ما رميت قط بوصمة عقوق .(3/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
فاحتفل به احتفال الناس بالربيع إذا جَا ، وهلال شوال إذا فاجا . ثم جرى بينهما مخاطبات ، وطرف مكاتبات . ألذ من إغفاء الفجر ، وأشهى من الوصل بعد الهجر . ثم دخل الحجاز ، فكان لوعد ارتحاله بها الإنجاز ، وهكذا من كان في دار النقلة والمجاز . فرحم الله انقطاعه إلى كرمه ، والتجاه إلى رمه . فمما دار بينه وبين أبي ، ما كتبه إليه أبي : يا ساكناً بشِغافِي . . . وعن عيونِيَ خافِي طوَّلتَ مدةَ هجرِي . . . وبعضُه كان كافِي كدَّرتَ بالبُعدِ عيِشي . . . من بعد ما كان صافِي لهفِي لطِيب ليالٍ . . . مرَّتْ لنا بالتصافِي حيث الشبابُ قَشِيبٌ . . . والدهرُ فيه مُوافِي وسالفٌ من زمانٍ . . . تُدار فيه سُلافِي من كفِّ رِيمٍ كغُصْنٍ . . . يميلُ بالأعْطافِ يزْهُو بورْديِّ خدٍ . . . يُزْرِي بوَرْد القِطافِ زمانُ لَهْوِي تقضَّى . . . برَوضةٍ مِئْنافِ تُسْقَى من السُّحبِ وَبْلاً . . . بعارضٍ وَكَّافِ يا دهرُ رِفْقاً بصَبٍ . . . حتى متى ذا التجافِي وعدْتني بالأماني . . . فكُن بوعدِك وافِي واسمحْ برؤيةِ مَوْلىً . . . سليلِ عبدِ منافِ منها : مولايَ يا بحرَ فضلٍ . . . طَامٍ من الجود طافِي وفائزاً بقوافٍ . . . أعيتْ لَعَمْرِي ابنَ قافِ أنت الغنِيُّ بمَدْحي . . . عن كثرةِ الأوصافِ فلا تظنَّ بأنِّي . . . لِسابقِ الوُدِّ جافِي لو كنتُ أعلم أمرِي . . . لكنَّ أمْرِيَ خافِي لَكان سَعْيِي إليكمْ . . . وفي حِماكم طَوافِي فرَبْعُ غيرِك عندي . . . مولايَ كألأعْرافِ إن رُمْتَ تفْصيلَ حالِي . . . من الزَّمانِ المُجافِي(3/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
ما إن تمنَّيتُ شيئاً . . . إلا أتى بالخلافِ من جَوْره ضاق صدري . . . فسِحْتُ في الأريافِ حتى حَللْتُ بمصرٍ . . . من بَعْد قطْع الفيافِي فلم أجِدْ ليَ فيها . . . غيرَ الثلاثِ الأثافِي فلا صديقٌ صَدُوقٌ . . . ولا حبيبٌ يُوافِي هذا زمانٌ عجيبٌ . . . ما فيه خِلٌّ مُصافِي والفضلُ قد صار ذَنْباً . . . وللرَّواجِ مُنافِي منها : واعذُرْ بفضلِك فكرِي . . . ضاقتْ عليه القوافِي ودُمْ بسَعْدك تسْمُو . . . عُلاً على الأسْلافِ فأجابه بقصيدة طويلة ، مستهلها : يا خيرَ خِلٍ مُصافِي . . . لازال وِرْدُك وافِي أين الزمانُ الذي قد . . . كُنَّا به في التَّصافِي ما بيْننا غيرُ وُدٍ . . . ما بيْننا من خِلافِ طَوْراً نُرَى من رياض الْ . . . علومِ في الاقتطافِ وتارةً من بحار الْ . . . قَرِيض في الاغْترافِ كنَّا كمثلِ الثُّرِيَّا . . . بصُحبةٍ وائْتلافِ فصيَّرَتْنا بناتِ النَّ . . . عْشِ الليالِي الجَوافِي بيننا نَرُود برَوْضٍ . . . يوماً مع الأحْلافِ وطيرُه في وِفاقٍ . . . ولَحْنُها في اخْتلافِ إذْ صاح منها غُدافٌ . . . تَعْساً لذاك الغُدافِ قد بَان كلٌّ عن الإلْ . . . فِ وهْي ذاتُ الإَفِ منها : عسَى ليالٍ تقضَّتْ . . . يعُدْنَ بالإسْعافِ آهٍ عليها فآهٍ . . . قد أسرعتْ في التَّجافِي مضَتْ سريعاً وولَّتْ . . . كمثلِ دُهْمٍ خِفافِ مرَّتْ كخاطفِ بَرْقٍ . . . وطِرْنَ كالخُطَّافِ قد كُنَّ شَامَ زَمانِي . . . كالشَّامِ في الأرْيافِ(3/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
دمشقُ أعْنِي ودامتْ . . . مُخْضرَّةَ الأكْنافِ شوقي لها كلَّ حينٍ . . . يزْداد بالأضْعافِ أصْبُو إلى بَرَداها . . . بلَوْعةٍ والْتِهافِ نسيمُها وهْو ذُو عِلَّ . . . ةٍ لدائِيَ شافِي أنهارُها لجيوشِ الْ . . . همومِ كالأسْيافِ بها حدائقُ فاقتْ . . . في أحسنِ الأوْصافِ تلك الحدائقُ تحكي . . . صفاتِ خِدْنِي المُصافِي منها : يا مَن له كابْنِ بُرْدٍ . . . بُرْدٌ من الفضلِ ضافِي يا ظافراً بقوافٍ . . . أعْيَتْ عُوَيْفَ القَوافِي عويف القوافي ، هو : عويف بن معاوية بن عقبة الفزاري . من شعراء الدولة الأموية . وإنما قيل له عويف القوافي لبيت قاله ، وهو : سأُكذِبُ مَن قد كان يزْعُم أنني . . . إذا قلتُ قولاً لا أُجِيد القوافيَا أتْحَفتنا بقرِيضٍ . . . أحْسِنْ بذا الإتْحافِ فَائِيَّة ما رأيْنا . . . مِثْلاً لها في القوافِي ما من سِنادٍ خَلِيلِي . . . بها ومِن إصْرافِ السناد : اسم لكل عيب يحدث للحروف والحركات قبل الروي . والإصراف : اختلاف المجرى ، وهو الحركة في الروي ، بالفتحة والضمة . وإذا كان بالضمة والكسرة فهو الإقواء . وأما الإكفاء ، فهو تقارب حرفي الروي في المخرج ، كالنون مع الميم . والإجازة هو بعدهما في المخرج ، كالباء واللام . زفَفتَ بِكْراً عَرُوباً . . . إليَّ خيرَ زَفافِ بِخَتْمِها بلَغتْني . . . مَصونةً في السِّجافِ عتبْتَ في تَرْكِ كُتْبِي . . . إليكَ والعَتْبُ شافِي لا تَعْذُلَنِّي فهذا . . . حَوْبُ الزمانِ المُجافِي وإن يكنْ ذاك ذَنْبِي . . . فاصْفَحْ ومثلُك عافِي(3/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
ما أجملَ الصفحَ عن ذنْ . . . بِ مجرمٍ ذي اعْترافِ واللّهِ ربِّي الذي لا . . . تخْفَى عليه الخَوافِي حُبِّيكَ في كلِّ حينٍ . . . يكون في استحْصافِ رأسٌ كقافٍ وإن كا . . . ن بيْننا بُعْدُ قَافِ لا زلْتَ ترْفُل عِزّاً . . . وثوبُ قدْرِك ضَافِي
عبد اللطيف ، المعروف بأنسي
أعجوبة الأقطار والأمصار ، وشرك العقول وقيد الأبصار . وحسنة هذا النوع الإنسي ، وعذر الزمن عن ذنب به أنسي . اشتعلت بأسماره فحمة الليل ، وجرى في روض أخباره نهر الصبح مثل السيل . بحسن بيان يسحب ذيله على سحبان ، ولطف تعبير يجر مطرفة على جرير وحسان . وأحاديث هي مراوح النفوس من كد الفكر ، ومصفاة القلوب إذا أبقت فيها الحوادث أثر العسكر . ومناسبات هي نزهة مسارح الأخبار ، وحظ جارحة السمع من منح الاعتبار . أشهى من لذة النشوان ، وقطع الرياض ، جرى فيها ماء البيان ، وسقتها مياه الحياض . وله في الفنون يدٌ تتناول الشمس ، وتشبر البسيطة بالبنان الخمس . فلو أدركه الرازي لقيل له دونك إمامك ، أو ابن أرفع رأس ، لقيل له ارفع رأساً وانظر من أمامك . أو لحقه ابن وحشية لقرب له المتنافر البعيد ، أو خالدٌ الغيور لكفاه هم التقطير والتصعيد .(3/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
فلو وضعت صنجات النجوم من نيران السماء في كفه ، لم توازن مناقبه الغر ونسبت إلى طيشٍ وخفة . له تدبير محتنكٍ مجرب ، ورأى ممارس مشرق ومغرب . ونظمه ونثره باللسانين ، هذا يقصر عنه من السحاب دره ، وذا يصغر عنه من السخاب دره . فذا أصفى قطراً وديمة ، وذا أوفى قدراً وقيمة . وكان في آخر أمره تنبه حظه من نومته ، وسيم من الإقبال التام بسومته . فولي قضاء الشام ، ونال رتبةً يتباهى بها العز والاحتشام . وقد رأيته يوم دخوله ، وزحمة الأعين تحول بين التملي ووجهه ، فرأيت شيخاً إذا سار البدر في موكب نجومه ، قيل قد غنينا عنه بتلهبه . وقد أخلق العمر عمائم ثلاثاً في راسه ، وأشعل للرحيل بهذه النعشة ذبالة نبراسه . ولم يبق من كأس عمره إلا جرعة ، وبريد المنية سائرٌ إليه في عجلة وسرعة . فما حط أثقاله بهذا الفنا ، حتى نزل دار البقا وترك دار الفنا . فالله ينور له الحفيرة والتربة ، وهو المسؤول أن يؤنس له الوحشة والغربة . وهذا جانبٌ من نثره الفائق ، ونظمه الرائق . أتيت منه بالقليل من الكثير ، فإن محاسنه تزيد على نجوم الفلك الأثير . فمن ذلك ما كتبه إلى مفتي الدولة : دروعٌ لِشاكِي الطعنِ هذي الرسائلُ . . . يرُدُّ بها عن نفسه ويشاغِلُ هي الزَّرََدُ الضَّافِي عليه ولفظُها . . . عليكَ ثناءٌ سابغٌ وفضائلُ أتاك يكادُ الرأسُ يجحَد عُنْقَه . . . وتنْقَدُّ تحت الذُّعْر منه المَفاصلُ كيف لا ، وأيد الله مولانا ، وهو مظهر الجلال والقهر ، ومصدر الحماسة والسيادة في أبناء الدهر . ذو الهمة التي همت بالدهر إذ تصرف في الاحرار بصروفه ، والعزمة التي عزمت على تسكين دور دوائر حتوفه . الذي تصهر باستبعاده الأحرار من عزمهم غصناً وريقا ، وتسنم من سبح الجلالة والجبروت مكاناً وثيقا . متى استنجد تنمر تنمر الليث ، أو استغيث تشمر تشمر البطل عند الغيث . يكاد سنا برق سطوته يذهب بالأبصار ، وتكاد صواعق دولته تخرب المدائن والأمصار .(3/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
وإن شيم برق حلمه في خلال جون معارضات عوارضه ، فالمستغر بوميضه كمن اغتر في الأحقاف بعارضه . كم أوجف أقدام قربه بالجبان ، إلى مساقط الحرب العوان . وكم روى سويد بن البنان ، من دماء الغطارفة الشجعان . يتكسَّب القصَبُ الضعيفُ بخطِّه . . . شَرفاً على صُمِّ الرماحِ ومَفْخَرَا لقد أطال إلى سمك السماكين باعا ، ومد إلى جر مجرة الفرقدين ذراعا . فتغنى بمديحه غير الغريد ، وملأت مهابته قلب كل قريب وبعيد . بعث الرعبَ في قلوبِ الأعادِي . . . فكأنَّ القتالَ قبلَ التَّلاقِي وتكاد الظُّبَا إذا جاشَ غَيْظاً . . . تَنْتضِي نفسَها إلى الأعناقِ كرمٌ خَشَّنَ الجوانبَ منه . . . فهْو كالماءِ في الشِّفارِ الرِّقَاقِ ومَعالٍ إذا ادَّعاها سِواهُ . . . لزِمتْه جِنايةُ السُّرَّاقِ هو لعمري المقدم الذي لا يجارى في مضمار ، ولا يساوى عذار جواد سؤدده بعذار . لقد تقلد بفخره حساماً لا تنبو مضاربه ، وتخوذ من عرضه بيضةً يعجز عن قرعها مضاربه . فمن رام وطء حرمه بنقصٍ ملته البقيا ، ومن اصطلى بناره أتيح له منها شوبٌ لا يموت فيها ولا يحيى . أعزُّ مُغالبٍ كفّاً وسيْفاً . . . ومقدرةً ومَحْمِيةً وآلاَ وأشرفُ فاخرٍ نفساً وقوماً . . . وأكرمُ مُنْتمٍ عَمّاً وخالاَ كلا والله ، لست صادقاً في قالي ، ولا مصيباً تلك الرمية بنبال مقالي . لأني لا أرتضي له من جميل المدح مدحَا ، ولا أستطيع لمتن حسن ثنائه شرحَا . إذ المدح وسيلةٌ لأن يعتقد في الناقص الكمال ، والثناء ذريعةٌ إلى تخيل الجميل في غير ذي الجمال . فأكون كالأعشى إذا مدح محلقا فغدا بعد خموله إلى شأو العلى محلقا . وهو فقد ملك السيادة مقاداً ذليلا ، وأضح له صعب الفخار ذلولا . وجل عن مذهب المديح فقد كاد يكون المديح فيه هجاء ، فأكبر بشأنه ، وأعظم بمكانه . هو الذي بذ فلا يدرك ، وشذ في عصره فلا يشرك .(3/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
وأي مقال ينبي عن مغنى فضله ، وأي إرقالٍ ينتهي إلى مداه وخصله . لو أرخى عنان جواد الثنا ، في ميدان المدح والثنا ، لوجب من غلو الوصف المندوح ، تكفير المادح والممدوح . لكن قد زحم جماح غلوه ، واستنزه جلمود علوه . واستقصر مدى جريته ، دون التمادي في مريته . على سرد بعض منتقى أوصافه الفاخرة ، ووصف فيض ملتقى بحر علومه الزاخرة . عَلامةُ العلماءِ والبحرُ الذي . . . لا ينتهي ولكل لُجٍ ساحلُ يدْرِي بما بِكَ قبلَ تُظهِرُهُ له . . . من ذهنِه ويُجيب قبلَ تُسائلُ وتراه معترضاً لنا ومُولِّياً . . . أحْداقُنا وتحارُ حين يُقابلُ كلماتُه قُضُب وهنَّ فواصلٌ . . . كلُّ الضَّرائبِ تحتهنَّ مَفاصلُ مقطعاته كالسحر الحلال ، والسلسبيل السلسال . والمثل السائر ، والنادر المنجد والغائر . لا يمكن الاحتذاء على مثالها ، ولا تطول أعناق الهمم إلى مثالها . إن شبه فالمعتزيات واجمة ، أو أغرب فالمغربات راغمة . ذو الأخلاق الأريحية ، والأحكام الشريحية . والشجاعة العنترية ، والنصائح البحترية . من هو في الزهد كأويس ، وفي الحلم كالأحنف بن قيس . إياس الزكن ، عريٌّ عن اللحن واللكن . كان قدما أبوه في العلم والزهد يساوي سميه زكريا ، فاقتفى أثره وأربى عليه وله صار وارثاً ووليا . أنهي إليك أيها المولى الباذخ فخاره ، الشامخ على النجم مناره . أن هذا بعض ما أدركه أسير امتهانك ، وهدف سهام امتحانك . من بعض أوصاف حميد شيمك ، التي حويتها بعلي هممك . التي أفحمت كل معارض يجارى ، وأوجمت كل معاندٍ يمارى . ورجمت مناويك بشواظٍ من نار ، وألجمت كل ذي لسنٍ يقاويك بلجام العي والبوار . فكيف أقوى بعد جرمي بها ، وتحقق وهمي فيها ، على سل مرهف المقال ، والتجاسر في حضرتك على إطلاق عنان المقال .(3/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
مع علمي بصلود قدحي ، ومعرفتي وسم قدحي . وإني إن جعلت نفسي لسهام سطوتك هدفا ، أوردتها من وخيم مناهل بطشك تلفا . ثم لا أجد لي من الانتساب إلى معرفة جنابك شافعا ، ولا من الانتماء إلى خدمة أعتابك عن أليم عقابك دافعا . وما عسى أن أقول ، وعلى أي قرنٍ أصول . وأنت سحبان وائل ، وأنا أعيى من باقل . ولقد عُرِفتَ وما عُرِفت حقيقةً . . . ولقد جُهِلتَ وما جُهِلت خُمولاَ ما كلُّ من طَلب المعالي نافِذاً . . . فيها وما كلُّ الرجال فُحولاَ والرسالة التي تقوم بعدة رسائل ، هو ما قال القائل : تأخَّرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجدْ . . . لنفسِي حياةً مثل أن أتقدَّمَا فلستُ بمُبْتاعِ الحياة بذلَّةٍ . . . ولا مُرْتَقٍ من خشْية الموت سُلَّمَا وكنت برهةً طالما اقتدحت زناد فكري ، في وصف معاليك فما قدح ، واستصدحت عندليب شعري ، في وصف مساعيك فما صدح . فأصبحت من زخارف آمالي ، وزيف نقود أعمالي ، على ركية جفت مذانبها ، وروضةٍ اغبرت جوانبها . وصرت الآن كقطاةٍ لم يعلق لها جناح ، علق بها من جأشك لا من الأيام جناح . ونصبت لها في حرمك الأشراك ، وأعوزها البشام والأراك . والذي حول حمالي ، وهيج بلابل بلبالي . هو ما أنا شارحه ، وبين يديك الكريمتين طارحه . سمعتُ حديثاً ما سمعتُ بمثلِه . . . فأكثرتُ فيه فِكرتي وتعجُّبِي وها أنا أُلْقيه إليك مُفصَّلاً . . . فدونك فاسْمعْ ما يسرُّك واطْرَبِ وذلك أنا صادفنا خلسةً من خلس الاتفاق ، في مجلس بعض الموالي الرفاق . الذين حضور مجالسهم شرف دهر ، واستئناف عمر ، ورفعة قدر . والذين هم عيون أعيان أصدقائك ، وأجل جلة محبيك وأخلائك . نتنافث فيه رقى الأشعار ، ونتساجل من فقرها ما يفعل في العقول فعل الأسحار . ونتفاوض منها في المحكم والمتشابه ، والشرط الذي لا يحسن القريض إلا به .(3/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
مع سادةٍ هم لعمري نجوم الفضل والأدب ، وبدور الحسب والنسب . فبينما نحن نجول في تلك الحلبة ، ونرتشف من مخض تلك الحلبة . إذ سقط علينا من السما ، وفاجأنا من العما ، من أسكرته حميا قربك ، وأقعس منكبيه كونه من حزبك . فهو لا يرتضي غير حاله حالا ، ولا يعد غير قاله قالا . فجعل ينص لنا من مخدرات أبكار أفكاره ، ويجلو علينا من قاصرات نظامه ونثاره . ما زعم أنهن كاللؤلؤ والمرجان ، لم يطمثهن إنسٌ قبله ولا جان . ولنا القولُ وهو أدْرَى بفحْوا . . . هُ وأهدى فيه إلى الإعجازِ ومن الناسِ من يمُرُّ عليه . . . شعراءٌ كأنها الخَازِبَازِ فاعتقدنا ما اعتقدنا ، ونقدنا ما نقدنا . وأقمنا لبضاعة قريضه سوقا ، ونهجنا للأخذ والعطاء فيه طريقا . فرأينا النقاوة فانتقيناها ، واريناه النفاوة التي انتفيناها . فأوتر لذلك قوس غضبه بوتر المثالب ، ورمى المملوك من تعنته بكل سهم صائب . وتكشف عن خلق ليس بينه وبين الجميل نسب ، ولا له إلى التثبت طريقٌ ولا مذهب . وهو بسيف تعسفه صائل ، ولم يعلم قول القائل : إن بِعضاً من القَرِيض هُراءٌ . . . ليس شيئاً وبعضُه إحكامُ منه ما تجلِبُ البراعةُ والفضْ . . . لُ ومنه ما يجلبُ البِرْسَامُ فلما رأى أني لست ممن تغتاله غوائله ، ويصطاد في حبائله . وأني وإن طلبت للشعر عيباً ألفيته ، وإن كافحني قرنٌ لقيته . وأنه إنما تخضع الرقاب لمن وجدت فيه فضلا ، وتنقل الأقدام إلى من كان للزيارة أهلا . فأضرب عن المجادلة صفحا ، وسحب ذيل تناسيه على رسم المساجلة مرحا . ثم لما ودعنا ، وغاب شخصه عنا . حملناه على أحسن محمل ، ونسبناه إلى ما هو من الجميل أجمل . ولم نعلم أنه ركض علينا في ميدان حضرتك ، ووضع قدم قوله حيث شاء من الملام في سدتك .(3/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
وما لكلام الناس فيما يَرِيبُنِي . . . أصولٌ ولا للقائلين أصولُ أُعادَى على ما يُوجِب الحبَّ للفتى . . . وأهدأُ والأفكارُ فِيَّ تجُولُ فلم أشعر إلا منذراً إيعاد مولاي علاه لدى الباب ، يذكر ما حصل لجنابه من التحمل والاضطراب . فيا لله العجب كيف أصغي للنميمة ، وبالغ كل المبالغة في الشتيمة . ولم يلهم أن الروايات تمر وتعذب ، والحكايات قد تصدق وتكذب . ولم أرَ في عيوبِ الناسِ عيباً . . . كنقْصِ القادرين على التَّمامِ وربما صدق مولانا ما نقل إليه ، وما عرض من الافتراء عليه . من أني استهجنت شعره الرائق ، واستوجمت نثره الفائق . أو من تقدمه من متقدمي هذه الصناعة ، وجالبي هذه البضاعة . من كل من إذا رام اقتناص نوادر بديعية ابتدعها ، أو غاص في بحار المعاني على جواهر اختراعية اخترعها . أو قال أبياتا أبرزها غررا ، أو نظم فقراً جعلها دررا . وأنا أعيذ سيدي أن ينظر الذنب الخفي ، أو يتغافل عن العذر الجلي . تطيعُ الحاسدينَ وأنت امرؤٌ . . . جُعِلتُ فِداؤُه وهُم فدائِي أأنطِق فيك هُجْراً بعد عِلْمي . . . بأنك خيرُ مَن تحت السماءِ وهَبْني قلتُ هذا الصبحُ ليلٌ . . . أيَعْمَى العالَمونُ عن الضِّياءِ وإنما طريق العلم نهجً تستوي فيه الأقدام ، ومورد الفضل مشرعٌ تتشارك فيه الأفهام . ولكني أقول : أرى المُتشاعِرين غَرُوا بذَمِّي . . . ومَن ذا يحمَد الداءَ العُضالاَ ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍ مريضٍ . . . يجدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالاَ فوالذي حرم وطء حرم الأعراض ، وعظم أجر غرض أسهم الأغراض . ما يليق بشأنك ، ولا يحسن بعلو مكانك . أن تكون خفيف ركاب الغضب والرضا ، أو تكون رخيص مهر الحب والقلى . وأن تسارع إلى شنيع العتب ، أو تسلف العقوبة قبل ارتكاب الذنب . ولقد عجبت كل العجب حيث لم تدرك الصواب ، في تعيين بشاعة الجزاء .(3/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
وشناعة العقاب . وأنت المشهور بالصواب في أحكامك ، والمعروف بإصابة اليقين بسهام أوهامك . وفي حل عقد المشاكل ، كما قال القائل : قاضٍ إذا الْتَبس الأمْرانِ عَنَّ له . . . رأيٌ يُخلِّص بين الماءِ واللبنِ الفاصلُ الحكمَ عَيَّ الأوَّلون به . . . والمُظهِر الحقَّ للسَّاهِي على الذَّهِنِ فلو عرفت وجه سخطك ، وتبينت موجب شططك . لتحملت دونك الوزر في ظلمي ، ولكنت مقدمتك إلى سبي وذمي . ولأزمعت أن أضع نفسي في الكفة التي وضعتني فيها ، وأن أنزلها في المنزلة التي أهلتني لها . لعلمي أن حكومتك لا تنقض ، وحجتك لا تدحض . لكن يتواضع الليث لصيد الأنب ، وافتراس الثعلب . وإن كان يصطاد الفيل ، ويفترس العندبيل . حسبُك اللّهُ ما تضلُّ عن الحقِّ . . . ولا يَهْتدي إليك أَثامُ لم لَمْ تحْذَرِ العواقبَ في غَيْ . . . رِ الدَّنايا وما عليك حَرامُ والعقاب الذي حكم به مولانا على عبده مرضي ، وقضاؤه على مملوك رقه مقضي . لكن حيث كان الخوض في شعر الناقل محصورا ، والنقد على زيوف محصول ديوانه مقصورا . لو قصرتم السبب على ذلك المسبب ، لكان أظهر للإعلال وأنسب . بشأن الحب أن ذلك العنوان ، ليس إلا في شأن ذلك الديوان . وليعلم الخاص والعام ، ويتحدث في المحافل عاماً بعد عام . بأن مولانا لم يخط في حكمه ثغرة السداد ، ولم يزغ برسمه عن شريعة الرشاد . فلعمري لقد جاءني الداء ، من مظنة الدواء . وكنت أعددت مولاي لكل مطلوب جناحا ، ولظلمات الخطوب مصباحا . قد كنتَ عُدَّتِيَ التي أرْمي بها . . . ويدي إذا اشْتَدَّ الزمانُ وساعِدِي فرُمِيتُ منك بضدِّ ما أمَّلْتُه . . . والمرءُ يشْرَق بالزُّلالِ الباردِ(3/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
أقول ذلك إجلالاً واحتراما ، لا اختباراً واستفهاما . فإن الأمور بيد الله ، والأرزاق في خزانة الله . قد لَعَمْرِي أقْصرتُ عنك وللوَفْ . . . دِ ازْدِحامٌ وللْعطاءِ ازْدحامُ ومن الرُّشدِ لم أزُرْك على القُر . . . بِ على البُعدِ يُعرَف الإلْمامُ لي والله يا سيدي قلبٌ لا تقلبه السراء ولا الضراء ، وعرضٌ غير ملوم لا يدنسه المراء . طالما نطقت بلسانٍ تشبه خلقته خلقة إنسان ، ونمقت بكلمٍ كأن لسانه لسان السنان . لا يعثر جوادهما في مضمار الكلام ، وصلت بحسام همة لا ينبو شباه عن ضرب أعناق المرام . لم أوجد بحمد الله تعالى كاسد الشعر ، رخيص السعر . نزر الكلام ، كسلان الأقلام . غافلاً عما هو من الحقوق متعدٍ أو لازم ، جاهلاً بما هو للأنفة محرك أو جازم . وما الحداثةُ من ِحلْمٍ بمانعةٍ . . . قد يُوجَد الحلمُ في الشُّبَّانِ والشِّيبِ فليتك يا سيدي ومولاي تقول : إنِّي امرؤٌ لا يعْترِي خُلُقِي . . . دَنَسٌ يُكدِّرهُ ولا أفَنُ وكل هذا لا يساوي هذا الملق ، ولا يستغرق السجع الملفق . وإن تيقنت أبقاك الله جميع ما نقل عني ، أو زعمت أنه صدر مني . فطالما كانت الهفوة عند الكريم سبباً لجميل الرجعي ، والنبوة سلماً عند الحليم إلى كريم العتبى . والصلة بعد القطيعة أبقى ، والود بعد النفرة أخلص وأصفى . ولطالما انكسرت المودة فانجبرت ، وانقلبت الأحوال بعد ما أدبرت . فليس لما صدر تربةٌ تحتمل غراسا ، ولا قرارةٌ تسع أساسا . والكذب عائدٌ على من حكاه ، والغلط مردود على من رواه . فإنه صيرفي دراهم ، لا صيرفي مكارم . وإنما هو تاجر قيل وقال ، لا تاجر مقال وأفعال .(3/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
دعونِيَ والواشِي فها أنا حاضرٌ . . . وصوتِيَ مرفوعٌ ووجهيَ بارِزُ والمرء أقصر ما تكون بنانه ، إذا طال لسانه . وإنما يتلمظ بحلاوة العرس ، من احتمل مهر العرس . أنَفُ الكريمِ من الدَّنِيَّةِ تاركٌ . . . في عينِه العددَ الكثيرَ قليلاَ والعارُ مَضَّاضٌ وليس بخائفٍ . . . من حَتْفِه مَن خاف مهما قيلاَ ولئن عاد إلى التعريض ، والادعاء في إجادة القريض . لم أدع في لساني فضلةً إلا أحضرتها ، ولا في قلبي سجعةً إلا نثرتها . ليعلم أن الكريم من أكرم الأحرار ، واللئيم من ازدرى بالأخيار . وأن الرياسة ، حيث النفاسة . وأني ممن إذا رمى صاد ، وإذا قال أجاد . وأن الحر إذا جرح أسا ، وإذا خرق رفا . ومن بسط عذر الأيام ، فقد بسط عذر الأنام . ومن جهل المتاع ، فلينظر المبتاع . جعل الله أوقات مولانا صافيةً من الكدر ، خالصةً من الغير . ومساعيه محمودة الأثر ، وعلومه زاكية الثمر . إنه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير . أيا عاتباً لا أحمِلُ الدهرَ عَتْبَه . . . عليَّ ولا عندي لأنْعُمِه جَحْدُ سأسكتُ إجلالاً لعلمِك إنني . . . إذا لم تكن خَصْمِي لِيَ اللُّجَجُ اللُّدُّ ومن شعره النقي ، ما كتبه لبعض أحبابه في صدر رسالة : أيها السيدُ الذي أنا عبدُهْ . . . والذي أنطَق المدائحَ مجدُهْ لي إلى وجهِك الجميلِ غرامٌ . . . في يديْه عَفْوُ اشْتياقي وكَدُّهْ أنا إن زرتَ أو تخلَّفتَ عبدٌ . . . بل ولُبِّي صفَا وحقِّك وُدُّهْ يستوي في الوفاءِ قُربي وبعدِي . . . وسواءٌ قُربُ الوليِّ وبُعدُهْ سوف أُثْنِي على مودةِ مولىً . . . ضاق عنها شكرُ الكلام وحَمدُهْ وقوله في بعض الصدور : حدَّثتُ باليَاسِ منك النفسَ فانصرفتْ . . . واليأسُ أحْمدُ مَرجُوعاً من الطمعِ فكُن على ثقةٍ أنِّي على ثقةٍ . . . أن لا أُعلِّل نفسِي اليومَ بالخُدَعِ فما يَضرُّك عندي اليومَ هجرُك لِي . . . ولستُ إن سُمْتنِي وصلاً بمُنْتَفِعِ هجرتُ ذِكْرَك عن قلبي وعن أُذُنِي . . . وعن لسانِي فقُل ما شئتَ أو فَدَعِ(3/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
إذا تبَاعدت قلبي عنك مُنصرِفٌ . . . فليس يُدْنِيكَ منِّي أن تكون مَعِي ومن ظرفه قوله : أمُعِيرُ قَوْلي أنت سمعَك مَرَّةً . . . كَرَماً فأذكرُ إن رأيتُ فُضولاَ والنصحُ قُرْطٌ ربما يُجْدِي الفتى . . . في السمعِ محمولُ النَّهِيِّ ثقيلاَ وسواك يفهم إن عنيت بمقولي . . . فعلى اسْتماعِك أجعلُ التَّعْويلاَ وإذا نظرتَ وأنت عارفُ عِلّةٍ . . . لم تَعْيَ عن أن تعرف المَعْلولاَ وكتب لبعض أخلائه : أكلِّفُ نَسْماتِ البُكورِ تكلُّفاً . . . بحَمْل سلامي أو ببَثِّ غرامِي فتدْنَف مما قد تضمَّن من جَوىً . . . وتضعُف عن أعْباءِ شرح أُوامِي وتعثُر في الأذْيال من ثِقْلِ حملِها . . . ويُزعجِهُا فيه لهيبُ ضِرامِي فرّقتُها من رحمةٍ لي وطِيبُها . . . شَذَى مِدْحتي فيكمْ ونَشْرُ سلامِي وكتب إليه مفتي الشام عبد الرحمن العمادي ، وهو قاضٍ بطرابلس : مولايَ أُنْسِي الذي طابتْ طَرابُلُسٌ . . . به وأصبح فيها الوحشُ في أُنسِ ومن غَدا فضلُه في العصرِ مُشتهرَاً . . . كالشمِس في شَفَقٍ والصبح في غَلَسِ أنتَ الذي فَخَر العَصرُ العصورَ بهِ . . . وقصَّرتْ كلُّ مصرٍ عن طَرابُلُسِ قد كان لي حَرُّ أشوقٍ فضاعَفَه . . . قُربُ الديارِ كشَبِّ النارِ بالقَبَسِ لكن رجَوْنَا لقاءً منك يُطفئِه . . . يا رَبِّ فاجعلْ رجانا غيرَ مُنْعكِسِ فاجابه بقوله : هذا كتابُك أم ذِي نفْحةُ القُدُسِ . . . يا طيَّبَ اللّهُ زاكِي عَرْفِ ذَا النفَسِ فقد حَلا كُلَّما كدَّرْتُه بفَمِي . . . كأنه أشْنَبٌ قد جادَ باللَّعَسِ كأنَّما كلُّ سَطْرٍ مُفْعَمٍ أدَباً . . . غُصنٌ تُوقِّره الأثمارُ لم يَمِسِ كأنَّهنَّ المَهارِي وِقْرُها دُرَرٌ . . . وفي سوى القلبِ والأسْماعِ لم تَطُسِ نظمٌ بديع جِناسُ الإلتفات حَلا . . . منه فباللّهِ هذا ظَبْيةُ الأنسِ مخائلُ السحر تبدو من دقائِقه . . . كاللَّحْظِ أجفانُه مالتْ إلى النَّعَسِ لنا به كلَّ وقتٍ عن سواه غِنىً . . . في طلعةِ الشمسِ ما يُغنِي عن القَبَسِ تكسو المَسامعَ أشْنافاً صناعتُه . . . وتكْتسِي صُنْعَ صَنْعاءٍ وأنْدلُسِ فبينما نحن نَجْنِي من أزاهرِها . . . إذ أشْرقتْ وهْي مثلُ الزُّهْرِ في الغَلَسِ وبينما هي تُجْلَى في طَرَابُلُسٍ . . . والشام طَلَّتْ على مصرٍ ونابُلُسِ أذْكَرْتني منه ما لم أنْسَه أبداً . . . ولم يزَلْ مُؤنسِي في مجلسِ الأُنُسِ(3/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
يا مَن تنزَّه عن إحْصا فضائلِه . . . هل في حسابِك أُنْسِي للعهدِ نَسِي وإنَّني لَحفِيظٌ للوِدادِ ولو . . . أعْياك رسمُ ودادٍ غيرُ مُنْدرِسِ لا زلتَ عُمْدةَ أهلِ الفضلِ في صَعَدٍ . . . إلى العُلَى يا عِمادِي غَيرَ مُنْتَكِسِ ما لِي سوى نسماتِ الشِّعرِ أبْعثُها . . . تحيةً لدمشق من طَرابُلُسِ
شيخ الإسلام زكريا بن بيرام
مفتي الديار الرومية ، والممالك العثمانية ، وأجل من كل من انفتحت عن مآثره الشقائق النعمانية . هو من جوهر الفضل مكون ، وكتاب الدهر بمحاسنه معنون . ما طلعت نجوم فتاويه إلا وأشرقت آفاق الدنيا رونقاً وابتهاجا ، ولا امتطى صهوات أبحاثه إلا كان له نور الفهم على دهم الإشكال سراجاً وهاجا . دانت له الليالي فجلى بها ظلمات الحنادس ، وتدانت له سماء المعالي فاستقر بها وهو للنيرات الخمس سادس . حتى أصبح الدهر راوياً لخبر إفادته ، وناطقاً بلسان إجادته . وقد جمع الفضائل كلها ، وحوى المحاسن دقها وجلها . ومع ذلك فهو مطلق الهمة لإسداء الهبات ، مفيضٌ للمكارم على الفور والثبات . إذا هطلت سحب إحسانه سقى الجود منه رياض المنى ، طلائع إحسانه بشره كما سبق النور غض الجنى . لم يأت من المراتب شيئاً فريا ، وكفل الفضائل والفواضل كفالة زكريا . وكان مع تبحره في المنقول والمأثور ، جامعاً بين حسن المنظوم ورونق المنثور . وله فيهما ما تقف الفصاحة عنده ، وتقفو البلاغة حده . فمن ذلك ما قرظ به طبقات التقي التميمي .(3/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
هذا كتابٌ فاق في أقْرانِه . . . يسْبِي العقولَ بكَشْفِه وبَيانِهِ سِفْرٌ جليلٌ عَبْقَرِيُّ فاخِرٌ . . . سحرٌ حلالٌ جاءَ من سَحْبانِهِ أوراقُه أشْجارُ روضٍ زاهرٍ . . . قد تُجْتَنى الثَّمراتُ من أفْنانِهِ للّه دَرُّ مُؤلِّفٍ فاق الورى . . . بفرائدٍ فغدَا فريدَ زمانِهِ فجَزاه ربُّ العالَمين بلُطْفِه . . . طبقاتِ عِزٍ في فسيحِ جِنانِه لما تعمقت في لجج هذا البحر الزاخر ، صادفت أصداف أصناف الدرر الكامنة النوادر . وألفيته روضةً غناء زاهرةً أزهارها ، وروضةً زهراء ناضرةً أنوارها . وجناتٍ شقائقها محمرة ، وجنات حدائقها مخضرة . تذكرةً لعارفٍ تقي ، وتبصرةً لمستبصرٍ عن الرذائل نقي . جاوز الشعرى بشعره الفائق ، وفاق النثرة بنثره الرائق . قد استضاء بجواهره المضية تاج تراجم الأعيان ، فصار كأنه مرآةٌ انعكس فيها صور سير الأسلاف وأشراف أفاضل الزمان . اللهم اجمع بيننا وبينهم في غرف عدنٍ وطبقات الجنان . ومما يروى له من الشعر قوله : إذا ما كنتَ مَرْضِيَّ السَّجايَا . . . وعاش الناسُ منك على أمانِ فعِشْ في الدهرِ ذا أمْنٍ ويُمْنِ . . . ويُوصِلُك الإله إلى الأمانِ وقوله في الغزل : قد قتل العشاقَ من لَحْظهِ . . . دماؤُهم سالَتْ على الأوْدِيَهْ يا عجباً من قاتلٍ إنه . . . ليس عليه قَوَدٌ أو دِيَهْ
ولده شيخ الإسلام يحيى
المولى الأعظم ، والملاذ الأعصم ، والعروة الوثقى التي لا تفصم .(3/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
واحد الزمان ، وثاني النعمان . طلع شمساً في فلك الفتيا فلما قابل أرضه البدر انخسف ، ودار كل شهر على لقاه فلما آيس انتحل بل امتحق من الأسف . فشعشعت الآفاق منه غرةٌ في جبين المجد مشرقة ، واستقر به في ذلك المركز شخصٌ لم يدخل العلوم من بابٍ واحدٍ ، بل دخلها من أبوابٍ متفرقة . فأطاعته الدولة إطاعة المملوك لمالكه ، ونفذت كلمته نفاذ كلمة المليك في ممالكه . في رياسةٍ مطارح ظلالها حرم ، وكل فعالها جودٌ وكرم . فلم يدع لفضل الفضل ذكراً ، وترك معروف يحيى بن خالد نكراً . بل لم يبق لكعبٍ ، من علو كعب . وأنسى دعوة حاتم ، بأي مادحٍ وخاتم . تتنفس الأسحار عن آثاره ، وتتبسم الأماني عن جوده وإيثاره . والدنيا مشرقةٌ بلألاء وجهه المضي ، والأيام تغضب إذا غضب وترضى إذا رضي . وقد ضمنت مساعيه أن يشكر ، وأن لا تعذب الأفواه حتى يذكر . وله القدر الذي استخدم الأنام ، واستعبد الليالي واسترق الأيام . إذا أقبل في كوكبه وجلاله ، تسجد الأجفان لتعظيمه وإجلاله . فرأيه سراج الملوك ، وذلك من نظمه الذي هو نظم السلوك . وهو في الأدب أوحد من لان له الكلام ، فإذا أمسك القرطاس اختصمت أفواه الدوي في تقبيل أقدام الأقلام . يستوقفُ العَلْيا جَلالاً كُلَّما . . . سجَد اليَراعُ بكفِّه تبْجيلا لا تسْتنيرُ به المعالي غُرَّةً . . . حتى يسيل به النَّدَى تَحْجِيلاَ وكل من كان في عصرهِ ، فهو هاصر غصن الأدب من محل هصره . وأكثرهم عليه تخرج ، وفي بستانه تأرج ، ومن طبعه اكتسب وإلى طريقه انتسب . فرياض أفكاره باسمة الثغور عن شنب المعالي والألفاظ ، وغياض أشعاره متفتحة عن ورد الخدود ونرجس الألحاظ . تهز أعطافها ارتياحاً به القوافي ، وتحث لها الندمان أكؤسها على الغدران الصوافي . مستظْهِرٌ بعباراتٍ وألْسِنةٍ . . . تفَتَّتْ كالرياضِ الغُرِّ ألْوانَا(3/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
أهْدَى إلى لُغَةِ الأعْرابِ تُبَّعَهَا . . . ورقَّ بالمنطقِ التُّركِيِّ خاقَانَا وقد أوردت له ما يحلي الأدب كما يحلي السوار الزند ، ويفوح عرفه كما يفوح عرف العنبر الند . فمنه قوله في الغزل : ورَد النسيمُ بأطْيبِ الأخبارِ . . . طاب الوُرودُ وسائرُ الأزْهارِ سكِروا بخمْرِ الشوقِ حتى أظهرُوا . . . ما في ضمائِرهم من الأسرارِ في جَمْعِهم لم تَلْقَ إلا ماسِكاً . . . قدَحاً من الإبْرِيزِ والبَلاَّرِ والحوضُ فيه مجالسٌ مَلكِيَّةٌ . . . والوَرْد كالسُّلطانِ في الأطْوارِ لِعب الشَّمال بهم فحرَّكهم كما . . . لعِب الشَّمُول بزُمْرةِ الشُّطَّارِ وقوله : كأنْ بوَرْدِ خدَّيْه عُقارُ . . . شرِبْتُها حتى بَدا البَلاَّرُ البلار : لغة في البلور ، رأيته في استعمال المولدين ، منهم المعتمد بن عباد ، على ما ذكره في قلائد العقيان : جاءتْكَ ليلاً في ثيابِ نهارِ . . . من نُورِها وغُلالةِ البلارِ والشرب كناية عن التقبيل ، أزيلت به الحمرة وبدا البياض . ومن لطيف تخيلاته قوله : بِحُلَّةٍ حمراءَ جاءتْ وقد . . . تفُوح بالعنْبَر أذْيالُهَا حِلْيتُها لَعْلٌ وياقوتةٌ . . . صِيَغ من العَسْجدِ خَلْخالُهَا وله تخميس على بردة الأبوصيري بقوله : لمَّا رأيتُك تُذْرِي الدمعَ كالعَنَمِ . . . غرِقتُ في لُجَجِ الأحْزانِ والتُّهَمِ قُلْ لي وسِرِّ الهوى لا تخْشَ من نَدَمٍ . . . أمِن تذكُّر جِيرانٍ بذِي سَلمِ مَزجْتَ دمعاً جرَى من مُقْلةٍ بدَمِ تُمسِي بعَيْنٍ بوَبْلِ الدمعِ ساجِمةٍ . . . ونارِ وَجْدٍ بجَوْنِ القلبِ ضَارِمةٍ فهل بَرِيدٌ أتَى من حَيِّ فاطمةٍ . . . أم هبَّتِ الرِّيحُ من تِلْقاءِ كاظِمةٍ وأوْمَض البرقُ في الظَّلْماءِ من إضَمِ متى السُّلُوُّ لأهلِ العشقِ عنه متى . . . وحَبُّ حُبِّ سُلَيْمَى بالحشَا نَبَتَا إن تُنْكرِ الوجدَ عندي بعد ما ثبتَا . . . فما لعيْنَيْك إن قلتَ اكْفُفَا هَمَتَا وما لقلبِك إن قلتَ اسْتفِقْ يَهِمِ(3/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
تُريد تُخْفي الهوى والدمعُ مُنْسجِمٌ . . . وفي حَشاك لَظَى الأشواقِ مُضْطرِمٌ هيْهات كاتمُ سِرِّ العشقِ مُنْعدِمٌ . . . أيحسَب الصَّبُّ أن الحبَّ مُنكتِمٌ ما بين مُنْسجِمٍ منه ومُضْطرِمِ ومن إنشائه ، ما كتبه على كتاب في الطب ، اسمه مغني الشفا : يا له من روضةٍ شحاريرها أقلام المادحين من النحارير ، وألحان سواجعها ما سمع لدى التحرير من الصرير . غصونها أورقت ولكنها بصحائف كأنها مملوءةٌ باللطائف أطباق ، وأثمرت والعجب أن منابت أثمارها بطون الأوراق . من وقف عليها وتوقف فيما قلته من الوصف العاري عن المرا ، فلا شك أنه مبتلىً بداء النوك وليس له دوا . ولما أجلت نظري في ربوة حسنها وبهجتها ، ونشقت شذا رياحينها وشممت عرف نفحتها . وعاينت مجالس أنسها وقضيت منها العجب ، وحرك مني أوتار سطور طروسٍ بها ما لا يحدثه القانون من الطرب . توجهت بمجامع قلبي إليها ، وقلت مؤثراً موجز القول في الثناء عليها : يا روضةً في رُباهَا . . . دَوْحٌ غدَا سَجْعُ طَيْرِهْ مَغْنَى الشِّفاءِ ومُغْنٍ . . . عنِ الشِّفاءِ وغيرِهْ ومن نوادره ، أنه دخل عليه رجلٌ ، فوقف وسوى قامته ، ثم انحنى ، ثم قبض على لحيته ، وجعل كأنه ينفض عنها شيئاً من آخرها ثلاث مرات ، ثم قال له يعمى : باسم الفقير ؟ فقال له : اجلس يا إدريس . ومن هذا القبيل ما يحكى عن الصاحب ، أنه سأل رجلاً عن اسمه ، فأنشده : وقد تستوي الأسماءُ والناسُ والكُنَى . . . كثيراً ولكن ما تساوَى الخلائقُ فقال له الصاحب : اجلس يا أبا القاسم .
علي المعروف برضائي سبط المفتي زكريا
عليٌّ الرضا في نباهته ، وإن شئت فقل في نزاهته .(3/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
ذو البنان الرطب ، والبشر الذي يفرق منه الخطب . فسيح مدى الإغضاء وفضاه ، منتقبٌ وجه غضبه برضاه . انتسخت شمائله من الصبا في المنازه الرحاب ، وارتضعت خلاله مع طفل النور أخلاف السحاب . فيكاد من رقته يذوب ذوبان علي بن الجهم ، وتتقطر مياه البراعة من أعطافه إذا أخذته حرارة الفهم . وله قوة إلهامية ، على افتراع بنات الأفكار ، وسليقةٌ غريزية ، في اختراع المعاني الأبكار . ومن آثاره الفريدة ، مختصر الخريدة . سماه عود الشباب ، كله لب اللباب . وكان ممن ولي قضاء القاهرة ، فافترت مباسمها عن فضائله الزاهرة . وقد سلك في قضائه بها أجل مسلكٍ جلي ، وصدق الحديث المروي : ' أقضاكم عليٌّ ' . وبها عطل منه جيد القضا ، على مقتضى الحكم الذي لا يقابل إلا بالرضا . فعلى أخلاقه الرضية ، رضوان الله ورحمته الراضية المرضية . فمن توشيات قلمه ، قوله في الاعتذار عن اختصار الخريدة : ولما وجدت بعض نقده أزيف من رائج زماننا ، شرعت في تمييز الجياد واكتفيت باقتطاف الجياد من ثمار أغصانها ، بل قنعت بالعرف الضائع من بانها . وإني وإن فاتني بعض جواهره فالغائص يعذر بما في يديه ، ويشكر الصبا مقبلاً من الحبيب بعض عرف صدغيه . فجاء بحمد الله تعالى غادةً تسحر القلوب بألفاظها القسية ، وألحاظها البابلية . تصيد القلوب بألحاظها التي زينها الجمال بالفتور ، فمن نظر فيه يشتعل قلبه بالنار وتكتحل عينه بالنور . وإني غير آملٍ من أبناء الزمان تحسينهم ، وبقلادة حسن القبول توشيحهم وتزيينهم . فإن من جرب الناس في أمرهم ، يعرف أن الناس مشتقون من دهرهم . بل ما نؤمله من كرمهم الفسيح ، أن لا يوردوا وجهه بالتصريح بأنه قبيح .(3/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
إنَّا لفي زمنٍ تَرْكُ القبيحِ به . . . من أكْثرِ الناسِ إحسانٌ وإجْمالُ ثم ختم الديباجة بذكر خاله شيخ الإسلام يحيى وجعل المختصر معنوناً باسمه ، وأورد هذه الأبيات وأظنها من نظمه ، وهي : يا مُصدِرَ الآمالِ بُدْناً بعد ما . . . سُقْنَا إليك مع الرَّجَا أنْقاضَها عِشْ في ذَرَى كافي الكُفاةِ مُصاحباً . . . نِعَماً بياضُ الصبح هاب بياضَها وخُذِ الجواهرَ من قلائد مِقْوَلِي . . . إذْ كان غيري مُهْدِياً أعْراضَها قوله : يعرف أن الناس مشتقون من دهرهم يشير به إلى قول أبي الفرج العلاء الرئيس الواسطي : الناسُ مُشتقُّون من دهرِهمْ . . . طَبعاً فمن مَيَّز أو قاسَا يمتحن الدهرَ وأحْوالَه . . . مَن شاء أن يمتحنَ الناسَا واتفق لي أن بعض الإخوان وعدني بإرسال هذا المختصر وسوف ، وشوق العين لاجتلاء روضه النضر وشوف . فكتب إليه متمثلا : نَوالُك دون حَجْبُ الحجابِ . . . ومَن ناداك مفقودُ الجوابِ إذا أمَّلتُ يوماً منك وَعْداً . . . كأني أرْتجِي عَوْدَ الشَّبابِ ومن شعر رضائي ، قوله مضمناً في الدخان ، وقد أبدع : غَلْيونُنا حين همَّت كلُّ نائيةٍ . . . به وسامَرنا هَمٌّ وأفْكارُ قد اهتديْنا إلى شُرْب الدُّخانِ به . . . كأنه علَمٌ في رأسِه نارُ الغليون : أطلق على سفينة معهودة بين العوام ، وعلى هذه الآلة التي يوضع فيها ورق التبغ ويشرب ، وكلاهما عير لغوي ، وهو في اللغة اسم للقدر . والمصراع للخنساء ، من قصيدتها التي رثت بها أخاها صخراً . وأول البيت الذي هو ثانيه : وإن صَخْراً لتأْتَمُّ الهُداةُ بهِ وقد كثر تضمين الشعراء له في مقاصد لهم وأجود ما رأيته من تضامينه قول العز الموصلي ، في سامري ، اسمه نجم : وسامَرِيٍ أعارَ البدرَ فضلَ سَناً . . . سَمَّوه نجْماً وذاك النْجمُ غَرَّار(3/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
ُ تهْتزُّ قامتهُ من تحت عِمَّتِه . . . كأنه علَمٌ في رأسهِ نارُ ومما عربته من شعره : جرَّد لي من ناظِريْه مُرْهفاً . . . ومثلُه من حاجبَيْهِ عاطِبي حَيَّرني فَدَيْته أأغتدِي . . . قُرْبانَ عَيْنيْه أم الحواجبِ
محمد بن بستان المفتي
خدن الفضل وتربه ، ومن أمن من المكروه سربه . يتفتق من المعارف مكنة ، لكنه يرتضخ لكنة . فالكلام مشغوف بحلاوة لسانه ، والقول وقف على حسنه وإحسانه . وهو من حين أقمر هلاله ، راقت ولا ورق البستان المزهر خلاله . وانهل صيب جوده وقد أربى على انهلال السحاب انهلاله فشتان بينه وبين البستان ، أو الصيب الهتان . وهيهات أن يكون من فيضه خاصٌّ كمن فيضه عام ، أو من يؤتي أكله كل حينٍ كمن يؤتي أكله كل عام . وقد أطلعه الله منظوراً بعين العناية المتواصلة المدد ، ومحفوفاً بنهاية الرعاية على توالي الآنات والمدد . حتى سمت رتبة الفتيا بعالي مقامه ، وطرزت حللها الباهية بوشي أرقامه . ثم فارقته ولم تصبر على نواه ، فراجعها بعد ما استحلت بسواه . فعاد روض الفضل إلى نمائه ، وكوكب السعد إلى سمائه . ولم يزل يكحل الطروس بميل يراعته ، ويشفف الآذان بلآلىء براعته . إلى أن ذبل بسموم المرض غض نباته ، وقطفت بيد الحين زهرة حياته . فمما يعد من زهرات بستانه ، ورشحات أقلام بنانه ، قوله في رثاء سليمان زمانه . ألا أيها النَّاعِي كأنَّك لا تَدْرِي . . . بما قلتَ من سوءِ المَقالةِ والنَّشرِ سَلَلْتَ سيوفَ الموتِ في الدهرِ بَغْتةً . . . وقد بلغَ السيلُ الزُّبَى من جَوى الصدرِ(3/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
وشَقَّتْ قلوبَ المسلمين جراحةٌ . . . بصارمِ سيْفٍ قد مضَى ماضِيَ الأمرِ سهامُ المَنايا من قِسيِّ صُروفِها . . . أصابتْ بسهمٍ في ابْتسامٍ من الفجرِ نسيمُ الصَّبا رقَّتْ بأشْجانِ فُرقةٍ . . . حمامة ذات السِّدرِ حنَّتْ من الذُّعرِ همامٌ على هامِ المَمالِك تاجُه . . . أمينٌ رشيدٌ في الخلافةِ ذو قَدْرِ أأعْنِي جواداً في جوادٍ بذكْرِه . . . لقد سارتِ الرُّكبان في البرِّ والبحرِ عزيمتُه في البحر كانت عظيمةً . . . وهِمَّتُه فاقتْ على الأنْجُمِ الزُّهْرِ وأيامُه كالشمسِ كانت مضيئةً . . . وأعوامُه في الحسنِ أبْهَى من البدرِ وما قيل إجْمالٌ لبعضِ صفاتهِ . . . ولا يُمكِن التفصيلُ بالنظمِ والنثرِ فهاتيك أوصافٌ لَعَمْري جليلةٌ . . . فدُونَكها أبْهَى من الزَّهْرِ والزُّهْرِ على عكس ما طاف البلادَ بجُنْدِه . . . كشمسٍ غَرِيباً غاب في مَغْرِب القبرِ صحائفُ أكْوانٍ تدبَّرتُ حَلَّها . . . فصادفْتُها شرحاً لفنٍ من الهجرِ على صفحةِ الخدَّيْن أمليْتُ مَا جَرى . . . بأقلامِ أهْدابٍ من البُؤْس والضُّرِّ
شيخ الإسلام أسعد بن سعد الدين
مناط الملك وملاكه ، وقطب السعد الذي دارت عليه أفلاكه . الشمس والقمر السعد ، والمقتنص لشوارد المعالي بلا تحمل منةٍ لوغد . تحلى بالرياسة في ميعة شبابه ، وألقت السعادة أعنتها في بابه . مرتقياً في رتبها طوراً فطورا ، ترقى النبات ورقاً ونورا . يزيد قدره ويوفي ، وقد خلص من داء الغرض وعوفي .(3/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
فما قصرت له في أمرٍ يدان ، وعنده انطفا قنديل سعدان . فبوجهه مرآة النهار تصقل ، ولديه تربط الأماني وتعقل . وله في الصدارة تثبت الجبال ، والاستقلال الذي ينسي الماضي منه الاستقبال . فلولا مهابته إذا أقبل ، لانتظمت على أذياله القبل . وكان دخل الشام حاجاً فابتهجت بأضواء سعادته ، وقارنت السعد الأكبر في بدء أمره وإعادته . وفي رجعته إليها قابله البريد بمنصب الفتيا ، ودعاه الدهر إلى هذا المقام الذي وقفت عنده العليا . فنادته المعالي لبيك وسعديك ، واليمن والنجح كما تشاء في يديك . ولم يزل في هذا المركز حائزاً رتب الكمال ، وعلى مشرع مجده تحوم طيور الآمال . إلى أن وقعت فتنةٌ بين العسكر ، اغبر لها أفق الكون وتعكر . ثم انتهت إلى قتل السلطان عثمان ، فانحرف عنه وعن آل بيته الزمان . ولم يطل به العمر حتى طلحة وأنضاه ، وأعمده في قراب القبر الذي انتضاه . فلا زالت رحمة الله وبركاته ، تحييه ما دامت تقل الفلك حركاته . وقد أوردت من شعره قطعةً خضع لها البيان وسلم ، وهي قوله في التوسل بصاحب الشفاعة e : يا رسولَ اللّه أنت المَقصِدُ . . . أنت للرَّاجين نعم المسنِدُ كلُّ مَن ناداك فيما نَابَه . . . فاز بالإسْعادِ فيما يقصدُ قد أتى مستغفِراً مُستشْفِعاً . . . عبدُك المسكينُ هذا أسعدُ مستغيثاً شاكياً من نفسهِ . . . باكياً مما جَنتْ منه اليَدُ منك فَتْحَ الباب أرجُو ضارعاً . . . قارعاً أبوابَ فضلٍ تُرْصَدُ منك يا غيثَ النَّدَى أرجو الهُدَى . . . إن في الأحشاءِ ناراً تُوقَدُ مَسَّنِي ضُرٌّ وكربٌ مُزعِجٌ . . . في الليالِي بالتَّوالي أسهَدُ طال أيامُ التنَائِي والأسَى . . . يا طبيبَ القلب أنت المُنْجِدُ يا حبيبَ القلب باللّهِ الذي . . . غيرُه سبحانَه لا يُعبَدُ بالذي أعطاك قدراً عالياً . . . ما لمخلوقٍ إليه مَصْعَدُ(3/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
بالذي أعطاك ما لم يعطه . . . أحداص من خلقه يا سيد بالذي أعطاك ما لم يُعْطِه . . . أحداً من خَلْقِه يا سيِّدُ عِدْ بلُطْف منك كُنْ لي شافعاً . . . إن تُلاحِظْنِي فإني أسْعَدُ لا تُخيِّبْني فإني سائلٌ . . . سائلُ الدمعِ الذي لا يُطْرَدُ سَلْ مِن الرحمن تَعْجِيلَ الشِّفا . . . وانْشِراحَ الصدرِ لي يا أمْجَدُ كلُّ مَن يرجو النَّدَى من بابِكمْ . . . فهْو من نَيْلِ الأماني يسعَدُ صَلِّ يا ربِّ على خير الورَى . . . بصلاةٍ سَرْمَدٍ لا تنفَدُ وارْضَ عن آلٍ وأصحابٍ همُ الْ . . . عابدون الرَّاكعون السُّجَّدُ
ابنه أبو سعيد محمد
المفتي بعد أبيه وجده ، والمولى الذي خضع كل مجدٍ لمجده . ورث المجد خلفاً عن سلف ، وزها به مركز السيادة على زهوٍ وصلف . بشيمٍ للنيرات بها تعلق ، تستمد منها فضل توقدٍ وتألق . وبلاغةٍ في مرتبة الإعجاز ، كأنما استفيد منها الاختصار والإيجاز . فهو قليل القول صادق العمل ، مقصور الهمة على إنالة ما يهم من الأمل . له صدر النادي ، والصيت الذائع بشرف المنادي . وأيدي الغبطة به عالية ، وحال تلك الدولة به حالية . حتى جربه الدهر بخطب من أخطاه سهمه ، لكنه ازداد به عقلاً عقله وفهمه . في وقعةٍ تخرب فيها قبيلٌ وعشير ، وهلك فيها وزير ومشير .(3/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
فرقت بين روحٍ وجسد ، وخلت بين تشفٍ وحسد . فأصيب في ذخائر كان عبأ خباياه منها ، وسلمت ولله الحمد نفسه التي لا عوض عنها . وإذا بقيت النفس فلا التفات إلى الفان ، وهي الأيام ليست إلا إغفاة أجفان . فبقي بعدها منزويا ، وفي خير الخير كما كان منطويا . ولم يغفل لسانه عن شكر ، ولا شاب فيها حالته المعروفة بنكر . حتى طوى الحمام محاسنة الفاخرة ، فالله يعوضه عن لذات الدنيا بنعيم الآخرة . وقد ذكرت من آثار قلمه ما يروى لشرف الناظم ، والمنسوب يصير عظيماً بالنسبة إلى الأعاظم . فمن ذلك ما كتبه على طومار يشتمل على كرامات أبي الغيث القشاش التونسي : أرى أسْطُراً في ضِمْن تلك الرسالة . . . جداولَ من بحر الحقيقةِ سالَتِ ومن مَنْبَعَيْ علمِ اليقينِ وعيْنِه . . . أسالتْ مَعِينَ الحقِّ أيَّ إسالةِ وفيها جَلتْ حالات حبٍ كأنها . . . طَواوِيسُ جَنَّاتٍ تجلَّتْ وجالَتِ وفي ضِمْنها تنْشِيطُ أهلِ محبَّةٍ . . . وتنْبيهُ تعبيرٍ لأهل البِطالةِ أبو الغيثِ نعم الغَوْثُ خيرُ وسيلةٍ . . . إلى من به قد كان خَتْمُ الرسالةِ قلت : أبو الغيث هذا آية الله الكبرى في الفنون ، والنائل من مقامات القرب والتخصيص ما لا تتخيله الأوهام والظنون . ومن أراد استقصاء أحواله ، فعليه بتاريخي فهو موشىً بذكر أفعاله وأقواله . وكتب على فرائض العلاء الطرابلسي ، الإمام بجامع دمشق : كتابٌ نفيسٌ للفوائد جامعُ . . . مفيدٌ لطلاَّب المسائل نافعُ على حُسْنِ ترتيبٍ تحلَّى مُجمَّلاً . . . فقرَّتْ عيونٌ للورى ومَجامعُ بَدا مُعْجِباً إذْ لم تَرَ العينُ مثلَه . . . به نورُ آثارِ الفضائل لامعُ لجامِعهِ فخرِ الأئمَّة سُؤْدُدٌ . . . لرايات أنوارِ المكارم رافعُ أفاض عليه الربُّ من سُحْبِ جُودِه . . . فبحرُ عَطاهُ الجَمُّ للخَلْقِ واسعُ فسدد من جمعه وأحسن ، وأمعن فيما جمع وأتقن . حيث أتى بمختص حسن ، في تلخيص مطولات هذا الفن . ولما أجلت نظري في ربوة حسنه وبهجته ، وشممت من جانب واديه عرف شميمه ونفحته .(3/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
وجدته حديقةً أنيقة ، مزينةً بأزهار المعاني الدقيقة . وألفيته جامعاً من المسائل ما لا يوجد في المنقول ، ومحتوياً من الأبحاث ما تعجز عن فهمه العقول . أبر الله عمله ، وحرسه من صوارف الدهر ويسر أمله .
محمد بن عبد العزيز بن سعد الدين المعروف ببهائي
هو بين أسرة هذا النجر ، ليلة القدر إلى مطلع الفجر . شاهده تلق نجح الأمل ، وانظر بناديه الشمس في الحمل . أشرق في فلك البها ، وحلي ببردة الازدها . فبشره يعيد بشاشة النبت الجديب ، ولطفه يمسح به الروض عطفي أديب . مشمول الشمائل طيبها ، منهمر المواهب صيبها . أعْدَى الوجودَ بجُودِه . . . فأباد سائرَ بُخْلِهِ لا بُخْلَ فيه يُرَى سوى . . . أن لا يجُود بمثْلِهِ فعطاؤه يزيد الأعمار في نمائها ، ويبقي وجوه الراغبين بمائها . وإذا كانت أنعمه عند أوليائه ، يغتبط بها أكثر ما تكون في أفيائه . سرى ذكره في الآفاق ، مسير الصبا جاذب ذيلها النسيم الخفاق . فإذا تلقت الأرواح منها نفحات الثنا ، تعطفت بها الأعطاف وتثنت الأثنا . وقد جمع الله شتات الأدب باعتنائه ، وأعاد فيه رونق الحياة بعد دثوره وفنائه . في زمنٍ لم يبق فيه من إذا شدا مداحه هزته الأريحية ، إلا قضب الربيع إذا شدت الأطيار تثنت من أصواتها الشجية . فانكشفت ظلماؤه عن يقق ، وازدهت رياضه من الوشي في أفخر شفق .(3/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
وانثالت إليه الوجوه من أهله ، سالكين في صعب المديح وسهله . فما خاب أحدٌ منهم في سراه ، ولا صلد له زندٌ وراه . وهو في الشعر التركي مجيد ملء فمه ، وأما الشعر العربي فلا أحسبه جرى على قلمه . وقد وقفت له على قطعةٍ بالتركية التقطت منها اللؤلؤ الفرد ، ونقلته إلى العربية فها هو كماء الورد يدل على الورد : وقد كُشِف الحجابُ فبَان عنه . . . مُحيّاً أكْسَب الشمعَ اضْطِرابَا وأخْجَلها بوجهٍ فاق نُوراً . . . فصيَّرت الفِراشَ لها نِقابَا وقد رأيت من منشآته هذه القطعة ، كتبها على نسب أدهمي : حمداً لمن جعل الانتساب ، إلى بعض الأنساب ، من أوكد الأسباب ، الناجعة في إنشاء ذخائر الحمد والثنا . وأباح لأقدام المتشبثين بأذيالها ، مواطىء العز ومدارج العلى . ونصب لهم سلماً يعرجون فيه ، إلى سماء السمو وفلك الارتقا . مَرابِعُ قُدْسٍ نالَها كلُّ أقْدسٍ . . . سَمَا مَن سَما مِن نائليها إلى السَّمَا وصلاةً وسلاماً على من به بدئت نسخة الوجود والعطا ، كما به ختمت رسائل النبوة والاصطفا . وعلى آله وأصحابه الكرماء النجبا . وبعد ، فهذه شجرةٌ طيبةٌ أصلها ثابت وفرعها في السما ، تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها . وتفوح من كل زهرة منها روائح كأنها نوافح النوافج حسناً وطيباً ، ويبدو من محاسنها ما يخاله الإنسان غصناً رطيبا . كأنها اتصلت بأفواه عروقها عين الحياة ، إذ انسحبت عليها أذيال نفحات الجنان بتلك الحسنات . يا لها من شجرةٍ زكية تسد عين الشمس بأوراقها ، وتعطر أعماق الثرى بطيب أعراقها . ثابتةٍ في تربةٍ طالما ربت غصوناً طاميات ، ودوحاً ناميات . من أسفل سافلين ، إلى أعلى عليين . وجنة عالية ، قطوفها دانية ، وثمارها يانعةٌ غير فانية . تورد أخدود خدودها حياءً وخجل ، حيث تشرفت بلثم أنامل السيد الأجل . ملك أقاليم الإطلاق على الإطلاق ، وارث أسرة مقامات الكمل بالاستحقاق . الذي أتحف الضرتين بطلاق ، وقام في مقام الحمد على ساق .(3/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
فطوبى لمن له نصيبٌ في تلك الشجرة الرفيعة الشان ، السامية المكان ، المورقة الأغصان . المشرقة الأنوار ، المزهرة الأزهار ، اليانعة الأثمار . طوبى له ثم طوبى له كالشيخ الأجل ، والصاحب الأمجد الأكمل ، فلان ؛ فإن فيه مما يشهد له ألسنة الأقلام ، من أجلة العلماء الأعلام . بصحة هذا النسب الباذخ ، والحسب العاطس من أنف شامخ . دلائل تدل على تلألؤ نور السيادة من غرته ، وانبلاج صبح السعادة عن مفرق طرته . قاله المتيقن بصحة هذا النسب الأخطر ، حاكماً بها على ما يوجبه الشرع المطهر .
حسين بن محمد بن أخي المفتي
صدر الصدور ، والبدر الذي تستضيء بأنواره البدور . تألق وظلام الخطوب قد امتد ، وأسفر وسواد القطوب قد اشتد . فأشرقت به الدولة في ليلها المعتكر ، وزهت به برجل أندى من الوسمي المبتكر . ثم استوى رئيس هذه الطائفة ، فأضحى ووفود الآمال حول حماه طائفة . وكان كبراء عصره لنبالته يحسدونه ، ويودون لو عدوا في دفتر المعتدين ولا يعدونه . فانبعث سوء القول ، وفتح باب العول . وكان في قلوب الجند أغراضٌ خالجة ، ومفاسد منذ زمانٍ والجة . فوجد في جانب الخيار ، وانبرم في الأمر معه في الحركة على الاختيار . فدقوا عطر منشم ، وسعوا سعى متذبذبٍ متحشم . في فتنة يتأجج أجيجها ، ويبلغ عنان الأفق ضجيجها . فعدم اتفاقا ، وحرم مناصرةً وارتفاقا .(3/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
واستشهد في كربٍ وبلا ، مثل سميه بكربلا . فتجرع أعداؤه غصص الحين ، ورأوا بمقتله يوم الحسين . وقد أوردت له مقطوعاً يدل على لطف مزاجه ، وحسن طبعه الذي يحكي عطارد في قوة امتزاجه . وهو قوله : أيها المُبتلَى عليك بخمرٍ . . . إنها للعليل خيرُ علاج ثم لا تشْرَبَنَّ إلاَّ بمَزْجٍ . . . أوَّلُ الواجبات أمر المِزاجِ وكتب على إجازة الشيخ مسلم الصمادي ، لولده الشيخ إبراهيم : الحمد لله الولي القادر ، العالم بما في الضمائر . والصلاة والسلام على رسوله محمد ، المبعوث من أكرم القبائل وأشرف العشائر . وعلى آله وأصحابه الجالسين على سرر اليقين ، الوارثين معالم الدين كابراً عن كابر . وبعد ، فقد وقفت على ما في هذا الرق الفاخر من الإجازة ، وعرفت حقيقته ومجازه . فوجدته كالروض الفائق ، وآثار الأجلة النعمانية فيه كالشقائق . فيا له من سيدٍ سلم ارتقاؤه على سلم الوصول فبالحري أن يدعى بمسلم ، وكان شهرة لواء إرشاده كنارٍ على علم . لقن ولده الذكر وأجازه في التلقين ، وجعل كلمةً باقيةً في عقبه يوم الدين . ولله در النجل النبيل ، سمي نبي الله الخليل . حيث بسط للسالكين سماط الصمادي ، فأضاف كل رائح وغادي . بأنفاسه الأنسية ، ونفحاته القدسية . فهو في فنه وحيدٌ فريد ، وسمع طبل اشتهاره من بعيد . ولا غرو أن سلك المسلك الأسد ، فإن هذا الشبل من ذلك الأسد . جعلنا الله من المقتبسين من أنوارهم ، والفائزين بمعالم آثارهم .
عبد الرحمن بن الحسام المفتي
العلم المختلف إليه ، والعلامة المتفق عليه .(3/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
ازدانت به الأيام ازديان الخد بالعذار ، وقامت مواهبه العامة عما جنته الليالي مقام الاعتذار . يحفه لطفٌ من الله تعالى مدارك ، فيسمو إلى المعالي سمو المستبد لها من غير مشارك . حتى ترامت الحظوة لديه ، كعبيده الواقفين بين يديه . إلى حيث لا يدركه أمل ، ولا يبلغه إلا ذو علم وعمل . تبذل النفوس أرواحها في رضائه ، فلو غفل قلبٌ عن تمريضها عافته كل أعضائه . وله سداد رأيٍ يعضده القضا ، وحسام طبعٍ لا يخونه المضا . فهو ينثر الدر إذا أخذ القلم ، ومن يشابه أبه فما ظلم . فحظه جارٍ بلا مثالٍ سابق ، ولم يوجد قبله حظٌّ لحظه مطابق . فقد أخذ من الجد بعنانه ، وتصرف بالقلم كيفما شاء فكأن آية السحر في بنانه . وقد طال إلى ديار العرب تردده ، وبارت بها السحب الهواطل يده . فما زالت تشكر آلاؤه حيث حلت ركائبه من البلاد ، وتقيه الأعيان من النوائب ، بالأنفس النفيسة لا بمنفوس التلاد . وطالما تسابقت إلى مدحه القرائح ، ودلت عليه الأقاويل بالكنايات والصرائح . ثم استقر آخراً بمصر مخضر الأكناف ، متوفر الأنواع من أسباب العيش والأصناف . ولم يخل أيام إقامته فيها من مجالس يصرف إليها أعنة الاعتنا ، وفي صحبة أودائه حزبٌ كأنهم ما خلقوا إلا للمدح والثنا . ينتشون بغده إذا كروا ما مر لهم في أمسه ، ويطالعون آثار الربيع فلا يرونها كآثار خمسه . إلى أن أغمده منتضيه ، فالله يعطيه من الكرامة ما يرضيه .(3/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
فمن شعره قوله ، يمدح النجم الحلفاوي ، خطيب حلب وعالمها : عليك بنجْمِ الدين فالْزَمْه إنه . . . سيَهْدِي إلى جِنْسِ العلوم بلا فَضْلِ بنُورِ اسمِه السَّامي هدَى كلَّ عارفٍ . . . إلى أنه شمسُ الهدايةِ والفضلِ قال البديعي : ولما أنشدهما قلت بديهةً مخاطباً النجم بقولي : كفاك افْتخاراً أيها النجمُ أنَّ ذا الْ . . . مآثرِ بدرَ المجدِ شمسَ ضُحَى العدلِ حليفَ العُلَى نَجْلَ الحُسامِ المهذَّبَ الَّ . . . ذِي عَزمُه ما زال أمْضَى من النَّصْلِ ومن أشرقتْ شَهْباؤُنا بعلومِه . . . وزُحْزِح عنها ظلمةُ الظلم والجهلِ حباك ببَيْتَيْ سُؤددٍ بل بدُرَّتَيْ . . . فَخَارٍ على أهلِ المآثرِ والفضلِ
فيض الله بن أحمد القاف ، قاضي العسكر
صدرٌ طاب في ورد وصدر ، وصاحب قدر جاء للرياسة على قدر . وروضة فضلٍ تندت أوراقها ، وسحابة جود أرعادها صادت وأبراقها . عنده مجمل الأدب ومفصله ، ولديه حاصل الكلام ومحصله . بلسانٍ يورد موارد الخيال ، فيستخرج اللطائف من نبعه السيال . وهو وإن كان من الروم خرج ، فطبعه بالعربية البحتة امتزج . ترنو البلاغة عن أحداقه ، وتطغى الفصاحة بين أشداقه . فإذا حاضر فما الدر إذا ارتصف ، وإن شعر فما ابن الرومي إذا نعت أو وصف . وله شعر من ندي القول ومخضله ، ولا أعده إلا من فيض الله وفضله . فمنه قوله ، من قصيدته التي مدح بها السلطان مراد بن سليم ، يذكر فيها فتح مدينة تبريز ، على يد جيش أرسله السلطان المذكور . ومستهلها : للّهِ دَرُّ جيوشِ الروم إذْ ظهروا . . . على الرَّوافضِ إذْ صارت بهم عِبَرُ كم أبْدَعوا بِدَعاً سَبّاً ومَظْلمةً . . . لهم قلوبٌ يُحاكِي لِينَها الحجرُ فالناسُ تجْأر للرحمنِ من يدِهمْ . . . واللّهُ يسمع منهم كلماجَأرُوا(3/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
وعندما اقْترب الجيشُ العَرَمْرَمُ مِن . . . تَبْرِيز ثم بدا في ذاتهمْ خَوَرُ فشجَّعوا أنفُساً منهم قد امْتلأتْ . . . جُبْناً وقد طاشتِ الأحلامُ والفِكَرُ ظنُّوا بأن الليالي نحوَهم نظرتْ . . . فأخْطأَ الظنُّ لمَّا أخطأ النظرُ وأمَّلوا سَحَراً من ليلِ كَرْبهمُ . . . فلم يكُن لدُجَى أوْصابِهم سَحَرُ لمَّا رأى بَأْسَنا حُمْرُ الرُّءُوسِ إذا . . . فَرُّوا كما فرَّ من أُسْدِ الشَّرَى الحُمُرُ قلوبُهم خشِيَتْ أبصارُهم عَمِيَتْ . . . شاهَتْ وجوهُهمُ خوفاً وقد خسِرُوا سَطَوْا بهم فتراهم ذَا يَفِرُّ وذَا . . . عانٍ أسيرٌ وذا في التُّرْبِ مُنْعفِرُ والنَّقعُ ليلٌ بَهِيمٌ لا نجومَ به . . . تلُوح للعين إلاَّ البِيضُ والسُّمرُ هذا من قول مسلم بن الوليد : في عَسْكرٍ تُشرِق الأرضُ الفضاءُ به . . . كالليلِ أنْجُمه القُضْبانُ والأسَلُ وللعباسي ، صاحب المعاهد ما هو أحسن منه : يعقِد النَّقْعُ فوقها سُحُباً كالل . . . يلِ فيه السيوفُ أضْحتْ نجُومَا فمتى ما رأتْ سوادَ شياطي . . . ن بُغاةِ الحروبِ عادتْ رُجومَا وللمتنبي : فكأنما كُسِيَ النهارُ بها دُجَى . . . ليلٍ وأطْلعتِ الرماحُ كواكبَا وقد نقله إلى مثال آخر ، فقال : نَزُور الأعادِي في سماءِ عَجاجةٍ . . . أسنَّتُها في جانبيْها الكواكبُ ولبعضهم : نسَجتْ حوافرُها سماءً فوقها . . . جعلت أسَّنتها نجومَ سمائِهَا ولابن المعتز ، فيما يضارعه : وعمَّ السماءَ النَّقْعُ حتى كأنه . . . دخانٌ وأطرافُ الرماحِ شرارُ عوداً على بدء : فالبِيضُ في يدهم صارتْ صَوالِجةً . . . والأرْؤُس الْحُمْرُ فيما بينهم أُكَرُ هذا البيت قد أخذ بأطراف اللطف والانسجام ، إذ فيه المقابلة مع ذكر الحمر في تمثيل حال الأعاجم ، وهو أحسن عندي من قول الصالحي :(3/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
كأنما الخيلُ في المَيْدان أرْجلُها . . . صَوالِحٌ ورءُوس القومِ كالأُكَرِ مع أنه توارد فيه مع ابن عبد الظاهر ، في قوله في بعض رسائله : أصبح الأعداء كأنما جزر أجسادهم جزائر ، أحاط بها من الدماء السيل ، ورءوسهم أكرٌ تلعب بها صوالجة الأيدي والرجل من الخيل . ومما يناسب ذكره في هذا المحل ، وهو الغاية في بابه ، قول الشهاب في السلطان مراد بن أحمد ، حين غزا العجم : غزا الفُرْسَ في جيشٍ أطلَّ عليهمُ . . . بما لم يُشاهَدْ في القرونِ الأوائلِ فحال عِداهم صاغَةً وصَيارِفاً . . . لصَرْفٍ دهاهم بالسيوفِ الشَّواغلِ فأرْؤُسُهم أبدتْ بَواتِقَ في لَظىً . . . من الحربِ شُبَّتْ من رِقاقِ العواملِ فصَبَّ عليهم فضَّةً من سيُوفِه . . . فرُدَّتْ نُضاراً من نجيعِ القواتلِ كأنما السمعُ مِغْناطيسُ أنفسِهم . . . فحيث مالتْ ترى الأرواحَ تُنْتَثرُ ذوَتْ رياضُ أياديهم فلا ثمَرٌ . . . يلُوحُ فيها ولا في دَوْحِها ثَمَرُ وللفِرارِ إلى الأقطارِ قد نفَرُوا . . . وما لهم معشرٌ فيها ولا نَفَرُ فأصبحوا لا تُرَى إلا مساكنُهم . . . وقد خلَتْ ما بها عَيْنٌ ولا أثَرُ وتخْتُ تَبْرِيزَ نادى وهْو مبتهِجٌ . . . هذا الزمانُ الذي قد كنتُ أنتظرُ فيا مَلِيكاً له كلُّ الملوك غدتْ . . . تدِين طوعاً وتأتي وهْي تعتذرُ سِرْ وامْلك الأرضَ والدنيا فأنت إذاً . . . إسْكَنْدرُ العصرِ قد وافَى به الخَضِرُ فيا لَها نعمةٌ آثارُ مَفْخَرِها . . . كانتْ لدولتِه الغرَّاءِ تُدَّخَرُ ظِلُّ الإلهِ مُرادُ اللّه قد شرُفتْ . . . به المنابرُ والتِّيجانُ والسُّرُرُ أجَلُّ من وَطِىءَ الغَبْراءَ من ملِكٍ . . . بأمْرِه سائرُ الأملاكِ تأْتمرُ بعَزْمِه ظهرَ الفتحُ الذي عجزتْ . . . عنه السلاطينُ قد أفْنَتْهمُ العُصُرُ لو فاخرتْه ملوكُ الأرضِ قاطبةً . . . ما نالَهم من معانِي فخرِه العُشُرُ هل يسْتوي الشمسُ والمصباحُ جُنْحَ دُجىً . . . ويسْتوي الجاريان البحرُ والنَّهَرُ بَدا له في سماء المجد نُورُ هُدىً . . . من دونهِ النَّيِّرانِ الشمسُ والقمرُ وأصبح المُلك محروسَ الجَنَابِ وقد . . . وافَى به المُسْعدانِ القَدْرُ والقَدَرُ استعمال المثنى على هذا الأسلوب كثير ، وأجود ما وقع إلي منه قول الشنتريني ، من بلدة غرب الأندلس :(3/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
يا مَن يُصِيخُ إلى دَاعي السِّفَاهِ وقد . . . نادَى به النَّاعِيان الشَّيْبُ والكِبَرُ إن كنتَ لا تسمعُ الذِّكْرَى ففي مَ ثَوَى . . . في رأسِك الواعِيان السمعُ والبصرُ ليس الأصَمُّ ولا الأعمى سوى رجلٍ . . . لم يهْدِه الهادِيان العَيْنُ والأثَرُ لا الدهرُ يبْقَى ولا الدنيا ولا الفَلكُ الْ . . . أعْلَى ولا النَّيِّران الشمسُ والقمرُ ليَرْحلَنَّ عن الدنيا وإن كرِها . . . فِراقَها الثَّاويان البدوُ والحضَرُ تتمة القصيدة : عَطفاً على عبدِك المَدَّاح ناظمِها . . . فقلبُه من صُروفِ الدهرِ منكسِرُ لا زال مُلكك دَوْرِيَّ السَّعُودِ فما . . . يُرَى له آخِرٌ في الدهرِ يُنتظَرُ بدولةٍ تُخلِق الأيامَ جِدَّتُها . . . ما أزْهرتْ في الدياجي الأنجُمُ الزُّهُرُ ولهذا الصدر ولد ، أجل من دار حبه في خلد . اسمه :
ولده عبد الحي ، ويعرف بفائضي
فائض الطبع متدفقه ، متأرج روض الأدب متفتقه . سلك الوعور من المعارف والسهول ، وفاق على حداثة سنه الشيوخ والكهول . إلا أنه اخترم في اقتبال ، وأصيب للأجل بنبال . وشبابه يقطر ما ويرف نما ، ويغازل عيون الكواكب فضلا عن الكواعب إشارةً وإيما . فكان ممن ثكلته النجابة ، وتخلفت في الدعاء بطول عمره الإجابة . فلبست عليه الغواني الحداد في الأحداق ، وبكت عليه عيون السحب بالصيب المغداق .(3/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
ولم أقف له على شعر عربي ، غير أني عربت له بعض مفردات . فمنها قوله : غَبْغَبُ مَن أهواه في جِيدِه . . . تفَّاحةُ التفْريحِ للقلْبِ وقوله : والسَّرْوُ بالثَّلْجِ غدا مُجلَّلاً . . . كأنه المغَارة البيضاءُ وقوله : يا صَبا الروضِ أخْبرِي . . . أنتِ للأُنْسِ مَحْرَمُ هل بنادٍ رأيتِ من . . . عِقْد وُدٍ يُنَظَّمُ
كمال الدين بن أحمد طاشكبرى ، قاضي العسكر
الكمال وصفه الذي يعزى إليه ، وعين الله عليه وحواليه . فهو لم يشب بنقص ، ولم يدخل بيت مجده خبن ولا وقص . فغدا الفلك الدوار مطية آماله ، واليمن مقروناً بيمينه وانتظام الشمل معقوداً بشماله . وقد بلغ ماؤه عشراً في عشر ، وتناسب بينه وبين الفضل لفٌّ ونشر . وهو ممن إذا قال لم يترك مقالاً لقائل ، وإذا أنشا أنسى سحبان وائل . وله تشبث بالفنون الأدبية ، ونظم ونثر بالتركية والعربية . فمن شعره العربي قوله ، من أبيات كتبها لبعض الصدور : عاصفُ الحادثات أفْنانِي . . . صَرْصَرُ الدهر بَذَّ أفْنانِي كَمَدِي آدَنِي وأعْياني . . . ارحموا سادتي وأعْيانِي وله من رسالة يعتذر فيها عن عرض أسند إليه . إن كنته ، وما أنا في حِفْظِ الوفا متضنِّعاً . . . ولا أنا للزُّورِ القبيحِ مُنمِّقُ وأنتَ فتدري ما اقْتضتْه جِبلَّتِي . . . فما أدَّعي إلاَّ وأنت تصدِّقُ(3/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
ولكنَّ دهراً قد بُلِينَا بأهله . . . أباحوا به ثوبَ النِّفاق ونفَّقُوا والذي يعلم سري وعلانيتي في جميع حالي ، لم يصدر عني ذلك الأمر ولا خطر ببالي . وهل يليق بي أن أدنس العرض بمثل ذلك العرض ، وأحشر في زمرة الكاذبين يوم العرض . ووُدِّي أنتَ تعلمُه يقيناً . . . صحيحاً لا يكدَّر بالجفاءِ فلا تسمعْ لما نقلَ الأعادِي . . . وما قد نمَّقوه من افْتراءِ
محمد بن عبد الغني ، قاضي العسكر
نادرة الزمن ، ومبدي الخفي من الدقائق والمكتمن . تباهت أولو المعارف من الانتماء إليه ، ورفرفت أرباب الشعر بأجنحة الاستفادة عليه . فهو رأس من برع في فنه ، وشعشع راح الأدب في دنه وله نزعات تقف الآراء دون تحقيق مناطها ، وتعنى الألباب فلم يهتد بيانها لاستنباطها . تتوقد نار فكره ، وتبتهج بين شرب المدام وسكره . مع لطف الشيم ، الهامية الديم . وحسن الخصال ، التي عمرت بها البكر والآصال . وقد تميز بالرياسة ناهضاً بأعبائها ، وحظي من السلطنة بتقريبها واجتبائها . ولم يعطل من راحه راحه ، ولم يسكن إلا إلى دعة وراحة . وكان يؤثر الأفراح والقصف ، ويكثر من النعت للراح والوصف . وله غزليات بالتركية ، يستشفى بها الخمار ، وتتعاطى عليها الأسمار . وأما شعره العربي فلم أر له إلا هذين البيتين : قيل إن الياقوتَ أصلٌ أصيلٌ . . . لجميعِ الجواهرِ الشَّفَّافَهْ فلهذا المُكيِّفات جميعاً . . . هي فرعٌ والأصلُ فيه السُّلافَهْ يشير إلى ما قاله التيفاشي في زهر الأفكار ، في جواهر الأحجار ، ناقلاً عن بلينوس :(3/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
الياقوت حجر ذهبي ، وجميع الأحجار غير الأجساد الذائبة ، إنما انعقدت وابتدت لتكون كلها ياقوتا ، كما ابتدأت الأجساد الذائبة لتكون كلها ذهبا ، فأقعدتها عن الذهبية العوارض . وكذلك الأحجار إنما ابتدأت في خلقتها لتكون ياقوتا ، فأقعدتها عن الياقوتية كثرة الرطوبة وقلتها ، وقلة اليبس وكثرته ، فلم تكن ياقوتا ، فصارت حجارة حمراء ، وبيضاء ، وخضراء ، وصفراء ، وغير ذلك من الألوان . انتهى .
مصطفى بن عزمي ، قاضي العسكر
الهمام البذ الفرد ، الذي اقتنص المعارف اقتناص الأسد الورد . نفث في عقد النهى بلطفه المصقول ، وملك بحسن تصرفه لب المعقول والمنقول . مع لطائف تستنطق الجماد ، وبدائع لو سمعها رضوى لماد . إلا أن نهضه كان بشأوٍ قصيرٍ بين أقرانه ، وذلك دليل مواربة الدهر معه وحرانه . وربما انعطف عليه فرغم معطسه ، فيرمى على غرةٍ قلب الصواب فيقرطسه . وهو كما شاءت العلى ، يزداد تواضعا كلما علا . وتآليفه ساجل بها صوب الغمامة ، وطوق الدهر بها طوق الحمامة . وأنا بآثاره ونظامه ونثاره أضن بأمثالها ، من الدهر بمثالها . وإني لأتشوق إلى سماع مزاياه ، تشوق الصمة إلى رياه ، وأبى الخطاب إلى ثرياه . ولم أقف له من الشعر إلا على قوله :(3/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
يا نفسُ عُوذِي بالكريمِ وجُودِه . . . فهو الذي يُسْدِي إلينا نِعْمتَهْ ويُنزِّل الغيثَ الذي يروِ الرُّبَى . . . من بعد ما قَنَطُوا وينْشُر رَحمتَهْ وقوله : للّهِ من رشأٍ كتائبُ لَحْظِهِ . . . أهْلَ الصَّبابة غادرتْ مَأسُورَا ولقطْعِه صُلْبَ القلوبِ كرَوْضِها . . . قد صار صارمُ لَحْظِه مكسورَا
السيد محمد بن محمود النقيب العلامة
عقد الخلافة النبوية ، وتاج الأسرة المستمدة النور من الأسرة العلوية . وابن أفضل الأنام ، والمستنزل بوجهه در الغمام ، وخلاصة نور الوحي الملتقى ما بين فاطمة الزهراء وعليٍ الهمام . وإذا لم يكن علويٌّ كالعلامة ، في الشرف الذي كفاه على وضع العلامة . فهو للشرف كالغاصب ، وربما كان حجةً للنواصب . فأما كرم الطبع فكما تقتضيه الأريحية ، وأما لطف الخلق فكأنه منتسخٌ من أخلاق جده عليه السلام والتحية . إلى ما حواه من البيان الفصيح واللفظ الخلوب ، وحسن الأداء الذي يستدعي حب القلوب . تتجارى فصاحته وبلاغته كفرسي رهان ، فالاستدلال بهما على فضله يغني عن حجةٍ وبرهان . وله من الآثار المتلوة ، ما يلوح عليه سيماء النبوة . فمن زهراته الطرية ، وفقراته الدربة . قوله في ديباجة رسالة وسمها باسم السلطان مراد ، في تفسير آية : ' الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً ' . اللهم اهدني بسيارة الفكر في سموات الذكر إلى منهج اليقين ، واسلب غشاوة الغباوة عن عيني حتى تبصر مدرج المتقين . فيما بليت بدرايته ، وسئلت عن روايته . صبيحة يومٍ مجموعٍ له الناس في جامع وجوه الصالحين ، به تغنى عن النبراس يستفتحون بعرمرم المسلمين . المحاصرين حصن بغداد ، محاصرة الثواقب لبروج السبع الشداد . والجامع جامعٌ لمحاسن العرش المجيد ، بجواهر التزيين وزواهر التنجيد . ومراد الله فوقه شمسٌ طالعٌ على خط الاستوا ، والأعيان الثابتة على الطبقات ثوابت السما .(3/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
والمذكر قد خرج على قومه من المحراب على سنة سيدنا زكريا ، فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا . إذ تمثل لي روح الملأ الأعلى بشراً سويا ، فقام يسألني عن أشياء خفيةٍ حفيا . على سلطانٍ مسارح سبوح ، فكره ملكوت السبوح . ومدار صبوح ، ذكره مجالس الملائكة والروح . ملكٌ ملك الآفاق لطفاً وقهرا ، وسلك مسلك الاتفاق سراً وجهرا . وخضعت لجلالته وجلادته الدهور ، ونسمت بنسيم سعادته غرر الشهور كالزهور . عمت بالأيادي يداه قبائل الشاكرين فضلاً وجودا ، وهمت بنوادي نداه قوافل الذاكرين قياماً وقعوداً وسجودا . الذي استرق رقاب السلاطين مراداً ومريدا ، واستعبد ملوك الماء والطين ولم يذر مريدا . نشر راية السلطنة الطنانة نشر عبير ، وفسر حدسه آية الدولة الديانة أحسن تفسير . لم يزل صدره مصدر الكليات ، وضميره لوح الماهيات . وما برحت راحته راحة العباد ، وساحته قبلة الحاضرين والباد . وما انفكت زجاجة قريحته الوقادة ، توقد من شجرة التحقيقات العقيقية ؛ وبديهته النقادة ، ترتاح إلى التدقيقات المجازية والحقيقية . وما فتىء قبول قبوله روحا يروح نخل الفضائل بروح وريحان ، وما خلا بنان رسوله يقطف قطوف الفنون من الأفنان . ينظر إلى ثمره إذا أثمر وينعه ، ويشكر فضل أثره ويأمر بجمعه . وكتب إلى إمام السلطان يوسف بن أبي الفتح الشامي ، وهو بدمشق : يا مَن علاَ بجمالِه . . . وكمالهِ أعْلَى العُلَى مِنِّي إليك تحيَّةً . . . حِرْز البقا لذَوِي العُلَى ثم ينهي على رسم أولي النهى ، إلى المحل الذي خصه الحسن والبها . أنا كنا مجهزين إليه قبل تاريخه كتاباً مكتوبا بأمداد الصدق والخلة ، وخطاباً فيه شفاءٌ عن العلة والغلة . ثم قعدنا ناظرين بم يرجع المرسل ، فلم يظهر ممن رحل وقفل ، وطلع وأفل ، نوع أثرٍ من عين ، ونغمة خبرٍ من رباب وعين . فلعل المجهز ضاع في البين ، وما ضاع نشره بين اثنتين . وإلا فالحبيب لا محالة وثيق الوفا ، سحيقٌ على شفا جرف الجفا . فلو وصل لوصل ، وما قطع عروة ما حصل .(3/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
ودمت يوسف الحقائق ، موفياً كيل الدقائق . بين متهم ومنجد ، ومشئمٍ ومعرق . وكتب على رقعة رفعت إليه من بعض الفضلاء ، على يد واسطة بعض خواص الأفاضل ، متضمنة لعتب حصل منه : تحضرون البيت ، وتحكون الحكاية كيت وكيت . قضية الهجر فرية الواهمة ، والقطيعة من الهجران لا من أهل كاظمة . عند الملاقاة تظهر الأمور ، ولدى المصافاة يحصل شفاء الصدور . وكتب على إجازة لبعض الحلبيين : لما تشرفت بمطالعة هذا الطامور ، الفائق على هياكل النور وقلائد الحور . بميامن ما احتواه من ذكر الصالحين الذين تنزل الرحمة عنده وتحصل به الأجور ، اللائق كتبه بالمسك والكافور على النحور . بل بسواد أحداق الحور ، على صحائف قدود ربات الحجال والقصور . ذكرتهم بالدعاء الصالح ، والثناء العطر الفائح . وأثنيت على صاحبه الفائز الفالح ، بالمدح العبق الروائح . مستمداً من روحانيتهم العالية ، متيمناً بحسن الانتظام في زمرتهم السامية ، ومستطراً سحب همته الهامية النامية . فقلت فيه مقرظا : حقَّقتُ أن جمالَ الدين من زُمَرٍ . . . حَلُّوا محلَّ سوادِ القلب والبصرِ من أهلِ خِلقة تَجْريدٍ بها ادَّرَعُوا . . . والتاجُ بَيْضتُهم تحمِي عن الضَّرَرِ من مَحْتِدٍ عَبْقرِيٍ بَيْضُهم حَدَدٌ . . . المُرْتوِي صدرهُم من رَملةِ الصَّدَرِ المنتمِين إلى البازِ المُحقِّق في . . . جَوِّ العُلَى الأشهبِ العالي عن النّظرِ طُوبَى لمن إذْ جَلَى مِرآةَ خاطِره . . . بخِرْقةٍ منهم تخلُو عن الكَدرِ جمالُ ذي العصرِ في مَحْياه دام وإذْ . . . حلَّت شَعُوب جمالُ الكُتْبِ والسِّيَرِ بين الأُلَى فرأوْا عين النظيرِ به . . . عين الفريدةِ في عِقْدٍ من الدُّرَرِ فإن له ينبح الحُسَّادُ عن حسَدٍ . . . فلا يضُرُّ عُواءُ الكلبِ للقمرِ وله القصيدة الثلجية ، وهي مشهورة بالقدس ، نظمها لما كان قاضياً بها ، وعين لها وقفاً وقراء يقرأونها كل ليلة في المسجد الأقصى . ومستهلها : ما الثلجُ ثَجَّ على ذا الطُّورِ والْحَرَمِ . . . نُورٌ تجلَّى به الرحمنُ ذو الكرمِ(3/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
من عهدِ مُوسى تجلَّى لا نظيرَ له . . . لكنَّه شاملٌ للعُرْبِ والعجَمِ من جملتها : من جانبِ الرومِ ضيفٌ قد ألَمَّ بنا . . . أنْجَى الخلائقَ من جَدْبٍ ومن ألَمَِ مُنَوَّرُ الوجهِ شيخٌ من محاسنِه ال . . . بيْضَا يفيضُ بوجهِ الْبانِ والعَلَمِ تأتي سليمانَ من سُحْبٍ أريكتُه . . . فالرِّيح تحملها بالخيْلِ والحَشَمِ تواضُعاً وجهُه في الأرضِ محتَشِمٌ . . . فمن تخطَّاه قُلْ يا زَلَّةَ القدمِ
محمد بن فضل الله المعروف بعصمتي
بحرٌ في البلاغة زاخر ، ومولى كله مناقب ومفاخر . يتسامى به دهره ويتعالى ، ويتنافس به مادحه ويتغالى . فموضعه من كرم الخيم وفضل العلى ، موضع الإكليل من الرأس والعقد من الطلى . وطبعه الروض إذا باح ، بسر نوره نفس الصباح . أصلف من ملح في ما ، وأشف من زجاجة عن صهبا . وله بنان تحل أقلامه ما عقدته الأوهام بالأسنان ، فإذا دعا بيان المقال لباه سحر البيان . فيأتي بورد خدٍ تحت ريحان طرة ، وصبح فرق يسفر عن نهار غرة . ولطفه مع المعاشرين ، لطف ابن العشرين . تفتر عن ثنائه الثنايا ، وتحتوي على حبه الضلوع والحنايا . وأنا لا أحسب أن في طبعه وصمة ، وأن لا تجد منه العصمة .(3/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
وكان الدهر أغري بوهي بنائه ، لتلونه تلون الماء في إنائه . فلما رآه كالياقوت لا يتغير إذا ألقي في النار ، عطف عليه ورفع له في الحظوة المنار . فاستأنف لذاته وجددها ، وأثبت مقاماته وحددها . وتأزر بأثواب العلى وتردى ، ولم تجد عنه السعادة محيداً ولا مردا . إلى أن فاجأه الموت ، وفات في أجله الفوت . فلا زالت الديمة الوطفا ، تحيي قبراً ضم منه كرماً ولطفاً . وهذه شذرات من عقده ، جئت بها خالصةً من زيف الشعر الداعي لنقده . فمنها قوله : أهلاً بمن فاق السِّماك مُخَجِّلاً . . . شمسَ الضحى في رفعةٍ وسَناءِ فكأنَّ لي فوق الثُّرَيَّا منزلاً . . . علِقتْ بسُدَّتِه حِبالُ رَجائِي وكتب إلى أستاذي عزتي : يومكمُ نصفهُ تقَضَّى بنوُر الْ . . . عِزِّ والنصفُ منه للقُرَناءِ طالعِ الدرسَ بعد كل عِشاءٍ . . . فالليالي تُعَدُّ للإحْياءِ وكتب إلى المفتي أبي سعيد : لا زلتَ في فَلك السعادةِ ساطعاً . . . أنت الكفِيُّ بحاجتِي وحَسِيبي أمَّلتُ حُظوةَ نظرةٍ من أجلِها . . . أشْغلتُ ساحتَكم ببَسْط كُروبي وكتب لبعض الصدور : يا سراجَ التقى وبدرَ المعالي . . . دُمْ منيراً وهادياً للعبادِ كنتُ من قبلُ ألثَم اليدَ بالإجْ . . . لالِ والآن نالَ ذاك مِدادِي وله من قصيدة ربيعية : زمنُ الوردِ بالرَّحِيق الصَّفُوقِ . . . طاب حيثُ الصَّبوحُ مثلُ الغَبُوقِ أنتَ بالغَنْجِ والدلالِ أنيسٌ . . . وليَ الخمرُ كالصديقِ الصَّدوقِ وسمع قول ابن عبد ربه : نعَق الغرابُ فقلتُ أكذبُ طائرٍ . . . إن لم يصدِّقْه رُغاءُ بعيرِ فقال : ورد النسيمُ فقلت أصدقُ قاصِدٍ . . . خجلتْ له عينُ النباتِ الأخْضرِ(3/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
ومما عربه المنجكي من كلامه : لو فوَّق الحظُّ سهماً من كِنانتِه . . . وكان من خَلْفِ قَافٍ لم يفُتْ غَرَضُ وعربت أنا من كلامه : وأُريد أن أُبْدِي شكايةَ هجرِه . . . فيسُدُّ منه بكأسِ موعدِه فَمِي ومنه : مُقبِّلتي سدَّ السبيلَ شِكايتِي . . . على السِّرِّ من خَاتمِ خاتمِ الفمِ ومنه : وأنفقْتُ عمرِي في تعشُّق فَرْعِه . . . فلم أتنَشَّق شَمَّةً من عَبِيرِهِ
حسين بن رستم المعروف بباشا زاده ، نزيل مصر
صنديد بطل ، ومنطيقٌ غير ذي خطأٍ وخطل . نهجه مستقيم ، والدهر بمثله عقيم . بشيم اقتضاها مجده ، وأورثه إياها أبوه وجده . ومفخرة يتوشح بردائها ، ومأثرة يترشح لابتدائها . إلى أخلاقٍ ألطف من نعمة الوصال ، وأرق من نسمة الشمال تهديها البكور والآصال . أقام بالقاهرة زماناً طويلا ، وأوسع بها الآمال إنعاماً وتنويلا . بين قوم حروف السؤال لديهم زوائد ، فما لأحد في عزهم مرتجى ولا له في مصائبهم فوائد .(3/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
فازدهت به المواطن والمرابع ، وأشار إليه حتى النيل بالأصابع . وله أخبارٌ نشرت أعلام إفادتها في كل نادي ، وأشعارٌ لفصاحتها عند قس الإيادي أيادي . فمنها قوله من قصيدة ، كتب إلى المفتي سعد الدين ، يمدحه بها . ومطلعها : أراك ترُوم المجدَ ثم تُساهِلُ . . . وزامِلةُ العمرِ اليسيرِ تُناقِلُ ونفسُك زادت زَمعَها لا تَرُوعها . . . وتفضُل عما خلَّفتْك الأوائلُ وقد طفَلتْ شمسُ الحياةِ وبعد ما اخْ . . . تفتْ لا تراها تخْتفي فتُقابِلُ وسُلَّتْ سيوفُ الشَّيْب من غِمْدها وقدْ . . . تَبرَّتْ لأن تَنْساخ منها الكلاكلُ سنابلُ أيامِ الهوى اصْفَرَّ لونُها . . . وأوشك أن حلَّتْ عليها المَناجِلُ وشتَّت نَبْلَ الحادثاتِ قِسيُّها . . . وتُخْطىء إلاَّ أن تُصِيب المَقاتلُ فماذا التَّوانِي والتكاسُل غافلاً . . . تنامُ وشُدَّت في الحَوالِي حبائلُ وما أنت في دُنياك إلاّ معذَّبٌ . . . بِرُوحٍ يعاني غَمّه ويُماثلُ وجسمٍ يُهادَى بين موتٍ وسُقْمِه . . . ولا ينْثني عنه الأسَى والنَّوازلُ فأيُّ صفاءٍ لم يشُبْهُ مكدِّرٌ . . . وأيُّ وصالٍ لم يعُبه فاصلُ إذا ما عَراك الهمُّ بالعُدْمِ فاعْتبرْ . . . بأصدقِ قولٍ لا ترى من يُجادِلُ تباعَدْ عن الدنيا وزايِلْ نعيمَها . . . فكلُّ نعيمٍ لا مَحالةَ زائلُ يُنادي جميل الخلق حيّاً وميِّتاً . . . ألا كلُّ شيءٍ ما خَلا اللّهَ باطلُ تطول رِشاءٌ في الأمانِي وإنَّه . . . تُحوِّل فيما لم يكن فيه طائلُ فواللّهِ خَلاَّقِ البَرايا وربِّهم . . . تُسَنُّ سِنُوها والشهورُ مَناصِلُ وترْنُو لآمالٍ بعُمْرٍ نهارُه . . . قصيرٌ وقِيعانُ الأماني أَطاوِلُ رأيت ذوي التِّيجانِ ثُلَّثْ عروشُهم . . . وتنظُر في الأركانِ يوماً عَنادِلُ وتغترُّ بالدهرِ الدَّنِّي وجاهِه . . . فمَن رام بالجاهِ المُجاهاةَ جاهلُ ولو لم تكن تجلُو السَّرِيرةَ بالتُّقى . . . صباحَك لَهْواءٌ ويومَك هازِلُ فلا تعتمدْ دهراً بُلِيتَ به فما . . . ترى الخلق إلاَّ وهْو جاءٍ وراحِلُ ومن حام فيه ساعةً مستمرَّةً . . . على ما ارْتضاه فهْو ساهٍ وغافلُ ولا تحتْظِي فيها البرايا فإنَّها الدَّ . . . قيقُ وأنَّاتُ الدَّواهِي المَناخلُ منها : أيا نفسُ ما هذا التَّنافسُ في المُنَى . . . أما تنظُرين الدهرَ ماذا يُحاوِلُ(3/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
يُروِّيك من ماءٍ أُجاجٍ مكرَّرٍ . . . وأرْيُك منه سَلْسَلٌ وهَلاهِلُ ترُومينَ عيشاً رائغاً ومَعالِياً . . . وذلك سَفْسافٌ حوَتْه الحسائلُ وأمْلَتْ لكِ الأيام في العصرِ بُرْهةً . . . تمُرُّ بك الموتى وتجرْى المَحاملُ وليلُ سبيلِ البَيْن أسودُ حالكٌ . . . وتُصْطاد أنمارٌ به ورآئلُ أتَسْري بدخْياءِ الليالي وأُطْفئتْ . . . بتسْريحِ أرْواح الذنوبِ المَشاعلُ بَنيْتَ دياراً قد نَبَتْ بك نَبْوةً . . . وتُلْهيك رَوْضاتٌ بها ومَجادِلُ ستثْوِي بقَاعٍ صَفْصفٍ وتحُلُّه . . . أَو إلى خيول جُلْنَ فيه المغاسلُ عَمُوا أيها الشَّافون منها جُيودهم . . . ودوموا وقُوموا واستقيموا وحاملُوا صَباحةُ فجر الوصلِ أبدتْ طَلاقةً . . . ألا أيها الإخوانُ قوموا فناوِلُوا كؤوسَ رحيقٍ فاح كالمسكِ نَشْرُها . . . بنَشْوتها تُنْسى الرَّدى وتُجاملُ تُسِيحُ صَمِيمَ القلب ظَمْياءُ كُرْبةً . . . إذا أبْطأتْ في الدَّوْرِ تلك الذَّبائلُ تجودُ بأفنانِ الذنوبِ جوارحِي . . . وطَرْفي بأقْطارِ النَّداية باخلُ أتاكِ إلهي صاغراً متأسِّفاً . . . على ما جَناها وهْو جَدْواك سائلُ مُقِرٌّ بما يكْبُو ويهْفُو وذاكرٌ . . . كثيرُ خطِيئاتٍ أقَلَّ وعائلُ
أحمد بن زين الدين ، المعروف بمنطقي
هو وإن كان بدمشق مولده ومرباه ، وبمائها وهوائها سقي فترنح غصن رباه .(3/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
فله من الفارسية أوفر قسم ، ومن التركية ما يتخيل أنه وإياه روح وجسم . ولحق بالروم فصار منهم ، وإن لم يكن يفوق على أبلغ بلغائهم فلم يقصر عنهم . فرمت له عن قوسها الروم ، واتفقت على تفضيله الأعلام والقروم . وعهدي بمن يفرق الرث من السمين ، ويعرف فضل الورد على الياسمين . يقول : إنه فطنٌ يتلهب شرار عفاره ومرخه ، ومحسن إذا نطق بشعره ، استوقف الطير في منقاره وزق فرخه . وأشعاره متنفس خواطر الشعراء ، ومن أراد محاكاتها في حسن التأدية نبذ بالعراء . وقد أوردت من شعره العربي قطعةً تشهد له بالإحسان ، شهادة الروض الأريض بفضل ماء نيسان . وهي قوله : سقتِ الرياضَ دموعُ عينِي الجاريَهْ . . . فبدتْ تراجُعها عيونٌ باكيَهْ وسَرْت لأغصانِ الوُرودِ فأصبحتْ . . . أكْمامُها منها قلوباً داميَهْ دمعِي تبدَّل بالشَّرارِ وكيف لا . . . وجحيمُ قلبي فيه نارٌ حاميَهْ ماذا عليَّ من الجحيمِ ولم تزلْ . . . نارُ المحبَّةِ في وجودِي باقيهْ يا سادةً لمَّا بدا سلطانُهم . . . ملَك القلوبَ من الأنام كما هيَهْ تلْوِي غصونُ قُدودهم أيدي الصَّبا . . . وقلوبُهم مثلُ الحجارةِ قاسيَهْ لم يبْقَ لي ثمنٌ يُقاوم وَصْلَكُم . . . إلا المحبةَ والمحبةُ غاليَهْ الجسمُ ذاب من الجفا والقلبُ رَهْ . . . نٌ عندكم والرُّوحُ منِّي عاريَهْ مُنُّوا عليَّ بنظْرةِ فوَحقِّها . . . قسَماً بمَن أبْرَى النفوسَ الفانيَهْ لو مَرَّ بي مَيْتاً نسيمُ ديارِكمْ . . . سَرَتِ الحياةُ إلى عظامِي الباليَهْ
عطاء الله بن نوعي ، المعروف بعطائي
ضافي ذيل النباهة ، صافي ماء البداهة . ما أعافه طبعٌ ، ولا جف له نبع . وأنا أتحققه كلما أطاب ، ولم يخرج من خزينة رؤيته إلا جواهر شفافةٌ ولآلٍ رطاب . بمحاورات يحمر لها خدود الشقائق من الخجل ، ومحاضرات تكاد تخلص الحياة من يد الأجل . وله كتاب الذيل على الشقائق النعمانية ، في علماء الدولة العثمانية . أجاد فيه سجحاً وتقفية ، ووفى الحسن أكمل توفية .(3/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
وكلامه في المقفى والموزون ، سلوة المغموم وفرحة المحزون . ولم يبلغني من شعره العربي إلا قوله : ولمَّا توالتْ للزمانِ مصائبٌ . . . لكلِّ رَذِيلٍ بالرَّذالةِ مُعْلَمِ ترامتْ بهم أيدي المَنايا عن المُنَى . . . إلى حيث ألْقت رَحْلها أم قَشْعَمِ وعربت له بيتاً ذكره في ترجمة شيخ الإسلام زكريا ، وقد ولي الإفتاء في سنة إحدى وألف ، وهو : في رأسِ كل مائةٍ يجِيءُ مَن . . . يُجدِّدُ الدينَ بديعَ الوصفِ ومثلُ ذا مُجدِّدٌ للدِّينِ لا . . . يجِيءُ إلا واحداً في الألفِ
ولده محمد
ابن أبيه ، فالأصل نبيهٌ والفرع شبيه . مشى على أثره ، وضرب على محكمه في نظمه ونثره . إلا أنه قدح ، وأبوه مدح . وتجاوز في الأمد ، وشفى الحقد والكمد . وهو وإن أتى بما عليه رونق وحلاوة ، إلا أنه من هذا الأمر فالج ابن خلاوة . فالله يعفو عنه وعني ، وعن كل من يتكلم بما لا يعني . فمن شعره قوله : يأوِي إلى الحمَّامِ في أوطارِهم . . . أهلُ المعالي عند إعْوازِ الخدَمْ حتى إذا ما حمّلوا فوق الرِّضا . . . حكمَ القضا في بيْته يُؤتَى الحَكَمْ هذا المثل مما زعمت العرب وضعه على ألسنة البهائم ، قالوا : إن الأرنب التقط ثمرةً فاختلسها الثعلب ، فأكلها ، فانطلقا يختصمان إلى الضب . فقالت الأرنب : يا أبا الحسل . فقال : سميعاً دعوت . قالت : أتيناك لنختصم إليك . قال : عادلاً حكمتما . قالت : فاخرج إلينا . قال : في بيته يؤتى الحكم . هذا محل المقصود منه ، وله تتمة طويلة . ومما يناسب منزعه في التضمين قول بعضهم :(3/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
لنا عالم يُؤْتَى فيأتِي بحُجَّةٍ . . . على ذاك من أخبار علمٍ وآياتِ وقلنا له الإسلام يعلُو ولم يكن . . . ليُعْلَى فقال العلم يُؤْتَى ولا يأتِي
محمد بن داود المعروف برياضي
شاعر بارع ، متسنم لرتب البراعة فارع . تؤثره أدباؤهم على غيره ، ومن أراد منهم نهج البلاغة سار على سيره . اشتهر ذكره ، واستطار شرراً فكره . ونهض فنهضت بنهضته همم ، وتكا فأسمعت كلماته من به صمم . وله أدب شعشع به البدائع وروقها ، وقلدها بمحاسنه النوادر وطوقها . فرياض أدبه لا تعرف أزهارها الذبول ، إذا ما هبت نسماتها استخلفت الصبا والقبول . فمما عربته من مفرداته : إذا تذكَّرتُ منه رِيقاً . . . ترحَّل الصبرُ والقَرارُ إن عَزَّوِجْدانُه بمصرٍ . . . للّه في الأرض قُنْدُهارُ ومنها هذه الرباعية : أهْوَى قمراً فاق على الأقْمارِ . . . قد قيَّد بالحسن خُطَى الأبْصارِ لا أرغبُ في الحياة إلاَّ طمعاً . . . في رُؤيته فهْي مُنَى الأعْمارِ
أويس ، الشهير بويسى
شاعر منشٍ ، وناسج موشٍ . لا يسدي إلا ألحم ، ولا يناظر إلا أفحم .(3/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
اشتهر بالإحسان اشتهار الزهر بأويس ، ولم يقابل مجاريه ومباريه إلا بويح وويس . أعرب بفنونه ، واعترى القلب بفتونه . وآثاره مما تنفع الكبراء على أسمارها ، وترقم ببدائعه هالات أقمارها . أوتي في اللسان بسطة ، كما منح في اليراع نشطة . فكأن المعاني حاضرةٌ على طرف فمه ، والألفاظ مترقبةٌ لأن يجريها على بنانه وقلمه . وقد ترجم السيرة النبوية فأحسن كل الإحسان ، وأطاعته فيها الفقرات إطاعة القوافي الحسان . فشكر صنيعه من اتسم بكمال النهى ، وأحله هذا الأثر من مراقي العز فوق فرق السها . وله غيره من الآثار في الفنون ، بما يحقق تمكنه من الاطلاع للظنون . ومن جيد معانيه المنقولة قوله : شجَرُ الخِلافِ يقول للنَّهرِ . . . أنا مُرْتَوٍ بنَوالِكَ الغَمْرِ والنهرُ أيضاً قائلٌ وأنا . . . في ظلِّ فَضْلِك دائماً أجْرِي وحللت من أبياته : الباطل باطلٌ لا شبهة تنافيه ، لكن ربما ظهر في صورة الحق فشك المفكر فيه .
عمر المعروف بنفعي
ابن الرومي بعينه في الهجا ، فكأن ذاك ما راح وهذا ما جا . لو قرع إبليس بهجوه لتاب ، أو رمي مارد بجذوةٍ منه لذاب . وكله إذا فتشت فيه ، وساوس أغراضٍ يمليها فكره على فيه . فمكواته لا تفارق النار ، وإذا جهل فعلى أعلى المنار . بفكرٍ يرد السيف مثلماً ، والرمح مقلما . ويصير القمر للعمر هادما ، ولا يدع الواصف للعسل بقيء الزنانير نادما .(3/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
ولقد رأيت أهاجيه مرارا ، فأعرضت عنها تقطباً وازورارا . لأن نحسها أدى إلى رداه ، ومكن من وريده حسام عداه . فكان كالباحث عن حتفه بظلفه ، وترك من لا يرد سهام ملامه وتقريعه من خلفه . وهو على بذاءة لسانه ، يجيد في التغزل بحسن القول وإحسانه . وكل معنىً مبتكر ، لا تحوم حول حماه الفكر . فمنه على ما عربته : أسَرْتَني بلَحْظِ طَرفٍ ساحرِ . . . أوْقعتنِي فيه بقَيْدِ الناظرِ باللّهِ صُنْ صائلَ الفَرْعِ ولا . . . تُخلِّني في هَمِّ قيدٍ آخَرِ
عبد الباقي ، المعروف بوجدي
السيف القاطع ، والكاتب المتناسب المقاطع . أي وقارٍ في تلطف ، وأنسٍ مع حسن تعطف . إلى خلق كما هبت صبا نجد ، وطبعٍ يمتلي به المشغوف وجداً على وجد . وهو في الأدب ممن بعد شأوه ، وله شعر يعلم منه مقداره وبأوه . منه ما عربته : ما تراءَى لي ذلك الوجهُ إلاَّ . . . قام فيه لَوْنُ الحَيَاءِ نِقابَا عجباً من سَواد مِرْآةِ حَظِّي . . . قابلتْ نُورَه فصار حِجابَا
نائلي
رب فصاحةٍ وبراعة ، وفارس دواةٍ ويراعة . نبغ وتفوق ، وتصفى كأس أدبه وتروق . وراح في الحلبة واغتدى ، واكتسى بأحسن الحلة وارتدى . وما زالت تعله الرياسة وتنهله ، والدهر ييسر أمله الأقصى ويسهله . حتى استقامت أسبابه ، وتمتعت حيناً برونق أيامه أحبابه . على توفر حظوظٍ شارقة ، وإخفاق سحب أمانٍ بارقة . وهو في الأدب ممن استحسن منزعه ، واستعذب من مثله مشرعه . وطبعه في الشعر العارض إذا هتن ، وما أرى إلا أنه أراد أن يشعر ففتن . فمما عربته من بدائعه قوله : أيها الطالبُ شمسَ الأُفْقِ منْ . . . مسكنٍ عزَّتْ به وامْتنعتْ ارْجُ قُرْبَ الوصل إن الشمسَ في . . . شَرَكٍ من عارضيْه وقعتْ(3/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
فهيم
شابٌّ شب في حجور الآداب ، وتعلق من الشعر الغض بتلك الأهداب . فجاء منه بما تستعير لطفه الشمائل ، وبرق به النسيم إذا سرى بين الخمائل . وقد تغرب في عنفوان شبابه ، وغاص في بحبوحة التفنن وعبابه . فأرضعته الحنكة بلبانها ، وأدبته الدربة في إبانها . فكان أبرع من أورد اليراع في محبرة ، وهز غصنها في روضة طرسٍ محبرة . إلا أنه كان لا يقتصر على سمت ، ولا يخلو من انحرافٍ وأمت . وقد نزع إلى سلوكٍ ورياضة ، واستحسن عن الزخرف بالخشن تبدله واعتياضه . وله ديوان شعر موجود بأيدي الناس ، وأكثره غزليات من أدق رقى الوسواس الخناس . فمما عربته منها : عجبتُ من لَحْظِ ظَلومٍ في السَّطَا . . . يُعلِّم التظلُّمَ المظْلومَا
سليمان ، المعروف بمذاقي
ظرف الظرف ، وقوة الطرف . وزاملة النتف ، وأطروفة الطرف . كنه الأخبار حديثاً وقديما ، فلهذا اتخذه الكبراء جليساً ونديما . فهو على القدح ريحانة ، وفي الكأس سلافة حانة . وكان مولعاً بالصناعة ، ولديه منها توسع في البضاعة . فهو قمريٌّ التصوير ، شمسي التأثير ، ومحله ما بين فلك عطارد والفلك الأثير . وله شعر عذب المساغ حلو المذاق ، ورتبته في الأدب رتبة المهرة الحذاق . فمما عربته من كلامه :(3/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
ما أخْجلَ الحِبَّ عَتْبُ صَدِّ . . . جَنَى به الطَّرْفُ وردَ خَدِّ بل أشعلَ الحسنُ فيه جمراً . . . قطَّر للرِّيق ماءَ وردِ قلت : هذا معنى لطيف . ولأبي الطيب صالح النقري من شعراء المركز ، ما هو منه من أبيات : أنْضجْتُ وردةَ خدِّه بتَنَفُّسِي . . . وظلَلتُ أشربُ ماءَها مِن فِيهِ وحليت من شعره : كثيراً ما يغم العاشق فكرٌ يتصور في خياله ، والمعشوق في شغلٍ عنه يمنعه أن يمر بباله . وقس على هذا الحال المعارف يتوقع منهم المكروه ، وأما الأجانب فالمرء آمنٌ مكائدهم من كل الوجوه .
نابي
هو الآن في الأحيا ، يوازن بمكارمه الصيب إذا حبا وأحيى . آخذٌ بأسباب المحاسن جملةً وتفصيلا ، ومستوعبٌ أدوات الفضائل غريزةً وتحصيلا . وأما أدبه فالربيع زاهٍ بفضله ، والحبيب منعمٌ بعد هجره بوصله . شق الجيوب من الطرب ، وعل النفوس بما هو أحلى من الشهد والضرب . وشعر كل من عاصره بالنسبة إلى شعره المسترق النهى ، إن لم يكن أرق من السها ، فهو أخفى من منديل الرها . فمما عربته منه : لا أرَى كأسَ الأمال . . . دارَ نَحْوِي في أمانِ فهْو قد حقَّقتُ منه . . . تابِعٌ دَوْرَ الزمانِ
الأمير يونس الموصلي ، المعروف بسامي
جم الأدب رائقه ، سامي النظم فائقه . رأيته وقد أخذ منه الكبر ، واعتبرت منه العبر . وهو يروع الليث في آجامه ، ويخجل الغمام عنه انسجامه . وكنت عاشرته مدةً قليلة ، وحصلت منه على أمانٍ جليلة . تنسكب علي فوائد تجاريبه كالمطر ، فأراني بفضل عشرته قضيت من أمر الرحلة الوطر .(3/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
وكنت مدحته بأبيات ، مستهلها : برُوحِي بل بآبائي الكرامِ . . . فتى تَفْدِيه أرواحُ الأنامِ أقول فيها : وكم لي فيه من عِقْد امْتداحٍ . . . على الأيامِ مُتَّسِق النِّظامِ يرُوقُك حُسْنُه فتراه لُطْفاً . . . كما حدَّثْت عن صَفْو المُدامِ قَوافٍ ليس تكسِبُه افْتخاراً . . . ولو جاءتْ بمُعجزةِ الكلامِ ففيه تقولُ أَلْسنةُ المعالِي . . . سَما يسْمُوا سُمُوّاً فهْو سَامِي وعربت من كلامه : والروحُ منِّي في مَضِيقٍ إن تَجِدْ . . . فَرَجاً أبَتْ أن نلْتقِي في المَحْشرِ
أحمد المعروف بفصيح
حيٌّ موجود ، لكنه منقطعٌ عن الوجود . بشهامة نفسٍ لها في ذاتها تفرد ، ولطف أدب كأنه في وجنة الزمان تورد . وقد صحبته بالروم وله رواءٌ وبزة ، وغصن كماله تتساقط ثمراته بأدنى هزة . ثم عدل إلى توحشٍ وانقطاع ، ولله تعالى في خلقه أمرٌ مطاع . وكان أنشدني من أشعاره قطعاً في الغزل ، ما زلت أتمتع بها في أوقات الوحدة ، ولم أزل . وقد عربت منها هذا المفرد : علمتُ لمَّا فَكَّ عن صدرِه . . . كيف تشُقُّ الشمسُ جَيْبَ الصباحْ(3/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
الباب الرابع في ظرائف ظرفاء العراق والبحرين والعجم
أما فضل العراق ، فكالشمس حالة الإشراق . وحسبك أنه في جهة مطلعها الذي هو الشرق ، وإذا قيس بالغرب فكأنما سوي بين القدم والفرق . وشتان بين ما تجلى الشمس منه فوق منصتها ، وبين ما يشره أفقه الغربي لابتلاع قرصتها . وأما أهله فهم ملائكة الأرض ، وبهم لاق من المدح المسنون والفرض . وشعراؤه قد هاموا من البلاغة في كل واد ، وجلوا غررهم في سواده وأحسن ما لاحت الغرر في السواد . وقد خرج قريباً منهم جماعةٌ أطلعوا ذكاء ذكائهم في أفقه المشرق ، وملأوا ببضائع فوائدهم ونصائع فرائدهم حقائب المشئم والمعرق .
عبد علي بن ناصر بن رحمة الحويزي
أوحد من أبدع وأغرب ، وشعر فأبان عن إعجازه وأعرب . ما شئت من استحكام المبنى ، وانقياد اللفظ الغر من المعنى . وحسن الأسلوب الذي تشبث بالحشايا ، ونصاعة المقترح الذي تبتهج به البكر والعشايا . وشعره تملكه الرقة على الشوادن العفر ، ويكسب القدود خفةً فتكاد تسترقص على الظفر .(3/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
أرقُّ من دمعةٍ شِيعِيَّةٍ . . . تبْكي على ابن أبي طالبِ فالهوى أول تميمةٍ قلدته الداية ، والصبابة هي التي عرفها من البداية . ودخل بغداد فتخلق ثمة بأخلاقٍ عذاب ، وكان كابن الجهم بعث إلى الرصافة ليرق فذاب . ثم التحق بابن افراسياب صاحب البصرة فألقى عنده رحله وحط ، والتم في كنفه بعد ما شط . ففك من يد العسرة وثاقه ، وأخذ على الدهر باستقالة عهده ميثاقه . فأقام في ظله إلى وقت زواله ، ومضى فلم يبق بعده في تلك الناحية من يعتني بأقواله . وقد أوردت من شعره ما يسكر العقول بصهبائه ، ويدل على أنه أخذ من بحر القريض أنفس دره وولع الناس بحصبائه . فمنه قوله ، من قصيدة يمدح بها الأمير علي بن افراسياب ، ويستأذنه في الحج : لمع البرقُ في أكُفِّ السُّقاةِ . . . وبدا الصبحُ في سَنا الكاساتِ فالبِدارَ البِداَر حَيَّ على الرَّا . . . حِ وهُبُّوا لأكْمل اللذَّاتِ نارُ موسى بدَتْ فأين كليم الذَّ . . . اتِ يمْحو بها حجابَ الصِّفاتِ صاحَ دِيكُ الصباح يا صاحِ بالرَّ . . . احِ فَواتِ الأفراحَ قبل الفَواتِ واصطبِحْها اصْطباحَ مَن راح لا يفْ . . . رقُ بين الشموسِ والذَّرَّاتِ تَلْقَ فيها العقولَ مُنتقشاتٍ . . . كانْتقاشِ الأشخاصِ في المِرآةِ فهي الشَّرْبةُ التي عثَر الخِضْ . . . رُ عليها في عينِ ماءِ الحَياةِ وتقصَّى الإسْكندرُ البحثَ عنها . . . فعَداها وتاهَ في الظُّلُماتِ سكنتْ من حَضائرِ القُدْسِ حَاناً . . . جَلَّ عن أن يُقاسَ بالْحاناتِ نُورُ حقٍ بنفسِه قام ما احْتا . . . جَ إلى كُوَّةٍ ولا مِشْكاةِ قَبَسٌ أشْعلتْه أيْدِي التجلِّي . . . فأضاءتْ به جميعُ الجهاتِ حُجبَتْ بالزُّجاجِ وهْيَ عِيانٌ . . . كاحْتجاب البدورُ بالْهالاتِ يا ندِيمي أجِلْ لي عرائسَ سِرٍ . . . بغَواشِي الكؤُوسِ مُحْتجِباتِ هات راحِي ونادِ خُذْها فإنِّي . . . لستُ أنْسَى يوم اللِّقا خُذْ وهاتِ فلقد رُدُّ ركنُ نَحْسِيَ لَمَّا . . . سعِدتْ بالحبيبِ كلُّ جِهاتِي(3/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
هي شَهْدُ الشُّهود بل راحةُ الأرْ . . . واحِ بل حُسْنُ طَلْعةِ الحسناتِ يا سُقاتي لا تصرفُوا الصِّرْفَ عَنِّي . . . فحياتِي في رَشْفِها يا سُقاتِي غيرُ بِدْعٍ ممَّن حَساها إذا ارْتا . . . ح وقال : الوجودُ بعضُ هِباتِي قام زينُ العِبادِ مِن شُربها قُطْ . . . باً عليه دارَتْ رَحَا البَيِّناتِ فتلاشَى بشُعْلةٍ فَتح العَيْ . . . نَيْنِ منها إلى عيونِ الذَّاتِ وخطَتْ بالجُنَيْد خُطْوَة بَحْرٍ . . . غَرِقتْ فيه أكْثرُ الكائناتِ ورمتْ بالحُسيْن حتَّى ترقَّى . . . بأنا الحقُّ أرْفعَ الدَّرجاتِ أسمعتْنَا من شيخ بِسطامَ مَا أعْ . . . ظَمَ ذاتِي بالنَّفْيِ والإثْباتِ وقُصارى خَلْعِ العذار بها نَيْ . . . لُ مَقامٍ يُقاوِم المُعجِزاتِ رُبَّ وَفْرٍ منها يُصِيب فتَى الْ . . . مجدِ عليِّ العرشِ مِرآةِ السُّراةِ فهو في سِرِّهِ المنَزَّهِ سِرِّي . . . ولئِن لم يهِم بحَوْزِ الفَلاةِ حاد عن مذهبِ التقشُّفِ وانْحا . . . ز إلى مذهب الحُماةِ الكُماةِ وتردَّى بُرْدَ البَوَاطِن والأصْ . . . لُ خُلوصُ الأعمالِ بالنِّيَّاتِ فهْو في السِّرِّ خادمُ الفَقْرِ عافٍ . . . وهْو في الجَهْرِ ضَيْغمُ المُلكِ عاتِ وله في مَراتبِ الفضلِ ذِهْنٌ . . . هو مفْتاحُ مُقْفَل المُشكِلاتِ كتمْتْه أُولَى الدهورِ وأبدتْ . . . هُ على فَتْرةٍ من المَكْرُماتِ فأفادتْ بمجْدِه البَصْرةُ الفيْ . . . حاءُ حَلْيَ المعاهِد العاطِلاتِ حَلَّ من حِفْظِ نفسِه للمسا . . . كِين سَنام المَراتبِ العالياتِ أسدٌ في ملاحِمِ الحرب غيثٌ . . . في النَّدَى خِضْرَمٌ بعلم اللغاتِ كفُّه مُقْلةُ العدوِّ فلا ينْ . . . فَكُّ كلٌّ عن شِيمة المرسَلاتِ وكذا خَيْلُه وأفئدةُ الأعْ . . . داءِ سِيَّان في وَحَي العادِياتِ وكذا مالُه وأرواحُ مَن عادا . . . هُ في كَوْنِهنَّ في النازِعاتِ إن يضِعْ وقتُ مَن سِوايَ فإنِّي . . . لي بعَلْياه أشرفُ الأوقاتِ شمِلتْني منه العنايةُ حتَّى . . . مسحَتْ هِمَّتي عن النَّيِّراتِ يا إمام الكرامِ يا صادقَ الوَعْ . . . دِ إذا لم يَفِ الورَى بالعِداتِ وهُماماً تعوَّد الحلمَ والجُو . . . دَ وهاتان أكرمُ العاداتِ نِلْتُ من جُودِك العَمِيمِ نَوالاً . . . وجبَتْ فيه حِجَّتِي وزَكاتِي عرف الناسُ في حِماكَ وُقُوفِي . . . فأجِزْني الوقوفَ في عَرَفاتِ ومُرادِي لك الثوابُ وللرِّقِّ . . . قضاءُ المَناسِك الواجباتِ(3/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
طَوْفُ بيت اللّهِ الحرامِ وتَقْبِي . . . لُ ثَرَى قبرِ سيِّد الكائناتِ لم أُفارِقْ حِمَى العَليِّ لِبيْتٍ . . . غيرِ بيتِ العَلِيِّ ذِ الدَّرجاتِ وابْقَ واسلَمْ على الرَّجاءِ مَلِيكاً . . . طَوْعُ ما تشْتهي الزمانُ المُواتِي قلت : هذه القصيد مؤلفة من الدرر النضيدة ، إذا أنشدت بين العذيب وبارق ، تقول رواة الغرب يا حبذا الشرق . ووقفت له على ضادية ، بها فخر على كل من نطق بالضاد ، وبلطف انسجامها ورونق نضارتها تروي كل صاد . وهي : قام يجْلُوها في الأجْفانِ غَمْضُ . . . والنَّدامى نُوَّمٌ بعضٌ وبعضُ والضِّيا يرمِي بها الفَجْر الضِّيا . . . ولخيْلِ الصبح في الظُّلُمات رَكْضُ وكأن الليلَ غَيْمٌ مُقْلِعٌ . . . لَمَعانُ الكأسِ في جَنْبَيْه وَمْضُ في رياضٍ نسَجتْ فيها الصَّبا . . . ولَها في زهْرِها بَسْطٌ وقَبْضُ ضَرَّج الوردُ بها وَجْنتَه . . . والأقاحِي ضُحَّكٌ والآسُ غَضُّ وكأنَّ النَّرجِسَ الغَضَّ بها . . . أعْيُنُ الغِيدِ وما فيهنَّ غَمْضُ وكأن الْبانَ قَدٌّ مائِسٌ . . . كلُّ غصنٍ منه عِرْقٌ فيه نَبْضُ وكأنَّ الأرْضَ ممَّا أنبتتْ . . . زَهَراً جَوُّ السما والجوَّ أرْضُ أحسن ما قيل في معناه : وما غرُبتْ نجومُ الأفْقِ لكنْ . . . نُقِلْنَ من السماءِ إلى الرِّياضِ مجلسٌ طُلَّ دمُ الكأسِ به . . . وله ظِلٌّ له طولٌ وعَرْضُ نظمتْ فيه اللآلِي حَبَباً . . . حين عنْها صدَفُ الدَّنِّ يُفَضُّ بي وبالرَّاحِ الذي أجْفَانُه . . . تحسِم البِيضِ صحاحاً وهْي فَرْضُ كيف تَرْجُو البِيضُ نحْوي رَسْمَها . . . ولها في خِدِّها رَدٌّ ونَقْضُ ما وفَتْ دَيْنِيَ منها وَلَها . . . في فُؤادِي أبداً نَشْرٌ ونَقْضُ يا حبيباً قد غدَا مُعْتزِلِي . . . ليس لي عن سُنَّةِ العُشَّاقِ رَفْضُ إن يكُن قد شِيبَ دمعي بدَمِي . . . حُمْرةً فالوُدُّ في الأحْشاءِ مَحْضُ مُستقِرٌّ نُهِك العظمُ به . . . بعد أن ذابَ له لحمٌ ونَحْضُ(3/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
وبقلبي عقْربُ الصُّدغِ له . . . كلَّما هبَّ الصَّبا نَهْشٌ وعَضُّ حمَّلت جسميَ أعْباءَ الهوى . . . وهو لا يُمكِنُه بالثوبِ نَهْضُ ومن خمرياته المشهورة : أقَرقفٌ في الزُّجاجِ أم ذَهبُ . . . ولُؤْلؤٌ ما عليه أمْ حَبَبُ شمسُ عُلاً فوق دَنِّها شُهُبٌ . . . والعَجَبُ الشمسُ فوقها الشُّهُبُ حمراءُ قد عُتِّقتْ فلو نطَقتْ . . . حكَتْ لِخَلْق السماءِ ما السبَبُ إن لَهبَّتْها السُّقاةُ في غَسَقٍ . . . يُحرِّك الليلَ ذلك اللَّهَبُ وإن حَساها النَّدِيمُ مُصطبِحاً . . . ألَمَّ في الجيشِ همّة الطَّرَبِ لم أدْرِ من قبلِ ذَوْبِ عَسْجَدِها . . . بأن يُرَى التِّبْرُ أصلُه العِنَبُ للّهِ أيامُنا بذِي سَلَمٍ . . . سقتْك أيامَ وصلِنا السحُبُ والروضُ بالمُزْنِ يانِعٌ أنِقٌ . . . والغصنُ بالرِّيح هَزَّة الطَّرَبُ والنهرُ يحتْاكه الصَّبا زَرَداً . . . إذا نضَتْ من بوارِقٍ قُضُبُ فخانَنا الدهرُ بالفرِاقِ وقد . . . رَثَّتْ جَلابيبُ وَصْلِنا القُشُبُ عجبتُ للدهرِ في تصرُّفهِ . . . وكلُّ أفعالِ دهرِنا عَجَبُ يُعانِدُ الدهرُ كلَّ ذي أدَبٍ . . . كأنما نَاكَ أمَّه الأدَبُ هذان البيتان قديمان ، فكأنه ضمنهما . وللخفاجي ما هو أعجب من هذا ؛ وهو قوله : لزُناةِ الأنام حَدٌّ ورَجْمٌ . . . وبِنَفْيٍ كم غَرَّب الشرعُ زَانِي وزمانِي قد لَجَّ في تغْرِيبي . . . أتُرانِي قد نِكْتُ أمَّ الزمانِ التغريب عند أبي حنيفة منسوخ في حق البكر ، وعامة أهل العلم على أنه ثابت ، على ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي e ، ضرب وغرب . يا عرباً باللِّوَى وكاظِمةٍ . . . لي في مَقَاصِير حَيِّكم أرَبُ بأهْيَفٍ كالقضِيبِ إن هتفَتْ . . . صَباه سقتْهُ أعْيُني السُّكْبُ كالشمس أنوارُه وغُرَّته . . . فماله بالظَّلام ينْتقِبُ تسْفَح من سَفْح مُقْلتِي سُحُبٌ . . . إذْ لاح مِن فيهِ بارِق شَنِبُ كأنَّما فيْضُها ووابِلُها . . . أعارَه الفَيْضَ راشِدُ النَّدْبُ ومن جيد شعره قوله يمدح الشريف راشداً : إلى مَ انْتظارِي للوصالِ ولا وَصْلُ . . . وحتَّى مَ لا تدْنو إليَّ ولا أسْلُو(3/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
وبين ضُلوعي زَفْرةٌ لو تَبوَّأتْ . . . فؤادَك ما أيْقنْتَ أن الهوى سَهْلُ جميلاً بصَبٍ زادَه النَّأْيُ سَلْوةً . . . ورِفْقاً بقلبٍ مَسَّه بعدك الخَبْلُ إذا أطْرفتْ منك العيونُ بنَظْرةٍ . . . فأيْسَرُ شيءٍ عند عاشقِك القتلُ أمُنْعِمةٌ بالزَّوْرةِ الظبيةُ التي . . . بخَلْخَالِها حِلْمٌ وفي قُرْطِها جَهْلُ ومَن كُلَّما جَّردْتها من ثيابِها . . . كساها ثياباً غَيْرَك الفاحمُ الجَثْلُ هذا البيت من قصيدة المتنبي الفائية ، أولها : لِجِنِّيَّةٍ أم غادةٍ رُفِع السِّجْفُ لم يغير فيه إلا القافية ، وهي الوحف . والوحف : الشعر الكثير الملتف . والجثل : الكثير اللين . سقى المُزْنُ أقواماً بوَعْسَاءِ رَامةٍ . . . لقد قُطِّعتْ بيني وبينهم السُّبْلُ وحَيَّى زماناً كلما جئتُ طارقاً . . . سُلَيْمَى أجابتْني إلى وصْلِها جُمْلُ معناه أن الحسان يطلبن وصله لما يرون من لباقته . وأخرج منه قول الأمير المنجكي : قضَيْتُ حَقَّ الصِّبا وفي كبدِي . . . هوىً عليه الحِسانُ في جَدَلِ والذي حاز قصبات السبق في هذا العتبى ، في قوله : رأيْنَ الغوانِي الشيبَ لاح بمَفْرِقِي . . . فأعْرَضْنَ عنِّي بالخدُودِ النَّواضرِ وكُنَّ إذا أبْصَرْنَنِي أو سَمِعْنَ بي . . . سَعَيْن فرقَّعْنَ الكُوَى بالمَحاجِرِ ولقد أبدع الوزير أبو محمد بن عبد الغفور الأندلسي ، من رقعة : كنت والشباب نضر الحلى ، قبل حلول هذا الشيب الذي علا ، كريماً على ذات الطلى ، لا تعترض في لمكان القلة بلولا . ولما طار غراب الشباب بان المشيب ، ورحت رث الجلباب بعد كل سحتٍ قشيب . سمعتهن حيناً يتبرمن ، وحيناً يترنمن ، إلا أنهن يجمجمن ولا يترحمن . وبفضل حاستي ولله الحمد ما فهمت الوزن ، فلما استقريت لتعرف حروفه السهل والحزن ، عثر لهجي في تطلب تلك الضالة بلعل وعسى ، بقول الملك الضليل :(3/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
ألِمَّا على الرَّبْعِ القديمِ بِعَسْعَسَا ولم أزل بعد محدثاً موسوسا ، حتى سقط بي اليقين على قوله ، وقد ساءني في صدر هذا الرأي : أرَاهُنَّ لا يُحْبِبْنَ مَن قَلَّ مالُه . . . ولا مَن رأَيْنَ الشيبَ فيه وقَوَّسَا وإذا قوس ظهر المرء فقد استحال جماله ، فإذاً ، قاتلهن الله ، يحببن القبيح ذا المال ، والفقير ذا الجمال . تتمة القصيدة : تَوَدُّ ولا أصْبُو وتُوفِي ولا أفِي . . . وأنْأَى ولا تَنْأى وأسْلُو ولا تَسْلُو إذِ الغُصْنُ غَضٌّ والشَبابُ بمائِهِ . . . وجِيدُ الرِّضَا من كلِّ نائِبةٍ عُطْلُ ومِن خَشْيةِ النارِ التي فوق وَجْنتِي . . . تقاصَر أن يدنُو بعارِضِيَ النَّمْلُ برُوحِيَ مَن ودَّعْتُها ومدامعِي . . . كسِقْطِ جُمانٍ جُذَّ من سِمْطِه الحَبْلُ كأن قِلاصَ المالِكيَّةِ نَوَّخَتْ . . . على مَدْمعِي فارْفَضَّ مُذْ سارتِ الإبْلُ هذا من قول المتنبي : كأن العِيسَ كانتْ فوق جَفْنِي . . . مُناخاتٍ فلما سِرْنَ سَالاَ والمتنبي أخذه من قول بشار : كأنَّ جُفُونِي كانت العِيسُ فَوْقَها . . . فسارتْ وسالتْ بعدهنَّ المَدامِعُ وما ضُربتْ تلك الخيامُ بعالِجٍ . . . لقَصْدٍ سوَى أن لا يُصاحِبني العَقْلُ وحَدَبٍ كأنَّ العِيسَ فيه إذا خَطتْ . . . تُسابِق ظِلاً أو يُسابِقُها الظِّلُّ سَئِمْنَ بنَا الأنْضاءُ حتى كأنَّنا . . . حَيارَى دُجىً أو أرْضَنا معنا قَفْلُ إذا عَرضتْ لي من بلادٍ مذلَّةٌ . . . فأيْسَرُ شيءٍ عنديَ الوَخْدُ والرَّحْلُ وليس اعْتِسافُ البِيدِ عن مَرْبَعِ الأذَى . . . بذُلٍ ولكنَّ المُقامَ هو الذُّلُّ ولا أنا ممَّن إن جهلتَ خِلالَه . . . أقامتْ به القَاماتُ والأعْيُن النُّجْلُ فكلُّ رياضٍ جِئْتُها ليَ مَرتَعٌ . . . وكلُّ أُناس أكْرمُوني همُ الأهْلُ ولي باعْتمادِ الأبْلجِ الوَجْهِ رَاشدٍ . . . عن الشُّغْلِ في آثارِ هذا الورَى شُغْلُ هُمامٌ رسَتْ للمجدِ في جَنْبِ عَزْمِه . . . جِبالٌ جبالُ الأرضِ في جَنْبِها سَهْل(3/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
ُ وليثٌ هَياجٌ ما عَرِينَ جُفونُه . . . من الكُحْل إلاَّ والعَجاجُ لها كُحْلُ يقوم مَقامَ الجيشِ إن غابَ جيْشُه . . . ويخْلُف حدَّ النصلِ إن غُمِد النَّصْلُ زكَتْ شرَفاً أعْراقُه وفُروعُه . . . وطابتْ لنا منه الفضائلُ والفِعْلُ إذا لم يكنْ فعلُ الكريمِ كاصْلِه . . . كريماً فما تُغْنِي المَناسبُ والأصلُ من النَّفَرِ الغُرِّ الذين تحالَفُوا . . . مدَى الدهرِ لا يأتي ديارَهمُ البُخْلُ كِرامٌ إذا رامُوا فِطامَ وَليدِهمْ . . . عن الثَّدْيِ حطُّوا البُخْلَ فانْفَطم النَّجْلُ ليوثٌ إذا صَالُوا غُيوثٌ إذا هَمَوْا . . . بُحورٌ إذا جادُوا سيوفٌ إذا سُلُّوا وإن خطَبوا مَجْداً فإن سيوفَهمْ . . . مُهورٌ وأطرافُ القَنا لهمُ رْسْلُ إذا قفَلُوا تَنْأَى العُلَى حيثما نأَوْا . . . وإن نزَلُوا حلَّ الندَى أينما حَلُّوا هذا معنى متداول ، منه قول المتنبي : الحسنُ يرحَلُ كلما رحَلُوا . . . معهم وينزلُ حيثما نزَلُوا تَوالتْ على كسْبِ الثناءِ طِباعُهم . . . فأعْراضُهم حِرمٌ وأمْوالهم حِلُّ أمَوْلايَ إن يَمْضُوا ففِيك سَما العُلَى . . . وقامتْ قَناةُ الدِّين وانْتشر العَقْلُ وإن يكُ قد أفْضَى الزمانُ بسالمٍ . . . فإنك رَوْضُ الوَبْلِ إذْ ذهَب الوَبْلُ هذا معنىً تلاعب به المتنبي وكرره ، في تفضيل البعض على الكل ، فأحسن وأجاد ، حيث قال : فإن يكُ سَيَّارُ بن مُكْرَمٍ انْقضَى . . . فإنك ماءُ الوردِ إن ذهبَ الوَرْدُ وقال : فإن تكُنْ تَغْلِبُ الغَلْباءُ عُنْصُرَها . . . فإنَّ في الخمرِ معنىً ليس في العِنَبِ وقال : فإن تَفُقِ الأنام وَأنت منهمْ . . . فإن المسكَ بعضُ دمِ الغزالِ وقال : وما أنا منهمُ بالعَيْشِ فيهمْ . . . ولكن مَعْدِنُ الذهبِ الرَّغامُ ولبعضهم منه :(3/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
وكان أبوك لنَا كالْحَيَا . . . فوَلَّى وأبْقاك مثلَ الغَدِيرِ وله أيضاً : ألاَ للّهِ قومٌ إن تَولَّوْا . . . لهم نَسْلُ يُسَلُّونَ المُصابَا فإنهمُ الْحَيَا وَلَّى وأبْقَى . . . لنا رَوْضاً وأنْهاراً عِذابَا إليك ارْتمتْ فِينا قَلوصٌ كأنها . . . قِسِيٌّ بأسْفارٍ كأنَّهُمُ نَبْلُ يعني أنحلها السرى ، بحيث صارت من الهزال كالقسي . وأول من وصف النوق بهذا الوصف البحتري ، في قوله : يتَرقْرَقْنَ كالسَّرابِ فقد خُضْ . . . نَ غِماراً من السَّرابِ الجاري كالقِسِيِّ المُعَطَّفاتِ بل الأسْ . . . هُمِ مَبْريَّةً بل الأوْتارِ ثم تداول الشعراء هذا المعنى ، وتجاذبوا أطرافه . فمنهم الشريف الموسوي ، حيث قال : هُنَّ القِسِيُّ من النُّحُولِ فإن سَمَا . . . طلبٌ فهُنَّ من النَّجاءِ الأسْهُمُ وقد أخذه ابن قلاقس ، فقال : خُوصٌ كأمْثالِ القِسِيِّ نَواحِلاً . . . فإذا سَمَا خَطْبٌ فهُنَّ سِهامُ وقال ابن خفاجة : وقِدْماً بَرَتْ منَّا قِسِيّاً يَدُ السُّرَى . . . وفَوَّق منها فوقَها المجدُ أسْهُمَا وهذا منزع عبد علي . وما زَجَر الأنضاء سَوْطي وإنَّما . . . إليك بلاَ سَوْقٍ تَسابقتِ الإبْلُ يَمِينُك لا أقْصَى الزمانُ بها حَياً . . . وكَهْفُك لا أوْدَى الزمانُ له ظِلُّ وكلُّ لحاظٍ لستَ إنْسانَها قَذَىً . . . وكلُّ بلادٍ لستَ صَيِّبَها مَحْلُ وله من أخرى في مدحه أيضاً . أولها : يا دارَها بالشِّعب شِعب الحائلِ . . . غادَاكِ مُرْفَضُّ الغَمام الهاطلِ تبدَّلتْ عن كلِّ حالٍ آنِسٍ . . . من أهلِها بكلِّ ناءٍ عاطلِ عُجْنَا بها رِكابَنا لكي ترى . . . ما فعلتْ أيدِي الزمانِ الماحلِ(3/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
كأنما كلُّ هوَى قُلوبِنا . . . رُكِّبَ في قوائمِ الرَّواحلِ والْتثمتْ جَحْفَلها تُرابُها . . . فمُسْعِدي مُلْتثَمُ الجَحافلِ إن مَصَح الدهرُ رُبَا رُبوعِها . . . فليس تُمصَح الرُّبَى بهاطِلِ وإن تُمتْ بعدَهم ديارُهم . . . فالنَّازلون أنْفس المنازلِ للّهِ عيشٌ ذهبتْ نَضْرتُه . . . كأنه رَقْدةُ ظِلٍ زائلِ وليلةٌ قضَّيْتُها بعاقل . . . سقَى الغمامُ ليْلتي بعاقِلِ إذِ الثُّرَيَّا لِمَمٌ نُجومُها . . . كأنها تُرْسُ فَتىً مُنازِلِ والبدرُ في كبدِ السماءِ حائرٌ . . . كأنه وعدُ حبيبٍ ماطلِ أحْيَيْتُها مرتشِفاً بَلابِلاً . . . تهْرُب عند شُرْبِها بَلابِلِي أرشِفُها حتى إذا ما فرغتْ . . . جمعتُ بين القُرط والخلاخِلِ يحتمل أن يكون جمع بينهما في التمتع بالنظر فحسب ، وأن يكون جمع بينهما في التمتع بالفعل ، كما يقال في الكناية عن الفعل : رفع كراعها ، وشال شراعها ، وألحق قرطها بخلخالها . ووقع لي في الإحماض : ولقد ضلِلتُ عن الطريق بغادةٍ . . . جعلَتْ رَشادِي سُخْرةً لضَلالِي فحنَيْتُها فعلَ المُكِبِّ لِحاجةٍ . . . وجمعتُ بين القُرْطِ والخَلْخَالِ وإضلال الطريق ، كناية عن ابتغاء ما لم يكتب الله . لِلَّهْوِ ساعةٌ تمُرُّ خُلْسةً . . . كأنها تقبيلُ ثَغْرِ راحلِ هذا بعينه بيت المتنبي : لِلَّهْوِ آوِنةٌ تَمُرُّ كأنها . . . قُبَلٌ يُزوِّدها حبيبٌ راحلُ وأصله قول البحتري : وزمانُ السرورِ يمْضِي سريعاً . . . مثلَ طِيبِ العناقِ عند الفِراقِ ومن مديحها : مُعتنِقُ الحِلْم اعْتناقَ فَتْكِه . . . مُجْتنِبَ البُخْل اجْتنابَ الباطلِ إذا ارْتدَى الفَضْفاضَ قال قائلٌ . . . مَن نَظَر البُحورَ في الجداولِ لا يلْتقي الحربَ بغير مُهْجةٍ . . . جليلةٍ تُدْخَر للجلائلِ وشُذَّبٍ إن صدرتْ رايَتُها . . . سلم الصِّغاحِ كلم الأناظل تركُض من غُبارِها بعارِضٍ . . . تسْبَح من دِمائِها بوابلِ(3/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
يا مُظْمِىءَ الخيلِ كأنْ ليس لها . . . غيرُ دماءِ الصِّيد من مَناهلِ ومُورِدَ البِيضِ كأنَّ صَوْتَها . . . على العِدَى قَعْقَعةُ السَّنادلِ تختطِف الهامَ بها نَواشِداً . . . لا قُطِّعتْ سواعدُ الصَّياقلِ كأنَّما حَكْمَتُها على الشَّوَى . . . حِكْمة لُقْمانَ على المفاصلِ هل لكَ في فَخْرِك من مُفاخِرٍ . . . هل لك في فَضْلِك من مُفاضِلِ وما عسى فخرُهم ومَعْنُهم . . . كمادِرٍ وقُسُّهم كباقلِ قد قصَدوا واللّهِ غيرَ قاصدٍ . . . وافْتعلُوا واللّهِ غيرَ فاعلِ وخاصَمُوا مُهنَّداً ليس له . . . للدِّين غيرُ النَّصرِ من حَمائلِ رامُوا اكْتِتامَ نُورِ حَقٍ بَاهرٍ . . . وحاوَلُوا قَصْرَ كمالٍ طائلِ وما سمعْنا أو رأيْنا في الدجى . . . قد كُتِمتْ شَعْشَعةُ المَشاعِلِ أحَبُّ كلّ مَرْتعٍ مُعْشِبُهُ . . . وأيْمَنُ الأكُفِّ كَفُّ باذلِ إذا أرادَ اللّهُ كَشْفَ مَنْقَبٍ . . . خافٍ رَماه بِعنادِ خاملِ هذا من قول أبي تمام : وإذا أرادَ اللّهُ نَشْرَ فضيلةٍ . . . طُوِيتْ أتاح لها لسانَ حَسُودِ لولا اشْتعالُ النارِ فيما جاورتْ . . . ما كان يُعرَف طِيبَ عَرْفِ العُودِ لولا اشْتعالُ النَّارِ واضْطِرامُها . . . ما عُرِف الرِّمْثُ من الصَّنادِلِ فجاءَهم لا سيفُ عَزْمٍ كاهِمٌ . . . ولا جَوادُ همَّةٍ بناكلِ تطْعنُهم مُعْتجِلاً على القَنا . . . كرَكِّ لامَيْنِ بفَرْقِ نابلِ قد يُدرَك المجد بجهْلِ جاهلٍ . . . ويُصْحَبُ الذلُّ بعَقْلِ عاقلِ لا عدِم الناسُ جنَى فضيلةٍ . . . منك فأنت مَعْدِنُ الفضائلِ وكتب إلى القاضي تاج الدين المالكي المكي ، قوله : وحقِّ من أرْتجِي شَفاعَتَهُ . . . يوم تكون السماءُ كالمُهلِ ما سرتُ عنكم ولي حَشاً بسِوَى . . . خيالكُم مُذْ نَأيْتُ في شُغُلِ يا تاجَ دِينِ الإخاءِ ما أنا مَنْ . . . يُفْضل عنكم ركائبَ الرُّسُلِ لكنني قد جعلتُ مُعتَمدِي . . . ما أثْبتتْه لنا يدُ الأزَلِ وخُذْ على البُعدِ ما همَى مطَرٌ . . . تحيَّةً من أخيك عبدِ علِي ومن بدائعه ميميته المشهورة ، وهي مما يتغنى بها في نغمة الحجاز .(3/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
ومستهلها : لِمَن العِيسُ عَشِيّاً تترامَى . . . تركتْها شُقَق البَيْن سُهامَا كلما بَرْقَعها نَشْرُ الصَّبا . . . لبسَتْ من أحمرِ الدَّمعِ لِثامَا وترامَتْ خُضَّعاً أعناقُها . . . كلما هَزَّ لها البَرْقُ حُسامَا شَفَّها وَجْدٌ بَراها لِلْحِمَى . . . فهْي تَثْنِي لِرُبَى نَجْدٍ زِمامَا وتَلافاها نسيمٌ حامِلاً . . . عن قُرى وَجْرةَ أنْفاسَ الخُزامَى يا تُرَى من حملتْ لو وقَفُوا . . . ساعةً نَشْرَحُ وجداً وغَرامَا ومن الجهلِ أُراه يَقْظةً . . . إنَّني لا أترجَّاه مَنامَا يا بَني عُذْرةَ هل من آخِذٍ . . . بدَمِي المَسْفوحِ مَن حَلَّ الخيامَا قمرٌ لولا يُرَى بدرُ الدُّجَى . . . ما حوَى البَدْرُ كمالاً وتَمَامَا غادِرٌ لم يَرْعَ مِنِّي نَسَباً . . . دون أن يحْفظَ عَهْداً وذِمامَا نَسَبٌ أيْسَرُه أنَّ الهوى . . . بين خَدَّيْه لَهِيباً وضِرامَا وبجِسْمِي مِن بَقايا حُبِّه . . . شِبْهُ طَرْفَيْه فُتوراً وسَقامَا يا نَدامايَ دَعا خَمْرَكُما . . . إن أراق الحِبُّ مِن فِيه مُدامَا وانْثنِي يا قُضُبَ الْبانِ إذا . . . رَنَّحتْ خمرُ اللَّمَى ذاك القَوامَا وانْسَ يا رَوْضُ أقاحِيكَ غِنىً . . . فلقدْ أبْدَى من الثَّغْرِ ابْتسامَا عاقَب اللّهُ بأدْهَى صَمٍَ . . . أُذُنِي إن سمِعتْ فيك مَلامَا وعَمَتْ عن أن ترى ذاك الْبَها . . . مُقْلتِي إن زَارَها النومُ لِمَامَا أنا من ينظرُ في شَرْعِ الهوى . . . كلَّ شيءٍ ما سوى الحبِّ حَرامَا وقوله من قصيدة يتغنى بها في السيكاه ، ولم يحفظ منها إلا قوله : أمَا والهوى لولا العِذارُ المُنَمْنَمُ . . . لمَا اهْتاجَ وَجْدِي ساجِعٌ يترنَّمُ ولا اهْتجَعتْ عَيْنايَ من فَيْضِ مَدْمَعِي . . . قضَى جَرْيُها أن لا يُفارِقَها الدَّمُ هو الحبُّ ما أحْلَى مُقاساةَ خَطْبِه . . . وأعْذَبَه لو كانتِ العَيْنُ تكْتُمُ ومن مقطعاته قوله ، وهو أيضاً مما يتغنى به في نغمة الحجاز : لا تطلُعِي في قمرٍ إنَّني . . . أخاف أن يغلطَ أهلُ السَّفرِ أو طلعتْ شمسٌ فلا تطلعِي . . . أخاف أن تعمَى عيونُ البَشَرِ وأبدع ما له قوله في راقص ، إذا تراءت محاسنه للعيان ، جمدت له في وجوههن العينان ، وإن قابلته العيدان في يد الكواعب ، تحركت أوتارها بغير ضوارب ، وهو قوله : وراقصٍ كقضِيب الْبانِ قامَتهُ . . . تكاد تذْهبُ رُوحِي في تنقُّلِهِ(3/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
لا تستقِرُّ له في رقْصِهِ قَدَمٌ . . . كأنَّما نارُ قلبي تحت أرْجُلِهِ ألم فيه بقول السري الرفاء ، في وصف جواد : لا يستقرُّ كأنَّ أرْبَعَهُ . . . فُرِشَ الثَّرى من تحتها جَمْرَا ومما يلطف قول السري ، في وصف راقص : ترى الحركاتِ بلا سُكونٍ . . . فتحسَبُها لخِفَّتِها سُكونَا كسَيْرِ الشمسِ ليس بمُسْتقِرٍ . . . وليس بمُمْكِنٍ أن يسْتبينَا ولعبد علي : دَعِ الدنيا ولا ترْكَنْ إليها . . . فزُخْرُفها سيذْهبُ عن قليلِز وإن ضحِكتْ بوجْهِك فهْو منها . . . كضِحْك السيفِ في وَجْهِ القتيلِ وله : فِتْيةُ الكهفِ نَجَا كَلْبُهمْ . . . كيف لا ينْجُو غَداً كلبُ عَلِي
علي بن خلف بن عبد المطلب الموسوي الحويزي
هو الخلف نعم الخلف ، فائقٌ بمعونة الله على السلف . فمن رأى ما في شعره من الصنعة والإغراب ، عرف أن خلفاً استخلفه على اللغة والإعراب . فلله من معانٍ يصوغها ، ومجاني عباراتٍ يسوغها . ينفق فيها من خاطرٍ واسعٍ وفكرٍ ملي ، ويوضح مذاهب البلاغة حتى يحقق أن نهج البلاغة لعلي . وقد أثبت منها ما يشهد له بالإحسان ، ولو أنصفه الدهر لرقم به خدود الحسان . فمنه قوله : من قصيدة ، أولها : مَكانَك يا وَجْدَ الفؤادِ المُعذَّبِ . . . إلى أن يعودَ الحيُّ بالجزِعِ واذْهَبِ وهيْهات أن يُرجَى زوالُ مُلازمٍ . . . من الوجدِ ثاوٍ في الضَّمير مُطنِّبِ وهَبْهم نأَوْا أو قارَبوا أو تعطَّفوا . . . بوَصْلٍ فما قلبي عليهم بقُلُّبِ وإنَّ غراماً خامَر القلبَ في الصِّبا . . . متى ينْتشِق روحَ اللِّقا يتلهَّبِ وقوله : في أَمانٍ من الإله ورَحْبِ . . . أيها الظَّاعِنونَ عنِّي بلُبِّي ما كفَى الدهرَ سَعْيُه بنَوى الأحْ . . . بابِ انْثنى بتشْتيت صَحْبي(3/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
لستُ أنْسَى أيَّامَنا بلِوَى الجِزْ . . . عِ وعَيْشي منه بوَصْلٍ وقُرْبِ حيثُ وادِي تِهامةَ لِي دا . . . رٌ ومحَلٌّ وشِعْبُ رَامَةَ شِعْبي وأخٌ لو بُعدتُ عنه بأصْلِي . . . قد دَنَا من حِماه قلبي ولُبِّي لو دَعانِي من البِعادِ لخَطْبٍ . . . كنتُ فيما دعا إليه مُلبِّي فعزيزٌ عليه يفْقِد شخصِي . . . وعزيزٌ أن لا أراه بسِرْبي صاحبٌ إن شكَوْتُه داءَ خَطْبٍ . . . كأن ممَّا أصابه داءُ خَطْبِ وقوله : إن سُرَّ وَاشِينا بفُرْقتِنا . . . إذْ ساءَه ما كان في القُربِ ظَنّاً بأن البُعدَ صاحبُه . . . ينْجُو من الأشْجانِ والحُبِّ لا سُرَّ وَاشِينا فإنَّك قد . . . حُوِّلْتَ من عيْني إلى قلبي وقوله ، وهو بأصبهان : طارحُوني صَبابتِي والجوَى . . . بمَقالٍ يُشْجِي القلوبَ ويُصْبي هذه أصْبَهان ما تشْتهي الأنْ . . . فُسُ فيها وكلُّ نُزهةِ صَبِّ وإذا ما دَعاكض للْغَيِّ دَاعٍ . . . كنتَ فيما دَعاك غيْرَ مُلَبِّ قلتُ قد صح ما تقولون عندي . . . يا صِحابي لو كان عنديَ قلْبي وقوله : وذِي هَيَفٍ خاطبْتُه فأجابنِي . . . بأطْيبَ من ماءِ الحياةِ وأعْذَبِ يحدِّث حتى لو حكَى الدهرَ كلَّه . . . أقولُ له أوْجَزْتَ في القولِ فأطْنِبِ وقوله : يا نسيماً هبَّ من وادِي قُبَا . . . خَبِّرينِي كيف حالُ الغُرَبَا كم سألْنا الدهرَ أن يجمعَنا . . . مثْلَما كنَّا عليه فأبَى وقوله : أحِنُّ إلى ذاك الزمانِ وإنما . . . حَنِيني لِمَن زان الزمانَ بقُرْبِهِ وأهْوَى الحِمَى لا أنَّني عاشقُ الحِمَى . . . ولكنَّني مُغْرىً بسُكان شِعْبِهِ فآهاً لوَجْدِي كيف يبْقَى رَسِيسُه . . . وآهاً لصَبْرِي كيف يقْضِي بنَحْبِهِ وقوله : إن جئتَ سُكَّان الأرَاكِ ففرِّجِ . . . منهم على الظَّبْيِ الأغَنِّ الأدْعَجِ وإذا أتيْتَ رَبَارِباً برُبَى الحِمَى . . . فاقْرَ السلامَ رَبيبَ ذاك الهَوْدَجِ واسْتفْتِه كيف اسْتحلَّ دِماءَنا . . . فقضَتْ لواحِظُه ولم تتحرَّج(3/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
ِ للّهِ وِقْفتُنا وقد صاحُوا النَّوى . . . فدَعوْت يا حادِي المَطِيِّ بهم عُجِ كم شمس خِدْرٍ يوم ذاك تبرَّجتْ . . . وهي التي للنَّجْمِ لم تتبرَّجِ وَدَّ الهلالُ وما رآها أنَّه . . . منها مكانُ سِوارِها والدُّمْلُجِ ومُعذِّل لي بالغرامِ أجبْتُه . . . يا عاذِلي أين الخَلِيُّ من الشَّجِي هلاَّ عُزِلتَ وما دخلتَ بضِيقةٍ . . . فالآن قُلْ لي كيف وَجْهُ المَخْرَجِ قلت : هذه الأبيات الجيمية كأن كل جيمٍ منها عطفة صدغ مزرد ، ونقطتها خالٌ في كرسي خدٍ مورد . وله : يا مَجْمَعَ الأزهارِ والوَرْدِ . . . لا كان هذا آخرَ العهدِ حَيَّتْ طُلولَك كلُّ غاديةٍ . . . وجَب الثناءُ لها على الرَّنْدِ للّهِ ليلتُنا عليك وقد . . . مزَج السرورُ الهَزْلَ بالجِدِّ والزَّهرُ يبسَم كلَّما هَملتْ . . . عينُ السحابِ بواكِف العَهْدِ ونَسِيمُك المُعْتلُّ صَحَّ به . . . جسمِي من الآلام والجَهْدِ أهْلاً به من زائرٍ طَرقتْ . . . أنْفاسُه بالعنْبَرِ الوَرْدِ ما زال يحْكينا ويُسِند ما . . . يحْكيه عمَّن حَلّ في نَجْدِ لا عن قِلىً فارقتُ زهرَكَ يا . . . خيرَ الرِّياضِ ولم يكنْ وُدِّي إن كان حيَّى بالسرورِ فقد . . . أبْقَى بقلبي لاعِجَ الوجدِ فكأن أحمره بأصْفرِه . . . دمعي غداةَ نأَيْتَ في خَدِّي وله : بشَّرْتَ بالخير يا بَشيرِي . . . جئتَ على الوَفْقِ من ضميرِي لو أحدٌ طار من سُرورٍ . . . لطِرْتُ من شدَّةِ السرورِ قد قلتُ بدرُ الكمال وافَى . . . بعد اخْتفاءٍ عن الظهورِ أجَلْ هو البدرُ في عُلاهُ . . . فذاك مِن عادةِ البُدورِ فإن تخفَّى فلا لنقْصٍ . . . وإن بدا ليس بالنَّكيرِ فهْو على الحالتيْن يبْغِي . . . بِفعْلِه طاعةَ القديرِ سَمحْتَ يا دهرُ بالأمانِي . . . أحْسَنْتَ يا أحسنَ الدهورِ وزاره الحشري الشامي فلم يجده ثم زاره هو فلم يجده أيضاً ، فأنشد على الفور : ما احْتيالِي على مُعاكسةِ الدهْ . . . رِ وما زال دهرُ مثْلِي غَرُورا(3/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
زُرْتَني يا أخِي وزرتُ فما سَا . . . مَح أن ألْقاك زائراً ومَزُورَا فعسَى تعْذُر المحِبَّ كما كنْ . . . تَ لديْه بمثلِها مَعْذُورَا ومن مقاطيعه قوله : سحقْنَا عقودَ الدُّرِّ عند عِناقِنا . . . وكادتْ عُقودُ الدرِّ أن تَصْدَع الصَّدْرَا فلم أدْرِ من يشكو أدُرُّ عُقودِها . . . أم الصدرُ مما نالَه يشْتكي الدُّرَّا سحق العقود من مخترعات ابن هندو في قوله : ولمَّا أن تعانَقْنا سحَقْنَا . . . عقودَ الدُّرِّ من ضِيق العناقِ ومثله ذوب حصا الياقوت في قول أبي الجوائز : واعتنقْنا ضَمّاً يذوب حَصَا الْيَا . . . قوتِ منه وتطمئنُّ النُّهودُ وقال فيها الباخرزي : ذوب تتذاوب فيه الأماني ، وسحقٌ تتساحق عليه الغواني . ومن بدائعه قوله : أيا أختَ الظِّباءِ وبنتَ بَدرِ السَّ . . . ماءِ وضَرَّةَ الشمسِ المُنيرَهْ عشِيرتُك النجومُ فمن يُدانِي . . . عُلاكِ وأنتِ في سَعْدِ العَشِيرَهْ ومن عَجَب أسَرْتِ القلبَ قسْراً . . . وأنت لحَجْلِك الزَّاهِي أسِيرَهْ وقوله في صفة جواد أغر : ومُطَهَّمٍ كالليلِ حين ركبْتُه . . . فكأنَّ بدراً فوق ليلٍ أسْفَعِ جاء الصباحُ يريد مَسْحَ جبِينِه . . . في كفِّه فهَفا ومَسَّ بأُصْبُعِ هذا عند التأمل أوضح في التشبيه ، من قول ابن نباتة : وكأنَّما لَطم الصباحُ جَبِينَهُ وله : ذُقْنا الفِراقَ ووَصْلَكم ووَداعكُمْ . . . فإذا الحلاوةُ بالمرارةِ لا تَفِي حلَف الزمانُ بأن يفِي بوصالِكم . . . وثنَى فكان يمينُه أن لا يَفِي يا مَن دَنا وثنَى عِنان وِصالِه . . . حُوشِيتَ من زَفَراتِ قلبِي المُدْنَفِ فلئن وجدتُمْ في البحارِ مُلوحةً . . . ما ذاك إلا مِن دموعِي الذُّرَّفِ وله : برُوحِي التي لم تُبْقِ منّي بقيَّةً . . . فَيعرفَ صوتي إن تكلَّمْتُ عارِفُ نحَلْتُ فلو أنِّي طَرقْتُ ديارَها . . . لقالتْ خيالٌ زار أم هو هاتِفُ وله من قصيدة ، مطلعها :(3/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
عسى وجَفَاتِ اليَعْمَلاتِ ألأيانقِ . . . تُبلِّغني وادِي العُذَيْب وبارِقِ فيَهدأ قلبٌ خافِقٌ من زِيالِهمْ . . . وإن كان في غير الهوى غيرَ خافِقِ لئن راعَنِي ما اسْوَدَّ من يوم بَيْنِهمْ . . . فما راعَهم إلاَّ بياضُ مَفارِقِي فهل بِوَمِيض البرقِ عَوْنٌ لناظرٍ . . . على البُعد ليلاً عن يَمِين الأبارِقِ وهل بهبُوط الوادِيَيْن مُعرِّسٌ . . . وهل بنسِيم الرِّيح رَوْحٌ لناشِقِ نعمْ إنْ تَزُرْ تلك الديارَ تجِدْ بها . . . لُبانةَ مُشتاقٍ وحَنَّةَ عاشِقِ بحيث الحصَا كاللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ بَهْجةً . . . وطِيبُ ثَراها فاق مِسْكَ العوابِقِ ديارٌ إذا ما الصَّبُّ زار خِباءَها . . . رأيتَ عجيباً من مَشُوقٍ وشائقِ ولكنَّها مَحْفوفةٌ بضَراغِمٍ . . . أتَوْا من مُرورِ الرِّيح في زِيِّ طارقِ فلو قدَّرُوا أن لا يُرَى النجمُ عندَهم . . . رَمَوْا كلَّ نَجْمٍ في السماءِ بخارِقِ ولولا شُروطُ الحبِّ زُرْتَ خيامَهم . . . زيارةَ غَازٍ لا زيارةَ وَامِقِ على كلِّ مقْدُودٍ من الليلِ جِسْمُه . . . يُعاجِلُ رَجْعَ الطَّرْفِ حين التَّسابُقِ ولا عجَبٌ لو راح للرِّيح لاحِقاً . . . إذا كان يُعْزَى للوجِيهِ ولاحِقِ فلو رام ساري البرقِ يسْرِي خيالُه . . . لَقال اتَّئِدْ يا برقُ لستَ مُرافِقِي من الَّلاءِ لم تعرف سوى الكَرِّ غارةً . . . إذا امْتلأتْ رُحْبُ الفَلا بالفَيَالِقِ يُجشِّمها مَن هَوَّن الموتَ عنده . . . طِلابُ المَعالِي واحْتمالُ الحقائقِ تحمَّل أعْباءَ الخُطوب وإنَّها . . . تمِيدُ لها صُمُّ الشِّدادِ الشَّواهِقِ وإن احْتمالَ الخَطْب في كلِّ حادثٍ . . . طرائقُ آبائي وبعضُ طَرائقِي فما عُذْرُ من عادتْ جَراثِمُ أصْلِه . . . إلى كاظِمٍ للغَيْظ من بعد صادقِ وهذا أبِي الدَّانِي الذي سار ذِكْرُه . . . مَسِيرَ ذُكَا في غَرْبِها والمَشارِقِ وله من أخرى ، أولها : أسَلِيلةَ القمريْن دَعْوةُ وَامِقٍ . . . ماذا ترَيْنَ بمُسْتهامٍ عاشقِ قد كان يطمعُ في وِصالِك يَقْظةً . . . والآن يقْنَع بالخَيالِ الطَّارقِ يرضَى بوُدِّ مُنافِقٍ ومُماذِقٍ . . . مَن لم يجدْ وصلَ الصديقِ الصادقِ هلاَّ صَدَدْتِ وشعرُ رأسِي أسْودٌ . . . أيَّام أرْهُف في ثيابِ مُراهِقِ فترَيْنَ من شَغَفِ الحِسانِ بطَلْعتِي . . . ذُلَّ المَشُوقِ بجَنْبِ عِزِّ الشائقثِ أنَسِيتِ لَيْلاتِ العَقِيق مَبِيتَنَا . . . والسَّاعِدان حَمائلِي في عاتِقِي وحديثَنا عمَّا تُجِنُّ صُدورُنا . . . كاللُّؤْلُؤ المتناظِم المُتناسِقِ في حيثُ رُمَّانُ النُّهودِ لغامِزٍ . . . حِلٌّ ومَيَّادُ القُدودِ مُعانقِي وتضُوع من أزْياقِنا عِطْريَّةُ النَّ . . . فَحاتِ كالمِسكِ الفَتِيقِ الفائقِ(3/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
فَيُرَى بنا مِن شَوقِنا وعَفافِنا . . . حَجماتُ ذِي نُسْكٍ ونظرةُ فاسقِ منها : غَدْرُ الأنام مُعَنْعَنٌ عن دهرِهمْ . . . يُخْفِي العداوةَ في ثيابِ مُنافقِ ولوَ انَّني رمتُ السُّلُوَّ لَخاننِي . . . قلبٌ على السُّلْوانِ غيرُ مُوافقِ ومن محاسنه قوله : بعيشِك خَبِّرْني إذا ذُكِر الحِمَى . . . أدْمْعِيَ أُجْرِي أم جُفونِي أم الوَدْقُ إذا طلع الرُّكْبانُ منه اعْترضْتُهم . . . وأسألُهم بالرِّفْقِ لو عطَف الرَّفْقُ ألا فاصدُقونِي عن عُرَيبٍ تركتُهم . . . به هل رَعَوْا عهدِي وإن ساءَني الصِّدْقُ وأنْشَق من تِلْقائِه كلَّ ناسِمٍ . . . يُعِلُّ ويشْفي من لطَافتِه النَّشْقُ وفي مَضْحَك البرقِ التِّهاميّ جِيرةٌ . . . بكَتْهُم جُفونِي كلَّما ضحك البَرْقُ ويُذْكِي لهيبَ القلبِ وُرْقٌ ترنَّمتْ . . . ولو علمتْ ما ب بَكتْ شَجْوَها الوُرْقُ تنُوح ولا تبْكِي وأندُب باكِياً . . . أجَلْ بين إعْوالِي ورَنتِها فَرْقُ فيا ليْتني بُدِّلت نُطْقي بصَمْتِها . . . وكان لها منِّي الفصاحةُ والنُّطْقُ وله : أُبْدِي السُّلُوَّ لعاذِلي وبوادرُ الْ . . . أنفاسِ تخْصِمني بأنِّيَ وَامِقُ وإذا سترْتُ هواكُمُ عن عاشقٍ . . . نادى عليَّ الدمعُ هذا عاشقُ وخرج الشاه صفي إلى الصيد ، وتخلف هو ؛ لألمٍ ألم به ، فكتب إليه : أَلَمٌ ألَمَّ فعاقَنِي . . . عن خدْمةِ الشاهِ الأجَلِّ وأوَدُّ لو أسعَى على . . . عَيْني لخدْمتهِ ومَن لِي فو حقِّه ما إن أصُو . . . نُ النفسَ إلاَّ للْمَحلِّ هو بَذْلُها وقتَ الهِيا . . . جِ له وذَا جُهْدُ المُقِلِّ وقال ، وهو في مازندران : إن حالتِ الأطْوارُ من دونِكمْ . . . يا ساكنِي قلبي والثلجُ حَالْ فصَبُّكمْ ما حالَ عن وُدِّه . . . والحمدُ للّهِ على كلِّ حالْ ومن جيده قوله : وأطْوَلُ سَقْيٍ من هِلالٍ سطَا . . . ببَانةٍ تخْطُر أو لَحْظِ رِيمْ أعْرَض إذْ عَرَّضنِي للضَّنا . . . كأنما أقْسَم أن لا يَريمْ لو لم يظُنَّ الريح جسمِي لمَا . . . مالَ إذا ما صافَحتْه النسيمْ(3/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
وقوله : سرَتْ نَسْمةٌ برَّدتْ غُلَّتِي . . . فَماد لها المُدنَفُ المُغْرَمُ وحَيَّيْتُها بانْتشاقِي لها . . . لَوَ انَّ نسيمَ الصَّبا يفهمُ وقوله من قصيدة : دَعْنِي ولا تقُلِ الغرامُ جنونُ . . . رَشَدِي بأنِّي في الهوى مفْتونُ قَيْسٌ بأُنْمُلِه يخُطَّ على الثرَى . . . وأنا بدَمعي والجنُون فُنونُ إن كنتَ تعجبُ من حديثِ مُرَقِّشٍ . . . فاسْمَعْ حديثِي والحديثُ شجونُ أنا مَن علمت فمُذْ تعرَّضْتُ الهوى . . . حكمتْ بلُبِّي أعينٌ وجفونُ للّهِ ما فتكَتْ بنا ألْحاظُها . . . يوم اللِّوَى تلك الظِّباءُ العِينُ وقوله في الشمعة : قلتُ ليلاً لصاحِبي ما ترَى الشَّم . . . عَةَ تبكي مهما نظَرْتَ إليهَا قال هذا البكاءُ ليس عليْنا . . . كلُّ دمعٍ يسيلُ منها عليهَا
السيد حسين بن كمال الدين الأبزر الحلي
هذا السيد في الحلة ، متزين من الأدب بأجمل الحلة . أجمع أهل بلدته ، على أنه أشعر أهل جلدته ، والرائد لا يكذب أهله ، وهو أدرى بشعار حلته . فمن شعره قوله ؛ مذيلاً لبيت المتنبي ، وأجاد : أتى الزمانَ بَنُوه في شَبيبتهِ . . . فسرَّهُم وأتيْناه على الهَرَمِ وهم على كلِّ حالٍ أدركوا هَرَماً . . . ونحن جئْنَاه بعد الموت والعَدَمِ وبيت المتنبي منزعه قديم . منه قول أبي تمام : نظرتُ في السِّيَر الَّلاتِي مضَتْ فإذا . . . وجدتها أكلَتْ باكُورةَ الأُمَمِ ابن السماح : صفَا الدهرُ مِن قبلي ودِرْدِيُّه أتى . . . فلم يصْفُ لي مذ جئتُ بعدهمُ عُمْرُ فجاءُوا إلى الدنيا وعصرُهم مضَى . . . وجئتُ وعصرِي من تأخُّرِه عَصْرُ أبو جعفر المحدث : لَقِيَ الناسُ قبْلَنا غُرَّةَ الدهْ . . . رِ ولم نَلْقَ منه إلا الذُّنابَا(3/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
المعري : تمتَّع أبكارُ الزمان بأيْدِه . . . وجِئْنا بوَهْنٍ بعد ما خَرِفَ الدهرُ فليت الفتى كالبدرِجُدِّد عمرُه . . . يعود هلالاً كلما فَنِيَ الشهرُ كأنما الدهرُ ماءٌ كان واردَه . . . أهلُ العصور وما أبْقَوْا سوى العَكِرِ وذكر الحافظ الحجاري في المسهب ، أنه سأل عمه أبا محمد عبد الله ابن إبراهيم ؛ عن أفضل من لقي من الأجواد في عهد ملوك الأندلس . فقال : يا ابن أخي ، لم يقدر أن يقضي لي طروقهم في شباب أمرهم ، وعنفوان رغبتهم في المكارم ، ولكن اجتمعت بهم وأمرهم قد هرم ، وساءت بتغيير الأحوال ظنونهم ، وملوا الشكر ، وضجوا من المروءة ، وشغلتهم المحن والفتن فلم يبق فيهم فضلٌ للإفضال ، وكانوا كما قال أبو الطيب : أتَى الزمانَ . . . . . . إلخ . وإن يكن أتاه على الهرم ، فإنا أتيناه وهو في سياق الموت ، ومع هذا فإن الوزير أبا بكر بن عبد العزيز كان يحمل نفسه ما لا يحمله الزمان ، ويبتسم في موضع القطوب ، فيظهر الرضا في حال الغضب ، ويجتهد ألا ينصرف عنه أحدٌ غير راضٍ ، فإن لم يستطع الفعل عوض عنه القول . قلت له : فالمعتمد بن عباد كيف رأيته ؟ فقال : قصدته وهو مع أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، في غزوته للنصارى المشهورة ، فرفعت له قصيدةً ، منها : يا ليت شعرِي ماذا يرْتضِيه لِمَن . . . ناداه يا مَوْئِلي في جَحْفَلِ النادِي فلما انتهيت إلى هذا البيت ، قال : أما ما أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه ، ولكن خذ ما ارتضى لك الزمان . وأمر خادماً له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن ، فإني انصرفت به إلى المرية ، وكان بها سكناه ، والتجارة بها ؛ لكونها ميناء لمراكب التجار ، من مسلم وكافر ، فاتجرت فيها ، فكان إبقاء ماء وجهي على يديه .
عيسى بن حسن بن شجاع النجفي
روح في قالب إنسان مصور ، اقتطف القول من غصنه عندما تنور . مرآة ذهنه انطبعت فيها صور المحاسن ، وماء رؤيته جرى في حدائق الأدب وهو غير آسن .(3/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
تتمتع بحسن منظره النظار ، وأراه ما تحلى بهذا الشعار ، إلا لكثرة ما حلى عليه من الأنظار . وله صمادة فكر ، لا تولد غير معنىً بكر . قرائحُ بِكْرٍ ولَّدت بنتَ فِكْرةٍ . . . يطيشُ لها رأيٌ ويذكُو بها فكرُ ولو لم تكنْ أنفاسُه عِيسَويَّةً . . . لما قلَّدته من قريحتِه بِكْرُ قال ابن معصوم في ترجمته : رحل إلى الهند ، ومدح الوالد ، وحصل بينهما مراسلات طويلة ، ولما حصل من أمله على مراده ، وقضى أربه من انتجاع مراده ، ثنى عنانه للقصد إلى أوطانه وبلاده ، فركب البحر قاصداً وطنه عن يقين ، فحال بينهما الموج فكان من المغرقين . ومن شعره قوله يمدح النظام والد ابن معصوم المذكور : بقلبيَ من عينٍ سِهامٌ ثَواقبُ . . . تسدِّدها كحلاءُ والقوسُ حاجبُ لنا حاجبٌ عن كلِّ سهمٍ يردُّه . . . وليس لسهمِ الحبِّ واللّهِ حاجبُ سقيمةُ أجْفانٍ وكَشْحٍ ومَوْعِدٍ . . . أرى السقمَ تبْرِي وهْي فيه تُغالبُ أُغالِبُ أسْقامِي وأسقامَها لها . . . ومن غالَب الأسقامَ فالسقْمُ غالبُ إذا برزَتْ فالناسُ فيها ثلاثةٌ . . . طعينٌ ومضْروبٌ وسَاهٍ يُراقبُ ولم يُرَ عَسَّالٌ سوى قَدِّ بَانَةٍ . . . وليس لها إلاَّ الجفونُ قواضِبُ وإن أسفرتْ ليلاً جلَى الليلَ وجْهُها . . . وخَرَّت له خَوْفَ الكُسوفِ الكواكب وإن طلعتْ يوماً فاللشَّمسِ ضَرَّةٌ . . . عليها من الجَعْدِ الأًثِيثِ غياهِبُ ومِن عَجَبٍ للشمس والبدْرِ مَغْرِبٌ . . . وليلَى لها كلُّ القلوبِ مَغاربُ إذا ما النَّوَى زَمَّتْ رِكابَ أحبَّتي . . . فللشوقِ في قلبي تجُول رَكائبُ ولُبِّيَ مَسْلوبٌ وجسمِيَ واهِنٌ . . . ودمعيَ مسكوبٌ وقلبيَ وَاجِبُ وما العيشُ إلاَّ والحبِيبُ مُواصِلٌ . . . وما الحتْفُ إلاَّ أن تصُدَّ الحَبائبُ لك اللّهُ من قلبٍ أصابَك سَهْمُها . . . ومن كبدٍ فيها الظِّباءُ لَواعِبُ ومن جسدٍ قد أسْقمتْه يدُ الهوى . . . ومَعْ سُقْمِه للحبِّ فيه مَلاعبُ عليه لأنواعِ الخُطوب تَناوُبٌ . . . فإن فاتَه خَطْبٌ عَرَتْه نَوائبُ تعوَّدْتُها كالإلْفِ حتى لَوَ انني . . . تفقَّدتُها حلَّتْ لديَّ مصائبُ طويتُ على شكوَى الزمانِ ضمائرِي . . . وأغضيتُ عنه باسماً وهْو قاطبُ ولو أنني يوماً نبذْتُ أقلَّها . . . لضاقتْ بها ذَرْعاً عليَّ المَعائبُ(3/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
وإنِّي على مُرِّ الزمان لصابرٌ . . . وإن ساءني دهرٌ فما أنا عاتبُ ولَلصَّبرُ أحلَى من شماتةِ حاسدٍ . . . وقولِ خليلٍ مَلَّ شكواكَ صاحبُ ولم أخْشَ ضَنْكاً من حياةٍ لأنني . . . سَروبٌ وإن سُدَّتْ عليَّ المَساربُ مُبشِّرُ آمالِي مُسكِّنُ رَوْعتِي . . . بأنِّي إلى البحر الزُّلالِ لَذاهِبُ تطالبني في كلِّ حينٍ يمُرُّ بِي . . . مَدِيحَك نفسِي والفؤاد يُجاذبُ لأنك يا نَجْلَ الرسُولِ هوىً لها . . . كذا كلُّ نفسٍ في هَواها تُطالبُ منها : لقد طِبْتَ فَرْعاً حيث طبتَ أَرُومةً . . . نعم طيِّبٌ حيث الأصولُ أطايبُ فللوردِ ماءُ الوردِ فَرْعٌ يزِينُه . . . ولِلَّيث شِبْلُ الليثِ مِثْلٌ يُقاربُ فأنت لها ابنٌ وأنتَ لها أبٌ . . . وأنت لها صِنْوٌ وأنت أقاربُ عشِقتَ العُلَى طفلاً ولم يك عاشقاً . . . سِواك وشِبْهُ الشيءِ للشيء جاذبُ كذاك عشِقْتَ العلمَ والجودَ والتُّقَى . . . وللناس فيما يعشقون مذاهبُ منها في الختام : ولا زلْتَ في روضٍ من العيش ناضرٍ . . . إلى دارِك العَلْيا تؤُوب الرغائبُ
شعراء البحرين
هي من البلاد التي هي معدن السخا ، ومطلع المكارم ، في الشدة والرخا . أطرافها منازل الأشراف ، وأكثر الحلي في الأطراف . فمنهم :
السيد عبد الرضي بن عبد الصمد الولي
الرضي الشيمة ، المرتضى الجرثومة . المتكافىء الشرف ، المتعادل الطرف والطرف . مجمع البحرين ، بحر العمل وبحر العلم ، ومقلد النحرين ، نحر الكمال ونحر الحلم . إلى أدبٍ أوقع من حلاوة الرضا ، وشعرٍ ما ناله الرضي ولا المرتضى . فمنه قوله : بات يسْقيني من الثَّغْرِ مُدامَا . . . ذُو جمالٍ يُخْجِل البدرَ التِّمامَا حَلَّل الوصلَ وقد كان يرى . . . وَصْلَ مَن يشْتاقُه شيئاً حَرامَا(3/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
ويَرى سَفْك دمِ العشاقِ فَرْضاً . . . في هَواه أو يمُوتون غَرامَا زارَني وَهْناً ولا أعرف لِي . . . منه مِيعاداً فأدركتُ المَرامَا جاء في حُلَّةٍ من سُنْدُسٍ . . . ثمِل الأعْطافِ سُكْراً يتَرامَى فاعْترتْني دَهشةٌ من حسنِه . . . حين أرْخَى لي عن الوجهِ اللِّثامَا منها : ليلةٌ كانت كإبْهامِ القَطَا . . . أو كرَجْع الطَّرْف قِصْراً وانصِرامَا حيثُ كان العيشُ غضّاً والصِّبا . . . مَجْمَعَ اللذَّاتِ والدهرُ غُلامَا يا حَماماً ناح في أيْكَتهِ . . . صادِحاً ما كنتَ لي إلاَّ حِمامَا تندُبُ الإلْفَ ولا تَذْرِي دَماً . . . ودُموعِي تُشْبِه الغيثَ انْسِجامَا
السيد علوي بن إسماعيل
من خلص الأسرة العلوية ، الضاربين خيامهم في المنازل العلوية . له في هجر ذكرٌ لم يعرف الهجر ، وفضائل توضحت مثلما توضح الفجر . أطلعته السيادة من شرقها ، فوضعته تاجاً فوق فرقها . وهو في الكمال مخلوق على أحسن فطرة ، والبحران عنده لا يتجاوزان قطرة . وقد رأيت له في النسيب ثلاثة عشر بيتاً ، تحيي الطرب إذا كان ميتاً . فأثبتها وأنا مستطار فرحاً ، وأهز عطفي بحسن انسجامها مرحاً . وهي قوله : بنفسِي أُفَدِّي وقلَّ الفِدا . . . غزالاً بوادِي النَّقا أغْيَدَا مَلِيحاً إذا فُضَّ عن وجهِه . . . نِقابُ الحيَا خِلْتَ بدراً بَدَا غزالاً ولكنْ إذا ما نَصْب . . . شِراكاً لأصطادَه اسْتأْسَدَا سقيمُ اللَّواحظِ مكحولُها . . . ولم يعرف المِيلَ والإثْمِدَا رشيقُ القوامِ إذا هَزَّه . . . رأيتَ الغصونَ له سُجَّدَا له رِيقَةٌ طعمُها سُكَّرٌ . . . يُجَلِّي الصَّدَا ويُرَوِّي الصَّدى ولَحْظٌ كعَضْبٍ ولكنَّه . . . يشُقُّ القلوبَ وما جُرِّدَا تفرَّد بالحُسْن دون المَلاَ . . . فسبحان مَوْلىً له أفْرَدَا نأَى بعدُ فهْو لغيرِي ولِي . . . قريبُ المَزارِ بعيدُ المَدَى رعَى اللّهُ أيامَنا الماضيات . . . وعيشُ الفُتَاءِ به أرْغَدَا(3/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
وصَبَّ على تُرْبِ تلك الرُّبوعِ . . . مُثْعَنْجِراً مُبْرِقاً مُرْعِدَا إلى حيثُ أخْفَتْ صُروفُ الزمانِ . . . وشَمْلُ الوِصالِ بها بُدِّدَا وأضْحَتْ قِفاراً وليس بِهِنَّ . . . من ذلك الجَمْعِ إلا الصَّدَى إذا قلتُ أين حبيبي غَدَا . . . يُجيب بأيْنَ حبِيبي غَدَا
السيد محمد بن عبد الحسين بن إبراهيم بن أبي شبابة
جمال هذا البيت وجملة مفاخره ، وفذلكة حسابه المنوطة به أحساب أوائله وأواخره . تكونت بالبحرين جوهرة ذاته ، وبها كانت أوطانه وأوطار لذاته . ولما حلت بيد الشباب تمائمه ، وصدحت في أفنان الفتوة حمائمه . تنقل في البلاد فأحرز الطارف من الكمال والتلاد . كما تنقل الدر من البحر ، فعلا على التاج والنحر . ثم أقام آخراً بأصبهان ، وبها انتقل من دار العياء والامتهان . فمن شعره قوله ، من قصيدة يمدح بها النظام ابن معصوم ، وهو بالهند . ومطلعهام : أرى عَلماً ما زال يخفُق بالنَّصْرِ . . . به فوق أَوْج المجد تعلُو يدُ الفَخْرِ مضَى العمرُ لا دنيا بلغتُ بها المُنَى . . . ولا عملاً أرْجُو به الفوزَ في الحشرِ ولا كَسْبُ علمٍ في القيامةِ شافعٍ . . . ولا ظفِرت كفِّي بمُغْنٍ من الوَفْرِ وأصبحتُ بعد الدَّرْسِ في الهند تاجراً . . . وإن لم أفُز منها بفائدة التَّجْرِ طوَيتُ دَواوينَ الفضائل والتقى . . . وصرتُ إلى طَيِّ الأمانِيِّ والنَّشْرِ وسوّدت بالأوْزارِ بِيضَ صحائفي . . . وبيَّضْت سودَ الشِّعر في طلَب الصُّفْرِ وبعتُ نَفِيسَ الدِّين والعمرِ صَفْقةً . . . فيا ليت شِعرِي ما الذي بهما أشْرِي إذا جَنَّني الليلُ البَهِيمُ تفجَّرتْ . . . عليَّ عيونُ الهَمِّ فيها إلى الفَجْرِ تفرَّقتِ الأهْواءُ منِّي فبعضُها . . . بِشِيرازَ دارِ العلم والبعضُ في الفكْرِ وبالبَصْرة الرَّعْناءِ بعضٌ وبعضُها الْ . . . قَوِيُّ ببَيْتِ اللّهِ والرُّكْنِ والحِجْرِ فما لي وللهند التي مُذ دخلْتُها . . . مَحَتْ رَسْمَ طاعاتِي سيولٌ من الوِزْرِ ولو أن جِبْرائيلَ رام سُكونَها . . . لأعْجزه فيها البقاءُ على الطُّهْرِ لئن صِيدَ أصحابُ الحِمَى في شباكِها . . . فقد تأخذُ العقلَ المقاديرُ بالقَهْرِ(3/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
وقد تُذهب العقلَ المطامعُ ثم لا . . . يَعُود وقد عادت لَمِيسُ إلى العِتْرِ هذا تلميح إلى المثل المشهور ، وهو قولهم : عادت إلى عترها لميس . أي رجعت إلى أصلها . والعتر ، بكسر المهملة وسكون المثناة من فوق : الأصل . ولميس : اسم امرأة . يضرب لمن رجع إلى خلق كان قد تركه . وليس هذا المثل بعينه حتى يعترض بأن الأمثال لا تغير . مضَتْ في حروبِ الدهر غايةُ قُوَّتي . . . فأصبحتُ ذا ضَعْفٍ عن الكَرِّ والفَرِّ إلى مَ بأرضِ الهنْدِ أُذْهِب لَذَّتبي . . . ونَضْرة عَيْشٍِ في محاولة النَّضْرِ وقد قنِعتْ نفسِي بأوْبَةِ غائبٍ . . . إلى أهلِه يوماً ولو بَيَدٍ صَفْرِ إذا لم تكنْ في الهندِ أصنافُ نعْمةٍ . . . ففي هَجَرٍ أحْظَى بصِنْفٍ من التَّمْرِ على أنَّ لي فيها حُماةً عهِدتُهمْ . . . بُناةَ المَعالي بالمُثقَّفة السُّمْرِ إذا ما أصاب الدهرُ أكْنافَ عِزِّهمْ . . . رأيتَ لهم غاراتِ تَغْلِبَ في بَكْرِ ولي والدٌ فيها إذا ما رأيتَه . . . رأيتَ به الخَنْساءَ تبْكي على صَخْرِ ولكنَّني أُنْسِيتُ في الهند ذكْرَهم . . . بإحْسانِ مَن يُسْلِي عن الوالد البَرِّ إذا أذْعَرَتْني في الزَّمانِ صُرُوفُه . . . وجدتُ لديه الأمْنَ من ذلك الذُّعْرِ وفي بيته في كلِّ يومٍ وليلةٍ . . . أرى العِيدَ مقْروناً إلى ليلةِ القَدْرِ ولا يُدْرِك المُطْرِي نِهايةَ مَدْحِه . . . ولو أنَّه قد مُدَّ من عُمُرِ النَّسْرِ وفي كُلِّ مِضْمارٍ لدَى كلِّ غايةٍ . . . من الشرفِ الأوْلَى له سابِقٌ يجرِي إذا ما بدتْ في أول الصبحِ نِقْمةٌ . . . ترى فَرَجاً قد جاء في آخر العَصْرِ فقُل لي أبَيْتَ اللَّعْنَ إن عَزَّ مَقْطَعٌ . . . أأصبِرُ أم أحْتاجُ للأوْجُهِ الغُرِّ إذاً لا علَتْ في المجد أقدامُ هِمَّتي . . . وإن كان شعرِي فيك من أنْفَسِ الشعرِ وإنِّي لأرْجو من جَميلِك عَزْمةً . . . تُبلِّغني الأوطانَ في آخرِ العُمرِ تُقِرُّ عيوناً بالعراقِ سَخِينَةً . . . وتُبرِد أكْباداً أحَرَّ من الجمرِ وتُؤْنس أطفالاً صِغاراً تركْتُهم . . . لفُرْقتِهم ما زال دمعيَ كالقَطْرِ وعيشْي بهم قد كان حُلْواً وبعدهم . . . وجدتُ لذيذَ العيشِ كالعَلْقَمِ المُرِّ إذا ما رأَوْني مقبِلاً ورأيتُهم . . . تقول أيومُ القَرِّ أم ليلةُ النَّفْرِ وما زلتُ مُشتاقاً إليهم وعاجزاً . . . كما اشْتاقَ مَقْصوصُ الجناح إلى الوَكْرِ ولكنَّما حسبِي وُجودُك سالماً . . . ولو أنني أصبحتُ في بلدٍ قَفْرِ(3/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
فمَن كان موصولاً بحَبْلِ وَلائِكم . . . فليس بمُحْتاجٍ إلى صِلةِ البِرِّ وله من قصيدة ، على لسان أهل الحال ، وأجاد فيها . ومستهلها : لَعَمْري لقد ضلَّ الدليلُ عن القَصْدِ . . . وما لاح لي برقٌ يدلُّ على نَجْدِ فبِتُّ بلَيْلٍ لا ينام ومُهْجةٍ . . . تقلَّب في نارٍ من الهمِّ والوجْدِ وقلتُ عسى أن أهْتدِي لسَبِيلِها . . . بنَفْحة طيبٍ من عَرارٍ ومن رَنْدِ فلما أتيْتُ الدَّيْرَ أبصرتُ راهباً . . . به ثَمَلٌ من خَمْرةِ الحبِّ والوُدِّ فقلتُ له أين الطريقُ إلى الحِمَى . . . وهل خَبرٌ من جِيرةِ العَلَم الفَرْدِ فقال وقد أعْلَى من القلْبِ زَفْرةً . . . وفاضتْ سيولُ الدمعِ منه على الخَدِّ لَعلَّك يا مسكينُ ترجُو وِصالَهم . . . وهيْهات لو أتلفْتَ نفسَك بالكَدِّ إذا زُمْرةُ العُشَّاقِ في مجلسِ الهوى . . . نَشاوَى غَرامٍ من كُهولٍ ومن مُرْدِ ألم تَرَ أنَّا من مُدامةِ شَوْقِهمْ . . . سُكارَى ولم نبلُغْ إلى ذلك الحَدِّ فكم ذهبتْ من مُهْجةٍ في طريقِهمْ . . . وما وصلتْ إلاَّ إلى غايةِ البُعْدِ فقلتُ أأدْنُو قال مِن مِحْنةٍ . . . فقلتُ أأرجُو قال شيئاً من الصَّدِّ هذا البيت فيه المراجعة ، وهي كثيرة في كلامهم . ألم تَرَنَا صَرْعَى بدهشةِ حُبِّهمْ . . . نُقلِّب فوق التُّرْبِ خَدّاً إلى خَدِّ فكم طامعٍ في حبِّهم مات غُصَّةً . . . وقد كان يرضَى بالمُحالِ من الوَعْدِ
ولده السيد عبد الله
عرف ذلك الطيب ، واريجه الذي يذكو ويطيب . تحلى بالأدب من منذ ترعرع ، وارتوى منه بكأس مترع . فاستباح جني قطافه ، واستماح روي نطافه . وقد وقفت له على أشعارٍ باهت الطراز المعلم ببذرقة التطريز ، وجرت جداولها لطالب الأدب بمذاب اللجين والإبريز . فدونك منها ما تستجيده ، وتعلم منه أنه محسن القول ومجيده . فمنه قوله ، من قصيدة أولها : أغَار في تِيهِه وأنْجَدْ . . . فصوَّب الفكرَ بي وصَعَّدْ وجَدَّ في مَطْلَب التَّجنِّي . . . فجذَّ حبلَ الوِدادِ بالصَّدّ أتيتُ أشكُو إليه وَجْدِي . . . فصدَّ كِبراً وصعَّر الْخَدّ(3/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
سَما به عُجْبُه فأضْحَى . . . يضِنُّ عند السلامِ بالرَّدّ ظَبْيٌ بديعُ الجمالِ أحْوَى . . . أغَرُّ حُلْوُ الدَّلالِ أغْيَدْ مُهَفْهَفٌ تخضَع العَوالِي . . . إذا تثنَّى ورَنَّحَ الْقَدّ مُجاذِبٌ رِدْفُه لخَصْرٍ . . . دَقّ فخِفْنا عليه ينْقَدّ ذُو مَبْسَمٍ بالرُّضابِ حَالٍ . . . مِن حولِه اللُّؤْلُؤُ المُنضَّدْ كم بات يرْوِي لنا قديمَ ال . . . حديثِ نَقْلاً عن المُبَرِّدْ فنَال منَّا المُدامُ منه . . . ما لم تنَلْه مُدامُ صَرْخَدْ بدرُ تَغارُ النجومُ منه . . . إذا سَنَا وجهِه تَوقّدْ أحلَّ قتْلَ الأنام عَمْداً . . . ولا قِصاصاً يَرى ولا حَدّ منها : ما لاح يوماً لعاشِقيهِ . . . إلاَّ وخَرُّوا لديْه سُجَّدْ كلُّ عَمِيدٍ به عَمِيدٌ . . . وكل مَوْلىً له مُعَبَّدْ أُطلِق حُبِّي له فأمسَى . . . قلبِي به واجِباً تقيَّدْ هوَيْتُه عامِداً لمعنىً . . . منه أتى بالجمالِ مُفْرَدْ ولستُ أبْغِي به بدِيلاً . . . وإن تجافَى قِلىً وإن صَدّ ما زلتُ شوقاً إليه أصْبُو . . . وعهد وُدِّي له يُجدَّدْ كما صَبَا للنَّدى ارْتياحاً . . . سيدُنا ابنُ النبيِّ أحمدْ أرْفَعُ من ترفعُ المَعالِي . . . طَوراً إلى مجدِه وتُسْنَدْ كم جمعتْ للكرامِ شَمْلاً . . . يَدٌ له مَالُها مُبدَّدْ وكم أقالتْ عِثارَ قَيْلٍ . . . أطاحَه دهرُه وأقْعَدْ منها : أبا عليٍ فِداك نفسي . . . وما حَوَتْه يَدايَ من يَدْ منها : وابْق بقاءَ الدهورِ ما إنْ . . . أضاءَ برقٌ ولاح فَرْقَدْ وله من قصيدة أخرى ، مستهلها : ما نضتْ ليلةَ المَزارِ الإزارَ . . . هندُ إلا لتهتِكَ الأسْتارَا طرَقتْنا ولاتَ حين طُروقٍ . . . حبَّذا زائرٌ إذا النجمُ غارَا رَقَّ بعد الصُّدودِ عَطْفاً لِرقٍ . . . ورعَى حُرمةَ العهودِ فزارَا قابلتنا بطَلْعةٍ قد أرتْنا الشَّ . . . مسَ ليلاً فأوْهمتْنا النهارَا طَفلةٌ تخلِبُ العقولَ بطَرْفٍ . . . وبدَلٍ تستعْبِدُ الأحْرارَا(3/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
دُميةٌ لو تصوَّرت لِمَجُوسٍ . . . تَخِذُوها إلهاً وعافوا النَّارَا ناهدٌ تسلُب النفوسَ بطَرْفٍ . . . غَنِجٍ زادَه الفُتورُ احْوِرارَا زاتُ خدٍ جلَى لنا الوردَ غَضّاً . . . وشَتِيتٍ جلَى علينا العُقارَا وفمٍ مثل خاتمٍ من عَقِيقٍ . . . عمَّر الدُّرَّ في نَواحِيه دَارَا ولِحاظٍ تسْبي العقولَ وخَصْرٍ . . . زادَه باسطُ الجمال اخْتصارَا وإذا ما ترَنَّح القَدُّ منها . . . قلتُ قد هَزَّ ذابِلاً خَطَّارَا غادةٌ لَذَّ لي بها هَتْكُ سِتْرِي . . . في طريق الهوى وخَلْعِي العِذارَا وعجيبٌ ممَّن توغَّل أمْراً . . . في الهوى أن يرومَ منه اسْتتارَا أيْسَرُ الهوى وشأنُ دموعِ الصَّ . . . بِّ بالصَّبِّ تظهِر الأسْرارَا والذي عقلُه غدا بيَدِ الغِي . . . دِ أسيراً لا يستبدُّ اخْتيارَا كيف أرجو من الخُطُوب خَلاصاً . . . بعد ما أنْشَبتْ بيَ الأظْفارَا أرْهَفتْ إذ عدَتْ عليَّ نِصالاً . . . ليس ينْبو فِرِنْدُها وشِفَارَا قصَدتْ أن تسُومنِي الخَسْفَ ظُلْماً . . . والبَرِيُّ الأبيُّ يأْبَى الصَّغارَا ما درَتْ أنني رُفِعتُ مقاماً . . . بحِمَى أحمدٍ وزِدْتُ اعْتبارَا وهو أسْمَى في رُتْبةِ المجد من أن . . . يُدرِك الضَّيْمُ لَمْحةً منه جَارَا سيِّدٌ ساد في البريَّةِ نُبْلاً . . . وزكا عُنْصُراً وطاب نِجَارَا ماجدٌ نال رُتبةً في المعالي . . . لم ينَلْها من قبلُ كِسرَى ودَارَا أرْيَحيٌّ إذا أراحَ لنَيْلٍ . . . أرْسلتْ سُحْبُ راحِه الأمْطارَا
السيد عبد الله بن الحسين
أربى على الخلص من عتاة فن الأدب ، فكان أجل من جد في تحصيله ودأب . رأيت له شعراً ينسي محاسن التقدم ، ويترك المجتري على معارضته بغبن التندم . فلو منحه ابن الحسين لما تنبأ عجباً بالقريض بل كان تأله ، أو سمعه أبو تمام لاتخذه تميمةً لعود عقله الذي تدله به وتوله . وها أنا ذا أتلو عليك منه قطعةً تستنزل الثريا ، وتغنيك عن اجتلاء زهرات الروضة الريا . وهي قوله في الغزل : أتتْ تحمل الإبْرِيقَ شمسُ الضحىَ وَهْنَا . . . ولو سَمحْت بالرِّيق كان لها أهْنَا حَكاها قَضِيبُ الخَيْزُرانِ لأنه . . . يُشارِكها في اللِّين واللفظِ والمعنَى(3/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
تُرِيني الضُّحَى والليلُ ساجٍ وما الضحى . . . وطلْعَتُها من نُورِ طلعتِه أسْنَى مُهَفْهَفةُ الأعْطافِ حَوْراء خِلْتُها . . . من الحُورِ إلا أنَّ مُقْلتَها وَسْنَا لها كَفَلٌ كالدِّعْصِ مِلْءُ إزارِها . . . وقَدٌّ إذا ماسَتْ به تُخْجِل الغُصْنَا عليها بُرودُ الأُرْجُوانِ كأنها . . . شَقائقُ أو من وَجْنتيْها غَدَا يُجْنَى ولا عَيْبَ فيها غيرَ أنَّ مَلِيكَها . . . بَراها بخُلْقٍ يُعْقِب الحُسْنَ بالحُسْنَى تقوم تُعاطِينا سُلافَة ثَغرِها . . . على وَجَلٍ نِلْنا به المَنَّ والأمْنَا هي الرُّوحُ والرَّيحان والرَّاحُ والمُنى . . . علينا بها مُعْطِي المَواهب قد مَنَّا قصَرتُ عليها مَحْضَ وُدِّي فلم يكنْ . . . سواهَا له في القلبِ رَبْعٌ ولا مَغْنَى
السيد داود بن شافيز
سيد شهم ، للآمال منه نصيبٌ وسهم . استوطن في السيادة نجداً ، وتوسد الجوزاء مجداً . وله في الشعر بدائع كثيرة العيون ، لم يتحمل لأجلها فكره الصقيل منة القيون . فقد ألان الله لطبعه الحديد الكلام ، كما ألان الحديد لداود عليه السلام . وقد أوردت له ما لا يرى العيان مثله ، ومن طمع في لحاقه فيوشك أن يصير في العالم مثلة . فمنه قوله في الغزل : أنا واللّهِ المُعَنَّى . . . بالهوَى شوقِيَ أعْرَبْ كلَّما غَنَّى الهوَى لي . . . أرْقصَ القلبَ وأطْرَبْ وغَدا يسْقيه كاسا . . . تِ صَباباتٍ فيشْرَبْ فالذي يطمَع في سَلْ . . . بِ هوى قلبيَ أشْعَبْ قلتُ للمحبوبِ حتَّى . . . مَ الهوى للقلْبِ ينْهَبْ وبمَيْدان الصِّبا واللَّ . . . هوِ ساهٍ أنتَ تلعبْ قال ما ذنبْي إذا شا . . . هدت خدّاً قد تلهَّبْ فهوَى قلبُك فيها . . . ذاهباً في كلِّ مَذْهَبْ قلتُ هَبْ أن الهوى هَبَّ . . . فألْقاه بهَبْهَبْ أفلا تُنقذ مَن يهْ . . . واكَ من نارٍ تلَهَّبْ وقوله : طال في الحبِّ غرامِي . . . إذْ رمى المُهْجةَ رامِ فأصابَ القلبَ مَجرُو . . . حاً بمَسْموم السِّهامِ(3/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
والهوى فوقي وتحتي . . . وورائِي وأمامِي ويمِيني ويَسارِي . . . وهْو لاشكَّ إمامِي قائداً قلبي إلى نا . . . رِ هَوانٍ وهُيامِ قلتُ للمحبوبِ حتى . . . مَ بِنيرانِ الغَرامِ من ضَرِيعِ الشوقِ والأحْ . . . زانِ أُكْلِي وطَعامِي وشَرابِي من حَمِيم الْ . . . هجرِ أغْرَى بي حِمامِي لا تُغنِّي في أرَاكِ الْ . . . وصلِ في زَفِّ حَمامِ قال قِفْ واصبرْ على . . . بَلْوَى الهوى صَبْرَ الكرامِ فعسَى تحْظَى بجَنَّا . . . تِ وصالِي وسَلامِي
السيد ناصر بن سليمان القاروني
الخطيب النضيح ، والشاعر الفصيح . قضى فأرضى ، ونضى فأمضى . وفرع وأصل ، وأجمل وفصل . وذهب في البراعة كل مذهب ، وارتدى من النباهة بكل رداءٍ مذهب . فنظمه حظ الزمان ، بل هو حظ الأمان . وسجع الحمام ، بل سفح الغمام . وريق النحل ، بل الخصب بعد المحل . وقد ذكرت له ما تحله قلبا ، وتضم عليه شغافاً وخلبا . فمنه قوله : أيا مَن يُغالِي في القريبِ ويشْترِي . . . قرابةَ إنْسانٍ بألْفٍ أبَاعِدِ تعالَ فإنِّي ليْتني لا قَريبَ لي . . . أبِيعُك منهم كلَّ ألْفٍ بواحِدِ وقوله من مرثية : أيها النائمونَ والدهرُ يقَظْا . . . نُ أصاحونَ أنتمُ أم سُكارَى طاَما نِمْتُم فهُبُّوا من النو . . . مِ فداعِي المَنونِ يدعُو جِهارَا هو دَاعٍ إذا أهابَ بمَن في . . . رأسهِ نَشْوةٌ أطار الخُمارَا هو داعٍ يُجيِبه مَن دعاه . . . كارهاً للِّقاءِ أو مُختارَا هو ذا منزلُ الملوكِ برَغْمٍ . . . لِرَغامٍ من الصَّياصِي اقْتسارَا هو هذا مُكَسِّرٌ عَظْم كِسرَى . . . ومُدِيرٌ رحَى المَنُونِ بِدَارَا(3/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
فبِداراً ليومِ عَيْشٍ عزيزٍ . . . قبل أن يُذيع الرحيلُ بِدارَا وانْتهازاً لفُرصةٍ ليس تبْقَى . . . قبل أن تُسلَبُوا عليها الخِيارَا
السيد أحمد بن عبد الصمد
أحد من اجتنى طري القول واهتصر ، إلا أن طريقه إلى الأدب مختصر . له من الشعر بيتان ، على جودة طبعه بينان . لم يسمع له غيرهما قط ، من برى قلماً وقط . وهما قوله : لا بلَّغتْنِي إلى العلْياء مَعْرفتي . . . ولا دَعتْنِي العُلاَ يوماً لها وَلدَا إن لم أُمِرَّ على الأعْداء مَشْربَهم . . . مَرارةً ليس يصْفُو بعدها أبَدَا
ماجد بن هاشم بن المرتضى بن علي بن ماجد
خطيب شيراز وإمامها ، ورئيسها المشار إليه وهمامها . ماجد جد فوجد ، وارتقى مثلما ارتقى له أبٌ وجد . نسبٌ من النبي مبتدى ، وحسبٌ ببرد النباهة مرتدي . وقد شفع شرف النسب بمزية الكمال ، وقرن إلى صدق الأقوال فضل الأعمال . وراء ذلك أدبٌ بلغ به الأرب ، وملأ دلوه منه إلى عقد الكرب . فمن شعره الذي تقف دونه الأطماع ، وتشنف به على السماع الأسماع . قوله في مليح قارىء : وتالٍ لآيِ الذِّكْرِ قد وقفتْ بنا . . . تلاوتُه بين الضَّلالة والرُّشْدِ بلفظٍ يسُوق الزاهدين إلى الخَنَا . . . ومعنىً يشُوق العاشقين إلى الزهدِ وقوله : وذي هَيَفٍ ما الوردُ يوماً ببالغٍ . . . حُلَى وَجْنتيْه في احمرارٍ ولا نَشْرِ برِئْنا من العَلْياء إن سِيمَ وصلُه . . . عليْنا بما فوق النفوسِ ولا نَشْرِي وقوله متغزلاً :(3/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
حسناءُ ساءتْ صَنِيعاً في مُتيَّمِها . . . يا ليتَها شفَعت حُسْناً بإحْسانِ دَنَتْ إليه وما أدْنتْ مَودَّتَها . . . فما انتفاعُ امرىءٍ بالباخِل الدَّانِي
جعفر أبو البحر بن محمد الخطي العبدي
أحد بني عبد قيس الخط والحظ للخطى ، وهذا من الجناس الخطي . فآثار قلمه زينة الصحائف ، وأخبار أدبه حلية التحائف . وهو أحد الجلة المشاهير ، وأوحد أولئك الجماهير . وله في البحرين حديثٌ فاح أريجه ، وتدفق بالثناء نهره وخليجه ، فأنشد لسان مجده : وهل يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إلاَّ وشِيجُه فكم زمت إليه المطية ، وركزت على رماحه الخطية . وقد أثبت له ما يسو على النيرين ، ويحسد اتساقه ما يخرج من بين البحرين . فمنه قوله : عاطِنيها قبل ابْتسام الصباحِ . . . فهْي تُغنيك عن سَنا المِصباحِ أنت تدْرِي أن المُدامة نارٌ . . . فاقْتدِحْها بالصَبِّ في الأقداحِ فهْي تمحُو بضَوئها صِبْغةَ اللَّيْ . . . لِ فيغدُو وجهُ الدجَى وهْو ضاحِ وإذا ما أحاط بِي وفْدُ هَمٍ . . . مُهدِياً لي طرائفَ الأتْراحِ فارْسِلَنْها وَرْدِيَّة كدَمِ الظَّبْ . . . يِ أسالتْه مُدْيةُ الذَّبَُّّاحِ فهي تُقْصِي إمَّا دَنتْ وارِدَ الهَمِّ . . . وتُدْنِي شواردَ الأفْراحِ ألْحَفتْ في السؤالِ هل من فَكاكٍ . . . لأسيرٍ ما إنْ له من بَراحِ مَزَجُوها فقيَّدوها فلو تُتْ . . . ركُ صِرْفاً طارتْ بغير جَناحِ يا خليلِي ولا أرَى لي من النا . . . سِ خليلاً إلاَّ فتىً غير صاحِ يتلقَّى عَذْلَ العَذُولِ بهَيْها . . . تَ ويحْثُو في أوْجُه النُّصَّاحِ(3/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
ألِفَ الرَّاحَ فهْو بين اغْتباقٍ . . . لا يُنادَى وليدُه واصْطباحِ رُحْ على الرَّاس بي فليس على الأجْ . . . سامِ عَيْبٌ في السَّعْيِ للأرواحِ واسْقِنيها صِرفاً فللنَّارِ نأتْ . . . جانباً عن وِصال ماءٍ قَراحِ خيرُ ما يُشرَب المُدامُ عليه . . . وجهُ خَوْد من الكَعابِ رَداحِ ذات قَدٍ تثْني الغصونُ عليها . . . حين يهْفو بها نسيمُ الصباحِ فوقه طُرَّةٌ تُظِلُّ مُحَيّاً . . . جائلاً ماؤُه مُضِيء النَّواحِي فهْي من نُورِ وجهِها وظلامِ الشَّ . . . عرِ في حالتيْ مَساً وصَباحِ وثُغورٌ يُخَلْنَ في بارد الظَّلْ . . . مِ حَباباً يطْفُو على وجهِ راحِ ما تَرى الدهرَ كيف رقَّتْ ليالي . . . ه فشقَّتْ عن أوْجُه الأفراحِ ولما دخل بأصبهان ، اجتمع بالبهاء الحارثي ، وعرض عليه أدبه ، فاقترح عليه معارضة قصيدته التي مطلعها : سرَى البرقُ من نَجْدٍ فهيَّج تَذْكارِي . . . عهوداًبحُزْوَى والعُذَيبِ وذي قارِ فعارضها بقصيدة طنانة ، أولها : هي الدارُ تسْتسْقِيك مَدْمعَها الجارِي . . . فسَقْياً فخيرُ الدمعِ ما كان للدَّارِ ولا تسْتضِع دمْعاً تُرِيق مَصُونَه . . . لِعزَّته ما بين نَوْءٍ وأحْجارِ فأنت امرؤٌ بالأمسِ قد كنت جارَها . . . وللجارِ حقٌّ قد علمتَ على الجارِ عشوتَ على الَّلذَّاتِ فيها على سَنَا . . . سَناءِ شموسٍ ما يغِبْن وأقْمارِ فأصبحتَ قد أنفقْتَ طَيِّبَ ما مضَى . . . من العمرِ فيها من عُونٍ وأبْكارِ نواصِعُ بِيضٌ لو أفَضْن على الدجى . . . سَناهُنَّ لاسْتغْنى عن الأنْجُمِ السارِي خرائدُ يقْصرن الأصولَ بأوْجُهٍ . . . تغَصُّ بأمْواهِ النَّضارةِ أحْرارِ مَعاطيرُ لم تُغْمَس يدٌ في لَطِيمةٍ . . . لهُنَّ ولا اسْتَعْقَبن جَوْنةَ عطَّارِ أبحَنْكَ مَمنوعَ الوصالِ نوازلاً . . . على حُكْمِ ناهٍ كيف شاء وأمَّارِ إذا بِتَّ تستسْقي الثغورَ مُدامةً . . . أتَتْك فحيَّتْك الخدودُ بأزْهارِ أموسمَ لذَّاتي وسُوقَ مآربي . . . ومَجْنَى لُباناتِي ومَنْهب أوْطارِي سقْتك برَغْمِ المُزْنِ أخْلافُ مُزْنةٍ . . . تلُفُّ إذا جاشتْ سُهولاً بأوْعارِ وفَجٍ كما شاء المجالُ حشَوْتَه . . . بعَزْمةِ هَوَّالٍ على الهَولِ كَرّارِ تمرَّس بالأسْفار حتى تركْنَه . . . لدِقَّته كالقِدْحِ أرْهفَه البَارِي إلى ماجدٍ يُعْزَى إذا انْتسب الورَى . . . إلى مَعْشرٍ بِيضٍ أماجدَ أخْيارِ ومُضطلِعٍ بالفضْل زَرَّ قميصَه . . . على كَنْزِ آثارٍ وعَيْبَةِ أسْرارِ سَمِيِّ النبيِّ المصطفَى وأمينهِ . . . على الدِّين في إيرادِ حُكْمٍ وإصْدار(3/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
ِ به قام بعد المَيْل وانتصبتْ به . . . دعائمُ قد كانت على جُرُفٍ هارِ فلما أناخَتْ بي على باب دارِه . . . مَطايايَ لم أذمُم مغَبَّة أسْفارِي نزلتُ بمَغْشِيِّ الرُّواقيْن دارُه . . . مَثابةُ طُوَّافٍ وكعبةُ زُوَّارِ فكان نُزولي إذ نزلتُ بمُغْدِقٍ . . . على المجد فضلَ البِرِّ عارٍ من العارِ أساغ على رَغم الحواسدِ مَشرَبِي . . . وأعْذَبَ وِرْدَ العيش لِي بعد إمْرارِ وأنقذني من قبْضةِ الدهرِ بعد ما . . . ألَحَّ بأنْيابٍ عليَّ وأظفارِ جُهِلتُ على معروفِ فَضْلي فلم يكنْ . . . سواهُ من الأقوامِ يعرف مِقْدارِي ولما انتهى إلى هذا البيت في الإنشاد ، قال ، وأشار إلى جماعة من سادات البحرين : وهؤلاء يعرفون مقدارك إن شاء الله تعالى . على أنه لم يَبْقَ فيما أظنُّه . . . من الأرضِ شِبْرٌ لم تُطبِّقْه أخْبارِي ولا غَرْوَ فالإكْسِير أكبرُ شُهْرةً . . . وما زال من جهلٍ به تحت أسْتارِ متى بُلَّ لي كفٌّ فلستُ بآسِفٍ . . . على درهمٍ إن لم ينَلْه ودينارِ فيا ابنَ الأُلى أثْنَي الوَصِيّ عليهمُ . . . بما ليس تَثْنِي وجهَه يدُ إنْكارِ بِصفِّين إذ لم يُلْفِ من أوْليائه . . . وقد عَضَّ نابٌ للورَى غير فرَّارِ وأبْصر منهم جِنَّ حَرْبٍ تهافتُوا . . . على النارِ إسْراعَ الفَراشِ إلى النارِ سِراعاً إلى داعِي الحروب يرَوْنَها . . . على شُرْبِها الأعمارَ موردَ أعْمارِ أطارُا غُمودَ البيض واتَّكلُوا على . . . مَفارِق قومٍ فارَقُوا الحقِّ كُفَّارِ وأرْسَوْا وقد لاَثُوا على الرُّكَبِ الحُبَى . . . بُروكاً كهَدْيٍ أبْرَكوه لَجزَّارِ فقال وقد طابتْ هنالك نفسُه . . . رِضاً وأقَرُّوا عينَه أيَّ إقْرارِ فلو كنتُ بَوَّاباً على بابِ جَنَّةٍ . . . كما أفحصتْ عنه صَحِيحاتُ آثارِ يشير إلى همدان ، وهي قبيلة من اليمن ، ينتهي إليهم نسب الممدوح ، وكانوا قد أبلوا يوم صفين بلاءً حسناً ، فروي أنهم في بعض أيامهم حين استحر القتل ، ورأوا فرار الناس عمدوا إلى غمود سيوفهم فكسروها ، وعقلوا أنفسهم بعمائمهم ، وجثوا للركب ، وبركوا للقتل ، فقال فيهم أمير المؤمنين ، كرم الله وجهه : لَهمْدان أخلاقٌ ودِينٌ يزِينُها . . . وبأسٌ إذا لاقَوْا وحُسْنُ كلامِ فلو كنتُ بَوَّاباً على بابِ جَنَّةٍ . . . لقلتُ لهَمْدان ادْخُلوا بسَلامِ وقال فيهم يوم الجمل : لو تمت عدتهم ألفاً لعبد الله حق عبادته . وكان إذا رآهم تمثل بقول الشاعر :(3/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
ناديتُ هَمْدان والأبوابُ مُغْلقةٌ . . . ومثلُ هَمْدان سَنَّى فتْحةَ البابِ كالهُنْدُوانِيِّ لم تُفْلَل مَضارِبُه . . . وجهٌ جميلٌ وقلبٌ غيرُ وَجَّابِ ذكره ابن عبد ربه في العقد . وهمدان بسكون الميم ، وبعدها دال مهملة ، وأما همذان ، بفتح الميم والذال المعجمة ، فبلد من بلاد العجم ، وهي أول عراق العجم ، وإليها نسب بديع الزمان الهمذاني ، صاحب المقامات التي اقتفى الحريري أثره فيها . ومن شعر صاحب الترجمة ، قوله من قصيدة يمدح بها وزير البحرين محمود بن نور الدين ، وهي أول قصيدة أثبتها في المدح ، وأنشدها يوم عيد الفطر : ماذا يُفيدُك من سُؤالِ الأرْبُعِ . . . وهي التي إن خُوطِبَتْ لم تسمَعِ سَفَهٌ وقوفُك في رُسومٍ رَثَّةٍ . . . عَجْماءَ لا تدرِي الكلامَ ولا تعِي فذَرِ الوقوفَ على مَخافِي منْزلٍ . . . عافٍ لمُختلِف الرِّياح الأرْبَعِ وامْسِك عِنانَ الدمعِ عن حَوْبائِه . . . في دِمْنةٍ لم تحمْدَنْك ومَرْبَعِ اللّهُ جارُك هل رأيتَ منازلاً . . . عطِلتْ فحلَّتْها عقودُ الأدْمُعِ واسْتبْقِ قلبَك لا تَعيشُ بغَيْرِه . . . وشعاعَ نفس إن يَغبْ لم يَطلُعِ واصرِفْ بصِرْفِ الرَّاح همَّك إنها . . . مهما تفرَّق من سرورِك تجمْعِ كَرْمِيَّةٌ تذَرُ البَخيلَ كأنما . . . نزَل ابن مَامةَ من يدَيْه بأُصْبُعِ فهي التي آلتْ ألِيَّةَ صادقٍ . . . أن لا تُجاورها الهمومُ بمَوْضعِ مع كلِّ ساحرة اللِّحاظِ كأنها . . . ترْنُو بناظِرتَيْ مَهاةٍ مُرْضِعِ وكأنما تَثْنِي على شمسِ الضحى . . . إمَّا هي انْتقبَتْ حواشِي البُرْقُعِ إما مركبة من إن الشرطية ، وما الزائدة ، وأدغمت النون في الميم . وكأنما وُضِع البُرَى منها على . . . عُشَر تعاوَره الحَيا أو خِرْوَعِ البرى هنا جمع برة ، وهي الخلخال . والبيت وصفٌ لها بالطول وتمام الخلق . وتعاوره الحيا تأكيدٌ وتحسين لهذا الوصف . يا مَن يفِرُّ من الخُطوب وصَرْفِها . . . أنَّى رآه يفِرُّ عنها يتْبعِ لُذْ بالوزير ابنِ الوزير فإنما . . . تأْوِي إلى الكَنَفِ الأعزِّ الأمْنَعِ ملِكٌ رَقَى دَرْجَ الفخارِ فلم يدَعْ . . . فيها لِرَاقٍ بعده من مَطْمَعِ وتناولَتْ كفَّاه أشْرفَ رتبةٍ . . . لو قام يلْمِسُها السُّهَا لم يَسْطَعِ أنْدَى من الغيْثِ المُلِثِّ إذا اجْتُدِي . . . أحْمَى من الليثِ الهِزَبْرِ إذا دُعِي(3/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
التَّارِكُ الأبطالَ صَرْعَى في الوغَى . . . فكأنهم أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِ منقع من الاكتفاء ، وله معنىً بدون الاكتفا ؛ بأن يكون مأخوذاً من أقعى فرسه ، إذا رده القهقرى ، فيزادياءً ، أو من أنقع الميت ، أي دفنه ، والمراد دفنها بعشية القتال . يذَرُ الجماجمَ في المَكَرِّ سَوَاقِطاً . . . سَقْط الثِّمار من المَهَبِّ الزَّعْزَعِ أفْدِيه وهْو على أغَرَّ مُحجَّلٍ . . . ظامِي الفُصوصِ سليم سَيْرِ الأكْرَعِ الفصوص : جمع فص ، وهو ملتقى كل عظمين . وظامي الفصوص ، كناية عن لطافة مفاصله . نَهْدِ المَراكل واللَّبان بعيدِ ما . . . وُضِع العِنانُ به عَصِيٍ طَيِّعِ فكأنه لمَّا اسْتقام تَلِيلُه . . . مُصْغٍ تلقَّفَ نَبْأةً من بُرْقُعِ في جَحْفلٍ كالْيَمِّ إلاَّ أنه . . . لا ماءَ فيه غيرُ لَمْعِ الأدْرُعِ حتى ترجَّل للصلاةِ ولم نجِدْ . . . أسداً يُصلِّي قَبْلَه في مَجْمَعِ لو قال : أخشع خاشع متورع . لكان أنسب بأفتك فاتك . حُيِّيتَ يا كسرى الملوكِ تحيَّةً . . . تُرْبى على كسرَى المُلوكِ وتُبِّعِ يا ابنَ الأُلَى جعلوا مراكز سُمْرِهمْ . . . حَبَّ القُلوبِ بكل يومٍ مُفْظِعِ واستبْدلُوا لِلْبِيض من أغْمادِها . . . في الحرب هامةَ كلِّ ليثٍ أرْوعِ النازلين من العُلَى في رتبةٍ . . . هامُ السُّها منها بأدْنَى موضعِ ما حدَّثتْ نفسُ امرىءٍ ببُلوغِها . . . إلاَّ ومات بغُلَّةٍ لم تُنْقَعِ وإليك من عُرْبِ الكلامِ خريدةً . . . جاءتْك مُسْفِرةً ولم تتَبرْقَعِ عذراءَ أوّلُ ما جَناه لناظرٍ . . . نَظْمِي وأولُ ما تلاه لِمَسْمَعِ مِن شاعرٍ ذَرِبِ اللسانِ مُفَوَّهٍ . . . طَبٍ بترْكيب القوافِي مِصْقَعِ فاضمُمْ عليه يديك تَحْظَ بآخِرٍ . . . أذْكَى من المتقدِّمين وأبْرعِ فَليُسْمِعنَّك إن بَقِي لك بعدها . . . ما يسْتبين لديْه ذُلُّ الأشْجَعِ قلت : لله دره من فارس مجال هو على تناول المعاني أشجع من أشجع ، وخطيب حفل كلماته أفيد من قائل أما بعد وأنجع . وقد انتهى ذكر أهل البحرين الذين ارتفع قدرهم وسما ، وروت غررهم في رياض آدابها حديث النعمان عن ماء السماء .(3/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
وهنا أذكر من نجم من بلاد العجم ممن وقع عليهم الاتفاق ، وانهلت فوائدهم كالسحاب الدفاق . فمنهم :
الحكيم أبو الحسين بن إبراهيم الطبيب الشيرازي
فارس حكماء الشرق ، المستوفي في السبق شوط البرق . بلغ وهو شاب مبلغ الشيخ فقضى له بالرياسة ، وبرع في صناعة الطب براعة حكمت له بالاستيلاء على النباهة والكياسة . إلى أدب يتخيله الفكر فيشفى به عليله ، وينطبع في الطبع فيشحذ به كليله . وحسن طلعةٍ تتعشقها الصور ، ولطف علاجٍ لم يبق معه ما تشتكيه مرضى العيون إلا الحور . وقد وقفت له على شعر ألذ من العافية للسقيم ، وألطف من بشرى الولد الكريم للشيخ العقيم . فأثبت منه ما هو غايةٌ في حسن الأسلوب ، وكأنما هو دواءٌ لأمراض القلوب . فمنه قوله : كشف الصبحُ اللِّثامَا . . . وجَلى عنَّا الظلامَا فأجِلْ لي الكأسَ ونَبِّ . . . هْ أيها السَّاقي النُّدامَى عَلَّنا نقضِي كما رُمْ . . . نا من الأُنْسِ المَرامَا ما ترى الوُرْقَ على الأيْ . . . كِ يُجاوِبْنَ الحَمامَا وزُهورَ الروضِ أصْبَحْ . . . نَ يفُتِّقْنَ الكِمامَا والحَيا يبْكِي عليهِنَّ . . . فيَضْحكْنَ ابْتسامَا ووميضَ البَرْقِ قد سَلَّ . . . على الأُفْقِ الحُسامَا وحبِيبَ النفسِ قد لا . . . حَ لنا بَدْراً تِمَامَا أيُّ عُذْرٍ لك إن لم . . . تصلِ الراحَ مُدامَا فاغْنَمِ الأُنْس وبايِنْ . . . مَن لَحَى فيه ولاَمَا وهي عروض أبيات بلديه الشيخ سعدي ، صاحب الكلستان ، وهي : يا نَدِيمي قُمْ بليلٍ . . . واسْقِني واسْقِ النُّدامَى خَلِّني أسهرُ ليلِي . . . ودَعِ الناس نِيامَا اسْقِيانِي وهدِيرُ الرَّ . . . عدِ قد أبْكَى الغَمامَا(3/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
في أوانٍ كشفَ الوَرْ . . . دُ عن الوجهِ لِثامَا أيها المُصْغِي إلى الزُّهَا . . . دِ دَع عنك الكلامَا فُزْ بها من قبلِ أن يجْ . . . علك الدهرُ عِظامَا قُل لِمَن عيَّر أهْلَ الْ . . . حُبِّ في الحبِّ ولاَمَا لا عرفتَ الحبَّ هَيْها . . . تَ ولا ذُقْتَ غَرامَا لا تلُمْني في غُلامٍ . . . أوْدعَ القلبَ سَقامَا فبِداء الحبِّ كم من . . . سيِّدٍ أضْحى غُلامَا ومن رقيق شعره قوله في الغزل : مَن أوْدَع الشُّهْدَ والسُّلافَ فَمَهْ . . . والجوهرَ الفَرْدَ فيه من قَسَمَهْ وواوُ صُدْغَيْه فوق عارضِه . . . يا ليت شِعْرِي بالمِسْك من رَقَمَهْ ووافرُ الحُسْنِ والجمالِ به . . . من دون كلِّ الحسانِ مَن رَسَمَهْ وخَدُّه الوردُ في تضرُّجِه . . . ما ضَرَّهُ لو مُحِبُّه لَثَمَهْ دمِي ودَمْعِي بلَحْظِه سُفِكَا . . . فلا شفَا منه رَبُّه سَقَمَهْ كم من قتيلٍ بسيفِ مُقْلتِه . . . لم يَخْشَ ثاراً لمَّا أباح دَمَهْ كتمْتُ حُبِّي عن الوُشاةِ فما . . . ظَنَّ به كاشحٌ ولا عَلِمَهْ وكم مُحِبٍ أعْيَتْ مذاهبُه . . . أذاع سرَّ الهوى وما كَتَمَهْ وقوله ، وأجاد في الجناس : قضَى وَجْداً بحُبّ أُهَيْل رَامَهْ . . . وما نال الذي في الحبِّ رَامَهْ مُحِبٌّ لم يُطِع فيهم عَذُولاً . . . ولا قبلتْ مَسامعُه المَلامَهْ نَهاهُ عن الهوى لاَحِيه سِرّاً . . . فقال لها جِهاراً في المَلامَهْ فقولوا يا أُهَيْل الوُدِّ قولُوا . . . على مَ هجرتُمُ المُضْنَى على مَهْ وقد أمسَى بهجرِكُمُ قتيلاً . . . وحُبُّكُمُ له أضْحَى علامَهْ
المنلا فرج الله الششتري
أحد شعرائهم المفلقين ، وأوحد لطفائهم الذيقين . شعره نظم الإحسان في لبة القريض ، وأسمع فيه ما هو أطرف من نغم معبد والغريض . وشعره في الصنعة بردٌ مروي ، وفي العذوبة حديث للشباب مروي . فمما انتخبته من شهيه ، وألمعت به من بهيه .(3/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
قوله من قصيدة ، مستهلها : ما بين دِجْلَة والفُراتِ مَراتِعٌ . . . هي للنفوسِ معارجٌ وسَماءُ ومنازلٌ هي للقلوب منازِلٌ . . . لا جاوزَتْها دِيمةٌ هَطْلاءُ لا الْجِزْعُ يُسْلِيني ولا وادي الغَضا . . . عنها ولا نَجْدٌ ولا الدَّهْناءُ لا رامَةٌ رَوْمِي ولا حُزْوَى ولا . . . وادي النَّقا والخَيْفُ والخَلْصاءُ سَقَتِ الغوادِي رَوْضَها وفَلاتَها . . . ورعَتْ بمَرْعاها مَهاً وظِباءُ أصْبُو إلى سُكانها طولَ المدَى . . . لم تُلْهِني خَوْدٌ ولا هَيْفاءُ إنَّ الأماكنَ تُسْتحَبُّ لأهلِها . . . أنا عُرْوةٌ وجميعُهم عَفْراءُ بهمُ أُشَبِّب لا بعاتكةٍ وكم . . . في مُهْجتِي من بينهم بُرَحاءُ أسماؤُهم ملأتْ خُروقَ مَسامعِي . . . لا مَيُّ تسْكنها ولا أسْماءُ للنَّازِلين على الفُراتِ مَواطِنٌ . . . لهمُ بهنَّ عن الخيامِ غَناءُ وبِسُوحِهنَّ مراتعٌ ومَلاعبٌ . . . الليلُ فيها والنهارُ سَواءُ قد تلطف في هذا ، ومراده أنها لشدة اعتدالها تساوى فيها الليل والنهار ، كما يكون ذلك في البلاد التي في خط الاستواء ، أو في الربيعين اللذين هما أعدل الأزمنة . ووقع لي من قصيدة : قد لاح في خَدِّه العِذارُ . . . فاعتدلَ الليلُ والنَّهارُ مُستوطنُ الآمال غاياتُ المُنَى . . . للغانياتِ بها الغَداةَ ثُواءُ يرْتعْنَ بين ضُلوعِنا فكأنَّما . . . أرْباعُها الألْبابُ والأحْشاءُ آرامُ أُنْسٍ للنفوسِ أوانِسٌ . . . داءٌ ولكنْ للعيون دواءُ يُصْغِي إليهنَّ الجليسُ فينْثنِي . . . وهناك لا خمرٌ ولا صهْباءُ حلَّ الربيعُ متى حَلَلْنَ بمنزلٍ . . . فكأنهنَّ عوارضٌ وحياءُ وإذا ارْتحلْنَ ترى الديارَ كأنها . . . من فَقْدِهنَّ سباسبٌ قَفْراءُ كم من مناهلَ للفُراتِ ورَدْنَها . . . وصَدَرْنَ وهْي لِعَوْدِهنَّ ظِماءُ لا تعجَبنْ إن لم يَفِينَ بمَوْعدٍ . . . إن الغوانِي ما لهُنَّ وَفاءُ سُكانُ تلك الأرضِ كلُّهم لهم . . . عندي هوىً وصداقةٌ وإخاءُ إن يسْلِبوا عنِّي السرورَ ببَيْنِهمْ . . . فلِمُهْجَتِي بحديثِهم سَرَّاءُ(3/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
فهمُ مَناطُ مَساءَتي ومسرَّتِي . . . وهمُ لقلبِي شِدَّةٌ ورخاءُ أكبادُنا نارُ الغَضا من بعدهمْ . . . تُذْكِي الأسَى وجفونُنا أنْواءُ الظَّاعِنون القاطنونَ قلوبَنا . . . هم واصِلين وقاطِعين سواءُ وإذا المَحبَّةُ في الصدورِ تمكَّنتْ . . . فقد اسْتوَى الإبْعادُ والإدْناءُ ألقتْنِيَ الأيامُ من أرضٍ إلى . . . أرضٍ لها أرضُ العراقِ سَماءُ شتَّان ما بيْني وبين مَزَارِهمْ . . . هيهات أين الهندُ والزَّوْراءُ كيف احْتيالِي في الوُصولِ إليهمُ . . . إن الوصولَ إليهم لَرَجاءُ لا تركَبنْ ظهرَ الرجاءِ مَطِيَّةً . . . إن الرجاءَ مَطِيَّةٌ عَوْجاءُ وكواذِبُ الآمالِ لا تُهدَى بها . . . دَعْها فتلك هدايةٌ عَمْياءُ يا ساكنِي دارِ السلامِ عليكمُ . . . مني السلامُ ورحمةٌ ودعاءُ أين الغَرِيُّ وأهلُه وضجِيعُه . . . رُوحي له ولِمَا حَواه فِداءُ ومن مديحها قوله : الأحمدُ المحمودُ كلُّ فِعالِه . . . ما شاءَه وقضى به فقَضاءُ فله يَدٌ وله أناملُ فِعْلُها الْ . . . إحسانُ والإنعامُ والإعطاءُ لا كالبحارِ تظَلُّ تجمع ماءَها . . . بل كالجبالِ يسيلُ عنها الماءُ مالَ الخلائقُ حيث مالَ كأنه . . . شمسُ السَّما وكأنهم حِرْباءُ يعني أنهم يتلونون معه ، ولا يستقرون من الطيش على حال ، كما تتلون الحرباء ألواناً مع الشمس . والحرباء دويبة تسمى أم حبين ، وتكنى أبا قرة . ويقال حرباء الهجري لما ذكر ، وحرباء تنضب ، كما يقال ذئب غضا ، وهو شجر يتخذ منه السهام ، جمع تنضبة . وفي شفاء الغليل للشهاب : الحرباء ، جنس من العظاء ، معرب حوربا ، أي حافظ الشمس ؛ لأنه يراقبها ويدور معها . وفي المثل : أحزم من حربا ، لأنه مع تقلبه في الشمس لا يرسل يده من غصن حتى يمسك آخر . وإياه عنى التميمي في قوله : لنا صديقٌ له في الغانياتِ هَوىً . . . وأيْرُه لا يزال الدهرَ طَرَّاقَا كأنما هو حِرْباءُ الهَجيرِ ضُحىً . . . لا يُرسِل الساقَ إلا مُمْسِكاً ساقَا(3/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
وهو تضمين ، من قول بعض شعراء الجاهلية : أنَّى أُتِيحَ له حِرْباءُ تنْضُبَةٍ . . . لا يُرسِل الساقَ إلاَّ مُمْسِكاً ساقَا وضربه بعض العرب مثلاً للألد الخصام ، الذي كلما انقضت له حجة أقام أخرى . وضربه ابن الرومي مثلاً للقبيح . ويضرب به المثل في كثير التقلب . عادتْ عصافيراً بُزاةُ زمانِه . . . وتصاغرتْ لجَلالهِ الكُبراءُ منها : حسْبي سُمُوّاً إن تكن بي عارفاً . . . ما ضَرَّني أن يُنكِر الضعفاءُ لا غَرْوَ إن لم تُفْصِح الأيامُ بي . . . الدهرُ ابنُ عَطا وإنِّي الرَّاءُ وبذا جرَى طبعُ الزمانِ وأهلِه . . . دُفِن الكمالُ وأهله أحياءُ هب لي قُصورِي واغْفِرَنْ ذنبي فما . . . أنا منه في هذا الهُذاء بُراءُ ما الجُود مخصوصاً ببَذْلِ المُقتنَى . . . بل منه عندي العَفْوُ والإغْضاءُ هذا مديح من خُلوصِ عقيدةٍ . . . معلومةٍ وتحيَّةٌ وثَناءُ قوله : الدهر ابن عطا وإني الراء يريد واصل بن عطاء المعتزلي ، وذلك أنه كان ألثغ قبيح اللثغة في الراء ، وكان يخلص كلامه من الراء ، ولا يفطن لذلك ؛ لاقتداره على الكلام ، وسهولة ألفاظه ، ففي ذلك يقول أبو الطروق الضبي : عليمٌ بإبْدالِ الحروفِ وقامِعٌ . . . لكلِّ خطيبٍ يغلبُ الحقَّ باطلُهْ وقال فيه أيضاً : ويجعل البُرَّ قَمْحاً في تصرُّفهِ . . . وخالف الرَّاءَ حتى احتال للشّعَرِ ولم يُطِق مَطَراً والقولُ يُعجِلُه . . . فعاد بالغيْث إشْفاقاً من المطرِ ومما يحكى عنه ، وقد ذكر بشار بن برد : أما لهذا الأعمى المكتني بأبي معاذ من يقتله : أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية ، لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه ، ثم لا يكون إلا سدوسياً أو عقيلياً . فقال : هذا الأعمى ، ولم يقل : بشاراً ، ولا ابن برد ، ولا الضرير . وقال : من أخلاق الغالية ، ولم يقل المغيرية ، ولا المنصورية . وقال : لبعثت ، ولم يقل : لأرسلت .(3/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
وقال : على مضجعه ، ولم يقل : على مرقده ، ولا على فراشه . وقال : يبعج بطنه ، ولم يقل : يبقر . وذكر بني عقيل ؛ لأن بشاراً كان يتوالى إليهم . وذكر بني سدوس ؛ لأنه كان نازلاً فيهم . وكلف تأدية هذه العبارة ، وهي : أمر أمير الأمراء أن يحفر بئرٌ على قارعة الطريق ؛ ليشرب منه الوارد والصادر . فقال : حكم حاكم الحكام أن ينبش جبٌّ على الجادة ؛ ليستقي منه الصادي والغادي . واستعمل الشعراء إسقاط الراء في أشعارهم . فمنه قول أبي محمد الخازن ، من قصيدة يمدح بها الصاحب بن عباد : نعَم تجنَّب لا يوم العطاءِ كما . . . تجنَّب ابنُ عطاءٍ لَثْغةَ الرَّاءِ وقال آخر ، في محبوب له ألثغ : أجعَلتَ وصلِي الراءَ لم تنطِقْ بها . . . وقطَعْتني حتى كأنَّك واصلُ وللمترجم في مليح ألثغ في الراء : أعِدْ لَثْغةً لو أنَّ واصلَ حاضرٌ . . . فيسْمَعها لم يهجُر الراء واصلُ
عرفي الشيرازي
هو في أدباء فارس ، لدر الكلم في روض الطوس غارس . وكان دخل الهند فجاس خلاله ، وملأ بلاده جلالة . وحل به محل الماء من الصديان ، والروح من جسد الجبان . فنشل ما في كنانته من المكنونات ، ونثر ما في ذخائره من المخزونات . وبها دعاه الله إليه ، فلا زالت سحائب الرحمات منهلةً عليه . ولم أقف له على شعر عربي تنقله الرواة ، فعربت مفردات جعلتها حلى الأسماع والأفواه . فمنها : كلُّ عَزْمٍ حوَى الأنامَ هَباءٌ . . . عند عَزْم العلاَّمةِ الأستاذِ لو يكن كفُّه وحاشَاه شَمْعاً . . . جذَب النارَ من حشَا الفُولاذِ ومنها : وَيْلايَ قد وُجِدتُ بعد ما انْمَحتْ . . . مراسِمُ الشَّبِيبةِ المأْهولَهْ(3/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
فصرتُ شيخاً هَرِماً من قبل أن . . . أُعاينَ الشبابَ والكُهولَهْ من هذا : وأرجُو أن يُعِيد رُوا شبابي . . . زمانٌ غادَر الوِلْدانَ شِيبَا
طالب الآملي
شاعرٌ مراميه مصميةٌ لأغراضها ، وجواهر كلماته خلصت من شائنة أعراضها . قبلة النفوس من جميع الجهات ، فكل قضاياه إلى الصواب موجهات . وقد عربت له : لَوَ انَّ الجاهَ مخصوصٌ . . . بأهل الجودِ والكرَمِ لَخُصَّ المسكُ بالغزلاَ . . . نِ حول البيْتِ والحَرَمِ
صائب
واحدٌ معدودٌ بألف ، جميع من تقدمه من شعرائهم متأخر مع الخلف . لا يوتر إلا رشق رشق صائب ، وأشعاره عندهم أكاليل على الجباه وعصائب . رفعته ملوك أوانه ، وباهت أهل داووينها بديوانه . وأوسعته رعيا ، وأحسنت فيه رأيا . تييه الأقلام تحية كسرى ، وتقف الآراء دون مداه حسرى . وقد تلاعب بالمعاني تلاعب الصبا بالبانة ، والصبا بالعاشق ذي اللبانة . فكأنما قلمه مزمارٌ ينفخ الأهواء في يراعته ، وعزيمةٌ تنطق مجنون الوجد من ساعته . وقد أوردت من معرباته ما تطيش عند تخيله الأذهان ، وتبطل فيه رقى الهند وتزاويق الكهان . فمنه : مَن لي بمَن ألْقاه من إعْجابه . . . بتَتابُع الأنفاسِ دَلاً يُحْدِثُ لولا فَنائِي عند كلِّ دقيقةٍ . . . لحسِبْتني إن قلتُ آهاً ألْهَثُ ومنها : ما المُلْكُ بالمالِ ولا . . . بالخيلِ ولا بالدَّرَقِ إسْكندرُ الدهر فتىً . . . يملِك سَدَّ الرَّمَق(3/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
فصل جعلته للمعربات قديماً وحديثاً
فمن ذلك ما ذكره الباخرزي في دميته للكافي العماني : وصحراءَ ردَّتْها الظِّباءُ حفائراً . . . بأظْلافِها أحْسِن بها من حفائرِ فهبَّتْ رياحٌ للصَّبا فطَمَمْنَها . . . بمسكٍ فعادتْ نُزْهةً للنواظرِ أبو علي العثماني : غدرتَ يا من وجهُه . . . قد غَدَّر المَعمُودَا يحسُدك الصَّباحُ مذْ . . . أرَيْتَه الخدودَا تخطُر في خدودِه البي . . . ضِ خدوداً سُوُدَا وله : مُذ قرصْت الصُّدغَ فَوْ . . . قَ عارضٍ كالبدرِ نقضْتُ ألفَ توبةٍ . . . هتكتُ ألفَ سِتْرِ حسنُك باقٍ حالةَ الصّ . . . حْوِ وحالَ السُّكْرِ في الصحوِ أبْهَى أنت أم . . . في السُّكر لستُ أدْرِي وله : تحجَّبُ في وقتِ الحجابِ فلا تُرَى . . . وتنُبت في وقتِ اللِّقاءِ من الأرضِ وتُصْبي المَوالِي ثم تبغِي مُرادَهمْ . . . وذا غايةٌ في الظَّرفِ والخُلُقِ المُرضِي أبو محمد عبد الله الحمداني : لولا امْتِساكِي بصُدْغَيْها على عَجَلٍ . . . حُمِلتُ يوم النَّوَى في عَبْرتِي غَرَقَا تعلُّقاً كاشْتعالِ النارِ في شمعٍ . . . فلا أفُكُّ يداً أو تضربَ العُنُقَا قال الباخرزي : قلت ، قد أخطأ حيث قال : أو تضرب العنق ؛ لأن ضرب العنق ليس بعلة لانفكاك النار عن الشمع ، بل يزيد ذلك في العلاقة ، والصواب ما قال والدي : علِقْتُ بها كالنارِ بالشمعِ فهْي لا . . . تكُفُّ يداً عنه ولو حُزَّ رأْسُها ولوالدي فيما يقرب من هذا المعنى ، وكلهم قصدوا نقل المعنى على سبيل الترجمة من الفارسية : علِقتُ بها كاللَّظَى بالشموع . . . تُميَّز عنها بإطْفائِها أبو نصر البكسارغي :(3/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
بمَن شَغَفُ الرَّاحِ مُصْفَرَّةً . . . تُراها عَراها الذي قد عَرانِي هَبِ المِسْكَ سَوَّغها عَرْفُه . . . فأنَّى لها صِبْغةَ الزَّعْفَرانِ مثل مترجم : قالوا إذا جمَلٌ حانتْ منيَّتُه . . . أطاف بالبئْرِ حتى يهلِك الجملُ وللطغرائي : إنِّي وإيَّاكَ والأعداءَ تَنْصُرهمْ . . . وأنتَ منِّي على ما فيك من دَخَلِ مثلُ الغُرَاب رأََى نَصْلاً تركَّب في . . . قِدْحٍ لطيفٍ قويمِ الحدِّ مُعْتدِلِ فقال لابأسَ إن لم يأْتِه مَدَدِي . . . متى يكونُ له عَوْنٌ على العملِ فألْبَس القِدْحَ وَحْفاً من قوادمِه . . . مَن ذا أَلُوم وحَتْفي كان من قِبَلِي قال الشهاب ، في طرازه : قلت ، هذا نظمٌ لما في بعض الكتب الفارسية ، ذكر بعضهم أن غصون الأشجار رأت فأساً ملقاةً في الرياض ، فقالت : ما تفعل هذه هنا ؟ فأجاب بعضها بأنها لا تضر ما لم يدخل في استها شيء مني . وقد نظمه الشهاب ، فقال : كلُّ شيءٍ له زوالٌ ونَقْصُ . . . هو من جنة القريبِ يُصِيبُ لا يضُرُّ الأشجارَ فأسٌ إذا لمْ . . . يكُ فيها من الرياضِ قضيبُ أحمد بن محمد بن يزيد ، شاعر مرو . من معرباته : إذا وضعتَ على الرأسِ التُّراب فضَعْ . . . من أعْظَم التَّلِّ إن التلَّ فيه نفعْ إذا الماءُ فوق غريقٍ طَمَا . . . فقابُ قناةٍ وألْفٌ سَوَا إذا لم تُطِق أن ترْتقِي ذِرْوَةَ الجبَلْ . . . لعَجْزٍ فقِفْ في سَفْحِه هكذا المثَلْ في كلِّ مستحسَنٍ عيبٌ بلا رَيْبِ . . . ما يسلَم الذهبُ الإبْرِيزُ من عَيْبِ إذا حاكمٌ بالأمرِ كان له خُبْرُ . . . فقد تَمَّ ثُلْثاه ولم يصعُبِ الأمْرُ ما كنتُ لو أُكْرِمتُ أسْتعصِي . . . لا يهرُب الكلبُ من القُرْصِ طلَبُ الأعْظُمِ من بيت الكلابِ . . . كطِلاب الماءِ في لَمْعِ السَّرابِ(3/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
ادَّعى الثعلبُ شيئاً وطلَبْ . . . قيل هل من شاهدٍ قال الذَّنَبْ من مثُل الفُرْسِ سار في النَّاسِ . . . التِّين يُسْقَى بعِلَّة الآسِ هذا مرويٌّ عن كسرى ، وقد نظمه أبو نواس في قوله : صرتُ كالتِّين يشربُ الماءَ فيما . . . قال كسرَى بعِلَّة الرَّيْحانِ وهو كثيرٌ في العربية ، يقولون : بعلة الزرع يشرب القرع ، وبعلة الورد يشرب العليق . وفي معناه : بعلة الورشان يأكل الرطب المشان . المشان ، بالفتح : بلد الحريري . وبعلة الداية يقبل الصبي . تكلَّف إخْفاءً لِما فيه من عرَجْ . . . وليس له فيما تكلَّفَه فَرَجْ ولأحمد بن محمد ، أبي الفضل السكري المروزي مزدوجة ، ترجم فيها أمثال الفرس . منها : مَن رام طَمْسَ الشمسِ جَهْلاً أخْطَا . . . الشمسُ بالتَّطْيِين لا تُغطَّى أحسنُ ما في صفةِ الليل وُجِدْ . . . الليلُ حُبْلَى ليس يُدْرَى ما تلِدْ من مثُلِ الفُرسِ ذوِي الأبْصارِ . . . الثوبُ رَهْنٌ في يَدِ القصَّارِ نال الحمارُ بالسُّقوطِ في الوحَلْ . . . ما كان يهْوَى ونَجا من العملْ نحن على الشرطِ القديمِ المُشْترَطْ . . . لا الزِّقُّ مُنشَقٌّ ولا العينُ سقَطْ في المثلِ السائرِ للحمارِ . . . قد ينْعَق الحمارُ للبَيْطارِ العَنْزُ لا يسمَنُ إلا بالعلَفْ . . . لا يسمَن العنزُ بقولٍ ذِي طُرَفْ البحرُ غَمْرُ الماءِ في العِيانِ . . . والكلبُ يَرْوَى منه باللِّسانِ لا تَكُ من نُصْحِيَ في ارْتيابِ . . . ما بِعْتُك الهِرَّةَ في الجِرابِ مَن لم يكنْ في بَيْتِه طعامُ . . . فما له في مَحْفِل مُقامُ كان يُقال مَن أتى خُوانَا . . . من غير أن يُدْعَى إليه هَانَا ومما يتعين إلحاقه هنا ، ما ذكره أبو هلال ، من أن في الفارسية أمثالاً في معنى أمثال العربية ، وأمثالاً لا تخالفها . فمن الثاني قولهم : ' نه شاه أشنانه رودهم دوده ' ، والعرب تقول : جاور ملكاً أو بحراً . انتهى .(3/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
قال الشهاب : أقول ، لا مخالفة بينهما ، فإن معنى المثل الفارسي : لا تقرب من السلطان وتصاحبه ، ولا تجعل دارك ملاصقةً للبحر ؛ فإن الملوك لا وفاء لهم ، والبحر قد يغرق ملاصقه . ومعنى كلام العرب : لا تسكن غير بلدٍ لها سلطان يغدق على أهلها ، أو عند بحرٍ تأتيه السفن بالتجارة والأرزاق . وبينهما فرق . ومعنى هم دوده الاتحاد في السكنى . وقد تقدم في هذا الكتاب معربات نصيت عليها في محالها ، وسيأتي منها جانبٌ في تراجم متفرقة أنص عليها إن شاء الله تعالى . ومن أحاسنها قول الحسن البوريني ، معرباً بيتاً لوحشي : أيا قمر قد بِتُّ في ليلِ هجرِه . . . أراقبُ أسْرابَ الكواكبِ حَيْرانَا خَبأتُك في عينِي لتخفَى عن الورَى . . . وما كنتُ أدرِي أن للعيْنِ إنْسانَا وزاد فيه الخفاجي ، فحسنه حيث قال : خَبأتُك في العين خوفَ الوُشاةِ . . . وكم شرَّف الدارَ سُكَّانُها ومن غَيْرةٍ خِفْتُ أن يفطُنوا . . . إذا قيل في العينِ إنْسانُها ولمحمد بن المنلا الحبي رباعية : في الليلِ والنهار حَرَّى كبدِي . . . مقْتولُ ضَنىً بجائرٍ ليس يدِي تَرشُّ عينِي جواهرَ الدَّمعِ على . . . لُقْياه تظُنُّ أنها طَوْعُ يَدِي ومثله للقاسمي : لُقْياكَ سرورُ قلبيَ المَحْزُونِ . . . والوحشةُ من نَواك لا تعْدونِي يا وَيْحَ عيونِي خشِيَتْ شِقْوتها . . . منِّي فأتتْ بدُرِّا ترتشينِي ولبعضهم : وكنتُ لدَى الصِّبا غَضّاً وقَدِّي . . . حكى ألِفَ ابنِ مُقْلَة في ال كتابِ فصرتُ الآن مُنْحنياً كأنّي . . . أُفتِّش في التُّرابِ على شبابِي ومن أبدع البدائع تعريبٌ وقع لجدي القاضي محب الدين ، وهو : حَكتْ قامتِي لاَماً وقامةُ مُنْيَتِي . . . حكَتْ ألِفاً للوصلِ قلتُ مُسائِلاَ إذا اجْتمعتْ لامِي مع الألفِ التي . . . حكَتْك قَواماً ما يصيرُ فقال لاَ وللشهاب الخفاجي : للرَّوْضِ أتى حبيبُ قلبي العانِي . . . فاهْتزَّ لفَرْحةٍ قضيبُ البانِ(3/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
لو كان لِسَرْوِ رَوضِنا ساقانِ . . . ما فارق غُصْن قدِّه الفَتانِ واستعمله ثانياً في نبوية ، فأجاد حيث قال : قد مشَتْ نَحْوه على فَرْدِ ساقٍ . . . شجرٌ حَثَّها له اسْتدعاءُ لو حَبَاها ساقيْن رَبُّ البَرايَا . . . لم تكنْ للفِراقِ قطُّ تشاءُ وللسيد علي بن معصوم : سقَى صَوْبُ الغَمامِ عَرِيشَ كَرمٍ . . . جَنَيْنا من جَناه العَذْبِ أُنْسَا فأمْسَى عاصرُ العُنْقودِ منه . . . يُكسِّر أنْجُماً ويصوغُ شَمْسَا وللسيد محمد بن حيدر : إذا اصْطنعْتَ أمْراً فاحْفَظ له أبداً . . . شَرْطَ الصَّنِيعة واجْهَدْ في مَنافعِهِ فالماءُ في صَوْنِه الأخشابَ عن غَرقٍ . . . رعَى لها حيث كانتْ من صَنائعِهِ ولي : إذا كان الهوى لي تُرْجُمانَا . . . يُعبِّرُ عن خَفِيَّاتِ الغرامِ فأقْنَعُ بالإشارةِ من حبيبي . . . فما فيه مَحلٌّ للكلامِ ولي : قد هَوَّل الواعظُ في درسهِ . . . أمْرَ الورى في مَوْقفِ الحشْرِ وهْو إذا حقَّقتَ ألْفَيْتَه . . . كنايةً عن مَضَضِ الهَجْرِ(3/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
الباب الخامس في لطائف لطفاء اليمن
حلية الأرض ونقش فص الأماني ، الواصلون في الروع خطومهم بكل رقيق الشفرتين يماني . ما منهم إلا كتب المسند ، وحدث عن العلياء وأسند . وإذا طاول المدى جياد الشعر في الميدان ، مسحوا منه بغرة أبلق ليس في حومة السبق من مدان . وخصوصاً أئمتهم الذين اعتلى بهم بيتٌ للإسلام ومنار ، وكاد يضيء بهم ولو لم تمسسه نار . طالوا بسوقاً ، وأحرزوا الحمد مطرداً منسوقاً . وهم من منذ كان عليهم احتواؤه ، تنوسيت بهم أقياله وأذواؤه .
ذكر بني القاسم الأئمة
دعاة هذا الإقليم ورعاته ، الذين حفظوه بعون الله من نكباته وروعاته . وهم الحسن ، والحسين ، ومحمد ، وأحمد ، وإسماعيل ، الإخوة البدور ، الذين أقروا العيون وشرحوا الصدور . الراسخون علوماً ، الباذخون حلوماً . سَمَوْا للمَعالي وهمْ صِبْيةٌ . . . وسادُوا وجادُو وهم في المُهودْ ونالُوا بجِدِّهمُ جَدَّهُمْ . . . فإن الجدودَ عُلاً للجُدودْ تبحبحت أطرافهم في روضة الرسالة ، وتهدلت أغصانهم على نبعة البسالة . وقد سخر الله لهم الفصاحة حتى انقادت في أعنتهم ، ووهبهم البراعة حتى عرفت في أجنتهم . فأكبرهم :(3/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
لئن حاز جُوداً لا تفارقُه يَدٌ . . . فقد حاز شُكراً لا يُفارقُه فَمُ وهو الذي مهد البلاد ، وأحكم أمر الطارف في مجدهم والتلاد . بجدٍ لو تعرف إليه الجماد لنطق متكلما ، أو تظلم إليه النهار من الليل لم يدع شيئاً مظلما . وفضلٍ استعد له واعتد ، ورأيٍ امتد به ساعده واشتد . يهز للمدح عطفا ، وينساب مع الماء رقةً ولطفا . ومع هذا فهو في الحرب الليث الهصور ، والشجاع الكرار فلا يحوم حوله التراخي والقصور . إذا مضت في الأعداء بواتره ، تقدمتها في الظفر بوادره . أنهضه الله بطاعته ، وزاد في قوته واستطاعته . فاستخلص اليمن من قومٍ فتكوا فيه وعاثوا ، وطغوا على أهله حتى استغاثوا من شرهم فلم يغاثوا . وقبض على أناسٍ كانوا ممن توغل في حربه ، ثم أطلقهم محتسباً بالعفو عنهم عند ربه . وذلك بعد حروبٍ كاد يعلق بشرها ذمامه ، ويرشق إليه منها حمامه . حتى استقام له الأمر ، وخمد ذلك الجمر . وتم له من المراد ما اقتراحه ، ومن الزناد ما اقتدحه . فتمهدت له أخياف الهمم ، وخضعت له عوالي القمم . فقام الناس إلى مشايعته ، والتفيؤ بظل متابعته . فعاملهم أحسن معاملة ، وأعطاهم محاملةً عوض مجاملة . ولما بان هدوه ، وبان حاسده وعدوه .(3/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
عمد إلى الجبل المسمى بضوران ، فاختط به مدينةً أبدعها مساكناً وأوطانا ، ودبجها رياضاً وغيطانا . واتخذ بها مساجد يتقرب بها المتقرب ، ورباطاتٍ يأوي إلى ساحتها المتغرب . فوقعت في ذلك الموضع موقع العروس من منصتها ، واقتطعت من الأفق السامي بمقدار حصتها . وله غيرها مما يدل على رأيه الصائب ، وقوة فكره التي يفل به جيش المصائب . وكل ذلك يشهد له بأنه أخذ الأمر بزمامه ، وناداه الصواب من خلفه كما ناداه من أمامه . وبالجملة فهو حظ الزمن ، والملك الذي تم به يمن اليمن . وأما أخوه :
الحسين
فهو صنوه في الإخا ، وعديله في الشدة والرخا . كوكب رياسته الزهرا ، التي جمل بها أولاده الزهرا ، وأطلع في سماء سنائها ، ورياض علائها ، زهراً مضيئةً وزهرا . شموس السعادة من وجهه مشرقة ، وعيون طوارق الغي عنه مطرقة . وكان له لفظٌ نشر به من الوشي الصنعائي حللاً وأبرادا ، وخطٌّ أهدى للشمس من ضيائه إشراقاً ورادا . وآثار أقلامه لوائح بوادي ، لم يتنحنح بمثلها شادٍ بمفازةٍ أو حادٍ بوادي . فمن شعره قوله في الغزل : مولايَ جُدْ بوِصالِ صَبٍ مُدْنَفٍ . . . وتَلافِه قبل التَّلافِ بمَوْقفِ وارحمْ فُدِيتَ قتيلَ سيفٍ مُرْهَفٍ . . . من مُقلَتيْكَ طعين قَدٍ مُرْهَفِ فامْنُنْ بحقِّك يا حبيبُ بزَوْرةٍ . . . تُحْيي بها القلبَ القَرِيحَ فيشْتَفِي(3/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
أعَلمْتَ أن الصَّدَّ أتْلف مُهجتِي . . . والصدُّ للعشَّاقِ أعظمُ مُتْلِفِ عجباً لِعطْفِك كيف رُنِّح وانْثَنى . . . مُتأوِّداً وعليَّ لم يتعطَّفِ أنا عبدُك المَلْهوفُ فارْثَ لذِلَّتي . . . وارْفُق فَدَيْتُك بي لطُولِ تلَهُّفِي عرَّفْتني بهوَاك ثم هجرْتنِي . . . يا ليْتني بهوَاك لم أتعرَّفِ يا مُهجتِي ذُوبي ويا رُوحِي اذءهبي . . . من صَدِّه عنِّي ويا عينُ اذْرِفِي هل من مُعينٍ لي على طُولِ البُكا . . . أو راحِمي أو ناصرِي أو مُنْصِفِي وإليك عاذِلُ عن مَلامةِ مُغْرَمٍ . . . لا يَرْعَوِي عن ما يرومُ ولا يَفِي حاشايَ أن أسْلُو وأنْسَى عهدَ مَن . . . أحبَبْتُه إنِّي أنا الخِلُّ الوَفِي قُل ما تشاءُ فإنني يا عاذلِي . . . لا أنْتهِي لا أنْثنِي عن مُتْلِفي أنا عبدُه لا أكْتفِي عن مالكِي . . . والعبْد عن مُلاّكِه لا يكْتفِي يا قلبَه القاسِي أما تَرْثي لمن . . . قاسَى هَواك جَوىً وطولَ تأسُّفِ اعْطِف على قلبٍ سلبْتَ فؤادَه . . . واسْتبْقِ منه بالنَّبيِّ الأشْرفِ
الإمام محمد بن القاسم
الذي قام بالإمامة ، وتتوج بتلك العمامة . وألزمت له الناس هذا التنويه ، ولم يحجم نفسه في هذا الأمر عما تنويه . فأصبح وهو مجتمع الكلمة في اليمن كلها ، القائم بأعباء الأمور دقها وجلها . تكفلت بغنى الراجين منائحه ، وأحصيت السيارة ولم تحص مدائحه . وكان له قوة حدسٍ تكاد ترد النار إلى الزند ، وحسن سياسةٍ تثني الناس عليها ثناء النسيم على الرند . ولما دعاه الداعي الذي لا بد عن إجابته ، ورماه قوس القضاء بالسهم الذي لا محيد عن إصابته .(3/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
تقسمت الكلمة المجتمعة بين أحمد وإسماعيل الأخوين ، ومحمد ابن أخيهما الحسن المتقدم آنفاً فتفرق القوم فرقا ، وسلكوا من التشعب طرقا . وجرت بينهم حروبٌ للظهور قاصمة ، ولعرى الحزم فاصمة . حتى ضاقت اليمن بأهلها ذرعا ، وخامرتها النوائب أصلاً وفرعا . وإسماعيل محتسب في دفع تلك الغمة ، متوكل على الله في تلافي أمر الأمة . وهو عالمٌ أن القلوب معه ، والكلمة عليه مجتمعة . وأن الإمامة تسعى له باتفاق ، وتتجاذبه أطرافها من بين تلك الرفاق . حتى صار علمه يقينا ، واستسلم له القوم قائلين : نحن من شيعتك ما بقينا . علماً منهم أن ما هم فيه أمرٌ محظور ، تقدم فيه بتسويل الأنفس حدٌّ محذور . فأصبح في تلك الدائرة قطبا وهم فلك ، وناداه الدهر إن لم تكن لهم الإمامة فلك . فلقيت به الولاية حظاً ، وأدارت كيف شاءت في الرفاهية لحظاً . واطمأنت أدانيها وقاصيها ، وابتهجت أسرتها ونواصيها . وإسماعيل هذا هو الإمام المجلي ، يقتدي به المصلي وغيره في ميدان السباق ، وإذا جرى ذكره في البراعة استخدمها له القول بالموجب بنوعي المطابقة والطباق . ولئن كان من بين أخوته الأقل الأصغر ، فيفديه العالم الأكثر من أصغر العالم والأكبر . فهو أصلٌ نالت به قبائله من الشرف الأرب ، كما أن إسماعيل أصلٌ تفرعت منه قبائل العرب . مد إلى جر المجرة باعا ، واتخذ له فوق الأثير منازلاً ورباعا . لم يدر على مثله لنادٍ نطاق ، ولم ير الدهر نظيره ولو شمر عن ساقه ما أطاق . تهابه النفوس إذا رمقته أبصارها ، وتلجأ إليه الرياح إذا أرهقها إعصارها . فلو دعا السهم في الهواء لرجع من ساعته ، أو نادى الدهر الأي لما أمكنه التخلف من طاعته . يسافر رأيه وهو دانٍ غير نازح ، ويمضي تدبيره وهو ثاوٍ غير بارح . وهو في العلم فردٌ لم يختلف فيه اثنان ، وجامعية فنونٍ ذات أصول وأفنان . وله شعر كقدره فوق أن يقال جليل ، وكثير المدح في جنب معاليه قليل . كما قال القائل : كلامُ الإمامِ إمامُ الكلامِ . . . وفُوه يفُوه بحُرِّ النِّظامِ مِزاجُ مَعانِيه في نَظْمها . . . مِزاجُ المُدامِ بماءِ الغَمامِ فمن شعره قوله ، من قصيدة أولها : في المُهجةِ أضْحَى معهدُهُ . . . فلذَا في الغَيْبة تشهدُهُ(3/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
فتَّانُ الحسنِ مُمَّنعهُ . . . فِتْيان الصَّبْوةِ أعْبُدُهُ معسولُ الثَّغر مُفلَّجُه . . . عَسَّال القَدِّ مُعربِدُهُ وافَى من بعدِ تجَنُّبِه . . . ووفَى بالزَّورةِ موعدُهُ وسرىَ كالبدرِ فسُرَّ بهِ . . . مسلوبُ كَرىً لا يرقُدُهُ وكتب إلى القاضي محمد بن إبراهيم السحولي : عجباً ما للأخِلَّهْ . . . أعرضُوا من غير عِلَّهْ وتجافَوا عن كئيبٍ . . . هائمِ القلب مُوَلَّهْ مستهامٍ عذَّبْتهُ . . . من غزالِ الرَّملِ مُقلَهْ ذُو قَوامٍ مثلُ غصنِ الْ . . . بانِ قد حُدَّ برَمْلَهْ ومُحَيّاً أوْرَث الأنْ . . . جُمَ والأقمارَ خَجْلَهْ عَبْلةُ الساقِ رَداحٌ . . . دُونَها في الحُسنِ عَبْلَهْ غادةٌ عادتُها للصَّ . . . بِّ أن تُكثِر مَطْلَهْ جعلتْ هجْرَ المُعنَّى . . . في الهوى دِيناً ومِلَّهْ حرَّمتْ من وصلِه ما . . . خالقُ الخلقِ أحَلَّهْ وأحلَّتْ قتْلَه واللَّ . . . هُ قد حرَّم قتَلهْ يا تُرَى في أيِّ يومٍ . . . يصل المحبوبُ حَبْلَهْ وبه في طِيبِ عيشٍ . . . يجْمَع الرحمنُ شَمْلَهْ وترى العاذلَ فيهِ . . . تاركاً في الحبِّ عَذْلَهْ ويعودُ الصبُّ للمعْ . . . هُودِ من دون تَعِلَّهْ فهمُ قومٌ سُراةٌ . . . أرْيَحِيُّونَ أجلَّهْ ولهم في القلبِ وُدٌّ . . . لا يرُوم الغيرُ نَقْلَهْ غيرَ أن الدهرَ أبْقَى . . . منهم يبْلَهُ عَقْلَهْ صيَّر التشْهيرُ في وصْ . . . لهمُ المطلوبَ غَفْلَهْ سَدَّ دُونَ الضَّاحِك السَّ . . . عدِ طريقاً منه سَهْلَهْ فتناسَوْا عهدَ صَبٍ . . . ذاهلِ اللُّبِّ مُدَلَّهْ وجَفَوْه فرسومُ الْ . . . وُدِّ منهمْ مُضْمَحِلّهْ فمتى في الدهرِ نَلْقَى . . . شيْخَه بدرَ الأهِلَّهْ(3/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
عَلَّه يشكو إليه . . . سَطْوةَ الدهرِ وفِعْلَهْ نَجْلُ إبراهيم عِزُّ الدِّ . . . ين محمودُ الجِبِلَّهْ أعظمُ الأخْيارِ قِيلاً . . . أكرمُ الأحرارِ خُلَّهْ أحسنُ الناسِ خِصالاً . . . قاربَ الأكياسُ مِثلَهْ وهْو للطالبِ عِلْماً . . . علَمُ زاهٍ وقِبْلَهْ يا جمالَ الدِّين مَن حا . . . زَ خصالَ الفضلِ جُمْلَهْ هاك نظماً من مُحِبٍ . . . لا يرَى غيرَك أهْلَهْ أوْجَدته فكرةٌ قد . . . كرَّرتْها أيُّ شُعْلهْ يرْتجِي منك قبولاً . . . لِنظامٍ جاء قَبْلَهْ مُسبِلاً من دُونِه سِتْ . . . راً عن العيْبِ وِكِلَّهْ دُمْتَ في أرْغَدِ عيشٍ . . . راقياً أعْلَى مَحلَّهْ فأجابه بقوله : سامِحُوا المملوكَ لِلّهْ . . . واصْفَحُوا عن كلِّ زَلَّهْ عَفْوُكم عنَّا دواءٌ . . . نافعٌ من كلِّ عِلَّهْ والرِّضَا منكم زُلالٌ . . . ناقِعٌ من كل غُلَّهْ ووَلاكم لي أمانٌ . . . ببَراهِينِ الأدلَّهْ حبُّكم شَرْعِي ودِينِي . . . وهْو عندي خيرُ مِلَّهْ وهْو لي خُلْق قديمٌ . . . وطِباعٌ وجِبِلَّهْ ولقد مازَج رُوحِي . . . وسوادَ القلبِ حَلَّهْ مَدَنِيُّ العيشِ إذا الْقلْ . . . بُ ثَناه ساه وصلَهْ لا ولاَ وَلَّهنِي الحبُّ . . . بمَن مثْلِيَ وَلَّهْ قمرُ الحسنِ واللحُسْ . . . نِ بدورٌ وأهِلَّهْ لو رآه البدرُ أعْلا . . . هُ مَحَلاَّ وأجَلَّهْ ضرب الحسنُ عليه . . . قُبَّةً تزْهُو وكِلَّهْ ورآه الحُسْنُ قد حا . . . زَ بديعَ الحسنِ كُلَّهْ فوَحَى في الخدِّ خَوفَ الْ . . . عينِ حَصَّنْتُك باللّهْ يا لَقومِي في كثيرِ الْ . . . حُسْنِ حَظِّي ما أقلَّهْ يا رسولِي قُل له باللَّ . . . هِ إن أحسنتَ قُلْ لَهْ(3/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
كَيْ يُقضى الصَّبُّ عُمْراً . . . فعَساهُ ولعَلَّهْ إن يكنْ لا يرْتجِي الْوَب . . . لَ من الوصلِ فطَلَّهْ وعلى الحسنِ زكاةٌ . . . ورَدتْ فيها أدِلَّهْ وهْو مسكينٌ فمنْعُ الصَّ . . . رْفِ فيه مَن أحَلَّهْ لستُ أشكو الجوْرَ إلاَّ . . . للأجلِّ ابنِ الأجِلَّهْ مَن له كثْرةُ أوْصا . . . فِ العُلَى من غير عِلَّهْ من رقَى في المجدِ والفَخْ . . . رِ إلى أعْلَى محلَّهْ ونَضَا مُنْصُلَ عَزْمٍ . . . مُرْهَفَ الحدِّ وسَلَّهْ وسعَى في طلبِ العَلْ . . . ياءِ من غير تَعِلَّهْ وسمَا في نَيْلِه الْفضْ . . . لَ إلى أرْفَعِ قُلَّهْ ما أحلَّ اللّهُ شخصاً . . . في العُلَى حيث أحَلَّهْ يا سليلَ العِزِّ يا مَن . . . رَدَّ عادِيه المُدلَّهْ وصَل المملوكَ وَصْلٌ . . . منكمُ أعْلَى محِلهْ وكساهُ بُرْدَ فخرٍ . . . زانَه بين الأخِلَّهْ عِقْدُ نظمٍ خِلْتُه وَرْ . . . داً كساه الصبحُ طَلَّهْ أو هو الدُّرُّ تهادا . . . هُ الغوانِي للأكِلَّهْ وتَودُّ الغِيدُ لو أنَّ . . . لها منه أشِلَّهْ بل هو الفضلُ أدام اللَّ . . . هُ للعالَم ظِلَّهْ فيه إعْزازٌ لقَدْرِي . . . ولنظْمِي فيه ذِلَّهْ فاقبلُوا منِّي جواباً . . . جاء في ضَعف وقِلَّهْ طال تقصيراً ولكنْ . . . سامِحُوا المملوكَ لِلّهْ قوله : لله بحذف الألف بعد اللام ، لغة ، على ما نقله الإسنوي حكاية عن ابن الصلاح عن الزجاجي ، فلا لحن فيه ، كما قال البيضاوي . وفي التيسير أنه لغة جائزة في الوقف دون الوصل ، والأفصح إثباتها وإن تملح به المولدون في أشعارهم كثيراً ، كقوله : أيها المستبيحُ قتْلِي خَفِ اللّهْ . . . وانْهَ عينيك للدِّما مُتحِلَّهْ ومن شعر الإمام قوله : وشادنٍ أجْرَى دموعِي دَماً . . . سفْحاً على الخدَّيْن لا يَرْقَا أخافُ مُسْوَدُّ عِذارِي به . . . يبْيَضُّ من حُلَّته الزَّرْقَا(3/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
وقوله : يا شادِناً قد فاق في حُسْنِه . . . وعَزَّ عن شِبْهٍ وأمْثالِ لأنتَ في قلبِي وفي ناظرِي . . . ألَذُّ من نَوْمةِ شَوَّالِ
ولده السيد علي
هو تورد في خد الدهر ، وبشرٌ في وجه الزهر . له عيون آثار أزهى من الخدود إذا اعتراها الخجل ، ومحاسن أشعار تستوقف صاحب المهم وهو في غاية العجل . وهناك اللطائف مأمونةً من النظائر والأشباه ، لا يعارض في قيامها بجوامعها النظر والاشتباه . إلى ألفاظٍ كأنها لآلىء في درج ، أو كواكب في برج . ومعانٍ كأنها راحٌ في زجاج ، أو روح في جسم معتدل له المزاج . فمن بدائعها التي تزرى بالعذارى تبرجت في الحلي والحلل ، إذا لاحت من وراء سجفها تغبطها على الحسن أقمار الكلل . قوله من قصيدة يمدح بها أخاه الحسن : أكذا المُشتاقُ يُؤرِّقُهُ . . . تغريدُ الوُرْقِ ويُقلقُهُ وإذا ما لاحَ على إضَمٍ . . . بَرْقٌ أشْجاه تألُّقُهُ يُخْفِي الأشواقَ فيُظهرِها . . . دمعٌ في الخدِّ يُرقْرِقُهُ آهٍ يا برقُ أما خَبَرٌ . . . عن أهلِ الغَوْرِ تُحقِّقُهُ فيُزيلُ جوىً لأسيرِ هوىً . . . مُضْنىً قد طال تشوُّقُهُ(3/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
رِيمُ الهيجاءِ ورَبْرَبُها . . . خمريُّ الثَّغرِ مُعتَّقُهُ ممشُوقُ القَدِّ له كَفَلٌ . . . يتشكَّى العِطْفَ مُمَنْطقُهُ مُغْرىً بالعَذْلِ لعاشقهِ . . . وبدِرْعِ الصبرِ يمزِّقُهُ يا ريمَ السَّفْحِ على مَ تُرَى . . . تُرْضِي الواشِي وتُصدِّقُهُ رِفْقاً بالصبِّ فإنَّ له . . . قلباً بهوَاك تعلُّقُهُ فعسى بالوصلِ تجودُ ولو . . . في الليلِ خيالُك يطرُقُهُ أو ما تَرْثي لِشَجٍ قد زا . . . دَ بطولِ الهجرِ تحرُّقُهُ وأراد الصدّ سيُخرجُه . . . من أسْرِ الحبِّ ويُطْلِقُهُ فله نفسٌ تأْبَى كرَماً . . . يأْتيهِ النَّقْصُ ويلحقُهُ ولِذاك سلَتْ بِتذكُّرِها . . . لأخٍ بالمجدِ تخلُّقُهُ شرَفُ الإسلامِ وبَهْجتُهُ . . . وخِتامُ الجُودِ ومُغْدِقُهُ وعِمادُ المُلكِ ومَفْخَرُه . . . وسَنامُ الدِّين ومَفْرِقُهُ من دون عُلاه لرائدِه . . . بُرْدُ الجَوْزاء ومَشْرِقُهُ حِلْمٌ كالطَّوْد لنائلِه . . . جُود كالبحرِ تدفُّقُهُ اسمعْ مولايَ نظامَ أخٍ . . . قد زاد بمدْحِك رَوْنَقُهُ وُدُّك قد صار يكلِّفُه . . . بِمقالِ الشعرِ ويُنْطِقُهُ فاحفظْ وُدِّي لا تُصْغ لما . . . يُمْلِي الواشِي ويُنمِّقُهُ وقوله ، من قصيدة أولها : جَدَّ بي الشوقُ إلى الظَّبْيِ اللَّعُوبِ . . . فتصابيْتُ به وقتَ المَشِيبِ رَشَأٌ مُدْمِنٌ هجرِي لم يزلْ . . . قلبيَ المُشتاقُ منه في وُجوبِ يا أخِلاَّيَ بهاتِيكَ الرُّبَى . . . وأُصَيْحابي بذَيَّاكَ الكَثيبِ مُذ نأيْتُم قد جَفَا جَفْنِي الكرَى . . . وفؤادي والتَّسَلِّي في حروبِ خاننِي صبرِي وأوْهَى جَلَدِي . . . حبُّ ذاتِ الدَّلِّ والثغرِ الشَّنِيبِ آهِ كم أكتُم في القلب الجوَى . . . وإلى مَ الصبرُ عن لُقْيَا الحبيبِ ترجُ لي يا عاذِلي كَتْمَ الهوَى . . . إنَّ كتْمانَ الهوى داءُ القلوبِ فاطَّرِحْ لَوْمِي فإنِّي مُغرَمٌ . . . وأشِع ما شئتَ عنِّي يا رقيبي أنا من قومٍ إذا ما غضِبُوا . . . أطعموا الأرْماحَ حَبَّاتِ القلوبِ وهمُ في السّلْمِ كالماء صَفَا . . . لصديقٍ وحميمٍ وقريبِ فهمُ فخْرِي وفيهم قُدوتي . . . وبهم نلْتُ من العَلْيا نصِيبي(3/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
وبفضلِ اللّهِ ربِّي لم أزلْ . . . في مَراقِي العِزِّ والعيشِ الرَّطِيبِ ليس لي إلاَّ المَعالِي أرَبٌ . . . فعلى كاهِلها صار رُكوبي إن دعا داعٍ إلى غيرِ العُلَى . . . لا ترانِي لدُعاه من مُجيبِ وله مضمناً بيت ابن لؤلؤ الذهبي : صَبٌّ يكاد يذوبُ من حَرِّ الجوَى . . . لولا انْهمالُ جفونِه بالأدْمُعِ وإذا تنفَّستِ الصَّبا ذكَر الصِّبَا . . . وليالِياً مرَّتْ بوادي الأجْرَعِ آهٍ على ذاك الزمانِ وطِيبهِ . . . حيث الغَضا سكَنِي ومَن أهْوَى معِي وليالياً مرَّتْ فيا لِلّهِ ما . . . أحْلَى وأملحَها فهل من مَرْجَعِ أحمامةَ الوادِي بشرقِيِّ الغَضَا . . . إن كنتِ مُسعِدةَ الكئيبِ فرجِّعي إنَّا تقاسمْنا الغَضا فغُصونُه . . . في راحَتيْكِ وجَمْرُه في أضْلُعِي وله ، من قصيدة مطلعها : أيكتُم ما به الصَّبُّ المَشوقُ . . . وقد لاحتْ له وَهْناً بُروقُ وهل يُخفِي الغرامَ أخو وُلوعٍ . . . يُؤرِّق جَفْنَه البرقُ الخَفُوقُ ويسلُو عن أُهَيل الجِزْعِ صَبٌّ . . . جرَى من جَفْنِ عيْنَيه العَقِيقُ إليكَ إليكَ عنِّي يا عَذُولِي . . . فلستُ من الصَّبابةِ أسْتفيقُ فلي قلبٌ إلى بَاناتِ حُزْوَى . . . طَروبٌ لا يمَلُّ ولا يُفِيقُ فإن سَمُومَها عندي نسيمٌ . . . رَحِيقٌ في رحيقٍ في رحيقِ فلو ذُقْتَ الهوى وسلكْتَ فيه . . . لما ضَلَّتْ إليه بكَ الطَّرِيقُ بعيْشِك هل ترى زمَني بِسَلْعٍ . . . يعود وذلك العيشُ الأنِيقُ ويمْنحُني أُصَيْحابِي بوصْلٍ . . . ويرجع بعد فُرْقتِه الرَّفيقُ فها قلْبي أسيرٌ في هواهمْ . . . وها دمعِي لبَيْنِهمُ طليقُ وقد عارضه في هذه الأبيات جماعةٌ من أهل اليمن . وكتب إلى والده هذه القصيدة ، يحثه فيها على الجهاد ، لما أحصر الركب اليماني ، وصد عن مكة ، في سنة ثلاث وثمانين وألف : لَعَمرُك ليس يُدرَك بالتَّوانِي . . . ولا بالعجزِ غاياتُ الأمانِي فما نيلُ المعالِي قَطُّ إلاَّ . . . بِبيضِ الهند والسُّمْرِ اللِّدانِ وحَزْمٍ دونه الشُّمُّ الرَّواسِي . . . وعَزْمٍ لم يكنْ أبداً يُوانِي ونفسٍ كلَّما جشَأت أرَتْه . . . قرى نَعْمان ميلاً من عُمانِ(3/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
تخُوض إلى المَعالي كلَّ هَوْلٍ . . . وليس لها عن العَلْياءِ ثَانِ لها ثقةٌ بربِّ العرشِ حقّاً . . . به الأقْصَى تَراه وهْو دانِ أميرَ المؤمنين وخيرَ مَلْكٍ . . . تبوَّأَ في العُلَى أعْلَى مكانِ وتاجَ بَنِي النبيِّ ومُنْتَقاهم . . . وأكرمَ مُعْتلٍ ظهرَ الحصانِ أترْضَى أن نرى في الدهرِ هُوناً . . . ويتْبُو رُكنه في ذَا الأوانِ ويُمنَع وفدُ بيت اللّهِ منه . . . ويُضحِي الخوفُ فينا كالأمانِ ويملكُه العُلوجُ ويمْنعوه . . . ويُصْرَف عنه ذا الوفدُ اليمانِي وأنتَ خليفةُ الرحمنِ فينا . . . وأنتَ حُسامُه في ذا الزمانِ ونحن بنُو البَتُولِ ونَجْل طه . . . وفينا أُنْزِلتْ آيُ القُرانِ ونحنُ به لَعَمْرُ اللّهِ أوْلَى . . . ونحن الشائدون به المَبانِي فلا تركبْ بنا ظهرَ الهُوَيْنا . . . ولا تجنَحْ إلى ظلِّ الأمانِ وحولَك من بني المَنصورِ أُسْدٌ . . . علَوْا في المجدِ هامَ الزِّبْرقانِ ومن أبْناء حَيْدرةٍ كُماةٌ . . . لهم في المَكْرُمات أجلُّ شَانِ وإنَّ لَديْك من عَدْنانَ حقّاً . . . ومن قَحْطان فرسانُ الطِّعانِ ليوثٌ إن دعوتهمُ أجابوا . . . بكلِّ سَميْدَعٍ رَحْبِ الجَنانِ فشاوِرْهم ولاطِفْهُم وأحْسِنْ . . . إليهم بالعطاءِ وباللِّسانِ ولا تجعلْ كتابَك للأعادِي . . . سوى السيفِ المُهنَّدِ والسِّنانِ فأرْسِلْ نحوَ من نَاواكَ جيشاً . . . أوائلُه بأرضِ القَيْرُوَانِ تسيرُ جِيادُه في كلِّ قُطْرٍ . . . إلى الأعداءِ مِرْ ؛ اب العِنانِ فتعلُو هامَ مَن نَاواكَ قَسْراً . . . وتُرْغِم بالمَواضِي كلَّ شَانِ فإنَّ اللّهَ ربَّك قد توالتْ . . . عوائدُه بعاداتٍ حِسانِ وعَوَّدَك الجميلَ بكلِّ خيرٍ . . . وقد شاهدْتَ ذلك بالعِيانِ
السيد الحسين بن الحسن ابن القاسم
من تحائف الزمان وحسناته ، وكأنه غرة في جبينه أو خالٌ في وجناته . ذو كمال في الأدب أحرزه ، وإبريز أدبٍ على محك الانتقاء والانتقاد أبرزه . وله شعر بلغني منه بيتان ، هما في ديوان الإجادة مثبتان . وهما قوله : في أفْرَقِ الثَّغْرِ كم أُقاسِي . . . من عاذلٍ بالمَلامِ أفْرَقْ يلُوم جهلاً على حبيبٍ . . . أذوبُ في حبِّه وأفْرَقْ(3/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
السيد الحسن بن الحسين بن القاسم
هذا الحسن ، منشىء القول الحسن ، ومبدي الفصاحة واللسن . قلبه قالب للمعاني قابل ، وطل فضله عند الفضلاء وابل . تروت الأفكار بمنهل أدبه وسكوبه ، وانتعشت الخواطر بروح زقه المملى وكوبه . له أشعار هي في بهجة الألفاظ ورونق المعاني ، راحة المعنى وسلوة المعاني . فمنها ما كتبه إلى القاضي الحسين المهلا ، وأصحبه رسالةً من مؤلفاته : هل في رُبوعٍ بجَرْعاءِ الحمى طَلَلُ . . . يحُلُّه مَن له في حَيِّه شُغُلُ وهل لمَن لم ينَلْ في الدهرِ بُغْيَته . . . من آل ليلَى وصالٌ ليس ينْفصلُ يا جِيرةً طاب بين الناسِ ذكرُهمُ . . . لأجْلِكم تعبتْ ما بيننا الرُّسُلُ فعامِلونا بقَدْرِ الوُدِّ إنَّ لنا . . . بشأنِكم هِمَّةً دانتْ لها الأُوَلُ وما انْتفاعُ أخِي الدنيا بعَزْمتِه . . . إذا تحوَّلتِ الأحوالُ والدُّوَلُ فإن تقاعَد كان العجزُ غايتَه . . . وإن تقاعَس أضْحى غابةَ الأسَلِ سيدنا الذي مقدمات قياسه بديهية الإنتاج ، وموضوع محموله بحده الأوسط ظاهر الإندراج . تمثيل استقرائه حجةٌ يقينية ، وترتيب دلائله أشكالٌ اقترانية . شرطياته الاتفاقية لزومية ، وافتراض عكسه مسقط لعقم الجزئية . وكيف لا ، وقد أشرقت به مدارس العلم وشرفت ، وعمرت أركانها بمشيد أفكاره وما اندرست . فهو شرف الدين والشرف أجلى حدود الفلك ، بل خلاصة اليقين واليقين أقوى أوصاف الملك . فأنهار علومه لا ينضب ماؤها ولا يفيظ ، الحسين بن الناصر بن عبد الحفيظ . حفظه الله بالمعقبات من أمره ، ولحظه بعين العناية في سره وجهره . أهدي إليه من السلام أتمه ، ومن الإكرام والإنعام أوفره وأعمه . وإنه ورد إلي ما أنتجه طبعه السليم ، وفكره المستقيم ، من فوائد ذلك الشكل الكريم . فحملني على وضع هذه الرسالة مجاراةً لسوابق الأفاضل ، ومباراةً لسهام المناضل . فإن جاءت مقبولةً فذلك ما كنت أبغي ، وإن عادت مردودةً فمما أطرح وألغي .(3/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
السيد إسماعيل بن محمد بن الحسن بن القاسم
غصن من تلك الجنة ، وخال في تلك الوجنة . إن عدت الأفاضل كان أولى من عقدت عليه الخناصر ، وإن ذكرت الأماجد كان أحرى بأن تبتهج بفطرته العناصر . وهو أديب غاية في طول الباع ، لو صور نفسه لم يزدها على ما فيه من كرم الطباع . وله شعر إذا تلاه المشغوف تفقد قلبه هل طار عن جسده ، وإذا سمعه الحسود تمنى لو كان كل حسدٍ منضماً إلى حسده . صفي القول فيه وروقه ، ودعا به القلب إلى الغرام وشوقه . فلو خوطبت به الصم لم تحتج أذنها إلى إذنٍ في استماعه ، أو استنزل به العصم سارعت إلى التأنس بغرائب إلماعه . وها أنا أتلو عليك منه ما يغازل العيون النعس ، وتشتهي لو مازجت سلافة لطفه الشفاه اللعس . فمنه قوله ، من قصيدة : أتَرَى السَّلْبَ للقلوب الشجِيَّهْ . . . لسَواجِي لحاظِها كالسَّجِيَّهْ أم رمَى غيرَ عامدٍ أسْهُمَ الهُدْ . . . بِ ولم يَدْرِ أن قلبي الرَّمِيَّهْ فعلت بِيَ اللِّحاظُ شرَّفها اللَّ . . . هُ تعالَى ما تفعلُ المَشْرَفِيَّهْ عرَّفتْني أسْحارَ بابلَ هارو . . . تَ فكانتْ عندي هي البابليَّهْ نصبتْ لي أشْرَاكَ هُدْبٍ فهلاَّ . . . شافعِي واحدٌ من الزَّيْدِيَّهْ أنا شِيعيُّها وبالنَّصْبِ جَرَّتْ . . . نِي إلى أن وقعْتُ في المَالكيِّهْ مَلكتنْي عيْناً وقلباً وحتى . . . ملَكَتْني قولاً وفعلاً ونِيَّهْ ما نوَيْتُ الطُّموح للغيرِ إلاَّ . . . حجَبتنْي الحواجبُ النُّونيَّهْ(3/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
وبنار الأخْدُودِ ذاب فُؤادِي . . . من خُدودٍ نَدِيَّةٍ عَنْدَمِيَّهْ أيُّ نارٍ لها اتِّقادٌ لماءٍ . . . غيرُ نارٍ على الخدُودِ النَّدِيَّهْ يا لها فتْنة لها قدَّر اللَّ . . . هُ فعادتْ عُشَّاقُها قَدَرِيَّهْ لا يرَوْن السُّلْوانَ ممَّا يُطيقو . . . نَ ولا يدْفعون هذِي البليَّهْ حقَّق الجَبْرُ باعْتزالِهم اللَّوْ . . . مَ فراحُوا لفِعْلهم رافِضيَّهْ فهمُ يَفْرَقُون من كلِّ شيءٍ . . . أبداً في صَباحِهم والعشيَّهْ مثْلَما يفْرَق الشجاعُ إذا لا . . . قَى إمامَ العصابةِ الحسَنيَّهْ الإمامُ القَوَّامُ للّهِ بالحقِّ . . . بإجْماعِ العِتْرةِ النبويَّهْ الأغَرُّ الأبرُّ عِزّ الهدى الها . . . دِي البرايَا إلى الصِّراط السَّويَّهْ المُفِيدُ المُبيد شملَ الأعادِي . . . بالمواضِي وبالقَنا السَّمْهَرِيَّهْ خيرُ مَن هزَّ صارماً يوم رَوْعٍ . . . وعَلاَ صهوةَ الجِيادِ العَلِيَّهْ والذي قاد شارداتِ المَعالِي . . . بالعَوالِي والهمَّةِ العلَويَّهْ والذَّكيّ الذي يُحلُّ من الإشْكا . . . لِ ما يُفْحِم الفحولَ الذَّكيَّهْ والجوادُ الذي يسُوق إلى العا . . . فِين سُحْباً من اللُّهَى عَسْجَدِيَّهْ والمَلِيك الذي يُدبِّر أعْما . . . لَ نِظامِ الشريعةِ الأحمديَّهْ لم يزلْ في الأمورِ يَمْضِي برَأْيٍ . . . هو أضْوَا من الشموسِ المُضِيَّهْ أحلمُ الناسِ أعلمُ الناسِ أذْكا . . . همْ مَقاماً ومَحْتِداً وطَوِيَّهْ أيها الأوحدُ الذي ما رأيْنا . . . لعُلاه مُماثِلاً في البريَّهْ والذي مَن أطاع ذا العرشِ جازا . . . هُ فدانَتْ له الرِّقابُ العَصِيَّهْ والذي طاب نَشْرُ ذِكْراه حتى . . . طاب منه أقْصَى الجهاتِ القَصِيَّهْ هاكَها بنتَ ليلةٍ حَبَّرتْها . . . مع شُغْلٍ سَلِيقةٌ هاشميَّهْ دُرُّها تخْجَل اليواقيتُ منه . . . ودَرارِي الكواكبِ العَلويَّهْ فاقْبَلِ النَّزْرَ من خطابِيَ واعْذُرْ . . . عن خطابٍ جَليَّةً وخَفِيَّهْ إنما يحسُن النِّظامُ ويزْكُو . . . حين تزْكُو العوارضُ النفسيَّهْ غيرُ خافٍ على أبي الفضلِ أنّ الضَّ . . . يْمَ تأْبَى منه النفوسُ الأبيَّهْ وابْقَ ما مالتِ الغصونُ على الرَّوْ . . . ضِ وغنَّت بأيْكِها قُمْرِيَّهْ وله القصيدة التي رثى بها والده ، وأخاه يحيى ، ومطلعها : هل أقال الموتُ ذا حَذرَهْ . . . ساعةً عند انْتهاءِ عُمُرِهْ أو تَراخَى عن كَحِيلٍ رنَا . . . فاق كلَّ الغِيدِ في حَوَرِهْ(3/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
أو رثى يوماً لمُرضِعةٍ . . . طِفْلَها ما دَبَّ في حُجَرِهْ أو تراهُ هائباً ملِكاً . . . صائلاً قد عزَّ في نَفَرِهْ أو تناسَى من له نظَرٌ . . . تصدرُ الأشياءُ عن نظرِهْ أو تحامَى رُوحَ سيدنا . . . مصطفَى الرحمنِ في بَشَرِهْ وأبى السِّبْطيْن حَيْدرةٍ . . . وكبارِ الآلِ من عِتَرِهْ بل دَهَى مَن كان منتظِراً . . . قُرْبَه أو غيرَ منتظِرِهْ وسقاه كأسَ سَطْوتِه . . . مُدْهَقاً من كَفِّ مُقْتدرِهْ ما ترَى عزَّ الأنامِ ثوَى . . . حفرةً إذْ آبَ من سفرِهْ لم يقُمْ في قصرِه زمناً . . . غيرَ وقتٍ زاد في قِصَرِهْ بعد ما قد كان عزَّتُه . . . تُرشِد السَّاري إلى وَطَرِهْ وندَى كَفَّيْه مُنْهمِراً . . . مُذْهِلاً للرَّوض عن مَطَرِهْ كان طَوْداً لا يُحرِّكُه . . . أيُّ خَطْب جَدَّ في خَطَرِهْ كان بحراً طال ما الْتقط الطَّا . . . لبُ المُحْتاجُ من دُرَرِهْ شاد رُكْنَ الدِّين ملتمساً . . . لرِضَى الرحمنِ عن صِغَرِهْ وحوَى الدنيا ودَيْدَنُه . . . طَلَبُ الأُخرى إلى كِبَرِهْ فسقَى الرحمنُ تُربتَه . . . صَيِّباً ينْهَلُّ في سَحَرِهْ وعمادَ الدِّين أزْعَجه . . . بعدَه يغْدُو على أثَرِهْ لم ينَلْ في العمرِ بُغيتَه . . . لا ولا أفْضَى إلى وَطَرِهْ لم يذُقْ في دهرِه أبداً . . . صَفْوَ عيْشٍ صِينَ عن كَدَرِهْ ما أراه الدهرُ مَطْلبَه . . . ليْتَه أخْلاه من غِيَرِهْ رحم الرحمنُ مَصرعَه . . . ووَقاه الحَرَّ من سَقَرِهْ كيف أنْسَى شمسَ مَفْخرِنا . . . أو أرى السُّلْوانَ عن قَمَرِهْ فهُما قد أضْرمَا لَهَباً . . . في فؤادِي طار من شَرَرِهْ وأسالا مَدْمَعاً بَخِلتْ . . . أعْيُني دهراً بمُنهَمِرِهْ غيرَ أن الصبرَ شِيمةُ مَن . . . صَوَّب الرحمنُ في قدرِهْ لينالَ الأجرَ منه إذا . . . ذاق طعمَ الصَّابِ من صَبِرِهْ نسألُ الرحمَن خاتمةً . . . برضَى الرحمنِ في صَدَرِهْ(3/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
ذكر آل الإمام شمس الدين بن شرف الدين بن شمس الدين أصحاب كوكبان
هؤلاء القوم شرفهم لا يدانيه شرف ، ولا يتصور في المغالاة بوصفه سرف . كواكب مجدٍ مأمونةٌ من الطمس ، فهم شمس الشرف وشرف الشمس . وبيتهم في الرياسة نطقت بفضله السور ، وأرخت أيامه الكتب والسير . تألفت أجزاؤه من أوتاد البسالة وأسبابهان وتخلفت لعلوه السبع السيارة فما ظنك بالسبع المعلقات وأربابها . لا يدخله الزحاف إلا إلى الأعداء في معارك الحرب ، ولا يعترضه التقطيع إلا في عروض المناوين له بالطعن والضرب . ما خرج منه إلا سيدٌ جمٌّ الشيم ، فضائله يقل عندها قطرات الديم . أعيذهم من صروف دهرهم ، فإنه في الكرام متهم . وقد أوسعت لذكر أشعارهم مجالا ، فخير الشعر أشرفه رجالا . فمنهم :
السيد عبد الله بن الإمام شرف الدين بن الإمام شمس الدين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى
من سادات هذه الأسرة ، المعقودة فضائله أكاليل على الأسرة . عرف الكرم في خلقته ، حين لفته قابلته في خرقته . فهو باحة نوالٍ ، مباحة للسؤال ، وراحة جود في كدها راحة المنجود . مع فضلٍ ارتدى بضافي برده ، وأدبٍ ارتوى بصافي ورده . وقد وافيتك من شعره بما ينشرح به الصدر ، ويعرفك أنه كصاحبه عالي القدر . فمنه قوله :(3/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
ناصيةُ الخيرِ في يد الأدبِ . . . وسِرُّه في قرائح العربِ فاعكُفْ على النحوِ والبلاغةِ والآ . . . دابِ تظْفَرْ بأرْفعِ الرُّتبِ وتعرفِ القَصْدَ في الكتابِ وفي السُّ . . . ةِ من وَحْيِ خيْرِ كلِّ نَبِي بقَدْرِ عقْلِ الفتى تأدُّبُه . . . وصورةُ العقلِ صورةُ الأدبِ وقوله : صَحا القلبُ عن سَلْمَى وما كاد أن يصحُو . . . وبَان له في عَذْلِ عاذِله النُّصْحُ ولا غَرْوَ في أن يَسْتبين رشادَه . . . وقد بَان في دَيْجورِ عارِضه الصُّبْحُ شموسُ نهارٍ قد تجلَّتْ لناظرِي . . . وأضْحَتْ لليلِ الغَيِّ في خَلَدِي تمْحُو إذا كان رأسُ المالِ من عمرِيَ انْقضَى . . . ضَياعاً فأَنَّى بعده يحصُل الرِّبْحُ شبابٌ تقضَّى في شبابٍ وغِرَّةٍ . . . وشيْخوخةٌ جاءتْ على إثْرِه تنْحُو ومن مقاطيعه قوله : سقتْني رُضابَ الَّغْرِ من دُرِّ مَبْسَمٍ . . . برِقَّتِه واللّهِ قد ملكَتْ رِقِّي ونحنُ بروضٍ قد جرى الماء تحتَه . . . فساقيةٌ تجْرِي وجاريةٌ تَسْقِي
ولده عز الإسلام محمد بن عبد الله بن شرف الدين
هو في كرم العنصر ، واحد الأزمنة والأعصر . إذا رام مسعاةً أدركها قبل ارتداد طرف ، وإن سام منقبةً ملكها بغير إنضاء ضامر وحرف . فماء الفصاحة لا يجري في غير ناديه ، وينابيعه لا تتدفق إلا من أياديه . كم حبر الطروس ففضحت أزهار الرياض ، وجلت على الأبصار فلم تر أحسن من ذلك السواد والبياض . دُرَرٌ تناثَرُ من بديعِ كلامِه . . . مُسْتغرِقٌ جُمَلَ المديحِ بوَصْفِهِ لا تعجبُوا من نَثْرِ أقلامٍ له . . . دُرَراً وقد غاصتْ بلُجَّةِ كَفِّهِ وقد أثبت من ىثاره ما امتزج بالبراعة امتزاجا ، وصار كلٌّ منهما لصاحبه غذاءً ومزاجا . فمن ذلك ما كتبه إلى والده : مطالعة المملوك طليعة باله ، ولسان حاله ، وترجمان بلباله . وحديث سره ، وبيان خبيئة صدره . ومظهر غليل برحائه ، ومصدر دخيل دائه .(3/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
عبرة أجرتها عين جنانه ، في عبارة لسانه ، وزفرة صعدتها لوعة أشجانه ، في إشارة بنانه . مهجةٌ أهدتها في أثناء سلامه ، لهبة أوامه ، وحشاشةٌ أسالتها نار غرامه ، في لسان أقلامه ، هي نفسٌ أودَعْتها نفَس الشَّوْ . . . قِ وقلبِي تجْرِي به الأقْلامُ وهْي دمعٌ يفيضُ من لوعةِ البَيْ . . . نِ ومن أدْمُعِ المَشُوقِ كلامُ بل هي رجع صدىً أو وسواس الشوق والنزوع ، ومجرى الزفرات المرددة من وهج الضلوع . برهان ما أكن من الداء الدفين ، وعنوان ما أجن من كلف الفؤاد الحزين ، وهْي مرآةُ صفاتِي إنَّما . . . أتَراءَى لك في مِرْآتِهَا وإذا ما شاهدتْها مُقْلةٌ . . . شاهدتْ نَفساً على عِلاَّتِهَا مرآة نفسٍ رقت وجداً وكآبة ، ولم تدع منها صبابة الفراق غير صبابة . فلو أنها عرض لكان جوىً في فؤاد مهجور ، أو لوعةً في ترائب مصدور . ولو كان قلباً لثوى في جوانح عاشق ، أو دمعاً لما جرى إلا من محاجر وامق . ولو أنه جرم لكان ياقوتة راح ، أو جوهر لما كان إلا من جواهر الأرواح ، رقَّ قلبِي ومَدْمِعي . . . من جَوَى البَيْن والنَّوَى واسْتوَى قلبيَ المشو . . . قُ وشِلْوِي من الجَوى أنا صَبٌّ على الصَّبا . . . بةِ قلبي قد انْطَوى ساهرُ العيْن مُقْلتِي . . . تُوهِن الصَّبْرَ والقُوَى لم يُشْقِني لِوَا الْعَقِي . . . قِ ولا جِيرةُ اللِّوَى لا ولا غَرَّني الصَّبا . . . بالحديثِ الذي رَوَى ما شجانِي هوَى الغزا . . . لِ ولا البدرُ لي هوَى ليس بي ذابِلُ القَوا . . . مِ إذا مال واسْتوَى لستُ أنْوِي هوَى المِلا . . . حِ وللمرءِ ما نوَى إنما دائِيَ الذي . . . قد تمادَى فلا دَوَا وغليلِي الذي إذا . . . بَلَّه الماءُ ما ارْتَوى من فِراقي لكعْبةِ الْ . . . عِلْمِ والحِلْم لا سِوَى أرْوَعٌ يبْهر الورَى . . . حسَن السَّمْتِ والرُّوا(3/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
ألمَعِيٌّ به يقو . . . مُ من الأمرِ ما الْتوَى سيدٌ راح والفَخا . . . رُ على رأسِه لِوَا بدرُ علمٍ يلُوح في . . . أُفْقِ حِلْم فلا هَوَى قلبُه طَوْدُ حكمةٍ . . . لا كمن قلبُه هَوَى ذاك شمس الفضل المستوي على عرش الكمال ، وقمر الفخر السابح في بحر السؤدد والفعال . مركز السماحة والحماسة ، وقدوة الملوك الساسة . فتىً من طِينةِ المجدِ . . . وما السؤددُ بالعَدِّ جواهرُ مجدِه انْتظمتْ . . . نظامَ جواهرِ العِقْدِ كريمٌ عَزْفُ رَيَّاه . . . يفوح بنفْحةِ النَّدِّ مَساعِيه مُشنَّفةٌ . . . يواقيتٌ من المجدِ فمن حَيَّى بعِشْرتِه . . . غدا بالكوكب السَّعْدِ ذكره أطيب من نفس الحبيب ، وروحه أخف من تغيب الرقيب . ومفاكهته أشهى من رشف الثغر الشنيب ، وأخلاقه أوسع من الفناء الرحيب . رحيبُ فِناء الصدرِ ليس بِضَيِّقٍ . . . ولا حرَجٌ لكنْ يُعيد كما يُبْدِي ففيه مَجالٌ للتَّواضُع والعُلَى . . . وفيه نصيبٌ للفُكاهة والجِدِّ نور العترة وفخرها ، وملاك الأمة وسرها ، وسيد الأسرة بأسرها ابن بجدتها ، وأبو عذرتها . الطب اللب ، السري الندب ، الواضع الهناء مواضع النقب . الندس المهذب ، الحول القلب . عذيقها المرجب ، وحجرها المأوب . جنة الدهر ، ودرة تقصاره الفخر . الرحلة ، العلامة ، الشهير . مصباح زيت النبوة ، وسيد أرباب الفتوة . فحسبه صميم ، ونسبه كريم . وآباؤه أهلة المحامد ، وأقمار المشاهد ، وشجا فؤاد الحاسد . فهم المجلون في حلبة العليا ، والفائزون بالفذ والتوأم من أزلام الدين والدنيا ، والمحلقون في فضاء العز غاية القصوى . قومٌ غَذَتْهم لِبانُ العزِّ والكرمِ . . . مَشُوبةً بسُهادِ الحُكْم والحِكَمِ(3/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
بِيضٌ بَهالِيلُ يُسْتسْقَى الغَمامُ بهمْ . . . في المَحْلِ إن ضَنَّ يوماً هاطلُ الدِّيَمِ تبَوَّءُوا بيتَ مجدٍ مَن يلُوذ به . . . فإنَّه من صُروفِ الدهر في حَرَمِ لا يدفعُ الخَطْبُ يوماً بحرَ ساحتهِ . . . ولا يمُرُّ لدَيْه غير مُبْتسِمِ ولا يُدِير إليه عينَ حادثةٍ . . . ولا يمُدُّ عليه كفَّ مُهْتضِمِ أُسْدٌ إذا لمَعتْ في جُنْحِ مُعترَكٍ . . . سيوفُها أمْطَرتْها من عَبِيط دمِ مُدَرَّعون دِلاَصاً من شجاعتهمْ . . . مُقَلَّدون بأسْيافٍ من الهِمَمِ قد أُلْبِسوا في دُرُوعِ الفخرِ أرْديةً . . . تُجيرُها كرمُ الأخلاقِ والشِّيَمِ كادتْ تخِرُّ نُجومُ الأُفْق ساجدةً . . . لهم وقد طلَعوا من مشرقِ الكَرَمِ يفُوح عَرْفُ المَعالي إن ذكرتَهمُ . . . ويعْبَق الأُفْقُ مِسْكاً من حديث فَمِ أولئك أرومة سيد الأسرة ، وجرثومة سرة السرة ، من علماء العترة . غرة أبناء البطين ، وناظورة أهل بيت الأمين ، محيي الدين ، المفضل عبد الله بن أمير المؤمنين ، شرف الدين ، بن شمس الدين ، بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . سلسلةٌ من ذهبِ . . . مَنُوطةٌ بالشُّهبِ ونِسْبةٌ تردَّدتْ . . . بين وَصِيٍ ونَبِي سبحانَ مَن قدَّسها . . . عن سيِّئاتِ النسَبِ لا برح نسبه تميمةً في أجياد الحسب ، ولا انفك حسبه عقداً في لبات المكارم والأدب . وأدبه حليةً لعاطل الأدب ، وجمالاً لشرف الأسماء والنسب . ولا برحت أردية العلياء محبرةً بمساعيه ، وريطة الفضل معلمةً بأياديه ، وركاب الفضائل والفواضل معكوفةً بناديه . ولا فتىء عاكفاً تحت سرادق الكرم ، واقفاً في رواقٍ من حسن الشمائل والشيم تخفق عليه أعلام العلم ، وتنشر أمامه ألوية الحلم . ما طلع نجمٌ في برجه ، ونجم طالعٌ في مرجه . دام في روضةِ النعيمِ تُغنِّي . . . ه على أيْكةِ الهنا أفْراحُ لا خَلا من هلالِه فلَكُ المجْ . . . دِ ولا غاب نجمهُ الوضَّاحُ فلجِيدِ العَلْياء منه عقودٌ . . . ولِعطْف الفخار منه وِشاحُ فلا أصابته عين الكمال ، ولا سلب الدهر بفقده ثوب الجمال . ولا برح كعبةً للجود ، وعصمةً للمنجود ، ونوراً يلوح في أبناء الوجود .(3/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
أما بعد ؛ فإنها لما فاحت نسمات الأشواق ، ودارت على كئوسها دور الرفاق . قدمت كتابي إلى الحضرة ، ينهي إلى مولاي أن شوقي إلى مرآه البهي ، ومحياه السني ، شوق الغريب إلى الوطن ، والنازح إلى السكن . والمهجور إلى العتاق ، والممنوع عن الكاس الدهاق . والصديان إلى الماء القراح ، والحيران إلى تبلج الصباح . ويحدثه أني من بينه فقيد الجلد ، عميد الخلد ، جديد الكمد ، بالي الصبر والجد . يهزني إليه الأصيل ، ويبكيني مباسم البرق الكليل ، ويشجوني نوح الحمام على الهديل . وأني لاأزال من فراقه متلفعا بأبراد الضنى ، متعلقاً بأذيال المنى ، لا يجمعني والسلوان فنا ، ولا يفرق بيني وبين الأسف إلا القرب واللقا . ما بِدْعةٌ إن جَرَّ حَيْنِي . . . جَزَعِي وأجْرى المقُلتَيْنِ أمسيْتُ في الليلِ البَهِي . . . م أعُضُّ أطْرافَ اليديْنِ طال النَّوَى والليلُ طا . . . لَ وبِتُّ أرْعَى الفَرْقَدينِ ولقد شجانِي ما شجَا . . . قلبي هَدِيلُ حمامتيْنِ يتناوَحان فيُفْرحا . . . ن جوانِحي بالنَّغْمتيْنِ ما ناحَتا إلاَّ ومِلْ . . . تُ تمايلُ الرُّمْحِ الرُّدَيْنِي أبكَى بُكاؤُهما العيو . . . نَ وما أسالاَ عَيْنَ بَيْنِي جَمدت عيونُهما فقُلْ . . . تُ إليكُما عَبَراتِ عَيْنِي وسمحْتُ بالدمعِ الغزي . . . رِ وبُحْتُ بالسرِّ المصونِ لم يُبْكنِي سَفْحُ العُذَيْ . . . بِ ولا رُسومُ الرَّقْمَتَيْنِ لكنْ فِراقُ مُهذَّب الْ . . . أخلاقِ هَيْنِ الطبعِ لَيْنِ لِفراق عبد اللّه هِمْ . . . تُ تشوُّقاً وهَمتْ عُيونِي ولعمري لولا علمي أن رأفة سيدي بولده ، وعطفه على بضعة جسده ، وفلذة كبده ، قد فضل كل برٍ مألوف ، وأربى على عطف كل أبٍ عطوف . لأرخيت عنان القلم في ميادين الشكوى ، ونشرت دفين الألم الذي عليه قد أطوى . لكني زممت جناحه ، وكسرت جناحه ، وحظرت عليه مسرحه ومراحه . فرقاً أن تألم نفس سيدي ومولاي ، وإشفاقاً أن يلتاح قلبه من حراي . وأمرته أن يرد فناء سيدي مسروراً فرحا ، وأن يسحب ذيله في ساحته مرحا .(3/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
وينشر طلاقةً وبشرا ، ويفتر بمبسم خريدة عذرا . ملتثماً للأرض بين يديه ، قاضياً بعض ما يجب من الثناء عليه . إذ ليس بممكن أداء الثناء بوجهه ، ولا بلوغ غايته وكنهه . هيهات ، هيهات ، ذلك أعز من بيض الأنوق ، وأبعد من العيوق ، والأبلق العقوق . غير أن الحياء من عظمة تلك العقوة ، والجلال لأبهة تلك الربوة . قد كسرت من نشاطه ، لما ضربه بسياطه . فلم يقدم إلا مدهوشا فشلا ، منوصا ناصيته خجلا . فها هو قد قدم ذلك الندى ، وهو أحيى من هدى . ها قد أتى يسحبُ أذْيالَ الخجلْ يبسُط كفّاً للرجاء والأمَلْ يسأل خيرَ الناس طُرّاً عن كَمَلْ إسْبالَ أذْيالِ التَّغاضِي والكِلَلْ عمَّا حَوَتْ من خطأٍ ومن خَطَلْ فليصرف سيدي عن ذنبه صفحا ، ويضرب عن تبعاته عفواً وصفحا . فقد جاء متلفعاً بالمعاذير ، معترفاً بالقصور لا بالتقصير . وسيدي أكرم شنشنة ، وأولى من ستر سيئة ونشر حسنه . فلعل سيدي أن تغمض عيناه على قذى التغاضي ، ويلاحظ بعين محبٍ راضي . فإن الرضى عيونه عن العيوب حسيرة ، كما أن عيون السخط بالعيوب بصيرة . والكريم من أقال عثرات الكرام ، واللئيم على هفوات المقترفين تمام . والإنسان إلى شاكلته يجمح ، وكل إناء بالذي فيه ينضح . ما كريمٌ من لا يُقِيل عِثاراً . . . لكريمٍ ويستُر العَوْراءَ إنما الحُرُّ من يجُرُّ على الزَّلا . . . تِ ذيلاً منه ويُغضِي حَياءَ وأنا أسال الله أن يجمع الشمل عن كثب ، ويبلغنا أقصى الأمنية وقصارى الأرب . وأن يهدى إلى حضرة سيدي سلاماً لذيذ الورود ، رقيق البرود ، ألطف من ورد الخدود ، وأحسن من رمان النهود . وأعذب من ماء البارق ، وأرق من فؤاد العاشق .(3/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
وأوضا من نور غيضة ، وأبهى من بيضةٍ في روضة . وأبهج من خريدةٍ مشنفة ، في حبرات مفوفة . وأنضر من الدهم المنوفة ، والنمارق المزخرفة . وأحلى من رشف الثغور ، وأسنى من الدرر في نحور الحور . سلامٌ لو تصور لكان مسكاً نافحاً ، ونوراً لائحاً . ولو كان نوراً لكان إيماناً في قلوب الصالحين ، ويقينا في سرائر القوم المفلحين . سلامٌ له لَذَّةُ الوارداتِ . . . يرِدْنَ على المؤمِن المُحسِنِ فلَو لاح كان سَناً يسْتسكِنُّ . . . القلوبَ ويعلُو على الأعْيُنِ ولو كان نُوراً لكان اليقي . . . نَ في سِرِّ كلِّ فتىً مُوقِنِ سلامٌ يفوح من مقعد صدقٍ قدسي ، ويلوح من فوقه عرش كرسي . تهبط به السكينة ، بأسراره المصونة . وتنزل به الملائكة والروح ، إلى تلك الربوات والسوح . وتعتني بتلك النفس التي سمت على النفوس ، بتقديرٍ من الملك القدوس . ويحيي بها عن الحي القيوم ، بختام الرحيق المختوم . ورحمة الله سبحانه ، تشفع روحه وريحانه . وليعلم سيدي أني قد أعفيت فواصلها ، وعريت فقرها عن تفصيلها . بشعر ليس من قريحتي ، وبنات فكرتي . وذلك أستر لثنائها ، وأخفى لذمائها . فعساني لو أودعتها نتائج قرائح البلغا ، وأفكار الفصحا . وسوائح روياتهم ، وشوارد بدائهم . لأكون كمن نصب مناراً على عيبها ، وأقام دليلاً على بهرجها وزيفها . أو كمن قلد شوهاء بعقود الدر المصون ، ووشحها بأوشحة الإبريز المفصل باللؤلؤ المكونو . وألبسها أرجوانيات الإبريسم ، وحبرات الوشي المعلم . وأكون كمن نظم حصاةً إلى شذرة ، وأضاف فحمةً إلى درة . ومن المعلوم أن الطبع للتطبع يقهر ، وأن فضل الضد عند ضده يظهر .(3/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
وخسر من بدل دينار غيره بفلسه ، والإنسان له بصيرةٌ على نفسه . أوضحت ذلك لمولاي كي ينسب عند افتقادها إلى سواي بهرجها وزيفها ، أو يعزو إلى غيري خطلها وحيفها . فالسفيه جد السفيه ، من يرمي بريئاً بعيبٍ هو فيه . والأمل طامح ، أن يحملها سيدي على كاهل التسامح ، ويقلها على خطوات التغاضي ، ويمشي بها في جادة التجاوز ، ويسلك بها سبيل التصفح عما تضمنته من العيوب . فسيدي قدوة أرباب العفو ، وإمام أهل التجاوز ، وقبلة ذوي السماح ودليل ألي الفضل للفضل . بعد السلام . وهو في كنف رعاية الله ، وفناء حياطته ، وظلال حفظه . فأجابه والده بكتاب ، صدره بهذه الأبيات : رجوعُ شبابٍ أو وُرودُ كتابِ . . . أزالاَ خُطوباً للنَّوى بخطابِي وأبْدَلَ ذهني قُوَّةً وأعادَ لي . . . وقد كنتُ شيخاً عُنْفُوانَ شبابِي صدورٌ بها شَرْحُ الصدورِ وجدْتُها . . . طَلاسِم قد جاءتْ بكلِّ عُجابِ تعلَّقْتَها عند الكروبِ تَمِيمةً . . . لتفْريجِ همٍ أو لنَيْلِ طِلابِ وما ذاك نَفْثُ السحرِ إذْ هو باطلٌ . . . وهذِي أتتْ مَلأَى بكلِّ صوابِ فأنَّى تُرى لي في الإجابةِ مَسْلَكاً . . . يُناسِبها إن رُمْتُ رَدَّ جوابِ فبَسْطاً لعُذْري أيها الولدُ الذي . . . بخفْضِ جَنابِي عنه رَفْع جَنابِي روضة بلاغة أنيقة ، وحديقة فصاحةٍ غديقة . رشفت سماء المعالي أرض ألفاظها فزكا نباتها ، وهبتها لواقح البيان ، فنتجت في أحسن الصور أبناءها وبناتها . وتبختر فيها بديع زخرف أنواره ، فاهتزت وربت بزاهي زواهر مكنونات أسراره فأوراقها من أوراق الجنة ، وأزهارها ضاحكةٌ مفترةٌ مفتتنة . تفتر عن كل ثغرٍ بديع ، وكل فصولها دائمة الفواكه دانية القطوف فكل فصلٍ منها ربيع . يتبارى فرسان نفائس المعاني على مضمرات مراكيب مراكبها من يكون المجلى والسابق ، ويتنافس منظومها والمنثور في السبق إلى ما بين العذيب وبارق ، فكلها مجلٍ هناك لا مصلٍ ولا لاحق .(3/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
فقرٌ تبالغت في البلاغة إلى أن غدت الفرائد في أساليبها خوارق ، موشحة بسموط نظم لها من نفسها معبد ومخارق . فرائض لم ترض همة منشئها بين أبكارها إلا ما هو مبتكرها ، وأبت قريحة التزيين بعوادي العوادي فما حلا لذوقه مكررها . فبرزت للجنان جنان ، حورها عينٌ لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان . فلا ينفك المتنعم بها في كل آن ، هو في شان ، حتى ينتهي منها إلى ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على الأذهان . ولم لا تكون كذلك ؟ ومنشئها ذو اليد البيضاء في معجزات البلاغة ، الذي آنس من جانب الطور نارا ، والضارب بقلمه بحرها فانفلق فلم يقبل الدر إلا كبارا . فلذلك رجع وهو من نفثة سحرها الكريم الكليم ، فأصبح وعصا حجته تلقف ما صنع كل سحار عليم . حتى ألقى سحرتها سجداً مؤمنين برب حديثها القديم ، قد رأوا من آياته عجباً من أسرار كهفه والرقيم . لا بل هو قاموس البلاغة خاتمهم الأحمد المحمد ، كيف لا يكون كذلك ؟ وهو من العترة الطاهرة المحمدية ابن عبد الله محمد . فعليه من السلام ، أسنى سلام السلام . ومن الإكرام ، إكرام ذي الجلال والإكرام . ومن التحيات أحيى تحيات الحي القيوم ، ومن الرحمة رحمة الرحمن الرحيم المدخرة لذلك اليوم المعلوم . ومن البركات أنمى بركات وأدومها وأزكاها ، وأطيب الطيبات وأذكاها . وبعد : فإنم الولد الفذ البذ ، المتخلق من أطيب الخلال بما طاب وعذب ولذ . نور مصابيح زجاجات القلوب ، وروح الأرواح ، وهز معاطف الأعطاف ، ورنح أغصان الأشباح ، وسر سرائر أسرار نفيس الأنفس بروح ريحان الارتياح . وشرح صدور الصدور ، بنفائس عرائس حور تلك المعاني المقصورات من الأعجاز في القصور . اليت اقتعدت مقاعد الصدق من سطور تلك الصدور ، التي كل مواضع مفرداتها ومركباتها من المنظوم والمنثور .(3/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
بملاك مغانيها العزيزة ، في مقاعد أعجاز العزيزة كلها صدور . فهي سماوات فضل دارت أفلاك فخرها بدراري أنوار فصل الخطاب ، وأردان منيع رفيع قيمها بمصباح السليقة العربية التي اختارها الله لأفضل نبيٍ وأجل كتاب . فلا برحت قريحته السمحة السليمة عذيب بارق نضاح ينابيع الأدب ، ولا انفكت بحلته حسن رداء لواحق آداب من تأدب . ذلك أنها أخذت بجميع مجامع أحاسن أجناس القول وفصوله ، ولم تدع نوعاً من إحسان الإحسان إلا وأحاطت بذاتيه وعرضيه مقطوعه وموصوله . ولا غادرت بهيج زخرف بديعٍ ، إلا وسحبت فواضل حبر حسنه في ميادين إيجاز الإعجاز وتطويله . محيطةً بفنون الافتنان فلذلك انتظمت في أساليب الحسن ، كل فنٍ مفعمة بلطيف الإدماج المشيد بلطيف طريقه إلى استيعاب كل معنىً حسن . لم تترك طريقاً من البلاغة إلا طرقته ، ولا معنىً ذا أسلوبٍ من البلاغة إلا خرقته . فلم تدع لمتكلم في قوس المعاني منزعا ، ولا أبقت لمنطيقٍ من مواقع الإحسان موقعا . فبماذا يجيء من حاول الجواب للقول الجامع ، وقد أخذ من جميع طرق المحاسن بالمجامع . إلا عسى بالإعادة تملى ما حوته من اللفظ والمعنى ، والقنوع بهنات السرقات ومن ذا بالسرقات استغنى . ولو شاء موشيها لترك للإجابة طريقة ، ووسع بمخاطبته في الإشفاء لمطارحته طريقه . فكم أردت ذلك فتبين بعد المناسبة بين بيانه وبياني ، وكنت كلما حاولت ذلك يضيق صدري ولا ينطلق لساني . فلم أر في شرح البلاغة مجيزا ، إلا أن أقابل بجديد فكري من ذهن منشئها ذهباً إبريزا . لكن لزوم الإجابة ، أوجبها مع الإصابة وغير الإصابة . فلو استوى الابتداء والجواب في حسن المخاطبة ، وأن لا يتفاوتا في كمال المناسبة . سمي رجع صدىً جوابا ولا عدت حركات الجواب وغمزات العيون بين الأحباب خطابا . لكن ذلك عجزٌ ملأ حوض سري سروراً حتى قال قطني ، فلم أقرع على ما فاتني من الإحسان سني . إذا كان فخراً ممن يقول أنت شجري ، وأقول له أنت ثمري .(3/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
فغير بديع أن تفضل الثمرة الشجرة . فليجعل الولد أكثر منه بره أن يعذر في الإساءة أباه ، فضلاً عن الإحسان فإنه أباه . ولكنه أعاد الفرح به شباب السرور ، وشب نار الحياة في القلب فشبت في شبح الروح والحبور . فلا برحت عزتك في العلوم النون ، ولسانك في البيان القلم ، وصدرك اللوح وما يسطرون . والله سبحانه أسأل أن يجعلك ممن هو على خلق عظيم ، وأجرٍ غير ممنون . وألا يقطع عنا وعنك المرغبات بمعقبات رعايته ، إنه حميدٌ مجيد ، صبور رشيد . وسلامٌ على المرسلين ، وعلينا وعليك وعلى من لديك . وقد سر أباك ما حققت في كتابك الأخير ، مما أنعم الله به عليك وعلى الوالد العلامة لقمان بن أحمد ، من ختم ذلك الكتاب النبيل ، الكاشف لخرائد نكت القرآن وبيان بيان التنزيل ، والتلذذ بعرائس بدائع دقيقه والجليل . فليهنكم تلك النعم الكاملة ، ونسأله أن يديم لكم ما خولكم من تلك الفواضل الفاضلة . والسلام . ومن شعر صاحب الترجمة ، قوله في قصيدة ، مستهلها : يا راقدَ الليلِ لم يشعُر بمَن سهِرا . . . أسْهَرْتَ عينِي فعيْني لا تذُوق كَرَى تنامُ عنِّي وأجْفاني مُؤرَّقةٌ . . . عَبْراءُ ما مَرَّها نومٌ ولا عَبَرَا سلبْتَ عقلي وأوْدعْتَ الهوى كبدِي . . . يا مُنيتِي وملكتَ السمعَ والبصرَا فأنْثني واضعاً كفّاً على كبدٍ . . . حَرَّى وكفّاً يكفُّ الدمعَ حين جَرَى يُدنِي ليَ الوهمُ غُصْناً منك أعشقُه . . . حتى أكادُ أُناجِيه إذا خَطرَا وأرفع الكَفَّ أشكُو ما أُكابِدُه . . . أقولُ أنت بحالِي يا عليمُ ترَى أدعو إذا جَنَّنِي ليلٌ ولي مُقَلٌ . . . تفِيضُ دمعاً وقلبٌ ذابَ واسْتعَرَا لا وَاخَذ اللّه مَ ، أهْوَى بجَفْوتِه . . . ولا مَلاَ مثلَ قلبي قلبَه شَرَرَا ولا ثَناهُ الهوى وَجْداً ولا اكْتحلتْ . . . عَيْناه مثلَ عُيوني في الدُّجَى سهَرَا رَقَّ النَّسيمُ لتَبْرِيح الصَّبابة لي . . . لمَّا انْثنَى ذيلُه من أَدْمُعِي خَضِرَا(3/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
والبرقُ شَقَّ جُيوبَ السُّحْب عن كبدِي . . . والرعدُ حَنَّ وأبكَى دمعِيَ المطَرَا يا صاحبي إن لي سِرّاً أُكاتمُه . . . أخْفيْتُه من نسيم الرِّيح حين سَرَى إن كنتَ تضمنُ لي ألاّ تبُوحَ به . . . سمعتَ مِن سِبِّي المَكْنونِ ما اسْتَتَرا شُوَيْدِنُ الحِلَّة الفَيْحاءِ أرْشَقني . . . من لَحْظهِ بسهامٍ رَاشَها وبَرَا رَمانِيَ الرَّمْيةَ الأُولَى فقلتُ بلا . . . عَمْدٍ رَمانِي فأصْماني وما شعَرَا وحين فَوَّق لي سَهْمَيْه ثانيةً . . . بكيْتُ نفسِيَ واستْبكيتُ مَن حضَرَا هذا من قول مهيار : رمَى الرَّمْيَة الأُولَآ فقلتُ مُجرِّبٌ . . . وكرَّرها أخرى فأحسستُ بالشَّرِّ بكيتُ نفسي لعِلْمي أن مُقْلتَه . . . لا بُدَّ تقتُلني ظُلْماً وسوف تَرَى مُمَّنع الوصلِ لا يُرْجَى توَاصُلُه . . . لو زَاره الصَّبُّ في طيْفٍ لما صَدَرَا لا تَستطيع صَبا نَجْدٍ إذا خطَرتْ . . . تُهدِي إلى الصَّبِّ من أكْنافِه خَبَرا رَبيبُ مُلْكٍ كأنَّ اللّهَ صوَّره . . . ملَكاً وخيَّره بين الورى الصُّوَرَا مُهَفْهَف القَدِّ لا يُطفِي لَظَى كبدِي . . . إلاَّ ارْتشافي لَماه الباردَ العطِرَا أغَنُّ يكسِر جَفْنيْه على حَوَرٍ . . . يُذيبُ نفسِي ونفسي تعشقُ الحَورَا بدرٌ على غُصن بانٍ في مَحبَّتهِ . . . أكاد أعشق غُصْنَ الْبانِ والقَمَرَا أُقبِّل الدُّرَّ من عِشْقِي لِمَبْسمِه . . . لمَّا رأيتُ ثَنايَا ثَغْرِه دُرَرَا وأدَّنِي الْبانةَ الغَنَّا إلى كبدِي . . . لمَّا حكتْ قَدَّه المَيَّالَ إذْ خطَرَا عليه كلُّ هلالٍ ينْحنِي أسفاً . . . وكلُّ بدرٍ حَياً من وجهِه اسْتَتَرا والنَّرجِسُ الغَضُّ غَضَّ الطَّرْف حين رَنَاواحْمَرَّ وردُ الرُّبَى من خَدِّه خَفَرَا ذكرْتُه حين فاحَتْ لي مُعَنْبَرة . . . رِيحُ الصَّبا وسرَى لي سِرُّها سَحَرَا يا أيُّها القمرُ السَّارِي إذا خطَرتْ . . . إليك عَيْناه واستحْلَى بك السَّمَرَا أبلِغْه يا بدرُ قُل مُضناك أوْدَعنِي . . . أُهدِي إليك سلاماً طَيِّباً عطِرَا يُمْسِي سَمِيرِي ويبكي من صَبابتِه . . . شوقاً إليك ويَرْعَى الأنْجُمَ الزُّهرَا عسى أخوك إذا أخْبرتَه خَبَرِي . . . يَرْثِي لحالِي فحالي شَجْوُ مَن نَظَرَا وقوله : يا طلعةَ البدرِ في دَيْجورِ أغْلاسِ . . . ويا هلالاً على غُصْنٍ من الآسِ(3/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
يا من كتمتُ الهوى صَوْناً له فإذا . . . فَاهُوا بذكْرِ اسْمِه غالطتُ جُلاَّسِي يا مَن إذا ضُرِبت في حُبِّه عُنُقِي . . . ما مالَ إلاَّ إليه مُسرِعاً رَاسِي يا مُنْية القلبِ ما عنِّي أتاك فقد . . . أوْحَشْتنِي يا حبيبي بعد إيناسِ فقد أتاني حديثٌ منك أدَّبَنِي . . . وزاد واللّهِ في وَهْمِي ووَسْواسِي أذاب نفسِيَ ممَّا جاء منك فلو . . . لا أدمُعِي أحرقتْني نارُ أنْفاسي وحين عاينْتُ صبْرِي عنك مُمتنعِاً . . . وبِتُّ أضربُ أخماساً بأسْداسِ كتبتُ والدمعُ يمحُو ما تخُطُّ يدي . . . حتى بكتْ ليَ أقْلاَمِي وقِرْطاسِي فاعطِفْ على مُسْتهامٍ عاشقٍ دَنِفٍ . . . بين الرجاءِ لطَيْفٍ منك والْياسِ ماذا الصدودُ الذي ما كنتُ آلَفُهُ . . . متَى يلين لما بي قلبُك القاسِي لو أنَّ لي ساعةً أشكُو إليك بها . . . حالي وقد نام حُسَّادِي وحُرَّاسِي مالي أُمَلِّك نفسِي مَن يُعذِّبها . . . بالصَّدِّ عنِّي ومالي أذكُرُ النَّاسِي يا ناسُ هل لي مُجيرٌ من هوَى رَشأٍ . . . مُهَفْهفٍ كقَضِيب الْبانِ مَيَّاسِ أذاب قلبي وسَلَّ النومَ عن مُقَلِي . . . بفاتنٍ فاترِ الأجْفانِ نَعَّاسِ مَن لي بزَوْرَتِه جُنْحَ الظلامِ وقد . . . غاب الرَّقيبُ ونامَتْ أعيُنُ الناسِ أُمسِي أُعانِقُه ضَمّاً إلى كبدِي . . . ما في العِناق وما في الضَّمِّ من باسِ وأنْثني عند رَشْفِي خمْرَ مَبْسَمِه . . . سُكْراً وأسكَر من مارِيقةِ الكاسِ عسى الذي قد قضَى بالحُبِّ يجمعنا . . . يا طَلْعة البدرِ في دَيْجورِ أغْلاسِ وقوله : أفْدِي التي بِتُّ أبُلُّ الجوَى . . . من رِيقها باللَّثْمِ والمَصِّ قالوا لها لمَّا رأَوْا خَدَّها . . . وفيه أثرُ العَضِّ والقَرْصِ ماذا بخَدَّيْك فقالتْ لهم . . . نِمْتُ ولم أشعُر على خِرْصِي يا حُسْنَ خَدَّيْها وعَضِّي على . . . ناعمِ كَفٍ تَرِفٍ رَخْصِ كفَصِّ ياقوتٍ على دُرَّةٍ . . . آهِ على الدُّرَّةِ والفَصِّ وكتب إلى ولد عمه عز الدين محمد بن شمس الدين بن شرف الدين ، يعاتبه لكلامٍ بلغه عنه : أعاتُبه وهْو الملِيكُ المكرَّمُ . . . وقبل افْتتاحي للِعتاب أُسلِّمُ سلامٌ على أخلاقِك الغُرِّ كلَّما . . . تألَّق عُلْويُّ السَّنَا المُتبسِّمُ سلامٌ كزَهْر الروضِ صافحه الصَّبا . . . وراح برَيَّا نَشْرِه يتنسَّمُ كماءِ الصِّبا يجْرِي بخدِّ خَرِيدةٍ . . . فيزْهو بها وردُ الخدودِ المُنعَّمُ(3/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
سلامٌ كأنفاسِ الحبيب اعتَنَقْتُه . . . ففاح به ثَغْرٌ شَهِيٌّ ومَبْسَمُ على حَضْرة المَلْك الأَعزِّ الذي له . . . على صَهواتِ النجْمِ خِيمٌ مُخيِّمُ له شرَفٌ يهوَى الدَّرَارِي لَوَ انَّها . . . له شرَفٌ والشَّأْوُ أعلَى وأعظمُ وبيتُ عُلاً فيه زُرارةُ ما احْتَبَى . . . ولا نَهْشَلٌ فيه سَمُوحٌ مُعجّمُ ولكنه بُنْيان مجدٍ يشِيدُه . . . إمامٌ مُحِقٌّ أو مَلِيكٌ مُعظَّمُ قواعدُ مجدٍ للفَخار قديمةٌ . . . تأخَّر عن أدْنَى مَداها المُقدَّمُ ليحْيَى أميرِ المؤمنين أساسُها . . . وفيها لشمسِ الدين مَثْوىً ومَلْزَمُ وقَفَّاهما في رَفْع بيتِ عُلاهما . . . فتىً وصْفُه في المَعْلوات له سَمُ مَلِيكٌ له تعْنُو الملوكُ مَهابةً . . . فيَقْضِي عليهم ما يشاءُ ويحكمُ منها : صَبا قلبُه بالمجدِ والمجدُ دُمْيَةٌ . . . وما مهرُها إلاَّ بمُعْتَرَكٍ دمُ ومَن عَشِق العَلْياء شاق فُؤادَه . . . حسامٌ وخَطِّيٌّ وطِرْفٌ يُحَمْحِمُ منها : أمولايَ يا خيرَ الأنامِ نداءُ مَن . . . مَودَّته ما عاش لا تتصرَّمُ نداءُ أخٍ ما زال يَسْدِي لسانُه . . . عليك ثناءً كالعبيدِ ويُلْحِمُ ثناءٌ يُعِير الروضَ وهْو مُفَوَّفٌ . . . ويَخْجِل منه الدُّرُّ وهْو مُنظَّمُ ويفْتَرُّ عن زهرِ الفَرادِيس زهرُها . . . وباكَرها دمعٌ من المُزْنِ مُنْجَمُ كأجْنحةِ الطاوُوسِ حُسْناً وبَهْجةً . . . يدُلُّ له روضُ الربيعِ المُنَمْنَمُ ثناءُ فتىً شاقْته منك شَمائلٌ . . . حلَتْ فيه شُهْداً ثملَتْ فهي عَنْدَمُ وطابتْ ففاحتْ عَنْبَراً وتنفَّسَتْ . . . عَبِيراً فكادتْ في الوجوهِ تنَسَّمُ فما بالُها في وجهِ وُدِّيَ قَطَّبتْ . . . وكاد مُحَيَّا بِشْرِها يتجهَّمُ وفيما أتاني عنك قلبِي بسيْفِه . . . كَلِيمٌ وبعضُ القولِ كالسْيفِ يكلِمُ تبِيتُ له في القلبِ منِّي قوارِصٌ . . . تُؤرِّقني والناسُ حَوْليَ نُوَّمُ يهيمُ ببَحْرِ الفكرِ منذ سمعتُه . . . فؤادي إذا السُّمَّار نامُوا وهَوَّمُوا أقول أخي قد أصبح اليومَ واجِداً . . . ووَجْد أخي يُشْجِي فؤادي ويُؤلمُ(3/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
وكيف يظُنُّ السوءَ فيّ لنَيْربٍ . . . نَماها إليه شيخُ سَوْءٍ مُذَمَّمُ وماذا الذي إن كان حقّاً كلامُه . . . سيحْوِيه كفِّي ساءَ ما يتوهَّمُ فتبَّتْ يَداه كيف يعْزُو إليَّ في . . . مَقامِك أمْراً ليس لي فيه مُلْزِمُ وبعضُ مُعاداةِ المُعادِين غِبْطةٌ . . . بلَى عِلَّةٌ يُنْحَى عليها فتُحسَمُ كآدمَ إذْ عاداه إبليسُ عامداً . . . وليس له ذَحْلٌ عليه ولا دَمُ سعَى بيَ واشٍ لا سعتْ قدمٌ به . . . فزَخْرَف أقوالاً وقال وقُلْتُمُ أمَا قسَماً بالمُستجِنِّ بطَيْبةٍ . . . وحِلْفيَ عن حِنْثٍ أُبِرُّ وأُكْرِمُ لئن كان قد بُلِّغْتَ عنِّي جنايةً . . . لَمُبْلغُك الواشِي أغَشُّ وأظلمُ فرِفْقاً ورَعْياً للإخاء فإنني . . . أخوك الذي يَلْوِ عليك ويَرأَمُ يصُون ويرْعَى سالفاتِ عوارفٍ . . . ويُنْبِىءُ عن مَكنُونها ويُتَرْجِمُ فيا ملِكاً قد جاءني عنك أنّه . . . تَمُرُّ بسمْعِي وهْو صابٌ وعَلْقَمُ يقول فلان أنتُم تعلمونَه . . . وهل علمِوا إلاَّ الذي أنت تعلمُ وهل ذَمَّنِي إلا الحسودُ فإنه . . . لَيعْلَم ما يُشْجيه عنِّي ويُرْغِمُ ولو جاز إطْرائِي لنفسي سمعتَه . . . ولكنَّ مدَح النفسِ للنفس يرحُمُ عليك فسَلْ عن شِيمتِي غيرَ حاسدٍ . . . يبُثُّ جميلَ الذِّكرِ لا يتلَوَّمُ يقُل هو لا جَعْدٌ على الوَفْرِ كفُّه . . . إذا نالَه من بَذْلِه يتبرَّمُ ولا ضَرِعٌ إن فاقَةٌ فوَّقتْ له . . . سهاماً وللنُّعْمَى ولِلْبُوسِ أسْهُمُ ولا هو إن نال الغِنَى قصَر الغنى . . . على نفسِه بل وَفْرُه مُتقسِّمُ ولا هو مَن إن راح عُطْلاً من الثَّرَى . . . يرُحْ وهْو عُطْلٌ من حُلَى الفضلِ مُعْدِمُ يكُفُّ جِماحَ القولِ لا عن فَهاهةٍ . . . وإن قال لا عِيٌّ ولا هو مُفْحَمُ ويَأْتلِقُ النادِي بسِحْر بَيانِه . . . كأنَّ سَناه في دُجَى الحظِّ أنْجُمُ وتهْوى الغَوانِي أن مَنْظومَ فكرِه . . . ومَنْثورَه في حَلْيِهِنَّ يُنظَّمُ طغَى قلمي فاصفَحْ فإنك هِجْتَهُ . . . بمَأْلُكَةٍ فيها عليَّ تحكّمُ تجنَّيْتَ لي ذنْباً لتعذِر جانياً . . . كذِي العُرِّ إذ يَكْوي صَحِيحاً ويسلَمُ فلا غَرْوَ أن فار الإناءُ بمائِه . . . ومِن تحته نارُ الغَضا تتضرَّمُ وإنَّ كَمالِي مُنْتَمٍ ونقِيصَتِي . . . إليك وإن أثْلَم فإنَّك تثلَمُ فعِرْضُ أخِي عِرْضِي وعرضِيَ عِرْضُه . . . ولي لحمُه لحمٌ ولي دمُه دَمُ أمولايَ يا من خُلْقُه الروضُ ناضِراً . . . برَوْح له يرْتاح من يتوسَّمُ(3/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
أُعِيذُ كمالاً حُزْتَ خَصْلَ رِهانِه . . . فجاوزْتَ شَأْواً دونه النجمُ يُحْجِمُ وحِلْماً تزول الرَّاسياتُ وركنُه . . . شديدُ المَباني لا كمَن يتحلَّمُ وقلباً ذَكِيّاً مُشْرَباً ألْمَعيَّةً . . . إياسٌ لديها أغْلُف القلب أفْدَمُ أعيذك أن يُصْغِي إلى قولِ كاشِحٍ . . . يُحبِّرُ زُوراً وَشْيَه ويُسهِّمُ يُوافيك في بُرْدِ التَّمَلُّقِ كاذباً . . . وتحسَب غُفْلاً بُرْدَه وهْو أرْقَمُ وكيف وأنت الفحلُ جاز مِحالُه . . . عليك لَعَمْرِي أنت أذْكى وأحْلَمُ وهل في قَضايا العقلِ مولايَ أنه . . . لديْك يُصدَّى صارمِي ويُكَهَّمُ أخي إن كَففْتَ الخيرَ فالشَّرَّ كُفَّه . . . كَفافاً فكُن إن الكَفافَ لَمغْنَمُ فرفقاً بنفْسٍ من مقالِك أوْشكَتْ . . . تذُوب وكادت حسرةً تتصَرَّمُ أقول إذا جاشَتْ عليه وأرْزمَتْ . . . وعادتُها من جَفْوةِ الخِلِّ تُرْزِمُ هنيئاً مَريئاً غيرَ داءٍ مُخامرٍ . . . لمَولاي منِّي ما يحِلُّ ويحرُمُ أمولايَ من يُرْضِيك كُلُّ خِلالهِ . . . وأيُّ فتىً في الناسِ قِدْحٌ مُقَوَّمُ كفَى المرء نُبْلاً أن تُعَدَّ ذنوبُه . . . فتُحصَى ومَن ذا من أذَى الناسِ يسلمُ وإنِّي على ما كان مُثْنٍ وشاكرٌ . . . مدَى الدهر لا أشكو ولا أتظَّلمُ ولستُ بناسٍ ذِكْرَ أخلاقِك التي . . . بها أنا مهما عِشتُ مُغْرىً ومُغْرَمُ فلا تحسَبَنِّي صادِفاً للثناءِ إنْ . . . ثَناك من الواشِين ظَنٌّ مُرَجَّمُ وحقِّك إنِّي ما حيِيتُ لَوامِقٌ . . . شمائَلك الحُسنَى مُحِبٌّ مُتيَّمُ وهل يقْلَع الإنسانُ مُقْلَة نفْسِه . . . وإن يأْت من عَوْرائها لا يهُوِّمُ وليس انْتزاحي عن جَنابِك جاحِداً . . . عوارفَ يدْرِي حقَّها اللحمُ والدمُ ولكنَّ إخواناً أبَوْا لي فِراقَهمْ . . . فطاوعْتُهم والقلبُ بالشوقِ مُفْعَمُ ولا صارفاً وُدِّي لغيرك صادِفاً . . . به عنك يأْبَى لي الوفا والتكرُّمُ فؤادَك أبْغِي أن يكون مَكانتِي . . . به حيث لا يرضَى وُشاةٌ ولُوَّمُ إذا صَحَّ لي من قلبِك الوُدُّ وحدَه . . . ظفِرتُ فلا آسَى ولا أتندَّمُ وما لي إلى ماءٍ سوى النِّيلِ حاجةٌ . . . ولو أنه أستغْفرُ اللّهَ زَمْزَمُ ومما يحسن من شعره ، قوله :(3/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
نفسِي الفداءُ لشادِنٍ . . . مُرِّ الجفَأ حلوِ المَراشِفْ قاسِي الفؤادِ أعار أغْ . . . صانَ النَّقا لِينَ المَعاطِفْ لهِبتْ بنارِ صُدودِه . . . كبدِي ودمعُ العينِ ذارِفْ ومُمَنَّعٍ كالغُصنِ دُو . . . ن لِقائِه خوضُ المَتالِفْ مِن وَصْلِه وصُدودِه . . . أنا دائماً راجٍ وخائفْ فعَلتْ بنا ألْحاظُه . . . ما تفعلُ الأسَلُ الرَّواعِفْ مُتجاهِلٌ عمَّا يُقا . . . سِي فيه قلبي وهْو عارفْ وقوله : نَسَماتُ النسيم من نَعْمانِ . . . وابْتسام الوَميضِ باللمَعانِ سَعَّرا نارَ مُهْجتي وأثارَا . . . شَجْوَ قلبي وهَيَّجا أشْجانِي ذَكَّراني بعَصْرِ وصلٍ تقضَّى . . . آهِ لَهْفِي لفَوْتِ ما ذكَّرانِي هاشَبابي مضَى وما نلْتُ وصلاً . . . أين منِّي شبابُ عمرٍ ثانِي يا خليليَّ خلِّيانِي فمابي . . . من غرامٍ أذاب قلبِي كَفانِي ما تُحلاَّ باللَّوْمِ عِقْدَ عهودِي . . . فاعذِراني باللّهِ أو فاعْذِلاني فبسمعِي من ذلك اللومِ وَقْرٌ . . . قد أجبْتُ الغرامَ لمَّا دعانِي قسَماً بالحَطِيم والحِجْر والبَيْ . . . تِ العظيمِ المُقبَّلِ الأرْكانِ وبمَن حَلَّ عِقْدَ عهدي ومن قد . . . حَلَّ منِّي هواه كلَّ مكانِ وبِعَصْر الشبابِ عُذْر التَّصابِي . . . وعفافِي إذا وصلتُ الغوانِي وبِعصْيانيَ المَلامَ مُطِيعاً . . . لغَرامِي وهذه أيْمانِي إنني قد حملتُ من مُثْقلاتِ الصَّ . . . دِّ ما لا يُطِيقُه الثَّقَلانِ يا مُرِيدَ السُّوِّ لي كُفَّ عنِّي . . . فعَنِ الحبِّ ليس يُثْنَى عِنانِي أنا حِلْفُ الهوى رضيعُ الصَّبابا . . . تِ حِلْفُ الغرامِ والأشْجانِ بين قلبي وسَلْوتِي مثلُ ما بَيْ . . . نَ حِسانِ الوُجوهِ والإحْسانِ فاسْتَرِحْ عاذِلي ودَعْنِي أُعانِي . . . من تبارِيحِ لَوْعتِي ما أُعانِي لا تلُمْنِي ومثلَ نفْسِك عامِلْ . . . نِي فإن الإنسانَ كالإنْسانِ أنت بدْرِي وإن تجاهلْت ما يفْ . . . علُ وَجْدٌ بِذِي هَوىً وَلْهانِ لستَ لا والغرامِ تجهل شأْناً . . . لِمُحبٍ وإن تجاهلتَ شانِي أنت إمَّا مُغالِطٌ لِي وإلاَّ . . . فغَيورٌ أو حاسِدٌ أو شَانِي(3/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
وجيه الدين عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب
ابن علي بن شمس الدين بن شرف الدين بن شمس الدين بن أحمد بن يحيى . الوجيه نضر الله وجهه ، وجعل وجهته للفلاح خير وجهة . من بين معادن الموجودات النضار أو العسجد ، ومن بين جواهر الذوات درة التقاصير أو الزبرجد . فهو كنز النائل المستماح ، ومطلب الكرم والسماح . له لب الفخار الأشب ، وبحبوحة النسب والنشب . سامي السماك بعزمٍ للحساد مبيد وماحق ، وسبق إلى غايات الفضل ولا بدع فليس للوجيه لاحق . وقد وقفت له على شعرٍ تلألأ غرة المجد في محياه ، وتروق السقاة الأقمار كؤوسها من حمياه . فمنه قوله : قد طار قلبي إلى مَن لا أُسمِّيه . . . وإن تناسَى الوفا فاللّهُ يحْمِيهِ مُهَفْهَفٌ مادَ من تِيهٍ ومن جَذَلٍ . . . فكاد قَدُّ قضِيب الْبانِ يَحْكِيهِ بدرٌ تكادُ بدورُ التِّمِّ تُشبِهُه . . . والظَّبْيُ حاكاه لكنْ ما يُساوِيهِ ذُو مُقلةٍ يعرف السحرَ الحلالِ بها . . . قلبي بها يتقلَّى في تَلَظِّيهِ كم أكتمُ الحبَّ في قلبي وأُضْمِرُه . . . لكن مدامعُ عيْني ليس تُخْفيهِ أبِيتُ أرْعَى نُجومَ الليلِ مُنْزعِجاً . . . ألْتاعُ شوقاً وفي قلبي الذي فيهِ لي نارُ وَجْدٍ واشواقٍ أُكابدُها . . . للّهِ قلبيَ فيه كم يُقاسِيهِ البرقُ يُذْهِلُه والرِّيحُ يُدهِشه . . . والشوقُ ينْشُره والوجدُ يَطْوِيهِ
ولده الحسين
سيد هذه الأسرة بأسرها ، والواقف على نكتة المسألة وسرها . أحد من تحدى بما أبدى ، وأسكت كل منطيقٍ لما أدى .(3/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
تصدر بالعلم وجلالة القدر ، حتى شهد له الصدر بأنه الصدر . وكانت بلادهم مخضرة الأكناف من أندائه ، فشمل بره كافة أصدقائه وأعدائه . فأصبح والهمم إليه نازعة ، ولطاعته متنازعة . والقلوبُ بولائه صبة ، وإلى ثنائه منصبة . افترت أيامه ضاحكات المباسم ، واستوت فلك أمانيه على مراسم المواسم . حتى قام الإمام محمد بن أحمد بن الحسن قومته التي أرهبت ليوث الآجام ، وهي بعد أجنةٌ لم تخرج من الأرحام . فما عقد أمانا ، ولا وفى ضمانا . ولا أشهد على نفسه ثقة ، ولا غلط يوماً بفرط متعة . ولبس لبس الأشرار ، وخلع حلية الأحرار . ضربا بالسيوف البواتك ، وطعنا بالرماح الفواتك . حتى لقيت اليمن منه العبر ، ووقفت من خروجه على جلية الخبر . فبعض كبرائها ترك الوطن وجلاه ، والبعض الآخر أسلمته إلى القيود رجلاه . فكان الحسين ممن استبدل اليمن بالحرم الآمن ، وأقام به وهو كالدرة في وسط الصدف كامن . فتلت الألسن سور أوصافه ، واجتلت الأسماع صور اتسامه بالفضل واتصافه . وقد رأيته بمكة في يومٍ خرج به متنزها ، وجوه يطلع صندلا ، وممشاه يفوح مندلا . فرأيت ملكاً في صورة ملك ، وبدراً طلع من فلك . عنوانه يدل على طرسه ، ونور معاليه مبين طهارة غرسه . وطلبت به الاجتماع مع واسط له من أخصائه مادح ، فاعتذر له بما اعتذر به عز الدولة ابن صمادح . وذلك ما حكى ابن اللبانة الشاعر ، قال : ذكرته لأحدٍ ممن صحبته من الأدباء ، ووصفته بما فيه من الصفات العلية ، فتشوق إلى الاجتماع به ، ورغب إلي في أن أستأذنه في ذلك . فلما أعلمت عز الدولة ، قال : يا أبا بكر ، أتعلم أنا اليوم في خمول وضيقٍ ، لا يتسع لنا معهما ، ولا يجمل بنا الاجتماع مع أحدٍ ، لا سيما مع ذي أدب ونباهة ، يلقانا بعين الرحمة ، ويزورنا بمنة الفضل في زيارتنا ، ونكابد من ألفاظ توجعه ، وألحاظ تفجعه . يجدد لنا هماً قد بلي ، ويحيي لنا كمداً قد فني ، وما لنا قدرةٌ أن نجود عليه بما يرضى به عن همتنا ، فدعنا كأننا في قبر نتدرع لسهام الدهر ، بدرع الصبر .(3/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
وهو كما تحققته في العلم أجل من انعقدت عليه عشرة أبناء الدهر ، وأشهر من البدر في ليلة الرابع عشر من الشهر . وله في الأدب فرائد شنف بها آذان الزمان ، وأطلعها أشف من قلائد العقيان ، وعقود الجمان . وجميع ما أثبت له قد جردته من كتاب الطوق الذي جمعه يوسف بن علي الهادي من شعر بعض العصريين باليمن . قال فيه : لما بلغه تأليفي لهذا الطوق ، وتكليف نفسي بمزاحمتها لأهل هذه الصناعة فوق الطوق . رغب الاطلاع عليه ، وسأل مني ذلك فسيرت ما كان قد تحصل مني إليه . وسألت منه نظم شيء في الحمائم ، ونقل ما أمكن من نظمه ونثره اللذين لم يكتم شهادتهما ومن يكتمها فإنه آثم . فعاد الرسول مصحوباً بقطعة منها هذا نظير ، في وصول الطوق الذي لا يدخل تحت الطوق له نظير ، يُوسُفِيُّ الجمالِ كم هام صَبٌّ . . . في معانِي جمالهِ اليُوسُفِي ولما كمل له النظر فيما أرسلت إليه من هذا التأليف ، أعاده إلي ومعه كراس فيها من معجز نظمه البديع الترصيف . افتتحها بأبياتٍ ، مدح بها ما أودعته في هذا التأليف من الأبيات البينات . ولعمري : إن الإنصاف ، من خلال الأشراف . والإنكار ، من خلال الأشرار . والإنكار ، من خلال الأشرار . وقبلها من قوله ، ما لفظه : هذه الأبيات في تقريظه طوق الصادح ، الذي لا يدخل حصر أوصافه تحت طوق المادح : لَعَمْرُك ما الروضُ المُوَشَّع بالزَّهْرِ . . . ولا طلعةُ البدرِ الذي حُفَّ بالزُّهْرِ ولا الحُور قَلَّدْنَ النُّحورَ قلائداً . . . تُضِيءُ من الدُّرِّ المفصِّل بالشَّذْرِ ولا ابنُ ذُكا يا ذا الذَّكاء ولا ولا . . . بأبْهَج من هذا الكتابِ بلا نُكْرِ لقد أطربتْ ألفاظُه كلَّ سامعٍ . . . فيا مَن رأَى طَوْقاً له نَغْمةُ القُمْرِي مَعانِيه أضْحتْ في المَهارِق تُجْتلَى . . . كما يُجْتلي وَجهُ المَليحة في الخُمْرِ ولا عيبَ في ألْفاظِه غير أنَّها . . . غَدَتْ لأُلِي الألْباب تنفُث بالسِّحْرِ على كُتب التّاريخ يفضُل يا فتَى . . . كما فضَلتْ شمسُ النهارِ على البَدْرِ فما يُجْتلى وجهُ الخرِيدة بعدهُ . . . وذَلَّ به قَدْرُ اليتيمة في الدهرِ(3/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
ورَيْحانة المولَى وإن فاح عَرْفُها . . . ففي طَيِّ ذا من رِيح يوسُفَ والنَّشْرِ فمن علَّم الوَرْقا بأنَّ محَلَّها . . . به قد غدَا يعلُو على هَامةِ النَّسْرِ فقُل للذي جاءتْ بَنانُ بيَانِه . . . بزُخْرُفِ لفظٍ قد سَبا كلَّ ذي حِجْرِ لئن ورَدَت نهرَ البَيان عصابةٌ . . . فأنت الذي قد خُضْتَ من ذاك في بَحْرِ وإن هَبطتْ مصرَ البلاغةِ عُصبةٌ . . . فيوسفُ قد أضْحَى العزِيرَ على مصرِ قال : هذا هو النظم الذي لو رامت البدور أن تحاكيه لظهر عليها أثر التكلف ، أو دعيت الأقلام إلى رقمه لسعت إليه على رأسها وما جنحت إلى التخلف . أو همت الراح أن تشابهه في تجديد اللذات لقلنا لها هذا مما لا يدركه العتيق ، أو التمس أحدٌ شقيقاً للرياض لقالت له وأبيك ما لي غير هذا النظم من شقيق . أو تغلغل فكر ابن بحرٍ في طرفٍ من محاسنه غرقت فيه أواخره ، أو تجلى طرسه للأفق غارت من شموس معانيه زواهره . فلله در ناظمه من فصيحٍ لم يزل الحلي السطور لا الصدور صائغا ، ومن بليغٍ يكون الكلام دونه أجاجاً فإذا انتهى إليه تلقى طيبه فصار فراتاً سائغا . ومما جمعه من ثمر نظمه في تلك الأوراق ، وأطلق براعته لرقممه فغدا مشكوراً على الإطلاق . قوله في ورقا ، رقت من الدوح ورقا ، ورقت لها القلوب لما رقت نفسها خوفاً من الجنون وما أكيس من رقى نفسه ورقى : ما للمَشُوق مُجِيبٌ في دُجَى الغَسَقِ . . . سوى الصَّدَى وهَدِيلِ الوُرْق في الوَرَقِ يا قومُ لو كان للورَرْقا شُجونُ شَجٍ . . . ما صَفّقتْ من سرورٍ طَلْعةَ الفَلَقِ ولو لها فقَدتْ إلْفاً لما خضَبتْ . . . كَفّاً ولا جعلتْ طَوْقاً على العُنُقِ ولم تُحرِّكْ لنا عُوداً وتنشِد من . . . ألْحانِ إسحاقَ أصْواتاً على نَسَقِ وهي التي دمعها ما زال مُحتبَساً . . . والصَّبُّ من صَبِّ دمعِ العين في غَرَقِ وحَسْبُها أنها باتتْ مُعانِقةً . . . غُصْناً وبتُّ لغُصني غيرَ مُعتنِقِ أبِيتُ ليلِي أُراعِي النجمَ مُكتئِباً . . . لفَرْطِ ما بِيَ من وَجْد ومن أرَقِ ما أعجبَ الحبَّ يشْتاقُ العَمِيدُ إلى . . . رِئْم الصَّريمِ وقد أرْداه بالحَدَقِ يا وردَ ذا الخدِّ دعْ إنكارَ قَتْلِ فتىً . . . ما قَطُّ أبْقتْ له يُمنْاك من رَمَقِ في خَدِّك الشَّفقُ الْقاني بدَا وعلى . . . قَتْلِ الحُسَينِ دليلٌ حُمرةُ الشَّفَقِ هذا الشعر أرق من مدام الطل في كؤوس الزهر ، وأفتن ولا أقول أفتر من جفون الحور المكسورة على الحور .(3/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
ولطيفة الشفق من مبتكراته ، وبدائع مخترعاته . والقول بأن الشفق الأحمر لم يظهر إلا من بعد قتل الحسين بن علي وردت فيه أخبار . قال العلامة ابن حجر الهيتمي ، في الصواعق المحرقة ، في باب خلافة الحسين ما لفظه : أخرج الثعلبي ، أن السماء بكت وبكاؤها حمرتها . وقال غيره : احمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة تردد بعد قتله . وأن ابن سيرين ، قال : أخبرنا بأن الحمرة مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين . وذكر ابن سعد أن هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله . قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه ، والجو تنزه عن الجسمية ، فأظهر تاثير غضبه على قتل الحسين حمرة الشفق ، إظهاراً لعظيم الجناية . انتهى كلام ابن حجر . قلت : للمقال مجال في هذه الأخبار ، فقد قيل قيد الشارع e انقضاء وقت المغرب بغيبوبة الشفق الأحمر ، وجعلها حكماً من الأحكام ولا يكون ذلك إلا مع ظهوره في زمنه e ؛ فإن من البعيد أن يتعبدنا الله بحكم معدوم سيوجد . والحديث الوارد في تقييد انقضاء وقت المغرب بغيبوبة الشفق الأحمر مشهورٌ عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، عن النبي e . ولفظه : ' الشفق الحمرة ، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة ' . أخرجه ابن عساكر ، في غرائب مالك . وقال الدارقطني في السنن : قرأت في أصل أحمد بن عمرو بن جابر ، قال : حدثنا علي بن عبد الصمد ، حدثنا هارون بن سفيان ، حدثنا عتيق بن يعقوب ، حدثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مرفوعاً إلى النبي e ، باللفظ المذكور أولاً . ورواه ابن عساكر أيضاً من حديث أبي حذافة ، عن مالك ، وقال : حديث عتيقٍ أمثل إسناداً . وقد ذكر الحاكم في المدخل حديث أبي حذافة ، وجعله مثالاً لما ذكره المخرجون من الموقوفات .(3/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
وقال ابن خزيمة في صحيحه : حدثنا عمار بن خالد ، حدثنا محمد بن يزيد ، هو الواسطي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمر ، ورفعه إلى النبي e : ' وقت صلاة المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق ' . . الحديث . قال ابن خزيمة : وإن صحت هذه اللفظة أغنت عن جميع الروايات ، لكن تفرد بها محمد بن يزيد ، وإنما قال اصحاب شعبة فيه : نور الشفق مكان حمرة الشفق . قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : قلت ، محمد بن يزيد صدوق . انتهى . والتوفيق بين القولين صعبٌ جداً ، وبالله التوفيق . ومما يتعلق بالشفق قول الشهاب : مُذْ نَحَرْتُ الأيامَ خُبْراً وكانت . . . لي مَطايا قد أثْقلَتْها الأمانِي سلَختْ مُديةُ الهلال شُهوراً . . . شفَقُ الأُفْقِ من دمِ السَّلْخِ قَانِي ومن شعر الحسين هذه القصيدة : لفؤادي في الهوى كَدٌّ وكَدْحُ . . . ولطَرْفي بالدِّما سَحٌّ وسَفْحُ يا أخا التحْذيرِ أغْرَيْتَ وكم . . . مُغْرم أغْراه من قد راح يَلْحُو قُل لِسَالٍ أسْنَد الوَجْد إلى . . . نفسِه مَهلاً ففي الإسْنادِ قَدْحُ إن كسا الوَجْهُ حسيْناً ثوبَه . . . فأحاديثُ الكِسا فيه تَصِحُّ عاذِلي كُن عاذِري في حُبِّ مَن . . . فَرْقُه مَعْ فَرْعه صُبْحٌُ وجُنْحُ ظالمٌ مَأْواه في قلبي وما . . . لذوِي الظُّلمِ من النِّيران بَرْحُ شَحَّ بالوصلِ وللرِّيم حكَى . . . أَخُّ من شخصٍ كريمٍ فيه شُحُّ قَدُّه لا طَعْنَ في أوصافهِ . . . عجباً لا طعن فيه وهْو رُمْحُ كلَّما ماسَ تغنَّى حَلْيُه . . . فإذا للوُرْقِ فوق الغُصْنِ صَدْحُ أنْكرَتْ عيْناه قْتلِي وعلى . . . وَجْنتيْه من دمِي نَضْحٌ ونَصْحُ بدمِي قد شهدتْ وَجْنتُه . . . ولطَرْفي وَيْحَه في تلك جَرْحُ ليت شِعْري هل لقلبي سَلْوةٌ . . . عنه كلاّ ما لِهذَا البابِ فَتْحُ لا يطِيبُ العيشُ إلاَّ للذي . . . لم يكُن في طَرْفِه ما عاش طَمْحُ فعَذابي أصلُه من نَظْرةٍ . . . رُبَّ جِدٍ جَرُّه للمرءِ مَزْحُ تالله ما هذا الإ روضٌ يسند لنا وجهه الطلق عن بشر بن بسام ، وتتغنى حمائمه فيجر النسيم ذيله طرباً ويرقص الزهر والأكمام .(3/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
وقوله : إن كسا إلخ ، فيه إشارة إلى خبر مسلم ، أن النبي e خرج ذات غداة ، وعليه مرطٌ مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسين فأدخله ، ثم الحسن فأدخله ، ثم فاطمة فأدخلها ، ثم عليٌّ فأدخله ، ثم قال : ' إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ' . وفي رواية : ' اللهم هؤلاء أهل بيتي ' . وفي رواية أخرى أن أم سلمة أرادت أن تدخل معهم ، فقال e بعد منعة لها : ' أنت على خيرٍ ' . وفي رواية أنها قالت : يا رسول الله ، وأنا قال : ' وأنت من أهل البيت العام ' . بدليل الرواية الأخرى : وأنا ؟ . قال : ' وأنت من أهلي ' . وكذا قال النبي e لواثلة ، لما قال : يا رسول الله ، وأنا ؟ فقال : ' وأنت من أهلي ' . وفي حديث حسن ، أنه e اشتمل على العبا وبنيه ، ثم قال : ' يا رب ، هذا عمي وصنو أبي ، وهؤلاء أهل بيتي ، وخاصتي ، فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي ' . وقوله : ' ظالم مأواه في قلبي ' . . البيت . هو كقول ابن نباتة : شديدُ الظلمِ مسكنُه بقلبِي . . . كذاك الظلمُ يُوقِع في السَّعيرِ إلا أن بيت صاحب الترجمة أكمل معنىً ، وأروق لفظاً ، وأصح مبنىً . وقوله : شح بالوصل . . البيت ، هو كقول الصفي الحلي : مُبَخَّل يُشْبه رِيمَ الفَلاَ . . . وأطْولُ شَوْقِي من بخيلٍ كريمْ(3/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
وقوله : أنكرت عيناه قتلي . . ، والبيت الذي بعده ، هما كقول القائل : أنكرتْ مُقلتُه سَفْكَ دمي . . . وعلاَ وجْنته فاعْترفَتْ وقول الآخر : خدَّاك بقتْلي قد شهِدا . . . فعلى مَ جُفونُك تجْحدُهُ ولكن فاتهما لطيفة النضح والنصح ، وتورية الجرح التي لا أعدل ممن يشهد بحسنها من العدالة إلا العدول إلى القدح . وأما قوله : فعَذابي أصلُه من نَظْرةٍ فلا يخفى ما في وجه فصاحته من النضرة ، التي تصبو إليها أبصار البصائر من أول نظرة . وإرسال المثل فيه هو الجمال البديع ، والسحر المبين لأهل البديع . فسبحان المانح . ومن قلائد أشعاره ، وخرائد أفكاره . قوله في الغزل : خفِّفْ على ذي لَوْعةٍ وشُجونِ . . . واحْفَظْ فؤادَك من عُيونِ العِينِ فلَكَمْ فؤاد وَاجِب من سَهْمِها الْ . . . مسمومِ أو من سيْفها المَسنونِ واترُكْ مَلامةَ مُغْرَمٍ في حبِّ مَن . . . أغنتْ مَ ؛ اسنُه عن التَّحْسينِ رَشَأٌ أغَنُّ غَضِيضُ طَرْفٍ لم يزَلْ . . . يأتِي بسحْرٍ مِن رَناه مُبِينِ ستَر الضحى من شعرِه بدُجىً كما . . . كشفَ الدُّجى منه بصُبح جَبِينِ وتراه مُنتصِبَ القَوامِ ولم يزَلْ . . . عن ضَمَّه ينْهَى بكسْر جُفونِ وإذا مشَى مَرَّ النسيمُ بعِطْفِه . . . فيكاد يلْويِه لفَرْطِ اللِّينِ نابتْ عن الصَّهْبَا سُلافةُ رِيقهِ . . . وخدودُه أغْنَتْ عن النَّسْرِين ما مال كالنَّشْوان تِيهاً عِطْفُه . . . إلاّ وفيه ابنةُ الزَّرَجُونِ وترى الذي أرْداه صارمُ لَحْظِه . . . يحيا برَشْفِ رُضابِه في الحِينِ فلِحاظُه فيها المَماتُ ورِيقُهُ . . . ماءُ الحياةِ لمُغرَمٍ مَفْتونِ يا شادناً شاد الغرامُ كِناسَه . . . في مُهْجتِي لا في رُبَا يَبْرينِ لك في فؤادِي مَرْبَعٌ وحُشاشتِي . . . لك مَرْتَعٌ والوِرْدُ ماءُ عُيونِي(3/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
يا مَن له الخَدُّ الأسِيلُ ومَن له الطَّ . . . رفُ الكحِيلُ وحاجِبٌ كالنُّونِ ما زلتَ مُغْرىً بالخِلافِ لشافِعي . . . يا مالكِي وتقول لا تُرْدِينِي وَيْلاه مِن لا في الجواب وكَرْبِها . . . يا كربَ لا أرَضِيتِ قتلَ حسينِ لمَّا تحمَّلتُ الغرام وقام في . . . جَفْنِي السَّقامُ وسال ماءُ جفونِي يا مَن يدومُ على البِعادِ أما ترى . . . قد حَلَّ بي من ذاك ما يُضْنِينِي زفراتُ مُشتاقٍ ولوعةُ عاشقٍ . . . وحنينُ مُدَّكِرٍ ودمعُ حزينِ ورضيتُ قتْلي في هواك ولم أقُلْ . . . أكَذا يُجازَى وُدُّ كلِّ قَرِينِ قوله : وَيلاْه مِن لا في الجواب وكَرْبها هو كقول الفيومي ، في مليح اسمه حسين : جعلتَ جَفْني واصلاً والكرَى . . . رَاء فجُد بالوصل فالوصلُ زَيْنْ ولا تُجِبْني عن سُؤالِي بِلاَ . . . فالقلبُ يخْشَى كَرْبَلاَ يا حُسَيْنْ لكن قول الحسين هو عند نقاد الأدب الدر الثمين ، فإنه أبدع وأطرب ، وأغرى على حب محاسنه وأغرب . ومن ظره بعين الإنصاف ، رآه أسنى من البدر عند الإنصاف . ومن نظمه قوله مضمناً في شخص يلقب بأخي الحوائج : سُلْوان قلبي في هوَى من لقَّبوا . . . بأخِي الحوائج ما إليه سبيلُ عجباً له ما مَلَّه ذُو مُقْلةٍ . . . وأخو الحوائج وجهُه مَمْلولُ وقوله مضمناً مع زيادة التورية : ورِيمٍ غَرِيرٍ بالجميل مُولَّعٌ . . . تناءيتُ عنه وهو يدْنُو ويقرُبُ فقبَّلْتُه في الخَدِّ سبْعين قُبْلةً . . . وكلُّ امرىءٍ يُولِي الجميلَ مُحبَّبُ استعمال التحبيب بمعنى التقبيل عرف شائع لأهل اليمن ، وبه حسنت التورية . وكتب إلى القاضي عماد الدين يحيى بن الحسين الحيمي ملغزاً : قُل لعماد الهدى الجليلِ ومَن . . . كاد لفَرْط الذكاءِ يلْتهِبُ ما سابحٌ في البلاد ذُو قَلَقٍ . . . ما إن له في وقوفه أرَبُ يُتابع الخِضْر في شريعتِه . . . فاعْجَبْ له إنَّ أمرَه عجَبُ إذا ألْتقتْه السَّفِينُ يخْرِقُها . . . وهو لعُمْر الغلام ينْتَهِبُ لكنه في الجدارِ خالفَه . . . يُزَلْزِل الجُدْرَ وهو مُنْتَصِبُ ما زال ما سَار في تقلبُّبِه . . . وهْو على ذاك ليس ينْقلِبُ(3/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
فأجابه القاضي أبو الفضل محمد بن الحسن : يا شَرَف المَكرُمات نظمُك قد . . . وافَى إلينا وكلُّه نُخَبُ مُنْسَبِكَ النظمِ في فواصِلِه . . . كأنما الشُّهُد فيه مُنْسكِبُ مثلُ عقُود الْجُمانِ في نَسَقٍ . . . تعجزُ عن صَوْغ مثلهِ العرَبُ جاء على غِرَّةٍ فأذْعَرنِي . . . كالسيلِ لكنَّ ضَرْبَه ضَرَبُ فهو الذي أخْرَب الجِدارَ كما . . . إذا الْتقتْه السَّفِينُ تضْطرِبُ وهو الذي سار في البلادِ فلا . . . يُنْتَجُ في موضعٍ له نُجُبُ وهو لعُمْرِ الغلامِ مُنْتهِبٌ . . . أيضاً وللكهلِ ظَلَّ ينْتهِبُ وشِرْعةُ الخِضْرِ إذ يمُرُّ بها . . . طريقُه إنَّ أمْرَه عَجَبُ وهْو مَدَى الدهرِ في تقلُّبِه . . . وليس قلبٌ له إذا قلَبُوا ذكرت بهذا اللغز لغزاً لنصير الدين الحمامي كتبه إلى السراج الوراق وهو : لتُرشِدني شيئاً به تُرْشَد المُنَى . . . له قلبُ صَبِّ كم فؤاد به صَبُّ إذا ركِب الهَيْجاء يُخْشَى ويُتَّقَى . . . فلم يثْنِه طَعْنٌ ولم يثْنِه ضَرْبُ فقلتُ يهُدُّ الصَّخْرَ عند لقائهِ . . . ومن أعْجَبِ الأشياءِ ليس له قَلْبُ ومن إنشاءاته التي إذا شدا بها اليراع وزهر طرسها أزرت بكل حديقةٍ غنا ، أو عرفنا بها السحر المبين علمنا أنه لم يستتر وجه الصواب عنا . ما كتبه جواباً عن كتاب أنشأته إليه من عمى أوحد الكبرا ، وأجمل الوزرا . ذي النظم الفائق ، والإنشاء الرائق . عبد الرحمن بن الهادي ، لا برح روض مجدٍ يقيد عين الرائي وعين جود يكرع منها الصادي . وهو : سماء بلاغة زهرت نجوم بروجها ، وروضة فصاحةٍ نجمت زهور مروجها . وردت إلي بأنفاسها اليوسفية ، ونسماتها الندية الندية . من مقام من اشتد بوزارته أزر الإمارة ، وظهرت على محبته وصدق مودته الأمارة . ذلك الماجد المكرم ، والسابق في حلبتي الأدب والنسك حتى أنسى بالكميت وابن أدهم . بهجة النادي وحدقة حديقة الوادي ، وجيه الدين عبد الرحمن بن الهادي . لا زال مرتشفاً من النعم زلالها الصافي ، متفيئاً ظلالها الظليل الضافي . ما ناحت الحمام على الهديل ، وأطربت بهديرها والهديل .(3/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
وبعد ؛ فإنه ورد منه ذلك الكتاب ، الذي أزال خطوب النوى بلطف ذلك الخطاب . فأقسم بالليل من سواد نقسه ، وبالفجر من بياض طرسه . لقد تعطرت به الأرجاء وتمسكت ، بالأكف التي تلمست به وتمسكت . ولقد شنف الأذان بما أودع من الجواهر والدرر ، وفعل ذلك اللفظ اليوسفي في البصائر فعل القميص اليوسفي في البصر . فلله در منشىء ذلك الدر النظيم ، ولولا ذلة اليتم لقلت اليتيم . ولعمري إن من أجل فوائد هذا السفر المفيدة ، تطويقي بنفيس تلك الدرر الفريدة . وأسأل فالق الحب والنوى ، أن يهبني أسباب الإياب ويقطع أسباب النوى . وقد قابلت بحصى هذا الجواب درر ذلك الابتدا ، ولو لزم استواء لفظ البادي والمراجع لما سمي جواباً رجع الصدى . فعلى صاحب ذلك الكتاب وكاتبه ، أزكى سلام الله وأطايبه . ودعاؤهم مستمد في آخر شهر الصيام ، سيما بالتوفيق وحسن الختام . ومن غاياته التي لا تدرك ، وآياته التي لا تشرك . ما كتب به جواباً عن قصيدة ، كتبها إليه أوحد السادة ، وسلسيل أكرم قادة . ضياء الإسلام والدين زيد بن محمد بن الحسن ، وأرسلها على يد السيد عماد الدين يحيى بن أحمد العباسي . فأصحبها السيد المذكور أبياتاً منه تتضمن تصديرها إليه ، فأجاب عليها بهذه الكلمات ، وما بعدها من النظم الذي تنعقد خناصر المحبرين عليه : وهو : أبهى تحفٍ تحف بكل معنىً بديع ، وأبهج كلمٍ يعجز عن تحرير مثلها الحريري والبديع . وردت إلينا من مقام من أضحت العلوم بأسرها في أسره ؛ فهو ابن عباس عصره ، وابن بسام دهره ، يحيى الذي يحيا الفؤاد بذكره . أتحفه الله بسلام تتعطر الأرجاء بنشره ، ويليق بعالي مقامه الرفيع وقدره . وبعد ؛ فإنها وردت تلك المطالعة ، التي طلعت بدورها بالأنوار الساطعة . متضمنة تصدير تلك الحدائق التي تروق الناظر ، ويذوي لدى نورها النجم الزاهر ، ويخفى عند نورها النجم الزاهر . من نظام فرع الدوحة القاسمية ، وطراز العصابة الهاشمية . فلعمري لقد نسج ببنان البيان برداً لم ينسج على منواله ، وأثار برقه ذلك الغزل جوىً في حوائج كم من واله . فلما وصلت تلك الكلمة السنية ، قابلها المحب بالإعظام والإجلال ، ووضعها على العين والرأس ، وقال :(3/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
أهلاً بها فهْيَ أنفاسٌ ذَكِيَّاتُ . . . نَدِّيَّةٌ ما لها نِدٌّ نَدِيَّاتُ هبَّت لنا من جهاتِ الشرقِ عاطرةً . . . وإنها نسَماتٌ عَنْبَريَّاتُ جاءتْ تُذكِّر أيامَ العَقِيقِ فَصُبَّ . . . تْ من الطّرْف في الخَدِّ الصُّباباتُ سقَتْ عهودَ لياليِه العِهادُ ففِي . . . تلك الليالِي التي مَرَّتْ حلاواتُ أَعُدُّها من ليالي القَدْرِ حين غَدَا . . . في جُنْحِها لنُزول الرُّوح عاداتُ مَن إن تثنَّى تغنَّى حَلْيُه فإذا . . . لِلْوُرْقِ فوق قضِيبِ الْبانِ نَغْماتُ وقَدُّه ليس فيه مَطْعَنٌ أبداً . . . فاعْجَبْ وقد شابهتْه السَّمْهرِيَّاتُ واعْجَبْ لألْحاظِه ما في الجمالِ يرَى . . . حَدّاً لها قَطُّ وهْي المَشْرَفِيَّاتُ لجُملة الحُسْنِ أضحَى جامعاً فلذا . . . إذا تبدَّى غدَا للناسِ سَجْداتُ عليك يا جامعَ الحُسْنِ الدموعُ غَدَتْ . . . وَقْفاً فها هي جَوارٍ مُسْمِرَّاتُ يا مَن سَجَا طَرْفُه السَّاجِي ومَبْسَمُه الْ . . . عاجِي صَبَا مَن له بالعشقِ سَكْراتُ وخيَّلتْ لكَلِيم القلبِ مُقْلتُه . . . بالسحرِ أن حِبالَ الشَّعْر حَيَّاتُ وحُسْنُه أصْمتَ العُذَّالَ فيه وقد . . . كانتْ تَنازَع فهْي الآنَ أمْواتُ الخمرُ بالنَّصِّ حلَّتْ في الجِنانِ فلِمْ . . . يا جَنَّتي حُرِّمتْ من فِيك رَشْفاتُ يا ظالماً سُوحُه قلبِي ولا عجَبٌ . . . فالظالمون لهم في النارِ سَاحاتُ قد أنْكرتْ مُقْلتاك اليومَ سَفْك دمِي . . . فأكْذَبتْها بخَدَّيْك الأماراتُ في خَدِّك الشفَق الْقانِي وفيه على . . . قتْل الحُسَينِ كما قالوا عَلاماتُ فهْو القتيلُ بلا ذَنْبٍ له ولِذا . . . أضْحتْ تجَلَّى له في الأرض جَنَّاتُ من نَظْمِ من قد حَباهُ من بلاغتهِ . . . بجَنَّة وجَنَى تلك الجناياتُ فأصبح الطيِّبُ مُذْ فاحتْ نَسائمُها . . . في سُوحِنا وغَوالِيه رَخِيصاتُ ذاك الذي فيه أوْصافُ الكمالِ غدَتْ . . . حقيقةً وهْي في قومٍ مَجازاتُ نَدْبٌ بصَارِمه المَسْنونِ قد وجبَتْ . . . قلوبُ أعدائهِ وهْي المُباحاتُ سُلالةُ الملِك الهادي الذي عُقِدتْ . . . له على الخلقِ في الأعْناق بَيْعاتُ مُرْدِي السيوف فما تشكُو الصَّدَى أبداً . . . وكيف تشكُو الصَّدَى وهْي الصَّقِيلاتُ كم من رُءُوسٍ أبانَتْها صَوارِمهُ . . . من العِدَى وهي آياتٌ مُبِيناتُ ما عمرُو ما مثلُ زيدٍ في الزمانِ له . . . على سيادةِ من مَرُّوا زِياداتُ أبياتُه قد أتتْنا لا قصورَ بها . . . كالزَّهْر لا بل هي الزُّهْر المُنِيراتُ وافتْ على يدِ من يحْيَا الفُؤاد به . . . يحيى بنِ أحمد خَصَّتْه التحيَّاتُ(3/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
مَن جاد بالدُّرِّ منظوماً ولا عَجَبٌ . . . فالبحرُ حقّاً له بالدُّرِّ نَفثاتُ لو لم يكنْ آيةً في المَكْرُمات لمَا . . . تلَتْه في طُرُقِ المعروف ساداتُ يا كوكَبْي فلكَ العَلْيا ومن سطَعتْ . . . في كَوْكَبانَ بما قالا إناراتُ بدُرِّ نَظْمِكما للّهِ دَرُّكما . . . طَوَّقْتُماني ولي فيه مَقالاتُ لِذاك سَجَّعتُ في الأوراقِ مَدْحَكُما . . . وللمُطَوَّق في الأوراقِ سَجْعاتُ دامتْ لنا منكما يا مالِكَيَّ على . . . مَرِّ الزمانِ مَودَّاتٌ مُؤدَّاةُ ما هبَّتِ الرِّيحُ والأرواحُ تُنْشِدها . . . أهلاً بها فهْي أنفاسٌ ذَكيَّاتُ قوله : جاءت تذكر أيام العقيق . البيت فيه الاستخدام بالضمير ، وهو استخدام حسن . وقوله : من إن تثنى . . . البيت . هو كقول ابن نباتة : يتثنَّى وحَلْيُه يتغَنَّى . . . هل رأيتَ الحَمامَ في الأغْصانِ وقوله : عليك يا جامع الحسن . هو كقول الأول : أجريْتُ واقِفَ مَدْمعِي من بعدِه . . . وجعلتُه وقْفاً عليه جارِيَا وقوله : يا من سبى طرفه الساجي . فيه مراعاة النظير ، وفيه التسجيح أيضاً . وقوله : كانت تنَازَع فهْي الآن أمْواتُ قد نازعني كأس هذه النكتة ، وأنا السابق إليها بقولي : كم لي على حُسْنِه المطلوبِ من عُذَّلٍ . . . قد نازَعوا وبغَيْظٍ منهمُ ماتُوا وقوله : الخمر بالنص . . . البيت . فيه الاعتراض بجنتي ، وهو من محاسن هذه القصيدة ؛ لما اشتمل عليه من المعنى المبتكر البديع البعيد . وقوله : حقيقة وهْي في قومٍ مَجازاتُ ذكرت به قول القائل في مدح أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه : أنت للعلمِ في الحقيقةِ بابٌ . . . يا إمامُ وما سِواك مَجازُ(3/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
وقوله : لو لم يكن هو آيةٌ من آياته ، وفيه إثبات صفة غير ممكنة للموصوف ، وهو كقول ابن نباتة : ولو لم تكنْ في الجودِ للناسِ آيةً . . . لمَا كان مُنْهَلُّ الغَمام تَلاكَا وهذا النوع من البديع بديع ، منه قول الخطيب الدمشقي : لو لم تكُنْ نِيَّةُ الجَوْزاء خِدْمتَه . . . لمَا رأيتَ عليها عقدَ مُنْتطِقِ وقول التهامي : لو لم يكُنْ أُقْحُواناً ثَغْرُ مَبْسَمِها . . . ما كان يزْدادُ طِيباً ساعةَ السَّحَرِ وقوله أيضاً : لو لم تكُنْ رِيقَتُه خَمْرةً . . . لما تثَنَّى غُصْنُه وهْو صاحِ وقول أبي إسحاق الغرناطي : ولو لم يكُن رِيقُه سُكَّراً . . . لمَا دار من حَوْلِه الشَّارِبُ ومن محاسن الحسين ، قوله مضمناً ومورياً ، لما استشهد أوحد الأمراء صفي الدين أحمد بن محمد بن الحسين ، وكان لكثرة صمته تلقبه العامة بحجر : ودِدْتُ مَصرعَ مولانا الصَّفِيِّ ولا . . . رجوعَ في سِلْكِ قومٍ بعد أن كسرُوا وصرتُ أُنْشِد من كَرْبٍ ومن أسَفٍ . . . ما أطْيَبَ العيشَ لو أن الفتَى حَجَرُ
السيد عيسى بن لطف الله بن المطهر بن الإمام شرف الدين
هو من سادات هذه القبيلة ، ونبغاء هذه الطائفة النبيلة . متعادل الشرفين ، محبوك الجد من الطرفين . وله كلماتٌ من نفحة عيسى فيها نفخة ، ومحاضرات في صفوة المدامة منها رشحة . وكان في كل العلوم مشاراً إليه ، إلا أنه أكثر من علم النجوم فغلب عليه . فمن شعره هذه القصيدة ، كتبها إلى الإمام القاسم ، يتنصل مما ينسبه الناس إليه ، وكان توجيهها من كوكبان إلى شهارة . وهي قوله : ما شاقَنِي سَجْعُ الحَمامهْ . . . سَحَراً ولا بَرْقُ الغَمامَهْ(3/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
كلاَّ ولا أذْكَى الجوَى . . . ذِكْرُ العُذَيْب وذكرُ رَامَهْ ودموعُ عيني ما جرَتْ . . . شَوفاً إلى لُقْيا أُمامَهْ هيْهات قلبي لا يمِي . . . لُ إلى مليحٍ هَزَُّّ قامَهْ ما شاقَنِي إلاَّ الذي . . . نفْسِي عليه مُستَهامَهْ بَرٌّ كريمٌ ماجدٌ . . . حازَ الجَلالةَ والشَّهامَهْ وحوَى الفَخارَ جميعَه . . . حتى غدا في الدهرِ شامَهْ لبِس الفضائلَ حُلَّةً . . . فبدَتْ لها منه وَسامَهْ فردٌ تفرَّد بالعُلَى . . . ولديْه للعَلْيا عَلامهْ أعْنِي أميرَ المؤمنِي . . . نَ مُغِيثَ أرْبابِ الظُّلامَهْ القاسمَ المنصورَ مَن . . . زان الخلافةَ والإمامَهْ رُكن النُّبُوَّةِ شاده . . . والبيْت ترفعُه الدِّعامَهْ عَرِّجْ بِمَرْبَعهِ الكري . . . مِ ترَى به وَجْهَ الكرامَهْ وترَى جوَاداً دونَه . . . في الجودِ طَلْحةُ وابنُ مامَهْ أعداؤُه شهِدتْ به . . . بالفضلِ طُرّاً والزَّعامَهْ والفضلُ ما شهِدتْ به ال . . . أعداءُ لا أهلُ الذِّمامَهْ أحْيا الجهادَ فكم له . . . يوم حكَى يومَ اليمامَهْ واسْألْ بذاك سُيوفَه . . . كم أذْهَبتْ في الجوِّ هَامَهْ فَطِنٌ يكون بِسَلْمِه . . . بَدْراً وفي الهَيْجا في الجوِّ أُسامَهْ مولايَ يا قَمَر الهُدَى ال . . . مذكورَ في قتِ الإمامَهْ يا مَن أرَى حُبِّي له . . . أسْنَى الذَّخائرِ في القيامَهْ وجَّهْتُ نحوَك سيِّدي . . . عِقْداً أجَزْتُ به نِظامَهْ عِقْداً من النَّظْمِ الذي . . . سَلبتْ خَرائدُه قُدامَهْ يُهدِي إليك تحيَّتي . . . ويُزيل عن سِرِّي لِثامَهْ أيضاً ويُوضِح حُجَّتِي . . . والحقُّ مَسْلكُه أمَامَهْ لا تأخُذَنِّي سيِّدي . . . بمَقالةٍ حازَتْ ذِمامَهْ وبقَوْلِ واشٍ قد حشَا . . . لضعيفِ فِكْرته أَثامَهْ قد قال إنِّي قائلٌ . . . بنُجومِ سعدٍ أو شَآمَهْ ونفَيْتُ صَنْعةَ ربِّنا . . . ووثِقْتُ عمْداً بالنَّجامَهْ(3/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
لا والذي جعلَ النُّجو . . . مَ بلَيْلها تجلُو ظَلامَهْ ما قلتُ إلاَّ أنَّها . . . للناسِ والأنْوا عَلامَهْ ولمن أتَى مُسْتغفِراً . . . للّهِ رَجْوَى في السَّلامَهْ مولايَ واسْأَلْ لائِمِي . . . فلقد تهوَّر في المَلامَهْ ما صيَّر القمرَ التما . . . مَ مُحقَّراً يحكِي القُلامَهْ ولِمَ الخسوفُ يُصِيبُه . . . في الضَّعف إن وَافَى تمامَهْ والشمسُ والأفْلاكُ تُو . . . ضِح لي بهيْئَتها كلامَهْ فبها عرَفتُ بأنها . . . خَلْقُ الذي يُحْيي رِمامَهْ وعليك صلَّى خالقِي . . . وحبَا رُبوعَك بالكَرامَهْ واسلَمْ ودُم في نعمةٍ . . . يا خيرَ من رفَع العِمامَهْ ومن شعره ما قاله لما مر ببعض آثاتر جده المطهر : قلتُ لمَّا رأيتُ مُرْتبع المُلْ . . . كِ بسُوحِ المُطهَّر المَلْك مُخْلَى أبداً تسْترِدُّ ما تهَبُ الدُّنْ . . . يا فيا ليت جُودَها كان بُخْلا وأورد له ابن حميد الدين في كتابه ترويح المشوق هذه الأبيات : ظَبْيٌ على ظَبْيٍ سَطَا . . . منه المُعَنَّى خلَّطَا يا هاجرِي كُن واصلِي . . . فواصلٌ نَجْلُ عَطَا بَغَيْتَ بالصَّدِّ ولا . . . أقُولُ أبْغَى الخُلَطَا لمَّا رأتْك مُقْلتِي . . . قلتُ هلالٌ هَبطَا أردتُ منه وَصْلَهُ . . . ورُمْتُ أمَراً فُرُطَا ورامَ صَبْرِي عاذِلي . . . فقُلتُ رُمْتَ الشَّطَطَا قلبي عليه ذائبٌ . . . ومنه ما قَد قَنِطَا إذا سلَوْتُ عِشْقَه . . . فسَلْوتي عينُ الخَطَا أقْسمتُ ما أترُكُه . . . ولو بشَيْبٍ وُخِطَا ولو إلى الموتِ دعا . . . حثَثْتُ في السيرِ الخُطَا وربُّنا سبحانَه . . . يغفرُ في الحبِّ الخَطَا
ولده السيد جعفر
أديبٌ شمائله مفترة عن النسيم ، وأخلاقه منتسجة من الروض الوسيم . يكاد للطفه يطير مع الهوا ، لولا تجاذبه علائق الأهوا .(3/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
وله شعرٌ يطرب المستمع ، ويستشف صدق برقه الملتمع . فمنه قوله : في القلبِ من لَحَظاتِ الحبِّ أشْجانُ . . . وفي الفؤادِ من الهجْرانِ نِيرانُ وكيف أفْتُر عن ذِكْر الحبيب وفي . . . قلبي جوىً وسحابُ الجفْنِ هَتَّانُ وللفؤاد اشْتياقٌ في هوَى قمرٍ . . . تُشْجِيه من نَغمات الطيرِ ألحانُ وكم تعلَّقتُ بالإعْراضِ عنه وكم . . . بكيتُ حتى بكَى لي في الحِمَى الْبانُ وشَفَّني فيه وَجْدٌ لا أُطِيق له . . . وكيف أصبرُ عنه وهْو فَتَّانُ حسِبتُ أنّ الكَرَى في العشقِ يُسْعِدني . . . فصَحَّ لي فيه أن القَوْمَ خُوَّانُ قد كنتُ أملِك قَلبي قبل عِشْقتِه . . . والآن قد رحلَتْ بالعقْلِ أظْعانُ يا مُحرِقاً لفؤادٍ أنت ساكنُه . . . رِفْقاً فقد فتكَتْ بي منك أعْيانُ وكلُّ من لامَني في الحبِّ قلتُ له . . . يكْفيك أنَّ عذابي فيه سُلْوانُ
أحمد بن الحسين بن أحمد بن حميد الدين ابن المطهر بن الإمام يحيى شرف الدين
ذو عارضةٍ لا تعارض ، وسليقة لا تقارض . ونظم كالسحر إلا أنه حلال ، ونثر كالماء إلا أنه زلال . جاء في ذلك بالمعجز ، في الطويل منه والموجز . فيوجز لكنه لا يخل ، ويطنب لكنه لا يمل ، وكيف يمل ، وتوفيق من أقاد العقول عليه يمل . وهو باليمن سرٌّ للنباهة ، وفرد في جودة البداهة . وله الكتاب الذي سماه ترويح المشوق ، ذكر فيه من نخب الأشعار ما هو ألذ من نظر العاشق في وجه المعشوق . جردت من أشعاره التي أثبتها فيه ما يهز المعاطف اهتزاز النشوان ، وكأنما هو سقط الندى على الأقحوان . فمن ذلك قوله في وزان قصيدة يحيى بن مطروح ، التي أولها : بأبِي وبِي طَيْفٌ طَرَقْ . . . عَذْبُ اللَّمَى والمُعتنَقْ إيَّاك من سُودِ الحَدَقْ . . . فهْي التي تكْسُو القَلَقْ لا يخْدعنَّك حُسْنُها . . . فالأمْنُ يتْبعُه الغَرَقْ(3/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
واحذَرْ مُلاطفةَ الغَوا . . . نِي بالتذلُّل والمَلَقْ يا أيَّها المولى الذي . . . أنا مِن مَوالِيه أرَقّ يا باخِلاً حتى بطَيْ . . . فِ خيالهِ جُنْحَ الغَسَقْ للّهِ وصلُك ما ألَذَّ . . . وطعمُ هجرِك ما أشَقّ يا غُصنَ دُرٍ مائدٍ . . . قد ضَنَّ عنَّا بالورَقْ جَمع المَلاحةَ والطَّرا . . . وةَ والحلاوةَ في نَسَقْ كيف الخلاصُ لمُغرَمٍ . . . لولا المَدامعُ لاحْترَقْ لولاك ما دار الغَيُو . . . رُ ولا تشبَّثَ بالعُلَقْ يا أيها البرقُ الذي . . . لخُفوقِه قلبي خَفَقْ ارفُقْ سفَحْتَ مَدامعِي . . . اخْشَ عليَّ من الغَرَقْ أتظُنُّ أنك ثَغْرُه . . . هيهات عنك الفَهْمُ دَقّ ما أنتَ جوهرُه النَّفِي . . . سُ إذا تبسَّم أو نَطَقْ أقسمتُ من خَدَّيْك يا . . . شمسَ المَلاحةِ بالشَّفَقْ ومن الجَبِين بِنَيِّر الْ . . . قمرِ المُنيرِ إذا اتَّسَقْ ومن الغَدائرِ منك باللَّ . . . يْلِ البَهِيمِ وما وَسَقْ لم أنْسَ لَيْلاتِ العُذَيْ . . . بِ وطِيبَ ذَيَّاك الأرَقْ قصُرتْ ولكن طُوِّلَتْ . . . أسَفاً بعاقبةِ الحُرَقْ يا عيْشَنا الماضي اللَّذي . . . ذَ وأنت بالذِّكْرَى أحَقّ علِّي أراك عُلالةً . . . ومن العُلالةِ ما صَدَقْ وقوله : يا رشأً أشْمَت بي العَواذِلاَ . . . مالك جانبْتَ الوفاءَ عادِلاَ ما زلْتَ تُولِيني صُدوداً دائماً . . . قد نصبَتْ لي هُدْبُك الحَبائلاَ أوْقَعْتنِي فيها فلَمَّا وقعْ . . . تُ نفسِي ما حصَّلْتُ منك طائلاَ كلَّفنِي هوَاك كلَّ كُلْفةٍ . . . أكْسَبني صُدودُك البَلابِلاَ يا غاضِباً يا هاجِراً يا سائِغاً . . . يا قابِساً يا رامِحاً يا نابِلا يا جائراً في نَهْيِه وأمْرِه . . . يا قاسِياً يا فاتكاً يا قاتلاَ قد كنتُ خِلْواً قبل حَمْلي للهوى . . . حتى رأيتُ أعْيُناً قواتِلاَ سَواحِراً يخْتِلْن أرْبابَ الهوَى . . . والسحرُ أمْضَى ما يكون خاتِلاَ(3/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
يا زمنَ الأثْلِ ومَن لي لو تَعِي . . . نِدايَ أو تُرْجع عيْشِي قابِلاَ يا حَلْيَ لَذَّاتِيَ من بعدِك قد . . . شاهدْتُ أجْيادَ المَهَا عَواطِلاَ هل تذكُرَنَّ ما تفضَّلْتَ به . . . يا زمَناً قلَّدني الفَضائِلاَ أمْكننِي من بَدْرِ إنْسٍ آنِسٍ . . . كانتْ له منازِلي منازلاَ تقْنَص آرامُ الظبِّا بعيْنِه . . . فكم سَبا مَشادِناً مَطافِلاَ تُطرِبه إذا مشَى حُلَّتُه . . . أستغفرُ اللّهَ خَلا الخَلاخِلاَ يا بِأبِي بدرٌ على غُصْنِ نَقاً . . . يُقِلُّه خَصْر كصَبْرِي ناحِلاَ يحمِل من أرْدافِه مثلَ الذي . . . حَملْتُ كيْ أغْدُو له مُماثِلاَ كم لذَّةٍ قضَّيْتُها بحبِّه . . . في روضةٍ تكْتنِف الخمائلاَ والنهرُ قد جُنَّ لفَرْطِ عُجْبِه . . . فصارتِ الرِّيحُ له سَلاسِلاَ والنَّرجِسُ الغَضُّ يقول طَرْفُه . . . لِيَهْنِك المُغازلُ المَغازِلاَ أُمْلِي عليه من كتابِ صَبْوتِي . . . رسائلاً تُحقِّر الرسائلاَ لو أُنْشِدتْ رَضْوَى لرَقَّ صَلْدُه . . . أو أُنْشِدتْ يَذْبُلَ عاد ذَابِلاَ فيا بَنِي الدنيا ويا أهلَ الهوى . . . هذا هو العيشُ لنا تَطاولاَ لا وقفةُ الحائرِ في طُلولِه . . . تسألُ مَغْناها حبيباً راحِلاَ وإنَّني أرجُو الذي مَرَّ لنا . . . يُعِيده ربُّ السماءِ عاجِلاَ حتى تعودَ منه أبْياتُ الحِمَى . . . أوانِساً تجمعنا أواهِلاَ وقوله : للّهِ أيامُ الغَزَلْ . . . ما بين مُعْترَكِ المُقَلْ أيامَ أرْكُض في مَيا . . . دِين المَسرَّة والجَذَلْ والأحْوَرُ التَّيَّاه من . . . حطَمتْ لَواحِظُه الأسَلْ بدرٌ بدا في الأَوْجِ مِن . . . فَلَكِ الأزِرَّةِ واسْتَهَلّ مُتفرِّدٌ بالحُسْنِ قد . . . حاز المَلاحةَ عن كَمَلْ ما فَوَّق السهمَ الذي . . . في طَرْفِه إلاَّ قتَلْ يا خَصْرَه عجبَاً عليْ . . . ك لِما حَملْتَ من الثِّقَلْ أيَقِلُّ منك الجَذْبُ يا . . . وَاهِي القُوَى خَصْبَ الكَفَلْ يا أيُّها الرَّشأُ الذي . . . أنا في مَحبَّته مَثَلْ نقَل الأراكُ بأن ثَغْ . . . رَك ضَامنٌ لِشفا العِلَلْ(3/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
يا حُسْنَ ما رفَع الأرا . . . كُ عن الثغورِ وما نقَلْ خَبَرٌ نَماه إلى صِحا . . . ح الجَوْهَرِيِّ فلا يُعَلّ مَن مُنْصِفي من جائرٍ . . . شابَ الوَسامةَ بالبَخَلْ أفْدِيه من مُتلَوِّنٍ . . . لا يستقِرُّ على عَملْ ياليْته صَدَّ الصُّدو . . . دَ وليته مَلَّ المَلَلْ مُتحجِّبٌ بالرَّغْمِ من . . . مَفْتونِه خَلْفَ الكِلَلْ وهو الذي في الرُّوح منِّي . . . منذ حينٍ قد نزَلْ مافيه من عيْبٍ سوَى . . . أن جار فيَّ وما عَدَلْ أو أنَّه نادَى فؤا . . . دي بالصَّبابةِ وارْتَحَلْ والدمعُ ألْزمُه يَصُو . . . بُ على المَنازِل وانْهَمَلْ ناديتُ يوماً طَرْفَه . . . اللّهض في أمرٍ العَجِلْ فأجابني بجفُونِه . . . السيفُ قد سَبق العَذَلْ وَاهاً له من مُدْرِكٍ . . . فعَل الجِنايةَ واسْتدَلّ يا أثْلَ عِيسِ المُنْحنَى . . . حَيَّتْك سُحْبُك بالبَلَلْ لم أنْسَ طِيبَك لا نَسِي . . . تُ وطِيب أوْقاتي الأُوَلْ قد كنتَ جامِعَ لَذَّتِي . . . بك كم حصُلْتُ على أمضلْ هل تعْطِفَنَّ برَجْعةٍ . . . لي لستُ أرْضَى بالبَدَلْ أشكُو عليك من المُهَفْ . . . هفِ سالبِ الظَّبْيِ الكَحَلْ يا مَا جرَى من بَعْدِ بُعْدِ . . . كَ في العَمِيد وما حصَلْ فعَل العَزِيزُ بعبْدِه . . . فِعْلاً يرِقُّ له الجبَلْ ما زلْتُ من أفْعالِه . . . بين التَّدَلُّه والوَجَلْ قضَّيْتُ دهرِي في هَوا . . . ه مُوَلَّهاً بعسَى وعَلّ فاسْمَعْ لِما قال العَمِي . . . دُ ولا تمَلَّ لِما أُملّ قد كنتُ كيتَ وذَيْتَ يا . . . دهرِي القديمَ فلا تسَلْ فلقد قنِعْتُ إليك من . . . شَكْوايَ منه بالْجُمَلْ واللّهُ لي نِعْمَ الوَكي . . . لُ فقد عجزْتُ عن الحِيَلْ وقوله : سقَى الأثْلَ كلُّ سَحابٍ مُطِلَّهْ . . . عليه ولا برِحتْ مُستهِلْه رعَى اللّهُ أيامَه السَّالفاتِ . . . وحَيَّى مَحلَّتَه من محلَّهْ(3/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
ولَيْلاتِ أفْراحِنا المُشْرِفا . . . ت بأغْصانِ بَاناتِنا والأهِلَّهْ وكلّ فتاةٍ كأنَّ الهوى . . . يُريد بها فتْنةَ الخَلْقِ جُمْلَهْ إذا عاقلٌ سامَها نَظْرةً . . . على غِرَّةٍ أخذَتْ منه عَقْلَهْ وبي من كتمْتُ اسمَها غَيْرةً . . . ومَن حُبُّها لفؤادي جِبِلَّهْ أُحاكِي في حُبِّها عَنْتَراً . . . وتحْكِي وأستغفرُ اللّه عَبْلَهْ أُغالِط مِن أجلها عاذِلي . . . وأشْتاق في باطنِ الأمر عَذْلَهْ وأكْنِي عن ثَغْرِها بالبُروقِ . . . وبالرِّيم عن مُقْلتيْها تَعِلَّهْ رَبيبَةُ مُلْكٍ إذا ما انْثنتْ . . . لإيقاعِ أقْراطِها والأثَّلهْ تحيِّر قَدّ قضِيب النَّقَا . . . وتُظهِر في صَفْحةِ البدرِ خَجْلهْ وكم جاهلٍ قال لي قد سلَوْتَ . . . هَواها فقُلتُ له حاشَ لِلّهْ يُؤنِّب والعُذْر من وَجهِها . . . يُحرِّر لي نَيِّراتِ الأهِلَّهْ فيا لِيَ من عاذلٍ مُكثِرٍ . . . ويا لِيَ من عَقْلِه ما أقَلَّهْ ومنزلها خَلَدِي والشِّغا . . . فُ تحمَّلها حَلَّة ثم حَلَّهْ وإنَّ نَسِيبي لها وحدَها . . . إذا نسَب الناسُ عُلْويَ ورَمْلَهْ وكتب إلى محمد بن إبراهيم بن يحيى الشرفي ، من كوكبان ، هذه الأبيات اعتمد فيها الجناس التام : أخْبارُ أيَّامِنا العَوالِي . . . صِحاحُها نُجُلُ العَوالِي أيَّام سَلْعٍ وأين سَلْعٌ . . . مَرَّتْ على أنها حَوالِي دهرٌ حَبانِي بكلِّ سُؤْلٍ . . . وكان طَوْعِي وما حَوَى لِي وساحرُ الطَّرْفِ ضَنَّ عنِّي . . . بالطَّيْف في عالَم الخَيالِ بنَى على الشَّكِّ في المعاني . . . واستقْبل الجامعَ الخَيالِي هذا الجامع من محسنات علم المعاني ، ومن مفتاح السكاكي في بحثه لطائف . قال : ذكر أن السيد العلامة صلاح الدين بن عبد الله المعروف بالحاضري ، مضى إلى جامع صنعاء ، فلقي بعض الطلبة خارجاً من الجامع ، فسأله عن دخوله الجامع ؟ فقال : للإعادة في التلخيص ، فبدهه بعبارة القزويني : ولصاحب علم المعاني فضل احتياجٍ إلى معرفة الجامع . فليعجب من هذا الاتفاق ، والبلاغة التي سلمت له بالوفاق . ما قَطُّ يلْوِي على شُجونِي . . . من بين َحْبي ولا خَيالِي(3/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
أظهَر هجري بغير جُرْمٍ . . . ولستُ أدري بما جَنَى لِي أرْخَص سِعر الدموعِ عجباً . . . وهْي على غيرِه غَوالِي وضاع شِعْرُ العُبَيد لمَّا . . . ضَاع شذَاه على الغَوالِي ضاع الشيء : فات ، وضاع الطيب : ظهر . والشذا : الذكا . والغوالي : جمع غالية ، نوع من الطيب . قال العسكري في الأوائل : أول من سمى الغالية غاليةً معاوية ، شمها من عبد الله بن جعفر ، فسأله عنها ، فوصفها ، فقال : إنها غالية . ويقال إن شمها من مالك بن مالك . وأنكر الجاحظ هذا ، وقال : نحن نجد في أشعار العرب ذكر الغالية ، وأنشد : أطْيَبُ الطِّيب طيب أم بان . . . فَأرُ مِسْكٍ بعنْبرٍ مَسْحوقُ خلَطْته بزَنْبَقٍ وببَانٍ . . . فهْو أحْوَى على اليديْن شرِيقُ ونسبهما إلى عدي بن زيد . ومعجونات العطر كلها عربية ، مثل الغالية ، والشاهرية ، والخلوق ، واللخلخة ، والقطر ، وهو العود المطرى ، والذريرة . انتهى . وقد نقل أن الغالية وقع ذكرها في الحديث . وعن عائشة : كنت أغلل لحية رسول الله e . أرَجَف عني الوُشاةُ أنِّي . . . في ثغْر سُلطانِه جَلالِي هيْهات أرْضَى بمِثلِ هذا . . . أعاذَني اللّهُ ذو الجلالِ قال : الشيء بالشي يذكر ، ذكرت بالبيت الأول قول السيد العلامة الحسن بن أحمد الجلال ، في الخال : ونازلٍ أظْلَم منه أسْوَد . . . في مَنْزِل لم يكُ مُستَوْطِنَهْ مُذْ لاح للنَّاظر سُلطانُه . . . عاد الجلالِيُّ إلى السَّلْطنَهْ قلتُ له مَرَّةً لماذا . . . عاقْبتني جُرْأةً ولاَلِي وأنْت أعْتقْتني قديماً . . . فقال أقْرَرْتَ والولاَ لِي(3/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
إن كان في الناسِ من مُجيرٍ . . . للصبِّ في دولةِ الجمالِ وقعتُ حالِي وما أُلاقِي . . . فوراً إلى مَسْمَع الحجالِ عنَيْت قاضِي الأنام طُرّاً . . . مَن امْتطَى غارِبَ الكمالِ تأخَّر السابقون عنه . . . وبيَّن النَّقْصَ في الكمالِ هذا الكمال ، عنى به محمد بن علي ، المعروف بالزملكاني الدمشقي ، وقد عقد ابن نباتة له ترجمة في سجع المطوق وأنشد : ما كان أحْوَجَ ذا الكمالَ إلى . . . عَيْبٍ يُوقِّيه من العيْنِ إليك أرسلتُها تَهادَى . . . كاملةَ الشَّكلِ والخَيالِ تنشُر طَيِّب الثناءِ نَشْراً . . . عليك يا صادقَ الخيالِ فاقْبَلْ من المدحِ نَزْرَ قولٍ . . . واستُرْ إذا ما رأيتَ قالِي أنت من الناسِ خيرُ خِلٍ . . . غيرُ مَمْلولٍ وغيرُ قالِي فيا لَها فُرْجة أزالتْ . . . عنِّي هُمومي وطاب بَالِي فاستعبدِ الدهرَ في سرورٍ . . . والْبَسْه حتى يعودَ بَالِي فأجابه عنها بقوله : طالِعُ سَعْدٍ قضَى وفالِي . . . أنَّ حبيباً حقّاً وفَى لِي وبُلْبُل الأيْك راح يشْدُو . . . براحتِي وانْشِرَاحِ حالِي رافع صوتٍ بخفْضِ عيشٍ . . . جدِيدُهُ صِينَ عن وَبالِ ذكَّرني إذ شدَا وغنَّى . . . ما مَرَّ لي من حَمِيد حالِي ليالياً كُنَّ كالَّلآلِي . . . سالفُ عيْشي بهِنَّ حالِي كم خوَّلتنْي ونوَّلتْني . . . تلك الليالِي من النَّوالِ فليت أنِّي اتَّخذْتُ عهداً . . . لا فوَّت البَيْن والنَّوى لِي ولا قضَتْ بافْتراقِ شَمْلِي . . . وشَمْلِ مَيْمونةِ الشِّمالِ كم طَوَّقتْ جِيدَها الليالِي . . . زَنْدُ يمينِي مع الشِّمالِ وكم سقتْنِي بما سقْتني . . . من مُسْكِرٍ طاهرٍ حَلالِ لو بعده ذُقْتُ أيَّ حُلْوٍ . . . أستغفرُ اللّهَ ما حَلا لِي ذكرت بالبيت الأول قول ابن نباتة في خطبة سجع المطوق : وهذه أوراقٌ تثمر الشكر ، وفواصل طاهرة إلا أنها تنتج السكر .(3/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
للّهِ عَيْشٌ خَلا وكُلٌّ . . . كما قضَى ذُو البَقاءِ خَالِي ليت الذي عمَّه جَمالٌ . . . وخَصَّه حُسنُه بخَالِ رَقَّ لِرقٍ عزيز قومٍ . . . أرْخَصَه الحبُّ وهْو غالِي ما رَقَّ لي مرَّةً صديقٌ . . . ممَّا أُقاسِي ولا أوَى لِي ولم أجِدْ مثلَ واحدٍ في . . . أواخِر الناسِ والأوَالِي طَوَّق جِيدي بعِقْدِ نَظْمٍ . . . سُهْداً على الحالتيْن حَالِي يا واحداً في العُلَى فريداً . . . وسابقاً ما تلاه تالِي وخيرُ مَن صام في نهارٍ . . . وقائمٍ في الدجى وتَالِي إن مُسَمَّاك في اكتسابٍ . . . لأحْمَدِ الحمدِ غير آلِ عليك أزْكَى السلامِ تتْرَآ . . . بعد نَبي وبعدَ آلِ وكتب ابن حميد الدين إليه أيضاً ، من محروس شبام ، ونور الربيع يضحك عن حب الغمام قدِم الربيعُ وخيرُ مَقْدَمْ . . . والغيثُ أنْجَم ثم أنْجَمْ يقال : أنجم المطر وأدجن ، وأرث ، وألث ، فإذا قيل أقلع ، قيل أنجم . وفي الكلم النوابغ : المرء يقدم ثم يحجم ، والنوء ينجم ثم ينجم . وتقدَّم الأنْوَا فلو . . . صَلَّى الوَلِي ورآه سلَّمْ والجوُّ ينشُر مِطْرَفاً . . . لك فاخِتِيَّ اللونِ مُعْلَمْ والسُّحْبُ مَدَّ رُواقَ دِي . . . باجٍ بساحتِنا وخَيَّمْ والروضُ نَمَّقَه الغَما . . . مُ بحُسْنِ صَنْعته ونَمَّمْ فبَدا يرُوق الناظرِي . . . نَ كأنه بُرْدٌ مُسَهَّمْ برد مسهم : فيه خطوط مستوية ، ومن ثم سمى الإرصاد البديعي تسهيماً ، أخذاً منه . وحقيقته أن يجعل قبل العجز من الفقرة والبيت ما يدل عليه ، إذا عرف الروي . ومنه في التنزيل قوله تعالى : ' وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ' . والوردُ أبْدَى صفحةً . . . من خدِّه فاشْتمَّ والْتمّ هذا هو العَيْشُ الذي . . . يُصْبِي الحليمَ إذا تحلَّمْ قد كادت الدنيا تقُو . . . لُ لساكِنيها لو تكلَّمْ هُبُّوا إلى فَيْءِ المُقلَّ . . . صِ ظِلُّه فالفَىءُ مَغْنَمْ(3/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
الغنيمة في هذا البيت نادرةٌ غريبة ، وبعيدة الملك ، وإن رآها الغبي قريبة . للّهِ أنفاسُ الصَّبا . . . ولطيفُ ما أهْدَتْه مِن ثَمّ يا طِيبَ رَيَّاها وإن . . . أُغْرِي الشَّجِيُّ بها وأُغْرِمْ حَملت كلاماً سِرُّه الْ . . . مكنونُ أن الشوقَ يُكْتَمْ ناديْتُها حتَّى م أحْ . . . تملُ الهوَى العُذْرِي إلى كَمْ فتعثَّرتْ بذُيولها . . . طَرَباً وقالتْ لا تظَلَّمْ لا رَأْىَ إلا الصبرُ وهْ . . . و مع الرِّضا أسْلَى وأسْلَمْ فأجبْتُها سَمعاً لما . . . حتَم الحبيبُ على المتيَّمْ فبِرُوحِيَ الأحْوَى وفي . . . نَظْمِ الجِ ، اس أقول أحْوَمْ الجناس بين أحوى وأحوم لاحق . وحقيقته أن يتباعد الحرفان في المخرج ، وهو نقيض المضارع . ومن أمثلته في التنزيل : ' ويلٌ لكل همزةٍ لمزةٍ ' . بَدْرِيُّ وَجْهٍ كَمَّل الْ . . . بارِي مَحاسِنَه وتمَّمْ ونَجِيُّ أسْرارِي وإنْ . . . أكُ من لَواحظهِ مُكلَّمْ ذَهَبيُّ خَدٍ منه أثْ . . . رَى صَبُّه والغيرُ أعْدَمْ ذُو مُقْلةٍ نَجْلاءَ أسْ . . . حر مُقْلةٍ من فوق مَبْسَمْ
لطيفة
قال بعض قريش لرجل من بني عذرة ، إذا علقتم المرأة تموتون ، وهل هذا إلا خور فقال : لو رايتم الحواجب الزج ، تحتها النواظر الدعج ، تحتها المباسم الفلج ؛ لاتخذتموها اللات والعزى . أنزلْتُه في المُنْحنَى . . . من أضلُعِي واللّهُ يعلَمْ رسلُ الخَيالِ إليه تَتْ . . . رَى خِفْيةً والناسُ نُوَّمْ أن ليس أنْسَخُ وُدَّه . . . بالهجْرِ منه فهْو مُحْكَمْ فاعجبْ لها من قِصَّةٍ . . . يا أيها الحَبْرُ المكرَّمْ يا خيرَ تالٍ للأُلَى . . . سَلفُوا وإن كان المُقدَّمْ عَرِّف حدودَ رُسومِها . . . وامنَحْ برأْيٍ منك يُرْسَمْ(3/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
علِّقْ غَرِيبَ حديثِها . . . فمَحاسنُ الآدابِ تُرْقَمْ في هذا البيت إشارةٌ إلى قاعدتين من علوم الحديث . الأولى المعلق ، وحقيقته ما سقط من مبادي سنده رجلٌ بعد التابعي أو رجلان ، وهو من قسم المردود ؛ للجهل بحال المحذوف . والثانية الغريب ، وهو ما تفرد بروايته شخصٌ واحد في أي موضع من السند . وابعَثْ قرِيضَك عُوذةً . . . لفؤادِ مُختبَلٍ مُهَيّمْ فالشوقُ أنْجَد فيه ل . . . كنْ صبريَ المسكينُ أتْهَمْ وارْغَبْ إلى الوهَّاب في . . . جَمْعٍ لفُرْقِتنا مُنظَّمْ وخِتامِ عُمْرٍ من شَذَا . . . نَفحاتِه الأعمالُ تُخْتَمْ فأجابه بقوله : بأبِي وبِي عَيْشٌ تقدَّمْ . . . كان المُنَى لو أنه تَمّ أيامَ أرْفُل في ثِيا . . . ب شَبابِيَ الْهانِي المُنعَّمْ
فائدة
إنما سمي الغزل تشبيباً ؛ لذكر الغريب فيه أيام الشباب ، فما بكت الأعين شيئاً كما بكته ، ولا رثت غائباً باشعارها كما رثته . ويروى أن منصور النمري لما أنشد هارون الرشيد أبياته العينية التي منها : ما تنْقضِي حسرةٌ منِّي ولا جزَعُ . . . إذا ذكرْتُ شباباً ليس يُرْتَجَعُ ما كنتُ أُوفِي شبابِي كُنْه قِيمَتِه . . . حتى مضَى فإذا الدُّنْيا له تَبَعُ استعبر الرشيد ، وأجرى دمعه ذلك النشيد . وما أشجى قول ابن طباطبا : للّهِ أيامُ الشسبابِ فإنَّها . . . كانت لسُرعةِ مَرِّها أحْلامَا لو دام عَيْشٌ رحمةً لأخِي هَوىً . . . لأقام ذلكم السرورَ دَوامَا يا عيْشَنا المفقودَ خُذْ من عيْشِنا . . . عاماً ورُدَّ من الصِّبا أيَّامَا وأشجى منه قول ابن الأثير في المثل السائر ، من رسالة : أعوامٌ تعد أياماً لقصر أعمارها ، وشهورٌ لا يشعر بأنصافها ولا سرارها . فالأوقات بها أصائل ، والمحاسن فيها شمائل ، والمآرب في ساعاتها رياضٌ في خمائل . فما أدري أهي خيالات أحلام عزت ، أم أحاديث أمانٍ مرت . والأحْورُ الأحْوَى ومعنى الْ . . . عيشِ أحْوى الطرْفِ أحْوَمْ(3/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
رَشَأٌ مُؤشَّرُ ثَغْرِهِ الْ . . . بَرَّاق مَعْسولٌ مُوشَّمْ كأسٌ كخاتِم فِضَّةٍ . . . أضْحَى بمِسكِ الخالِ يُخْتَمْ يُذْكِي الغرامَ مُبَرَّدٌ . . . منه مليحُ الطعمِ والشَّمّ لو أشْرقتْ للبدرِ غُرَّ . . . ةُ وجهِه صَلَّى وسلَّمْ من أجْلِه قد سَلْسلَتْ . . . عيْنِي حديثَ الدمعِ عن دَمْ يا ليْته يوماً يَرِقُّ . . . لحالِ مظلومٍ تظلَّمْ حتَّى مَ أشكُو واصْطبا . . . رُ أخِي الهوى فَرْضٌ مُحتَّمْ للّهِ مولىً مالكٌ . . . أهْدَى ليَ الدُّرَّ المُنظَّمْ أهْدَى لِيَ الوردَ الجَنِيَّ . . . وقالَ لي فاشْتَمَّ والْثَمْ يا مالكِي والمالكُ الْ . . . مولَى جزيلُ الفضلِ يخدمْ شرَّفْتني ولك الفخَا . . . رُ كما لَك الشرفُ المقدَّمْ بمُشَرِّفٍ لقُدومِه . . . قدِم الربيعُ وخيرُ مَقْدَمْ فكحَلْتُ منه ناظرِي . . . بالشمسِ والبدرِ المُتَّممْ والسبعةُ الأفلاكُ جا . . . ءتْ في دقائِقه تنظَّمْ ما زلتُ أطْوِيه وأنْ . . . شرُه وأمْسحُه وألْثَمْ هو نُصْبُ عيني مُذْ أتَى . . . ما زال بيْن الفْتحِ والضَّمّ ما زلتُ أسْتشْفِي به . . . ورسائلُ الأحبابِ مَرْهَمْ فرأيتُه لِجَوايَ أحْ . . . سَنَ قاطعٍ لي وأحْسَمْ وشكرتُ أجملَ نعمةٍ . . . من فضلِ مَولانا وأجْسَمْ ونظَمتُ حَصْباءَ التُّرا . . . بِ ولم تكن ممَّا تنَظَّمْ وغُرِرتُ أنِّي كنتُ أنْ . . . ظِم في زمانٍ قد تقدَّمْ فاعذِر فهذا النَّظمُ يدْ . . . فعُ في لَهازِمِه ويلْطِمْ ولأَنْت أكرمُ ساتِرٍ . . . لعُيوب خادمِه وأرْحَمْ وإذا تكاملتِ المَودَّ . . . ةُ يا صديقُ وأنت أعلَمْ طُوِيَ البِساطُ فلم أكُنْ . . . ممَّن تَحاشَى أو تجهَّمْ والحمدُ للّهِ الذي . . . أعْلاكَ مِقْداراً وعلَّمْ واللّهُ يجمعُ شَمْلَنا . . . من فضْلِه جَمْعاً مُنَظَّمْ(3/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
ومن بدائعه قوله : شوقٌ تَجنَّاه الحبيبُ بلا جُرْمِ . . . ورئْمٌ غَرِيرٌ لا يُوافِي ولا يحْمِي وشوقٌ أن النارَ من قَدْحِ زَنْدِه . . . فكيف يرُوم العاذلون له كَتْمِي وجَفوةُ نَشْوانِ المَعاطِفِ حالِيَ المَرا . . . شِف بدرٌ تَمَّمَ البدرَ في التِّمِّ حلاَ مُرُّ حُسَّادِي عليه بذكرِه . . . كأن المُسمُّى منه في صورةِ الإسْمِ وكم ليلةٍ بتْنا على غيرِ ريبةٍ . . . تُطارحني نَظْماً فينْظِمُه نَظْمِي وأرْشُفُ رِيقاً علَّه يُطْفىءُ الجوَى . . . ولم أدْرِ أن البردَ إفْراطُه يُظْمِي جِناسِي على رشْفِي لذاك مُحرَّفٌ . . . ولا شَكَّ أن الظَّلْمَ نوعٌ من الظُّلْمِ على خَدِّه قد وقَّع الحُسْنُ أسْطُراً . . . فيكتبُها دمعي ويخْتِمها لَثْمِي رمَى جُرْحَ أحشائي عليه صَبابةً . . . وعهْدي به قد كان يُدْمِي ولا يَدْمِي أحِبَّتَنا كم من رقيبٍ عليكمُ . . . أُدارِيه حتَّى في الدجَى مُقْلةَ النَّجْمِ سقى عهدَكم صَوْبُ العِهادِ ومُقْلتي . . . فعهْدي بها من هجرِكم دِيمَةٌ تَهْمِي ألا ليت شِعْرِي هل أقولُ قصيدةً . . . ولا أشْتكِي فيها إلى صاحبٍ هَمِّي ومَن ذا يُشكِّيني إذا جئتُ شاكياً . . . وقاضِي الورَى دون الورَى كلِّهم خَصْمِي هو الماجدُ السَّباقُ في حَلْبة الوغَى . . . نعمْ وكذا في حَلْبة العلمِ والحِلْمِ وما فيه من عَيْبٍ سوى أنَّ كُتْبَه . . . تُعوِّذني من طارقِ الليلِ بالنَّجْمِ حكمتُ له بالسَّبْقِ في كلِّ غايةٍ . . . وظنِّي به أن يُثْبِت الحكمَ بالحُكْمِ عسى المُبدِىءُ الخلاَّقُ يُرجِعُ سالفاً . . . فيَرْجِعُ رُوح الأُنْسِ منِّي إلى جسْمِي ودونَكها عَذْراء كالشمسِ رِفعةً . . . عَلا بيتُها عن عِلَّة الكشْفِ والخَرْمِ ومن غزلياته الرقيقة قوله : أشاقَك بَرْقُ نَعْمانِ . . . فعُدْتَ مُدَلَّهاً عانِي رُوَيْدَك إنَّني يا صا . . . حِبي في الحالِ سِيَّانِ تعالَ نذكُر الأحْوَى ال . . . ذي أصْغَى إلى الشَّانِي وأطْعمنِي فلمَّا أن . . . أنِسْتُ به تَجافانِي وأغْضَبنِي واصْلَح بيْ . . . ن تسْهيدِي وأجْفانِي وما بالغتُ في ذِكْرِي . . . له إلاَّ تَناسانِي فسَلْنِي كيْ أُحقِّق أنَّ . . . دهرِي فيه يَوْمانِ فيومٌ يومُ تهْديدٍ . . . وآخرُ يومُ هِجْرانِ(3/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
أُراقبُ حاسدِيه له . . . فأصْحَب كلَّ إنسانِ فسُكَّانُ الغَضا سكنُوا . . . وأهلُ الأثْلِ جيرانِي أيا زمنِي على الأثْلِ ال . . . خَصِيبِ وعيْشيَ الهانِي سَقاك من الغَمامةِ صَوْ . . . بُ هتَّانٍ بهَتَّانِ لقد قلَّدْتني مِنَناً . . . تُحقِّر كلَّ إحسانِ وكنتَ ليَ السرورَ فهلْ . . . تُعِيد مَسَرَّتي ثانِي وتحفظُ حُرْمتي أبداً . . . فيَرْعاها ويرْعانِي أليس من العجائبِ أنَّ . . . عَزْمِي ليس بالْوانِي وحظِّي كلَّما خالَلْ . . . تُ من خِلٍ تعَدَّانِي وبَدْرِي حاضرٌ ناءٍ . . . فقُل في غائبٍ دَانِي وما نَفْعِي بقُرْبِ الدَّا . . . رِ مَعْ صَدٍ وحِرمانِ فرُبَّ قريبِ أوْطانٍ . . . يُعَدُّ بِعيدَ أوطانِ أراني قد جُبِلتُ على . . . هواكَ فلسْتَ تخْشانِي وقلبِي بالورَى قَلْبٌ . . . وقلبُك فيه قَلْبانِ وقوله : مُصدِّق الكاشِح والشانِي . . . ومُرسِ الدَّمعِ من الشَّانِ ذاك الي مُلْكُه مُهْجتِي . . . من كلِّ يومٍ هو في شَانِ مَن أجمعَ الناسُ على حبِّه . . . لم يختلفْ في وصْفِه اثْنانِ غُصْن من الدُّرِّ لذيذُ الجَنَى . . . لكنَّه عَزَّ عن الجانِي حلُو التَّثَنِّي والثَّنايا التي . . . أزْرَت على بارقِ نَعْمانِ أصْلَي فؤادِي نارَ هجْرٍ لنا . . . مُقْتبَسٌ من خدِّه الْقانِي أُعِيذه باللّهِ أن ينْتَحِي . . . ظُلْمِ بلا واضحِ بُرهانِ إلاَّ على الشُّورَى التي أُودِعتْ . . . إليه من زُخْرُفِ غَيْرانِ يا لِي من الواشِي الغَيُورِ الذي . . . أغْراهُ بالزُّورِ وأغْرانِي لكنَّني لم أستمِعْ فيه قَوْ . . . لَ الزُّورِ من إنْسٍ ولا جَانِ يا ساحرَ الطرفِ الكحِيل الذي . . . أخْرَجني من أرضِ سُلْوانِ وكيف أسْلُو وغريمُ الهوى . . . في كلِّ حينٍ يتَقاضانِي أشْكُوك حالاً أنتَ أدْرَى بها . . . يَرْثي لها شامخُ ثَهْلانِ(3/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
قد كِدْتُ أن أكتُمَها دائماً . . . وإنَّما فِعْلُك ألْجانِي فما عَدا فيما بَدَا بيْننا . . . حتى تهاوَنْتَ بأيْمانِي وأنْتَ قد أمَّنْتَنِي بعدَها . . . سَطْوةَ إعْراضٍ وهجْرانِ أخْلَفْتني أوَّلَ وعدٍ فهلْ . . . أطمَعُ في الثالثِ والثانِي ثَناكَ رِيحُ العَذْلِ عن وَالهٍ . . . والرِّيحُ تَثْنِي غُصُنَ الْبانِ قد كاد من قبْلِك أن ينْثنِي . . . وإنَّما حَظِّيَ أقْصانِي فهْو الذي أزْدادُ عِلْماً به . . . يسْعَى لإقْصائِي وحِرْمانِي وهاك عَتْبِي فاحْتمِلْه وإنْ . . . أسأتُ عاملْنِي بإحْسانِ وأنت في أوْسعِ حِلٍ ولا . . . وَاخَذك اللّهُ بأشْجانِي واحْكُم بما شئْتَ وما تَرْتضِي . . . فكلُّ ما يُرْضِيكَ أرْضانِي وكلُّ أرْضٍ أنتَ ثَاوٍ بها . . . تصيرُ من جُملةِ أوْطانِي
أخوه محمد
أديبٌ كما تقترح ، له طبع طيعٌ وخاطر منشرح . اقتفى أثر أخيه في أسلوبه ، فتم له ما جنح إليه على وفق مطلوبه . فمن رآهما عرف ابني صاعد ، وقال كلا الفرقدين محلهما غير متباعد . فهما يدٌ وساعد في الاتصال ، وجسمان والروح واحد لا يقبل الانفصال . وقد ظفرت لهذا بشعرٍ قليل ، لكنه على ما قلته في وصفه أول دليل . فمنه قوله : حُثَّ الْمَطِيَّ إلى الأوْطانِ يا حادِي . . . أما ترى السَّعْدَ قد نادَاك بالنَّادِي غدَتْ طَوالعُه بالسَّعْدِ تخبرُنا . . . وجَوَّدتْه بإتْقانٍ وإسنادِ عَساك تبلُغ بي الأحْوَى الذي فتكَتْ . . . ألْحاظُه وأهاجتْ نارَ أكبْادِي رمتْ فؤادِي على عَمْدٍ وما حفِظتْ . . . عهدِي ولا أنْجَزتْ بالوصلِ مِيعادِي مَن لي برَشْفِ رُضابٍ من مُقَبَّلهِ . . . يَرْوِي ظَما قلْبِيَ المُستأْسِر الصَّادِي مَن لي بذلك في أمْنٍ وفي دَعةٍ . . . من الوُشاةِ رَماهم سهمُ إبْعادِي باللّهِ باللّهِ يا ريحَ الصَّباءِ خُذِي التَّ . . . حيَّةَ مِن ذا الرائحِ الغادِي وصِفْ هَواي وما ألْقاه من كَمَدٍ . . . لِجيرةِ الجِزْعِ والباناتِ والْوادِي(3/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
هم أصلُ دائِي ولولاهم لمَا طرِبتْ . . . نفسِي إلى شادنٍ في الحيِّ أو شادِي ليت الغُوَيْر تُعِيد المُلتقَى لِشَجٍ . . . كما مضَتْ وتساعِفني بإسْعادِي وعَلَّ ساكنةَ الأحشاء تُطلِقُه . . . لِمُغْرَمٍ مالَه من أسرِها فادِي
إبراهيم بن المفضل
إمامٌ تحلى بحلية التقى ، وبلغ في الزهادة غاية المرتقى . اجتهد في العبادة من عهد شبيبته واهتم ، وسهر الليالي ثم قال لما يكره الله نم . ومع ذلك فهو في الأدب مجيدٌ ملء فمه ، مطلع لأحاسن الشعر من طرف قلمه . وفي القول حقه ، وادعى حر الكلام فاستحقه . وقد أوردت له ما تشتم منه نفساً عابقاً ، ولا تجد عنه إلا بعد مناله عائقاً . فمنه قوله في الغزل : أورَث جَفْني الأرَقَا . . . بجَفْنِه إذ رَمَقَا ظَبْيٌ يُعِير قامةً . . . إذا انْثَنى غُصْنَ النَّقَا رشِيقُ قَدٍ سلَب الْ . . . ألْبابَ لمَّا رشَقَا صارمُ لَحْظيْه بمُهْ . . . جةِ المُعنَّى مَشَقَا صُبحُ جَبِينِه إذا . . . أسْفَر جَلَّى الغَسَقَا داءُ هواه أعْجزَ الرَّا . . . قِي فما تُغنِي الرُّقَى قد صار قلبي في هَوا . . . هُ يا رِفاقِي مُرْتَقَى ودمعُ عيني لم يزَلْ . . . مُذ صَدَّ عَنِّي مُطلَقَا وقوله : دَعْنِي أكابِدُ لَوْعتِي وأُقاسِي . . . أين الشَّجِيُّ من الخَلِيِّ القاسِي باللّهِ لا تُطلِ المَلامَ فإنَّ لي . . . قلْباً عليلاً مالَه من آسِ في حُبِّ مَن يحْكِي الصخورَ بقلْبِه . . . والقدُّ منه حكَى قَضِيبَ الآسِ يُخْفي الغزالة إن بَدا في حُسْنِه . . . ويفُوق بدرَ التِّمِّ في الأغلاسِ
شمس الدين أحمد ، وبدر الدين حسين ابنا يحيى بن المفضل
كوكبا كوكبان ، اللذان ظهر فضلهما وبان . توافقا صبغة وصنعة ، وتظاهرا نعمة ومنعة .(3/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
فجمعا من المكارم ما به المجد يتأثل ، وبمحاسنه الفضل يتمثل . يضمان يديهما على الفضة والذهب ، فلا يمسيان إلا والفضة انفتضت والذهب ذهب . وقد ذكرت لهما ما لا يشبع منه الناظر ، ولا يروى من الخاطر . فمن شعر الشمس النير الأكبر قوله ، من قصيدة كتب بها إلى أحمد بن حميد الدين صاحب الترويح . ما ابتسمَ البرقُ ولا أبْرَقَا . . . إلا وأشْجَى قلبيَ المُحْرَقَا ولا تغنَّتْ وُرْقُ بَانِ الحِمَى . . . إلا جَرى دمعي الذي مارَقَا ولا سرَتْ نَسْمةُ رِيح الصَّبا . . . إلاَّ وأهْدتْ عَرْفَ رِيمِ النَّقَا مُهَفْهَفٌ يُزْرِي بشمسِ الضَّحى . . . ويُخْجِل البدرَ إذا أشْرقَا حاجِبُه المَقْرون عن مُقْلتي . . . قد حجَب النومَ فلن يطرُقَا وطَرْفُه النَّعْسانُ من قوسِه . . . بسَهْم ذاك اللَّحْظِ قد فُوِّقَا وخَدُّه الوردِيُّ قد حَفه . . . زهرٌ ونَسْرِينٌ به نُمِّقَا وثَغْرُه قد زانَه مَنْطِقٌ . . . للّهِ ما أحسنَه مَنْطِقَا ورِيقُه الجارِي على دُرِّه . . . يشْفِي جَوَى قلبي الشَّجِي لا الرُّقَى وجِيدُه السَّامي يفُوق الظُّبا . . . فحقَّ أن أصْبُو وأن أعشَقَا وقَدُّه ما رُمْتُ تشبيهَه . . . بالغُصْنِ إلاّ كان ذا أرْشَقَا ما خلَق الرحمنُ في خَلْقِه . . . مِثلاً له كلاَّ ولن يخلُقَا ولا رأيْنا في الورَى مُشْبِهاً . . . لمَّا غدَا في دهرِنا المُنْتقَى شمسُ الهدى أحمدُ أعنِي الذي . . . أحْيَى رُسوماً للعُلَى وارْتَقَى عينُ بني المُختارِ في عصرِنا . . . العلَمُ الفَرْدُ حلِيفُ التُّقَى سعَى إلى العَلْيا بعزْمٍ له . . . نال به المجدَ فلن يُلْحَقَا له فَخارٌ أصلُه راسخٌ . . . في روضةِ العَلْياء قد أغْرقَا صِفاتُه غُرٌّ فصِفْه بما . . . شئتَ فما أحسنَ ما أصْدقَا ما كان في رَبْعٍ ولا منزلٍ . . . إلاَّ غدا من نُورِه مُشرِقَا في كَوْكَبانَ العِزُّ لمَّا بدا . . . إليه شاهدْنا له رَوْنَقَا وزادَه حُسْناً إلى حسنهِ . . . وجدَّد الوَجدُ له مَوْثِقَا أسعدَه اللّهُ بأيَّامه . . . ولطفه غرَّب أو شرَّقَا(3/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
فأجابه بقوله : يا زمنَ الأثْلِ بوادي النَّقا . . . سَقاك مُنْهَلُّ دموعِي سَقَا يا بهجةَ العُمرِ ووجهَ المُنَى . . . قد كان بالَّلذَّةِ لي مُشْرِقَا أيامَ لا ألْوِي على صادقٍ . . . مُناصِحٍ أو كاذبٍ صدّقَا أيامَ لا أصحَبُ رِيحَ الصَّبا . . . ولا أُراعِي بارقاً أبْرَقَا وروضةُ الحسين لنا مَوْئِلٌ . . . وغُصْنُها المَيَّاد قد أوْرَقَا عيشٌ مضَى فالجَفْنُ من بعدِه . . . وقَّع سطراً بالبُكاء مُلحقَا هل لِي إلى جَنَّاتِه ساجِعٌ . . . وهل أرى لي في الهوى مُشفِقَا يا جِيرةَ الروحِ بحقِّ الوفا . . . لا تنْقُضُوا عهداً ولا مَوْثِقَا أتحسَبوني قد تناسيْتُ ما . . . قد حلا قِدْماً بعصر اللِّقَا فلم أزَلْ إن عَنَّ لي ذِكْرُه . . . مُفكِّراً في عَوْدِه مُطْرِقَا لي في هواكم مَذهَبٌ مُذْهَبٌ . . . حقَّق فيه الدَّرْسُ ما حقَّقَا توْضِيحُه يُزْهِي بتنْقيحهِ . . . تَلْوِيحه يُعْجِز من دَقّقَا سألتُ مَن حمَّلني بُعْدَكم . . . يجعلُ لي من أمرِكم مِرْفَقَا ويعمرُ الفضلَ بإبْقاءِ مَن . . . أكْسَبه في دهرِنا رَوْنَقَا قد رفع النظمَ فقلنا له . . . نظمُك في الذِّرْوة يا مُنتقَى أحمدُ مَن حَمْدِي له دائماً . . . ما سجَع الطيرُ وما صَفَّقَا يا ماجداً طَوَّقني مَنُّه . . . أعْجزني أفْحَمنِي مَنْطِقَا بدأتَ بالفضْلِ وأنتَ الذي . . . سبقتَ بالفخرِ فلن تُلْحَقا للّهِ ما شنَّفْت سَمْعِي به . . . من غَزَلٍ حَيَّرني أقْلقَا تَخِذْتُ صَبْرِي دونه جُنَّةً . . . ثم ترقَّبْتُ لنَفْثِ الرُّقَى فما اهْتدَى قلبي إلى سَلْوةٍ . . . ولا هذَي كَلاَّ ولا فرَّقَا ضَمَّنتُه ذِكْر اجْتماعٍ لنا . . . كَمَّله اللّهُ بطُولِ البَقَا كان ليَ الحظُّ به كُلُّه . . . فلم أزَلْ مُغْرىً به شَيِّقَا ودونكم نَظْمِي الذي جاءكم . . . مُجدِّداً للعهد مُستوثِقَا واعذِرْ سَرِيعي إن مشَى مُسْرِعاً . . . يطلبُ من أفواهِكم فُسْتُقَا واستُرْ عليه إن تجِدْ عَثْرةً . . . فإنه نَزْرُ كلامِ اللِّقَا وسَل لنا التوفيقَ والعفوَ والْ . . . غُفرانَ فالفائزُ من وُفِّقَا وله :(3/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
بالبِعاد تجْزِينِي . . . يا غزالَ يَبْريِنِ هل لذاك من سَبَبٍ . . . أم تُريد تَبْريني قد وَلِيت حُكْمَ شَجٍ . . . في هواكَ مَفْتونِ ما تَخافُ يا أمَلِي . . . من تِلافِ مسكينِ بالصدودِ تقْتُلني . . . والهوانَ تُولِينِي أيُّ حاكمٍ يُفْتِي . . . يا حبيبُ بالْهُونِ هل يصحُّ ذاك ومَن . . . بالجوازِ يُفْتينِي ليس ذاك يُوجَد في . . . شِرْعةٍ ولا دِينِ كَمْ جمعْتَ من حَسنٍ . . . كاملٍ بتحْسينِ اللِّحاظُ فاتِرةٌ . . . بالسِّهامِ ترمينِي والخدودُ ناعمةٌ . . . أزْهرَتْ بنَسْرِينِ والجبينُ حاجبُه . . . في القِرانِ كالنُّونِ والقَوامُ مُعتدِلٌ . . . كالغصُون في اللِّينِ والسَّقامُ من مُقَلٍ . . . ناعساتِ تَسْبِينِي والدواءُ في شَنَبٍ . . . كالأقاحِ مكْنونِ لَثْمُه شِفا أملِي . . . والرُّضابُ يرْوِينِي كم أقولُ من شَغَفٍ . . . فيك مَن لِمَفْتونِ مَن لِمُغرَمٍ دَنِفٍ . . . بالجآذرِ العِينِ وله : جُدْ بوصلٍ يا ناعسَ الأجْفانِ . . . وترفَّق بالمغرمِ الوَلْهانِ رامَ كَتْمَ الهوى فَنَمَّ عليه . . . سُقْمُ جسمٍ له ودمعٌ قانِي قسَماً بالجفونِ والخدِّ والثغْ . . . رِ وبالقَدِّ مُخْجل الأغصانِ ما يمُرُّ السلُوُّ في البالِ مذ غِب . . . تَ ولا تعرِفُ الكرَى أجْفانِي كم وكم رُمْتُ سَلوةً في هواكم . . . أين منِّي ما رمتُ من سُلوانِ لَحمامِ الربُوعِ شَجْوٌ ولكنْ . . . في فؤادي تتابُعُ اللَّمعانِ أتمنَّى يقال في كلِّ حينٍ . . . وإلى كم وَيْلاه منِّي الأمانِي هل سبيلٌ إلى الوِصالِ قريبٌ . . . أم بعيدٌ وما إليه تَدانِي ضاق بي مذ غِبتمُ كلُّ رَحٍْ . . . وتجافَيْتُ بعدكم أوْطانِي(3/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
ذاب قلبي من لَوْعةٍ في فؤادي . . . يا مُنايَ قد أشْعلتْ نِيرانِي إن تجنَّى في حبِّه فهْو عبدٌ . . . وإلى المالكِ انْتهاءُ الجانِي فصِلوه جُوداً وإلا فصُدُّوا . . . لا عدِمْناكمُ مَدَى الأزمانِ قلتُ للعاذلِ المُعنِّف فيه . . . لسْت أُصغِي فليس شأنُك شانِي وصلاةٌ على الشفيعِ وآلٍ . . . ما أمال النسيمُ غصنَ الْبانِ وللبدر من قصيدة ، مستهلها : رُعيتمُ أهلَ جَيْرونٍ ونَعمانِ . . . يا ساكنِي قلبِيَ الْعانِي وأعْيانِي ففيكمُ ساحرُ الألْحاظِ ذُو غَنَجٍ . . . مُهَفْهَفُ القَدِّ لا يرْثِي لأشْجانِي يا سامِيَ الجِيد هل للهجرِ من سبَبٍ . . . فالهجرُ والصدُّ والتْهدِيدُ أضْنانِي ارْحمْ مُحِبَّك من طولِ البِعادِ فقدْ . . . حرَّمْتَ نومِي ولَذَّاتِي وسُلْوانِي اللّهُ يجمع شَمْلي بالذين لَوَوا . . . بالعهدِ فهْو كريمٌ خيرُ مَنَّانِ
محمد بن إبراهيم بن يحيى
من أفراد اليمن وفو حظٍ متقد ، وسلاسة لفظٍ يجري من خاطرٍ منتقد . حاز قصب السبق نظاما ، وأوسعه أهل خطته لفضله إجلالاً وإعظاما . فقصرت نظراؤه عن مجاله ، وعلموا أنهم ليسوا من رجاله . وله نظمٌ إذا نعته فقد عبته ، وإن وصفته فلعمري ما أنصفته . فمنه قوله ، من قصيدة كتبها إلى محمد بن حميد الدين . مطلعها : سَقْياً لِبانِ المُنْحَنى وزَرُودِه . . . وسُهولِ ذَيَّاك الحِمَى ونُجودِهِ ولذلك الزمنِ الذي طَلعتْ على . . . باهِي مَنازِله نجومُ سُعودِهِ عيْشِي مضَى في بَهْجةٍ ونَضارةٍ . . . وَاهاً لنَضْرته وخُضْرةِ عُودِهِ ذاك الزمانُ هو الزمانُ وغيرهُ . . . لا فَرْقَ بين فَنائِه ووُجودِهِ أعَلَى الليالي لو تجودُ بعَوْدةٍ . . . عَيْبٌ وهل أحدٌ يُعاب بجُودِهِ يا صاحبَيَّ ومَن يُلام إذا شكَا . . . مَلَلَ الحبيبِ له وطولَ صُدُودِهِ عُوجا على ذاك المَلُولِ تلَطُّفاً . . . وحَذارِ سَطْوةَ بِيضِه من سُودِهِ لا تعْدُوَنْ ذا الرسمَ في تعْريفِه . . . إن الغرام مُجاوِزٌ لحدودِهِ فعَساه يعطِف أو يرِقُّ لمُدْنَفٍ . . . يا صاحبِي ويلِينُ بعد جُمودِهِ(3/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
أمِن المُروءةِ أن أبِيتَ مُسهَّداً . . . ويبيتُ بين هُجوعِه وهُجودِهِ وأنا الخليلُ ومن بموسَى ذا النَّوَى . . . قلبي الكليمُ مُقيَّد بقُيودِهِ ما لي وللأشْواقِ لا ترْضَى سِوَى . . . إلْهابِ قلبي دائماً ووَقُودِهِ ما لي وقلباً راح في الأُخْدودِ من . . . نارَيْ صُدودِ حبيبِه وخُدودِهِ قِصَصُ المحبَّة زُخْرُفٌ واسْألْ به الشُّ . . . عراءَ عن أوْصافهِ وقُيودِهِ ما أحلى قول ابن نباتة ، في خطبة سرح العيون : وإن كنت من الشعراء فلست ببعيدٍ من القصص . فإذا انْتهَى معك المديحُ إلى هنا . . . فاقصِدْ بذلك مُنتهَى مقصودِهِ وامدَحْ به لتكونَ أصدقَ مادحٍ . . . ممدوحَ كلِّ مُفَوَّهٍ مقصودِهِ فخَرتْ به آباؤُه وجدودُه . . . والفخرُ في آبائِه وجدُودِهِ مولايَ دعوةُ عبدِ رِقٍ يَرْتجِي . . . بك نَفْحةً تأْتيه من مَعْبودِهِ فارْجِعْ يديْك إذا قرأْتَ قصيدةً . . . تدعُو له في نيْلِ كلِّ قُصودِهِ وكمُلتَ لا أحدٌ يفُوقك في عُلاً . . . فأتَى بكاملِ شِعرِه موجودِهِ الصدر يتضمن ثاني أبيات الأندلسي ، في بحر الكامل ، وهو مركب من متفاعلن متفاعلن ، مرتين . عُذْراً إليك فإنه سلَب النَّوَى . . . منظومَ ذاك الدمْع مع مَنْضودِهِ لكنْ تألَّق للجوارِح بارِقٌ . . . في عارضٍ مُتلفِّعٍ ببُرُودِهِ ترك الفؤادَ لشوْقهِ وحَ ، ِينِه . . . يخْتال بين بُروقِه ورُعودِهِ عجز هذين البيتين متضمن بيت البحتري ، مطلع قصيدة . من أين لي كالبُحْتُرِيّ قلائدٌ . . . قامتْ له فيها عُدولُ شُهودِهِ لكنْ بكُمْ شِعري غدا وكأنَّه . . . هو ذاك عند قِيامِه وقُعودِهِ وصدورِه عند الوُرود فسَلْه عن . . . شَرْحِ الصُّدورِ وكيف حال وُرُودِهِ فكتب إليه ، مراجعاً له : نَظمٌ كسِمْط الدُّرِّ نَظْمُ عُقودِه . . . لاحتْ على نحْرِ الزمانِ وجِيدِهِ سِحْر هو السحرُ الحلالُ وإنما . . . لأُعِيذه من نافثاتِ عُقودِهِ طِرْسٌ هو الرَّوض النضِيرُ نُضارُهُ . . . يخْتال بين زُهورِه ووُرودِهِ وشَّتْ بطَرْز وَشْيه أثر الحَيا . . . فشَجاك مُعْلَمه ونَسْجُ بُرودِهِ يا أيها الْحَبْرُ أبْقَى لنا الْ . . . بارِي الذين تقدَّموا بوُجودِهِ(3/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
يا كاشفَ الكشَّاف فينا مَن به . . . يُتلَقَّن التفْسِير عن مَحْمودِهِ غَفْراً فما شِعْرِي لِشِعْرك مُشْبِهاً . . . أيُقاسُ شِعْرُ لَبِيدِه ببليدِهِ شِعْر يعود حبِيبُ منه مُبغَّضاً . . . ويفُوق نَظْم يزِيده ووَلِيدِهِ لكنه جُهْدُ المُقِلِّ وإنما . . . يأتِي الفتى بالقُلِّ من مَوْجُودِهِ سابْقتني في الشوقِ مَهْلاً إنني . . . وَحْدِي عمِيدُ القلب وابنُ عَمِيدِهِ وسألْتني بَذْلَ الدعاءِ لجَمْعِنا . . . يا رَبِّ عجِّلْ باللِّقاءِ وعودِهِ إبلاغُ خيرٍ بعد مَدْحِك مُلْحَقٌ . . . والنَّفْلُ بعد الفرضِ في تعْدِيدِهِ أشْكُو إليك نوىً تَطاوَل عُمرها . . . وعجزتُ عن دفْع النَّوَى وجُنودِهِ وبِيَ الذي صِرْتُ الكلِيمَ بنارِه . . . وهو الخليلُ وكيف لي ببَرُودِهَِ لولاه ما قال العمِيدُ صَبابةً . . . سَقْياً لِبَانِ المُنْحنَى وزَرُودِهِ يا مُنْجِزَ الإِيعادِ في أفْعالِه . . . ومُخالِفَ المرجُوِّ من مَوْعودِهِ ومُصدِّقَ العُذَّالِ في شَرْعِ الهوى . . . من غير بُرْهانٍ له بشُهودِهِ ذَا مَدْمَعٌ للوصلِ أضْحَى سائلاً . . . لا تنْهرَنَّ الدمعَ في أُخْدودِهِ يا طَرْفَه السَّفاحَ لستُ بمُهْتدٍ . . . هيْهات يا مُهدِي الهُدَى برَشيدِهِ لا تعْجلَنَّ فإنَّ عبدَك طائعٌ . . . أوَ لستَ تنظُر منه في تسْوِيدِهِ مَن لي بوَقْفتِك الشَّهيرةِ مَرَّةً . . . يرْثِي لها الصَّفْوانُ في جُلْمودِهِ بُعْداً يُرَى في العيْن مَيْلاً قُرْبُه . . . ويطُول فَرْسَخُه كطُولِ بَرِيدِهِ هل نافعٌ لي عاصِمٌ يا مالكِي . . . في سُورةِ الدعوَى وفي تجْوِيدِهِ يا كامل الأوْصافِ دونَك كامِلاً . . . تُزْرِي ببَحْر طوِيلِه ومَديِديدِهِ
مطهر بن صلاح الهادي
أظن أن هذا الاسم لا يتخلف ، وإنما اره يتحد مع مسماه ويتألف . فإن الأصل أصلٌ طاهر ، واستفادة الكثرة من الفرع معنىً ظاهر . فهذا المطهر ازداد طهارة في الروح والجسم ، واحتسى كأس المحبة من يد ساقي الغيب وما غير ذلك الاسم . وله شعر جرى فيه على ذائقة أهل التصوف ، وملك به في حلبة الواصلين إلى المعرفة عنان التصرف .(3/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
فمنه قوله : صار حُبِّي لأحبابِي سلِيقَهْ . . . وهوَى الغيرِ اخْتلاقٌ لا خلِيقَهْ هكذا مَرَّ زماني معهم . . . والهوَى فيه مَجازٌ وحقيقَهْ ففؤادِي لأحبابِي غدَا . . . صادقاً يخْتارُه أهلُ الطريقَهْ لستُ ممَّن وُدُّه زُورٌ ولا . . . أنا ممَّن بالنَّوَى ينْسَى حُقوقَهْ بل وِدادِي ذلك الوُدُّ الذي . . . قد غدَتْ فيه عُرَى عهدِي وَثِيقَهْ ليتَ مَن أضْنَى فؤادِي حبُّه . . . يتلافانِي بسُقْيا خَمْرِ رِيقهْ
السيد لقمان ابن أحمد بن شمس الدين بن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى
المعي هوى المعارف فحذقها ، ولزم الحكمة فنطقها . كان يتراسل هو والسيد محمد بن عبد الله بن الإمام شرف الدين . فمما كتبه إلى السيد محمد بيتان قد طارا كل مطار ، وزانا ببهتهما الأقطار . وهما : واسِطةَ العِقْدِ متى تأتِنا . . . فعِقْدُنا أضْحَى بلا واسِطَهْ وحالُنا أضْحَت بلا صاحبٍ . . . وجُملةُ الوصلِ بلا رابطهْ وكتب إليه السيد : إلى سيده وأخيه لقمان بن أحمد أبقاه الله حلياً لعاطل الزمن ، وسناً لمحيا اليمن ، وقد ذهب عني وأنا نائم فانتبهت وقمت ، وأرسلتها إليه ، وقد طلع إلى ذمار : مَن عَذِيرِي مولايَ منك فقد . . . غادَرتْ قلبي لما به من غَرامِ رحْتَ عنِّي في نَوْمتي فتوهَّمْ . . . تُ بأن اللِّقاءَ طيفُ مَنامِ وشَجَى نفسِيَ الفِراقُ فناجَتْ . . . نِي إن الفِراقَ في الأحْلامِ زعمْتني وَسْنان وَجْداً ومالتْ . . . بِي لما زَخْرفَتْ من الأوْهامِ وأنا الآن لستُ أدرِي أيْقظا . . . نُ أنا أم مُهَوِّم لهيامِ سَكْرةٌ من جَوَى فِراقِك مَولا . . . يَ ولا سَكْرةُ الرَّحِيقِ المُدامِ فأجابه بقوله : سيِّدي لا ترى عليَّ فإنِّي . . . بطُلوعِي بادرتُ صَوْبَ الغَمامِ وثِيابِي كما علمتَ من الرِّقَّ . . . ةِ قد أذَّنَتْ بصِدقِ انْصرامِ لو ترى السُّحْبَ قد أطلَّتْ لسالتْ . . . فوق مَتْنِي أبِتْ لليْل التَّمامِ فابْسُط العُذْرَ يا أخي إنَّ فعلِي . . . قد تجاوزْتُ فيه حَدَّ احْتشامِ(3/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
ونِظامِي هذا فقيرٌ إلى سَتْ . . . رِك فاسْتُرْ فأنت رَبُّ النِّظامِ
بيت المهلا المهدوي الشرفي
هذا البيت له نبأٌ يذكر ، وحديث غير معلٍ ولا منكر . وبنوه في العلم والجاه ، مآل الأماني والآمال المرتجاة . سمتهم توفيق وهدى ، ومنذ التحموا في المعارف لم يدعوا شيئاً سدى . فمنهم :
عبد الحفيظ بن عبد الله
كبيرهم المنتقى ، ورئيسهم الشامخ المرتقى . الورع المجتهد ، والساهر المهجد . جلى وبرز ، وحاز فضل السبق وأحرز . وقد أنار بصيرته ، وجبل على الخير سيرته . فأهل بلاده على كثرة مفاخرهم ، مقرون بفضله التام عن آخرهم . وله في الأدب مرتبةٌ علية ، وأشعاره بمثابة علمه واضحةٌ جلية . فمما بلغني من شعره ، وقد أنشد بعضهم بيتي ابن حزمٍ الظاهري . وهما : إن كنتِ كاذبةَ الذي حَدَّثْتنِي . . . فعليكِ إثمُ أبي حنيفة أو زُفَرْ الواثِبينَ على القياس تمرُّداً . . . والرَّاغبين عن التسُّكِ بالأثَرْ فأنشد : ما كان يحسُن يا ابنَ حَزْمٍ ذَمُّ مَن . . . حاز العلومَ وفاق فَضْلاً واشْتَهرْ فأبو حنيفةَ فضلُه مُتواتِرٌ . . . ونظِيرُه في الفضلِ صاحبُه زُفَرْ إن لم تكنْ قد تُبْتَ مِن هذا ففِي . . . ظَنِّي بأنك لا تُباعَد من سَقَرْ ليس القياسُ وقد تكون أدِلَّةٌ . . . للحُكْمِ من نَصِّ الكتاب أو الخبَرْ(3/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
لكنَّ مَعْ عَدَمٍ تُقَاسُ أدِلَّةٌ . . . وبذاك قد وَصَّى مُعاذاً إذْ أمَرْ
ابنه الناصر
حامل راية الاجتهاد وناصرها ، وقاطف أغصان البدائع وهاصرها . منظور بالمهابة والجلال ، مدلٌّ بالخصال البارعة والخلال . وله الخاطر الوقاد بتلسن لهبه ، والفكر النقاد لذهب القول ومذهبه . وكان استوزره الإمام المؤيد بالله فانتظم الأمر أيام وزارته ، وتصرفت الأيام طوع إشارته . فأحسن الله له نيل وطره ، وفخر بالظهور على من انحط خطره عن خطره . وهو صاحب رأيٍ سديد ، وله في الأدب وأنواعه باعٌ مديد . وشعره صور محاسنه مجلوة ، ونثره سور بدائعه متلوة . فمن شعره ما كتبه إلى السيد الإمام يحيى بن أحمد الشرفي ، عاتباً عليه في تأخره عن الدرس ؛ لشغلٍ عرض له : أحبابَنا ما لهذا الهجرِ من سَبَبٍ . . . وما الذي أوْجَبَ الإعْراضَ واعَجَبَا يمْضِي الزمانُ ولا نحْظَى بقُرْبكمُ . . . على الجِوارِ وكَوْنِ الجار ذَا قُرْبَى وليس شيءٌ على المُشْتاقِ أصْعبَ من . . . بُعْدِ اللقاءِ إذا مُشْتاقُه قَرُبَا فصانَك اللّهُ يا سِبْطَ الأكارمِ أن . . . يكونَ وُدُّك للأحْبابِ مُضْطرِبَا هذا وإنِّيَ أدْري أن قَصْدَك لِي . . . وأنت معْ ذاك شَيْخي عَكْسُ ما وَجَبَا لكنَّه لم يكنْ منِّي لحقِّكمُ . . . جهلٌ ولكنَّ عُذْرِي عنك ما عَزُبَا وطلب السيد يحيى منه أن يرسل له مؤلفه المحرر في علم القراءات ، فأرسله إليه وكتب معه : سلامُ اللّهِ ما هَمر السحابُ . . . ففاحَ عَبِيرُ زَهْرٍ مُستطابُ وإكرامٌ وإنْعامٌ على مَن . . . له في المجدِ مَرْتبةٌ تُهابُ(3/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
على يحيى الذي ما نال كَهْلٌ . . . عُلوماً نالَها وكذا الشبابُ وبعدُ فإنَّ أشْواقِي إليكمْ . . . كثيرٌ ليس يحصُرها كتابُ وتقْصُر ألْسُنُ الأقلامِ عن أن . . . تقومَ بوَصْفِها وكذا الخطاُ فيا ابْنَ مَدينةِ العلمِ التي لمْ . . . يكُن غيرُ الوَصِيِّ لتْلك بابُ ومَن حاز المَكارِمَ والمَعالي . . . فمنه قل بَدا العجَبُ العُجابُ إليك أتى المُحرَّر في حَياءٍ . . . لتُصْلِح منه ما العلماءُ عابُوا وتنظُرَه بعينِ البشرِّ حتى . . . يزولَ إذا وجدْتَ به اضْطرابُ فمَن قد زارَ من بلدٍ بَعِيدٍ . . . حَقِيقٌ أن يُلانَ له الجَنابُ ورَاجِعْ في عبارتِه أُصولاً . . . لديْك بِحِفْظِها كُشِف الحِجابُ وإنِّي طالبٌ بَسْطاً لعُذْرٍ . . . ويشملُني دُعاؤكم المُجابُ فما لي غيرُ شِعْبِ الآلِ شِعْبٌ . . . وإن حسنُتْ بزَهْرتِها الشِّعابُ ودُمْ واسْلَمْ مُعافىً في نعيمٍ . . . مُقيمٍ والقَرابةُ والصِّحابُ فكتب إليه السيد : سلامٌ لا يُحيِط به حِسابُ . . . ولا يُحْصِي فضائِلَه كِتابُ ولو أنَّ البِحارَ له مِدادٌ . . . ولم يبْرَح له الدهرَ اكْتِتابُ سلامٌ مِن فَتِيت المِسْك أذْكَى . . . ودُون مَذاقِ سَلْسَلِه الرُّضابُ سلامٌ حَشْوُه وُدٌّ مُصَفىً . . . يرُوق فما بتكْديرٍ يُشابُ ورحمةُ ربِّنا الرحمنِ تُهْدَى . . . مع البَركاتِ ما انْهَمر السحابُ إلى مَن لم يزَلْ للمجدِ خِدْناً . . . ولم ينْفَكَّ بينهما اصْطِحابُ حَليفُ مَحاسنِ الشِّيَمِ الذي لم . . . يُدنِّسْ مجدَه مُذ كان عَابُ سَلِيلُ أكابرِ العلماءِ مَن لم . . . يكُن كنِصابِ فضلِهمُ نِصابُ حُماةُ شريعةِ المُخْتارِ مِن أنْ . . . تُضامَ وأن يُخامِرَها اضْطِرابُ وأوحدُ أهلِ هذا العصرِ طُرّاً . . . بما قد قُلْتُه لا يُسْتَرابُ أليْسَ مُقصِّراً عن نَيْل أدْنَى . . . عُلاه الشِّيبُ منهم والشَّبابُ وَجِيهُ الدِّين ناصرُه فما إن . . . يَزال له بنُصْرتِه احْتسابُ حَماه اللّهُ من كَيْد الأعادِي . . . وأرْغَم أنْفَهم عنه وخَابُوا وأبْقاه الإلهُ لنا مَلاذاً . . . له في العِزِّ مَرتبةٌ تُهابُ وبعدُ فإنه قد جاء منه . . . كتابٌ سَرَّني منه الخِطابُ(3/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
بلغْتُ به من الفرَح الأمانِي . . . وزايلنِي برُؤْيته اكْتئابُ وفَى بالدِّين والدنيا جميعاً . . . فما لي غيرُ ما فيه طِلابُ وكيف فَطَيُّه مُلْك عظيمٌ . . . يدُوم فما يُخافُ له ذَهابُ هو الذُّخْرُ الذي من لم يحُزْه . . . ذخائرُه وإن كثُرتْ تُرابُ وذاك العلمُ أفْضلُ ما تحلَّتْ . . . به نفسٌ وأفضلُ ما يُصابُ وقد أهديْتَ منه لنا نصِيباً . . . به منَّا تطوَّقتِ الرِّقابُ جمعْتَ به المُحرَّر من علومٍ . . . جَلاها أهْلُها طابتْ وطابُوا فنِلْتَ بما أنَلْتَ عظيمَ فضلٍ . . . ومغفرةً ويهْنِيك الثَّوابُ ولا برِحتْ فضائلُك اللَّواتِي . . . عَلوْنَ بها لنا يعلُو جَنابُ ودُمْتَ مُسلَّماً ما لاح مجدٌ . . . وفاح عبيرُ نَشْرٍ يُسْتطابُ
الحسن والحسين ابنا الناصر
فرسا رهان وعدلا جمل ، وصنوا جرثومة في علم وعمل . ينبت عزمهما الورد يانعاً في اللظى ، ويطلع رأيهما الماء جارياً من صم الصفا . وكلٌّ منهما غيثٌ في كرم ، وليثٌ في حرم . وبدر في أفق ، وزهر في خلق . طوقا اليمن نبلاً ومجدا ، وانتحلا بها المعالي انتحال من ملىء صبابةً ووجدا . في اقتبالٍ من العيش بهما كلف ، وحظٍ من الأماني رائح إليهما مختلف . وكانا يتهاديان شعرا ، فيتنافثان سحرا . ويقتدحان زندا ، فيوريان عراراً ورندا . وشعرهما مثقف المباني ، مرهف كالحسام اليماني . فمما كتبه الحسين إلى الحسن يعاتبه على القراءة في غيبته ، وجعل أول كل بيت حرفاً من حروف المعجم :(3/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
أذاب فؤادي بارقُ الغَوْرِ إذ سَرى . . . بنَفْحة مِسْكٍ من حدائقها شَرَى بحقِّك خَبِّرْني عن الغَوْر إنه . . . حديثٌ صحيحٌ ليس في القولِ مُنْكَرَا تأمَّل به تلك المغانِي تَلْقَ لي . . . لطائفَ فاقتْ في المَحاسِن مَخْبرَا ثمِلْتُ وقد دارتْ رَحِيقةُ وَصْفِه . . . فأنْهلنا التَّسْنيمُ من تلك سُكَّرَا جرَى ذكرُ أحْبابي برَوْضةِ قُدْسِها . . . وقد كُسِيتْ بُرْداً من الوَشْيِ أخْضَرَا حَوَوْا من مليح الوصفِ كلَّ غريبةٍ . . . كزُهْر سماءِ الأرض في حُسْنها تُرَى خليليَّ ما وافٍ بعهدِيَ أنْتُما . . . إذا لم تَقُصَّا وصْفَها لي وتُخبِرَا دعَوْتكما كي تُفْهمانِي حقيقةَ الْ . . . أحِبَّة فيها مُفْرقَيْن وتحضُرَا ذكرتُ لهم ذكرَ الصِّفات فهاجَ لي . . . من الشوقِ ما ألفيْتُه مُتذكَّرَا رأيْنا بها ما يملأُ العينَ قُرَّةً . . . فروَّحتِ الأرواحُ من حُسْنِ ما نَرى زيارتُهم فيها لقلبي مَسَرَّةٌ . . . غدَتْ مَورِداً للصالحاتِ ومصدَرَا سَلِي إن أردتِ اليومَ عنِّي وعنهمُ . . . تَرَىْ ما يسرُّ الأولياءَ بلا مِرَا شَفَتْنا وأوْلتْنا فوائدَ عندها . . . يُسهَّل للأحبابِ ما قد تعسَّرا صفَتْ عندنا تلك الصفاتُ التي علَتْ . . . وفاقتْ وراقتْ للقلوب بلا امْتِرَا طوَيْنا لدى الأصحابِ كلَّ مَقالةٍ . . . وقد كان في نفسِي مقالٌ تكثرَا ظفِرْنا بما نرجُو من الحسَن الذي . . . يُفِيدك إن أقْرَا الفوائدَ أوْ قَرَا عليمٌ بأعْقاب الأمورِ كأنما . . . لِما في غدٍ من قبل يأْتيه أبْصَرَا غدوْتُ عليه عاتباً حين أهْمل الْ . . . أخُوَّةَ لمَّا ينْتظرْنِي ويذكُرَا فواعجَباً من فعْلِه حين غِبْتُ عنْ . . . مَحافلِه هلاَّ لحقِّيَ آثَرَا قرأتَ حماك اللّهُ لم تنتظِرْ لنا . . . وعُذرِيَ أن السحبَ بالغيثِ أمْطرَا كفَى حُجَّةً بُرهانُها مُشرِقٌ بما . . . فعلتَ على إهْمالِ حقِّي بما عَرَا لوَيْت عِنانَ الوُدِّ عنِّيَ عامداً . . . وأُنْسِيتَ حقّاً للإخاءِ مُؤثَّرَا مَحلُّك فوقَ الشمسِ عندي وإنني . . . لأبْنِي له فوق المَجرَّةِ مَعْمَرَا نَحَوتُكُم لمَّا تقشَّع سُحْبُها . . . وسرتُ إلى سُوحِ المَعالي مُبكِّرَا وقد لاح في الصُّبْحِ الثُّريَّا كما ترَى . . . كعُنْقُود مُلاَّحِيَّةٍ حين نَوَّرَا هو الصُّنْع إن تعْجلْ فخيرٌ وإن تَرِثْ . . . بِعُذرٍ فكم رَيْث به عاد أكْبَرَا يقول لك القلبُ الذي ترَ الهوى . . . إذا أنتَ راعيْتَ الإخاءَ المُقرَّرَا لأَعْظمِ من أوْلَى ووالَى صنِيعَهُ . . . وحاز من الخيراتِ سَهماً مُوفَّرَا ألستَ من القومِ الذين وَلِيدُهمْ . . . يُرَجَّى لإقْرَاءِ العلوم وللقِرَى(3/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
بلغْنا السمَا مَجْداً وعزّاً وسُؤدداً . . . وإنا لَنرْجو فوق ذلك مَظْهرَا تجرَّدْ لأخْذِ العلم عنهم فإنهم . . . أئمَّتُها وارحَلْ إليهم مُشمِّرَا ثَباتُهم فيها عظيمٌ رُسوخُه . . . وذِكْراه قد يُولِي الثناءَ مُعَنْبَرَا جزَى اللّه آبائِي عن الكلِّ خَيْرَه . . . وأبْقاهمُ ماقيل نظمٌ وسُيِّرَا حَمَوْا بعَوالِيهم حِمَى الدِّين واستوَوْا . . . على فلَك العَلْياءِ لمَّا تنوَّرَا عليك سلامُ اللّه ما انْهَلَّتِ السَّما . . . بوَدْقٍ على روضٍ أرِيضٍ فأزْهَرَا فأجابه بقوله : أُسَرُّ إذا حقَّقت في النومِ معشَرَا . . . وتكثُر أفْراحِي إذا كان أكْثَرَا بِنَاءً على أن امْرَأً باد عمرُه . . . إذا كان في غيرِ العلوم تكثَّرَا تبيَّنْتُ أن العِزَّ في العلمِ والعُلَى . . . وأن تِجَارَ العلم هم خِيرةُ الورَى ثنائِي عليهم لا على كلِّ مُهْمِلٍ . . . يُجانبهم ممَّن عَتَا وتجبَّرَا جَنوا ثمراً من روضِ كلِّ فُنونِه . . . وأعطاهمُ الرحمنُ حظّاً مُوفَّرَا حَرِيُّون بالتقْديم أقدامُهم على الثُّ . . . ريَّا وأهلُ الجهلِ في أسْفلِ الثَّرى خَلاَ مَن غدَا في دهْرِه مُتعلِّماً . . . ومستمِعاً ما فاق دُرّاً وجوهرَا دنا منهمُ فازداد فضلاً ورِفعةً . . . وعاش حميداً في الورى مُتبصِّرَا ذكرتُ خِلالاً للحُسَين فسرَّني . . . بأن أخي للعلمِ أضْحى مُشمِّرَا رَضِيتُ له هذا طريقاً ومَسْلَكاً . . . وصاحبُه فوق النجومِ كما ترَى زيادةُ مَن فوقَ البسيطةِ لم تكُنْ . . . من العلمِ نْقصان وخُسْرٌ بلا مِرَا سمَا من له العلمُ الشريفُ وَسيلةٌ . . . وما فازَ ذُو جهلٍ وخاب من افْتَرَى شَرَى نفسَه يبْغِي الرِّضا من إلهِه . . . فيا فَوْزَه بالرِّبح من خيرِ ما شَرَى صَبُور على درسِ الدفاترِ مُقْبِلٌ سَرِيٌّ سرَى والصبحُ قد يُحمَد السُّرَى طويلٌ عليه الليلُ إن بات مُهمَلاً . . . قصيرٌ إذا للدرسٍ بات مُؤثِّرَا ضَجِيعُ كتابٍ لا يفارقهُ ولا . . . يُرافِق إلاَّ عالِماً مُتبحِّرَا ظفرتَ بما أمَّلْت فاشْكُر ولا تكنْ . . . مَلُولاً فإن الصيدَ في باطِن الفَرَا على أنه وافَى نِظامُك عاتباً . . . علينا ومنْظوماً نِظاماً مُحرَّرَا غدَوْتُ به في نعمةٍ لبلاغةٍ . . . حَواها وألفاظٍ لها قد تخيَّرا فوا عجباً من عاتبٍ كان حقُّه . . . بأن يُبْتدَى بالعَتْبِ فيما تحرّرَا قوافِيكَ أوْلَتْنا مَحاسِنَ عدها . . . نقولُ وقد خاطبت مَن كان قصَّرَا كأنَّك لم تعلَمْ بمن سار أشهُراً . . . ليحْظَى بعلمٍ ثم عاد مُطهَّرا(3/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
له رِحْلةٌ معروفةٌ أنت أهلُها . . . فواصِلْ دُروساً دَرْسُها لك يُسِّرَا مدَى الدهرِ لا تبْرَحْ على الدرسِ عاكفاً . . . فما العلمُ في الأسواقِ بالمال يُشترَى نَبِيُّك لم يتركْ سوى العلمِ فاغتنِمْ . . . وِراثتَه بالدَّرْسِ عن سيّد الورَى وأنتَ بحمْد اللّهِ قد صِرْتَ علاِماً . . . ولكنْ نظَمْنا ما تراه مُذكِّرَا هدانا إله الخلقِ نَهْجاً مُبلِّغاً . . . إلى جنَّةِ الفِرْدوسِ فضلاً ويَسَّرَا لئن كنتَ تَرْعَى للحقوقِ فإنَّني . . . لأرْعَى لها واسألْ بذلك مَن دَرَى يريد أخِي قلبَ العِتابِ فقُلْ له . . . يحِقُّ لِمثْلي أن يغُصَّ ويصبِرَا إذا أنا لم أحمِلْ على النفس ضَيْمَها . . . سَدَدْتُ طريقاً للثناءِ مُنوَّرَا بَدا لِيَ عُذْرُ الصِّنْو بعد جَفائهِ . . . وذلك أن السحب دام وأمْطَرَا تَوَالت بذا الأسبوع فضلاً ونعمةً . . . فرَام لهذا أن يُقال ويُعذَرَا ثلاثاً هجَرْتُم ثم زِدتُمْ كمِثلها . . . لك اللّهُ أرجو أن تُقِيل وتعذِرَا جرَى ما جرَى منكم من الهجرِ والقِلَى . . . وفوق ثلاثٍ حَرَّم الظَّهر ما جَرَى عليك سلام اللّهِ ما ذَرَّ شارِقٌ . . . وأسْأر ذُو عَزْمٍ لعلمٍ وما سَرَى
علي بن عبد الله بن المهلا بن سعيد النيساي الشرفي
نخبة أهل العصر الغابر ، وأفصح من استعمل الأقلام والمحابر . زجر طير البنان في أوكاره ، وجاء بمعدن البيان من أبكاره . وكان الحسن بن الإمام القاسم يشهد بتقدمه ، ويرى مجاريه منتهى قدمه . وله في مدحه أشعارٌ أعبق من نفحات الأنوار غب القطار ، وأشهى من كأس المدامة في مغتنم فرص الأوطار .(3/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
فمنها قوله من لامية ، مستهلها : لا تحسَبُوه عن هواكم سَلا . . . كلاَّ ولا فارقكُم عن قِلَى ولا ثَنتْ وَهْنانةٌ قلبَه . . . هَضِيمةُ الكَشْحِ صَموتُ الحُلَى الوهنانة : اللينة الجسم ، ناعمته ، تكاد تسقط من النعومة . تفضح بالقَدِّ غصونَ النَّقا . . . لِيناً وتحكي الشادِن الأكْحَلا نَشْوانةٌ ما شرِبت قَرْقَفاً . . . سَحَّارةٌ ما عرفتْ بابِلاَ آهِلةُ الدارِ بأتْرابِها . . . لا عَفَتِ اررِّيحُ لها مَنزِلاَ نسِيمُها حدَّث عن مِسْكِها . . . فخَاله أهلُ الهوى مُرسَلاَ دعِ التَّصابي في المَقام الذي . . . فاق سناءً واقْصِد الأفْضَلا وقُلْ بأعلَى الصوتِ إن جئْتَه . . . يا مَلِكاً حاز جميعَ العُلَى هُنِيتَ هذا الشرفَ الأطْولاَ . . . فالمَفْخرُ الباذِخُ فوق المَلاَ أدركتَ مَجْداً عُشْرُ مِعْشارِه . . . قد أعجز الآخِرَ والأوَّلاَ ما أنتَ إلاَّ آيةٌ أُنْزِلتْ . . . تقمَع من حَافَ ومن أبْطَلاَ يشْهد ما في الأرضِ من علمِه . . . أنَّك صِرْتَ الواحِد الأكْمَلا نورَ هدىً يُهْدَى به ذو التقى . . . نارَ وَغىً حاميةَ المُصْطَلى وبحرَ علمٍ ماله ساحلٌ . . . يزْخَر إن فَصَّل أو أجْمَلاَ دقيقَ فكرٍ ما رأَى مُشكِلاً . . . إلا وحلَّ المُشكِلَ المُعضِلاَ يا ابنَ أميرِ المؤمنين الذي . . . ما برِحَ النصرُ له مُقْبِلاَ رُمْحُك لا يألفُ إلا الحشَا . . . سيفُك لا يعشَق إلا الطُّلاَ طَرْفُك يخْتاضُ دماءَ العِدَى . . . كأنها كانتْ له مَنْهَلاَ مُنتَعِلاً في الرَّوْعِ هاماتِهمْ . . . مُجلِّلاً أكبادَهم والكُلَى نهَدْتَ للتُّرْكِ وقد حَزَّبوا . . . أجْنادَهم تملأُ عُرضَ الفَلاَ تغَصُّ قِيعانُ زَبِيدٍ بهمْ . . . تَخالُ فرسانَهم أجْبُلاَ فدارتِ الحربُ وقد أمَّلُوا . . . رَأْياً وقد يُعْكَس مَن أمَّلاَ وزاوَلُوا منك فتىً ماجِداً . . . لا يرهَب الموتَ إذا أقْبلاَ يسْتحسِن الدِّرْعَ على جسمِه . . . ثوباً ويسْتخْشِن ثوبَ المُلاَ سابِغةً تسْخَر بالبِيضِ في الْ . . . هَيْجَا وتسْتزرِي القَنا الذُّبَّلاَ فَجُرِّعوا من بأسِه عَلْقَما . . . مُعْتصَراً من شَجَراتِ البَلاَ واستبْدلُوا عن صهوات الذُّرَى . . . والضُّمَّرِ الُجرْدِ بطونَ البِلَى(3/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
فمنهمُ مَن جاء مُستسلِماً . . . ومنهمُ مَن طار خوفاً إلىَ فهكذا فلتكُنِ الهمَّةُ الْ . . . قعساءُ والفخرُ وإلاَّ فلاَ فانْقشعتْ تلك الغَياباتُ عن . . . مُهذَّبٍ كالقمرِ المُجْتلَى عن فاطِمٍ ذِكْرُ أيامِه . . . يفعلُ في السامِع فعلَ الطِّلاَ الحسنِ بن القاسم النَّدْبِ مَن . . . غار على الإِسلامِ أن يُهْمَلا وشاد رُكْناً لبني هاشمٍ . . . طاوَل مِن رِفْعتِه يَذْبُلاَ ساسَ من الشِّحْرِ إلى مَكَّةٍ . . . إلى الحِمَى عُمْرانَها والخَلاَ ودَوَّخ الأرضَ فلو رام تَخْ . . . تَ الشَّامِ بَلْه الرُّومَ والمَوْصِلاَ لأقْبلتْ بالطَّوْعِ مُنْقادةً . . . لأمْرِه أسْرَعَ مِن لاَ ولاَ ونالَ منها كلَّ ما يبْتغِي . . . وحازَها بالسيفِ أو بالجَلاَ وما هِيَ الأرضُ وما قَدْرُها . . . عندك يا مَن قَدْرُه قد عَلاَ لو أنها عندك مجموعةً . . . وهَبْتَها من قبلِ أن تُسأَلاَ ولو أمرتَ الشُّهْبَ إقْبالَها . . . نحوك لا تلبَثُ أن تنزِلاَ وضَيْغمُ الأفلاكِ لو رُمْتَه . . . جَعلتَ من قُرونِه أنْعُلاَ ولو نهَيْتَ الدهرَ عن فِعْلِه . . . بالحُرِّ لاسْتعبَدَ واسْتمثَلاَ وإن يُرِدْ منه على بُخْلِه . . . يُوليِه بِرّاً كاد أن يفعَلاَ دُمْتَ لدِين المصطَفى مَعْقِلاً . . . ولِلهَّيِفِ المُعتفِي مَوْئِلاَ وقوله ، من نونية ، أولها : هام وَجْداً بساكِني نَعْمانِ . . . حَسْبه من أحِبَّةٍ ومكانِ جِيرةٌ خَيَّموا فخَيَّم قلبي . . . واستقلُّوا فهام بالأظْعانِ ألِفَتْهم رُوحِي فهانتْ عليهم . . . قَلَّما يسلم الهوى مِن هَوانِ الهوى شأْنُه عجيبٌ فكم مِنْ . . . مُسْبِلس ماءَ شَأْنِه إثْر شانِ علِق القلبُ منهمُ بدرَ تِمٍ . . . ساحرَ اللَّحْظِ فاتِرَ الأجْفانِ وافرَ الرِّدْفِ كاملَ الطَّلْعةِ الغَرَّا . . . ءِ مُرَّ الصُّدودِ حُلْوَ اللِّسانِ مَن لقلبي بعَضِّ تُفَّاحِهِ الغَضِّ . . . وتقْبيل خدِّه الأُرْجُوانِي فأُداوِي الفؤادَ من ألَمِ الحبِّ . . . ليُشْفَى مُعذَّبُ الهِجْرانِ مالكِي ما تُرِيد أصلَحك اللَّ . . . هُ بإتْلافِ مُطْلَقِ الدمعِ عَانِ نَمْ هنيئاً مِلْءَ الجفونِ فإن عا . . . وَد طَرْفِي الكرى فقُل لا هَنانِي يَطَّبِينِي هوَى الحسانِ ولكنْ . . . ما رآنِي رَبِّي بحيث نَهانِي(3/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
بل تحامَى نفسِي القريضَ فَيُد . . . نيها إليه تشبيهُها بالغَوانِي إِجماعٌ مع الصِّبا بعد ما لا . . . حَتْ ثلاثٌ بيضٌ ثَنَيْنَ عِنانِي فاتنِي رَيِّقُ الشبابِ وأرْجُو . . . عَوْدَه من أكُفِّ فَرْدِ الأوانِ يا أبا أحمدٍ بَقِيتَ فما غَيْ . . . رُك يُدْعَى إذا الْتقَى الْجَمْعانِ ذُدْ عن الدِّين واحْمِه بالصِّفاحِ الْ . . . بِيضِ والصَّافِناتِ والمُرَّانِ أنت مَهْدِيُّ هذه الأمة المَرْ . . . جُوُّ إحْياؤُه عَقِيبَ الزمانِ زمِنَ الدهرُ عندما درَس الحقُّ . . . فمُذ جئت عاد في العُنْفُوانِ غَبَن المُدَّعِي عُلاك لقد مَدَّ . . . يَداً وَيْحَه إلى كِيوانِ يرْتجِي شَأْوَك الرَّفيعَ لقد ضَلَّ . . . وغَرَّتْه نفسُه بالأمانِي رفع اللّهُ منك رايةَ حَقٍ . . . يتَّقي بأْسَها أُولو الطُّغْيانِ سَلْ زَبِيداً والنَّجْدَ نَجْد المُحَيْرِي . . . بِ وقاعَ القِبابِ من سخَّانِ لو تصدَّى لها سواك إذاً آ . . . لَ كَسِيرَ القَنا قتِيل طِعانِ ألِفَتْ خيلُك الوغَى فهْي من شو . . . قٍ إليه تهُمُّ بالطَّيَرانِ كم جيوش غادرْتها للأعادِي . . . جَزَراً للنُّسورِ والعُقْبانِ من رأى بأْسَك الشديد وإقْدَا . . . مَك يوم الوغَى على الأقْرانِ مُعْلَماً يلْتقِي الكتائبَ فَرْداً . . . حيث تُنْسَى مَوَدَّةُ الإخوانِ لا يرى غيرَ هامةٍ أو نَجِيعٍ . . . أو قَتامٍ أو صارمٍ أو سِنانِ علِم الناسُ أن مالك ثانِي . . . واسْتبانُوا أن الفَخار يَمانِي ذلك المَحْتدِ الرفيعُ وعَلْيا . . . ك على الخلقِ ما لها من مُدانِي راق مَدْحِي فيمَن حوَى قصَب السَّ . . . بْقِ ودانتْ لأمْرِه الخافقانِ ملِك يقْهر الجبابرةَ الصِّ . . . يدَ ويْعنُو له ذَوو التِّيجانِ سَنَّ للناس مذهبَ الْجُودِ والْ . . . باسِ فما زيدُ الخيلِ وابنُ سِنانِ نَشرَ اللّهُ عَدْلَه في البرَرايا . . . ليفوزُوا بالأمْنِ والإيمانِ وأعادَ الأعْياد تَتْرَى عليه . . . أبداً ما تعاقَب المَلَوانِ
أخوه محمد
من ذوي اللسن الذلق ، الموسومين بالأوجه الطلق . تعلق به النبلا ، وتروي عنه الفضلا .(3/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
وفيه تودد وألطاف ، وله شعر تتمايل طرباً به أردانٌ وأعطاف . فمنه قوله : وأغْيَدَ مَعْسولِ الشَّنائبِ واللَّمَى . . . يُسائلِني عن شَرْحِ جَمْعِ الجوامعِ فقلتُ له والعينُ تسكُب عَبْرةً . . . نعم يا خليلي شرحُ جمعِ الجوَى مَعِي وقوله : شريفٌ تِهامِيٌّ تعانَى وقال لي . . . أُرِيد من المولى نَوالاً ونَامُوسَا فقُلتُ له ما الاسم قال أنا موسى . . . فقلت لقد أُوتِيتَ سُؤْلَك يا مُوسَى
أولاد الجرموزي
الثلاثة الإخوة ، الذين اجتمعت فيهم المروءة والنخوة . سلسلة مجدهم متساوٍ شرفاها ، وهم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها . أما :
الحسن حاكم المخا
فهو لخزانة الفضل إقليد ، لا يليق بغيره لحكمة تقليد . سمعت بخبره فعرفت كنهه ، وزالت عني في مسلمات فضله كل شبهة . فما تلقيت بأحسن مما فهمت ، ولا انتقيت إلا تعشقت فهمت . فروحي فدى مناقب ، نجومها في سماء الفضل ثواقب . إن لم تكن بذاتها زينة النحور ، فمنها تكتسب الرونق دراري البحور . وقد وقفت له على أشعار وفقت إليها ، فرأيت الحسن جميعه وقفاً عليها . فمنها ما كتب به إلى شيخه القاضي محمد بن إبراهيم السحولي ، وهو إذ ذاك في صنعا ، وقد أمره بوظيفة الخطابة في جامع صنعا : حتَّى م تنْهلُّ البوادِرْ . . . وإلى مَ أغدو الدهرَ ساهِرْ ويصُّدني رِيمُ الفَلا . . . ةِ أمَا لذاك الصَّدِّ آخِرْ لا تعجبوا من فِتْنتِي . . . بمُمَلَّكٍ في الحب جائرْ فالطَّرْفُ منه والقَوا . . . مُ اللَّدْنُ فَتّاكٌ وساحِرْ أو ما تَرَوْنَ خُدودَه . . . بدمِي أقرَّتْ فهو ظاهِرْ(3/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
وترَوْنَ في الثَّغْرِ الأَنِي . . . قِ سُموطَ دُرٍ بل جواهرْ يَهْدِينَ كالمِصباح إمَّا . . . رْتَ في ظُلَم الدَّاجِرْ وتُنِيرُ أسْرَارُ البلا . . . غةِ في البيانِ لكلِّ ناظِرْ فعلمتُ أن دلائلُ الْ . . . إعجازِ من تلك المَحاجِرْ مُذْ صدَّني جَرَتِ الدُّمو . . . عُ على الخدودِ من النَّواظِرْ فوَجْنتِي غُدْرانُها . . . وعلى المُتُون له غدائرْ غادرْنَنِي فأفاضَ دمْ . . . عِي بالعَقِيق من المَشاعِرْ وحكَتْ جُفوني المُعْصَرا . . . تِ فدمعُها هامٍ وهامِرْ إلى أن قال في المديح : هزَّتْ وباهتْ فَرْحةً . . . لِلِقاكَ أعْطافُ المَنابرْ وتبسَّمتْ صَفحاتُها . . . عن طِيب أرْياحٍ عواطِرْ ما قُسُّ ما سَحْبانُ وا . . . ئلِ في الخطابةِ من مُناظِرْ ما سِيبَويْه النحوِ ما الْ . . . جَرْمِيُّ كَلاَّ وابنُ طاهِرْ ما الصاحِبُ الْكافِي أو الصَّ . . . ابِي فكلٌّ عنه قاصِرْ حُزْتَ المَكارمَ والعُلى . . . فلَك المَوارِدُ والمَصادِرْ واسلَمْ ودُمْ في خَفْضِ عَيْ . . . شٍ ما زهتْ بك من دفاترْ وبقِيتَما إن غرَّد الشُّ . . . حْرورُ مشكوراً وشاكرْ فأجابه القاضي محمد : بين المَحاجِر والمعاجِرْ . . . فُتِن الأصاغِرث والأكابرْ وعلى الدُّمَى طُلَّتْ دِما . . . ءٌ للأوائِل والأواخِرْ أمعلِّم الأغصانِ كيْ . . . ف تَميلُ في الورَقِ النواضِرْ ومُعِيرَ آرامِ الظِّبا . . . ءِ الحاجِريَّات المَحاجِرْ أعلمتَ وَسْنَانَ الجُفُو . . . نِ بحال ساهٍ فيك ساهرْ يبكي فعيْنٌ دَمْعُها . . . هامٍ وهذا العينُ هامِرْ إلى أن قال : إن راق فيك تغزُّلي . . . وملأْتُ أوراقَ الدفاترْ ورآهُ بعضُ الحاسِدي . . . ن من النَّقائصِ والجَرائرْ جهلاً بحُسْن سَرِيرتي . . . واللّهُ أعْلَمُ بالسَّرائرْ فلأمْحوَنَّ خَطِيئتي . . . إن سلّمت واللّهُ غافرْ(3/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
بمديحِ مولانا الكري . . . مِ ابنِ الكريم أخي الأطاهِرْ حسنٍ سليلِ مُطهَّرٍ . . . نَسْلِ الغَطارِفة الأكابرْ إلى أن قال : مولايَ أفْصحَ ناظمٍ . . . في أهل جِلْدتِه وناثِرْ قابلتُ هاتيك الغصو . . . ن بهذه الدِّمَنِ الدَّواثرْ عِلْماً بأنَّك كاملٌ . . . وبأن بحرَ نَداك وافرْ وبأنَّ علْمَك عاذِرٌ . . . فيما أتيْتُ به وساترْ وهي طويلة ، أجاد فيها كل الإجادة . ومن شعره في الوعظ قوله مضمناً بيت ابن تومرت : فيا حجر النَّجْدِ حتى متى . . . تسُنُّ الحديدَ ولا تقْطَعُ ألا انْهَمِري أيها الأدمعُ . . . وذوبِي جَوىً أيها الأضْلُعُ ونُوحِي على من له أُوقِعتْ . . . كِبارُ المَعاصِي التي تُصنَعُ فكم غاص جَهْلاً بحارَ العمَى . . . ومِن عنده يُوجَد المَهْيَعُ على أنه واعظٌ إن رَقَى . . . على مَتْن رَوْعٍ به يَرْدعُ فمثِّلْه إن شئتَ في حالِه . . . بمثْل الذي قاله المُبدِعُ فيا حجرَ النَّجْد حتى متى . . . تَسُنُّ الحديدَ ولا تقطعُ وله : باللّهِ لا بسِواه . . . من الأنامِ تَمسَّكْ فافْزَعْ إليه إذا ما . . . خَطْبُ الحوادثِ مَسَّكْ تنَلْ بدُنْياك خيْراً . . . وفي حُلولِك رَمْسكْ فإن وثِقْت بخَلْقٍ . . . سواه ضَّيعْتَ نفسَكْ وله في التضمين : تجاوزتِ يا هندُ المليحة في الحدِّ . . . غَنِيت عنه بما في حُسْنِك البَهِجِ وأغمدتِ سيْفَيْ مُقْلتيْك بمُهجتِي . . . وهل يُجمَع السيفانِ أفديك في غِمْدِ وله : على مَ تتَّخذ الحَلَىْ النفِيس وقد . . . غَنِيت عنه بما في حُسْنِك البَهِجِ الجِيدُ من فضةٍ والخَدُّ من ذهبٍ . . . والثَّغْرُ من لُؤْلؤٍ والصُّدْغُ من سَبَجِ وله :(3/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
بأبي من قد سَبانِي حُسْنُه . . . وغدَأ قلبي به مُرْتهِنَا فالِقُ الإصْباحِ مِن غُرَّتِه . . . جاعل الليل عليها سَكَنَا ثَمِل العشاقُ في عشْقتِه . . . وأفاقُوا سَكْرةً إلاَّ أنَا الثاني منتزع من قول الباخرزي ، في أبياته المشهورة : يا فالقَ الصُّبْحِ من لأْلاءِ غُرَّتِه . . . وجاعَل الليلِ من أصْداغِه سَكَنَا بصورةِ الوثَن اسْتعْبدَتنِي وبها . . . فتْنتنِي وقديماً هِجْتَ لي شَجَنَا لا غَرْو أن أحرقتْ نارُ الهوى كبِدِي . . . فالنارُ حَقٌّ على مَن يعبُد الوثَنَا وله ، وقد ذكرت بحضرته أبيات الأعشى ، التي يقول فيها : وتسْخُن ليلةَ لا يستطيع . . . نُباحاً بها الكلبُ إلاَّ هَرِيرَا وتبْرد بَرْدَ رِداء العرُو . . . س ليلايَ ضَمَّخْن فيه العَبِيرَا أفْدِي الذي زِينةُ الدنيا مَحاسِنُها . . . فلا مليحٌ على الدنيا يُدانِيهَا في البردِ حَرَّى ووقت الحرِّ باردةٌ . . . وبُغْيةُ المُتمنِّي في مَعانِيهَا وله : للّهِ ماءُ ثَناياكِ التي عَذُبتْ . . . وحبَّذا قُبَلٌ فيه وتَكْرارُ لكنه بارِدٌ أذْكَى لَظَى كبِدِي . . . فاْعجَبْ لماءٍ غدَتْ تُذْكَى به النارُ وله في معناه مضمناً بيت المعري : قد قال لي الحِبُّ مُذ قَبّلْتُه سَحَراً . . . في الخدِّ لَمَاهُ الطِّيبِ العَطِرِ أتهجُر الماءَ يا مغرورُ مُغتبِطاً . . . وتقصِد النارَ ذات اللَّفْحِ والشَّرَرِ فقُلتُ من خَصَرٍ مولايَ أهجرُه . . . والعذبُ يُهْجَر للإفْراطِ في الخَصَرِ وله في الزنبق : انْظُر إلى الزّنْبَق الأنيقِ وقد . . . أبْدَع في شَكْلِه وفي نَمَطِهْ يحكي قناديلَ فِضَّةٍ غُرِستْ . . . شموسُ تِبْرٍ تُضِيءُ في وسَطِهْ وله : رِيمٌ تسُلُّ البِيضَ أجفانُه السُّ . . . ودُ فتسْقينا كؤوسَ الحتوفْ جَردَّها عَمْداً وفي ظلِّها . . . وردٌ على الخدِّ مَنِيع القُطوفْ(3/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
يا حبَّذا وَجْنتُه جَنَّة . . . لكنَّها تحت ظِلالِ السيوفْ وهو من قول ابن الخطيب : انْظُر إلى عارضِه فوقه . . . ألحاظُه تُرْسِل فيها الحُتوفْ تُشاهدِ الجَّنةَ في وجهِه . . . لكنها تحت ظلالِ السُّيوُفْ وأما :
جعفر
فهو طيار الصيت في الآفاق ، سيار الذكر بين الرفاق . خمرت طينته بالأدب كل التخمير ، ودعي له بالفضل في الولاية والتأمير . فضرب لمخيم علاه على الأثير سرادق ، ووعد جعفر فضله بسقي العلى فيا له من جعفرٍ صادق . وقد سمعت من مادحيه بعضاً يقول : إنه فرد الزمان ، وبعضاً يقول : إن معه في التوحد توقيع الأمان . وله شعر كنور الأقاح كاد أن ينفتق ، أو كنور الإصباح هم أن ينفلق . فمنه قوله من قصيدة يمدح بها جمال الإسلام علي بن المتوكل إسماعيل : هكذا شرطُ الهوى سَلْبُ القلوبِ . . . وشروقُ الدمعِ من تلك الغُروبِ وجوىً نامٍ وصَبْرٌ ناقصٌ . . . وزفيرٌ قد تعالَى بنَحِيبِ وجُفونٌ قد جفَتْ طِيبَ الكرى . . . ما أعزَّ النومَ للصَّبِّ الكئيبِ ما لِعُذْرِيِّ الهوى عُذْرٌ وقد . . . لاح كالصبحِ سَنَا وَجهِ الحبيبِ أهْيَفٌ مهما تَثنَّى أو رَنَا . . . يا حياءَ الظبِْي والغُصْنِ الرَّطِيبِ شادِنٌ كالظَّبْيِ يرْعَى أبداً . . . في رياض الحسنِ حَبَّاتِ القلوبِ عَنْبرِيُّ الخالِ مِسْكِيُّ الشَّذَى . . . سُكَّرِيُّ الرِّيقِ دُرِّيُّ الشَّنِيبِ ساحرُ الألْحَاظِ فَتَّاك الرّنَا . . . شَفَقِيُّ الخدِّ حُقِّيُّ الكُعوبِ لو رآه عاذِلي ما عادَ لِي . . . سلَب الصبرَ عن القلْبِ السَّلِيبِ قَصِّرِ اللَّوْمَ عَذُولِي في الهَوى . . . وأفِقْ باللّهِ عنِّي يا رقيبي أنت لا تبْرحُ تلْقَى نَصَباً . . . في حبيبٍ هو في الدنيا نَصِيبي وعلى أيَّةِ حالٍ فاسْترِحْ . . . يا رقِيبي إنه غيرُ قريبِ هو مثلُ البدرِ بُعْداً وسَناً . . . وجمالُ المُلْكِ مَعْدومِ الضَّرِيبِ وله في الغزل : برَّح الشوقُ فواصِلْ . . . أنت عمَّا بِيَ غافلْ(3/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
زُرْ فأيام المُحِبِّ . . . ين كما قِيل قَلائلْ قد تركتَ القلبَ منِّي . . . ذاهباً والعقلَ ذاهِلْ بأبي بدرٌ بدَا لي . . . في سماءِ الحُسْنِ كامِلْ كلَّما فوَّق سَهْماً . . . لم يُصِب إلاَّ المَقاتِلْ رِدْفُه للخَصْرِ منه . . . ظالمٌ والقَدُّ عادلْ أقوامٌ ذاك أم غُصْ . . . نُ نَقاً في الدَّوْحِ مائلْ وعيونٌ فاتراتٌ . . . تلك أم أسْحارُ بابلْ وخدودٌ قَانياتٌ . . . أو ورودٌ في غلائلْ قيَّدتْني عارِضاه . . . لهواهُ في سَلاسِلْ قال لي لمَّا رآنِي . . . مِن هواهُ في حبائلْ عارضِي المَقْرون نُونٌ . . . وعِذارِي سالَ سائِلْ قد مضَى العمرُ ووَلَّى . . . لم أفُزْ منه بطائلْ لستُ أُصغِي في هواه . . . لوُشاةٍ وعواذِلْ إنَّ دينَ الحبِّ حَقٌّ . . . وسُلُوِّي عنه باطلْ فدعِي العاذلَ فيه . . . فلْيَقُلْ ما هو قائلْ هو لا شَكَّ لِما بي . . . من جوىً في القلب جاهلْ أنْكَر العاذلُ وَجْدِي . . . وعلى الوجدِ دلائلْ وكفَى السُّقْمُ دليلاً . . . ودَمٌ في الخدِّ هامِلْ وله ، في الغزل أيضاً : سُمْتَ الفؤادَ مَنالَ المَنْزَعِ السَّامِيسَوْمَ العِداةِ مَرِيرَ السَّوْمِ بالسَّامِ أذْكيْتَ نارَيْن فيه من هوىً ونَوىً . . . كلاهما ذاتُ إضْرار وإضْرامِ عذَّبْتَه يا وَقالك اللّهُ ظالِمَهُ . . . وهْو المُبرَّأُ عن ذنبٍ وإجْرامِ أقْوَتْ مدارسُ صبرِي مذ نأيْتَ عَفاً . . . لم يبْقَ منها سوى نُؤْيٍ وآرامِ ظننتُ مَهْلاً غرامِي فيك وهْو معي . . . كالحافِظَيْن ومِن خَلْفِي وقُدَّامِي صحِبْتُه والهوى بُرْدِي ومعهدُه . . . عَهْدِي وحُلَِّته حَلِّي وإبْرامِي وإذْ لُباناتُ خِلِّي في الغرام لُبا . . . ناتِي وأحكامُه في الحبِّ أحكامِي وكنتُ والكونُ مسروراً بمَأْرُبتِي . . . ولا أخاف مَلاماً غِبَّ إلْمامِي أيامَ كنتُ ولا أخْشَى جَفاك ولم . . . أحْفِل بتحْفيل عُذَّال ولُوَّامِ ويا زمانَ التَّصابِي لا عَداك من الْ . . . وَسْمِيّ أغْدَق غيثٍ هامعٍ هامِي(3/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
يسْقي مَعالمَ أُنْسٍ كم قطعتُ بها . . . ساعاتِ دهري وأيَّامي وأعْوامِي واهاً على سالِفٍ منها ظفِرتُ به . . . كأنه إذْ مضى أضْغاثُ أحْلامِ يقِلُّ منِّي عليه حين أذكرُه . . . كَفٌّ يُعَضُّ وجَفْن دَمعُه دامِي ومُهْجةٌ حَشْوُها ممَّا أُكابدُه . . . نارٌ وَقُودٌ وجسمٌ حِلْفُ أسْقام ويا رَبِيبةَ مُلْكِ الحُسْن ليس يُرَى . . . في غير حُبِّك إسْرارِي وإحْرامِي ولا ورَبِّك ما إنْ عَنَّ في خَلَدِي . . . سِوَى هواكِ ونعمَ الناشىءُ النَّامِي مُكِّنتِ منه مَحَلاً دون مَبْلغهِ . . . صَدَّتْ نوازِعُ أفكارٍ وأوهامِ عَقِيلةَ الحيِّ مُلِّكتِ السَّنا وبه . . . ملَكْتِ كلَّ رقيقِ القلبِ هَيَّامِ ضارعْتِ مثلَك في البَيْداء سالفةً . . . أختَ الغزالةِ مَهْوَى قُرْطِك السَّامِي ومُقْلة ما شَبَا الهِنْديُّ يوم وَغىً . . . منها أبَتُّ لأكبادِ وأجسامِ رَنَتْ فكم طار من حِجْرٍ لذي أدَبٍ . . . طَيْرَ الحمامةِ خوف النَّابِل الرَّامِي ذاتَ الفِراخِ نأتْ عنها محلَّتُها . . . وقد دَجَا الليلُ في ظلمٍ وإظْلامِ وقبلَ عَيْنيك ما إنْ دار في خَلَدِي . . . أسْحارُ بابِلَ في ألْحاظِ آرامِ حَكمْتها في عذابِي فعْلَ غانيةٍ . . . لم تعْرِف العدلَ في تصْريفِ أحْكامِ لولاكِ ما باتَ طَرْفِي غيرَ ذِي طَمَعٍ . . . من المنامِ بإسْعافِ وإلْمامِ وقد ملكتِ فؤادِي فاسْمحِي كرَماً . . . فإنه قلبُ ماضِي العَزْم مِقْدامِ وليس قبلَك يا أختَ الغَزال سَطَتْ . . . بباسِلٍ في عَرِين الأُسْدِ صَمْصامِ إذْ كنتُ لا أتوَقَّى هَيْبَ نازلةٍ . . . حتى بُلِيتُ بحبٍ منكِ قَصَّامِ كالشمسِ عُذْر محبٍ صار فيك لَقىً . . . عن عَذْلِ كلِّ غليظِ القلبِ لَوَّامِ باتتْ إليك نجومُ الأفق شاخصةً . . . تَحْديقَ طالبِ حُسْنِ منك مُسْتامِ والبدرُ لمَّا حكَى مَرْآكِ كان له . . . معنَى الجمالِ وفيه بعضُ إيهامِ وما سرَى الرَّكْبُ في أرضٍ حلَلْتِ بها . . . إلاَّ على ضوءِ ثَغْرٍ منك بَسَّامِ وأهْدَتِ الرِّيحُ منها مَنْدَلاً عطِراً . . . ألْوَى بنَفْحة طِيبِ الهندِ والشَّامِ وقد ملكت كتابَ الحُسْن منفرداً . . . ظفِرْت منها بأنْواعٍ وأقْسامِ وله من قصيدة يمتدح بها ضياء الدين إسماعيل بن محمد بن الحسن : ما غرَّد بُلْبُلٌ وغَنَّى . . . إلاَّ وأضلَّنِي وعَنَّى(3/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
في حبِّ مُهَفْهَفٍ غَرِيرٍ . . . من حُسنِك يا هلالُ أسْنَى البدرُ يغَارُ إن تبدَّى . . . والغصنُ يموتُ إن تَثنَّى والظَّبْيُ إذا رأى رَنَاهُ . . . والجِيدُ يكاد أن يَحِنَّا لو شاهده العَذُولُ أضْحَى . . . فيه قلِق الوِسادِ مُضْنَى أهْواه ولا أُلامُ فيه . . . ما أطيبَ عِشْقَه وأهْنَا أُشْفَى بجمالِه وأشْقَى . . . أحْيَى بدَلالِه وأفْنَى الحبُّ مع الوصالِ إسمٌ . . . والموتُ مع المِطالِ مَعْنَى أهْوَى وأوَدُّ لو تَراهُ . . . يا عاذلُ كالهلالِ حُسْنَا كي تعذِر في الهوى مُحِبّاً . . . قد صار من الخِلالِ أضْنَى يا مالِك مُهْجتِي ترَفَّقْ . . . فضلاً وتَداركِ المُعَنَّى في حُبِّك قد بذلْتُ رُوحِي . . . لا تحسبَنْه لَديْك رَهْنَا يا غصنُ أما لكَ انْعِطافٌ . . . يا حُسْنُ أما لديْك حُسْنَى يا وردَ خُدودِه الزَّواهِي . . . عهْدِي بك يا وردُ تُجْنَى يا بدرُ أما تزُور وَهْناً . . . كالبدرِ إذْ يلُوح وَهْنَا ما ضَرَّك هل عليك عارٌ . . . لو تُنْعِش مُغْرَماً تعَنَّى هَبْ عُذْرَك واضحٌ فقُل لي . . . يا طَيْفُ كم الصدودُ عَنَّا لا أُشْرِك في هواكَ خَلْقاً . . . ما وَحَّد مُسْلِم فثَنَّى بل أنتَ وأنتَ كلُّ قَصْدِي . . . أغْنَى بصَبابتي وأفْنَى ومن مقطعاته البديعية قوله : عَاتْبتُهم حين حال وُدُّهُم . . . عند انْعِكاس الزمان مُمْتحِنَا قالُوا فمن ذا تراه لم يكُ يَسْ . . . تحيلُ بالانْعكاسِ قلتُ أنَا وله في الحمامة : وحمامةٍ غنَّتْ على . . . غصنٍ يمِيل مع الرياحِ وَرْقاء تبْعثُ للقلو . . . ب هوَى الصِّباحِ مع الصَّباحِ صَبْراً فلاحِي صَبْوتِي . . . من قبل حَيَّ على الفَلاحِ وله فيها : يا صاحِبيَّ حمامةُ الْ . . . وادي أهاجتْ لي غَرامَا غنَّتْ فغَنَّتْ مُغْرَماً . . . فيهمْ وهَي جسْماً وهامَا قُلنا سلاماً تبْتغِي . . . في سَجْعِها قالتْ سلامَا(3/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
وكتب إليه الأديب حسام الدين ناصر بن سعد بن عبد الله ، قبل المعرفة بينهما : لقد خطَب الوُدَّ منك امْرُؤٌ . . . وأمْهَره المِثْل من وُدِّهِ فإن تَرْضَه يا رَضِيَّ الهُدى . . . وإلاَّ فأحْسِن في رَدِّهِ فأجابه بقوله : خطبْتَ وِدادَ امْرِىءٍ لم يزَلْ . . . مَودَّتُك الجُلُّ من قَصْدِهِ ومن يَحْظَ بالوُدِّ من ناصرٍ . . . قد أحْرزَ الجَدَّ من سَعْدِهِ ومن شعره قوله : بعَيْشِك حَدِّثْني عن الْبانِ هل سَرَى . . . به الركبُ أم مالوا إليه وخَيَّمُوا فلِي أبداً شَوْقٌ إليهم مُبَرَّحٌ . . . ولِي أبداً قلبٌ عليهم مُتيَّمُ وقوله : تعانقَتْ أغْصانُ بانٍ بالحِمَى . . . فأشبهتْ أعْطافَ أحْبابِي ومُذ صَبا قلبي صَبا صاحِبي . . . آهٍ على الصَّاحِبِ والصَّابِي وقوله : يا غزالاً لم يزلْ . . . وجدِي به أمراً عظيمَا جُدْتَ بالوصل فأحْيَيْ . . . تَ أخا وَجْدٍ كَلِيمَا أتُرى ضمَّ كريماً . . . منك أم ضَمَّك رِيمَا وقوله : ومليحٍ كالبدر وجهاً وكالظَّبْ . . . يِ الْتفاتاً وكالقَضِيبِ اعْتدالاَ كلُّ شيءٍ منه مليحٌ وإن جا . . . رَ وأما الهِجْران والاعْتدالاَ وقوله : بأبِي الذي ما شبَّ إلاَّ . . . شَبَّ وجدِي فيه أكْثَرْ وإذا تعذَّر مالكِي . . . فهناك صبْرِي قد تعذَّرْ وقوله في مليح به شرط : بي أحمرُ الوجْنَةِ مَشْروطُها . . . لَدْنُ التثنِّي ناعِسُ المُقْلتْينْ لو لم تكنْ عيْناه مكسورةً . . . ما فعلُوا من تحتهما خفْضَتيْنْ وقوله : قالتْ وقد أفْنَتْ جميعَ تصبُّرِي . . . ونفَتْ لذيذَ النومِ عن أجفْانِي إن رُمْتَ منِّي زَوْرةً في ليلةٍ . . . فاصبرْ وليس لَدَيَّ صبرٌ ثانِي وقوله :(3/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
يا من إذا جاء يوماً . . . يُتابع المَنَّ بالمَنّ أحْرَقْتَ بالمَنِّ قلبي . . . واحَرَّ قلباهُ ممَّنْ وأما :
محمد
فإليه الحديث يساق ، ويخجل خبره العقد في تناسبٍ واتساق . فهو ممن اشتهر وبهر ، وأضحى روضةً أطلت على نهر . وله القلم البابلي السحار ، والكلم التي عطرت نسائم الأسحار . وقد ذكرت له ما تتنادم الألسن على ذكر مزاياه ، وتستنشق الأرواح المسك الداري من عرف رياه . فمنه ما كتبه إلى الأديب حسين بن علي الوادي ، وهو إذ ذاك بصنعا : السُّحْبُ أرْخَى أدمُعا لا يُفيقْ . . . وألْبَس الأغصانَ ثوباً أنِيقْ ودبَّجَ الأرضَ فمِن أخصرٍ . . . أو أصفرٍ أو أحمرٍ كالعَقِيقْ وكلَّما مرَّتْ بنا نَفْحةٌ . . . أهدتْ من الأزهارِ مِسْكاً سَحِيقْ روَتْ حديثاً عادَ دمعِي له . . . مُسَلْسَلاً بالوُدِّ لا يسْتقِيقْ أن الرّبَى قد كُلِّلتْ بالنَّدَى . . . وانْتظَم المَنْثورُ بين الشَّقِيقْ يا أيُّها الوادِي الذي نَشْرُه . . . قد ملأ الأرجاءَ نَشْراً فَتِيقْ بُعْدُك عنِّي والوفاءُ شِيمَتِي . . . مَالي إلى السُّلْوانِ عنه طرِيقْ فأجابه الحسين بقوله : إن الذي صيَّرني حُبُّه . . . دمعاً جرِيحاً وفؤاداً رَقِيقْ لا يكْتفي عن مُهْجتِي بالغضَا . . . ولا عن العيْن بسفْحِ العَقِيقْ واحرَّ قَلْباه ومن نافعِي . . . منه إذا يجْرح قلبي الحرِيقْ من قمرٍ يفْعل بالعقل مَرْآ . . . هُ ولا فعلَ سُلافِ الرَّحِيقْ مُكَوْثَرُ الرِّيقةِ كم لي دَمٍ . . . ومدْمعٍ في حبِّه قد أُرِيقْ مالي عن عشْقتهِ سَلْوةٌ . . . ولا أرَى السُّلوانَ عنه يليقْ إلاَّ حديثاً في جُمانِ الهدى . . . كأنما حُلَّ بمِسْكٍ سَحِيقْ وهي طويلة . ومن شعره فما كتبه إليه أيضاً :(3/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
قُم يا رسولِي نحوَ دارِ الحسينْ . . . وقُل له الوعْدُ شَبِيهٌ بدَيْنْ لا زلتَ تُدْلِي لي حبالَ المُنَى . . . بوَقْفةٍ والأمرُ في ذاك هَيْنْ وأيُّ يومٍ نلْتقي لم تقُلْ . . . غداً نُوافِيكم وما ذاك مَيْنْ فأرقُب السَّاعاتِ حتى مضَى . . . ميعادُكم وأستخلِفُ الحَسْرتيْنْ يا ابنَ عليٍ أنت أطْرَبَتْنِي . . . ولم أنلْ منك سوَى وَقْفتيْنْ للّهِ وادِيكَ وما حازَهُ . . . من نغمتٍ من كِلا الجانبيْنْ بُلْبُلُه بَلْبَلَ بالِي فلَم . . . أزلْ أُراعِي في الدجَى الخافقيْنْ فأجابه بأبيات ، منها : ذكرتَ أن الوعدَ ديْنٌ نعمْ . . . الوعدُ عند الحرِّ لا شكَّ دَيْنْ وكيف يخفَى فيكم سائِلي . . . وسائِلي قد مَلأَ الخافقيْنْ فهل سألتَ الرَّبْعَ عن وَقْفةٍ . . . وقفْتُها فيه بلا وقْفتيْنْ وقلت للوادي هل جاءنا الْ . . . وادي وفَيْناه فما الأمرُ هَيْنْ إن كان ذا مَطْلاً فنفسِي لَهُ . . . صبرٌ جميلٌ يقبل الحالتيْنْ ومن جيد شعره قوله : قِفا حَدِّثا عن لَوْعتِي وغرامِي . . . ففي القلب نارٌ أُجِّجَتْ بِضرامِ وعنِّي خُذَا الأشواقَ والوجدَ والهوى . . . فليس دَعِيٌّ في الهوى كإمامِ وفي الجِزْعِ حَيٌّ كلَّما شاق ذكرَهم . . . نسِيمُ اشْتياقٍ لا يلَذُّ مَنامِي جفَوا مُغرماً لم يُثْنِه عن هواهمُ . . . سُلُوٌّ ولا أرْواهُ شُرْبُ مُدامِ ولا لَحْنُ شادٍ مَعْبَدِيٍ غناؤُه . . . يُرجِّع ألْحاناً كسَجْعِ حمامِ إذا سَلْوة رامتْ إلى القلب مَسْلَكاً . . . يقول لها الوجدُ ارْجعي بسلامِ وله في صنعاء : أرى المدائنَ شَوْها كلَّما ذُكِرتْ . . . صنعاءُ والبابُ منها بابُ سيرانِ ما حلَّ فيها امْرُؤٌ إلاَّ وعايَنَها . . . جَنَّاتِ عَدْنٍ عليها حُور رِضْوانِ وذيل عليهما صنوه السيد الحسن فقال : إيَّاك إيَّاك أن تعدِل بها بلداً . . . هيهاتَ ما الدُّرُّ والحَصْباء سِيّانِ تاهَتْ على الأرضِ ما نَهْرُ الأُبُلَّةِ والْ . . . وادِي المُقدَّسِ أو ما شِعْبُ بوَّانِ(3/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
السادة بنو الحجاف :
السيد زيد بن علي
أمير المخا ، وخليفة المزن في السخا . من سروات الأشراف ، كريم الأسلاف والأطراف . له خليقةٌ بذل المعروف ديمتها ، وسجيةٌ نجدة الملهوف شيمتها . ولاه المتوكل المخا فكان بخا حظاً زائدا لا ينتقص ، وحرماً آمنا لا يباح صيده ولا يقتنص . وله في أحكامه سيرةٌ رضية ، وعزيمةٌ ما تخلفت بها عن حكمه قضية . وأما أدبه فروض نسام ، كأنه في ثغر الدهر ابتسام . فمن شعره الذي لفظه بحره ، وتزينت به لبة الزمان ونحره . قوله : ولي عَتْبٌ عل قومٍ أساءُوا . . . مُعاملتِي وسامُوني اغْترارَا جنَوْا عَمْداً وما راعُوا حقوقاً . . . وما اعْتذروا وسامُوني صَغارَا سأضربُ عنهمُ صَفْحاً وأُغْضِي . . . مَخافةَ أن أُقلِّدهم شَنارَا ولو أنِّي ركبتُ مُتونَ عَزْمِي . . . إذاً لَسقيْتُهم مُرّاً مِرارَا ولو أنِّي همَمْتُ بأخْذ حَقِّي . . . لَولُّونِي ظُهورَهمُ فِرارَا فأجاه بعض أصحابه بقوله : لك العُتْبَى ومنك الصفحُ يُرْجَى . . . إذا لم تسْتَبنْ مهم وَقارَا وإنَّهم جنَوْا عمْداً وجَهْلاً . . . وما راعوا ولا طلَعوا اعْتذارَا فإن البدرَ لا يثنِيه شيءٌ . . . من العجْما صِياحاً أو جُؤارَا وأنت على أذاهمْ ُُو اقْتدارٍ . . . عَلِيٌّ أن تُسامَى أو تُبارَى فطِبْ نفْساً فكلُّهُم ذليلٌ . . . لِعزَّتك اخْتياراً واضْطرارَا وله : أقول للوردِ لمَّا افْتَرَّ مبتسِماً . . . صنَعتَ فيما أراه صَنْعةَ الأدبِ في فِيكَ لي صدقُ وُدٍ قد أضِنُّ به . . . شَيْءٌ من الضَّرَبِ الحالِي مع الشَّنَبِ ومن بدائعه قوله : ومالِي وللهمِّ الذي أنا حاملٌ . . . ولي صِلةٌ من لُطْف ربِّي وعائدُ(3/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
إذا عادةُ اللّهِ التي أنا آلِفٌ . . . تذكَّرتُها هانتْ عليّ الشدائدُ فلا أتَّقِي هَوْلاً وأرْهبُ طارِقاً . . . ولي ثِقةٌ باللّهِ ما قام عابدُ
السيد عبد الرحمن بن الحسن القاسمي
صاحب يدٍ في القريض وساعد ، وجدٍ إلى أفق النيرات صاعد . يزرع الدر في أرض الطروس ، فيقتطف ثمارها طيبة المجنى والغروس . بعبارات عذبت فأغنت غناء الثنايا العذاب ، وإشاراتٍ يذيب بصوغها القوافي فتؤدي رونق الذهب المذاب . وقد أثبت له ما يروق تطريزه ، وينفق في سوق الأدب إبريزه . فمن ذلك قوله ، من قصيدة : ألا أيُّها البرقُ الذي لاح من بُعْدِ . . . فهيَّج أشْجاني وجدَّد لي وَجْدِي ومِيضُك من قلبي وغَيْثُك أدمُعِي . . . ومن زفَراتي والبُكا حَنَّةُ الرعدِ وقد أنْحلتْ جسمي مَرارةُ مُهجتِي . . . ومُنْهمرِ الأعْيان قد خَدَّ في خَدِّي عَساك إلى الأحْبابِ تُهْدِي تحيَّتي . . . وتُخْبرني عن دارِ هندٍ وعن هندِ منها : ففِي مُهْجتي من طولِ ذا البعدِ والنَّوى . . . بنارٍ وقد ذاب الفؤاد من الفقدِ فيا ليت أحبابِي لِما بِيَ شاهَدُوا . . . ويا ليت شِعْرِي كيف حالُهُم بَعْدِي ومنها : مَنامِي طَرِيدٌ من فِراق أحبَّتِي . . . وقلبيَ لا يقْوَى وُقِيتُم على الصَّدِّ فهل عندكم للعهدِ عند وَداعِنا . . . وفاءٌ فإنِّي لا أحُول عن العهدِ وقوله : أولَى وأحْرَى بالمَلامةِ لُوَّمِي . . . منّي وأجْدَى بالجِدالِ المُبْرَمِ لامُوا على أن ظلَّ دمعِي ذارِفاً . . . والحقّ أن أبكى دُموعاً من دَمِ بل لو بكَيْتُ دماً لَقَلَّ لحادثٍ . . . أضْحَى لديْه كلُّ ذي نظرٍ عَمِي
السيد إسماعيل ، والسيد يحيى ، ابنا إبراهيم الحجاف
غصنا كمال ، وكوكبا جمال ، وكلٌّ منهما يمين للمجد وشمال .(3/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
قد لانت أخلاقهما ، وما بات إلا بالأدب اعتلاقهما . وكلاهما في حلبة الأدب من الفرسان ، وفي شوطها ممن أحرز قصب الإحسان . ولهما شعر لا تنجاب ديمته ، ولا تغلو بغير قلمهما قيمته . فمن شعر السيد إسماعيل ، قوله من قصيدة يمدح بها المتوكل إسماعيل . أولها : أصبح الدهرُ طَيِّبَ الأوقاتِ . . . كاملَ الحُسْنِ وافِرَ الحسَناتِ مُشْرِقَ الوجهِ باسمَ الثغر يزْدَا . . . دُ بِمَرِّ الشهورِ والسَّنَواتِ كعَرُوسٍ من فوقه زادَها الْحَل . . . يُ جمالاً إلى جمالِ الذَّاتِ غادة تسلُب العقولَ وتغْتا . . . لُ قلوبَ الأنامِ باللَّحَظاتِ ينتُ سَبْعٍ وأربعٍ وثلاثٍ . . . برَعتْ في السكونِ والحَركاتِ تتثنَّى فينْثني مِن وَراها . . . خافِقُ القلبِ ساكبُ العَبَراتِ جَمْعت كلَّ مُفْرَدٍ من جمالٍ . . . وتثَّنتْ غُصْناً من المائساتِ مُذ تولَّى أمرَ الخلافةِ فيه . . . أوْحَدِيُّ الأفعالِ جَمُّ الصِّفاتِ ثابتُ الجأْشِ ثابتُ الرأيِ إسما . . . عيلُ حِلْفُ الهدى حلِيفُ الهُداةِ هدوِيٌّ في نِسْبةٍ من أبيه . . . قاسمِيٌّ في نِسْبةِ الأُمَّهاتِ تتلاقَى أطْرافُه في المَعالِي . . . بين خَيْرٍ وخَيْرةِ الصَّالحاتِ منها : يا إمامَ الزَّمانِ قد أسْعَد اللَّ . . . هُ أُناساً رأَوْك قبل المَماتِ شاهدُوا فيك من صِفاتِ عليٍ . . . جُملةً أخْبرتْ عن الباقياتِ منها : بَّق الأرضَ جُود كفّيْك فيه . . . وعَمرْتَ الورى بأسَنْى الهِباتِ يتبارَى كفاك والبحرُ جُوداً . . . فأنافَا سَبْقاً على الذّارِياتِ(3/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
صِفَةٌ من صفاتِ جَدِّك قد جا . . . ء بمضْمونِها حديثُ الرُّواةِ وهي طويلة . وللسيد يحيى من كتاب إلى الحسين بن الناصر ، وقد اطلع على كتابيه المواهب القدسية ومطمح الآمال ، في إيقاظ جهلة العمال ، من سنة الضلال . أما بعد ؛ فإنه جاءني كتابٌ كريم ، ومسطور أنشأه عظيمٌ عليم . حفظه الله ، وأطال في عافيةٍ بقاه ، وأهدى إليه سلاما طبق فضله وكفاه ، وحباه برحمته وبركاته غدو عمره ومساه . فآنسني مجيئه وسر ، ووصلني به منشيه وبر . وبهرني كماله الباهر ، وملأ صدري إعظاماً له فضله وإفضاله الغامر . فدعوت الله أن يتولى مكافأته عني ، ويجزيه أفضل ما جزى به المحسنين الواصلين نيابةً مني . والله تعالى يشكر مساعيه الحميدة ، وعوائد نفعه العديدة . هذا ، وقد طالعت مؤلفيه اللذين أحكمهما ، فوقفت فيهما على علمٍ كبير ، ووصلٍ خطير . أما شرح المنظومة فقد انطوى على علم غزير ، وفقه كثير . وانتظم نظم المقارضة للفظ الأنيق ، والجمع للزيادات مع أسلوبس رشيق . وأما كتاب مطمح الآمال ، فلقد جمع على حصره ، من أعيان الهداة ، ومن شمائلهم وسيرهم ، وأمثلة تقواهم لربهم وخشيتهم له ومراقبتهم ، ما هو لباب المطولات ، ومقصود المبسوطات . وتمم كماله ما ضمه إليه من مكاتبات العلما ، ومباحثات الفهما . فصار مصباحاً للبصائر ، ومفتاحاً لما انغلق من منهاج الأخائر . وإن فيما اشتمل عليه لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد . وإن طريق الحق لأبلج ، لولا حب الدنيا فإنه رحيب المدخل ضيق المخرج . ومن شعره قوله : قد لاَمَنِي العاذلُ لمَّا رأَى . . . صَبابتي في الشَّادِن الشارِدِ وقال مهلاً لا تَرُم وَصْلَه . . . فقد غدا في شَرَكِ الصَّئدِ(3/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
السادة النعميون
السيد علي بن الحسن
ذو النسب الطاهر ، والحسب الظاهر . ليس له مدان ، غير بني عبد المدان . فيه شمائل نسمات نجد ، وله كلفٌ بالمعلوات ووجد . نشأ في بيت الفضل والنعمة ، ونما على فرش اللين والنعمة . إلى سجية مرتاضة ، وطبيعة فياضة . وثمة لفظٌ ألذ من حلاوة عدن ، ومعنىً أشهى من العافية إلى البدن . فمن شعره ، قوله في الزهر : سَرْحةُ الروضِ نُزهةٌ للنفوسِ . . . وبها مَرْهَمٌ لداءٍ وبُوسِ وهْيَ أشْهَى لإلْفِها من سُلافٍ . . . قد أُدِيرتْ على نَدامَى الكؤُوسِ ولها صورةٌ بمَنْظر قلبِي . . . هيَ أبْهَى من صورةِ الطاوُوسِ فاسْتمرُّوا في دَرْسِها فالمَعالي . . . تتهادَى في حالكاتِ الدُّروسِ والمَعاني مُهورهُنَّ مَغانٍ . . . وارداتٌ عن صَفْوةِ القُدُّوسِ وجليسٌ مُذاكِرٌ في رَشادٍ . . . خيرُ خِلٍ وصاحبٍ وجليسِ فإذا لم يكُن فصُحْبةُ سَفْرٍ . . . هي عند اللَّبِيبِ خيرُ أنِيسِ واسْتمِدُّوا فضلاً من اللّهِ يأْتِي . . . فيه نورٌ يفُوق نورَ الشُّموسِ واسْتعِينُوا بالصَّبْر كيْما تفُوزُوا . . . بِخلالٍ عظيمةِ النَّاموسِ فسلامٌ عليكُمُ مُستمِرٌّ . . . ما هَمَى عارِضُ الغمامِ الرَّجيسِ وله من رسالة كتبها إلى الفقيه أبي القاسم بن محمد أبي هم ، في مسألة حصلة بينهما فيها نزاع :(3/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
وقد كان الأولى رفع النفس عن مجاراتك في جهلك ، والالتفات إلى فرطات عقلك . وكف اليد عن جوابك ، وقطع المدى عن عتابك . غير أني أعلم أنك لم تعدني بالإعراض متكرما ، ولا بالازورار عنك مستحكما . بل تقدر مع ذلك أنك قد أصبت معظم الصواب من هذا البحث ، وأنك قد أخذت بمقالك الأقبح الأرفث . وأيضاً ، فإن من محكم كلام الجليل : ' ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ' . ومن قول حكيم الشعر . إذا أتَتِ الإساءةُ من وضيعٍ . . . ولم أَلُمِ المُسِيءَ فمَن ألومُ وبعد هذا ، فاعرف موضع قدمك قبل المسير ، وتبصر في الأمور أيها الجاهل الغرير . وقف عند انتهاء قدرك ، وانظر في إصلاح أمرك . فالأولى لك أن تكون متعلما لا معلما ، وأن تكون متفهما لا مفهما . وليس لك فيما سلكت جملٌ ولا ناقة ، ولا تذكر في مقدمة ولا ساقة .
السيد محمد والسيد حسن ، ابنا علي بن حفظ الله
غرتان في جبهة الزمن ، وشامتان في وجنة اليمن . أماطا عن وجه البلاغة البراقع ، وطلعا كالنسرين الطائر والواقع . ولهما جمعية أدوات تعجز الإدراك ، وانحيازه نزعات تأبى في سواهما الاشتراك .(3/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
وشعرهما في غاية ما يكون ، يحرك بالضرورة طرباً له كل ذي سكون . فمما يحمد لمحمد قوله ، من قصيدة أولها : مَن لقلبٍ مِزاجُه الأهواءُ . . . وعيونٍ أودَى بهِنَّ البكاءُ لِشَجِيٍ متيَّمٍ مُستهامٍ . . . هَمُّه النَّوْحُ دَائباً والأساء يا خليليَّ بالبُكا ساعِداني . . . في عِراصٍ ربُوعهنَّ خَلاءُ دارِ ليلى ودراِ نُعْمٍ وهندٍ . . . وديارٍ تحُلُّها أسْماءُ وقِفَا بي هُدِيتُما لو فَوقاً . . . فوُقوفِي على الطُّلولِ شِفَاءُ أيها الرسمُ هل تُجِيبُ سؤالاً . . . لِمَشوقٍ أوْدتْ به البُرَحاءُ كائناً عن ودادِ ليلى بهندٍ . . . وبنُعْمٍ وشوقُه أسْماءُ وكذا كلُّ مُولَعٍ بحبيبٍ . . . يتكنَّى وهل تُفِيد الكُناءُ بُحْ غراماً إن كنتَ حِلْسَ ودادٍ . . . وقُلِ اللومُ في الحسانِ هُذاءُ أنا حِلْفُ الغرام في كلِّ حينٍ . . . وفؤادي من السُّلُوِّ هَواءُ كلَّما أزْمع الفؤادُ سُلُوّاً . . . ذكَّرتْني وَهْنانةٌ هيفاءُ بعيونٍ فواترٍ ساجياتٍ . . . رُسُلُ الموت بينها كَمْناءُ قائلاتٍ لمن تمنَّى هَواها . . . لا بقاءٌ مع اللِّقا لا بقاءُ وقُدودٍ بمَيْلها تتثَّنى . . . ظامِياتٍ أكْفالُهنَّ رِواءُ يُطمِع الصبَّ لِينُها في لِقاها . . . وهْيَ للصبِّ صخرةٌ صمَّاءُ لم أنَلْها بالعين إلاَّ اخْتلاساً . . . رَدَّ عيني عن الصَّفاةِ الضِّياءُ وعَدانِي عن ازْدِيارِ حِماها . . . رُقَباها وصَدَّها الرُّقباءُ فتارني أهْوَى المَمات طماعاً . . . لازْديارِي منها وبئس الرَّجاءُ وأُرجِّي يوم النُّشورِ لِقاها . . . وكثيرٌ من الرجاءِ هَباءُ إنما الحبُّ ذِلَّةٌ وغرورُ . . . وسَقامٌ يكِلُّ عنه الدَّواءُ وقوله من أخرى ، أولها : تيَّمتْني ذاتُ الخُدودِ الرّهافِ . . . وبرَتْني ذاتُ القُدودِ اللِّطافِ طَفْلةٌ تفْضَح القضِيبَ قَواماً . . . تُسْبِل الليلَ فوق رَمْلِ الحِقافِ صَوَّر اللّهُ شَخْصَها من ضياءٍ . . . ولُجَيْنٍ ولُؤْلُؤِ الأصْدافِ أعلَى مَن هوى لتلك مَلامٌ . . . لا وربِّ الحديدِ والأحْقافِ وقوله أيضاً :(3/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
سَمحتْ بوَصْل المُسْتهام العاشقِ . . . هَيْفاءُ خُصَّت بالجمال الفائقِ بيضاءُ صامتةُ المُوشَّح طَفْلةٌ . . . تُزْرِي القضِيبَ بلِينِ قَدٍ باسقِ من بَعْد ما شحَّتْ بِطيب وِصالِها . . . نَحْوِي ولم تسمحْ بطيْفٍ طارقِ وافَتْ وثوبُ الليل أسودُ حالِكٌ . . . في جسمِ عاشِقها وزِيِّ السارقِ باتتْ ذوائِبُها الحسانُ قَلائدِي . . . ومُوسّدي فَعْم الذِّراعِ الرَّائقِ نشْكو الجوَى ونبُثُّ سِرَّ غرامِنا . . . في غَفْلةِ الرُّقَبا ونومِ الرَّامقِ للّهِ مِن وصلٍ هنالك نِلْتُه . . . في جُنْح ليلٍ غَيْهَبِيٍ غاسِقِ من شادِنٍ غَنِجٍ أغَنَّ مُهَفْهَفٍ . . . باهِي الجمال بديعِ صُنْعِ الخالقِ في ليلةٍ ظَلْما كأنَّ نجومَها . . . في لُجِّ بَحْرٍ أُوثِقتْ بوَثائقِ ملك الفؤادَ بدَلِّه ودلالِه . . . فجوانِحي كجَناحِ طيرٍ خافقِ تاللّهِ لا أنْساه ليلةَ قال لي . . . لا تَنْسَ منِّي مَحْضَ وُدٍ صادقِ واسألْ فؤادَك عن فؤادِي إنه . . . يُنْبِيك عمَّا جَنَّ قلبُ الوامقِ ومما يحسن لحسن ما كتبه للحسين المهلا : لأنتَ لِمُدْلَهِمِّ الأمرِ بدرُ . . . يضيءُ وشمسُ معرفةٍ وبحرُ وطَوْدُ مكارمٍ وسبيلُ حَقٍ . . . لليلِ دُجىً من الشُّبُهاتِ فجرُ ونُورُ هدىً لمن يعْرُوه جهلٌ . . . ويَمُّ نَدىً لمن فاجَاه فَقرُ بُيوتُ عُلاك شامخَةٌ طِوالٌ . . . ورَوْض هُداك ناضِرُهُ يسُرُّ علومُك أصبحتْ عسَلاً مُصفّىً . . . وفي أنهارِها لبنٌ وخمْرُ وحُورُ حِسانِها مُتبخْتراتٌ . . . تدور بشأنها ولهُنَّ بِشْرُ وأشْبَهُ بالنسيم الرَّطْبِ شيئاً . . . عِتابٌ فيه للمعْتوب عُذْرُ لتأْخير الرسائلِ منك عنِّي . . . وذلك بين أهلِ الوُدِّ فَخْرُ وأنت حَميْت نُورَ سوادِ عيْني . . . ورِقُّ وَلايَ تحت لِواك حِجْرُ عليك سلامُ ربِّك في تَحايَا . . . تخصُّك ما أنار وضاءَ بَدْرُ وكتب إليه ، يتشوق لمروره بمحله : مُنتظَرَ القلبِ متى وصلُكمْ . . . فحالُنا شَقَّ به الانْتظارْ وشوقُنا لمَّا يزَلْ صالِياً . . . جوانحَ القلبِ بجمرٍ ونارْ ورَبْعُنا تهْتزُّ أكْنافُه . . . شوقاً إليكم يا خِيارَ الخِيارْ لا زلتُمُ للحقِّ قُوَّامَه . . . وفي المعالِي قادةً والفخارْ(3/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
فأجابه بقوله : يا بدرَ أُفْقٍ في الليالي أنارْ . . . ومَن لأفْلاك المَعالي أدارْ يا رافعاً دار العُلَى في المَلاَ . . . فدارُه أضْحى رفيعَ المَنارْ وساكناً أرْضاً به أصبحتْ . . . غرَّاءَ بيضاءَ كشمسِ النهارْ ومَنْبَعُ السُّؤددِ والمجدِ في . . . دارٍ له صار به خيرَ دارْ وافَى إلينا النظمُ كالُّلؤْلؤ ال . . . مَنْظومِ في حَوْراءَ فيها حوارْ فهو لقلبي وفؤادي شِفَا . . . وليَمِيني ويسَارِي يَسارْ وكتب لعلي بن الهادي المنسكي ، معتذراً إليه في إبطاء كتبه عنه قوله : ما بُعْدُ كُتْبي عن الأحبابِ نِسْيانُ . . . وقَطْعُ وصلِي لهم واللّهِ سُلْوانُ أو سَلْوةٌ بسِواهم لا وحقِّهمُ . . . إنِّي على عهدِهم باقٍ وإن بَانُوا وكيف أسْلو وفي الأحشاءِ منزلُهمْ . . . والقلبُ رَبْعٌ لهم والجسمُ أوطانُ ومَن إذا شِمْتُ بَرْقاً نحوَ رَبْعِهمُ . . . بُلَّتْ من الدمعِ أرْدانٌ وأجفانُ ومَن إذا الطَّيْفُ منهم زارنِي عجِلاً . . . يُشَبُّ في مُهْجتي جَمْرٌ ونِيرانُ وكتب إليه من إنشاءه جواباً عن كتاب : وقد جاء من تلقائه الكتاب الكريم الشافي ، ووصل من نحوه المثال الفخيم الوافي . جلت طوالعه حنادس الهموم ، وحلت نوازعه فوارس البلاغة في يومٍ مشهودٍ له الناس وذلك يومٌ معلوم . فما تنزل به روح أمانيه من بيان سماء بلاغته إلا لشفاء أوامي ، ولا تدلي أمين يراعته على بيان بلاغته إلا لبرء أسقامي . فما أحلى ما شربت من زلاله المعين صافيا ، وما ألذ ما ارتويت من برد نميره المغيث شافيا . وما أنور ما تبسم به ثغره عن لؤلؤ عتابٍ كريم ، وما أعطر ما تنسم به فجره عن روح غفرانٍ من المولى وتسليم .
السيد الحسن بن علي بن الحسن بن محمد
سيد تحلى بالحلل السنية ، وأربى على أجواد الأسرة النعمية الحسنية .(3/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
بفضلٍ مرتوي النبت خصيب ، وفكرٍ كيف ما سددته فهو مصيب . فهو بدرٌ في شيم ، وبحرٌ في ديم . ونور وزهر ، في شاطىء غديرٍ ونهر . وشعره قولٌ حسن ، مسند إلى الحسن . فمنه قوله فيما كتبه إلى الناصر المهلا ، على لسان محمد بن صلاح : ألا باللّهِ يا نفسَ الخيالِ . . . أعِدْ لي ذكر سالِفةِ اللَّيالِي وأتْحِفْني بذكْرِ أُهَيْلِ نجدٍ . . . وما قد مرَّ في تلك الحِلالِ وهاتِ الكأسَ صِرْفاً صَرْخَدِيّاً . . . بذِكْراهنَّ لي في كلِّ حالِ فإنِّي إن ذكرتُ زمانَ وَصْلِي . . . وما قد مرَّ من حُسْن اتِّصالِي بمَن أهْواه في عيشٍ خصيبٍ . . . وأيامٍ حُلاها قد حَلا لِي أكاد أذُوبُ من وَلَهِي عليه . . . وأضربُ باليمين على الشِّمالِ وأصْبُو للرُّبوعِ وساكنِيها . . . وأبْقَى في افتكارٍ واشتغالِ وأرجُو اللّهَ يجمعُنا قريباً . . . بذاتِ النفسِ لا طَيْفِ الخيالِ ونقْضِي للصَّبابةِ والتَّصابِي . . . لُباناتِ التَّواصُل والوصالِ
الحسن بن أحمد الحيمي
رئيسٌ سامي المقدار ، مشكور السيرة في الإيراد والإصدار . طلع في أفق البيت الحيمي بدراً تحرس مجده الثواقب ، وزين من مجلس إفادتهم صدراً تحفظ طرفيه المناقب . فهم من ملقاه في ضياءٍ يسطع ، ومن رأيه الصائب في حكمٍ يقطع . وكان معروفاً بعلو الهمة ، مقصداً في الأمور المهمة . ولذلك أرسله الإمام إسماعيل المتوكل رسولاً إلى الحبشة فظهرت له اليد البيضاء في أغراضٍ عين لها ، وقضاها بنظره على حالٍ ما تغافل عنها ولا لها . وقد رأيت له قطعةً من نظمه استجدتها ، وطالما أبديتها لحسن ديباجتها وأعدتها . وهي قوله : فؤادٌ على نارِ الأحبَّة لا يقْوَى . . . وكيف ورَبْعُ العامِريَّة قد أقْوَى وصبرٌ ولكنْ غالَه الهجرُ والنوَى . . . فلا نَفْعَ للمهْجورِ فيه ولا جَدْوَى ولكنَّني قد ذُبْتُ في الوصلِ بالرَّجا . . . وكم ذِي لُباناتٍ تمنَّعَ بالرَّجْوَى فيا أيُّها الخِلُّ الذي أنا صَبُّه . . . عليك بآدابِ الحديث الذي يُروَى ومُنَّ علينا بالترسُّل إنَّني . . . رأيتُ حديثَ المَنِّ أحْلَى من السَّلْوَى(3/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
ولده القاضي بدر الدين محمد
قاضٍ إذا التبس الأمران ، عن له في تمييزهما رأيٌ يحسده النيران . ليس للماء صفاء فكره ولو تصلف ، ولا لبدر السماء حسن وجهه ولو تكلف وكانت الأحكام بفضله مطرزة العواتق ، والأيام بحسن تدبيره مأمونة الفواتق . وهو في كثرة الإحاطة بحرٌ له مشارع ، جرى في الصواب على وفق مراد الشارع . وقد فصل الأدب بدائع فصول ، فضل القاضي الفاضل عندها فضول . وأتى بفرائد منظوم ومنثور ، يستهدن لديها كل منقول ومأثور . فمن شعره قوله ؛ من قصيدة كتب بها إلى يوسف بن علي الهادي صاحب الطوق . مطلعها : أعِدْ من حديثِ السالفاتِ لنا ذكْرَا . . . فللَّه ما أحْلاه دهراً وإن مَرَّا وكرِّر على سَمْعِي قديمَ حديثهِ . . . وقُل إن تُدِرْه ما ألَذَّ وما أمْرَا ويا ساجعاتِ الوُرْقِ لا هَزَّكِ الهوَى . . . كما اهْتزَّ غصنٌ في الرُّبَى بعد ما اخْضرَّا ولا خُضِبتْ منك الأكُفُّ بعَنْدَمٍ . . . كدمعٍ جرى من أسْوَدِ الطَّرفِ مُحمْرَّا ولا صفَّقتْ منك الجناحان صَبْوةً . . . إلى أفْرُخٍ في شاهقٍ أُودِعتْ وَكْرَا إذا لم تبُثِّي ما كتمتِ من الهوى . . . وأحسنُه ما طابقَ الخَبَرُ الخُبْرَا جفاكِ خليلٌ أم نَبَا بك مَنْزِلٌ . . . فما بيننا يا وُرْقُ أن تكْتمِي سِرَّا وما أنتِ بدْعٌ في غرامٍ ولوعةٍ . . . وما الحبُّ إلاَّ ما يُرَى سِرُّه جَهْرَا كِلانا على الأغْصانِ ناحٍ وإنما . . . على قدرِ ما نَهوى تخالفتِ الآرَا وما أنا في ذِكْرِ العَقِيقِ وأهلهِ . . . بأوَّلِ صَبٍ صَبَّ في جَفْنِه التِّبْرَا فلو سكبتْ عيْناي ما سكبتْ على . . . بِقاعِ الدُّنَى وما رأى أهلُها قَفْرَا(3/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
رعى اللّهُ أيامَ العَقِيقِ وإن تكُنْ . . . على بُعْدِه أجْرَتْه من مُقلتِي نَهرَا إذا استُخْدِمتْ عيني لساكنِه فلا . . . عجِيبٌ فإنِّي لست أُدْعَى بهم حُرَّا ولا عجبٌ إن هِمْتُ في ساكِني النَّقا . . . غَراماً فقد شَبُّوه في كبدي حُرَّا أبَى الحبُّ إلاَّ أن أكون له أخاً . . . شقيقاً ولو أني أشُقُّ به الصَّخْرَا فما لدمُوعِي لا تُنَظّمُ عَسْجداً . . . إذا عجزتْ في الحبِّ أن تنثُر الدُّرَّا بحُبِّ رَشاً ما خامَر العقل حُبُّه . . . وأغْراه إلاَّ خِلْتُه خامرَ الخمْرَا له مُقَلٌ إن حُلَّ عِقْدُ نِقابِها . . . فقد حلَّلتْ قتلاً وقد عقدتْ سِحْرَا إذا ما انْتضَى منها سيوفَ لِحاظِه . . . فما أكثرَ القتْلَى وما أرخْص الأسْرَى وما مِلْتُ منه قِيدَ شِبْرٍ لسَلْوةٍ . . . فمن أجلِ ذا العشاقُ تنظُرني شَزْرَا ومن أجلهِ أرْعَى النَّظير لقَدِّه النَّ . . . ضيرِ فأهوَى الغصنَ والصَّعْدَة السَّمْرَا إذا ما بدتْ للطَّرْفِ غُرَّةُ وجهه . . . رأيتَ بها الشمسَ البهيَّةَ والبدرَا وأعْجَبُ مِن ذا جَنَّةٌ في خدودِه . . . فشاهد فيها الماءَ والنارَ والزَّهْرَا وأعْجَبُ من هذين يكسِر جَفْنُه . . . عليَّ وما ضمَّيْتُ من قَدِّه خَصْرَا إذا قيل لي سَمِّيه قلتُ مُكنيِّاً . . . هو الغايةُ القصوَى هو الآية الكبرى له خلُقٌ كالروضِ بل هو أعجبٌ . . . وكيف يُساوِي الزَّهْرُ في خَلْقِه الزَّهْرَا أُنادِي بأعْلَآ الصوتِ قد حَلَّ يُوسفٌ . . . بمصرَ من الآداب فلْتهْبِطوا مصرَا عليمٌ بأنواعِ البديع وهذه . . . خزائنُه من فكرِه أُودِعتْ فكرَا حَبانِي بنظمٍ لو حُبِينَ بمثلهِ الْ . . . غوانِي لِعفْنَ العِقْدَ والشُّنْفَ والشَّذْرَا إذا قيل لي في الخمرِ سُكْرٌ مُحرَّمٌ . . . فمِن غير ذاك النظمِ لا أعرف السُّكْرَا وإن قيل لي في الروضِ زهرٌ مُنوَّعٌ . . . فمِن غيره لا أعرف الروضَ والزَّهْرَا سطورٌ أتتْني منه وهْي قلائدٌ . . . حلَيْتُ بها نحْراً شرحتُ بها صدرَا كأنِّيَ يعقوبٌ رأى بُرْدَ يوسفٍ . . . فلا عجَبٌ إمَّا مُلِئتُ بها بِشْرَا وهاك جواباً قلتُه مَعْ شواغلٍ . . . وأشجانِ قلبٍ لا أُطِيق له حَصْرَا ولا تعْتِبنِّي فالوِدادُ مُحقَّقٌ . . . وأنت به يا ذا الوفا في الورى أدْرَى(3/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
ودُمْ في نعيمٍ لا انْقضاءَ لعُمْرِه . . . تفُوق به فضلاً وتسمُو به قَدْرَا فراجعه بقوله : خُذَا إن رَنا من سِحْرِ مُقْلتِه الحَذْرَا . . . فأيُّ فؤادٍ لا يبِيتُ به مُغْرَى وإيَّاكما من نارِ مُتْرَفِ خدِّه . . . فلِمْ تركتْ أحْشاءَ رامِقِها حَرَّى غزالٌ إذا قُلنا حكى الليلَ شعرُه . . . أبان لنا فَرْقاً مُبِيناً حكَى الفَجْرَا غَنِيُّ جمالٍ إن أتى مَعْشَرُ اللِّقا . . . إليه بدمعٍ سائلٍ ردَّه نهرَا مُبَرَّدُ رِيقٍ للقلوبِ مُقاتلٌ . . . بمكْحولِ جَفْنٍ منه لم ينْجُ مَن فَرَّا يعلِّم أغصانَ النَّقا كيف تنْثنِي . . . قَوامٌ له يا قومُ ما عرف الهَصْرَا ويرْنُو فتُصْبِينا جفونُ عيونِه الْ . . . مِراضِ وتُصْمِينا سهامٌ له تُبْرَى له اللّهُ رِيمٌ ما أعزَّ نِفارَه . . . وأمْلَحه شكلاً وأحْلاه إن مَرَّا يُحذِّرني من حبِّه كلُّ كاشِحٍ . . . ولم يدْرِ جهلاً أن تحْذيرَه أغْرَى ولو لم يكنْ أعْلَى ذوِي الحُسْنِ رُتْبةً . . . بما حازَه ما كنتُ أسكنْتُه الصدرَا مليحٌ بَراه اللّهُ أحسنَ ما يُرَى . . . فأرْدَف منه الرِّدْفَ واخْتصَر الخَصْرَا أطار فؤادِي نحوه ثم حَلّه . . . ولم يرَ طَرْفٌ طائراً قد غدا وَكْرَا عجبتُ لدمعِي في الخدود مُسَلْسَلاً . . . وما جَنَّ إلا القلبَ فهْو به أحْرَى ويعجُم عندي باللَّواحظِ مَنْطقِي . . . فيُعرِب عنِّي مُهْمَلاً يُوضِح العُذْرَا ومِن عاذِلٍ بالصبرِ ما زال آمرِي . . . وإنِّي مع الهجْران أسْتعذِب الصَّبْرَا لِيَهْنِ فؤادي أنه فيه نازلٌ . . . وأُفْقُ العُلى أنى بَدرْتُ به بَدْرَا لِيَ الشرفُ الضَّافِي عليَّ دِلاصُه . . . مع السُّؤْددِ الضخمِ الذي يطَأ النَّسْرَا ولِي قلمٌ فيه المَنِيَّةُ والمُنَى . . . إذا خَطَّ أبْدَى الأنْجُمَ الزُّهْرَا والزَّهْرَا وكم حافظٍ ذِكْرَ ارْتفاعي بصَمْتِه . . . وما هو إلاَّ ناصبٌ فُتُّه فَخْرَا ونِكْسٍ جهولِ رام يُدْركني وهل . . . تُرَى يمكِن الزُّرْزُورُ يقتنِص الصَّقْرَا عَلَوْتُ كمالاً فالثُّرَيَّا إذا غدتْ . . . ترَى منزلي والشمس فيه غدتْ تِبْرَا ألم ترَنِي فوق السماءِ كأنني . . . أُنَظِّم في أقْوَالِيَ الأنْجُمَ الزُّهْرَا فأُثْنِي على قاضِي القُضاة محمَّدٍ . . . فتَى النَّسَبِ الوَضَّاح مَن زَيَّن الدَّهْرَا(3/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
منها : أخو الفضلِ فينا جعفرُ الجُودِ خالدُ الْ . . . محامِد يُحيِي ذكرَه كلَّما مَرَّا إذا أرقَم القِرْطاسَ قَرْطَسَ أسْهُماً . . . ترى العين منها في نُحور العِدى نَحْرَا هو البَرُّ في الأفعال والبحرُ في النَّدَى . . . وأعْجَب ما شاهدتَ بَرّاً غدا بَحْرَا أرى العلمَ ألقَى منه في قُدْسِ صدرِه . . . عَصا السَّيْرِ لمَّا أن رآه لها أحْرَى فتىً عمَّر الداريْن بالجودِ والتُّقَى . . . وأحْرزَ من دون الورَى الفخرَ والأجْرَا هذا ما وجدته منها في مسوداتي ، ولها تتمة غفلت عن إلحاقها .
عبد الرحمن بن محمد الحيمي
بحرٌ زاخر ، لا يدرك منه آخر . تشنفت به الأسماع ، وانعقد على فضله الإجماع . وهو في الأدب صاحب آيته ، وواصل غايته . ونكتة مساءلته ، وفارس محلته . عليه في حل مشكلاته المدار ، وله فيه نباهة المكانة والمقدار . فمن شعره ، ما كتبه إلى أحمد بن حميد الدين ، صاحب ترويح المشوق ، وهو بكوكبان : عن أحمدٍ يروِي حديثَ العُلى . . . شيْخان أعني قلمِي واللِّسانْ ذا بدرُ أُفْقٍ زائدٌ في السَّنا . . . فاعْجَب لبدرٍ ضمَّه كَوْكَبانْ وكتب إليه أيضاً : سار دمعي منِّي إليك رسولاَ . . . حين أخليْتَ رَبْعَه المَأْهولاَ وفؤادي اسْتقرَّ إذْ أنتَ فيه . . . يَتراءَاكَ بُكْرةً وأصِيلاَ ونسِيمُ الصَّبا تحمَّ مِن وصْ . . . فِ اشْتياقِي فيه حديثاً طويلاَ حبَّذا قُرْبُك الذي كان أنْدَى . . . في فؤادِي من النسيم بَلِيلاَ قرَّب اللّهُ عهدَكم من ليَالٍ . . . لم أكُنْ لاقترابِهِنَّ مَلُولاَ أتلظَّى جوىً وفرْطَ حَنِينٍ . . . إن تذكَّرتُ ظِلَّهُنَّ الظليلاَ وإذا ما احْترقتُ شوقاً فقَوْلِي . . . ليتَ لم أتَّخِذ فلاناً خَلِيلاَ كنتُ أجنِي ثمارَ أُنْسِك فيهِنَّ . . . فبُدِّلتُ بالنَّوَى تبْديلاَ فأجابه بقوله :(3/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
طلب الشوقُ من فؤادِي كفيلاَ . . . مُذ تَراءَى وجهُ النهارِ صَقِيلاَ ومشَى الغُصْنُ في المَطارفِ لمَّا . . . عقَد الطَّلُّ فوقه إكْلِيلاَ صاحبي صاحَ بي لَواعِجُ شَوْقٍ . . . يا أخا الصَّبْوة الرَّحِيلَ الرَّحِيلاَ آهِ والشوقُ ما تأوَّهْتُ منه . . . لزمانٍ ذكرتُ منه الجميلاَ أيّ دهرٍ أسْدَى إليَّ جميلاً . . . مُذ رآنِي ذاك الكريم الجليلاَ وخلِيلاً ما قلتُ لمَّا افْترقْنا . . . ليت لم أتَّخذْ فُلاناً خليلاَ كان يومي به كلَمْحةِ طَرْفِ . . . فَغَدا للفِراقِ حَوْلاً كَمِيلاَ لإمامٍ حاز العلومَ فروعاً . . . باسِقاتٍ قد أيْنعَتْ وأُصولاَ كم أرتْنا فصولُه اللُّؤلُؤيَّا . . . تُ إلى مُنتَهى الأُصولِ وصُولاَ حُجَّةٌ صَيَّر المَفاخر أوْضا . . . حاً على طَرْفِ عَزْمِه وحُجولاَ راسِخٌ في العقول لو فاخر السَّيْ . . . ف لأغْضَى في جَفْنه مَفلولاَ جمَع اللّهُ شَمْلَنا وأرانا . . . من أسارِيرِ وجههِ المَأمولاَ قلت : مراده بالسيف ، الآمدي ، صاحب الإحكام .
محمد بن أحمد بن عز الدين السلفي
جامع شمل الآداب ، والصارف عمره على الاشتغال والتدآب . قصد بني القاسم متقياً بهم عارض الباس ، مستسقياً روحاً معلقة بخيط الياس . فأحسنوا إجابته ، وقابلوا بالقبول إنابته . فاغتدى من أجل شيعتهم ، الشاربين من زلال شريعتهم . وانبسطت بالمواهب يده وباعه ، وتموجت بذخائر العطايا رباعه . وشهرته ثمة شهرة الشمس والقمر ، وأشعاره فيما بينهم عوض الأحاديث والسمر . على كل أذنٍ منها لؤلؤةٌ في قرط تترجرج ، وعلى كل عطف بردٌ من عمل اليمن يتبرج . فمن شعره قوله يمدح السيد الحسين بن الإمام القاسم من قصيدة غراء . أولها : خَلا أنها تسْبِي العقولَ وما تدرِي . . . وما عذرُها في ذاك إلا الهوى العُذْرِي وإلاَّ فما في العالَمين نظيرُها . . . ويكْفيك وَصْفاً أنها غُرَّةُ الدهرِ(3/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
سَرَى طَيْفُها ليلاً فذكَّرني الأسَى . . . وعهداً بليلَى حيثُ ما طَيْفُها يَسْرِي فلولا التَّسَلِّي مِن هواها وعهدِها . . . لأحْرقتِ الأهْوَا بحَرِّ الجوَى صدرِي ولكنه أنْسانِيَ اليأسَ أُنْسُها . . . وقُلِّدتُ من نَعْمائها بحُلَى التِّبْرِ عَذُولَيَّ صَفْحاً عن مَلامِي وخَلِّيَا . . . فأُذْنَايَ عنها فيهما أيُّما وَقْرِ سَلاَ هل سَلاَ قلبي إذا لم أزُرْهُمُ . . . أم انْطَوتِ الأحشاءُ منِّي على جَمْرِ هو الحبُّ إن يمْلِكْ فغيرُ مُدافَعٍ . . . وإن تحتْكمْ أسبابُه في الفتى يَبْرَى ومَن شأنِه حَمْلُ الهوى مثلَ مذهبي . . . فليس له غيرُ التجلُّدِ والصبرِ عسَاها يدومُ الوصلُ منها تكرُّماً . . . ففي وَصْلِها بين الورى شرفُ القَدْرِ وما ليلةٌ يأْتيك عنها سفيرُها . . . ببُشْرَى التَّلاقي غيرُها ليلةُ القدْرِ إذا شُبِّهتْ بالأنْجُم الزُّهْرِ أنْفُسٌ . . . فما أُنْصِفتْ إن شُبِّهتْ هي بالبدرِ وإن أطْنبُوا في وصفِ بيضاءَ دُمْيةٍ . . . فلا شكَّ يوماً أنها بَيْضةُ الخِدْرِ ألا لستُ لولا حبُّها أعرفُ الهوى . . . وما كنتُ أدْرِي بالقَرِيض وبالشعرِ قِفَا فلأمْرٍ ما أُوَرِّي بذِكْرها . . . على عادةِ التَّشْبيبِ بالنظمِ والنثرِ حَلاَ غَزَلاً فَنُّ القوافِي وأهلها . . . كما حَلَتِ الغِزْلانُ في الحُلَلِ الخُضْرِ فأسْحَرْتُ في سَبْكِ المعاني بَواكراً . . . كما بان لي بعضُ البياناتِ في السِّحْرِ وما علِق التَّشْبيبُ صدرَ شَبِيبتي . . . سناءً ولا ذاتُ الخِمارِ ولا الخْمرِ ولكن مَدْحَ الطاهرِ الشِّيَمِ الذي . . . كَسَا الناسَ ثوبَ الأمنِ في البَرِّ والبحرِ وأجْرَى ينابِيعَ الهوى والورَى معاً . . . وأوْرَى زِنادَ المُلْك بالنَّهِي والأمرِ وأرْوَى السيوفَ المُرهَفات من العدى . . . أُولِي الفِسق والفَحْشاء والبَغْيِ والنُّكرِ وجرَّد فيهم همَّةً نَبَويَّةً . . . فأفناهُم بالجُرْدِ والبِيضِ والسُّمرِ هو الشرفُ الأعلَى هو الناسُ جملةً . . . إذا قيل فيمن دونه أوحدُ العصرِ فيومُ الأعادي لم يزلْ منه باكياً . . . دَماً إذْ له الأيامُ ضاحكةُ الثَّغْرِ إليك أبا يحيى أتْتك تحية . . . تضَوَّعَ من أرجائها أرَجُ البِشْرِ تجُوب الفَيافِي نحو بابِك مثلما . . . تؤُمُّون نحوَ البيت والرُّكْنِ والحِجْرِ لها شرفٌ يزهو بتقْبِيلها الثرى . . . لديْك ومن سُوحِ العلى مثلُها يَثْرِي بكَرتُ لها فِكراً ومِن وصفِك الذي . . . يزِين القوافي فيك ساعَدني فِكْرِي كما قيل في البانِي الذي وجد البِنَا . . . فلا عجبٌ أن طال ما شاد من قَصْرِ وماذا يقول الواصِفون وهل أتى . . . لغَيركمُ من هل أتى مُحكَمُ الذِّكْرِ(3/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
وأثْنَى عليكم في المَثانِي دلائلاً . . . جَلِيَّاتِ أحْكام تَجِلُّ عن الحَصْرِ وكان يولع بقصيدة ابن دريد اللامية ، التي أولها : هل الْحُرُّ إلاَّ مَن أفاد فأفْضَلا . . . وما المالُ إلا ما اسْتُفِيد ليُبْذَلاَ دعِيني لهذا المجد أرْعَى سَوامَه . . . وإن لم أعِشْ إلا مَلُوماً مُعذَّلاَ وكان ينشدها مستروحاً بها . ونظم على وزانها قصيدة في السيد الحسن بن القاسم ، أولها : كفَى المجدَ فخراً أنْ غدا لك مُرسلاَ . . . وقد كان للماضين قبلَك مَوْئِلاَ
السيد حاتم بن الأهدل
حاتمٌ للأجواد خاتم ، وبه فصل السخاء تم . فحاتم طيٍ طوى به ذكره ، ومعن بن زائدة تجاذبه عنده جهله ونكره . فضائل قامت على الأساس المحكم ، وفواصل تكاد تنطق لسان الأبكم . تخمرت طينته بالندى ، وأفرغت في قالب الهدى . وله من الآداب كلها ، ومن المحامد دقها وجلها . وشعره روض بالزهر مسكي الأردان ، كلله الندى فكأنما هو لؤلؤ استخرج من حصاء الغدران . فمنه قوله من تشطيرٍ لفائية ابن الفارض : قلبي يُحدِّثني بأنك مُتْلفِي . . . عجِّل به ولك البقا وتصرَّفِ قد قلتُ حين جهِلْتني وعرفْتني . . . رُوحِي فِداك عرَفْتَ أم لم تعرِفِ أنت القتيلُ بأيِّ مَن أحبَبْتَهُ . . . فلك السعادةُ بالشهادةِ يا وَفِي ولقد وصفتُ لك الغرامَ وأهْلَه . . . فاخترْ لنفسِك في الهوى مَن تصْطفِي وقوله ، من تخميس عينية ابن النبيه المشهورة :(3/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
رقَم العَذُولُ زخارِفاً وتصنَّعَا . . . وأشاع نقْضَ العهدِ عنك وشنَّعَا فأجبْتُه والنفسُ تقطُر أدمُعَا . . . أفْدِيه إن حفِظ الهوى أو ضَيَّعَا ملَك الفؤادَ فما عسى أن أصْنَعَا حكم الغرامُ فلُذْ به وبحُكْمِه . . . واثبُتْ على مفروضِ واجبِ رَسْمِهِ واخضَعْ لعَذْلِ الحُبِّ فيه وظُلْمِه . . . من لم يذُقْ ظُلْمَ الحبيبِ كظَلْمِهِ حُلْواً فقد جهِل المَحبَّةَ وادَّعَى ومن فصل له في رسالة : يقصر عن جسم معاليك قميص الثناء فيفوت الرصاف ، ويرفل زهواً إذا فصلت لمعانيك حلل الأوصاف . ويعترف بالعجز سحبان إذا سحب ذيول البيان ، ويقر المعري بالتعري عن لفظك الحريري المشتمل على الجواهر الحسان . ويلحق القاضي الفاضل النقص في هذا الميزان ، ويذوي بديع المعاني عند شمس معانيك البديعة التبيان .
القاضي محمد بن إبراهيم السحولي
قاضٍ قضي له بالبراعة مذ حلت عنه التمائم ، وحاكم تصرف باليراعة مذ وضعت على رأسه العمائم . توج بالافتخار هام تهامة ، وطار في أفقها بين نباهةٍ وشهامة . وهو في الأدب همام أوحد ، وفضله فيه لا ينكر ولا يجحد . وله كل معنىً إذا تطابق مع لفظه كان أعلق بالقلب من فكره ، وبالطرف من لحظه . فمن شعره قوله : تظُنُّ ما ألْقاه فيك باطلاَ . . . فلا تُبالِي أن تكون ماطِلاَ مدَدْتَ حبلاً للجفاءِ طائلاَ . . . فهل رأيتَ تحت ذاك طائلاَ لو مِلْتَ نحوي أو عطَفتَ مثلَما . . . رأيتُ عِطْفَك الرشيقَ مائلاَ تحلُو لقلبِي إذ تمُرُّ حالياً . . . قلبُك لي عن الحِجاءِ عاطلاَ رفعتُ قِصَّتي وقد مرَرْتَ بي . . . تَجُرُّ ذيلاً للدَّلالِ ذائِلاَ وقد فتحتَ ناظِريْك ناظراً . . . في قِصَّتي نصبْتَ لي الحبائلاَ فرُحتُ مقْتولاً وكان قاتِلي . . . مَن لا يُبالي أن يكون قاتلاَ(3/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
يا قاتَل اللّهُ العيونَ ما لهَا . . . من حاجةٍ في أن تُرى قواتلاَ نَواعِساً فواتراً فواطراً . . . فواتكاً لا تُخطِىءُ المَقاتِلاَ تركْنَ إذْ فعَلْنَ قلبي دائماً . . . فيا لَها تَوارِكاً فواعِلاَ تصولُ فينا بالجُفونِ تارةً . . . وتارةً تُجرِّدُ المَناصِلاَ سقى الغَضا سقَى الحِمَى سقى اللِّوَى . . . سقَى الحَيا تيَّالِك المَنازِلاَ منازلاً عهدْتُها أقْمارُها . . . لم تُمْسِ عن بُروجها أوافِلاَ ولَّهننِي بلهنْنِي أذْهلْننِي . . . صَيَّرْننِي بين الأنام باقِلاَ في كلِّ عامٍ أرْتجِيكَ مُقبِلاً . . . نحوِي وإن لم أرْتجِيك قابِلاَ يا كم أرَى فيك الزمانَ لم يزلْ . . . لجيشِ آمالِي فيك خاذِلاَ ما ضَرَّ لو أطعْتَنِي تفضُّلاً . . . ولو عصيْتَ واشِياً وعاذِلاَ ولو ذكرتَ بالحِمَى ليالياً . . . وطِيبَ أوقاتٍ مضتْ أصائلاَ كم قد أقمتَ في تثَنِّي قامةٍ . . . من الدَّلالِ في الهوى دلائلاَ وليلةٍ غازلتُ منك في الدجى . . . غزالَ إنسٍ يدُهِش المُغازِلاَ والشُّهْبُ من غيظٍ تَوَدُّ أنها . . . تُوقِد لي من نارِها المَشاعِلاَ وطالما فُزْنا بقَصْرِ ليلةٍ . . . وذا هو العيشُ فلِمْ تطاوَلاَ أحْلَى الهوى ما كان في عصرِ الصِّبا . . . لو لم يكنْ حالُ الصباح حائلاَ وكتب إلى الإمام إسماعيل المتوكل : مولايَ إسماعيلُ لي طفلٌ بكمْ . . . مُتبارِكٌ أدعُوه إسماعيلاَ قد عِيل صبرِي من مُفارقتِي له . . . لا بالرَّباب ولا بأسْما عِيلاَ مُنُّوا بإسْماعِي نعم حاشاكمُ . . . أن تقطعُوا صِلتِي بإساماعِي لا ومن انسجاماته اللطيفة قوله : أتظُنُّها قمراً سَنِيَّا . . . باللّهِ أم بشراً سَوِيَّا هزَّتْ معاطِفَ قَدِّها . . . عُصْنا ولَدْناً سَمْهَرِيَّا وطوَى مَدارُ نِطاقِها . . . من خَصْرِها سِرّاً خَفِيَّا نَشْوَى بخمْرِ شبابِها . . . ورُضابها لا بالحُمَيَّا تخْتال في حُلَلِ الدَّلا . . . لِ تمَلُّقاً وتِتيه غِيَّا وتخالُها وُرْقَ الحَما . . . مِ إذا انْثنتْ غُصْناً نَدِيَّا(3/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
وتظُنُّ وَسْواسَ الحُلِيِّ . . . عليه تَغْريداً شَجِيَّا عجباً لوَرْقاءِ الغُصو . . . نِ لقد أتتْ شيئاً فَرِيَّا لا الغصنُ يعرِف عِططفُه . . . حُلَلاً ولا ألِف الخَلِيَّا كلاَّ ولا ناط الجما . . . لُ عليه عِقْداً عَسْجَدِيَّا ولئِن تبسَّم ثغرُه . . . ما كان كأساً لُؤْلُؤِيَّا هبْ أنَّ فيه مَلْمَساً . . . رَطْباً ونَشْراً عَنْبرِيَّا ولربَّما أبْدَى الحَيا . . . بخُدودِه ورداً جَنِيَّا أيكون ذاك مُشبِّهاً . . . ورداً يكون له سَمِيّا
يوسف بن علي الهادي
نكتة عطارد وتحفة الفلك ، قالت محاسنه اليوسفية ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك . تناول راية البيان باليمان ، فظهر فضله فيه ظهور الإيمان . وقد أوتي من الفصاحة ما لو سمعه سحبان لاستحيى ولم يتفوه ، ومن البلاغة ما أعجز من نظرائه المرموقين كل مفوه . يجري الأدب في أزمته ، فيأخذ منه الأمل برمته . إلى عجائب لطائفٍ أخذت بكل معنى ، وتعطر بمشام ذكرها كل مغنى . وشعره مثل طبعه مصقول ، ودهره راوية ما يقول . وقد أثبت من نثره ما هو أفوح من الزهرة تفتحت عنها الكمامة ، ومن نظمه ماهو أبهج منظراً من صدر البازي وطوق الحمامة . قال : ولما طلع بدر عود شرف الإسلام الحسين بن وجيه الدين من المشرق كاملاً ، ونهض منه إلى حضرة الإمام قافلاً . بعد أن فقر عليهم عدوان العدو أمما ، وكاد لا يبسم لهم ذلك الغثر عن شنب الفتح فما . ففتقت لهم ريح الجلاد بعنبر النصر ، واجتنوا زهرات الظفر بأنامل النجح الذي تند أوصافه عن الحصر . وكان وصوله إلى حضرة الإمام مقارناً لقدوم العيد ، فكأنما كان هلاله صلت وجهه السعيد . فأورده الإمام ورد إكرامه الصاف ، وأنزله ظل تبجيله وتعظيمه الضاف .(3/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
وملأ بالثناء عليه أسماع الملا ، وأجابه إلى الدعاء له بنجح الأرب ولم يتلق حسيناً بكربلا . كتبت إليه أهنيه بالفتح والعود والعيد ، برسالةٍ وقصيدة لم ينسج على منوالهما البديع البعيد . وهما : يقبل الأرض التي أضحت مواطن التهاني ومواطئها ، وصارت منازل الأماني المقرونة بالنجاح ومنازهها . وتطولت على ذوي التقصير ببرها المحمود في يوم العرض ، وصيرت فضلها أبياً لمفارقة ذي الفضل فلو قيل له : اذهب عنا قال : لن أبرح الأرض . وأنشأت سحب جودها فرأينا الندى منها على الأوراق ، وفتحت أكمام معارفها عن زهرات فوائدها فتمشينا فيها بالأحداق . وأطلقت للعفاة منحاً ، وللعداة محنا . فغدت مشكورة في الأمرين على الإطلاق ، وطوقت أجياد الأنام بالندى الذي يجيب قبل سماع الندا فانقادت إليها بالأطواق . وأشرقت الجو بنقع غبارها وأشرقت بنور البصر المبين فأضحت مشهورة في الحالين بالإشراق ، وقادت ذوي الفضائل إليها بسلاسل الأشواق ، لما نصبت لهم من تخيل محاسنها حبائل ، فعلموا يقيناً أنهم لمن أمةٍ تقاد إلى الجنة بالسلاسل . وجعلت حماها مرابع النعم ، لا مراتع النعم . وأوردت الصادي ماء عين كرمها الذي يشتاق إليه الرائي ، فعين الله تعالى على ذلك الكرم . ونهت عن إعلاء قباب برها ، وإغلاق باب عفوها . وذلك شأن من هو بالمعروف معروف ، ورحبت لما ضاق صدر الفضاء بعفاتها فهم فيه كالبنيان المرصوص والعقد المرصوف . وأمضت أمرها المستقبل وأرادت السيوف أن تحاكيه مضاءً فجاوز حدها ، وأشرقت الأحرار بالإحسان فما منهم إلا من يقول لمن يدعيه بالحرية : لا تدعني إلا بيا عبدها . فأبقى الله حماها الذي ما من خائفٍ إلا هو له مأمن ، وروض جنابها الذي عنعن عنه العنبري أحاديث ذكاء ضنت بصحتها عن أن . وصفا باطنها بأنهارها ، وحلى ظاهرها بأزهارها . وملأ صحون ديارها المسكية الروائح من قطر الغوادي ، ونسج لها من بيض خيوله حلةً خضراء يقول كل ناظرٍ إليها كأنما نسجت على مرادي : فإنها أرضٌ لمن لم يجِدْ . . . لعَيْبِه عن مَنْهجٍ منهَجَا(3/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
نَدْبٌ يُعيدُ الفرضَ أن لا يرى . . . باباً له عن مُرْتجٍ مُرْتجَا وسيد أقامته المعالي والعوالي فلم يختلف في فضله اثنان ، وهمامٌ أضحى المشتري لرتبةٍ رجحت من قبل أن يرصد الميزان . ومولىً صار نصيراً للخلافة فنعم المولى ونعم النصير ، وصاحب أقلامٍ حطم عوالي الأعداء بترسل قصيرها قبل أن تقول بيدي لا بيديك يا قصير . وملكٌ إذا صلت صوارمه لم يبق للعدى غير التسليم ، أو أراد تكليم المعاندين بألسنة أسنةٍ أذعنوا له قبل التكليم . أو عقد ألويته حل بالمخالف الوبال والتلف ، أو وجف بخيله وركابه على الأعداء قيل جرى القلم بهلاكهم وجف . أو وصف لهم عزائمه وترسلاته ظنوا بأنهم عياله ألف صفٍ من عزائمه وصف أو وكف جود كفه أقلع السحاب عن مجاراته وكف . أو ملأ سمعنا أمالي لا قالي لها فهي المليحة المليحة ، أو جادل طعن الخصم بعوالي أحاديثه الصحيحة . أنَّى تُجارِيه فرسانُ العلومِ ومِن . . . غُبارِه في هَوادِيهنَّ ما نقَضُوا فهو رب السيف والطيلسان ، والقلم الذي يزداد إفصاحاً كلما قطع منه اللسان . واليد التي لا تهرع الناس إليها فيفوزون بالخمسة الأشباح ، وتدعو الأنام لها بالبسط فكم ظفروا من أناملها بأيادٍ تجل عن الإيضاح . وتحتقر الثريا أن تكون لتقبيلها فما ، وتعوذ أناملها الخمس بالسبع الطباق فما . والنسب الذي هو كصدر الرمح إلا أنه لا مطعن فيه لجارح ، ولا نقص في كمال بدره لمنتقصٍ ولا عيب في زند شرفه القادح . نسبٌ تحسَب العُلَى بحُلاهُ . . . قلَّدتْها نجومَها الجَوْزاءُ ولم لا يكون نسبه النسب العزيز ، والسلسلة المنوطة بالشهب المصوغة من الإبريز . وهو من قوم عجنت طينتهم بماء الوحي والنبوة ، ونبتت نبعتهم في حديقة الفضل والفتوة . وترددوا ما بين الخلالة والإمارة اللتين لا يبلى على مر الجديدين شرفهما العظيم ، وشهد بفضلهما الحديث النبوي والقرآن الكريم على رأي الأشعرية وما أجل من شهد بفضلهم الحديث والقديم .(3/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
أضاءتْ لهم أحسابُهمْ ووجُوهُهمْ . . . دُجَى الليلِ حتى نظَّم الجِزْعَ ثاقبُهْ شقيق روض الفضل والعليا ، ولو أنصفته لقلت ريحانته لأنه سمي الحسين أحد ريحانتي الرسول من الدنيا . شرف الإسلام والمسلمين ، الحسين بن عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدين بن أمير المؤمنين . جمالُ ذا العصر كانوا في الحياةِ وهمْ . . . بعد المماتِ جمالُ الكُتْبِ والسِّيَرِ لا زال آخذاً بآفاق سماء الفضائل والفواضل ، فله أقمارها الطوالع ولغيره نجومها الأوافل . ولا برح سيداً إذا علت رتبةٌ أو جن دهرٌ كان لهما أفضل راق ، ونبيلاً للقلوب وفاق ، في أنه أفضل من ساد الأنام وفاق . وإماماً في العلوم تنبذ عند سماع حديثه العقيق ، وهماماً نظره في الأمور كالسيف السريجي في الدقة والاستواء وكالسراج في البريق . منوطاً عمره بيوم التناد ، مفسحاً في أيامه حتى لم يدر أهي أحادٌ أم سداس في أحاد . وبعد بذل أدعيةٍ بلغت إلى الأفق الأعلى ورحبت فوقه مظهرا ، ومضى سلاحهن في كل من استقبل الحال بأمرٍ مكروه فأضحى مضمراً انكساره مظهرا . إذا رُفِعتْ يوماً لذِي العرشِ خَيْمةٌ . . . لصِدْقِ وَلائي فيك بين السُّرادِقِ اعتماداً على ما أخرجه مسلم ، من حديث أبي الدرداء عن أم الدرداء : ' دعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب مستجابةٌ ، وملكٌ فوق رأسه يقول : آمين آمين ، ولك بمثلٍ ' . وعلى ما ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس سيد الصحابة ، في أن دعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب أحد الدعوات الخمس المستجابة . ينهى والأليق بن تنتهي نفسه الأمارة ، عن مكاتبة أهل الخلافة والإمارة . فإنه وإن كان من الكرام الكاتبين لهم فليس ذلك ، وكيف يكاتب مالكه من هو مقرٌّ بالدخول تحت رقه وإنما المكاتبة من المالك . لكنه وإن كان دونهم فهو يعتقد عدم خروجه عنهم ، اعتماداً على ما رفعه أبو رافع إلى سيد الأنبياء : ' مولى القوم منهم ' .(3/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
على أنه إن تصرف في هذا إلا أنها الذي كل رقٍ لحر كلامه مفتون ، فهو يعلم صحة إذنكم له ولا ينكر تصرف العبد المأذون . وورد خبر عودكم المقرون بالنجاح ، بعد أن لاح لكم الظفر من مشرق الفلاح ، وسفرت لكم شمس الظفر من خلف ستارة الصلاح ، وأعربت عن رفع شأنكم بلادٌ بنتها على الفتح عزائمكم التي هي أمضى من بيض الصفاح ، وابتسمت لكم ثغورها لما جليتموها من قلح العدى بمساويك الرماح . والفتح المشرق قد طلعت فيه شمس الخلافة بعد أن أفلت وانسد ، وقلت في ذلك مادحاً لكم مقال من أنشأ وأنشد : لمَّا فتحتَ الشَّرقَ بالْ . . . عَزْمِ الذي ما هاب سَدَّا طلعتْ به شمسُ الخِلا . . . فةِ بعد أن أفلَتْ وسُدَّا وأقسم قسم من بر ، إنه لشرقٌ أكثره شر . فكم أجرى الدمع من الغرب ، وأوجب سلب نفوس القادمين إليه فأتى بالإيجاب والسلب . وأغرب لما أشرق نزيله بندمه ، وأطلع بدر القتيل منه في شفق دمه . حتى جعلت لكم الكرة عليهم ، وكانت لكم العودة إليهم . وحان منهم بآرائك وراياتك الحين ، وقال النصر المبين حسين مني وأنا من حسين . وجردتم كل صارمٍ يفترس ذبابه الأسد ، وأعملتم كل لهذمٍ يخشى ثعلبه الأطلس فيرى الفرار من الرأي الأسد . وصيرتم البيضاء من دمائهم حمرا ، والزهراء من أقتام المعارك غبرا . وكثرت القتلى ، ورخصت الأسرى . وغلى منهم النجيب ، وعلا منهم النحيب ، وذهل المحب عن الحبيب . فلم ينشد : ذَكرتُك والخَطِّيُّ يخْطُر بيْنَنَا . . . وقد نهِلتْ منها المُثقَّفةُ السُّمْرُ وسخرتم بهم بعد أن كانوا ساخرين ، وغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين . وصار : للسَّبْيِ ما نكَحُوا والقتلِ ما ولَدُوا . . . والنَّهْبِ ما جمَعوا والنارِ ما زرعُوا(3/237)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
والحمد لله الذي جعل فناهم في فناهم ، وتدميرهم في تدبيرهم . وصدعهم بالزجاج ، صدع الزجاج . وأراد تصغيرهم ، بعد تصعيرهم . وأعادك في جمع سلامة وهو جيشك الذي لم يدخل واحده وهو أنت شيءٌ من العلل ، ومر بهذا الفتح المبين الذي انسد به كل خلل جلل . والعود الذي هو بمنزلة الربيع ، فكم جدد لنا أفراحاً أثنينا عليها بأحسن مما أثنى على كأسه الخليع : وكَسَا الأرضَ خِدمةً لك يا مَوْ . . . لايَ دون الملوكِ خُضْر الحريرِ فغدتْ كلُّ رَبْوةٍ تشْتهي الرَّقْ . . . صَ بثوبٍ من النبات قصيرِ فهي تختال في زبر جدة خضراء تغذى بلؤلؤ منثور ، وإن لم تكونوا نزلتم في منازلكم التي هي مطالع السرور ، ومعدن الخلافة التي لم تطور آيتها المرفوعة بيمين النصر إلى يوم النشور . ففي تقريب الجياد ، تقريبٌ من البعاد . ومع ثنيكم لعنان الرجوع ، تستقدمون إليه قدوم السيف إلى غمده ، واليمن مشرقٌ من غربه ، والسعد موقوفٌ على جده . وفي أمثال من غبر : لابد من صنعا وإن طال السفر . ووالله يهنينا هذا الرجوع الذي محا عنا بصبحه أصدافا ، فأذهب أتراحا ، وأهدى أفراحا ، فاخذتا وأسدافا . ومن محاسنه المقرونة بالإحسان ، اقترانه بهذا العيد الذي ختم به شهر الصيام فهما في الحقيقة عيدان . فإذا ذكرنا معهما هذا الفتح الذي أعرب عن رفع شأنكم بكسر الضد ، قويت بتضاعفهما المسرات وعجبنا لاجتماع ثلاثة أعياد في شهر واحد . وليس ذلك بعجب ، فكل أيام مولانا أعيادٌ ومواسم ، وكل ساعاته غررٌ في جبهات الأيام ومباسم . ولقد أراد المملوك أن يهنيك بهذا العيد فقال فكره السليم انتبه ، وتمثل له الصواب في مرآه عقله فهناه بك لا أنت به . وأما المملوك فلم ير أنه عيدٌ لعدم رؤيته لهلاله وهو جبينك السعيد ، لكنه رأى اجتماع هذه الأمة وهي لا تجتمع على ضلالة فقام ينشده قول من تبلد عنده لبيد :(3/238)
"""""" صفحة رقم 239 """"""
عِيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدْتَ يا عِيدُ . . . بما مضَى أم لأمْرٍ فيه تجْديدُ أما الأحبَّةُ فالبَيْداءُ دونَهمُ . . . فليْتَ بينَك بِيداً دونها بِيدُ فالله بيني وبين بيني عن هذا المالك الذي كان لفراقه علي ترة ، والسيد الذي في عين الملك رجلٌ إذا كان غيره في عين الملك مرة . ولا كانت حوادث حدتنا على الوصل فهمزت بنا إلى الدهر فكانت همزة قطع ، وغارت من التئام شملنا فاستعانت عليه بيد التشبيب فصدعته أي صدع . فلا وصل بعد ذلك ، ولا مكاتبة فيه للملوك من المالك . إذا لم يكنْ يا غُصْنُ وصلٌ فإنني . . . سأقْنَعُ بالأوراقِ منك على كَمَدْ فقد فقَد الطرْفُ القريحُ مَنامَهُ . . . وقد هَتَن القلبُ الجريحُ وقد وَقَدْ وقد قد النوى لما غدوت سمي يوسف فؤادي من قبلٍ لا قميصي من دبر ، وصيرني في سجن الهموم لما علم أني كنت من قومٍ هم على مفارقنك صبر . وأجمع رأيه أن يجعلني في غيابات جب الأحزان ، بعد أن انثنى عن قتلي بسيف الأشجان . وجاء على قميصي من دموعي بدم ، واسترقني لما استرقني وباعني ببخسٍ بيعاً لم يتبعه ندم . فأخرجني أيها الملك العزيز برأيك في الوصل والمكاتبة لا برؤياك ، واجعلني على خزائن التلاقي إني حفيظٌ بودك عليم بالوفاء الذي يليق بعلياك . ووف غير مأمور لغير غادر ، واحفظ عهد من أضاع فيك كلام العاذلين فأنت قادر . يا مَن أطعتُ بحبِّه . . . مُخالِفاً مُعنِّفِي اللّهَ في مُحافظٍ . . . على الولاَ وفي وَفِي وأقسم بالله إقسام من لا يجعله عرضةً لأيمانه ، وبحياة مولانا التي يعلم يودها المملوك لأنها أحد شروط إيمانه ، وتحالفت ، على إتلاف روحي ، التي كدت أن أقول لها بعدك روحي ، وما تخالفت . وما فؤادِيَ مُشتاقٌ بمفردِهِ . . . بل كلُّ عضوٍ إلى لُقْياك مُشتاقُ فلذا سلسلت رواة الجفون أحاديث الدمع بعد أن رفع عنها أثر الكرى ، وقالت للشوق المبرح وقد سال شأنه من شأنه أتسيل دمعةً ثم تسأل ما جرى .(3/239)
"""""" صفحة رقم 240 """"""
وأدمى جوارحي سجع الحمام الصادح ، ولم أر صادحاً هو بسجعه للجوارح جارح . وجرى دمعي ذا ألوان ، فقلت لأخي العجب منه هو رب الحزن فكل يومٍ هو في شان . فلا كان الفراق فلولاه ما باتت الجوانح تحترق ، ولا صارت القلوب لاسترقاق الأشواق لها تحت رق . ولله أيام التداني ، ففيها كل أمانٍ من الهموم وفيها نلت أماني . يا حبَّذا زمنُ التَّواصُل إنه . . . زمنٌ كأحْلاَ ما يبُلُّ أُوامَا لكنه وَلَّى كأحْلامٍ فيا . . . أسَفِي على زمنٍ حكى أحْلاَمَا وقد آن أن أقفي على هذا المنثور بالمنظوم ، وأدير على سمع مولانا منه كاس رحيق بمسك الفصاحة والبلاغة مختوم . وأمدحه بطائية لو رآها الطائي لقال لا طاقة لي بهذه الطا ، فهل من طا ، أو أنشدت النجوم لطأطأت ، وقالت لكل حرف من رويها طأ . على أني معترف بأن نظمي لا يقوم بنثر مولانا فإنه ذو النظم الأبي ، وكيف يقوم نظمي بنظمه وإني لو كنت أبلغ من ابن النبيه في النظم لقيل لي : ما أنت كابن النبي . ولقد تطاولت إلى مدح مولانا بها مع القصور ، وسولت لي نفسي بهذه الأبيات ظناً بأنها كالقصور . وإذا سكرتُ فإنني . . . رَبُّ الخَوَرْنَقِ والسَّدِيرِ وإذا صَحوتُ فإنني . . . رَبُّ الشُوَيْهَةِ والبعيرِ ولولا ودٍ حكم بتصديقه كل ذي منطق ، ودل بالمطابقة والتضمن والالتزام على أنه في الصحة معرق . وأضحى حده جامعاً لشرو الصحة مانعاً لكل عللٍ مفسدة ؛ لأن جنسه القريب الإخلاص وفصله التحقيق الذي يقصيه عن البطلان ويبعده . لأطْرَقْتُ إطراقَ الشُّجاعِ ولو رأَى . . . مَساغاً لنابَيْه الشُّجاعُ لصَمَّمَا وقيدت أقدامك فكري عن الخوض في بحور القريض ، ومنعت نفسي من وقوعها من انتقادات مولانا في الطويل العريض .(3/240)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
لكنني أعلم أنك الحر الذي يجر على الزلات ذيل المسامحة ، وتكسر الجفن عن الخطيئة كما تكسره يوم الوغى والمكافحة . ولو لم تهزه أريحية عودكم الذي خلع على الملك ديباجاً لا مرطا ، لما قال مهنياً لكم مقال من أدار على أفواه المسامع من نظمه إسفنطا : دنَا مَزاراً بعد ما شَطَّا . . . فصيَّر القلبَ له شَطَّا مُهَفْهَفٌ صارِمُ ألْحاظِه . . . لم تنْبُ إن قَدَّ وإن قَطَّا كم عاذلٍ صوَّبَ عشْقي له . . . لمَّا رأَى عارِضَه خَطَّا تظهرُ في ألْحاظِه سَكْرَةٌ . . . وما احْتسَى يا صاحِ إسْفَنْطَا كم تاهَ لمَّا أن غدَا مالِكاً . . . للخافقيْنِ القلبِ والقُرْطَا قلتُ له يا طلعةَ المُشْترِي . . . مَن باع منكَ القلبَ ما أخْطَا ظَبْيٌ رعَى منَّا ثمارَ الهوى . . . وما رَعَى أثْلاَ ولا خَمْطَا أهْيَفُ حاكَتْ لِينَ أعْطافهِ . . . سُمْرُ القَنا فاعتُقِلتْ سُخْطَا تجلُّدي شَكٌّ لدى سُخْطِه . . . فمَن يَقِيني إن نوَى السُّخْطَا عرَّض الزَّوْرةِ من بعد أن . . . طوَّل في الهِجْران واشْتَطَّا فجاءني مُنْتصِب القَدِّ قد . . . جَرَّ من التِّيه به المِرْطَا في ليلةٍ أحببْتُ أن لا أرَى . . . للصبحِ في مَفْرِقها وَخْطَا فلم يزلْ لي مشهداً جامعاً . . . لِلَذَّتي تُوسِعني غَبْطَا حتى بدا الصبحُ لنا حاكياً . . . وجهَ الحُسَين البَرِّ إن أعطَى سِبْطُ رسولِ اللّه أزْكَى الورَى . . . أَرُومةً أكْرِمْ به سِبْطَا تألَّفتْ من دُرَرٍ ذَاتُه . . . فصار في جِيدِ العُلَى سِمْطَا شؤْبوبُ إحْسانٍ وجُودٍ لنا . . . وجودُه قد أعْدَم القَحْطَا يرفع للسَّارِين نارَ القِرَى . . . فكم بصيرٍ أَمِن الخَبْطَا وارِي زِنادِ الرَّأْي كم حاذَرتْ . . . أعداؤُه من نارِه سِقْطَا يُسْتحسَن الدِّرعُ لِباساً على . . . جسمٍ لديه يسْتخْشِن الرَّيْطَا كم فَرَّ من ثَعْلبِ خَطِّيِّه . . . لَيْثٌ حسِبْناه إذاً قِطَّا نرجُو له نَقْداً ونخشَى له . . . نَقْداً أبى الإبْطالَ والإبْطَا لَمْقُ المُحَيَّا ظاهرُ البشْرِ لم . . . يَزْوِ بنَوْءٍ خُلْقَه السَّبْطَا(3/241)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
قد طاوَل الشمسَ فقُلْنا له . . . طإ الدَّرارِي يا مليكاً طَا ذُو قلم يرْدِي ويُعْطِي فقد . . . تجانَس الإعْطابُ والإعْطَا إن قَطَّ قَطَّ رءُوسَ العِدَى . . . فما رأيْنا مثلَه قَطَّا ملِك مَهِيبٌ ليس يرضَى سوى ال . . . جيشِ رسولاً والظُّبا قَطَّا سَجَّان قد ألْقَتْ ملوكُ الورَى . . . إليه منها القَبْضَ والبَسْطَا أقرَّتِ الخَلْقُ بتفْضيلِه . . . ولم تُطِقْ جَحْداً ولا غَمْطَا أدْرَك من شَأْوِ العُلَى أغْيدا . . . ما فات عن ذي اللِّمة الشَّمْطَا لم يخْلُ من إقْراءِ وَفْدٍ ومِن . . . إقْراءِ علم يحسِم الإبطا فيا أبا المجد اسْتمِع مِدْحةً . . . خلَتْ عن الإِقْواءِ والإِيطَا ابْنَةَ يومٍ غَضَّةً لم يقُل . . . مُنْشِئُها هل لك في شَمْطَا طائيَّةُ الحُسْنِ وطائِيَّتُه . . . قصَّر عنها مَن غدا فُرُطَا وقال ما لي قَطُّ من طاقةٍ . . . بهذه الطَّاءِ فهل مِن طَا إنْشاءُ من إن شاء شُهْبَ الدُّجى . . . قوافياً أنْفَدَها لَقْطَا ما اشترطتْ قطُّ جزاءاً لها . . . سوَى جوابٍ فاجْزِها الشَّرْطَا وكتب إلى القاضي محمد بدر الدين بن الحسن الحيمي ، هذه الرسالة ، والتزم فيها السين . وهي : سيدنا باسق غرس السماحة والحماسة ، وسابق فرسان السيادة والسياسة ، وشمس سماء الداسة والرئاسة . المستنيرة بسيارات سماء محاسنه سدف المجالس ، والمستعيرة سيماه المقدسة سكان المدارس . من إن رسم القرطاس قرطس سهم حساده ، أو سود سطور الطروس استنار دامس نقس سواده . أو سأل لسانه الإسفار للأسفار انسل حسامٌ ماسح ، أو استرسل في الترسل فحسبك بقلمسها وسملقها سابح وسائح . أو حسن نسيباً أنسى الحسان ، أو أرسل فرس لسنه أنسى لسبق سحبان ، فسبحان مسوي إنسانه شمساً مسفرةً بحسبان . سمي الرسول ، وسبط الحسن .(3/242)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
وبيهس خيس سراة الرآسة ، ووسمي سحب سماح الحسن وسؤل مجالس سرر الدراسة . اتسق سناء سنائه الوسيم ، وانبجس سري سائغ إحسانه القسيم . واستمر محتسياً كؤوس السعادة ، محسوداً حسن السجايا والسيادة . مستقرياً السلام السلام ، محروسةً نفسه سفينة الإسلام . دارساً لطرس ، المستودع سريرة نفس . الدارسة أساس أنسها ، والتسربل بسرابيل بؤسها . لافتراس سبع المحاسمة الأعبس ، وسد شسوعه سبل التدناء إنسانه السمح الأحمس . واستبعاد سوحه السامي أساسه ، وعسعاس تأنيسه الساطع نبراسه . وحسم تدارس خندريس منافسته ومجالسته ، وخسوف سليقة مؤانسته ومراسلته . أستمنح القدس إسعادي باستدامة سنته ، فلست أستعذب استمرار شسوعه وتناسي سنته : لستُ أنْساك ومَن . . . ينْسَى سَجَاياك السنيَّهْ وسُوَيْدايَ لإنْسا . . . نِك سَفْحٌ وسَرِيَّهْ يا سليلَ الحسَن السَّ . . . مْحِ ومَعْسولَ السَّجِيَّهْ والحُسَام الماسِح الحُسَّ . . . ادَ مَسْحَا بالسَّوِيَّهْ فاستمِعْ سِيرَة اسْتِي . . . يحاش نفسٍ يُوسُفيَّهْ سَرَدْتْ سِيناً ولَيْ . . . سَتْ بلسانٍ فارسيَّهْ واسْقِ سمعِي من رِسالا . . . تكَ كأْساً سَلْسَلِيَّهْ والْبَسِ السُّؤْددَ لا مُسْ . . . حَ السُّدُوسِ السُّنْدُسِيَّهْ حرَستْ نفْسَك شمسُ الدَّ . . . رْدَبِيسِ الحِنْدسِيَّهْ وأسير سجاياه المستحسنة ، أرسل الحسناء مستجلاةً في الألسنة . فاستشرها في الاستجلاء ، واستقبلها بالاستحلاء . ولست أسأله سوى رسالته ، يستغفر لشسوعه مواساته . وحسبنا السلام ، وسلامه على رسوله سيد الإسلام .(3/243)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
وقد سلك فيها مسلك الخطيب الحصكفي ، في رسالته التي كتب بها إلى القاضي أبي علي سعيد بن أحمد بن الحسن بن إسماعيل : بسم السميع الساتر أسأل ممسك السماء ، ومرسل السماء ، الحسن الأسماء ، حراسة مجلس سيدنا الرئيس ، السيد النفيس . فنفسي سكرى بسلاف الأسى ، متماسكة لشسوعه بسوف وعسى . تمارس أسفاً يسقم ، وتستنجد سلواً يسلم . أسيرة سجون الوساوس ، كسيرة مناسر الدهارس . السهد سميري ، والدم سجيري . والسعير مسندي ووسادي ، والتحسر مجسدي وجسادي . أسهر سهر السليم ، وأتنفس استرواحاً بالنسيم . إمسائي سواء والسحرة ، وسيان يساري والعسرة . وأقسم بسيبه الواسع ، وسناء حسبه الساطع . وسموق سؤدده الباسق ، وسبوغ إحسانه السابق . للاستسعاد بأسارير وسامته سولي ، والطرس لمستولي السهر والسقم رسولي . إنساني مسلوب السنة ، ولساني أخرس الألسنة . أستوحش بمؤانسة الجليس ، وأستوجم بمجالسة الأنيس . يسامرني فأستثقله ، ويسارني فأستوبله . أسمع وأسكت فيستريب بسمعي سائلا ، وأسبل سبكاً يسفح سائلا ، تحسب سجله للسحاب مساجلا . وحسبي بمساترة الحساد ، ومساورة الآساد ، يتوسلون بأسباب الفساد ، ويسعون لطمس سبل السداد . سقياً لساعاتٍ بالمسرة سلفت ، وبسعودها شموس النحوس كسفت . ساعفت بالمحاسن غروسها ، وسرت فساء دروسها : عسى سامِكُ السَّبْع سبحانه . . . يُسهِّل أُنْساً يسرُّ النُّفوسَا(3/244)
"""""" صفحة رقم 245 """"""
ويُسْقَى الحسودُ بإسْعادِنا . . . كؤوسَ سمامِ أسىً ليس يُوسَى ويسْرِي نَسِيمٌ يُسَرِّي السَّمُومَ . . . ويبْسَم سِنٌ يُنَسِّي العُبوسَا ويُؤنسني بسطورِ الرئيسِ . . . سعيدٍ لتُمْسِي لسِرِّي غُروسَا سطورٌ حَنادِسُها كالشموسِ . . . تُسْفِرُ حُسْناً وتُسْمَى طُروسَا ويسكُت حُسْنُ أبي سالمٍ . . . لنرمسه ونحس التيوسَا فلستُ لسالفِ إحْسانِه . . . بناسٍ ولستُ لبُوْسٍ بَؤُوسَا ومن مقطعاته قوله ، فيمن اسمه حسين : لك يا أوْحدَ المحاسنِ طَرْفٌ . . . أسدُ الْغابِ من سَطاه جبانُ كيفَ لم يخْشَ طَعْنةً منه نَجْلاَ . . . ءَ وأنت الحسينُ وهْو سِنانُ سنان هو سنان بن الأشتر النخعي ، وهو الذي طعن الحسين حتى أرداه ، ثم احتز رأسه لشمر بن ذي الجوشن ، لعنهما الله تعالى . فالتورية في سنان من مبتكراته النادرة . وقوله ، وهو من الغايات : كلَّ يوم يزيد عَذْلُ اللَّواحِي . . . لك يا مَن به الفؤادُ عَمِيدُ فأطِعْني بالوصلِ إنِّي مُحِبٌّ . . . واعْصِه يا حُسَينُ فهْو يَزِيدُ وقوله ، وهو من نكته البديعة : دُكَّ شِمْراً في سُوءِ عَذْلِ اللَّواحِي . . . بالتجلِّي للصَّبِّ لا جئتَ أمْرَا واخْشَه يا حسينُ إن رخَّموه . . . واجتنِبْه فقد غَدا لك شِمْرَا فإن شمر هو ترخيم شمراخ ، وقد تقدم أن شمر هو الذي احتز رأس الحسين . وقوله ، وهو السحر السامري ، والبرد السابري : خلَّدْتني في نارِ هجرِك لي . . . يا مالكاً لم ألْقَ رِضْوانَهْ وسكَنْتَ قلي يا حسينُ فلِمْ . . . يشكُو العذابَ وأنتَ رَيْحانَهْ عن ابن عمر ، أن النبي e ، قال : إن ' الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا ' . وعن مجاهد بن جبر صاحب ابن عباس ، قال : مر النبي e ، بحائطٍ من حيطان المدينة أو مكة ، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال النبي e : ' إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ' .(3/245)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
ثم قال : ' كان أحدهما لا يستنزه من البول ، وكان الآخر يمشي بالنميمة ' . ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين ، فوضع على كل منهما كسرة . فقيل له : يا رسول الله : لم فعلت هذا ؟ قال : ' لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا ' أو ' أن ييبسا ' أو ' إلى أن ييبسا ' انتهى . وقد تأسى بفعل النبي e بريدة الصحابي فأمر بوضع الجريدة على قبره ، وهو أولى أن يتأسى به . وأنكره الخطابي ، وغيره . وقال : إنما هو ببركة يده e ، أو لأمرٍ مغيب ، علل في قوله : ' ليعذبان ' إلخ . ولا يلزم من كوننا لا نعلم تعذيبه ، أنا لا نتسبب في أمرٍ يخفف عنه العذاب . ولم يزل الناس على وضع الريحان ونحوه من الخضر على القبور . وقد ورد هذا في الأشعار ، كقول العتبي ، يرثي ولده : كان رَيْحانِي فأضْحَى . . . وهْو رَيْحانُ القبورِ غَرَستْه في بَساتي . . . نِ البِلَى أيْدي الدهورِ ففي قوله في البتين المتقدمين : وسكنت قلبي يا حسين فلم إلخ ، العقد لقوله e في الحسنين ' هما ريحانتاي ' الحديث ، ولقوله e : ' لعله أن يخفف عنهما ' الحديث ، والإشارة إلى ما عليه عمل الناس إلى الآن ، من وضع الريحان على القبور تسبباً في تخفيف العذاب . ومعنى البيت التعجب من القلب كيف شكا العذاب ، وفيه ريحانة ، مع أنها توضع على قبر المعذب للتخفيف ، تأسياً بفعل النبي e . ولا يخفى على ذي العرفان والذوق السليم ، صحة هذا المعنى الذي يترك الحاسد الصحيح الذهن كالسليم .
السيد علي بن صلاح الديلمي
نسبةً إلى الإمام الناصر الديلمي ، الذي دعا في الديلم ، ثم خرج إلى أرض اليمن . صاحب بيت في الرياسة صميم ، وفضل على المكرمات عميم . تميز من بين أكفائه بالكفاية ، واحتف دون خلفائه بالحفاية . فظهر فضله الأبين ، وبهر أدبه الأزين . وأشعاره لليراعة سوالٍ سوالب ، وهي للصناعة جوالٍ جوالب . فمنها قوله في الغزل :(3/246)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
صَبٌّ يُماطِل قلبَه الوَصْلاَ . . . لم تسْلُ عن أهلِ الحمَى أصْلاَ ما انْهَلَّ في حَيٍ مَدامعُه . . . إلاَّ ولم يجدُوا به مَحْلاَ وإذا شَدَا غنَّتْ مُطوَّقةٌ . . . وتبادَرتْ لحَنِينِهِا الثَّكْلَى كم ضَلَّ يجْأر بالنِّدا كَلِفاً . . . يا أهلَ سَفْح المُنْحنَى مَهْلاَ أللّهَ في صبٍ أقامَ على . . . نارِ الغرامِ وحَرَّها يَصْلَى ذابتْ حُشاشتُه فأرْسَلها . . . مَثَلاً بصفحة خدِّه تُتْلَى وتباعَد الصبرُ الجميلُ كما . . . بَعُدَ المَزارُ وقوَّض الرَّحْلاَ وخَريدةٍ لانَتْ مَعاطفُها . . . وقسَتْ فؤاداً وانْثَنتْ خَجْلَى في جِيدِها هَيَفٌ وقامتُها . . . رَيَّانةٌ للّهِ ما أحْلَى تبدُو كما يبدُو الصباحُ إذا انْ . . . جابتْ غدائرُهَا لتُسْتَجْلَى فتُرِيكَ بَرْقاً من ثَنِيَّتِها . . . لَمَعانُه يسْتهترُ العَقْلاَ وكلُؤْلُؤٍ أُلْقِي على صَدَفٍ . . . رشحَ الجبِينُ وقدرُه أعْلَى يا سائِقَ الوَجْناء مُعْتسِفاً . . . أدْركتَ من بُرَحائِك النَّبْلاَ كيف السبيلُ إلى مُواصلةٍ . . . تُدْنِي الدِّيارَ وتجعُ الشَّمْلاَ بِي مثلُ ما بِك والنِّظائرُ في . . . ما بينها تتعارفُ الحَمْلاَ فاحملْ أخاً قَعد الزمانُ به . . . وعَدا عليه البَيْنُ واسْتولَى حتى تُبلّغه ذُرَا مَلِكٍ . . . يهوى النَّوالَ ويمنحُ الجَزْلاَ ويرُوع جَيْشَ الهمِّ إن فتكَتْ . . . بعُفاتِه ويسُومُها قَتْلاَ بكَرائمٍ لا يسْتقيم لها . . . خَطْبُ النوائبِ قَلَّ أو جَلاَّ ومَكارمٍ تكسُو العُلَى حُلَلاً . . . يبْلَى الزمانُ بها ولا تبْلَى من مَعْشرٍ سَلكُوا بسعْيهمُ . . . في الصّالحاتِ طريقةً مُثْلَى ونَضَوْا لنصرِ الدِّين مُرْهَفةً . . . أضْحتْ أعادِيه بها قَتْلَى حَسْبُ الليالِي أنها جَمعتْ . . . بين الفَخارِ وأهلِه شَمْلاَ وأتتْ بمَلْكٍ جَلَّ عن شَبَهٍ . . . مَلأَ البَسِيطةَ سيْفُه عَدْلاَ لا يَرْتضِي العَلْيَا سِواه لها . . . في الأكْرَمِين جميعهم عِدْلاَ
السيد محمد بن الهادي الديلمي القطابري
شمس فضلٍ يضيء به الزمن البهيم ، وبحر أدب تروى به العطاش الهيم . له من الفضل لب اللبان ، ومن الأدب ما تصبو إليه أولو الألباب .(3/247)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
وقد رأيت له قصيدةً على حرف العين ، فقلت : عليها عين الله من العين . ثم أثبتها متنافساً فيها حسناً ولطفا ، وهاهي كالخود الرداح تهتز من دلها ردفاً وعطفا . وقد كتب بها إلى الحسين المهلا . ومطلعها : عُجْ بالغَضَا ولَعْلَعِ . . . ورَامة والأجْرعِ وقِفْ هناك مُعْلِناً . . . بصوتِك المُرجَّعِ واسألْ أُهَيْلَ المُنْحنَى . . . عن قلبيَ المُستودَعِ قلبٌ به نارُ الهوى . . . والوجدُ بين أضْلُعِي مَن لامْرِىءٍ دموعُه . . . في الخدِّ أيّ هُمَّعِ يبْكي اللُّوَيْلاتِ التي . . . سلامُها تودُّعِي ليلاتُ وصلٍ عبَرتْ . . . عُبورَ بَرْقٍ مُسرِعِ أيامَ لي ثوبُ الصِّبا . . . وصَفْوُهُ تدرُّعِي سقى الحَيا زمانَه . . . وعيشُنا ذاك رُعِي لَهْفِي على مواقفٍ . . . مضَتْ بذاك المَرْبَعِ كنتُ بها في غفلةٍ . . . ونِعْمةٍ لم تُنزَعِ وشادِنٍ جَفْوتُه . . . نِبالُها لم تُدْفَعِ واصَلنِي تكرُّماً . . . طبعاً لا تطبُّعِ فليت شِعْرِي مالَه . . . شَطَّ على المُولَّعِ آهٍ على العيشِ الذي . . . طال له توجُّعِي نُدِيرُ كاساتِ الطُّلَى . . . بلفْظِ نَدْبٍ ألْمَعِي في حَيِّ حَيٍ كلُّهمْ . . . كالبدر عند المَطلَعِ شموسُ علمٍ نورُهمْ . . . ما زال ذا تشَعْشُعِ من آلِ طه مَعْشر . . . ذوِي السُّيوفِ القُطَّعِ(3/248)
"""""" صفحة رقم 249 """"""
ليوثُ حربٍ إن دُعُوا . . . لَبَّوا ببطْشِ الأنْزَعِ أكْرِمْ بهم من سادةٍ . . . صدور كلِّ مَجْمَعِ وأنت يا سعدُ إذا . . . نُودِيتَ يوماً فاسْمَعِ أبْلِغْ حُسَيناً مَن له . . . في المجدِ خيرُ موضِعِ قاضِي القضاةِ يا لَه . . . من عالمٍ وأرْوَعِ بُورِك للعالَم في . . . حياتهِ والمَربَعِ فخَلِّني من غيرِه . . . كم صنَمٍ مُلفَّعِ أكْرِمْ به من عَلَمٍ . . . وعالِمٍ مُمَّتعِ وباسِلٍ عرَفتُه . . . بالكفِّ عارِي الأشْجَعِ إن صَرَف الدهرُ ولم . . . يُجِرْ ولمَّا يَمْنَعِ يمَّمْتُه مُسلِّماً . . . بحالةِ المُودِّعِ ومن جواب القاضي له : يا ابنَ الوَصِيِّ الأرْوعِ . . . ونورَ كلِّ مَجْمَعِ نَجْلَ النبيِّ مَن له . . . قال الإلهُ فاصْدَعِ ومَن غَدا بُرْهانُه . . . في العلمِ أيَّ مَرْجِعِ وافَى إليَّ نَظْمُه . . . كزهرِ روضٍ مُمْرعِ في جَنَّةٍ راقتْ لدَى . . . فضلٍ بتلك مُولَعِ أنْهارُها كفضَّةٍ . . . تجْري بتلك الأرْبُعِ ومنها : كأنما مَرَّتْ على . . . سُوحِ العظيمِ الأرْوَعِ محمّدٍ مَن عِلْمُه . . . في الناسِ ذُو تَنَوُّعِ وإن بَدَا في مَحْفَلٍ . . . مُشَرَّفٍ مُمَنَّعِ رأيتَ بحراً زاخِراً . . . أمْواجُه لم تُدْفَعِ يمْلي عُلوماً جَمَّةً . . . لِمَسْمَعٍ ومُسْمَعِ يروِي الحديثَ مُسْنَداً . . . وإن يُحدِّثْ يَرْفَعِ مُدبِّجاً ومُرسِلاً . . . كالغيْثِ إمَّا يَهْمَعِ مُعَنْعنِاً مُعْضِلَه . . . مُسَلْسِلاً لمَن يَعِي كم خبرٍ منه لنا . . . غريبُه لم يرجعِ(3/249)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
يُزِيلُ كلَّ مُنْكَرٍ . . . موضوعُه لم يُسْمَعِ وهي طويلة . ومما كتبه إلى الحسين أيضاً ، قوله : لئن صُرِفتْ عنِّي الهمومُ الطَّوارِقُ . . . وساعَدني دهرِي وما عاق عائِقُ وأيَّدني ربُّ العباد بنصْرِه . . . وتأييدِه لم أخْشَ ما قال فاسقُ وحَسْبُ الفتى أن يتَّقِي اللّه ربَّه . . . وما غضبُ المخلوقِ إن يرضَ خالقُ فقُل للأُلى قد يحسدوني على العُلَى . . . لُحِيتُم أمَا فيكم مدَى الدهرِ صادقُ تبِيتُ كأعْيان الغواني عيونكُم . . . تمَلُّكمُ عند الخمُولِ النَّمارِقُ ولي مُقَلٌ سُهْرُ الجفونِ ومِفْرَشي . . . سُروجُ المَذاكِي والحسامُ المُعانِقُ وسَرْدُ الدِّلاصِ الزُّعْفِ أشْرَفُ مَلْبَسٍ . . . عليَّ وللنَّقْع الكَثِيفِ سُرادِقُ ولي عَزَماتٌ تسلُب الليثَ شِبْلَه . . . وعزْمٌ له تعنُو الذُّرَى والشَّواهِقُ ورأيٌ إذا أعملْتُه في مُلِمَّةٍ . . . يُفلُّ فِرِنْدَ السيفِ والسيفُ فالقُ سَجِيَّة آباءٍ كِرامٍ غَطارِفٍ . . . إلى المجد سبَّاقٌ وإنِّي للاحِقُ نَمَتْهم إلى العَلْيا نفوسٌ كريمةٌ . . . تخاف أَعادِيها وترجو الأصادقُ وما هيَ إلاَّ نعمةٌ قد تحدثَّتْ . . . بها شفَتي والحرُّ بالحقِّ ناطِقُ أيا سعدُ عُجْ بالحسين الذي له . . . علومٌ لها بحرٌ على الناسِ دافِقُ فتىً يُدْهِش الأبْصارَ رأْياً وحِكمةً . . . وعلماً وحِلْماً فهْو للنفسِ خارِقُ ونادِ بنادِيه وقُل يا ابن ناصرٍ . . . عليك سلامُ اللّه ما ذَرَّ شارِقُ لقد أرْعدتْ في الأرض من قبل صَبْوتِي اللّ . . . ئامِ ولِلأوباشِ ثمَّ بَوَارِقُ وما صَوْلتِي لولا الإمام لقولِه . . . فبُورِكَ قولاً فهْو للخير سابقُ أتتْ نحوه منك الطُّروسُ مُذكِّراً . . . فَلبَّتْك منه بِيضُه والسَّوابقُ يقودهمُ مَن ليس للخَصْم مَدْخَلٌ . . . عليه ولا للِقْرنِ إن ضاق مَأزَقُ فتىً شبَّ في نَصْرِ الخليفة جاهداً . . . وشاب وما شاب الزمانُ الغُرانِقُ وقام بأمرِ الحقِّ عن أمرِ قائمٍ . . . هو العدلُ إن حار اللئيمُ المنافقُ وأنْفَذَ سُبْلاً للمساكينِ لم يزلْ . . . بها مارِدٌ طاغٍ وما زال مارِقُ وجاء معي وجهٌ من الحقِّ أبْلَجٌ . . . أضاءَ به الإسلامُ فالغمُّ زاهِقُ ولكنني أدْعوه دعوةَ وامقٍ . . . ونَفْثةَ مَصْدورٍ به الصدرُ ضائِقُ(3/250)
"""""" صفحة رقم 251 """"""
ذَوِي البَغْيِ في الأصْفاد حرب وآخر . . . له شُبُهاتٌ وهْو واللّهِ سارقُ لعلَّ أميرَ المؤمنين يُحقق الّ . . . ذي قلتُ أو يدْرِي لما أنا راشِقُ ومَن يعلم التَّمْليح غير خليفةٍ . . . ولولاه ما في الخلقِ أرْوعُ حاذِقُ وكيف يصِحُّ الجسمُ والرأسُ مُوجَعٌ . . . وكيف يُنِير العدلُ والجَوْر آنقُ إليك على بُعْدِ الديارِ نصيحةً . . . لها الوُدُّ والإخلاصُ داعٍ وسابِقُ فإن نطقتْ عنِّي بحقٍ فأهلُه . . . وإن كذبتْ فالمجدُ عنديَ طالقُ ويا أيها القاضِي الهِزَبْرُ وخيرَ مَن . . . يُنادَى إذا ما الظلمُ للرِّفْقِ ماحِقُ سلامٌ عليكم بعد جَدِّي وآلهِ . . . سلامَ امْرِىءٍ إن رُمْتَه لا يُنافِقُ تحية ذِي قلبٍ تحرَّق بالجوَى . . . ولِمْ لا وقد قَلَّ الوَلِيُّ المُصادِقُ ولولاك في هذِي الرُّبَى للفيتها . . . وأوحيتها ما لاح في الجوِّ بارِقُ وإخوتُك الصِّيدُ الكرامُ عليهمُ . . . تحيةُ صَبٍ بالمَودَّةِ واثِقُ يقول إذا ما ضَمَّ شَمْلِي بشَمْلِكم . . . فَرِيقا هوىً منا مَشُوقٌ وشائِقُ
السيد محمد بن صلاح بن الهادي
من سراة اليمن وأشرافه ، يقطر ماء النباهة من أطرافه . له السبق في الجهاد ، ونظم أعمال الجبال والوهاد وقد ولي الأعمال بأبي عريش وجازان ، فزاد شرفهما بقدره وزان . وله في الأئمة بني القاسم مدائح قالها تحبباً لا تكسبا ، وعمر بها مجالسهم تقرباً لا تحسبا . فحظي عندهم بأكرامٍ وإعزاز ، ووضع ثوب نفاسته في يدي بزاز . وهو في الشعر ممن نشر وشياً محوكا ، ونظم دراً محبوكا ، ومنح ذهباً مسبوكا . وقد أثبت من عيون أشعارهذه العينية ، وهي كما ترى روضةٌ تهدلت أغصانها بالثمار الجنية . وقد كتب بها إلى الناصر المهلا ، ولم يبلغني منها إلا المقدار الذي كتبته : لستُ أنْسَى رقَّةَ العيشِ الذي . . . زاد في الرِّقَّةِ حتى انْقطَعَا في رُبَى الشَّجْعَة كُنَّا جِيرةً . . . وأخلاَّئي وأخْدانِي مَعَا جنةٌ عندي رُباهَا زُخْرِفتْ . . . سِيَّما والكَرْمُ فيها أيْنَعَا(3/251)
"""""" صفحة رقم 252 """"""
وسقى اللّهُ لُيَيْلاتِ الحِمَى . . . وكلاه وحَماه ورَعا وصديقاً زارني من بعدِ ما . . . بجَلابيبِ الظلامِ ادَّرَعَا قطعَ البَيْداءَ نحوِي مُسرِعاً . . . والفَيافِي والمَوامِي قطَعَا زار كالطَّيْف اخْتلاساً ومضَى . . . ثم ما سلَّم حتى ودَّعَا أوْدَع القلبَ أسىً إذْ ودَّعا . . . فجميلُ الصبرِ منِّي امْتنَعَا وسعَى الحادِي به مستخْفِراً . . . ليته يا قلبُ ما كان سعَى إن يكنْ لَذَّ لسَمْعِي خبرٌ . . . بعد أن فارقْتكُم لا سمِعَا أو ظننْتُم أن جَفْنِي هاجِعٌ . . . فلَعَمْرِي بعدكم ما هجَعَا عِيلَ صَبْرِي إذْ رحلْتُم جَزَعاً . . . وفؤادِي ذاب فيكم وَلَعَا كان ينْهانِي الحيَا أن أشْتكِي . . . فغرامِي لحيائِي منَعَا فاقْصِدا الناصرَ فضلاً إنه . . . خيرُ بحرٍ للمَعاني جُمِعَا واسْألا لِي مَن نَداه دَعْوةً . . . فهْو بَرٌّ ومُجابٌ إن دَعَا
السيد يحيى بن أحمد بن صلاح بن الهادي الوشلي
فرعٌ من دوحة السيادة أورق وأثمر ، وهلالٌ في أفق النجابة أمده النور الإلهي فأبدر وأقمر . وآباؤه صناديد ضراغم ، طأطأ لهم السؤدد وهو راغم . لهم الشرف الذي أربى على كل شرف ، واحتوى على أدوات المعالي من كل طرف . فكان فيهم سحبان يسحب ذيل فصاحته ، وحاتماً يقيم رسم سماحته . وحسيبهم هذا كالمسند كلما كبر ساد ، وكالذهب كلما سبكته السنون زاد . وله من الشعر بدائع ألطف من سلافة العصير ، وروائع أشهى من ربيبات المقاصير . فمن جيده قوله ، من قصيدة ، أولها : حمَى النومَ بَرْقٌ جاء من جانبِ الحِمَى . . . يلُوح فأبكَى العينَ لمَّا تبسَّما وحَرَّك أشْجاناً وهيَّج لَوْعةً . . . وأوْدَع نِيراناً بقلبِي وأضْرمَا وذكَّرني عهْداً وما كنتُ ناسياً . . . لعهدٍ مضَى بالرَّقْمَتيْن وإنَّما يُجدِّد ذِكْراً فوق ذكرٍ فأنْثنِي . . . مُبِيحاً لما قد كان مني مُكتَّمَا رعَى اللّهُ سُكَّانَ الحِمَى وحَماهم . . . ولَذَّةَ عيْشٍ طاب فيه ومَعْلَمَا(3/252)
"""""" صفحة رقم 253 """"""
وأيامَ أُنْسٍ قد مضَتْ وليالياً . . . تقضَّتْ به والضِّدُّ في عينِه عَمَى ورَوضاً أرِيضاً كم نعِمْنا بظلِّه . . . وظلاً ظليلاً كان للصَّبِّ مَغْنَمَا سحَبنا به ذيْلَ المَسَّرةِ بُرْهةً . . . من الدهرِ لا نَلْوِي على كاشحٍ رَمَى فللّهِ من ظلٍ مَديدٍ ومَجْمَعٍ . . . سعيدٍ ومن عيشٍ رغيدٍ تقدَّمَا وحَيَّى الحَيَا تلك المعاهدَ والرُّبَى . . . هَنِيّاً إذا وافَى رَوِيّاً إذا هَمَى حدائقُ عَلْيا صافحتْها يدُ الصَّبا . . . صَباحاً وزَارتْها الشَّمالُ مُعتَّمَا أُعلِّل قلباً بادِّكارِ مَواطنٍ . . . فيزْدادُ وَجْداً بالتذكُّرِ كُلَّمَا وما بالُ قلبي خافق كُلَّما سَرَى . . . نسيمٌ أمِنْه خَفْقَةً قد تعلَّمَا أقول إذا الحادِي ترنَّم شادِياً . . . رُوَيْدَك قد هيَّجْتَ قلباً مُتَيَّمَا وإن جَدَّ ليلي زاد ما بِي من الجوَى . . . فنومِي على الأجْفانِ إذ ذاك حُرِّمَا ولا غَرْوَ مَن يَلقى كوَجْدِي يرَى بما . . . يُقاسِيه أسْقاماً ووَجْداً مخيِّمَا أحِبَّةَ قلبي هل لأيَّامنا التي . . . مضتْ من إيابٍ أو تعود إلى الحِمَى وهل ذلك الروضُ الأرِيضُ وعَيْشُه الرَّ . . . قيقُ كما قد كان فيما تقدَّمَا فشَوقي إلى ذاك الحمَى شوقُ صادِىٍ . . . إلى الماءِ يوماً قد أضَرَّ به الظَّمَا ووجْدِي بهم وَجْدُ الحسين بنِ ناصرِ ب . . . نِ عبد الحفيظ النَّدْبِ أفضل مَن سَمَا بِجَمْعِ المعالي من طَريفٍ وتالِدٍ . . . نسِينا به أخبارَ من قد تقدَّمَا إذا قال لم يتْرُكْ مقالاً لقائلٍ . . . فما قُسُّ في إبْداعِه إن تكلَّمَا وما ابنُ هلالٍ في مَلاحةِ خَطِّهِ . . . وما ابنُ عميدٍ في البلاغة دَعْهُمَا له رتبةٌ قَعْساءُ ما قَطُّ نالَها . . . سِواه ولو كان السِّما كان سُلمَا إذا زُرتَه شاهدتَ في الأُنْسِ روضةً . . . وفي فضلهِ شَمْساً وفي العلمِ خِضْرِمَا لمجلسِ علمٍ لو تعدَّاه ضَيْغَمٌ . . . تأدَّب إجْلالاً له وتحرَّمَا علومٌ طغَتْ أمْواجُها فتلاطَمتْ . . . وصدرٌ رحِيبٌ كالخِضَمِّ إذا طَمَا منها : لقد ضلَّ مَن يبْغِي عُلاك جَهالةً . . . ودون عُلاك النجمُ أقربُ مُرْتَمَى ولو بابْنِ حَيُّوسٍ دنَا منك وقتُه . . . لعَاد بما تُوليه منك مُعظمَا وجاوَرَ لُقْماناً وشاهَد يُوسفاً . . . وخاطَب سَحْباناً وأمَّ يَلَمْلَمَا فكم ليلِ شَكٍ قد جلَيْتَ ومَسْمَعٍ . . . مَلَيْتَ وكم أوْضَحتَ ما كان مُبْهَمَا(3/253)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
وكم عُقَدٍ أحْلَلْتها وأحَلْتَها . . . وكم نُوَبٍ أجْلَيْتَها مُتكرِّمَا وليس لِما أبْرمْتَ نعرفُ ناقِضاً . . . ولا لمَقالٍ أنت تنقُض مُبْرِمَا
السيد محمد بن أحمد بن الإمام المؤيد بن علي بن جبريل
سيد بهر بحسن خلقه وخلقه ، ولقد أطلق عنانه في المكارم فلم يدرك أحدٌ شأو طلقه . محاسنه سافرة القناع ، ومحامده يتم بها وحدها الإقناع . ولاه المتوكل بندر المخا فأحمدت سيرته ، وظهرت عن سر الكناية سريرته فأمده بالمعونة المتبينة ، واستظهر له الرعاية المتعينة . فلم يزل حتى طوى من مسافة العمر المراحل ، وانتهى من لجة بحر الحياة إلى الساحل . وقد أثبت له من شعره السهل الانقياد ، ما استوفى الحسن جملةً فلم يبق فيه محلٌّ لازدياد . فمنه قوله : طرَبٌ يهِيجُ اليَعْمَلاتِ سَبالِ . . . وجوىً بأطْباقِ الفؤاد ذَوانِي وتعَلُّلِي بَخِلتْ به رِيحُ الصَّبا . . . وتصبُّرِي كَرُمتْ به أجْفانِي إن الحبيب وقد تناءتْ دارُه . . . أغْرَى فُؤادَ الصبِّ بالأَحْزانِ لو زارني طَيْفُ الكَرَى مُتفضِّلاً . . . بجمالِه وحديثِه لشَفانِي أو لو تفضَّل بالوِصالِ تكرُّماً . . . أصبحتُ مِن قَتْلاه بالإحْسانِ(3/254)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
يا عاذِلي دَعْنِي فلستُ بمُرْعَوٍ . . . عَذْلُ العِدَى ضَرْبٌ من الهَذيَانِ من مديحها : لولا طلوعُ الشمسِ في كبدِ السَّما . . . خِلْناه أشْرفَ مِن على كِيوانِ فكأنه السفَّاحُ منصورُ اللِّوَا . . . جاءتْ صوارمُه على مَرْوانِ وكأنه الهادِي بنُورِ جَبِينِه . . . وكأنني المَهْدِيُّ في إذْعانِي وكأن نُورَ جَبِينه من يوسُفٍ . . . فأنا الرَّشِيدُ به إلى الإيمانِ يا أيها المأمونُ عند إلههِ . . . والمُتْبِعُ الإحسانَ بالإحْسانِ والحاشرُ الماحِي المُؤمَّل للورَى . . . تحت اللِّوَا ذُخْراً إلى الرحمنِ الجارُ والرَّحِمُ الذي أوصَى به . . . ربُّ السما ودعاك بالإعْلانِ فاللّهَ فيَّ أبا شَبِير وشَبَّرٍ . . . كيلا أخافَ طوارقَ الحِدْثانِ
محمد بن دعفان الصنعاني
من آل أبي عمرو أساة القريض ، وولاة الجاه العريض . وكانوا بصنعاء ممن بنوا للآداب منارها ، ورفعوا نارها ، وأطلعوا وردها وجلنارها . وهو من بينهم بحر النظام ، وبقية الأعلام العظام . أبده من نطق ولفظ ، وأنبه من نظر ولحظ . وقد وقفت له على أبيات من قصيدة ، مدح بها الإمام القاسم مهنياً له بفتح صنعا . وهي هذه : هِمَمُ الخَطِير جليلةُ الأخْطارِ . . . محمودةُ الإيرادِ والإِصْدارِ وتفَاضُل العَزَماتِ في أرْبابها . . . يجرِي بحسَب تفاضُل الأقْدارِ والناسُ مُشتبهو الذَّواتِ وإنما . . . ليس المَعادِن كلُّها بنُضارِ إنَّ اليواقيتَ الثمينة لم تكُنْ . . . ممَّا تُقاسُ بسائرِ الأحْجارِ جاء ابنُ حمْزةَ في القياسِ بمُعْجِزٍ . . . من جِنْسِ مُعجِزِ جَدِّه المُختارِ وأتى ابنُ بنتِ محمدٍ كمحمدٍ . . . ما أشبهَ الآثار بالآثارِ كُنَّا عن المنصورِ نَرْجُو مُخْبِراً . . . حتى بدَا يُغْنِي عن الأخْبارِ(3/255)
"""""" صفحة رقم 256 """"""
أحمد صفي الدين بن صالح بن أبي الرجال
رأس مهرة علوم اللسان . وناسج صنعاء الحلل الحسان . توفرت آراؤه للصنائع الناجحة ، واختص ميزان حسناته بالأعمال الراجحة . وله التاريخ الذي أبدع فيه وأغرب ، وأطرب بحسن تعبيراته جد ما أطرب . استكمل فيه الفروع والأصول ، واستوفى الأجناس برمتها والأصول . يأخذ الحق ويعطيه ، ويرمي الغرض فلا يخطيه . وهو إلى ما يريد ، أقرب من حبل الوريد . وله أدب دار به من رحيق البيان معتقه ، وملأ الأكمام من زهر روضه مفتقه . وقد أخرجت من شعره قطعةً أنضر من الروض غصونه تعتنق ، وأسحاره تتنسم وآصاله تغتبق . وهي قوله ، في وصف روضة صنعاء الشهيرة : روضةٌ قد صَبا لها الصُّغْدُ شوقاً . . . قد صفا ليلُها وطاب المَقِيلُ جوُّها سَجْسَجٌ وفيها نسيمٌ . . . كلُّ غصنٍ إلى لِقاه يميلُ صحَّ سُكَّانها جميعاً من الدا . . . ءِ وجسمُ النسيم فيها عَليلُ إيهِ يا ماءَ نهرِها العذبَ صَلْصِلْ . . . حبَّذا يا زُلالُ منك الصَّلِيلُ إيهِ يا وُرْقَها المُرِنَّةَ غَنِّي . . . فحياةُ النفوسِ منك الهَدِيلُ رَوْضَ صنعاءَ فُقْتَ طبعاً ووصفاً . . . فكثيرُ الثناءِ فيك قليلُ تِهْ على الشِّعْبِ شِعْبِ بَوَّانَ وافْخَرْ . . . فعلَى ما تقولُ قام الدليلُ نهرٌ دافِقٌ وجَوُّ فَتِيقٌ . . . زهرٌ فائقٌ وظِلٌّ ظليلُ وثِمارٌ قِطافُها دانِياتٌ . . . يجْتنيها قصيرُنا والطويلُ(3/256)
"""""" صفحة رقم 257 """"""
لستُ أنْسَى ارْتعاشَ شُحْرورِ غُصْنٍ . . . طَرَباً والقَضِيبُ منه يميلُ وعلى رأسِ دَوْحِه خاطَب الوُرْ . . . قَ ودَمْعُ الغصونِ طَلاً يسيلُ ولسانُ الرُّعودِ تهْتِفُ بالسُّحْ . . . ب فكأن الخفيفَ منها الثقيلُ وفَمُ السحبِ باسمٌ عن بُروقٍ . . . مستطيرٌ شُعاعُها مستطيلُ وزهورُ الرُّبَى تعَجَّبُ مِن ذَا . . . شاخِصاً طَرْفُها المَلِيحُ الجميلُ فانْبَرتْ قُضْبُها تَراقَصُ تِيهاً . . . كخليلٍ سقاه خمراً خليلُ وعلى الجوِّ مِطْرَفُ الغَيْم ضافٍ . . . وعلى الشَّطِّ بُرْجُ أُنْسٍ أَهِيلُ فيه لي رُفْقةٌ رِقاقُ الْحَواشِي . . . كاد لِينُ الطِّباع منهم يسيلُ وهمُ في العلى أشدُّ من النَّبْ . . . عِ إذا حَلَّ في الخُطوبِ الجليلُ أرْيَحِيُّون لو تسومُهم النَّ . . . فْسُ لجادُوا فليس فيهم بخيلُ نَتهادَى من العلومِ كؤوساً . . . طَيِّباتٍ مِزاجُها زَنْجبيلُ وغوانٍ من المَعانِي كِعابٍ . . . ريقُها عند رَشْفِه سَلْسبيلُ طاب لي رَأْدُها وطاب ضُحاها . . . كيف أسحارُها وكيف الأصيلُ ولما اطلع عليها القفاضي محمد بن إبراهيم السحولي ، عارضها بقوله : لا زال وجهُ الجمالِ الجميلُ . . . ولها منه غُرَّةٌ وحُجولُ وعليها من المَلاحة سِرْبا . . . لٌ طِوالٌ أرْدانُه والذُّيولُ وخَلاخيلُ بهجةٍ وسُلُوسٌ . . . وتَقاصِيرُ نَضْرةٍ وفُلولُ والذي أبرزَتْ من الحسنِ معلو . . . مٌ ولكنْ أضْعافُه المجهولُ ولهذي الدعوَى براهينُ قد . . . حُرِّر منها المَعقولُ والمنقول غيرَ أن المَجالَ يُسْتحسَن الإجْ . . . مالُ فيه ويسمُجُ التفصيلُ جنَّةُ الأرْبعِ الجِنان الذي دَا . . . نَ بتفْضيلِها عليها الرسولُ ومتى احْتاجتِ الغزالةُ في رَأْ . . . دِ الضحى أن يُقام فيها الدليلُ ولِموضوعِ حُسْنِها في الحواشِي . . . مُلحقَاتٌ بدائعٌ وفُصولُ كالرياضِ الغَنَّا إذا طاب فيها . . . ليلُها والضحى وطاب المَقيلُ وبكى الغيمُ في رُباها فأضحى . . . ضاحكاً منه ثغرُه المعسولُ وتغنَّى الهَزارُ في الوَرَقِ الأخْ . . . ضرِ واصْفَرَّ كالنُّضارِ الأصيلُ وأتى مُرْسَلُ النسيمِ إلى الغُصْ . . . نِ فيُوحِي إليه كيف يميلُ(3/257)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
حبَّذا حبَّذا مُروج أحاطتْ . . . ببرُوجٍ فيها البدورُ نُزولُ كجِنانِ الفِرْدَوْسِ ألوانُ ولْدا . . . نٍ من النَّبْتِ في رُباهَا تجُولُ فَلِرَيْحانِها سرورٌ وقد را . . . ق بلالاً خَدٌّ له مَبْلولُ وإذا اهتزَّ الغصنُ وانْتثرَ الطَّ . . . لُّ بمَرْجانِه تبسَّم لُولُو وإذا ما النسيمُ دبَّ على الما . . . ءِ تَعاطاه جوهرٌ وقبولُ حَبَّذا نهرُها الذي المِسْكُ والكا . . . فورُ والشُّهدُ فيه والزَّنْجبيلُ ما نَقِيبٌ ودِجْلةٌ والمُعلَّى . . . وفُراتٌ ونِيلُ مصرَ المُنيلُ في البساتين كالثَّعابين تَنْسا . . . بُ رأيتَ الحِبابَ كيف تسيلُ أو كما هُزَّ للمِصاعِ يَفاعٌ . . . صَحْصَحانُ الأطرافِ سيفٌ صَقيلُ إن تُصلْصل حُماتُه حكم القا . . . ضِي فمِن عادة السيوفِ الصَّلِيلُ كل ما مرَّ فهْو حالٍ ولكنْ . . . لا تقُل فيه كلُّ حالٍ يحُولُ كم خلافٍ عنه له ثمراتٌ . . . قد حَواها جميعَها المَحصولُ
القاضي حسن بن العفيف الحضرمي
شاعر تلك الخطة ، وأديبها الذي أقدار أدبائها عنه منحطة . له شهرةٌ في تأليف الدراري بأسلاكها ، كشهرة الكواكب طالعةً في أفلاكها . وقد رأيت له قصيدة فتعلقت بها وتمسكت ، وتأرجت بروائحها العبقة وتمسكت . وها هي كالغانية ، ضمخت بالغالية . فخذها مباركاً لك فيها ، ومتع الفكر في ظاهرها وخافيها . وكان مدح بها المتوكل إسماعيل ، وأولها : هو الرَّبْعُ سَلْه أو فقِفْ لي أسائِلُهْ . . . أنُزَّالُه نُزَّالُه أم نَزائلُهْ فإنَّ هُدُوَّ القلبِ يُؤْذِن أنَّما . . . به غيرُهم والدمعُ أشْكل سائلُهْ أرى القلبَ أهْدَى لي الصوابَ وربَّما . . . غدا وهْو ذُو علم بما الطَّرْفُ جاهلُهْ فيا رَبْعُ نَبِّئْنَا أنُزَّالُك الأُلَى . . . عَهِدنا فإنَّ الحقَّ ما أنتَ قائلُهْ فقال أجَلْ مَن قد عَهِدنا وذا الحِمَى الْ . . . مسَمَّى وذاك المنْحَنَى وخَمائلُهْ وتلك لُبَينَى حيث تُقضى لُبانةُ الْ . . . مُحِبِّ وحال الصَّبِّ تهْدا بَلابِلُهْ فقلتُ سُقِيتَ الغَيْثَ لم أجهلِ الذي . . . علمتَ ولكنْ لاق عندي تجاهُلُهْ(3/258)
"""""" صفحة رقم 259 """"""
وليلٍ كتَأْميلِ المَشيبِ أرِقْتُه . . . لهم ثم ليلُ الهَمِّ سار يُطاوِلُهْ كأنَّ به جَفْني لجَفْنِيَ عاشِقٌ . . . وطَرْفِي رَقيبٌ حارسٌ لا يُواصِلُهْ إذا ما سَها وَقْتاً كَلاَ وكذا وَشَى . . . من الدَّمْعِ نَمَّامٌ على السهوِ عادِلُهْ لِيَ اللّهُ من ثاوٍ بجِسمٍ وطَيُّه . . . طعِينُ فؤادٍ راحلُ الفكرِ قافِلهْ أُفكِّر أيَّ البِيد بالقُودِ أرْتَمِي . . . إلى منزلٍ بالغُبْرِ طابتْ منازلُهْ وأيَّ خِضَمٍ بالسَّفِين أخوضُه . . . إلى مثلهِ جُوداً تطامَتْ جداولُهْ وعاذلةٍ بين الجوانِح راعَها . . . مُحاولُ حالٍ في عَنا مَن يُحاوِلُهْ تقول على مَ ذا التَّرامِي على النَّوَى . . . ومُرِّ النوَى والرزقُ فاللّهُ كافِلُهْ أقولُ لها قولَ امْرِىءٍ لم يَطِبْ له . . . على دَعَةٍ من طَيَّبِ العيشِ خامِلُهْ ذَرِيني على أخلاقيَ الصمد التي . . . هي الوَفْرُ أو شَرْبٌ تَرِنُّ ثَواكِلُهْ فلم أرَ عُذْراً للكريمِ بدون ما . . . ينالُ الفتى أو بازْدِيادٍ يُزاوِلُهْ سأسْرِي كما يسْرِي الهلالُ بأُفْقهِ . . . هو الحَظُّ إما مَحْقُه أو تكامُلُهْ وحقَّقَ نَيْلِي للمُنَى ووَسيلتي . . . دعاءُ أميرِ المؤمنين ونائلُهْ فلا فضل إلا دون فضلِ ابن قاسمٍ . . . ولا بَذْلَ إلاَّ دون ما هو باذلُهْ إذا قيل إسماعيلُ أبلغ جُنْدُه الْ . . . هدى عُدَّةً والوصلُ طالتْ أناملُهْ إمامٌ وعاءُ الدهرِ يطْفحُ مُتْرَعاً . . . به وكذا طابتْ قديماً أوائلُهْ فضائلُه ضاق الزمانُ بكُنْهِها . . . وفاضتْ على طُرْقِ الزمانِ فواضلُهْ إذا ما دعانا الخَطْبُ لُذْنَا بيُمْنِه . . . فتُجْلَى به في الحال عنَّا جلائلُهْ وإن جال فرسانُ العلومِ فإنه . . . يُحاذِرُ منه فارسَ القوم راجلُهْ فعمَّا تسائلُه فإنك سائلٌ . . . لحَيْدَرة في علمِه إذْ تُسائلٌهْ تأمَّلْ إذا أمْلَى دقائقَ فِكْرِه . . . وما ضُمِّنْته كُتْبه ورسائلُهْ فمسألةٌ كالشمسِ يزْهو ضَوْءُها . . . كبدرٍ وكالزُّهْرِ النجومِ دَلائلُهْ أقول مَقالاً قيل قثبلي وإنَّما . . . إلى خيرِها من شرِّها أنا ناقِلُهْ جَوادٌ يُنِيلُ الحمدَ جَذْلانَ باسماً . . . ويزْدادُ بشراً كلَّما ازْداد آمِلُهْ علامةُ جودِ المرءِ بالطَّبْعِ بِشْرُهُ . . . كجودِ الحَيا لَمْعُ البروقِ مَخائلُهْ أجلْتُ افْتكارِي في الكرامِ فما بهم . . . سِواه كريمٌ كاملُ الجودِ شاملُهْ وكاملُ جودٍ جودُه غيرُ شاملٍ . . . وشاملُه لكنّ ما هو شاملُهْ فلَّله بَرٌّ بَسْطةُ البحرِ كفُّه . . . سَماحاً وبحرٌ ساحةُ البِرِّ ساحِلُهْ بلغْتَ بأُفْقِ الجودِ أفضلَ رُتْبةٍ . . . فقِف ثم لا أعْلَى لما أنتَ طائلُهْ(3/259)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
كأنك في الدنيا بجِسْمِك كائنٌ . . . وبالزُّهْد فينا بائنُ القلبِ آفلُهْ تأملَّتَ إنِّي تارِكٌ فيكمُ وما . . . يُضاهِيه عن خير الورَى ويُشاكِلُهْ فأنتَ به المقصودُ في العصر والذي . . . يحُثُّ عليه في اتِّباعك حاصلُهْ كَلاكَ ووَالاك امْرُؤٌ فاز ناجِياً . . . وعنك تولى مَن أُتِيحتْ مَقاتلُهْ وخُذْ شُكْرَ إحسانٍ تُوالِيه دائماً . . . عليَّ ومَن لي أنَّ شُكْرِي مُقابِلُهْ فكم كُربةٍ فرَّجتَ عني وشِدَّةٍ . . . كشفْتَ وحالِي ماحِلُ الحالِ حائلُهْ وقمتَ بنصْرِي والزمانُ مُحاربِي . . . وأهْوِنْ به خَصْماً إذا أنت خاذِلُهْ أذُمُّ كشُكْرِيك الزمانَ وأهْلَه . . . فساء وساءُوا فالقليلُ أَماثِلُهْ أسافِلُه فيه الأَعالي وشَرُّ ما . . . لَقِيتَ زماناً والأعالِي أسافلُهْ إذا شئتُ رَفْعِي شاء خَفْضِي فدائماً . . . يُماطِلني عمَّا أشَا وأُماطِلُهْ فيا ليت شِعْري والعجائبُ جَمَّةٌ . . . لأَيَّةِ معنىً غاض في الدهرِ فاضلُهْ دَعِيّ كدُبٍ خُصَّ بالخَفْضِ عَيْشُه . . . ونَدْب أدِيب أبْرَضَتْه مَآكلُهْ لَحَى اللّهُ دهراً باقِلٌ فيه قُسُّهُ . . . وقُبْحاً له إذ قُسُّه فيه باقِلُهْ وما قلتُ هذا جازِعاً من صُروفِه . . . ولكنْ ليدْري منه ما هو غافِلُهْ ويعلم أنِّي بالإمام مُظفَّرٌ . . . وإن ظافَرتْه من بَنِيه أراذِلُهْ تباركْتَ مَوْلىً لم يخبْ منك سائلٌ . . . عظيماً ولم تعْظُم عليك مَسائلُهْ وحَسْبُ امْرِىءٍ وَافاك رأيُك في النَّدى . . . وأن صِفاتِ الجُودِ فيك وسَائلُهْ وصلّى عليك اللّهُ بعد نَبِيِّه . . . وعِتْرتِه ما المُزْنُ أسْبَل وابِلُهْ
مطهر بن علي الضمدي
اسمه مطهر ومسماه طاهر ، وفضله وادبه كلاهما زاهٍ وزاهر . وهو في العلم مشارٌ إليه ، وفي حل المشكلات معول عليه .(3/260)
"""""" صفحة رقم 261 """"""
لم يدع فناً إلا أهداه ، ولا معنىً مغلقاً إلا أبداه . وتفسيره الفرات النمير ، في تفسير الكتاب المنير مفخر ذلك القطر إحساناً زائداً ، وأجل أثرٍ لم يمنع من تلقي الفوائد النوادر رائداً . كما قال في آخره : فدونك ما حوى من أصداف التفاسير لآليها ، وأنار من مشكلات الأقاويل لياليها . ولن يسعد بحل رموزه ، ويظفر بكشف كنوزه . إلا من برز في علم البيان ، وأشير إليه في معرفه صحيح الآثار بالبنان ، وراض نفسه على وفاق مقاصد السنة والقرآن . هذا ، ومع لطافة جسمه فكم حوى من لطائف ، ومع حداثة سنه فكم حدث بظرائف ، ومع رشاقة قده كم رشق من مخالف . وكم مشكلٍ أوضحه قد أغفله الأولون ، وكأيٍ من آية يمرون عليها وهم عنها معرضون . قلت : وقد حظي هذا التفسير في اليمن بالقبول ، ومدحه كثيرٌ من علمائه بالمدائح السائرة مسرى الصبا والقبول . فمن جملة من مدحه السيد صلاح الدين بن أحمد بن المهدي المؤيدي ، حيث قال : هذا الفُراتُ فَرِدْ مَشارِعَ مائِه . . . تجِدِ الشرائعَ أُودِعتْ في بَحْرِهِ كَشَّافُ كلِّ غَوامضٍ ببيَانِها . . . أسرارُ مُنْزَلِ ربِّنا في سِرِّهِ لا عيبَ فيه سوى وَجازةِ لَفْظِه . . . مع أنه جَمع الكمالَ بأسْرِهِ حبسَ المعاني الرَّائقاتِ برَقِّهِ . . . والحقَّ أطْلَق والضلالُ بأسْرِهِ وله نظم ونثر شهيران . فمن نظمه قوله : مَن شافعِي نحوكم يُحنِّفكُمْ . . . إليَّ يا مالكِي فأحْمَدُهُ زَيَّدتني حين صِرْتَ مُعْتزِلِي . . . وَجْداً كَحَرِّ الجحيمِ أبْرَدُهُ يا رافضِي أنت ناصبِي لهوىً . . . ما كنتُ قبل الفِراقِ أعْهَدُهْ وقوله : تظنُّونِيَ مُرْتاحَا . . . ومَن أيْن ليَ الرَّاحَهْ إذِ الراحةُ في الكيسِ . . . وليس الكيسُ في الرَّاحَهْ(3/261)
"""""" صفحة رقم 262 """"""
وله : تزوَّجْ هُدِيتَ تِهاميَّةً . . . ترُوقك في المِئْزرِ المِطْرَفِ ودَعْ عنك بيضاءَ نَجْديَّةً . . . ولو برَزتْ في بَها يُوسُفِ عليها قميصٌ وسِرْوالةٌ . . . وليستْ تَرِقُّ لمُسْتعطِفِ فأجابه السيد صلاح المؤيدي بقوله : أردتَ بها الذمَّ فَالْبَسْتَها . . . سَرابِيلَ مَدحٍ لا تختفِي نعم هكذا شِيمةُ المُحْصَناتِ . . . إذا شئْتَ تمدحُ مَدْحاً وَفِي قَساً في القلوبِ ولِينُ القُدودِ . . . وخَدٌّ نَقِيٌّ وصوتٌ خَفِي وإن رام منها الْوَفا طارقٌ . . . فليستْ ترِقُّ لِمُستعطِفِ
حسن بن علي المرزوقي
أديبٌ تعاطى الشعر جل بضاعته ، وتوشية حلل الطروس معظم صناعته . مع رقة طبعٍ تحسدها القدود الرشاق ، وعلاقة صبابة تتفانى عليها نفوس العشاق . وقد أوردت له قطعةً كلها غرر ، ينقدح فيها من وجده الذي سكن لبه شرر . وهي قوله : تألَّق من نحو الكَثِيبِ ووَهْدِهِ . . . برِيقٌ تَلاَلاَ في حَمائلِ بُرْدِهِ تَراءَى لِعَيْنٍ قد تقرَّحَ جَفْنُها . . . وعُوِّض عن طِيب المَنام بسُهْدِهِ فهيَّج وَجْداً مُضْمَراً في سَرائرِي . . . وأبْدَى مَصُوناً ما استطعتُ لِرَدِّهِ فبِت كئيباً وَالِهَ القلبِ شَيِّقاً . . . بِيَمِّ غرامٍ بين جَزْرٍ ومَدِّهِ وما افْترَّ إلاَّ جاد بالدَّمْعِ ناظرِي . . . وأذْكَر ماءً بالعُذَيْب ووِرْدِهِ ومَسْرَحَ غِزْلانٍ يرُحْنَ عَشِيَّةً . . . بذاتِ اللِّوَى والأبْرَقَيْنِ وثَمْدِهِ ومَيَّادَ غُصْنٍ مُذ تثنَّى بعِطْفِه . . . لَوَى عَقْرَبَيْ صُدْغَيْه خَفَّاقُ بَنْدِهِ كثيرُ التجنِّي والتَّجاوُزِ ظالمٌ . . . جنَى سيفُ لَحْظٍ منه وهْو بغِمْدِهِ له حَدَقٌ صَحَّتْ بسُقْمِ جُفونِها . . . ومِن عَجَبٍ تقْويمُ شيءٍ بضِدِّهِ وإنِّي إذا ما جَنَّ لَيلِي تخالُنِي . . . أحِنُّ حَنينَ الثَّاكلاتِ لفَقْدِهِ ويُطربني صَدْحُ الحَمامِ بأيْكةٍ . . . إذا صاح قُمْرِيُّ البَشامِ بِرَدِّهِ ورَنَّةُ شُحْرُورٍ يُرَدِّدُ شَدْوَهُ . . . بِغُنَّةِ إدْغامٍ ولينٍ بِمدِّهِ وترْجِيعُ صوتِ العَنْدَلِيب كأنه . . . غدا رَاهباً فيه زعيماً بورْدِهِ(3/262)
"""""" صفحة رقم 263 """"""
وإن شُقَّ نَحْرُ الفجرِ ناحتْ حَمائمٌ . . . تُسبِّح للّهِ القديم بحمْدِهِ وإنِّي على وُدِّي مُقِيمٌ على الوفَا . . . وما مِلْتُ بل باقٍ على حِفْظِ وُدِّهِ كأنِّي وما أرجُو كُثَيِّرُ عَزَّةٍ . . . إذا حرْتُ أو بِشْرُ العَمِيد بهنْدِهِ ألا في سبيلِ اللّهِ دهرٌ قضَيْتُه . . . على ظَمَإٍ لم يَرْوِه ماءُ صَدِّهِ أبِيتُ على جَمْرِ الغَضا مُتقلِّباً . . . وفي طَيِّ أحْشائِي تَلُظُّ بوَقْدِهِ
محمد بن محمد العشبي
شاعرٌ له قطع مستجادة ، مسبوكةٌ في قالب الإجادة . أثبت منها ما تقل مؤونته ، وتكثر لأديبٍ معونته . فمن ذلك قوله : سألتُ ذات الحُسْن لَمَّا رَنَتْ . . . بمُقْلةٍ ساحرةٍ فاتنهْ عن الأحاديثِ وعن إسْمِها . . . وهْي بوَكْرٍ للبَها صائنَهْ قالتْ خَفِ الرحمنَ يا سيِّدِي . . . الطيرُ في أوْكارِها آمِنَهْ وقوله في مليحة اسمها كوكب : بدت كوكبٌ مثلَ بدرِ الدجى . . . لِصَبٍ هوَى قلبُه واسْتعاذَا فأنْكَر شمسَ الضحى في الهوى . . . فلمَّا رأى كوكباً قال هذَا وقوله : يا سائلِي عن وَصْفِ مَن . . . مالتْ كغُصْنِ الْبانِ مَيْلاَ بالبدرِ هندٌ تُوِّجَتْ . . . وتَبرْقَعتْ بالشَّعْرِ لَيْلَى وقوله : وقفْنا بالغَضاءِ فكلُّ قلبٍ . . . مُصَلٍ في جوانحهِ مُعَنَّى وهِمْنا بالعَقِيق بكلِّ وَادٍ . . . ونُحْنَا في حِمَى لَيْلَى ولُبْنَى وقوله : وأغْيَدٍ من تَعِزٍ بِتُّ أسألُه . . . من أي حافاتِ سِرْبِ الخُرَّدِ الغِيدِ أجاب مِن حافةِ الهَزَّازِ قامته . . . لكنَّ أعْيُنَه من حافةِ السُّودِ وقوله : ويُوسُفِيِّ جمالٍ زار عارضَه . . . مُوسى فأصبح منه العبدُ مَأنُوسَا تفَرْعنَتْ في كَلِيم مُقْلةٌ سحَرتْ . . . لعَقْرَبِ الصُّدْغِ حتى حَلَّه مُوسى(3/263)
"""""" صفحة رقم 264 """"""
وقوله : وقالوا اعْتمِدْ لك مُسْهِلاً . . . إن كان داؤُك يعسُرُ فأجبْتهم في خَدِّ مَن . . . أهْوَى دوائي يظهَرُ إهْلِيلَجٌ من خالِه . . . ومن الثَّنايَا كَوْثَرُ
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الجابري الشحري
أديب باهر ، وأريب ماهر . له نظمٌ كما رق السحر ، وعبق أريج الشحر ونثرٌ كما رق السحر ، وصافح النسيم الشجر . وهو في النظم مقطع غير مقصد ، فلله دره من مقتصر على الحسن مقتصد . وقد أثبت له ما يروق في المسامع ، وتعجز عن إدراك مثله المطامع . فمنه قوله في التوجيه : قد تعشَّقْتُ غَزالاً . . . فيه لي قولٌ ومَذْهَبْ طال مِنْهاجُ غرامِي . . . في هوَى الظَّبْيِ المُهَذَّبْ وهو كقول التقي السروجي : تفقَّهتُ في عِشْقِي لمَن قد هَوَيْتُه . . . ولي فيه بالتحرير قولٌ ومَذْهَبُ وللعينِ تنْبيهٌ به طال شَرْحُه . . . وللقلبِ منه صِدُقُ وُدٍ مُهذَّبُ ومثله قول بعضهم : الروضُ والبهجةُ يا سيِّدِي . . . في الخدِّ مجموعٌ له حَاوِي وقد غَوَى سالكُ مِنْهاجِه . . . فامْنُنْ بِإرْشادك للْغاوِي وله : كتبْتُ على الخدودِ لفَرْطِ شَوْقي . . . سُطوراً من دموعٍ مُستهِلَّهْ فلا تعجبْ لخَطٍ فاقَ حُسْناً . . . وحقِّك إنَّه خَطُّ ابنُ مُقْلَهْ وله : ما هَبَّ نَشْرُ صَباً لنَحْوِي منهمُ . . . إلاَّ وأحْيَى المُسْتهامَ عَلِيلُهُ فالقلبُ مصر وهْو منزلُ يوسفٍ . . . والحسنُ رَوْضتُه ودَمعِي نِيلُهُ(3/264)
"""""" صفحة رقم 265 """"""
وله : شادِنٌ جار واقْتَدَرْ . . . ورمَى القلبَ في الكَدَرْ دَرَّ دمعِي فليْتَه . . . جاد بالوصلِ وَقْتَ دَرّ وله : زارني البدرُ لَيْلَةً . . . وحَبانِي بكلِّ مَا وبجسمٍ أباح لي . . . مثلَ خَزٍ وأنْعَمَا وله : بروحِيَ بدرٌ في المَحاسِنِ مُفْرَدٌ . . . إذا ما تثَنَّى للغصونِ قد انْتَمَى أدادَ بِخَدٍ إذ أتانيَ زائراً . . . له مثل روضٍ في النَّعِيم وأنْعَمَا استعمل النعومة في وصف الروض ، المفضل عليها نعومة الخد ، وفيها خدش . وله مضمناً : فدَيْتُ من المِلاح غزالَ إنْسٍ . . . له قَدٌّ تثنَّى كالرَّداحِ وخَدٌّ رائقٌ يزْهُو كوردٍ . . . وثَغْرٌ زانَه حُسْنُ الأَقاحِ وإن فَخَر النهارُ بضوءِ صُبْحٍ . . . فإنِّي بالثَّلاثةِ ذُو انْشِراحِ جَبِينٌ والمُقلد والثَّنايا . . . صَباحٌ في صَباحٍ في صَباحِ وله : ومليحٍ بمُقْلتيْه سَبانِي . . . وسَبا الشمسَ إذْ بدَتْ بمُحَيَّا غُلِب القلبُ في هوىَ ناظِريْه . . . وضَعِيفان يغلبان قَوِيَّا وهو من قول ابن نباتة : ومليحٍ قد أخْجَل الغُصْنَ والبَدْ . . . رَ قَواماً رَطْباً ووَجْهاً جَلِيَّا غُلِب الصبرُ في لِقَا ناظِرَيْهِ . . . وضعيفان يغلِبان قَوِيَّا وله : رئمٌ رمانِي من ظباءِ الفَلا . . . بسَهْمِ لَحْظٍ قد أتى مُرْسَلاَ فالشمسُ تروِي عنْ سَنَا وجهِه . . . عن نورِه عَ ، خدِّه المُجْتلَى وقد روى مَكْحولُ عن طَرْفِه . . . لكنَّ ضَعْفَ الجَفْنِ قد أعْضَلاَ وله : بأبي أفْدِي غزالاً . . . لم يزلْ باللَّحْظِ قاتلْ(3/265)
"""""" صفحة رقم 266 """"""
أزْهَرِيُّ اللَّونِ يروِي . . . سيفَ لَحْظٍ عن مُقاتِلْ وله : لو لم يكنْ من بابلٍ لَحْظُهُ . . . ما هَيَّمَ الصَّبَّ ولا بَلْبَلاَ أو لم يكنْ كالبدرِ في طَلْعةٍ . . . ما كان ذا القلبُ له مَنْزِلاَ وله : بي ساحرُ الألحاظِ أطْلَق مَدْمَعِي . . . والقلبُ منه مُقَيَّدٌ في حَبْسِهِ لا غَرْوَ أن همَلتْ عيوني إذْ رَنَا . . . فلِكُلِّ شيءٍ آفةٌ من جِنْسِهِ الأصل فيه قول القاضي أمين الدين الطرابلسي : إنْ كان شَرْعُ هواكَ أطْلَقَ مَدْمَعِي . . . فوكيلُ شَوْقِي عاجزٌ عن حَبْسِهِ أو كان منك الطَّرْفُ أسْهَرَ ناظِرِي . . . فلكُلِّ شَيْءٍ آفَةٌ من جِنْسِهِ وللنواجي : ظَبْيٌ إذا لَمَحَ الغزالَ بطَرْفهِ . . . فالرأيُ أن ينْجُو الغزالُ بنَفْسِهِ وتُقِلُّ بِيضَ الهندِ سودُ عُيونِه . . . ولكلِّ شيءٍ آفةٌ من جِنْسِهِ وله : وبرُوحِي مُهَفْهَفُ القَدِّ ألْمَى . . . ليت بالوَصْلِ للكئيبِ أعَانَا قد خَفِي الصَّدْرُ منه نهداً ولكن . . . مُذْ تَبدَّى وماسَ بالقَدِّ بَانَا وله : برُوحِي رَشِيقٌ له قامةٌ . . . يميلُ بها الريحُ من لُطْفِهِ فلولا جَوارِحُ ألْحاظِه . . . لَغَنَّى الحمامُ على عِطْفِهِ وله في معناه : أفْدِيه من رَشَأٍ في حُسْنِ طَلْعتِه . . . كأنه البدرُ يَسْرِي في غَمامتِهِ لولا جَوارِحُ ألْحاظٍ له صدَحتْ . . . وُرْقُ الحممِ على مَيَّادِ قامتِهِ وله : إن ماس حِبِّي أو بدَا خدُّه . . . أظهرتُ فيه كلَّ معْنىً دقيقْ فقَدُّه لابنِ رَشِيقِ انْتمَى . . . وخدُّه الزُّهْرِي رَوى عن شَقِيقْ وله : يا صاحِ إن جُزْتُ أعلامَ العَقيقِ فَرُدْ . . . دموعَ عَيْنِيَ منها الماءُ ينْسكِبُ وإن مررْتَ بأرْدافِ الحبيبِ دُجىً . . . قِفْ بي عليها وقلْ لي هذه الكُثُبُ وله :(3/266)
"""""" صفحة رقم 267 """"""
تبدَّى العِذارُ بخدِّ الحبيبِ . . . فقُلتُ ولم أخْشَ من لائِمي أمولايَ سُدْتَ مِلاح الورَى . . . فأنتَ المُسوَّدُ في العالَمِ وله : أفْدِيه غُصْناً وبدراً إن بَدا ومشَى . . . حذارِ منه إذا ما ماسَ أو سَفَرَا بنُورِ شمسِ جبينٍ صاد كلَّ فتىً . . . ونَمْلِ زُخْرُفِ ليلٍ هَيَّم الشُّعَرَا أفْدِي حبيباً عَزِيزَ الوصلِ تيَّمني . . . في كلِّ ليلِي منه موعدٌ ونَبَا بزُخْرُفِ النَّمْل صادَ القلبَ عارِضُه . . . وهامتِ الشُّعَرَا في هَلْ أتى وسَبَا وله : بأبِي مليحٌ لم أزَلْ في أسْرِهِ . . . مُنذ ارْتشَفْتُ سُلافةً من ثَغْرِهِ وسبَا القلوبَ بنَمْلِ عارضِ زُخْرُفٍ . . . من فوقِ شَمْسِ ضُحَى الجَبِينِ وعَصْرِهِ وله : وحبَّةِ خالٍ بخَدِّ الحبيبِ . . . تلُوذ بعارِضِه السَّائِلِ تفانَى الرِّجالُ على حُبِّها . . . فما يحصلُون على طائلِ وله : بثَغْرِه الدُّرُ شَبِّهُهْ ووجْنته . . . حَمَّالة الوَرْدِ لا حَمَّالة الحَطَبِ رَشَقْتُ رِيقَتَه فازْدَدْتُ من عَجَبٍ . . . إذْ بان لي جوهرٌ قد حُفَّ بالذَّهَبِ وله : يا شادِناً ملَك الفؤادَ بطَلْعةٍ . . . شاهدت منها البدرَ ليلَ تمامِ عجباً لثَغْرِك بارداً في طَعْمِه . . . وله غدا من سيفِ لَحْظِك حَامِي وله : ثَغْرُ الذي أهْوى له بارِقٌ . . . قد لاح للصَّادرِ والوارِدِ مُبَرَّد في الثَّغْرِ عنه روَى . . . وخدُّه يروِي عن الْواقِدِي من قول ابن الوردي : ومليحٍ إذا النُّحاةُ رأَوْه . . . فضَّلوه على بديع الزَّمانِ برُضابٍ عن المُبرَّد يرْوِي . . . ونُهودٍ تروِي عن الرُّمَّانِي وله : وربَّ ساقٍ كبدرِ التِّمِّ طَلْعتُه . . . قد ضَنَّ بالرَّاحِ لمَّا غاب مَن عَشِقَا(3/267)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
ولا يزال عفيف الذَّيْلِ يمطُلنا . . . بالرَّاحِ واللَّثْمِ حتى زارَه فسَقَا أخذه من قول الحافظ ابن حجر : وساقٍ منَع السُّقْيَا . . . وقد غاب الذي عَشِقَا وما زال عفيفَ الذَّيْ . . . لِ حتى زارَه فسَقَا وله : بالرُّوح منِّي مُغَنٍ . . . فيه تزايدَ عِشْقِي ملكْتُه بِشراءٍ . . . فصار مَالِكَ رِقِّي وله : قال لي في الدَّوْحِ حِبِّي . . . وبه الأنهارُ تجرِي قُمْ بنا في الرَّوْضِ نَغْدُو . . . بين رَيْحانٍ ونَسْرِي أخذه من قول الدماميني : يقول مُصاحبِي والروضُ زَاهٍ . . . وقد بسَط بِساطَ زَهْرِ تعال بنا إلى الرَّوْضِ المُفدَّى . . . وقُم نَسْعَى إلى وردٍ ونَسْرِي وله : يا غائبين سَرَى لنحْوِي منكمُ . . . ذاك النسيمُ وذيلُه مَبْلولُ فأتى إليَّ مع الصَّباحِ بعَرْفِكمْ . . . وشَفا سقامَ الصَّبِّ وهْو عليلُ أخذه من قول ابن نباتة : يُداوِي أسَى العشَّاقِ من نَحْوِ أرضِكمْ . . . نسيمُ صَباً أضْحَى عليه قبُولُ برُوحِيَ ذَيَّاك النسيمُ إذا سَرَى . . . طبيبٌ يُداوِي الناسَ وهْو عليلُ
علي بن نشوان بن سعيد الحميري
جوادٌ سبق البلغاء في ميدان البراعة ، ثم جاء على رسله وقد تناول قصب اليراعة . ولي الأعمال الكبار في أيام الإمام القاسم ، فافترت له الأيام ضاحكة الثغور والمباسم . وباشر حروباً كثيرة ، جلت عن همم عليه ومساعٍ أثيرة . فنشر ذكراً عاطر الريا ، وتبوأ منزلةً فوق النسر والثريا .(3/268)
"""""" صفحة رقم 269 """"""
وهو إذا نظم فنظمه من النمط العالي ، وإذا افتخر فقد أعلى مقدار النباهة والمعالي . وقد ذكرت له ما لا يمكن لحاقه ، ولو تتوج به البدر ما أدركه محاقه . فمنه قوله على لسان الإمام ، ليقي خاطره على النهوض : يا مُوقِدَ النارِ البعيدةِ أجِّجِ . . . واشهِرْ بِمُضْرَمِها شِعار المَخْرَجِ أشْعِلْ وَشِيكاً جَذْوَةً بِبَراقِشٍ . . . ليُضِيءَ ما بينَ العِراقِ ومَنْبِجِ إن الإقامةَ قد نقضْتُ شُرُوعَها . . . ونسخْتُ أوقاتَ الضلالِ السَّجْسَجِ بِشَرَائعِ التَّهْجِيرِ والتَّغْلِيسِ والْ . . . إسْئادِ حينَ أقول أَدْلِجْ أَدْلِجِ والكَرِّ بين الفَيْلَقَيْنِ وصَوْلَةٍ . . . تحتَ العَجَاجِ وتحتَ كلِّ مُدَجَّجِ ولقد سئمتُ من المُقامِ وظِلِّهِ . . . وتَتَوَّقَتْ نفسي لظهْرِ الأعْوَجِي وَلموقفٍ حِصْنِي به سُمْرُ القَنا . . . وشَبا الظُّبَا وقِرَى الْحِصانِ المُسْرَجِ فأمِتْ سُؤالِي حين أُنْشِدُ مُنْشِداً . . . ألْجِمْ جِيَاداً يا غُلامُ وأسْرِجِ وأرِقْتُ من طَرَبٍ إلى غَزْوِ العِدَى . . . ومُسابِقيَّ إلى الصَّرِيحِ المُزْعَجِ ذهَبَ السُّلُوُّ فوَدِّعَا طِيبَ الكَرَى . . . وتتبَّعا أثَرِي وسِيرَا مَنْهَجي كَلَفِي بِطِرْفٍ لاحِقِيٍ مُضْمَرٍ . . . نَهْدِ المَرَاكِلِ لا بطَرْفٍ أدْعَجِ وكَتيبَةٍ مَوْصُولةٍ بكتيبَةٍ . . . تَخْتالُ في حَلَقِ الحديد المُدبجِ وتطَيُّبِي بعَجاجِ نَقْعٍ ثائرٍ . . . ودمٍ لأثوابِ الكَمِيِّ مُضَرِّجِ ولقد شهدتُ الخيلَ تقْرع بالْقَنا . . . في حافظٍ نَجْدِ الوَغَى مُتوهِّجِ ولقد شهدتُ الليل حتى خِلْتُ ما . . . أيْقَنْتُ منه كالقميص المُدْمَجِ ولقد دخلتُ على السِّباع وِجارَها . . . ووَلَجتُ غَيْل ضَراغِمٍ لم تُولَجِ ولقد وردتُ أنا وواس مَورِداً . . . في مَسْلَكٍ من أُمَّةٍ لم تُخْرَجِ والشمسُ في وسطِ السماءِ مُظِلَّةٌ . . . والجوُّ أقْتَمُ بالعَجاجِ المُرْهَجِ وكأن رَقْراقَ السَّرابِ بِقيعةٍ . . . ذَوْبُ اللُّجَيْن هَرقْتَ من مُتَبرّجِ قُوما فشُدَّا لِي على أعْلَى الثَّرى . . . غَرِدَ النَّسَا صافِي الأديم مُدمَّجِ نَهْدٌ أقَبُّ الأيْطَليْن إذا غدا . . . في البِيدِ خِلْتَ مَمَّر رِيحٍ سَمْهَجِ(3/269)
"""""" صفحة رقم 270 """"""
درن يجاذبُ للوُثوبِ عِنانَهُ . . . طَرَباً ويصْهَل عند صوت المُسْرِجِ وكأنه سَيْلٌ إذا ناقْلتُه . . . وإذا مددْتُ له فبارِقُ زُرَّجِ وقال بالجوف ، يحض قبائل همدان على الجهاد مع الإمام : أرِقْتُ وما طربتُ إلى الغوانِي . . . فأبكي في الرُّبوع أو المَغانِي ولا عَدَت المُدامةُ لي ببالٍ . . . فأسألُ عن مُعَتَّقةِ الدِّنانِ ولا طرِبتْ إلى الأوْتارِ نفسِي . . . ولا سمع المُجونِ ولا الأغانِي ولكنِّي طربتُ لصَوْتِ داعٍ . . . مِنَ الِ محمدٍ شهمِ الجَنانِ إمامٌ عادلٌ بَرٌّ ذَكِيٌّ . . . أمينٌ لا يقولُ بقَوْلِ مَانِي له علمٌ ومعرفةٌ ودِينٌ . . . يفُوه بذكْرِه أهلُ الزمانِ
الحسين بن سليمان بن داود المرهبي
صاحب التجنيس البديع الجنس ، الذي ضرب به إلى الجن وهو من خيار الإنس . فتبارك معطيه ، ولله متعاطيه . ما أطول باعه ، وأحسن طباعه . ولقد سخر له هذا النوع من الكلام كل التسخير ، ولعمري إنه لم يسمع بأحسن منه في الزمنين الأول والأخير . وقد أثبت له ما لو سمعه أبو منصور ، لقال : التجنيس الأنيس على هذا مقصور . أو أبو الفتح لأعرض عن جناسه الذي كثر فيه أقواله ، وعد التناصل من التورط في أمثاله أقوى له . فمن قوله ، وقد اتفق له أنه رفع قصته للمتوكل ، يعرض فيها شوقه إلى وطنه ، ويستأذن منه في الذهاب إلى أهله ، فوقع له تحت قصته بيتاً فقط : إذا يسَّر اللّهُ أمراً أتاكَ . . . وإن حاول الناسُ إبْطالَهُ فضمن هذا البيت في قصيدة . وهي : أُذكِّرُ مولايَ ما قالَهُ . . . لعبدٍ أبَثَّك أحْوالَهُ شكَى ما يُعانِيه من دهرِه . . . وأحْسَن في اللّهِ آمالَهُ فكان جوابُ إمامِ الهدى . . . أدام له اللّهُ إجْلالَهُ بخطِّ يَدٍ خُلِقتْ للعطاءِ . . . تُبارِي الغمامَ وتَهْطالَهُ(3/270)
"""""" صفحة رقم 271 """"""
إذا يسَّر اللّهُ أمراً أتاكَ . . . وإن حاوَل الناسُ إبْطالَهُ فجدَّد قولُك أسْمالَه . . . وكان جوابُك أسْمَى لَهُ وأشْفَى لقلبٍ وأطْفَى لَهُ . . . لمن بَاتَ يذكُر أطْفالَهُ وبَشَّرتَه ببُلوغِ المُنَى . . . وسكَّنْتَ بالوعدِ بَلْبالَهُ وأصبح يخْتالُ من تِيهِه . . . ويسحبُ بالفخرِ أذْيالَهُ وهَنَّاه كلُّ صديقٍ وقَا . . . ل طُوبَى له ثم طُوبَى لَهُ فأمْرَك في مُخْلِصٍ مُضْمِرٍ . . . من الوُدِّ فوق الذي قالَهُ يَعُدُّك ذُخْراً ويخْشَى المَعادَ . . . ونَشْرَ العبادِ وأهْوالَهُ ومَن يتولَّ إمامَ الزَّمانِ . . . فقد أصلَح اللّهُ أعْمالَهُ ومن يَكُ في النُّصْحِ أوْفَى له . . . يُسَرُّ إذا ما رأى فَالَهُ ومن يَغْدُ في الغَيْثِ أحْمَى له . . . يحُطُّ من الوِزْرِ أحْمالَهُ وذلك في الدِّين أقْوَى له . . . يُسدِّد رأيُك أقْوالَهُ وامَّا الذي لا يَودُّ الإمامُ . . . فتَعْساً له ثم سُحْقاً لَهُ ومَن كان في الناسِ أشْكَى له . . . فلا أكثر اللّهُ أفعالَهُ ومن يتهَزَّا فأفْعَى لَهُ . . . ولا قبِل اللّهُ أشْكالَهُ بَقِيتَ إمامَ الهدى والتقى . . . تمُدُّ على الدِّين سِرْبالَهُ وتشْفِي للحقِّ أوْجالَهُ . . . وتُرْدِي للشِّركِ أبْطالَهُ وجازاك ربُّك عن خَلْقِه . . . وهَنَّاك مولاي أفْضالَهُ وكتب إلى الحسين المهلا ، بداره الواسطة في الطور من المحابشة ، وأرسلها إلى السجعة : يا فاضلاً أرْبَى على أقْرانِهِ . . . وسمَا بمَفْخَرِه على كِيوانِهِ ومَلِيكَ عصرٍ لا يُرامُ مَحَلُّه . . . إيوانُ كسرى غار من إيوانِهِ إن فَوَّق الأعْدَا سهامَ قِسِيِّهمْ . . . أصْماهُمُ بلسانِه وسِنانِهِ ومُجَلِّياً إمَّا جرى في حَلْبَةٍ . . . قد فاز يومَ سِباقِه برِهانِهِ سَبَّاقُ فضلٍ لا يُشَقُّ غُبارُه . . . أنَّى لِمثْلي الجَرْيُ في مَيْدانِهِ حقّاً لقد شرَّفْتني بفوائدٍ . . . يلْهُو بها المشْتاقُ عن أوطانِهِ من جَوْهرِ النَّظَّامِ بل أفْرادُه . . . كالبحرِ جاد بدُرِّه وجُمانِهِ كالروضِ في إبَّانِه والوردِ في . . . نِيسانِه والعُمْرِ في رَيْعانِهِ(3/271)
"""""" صفحة رقم 272 """"""
فالبيتُ ممَّا قُلتَه ونظمْتَه . . . يزْهُو على الهَرَميْنِ في بُنْيانِهِ أهْدَيْتَ من دُرِّ العَرُوسِ نفائِساً . . . صَلُحتْ لمَلْكِ الروم تِيجانِهِ خزَنْته سُمْرُ الطورِ إعْجاباً بهِ . . . وتقلَّدْته البِيضُ في طلانِهِ فَرفلْتُ في السِّرْبالِ من داوُدِه . . . وعلمتُ حُكْمَ الصَّمتِ من لُقْمانِهِ وروَيْتُ علم الفقهَ عن نُعْمانِهِ . . . وقرأتُ حُرَّ الشِّعرِ عن حَسَّانِهِ ورأيتُ في الحِلْم ابنَ قَيْسٍ أحْنَفاً . . . وإياساً المشهورَ في إتْقانِهِ وحقَرْتُ بطليموسَ دَارِس كُتْبِه . . . ورفضْتُ رِسْطاليس في يُونانِهِ قلَّدْتني عِقْداً نفيساً فائِقاً . . . قَدْرِي الحقيرُ يجلّ عن أثْمانِهِ وذكَرْت أخْلاقِي كبَغْلِي رَثَّةً . . . في سَرْجِه وحِزامِه وعِنانِهِ من بعد ما كان النجومُ تَغار مِن . . . قِطَعِ اللُّجَيْنِ مَنوطةً بِجِرانِهِ وعليه دِيباجُ الحريرِ مُصوَّراً . . . والجُوخ يرفُل منه في ألْوانِهِ فكذلك الدهرُ الخَؤُونُ بأهلِه . . . مَن ذا نَجَا من حادثاتِ زمانِهِ لم يُغْنِ عنها البَرُّ عن غِزْلانِهِ . . . كَلاَّ ولا التَّيّارُ عن حِيتانِهِ فعَساكَ تُعْدِيني على حِدْثانِهِ . . . وتُقِصُّنِي من كَفِّه وبَنانِهِ جعل الإلهُ بكلّ يومٍ شارِقٍ . . . بعظيم شَأْنِك في الورى مِن شَأْنِهِ
ولده محمد
خبيرٌ بأساليب الكلام ، لم يقصر في شعره عن درجة الأعلام . وكيفما تفوه أطرى ، وحيثما اقتدح أورى . مع حسن فهم ، أوتي منه أوفر سهم . ونفسٍ تواقةٍ إلى الحسنى ، وأوصافٍ تتحلى بها الكاعب الحسنا . وقد رأيت له قصيدةً أحكم فيها الرصف ، فأثبت منها ما يستغني بنفسه عن كثرة الوصف . وكان كتب بها إلى السيد الحسن بن الإمام إسماعيل ، وهو باللحية ، مادحاً له ، وشاكياً إليه من والده : عُوفِيتَ من كَلَفِي وفَرْطِ عَنائي . . . يا شِبْهَ خُوطِ الْبانةِ الغَنَّاءِ أمَّا أنا فشُحوبُ جسمي شاهدٌ . . . لي بالذي أُخْفِي من البُرَحاءِ ومدامِعي تُنْبِيكَ عن صُنْع الأسَى . . . من بَثِّ نُورِ هواك في أحْشائِي(3/272)
"""""" صفحة رقم 273 """"""
فإذا امْتريْتَ فإن أيْكةَ حَاجرِي . . . تدْرِي بواقعتِي مع الوَرْقاءِ حين امْتطَتْ فَنَنَ الأراكةِ وانْبَرتْ . . . في النَّوحِ تُسمِعُه على أنْحاءِ فوقفتُ لا عيْني تُساعِدني على . . . رَمْزٍ ولا كفٌّ على إيماءِ حَيْرانَ مسلُوبَ الجَنانِ مُقَرَّحَ الْ . . . أَجْفانِ نِضْوَ هوىً وحِلْفَ بُكاءِ وعلى غِياضِ الوادييْن بلابلٌ . . . عرفتْ لفَرْطِ ذكائها أنْبائِي كَلَفٌ به فَطِنَ الحمامُ فجائزٌ . . . أن يُمْتَرى فيه لدَى العُقلاءِ أعَقِيلةَ الحيِّ الغيورِ هُمامُه . . . ما بالُ قومِك أذَّنوا بتَناءِ نزلوا على نَشْرِ العَقِيقِ وإنّما . . . كرِهُوا لأجْلِي سَرْحة الرَّوْحاء بَخِلُوا بوجهِك أن أراه يُقْظةً . . . فلْيَمْنعوني الطّيْف في الإغْفاءِ أنَّى يُلِمُّ بنا الخيالُ ودوننا . . . رَصَدٌ عليه لقومِها الغبراءِ يا راكباً شَدَنِيَّةً مِذْعانةً . . . خَرْقاءَ تخْرِق مِطْرفَ البَيْداءِ مَوَّارةً تغْشَى الهواجِرَ جَسْرةً . . . تُخْفِي الجوى وتُغِذُّ في الإعياءِ أقْرِرْ بها عينَ النَّباهة ضارباً . . . بخِفافها في أخْدَع البَطْحاءِ وادفعْ بها في صدرِ كلِّ تنُوفةٍ . . . غُفْلٍ عن الأعلامِ والخضْراءِ فإذا عَبرتَ عن اللّحيّة ضَحْوةً . . . وشمَمْتَ رَوْحَ مُروءةٍ وسَخاءِ ورأيتَ أنْوارَ الإمامةِ من ذُرَا . . . ملِكِ الزمانِ وخاتمِ الكرماءِ فانزلْ بأبْلَجَ من ذُؤابةِ هاشمٍ . . . كاسٍ مَلِيءِ محامدٍ وثَناءِ والْثَمْ يَداً فيها بحورٌ خمسةٌ . . . أغْنَتْ مَواقِعُها عن الأنْواءِ فهناك سِرٌّ للنُّبُوةِ مُضْمَرٌ . . . حامتْ عليه خواطرُ العُلماءِ شرفَ الهدى يهَنْيك أنك سابقٌ . . . فَرْدٌ عن الأشْباهِ والنُّظَراءِ ما زلتَ في دَرَجِ المحامدِ راقياً . . . مُتوقِّل الهَضَباتِ في العَلْياءِ بالأمسِ في الأُمَرَا وأنت اليومَ في ال . . . علما وأنتَ غداً من الخُلَفاءِ أشكُو إليك أبِي وذاك أخُو التقى . . . لكنه غَمٌّ على الأبْناءِ وخَصاصةً بجوانِحي من كَرْبِها . . . ما لم تسَعْه جوانحُ الدَّهْناءِ وصروفَ أيامٍ أقَمْنَ قِيامتِي . . . بنوَى الخَلِيطِ وفُرقةِ القُرَناءِ وجفاءَ مَوْلىً كنتُ أحسَب أنَّه . . . عَوْنِي على السَّراءِ والضَّراءِ ثَبْتُ العزيمةِ في العُقوقِ ووُدُّه . . . مُتنقِّلٌ كتنقُّلِ الأفْياءِ(3/273)
"""""" صفحة رقم 274 """"""
يُقْفِي المَسرَّة فَرْحةً ويُسِرُّ في . . . ذَيْلِ المَبرَّةِ منه غَوْلَ جَفاءِ وخُلاصَةُ الأخبارِ عنه أنه . . . مُتلَوِّنٌ كتلَوُّنِ الحِرْباءِ أخْدمْتُه نفْسِي النفيسةَ باذلاً . . . نُصْحِي له في شِدةٍ ورخاءِ وكتبتُ عنه رسائلاً شهِد الورى . . . بمَكانِ شِدَّتها على الأعداءِ ومدحْتُه بقصائدٍ زادتْ بها . . . عَلْياه حُسْن صَباحةٍ وبَهاءِ ولو انَّها في الدهرِ سالمَ أهْلَهُ . . . مِن حَرْبِه وحَنَا على الفُضَلاءِ وإلى أبي وله السَّلامَةُ يلْتقِي . . . سَوْقُ العِتابِ فمنه أصلُ بَلائِي مال الزمانُ عليَّ حتى زادنِي . . . بجَفائِه غَمّاً على غَمَّائِي لو كان سائِليَ الصَّغارَ وقاصدِي . . . بالخَسْفِ غيرَ أبي رأيت إبائِي لكنَّه وله الكرامةُ مَن أتَى . . . نَصُّ النَّبيِّ بحقِّه والآئِي فلأَصْبِرنَّ ولا أقُول له قِلىً . . . قَدْكَ اتَّئِبْ أرْبَيْتَ في الغُلواءِ هذا وحاصلُ ما أُكابِدُ أنني . . . قد ذُبْتُ غيرَ حُشاشةٍ وذَماءِ ولقد وَهَى جَلَدِي وعِيلَ تصبُّرِي . . . ما بين حَرِّ هَوىً وحَرِّ هواءِ هل عَطْفةٌ أو لَفْتةٌ حَسنِيَّةٌ . . . تُورِي زِنَادَ مَسَّرتِي ورُوائِي وتُحِلُّني في عَقْوةٍ مَلكيَّةٍ . . . منها أحُلُّ مَراتبَ الخُلَصاءِ فأجابه والده بقوله ، مع تمثله بقول المتنبي ، وغيره من الشعراء : جاءتْ تمِيسُ كغادةٍ حسناءِ . . . تخْتالُ بين غَلائلٍ وحُلاءِ منظومةً قد كُلِّلتْ بجواهرٍ . . . تُزْرِي بحُسْنِ كواكِب الجَوْزاءِ فَضَّ الغلامُ خِتامَها فتنفَّستْ . . . كتنفُّسِ الأزهارِ غِبَّ سَماءِ فكأنها من رِقَّةٍ وطَلاوةٍ . . . تِمثالُ نُورٍ في أدِيمِ هَواءِ وكأنها لِعُذوبةٍ في لَفْظِها . . . يُضْطَرُّ سامعُها إلى الإصْغاءِ شهدتْ لِمُنْشِئِها بحُسْنِ تصرُّفٍ . . . في الوصفِ والتَّشْبيبِ والإِنْشاءِ للّهِ دَرُّك يا محمدُ من فتىً . . . أرْبَى على النُّجَباءِ والأُدَباءِ فَلأنتَ سَحْبانُ البلاغةِ ناثراً . . . ولأنتَ في الشعرا حَبِيبُ الطَّائِي وإليك سِتَّةَ أذْرُعٍ مجموعُها . . . جِيمٌ وواوٌ مُعْقَبانِ بِخاءِ وجوابَ والدِك الشَّفيقِ كما ترى . . . مُتمثِّلاً برقائقِ الشُّعراءِ أعْزِرْ عليَّ بفُرْقةِ القُرباءِ . . . وتَعَتُّبِ الأبْنا على الآباءِ فتفرُّقُ البُعَداءِ بعد مَودَّةٍ . . . صعبٌ فكيف تفرُّقُ القُرَباءِ(3/274)
"""""" صفحة رقم 275 """"""
أمَّا أنا فأقولُ حاشَا للعُلَى . . . ما حُلْتُ عن أُكْرومَتِي ووَفائِي ومَوَدَّةٍ أخْلصْتُها لك طَاقتِي . . . في موضعِ الإِخلاصِ من سَوْدائِي فلقد كوَى كَبِدِي الجوَى وجوانِحي . . . واغْتالَ حُسْنَ عَزائمي وعَزائِي وسلبْتني ثوبَ التحمُّلِ والأسَى . . . وكسَوْتنِي ثوبَيْ أسىً وعَناءِ كم زَفْرةٍ ضَعُفتْ فصارتْ أنَّةً . . . تمَّمْتُها بتنفُّسِ الصُّعَداءِ وجرى الزمانُ على عوائدِ كَيْدِهِ . . . من قلبِ آمالِي وعكْسِ رَجائِي قُلْ للبَخِيلةِ إنَّ وجهكِ جَنَّةٌ . . . يا مَنْ رأَى الجنَّاتِ للبُخَلاءِ طلع البشيرُ بأطْيبِ الأنْباءِ . . . بُشْرايَ إن العامَ عامُ لِقاءِ وَعَدَتْ سعادُ بأن تزورَك فارْتقِبْ . . . بُعْدَ السُّعاةِ وغَيْبةَ الرُّقَباءِ إن صحَّ ذاك ومَن بذاك فقد غدتْ . . . رُؤْيايَ حَقّاً واستُجِيبَ دُعائِي ماذا عليك إذا اكتسبْتَ مَبَرَّةً . . . تُجْزَى بها في الخُلْدِ خيرَ جَزاءِ ورَحِمْتَ ضَعْفَ جوارحي وقُوائِي . . . فحملتَ بعضَ الثُّقْلِ مِن أعْبائِي ووَصلْتنِي ممَّا لديْك ببَدْرةٍ . . . مَعْدودةٍ من فِضَّةٍ بَيْضاءِ إن الأبَرَّ من البَنينَ يواصلُ الْ . . . إحسانَ مُغتنِماً جَزِيلَ ثناءِ واسمعْ للقول ابن الحُسَين ويا لَه . . . مِن شاعرٍ أرْبَى على الحكماءِ لأَبٌ قَطوعٌ جَافِيٌ مُتجهِّمٌ . . . أحْنَى إذاً من واصلِ الأبْناءِ وله من قصيدة ، مستهلها : لولا اشْتياقي حبيباً قَطُّ ما قَرُبَا . . . لم أُلْفَ صَبّاً ضئيلَ الجسمِ مُكتئِبَا ولا شَجَتْني حمامُ الدَّوْح ساجعةً . . . وهيَّجتْ لِيَ أرْواحُ الصَّبا طَرَبَا ولا أرِقْتُ لبَرْقٍ لاح مُبتسِماً . . . يحْدُو ليَ الجِزْعَ سُحْباً بَات مُنْتحِبَا ولا رضيتُ سؤالَ الظُّعْنِ لِي خلفاً . . . دون الشرِيفيْن أعني العلمَ والأدَبَا ولا سنَنْتَ وُقوفَ الصَّحْب في طَلَل . . . ما كن يطمع قلبي فيه أن يَجِبَا فاعذُرْ عَذُولِي ولا تُنْكرْ ضَنَى جسَدِي . . . وخَلِّ لَوْمي وحَمْلِي في الهوى التَّعَبَا ماذا أغاظك من شَجْوِي ومن قَلَقِي . . . ومن نُحولِي ورَعْيي في الدُّجَى الشُهُبَا إن العذاب لَعَذْبٌ في الغرام وما . . . غدا لِيَ الصَّابُ إلا في الهوَى ضَرَبَا في ذِمَّةِ اللّهِ عينٌ ظَلَّ مَدْمَعُها . . . وخاطِرٌ راح في حُبِّ الحِسانِ هَبَا ما بين جَفْنِي وبين النومِ فاصِلةٌ . . . لم تُبْقِ للطيْفِ في أجْزَا الكَرَى سَبَبَا تاللّهِ ما عَنَّ ذِكْر السفْحِ من إضَمٍ . . . إلا ركبتُ من الأشواقِ ما صَعُبَا يا رَبْعَ سَلْمَى سلِمتَ المَحْلَ ما سلِمتْ . . . ولا عَداك من الأنْواءِ ما عَذُبَا(3/275)
"""""" صفحة رقم 276 """"""
ما بالُ مَمْنوعِ حُزْنِي فيه مُنْصرِفاً . . . وما لمخْفوضِ عَيْشِي فيك مُنْتصِبَا إن لم يُفِدْ ماءُ عيني فيك مُطَّرِداً . . . فالقلبُ ما زال إلاَّ عنك مُنْقلِبَا سَقْياً لأوْقاتك اللاتِي قَضيْتُ بها . . . من الحبيبِ ومن شَرْخِ الصِّبا الأرَبَا أيامَ لا كاشحٌ تُخْشَى غَوائلُه . . . ولا عَذولٌ نُدارِيه إذا عَتَبَا وأهْيفِ القَدِّ عَبْلِ الرِّدْفِ مُقْتَبِلٍ . . . ما ماسَ إلاَّ ذكرتُ الْبانَ والكُثُبَا يجُول ماءُ الصِّبا في صَحْنِ وَجْنتِه . . . ويسْتحيلُ إذا حدَّثْتَه لَهَبَا حُلْوِ الفُكاهةِ إلاَّ أن مَطْعَمَه . . . مُرٌّ إذا ما ثَنَى أعْطافَه غَضَبَا أدْنُو ويُبْعِدُه دَلُّ الشبابِ جَفا . . . فكُلّما قلتُ قد جَدَّ الهوى لَعِبَا كم صِحْتُ من طَرْفِه الفَتاك وَاحَرَابي . . . لو كان ينْفع قولُ الصَّبِّ وَاحَرَبَا قد صَدَّني عن نَسِيبٍ فيه أنْظِمُه . . . مَديِحُ مَن طاب في هذا الورى نَسَبَا
الحسين بن علي الوادي
هو في الفضل صاحب مزايا بوادي ، وأما في الأدب فإن شئت عده من عذبات وادي . يجاذبه نسيم اللطف من هنا وهنا ، وإذا ساقط فلا يساقط إلا رطباً جنى . وقد أثبت من شعره ما يحرك العذب ، ولم يسمعه صبٌّ إلا وإليه انجذب . فمنه قوله : نسيمَ الصَّبا في سُوحِنَا يتبخْتَرُ . . . لك اللّهُ ما هذا الأرِيجُ المُعَنْبَرُ أأنت رسولٌ يا نسيمَ الصَّبا وعن . . . حُلولِ الحِمَى أم أنت عنهم مُبَشِّرُ فهمتُ الذي أودَعْته غيرَ أنني . . . أُحِبُّ حديثاً منهمُ يتكرَّرُ لِما ألِفَتْه النفسُ منهم وعُوِّدتْ . . . وإلاّ فعِلْمُ الغَيْبِ لا يُتقدَّرُ فكَرِّرْ على سَمْعِي أحاديثَ ذِكْرِهمْ . . . عسى تَنْطفِي نارٌ بقلبي تسَعَّرُ همُ اسْتَصحبُوك السِرَّ بيني وبينهم . . . لأنك أبْدَى بالجميلِ وأبْدَرُ ومِثْلِي هداك اللّهُ يا سارِيَ الصَّبَا . . . يُسِرُّك والمعروفُ أجْدَى وأجْدَرُ(3/276)
"""""" صفحة رقم 277 """"""
وأبْلجَ أمَّا الخدُّ منه فأحمرٌ . . . وأمَّا قَوامُ القَدِّ منه فأسْمَرُ وأمَّا ثَنايا ثَغْرِه حين يُجْتلَى . . . فكأسُ جُمانٍ فيه خمرٌ وكَوْثَرُ يُغازِلُ عن عَيْنَيْ مَهاةٍ وشَادِنٍ . . . يُلاحِظُنا منها سِهامٌ وأبْتَرُ هي البِيضٌ إلاَّ أنها حَنْدَسِيَّةٌ . . . هي النَّبْلُ إلاّ أنها تتكسَّرُ هي السِّحرُ إلاَّ أن فيها خَصائصاً . . . بها عالِمُ السِّحر الصِّناعِيّ يُسْحَرُ وفي خدِّه خالٌ يقولون إنه . . . بِلالٌ له في جامعِ الحُسْنِ مِنْبَرُ بلَى ذلك الخالُ الصَّرِيحُ إشارةٌ . . . عديمةُ مِثْلٍ لا بِلالٌ وعَنْبَرُ شكوتُ له من فَتْرةٍ في جُفونِه . . . لِشِدَّةِ ما ألْقَى بها حين تفْتُرُ وما أنا فيه من هوىً وصَبابةٍ . . . تبِيتُ بها الأحشاءُ تُطْوَى وتُنْشَرُ فأفْصَح عن لفظٍ توهَّمْتُ أنه . . . جُمانٌ من الثّغْرِ الجُمانِيِّ يَبْهَرُ وقال نعم هذا لعَيْنِيَ مَذهبٌ . . . وفِتْنةُ نفسِ المرءِ شيءٌ مُقدَّرُ برُوحِيَ أفْدِي جائِرَ اللّفظِ قَدُّه . . . تحقّق فينا عَدلُه حين يخْطِرُ ألا إن عَدْلَ القَدِّ أكبرُ شاهدٍ . . . عليك بجَوْرِ الحُكمِ واللّهُ أكبرُ ورِقّةَ هذا الجسمِ منك بأنّني . . . رقيقُ هوىً والشيءُ بالشّيء يُذْكَرُ فللهِ أزمانٌ تواصَل يومُها . . . بلَيْلتها والعمرُ كالعَيْشِ أخضرُ وليلٌ عهِدناهُ وإن كان أسوداً . . . كشَعرِ الصِّبا يشكُو سَواداً فيُشْكَرُ وأحبابُ قلبٍ لي إلاّ همُ المُنَى . . . صَفاءُ ودادِي فيهمُ لا يُكَّدرُ دلائلُ عِشْقِي في هواهم صريحةٌ . . . ومعرفتي في حُبِّهم ليس تُنْكَرُ ربِحْتُ هَواهمْ في زمانِ شَبِيبتي . . . وشِبْتُ فلن أرْضَى بأنِّيَ أخْسَرُ فلا تُنْكرِوا أن أرْسَلَ الجَفْنُ دَمْعَه . . . وقد جاء في رأسي من الشّيْبِ مُنْذِرُ ويعقوبُ أحْزانِي ويوسُف فِتْنتِي . . . وصالحُ أعمالِي عَسانِيَ أُوجَرُ خليليَّ عَهْدُ اللّهِ إن جُزْتُما الحِمَى . . . وعاينْتُما قلبي ببَيْداه يَجْأرُ فدُلاّ عليه جِيرةَ الحَيِّ واذْكُرَا . . . لهم من حديث الصَّبِّ ما يتيسَّرُ
عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن مسعود الحوالي
مشعشع سلافٍ في دنان ، وواصف جؤذر وغصنٍ فينان . بألفاظٍ ملؤها تطرية ، ومعانٍ كلها عن الحسن تورية .(3/277)
"""""" صفحة رقم 278 """"""
إلى طبعٍ يفيض فيه الغمام ، وشعر كما بدت الزهرة من الأكمام . فدونك منه ما هو أشهى من ثغرٍ مبتسم ، وأبهى من خطٍ في صفحة خدٍ مرتسم . فمنه قوله : عن سُعادٍ وحاجِرٍ حَدِّثانِي . . . ودَعانِي من المَلامِ دَعانِي واذْكُرَا بُرْهةً من الدهرِ مَرَّتْ . . . كنتُ أُدْعَى فيها صَرِيعَ الغَوانِي أنا لا أكْتفي بنَأْيِ رِئامٍ . . . والرُّبوع الرِّحاب من نَعمْانِ قد سقَتْنِي بكأسِها من مُدامٍ . . . هيَّم القلبَ لَوْنُها الأُرْجُوانِي عُتِّقتْ في الدِّنان من عهد كِسْرَى . . . فهيْ تُنْمَى إلى أنُوشِرْوانِ بَهرتْ في الصِّفاتِ حَمْراءَ صَفْرا . . . ءَ سُرورَ القلوبِ والأبْدانِ يا عَذُولِي ولستُ للعَذْلِ أُصْغِي . . . غيرَ قلبي يهُمُّ بالسُّلْوانِ ولَوَ انِّي رُزِقْتُ حَظّاً لما صِرْ . . . تُ أُعانِي من الهوى ما أُعانِي ولآثرْتُ حاجةً في فؤادِي . . . صُنْتُها عن فُلانةٍ وفُلانِ وقوله في رباعية : يا جُودَ حَياً على الجِنانِ الغَرْبِي . . . قد أنْعَمه بواكِفاتِ السُّحْبِ أحْيَيْتَ الأرضَ في رُباهُ فمتى . . . يَحْيَا بالوصلِ من حبيبي قَلْبِي
أحمد بن سعد الدين بن الحسين بن محمد المسوري
فتى إنابةٍ وعفاف ، وله احتفافٌ بالفضائل والتفاف . وكانت دولة القاسم زاهيةً بطلعته ، يتكلم في غرضٍ فتتحدر سيول البراعة من تلعته . وله في الأدب مقدار يتوسع فيه الشاكر ، ويتفسح فيه الواصف والذاكر .(3/278)
"""""" صفحة رقم 279 """"""
ينظم بأقلامه ، منثور الآثار من كلامه . وينسج بعباراته ، وشايع مخاطباته ومحاوراته . فمن بدائعه ، ما أجاب به الأمير الشريف الحسين بن أحمد الخواجى ، صاحب صبيا ، وقد كتب إليه كتابا ، وأصحبه هدية : وصل الكتاب الذي هو جواب جوابي عليكم ، مشتملاً على وجوهٍ من الخطاب ، صيرت ما كان سبق مني من الإحسان بإجابة الكتاب الأول ذنباً ، وما كنت أحسبه حمداً عند الله وعند خيار عباده سباً ؛ إذ لم يقع مني ما صدر من البشير السابق لمن وصل الحضرة الإمامية من إخوانكم الشرفا ، ثم جوابي عليكم في كتابكم الذي ابتدأ المولى به إلا رعايةً لحق رسول الله e ؛ إذ كنتم وأولئك الجماعة من أهل بيته ، وممن ينسب إلى ذريته ، ثم صيانةً لعرض مولانا أمير المؤمنين ، ومحبة في أن يكون من في حضرته الكريمة من المكرمين ، كما جاء في الحديث النبوي : ' المؤمن إلفٌ مألوفٌ ' . وكنت أظنكم رعاكم الله وأولئك الجماعة ، ممن له في خوف الله نصيب ، وممن قد أقلع عما يوجب البعد من القريب المجيب ، وممن دعواه صادقةٌ ، وأنه لا يريد إلا الله ، ولا يسعى إلا في طاعته وتقواه ؛ فخدعتموني في الله فانخدعت ، ولو أخذت بالحزم الذي هو سوء الظن لما أبعدت ، فحملتم تلك الحالة على ما زهدني والله وغيري من المؤمنين فيكم ، ونبهني على الحذر والريب في كل ما يصدر من قولٍ أو فعلٍ عنكم ؛ إذا أحللتموني محلاً لست من أهله . وكتبتم إلي بتصدير هديتكم ، المردودة إليكم غير مشكورةٍ ولا محمودة ، ولم ترها والحمد لله عيني ، ولا لمستها والمنة لله علي يدي ، أردتم خديعتي عن ديني ، والتوصل بها إلى ما تريدون من أغراض الأهواء وإن أهلكني . وأكون كما قيل : بِتُّ كأنِّي ذُبالةٌ نُصِبَتْ . . . تُضِيءُ للناسِ وهْي تحترقُ ومعاذ الله أن أكون ممن يبيع دينه بكل الدنيا ، فضلاً عن عرضٍ منها هو أقل وأدنى ، وأن يحبط أعماله ، ويبطلها ، بإماطة الأوساخ عن الناس ل ' قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين ' . وكيف إن بقي شيءٌ من المعقول آمر الناس بالبر وأنسى نفسي ، وأتصدر لإمام الحق في إنشاء مواعظ يخطب بها على المنابر لنصيحة الخلق وأخونها ، وهي أعز الأنفس عندي .(3/279)
"""""" صفحة رقم 280 """"""
على أني والمنة لله علي من فضل ربي ، وفضل إمامي في خيرٍ واسع ، ورزقٍ جامع ، وأملٍ في كل بلاغ راتع . ثم إنه لا يسلك أحدٌ طريقةً إلا وله فيها سلف يقتدي بهم بعد رسول الله e . فأولهم أمير المؤمنين علي ، كرم الله وجهه ، وهو يقول في خطبة له : والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا ، أو أجر في الأغلال مصفداً ، أحب إلي من أن ألقى الله تعالى ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد ، أو غاصباً لشيء من الحطام . وكيف أظلم أحداً لنفسٍ يسرع إلى البلى قفولها ، ويطول في الثرى حلولها . والله لقد رأيت أخي عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعاً ، ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غبر الألوان من فقرهم ، كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكدا ، وكرر علي القول مرددا ، فأصغيت إليه سمعي ، فظن أني أبيعه ديني ، وأتبع قياده مفارقاً طريقي ، فأحميت له حديدةً ، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنفٍ من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها . فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدةٍ أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني إلى نارٍ أضرمها جبارها لغضبه ؟ أتئن من الأذى ، ولا أئن من لظى ؟ وأعجب من هذا طارقٌ طرقنا بملفوفةٍ في وعائها ، ومعجونةٍ شنئها كما عجنت بريق حيةٍ أو قيئها . فقلت : أصلةٌ ، أم زكاةٌ وصدقة ؟ فذلك محرم علينا . أهل البيت . قال : لا ذا ولا ذاك ، ولكنها هدية . فقلت : هبلتك الهبول ، أعن دين الله أتيتني لتخدعني أمختبط ، أم ذو جنة ، أم تهجر ، والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرةٍ ما فعلته ، وإن دنياكم هذه لأهون من ورقةٍ في فم جرادةٍ تقضمها ، ما لعليٍ ونعيمٍ يفنى ، ولذةٍ لا تبقى ، نعوذ بالله من سبات العقل ، وقبح الزلل ، وبه نستعين . وأقر أئمتي إمام عصري بعد والده أمير المؤمنين القاسم بن محمد بن علي رضوان الله عليهم ، وهما من علم الخاص والعام سلوكهما تلك الطريق ، وتمسكهما بذلك الحبل على التحقيق . ورفضهما الدنيا بعد ملك المشرق والمغرب ، ورضاهما منها بأدناها مع نفوذ أمرهما في العرب والعجم ، والبعد والقرب . والشمسُ إن تخْفَى على ذي مُقْلةٍ . . . نصفَ النهار فذاك تحقيقُ العَمَى(3/280)
"""""" صفحة رقم 281 """"""
وأما آبائي الذين أنتسب إليهم ، فأدناهم أبي الذي ولدني كان ، والله ، كما ورد في الحديث النبوي : يغضب لمحارم الله كما يغضب الجمل إذا هيج ، لا تأخذه في الله لومة لائم . وكما قال الأول : القائلُ الصدقَ فيه ما يضُرُّ به . . . والواحدُ الحالتين السر والعَلَن ثم أخوه عمي الذي أدبني ، كان كما قال أمير المؤمنين عليٌّ كرم الله وجهه في صفة المؤمن : بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه . أوسع شيءٍ صدراً ، وأذل شيءٍ نفساً . يكره الرفعة ، ويشنأ السمعة . طويلٌ غمه ، بعيد همه . كثيرٌ صمته ، مشغولٌ وقته . شكور ، صبور . مغمورٌ بفكرته ، ضنين بخلته . سهل الخليقة ، لين العريكة . نفسه أصلب من الصلد ، وهو أذل من العبد . ثم أبوهما جدي سلمان أهل البيت ، الذي لا نعلم أن إماماً من الأئمة مدح غيره بذلك ، فقال الإمام شرف الدين لولده شمس الدين : جاءكم سَلْمانُ بَيْتِي . . . فاعرِفَنْ يا شمسُ حَقَّهْ وبرَجْواك فحقِّقْ . . . وببِشْرٍ فتَلقَّهْ وأنا ، بحمد الله ، لم أعرف غير سبيلهم ، ولا ربيت إلا في حجورهم . وإني والناس لكما قال عمر بن عبد العزيز ، رضي الله تعالى عنه : يقولون لي فيك انْقِباضٌ وإنما . . . رأَوا رجلاً عن موقفِ الذُّلِّ أحْجَمَا أرَى الناسَ مَن داناهمُ هان عندَهمْ . . . ومن أكرَمتْه عِزَّةُ النَّفسِ أُكْرِمَا ولم أقْضِ حَقَّ العلمِ إن كنتُ كلما . . . بَدَا طَمَعٌ صَيَّرتُه لِيَ سُلَّمَا وما كُلُّ بَرْقٍ لاح لي يسْتفزُّنِي . . . ولا كلُّ مَن في الأرضِ ألقاه مُنْعِمَا إذا قيل هذا مَشْرَبٌ قلتُ قد أرَى . . . ولكنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تحتمِلُ الظَّمَا ولم أبْتذِلْ في خدمةِ العلمِ مُهْجَتِي . . . لأخدُم مَن لاقيْتُ إلاَّ لأُخْدَمَا أأشْقَى به غَرْساً وأجْنِيه ذِلَّةً . . . إذاً فاتِّباعُ الجهلِ قد كان أسْلَمَا ولو أنَّ أهلَ العلمِ صَانُوه صانَهُمْ . . . ولو عظَّموه في النفوسِ لَعُظِّمَا(3/281)
"""""" صفحة رقم 282 """"""
ولكنْ أهانُوه فهَان ودَنَّسُوا . . . مُحَيَّاه بالأطْماعِ حتى تجهَّمَا اللهم إني لا أقول ذلك افتخاراً على غيري ، ولا تزكيةً لنفسي ، ولكن لما شرعته من تجنب مواقف التهم . وأنا مع ذلك معترف بأني أحقر من أن أذكر ، وأهون من قلامة الظفر ، ولكن مظلومٌ رفعت ظلامتي إليك . وكما قال زين العابدين ، عليه السلام : يا من لا تخفى عليه أنباء المتظلمة ، ويا من لا يحتاج في قصصهم إلى شهادة الشاهدين ، ويا من قربت نصرته من المظلومين ويا من بعد عونه عن الظالمين ، قد علمت يا إلهي ما نالني من فلان . إلى آخر ما ذكره في الدعاء . وحسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرشي العظيم . هذا ، ولولا تحريج أمير المؤمنين ، بعد الشكوى عليه ، في إعادة الجواب لما توجه مني بعد ذلك خطاب . وهذا بيني وبينكم آخر الكتاب .
علي بن محمد بن أبي بكر الحكمي
من بني مطير الذرية المختارة ، والكواكب الدرية السيارة . مسكنهم بلد عبس من أعمال كوكبان ، ولهم بها الشهرة التي حظها الأوفر قرى الركبان . وعلى هذا علمهم الذي تشير إليه الأصابع ، وتبتهج به على الأفلاك العلوية المرابع . له مقدارٌ خطير ، وأدب كأنه روضٌ مطير . وقد وقفت له على نبوية ، فقلت هذه علية علوية . وها هي كالخود تلوح ، ومن أردانها مسك دارين يفوح :(3/282)
"""""" صفحة رقم 283 """"""
مُتَيَّمٌ إن سرتْ رِيحُ الشَّآمِ صَبَا . . . ومُسْتَهامٌ إذا مَرَّتْ عليه صَبَا وذُو شُجُونٍ وما غنَّتْ مُطوَّقَةٌ . . . تبْكِي على الإلْفِ إلا دمعُه سَكَبَا يبكِي ويندُب لو فَيَّاضُ أدْمُعِه . . . من جُودِه جاد يوماً طَوْقَها سُلِبَا وإن تذكَّر أيَّاماً له سلَفتْ . . . مع الأحِبَّةِ في أوطانِهم جُذِبَا روَى الرَّبيعُ مَغانِيهم ومَرْبَعَهم . . . وعمَّم الغَيْثُ منها السَّهْلَ والجَدَبَا وأزْهَرَ الروضُ منها والحَمامُ غَدَتْ . . . مُغَرِّداتٍ عليه تمْتَطي العَذَبَا وكلَّما رامَ يبْغِي نَحْوَهم طُرُقاً . . . يعْمَى السبيلُ عليه أيْنَما ذَهَبَا سُبْحان من نفَذتْ فينا مَشِيئَتُه . . . فما يُسَهِّلْ له يَسْهُلْ وما صَعُبَا ما زلتُ أقْرعُ أبوابَ الرَّجا ورَجَا . . . نفسِي تفوزُ بجُودٍ شامِلٍ وحِبَا وعمَّنِي اللّهُ بالإحسانِ مَرْحمةً . . . فضْلاً من اللّهِ لا فَرْضاً ولا سَبَبَا وإن تغلَّقتِ الأبوابُ عن أمَلِي . . . قصَدتُ جاهَ الذي فاقَ الورَى رُتَبَا فهْو الذي ملأَ الأكْوانَ أجْمَعَها . . . نُوراً وفتَّح فينا الشَّخْصَ والحِقَبَا يا مَن عَلاَ فوق مَتْنٍ للبُراقِ ويا . . . خيرَ الخلائقِ قاصِيهمْ ومَن قَرُبَا منها : وكم مَعاجِزَ لا تُحْصَى بُعِثْتَ بها . . . عنها نُجُومُ المَعالِي ضُمِّنَتْ كُتُبَا يا سيِّدَ الخلقِ يا مِفْتاحَ يومِ غَدٍ . . . تُولِي الشَّفاعةَ يومَ الحشْرِ إذ صَعُبَا أنت الذي يوم بَعْثِ الخَلْقِ شافِعُنا . . . سَبْقاً إذْ أُلْزِمُوا رَهَبَا
عبد القادر بن محمد بن الحسين الذماري الهراني
فردٌ في سرعة البادرة ، وحيد في جودة النادرة . يطرب بكلماته ، ولا طرب الموسيقى بنغماته . ويسحر بألفاظه ، ولا سحر الرشأ الأغن بألحاظه . وقد ذكرت له ما هو أرق من ماء البارق ، وألطف من طيف الحبيب الطارق . فمنه ما كتبه لبعض الأئمة ، وهو قوله : يا حبَّذا الليلةُ مرَّتْ لَنا . . . في هَجْرَةِ الشُّمِّ بني عُقْبَهْ رَعْياً لها من بلدةٍ ما لها . . . مِثلٌ لها في هذه الغُرْبَهْ وحَبَّذَا الأدِيمُ من بلدةٍ . . . صحيحةِ الأهْواءِ والتُّرْبَهْ وَاهاً لها واهاً لها إنَّها . . . من جَنَّةِ الخُلْد لها نِسْبَهْ(3/283)
"""""" صفحة رقم 284 """"""
قُصورُها حُفَّتْ بجَنَّاتِها . . . تجْرِي بها أنهارُها العَذْبَهْ وجَوُّها مُنْخَرِقٌ واسعٌ . . . للقلبِ في السُّكْنَى بها رَغْبَهْ طابتْ بها أنفُسُنا فانْجَلتْ . . . عنها غَمامُ الغَمِّ والكُرْبَهْ خَيَّم فيها عُصْبَةٌ دَأْبُهم . . . أن يُكْرِموا الأضْياف في الغُرْبَهْ سَقى فرَوَّى صَيِّبٌ هاطِلٌ . . . مِن الْحَيا أفْياءَها الرَّحْبَهْ فيا أميرَ المؤمنين الذي . . . له سَمَتْ فوق السُّها الرُّتْبَهْ إِيذَنْ لنا باللُّبْثِ يوميْن في . . . أوطانِهم أيَّتُها العُصْبَهْ وابْسُطْ لنا العُذْرَ وإن لم يكنْ . . . فِراقُكم من مُقتضَى الصُّحْبَهْ لا زال مَلْكُ العصرِ في نعمةٍ . . . ولا رأَى في دَهْرِه نَكْبَهْ سلامٌ ساطعٌ نوره ، متضاحك نوره . أعذب من بارد سلسل الأنهار ، وأطيب من رشف سلاف أفواه الأبكار . وأعبق من شميم الزهور الندية ، وألذ من تقبيل خدود الخرائد الوردية . ورحمة الله المنفجرة عيونها ، المثمرة شئونها . وبركاته الواسعة الأفياء ، الكافلة ببلوغ المنى على مولانا أمير المؤمنين ، الهادي إلى الحق المبين . أما بعد ؛ فإنا لما سرنا من المخيم المنصور ، والمقام المحجوج المزور . وصلنا إلى هجرةٍ لا يحيط بوصفها المقال ، ولا يبلغ إلى كنهها تصور الخيال . جمعت غرائب العجائب وعجائب الغرائب ، وأبعدت عن المساوىء والشوائب ، وحميت عن سطوات المحن والنوائب . رياضها مفترة ، وغياضها مخضرة . وأنهارها متدفقة ، وأحوالها منتظمةٌ متسقة . طيبة المثوى والمستقر ، أنيقة المرأى والمنظر . فهي تنشد بلسان حالها مطربة ، متبجحة ببديع مقالها معجبة : أنا خيرُ الأرضِ مالِي . . . شِعْبُ بَوَّانٍ يُدَانِي لا ولا الغُوطَةُ مثلِي . . . أنا من بعضِ الجِنَانِ فعُيوني جارياتٌ . . . كلَّ حِينٍ وأوانِ وقُطوفِي دانِياتٌ . . . يجْتنيها كلَّ جَانِ جانِبي أضحى مَنِيعاً . . . فحُلولِي في أمانِ(3/284)
"""""" صفحة رقم 285 """"""
كلُّ مَن حَلَّ برَبْعِي . . . فلقد نال الأمانِي نعم ، وحين كانت هذه نعوتها أتحفنا المقام النبوي الإمامي بشرح شيءٍ من تلك الصفات ، وذكر طرفٍ من هاتيك السمات . لما نعرفه من تطلعه أبقاه الله تعالى إلى مثل ذلك ، وإن لم نستطع استقصاء ما هنالك . والمأمول من طوله أيده الله تعالى القبول والاحتمال ، وستر ما يقف عليه من الاختلال . تفضلاً ، وتكرماً وتطولا . وكتب إليه أيضاً ، من شعره ، قوله : يا أيُّها المولَى الذي شَأْوُه . . . في المجدِ أسْمَى من مَدارِ الفَلَكْ أنت الذي مَن يمتثِلْ أمره . . . يُهْدَى ومَن لم يمتثلْهُ هَلَكْ فأغِثْنِي إنِّي مُقِلُّ فقد . . . أعْطاك مَن للأمر ذا أهْلَكْ وأوْفنِي منك الذي أرْتجِي . . . فإنّ ما جَمّلنِي جَمْلَكْ واقْضِ دُيونِي يا مَلاذِي وقُلْ . . . أبْشِرْ سنقضِي عنك ما أثْقَلكْ ولا تَدَعْنِي مُعْدِماً مُقْتِراً . . . وقُلْ سنُعْلِي في الورَى مَنْزِلَكْ وإن يكُنْ ذاك ولي لائقٌ . . . أولا فإنّ الأمْرَ والرَّأْيَ لَكْ
السيد محمد بن عبد القادر المقاطعجي
أحد من نطق فسحر ، ورقت شمائله فكانت صباً تنفست في سحر . تجتلي به العيش في رغده ، وتنتشي وأنت في يومه إذا وعدك بزورةٍ في غده . وله أدبٌ أنضر من الروض في شباب الزمان ، وشعرٌ ألذ من مغالطة الساقي عند الندمان . فمنه قوله : أحْوَى حَوى الرِّقَّ منِّي ثَغْرُه الشّنِبُ . . . ومَبْسَمٌ لاح في جِرْيالهِ الْحَبَبُ حُلْوُ التَثنِّي إذا رِيحُ الصَّبا عطَفتْ . . . مَعاطِفَ القَدِّ منه تخجَلُ القُضُبُ مُهَفْهَفُ القَدِّ مَيَّاسُ القَوامِ إذا . . . ما اهْتزّ كالغُصْنِ لِيناً هَزَّني الطَّرَبُ دَمِي مُباحٌ لِسَيْفٍ من لَواحِظِه . . . إن كان غيرُ هَواهُ للحَشَا أرَبُ(3/285)
"""""" صفحة رقم 286 """"""
منها : لا تعذِلُوني إذا ما هِمْتُ من شَغَفٍ . . . بِمَن سَبانِيَ منكُم أيُّها العَرَبُ قد بان عُذْرُ غرامِي في محبّتِه . . . عَذْل العَذُولِ وشأْني في الهوى عَجَبُ
حيدر بن محمد الرومي
من شعراء العصر المتنوعين في الملاحة والملح ، فإذا تأملت رأيت العالم على لطف خلقه وخلقه اصطلح . له طبعٌ كما حدثت عن العيش الأخضر ، وودٍ كما تذكرت النعيم الأبيض الأخضر . إلى خطٍ كخطوط الغوالي في خدود الغواني ، واشهى من تذكر الليالي الخوالي في الأيام الدواني . وشعرٍ كما زان الصّحابة حَيْدر . . . إذا كان شِعْر الشَّاعِرِين مُعاويهْ فمنه قوله في الزنبق : وزَنْبَقٍ مُجْلَسٍ بين النُّدامِى . . . كشيخٍ حاز لُطْفاً في وَقارِ يُرِيك إذا تلاَ إنَّا فَتحْنَا . . . عَمودَ الفَجْرِ في ضَوءِ النَّهارِ وقوله : أمُعَلِّمَ الأزْهارِ إن خُدودَ مَن . . . عَلَّمته مُغْنٍ عن الأزْهارِ هَلاَّ جعلتَ القلْبَ منزلةً له . . . فالقلبُ خيرُ منازلِ الأحْرارِ وقوله ، في غلام بديعٍ يدعى بتاج : ريمٌ من اللَّحظِ ومِن قَدِّه . . . يُسْبِي بسَحَّارٍ ومَيَّاسِ لو زارني كنتُ مليكَ الورَى . . . وقلتُ يا تاجُ على رَاسِي وقوله ، وعجز كل بيت معكوس كلمات صدره : زارني مَحْبوبُ قلبِي سَحَراً . . . سَحَراً محبوبُ قلبِي زَارَنِي ينْثنِي كالغُصْنِ لِيناً قَدُّه . . . قَدُّه كالغُصْنِ لِيناً ينْثَنِي سَرَّني لمَّا تبدَّى باسِماً . . . باسِماً لمَّا تبدَّى سَرَّنِي خَصَّني من دون غيرِي باللِّقَا . . . باللِّقَا من دون غيرِي خَصَّنِي أعْيُني قَرَّت بِخِلِّي مُذ أتَى . . . مُذ أتى قَرَّتْ بِخِلِّي أعْيُنِي اجْتنِي يا طَرْفُ وَرْدي خَدِّه . . . خَدُّه يا طَرْفُ وَرْدِي اجْتنِي اسْكُنِي يا نفسُ قد زال العَنَا . . . الْعَنا قد زال يا نفْسُ اسْكُنِي(3/286)
"""""" صفحة رقم 287 """"""
عبد الصمد بن عبد الله باكثير
شاعر اليمن ، ونادرة الزمن . ينتهي في النسب إلى كندة ، وهذا النسب كما عرفت تقف الفصاحة عنده . وكان كاتب الإنشاء لملك الشحر ، السلطان عمر بن بدر ، ونديمه الذي سما به قدره على كل قدر . وهو أديبٌ فسيح الخطى ، وشاعرٌ مأمون العثار والخطا . وديوان شعره مشهور ومتداول ، وبأكف الاعتناء والقبول متناول . فمن مختاره قوله من قصيدة ، مستهلها : رَعْياً لأيامٍ تقضَّتْ بالحِمَى . . . فُزْنا بها ووُشاتُنا غُفَلاءُ جاد الزمانُ بها وأسْعفَنا بمَنْ . . . نَهْوَى ولم تشعُر بنا الرُّقَباءُ ومُنادِمِي بَدْرٌ على غصنٍ على . . . حِقْفٍ له قلبِي العَمِيدُ خِباءُ عَذبُ المُقبَّلِ عاطرُ الأنْفاسِ دِرْ . . . ياقُ النفوسِ شِفاهُهُ اللّعساءُ مُتبسِّمٌ عن أشْنَبٍ شَنَبٍ له . . . مهما تبسَّم في الدجى لأْلاَءُ ما مِسْكُ دَارِين بأطْيَب نَكْهةً . . . منه وقد ضاعتْ له رَيَّاءُ عبَر النسيمُ يجرُّ فضلَ رِدائِه . . . فحبْته من كافورِها الأنْداءُ فتعطَّرتْ من طِيبِ فائحِ نَشْرِها . . . أرْواحُنا وسَرَتْ لها السَّرَّاءُ فسقَى الإلهُ مَراتعَ الغِزْلانِ مِن . . . وادِي النَّقَا وهَمَتْ بها الأنْواءُ وتهلَّلتْ برياضِها سُحْبُ الْحَيَا . . . وسَرَتْ عليها دِيمةٌ وَطْفاءُ حتى يراها الطَّرْفُ أبْهَجَ روضةٍ . . . فيروقُه الإصْباحُ والإمْساءُ والطيرُ عاكفةٌ بكلِّ حديقةٍ . . . فكأنها بلُحونِها قُرَّاءُ والروضُ مُبتهِجُ الْحَيَا فكأنما . . . روَّاه من عمر النَّدَى إيماءُ وقوله من أخرى ، أولها : بنَشْرِ وادِي الغَضَا نَشْرُ النسيمِ سَرَى . . . فأفْهَمَ الصَّبَّ عن أهلِ الحمَى خَبَرَا(3/287)
"""""" صفحة رقم 288 """"""
أهْدَى التحيَّةَ من أهلِ الخيامِ إلى . . . حليفِ وَجْدٍ يُقاسِي الوجدَ والسَّهَرَا لكنَّه جَدَّ في وجدِي وأذْكَرَنِي . . . تلك الرُّبوعَ وبانَ الحَيِّ والسَّمُرَا منها : ولِي من العُرْبِ ظَبْيٌ ما رأَى بَصَرِي . . . شِبْهاً له في الورى بَدْواً ولا حَضَرَا كالبدرِ وَجْهاً ونَظْمِ الدُّرِّ مُبتسَماًوالظَّبْيِ جِيداً وغُصْنِ الْبانِ إن خَطَرَا كم ليلةٍ زارني فيها على وَجَلٍ . . . مستوفِزاً خائفاً مستعجِلاً حَذِرَا يمْشِي الهُوَيْنَى حذارَ الكاشِحين وقد . . . أرْخَى السُّتُورَ ظلامُ الليلِ واعْتَكَرَا قبَّلْتُ مَبْسَمَه عَشْراً على عَجَلٍ . . . فقام منِّي إلى التَّوْدِيعِ مُبْتدِرَا فكدتُ أشْرَبُه لَثْماً وأهْصِرُه . . . ضَمّاً وأثْنِي عِناقاً قَدَّه النَّضِرَا وقوله من أخرى ، أولها : هَذِي المَرابعُ والكَثِيبُ الأوْعَسُ . . . وظِبَا الخِيامِ الآنِساتُ الكُنَّسُ قِفْ بي عليها ساعةً فلعلَّ أنْ . . . يبْدُو لِيَ الخِشْفُ الأغَنُّ الألْعَسُ فلَطَالَما عِفْتُ الكرَى عن ناظرِي . . . شوقاً إليه ومَدْمَعِي يتبَجَّسُ ينْهَلُّ سَحّاً مِثلَ مُنْهمِر الْحَيَا . . . فوق المَحاجرِ مُطْلَقاً لا يُحْبَسُ وأغَنَّ ناعِسُ طَرْفِه سلَب الكرى . . . عَنّي فطَرْفِي ساهرٌ لا ينْعَسُ أشْتاقُه ما لاح صُبْحٌ مُسْفِرٌ . . . في أُفْقِه أو جَنَّ ليلٌ حِنْدِسُ يا عاذلِي دَعْنِي وشَأْنِي إنَّ لي . . . قلباً بغيرِ الحُبِّ لا يَسْتأنِسُ لك قُدرةٌ أن لا تلومَ وليس لي . . . صَبْرٌ به دون الورَى أتَلبَّسُ كيف السُّلُوُّ عن الأحِبَّةِ بعدما . . . دارتْ عَلَيَّ من الصَّبابةِ أكْؤُسُ نقل الصَّبا نَشْرَ الحبيبِ وحبَّذا . . . نَشْرٌ به رِيحُ الصَّبا يتنفَّسُ آهاً ولا يجْزِي التَّأوُّهُ والأسَى . . . فالصبرُ أجْملُ والتجمُّلُ أكْيَسُ وقوله : عاذِلِي في الغرامِ مَهْلاً فقلبِي . . . حَمَّلْته الأحبابُ ما لا يُطِيقُ كيف يُصْغِي إلى اللوائم صَبٌّ . . . في حَشاهُ من الفِراقِ حَرِيقُ سلَبْته اللَّواحِظُ البابِلِيَّا . . . تُ وأوْدَى به القَوامُ الرَّشِيقُ وسَباه أغَنُّ أحْوَى رَداحٌ . . . يُسْنِد العِشْقَ حُسْنُه المَعْشوقُ قد كَفاهُ عن المُهَنَّدِ لَحْظٌ . . . وعن الرُّمْحِ قَدُّه المَمْشوقُ رَوْضُ خَدَّيْه جَنَّةٌ لاح فيها . . . جُلَّنارٌ وسَوْسَنٌ وشَقِيقُ(3/288)
"""""" صفحة رقم 289 """"""
وله مَبْسَمٌ يُضِيءُ سَناهُ . . . عن شَتِيتٍ حَكاه دُرٌّ نَسِيقُ ظَلْمُه في لَماه شُهْدٌ مُذابٌ . . . في سُلافٍ رَيَّاهُ مِسْكٌ فَتِيقُ خَصْرُه يشْتكِي من الرِّدْفِ فاعْجَبْ . . . كيف يَقْوَى عليه وهْو رَقِيقُ وقوله من قصيدة ، مطلعها : جَاد وَبْلُ الغَمامِ شِيحاً وضَالاَ . . . ورِياضاً بالسَّفْحِ مَدَّتْ ظِلالاَ لا جَفاها الْحَيَا فلِي ثَمَّ رَبْعٌ . . . لم أزَلْ مُكْثِراً عليه السُّؤالاَ تسْحبُ الغِيدُ في رُباه ذُيولاً . . . تتَهادَى من النَّعِيمِ اخْتِيالا ورَشِيقِ القَوامِ ما ماسَ إلاَّ . . . أخْجَلَ الغُصْنَ قَامةً واعْتِدالاَ ما تثَنَّى إلاَّ ثَنَى كلَّ قلبٍ . . . نَحْوَه تابِعاً إذا مالَ مَالاَ صاد قلبي لمَّا تصدَّى لِقَتْلِي . . . بِلِحاظٍ يَريشُ منها النِّبالاَ لَوْعَتِي في هَواه أذْكَتْ غَراماً . . . وأعادتْ آناءَ لَيْلِي طِوالاَ كلَّما لاح بارِقٌ من زَرُودٍ . . . فاض وَادِي العَقِيقِ دَمْعِي وسالاَ وقوله : أشْتاقُ من ساكِني ذاك الحِمَى خِيَماً . . . لأجْلِها زاد شَوْقي في الحَشَا ونَمَا ولاعِجُ الشوقِ والتَّبْريحِ من كَمَدٍ . . . أجْرَى من العينِ دَمْعاً يُخْجِل الدِّيمَا ما جَنَّ لَيْلِيَ إلاَّ بِتُّ من كَلَفٍ . . . أرْعَى النجومَ بطَرْفٍ يسْتَهِلُّ دَمَا لولا هوَى شادِنٍ في القلبِ مَرْتَعُهُ . . . ما اشتقْتُ وادِي النَّقَا والْبَانَ والعَلَما نفسي الفداءُ لظَبْيٍ وجهُه قمرٌ . . . وبُرْجُه في سَما قلبِي العَمِيدِ سَمَا يُصْمِي فؤادِي بنَبْلٍ من لَواحِظِه . . . عن قَوْسِ حاجبِه مَهْما رَنَا ورَمَى في ثَغْرِه الدُّرُّ منظوماً فيا لَكَ مِن . . . ثَغْرٍ شَنِيبٍ يُرِيك الدُّرَّ مُنْتظِمَا جَلَّ الذي صاغَه بَدْراً على غُصُنٍ . . . على كَثِيبٍ فأبْداه لنا صَنَمَا لم يَكْسُه الحُسْنُ ثَوْباً مِن مَطارِفِه . . . إلاَّ كَسَا جَسَدِي مِن عِشْقِه سَقَمَا وقوله من أخرى ، أولها : جاد الغَمامُ مَراتِعَ الغِزْلانِ . . . ومَرابِعَ الرَّشَأِ الأغَنِّ الْغَانِي وجرى عليها كلُّ أسْحَمَ هاطلٍ . . . غَدِقٍ يسيحُ بوابِلٍ هَتَّانِ يُحْيِي رُبوعاً طال ما لعبتْ بها الْ . . . غِيدُ الحِسانُ نَواعِسُ الأجْفانِ من كلِّ فاتنةِ اللِّحاظِ إذا رَنَتْ . . . سلَبتْ بِسحْرِ اللَّحْظِ كلَّ جَنانِ فكأنّما الأقمارُ تطلعُ في دُجَى . . . ليلٍ من المُسْترْسِل الفَيْنَانِ(3/289)
"""""" صفحة رقم 290 """"""
وكأنما تلك القُدودُ إذا انْثَنتْ . . . قُضُبٌ تمايَلُ في رُبَى الكُثْبانِ وبمُهْجتِي خِشْفٌ أغَنُّ مُهَفْهَفٌ . . . أصْمَى فُؤادِي إذْ رنَا فرَمانِي ظَبْيٌ مِن الأعْرابِ في وَجَناتِهِ . . . قُوتُ القلوبِ وسَلْوةُ الأحْزانِ باللّهِ ما طالعْتُ طَلْعةَ وجهِه . . . إلاَّ ورُحْتُ براحةِ النَّشْوانِ ماءُ الشَّبِيبةِ فوق وَرْدِ خُدُودِهِ . . . يجْرِي على مُتلَهِّب النِّيرانِ ذابتْ عليه حُشاشتي وَجْداً به . . . وصَبابةً وجَفَا الكَرَى أجْفانِي لم أنْسَ أيامَ التَّواصُلِ واللِّقا . . . والشَّمْلُ مُجْتمِعٌ بوادِي الْبَانِ ومُنادمِي مَن قد هويْتُ وبَيْنَنا الصِّ . . . رْفُ الكُمَيْتُ تُدار في الأدْنانِ شمسٌ مَطالِعُها سُعودُ كُؤوسِها . . . بين النَّدامَى في بُروجِ تَهانِي في روضةٍ مَفْروشةٍ أرْجاؤُها . . . بالوردِ والمَنْثورِ والرَّيْحانِ يتراقَصُ النُّدَماءُ من طَرَبٍ بها . . . بتراجُعِ النَّغَماتِ والعِيدانِ لم لا يُواصِلُني السُّرورُ ونحْن في الْ . . . فردوسِ بين الحُورِ والوِلْدانِ وقوله ، وعجز كل بيت معكوس كلمات صدره تَيَّمَنِي مَن هويْتُ وَاكَمَدِي . . . وَاكَمَدِي مَن هَويْتُ تَيَّمَنِي حَيَّرنِي من سَناه حين بَدا . . . حين بَدا من سَناه حَيَّرنِي ترشُقني بالنِّبالِ مُقْلَتُه . . . مُقْلَتُه بالنِّبَالِ تَرْشُقنِي عَذَّبنِي بالصُّدودِ وَاتَلَفِي . . . وَاتَلَفِي بالصُّدودِ عَذَّبنِي صَيَّرنِي في هَواه ذا قَلَقٍ . . . ذَا قَلَقٍ في هَواه صَيَّرَنِي يُمْطِلُنِي باللِّقا ويُوعِدُنِي . . . يُوعِدُنِي باللِّقا ويُمْطِلُنِي
الحسن بن علي بن جابر الهبل
شهمٌ ندب ، روض أدبه ما طرقه جدب . افتن في الآداب ، وسن فيها سنة ابن داب . وله شعرٌ كاسمه حسن ، وفضلٌ يقصر عن وصفه كل ذي لسن . قال الصفي بن أبي الرجال ، في حقه : لا عيب فيه سوى بعد بلاده ، وقرب ميلاده .(3/290)
"""""" صفحة رقم 291 """"""
فالمَنْدَلُ الرَّطْبُ في أوطانِه حَطَبُ أما صغر الميلاد ، فلله در أبي الطيب ، حيث يقول : ليس الحَداثةُ من حِلْمٍ بمانعةٍ . . . قد يُوجَد الحِلْم في الشُّبَّانِ والشِّيبِ وأما بعد الميلاد ، فأمرٌ لا يعتبره الحذاق ، وإن قالوا : القرب المفرط مانعٌ لإدراك الأحداق . وقال بعض الناس : عَذِيرِيَ مِن عُصْبةٍ بالعراقِ . . . وقلبُهمُ بالجَفَا قُلَّبُ يرَوْنَ العجيبَ كلامَ الغريبِ . . . وأمَّا القريبُ فلا يُطْرِبُ وعُذْرُهمُ عند تَوْبيخِهمْ . . . مُغنيِّةُ الحيِّ لا تُطْرِبُ لكن العاقل الفاضل لا يجنح إلى التقليد ، حتى في تفضيل الحصباء على لآلي الجيد . وإن الإنصاف ، من أجمل الأوصاف . انتهى . وقد وقفت له على أشعارٍ شعشعها وروقها ، واستدعى بها القلوب للصبابة وشوقها . فأثبت منها ما اتسق اتساق النزعات الوجدية ، وانتسق انتساق النسمات النجدية . فمن ذلك قوله ، من قصيدة أولها : لو كان يعلم أنَّها الأحْداقُ . . . يومَ النَّوَى ما خاطرَ المُشْتاقُ جهِل الهوَى حتى غدَا في أسْرِه . . . والحبُّ ما لأسِيرِه إطْلاقُ ما لي أُكَنِّي بالنَّقَا عن غيرِه . . . وأقولُ شامٌ والمُرادُ عِراقُ يعجبني في هذا المعرض قول الحاجري : خُمارُ هواك قد أتَى بالقَدَحْ . . . والوقتُ صَفَا فقُم بنا نَصْطَبِحْ كم تكتُم سِرَّ حَالِك المُفْتضَحْ . . . قُلْ علوة واكْشِفِ الغِطَا واسْتَرِحْ منها : إن قلتُ قد أشْرقْتَنِي بمَدامِعِي . . . قال الأهِلةُ شَأْنُها الإِشْراقُ وقوله : حتَّى مَ عن جهلٍ تلومْ . . . مَهْلاً فإنَّ الجهلَ لُومْ(3/291)
"""""" صفحة رقم 292 """"""
طَرْفِي الذي يشكُو السُّها . . . دَ وقلبيَ المُضْنَى الكَلِيمْ إن الشَّقا في الْحُبِّ عِنْ . . . د العاشقين هو النَّعِيمْ ما الحبُّ إلاّ عَبْرةٌ . . . عَبْراءُ أو جسمٌ سَقِيمْ يا مَن أُكَتِّمُ حُبَّه . . . واللّهُ بي وبه عَلِيمْ وبَلابِلٌ بَيْن الْجَوا . . . نحِ لا تنَامُ ولا تُنِيمْ ما لِي وما لِلوَائِمِي . . . أعليكَ ذو عقلٍ يلُومْ يا هل تُراهُ يَعودُ لي . . . بِكَ ذلك الزمنُ القَدِيمْ وهَنِيُّ عيشٍ باللِّوَى . . . لَو أنَّ عيشَ هَناً يَدُومْ وبِرَامَةٍ إذ نِلْتُ مِن . . . وَصْلِ الأحبَّةِ ما أرُومْ يا حَبَّذا تلك الرُّبو . . . عُ وحَبَّذا تلك الرُّسومْ يا تاركينَ مبُهْجَتِي . . . شَرَراً يذوبُ بها الجَحِيمْ طال المِطالُ ولم تهُبَّ . . . لِصِدْقِ وعدِكمُ نَسِيمْ مَطْلُ الغَرِيمِ غَرِيمَهُ . . . حاشَاكمُ خُلْقٌ ذَمِيمْ وقوله : يا مَن أطالَ التَّجَنِّي . . . منك الصُّدودُ ومِنِّي مولايَ إن طال هذا . . . عليَّ فاعلمْ بأنِّي أفْديك قُلْ ليَ ماذَا الّ . . . ذي بدَا لك مِني تركْتَني مُستهاماً . . . حَيْرانَ أقْرَعُ سِنِّي أشكُو إليك الذي بي . . . وأنتَ تُعْرِضُ عنِّي ولم تَرِقَّ لِحالِي . . . ولا رثَيْتَ لحُزْنِي وقوله : أصِخْ لِشَكِيّتِي وارْفُقْ . . . بجسمٍ فيك قد نَحَلاَ وقُل لي مَن أحَلَّ دَمِي . . . ومَن ذا حَرَّمَ القُبَلاَ وإن تُنْكِرْ ضَنَى جَسدِي . . . ولم تعطِفْ عليَّ ولاَ فكُفَّ النَّبْلَ من عيْنيْ . . . ك يكْفي بعضُ ما فَعَلاَ ولا تُطْلِعْ لنا خَدَّا . . . كَ وَرْدَ رِياضِها الخَضِلاَ وقوله : ما زلتُ من دَرَنِ الدَّنايا صائناً . . . عِرْضاً غدا كالجوهرِ الشَّفّافِ فإذا جَرَى مَرَحاً بمَيْدان الصِّبا . . . مُهْرُ الهوَى أَلْجَمْتُه بعَفافِ(3/292)
"""""" صفحة رقم 293 """"""
وإذا همُ وصَفُوا مَحاسِنَ شادِنٍ . . . مُسْتكمِلٍ لِمَحاسنِ الأوْصافِ أبْدَيْتُ فيه من النَّسِيبِ غرائباً . . . ووصفْتُ فيه ما عدا الأرْدافِ وقوله : تغزَّلْتُ حتى قِيلَ إنِّي أخو هَوىً . . . وشَبَّبْتُ حتى قيل فاقدُ أوْطانِ وما بيَ من عِشْقٍ وشوقٍ وإنما . . . أتَيْتُ من الشِّعْرِ البديعِ بأفْنانِ وله في تعليل كسوف البدر ، وفيه لزوم ما لا يلزم : لا بِدْعَ أن يُكْسَفَ بدرُ السَّمَا . . . ذاك لِمَعْنىً قد تحقَّقْتُهُ لمَّا بدَا لي وجهُه مُشْبِهاً . . . وَجْهَ حبيبي حين فارَقْتُهُ ذكرتُ مَحْبوبي فمِن أجْلِهِ . . . صَعَّدْتُ أنْفاسِي فأحْرَقْتُهُ وله أيضاً : قالَ من قال أُكْسِفَ البدرُ قُلْنا . . . لا تظنُّوا كُسُوفَه عن شِئانِ قد أخَذْنا سَناهُ عند التَّلاقِي . . . وأعَرْناهُ حُلةَ الهِجْرانِ ومن بدائعه قوله : إذا شئْتَ أن نَتَسَلّى هواكَ . . . ونَصْبِرَ لاَ كان مَن يصْبِرُ فقل لِقَوامِك لا ينْثنِي . . . وقُلْ لِلِحاظِك لا تسْحِرُ وغَطِّ العِذارَ فمهْما بدا . . . فإنّا على خَلْعه نُعْذَرُ وقوله : قد كتب اللّهُ على خَدِّه . . . بالمِسْكِ سَطْراً دَقَّ مَعْناهُ فقلتُ للعُشَّاقِ لمَّا بَدَا . . . صَبْرٌ على ما كتَبَ اللّهُ وله في مليح يقرأ : وساتِرٍ خَدَّه بمُصْحَفِهِ . . . قلتُ له والفؤادُ في قَلَقِ خِفْتَ على الوردِ من لَواحِظِنا . . . يا غُصْنُ حتى اسْتترْتَ بالْوَرَقِ وله : لِفعْلِ الخيرِ تشْتُمُنِي . . . وتَرْكِي بَثَّ أسْرارِكْ فقلْ ما شِئْتَ في ذَمِّي . . . فإنِّي الفاعلُ التَّارِكْ وله في مليح خراز : وبرُوحِي أفْدِيه خَارِزُ جُلِّهِ . . . يُخْجِلُ البدرَ في الليالِي السُّودِ(3/293)
"""""" صفحة رقم 294 """"""
يتراءَى للعاشقِين بسِكِّي . . . نٍ تشُقُّ القلوبَ قبلَ الجلودِ وله ، في جندي باع سلاحه بعد مرض : قام صلاحُ الدِّين مِن مَرَضِه . . . واستقْبَل الدهرَ بعُمْرٍ جديدْ لا تعجَبوا أن باعَ أسْيافَه . . . كلَّفَه التَّنْقِيةُ أكلَ الحديدْ وقوله : إياكَ لا تَضَعِ المَدي . . . حَ ولا تُرَى مُتغزِّلاَ أتقول قافيةً وقد . . . خَلتِ الدِّيار فلاَ وَلاَ يريد قول الغزي : خَلَتِ الديارُ فلا كريمٌ يُرْتجى . . . منه النَّوالُ ولا مليحٌ يُعْشَقُ وله : صَدَّ وَصْلَ الحبيبِ عنِّي عَذُولِي . . . راح يسْعَى إليه بالتَّفْنِيدِ ورقيبٍ كأنما هو شهر الصَّ . . . ومِ عندي فِراقُه يومُ عِيدِ وله في مليح يعرف بالقاسمي : وَافَى فقلتُ وقد رأيتُ له سَناً . . . قمراً على غصنٍ رَطِيبٍ ناعمِ يا قاسِمِي بحُسامِ فاتِرِ طَرْفِهِ . . . ارْحَمْ بعِزِّك ذِلَّتِي يا قاسِمِي وله ، وقد أرسل إليه السيد يحيى بن محمد بن الحسن كتاباً ودراهم : يحيى عمادَ الدِّين يا مَن له . . . كَفٌّ يُنِيل السُّؤْلَ قبلَ السُّؤالْ عِطْفِي قد اهْتَزَّ يا سيِّدِي . . . مذ جاءَنِي منك خطابٌ ومَالْ وله مضمناً : لمَّا رآني مَن أحَبَّ مُفكِّراً . . . نادَى إليَّ مُداعِباً بتلَطُّفِ حدَّثتَ قلبَك بالسُّلُوِّ فقلتُ بلْ . . . قلبي يُحدِّثني بأنّك مُتْلِفِي وله ، رباعية : كم أكتُم لَوْعتِي وكم أُخْفِيها . . . والدمعُ إذا جرَى وما يُبْدِيَها يا مالِكَ مُهْجتِي رُوَيْداً بشجٍ . . . ها مُهْجَتُه لدَيْك فانْظُر فيها وله : لا تعتبرْ ضَعْفَ مالِي واعتبِرْ أدَبِي . . . وغُضَّ عَن رَثِّ أطْمارِي وأسْمالِي فما طِلابِيَ للدُّنْيَا بمُمْتَنِعٍ . . . لكنْ رأيتُ طِلاَب المجدِ أسمَى لِي وله :(3/294)
"""""" صفحة رقم 295 """"""
رُوَيْدَك من كَسْبِ الذنوبِ فأنتَ لا . . . تُطِيقُ على نارِ الجحيم ولا تَقْوَى أترْضَى بأن تَلْقَى المُهَيْمِنَ في غدٍ . . . وأنتَ بلا عِلْمٍ لَديْك ولا تقوَى وله : افْزَعْ إلى البارِي وكُنْ . . . ممَّا جنَيْتَ على وَجَلْ وارْجُ الإلهَ فلم يَخِبْ . . . راجِي الإلهِ علَى وجَلّ وقد سبق إلى هذا في قول الأول : كُنْ من مُدَبِّرِك الحكِي . . . م عَلاَ وجَلَّ علَى وَجَلْ وله في الثقة بالله : ثِقْ بالذي خلق الورَى . . . ودَعِ البَرِيَّةَ عن كَمَلْ إن الصديقَ إذا اكْتَفى . . . ورأَى غَناءً عنك مَلّ وله : رضيتُ بربِّيَ عن خَلْقِهِ . . . وعن هذه الدارِ بالآخِرَهْ سأسْعَى لطاعتِه طَاقَتِي . . . وإن قصرتْ هِمَّتِي القاصِرَهْ وقال ، وقد رأى شعرةً بيضاء في رأسه : شبابٌ غيرُ مذمومٍ تولى . . . وشَيْبٌ قد أتى أهْلاً وسَهْلاَ مضَى عمرِي الطويلُ ومَرَّ عَيْشِي . . . كأنِّي لم أعِشْ في الدهرِ إلاَّ الضد أقرب خطوراً بالبال عند ذكر ضده ، فذكرت من قوله : رأى شعرةً بيضاء في رأسه ما حكى أبو الخطاب بن عون الحريري الشاعر ، أنه دخل على أبي العباس الشامي المصيصي واجماً ، ورأسه كالثغامة ، وفي شعره واحدةٌ سوداء . فقلت : يا سيدي ، برأسك شعرةٌ سوداء قال : نعم ، هذه بقية شبابي ، وأنا أفرح بها ، ولي فيها شعرٌ . فقلت : أنشدنيه . فأنشدني : رأيتُ في الرَّأْسِ شَعْرةً بَقِيَتْ . . . سوداءَ تهْوَى العيونُ رُؤْيتَهَا فقلتُ للبِيضِ إذْ تُرَوِّعُها . . . باللّهِ ألاَ فارْحَمْنَ غُرْبَتَهَا وقَلَّ لُبْثُ السوداءِ في وَطَنٍ . . . تكون فيه البَيْضاءُ ضَرَّتَهَا ثم قال : يا ابن الخطاب ، بيضاء واحدة تروع ألف سوداء ، فكيف حال سوداء بين ألف بيضاء .(3/295)
"""""" صفحة رقم 296 """"""
أحمد اليبنبعي
شهابٌ في سماء الفضل قد وقد ، تنفث أقلامه في عقودٍ لا عقد . وضح في طريق المعارف وضوح النور الساطع ، ومضى في تحصيل شواردها مضاء السيف القاطع . وله بديهة لم تعب في ميدان سبقٍ بتخلف ، وأشعارٌ سلمت من وصمة تعقيدٍ وتكلف . فمنها قوله : سَبَى فؤادِي ومَن حاز الجمال سَبَى . . . ظَبْيٌ من التُّرْكِ ألْهَى حُسْنُه العَرَبَا منها : والليلُ مشتمِلٌ بالغَيْم مُتّشِحُ . . . بالبَرْقِ قد وضعُوا تاجاً له الشهُبَا والبرقُ مُسْتعِرُ الإيماضِ مُتَّصِلٌ . . . كأنه قلبُ صَبٍ للنَّوَى وَجَبَا أو أنه ضَوْءُ مِصْباحٍ يُمثِّلُه . . . ضَحْضَاحُ ماءٍ ولكن عندمَأ اضْطَرَبَا وله من أخرى ، مطلعها : سَلُوا عن فؤادِي إن مَرَرْتُم على سَلْعِفعَهْدِي به لمّا الْتَقَى الرَّكْبُ بالجِزْعِ منها : كأنَّ حُروفَ العِيسِ في فاحِمِ الدُّجَى . . . أحاديثُ سِرٍ أُودِعتْ جَيِّدَ السَمْعِ كأنَّ سُهَيْلاً غُرَّةٌ فوق أدْهمٍ . . . يُجاذِبُه رَبُّ العِنانِ عن الرَّفْعِ وتنظُر في الغَرْبِ الهلالَ كأنه . . . مِن الْعاج مُشْطٌ غاصَ في آخرِ الفَرْعِ هذا التشبيه محل نظر . إلى أن تجلّى عن دُجَى الليلِ صُبْحُهُ . . . تَجلِّي أمير المؤمنين عن النَّقْعِ وله : شكى إلى آسِيهِ مِن رأسِه . . . مَن قَدُّه يَهْزأُ بالآسِ قلتُ كِلانَا والهوى قد رَسَا . . . في القلبِ نَشْكُو ألَمَ الرَّاسِ
إبراهيم بن صالح المهتدي
أحد من سبق وادعى ، ورعى من حق الصنعة ما رعى . تبلغ بها على رواج سوقها ، وانتحلها على توافر أمانيه من وثوقها . والإمام أحمد بن الحسن أول من استدناه ، وبلغه من وفور المواهب مناه . فتهادته السيادة تهادي الرياض النسيم ، وتنافسوا فيه تنافس الديار في العيش الوسيم .(3/296)
"""""" صفحة رقم 297 """"""
فنشأ خلقاً جديداً ، وجرى طلقاً مديدا . وهو شاعرٌ كاتب ، حقه واجب ، وفضله راتب . وكلماته قلائد في طلى ولائد ، وفرائد في أجياد خرائد . وقد أثبت له ما يبلغ الغاية في الإغراب ، ولم يسمع بأجود منه من العرب والأعراب . فمنه قوله ، من قصيدةٍ كتبها إلى الإمام إسماعيل ، يحثه على الجهاد ، لما أحصر الركب اليماني ، في سنة ثلاث وثمانين بعد الألف : أظُلْماً عن البيتِ الحرامِ تُذادُ . . . على مِثْلها الخلُ الجِياد تُقادُ وخَسْفاً يُسامُ الهاشِمِيُّون إنها . . . لَفَادِحةٌ فيها الحتوفُ تُقادُ فلا نامتِ الأجْفانُ يا آلَ قَاسِمٍ . . . وكيف وفيهِنَّ السيوفُ حِدادُ ولا حمَلتْكُم مِن نتائجِ دَاحِسٍ . . . شَوازبُ ما لم تُسْتشَبَّ زِنادُ إذا لم يَصُنْ مجدَ الخلافةِ منكمُ . . . فمِن أين مجدٌ طارِفٌ وتِلادُ تدافعتِ البِيدُ المَوَامِي بقومِكمْ . . . تَدافُعَ ذُلٍ في دِماه ضِمادُ ورُدُّوا حيارَى خائبين بصفْقةٍ . . . يُنالُ بها رِيحُ الرَّدَى وتُقادُ وقد شارَفُوا أرْجاءَ مكةَ وانْثَنَوْا . . . بِفاقِرةٍ تَفْرِي الأَدِيمَ وعادُوا بنى القاسم المْنصور لا تحْسَبونها . . . مُهنِّيةً لا بَلْ عَناً وعِنادُ فعَزْماً فأنتم أُسْرَةُ السُّؤْددِ الذي . . . مَبَانِيه من فوقِ النُّجومِ تُشادُ ألستمُ بأهلِ البيتِ والرُّكْنِ والصَّفَا . . . بلَى وهْيَ أوطانٌ لكم وبِلادُ فلا تتركوا الأتْراكَ في جَنَباتِها . . . على الغَيِّ قد سادُوا القُرومَ وشَادوا وصُولُوا مَصالاً يتْرُك البحرَ جَذْوةً . . . وحَزْماً فما فوق الجَمارِ رَمادُ ويا آلَ قَحطانٍ ويا آلَ حاشِدٍ . . . وآل بَكِيلٍ آنَ آنَ جهادُ يُذادُ عن البيتِ الحرامِ حَجِيجُكمْ . . . كما ذِيدَ عن ذِئْبِ الفَلاةِ نِقَادُ فشُدُّوا حِزَامَ الحَزْمِ فالطِّرْفُ إن يُدَعْ . . . مَشَدُّ حِزامٍ منه مال بَدادُ ألا أيْقظُوا نُجْلَ العيونِ عن الكَرَى . . . فَليس بها إلاَّ قذىً وسُهادُ إذا فاتَها من أسْودِ الرُّكْنِ نظْرةٌ . . . فلا دار في أحْداقِهِنَّ سَوادُ قليلٌ بأن تُشْرَى مِنىً بِمَنِيَّةٍ . . . لَيالِي لِقاً تزْهُو بِهِنَّ سُعادُ وتَجْريعُ كأسِ الموتِ إن نَدَّ زَمْزَمٌ . . . وأعْوزَتِ الوُرَّادَ منه ثِمادُ(3/297)
"""""" صفحة رقم 298 """"""
ونَحْرُ الفتى المذكورِ في عَرَفاتِها . . . على وَقْفةٍ فيها الجِرارُ بِرَادُ ألَذُّ وأحْلَى لِلْكَمِيِّ مَذاقةً . . . ألا انْتبِهوا يا قوم طال رُقادُ أتَقْذَى عيونٌ منكمُ بِمَذَلَّةٍ . . . وتُغْضِي جفونٌ حَشْوهنَّ قَتادُ ويصْفُو على ذا الضَّيْم للحُرِّ مَشْرَبٌ . . . وكيف وشِرْبُ الهُونِ فيه يُرادُ دعوتكُمُ هل تسمعون نِداءَ مَن . . . يُحرِّض لكن لا يُجيبُ جَمادُ فيا سَيْفَ سيفِ الآلِ مِن حَسَنٍ أَجِبْ . . . فقد لقِحتْ حَرْبٌ وثار جِلادُ أأحمدُ ماذا العَوْدُ منكم بأحمدٍ . . . ولكن حديثُ الضَّيْمِ منه يُعادُ فثُرْ ثَوْرةً واغضبْ لربِّك غَضْبةً . . . بعَزْمٍ له فوق النُّجُوم مِهادُ وقُلْ لأميرِ المُؤْمنين أفِقْ لنا . . . يُذادُ بنا والمُقْرَبات جِيادُ لأَيَّةِ معنىً هذه الخيلُ تَدَّعِي . . . وبِيضُ المواضِي والرِّماح صِعَادُ وفي مَ يجُرُّ الجيشُ وهْو عَرَمْرَمٌ . . . لُهامٌ بها عُصْبٌ رُبىً ووِهادُ أغايتُه يوم الغَدِيرِ لِزِينَةٍ . . . وغايةُ جُرْدِ الخيلِ منه طِرادُ أبَى اللهّهُ الدِّينُ الحَنِيفُ وصارمٌ . . . على عاتقِ الإسْلامِ منه نِجادُ ويأبَى أميرُ المؤمنين وبأسُه . . . وفي الثَّغْرِ والرَّأْيِ السَّدِيدِ سَدادُ فيا أيُّها المولى الخليفةُ عَزْمَةً . . . فقد شاب فَوْدٌ واستطَار فؤادُ فلا تَبْرِ أقْلاماً سِوَى من لَهاذِمٍ . . . لها من دماءِ المَارِقين مِدادُ ولا كُتُباً إلا الكتائبُ والظُّبَى . . . ولا رُسُلاً إلا قَنَاً وجِيادُ دعا أحمدُ الهادي بمكةَ مُفْرَداً . . . فمال ذَوُوه عن دُعاه وحَادُا وقام وجُنْحُ الكُفْرِ دَاجٍ عِرانُه . . . وما الكونُ إلا ضَلَّةٌ وفَسادُ فلما تجلَّى صُبْحُ أسْيافِه انْجَلتْ . . . حَنادِسُ غَيٍ واسْتنارَ رشادُ فسَيِّرْ أميرَ المؤمنين جَحافلاً . . . لهُنَّ من السُّحْبِ الثِّقالِ مُرادُ وجَهِّزْ صَفِيَّ الدِّين يمضي بهِمَّةٍ . . . بأشْراكِها نَسْرُ السماءِ يُصادُ وأيِّدْهُ بالأبْطالِ أبْناءِ عَمِّه . . . وبابْنِك عِ . ِّ الآلِ يُبْنَ وِسادُ ولا تَطْوِ أحْشَاءَ الفَخارِ على جَوىً . . . تُؤجَّجُ منه جَذْوةٌ وزِنادُ أتُقْصَى عن البيتِ الحرامِ رِكابُنا . . . ويُهْدَمُ مِن آلِ النَّبيِّ عِمادُ ألم تذكر الأتْراكُ غارةَ أثْلَةٍ . . . وأنَّهم ذاقوا الوَبال وبادُوا ويا رُبَّ يومٍ أدركوا فيه مَصْرعاً . . . وللوَحْشِ منهم مَنْهَلٌ ووِرادُ(3/298)
"""""" صفحة رقم 299 """"""
فعُودُوا عليهم عَودةً قَعْسَريَّةً . . . تُصاب سَلِيمٌ عندها ومُرادُ إذا أحْرَمتْ بِيضُ السيوف تَجِلَّةً . . . وناط بِخَيْفٍ أبْطَحٌ وجِيادُ هنالك يُشْفَى غَيْظُ نفسٍ كريمةٍ . . . وقد حان من أهلِ الضَّلالِ حَصادُ ودونكم الحَرَّاءَ من قلبِ عارفٍ . . . لها حِكَمٌ ما إنْ لَهُنَّ نَفادُ لقد أرسلتْ تِمْثالَها وترسَّلتْ . . . فواصلُ فيها للعِداةِ صِفادُ أصِيخُوا لها سَمْعاً وعَزْماً يقولُه . . . خطيبٌ بليغُ الواعظاتِ جَوادُ سلامٌ عليكم إن عملتُم بِحُكْمِها . . . وإلاَّ فلا جاءَ الديارَ عِهادُ وقد وقفت لصاحبنا أديب الدهر ، أحمد بن أبي القاسم الحلي على قصيدة وزانها ، رد عليه فيها . وهي : دَعَوْتَ ولكن مَن دعوتَ جَمادُ . . . ونَبَّهْتَ لكنْ مَن دَهاه رُقادُ وأسمعْتَ مَن أضْحتْ بأُذْنَيْه عِلَّةٌ . . . فما لِمَواعيظِ الرَّشادِ رَشادُ كأنَّ أحاديثَ الذين تحلّفوا . . . وصَدُّوا لآذانِ الرِّجالِ سِدادُ وحرَّضْتَ أصْناماً ظننْتَ شُخوصَها . . . جُسوماً ولكنْ ما لهُنَّ فُؤادُ رأيتَ سَراباً لاح منهم بِقِيعَةٍ . . . شَراباً فرِدْ إن الشّرابَ يُرادُ وآنسْتَ ناراً يُستطارُ شَرارُها . . . وما هِيَ إلاّ إن كشفْتَ رَمادُ قَذىً حَلَّ في عينيْك حتى تصوَّرتْ . . . لك الحُمْرُ أُسْداً والحمير جِيادُ وحتى البُروقُ الّلامعاتُ صَوارِمٌ . . . وحتى الحصونُ المائلاتُ مَعادُ وحتى النجومُ الزَّاهِرات مَغَافِرٌ . . . وحتى طِرادُ اللاعبِين جِلادُ وحتى ظَلُومُ الليلِ جيشٌ عَرَمْرَمٌ . . . تضِيقُ به عند النُّزولِ بِلادُ وحتى السحابُ الجُونُ قامتْ تُثيرُه . . . خيولٌ على السَّبْعِ الشِّدادِ شِدادُ وحتى الرُّعودُ المُزعِجاتُ صَهِيلُها . . . إذا هيَ في اليومِ العَبُوس تُقادُ وحتى العَباءُ السُّودُ وهْيَ عليهمُ . . . دُروعٌ لقد غَرَّ السوادَ سَوادُ أعِدْ نَظَراً فيما رأيتَ ولا تَمِلْ . . . عن الحقِّ إنَّ المَيْلَ عنه عِنادُ ألم يعلموا أن النفوسَ نَفائِسٌ . . . وأن مَذاقَ الموتِ ليس يُرادُ ألم يعلموا أن السَّلامةَ مَغْنَمٌ . . . إذا حصَلتْ نالوا المُنَى وأفادُوا وهَبْ أنهم هَشُّوا لقولك هَشّةً . . . وشدُّوا العِتاقَ السَّابقاتِ وقادُوا ألَيس قُصاراهم إذا قامتِ الوغَى . . . ودارتْ رحَى الهَيْجا فَناً وشِرادُ(3/299)
"""""" صفحة رقم 300 """"""
أبَعْد افْتراشِ الخَزِّ تغدو من الثّرَى . . . لهم فُرُشٌ مطروحةٌ ووِسادُ وبَعْد رُكوبِ الخيْلِ يغْدو رُكوبُهم . . . على آلةٍ حَدْبا وعَزَّ مِهادُ وبعد لَذِيذات المَطاعمِ منهمُ . . . يكون طعامٌ للسِّباعِ وزَادُ يعِزُّ عليهم يا أخا العَزْمِ والنُّهى . . . يطُول لربَّاتِ الحِجَالِ حِدادُ بحقِّك قُلْ لي هل رأيتَ هَلاكَهمْ . . . بإغْرائِهم كَيْما يُنال مُرادُ وهل في الحَشَا منكم كُلومٌ قديمةٌ . . . فثَارَ لأخْذِ الثّأْرِ منك فُؤادُ كأنِّي بهم لو حاولوا أن يُزايِلُوا . . . مَنازلَهم قادُوا الرِّقابَ نِجادُ ولو خرجُوا منها لأوْشَك زَادُهمْ . . . يكون له قبلَ الخُروج نَفادُ ولو جَنَحُوا للحربِ قَصَّ جَناحَهمْ . . . وظَلُّوا بأيْدِي القاعدين يُصادُوا ولو فارقُوا أبْوابَ صَنْعا لفُرِّقتْ . . . جُموعُهم أيْدِي سَبَاءَ وبادُوا ولو جاوزُوا غَرْسَ الغِراس هُنيئَةً . . . لكان لهم يومَ المَعاد مَعادُ ومن بدائعه قوله ، من قصيدة يمدح بها الإمام إسماعيل المتوكل . ومستهلها : نعمْ ما لربَّاتِ الحجُولِ ذِمامُ . . . ولا لعُهودِ الغانياتِ دَوَامُ أعَزُّ إلى مَ البرقُ عندك خُلَّبٌ . . . وحتى مَ سُحْبُ الوصلِ منك جَهام تقلَّص ظِلٌّ مِن وفائِك سابِغٌ . . . ظَلِيلٌ وعاد الرِّيُّ وهْو أُوامُ تَخِذْتِ قِلالَ الصَّدِّ والبعدِ جُنَّةً . . . مَلَلْتِ ألا إن المَلالَ مَلامُ وتلك لَعَمْرِي في الحِسانِ سَجِيَّةٌ . . . وللشَّيْخِ في إلْمامِهِنَّ لِزامُ ولكنه في حَقِّهِنَّ مُمَدَّحٌ . . . يحِلُّ وأما في الرجالِ حَرامُ قُصارَى جَمالِ الغِيدِ وَجْدٌ ولَوعةٌ . . . لها بيْن أحشاءِ الثّناءِ ضِرامُ تعَصَّيْتِ حتى ما لمُضْناك حِصَّةٌ . . . من الوصلِ إلاَّ مِن رَنَاكِ سِهامُ حسبْتِ بأن الحسنَ باقٍ وربما . . . غدا يَنْعُه يا عَزُّ وهْو تَمامُ وكلُّ شبابٍ بالمَشيبِ مُروَّعٌ . . . وإن لم يَرُعْك الشَّيْبُ راع حِمامُ ألم تعلمِي أن المَحاسنَ دولةٌ . . . يَزولُ إذا زالتْ جَوىً وغَرامُ ولو دامتِ الدّولات كانُوا كغيْرِهمْ . . . رَعايا ولكن ما لَهُنَّ دَوامُ إذا زِدْتِ بُعْداً أو أطلْتِ تجنُّباً . . . رحلتُ وجسمِي لم يُذِبْه سَقامُ ومافَضْلُ ربِّ السيفِ إن فتكَتْ به . . . جفونٌ كَلِيلاتُ المَضاءِ كَهامُ أينْصِبْن لي من هُدْبِهنَّ حُبالَةً . . . وهل صِيدَ في فخِّ الغَزالِ حَمامُ ولي هِمَّة لا يطَّبيها صَبابةٌ . . . وحَزْمُ فتىً بالخَسْفِ ليس يُسامُ وعَزْمةُ نَدْبٍ لا يذِلُّ فُؤادُه . . . وجانبُ حُرٍ لن تراه يُضامُ(3/300)
"""""" صفحة رقم 301 """"""
هُيامِيَ في نَهْدٍ أقبَّ مُطَهَّمٍ . . . إذا القومُ في نَهْد المَليحةِ هامُوا ولم يكُ عندي غيرَ كُتْبٍ نَفِيسةٍ . . . ترُوق وإلاّ ذابِلٌ وحُسامُ ولي قلمٌ كالصِّلِّ أمَّا لُعابُه . . . فسَمٌّ وأما نَفْثُه فَمُدامُ وإن أمَّنِي دهرِي الخَؤُونُ بحادثٍ . . . فلي مِن أمير المؤمنين عِصامُ وله مناظرة بين القوس والبندق . قال فيها : الحمد لله المفيض كرماً ومنا ، والصلاة على نبيه الراقي إلى قاب قوسين أو أدنى . المؤيد بخوارق آياتٍ هن أشد حكماً وأنفذ سهما ، الذي أنزل عليه : ' وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ' . وعلى آله الذين تقوست بريهم ظهور النواصب ، وأدركوا ببندق الإصابة كل غرض ناكب . وأقيمت لهم في الدين الحجج والأدلة ، وتقاصرت بجودهم الشهور والأهلة . أما بعد : فهذه أرجوزة جمعت فيها غرائب من البديع ، ووشعت بردها مفوفاً كأزاهير الربيع . وسميتها براهين الاحتجاج والمناظرة ، فيما وقع بين القوس والبندق من المفاخرة . سلكت فرائدها ممتثلاً لمقترح مولاي السيد العلامة لسان المتكلمين ، وترجمان الأئمة العارفين ، سيف الإسلام والمسلمين ، أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين . وطرزتها بفرائد من مديحه ، الذي لا يقضي النظر مع تعارض الأدلة إلا بترجيحه . فهو المقصود أولاً وبالذات ، والمقدم التالي في هذه الأبيات : جاءتْك تبْرِي أسْهُمَ الجفونِ . . . عن قوسِ ذاك الحاجبِ المَقْرونِ تخْتالُ مثلَ الغُصُنِ الرَّطِيبِ . . . في مِطْرَفٍ من حُسْنها القَشِيبِ رَيَّانةٌ ظامئةُ الوِشاحِ . . . سَكْراءُ من خَمْرِ الصِّبا يا صاحِ تفْترُّ عن دُرٍ بَدِيدِ الشّنبِ . . . كأنه كأسٌ طَفَا بالحَبَبِ هِمْتُ بها وأعْجَبُ الإبْداعِ . . . ذو طَيْلَسانٍ هام في قِناعِ كالليلِ داجي شَعْرِها إذا سجَى . . . ووجهُها كأنه بدرُ دُجَى(3/301)
"""""" صفحة رقم 302 """"""
بيضاءُ بيْضا الْجُسَيمِ كاعِبَهْ . . . تُضْحى بألْبابِ الرِّجالِ لاعِبَهْ كم مُغْرمٍ بحُبِّها مُدَلَّهَا . . . بقلْبِه نحوَ الهوى مُدَّلَهَا جاءتْ إلينا كالأصِيل في الضُّحَى . . . لو لَمَحَ البدرُ سَناها لَمَحَا وطَوْقُها يلوحُ فوق الجِيدِ . . . كأنه شَكْلُ هِلالِ العيدِ على جَبِين الأُفقِ البَهِيِّ . . . مُنْحدِرٌ في الجانبِ الغَرْبِيِّ قد خُطّ في طِرسِ السَّما كالنُّونِ . . . كأنه قَوْسُ صَفيِّ الدِّينِ رامِي حَشَا البُخْلِ بِسَهمِ الجودِ . . . وقاتلُ الإعْدامِ بالوجودِ يَمُّ العلومِ والنَّدَى المألوفِ . . . وجُنَّةُ اللائذِ والمَلْهوفِ هو الحُسامُ في يَدِ الخليفهْ . . . حامِي ذِمامِ المِلَّةِ الْحَنِيفهْ مَنْ جَلَّ مِقْداراً على السِّماكِ . . . وقال للشمسِ أنا سَماكِ أحمدُ نَجْلُ الحسنِ بن القاسمِ . . . ناهِيك في الهَيْجاءِ من مُصادِمِ مَن عرَّف الجندَ بلاَمِ الحربِ . . . واللامُ للتَّعْريف عند العُرْبِ ما بين خَطِّيٍ وبين ماضِ . . . ومِغْفَرٍ وسابغٍ فَضْفاضِ يتْلوهما تركشة في الرَّاسِ . . . فُؤادُها من الحديدِ قاسِ وتركشُ النَّبْلِ وقَوسُ الرَّمْيِ . . . من لازمِ المُدَجَّح الكَمِيِّ فالقوسُ قد عادتْ له أحكامُ . . . وارتفعتْ لحُكْمِه أعْلامُ منذ أعاد الأحْمَدِيُّ أثَرَهْ . . . وشَدَّ أيضاً بالسَّوامِ أثَرَهْ فصار بين الخافقَيْن مُشْتهَرْ . . . وجا على البُنْدُقِ أيضاً يفْتخِرْ مُنْحَنِياً من الدّها مُترْكشَا . . . مُقَذِّفاً لسَهْمِه مُرَيِّشَا يقول فَضْلِي ظاهرُ البيانِ . . . بسُورةِ الزُّخْرُفِ لا الدُّخانِ يُرْجَى على ظهرِ الحصانِ الأعْوَجِ . . . أنا الهلالُ لم يُعَبْ بالعِوَجِ قِدْحِي المُعَلَّى في ظهورِ السُّبَّقِ . . . فأين مِن مَرْمايَ مُجْرِي البُنْدُقِ قَبيلتي بين الورَى كِنانَهْ . . . راشِقةٌ حِرابُها طَعّانَهْ فهل ترى لبُنْدُقٍ قبيلَهْ . . . سوى مقصّ شم أو فَتِيلَهْ وإن أتى وصوتُه مُجاشِعُ . . . فإنما أصولُه قَعاقِعُ غِذاؤُه الباروتُ والرَّصاص . . . كأنما في جَوْفِه قُرَّاصُ فأرْعَدَ البُنْدُقُ حتى أبْرَقَا . . . بَرْقاً من الياقوتِ قد تألّقَا وقال إذْ قام على كُرْسِيِّهِ . . . قد أُنْطِق الأخْرسُ بعد عِيِّهِ تمنْطَق القَوْسُ عليَّ وافتَخرْ . . . وهْو مدَى الأيامِ في أسْرِ الوَتَرْ(3/302)
"""""" صفحة رقم 303 """"""
مُشدّدُ الأطرافِ كالمَوثُوقِ . . . وقلبُه مُطَرَّحٌ في السُّوقِ يفْخَر والفاخرُ عُقْباه النّدَمْ . . . مَعْ أنه مُحْدَوْدِبٌ من الهِرَمْ ليس له ذخيرةٌ يُنفِقُها . . . إن ثار من نارٍ الوغَى مُحْرِقُهَا يجهْل ما بيْن الورَى تأْثيرِي . . . ورَفْعَ كُرْسِيِّي على الصدورِ ولا أزال طالعاً في غاربِ . . . أرْمِي الشياطِين بنَجْمٍ ثاقبِ أرُوعُ في الهَيْجا زئيرَ الأُسْدِ . . . بصَرْخةٍ من رَمْيتِي كالرَّعْدِ آكُلْ بالمِيزانِ أكْلَ الحِكْمَهْ . . . فلستُ أخْشَى دائماً من تُخْمَهْ كفَاك منِّي خَبَرِي وخُبْرِي . . . وحُسْنُ مَدْحِي من أديبِ العَصْرِ قد قال فيّ والبليغُ حُجّهْ . . . وقولُه مُتَّضِح المَحَجّهْ ضئيلةٌ تَرْقِيشُها حسنُ الفرندْ . . . جَوْهرُها في الرُّوم مَشْبوكُ الزّرَدْ أفْعاءُ في أجْوافِها النِّيرانُ . . . يحْذَر منها الصِّلُّ والثُّعْبانُ وسَمُّها تَحْمِلُه جَنِينَا . . . تُرْضِعُه من الرَّدَى علينَا بيْنَا تُرَى تحملُ منه طِفْلاَ . . . حتى يصيرَ للحِمامِ كَهْلاَ ما تدْرِ ما تلْفَحُه وتضَعُهْ . . . ومن أَفاوِيق الذُّعافِ تُرْضِعُهْ إلاَّ بِمقْدارِ اكْتحالِ النّاظرِ . . . حتى يصير وهْو حَتْفُ الفَاجِرِ وَاهاً لها تلك مَخاضُ حُبْلَى . . . أسْرَعُ ما تدْرأُ منه الحَمْلاَ فابْتَدرَ القوسُ بسهمٍ ووثَبْ . . . وازْوَرَّ كالحاجبِ من فَرْطِ الغَضَبْ وصار يُبْدِي صَوْلة المِقْدامِ . . . يسْحبُ أذْيالاً من السِّهامِ وقال ما أقْرَعُ في خِطَامِهْ . . . والمرءُ قد يُقْذِعُ في إعْظامِهْ ما لِي وللْبُنْدُقِ يا أُخَيَّهْ . . . أصْبَح يُعْلِي صَوْتَه عَلَيّهْ جوابُه أن لا يُجَابَ أبَدا . . . فما يُجِيبُ صوتَه إلا الصّدَى لكنني مُنْتصِرٌ خَشْيَة أن . . . يقول إنِّي قد رُميتُ باللَّكَنْ وكان أوْلَى عِنْدِيَ السُّكوتُ . . . فإنما نَفِيثُه بارُوتُ مُسْتكْثَرٌ دُوَيْبقٌ في ثَمنِه . . . أما تراه أبْخَرَ من نَتَنِهْ وقال لم تَعْلَقْه من تُخْمَهْ . . . وإنما غذاؤُه بالحِكْمَهْ وكم له من بِطْنةٍ مبْغوضَهْ . . . تَظَلُّ أحْشاهُ بها مَغْضوضَهْ كم آد مَن يحملُه من تَعَبْ . . . وأخَّر الرَّامِيَ عن نَيْلِ الأرَبْ لثُقْلِه فجِرْمُه ثقيلُ . . . إن الثقيلَ قُرْبُه مَمْلولُ ما أكثرَ التَّلْوينَ في دِيانتِهْ . . . وأضْيَعَ الأسرارَ في خِزانتِهْ(3/303)
"""""" صفحة رقم 304 """"""
فَتِيلُه نارُ الفَرِيقِ في العَلَمْ . . . فسْرُّ مَن يغْزُو به لا يُكْتَتَمْ كم دَرَّ بالصوتِ على رَاميهِ . . . ونَمَّ في الليل على سَارِيهِ وأيْنَه منِّي وحِفْظُ سِرِّي . . . ما زال مَحْنُواً عليه ظَهْرِي أُصِيب مَن أرْمِيه اغْتيالاَ . . . حتى أكاد أرْشُق الخَيالاَ أصُونُ سِرِّي فهْو لا يبينُ . . . مُقْتدِراً بقَوْلِه اسْتعينُوا إن يتبجَّحْ في عُلُوِّ الشَّانِ . . . بمَدْحِه من شاعرِ الزَّمانِ فحُجَّتِي أرْجُوزةُ النَّباتِ . . . ودُرَّةٌ من بَحْرِه الفُراتِ أعْنِي بذا فرائدَ السُّلوكِ . . . في ذِكْرِه مَصائد المُلوكِ للّهِ ما أعْذَبها مِنْ مُلَحْ . . . قد قال إذْ طَرَّزَها مَن مَدَحْ يا حبذا مُجِيبةُ الوِصالِ . . . قاطعةُ الأعمارِ كالهلالِ زَهْراءُ خضراءُ الإهابِ مُعْجِبَهْ . . . ممَّا ثَوَتْ بين الرِّياضِ المُعْشِبَهْ كأنها حولَ المِياهِ نُونُ . . . أو حاجِبٌ بما يشا مَقْروُنُ لها بَنانٌ بالمَنَى مَعْذُوقَهْ . . . من نَبْعةٍ واحدةٍ مَخْلوقَهْ فاضْطرَب البُنْدُقُ واسْتثارَا . . . وأظْهرتْ ذخيرةٌ شَرارَا وقال عندي خَبَرُ البُخارِي . . . ولي حديثُ الرَّمْيِ بالجِمارِ يا قَوْسُ لا تدخُلْ في أحْكامِي . . . فأنت عندي من ذَوِي السِّهامِ ولا تقُل في مَتْنِك التَّعْصِيبُ . . . فما له من قِسْمَتِي نَصِيبُ القوسُ يا قومُ لنَدْفِ القُطْنِ . . . لا لاتِّخاذِ الرَّمْيِ يومَ الطَّعْنِ كأنه في مَسْجِدٍ مِحْرابُ . . . أو راكعٌ من خشْيتي مُرْتابُ كم فُتِّتَ تحت الْبانِ كَبِدُهْ . . . بِخِدْمةٍ حتى يُقاد أَوَدُهْ أنا الذي أُحْرِزَ في الإقْدامِ . . . بآيةِ الكُرْسِيِّ صَدْرَ الرَّامِي وقال إنِّي لَثقِيلُ الجِرْمِ . . . وليس يدْرِي أنَّ ذا من حِلْمِي ونَبْلُه من خِفَّةٍ يَطيشُ . . . تحلُّه مع الرِّياحِ الرِّيشُ ما كلُّ من خَفَّ قِباً لَطِيفُ . . . إن الخفيفَ عَقْلُه خَفِيفُ فحين زادتْ منهما المُفَاخَرَهْ . . . واتَّصلتْ بينهما المُشاجرَهْ وكاد أن يُفْضِي إلى القتالِ . . . بين رَصاصِ الرَّمْلِ والنِّبالِ تجرَّد السيفُ عن القِرابِ . . . وجَرَّ حَدّاً منه غَيرَ نَابِي وانْسَلَّ ما بينهما إصْلاحَا . . . وقال قد طَوَّلْتُما الكِفاحَا والرأيُ أن تصْطِرخَا في الحالِ . . . وتذْهبا عن ظُلْمةِ الإشْكالِ(3/304)
"""""" صفحة رقم 305 """"""
إلى الصَّفِيِّ فَيْصلِ الأحْكامِ . . . أحمدَ مَوْلى الحَلِّ والإبْرامِ فإنه قد قال وهْو الحاكمُ . . . وحُكْمُه فيما يقولُ لازِمُ لابُدَّ للأصْيَدِ في الفرسانِ . . . من مُرْهفٍ وذَابلٍ مُرَّانِ وتركش مُقْترِنٌ بالقَوْسِ . . . كمن مضَى من خَزْرَجٍ وأوْسِ فراجِلٌ يمْشي بلا حُسامِ . . . وبُنْدُقٍ رامٍ إلى المَرامِ كفارسٍ يبْرُز للنِّزالِ . . . من غيرِ لا سيفٍ ولا عَسَّالِ فعند ذا فاءَا إلى الصُّلْحِ مَعا . . . ونَحْوَ بابِ الأحْمَدِيِّ نَزَعَا لَيْثٌ له كَهْفُ الفَخارِ خِيسُ . . . يرْتابُ من سَطْوتِه بِرْجِيسُ الجامعُ الَّلامَ فيومِ الْفاءِ . . . في مَوْكبٍ يمْلأُ عَيْنَ الرَّائِي رَعِيلُ شُهْبٍ تَنتقِيه الشُّهْبُ . . . وعنده نارُ العِداةِ تَخْبُو به تَمُور قُلَلُ الشَّهْباءِ . . . وقَوْسُه في أُذُنِ الجَوْزاءِ أمِيرُه سيفُ الفتوحِ أحمدُ . . . لِواؤُه في كلِّ نَصْرٍ يُعْقَدُ يا قمراً في أُفُقِ الخِلافَهْ . . . دُونكَها مُجاجَة السُّلافَهْ تخْتالُ في بُرْدٍ من الطُّروسِ . . . ماشِيةً كمِشْيةِ العَرُوسِ لها مَعانٍ للعقولِ ساحرَهْ . . . فاخِرةٌ في حُلَلِ المُفاخَرَهْ وإن تراخَتْ في قضاءِ الواجبِ . . . فعُذْرُها عُذْرُ زمانٍ غالبِ ثم الصلاةُ ما بدتْ غَزالَهْ . . . على النبيِّ خاتِمِ الرِّسالَهْ وآلِه سفينة النَّجاةِ . . . وصَحْبِه أكابرِ السَّاداتِ ومن أبدع بدائعه ، قوله مخابطاً للإمام إسماعيل ، وقد عرض عليه حصانان من كرائم خيله ، أحدهما أسود ، والآخر أبيض : وأدْهَمٍ قد زَهَى اسْوِداداً . . . مع أبْيَضٍ زانَه اخْضِرارُ فأنتَ في رُتْبةِ المَعالِي . . . يحْمِلُك الليلُ والنهارُ وقال ، وكان الإمام أراد أن يدخل مكاناً له ، فهوى قنديلٌ كان معلقاً ، فانكسر : لا تعْجَبُوا إن هوَى القِنْدِيلُ مُنْكَسِراً . . . فما عليه أُهَيْلَ الفَضْلِ من حَرَجِ رأَى الإمامَ كشمسٍ في مطالِعِها . . . وعند شمسِ الضُّحَى لا حَظَّ للسُّرُجِ ومما يحاضر به ، ما اتفق أن زجاجةً انشقت من ذاتها ، في مجلس سلطان ، فظهر منه تطيرٌ ، فأنشد بعض الشعراء : ومجلسٍ بالسرورِ مُشْتمِلٍ . . . لم يَخْلُ فيه الزُّجاجُ عن أرَبِ(3/305)
"""""" صفحة رقم 306 """"""
سَرَى بأعْطافِه يُرنِّحُهُ . . . فشَقَّ أثْوابَه من الطَّرَبِ ومن محاسنه قوله يخاطب بعض السادة : قُلْ للذين سَرَوْا والنارُ مُضْرَمةٌ . . . وفيهمُ شَرَفُ الإسلامِ إذ ظَعنُوا لا تُشْعِلوا النارَ في مَسْراكمُ فلقد . . . أغْناكمُ النَّيِّران البدرُ والحَسَنُ وله : يا عينَ فرسانِ بني هاشمٍ . . . سبحانَ حامِيكَ من العَيْنِ صُلْتَ برُمْحٍ وبِعطْفٍ فقُلْ . . . في فارسٍ جاء برُمْحَيْنِ وله : أقْبَلَ كالرمحِ له هزَّةٌ . . . تحت قِباءٍ غيرِم َمزْرورِ كأن ذاك الخالَ في صدرِه . . . حَبَّةُ مِسْكٍ فوق كافُورِ وله : حدِّثاني عن النَّقِيبِ حديثاً . . . وصِفَا لي شُروطَه بالعَلامَهْ وارْوِيا لي عن جَوْهَرٍ لَفْظَ حُكْمٍ . . . واجْعَلاه في جَبْهةِ الدهرِ شَامَهْ فيصِحُّ الحديثُ من غَيْرِ سُقْمٍ . . . ما رواه إمامُنا عن أُسَامَهْ وله : كأنها والقُرْطُ في أُذْنِها . . . بَدْرُ الدُّجَى قُورِنَ بالمُشْتَرِي قد كتبَ الحُسْنُ على وَجْهِها . . . يا أعْيُنَ الناسِ قِفِي وانْظُرِي وله في حامل ساعة : ومليحٍ ملَك الحُسْ . . . نَ جميعاً فأطَاعَهْ جاءَنا ساعة أُنْسٍ . . . إذْ حَوَتْ يُمْناه سَاعَهْ وله في بانياني اسمه رامه : وَلِعْتُ ببانيانِي فيه حُسْنٌ . . . تظَلُّ الشمسُ عاكفةً أمامَهْ كأن بِرِيمهِ لمَّا تبدَّى . . . بريقَ الغَوْرِ في أكْنافِ رَامَهْ وله : قد انْقضَى الصومُ ووَلّى وقد . . . أقْلَقهُ شَوَّالُ بالإرْتحالْ في الأرضِ تَرْميه مَجانِيقُنَا . . . وفي السَّما يَرْمِيه قَوْسُ الهلالْ وله : طَيْلَسانُ المُهذّبِ بن عشيشٍ . . . هَذَّبْته الشهورُ والأعْوامُ(3/306)
"""""" صفحة رقم 307 """"""
حاكَه مُجْتبَى النُّبُوَّةِ شِيثٌ . . . هكذا قد رَوَتْ لنا الأهْرامُ وله : طَيْلَسانُ ابنِ عشيشٍ ذِي العُلَى . . . قد بَراه الدهرُ في نَشْرٍ وطَيّ شَيِّقٌ يُذْكِر أيامَ الصِّبا . . . ما له ممَّا بَراه الشوقُ فِيّ طيلسان ابن عشيش ، كطيلسان ابن حرب ، في قدم الزمان والاختلال . وطيلسان ابن حرب صاحب الشهرة على ألسنة الشعراء . وكان محمد بن حرب أهداه إلى الحمدوني ، وكان خلقاً ، فقال في وصفه قرابة مائتي مقطوعة ، لا تخلو واحدةٌ منها من معنىً بديع ، وصار الطيلسان عرضةً لشعره ، ومثلاً في البلى والخلوقة ، وانخرط في سلك حمار طياب ، وشاة سعيد ، وضرطة وهب ، وأير أبي حكيمة . ومن نوادر ما قال فيه : يا ابنَ حَرْبٍ كَسَوْتنِي طَيْلَساناً . . . أمْرَضْته الأوجاعُ فهْو سَقِيمُ وإذا ما رَفَوْتُه قال سُبْحا . . . نَك مُحْيي العظامِ وهْي رَمِيمُ قلت : ومثله في الشهرة ، ثوب المالقي ، وفروة ابن نباتة ، وصوف ابن مليك .
السيد أحمد بن محمد الأنسي
شاعر صنعاء المفلق ، وشهاب أفقها المتألق . تعانى الأدب حتى سما بإحرازها ، فإذا نشرت حللها الصنعائية فهو طراز طرازها . وكان له عند أئمتها قدرٌ لا يجهل ، واعتناءٌ لا يكاد حقه يهمل أو يمهل . ثم قدم مكة ومدح شريفها ، ونال من المفاخر تليدها وطريفها . فكان غرس نعمه ، الذي سقاه كرمه سائغاً هنيا ، فأثمر قولاً جنيا . وحسامه الذي حلاه ، فأهدى إليه من حلاه . وحظي حظوةً ما زال في خيرها إلى الممات يتقلب ، واشتهر شهرةً أنست شهرة أخي العرب قدم على آل المهلب . وقد أثبت من أشعاره ما يستغني في إحكام صنعته عن الحجة والبرهان ، ويدل على أن قائله حاز في ميدان البراعة مزية الرهان . فمن ذلك رائيته المشهورة التي مدح بها الشريف زيدا ، وبلغني أنه أجازه عليها ألف ذهبٍ ، وعبداً ، وفرسا : سَلُوا آلَ نُعْمٍ بعدَنا أيُّها السَّفْرُ . . . أعندهمُ عِلْمٌ بما صنَع الدهرُ(3/307)
"""""" صفحة رقم 308 """"""
تَصَدَّى لِشَتِّ الشَّمْلِ بيني وبينها . . . فمنزليَ البَطْحا ومَنْزلُها القَصْرُ رآنِي ونُعْماً لاهِيَيْن فغالَنا . . . فشَلَّتْ يدُ الدهرِ الخَؤُونِ ولا عُذْرُ فواللّهِ ما مَكْرُ العَدُوِّ كمَكْرِهِ . . . ولكنَّ مَكْراً صاغَه فهو المَكْرُ فقُولاَ لأحْداثِ الليالي تمَهّلِي . . . ويا أيُّهذا الدهرُ مَوْعِدُك الحَشْرُ سلامٌ على ذاك الزمانِ وطِيبِه . . . وعيشٍ تقضَّى لي وما نبَت الشَّعْرُ فتلك الرياضُ الباسِماتُ كأنّ في . . . عَواتِقها من سُنْدُسٍ حُلَلٌ حُمْرُ تنَضّد فيها الأُقْحُوانُ ونَرْجِسٌ . . . كأعْيُنِ نُعْمٍ إذْ يقابلُها الثَّغْرُ كأنَّ غصونَ الوردِ قُضْبُ زَبَرْجَدٍ . . . تُخالُ من الياقوتِ أعْلامُها الحُمْرُ إذا خطَرْت في الرَّوضِ نُعْمٌ عَشِيَّةً . . . تَفاوَح من فَضْلاتِ أرْدانِها العِطْرُ وإن سحَبْت أذْيالها خِلْتَ حَيَّةً . . . إلى الماءِ تَسْعَى ما لأَخْمَصِها إثْرُ كَساهَا الجمالُ اليُوسُفُِّ مَلابِساً . . . فأهْوَنُ مَلْبوسٍ لها التِّيهُ والكِبْرُ فكم تخْجَلُ الأغْصانُ منها إذا انْثَنتْ . . . وتُغضِي حياءً من لواحِظِها البُتْرُ لها طُرَّةٌ تكْسُو الظَّلامَ دَياجِياً . . . على غُرَّةٍ إن أسْفَرتْ طلعَ الفَجْرُ وجِيدٌ من البِلَّوْرِ أبْيضُ ناعمٌ . . . كعُنْقِ غَزالٍ قد تكنَّفَها الذُّعْرُ ونحر يقول الدُّرُّ إن به غِنىً . . . عن الحَلْيِ لكنْ بي إلى مثلِه فقرُ وحُقَّانِ كالكافورِ نَافَ عَلاهُما . . . من النَّد مِثْقالٌ فنَدَّ به الصَّبْرُ قلت هذا الند ند عن الند . رُوَيْدَك يا كافورُ إن قُلوبَنا . . . ضِعافٌ وما كُلُّ البلادِ هي المِصْرُ بَدا القَدُّ غُصْناً باسِقاً مُتأوِّداً . . . على نَقَوَىْ رَمْلٍ يطوفُ به نَهْرُ يكاد يدُقُّ الخَصْرَ من هَيَفٍ به . . . رَوادِفُها لولا الثَّقافةُ والهَصْرُ لها بَشرٌ مِثلُ الحريرِ ومَنْطِقٌ . . . رَخِيمُ الحَواشِي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ رأتْني سَقِيماً ناحِلاً وَالهاً بها . . . فأدْنَتْ لها عُوداً أنَامِلُها العَشْرُ وغنَّتْ ببيتٍ يلْبَثُ الرَّكْبُ عنده . . . حَيَارى بصَوْتٍ عنده يرقُص البَرُّ إذا كنتَ مَطْبوباً فلا زلْتَ هكذا . . . وإن كنتَ مَسْحوراً فلا بَرِىءَ السِّحْرُ فقلتُ لها واللّهِ يا ابْنَةَ مالكٍ . . . لَمَا شَفَّنِي إلاَّ القطيعةُ والهجرُ رَمَتْنِي العيونُ البابِلِيَّاتُ أسْهُماً . . . فأقْصَدنِي منها سهامُكمُ الحُمْرُ فقالتْ وألْقتْ في الْحَشَا من كلامِها . . . تأجُّجَ نارٍ أنت من مُلْكِنا حُرُّ فواللّهِ ما أنْسَى وقد بكَرتْ لنا . . . بإبْرِيقِها تسعَى به القَيْنةُ البِكْرُ تدُور بكاساتِ العُفارِ كأنْجُمٍ . . . إذا طلعَتْ من بُرْجِها أفَلَ البَدْرُ(3/308)
"""""" صفحة رقم 309 """"""
نَدامايَ نُعْمٌ والرَّبابُ وزَيْنَبٌ . . . ثلاثُ شُخوصٍ بيْننا النظمُ والنثرُ على النَّأيِ والعودِ الرَّخِيمِ وقَهْوةٍ . . . يُذكِّرها ذَنْباً لأقْدامِنا العَصْرُ فتقْتصُّ من ألْبابِنا وعقولِنا . . . فلم نَدْرِ هل ذاك النُّعاسُ أو السُّكْرُ مُعتَّقةٌ من عهدِ عادٍ وجُرْهُمٍ . . . ومُودِعها الأدْنانَ لُقْمانُ والنَّسْرُ مُشَعْشَعةٌ صَفْرا كأن حَبابَها . . . على فُرُشٍ من عَسْجدٍ نُثِرَ الدُّرُّ إذا أُفْرِغتْ في الكأسِ نُعْمٌ وأخْتُها . . . تَشابَه من ثَغْرَيْهما الرِّيقُ والخَمْرُ خَلا أن رِيقَ الثَّغْرِ أشْفَى لِمُهْجتِي . . . إذا ذاقَه قلبي الشَّجِي بردَ الجَمْرُ وأنْفَعُ دِرْياقٍ لمَن قتَل الهوى . . . فهاتِ ارْتِشافَ الثَّغْرِ إن سَمَحَ الثَّغْرُ بهذا عرفْنا الفرقَ ما بين كأسِها . . . وبين مُدامِ الظَّلْمِ إن أشكلَ الأمْرُ فواللّهِ ما أسْلُو هَواها على النَّوَى . . . بَل إن سلاَ بذْلَ النَّدَى الملكُ القَسْرُ أبو حسنٍ زيدُ المَكارمِ والتقى . . . له دون أمْلاكِ الورى المجدُ والفخرُ إذا ما مشَى بين الصُّفوفِ تزَلْزَلتْ . . . لِهَيْبتهِ الأمْلاكُ والعَسْكرُ المَجْرُ وترْجُف ذاتُ الصَّدْعِ خَوْفاً لِبأْسِهِ . . . فَيْندكُّ أطوادُ المَمالكِ والقَفْرُ فلو قال للبحرِ المُحيط ائْتِ طائعاً . . . أتاه بإِذْنِ اللّهِ في الساعةِ البَحْرُ على جُودِه من وَجْهِه ولسانِه . . . دليلان للوفْدِ البشاشةُ والبِشْرُ فما أحنفٌ حِلْماً وما حاتمٌ نَدىً . . . وما عنْترٌ يومَ الحقيقةِ ما عَمْرُو هو الملِك الضَّحَّاكُ يوم نِزالِه . . . إذا ما الجبانُ الوجه قَطَّبه الكَرُّ لقد قَرَّ طَرْفُ المُلْكِ منه لأنَّه . . . لَديْه النَّوالُ الحُلْوُ والغضبُ المُرُّ أنِخْ عنده يا طالبَ الرِّزْقِ فالذي . . . حَواه أنُوشِرْوانَ في عيْنهِ نَزْرُ ولا تُصْغِ للعُذَّالِ أُذْناً وإن دَنَوْا . . . بأحْسابِهم منهم فما العبدُ والحُرُّ وهل يسْتوِي عَذْبٌ فُراتٌ مُرَوَّقٌ . . . ومِلْحٌ أُجاجٌ لا ولا التِّبْنُ والتِّبْرُ فلو سمعتْ أُذْنُ العِدَى بهِباتِه . . . إذا جاد لاسْتحْيتْ ولكنْ بها وَقْرُ مَلِيكٌ إليه الإنْتهاءُ وقَيْصَرٌ . . . يُقصِّر عنه بل وكِسْرَى به كَسْرُ مَلِيكٌ له سِرٌّ خَفِيٌّ كأنما . . . يُناجِيه بالغيْبِ ابنُ داودَ والحَبْرُ فإن كذَّبوا أعْداءُ زيدٍ فحسْبُه . . . من الشاهدِ المَقبولِ قِصَّتُه البِكْرُ لَياليَ إذ جاء الخَصِيُّ وأكْثروا . . . أقاويلَ غَيٍ ضاق ذَرْعاً بها الصَّدْرُ فأيْقظَه من نَوْمِه بعد هَجْعةٍ . . . من الليلِ بيْتٌ زاد فَخْراً به الشِّعْرُ كأنْ لم يكنْ أمْرٌ وإن كان كائنٌ . . . لكانَ به أمْرٌ نفى ذلك الأمْرُ وفي طَيِّ هذا عِبْرةٌ لأُلي النُّهَى . . . وذِكْرَى لمن كانت له فِطْنةٌ بِكْرُ(3/309)
"""""" صفحة رقم 310 """"""
فيا زيدُ قُلْ للحاسدين تحفَّظوا . . . بغَيْظِكمُ أن لا يُطيعَكمُ الصَّبْرُ فمَجْدِي كما قد تعلمون مُوثَّلٌ . . . وكلُّ حَمامِ البَرِّ يقْنِصُها الصَّقْرُ مِن القومِ أرْبابِ المَكارم والعُلَى . . . مَيامِينُ في أيْديهمُ العُسْرُ واليُسْرُ مَسامِيحُ في الأَوْلَى مَصابيحُ في الدُّجَى . . . تَصافَح في مَعْناهمُ الخيرُ والشَّرُّ أسِنَّتُهم في كلِّ شرقٍ ومَغْرِبٍ . . . إذا ورَدتْ زُرْقٌ وإن صَدَرَتْ حُمْرُ مَساعِيرُ حربٍ والقَنا مُتشاجِرٌ . . . ويوم النَّدَى تبْدو جَحاجِحَةٌ غُرُّ وَلِيدُهمُ ألقَى الملوكُ لأمْرِه . . . تقولُ لبَدْرِ التِّمِّ ما أنْصَف الشَّهْرُ بنِي حَسَنٍ لا أبْعَدَ اللّهُ دارَكمْ . . . ولا زال مُنْهَلاً بأرْجائِها القَطْرُ ولا زال صَدْرُ الدَّسْتِ مُنْشَرِحاً بكمْ . . . فمنكم وُلاةَ البيتِ ينْشرحُ الصدرُ قلت : وقد ترجمه صاحب السلافة ، وقال فيه : ورد مكة ، فمدح سلطانها السيد زيدا ، بقصيدةٍ طويلة الذيل ، فأجازه عليها جائزةً سنية النيل . على أن نظام أبياتها غير مؤتلف ، وانتساق معانيها يتفاوت ويختلف . فهي كما قيل : درةٌ وآجرة ، وقحبة تجاورها حرة . ثم أورد المقدار الذي ذكره من القصيدة ، مع التعقبات التي في أثنائها ، والاعتراضات التي طمست من سناها لا سنائها . فإن محاسن محاسنها أثر فيها ذلك القدح ، وجلالة قدرها مشيدةٌ بمدح الشريف وشريف المدح . وأقول : كأن ابن معصوم لم يظفر من شعر الأنسي إلا بهذه القصيدة ، التي أظهر فيها نقده . على أن شعره كثير ، وفضله أثير ، وجياد كلامه لنقع البلاغة لم تزل تثير . قال : قوله : فوالله ما مكر العدو . . إلخ هذا البيت ساقطٌ ، ويتلوه ما بعده . يشير بذلك إلى الأبيات الثلاثة التي بعده . أقول : ليس في هذا البيت عيبٌ إلا تكرار لفظ المكر ؛ فإن التكرار مخلٌّ بالبلاغة إن أدى إلى التنافر كما بينوه ، وأما من حيث المعنى فهو مستقيم ؛ لأنه لما ذكر أن الدهر معاندٌ له ، أثبته عدواً ، ونسب إليه المكر به ، كما هو شأن العدو ، وادعى أن مكره أشد من مكر العدو ، على طريق المبالغة في وصفه بذلك . وقوله : هو المكر ؛ أي هو الذي يستحق أن يسمى مكراً ، كأن غيره بالنسبة إليه لا يسمى مكراً .(3/310)
"""""" صفحة رقم 311 """"""
وأما قوله : فقولا لأحداث الليالي . . إلخ ، فلا يظهر وجه سقوطه ؛ لا من حيث اللفظ ، ولا من حيث المعنى ، وهو خارج مخرج التظلم من الدهر . نعم قوله : فتلك الرياض ظاهر السقوط . قال : وهو ملحون القافية ، إذ صوابها النصب . قوله : وإن سحبت أذيالها خلت حية ، هذا من قبيح التشبيه ، على ما فيه من الخلل . قلت : اعتراضه عليه ليس فيه خفاء . قوله : وصحنان خد . إلخ ، ملحون أيضاً ، وفيه تشبيه المثنى بالجمع . وقوله : وما كل البلاد هي المصر . قال : أدخل لام التعريف على مصر ، وهي علمٌ للبلدة المشهورة وهو غير جائز . قوله : لها بشر مثل الحرير ، هذا البيت من قصيدة ذي الرمة المشهورة ، وقد انتحله من غير تنبيه على ذلك . قلت : بعد إثبات الشهرة لا يحتاج إلى التنبيه . وفي قوله : قد انتحله من غير تنبيه على ذلك ، غفلةٌ ، فإن من ينتحل شيئاً لا ينبه على انتحاله . قال : وإنما نبهت على ذلك كله لأن بعض أهل العصر يغالي في استحسانها ، زاعماً أنها من أعلى طبقات الشعر ، وليس كما توهم . قلت : يكفيها شهادته بأنها من أعلى الشعر ، فهي شهادةٌ بعالٍ من علي ، والحق أن حسن مساقها واضحٌ جلي . وقوله فيها : كأن لم يكن أمر وإن كان كائن . لهذا البيت قصةٌ ، وهي : أنه كان ورد مكة رجلٌ يقال له بشير ، ومعه أوامر من السلطان مراد ، بأنه مطلق التصرف ، وكان في ظنه أنه يعزل الشريف زيداً عن منصبه ، فلما وصل إلى ينبع ، ظهر خبر موت السلطان ، فلم يتم له أمرٌ . وكان الشريف زيد : رأى في المنام ، كأن شخصاً ينشده هذا البيت : كأنْ لم يكنْ أمْرٌ . . . . . . . . . . . . إلى آخره فانتبه ، وكتبه بالسواك على رمل ، في صحن نحاس ، خشية النسيان . وكانت هذه الرؤيا في الليلة التي أسفر صباحها عن الخبر ، فنظم الأنسي القصيدة ، وأدرجه فيها .(3/311)
"""""" صفحة رقم 312 """"""
وله هذه الكافية ، في مدح الشريف المذكور أيضاً ، وأولها : مِن قبلِ رُؤْياك يا رَيَّا عَرفْناكِ . . . أهْدَى النسيمُ قَبُولاً طِيبَ رَيَّاكِ ونَفْحة جابتِ الآفاقَ منكِ فلم . . . يبْقَى على المِسكِ ذِكْرَى بعدَ ذِكْراكِ كم بَلْبَلَ البَالَ منها بُلْبُلٌ سَحَراً . . . وهل مَغانيه إلا بعضُ مَغْناكِ وأطْربَ العِيس حَادٍ في مَفازَتِها . . . تحت الدُّجَى حين غَنَّاها بمَغْناكِ حَلَلْتِ نَجْداً فطابتْ منكِ أرْبُعُهُ . . . وأصْبحَ التُّرْبُ تِبْراً بعد مَمْشاكِ وخالطَتْ مَجَّةٌ منك العُذَيْب وما . . . عِلْمِي به قبلُ لولا نَفْثُ مِسْواكِ عِمِي صباحاً مَغانِي الغانياتِ ولا . . . تنْفَكُّ نعم تغذ أيدي نُعْماكِ أين العهودُ التي كانتْ مُؤكَّدَةً . . . إيَّاك أن تنْقُضِيها بعدُ إيَّاكِ نعِمْتِ يا نُعْمُ بَالاً بعدَنا ولنا . . . بالٌ يُبَلْبِلُه ذِكْرى مُحيَّاكِ إن كُنَّ أرْبُعِك الَّلاتي زهتْ وهَزَتْ . . . بأرْبعٍ من جِنانِ الخُلْدِ مَأْواكِ فيهِنَّ عَيْنانِ من شُهْدٍ ومن لَبَنٍ . . . نَضَّاخَتانِ فمِن عَيْنَيَّ عَيْناكِ والمُنْحنَى من ضُلوعِي لم يزلْ أبداً . . . مَثْواكِ والقلبُ لا ينْفكُّ مَرْعَاكِ لولاكِ ما قلتُ بيْتاً في النَّسيب ولا . . . جَفا جُفونِي كَراها غِبَّ مَسْراكِ ولا لَقِيتُ من الوَجْدِ المُبرِّح ما . . . يَرُضُّ رَضْوَى فهل باللّهِ أرْضاكِ نَزلْتِ نَجْداً وأضْحَى مَنْزلي بمِنىً . . . حتى متى يا تُرَى باللّهِ ألْقاكِ ولي بَقايَا حُشاشاتٍ أضِنُّ بها . . . عَسَى عَسَى تتلاقاها مَطايَاكِ وفي فؤادِيَ أسْرارٌ تضمَّنها . . . من الصَّبا حبَّذا إيداعُها فاكِ لا وَاخَذ اللّهُ أيْدِي العِيسِ قد جمَعتْ . . . بعائدِ الصِّلةِ المَشْكُوَّ والشّاكِي يا ربَّةَ الخْالِ والخَلْخالِ طَيْفُ خَيا . . . لٍ منك يشْفِي خليلاً وجْدُه ذَاكِ وبارِقٌ برَقتْ لي من ثَنِيَّتِه . . . منك الثَّنايا فأضْحَى أيّ ضَحَّاكِ فمتِّعِيه به ما عاشَ وابْتَعِثي . . . دِماه لا تعْدميه لا عَدِمْناكِ سقَى ورَوَّى وحَيَّى للرَّبابِ مُلِثٌّ . . . للرَّبَابِ الرُّبى رَيَّا بذِكْراكِ حتى يُقال لمَعْناها لقد رَحِمَ الضَّ . . . حَّاكُ يا قوم هذا العارِضَ الباكِي وحاكَ منها بُروداً ثم فَوَّفَها . . . بكلِّ لَوْنٍ فأعْيَى وَضْعُها الْحَاكِي كأن زيداً أطال اللّه مُدَّتَه . . . أمَدَّ بعضُ مُحَيَّاه مُحيَّاكِ فهْو الذي يدُه البَيْضا وصَنْعتُها . . . نَسْجُ المَكارِم من إبَّانِ إدْراكِ ما بأسُ عمرٍو وما هَمُّ ابنِ ذي يَزَنٍ . . . وما سياسةُ سَاسانٍ وإيناك ما زال لا زال يَطْوِي كلَّ مُنْتَشِرٍ . . . من المَمالك في عُرْبٍ وأتْراكِ(3/312)
"""""" صفحة رقم 313 """"""
حمَى به الحَرميْن اللّهُ فامْتنعَا . . . عن مُلْحِدٍ وأثيمٍ بل وهَتَّاكِ فَأَمَّتِ الأُمَمُ البيتَ الحرامَ على اخْ . . . تلافِها لم يَخفْ سِرْبٌ لنُسَّاكِ سِنانُه لم يزَلْ يُدْعَى وصارِمُه . . . بفاطِرٍ وبسَفَّاحٍ وسَفَّاكِ هو الأمينُ ولكن ليس يخدمُه ال . . . مأمونُ إن غَمزتْ عَيْنٌ لأفَّاكِ سَلْ عنه مكةَ هل مَلْكٌ تَسَلْطَنَ يحْ . . . كي منه زيداً بها من قبلهِ حَاكِ وهل لطائرِه المأمونِ من مَثَلٍ . . . فيمن تقدَّم سَلْ سَلْعاً وذي الداكِي كم طاب في طَيْبَةٍ رَبْعٌ لِمُرْتبِعٍ . . . كَساه بُرْدَ ربيعٍ عَدْلُه الزَّاكِي إن ينْتقِلْ عنك جَوْرُ يَثْرِبٍ فلا غرْ . . . وَ فقد ثقلتْ من قبْل حُمّاكِ زيدٌ هو الجوهرُ الفَرْدُ الذي انْعَقدتْ . . . له العِنايةُ في أثْناءِ شبَّاكِ منها : مَن لي برُؤْية زيدٍ مَن يُبلِّغنِي . . . مَن لي ببَسْطِ يدٍ من قبلِ إدْراكِ أعوذُ باللّهِ من عَجْزٍ يُحوِّلَ عن . . . ازْديارِ مَن سَكَن الزَّوْراءَ نَهَّاكِ يا ربِّ بالبيتِ زِدْ زيدَ المكارمِ تَعْ . . . ميراً وعِزّاً وصِلْ من حَبْلِيَ الوَاكِي ثم الصلاةُ على المختارِ من مُضَرٍ . . . وآلهِ ما انْطَوَتْ أشْراكُ إشراكِ
ولده أحمد
سره الذي بدا ، وأطل روضاً متروياً بطلٍ وندى . لقيته بمكة يصطبح الحظ ويغتبق ، وثناؤه ما بين أدبائها عبق . وعندهم أشعاره ناطقةٌ بتبريزه ، واستيلائه من معدن الأدب على إبريزه . وأنا على ذلك من الشاهدين ، وما شهدت إلا وأنا من المشاهدين . وأما عشرتي معه فما زلت أذكرها ، وبلسان الإخلاص أحمدها وأشكرها . فقد رأيت منه خلاً طبعه مصفى ، ومشربه من ريق الشؤبوب أصفى . ومما خاطبته به ، هذه الأبيات : أأحمدُ يا مَن صَحَّ عندِيَ وُدُّه . . . ووُدِّي لديه صَحَّ عندِي ببُرْهانِ كِلانَا على أنِّي الغريبُ وأنك الْ . . . غريبُ ولا دَعْوَى هناك برُجْحانِ وإني وإيَّاك الحياةُ وجِسْمُها . . . كِلانَا على الإخلاصِ مُتَّفقانِ عجبتُ لوُدٍ بيننا مَعْ تبايُنٍ . . . فإنِّيَ قَيْسِيٌّ وأنتَ يَماني رفيقان شَتَّى ألَّفَ الدهرُ بيننا . . . وقد يلْتقِي الشّتَّى فيأْتلِفانِ وقد أهدى إلي قصيدةً ، يمدح بها كتابي هذا ، وأنشدنيها ونحن في السردارية ، المنتزه البهج ، صحبة جماعةٍ صقلوا العشرة بطبعهم الرهج .(3/313)
"""""" صفحة رقم 314 """"""
وهي قوله : لشمسِ المَعالي والبلاغةِ إشْراقُ . . . وللنظمِ من بعد التَّقَيُّدِ إطْلاقُ فريحانةُ المولى الخفاجِيّ عَرْفُها . . . برَوْضٍ من الآدابِ والعلمِ عَبَّاقُ ويا حبَّذا ذيلٌ كساها مُحَمَّدٌ . . . سُلالةُ فضل اللّهِ مَن هُوَ سَبَّاقُ وذلك فضلُ اللّهِ يُؤْتيه مَن يشَا . . . وحَسْبُك أن الفضلَ والعلمَ أرْزاقُ لقد فاق مولانا الأمينُ مُؤرِّخاً . . . لقومٍ لما تحْوِي التواريخُ قد فاقُوا بأوْراقِهِ زِينَتْ قُدودُ عُلاهُمُ . . . كما زانتِ الأغْصانَ في الرَّوضِ أوراقُ وأحْكَم في تأْليفهِ مُتفنِّناً . . . وأبْدَعَ حتى قيل ذلك إغْراقُ بإغْراقِه قد أصبح الغيثُ غارِقاً . . . وللغيثِ إرْعادٌ هناك وإبْراقُ وفي بحرِه غار العُبابُ حَقارةً . . . وهيهات للْبرقِ اليمانِيِّ إلْحاقُ فإن يُغْلِق الفتحُ بنُ خاقانَ بابَه . . . فحُقَّ له من بعد ذلك إغْلاقُ به فارقتْ تلك القلائد جِيدَها . . . وليس إلى ذكرِ الخريدةِ مشتاقُ ودَعْ عنك آدابَ السُّلافة بعده . . . فليس لكاساتِ السلافة إدْهاقُ يحِقُّ لهذا الذيلِ إن قال تائِهاً . . . أنا الرَّأْسُ والريحانة الخُفُّ والسَّاقُ كأن رِياضاً ما حَواه قِمَطْرُه . . . فعَنْ طَيِّه نَشْرُ اللطائفِ خَفّاقُ كأن معانيه معانٍ لمَعْبَدٍ . . . يُجاوبُه مهما ترنَّم إسْحاقُ كأن به هاروتَ ينْفُث سِحْرَهُ . . . فلِلْقَوْمِ إصْغاءٌ إليه وإطْراقُ كأن ذوِي الآدابِ عند سَماعِه . . . وقد ثمِلُوا صَرْعَى مُدامٍ فما فاقُوا كأن التَّواريَ والجِناسَ خرائدٌ . . . تُشاهدها في موقفِ الأُنْسِ عُشَّاقُ كأن سَوادَ الحِبْرِ فوقَ بياضِه . . . وقد زانَه سحرُ البلاغةِ أحْداقُ طَلاسِمُ أفكارٍ تخُطُّ لناظرٍ . . . دَيابِيجُها حولَ التَّراجِم أَوْفاقُ تَداوَى به الأذْهانُ من داءِ عِيِّها . . . وتلك لداءِ العِيِّ طِبٌّ ودِرْياقُ فقُلْ للأمين الأفضلِ السَّيِّد الذِي . . . له في العُلَى قَدْران خَلْقٌ وأخْلاقُ لكَ اللّهُ قد جُزْتَ الكواكبَ راقِياً . . . وهل مجدُك السَّامِي لقَوْلِيَ مِصْداقُ وأطْلَعْتَ للآدابِ شمساً بنُورِها . . . تبلّج من ليلِ الجَهالةِ آفاقُ وضَعْتَ لأبْناءِ الزمانِ قلائداً . . . تُطوَّق منها للمفاخِرِ أعْناقُ ولا عَجَبٌ أن يُظهِر الفضلَ نَجْلُه . . . وأن يقْذِفَ الدُّرَّ الذي فيهِ دَفَّاقُ ودونَك منِّي عن ذوِي الشِّعْرِ مِدْحةً . . . سَبائكُها للجدِّ تاجٌ وأطْواقُ لقد زَانَ نَوْعُ الافْتتانِ نِظامَها . . . وما فاتَها مَعْ رِقَّةِ اللفظِ إفْلاقُ(3/314)
"""""" صفحة رقم 315 """"""
أجَزْناك مَدْحاً يا فريدَ زمانِنا . . . ليُقْضَى به حَقٌّ ويُحفَظَ مِيثاقُ وصلَّى على المُختارِ ما هبَّتِ الصَّبا . . . وما باكَر الرَّوضَ المُفَوَّفَ غَيْداقُ وكتبت إليه أمدحه بقولي : بين النُّهُودِ ومَعْقِد البَنْدِ . . . طعناتُ صائلةِ القَنا المُلْدِ فاحْذَرْ هنالك من رَنَا مُقَلٍ . . . يصْرَعْنَ مَن يُبْصِرْنَ عن عَمْدِ وأنا الفِداءُ لمَن بناظرِهِ . . . وأنا السّقامُ مُجاوِر الحَدِّ طَوْعاً إذا ما رام سَفْك دَمِي . . . لكنْ أخافُ يكون عن صَدِّ صَنَمٌ لبِستُ الغَيَّ فيه فلا . . . أدْرِي أغَيِّي ضَلَّ أم رَشَدِي عَقَدَ النِّطاقَ وحَلَّ مُصْطَبَرِي . . . فذهبتُ بين الحَلِّ والعَقْدِ قد أشْرقَتْ من نُورِ طَلْعَتِه . . . شمسُ الضحى في طالعِ السَّعْدِ كُسِفتْ نجومُ الأُفْقِ حين بَدَا . . . فنثَرْنَ خِيلاناً على الخَدِّ جسدٌ يذُوبُ لَطافةً وله . . . قلبٌ بدَا في قَسْوةِ الصَّلْدِ أشكُو النُّحول لخَصْرِه غِلَظاً . . . فيقول هذا كله عندِي مِن أضْلُعِي نارُ الغَضَا سكنَتْ . . . في المُنْحَنَى والدمعُ في نَجْدِ لا تعجبِي يا سَلْمُ مِن حُرَقٍ . . . أظْهَرْتُها خوفاً من البُعْدِ فالعَنْدَلِيبُ ينُوح حين يرَى . . . عدمَ الوفاءِ له من الوَرْدِ شِيَمُ المَلِيحِ عَرفْتُها وأنا . . . في كلِّ حالٍ ثابتُ العهدِ مَن كان يأمُل أن يُزهِّدَني . . . فيه فإنِّي زاهدُ الزُّهْدِ إنِّي شُغِفْتُ به كما شُغِفَتْ . . . بصفاتِ أحمدَ ألْسُنُ الحَمْدِ نَدْبٌ حوَى الفضلَ التَّمامَ وقد . . . بلغَ العُلَى مُذ كان في المَهْدِ فَرْدُ الزمانِ فإن نظَرْتَ تَجِدْ . . . كلَّ الفضائلِ منه في فَرْدِ إن عُدَّ فخرٌ كان أوَّلَ مَن . . . عُقِجتْ عليه العَشْرُ في العَدِّ عَذْبُ الفكاهةِ في بَداهَتِه . . . كَلِمٌ غدَتْ قطعاً من القَنْدِ وله بَنانٌ كلَّما كَتبتْ . . . نظَمتْ دَرارِي الشُّهْبِ في عِقْدِ مِن كل سَطْرٍ كالعِذارِ إذا . . . ما لاح فوق عَوارِضِ المُرْدِ لو عاينَ النَّظَّامُ أحْرُفَه . . . لَدرَى وجودَ الجوهرِ الفَرْدِ مولايَ أنت أجَلُّ مَن نطقَتْ . . . فيه المدائحُ من ذَوِي المَجْدِ(3/315)
"""""" صفحة رقم 316 """"""
خُذْها إليك كريمةً بلغتْ . . . في الوصفِ أقْصَى غايةِ الجُهْدِ واعْذِرْ قُصورِي في المديح فما . . . تُحْصَى رمالُ الأرضِ بالعَدِّ لا زلْتَ في عِزٍ وفي دَعَةٍ . . . فبَقاكَ فينا غايةُ القَصْدِ وأنشدني أشعاراً كثيرة ، منها هذه القصيدة ، قال : كتب بها إلى علي بن أحمد ابن أبي الرجال : متى منك طِيبُ الوصلِ يدنُو ويقْرُبُ . . . ويسهُل من لُقْياك ما كان يصْعُبُ وترحمُ صَبّاً صَبَّ صَبّاً دُموعَه . . . لفَرْطِ الهوى من مَدْمَعٍ ليس ينضُبُ وما دمعُه الجارِي سوى قلبِه الذي . . . بجَمْرِ الهوى قد ذاب وهْو المُذَبْذَبُ رُوَيْدكَ قد عذَّبتَ بالبَيْنِ مُهْجتِي . . . وليس عَذابي لو ترفَّقْتَ يعْذُبُ بلِينِ قَوامٍ منك لِنْ لِمُتيَّمٍ . . . فؤاداً وراقِبْ من لَطيْفِك يرقبُ وبالجِيدِ جُدْ بالوصلِ يا رِيمَ رَامةٍ . . . فقد جَدَّ بي وَجْدٌ من النَّأْيِ مُتْعِبُ وباللَّحْظِ إلا ما تُرَى لي مُلاحِظاً . . . وترحمُ قلباً في هَواكَ يُقلَّبُ ألا إنَّ فَنَّ الحبِّ فَنٌّ رَضِيتُه . . . وقد صَحَّ لي فيه اعْتقادٌ ومَذْهَبُ وما كلُّ مَن يصْبُو مُصابٌ بدِينِه . . . ولا كُلُّ مَن قال التَّغَزُّلَ يُثْلَبُ ولا كلُّ مَن يُنْشِي القَرِيضَ بشاعرٍ . . . ولا كلُّ شِعْرٍ قيل شِعْرٌ مُهذَّبُ إذا لم يَحُزْ مَدْحاً لأحمدٍ الذي . . . به المَثَلُ المشْهورُ في الناس يُضْرَبُ فتىً طاب إكْراماً وفَضْلاً وسْؤْدداً . . . كما طاب في بَذْلِ النَّوالِ له أَبُ فأجبته بقولي : هو الدهرُ لا ما قيل في الكذبِ أشْعَبُ . . . يُمَنِّيك بالإسْعادِ حِيناً ويكذِبُ عَدِمْناه دَهْراً فيه قد عُدِمَ الوفَا . . . فما ينْقضِي فيه لِذِي الحُبِّ مأْرَبُ يُكدِّرُ وِرْدَ العَيْشِ بعد صَفائِه . . . وإنْ مَا كَسَا ثَوْباً من العِزِّ يسلُبُ ألم تَرَنِي بُدِّلْتُ بالأُنْسِ وَحْشةً . . . فما راق لي من مَشْرَبِ الحُبِّ مَشْرَبُ تُنادِمني بعد النّدامَى نَدامَةً . . . وأبْكِي على رَبْعِ الأحِبَّا وأنْدُبُ أهِيمُ هَوىً ما بين شَرْق ومغربٍ . . . وجَفْنِيَ شَرْقٌ للدموعِ ومَغْرِبُ كواكبُ دَمْعٍ كلَّما انْقَضَّ كوكبٌ . . . من الأُفْقِ بَارَاه من الدمعِ كَوْكَبُ يذكِّرني بدرُ الدجى مَن أوَدُّه . . . وقد حفّه من فاحِم الشَّعْرِ غَيْهَبُ وأذكرُ بالبَرْقِ الّلموعِ ابتْسامَهُ . . . فتحْكِي دموعِي سُحْبَه حين تسكُبُ فَمَرْجانُ دمعِي وهْو إذ ذاك أحْمَرٌ . . . إذا سال في مُصْفَرِّ خدّك كَهْرَبُ وفيه مُراعاةُ النَّظيرِ لجَوْهرٍ . . . فُتِنْتُ به من ثَغْرِه وهْو أشْنَبُ(3/316)
"""""" صفحة رقم 317 """"""
وما الْبانُ إلاّ ما حَواه قَوامُه . . . له عَذَبٌ منها فُؤادِي مُعَذّبُ فما بسِوَى ذاك الغزالِ تغزُّلِي . . . ولا بِسوى عهدِ الشّباب أُشَبِّبُ وإن تُطْرِبِ الألْحانُ غيري فإنني . . . إلى لَفْظِه أصْبُو غَراماً وأْرَبُ لألْحاظِه في القلبِ صَوْلَةُ ضَيْغَمٍ . . . فقُل فيه لَيْثٌ فاتِكٌ وهْو رَبْرَبُ بَهِيُّ المُحَيَّا قد حَلاَ لي جَمالُه . . . ومَدْحُ جمالِ الدِّين أحْلَى وأعْذَبُ له الكلماتُ الرَّائقاتُ كأنها . . . ثَنايا حَبِيبٍ أو جُمانٌ مُثقَّبُ إذا شاءَها كانت سُلافاً مُروَّقاً . . . وما كأسُها إلا البديعُ المُرتَّبُ تقول إذا هَزَّتْ يَراعاً بَنَانُه . . . أذلك رُمْحٌ أم حُسامٌ مُشَطَّبُ فكم رَاعَ جَيْشاً في الطُّروسِ يَراعُهُ . . . وكم رَدَّ مِن خَطْبٍ إذا هو يخْطُبُ جمالَ الهدى مُذْ غِبْتَ عنِّيَ لم أزَلْ . . . أُغالِبُ فيك الشوقَ والشوقُ أغْلَبُ ووُدُّك منِّي بالسَّوادَيْن نازِلٌ . . . من القلبِ والعَيْنَيْن ثَاوٍ مُطنِّبُ وإن أوْجَب الحالُ التَّنائِيَ عنكمُ . . . فإنِّي إليكم سوف أدْنُو وأقْرُبُ وما خَشْيتي ممَّا عرفْتَ وإنّما . . . بِعادُ الفتى عن مَرْبَعِ الضّيْمِ أصْوَبُ وفي السَّودةِ الغَنَّاءِ قد طاب مَسْكَنِي . . . وكلُّ مَحلٍ يُنْبِتُ العِزَّ طَيِّبُ أقمتُ بها في خَفْضِ عيشٍ ورِفْعةٍ . . . لأخْفِضَ بالإنْشاءِ قَوْماً وأنْصِبُ سأبعثُ في أثْناءِ كُتْبِي كتائباً . . . بأمْثالِها الأمْثالُ في الناسِ تُضْرَبُ سَلاهِبُ يتْرُكْنَ القوافِي قَوافِياً . . . إذا كَرَّمنها مِقْنَبٌ جاشَ مِقْنَبُ وهاكَ لِسانُ الحالِ عَنِّيَ ناطِقٌ . . . وعنْك بما قال الأديبُ المُجرِّبُ لَحَى اللّهُ ذِي الدنيا مَناخاً لراكبٍ . . . فكلُّ بعيدِ الهَمِّ فيها مُعذّبُ ألا ليتَ شِعْرِي هل أقولُ قصيدةً . . . ولا أشْتكِي فيها ولا أتَعتَّبُ وبي ما يذودُ الشِّعْرَ عنِّي أقلُّه . . . ولكنَّ قلبي يا ابْنَةَ القومِ قُلّبُ وخُذْها جواباً عن تَصَدِّي فكرةٍ . . . فما مثلُها إلا الصِّباء المُجرَّبُ وأنشدني أيضاً ، من قصيدة ، أولها : في عَبْرتي لكَ من وَجْدِي عِباراتُ . . . وفي الكِناياتِ عن وَصْفِي إشاراتُ بديعُ حُسْنِك يا مَن لا نَظِيرَ له . . . ما فيه لِلْوالِه المُضْنَى مُراعاةُ فطَرْفُه في انْسِجامٍ من مَدامِعِه . . . وقلبُه فيه للوَجْدِ اسْتِعاراتُ مُستخْدَماً لك لكنْ ما اكتفيْتَ به . . . بئس الجَزَا منك في الشّرْطِ الإساءاتُ(3/317)
"""""" صفحة رقم 318 """"""
فليت ليِتَكَ يَثْنِي الالْتفاتَ لكيْ . . . تسْتدرِكَ الصَّبَّ منك الالْتفاتاتُ فهْو الذي قد غدَا في حُبِّه مَثَلاً . . . وفَوَّفتْ نَظْمَه منك الجِناساتُ يَطْوِي وينشُر قلبِي من تَثَّنِتِه . . . بَرْقٌ له من ثَناياك ابْتساماتُ ومِن خُفوقِ فؤادي بل ورِقَّتِه . . . ونارِه ثَمَّ لِلْبَرْقِ ابْتساماتُ يا غايةَ السُّؤْلِ شَرْحِي في الغرامِ غَدَا . . . مُطَوَّلاً ما له فيه نِهاياتُ وأنت كَشَّافُ ما أُلْقِي وبَهْجتُه . . . فهَلْ لِمصباحِ وَجْدِي منك مِشْكاةُ حديثُ وَجْدِي قديمٌ والمَعاهِدُ لي . . . فيها الشَّواهِدُ تُمْلِي والمَقاماتُ أنتَ الشِّفاءُ وما بيْن الشِّفاهِ له . . . مَناهِلٌ عَذُبتْ فيها الرِّواياتُ عسَاك تسْمَحُ لي بالوَصْلِ مُنْعطِفاً . . . فكم لِعِطْفِك يا غُصْنُ انْعِطافاتُ بيْني وبينك في التَّشْبيهِ تَسْويةٌ . . . لولا اخْتلافٌ به تُفْضِي الصَّباباتُ وها نُحولِي شَبِيهُ الخَصْرِ منك وعنْ . . . سقامِ جَفْنَيْك أخبارِي صَحِيحاتُ ولُؤْلُؤُ الدمعِ منِّي حين أسْكُبُه . . . تَحْكِيه منك الثَّنايا اللُّؤْلُؤِيَّاتُ ونارُ خَدِّك في قلبي لها لَهَبٌ . . . لولا عِذارُك من حَوْلَيْه جَنَّاتُ من أجلِ طَرْفِك أهْوى كُلَّ مُنْصَلِتٍ . . . فكَم له صَوْلَةٌ فينا وفَتْكاتُ وكم أضَمُّ رِماحَ الخَطِّ حين حَكَتْ . . . مَنْصوبَ قَدِّك وهْي السَّمْهَرِيَّاتُ لِقَتْلِ أهلِ الهوى قد صار مُنْكَسِراً . . . يا لَلرِّجالِ لجَفْنٍ فيه كَسْراتُ نَقِيُّ خَدٍ إذا ما افْتَرَّ ضاحِكُه . . . بَدَتْ لقلبي من الأفراحِ راياتُ رُوحِي الفداءُ لبدرٍ إن سَرَى فله . . . في الطَّرْفِ والقلبِ أبْراجٌ وهَالاتُ لكنه إن تثَنَّى ذَابِلٌ وإذا . . . رَنَا فظَبْيٌ له في الأُسْدِ سَطْواتُ لَئِنْ تضِلَّ به ألْبَابُنا فلها . . . مَدْحُ الخليفةِ إن ضَلَّتْ هِداياتُ وأنشدني من أخرى ، مطلعها : لو كان أنْصفَك الهلالُ لأنْصَفا . . . لكن تكلَّف حُسْنَه فتكلَّفَا يا أيُّها الشمسُ التي أنْوارُها . . . لولا اكْتسابُ البدرِ منها أُكْسِفَا كم رام صَبُّك أن يكون بحُبِّه . . . بين المَلاَ مُتنكِّراً فتعرَّفَا صَبٌّ به صَبُّ المَدامعِ لم يزَلْ . . . يُبْدِي من الوجدِ المُبرِّحِ ما خَفَى وأراه بعد اليومِ إن لم يشْتفِي . . . بالوصل أو يُشْفَى يكون على شَفَا لا تسمعِ الشّانِي فشاني أدْمُعِي . . . يُنْبيك عن شاني بوَكَّافٍ كَفَى لشُهودِ دمعي من لِحاظِك جَارِحٌ . . . والسّقمُ يُثْبِتُ ما تقول وإن نَفَى أفْدِيك من مُتنوِّعٍ مُسْتمْنِعٍ . . . في كلِّ مُمْتنعِ الغرام تَصَرَّفَا(3/318)
"""""" صفحة رقم 319 """"""
مِسْكينُ حُبِّك أيُّها الغَانِي غَدَا . . . لصِلاتِ وَصْلِك في المَحبَّة مَصْرِفَا لولا ألِفْتُ لِقاكَ لم أكُ سائلاً . . . إن لم يكنْ لك سائلاً فمؤلَّفَا بقَوامِك الأَلِفيِّ وهْو ألِيَّةٌ . . . قد حاز للقَسَمِ الحروفَ وألّفَا وبواوِ صُدْغِك وهْو لو حَقَّقْتَه . . . للعطفِ إلاّ ما وصلتَ تعطُّفَا كتب الجمالُ على مُحيَّاك الذي . . . فَتَنَ العقولَ من المَحاسِنِ أحْرُفَا نونُ الحواجبِ ثم مِيمُ الثّغْرِ مَعْ . . . لامِ العِذَاريْن اللّذَيْن تألّفَا نَمْلٌ بها قد هامتِ الشُّعراءُ لَمَّ . . . ا سالَ سائِلُها وصارتْ زُخْرَفا سبحان مَن جعل الحديدَ فؤادَه . . . والنُّورَ طَلْعته وذاك المُصْحفَا يَرْوِيك إذ يرْوِي مُبرَّد ثَغْرِه الضّ . . . حَّاكِ عن عَذْبِ المَناهلِ بالشِّفَا منها : بِبَنانِه يحْكِي البَيانَ وكم حَكَتْ . . . منه الجِناسَ إذا أشار مطرفَا وبِسِحْرِ مَنْطقِه البديعِ تظُنُّه . . . في كلِّ فَنٍ في الفنونِ مُصنِّفَا وكأنه من نُطْقِه ونِطاقِه . . . وُرْقٌ على وَرَقٍ أدارت قَرْقَفَا منها : خَضْرٌ تحمَّل منه رِدْفاً مُرْدَفاً . . . ومن القَنا والقَدِّ رُمْحاً ثُقِّفَا مع خَصْرِه والرِّدفِ تنظر نَهْدَه . . . فمُدققاً ومُحقَّقاً ومُحَقَّفَا بين السَّوالِفِ والسُّلافِ سَوالِفٌ . . . سَلَفتْ أرَقَّ من النّسيمِ وألْطَفَأ هيْهاتَ لا أسَفٌ على ما قد مضى . . . في الحالِ ما يُسْلِيك أن تتأسَّفَا وأبِيكَ قد عاد الغرامُ كما بَدَا . . . فدعِ المَلامَ فلا أعِي مَن عَنَّفَا ورجعتُ عن نَظْمِ النّسِيبِ مُغالِطاً . . . ومُكَنِّياً بالرُّمْحِ قَدّاً مُرْهَفَا وأنشدني هذه الرباعية : أهْوَى قمراً لِمُهْجتِي قد قَمَرَا . . . أُغْفِي خَطَراً لقَدِّه إن خَطَرَا قد مَرَّ خَيالُه بطَرْفِي سَحَرَا . . . أهْلاً بخَيالِ مَن لِطَرْفِي سَحَرَا وأنشدني في مليح توارى بين جوارٍ ، قوله : أضْحَى يُوارِي نَفْسَه . . . ليصيرَ من جِنْسِ الجوارِي باللّهِ عنِّي قُلْ له . . . دَعْ ذا الْجِناسَ مع التَّوارِي ما استعمل التواري أحسن من الشهاب ، في قوله : يا مَن له من طَبْعِه . . . شِعْرٌ من الإحْسانِ عَارِي ما ذاكَ إلاّ حُرْمَةٌ . . . ولذاك أُولِعَ بالتَّوارِي(3/319)
"""""" صفحة رقم 320 """"""
وأنشدني قوله : إذا ما طال من أهْوَى . . . فذاك الطُّولُ عن شَانِ مَعَاطِفُ حُسْنِه يَنَعَتْ . . . فطال لِيْمنَعَ الْجانِي
أخوه السيد علي
عرفني أخوه مزاياه ، حتى حسبته أباه أو إياه . وهو أديب بالكمال ملي ، قدره فوق أن يقال : علي . شدت عرى أواخيه ، بقوى أبيه أو أخيه . فإن طويت لآثارهما مطارف ، فلقد تنشر لأخباره رفارف . وقد تلقيت من كلامه ، وحسنات أقلامه . ما يأخذ من البلاغة باليمين ، ويحتقر عنده الدر الثمين . فمن ذلك قوله من قصيدة ، أولها : أعلَى سُطورِك أيُّها الرَّسْمُ . . . سَحَبتْ فُضولَ ذُيولها نُعْمُ أم فُضَّ للمِسْكِ الذَّكِيِّ على . . . تُرْبٍ ثَوَى بِك يا تُرَى حَتْمُ ما هذه النَّفَحات تُخْبِرُني . . . إلا بأمرٍ شَرْحُه جسمُ خَبِّرْ هُدِيتَ عن الذين نَأَوْا . . . فعَنِ العَمِيدِ الصَّبِّ لاَ كَتْمُ وأدِر سُلافاً من حديثِك عن . . . ذاتِ الخَلاخلِ دونها الكَرْمُ هيْهات لا رَجْعٌ لِمَسْألتِي . . . إلا صَدىً يهْفُو له الحِلْمُ إن قلتُ هل علمٌ أُسَرُّ به . . . رَدَّ الجوابُ عليَّ هل علمُ يا نُعْمُ مالَكِ والصَّدودِ أمَا . . . تَرْثَىْ لصَبٍ ذَلَّ يا نُعْمُ يُمْسِي سَمِيرَ النَّجْمِ من قَلَقٍ . . . وأبيكِ رَقَّ لِمَا به النَّجْمُ وإذا ترنَّم طائرٌ سَحَراً . . . أشْجاه منه الصَّدْحُ والنَّغمُ وَيْلاه من قلبٍ سَلاَ وخَلاَ . . . عنِّي ومن قلبٍ هو الفَعْمُ وسقامِ طَرْفٍ قد كسَا جَسَدِي . . . سُقْماً وأَنْحَلَ ذلك السُّقْمُ وردٌ ورُمَّانٌ وصافيةُ الْ . . . خَدَّيْنِ والنَّهْدانِ والظَّلْمُ بأبِي الذي كَتمتْ مَحبَّتُه . . . مِنِّي الحَشا فعَليْه ينْضَمُّ لا لا أُصرِّح باسْمِه أبداً . . . ويجِلُّ أن يُجْلَى له وَسْمُ وأقولُ يا نُعْمٌ وآوِنَةً . . . سَلْمَى ولا نُعْمٌ ولا سَلْمُ يا عاذِلي إن كنتَ ذا رَشَدٍ . . . آذانُ كلِّ مُتيَّمٍ صُمُّ(3/320)
"""""" صفحة رقم 321 """"""
أقْصِرْ فما عَذَلٌ بِمُتَّبَعٍ . . . سِيَّان فيه القُلُّ والْجَمُّ إن رُمْتَ تَصْديقِي فلُمْ رَجُلاً . . . في رَاحَتيْه يغْرَقُ الْيَمُّ وقوله ، مضمنا : ورُبَّ فتىً في مَعْبَرٍ قد تَلاعَبَتْ . . . به الرِّيحُ في شَرْقِ المَحَلِّ وغَرْبِهِ إذا ذهبَتْ ريحُ الشَّمالِ بسَمْعِه . . . وبالبصرِ الرِّيحُ الجَنُوبُ وسَلْبِهِ يُناديهما ريحَ الجَنُوبِ وقد مضَتْ . . . بما أسْأراه من بَقيَّةِ لُبِّهِ بعَيْشِكما لا تَتْرُكاه مُرَوَّعاً . . . خُذا مِن صَبَا نَجْدٍ أماناً لِقَلْبِهِ وقوله ، وفيه الإيداع : وَرْدةُ الخدِّ نَوَّرَتْ . . . فاخْتشَى قَوْلَ هَاتِهَا فحَماها بجَمْرةٍ . . . لم أكُنْ مِن جُناتِهَا يريد قول الأول : لم أكُنْ من جُناتِها شهِد اللَّ . . . هُ وإنِّي لِحَرِّها صَالِي وله : شارِبُه المُخْضَرُّ مُذ لاح في . . . مُحْمَرِّ ياقوتٍ له مُسْتَطابْ فحدَّه بالقَصِّ لمَّا غَدَا . . . سَكْرانَ من خَمْرِ الثَّنايا العِذَابْ وله في مليح ، يأكل قاتاً : أُشَبِّهُ ثَغْرَه والْقاتُ فيه . . . وقد ذهبتْ بفِتْنتِه القلوبُ لآلٍ قد نَبَتْنَ على عَقِيقٍ . . . وبيْنهما زُمُرُّدَةٌ تذوبُ آخر الجزء الثالث ، ويليه الجزء الرابع ، وأوله : الباب السادس في عجائب نبغاء الحجاز(3/321)
"""""" صفحة رقم 2 """"""
الجزء الرابع(4/2)
"""""" صفحة رقم 3 """"""
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الباب ورب الكعبة ، أعظم ما حوته الجعبة . وهو باب واسع الأطناب ، والإيجاز فيه أولى من الإطناب . فإذا قل مدحي في أوصاف أهله نثيراً ونظيماً ، فإن فكري يمر بنعتهم فيقف له إجلالاً وتعظيماً . فإن بسطت القول ، مع هذه القوة والحول فعلى الصراط أحكم الأوصاف ، وفي الميزان أتوفى الإنصاف . وغاية ما أقول إذا وجهت إلى الكعبة مجدهم صلوات التقديس والتعظيم ، وزينت معاطفها بدر ثناء أبهى من در العقد النظيم : كفى شَرفاً قُطْراً به أهلُ مكةٍ . . . على جسَدِ المجدِ الموثَّلِ رَاسُ وما الناسُ إلاَّ هُمْ وليس سواهُمُ . . . إذا قال ربُّ الناسِ يا أيها النَّاسُ فأول من أبدأ به منهم آل البيت والمقام ، ورؤساء النبعة التي تقرأ في صحائفهم فواتح الأرقام . وهم الأشراف بنو حسن بن أبي نمى أصحاب النسب الواضح ، ونخبة قريش الأباطح . ورونق ضئضىء المجد وبحبوح الكرم ، وسراة أسرة البلدة التي أكنافها حرم ، وذؤابة الشرف التي مجاذبتها لم ترم . مون الفضل المبر ، الذين سقوا شجر الكرم بغيث البر . أقول فيهم مقالة يحيى بن معاذ : طينةٌ عجنت بماء الوحي وغرست فيها أشجار النبوة ، وسقيت بماء الرسالة والفتوة . فهل يفوح منها إلا مسك الهدى ، وعنبر التقى ، وهل تثمر إلا ثمار الندى ، وتهدل إلا الأغصان الشامخة المرتقى ؟ شرفٌ ضخمٌ ونائلٌ جزيل ، وفخر شاهداه وحيٌ وتنزيل . يفتخر الزمان بوجودهم على ما مضى من الأزمنة وسلف ، ويتوج الدهر بأيامهم الخضر رءوس سنية فيحصل لها بذلك غاية الشرف .(4/3)
"""""" صفحة رقم 4 """"""
الشريف إدريس بن حسن
سلطان الأكياس ، ومن سيرته سيرة ابن سيد الناس . رفعه الله مكاناً علياً ، وأغدق عليه عهاد المجد وسمياً وولياً . فأبوابه كعبةٌ تطوف بها آمال العفاة ، وتصلى بالقبل إلى أبوابها الشفاه . وثم رأيٌ يختفي منه في غمده السيف ، وصدرٌ يسع رحلة الشتاء والصيف . إذا سطا فالشهب من نصاله ، وإذا فخر فالحمد أقل خصاله . فلو راع الهضاب لأنحلت معاقدها ، أو تناول السماء لخوت فراقدها . إلى نعمٍ أنجدت على صدمات الزمان ، واتخذت عقيدة الكرم كعقيدة الإيمان . فحضرته مقصد المنتاب ، إذا حدت الحداة ذوات الأقتاب . وله أدب راق ورق ، وشعرٌ رقيقه لحر العقول استرق . وقد وقفت له على ترجمة ، ترجمه بها السيد محمد العرضي الحلبي ، فلم أتمالك إلا أن ذكرتها . قال فيها : ذو الجبين المستنير بالعرفان ، إذا غدا غيره جهولاً مقنعاً بقناع الذل والهوان . ماجدٌ احتبى بنطاق المجد كما احتبى السحاب ثهلان ، وجواد أقسم جوده بيوم الغدير والنهروان . فأقسم برب البدن تدمى منها النحور ، إنه الوارث منه وقفة الحجيج والوفادة ، وسقايتهم والرفادة . وشهوده على ذلك منىً والمخيف ، وصم الصفا والمعرف . كما قال الشاعر الرضي : له وَقفَاتٌ بالحَجيجِ شُهودُها . . . إلى عَقِب الدنيا مِنىً والمُخَيَّفُ ومن مَأْثُراتٍ غيرِ هاتيك لم تزَلْ . . . له عُنُقٌ عَالٍ على الناس مُشْرِفُ سار المذكور في أهل الحجاز بسيرة جده ، من غير أن يغمد فيهم سيف حده . ومما أنشدت له من شعر الملوك المحمود ، وإن قيل : شعر الهاشمي لا يكاد يجود . قوله في الاعتذار عن خضاب الشيب بالشباب المتلبس بالمعاد ، والتسربل على موت الصبا بثياب الحداد : قالُوا خضبْتَ الشّيْبَ قلتُ لهم نعمْ . . . ما إن طمِعتُ بذاك في رَدِّ الصِّبا لكنَّ عقلَ الشيبِ ما أحْرَزْتُه . . . فخشيت أن أُدْعَى جَهولاً أشْيَبَا(4/4)
"""""" صفحة رقم 5 """"""
السيد أحمد بن مسعود بن حسن
نابغة السادة ، ومن له في الفضل صدر الوسادة . لم تنجب بمثله أم القرى ، ولم تنضم على مثل وجوده الشريف العرى . نفذ في العز نفوذ السهم ، وبلغ العليا بمعراج الفهم . وبرز في فرسان الكلام وشجعانه ، وجاء من الشعر بما هو أنضر من عهد الصبا في ريعانه . فلله ما أقوم نهجه ، وأوثق نسجه . وأسمح ألفاظه ، وأفصح عكاظه . وأحمد نظامه ونثاره ، وأغنى شعاره ودثاره . يجولُ بذهْنِه في كلِّ شيءٍ . . . فيدركُه وإن عَزَّ المَرامُ تطوف ببَيْتِ سُؤْددِه القوافِي . . . كما قد طاف بالبيتِ الأنامُ وتسجدُ في مَقامِ عُلاه شكراً . . . ونعمَ الرُّكْنُ ذلك والمَقامُ وكانت له همة تجاوز الأفق مصعداً ، ولا ترضى إلا فلك الأفلاك مقعداً . فلم يزل يقدر من نيل الشرافة ما أطال تعنيه ، والأيام تعده بها وتمنيه . فلم يظفر منها بلحظة لحظ ، ' وما يلقاها إلا ذو حظ ' . فاقتحم لطلبها بحراً وبراً ، متوسعاً أينما حل رفاهيةً وبراً . قال ابن معصوم : وكان قد دخل شهارة ، من بلاد اليمن ، وامتدح بها إمامها محمد بن القاسم ، بقصيدة راح بها ثغر مديحه وهو ضاحكٌ باسم . وطلب منه مساعدته على تخليص مكة المشرفة له ، وإبلاغه من تحليته بولايتها أمله . وكان ملكها إذ ذاك الشريف أحمد بن عبد المطلب ، فأشار في بعض أبياتها إليه ، وطعن فيها بسنان بيانه عليه . ومطلع القصيدة : سَلا عن دَمِي ذاتَ الخلاخلِ والعِقْدِ . . . بماذا استحلّتْ أخْذَ رُوحي على عَمْدِ(4/5)
"""""" صفحة رقم 6 """"""
فإن أمِنتْ أن لا تُقادَ بما جَنَتْ . . . فقد قيل أن لا يُقْتَل الحرُّ بالعَبْدِ منها ، وهو محل الغرض : أغِثْ مكةً وانْهَضْ فأنتَ مُؤيَّدٌ . . . من اللهِ بالفَتْح المُفوَّضِ والجَدِّ وقَدِّمْ أخا وُدٍ وأخِّرْ مُباغِضاً . . . يُساوِر طَعْناً في المُؤيَّد والمَهْدِي ويطْعن في كلِّ الأئمّةِ مُعْلِناً . . . ويرْضَى عن ابن العاصِ والنَّجْلِ من هنْدِ فلم يحصُل منه على طائل ، إلاّ ما أجازه به من فضل ونائل . فعاد إلى مكة المشرفة ، ثم توجه إلى الروم . قلت : فمر على ساحل الشام ، ونزل طرسوس ، وبها عمل سينيته التي زفها خريدةً على أرائك الطروس ، وعطر برياها أندية الأدب ولا عطر بعد عروس . وكان هام بالوطن ، هيام ابن طالب بالحوض والعطن . وحن إلى تلك البقاع ، حنينه إلى أثلاث القاع . والقصيدة هي هذه ، وإنما ذكرتها بتمامها لمكانتها من القلوب : حُثَّ قبل الصباحِ نَخْب كُؤوسي . . . فهْي تَسْرِي مَسْرَى الغِذَا في النُّفوسِ وانتخِبْها بِكْراً فقد ثَوَّب الدَّا . . . عي إليها من حانةِ القِسِّيسِ بِنْتُ كَرْمٍ إن تَلْقَ مَلْسُوعَ حَيٍ . . . وهْو حِلْسٌ لن يرْتضِي بالجلوسِ كشفَتْ غَيْهَب الخُمارِ ولو تَرْ . . . شحُ رَمْساً ردَّتْ بقَا المَرْمُوسِ غَرَستْها بين الحدائقِ في النَّوْ . . . روزِ والشّطِّ كفُّ بَطْليموسِ فتلقَّ أمَّ المَسَرَّة طَلْقاً . . . والنَّدامَى بمَهْرِ كَيْسٍ وكِيسِ واطْلِقِ النَّدَّ والكِبا الرَّطْبَ واسْتَجْ . . . لِ عَرُوساً لا عِطْرَ بعد عَرُوسِ عانِسٌ في الدِّنانِ بالحْانِ لن تُطْ . . . مثَ من عهد جُرْهُمٍ وجَدِيسِ نار أُنْسٍ يْعشُو الكَليمُ ويَصْبُو . . . لِغناها بالذُّلِّ والتَّقديسِ حرقتْ حُلّةَ الجِنانِ وأبْدَتْ . . . مُسْتطيرَ الصَّباح في الخَنْدرِيسِ زعم الجاهلون ظُلْماً بأن قد . . . عصَرتْها قِدْماَ يَدَا عُبْدوسِ وهْي من لُطْفِها كشَكٍ نَفاهُ . . . صادقُ العِلْم عند ذي تَوْسِيسِ فأدِرْها في كأسِها دون خَدَّيْ . . . ك وفوق الشّقِيقِ من خَنْدَرِيسِ واسْقِ بالخَيْزَلَى النَّدامَى لتبدُو . . . قُدرةُ اللهِ في المَقام النَّفِيسِ لترى أنْجُماً بفُلْكٍ وبَدْراً . . . فوق غُصْنٍ يخْتال بين شُموسِ(4/6)
"""""" صفحة رقم 7 """"""
ولكلٍ إرْبٍ وما أنَا بالرَّا . . . ئي شَرِيفاً في جَنْبِ وَجْهٍ خَسِيسِ لستُ من قبلها أُصدِّق أن الرّ . . . احَ ظَلْمٌ في لُؤلُؤٍ مَغْروسِ ظَبْيةٌ رَخْوةُ العرِيكةِ تَغْتا . . . لُ أُسودَ الشَّرَى بِدَهْيِ شُموسِ لَبِستْ من غلائلِ الحُسْنِ بُرْداً . . . منه كلُّ العقولِ في تَلْبِيسِ تتهادَى فيه فتسْتقْبِحُ الرَّ . . . وضَ أنِيقاً بحَوْزةِ التَّدْنيسِ لو رآها تَخْتالُ عُجْباً أبوها . . . لَخَشِينا عليه دِين المَجُوسِ كلُّ خِلْوٍ منها اسْتجَدَّ رَسِيساً . . . وقَديِمي فيها اسْتمدَّ نَسِيسي تركتْني نِضْواً على رسمٍ . . . فيه دمعي خِلِّي وسُهْدِي جَلِيسي مُوحِشاً من هُنَيْدةٍ بعد أن كا . . . نَ حَقِيقياً بالمرْبَعِ المأْنُوسِ طالَما قلتُ للعُذافِرِ واللَّيْ . . . ث قد ألْقَى بها عصا السْيرِ هيسي لنَقْضي به حُقوقاً ونبْكي . . . فيه وُرْقَ الحِمَى وثُكْلَ العِيسِ ونُرجِّي الآمالَ أن تبعثَ الرِّ . . . يحُ أَرِيجاً من معهدٍ مَطْمُوسِ فرَعَى اللهُ بالأجارِعِ عَصْراً . . . مَرَّ أمْسَتْ نجُومُه في طُموسِ حيث جَوُّ الشبابِ صَحْوٌ وبَحْرُ اللَّ . . . هْوِ رَهْوٌ لم أُلْقِ فيه بِروُسِي ومَحَلِّي بين الأباطِحِ والقبَّةِ . . . من طَيْبةٍ بسُوقِ الرَّسِيسِ أحمدُ الاسْمِ أحمدُ الخُلْقِ في اللَّ . . . هِ غِياثُ المَنْجُودِ والمَلْبُوسِ شافعُ الأُمَّةِ التي جاء فيها . . . كنتُمُ من مُهَيْمِنٍ قُدُّوسِ أوَّلُ الأنْبياء والخاتِمُ العا . . . صِمُ من صَوْلِ صَيْلَمٍ دَرْدَبيسِ يتَّقِي حَيْدَرٌ وحمزةُ والفْا . . . روقُ فيه إن جَاشَ قِدْرُ الوَطِيسِ وكذا في المَعادِ عِيسى وإسْحا . . . ق وموسى الكَليم مَعْ إدْرِيسِ وبه يسْألون إن دَمْدَمَ الهَوْ . . . لُ تجلِّيهِ في الزمانِ العَبوسِ وهمُ الفائزون لكنْ لما طَمَّ . . . على الخلقِ من عذابٍ بَئِيسِ مُهْطِعين الأعناقَ في موقفِ الرَّهْ . . . بَةِ لا يُسْمَعَنْ لهم من نَبِيسِ فيُنادَى سَلْ تُعْط واشْفَعْ أيا خَيْ . . . رَ شفيعٍ في مُسْمَهِرٍ طَبِيسِ أرْيَحيٌّ بقَصْدِه يَأْنفُ الأخْ . . . مَصُ أن يحْتذِي شَواةَ الرُّءُوسِ نقَل الدَّهْرَ للجوامِعِ والأحْ . . . كامِ بعد الأزْلام والناقُوسِ(4/7)
"""""" صفحة رقم 8 """"""
ترك الذئبَ والغَضَنْفَرَ والشَّا . . . ةَ جميعاً من خَوْف غبّ الفَرِيسِ أيَّد الدِّينِ بالذَّوابل والشُّو . . . سِ المَذاكِي تعدو بِبيضٍ شُوسِ كل ذِمْرٍ في السِّلمِ هَيْنٍ وفي الحَرْ . . . ب أبِيٍ يشُقُّ أنْفَ الخَمِيسِ كعَليٍ وحمزةِ البِشْرِ إن بُدِّ . . . لَ بِشْرُ الوجوهِ بالتَّعْبِيسِ بَيْهَسَىْ غابةِ الوَشِيجِ وطَوْدَيْ . . . مَفْخَرٍ في مُؤثّل قُدْمُوسِ بهما والبَتُولِ والآلِ والسِّبْ . . . طَيْنِ والمُخْتبيْن في التَّغليسِ الإماميْن بالنُّصُوص الشّهيدي . . . نِ البريئيْن من صَدَا التَّدْنِيسِ فَرْقَدَيْ هالةِ السيادةِ وابْنَيْ . . . من خص بالقَواضبِ التَّبخيسِ ما رعى فيهما رئيسٌ إلى الفِدْ . . . يةِ إلاَّ فَضْلاً عن المَرْءُوسِ وبمن قام في مَقامك يُسْتسْ . . . قَى به والمُحلّقِ الدَّعِّيسِ وبنَجْمَيْك صاحِبَيْك ضَجِيعَيْ . . . ك ظَهريْك في الرَّخا والبُوسِ ذا رفيقٌ في الغارِ حِلْفٌ وذا يَنْ . . . فِرُ من حَبْسِه شَبَا إبْليسِ وبِتِلْوِ الاثْنيْن جامعِ أشْتا . . . تِ المَثاني بالرَّسْمِ والتدْريسِ لم يراقَب للهدى والجيشِ من غَيْ . . . رِ فسوقٍ أتَى ولا تَدْليسِ أدرِكْ أدرِك ذَا غُرْبةٍ وانْفرادٍ . . . وسُهادٍ ومَدْمَعٍ مَبْجُوسِ قد لَقي مِن حَصائدِ النَّفْي ما لاَ . . . قَى كُلَيْبٌ فيها غدَاةَ البَسُوسِ الْوَحَي الْوَحي فذلك مَلْهُو . . . فٌ يُناديك من وَرا طَرَسُوسِ يا نَبِيَّاه يا وَلِيَّاه يا جَدَّ . . . اه يا غَوْثَ ضارعٍ مَوْطُوسِ أنت إن أعْضَلَ العُضالُ وأعْيَى . . . كُلَّ آسٍ دَواهُ جَالِينوسِي وإذا ما الخِناقُ ضاق فلم أرْ . . . جُ لكَرْبِي إلاّك للتَّنْفيسِ ولقد جرّد العقول إلى أن . . . لبِسَتْ منه بِزَّةَ المَخْلوسِ فبِجَدْواك يقلِب السعدُ في الأزْ . . . مةِ سَعْداً تحديقَ عَيْنِ النُّحوسِ يا خَفِيرِي إذا ارْتُهِنتُ ومالي . . . غيرُ كُتْبي في مَضْجَعِي مِن أنيسِ أبِظُلمِ الحَوْبا أُقصِّر عن شَأْ . . . وِ جُدودِي وأنت أصلُ غُروسي حاشَ للهِ أن يقصِّر مَن أفْ . . . عم فيكم مَدْحاً بُطونَ الطَّروسِ فارْتبِطْها من الجِيادِ التي تسْ . . . بقُ خَيْلَ الوليد وابن سَدِيسِ وأجْزِني بُرْداً من الأَمْنِ ما حِي . . . كَ بصَنْعاَ حُسْناً ولا تِنِّيسِ إن أَرُحْ مُطلقاً من الذنبِ فالتَّغْ . . . ريضُ وَقْفٌ مُسَلْسَلُ التَّحْبيسِ أو تناسَى به فَنِاءى وحَقِّي . . . فعلى الحَظِّ دعوةُ المَبْخُوسِ(4/8)
"""""" صفحة رقم 9 """"""
فأغِثْنِي دُنْيا وأخرَى بمَوْلا . . . كَ ليهَْدا روُعي ويقْوى رَسيسي لو تشفّعْتَ في سَبَا لعلِمْنا . . . أنهم فائزون بالمَحْسُوسِ فعليك الصلاةُ ما هَجَّر الركْ . . . بُ وحَثَّ القِلاصَ للتَّعْرِيسِ ثم دخل حلب . قال العرضي : فنزل منها في صدرٍ رحيب ، وقابلته بتأهيلٍ وترحيب . ثم انثالت إليه من أبناء الشهباء عيون أعيانها ، من وجوه علمائها وأشرافها ، الذين هم إنسان حدقة إنسانها . انثيال الدر ، إلى الواسطة من عقد النحر ، واحتفت به احتفاف النجوم بالبدر . ممن دعاه ناديه فلباه ، وحظي بإقبال وجهه وطلعة محياه . فرأيناه يحاضر بأخبار الطالبين ، الحسنيين منهم والحسينيين . سيما الشريف الرضي ، من وجهٍ مذهبه في البلاغة وضي ، وطريقه وهو أخو المرتضى مرضي . ويلهج كثيراً بأخباره ، ويحفظ أغلب أشعاره . قال : فمدحته بقصيدةٍ ، مطلعها : لِلهِ أكْنافٌ بخيفِ . . . طابتْ وطال بها وُقوفِي إلى أن تخلصت إلى مديحه : وإذا طلبتَ عَرِيفَهم . . . ولأَنْت بالفَطِنِ العَرِيفِ فهُو الشريفُ بنُ الشري . . . فِ بن الشّريفِ بن الشريفِ فتمايل لدى إنشادها طرباً ، وأظهر بها إعجاباً وعجباً . قائلاً : لا فض الله فاك ، وكثر من أمثالك . فقلت : استجاب الله دعوتك هذه ، كما استجابها من جدك رسول الله e ، حين أنشده النابغة الجعدي : بلَغْنَا السماءَ مَجْدَنا وجُدودَنا . . . وإنّا لَنرْجو فوق ذلك مَظْهَرَا فقال رسول الله e : ' فأين المظهر يا أبا ليلى ' ؟ قال : الجنة يا رسول الله . فقال : ' قل إن شاء الله ' . ثم قال : ولا خيرَ في حِلْمٍ إذا لم يكنْ له . . . بَوادِرُ تَحْمِي صَفْوَه أن يُكَدَّرا ولا خيرَ في أمرٍ إذا لم يكن له . . . حليمٌ إذا ما أوْرَد الأمرَ أصْدَرَا فقال له e : ' لا فض الله فاك ' . فبلغ عمره مائة سنة ، لم يتغير له سنٌّ ، بل كان أحسن الناس ثغراً . ثم قصد الشريف أحمد دار السلطنة العلية ، قسطنطينية المحمية ، فلقي سلطان الوقت إذ ذاك السلطان مراداً بقصيدة فريدة ، سأله فيها توليته مكة . أولها : ألا هُبِّي فقد بكَر النَّدامَى . . . ومَجَّ المَرْجُ من ظَلْمِ النَّدَى مَا فقيل : إنه أجابه إلى ملتمسه ومراده ، وأرعاه من مقصده أخصب مراده . ولكن(4/9)
"""""" صفحة رقم 10 """"""
مدت إليه يد الهلك ، قبل أن ينال الملك . وقيل : بل أجزل عطاه فقط ، فقد طمعه عما تمناه وقط . ولم يعد إلى مكة ، وتوفي في تلك السنة ، أو في التي تليها . وتتمة هذه القصيدة قوله بعد المطلع : وهيْنمتِ القَبُولُ فضاعَ نَشْرٌ . . . روَى عن شِيحِ نَجْدٍ والخُزامَى وقد وضَعت عَذارَى المُزْنِ طِفْلاً . . . بِمَهْدِ الرَّوضِ تَغْدُوه النُّعامَى فَهُبِّي وامْزُجِي خَمْراً بظَلْمٍ . . . ليَحْيَى ما أماتتْ يا أُمامَا ومُنِّي بالحياةِ على أُناسٍ . . . بشمس الرَّاح صَرْعَى والظّلامَا فكم خَفَر الفوارسُ في وَطِيسٍ . . . فتىً منا وما خَفَر الذِّمامَا وكم جُدْنا على قُلٍ بوَفْرٍ . . . وأعْطَيْنا على جَدْبٍ هِجامَا قوله : وقد وضعت عذارى البيت . المراد بالطفل هو النبت ، واستعارة الأم المرضع للمزن ، كما وقع في قول الباخرزي ، من قصيدة : وترَعْرَعتْ فيه لَطِيفاتُ الكَلاَ . . . رَضْعانَة ضَرْعَ الغَمامِ الغَادِي ومنه مطلع قصيدة يحيى بن هذيل التجيبي المغربي : نام طفلُ النَّبْتِ في حِجْرِ النُّعَامَى . . . لاهْتزازِ الطَّلِّ في مَهْدِ الخُزامَى وهذا البيت مطلع قصيدة من المرقص والمطرب ، بل مطلع شمس البلاغة وإن كان قائلها من المغرب . وبعده وسقَى الوَسْمِيُّ أغْصانَ النَّقَا . . . فهَوتْ تلثمُ أفْواهَ النَّدامَى كحَل الفَجْرُ لهم جَفْنَ الدُّجَى . . . وغَدا في وَجْنةِ الصبحِ لِثامَا تحسَبُ البدرَ مُحَيَّا ثَمِلٍ . . . قد سقْته راحةُ الصُّبْحِ لِثامَا حوله الزُّهْرُ كؤوسٌ قد غَدتْ . . . مِسْكةُ الليلِ عليهنَّ خِتاما قوله : كحل الفجر . البيت ، ما زلنا في تردد وشبهة في معنى هذا البيت ؛ فإنه أسند التكحيل إلى الفجر ، وهو لا يلائمه ؛ لابيضاضه ونوره ، وإنما يلائم التكحيل ما كان أسودَ مظلما ، وبعض الأفاضل حمله على أنه في ليلة مقمرة ، يغيب القمر فيها لدن طلوع الفجر ، فتحدث حينئذ ظلمةٌ يستحق بها الفجر أن يستند التكحيل إليه . وهو معنى متكلف كما تراه ، حتى وقفنا على قول ابن الظهير الإربلي : وكأنَّ الصباحَ مِيلُ لُجَيْنٍ . . . كاحلٌ للظلامِ طَرْفاً كَحِيلاَ فكان قولاً شارحاً لبيت التجيبي ، وصار التكحيل لا غبار عليه بوجه من الوجوه . وبيت ابن الظهير من قصيدة يصف فيها الفلاة : جئْتُها والظلامُ راهبُ دَيْرٍ . . . جاعلٌ كلَّ كوكبٍ قنْدِيلاَ أو عظيمٌ للزَّنجِ يقدمُ جَيْشاً . . . قد أعَدُّوا أسِنَّةً ونُصولاَ(4/10)
"""""" صفحة رقم 11 """"""
وكأنَّ السماءَ رَوْضٌ أنِيقٌ . . . نَوْرُه بات بالنَّدى مَطْلُولاَ ليلةٌ كالغُدافِ لو لم يَرْعُها . . . نارُ فجرٍ ما أوْشكتْ أن تَزُولاَ وتولَّتْ وأشْهَبُ الصبحِ يتْلُو . . . أدْهمَ الليلِ وانِياً مَشْكُولاَ ومن تتمة القصيدة : فيا ملكَ المُلوكِ ولا أُحاشي . . . ولا عُذْراً أسوقُ ولا احْتشامَا أنِفْتُ بأنني ألْقاك منهم . . . بمنزلةِ الرِّجال من الأيامَى إلى جَدْواكَ كَلَّفْنا المَطايا . . . دَواماً لا نُفارِقُها دَوامَا وجُبْنا أيها الملِكُ المَوامِي . . . إلى أن صِرْنَ من هزلٍ هُيامَا وذُقْنا الشُّهْدَ في معنى التَّرَجِّي . . . وذُقْنا الصبرَ من جُوعٍ طَعامَا صَلِينَا من سَموُمِ القَيْظِ نَاراً . . . تكون بنُورِك السَّامِي سَلامَا وخُضْنا البحرَ من ثَلْجٍ إلى أن . . . حسِبْناه على البِيدِ اللُّكَامَا وجاوَزْنا العَنان على عِنانٍ . . . تسِيرُ بنا ولم تلبثْ شَآمَا نَؤُمُّ رَحابَك الفِيحَ اشْتياقاً . . . ونأمُل منك آمالاً جِسامَا ومَن قصَد الكريمَ غدا كريماً . . . على ما في يديْه ولن يُضامَا وحاشَا بحرُك الفَيَّاض أنَّا . . . نُرَدَّ بُغلةٍّ عنه حِيامَا وقد وَافاك عبدٌ مُستَمِيحٌ . . . نَدَى كَفّيْك والشِّيَمَ الضِّخامَا وحُسْنُ الظنِّ يقطعُ لي بأنِّي . . . أنالُ وإن سَما منك المَرامَا فقد نزَل ابنُ ذِي يَزَنٍ طَريداً . . . على كِسْرَى فأنْزله شَمامَا أتَى فَرْداً فآلَ يجُرُّ جيشاً . . . كسا الآكام خيلاً والرَّغامَا به اسْتبْقَى جميلَ الذكِّرَ دَهْراً . . . وأنت أجَلُّ من كِسْرَى مَقامَا وسَيْفٌ لو سَما دوني فإنِّي . . . عِصامِيٌّ وأسْمُوه عِظامَا بفاطمةٍ مع ابْنَيْها وطه . . . وحَيْدَرةَ الذي أشْفَى العِقُامَا عليهم رحمةٌ تُهْدِي سلاماً . . . يكون لنَشْرِها مِسْكاً خِتامَا ومن تفاريق شعره ، قوله من قصيدة ، مستهلها : كيف العَزَا والفُؤادُ يلْتهبُ . . . والحَيُّ زُمَّتْ لِبَيْنهِ النُّجُبُ والعينُ عَبْرَى والجسمُ مُمْتَقِعٌ . . . والنفْسُ حَرَّى والعقلُ مُضْطربُ وهذه أرْبُعٌ بكاظِمَةٍ . . . عَفَتْ قديماً فنَدْبُها يجبُ(4/11)
"""""" صفحة رقم 12 """"""
منها : وابْكِ زماناً مضَى بها أنُفاً . . . عنِّي فقد أذْهَلتْنِيَ النُّوَبَ منها : وبالنَّقا غادةٌ إذا خطَرتْ . . . تغارُ منها الأغصانُ والكُثُبُ كأنها في الأَثِيثِ إن سَفَرتْ . . . بدرٌ بسَجْفِ الظلامِ مُحْتجِبُ وكان ابن عمه الشريف محسن بن حسين يطرب لأبيات الحسين بن مطير ، ويعجب بها ، وهي : ولي كبدٌ مَقْروحةٌ مَن يَبيعُني . . . بها كَبِداً ليستْ بذاتِ قُروحِ أبى النَّاسُ وَيْبَ الناسِ لا يشْترونها . . . ومَن يشْتري ذا عِلّةٍ بصحيحِ أحِنُّ من الشوقِ الذي في جَوانِحي . . . حَنِينَ غَصِيصٍ بالشَّراب قَريحِ فسأل السيد أحمد تذييلها ، فقال : على سالِفٍ لو كان يُشْرَى زمانهُ . . . شَرَيْتُ ولكن لا يُباعُ بِروُحِي تَقضَّى وأبْقَى لاَعِجاً يسْتفِزُّه . . . تألُّق بَرْقٍ أو تنسُّمُ رِيحِ وقَلْباً إلى الأطْلالِ والضَّالِ لم يزَلْ . . . نَزُوعاً وعن أفْياهُ غيرَ نَزُوحِ فليت بذاتِ الضَّالِ نُجْبُ أحِبَّتِي . . . طِلاحٌ فنِضوُ الشوقِ غيرُ طَلِيحِ يُجشِّمُه بالأبْرَقَيْنِ مُنَيْزِلٌ . . . وبَرْقٌ سَرى وَهْناً وصوتُ صَدُوحِ وموقفُ بَيْنٍ لو أرى عنه مَوْلِجاً . . . وَلَجْتُ بنفسِي فيه غيرَ شَحيحِ صَرَمْتُ به رَبْعِي وواصلتُ أرْبُعِي . . . وأرْضيْتُ تَبْريحِي وعِفْتُ نَصِيحي وبايَنْتُ سُلْواني وكلَّ مُلَوّحٍ . . . ولاءَمْتُ أشْجانِي وكُلَّ مَلِيحِ وكلَّفْتُ نفسِي فوق طَوْقِي فلم أُطِقْ . . . لِعَدِّ سَجايا مُحْسِنٍ بمديحِ ومما قاله في تغربه : أتَتْنِيَ سَلْمَى وهْي غَضْبَى أسِيفَةٌ . . . تُساقِطُ ياقوتاً على فضةِ النَّحْرِ تقول أمَا هذا المُقامُ ببلدةٍ . . . غريباً على سَخْتِ النوائبِ والسُّمْرِ أما تذكُر البَطْحاءَ والبيْتَ والصَّفا . . . ومنزةَ الوُفَّادِ بين بني فِهْرِ فقلتُ لها والطَّرْفُ تَدْمَى كُلومُه . . . وقلبِيَ من لَذْعِ الكَلامةِ في جمْرِ ألا فارْبَعِي عنِّي وعِي القولَ واسْمعِي . . . وتُوجِعي المحزونَ باللَّوْمِ والهجْرِ إذا جاء نصرُ اللهِ والفَتْحُ بعدَه . . . فتبَّتْ يدُ الأحْزابِ في زمنِ الكُفْرِ وإنِّي على بُعْدِ المَزارِ وقُرْبِه . . . عزيزٌ على هامِ السِّماكيْن والنَّسْرِ(4/12)
"""""" صفحة رقم 13 """"""
وله : ألا ليت شِعْرِي هل أُلاقيكَ مَرَّةً . . . وصوتَ : قبل الموتِ هل أنا سامعُ فيا دَهْرَنا للشَّتِّ هل أنت جامِعٌ . . . ويا دهرَنا بالوصلِ هل أنت راجعُ وقال مخاطباً عمه الشريف إدريس ، وقد رأى تقصيراً منه في حقه : رأيتُك لا تُوفِي الرِّجالَ حُقوقَهمْ . . . توَهَّم كِبْراً ساء ما تتوهَّمُ وتزعُم أنِّي بالمَطامِع أرْتضِي . . . هَواناً ونَفْسِي فوق ما نِلْتَ تزْعُمُ وما مَغْنَمٌ يُدْنِي لِذُلٍ رأيتَه . . . فيُقْبَلُ إلاّ وهْو عنديَ مَغْرَمُ وأخْتارُ بالإعْزازِ عنه مَنِيَّةً . . . لأنِّي من القومِ الذين هُمُ هُمُ المصراع الأخير صدر أبيات أبي الطمحان القيني ، أورد المبرد في كامله ، والشريف المرتضى في أماليه ، وصاحب الحماسة البصرية منها أربعة أبيات . وهي : وإنِّي من القومِ الذين هُمُ هُمُ . . . إذا مات منهم سيِّدٌ قام صاحبُهْ نجومُ سماءٍ كلَّما غابَ كوكبٌ . . . بَدا كوكبٌ تأْوِي إليه كواكبُهْ أضاءتْ لهم أحسابُهم ووجوهُهم . . . دُجَى الليلِ حتى نظَّم الجِزْعَ ثاقبُهْ وما زال منهم حيث كانُوا مُسوَّدٌ . . . تَسِيرُ المَنايا حيث سارتْ كتائبُهْ وأورد أبو تمام ، في حماسته منها ثلاثة أبيات . وهي : إذا قيل أيُّ الناسِ خيرٌ قبيلةً . . . وأصبرُ يوماً لا تَوارَى كواكبُهْ فإنَّ بني لاَم بن عمرٍو أَرُومةٌ . . . سمَتْ فوق صعبٍ لا تُنال مَراقبُهْ أضاءتْ لهم أحسابُهم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إلخ وله في الغزل : أفي المَضارب أسيافٌ وأجْفانُ . . . تصولُ أم هيَ ألْحاظٌ وأجْفانُ أحَنَّتِ العِيسُ أم نَوْحُ الحمائمِ أم . . . نسيمُ نَجْدٍ توالتْ منه أشْجانُ لا بل هو الشوقُ يدعو الصَّبَّ نحوَهمُ . . . فيستجِيبُ لهم قلبٌ وجُثْمانُ وكيف وهْو قَوِيُّ القلبِ لا سِيَمَا . . . وجُنْدُه خُرَّدٌ غِيدٌ وغِزْلانُ طاب الزمانُ به والعَيْشُ وابْتجَتْ . . . أوقاتُنا وكذا الأيامُ تَزْدانُ هُم الأحبَّةُ إن جارُوا وإن عَدَلُوا . . . وهُم حُلولُ فؤادِي أينما كانُوا وله في مغنٍ : برُوحِيَ مَن غَنَّى ورَوضةُ خَدِّه . . . مُخضَّبةٌ مُخضَلَّةٌ من دمِي غَنَّا(4/13)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
وأهْدَى لنا وَرْداً وبَاناً ونَرْجِساً . . . ولم يُهْدِ إلاّ القَدَّ والخَدَّ والجَفْنَا وله في روض : انْظُر إلى الروضِ كَساه الحَيَا . . . مَطارِفاً ضاع شَذاها الأرِيجْ واهْتزَّتِ الأرضُ إلى أن رَبَتْ . . . وأنْبتتْ من كلِّ زَوجٍ بَهِيجْ
السيد عمار بن بركات بن جعفر بن بركات
هو لأبنية المكارم عمار ، ولمجتديه بمواهبه الدارة غمار . أصلٌ كعمود الصبح في الإنارة ، وطبعٌ كالأغر المحجل في الإثارة . أحد فرسان الكلوم والكلام ، وأحد حملة السيوف والأقلام . سمعت له أشعاراً هي غايةٌ في الحسن ، يجلو رونق ديباجها القلب من الحزن . فعرفت أنه أحق حقيقٍ بأن يذكر ، وأخلق في كل خليقٍ بأن تتلى آياته وتشكر . وكان دخل البلاد الهندية ، وتفيأ ظلال أندية ملوكها الندية الندية . فما لبث أن تعلقت فيه خطاطيف الظنون ، وطارت به عنقاء المنون . وقد أثبت له ما تستهل البراعة من براعة استهلاله ، ويؤذن بالسحر الذي لا حرج في القول باستحلاله . فمنه قوله ، مذيلاً بيت أبي زمعة جد أمية بن أبي الصلت ومادحاً النظام ابن معصوم : اشربْ هنيئاً عليك التَّاجُ مُرْتفِقاً . . . في رأسِ غُمْدانَ داراً منك مِحلالاَ تسْعَى إليك بها هَيْفاءُ غانيةٌ . . . مَيَّاسةُ القَدِّ كَحْلاَ الطّرْفِ مِكْسالاَ إذا تثنَّتْ كغُصْنِ الْبانِ من تَرَفٍ . . . وإن تجلّتْ كبدرٍ زان تِمْثالاَ كأنها وأدام اللهُ بَهْجَتها . . . شمسٌ على فَلَكٍ إشْراقُها طالاَ وكيف لا وهْي أمْسَتْ ساحِبَةً . . . بِخِدْمةِ السيِّد المِفْضالِ أذْيالاَ ذاك الذي جَلَّ عن تَنْوِيهِ تَسْمِيةٍ . . . شمسٌ عَلَتْ هل تَرى للشمسِ أمْثالاَ الباسمُ الثّغرَ والأبْطالُ عابِسَةٌ . . . والباذلُ المالَ لم يُتْبِعْه أنْكالاَ عَارٍ من العْارِ كَاسٍ من مَحامِدِه . . . لا يعرفُ الخُلْفَ في الأقوالِ إن قالاَ إن قال أفْحَم نَدْبَ القومِ مِقْوَلُهُ . . . أوصال أخْجَل لَيْثَ الغابِ إن صَالاَ عَلاَ به النّسَبُ الوَضّاحُ مَنْزِلةً . . . عن أن يُماثَل إعْظاماً وإجْلالاَ(4/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
خُذْها رَبِيبةَ فِكْرٍ طالَما حُجِبتْ . . . لولا عُلاك ووُدٌّ قَطُّ ما حالاَ واسْمَحْ بفضلِك عن تقْصيرِ مُنْشِئِها . . . وحُسْنُ بِشْرِك لم يبرَحْ بها فَالاَ قلت : وقد عارض البيت المضمن بعض الشعراء ، مخاطباً عبد الله بن طاهر ، حيث قال : اشْرَبْ هَنِيئاً عليك التَّاجُ مُرْتَفِقاً . . . بالشَّاذِياخِ ودَعْ غُمْدانَ لليَمنِ فأنتَ أوْلَى بتاجِ المُلْكِ تلْبَسهُ . . . من هَوْذَة بن عَلِيٍ وابنِ ذِي يَزَنِ وقصر غمدان باليمن ، بناه ليشرح بأربعة وجوه ؛ أحمر ، أخضر ، وأبيض ، وأصفر ، وبنى داخله قصراً بسبعة سقوف ، بين كل سقفين أربعين ذراعاً ، وهو أحد الأبنية الوثيقة للعرب ، يتمثل بها في الحصانة والوثاقة . وقال بعض شراح المقصورة الدريدية ، عند شرح قوله : وسَيْفٌ اسْتعلَتْ به هِمَّتُهُ . . . حتى رمَى أبعَدَ شَأْوِ المُرْتَمَى فجرَّع الأُحْبُوشَ سَمَّاً ناقِعاً . . . واحْتَلَّ مِن غُمْدان مِحْرابَ الدُّمَى ما صورته : غمدان بناءٌ بصنعاء ، لم يدرك مثله ، هدمه عثمان بن عفان في الإسلام وله رسومٌ باقيةٌ إلى اليوم ، والمحراب : الغرفة بلغتهم . وغمدان : قصر بناه النعمان بن المنذر . والشاذياخ : اسم نيسابور ، وقريةٌ بمرو ، كذا في القاموس ، ووجد على حاشية مكتوبٌ بخط بعض فضلاء الشام على هامش القاموس صورتها : بل اسم مدينةٍ بخراسان ، قرب نيسابور وكانت بستاناً لعبد الله بن طاهر بن الحسين ، ذكر في تاريخ نيسابور أنه لما نزل عبد الله بها ، نزلت عساكره في دور أهلها ، فرأى امرأةً حسناء تسقي فرس جندي ، فقال : ما شأنك ، لست أهلاً لهذا ؟ فقالت : هذا فعل عبد الله بن طاهر . فغضب ، ونادى في عسكره : من بات في المدينة حل ماله ودمه . وسار إلى الشاذياخ ، وبنى بها قصراً ، وبنى الجند حوله ، فعمرت ، وكانت من أطيب البلاد تربةً وهواء . وكتب إلى النظام المذكور ، يخاطبه بقوله : زُرْتُ خِلاّ صَبيِحةً فحبانِي . . . بسُؤالٍ أشْفَى وأرْغَم شَانِي قال لمَّا نظرتُ نُورَ مُحَيَّا . . . هُ ونِلْتُ المُنَى وكلَّ الأمانِي كيف أصْبَحتَ كيف أمْسَيْتَ مِمَّا . . . يُنْبِتُ الحُبَّ في قلوب الغَوانِي فتحرَّجْتُ أنْ أفُوه بما قد . . . كان مِنِّي طَبْعاً مدَى الأزْمانِ يا أخا المَجْدِ والمَكارم والفَضْ . . . لِ ومَن لا أرى له اليومَ ثَانِي أدْرِك أدْرِك مُتَيَّماً في هواكُمْ . . . قبلَ تَسْطُو به يَدُ الحِدْثانِ وابْقَ واسْلَمْ مُمَتَّعاً في سُرورٍ . . . ما تغنَّتْ وُرْقٌ على غُصْنِ بَانِ(4/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
فراجعه بقوله : ليت شِعْرِي متى يكون التَّدانِي . . . لبلادٍ بها الحِسانُ الغوانِي وبها الكَرْمُ مُثْمِرٌ والأَقاحِي . . . ضحِكتْ عن ثُغورِ زَهْرٍ لِجَانِ والبساتينُ فائحاتٌ بِعِطْرٍ . . . يُخْجِلُ العَنْبَرَ الذَّكِيَّ اليَمانِي وطيورٌ بها تَجَاوَبْنَ صُبْحاً . . . وعَشِيّاً كنَغْمةِ العِيدانِ وبألْحانِها تُذِيبُ ذَوِي اللُّبِّ . . . وتُحْيي مَيْتاً من الهِجْرانِ وتَمشَّى بها الظِّباءُ الْحَوالِي . . . مائساتٍ كناعمِ الأغْصانِ كلُّ خَوْدٍ تسْطُو بلَحْظِ حُسامٍ . . . وتَثَنٍ كما القنا المُرَّانِ وَجُهها الصبحُ لكنِ الفَرْعُ منها . . . ليلُ صَبٍ من لَوْعةِ الحبِّ فانِ غادةٌ كالنُّجُومِ عِقْدُ طلاها . . . ما الَّلآلِي وما حُلَى العِقْيانِ إنَّ ياقوتَ خَدِّها أرْخَص الْيا . . . قوتَ سِعْراً وعاب بالمَرْجانِ كلُّ يوم يُقْضَى بقُرْبٍ لَديْها . . . فهْو يومُ النَّوْروزِ والمِهْرجانِ منها : تلك مَن فاقتِ الظِّباءَ افْتناناً . . . فلذا وَصْفُها أتى بافْتِنانِ ما لِمُضْنىً أُصِيب من أسْهُم اللَّ . . . حظِ نجاةٌ من طارقِ الحِدْثانِ أذْكرتْني أيامَ تلك وأغْرَتْ . . . أعْيُنِي بالبكاءِ والهَمَلاَنِ نَفَثاتٌ كالسِّحْر يَصْدَعْنَ في قَلْ . . . ب مُعَنّىً من المَلامةِ عَانِ ومنها : كلماتٌ لكنَّها كالدَّرارِي . . . وسطورٌ حَوَتْ بديع المَعانِي إذْ أتتْ من أخٍ شقيقِ المَعالي . . . فائقِ الأصْلِ غُرَّةٍ في الزَّمانِ ضَافِيَ الوُدِّ صافِيَ القلبِ قَرْمٌ . . . كعبةٌ قد عَلا على كِيوانِ ذاكراً لِيَ فيها تزايدَ شَوْقٍ . . . ووُلوعاً بها مدَى الأزْمانِ ففهِمْتُ الذي نَحاهُ ولكنْ . . . ليت شِعْرِي يَدْرِي بما قد دَهاني أنا قيسٌ في الحُبِّ بل هُو دونِي . . . لا جميلٌ حالي ولا كابْنِ هانِي يا أخا العَزْمِ قد سَلِمْتَ ووَجْدِي . . . طافحٌ زائدٌ بغيرِ تَوانِ فلِحَتْفِي أبصرتُ مَن قد رَماني . . . وعَناءٌ تَصَيُّدُ الغِزْلانِ إن تشأْ شَرْح حالِ صَبٍ كئيبٍ . . . فلقد قاله بديعُ المَعانِي(4/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
الأرض مَرَضِي من مَريضةِ الأجْفانِ . . . عَلِّلاني بوَصْلِها عَلِّلانِي البيت الأخير مشهور ، وهو مطلب قصيدةٍ للشيخ الأكبر ، قدس الله سره الأنور .
الإمام عبد القادر بن محمد الطبري
إمام الإئمة ، وعالم هذه الأمة . فضائله يقل عند عدها رمل يبرين ، ومحامده يتضاءل لديها مسك دارين . وهو من الرتبة المكينة ، والمهابة التي جملت الوقار والسكينة . في محلٍ اتخذ المجرة ممشى ، والفلك الأطلس عرشا . ثم إذا اعتبر حاله من أرقامه ، شهد الوصف بأن ذلك دون مقامه . وأما تصلبه في أمر الدين ، فهو فيه من أعظم الراشدين والمرشدين . إلى بلاغة وبراغة ، أعجز بهما فرسان اليراعة . وقد أثبت له ما يقوم بالحجة . فمن ذلك قوله من قصيدة يمدح بها الشريف حسن بن أبي نمى : بَدَتْ تجُرُّ ذُيول التِّيهِ والُخيَلاَ . . . في روضةِ العُجْبِ حتى قلتُ حَيَّ عَلَى خَوْدٌ تُجرِّد بِيضاً من لَواحظِها . . . فتتركُ الأُسْدَ في ساحاتِها قتلاَ وتنْثَني بقَوامٍ زَانَه هَيَفٌ . . . فتُخْجِلُ الغُصْنَ تَعْدِيلاً كذا مَيَلاَ ما أطلْعتْ لِي هلالاً من مُبَرْقَعِها . . . إلاّ وعايَنْتُه بَدْراً فلا أفَلاَ ولا رَنَتْ لي بلَحْظٍ فَتْرةً كَسَلاَ . . . إلاّ وقد بعثتْ خوفَ الحشاَ رُسُلاَ يا حُسْنَها من فتاةٍ حَلَّ مَبْسَمُها . . . ظَلْمٌ يفوق على لَذَّاتهِ عَسَلاَ ورَصَّعَتْه لآَلٍ حولَ مَنْبَتِها . . . زُمُرُّدُ الوَشْمِ ياللّهِ ما فَعَلاَ ناديتُها ورماحُ الحيِّ مُعْلَنةً . . . يا ظَبْيةَ الحَيِ هل ما يُبْلِغُ الأمَلاَ لِوَالِهٍ عبثَتْ أيْدِي الغرامِ به . . . أما تَرَىْ شأنَه أن يُبْدِعَ الغَزَلاَ قالتْ صدقْتَ ولكنْ ذاك تَوْطِئَةٌ . . . لِمَدْحِ أفضلِ مَن في الأرضِ قد عَدَلاَ(4/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
السيِّدِ الحسَنِ المَلْكِ الهُمامِ ومَن . . . تراه بالحقِّ للجَوْزاءِ مُنْتعِلاَ سلطانُ مكّةَ حامِي البيتِ مَن شهِدتْ . . . بعَدْلِه الأرضُ لمّا مَهَّد السُّبُلاَ مُؤيِّدُ الدِّين بالعَزْمِ الذي اقْتربَتْ . . . به السَّعاداتُ في حالاتِه جُمَلاَ لَيْثُ الكتيبةِ مُرْوِي المشْرَفيَّةِ مِن . . . دمِ العِدَآ مَنْهَلاً إذْ أرْعَف الأسَلاَ صادَ الصَّناديدَ يوم الحربِ ما بَطَلٌ . . . رأَى عَجائبَه إلاَّ وقد بَطَلاَ كم ذا أبانَتْ عن العَلْياءِ هِمَّتُه . . . وكم أبادتْ مَعالِي عَزْمِه رَجُلا وكم مَحا سيفُه أهلَ الفَسادِ وأرْ . . . بابَ العِنادِ فجارَى سيفُه الأَجَلاَ فأصبحُوا لا تُرَى إلا مَساكنُهمْ . . . بَلاقِعاً قد كَساها الذُّلُّ ثَوب بِبلى وليس بِدْعاً فهذا شأْنُ والدِه . . . عليٌّ المُرْتَضى السامِي بفضْلِ وَلاَ فسَلْ حُنَيْناً وسَلْ بَدْراً وسَلْ أُحُداً . . . والنّهْرَوانِ وسَلْ صِفَّينَ والجَمَلاَ فيا ابنَ طه عَلَوْتَ الناسَ قاطبةً . . . وجَلَّ قَدْرُك أن تَحْكِي له مَثَلاَ هل أنتَ مَلْكٌ عظيمُ الخَلْقِ أم مَلَكٌ . . . أبِنْ فأمْرُك هذا حَيِّرَ العُقَلاَ وقوله من أخرى يمدحه بها ، وأولها : رَبْرَبُ الأخْدارِ من شَمَمِهْ . . . لا يُراعِي النَّقْضَ في ذِمَمِهْ حجَب الأبْصارَ رُؤْيتُه . . . وتجلَّى في خِبَا خِيَمِهْ وأرى أحْبابَ حَضْرتِه . . . غَضَباً ما كان من شِيَمِهْ ما يراه حالَ نُفْرتِه . . . غيرُ مَن بارَى بسَفْكِ دَمِهْ زُرْتُه والعَزْمُ يُسْعِفني . . . آمِلاً منه ابْتسامَ فَمِهْ جُنْحُ ليلٍ مُسْفِرٌ بسَنَا . . . طَلْعةِ المَأْمولِ عن ظُلَمِهْ فحَدانِي عَرْفُ ساحتِه . . . وهَدانِي مُرْتقَى أَكَمِهْ فبدَا لي في الحجابِ فمِن . . . فَرْقِهِ نُورٌ إلى قَدَمِهْ هو للرَّائِي مُعايَنةً . . . مثلُ طَيْفِي مَرّ في حُلُمِهْ هِمْتُ من حُبِّي له زَمَناً . . . في رُبا نَجْدٍ وفي سَلَمِهْ أنْظِمُ الآدابَ من غَزَلٍ . . . أُسْنِدُ الإعْجازَ عن كَلِمِهْ لِنَسِيبٍ في المديحِ يُرَى . . . حَسَناً عند اجْتِنا نِعَمِهْ سَيِّداً من آل حَيْدرةٍ . . . وعَرِيقاً باقْتِفَا عِصَمِهْ وحكيماً في مَمالكِه . . . قَطُّ ما انحَلتْ عُرَى حِكَمِهْ فاق قُسّاً في فَصاحتِه . . . وسَما الطَّائِيَّ في كَرَمِهْ وابْنُ سُعْدَى لو يُقاسُ به . . . كان مَطْروحاً بمُلْتَزِمهْ(4/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
هَزَّه للمَكْرُماتِ سَنَا . . . عُنْصِرٍ منه انْتِها هِمَمِهْ كيف لا يهْتزُّ مُغْتبِطاً . . . وكتابُ اللّهِ في عِظَمِهْ وملوكُ الأرضِ قاطبةً . . . كلُّهم واللّهِ مِن خَدَمِهْ جَدُّه طه الشَّفيعُ لنا . . . فَوْزُ مَن يأْوِي إلى عَلَمِهْ طِبْتَ نفساً يا مليكُ به . . . في غَدٍ طُوبَى لِمُعتْصِمِهْ أُمُّك الزَّهْراءُ إبْتتُه . . . وابوك السِّبْطُ من رَحِمِهْ أيَّد الرحمنُ قِبْلَتهُ . . . بك واسْتَحْمَى حِمَى حَرَمِهْ وحَباك المجدَ أجْمَعه . . . حيثما ذَبَّيْتَ عن حُرُمِهْ قَسَماً باللّهِ يُقْسِمُه . . . عبدُ بِرٍ بَرَّ في قَسَمِهْ إنَّك المَهْدِي وحُجَّتُه . . . عَدْلُك المعدودُ مِن قسمِهْ يا أميرَ المؤمنين ويا مَن . . . شاد بالعَلْيَا على أُطُمِهْ خُذْ مَديحاً كلُّه دُرَرٌ . . . جاء يسْعَى نحو مُسْتَلِمهْ هَزأتْ بالفَجْرِ غُرَّتُه . . . حيث لاحَتْ من دُجَى لِمَمِهْ نَظْمُ عبدٍ نَثْرُ مَدْحِك ما . . . زال يُرْوَى عن حِجَى قَلَمِهْ دُمْتَ مولاه وسيِّدَه . . . ما شَدا القُمْرِيُّ في نَغَمِهْ ووقف على قول البدر الدماميني : يا ساكني مكة لا زلْتُم . . . أُنْساً لنا إنِّيَ لم أنْسَكُمْ ما فيكمُ عَيْبٌ سِوَى قَوْلِكمْ . . . عند اللِّقا أوْحَشَنَا أُنْسُكُمْ فقال مجيباً : ما عَيْبُنا هذا ولكنَّه . . . مِن سُوءِ فَهْمٍ جاءَ مِن حَدْسِكُمْ لم نَعْنِ بالإيحاشِ عند اللِّقا . . . بل ما مضَى فابْكُوا على نَفْسِكُمْ وحذا حذوه ولده زين العابدين ، فقال : يا مُظْهِرَ العَيْبِ على قَوْلِنا . . . عند اللِّقا أوْحَشَنا أُنْسُكُمْ ما قَصْدُنا ما قد جَنَحْتُم له . . . من خطأٍ قد جاء في فَهْمِكُمْ فقَوْلُنا المذكورُ جارٍ على . . . حَذْفِ مُضافٍ غاب عَن حَدْسِكُمْ والقَصُدُ فَقْدُ الأُنْسِ فيما مَضَى . . . لا ضِدُُّّه الواقِعُ في وَهْمِكُمْ فالأُنْسُ لم يُوحِش بلَى فَقْدُه . . . هو الذي يُوحِش مِن مِثْلِكُمْ وبعد أن بان لكم فاجْزِمُوا . . . بنِسْبةِ العَيْبِ إلى نَفْسِكُمْ ولما وقف على ما قالاه أحمد بن عبد الرءوف ، قال مجيباً ومعتذراً عن الدماميني :(4/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
صَوْناً مَوالِي الفضلِ بين الورَى . . . للبدرِ أن تُدْرِكَه شَمْسُكمْ وجَلِّلوه بعَباءِ الإِخَا . . . فإنه الأنْسَبُ من قُدْسِكُمْ فإنه الكنزُ وبُنْيانُه . . . مُؤسَّسٌ قِدْماً على أُسِّكُمْ كأنه أضْمَر أن شَأنَكُمْ . . . صِناعةُ الإِبْهامِ في لَفْظِكُمْ فاسْتعمَلَ النَّوَع الذي أنْتُمُ . . . أدْرَى به كي يُجْتَنى غَرْسُكُمْ ولم يسَعْه كونهُ مُنْكِراً . . . لِمثل هذا الحِذْقِ من مثلِكُمْ فإنَّ هذا سَائغٌ شائِعٌ . . . بُرْهانُه أوْحَشَنا أُنْسُكُمْ
ولده علي
الإمام ابن الإمام ، والقطر ابن الغمام . نشأ في كفالته بذاخ المربض والعري ، شامخ الأنف بذلك الوالد أشم العرنين . أرتعه معه في روضه ، وسقاه بيده من حوضه . حتى بلغه رتبةً تتقاعس عنها رتبة التمني ، واعتنى به فأوصلها إليه بغير مشقة التعني . فقام مقامه في الإمامة والتدريس ، وانتصب للفتيا على مذهب الإمام محمد بن إدريس . وألف وصنف ، وقرط الأسماع بلآليه وشنف . وهو في الأدب ممن سبق وفات ، وجمع على أحسن نسقٍ كل متفرقٍ رفات . وله نظمٌ كانتظام الأحوال ، ونثرٍ تعرف منه كيف تشتبه الجواهر بالأقوال . فمن نثره ، ما كتبه إلى القاضي تاج الدين المالكي مسائلاً : سيدنا المقتدى بآثاره ، المهتدى بأنواره . إمام محراب العلوم البديعة ، وخطيب منبر البلاغة التي أضحت مذعنةً له ومطيعة . قمر سماء المجد الأثيل ، فلك شمس فخر كل ذي مقام جليل . المميطة يد بيانه حواجز الأشكال عن وجوه المعاني ، المعترف بمنطقه الفصيح القاصي من هذه الأمة والداني . عمدة المحققين قديماً وحديثاً ، ملاذ المدققين تفسيراً وتحديثاً . الصاعد معارج العليا بكماله ، المنشد في مقام الافتخار لسان حاله :(4/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
لنا نفوسٌ لِنَيْلِ المجدِ راغبةٌ . . . ولو تسَلَّتْ أسَلْناها على الأسَلِ لا ينْزِل المجدُ إلاَّ في مَنازِلنا . . . كالنَّوْمِ ليس له مَأْوىً سِوى المُقَلِ والقائل عند المُجادلة في مَقام المباهلة : نحن الذين غَدَتْ رَحَى أحْسابِهمْ . . . ولَها على قُطْبِ الفَخارِ مَدارُ المملوك يقبل الأرض التي ينال بها القاصد ما يؤمله ويرتجيه ، وينهي أنه نظم بعض الجهابذة الأعيان بيتين في التشبيه . والسبب الداعي لهما ، والمعنى المقتضى لنظمهما . أنه أبصرت العين ظبياً يرتع في رياضه ، ويمنع بسيوف لحاظه عن ورود حياضه . يرى العاشق سيآته حسناتٍ جاد بها وأحسن ، ويعترف له بالحسن كل حسنٍ في الأنام وابن أحسن . بدا وهو الجوهر السالم من العرض ، وظهر وعليه أثرٌ من آثار المرض . فأراد المشبه تشبيهه في هذه الحالة ، فشببه بغصنٍ ذابلٍ قائلاً لا محالة . ونظم ذلك المعنى ، فشدا بما قاله صادح الفصاحة وغنى . وهو : بَدا وعليه أثْرٌ مِن سَقامِ . . . كمكْحولٍ من الآرامِ ساهِي فخُيِّل لي كبدرٍ فوق غُصْنٍ . . . ذوَى للبُعْدِ من قُرْبِ المِياهِ فاعترض معترضٌ عالم بالإصدار والإيراد ، قائلاً : إن البيت الثاني لا يؤدي المعنى المراد . إذ القصد تشبيهه بالغصن الموصوف ، وليس المراد تشبيهه بالبدر فالبدر لا يوصف إلا بالخسوف . فطالت بين المعترض والمعترض عليه المنازعة ، ولم يسلم كل واحد منهما للثاني ما جادل فيه ونازعه . فاختارا القاضي الفاضل حكماً ، ورضيا سيدنا حاكماً ومحكماً . فليحكم بما هو شأنه وشيمته من الحق ، وليتأمل ما عسى أن يكون قد خفي عن نظرهما ودق . والأقدام مقبلة ، وصلى الله على سيدنا محمدٍ ما هبت الريح المرسلة . فأجابه بقوله : سيدنا الإمام الهمام ، الذي أضحى علم الأئمة الأعلام . الإمام المقتدى به وإنما جعل الإمام ، الحبر الذي قصرت عن استيفاء فضائله الأرقام ' ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلام ' . وارث الجلالة عن آبائه الذين زهت بذكراهم الأخبار والسير ، المقيم من نفسه العصامية على ذلك أوضح دلالةٍ يصدق فيها الخبر الخبر . الحري بما استشهد به في شأن المملوك ، السالك من الكمال طريقةً عز على غيره فيها لعزتها السلوك . يقبل المملوك الأرض بين يديه ، ويؤدي بذلك ما هو الواجب عليه . وينهي وصول المثال العالي ، الفائقة جواهر كلماته على فرائد اللآلي . يتضمن السؤال عن بيتي ذلك الجهبذ ، في الشأن الذي قضى حسنه أن تسلب الأرواح وتؤخذ . ومنع حبه الكلام الألسن ، وكان الدليل على ذلك اعتراف ابن أحسن . فإنه ذو النظر العالي المدرك حقيقة الكنه ، فإذا تنور من أذرعات أدنى ما تنوره إلى قيد شبرٍ منه . فتأمل المملوك ما وقع من تلك المعارضة ، التي أفضت إلى التحكيم والمفاوضة . فإذا المتعارضان قد مزجا في حلو(4/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
فكاهتهما شدة البأس في البحث برقة الغزل ، وأخرجا الكلام لبلاغتهما على مقتضى حال من جد وهزل . وجريا إلى غايةٍ حققا عند كل سابق أنه المسبوق ، وأريا غبارهما لمن أراد اللحوق . وكان الأحرى بالمملوك ستر عوار نفسه ، وحبس عنان قلمه أن يجري في ميدان طرسه . لكن لما كان ترك الجواب من الأمر المحظور ، لم يلتفت إلى ما يترتب على الواجب من المحذور . فقال حيث كان الأمر على ما أسنده مولانا عن الناظم وروى ، من أنه قصد التشبيه في حال بقايا أثر السقام بغصنٍ ذوي . فعدل إلى سبكه في قالب صياغته ، وسلكه في سلك بلاغته . فلا شك أنه أتى بما لا يدل على المراد دلالةً أولوية ظاهرة ، وكان كمن شبه الأغصان أمام البدر ببنت مليكٍ خلف شباكها ناظرة . وحينئذ فإطلاق القول بأن البيت الثاني لا يدل على ما أريد ، ربما تمسك الخصم في عدم ثبوت الحكم عليه بأنه إطلاقٌ في محل التقييد . كما أن للمعترض أن يتمسك في ذلك باستيفاء الدلالة الأولوية ، فيكون المحكوم به هو المتعارض في القضية . وهذا أجدى ما رآه المملوك في فصل الخطاب ، وأحرى ما تحرى فيه أنه الصواب . مع اتهامه نفسه في مطابقة الواقع في الفهم ، لعلمه بدقة نظر مولانا إذا قرطس أغراض المعاني من فهمه بسهم . وتجويزه على نفسه العجز عن الوصول إلى مأخذ المولى ومدركه ، واعترافه بأنه لا يجارى في نقد الشعر لأنه فارس معركه . انتهى . قوله في أثناء الجواب : كان كمن شبه الأغصان ، أمام البدر ، يشير به إلى قول الصلاح الصفدي : كأنما الأغصانُ لمَّا انْثَنتْ . . . أمامَ بَدْرِ التِّمِّ في غَيْهَبِهْ بنتُ مَلِيكٍ خَلْفَ شُبَّاكِها . . . تفرَّجتْ منه على موكِبهْ وله فيه أيضاً : كأنما الأغصانُ في رَوْضِها . . . والبدرُ في أثْنائها مُسْفِرُ بنتُ مَلِيكٍ سار في مَوْكِبٍ . . . قامتْ إلى شُبَّاكِها تنْظُرُ قال النواجي : لا يخفى ما في هذين البيتين ، بل المقطوعين من ضعف التركيب ، وكثرة الحشو ، وقلب المعنى ، وذلك أنه جعل الأغصان مبتدأ ، وأخبر عنه ببنت المليك ، وهو فاسد ، وإن كان قصده تشبيه المجموع بالمجموع ، إلا أن الإعراب لا يساعده . على أنه لم يخترع هذا المعنى ، بل سبقه إليه القاضي محيي الدين ابن قرناص ، فقال : وحديقةٍ غَنَّاءَ ينْتظِم النَّدَى . . . بفُروعِها كالدُّرِّ في الأسْلاكِ(4/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
والبدرُ مِن خَلَلِ الغصونِ كأنه . . . وجهُ المليحةِ طَلَّ من شُبَّاكِ فانظر إلى حشمة هذا التركيب وانسجامه ، وعدم التكلف والحشو ، واستيفاء المعنى في البيت الثاني فحسب ، والصفدي لم يستوف المعنى إلا في بيتين ، مع ما فيهما . فلو قال في المقطوع الأول : كأن بدرَ التِّمِّ لمّا بدَا . . . من خَلَلِ الأغصانِ في غَيْهَبِهْ بنتُ مَلِيكٍ خَلْفَ شُبَّاكِها . . . تفرَّجتْ منه على موكِبهْ وفي المقطوع الثاني : كأن بدرَ التِّمِّ في روضةٍ . . . من خلَلِ الأغصانِ إذْ يُسْفِرُ بنتُ مَلِيكٍ سار في موكبٍ . . . قامتْ إلى شُبَّاكِها تنْظُرُ لتم له من غير تكلف . ومن شعر علي المذكور : هَذِي رياضُ الحُسْنِ أغْصانُها . . . غَرَّد بالدّوْحةِ منه الهَزارْ يهْتزُّ فيها قَدُّ ذاتِ الرَّنَا . . . رقيقة الخَصْر على الاخْتصارْ بِتُّ ونارُ الشوقِ قد أُضْرِمتْ . . . بمُهجةٍ أحْرَقها الاسْتِعارْ رام عَذُولِي هَدَّ رُكْنِ الهوى . . . يا كعبةَ الحُسنِ بكِ المُسْتَجارْ غَضّيْتُ ذاك الطّرْفَ عن ناظِرٍ . . . هَيَّجه الوجدُ عَفِيف الإزَارْ وقول في فتاة اسمها غربية : ولي جِهَةٌ غَرْبيَّةٌ أشْرقتْ بها . . . لِعَيْنِي شَمسُ الأُفْقِ من غيرِ لا حُجْبِ ولاح بها بدرُ التّمامِ لِناظرِي . . . ومن عجبٍ شمسٌ وبَدْرٌ من الغَرْبِ وقوله فيها أيضاً : هَيْفاءُ كالشمسِ ولكنّها . . . غَرْبيَّةٌ يا قومِ عند الشُّروقْ يفْتَرُّ منها الثّغْرُ عن لُؤْلُؤٍ . . . رَطْبٍ ويبدُو منه لَمْعُ البُروقْ باللّهِ يا عاذلُ عنِّي فذَا . . . باردُه السَّلْسلُ فيه يَرُوقْ رِفْقاً فما في العَذْلِ لي طاقةٌ . . . يُمْكِن منها لِعَذُولِي الطُّروقْ غِبْتُ عن العاذِلِ فيها فما . . . هَزْلٌ وجِدٌّ لِذَواتِ الفُروقْ وقوله فيها أيضاً : إنّ الإهِلّةَ إذ بدَتْ غَرْبيَّةً . . . فالغَرْبُ منه ضِيَا المَسَرَّة يُشْرِقُ والشرقُ دَعْهُ فليس منه سِوَى ذُكَا . . . تَحْتَرُّ في وَسَطِ النهارِ وتَحْرِقُ وقوله أيضاً ، مشجراً : غزال كبدرِ التِّمِّ لاح بوجْهِه . . . هلالٌ رأتْه العينُ من أُفُقِ الشمسِ(4/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
رنَا طَرْفُه الفَتَّانُ يوماً لناظرٍ . . . يهيمُ به من حيث يُصْبِحُ أو يُمْسي بَدَا لِيَ في خُضْرِ الرياضِ بأسمرٍ . . . به سُودُ هاتيك الحدائقِ في لَبْسِ يُعلِّل بالتَّسْويفِ قلبي فليْته . . . رأَى دَنِفاً ما زال يقْنَعُ باللَّمْسِ هَلكتُ جَوىً منه فَمن لِمُتَيَّمٍ . . . غريبٍ عن الأوطانِ يدْنُو من الرَّمْسِ وكتب لبعض أحبابه في صدر رسالة : على الحَضْرةِ العَلْياءِ دام مَقامُها . . . عَلِيّاً سلامٌ طيِّبُ النّشْرِ والعَرْفِ إلى نَحْوِها حَمَّلْتُه نَسْمةَ الصَّبا . . . لتكْسِب وصْفاً من شَذَا ذلك الوَصْفِ
محمد علي بن إسماعيل الطبري
أحد تلك الجلة الكرام ، أئمة الحرم الذين وجب لهم الاحترام . سما قدره فوق أعالي الجبال الشواهق ، وبلغ غاية الكهول وهو في سن المراهق . منزلةٌ لا يكتنه كنهها ، ولا يوجد في العالم شبهها . إلى فضلٍ ثنى إليه عنان الخطاب ، وأدبٍ جنى به الثناء المستطاب . ووراء ذلك رويةٌ أحسن من كل روية ، وبديهة أورى من كل فكرةٍ ورية . بلفظٍ ناهَبَ الحَلْىَ الغَوانِي . . . وأهْدَى السِّحْرَ للحَدَقِ الصِّحاحِ وقد جئتك من شعره بما يعطر شام النور العبق ، ويروق به كأسه المصطبح على ماء النهر والمغتبق . فمنه قوله من قصيدة ، يمدح بها الشريف حسن بن أبي نمى . مطلعها : أسَرتْني بطَرْفِها الفَتَّانِ . . . وبحُسْنٍ يفوقُ حُورَ الجِنانِ ذاتُ قُرْطٍ من طَوْقِها مطلع الشَّمْ . . . سِ فِدَا حُسْنِها البديع جَنانِي ما تبدَّتْ تخْتال إلاّ أرَتْنا . . . بدرَ تِمٍ يُقِلُّه غُصْنُ بَانِ ما حكاها في جَنَّةِ الخُلْدِ حُورٌ . . . لا ولا في مَراتِعِ الغِزْلانِ قلّدتْها يدُ الجمال حُلِيّاً . . . فاق حُسْناً قلائدَ العِقْيانِ بخُدودٍ مُورّداتٍ حِسانٍ . . . ما حكتْها شَقائقُ النُّعْمانِ تَيَّمَتْنِي فَرَقَّ جسمِي نحُولاً . . . مِن جَفاها فعَائدِي لا يَرانِي وأذابتْ قلبِي المُعنَّى وجارتْ . . . وصَلَتْنِي لَواعِجَ الأشْجانِ ليْتَها بَعْدَ بُعْدِها وصَلتْنِي . . . وكَفاها ما مَرَّ من هِجْرانِ أرَّقتْ مُقْلتِي فأذْرَيْتُ دَمْعاً . . . كالغَوادِي دماً عَبِيطاً قَانِي لا تَسَلْ ما جَرى على الخَدِّ منها . . . يا حبيبي فقد جرَى ما كَفانِي فجُفونِي على الدَّوامِ دَوَامٍ . . . ودموعِي مَشارِعُ الغُدْرانِ(4/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
قيل مَهْلاً فمَن صَبَا صَيَّرتْه . . . مُوجِباتُ الصِّبا أسيرَ الغَوانِي حَبَّذا إن قَضيْتُ في الحُبِّ وَجْداً . . . وقضى حاكمُ الهوى بهَوانِي ظَبْيةٌ تقْنِصُ الهِزَبْرَ فيُمْسِي . . . وهْو لَيْثُ الشَرَى الأسِيرَ الْعانِي تتَّقِي الأُسْدُ في العَرِينِ سَطاهُ . . . وهْو يخْشَى من فَتْرةِ الأجْفانِ كلمتْنِي بفَاتِراتٍ مِرَاضٍ . . . سِحْرُ هارُوتِها قضَى بافْتتانِي جاوَز الحَدَّ لَحْظُها فمَلاذِي . . . حَسَنٌ ذُو الفخار والسُّلْطانِ وقوله من أخرى في مدحه أيضاً ، ومستهلها : أفْدِي مَهاةً تُلِينُ القوَل أحْيانَا . . . فتسلُب العقلَ ممَّن كان أحْيانَا أماتَنا هَجْرُها المُولِي القلوبَ أسىً . . . يُذيِب لولا رجاءُ الوصلِ أحْيانَا لا عاش مَن يتمَنَّى بعد نَشْوتِه . . . مِن خمرةِ الحبِّ أن يصحُو ولا كانَا بمُتْرَفِ الخدِّ جَنَّاتٌ لناظرِها . . . لكنّها أجَّجَتْ في القلبِ نِيرانَا لولا سحائبُ جَفْنٍ سَحَّ وَابِلهُ . . . أجْرَى بِحاراً فأطْفاها وغُدْرانَا تُرِيك من وجهِها الضّاحِي وقامتِها . . . بدراً على غُصُنٍ يخْتال نَشْوانَا جارتْ على قلبِيَ المجروحِ مُقْلتُها . . . وأتْلفتْه وما أضْمَرْتُ سُلْوانَا لا تُسْتمال وإن مالتْ مَعاطِفُها . . . تحمَّلَتْ من رياضِ الحُسْنِ أفْنَانَا ترْنُو بفاترِ طَرْفٍ زاد صَارِمُه . . . فينا عن الحَدِّ مَسْنوناً فأفْنانَا كأنما سيفُ بَدْرِ الدين أوْدَعَه . . . من طَرْفِها الفاترِ الفَتَّانِ أجْفانَا ويحسَبُ الناسُ من أهلِ البَدِيعِ ومِن . . . أهلِ السليميَّةِ الغَبْرَا ومعكانَا أو آلِ خالد من أهدى ضلالُهُمُ . . . نُفوسَهم فغدوْا هَدْياً وقُرْبانَا وغرَّهم فيهمُ حتى غَدَتْ فِئَةٌ . . . فَيْئاً وأخْرَى قضتْ لم تَرْجُ غُفْرانَا هذا مُكبَّلُ مَأْسُورٌ وذا ورَدتْ . . . به القنَا مِن حِياضِ الموت طُوفَانَا وجرَّعتْهم كؤوسَ الحَيْنِ مُتْرَعةً . . . وقائعٌ تتْرُك الوِلْدانَ شِيبانَا لو أنهم عَقَلُوا أمْراً لَما شَهَرُوا . . . عَضْباً ولا اعْتقلُوا للحَرْبِ مُرَّانَا ولو يُرِيدون خَيْراً أو يُرادُ بهمْ . . . كانوا على ما مضَى من قبلُ غِلْمانَا لكنْ قضَى اللّهُ باسْتِئْصالِهم فبَغَوْا . . . على نفوسِهمُ ظُلْماً وعُدْوانَا وشاهَدُوا جَحْفَلاً ذابتْ نفوسُهمُ . . . مِن خَوْفِه مَلأَ الآفاقَ فرسانَا تَسُلُّ أسْيافَه أحلامُ نائِمهمْ . . . عليه رُعْباً ويَلْقَى الموتَ يَقْظانَا هذا من قول أشجع السلمي : وعلى عَدُوِّك يا ابنَ عَمِّ محمدٍ . . . رَصَدانِ ضَوْءُ الصبحِ والإظْلامُ(4/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
فإذا تنبَّه رُعْتَه وإذا غَفَا . . . سَلَّتْ عليه سيوفَك الأحْلامُ منها : له من الرُّعْبِ أنْصارٌ مُؤيِّدةٌ . . . تُصَيِّرُ الليثَ مثلَ الضَّبِّ حَيْرانَا في الأمثال أحير من ضبٍ ؛ لأنه إذا فارق جحره لم يهتد للرجوع . يحُفُّه من بَنِيه أُسْدُ معركةٍ . . . تَرْوِي الْقَنا إن غَدا الضِّرْغَامُ ظَمْآنَا بيتُ النُّبُوةِ بيتُ اللّهِ مَن ورَثُوا . . . أمْرَ الخلافةِ سُلْطاناً فسُلْطانَا يَفْنَى المَديحُ ولا تُحْصَى مَحامدُهمْ . . . فَدَعْ زُهَيْراً ودَعْ كَعْباً وحَسَّانَا
محمد جمال الدين بن عبد الله الطبري
مقدم في المقال وإن تأخر ، وإذا كان غيره بحراً يفيض فهو بحرٌ يزخر . يتقدم حيث يتأخر الذابل ، ويجود إذا ما ضن بجوده الوابل . فروض طبعه تسرح النواظر في فضاه ، ومرعى بيانه أينع سعدانه ورف غضاه . وله ذكاء متطاير اللهب ، وقريض يزري بقراضة الذهب . وقد أثبت له ما يعلق من كعبة البلاغة ، ويعرف منه أنه لم يبلغ أحدٌ بلاغه . فمنه قوله ، من قصيدة في المدح : مُذ لاح بدرُ الدُّجَى وأشْرَقْ . . . أغْرقني مَدْمَعِي وأشْرَقْ ورُحْتُ من لَوْعتِي أُصالِي . . . جَوىً لقلبِي الكئيبِ أحْرَقْ لا لَوْعَتِي تنْطفِي وحِبِّي . . . فَرَّق شمْلِي وما ترفَّقْ ومنها : لمَّا رأيتَ الهوى هَواناً . . . وأنني في يديْك مُوثَقْ وأن جَوْرَ الغرامِ عَدْلٌ . . . وحاكمَ الحبِّ ليس يُشْفِقْ جاوَزْتَ في الحدودِ ظُلْماً . . . ألستَ عَدْلَ الحسينِ تَفْرَقْ بدرُ الملوك الحُسَين مَن في . . . نَدَى يديْه البِحارُ تَغْرَقْ ومَن له صَوْلةٌ وعَزْمٌ . . . منها أُسودُ الحروبِ تُشْفِقْ ومنها : لو لَمَستْ رَاحتاهُ عُوداً . . . أثْمَرَ في كفِّه وأوْرقْ ولو ينال السحابُ فَيْضاً . . . من بعضِ جَدْواهُ كان أغْرَقْ فلا تقِسْ بالحسين خَلْقاً . . . فمثلُه ما أظنُّ يُخْلَقْ ومَن بنُورِ النبيِّ طه . . . ضَمَّخَه ربُّه وخَلّقْ أعْظَمُ من قيصرٍ وكسرَى . . . وتُبَّعٍ مَنْصِباً وأعْرَقْ(4/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
وقوله في الغزل : أسيرُ العيونِ الدُّعْجِ ليس له فَكُّ . . . لأنَّ سيوفَ اللّحْظِ من شأنها السَّفْكُ حَذارِ خَلِيَّ القلبِ من عَلَقِ الهوى . . . وأوّلُها سُقْمٌ وآخرُها فَتْكُ ورُحْ سالماً قبلَ الغرامِ ولا تقِسْ . . . عليَّ فإنِّي هالكٌ فيه لاشَكُ ألم تَرَنِي وَدَّعتُ يوم فِراقِهمْ . . . حَشايَ لِعلْمِي أن ما دونه الهُلْكُ وكيف خَلاصِي من يَدَيْ شادِنٍ إذا . . . بَدا ابْيَضَّ في الدَّيجُور من نُورِهِ الحَلْكُ وهيْهات أن تُرْجَى لِمثْلِي سَلامةٌ . . . وقد سَلَّ بِيضَ الهنْدِ ألْحاظُه التُّرْكُ يقولون تَرْكُ الحُبِّ أسلمُ للفتى . . . نعم صدقوا إن كان يُمكنُه التّرْكُ دَعُونِي وذِكْرِي بين بَاناتِ لَعْلَعٍ . . . عُرَيْباً هواهم في المَواقِفِ لي نُسْكُ وإن رُمْتُمُ إرشادَ قلبي فكرِّرُوا . . . أحاديثَ عشقٍ طاب في نَظْمِها السَّبْكُ أما والخدودِ العَنْدَمِيَّاتِ لم أحُلْ . . . وكلُّ الذي عنِّي روَى عَاذِلِي إفْكُ وما بمَصُونِ الثّغْرِ من ماء كَوْثرٍ . . . وكأسِ عَقِيقٍ خَتْمُه خالُه المِسْكُ لقد لَذّ لي خَلْعُ العِذارِ وطاب في . . . هَوى الخُرَّدِ الغِيدِ الدُّمَى عنديَ الهَتْكُ قوله : لاشك قد يتوهم أن فيه لحناً ، على أن لا نافيةٌ للجنس واسمها في ذلك منبيٌّ على الفتح . ولا لحن فيه ، بل فيه وجهان : أحدهما ، منع كونها نافيةً للجنس ، بل عاملة عمل ليس ، والخبر محذوف جوازاً ، كقول الحماسي : مَن صَدَّ عن نِيرانِها . . . فأنا ابْن قَيْسٍ لا بَراحُ والثاني ؛ أن تكون نافيةً للجنس ، إلا أنها ملغاة ، والرفع بالابتداء ، فلم يجب تكرارها ، لجواز تركه في الشعر . وله تصدير وتعجيز لقصيدة ابن الفارض ، وقفت منه على قطعةٍ ، وهي : ما بين ضَالِ المُنْحَنَى وظِلالِهِ . . . رَشَأٌ سَبَى الألبابَ عَنْبَرُ خالِهِ في ليلِ طُرَّتِه وصُبْحِ جَبينِهِ . . . ضَلَّ المُتَيَّمُ واهْتدَى بضلالِهِ وبذلك الشِّعْبِ اليَمانِي مُنْيةٌ . . . ما بين سَفْحِ طَوَيْلعٍ وجِبالِهِ مِن دونها حَتْفُ النفوسِ وبُغْيةٌ . . . للصَّبِّ قد بَعُدتْ على آمالِهِ يا صاحِبي هذا العَقيقُ فقِفْ به . . . واحرُس فؤادَك من لِحاظ غَزالِهِ فإذا وصلتَ الجِزْعَ طُفْ بِقبابِهِ . . . مُتَولِّهاً إن كنتَ لست بِوَالِهِ وانْظُرْه عنِّي إن طَرْفِي عَاقَنِي . . . ياقوتُه بصَفا لُجَيْنِ رِمالِهِ مارَام منه ذاك إلاّ صَدَّهُ . . . إرْسالُ دَمْعِي فيه عن إرْسالِهِ واسْألْ غَزال كِناسِه هل عنده . . . خبَرٌ بمَن أضْحَى قتيلَ نِزالِهِ(4/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
أو عنده ممَّا أُلاقِي من أسىً . . . عِلْمٌ بقلبِي في هَواه وحالِهِ وكتب إلى شيخه عبد الرؤوف بن يحيى الواعظ المكي ، مسائلاً بقوله : يا أَيها الحَبْرُ يا مَنْ . . . منه العلومُ تفجَّرْ ومُفَرَدَ العصرِ مَن قد . . . لمسجدِ اللّهِ أَزْهَرْ بالاشْتغالِ دَواماً . . . بقُرْبِ بيتٍ مُطهَّرْ ما الحكمُ في كلِّ قاتٍ . . . وكفتةٍ هو مُنْكَرْ أَم لا لنا فأبِينُوا . . . لديكُم الصَّعْبُ يظْهَرْ أَنتم مَلاذٌ وأَمَّا . . . في الحكم كُلٌّ تحيَّرْ فأجابه بقوله : الحمدُ للّه حَمْداً . . . أفرادُه ليس تُحْصَرْ ومنه خيرُ ثَناءٍ . . . لأحمدَ الطُّهْرِ يُنْشَرْ الحكمُ في ذَيْنِ حِلٌّ . . . والتَّرْكُ للضُّرِّ أظْهَرْ عبدُ الرؤوف وَشاهُ . . . يرجُو المَزلاّت تُغْفَرْ
فضل بن عبد الله الطبري
ذاته كاسمه ، والفضل كله برسمه أجل قدراً من أن لا يعرف ، وحاشاه أن يكون نكرةً فيعرف . وقد سمعت من يقول عنه : هو العلم الذي عرف العالم فضله ، والفاضل الذي إذا اعتبر فغيره بالنسبة إليه فضلة . وله من الأشعار كل درةٍ فريدة ، هي روي في طلا كل وليدة خريدة . فمنها قوله ، من قصيدة يمدح بها الشريف زيد بن محسن ، أولها : يا مَيُّ حَيَّى الحَيْاَ أحْيَا مُحَيَّاكِ . . . هلاَّ بأعْتابِ عُتْبَى فَاهَ لي فَاكِ مَن لي إليك وقد أوْدَى صُدودُك بي . . . ولا تَزالِين طَوْعاً لَيَّ أفَّاكِ يا هذه لم أزَلْ مِن بُعْدِها ودُنُوِّ . . . السُّقْمِ من بَعْدِها مَوْثوقَ أشْرَاكِ(4/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
تِيهِي أَطِيلي التَّجنِّي والجَفَاءَ وما . . . أرَدْتِ فاقْضِيه بي فالُحسْنُ وَلاَّكِ رِفْقاً رُويْداً كأني بالعَذُولِ على . . . تَطاوُلِ الصَّدِّ في ذا الصَّبِّ أغْراكِ منها : حَسْبي دليلاً على شوقي المُبرِّح بي . . . أنِّي لَثَمْتُ عَذُولِي حين سَمَّاكِ والجَفْنُ في أرَقٍ والقلبُ في حُرَقٍ . . . والعينُ في غَرَقٍ إنْسانُها باكِي يا مُهجةَ الصَّبِّ غير الصَّبْرِ ليس وقد . . . جَنَتْ عليك بما لاقيتِ عَيْناكِ منها في المديح : قد زاد في شرفِ البَطْحاءِ أنَّك في . . . جِيرانِها خَيْرُ فَعَّالٍ وتَرَّاكِ مُولِي الجميل ومَنْجاةُ الدَّخِيلِ ومَنْ . . . حاةُ الخَذِيلِ سَرِيُّ عَيْنِ أمْلاكِ قوله في مطلع القصيدة : فاه لي فاك ، جرى فيه على اللغة الضعيفة ، وهي لزوم الألف للأسماء الخمسة في جميع الحالات ، كقوله : إنَّ أبَاها وأبا أباهَا ومن شعره قوله : لا تُضيِّعْ سَبَهْلَلاً فُرَصَ الْ . . . عمرِ بلا طاعةٍ ولا تتعلَّمْ سوف يَدْرِي الجَهْولُ عند انْقضا . . . ءِ العمرِ سُدىً كيف ضاع فيَنْدَمْ
عبد الرحمن بن عيسى المرشدي
مفتي القطر الحجازي وعالمه ، وصدره الذي قامت به معالمه . جواد قلمه في ميدان الطرس مرخي العنان ، وشرح نموذج حاله أجلى وأظهر من العيان . سلم له من كل فنٍ أهل حله وعقده ، وأذعن لبلاغته من كل صوبٍ جهابذة نقده . وألقت إليه الفصاحة مقاليدها ، وكتبت رؤساء البراعة باسمه تقاليدها . وهو الطود رصانةً ، والطور رزانةً . بعلمه يقتدى ،(4/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
وبحلمه يهتدى . وكان عصره يربو على العصور شرفاً ، ويرتقي من المعالي فنناً وشرفاً . بضروبٍ من المآثر والمفاخر ، ازدانت بها الأوائل والأواخر . يحديها حادي الرفاق ، على مطالع الإشراقين من الآفاق . حتى سمعتها كل أذن صما ، ورأتها كل عينٍ عميا . وكان حماه للقصاد قبلة ، وما أظن أحداً بلغ مثل شأنه قبله . يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا ، وينشد ببابه تمام الحج أن تقف المطايا . وله من الآثار ما هو في مسامع النبغاء شنف ، وفي مجامع البلغاء روضٌ أف . ومن خبره على ما نقل ابن معصوم ، أنه لم يزل ممتطياً صهوة العز المكين ، راقياً ذروة طود الجاه الركين . لا يقاس به قرين ، ولا تطأ آساد الشرى له عرين . إلى أن تولى الشريف أحمد بن عبد المطلب مكة المشرفة ، ورفل في حلل ولايتها المفوقة . وكان في نفسه من الشيخ المشار إليه ضغن ، حل بصميم مهجته وما ظعن . فأمر أولاً بنهب داره ، وخفض محله ومقداره . ثم قبض عليه قبض المعتمد على ابن عمار ، وجزاه الدهر على يديه جزاء سنمار . إلاأن المعتمد أعض ابن عمار بالحسام الأبيض ، وهذا طوقه هلال فترٍ من أنامل عبدٍ أسود ، فجرعه كأس الموت الأحمر . وكان قد أبقاه في محبسه إلى ليلة عرفة ، ثم خشي أن يسعى في خلاصه من أكابر الروم من عرفه . فوجه إليه بزنجيٍ أشوه خلق الله خلقا ، وتقدم إليه بقتله في تلك الليلة خنقا . فامتثل أمره فيه ، وجلله من برد الهلاك بضافيه . فأقفرت لموته المدارس ، وأصبحت ربوع الفضل وهي دوارس . وذلك في عام سبع وثلاثين والف . ومن الاتفاق أن الشريف المذكور قتل هذه القتلة بعينها ، حين تقاضت منه الليالي ما سلفت من دينها . وفي الأثر : كما تدين تدان ، وهذا حال الدهر مع كل قاصٍ ودان . وهذا حين أتلو من آياته ، وأثبت ما يدل على بعد غاياته . فأعظمها قصيدته التي مدح بها الشريف حسنا ، وابنه أبا طالب ، مهنياً لهما بالظفر بأهل شمر ، وهو جبل بنجد : نَقْعُ العَجاجِ لَدَى هَياجِ العِثْيَرِ . . . أذْكَى لدَيْنا من دُخانِ العَنْبَرِ وصَلِيلُ تجْريدِ الحُسامِ ووَقْعُه . . . في الْهامِ أجْدَى نَغْمةً من جُؤْذُرِ وسَنَا الأسِنَّةِ لاَمِعاً في قَسْطَلٍ . . . أسْنَى وأسْمَى من مُحَيّاً مُسْفِرِ وتَسَرْبُلٌ في سابِغاتِ مُزَرَّدٍ . . . أبْهَى علينا من قَباءٍ عَبْقَرِي(4/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
وتتَوُّجٌ بقَوانِسٍ مَصْقولَةٍ . . . أزْهَى علينا من سَدُوُسٍ أخْضَرِ وكذاك صَهْوةُ سابِحٍ ومُطهَّمٍ . . . أشْهَى إلينا مِن أَرِيكةِ أحْوَرِ ولِقَا الْكَمِيِّ مُدَرَّعاً في مِغْفَرٍ . . . كلِقَا الغَرِيرِ بمِقْنَعٍ وبِمخْمَرِ ألِفَتْ أسِنَّتُنا الورُودَ بمَنْهَلٍ . . . عَلقتْ به عَلَقَ النَّجِيعِ الأحْمَرِ وسيوفُنا هجَرتْ جِوارَ غُمودِها . . . شَوْقاً لِهامَةِ كلِّ أصْيَدَ أصْعَرِ فتَخالُها لمَّا تُجرَّد عندما . . . هاج القَتامُ بَوارِقاً بِكَنَهْوَرِ وصَهِيلُ جُرْدِ الخيلِ خِيلَ كأنه . . . رَعْدٌ يُزَمْجِرُ في الْجَدَى المُثْعَنْجِرِ ودمُ العِدَى مُتقاطِراً مُتدفِّقاً . . . كالوَبلِ كالسيلِ الجُرافِ الْجِوَّرِ ورُءوسُهم تجْرِي به كجَنادِلٍ . . . قذَفْت به مَوْجُ السيولِ الهُمَّرِ غَشِيَتْهُمُ في العامِ مِنَّا فِرقةٌ . . . تركتْ فَرِيقَهم كسَبْسَبِ مُقْفِرِ أوْدَتْهُمُ قَتْلاً وأجْلَتْهم إلى . . . أن حطَّم الهِنْدِيُّ ظَهْرَ المُدْبِرِ تركتْ صَحاراهُم مَوائِدَ ضُمِّنَتْ . . . أشْلاءَ كلِّ مُسَوَّدٍ وغَضَنْفَرِ ودَعتْ ضُيوفَ الوحشِ تَقْرِيهمْ بما . . . أفْنَى المُهَنَّدُ والوَشِيجُ السَّمْهَرِي فأجَابها من كلِّ غِيلٍ زُمْرَةٌ . . . تحْدُو مَنارَ عَمَلَّسٍ أو قَسْوَرِ وأظلَّها ظُلَلٌ نِشَاصُ سَحابِها الْ . . . مرْكومِ أجْنحةُ البُزاةِ الأنْسُرِ فبَراثِنُ الآسادِ تضْبثُ في الكُلَى . . . ومَخالبُ العِقْبان تنشَب في المَرِي شكَرتْ صَنيعَ المَشْرَفيَّةِ والْقَنا . . . إذْ لم تَضِفها الهُبْرَ غيرَ مُهَبَّرِ فغَدتْ قبورُهمُ بطونَ الوَحْشِ مِنْ . . . ها يُبعَثون إذا دُعُوا للمَحْشَرِ وخلَتْ ديارُهمُ وأقْوَى رَبْعُهمْ . . . وسَرى السَّريُّ مُشَمِّراً عن شمّرِ أنِفَتْ من اسْتقْصاءِ قَتْلِ شَرِيدِهمْ . . . كَيْما يُخبِّرَ قائلاً مِن مَخْبَرِ فثَنتْ أعِنَّةُ خَيْلِنا أجْيادَها . . . عن قَتْلِ كلِّ مُزَنَّدٍ وحَزَوَّرِ حتى إذا حان القِطافُ لِيانِعٍ . . . من أرْؤُسٍ تُرِكتْ ولَمّا تُؤْبَرِ عصفَتْ بها رَيْبُ المَنُونِ فأُلْقِحتْ . . . وتحرَّكتْ بزِعَازِعٍ من صَرْصَرِ فدعَتْ سُراةَ كُماتِنا لِقطافِها . . . بأناملِ القصَبِ الأصَمِّ الأسْمَرِ فتجهَّزتْ لحَصادِها في فَيْلَقٍ . . . لو يسْبَحون بزَاخرٍ لم يَزْخَرِ مَلأٌ تنُوق إلى الكفاحِ نُفوسُهم . . . تَوَقَانها لِلِقَا الرَّداحِ المُعْصِرِ(4/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
يغْشَوْن أبْطال الخَمِيسِ بَواسِماً . . . كالليثِ إن يَلْقَ الفَرِيسةَ يَكْشِرِ وتَخالُهم فوق الجِياد لَوابِساً . . . سَدّاً يمُوجُ من الحديدِ الأخْضرِ فإذا همُ ازْدحمُوا بجِزْعٍ وانْثَنَوْا . . . أوْرَى زِنادُ دُروعِهم ناراً تُرِي جيشٌ طَلائعُه الأوابِدُ إن تُصِخْ . . . لوَجِيبِه من قِيدِ شَهْرٍ تنْفِرِ يقْتادُهُ الملك المُشِيحُ كأنه . . . بين العَوالي ضَيْغَمٌ في مَزأَرِ مَلِكٌ تَدرَّع بالبَسالةِ فاغْتنَى . . . يومَ الوغَى عن سابِغٍ وسَنَوَّرِ مَلِكٌ تتوَّج بالمَهابةِ فاكْتفَى . . . عند الطِّعان لِقرْنِه عن مِغْفَرِ مَلِكٌ تُذكَرنا مَواقِعُ حَدِّه . . . في الْهامِ وَقْعةَ جَدِّه في خَيْبَرِ مَلِكٌ إذا ما جال يومَ كَريهةٍ . . . لم تَلْقَ غيرَ مجدَّلٍ ومُعَفَّرِ مَلِكٌ يُجهِّز من جَحافلِ رَأْيِه . . . قبلَ الوَقيعةِ جَحفَلاً لم يُنظَرِ مَلِكٌ تسنّمَ ذِرْوةَ المجدِ التي . . . مِن دونها المَرِّيخُ بل والمشْترِي الأشْرفُ الشَّهمُ الذي خضَعتْ له . . . شُمُّ الأُنوفِ وكلُّ جَحْجاحٍ سَرِي الأفضلُ السَّنَدُ الذي أوْصافُه . . . أنْسَتْ سُمَا الوَضَّاحِ وابنِ المُنْذِرِ الأكْرمُ المِفْضالُ مَن إحسانُه . . . أرْبَى على كسرَى الملوكِ وقَيْصَرِ ذُو الهِمَّةِ العَلْيا الذي قد نال ما . . . عنه تُقصِّر هِمَّةُ الإسكَنْدَرِ شَرَفاً تقاعَستِ الكواكبُ دونَه . . . لو لم تُمَدَّ بنُورِه لم تُزْهِرِ هَبْها بمنطقةِ البُروجِ مَقَرُّها . . . أمُناهِزٌ هذا بُنُوَّةَ حَيْدَرِ كَلاَّ فكيف بمَن حَواها جامِعاً . . . نَسَباً سَمَا بأُبُوَّةِ المُدَّثِّرِ أعْظِمْ بها من نِسْبةٍ نَبَويَّةٍ . . . عَلَويَّةٍ تُنْمَى لأصلٍ أطْهَرِ قد شُرِّفْت بَدْءًا بأشْرفِ مُرْسَلٍ . . . ونِهايةً بالسيِّدِ الحسَن السَّرِي فَخْرُ الخلائقِ دُرَّةُ التَّاجِ الذي . . . بِسواه هامُ ذوِي العُلَى لم يَفْخَرِ لم تَلْقَه يَوْمَيْ وَغىً وعَطاً سِوَى . . . طَلْقِ المُحَيَّا في حُلَى المُسْتَبْشِرِ يعْفُو عن الذَّنْبِ العظيمِ مُجازياً . . . جَازِيه بالحُسْنَى كأن لم يُوزَرِ يا سيِّد الساداتِ دُونَك مِدْحَةً . . . نفَحت بعَرْفٍ من ثَناك مُعَطَّرِ قد فُصِّلتْ بلآلىءِ المَدْحِ التي . . . يقفُ ابنُ أوْسٍ دُونها والبُحْتُرِي وَافتَكْ تَرْفُل في بُرودِ بلاغةٍ . . . وبراعةٍ ببُرودِ صَنْعا تَزْدرِي صاغتْ حُلاها فكرةٌ قد صانَها . . . شَمَمُ الإباءِ عن امْتداحِ مُقصِّرِ ما شَأْنُها كَسْب القَرِيضِ تكسُّباً . . . لولا مَقامُك ذُو العُلَى لم تَشْعُرِ فورَدتُ مَنْهَلَها الرَّوِيَّ فلم أجِدْ . . . أحَداً فنِلْتُ صَفاهُ غيرَ مُكدَّرِ(4/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
فنَهلْتُ منه وعَلَّني بنَمِيرِه . . . وطَفِقْتُ وَارِدَه ولمَّا أصْدُرِ خُذْهَا عَقِيلةَ كِسْرِ جَيْشِ فَصَاحةٍ . . . سَفَرتْ نِقاباً عن مُحَيّاً مُسْفِرِ جمعتْ بَلاغةَ مَنطقِ الأعْرابِ مَعْ . . . حُسْنِ البيانِ ورقَّةِ المُسْتَحْضِرِ لو سامَها قُسٌّ لمَا سُمِعتْ له . . . بعُكاظَ يوماً خُطْبَةٌ في مِنْبَرِ شرُفتْ على مَن عارَضتْه بمَدْحِ من . . . أضْحَى القَرِيضُ به كعِقْدٍ جوهرِي فاسْتَجلِها وَافتْ تُهنِّي بالذي . . . نفَحتْ بَشائرهُ بمِسْكٍ أَذْفَرِ نصرٌ تهُزُّ بُنودَه رِيحُ الصَّبا . . . خفَقتْ على هامِ الأشَمِّ الْحَزْمَرِ هو نَجْلُك الْمنصور دامَ مُؤيَّداً . . . بك أيْنما يُلْقِ العزيمةَ يظْفَرِ لا زلتُما في ظلِّ مُلْكٍ بَاذِخٍ . . . وجنودُ مُلْككمُ ملوكَ الأعْصُرِ مُسْتمْسِكين بهَدْي جَدِّكم الذي . . . بالرُّعْبِ يُنْصَر من مسافةِ أشْهُرِ أهْدَى الإلهُ صَلاتهُ وسلامه . . . لجَنابِه في طَيِّ نَشْرِ العَبْهَرِ أخوه
القاضي أحمد شهاب الدين
الشهاب الساطع ، والحسام القاطع . له المجد المضاعف ، والأمل المساعف . والتباهي في التهذيب والتحليم ، والتناهي في التجريب والتحكيم . وكان في أيام صدارة أخيه عضده الذي أزره به اشتد ، ومضاهيه الذي تهيأ به لقيام تلك الحرمة واعتد . وولي حكم القضاء بالحرم فأضاءت العقد درةٌ وكانت واسطة ، وامتدت يد من القوة وكانت بها باسطة . ولما قبض ابن عبد المطلب على أخيه ، أردفه معه على ذلك الأدهم ، حتى جرع أخاه تلك الكأس فألهمه الله في إفراجه ما ألهم . فنحي بعد ظنه أنه لم يكن ناحياً وسومح بالجناية التي اجترمت عليه وما أحسبه عد جانيا .(4/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
فمتع الله به سائر أودائه ، ونولهم بقاه إرغاماً لأعدائه . ثم انقضت دولة ابن عبد المطلب فانهش له الدهر وأراه وجهاً بسيطاً ، وساعفه بعيد ذلك التواني فحباه عطفاً نشيطاً . وراش حاله ، وأعاد منه ما غيره وأحاله فما برح في حالٍ حالية ، وأيامه من النكد خالية . إلى أن انمحى رسم عيشه ودثر ، وانفصم عقد أيامه المنظوم وانتثر . واتفق تاريخ وفاته صدر هذا البيت : مَن شاء بعدَك فَلْيَمُتْ . . . فعليك كنتُ أُحاذِرُ وله شعر كرأد الضحى في التألق ، وبهجة الروض الأريض في التأنق . أثبت منه ما به الكتاب عبق ، وخاطر المترنح به علق . فمنه قوله من دالية مشهورة ، مدح بها الشريف مسعود بن إدريس ، ومستهلها : عوُجاَ قليلاً كذا عن أيْمَنِ الوادِي . . . واسْتوقِفا العيسَ لا يحْدُو بها الحادِي وعَرِّجا بي على رَبْعٍ صحِبتُ به . . . شَرْخَ الشَّبِيبةِ في أكْنافِ أجْيادِ واسْتعْطِفا جِيرةً بالشِّعبِ قد نزلُوا . . . أعْلَى الكَثِيب فهمُ عزيِّى وإرْشادِي وسائِلاَ عن فؤادِي تبْلُغا أمَلِي . . . إن التَّعلُّل يشْفِ غُلَّةَ الصَّادِي واسْتشفِعا تُشْفَعا نَسألْكُمُ فعسَى . . . يُقدِّر اللّهُ إسْعافِي وإسْعادِي وأحْمِلاني وحُطَّا عن قَلُوصِكما . . . في سُوحِ مُرْدِي الأعادِي الضَّيْغَمِ العادِي مسعودُ عينُ العُلَى المسعودُ طالِعُهُ . . . قلبُ الكتيبةِ صدرُ الْحَفْلِ والنَّادِي رأسُ الملوك يَمين المُلكِ ساعدُه . . . زَنْدُ المعالي جَبِينُ الجَحْفلِ البادِي شهمُ السُّراةِ الأُلَى سارتْ عَوارِفُهمْ . . . شرقاً وغرباً بأغْوارٍ وأنْجادِ نَرِدْ غِمارَ العُلَى في سُوحِه ونُرِحْ . . . أيْدِي الرَّكائِب من وَخْدٍ وإِسْآدِ فلا مُناخَ لنا في غيرِ ساحتِه . . . وجودُ كفَّيْه فيها رائحٌ غادِي يَعْشَوْشِب العِزُّ في أكْنافِ عَقْوتِه . . . يا حَبَّذا الشِّعبُ في الدنيا لِمُرْتادِ ونجْتني ثَمرَ الآمالِ يانعةً . . . من رَوْضِ مَعْروفِهِ من قبل مِيعادِ فأيُّ سُوحٍ يُرَى من بعد ساحتِه . . . وأي قصدٍ لمقصودٍ وقُصَّادِ لِيَهْنِ ذا المُلكَ أن أُلْبِسْتَ حُلَّتَه . . . تُحْيي مآثرَ آباءٍ وأجْدادِ لبسْتَها فكسَوْتَ الفخرَ مُرْسِلَها . . . مُشهَّراً يبْهَرَ المصبوغَ بالجادِي عَلَوْتَ بيتاً ففاخرْتَ النُّجومَ عُلاً . . . والشُّهْبَ فَخْراً بأسبابٍ وأوْتادِ ولُحْتَ بَدْراً بأُفْقِ المُلك تحسِده . . . شمسُ النهارِ وهذا حَرُّها بادِي وصُنْتَ مكةَ إذْ طهَّرتَ حَوْزَتَها . . . من ثُلَّةٍ أهلِ تَثْليثٍ وإلْحادِ قد غَرَّ بعضَهم الإهمالُ يحسَبُه . . . عَفْواً فعاد لإتْلافٍ وإفْسادِ فذُدْتهم عن حِمَى البيتِ الحَرامِ وهم . . . من السَّلاسلِ في أطْواقِ أجْيادِ(4/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
كأنهم عند رَفْعِ الزَّنْدِ أيديهَم . . . يدْعُون حُبَّاً لمولانا بإمْدادِ وما ارْعَوَوا فشَهرتَ السيفَ مُحتسِباً . . . يا بَرْدَ حَرِّهم في حَرِّ أكْبادِ غادَرْتَهم جَزَراً من كلِّ مُنْجَدِلٍ . . . كأن أثوابَه مُجَّتْ بفِرْصادِ سعَيْتَ سَعْياً جَنَينْا من خمائلِه . . . نَوْرَ الأمانِ لأرْواحٍ بأجْسادِ فكم بمكةَ من داعٍ ومُبْتهِلٍ . . . ومن محبٍ ومن مُثْنٍ ومن فادِي وعاد كلُّ عَصِيٍ ذلَّةً وصَلَى . . . وكان من قبلُ صَعْباً غيرَ مُنْقادِ نَفَى لَذيذَ الكرى عنهم تذكُّرُهم . . . وقائعاً لك بين الخَرْجِ والوادِي أباح سَرْحَك أن يرعى منازِلَهم . . . مُهمِّلاً كلَّ مُعْوَجٍ ومُنْآدِ مِن كلِّ أبْيضَ قد صَلَّتْ مَضاربُه . . . لمَّا ترقَّى خطيباً مِنْبَرَ الهادِي وكلِّ أسْمَر نَظَّامِ الطُّلاَ وله . . . إلى العِدَى طَفْرةُ النَّظَّامِ مَيَّادِ وصانَ وَسْمَكَ في حاشٍ مُخالطةٌ . . . عن ربِّ غَزْوٍ تنضَّاه بأحْشادِ وأسْكَنتْ قلبَهم رُعْباً تذَكُّرُه . . . يُنْسِي الشَّفُوقَ المُوالِي ذِكْرَ أولادِ أقْبلْتَهم كُلَّ مِرْقالٍ وسابحةٍ . . . يُسْرِ عَنْ عَدْواً إلى الأعدا بأطْوادِ من كلِّ شهمٍ إلى العلياءِ مُنتسِبٍ . . . بسادةٍ قادةٍ للخيْلِ أجْوادِ فهاكَ يا ابنَ رسولِ اللّهِ مِدْحةَ مَن . . . أوْرَتْ قَريحتُه من بَعْدِ إخْمادِ فأحْكمَتْ فيك نظماً كلُّه غُرَرٌ . . . ما أحْرزَت مثلَه أقْيالُ بَغْدادِ أضْحَتْ قَوافِيه والآمالُ تَسْرَحُها . . . روضَ البديعِ لإرْصادٍ بمِرْصادِ ترْوِيه عنِّي الثُّرَيَّا وهْي هازئةٌ . . . بالأصْمَعِيِّ وما يرْوِي وحَمَّادِ وتسْتحِثُّ مَطايَا الزَّهْرِ إن ركَدتْ . . . كأنها إبلٌ يحْدُو بها الحادِي وتُوقِظُ الرَّكْبَ مِيلاً من خُمارِ كَرىً . . . والليل من طَوْقِ تَدْآبِ السُّرَى هادِي أتتْك تشْفَع إدْلالاً لِمُنشِئِها . . . فاقْبَلْ تذلُّلَها يا نَسْلَ أمْجادِ وأسْبِلِ الصَّفْحَ سِتْراً إن بَدا خَلَلٌ . . . تهتك به سِتْرَ أعداءٍ وحُسَّادِ وكتب إلى القاضي تاج الدين المالكي ، من الطائف : لا هاج قلباً هام مِنْ . . . بُرَحِ التَفَرُّقِ بانْصِداعِ غَيْمٌ أرَقُّ حَواشِياً . . . مِن بُرْدِ ضافِيةِ القِناعِ زَجِلُ الرُّعودِ كأنها . . . نَغماتُ آلاتِ السَّماعِ والهَمْعُ مثلُ الدمعِ مِن . . . عَيْنَيْ مُراءٍ أو مُراعِ(4/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
يَهْمِي ويسكُن كي يعُمَّ . . . برِيِّهِ شَعَفَ التِّلاعِ والبرقُ يخفُق مثلَ قَلْ . . . بِ الصَّبِّ في يوم الوَداعِ ونَسِيمُه قد رَقَّ مِن . . . حَرِّ اشْتياقِي والْتياعِي لِفراق تاجِ الدِّين ما . . . صِي الأمْرِ قاضِينَا المُطاع مَن جُمِّعتْ فيه العُلَى . . . وتوفرتْ فيه الدَّواعِي ذِي الفضل بالمعنَى الأعَمِّ . . . ولا أَخُصُّ ولا أُراعِي سبقتْ أنامِلُه الأنا . . . مَ فأحْرزَتْ قَصَبَ اليَرَاعِ لَخجلْتُ إذْ فاتحتْهُ التَّ . . . رْسيلَ من سوءِ اصْطِناعِي مَن ذا يُبارِي ذَا البيا . . . نِ بِرَاقِمٍ ويَدٍ صَناعِ إذْ حاك وَشْياً لا يحُو . . . كُ بالابْتكارِ والاخْتِراعِ لا زال محمودَ الخِصا . . . لِ ودام مشكورَ المَساعِي فإليْكها ابْنةَ خاطرٍ . . . أصْفَى من الذهب المُماعِ تزْهُو على دُرِّ النُّحو . . . رِ وتزْدرِي وَدَعَ الوَداعِي وعلى شهابِ الدِّين مَن . . . يهْوى النُّزوعَ إلى النِّزاعِ منِّي تحيَّةِ شَيِّقٍ . . . مَزَجَ الخلاعةَ بالخَلاعِ فراجعه بقوله : إن همَّ قلبُك صِينَ مِن . . . بُرَحِ الفِراق بالانْصِداعِ فالقلبُ قد غادرْتُه . . . شَذَراً بمُعْتَرَكِ الوَداعِ إذ هاجَ الزَّجِلُ الرَّعُو . . . دُ سَرَى وأصبح في انْدِفاعِ وسمعت من نَغماتِهِ . . . رَنَّاتِ آلاتِ السَّماعِ فلقد رحَلْتُ بمُقْلةٍ . . . عَمْيَا وسَمْعٍ غيرِ وَاعِي ولئن يكُنْ رَقَّ النَّسِي . . . مُ بما تُجِنُّ من الْتياعِ فبِزَفْرَتي اشْتَعل الهوَا . . . ءُ من العَنانِ إلى اليَفاعِ كم قلتُ للقلبِ المُصَدَّ . . . ع بالنَّوَى جُدْ بارْتجاعِ فأحالَ ذاك على انْتِظا . . . مِ الشَّمْلِ في سِلْكِ اجْتماعِ عهدِي به لمّا أن اسْ . . . تولَتْ عليه يدُ الضَّياعِ أضْلَلْتُه في موقفِ التَّ . . . ودِيعِ من دَهَشِ ارْتياعِي ناشدْتكُم نُشْدانَه . . . لي بيْن هاتِيك الرِّباعِ تحت المَواطىءِ مِن مَمَرّ . . . صَديقيَ الخِلِّ المُراعِي(4/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
يا سَيّدي وأخِي هَوىً . . . وجَلالةً ويَدِي وباعِي مَن أصبحتْ شمسُ العُلَى . . . بسَناه ساطعةَ الشُّعاعِ فخرُ القضاة وفَيْصلُ الْ . . . أحكامِ في يوم التَّداعِي بحرُ العلوم فإن أفا . . . دَ ترَى له سَعةَ اطِّلاعِ قُل للمُحاولِ شَأْوَه . . . قَصِّرْ خُطَى هَذِي المَساعِي فانْظُر لمِرآةِ الزَّما . . . نِ وقد غدتْ ذاتَ اتِّساعِ لا غيرَ صورةِ مَجْدِه . . . فيها تراه ذَا انْطِباعِ يا مُحْرِزاً ببَنانِه . . . قَصَبَ السِّباقِ بلا دفاعِ ومُوَشِّياً حِبَرَ البلا . . . غةِ والبراعةِ باليَراعِ أنَّى يُحاكَى وَشْيُها . . . بِحياكتِي ذاتِ الرِّقاعِ كان الحَرِيُّ بها اشْتما . . . لِي ثوبَ صَمْتِي وادِّراعِي لكنْ أمَرْتَ بأن أُجي . . . بَكَ وامْتثالُ الأمْرِ دَاعِي فأتْتك من خَجَلٍ تجرُّ . . . الذَّيْلَ مُرْخِيةَ القِناعِ فانْشُرْ لها سِتْر الرِّضا الْ . . . منسوجَ من كَرَمِ الطِّباعِ لا زال مجدُك كلّ وقْ . . . في ازْديادٍ وارْتفاعِ وكتب يستدعي جماعةً من الفضلاء ، وهم بجبل النور من المعلاة ، وهو بمنىً : عليكمُ مِن مُحِبٍ حَشْوُ أضْلُعهِ . . . وُدٌّ أرق إلى الظَّامِي من النُّطَفِ تحيّةٌ يرْتضيها الفضلُ إن نَفحتْ . . . أرْبَتْ على نَفَحاتِ الرَّوضةِ الأُنُفِ حَواكمُ الجبلُ العالِي بكم شَرَفاً . . . على المَعالِي التي تعلُو على الشّرَفِ نُظِمْتمُ فيه نَظْمَ العِقْدِ مُتّسِقاً . . . على تَليِلِ كَعابٍ ظاهِر التّرَفِ وغادرتْ عقدَكم أيْدي مُؤلِّفهِ . . . مُكَبَّلاً وحدَه في رَبْقةِ الصَّدَفِ مِنىً هي الصَّدَفُ المُومَى إليه مُنىً . . . للنفسِ فيها وفي أفْنائِها الوُرُفِ ولا أنيسَ له إلاّ مُماثِلُكمْ . . . على ثَبِيرِ جميلِ السَّفحِ والشّعَفِ يُجيبُني بصَدَى صَوتي فأرفعُه . . . مِن قِلّةِ الإلْفِ لا مِن كثرةِ الشّغَفِ فهل وَفِيٌّ مِن الخِلاَّن يُسْعِدُنِي . . . في الفجر أو بعد ما صُلِّي مع الحَنَفَي يُجيبني أو يُجيب الغَيْرَ عنه وما . . . يُجيبُني غيرُ مُحْيي الدِّين أو شَرَفِ(4/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
كُفوانِ يرْضاهما الإحسانُ إن نَطَقَا . . . أو أُرْعِفَ الدَّنُّ للأقْلامِ في الصُّحُفِ ومن بديع نظمه ، ما كتبه في ديوان قصر ابن عقبة ، في قرية السلامة ، من أعمال الطائف ، وهي قصيدة فريدة ، لا يحضرني منها إلا قوله : قصرَ ابنِ عُقْبةَ لا زالتْ مواصِلَةً . . . مني إليك التَّحايَا نَسْمةُ السَّحَرِ ولا عَدَتْك غَوادِي السُّحْبِ تسْحب في . . . رِحابِك الفِيح ذَيْلَ الطَّلِّ والمَطَرِ كم لَذّةٍ فيك أرضيْتُ الغرامَ بها . . . يوماً وأرْغَمْتُ أنْفَ الشمسِ والقمرِ وكم صديقٍ من الخِلاّنِ حاوَرَني . . . أطْرافَ أخبارِ أهلِ الكْتبِ والسِّيَرِ ويعجبني من شعره قوله في مطلع قصيدة مدح بها السيد شهوان ابن مسعود ، وهو : فَيْرُوزجٌ أو وِشامُ الغَادةِ الرُّودِ . . . يبْدُو على سِمْطِ دُرٍ منه مَنْضُودِ وأعجب منها مخلصها ، وهو : صَهْباءُ تَفْعلُ بالألْبابِ سَوْرَتُها . . . فِعْلَ السَّخاءِ بشَهْوانِ بنِ مسعودِ ومن شعره قوله في البرقع الشرقي ، المعروف عند أهل اليمن : وخَوْدٍ كبدرِ التِّمِّ في جُنْحِ مِصْوَنٍ . . . حَماها عن الأبْصارِ بُرْقُعُها الشَّرْقِي سِوَى طُرَّةٍ مثل الهلالِ بَدَتْ لنا . . . على شَفَق والفَرْقُ كالفجرِ في الأُفْقِ فقلتُ هلالٌ لاحَ والفجرُ طالعٌ . . . من الغرب أمْ لاح الهلالُ من الشَّرْقِ وقوله في مثل ذلك : بالبُرْقِع الشرقيّ تح . . . تَ المصْوَن الباهي الجمالْ أَبْدَت لنا شَفقاً وكيْ . . . لاً لاحَ بينهما الهلالْ وقال معللاً تسمية القدح قدحاً : مُذْ صَبَّ ساقينا الطِّلاَ . . . حتى تناثرَ وانتضَحْ خالوا شَراراً ما رأَوْا . . . فلأَجْلِ ذا قالوا قَدَحْ وله في صوفية عصره : صُوفيَّةُ العصرِ والأوانِ . . . صُوفِيَّةُ العَصْرِ والأوانِي فاقُوا على فعلِ قومٍ لُوطٍ . . . بنَقْرِزَانٍ لِنَقْرِزَانِ وله ، وهو معنى مبتكر : ألا انْظُر إلى هذا الصَّفاءِ لِبِرْكَةٍ . . . تقول لِمَن قد غاب عنها من الصَّحْبِ لئِن غبْتَ عن عينِي وكدَّرْتَ مَشْرَبِي . . . تأمَّلْ تجِدْ تِمْثالَ شَخْصِك في قَلْبِي(4/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
حنيف الدين بن عبد الرحمن
المنيف في دوحة النبل فرعه ، الحنيف في ملة الفضل شرعه . قام مقام أبيه بعده ، فصدق فيه الدهر وعده . بمرأى كالصباح إذا وضح ، ووجهٍ لو قابله البدر في تمه افتضح . وفكرٍ أسرع في تدبر الأشياء من الوهم ، ورأيٍ يفعل عزمه الشهم ما لا يفعله السهم . فاستقر في مركز أبيه مكملاً لكمالاته ، وهو بدر سمائه ومن عادة البدر أن لا يخرج عن هالاته . فلم تنطق الأفواه بمدحه إلا وقفت وفيه كثرة الفكر ، واستبقت السراة إلى سؤددٍ إلا تناهت وله محكم الذكر . وهو في الفضل ، تجاوَز قَدْرَ المدحِ حتى كأنه . . . بأحْسنِ ما يُثْنَى عليه يُعابُ وفي الأدب ، تبوَّأ أسْمَى منزلٍ فازْدهَتْ به . . . هضابٌ تسامَتْ للعُلَى وشِعابُ وله أشعار بحبر الرقة موشاة ، كأن صحائفها بنقوش الزبرجد محشاة . فمنها قوله ، مراجعاً عن لسان أبيه لبعض الأدباء : تبدَّى لنا بَرْقٌ بأُفْقِ رُبَا نَجْدِ . . . فأذْكَرني عَهْداً وناهِيكَ من عهدِ وهَيَّمَنِي شوقاً وزاد بيَ الأسَى . . . وأضْرَم لي نارَ الصَّبابةِ والوجْدِ وجدَّد لي ذكرَ الليالي التي خَلَتْ . . . وطِيبَ زمانٍ بالحِمَى طَيِّبِ الوِرْدِ زماناً جلاَ ذو الحسن شمْسَ جمالهِ . . . علينا فشاهدْنا به الشمسَ في بُرْدِ وأبْدَتْ لنا ذاتُ الجمال جَبِينَها . . . فأخْجَل بدرَ الأُفْقِ في طالِعِ السَّعْدِ هي الروضُ تبْدو للأنام بوَجْهِها . . . فتقْطفُ زهرَ الوردِ من خَدِّها الوردِي وفاح لنا نَشْرُ الخُزامَى برَوضةٍ . . . شَدَتْ وُرْقُها شوقاً على الأغْصُنِ المُلْدِ تغنَّتْ على غصنِ الأَراكِ بمَدْحِ مَن . . . علا قَدْرُه السامِي على ذِرْوةِ المجدِ(4/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
كمالُ قُضاةِ المسلمين إمامُهم . . . ومُوضِحُ مِنْهاج الرَّشَادِ لِذي الرُّشْدِ عليه مَدى الأيام منِّي تحيَّةٌ . . . تفُوق فَتِيتَ المِسْكِ والعُودِ والنَّدِّ وقال في مثل هذا الغرض : غنَّتِ الوُرْقُ في المَسَأ والبُكورِ . . . ساجِعاتٍ على غُصونِ الزهورِ وتبدَّتْ من كَلَّةِ الحُسْنِ خَوْدٌ . . . تُخْجِلُ الشمسَ مَعْ سَناءِ البدورِ قد تحلَّتْ من الجمالِ بِعقْدٍ . . . جَلَّ في الحُسْنِ والبَها عن نَظِيرِ فاقْتطفْنا من خَدِّها زَهْرَ وَرْدٍ . . . فاق نَشْرَ النِّسْرِين والمَنْثُورِ وارْتشَفْنا من ثَغْرِها العَذْبِ شُهْداً . . . فانْتشَوْنا لا نَشْوةَ المخمورِ برَّدتْ بالوِصالِ قلبَ كَئِيبٍ . . . كان فيه للهجرِ نارُ السَّعيرِ يا لَها عَذْبةَ الثَّنايا رَداحاً . . . قد تبدَّتْ في زِيِّ ظَبْيٍ غَرِيرِ قد أتتْنا من عالِمِ العصرِ مَوْلىً . . . قد تَسامَى على السُّها والأَثِيرِ قد أتاني مولايَ منك كتابٌ . . . ذُو نظامٍ حكى عُقودَ النُّحُورِ فَفضضْتُ الخِتامَ عن كَنْزِ عِلمٍ . . . حاز منه الغِناءَ كلُّ فقيرِ فتأمَّلتُ في رياضِ حِماهُ . . . وتنسَّمْتُ ما به من عَبِيرِ فبَدا نَظْمُ طِرْسِه مع نَثْرٍ . . . ذِي بَيانٍ فسُرَّ منه ضَمِيرِي دُمْتَ يا أوْحَدَ الزمانِ فريداً . . . في أمانٍ بحِفْظِ ربٍ خَبيرِ ومن بديع شعره قوله : أمْسي وأصبح من تَذْكارِكم وَصِبَا . . . يرْثِي له المُشْفِقان الأهلُ والولدُ قد خدَّد الدمعُ خدِّي من تذكُّرِكمْ . . . واعْتادَنِي المُضْنِيان الوجدُ والكَمَدُ وغاب عن مُقْلتِي نومِي لغَيْبتِكم . . . وخانَنِي المُسْعدِان الصبرُ والجَلَدُ لا غَرْوَ للدمعِ أن تجري غَوارِبُه . . . وتحته المُظْلِمان القلبُ والكَبِدُ كأنما مُهْجتي شِلوٌ بمَسْبَعةٍ . . . ينْتابُها الضَّارِيان الذئبُ والأسدُ لم يبْق غيرُ خَفِيِّ الرُّوحِ في جسدِي . . . فِدىً لك الباقيانِ الرُّوحُ والجسدُ
القاضي تاج الدين المالكي
إمام الحرمين وقاضيهما ، ولوذعي خلهما الذي سلم له المناظر والمناضل . فشرفه على سمك السماك مكان ، ومجده كعبة أخلاقه لها أركان . وقد زين مدةً مراقي(4/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
المنابر ، وأمد الفضلا بخطبه التي تنافست في نسخها الأقلام والمحابر . وهو في الإنشاء تاج رأس أهله ، والمقدم فيهم وإن كان جاء على مهله . فالصاحب على ذكره محشور ، وكأن الصابي من طيب نشره منشور . وأما البديع فلو أدركه لكان بمنزلة غلامه ، وعبد الحميد لو عاصره لكان بارياً لأقلامه . وآثار أقلامه حلية الآداب العواطل ، إذا ذكرت كاثرت السحب الهواطل . وقد وقفت على رسائله التاجية فرأيت اللفظ المعجب ، والقول المنجب . وشاهدت الفضل عياناً ، وعاينت التاج قد نثر عقياناً . وأما نظمه فقد نظم في لبة الإحسان منه عقداً ، كاد يتميز عليه سمط الثريا غيظاً وحقداً . وقد جئتك من بدائعه بما أشرق بدره في مطالع تمه ، وأخذت أطرافه بأجل الحسن وأتمه . فمنه قوله من دالية عارض بها دالية أحمد المرشدي التي ذكرتها ، وسيأتي معارضه ثالثة لهما ، في ترجمة محمد بن حكيم الملك . وصاحب الترجمة مدح بقصيدته الشريف مسعوداً أيضاً ، ومطلعها : غُذِيتُ دَرَّ الصِّبا مِن قبلِ ميلادِي . . . فلِمْ تَرُمْ يا عَذُولِي فيه إرْشادِي غَيُّ التَّصابِي رَشادٌ والعَذابُ به . . . عَذْبٌ لداءٍ كبَرْدِ الماءِ للصَّادِي وعاذِلُ الصَّبِّ في شَرْعِ الهَوى حَرِجٌ . . . يرومُ تبْديلَ إصلاحٍ بإفْسادِ ليت العَذُولَ حوَى قلبي فيعذِرُني . . . أوليت قلبَ عَذُولِي بين أكْبادي لو شام بَرْقَ الثَّنايا والتَّثَنِّيَ مِن . . . تلك العُقودِ انْثَنى عِطفاً لإسْعادِي ولو درَى هادِيَ الجَيْداء كان دَرَى . . . أن اشْتياقَ الهُدَى من ذلك الهادِي كم بات عِقْداً عليه ساعِدِي ويَدِي . . . نطاقُ مُجتمَعِ المَخْفِيِّ والْبادِي إذْ أعْيُنُ العِينِ لا تنْفكُّ ظامِئةً . . . لوِرْدِ ماءِ شَبابي دون أنْدادِي فيا زمانَ الصِّبا حُيِّيتَ من زمنٍ . . . أوْقاتُه لم نُرَعْ فيها بأنْكادِ ويا أحِبَّتَنا رَوَّى مَعاهِدَكم . . . من العِهادِ هَتُونٌ رائحٌ غادِ(4/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
مَعاهداً كُنَّ مُصْطافِي ومُرْتَبَعِي . . . وكم بها طال بل كم طاب تَرْدادِي يا راحِلين وقلبي إثْرُ ظُعْنِهِمُ . . . ونازِحين وهم ذِكْرِي وأوْرادِي إن تطلبُوا شرحَ ما أيْدِي النَّوَى صنَعتْ . . . بمُغْرَمٍ حِلْفِ إيحاشٍ وإيحادِ فقابلُوا الرِّيحَ إن هبَّتْ شَآميةً . . . تَرْوِي حَدِيثي لكم مَوْصولَ إسْنادِ وَالَهْفَ نفسِي على مَغْنىً به سَلفتْ . . . ساعاتُ أُنْسٍ لنا كانتْ كأعيادِ كأنها وأدام اللّهُ مُشْبِهَها . . . أيامُ دولةِ صدرِ الدَّسْتِ والنَّادِي ذو الجود مسعودٌ المسعودُ طالِعُه . . . لا زال في بُرْجِ إُقْبالٍ وإسْعادِ عادتْ بدولتِه الأيامُ مُشرِقةً . . . تهزُّ مُختالةً أعْطافَ مَيَّادِ وقلّد المُلْكَ لمَّا أن تقلّده . . . فخراً على مَرِّ أزْمانٍ وآبادِ وقام باللّهِ في تدْبيرِه فغَدَا . . . مُوَفَّقاً حالَ إصْدارٍ وإِيرادِ حَقٌّ لك الحمدُ بعد اللّهِ مُفْتَرَضٌ . . . في كلِّ آوِنةٍ من كلِّ حَمَّادِ أنْقذتَهم من يدِ الأعداءِ مُتَّخِذاً . . . عند الإلهِ يداً فيهم بإنْجادِ دارَكْتَهم سُهَّداً رَمْقَي فعادَلهم . . . غَمْضٌ لِجَفْنٍ وأرواحٌ لأجسادِ بُشْراك يا دهرُ حازَ المُلْكَ كافلُه . . . بُشْراكَ يا دهرُ أخْرَى بِشْرُها بادِ عادت نجومُ بني الزَّهْراء لا أفلَتْ . . . بعَوْدةِ الدولةِ الزَّهْرَا لمُعتادِ واخْضَلَّ رَوْضُ الأماني حين أصبحتِ الْ . . . أجْوادُ عِقْداً على أجْياد أجْيادِ وأصبح الدِّينُ والدنيا وأهلُهما . . . في حِفْظِ مَلْكٍ لظلِّ العدلِ مَدَّادِ يُبِيحُ هَامَ الأعادِي مِن صَوارِمِه . . . ما اسْتَحْصدَتْ بالتَّعاصِي كلَّ حَصَّادِ فيهم أيادِي أيادِيهِ ونائلُه . . . على الورَى أصْبحتْ أطواقَ أجْيادِ بَذْلُ الرَّغائبِ لا يعْتدُّهُ كرماً . . . ما لم يكنْ غيرَ مَسْبوقٍ بِميعادِ والعَفْوُ عن قُدْرةٍ أشْهَى لِمُهْجتِه . . . صِينَتْ وأشْفَى من اسْتيفاءِ إيعادِ مَآثِرٌ كالدَّرارِي رِفْعةً وسَناً . . . وكَثْرةً فهْي لا تُحْصَى بعَدَّادِ فأنتَ مِن مَعْشرٍ إن غارةٌ عَرضتْ . . . خَفُّوا إليها وفي النادِي كأطْوادِ كم هَجْمةٍ لك والأبطالُ مُحْجِمَةٌ . . . ووقفةٍ أوْقفَتْ لَيْثَ الشَّرَى العادِي بكلِّ أبيضَ مَعْضُودٍ لمُضْطَهدٍ . . . وللمَرائرِ والمُرَّانِ قَصَّادِ وكل مجتمع الأطراف معتدل . . . لدن لعرق فجيع القرن فصاد فَخْرَ الملوكِ الأُلَى فَخْرُ الزمانِ بهم . . . دُمْ حائزاً مُلْكَ آباءٍ وأجدادِ ولْيَهْنِ حُلّتَهُ إذْ رُحْتَ لابِسهَا . . . أن أصبحتْ خيرَ أثْوابٍ وأبْرادِ واسْتَجْلِ أبْكارَ أفكارٍ مُخدَّرةٍ . . . قد طال تعْنِيسُها مِن فَقْدِ أنْدادِ كم رُدَّ خُطَّابُها حتى رأتْكَ وقد . . . أتتْك خاطبةً يا نَسْلَ أمْجادِ(4/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
أفْرغْتُ في قالَبِ الألفاظِ جَوْهرَها . . . سَبْكاً بذهنٍ وَرِيِّ الزَّنْدِ وَقَّادِ وصاغَها في مَعاليكم وأخْلَصها . . . وُدٌّ ضميرُك فيه عَدْلُ أشْهادِ يحْدُو بها العِيسَ حَاديِها إذا رزَحتْ . . . مِن طُولِ وَخْدٍ وإرْقال وإسْئادِ كأنّها الرَّاحُ بالألْبابِ لاعبةً . . . إذا شَدا بين سُمَّارٍ بِها شادِي بفضْلِها فُضَلاءُ العصرِ شاهدةٌ . . . والفضلُ ما كان عن تسْليمِ أضْدادِ فلو غدَتْ من حبيبٍ في مَسامِعِه . . . أو الصَّفِيِّ اسْتحالاَ بعضَ حُسَّادِي واستنْزَلا عن مَطايَا القومِ رَحْلَهُما . . . واستوْقَفا العِيسَ لا يحْدُو بها الحادِي وحَسْبُها في التّسامِي والتقدُّمِ في . . . عَدِّ المَفاخرِ إذ تغْدُو لعَدَّادِ تَقْريظُها عندما جاءتْ مُعارِضةً . . . عُوَجا قليلاً كذا عن أيْمَنِ الوادِي وكتب إلى القاضي أحمد المرشدي ، معتذراً عن وصوله إليه بعد وعده له ؛ لعروض مانعٍ منعه : أيُّها المَعْشَرُ الذين إليهمْ . . . وَاجباً أن يكون سَعْياً براسِي لا تظنُّوا تَرْكِي الوصولَ إليكم . . . لِمَلالٍ وِدادَكم أو تَناسِي أو تَغالٍ عنكم وإن كان عُذْرِي . . . هو أني شُغِلْتُ من بعض ناسِ فأجابه بقوله بديها : قد أتاني اعْتذاركم بعد أنِّي . . . بِتُّ من هَجْرِكم عديمَ حَواسِي فتلقَّيْتُه بصدرٍ رَحِيبٍ . . . ولصَقتُ الكتابَ عِزّاً بِراسِي غيرَ أنِّي لا أرْتضيه إذا لمْ . . . تُنْعِموا بالوصالِ والإِيناسِ وأقِلْني العِثارَ في النظم إني . . . قلتُه والفؤادُ في وَسْواسِ وكتب إلى صاحبين له استدعياه ، فتعذر عليه الذهاب إليهما : يا خليليَّ دُمْتُما في سرورٍ . . . ونعيمٍ ولذَّةٍ وتَصافِي لم يكن تركيَ الإجابةَ لمَّا . . . أن أتاني رسولُكم عن تَجافِي كيف والشوقُ في الحُشاشةِ يقْضِي . . . أنني نحوَكم أجوبُ الفَيافِي غيرَ أن الزمانَ للحظ مني . . . لم يزَلْ مُولَعاً بحُكْمِ خِلافِي عارَض المُقتضِي من الشوقِ بالْما . . . نِعِ والحكمُ عندكم ليس خافِي فسلامٌ عليكمُ وعلى مَن . . . فُزْتُما مِن ثِمارِه باقْتطافِ وكتب إلى القاضي محمد بن دراز يستدعيه : رَقَّ النَّسِيمُ وذيلُ الغَيْمِ مُنسْدِلٌ . . . على الوُجوهِ وطَرْفُ الدهرِ قد طُرِفَا فاغْنَمْ مُعاقرةَ الآدابِ واغْنَ بها . . . عن المُدامِ وخُذْ من صَفْوها طُرَفَا(4/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
وانْزَعْ إلينا لنجنِي من خَمائِلها . . . وَرْداً ونجذبَ من مِرْطِ الوفا طَرَفَا ومن شعره قوله : غَنِيَتْ بحِلْيةِ حُسْنِها . . . عن لُبْسِ أصنافِ الحُلِي وبدتْ بهيْكلِها البدي . . . عِ تقولُ شاهِدْ واجْتلِ تجدِ المَحاسنَ كُلَّها . . . قد جُمِّعتْ في هَيْكَلِي ولما وقف عليها السيد أحمد بن مسعود ورآها ، وشاها وشاها . وشيد كل بيت من أبياته قصرا ، وابتز ذلك المعنى باستحقاقه قسرا . فقال : للّهِ ظَبْيٌ سِرْبُهُ . . . يزْهُو به في المَحْفَلِ قَنص الأُسودَ بغالِبٍ . . . قَيْدِ الأوابدِ هَيْكَلِ وله الجَوارِ المُنْشِئا . . . تُ جَوَى الحُشاشةِ للْخَلِي من كلِّ رُودٍ لَحْظُها . . . يسْطُو بحَدِّ الْمُنَصُلِ مُشْتاقها من ثَغْرِها . . . وأثيثُها في مُشْكِلِ فاق الغَوانِي حَالِيا . . . تٍ عاطلٌ في هَيْكَلِي ما قال في ظَلْمائِه . . . يا أيُّها الليلُ انجَلِ وحذا حذوهما القاضي أحمد المرشدي ، فقال : يا ربَّة الحُسْنِ الجَلِي . . . لمُؤَمِّلِ المُتأمَّلِ صدري ووجهي مُنْيَةٌ . . . للمُجتنِي والمُجتلِي فالْحَظْ بديعَ مَحاسنِي . . . من تحتِ أنواعِ الحُلِي تَجِدِ الهياكلَ والحُلِيَّ . . . جمالها من هَيْكَلِي وكتب إلى بعض أصدقائه قوله : مَن كان بالوادي الذي هو غيرُ ذِي . . . زَرْعٍ وعَزَّ عليه ما يُهْدِيهِ فلَيُهْديَنَّ من المُفاكهةِ التي . . . تحلُو فواكهُها لكلِّ نَبِيهِ وله في غربية المتقدم وصفها : خالفْتُ أهلَ العشقِ لمَّا شَرَّقُوا . . . فجعلتُ نحوَ الغربِ وحدي مَذْهَبِي قالوا عدَلْتَ عن الصوابِ وأنْشدُوا . . . شَتَّان بين مُشرِّقٍ ومُغرِّبِ فأجبْتُهم هذا دليلي وانظُروا . . . للشمسِ هل تسْعَى لغيرِ المغْرِبِ وله في المفاخرة بين الإبرة والمقص : فاخَرَتْ إبرةٌ مِقَصّاً فقالتْ . . . لِيَ فضلٌ عليكمْ بَادٍ مُسَلَّمْ(4/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
شأنُك القطعُ يا مِقَصُّ وشأْني . . . وصلُ قطعٍ شَتَّان إن كنت تفْهمْ وأصله قول بعضهم : إنَّ شأنَ المِقَصِّ قَصُّ وِصالٍ . . . فلهذا يَضِيعُ بين الجُلوسِ وترى الإِبرةَ التي تُوصِل الْ . . . قَطْعَ بِعزٍ مغروسةً في الرُّءُوسِ وله في الفوارة : وفَوَّارةٍ من مَرْوةٍ قاما ماؤُها . . . كَبزْ بُوزِ إبْرِيقٍ وليس له عُرْوَهْ بَدا ليَ لمَّا أن وردتُ صَفاؤُها . . . ولا غَرْوَ أن يبدُو الصَّفاءُ من المَرْوَهْ ومن فوائده ، أنه سئل عن قول الصفي الحلي : فلئن سطَتْ أيْدِي الفِراقِ وأبْعَدتْ . . . بَدْراً تَحجَّب نِصْفُه بنَصِيفِ فلقد نَعِمْتُ بوَصْلِه في مَنْزِلٍ . . . قد طاب فيه مَرْبَعِي ومَصِيفِي فأجابه بقوله : لا يخفى أن النصيف هو الخمار ، فكأن الشاعر تخيل أن الجبين بدر تمامٍ كامل الاستدارة ، ستر الجمال نصفه الأعلى ، فلما تخيل ذلك قال : بدراً تحجَّب نصفُه بنَصيف ثم ضمنه بقوله : أفْدِي التي جلَب الخُمارَ جبينُها . . . تحت الخِمارِ لقلبيَ المَشْغُوفِ فصَبا له لمَّا تحقق أنه . . . بدرٌ تحَجَّب نِصْفُه بنَصِيفِ وقد سئل عنه أيضاً الإمام زين العابدين الطبري ، فأجاب بما نصه : النصيف الخمار ، وكل ما يغطي الرأس ، والوجه هو البدر في التشبيه ، فمراد الشاعر أنها تلثمت ببعض النصيف الذي على رأسها ، فسارت بذلك ، ساترةً لنصف وجهها الأسفل المشبة بالبدر ، فصار نصيفا ونقابا . والنقاب ما تنقب به المرأة ، كما في القاموس ، وهو شاملٌ لما كان مستقلاً وبعض شيء آخر ، كما يقال بمثله أيضاً في النصيف ، فهو نصيف وإن غطى رأس الرأس مع الرأس . وهذا الذي ذكرنا هو عادة غالب النساء الحسان في قصور العرب ؛ فإن الواحدة منهن تنتقب بفاضل خمارها ، فتفتن العقول بما ظهر من لواحظها وأسحارها . انتهى .
القاضي محمد جمال الدين بن حسن ابن دراز
جملة جمال ، وتكملة كمال . رتع في رياض الفنون فهصر أفنانها ، وأجال جواد فكره(4/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
في ميدان العلوم فملك عنانها . أما الشعر فهو منمنم حلته وناظم حليه ، وأما النثر فهو مبدع زهره ومنمق وشيه . وكان فيصل أحكام ، ومصدر إتقان وإحكام . ولما دخل اليمن في دولة الروم ، قام له حاكمها بكل ما يروم . فحلاه بحلية القضا ، وأرهف حسام أمله بذلك المضا . ولم يزل مجتلياً وجوه أمانيه مشرقة ، مجتنياً من رياضها أغصان حظوةٍ مورقة . إلى أن فجعه الدهر بمخدومه ، وعاجله أمر القضاء والقدر بمحتومه . هناك انقلب إلى وطنه ، شاكياً ما حل به من ضيق عطنه . ولقي بعد ذلك أحوالاً ركب صعبها وركوبها ، وأهوالاً امترى أخلاف شآبيبها منهلها وسكوبها . كما أفصح عن ذلك في رسالة كتبها لبعض كبراء الحجاز ، يقول فيها : ولما قفلت عائداً من اليمن ، بعد وفاة سنان باشا وانقضاء ذلك الزمن . اخترت الإقامة في الوطن ، بعد التشرف بمجلس القضاء في ذلك العطن إلا أنه لم يحل لي التخلي عن تذكر ما كان في تذكرة الخيال مرسوماً ، وتفكر ما كان في لوح المفكرة موسوماً . فاخترت أن أكون مدرساً في البلد الحرام ، وممارساً لما آذن غب الحصول بالانصرام . ولم يكن في البلد الأمين كفاية ، ولا ما يقوم به الإتمام والوفاية . انتهى . وما زال مقيماً في وطنه وبلده ، متدرعاً جلباب صبره وجلده . حتى انصرمت من العيش مدته ، وتمت من الحياة عدته . وها أنا مثبتٌ من بديع إنشائه ، ما يدعو لطرب اللبيب وانتشائه . وأتبعه من عالي نظامه ، ما يغني عن مجلس الأنس وانتظامه . فصل من كتاب لبعض أصحابه : ينهى الملوك أنه لا يزال ذاكراً لتلك الأيام الماضية ، شاكراً لهاتيك الأعوام التي حلت بفضل مولانا ولا أقوم مرت بمسراتٍ لا تزال النفس لدينها متقاضية . كم أردْنا هذا الزمانَ بذَمٍ . . . فشُغِلْنا بمدحِ ذاك الزمان أقفر الصفا من إخوان الصفا ، وخلا الحطيم من رضيع الأدب والفطيم . وأقوت المشاعر ، من أرباب الإدراك والمشاعر . كأن لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصَّفا . . . أنيسٌ ولم يسْمُر بمكّة سامِرُ وكان علم مولانا محيطاً بحالي ، إذ كنت آنس بأولئك الجلة وأرباب المعالي . فلم(4/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
يبق من يدانيهم ، فضلاً عمن يساويهم ، ولا من يباريهم ، فكيف بمن يماريهم . ولقد ذكرت هنا قول بعضهم : دجَا الليلُ حتى ما يبين طريقُ . . . وخوَّف حتى ما يقَرّ فَرِيقُ وجَّردت يا بَرْقَ المنون مَناصِلاً . . . لها في قلوبِ المُبْصرين بَرِيقُ وزَعْزعْتَ يا رِيحَ الرَّدَى كلَّ شاهِقٍ . . . عليه لأنفاسِ النفوسِ شَهِيقُ سلامٌ على الأيام إنّ صَنِيعَها . . . أساءَ فهل لي بالنّجاةِ لُحوقُ فصل ، من كتاب إلى كاتب الحضرتين الشريفتين ؛ الحسنية والطالبية عفيف الدين يعزيه بموت الشريف أبي طالب ، في سنة اثنتي عشرة بعد الألف : كتبت إليك ، كتب الله لك سعداً لا يزال يتجدد ، ومجداً لا ينقطع بانقضاء ملك إلا واتصل بملك ملكيٍ مؤيد . وإنما كتبت بدم الفؤاد ، وأمددت اليراع سويدائي وشفعها اللحظ بما في إنسانه من السواد . والكون ، علم الله ، كأنما هو بحرٌ من مداد ، والقلوب ، ولا أقول الأجساد مسربلة بلباس الحداد . لا يسمع إلا الأنين ، ولا يصغي إلا لمن تفضح بنعيها ذوات الحنين . أضحى النقع من مثار النقع كليلةٍ من جمادى ، وربات الخدود يلطمن الخدود مثنى وفرادى . وذو الحجى يغوص في لجة الفكر فيسمع له زفير ، وليث العرين كاد من صدمة هذا المصاب أن يتفطر من الزئير . وشارف الحطيم أن يتحطم ، وأبو قبيس أن يتقطم ، وبيت الله لولا التقى لقلت ود أن يتهدم . وأخال أن الحجر أسف حيث لم يكن تابوتاً لذلك الجثمان وتندم . أي داهيةٍ دهياء أصابت قطان ذلك الحرم ، وأي بليةٍ نزلت بلازمي أذيال ذلك الملتزم . ' إنا لله وإنا إليه راجعون ' كلمةٌ تقال عند المصائب ولم نجد المصيبة مثلاً ، ولم تشاركنا فيها حزينةٌ ولا ثكلى . بأي لسانٍ نناجي وقد أخرسنا هذا النازل ، بأي قلبٍ نحاجي وقد بلغنا هذا الجد الهازل . بينا نحن في سرور وفرح ، إذ نحن في همومٍ وترح . أشكو إلى مخدومي ضحوة يومٍ شمسه كاسفة ، ' أزفت الآزفة ، ليس لها من دون الله كاشفة ' . أقبل نعش لابس أثواب المرحمة بعد الخلافة ، المتلقى روحه الملائكة مع الحور على الأرائك تتحفه بالسلافة . والأيدي ممتدةٌ إليه تشير بالعويل ، والحجاج وأرباب الفجاج يضجون بالنحيب الطويل . وكادت آماقنا والله أن تسيل ، وأضحت جلاميد القلوب كضحاضح المسيل . فلم نجد أحداً من الرعايا إلا وهو محرور ، وذو قرابته في الحي مسرور . إنا لله من هذه الطامة ، التي أدهشت العامة ، وأذهبت الشامة . ليت شعري أبعده السلاهب تركب ، أم الجنائب تجنب ، أم المقربات تقرب ، أم المنابر يتلى عليها غير اسمه ويخطب وَاحَرَّ قَلْباه ممَّن قلبُه شَبِمُ(4/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
مضَى مَن أقام الناس في ظِلِّ عَدْلِه . . . وآمن من خَطْبٍ تدُبُّ عَقارِبُهْ فكم من حِمىً صَعْبٍ أباحتْ سُيوفُه . . . ومن مُسْتباحٍ قد حَمَتْه كتائبُهْ أرى اليومَ دَسْتَ المُلْكِ أصبَح خالياً . . . أما فيكمُ مِن مُخْبرٍ أين صاحبُهْ فمَن سائِلي عن سائل الدمعِ لِمْ جَرَى . . . لعل فؤادِي بالوَجيبِ يُجاوِبُهْ فكم من نُدوبٍ في قلوبٍ نَضِيجةٍ . . . بنارِ كرُوبٍ أجَّجَتْهَا نَوادِبُهْ سقتْ قَبْرَه الغُرُّ الغَوادِي وجادَهُ . . . من الغَيْثِ سَارِيه المِلثُّ وسَارِبُهْ فما كان إلا كلمحة طرف ، أو حلول حتف . وقد وضع على الباب الشريف ، وسمع من أجنحة الملائكة حفيف ، وتليت ولكنت أود أن أكون المصلى ولا أقول التالي في جميع ذلك الترصيف . فما ترك الرئيس لقباً من الألقاب إلا وحلاه بدره ، وعله بدره . حتى كاد النهار أن ينتصف ، والمقل تسح بالدموع وتكف . ومن عدم إنصاف الدهر الخؤون ، أن لم يطف به سبعاً وهو لمليك هذا البيت مسنون . ثم ازدحم على رفع جنازته قاضي الشرع والسادة ، فذادوه عنها ورفعوه على أعناق السلاطين والقادة . وقلت في ذلك المقام ، وعيناني تهمل ولا همول الغمام . يعز علي أن أراك على غير صهوة ، وأن تنادي يا مرغم الأنوف ولا تجيب دعوة . وأن تحف بك الصفوة ، ولا تدع لكرك فيها فجوة . فطالما ضرعت لك السلاطين ، وخضعت لك الأساطين ، وأرعدت الفرائص ، وأوهنت القلائص . وحميت الحمى ولم يردعه جساس ، واقتنصت حتى لم تدع شادناً في كناس ، أو ليثاً في افتراس . فلله جدثٌ ضمك وقد ضاقت الأرض عن علاك ، ولله لحدٌ علاك وقد اتخذت أنعلك من السماك . وكيف بك تحل في الثرى فبالأثير ملعب جردك ، والسدرة مضمار أسلافك ، والنبوة لحمة بردك . فلك بجدك في ارتقائك إلى العالم العلوي أسوة ، ولنا بفقدك الجزع الذي لا يعقبه سلوة . فأنت لقيت الحبيب ، ولقينا بعدك ما يلقى الكئيب . فلك البشرى بلقياك ربك ، ولنا بك اللقيا على الكوثر وأنت فرحٌ بشرابك وشربك . ثم يا عفيف لا تسل عن نعشٍ حفه الوقار ، وتقدمه الروح الأمين والملائكة الأبرار . فوائح المسك الأذفر تنفح من كل جانب ، كأنما ينفض من غدائر خرعوبٍ كاعب . وبالله أقسم أن طيبه نفحني وأنا في الخلوة ، وهم في تجهيز تلك الذات على هاتيك العلوة . وحاصل ما أقص عليك من القصص ، أنا أودعنا في كنف الرحمن ذلك القفص . وعدنا ونحن كما يقال : شاهت الوجوه ، حيارى لا نعلم من تؤمله وترجوه . وقد أظلم قتام العثير ، ودجا النقع حتى خيل لم يكن قط صبحٌ أسفر . وحين هجوم هذا الخبر المهيل ، كادت البلدة تدثر لولا تسهيل بعض ما صعب في التسهيل . والنداء من الحاكم بالعافية ، والأعين قد امتلأت من(4/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
الهاربين بالسافية . وغلقت الأبواب ، وانقطعت الأسباب . حتى والله كأن القيامة قد قامت ، وحقت كلمة ' يوم يفر المرء ' والأنفس قد حامت . وحال بيني وبين الخلوة طريقٌ طالما صاحب الربا ، وسبيلٌ وبيل صرت أقطعه وثبا . فكل من لاقيته لا يجيب ، ومن كان من ورائي فكأنما هو طريدٌ أو سليب . وبعد الدفن كثر القال والقيل ، ونودي كما بلغكم وصليل السيوف منعنا المقيل . وزف المنادي عصبةً مشهورة القواضب ، معنوقة الشوازب . والأسواق من السكان خالية ، فكأنما هي خود أضحت عاطلةً بعد أن كانت حالية . ودور مكة كأنها وبالله أقسم دور البرامكة ، وكأنها لم يتغزل فيها برهة كدار عاتكة . ولقد تذكرت فيها قينة الأمين ، وقولها كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيسٌ غير الأنين . هذا وقد أطلت عليك ما ينبغي أن يقتصر فيه مع علو مكانك ، ومشيد مبانيك في البلاغة وأركانك . والله تعالى يلهمك صبراً جميلاً على هذا المصاب ، ويوليك أجراً جزيلاً على فقد ذلك المليك المهاب . ولا يسمعنا وإياك بعدها صوت عزاء أحدٍ من الأعزا ، ولا يحملنا ما لا طاقة لنا به من مثل هذه الأرزا ، فوا الرحمن لهو الرزء الذي كل رزءٍ بالنسبة إليه أقل الأجزا . والسلام . وكتب إلى الإمام عبد القادر الطبري ، يسأله عما يرد على كلامٍ للسبكي ، ذكره في الطبقات الكبرى ، في استخراج الملك العلقة التي في صدره e : مولانا الإمام الذي إليه هذا الحديث يساق ، الهمام الذي تشد إليه يعملات البلاغة ببدائع السياق . فله السلف الذين تتنازل الثريا دون مقاماتهم الرفيعة ، وينحط الأثير عن مكاناتهم التي هي للفخار شفيعة . على أنه العصامي الذي به تفتخر الأبنا ، وتتبختر في مطارف سؤدده الأعمام والأصنا . فالمزني لا يباري جود مزنه ، والرازي أضحى في تقديمه منتظراً فضل منة . هدانا الله إلى سواء السبيل ، وأغنانا بسلسال فوائده عن رقراق السلسبيل . قال السبكي : سمعت الوالد يقول ، وقد سئل عن العلقة السوداء التي أخرجت من قلب النبي e في صغره حين شق فؤاده ، وقول الملك هذا حظ الشيطان منك : إن تلك العلقة التي خلقها الله في قلوب البشر قابلةٌ لما يلقيه الشيطان فيها ، فأزيلت من قلبه e ، فلم يبق فيه مكانٌ قابلٌ لأن يلقي الشيطان فيه شيئاً . قال : هذا معنى الحديث ، ولم يكن للشيطان فيه e حظٌ قط ، وإنما الذي نفاه الملك أمرٌ هو في الجبلات البشرية ، فأزيل القابل ، الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب . قال : فإن قلت فلم خلق هذا القابل في هذه الذات الشريفة ، وكان الممكن أن لا يخلق فيها ؟ قلت : لأنها من جملة الأجزاء الإنسانية ، فخلقت تكملةً للخلق الإنساني ، فلا بد منه ، ونزعه أمرٌ(4/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
رباني طرأ بعده . انتهى كلام السبكي . أقول : يعارض هذا بختانه e ، فخلقه تكملةٌ للخلق الإنساني ، ولاشك أن بقاءه على تلك الفطرة الإنسانية ، ثم إزالتها بعد ذلك ، فيه تعليمٌ للخلق باتباعه . فإن قلت : ثم فارقٌ ، وهو القابل الذي تؤثر فيه الوسوسة . قلت : الأكمل والأشرف عدم خلق القابل ، كعدم خلق القلفة وسلامته من الانزعاج الذي حصل له عند شق الملك صدره الشريف e ، خصوصاً في سن الطفولية . فالمسئوول خلاصكم السبكي ، والخلاص من شباك سيدنا السبكي . ولمولانا مناسبة بهذا الفن موروثة ، وفي البقية دررٌ على طنافس الفضل مبثوثة . فأجابه الطبري بما نصه : مولانا الذي يهطل بواكفٍ ترفع لتلقيه الأكف المبسوطة ، ويتألق عن بارقٍ يضيء به مظلم وجه الأرض البسيطة . ويرعد بما ينتجع إليه إذا سمع ثقةً بوعده ، ويشرق بذكاء ذكاءٍ أكسبت البدر ساطع ضيائه وطالع سعده . ويرهف سمهري القلم في كتيبة الكتابة بالمداد الأسود والأحمر ، ويرعف عضب اللسان في معرك المناظرة والمناضلة فنال ما لم ينله اللدن الأسمر . إمام البلاغة ، رب الكمالات المصاغة . دامت فرائد فوائده عقوداً للنحور ، واستمرت وطفاء غيثه ممدةً للبحور . وافي المشرف المشرف ، المدبج المفوف . فوقفت له أقدام الأفهام حيارى ، وأضحت تالية : ' وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ' . غير أنها داوت ما ألم بها بارتشاف سلسبيله ، واستضاءت بمصباحه لسلوك سواء سبيله . فرأت بعد التكلف في التوفيق بين عبارة مولانا وبين مراده ، أنه لا معارضة بما أشار إليه من ختان من منح الله تعالى الخلق بإسعافه وإسعاده . أما أولاً ، فلأنهم اختلفوا في أنه هل ولد مختوناً أو أنه ختن بعد ولادته ؟ وقد قال بكلٍ من القولين طائفة : فأما على القول الثاني فلا اعتراض بالمعارضة المذكورة . وأما على الأول فالكلام في جزءٍ من الخلقة البشرية ، من الأجزاء الشريفة ، التي لا تمكن الحياة بدونها في العادة ، فإنها هي المكملة للخلقة في الحقيقة ، وأما القلفة فهي كالأظفار والشعور ، مما لا يترتب على وجوده ما يترتب على مثل العلقة المستكنة في ذلك الموضع بالنسبة إلى الحياة . وأيضاً الكلام فيما يترتب عليه الأحكام ، فإن العلقة حيث كانت محل وسوسة الشيطان في البشر ، ربما يترتب عليه عدم الإيمان ، عياذاً بالله ، ولا كذلك القلفة . وأيضاً خلق القلفة وإزالتها بعد ذلك قد وقع لغيره e ، كابراهيم عليه السلام فلو وجدت فيه e ثم أزيلت لم يكن في ذلك كبير مزية بخلاف الشق المذكور ، وإخراج العلقة المذكورة . نعم ، يرد على كلام السبكي ، حيث قرر أنه لم يكن للشيطان حظ منه e ، وأن خلق العلقة فيه لتكميل الخلق ، أنه لا معنى لإزالتها بعد ذلك ، حيث لم تكن منه e مظنةٌ له ، فلا يتم حينئذ ما قرره على ذلك النمط . هذا ما لاح ، ودعا إليه الفلاح قلت : فيه مناقشة أما نقله الاختلاف في كونه ولد مختوناً ، فلم يكن إليه داع ، إذ(4/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
الإشكال إنما هو واردٌ على مقابله ، فلا معنى لنفي الاعتراض . ودعوى كون العلقة من الأجزاء التي لا يمكن بقاء الحياة بدونها ممنوعة . وما أورد على كلام السبكي ، ليس بواردٍ عليه ، فإن في إزالتها مع منع الشيطان عنها حكمةً هي قطع وصوله إليه . ولقد أجاد الشهاب الخفاجي في تعليله الشق بقوله : شُقَّ منه صَدْرٌ فأُخْرِج منه . . . عَلَقةٌ في صَمِيمِه سَوْداءُ وبه تَمَّ خَلْقُه وتَقَوّى . . . قلبُه فِطْرَةً وزاد النّماءُ فلِذا حاز جُرْأةً في اعْتدالٍ . . . وله حَبَّب الفتاةَ الفَتاءُ ما انْتفتْ هذه لتُكمْل خَلْقاً . . . نُكْتةٌُ ما اهْتدَى لها الحُكماءُ فعلى القلبِ دِرْعٌ عَزْمٍ حَصِينٌ . . . ولِلُبٍ عليه لاَمٌ وبَاءُ ومن شعر القاضي محمد قوله : سلامٌ على الدارِ التي قد تباعدَت . . . ودمعي على طولِ الزمانِ سَفُوحُ يعِزُّ علينا أن تشِطّ بنا النَّوَى . . . ولِي عندكم دُون البَرِيّةِ رُوحُ إذا نَسمتْ من جانبِ الرَّمْلِ نَفْحةٌ . . . وفيها عَرارٌ للغُوَيْر وشِيحُ تذكّرتُكم والدمع يستُر مُقْلتي . . . وقلبي مَشُوقٌ بالبِعاد جَرِيحُ فقلتُ ولِي من لاَعِجِ الشوقِ زَفْرةٌ . . . لها لَوْعةٌ تَغْدُو بها وتَرُوحُ ألا هل يُعيد اللّهُ أيَّامَنا التي . . . نَعِمْنا بها والكاشِحون نُزُوحُ وقوله أيضاً ، في جواب كتابٍ ورد إليه : هذا كتابُك أم دُرٌّ بمُتّسِقِ . . . أم الدَّرارِي التي لاحتْ على الأُفُقِ وذا كلامُك أم سِحْرٌ به سُلِبَتْ . . . نُهَى العقولِ فتتْلُو سورةَ الفَلَقِ وذا بيانُك أمو صهْباءُ شَعْشَعَها . . . أغَنُّ ذو مُقْلةٍ مكحولةِ الحَدْقِ بتاجِ كلِّ مَلِيكٍ منه لامعةٌ . . . وجِيدِ كلِّ مُجيدٍ منه في أُفُقِ رَوْضٌ من الزهْرِ والأنوارُ زاهيةٌ . . . كأنْجُمِ الأُفْقِ في اللأّلاءِ والنّمقِ وذِي حمائمُ ألْفاظٍ سَجَعْنَ ضُحىً . . . على الخمائلِ تحت العارِضِ الغَدِقِ رسالةٌ كفَراديسِ الجِنانِ بها . . . من كل مؤتلق يلهى ومنتشق كأنما الالفات المائدات بها . . . غصونُ بانٍ على أيْكٍ من الوَرِقِ تعْلُو مَنابرَها الهَمْزاتُ صادِحةً . . . كالوُرْقِ ناحَتْ على الأفْنانِ من حُرَقِ مِيماتُها كثُغورٍ يبْتسِمْنَ بما . . . يُزْرِي على الدُّرِّ إذْ يُزْهِي على العُنُقِ فطِرْسُها كبَياضِ الصُّبْح من يَقَقٍ . . . ونِقْسُها كَسوادِ الليلِ في غَسَقِ يا ذَ الرَّسالة قد أرْسلْت مُعْجِزةً . . . رَدَّت بلاغتُها الدَّعْوَى من الفرقِ(4/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
ويا مَلِيكَ ذوِي الآدابِ قاطِبةً . . . ويا إماماً هَدانا أوْضح الطُّرُقِ مَن ذا يُعارِض ما قد صاغ فكرُك مِن . . . حَلْي البيَانِ ومَن يقْفوك في السَّبقِ أنت المُجَلَّى بمضْمارِ العلومِ إذا . . . أضْحَى قُرومِ أُلِي التحْقيقِ في قَلَقِ صَلَّى أئمةُ أهلِ الفضلِ خَلْفَك يا . . . مَوْلى المَوالي وربَّ المنطقِ الذّلِقِ مُسلِّمين لما قد حُزْتَ من أدبٍ . . . مُصدِّقين بما شُرِّفْتَ من خُلُقِ مَهْلاً فبَاعِي من التْقصيرِ في قِصَرٍ . . . وأنت في الطّوْلِ والإحْسانِ ذو عُمقِ سبحان بارىءُ هذِي الذاتِ من هِمَمٍ . . . سبحان فاطرُ ذا الإنْسان من عَلَقِ يا ليتَ شِعْرِيَ هل شِبْهٌ يُرَى لكمُ . . . كلاَّ وربِّي ولا الأمْلاكُ في الخُلُقِ عُذْراً فما فِكْرتي صَوَّاغةً دُرَراً . . . حتى أصُوغَ لك الأسْلاك في نَسَقِ واسْلَمْ ودُمْ وتعالى في مَشِيد عُلاً . . . تسْتنْزِل الشُّهْبَ للإنْشا فلم تُعَقِ وقوله في صدر كتاب : بحقِّ الوفَا بالوُدِّ بالشِّيمةِ التي . . . عُرِفْتم بها بالجودِ والكرمِ الجَمِّ بتلك الخِصالِ الأشْرفيَّاتِ بالنُّهى . . . بِعزَّتك العَلْيا على قِمّةِ النّجْمِ بذاك المُحَيَّا الهَشِّ بالمنطِقِ الشَّهِي . . . بما فيك من خُلْقٍ رضِيٍ ومن عَزْمِ أجِرْنِي من التكْليفِ واقْبِلْ تحيَّتِي . . . بتقْبيل أرضٍ لم تزَلْ مُنْتهى هَمِّي فدهرِي من الإسْهابِ أمْنَعُ مانِعٍ . . . ووقْتِي عن الإطْنابِ أضْيَقُ من سَمِّ وماذا عسَى في الوصفِ يبلُغ مِقْوَلي . . . ولو مُدَّتِ الأقْلامُ من مَدَدِ اليَمِّ
محمد علي بن محمد بن علان الصديقي
علمٌ حديث فضله أحسن الحديث ، وإليه انتهى في قطر الحجاز فن التحديث . فهو(4/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
سباق غايته ، حامل رايته ، وحافظه الذي ملك جل روايته ودرايته . شرح الله لتحفظه صدره ، وأعلى به في الخافقين قدره . فحدث إذا حدث عن البحر ولا حرج ، وانظر روضةً من رياض الجنة طيبة الأرج . إلى ما حوى من فنون أربى فيها على حلفائه ، وهناك حسن حالٍ مع الله ألحقه بأتقياء الدين وحنفائه . تتعظ به النفوس في التكلم والسكوت ، ودعوته لا تحجب عن الملك والملكوت . وله تصانيف تشنف بها آذانٌ ومسامع ، وودت صحائف الأذهان لو أنها لها دفاتر ومجامع . وله شعرٌ ربما أجاد فيه ، فلم يحك مثاله من الزلال العذب صافيه . فمنه قوله : وزمزمَ قالوا فيه بعضُ مُلوحةٍ . . . ومنه مِياهُ العَيْنِ أحْلَ وأمْلَحُ فقلت لهم قلبي يَراها مَلاحةً . . . فما برِحتْ تحلُو لقلبِي وتمْلُحُ وقوله : يا ربِّ أنت حبسْتَ الحُسنَ في قمرٍ . . . حُلْوِ الشَّمائلِ لا يرْثِي لمن عَشِقَهْ أكاد أدعو عليه حين يهجُرني . . . لكنْ لِفَرْطِ غرامي تمنْعُ الشَّفقَهْ وقوله : يا مالِكاً رِقَّ قلبي . . . رِفْقاً بنفْسِ رَفِيقِكْ اللّهُ بيني وبين السَّ . . . واكِ في رَشْفِ رِيقِكْ وقوله : يا مَن يلوم مُحِبّاً . . . ولا يُراعِي الجمالاَ باللّهِ دَعْنِي فإنِّي . . . لقد فَنِيتُ انْتحالاَ وقوله مضمناً : كتَبْتُه ولهيبُ الشوقِ في كَبِدِي . . . والدمعُ مُنْسَكِبٌ والبالُ مَشْغولُ وقلتُ قد غاب مَن أهْواه وَا أسَفِي . . . بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ مَتْبُولُ ومن زهرياته ، قوله في عقد الحديث : إذا أمْسَيْتَ فابْتدِرِ الصَّباحَا . . . ولا تُمْهِلْه تنْتظرُ الصِّياحَا وتُبْ ممَّا جَنَيْتَ فكم أناسٍ . . . قَضَوْا نَحْباً وقد ناموا صِحاحَا ومما يعجب في هذا المعنى قول الشهاب : ألا أيُّها المغرورُ في نومِ غَفْلةٍ . . . تيَقَّظْ فإن الدهرَ للناس ناصِحُ فكم نائمٍ في أوَّلِ الليلِ غافلٍ . . . أتاه الرَّدَى في نَوْمِه وهْو صَابِحُ(4/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
فشَقَّ عليه الليلُ جَيْبَ صَباحِه . . . وقامتْ عليه للطيورِ نَوائِحُ وأنشد له بعضهم هذه الأبيات ، وهي قوله : الموتُ بحرٌ مَوْجُه طافحُ . . . يغْرَق فيه الماهرُ السابِحُ وَيْحَكِ يا نفسُ قِفِي واسْمعِي . . . مَقالةً قد قالها ناصحُ ما ينفعُ الإنسانَ في قبرِه . . . إلاّ التقى والعملُ الصالحُ
عبد الملك بن جمال الدين العصامي
حفيد العصام الإسفرايني ، رحمه الله رحمةً تبرد ضريحه ، وتقدس روحه وريحه . المتصف بصفاته ، الجاري على نهجه في مصنفاته . رسا أصله في الثرى ، ورافق عزمه النجم في السرى . فلا مجد إلا إليه انتسابه ، ولا جود إلا إليه انسيابه . وهو والفضل روح وشخص ، وكل وصفٍ من أوصافه الكمال به مختص . عف السريرة طاهر الأثواب ، مقسم الآنات بين الطاعة ونيل الثواب . وله من الآثار ما لا تزال الرواة تدرسه ، والتواريخ على مدى الأيام تحرسه . فمنه قوله مضمنا : أُهْدِي لمَجلسِه الكري . . . مِ فرائداً تُهْدَى إلَيْهِ كالبحرِ يُمْطِرُه السَّحا . . . بُ وماله فضلٌ عليْهِ وهو من قول البديع الأسطرلابي : أُهْدِي لمجلسِه الكريمِ وإنما . . . أُهْدِي له ما حُزْتُ من نَعْمائِهِ كالبحرِ يُمْطرُه السحابُ ومالَه . . . فضلٌ عليه لأنه من مائِهِ وكتب إليه القاضي تاج الدين المالكي مسائلاً : ماذا يقولُ إمامُ العصرِ سيدُنا . . . ومَن لدَيْه يَرَى التحقيقَ طالبُهُ في الدارِ هل جائزٌ تذْكيرُ عائدِها . . . في قَوْلِنا مثلاً في الدارِ صاحبُهُ وفي إبانةِ هَمْز ابنٍ أراد فهلْ . . . يكون موصوفهُ إسْما تُطالبُهُ(4/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
أم كَوْنُه عَلَماً كافٍ ولو لَقَباً . . . أو كُنْيةً إن أراد الحَذْفَ كاتبُهُ أفِدْ فما إنْ رأيْنا الحقَّ مُنْخفِضاً . . . إلاّ وأنتَ على التحقيقِ ناصبُهُ فأجابه بقوله : يا فاضلاً لم يزَلْ يُهْدِي الفرائدَ مِنْ . . . عُلومِه وتُروِّينَا سَحائبُهُ تأْنِيثُك الدارَ حَتْمٌ لا سبيلَ إلى التَّ . . . ذكيرِ فامْنَعْ إذاً في الدارِ صاحبُهُ والابْنُ مَوْصوفةَ عَمِّمْ فإن لَقَباً . . . أو كُنْيَة فارْتِكابُ الحَذْفِ واجبُهُ هذا جَوابِيَ فاعْذِرْ إن تجِدْ خَلَلاً . . . فمصدرُ العَجْزِ والتَّقْصير كاتبُهُ لا زِلْتَ تاجاً لِهَاماتِ العُلَى عَلَماً . . . في العلم يحْوِي بك التحقيقَ طالبُهُ ابناه :
شرف الدين يحيى و بدر الدين حسين
لما توفي أبوهما في المدينة قرا بها قرار أحدٍ وسلع ، ورسخا رسوخ الباسقات ذوات الثمر والطلع . وهما قمران طلعا معاً فأشرقا ، وروضان سقيا ماء النباهة فأورقا . وكلٌ منهما أديبٌ أريب ، له في المعارف ضرائب ماله فيها ضريب . إلى أشعارٍ تروق كما راقتك عهود الشبائب ، وتشوق كما شاقتك ذكرى الحبائب . فمما ظفرت به من أشعار شرف الدين ، قوله وقد أهدى نبقاً وفلاً : أهديْتُ نَبْقاً لنبْقَى في الودادِ على . . . صِدْقِ الوِدادِ وإرْغامِ العدى أبدَا ومَعْه يا سيِّدي فُلٌّ يبشِّرُكم . . . بأنَّ فُلَّ مَن يَشْناكمُ كَمَدَا الفل : نوع من الياسمين ، بلغة أهل اليمن ، ذكي الرائحة . ولم يذكره أهل اللغة ، فلعله مولد ، وسماه ابن البيطار في مفرداته النمارق وكتب على سفينة شعر ، لأديب يعرف بعارف ، قوله : سفينةُ أشعارٍ هي البحرُ دُرُّها . . . نتائج أفكارٍ وشَتَّى مَعارفِ بها اللفظُ كأْسٌ والمَعاني مُدامةٌ . . . وما ذاق منها نشوةً غيرُ عارفِ وله :(4/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
رأى سَقَمَ الكتابِ فمال عنه . . . سَقيمُ الجَفْنِ ذو حُسْنٍ بديعِ فقلتُ له فَدَتْك الرُّوح هَلاَّ . . . مُراعاة النَّظيرِ من البديعِ أين هذا من قول البعض في مليحٍ احمرت عيناه ، وهو : ليس احمرارُ لِحاظِه من عِلَّةٍ . . . لكنْ دمُ القتْلَى على الأسْيافِ قالوا تَشابَه طَرْفُه وبَنانُه . . . ومن البديعِ تَشابُه الأطْرافِ وقوله معارضاً بيتي القاضي تاج الدين المالكي : وخَوْدٍ من الأعْرابِ لما تلثَّمتْ . . . ببُرْقُعِها الشَّرْقِيِّ في مَعْشَرِ العِشْقِ وشَرَّق خَدَّيْها الحياءُ بحُمْرةٍ . . . أرَتْنا هلالَ الأُفْقِ يبْدُو من الشَّرْقِ وله : قالوا أضافَك يا يحيى لِخدْمتِه . . . حبيبُ قلبِك في سِرٍ وفي عَلَنِ فقلتُ لمَّا رآني غيرَ مُنْصرِفٍ . . . عن حُبِّه رام كَسْرِي فهْوَ يَجْبُرنِي وله موجهاً بأسماء الأنغام ، فيمن اسمه حسين ، وقد ورد المدينة من مكة : أقول لِمَعْشَرِ العُشَّاقِ لمَّا . . . بدا رَكْبُ الحِجازِ وقَرَّ عَيْنِي أمِنْتُم من نَوَى المحبوبِ فاسْعَوْا . . . له رَمَلاً وغَنُّوا في حُسَيْنِي وما ألطف قول ابن جابر الأندلسي ، في مثل ذلك : يا أيها الحادِي اسْقنِي كأسَ السُّرَى . . . نحوَ الحبيبِ ومُهْجتِي للسَّاقِي حَيِّ العِراقَ على النَّوَى واحمِلْ إلى . . . أهلِ الحِجازِ رسائل العُشَّاقِ وله تأليف سماه أنموذج النجبا من معاشرة الأدبا تكلم فيه شارحاً لقول القائل : حاشا شَمائلَك اللَّطيفةَ أن تُرَى . . . عَوْناً عليَّ مع الزمانِ الْقاسِي غير أنه لم يعرف قائله ، فقال : ولعمري ، إنه ، وإن جهل بانيه ، من البيوت التي أذن الله أن تسكن ، فما اللفظ إلا بمعانيه ، وإن كان قائله ألكن . ثم قال : وهذا البيت مما يكثر الاستشهاد به أهل الآداب ، في محاضرة الأصدقاء والأحباب . وهو من أربعة أبيات معمورة بلطيف العتاب ، وتنزيه شمائل الأنجاب ، مبرورة بصدق المنطق واقتضاء الصواب . محاسنها غرر في جياد القصائد ، ولمعاني البديع بها صلةٌ ومن مفرداتها عائد . تشرق شموس التهذيب في سماء بلاغتها ، وترتشف الأسماع على الطرب من رقيق سلافتها . فما أحقها بقول القائل : أبياتُ شِعْرٍ كالقُصو . . . رِ ولا قصورَ بها يليقُ ومن العجائبِ لَفْظُها . . . حُرٌّ ومعناها رقيقُ وهي :(4/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
إنِّي لأعْجبُ من صدودِكَ والجفَا . . . من بعد ذاك القُرْبِ والإيناسِ حاشَا شمائلك اللطيفةَ أن تُرَى . . . عَوْناً عليَّ مع الزمانِ القاسِي أو ثَغْرَك الصافِي يَرُدُّ حُشاشةً . . . تشْكو لَهِيباً من لَظَى أنْفاسِي تاللّهِ ما هذا فِعالُك في الهوى . . . لكنْ حُظوظٌ قُسِّمتْ في الناسِ انتهى كلامه . قال ابن معصوم : قلت : وقد وقفت أنا بالديار الهندية على مجموع بخط أبي البقاء الوفائي الوداعي الحنفي قديمٍ ، يقول فيه : القاضي علاء الدين علي بن فضل الله أبو الحسن ، صاحب ديوان الإنشاء ، أخو القاضي شهاب الدين أحمد العمري ، وقف على بيتين للصلاح الصفدي . وهما : إني لأعجبُ من صُدودِك والجفَا . . . من بعد ذاك القُرْبِ والإيناسِ حاشَا شمائَلك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الخ فقال مُجِيزاً لهما : أو ثغرُك الصافي يرُدُّ حشاشتي . . . . . . . . . . . . . . . البيتين . انتهى . فعلم بهذا أن البيت الذي شرحه للصلاح الصفدي . وقوله : إنه من أربعة أبيات ليس بصواب ؛ لإيهامه أن الأربعة الأبيات قائلها واحد ، وقد علمت أنها لشاعرين . والله أعلم .
عبد الملك بن حسين العصامي
هو بمنزلة الغرة بين البصر والجبين ، رمقته عين العناية منذ أطلق عليه لفظ الجنين . فنشأ متردياً من النعمة ثوباً سابغاًن ومتروياً من الرفاهة شراباً سائغاً . لا دأب له إلا توسم وفود الآداب في سوق عكاظها ، ولا شغل له إلا استكشاف وجوه المعاني المخبأة تحت براقع ألفاظها . مشتملاً بحلي الكمالات وبرودها ، رافلاً بين عقيق الفضائل وزرودها . حتى ظنت حصاة علاه ، وعجزت حصاة حلاه . فما الدهر إلا من رواة معاليه ، وما بديع الزمان إلا من خدمة معانيه . وناهيك بعصامي النفس والجد ، وماجدٌ جد في المعالي فساعفه على نيله الحظ والجد . وقد صحبته أيام المجاورة ، واغتنمت من نشوة المحاضرة والمحاورة . في أوقاتٍ لا أحسب من عمري غيرها ، ولا أنسى مدة عمري خيرها وميرها . وقد أخذت عنه من بدعه ، ومخترعه في محاسن الشعر ومبتدعه . ما تتوالد من غصون حضيرته ولدان القريض ، وتقتطف أزهار الأدب الغض من غصون(4/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
روضه الأريض . فمن ذلك قوله من قصيدة مدح بها الشريف سعد بن زيد ، مطلعها : سقى الغَيْثُ ذَيَّاك الأُبَيْرِقَ والسِّقْطَا . . . فأنبتَ في أرْجائِه الرَّنْدَ والأرْطَا وحَيَّى رُبَا تلك المعاهد فاكْتسَتْ . . . رياضٌ لها من نَسْجِ إبْرتِه بَسْطَا مَعاهدُ لَمْياءِ البَدِيدِ تعطَّرتْ . . . دمائِثُ مَيْثاهَا بما تسْحب المِرْطَا لها بشَرٌ كالماءِ إذ قلْبُها صَفَا . . . وناظرُها كالسيفِ لكنَّه أسْطَى إذا ما دجَا ليلٌ حكى لَيْلَ شَعْرِها . . . وإن لاح نَجْمُ الأُفْقِ شِمْنَا به القُرْطَا رَدَاحٌ إذا لاحتْ فكالبدر أو رَنَتْ . . . فكالظَّبْيِ أو ماسَتْ تُرِي الحَلَّ والرَّبطَا أراشَتْ لأحْشائي رَواشِقَ مُقْلةٍ . . . ترى نَبْلَها يُصْمِي الفُؤادَ إذا أخْطَا منها : رَمَاها ومَرْباها مُلِثٌّ من الحَيَا . . . ورَوَّى على أكْنافِها الأثْلَ والخَمْطَا فَوا شَوقَ أحْشائي للحَظْةِ لَحْظِها . . . وأنَّى بها إذْ قد نأَتْ دارُها شَحْطَا بلَى قد نأتْ عنِّي ولا بَيْنَ بيننا . . . وبُدِّلْتُ من عَيْن الرِّضا بالجَفَا سُخْطَا كذلك أخْلاقُ الغوانِي ومَن يَرُمْ . . . بِهِنَّ الوفَا كالْمُبْتغِي في الإضَا قُرْطَا ومن لم يذُد دون التَّصابِي وشِرْبِه . . . قُصاراه فيها أن يَذَلَّ وينْحَطَّا ويُمْسي صَرِيعَ العينِ لا ناصرٌ له . . . سوى عَبْرةٍ يرْوِي تفجُّرُها سَبْطَا نعم لو نَحَا في كلِّ أمرٍ يؤُودُه . . . مَليكَ الورى سَعْدَ بن زيدٍ لمَا شَطَّا مَلِيكٌ له من طِينةِ المجد جوهرٌ . . . به ازْدانَتِ الدنيا وقِدْماً هي الشّمْطَا شريفُ العلَى والذّاتِ في الوصفِ مُنْتَمٍ . . . إلى خيرِ أصلٍ طاب في قَنْسِه رَبْطَا منها : طويلُ البِنا رَحْبُ الفِنا مُنْهِل الغِنَىمُزِيلُ العَنَا مُولِي المُنَى لِلُّهَى سَفْطَا لقد حُطْتَ أكْنافَ الخلافةِ عَزْمةً . . . وقُمْتَ بها حِفْظاً وشَيَّدْتَها ضَبْطَا منها : أبَى اللّهُ إلاّ أن تحُلّ مَحَلّهُ . . . بمَرْتبةٍ عَزَّتْ لغيرِك أن تُمْطَى فوَافاكِ بالتَّأْييد ما كان كامِناً . . . من الأزَلِ العُلْوِيِّ ينتظِر الشّرْطَا فما خَطّ تقْليداً على الطِّرْسِ كاتبٌ . . . ولكنْ قضاءُ اللّهِ من قبلهِ خَطّا(4/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
منها وهو آخرها : سأملأُ ديواني بمَدْحِك مِدْحةً . . . لِشعْرِ لكي يستوجبَ الحمدَ والغَبْطَا فدُمْ وابْقَ واسْلمْ لا بَرِحْتَ مُؤيَّداً . . . على العِزِّ مهما أن تحاوِلَه تُعْطَى وله من أخرى أولها : على مُهْجةِ المَعْمودِ والعاشقِ المُضْنَى . . . أعِدْ نَظْرةً تَشْفِيه يا مَن له الحُسْنَى بدا قَدُّكَ الميَّاسُ في حُلَلِ الْبَها . . . فألْبَسنِي جِلْبابَ سُقْمِيَ والحُزْنَا أجِيءُ إلى الأعْتابِ في غَسَقِ الدُّجَى . . . وما خِلْتُه ألاّ يزيدَ بي الوَهْنَا لواءُ وَلائي تحت قَبْضِ يَمينِه . . . وإن كان عن رِقِّي بغيرِي قد اسْتغْنَى وَدِدْتُ لخدِّي تحت نَعْليْه مَوْطِئاً . . . فيا ليْته يَرْضَى وَضعتُ له الجَفْنَا أيُشبه غُصْنُ الْبانِ لين انْعطافِه . . . فلا الصَّعدةُ السمراءُ تحْكِي ولا الغُصْنَا به في فؤادِ الصَّبِّ سُقْمٌ مُبَرِّحٌ . . . فللهِ سُقمٌ ما ألّذ وما أهْنَا نَحيفُ قَوامٍ لا من السُّقْمِ رِقّةً . . . بها صِرْتُ رِقّاً بالنُحُولِ له قِنَّا حريقُ فؤادي لا يزال مُؤجَّجاً . . . ومَدْمَعُ جَفْنِي وابِلُ السَّحِّ لم يفْنَا سَماحُ مُحَيَّاه دليلٌ على السَّخَا . . . فما بالُه بالوصلِ عن عَبْدِه ضَنَّا نَبِيُّ جمالٍ مُعْجِزٌ بجمالِه . . . ومُعْجِزُ لَحْظَيْه عن الكلِّ قد أغْنَى إليه إشاراتُ المحِبِّين حيثما . . . تولّى وكلٌّ في هَواه به مُضْنَى به كلُّ أوصافِ الجمالِ تجمَّعتْ . . . فمِن أجْلِه في الحبِّ صرتُ له رَهْنَا نَفَى وَسَنِي عنِّي وذَوَّبَ مُهْجتِي . . . وحَنَّ فؤادي للوِصالِ وما حَنَّا عُبَيْدٌ له لا أبْتغِي العِتْقَ دائماً . . . فيا ليْته يَرضَى حُلولِيَ في المَغْنَى له في حَشايَ منزلٌ ومَودَّةٌ . . . مُشيَّدةُ الأركانِ مُحْكمةُ المبْنَى يَهيمُ به عقلي فسِرِّي تهتُّكِي . . . ورُشْدِي ضَلالي في هواه ولا مَنَّا أبُثُّ له شوقي فيَلْوِي وينْثنِي . . . بِتِيهِ تَثَنٍ يُخْجِلُ الذّابِلَ اللّدْنَا لماذا تُطيلُ الصَّدَّ يا غايةَ المُنَى . . . ومُغْرَمُك الوَلْهانُ أفْنيْتَه حُزْنَا نَهتْنِيَ عُذّالِي وبي يتمَسْخَرُوا . . . يقولون يا وَلْهانُ إرْعَ لنا الظّعْنَا زمانُك يا مجنون ضاع بحُبِّه . . . ولم تر أهل العشق مثلَك قد جُنَّا يُصدُّ ويجْنِي في فِراقِك دائماً . . . فقلتُ فعندي ذاك أطيبُ ما يُجْنَى إلى كم جفَا حتى متى تَرْض باللِّقا . . . وتُطْفِي لَهِيباً لاعِجاً مُهْجةَ المُضْنى هنِيئاً لقلبي ما فيك مَحبَّةً . . . بما يُرْضِي الرحمن والإِنْس والجِنَّا وما عَشْقتِي فيه قَبيِحاً ولا خَناً . . . ولكنّها للّهِ خالصةُ المعنَى(4/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
وله من أخرى في الغزل ، أولها : أمالَ عِطْفاً وطُلاه لَواهْ . . . وأخْفَق الحسنُ عليه لِوَاهْ عِطْفٌ حكى الصَّعْدةَ في صَدْعِها . . . والغُصن المائسُ يحْكي انْثِنَاهْ يتْلوه لَحْظٌ نافِثٌ تالياً . . . سِحْراً فيا وَيْلاه ممَّا تَلاَهْ في كلِّ يومٍ منه لي آية . . . لو أنّها للطّوْدِ حصَباً تَرَاهْ وكم به كلّمني إذْ مضَى . . . فمذُ دَعاه القلبُ وَافَى وجَاهْ فدَيْتُها من لَحْظةٍ لي بها . . . من المَنايا وشَهِيّ الحيَاهْ لا صبرُ لي عنها ولا طاقةٌ . . . عندي لها والأمرُ فيه اشْتِباهْ من حَسِبها عَقْربَ صُدْغٍ بها . . . قلبيَ مَلْدُوعٌ وما مِن رُقَاهْ دبَّتْ له دَبَّ لذيذِ الكرَى . . . في مُقْلَةٍ أوْدَى بها الانْتباهْ ثم تحرَّتْ في سُوَيْداه أن . . . تشُوكَه وَيْلاه وا ويْلتَاه بدرٌ ثنانِي حبُّه فاغْتدَى . . . فكرِي بنَانِي دَيْدَناً في ثَناهْ ظَبْيٌ وعنه لم يزلْ ناهِياً . . . كلُّ جَهُولٍ عارِياً عن نُهاهْ في ثَغْرِه العَذْبِ وسِلْكِ الجُمَا . . . نِ الرَّطْبِ فانْظُر للحُلَى في حُلاَهْ وفي شِفاهُ اللُّعْسِ خمرٌ حَلاَ . . . لكنَّ لَحْظَيْه هما حَرَّمَاهْ بمنطقٍ ذِي غُنَّةٍ خِلْتُها . . . صَلِيلَ عَضْبٍ في حَشايَ فَرَاهْ لجِيدِهِ جُدْتُ برُوحِي وبالْ . . . آباءِ والبيْتِ وما قد حَواهْ فتَاه بالحُسْنِ وما ضَرَّه . . . لو أنَّ بالحُسْنِ يُواتِي فَتَاهْ لا غَرْوَ أن تَاه على مَن له . . . ليلاً صَباحاً بالشّجَى أنَّتَاهْ لِمْ يا خليليَّ تلُوما لِمَا . . . لُمَا جَهُولاً عاذَلِي عن لَماهْ كم ليلةٍ أمسيْتُ ذا جَذْوةٍ . . . تسوءُ ظَني لا عِجِي لا عَجَاهْ وسيِّدي عَنِّىَ لاَهٍ ولم . . . أُحِرْ سَداداً والحِجا فيه لاَهْ آهِ لقلبي آهِ آهاً له . . . آهِ لقلبي آهِ آهاً وآهْ ذا لُؤلُؤِي ثغْرِه جِسْمُه . . . ولُؤْلُؤِيُّ الثَّوْبِ قلبي لَواهْ يا رَشَأً بالكُمِّ عنِّي أرَاهْ . . . يسترُ لَحْظاً فاتِكاً بالكُمَاهْ أفْدِيكَ من خَجْلانَ لا عنك لي . . . مُسْتَبْدَلٌ لا والعَلِي في عُلاهْ صَبْراً لهجْري إن به تَرْضَ لي . . . يوماً فيوماً ثم مَاهاً فمَاهْ وهكذا يقْضِي زَمانِي به . . . لا حولَ لي ما شاءَ ربِّي قضَاهْ(4/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
تقي الدين بن يحيى ابن إسماعيل بن عبد الرحمن بن مصطفى السنجاري
الاسم تقي والعرض نقي ، والخلق رضي ، والفعل بحمد الله مرضي . تميز بهذا الشأن على وفور حلبته ، وفرع فيه البيان على سمو هضبته ، وفوق سهمه إلى نحر الإحسان فأثبته في لبته . مع أدبٍ غاص في لجة بحره ، فاستخرج درره وأثبتها في جيد الدهر ونحره . وقد أثبت له ما يغني عن ارتشاف ثغور الأقداح ، ويكفي عن استنشاق عرف الرياض تفتح فيه الورد والأقاح . فمنه ما كتبه إلى القاضي تاج الدين المالكي ، ملغزاً في نخلة : أيها المِصْقَعُ الذي شرَّف الدهْ . . . رَ وأحْيَى دَوارِسَ الآدابِ والهمامُ الذي تسامَى فَخاراً . . . وتناهَى في العلمِ والأحْسابِ والخطيبُ الذي إذا قال أمَّا . . . بعدُ أشْفَى بوَعْظِه المُسْتطابِ والإمامُ الذي تهذَّب طِفْلاً . . . وزَكا في العلومِ والأنْسابِ إن تُصحِّفْه كان فيه شفاءٌ . . . وبه النَّصُّ جاءنا في الكتابِ ولك الفضلُ إن تُصحِّفْه أيضا . . . بالعَطا لا بَرِحْتَ سامِي الرِّحابِ مُفْرَداً إن حذَفْتَ منه أخيراً . . . صار جمعاً له بغير ارْتيابِ أو وصلتَ الأخيرَ منه بصَدْرٍ . . . كان عَدّاً برأْيِ أهلِ الحسابِ وبثَانٍ إن ضُمَّ تالٍ إليه . . . فهو خِلٌّ من أعظمِ الأحْبابِ وإذا ما صحَّفْتَه لَذَّ للنفْ . . . سِ مَذاقاً في مَطْعَمٍ وشَرابِ خَلِّ نِصْفاً يُحَلُّ عنه وبادِرْ . . . قَلْعَ عيْنٍ ما إنْ لها مِن حسابِ قلعَ اللّهُ عيْنَ شَانِيكَ يا مَن . . . قَدْرُه قد سَما عن الإسْهابِ وابْقَ في عِزَّةٍ وعِزٍ مَنِيعٍ . . . ما حَدا بِالحجازِ حادِي الرِّكابِ فأجابه بقوله : يا إماماً صلَّى وسلَّم كُلٌّ . . . خلفَه من أئمَّةِ الآدابِ(4/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
وخطيباً رقَى فضمَّخ طِيباً . . . مِنْبَر الوعظِ منه فَصْلُ الخطابِ لم يُنافَس لَدَى التَّقدُّم إلاّ . . . قال مِحْرابُه هو الأحْرَى بِي أشْرقتْ شمسُ فضلهِ لا تَوارتْ . . . عَيْنُها عن عِيانِنا بحِجابِ وأتى رَوْضُ فكرِه بعَرُوسٍ . . . قد أُمِدَّتْ أنهارُها من عُبابِ تقْتضي مِنِّيَ الجوابَ وعُذْرِي . . . في جوابِي حُوشِيَت أنَّ الجَوَى بِي شَبَّهُ في حَشايَ فَقْدُ فتاةٍ . . . رحلتْ تمْتطِي مُتونَ الرِّقابِ وانْطَوتْ بعد بَيْنِها بُسْطُ بَسْطِي . . . وانْقضتْ دولةُ الصِّبا والتَّصابِي ليت شِعْرِي بمن أَهِيمُ وشمسِي . . . ما لها في أُفُولِها من إيابِ كيف أصْبُو ووردةٌ كان رَوْضُ الْ . . . أُنْسِ يزْهُو بها ثَوتْ في التُّرابِ لا وعَيْشٍ مضَى بها في نعيمٍ . . . لستُ أصْبُو من بَعْدِها لكَعابِ هاتِ قُلْ لي يا مَلْعَبَ السِّرْبِ ما لِي . . . لا أر فيك ظبْيةَ الأتْرابِ قال سَلْ حاسبِ الكواكبَ عمَّا . . . حار في دَفْعِه أُولو الألْبابِ أصبحتْ من بَناتِ نَعْشٍ وكانتْ . . . بدرَ تِمٍ فهل تَرَى من جَوابِ فابْسُطِ العُذْرَ يا أخا الفضلِ فَضْلاً . . . إن تجدْني أخْطأتُ صَوْبَ الصَوابِ أتُصِيبُ الصوابَ فكرةُ صَبٍ . . . يحْتسي كأسَ فُرْقةِ الأحْبابِ وتطَوّلْ وأسْبلِ السِّتْرَ صَفْحاً . . . فهْو شأنُ الخِلِّ المُحِبِّ المُجابِ في جَوابٍ عن نَخْلةٍ قد أتتْنا . . . بِجَنَى النحْلِ في سُطورِ الكتابِ أتْحفتْنا باللُّغْزِ في اسمِ أُخْتٍ . . . لأبِينا خُصَّتْ بذا الانْتسابِ وكَساها المَرْوِيُّ من شَبَهِ المُؤْ . . . مِن فَضْلاً في سائرِ الأحْقابِ وهْيَ ترْقَى من غير سَوْءٍ فطَوْراً . . . يستحِقُّ الجانِي ألِيمَ العذابِ ثم طَوْراً وهو الكثيرُ يُرَى الجْا . . . نِي عليها من أفْضلِ الأصْحابِ ولها إنْ تَشَأ تَصاحِيفُ منها . . . مُفْرَدٌ فيه غايةُ الإغْرابِ جاء قَلْبُ اسمِ جِنْسِه وهْو لَحْنٌ . . . لا تُنافِيه صَنْعةُ الإعرابِ ومُسَمَّى التصْحيفِ هذا إليه اللّ . . . هُ أوْحَى سُبحانَه في الكتابِ وهْو ذُو شَوْكةٍ وجُنْدٍ عظيمٍ . . . خَلْفَ يَعْسُوبِه بغيرِ حسابِ ذُو دَوِيٍ في جَحْفَلٍ يَمْلأُ الجَوَّ . . . كرَعْدٍ في مُكْفَهِرِّ السحابِ حيوانٌ وإن تُصحِّفْ جَمادٌ . . . مُفْصِحٌ عن مُرادِ سامِي الجَنابِ يا خليلِي بل يا أنا فاتِّحادِي . . . بك يقْضِي بذا بغيرِ ارْتيابِ إنَّ صُنْعِي في حَلِّيَ اللُّغْزِ باللُّ . . . غزِ بديعٌ فلا تَفُه بِعتابِ(4/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
وابْقَ في نعمةٍ وفي جَمْعِ شَمْلٍ . . . ببَنِيك الأفاضلِ الأنْجابِ ما سَرَتْ نَفْحةُ الأزاهرِ ترْوِي . . . ضَحِكَ الروضِ بُكاءِ السحابِ وأعقب ذلك بنثرٍ صورته : المولى الذي إذا أخذ القلمَ ووَشَّى ، وأرى غباره أرباب البلاغة والإنشا . لا يرى على من رماه الدهر بسهمه ، ولعبت صوالج الأحزان بكرة فهمه . فمزج المدح بالرثا ، وقابل النضر بالغثا . فقد بان عذره ، واتضح فعل الزمان به وغدره . وقد كنت قبل إدراج هذا الرثاء في أثناء الجواب ، أرقت ذات ليلةٍ من تجرع صاب ذلك المصاب . فنفثت القريحة ، في تلك اليلة التي كاد أن لا يكون لها صبيحة : لقد كان رَوْضُ الأُنْسِ يزْهُو بوردة . . . شَذَا كلِّ عِطْرٍ بعضُ نَفْحةِ طِيبِهَا فمَدَّ إليها البَيْنُ كَفَّ اقْتطافِهِ . . . وأمْحَلَ ذاك الرَّوْضُ بعد مَغِيبِهَا ولم يصْفُ لي من بعدِها كَأْسُ لَذَّةٍ . . . وكيف تلَذُّ النفسُ بعد حَبِيبِهَا فرَوِّي ثَراها يا سحائبَ أدْمُعِي . . . ومَن لي بأن تَرْوَى بسَحِّ صَبِيبِهَا فقصدت أن أثبتها في ذيل الجواب وأخرياته ، لما عسى أن يكون من محفوظات مولانا ومروياته . وقد طال هذا الهذا ، وطغى القلم بما هو للعين قذى . فلنحبس عنانه ، ونرح سمع المولى وعيانه .
حفيده علي بن تاج الدين
فاضلٌ نشر أدبه فأدهش مخبره ، وتنسم صبا خلقه فعطر المشام مسكه وعنبره . نشأ في حجر الكرم ، متفيئاً ظل حرم المجد المحترم . فطلع وفق ما اقتضته العناية ، ودلت عليه كلمة الفضل بالصريح والكناية . وقد رأيته وليس بينه والمنى حجاز ، وحقيقة فضائله لا يطرقها مجاز . فاستضأت حيناً بمنظره البهي ، وتمتعت آونةً بلفظه الشهي . ورأيت أدباً كالعمر في ريعانه ، وسمعت شعراً كالشباب في رونقه ولمعانه . فمما تناولته من شعره ، قوله من قصيدة أولها : على مِثْلِها من أعْيُنٍ كَحلُها السِّحْرُ . . . يهُون الذي نَلْقَى وإن عَظُمَ الأمْرُ فعنِّي إلى غيري العداةِ عَواذِلِي . . . فلي شِرْعةٌ في الحبِّ لستُمْ بها تَدْرُوا دَعُوني وما ألْقاه من حُبِّ شادِنٍ . . . مَحاسنُه لي في الغرامِ به عُذْرُ مِن التُّرْكِ لَمَّا في الحِياصَة قد بَدا . . . رأتْ هالةً عَيْنِي ومنه بها بَدْرُ يُريك جَنِيَّ الوردِ من وَجَناتِه . . . ويبسَم عن زَهْرِ الأقَأحِ له الثَّغْرُ تعلَّقْتُه بادِي النِّفارِ كأنه . . . غزالٌ قد اسْتوْلَى على قلبِه الذُّعْرُ فما زلتُ أسْقِي قاسياً من طباعِه . . . مُدامةَ لُطْفٍ مَزْجُ أكْؤُسِها التِّبْرُ(4/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
فرَقَّ وقد رقَّتْ مَعانِي تغزُّلِي . . . فلما رَنَا لم أدْرِ أيُّهما الشِّعْرُ عشِيَّةَ وافانِي على غيرِ مَوْعِدٍ . . . وجُنْحُ الدُّجَى من دونِ حُرَّاسِه سِتْرُ فقبَّلْتُ منه راحَ كَفٍ أُجِلُّها . . . عن الرَّاحِ حاشَ أن يُلِمَّ بها وِزْرُ وصارتْ يَميِني كالنِّطاقِ لخَصْرِه . . . على رَغْمِ مَن قد قال بان له خَصْرُ وقال وقد رُمْتُ ارْتِشافَ رُضابِه . . . متى بِحياتي قد أُحِلَّتْ لك الخَمْرُ فَلوْلاه ما كان الغرامُ بمُهْجتِي . . . مُقيماً وقد سارتْ بأخْبارِه السَّفْرُ سَلُوا الليلَ عني كم سهِرْتُ ظَلامَه . . . أُكابِدُ شوقاً دون حُرْقتهِ الجَمْرُ أرى نَجْمَه أدْنَى من الوصلِ مَأْخَذاً . . . وأبْعَدَ من سَلْوايَ إن يمْحُه الفَجْرُ فما زلتُ أُزْجِيها مَطايا تصبُّرٍ . . . بأرضِ الجَنَى حتى اسْتبان لِيَ البِشْرُ وقال لِيَ الوصلُ الذي أنا طالبٌ . . . له مَرْحباً في الأمْنِ قد رحَل الهَجْرُ وأنشدني من لفظه لنفسه : إذا غاب كان المَيْلُ منِّي لغيرِه . . . وإن لاح كان المَيْلُ منِّي له حَتْمَا كأنِّي هل في النحوِ والفعلَ حُسْنُه . . . وكلَّ الورى إن لاح محبوبِيَ الأسْمَا يريد به ما ذكره النحويون ، من أن هل مختصة بالفعل إذا كان في حيزها ، فلا يجوز هل زيد خرج ؛ لأن أصلها أن تكون بمعنى قد ، كقوله تعالى : ' هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر ' ، وقد مختصة بالفعل ، فكذا هل ، لكنها لما كانت بمعنى همزة الاستفهام ، انحطت رتبتها عن قد في اختصاصها بالفعل ، فاختصت به فيما إذا كان في حيزها ؛ لأنها إذا رأته في حيزها تذكرت عهوداً بالحمى ، وحنت إلى الإلف المألوف ، ولم ترض بافتراق الاسم بينهما ، وإذا لم تره في حيزها ، تسلت عنه ، وذهلت ، ومع وجوده إن لم يشتغل بضميرٍ لم تقنع به مقدراً بعدها ، وإلا قنعت به ، فلا يجوز في الاختيار هل زيداً رأيت بخلاف هل زيداً رأيته . انتهى .
القاضي محمد بن خليل الأحسائي
أديبٌ لا يجارى في ميدان إحسان ، ولا يبارى في صنعة يدٍ ولسان . وهو في علم(4/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
العروض خليفة الخليل ، وتحريره فيه الكافي عن شفاء العليل . وكان ولي قضاء الطائف فاكتست به جمالاً ، وبلغت في أهلها مآرب وآمالاً . فكثر فيه المطري والمادح ، وتفنن في وصفه الشادي والصادح . وقد وقفت له على شعرٍ بهر اتقاده ، وصح على زيف الأنام انتقاده . فأثبت منه ما يقتطف زهراً جنياً ، ويتخذ لتعليل النفس نجيا . فمنه قوله ، مخاطباً للقاضي تاج الدين المالكي ، وقد طلب شيئاً من شعره : لدَيْك أخا العَلْيَاء والفضلِ والعلمِ . . . ومَن جَلَّ من بين الأجِلاَّء بالفَهْمِ تُحَلَّ رحالُ الظَّاعنِين ومَن غَدا . . . إليك بَدا في حامِلي العلمِ كالنَّجْمِ لئن كان ربُّ الفضلِ كالرأسِ في الوَرى . . . فأنتَ له تاجٌ يُضِيءُ بلا كَتْمِ طلبتَ من النظمِ البديعِ لآلئاً . . . فدُونكَها كالعِقْدِ في الحُسْنِ والنَّظْمِ تُشنِّفُ أسْماعَ الرُّواةِ بدُرِّها . . . وتقطع أفْلاذَ الغَبِيِّ من الغَمِّ فيا أيُّها القاضي المُولِّد طَبْعُه . . . من العلمِ أفْناناً تجِلُّ عن العُقْمِ نوائبُ هذا الدهرِ غالَتْ قَرِيحَتِي . . . ودقَّتْ عظامِي بعد تمْزيقها لَحْمِي فلو أن هذا الدهرَ يُبْدِي تَعطُّفاً . . . لظَلَّ بديعُ النظمِ وَالنظمُ في سَهْمِ ولو أن جُزْءاً من هُمومي مُفَرَّقٌ . . . على الخَلْقِ عامُوا في بحارٍ من الهَمِّ وسامِحْ فمِنْدِيلُ القَرارِ مُقطَّعٌ . . . ورِقَّ لقلبٍ لا يقَرُّ من العُدْمِ ودُمْ أبداً في نِعْمةٍ ضِدُّها لها . . . يُطَأْطِىءُ رَأْساً في الرَّغامِ على الرَّغْمِ وكتب إلى القاضي أحمد بن عيسى المرشدي ، يهنيه بزيارة النبي e : زيارةٌ رفعتْها للقبولِ يَدٌ . . . وسَفْرةٌ أسْفرَتْ في طَيِّها مُدَدُ يَهْنيِك زَوْرةُ خيرِ الخلقِ في رَجَبٍ . . . يا مَن ربيعُ يديْه دائماً لُبَدُ اللّهُ والشافِعُ المُخْتَارُ قد نَظرا . . . إليك والرَّكْبُ إذ سايرْتَه سَعِدُوا أخْلَصْتَ للّهِ في هذِي الزيارةِ إذْ . . . شدَدْتَ وَجْنَاء لا تشكو إذا تَخِدُ وفُزْتَ في لَثْمِ أعْتابٍ مُقَرَّبةٍ . . . إليه قومٌ بها في زِيِّهمْ حمدُوا نعمْ لكم ذِمَّةٌ منه بتَسْمِيةٍ . . . يَهْنِى مُحمَّدَ من ذَا الحمْدِ ما يَجِدُ قد سِرْتَ للَّهِ سيرَ الصالحين إلى . . . نَبيِّه وعلى الألْطافِ تعْتمِدُ قصَدتَ سُوحَ إمامِ الرُّسْلِ سَيِّدهم . . . غَوْثِ العبادِ إذا في حَشْرِهم جُهِدُوا ورُمْتَ من فضلهِ فضلاً تَزِيد به . . . فضائلاً هي في عَلْيائِك السَّنَدُ طابتْ بطَيْبةَ أوقاتُ الأُلَى قصَدُوا . . . تقْبِيل تُرْبتِه والخيرَ قد وَجدُوا هبَّتْ عليهم نُسَيْماتُ الرِّضا سَحَراً . . . فزال عنهم لَهِيبُ القلبِ والكَمَدُ زاروا جُسوماً وزُرْنا نحنُ أفئدةً . . . في سَبْسَبِ الوجدِ والأشْواقِ تَطَّرِدُ(4/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
بُشْراكَ يا زائرَ المُختارِ لا برِحتْ . . . عليك منه مَبَرَّاتٌ سَمتْ تَرِدُ لا زلْتَ تقصِده ما سار زائرُه . . . إليه في كلِّ عامٍ نَجْمُه يَقِدُ فأجابه بقوله : أذِي زهورُ رياضٍ زَانَها النَّضَدُ . . . أمِ الدَّرارِي التي في أُفْقِها تَقِدُ أم ذِي جواهرُ تِيجانِ المُلوكِ بَلَى . . . جواهرُ التَّاجِ إذْ قِيستْ بها تَأَدُ أم العقودُ أم المنظومُ من كَلِمٍ . . . أعان نَأظِمَه التَّأْيِيدُ والمَدَد أم ذِي عرائسُ أفكارٍ مُحجَّبةٌ . . . أماطَتِ السِّتْرَ عنها للأديبِ يَدُ يدٌ طويلةُ باعٍ في العلومِ لها . . . في كلِّ ما يُعْجِزُ الأفهامَ مُنْتقَدُ كأنها حين وافتْنِي على غِرَرٍ . . . أرْى قُتيلِ الهوى عَذْبِ اللَّمَى الصَّردُ قد أذْكرتْنِي أيَّاماً حَلتْ وَخَلَتْ . . . واغْتال لَذَّتَنا في طَيِّها الأبَدُ وافتْ تُهنِّي مُحِبّاً لم يزَلْ قَلِقاً . . . إلى لقائِكَ صَبّاً وهْو مُضْطَهَدُ وكان لما أتتْ أحْرَى بتهْنِيَةٍ . . . بها لِمَا أطْفأتْ من حَرِّ ما يَجِدُ وقلت فيها وزُرْنا نحن أفئدةً . . . مُعرِّضاً فانْجلَى ما جَنَّهُ الخَلَدُ فالحمدُ للّهِ زار المُصطفى الجسدُ . . . مع الفؤادِ وحُقَّ الأجرُ والرَّشدُ هذا وأنتَ على العِلاّتِ أجْمَعِها . . . لَدَى المُحِبِّ لَموْمُوقٌ ومُعْتَمَدُ لأنَّ كلَّ اعْتدالٍ من سِواكَ يُرَى . . . يفُوقُه منك عندي ذلك الأَوَدُ عليك منِّي تحيَّاتٌ مُضاعَفةٌ . . . من المُهَيْمِنِ تَتْرَى مالَها أمَدُ
عفيف الدين بن عبد الله ابن حسين الثقفي
هذا من أهل الطائف ، أديبٌ كثير اللطائف . ثقفي مثقف قناة المجد ، جرى إلى آماد الفتوة فبلغها بالجد والجد . وقد أطرب بأناشيده من لم يكن يطرب ، وأتى بما يسكر من سمعه وإن لم يكن يشرب . بعبارة مستغنيةٍ عن التصنع ، وبديهة لم تشب بخطر التمنع . مصقولةٍ بلا تطرية واسطة ، مجلوة بلا منة ماشطة . وكل كلامه عليه مسحة النضارة ، وله ملاحة البداوة وهي تفوق الحضارة . وقد جئتك من شعره بما يصف نفسه إذا لاح ، وإذا ارتصفت درر عقوده تغايرة عليها لبات الملاح . فمنه قوله من قصيدة : سَقَى طَلَلاً بين الأجارِعِ واللِّوَى . . . وحَيَّى زماناً لم نُرَعْ فيه بالنَّوَى ورَعياً لأيامٍ هناك سوالِفٍ . . . قضيْنا بها عصر الشَّبِيبة والهَوى بظِلِّ جَنابٍ والنَّدامَى عِصابةٌ . . . كرامُ المساعي تُرغم الخَصْمَ إن غَوَى على السَّفْحِ ما بين القُصَيرِ إلى الحِمَىإلى الحِصْنِ نَطْوِي الوُدِّ عنَّا وما انْطَوَى لياليَ لا تُخْطِي سهامُ رَمَّيتِي . . . ولا عاقَنِي الوالي الغَيُورُ وإن زَوَى(4/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
وأصبحتُ يَثْنيني الحِجَى عن هَوِيَّتِي . . . ويمنعني دهرٌ تمادَى وما ارْعَوَى فللهِ كم من يومِ دَجْنٍ وصَلْتهُ . . . بلَيلٍ على الرَّبْعِ الجنوبِي وما حَوَى وساعاتِ أُنْسٍ كلما عَنَّ ذِكْرُها . . . يُهيِّجني فَرْط الصَّبابةِ والجَوى لكلِّ غَضِيضِ الطَّرْفِ أحْوى إذا رَنَا . . . سَباكَ النُّهى والصبرَ واسْتأثر القُوَى إذا افْتَرَّ عن ثَغْرٍ حكى الدُّرَّ نَظْمُه . . . وإن لاح قلت الشمسُ حَلَّتْ في الاسْتِوا يُشِيرُ فأدْرِي ما يقول برَمْزِه . . . فأقْضِيَ على ما في هَواه بما نَوَى عليم بعِلاَّتِ الغَوانِي وطِيبِها . . . ومُفْتِي النَّدامَى في مُحاورةِ الهَوَى وكتب إلى السيد علي بن معصوم : برُوحِيَ مَجْبولاً على الحبِّ طَبْعُه . . . وقلبيَ مجبولٌ على حُبِّه طَبْعَا يُراقِبُ أيامَ المُحرَّم جاهداً . . . فيُطلِعُ بدراً والمُحبُّ له يَرْعَى كلِفتُ به أيامَ دهرِيَ مُنْصِفٌ . . . ووجهُ الصِّبا طَلْقٌ وروضُ الهوى مَرْعَى جنَيْنا ثمارَ الوصلِ من دَوحةِ المُنَى . . . لياليَ لا وَاشٍ ولا كاشحٌ يسعَى فللهِ أيامٌ تقضَّتْ ولم تَعُدْ . . . يَحِقُّ لعَيْنِي أن تَسِحَّ لها دَمْعَا فراجعه بقوله : بنفسِيَ مَن قد حاز لَوْنَ الدُّجَى فَرْعَا . . . ولم يكفْهِ حتى تقمَّصه دِرْعَا بَدَا فكأن البدرَ في جُنْحِ ليلهِ . . . تعلّم منه كيف يصْدعُه صَدْعَا نمَتْه لنا عَشْرُ المُحرَّم جَهْرةً . . . يُطارِحُ أتْراباً تكنَّفنه سَبْعَا تبدَّى على رُزْءِ الحسينِ مُسوَّداً . . . وما زال يُولي في الهوى كَرْب لا مَنْعا وقد سَلَّ من جَفْنيْه عَضْباً مُهنَّداً . . . كأنَّ له في كلِّ جارِحةٍ وَقْعا هناك رأيتُ الموتَ تَنْدَى صِفاحُه . . . وناعِي الأسَى يَنْعَى وأهلُ الهوى صَرْعَى وكتب إليه ابن معصوم في لا بس أسود مستجيزاً في عشر المحرم : لا تقُلِ البدرُ لاح في الغَسَقِ . . . هذا سوادُ القلوبِ والْحَدَقِ إنسانُ عيني بدَا بأسْودِها . . . فعاد لي إذْ رَمَقْتُه رَمَقِي يا لابِساً للسَّوادِ طِيبَ شَذاً . . . ما المسكُ إلاّ من نَشْرِك العَبِقِ لبِسْتَ لَوْنَ الدُّجَى فسَرَّ وقد . . . أغَرْتَ ضوءَ الصباحِ في الأُفُقِ حتى بدا وهْو فيه مُنْفَلِقٌ . . . يشُقُّ ثوبَ الظلامِ عن حَنَقِ فأجازه بقوله : رُوحِي فِدَا مَن أعاد لي رَمَقِي . . . لَمَّا بَدَا كالهلالِ في الشَّفَقِ يهْتزُّ كالغُصْنِ في غَلائلهِ . . . ويرشُق القلبَ منه بالرَّشَق(4/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
ِ قلتُ له مُذْ بدَا يُعاتبنِي . . . ويمزُج الهَزْلَ منه بالحَنَقِ لو أنْصَفَ الدهرُ يا شِفَا سَقَمِي . . . ما بِتُّ أرْعَى النجومَ من أَرَقِ لكن عسَى عَطْفةٌ تُسَرُّ بها . . . فيها سرورُ القلبِ والْحَدَقِ ومن شعره في النسيب قوله : للّهِ دَرُّ ظِباءِ الهنْدِ كم ترَكتْ . . . من ماجدٍ دَنِف الأحْشاءِ مُضْطَرِمِ نَواعِسٌ كلَّما فَوَّقْنَ أسْهُمَها . . . تركْن أُسْدَ الشَّرَى لَحْماً على وَضَمِ وقوله : قلتُ لمَّا بدَا يميسُ بقَدٍ . . . جَلَّ مَن صاغ حُسْنَه وتَبارَكْ عَمِّرِ الوقتَ بالرَّجا أو بوَصْلٍ . . . عَمَّر اللّهُ يا حبيبي دِيارَكْ وقوله : لقد صار لي مَدْمعٌ بعدَكمْ . . . يفيضُ على وجَنتِي كالعَقِيقْ لِتَذْكارِ أيَّامِنا بالحِمَى . . . وتلك الليالِي بوادِي العَقِيقْ
أحمد بن الفضل باكثير
الفضل والده ، وبه تم له طارف المجد وتالده . فمقداره في النباهة جليل ، ومثل باكثير في الناس قليل . جيد النثر والنظام ، كثير الارتباط في سلكه والانتظام . وله قريحةٌ سيالة ، وطبيعة في الأفنان ميالة . وشعره بعيدٌ عن الكلف ، نقيٌّ من النمش والكلف . فمنه قوله مصدراً ومعجزاً قصيدة المتنبي ، يمدح بها السيد علي بن بركات الشريف الحسني : حُشاشةُ نفسٍ وَدَّعتْ يوم وَدَّعُوا . . . وقلبٌ لأظْعانِ الأحِبَّةِ يَتْبَعُ وصبرٌ نَوَى التَّرْحالَ يومَ رحيلِهم . . . فلم أدْرِ أي الظاعِنَيْنِ أُشَيِّعُ(4/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
أشارُوا بتسليمٍ فجُدْنا بأنْفُسٍ . . . تسيلُ مع الأنْفاسِ لَمَّا ترَفَّعُوا وسارُوا فظلَّتْ في الخدودِ عيونُنا . . . تسيِلُ من الآماقِ والإسمُ أدْمُعُ حَشايَ على جمرٍ ذَكِيٍ من الهوى . . . وصَدْرِيَ مُذْ بَانُوا عن الصبرِ بَلْقَعُ وقلبي لَدَى التَّوْديعِ في حَزْنِ حُزْنِه . . . وعَيْنَاي في روضٍ من الحُسْنِ تَرْتَعُ ولو حُمِّلتْ صُمُّ الجبالِ الذي بنا . . . من الوجدِ والتَّبْريح كانت تضَعْضَعُ وأكْبادُنا من لَوْعةِ البَيْنِ والنَّوَى . . . غَداةَ افْترقْنا أوْشكَتْ تتصدعُ بما بيْن جَنْبَيَّ التي خاضَ طَيْفُها . . . دُموعِي فَوافَى بالتَّواصُلِ يطمعُ تخَيَّل لي في غَفْوةٍ وجَّهتْ بها . . . إليَّ الدَّياجِي والخَلِيُّون هُجَّعُ أتتْ زائراً ما خامرَ الطِّيبُ ثَوْبَها . . . وخَمْرتُها من مِسْكِ دَارِينَ أضْوَعُ فقبَّلتُ إعْظاماً لها فضلَ ذَيْلِها . . . وكالمِسْكِ من أرْدانِها يتضَوَّعُ فشَرَّد إعْظامي لها ما أتَى بها . . . وفارقْتُ نَوْمِي والحشَا يتقطَّعُ وبِتُّ على جمرِ الغَضا لفِراقِها . . . من النومِ والْتاعَ الفؤادُ المُفجَّعُ فيا ليلةً ما كان أطولَ بِتُّها . . . سميرَ السُّها حِلْفَ الجوَى أتضرَّعُ يُجرِّعني كأسَ الأسى فَقْدُ طَيْفِها . . . وسَمُّ الأفاعِي عَذْبُ ما أتجرَّعُ تذلَّلْ لها واخْضَعْ على القُرْبِ والنَّوَى . . . لعلّك تحْظَى بالذي فيه تطمعُ ولا تأْنَفَنْ من هَضْمِ نفسِك في الهوى . . . فما عاشقٌ من لا يذِلُّ ويخْضَعُ ولا ثَوْبُ مَجْدٍ غيرَ ثوبِ ابنِ أحمدٍ . . . عليّ الذي أضْحَى له الفخْرُ أجْمَعُ عليه ضَفَا بالمَكْرُماتِ ولم يكُنْ . . . على أحَدٍ إلاّ بلُؤْمٍ مُرَقَّعُ وإن الذي حَابَى جَدِيلةَ طَيِّءٍ . . . بحاتمِهم وهْو الجوادُ المُمنَّعُ حَبَى بعَليٍ آلَ طه فإنّه . . . به اللّهُ يُعْطِي مَن يشاءُ ويمنعُ بذِي كَرَمٍ ما مَرَّ يومٌ وشمسُه . . . بغيرِ سَناً منه تُضِيءُ وتَسْطَعُ ولا ليلةٌ تزْهُو به ونجومُها . . . على رأسِ أوْفَى ذِمَّةٍ منه تطْلُعُ فأرْحامُ شِعْرٍ يتَّصِلْنَ لَدُنَّه . . . فكم سِعْر شِعْرٍ في مَعاليِه يُرْفَعُ ومنها في الختام : ألا كُلُّ سَمْحٍ غيرَك اليومَ باطِلٌ . . . لأنك فَرْدٌ للكمالاتِ تجْمَعُ وكلُّ ثناءٍ فيك حَقٌّ وإن عَلاَ . . . وكلُّ مَديحٍ في سِواك مُضَيَّعُ واتفق له أنه سمع وهو محتضر رجلاً ينادي على فاكهة : ودعوا من دنا رحيله فقال بديها : يا صاحِ دَاعِي المَنونِ وَافَى . . . وحَلَّ في حَيِّنا نُزولُهْ(4/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
وها أنا قد رَحلْتُ عنكم . . . فودعوا مَن دَنَا رَحِيلُهْ
محمد بن سعيد باقشير
وحيد نسجه رويةً وإسراعاً ، ونسيج وحده ابتكاراً واختراعا . بهر بمحاسنه التمائم ، قبل أن توضع على رأسه العمائم . فانجلت به النواظر وقرت ، وابتسمت به ثغور الأماني وافترت . وقد سلك في الشعر مسلكاً سهلاً ، فقالت له غرائبه مرحباً وأهلاً . فلبس الشعر حلية الحلاوة ، ووشاه برونق الرقة وطل الطلاوة . وقد أوردت له ما يطلع بدره في تمه ، ويرقص زهره في كمه . فمنه قوله ، من قصيدة في الغزل : ألآلٍ ما أرى أم حَبَبُ . . . أم أقاحٍ لا ولكن شَنَبُ حُرِّمتْ وهْي حَلالٌ قد جرَى . . . في خلالِ الطّلْع منها الضَّرَبُ ما ورَى بارِقُ ذَيَّاك اللَّمَى . . . أن لي قلباً بها يلْتهبُ دَعْ لما قد نقَل الرَّاوي لنا . . . عن لَماه ما رَوتْه الكُتبُ آهِ ما أعْذبه من مَبْسَمٍ . . . وهْو لو جاد به لي أعْذَبُ ليت لو أنَّ مَنالاً منه لي . . . غير أن البرقَ منه خُلَّبُ جُؤْذُرٌ يَرْنُو بعيْنَيْ أغْيَدٍ . . . مِن مَهَا الرملِ أغَنُّ أخْلَبُ ومُحَيّاً كَلِف الحُسْنُ به . . . فغَدا يُنْشِد أين المَذْهَبُ هَزَّ عِطْفيْه فلم يَدْرِ النَّقا . . . أقناةٌ هزَّه أم قُضُبُ رَقَّ فاسْتعْبد أرْبابَ الهوى . . . فله في كلِّ قلبٍ مَلْعَبُ يا لها من نِعْمةٍ في ضِمْنِها . . . مَهْلَكٌ هان وعَزَّ المَطْلبُ وقوله ، من قصيدة يمدح بها السيد أحمد بن مسعود ، أولها : عَلِقاً أظُنُّك بالكَعابِ الرُّودِ . . . أمْ والِهاً بهوَى الظِّباءِ الغِيدِ أسْبَلْنَ أمْثلةَ الغُدافِ غَدائراً . . . سُوداً تطولُ على الليالِي السُّودِ وسفَرْنَ عَمَّا لو لَطَمْنَ بمثلهِ . . . خَدَّ الظلامِ لَما بدا بالبِيدِ بِيضٌ يُرنِّحهُنَّ رَيْعانُ الصِّبا . . . تِيهاً كخُوطِ الْبانةِ الأُمْلودِ(4/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
عذَر العَذُول على الهوى فيها وقد . . . عَنَّتْ لنا بين اللِّوى وزَرُودِ فطفِقْتُ أُنْشِده على تأْنِيبِه . . . أرأيتَ أيَّ سَوالفٍ وخُدودِ تَرِبتْ يدُ اللُّوَّامِ كم ألْظَتْ حَشاً . . . دَنِفٍ بأُلْهوبٍ من النَّفْنيدِ أو مَا دَرَوْا أن الجمالَ حَبائلٌ . . . ما إن يُصاد بهِنَّ غيرُ الصِّيدِ ولرُبَّ مُخْطَفةِ الحَشَا بَهْنانةِ الْ . . . مْتنَيْنِ مُفْعَمةِ الإزارِ خَرُودِ ترْنُو فتحسب أُمَّ خِشْفٍ ثارَها ال . . . مِقْناصُ عن خَضْلِ الكَلاَ مَخْضُودِ للّهِ أحْداقُ الحسانِ وفعْلُها . . . في قلبِ كلِّ مُتَيَّمٍ مَعْمودِ ألْحَفْنَنِي البُرَحاءَ لكنِّي امْرُؤٌ . . . وَزَرِي برُكْنٍ في الملوكِ شَديدِ وكتب إليه ، يصف أمةً له سوداء مداعباً : أبَتْ صُروفُ القضا المَحْتومِ والقدرِ . . . إلاّ إشابةَ صَفْوِ العيْشِ بالكَدَرِ وإنَّ مِن نَكَدِ الأيامِ أن قُربتْ . . . دارُ الحبيب ولكن شَطَّ عن نَظَرِي بِي من سَطَا البَيْن ما لو بالجبالِ غدتْ . . . عِهْناً وبالسبعةِ الأفْلاكِ لم تَدُرِ نَوى الأحِبَّة والشوق الشديد ولى . . . جَوىً تُجدِّدُه مهما انْقضَى فِكَرِي وزادني الدهرُ همّاً لا يُعادِلُه . . . هَمٌّ بسمراءَ ألْهتْني عن السَّمرِ زَنْجِيةٌ من بنات الزَّنجِ تحسبُها . . . حَظِّي تجسَّم جُثْمانا من البشرِ كأن قامَتها ليلِي ومِنْخَرَها . . . ذيلي فيالَك من طول ومن قِصَرِ لها يدٌ ألِفَتْ خَطْفَ الكسارِ ولو . . . باتتْ تُحوَّطُ بالهِنْديّةِ البُتُرِ تسْطو على القُرْصِ سَطوَى غيرِ ذي جُبُنٍ . . . لو أنه بيْن نابِ الليثِ والظُّفُرِ كم غادرتْنِيَ من جوعٍ ومن سَغَبٍ . . . حُزْناً أعَضُّ بَنانَ النادِم الحَصِرِ ورُبَّ يومٍ غدا مَوْتي يُجرِّعني . . . كاساتِه فيه حتى عِيلَ مُصْطَبَرِي أرُوضُها تارةً عَتْباً وأزْجرُها . . . طَوْراً فلم يُجْدِ تأْنيبِي ومُزْدَجَرِي وربما أفْحمتْنِي القولَ قائلةً . . . وليس كلُّ مَقالٍ بالجوابِ حَرِي تخْشَى الرَّدَى وبُنودُ المجدِ خافِقةٌ . . . على ابنِ مسعود فَرْعِ الفرعِ من مُضَرِ وله من قصيدة : بِذِي العَلمْين من شَرْقيّ حَاجِرْ . . . تَوَقَّ أخا الغرامِ ظُبَا المَحاجرْ فكم برُبَه من صَبٍ عَمِيدٍ لسائلِ دمعِه الثَّجَّاجِ ناهِرْ به السُّودُ التي في السُّودِ منها . . . فِعالُ السُّمْرِ والبيضِ البَواتِرْ فأيُّ حَشاً يمُرُّ به خَلِيّاً . . . وقد رمَقتْه هاتِيك الجَآذِرْ به البِيضُ الرَّعابِيبُ السَّوافِرْ . . . وآسادٌ بفَدْفَدِه قَساوِرْ لَعَمْرُك ما سيوفُ الهندِ يوماً . . . بأمْضَى من بواترِها الفَواتِرْ(4/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
عيونٌ ما منَحْنَ السُّقْمَ إلاَّ . . . لقَدِّ القلبِ أو شَقِّ المَرَائرْ مَرِضْنَ وما مَرضْنَ سُدىً ولكنْ . . . لسَلْبِ قلوبِ أربْابِ البَصائرْ بأُمِّي ثم بِي وأبِي رَبِيبٌ . . . غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحولُ النَّواظِرْ نَحِيلُ الخَصْرِ عَبْلُ الرِّدْفِ أحْوَى . . . أزَجُّ الحاجبيْن أغَرُّ نافِرْ يميِلُ بمِثْلِ غُصْنِ الْبانِ لَدْنٍ . . . تُرنِّحه الصَّبا والغُصنُ ثامِرْ ويُسْفِرُ عن مُحَيّاً لو رآه . . . صَباحاً ذو الهدايةِ ضَلَّ حائرْ ويبْسَم عن شَهِيِّ الظَّلْمِ عَذْبٍ . . . تَرقْرَق فيه سَلْسَالُ الجواهِرْ جَفَا جَفْنِي الكرَى مُذ بان عَنِّي . . . فجَفْنِي مُذْ نأَى سَاهٍ وساهِرْ وقال على مصطلح أرباب الحال ، وهي قصيدة غريبة : ربَّما عاكفٍ على الخَنْدَرِيسِ . . . رَافلٍ في مَلابس التَّلْبيسِ جَهْبَذٌ يملأُ الدفاترَ عِلْماً . . . لم يُنَلْ باتَّقْريرِ والتَّدْريسِ أيُّما خُطَّةٍ أردْتَ تجِدْه . . . قَهْرماَ المَعقولِ والمَحْسوسِ يعلَم السابقين من عَهْدِ طَسْمٍ . . . ويُفِيدُ الطلاَّبَ عصرَ جَديسِ علَمٌ لم يكن على رأسِه نَا . . . رٌ ولكنْ كالنورِ في الحَنْدُوسِ ماشياً عُمْرَه على نَهْجِ الصِّدْ . . . قِ على ما به من التَّدْلِيسِ دُغَةٌ مَرَّةً وآونةً قُسٌّ . . . وطَوْراً يُمْلِيك عن إبليسِ وعليمٌ بطِبِّ عِلَّةِ بقْرا . . . ط ويهْزُو بجِدِّ جَالِينُوسِ ارْمِه حيثُ شئتَ تلْقَ أخَا النَّجْ . . . دةِ من آدمٍ ومن إدريسِ لِعب الحبُّ منه بالجبَلِ الرَّا . . . سِي وبالضَّيْغمِ الهَمُوسِ العَبُوسِ مِن هوَى رَبَّةِ الحِجالِ ومَن قد . . . لعبتْ مِن دَلالِها بالنفوسِ والتي خيَّمتْ على كلِّ قلبٍ . . . ورمَتْ كلَّ مُهْجةٍ برَسِيسِ وأبَتْ أن تُرَى بعيْنِ مُحِبٍ . . . قَطُّ إلاّ في صورةٍ ولَبُوسِ لاح مِن نُورِها الأغَرِّ سَناءٌ . . . فَتراءَى في نارِه للمَجُوسِ قد بدَتْ للكليمِ ناراً ولكنْ . . . لا بحَصْرٍ فغاب بالتَّقْديسِ وغَدا المَانَوِيُّ منها على رَأْ . . . يٍ صحيحٍ لكن بلا تأسِيسِ والنَّصارَى ظلَّتّ على صُوَرٍ شَتَّى . . . فضلَّتْ برأْيها المعكوسِ قيَّدُوا مُطلَق الجمالِ فباتُوا . . . في قيودِ الشَّمَّاسِ والقِسِّيسِ كيف مَن قيَّدتْ تُقيَّد والإطْ . . . لاقُ قيْدٌ والقَيْدُ غيرُ مَقِيسِ(4/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
شَأْنُها في حِبِّها فَتُّها الأكْ . . . بادَ من رائسٍ ومن مَرْءُوسِ رُبَّ قلبٍ قد تَاهَ فيها فلم يَدْ . . . رِ حَسِيساص ولم يَمِلْ لِلْمَسِيسِ ظَلَّ فيها في جَحْفلٍ من سرورٍ . . . وخَميسٍ يلْقَى الأسَى بخَمِيسِ كلَّما أسْفَرتْ له عن نِقابٍ . . . وفَنِى في فِنائه المَأْنُوسِ أشْرقتْ مِن وراءِ ذاك لعَيْنَيْ . . . ه بِمَغْنَى حُسْنِ الجمالِ النَّفِيسِ فطوَى كَشْحَه على غُصَصِ الوَجْ . . . دِ تُقىً بين طامعٍ ويَؤُوسِ ذكرت بمطلع هذه القصيدة ، ما حكاه البهاء الحارثي في كشكوله ، وهو أن تاجراً من تجار نيسابور ، أودع جاريته عند الشيخ أبي عثمان الحيري ، فوقع نظر الشيخ عليها ، فعشقها ، وشغف بها ، فكتب إلى شيخه أبي حفص الحداد بالحال ، فأجابه بالأمر بالسفر إلى الري ؛ لصحبة الشيخ يوسف . فلما وصل إلى الري ، وسأل الناس عن منزل الشيخ يوسف ، أكثروا من ملامته وقالوا : كيف يسأل تقيٌّ مثلك عن بيت فاسق ؟ فرجع إلى نيسابور ، وقص على شيخه القصة ، فأمره بالعود إلى الري ، وملاقاة الشيخ يوسف المذكور . فسافر مرةً ثانية إلى الري ، وسأل عن منزل الشيخ يوسف ، ولم يبال بذم الناس له وازدرائهم به . فقيل له : إنه في محلة الخمارة . فأتى إليه ، وسلم عليه ، فرد عليه السلام ، وعظمه . ورأى إلى جانبه صبياً بارع الجمال ، وإلى جانبه الآخر زجاجةً مملوءةً من شيءٍ كأنه الخمر بعينه . فقال له الشيخ أبو عثمان : ما هذا المنزل في هذه المحلة ؟ فقال : إن ظالماً شرى بيوت أصحابي ، وصيرها خمارة ، ولم يحتج إلى بيتي . فقال : ما هذا الغلام ، وما هذه الخمر ؟ فقال : أما الغلام فولدي من صلبي ، وأما الزجاجة فخل . فقال : ولم توقع نفسك في محل التهمة بين الناس ؟ فقال : لئلا يعتقدوا أني ثقةٌ ، فيستودعوني جواريهم ، فأبتلى بحبهن . فبكى أبو عثمان بكاءً شديداً ، وعلم قصد شيخه . انتهى . وبهذه الحاية يظهر مغزى صدر هذه القصيدة ، ويحصل الجمع بين ما في ظاهرها من المدح والقدح . والله أعلم . رجع . ومن شعر باقشير ، وهو مختار من قصيدة له : أتعْذِلُ في لَمْياءَ والعُذْرث ألْيَقُ . . . تعشَّقْتُها جهلاً وذو اللُّبِّ يعشَقُ ولا عيشَ إلاّ ما الصَّبابةُ شَطْرُه . . . وصوتُ المَثانِي والسُّلافُ المُعتَّقُ وجَوْبُك أجْوازَ المَوامِي مُشمِّراً . . . إلى المجدِ يطْوِيها عُذَافِرُ مُعْنِقُ وأن تَتهاداك النَّعائمُ مُعْلَماً . . . تُضِلُّك أو تَهْدِيك بَيْداءُ سَمْلَقُ وأن تَرِدَ الماءَ الذي شَطْرُه دَمٌ . . . فتسعَى برأيِ ابنِ الحُسَين وتُرْزَقُ(4/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
وأسْوَغ ما بَلَّ اللَّهَى بَعْدَ عَيْمةٍ . . . وأرْوَى من الماءِ الشَّرابُ المُرَوَّقُ فدَعْ لَجَجَ التَّعْنيفِ وابْكِ بذِي اللِّوَى . . . دياراً كأنْها للتَّقادُمِ مُهْرَقُ أحالتْ مَغانِيها السِّنون فأصْبحتْ . . . قِوَى لهَرِيق الوَدْقِ والرِّيح مَخْرَقِ وقفتُ بها والقلبُ بالوَجْدِ مُوثَقٌ . . . كُفِيتَ الرَّدَى والجَفْنُ بالدمعِ مُطْلَقُ أُناشدُها بَيْنُونةَ الحيِّ عن جَوىً . . . لقلبٍ إذا هَبَّ النَّسائمُ يخْفِقُ شَجٍ تتَصاباهُ الصَّبا وتلُوعُه ال . . . جَنُوبُ ويشْجُوه الحَمامُ المُطَوَّقُ إلى اللّهِ أفعالَ الليالِي بها وبِي . . . لقد كنتُ منها دائمَ الدهرِ أفْرَقُ فسِمْ سِمَةَ الصبرِ الجميلِ لعلَّها . . . تُدِيلُ فإنْ لم تُغْنِ فالصبرُ أخْلَقُ فلو سلِمتْ من حادثِ الدهرِ دِمْنَةٌ . . . تمَطَّى على هامِ الدهورِ الخَوَرْنَقُ ومن محاسنه ، قوله في زيات بديع الجمال ، وقد أجاد في التورية : أفْدِيه زَيَّاتاً رَنَا وانْثنَى . . . كالبدرِ كالشَّادِنِ كالسَّمْهَرِي أحسن ما تُبْصِرُ بدرَ الدجَى . . . يلعبُ بالمِيزانِ والمُشْترِي وقوله : كيف التخلُّصُ من حُبِّ المِلاحِ وقد . . . تبادرَتْ لِقتالِي أعْيُنٌ سَحَرَهْ تغْزُو لَواحِظُها في العاشقِين كما . . . تغْزُوا جيوشُ بني عثمانَ في الكَفَرَهْ
أحمد بن محمد علي الجوهري
جوهرٌ استخرجته أفكار الليالي من بحورها ، والتقطته أبكار المعالي لنحورها . له ذاتٌ تخلصت من الكبر ، وخلصت من الخيلاء خلوص التبر . وأما أشعاره فكلها قطعٌ من خالص الجمان ، قلد بها صدور الأيام وشنف آذان الزمان . فإذا حدثت عن آثار قلمه ، فارو الصحاح عن جوهري كلمه . وقد جئتك من كلماته بأنفس نفيس ، فلا تذكر الدر بعدها إن كنت ممن يقيس . فمن ذلك قوله :(4/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
ما شِمْتُ بَرْقاً سَرَى في جُنْحِ مُعْتكِرِ . . . إلاَّ تذكَّرتُ بَرْقَ المَبْسَمِ العَطِرِ ولا صَبَوْتُ إلى خِلٍ أُسامِرُه . . . إلاّ بكَيتُ زمانَ اللهوِ والسَّمَرِ شَلَّتْ يدٌ للنَّوَى ما كان ضائرَها . . . لو غادرتْنا نُقضِّي العيْشَ بالوَطَرِ في خِلْسةٍ من ليالي الوصلِ مُسْرِعةٍ . . . كأنما هي بيْن الوَهْنِ والسَّحَرِ لا نَرْقُبُ النجمَ من فَقْد النَّدِيمِ ولا . . . نسْتعجلُ الخطْوَ من خوفٍ ومن حَذَرِ وأهْيَفَ القَدِّ ساقِينا برَاحتِه . . . كأنه صنمٌ في هيكلِ البشَرِ مُنَعَّمين وشَمْلُ الأُنْسِ منتظِمٌ . . . يربُو على نَظْمِ عِقْدٍ فاخرِ الدُّرَرِ فما انْتهيْنا لأمرٍ قد ألَمَّ بنا . . . إلاَّ وبُدِّل ذاك الصَّفْوُ بالكَدَرِ لا دَرَّ دَرُّ زمانٍ راح مُخْتلِساً . . . من بيْننا قَمَراً ناهِيك من قَمَرِ غزالُ إنْسٍ تحلّى في حُلَى بشَرٍ . . . وبدرُ حُسْنٍ تجلّى في دُجَى شَعَرِ وغُصْنُ بانٍ تثَنَّى في نَقَا كَفَلٍ . . . لا غصنُ بَانٍ تثنَّى في نَقَا مَدَرِ كأنَّ لَيْلِي نهارٌ بعد فُرْقتِه . . . مِمَّا أُقاسِي به من شدَّةِ السَّهَرِ يا ليت شِعْرِيَ هل حالتْ مَحاسنُه . . . وهل تغيَّر ما باللَّحْظِ من حَوَرِ فإن تكنْ في جِنانِ الخُلْدِ مُبْتهِجاً . . . فاذْكُرْ مُعَنَّى الأمانِي ضائعَ النَّظَرِ وإن تأنَّسْتَ بالحُورِ الحسانِ فلا . . . تَنْسَ الليالِي التي سَرَّتْ مع القِصَرِ وقوله : كيف أسْلُو مَن مُهْجَتِي في يديْهِ . . . وفؤادي وإن رحَلتُ لدَيْهِ إن طلبتُ الشَّفاءَ من شفتيْهِ . . . جادَ لي بالسّقامِ من جَفْنيْهِ إنَّ حِلْفَ السُّهادِ عينٌ رأتْهُ . . . وجنَتْ وَرْدَ جَنَّتَيْ خَدَّيْهِ كلما رُمْتُ سَلْوةً قال قلبي . . . لا تلُمْني على العكوفِ عليْهِ لستُ وحدِي مُتيَّماً في هَواهُ . . . كلُّ أهلِ الغرامِ تصْبُوا إليْهِ وله مقاليع ، سماها لآلىء الجوهري ، منها قوله : كيف يرجو العِرْفانَ باللّهِ مَن قد . . . قيَّدتْه الذنوبُ طولَ حياتِهْ لا لَعَمْرِي أم كيف يُشْرِقُ قلبٌ . . . صُوَرُ الكائناتِ في مِرْآتِهْ وقوله : إذا مضتِ الأوقاتُ من غيرِ طاعةٍ . . . ولم تكُ مَحْزوناً فذا أعظمُ الخَطْبِ علامةُ مَوْتِ القلب أن لا ترَى به . . . حَراكاً إلى تَقْوَى ومَيْلاً عن الذنبِ وقوله : إن حُزْتَ عِلْماً فاتَّخِذْ حِرْفةً . . . تصُون ماءَ الوجهِ لا يُبْذَلُ(4/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
ولا تُهِنْه أن تُرَى سائلاً . . . فشأْنُ أهلِ العلم أن يُسْئَلُوا وقوله : جانبِ اللهوَ والبَطالةَ واحْذَرْ . . . مِن هوَى النفسِ إن أردتَ السَّعادَهْ واعبُد اللّهَ ما استطعتَ بصدقٍ . . . مَطْلبُ العارفين صِدْقُ العبادَهْ وقوله : قُلْ للذي يبْتغِي دليلاً . . . من غير طُولٍ على المُهَيْمِنْ ما ذَرَّةٌ في الوجودِ إلاَّ . . . فيها دليلٌ عليه بَيِّنْ وقوله في الغزل : ولقد سقتْنا البابِليَّةُ إذْ رأتْ . . . أنَّا نُحدِّثُها لِنَسْبُرَ حُسْنَهَا خَمْراً أدارتْها العيونُ فأذْهَبتْ . . . مِنَّا العقولَ ولم تُفارِقْ دَنَّهَا وقوله : لمَّا بدا البدرُ يجْلُو . . . دُجَى الظلامِ وأسْفَرْ ذكرتُ وجهَ حبيبي . . . والشيءُ بالشيءِ يُذْكَرْ وقوله : وأسْمَحُ الناسِ كَفّاً . . . مَن لا يقولُ ويفعلْ وأعْذَبُ الشِّعْرِ بيتٌ . . . يرْوِيه عَذْبُ المُقبَّلْ وقوله : لا تعذِلونِيَ في وقتِ السَّماع إذا . . . طرِبتُ وَجْداً فخيرُ الناسِ مَن عَذَرَا حتى الجمادُ إذا غنَّتْ له طَرَبٌ . . . أمَا ترى العودَ طَوْراً يقْطعُ الوَتَرَا وقف بعض أدباء عصره على هذين البيتين ، فكتب إليه مقرظاً : وصل البيتان بل القصران فما ألفاظهما إلا الدر النظيم ، فلا وحقك لم يفز بمثلهما العصران لا الحديث ولا القديم . فلله درك ، ما أحفل درك ، وأبهج في أسلاك المعاني درك . ولقد خاطبت بمعناهما عند سماعهما من عذل ، وطربت لحسن سبكهما طرب من منح عند نشوته سبيك النضار وبذل . بل طرب لهما حتى الجماد ، ومن ذا الذي سمعهما وما ماد . فالله تعالى يبقيك للأدب كهفاً يرجع إليه ، وذخراً يعول عند اشتباه الألفاظ والمعاني عليه . وقد نظمت البارحة أبياتاً في العود ، أحببت أن تلاحظها بملاحظتك لها السعود . وهي : وعُودٌ به عُودُ المَسَرَّةِ مُورِقٌ . . . يُغَنِّي كما غَنَّتْ عليهِ الحمائمُ إذا حرَّكتْ أوتارَه كَفُّ غادَةٍ . . . فسِيَّانِ من شوقٍ خَلِيٌّ وهائمُ يُرَنّحُ مَنْ يُصْغِي إليهِ صبابةً . . . كما رَنَّحَتْهُ في الرِّياضِ النَّسَائِمُ(4/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
فراجعه بقوله : يا مولاي الذي إن عد أرباب المجد عقدت عليه الخناصر ، وإن ذكر أصحاب الفضل فلا يدانيه متقدم ولا معاصر . لو أمدني ابن العميد وأضرابه ، والصاحب بن عبادٍ وأصحابه . ما استطعت تقريظ أبياتك الأبيات إلا منك ، الممتنعات إلا عنك . فأنت فريد دهرك ، ولا أقول في هذا الفن ، ووحيد عصرك ، وليس ذلك عن ظن . وقد دعتني داعية الأدب ، إلى أن أقول إن العود يفوق آلات الطرب . فمدحته كما مدحته ، ووصفته كما وصفته . وقلت : فاق كلَّ الآلاتِ في اللحْنِ عُودٌ . . . حين تَعْلُو أصواتُهَا وتَرِنُّ فكأن الحَمام دهراً طويلاً . . . علّمَتْهُ ألْحَانَهَا وهْوَ غُصْنُ قلت وهذا من قول أبي الفضل أحمد بن يوسف الطيبي : من أين للعُود هذا الصوتُ تأخذُه . . . أطْرافُهُ بأطَاريفِ الأناشيدِ أظُنُّ حينَ نَشَا في الدَّوْحِ علَّمه . . . سَجْعُ الحمائِمِ تَرْجِيعَ الأغارِيدِ ومثله قول معاصره الصفي الحلي : وعُودٍ به عاد السرورُ لأنهُ . . . حَوى اللهوَ قِدْماً وهْوَ رَيَّانُ ناعمُ يُغَرِّبُ في تَغْرِيدِه فكأَنَّمَا . . . يُعيدُ لنا ما ألَّفَتْهُ الحمائمُ ولبعضهم فيه : وعُودٍ له نوعانِ من لذَّةِ المُنَى . . . فبُورِكَ جانٍ يجْتَنيهِ وغارِسُ تغنّتْ عليه وهْوَ رَطْبٌ حمامةٌ . . . وغنَّتْ عليه قَيْنَةٌ وهْوَ يابسُ وأصله قول الوزير المغربي : وطُنْبُورٍ مَليحِ الشكلِ يحكي . . . بنَغْمَتِهِ الصَّلِيبةِ عَنْدَلِيبَا رَوَى لما دَرَى نَغَماً فصيحاً . . . حَواها في تقلُّبهِ قَضِيبَا كذا مَنْ عاشَرَ العلماءَ طِفْلاً . . . يكون إذا نَشَا شَيْخاً أدِيبَا ومن لآليه المذكورة قوله : لا تَجْهَلَنْ قَدْراً لنفسِكَ إنّها . . . عُلْوِيَّةٌ تَرْقَى لما هو شِبْهُهَا والنفسُ كالمِرْآةِ يَصْقُلُهَا التُّقَى . . . فَسْراً ويُظْلِمُ بالمعاصي وَجْهُهَا وقوله : في المَنْعِ والإعْطَاءِ كُنْ شاكِرَا . . . واستقْبِلِ الكلَّ بوجهِ الرِّضَا فالخيرُ للعارفِ فيما جَرى . . . ورُبَّ مَنْعٍ كان عينَ العَطا وقوله : إذا الْتَبَسَ الأمرانِ فالخيرُ في الذي . . . تَرَاه إذا كلَّفْتَه النفسَ تَثْقُلُ فجانِبْ هَواها واطَّرِحْ ما تُرِيدُه . . . من اللهوِ واللَّذَّاتِ إن كنتَ تعْقِلُ(4/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
وهذا من قول الأحنف بن قيس : كفى بالرجل رأياً إذا اجتمع عليه أمران ، فلم يدر أيهما الصواب ، أن ينظر أعجبهما إليه ، وأغلبهما عليه ؛ فيحذره . وقريب منه قول أبي الفتح البستي : وإن همَمْتَ بأمرٍ . . . ولم تُطِقْ تخْريجَهْ فقِسْ قياساً صحيحاً . . . واحكُم بضدِّ النتيجَهْ ومن الحكم المروية عن أبي العلاء المعري : الخير كل الخير فيما أكرهت النفس الطبيعية عليه ، والشر كل الشر فيما أكرهتك النفس الطبيعية عليه . ومن مقاطيعه في الغزل قوله : وظَبْيٍ نافرٍ ممَّا أراهُ . . . يَذِلُّ لحُسْنِه الملِكُ المَهِيبُ عرفتُ مِزاجَه فانْقادَ طَوْعاً . . . ومَن عرَف المِزاجَ هو الطبيب وقوله : وأهْيَفٍ كالسيفِ ألْحاظُه . . . وقَدُّه العَسَّالُ كالسَّمْهَرِي أخْجَلنِي ثَغْرٌ له باسمٌ . . . فاعْجَب لثَغْرٍ يُخْجِلُ الجَوْهَرِي وقوله : قال عَذُولِي إذْ رأَى . . . أخَا الغزالِ الأعْفَرِ هذا الذي مَبْسَمُه . . . فتَّتَ قلب الجَوْهَرِي وقوله : جرَح اللَّحْظُ خالَ خَدِّ غُلامٍ . . . فضَح الْبَان قَدَّه باعْتدالِهْ فإذا ثار طاعِناً لفؤادِي . . . قال خُذْها من طالبٍ ثَارَ خَالِهْ وقوله : تذكَّرتُ إذْ الحَجيجُ بمكَّةٍ . . . ونحن وقوفٌ ننْظُر الرَّكْبَ مُحْرِمَا فصرْتُ بأرضِ الهندِ في كل مَوْسمٍ . . . يُجدِّد تَذْكارِي لقَلبيَ مأْتَمَاَ وقوله : ولو أنَّ أرضَ الهنْدِ في الحُسْنِ جَنَّةٌ . . . وسُكَّانَها حُورٌ وأمْلِكُها وَحْدِي لَما قِسْتُها يوماً بَبطْحاءِ مكةٍ . . . ولا اخترتُ عن سُعْدَى بديلاً هَوى هندِ وقوله : وقالوا بالْمَخَا خيرٌ كثيرٌ . . . فقلتُ صدقتمُ وبها الأمانُ ولكن حَرُّها يشْوِي البَرايا . . . ولولا الرِّيقُ لاحْترق اللِّسانُ وقوله :(4/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
شبَّهتُ أمواجَ بحرِ الهندِ حين رسَتْ . . . به السَّفائنُ من هندٍ ومن صِينِ بأسْطُرٍ فوق قِرْطاسٍ قد انْتسقَتْ . . . والسُّفْنُ فيه عَلاماتُ السَّلاطينِ وقوله : إذا تكنْ ناقِداً للرجالِ . . . وصاحبْتَ مَن لا له تعرفُ فخالِفْه في بعضِ أقوالِه . . . فإنك عن خُلْقهِ تكشِفُ
أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن عبد الرءوف بن يحيى الواعظ
لوذعيٌّ وجه أدبه سافر ، وخبر نباهته فيما بين الخافقين مسافر . له كلف بالفنون وعناية ، مع ديانة ارتدى بردائها وصيانة . فمجده مشنف من عقد الثريا ، ولديه من نسج السجية ما يهزأ ببرد الروضة الريا . وأما أدبه فله رواء الوجوه الحسان ، وله شعرٌ أفرغ في قالب الحسن والإحسان . فمنه قوله من نبوية : يا صاحبِيَّ حَقِّقا مِيعادِي . . . وانْطلِقا لأخْصَبِ الوِهادِ ولاحِظاني في السُّرَى فإنني . . . نِضْوُ هوىً مُقرَّحُ الأكْبادِ قد ترك الجَفْنَ مَفازةً فلا . . . يضْوِي إليه وافدُ الرُّقادِ وضَلَّ شَرْخُ العمرِ في بياضٍ . . . اشْرَق من أشِعَّةِ الأفْوادِ فعرِّجا بمَسْرحِ السُّرْبِ الذي . . . ليس له مَرْعىً سوى فؤادِي وخفِّضا عليكما وخَلِّيا . . . دمعِي السَّفِيحَ رائِحاً وغادِي يرْمُل في جَرْعائِها بعَسْفِها . . . لا يعْترِيه وَهَنُ الوِخادِ ويجعل الحصْبَا عَقِيقاً أحمراً . . . من النَّجِيعِ الأحمرِ الفِرْصادِ(4/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
ويترك القاع له أعِقّةٌ . . . يكْرَع منها كلُّ صَبٍ صادِي وزَفْرةٌ قد غُرِست بمُهْجتِي . . . وطَلْعُها في لِمَّتَيَّ بادِي تتابعتْ حتى يُخالُ أنني . . . من فَرَقٍ لِمُنْجِدٍ أُنادِي أذابت القلبَ سِوى ما أحْرزُوا . . . ثم ثَوَى في وسَط الفؤادِ وعاذلٍ يعبثُ بي لَوَ انَّه . . . يُمازِجُ التْشكيكَ باعْتقادِ كأنما يرقُم في كوثرٍ ما . . . أفْرغ في الفؤاد من وِدادِ لا يقبلُ التَّعْنيفَ في الهوى سِوَى . . . مَ ، يقْتنِي غيرَ هوَى سُعادِ واحَرَّ قلباه وبَرْدَ المُشتهَى . . . هيْهات كيف مَجمَعُ الأضْدادِ ذادُوا السيوفَ عن وُرودِ هائمٍ . . . زادتْ على الأنْواءِ للُورَّادِ ما حَنَّ طَرْفٌ جاد إذ قد ضَنَّ نَوْ . . . ءُ الطَّرْفِ أن يحمْي عن المِبْرادِ هيهات لم يبرحْ يرُوم نَظْرةً . . . من حضرةِ الإسعافِ والإسْعادِ من حضرةِ المختار طه أصْلِ مَب . . . نَى الكونِ في التَّعيين والإيجادِ مِن نُورِ ذي العرشِ الرفيعِ كُنْهُه . . . تواترٌ قد جاء بالآحادِ في قولِ لولاك إشارةٌ ولا . . . خَفاءَ للمُريدِ في المُرادِ يدْرِيه مَن يرى الشُّئونَ جُمِّعتْ . . . في مُفْردٍ مجتمعِ الإفْرادِ فآدمُ الآبا وغيرُه له . . . فرعٌ على معنىً جَلِيِّ الرَّادِ وذاك معنَى أنه أصلُ الوجو . . . دِ أوّلٌ في البَسْطِ بالأعدادِ فاعْجَبْ له خَتْماً نَبِيّاً أوَّلاً . . . قد جاء بالتحقيقِ في الإسْنادِ الواضحُ الحقَّ الصَّحيح حَسْبَما . . . حَرَّره أئمَّةُ الإرشادِ وبعد أن زان جمالُ وجههِ . . . وجودَه جاء الكمالُ هادِي فقام بالتَّوحيدِ داعِياً له . . . وراقَب المُدْعَوْنَ بالمِرْصادِ ومَهَّد الشرعَ القديم للورَى . . . مُبَيَّنَ المِيعادِ والإيعادِ وشَتَّ شَمْلَ الكفرِ بانْتظامِنا . . . في سِلْكِه كالعِقْد في الأجْيادِ فابْتَهَج الكونُ بن نَضارةً . . . وصدَحتْ في دَوْحِها الشَّوادِي وخفَقتْ ألْوِيةُ النصرِ على . . . سكُونِ ريح الكفرِ والأعادِي وزَمْزَم الرعدُ على مَسْرَى الصَّبا . . . وشقَّتِ السُّحْبَ ظُبَا الغَوادِي وأضْحك الرَّوضَ بُكاؤُها على . . . مَسرَّةِ النِّتَاجِ والإيلادِ وأحْيتِ الأنْوا مَواتَ الجَدْبِ مِن . . . مُرْتَبعِ التِّلالِ والوِهادِ(4/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
ونُتِجتْ من صُلْبهِ أئمَّةٌ . . . قادوا إلى الإيمان والرَّشادِ مِن مَظْهر الزَّهراء ذات الفَخْرِ في . . . حظائر التَّقديس والإسْعادِ مِن حَيْدرٍ عليٍ الطُّهْرِ أمي . . . ر المؤمنين سيِّد الأمجادِ قد أعْرَضوا عمَّا به الناسُ عُنُوا . . . وصرَفوا الوجْهَ إلى المَعادِ تزهَّدوا وذاك مِن صِفاتِهم . . . ذاتاً وهل يخْفَى شَمِيمُ الجادِي قد شرفوا على الورَى فحَسْبُهم . . . نَصُّ الكتابِ عن حَصا التَّعْدادِ يا سيِّدَ الرُّسْل ويا خِتامَ من . . . قد خُصِّصوا بوافرِ الأيادِي يا خيرَ مبعوثٍ على ظهرِ الثَّرَى . . . بسَيْبه أخْضبتِ الأيادِي يا مَن هو الأَوْلى بكلِّ مُؤْمنٍ . . . من نفسهِ من سائرِ العبادِ أحْنتْ عليَّ حَوبةٌ جَنيْتُها . . . قد جَرَّعتْني غُصَصَ البِعادِ وعرَّضتْني هدَفاً لأسْهُمٍ ال . . . إعراضِ لا أخلُو من العَوادِي وأخْلَقتْ صَبْرِي وجَدَّ مَطْمَعي . . . في أَن أُرَى في هذه النوادِي وضاق ذَرْعي فذَرِيعتي إلى . . . رِحابِك الفَيْحاء شَوْقٌ حَادِي فحُلَّ عَقْدِي يا مَلاذِي مثلَما . . . حَللْتَ عَقْدَ العُسْرِ بالإنْقادِ وأطْلِق القَيْدَ المُحيطَ عَلَّنِي . . . في سُوحِكم أنْفَكُّ عن قِيادِي فأنت كَهْفُ المُلْحِفِين في الوَرى . . . وغيرِهم من زُمَرِ القُصَّادِ وأنت بابُ اللّهِ كلُّ مَن أتى . . . مِن غيرهِ يُسامُ بالإبْعادِ فمن دنَا مِن سُوحِه مُلْتمِساً . . . بادرَهُ العفوُ إلى المُرادِ وعَمَّه الفضلُ فقال شاكراً . . . قد كثُرتْ ذخائرُ الفُؤادِ صلَّى عليك اللّهُ ما تَلأْلأتْ . . . صِفاتُك البِيضُ على السَّوادِ
محمد بن أحمد المنوفي
هو في المقام خليفة الشافعي ، وكلامه في العلوم كافي المهم وشافي العي . وكان آيةً في قوة الحافظة ، قائماً في الإفادة بوظيفتي المثابرة والمحافظة . ودخل الروم فقام(4/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
الدهر بحقوقه ، ولم يشب بره بعقوقه . فاخضرت بالإدرارات أكنافه ، وتجملت أنواع رعيه وأصنافه . إلا أنه عارضه الأجل في طريقه ، وأغصته إذ ساغت له أمانيه بريقه . فقبضه الله بالشام إليه ، فلا زالت رحمة الله منهلة عليه . قال سبطه ابن معصوم : ولا يحضرني الآن من شعره غير ما رأيته منسوباً إليه بخط سيدي الوالد : عَتبْتُ على دهرِي بأفعالِه التي . . . أضاقَ بها صدرِي وأضْنَى بها جِسْمِي فقال ألم تعلمْ بأن حَوادثِي . . . إذا أشْكلتْ رُدَّتْ لمن كان ذا عِلْمِ وهذان بيتان لا يشيد مثهلما إلا من شاد ربوع الأدب ، وسارع لاقتناص شوارد القريض وانتدب . وهما نموذج براعته وبلاغته ، واقتداره على سبك إبريز الكلام وصياغته . وقد صدرتهما وعجزتهما ، فقلت : عَتبْتُ على دهرِي بأفعالِه التي . . . بَراني بها بَرْيَ السِّهامِ من الهَمِّ ليصْرِف عني فَادحاتِ نوائبٍ . . . أضاق بها صدْرِي وأضْنَى بها جسْمِي فقال ألم تعلمْ بأن حَوادثِي . . . وأخْطارَها اللاتي تُلِمُّ بذِي الفَهْمِ يضِيقُ بها ذُو الجهلِ ذَرْعاً وإنما . . . إذا أشْكلتْ رُدَّتْ لمن كان ذا عِلْمِ
ولده عبد الجواد
فاضل البيت بعد أبيه النبيه ، وأشبه من تصدر في مركز العزة فقيد المثيل والشبيه . اشتملت عليه دولة آل الحسن ، اشتمال الفم على اللسان ، والمقلة على الإنسان . وقامت فضائله في رياض محامدها تلو آية البيان ، بما تردد بين السمع والعيان . وهو أديبٌ عرف بكمال الفطنة من حين المهاد ، وله خلالٌ كلها روضٌ قريب العهد من صوب العهاد : فتىً صَفَتْ من القَذَى مَواردُهْ . . . وانْتثرتْ في رَوضِه فَرائدُهْ(4/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
مَبْذُولةٌ لوفدِه فوائدُهْ . . . شاهدةٌ بفضلهِ مَشاهِدُهْ منظومةٌ من شُكْرِه قلائدُهْ . . . يحمِدُهُ وَلِيُّه وحاسدُهْ وله شعر حسن الأسلوب ، يرف على مائة ريحان القلوب . فمنه قوله ، من قصيدة يمدح بها الأمير محمد بن فروخ أمير الركب الشامي . مستهلها : لأيِّ كَمالٍ من كمالِك أذْكُرُ . . . وأيِّ جميلٍ من جميلِك أشْكُرُ ألِلسَّابقِ الآتِي به أنت لاحقاً . . . أم اللاحقِ التَّالي له يتكرَّرُ تحيَّرتُ في هذا الكمالِ ولم أزَلْ . . . أنا والنُّهَى في ذا البَها نتحيَّرُ جَمعتَ كمالاً في سِواك مُفرَّقٌ . . . وأنت به فَرْدٌ وجمعُك أكثرُ رفعتَ لِواءَ الدِّين حتى خَفْقتَها . . . من الدُّونِ يوم النصرِ بالفتْحِ يظْهَرُ ألسْتَ الذي يوم ابنِ مَعْنٍ ونجْلِه . . . تأزَّرْتَ مجداً عنه غيرُك يُزْجَرُ وصَوَّمْتَه فيه عن الفِطْرِ بالقَنَا . . . وقلبُ السِّوَى منها بها يتفَطَّرُ ويمَمْتَ إذ يمَّمتَ للنصرِ مُسْرِعاً . . . وجوهاً تَراها في الوَطِيسِ تَعفَّرُ وصَلَّيْتَهم من ذلك اليومِ مَشْهداً . . . تأمَّمْتَ صَفّاً فيه أنت المُكبِّرُ وأوْردتَ منهم مَعْشراً مَشرعَ الوَغَى . . . وأصْدرْتَهم والسيفُ بالدَّمِ يقْطُرُ فما السُّمْرُ إلاّ في الوَغَى كغُصونِه . . . بهَامِ العِدَى سُمْراً من البِيض تُثْمِرُ ولا عجَبٌ هذا فآيُ محمدٍ . . . تَدِينُ لها أهلُ الدُّنا حين تُذْكَرُ هو البطلُ الحامِي الذِّمارَ ومَن به . . . تُهَدُّ حصونُ المارِقين وتُهْدَرُ فيا أيُّها الشَّهْمُ الهِزَبْرُ الذي إذا . . . دَعاهُ امْرُؤٌ أغْناه إذْ هو مُفْقَرُ إليَّ فمالي غيرَ سُوحِك مُنْجِدٌ . . . أمَسُّ بوجْهِي بابَه وأُعفِّرُ وقد ضاقتِ الدنيا عليَّ بأسْرِها . . . وضِقْتُ بها ذَرْعاً وقَفْرِيَ مُقْفِرُ وأنت لنا غَيْثٌ إذا شَحَّ مَاطِرٌ . . . وماسَحَّ يَرْوِي المُمْطَرين ويُمْطِرُ وأنت الذي قد عَمَّ وَاكِفُ كَفِّهِ . . . بوَزْنِ نُضارٍ لا بمُزْنٍ يُدَرَّرُ وسائله نيلاً وسائله ترى . . . مَقاصد عمَّن رامَها ليس تقصُرُ إليَّ وفرِّج ما انْطوَى في جَوانِحِي . . . من الهمِّ حتى بعدُ لا أتأمَّرُ فكم لك في يومِ الوغَى من مَعارجٍ . . . ومن فُرَجٍ فَرَّجْتها حين تَنْضُرُ وكم لك في الحُجَّاجِ آيٌ جميلةٌ . . . يُقصِّر عنها في مُنَى الطَّوْلِ قَيْصَرُ وكم لك في ساداتِ مكةَ من يَدٍ . . . ومن حسَناتٍ فضلُها ليس يُحْصَرُ وماذا عسى أُحْصِي صفاتِك والورَى . . . بأجْمعِهم عن وَصْفِ فضلِك تقصُرُ ومن شعره قوله :(4/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
أتزعُم أنك الخِدْنُ المُفدَّى . . . وأنت مُصادِقٌ أعْدايَ حَقَّا إليَّ إليَّ فاجْعلنِي صديقاً . . . وصادِقْ مَن أصادقُه مُحِقَّا وجانِبْ مَن أُعادِيه إذا ما . . . أردتَ تكونُ لي خِدْناً وتَبْقَى وهو ينظر إلى قول الآخر : إذا صافَى صديقُك مَن تُعادِي . . . فقد عاداك وانْفصلَ الكلامُ وله رسالة في شرح البيتين المشهورين : مِن قِصَرِ الليلِ إذا زُرْتِنِي . . . أشْكُو وتشْكِين من الطُّولِ عَدُوُّ عينيْك وشانِيهما . . . أصْبَحَ مَشْغولاً بمشْغولِ
أحمد نظام الدين ابن الأمير محمد بن نصير الدين بن إبراهيم بن معصوم
هذا النظام ، به تم نظام النثار والنظام . فهو في حوزة المعالي ذو قدرٍ معظم ، وفي صنعة النظم صاحب درٍ منظم . طلاع أنجدةٍ للمجد بواري زنده ، مصقول شبا الفكر كالسيف مع فرنده . تبلغ بالفضل غاية الاشتهار ، وبدا كما تبدو الشمس للمبصر في وسط النهار . حتى عشقت أوصافه الأسماع ، وتوفرت للتملي من مشاهدته الأطماع . فاستدعاه الملك شاهنشاه صاحب حيدر أباد ، فدخل إليه الديرة الهندية ، متهيئاً لأن يتفيأ كما يستحقه ظلال دولته الندية الندية . فلما رآه الملك اعتد به واغتبط ، وأكرم نزله بمواهبه فارتبط . ثم أملكه بنته ، ورعى غرسه ونبته . فكثر رياشه ، وحسن معاشه ، وتولته العناية فعظم انتعاشه . فأقام وسوق الفضل به نافق ، وحظ الكرام بملاحظته لهم موافق . إليه مطايا(4/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
الأمل تزجى ، ومن يده سحب المكارم ترجى . حتى ولعت بالملك يد الهلك ، واستولى الميرزا أبو الحسن بعده على الملك . عند ذلك صدمه الزمن المتقلب ، وانقلب عليه الدهر المتغلب . فقفبض عليه أبو الحسن وسجنه ، وخلاه رهن قيده وشجنه . ثم قبضه الله إليه ، فانقبضت القلوب حزناً عليه . فتباً لدهرٍ لم يف بضمانه ، ولم يصدق بأمانه . فيسترجع معاره ، ويشن مغاره . وهكذا الدنيا دول ، وما يغني الحول فيها ولا الخول . وقد وقفت له على أشعار نقشها فكره وزخرفها ، وحبر وشيها في بلاد الهند وفوفها . فأثبت منها ما يعظم وقعه عند الاختبار ولا يقع عليه النظر إلا وقع عليه الاختيار . فمن ذلك قوله من قصيدة : مُثِيرُ غرامِ المُسْتهامِ ووَجْدِهِ . . . وَمِيضٌ سرَى من غَوْرِ سَلْع ونَجْدِهِ وبات بأعْلَى الرَّقْمتيْن الْتهابُه . . . فظلَّ كئيباً من تذكُّرِ عَهْدِهِ يحِنُّ إلى نحو اللِّوَى وطُوَيْلعٍ . . . وبَاناتِ نَجْدٍ والحِجازِ ورَنْدِهِ وضَالٍ بذات الضَّالِ مُرْخٍ غُصونَه . . . تفيَّأه ظَبْيٌ يَميِيسُ ببُرْدِهِ يَغار إذا ما قِسْتُ بالبدرِ وَجْهَه . . . ويغضَب إن شبَّهتُ وَرْداً بخدِّهِ كثيرُ التَّجنِّي ذو قَوامٍ مُهَفْهَفٍ . . . صَبِيحُ المُحيَّا ليس يُوفِي بوَعْدِهِ مَلِيحٌ تَسامَى بالمَلاحةِ مُفْرَداً . . . كشمسِ الضُّحى كالبدرِ في بُرْجِ سَعْدِهِ ثَناياه بَرْقٌ والصَّباحُ جَبِينُه . . . وأما الثُرَيَّا قد أُنِيطتْ بِعقْدِهِ فمِن وَصْلهِ سُكْنَى الجنانِ وطِيبُها . . . ولكنْ لَظَى النِّيرانِ من نارِ صَدِّهِ تَراءَى لنا بالجِيدِ كالظَّبْيِ تالِعاً . . . أسارَى الهوى مِن حُكْمِه بعضُ جُنْدِهِ روَى حُسْنَه أهلُ الغرامِ وكلُّهم . . . يَتِيهُ إذا ما شاهدوا ليلَ جَعْدِهِ يُعَنْعِنُ علمَ السحرِ هاروتُ لَحْظِه . . . ويَرْوِي عن الرُّمَّانِ كاعبُ نَهْدِهِ مَضاءُ اليَمانِيَّاتِ دون لِحاظِه . . . وفِعْلُ الرُّدَيْنِيَّاتِ من دون قَدِّهِ إذا ما نَضا عن وجهِه البدرِ حُجْبَه . . . صَبا كلُّ ذي نُسْكٍ مُلازِمُ زُهْدِهِ وأبْدَى مُحَيّاً قاصِراً عنه كلُّ مَن . . . أراد له نَعْتاً بتَوْصِيفِ حَدِّهِ هو الحُسْن بل حسنُ الوَرى منه مُجْتدىً . . . وكلُّهم يُعزَى لجَوْهرِ فَرْدِهِ وما تفْعل الرَّاحُ العَتِيقةُ بعضَ ما . . . بمَبْسَمِه بالمُحْتسِي صَفْوُ وِرْدِهِ وقوله في مليح اعتل طرفه : يا جَوْهراً فَرْداً عَلاَ . . . من أين جاءَك ذا العَرَضْ(4/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
وعلا مَ طَرْفُك ذا المري . . . ضُ أعَلَّهُ هذا المَرَضْ عهدِي به مِمَّا يُصِي . . . بُ فكيف صار هو الغَرَضْ ها قلبيَ المَعْمودُ نُصْ . . . بٌ للنَّوائب يَرْتكِضْ فاجْعَلْه يا كُلَّ المُنَى . . . بَدَلاً لِمَا بك أو عِوَضْ فاسْلَمْ مَدَى الأيَّام يا . . . ذَا الحُسْنِ ما بَرْقٌ وَمَضْ فمُذِ اعْتلَلْتَ أخا المَها . . . في الطَّرْفِ جَفْنِي ما غَمَضْ ونَحِيلُ جسمي مُذْ وَنَيْ . . . تَ وحَقِّ عَيْنِك ما نَهَضْ أنتَ المُرادُ وليس لي . . . في غيرِ وَصْفِك من غَرَضْ وله مشجرا : خِلْتُ خالَ الخدِّ في وَجْنتِهِ . . . نُقْطةَ العَنْبَرِ في جمرِ الغَضَا دامتِ الأفراحُ لي مُذْ أبْصَرتْ . . . مُقْلتِي صُبْحَ مُحَيّاً قد أضَا يتمنَّى القلبُ منه لَفْتةً . . . وبهذا اللَّحْظِ للعينِ رِضَا جاهلٌ رام سُلُوّاً عنه إذْ . . . حظَر الوصلَ وأوْلاني الفَضَا هامتِ العينُ به لمَّا رأتْ . . . حُسْنَ وجهٍ حين كُنَّا بالإِضَا وقال في الغزل : سلوا بطن مَرٍ والغَمِيمَ ومَوْزعَا . . . متى اصْطافَها ظَبْيُ النَّقَا وترَبَّعَا وهل حَلَّ من شَرْقِّيها أرضَ هَجْلَةٍ . . . وقد جادَها مُزْنٌ فسال وأمْرَعَا سقَى تلك من نَوْءِ السِّماكيْن جَحْفَلٌ . . . سحائب غَيْثٍ مَرْبَعاً ثم مَربَعَا تَظلُّ الصَّبا تحْدُو بها وهْي نُعّمٌ . . . وتُنْزِلُها سَهْلاً وحَزْناً وأجْرَعَا فتلك مَغَانٍ لا تزال تحُلُّها . . . خَدَلَّجةُ الساقْين مَهْضومةُ المِعَى رَبِيبةُ خِدْرِ الصَّوْنِ والتَّرَفِ الذي . . . يزِيد على بَذْلِ اللَّيالِي تمنُّعَا تروَّتْ من الحسن البَهِيِّ خُدودُها . . . وقَامَتُها كالغُصْنِ حين تَرَعْرَعَا قَطُوف الخُطَا مثلُ القَطَا حين ما مَشَتْ . . . تقومُ بأرْدافٍ يُحَاكينَ لَعْلَعَا وكتب إلى محمد الحشري الشامي رقعةً ، صورتها : يا مولانا عمر الله بالفضل زمانك ، وأنار في العالم برهانك ، سمحت للعبد قريحته ، في رئم هذه صفته ، بهذين البيتين : تَراءَى كظَبْيٍ خائفٍ من حبائلٍ . . . يُشِيرُ بطَرْفٍ ناعِسٍ منه فاتِرِ وقد مُلِئتْ عيْناه من سُحْبِ جَفْنِه . . . كنَرْجِسِ رَوضٍ جادَه وَبْلُ مَاطِرِ(4/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
فإن رأى المولى أن يجيزهما ويجيرهما من البخس ، فهو المأمول من خصائل تلك النفس ، وإن رآهما من الغث فليدعهما كأمس . ولعل الاجتماع بكم في هذا اليوم قبل الظهر أو بعد العصر ، لنحث من كؤوس المحادثة ما راق بعد العصر . والمملوك كان على جناح ركوب ، بيد أنه كتب هذه البطاقة وأرسلها إلى سوق أدبكم العامرة التي ما برح إليها كل خير مجلوب . فأسْبِل السِّتْرَ صَفْحاً إن بَدا خَلَلٌ . . . تهْتِك به سِتْرَ أعداءٍ وحُسَّادِ فكتب إليه بهذين البيتين بديهة : ولرُبَّ مُلْتَفتٍ بأجْيادِ المَهَا . . . نحوِي وأيْدِي العِيسِ تنْفُث سمَّهَا لم يَبْكِ من ألَمِ الفِراقِ وإنما . . . يسْقِي سيوفَ لِحاظه ليسُمَّهَا ثم نظم المعنى بعينه ، فقال : ولقد يُشير إليَّ عن حَدَقِ الْمَهَا . . . والرُّعْبُ يخْفِق في حَشاهُ الضَّامِرِ أسْيانَ يفْحَص في الحبالِ كأنه . . . ظَبْيٌ يُخبِّط في حَبالةِ جاذر غشَّت نواظِرَه الدموعُ كأنها . . . ماءٌ ترقْرَق في مُتُونِ ضَوامِرِ رقَّتْ شمائلُه ورَقَّ أدِيمُه . . . فتكاد تشْربُه عيونُ النَّاظِرِ وقال أحمد الجوهري ، معارضاً له : وظَبْيٍ غَرِيرٍ بالدَّلالِ مُحجَّبٍ . . . يرى أن سَتْرَ العَيْن فَرْضُ المَحاجِرِ رَمانِي بطَرْفٍ أسْبَلَ الدمعَ دونه . . . لِئلاَّ أرى عينيْه من دون ساتِرِ ولما وقف أدباء اليمن على بيتي النظام ، تجاروا في مضمارهما بسوابق النظام . فقال السيد حسن الجرموزي : ورِئْمٍ فلا أصلُ المَحاسنِ فَرْعُه . . . تبدَّى كبدرٍ في الدجَى للنَّواظِر سَبانِي بجَفْن أدْعج ماج ماؤُه . . . فطرَّز شُهْبَ الدَّمْع ليلَ الغدائرِ وقال حسن بن علي باعفيف : وخِشْفٍ عليه الحسنُ أَوْقفَ حُسْنَه . . . له ناظرٌ يحْمِيه عن كلِّ ناظرِ نظرتُ إليه ناثراً دُرَّ دَمْعِه . . . فَنظَّام فكرِي هام في دُرِّ ناثِرِ وقال عبد الله الزنجي : وطَرْفٍ له فعلُ السيوفِ البَواتِرِ . . . يُصِيب به مُسْتَلْئِما كلَّ حاسِرِ رمَى ورَنَا فانْهَلَّ بالدمعِ جَفْنُه . . . كدُرٍ حَواه سِمْطُ نظمِ الجواهرِ وقال السيد علي بن النظام الناظم : وللّهِ ظَبْيٍ كالهلالِ جَبينُه . . . رَمانِي بسهمٍ من جُفونٍ فَواتِرِ(4/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
جرَتْ بمآقِيه الدموع كأنّها . . . مِياهُ فِرِنْدٍ في شِفاهِ بَواتِرِ ومن نظم النظام في الحماسة : إلى كم تقاضَاني الظُّبا وهْي ظامِيَهْ . . . وتشْكُو العَوالِي جوعَها وهْي طاوِيَهْ وتُشْجِي الجِيادُ الصافِناتُ صَهِيلُها . . . مُتَيَّمَ وَقْعاتٍ على الدَّمِ طافيَهْ فمن مُبْلِغٍ عني نِزاراً ويَعْرُباً . . . أولئك قومٌ أرْتَجيهم لِمَا بِيَهْ حُماةٌ كُماةٌ قادةُ الخيلِ في الوَغَى . . . ضَراغِمُ يومَ الرَّوْع تَلْقاك ضاريَهْ بَهالِيلُ في الْبأْساءِ يومَ تَناضُلٍ . . . إذا ما الْتَقى الجَيْشان فالعارَ آبِيَهْ ثِيابُهمُ من نَسْجِ داوُدَ سُبَّغاً . . . وأوْجُههمْ تحكي بدوراً بِداجِيَهْ سَمَوْا لدِرَاكِ المجدِ والثأرِ والعُلَى . . . ورَوّوا قَناهُم من دِما كلِّ طامِيَهْ وسارُوا على مَتْنِ الخُيولِ وسَوَّرُوا . . . بذِي شُطُبٍ عَضْبٍ وسَمْراءَ عالِيَهْ عَلاءٌ لهم لم يبْرحُوا في حِفاظِه . . . مدَى الدهرِ والأزْمانُ عنه مُحامِيَهْ فهم سادةُ الأقْوامِ شَرْقاً ومغرِباً . . . وبَرّاً وبحراً والقُرومُ المُحاميَهْ فلا غَرْوَ أن كان النبيُّ محمدٌ . . . إليهم لَيُنْمَى في جَراثيمَ سامِيَهْ به افْتخروا يوم الفَخارِ وقَوَّضُوا . . . بِناءَ العُلَى عن كلِّ قومٍ مُضاهِيَهْ به كَسَرُوا كِسْرَى وفَلُّوا جُموعَه . . . لكثْرتها في العَدِّ لم تدْرِ ما هِيَهْ ونافُوا على الأطْوادِ عِزّاً ورِفْعةً . . . وزادُوا على الآسادِ بأْساً وداهِيَهْ بَلاغاً صريحاً واضحاً كاشفاً له . . . قِناعَ المُحيَّا فَلْيُلبِّينَ داعِيَهْ وإيَّاهمُ والرَّيْثَ عن نَصْرِ خِدْنِهمْ . . . ولا يأْمَنُوا الدنيا فليستْ بصافِيَهْ وقُلْ لهمُ يسْرُون فوق جِيادِهمْ . . . خَفايَا كما تمْشِي مع السُّقْمِ عافيَهْ
ولده السيد علي
صاحب السلافة القول فيه أنه أبرع من أظلته الخضرا ، وأقلته الغبرا . وإذا أردت علاوةً في الوصف قلت : هو الغاية القصوى ، والآية الكبرى . طلع بدر سعده فنسخ الأهلة ، وانهل سحاب فضله فأخجل السحب المنهلة . أخبرني السيد علي بن نور الدين بمكة المشرفة ، قال : كان رفيقي في التحصيل ، وزميلي في التفريع والتأصيل . والصبا ينزع أواخينا ، والرغبة في الاستفادة تعقد في البين تواخينا . وكلانا في مبدأ صوب القطر من الغمامة ، وباكورة خروج الزهرة من الكمامة . فكنت أشاهد من حذقه الغاية التي لا تدرك ، ومن غرائب صنائعه المنزلة التي لا تشرك .(4/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
هذا وليلُ الشبابِ الْجُونِ مُنْسَدِلٌ . . . فكيف حين يجيءُ الليلُ بالسُّرُجِ ثم فارق البيت والمقام ، ودخل الهند فنهض حظه بها وقام . وهو الآن متقلد خدم ملكها الشريفة ، ومتفيءٌ في عهده ظلال النعم الوريفة . وقد ألف تآليف تهفو إليها الأفكار ، وتجنح إليها جنوح الأطيار إلى الأوكار . منها كتابه المسمى بسلافة العصر ، التي زف بها البكر ابنة الفكر ، في هودجها الفرج ، وجلبابها الأرج . تباطأ عنها السوابق ، وتتطأطأ عن سموها السوامق . وجاء بها أصفى من ماء الشباب في غضارته ، في زمن لم يبق منه إلا رديء عصارته . إلا أن الظنون مرجمة ، وألسنة الانتقاد عنها مترجمة ، والأقوال فيها كثيرة ، والعبارات للازدراء مثيرة . وذلك لما بدا منه من أغراض ، كان حقها أن تعامل بالإعراض . فهو في إيراد تلك الفصول ، معرض بنفسه إلى وصمة الفضول . والحق أنه أحسن ماشا ، وأبدع فيما أنشا ووشى . وكم أورد من نادرةٍ مستظرفة ، وأبدع من فائدةٍ مستطرفة . وهو في الأدب بحرٌ ماله ساحل ، إذا قصد أن يدنو منه طيف الفكر أصبح دونه بمراحل . وله شعر أرق من كل رقيق ، وأحق بالقبول من غيره عند التحقيق . فمنه قوله من خمرية : لَمعتْ ليلاً فقالوا لَهَبُ . . . وصفَتْ لَوْناً فقالوا ذهَبُ وإذا ما انْدفقَتْ من دَنِّها . . . في الدُّجَى قالوا طِرازٌ مُذْهَبُ قهوةٌ رَقَّتْ فلولا كأسُها . . . لم يُشاهِد جِرْمَها مَن يشْربُ وتراها في يدِ السَّاعي بها . . . كوكباً يسْعَى بها لى كوكبُ ألْبَسَتْها الكأسُ طَوْقاً ذهَباً . . . وحَباباً بالَّلآلِي الْحَبَبُ عجِبُوا من نُورِها إذْ أشرقتْ . . . وشَذاها من سَناها أعْجَبُ بِنْتُ كَرْمٍ كَرُمتْ أوصافُها . . . أيُّ نَبْتٍ قام عنها العِنَبُ وقوله معارضاً قصيدة أبي العلاء المعري ، التي أولها : هاتِ الحديثَ عن الزَّورَاءِ أوهِيتَا . . . ومُوِقَدِ النَّارِ لا تكْرَى بتَكْرِيتَا وقصيدته هي هذه : يا حادِيَ الظُّعْنِ إن جُزْتَ المواقِيتَا . . . فحَيِّ مَنْ بِمِنىً والْخَيْفَ حُيِّيتَا وسَلْ بجَمْعٍ أَجْمعُ الشَّمْلِ مَلتئِمٌ . . . أم غالَه الدَّهرُ تفْرِيقاً وتشْتيتَا والْثَم ثَرَى ذلك الوادي وحُطّ به . . . عن الرِّحالِ تنَلْ يا صاحِ ما شِيتَا عهْدِي به وثَراهُ فائحٌ عَبِقٌ . . . كالمِسْكِ فتَّتَه الدَّارِيُّ تفْتِيتَا والدُّرُ ما زال من حَصْبائِه خَجِلاً . . . كأنَّ حَصْباءَه كانت يَواقيتَا يؤُمُّه الوَفْدُ مِن عُرْبٍ ومن عجمٍ . . . ويسبُرون له البِيدَ السَّبارِيتَا(4/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
يطْوُون عُرْضَ الليالِي طُولَ ليلِهمُ . . . لا يهْتدون بغير النَّجْمِ خِرِّيتَا من كلِّ مُنْخَرِق السِّرْبالِ تحسَبُه . . . إذا تَسَرْبَل بالظَّلْماءِ عِفْريتَا لا يطْعَم الماءَ إلاّ بَلَّ غُلّتِه . . . ولا يذُوق سِوى سَدِّ الطُّوَى بِيتَا يفْرِي جُيوبَ الفَلا في كلِّ هاجِرةٍ . . . يُماثِل الضّبُّ في رَمْضائِها الحُوتَا ترى الحصَا جَمَراتٍ من تلهُّبها . . . كأنما أُوقِدتْ في القَفْرِ كبْرِيتَا أجاب دَعْوةَ داعٍ لا مَرَدَّ له . . . قَضى على الناسِ حَجَّ البَيْت تَوْقيتَا يرجو النَّجاةَ بيومٍ قد أهاب به . . . في موقفٍ يدَعُ المِنْطيقَ سِكِّيتَا فسار والعَزْمُ يطْوِيه وينْشُره . . . يُنازِل البَيْن تصْبِيحاً وتبْييتَا حتى أناخَ على أُمِّ القُرَى سَحَراً . . . وقد نضَا الصبحُ للظّلْماءِ إصْليِتَا فقام يقْرَعُ بابَ العَفْو مُبتهِلاً . . . لم يخْشَ غيرَ عتابِ اللّهِ تبْكِيتَا وطَاف بالبيتِ سَبْعاً وانثنى عَجِلاً . . . إلى الصَّفا حاذِراً للوقْتِ تفْوِيتَا وراح مُلْتَمِساً نَيْلَ المُنَى بِمِنىً . . . ولم يخَفْ غيرَ حِلّ الْخَيفِ تعْنِيتَا وقام في عَرَفاتٍ عارفاً ودعَا . . . رَبّاً عَوارِفُه عَمَّتْه ترْبيتَا وعاد منها مُفِيضاً وهْو مُزْدَلِفٌ . . . يرْجُو من اللّهِ تمكِيناً وتثْبِيتَا وبات للجَمَراتِ الرُّقْشِ مُلْتقِطاً . . . كأنه لاقِطٌ دُرّاً ويَاقوتَا وحين أصْبَح يومَ النَّحرِ قام ضُحىً . . . يُوفِي مَناسِكَه رَمياً وتَسْبيتَا وقرَّبَ الهَدْيَ تَهْدِيه شرائعُه . . . إلى الهُدَى ذاكِراً للّه تسْمِيتَا وملأَّتْه الليالي الْخَيفَ بَهْجتَها . . . فَحجَّ للدِّين والدنيا مَواقِيتَا حتى إذا كان يومُ النَّفْرِ نَفّرَه . . . وجَدَّ ينكُث في الأحْشاء تَنْكيتَا ثم اغْتدَى قاضِياً من حَجِّه تَفَثاً . . . يرجُو لتزكيةِ الأعمالِ تَزكِيتَا وودَّع البيتَ يرْجو العَوْدَ ثانيةً . . . وليْته عنه طولَ الدهرِ ما لِيتَا وأمَّ طَيْبَة مَثْوى الطّيِّبين وقد . . . ثَنَى له الشوقُ نحْوَ المصطفى لِيتَا فواصَل السيرَ لا يلْوِي على سَكَنٍ . . . أزاد حُبّاً له أم زاد تمْقِيتَا حتى رأى القُبَّة الخضراءَ حاكِيةً . . . قصراً من الفَلَك العُلْوِيِّ مَنْحوتَا فقبَّل الأرضَ من أعْتابِ ساحتِها . . . وعفَّر الخدَّ تعْظِيماً وتشْمِيتَا حيث النبُوَّةُ ممدودٌ سُرادِقُها . . . والمجدُ أنْبَته الرحمنُ تنْبِيتَا مَقامُ قُدْسٍ يحارُ الواصِفون له . . . ويرجِعُ العقلُ عن عَلْياه مَبْهوتَا(4/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
لو فاخَرَتْه الطِّباقُ السَّبْعُ لانْتكسَتْ . . . وعاد كوكبُها الدُّرِّيُّ مَبْكوتَا تسْتوقفُ العَيْنَ والأبصارَ بَهْجتُه . . . وتجْمع الفضلَ مَشْهوداً ومنْعوتَا يقول زائرُه هاتِ الحديثَ لنا . . . عن زَوْرِه لا عَنِ الزَّوْراءِ أو هِيتَا وصِفْ لنا نُورَهُ لا نُور عادِيةٍ . . . باتتْ تُشَبُّ على أيْدِي مَصالِيتَا مَثْوَى أجَلِّ الورَى قَدْراً وأرْحَبِهم . . . صَدْراً وأرْفعِهم يومَ الثَّنَا صِيتَا نَبِيُّ صِدْقٍ هَدَتْ أنوارُ غُرَّتِه . . . بعد العَمَى للهُدَى مَن كان عِمِّيتَا وأصْبحت سُبُلُ الدِّين الحَنِيفِ به . . . عَوامِراً بعد أن كانتْ أمَارِيتَا أحْيَى به اللّهُ قوماً قام سَعْدُهمُ . . . كما أماتَ به قَوْماً طَواغِيتَا لَوْلاه ما خاطب الرحمنُ من بَشَرٍ . . . ولا أبان لهم دِيناً ولاَهُوتَا له يدٌ لا نُرَجِّي غيرَ نائِلِها . . . وقاصِدُ البحرِ لا يرْجُو الهَرامِيتَا فلو حَوَتْ ما حَوَتْه السُّحْبُ من كَرَمٍ . . . لَما سمِعْتَ بها للرَّعْدِ تَصْوِيتَا فقُل لِمَن صَدَّه عنه غَوايتُه . . . لو اهْتدَيْتَ إلى سُبْلِ الهدى جِيتَا ما رام حَصْرَ مَعالِيه أخُو لَسَنٍ . . . إلاّ وأصبح بادِي العِيِّ صِمِّيتَا يا أشْرفَ الرُّسْلِ والأمْلاكِ قاطِبةً . . . ومَن به شَرَّفَ اللّهُ النَّواسِيتَا سَمْعاً لدعوةِ نَاءٍ عنك مُكْتَئِبٍ . . . فكَمْ أغثْتَ كئيباً حين نُودِيتَا يرجوك في الدِّين والدنْيا لِمَقْصدِه . . . حاشا لِراجِيك مِن بأسٍ وحُوشِيتَا أضْحَى أسيراً بأرضِ الهنْدِ مُغْترِباً . . . لم يَرْجُ مَخْلَصَه إلاَّ إذا شِيتَا فنجِّنِي يا فَدتْك النفسُ مِن بَلَدٍ . . . أضْحتْ لِقاحُ العُلى فيها مَفالِيتَا وقد خدَمْتُك من شِعْرِي بقافيةٍ . . . نَبَّتُّ فيها بديعَ القَوْلِ تنْبِيتَا وزانَها الفِكرُ من سِحْرِ البيانِ بما . . . أعْيَى ببابِلَ هارُوتاً ومَارُوتَأ جلَّتْ بمَدْحِك عن مثلٍ يُقاسُ بها . . . ومَن يَقِيسُ بنَشْرِ المِسْكِ حِلْتِيتَا عليك من صَلَواتِ اللّه أشْرَفها . . . وآلِك الطُّهْرِ ما حُيُّوا وحُيِّيتَا وقوله ، من قصيدة أخرى ، أولها : يا دار مَيَّةَ باللِّوَى فالأجْرعِ . . . حَيَّاكِ مُنْهَمِلُ الْحَيَا من أدْمُعِي وسرَى نسيمُ الرَّوْضِ يسْحَب ذَيْلَه . . . بمَصِيفِ أُنْسٍ في حِماكِ ومَرْبَعِ لو لمْ تَبِيتِي من أَنِيسكِ بَلْقَعاً . . . ما بِتُّ أنْدُب كلَّ دارٍ بَلْقَعِ لم أنْسَ عَهْدَك والأحِبَّةُ جِيرَةٌ . . . والعَيْشُ صَفْوٌ في ثَراكِ المُمْرِعِ أيَّامَ لا أُصْغِي لِلَوْمةِ لئمٍ . . . سَمْعاً وإن تُغْرِ الصَّبابةُ أسْمَعِ حيثُ الرُّبَا تسْرِي برَيَّاها الصَّبا . . . والرَّوضُ زَاهِي النَّوْرِ عَذْبُ المَشْرَعِ(4/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
تحْنُو عليَّ عَواطِفاً أغْصانُها . . . عند المَبِيتِ به حُنُوَّ الُرْضِعِ والوُرْقُ في عَذَبِ الغُصونِ سَواجِعٌ . . . تشْدُو بمَرْأىً من سُعادَ ومَسْمَعِ كم بِتُّ فيه صَرِيعَ كأسِ مُدامةٍ . . . حِلْفَ البَطالةِ لا أُفِيقُ ولا أًعِي أصْبُو بقلبٍ لا يزال مُوَلَّعاً . . . في الحُبِّ بين مُعَمَّمٍ ومُقَنَّعِ مُسْتهْتَرٌ طَوْعُ الصَّبابةِ في هَوَى . . . قَمَرَيْ جمالٍ مُسْفِرٍ ومُبَرْقَعِ ما ساءني أن كنتُ أوَّلَ مُغْرَمٍ . . . بجمالِ رَبِّ رِداً ورَبَّةِ بُرْقُعِ يقْتادني زَهْوُ الشبابِ وعِفَّتِي . . . فيه عَفافُ الناسِكِ المُتورِّعِ للّهِ أيامِي بمُنْعَرَجِ اللِّوَى . . . حيثُ الهوَى طَوْعِي ومَن أهْوَى مَعِي لم أنْسَه والبَيْنُ ينْعَقُ بيْننا . . . مُتصاعِدَ الزَّفَراتِ وهْو مُودِّعِي إن شَبَّ في قلبي الغَضا بفِراقِه . . . فلقد ثَوَى بالْمُنْحَنَى من أضْلُعِي أتجَشَّم السُّلْوانَ عنه تكلُّفاً . . . والطبعُ يغلِبُ شِيمةَ المتَطبّعِ وقوله من أخرى ، أولها : بين العُذَيْبِ وبين بَرْقةِ ضاحِكِ . . . غَرَّاءُ تبْسَم عن شَنِيبٍ ضاحِكِ في حبِّا للعاشقين مَصارِعٌ . . . من هالِكٍ فيها ومن مُتهَالِكِ تسْطُو مَعاطِفُها وسُودُ لِحاظِها . . . بِمُثقَّفٍ لَدْنٍ وأبْيضَ فاتِكِ لا تستطِبْ يوماً مَوارِدَ حبِّها . . . ما هُنَّ للعُشَّاقِ غيرَ مَهالِكِ فتكَتْ بألْبابِ الرجالِ ولم تصِلْ . . . بسِوَى فواتِن للقلوب فَواتِكِ يُرْدِيك ناظِرُها ويُغْضِي فاعْجَبَنْ . . . من فاِسقٍ يحكي تعفُّفَ ناسِكِ هجَرتْ وما اتَّسعتْ مَسالِكُ هجرِها . . . إلاّ وضاقتْ في الغرامِ مَسالِكِي ولقد أبِيتُ على القَتَادِ مُسهَّداً . . . وتبِيتُ وَسْنَى في مِهادِ أرائِكِ لا تسْتعِرْ جَلَداً على هِجْرانِها . . . إن كنتَ في دعوَى الغرامِ مُشارِكِي واتْرُكْ حديثَ المُعْرضِين عن الهوَى . . . يا صاحبِي إن كنتَ لستَ بتاركِي وإذا دعاك لِبَيْعِ نفسِك سائمٌ . . . في حبِّها يوماً فبِعْه وبارِكِ إن التي فتنتْك ليلةَ أشْرقتْ . . . إشْراقَ شمسٍ في دُجُنَّةِ حالِكِ لا تصْطفِي خِلاً سوى كلِّ امْرِىءٍ . . . صَبٍ لأسْتارِ التنسُّكِ هاتِكِ فاخلَعْ ثيابَ النُّسْكِ فيها واسْترِحْ . . . من عَذْلِ لاَحٍ في الصَّبابةِ آفِكِ أو لا فدَعْ دعوى المَحبَّةِ واجتنِبْ . . . نَهْجَ الغرامِ فلستَ فيه بسالِكِ وإذا بدَا منها المُحَيَّا فاسْتعِذْ . . . من سافِرٍ لِدَمِ الأحبَّةِ سافِكِ(4/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
كم من مُحِبٍ قد قَضَى في حبِّها . . . وَجْداً عليه فكان أهْوَنَ هالِكِ ملكتْ نفوسَ أُلِي الغرامِ بأسْرِها . . . هلاَّ اتَّقيْتِ اللّهَ يا ابنةَ مَالِكِ حَسْبِي وُلوعاً في هواكِ ولَوْعةً . . . إن تطْلُبِي قَتْلِي ظَفِرْتِ بذلكِ وله من نونية نبوية ، أولها : تذكَّر بالحِمَى رَشَأً أغَنَّا . . . وهاج له الهوى طَرباً فغَنَّى وحَنَّ فؤادُه شوقاً لِنَجْدٍ . . . وأين الهندُ من نجدٍ وأنَّى وغنّتْ في فروعِ الأيْكِ وُرْقٌ . . . فجاوَبَه بزَفْرتِه وأنَّا وطارحَها الغرامَ فحين رَنَّتْ . . . له بتَنفُّسِ الصُّعَداءِ رَنَّا وأوْرَى لاعِجَ الأشواقِ منه . . . بَرِيقٌ بالأبَيْرِقِ لاح وَهْنَا مُعَنى كلما هبَّتْ شَمالٌ . . . تذكّر ذلك العيشَ المُهَنَّا إذا جَنَّ الظلامُ عليه أبْدَى . . . من الوَجْدِ المُبرِّحِ ما أجَنَّا سقَى وادِي الغَضا دمعِي إذا ما . . . تهلّل لا السَّحَابُ إذا ارْجَحَنَّا فكم لي في رُباه قَضِيبُ حُسْنٍ . . . تفرَّد بالمَلاحةِ إذْ تَثَنَّى كَلِفْتُ به وما كُلِّفْتُ فَرْضاً . . . فأوجَب طَرْفُه قَتْلِي وسَنَّا وأبْدَى حبَّه قلبي وأخْفَى . . . فصرَّح بالهوى شَوْقاً وكَنَّا تفنن حسنُه في كلِّ معنىً . . . فصار العشقُ لي بهَواه مَعْنَى بدا بَدْراً ولاح لنا هِلالاً . . . وأشْرَق كوكباً واهْتَزَّ غُصْنَا وثنَّى قَدَّه الحسَنَ ارْتياحاً . . . فهام القلبُ بالحسَنِ المُثَنَّى ولو أن الفؤادَ على هَواهُ . . . تمَنَّى كان غايةَ ما تَمَنَّى بكيْتُ دماً وحَنَّ إليه قلبِي . . . فخضّب من دمِي كَفاً وحَنَّا ألا يا صاحبَيَّ ترفّقا بي . . . فإن البَيْنَ أنْصَبنِي وعَنَّا ولم تُبْقِ النَّوَى لي غيرَ عَزْمٍ . . . إذا حَفّتْ به المِحَنُ اطْمَأنَّا وأُقْسِم ما الهوى غَرَضِي ولكنْ . . . أُعَلِّلُ بالهوى قلباً مُعَنَّى وأصْرِفُ بالتأنِّي صَرْفَ دهرِي . . . وأعلمُ أن سيظْفَرُ مَن تأنّى وأدْفَعُ فادحاتِ الخَطْبِ عنِّي . . . بتفْويضٍ إذا ما الخَطْبُ عَنَّا ولا واللّهِ لا أرْجُو لِيُسْرِي . . . وعُسْرِي غيرَ من أغْنَى وأقْنَى(4/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
أخوه محمد يحيى
غصن طيب النما ، أشبه بأخيه من الماء بالما . فهو الرمح وأخوه سنانه ، وكلاهما في حومة الأدب فارسٌ أطلق عنانه . وكان رحل إلى أبيه للهند ، فأقام في كنفه يتأدب بآدابه ، وكانت ملازمته من دابه . ولم يزل من كفايته في ظلٍ غير مقلص ، ومن حفايته في موردٍ غير منغص . حتى غرب نجمه في إبان استنارته ، وخسف بدره في بدء استدارته . فأضحى ناظر الأدب لفقده رمدا ، وقلب الأماني لحينه متفجعاً كمدا . وقد ظفرت من شعره بما هو أغر من الصدغ المرسل ، وأعذب من الرحيق السلسل . فدونك منه ما لا يجد خاطرك فيه تعسفا ، غير أني أراك تكثر على قلته تأسفا : تذكّرتُ أيامَ الحَجِيجِ فأسْبَلَتْ . . . جفوني دِماءً واستَجدّ بيَ الوَجْدُ وأيَّامَنا بالمَشْعَريْنِ التي مَضتْ . . . وبالخَيْفِ إذْ حادِي الركاب بنا يحْدُو وقوله أيضاً : ألا يا زماناً طال فيه تباعُدي . . . أما رحمةٌ تدْنُو بها وتجودُ لألْقَى الذي فارقتُ أُنْسِيَ مذ نأَى . . . فها أنا مسلوبُ الفؤادِ فرِيدُ وقوله : ألا لا سقَا اللّه البعادَ وَجوْرَهُ . . . فإن قليلاً منه عنك خطيرُ وواللّهِ لو كان التَّباعُدُ ساعةً . . . وأنت بعيدٌ إنه لكثيرُ وكتب إلى أخيه من قصيدة طويلة ، أولها : أقِلْ أيُّهذا القلبُ عمَّا تُحاولُهْ . . . فإنك مهما زِدْتَ زاد تَشاغُلُهْ دَعِ الدهرَ يفعلْ كيف شاء فقلَّما . . . يرُوم امْرُؤٌ شيئاً وليس يُواصِلُهْ وما الدهرُ إلاَّ قُلَّبٌ في أمورِه . . . فلا يغْترِرْ في الحالتيْن مُعامِلُهْ ويا طالَما طاب الزمانُ لِواجِدٍ . . . فسَرَّ وقد ساءتْ لَدَيْه أوائلُهْ سقَى ورعَى اللّهُ الحجازَ وأهلَه . . . مُلِثّاً تعُمُّ الأرضَ سَقْياً هَواطِلُهْ(4/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
فإن به داري ودارِي عَزِيزةٌ . . . عليَّ ومهما أشْغَل القلبَ شاغِلُهْ ولكنَّ لي شوقاً إلى خُلَّتي التي . . . متى ذُكِرتْ للقلبِ هاجتْ بَلابِلُهْ أبِيتُ ولي منها حَنِينٌ كأنني . . . طَرِيحُ طِعانٍ قد أُصِيبَتْ مَقاتلُهْ هَوىً لكِ ما ألْقاه يا عَذْبةَ اللَّمَى . . . وإلاّ فصَعْبٌ ما أتى اليوم حامِلُهْ أُكابِدُ فيك الشوقَ والشوقُ قاتِلي . . . وأسألُ عمَّن لم يُجِبْ مَن يسائِلُهْ تَقِي اللّهَ في قَتْلِ امْرِىءٍ طال سُقْمُه . . . وإلاّ فإن الهجرَ لاشكَّ قاتلُهْ صِلِيه فقد طال الصُّطودُ فقلّما . . . يعيش امْرُؤٌ والصدُّ ممَّا يقاتلُهْ حَزِينٌ لِمَا يْلقاه فيك من الجَوى . . . فها هو مُضْنىً مُدْنَفُ الجسمِ ناحِلُهْ بلَى إن يكنْ لي من عليٍ وعَزْمِه . . . مُعِينٌ فإنِّي كلَّ ما شئتُ نائِلُهْ فراجعه بقوله : إليك فقلبي لا تقَرُّ بَلابِلُهْ . . . إذا ما شدَتْ فوق الغصونِ بلاَبلُهْ تُهيِّجُ لي ذِكْرَى حبيبٍ مُفارِقٍ . . . زَرُودُ وحُزْوَي والعقيقُ مَنازلُهْ سَقاهُنَّ صَوْبُ الدمعِ منِّي ووَبْلُهُ . . . منازلَ لا صَوْبُ الغمامِ ووابِلُهْ يحُلُّ بها من لا أُصَرِّحُ باسْمِه . . . غزالٌ على بُعْدِ المَزارِ أُغازِلُهْ تقسَّمه للحُسْنِ عَبْلٌ ودِقَّةٌ . . . فَرَنَّ وِشاحاه وصُمَّتْ خَلاخِلُهْ وما أنا بالنَّاسِي لياليَ بالحِمَى . . . تقضَّتْ ووِرْدُ العَيْشِ صَفْوٌ مَناهِلُهْ لياليَ لا ظَبْيُ الصَّرِيمِ مُصارِمٌ . . . ولا ضاق ذَرْعاً بالصدودِ مُواصِلُهْ وكم عاذلٍ قلبي وقد لَجَّ في الهوى . . . وما عادلٌ في شِرْعةِ الحبِّ عاذِلُهْ يلومون جَهْلاً بالغرامِ وإنما . . . له وعليه بِرُّه وغَوائِلُهْ فاللهِ قلبٌ قد تمادَى صَبابةً . . . على اللَّوْمِ لا تنْفكُّ تغْلِي مَراجلُهْ وبالحِلّةِ الفيْحاءِ من أبْرُقِ الحِمَى . . . رَداحٌ حَماها من قَنا الخَطِّ ذابِلُهْ تمِيسُ كما ماس الرُّدَيْنِيُّ مائداً . . . وتهْتزُّ عُجْباً مثلَما اهْتزَّ عاملُهْ مُهَفْهَفةُ الكَشْحَيْنِ طاويةُ الحَشَا . . . فما مائدُ الغُصْنِ الرَّيِبِ ومائلُهْ تعلّقْتُها عَصْرَ الشَّبِيبةِ والصِّبا . . . وما علِقتْ بي من زمانِي حَبائلُهْ حذِرْتُ عليها آجِلَ البُعْدِ والنَّوَى . . . فعاجَلنِي من فادِحِ البَيْنِ عاجلُهْ إلى اللّهِ يا أسْماءُ نفساً تقطَّعتْ . . . عليكِ غراماً لا أزال أُزاوِلُهْ وخطبٍ بِعَادٍ كلَّما قلتُ هذه . . . أواخِرُه كرَّتْ عليَّ أوائلُهْ(4/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
لئن جار دهرٌ بالتفرُّقِ واعْتدَى . . . وغال التَّدانِي من دَهَا البَيْنِ غائلُهْ فإنِّي لأرجُو نَيْلَ ما قد أمَلْتُه . . . كما نال من يحيى الرَّغائبَ آمِلُهْ وخاطب أخاه أيضاً بقوله : وما شوقُ مَقْصوصِ الجناحيْن مُقْعَدٍ . . . على الضَّيْمِ لم يقدِرْ على الطيرانِ بأكْثرَ من شوقِي إليك وإنما . . . رَماني بهذا البُعْدِ عنك زَمانِي
جمال الدين محمد بن أحمد الشاهد
شاعر بيض وجه الصحائف بسواد نقسه ، وكاتب أقام على فضله شاهداً كألف شاهدٍ من نفسه . فإذا أخذ القلم بيمينه ، جاء من معدن الدر بثمينه . وكان في رونق حداثته ، وملاحة نفاثته . حيث برد شبابه قشيب ، ومسك ذوائبه لم يدر فيه كافور مشيب . حليف كأسٍ وأليف دن ، وله التصابي شغلٌ والخلاعة ديدن . لا ينتقل من خمارٍ إلا إلى خمار ، ولا يقلع عن هوى ذي عمامة إلا إلى هوى ذات خمار . حتى بدت الشعرات البيض ، وأخذت تفرخ في العارض وتبيض . ولم يبق في إناء العمر إلا صبابة ، يتدارك بها ما فات أيام لهو وصبابة . فأصبح شيخ سجادة ومحراب ، بعد أن كان فتى دسكرةٍ وشراب . ومقتفى إنابة ودعا ، بعد أن كان متروك إناءٍ للراح ووعا . قال السيد علي بن معصوم في سلافته : وبلغني أن الراح أورثت يده رعشة ؛ لتعاطيه لها ، فقلت : لا تحسَبوا الرَّاح أورثتْ يدَه . . . من سُوئِها رَعْشةً لها اضْطَرابَا لكنه لا يزال يَلْمَسُها . . . فالكَفُّ تهْتزُّ دائماً طَرَبَا ومما يقارب هذا قول الشهاب : أقولُ لِمُدْمِن الرَّاح الذي ارْتعشَتْ . . . كَفّاه إذْ راح من ثَوْبِ التُّقَى عارِي كأن كفّك مَقْرورٌ برَعْشتِه . . . وليس يصْلَى بغير الكأسِ من نارِ وأنا أقول : الأنسب أن ينشد بعد توبته ما اختلسته من قول البعض : لَعَمْرُكَ ما اهْتزَّتْ له الكفُّ رَعْشةً . . . ولكنْ أرداتْ أن ينامَ خُمارُهُ على أنَّ فيها الكأسَ يرقُص فَرْحةً . . . بذِكْرَى زمانٍ طاب فيها قَرارُهُ وقد ذكرت من شعره ما يشوق ويروق ، وتحسده شمس الكأس وشمس الأفق في غروب وشروق . فمن ذلك ما راجع به السيد أحمد بن مسعود ، وقد كتب إليه : وشادِنٍ وافَى وكان خُلْسةً . . . من بَعْدِ ما أرَّقني بمَطْلِهِ(4/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
لمَّا بدا مُحْتجِباً بمِرْطِه . . . كيْما يَنِمَّ ضَوْءُه لأهلِهِ قلتُ له البدرُ إذا الغَيْمُ غَشَى . . . أنْوارَه ترجُو الورَى لِوَبْلِهِ فقال لي مُسْتضحِكاً يهْزأُ بي . . . ما أحسنَ الشّاهِدَ في مَحَلِّهِ يا جمال العلم والأدب ، والناس إليهما من كل حدب . أشرف على هذه الأبيات ، وحل عاطلها بفوائد الصفات . وإن استدعيتنا إلى محلك ولا زال آهل ، وكواكب أفقه بوجودك زاهرة ونجم أعدائك آفل . قلنا : ما أحسن الشاهد في محله ، ولا بدع أن يرجع الفرع لأصله . والسلام . فأجابه بقوله : للّهِ ما أبْدَتْ وماذا أبْدَعتْ . . . من دُرِّ عِقْدٍ قد زَها مِن أهْلِهِ بَدِيهةٌ لواحدِ العصرِ ومَن . . . حاز المَعالي نَاشِياً كأصْلِهِ نَظْمُ لآلٍ من مَلِيكٍ ماجِدٍ . . . فاق الأُلَى هيْهات دَرْكُ مِثْلِهِ شرَّفني بقطعةٍ من نَظْمِه . . . أحْلَى من الحِبِّ وَفَى بوَصْلِهِ أشار فيها أن يزُور منزلاً . . . ما فيه إلاّ ما نَما من فضلِهِ ما هُوَ إلاّ روضةٌ أمْطرَها . . . ما سَحَّ من هامِي مَطِيرِ وَبْلِهِ فإن يزُرْ شاهدَ معناه يقُلْ . . . ما أحْسَن الشاهدَ في مَحَلِّهِ ثم أعقب تالأبيات بنثرٍ ، قال فيه : ناظم درها ، وناسج حبرها . وصلته الأبيات الشريفة ، من الحضرة العالية المنيفة . فحير عقله ما حبر منشيها ، وأدهش لبه ما دبج موشيها . فوالله لولا أن يقال غاليت ، لكتبت تحت كل بيت : ' فليعبدوا رب هذا البيت ' . كيف لا ومفترع بكرها مفترع الأبكار البديعة النظام ، الفائقة بتقديمها على من تقدمها من شعراء الجاهلية والإسلام . ليث بني هاشم الضراغم ، واسطة عقد الأكارم ألي المكارم . وحين سرحت طرف الطرف في ميدان رياضها ، ونشقت عنبر عبيرها من نشر غياضها . واكتحل ناظري بنير مدادها المرقوم ، ورشف سمعي من رحيق معناها المختوم . أنشدت ، ولا بدع فيما أوردت : فللهِ ما أدْرِي أزَهْرُ خَميلةٍ . . . بطِرْسِك أم دُرٌّ يلُوح على نَحْرِ فإن كان زَهْراً فهْو صُنْعُ سَحابةٍ . . . وإن كان دُرّاً فهْو من لُجَّةِ البحرِ وما لوح به سيدنا من زيارة العبد في الدار ، التي هي وما فيها من بعض فضله المدرار . فلسان الحال ، ينشد هذا المقال : قالوا يزورُك أحمدٌ وتزورُه . . . قلتُ الفضائلُ لا تُفارِقُ مَنْزِلَهْ إن زارني فبفضْلِه أو زُرْتُه . . . فلفضلِه والفضلُ في الحاليْن لَهْ(4/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
أبو الفضل بن محمد العقاد
ماذا أقول فيمن هو والفضل ابنٌ وأب ، وقد تبلغ بالصنعة حتى فاق من درج ودب . لقبه عقاد وهو لمشكلات القريض حلال ، فإذا تفوه أو كتب سحر لكن بسحرٍ حلال . دخل المغرب في عهد الملك المنصور ، فنال حظوة يعترف لسان اليراعة عن حصر بواعثها بالقصور . فهو ممن غرب وأغرب ، وأدب فهذب . وقابل تلك العصابة ، بخاطرٍ قدح زند الإصابة ، ورمى غرض الأماني فأصابه . فكتب اسمه في حسنات الأيام ، كما كتب شعره في حسنات الأنام . فمن شعره الذي ناظر به نسيم الزهر في السحر ، وباهى قضاء الوطر على الخطر . قوله من موشحٍ مدح به السلطان المذكور : ليت شِعْرِي هل أُروِّي ذا الظَّمَا . . . من لَمَى ذاك الثُّغَيْرِ الألْعَسِ وترى عيْنايَ رَبَّاتِ الحِمَى . . . باهياتٍ بقُدودٍ مُيَّسِ فقد طال بِعادِي والهوى . . . ملَك القلب غراماً وأسَرْ هَدَّ من رُكْنِ اصْطِباري والقُوَى . . . مُبْدِلاً أجفانَ عيني بالسَّهَرْ حين عَزَّ الوصل من وادِي طُوَى . . . هَملتْ أدمعُ عينِي كالمطَرْ فعساكم أن تجودُوا كَرَماً . . . بِلقاكم في سَودِ الحِندِسِ علّه يشفى كَلِيماً مُغْرَماً . . . من جِراحاتِ العيونِ النُّعَّسِ كلَّما جَنَّ ظلامُ الغَسَقِ . . . هَزَّني الشوقُ إليكم شَغَفَا واعتراني مِن جَفاكم قَلَقِي . . . وتذكَّرْتُ جِياداً والصَّفَا وتَناهتْ لَوْعتي من حُرَقِي . . . كم أُعَزِّي الوجدَ بي والتَّلَفَا فانْعِمُوا لي ثم جُودُوا لي بما . . . يُطْفِىءُ اليومَ لَهِيبَ الْقَبَسِ إنني أرْضَى رِضاكم مَغْنَماً . . . لِبقا نَفْسِي ومَحْيَي نَفَسِي كنتُ قبلَ اليوم في زَهْوٍ وتِيهِ . . . مَعْ أُحَيْبَابي بسَلْعٍ ألْعَبُ ومعي ظَبْيٌ بإحْدَى وجْنَتيْه . . . مَشرِقُ الشمسِ وأخْرى مَغْرِبُ فرَماني بسهامٍ من يديْهِ . . . قابِسُ البَيْنِ فقلبي مُتْعَبُ لستُ أرجُو لِلِقاهم سُلّماً . . . غير مَدْحِي للإمام الأرْأَسِ(4/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
أحمدُ المحمودُ حَقّاً مَن سَمَا . . . الشريفُ بن الشريفِ الأكْيَسِ قلت : وقد حكى المقري ، في نفح الطيب أنه ممن اجتمع بالحضرة المنصورية ، أبو الفضل العقاد المكي المذكور ، والشريف المدني ، وهو رجل وافدٌ من أهل المدينة انتمى إلى الشرف ، والشيخ إمام الدين الخليلي ، الوافد على حضرته من بيت المقدس . فقال إمام الدين هذا للمنصور : يا أمير المؤمنين ، إن المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ، شد أهلها إليك الرحال .
أحمد بن محمد الأسدي
الشبل بن الليث ، والوبل ابن الغيث ، والتيار ابن البحر ، والصباح ابن الفجر . اشتمل بالمجد الصراح ، ولطفت ذاته لطف الراح . ولما رأى أن المخالطة ، لا تثمر إلا محض المغالطة . انعكف في زاوية العزلة ، وتفرد في حجرةٍ والعز له . وقد ذكرت من شعره ما تعوذه بالسبع ، وتعلم منه رقة الطبع . فمنه قوله : دَعِ المُدامَةَ يعلُو فوقها الحَبَبُ . . . رُضابُه وثَناياه لنا أرَبُ نَزِّه فؤادَك من رَاحِ الكئُوسِ وخُذْ . . . راحاً من الثَّغْر عنها يعجِز العِنَبُ شَتَّان بين حلالٍ طيِّبٍ وحَرا . . . مٍ حامضٍ يزْدرِيه العقلُ والأدبُ إذا تَغَزَّلت في خمرٍ وفي قَدَحٍ . . . فما مُرادِيَ إلا الثَّغْرُ والشَّنَبُ لِلّهِ دَرُّ مُدامٍ بِتُّ أَرْشُفُهَا . . . مِنْ فِي غَزَالٍ إلى الأتْرَاكِ ينْتَسِبُ مُهَذَّبُ اللَّحْظِ زَنْجِيُّ السَّوالفِ لم . . . تَحْوِ الذي قد حَوَاه العُجْمُ والعَربُ منها : قالت مَبَاسِمُهُ للبرقِ حينَ سَرَى . . . لقد حكيْتَ ولكن فاتَكَ الشَّنَبُ وبِتُّ أَشْدُو على الغُصْنِ الرَّطِيب كذا . . . بيْني وبينك يا وُرْقَ الحِمَى نَسَبُ يقولُ لمَّا رأى دمعِي جَرَى ذَهَباً . . . يا مَطْلَباً ليسَ لي في غيرِهِ أرَبُ(4/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
تَبَّتْ يَدَا عاذِلِي عمَّنْ أُعَوِّذُهُ . . . بالناسِ من نافث أو غاسقٍ يَقِبُ إنَّ الْمُحَرَّم سُلْوَاني لِطَلْعَتِهِ . . . فقُل لشَعْبَانَ عنِّي إنني رجبُ كيف السُّلُوُّ وعيْني كلّما نظَرتْ . . . لَوامِعَ البرقِ قالتْ زالتِ الحُجُبُ قوله : إن المحرم . . إلى آخر البيت ، زاد فيه المحرم على قول القائل : وشادنٍ مُبْتسِمٍ عن حَبَبْ . . . مُوَرَّدِ الخدِّ مَلِيحِ الشَّنَبْ يلُومُني العاذِل في حُبِّه . . . وما درَى شعبانُ أنِّي رجبْ والمراد من شبعان : العاذل ؛ ومن رجب : الأصم ؛ لأن العرب كانت تسمي المحرم : المؤتمر ؛ وصفر : ناجرا ؛ وربيع الأول خوانا ؛ وربيع الآخر : بصانا ؛ وجمادى الأولى : الحنين ، وجمادى الآخرة : الرنة ؛ ورجب : الأصم ؛ وشعبان : العاذل ؛ ورمضان : الناتق ؛ وشوال : وعلا ؛ وذا القعدة : هواعا ؛ وذا الحجة : بركا . وعلى ذكر أسماء الشهور ، فلنذكر أسماء الأيام . وقد نظمها بعضهم ، فقال : أُؤمِّل أن أعِيش وأن يَوْمِي . . . بأوَّلَ أو بأهْوَنَ أو جُبَارِ أو التَّالِي دُبار فإنَّ فيها . . . فمُؤُنِس أو عَرُوبة أو شِيَارِ ومن شعره قوله معارضاً قصيدة ابن المعتز التي أولها : سقَى المَطيرة ذات الظِّلِّ والشَّجَرِ ومستلهها قوله : ما ماسَ بَانُ الحِمَى مِن نَسْمةِ السَّحَرِ . . . إلاّ وقد أسْمَعْته طَيِّبَ الخَبَرِ باللّهِ يا نَسْمةَ الأسْحارِ هل خَبَرٌ . . . فإنني بالنَّبَا أَوْلَى من الشجرِ ليلِي بما طال لا آوِي إلى سَكَنٍ . . . هذِي نجومُ السما تُنْبِيكِ عن سَهَرِي أباتُ أرْعَى السُّها في الليلِ مُكتئِباً . . . وأدْمُعِي في الثرى ترْبُو على المطرِ أفْدِي الذين أذاقوني مَودَّتهم . . . حتى إذا ما رأَوْني هائمَ الفِكَرِ ساروا بقَلْبِي وخَلَّونِي حَلِيفَ هوىً . . . حَيْرانَ لا أهْتدِي وِرْداً من الصَّدَرِ واللّهِ إنّ لهم في القلبِ مَنْزلةً . . . ما حَلّها قبْلَهم شخصٌ من البشَرِ باللّهِ يافَوْجُ صِفْنِي مُنْعِماً لهمُ . . . واذْكُرْ لهم طِبْقَ ما شاهدتَ من خَبَرِ وقُل لهم قد غَدا في حُبِّكم شَبَحاً . . . يكاد يخفَى على الرَّائيِنَ بالبصرِ لعلَّهم أن يرِقُّوا لي ويفْتكرُوا . . . تلك الذِّمامَ التي في سالفِ العُمُرِ ويرْحَمُوا مُدْنَفاً صَبّاً بهم كَلِفاً . . . أسيرَ حُبٍ لهم في عالَمِ الصِّغَرِ فاللّهُ يُولِيهمُ عِزّاً ويحرُسهم . . . مدَى الزمانِ من الأسْواءِ والغِيَرِ وله ملغزاً في اسم علي :(4/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
أمَاتَ اصْطِبارِي حين أحيْى تولُّهِي . . . رَشاً في رياضِ الحُسْنِ بالتِّيهِ يمْرَحُ ثلاثةُ أرْباعٍ لوَصْفِي هو اسمُه . . . فيا ليته بالوصلِ لو كان يسمَحُ وله في يوم شديد الحر : ويومِ حَرٍ دَهانَا . . . ما فيه طِيبُ هَواءِ قالوا نهارٌ قَوِيٌّ . . . فقتلُ من غيرِ هاءِ وله : خَطُّ العِذارِ نَهانِي . . . عن عِشْقِه حين دَبَّا واللَّحْظُ بالعشقِ يُغْرِي . . . والسيفُ أصْدَقُ أنْبَا وله مضمنا : يا قلبُ غرَّك محبوبٌ كلِفْتَ به . . . حتى طمِعتَ بوصلٍ دونَه الخَطَرُ وإن غُرِرتَ بمن تَهْوَى فلا عَجَبٌ . . . ما أنت أولُ سارٍ غَرَّهُ قَمَرُ
إبراهيم بن يوسف المهتار
فرد الزمان في فنه ، أطاعه الأدب إطاعة قنه . فحلق إلى الأوج بعد الحضيض ، وحدق عن سر البلاغة جفنه الغضيض . إن ذكرت الرقة فهو سوق رقيقها ، أو الفصاحة فهو الذي نشأ في سفح عقيقها . فلو سمع طرفة شعره الرقيق ، صار له كأبيه العبد الرقيق . إلا أن الأيام تلاعبت به تلاعب العابث ، واستطالت عليه استطالة العائث . فحمل من عقوقها ما ليس ينكر ، وأقل من عثراتها ما ليس يذكر . وهو أديبٌ كما وصفته ، وشاعرٌ عرفت قدره فأنصفته . فمن مختاره الذي أطلعه مورقاً جنيا ، وألمع به لأهل الأدب مشرقاً سنيا . قوله : أرِحْ فؤادِي من العذابِ . . . بالرَّاح والخُرَّدِ العِذابِ وعاطِنِيها عروسَ دَنٍ . . . كالنارِ والعَسْجَدِ المُذابِ(4/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
مِن كَفِّ لَمْياءَ إن تَبدَّتْ . . . تَوارتِ الشمسُ بالحِجابِ دَعْجاءُ بَلْجاءُ ذاتُ حُسْن . . . لكلِّ أهلِ العقولِ سَابِي على رياض مُدَبَّجاتٍ . . . حاكت سُداها يدُ السَّحابِ بها القَمارِي مُغرِّداتٍ . . . على الأفانِين والرَّوابِي فبادِرِ الأُنْسَ يا نَدِيمِي . . . وقُمْ إلى اللهوِ والتَّصابِي أعْطِ زمانَ الشبابِ حَظّاً . . . فَلذّةُ العيشِ في الشّبَابِ واجْسُرْ ولا تيْأسَنَّ يوماً . . . من رحمةِ اللّهِ في الحسابِظ وقوله في صدر قصيدة : قِفْ بالمعاهدِ من مَيْثاءَ مَلْحوبِ . . . شَرقِيِّ كاظِمةٍ فالْجِزْعِ فاللُّوبِ واسْتلْمِحِ البرقَ إذْ تبْدُو لَوامِعُه . . . على النَّقا هل سقَى حَيَّ الأعاريبِ يا حبَّذا إذْ بدا يفْتَرُّ مُبْتسِماً . . . أعْلَى الثَّنِيَّةِ من شُمِّ الشّناخِيبِ والجَوُّ مُضْطرِمُ الأرْجاءِ تحسَبُه . . . بُرْداً أُصِيبَ حواشِيه بأُلْهوبِ يا بارِقاً لاح وَهْناً من دِيارِهمُ . . . كأنه حين يهْفُو قلبُ مَرعوبِ أذْكَرتنِي مَعهداً كُنَّا بِجِيرتِه . . . نسْتقصِرُ الدهرَ من حُسْنٍ ومن طِيبِ لم أنْسَ بالتَّلَعات الجُونِ مَوقِفنا . . . والحَيُّ ما بين تقْويضٍ وتطْنِيبِ وقد بَدا لِعيونِ الصَّحْبِ سِرْبُ ظِباً . . . حَفّتْ بظَبْيٍ ببيضِ الهند مَحْجوبِ لم تبدُ تلك الدُّمَى إلا لسَفْكِ دمِي . . . ولا العِذابُ اللَّمَى إلا لتعْذيبِي ومن خمرياته : قُمْ إلى بِنْتِ الكُرومِ . . . واسْقِنِيها يا ندِيمي ما ترى الليلَ تولّى . . . وانْطفَا ضوءُ النجومِ وأضاء الصبحُ ما بي . . . ن تصارِيفِ الغُيومِ وبَدا الطَّلُّ على الأغْ . . . صانِ كالعِقْدِ النَّظِيمِ وشَدَتْ قُمْرِيَّةُ الأيْ . . . كِ على الغُصْنِ القَوِيمِ وسَرتْ رِيحُ الخُزَا . . . مى من رُبَى ظَبْيِ الصَّرِيمِ فأدِرْها خمرةً تُنْ . . . بي عن العصرِ القديمِ(4/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
واسْقِنيها لتُزيلَ ال . . . يومَ عن قلبي هُمومي هاتِها لي قهوةً من . . . عهدِ لُقْمانَ الحكيمِ وامْلأِ الكاساتِ إنِّي . . . في الصِّبا غيرُ مَلومِ أيها النفسُ تَصابَىْ . . . ثم في العِصْيانِ هِيمي وعن الذُّلِّ تَوَلَّىْ . . . وعلى العِزِّ أقِيمي واكْثرِي الذنب فرَبِّي . . . غافرُ الذنبِ العظيمِ وله من قصيدة : أذْكى بقلي لاعِجَ الأشْجانِ . . . بَرْقٌ أضاء على رُبَا نَعْمانِ أجرى مَدامعَ مُقْلَتِي أوْرَى زِنَا . . . دَ صَبابتِي أشْجَى فؤادِي الْعانِي ما شاقَنِي إلاّ لأنَّ وَمِيضَه . . . برُبَا الهوَى ومَعاهدِ الخِلاّنِ يا بَرْقُ جُدْ بالدَّمْعِ في أطْلالِهم . . . عني فسَحُّ الدمعِ قد أعْيانِي لم أسألِ الأجفانَ سَقْيَ عُهودِهمْ . . . إلاّ وجادت لي بأحمرَ قانِ وَاهاً لأيامِ العُذَيْبِ إذِ اللِّوَى . . . وطني وسكانُ الحِمَى جِيرانِي إذْ كنتُ طَوْعاً للهوى واللهو في . . . ظُلَلِ الشَّبيبةِ ساحبَ الأرْدانِ تُشْجِينيَ الوَرْقاءُ إن صاحت على . . . تلك الغصونِ بنَغْمةِ الألحانِ ويشُوقُني بانُ النَّقا وحُلولُ وا . . . دِيهِ وحسنُ الدارِ بالسُّكانِ وله ، موجهاً بأسماء الأنغام : سلامُ اللّهِ من صَبٍ مَشُوقِ . . . جَريحِ القلبِ باكي المُقْلتيْنِ على مَن حَلَّ من قلبي السُويْدَا . . . لِعزَّتِه وحلَّ سوادَ عَيْنِي نأَى بالصبرِ لَمَّا بان عنِّي . . . وخلّفني سَهيرَ الفَرْقَدَيْنِ فليت الرَّكْبَ قد وقفُوا قليلاً . . . على العُشَّاقِ يوم نَوَى الحَسيْني ومن غزلياته قوله : جفَت حِلالُ المَنامِ مُقْلتيَّهْ . . . مُذ حَلَّ حبُّ الجمالِ مُهْجَتيَّهْ وأحْرَق القلبَ حَرُّ نَارِ جَوىً . . . وخَدَّد الخدَّ حَرُّ دَمْعَتيَّهْ فما تغنَّى الحمامُ في غُصُنٍ . . . إلاّ وسال الدِّما بوجْنَتيَّهْ ولا تذكَّرْتُ جِيرةً نزلُوا . . . بالشِّعْبِ إلاّ نسِيتُ صِحَّتيَّهْ يا جِيرة الشِّعْبِ هل لِبُعْدِكمُ . . . حَدٌّ يُرَى أم يُطيلُ مُدَّتيَّهْ نأيْتمُ والحشَا به حُرَقٌ . . . فقطَّر الدمعَ فَرْطُ حُرْقَتيَّهْ(4/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
فما نسِيتُ العهود بعدكمُ . . . ولا تحوَّلْتُ عن مَحبَّتيَّهْ ولستُ أسْلوكمُ وحقِّكمُ . . . هيْهاتَ زال الهوى بسَلْوَتيَّهْ أنا الذي صِرتُ فيكمُ مَثيلاً . . . لاقَيْتُهُ بالغَرام مُدَّعِيَّهْ ورُبَّ ليلٍ طرقْتُ حَيَّكمْ . . . أزورُ في الحيِّ رَبْعَ مُنْيِتيَّهْ مَن يسحرُ الطّرْفَ حُسْنُ بَهجتِها . . . إذا بدت بالجمالِ مُرتدِيَّهْ خُرْعُوبةٌ بالمَهَا لها شَبَهٌ . . . رُعبوبةٌ بالظِّباءِ مُزْدرِيّهْ مَعشوقَةُ القَدِّ غادةٌ وأرَى . . . ألحاظَها في النفوس مُعْتدِيَّهْ أتيْتُها والعيونُ راقدةٌ . . . وأنْصُلُ القومِ غيرُ مُنْتضِيَّهْ لمَّا رأتْنِي رَبَّ الجَوَى عَلمت . . . غَدَتْ لَثْنِي الوِسادِ مُتَّكِيَّهْ قالتْ أما خِفْتَ قومَنا فلقد . . . خاطَرْتَ لمَّا قصدْتَ زَوْرَتِيَّهْ فقلت إنَّ المُحِبَّ مُهْجتُه . . . للحَيْنِ في الحبِّ غيرُ مُتَّقِيَّهْ فبِتُّ في ليلتي أُسامِرُها . . . وبُسْتُ فَاها النَّقِيَّ عَشْرَمِيَّهْ حتى بَدَا صُبْحُها فَفرَّقنا . . . لا كان صبحٌ بدَأ بفُرْقَتِيَّهْ ومن مقطوعاته قوله : طِفْلٌ من العُرْبِ أحْوَى . . . خِدْنُ الصِّبا والبَطالَهْ بَدا بوَجْهٍ كبدرٍ . . . في جِيدِه الطَّوْقُ هَالَهْ وقوله مقتبساً في مليحٍ فقير الحال : تَصُدُّ وكم تَصدَّى منك كَفٌّ . . . لِمَن لم يدْرِ قَدَّكَ يا مُفَدَّى وصَدُّك عن أُلِي أدبٍ وأمَّا . . . مَن اسْتغْنَى فأنْتَ له تَصَدَّى وقوله : ألا لا تغْضبَنَّ لمَن تَعالَى . . . ولا تُبْدِ الودادَ لِمَن جفاكَا ولا تَر للرِّجالِ عليك حَقّاً . . . إذا هم لم يَرَوْا لك مثلَ ذَاكَا وقوله : كم ذا أُغَمِّضُ عيْني ثُمَّ أفتحُها . . . والدهرُ ما زال والدنْيا بحَالتِهَا فليت شِعْرِيَ ما معنَى مَقالتِهمْ . . . ما بيْن غَمْضةِ عَيْنٍ وانْتباهَتِهَا وقوله : وظَبْيٍ رَمانِي عن قِسِيِّ حَواجِبٍ . . . بأسْهُمِ لَحْظٍ جَرْحُها في الهوى غُنْمُ(4/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
على نَفْسِه فلْيَبْكِ مَن ضاع عُمْرُه . . . وليس له منها نصيبٌ ولا سَهْمُ قد أكثر الشعراء تضمين هذا المصراع في هذا المعرض ، والذي أخذ بنصيبه وسهمه القيراطي ، حيث ضمنه في رياض دمشق ، ومنها محلان ، يقال لهما النصيب والسهم : دمشقُ بِوديها رِياضٌ نَواضِرٌ . . . بها ينْجلِي عن قلبِ ناظرِها الْهَمُّ على نفسِه فلْيَبْكِ مَن ضَاع عُمْرُهُ . . . وليس له منْها نصِيبٌ ولا سَهْمُ وله : أسألُ الرحمنَ ذا الفضْ . . . لِ إلهَ العَرْشِ رَبِّي حُسْنَ نَظْمِ الأرَّجانِي . . . ثم حَظَّ المُتنبِّي ومما رأيته بخطه ، وقد نسبه إلى نفسه ، قوله في تشبيه الحجر الأسود : الحجرُ الأسودُ شبَّهْتُه . . . خَالاً بخَدِّ البيتِ زَاهٍ سَناهْ أو أنه بعضُ مَوالِي بني ال . . . عباسِ بَوَّابٌ لِبَابِ الإلهْ وله في قناديل المطاف : تراءتْ قناديلُ المَطافِ لِناظِرِي . . . على البُعْدِ والظَّلْماءُ ذاتُ تَناهِي كدائرةٍ من خالِصِ التِّبْرِ وَسْطها . . . فَتِيتةُ مِسْكٍ وهْي بيتُ إلهِي وله في المنائر في ليالي رمضان : كأن المَنائِرَ إذْ أُسْرِجَتْ . . . قَنادِيلُها في دَياجِي الظَّلامْ عَرائِسُ قامتْ عليها الحُلَى . . . لتنْظُرَ بيتَ إلهِ الأنامْ
إبراهيم بن محمد بن مشعل العبدلي السالمي
أرق لطفاء الحجاز ، وأوحد ذوي الإعجاز بالتطويل والإيجاز . له طبع نقيٌّ متقد ، وشعر يختاره كل منتقٍ منتقد . تناهبت محاسنه الشوادي والحوادي ، فحثت بها المدامة في الحانات والمطايا في البوادي . وقد أوردت له ما يستخف من الطرب القدود ، ويغني عن الوردين ورد الرياض وورد الخدود . فمن ذلك قوله : لا أرَّق اللّهُ مَن بالسُّقْمِ أرَّقنِي . . . ولا شَفَى سُقْمَ لَحْظٍ منه أسْقَمنِي(4/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
ولا طَفى جَمْرَ خَدٍ منه مُلْتهِباً . . . وإن يكنَ بالجفا والصدِّ أحْرقنِي وزاد في ضِيق خَصْرٍ منه ضِقْتُ به . . . ذَرْعاً وأنْحَلَه إذ كان أنْحلنِي ولا عَدَا لُعْسَ هاتِيكَ الشِّفاهِ لَمىً . . . وإن حَمى رَشْفها عنِّي وأعْطَشَنِي ولا اخْتفتْ من ثَناياه بَوَارِقُها . . . وإن بكيْتُ لها بالعارضِ الهَتِن وشَدَّ أقْواسَ تلك الحاجِبيْن وإن . . . غدت بنَبْلِ العيونِ النُّجْلِ ترشُقنِي ولم تزلْ شمسُ ذاك الحسنِ مُشْرِقةً . . . في وجهِه لو بدمعِ العينِ شَرَّقنِي ودام أهْيَفُ ذاك القَدِّ في مَيَدٍ . . . ولو أطار الحشا إذ صار كالغُصُنِ وضاعَف اللّهُ ذاك الحسنَ أجْمَعَه . . . ولو رماني بِضْعف الضُّرِّ في البدنِ أبْقاه في دَوْلةٍ بالحُسْن زاهرةٍ . . . ولو جميلُ اصْطِبارِي في هَواه فَنِي وزاد ذاك المُحَيَّا بهجةً وسَناً . . . وإن حَمى عن جفوني لَذَّةَ الوَسَنِ يا مَن جميعُ مَعانيه فُتِنْتُ بها . . . لا أخْمَدَ اللّهُ ما تُبْدِي من الفِتَنِ أحْسِنْ بوجهِك فالإحسانُ أجمعُه . . . يليقُ لا غيرُهُ من وجهِك الحَسَنِ وله معارضاً قصيدة المهتار الهائية : كم مُهْجةٍ بالغرامِ مُنْسَبِيَّهْ . . . وما لمِن يقتل الغرامُ دِيَّهْ فلْيَحْذرِ الحبَّ كلُّ مُحْترِشٍ . . . به ففيه الحُتُوفُ مُنْطوِيَّهْ وفي رُبَا شِعْبِ عامرٍ رَشَأٌ . . . له عيونٌ بالسِّحرِ مُمْتلِيَّهْ في حُسْنِه اليومَ صار مُنْتهِياً . . . وعَشْقتِي فيه غير مُنْتهِيَّهْ كم شمس حُسْنٍ عليه مُشْرقةٌ . . . منها بدورُ التّمامِ مُخْتفِيَّهْ إذا بدا مُقْبِلاً ولاح فقد . . . جعلتُ منه الجَبِينَ قِبْلَتِيَّهْ لي مُهْجةٌ غَرَّها بِغُرَّتِه . . . آهاً له عن صِيادِ غُرَّتِيَّهْ وما هَدانِي بصُبْح طَلْعتِه . . . إلاّ بلَيْلِ الشُّعورِ ضلَّنِيَّهْ فحَبَّذا ذلك الضلالُ به . . . لِمُهْجةٍ بالضلالِ مُهْتدِيَّهْ وأغْيدٍ ذُبْتُ من مَحبَّتِه . . . ونفسُه بالجمالِ مُلْتهِيَّهْ مُحَسَّنِ الخلقِ أحْوَرٍ تَرِفٍ . . . خِلْقتُه بالكمالِ مُسْتوٍيَّهْ للحسنِ في وَجْنتيْهِ كلٌّ حَلاَ . . . مَاءٌ ونارٌ أحارَ فِكْرَتِيَّهْ فلم أنَلْ ماءَ وردِ وَجْنتهِ . . . ومِن لَظاها أحْشايَ مُلْتظِيَّهْ لا تعجَبُوا إن فَنِيتُ فيه هوىً . . . فذاتهُ للهلاكِ مُقْتضِيَّهْ ووَجْنةٍ بالجمالِ زاهرةٍ . . . بنَرْجِسِ المُقْلتيْنِ مُحْتمِيَّهْ ورُبَّ خِدْرٍ طَرَقْتُ بَيْضتَه . . . والليلُ ظَلْماه غيرُ مُنْجَلِيَّهْ(4/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
وحَوْلَها من حُماتِها أُسدٌ على اضْطرابِ الحروبِ مُجْترِيَّهْ فانْتبهَتْ من لذيذِ نَوْمتِها . . . تقول مَن ذا يحُلُّ غَرْزَتِيَّهْ فقلتُ صَبٌّ أذبْتِ مُهْجتَه . . . بالحُسْنِ يابُغْيتي ومُنْيَتِيَّهْ قالت لقد رُمْتَ مَطلباً خَطِراً . . . مِن دونه الموتُ يا مُتيَّمِيَّهْ أمَا رأيتَ الأسودَ رابِضةً . . . أما رأيت السيوفَ مَنْتضِيَّهْ فقلتُ إن المحبَّ مُهْجتَهُ . . . بالموتِ فيمن يحبُّ مُرْتضِيَّهْ وحبَّذا يا ابْنةَ الكرامِ إذا . . . بلغْتُ في مُنْيتِي مَنِيَّتيَّهْ فيما حياةَ النفوسِ أنا مَن . . . أعْشَقُ في الغانِياتِ مِيتَتيَّهْ فقالت الآنَ مَرحباً بفتىً . . . قد عشِق الموتَ في مَحبَّتِيَّهْ وأرْشفتْني رَحِيقَ رِيقتِها . . . والنْفسُ منِّي لذاك مُشْتهِيَّهْ فرُحْتُ نَشْوانَ من مُقبَّلِها . . . ورِيقِها ما ألَذَّ سَكْرَتِيَّهْ وفي ثَنايا نَقِيِّ مَبْسمِها . . . شُهْدٌ عليه النفوسُ مُحتوِيَّهْ وما اجْتنَى الشُّهْدَ قَطُّ من بَرَدٍ . . . غيْرِي فيَامَا ألَذَّ جَنْيَتِيَّهْ فعند ذا أنْعمتْ وما بخِلتْ . . . ورُحْتُ أُثْنِي على مَحَبَّتيَّهْ ومن مقطعاته قوله : شمسُ الطِّلا بدري غدا . . . لم يصْحُ من تعْليلِهَا فالرَّاح قتلة قتْلتِي . . . وأنا قتيلُ قَتِيلِهَا ومثله قول الأديب محمد البوني : يا لَقَوْمِي إنِّي قتيلٌ ببدرٍ . . . هو أضحَى قتيلَ شمسِ العُقارِ عَلِمَ اللّهُ أنَّ قتْلِي حرامٌ . . . فاشْغَلَنْهُ بها لتأخذَ ثارِي
محمد بن أحمد البوني
كوكب مجدٍ أضاء سناه ، وحل بيتاً من الفخر ربه وبناه . بوجهٍ أضاء نوراً ، فملأ القلب فرحة وسروراً . وسجيةٍ وارية الزناد ، ذكر علاها عطر كل ناد . وله شعر في الرتبة العالية ، يرخص عند مسك مداده الغالية . أثبتت منه ما يفوح فوحة الزهر عبقا ، ويتمتع به من كان معتلقا بالشعر الرقيق ومستبقا . ما دام كأسُ المُحَيَّا باسمَ الشَّنَبِ . . . فتَرْكُ لَثْمِي له من قِلَّةِ الأدبِ فاسْتجْلِها بنتَ كَرْمٍ مع ذوي كَرَمٍ . . . مِن كَفِّ ساقٍ ببُرْدِ الحُسْن مُحْتجِبِ كالبدر يسْعَى بشمسِ الرَّاح في يدِه . . . فاعْجَبْ لبدرٍ سعَى بالشمسِ للَّهَبِ(4/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
إذا رَنا قلت خِشْفٌ في تَلفُّتِه . . . وإن تثنَّى فغُصْنٌ ماسَ في الكُثُبِ مَن لي بها وهْي تُجْلَى في زُجاجتِها . . . ومِن سَنَا مُؤْنسٍ باللهوِ والطَّرَبِ مَعْ رُفْقةٍ كالنجُومِ الزُّهْرِ ساطعةً . . . حازُوا جميعَ النُّهَى والذَّوْقِ في العربِ والوُرْقُ تشْدو على الأغْصانِ قائلةً . . . باكِرْ صَبُوحَك بالكاساتِ والنُّجُبِ وكتب إليه إبراهيم المهتار قصيدة ، مستهلها : بقلبِيَ سيفَ اللَّواحِظِ سَنَّهْ . . . وأفْرَضَ وَجْدِي وهَجْرِيَ سَنَّهْ فأجابه بقصيدة ، أولها : أجبْتُك مولايَ من غيرِ مِنَّهْ . . . فذَوْقُك قد خَصَّني الفضُ مِنَّهْ وإنِّي مُطِيعُك فيما أمرتَ . . . به ووِدادِي كما تَعْهدَتَّهْ منها : عجبتُ لسحرِ عيونِ الظِّبا . . . تصيدُ القساوِرَ من غَابِهِنَّهْ وهُنَّ الدُّمَى الخُرَّدُ الآنِساتُ . . . ومَن لهمُ الشِّعْبَ أضْحَى مِظَنَّهْ فكم دون أخْدارِها مَهْلَكٌ . . . وكم حولَه من جِيادٍ مُعَنَّهْ بِبيضِ الصِّفاح وسُمْرِ الرِّماحِ . . . وصُفْرِ القِسيِّ وزُرْقِ الأسِنَّهْ فحيَّى حِمَى الشِّعْبِ من عامرٍ . . . حياً هَمُّه سَقْيُ أطْلالِهِنَّهْ فثَمَّ الغَوانِي المِلاحِ الصِّباحِ . . . يَرِنُّ الوِشاحُ بأعْطافِهِنَّهْ إذا مِسْنَ ما بين تلك الخُدورِ . . . تُحاكِي الْقَنا لِينَ قامتِهِنَّهْ فطيرُ الحَشَا لم يزَلْ واجِباً . . . عليهِنَّ إن لُحْنَ في حَيِّهنَّهْ ومن ثَمَّ أحْوَى بديعُ الجمالِ . . . حوَى اللُّطْفُ والظُّرْفَ مِن بَيْنِهنَّهْ رَشاً خَصْرُه مُضْمَرٌ ناحِلٌ . . . إذا قام والرِّدْفُ ما أرْجَحَنَّهْ فوَجْنتُه منذُ دَبَّ العِذارُ . . . حكَتْ يا ذَوِي العِشْقِ ناراً وجَنَّهْ قوله : فطير الحشا قد غدا واجبا ، أحسن فيه وأجاد . وطيور الواجب المتعارفة عند أرباب القوس والبندق أربعة عشر ، وهي : الكركي ، والشبيطر ، والعنز ، والسوغ ، والمرزم ، والغرنوق . وهذه الستة يقال لها : قصار السبق . والنسر ، والعقاب ، والإوز ، والتم ، واللغلغ ، والأنيسة ، والكوى . ويقال لها : طوال السبق . وإنما قيل لها طيور الواجب ؛ لأن الرامي كان لا يطلق عليه لفظ الرامي ، إلا بعد قتله هذه بأجمعها بالبندق وجوباً صناعياً . ومن مقاطيعه قوله : أنْحَلَ اللّهُ خَصْرَ ذاتِ المِثالِ . . . فهْي واللّهِ لا ترِقُّ لحالِي(4/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
وأراني ألْحاظَها في انْكسارٍ . . . ولَظَى جَمْرِ خدِّها في اشْتعالِ وأصلُه قول ابن الرومي : أنْحَلتْني حبيبتي . . . أنْحَلَ اللّهُ خَصْرَهَا كسَرتْني جفُونُها . . . ضاعَف اللّهُ كَسْرَهَا ومثله قول إبراهيم بن مشعل : أضْعَفَ الجسمَ فاتِنِي . . . ضاعَف اللّهُ حُسْنَهُ سَقَمِي من جُفونِه . . . لا عدا السُّقْمُ جَفْنَهُ وقوله : لا طفا اللّهُ جَمْرَ خَدِّ حبيبٍ . . . قد كَوانِي بهَجْرِه والصُّدودِ وحَماه من عارِض وأراني . . . سُقْمَ عيْنيْه دائماً في مَزِيدِ
فخر الدين أبو بكر بن محمد الخاتوني
أديبٌ منطبع السليقة ، متكافىء الخلق والخليقة . قلد الطروس فخراً بكلمه ، وحشر الصواب بين بنانه وقلمه . وجرى طلقاً في ميدان القريض ، فدلت على سبقه كلمة الكلمة بالتصريح والتعريض . وقد رأيت له قطعاً فذة ، منازعها مستلذة . فمنها قوله في غربية المكية ، وقد هام بها هيمان المعتمد بالرميكية . رُبَّ سَمْراءَ كالمُثقَّفِ لَمَّا . . . خطَرتْ في الغلائلِ السُّنْدُسِيَّهْ غادةٌ تسلُبُ العقولَ ولا بِدْ . . . عَ وأعمالُ طَرْفِها سِحْريَّهْ جُبِلتْ ذاتُها من المَنْدَلِ الرَّطْ . . . ب ففاقتْ على الرِّياض الزَّكِيَّهْ مالَها في الغُصونِ نِدٌّ وليس النَّ . . . دُّ إلاَّ من ذاتِها المِسْكِيَّهْ منها : هي للقلبِ مُنْيةٌ ولكم مِن . . . صَدِّها الصَّبُّ ذاقَ طعمَ المَنِيَّهْ ذاتُ لَحْظٍ وَسْنانَ يَفْعل ما لمْ . . . يفعلِ السيفُ في قلوبِ الرَّعِيَّهْ ومُحَيّاً مِن دونِه يخْسَف البَدْ . . . رُ إذا لاح في الليالي البَهِيَّهْ حَوَتِ الحُسْنَ كلَّه فهْي ممَّا . . . أبْدَعَ اللّهُ صُنْعَه في البَرِيَّهْ(4/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
شَبَّهوها عند التلفُّتِ بالظَّبْ . . . يِ وهيْهات ما هُما بالسَّوِيَّهْ كلُّ شيءٍ يخْفَى إذا ما تبدَّتْ . . . وهْي كالشمسِ لا تزال مُضِيَّهْ ليت شِعْرِي وأيُّ شمسٍ بشرقٍ . . . لك تبْقَى إذا بدتْ غَرْبِيَّهْ وله يرثي السيد أحمد بن مسعود ، لما بلغه خبرُ موتِه : على فَقْدِ بدر التِّمِّ أحمدَ لْتَجُدْ . . . لعُظْمِ الأسَى من كلِّ نَدْبٍ شُئونُهُ وإلاَّ فمن يا ليت شِعْرِيَ بعدَه . . . إذا هي لم تسمحْ تسِحُّ جُفونُهُ فتىً كان والأيامُ للجَدْبِ كُلَّحٌ . . . إذا أمَّه العافِي أضاءَ جَبِينُهُ فتُبْصِرُ بدراً منه قد تمَّ حسنُه . . . وتنْشَق روضاً قد تناهَتْ فُنونُهُ تجود وإن أوْدَى الزمانُ يَسارُه . . . بما قد حَوَتْ من كلّ وَفْرٍ يَمِينُهُ فقُل للذي قد جَدَّ في طَلَبِ النَّدَى . . . رُوَيْدَك إن الجودَ سارتْ ظُعونُهُ وقد غاب من أُفْقِ الكمالِ مُنِيرُه . . . كما غار من بحرِ النَّوالِ مَعِينُهُ وأصبح وجهُ المجدِ للحُزْن كالِحاً . . . كأنْ لم تكن من قبلُ قرَّتْ عيونُهُ سأبْكيه والآدابُ أجمعُها معي . . . بدمعٍ تَوَدُّ السُّحْبُ يوماً تكونُهُ ولِمْ لا عليه الفخرُ يبْكي تأسُّفاً . . . وقد حُقَّ منه البَيْنُ وهْو خَدِينُهُ فذاك الذي عن مِثْلِه يقْبُح العَزَا . . . ويحسُن إلاَّ مِن هواه سكونُهُ عليه من اللّه التحيَّةُ ما وفَتْ . . . بفُرْقتِه من كلِّ حَيِّ مَنونُهُ ورحمتُه ما حَنَّ أوْ ناحَ وَالِهٌ . . . نأَى عنه من بعدِ التَّدانِي قَرِينُهُ وله في الفوارة : ألا مِلْ إلى روضٍ به بِرْكَةٌ زَهَتْ . . . بفَوَّارةٍ فيها كفَصٍ من الْمَاسِ إذا ما أتاها زائرٌ قام ماؤُها . . . فأجْلَسَه منها على العَيْنِ والرَّاسِ
علي بن القاسم بن نعمة الله المعروف بالمنلا
وجده الرابع من آبائه الشيخ ظهير الدين ، علامة شيراز في زمانه ، وسر التحقيق الذي أظهره الدهر بعد كتمانه . وعلي هذا فرعٌ من فروع دوحته ، بان فضله من حين جيئته(4/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
وروحته . فظهر أوان الظهور وساد ، وشاد من دعائم مجده المؤثل ما شاد . بهمةٍ إلى صرف العلى مصروفة ، وشيمةٍ بإسداء المعروف معروفة . وأما فضله فالبراعة ميدان مجاله ، والنباهة محل رويته وارتجاله . وله شعر سهل طريقه وساغ ، فانساغ مع الرقة ألطف مساغ . فمنه قوله ، مضمنا : ولمَّا أتتْني من جَنابِك نَفْحةٌ . . . تضَوَّع من أنْفاسِها المسكُ والنَّدُّ وقفْتُ فأتْبعْتُ الرسولَ مُسائِلاً . . . وأنْشدْتُه بيتاً هو العَلَمُ الفَرْدُ وحدَّثْتني يا سعدُ عنها فزِدْتني . . . شُجوناً فزِدْنِي من شجُونِك يا سعدُ والبيت المضمن للعباس بن الأحنف ، وبعده : هَواها هَوىً لم يعرِف القلبُ غيرَه . . . فليس له قَبْلٌ وليس له بَعْدُ وله ، وكتبه في صدر كتاب : أناخَ بسُوحِي جيشُ همٍ وإبْطالِ . . . وأضحَى قَرِينَ القلب من بعدِ تَرْحالِ وما فَلَّ ذاك الجيشَ غيرُ صَحِيفةٍ . . . تجِلُّ لَعَمْرِي عن شَبِيهٍ وأمْثالِ أتَتْ تسلُب الألبابَ طُرّاً كأنها . . . رَبيبةُ خِدْرٍ ذاتُ سِمْطٍ وخَلْخالِ أتَتْ من خَليلٍ قثربه غاية المُنى . . . ومنظرُه الأَسْنى غدا جُلَّ آمالي فلا زال مَحْفوظاً عن الحُزْنِ والأسَى . . . ولا زال مَحْفوفاً بعِزّ وإجْلالِ
ولده أحمد
هو في هذه الأخلاف ، يذكر بما يذكر به كبار الأسلاف . من تقوى تعمر بها ظاهره ، ومن صيانةٍ تجملت بها مظاهره . وقد رأيته بمكة المعظمة ، وفرائد آدابه بليت الزمان منظمة . وهو من النعمة في ظلٍ رطيب المطارح ، ومن الكرامة في حمىً رحيب المسارح . فتناولت من مناظيمه قطعاً كحدائق الجنان ، فدونك منها ما يتمتع به الطرف والجنان . فمنها قوله ، من قصيدة أولها : يا أخِلاَّئي بجَرْعاءِ الحِمَى . . . ما لِصافِي وُدِّنا عاد أُجاجَا وليالٍ بِمنىً قَضَّيْتُها . . . مَعْ نَدِيمٍ لم يكنْ في الحب دَاجَا ومِليح كاملٍ في حُسْنِه . . . يفضَح الأقمارَ حُسْناً وانْبِلاجَا فسعَى في شَتِّنا دهرٌ بَنَى . . . بيْننا من فادِح البَيْن رِتاجَا فتنَاءَوْا وتبدَّلْتُ بهم . . . فِتْنةً حادتْ عن الحقِّ اعْوِجاجَا(4/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
وقوله من أخرى : سقى اللّهُ رَبْعاً بالأجارعِ من هندِ . . . وحَيَّى الحْيَا وادِي الأراكةِ والرَّنْدِ مَغانٍ بها كان الزَّمانُ مُساعدِي . . . بأفْنانِ بِشْرٍ من أسِرَّتِه يُبْدِي ورِيمٍ إذا ما لاح ضوءُ جَبينِه . . . بفَرْعٍ حكَى لَيل التَّباعُدِ من هنْدِ أرَانا مُحَيّاً كالغزالةِ في الضحى . . . أو البدرِ في بُرْجِ التَّكامُلِ والسَّعْدِ له مُقْلةٌ وَسْناءُ ترشق أسْهُماً . . . تُصِيب الحشَا قبلَ الجوارِحِ والجِلْدِ وثَغْرٌ إذَا ما ضاءَ في جُنْحِ دامِسٍ . . . توهَّمْتَ دُرّاً قد تنضَّد في عِقْدِ يُدير به ظَلْماً كأنَّ مَذاقَهُ . . . جَنَى الطَّلْعِ أو صِرْفُ السُّلافِ أو الشُّهْدِ وتالِعُ جيدٍ ما الغزالةُ إن عَطَتْ . . . بمُنْعرجِ الجَرْعاءِ طالبةَ الوِرْدِ وصَعْدَةُ قَدٍ إن تُقل غُصُن النَّقَا . . . يقول لها هيْهات ما ذاك من نِدِّي ورِدْفٌ تَشكَّى الخَصْرُ أعْباءَ ثُقْلِهِ . . . فنَاء به حتى تضاءَلَ عن جُهْدِ فلله هاتيك الليالي التي خَلَتْ . . . وعُوِّضْتُ عنها بالقَطِيعة والبُعْدِ وأصبحتُ والأحشاءُ يذْكُو لَهِيبُها . . . ألِيفَ النوى حِلْفَ الجوى دائمَ السُّهْدِ أروح وأغْدُو واجِداً بين أضْلُعِي . . . لَهِيبَ جَوىً لم يخْلُ حِيناً من الوَقْدِ أعَضُّ بَنانِي حسرةً وتأسُّفاً . . . وأنْدُب عصراً لم أبِتْ خالياًَ وحْدِي وأُرْسِلُ دَمْعاً كالغمَامِ إذا هَمَى . . . فهيْهات أن يُغْني التأسُّفُ أو يُجْدِي إلى اللّه أشْكُو جَوْرَ دهرٍ إذا عَدَا . . . على المرء حَاجَاه بألْسِنَةِ لُدِّ وقائلةٍ والعيْشُ يُزعِجُه النَّوَى . . . وعَبْرتُها كالطَّلِّ يسقط في الوَرْدِ لبئس المُنَى أن تقطعَ البِيدَ بالسُّرَى . . . وترْحلَ عن وادِ المُحصَّبِ للهِنْدِ فقلتُ لها ما القَصْدُ واللّهِ مُنْيَةً . . . ولا نَيْلَ سُؤالٍ من عَرُوضٍ ومن نَقْدِ ولكنْ لأقُضِي شُكْرَ سالِفِ نِعْمةٍ . . . مُشيَّدةِ الأرْكانِ بالأَبِ والجَدِّ لأكْرَمِ مَوْلىً ألْبَستْ يدُه الوَرى . . . مَطارِفَ نَعْماءٍ تجِلُّ عن الحَدِّ ومن شعره قوله مجيباً لصاحب السلافة ، عن أبيات كتبها إليه ، لغرضً عرض : أبا حسنٍ لا زال سَعْدُك غالباً . . . وجَدُّكَ مَسْعوداً ونَجْمُك ثاقِبَا ولا زالتِ العَلْياءُ تُجْنَى ثِمارُها . . . لَديْك وتَحْوِي في المَعالي الأطايِبَا أتاني قَرِيضٌ منك قد جرَّ ذيلَه . . . على الأطْلَسِ الأعْلَى وفاق الكَواكبَا يُشِير إلى خِلٍ تغيَّر وُدُّهُ . . . وأصبح من بعدِ التَّحابِي مُحارِبَا أبَى اللّهُ أن يَثْنِي عِنانَ وِدادِه . . . ولو مَطَرتْ سُحْبُ الغوادِي قَواضِبَا(4/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
ولكنه يا مَفْخَرَ العربِ امْرُؤٌ . . . يُجرَّع من هذا الزمانِ مَصائِبَا فجرَّد عَزْماً للتَّجافِي عن الورى . . . وأصبح مُنْحازاً عن الخلقِ جانِبَا فصبراً لهذا الدهرِ إنَّ صُروفَه . . . لَعَمْرُكَ تُبْدِي من قضاها عجائِبَا سيصْفو شرابٌ مَرَّ دهراً مُكدَّراً . . . ويرضَى مُحِبٌّ ظلَّ حِيناً مُغاضِبَا فإن ضميرِي لا يزال مُنازِعِي . . . بأنَّك تَرْقَى في المَعالي مَراتِبَا مَراتِبُ تسْمُو للسِّماكَيْن رِفْعةً . . . تقُود بها خَيْلَ الفخار جَنائِبَا فذلك عندي عن تَقيٍ مُكَرَّمٍ . . . صَدُوقٍ إذا ما قال لم يُلْفَ كاذِبَا وما زلتُ أرْعَى قولَه في مَواطنٍ . . . فألْفيْتُه ثَبْتَ المَقالةِ صائِبَا ودُمْ رَاقِياً للمجدِ أرْفعَ رُتْبةٍ . . . تُبيدُ الأعادي أو تُنيِل الرَّغائِبَا
أحمد بن أبي القاسم الخلي
من أولى الناس للمجد تفصيلا ، وأحقهم للترجيح تكميلاً وتفضيلا . لم ترفع عن أحسن من محاسنه النقب ، ولم تتشرف بأفضل من مآثره الحقب . ولقد منيت به في إحدى ثلاثة منى ، وحصلت منه على ما كنت أتوقعه من أمنيةٍ ومنى . في هنيئة أقصر من رجعة طرف ، وأخصر من كتابة حرف . فرأيت فاضلاً ألقى دلوه في بحر الأدب فنزفه ، ومد إلى غصنه الفينان فقطفه . وأنشدني من شعره ما تحسد اتساقه الثغور ، وتغزله شهب السماء فتغور . فمنه قوله من قصيدة : حَيَّى الْحَيَا مَراتِعاً بنَجْدِ . . . قد طاب فيها صَدَرِي ووِرْدِي مَراتعاً كنتُ سميراً للدُّمَى . . . بها وتِرْبَ ناهِدات النَّهْدِ من كلِّ هَيْفاءِ القَوام غادةٍ . . . يبْسَم فَاها عن لآلِي عِقْدِ إذا انْثنَى بالدَّلِّ لَدْنُ قَدِّها . . . فأين منه عَذَباتُ الرَّنْدِ ثقيلةُ الرِّدْفِ هضِيمةُ الحشا . . . يحْكيهما تجلُّدِي ووَجْدِي ضعيفةُ الخَصْرِ ولكن فِعْلُه . . . في القلبِ أبْلانِي بضَعْفِ الجُهْدِ كثيرةُ الخُلْفِ فما لِصَبِّها . . . مَطْلُ وَعِيدٍ ونَجازُ وَعْدِ مَيَّالةُ العِطْفِ لغيرِ عاشقٍ . . . مَلُولةُ الإلْفِ لغيرِ الصَّدِّ رَيَّانةُ الجسمِ يظَلُّ شارِقاً . . . دُمْلُجُها مِنها بماءِ الزَّنْدِ لها مُحَيّاً كالصباحِ أبْلَجٌ . . . من فوقهِ ليلٌ أثِيثٌ جَعْدُ وناظرٌ أجْرَى دموعَ ناظرِي . . . وَقْفاً على عامِلِ ذاك القَدِّ وحاجبٌ حجب عن جَفْنِي الكَرى . . . كأنه مُوَكَّلٌ بالسَّرْدِ(4/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
شكَوْتُ ما ألْقَى لِقاسِي قَدِّها . . . هيهْات هل تعْطِف من صَلْدِ يا قلْبَها إن كنتَ صخراً إنني ال . . . خَنْساءُ فارْحَمْ لَوْعتِي وسُهْدِي وقوله من قصيدة نبوية ، مطلعها : مَن لصَبٍ في الحبِّ أفْنَى زمانَهْ . . . وهو إلْفُ اسْتكانةٍ وزَمانَهْ قد بَراهُ الهوى فصار خيالاً . . . لو أتَى عائدٌ لضَلَّ مكانَهْ لَذّ ذُلُّ الهوى وهو حُرٌّ . . . فهْو يهوَى الهَوى ويهْوَى هَوانَهْ كلَّما هبَّتِ الصَّبا هام شوقاً . . . لزَرُودٍ وهيَّجَتْ أشْجانَهْ يا رعَى اللّهُ عصرَ أُنْسٍ تقضَّى . . . بربُاها وما قضَيْتُ لُبانَهْ وسقَى صَيِّبُ الغمامِ ثَراها . . . لا دموعِي ودِيمَةٌ هَتَّانَهْ أنا أخْشَى من دمعِ عيني عليها . . . قد رأيتمُ يوم النَّوَى طُوفانَهْ يا خليلِي إذا أتيْتَ إليها . . . وتراءَتْ تلك القِبابُ المُصانَهْ قِفْ بها ساعةً وسَلْ عن فؤادي . . . سَاكِنِيها لعل تعرِفُ شَانَهْ أخذُوه يومَ الوَداعِ الأُحَيْبا . . . بُ كأنَّ الفؤادَ عندي أمانَهْ تركُوني جسماً ولا قلبَ فيه . . . ما حَياتي واللّهِ إلاَّ مَجانَهْ يا عَذ ُولِي إليك عنِّي فلا قلْ . . . ب أَراه فأرْتجِي سُلْوانَهْ أجنُونٌ أصاب عاذِليَ الغِمْ . . . رَ وإلاَّ مثلي أضاع جَنانَهْ ما درَى أن عَذْلَه يُضْرِمَ الوَجْ . . . دَ أجَلْ لو درَى لألْوَى عِنانَهْ أتُراه من بعد أن شِبْتُ في الْحُبِّ . . . وأصبحتُ في الهوى تُرْجُمانَهْ ينتهي في صَرْف قلبي الأما . . . ني فالأماني بُروقُها خَ ، انَهْ كيف صَرْفُ الفؤاد قُلْ لي وهذا . . . حُسْنُ ليلَى عَمَّ الوجودَ فزَانَهْ لو رآها رأى الذي يبْهر العقْ . . . لَ وينْسَى الرَّائِي به أحْزانَهْ إنّ داعِي جمالِها قام يدعو . . . مُوضِحاً للصِّبابها بُرْهانَهْ جَلَّ مَن صاغَها طريقاً إلى الرُّشْ . . . دِ وأُنْمُوذَجاً يُرينا جِنانَهْ نُزْهةٌ للعيون ننْظُرُ فيها . . . قمراً مُشرِقاً على خُوطِ بَانَهْ وجَبِيناً يحْكِي الهلالَ وفَرْعاً . . . مثلَ لَيْلِي إذا انثنَتْ غَضْبانَهْ وعيوناً لا شكَّ عندي هي الدُّن . . . يا أراها قَتَّالةً فَتَّانَهْ وثَنايَا كأنَّهُنَّ الَّلآلِي . . . ورُضاباً أظنُّه خمْرَ حَانَهْ طالما أخمدَتْ به وَهَجَ القلْ . . . بِ المُعَنَّى وأطْفأتْ نِيرانَهْ وأتتْني من غيرِ سابقِ وَعْدٍ . . . تتهادَى كأنَّها نَشْوانَهْ(4/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
فامْتزجْنا من العِناقِ وبِتْنَا . . . في سرابيلِ عِفَّةٍ وصِيانَهْ نتَعاطَى من الحديثِ كؤُوساً . . . هيَ أشْهَى من أكْؤُسٍ مَلآنَهْ ثم قالتْ خُذْ في مَدائِحِ طه . . . عَيْنِ هذا الوجودِ بل إنْسانَهْ وله من موشح مستبدع ، مستهله : حتَّى متَى هذا الرَّشا الأكْحَلْ . . . بَاهِي الجَبِينْ غيري يَفِي وها أنا أُهْمَلْ . . . اللّه يُعِينْ ما حِيلتِي قد زاد بي البَلْبَالْ ومُهْجتِي تقطَّعتْ أوْصالْ وعَبْرتِي كالعارِضَ الهَطالْ قد شَتَّتا نَوْمِ وقد أبْطلْ . . . حَوْلِي المتينْ مَن مُنصِفِي منه وما أعملْ . . . يا مسلمينْ هَويتُه حلوَ اللَّمَى أرْعَنْ شَتِيتُه كاللؤلُؤِ المُثْمَنْ فليْته يُبيحُنِي مِن أنْ وَاحَسْرتَا إن كُنتُ لا أحْملْ . . . مَن ذَا المُعينْ وينْطفي في القلبِ ما أشْعَلْ . . . وَجْدِي سِنِينْ أصْمَى الْحَشا بطَرْفِه النَّبَّالْ وأدْهشَا لُبِّي وعقلي زالْ ولو يَشا ما صِرتُ في ذا الحالْ تفَّتتا قلبي بما حَمَلْ . . . أنتَ الضَّمِينْ يا مُتْلفِي ظُلْماً وقد أجْمَلْ . . . حَلَّ اليمِينْ ما بَراحٌ عن حُبِّه كَلاَّ ولا سَراحٌ عن عِشْقِه أصْلاَ إلاَّ امْتداحُ خير الورَى أصْلاَ من قد أتَى من ربِّنا مُرْسَلْ . . . للعالَمينْ المُقْتفِي والسيِّدُ الأكْمَلْ . . . طه الأمينْ وله من آخر : يا مَن لقتْلِي ظُلْماً أحَلاَّ . . . والقلبَ حَلاَّ مَن لدمِ المسلمِ اسْتحلاَّ . . . ما قَطُّ حَلاَّ(4/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
جَفاك طَعْمَ المَنونِ حَلاَّ . . . والصبرَ حَلاَّ لم يحْكِكَ الظَّبْيُ لو تجلَّى . . . فأنتَ أحْلَى يا مُنْيةَ القلبِ كم تدورُ على هَلاكِي وكن تجورُ هذا من الدَّلِّ أم غرورُ جرَّدْتَ من مُقْلتيْكَ نَصْلاَ . . . ورُشْتَ نَبْلاَ أثْخَنْتَ لمَّا أمِنْتَ عَقْلاَ . . . نَهْباً وقَتْلاَ اللّهَ في عاشقٍ غريبِ . . . مُضْنىً كئيبِ أضْحَى من النَّوْحِ والنَّحيبِ . . . كعَنْدَلِيبِ فارجِعْ إلى اللّهِ من قريبِ . . . وكُنْ مُجيبي وامْنَح المُسْتهامَ وَصْلاَ . . . فالقلبُ يَصْلَى حُمِّلْتُ ما لا يُطاقُ أصْلاَ . . . عَقْلاً ونَقْلاَ يا كاملَ الْحُسْنِ والجمالِ يا بارعَ الغَنْجِ والدَّلالِ يا فاضحَ الغُصْنِ والغزالِ أنت من النَّيِّريْن أعْلَى . . . سَناً وأغْلَى وجْهُك للبدرِ لو تجلَّى . . . به تَمَلَّى أضعْتَ عُمْرَ الشَّجِيِّ قَصْدَا . . . هَجْراً وصَدَّا لم تَرْعَ لي يا مَلُولُ وُدَّا . . . وخُنْتَ عَهْدَا وسِرْتَ تسْطُو عليَّ عَمْداً . . . لم تَخْشَ حَدَّا حَلَفتَ من قبل ذاك أنْ لاَ . . . تُسِيءَ فِعْلاَ نَسِيتَ لي ذِمَّةً وإلاَّ . . . فاعْطِفْ وإلاَّ
أخوه محمد
هو لروضه شقيق ، ومثله بالمدح حقيق . مشحوذ سنان البيان ، مصقول أطراف البنان . وأنا وإن لم أتمل برؤية جماله ، فقد استمليت طرفاً من خبر فضله وكماله . وقد أهدى إلي تحفاً من أشعاره الغضة ، فأخذت من راحها بالمصة ومن تفاحها بالعضة . فمما جردته منها قوله : باللّهِ يا ريحُ هُزِّي غُصْنَ قامتِه . . . وحاذِرِي العارِضَ النَّمَّامَ في السَّحَرِ(4/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
وشَوِّشِي رَوْضَ خَدَّيْه على عَجَلٍ . . . ثم انْتَحِي نحو ذاك المَبْسَمِ العَطِرِ وضَمِّخِي الكونَ من رَيَّاه وانْتهِزِي . . . لي فُرْصةً بين ذاك الوِرْدِ والصَّدَرِ وعانقِي قَدَّه الزَّاهِي فمما لِشَجٍ . . . إلاَّكِ شافيةٌ قد جاء في الخَبَرِ وحدِّثيه بأنِّي في هَواه لَقىً . . . قد حالفتْنِي يدُ الأسْقامِ والغِيَرِ مُبَلْبَلُ البالِ أرْعَى النجمَ مُكْتئِباً . . . نَحِيلَ جسمٍ صَرِيعَ الدَّالِّ والحَوَرِ كأنَّ عَيْنِيَ لا تَهْدِي بها رَمَدٌ . . . وأن أهْدَابَها قُدَّتْ من الإِبَرِ لعل مَسْراكِ يُطفِي ما تضَمَّنَه . . . قلبٌ تَقَّسم بين الوَجْدِ والفِكَرِ للّهِ أنْتِ فكم طَوَّقْتِنِي مِنَناً . . . سَحْبانُ في وَصْفِها يُعْزَى إلى الحَصَرِ لأشْكُرنَّكِ ما غَنَّتْ مُطوَّقةٌ . . . على الغصونِ بذاتِ الضَّالِ والسَّمُرِ وما سرَى البَرْقُ وَهْناً من ديارِهمُ . . . وما هَمَى العارِضُ الرَّجَّافُ بالمطرِ وقد عارض بها أبيات الطغرائي ، التي أولها : باللّه يا ريحُ إن مُكِّنْتِ ثانيةٍ . . . من صُدْغِه فأقِيمِي فيه واسْتَتِرِي وقوله : ولقد ذكرتُك والنجومُ سَواهِمٌ . . . والجَوُّ من نَقْعِ السَّلاهِبِ مُظلِمُ والْحَرْبُ تُسْعر بالحرُوب كُماتها . . . والبِيضُ تُنْثَر والعَوالِي تُنْظَمُ وكأنما خُضْرُ الدُّروعِ مَجَرَّةٌ . . . وسَنَأ المَغافرِ في سَنَاها أنْجُمُ فغدَوْتُ أقْتحِمُ المَعامِعَ إذْ حَكَتْ . . . مَعْنىً لحسنِك أبْلَجاً يتبسَّمُ هذا الأسلوب استعمله الشعراء كثيراً . قال مجنون ليلى : ذكرتُك والحَجِيجُ له ضَجِيجٌ . . . بمكةَ والقلوبُ لها وَجِيبُ مصعب بن زرارة : ولقد ذكرتُكِ والمَنِيَّةُ بيْننا . . . تحت الخَوافِقِ والقلوبُ خَوافِقُ الوزير أبو الحسن بن القبطرنة : ذكرتُ سُلَيْمَى وحَرُّ الوَغَى . . . بقلبِيَ ساعةَ فارقْتُهَا وأبصرتُ بين القَنا قَدَّها . . . وقد مِلْنَ نَحْوِي فقبَّلْتُهَا أبو طالب الرقي : ولقد ذكرتُكِ والظلامُ كأنه . . . يومُ النَّوَى وفؤادُ مَن لم يَعْشَقِ عطية السلمي : ولقد ذكرتُكِ والرِّماحُ تنُوشُنِي . . . عند الإمامِ وساعدِي مَغْلُولُ ولقد ذكرتُك والذي أنا عبدُه . . . والسيفُ بين ذُؤابتي مَسْلُولُ(4/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
أبو حيان : ولقد ذكرتُكِ والبحرُ الخِضَمُّ طَغَتْ . . . أمْواجُه والورى منه على حَذَرِ مثله لابن رشيق : ولقد ذكرتُكِ في السفينةِ والرَّدَى . . . مثتوقَّعٌ بِتلاطُمِ الأمْواجِ وعلَتْ لأصحابِ السفينةِ ضَجَّةٌ . . . وأنا وذِكْرُكِ في ألَذِّ تَناجِي الصفي الحلي : ولقد ذكرتُكِ والجَماجِمُ وُقَّعٌ . . . تحت السَّنابِكِ والأكُفُّ تطِيرُ والْهَامُ في أُفُقِ العَجَاجةِ حُوَّمٌ . . . فكأنَّها فوق النُّسُورِ نُسورُ فظَنَنْتُ أني في مجالسِ لَذَّتِي . . . والرَّاحُ تُجْلَى والكؤوسُ تدُورُ وقال أيضاً : ولقد ذكرتُكِ والعَجاجُ كأنه . . . مَطْلُ الغَنِيِّ وسوءُ عَيْشِ المُعْسِرِ فظننْتُ أني في صَباحٍ مُسْفِرٍ . . . من ضَوْءِ وجهِك أو سَناءٍ مُقْمِرِ الطغرائي ، وما أرق قوله : إنِّي لأَذْكرُكم وقد بلَغ الظَّمَا . . . منِّي فأشْرَقُ بالزُّلالِ الباردِ وأقولُ ليت أحِبَّتِي عايَنْتُهمْ . . . قبل المَماتِ ولو بيومٍ واحدِ أبو عطاء السندي الحماسي : ذكرتُكِ والخَطِّيُّ يخطِر بَيْنَنا . . . وقد نهِلتْ مِنَّا المُثَقَّفَةُ السُّمْرُ مثله : وإني جُلْتُ في جيشِ الأعادِي . . . برُمْحِي وهْو في فكرِ يجُولُ مجير الدين بن تميم : ولقد ذكرتك حين أنْكَرَتِ الظُّبا . . . أغْمَادَها وتعارفَتْ في الْهامِ والنَّبْلُ من خَلَلِ الغُبارِ كأنه . . . مُنْهَلُّ قَطْرٍ من فُروجِ غَمامِ فاسْتَصْغرَتْ عيْنايَ أفْواجَ العِدَى . . . والموتُ خَلْفِي تارةً وأمَامِي ابن مطروح : ذكرتُكم والعَوالِي في الطُّلَى تَرِدُ . . . في مَوْقفٍ فيه يَنْسَى الوالدَ الوَلَدُ وما نسيْتُكِ والأرْواحُ سائِلةٌ . . . على السيوفِ ونارُ الحربِ تَتَّقِدُ وقال أيضاً : ولقد ذكرتكِ والصَّوارِمُ لُمَّعٌ . . . من حَوْلِنا والسَّمْهَرِيَّةُ شُرَّعُ وعلى مُكافحةِ السيوفِ ففي الْحَشَا . . . شَوْقٌ إليكِ تَضِيقُ عنه الأضْلُعُ ومن الصِّبا وهَلُمَّ جَرّاً شِيمَتِي . . . حْفْظُ العهودِ فكيف عنها أرْجِعُ(4/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
عبد الله بن حسين بن محمد بن أحمد بن مبارك بن طرفة السالمي
ابن طرفة طرفة طرف ، لم يهجر منه للبراعة طرف . فهو الشاعر الظريف ، الحائز من الكمال التالد والطريف . تجمل بأهداب الآداب ، تجمل الأجفان بالأهداب . فأقلامه تصوغ الدراري ، وقراطيسه يضوع منها الداري . بعباراتٍ عنبريةٍ ، وإشارات عبيرية . فدونك منها أزهار رياضٍ بعرفِ النشق تتنسم ، ولآلىء ثغورٍ عن ماء الحياة تتبسم . فمنها ما كتبه إلى أحمد الخلي المذكور آنفاً : مَن لقلبٍ دائمِ الحَزَنِ . . . ليس يخْلُو الدهرَ من شَجَنِ ضاق ذَرْعاً بالهمومِ فهل . . . ماجدٌ يُنْجِي من المِحَنِ يشْتكي الدهرَ عَلَّ عسَى . . . يلْتجِي منه إلى سَكَنِ قد أضاعَ الوقتَ في نَفَرٍ . . . كالرِّياضِ الخُضْرِ في الدِّمَنِ ظاهراً راقُوا وقد خَبُثُوا . . . باطناً فَعْماً مِن الإحَنِ وغَنُوا بالمالِ عن أدَبٍ . . . وبهم فَقْرٌ إلى الرَّسَنِ وغَدَوا عارِين من حَسَبٍ . . . واكْتَسَوا بالقُبْحِ والدَّرَنِ فأنا ما بين أظْهُرِهمْ . . . كغريبِ الدَّارِ والوَطَنِ صابرٌ عَلَّ الزمانَ يفِي . . . بصديقٍ قَطُّ لم يَخُنِ وهْو في ظَنِّي ابنُ قاسم لا . . . خَيَّبَ المَوْلَى به ظِنَنِي أحمدُ المحمودُ سيِّدُنا . . . مالكُ الأفْضالِ والمِنَنِ من تسامَى أن يُحِيطَ به . . . وَصْفُ مِنْطِيقٍ من اللَّسَنِ فاضلٌ لم يَأْلُ مجتهداً . . . في طِلابِ المجدِ ليس يَنِي فاق في فضلٍ أُبُوَّتَهُ . . . وجَرى منهم على السَّنَنِ وهمُ أبناءُ مَحْمَدةٍ . . . فِعْلُهم يَرْوِي عن الحسَنِ شهدتْ في ذا فضائلهُ . . . وعرَفْنا العِرقَ بالغُصُنِ يا شهابَ الدين صِخْ لفتىً . . . وُدُّه باقٍ على الزَّمَنِ ليس يرجُو منك غيرَ وَفاً . . . فاشْتَرِ عَبْداً بلا ثَمنِ بيننا في وُدِّنا نسَبٌ . . . ليس يخْفَى ذا على فَطِنِ واحْتكِمْ ما شئتَ فيه على . . . وَفْقِ ما ترضَى له تكُنِ وابْقَ واسلَمْ ما تفَنَّن في . . . سَحَرٍ طيرٌ على غُصُنِ وأتبعه بنثرٍ صورته :(4/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
يا سيدي الأعلى ، وكنزي وشهابي الأسنى ، وروضتي الغنا . دام علاك ، وهدم بناء عداك . ولا زلت مأمون الغوائل ، معتمد الوسائل ، يوسفي الصباحة ، حاتمي السماحة . فلكي التأثير ، قمري التصوير . إبراهيمي الوفا ، محمدي الأخلاق والصفا . أنت راءُ الرِّضا وعينُ العطايَا . . . أنت تاءُ التقى وصادُ الصَّلاحِ أنت واوُ الوفا ومِيمُ المَعالِي . . . أنت كافُ الكمالِ سينُ السَّماحِ الموجب لتسطير هذه الخدمة علمكم بأنه لابد للإنسان من خلٍ يسكن إليه ، فيشكو إليه حزنه ، وينتصر به على من ظلمه ، ويتوصل به إلى ما يشق عليه بلوغه بمفرده . والمملوك قد تقرب إليك ، وعول عليك ، ورضي بك مالكاً فهل ترضى به مملوكاً ، وتأخذ منه بذلك وثائق وصكوكا . يراك كالشيخ إجلالاً ، وكالوالد إكراماً ، والولد حنواً وإشفاقاً . ويلتمس منك ثلاثة أمور ، وأنت الآمر بذلك لا المأمور : أولها ؛ حفظ الود في الغيبة والحضور . ثانيها ؛ عدم سماع كلام الواشي والغيور . ثالثها : رفع سجف الحشمة وطي بساط الكلف في القبض والسرور . هذا ما أحاط به علمك ، فرب أخٍ لم تلده أمك . فكتب إليه مجيبا : ذكَّر الماضِي من الزمَنِ . . . خَفَقانُ البارقِ الْيَمَنِي فَهمتْ من مُقْلتِي دِيَمٌ . . . نِيْلُها أشْفقتُ يُغْرِقنِي يا نُزولَ الصَّفْحِ من إضَمٍ . . . بُعْدُكم أفْنَى قُوَى بَدَنِي حَبَّذا أيَّامُنا وبكم . . . كانت الأقْدارُ تُسعِدُنِي حيث وجهُ الدهرِ مُنْبَلِجٌ . . . وخيولُ اللهوِ ليس تَنِي وسَرابيلُ الصِّبا قُشُبٌ . . . لم تُمزِّقْها يَدُ المِحَنِ ليت شِعْرِي والرَّجا طَمَعٌ . . . بكم الأيامُ تجمعُنِي يا ديارَ الأُنْسِ جادَك مِن . . . فَيْضِ دمعي هامِلُ المُزْنِ إن أكُنْ قد بِنْتُ لا بِرِضاً . . . ففؤادي عنكِ لم يَبِنِ آهِ كم من ليلةٍ سلفَتْ . . . فيك محفوظاً من الحَزَنِ ليس يُنْسيني تذكُّرَها . . . غيرُ مَدْحِ المِصْقَعِ اللَّسِنِ فاضلُ العصرِ الذي يدُه . . . حلَّتِ الأجْيادَ بالمِنَنِ مَن به الآدابُ قد فخرتْ . . . وبدَتْ في منظرٍ حسَنِ يُدْرِك الأشْيا بفِطْنتِه . . . وذَكاهُ وهْي لم تكنِ فِكْرُه كم حَلَّ مُشكِلةً . . . وقَفتْ عنها ذَوُو الفِطَنِ عُمْدتِي في كلِّ نازلةٍ . . . جَرَّدتْ نَ ؛ ْوِي ظُبَا الفِتَنِ يا عَفيفِ الدِّين عبدُ هوىً . . . بك لم يغدُرْ ولم يخُنِ(4/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
قُمْتَ تدْعوه بمُفْرَدةٍ . . . أصْبحتْ كالقُرْطِ في الأُذُنِ فاخْتبرْنِي يا أبا حسَنٍ . . . تَرَنِي المْخبورَ بالحسَنِ وتقبَّلْ مِدْحةً برزَتْ . . . مِن شَحٍ ناءٍ عن الشَّجَنِ جمُدتْ أفكارُه زمَناً . . . فَرُمِي بالعِيِّ واللَّكَنِ رفَض الأشْعارَ عنه فلو . . . وَزَنُوا الأمْوالَ لم يَزِنِ دُمْتَ سَمّاً للْعِدَى سنَداً . . . لِيَ يا أطْرُوفةَ الزَّمنِ لو دَعانِي من غيرِ أرْضك داعٍ . . . لغَرامٍ لكنتُ غيرَ مُلَبِّي وأما أنت أيها الأخ الشقيق . والصديق الشفيق . سمعاً لأمرك الواجبة إطاعته المفروضة إجابته ، الممتنعة مخالفته ، المستحيلة مجانبته . لو قيل تِيهاً قِفْ على جمرِ الغَضا . . . لوقفْتُ ممتثِلاً ولم أتوَقَّفِ كيف وقد دعوتني إلى شيءٍ أتمنى حصوله ، وأترقب وصوله . وكنت أرى نيله كالمستحيل للسائل ، وطالما قلت : أين الثريا من يد المتناول . فظهر لي قيام الحظ بعد قعوده ، وتبدل نحوسه الملازمة بسعوده . وطفقت أسحب ذيل الإعجاب مرحا ، وتزايد بي السرور حتى بكيت فرحا . يا قلبُ قَرَّ فمن تُحِبُّ . . . أتى على وَفْقِ المُرادِ فثق مني بخلوص ودٍ لا يشوبه غش الانفصام ، حتى تفارق بعد العمر الطبيعي أرواحنا الأجسام . ألْقِنِي في لَظىً فإن غيَّرتْنِي . . . فتيقَّنْ أني لستُ بالياقُوتِ والله المسئول أن يجعل عيون الحاسدين عنا نائمة ، ويزرقنا والمسلمين حسن الخاتمة . وكتب إليه ، وقد وعده بمشترى تمرٍ له : يا مالكَ الفضلِ ويا خِلَّ الأدبْ . . . ويا كريمَ الأصلِ يا فخرَ العَرَبْ طال اشْتياقِي فاستمعْ مَقالِي . . . لخضْمِ تمْرٍ كالزُّلالِ حالِي شبَّهتْهُ لم أعْدُ في تشْبيهِه . . . طريقةَ القَصْدِ لَدَى مُرِيِدِهِ مَخازنٌ من العَقِيقِ نبتَتْ . . . أقفْالُها من النُّضارِ جُعِلَتْ أو أُنْمُلاتٌ للغَوانِي طُلِيَتْ . . . بالزَّعْفرانِ أعْجَبتْ وَفَتنتْ وأكُؤُساً من النضارِ الصَّافِي . . . تشْربُها وخِلُّك المُصافِي كأنه خُلْقُك في حَلاوتِهْ . . . ولفظُك الباهرُ في بَراعتِهْ يا حُسْنَه حين يُرَى في أَدَمِهْ . . . يُوجِدُ شَخْصَ الجوعِ بعد عَدَمِهْ(4/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
أحبَبْتُه حُبَّ الصغيرِ أُمّهْ . . . ولا عجِيب حُبُّ ابنِ العَمَّهْ فانْعَمْ به دُمْتَ مدَى الدهورِ . . . تسحبُ ذيلَ الانْسِ والحُبورِ إلى مَعاليك العُلى ينْتسِبُ . . . ومِن أياديك النَّدَى يُنْتَخَبُ نمِيلُ في مَطْلبِنَا علَيْكَا . . . وتلتقِي آمالُنا لَدَيْكَا فكتب إليه : يا عُمْدتي في الصَّحْبِ والخِلاَّنِ . . . وعدَّتِي إذا عَدا زَمانِي وطِبَّ دائي ودواءَ جُرْحِي . . . وعينَ أعْيانِ ورُوْحَ رُوحِي وصَارِمِي الصَّارِمَ للأعداءِ . . . وسَطْوتِي عند لِقَا الهَيْجاءِ يا مَنْهَلَ الفضلِ ويُنْبوعَ الأدَبْ . . . وبَحْره المُلْقِي إليْنا بالعَجَبْ إليك ما كنتُ به وَعَدْتُ . . . وإن أكُنْ أبْطأتُ ما أخْطَأْتُ فالعُذْرُ يا مولايَ ما رأيْتَا . . . فكُن لعُذْرِي قابِلاً بقيتَا وهاكَها كوَجْنَةِ الحِسانِ . . . في اللَّوْنِ أو كحُمْرةِ الدِّنانِ كأنه صِيغَ من العَقِيقِ . . . وطَعْمُه كرِيقَةِ المَعْشُوقِ إذا شقَقْنا الظَّرْفَ عنه يبْدُو . . . بَيْضٌ من النُّضارِ فيه نَدُّ من ذاقه عافَ مَذَاقَ الشُّهْدِ . . . والضِّدُّ يبْدُو فضلُه بالضِّدِّ فكُلْ هَنيّاً يا شقيقَ رُوحِي . . . وعِشْ مُعَمَّراً كعُمْرِ نُوحِ
السيد محمد بن حيدر بن علي
فرعٌ من أشرف نبعة ، نمت في أشرف بقعة . فهو في بيت الشرف شمسٌ ذات إشراق ، وفي روض الأدب غصنٌ تتفكه منه بثمار وتتفيأ بأوراق . فوجه أدبه سافر ، وحظه من البراعة وافر . إذا جرى في مضمارٍ قصر مجاريه ، وإذا برى أقلامه فلا أحد يباريه . مع ما خصه الله من شمائل ، أرق من الشمول وألطف من الشمال ، وخلائق أشهى من طيب الوصال ، وأوقع من موافقة الآمال . وقد اجتمعت به فرعت عيني منه في مرعىً خصيب ، واستطلعت نفسي منه مطلعاً له من الحسن أوفر نصيب . فشاهدت من نباهته ولطف رويته وبداهته ، ما تملك قلبي ، واستأثر في أن يخلب خلبي ويسلب لبي . وحباني من أشعاره بكل مقصدٍ نامي الغراس ، وكل مخيلةٍ خامرت العقل لأنها جاءت من أكرم بيت راس . فمن ذلك قوله : نسيمٌ سرَى عن شِيحِ نَجْدٍ ورَنْدِهِ . . . وبَرْقٌ شَرِى من غَوْرِ نَجْدٍ ونَجْدِهِ فذلك مُورٍ نارَ شَوْقِي بزَنْدِهِ . . . وهذا مُثيِرٌ حَرَّ وَجْدِي ببَرْدِهِ وأذْكَرنِي صَوْبُ الغمامِ مَدامِعِي . . . لتَجْرِي وذكرُ الشيء يجْري بنِدِّهِ(4/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
ولولا الهَوى إن كنتَ تعلمُ ما الهوى . . . لما زلْزلتْ قلبي زَماجِرُ رَعْدِهِ ووُدِّي لظَبْيٍ بالصَّرِيمةِ راتِعٍ . . . وفي بعض أفْعالِي وَفَيْتُ بوُدِّهِ فيُنْبِتُ دمعي كلَّ بَقْلٍ برَوْضِه . . . ويحْرِق مَرْعاه زَفِيرِي بوَقْدِهِ أُحِبُّ عَذُولِي حين ينْطِق باسْمِه . . . وأُبْغِضُ مَرْآهُ وَفاءً بعَهْدِهِ وأُظْهِر من خَوْفِ الوُشاةِ سُلُوَّه . . . وإن كان لي قلبٌ يُنادِي بضِدِّهِ وأقصِد بُعْدِي يَقْظةً عن مَزارِهِ . . . وإن لم أُحِبَّ النومَ إلاَّ لِقَصْدِهِ ويلْهجُ نُطْقِي بالعُذَيْبِ وحاجِرٍ . . . ويعْدِل عن ذِكْرِي حِماهُ بجُهْدِهِ وفي كلِّ عُضْوٍ لي لسانٌ مُوَلَّعٌ . . . بذِكْراه في قلبِ المَزارِ وبُعْدِهِ فهذا وَفائي في الهوى بحُقُوقِه . . . فهل أرْتجِي منه الوفاءَ بوَعْدِهِ وكم بالرُّبَى صَبٌّ صَبا بالذي سَبَا . . . فؤادي ولم يمْنُنْ عليَّ برَدِّهِ من العُرْبِ طَفْلٌ دأْبُه اللهوُ عابِثٌ . . . بطفْلِ سوادِ العينِ في مَهْدِهِ سُهْدِهِ وَهبْتُ له رُوحِي وأعلمُ أنه . . . يصُدُّ لكي أحْظَى بلَفْتَةِ جِيدِهِ ونَيْلُ رِضاه مُنْتهَى ما أَرومُه . . . وما عاشقٌ من لم يقِفْ عند حَدِّهِ أقول هو المَوْلَى المُطاعُ مُمَنِّياً . . . لنفسِي بأني عند رُتْبةِ عَبْدِهِ ووِرْدُ اللَّمَى المَعْسولِ عَزَّ وطالَما . . . حَلاَ بفِمي طعماً تَخيُّلُ وِرْدِهِ وإن كنتُ في روضٍ تحَاشيْتُ أن أرى . . . جَنَى وَرْدِهِ للإحْترامِ لخَدِّهِ وإن مال غُصْنٌ فيه أغْضَيْتُ هَيْبةً . . . كفِعْلِي إذا ما ماس مائسُ قَدِّهِ وأقْطَعُ أن الروضَ إذْ كان فيه ما . . . يُشهابِهُه يسْمو بطالِعِ سَعْدِهِ وذُلُّ الهوى عِزُّ الكريمِ وإن غَدَا . . . مَلِيكاً جليلَ القدرِ ما بين جُنْدِهِ هو الحبُّ إن رُمْتَ المَخاضَ ببَحْرِه . . . وإلاَّ دَعِ التَّيَّارَ واقْنَعْ بثَمْدِهِ وله معارضا : قُلْ للْمَلِيحة في الخِمارِ الأسْودِ قُلْ للمليحةِ في القِناعِ العُصْفُرِي . . . يا شمسُ ها شَفَقُ الشروقِ فأسْفِرِي ولكِ الأمانُ من اللِّحاظِ إذا ارْتَمَتْ . . . إن الشُّعاعَ يصُدُّ طَرْفَ المُبْصِرِ أوَما اكْتفيِت بوَرْدِ خدِّك رَوْضةً . . . عن رَوْضِ وَرْدِيِّ اللِّباسِ المُزْهِرِ هذا القِناعُ سَما بفَرْقِك مَفْخَراً . . . عن مِغْفَرٍ قد ضَمَّ هَامَةَ قَيْصَرِ وخَطرْتِ في مَوْشيَّةٍ ذهَبِيَّةٍ . . . قد جانسَتْكِ بلَوْنِها في المَنْظَرِ وبديعُ حُسنِكِ قد تناسَب عندما . . . راعَى نَظِيراً في المُحَيَّا الأنْضَرِ أرأيتِ حين خطَرْتِ في رَمْلِ الحِمَى . . . ما بين بَانِ لِوَى الكَثِيبِ الأعْفَرِ(4/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
فتأوَّدتْ أغْصانُه وتستَّرتْ . . . بالأيْكِ من خَجَلٍ ولاتَ تسَتُّرِ كم أصْيَدٍ ملكَتْ يميِنُك رِقَّهُ . . . فأتى إليك بذِلَّة المُسْتأْسِرِ مافي الحِمَى إلاّ مَوالِي طاعةٍ . . . فتملَّكِي أو دَبِّرِي أو حَرِّرِي وله : جادتْ غَوادِي المُزْنِ رَبْوةَ لَعْلَعِ . . . بهَواطلٍ تهْمِي بذاك المَرْبَعِ واخْضَرَّ رَوْضُ جَنابِها وتأرَّجتْ . . . حُلَلُ النَُّّسِيمِ بنَشْرِه المُتضوِّعِ يا طِيبَ أوقاتٍ مضتْ بربُوعِها . . . والشَّمْلُ مُلْتئِمٌ بها لم يُصْدَعِ حيثُ الزمانُ مُسالِمٌ ما راعَنا . . . بِبعادِ خِلٍ أو فِراقِ مُوَدِّعِ وصُروفُه في غَفْلةٍ وصَفاةُ طِي . . . بِ وِصالِنا بخُطوبِه لم تُقرَعِ يا سادةً بسِوَى عُقودِ عُلاهمُ . . . ما نُظِّمتْ دُرَرُ الفَخارِ بمَجْمَعِ وبغيرِ أُفْقِ مديحهِم ما أشْرقَتْ . . . شمسُ البلاغةِ بالسَّنَا المُتقشِّعِ إني لأعْجَزُ أن أَبُثَّكمُ من الْ . . . أشواقِ ما ضُمَّتْ عليه أضْلُعِي قلبي من الصبرِ الجميلِ لبُعْدِكمْ . . . أضْحَى خَلاءً كالديارِ البَلْقَعِ حَلَّ السُّهادُ بجَفْنِ عَيْني قاطِناً . . . مُذْ سار عنه ظُعْنُ نَوْمِي المُزْمِعِ ولقد رَقمْتُ سطورَ طِرْسِ رسالتي . . . وتكاد تمْحوها هَوامِي الأدْمُعِ وبعثْتُها لتفوزَ في تقْبيلِها . . . أقْدامَكم بذَرَى المَحَلِّ الأرْفَعِ في طيِّها نَشْرُ الثَّناءِ يحُفُّه . . . إهْداءُ مِسْكِيِّ السَّلامِ الأضْوَعِ وَافتْ تُهنِّيكم بُلوغَ مُناكمُ . . . بزيارةِ الدَّاعِي الشفيعِ إذا دَعَا وبما حَوَيْتُم من جَزِيلِ الأجْرِ إذْ . . . شمِلْتكمُ بركاتُ ذاك المَضْجَعِ دام الهناءُ لكم ودام لنا الهَنَا . . . بكمُ ودُمْتمْ في النَّعيِمِ المُمْرِعِ وله من قصيدة ، أولها : رِقِّي لِصَبِّكِ يا سعادُ ودارِكِي . . . وَلْهانَ يندُب رسمَ دَارِسِ دَارِكِ جُودِي عليه في المَنامِ بزَوْرةٍ . . . إن لم تجُودِي يَقْظةً بوِصالِكِ هيهات يغْشَى النومُ جَفْنَ مُتيَّمٍ . . . عُقِدتْ عُرَى آمالهِ بحِبالِكِ ما زال ذِكْرُك دائراً في بَالِهِ . . . أتُراه يخْطِر ذِكْرُه في بَالِكِ اللّهُ حَسْبُكِ كم تصُول بمُهْجتِي . . . جَفْناكِ بالعَضْبِ الجُرازِ الفاتِكِ وتهُزُّ قامتُك القَويمةُ ذَابِلاً . . . يسْطُو بطَعْنٍ في الْحَشَا مُتدارِكِ أو ما قنِعْتِ وبعضُ ما بي مُقْنِعٌ . . . بِنَحِيلِ جسمِي والفؤادِ الهالِكِ يا رَبَّةَ الخِدْرِ التي تَهْفُو له . . . في الحبِّ أفئدةٌ تنالُ منالَكِ(4/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
هَلاَّ رحْمتِ وليس عندك رَحْمةٌ . . . صَرْعَى هواكِ بنَظْرةٍ لجمالِكِ مالي ومالك كلَّما جذَب الهوى . . . قلبي إليك صَدَدْتِ يا ابْنةَ مالِكِ حتَّى مَ أمْلِكُ كَتْمَ حبِّك في الحشَا . . . وهُمولُ دمعي ليس بالمُتمالِكِ وإلى مَ ألهجُ بالعُذَيْبِ وبَارِقٍ . . . وأغُضُّ طَرْفِي عند ذِكْرِ دِيارِكِ أنتِ المُرادُ برَغْمِ كلِّ مُعارِضٍ . . . قَولاً صحيحاً لستُ فيه بآفِكِ قسَماً بمَنْظرِك الجميلِ وطَرْفِك الْ . . . غَنِجِ الكَحِيلِ وسَلسَبِيلِ رُضابِكِ وبَوَرْدِ وَجْنتِك النَّضيرِ وبدرِ طَلْ . . . عتِك المُنِيرِ بلَيْلِ فَرْعٍ حَالِكِ وبِدُرِّ مَبْسَمِكِ النَّظيمِ وكَشْحِكِ التَّ . . . رِفِ الهَضِيمِ ومُسْتقيمِ قَوامِكِ وبذِمَّةِ العهدِ القديمِ وحُرْمةِ الْ . . . وَدِّ المُقيمِ بقلبِيَ المُغْرَى بِكِ إني على عهدِ الغرامِ وشاهِدي . . . ما تشْهديِنَ من السَّقامِ النَّاهِكِ قلبي بِحفظِ الوُدِّ قد عَوَّدْتُه . . . فلِمَا تقرَّر فيه ليس بتارِكِ وله في الغزل : آهِ يا عبدَ الهوى ما أحْمَلَكْ . . . هكذا يحكُم فاصْبِرْ مَن مَلَكْ وَيْكَ يا قلبُ تكلَّفْ جَلَداً . . . رُبَّ قلبٍ رَقَّ عِشْقاً فهَلَكْ كيف لي فيك ومَن ينْفعُنِي . . . آهِ لا بل فِيَّ قُلْ لي كيف لَكْ يا فؤادي لك عقلٌ عَاذِرٌ . . . كنت صعباً والهوى قد ذَلَّلَكْ هَبْكَ في الدهرِ أرِيباً حازِماً . . . أنا أدْرِي بالدَّهَا مَن خَتَلَكْ إنَّما غَرَّتْك أحْداقُ المَهَا . . . نصرَ اللّهُ بها مَن خَذَلَكْ يا عَذُولِي العشقُ داءٌ مُعْضِلٌ . . . بالذي عافاكَ خَفِّفْ عَذَلَكْ الهوى رُشْدِي فدَعْ نُصْحَك لي . . . فلقد أضْللْتَ فيه سُبُلَكْ لم تزلْ منذ زمانٍ جاهداً . . . هل رأيتَ السمعَ يوماً قَبِلَكْ يا شقيقَ البدرِ يا تِرْبَ الْمَهَا . . . مَن كَساك النُّورَ أو مَن كَحَّلَكْ إن يكُنْ يُشْبِهُك البدرُ سَناً . . . فعلى مثلِك ما دار الفَلَكْ مَن بأشْراكِك قَسْراً صادَنِي . . . أنتَ فاعْذِرْ عارِفاً ما سألَكْ إن تقُلْ إنِّي مَلِيكٌ في الهوى . . . جارَ في الحُكْمِ أقُلْ أنَّي مَلَكْ قلتُ دَبِّرْنِي فإنِّي هالِكٌ . . . قال من دَبَّر عَبْداً ما مَلَكْ وَيْحَ مَن كُلُّ مُناه وَصْلُه . . . أيُّ وَادٍ في الأماني قد سَلَكْ أخذَ الرُّوحَ ووَلَّى بَرِماً . . . أخْذُ رُوحِي لم يُهوِّنْ مَلَلَكْ يا أخا الصَّهْباءِ في رِقَّتِه . . . مَن على قَسْوةِ صَلْدٍ جَبَلَكْ(4/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
كان لي قلبٌ فأفْناه الجوَى . . . أعْظَمَ اللّهُ لِيَ الأجْرَ ولَكْ وله : لولا مُحَيَّاكَ الجميلُ المَصُونْ . . . ما كنتُ أُجْرِي من عيوني عُيُونْ ولا عَرفتُ السُّقمَ لولا الهوى . . . ولا تَبارِيحَ الجوَى والشُّجونْ كم وقفَةٍ لي في طُلولِ الحِمَى . . . رَوَّى ثَراهَا صَوْبُ دَمْعِي الهَتُونْ يا ربْعُ خَبِّرْ لا جَفاك الْحَيَا . . . وَلْهانَ لا يعرِفُ غَمْضَ الجُفونْ هل كنتَ مَغْنىً للغزالِ الذي . . . إليه أصْبُو والتَّصابي فُنُونْ وأشْرقتْ فيك شُمُوسُ الضُّحَى . . . من فوقِ قاماتٍ تفُوق الغُصونْ مِن كلِّ غَيْداءَ إذا أسْفَرتْ . . . يجْلُو مُحيَّاها ظلامَ الدُّجونْ سُيوفُ لَحْظيْها إذا جُرِّدتْ . . . تُغْمَد من أحْشائِنا في جُفونْ وعَامِلُ الْقامةِ تسْطُو به . . . فينا إذا ماسَتْ بأيْدِ المَنُونْ والشَّامةُ السَّوداءُ في خَدِّها . . . تُعَلِّمُ الصَّبَّ فنونَ الجُنونْ مَنِيعةُ الحُجْبِ فَنيْلُ اللِّقا . . . منها بَعِيدٌ عن مَرامِي الظُّنونْ حَسْبُكَ لَوْماً يا عَذُولِي اتَّئِدْ . . . إنِّي لِعَهْدِي في الهوى لا أخُونْ لا تطْلُبِ السُّلْوانَ من وَامِقٍ . . . فذاك شيءٌ أبداً لا يكونْ فدَعْ سُكارَى كأسِ خمرِ الهوى . . . يا صاحِ في سَكْرَتهِمْ يعْمَهُونْ ظَنُّوا اتِّباعِي للهوى ضَلَّةً . . . وهم لرُشْدِي فيه لا يعلمونْ أما ووَجْدِي يا أُهَيْلَ اللِّوَى . . . وعهدِيَ الباقي وسِرِّي المَصُونْ وما لهم من مَنْزِلٍ عامرٍ . . . بسَفْحِ قلبي هُمْ به نازِلُونْ وطِيبِ أوْقاتٍ مَضَتْ بالحِمَى . . . لَفَقْدِها تَذْرِي الدموعَ العُيونْ لقد أطَعْتُ الحبَّ في حُكْمِه . . . ومِلْتُ عن طُرْقِ الأُلَى يَعْذِلُونْ بذَلْتُ فيه مُهْجتِي طَائِعاً . . . وبَذْلُها في الحبِّ عندي يَهُونْ ومن نتفه ومقاطيعه ، قوله مصدراً ومعجزاً : لمَّا سرقْتُ بناظرِي مِن لَحْظِهِ . . . خُلَساً من اللَّحظاتِ بالآماقِ وجَنَيْتُ حَدّاً إذْ جَنيْتُ برَوْضِهِ . . . وَرْداً حَمَتْه صَوارِمُ الأحْداقِ قطَع الكرَى عن ناظِرِي مُتعمِّداً . . . فوصَلْتُه بالمَدْمَعِ المُهْرَاقِ كيْلا يقولَ الناسُ إنَّك سارِقٌ . . . والقَطْعُ حَدُّ جِنايةِ السُّرَّاقِ وقوله مصدراً أيضاً : ولمَّا رَقمْتُ الطِّرْسَ أشْفَق ناظرِي . . . ومانَعَ من سَبْقِ الكتابِ إلى الوَصْلِ(4/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
وقال لِيَ احْكُمْ أنتَ بالحقِّ بيْننا . . . وقال لِخَطِّي سوف أمْحُوكَ بالهَطْلِ كِلانا سَوادٌ في بَياضٍ فما الذي . . . يَميِزُكَ والأهْدابُ في مَوْضِعِ الشَّكْلِ وهل ما أُقاسِي من سُهادٍ ومَدْمَعٍ . . . خُصِصْتُ به حتى تُشاهِدَهم قَبْلِي وقوله : وحقِّك يا كُلَّ المَرامِ أنا الذي . . . جعلتُ له حِصْنَ اليَقينِ مُقامَا لأنك قد عَوَّدْتَه لُطْفَك الذي . . . إذا زار لم يطْرُق كَراهُ لِمَامَا ولم يَكُ مَنْسِيّاً لديْك بِحالةٍ . . . ولا منك يخْشَى غَفْلةً وسَآمَا فكم آيةٍ أظْهَرْتَها إثْرَ آيةٍ . . . أيَعْمَى لها ذُو اللُّبِّ أو يَتَعَامَى ومَن كان ذا أرضٍ سقى بِذْرَها الْحَيَا . . . فقد حاز مَحْصولَ الزُّروعِ وسامَا ومن يَكُ في مَهْدِ العِنايةِ وَادِعاً . . . يَزْدْ عند تَحرِيك الخُطوبِ مَنامَا وقوله : وكأنما الثَّغْرُ الشَّهِيُّ رُضابُه . . . ضِمْنَ الشِّفاهِ مع الوِشامِ الأخضَرِ دُرٌّ نَضِيدٌ ضِمْنَ حُقِّ زَبَرْجَدٍ . . . وله غِطاءٌ من عَقِيقٍ أحْمَرِ وقوله : وباكيةٍ إذ وَدَّعْتنِي وقد بَدتْ . . . بوَجْهٍ لهَتْكِي في المَحبَّةِ سافِرِ جرى دمعُها لمَّا تألَّق نُورُهُ . . . كذا البَرْقُ إذ يَسْرِي دليلُ المَواطِرِ هو الروضُ فيه نَرْجِسُ اللَّحْظِ ناثِرٌ . . . على وَرْدِ خَدٍ دُرَّ طَلٍ مُباكِرِ وقوله : فتاةٌ لاطفَتْنِي بابْتسامِ . . . ونال كلامَها قلبي الكَسِيرُ بَدا من ثَغْرِها دُرٌّ نَظِيمٌ . . . ومن ألْفاظِها دُرٌّ نَثِيرُ فراعيْتُ النَّظيرَ دَمْعِي . . . ولكن ذاك ليس له نَظِيرُ وقوله : بنُورِ مُحَيَّاك الجميلِ إذا انْجَلَى . . . ونَوْرِ لأَلآءِ ثَغْرِك البارِدِ الظَّلْمِ أعُثْمانُ ذَا النُّورَيْنِ رِفْقاً بمَن غَدَا . . . شهيدَ الْهوَى يشْكُو إليك من الظُّلْمِ وقوله في التنباك : أُحِبُّ الشُّرْبَ للتُّنْباكِ طَبْعاً . . . وأُذْكِي نارَه أبَداً عليْهِ فلي قلبٌ حَرِيقُ جَوىً ووَجْدٍ . . . وشِبْهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ(4/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
وكانت المقادير جمعت بيننا في الطائف ، بين روضٍ وغدير ، فتمتعت بمؤانسته ، واغتنمت أوقات مجالسته ، وكتبت إليه في أثناء ذلك : يا رَوْنَق المُنْتسَبِ الشَّرِيفِ . . . أفْدِيكَ بالتَّالِدِ والطَّرِيفِ شُكْراً لأيَّامي هذه التي . . . فُزْتُ بها في ظِلِّكَ الوَرِيفِ أسمعُ من لفظِك ما يبْهَر مَن . . . ينْطِق بالأسْماءِ والحروفِ من كلِّ زَهْراءَ لآَلِي لَفْظِها . . . تُغْنِي عن العُقودِ والشُّنُوفِ وأجْتلِي من خَطِّك الرَّوْضَ الذي . . . أبْدَعْتَ فيه صَنْعةَ التَّفْوِيفِ طابتْ مَجانِيهِ فأثْمارُ المُنَى . . . في سُوحِه دَانيِةُ القُطوفِ دُمْتَ تُحلِّي الدهرَ فخراً وأنا . . . وَصَّافُ حُسْنِ طَبْعِك المَوصُوفِ فراجعني بقوله : يا شمْسَ أُفْقِ الأدبِ المَوْصوفِ . . . ويا فَرِيدَ عِقْدِه المَرْصُوفِ ويا جمالَ النَّسَبِ السامِي إلى . . . عبدِ مَنافٍ بالسَّنا المُنِيفِ يا مَن حَبانِي مِن صَفاءِ وِرْدِهِ . . . رَوْنَقَ ذاك الجَوْهرِ اللَّطِيفِ ومَن سَقانِي من نميرِ فضلهِ . . . سُلافَ كَرْمِ رَوْضِه المَسْلُوفِ ومَن أراني مِن خِصالِ ذاتهِ . . . مَحاسِناً زادَتْ على الألوفِ يا مُهْدياً إليَّ من أشْعارِه . . . تاجَ عُلاً تَمَّ به تَشْرِيفِي إن زماناً بك قد جادَ لنا . . . جَدَّد جُودَ حاتمِ المعروفِ أحْسَن إحْساناً نسينا عنده . . . ما مَرَّ من سُلُوكِه المأْلوفِ قد كان ما مضَى من العمرِ سُدىً . . . لا يُشْتَرى بالثمنِ الطَّفيفِ حتَّى حَبانا بك سَعْدٌ طالِعٌ . . . يزْهُو بنَجْمِ مَجدِك الشَّرِيفِ فعاد باقِي العُمْرِ عَيْشَ خالدٍ . . . في جَنَّةٍ دانِيَةِ القُطوفِ فاسْلَمْ ودُمْ دامتْ مَعالِيك تُرَى . . . أوْصافُها للسَّمْعِ كالشُّنوفِ وبلغني من بعض السادة ، أنه أنشأ محاكمة بين الغنى والفقر ، فكتبت إليه أطلبها منه : بلغني خبر المحاكمة ، التي أنشأها السيد مقامة ، وأفاد بها أن لا أحد يساوي مقامه . فعرفت أنه أتى بالعجب العجاب ، واستأثر بما هنالك من الإغراب والإعجاب . جرياً على ما يعهد من طبعه المهذب ، وفكره الذي ينشىء الوشي المذهب . فكم لفظة منه بحر الفكر ، أمثال هذا الجوهر البكر . فأطلع الكلام دراً ، وبيان البنان سحراً . وصير بطون المهارق بوارق ، وما بين مدب الأقلام خوارق . من قوافٍ تنير حنادس الأفهام ، وتتلاعب بالأفكار تلاعب السحر بالأوهام . وفقرٍ أبهى من الغنى بعد الفقر ، وأشهى من(4/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
الوطن غب مقاساة وحشة القفر . فلله تلك البديهة النبيهة ، والفكرة النزيهة . حيث أتت بمستبينة الإعجاز ، مميزة للحق على الحقيقة والمجاز . فأنستْ بمحاسنها آثار المتقدم ، وصيرت المجترى على مثلها كالمتندم . فلعل السيد يمتع بها طرفي وسمعي ، ويجمع بسببها شمل فكري وطبعي . فأغنى بها عن نديمٍ ومدامة ، وأغدو من منادمتها في السلامة بلا ندامة . هذا وشوقي إلى ذلك المنظر البهج ، واجتلاء بدائع منطقة اللهج ، شوق القارظي إلى سكون وسكنى ، والقيسي إلى لبونٍ ولبنى . واعتلاقي بوصفه الجميل ، اعتلاق قفا نبك بالملك الضليل . وكيف لي بخلسةٍ أشد عليها يد الضنين ، وتنسيني هذا التأوه والأنين . فإني من حين الاجتماع ، والتلذذ بذلك الخطاب والاستماع ، هجرت غيره من القول والإصغا ، وجعلتهما في جانبٍ من الإزراء والإلغا . فحالي فيه كما قلت ، وعن نهج وده ما حلت : يا سيِّداً من حين فارقتُه . . . ما راقَنِي مَرْأىً ولا مَسْمَعُ لا تحْرِمَنِّي نَظْرةً أمْكنَتْ . . . فليس لي في غيرِها مَطْمَعُ فكتب إلي مجيباً : مولايَ قد قلَّدْتني مِنَّةً . . . يسْتغرِقُ الشكرَ حَياها العَمِيمْ أهْديْتَ لي نثْراً من الدُّرِّ بل . . . من الدَّرارِي الزُّهْر طَيَّ الرَّمِيمْ بل نَفْحةً قُدْسِيَّةً عَطَّرتْ . . . بِطيبِ أخلاقِك نَشْرَ النَّسِيمْ تمنْع أن يُعْكَس تَشْبِيه مَن . . . يُشبِّه العِطْر بخُلْقٍ كريمْ لا بل قد اهْدَيْتَ لي في العُلاَ . . . هِدايةً للمَنْهَجِ المُسْتقيِمْ تفْتح عَيْنَ القلبِ حتى يَرَى . . . تبلُّجَ الدهرِ بلَيْلٍ بَهِيمْ واللّهِ لا أمْلِكُ شُكْراً لها . . . إلاَّ عُبودِيَّةَ قلبٍ سَلِيمْ يا مولانا الذي شرف مولاه بما أتحفه ، وشفاه بطب الفضل من داء الجهل وقد أنحفه . ومدحه حتى فضله وقدمه ، فشجعه حتى ثبت في معارك الأدب قدمه ، وفهمه آداب السلوك وعلمه ، حتى حق له أن يشهر لدى ملوك الكلام قلمه ، وينشر في مواكبهم علمه . أقدم أولاً عذري في مقابلة الدر بالمدر ، وحمل التمر بل الحشف إلى هجر ، وجلب الدر بل الصدف إلى البحرين ، وإهداء تبركات المساجد إلى أهل الحرمين . ثم ما ذكره مولانا عظم الله مقامه ، من طلب ما أنشأته على لسان الغنى والفقر شبه مقامة . فإن المخلص بنى في ذلك وهدم ، حتى كاد يحلم الأدم ، ويعيد ما أخرجه للوجود إلى العدم ، خوفاً من الإتيان بما يوجب عند أهل المعرفة إلى الخجل والندم . وإلى وقت وصول الرقيم ، والفكر في تيه الحيرة مقيم . أيبرزه في قالب التمام ، أم يستر الأدب ستر الشمس المنكسفة بالغمام ؟ وما قرأته منه على بعض المخاديم الكرام ، فقد نزلته منزلة(4/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
أضغاث أحلام ، عند الانتباه من المنام . لكن بعد أن أسعفه الطالع الميمون بإقبالكم ، وأنار هلاله المشبه بالعرجون من شمس كمالكم . فقد جزم المخلص برفعه بعد خفضه ، وإبرامه غب نقضه ، وضم بعضه إلى بعضه . حتى يقوم شخصاً كاملاً ، ويليق بأن يكون لديكم على قدم الخدمة ماثلاً . وبسَعْدِكم تلك المَخائِلُ تَرْتقِي . . . بتكامُلٍ حتى تعود شمائِلاَ بشرط أن أصل أولاً إلى خدمتكم الواجبة وجوب الفرض ، وأنهيه إلى نظركم الكريم بطريق العرض . ونبلغ مع التحلي بتهذيبكم ، أمل التملي بكم . فوحق ورد ودكم الصافي من الأكدار ، إن شوقي مع قرب الدار : كشَوْقِ ظامٍ بالحِبْالِ مُوثَقِ . . . لماءِ مُزْنٍ باردٍ مُصَفِّقِ وأقول : بل هو شَوْقٌ باللِّقاء يَرْتَقِي . . . يزْدادُ أن لا نَلْتقِي أو نلْتَقِي ونسأل الله أن ينيلنا تواتر التردد لديكم ، كما أنالنا تظافر التودد إليكم . وأن يمتع جيد الدهر بعقد مجدكم الثمين ، ويحرس حمى وجودكم الذي تهوى إليه الأفئدة كما تهوى إلى الحرم الأمين . وبعث إلي بالمحاكمة ، وهاهي مثبتة منقولة من خطه : الحمد لله الحكيم القادر على الإطلاق ، الباسط المقدر للأرزاق . الذي جعل الفقر والغنى آيتين من أبدع آياته ، وغايتين في الحكمة من أبدع غاياته . يتفكر فيهما ذو الفطنة والاعتبار فيتلو : ' ربنا ما خلقت هذا باطلاً ' ، ويجري إليهما العبد على جياد الأقدار حالياً بزينة العقل أو عاطلاً . فيسعد من يرشد للتسليم إيماناً وتصديقاً ، ويبعد من ينشد وهو المليم : هذا الذي تركَ الأوْهَام حائرةً . . . وصَيَّر العالِمَ النِّحْريرَ زِنْدِيقَا والصلاة والسلام على نبيه المبعوث بالإسلام ، محمد الهادي للخلائق إلى أقوم الطرائق ، وأكرم الخلائق ، e ، وعلى آله وصحبه الأغنياء بالله الفقراء إليه . وبعد : فقد وقفت على مقامة أنشأها بعض المتأخرين الأفاضل الأعاظم ، ووشاها بدرر الفوائءءد هديةً لكل ناثرٍ وناظم . ابتدعها على لسان الفقر والغنى كالمفاخر بينهما والمفاضل ، وأودعها من الحجج التي يفلح بمثلها المناظر والمناضل . فمد بها في العلوم باعه الأطول ، وأمد الفهوم بمصداق كم ترك الأول . قاصداً بذلك رياضة العقول ، في رياض المقول . وتبريض اللسان ، بوقائع شآبيب البيان . وتعريض الإحسان ، للقانع بالأثر عن العيان . فأيد فيها الفقر على الغنى ، وشيد له في الفخر على البنا . وجعله سابق الحلبة مجليا ، وأتلاه بالغنى بعد لأيٍ مصليا . حتى أقر له بالتقدم تسليما ، وأخلص لوداده بعد التندم على عناده قلباً سليما . هذا وإن كان الفقر عند أبناء الدنا ، ملياً باكتساب العنا ، خلياً عن أسباب الغنى ، حفياً في اقتضاب المنى ، كفياً في سد أبواب الهنا . وبينه وبين(4/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
النفوس ، ما بين تغلب وبكرٍ غب غداة البسوس . وقد أوقع فيها من المكروه والمساءة ، ما لم يوقعه قيسٌ بابني بدرٍ يوم الهباءة . وحطمها ولا تحطيم الإبل المجفلة ، جيوش لقيطٍ يوم جبلة . ووسمها بالعار الباقي على الزمان ، كما وسم به لبيدٌ الربيع بن زياد في مجلس النعمان . ونفورها عنه ولا نفور الغادة الفتية عن مقاربة الشيب ، والشنشنة الأخزمية من مقارنة العيب . وبعدها عنه بعد العزائم اليقينية عن شبهات الريب ، والكثائف الجسمانية عن إدراك محجبات الغيب . هذا وعقال العقول في تقييد صعاب النفوس محلول ، وحسام الفكر المصقول عن قطع أعصاب الأهواء مغلول . والناسُ أكْيَسُ من أن يمدحُوا رجلاً . . . ما لم يَرَوْا عنده آثارَ إحْسانِ فلا جرم كاد ينعقد الإجماع ، كما لا يخفى على ذي نظر وسماع ، على بغض الفقر وذمه ، وقصده بالصد وأمه ، وتواتر الدعاء بالهبل والثكل على أمه . ومَن يجعْلِ المعروفَ من دون عِرْضِهِ . . . يَفِرْهُ ومَن لم يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ فكان ما اختاره رحمه الله من هذا الصنيع ، معدوداً في فن المغايرة من البديع . وفيه تسلية لنفس البائس الفقير ، وتقوية لقلب الآيس الحقي . وإعانةٌ للمبتلى بهذا الداء العضال ، وإبانةٌ للغرض إن نشط للنضال . لكن حقيقة الحال أن هذا الفاضل لما كان من كبار الأتقياء الزاهدين ، وخيار الصلحاء العابدين . ومعلومٌ أن غالبهم قد اختار التقشف الموصوف ، وشيد بناء التزهد المرصوف . وهجر أنواع زخرف الدنيا وصنوفه ، حتى قطع مسافتها وما بل بحرٌ صوفة . كانوا جمال زمانِهم فتصدَّعُوا . . . فكأنما لبس الزمانُ الصُّوفَا فبنى رحمه الله تعالى على مقتضى طريقتهم ، وفضل الفقر إذ كان مرتضى حقيقتهم . وهو الحق الذي لا ريب فيه ، والإنصاف الذي يرتضيه الأريب ويصطفيه . ولا يعارضه في مراده ، مفاد : ' قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ' . فإن من راد نفسه على حلول هذه الساحة ، وخشي أن يغرق عند تلاطم الأمواج وإن كان متقناً للسباحة ، لا يلزمه أن قال بالتحريم وعدم الإباحة . وأحْزَمُ الناسِ مَن لو مات من ظَمَأٍ . . . لم يقربِ الوِرْدَ حتى يعرِفَ الصَّدرَا وأما أرباب العصمة ، فهم البريئون من كل وصمة . فإنهم شاهدوا حظهم الأشرف الأسمى ، فلم يثبتوا لما دونه رسماً ولا إسما . وقصروا نظرهم على الخالد الباقي ، وأنفوا أن تطأ أقدامهم الأرض وهم في أعلى المراقي ، ومن ورد البحر استقل السواقي . ولما تأملت تلك المقامة ، بوأ الله منشيها دار المقامة . رأيت مبنى الأفضلية فيها على أن جعل الفقر أمهر في تحصيل العلوم والمعارف ، وأكثر مقيلاً في ظلها الوارف . وأقدر على إبراز الصواب ، عند السؤال والجواب . لا على إقامة الدليل والبرهان بالأفضلية ، وجعل السابق في هذا الرهان صاحب الأولية . على أن هذا الميدان مجرى العوالي(4/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
ومجرى السوابق ، وفيه تزدحم كتائب فرسان الحقائق ، وتلتحم مناكب النظارة من الخلائق . إذ الناس لعدم خلوهم من أحد الوصفين ، ينقسمون إلى صنفين ، وينتظمون في صفين . وكلٌ يحتج لصاحبه بالصفات الواقعية المرضية ، لا المجازية الفرضية . فأحببت أن أجول في هذا المجال ، ولو بالمحال ، وأنسج على هذا المنوال ، على وهن القدرة وضعف المجال ، وقصور عامل الفضل على التسلط على هذه المحال . اعترافاً مني بالتقصير ، وإسعافاً بطلب المسامحة لباعي القصير . ومَن يَعْصِ أطْراف الزِّجاج فإنَّه . . . يُطِيع العَوالِي رُكِّبتْ كُلَّ لَهْذَمِ فبنيت هذا المقصد على وضعٍ غريب ، وترتيب يهش له الأديب والأريب ، وأسلوبٍ يأخذه الطبع السليم عن قريب . وجعلت المفاخرة بينهما على حقائق الأوصاف ، وذكرت ما يقال من الطرفين بنهاية الإنصاف . ثم أنهيت المخاصمة إلى التراضي بالمحاكمة ، فحكمت بينهما مناط التكليف ، ورباط الفضل الذي اختص به النوع الشريف . فحكم حكماً يقضي منه الفريقان مآربهم ، ويعلم كل الناس مشربهم ' كلٌّ في فلكٍ يسبحون ' ، و ' كل حزبٍ بما لديهم فرحون ' . والحق واضح الغرر والأحجال لقومٍ يعرفون ، و ' ماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ' . حدث الغزل الرقيق ، عن المديح الأنيق ، عن السؤال الجميل ، عن النوال الجزيل ، عن الخاطر المطاع ، عن كريم الطباع ، قال : حضرت مجلساً من المجالس السرية ، التي لم تزل تعقد بحضرة النفوس البشرية . وقد حضر وزيرها العقل ، وحاجبها الحلم ، وقائدها الفهم ، وقاضيها العلم ، وخازنها الحفظ ، ومنشيها الفكر ، وشاعرها الخيال ، ونديمها الوهم . ومثلت للخدمة أعوانها المتظاهرة ، وهي المدارك الخمسة الظاهرة . وانتظمت في مراتبها سائر القوى ، وغاب بحمد الله عدوها الهوى . واتفق أن حضر المجلس الغنى والفقر ، وهما الضدان المتناقضان ، بل العدوان المتباغضان ، والجوادان المتعارضان ، بل القرنان المتناهضان . إلا أن النادي جمع بينهما ، وقرب على سبيل الاتفاق بينهما . وخاض القوم في مجانح الحديث ، من سوانح القديم والحديث . فأراد بعض من حضر ، طراد جياد البحث والنظر . فتلطف بظرفه ، ولحظ الغنى بطرف طرفه . وقال : إني أحفظ بيتين ، ورد الأول منهما على روايتين . يبتني عليهما حكمٌ وأحكام ، إذا تقرر مفادهما بإحكام . وأنشد : ولو أنِّي وَلِيتُ أميرَ جيشٍ . . . لما قاتلتُ إلاَّ بالسؤالِ لأن الناسَ ينْهزِمون منه . . . وقد ثَبَتُوا لأطْرافِ العَوالِي ثم قال : والرواية الأخرى ، يعرفها من هو بإحراز شرفها أحرى . قال كريم الطباع ،(4/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
الراوي لهذه الأسجاع : فابتدر الغنى لجوابه ، وقد استخرج دقيق التعريض من جرابه ، فقال : إن بعض من أسعده الجد بخدمتي ، وأيده الجد بعزمتي ، وسدده المجد بهمتي . أنشده هذين البيتين بعض ندمائه ، وجلاهما كالنيرين في سمائه . فتفطن ذلك الرئيس ، لمعنىً فيهما نفيس . وأعاد إنشادهما في الحال ، وقد وضع النوال موضع السؤال . فأظهر شمائل همته العلية ، في دلائل عباراته الجلية . وسدد سهم الإصابة بساعد الكرم ، فكنت قوسه ووتره ورمى مقاتل الفقر وما ظلم . فأرداه ووتره ، وألبس البيتين حلى الملوك بعد أن كانا في أسمال صعلوك . حتى أشرق معناهما بالضياء المستفاد من شمسي ، وأغدق معناهما بالأنواء الهاطلة من سماء يومي وأمسي . قال : ثم تنبه إلى أن هذا الكلام ، من بليغ الكلام . وأنه بغى والبغي مرتعه وخيم ، وأظهر دعوى الفضل ، ' وفوق كل ذي علمٍ عليم ' . فكف من غربه ، ورجع عن شرقه وغربه . واسترجع وسكت ، وأطرق إلى الأرض ونكت . لكنه قال في أثناء ذلك : ما أراني أضللت المسالك ، وأنا ما قلت وإن فخرت وطلت لعنان الحق مالك . وليس بملومٍ من نطق بالحق وصدع ، وإن شق قلب المعاند وصدع ، والحق أحق أن يتبع . وما المرءُ إلاَّ حيث يجعل نفسَه . . . وإنِّي لها فوق السِّماكيْن جاعلُ قال الراوي : فاستشاط الفقر من الغيظ ، وتلظت أنفاسه أحر من سموم القيظ . وأنف من الذل والاستكانة ، إذ أنزله الغنى إلى هذه المكانة . وأنشد وقد أشعل نار الحمية تسعيرها : ونفْسَك أكْرِمْ عن أمورٍ كثيرةٍ . . . فمالك نفسٌ بعدها تسْتعيرُهَا ثم انبرى للمقاومة مسترسلاً ، بعد أن تضرع إلى الله تعالى متوسلاً ، وقال متمثلاً : إحْدى ليالِيكِ فهِيسي هِيسِي . . . لا تنْعَمِي الليلةَ بالتَّعْرِيسِ إلا أنه خاطب خطاب من قيد الحلم ألفاظه ، وسدد العلم إيقاظه . فقال : أيها الغني لقد صرحت وما كنيت ، وعجلت وما تأنيت ، فبرحت إذ تجنيت . وليتك حين صددت عن الإنصاف وأبيت ، لم تعمر بيتاً بخراب بيت . أخبرني عن هذا الرئيس ، الذي ملأت أنت له الكيس . فزعمت أنه إنما صار لما ذكرت قائلاً ، من حيث كان في ظلك قائلاً . فلو كان ظامىء العود من مياه الكرم التي جرت فيه ، جاف العنقود عن حلب سلاف البلاغة التي رشفت من فيه . أتراه كان يقول ما قال ، ويتحمل ما يستلزمه نطقه من الأثقال ؟ أو تراه لو كان مربوطاً بأشراكي ، ومخروطاً في أسلاكي ، محوطاً بأفلاكي . ثم كان ممن تشتق أفعال الكرم من مصدر طبعه ، وتشق قسي الهمم من غروس نبعه . ألم يكن ينطق بما به نطق ويرشد إلى ما إليه أرشد ، حين أنشد البيتين من أنشد . فلا تجهل علوم الأخلاق وأنت خبيرها ،(4/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
فما الجودُ من فقرِ الرِّجالِ ولا الغنَى . . . ولكنه خِيمُ الرِّجالِ وخِيرُهَا وأما إزراؤك على الصعاليك ، لتزيد بذلك في معاليك . فكفاهم فخراً في الدين ، قول علم المهتدين : ' رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ' ، وما أشبه هذا مما طرق سمعك غير مرة . وأما باعتبار الدنيا ، ورتبتها الدنيا . فإن فيهم من علا بالأوصاف قدره ، وغلا للأضياف قدره ، حتى أشرق من أفق الشعر بدره . ولكنَّ صُعْلوُكاً صحيفةُ وجهِه . . . كضَوءِ شهابِ القَابِسِ المُتنوِّرِ إلى آخر الأبيات ، المعلومة في الروايات . فيا أيها الغني ، هلا إذ نطقت ، تحملت ما أطقت . ورفعت نفسك من حيث لم تخفض سواك ، وجلوت ثغرك بغير هذا السواك . فإن الشريف الكريم ، ينقص قدراً بالتعدي على الشريف الكريم ، وولع الخمر بالعقول رماها بالتنجيس وبالتحريم . قال : فنظر إليه الغني شزرا ، وأعاره لحظاً نزرا . وخاطبه مخاطبة متحكم ، ولاطفه ملاطفة متهكم ، فقال : عذراً أيها المسكين ، ورفقاً أيها المستكين ، فما أنا بلغت عظمك السكين ، ولست الذي أنزل شكلك هذا البيت من التسكين . إنما قلت في وفيك ، ما كلانا به حقيق ، ونسبت إلي وإليك ، ما انعقد عليه الإجماع بالتحقيق . فاستمع مني بعض أوصافك ، واردد جماح أنفتك بلجام إنصافك . وإن لم تصدق الناس ما أقول ، فبرئت مني ذمة المعقول : ألست حائك شقق الهون والإذلال ، وموشيها بوشي الكدية والسؤال ، ومفصل أوصالها بمقراض الضجر والملال ، وخائط تفاصيلها بخيوط الإلحاح الطوال ، ومقدرها على قامات الرجال ؟ فمفرغها عليهم للزينة والجمال فاستجل فيهم هذا الوصف الشنيع ، واستمل منهم شكر هذا الصنيع . واعفني من عتابك ، فإني أربأ بنفسي عن خطابك . وإن حمى عزي المنيع المحرم ، ومن لا يكرم نفسه لا يكرم . ثم إنك مع ذا أردت جلاء العين فزدت قذىً ، وأنزلت معالي الهدى في مغاني الهذا . وتكلمت في حضرتي بشريف الآثار ، كلام من يظن أنه فيها ذو استثيار ، وأنت تعلم أني فارس نقعها المثار . واستشهدت ببعض الأشعار ، فأشهدت أن لمعانيها في ذهنك أشعار ، وكلٌ عارفٌ بأني لا أركب في مضمارها الفرس المعار ، ولا أقنع في معرفة أسرارها بالدثار دون الشعار . وإن كنت تستطيع معي صبرا ، فسأنبئك بما لم تحط به خبرا . حسبي وإياك صيتاً وذكرا ، أن الله سماني خيرا وسماك شرا ، ' إن الإنسان خلق هلوعاً ، إذا مسه الشر جزوعاً ، وإذا مسه الخير منوعاً ' . وجعلني من نعمه التي ذكر بها عباده كثرا ، ' وأمددناكم بأموالٍ وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً ' . بل يشمل سيد البشر هذا المعنى ، ' ووجدك عائلاً فأغنى ' . وإن من دلائل فخري وسعدي ، وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي . وجعلك من المحن التي تسكب عندها العبرات ، ولا تقال في حزونها العثرات ، '(4/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات ' . وإن شئت خفضتك طبقةً أخرى ، ورويت لك ' كاد الفقر أن يكون كفرا ' ، وما جرى هذا المجرى . فأنت المبعد عن طاعة الخالق ، لما تنزل بالخلائق ، من الكرب والمضائق ، وهي القواطع والعوائق . وأنا الذي أيسر لهم سني البضاعات ، المتوقف عليها كثيرٌ من الطاعات . فلولا وجودي ، ووجود جودي ، لم يظفروا بثواب الزكوات والصدقات ، وصلة الأرحام بالنفقات . ومن أعظم هذا المرام ، حج بيت الله الحرام . وهل يستوي الإيسار والإفلاس ، والله لم يدع إلى بيته سوى المياسير من الناس وتعلم كثرة دعاء الأنبياء ، والمقتدين بهم من الأولياء ، بالاستعاذة من جوارك ، والاستقالة من عثارك ، والتضرع إلى الله في محو آثارك . وأما الشعراء فقد هاموا بهجوك في كل واد ، وقاموا بذمك على رؤوس الأشهاد . وأمروا للهرب منك بالتغرب في البلاد ، ومقاساة الأين في ذلك والسهاد ، حتى رأيتُ المُقامَ على الاقْتصادِ . . . قُنوعاً به ذِلَّةٌ في العبادِ وحسبك بيتٌ سار مسير الأمثال في الورى ، فسِرْ في بلادِ اللهِ والْتَمِسِ الغِنَى . . . تَعِشْ ذا يَسارٍ أو تموتَ فتُعْذَرا وقال من أنف من قدرك الحقير : دَعِيني للغنى أسْعَى فإنِّي . . . رأيتُ الناسَ شَرُّهم الفقيرُ ولو عقلت ما فاخرت الأقران ، وقد نظموك والكفر في قران . ما أحْسَنَ الدين والدنيا إذا اجْتمعا . . . وأقْبَحَ الكفرَ والإفْلاسَ بالرَّجُلِ وصعاليك اليهود ، على هذا البيت من الشهود . ولولا ذم الإطرا وخوف الملام ، وأن يقول بعض الفقراء مادح نفسك يقريك السلام ؛ لأوردت عليك ما نظموه في من المدائح ، وصيرت لك در الفرائد من أخلاف القرائح . وكيف لا وأنا علتهم الغائية في نظم مدائحهم المحبرة ، ونعوتهم المحررة ، وأغزالهم الرائقة ، وتخيلاتهم الفائقة . وهل الممدوح إذا مثل المادح لديه ، إلا المعهود الذي أقدره على إطلاق يديه . فخذ إليك غيضاً من فيض ، ولمعةً من روض . وإن أردت زيادة الخوض ، ملأت بهذا السجل لك الحوض . حتى تقول قطني ، فقد ملأت بطني . قال الراوي : فاستجاش الفقر وازبأر ، وزمجر وزأر ، واستوفز وأثأر ، وقال : كلا لا مفر ' إلى ربك يومئذٍ المستقر ' . الآن حمي الوطيس ، والتف الخميس بالخميس . وتكلمت القلوب بألسنةٍ أحد من الصفاح ، بل تكلمت ألسنة العذبات الحمر بأفواه الجراح . مَن صدَّ عن نِيرانِها . . . فأنا ابنُ قَيْسٍ لا بَرَاحُ أيها الغني ، أمثلي تذلل صعابه البرى ، ويركب أعجاز الإبل وإن طال السرى .(4/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
أقسمت بمن جعلني في خلقه آية ، ورفع لي على الطاغين أشهر راية ، وجعلني لمحق الباغين أشأم من ابن داية ؛ لتسمعن مني ما يدعك تقرع بأنامل الندم الثنايا ، وأنا ابن جلا وطلاع الثنايا . أيها الناعم في لباس العجب والتيه ، والزاعم أنه مولى الفضل ومؤتيه ، والنازع إلى أخلاق اللؤم والرداة ، والمنازع رب الكبرياء رداه . لقد افتريت في وصفي ووصفك بمينك ، وأبصرت القذاة في عيني ولم تبصر الجذع في عينك . وصدفت عن مناهج الحق ومشارعه ، وحرفت الكلم عن مواضعه . ولو أنك شداد بن عاد ، ثم متعك الله تعالى بإرم ذات العماد ، وفرعون ذو الأوتاد ، ثم نجوت من اليم بمن معك من الأجناد ، وكليب بن ريبعة ولم يقدر عليك جساسٌ في الحمى ، وأبرهة ولم ترمك طيرٌ أبابيل من السما ، وزهير بن جذيمة ولم تأخذك يد خالد من قريب ، وأبو جهل بن هشام ولم تسحب إلى القليب ؛ لأنفت لك من هذا العجب والاستطالة ، وضجرت منك إذ أطلت هذه الإطالة . لكن لا بدع في ذلك فإنك منبع الطغيان ، بنص القرآن : ' إن الإنسان ليطغى ، أن رآه استغنى ' ، ' أن كان ذا مالٍ وبنين ، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ' . وإن الذي جمع مالاً وعدده ، وحسب أن ماله أخلده ، منك استمد مدده ، وبك أعد في الكفر عدده . وقد قالت أكابر قريش حين لفحتها ريحك العقيم : ' لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم ' . وقد علم مفضلك أو مساويك ، إن لم يعمه حبك عن مساويك ، أن الخلق بك يخسرون ولا يفلحون ، وأنك من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون . فكم قد اقتضى غي أهوائك ، وعي أدوائك ، وسكر شرابك ، ومسكر سرابك أن يقطع السارق ، ويقمع المارق ، ويروع الخائن ، ويصفع المائن ، ويدفع الغاصب القاسط ، ويتبع المحاسب المغالط . وأن يدنس بياض الأعراض ، بسواد دنايا الأغراض ، ويتحكم في صحاح العقول عضال الأمراض ، من الأطماع الحقيقة بالإهمال والإعراض . ويفصح الحريص بالجريض ، عند الحث على الجود والتحريض . وأن يرتكب الحازم ، متون المآثم . يطيب الظنون ، ويقدم السالك في المفاوز والمهالك على ريب المنون . وكم أوقعت فتنتك بين المرء وأبيه ، وخليله وأخيه ، وصاحبته وبنيه ، وفصيلته التي تؤويه ، ومن في الأرض جميعاً ثم لا ينجيه . ولعلك تقول : إن من ذكرت ، وشنعت عليهم وأنكرت ، منك هربوا فلاذوا بسابغ ظلي ، وفي حماك أجدبوا فاستسقوا وبلي وطلي ، فأنت الذي حملتهم على أن يرتكبوا ما ارتكبوا ، حتى حادوا عن القصد ونكبوا ، فعوقبوا ونكبوا . كلا ، إن خرط القتاد ، دوون هذا الإيراد . فمن المعلوم أن كثيراً ممن ظهرت غواياتهم ، وبعدت في الفساد غاياتهم ، قد يرضى لنفسه بسمة القباحة ، مع كوني لم أطرق له ساحة . وإنما يقصد الزيادة من كيلك ، أو التقويم لأودك عند ميلك ، فتعشى عين بصيرته(4/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
في ليلك . وأما من سواهم ، وقليلٌ ما هم ، فلو كان قصده بأفعاله الشنيعة ، إفلاته من حوزتي المنيعة ، لكنت تراه يكتفي بالطفيف الذي يبعده عني ، ولا يتآكد مصاعد التمني والتعني . دليلُك أن الفقرَ خيرٌ من الغنَى . . . وأن قليلَ المالِ خيرٌ من المُثْرِي لقاؤُك شخصاً قد عصى اللّه للِغنَى . . . ولستَ ترى شخصاً عصى اللّهَ للفقرِ ويؤكد هذه الأحكاك الجليلة ، ما أثبتته الأدلة العقلية والنقلية ، أن جمع الأموال ، من وجوه الحلال ، يكاد يدخل في المحال . أما تعلم أن من قابلني بالرضا ، والتسليم للقضا . وكف نظره عن الطماح ، وعامل هواه بالزجر لا بالسماح . ظفر بكنز القناعة ، وطفر عن وهاد الذل والخناعة . وهجر كد الطلب ووباله ، وفرغ بطاعة مولاه خاطره وباله . وتمسك بأوثق الوسائل ، لتحصيل العلوم والفضائل . واستحق أن ينشد لسان افتخاره : غيرِي يُغيِّره فِعالُ الجافِي . . . ويحُول عن شِيَمِ الكريم الوافِي ويرشد عند اختياره : إن الغَنِيَّ هو الغنيُّ بنفْسِه . . . ولَوَ انَّه عارِي المَناكبِ حَافِي وأما من أبغضك وأحبني ، ورفضك وقربني ، وأبعدك وأنت قائمٌ في خدمته كبعض عبيده ، وطردك وأنت باسطٌ ذراعيك بوصيده ، فإنه رجل الدنيا وواحدها ، وطالب الأخرى فواجدها . وحسبك بإبراهيم بن أدهم بعد نزوله من أعلى القصور ، وعمرو بن عبيد وجلالة قدره عند المنصور . دع أهل هذه الطبقة وما حووه من المفاخر ، واتل : ' لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ' . أليس قد ورد عنه صادق النبا ، بأنه قد نشز عنك ونبا ، وقد عرض عليه أن تصير معه جبال تهامة فضة وذهبا ؟ ؟ ثم من العجب زعمك أنك العزيز وأنا الذليل ، وأني الحقير وأنت الجليل . ولو كنت تساوي عفطة عنز أو قلامة حافر ، لما متع الله تعالى بك الفاسق والكافر . وإن زعمت أن لك الفضل والنعمة ، لأن مصاحبك يعد من ألي النعمة ؛ فإن معك من المحن والأكدار ، وهموم الخوف من طوارق الأقدار ، وتوقي سوء السمعة في هذه الدار ، ما لا ينقطع ولا ينتفي ، ولا يستتر ولا يختفي . وَازنْتُ بين مَلِيحِها وقبيحِها . . . فإذا الملاحةُ بالقباحةِ لا تفي وأني يهنأ بعي مستطاب ، من يعلم أن حلالك حسابٌ وحرامك عقاب . وكيف يتحمل منك الإفضال والإنعام ، من يسمع ' يدخل فقراء هذه الأمة الجنة قبل أغنيائها بخمسمائة عام ' . فدونكها غارةً شعواء ، تخبط في عجاجها خبط العشواء ، وداهيةً دهياء ، تحقق عندك أنك الداء العياء . تمنع الحدث الغر أن يصول ، والهرم المجرب أن يقول :(4/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
يا ليْتني فيها جَذَعْ . . . أخُبُّ فيها وأضَعْ وتقرر في العقول ، مفاد المثل المنقول : ما طارَ طيرٌ وارْتفَعْ . . . إلاَّ كما طارَ وَقَعْ قد أصدرتها صيانة المروءة الشرعية ، وحياطة حقوق النفس المرعية ؛ لا بوادر القوة الغضبية ، ونوادر النخوة والحمية . لتفيدك موعظةً حسنة ، وتتلو : لا تستوي السيئة والحسنة . وتنشد البيت الدائر على الألسنة : الخيرُ يَبْقَى وإن طال الزَّمانُ بهِ . . . والشَّرُّ أخْبَثُ ما أوْعَيْتَ مِن زادِ قال راوي الحديث : فما أتم الفقر مقاله ، ورمى عن ظهره أثقاله ؛ أقبل الغني على رأس المجلس وصدره ، وشمس المحفل وبدره . وقال : أيها النفس الشريفة ، مد الله تعالى بك ظلال العقل الوريفة ، إن حال هذا الجاهل طريفة أي طريفه . لقد جهل الجهل المركب ، وركب في غير سرجه هذا المركب . وقصد إذ شوه وجه جمالي ، وأود غصن كمالي ، أن ينشد حرٌّ كريم ، أو ذو أدب قويم : كضَرائرِ الحَسْناءِ قُلْنَ لوجْهِها . . . حَسَداً وبُغْضاً إنه لَذَمِيمُ فيدخل بفحوى العموم في جملة أقراني ، ويصعد بهذا المفهوم إلى أوج قراني . وهيهات هيهات ، أين الثريا من يد المتناول ، ومتى قال السها يا شمس أنت خفية ، وقال الدجى يا صبح لونك حائل . ولو انثالت من جيوش الكلام هذه الجحافل ، في أحقر الأندية والمحافل ، لميز في الحال بين البطل الشجاع ، والخنع اليراع ، وأسقط سقط المتاع ، عن رتبة سكاب الذي لا يعار ولا يباع . فكيف بهذا المجلس الذي انتشرت عليه غمائم الأدب والفضل ، وشرت منه بوارق صوارم القول الفصل ، وارتعدت بصواعق الجد فرائض الهزل ، وهمرت سيول النفع والضر في شعاب التولية والعزل . وإني سأحبس عن القول عناني ، ولا آخذ إلا فيما عناني ، حتى تنحسم أباطيل الأماني ، وتمحي عن صحائف الخواطر وساوس ماني ، وأجازي بالشكر من عرف قدري فأسماني . قال : فبادر الفقر قائلاً : رب إني دعوت هذا الخصم للرشاد ليلاً ونهارا ، ونصحته بالبيان المستفاد سراً وجهارا ، فلم يزده دعائي إلا فرارا ، وإصرارا على الجور واستكبارا . ثم لم يكتف بذلك حتى أخذ يمكر بي مكراً كبارا ، ويتقرب للحضرة السلطانية استظهارا علي واستنصارا ، ويظن أن سينال بذلك لديها إيثارا . كلا والله ، تلك حضرةٌ شوط الباطل فيها قصير ، وهي للحق وأهله نعمت النصير ، ولا يتميز عندها للمتربع فوق السرير ، على الجاثي على الحصير ، وقد وقف الكلام بمنتهاه وغايته وصار إلى مصير . ثم أقبل على العقل ، وقال : يا مولانا الوزير ، أنت المدبر والمشير ، والحاكم على كل مأمور وأمير . وأنت لسان الملك الناطق بلا اعتراض ، ويده المتصرفة في سائر الأغراض ، وطبيب أحكامه الشافي من كل الأمراض ، ولك الأمر ' والذي فطرنا فاقض ' .(4/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
طه : 72 . قال كريم الطباع ، الراوي لهذه الأسجاع : فلما سمع العقل ما قالاه ، ورآى أنهما ألزماه الحكومة وإن عثر ما أقالاه ، لبث هنيئةً ينتظر الإذن في الكلام ، ويحرر من القول ما يخرجه عن الملام . إجلالا للحضرة السلطانية وتبجيلا ، وعملا بما قيل : إن الكلامَ لَفِي الفؤادِ وإنما . . . جُعِلَ اللسانُ على الفؤادِ دليلاَ حتى حصلت له الإشارة ، ووصلت نتائج أفكاره المستشارة . فاستعاذ من الشيطان الرجيم ، وقال : بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد ؛ فإن الحكومة معيار الذمم ، ومحك الهمم . وميزان الفضل والمعرفة ، وميدان الأفكار المتصرفة . وممر أنهار البلاغة والفصاحة ، ومقر أطواد الرصانة والرجاجة ، ومصرع جنوب المودة والصداقة ، لكن في معارك ذوي الجهل والحماقة والحق يأبى الجمع بين النقيضين ، والعقل يحرص على الإصلاح بين البغيضين . والتوفيق عزير ، وخير القول الجامع الوجيز . وبحر المدح والقدح لا تفنى عجائبهم ومَن ذا الذي تُرْضَى سَجاياهُ كُلُّها . . . كفَى المرءَ نُبْلاً أن تُعَدَّ مَعايِبُهْ ومن هنا أيها الفقر والغني ينبغي أن تعلما أنكما أدخلتماني في أضيق من سم الخياط ، وكلفتماني المرور على جهنم فوق الصراط ، وأشق المسالك الشرعية باب الاحتياط . وأنا أستعين الله تعالى وأستهديه ، وأسأله أن يوفقكما لقبول ما أبديه . فقد أجبت السؤال وأطعت ، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت . أما أنت أيها الغنى ؛ فإنك المحمود المذموم ، الميمون المشئوم ؛ المحبوب المبغوض ، المطلوب المرفوض ؛ النافع الضار ، المقيم الفار ، المنبه الغار . وأما أنت أيها الفقر ، فإنك العدو الصديق ، المسعف الرفيق ؛ المشقي المسعد ، المهبط المصعد ؛ الممرض المعافى ، المعرض الوافي ، المخل الكافي ، الناقص الوافي . وأنا أفصل لكما هذين الإجمالين ، وأرفع التناقض بين الاحتمالين ، حتى تنزهاني عن الجهل والمين ، وتنقلبا بحقائق الأمور عالمين . اعلما أن الله لم يخلق شيئاً عبثا ولعبا ، ' ولا يظلم ربك أحداً ' أولاه راحةً أو تعبا . وجميع نعمه ونقمه ، منتظمةٌ في أسلاك حكمه . وكل ما أودعه في عالم الكون والفساد ، ذريعةٌ للعباد إلى كسب الفوز في المعاد . وملاك نتيجة كل قضية ، ما يهدي الله إلى اختياره حضرة النفس الإنسانية . وقد أحلكما الله تعالى بين عباده في مواقع ، يجوزها الشرع ولا يدافع ، من أوفاها حقها ظفر بالعمل النافع ، ومنقصر جوزي بعذابٍ واقع ، ماله من دافع . فيكون الغنى منحةً استوجبها المطيع فحواها ، أو مصلحةً لا يصلح العبد سواها . أو محنةً للاختبار والابتلا ، أو فتنةً للاستدراج والإملا . ويكون الفقر نقمةً طبق الاستحقاق المسطور ، أو نعمةً لتنزيه النفوس الشريفة عن متاع الغرور . ويشارك الغنى في الابتلاء والاختبار ، والمصلحة التي يعلمها الحكيم المختار . فحق المحبو بالغنى أن لا يألو جهداً ، في أن(4/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
يوالي شكراً وحمدا . وأن يتوصل به لاكتساب الأخرى ، ويتصرف فيه بما هو الأولى والأحرى . ويتخرج من عهدة النوافل والحقوق ، ويتحرج عن وصمة التغافل والعقوق . ويستعيذ بالله من إملائه وفتنته ، ويحذر أن تغلب الغفلة على فطنته . وإياه ثم إياه ، أن يشغله عن مولاه . وتحت هذا الإجمال تفصيلٌ طويل ، الويل لمن أضرب عنه والعويل . وحق الممنو بالفقر أن يأخذ بالرضا والتسليم ، ويقابل حكم الحكيم بقلبٍ سليم . ويكشره على آلائه ، حيث اختصه بشعار أنبيائه وأوليائه . وينيب إلى باريه بالتوبة ، ويستعيذ به من شؤم الإثم والحوبة . ويعتاض بعز القناعة والكفاف ، ويرتاض على الزهد والعفاف . ويعتصم بحبل التقى ، ويحذر من التخلص بالشفا من الشقا . ولا ييأس من روح الفرج ، وإن عز في الضيق المخرج . ولا يدع التلطف في الحيلة ، لتكلف المظاهر الجميلة . فهذه السنن المتبعة ، مقنعة في الخرج من عهدة المواقع الأربعة . إذا علم هذا وتقرر ، وثبت لديكما وتحرر ، فاعلما أن كل واحدٍ منكما جاور من هذه صفاته ، وحاور من لا تصدع بالجهل صفاته . فهو في معرك المفاخرة فارس الصفين ، والحائز للقسم المحمود من الوصفين . وإلا فهو المتسم بالوصف الأخير ، الحري وإن قدم بالتأخير . ثم إن أبيتما ، إلا التمييز في الصفات بينكما ، فأنت أيها الغني كالسيف الصقيل ، يضيء حده في أعناق المعتدين والمهتدين ، والجواد الأصيل يصلح حده لقطع السبل ولإعزاز الدين . فلك الفخر الذي يزاحم الكواكب بالمناكب ، لكن بعد النظر إلى الضارب والراكب . وأنت أيها الفقر كالبحر الأجاج ، يجري فيه الفلك مواخر ، ويستخرج منه الدر الفاخر . والقفر العجاج ، ينجو سالكه من طلب أعدائه ، ويرجو عند انتهاء السير لقاء أودائه . فأنت الحائز للمفاخر ، لكن باعتبار العواقب والأواخر . ثم إني أقول ولا أخشى ملامة ، إن الفقر أدل على منهج الاستقامة ، وأقرب إلى ساحل السلامة . وإن كان الغنى إذا كشف عن صاحبه الرين ، ووفق على عزة التوفيق لأحمد الاختيارين ، فهو الظافر بسعادة الدارين . وبهذا التأصيل الوثيق ، والتفصيل المطابق للتحقيق ، يرتفع التناقض بين ما أوردتماه من الحجج ، وقلتماه عند الخوض في تلك اللجج . فتأملاه بعين البصيرة ، وتناولاه بيدٍ غير قصيرة . وعلى كل حال فأنا الممتحن المبتلى بكما ، والمرآة المجلى فيها شكلكما . ولم يكفكما تكليفي المشاق منفردين ، حتى جئتماني مجتمعين ، وحملتماني ما لو عرض على الجبال لأبين . وأنا أسأل الله تعالى أن يمنح حكمي القبول ، ويوفق بينكما بالإصلاح وهيهات أن تتفق الدبور والقبول . قال راوي الحديث : فلما سمع الغنى والفقر ما جلاه العقل من الدلائل ، وعلما أنه لم يبق مقالاً لقائل ، ولا مصالاً لصائل ، قاما حامدين للحكومة راضيين ، وانطلقا لشأنهما كالسيفين الماضيين . وتفرق أرباب المجلس وكلٌّ يقول : هذا هو الحكم العدل ، والمنطق الفصل ، ولواهب العقل جزيل الحمد والمنة والفضل .(4/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
محمد بن أحمد حكيم الملك
بضم الميم وسكون اللام جواد لا يشق غباره ، وكامل خلص من الزيف عياره . سرح في فنون العلم وسام ، واجتلى وجوه خطاياه وهي نضرة وسام . وهو من بيت رياسةٍ وجلالة ، وقومٍ لم يرثوا المجد عن كلالة . وكان لسلفه عند ملوك الهند آل تيمور ، محلٌّ بندى أكفهم معمور ، ومنزل بفائض عوارفهم مغمور . ولما ورد جده مكة المشرفة ، قصد آل الحسن السادة ، فأحلوه المحل الذي ينبيه أعين الحسادة . وولد صاحب الترجمة بمكة ، فنشأ في بيت مجدٍ علا قدره ، ورضع من ضرع ذلك المحتد فلله دره . فجمع بين تليد المجد وطريفه ، وقال من ظل الرعاية في فسيحه ووريفه . قال ابن معصوم : ولم يزل متبعا تلك الدار ، محمود الإيراد والإصدار . مع تمسكه من سلطانها الشريف محسن بالعروة الوثقى التي لا تنفصم ، وحلوله لديه بالمكانة التي ما حلها ابن دؤاد عند المعتصم . حتى حصل عليه من الشريف أحمد بن عبد المطلب ما حصل ، لما انحل عقد ولاية الشريف محسن منها وانفصل . فكان ممن نهب الشريف داره وماله ، وقطع من الأمان أمانيه وآماله . فالتجأ إلى بعض الأشراف ، فأمنه على نفسه بعد مشاهدة الوقوف على الهلاك والإشراف . ثم سار مختفيا إلى اليمن ، واستمر حتى قتل ابن عبد المطلب ، فلم ير من شريف مكة السيد مسعود ما كان يأمله قبل ، فتوجه إلى الهند فألقى بها عصاه ، إلى أن بلغ من العمر أقصاه . انتهى . ومن شعره الذي أخذ بكل معنى ، وتعطر بمشام ذكره كل مغنى . قوله : صَوادِحُ الْبانِ وَهْناً شَجْوُها بادِي . . . فمن مُعِينُ فتىً في فَتِّ أكْبادِ صَبٌّ إذا غنَّتِ الورْقاءُ أرَّقهُ . . . تَذْكيرُها نَغَمات الشادِنِ الشادِي(4/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
فبات يرعُف من جَفْنيْهِ تحسَبُه . . . يُرَجْرِج المَدْمَعَ الوَكَّافَ بالجادِي جافِي المضاجعِ إلْفُ السُّهْدِ ساوَرَه . . . سَمُّ الأساوِدِ أو أنْيابُ آسادِ له إذا الليل وَارَاهُ نَشِيجُ شَجٍ . . . وجَذْوةٌ في حَشاهُ ذاتُ إيقادِ سُمَّارُه حين يُضْنيه تَوَحُّشُه . . . فيَشْرَئِبُّ إلى تأْسِيسِ عُوَّادِ وَجْدٌ وهَمٌّ وأشْجانٌ وبَرْحُ جَوىً . . . ولَوعةٌ تتلظَّى والأسى سَادِي أضْناهُ تفْريقُ شَمْلٍ ظَلَّ مُجتمِعاً . . . وضَنَّ بالعَوْدِ دَهْرٌ خَطْبُه عادِي فالعمرُ ما بين ضَنٍ ينْقضِي وضَنىً . . . والدهرُ ما بين إيعادٍ وإبْعادِ لا وَصْلَ سَلْمَى وذاتِ الخالِ يرْقُبُه . . . ولا يُؤمِّل من سُعْدَى لإسْعادِ أضْنَى فؤاديَ واسْتَوْهَى قُوَى خلَدِي . . . أقْوَى مَلاعبَ بين الهُضْبِ والوادِي عَفَّتْ مَحاسنُها الأيامُ فانْدَرستْ . . . واسْتبْدلَتْ وَحْشةً من أُنْسِها البادِي وعاث صَرْفُ الليالي في مَعالِمها . . . فما يُجيبُ الصَّدَى فيها سِوَى الصَّادِي دَوارِجُ المَوْرِ مارتْ في مَعاهدِها . . . فغادرَتْها عَفَا السَّاحاتِ والنادِي وصَوَّحتْ بالبِلَى أطْلالُها وخَلَتْ . . . رِحابُها الفِيحُ من هَيْدٍ ومِن هادِي كأنها لم تكنْ يوماً لِبيضِ مَهاً . . . مَراتِعاً قد خلَتْ فيهنَّ من هادِ ولم تظَلَّ مَغانيها بغانيةٍ . . . تُغْنِي إذا ما رَدَى من بَدْرِها رَادِي ولا تثَنَّتْ بها لَمْياءُ ساحِبةً . . . ذَيْلَ النعيم دَلالاً بين أنْدادِ فارقْتُها وكأنِّي لم أظَلَّ بها . . . في ظِلِّ عَيْشٍ يُجلِّي عُذْرَ حَسَّادِ أجْنِي قُطوفَ فُكاهاتٍ مُحاضرةً . . . طَوْراً وطوراً أُناغِي رُتْبة الهادِي هَيْفاءُ يُزْرِي إذا ماسَتْ تمايُلُها . . . بأمْلَدٍ من غصونِ الْبانِ مَيَّادِ بجانبِ الجيدِ يَهْوِي القُرْطُ مُرْتعِداً . . . مَهْواهُ جِدُّ سَحِيقٍ فوق أكْتادِ شِفاهُها بين حُقِّ الدُّرِّ قد خَزنتْ . . . ذخيرةَ النَّحَلِ مَمْزُوجاً بها الجْادِي إذا نَضَتْ عن مُحَيَّاها النَّقابَ صَبَا . . . مُسْتهْتَراً كلُّ سَجَّادٍ وعَبَّادِ وإن تجلَّتْ ففيما قد جَلَتْه دُجىً . . . لنا به في الدَّآدِي أيُّما هادِي وَمِيضُ بَرْقِ ثَناياها إذا ابتسمتْ . . . بعَأرضِ الدَّمْعِ مِن مَهْجورِها حَادِي وناظِرانِ لها يَرْتَدُّ طَرفُهما . . . مهما رَنَتْ عن قتيلٍ ما له وَادِي وصُبْحُ غُرّتِها في ليلِ طُرَّتِها . . . يَوْمايَ من وصلِها أو هجرِها العادِي تلك الربوعُ التي كانت مَلاعبُها . . . أخْنَى عليها الذي أخْنَى على عادِ إلى مَلاعب غِزْلانِ الصَّرِيمِ بها . . . يَحِنُّ قلبي المُعَنَّى ما شدَا شَادِي بُعْداً لدهرٍ رماني بالفِراقِ بها . . . ولا سَقَى كَنفيْه الرّائحُ الغادِي(4/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
عَمْرِي لئن عظُمتْ تلك القَوادِحُ من . . . خُطوبِه وتعدَّتْ حَدَّ تَعْدادِ لقد نسِيتُ وأنْسَتني بَوائقُه . . . تلك التي دَهْدَهتْ أصْلاً وأطْوادِ مَصارِعٌ لِبَني الزَّهْرا وأحمد قد . . . أذْكَرْنَ فَخّاً ومَن أرْدَى به الهادي لفَقْدِهم وعلى المَطْلولِ من دَمهِم . . . تبكي السماء بمُزْنٍ رائحٍ غادِي وشَقَّ جَيْبَ الغمامِ البَرْقُ من حَزَنٍ . . . عليهمُ لا على أبْناءِ عَبَّادِ كانوا كعِقْدٍ بجيدِ الدهرِ مُذْ فَرطَتْ . . . من ذاك وَاسِطةٌ أوْدَى بتَبْدادِ وهو المَليكُ الذي للمُلْكِ كان حِمىً . . . مُذْ ماسَ من بُرْدِه في خَزِّ أبْرادِ كانت لجيرانِ ببيتِ اللّهِ دولتُه . . . مِهادَ أمْنٍ بِسَرْحِ الخيفِ ذَوَّادِ وكان طَوْداً لِدَسْتِ المُلْكِ مُحْتبياً . . . ولاقْتناصِ المَعالي أيَّ نَهّادِ ثَوَى بصَنْعا فيا للّهِ ما اشْتملَتْ . . . عليه من مجدهِ في ضِيقِ ألْحادِ فقد حَوَيْتِ به صَنْعاءُ من شَرَفٍ . . . كما حَوَتْ صَعْدةٌ بالسيِّد الهادِي فحبَّذا أنتِ يا صَنْعاءُ من بلدٍ . . . ولا تغَشَّى زياداً وَكْفُ رَعَّادِ مُصابُه كان رُزْءاً لا يُوازِنُه . . . رُزْءٌ ومِفْتاحَ أرْزاءٍ وأسْبادِ وكان رَأْساً على الأشْرافِ منذ هوَى . . . تتابَعُوا بعده عن شِبْهِ مِيعادِ لَهْفَ المُضافِ إذا ما أزْمَةٌ أزَمتْ . . . من قطبِ نائبةٍ للمَتْنِ هَدَّادِ لَهْفَ المُضافِ إذا ما أقْلحتْ سَنَةٌ . . . يَضِنُّ في مَحْلِها الطَّائيُّ بالزَّادِ لَهْفَ المُضافِ إذا كَرُّ الجِيادِ لدَى . . . حَرّ الجِلادِ أثار النَّقْعَ بالوادِي لَهْفَ المُضافِ إذا ما يُسْتباحُ حِمىً . . . لفَقْدِ حَامٍ بِورْدِ الكَرِّ عَوَّادِ لَهْفَ المُضافِ إذا جُلَّى به نزلَتْ . . . ولم يَجِدْ كاشِفاً منها بمِرْصادِ لَهْفَ المُضافِ إذا نادَى الصَّرِيخُ ولم . . . يجِدْ له مصرخاً كالغيثِ للصَّادِي لَهْفَ المُضافِ إذا الدهرُ العَسُوفُ سَطَا . . . بضَيْمِ جارٍ لنُزْلِ العِزِّ مُعْتادِ بل لهفَ كُلِّ ذوِي الآمالِ قاطبةً . . . عليهمُ خيرُ مُرْتادٍ لِمُرْتادِ كانتْ بهم تَزْدهِي في السِّلْمِ أنْدِيةٌ . . . وفي الوغَى كُلُّ قَدَّادٍ ومُنْآدِ على الأرائِك أقْمارٌ تُضِيءُ ومِن . . . تحت التَّرائِك آسادٌ لمستادِ تشكُو عِداهم إذا شاكِي السِّلاح بَدَا . . . شَكَّ القَنَا ما ضَفَا من نَسْجِ أبْرادِ إلى النُّحورِ وما تحوِي الصدورُ وما . . . وَارَتْه في جُنْحِها ظُلماتُ أجْسادِ جَنَى جَنىً قلقاً تحْوِي جَآجِئُها . . . ممّا يُقَصِّد فيها كلُّ قَصَّادِ بَأدُوا فباد من الدنيا بأجْمعِها . . . مَن كان فكَّاكَ أصْفادٍ بإصْفادِ وقد ذَوتْ زَهْرةُ الدنيا لِفَقْدِهمُ . . . وأُلبِستْ بعدهم أثْوابَ إحْدادِ(4/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
واجْتُثَّ غَرْسُ الأماني من فَجِيعتهم . . . وأنْشَد الدهرُ تقْنيطاً لِرُوَّادِ يا ضيفُ أقفْرَ بيتُ المَكْرُماتِ فخُذْ . . . في جَمْعِ رَحْلِك واجمعْ فَضْلَة الزَّادِ يا قلبُ لا تبْتئِسْ من هَوْلِ مَصْرَعِهمْ . . . وعَزِّ نفسَك في بُؤْسٍ وأنْكادِ بمَن غدا خَلَفاً يا حبَّذَا خَلَفٌ . . . في المُلْكِ عن خيرِ آباءٍ وأجدادِ بحائزٍ إرْثَهم حاوٍ مَفاخِرَهم . . . كما حَوى الألْفُ من آحادِ أعْدادِ وذاك زيدٌ أدام اللّهُ دولتَه . . . وزاده منه تأييداً بإمدادِ سمَا به النَّسَبُ الوَضَّاحُ حيث غدا . . . طَرِيفُه جامعاً أشْتاتَ أتْلادِ لقد حوَى من رَفِيعاتِ المَكارمِ ما . . . يكْفِي لمَفْخرِ أجْدادٍ وأحْفادِ أليس قد نالَ مُلْكاً في شَبِيبتِه . . . ما ناله مًن سعَى أعْمارَ آبادِ أليس في وَهَجِ الهَيْجا مَواقِفُه . . . مَشْكورةً بين أعداءٍ وأضْدادِ أليس أسْبَحَ في التَّنْعيمِ سابِحَه . . . لُجَّ المَنايا ليُحْيِي فَلَّ أجْنادِ أليس يومَ العَطا تحْكِي أنامِلُه . . . خُلْجانَ بحرٍ بفَيْضٍ التِّبْرِ مَدَّادِ أليس قد لاحَ في تَأْسِيسِ دولتِه . . . من جَدِّه المصطفى رمزٌ بإرْشادِ دامتْ مَعالِيه والنُّعْمَى بذاك له . . . يَصُونُها وهْو مَلْحوظٌ بإسْعادِ ما لاح بَرْقٌ وما غَنَّتْ على فَنَنٍ . . . صَوادِحُ الْبلانِ وَهْنا شَجْوُها بادِي قوله : أليس قد لاح في تأسيس دولته ، يشير به إلى ما وقع للشريف زيد ، فإنه لما ورد الأمر السلطاني بولايته الحرمين ، وكان إذ ذاك بالمدينة المنورة ، قصد زياة النبي e ، فأراد الخدم أن يفتحوا الباب ، فوجدوه مفتوحاً ، وكانوا قد أغلقوه من قبل ، فعلم الناس أنه إشارةٌ إلى الفتح . ومن لطائفه قوله من كتاب : سقى الدمعُ مَغْنَى الوَابِليَّةِ بالحِمَى . . . سَواجِمَ تُغْنِي جانِبَيْه عن الوَبْلِ ولا برِحتْ عيني تنُوبُ عن الْحَيَا . . . بدمعٍ على تلك المَناهلِ مُنْهَلِّ مَغاني الغوانِي والشَّبيبةِ والصِّبا . . . ومَأْوَى المَوالِي والعشيرةِ والأهلِ سَقاها الْحَيا من أرْبُعٍ وطُلولِ . . . حكَتْ دَنَفِي من بعدهم ونُحولِي سَقا صَوْبُ الْحَيا دِمَناً . . . بجَرْعاءِ اللِّوَى دُرْسَا وزاد مَحلَّكِ المَأْنُو . . . سَ يا دار الهوَى أُنْسَا لئِن درَستْ رُبوعُك فالْ . . . هَوى العُذْرِيُّ ما دَرسَا إنما المحافظة على الرسوم والآداب ، والملاحظة للعوائد المألوفة في افتتاح(4/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
الخطاب ، لمن يملك أمره إذا اعتن ذكر زينب والرباب ، ولم تحكم عقال عقله يد النوى والاغتراب . وليست لمن كلما لاح بارقٌ ببرقة ثهمد ، فكأنه أخو جنة مما يقوم ويقعد . تتقاذفه أمواج الأحزان ، وتترامى به طوائح الهواجس إلى كل مكان . فهو وإن كان فيما ترى العين قاطناً بحيٍ من الأحياء ، يَوْماً بحُزْوَى ويوما بالعَقِيقِ وبالْ . . . غُوَيرِ يوماً ويوما بالخُلَيْصاءِ لا يأتلي مقسم العزمات ، منفصم عرى العزيمات . لا يقر قراره ، ولا يرجى اصطباره . إن روح القلب بذكر المنحنى أقام الحنين حنايا ضلوعه ، أو استروح روح الفرج من ذكر الخيف بمنىً أو مضت بوارق زفراته تحدو بعارض دموعه . مَن تمنَّى مالاً وحُسْنَ مآلٍ . . . فمُنايَ مِنىً وأقْصَى مُرادِي فيا له من قلبٍ لا يهدأ خفوقه ولا تني لامعةً بروقه ، ولا يبرح من شمول الأحزان صبوحه وغبوقه . يساور هموماً فما مساورة ضئيلةٍ من الرقش ، ويناجي أحزاناً لو لابس بعضها الصخر الأصم لانهش ، ويركب من أخطار الوحشة أهوالاً دونها ركوب النعش . يحن إلى مواضع إيناسه ، ويرتاح إلى مواضع غزلان صريمه وكناسه ، ويندب أيام يستثمر الطرب من أفنان أغراسه . أيامَ كنتُ من اللُّغوبِ مُراحَا أيامَ لا الواشِي يَعُدُّ ضَلالةً . . . وَلَهِي عليه ولا العَذُولُ يُؤنِّبُ أيَّامَ ليلَى تُرينِي الشمسَ طَلْعتُها . . . بعد الغروبِ بدَتْ في أُفْقِ أزْرارِ أيامَ شَرْخُ شبابِي رَوضةٌ أُنُفٌ . . . ما رِيع منه برَوْعِ الشَّيْبِ رَيْعانُ أيامَ غُصْنِيَ لَدْنٌ من نَضارتِه . . . أصْبُو إلى غيرِ جاراتِ وحاراتي ثم انْقضَتْ تلكَ السِّنُون وأهْلُها لم يَبْقَ منها لِمُشتاقٍ إذا ذكَرا . . . إلاَّ لَواعِجُ وَجْدٍ تبعثُ الفِكَرَا ولم يُبْقِ منِّي الشوقُ إلاَّ تفكُّرِي . . . فلو شئتُ أن أبكي بكيْتُ تفكُّرَا لم أكن على مفارقة الأحباب جلداً فأقول وهي جلدي ، وإنما هي تجلدي ، مما حملت من النوائب على كتدي ، وفتت صروف البين المشتت من أفلاذ كبدي .(4/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
جرَّبتُ من صَرْفْ دهرِي كلَّ نائبةٍ . . . أمَرَّ من فُرْقةِ الأحْبابِ لم أجِدِ فِراقاً قضَى أن لا تَأسِّيَ بعدما . . . مَضَى مُنْجِداً صبرِي وأوْغَلْتُ مُتْهِمَا خليليَّ إن لم تُسْعِداني على البُكا . . . فلا أنْتُما منِّي ولا أنا منكُمَا وحَسَّنْتُما لي سَلْوةً وتناسِياً . . . ولم تذكُرا كيف السبيلُ إليهمَا
حفيده صالح بن إبراهيم الحكيم
روح الروح وثمرة الفؤاد ، ومحله من الفضل محل السويداء من القلب والإنسان من السواد . وقد من الله تعالى في الحرم الشريف بلقائه ، وكنت قبل ذلك أستروح نسيم الود من تلقائه . فاتخذته ثمة نجياً ، وعاطيته ريحان الصداقة جنياً . أستشعر من جهته نفس العافية ، وأتمسح منه باليد الشافية . فهو للقلب نجيٌّ وللروح سمير ، ويكاد يؤكل بالمنى ويشرب بالضمير . يفاوح أرجه أزاهير الأدواح ، ويبعث نسيمه طيب الحياة للأرواح . إلى طلعةٍ نورها في فلك القبول شارق ، وطبيعةٍ إذا ذقت جناها وشمت سناها تذكرت ما بين العذيب وبارق . وله محاضرةٌ هي غرام كل صبٍ متيم ، ومعاضدةٌ إذا مرضت حاجةٌ كان لها ابن مريم . وأما طبه فلو عالج الدهر لأمن في نفسه النقم ، أو داوى الحياة لما طاف بها السقم . وقد تناولت من أشعاره ما هو شفاءٌ للصدور ، وخفرٌ في وجوه البدور . فمن ذلك قوله من قصيدة : يا مخجِلَ البِيضِ البَواتِرْ . . . بالسُّودِ من تلك النَّواظِرْ الفاتكاتِ القاتِلاتِ الذُّ . . . بِّلِ الوُطْفِ الفَواتِرْ عَجبَاً لها تُمْسِي الأُسو . . . د وهُنَّ أجْفانُ الجآذِرْ غازَلْتُ منها مُقْلةً . . . غزلَتْ وحاكتْ كلَّ باتِرْ يرْنو بها الرَّشَأُ الأغَنُّ . . . الأحْورُ الخِشْفُ المُنافِرْ ظَبْيٌ حَشايَ كِناسُه . . . ومَقَرُّه حيث السَّرائِرْ قمرَ العقولَ بحُسْنِه . . . أفْدِيه من قَمَرٍ وقامِرْ لَمَعتْ بَوارِقُ ثَغْرِه . . . فانْهَلَّ مِن جَفْنَيَّ ماطِرْ بمَباسمٍ قد نُظِّمتْ . . . في سِلْكِ مَرْجانٍ جَواهِرْ وبدا صباحُ جَبِينِه . . . فانْجاب لي ليلُ الضِّفائِرْ واهْتزَّ غصنُ قَوامِه . . . وغدا الفؤادُ عليه طائرْ والرِّدْفُ أخفَى خَصْرَه . . . فلذا عليه الكَشْحُ دائرْ(4/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
يا قلبُ مالك سَلْوةٌ . . . كلاَّ ولا للوجدِ آخرْ عذَل العَذُولُ ومُذ رأَى . . . بَاهِي المُحَيَّا عاد عاذِرْ أجْرَيْتُ وُقْفَ مَدامعِي . . . وإلى لِقاهُ الطَّرْفُ ناظرْ وكذا نَجِيعُ نُضارِها . . . بتصَعُّدِ الأنْفاسِ قاطِرْ هجرَ الحبيبُ وليْته . . . لو كان للهِجْران هاجرْ أبْكِي فيضحكُ هازئاً . . . ولسائلِ العَبَرات ناهِرْ يا رَبَّةَ الحُسْنِ الذي . . . بجمَالِه بهرَ النَّواظِرْ رِقِّي لرِقٍ طَرْفُه . . . يرعَى السُّها والطَّرْفُ ساهرْ ما شام بارِقَ لَعْلَعٍ . . . إلاَّ غدا هامٍ وهامِرْ حيثُ الظِّباءُ سَوانِحٌ . . . غِيدٌ حَبائلُها الغدَائرْ من كلِّ رُودٍ كَحَّلتْ . . . بالسِّحرِ هاتيك المَحاجرْ سلَبتْ فؤادي غادةٌ . . . مِنْهنَّ تلعب بالخواطِرْ أفْدِي مُحيَّاها الذي . . . صُبْحُ الجَبِين عليه سافِرْ سدَلتْ عليه جَعِيدَها . . . والليلُ للإصْباحِ ساترْ لا تسْتُرِي قمراً بَدَا . . . ليلُ المُحبِّ بغيرِ آخرْ وقوله من أخرى ، أولها : سَلُوا الرَّكبَ عن سَلْمَى وأين بها شَطُّوا . . . وهل خيَّمت بالجِزْع أم دارُها الشَّطُّ وهل عندها عِلْمٌ بما صنعَ النَّوَى . . . وما جدَّد الشوقُ المُبرِّحُ والشَّحْطُ وهل نزَلتْ بالسَّفْحِ من أيْمَنِ اللِّوَى . . . وغَرَّدها القُمْرِي وظَلُّلها الخَمْطُ وهل ذكَرتْ يوم الوَداعِ وأدْمُعِي . . . بخدِّي حكاه الرَّسْمُ خَدَّده النَّقْطُ وهل بارِقٌ ما شِمْتُه أم تبسَّمتْ . . . سُلَيْمَى فضاء الثَّغْرُ أو لمَع القُرْطُ رَدَاحٌ لها في كلِّ قلبٍ مُخَيَّمٌ . . . وليس لمَفْتونٍ سوى حُبِّها قَطُّ أباح لها وَالِي الهَوى من قلوبِنا . . . فمهما تَشا من ذي السُّوَيْداء تخْتَطُّ لها مَبْسَمٌ حُلْوٌ تَنظَّم دُرُّه . . . على سِلْكِ مَرْجانٍ فضاءَ لنا السِّمْطُ كأن مُذابَ الشُّهْد في بَرَدِ اللَّمَى . . . وفي ضِمْن هذا الألْعَسِ العَذْبِ إسْفَنْطُ تُسدِّد نحوي أسْهُماً من جُفونِها . . . مُرَيَّشَةً حَبُّ القلوبِ لها لَقْطُ فتُصْمِي بها قَدّاً يميلُ به الصِّبا . . . كغُصْنٍ أمالتْه الصَّبَا عندما تخْطُو وتضْفِر من ليلِ الجَعِيدِ ذَوائباً . . . غدائر منها للنُّهَى الحَلُّ والرَّبْطُ(4/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
عَقِيلةُ سِرْبٍ كالْمَها في الْتفاتِها . . . تُعِير الظِّبا طَرْفاً وجِيداً إذا تَعْطُو من الأمْجريَّات اللَّواتِي سَبَيْنَنَا . . . بشَرْطٍ من الحُسن البديع له شَرْطُ من الناعماتِ السُّمْرِ مَن عطَّر الحِمَى . . . شَذاها إذا مَرّتْ به إثْرَها المِرْطُ فَدَيْتُ تجَنِّيها ولُطْفَ دَلالِها . . . وإن راعَها مِنِّي بعَارِضِيَ الوَخْطُ أعَاذِلتي كُفِّي المَلامَ فليس لي . . . على بُعْدِها صَبْرٌ ولو دُونَها الخَرْطُ ولم أدْرِ أن الحبَّ يقْدَح زَنْدَه . . . لقلبِي وأن النار أوَّلها سِقْطُ سأركبُ مَتْنَ الصَّعْبِ في طُرْقِ وَصْلِها . . . ولو أنها العَشْوا وسَيْرِي بها خَبْطُ وأغْشَى حِماها والمُهنَّدُ صاحِبي . . . ولو أن في ذاك الحِمَى ينْبُت الخَطُّ وأرْوِي ظَمَا حَرَّي ببارِد رِيقِها . . . وألْوِي عليها الزَّنْدَ لو مَسَّها الضَّغْطُ وأشكُو إليها ما لقِيتُ بحبِّها . . . ومن فَرْطِ أشْواقي بها أدْمُعِي فُرْطُ وقوله من أخرى ، مستهلها : مَغانِي الغوانِي لا عَدا الرَّبْعَ هَطَّالُ . . . ولا زال مُخْضَلاَّ بكِ الشِّيحُ والضَّالُ ولا سجَعتْ وُرْقُ الحَمامِ على سِوَى . . . غصُونك يا مَرْمىً به الغِيدُ نُزَّالُ سقاك وحَيَّاك وحَيَّى منازِلاً . . . لقد كان لي فيهنَّ حَظٌّ وإقْبالُ أروحُ وأغْدُو بالكَثِيب ولي به . . . رَداحٌ لها من آل يافِثَ أخْوالُ مُعَسَّلةُ الأنْيابِ أمَّا شَتِيتُها . . . فدُرٌّ وأما رِيقُها فهو جِرْيالُ يجُولُ على تلك الَّلآلِي كأنه . . . مُذابُ سَلِيل الشُّهْدِ أو هو سَلْسالُ حَمَى رِيقَها المعسولَ أبْيَضُ صارِمٌ . . . من قَدِّها الممشوقِ أسْمَرُ عَسَّالُ تُعير الْمَها منها الْتفاتاً ونَظْرة . . . وترْنو كما يرْنو إلى الخِشْفِ مِطْفالُ لها شَرْطُ حسنٍ فوق تُفَّاحِ خَدِّها . . . ومِن فوق ذاك الشَّرْطِ مِسْكٌ هو الخالُ ورُمَّانتا نَهْدٍ على غُصن بَانةٍ . . . به فَرْطُ حُبِّي إن تحقَّق عُذَّالُ وتسْدِل من ليل الجَعِيدِ ذَوائباً . . . يُجاذِبُ هاتيك الذَّوائبَ خَلْخالُ وتُقْعِدها عند النُّهوضِ رَوادِفٌ . . . تَميل بغُصْنِ القَدِّ والقَدُّ مَيَّالُ فلا تهْجُرِيني إنَّ هَجْرِي ظُلامةٌ . . . وجُرْحُ فؤادِي ماله اليومَ إدْمالُ عسى عَطْفةٌ يَحْيى بها مَيِّتُ الهوى . . . رُبوعُ اصْطبارِي بعد بُعْدِك أطْلالُ ويغْفَى مُحِبٌّ دَأْبُه السُّهْدُ والبُكا . . . كأن بعيْنيه المدامعَ أسْجالُ يبِيتُ على جَمْرِ الغَضا وهو فَرْشُه . . . ويصْلَى بنار الحبِّ والحبُّ فَعَّالُ صِلينِي أنا الوافِي العهودَ على القِلَى . . . وجَوْرُ الهوى عَدْلٌ ومَيْلٌ إذا مالُوا ولا الصَّبُّ إلاَّ ما يرى الصَّابَ شُهْدَه . . . ويعلمُ أن الصبرَ حُلْوٌ إذا حالُوا(4/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
فَدَيْتُ الجفا منها وإن كان ضَائِرِي . . . وعشْقي سُلَيْمى لا محَالَة قَتّالُ أُكتِّم جُهْدِي حُبَّها وهو ناحِلِي . . . ويفْضحني دمعٌ على الخدِّ سَيَّالُ أحِنُّ إلى سَلْمَى على قُرْبِ دارِها . . . حَنِينَ فَقِيدِ الإلْفِ أضْناه بَلْبَالُ ويُنْشِد قلبي كلما ارْتاع للنَّوى . . . وأضْناه تَذْكارٌ وحالتْ به حالُ أيا دارَها بالخَيْف إن مَزارَها . . . قريبٌ ولكن دون ذلك أهْوالُ وكتب إلي هذه القصيدة ، طالباً مراجعتي : قَوامٌ أنْبتَ الرُّمَّانَ نَهْدَا . . . وغُصْنٌ ماسَ أم قَدٌّ تبدَّى وبَرْقٌ ما أرى أم دُرُّ ثَغْرٍ . . . يُنظِّمه بديعُ الحسن عِقْدَا ووَجناتٌ على تُفَّاحِ خَدٍ . . . متى أبْدَى لنا التفاحُ وَرْدَا وآسُ سَوالِفٍ ما خِلْتُ أم ذا . . . صَفاءُ الخدِّ ظِلَّ الهُدْب مَدَّا ومالَكِ يا غَزالةُ من شَبِيهٍ . . . سوى شِبْهِ الضُّحَى والبدرِ نِدَّا وأنك قد أعَرْتِ الظَّبْيَ جِيداً . . . وعَيْناً والغصونَ الهِيفَ قَدَّا وما الحسنُ البديعُ وإن تَناهَى . . . سوى مِن بعضِ مَعْناكِ اسْتمدَّا بمَن أَوْلاك مُلْكَ الحسن فينا . . . وصيَّر كلَّ حُرٍ فيكِ عبدَا صِلِي حبلَ الودادِ بحبلِ وَعْدِي . . . لقد جاوَزْتِ في التَّسْويفِ حَدَّا وما سَكَنِي سِوَى عَهْدِي قديماً . . . وما أنا ناكِثٌ ما عِشْتُ عهدَا مُقِيمٌ بالعَقِيقِ وبالمُصَلَّى . . . أُبَوَّأُ منهما بَاناً ورَنْدَا أُغازِلُ فيه أجْفانَ الغَوانِ . . . وألثِم زينباً وأضُمُّ هِنْدَا وأرشُفُ من رُضابِ الغِيدِ رَاحاً . . . تُعِيد لَهِيبَ ما أشكُوه بَرْدَا وأنْظِم من ثَناياها عقوداً . . . كنَظْمِي مدحَ مولانا المُفَدَّى محمد الأمين ومَن تَسامَى . . . شريفٌ قد علا كرماً ومَجْدَا من القومِ الذين بَنتْ مَعَدٌّ . . . بهم فوق السِّماكِ ثَناً وحمدَا أعَزُّوا الدينَ بالسُّمْرِ العَوالِي . . . وحازُوا الفَخْرَ شِيباناً ومُرْدَا وقادُوا العادِياتِ مُطَمَّهاتٍ . . . على صَهَواتِها تحْمِلْنَ قَدَّا وَرِثْتَهمُ جمالَ الدين حقّاً . . . عفافاً راسِخاً وتُقىً وزهدَا فضائلَ قد علَوْتَ بها الثُّرَيَّا . . . وآداباً تبِعْتَ بهِنَّ جِدَّا بآراءٍ يَحارُ العقلُ فيها . . . وأيُّ حِجاً يحُلُّ لهُنَّ عَقْدَا بِحلمٍ لا يُعادِلُه ثَبِيرٌ . . . وفخرٍ ليس يُحْصَى أن يُعَدَّا(4/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
وأخلاقٍ شَمائلُها شَمُولٌ . . . يفُوح عَبِيرُها مِسْكاً ونَدَّا تَوقَّدُ فِطْنةً وتسيلُ لُطْفاً . . . جَمعْتَ بهنَّ يا مولايَ ضِدَّا ووَشَّيْتَ البديعَ بحُسْنِ نثرٍ . . . كمُخْضَلِّ الربيعِ شَذاً وأنْدَى ودُرٍ أنت تَعْرِفُه كِبارٍ . . . تُنظِّمه لِجيدِ الدهرِ عِقْدَا ذَكاءٌ لم يجُزْه إياسُ كَهْلاً . . . وعَمْرٌو ما به يوما تَحَدَّى عظُمْتَ جَلالةً وعلَوْتَ قَدْراً . . . فشاهدْنا الوقارَ لديْك أُحدَا أعُدُّك مصدرَ الأحكامِ فينا . . . هُمامٌ مذ أجار عُلاك نَقْدَا وما للنَّقْدِ والذهبِ المُصفَّى . . . لقد حقَّقْتَ في ذا النقدِ نَقْدَا أمولانا أتتْك عروسُ فكرٍ . . . تمُدُّ لمُمْتطَى نعْلَيْك خَدَّا خَلَبْت شِغافَها بِنُعوتِ مجدٍ . . . لذا أضْحَتْ لعَذْبِ لِقاكَ تَصْدَى لِيَهْنِ العرشَ رَبُّ العرشِ مَوْلىً . . . به اتَّسقَتْ أمورُ الدين نُضدَا وتبْقَى صاعداً ذِرْواتِ عِزٍ . . . بَنتْ أيدِي القضاءِ عليه سَدَّا نأَى غَمٌّ يؤرِّخ عامَ : م بلْ . . . غنائمُ أنتَ مَعْناهنَّ قَصْدَا ولم تبْرح سِنيكَ ومن تَرَدَّى . . . طِماعاً في لَحاقِك ما تَرَدَّى فراجعته بقولي : مُحِبٌّ في المَحبَّةِ ما تصدَّى . . . لسُلْوانٍ وإن يكُ مات صَدَّا وهيْهات النجاةُ وما يُعانِي . . . هَوىً أدْناه إن لم يُفْنِ أرْدَى أما وعيونِك الَّلاتي شَباها . . . أبَى إلاَّ شِغافَ القلبِ غِمْدَا لأَنت مُنَى الحياةِ فإن تكُنْها . . . فبعدَك للمُنَى سُحْقاً وبُعْدَا أيجمُل أن أُقضِّي فيك عمرِي . . . وما عفَّرْتُ في مَمْشاك خَدَّا ولو أخْطرْتُ ذِكْرَك في خَيالِي . . . خشِيتُ بأن يُؤثَّر فيك حِقْدَا فَدَيْتُكَ رَحْمةً لطريحِ عشقٍ . . . إذا لم يقْضِ سُقْماً مات وَجْدَا تذكَّر عهدَه فصبَا وآلَى . . . بغيرِك ما رعَى للحبِّ عَهْدَا إذا ما ليلهُ المُمتدُّ أرْخَى . . . سَتائرَه طَواه أسىً وسُهْدَا يبِيتُ وفي الحَشا منه اشْتعالٌ . . . إذا قدَحت رعودُ البَرْقِ زَنْدَا وليس له سميرٌ غيرَ مَدْحٍ . . . يكون لصالحٍ شكراً وحَمْدَا فتىً قد ألْبَس العَلْياء بُرْداً . . . ومثَّل شخصَه أدَباً ومجدَا له الفكرُ الذي إن شاء أنْشَا . . . أفانِنَ الهوى وبها تحدَّى بدائعُ منه تُلْحَم بالمَزايا . . . وبالسحرِ الحلالِ غدَتْ تُسَدَّى(4/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
تعالى اللّهُ قد أوْلاه طبعاً . . . أغَضَّ من الرياضِ رُواً وأنْدَى وأنْبَتَ مِن أيادِيه ربيعاً . . . يُنمِّق فيه رَيْحانا ووَرْدَا أنادِرةَ الزَّمان فَدَتْك رُوحِي . . . ومَن لي أن تكون بها مُفَدَّى أتتْني منك خَودٌ من سَناها . . . تمَنَّى البدرُ لو كان اسْتمدَّا رَبِيبةُ خِدْرِها في الصَّوْنِ تأْبَى . . . يَدَيْ أملٍ إليها أن تُمَدَّا منَحْتَ بها الودادَ المَحْضَ خِلاً . . . يرى لك وُدَّه فَرْضاً ورَدَّا وهاك ألُوكةً بثَناك تاهتْ . . . وفاحتْ مَنْدِلاً رَطْباً ونَدَّا ولو وفَّيْتُ مَدْحَكَ بعضَ حَقٍ . . . إذاً نظَّمْتُ فيك الشُّهْبَ عِقْدَا فعُذْراً إن أخْطارَ التَّنائِي . . . بَنَتْ بيني وبين الفكرِ سَدَّا وهذي الأربعون بلغتُ منها . . . أشُدّاً ساق لي خَطْباً أشَدَّا فلو كان الذي بي من سقامٍ . . . على جبلٍ لأوْشَك أن يُهَدَّا وغيرُك لا أراك لدفْعِ ما بي . . . فقد أعْيَى دَواه الدهرَ جُهْدَا بَقِيتَ مُمَّتعاً في الفضلِ فَرْداً . . . ولا لَقِيَتْ لك الأيامُ فَقْدَا وكتب إلي أيضاً : لا عَيْشَ إلاَّ في وِصالِكْ . . . فامْنُنْ بطَيْفٍ من خَيالِكْ إن كان لي نَوْمٌ وإلاَّ . . . ليس أبْعَدَ من مَنالِكْ يا هاجِرِي والهجرُ عَيْ . . . نُ الوصلِ إن يكُ عن دَلالِكْ إلاَّ الملالَ فإنَّه . . . حَتْفِي أجِرْنِي من مَلالِكْ يا مَن تمَلَّك مُهْجتِي . . . لا تُفْنِها وارفُقْ بمالِكْ لا وَصْلَ أخطرُ لي سِوَى . . . إخْطارِ تَذْكارِي ببالِكْ أنا في هَوانٍ من هَوا . . . كَ ومن صُدودِك في مَهالِكْ تَلَفُ النفوسِ مُحقَّقٌ . . . في بِيضِ سُودِك أو نِبالِكْ وكذا السِّهامُ فإنَّهُنَّ . . . أخَذْنَ ذلك عن نِصالِكْ والحَتْفُ في سُمْرِ الْقَنا . . . من مَيْلِ قَدِّك واعْتدالِكْ يا نُورَ إنْسانِ العيُو . . . نِ تركْتَ حالِي فيك حَالِكْ نارُ الجوَى مِن وَجْنَتَيْ . . . ك وذِي سُوَيْدايَ بِخَالِكْ وأرى الجمَال وإن تَنا . . . هَى مُسْتعاراً من جمالِكْ هل من سبيلٍ لِلِّقا . . . ضاقتْ عليَّ به المَسالِكْ يا بارداً من رِيقِه . . . واحَرَّ قلبِي من زُلالِكْ(4/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
أو يا مُحيَّاه الذي . . . كالبدرِ سُقْمِي من هلالِكْ يا ذابلاً في الحُسْنِ بل . . . سلطانَ أربابِ المَمالِكْ الشمسُ أقربث منك نَيْ . . . لاً وهْي أبْعَدُ عن مِثالِكْ امْنُنْ عليَّ بنَظْرةٍ . . . إنِّي وحقِّك فيك هالِكْ يا جَنَّتِي لا تُدْخِلَنِّ . . . ي نارَ صَدِّك أنتَ مَالِكْ يا تاركِي شِبْهَ الخِلا . . . لِ وما التَّجافِي من خِلالِكْ عَلِّلْ بوعدٍ كاذبٍ . . . يحْلُو وأمْعِنْ في مِطالِكْ فإلى الشريفِ تَوجُّهِي . . . وإليه أخْلُص من حِبالِكْ مَدْحِي محمداً الأمي . . . نَ احْرَى وأوْلَى لي بذلِكْ الْبانِيَ الْمجدِ الأَثِي . . . لِ على المَجَرَّةِ من هُنالِكْ صدرُ المَجالسِ قلبُها . . . عينُ المَناصبِ والمَمالِكْ يا شمسَ أنْجُمِ كلِّ فَضْ . . . لِ حين تطلُع في كَمالِكْ آياتُ فضلِك بَيِّنا . . . تٌ في مَقالِك أو فِعالِكْ أمَّا القَرِيضُ فزهْرُ رَوْ . . . ضٍ إن تُدَبِّجْ من مَقالِكْ وإذا تَنسَّم عن شَذاً . . . كالمِسك يروِي عن خصالِكْ ورجالُ كلِّ فضيلةٍ . . . قصُروا وليسوا من رجالِكْ مَن ذا المُناضلُ والمُنا . . . ظِرُ في جِلادِك أو جِدالِكْ كذب الزمانُ بما ادَّعَى . . . إن قال يُوجَد من مِثالِكْ كَرَمُ الطِّباعِ ولُطْفُها . . . كلٌّ تَفيَّأَ في ظِلالِكْ وترى المَعالِي والمَكا . . . رمَ أنْفقتْ من رأسِ مَالِكْ مولايَ إنِّي شاكرٌ . . . لِمَزِيدِ فضلِك واحْتفالِكْ لا خِلَّ لي أصْبُو إليْ . . . هِ سِوَى المَعالِي من خِلالِكْ لا زلتَ في أَوْجِ العلى . . . والضِّدُّ في دَرْكِ المَهالِكْ مادام رَضْوَى راسِخاً . . . يحْكي وَقارَك مِن جَلالِكْ فكتبت إليه جوابها قولي : ما بين مَيْلِكْ واعْتدالِكْ . . . خَطَرُ الْتفاتِك أو دَلالِكْ فمَن السَّلِيمُ وكلُّنا . . . منه توَرَّط في مَهالِكْ يا مُوتِراً قَوْسَ الحَوا . . . جِبِ مَن لقلبي مِن نِبالِكْ أمْسِكْ فمَهْلَكُ مَن أرَدْ . . . تَ يقِلُّ عن أدْنَى انْفعالِكْ(4/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
بأبِي لَواحِظُك التي . . . أوْقَعْنَ قلبي في حِبالِكْ أتُرَى علمْتَ بحالتي . . . فأخذْتنِي في جَنْبِ بَالِكْ لا والذي جعل ابْتدا . . . عَ الجَوْرِ من أقْوَى اشْتغالِكْ كلُّ الخُطوبِ حسِبْتُها . . . إلاَّ اجْتنابَك عن مَلالِكْ هل كنتَ يا ثَمِلَ الجُفُو . . . نِ بعَثْتَ طَيْفاً من خَيالِكْ فيروزَ غَصَّانَ اللَّها . . . ةِ دَواؤُه صافِي زُلالِكْ يا مَن تملَّك مُهْجتِي . . . اللّهَ في إتْلافِ مَالِكْ إن كنتُ أطمعُ في سِوا . . . ك فلا بلغْتُ مُنَى مَنالِكْ مالي ولْلأُفُقِ المُضِي . . . ءِ وعنه كافٍ من كمالِكْ فالشمس تطلُع من يَميِ . . . نك والثُّرَيَّا من شِمالِكْ والبدرُ يُعْزَى للتَّما . . . مِ إذا اسْتدار على مِثالِكْ أمَّا الهلالُ فما على . . . مَن ظَنَّه إحْدَى نِعالِكْ وإذا تخيَّلتُ الرِّيا . . . ضَ ذكَرتُ حسنَ رُوا خِصالِكْ فنسيمُها مهما سرَى . . . مُتلطِّفاً أثَرُ اخْتيالِكْ وعَبِيرُها مِن شَمَّةٍ . . . أهْدَيْتَها من مِسْكِ خَالِكْ هذا وثَمَّ إذا ذكر . . . تُ حُلىً تجِلُّ وراءَ ذلكْ مِن أجْلها أنا شاعرٌ . . . أجْرَى التغزُّلَ في جَمالِكْ ولأجْلِ مَدْحِي صالحاً . . . يحْلو افْتتانِي في خِلالِكْ ذاك الذي أسْلُو بِعِشْ . . . رتِه الحميدةِ عن وِصالِكْ مَولايَ أنت المُرْتجىَ . . . للوُدِّ في حُسْنِ اقْتبالِكْ رجلُ المُروءَةِ أنت لا . . . أحَدٌ وَحقِّك مِن رجالِكْ حُزْتَ المَعالِي قبل أن . . . وُجِدت بَنُوها حَسْبَ حَالِكْ وملكْتَ كلَّ فضيلةٍ . . . أفْدِيك من مَلكٍ ومالِكْ فيك المَكارمُ شِيمَةٌ . . . والأرْيَحيَّةُ في فِعالِكْ فالطَّوْدُ يُلْفَى ذَرَّةً . . . في جَنْبِ حِلْمِك واحْتمالِكْ والبحرُ بعضُ رَشاشِه . . . بالطبعِ تُؤْثَرُ عن نَوالِكْ إنَّ الحَكِيميْن اللذيْ . . . ن تظاهَرا فيما هُنالِكْ لو عاصَراك تنافَسا . . . بأقَلِّ جَرْي في مَجالِكْ والبُحْتُرِيُّ أبو الفُتُوَّ . . . ةِ لو تأمَّل في مَقالِكْ(4/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
أتْحفْتنِي بقصيدةٍ . . . غَرَّاءَ من بِدْعِ ارْتجالِكْ وبعثْتَ لي كلَّ المُنى . . . فكفيْتنِي أدْنَى سُؤالِكْ قد كان جِيدِي عاطِلاً . . . لكنْ حَلاَ بحُلَى احْتفالِكْ فإليْك رُوداً من بَنا . . . تِ الفكر حَيْرَى في جَلالِكْ ترْتاحُ في مِرْطِ الثَّنا . . . بصَباك زَهْواً أو شَمالِكْ واعْذِرْ فطبْعِي لا يُزي . . . ل صَداهُ عنه سوى صِقالِكْ واسْلَمْ لبُغْيةِ آملٍ . . . متفيِّىءٍ بذَرَى ظِلالِكْ فلأنتَ ظِلٌّ للمُنَى . . . لا الْتاعَ قلبٌ من زَوالِكْ وأنشدني من نتفه قوله : ظَبْيٌ من التُّركِ له مُقلةٌ . . . ضَيِّقةٌ تُمْعِن في قَتْلِي يبْخَل بالوصلِ على صَبَّه . . . وضِيقَةُ العيْنِ من البُخلِ ملَّكتُه عيْني وأخْدمتهُ . . . إنْسانَها لمَّا أبى وَصْلِي هذا كثير في الأشعار ، منه قول ابن النبيه : يصُدُّ بطَرْفِه التُّرْكِيِّ عنِّي . . . صدقْتُم إنَّ ضِيقَ العيْنِ بُخْلُ وقوله : بي ضَيِّقُ العيْنِ وإن أطْنَبُوا . . . في الحَدَقِ النُّجْلِ وإن وَسَّعُوا وأصله قول البديع الهمذاني : أناديةَ الأعْرابِ أهْلَكِ إننَّي . . . بناديةِ الأتْراكِ نِيطَتْ عَلائقِي وأرضَكِ يا نُجْل العيونِ فإنني . . . فُتِنْتُ بهذا الفاتِرِ المُتضايقِ
السيد هاشم الأزواري
سيدٌ عرقه طاهر ، وفضله بين ظاهر . أبين من الكعبة للطائفين ، وأظهر من المساجد للعاكفين . وهو أديب شاعر ، له في مناسك الفضل مشاعر . أوتي من البراعة أحسن كلم من عارضها سلم لها ومن لم يعترض لها سلم . وكان في الغالب أيام المجاورة سميري ، ومحله مني خلدي وضميري ، ونديمي ، ومكانه بين عظمي وأديمي . فتمليت منه مغتنماً حظ اليوم والغد ، في عهدٍ أنضر من روق التصابي في العيش الرغد . وقد أهدى لي من طرفه قصيدة فريدة ، لم تحظ بمثلها دمية ولا خريدة . وها هي ألذ من معاطاة الأحباب ، كأس المعاقرة طفا عليها الحباب : ما لقلبي عنك سَلْوهْ . . . ولا ولا عن رَبْعِ سَلْوهْ(4/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
منزلٌ يجمعُ ما بَيْ . . . نِي وما بينك ضَحْوَهْ قد تسمَّى بانْتظامِ الشَّ . . . مْلِ فيه دارَ نَدْوَهْ كم به ليلة أُنْسٍ . . . لِيَ مَرَّتْ بك حُلْوَهْ قد جلاَ طَلْعتَها البَدْ . . . رُ لنا أحْسَن جَلْوَهْ وأرانا لِطلاهَا . . . بالنُّجومِ الزُّهْرِ زَهْوَهْ ونهارٍ ألْبسَ الأُفْ . . . قَ من السِّنْجابِ فَرْوَهْ وبلُطْفِ فيك عن جَيْ . . . بِ الْحَيا المُزَوَرِّ عُرْوَهْ قد أخذْناه اغْتصاباً . . . من يدِ الدهر بقُوَّهْ ووصلْناه برَوْحٍ . . . وبرَيْحان وقهوهْ وبتوْقيع سَماعٍ . . . ما نَحَا مَعْبَدُ نَحْوَهْ ومُديرُ الشمسِ بَدْرٌ . . . بحُلَى الظَّرْفِ مُنَوَّهْ أفْلَجُ الثَّغْرِ نَقِيُّ الْ . . . خَدِّ ألْمى فيه حُوَّهْ يزدَرِي بالْحُسْن لُبْنَى . . . والصِّفَاتِ الغُرِّ عَلْوَهْ ذُو لِحَاظٍ هي والسَّيْ . . . فُ على حَدٍ وسَطْوَهْ وقَوَامٍ هوَ والرِّدْ . . . فُ كغُصْنٍ فوقَ رَبْوَهْ وعَجِيب لَيِّن العِطْ . . . فِ وفي أحْشَاه قَسْوَهْ ما رآه الطَّرفُ إلاَّ . . . وزَنَى منه بشَهْوَهْ لا تَلُمْنِي يا ابْنَ وُدِّي . . . إنْ بَدَتْ مِنيَ هَفْوَهْ حيثُ لي من نفحة الرَّيْ . . . حانة الغَضَّةِ صَبْوَهْ ولعقْلِي من شَذَاهَا . . . بطِلاَ الْحانةِ نَشْوَهْ وأنا بينَ حبيبٍ . . . وأبَارِيقٍ وخَلْوَهْ طابَ لي الشُّرْبُ مساءً . . . من أيادِيهِ وغُدْوَهْ مِثْلَما طابَ مَدِيحِي . . . وسمَا أرْفَعَ ذِرْوَهْ بأمينِ الفضلِ مَوْلاَ . . . نا الذي في الفضلِ قُدْوَهْ الشَّرِيفُ المُمْتَطِي مِن . . . صَافِنِ الرِّفْعَةِ صَهْوَهْ والسَّرِيُّ الشهمُ مَن لا . . . يَرْتَضِي الْهَقْعَةَ حَبْوَهْ طَيِّبُ الأصلِ كريمٌ . . . مُنْتَقىً من خيرِ صَفْوَهْ أفصحُ الأمَّةِ لفظاً . . . يَزْدَرِي كلَّ مُفَوَّهْ فَيْصَلٌ في الشرعِ لا يَخْ . . . فَى عليه أمرُ دَعْوَهْ(4/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
كيف لا وهْو أمينٌ . . . لم يَخُنْ في أخْذِ رِشْوَهْ جَلّ ذاتاً وصِفاتاً . . . وحَياءً ومُرُوَّهْ وسَمَا عن أن يُداني . . . هِ امْرؤُ القَيْسِ وعُرْوَهْ بحرُ فضلٍ ونَوَالٍ . . . وكمالاتٍ ونَخْوَهْ من يَرِدْه وهْو ظَامٍ . . . يرْتوِي عِلْماً وجَدْوَهْ ومتى نَوْءُ سحابٍ . . . ضَنَّ نسْتمْطِرُ نَوَّهْ فبِه جَدْبُ الأراضِي . . . عاد بالخِصْبِ مُمَوَّهْ مَاجِدٌ سيفُ حِجاهُ . . . قَطُّ ما فُلَّ بِنَبْوَهْ كم عَوَيصٍ فتح المُغْ . . . لَقَ منه الرَّأيُ عَنْوَهْ مِصْقَعٌ طِرْفُ ذَكاهُ . . . ما له في البحثِ كَبْوَهْ أحْرَزَ السَّبْقَ وأوْشَى . . . في حَشَا الحُسَّادِ جَذْوَهْ وغَدَا كلُّ أديبٍ . . . عَجزاً يطلب عَفْوَهْ ذُو يَراعٍ لي به في . . . رِقَّةِ الألْفاظِ أُسْوَهْ قد بَراهُ الشوقُ مِثْلِي . . . وحَشاه انْشَقَّ جَفْوَهْ فخَطَا وهْو نحيفٌ . . . ولذَك الخَطْوِ خُطْوَهْ كعَمِيدٍ يشْتِكي بالصَّ . . . رِّ في الأطْراسِ شَجْوَهْ كلُّما أثبتَ عنه الْ . . . فِكرُ لا يُمْكِن مَحْوَهْ يا ربيعَ الفضلِ يا مَن . . . فضَل الناسَ فُتُوَّهْ نَظْمُك الشُّهْدَ مُصَفّىً . . . وسِواهُ فيه رَغْوَهْ أنا ما بين مَصِيفٍ . . . من مَعانِيه وشَتْوَهْ فلسُقْمِي فيه بُرْءٌ . . . ولضَعْفِي منه قُوَّهْ وإلى عَلْياك وافَتْ . . . من عَرُوسِ الفكر فَحْوَهْ فتحتْ من كل قلبٍ . . . مُرْتجٍ للبَسْطِ فَجْوَهْ وكَسَا وَصْفُك طِيبَ الْ . . . عَرْفِ منها أيّ كُسْوَهْ لِصَفا وَجْهِك تَسْعَى . . . وهي لا تطْرُق مَرْوَهْ تنْقُل الأقْدام تِيهاً . . . خُطْوةً من بعد خُطْوَهْ ذاتُ حُسْنٍ بك أضْحَتْ . . . ولها بالحُسْنِ ثَرْوَهْ فاسْتمِعْها فهْي بِكْرٌ . . . وأنِلها منك حُظْوَهْ واسْبِل السِّتْرَ متى إن . . . شِمْتَ في التركيبِ حَشْوَهْ(4/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
قد لَعَمْرِي يغْلَط النا . . . قدُ للدُّرِّ بحَصْوَهْ واشْتِباهُ الجِنْسِ أمْرٌ . . . واضحٌ من غيرِ فَتْوَهْ وابْقَ واسْلَمْ ما تغنَّى . . . عَنْدَلِيبٌ بعد هَدْوَهْ أو مُحِبٌّ قال يوماً . . . لحبيبٍ بعد قَصْوَهْ أنا أهواكَ ورَبِّي . . . ما لقلبي عَنْك سَلْوَهْ فكتب إليه جوابها ، قولي : لا تُمَنِّ القلبَ سَلْوَهْ . . . فلقد جُسِّمْتُ صَبْوَهْ واحْترِزْ من أعْيُنٍ تَرْ . . . قُبُ للأخْذَةِ هَفْوَهْ فهْي في بابلَ دَهْراً . . . سُقِيَتْ بالسِّحرِ قهوهْ وطِلاً أوْضحَ من شَمْ . . . سٍ تجلَّتْ وقتَ ضَحْوَهْ مِن وَلُوعٍ بالتَّثَنِّي . . . فَتْكةٌ منه وخُطْوَهْ سَلَّ سيفَ اللَّحْظِ لمَّا . . . رامَ أخْذَ القلبِ عَنْوَهْ راكباً في دَرَكِ العِزَّ . . . ةِ للعِزَّةِ صَهْوَهْ أتُرَى يسْمح منه اللَّ . . . حْظُ لِي حيناً بحُظْوَهْ يُمْكِن الأمْرُ إذا أمْ . . . كَنَ تَهْوِيمٌ وغَفْوَهْ أين ماثَمَّةَ إلاَّ . . . بُغْيَةٌ قُصْوَى ونَبْوَهْ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
علي بن عمر بن عثمان المزداكي
من أفاضل العصر ، يضيق عن معاليه نطاق الحصر . رأيته بالشام بعد عودي من الحجاز ، فرأيت شخصاً حقيقة فضله لا يتطرقها المجاز . وقد خرج من وطنه قاصداً باب المراد ، وله أمانٍ أرجو أن لا تفوته في الإصدار والإيراد . وهو على كل حالٍ لم يزل في الإجادة مترقيا ، ولشوارد المعاني من مكامنها متلقيا . وقد أنشدني من شعره هذا المقطوع : رَوِّ رَوْضَ الكرومِ يا قَطْر نَيْسا . . . نَ وخَلِّ الأصْداف منك خَوالِي قَطَراتٍ تصيرُ خَمْراً أتَرْضَى . . . عَمْرَك اللّهُ أن تَصِيرَ لآلِي وقد تناوله من بيت السيد علي بن معصوم ، عربه من الفارسية ، وهو : يا قَطْر نَيْسَان والكَرْمُ مُكَرَّمةٌ . . . ففي الحَبابِ غِنىً عن لُؤْلُؤِ الصَّدَفِ ولي ما هو منه ، ولا يبعد عنه : ما عَزَّ شيءٌ في شِبْهِه بَدَلٌ . . . عنه وللعُسْرِ فُرْجَة اليُسْرُ(4/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
في غُنْيةٍ من يَرى الحَبَاب إذَا . . . مَا عاقَه عائقٌ عن الدُّرِّ وأنشدته هذين البيتين ، وكان أنشدنيهما السيد هاشم الأزواري لنفسه ، فتعارف عليهما ، وألزمني أن لا أثبتهما إلا له ، وهما قوله يمدح السيد عمرو بن محمد بن بركات ، في ليلة عيد ، بعد وفاة الشريف زيد : يقولون مات الجُودُ في كلِّ بَلْدةٍ . . . عجيبٌ ولم يُشْهَد له أبداً قَبْرُ فقلتُ لهم أحْيَى الذي مات في الورَى . . . بأُمِّ القُرَ من بعد زَيْدٍ لنا عَمْرُو
السيد سالم بن أحمد بن شيخان
هو الختم الوارث لجده سيد الأنام ، وبه أرجو من الله سبحانه وتعالى حسن الختام . فأما العلم فهو من خضع له كل عالم ، وأما الصلاح فحسبه أنه من كل ما يشين سالم . نسبته إلى الشرف نسبةٌ أولى ، ويده في المكارم يدٌ طولى . تعترف به الأبصار والأسماع ، وإن جحدت عارضها الإجماع . طلع في سماء العلوم بدراً مشرقا ، وسارت مناقبه مغربا ومشرقا فالعلى فرع علائه ، والثنا وقفٌ على آلائه . ليس يخْتَصُّ مَدْحُه بلسانِي . . . مَدْحُ شمسِ الضُّحَى بكلِّ مَكانِ وله تعاريف عدة ، هي لأهل العرفان أجل عدة . وأشعارٌ على لسان أهل الطريقة ، تجتنى منها ثمار الحقيقة . فمنها قوله ، مصدراً ومعجزاً : حُوَيْدِي الجمالِ إلى سُوحِكمْ . . . وهادِي الرِّحال إلى مَن أُحِب رَفيقُ الهوَى وفَرِيقُ النَّوَى . . . يحبُّ الجمَال ويهْوَى الطَّرَبْ ويسْعَى إليكم على رأسِه . . . بشَوقٍ وتَوْقٍ عظيمِ الخَبَبْ ويطْوِي الفَيافِي بعَزْمِ قَوِيٍ . . . ويقْضِي لكم في الهوى ما وَجَبْ ويُنشِدُ في حَقِّكمْ جَهْرةً . . . ألاَ إنني عبدُ عالِي الرُّتَبْ أتيْتُ إلى سُوحِه خاضِعاً . . . بدَمْعٍ جَرَى وبقلبٍ وَجَبْ(4/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
سلامٌ عليكم أُهَيْلَ الحِمَى . . . أيَا مَن به قد بلغْنا الأرَبْ إذا ما وقفْنا بأبْوابِكمْ . . . وزال اللُّغوبُ بها والنَّصَبْ أنِيلُوا الغِنَى وأبِيدُو العَنَا . . . فذاك لَديْنا أجَلُّ القُرَبْ إليكم بكم سادتي جئْتُكم . . . بحُسْنِ الرِّضا وبصِدْقِ الطَّلَبْ ولا لي شَفِيعٌ سوَى حُبِّكم . . . فلا تُهْمِلُوا مَن أساء الأدبْ وقولُوا عفَا اللّهُ عَمَّا مَضَى . . . جزاءُ المُحِبِّ لنا أن يُحَبْ فأنتم وجودُ الوفَا والعَطا . . . وليس التفضُّل منكم عَجَبْ ومن مقاطيعه قوله : تراءَى بَدِيعُ الحسنِ في صُنْعِ خَلْقِهِ . . . جميلاً فظَنَّ المظْهَر النَّاظِرُ القَذِي وما هُوَ إلاَّ اللّهُ بالصُّنْعِ بارِزٌ . . . على صِيَغِ التَّخْليقِ في الظَّاهرِ الذيِ وقوله : رَمَى العبدُ سَهْمَ الوَهْمش من قَوْسِ حُكْمِهفأدْمَى خيالاً في مِنَصَّاتِه السَّبْعِ وليس إذا حقَّقْتَ رامٍ سِوَى الذي . . . أتاك بطَيِّ النَّشْرِ في الطَّبْعِ والوَضْع وقوله : كُنْ مُمْسِكاً بالصومِ عن كلِّ السِّوَى . . . واذْكُرْ بفِطْرِك مَن أتَى مَعْروفُهُ وبفاطرٍ عن رُؤْيةِ الأغْيارِ صُمْ . . . مَن صامَ عند اللّهِ طاب خَلُوفُهُ وقد أنعم الله علي برواية مؤلفاته ، عن ابنه المعمر السيد السند عمر ، أحياه الله وحياه ، ونور الدنيا بطلعة محياه . في أملٍ لا يبرح يطيعه ، والحادثات فيه لا تستطيعه . فلله هو من سريٍ متواضعٍ على علوه ، ممدوحٍ بإيغال المدح وغلوه . ماء لطفه يكاد يتقطر ، وخلقه تتخلق به النسمات وتتعطر . إلى وجهٍ بالوضاءة متجلل ، يبرق برق العارض المتهلل . وردت مراراً داره العامرة ، وحصلت على نعمه الدارة الغامرة . أستنجد دعاءه المبارك ، وأستمنح اعتناءه في كل حالٍ أن يتدارك . وعندي له من الولاء فيه ما ينقص ولاء زيادٍ في النعمان ، ومن الحب لبيته العمري ما ينشد قول الأول : أحبه حب قريش عثمان . وهنا أذكر لي شيخين ، وعلمين في العلم راسخين . أخذت عنهما ، واستفدت منهما . وهما : الحسن بن علي العجمي ، وأحمد بن محمد النحلي . كلٌ منهما في ذلك الأفق قمرٌ باهر السناء والسنا ، وقصده أسنى قصدٍ توخاه المدح والثنا . هدايته متكلفةٌ بإحياء علوم الدين ، وغرشاده يتولى منهاج العابدين . ودعاؤه بظهر الغيب عدة وعدد ، وبره حالي الظعن والإقامة معتمل معتمد ، ومجال المعرفة بفضله لا يحصره أمد . وردت(4/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
منهما حضرة الأنوار المفاضة ، وجعلت قصدهما بحجة سفري طواف الإفاضة . فأرياني من الجد ما لو كان بظبة صارمٍ ما نبا له غرار ، ومن البشر ما لو سال بصفحة البدر ما خيف عليه سرار . فلله هما قد خلصا للناقد ، ورفلا في أزرٍ من الحمد طيبة المعاقد . وللعهد أنا لست أنساهما فأذكرهما ، وإذا ذكرتهما فكلي ألسنةٌ تحمدهما وتشكرهما . وبهما أرجو من الله حسن المتاب ، وأن أكون ممن تناول بيمينه الكتاب .
أدباء المدينة المنورة لا برحت بحراسة الله من الأسواء مسورة
السيد حسن بن شدقم الحسيني
الحسن السمت ، المستحسن الصمت . المرموق المعتنى والمعتلى ، المعشوق المجتنى والمجتلى . تصدر من مركز السيادة في الرتبة المكينة ، وبلغ في العلم رتبة أسلافه إلى أن ينتهوا إلى باب تلك المدينة . وكان قد دخل الهند في صباه ، فأحبه بعض ملوكها وحباه ، وعقد لسماع كلماته حباه . ثم أملكه كريمته فأردف تكريمه بتكريره ، وأتبع توقيره بتوفيره . فاجتلى عرائس آماله في منصات نيلها ، واستطلع أقمار سعده في نواشي ليلها . وكان من فعله الحسن ما قدره بحزمه ، ودبره في تمشيه مآل حاله بقوة جزمه ، إرساله في كل عام إلى بلده جملةً من المال ، فاصطفيت له بها حدائق وقصورٌ على وفق ما جنح إليه ومال : ولما مات الملك أبو زوجه ، وسقط قمر حياته من أوجه . انقلب بأهله إلى وطنه مصاحباً رفاهيةً زاهية ، وأقام مدةً في عيشه بخويصة نفسه باهرةً باهية . إلا أن الرياسة التي فرخت في أم راسه ، والمكانة التي شدت عراها بأمراسه . لم يجد عنهما عوضاً في وطنه ، فانتهى إلى الهند شاكياً ضيق عطنه . فمن شعره ما قاله حين أنف من الإقامة في بلده : وليس غريباً مَن نأَى عن ديارِه . . . إذا كان ذَا مالٍ ويُنْسَبُ للفضلِ(4/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
وإني غريبٌ بين سُكانِ طَيْبةٍ . . . وإن كنت ذا مالٍ وعلمٍ وفي أهْلِي وليس ذهابُ الرُّوح يوماً مَنِيَّةً . . . ولكنْ ذهابُ الرُّوحِ في عَدَمِ الشِّكْلِ وهو من قول البستي : وإنِّي غريبٌ بين بُسْتَ وأهْلِها . . . وإن كان فيها جيرَتِي وبها أهْلِي وما غُرْبةُ الإنسانِ في شُقَّةِ النَّوَى . . . ولكنها واللّهِ في عَدَمِ الشِّكْلِ ولابن معصوم في المعنى : وإنِّي غريبٌ بين قومي وجيرتِي . . . وأهْلِيَ حتى ما كأنَّهُمُ أهلِي وليس غريبُ الدَّارِ مَن راح نائياً . . . عن الأهلِ لكنْ مَن غدا نائِيَ الشِّكل فمن لي بخِلٍ في الزَّمانِ مُشاكلٍ . . . ألُفُّ به من بعدِ طُولِ النَّوى شَمْلِي ومن شعر السيد حسن قوله : لابُدَّ للإنسانِ مِن صاحبٍ . . . يُبْدِي له المَكْنونَ من سِرِّهِ فاصْحَبْ كريمَ الأصلِ ذا عِفَّةٍ . . . تأمَنْ وإن عادَاك مِن شَرِّهِ
ولده السيد محمد
فرع دوحةٍ زكت مفارعها ، وطابت بطيبة الطيبة مشارعها . له خبرٌ تتعطر به المجالس ، ويتنادم عليه المنادم والمجالس . إلى ما تميز به من الشعر الرصين ، الذي يباهي بتنميقه نقوش الصين . غرد به ساجع إطرائه وصدح ، وأورى زناد البيان وقدح . فمنه قوله ، مذيلاً بيت أبي دهبل مقتفياً للشريف المرتضى : وأبْرَزْتُها بَطْحاءَ مكةَ بعدَما . . . أصاتَ المُنادِي بالصَّلاةِ فأعْتَمَا فأرَّج أرْجاءَ المُعَرَّف عَرْفُها . . . وأضْوَى ضِياها الزِّبْرِقان المُعَظَّمَا وحَيَّي مُحيَّاها المُلَبُّون وانْتَشَوْا . . . بنَشْرِ مُحيَّاها المُمَنَّع واللَّمَى ورَوَّض منها كل أرضٍ مَشَتْ بها . . . تجُرُّ التَّصابي بين أتْرابِها الدُّمَى هي الشمسُ إلاَّ أنَّ فاحِمَها الدُّجَى . . . هي البدرُ لكنْ لا يزال مُتَمَّمَا تجُول مِياهُ الحُسْنِ في وَجَناتِها . . . وتمْنَع سَلْسالَ الرُّضابِ أخَا الظَّمَا وتسلُب يَقْظانَ الفؤادِ رَشادَه . . . وتكسُو رِداءَ الحُسْنِ جسماً مُنَعَّمَا مَهاةٌ يصِيدُ الأُسْدَ سَهْمُ لِحاظِها . . . ومن عَجَبٍ صَيْدُ الغَزالةِ ضَيْغَمَا يُعلِّلني ذِكْرَ الحِمَى مُترنِّمٌ . . . وما شَغَفِي لولا الغزالةُ بالحِمَى وأصْبُو لِنَجْدِيِّ الرِّياحِ تَعَلُّلاً . . . ومَن فقَد الماءَ الطَّهُورَ تَيمَّمَا قال السيد المرتضى ، في كتابه الدرر والغرر : ذاكرني بعض الأصدقاء بقول أبي دهبل :(4/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
وأبْرَزْتُها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الخ وسألني إجازة هذا البيت بأبياتٍ تنضم إليه ، وأجعل الكناية فيه كأنها كناية عن إمرأةً لا عن ناقة ، فقلت في الحال : فطيَّب رَيَّاها المَقامَ وضَوَّأتْ . . . بإشْراقِها بين الحَطِيم وزَمْزَمَا فيا رَبِّ إن لَقّيْتَ وجهاً تحيَّةً . . . فَحَيِّ وجُوهاً بالمَدينة سُهَّمَا تَجافَيْن عن مَسِّ الدِّهانِ وطالَما . . . عَصَمْنَ عن الحِنَّاءِ كَفّاً ومِعْصِمَا وكم من جَلِيدٍ لا يُخامِرُه الهوى . . . شَنَنَّ عليهِ الوَجْدَ حتى تَتَيَّمَا أهان لَهُنَّ النفسَ وهْي كريمةٌ . . . وألقَى إليهنَّ الحديثَ المُكتَّمَا تسفَّهْتُ لمَّا أن مَرَرْتُ بدارِها . . . وعُوجِلْتُ دُون الحِلْمِ أن أتحَلَّمَا فعُجْتَ تَقَرَّى دارِساً مُتنكِّراً . . . وتسألُ مَصْروفاً عن النُّطْقِ أنْجَمَا ويومَ وقفْنا للوَداعِ وكلُّنا . . . يَعُدُّ مُطِيعَ الشوقِ مَن كان أحْزَمَا نُصِرْتُ بقلبٍ لا يُعنَّف في الهَوى . . . وعَيْنٍ متى اسْتَمْطَرْتَها قَطَّرتْ دَمَا قال السيد علي بن معصوم ، في سلافته : وقلت أنا ناسجاً على هذا المنوال : وأبْرَزْتُها بَطْحاءَ مكةَ بعدَما . . . أصاتَ المُنادِي بالصلاةِ فأعْتَمَا فَضَوَّأ أكْناف الحَجُونِ ضِياؤُها . . . وأشْرَق بين المَأْزِمَيْنِ وزَمْزَمَا ولمَّا سَرتْ للرَّكْبِ نَفحةُ طِيبِها . . . تغَنَّى بها حادِيهمُ وتَرَنَّمَا فتاةٌ هي الشمسُ المنيرةُ في الضحى . . . ولكنَّها تَبْدُو إذا الليلُ أظْلَمَا تعلَّم منها الغُصْنُ لَفْتةَ قَدِّها . . . وما كان أحْرَى الغُصْنَ أن يتعلَّمَا وأسْفَر عنها الصبحُ لمَّا تلّثمتْ . . . ولو سفَرتْ للصُّبْحِ يوماً تَلثمَا إذا ما رَنَتْ لَحظاً وماستْ تأوُّداً . . . فما ظَبْيةُ الْجَرْعا وما بَانةُ الحِمَى تَراءتْ على بُعْدٍ فكبَّر ذو التُّقَى . . . ولاحتْ على قُرْبٍ فصلَّى وسلَّمَا وكم حَلَّتْ بالصَّدِّ قَتْلَ أخِي الهَوى . . . وكان يُرَى قبلَ الصُّدودِ مُحَرَّمَا وظنَّتْ فؤادي خالياً فرمَتْ به . . . هَوىً عاد دائِي منه أدْهَى وأعْظَمَا ولو أنها أبْقَتْ عليَّ أطَعْتُه . . . ولكنها لم تُبْقِ لَحْماً ولا دَمَا قال : وأنشدني صاحبنا أحمد الجوهري لنفسه : وأبْرَزْتُها بَطْحاءَ مكةَ بعدَما . . . أصاتَ المُنادِي بالصلاةِ فأعْتَمَا فشاهدتُ مَن لو أبصر البدرُ وَجْهَها . . . لَكان بها مُضْنىً وَلُوعاً ومُغْرَمَا ولو عرَضتْ رَكْبَ الحَجِيجِ تصدُّه . . . لَلَبَّى لِمَا يَدْعُو هَواها وأحْرَمَا وعَرَّف بالكُثْبان مِن عَرَصاتِها . . . وقال مِنىً لي دارُها حين يَمَّمَا(4/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
فلا تعْذِلُوا في حُبِّ ظَمْياءَ إنها . . . لها مَبْسَمٌ يشفى الفؤادَ مِن الظَّمَا وأعْذَبُ من صَوْبِ الغَمامةِ مَرْشَفاً . . . وأضْوَأُ مِن لَمْعِ البُروقِ تَبسُّمَا وأجْمَلُ من ليلى وسَلْمَى وعَزَّةٍ . . . وسُعْدَى ولُبْنَى والرَّبابِ وكُلْثُمَا وكم مَلِكٍ في قَومهِ كان قاهراً . . . فأضْحَى ذليلاً في هواها مُتَيَّمَا يَديِنُ بما تَهْوَى مُطِيعاً لأمْرِها . . . وإن ظلمتْه لم يكُن مُتظلِّمَا تَظَلَّ الملوكُ الصِّيدُ تعثُر بالثَّرَى . . . إذا قارَبُوا أو شاهَدُوا ذلك الحِمَى وممن ذيل عليها العارف بالله تعالى السيد حاتم بن الأهدل اليمني : وأبْرَزْتُها بَطْحاءَ مكةَ بعدَما . . . أصاتَ المنادِي بالصَّلاةِ فأعْتَمَا وسَرَّحْتُ عينِي في رياضِ خُدودِها . . . فشاهدْتُ رَوضاً كالربيعِ مُنَمْنَمَا سَقتْه مِياهُ الحُسْنِ فازْداد بَهْجةً . . . وغادر قلبي بالحَطِيمِ مُحَطَّمَا حُسَيْنِيَّةٌ حَسْناءُ لَمْياءُ نَحْوَها . . . تَ ، جَّه قلبي بالغرامِ وأحْرَمَا سَعيْتُ إليها بالصَّفاءِ مُسلِّماً . . . لِرُوحِي وقلبِي طاف سَبْعاً وزمْزَمَا غزالٌ يُعِيرُ الظَّبْيَ لَفْتةُ جِيدِها . . . وعن قَدِّها المَيَّاسِ سَلْ بَانةَ الحِمَى فتاةٌ يُعيرُ الشمسَ بهجةُ وَجْهِها . . . سَناها بغيرِ الحُسْنِ لن يتلَثَّمَا عَدَا خَصْرُها جِسْمِي سَقاماً وجَفْنُها . . . تَعَدَّى على جَفْنِي وللنَّومِ حَرَّمَا إليها ثَنَتْ قلبي الثَّنايا صَبابةً . . . فيا ما أُحَيْلى ذلك الثَّغْرَ واللَّمَى إذا حدَّثتْ فاحَ العَبِيرُ وأَظْهَرتْ . . . برَمْزَتِها مِنِّي الحديثَ المُكَتَّمَأ وأما بيت أبي دهبل ، المذيل عليه ، فهو من قصيدة له يصف فيها ناقته ، حدث به موسى بن يعقوب ، قال : أنشدني أبو دهبل يوماً : ألاَ عَلِق القلبُ المُتَيَّمُ كُلْثُمَا . . . لَجاجاً فلم يلْزَمْ من الحُبِّ مَلْزَمَا خرجْتُ بها من بَطْنِ مكةَ بعدَما . . . أصاتَ المُنادِي بالصَّلاةِ فأعْتَمَا فما نام من رَاعٍ ولا ارْتَدَّ سامِرٌ . . . من الحَيِّ حتى جاوزَتْ بي يَلَمْلَمَا ومَرَّتْ ببَطْنِ الليِّثِ تَهْوِي كأنها . . . تُبادِرُ بالإدْلاجِ نَهْباً مُقسَّمَا وجازَتْ على البَزْواء والليلُ كاسِرٌ . . . جَناحَيْن بالبَزْواء وَرْداً وأدْهَمَا فما ذَرَّ قَرْنُ الشمسِ حتى تبَيَّنتْ . . . بِعُلْيَبَ نَخْلاً مُشْرِفاً أو مُخَيِّمَا ومَرَّتْ على أشْطانِ رَوْقَةَ بالضُّحَى . . . فما حدَرتْ للماءِ عَيْناً ولا فَمَا وما شرِبَتْ حتى ثَنيْتُ زِمامَها . . . وخِفْتُ عليها أن تُجَرَّ وتُكْلَمَا فقلتُ لها : قد نِلْتِ غيرَ ذَميمةٍ . . . وأصْبح وادي البِرْكِ غَيْثاً مُدَيّمَا قال : فقلت : ما كنت إلا على الريح . فقال : يا ابن أخي ، إن عمك كان إذا هم(4/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
فعل ، وهي العجاجة . هكذا رواه أبو الفرج الأصبهاني ، في الجامع الكبير ، وفي رواية البيت المذيل بعض تغيير كما رأيت ، والروايات تختلف .
السيد حسين بن علي بن حسن بن شدقم
غصن بسق من روضة الفتوة ، وأشبه أصله مجداً فحقق شواهد النبوة . ما شئت من فضلٍ سما باكتسابه ، وفخرٍ ما زال يعلو بانتسابه . وجدٍ أطاعه أبيه وشامسه ، وأدبٍ أنار به داجيه وطامسه . وهو ممن دخل الهند كجده ، فعلا بها قدره فوق ما قدره بجده . وقد رأيت من شعره قطعتين ، فأثبتهما له حسنتين . فالأولى قوله من قصيدة نبوية أولها : أقِيمَا على الجَرْعاءِ في دَوْمَتَيْ سَعْدِ . . . وقُولاَ لحادِي العِيسِ عِيسَك لا تَحْدِي فإنَّ بذاكَ الحيِّ إلْفاً ألِفْتُهُ . . . قديماً ولم أَبْلُغْ برُؤيَتِهِ قَصْدِي عسَى نَظْرةٌ منهُ أبُلُّ بها الصَّدَى . . . ويسكُن ما ألْقَاه من لاَعِجِ الوَجْدِ وإلاَّ فقُولاَ يا أُمَيَّةَ إنَّنَا . . . تركْنَا قتيلاً من صُدُودِكَ بالهنْدِ يحِنُّ إلى مَغْنَاكِ بالطَّلْحِ والغَضَا . . . ويصْبُو إلى تلك الأُثَيْلاَتِ والرَّنْدِ قِفَا ننْدُبِ الأطلالَ أطْلالَ عامرٍ . . . ونبكي بها شَوْقاً لعلَّ البُكا يُجدِي إلى ذاتِ دَلٍ يُخْجِلُ البدرَ حُسْنُهَا . . . مُرَنَّحَةِ الأعْطَافِ مَيَّاسَةِ القَدِّ سَقاها الْحَيَا ما كانَ أطْيَبَ يَوْمِنا . . . بِمَوْرِدِها والحَيِّ وِرْداً على وِرْدِ وقد نَثَرَتْ أيْدِي الغَمامِ مَطَارِفاً . . . كَسَتْها أدِيمَ الأرْضِ بُرْداً على بُرْدِ وقد رفَعَتْ فوق الْخُزُومِ سُرادِقاً . . . من الشَّعْرِ والأضْيَافُ وَفْداً على وَفْدِ بَدَوْتُ لِحَيَّيْهَا وإلاّ فإنَّني . . . مِنَ السَّاكنين المُدْنَ طِفْلاً على مَهْدِ ومِلْتُ إلى ماءِ البَشَامِ لأجْلِهَا . . . وأعْرَضْتُ عن ماءٍ مُضَافاً إلى الْوَرْدِ وغادَرْتُ نَخْلاً بالمدينةِ يانِعاً . . . ومِلْتُ إلى السَّرْحَاتِ من عارِضَيْ نَجْدِ وحَارَبْتُ أقْوَامي وصادقْتُ قَوْمَها . . . وبالَغْتُ في صِدْقِ الوِدَادِ لهم جُهْدِي فلا إثْمَ لي في حُبِّهَا ولقومِها . . . وإن يَكُ إن اللّهَ يغفرُ للعَبْدِ ولا سِيَّما إن جئتُهُ مُتَوَسِّلاً . . . بمُرْسَلِهِ خيرِ النَّبيِّينَ ذي المجدِ أبي القاسمِ المبعوثِ من آلِ هاشمٍ . . . نَبِيَّاً لإرْشادِ الخلائقِ بالرُّشْدِ دَنَا فتدلَّى من مَلِيكٍ مُهَيْمِنٍ . . . كما الْقابُ أوْ أَدْنَى من الواحدِ الفَرْدِ ألا يا رسولَ اللّهِ يا أشرفَ الوَرَى . . . ويا بَحْرَ فَضْلٍ سَيْبُهُ دائمُ المَدِّ لاَنْتَ الذي فُقْتَ النَّبِيِّينَ زُلْفَةً . . . من اللّهِ رَبِّ العرشِ مُسْتَوْجِبِ الحمدِ(4/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
يُناجِيك عَبْدٌ من عَبِيدِكَ نَازِحٌ . . . عن الدَّارِ والأوْطَانِ والأهْلِ والوُلْدِ ويسألُ قُرْباً من حِماكِ فَجُدْ له . . . بقُرْبٍ فقُرْبُ الدَّارِ خيرٌ من البُعْدِ ليلْثِمَ أعْتاباً لمسْجِدِكَ الذي . . . به الروْضَةُ الفَيْحَاءُ من جَنَّةِ الخُلْدِ فإنَّ له سَبْعاً وعشرين حِجَّةً . . . غريبٌ بأرضِ الهِنْدِ يصْبُو إلى هندِ إذا الليلُ وَارَاني أَهِيمُ صَبابةً . . . إلى طَيْبةَ الغَرَّاءِ طَيِّبَةِ النَّدِّ وأُسْبِلُ من عينَيَّ دَمْعاً كأنَّهُ . . . عَقِيقٌ غَدا وادِي العَقِيقِ له خَدِّي سَمِيراه في لَيْلٍ غرامٌ وزَفْرَةٌ . . . تُقَطِّعُ أفْلاَذَ الحشاشةِ كالرَّعْدِ عليك سلامُ اللّهِ ما ذَرَّ شارِقٌ . . . وما لاحَ في الخَضْرَاءِ من كوكبٍ يَهْدِي كذا الآلُ أصْحَابُ الكرامةِ حَيْدَرٌ . . . وبِضْعَتُهُ الزَّهراءُ زاكيةُ المجدِ وسِبْطاك مَن حازا الفضائل كُلَّها . . . وسَجَّادُهم والباقرُ الصادِقُ الوَعْدِ وكاظِمُهم ثم الرِّضا وجَوادُهم . . . كذاك عليٌّ ذو المناقبِ والزُّهْدِ كذا العَسْكَرِيُّ الطُّهْرُ ذُو الفضْلِ والتُّقىوقائمهم غَوْثُ الورَى الحُجَّةُ المَهْدِي والقصيدة الثانية مطلعها : هوايَ لِرَبَّاتِ الخدُودِ العواتِقِ . . . وخَيْلٍ جيادٍ صافِناتٍ سَوابِقِ وقَوْمٍ ظُهورُ العَادياتِ حُصونُهم . . . ومِصْباحُهم لَمْعُ السيوفِ البَوارِقِ غَطاريفُ كم بَلَّ النَّجِيعُ ثِيابَهُمْ . . . كُماةٌ غَداة الرَّوْع حامُو الحَقائِقِ أُسودٌ إذا ما زارهم ذُو تَهَوُّرٍ . . . تَولَّى بقلبٍ بين جَنْبَيْهِ خافِقِ بِضمَّ الْقَنا تَذْرِي جُسُومَ عِداتِها . . . وتسْقِي ثَراها من دِماءِ المفارِقِ إذا أوْلجتْ نحوَ العَدُوِّ خُيولهمْ . . . تبارَتْ ليوثُ الْغابِ شِبْه الخَرانِقِ تنازلُهم ما بين نَجْدٍ ويَثْرِبٍ . . . جَنُوباً وشَاماً في رؤوسِ الشَّواهِقِ غُيوثٌ إذا حَلَّ النَّزِيلُ بأرْضِهم . . . وإن أمَّها الْباغِي فهم كالصَّواعِقِ كِرامٌ يُجازُون الجميلَ بمثْلِه . . . ويَرْعَونَ وُدّاً للْحَمِيم المُصَادِقِ مَنِيعُون إن لاَذَ المُخافُ بظلِّهم . . . كَسَوْه بسِربالٍ من الأمْنِ فائِقِ وَدَدْتُهم إذ أشْبَهُوا بِفعالهم . . . فِعال كريم طاهر الأصل صادقِ(4/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
الخطيب عبد الله بن إلياس
إمام المدينة وخطيبها ، وعرفها الذي طاب وطيبها . أتهم في التحلي بشعار الإمامة وأنجد ، وقام في حفل الفصاحة خطيباً يركع لإمامته ويسجد . وقد التحف الفضل برداً ، وأصبح في الأدب علماً فرداً ، مع خلقٍ جانبه لدن ، وطبع حضرته جنة عدن . وهو إلى القلوب متحبب ، وعما يسيء ويشين متجنب . وله نثرٌ ونظم ، هذا تتضاءل له النجوم في أفقها ، وهذا تتستر البدور حياءً منه في شفقها . فمن نظمه قوله في العروض : إن العَرُوضَ لَبَحْرٌ . . . تعومُ فيه الخَواطِرْ وكلُّ منْ عام فيه . . . دارتْ عليه الدَّوائرْ وبخط السيد محمد كبريت ما نصه : أنشدني إجازة لنفسِه سيدي العفيف عبد الله بن الخطيب إلياس ، سلما من المكروه والباس : يا سيِّدي قُم لي ولا . . . تَدَعِ الوقِيعة والعَتبْ كيْلا يُقال مُقَصِّرٌ . . . فأكون فيه أنا السَّبَبْ فقلت وإن لم يبلغ الظالع شأو الضليع : لِمَ لا أقومُ لسيِّدِي . . . مِن غيرِ أن أخْشَى العَتَبْ وهو الذي قامتْ له . . . بثنائها عَلْيا الرُّتَبْ وقلت في المعنى ، من بحر الخبب : أقُومُ على الرَّأسِ مَهْما بَدا . . . جَمالُك لاجْتنابِ العَتَبْ ولِمْ لا أقومُ وأنت الذي . . . لِعَلْياهُ قامتْ كِرامُ الرُّتَبْ ولبعضهم في المعنى : قِيامِي والعزيز لَدَيْكَ فَرْضٌ . . . وتَرْكُ الفضلِ ما لاَ يسْتقيمُ فهل أحَدٌ له عَقْلٌ ولُبٌّ . . . ومَعْرفةٌ يراك ولا يقُومُ وما ألطف قول بعضهم معتذراً عن عدم القيام : عِلَّةٌ سُمِّيَتْ ثمانين عاماً . . . منَعتْني للأصدقاءِ القِيامَا فإذا عُمِّروا تمهَّد عُذْرِي . . . عندهم بالذي ذكرتُ وقامَا(4/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
وللشهاب المنصوري : ومَن ذهَبتْ بلُحْمتِه اللَّيالِي . . . أيُمْكِنُ أن يكون له قِيامُ قيام الثوب ، في كلام العامة : ما يقابل لحمته . وذكرت هنا ، ما حكاه أرباب السير ، عن الصاحب إسماعيل بن عباد ، أنه لما كان ببغداد ، قصد القاضي أبا السائب عتبة بن عبيد لقضاء حقه ، فتثاقل في القيام ، وتحفز تحفزاً أراه به ضعف حركته ، وقصور نهضته ، فأخذ الصاحب بضبعه ، وأقامه ، وقال : نعين القاضي على حقوق إخوانه . فخجل القاضي ، واعتذر إليه . وبخط السيد محمد كبريت : كتبت إلى سدته العلية ، يعني الخطيب : يا أيُّها المولى الذي فاق الورَى . . . بِبيَان مَنْطقِه البديعِ الزّينِ هاتِ افْتِنا في زيدٍ المخْفوضِ في . . . ما قامَ إلاَّ زيدٍ المسْكِينِ فكتب مجيباً : يا مَن بِشَمْسِ عُلومه زال الكرَى . . . فعَدا بمصْباحِ الهُدى كالعينِ إنِّي أقولُ جَوابُكم وبيَ الجَوى . . . في فَرْدِ بَيْتٍ زان في العَيْنَيْنِ زيدٌ تُصُوِّرَ جَرُّه بإضافةٍ . . . لْلآلِ وهْو العهدُ للإثْنَينِ حاكته أيادي الوداد بأنامل الإخلاص ، وسبكتها في قوالب الاتحاد فما حاكتها سبائك الخلاص . إلى الحضرة التي يحق لي أن أحن إليها وأشتاق ، ويليق بي أن أطير مع حمائم البطائق لأفد عليها لو أن ذلك مما يطاق . تهدلت أغصان دوحة رياسته ، وتهللت جباه جلالته ونفاسته . حبٌ موثوقٌ بالعرى ، وقلبٌ منبوذٌ بالعرا . أأتَّخِذُ العراقَ هَوىً وداراً . . . ومَن أهواهُ في أرضِ الشَّآمِ بيد أن له في سعة الفضل رجا ، وفي اجتماع الشمل ما تحار فيه عقول ألي الحجى . ولا يزال يتذكر سويعاتٍ مرت ما كان أحلاها ، وأويقات ليس في يده إلا أنه يتمناها . فيا ما كان أحسْنه زماناً . . . ويا ما كان أطْيَبَه ويا مَا وبعد كل حالٍ فسلامة المولى هي منتهى الطلب ، إذا كان في صحةٍ فما أنا إلا فيها أتقلب .
غرس الدين بن محمد الخليلي
إمام العصر بروضة النبي ، والمقدم في حلبة البيان على رغم المخال والأبي .
بلغ(4/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
من الوجاهة مبلغاً تفرد فيه ، وقالت له الأيام حسب أملك ويكفيه . ما شئت من جدٍ يعجز النجم عن لحاقه ، وأدب لو بلغه البدر ما شين قط بمحاقه . اقتنص بشرك بديهته متمنعات الأوابد الشوارد ، وفجر من بلاغته وبراعته حياضاً عذبة المناهل والموارد . وله تآليف سلك فيها الطريقة السوية ، وجنح برأيه إلى أحسن الروية . وشعره إن لم يكن كقدره في أعلى الدرج ، فهو من خير الأمور المأمون قائله من الحرج . فمنه قوله في مدح القهوة : دَعِ الصَّهباءَ واشرب صِرْفَ قِشْرِ . . . مُشعْشَعةً تدور بكفِّ بَدْرِ وإن شئْتَ الشفا بادِر سَرِيعاً . . . إلى حانٍ لها قد حان بَدْرِي فما الياقوتُ في لونٍ نَضِيرٍ . . . وما لَوْنُ النُّضارِ ولونُ تِبْرِ دَعِ الفاروقَ إن رُمْتَ التَّداوِي . . . وخُذْها فهْي للأسْقامِ تُبْرِي كأنَّ حَبابَها الْمَنظومَ عِقْدٌ . . . من الياقوت يُجْلَى فوق نَحْرِ سأسْعَى نحوَ مَرْوَتِها أُلَبِّي . . . ليصْفُو بالصَّفَا صَدْرِي ونَحْرِي نَدِمتُ نَدامةَ الكُسَعِي عليها . . . لِما قد فات من أيَّامِ عُمْرِي سأُدْمِنُ شُرْبَها ما دمتُ حَيّاً . . . ولا أصْغِي إلى زَيدٍ وعمرِو وأجْلُو عَيْنَ أغْيارِي وهَمِّي . . . بصَافِيها سُحَيْراً قبل فَجْرِ هي الرَّاحُ المُرِيحُ لكلِّ رُوحٍ . . . ولم تُمْزَج ولم تُوجَد بعَصْرِ وكلُّ مُخالفٍ فيها فإنِّي . . . أُسَفِّهُ قولَه من أهلِ عَصْرِي فقُل إن قال ساقِيها المُفَدَّى . . . جَباً يا مَرْحباً واشْكُرْ لشُكْرِ وخُذْها من يديْهِ في حُضورٍ . . . مع السَّاقي المَليحِ بغير سُكْرِ فلا غَوْلٌ ولا تَأْثِيمَ فيها . . . وليستْ مُزَّةً بل طعمَ تَمْرِ(4/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
وإن غالَى المُحِبُّ وقال أشهد . . . أُجِيبُ نَعم إذا ما كان تمرِي ولولا مِدْحَتِي للبُنِّ قَبْلاً . . . لَعُدْتُ له بهَجْوٍ ثم هَجْرِ لِيُبْس طِباعِه وسَوادِ قلبٍ . . . له فهْو الحَرِيُّ بكلِّ هُجْرِ ومن لطائفه قوله مخاطباً الوزير الأعظم مصطفى باشا ، يحثه على إزالة الخصيان من المسجد النبوي : يا مصطَفى بالمصطَفى العَدْنَانِ . . . وبآيِ قُرآنٍ عظيمِ الشَّانِ لا تجْعَلَنَّ على المدينةِ أسْوداً . . . شيخاً على حَرَمِ النبِي العَدْنانِي وكذلك الحُبْشانُ أيضاً منهمُ . . . فهُمُ همُ لا خيرَ في الحُبْشانِ بل جاء في خبَرٍ رَواه بعضُهم . . . ها لفظُهُ لا خيرَ في السُّودَانِ قومٌ لهم طَبْعٌ شَدِيدٌ زَائدٌ . . . لا يشْبعون من الحُطامِ الْفَانِي لولا المَخافةُ منكمُ لأتاكمُ . . . شاكُونَ من هَمٍ ومن أحْزانِ وإذا أرَدْتُمْ أنَّكم تسْتيْقِنُوا . . . أحْوالَهم من غيرِ ما بُهْتانِ فلْتسألوا حَنَفِي أفندي عنهمُ . . . يُخْبِرْكُمُ عن خُلْسةِ الغِرْبانِ ما كلُّ ما يُدْرَى يُقالُ وأنتمُ . . . أدْرَى بَطيْشِ السادةِ الخِصْيانِ يسْتنْزِلون لأَخْذِ ما قد جاءَ من . . . صَدقاتِ خيرٍ للفقيرِ الْعَانِي فَيصيبُ أهل الفضلِ من صَدَقاتِكُمْ . . . ما ساءَهم من أسْهُمِ الحِرْمانِ فانْظُر لنا شَيْخاً نَقِيباً صَالِحاً . . . مُسْتَنْزِهاً عن ذَا الحطامِ الْفانِي إن لم يَجُزْ إلا خَصِيّاً أسْوداً . . . فاخْصُوا لنا شَيْخاً من البِيضانِ يا وَيْحَكم إن لم تُراعُوا حَقَّنا . . . يومَ الحسابِ بحَضْرةِ الدَّيَّانِ يوماً تكونُوا مثْلَنا ما إنْ لكمْ . . . في الناسِ من أمرٍ ومن سلطانِ هَذِي نصيحةُ غَرْسِكم في رَوضةٍ الْ . . . هادِي إلى الإسلامِ والإيمانِ يدعُو لسُلْطانِ الورى ولمصطفَى . . . سيفِ الإلهِ وعاضِدِ السلطانِ وذكر القاضي أحمد بن عيسى المرشدي ، في تذكرته : ورد علينا في أثناء عام خمسٍ وأربعين وألف الشيخ الأوحد الأكمل غرس الدين المقدسي ، الخطيب والإمام بالروضة المشرفة ، على صاحبها الصلاة والسلام ، ولو يوافه أهل مكة ، فقال معرضا : علماءُ مكةَ جاوَزُوا الأفْلاَكا . . . عِزَّاً وحُقَّ لهم لعَمْرِيَ ذَاكَا لولا الريِّاسةُ في رُءُوسِ نُفوسِهمْ . . . كانوا وحقِّك كُلُّهم أمْلاكَا وقال أيضاً :(4/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
جِيرانُ مكةَ جِيرانُ الإلهِ لِذَا . . . لا يَعْبَأُون بمَن قد غاب أو حَضَرَا لولا الطَّبِيعةُ عاقَتْهم لَكان لهمإسْراءُ رُوحٍ بِسرِّ رُوحٍ بِسرِّ السِّرِّ قد ظَفِرَا فقال بعض السادة الأشراف ، المتصل محتدهم الزاكي بالمغيرة عبد مناف ، فخر الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السما ، أكرم به نسباً ومنتمى ، على طريق الجواب عن الأولين : للّهِ دَرُّكَ من أديبٍ بارعٍ . . . بذَكائِه ما يُعْجِزُ الإدْراكَا أحْسَنْتَ إذ أتْحَفْتنا ببَدائعٍ . . . بَهَرتْ وإن جادتْ فدون مَداكَا فَجَهابِذُ البيتِ الحرامِ مُذِيعةٌ . . . بِأرِيجِ مَدْحٍ من بَدِيِعِ ثَناكَا وهمُ الجَحاجِحُ والذين سَمَوْا بمَن . . . خَرَم السَّما واسْتخْدم الأمْلاكَا لا غَرْوَ أن جَازُوا الأَثِيرَ بفضْلِهمْ . . . وعَلَوا بحَقِّ جَوازِه الأفْلاكَا وعن الثانيين : يا مُفْلِقاً لم يزَلْ في كلِّ غامِضةٍ . . . يُبْدِي بها فَلَقاً بالحقِّ قد ظَهَرَا وبَحْرَ عِلْمٍ تَحلَّى من فَرائِدِه . . . جِيدُ البَلاغةِ عِقْداً يفْضَحُ الدُّرَرَا أتيْتَ حقّاً وعينُ الفضلِ شاهدةٌ . . . وأنتَ إنْسانُها الرَّائِي بغير مِرَا لكنْ إليك اعتذاراً منهمُ فذَوُو الْ . . . أفْضالِ يعْذِر مَن قد جاء مُعْتذِرَا لم يتركُوك لإهْمالٍ ومَنْقَصَةٍ . . . لكن حَجَبْتَهم فالذنبُ منك يُرَى وأجابه أيضاً القاضي تاج الدين المالكي ، بقوله : جيرانُ مكةَ غَرْس الدَّين أيْنَع في . . . قُلوبِهم باسِقاً يهْدِي الهُدَى ثَمَرَا سَقَوْه من أنْهُرِ الإخْلاصِ صَافِيهَا . . . فاخْضَلَّ يُطْلِع من أكْمامِها زَهَرَا ومن يكُن رَوْضُ غَرْسِ الدِّين مُهْجَتَهُ . . . أسْرَى وفازَ بسِرِّ السِّرِّحين سَرَى به قد اتَّحَدُوا إذْ كان بَيْنَهمُ . . . تَواصُلٌ مَعْنَوِيٌّ مِن ألَسْتُ جَرَى فحيثُ دارتْ كؤوسُ الاتِّحادِ على الْ . . . أرْواحِ مَا اعْتَبَرُوا الأشْباحَ والصُّوَرَا فأجاب الغرس معتذراً : يا شَهْمَ مكةَ يا تاجَ الرُّءُوسِ بها . . . يا عُنْصُرَ الفضلِ قد بَكَّتَّ مَن عَذَرَا يا حَبْرَ عِلْمٍ يزيدُ الطَّالِبين بها . . . يا بَحْرَ فضلٍ به نَسْتخْرِجُ الدُّرَرَا يا رَبَّ حِذْقٍ غَدا رَبُّ البَيانِ له . . . عَبْداً وألْقَى عَصا التَّسْليمِ مُفْتقِرَا يا ألْمَعِيّاً أضاءتْ من لَوامِعِهِ . . . مَشارِقُ الذِّهْنِ بالذَّوْقِ الذي بَهَرَا يا لَوْذَعِيّاً بلا عِيٍ يُمازِجُه . . . أعْيَى وأفْحَم كُلاً قال أو شَعَرَا(4/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
يا رَبَّ ظَرْفٍ ولُطْفٍ كَسَّرا خَطَأً . . . أغْصانَ غَرْسِي على بُعْدِ وما شَعَرَا هل تَرْفِيَنَّ الذي أخْلَقْتَ من حُلَلِي . . . أو تقْبَلَنَّ الذي يأْتِيكَ مُعْتذِرَا فأجابه القاضي بقوله : كَلَّلْتَ إكْلِيلَ تاجِي بالثَّنَا دُرَرَا . . . لمَّا بعثْتَ بِعقْدِ المدحِ مُعْتذِرَا مُضمّخاً طِيبَ شُكْرٍ عَرْفُ نَفْحتهِ . . . كرَوضِ غَرْسِكَ حَيَّتْه الصَّبَا سَحَرَا غَرْسٌ روَى حين رَوَّى الفضلُ مَنْبِته . . . للسَّمْعِ نَوَّارُه عن طِيبهِ خَبَرَا غَرْسٌ من المَبْدإ الفَيَّاضِ قد سُقِيَتْ . . . أعْراقُه فسَمَا يهْدِي الهُدَى ثَمَرَا إنِّي عَقَدْتُ وقد عَرَّضْتَ مُعْترِضاً . . . لِعِرْضِ قومٍ ثناهُم لم يزَلْ عَطِرَا هذا إلى ما هُوَ الأحْرَى بنَا وبهِ . . . إذا اقْتَفيْنا طريقَ القَوْمِ والأثَرَا فخِرْقَةُ الفَقْرِ إن لم يُوفِ لاَبِسُها . . . بشَرْطِها نَبَذَتْه كاسِياً بِعَرَا عَوْداً لبَدْءٍ فمِمَّ الاعْتذارُ ولم . . . تُقِرَّ إذْ قلتَ بَكَّتَّ الذي عَذَرَا وقلتَ في حَقِّ مَن جَازَى وعَرَّض لم . . . يشعُروا أغْصانُ غَرْسِي مُخطِياً كَسَرَا قد حَصْحَصَ الحقُّ فاعلمْ أنَّما كُسِرتْ . . . أغْصانُ غَرْسِ الذي أخْطَا وما شَعَرَا أقْرِرْ بذنْبِك ثم اطْلُبْ تَجاوُزَهمْ . . . عنه فَجحْدُكَ ذنبٌ غيرَ ما غَبَرَا قضى بما جَرَتِ الأقْلامُ منك بما . . . جَرَى به القلمُ المَحْتومُ حين جَرَى يَكْبُو الجَوادُ ومَن يَعْثرْ يُقَلْ كَرَماً . . . فنسألُ اللّهَ غُفْرانَاً لمن عَثَرَا وقال المرشدي أيضاً : كان غرس الدين كتب إلى مولانا القاضي تاج الدين أبياتاً ، ذكرني فيها مجرداً عن الناصب والجازم ، بأن قال : وأحمدُ المُرْشِدِي في ذاك قد حَضَرا ثم اعتذر مني ، فكتبت إليه ستة أبيات ، وأردت أكملها ، فأكملها السيد أحمد بن مسعود ستةً أخرى ، وبعثها إليه ، وهي : غَرَسْنا لغَرْسِ الدين في قلبنا الوُدَّا . . . فأطْلَع من أكْمامِ أفواهِنا الوَرْدا فعطَّر لمَّا أن جَنَتْه يدُ الوَفَا . . . وضَاعَ فأذْكَى عَرْفُه العَنْبَرَ الوَرْدَا سَقَيْناه من عَذْبِ التَّصافِي زُلالَه . . . وما كَدَّرتْ مِنَّا له جَفْوَةٌ وُدَّا رعَى اللّهُ مَن يَرْعَى أخاه إذا هَفَا . . . ويوُسِعُه مِن أن يُقابِلَه حَمْدَا وذلك غَرْسُ الدِّين لا زال بَاسِقاً . . . برَوْضةِ مَن يسْقِي غَرائِسَهُ المَيْدَا ويذكُر عَهْداً أحْكَمَتْ في قُلوبِنَا . . . أَوَاخِيه أيْدِي الوُدِّ أكْرِمْ به عَهْدَا إمامٌ سَمَا فوق السِّماكِ بأَخْمَصٍ . . . وجاوَزه حتى شَئَا الأيْنَ والحَدَّا وناظِمُ أشْتاتِ العلومِ بنَثْرِه . . . فيَنْظِمه في جِيدِ أهلِ الحِجَى عِقْدَا(4/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
وكاشِفُ ليلِ الجَهْلِ من صُبْحِ عِلْمِه . . . بشمسٍ فتكْسُوه أشِعَّتُها بُرْدَا أتيْتَ بفَضْلٍ فاسْتحقَّيْتَ شاهداً . . . لأحمدَ فاسْتَوْلَيْتَ عنِّي به مجدَا وأظْهَرْتَ بالإفْضالِ ما كنت مُضْمِراً . . . فكنتَ به أحْرَى وكنتَ به أجْدَى ولا عَجَبٌ سَبْقُ الجِيادِ لأنها . . . مُعَوَّدةٌ بالسَّبْقِ إن كُلِّفَتْ شَدَّا فأجابهما بقوله : أقول وقد غَلَّبْتُ خيرَكما جَدَّا . . . وقاعدةُ التغْليبِ معروفةٌ جِدَّا حَمَدْتُ إلهي أن غَرَسْتَ لنا الوُدَّا . . . أيا أحْمدُ السَّامِي سِمَاكَ السَّما حَمْدَا فأيْنَعَ غَرْسِي بعد ما كان ذَاوِياً . . . وأطْلَع عن أكْمامِه الزَّهْرَ والوَرْدَا وإن دامتِ السُّقْيا له مِن وِصالِكُمْ . . . سيُثْمِر في رَوضِ الرَّسولِ لكم وُدَّا هنيئاً لغَرْسٍ صار أحمدُ ساقياً . . . له من عُيونِ الوُدِّ كأسَ الصَّفا وِرْدَا فظَلَّ يُراعِي عَهْدَه في مَغِيبهِ . . . ويبْنِي له في بيتِ مَحْتِدِه عِقْدَا وذكَّره عَهْداً أَواخِيه أَحْكمتْ . . . يَدُ الوُدِّ في أرْواحِنا العَقْدَ والشَّدَّا فعُذْراً لأنِّي قادمٌ وتَراهُمُ . . . يقُولون في الأمْثالِ والحقُّ لا يُعْدَى لِكلِّ غَرِيبٍ قادِمٍ دَهْشَةُ اللِّقا . . . بها يَدْرَأُ الحُذَّاقُ عن رَبِّها الحَدَّا وهَبْنا تَجاوَزْنَا الحدودَ ألَسْتُمُ . . . تُقِيلون مَن أخْطَا ومَن قد جَنَى عَمْدَا إذا لم تكونُوا هكذا فتخلّقُوا . . . بأخْلاقِ مَوْلىً يملِك الغَيَّ والرُشْدَا لَعَمْرِيَ لو كنتُ البليغَ خِطابُهُ . . . وأخْطَبَ مِن قُسِّ الإِيادِيِّ مَن عُدَّا ورُمْتُ بأن أُحْصِي فضائل أحْمَدٍ . . . لما اسْتوْعبتْ نفسِي فضائِلَه عَدَّا هو ابنُ الرَّسولِ المُصْطَفى وذَوِي الصَّفَابني حَسَنِ الحُسْنَى الذين سَمَوْا مَجْدَا لهم حُرْمةٌ يَعْنُو لها كلُّ مُسْلمٍ . . . بها أخَذ المولى عليْنا لهم عَهْدَا فللهِ آدابٌ بغيرِ تَطبُّعٍ . . . ولكنّ مِن سِرِّ الرَّسولِ بها مُدَّا وأدَّبني ربي له منه قِسْمَةٌ . . . بفَرْضٍ وبالتَّعْصِيبِ من إرْثِه مدَّا وللّهِ شِعْرٌ جاوَز الشعر رِقَّةً . . . وجاوَز للشِّعْرَى العَبُورِ بما أبْدَى ولا عَجَبٌ من ذاك عندي ورَبُّه . . . بعِزَّتِه قد جاوَز الأيْنَ والحَدَّا وناظمُ عِقْدِ المَكْرُماتِ بكفِّه . . . وينْثُره جُوداً فيُحْيِي به فَقْدَا وقد كان منك الفضلُ قِدْماً ومَقْدَماً . . . بسابِقةٍ تسْتوجِب السَّعْيَ والوُدَّا فأظْهَرْتُ بالأبْياتِ ما كان مُدْغَماً . . . ويمَّمْتُ بالإخْفاء بيتاً حَوَى عَوْدَا فشِمْتُ به تاجاً على الرأسِ مُشْرِقاً . . . فعانَقْتُه حُبّاً وهِمْتُ به وجْدَا وداخَلنِي منه حَياءٌ ودَهشَةٌ . . . لِمَا كان من وَهمٍ فأوْرَثنا حِقْدَا(4/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
وقابلْتُه بالرُّحْبِ والبِشْرِ فَرْحَةً . . . ولم نَرَ منه حين حان اللِّقَا صَدَّا ولا عَجَبٌ سَبْقُ الجِادِ فإنها . . . مُعَوِّدةٌ بالسَّبْقِ ما كُلِّفَتْ شَدَّا ولَسْتُ بحمِصيٍ كما قال باهِتٌ . . . ولكنْ خَلِيليٌّ اسْتَهْدَى وجَدِّي من الآباءِ فيما رُوِى أبو . . . سعيدٍ هو الخُدْرِيُّ أكْرِمْ به جَدَّا وذاك من الأنصارِ أنْصارِ جَدِّكُمْ . . . رسولٌ به نِلْنَا عُلاَ الجَدِّ والجِدَّا عليه صلاةُ اللّهِ ثم سلامُه . . . وآلٍ وصَحْبٍ والمُحِبُّ لهم جِدَّا أَجِدِّكَ هذا القَدْحُ فيمَن يُحِبُّكمْ . . . ويَحْمَدُكم مَدْحاً ويمْدَحُكم حَمْدَا وما أصْلَتتْ كَفَّاكَ يا مُصْلِتاً على الْ . . . أعادِي سَيْفاً بَاتِراً ماضِياً حَدَّا فحسْبيَ عِلْمُ اللّهِ واللّهُ عُدَّتِيوذِمَّةُ خَيْرِ الرُّسْلِ تكْفِي مَن اسْتَعْدَى ومن شعره قوله ، من أبيات كتبها في صدر رسالة ، إلى يوسف العسيلي القدسي : يا مَن إليه تشَوُّقِي وتَشَوُّقِي . . . قلبي يُحَدِّثني بأنَّك مُتْلِفِي هل قد عَرفْتَ بأنَّني لك مُصْطَفٍ . . . رُوحِي فِداكَ عَرَفْتَ أم لم تَعْرِفِ ولقد أقول لِلاَئِمي في حُبِّكمْ . . . أيُلامُ مَن يهْوَى الجمالَ اليُوسُفِي إن جئْتني مِصْراً فقد أسعَفْتَني . . . يا خَيْبَةَ المَسْعَى إذا لم تُسْعِفِ ما حَبَّني بالصِّدقِ شَخْصٌ غيرَكم . . . حَقّاً وكيف يُحِبُّ مَن لم يَعْرِفِ أوْفُوا لوَعدِي سُرْعةً من فضلِكمْ . . . كَرَماً فإنِّي ذلك الخِلُّ الوَفِي لو قد وَهبْتُ مُبَشِّرِي بقُدومِكمْ . . . رُوحِي وحَقِّ جَمالكم لم أُنْصِفِ ولقد كَلِفْتُ بحُبِّ أصْلِكمُ لِذا . . . كَلَفي بكم خُلُقٌ بغيرِ تَكَلُّفِ ومن مقطعاته قوله : مَن يطلُبِ الإنْصافَ في عصرِنا . . . فذاك من حُمْقٍ به مُنْكَشِفْ كيف وعَيْنُ الشرْعِ مَقْلُوعَة . . . وشَمْسُه في أُفْقِه تَنْكَسِفْ مثله لعبد البر الفيومي : مَن رَام في ذا العصرِ إنْصافَهُ . . . والشَّرْع من حُكَّامِه لم يُصِبْ قُضَاتُه قد قلَعُوا عَيْنَه . . . فشَرُّهم من نَقْصِهم مُنْتصِبْ وقوله : إذا رأيتَ وَلِيّاً . . . مُغْرىً بِحرْصٍ وبُخْلِ فليس ذاك وَلِيّاً . . . للرَّبِّ بل عَبْدُ جَهْلِ وقوله :(4/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
إني لأَعْجَبُ مِمَّا . . . صار الزَّمانُ إلَيْهِ إذْ ما بكيْتُ لدهرٍ . . . إلاَّ بكيْتُ عَليْهِ هذا كالاختصار لقول ابن المعتز : عَجَباً للزَّمانِ في حَالتَيْهِ . . . وبَلاءٍ دُفِعْتُ منه إلَيْهِ رُبَّ يَوْمٍ بَكيْتُ منه فلمَّا . . . صِرْتُ في غيرهِ بَكَيْتُ علَيْهِ
السيد محمد بن عبد الله الهشير بكبريت
مفرد قائمٌ بجمع ، وله خبرٌ حلية فمٍ وسمع . أكثر من الرحلة والانتقال ، وتحمل بنحلة أهل الحال الأعباء الثقال . طالباً نشيدة حقٍ يعقلها ، وصيقلاً يفتح عن مرآته الصدئة ويصقلها . ثم رجع إلى وطنه واقام بها معتزلا ، وقد تبوأ من رياسة العلم محلاً ومنزلا . وألف تآليف أحسن فيها ما شا ، وأتى فيها من الغرائب بما مازج سلافة طربٍ وانتشا . فتنبه له حزبٌ رموه بشرر الانتقاد ، وزعموا أنه قد أساء الإعتقاد . ونسبوا إليه كلماتٍ هو من اعتقاد ظاهرها بري ، وأنا ما أتحققه إلا من كل سوءٍ عري . ومثل هذا فيه لا يقدح ، فما زالت الأشراف تهجى وتمدح . وداعية ذلك ما قاله ابن معصوم ، من أنه لم يكن له في سائر العلوم ، رسوخ قدم معلوم . قال : وأخبرني الوالد بسماعه عنه ، أن أستاذه خالف في تعليمه النظام ، فنقله من الأجرومية إلى الكشاف ، وأبدله النشاف من الارتشاف . انتهى . قلت : وهو في الأدب ممن سلم له أهله ، وله شعرٌ يعرف منه منطبع القول وسهله . فمنه قوله : هَبُوا أنَّ ذاك الحسنَ عَنِّي مُحَجَّبٌ . . . أليس بِرَيَّاهُ سَرَتْ نَسْمةُ الصَّبَا(4/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
إذا رُمْتَ أن تُبْدِي مَصُوناتِ خِدْرِهِ . . . فحدِّثْ بذاك الحيِّ عن ذلك الخِبَا وقوله : أرى مُطالَعَتي في الكُتْبِ ما نفَعتْ . . . لعل وجهَك يُغْنِينِي عن الكُتُبِ فمن رأَى وَجْهَك الباهِي وطَلْعتَهُ . . . فإنَّه في غِنىً عن كلٍ مُكْتَتَبِ وقوله : وإذا جلستَ إلى الرجالِ وأشْرقتْ . . . في جَوِّ باطِنك المَعاني الشُّرَّدُ فاحْذَرْ مُناظَرةَ الجَهُولِ فرُبما . . . تَغْتاظُ أنت ويسْتفيد فيحسُدُ وقوله مضمنا : ما لي ولِلْمَجْدِ والأيَّامُ عابِسةٌ . . . والخَطُّ طُولَ الدهرِ في عَتَبِ ما أصْعَب الشَّيْءَ تَرْجُوه فَتُحْرَمُه . . . لاسِيَّما بعد طولِ الجُهْدِ والتَّعَبِ وقوله : يُنازِعني شَوْقِي إلى الهنْدِ تارةً . . . وأُخْرَى لأرْضِ الرُّومِ والشَّوْقُ لا يُجْدِي وما الهندُ من قَصْدِي ولكنْ بِسُوحِها . . . رأَى قَصدَه فيها الفؤادُ من الوَجْدِ وقوله : يا مَن يُؤمِّل راحةً من دهرهِ . . . صَبْراً على ما رُمْتَ من أمْرٍ عَسِرْ فكُنِ اسْمَ فعلٍ لا يُؤثِّر عامِلٌ . . . فيه وإلاَّ فالضَّمِيرَ المُسْتترْ وقوله : يا لائِمي في حُبِّ مَنْ . . . عَزَّتْ عليَّ رُبُوعُهُ خَفِّضْ عليك وخَلِّنِي . . . أحْلَى الهوَى مَمْنُوعُهُ وقوله : كم من يَدٍ قبَّلْتُها . . . ولو اسْتطعْتُ قَطَْعتُها وَكم من يدٍ قبَّلْتُها لِتَقِيَّةٍ . . . وكان مُرادِي قَطْعَها لو أُمَكَّنُ وقوله مضمناً : يا من يقول بأنَّ طَع . . . مَ لَمَى الحَبائِبِ لم يَرُقْ وغَدا يُعنِّف في الهوى . . . دَع عنك تَعنِيفي وذُقْ وقوله ، مورياً في المولى عشاقي : قد قلتُ للمجدِ مَن تَهوى تُواصِلُه . . . فكلُّنا لك ذو وَجدٍ وأشْواقِ فقال لي بِلسانٍ غيرِ مُعتذِرٍ . . . لا أشْتَهِي أن أُوافى غير عُشَّاقِي(4/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
وقوله : ليست على الحُرِّ الكريمِ مَشَقَّةٌ . . . بأضَرّ من أن لا يَرَى أمثالَهُ ذاك الغريبُ وإن يكُنْ في أهلِه . . . وَارَحْمتاهُ له لِمَا قد نَالَهُ وقوله مَن قال لا في حاجةٍ . . . مَطلوبةٍ فما ظَلَمْ وإنما الظالمُ مَن . . . يقول لاَ بعد نَعَمْ وأنشد لنفسه في رحلته مضمنا : فارقْتُ مكةَ والأشواقُ تجْذِبُنِي . . . لها ويمَّمْتُ طه مَعْدِنَ الكَرَمِ فهل دَرَى البَيْتُ أنِّي بعد فُرْقَتِه . . . ما سِرْتُ من حَرَمٍ إلاَّ إلى حَرَمِ وسبقه إليه العمادي ، في قوله : فارقتُ طَيْبةَ مَشغُوفاً بطَيِّبِها . . . وجئتُ مكةَ في وَجْدٍ وفي ألَمِ فهل درَى البيتُ أنِّي بعدَ رُؤْيتِه . . . ما سِرْتُ من حَرَمٍ إلاَّ إلى حَرَمِ وله يفتخر : نشأتُ بفضلِ اللّهِ في ظِلِّ دَوْحَةٍ . . . سَمَتْ بنَبيٍ كنتُ من بعضِ عِتْرَتِهْ فإن شئْتُ في سَفْحِ العَوالِي وإن أشَا . . . بدارِ الذي طابتْ وطالَتْ بِهْجْرتِهْ فهاتيكَ دارٌ للحبيبِ وهذه . . . بها مَنْزَهِي يا صاحِ من حل حُجْرَتِهْ وقال في تفضيل العالية : أراك تُغالِي في العَوالِي وفي قُبَا . . . وأنت على وَهْمِ الخيالِ تُعَوِّلُ إلى كَمْ تُرَى تَهْوَى الذي أنت سائرٌ . . . إلى غيرهِ إذْ أنت عنه تحوَّلُ فكُن سائراً في لاَ مُقامَ فإنما . . . تَقلَّب في شَأْنٍ لشَأْنٍ وتَرْحَلُ العالية : أرضٌ ذات رياض فائقة . قال في الوفا : هي من المدينة ما كان في جهة قبلتها من قباء وغيرها ، على ميل فأكثر ، وأقصاها عمارة على ثلاثة أميال وأربعة إلى ثمانية أو ستة ، على الخلاف في ذلك . اننتهى . ووجه التسمية جلي ؛ لأن السيول تنحدر من تلك النواحي العالية ، إلى سوافل المدينة ، فعلى ذلك يقال : نزلنا من العوالي إلى المدينة ، وطلعنا إلى العوالي . وله في مدحها قطعٌ كثيرة غير هذه ، فمنها قوله : فَضْلُ العَوالِي بَيِّنٌ ولأهْلِها . . . فضلٌ قديمٌ نُورُه يَتهلَّلُ مَن لم يقُل إنَّ الفضيلةَ طَنَّبَتْ . . . أرْضَ العَوالِي وهْو حَقٌّ يُقْبَلُ إنِّي قَضَيْتُ بفضْلِها وأقولُ في . . . وَادِي قبَا الفضلُ الذي لا يُجْهَلُ وقوله : إذا كنتُ في أرضِ العَوالِي تشوَّفَتْ . . . لأرضِ قُبَا نَفْسِي وفيها المُؤمَّلُ(4/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
ولو كنتُ فيها قالت النفسُ ليت لي . . . بأرض العَوالي يا خليلِيَ مَنْزِلُ فيا ليتَ أنِّي كنتُ شَخْصيْن فيهما . . . وما ليْتَ في التَّحْقِيق إلاَّ تَعَلُّلُ وله من أبيات ، قالها بالروم ، يتشوق إلى معاهده : ما أطْيَبَ الأيامَ فيها تَنْقضِي . . . والعَيْنُ قد قرَّتْ بوصلِ حَبِيبهَا ما العيشُ إلاَّ في حِمَاهَا ليت لي . . . مَأْوىً ولو في سَفْحِها ورَحِيبهَا وله في الشام : وما الشَّام إلاَّ في البلادِ كشَامَةٍ . . . وأقْمارُ وَادِيه الشَّمِيم تِمامُ فحَيَّى مُحيَّاها الإلهُ وزَانَه . . . ولا زالَ بَرْقُ الحُسْنِ فيه يُشَامُ ومن روائعه قوله : الحمدُ للّهِ على ما أرَى . . . من ضَيْعَتِي ما بين هذا الوَرَى صَيَّرني الدهرُ إلى حالةٍ . . . يَرْثِي لها الشَّامِتُ مِمَّا يَرَى بُدِّلْتُ من بعد الرَّخَا شِدَّةً . . . وبعد خُبْزِ البيتِ خُبْزَ الشِّرَا وبعد سُكْنَى منزلٍ مُبْهجٍ . . . سكنْتُ بيْتاً من بيوتِ الكِرَا ولو تحقَّقتُ الذي نالَنِي . . . لارْتفَع الشَّكُّ وزَال المِرَا
أحمد بن عبد الله بن أبي اللطف البري
البر الوصول ، الزاكي الفروع والأصول . إذا قام على أريكة منبر ، شهد ببلاغته العالم من فاجر ومن بر . فلو رآه سحبان لا ستحيى من أن يقول أما بعد ، أو سمع ابن نباتة خطبه قال : هذا سعدٌ لم ينله بنو سعد . مع خطٍ يحسن ويروق ، ولفظٍ تومض في حبره للمعنى الأصيل بروق . وهو عالي الإسناد ولا نظير له في العوالي ، وأدبه مما تحلت به العصر القريبة وخلت عن مثله العصر الخوالي . وقد أوردت من شعره ما يتأرج في الآفاق شذىً طيبه ، وتجتلى في ذروة الثناء بلاغة خطيبه . فمنه قوله من قصيدة أولها : قامتْ تُرِيكَ البدر إذ تخْطُرُ . . . عَذْراءُ مَن هام بها يُعْذَرُ بديعةُ الأوصافِ عُذْرِيَّةٌ . . . يَغار منها الظَّبْيُ والجُؤْذُرُ(4/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
أَخالُ ذاك الخال في خَدِّها . . . فَتِيتَ مِسْكٍ شَابهُ عَنْبَرُ إذا تبدَّتْ وَدَّ بدرُ الدُّجَى . . . لو كان بالسُّحْبِ إذاً يُسْتَرُ عادت بها أعْيادُ عَصْرِ الصِّبا . . . عَصْراً به تَفْتخرُ الأعْصُرُ أيَّامَ كان الأُنْسُ في قَبْضتِي . . . يُصْغِي لما أنْهَى وما آمُرُ وكنتُ في اللَّذَّاتِ مُسْتَرْسِلاً . . . والعَيْشُ غَضٌّ غُصْنُه أخْضَرُ أجُرُّ ذَيْلَ اللَّهْوِ لا أرْعَوِي . . . ظَنّاً بأن الغُصْنَ لا يُهْصَرُ فلم أُفِقْ مذ كنتُ في عشْقتِي . . . إنِّي على العُرْف بها المُنْكَرُ حتى أناخَ الشَّيْبُ في لِمَّتِي . . . والشيبُ ضيفُ صار يُسْتَنْكَرُ فقلتُ للنفسِ أَلا فارْعَوِي . . . فقد أنَاخَ الصَّارِخُ المُنْذِرُ وكان القاضي تاج الدين المالكي ، توجه إلى المدينة ، في سنة أربع وخمسين وألف ، فمدح أهلها بهذه الأبيات : يا ساكِني طَيْبةَ فَخْراً فقدْ . . . طابتْ فروعٌ منكمُ والأصولْ وآيةُ الأنْصارِ فيكم سَرَتْ . . . كأنما المقصودُ منها الشُّمُولْ تُصْفُونَ مَحْضَ الوُدِّ مَن جاءكم . . . فما عسى مادحُكم أن يقولْ ولْيَهْنِكُمْ ما قد خُصِصْتُم به . . . فيا لَها خصيصة لا تزُولْ جاوَرْتُمُ المختارَ خيرَ الورَى . . . وفُزْتُمُ في سُوحِه بالحُلولْ فأجابه البري بقوله : أعْظِم بأهل الركْنِ مِن سادةٍ . . . في مَوْقِع العَلْياءِ جَرُّوا الذُّيولْ جِيرانِ بيتِ اللّهِ مَن قَدْرُهمْ . . . تَحارُ في دَرْك مَداه العُقولْ بمكَّة حَلُّوا فحَلَّوا بها . . . جِيدَ المَعالِي حِلْيَةً لا تزُولْ مَن مثْلُهم والفضلُ حقّاً لهم . . . ومنهمُ التاجُ إمامُ النُّقول رئيسُ هذا العصرِ مِن جِلَّةٍ . . . سَمادِعٍ غُرٍ كِرامٍ فحُولْ أخْلاقُه كالرَّوْضِ مِن لُطْفِها . . . ولُطْفُها تخجلُ منه الشَّمُولْ أكْرِمْ به إذْ قال مِن أجْلِنا . . . طابتْ فروعٌ منكمُ والأُصولْ وآيةُ الأنْصارِ فيكم سَرَتْ . . . لكنَّني بالإذْنِ منكم أقولْ يا نُخْبةَ الأنْصارِ منكُم لنا . . . حتى شهِدْتُم وَصْفكُم لا يحُولْ وأنتمُ جِيرانُ ذاك الحِمَى . . . والآن أنْتُمْ في جِوارِ الرَّسولْ جمعتُمُ فضلاً إلى فَضْلِكمْ . . . فَسُدْتُمُ الناسَ وحَقّ المَقولْ فاللّهُ ربُ العرشِ سبحانه . . . يُولِيكمُ الحُسْنَى وحُسْنَ القَبُولْ(4/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
حتى تُوافُوا القَصْدَ في نِعْمةٍ . . . تَتْرَى وعمرٍ في سُرورٍ يَطُولْ ودولةُ الأفْضالِ تَسْمُو بكمْ . . . وتَزْدِهِي طَوْراً وطَوْراً تصُولْ ما غَرَّدت وَرقاءُ في روضةٍ . . . غَنَّا وغنَّت حين طاب الدُّخولْ ومن لطيف ما وقع له مع القاضي تاج الدين المذكور ، أنه رأى في المنام في العام المذكور ، الذي زار فيه تاج الدين ، كأنه في مجلس درسه بالروضة الشريفة ، وإذا بالتاج داخل من باب السلام ، وهو قاصدٌ الحضرة النبوية ، فلما قضى الوطر من التحية والزيارة ، جاء إلى المجلس وقعد ، فأنشد البري بيتين بديهاً ، وهما : أمَوْلايَ تاجَ الدِّين لا زِلْتَ ذا عُلاً . . . على الْهامِ والأوْهامُ ليست لِذٍي فِطَنْ إذا كُنتُمُ في مجلسٍ كان أهلُه . . . بأجْمَعِهم خُرْساً وأنت لك اللَّسَنْ ثم انتبه وقد حفظهما ، ثم لم تكن إلا نحو عشرة أيام من هذه الرؤيا ، حتى وصل التاج ، وكان دخوله المسجد الشريف من باب السلام ، والبري في مجلس درسه ، على الصفة التي كانت في الرؤيا . ثم لم يلبث أن جاء إلى المجلس ، فتلقاه ، وجلس في الموضع الذي جلس فيه ، وأشار باستمرار القراءة ، فأنشده البري البيتين ، ثم أخبره بالرؤيا ، فقضى العجب ، واستبشر ، ثم بعد قيامه من المجلس أنشده معتذرا ومتشكرا : لئن كان قَدْرِي مِثْلَما قلتَ عندما . . . تَواضَعْتَ إذ أطْبَقْت كُتْبَكَ في الْوَسَنْ فقد صحَّ بالأحْرَى اتِّصافُك بالذي . . . وَصَفْتَ به المملوكَ من ظَنِّكَ الْحَسَنْ لأني وإن أحْرَزْتُ ذلك إنني . . . لَدَيْك أخو صَمْتٍ وأنت لَكَ اللَّسَنْ
إبراهيم بن عبد الرحمن الخياري
هو للفضل خليل ، ومقامه كمقام أبيه جليل . فهما من خيار الخيار ، وبهما باهت(4/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
مدينة النبي المختار . وكان أبوه سقى الله عهده ، ووطأ في الفردوس مهده ، علم علمٍ وفضل ، وموطن رأيٍ أسد وقولٍ فصل . فلم يختر دار القرار ، حتى وافاه توفية الصلحاء الأبرار . فطلع في جبهة الدهر غرة ، يملأ عين بني الفضل قرة . وقعد مقعده بين كتاب الله يتلى ، وحديث رسوله يروى . تؤثره الرتب على غيره ، وتتباهى المعالي بحسن سيره . ونظراءه بنباهته تعترف ، وكأنه بحرٌ منه الألباب تغترف . ثم عند لأمرٍ دعاه إلى الرحلة ، فشد إلى جهة الروم رحله . ولا مطمح إلا منةٌ من الله تصوب ، وعنايةٌ يسترد بها حق مغصوب . فورد دمشق ، وأقام بها قليلا ، ثم دخل الروم فنال بها حظاً جليلا . وأدرك أمانيه على العجل ، وبرىء الدهر عنده مما كان فيه من الوجل . ثم قدم دمشق فهوت إليه القلوب مقبسةً من سناه ، وتنافست الألسنة في إحراز مدحه وثناه . وكنت ممن أسرع إليه ، وأوقفت أملي في الاستفادة عليه . فلزمته لزوم الظل للشبح ، وأخذت عنه طرفاً من الطرف والسبح . سمعت القول الذاهب مذهب الطيف الوارد ، وذقت الأرى الذائب خلال الجامد ، من برد المفتر البارد . ثم رحل على مصر إلى دياره ، وألقى بها بعد هنيئةٍ عصا تسياره . في حظٍ قد اكتمل ، واطلاعٍ على أخاير الذخائر اشتمل . لكنه لم يستدرك ما فاته ، حتى قدر الله تعالى وفاته . فلا برحت سحب الرحمة تحيي قبره وتجوده ، حتى تتروى من ثراه تهائمه ونجوده . وقد أثبت من شعره بدائع تقتنى ، وروائع بها على حسن الأسلوب يعتنى . فمن ذلك قوله من قصيدة ، أولها : زارتْ على غَفْلةٍ من غيرِ مِيعادِ . . . جَيْداءُ تسحبُ تِيهاً خيرَ أبْرَادِ كالشمسِ إن وضَحتْ والبدرِ إن لَمَحَتْ . . . والوَرْدِ إن سمَحتْ في خَدِّها نَادِي حَوْراءُ ما حلَّلتْ لي نَظْرةً حَرُمَتْ . . . لكنْ أذابتْ بَحرِّ الهَجْرِ أكْبادِي يا وَيْحَ قلبي بها كم ذاق مِن حُرَقٍ . . . حتى لقد شَيَّبَتْ بالْبُعْدِ أفْوادِي أبْكِي وأكتُم دمعي كاتماً لأَسىً . . . نِيرانُه في الْحَشَا آلَتْ لإِيقَادِ يا صاحِبَيَّ إذا ما رُمْتُما سَكَنِي . . . عُوجَا قليلاً كذا عن أيْمَنِ الوَادِي أو رُمْتُما شَرْحَ حالِي في الهَوى فلقد . . . غُذِيتُ دَرَّ الهوى من قبْل مِيلادِي وصَادِحُ الْبَيْنِ إن يَخْفَى فلا عَجَبٌ . . . صَوادِحُ البَيْنِ وَهْناً شَجْوُها بَادِي يا ضَرَّةَ الشمسِ يا مَن لا شَبِيه لها . . . حُبِّيكِ أعْذَبُ من عَذْبٍ إلى صَادِي(4/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
فإن يكنْ عَزَّ وَصْلٌ أو بَخِلْتِ به . . . فعَلِلينا ولو طَيْفاً بِمِيعادِ وقوله ، مشطراً ومعجزاً قصيدة البهاء زهير ، المنسوبة لابن الفارض : غيرِي على السُّلْوانِ قادِرْ . . . إن رام هِجْرانَ الْجَآذِرْ وأنَا الْوَفِيُّ بعَهْدِهِ . . . وسِوايَ في العُشَّاقِ غَادِرْ لي في الغَرامِ سَرِيرةٌ . . . أكْنَنْتُها وَسْطَ الضَّمائِرْ ومحبّةٌ أسْررتُها . . . واللّهُ أعلم بالسرائِرْ ومُشَبّهٍ بالغُصْنِ قَلَّ . . . تَصَبُّرِي إذْ قيلَ نَافِرْ قَدِّي وقلبُك في الهوى . . . بِي لا يزالُ عليه طائِرْ حُلْوُ الحديثِ وإنها . . . لَمَحاسِنٌ تَسْبِي النَّواظِرْ حالٍ يَمُرُّوإنها . . . لَحَلاوةٌ شَقَّتْ مَرائِرْ أشْكُو وأشكُر فِعْلَهُ . . . بُعْداً ولَمَّا يَدْنُ زَائِرْ حالان لي أرْضاهُما . . . فاعْجَبْ لشاكٍ منه شاكرْ لا تُنْكرِوا خَفَقانَ قَلْ . . . بي إن بَدَا بدرُ الدَّاجِرْ كَلاَّ ولا تشْتِيتَ لُبِّ . . . ي والحبيبُ لَدَيَّ حاضِرْ ما القلبُ إلاّ دارَهُ . . . فلذاك بالأشواقِ عامِرْ ورُبُوعُه فلأجلِ ذا . . . ضُرِبتْ له فيها البَشائِرْ يا تاركِي في حُبِّه . . . كهلالِ شَكٍ في المَناظِرْ ومُصيِّري بين الورَى . . . مَثَلاً من الأمثالِ سائِرْ أبَداً حديثِي ليس بالْ . . . مَتْرُوكِ عند ذَوِي البصَائِرْ كَلاَّ وشَرْعِي ليس بالْ . . . مَنْسوخِ إلاَّ في الدفاتِرْ يا ليلُ مالَك آخِرٌ . . . فتظَلُّ تَرْقُبْه النَّواظِرْ لا فيك وَصْلُ مُعَذِّبِي . . . يُرْجَى ولا للشوقِ آخِرْ يا ليلُ طُلْ يا شَوْقُ دُمْ . . . إنِّي إلى المحبوبِ سائِرْ يا ليلُ أقْصِرْ أو فطُلْ . . . إنِّي على الحاليْن صابِرْ لي فيك أجْرُ مُجاهدٍ . . . أضْحَى لجيشِ الحبِّ ناصِرْ وثوابُ غازٍ فاتِكٍ . . . إنْ صَحَّ أنَّ الليلَ كافِرْ طَرْفِي وطَرْفُ النَّجْمِ في . . . بَاهِي جمالِك ظَلَّ حائِرْ والقلبُ والعَيْنانِ في . . . كَ كِلاهُما سَاهٍ وساهِرْ يَهْنِيك بَدْرُك حاضرٌ . . . مَالَتْ لبَهْجتِه الخَواطِرْ قد لاح بَدْرُك مُشْرِقاً . . . يا ليتَ بَدْرِي كان حَاضِرْ(4/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
حتى يَبيِن لناظرِي . . . مَن منهما بَاهٍ وبَاهِرْ ويشيعَ بين مَعاشِرِي . . . مَن منهما زَاهٍ وزاهِرْ بَدْرِي أرقُّ محاسِناً . . . إذْ حُسْنُه للعقلِ سَاحِرْ كالليلِ أرْسَلَ شَعْرَه . . . والفَرْقُ مثل الصبح ظاهِرْ ملكَ الجمالَ بأسْرِهِ . . . كُلُّ المِلاحِ له عَساكِرْ سلطانُ حُسْنٍ قد سَما . . . بحُسام ألْحاظٍ فَواتِرْ لا السُّمْرُ تَذْكَر عِنْدَها . . . كَلاَّ ولا البِيضُ البَواتِرْ قد نُفِّذتْ بين الوَرى . . . منه النَّواهِي والأوَامِرْ ما مَخْلَصٌ من فَتْكِهِ . . . بظُبَا اللَّواحِظِ والنَّواظِر إلاّ امْتداحَ مُحَمَّدٍ . . . خيرِ الأوائلِ والأواخِر وله مشطراً ومعجزاً نونية ابن سناء الملك : من ذا الذي مِن مُقْلَتيْه يَقِينِي . . . فهي التي بسِهامِها تُصْمِينِي يا مَن يظنُّ الشِّرْك في حُبِّي له . . . هذا الذي أخْلَصْتُ فيه يَقيِنِي رِيمٌ له فِعْل الرُّماةِ وإنما . . . يُصْمِي فؤادَ المدنَفِ المحزُونِ في القلب مَوْقِعُ سَهْمِه لكنه . . . يَرمِي بقَوْسَيْ حاجبٍ وعُيونِ يَبْرى نِبالاً من فُتور لِحَاظِهِ . . . ويريشُها بالهُدْبِ للتَّمْكِينِ ويُحيلُها بَارِي النُّفوس بحُكْمِهِ . . . في القلبِ حَالةَ رَمْيها تَبْرِينِي يمشي فيدعوه القَضيبُ سَرَقْتَنِي . . . قَدِّي فملْتَ ولا كَمَيْلِ غصُونِ وإذا بَدَا فالبدرُ قال ظَلَمْتَنِي . . . وإذا رَنا قال الغَزالُ عُيُونِي ألِفُ ابنُ مُقْلَةَ في الكتابةِ قَدُّهُ . . . حاشَا فَعاذِلُه سَمَا باللِّينِ والثَّغْرُ مِيمٌ كلُّنا صَادٍ له . . . والصُّدْغُ مثلُ الواوِ في التَّحْسِينِ وعلى الْجَبِينِ بِشَعْرِه سِينٌ بَدَتْ . . . سلَب العُقولَ بطُرَّةٍ وجَبِينِ قد أدْرَكتْ في الحُسْنِ غايتَه لذا . . . حارَ ابنُ مُقْلَةَ عند تلك السِّينِ والْعَيْنُ مثلُ العَيْنِ لكنْ هذه . . . نَجْلاءُ فاقتْ عيْنَ حُورِ العِينِ ولئن تبدَّتْ تلك مَن هي هذه . . . كُحِلتْ بحُسْنِ وَقاحةٍ ومُجُونِ سبحان مَن خلقَ العيونَ بقَوْلِ كُنْ . . . فبدَتْ لسَلْبِ نُفوسِنا في الحِيْنِ وتبادَرت أمْرَ الإله مُطِيعَةً . . . فتكوَّنتْ في أحْسَنِ التَّكْوينِ سُودٌ رُقودٌ ما كُحِلْنَ ولا بها . . . وَسَنٌ فَيَدْعوها لِفعْلِ سُكُونِ(4/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
زُرْقٌ شُهِرْنَ وما ألَمَّ بِجَفْنِها . . . نَوْمٌ ولكنْ قَصْدُها تَسْبينِي يا لَلرِّجالِ ويا لَها مِن فِتْنةٍ . . . كم أَوْقَفَتْنِي في مَواقِفَ هُونِ حتى شَهِدْتُ بَديِعَ حِكْمةِ خالقٍ . . . في وَضْعِ ذاك النَّقْطِ فَوْقَ النُّونِ في ثَغْرِه شُهْدٌ وتحت شِفاهِهِ . . . بَرَدٌ أكادُ أُذِيبُه بأنِينِي وعلى الثَّنايا الدُّرُّ وَاشَغَفِي بها . . . خَمْرٌ جَرَتْ من لُؤْلُؤٍ مَكْنُونِ كم قيل إن شِئْتَ الدُّجَى فغَدائِري . . . فاقتْ على حَلَكِ اللَّيالِي الْجُونِ وإذا طلبْتَ البدرَ فانْظُر طَلْعتِي . . . وإذا أرَدْتَ الصُّبْحَ فهْو جَبِينِي وإذا أرَدْتَ الرَّوْضَ فهْو بوَجْنَتِي . . . مُتَنضِّدٌ مُتناسِبُ التَّكْوينِ يزْهُو بأبْيَضِه وأحْمَرِه لِذَا . . . كم فيه من وَرْدٍ ومن نَسْرِينِ أنا لا أُرِيدُ تَنَزُّهاً في روضةٍ . . . حازتْ جميعَ الحُسْنِ بالتَّعْيينِ بل إن بَدَا حِبِّي فحالِي أنني . . . نَظَرِي إلى وَجْنَاتِه يكْفينِي لاقَيْتُه يوماً فقال أَما تَرَى . . . ظَبْيَ الْفَلاَ قد زاد في التَّفْنِينِ والشَّمْسَ ظلَّتْ أن تُحاكِي فاسْتَمِعْ . . . ما قد جرى منهم لقد ظَلَمُونِي طمِع الغزالُ بأن يُعارِضَ مُقْلَتِي . . . حاشَا وكلاَّ أن يكون قَرِيني والغُصْنُ ظَنَّ بأن قَدِّي مِثْلُه . . . والبردُ أيضاً رامَ أن يَحْكِينِي فأجَبْتُ إن فَعَلاَ فقد فُضِحا ولا . . . يَصِلان منك لِظَاهِرٍ وكَمِينِ كَلاَّ فغَفْراً للذي فَعلا فلا . . . يُؤْذِيك فِعْلُهما ولا يُؤْذِيني فافْتَرَّ مُبْتسِماً وأوْعَد باللِّقا . . . وَهْناً فقَرَّتْ باللقاءِ عُيُونِي وثَنَى لنا عِطْفاً وجاد بوَصْلِهِ . . . يوماً ولا ثِقَةً بوَعْدِ ضَنِينِ اللّهُ أكبرُ مِن قَساوةِ قَلْبِه . . . أنَّى يَميلُ لِمُدْنَفٍ مِسْكِينِ يقْسُو فلا عَطْفٌ يُميِلُ غَصُونَهُ . . . مع ما يُرَى في عِطْفِه مِن لِينِ علَّمْتُه بابَ المُضافِ تفاؤُلاً . . . بوِصاله وطَمِعْتُ أن يُدْنيني فغَدَا يُعامِلني بضِدٍ مُذْ بدا . . . ورَقِيبُه يُغْرِيه بالتَّنْوِينِ وله في الغزل : تَعطَّفْ بِمُضْنىً عليلِ المَقالْ . . . ودَعْ عنك هذا الْجَفَا والمِطالْ أَما قد عَلِمْتَ بأني امْرُؤٌ . . . أُحِبُّ الجميلَ وأهْوَى الجمالْ وأغْشَى المَغانِي إذا ما حَوَتْ . . . لَطِيفَ البَنانِ حَلِيفَ الدَّلاَلْ بسَهْمِ اللِّحاظِ إذا ما رَنَا . . . أصاب فؤادِيَ دُون النِّصالْ ووَرْدِيِّ خَدٍ إذا لاح لا . . . هَمَى الطَّرْفُ منِّي بمثْلِ الّلآلْ(4/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
ووجهٍ يُبِيدُ سَناهُ البدورَ . . . إذا ما تَبدَّى بجُنْحِ اللَّيَالْ فصُبْحُ الجَبِينِ وليلُ الشُّعورِ . . . بهذا الهُدَى وبهذا الضَّلاَلْ وجسمٍ حكَى الماءَ في رِقَّةٍ . . . عليه من الثَّغْرِ مِثْل الظِّلالْ فخُذ ما صَفا لك مِن وُدِّهِ . . . ولا تخْشَ عَاراً ولا أن يُقالْ فما كُلُّ وَقْتٍ يُبِيحُ الزَّمانُ . . . لِقَدٍ عَاطِلٍ هُوَ بالحُسْنِ حَالْ ولا الدهرُ في كلِّ ساعاتِه . . . يُغِيثُ الفقيرَ ببَذْلِ النَّوَالْ وإن لاح فاجْتَلِ أنْوارَهُ . . . فما كلُّ يومٍ يلُوح الهِلاَلْ ولا تُمْهِلَنْ لَذَّةً أمْكَنتْ . . . وباكِرْ صَبُوحَك قبَل الزَّوالْ ولهذا الشيخ ولدٌ اسمه :
أحمد
نبيلٌ نبيه ، قائمٌ في وقتنا مقام جده وأبيه . وكنت قبل دخولي الحجاز سمعت بفضله ، وبلوغه في المعالي مرتبة أصله . فسجدت لله شكراً ، وما زلت أجدد له ذكراً . وأنا أشوق إليه من المحب إلى حبيبه ، وأحن إليه من حنين المريض إلى طبيبه . حتى لمحته بالمدينة لمحةً كشرب الطائر الوجل ، أو قبسة القابس العجل . لم تزل بها علة ، ولا تروت بها غلة . وقد بلغني أنه الآن هو المشار إليه ثمة بالبنان ، الحائز قصب السبق في ميدان البيان . أشرقت في سماء المجد مطالعه ، ولم تتهيأ إلا لتحصيل الكمال مطامعه . فالله يعيذه من عين كماله ، ويجعل أمامه مطاياه إلى آماله . ولم يبلغني له شعرٌ أنمق به الكتاب وأوشيه ، وإذا بلغني لم آل من أني أذهبه به وأحشيه .
إبراهيم بن محمد بن أبي الحرم
فاضلٌ بلغ من المعالي مرتقاها ، وله معارف تستقبلها النفوس بالقبول وتتلقاها . فمناطق الشكر له فصيحة اللسان ، ومواهب الله تعالى به معهودة الإحسان . لم يزل في عيشٍ موشاةٍ حواشيه بسوابغ الكرم ، وهو في ظلال حرمة نبيه آمنٌ من حرام الحرم . إلى(4/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
أن انتقل إلى الدار الآخرة ، فلا زالت تحيي قبره سحابة الرحمة الزاخرة . وقد أوردت له من درره ما ألف نظمه بالشذر في عنق فتاة رود ، فإذ نظرت رأيت أي سوالفٍ وخدود ، عنت بين اللوى فزرود . فمن ذلك قوله فيمن لبس بياضاً : لَمَّا بَدَا مُبْيَضّا . . . والقلبُ مُشْتاقاً إلَيْهِ ناديتُ هذا قاتلِي . . . والرَّايةُ الْبَيْضَا عليْهِ وقوله : صَادَفْتُه يجْلُو فَماً حَشْوُهُ . . . شُهْدٌ ودُرٌّ وعَقِيقُ المُدامْ وقلتُ يا مولايَ هل مَشْرَبٌ . . . مِن رِيقِك العَذْبِ لِحَرِّ الغَرامْ فقال جَوْرٌ منك أنت الذي . . . تُدْعَى بإبراهيمَ طولَ الدَّوامْ والنارُ بَرْداً وسلاماً غَدَتْ . . . عليك ماذا الحَرُّ قلتُ السَّلامْ وقوله : جاء يسْعَى إلى الصلاةِ مَلِيحٌ . . . يُخْجِلُ البدرَ في لَيالِي السُّعُودِ فتمنَّيْتُ أنَّ وَجْهِيَ أرْضٌ . . . حين أوْمَا بَوجْهِه للسُّجودِ قلت : ذكرت هنا ما يحكى عن بعض الظرفاء ، أنه مر بغلامٍ جميل ، فعثرت فرسٌ في طينٍ ، أصاب وجه الغلام منه نزرٌ ، فقال الظريف : ' يا ليتني كنت تراباً ' ، فسمعه بعض المارين ، فقال للغلام : ما يقول هذا ؟ فقال : ' ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ' . وقال السيد محمد كبريت ، في كتابه نصر من الله وفتح قريب ، في معرض كلامٍ : جرت عادة الفعال لما يريد في خلقه ، أن كل بلدةٍ في الغالب تكون عوناً لغريبها ، حتى على ساكنها ، وعلى الخصوص المدينة المنورة . وكان المرحوم العلامة الشيخ إبراهيم بن أبي الحرم يقول : ليس من الرأي تعظيم الوارد إلى هذه الدار ، إلا بحسب ما يقتضيه الحال ، فإنه بتعظيمه يطأ غيره ، ثم يتمرد على معظمه ، فيطأه كذلك ، وتكون إساءته عليه أكثر ، وعلى الخصوص من لفظته القرى ، وألف النوال والقرى ، وقد اتفق لي شيءٌ من ذلك فكتب إلي بعض أصحابي في خصوص هذا المعنى : يا أهْلَ طَيْبةَ لا زالتْ شمَائلُكم . . . بلُطْفِها في الوَرى مَأْمونَة الْعَتَبِ لكنْ رِعايتُكم للغُرْبِ تحْمِلُهمْ . . . على تَجاوُزِهمْ لِلْحَدِّ في الأدبِ فكان الجواب عن ذلك بلسان الحال : مَوْلايَ إنَّ صُروفَ الدهرِ قد حَكَمتْ . . . وأعْوَزَتْ أن يَذِلَّ الرأسُ للذَّنَبِ كم مِن مُقَبِّلِ كَفٍ لو تمكَّن مِن . . . قَطْعٍ لها كان مِمَّن فازَ بالأرَبِ(4/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
الأمير أبو بكر بن علي الأحسائي
أمير كلام ، وصاحب نفثات أقلام . نما في منبت النجابة ، ودعا الأمل فأجابه . تحرسه عينٌ من الله واقية ، وتحفظه آثارٌ أبد الآباد باقية . وله علمٌ وعقل ، وضبطٌ لشوارد الفنون ونقل . إلى مفخرةٍ يتوشح بردائها ، ومأثرةٍ يترشح لابتدائها . وقد فاز من الأدب بأوفر حصة ، وغدت سمته به صفةً مختصة . وله شعر تتأرج في روض المعارف زهراته ، وتجتني من أغصان السطور ثمراته . فمنه قوله ، من قصيدة يمدح بها الشريف زيد بن محسن : عَزَّتْ بِعِزِّ مَقامِك العَلْيَاءُ . . . وعليك فَضّتْ عِقْدَها الْجَوزَاءُ فالبدرُ كأسٌ والشموسُ عُقارُها . . . فاشْرَبْ بكأسٍ شمسُه الصَّهْباءُ وحَبابُها نُجُمُ السَّما فكأنَّها . . . ذاتٌ وذاك بشكْلِه الأسْماءُ وأتْك بِكراً قبَل فَضِّ خِتامِها . . . يقْتادُها رَاوُوقُها وذُكاءُ خضعْت لعِزِّك فاسْتقِمْ في عَرْشِها . . . يا ظاهراً لا يعْتريِه خَفاءُ وانْصُبْ لِوَاءَ الحمد مُنْتَشِرَ الثَّنَا . . . قد ضُوِّعتْ بعَبِيرِه الأرْجاءُ يسْعَى بظلِّ أمَانِهِ بين الورَى . . . ذُو البَأْسِ والأمْجادُ والضُّعَفاءُ فالدهرُ سَيْفُك فاتَّخِذْه مُجَرّداً . . . مُتوشّحاً بالنصرِ وهْو رِدَاءُ وعُلاكَ قد شهِد العَدُوُّ بفضْلِه . . . والفضلُ ما شهدتْ به الأعْدَاءُ وحِمَاكَ أَمْنُ الْخائفين تَؤُمُّه . . . ششمُّ الأُنوفِ القادةُ الأكْفاءُ ولقد حَظِيتَ من الإلهِ بنَظْرةٍ . . . أرْدَتْ مُريد الكَيْدِ وهْو هَباءُ وحُبِيتَ منه بما تقاعَسُ دُونَه . . . هِمَمُ الملوكِ الصِّيدِ والعُظَماءُ فاللّه أظْهَرَ ذا الْجَنابَ بِنَصِّه . . . فالخلقُ أرضٌ والشريفُ سَماءُ لو قيل لي مَن ذا أرَدْتَ أجَبْتُهمْ . . . أوَ غَيْرَ زَيْدٍ تَمْدَحُ الشعَراءُ وإذا أُدِير حديثه في مَحْفَلٍ . . . فلِمَسْمعِي مِن طِيبِ ذاك غذاءُ مَلِكٌ إذا وعَد الجميلَ وَفَى به . . . وإذا تَوَعَّدَ شأنُه الإغْضاءُ فبِسَعْدِه أهْدَى الزمانُ إلى الورَى . . . كأساً هَنِيّاً ليس فيه عَناءُ(4/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
فاللّه يُبْقِي مُلْكَه السَّامي الذي . . . قد كَلَّلَتْه بنُورِها الزَّهْراءُ وكتب إلى الشيخ الإمام عيسى بن محمد الجعفري الثعالبي ، نزيل مكة ، مادحاً بقوله : يا مَن سَما فوقَ السِّماكِ مَقامُهُ . . . ولقد يَراك الكلُّ أنتَ إمامُهُ حُزْتَ الفضائلَ والكمالَ بأَسْرِهِ . . . وعَلَوْتَ قَدْراً فيك تمَّ نِظامُهُ لو قيل مَن حازَ العلومَ جميعَها . . . لأقول أنت المِسْكُ فيه خِتامُهُ كم صُنْتَ مِن بكْرِ العلومِ خَرائداً . . . عن غيرِ كُفْءٍ لم يجبْ إكْرامُهُ فاعلمْ بأنِّي غيرُ كُفْءٍ لائقٍ . . . إن لم يكنْ ذا الفضلُ منك تمامُهُ ثم أتبعه بنثرٍ ، صورته : لما أضاء نور المحبة في قناديل القلوب ، صفت مرآة الحقيقة فظهر المطلوب . فاتضحت الرسوم الطامسة ، وبانت الطرق الدارسة . فاكتحلت عين القريحة ، فسالت في نهر النطق ، فأثمرت بالمسطور ، وهو المقدور . وأما المقام فهو أعلى من ذلك وأجل ، وليس يدري ذلك إلا من وهل . وأما العبد فهو مقرٌّ أنه قد قصرت به الركائب عن بلوغ ذلك ، وأعاقته عقبات الأسباب عن سلوك هذه المسالك . لكن حيث إن ثياب الستر من فضلكم على أمثاله مسبولة ، فيرجو أن يهيىء الله له في ضمن الامتثال مطلوبه ومأموله . فأجابه بقوله : لِلّهِ دَرُّك يا فريد مَحامِدٍ . . . أربَى على البدرِ التّمامِ تمامُهُ قد صُغتَ من سِرِّ البراعةِ مُفْرَداً . . . فاق الفرائدَ نَثْرُه ونظامُهُ وكَسَوْتَه من جَزْلِ لفظِك سابِغاً . . . وُشِيتْ بكلِّ لَطيفةٍ أكْمامُهُ وجَلَوتَه يخْتالُ تِيهاً آمِناً . . . مِن أن يُشابَه في الوجودِ قَوامُهُ أعْرَبْتَ فيه عن اعْتقادٍ خالصٍ . . . ومَكِين وُدٍ أُحْكِمتْ أحْكامهُ وصَبَوْت ذا شُكْرٍ بِبثِّ قصيدةٍ . . . وبفَصِّ خاتمه العَلِي أسْوامُهُ أهْلاً به فَرْداً أتى من مُفْرَدٍ . . . وحَبَا به ضيفاً يجلُّ مقامُهُ حَتْما عليَّ ولازماً تبْجِيلُه . . . فَوْراً وحَقّاً واجباً إكْرامهُ لكنْ على قَدْري فلستُ بكُفءِ مَن . . . وَطِئتْ على هامِ العلَى أقْدامهُ وإليكَها عَذْرَا على مَهَلٍ أتَتْ . . . خَجْلَى لمْحتدِك العزيز مَرامُه فاصْفَحْ بفضلِك عن صَحِيفةِ نَقْصِها . . . فالفضلُ مُؤتمٌّ وأنت إمامُهُ واسْحَبْ رداءَ المجدِ غير مُدافعٍ . . . فلأنتَ عُنْصُرُه وأنت خِتامهُ ثم أتبعه بنثر ، صورته : هذه دام جدك في صعود ، ومجدك في سعود عجرفةٌ أبرزها فاتر الفكر الأعرج ، وقاصر الذهن البهرج . تتعثر في مروط الخجل والوجل ،(4/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
وتتعارض لما بها من الخطأ والخطل . أتت سوح حضرتك الرحراحة الأرجا ، وأملت أن تفوز من كمال صفحك عن زيفها بتحقق الرجا . فقابل إقبالها بالقبول والإغضا ، وألحظها غير مأمورٍ بعين التقريب والرضا . فإنك مأوى الفضل ومخيمه ، ومفتتحه ومختتمه . ولولا نافذ أمرك المطاع ، وواجب تعظيمك المتمكن في الأفئدة والأسماع ؛ لما تراءى لراءٍ عجرها ولا بجرها ، ولا بان لسامع خبرها ولا مخبرها . ولكن عند الأكابر تلتمس وجوه المعاذير ، ولدى أعيان الأفاضل يرتجى الصفح عن التقصير . والسلام .
أحمد بن محمد مكي
فاضلٌ توقد ذكاه ، وتألق شهابه وذكاه . فبزغ واضح الغرة والجبين ، ورفع عمود الصبح المبين . وكسي نصاحة الفصاحة ، وتفتق عن رونق البشر والصباحة . فلله براعةً ملك ، وطريق إجادةٍ سلك . قرت بها عيون أودائه ، وملئت غيظاً صدور أعدائه . وكان للقلوب فيه ظنٌّ جميل ، وللمعالي رجاءٌ وتاميل . إلا أن الأيام لم تفسح له مدى ، فاقتطفت زهرة حياته في باكورتها يد الردى . وقد أثبت من بواكير طبعه المطبوع ، ما يدل على نبله دلالة الماء على نظافة الينبوع . فمن ذلك هذه الأبيات ، كتب بها إلى الأستاذ زين العابدين الصديقي : لُؤْلُؤُ الثَّغْرِ المُنَضَّدْ . . . فيه جِريْالٌ مُبَرَّدْ بَسمَتْ عنه ثَنايَا . . . رَشأٍ أحْوَى وأغْيَدْ أم رياضٌ عِقْدُ دُرِّ الْ . . . مُزْنِ فيها قد تَبدَّدْ أم نجومٌ مُزْهِراتٌ . . . مِن سَناها النُّورُ يُوقَدْ أم نَسِيمُ الصبح أبْدَى . . . طَيِّب النَّشْرِ من الوَرْد لا ولكنْ ذا قَرِيضٌ . . . لإمامٍ قد تفَرَّدْ سيِّدٍ حَبْرٍ هُمامٍ . . . أوْحَدٍ من نَسْلِ أَوْحَدْ مَن له حَالٌ وقَالٌ . . . بِهِما الساداتُ تشْهدْ وله في المجدِ شَأْوٌ . . . دونه النجمُ وفَرْقَدْ نَجْلُ أقْطابٍ كِرامٍ . . . لهمُ غاياتُ سُؤْدَدْ كم كراماتٍ شهِدْنَا . . . مالَها حَصْرٌ ولا عَدّ يعجِزُ الواصفُ عنها . . . منهمُ جاءتْ بلا حَد(4/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
مَلأَتْ شرقاً وغرباً . . . وبدَتْ في كلِّ مَشْهَدْ عَبِقَ الكونَ ثَناهُم . . . كعَبِيرِ المِسْكِ والنَّدّ وحكى لي صاحبنا الفاضل مصطفى بن فتح الله ، قال : كنت بالمدينة نظمت قصيدةً في الغزل ، فلامني عليها بعض الناس ، وبلغ ابن مكي ذلك ، فأتى إلى منزلي ليروحني ، فلم يجدني ، فكتب : أتيتُك من شوقِي إليك مُسَلِّماً . . . وقد صار قلبي في وِدادِك ذا شُغْلِ فمِن سُوءِ حَظِّي ما تَمَلَّيْتُ ساعةً . . . بمَرْآكَ يا رَبَّ الفصَاحةِ والنُّبْلِ فلا عَتْبَ لي إلاَّ عليه فإنه . . . على نَيْلِ ما أهْواه في الدهرِ ذُو بُخْلِ فيا مَن له طبعٌ أرَقُّ من الصَّبا . . . لقد ساءَني ما قد لَقِيتَ من العَذْلِ فلا تسْتمِعْ قولاً لِواشٍ وناصِحٍ . . . ولا تَرْعَوِي عن حُبِّ ذِي الأعْيُنِ النُّجْلِ فما أنتَ في حُبِّ الْجَآذِرِ أوَّلاً . . . أشَاعَ الهوى أسْرارَه يا أخا الفَضْلِ بِذا قد قضَى شَرْعُ الغَرامِ بأهْلِه . . . فنصْبرُ في حُكْمِ الغرامِ على القَتْلِ إذا ما رَنَا مَن يُشْبِهُ الظَّبْيَ لَفْتَةً . . . ومَاسَ كغُصْنٍ فوق دِعْصٍ من الرَّمْلِ وأظْهَر وَرْداً في شَقائِقِ خَدِّه . . . وسار يجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً على مَهْلِ وفاح شَذَا مِسْكٍ على الْخَالِ عَمَّهُ . . . مَحاسِنُ أوْصافٍ تَجِلُّ عن المِثْلِ وأبْسَمَ عن دُرٍ تنظَّم في طُلىً . . . ألَذُّ وأحْلَى رَشْفُها من جَنَى النَّحْلِ فأيُّ فُؤادٍ ليس يصْبُو لِحُسْنِه . . . ويشْتاق من ذاك الغَزالِ إلى الوَصْلِ ألا أيُّها العُذَّالُ إنَّ بَنِي الهَوى . . . رَأُوا اللَّوْمَ في حُبِّ الحِسانِ من الجهلِ ففي مَعْرَكِ الأحْداقِ والمُهَج انْظُروا . . . ولُومُوا ولِجُّوا بعد ذلك في العَذْلِ تَبارَك مَن حَبَّ الجمالَ وأهْلَه . . . ومَن خلَق الإنْسانَ في أحْسَن الشَّكْلِ إليك أخا الأفْضالِ سارتْ شَقائقٌ . . . مُداعِبَةٌ تَرُوْيِك بالجِدِّ والهَزْلِ فكُن فاتِحاً بابَ الرِّضَا لقبولها . . . وأصْلِحْ مَعانيها من القولِ والفِعْلِ ودُمْتَ قَرِيرَ العَيْنِ في حِفْظِ ربِّنا . . . ونَسْمعُ ما تَرْوِي ونكتُب ما تُمْلِي فكتب إليه مجيباً : يا أحمداً حاز المَكارمَ كُلَّها . . . ويا فاضلاً مِن دونِه كُلُّ ذِي فَضْلِ ويا ماجداً يسْمُو على كلِّ ماجدٍ . . . ويا مَن غدَا في الفَضْلِ مُمْتنِعَ المِثْلِ ويا نَجْلَ مَكِّيِّ الهُمامِ الذي له . . . فضائلُ إنْ أعْدَدْتُها فهْي كالوَبْلِ على كلِّ حالٍ لستُ أُحْصِي ثَناكُما . . . ولكنَّ بعضَ القولِ يكفي عن الكُلِّ(4/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
بنفسِي أُفَدِّي منك لَفْظاً كلُؤْلُؤٍ . . . وشِعْراً رقيقاً صار ذِكْراه لي نَقْلِي بعثْتَ بِخَوْدٍ يُخْجل البدرَ حُسْنُها . . . عَقِيلةَ أتْرابٍ بها صِرْتُ ذا شُغْلِ سُلافِيَّةُ الألْفاظِ شَمْسيَّةُ السَّنَا . . . مُدامِيَّةُ الأَلْمَى لحالش الشَجِي تُمْلِي فأفْرشْتُها خَدِّي وأوْسَدْتها يَدِي . . . وصيَّرْتُها مِنِّي بمنزلةِ الخِلِّ وبِتُّ أُعاطِيها ثَنايَ مُعظِّما . . . عليْك وجادتْ عند ذلك بالوَصْلِ وقبَّلْتُها ألْفاً وضِعْفَها . . . فحيَّاك ربُّ العرشِ يا زَاكِيَ الأصْلِ ذكرتُ بها عهدَ الصَّبابةِ والهوى . . . وكنتُ تَناسيْتُ المَحبَّةَ بالفِعْلِ زَهَتْ بك يا قُسَّ الفصاحةِ طَيْبَةٌ . . . فدُمْتُ قَرِيرَ العيْنِ مُجْتمِعَ الشَّمْلِ وقد زُرْتَ عَبْداً صادقاً في وِدادِهِ . . . وشأنُ المَوالِي هكذا يا مُنَى السُّؤْلِ ولكنْ على حَظّي العِتابُ فإنه . . . على جَمْعِ شَمْلِي بالأحِبَّةِ ذُو بُخْلِ وأعْلَمتْنِي أن قد شَفِقْتَ عليَّ مِن . . . مَقالةِ عُذَّالٍ وليسوا ذَوِي عَدْلِ أبُثُّك حَالِي يا أخا الوُدِّ والوفا . . . وَدَهْرِيَ أشْكُو وهْو منِّيَ في حِلِّ رَمانِي زماني بالصَّبابة والهوى . . . وذلك تقْديرُ الذي جَلَّ عن مِثْلِ وقد كان ظنِّي الوصلُ مِن فَاتِنِي الذي . . . تحكَّم في بعضِي هَواه وفي كُلِّي فعامَلنِي من غَيْرِ ذنبٍ بهَجْرِه . . . فيا سيِّدي هل يستحقُّ الجَفَا مِثْلِي فمِن أجْلِ ذا قد ضاق صَدْرِيَ منهمُ . . . ولم أتَجَرَّعْ بعدَ ذا غُصَصَ العَذْلِ على أنني لا أرْتضي الذُّلَّ في الهوى . . . وإن كان أَوْلَى لي التَّحَمُّلُ للِذُّلِّ ولكنْ أمَرْتَ العبدَ يصْبِرُ للْقضَا . . . فصَبْراً على أحْكامِ ذي الأعْيُنِ النُّجْلِ ودُمْ راقياً أَوْجَ الفضائلِ باقياً . . . وتخْدُمك العَلْياءُ في الجِدِّ والهَزْلِ ومما وقفت عليه ، معزواً إليه قوله : إيَّاك والبَغْيَ لا تَرْضَى به أبداً . . . واتْرُكْ هوَى النفسِ تنْجُو مِن بَلا عَادِ وكُن بنفسِك مشْغولاً تُهذِّبُها . . . فالنفسُ أعْدَى عَدُوٍ ذاتُ إفْسادِ ولا تكُنْ بمَساوِي الناسِ مُشْتغِلاً . . . وراقِبِ الناسَ في خافٍ وفي بَادِي قد قال واصفُهم حَقّاً أخُو فِطَنٍ . . . ممَّن يُجِيد فَصِيحَ النُّطْقِ بالضَّادِ الناسُ أحْلامُهم شَتَّى وإن جُبِلوا . . . على تَشابُهِ أرْواحٍ وأجْسادِ للخيرِ والشَّرِّ أهلٌ وُكِّلُوا بهما . . . كلٌّ له مِن دَواعِي نَفْسِه هَادِي وقوله : في طَيْبةَ كان لنا صاحبٌ . . . تظنُّه النفسُ شَقِيقاً لَهَا(4/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
مَنَحْتُه صَفْوةَ الإخَأ . . . وخِلتُه يمنَحُ أمْثالَهَا فقابَل الوُدَّ بهَجْرٍ بلا . . . دَاعٍ له تُوِب فَتْح اللَّهَا وكم عُقُودٍ للْوفَا بيْننا . . . أطاع شانِينَا وقد حَلَّهَا فقلتُ يا نفسُ دَعِيهِ فذَا . . . مثلُ الذي نقضَتْ غَزْلَهَا
أحمد بن محمد علي المدرس
لقيته بدمشق في خدمة قاضي القدس المولى خليل أجل من ولي القضا ، وأعظم من ينقضي الدهر وليس لمدحه انقضا . وله عنده المنزلة المجلاة بالإنعام ، والرتبة المشمولة بالإكرام بين الخاص والعام وكنت أعشق هذا الفاضل على السماع ، فصغر الخبر الخبر به عند الاجتماع وطالما اقتطفت من أزاهر بستانه فاكهةً جنية ، فتناولت الآن من صنعة بنانه تحفاً عن الإطراء في مدحها غنية . وهو كما بلغني قد بلغ مبلغ الرجال ، وهو في سن الأطفال ، وتميز بين أقرانه بالمزية التي تستدعى لها الاعتناء والاحتفال . بجدٍ لم يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ، وجهدٍ لم يخل دقيقة ولا جليلةً إلا استقصاها . وقد فرحت به فرحةً أنستني كل فرحة ، وباعدت بيني وبين كل مساءة وترحة . ثم اجتمعت به في القاهرة ، فأشرقت علي بها فضائله الزاهرة . وتحققت من وده حالاً لم يلحقها انتقال ، ولم يشنها اختلال ، وتألفاً هو الفعل لم يدخله من شوائب النقص اعتلال . فالله يجعل تلك من الأحوال اللازمة ، ويعصم هذا من الحروف الجازمة . فمما تناولت من شعره قوله : قَرِّبي الراحَ من حِمانَا وُدورِي . . . بين غِيدٍ بها حِسَانٍ بُدورِ قَرِّبيها فهْي الدواءُ لِما قد . . . حلَّ من دَائها بجسْمي الأسيرِ قَرِّبيها وخَلِّ عنك أُناساً . . . حَرَّمُوها يا مُهْجةَ المسْرورِ قَرِّبيها كالتِّبْرِ صفراءَ لَوْناً . . . كاسُها كاللُّجيْنِ من بِلُّورِ منها : خمرة تترك الشحيحَ جَواداً . . . باحْتِساها كحاتِم المشْهورِ وقوله : عَذهِّب بما شئْتَ أيُّها القمرْ . . . إلاَّ الْجَفاء والصُّدودَ يا عُمَرْ مَن قد حَوى الماء في الخدودِ كذا . . . نار بأحْشَاي حين تسْتعِرْ رُمْتُ سَلْوَى هواك يا أمَلِي . . . من أين للقلبِ عنك مُصْطَبرْ أنت الذي كالسِّهامِ لَحْظُك قد . . . رَمَى حَشايَ وما له وَتَرْ بِنْتُ عن الرُّوح يا سِرَاجُ ضَنىً . . . كأنني يا مَلِيكُ مُحْتَضَرْ(4/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
نَهَى عن الحبِّ عاذِلِي سَفَهاً . . . فقلتُ ذا العَذْلُ يا فتى غَرَرْ إنَّ حبيبي كالغُصْنِ قامتُه . . . له ثَنَايا كأنها دُرَرْ بدرٌ كمثْلِ المُدامِ رِيقتُه . . . والقلبُ قاسٍ كأنه حَجَرْ يَسْبى البَرايَا بنثورِ طَلْعتِه . . . وليس للخَصْرِ يَلْتقِي أثَرْ بَلْبَلَ قلبي دَلالُه أبداً . . . وذاكَ شرطٌ في العِشقِ مُعْتَبَرْ كلَّمني طَرْفُهُ ومُقلتُه . . . لذاكَ أصْمَى الحَشَا بها حَوَرْ له كعَيْنٍ عَيْنٌ وحاجِبُه . . . نُونٌ وَفَاهُ مِيمٌ سَيَنْتَظِرْ نعيمُ دُنْيَايَ حُسْنُ صُورَتِهِ . . . فوَصْفُها صَاحِ ليس يَنْحَصِرْ يَحارُ كُلٌّ في وَصْفِ خِلْقتِه . . . وكم لَدَيْهِ محاسِنٌ أُخَرْ وقوله ملتزماً واوين في أول البيت وآخره : ووَادٍ به قد كان بالصَّحْبِ جَمْعُنا . . . ولكنَّهم للقلب بالْبُعْدِ قد كَوَوْا ووَقَّد نارِي هَجْرُهم وبِعادُهم . . . وللجسمِ منِّي يا خليليَ قد شوَوْا ووَاحَسْرةَ العُذَّالِ إنّي أعُدُّهمْ . . . كلاباً فمنهم لا أُبالِي إذا عَوَوْا ووَرْقاءِ دَوْحٍ قد أثارتْ تَشَوُّقِي . . . تقوم بأحْشايَ وقلبِيَ قد ثَوَوْا وَوْرِديَّةِ الخدَّيْنِ مَعْسولةِ اللَّمى . . . وعُشَّاقُها للسُّقْم مَن صَدِّها حَوَوْا ووَسْناءِ طَرْفٍ كالغُصونِ اهْتزازها . . . أسانيدُ عِلْم السِّحرِ عن طَرْفِها رَوَوْا ووَجْنتها يحْكِي دموعي احْمِرارُها . . . ورَضْوَى مع الأرْدافِ منها قد اسْتَوَوْا وَاوات أصْداغٍ لها كعقاربٍ . . . وكم لَسعتْ قوماً على حُبِّها انْطَوَوْا ووَالخَصْرِ منها ما تبدَّلْتُ غيرها . . . ولم أَكُ من قومٍ لسُلْوانها نَوَوْا ووُدِّي لها من قبل آدم ثابِتٌ . . . ولستُ كأقْوام إلى غيرها هَوَوْا وقد اقتفى أثر ابن زقاعة ، في قوله : ووَرْدِيِّ خَدٍ نَرْجِسيِّ لَواحِظٍ . . . مَشايخُ علم السِّحْرِ عن لَحْظِه رَوَوْا ووضاوَاتُ صُدْغَيْهِ حَكيْن عقارِباً . . . من المسكِ فوق الجُلَّنارِ قد الءتوَوْا ووَجْنتُهُ الحمرا تلوحُ كجمرةٍ . . . عليها قلوبُ العاشِقين قد انكَوَوْا ووُدِّي له باقٍ ولستُ بسامعٍ . . . لقَوْلِ حَسُودٍ والعواذِلُ قد عَوَوْا ووَاللّهِ لا أسْلو ولو صرْتُ رِمَّةً . . . وكيف وأحْشايَ على حبِّه انطْوَوْا(4/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
الباب السابع في غرائب نبهاء مصر
لا زالت محروسةً عن طوارق كل همٍ وأصر . وهي أم الدنيا الولود ، وكوكبها السعد الأكبر فلذا قوى بها طالع المولود . تبرجت تبرج العقيلة دون ساتر ، فأوقفت الناظر دون محاسنها وهو باهتٌ حائر . فإن كان الهرمان نهدين في صدرها ، فإن الخليج والعهد به منطقة في خصرها . كل قطرٍ يشتاقها فهو يتمنى لو صدق فيها الخبر العيان ، وكم هواءٍ صار لها رمالاً فهو إذا مر خط في رمل الكثبان . وناهيك ببلدةٍ فضلها الله ورعاها ، وأخرج منها ماءها ومرعاها . وأسعد مطالع أنوائها ، فاهتزت وربت مساقط أندائها . إن بارت تجارةٌ فإليها تجلب ، أو عزت نفيسةٌ فمنها تطلب . فلذا ترغب النفوس في جوارها ، وتنفسح الآراء بين أنجادها وأغوارها . وقد جمعت ما ولد سام وحام ، واشتد بها الالتحام والازدحام . واحتوت الآن على جل أبناء يافث ، من كل صنديد في عقد الملمات نافث . فهي كرسي الأمراء والأعيان ، وقرارة السادات الذين يكل عن حصر معاليهم نطاق البيان . وخزانة كتب العلوم ، والآثار المنبثة عن أصالة الحلوم . إلى الأبنية المحاذية للأفلاك ، والمراقي التي كاد أهلها يسمعون تسبيح الأملاك . وفيها المقاصر والقصور ، والمقاعد التي عليها الحسن مقصور . ومن محاسنها الزاهرة المناهج ، البرك التي استوعبت رونق المباهج . وخصوصاً إذا وفاها النيل حقها ، ورأيت المناظر حولها وقد أحكمت نسقها . فهناك تقول : ما أبهجها ، ويقول القائل : ماأحقها . انْظُر إلى بِرَكٍ في مصرٍ اتَّسَقَتْ . . . بها المناظرُ كالأهْداب للْبَصَرِ كأنما هي والأبْصارُ تَرْمُقُها . . . كواكبٌ قد أدارُوها على القَمَرِ وبالجملة فهي بالنيل تجر على البلاد الذيل والردن ، ولها بذلك المزية التي ما نالها مدينةٌ من المدن . وأحسن محاسنه عشياته المذهبات ، التي لم تزل لأحزان القلوب مذهبات . فمن رآه مال طرباً من غير مميل ، وعرف سر قوله : ومما يزدهيني ضحك البدر في وجه النيل . إلى غير ذلك من المعاهد والغيطان ، والفرج التي تنسي الغريب الأوطان . ومن عرف مقادير الأشيا ، ونازل الأطلال والأحيا ، عرف أن هذه البلدة واحدة بسيط الأرض ، وحساب خيراتها الدارة لا ينفد إلى يوم الحساب والعرض . وقد خرج منها واحدٌ بعد واحد ، شهرة فضله كالشمس لا تنكر ولا تجحد . فكأنه النير الأظهر ، أو الجامع الأزهر . خلدت ذكرهم الدواوين المسطرة ، وسرت في محامدهم الأنفاس المعطرة . فمنهم :(4/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي
أول من عددت ، وأجل من أعددت . أقول فيه لا مبالغاً ، ولست لأداء بعض حقه بالغا : لأن تطاول السماء وتفرع ، وتشبر البسيطة وتذرع ، وتزاحم أفلاك الكواكب بالمناكب ، ويتعرض لإحصاء القطرات الهوامل ، بالأنامل ، ويدرك جوهر الشمس ، باللمس ، وتعارض زخرة البحر ، بالنحر ، أسهل من أن تحصى صفاته ، أو أن تقرع لفكرٍ صفاته . وهو الذي سار ذكره في العالم وانتشر ، وخرج في إحاطته بالعلوم عن حد البشر . وناهيك بمن لم يخل زماناً من فائدة ، ولا مكاناً من عائدة . وقد طال عمره ، وما خمد جمره . فهو كلما أسن ، شحذ مرهف طبعه وسن . مع سلامة نفسه في كل حالاته ، وتوفر أمانيه من أسباب التحصيل وآلاته . وقد جمع من الكتب ما لا يدخل في ديوان حاسب ، مع الاستعداد الذاتي الذي يأبى أن يكون باكتساب كاسب . فسرد آيات الفضائل وتلاها ، وعن اقتناص شوارد الفنون ما تلاها . وسلمت مباحث فضله عن المعارضة والجدل ، وكان الثناء له وحده فإن ذكر غيره فكالرابع المعهود في البدل . وصنف التصانيف التي تشهد بكل فضل ، وحسبك منها عناية القاضي فإنها خيرٌ من شاهدي عدل . وأما الأدب فقد امتزج بلحمه ودمه ، وكان به وجوده بعد أن أشرف على عدمه . فهو بدونه كالجسد بلا روح ، واللفظ دون مشروح . أو كالروض لا يجاد ، والعاتق بلا نجاد . فإذا شمر في البلاغة ساعده ، نضا عن ساقه لخدمته ابن ساعدة . فأما منشآته فلا يتصور عن الإتقان خروجها ، وأما أشعاره فقد حرست بالشهب بروجها . فإن ألم بها ماردٌ فاسترق ، أتبعه طارقٌ فاحترق . وآثاره كما عرفت طويلة الذيل ، تعرف مقدارها شواهد الليل . صقلتها تلك الفكرة المطيعة ، وهي وإن كانت كثيرةً فصديقةٌ للطبيعة . فهو في الإنشا فعل الأفاعيل ،(4/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
وأهمل الصادين : إبراهيم ، وإسماعيل . وهما إماما الصناعة ، وهماما البراعة واليراعة . بهما فخر من نطق بالضاد ، وبسببهما حسدت الحروف الصاد . وله كتاب الريحانة الذي ذيلت عليه ، واقتبست نور الهدى بتوجه رغبتي إليه . وما أنا بالنسبة لما أبدعه ، ولما جئت به مما كان الأحرى بي أن لا أدعه ، إلا كمن جارى الحصان بالأتان ، وواجه الغزالة بالذبالة ، وقارع الحسام بالعصا ، وبارى الدر بالحصا . ذاك لا يستحسنه الإدراك ، حتى تصاد الشهب بالشباك ، وتتقدم الفكة على السماك . ولقد وصف كتابه بما أغناني عن وصفه ، وهذه حالي معه إذا أردت التطرية أتيت ببدائع رصفه : فهذه ذخائر من خبايا الزوايا ، فيما في الرجال من البقايا تنفس الدهر به عن نفحةٍ عنبرية ، وهبت بها أنفاسٌ نديةٌ ندية ، تنفس الروض في الأسحار ، بأفواه العبير عن ثغور النور والأزهار . من كل شذرةٍ تهزأ بقلائد العقيان ، وكل زهرةٍ لها من السطور أفنان . وكل فريدة يقر لها بالنفاسة الجميع ، وكل منقبةٍ إذا وعى ذكرها السامع وعبق قيل : أمِنْ رَيْحانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ومما اقتضاني أن أثبته في وصفه ، ما قاله البرهان الباعوني الشامي ، في حق لسان الدين بن الخطيب والتنويه بقدره السامي ، وقد رأى كتابه الريحانة ، وهو به أشبه ، وما أظن تقاربهما خفي أو اشتبه : صاحب كتاب الريحانة ، آيةٌ من آيات الله سبحانه . لوجه أدبه طلاقة ، وللسانه ذلاقة ، وللقلوب به علاقة ، وفي خطه غلاقة . قلت : وأي غلاقه يعرفها من عرف اصطلاحه بمطالعته ، وينفتح له باب فهمها بتكرير مراجعته . فليتأمل الناظر إليه ، والمقبل عليه ، ما فيه من الجواهر ، والنجوم الزواهر ، بل الآيات البواهر . وليسبح الله تعجباً من قدرته جل وعلا ، ومذاهبه التي عذب ماؤها النمير وحلا . وليقل عند تأمل دره النظيم ، ' ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ' . انتهى . وله ديوان شعر وقفت عليه بخطه ، فأثبته بخطي ، ولم يمكني على ما في من الملال التجافي عنه والتخطي . ويكفيك من شعرٍ لو سمعه النابغة ما نبغ ، أو ابن صفوان لم يبلغ من صفاء وقته ما بلغ . ولو جاراه الجعدي لاعترف بالخرس ، أو الأسدي لانصرف عن صفة الفرس . وأنا الآن قد قصرت النظر على آثاره ، من نظامه ونثاره ، وحسبي ذلك من منحة الحظ وإيثاره . فما على من بلغ من التملي بآدابه أربا ، أن ينبت جسمه بعد أن يصير تراباً أدبا . وأسأل الله أن يجعله ممن فاز بالنجاة ، ويهيىء له من خزائن فيوضاته رحمته المرتجاة . وهنا أورد من نثره العالي ما جمع الحسن أجمع ، وأتبعه من شعره الغالي بما لم تر أجود منه ولا تسمع . فمن فصوله القصار ، قوله : إن ساعداً زينته بسوار المنائح ، يمرى لك ضروع الثناء والمدائح . ولك وارف(4/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
ظلال ، تقيل فيها الآمال . بها الألسن تقر ، والأعين والقلوب تقر . كم موقد نارٍ بها احترق ، ومحسن سبح اللجج فيها غرق . قال لي خليع : قبيحٌ مؤاجر ، أحسن من مليحٍ خلف الستائر . شتان بين درهم النقد ، ودينار الوعد . شجاعة الملوك صبرٌ وثبات ، وشجاعة الجند إقدام وثبات . الكيس يفتح الكيس . في إغماض العين وإغماد اللسان عقاب العقلا ، وبلسان السوط والسيف عقاب السفها . لكل قلبٍ هوى ، كما أن لكل داءٍ دوا . فما اعتلال نسيم الصبا ، إلا الحب زهور الربى . إذا خلت قلوب الأكياس ، خلت من السرور قلوب الأكياس . لو هم الفلك الدوار برفعة ماجدٍ في الأبد ، ما قدم الثور في منازله على الأسد . من باع الجزع بالاصطبار ، فله على الزمن الخيار . ما سمي الزمن زمناً ؛ إلا لأنه يقول لك اقعد . هدايا الأنام تجارة ، وقبولها منهم خسارة . المعروف والصنيعة ، عند الحر وديعة . ربما كان أمر من الدا ، روائح العقاقير وشرب الدوا ، وطول جلوس العواد الثقلا . قومٌ بلا روح في الصور والملابس ، كالصور المنقوشة في الكنائس . قد يحتجب الحر لقلة اليسار ، كما احتجب البدر عند السرار . إذا كان أعدى عدوك بين جنبيك ، فصبرك عليه إحدى شجاعتيك . اللبيب أدبه ، فضته وذهبه . إذا كانت الأراجيف ملاقيح الفتن ، فانطلاق الألسن نتاج المحن . لو كان هذا الوجود أصلاً ما ولد العدم ، ومن يشابه أبه فما ظلم . الحر لا يجازي كل من أسا ، والأسد لا يفترس النسا . الدنيا بإقبالها ، والدولة بأقيالها . ما كل وقتٍ يسعف بما تحب ، فإذا أردت لبون فاحتلب . بين القواد والرقباء لاح بعض إحسان ، فعرفت أن الشمس تطلع بين قرني الشيطان . من أبطأ رجاؤه ، أسرع عناؤه . ومن الخلف داؤه ، فالترك دواؤه . وكتب مقرظاً على كتاب مدين القوصوني في الطب ، الذي سماه قاموس الأطباء : ما طرزت حلل الثنا ، ورنقت رياض البراعة بثمراتٍ غضة الجنا ، إلا لتكون لباساً لأبكار المحامد ، ومرعاً لأفكار شاكرٍ وحامد . فالحمد لمولى الحمد على ما أنعم من اللغات والبيان ، وأحسن تبلقينها لأطفال الأرواح في مكاتب الأبدان . وألهمها استخراج در المعاني من أصداف الحروف ، لتنظم منها في الصدور ، وتعلق في الآذان أبهى عقودٍ وشنوف . وأزكى صلاةٍ وسلامٍ على أفصح من نطق بالضاد ، فروى من عين فصاحته كل صاد . وشفى بطلب هدايته مريض كل قلب ، وهدى بمفردات حكمته كل ذي جهل مركب . وعلى آله وأصحابه مدائن العلم والحكم ، ورؤساء أطباء الأبدان والأديان من سائر الأمم . لاسيما الأربعة الذين ترياقهم العتيق ، وفاروقهم حافظ صحة مزاج الدين بكل ماضي الشفرتين رقيق . ما دامت الدنيا دار الشفا ، وصح مزاج الدهر من الأمراض واشتفى . هذا ، وإن أخي شقيق الروح وقرة العين ، وصفوة الحياة ومن كفاية محبته علي فرض عين ، لما أتحفني في قدومي للقاهرة بكتابه قاموس الأطباء وجدته(4/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
الدرة الفاخرة ، والروضة التي تفتحت فيها عيون أنواره الزاهية الزاهرة . ظناً منه أني شعيب مدينته ، وما أنا إلا سلمان بيته ، بل اشعب موائد كرمه ومنته . فإذا هو بردٌ محبر ، وروضٌ وعقد كله جوهر . وكتابٌ جميعه مفردات ، ولغةٌ لو رآها الجوهري قال : هيهات العقيق هيهات . أو الخليل بعينه ، فداه بعينه . أو جار الله لقال هذا هو الفائق ، أو ابن البيطار ود لو طابقه مطابقة النعل بالنعل لما فيه من الدقائق . أو صاحب القاموس لقال : هذا المجد ، الذي ارتضع در العربية ما بين تهامة ونجد . فلله در مصنفه فقد أرانا في الرجال بقايا ، وفي الزوايا خبايا . وأنار فكره ظلمة الجهل وقد وقد ، وروى ظمآن الفكر فيما ورد ورد ، وحقق ما قيل : من دق الباب ولج ومن جد وجد . وقد قلت فيه ارتجالاً : دهرٌ يجودُ بمثْلِهِ . . . أنْعِم به دَهْراً وَفِي رَوَّى بكأسِ عَلومِه . . . وخِتامُه مِسْكٌ وفِي وكتب إلى بعض إخوانه وقد توعك : كفاك اللّه ما تخْشَى وغَطّى . . . عليك بظلِّ نِعْمتِه الظلِيلِ أعز الله أنصار فياض الكرم والحسب ، وحمى بعزته معالم العلوم والأدب . وأبقاه محروساً من هجوم الخطوب ، محفوظاً بسور منيع من إحاطة القلوب . وأصوات حرس الدعاء مرفوعة ، وسدته بحجاب الصنائع ممنوعة . والدهر وإن كان ذا غير ، ومن تفكر اعتبر ، فكيف يتسلط عليه بآلامه ، وهو لا يتسلط على آيادي إكرامه . فإن هم به ونعمته متتابعة عليه ، صدق قولهم : اتق شر من أحسنت إليه . أتُهْدِي له الأيامُ سُقْماً وإنما . . . مَساعِيه في أعْناقِهِنَّ قَلائِدُ على أنه إن اعتل فقد اعتل المجد والكمال ، وإن مرض فقد مرضت الأماني والآمال ، بل القلوب والأرواح ، فإذا دعونا له دعونا لأنفسنا بالصلاح . ورب مريضٍ لا يعاد ، وإن كان لا يحرم الأجر مريض الفؤاد . ولا أقول كما قيل : يا ليت عِلَّتُه بي غيرَ أنَّ له . . . أجْرَ العليلِ وأنِّي غيرُ مَأْجُورِ ولا كما قيل : وَفَيْناك لو نُعْطَى الهوَى فيك والمُنَى . . . لكانتْ بك الشَّكوى وكان لك الأجْرُ وقد سمعتُ بفَصْدِه للْبَاسَلِيق ، وأنه قد بكى دماً عرقه العريق . فهاك اعْتلالُك يبْكِي دَماً . . . وتَضْحكُ في جِسْمِك العافيَهْ وكان قيل : عرق الصحة له في كل منبت شعرةٍ عينٌ باكية ، تبكي بمدامع العرق على فراق العافية . وإن ببكاء عرق الصحة أضحك الله ثغور مسرته ، كما ضحكت تباشير الهنا بصحته . وهنأ الله الوجود ، بسلامة الكرم والجود . فلا زال كوكب سعده(4/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
طالعاً في سماء الإقبال ، فإن لكل زمانٍ غرةٌ وهلال . ومن فصلٍ له كتبه لبعض المغاربة يداعبه ، وكان يقول بالظباء : مذهب مولاي تقديم الذكور على الإناث ، وتطليق حور الجنان بالثلاث ؛ لأن الرجل خيرٌ من المرأة بالاتفاق ، فلذا تخلف عن الخلاق ، وتقدم حيث الشقاق . كما قلت له أولاً : أديبٌ مَالَ عن حُبِّ الغَوانِي . . . وبالأحْداثِ أصبح ذا اكْتراثِ وقال اخْتارَ ذا أهلُ المَعانِي . . . فغلَّبَتِ الذُّكورَ على الإناثِ وما سواه على خلاف القياس ، ولا يخلو مثله عن لبسٍ والتباس . ومما خالف أهل المعاني ، قول الأديب الأصفهاني : وأيْرانِ تحت لِحافٍ خَطَرْ والتغليب بابٌ واسع الموارد فلينظر الأديب في موارده ، وليتسع في مصائده وأوابده . وكتب إليه الأديب يوسف المغربي ، سؤالاً أدبياً ، وهو : أيها الأخ الشفيق الشقيق ، والرفيق الرقيق . والإمام الهمام ، الهادي لسائله الأفهام ، إذا اختلت في مهامه الأوهام . إنني أشكل علي قول أبي منصور الثعالبي ، في اليتيمة : اتفق لي في أيام الصبا معنىً بديع ، حسبت أني لم أسبق إليه ، وهو : قلبِيَ وَجْداً مُشْتعِلْ . . . وبالهمُومِ مُشْتغِلْ وقد كَسَتْنِي في الهَوى . . . مَلبِسَ الصَّبِّ الغَزِلْ إنْسانةٌ فتَّانةٌ . . . بدرُ الدُّجَى منها خَجِلْ إذا زَنَتْ عيْنِي بها . . . فبالدُّموعِ تغْتَسِلْ هل استعارته لنظر الحبيب الزنا ، مما يعد في الأدب معنىً حسنا ، أو هو مما تجاوز الحد ، فاستحق بالزنا الحد ؟ فكتبت إليه مجيباً : أيها الأخ ، قرة العين ، وبدر هالة المجلس الذي هو لها زين . إنه من المعاني القبيحة ، المورثة للفضيحة . وقد سبقه إليه ابن هندو في قوله : يقولون لي ما بالُ عَيْنِك مُذ رأتْ . . . مَحاسِنَ هذا الظَّبْيِ أدْمُعُها هُطْلُ فقلتُ زَنَتْ عيني بطَلْعةِ وجهِه . . . فكان لها مِن صَوْبِ أدْمُعِها غُسْلُ وهو معنىً قبيح ، واستعارةٌ بشعة ، ألا يرى ما قيل في الذم : أيها المُنْكِحُ بالعَيْ . . . نِ جَوارِي الأصْدقاءِ وقول صر در ، في قصيدته المشهورة وإن كان معنىً آخر : يا عينُ مِثْلُ قَذاكِ رُؤْيةُ مَعْشَرٍ . . . عارٌ على دُنْياهُمُ والدِّينِ نَجَسُ العُيونِ فمُذ رأتْهُمْ مُقْلتِي . . . طَهَّرْتُها فَنَزَحْتُ ماءَ عُيُونِي وكيف يتأتى لهؤلاء ما قالوه ، بعد قول يزيد بن معاوية في شعره المشهور :(4/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
وكيف ترى ليلَى بعَينٍ تَرى بها . . . سِواهَا وما طَهَّرْتَها بالمَدامِعِ أُجِلّك يا ليلَى عن العَين إِنما . . . أراكِ بقلبٍ خاشعٍ لك خاضِعِ ومنه أخذ العفيف التلمساني قوله : قالوا أتبكي من بِقَلْبِك دَارُهُ . . . جَهِل العَواذِلُ دارُه بِجَمِيعِي لم أبْكِه لكنْ لِرُؤْيةِ وَجهِه . . . طَهَّرْتُ أجفانِي بفَيْضِ دُموعِي وقال ابن رشيق ، في كتابه البدائع : قال أبو علي الفارسي : ليس العجب من توارد الثعالبي مع ابن هندو ، وإنما العجب من قوله : لم أقدر أني سبقت إليه ، وأبو الطيب يقول في الحمى : إذا ما فارَقَتْنِي غَسَّلتْنِي . . . كأنا عاكِفانِ على حَرامِ وهل هذا إلا ذاك بعينه ، وأبو الطيب أحسن لفظاً ، وأصح معنىً ؛ لذكره ذكراً وأنثى يقع الزنا بينهما ، خلاف ما ذكراه . وفي نقله تقرير تركناه ، خوف الملل والسآمة . وهذا ما سنح للخاطر ، والسلام . قلت : ومن النقد على الثعالبي في هذه الأبيات أيضاً قوله : إنسانة ؛ فإنها عاميةٌ مولدة ، وإن أورده صاحب القاموس وتشكك فيه ، والإنسان يقال للذكر والأنثى ، كذا قاله الشهاب في حاشية التفسير . وأما رجلة فقد ورد في شعر العرب ، قال الشاعر : كلُّ جارٍ ظَلَّ مُغْتبِطاً . . . غيرَ جيرانِي بني جَبَلَهْ خَرَّقُوا جَيْبَ فَتاتهم . . . لم يُبالُوا حُرْمة الرَّجُلَهْ كذا في الكامل . وكتب إلى هذا المغربي يستدعيه : ولما نَزَلْنَا منْزِلاً طلَّه النَّدَى . . . أنِيقاً وبُستاناً من النَّوْرِ حَالِيَا أَجَدّ لنا طِيبُ المَكانِ وحُسْنهُ . . . مُنىً فتمَنَّيْنا فكنتَ الأمانِيَا فيا غاية الأماني ، وسلوة الحزين العاني . قد دعانا الربيع بلسان النسيم ، وصاحت القماري هلموا إلى النعيم المقيم . وعيون الأزهار شاخصةٌ إلى الطريق ، وقلوب الأغصان واقفةٌ لانتظار الرفيق الرقيق . فبالله عليك إلا جعلت يومنا بك عيداً ، وجددت لنا وللجديدين بك سروراً جديداً . وكتب على قول الشاعر ، في وصف حمام : للّهِ يومٌ بحَمّامٍ نَعِمْتُ بهِ . . . والماءُ من حَوْضِه ما بَيْننا جَارِ كأنَّه فوق مِسْقَاةِ الرُّخَامِ ضُحىً . . . ماءٌ يسيِلُ على أثْوابِ قَصَّارِ بأن قائله عيب فيه ، حتى قال بعضهم : وشاعرٍ أُوقِد الطَّبْعُ الذَّكِيُّ له . . . فكاد يحْرِقه مِن فَرْطِ لأَلاَءِ أقام يُعْمِلُ أيَّاماً رَوِيَّتَه . . . وشَبَّهَ الماءَ بعد الجَهْدِ بالْماءِ(4/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
ثم قال : وقد يوجه بأن هذا الشاعر شبه الرخام في الحمام بشقة قصار بيضاء ، جرى عليها الماء ، ولم يرد تشبيه الماء ، ولكن ما ذكر في الطرفين جاء بارداً ، فأشار الشاعر إلى برودته بما ذكر . قلت : وقوله : شبه الماء إلخ قد تلاعبت به الشعراء ، وتظرفوا فيه ، ونقلوه إلى معانٍ لطيفة ، فمنهم الشهاب الحجازي ، حيث قال : أقول شَبِّهْ لنا جِيدَ الرَّشَا تَرَفاً . . . يا مُعْمِلَ الفِكْرِ في نظمٍ وإنْشاءِ فظَلَّ يُعْمِل أيَّاماً قَرِيحَتَهُ . . . وشَبَّهَ الماءَ بعد الجهْدِ بالماءِ ومنهم الصلاح الصفدي ، حيث قال : أقول شَبِّهْ لنا كأساً إذا مَزَجَ السَّ . . . اقِي طِلاهَا اهْتَدَى في لَيْلِهِ السَّارِي فظَلَّ يُجْهِدُ أيَّاماً قَرِيحَتَهُ . . . وشَبَّهَ النارَ بعد الجَهْدِ بالنَّارِ وله : أتى الحبيبُ بوَجْهٍِ جَلَّ خالقُهُ . . . لَمَّا بَراه بلُطْفٍ فِتْنةَ الرَّائِي فَلاح شَخْصُ عَذُولِي فوقَ وَجْنَتِهِ . . . فقلتُ شَبِّهْهُ لي في فَرْطِ لأْلاَءِ فظَلَّ يُجْهِد أيَّاماً قَرِيحَتَهُ . . . وفَسَّر الماءَ بعد الجَهْدِ بالْماءِ ومن نوادره ما ذكره في آخر كتابه الخبايا ، قال : واتفق في عهدنا ، أن قاضياً في بلاد الروم أخطأ في ثبوت شهر رمضان والعيد ، خطأ ما مثله من مثله ببعيد . فضج الناس واستغاثوا من حياته بمماته ، ولم يسترح أحدٌ في ذلك الوقت غير الملائكة الكاتبين لحسناته . إذ كسر طوق الهلال من جيد الدهر ، ونقص من شهرٍ ما زاد في شهر . وسرق العيد ، واختلس برده الجديد . كأن العيدَ أموالُ اليتَامى فقتل جبين الهلال من غير غرة ، وسلخ ذلك الشهر سلخاً بلعن من غره . فلما اسودت الشمس كمداً بالكسوف ، وتوارى القمر خلف مجنها خوف الحتوف ، قال العيد : الله أكبر ، على من طغى وتجبر . وجاء شوال باكيا ، ورفع رقعةً للمليك شاكيا : قِصَّتي قد أتتْ إماماً هُمامَا . . . تشْتكي الظُّلْمَ حين صرتُ مُضامَا رُقعةٌ في يدِ المَلِيك طَواهَا . . . ليَراها المليكُ في العزِّ دَامَا أنا شَوَّالُك الفقيرُ الذي قد . . . خُصَّ بالعِيدِ والصَّلاةِ دَوَامَا بعد شهرِ الصيامِ قد زُرْتُ قوماً . . . جائعاً أبْتغِي بهم إكْرامَا ولِيَ العِيدُ حُلَّةٌ وهِلالِي . . . لِيَ طَوقٌ من فوق جِيدٍ تَسامَى رمضانُ اعْتدَى عليَّ وأمْسَى . . . غاضِباً ذاك لا يخافُ مَلامَا أخْتشِي ذَبْحَةً بنَصْلِ هِلالٍ . . . ثم سَلْخاً له وتَرْكِي المُقامَا لا تُضَيِّع حَقِّي بشاهدِ زُورٍ . . . هو أعْمَى بَصِيرةٍ أو تَعامَى جَبْهةَ الشَّاهِدِ اكْوِهَا فهْو وَسْمٌ . . . لِكَذُوبٍ عن زُورِهِ ما تَحامَى(4/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
إن كَيَّ الخُسوفِ للشمسِ ظُلْمٌ . . . وكذا الدهرُ لم يزَلْ ظَلاَّمَا وكتب لرئيسٍ كان يمزح باليد : سيدي إن كان فيه دعابة ؛ فراية مجده لم تر إلا في يمين عرابة . وإن فرط منه للمحافظة باللطام ، فلطمه لطمة ابن جدعان ويفتقر لطم كفٍ يفيض بالإحسان والإنعام . ابن جدعان ، هو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، سيد قريش في الجاهلية ، وفي داره حلف الفضول المشهور في السير . وكان قد أسرف في جوده لما كبر فأخذت بنو تيم على يده ، ومنعوه أن يعطي من ماله شيئاً ، فكان يقول لمن أتاه : ادن مني . فإذا دنا منه لطمه ، ثم يقول : اذهب فاطلب القصاص مني أو يرضيك رهطي . فترضيه بنو تيم بما يريد ، وفي ذلك يقول عبد الله بن قيس الرقيات : والذي إن أشار نحْوَك لَطْماً . . . تَبِع اللَّطْمَ نائِلٌ وعَطاءُ ونحو هذا ما يحكى عن بعض الأسخياء من الأمراء ، أنه أفرط في الجود ، فحجر عليه أهله ، ومنعوه من أن يعطى شيئاً ، فأنفذ إليه بعض الشعراء قصيدةً ، فكتب إليه أن اذهب إلى القاضي ، وادع علي بعشرين ألف درهم من جهة قرض ، فأعترف لك ، فإذا حبست وصلتك الدراهم من أهلي ، فإنهم لا يدعوني أنام في الحبس . ففعل ذلك ، وأخذ الدراهم منهم . ومن شعره المنتخب من ديوانه قوله من مقصورته النبوية ، التي مطلعها : أيا شقيقَ الرَّوْضِ حَيَّاه الْحَيَا . . . فاحْمَرَّ وردُ خَدِّه من الْحَيَا لأنتَ تِرْبُ الغُصْنِ نَشْوانَ إذا . . . أدارت السُّحْبُ له خَمْرَ النَّدَى وامْتلأتْ كاسُ الشَّقِيقِ سُحْرَةً . . . فاحْمَرَّ من خَجْلَتِه خَدُّ الطِّلاَ منها ف الغزل : شِفاءٌ وَجْدِي لَثْمُ خالِ خَدِّه . . . والْحَبَّةُ السَّوْداءُ للدَّاءِ شِفَا يتْركُنِي تَرْكَ الظلِيمِ ظَلْمُه . . . وهذه شِيمةُ آرامِ الْفَلاَ تعلَّمتْ منه الليالي غَدْرَها . . . فأنْجَزتْ باليأْسِ مِيعادَ الرَّجَا ومن وصف السحاب في الروض : غَمائمٌ لُعْسُ الشِّفاهِ ابْتسَمتْ . . . عن ثَغْرِ بارِقٍ إذا الثَّغْرُ بَكَا تفُكُّ مِن مَحْلٍ وجَدْبٍ أسْرَهُ . . . وتنْثُرُ الدُّرَّ على هامِ الرُّبَى يسُوقها الرعدُ بصوتٍ مُذْهَبٍ . . . من بَرْقِه وهْي بَطِيَّاتُ الخُطَا ومن وصف المهمه : لا يَلِجُ الطَّيْفُ إليه فَرَقاً . . . وفيه ليستْ تهتدي كُدْرُ القَطَا(4/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
بالتُّرْسِ تسْرِي الشمسُ فوق أُفْقِهِ . . . والصُّبْحُ يلْقاه بعَضْبٍ مُنْتضَى ومن وصف المجرة : مَجَرَّةٌ في شَفَقٍ كأنها . . . والزهرُ فيها ذاتُ مَنْظرٍ زَهَا نَهْرٌ به كَفُّ الشَّمالِ نثَرتْ . . . وَرْداً ونَسْرِيناً جَنِيّاً قُطِفَا منها : على أغَرِّ أدْهَمٍ قد طلَعتْ . . . مِن وجهِه في ظُلْمةِ الليل ذُكَا غُرَّتُه من تحت هُدْبِ شَعْرِهِ . . . طُرَّةُ صُبْحٍ تحت أذْيالِ الدُّجَا من قول ابن نباتة في الغزل : قلتُ وقد أبْدَى جَبِيناً واضحاً . . . وفوقه لَيْلَ دَلالٍ قد دَجَا أفْدِي الذي جَبِينُه وشَعْرُهُ . . . طُرَّةُ صُبْحٍ تحت أذْيالِ الدُّجَى أدْهَمَ قيِّدِ كُلِّ وَحْشٍ شارِدٍ . . . قبَّلَه الليلُ فكُلُّه لَمَى معنىً متداول ، قال المتنبي : نَيْلُ المُنَى وحُكْمُ نَفْسِ المُرْسِلِ وعُقْلَةُ الظَّبْيِ وحَتْفُ المُثْقَلِ كأنه من عِلْمِه بالمَقْتَلِ عَلَّمه بُقْراطث فَصْدَ الأكْحَلِ وقد ألم المتنبي فيه بقول الطائي : كَواعِبُ أتْرابٌ لِغَيْداءَ أصْبحتْ . . . وليس لها في الحُسْنِ شِكْلٌ ولا تِرْبُ لها مَنْطِقٌ قَيْدُ النَّواظِرِ لم يزَلْ . . . يرُوحُ ويَغْدُو في خَفَارتِه الحُبُّ وأول من استأثر هذا المعنى امرؤا القيس في قوله : وقد أغْتدِي والطيرُ في وُكُناتِها . . . بمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوَابِدِ هَيْكَلِ منها : نجائِبُ قد طفِقَتْ أخْفافُها . . . في الرَّملِ تُبْدِي لي ضمائرَ الثَّرَى منها في المديح : قد سترَ الجمالُ حُسْنَ وَجْهِهِ . . . صَوْناً لأبْكارِ العُقول والنُّهَى من قول الرستمي : بُدورٌ زَهَتْهُنَّ المَحاسِنُ أن يُرَى . . . لَهُنَّ نِقابٌ فالوُجوهُ سَوافِرُ والرستمي أخذه من قول عمر بن أبي ربيعة : ولما تنازَعْنَا الحديثَ وأسْفَرَتْ . . . وُجوهٌ زَهاهَا الحُسْنُ أن تَتَقنَّعَا وهذا أحد التواجيه لبيت المعري : ويا أَسِيرةَ حِجْلَيْها أرى سَفَهاً . . . حَمْلَ الحُلِيِّ بمَن أعْيَى على النَّظَرِ(4/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
فوقَف الحُسْنُ عليه حائِراً . . . مُتيَّماً وَلْهانَ في ذاك الْبَهَا تَهْوَى الصَّبَا شَمائلَ اللُّطْفِ به . . . فلا تُداوِي سُقْمَها أيْدِي الأُسَا إلاّ إذا ما لَمَستْ ضَرِيحَه . . . فكم سَقامٍ من تُرابِه اشْتفَى سَرَى إلى السَّبْعِ الطِّباقِ جسمُه . . . في صُحْبةِ الرُّوحِ الأمينِ ورَقَى إن قطَع الأفْلاكَ سُرْعَةً فلا . . . بُعْدَ فإن ذاتَه شمسُ الضُّحَى حَوافِرُ البُراقِ مِن آثارِها . . . قد ظهرَتْ فيه أهِلَّةُ السَّمَا يُغْنِي عن المدحِ رَفِيعُ قَدْرِهِ . . . فيُمْدَح المدحُ به وما دَرَى كلُّ لِباسٍ للمديح قاصِرٌ . . . عنه يُحَلَّ رَحْلُه دون المَدَى سال لُعابُ الشمسِ ممَّا تشْتهِي . . . لَذِيذَ هاتِيك المَعاني إذْ حَلاَ وقد استعمل ابن سناء الملك هذا ، في قوله يهجو الشمس : أنتِ عَجُوزٌ لِمْ تَبَهْرَجْتِ لِي . . . وقد بَدا منك لُعابٌ يَسِيلْ فصاحةٌ ما الشِّعر منها بالغٌ . . . ببَحْرِه قطرةَ وَصْفِ ذِي صَفَا لذلك قد قَطَّعَه الناسُ وقد . . . دارتْ به دَوائرُ القومِ الأُلَى وما أحسن قوله في وصف المقصورة : بين يَدَيْها ابنُ دُرَيدٍ حاجِبٌ . . . وألِفاتُ شِعْرِه مِثْلُ الْعَصَا ذَيْلُ الدُّجَى بِعَرْفِها مُمَسَّكٌ . . . مُضَمِّخٌ خَلُوقُها بُرْدَ الضُحَى ومن همزيته النبوية ، التي أولها : ما سُلَيْمَى ما هندُ ما أسْماءُ . . . أنتَ مَعنىً وكلُّها أسْماءُ وهْو حِزْبِي ووِرْدُ كُلِّ لسانٍ . . . ولَكم أخْصَبَتْ به الشَّهْباءُ ذاك حِزْبُ البحر الذي لا يُلاقِي . . . من يُدِمْ ذِكْرَه عَناً وبَلاءُ منها : وجَدُوه دُرّاً يَتِيماً تَرَبَّى . . . لم يُدْنِّسْهُ عُنْصُرٌ وهَبَاءُ الهباء : الأجزاء التي تؤلف منها العناصر ، كما في الفتوحات . ذاك كَيْلا يكونَ مَنٌّ عَلَيْهِ . . . لأُصولٍ له إليْها اعْتِزاءُ في حديث الراهب بحيرى ، لما سأل أبا طالب : ما هذا منك ؟ قال : ابني . قال : هذا لا ينبغي أن يكون أبوه حياً . فيه إشارةٌ إلى أن اليتم كمالٌ في حقه ، وقد بين بأن الحكمة فيه أن لا يجب عليه طاعةٌ لغير الله ، ولا يكون عليه ولايةٌ ولا منةٌ لغيره ، ولا يتوجه عليه حقٌّ لمخلوق ، ولا نسب لقطيعةٍ ولا عقوق . كذا في شرح تائية السبكي ، لابن الهيتمي . منها :(4/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
خُلُقٌ للصَّبَا شَقِيقٌ فمِنْها . . . نَصْرُه والعِدَى لَها النَّكْباءُ مُذْ أظَلَّ الزَّمانَ منه وُجودٌ . . . حسَدتْه الأزْمانُ والآناءُ وعليه إذا غارَ من عينِ شَمْسٍ . . . ظَلَّلتْه سَحابةٌ وَطْفاءُ وبه زَهْرةُ الحياةِ رَبِيعٌ . . . مُذ أظلَّت مَوْلُودَه الخَضْراءُ وغدَتْ أرضُه سماءً بفَخْرٍ . . . فهْي خَضْراءُ ثُمَّ لا غَبْراءُ وله الأرضُ مَسْجِدٌ فجميعُ . . . مَن عليها له به الاقْتِداءُ وسُطورُ الصلاةِ حُجَّةِ دِينٍ . . . وبخَتْمِ النُّبُوَّةِ الإمْضاءُ وبه شُرَّفَتْ فكانت طَهُوراً . . . وتساوَى البُلْدانُ والصَّحْراءُ منها : وله الضَّبُّ ناطِقٌ باعْترافٍ . . . ومن السَّعْدِ تنْطِقُ العَجْماءُ مع ذَأ سَفَّه النِّفاقُ أُناساً . . . ما لِضَبٍ من حِقْدِهم نافِقاءُ ليس فيهم سِوَى أَعِنَّةِ خَيْلٍ . . . وقَنَا الخَطِّ في الوغَى سُفَهاءُ ومِراضُ القلوب قد قَصَدْتهم . . . سُمْرُهُ حين حَمَّتِ الهَيْجاءُ ما سَقاهم إلاّ كُئوسَ المَنايَا . . . ربَّ داءٍ له المماتُ دَواءُ هم ثِفالٌ إذا رَحَى الحرب دارتْ . . . وبنادِيهمُ همُ الأرْجاءُ تُغْمَدُ البِيضُ في طُلاهمْ بفَتْكٍ . . . مُضَرٌ لُقِّبَتْ به الْحَمراءُ هذا من الأسرار العجيبة في اللغة العربية ، وهو الإشارة إلى حال اللفظ أو جهة وصفه ، كقول ابن الرومي : غارتْ عليهنَّ الثُّدِيُّ . . . هناك مِن مسِّ الغَلائِلْ وإذا لبِسْنَ خَلاخِلاً . . . كَذَّبْن أسماءَ الخلاخِلْ وقال الشريف الرضي : وغَيَّر ألْوانَ الْقَنَا طولُ طَعْنهمْفبالحُمْرِ تُدْعَى اليومَ لا بالْقنَا السُّمْرِ وقال : سُمِّيتِ الغَبْراءُ في عَهْدِهمْ . . . حَمْراءَ من طُولِ قِطارِ الدَّمِ وقال الغزي : حيثُ القناةُ تُرَى قَناةً كاسْمِها . . . من نَضْحِ عَيْنِ الطَّعْنَة الرَّشَّاشِ(4/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
وقال ابن حازم : جعلُوا الْقَنا أقْلامَهم وطُرُوسَهمْ . . . مُهَجَ العِدَى ومِدَادهنَّ دِماءَهَا وأظُنَّ أن الأقْدَمِين لِذا رَأَوْا . . . أن يجعلوا خَطِّيَّةً أسْماءَهَا وقال المتنبي في الدنيا : شِيَمُ الْغانياتِ فيها فما أدْرِي . . . لِذا أنَّث اسمها النَّاسُ أوْ لاَ وقال الشاب الظريف : أدُورُ لتَقْبِيلِ الثَّنايَا ولم أزَلْ . . . أجُودُ بنَفْسِي للنَّدامَى وأنْفاسِي وأكْسُوا أكُفَّ الشُّهْبِ ثَوْباً مُذَهَّباً . . . فمِن أجْلِ هذا لَقّبُونِيَ بالْكاسِ وقال الخفاجي : ما السِرُّ سِرٌّ إذا أظْهَرْتَه لِفَتىً . . . سِواكَ والسِّرُّ لِلإخْفاءِ قد صُنِعَا منها تتمة : قد مَحاهمُ وطهَّر الأرْضَ منها . . . ومع السَّيْلِ لا يَقَرُّ الغُثاءُ وبُطونُ الطَّيرِ أمْسَتْ قُبوراً . . . لِلْعدى إذ تُمزَّق الأشْلاءُ ما سمِعْنا بالقبْرِ سار اشْتياقاً . . . لِيُوارِي سَوْآتِ مَن قد أسَاءُوا رُبَّ من كان زِئْبَقاً فَرَّاراً . . . صار عَبْداً لِرِقِّه اسْتعساءُ لم يَقِلْ والظِّلالُ صارتْ مِهاداً . . . فَوْقَه الآلُ بُرْدَةٌ سِيَراءُ منها : هو نُورٌ فما لَه قَطُّ ظِلٌّ . . . لاَحَ لولا بُرودُه والرِّداءُ إن نَفَى ظُلْمةً عَياءُ جَمالٍ . . . فبِظِلٍ له يَعِزُّ البقاءُ صِينَ عن أن يُجَرَّ في التُّرْبِ ذَيْلٌ . . . مِن ظِلالٍ له كما الأفْياءُ فَرَشَ الناسُ ظِلَّهم واحْتَذَوْهُ . . . عندما قام للنّهارِ اسْتِواءُ كيف يبْدُو ظِلٌّ لِشَمْسٍ تَعالَتْ . . . واسْتوَى الإسْتواءُ والإرْتقاءُ أتُراه يُصانُ عَن حَرِّ جَوٍ . . . إذْ أظَلَّتْه سُحْبُه والْعَماءُ أمْ عليه تَغارُ مِن عَيْنِ شَمْسٍ . . . مُدَّ مِن دونها عليه الْغِطاءُ لم تَرَ العَيْنُ مِثْلَه فلهذا . . . يَنْمَحِي ظِلُّه إذا الناسُ فَاءُوا لَبِسَ الظِّلُّ مِن نَواهُ حِداداً . . . فظِلالُ الورَى لِذَا سَوْداءُ من هذا يعلم قدرته على الكلام وتصرفه ، وبالجملة فلم أر أحداً مثله أطاعته ألفاظ الكلام وأحرفه . وقد استعمل الظل في معنىً غير ما نظمه هنا من رباعية له : ما جُرَّ لِظلِّ أحْمَدَ أذْيالُ . . . في الأرضِ كَرامةً كما قد قَالُوا(4/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
هَذا عَجَبٌ ويا لَه مِن عَجَبٍ . . . والناسُ بِظلِّه جميعاً قالُوا لَيْلةٌ أنْجَبتْ وقد حَمَلْته . . . وبهذا ما أنْجَبتْ سَوْداءُ جَنَّةٌ كلُّ بُقْعةٍ حَلَّ فيها . . . ليس فيها لَغْوٌ ولا شَحْناءُ وأهالِي الجنانِ ليس ينامُو . . . ن لذا كان نَوْمُه الإغْفاءُ يَقِظُ القلبِ فالجفونُ هُجودٌ . . . ومَحارِيبُ حاجِبَيْه قُباءُ فُوهُ لم ينْفَتِحْ بغير سَدادٍ . . . لا تَمَطٍ له ولا ثَوْباءُ الثوباء : التثاؤب . قال ابن حجر في شرح الهمزية : جاء أن النبي e حفظ من التثاؤب ، بل جاء أن كل نبيٍ كذلك . وذكر المترجم ، في شرحه على الشفاء ، عند قوله : ومن دلائل نبوته أن الذباب كان لا يقع على ما ظهر من جسده الشريف ، ولا يقع على ثيابه ، ما ملخصه : وهذا مما قاله ابن سبع أيضاً ، إلا أنهم قالوا : لا يعلم من روى هذا . وهذا مما أكرمه الله تعالى به ؛ لأنه طهره من جميع الأقذار . وقد نظم هذا في رباعية ، وهي : مِن أكْرَم مُرْسَل عظيم جَلاَّ . . . لم تَدْنُ ذُبابةٌ إذا ما حَلاَّ هذا عَجَبٌ ولم يذُقْ ذو نَظَرٍ . . . في الموجُوداتِ مِن حُلاه أحْلَى قال : وتظرف بعض الأعاجم ومراده به الملا جامي فقال : محمد رسول الله ليس فيه حرفٌ منقوط ؛ لأن النقط يشبه الذباب ، فصين اسمه ونعته عن النقط . ونظمه فقال : لقد ذُبَّ الذُّبابُ فليس يَعْلُو . . . رسولَ اللّهِ محموداً مُحَمَّدْ ونَقْطُ الحَرْفِ يُشْبِهُه بشكْلٍ . . . لذاك الخطُّ عنه قد تجَرَّدْ صَمَّمُوا آراءَهم على الفَتْك فيهِ . . . فتَوارَتْ لخَوْفِه الآراءُ ورأَوا نَفْيَه لِحَيٍ سِواهُمْ . . . ولكم أثْبَتَ المِراءَ انتِفاءُ لم يُصِبْ نَصْبُهم مَكائدَ شَرٍ . . . وتَساوَى التَّحْذِيرُ والإغْراءُ نَبْحُ كلبٍ بلَيْلةِ التِّمِّ بَدْراً . . . لم يُفِدْه إلاَّ الْعَنَا والعُواءُ منها : ولِغَيْظٍ على سُراقةَ عَضَّتْ . . . سُوقَ نَهْدٍ من تحتِه الدَّهْناءُ وعلى أمِّ مَعْبَدٍ نَالَ حتى . . . بعُلاهَا تحدَّث الأحْياءُ ورَفِيعَ العِمادِ أصْبَح لمَّا . . . أنْ حَوَى قَدْرَه الرَّفيعَ الْجَفاءُ وبيُمْنٍ منه له الشَّاةُ دَرَّتْ . . . وهْي للّهِ دَرُّها عَجْفاءُ(4/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
وطَعامٌ لجابرٍ إذْ أتاه . . . وبخَفْضِ الإضافةِ النَّعْماءُ كطعامِ الجِنانِ من غيرِ قَطْعٍ . . . لجميعِ الأنامِ فيه اكْتفاءُ وله في وصف تلك الذات ، التي وصفها أشهى اللذات ، من قصيدة طويلة : تملَّك حَبَّاتِ القلوبِ لأجل ذا . . . دَعاهُ حَبِيباً كلُّ صَبٍ مُتَيَّمِ ويوسُف لم يظْفَرْ بمَسْحةِ حُسْنِه . . . على أنه رَبُّ الجمالِ المُكرَّمِ يقال : عليه مسحةٌ من كذا ، أي أثر . قال : على وَجْهِ مَيٍ مَسْحةٌ مِن مَلاحةٍ وفي الحديث : ' عليه مسحةٌ من ملكٍ ' ، وهي تعبيرٌ بليغ ، وهو خاصٌ بالمدح . فأين النِّساءُ القاطِعاتُ أَكُفَّها . . . وشَقُّ ابن مُزْنٍ صَدْرَه شَقَّ مُغْرَمِ ودُرٌّ يَتِيمٌ لم يُهَذِّبْه كافِلٌ . . . وآدابُه ليست إلى الناس تَنْتمِي يقول أنا الأمِّيُّ في اللَّوحِ ناظِرٌ . . . وفي مَكْتَبِ الأرْواحِ رَبِّي مُعَلِّمِي منها : إذا لاح في مَوْضُونَةِ السَّرْدِ خِلْتَهُ . . . خِضَمّاً تَرَدَّى بالغَدِير المُنَسَّم أأعْداءُه خُشْبٌ مُسَنَّدةٌ ولم . . . تَحِنَّ حَنِينَ الجِذْعَ حين التَّألُّمِ أم الصَّخْرُ إنَّ الصَّخْرَ سَلَّم إذْ بَدا . . . وما سَلَّمتْ تسْليمَ أخْرسَ أعْجَمِ منها : فسَلْ يوم بَدْر حين لاحَتْ نُجومُه . . . وشمسٌ بغَيْرِ النَّقْع لم تتثَلَّمِ بكُلِّ كَمِيٍ كان في بَطْنِ أُمِّه . . . تعلَّم أن يُغْذَى ويُرْوَى من الدَّمِ لم أسمع في هذا المعنى أبدع من قول أبي بكر الإشبيلي المعروف بالأبيض ، في تهنئة بمولود : أصاخَتِ الخيلُ آذاناً لِصَرْختِهِ . . . واهْتَزَّ كلُّ هِزَبْرِ عندما عَطَسَا تعشَّقَ الدِّرْعَ مُذْ شُدَّتْ لَفائفُهُ . . . وأبْغَضَ المهْدَ لمّا أبْصَرَ الْفَرَسَا تعلّمَ الرَّكْضَ أيَّامَ المخاضِ بِهِ . . . فما امْتطَى الخَيْلَ إلاّ وهْو قد فَرُسَا وله من أخرى مستهلها : يا ليْتنِي ثانٍ لِحادٍ حَداكْ . . . ورابعُ الكَهْفِ لِكَهْفٍ حَواكْ وليت نَوْءَ الطَّرْفِ في رَوْضةٍ . . . أنتَ بها رَغْماً لِنَوْءِ السِّماكِ أسْقِي بها مَثْواكَ يا مُنْيتِي . . . هل تُسْكَبُ العَبَراتُ إلا هُناكْ يا ابْنَ الذبِيحَيْن وقد فُدِّيَا . . . ليت جميعَ الخلْقِ كانوا فِدَاكْ(4/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
فما اسْتحقّ العَنْبَرُ الرّطبُ أن . . . يُحرَق إلا حين حاكى ثَراكْ ليت وُجوهاً لأعادِيكَ لو . . . أمْسَتْ نِعالاً حَاجِباها شِرضاكْ لم تَحْكِكَ السُّحْبُ ولا البَحْرُ في . . . جُودٍ ولا فاز بما في لُهاكْ فالبَرْقُ لم يَلْمعْ ولكنَّه . . . يضْحَكُ من وَابِلِ غَيْثٍ حَكاكْ وله : أيُغْلَبُ من له الأَمْلاكُ جُنْدٌ . . . ورَبُّ العَرْشِ قد أمْسَى مُعِينَا وقَبْلَ جُيوشِه هُزِمَتْ قلوبٌ . . . برُعْبٍ خِلْتَه سَبَق المَنُونَا ولو ثَبَتُوا لَفَرَّ الْهامُ منهمْ . . . وأرْوَاحٌ لهم كانتْ كَمِينَا وله : لِرَسُولِ الإلهِ أعْلَى مَقامٍ . . . ليس يَدْرِي به جميعُ الْكَلامِ وله هِمَّةٌ وعَزْمٌ رفيعٌ . . . جَلَّ عن أن يُرْتَضَى بمِلْكِ الحُطامِ فلذا لم يكُنْ له مِيراثٌ . . . غيرَ شَرْعٍ وغيرَ عِلْمٍ سَامِي لو تكون الدُّنْيا له مِيراثاً . . . مِثْلَ ما كان في جميعِ الأنامِ ما حَواهَا الصِّدِّيقُ في عَصَباتٍ . . . وذَوِي الفَرْضِ من أُلِي الأرْحامِ وهْو حَيٌّ في قَبْرِه ورسولٌ . . . لم يُوَرِّثْ حَيّاً ذَوُو الأحْلامِ فَدَكٌ قد قضَتْ عليْنا بهذا . . . وحديثُ العَبَّاسِ والأعْلامِ فادْرِ هذا فإنه جَوْهَرٌ قد . . . حَفِظتْه خَزائنُ الأفْهامِ لا يَغُرَّنَّك الذي قال قومٌ . . . حين ضَلُّوا في مَهْمَهِ الأوْهامِ ومن أخرى : فالجِذْعُ حَنَّ وأنَّ مِن جَزَعٍ . . . لِفِراقِ طه بَعْدَما خَطَبَا وغَدا غِراساً في الجِنانِ له . . . ثَمَرٌ يَطِيبُ بِمَنْهَلٍ عَذُبَا والمُشرِكون قَسَتْ قلوبُهُم . . . فطَغَوْا ولم يُصْغُوا لخيرٍ نَبَا فغَدَوْا وهم خُشُبٌ مُسَنَّدةٌ . . . ستَراهمُ لِجَهَنَّمٍ حَطَبَا وله : لِوَالِدَيْ طه مَقامٌ عَلاَ . . . في جَنَّةِ الخُلْدِ ودارِ الثَّوَابْ وقَطْرةٌ من فَضَلاتٍ له . . . في الجَوْفِ تُنْجِي مِن ألِيمٍ العقابْ فكيف أرْحامٌ له قد غَدَتْ . . . حامِلةً تَصْلَى بنارِ العذابْ وله : رُواةُ حَدِيثِ المصطفَى قد دعَا لهمْ . . . بنَضْرةِ وَجْهٍ في المَسَرَّةِ لا تُحَدّ وإنِّيَ قِدْماً خادمٌ لحديثِهِ . . . يَرَاعِي بمِحرابٍ الطُّرُوسْ له سَجَدْ(4/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
فحَاشاهُ أن يَرْضَى بذِلَّةِ عَبْدِهِ . . . ويهْدِمَ بُنْياناً عليه قد اعْتَمَدْ إليه اسْتِنادِي في جميعِ مَقاصِدِي . . . وما خاب مَن كان الرسولُ له سَنَدْ وله في قصة عامرٍ مع النبي e وأربد : يا خُلَّبَ الْبَرْقِ الذي . . . كالنَّصْلِ قد قطَع العَلائِقْ وَافَيْتَ أرْبَدَ بالرَّدَى . . . للّهِ دَرُّك أيّ بَارِقْ ما ذاك أوَّلَ شائِمٍ . . . لِلْبَرْقِ أرْدَتْهُ الصَّواعِقْ وله : بِمَسِّ أقْدامِ النَّبِيِّ قد حَوَتْ . . . طَيْبَةُ فخراً حَلَّ في أرْجائِهَا أَخَالُها مذ فَنِيَتْ بحُبِّهِ . . . صَانَتْه لِلْغَيْرةِ في أحْشائِهَا وله مضمناً : وقالوا حَلَتْ بئرٌ بِرِيقِ مُحمَّدٍ . . . وكم عاد صَخْرٌ بعد ما مَسَّه رَطْبَا ولو نال ماءُ البحرِ من فِيهِ قَطْرةً . . . لأصْبَحَ ماءُ البحرِ مِن رِيقِه عَذْبَا لمجنون ليلى : ولو تفلَتْ في البحرِ والبحرُ مالحٌ . . . لأصبحَ ماءُ البحرِ مِن رِيقِها عَذْبَا وله : ما زَلْزَلَةٌ لها سقوطُ الإِيوانْ . . . إذْ حان قُدُومُ فَخْرِ نوعِ الإنْسانْ إلاّ لِمَسَرَّةٍ تَهُزُّ الأكْوانْ . . . إذْ بَشَّرها به اخْتِلاجُ الأعْيانْ وله : طه كَمُلَتْ صِفاتُه والخلُقُ . . . مُذْ زُيِّن في الوجودِ له النَّسَقُ بحرٌ عَذُبَتْ مَوارِدُ الشُّرْبِ به . . . لولاه لَما اسْتُخْرِج منه العَلَقُ وله : نِيرانُ فارسَ انْطَفَتْ لمّا بَدَتْ . . . بُشْرَى النُّبُوَّةِ ساطِعاً بُرْهانُهَا سجَدتْ لِنِيرانِ المَجُوسِ عِصابةٌ . . . سجَدتْ لأنْوارِ الهُدَى نِيرانُهَا وله : لَعَمْرُكَ جَبْهَةُ خيرِ الورَى . . . جِراحَتُها آيةٌ للبشَرْ أرانا لها اللّهُ حتى نَرَى . . . بها كيف كان انْشِقاقُ القَمَرْ وله : قَصَرْتُ مَدائِحِي والقَصْرُ مِنِّي . . . على طه وما لِلْقَصْرِ مَدُّ إذا كان الثَّناءُ له جميلاً . . . هو الْحَمْدُ الذي في العُرْفِ حَدُّوا(4/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
ولم يُرَ منه أجْمَلُ طَرْف عَيْنٍ . . . فليس بِلائِقٍ لِسِوَاه حَمْدُ وله : خَلِيليَّ مُرَّا بِي على طَيْبَةَ التي . . . بها مَضْجَعُ المُختارِ طه المُقَرَّبُ يفُوق ذَكِيَّ المِسْكِ عَرْفُ تُرابِها . . . فمِن شَمْسِه نادأك صَلِّ عَلَى النَّبِي ألَمْ تَرَ أنِّي كُلَّما جِئْتُ طارِقاً . . . وَجَدْتُ بها طِيباً وإن لم تَطَيَّبِ وله : لَعَمْرُكَ ما قلبُ النَّبِيِّ غَفَا ولاَ . . . عيونٌ له في ظُلْمةِ الليلِ رَاقِدَهْ تَهجَّدتِ الأجْفانُ في ظُلْمةِ الدُّجى . . . فبانتْ بِمحْرابِ الحَواجِبِ ساجِدَهْ وله في وصف الصحابة مضمناً : يُكبِّرُون إذا خاضُوا بُحُورَ رَدىً . . . وما لَهُمْ عن حِياضِ المَوْتِ تَهْلِيلُ حياض : جمع حوض ، وحياض الموت : المنية ، استعارة منه ، والتهليل : الانهزام والتكذيب ، قال : أمْضَى وأعْنَى في اللِّقاءِ لَقِيتَهُ . . . وأقَلُّ تَهْلِيلاً إذا ما أُحْجِمَا ومن لطائف المتأخرين : هَلُمَّ لوَصْلِ حَمَّامٍ بديعٍ . . . يفُوق رُخامُه زَهْرَ الرِّياضِ لِبُعْدِك ماؤُه ما طاب قَلْباً . . . وأمْسَى من فِراقِك في الْحِياضِ ومن تفاريق قصائده قوله : على النَّهْرِ دِرْعٌ من نَسِيمٍ حَبابُهُ . . . له حَلَقٌ لمَّا رَمى وَبْلُه نَبْلاَ تكِلُّ سيوفُ الهندِ في لَحْظِ مُنْيَتِي . . . فتعْذُب والتَّعْذِيبُ في السيفِ إن كَلاَّ منها : إذا طالَبْتنِي بالحُتُوفِ عَزائِمي . . . أُماطِلُها حتى أُلاقِي لها أهْلاَ فيقْضِي اصْطِبارِي كلَّ دَيْنٍ على المُنَى . . . قضاءَ مَلِيٍ لم يكنْ يعرفُ المَطْلاَ وإن صِرْتُ حِلْسَ الدَّارِ رِزْقِي يزُورُني . . . فأصْطاد ما تَهْوَى الأمانِي من المِقْلاَ وقوله من قصيدة أولها : بِتُّ أرْعَى النجومَ والإلْفُ رَاقِدْ . . . هل سميرُ الشِّهابِ غيرُ الفَراقِدْ منها : كلُّ زَرْعٍ زَرَعْتُه في شبابِي . . . فله مِنْجَلُ انْحِنائِيَ حَاصِدْ أنا في الأرْضِ ضاربٌ كلَّ كَسْبٍ . . . مِثْلَ ضَرْبٍ لِواحدِ في وَاحِدْ منها : وبجِيدِ الأيامِ عند تَصابٍ . . . ليس غير الكُؤُوسِ فيها فَرائِدْ(4/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
وقوله : وسَفْرِ مُنىً جازتْ بعَزْمِي ومالَها . . . قناطرُ إلاَّ العِيسَ في أبْحُرِ الآلِ عَبَرْتُ بها دَاراً مُحِيلاً رُسُومُه . . . ألَحَّ عليه كُلُّ أسْحَمَ هَطَّالِ إلى كعبةٍ أمْسَتْ تُزارُ ولم تَزُرْ . . . يطُوف رجائي حولَها مُنْذُ أحْوالِ أقُول لها لمَّا تبَّدى لناظِرِي . . . تَمِيسُ عُلاهُ لي مَلابِسِ إجْلالِ أتيْتُك من كلِّ الوسائِلِ مُحْرِماً . . . وألْبَسْتُ وَجْهَ الأرضِ سابِغَ أذْيالِ وقوله : وخِدْنٍ يرُوق الطَّرْفَ وَضَّاحُ وَجْهِهِ . . . وقد تَرْجَمتْ باليُمنِ عنه قَوابلُهْ إذا غَصَّ بالسُّؤَّالِ نَادٍ يحُلُّه . . . يَسُوغُ بماءِ الجُودِ يصْفُو مُسائِلُهْ وإن نَحَلتْ أقْلامُه لاشْتياقِها . . . إليه حَنَتْ منه عليها أنامِلُهْ ويُزْهِر وَجْهُ الشمسِ غِبَّ لقائِه . . . وتصْفَرُّ من خوفِ الفِراقِ أَصائِلُهْ فإن صَدَّنِي عنك الزمانُ لحادثٍ . . . فأيْن من الغَرْقانِ في البحرِ ساحِلُهْ فإنك شمسٌ لا تُرَى السُّحْبُ عندها . . . فلا تُنْكِرَنْ إن لم يَلُحْ ثَمَّ آفِلُهْ وقوله : خَدُّ الربيع من الحَياءِ تَوَرَّدَا . . . خَجَلاً لِمَا أهْدَى إليه من النَّدَى وبَنَفْسَجُ الكُثْبانِ أطْرقَ رأسُه . . . لَّما رأَى صُدْغَ الحبيبِ تجعَّدَا وأرى الخريفَ اشْتَمَّ أنْفاسَ الشِّتَأ . . . فاصْفَرَّ مِنه خِيفَةً لمَّا بَدا ورأَى جيوشَ سُيُولِه قد أقْبلَتْ . . . وعليه حُلَّةَ سُنْدُسٍ فتَجَرَّدَا والسُّحْب تنْثُر لُؤْلُؤاً وغُصونُه . . . بأَكُفِّ أوراقٍ تُفَرِّقُ عَسْجَدَأ والنَّجْمُ كحَّلَه الظلامُ بإثْمِدٍ . . . مُذْ خالَه في الجَوِّ طَرْفاً أرْمَدَا رَوضٌ تبَسَّم للوُفودِ بمَبْسَمٍ . . . للرَّوضِ عَذْبِ المُجْتَنَى والمُجْتَدَى ما ذَاقَ فيه السُّهْدَ إلاَّ ناظِرٌ . . . للنَّرْجِسِ الغَضِّ الشَّهِيِّ تَسَهَّدَا وقوله من غزلية : مُذ سَبانِي بدرٌ بقلبي مُقِيمٌ . . . صار جسْمِي كخَصْرِه في المِحَاقِ حاكمٌ جُنْدُه المِلاحُ جميعاً . . . ذُو لِواءٍ من شَعْرِه الخَفَّاقِ جامعٌ رِقَّةَ الحجازِ وسْحْرَ الشَّ . . . امِ حُسْناً في سِلْكِ لُطْفِ العِراقِ سرَق الغُصْنُ لِنَهُ فلهذا . . . لَزِمَتْهُ جِنايَةُ السُّرَّاقِ قام في جَنَّةِ الرِّياضِ بكأسٍ . . . فأباح المُدامَ بين الرِّفاقِ بثلاثٍ مِنهُنَّ طَلَّق هَمِّى . . . دون ما رَجْعَةٍ لذاك الطَّلاقِ(4/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
في مجالٍ كالخَصْرِ فيه اخْتِصارٌ . . . دارَ فيه النُّدْمانُ مِثْلَ النِّطاقِ ذُو عيونٍ لأجْلِها النَّرْجِسُ الغَضُّ . . . اصْفَرَّ وأمْسَى من جُمْلةِ العُشَّاقِ ما رَثَتْ في الهوى لِسائِل دَمْعِي . . . تحسَبُ الدَّمْعَ خِلْقَةً في المَآقِي وقوله : قامتْ تجُرُّ ذُيولَ التِّيهِ والجَدَلِ . . . ووَجْنَةُ الشَّفَقِ احْمَرَّتْ من الخَجَلِ خَمِيلةٌ بثِمارِ الحَلْيِ مُثْقَلةٌ . . . زُهورُها ما جَنَتْها رَاحةُ الأمَلِ تَسِيرُ رُسْلُ الصَّبَا تَرْتادُها سَحَراً . . . في الْحَيِّ تعْثُر بين البِيضِ والأَسَلِ صَباً على سُقْمِها يُشْفَى السَّقامُ بها . . . ورُبما صَحَّتِ الأجْسامُ بالعِلَلِ تخافُ تَجْرَحُ وَجْناتِ الحبيبِ لِذَا . . . تخُوض مِن عَرَقِ الأنْداءِ في بَلَلِ وقوله : أتاركُ قلبي في لَظَى الوَجْدِ مَجْمَرَا . . . وطِيبَ ثَناءٍ فوقه فَاح عَنْبَرَا ترفَّقْ فما ابْيَضَّتْ دموعِي بعدَكُمْ . . . ولكنَّها شَابَتْ وصبرِي تعَذَّرَا فيَوْمِي كأيَّامِ القيامةِ طُولُه . . . وأرْضِيَ أمْسَتْ لْلأعادِي مَحْشَرَا منها : وغُصْن قَوامٍ كلُّ غُصْنٍ لحُسْنِه . . . بأوْراقِه من خَجْلةٍ قد تَسَتَّرا وعَيْن له قد أهْدَتِ السُّقْمَ والهوَى . . . فأهْدَى إلى أجْفانِها طَرْفِيَ الْكَرَى من مديحها : إذا طَرَّزَ القِرْطاسَ وَشْيُ بنَانِهِ . . . تعَشَّق منه الطَّرْفُ خَدّاً مُعَذَّرَا وما كان لَوْنُ التِّبْرِ أصْفَرَ إنَّما . . . لِخَوْف نَداهُ بالنَّدَى صار أصْفَرَا وقوله : مَسِيلُ الصبحِ طَمَّ على الكواكبْ . . . وقد ظمِئتْ إلى السَّيْرِ النَّجائِبْ تقلَّص ذَيْلُ عَزْمِك في مَسِيرٍ . . . له طَيْفُ العُلَى خِدْنٌ مُصاحِبْ بِوَرْيٍ أعْوجِيٍ قَبَّلَتْهُ . . . بغُرَّتِهِ الأهِلَّةُ والكواكبْ جَرَتْ مِن خَلْفِهِ النَّسماتُ حتى . . . سَرَتْ مُعْتلةً فيه الجَنائِبْ عليه مِن لَيالِ الوصلِ بُرْدٌ . . . وقد أهْدَتْ له الغِيدُ الذَّوائِبْ إذا ما خَبَّ خِلْتَ الطَّيْفَ وَافَى . . . لِجُنْحِ الليلِ مِن خَوْفِ المُراقِبْ مَعارِفُه كأهْدابٍ تَبدَّتْ . . . لِوَجْه الأرْضِ تَدْنُو كالْمَراقِبْ عَلاهُ مُحدِّثٌ قد جَلَّ عنه . . . لجارِيه تمائمُ في التَّرائِبْ(4/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
بعَزْمٍ يَفْرَقُ الهِنْدِيُّ منه . . . مَضَاءً قصَّرتْ عنه القَواضِبْ ورَأْيٍ زَفَّ بِكْرَ الفكرِ يَزْهُو . . . لِتخْطُبهَا المَعالِي والمراتِبْ وقوله : وباسِلِ نارٍ عَزْمُه تَقِدُ . . . كأنما حُمَّ خَوْفَه الأسَدُ أخْلاَقُه للنَّدِيمِ ضامِنَةٌ . . . أن يُنْجِزَ الْجُودَ قبلَ ما يَعِدُ تنْقُل عنه الكرامُ مَأْثُرَةً . . . حَدِيثُ عَلْيائِه لها سَنَدُ وقوله : زاد خَطُّ العِذارِ في الخَدِّ حُسْنَا . . . فهْو حَرْفٌ قد جاء فيه لِمَعْنَى كلَّ حِينٍ داعِي الغرام يُنادِي . . . رَحِمَ اللّهُ كلَّ قلبٍ مُعَنَّى قُمْ خَلِيلِي نَبْكِي الديارَ سُحَيْراً . . . لا يكونُ الحَمَامُ أطْربَ مِنَّا لا تَلُمْنِي إن ساء فيك ظُنونِي . . . كُلُّ مَن ضَنَّ بالأحِبَّةِ ظَنَّا كم حَبِيبٍ إذا أردْتُ سُلُوّاً . . . عنه قال الدَّلالُ مَهْلاً تأَنَّى وبَناتُ القلوب مُعْتِذراتٌ . . . شافِعاتٌ له إذا الليلُ جَنَّا مُذْنِبٌ ليس يقْبَل العُذْرَ مِنِّي . . . وإذا ما جَنَى عليَّ تجَنَّى كلُّ صَدٍ إن لم يكنْ عن مَلالٍ . . . فهْو وَصْلٌ به الرَّقِيبُ تَعَنَّى إنما القلبُ دَارُه وهَواهُ . . . دَاخِلٌ فيه ليس يطلُب إذْنَا عَلَّموا حَظِّيَ الصُّدودَ فَوَلَّى . . . واخْتَفيْنَا فالهَجْرُ يسألُ عَنَّا لم تَذُقْ قَطْرةً من الوصلِ حِيناً . . . وشَرِبْنَا الوِصالَ دَنّاً فَدَنَّا مِن قَضيبٍ يَميسُ في الرَّوْضِ تِيهاً . . . لِيُرِي الغُصْنَ كَيْفَما يَتَثَنَّى أسْمَرُ الْقَدِّ منه ينْهزِم اللَّوْ . . . مُ إذا جاد في الصَّبابةِ طَعْنَا وأرى المَنْزِلَ الخَرابَ إذا ما . . . حَلَّ فيه الأحْبابُ رَوْضاً أغَنَّا وله ، وهو معنىً بديع ، في دعوة ضيف كريم : مَوْلايَ دارِي والذي قد حَوَتْ . . . نَبْتٌ زَهَا من صَوْبِ أمْطارِهْ وإنَّني عَبْدٌ له حارسٌ . . . بشُكْرِهِ رَوْضةَ آثارِهْ إذا دَعَوْناه لأجل القِرَى . . . وأشْرَقتْ داري بأنْوارِهْ قالُوا طُفَيْليّاً عجِبْنَا له . . . يُضيفُ رَبَّ الدارِ في دَارِهْ قال : وكمت قلته لما أعجبني قول إبراهيم بن المدبر ، الذي أنشده له في الأغاني : سيِّدي كلُّ نِعْمةٍ هي عندي . . . فهْي بعضٌ مِن فَيْضِ تلك الأيادِي(4/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
فإذا زُرْتَنِي فإنِّي ضَيْفٌ . . . سَاكِنٌ مِن ذَراكَ أكْرَمَ نَادِي فيَظُنُّونِيَ الطُّفَيْليَّ لَوْلاَ . . . إرْثُ دَارِي مِن سالِفِ الأجْدادِ وله في معنى قول كثير عزة : لَئِنْ ساءَني أن نِلْتنِي بِمَسَبَّةٍ . . . لقد سَرَّنِي أنِّي خَطَرْتُ ببالِكِ يسُرُّنِي شَتْمُك إذْ كنتُ قد . . . خَطَرْتُ في بَالِكَ دون اشْتِباهْ يحلُوا لِيَ الشَّتْمُ إذْ مَرَّ لِي . . . اسمٌ على عَذْبِ اللَّمَى والشِّفَاهْ إن ذكَرَ اسْمِي لَذَّ لي ذِكْرُه . . . كأنني قبَّلتُ بالوَهْمِ فَاهْ فيه لطف ؛ لأنه يمكن أن يخرج على أن في اسمه حرفاً شفوياً ، وكذا في لقبه . وقد استعمله ابن جرير ، وكان اسمه محمداً ، حيث قال : أنا في غَيْرةٍ عليْك من اسْمِي . . . إنَّه دائِماً يُقبِّل فاكَا وله في قول بعض معتزلة النحاة : عدل عمر تقديري ، يريد غير محقق : بِنُورِ المعاني أشْرَق اللفظُ فاكْتَسَى . . . بثَوْبَيْهِ من حُسْنٍ بَديعٍ بلا زُورِ ففي عُمَرٍ من عالمِ الذَّرِّ عَدْلُه . . . إلى اسْمٍ سَرَى من أجْلِ ذا قيل تَقْدِيري ومَن قال ذا التَّقدير غيرُ مُحَقَّقٍ . . . فقد سار في ظَلْمَاءِ جهلِ بلا نُورِ وله : زمانُ السُّوءِ إن وَافَى بِرَيْبٍ . . . صديقك والقريبُ له يَذِلُّ شَكَتْ رُسْلَ المنايا لِي طُيورٌ . . . جَوارِحُ للسَّماءِ تظَلُّ تَعْلُو فقلتُ سَلُوا الْقَوَادِمَ والخَوافِي . . . فلَوْلا رِيشُها ما طال نَبْلُ هذا كقول الأرجاني : يُعْطِينَ قتْلاها النُّسور جَوائِزاً . . . إذْ كُنَّ طِرْنَ بما كَسَتْهُ الأنْسُرُ وله : أتَدْرِي السَّواقِي ما تقولُ وقد غدتْ . . . تدُورُ وتَسْقي حين تعلُو وتنْزِلُ تقول لك المَمْلُوءُ يعْلُو وكلُّ ما . . . تضَرَّع تَلْقاهُ مَدَى الدهرِ يسْفُلُ تُريدُ الورى تهْوَى الغَنِيَّ ولم تزَلْ . . . تُعادِي فقيراً ما عليه مُعَوَّلُ فلا تُظْهِرَنَّ الفقْرَ ما دُمْتَ بينهم . . . وأظْهِرْ غنىً عنهم فذلك أجْمَلُ وله : قد رأيْنا الملوكَ إن سار جيشٌ . . . كثَّبُوا الكُثْبَ في الفَلا المطْرُوقِ فلذا سَنَّمُوا الترابَ على مَن . . . ماتَ رَمْزاً لِفَهْم معنىً دقيقِ(4/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
إن جيشَ الخُطُوب سار وهذِي . . . سلبُه فاسْلكُوا سَواءَ الطَّرِيقِ وله : مُذ فُتِحَتْ أبوابُ نادي العُلَى . . . فَتْحَ المُلاقِي لمعالِيهِ ما صَرَّت الأبوابُ بل رَحَّبتْ . . . على مُرَجٍ لأيادِيهِ كذلك الأقلامُ في طِرْسِهِ . . . صَرِيرُها شكرُ أَيادِيهِ والماء يشكُ ، بخريرٍ له . . . فِراقَه رَوْضةَ نَادِيهِ وله : يا حبَّذا نادٍ لنا . . . حُفَّ بأُنْسٍ وطَرَبْ وخمرةٌ في كأسِها . . . يلعبُ بالنَّرْدِ الْحَبَبْ فُصوص ألْماسٍ على . . . بِساطِ خَزٍ وذَهَبْ وله : سَبَح الحبيبُ بِبرْكةٍ . . . والقلبُ من وَلَهٍ يطيرُ فخشِيتُ من ماءِ اللَّطا . . . فةِ فيه يشْربُه الغَدِيرُ وتَشابُه الماءِ الرقي . . . قِ وجسمِه التَّرِفِ النَّضِيرِ لولا الذَّوائبُ لم يكنْ . . . للنَّاظرين به شُعورُ وله : ما أقْصَرَ الليلَ الذي . . . كحَّل أنْوارَ الحَدَقْ عانْقتُ فيه غُصُناً . . . مِن حُلَلٍ فيه وَرَقْ إذ هَمَّ ثَغْرُ الصبحِ أنْ . . . يُقَبِّلَنْ خَدَّ الشَّفَقْ ومما لا ينقضي منه الإعجاب ، قوله من قصيدة : مَرَرْتُ على رَبْعِ الأحِبَّةِ دارِساً . . . ففَاح به عَرْفُ الحديثِ المُتَمَّمِ وذكَّرنا عهدَ الصَّبابةِ والصِّبا . . . هَدِيلُ حَمْامٍ في الرُّبَى مُترنِّمِ فقلتُ لِخِلِّي عُجْ بنا ساعةً عسى . . . يُحدِّثنا رَسْمُ الهوى المُتقدِّمِ فعُجْنَا له عَطْفاً على موضعٍ به . . . هَوانا فكان العَطْفُ عطفَ تَوهُّمِ وعطف التوهم معروفٌ عند النحاة ، وهو أن يجري في موضعٍ إعرابان ، فيعرب بأحدهما ، ويعطف عليه باعتبار الآخر ، كما في قول الأخوص الرياحي : بَدَا لِيَ أنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضَى . . . ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جَائيَا فإن لست يجر خبرها بالباء الزائدة كثيراً ، فإذا نصب قد يعطف عليه مجرور نظراً إلى حالته الأخرى . وأما عطف المنصوب على المجرور ، فهو العطف على الموضع ، وإياه عنى محاسن الشواء ، في قوله :(4/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
هَاتِيكَ يا صاحِ رُبَا لَعْلَعِ . . . نَاشَدْتُك اللّه فعَرِّجْ مَعِي وانْزِلْ بنا بين بُيوتِ النَّقَا . . . فإنها آهِلَةُ المَرْبَعِ حتى نُطِيلَ اليوم وَقْفاً على السَّ . . . اكِنِ أو عَطْفاً على المَوْضِعِ وهذه مقطعات له ، على حروف المعجم : مَدْحٌ بوَجْهِ كُدْيَةٍ . . . فيها كَمِينٌ لِلرَّجاءْ مِثْلُ المُرَقْرِقِ في الصَّبُو . . . حِ يُسِرُّ حَسْواً في ارْتغاءْ فيه مثلان قديمان . وله : يشْتكي الخَصْرُ رِدْفَه كلَّ حِينٍ . . . وأنِينِي يشْكُو من الرُّقَباءِ فكِلانَا في حالَتَيْه مُعَنَّى . . . ذا عَياءٍ يشْكُو من الثُّقَلاءِ وله : لَئِن نكَسَّ الدهرُ حَظِّي فلِي . . . لطَائفُ في الغَيْبِ تُحْيِي الرَّجَاءْ فرُبَّ شِهابٍ إذا نَكَّسُوه . . . يَزِيدُ اشْتعالاً ويعْلُو سَنَاءْ وله : قال لي الأيْرُ لا أُهَنِّيك إن . . . زارَك مَن قد هَويتَ في الظَّلْماءِ وأنَا منك لا يُهَنِّىءُ عُضْوٌ . . . بالمَسَرَّاتِ سائرَ الأعْضاءِ وله : لا يكذبُ العاقلُ ما . . . أمْكنَهُ صِدْقٌ يجبْ ففي المَعارِيضِ له . . . مَنْدُوحةٌ عن الكَذِبْ وله : وبلدةٍ سُكَّانُها في لَظَى . . . في الصَّيْفِ من حَرٍ لها ناصِبِ ترى بها الماشي بُعَيْدَ الضُّحَى . . . مُنْتعِلاً نَعْلَ أبِي طالبِ يشير إلى ما ذكر أهل السير ، من أن أبا طالبٍ لم يهتد للإيمان ، لأن رسول الله e كان في جواره ، ولو أسلم لم يقبلوا جواره . ولما قالوا له : إن أبا طالبٍ كان يحبك ويحيك فهل ينفعه ذلك ؟ قال : ' يخفف عنه فجعل له نعلٌ من نارٍ يغلي منه دماغه ' . رواه مسلم . وله : إذا شاب شَعْرُ المَرْءِ قَلَّ سُرورُه . . . وزَارتْه مِن وَفْدِ الهمومِ المَصائبُ وشَابَ قَذَى الأكْدارِ صَفْوَ حَياتِهِ . . . فمِن أجْلِ هذا قِيل للمَرْءِ شائبُ وله : قد تسْتوِي في الحَرَكات الورَى . . . لكنْ لَدَى السَّبْقِ تَبِينُ الرُّتَبْ(4/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
كم طار صَقْرٌ وغُرابٌ مَعاً . . . لكنَّ ذا صَادَ وهذا هَرَبْ وله : قد خاب مَن كان في مُناهُ . . . مُقصِّرَ الجِدَّ في الطِّلابِ فلا يَلُمْ غيرَ نَفْسِه مَن . . . قد أرْسَل الْبَازَ في ضَبابِ وله : ظَنَنْتُ الصَّبا لَمَّا على النهرِ قد جَرَتْ . . . وعَكْسُ ذُكاءٍ لاح فيه لِمُرْتَقِبْ شِباكاً بها صار النَّسيم غَزالةً . . . ألَسْتَ تَراها دائماً فيه تضْطَرِبْ وله : على خَدِّه مُذْ لاح نَبْتُ عِذارِهِ . . . جرَتْ أدْمُعِي في الخدِّ ذاتَ صَبيبِ إذا ما اسْتدارتْ دَارَةُ البَدْرِ حَوْلَه . . . فإنَّ وُقوعَ القَطْرِ غيرُ عَجِيبِ وله : لَحَى اللّهُ أيَّاماً تُعادِي أُولِي النُّهَىوتُسْعِفُ لُؤْماً كلَّ غُفْلِ المَناقِبِ تُقدِّم فيهنَّ الصِّغارَ كأنهم . . . إذا ذُكرِوا عَقْدَ الْبَنانِ لِحَاسِبِ وله : إنما هذه الحياةُ مَنامٌ . . . والأمانِي حُلْمٌ بها الْمَرْءُ صَبُّ فلهذا تأْتِي على العكسِ مِمَّا . . . كَرِهَ النَّاسُ دائماً وأحَبُّوا وله : كُنِ ابنَ وَقْتٍ حاضرٍ تَجْنِي هَنا . . . ولا تفُكِّرْ في غَدٍ وما ذَهَبْ وإن وجدتَ سُكراً فانْعَمْ به . . . ولا تَسَلْ عَمَّا جَرى على القَصَبْ وله : إذا ما غاب مَن أهْواهُ عَنِّي . . . فإنَّ لِقاءَه عندي كِتابُ سَوادٌ في بياضٍ مِثْل عَيْنِي . . . به ألْقَى الأحِبَّةَ حين غَابُوا وله : لَمَّا بَدَا في صُدْغِه خَالُه . . . أذابَ قلبَ الصَّبِّ بالْحُبِّ فانْظُرْ إلى الْحَبِّ على فَخِّه . . . ولا تَسَلْ عن طائرِ القَلْبِ وله : رَوضُ المُنَى أيْدِي الأماني به . . . كم قد جَرَتْ لي ثمرَاً مُسْتطَابْ ما لَذَّةُ الدنيا إذا لم أكُن . . . أخْطِر فيها بِردَاءِ الشَّبابْ وله : مُذ رأًى النَّهْرُ بَرْقَهُ سَلَّ سَيْفاً . . . مُرْهَفَ الحَدِّ من قِرابِ السَّحابِ(4/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
نَسجتْ فوقه الرِّياحُ دُرُعاً . . . سَابغاتٍ قد سُمِّرَتْ بالحَبَابِ وله في الرد على ابن القيم : قالوا جَهَنَّمُ دارُ الخلدِ ساكنُها . . . إذا تَطاوَلَ دهرٌ أَخمَدَ اللَّهَبَا أمَالِكٌ صار مِن عَجْزٍ لِذِي يَدِهِ . . . لا يسْتطيعُ لفقرٍ يشْتري الحَطبَا وله : سُكَّانُ مِصْر كالنِّيل ما عَرَفُوا . . . قَدْرَ شُيوخِ العلمِ والطَّلَبَهْ فَجَيِّدٌ فيه والرَّدِيُّ سَوَا . . . كما اسْتَوَى الماءُ ثَمَّ والْخَشَبَهْ وله : كم أُناسٍ من الكرام تَوَلَّوْا . . . في نعيمٍ وطِيبِ عَيْش مُواتِي قَطَفُوا وَردةَ الحياةِ سُروراً . . . ورَمُوا الشَّوْكَ في طريقِ الآتِي وله : وبُحَيْرةٍ بِفنائِها سَمَرُوا . . . واللَّهُو بالأحْزانِ قد شَمَتَا وكأنما عَكْسُ الشُّموعِ بها . . . بَحْرٌ به المَرْجانُ قد نَبَتَا وله : أنا أصْبُو والتَّصَابِي حِلْيَةٌ . . . لكريمِ العِرْضِ في صَبْوَتِهِ بعَفِيفِ الجَيْبِ لَدْنٍ ناعمٍ . . . لم يُعانِقْهُ سِوَى حُلَّتِهِ وله : لحديثِ النَّبيِّ بعد كلامِ اللَّ . . . هِ طِيبٌ يَحُثُّ شَوْقِي حَثِيثَا مُسْتَجِدٌّ على مُرورِ الجَديدَيْ . . . نِ لِذَأ سُمِّيَ الحديثُ حَدِيثَا وله : غاب الحبيبُ وفؤادِي خافِقٌ . . . مُنْتظِرٌ لذلك المَعْنَى البَهِجْ والنَّرْجِسُ الغَضُّ يُنادِي في الرُّبَى . . . أبْشِرْ بما سَرَّ بعيْني تخْتلِجْ وله : ذُؤابتُه قد اشْتفَتْ . . . مِن فَرَجٍ بلا حَرَجْ بابُ استْهِ لِصَبْرِه . . . فاز بِمفْتاحِ الْفَرَجْ وله : وساحِر المنْطِقِ أظْهَر الطِّلاَ . . . في مَجْلِسٍ يَسْعَى لِرؤْياهُ الْفَرَحْ رَتَّبَ شَكْلاً للسُّرورِ مُنْتِجاً . . . الْجَرَّةَ الكُبْرى وصُغْراه الْقَدَحْ وله : إلى اللّهِ أشْكُو الزَّمان الذي . . . يُرَيِّشُ حَالِي بنَتْفِ الجَنَاحْ(4/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
إذا سُمْتُه الصُّلْحَ قال اتَّئِدْ . . . فبيْني وبينك سُوقُ السِّلاحْ وله : إذا رُمْتَ أمْراً فكُنْ طالباً . . . برِفْقٍ ففي الرِّفْقِ نَيْلُ الصَّلاحْ ففي الرِّفْفِ والصبرِ للمُرْتَجِي . . . لِقاحَ الصَّلاحِ جَناحُ النَّجاحْ وله : وزَانٍ بحُبِّ الزِّنا مُغْرَمٍ . . . أمَاطَ رِداءَ الْحَيَا واطَّرَحْ يُقبِّلُ أولادهُنَّ الصِّغارَ . . . ومَن عَشِقَ الدَّنَّ بَاسَ الْقَدَحْ وله : إن الصديقَ مَن إذا دَعَوْتَهُ . . . لَبَّى الرَّجا بتَباشِيرِ الْفَرَحْ وإن تنَحْنَحَ الذي دَعَوْتَه . . . لِحاجَةٍ مُلِمَّةٍ فقد تَنَح وله : كم من قريبٍ كِيلاَ لِي شَرُّهُ . . . وخيرُه إن جاء أحْباب فخّ وكم أخٍ يملأُ لي صَدْرَه . . . نَفثْةَ مَصْدُورٍ إذا قلتُ أَخْ وله : إذا رُمْتَ إكْسِيرَ نَصْرٍ فقُمْ . . . بسيْفَك واضْرِبْ رقابَ العِدَى تصُبُّ عليهم حديدَ النِّصالِ . . . وتأخُذها في دَمٍ عَسْجَدَا قال بعضهم : قول ابن نباتة السعدي لم يسبق إليه : أبَوْا أن يُطِيعُوا السَّمْهَرِيَّة غِيرَةً . . . فصُبَّتْ عليهم كاللُّجَيْنِ الْقَواضِبُ فعادتْ إلينا عَسْجَداً مِن دِمائِهمْ . . . ألا هكذا فلْيَكْسِبِ المجدَ كاسِبُ ومنه أخذ الأَبيوردي قوله : وللّهِ دَرُّ السيفِ يجلُو بَياضُهُ . . . غَياهِبَ يومٍ قاتِمِ الجَوِّ أرْبَدَا بمُعْتَرَكٍ تَلْقَى به الموتَ لُجَّةً . . . تَسِيلُ لُجَيْناً ثم تُغْمَدُ عَسْجَدَا قال : قلت : انظر هذا مع قولي أولا . وله : رأيْتُك طَوْداً قد لَجأْتُ لِظلِّهِ . . . فلي مَعْقِلٌ منه إذا دهرِيَ اعْتَدَى إذا قُمْتُ في نَادِيه أُنْشِدُ مِدْحَةً . . . أنا الطائرُ المَحْكِيُّ والآخَرُ الصَّدَى وله : رُقَى الفَقْرِ اسْمُه يدْعُوهُ دَاعٍ . . . ورُؤْيةُ وجهِه سَعْدُ السُّعود دَعَانَأ نَحْو سُدَّتِه نَداهُ . . . خَرِيرُ الماءِ يدعُو للوُرودِ(4/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
وله : ويومٍ غَدَأ بارِداً جَوُّهُ . . . بَدَا رَعْدُه من هَواً يَبْرُدُ ترى لهبَ النارِ من بَرْدِهِ . . . بكَانُونهِ أبَداً ترعُدُ من بدائع الصلاح الصفدي ، قوله من رسالة : لو ترى أحدنا وقد أخذه النافض ، ونحاه القر بعامله الرافع والزمهرير الخافض ، لرأيت شخصاً قد ركبت أعضاؤه من الزئبق فما تستقر ، وجفت لهواته يبساً فما تستدر . لا يمد كفه ولو بايعه الناس على الخلافة ، ولا يخرج يده ولو كان فقيراً إلى كيس ذهب أو نديماً إلى كأس سلافة . يكاد لذلك البرد حتى الكلام يتجسد ، ويتمنى الإنسان لو أنه تحت رخام الحمام يتوسد . وله في مثلٍ معروف : أهْوِنْ بسيِّد فِتْيَةٍ نال الغِنَى . . . بدَناءَةٍ مَنَعتْهُ فيهم رُشْدَهُ وعليه جُلْجُلُ سَبَّةٍ ولآَمَةٍ . . . ستُشَدُّ لكن هل يُرَى مَن شَدَّهُ وله : كم جِئْتُه بِحاجَةٍ . . . ومالَه عندي يَدُ فقال لي إلى غدٍ . . . والدهرُ كلُّه غَدُ وله : أيِسْنَا من هُدَى الهادِي . . . وإسْعافٍ وإسْعادِ وصار زمانُنا أعْمَى . . . يُقدِّم كلَّ قَوَّادِ وله : قلتُ لِمْ تشتري الغلام كبيراً . . . وصِغارُ الغِلْمانِ لِلَّهْوِ عُدَّهْ قال إنَّا لم نأْخُذِ اليومَ إلاَّ . . . مَن وجَدْنَا مَتاعَنا اليومَ عِنْدَهْ وله : شيخٌ بسَعْدٍ وبِنَحْسٍ له . . . كم قادَ أوْبَاشاً من السَّادَهْ مَتاعُ زُهْدٍ وَسْطَ سُوقِ الرِّيَا . . . يُباعُ في حانوتِ سَجَّادَهْ وله : قد قلتُ إذ حَسَدُوا وما . . . في العَيْشِ إذْ حسَدوا رَغَدْ خَسَّ الزَّمانُ وأهلُه . . . وطِباعُهم حتى الحَسَدْ وله : ما نعمةٌ تخْلُو من الحسدِ الذي . . . مِنْه تكَدَّر كلُّ وِرْدٍ قد وُرِدْ وأرى الخمولَ مع التَّواضُعِ نِعْمةً . . . قد صانَها الرحمنُ من كَدَرِ الْحَسَدْ(4/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
وله ؛ في قول العوام : الورد من عرق النبي e : ناضرُ الوردِ قيل مِن عَرَقِ المُخْتَا . . . رِ قد لاح في حَدائِقِ خَدِّ وَرْدُ خَدَّيْهِ قبلَ ذلك زَاهٍ . . . هل سمعتُم بالوَرْدِ من ماءِ وَرْدِ وله : فتَّح الوَردُ في الرِّياضِ صَباحاً . . . عندما قبَّل النسيمُ خُدودَهْ بُلِّغَ الزَّعْفَرانُ فهْو لهذا . . . ضاحِكٌ شَقَّ من سُرُروٍ بُرودَهْ وله ، في قول أرباب الفلاحة : إن الحيات والهوام تهرب من شجر الرمان ، ولذا يجعل بعض الطيور أوكارها فيه : إذا هَبَّتْ صَبَا الأسْحارِ يوماً . . . وحَرَّكَتِ الذَّوائبَ في الخُدودِ فَحيَّاتُ الذَّوائبِ في اضْطِرابٍ . . . وقد شَعَرتْ برُمَّانِ النُّهودِ وله : يسْمُو بخُلْقٍ ولِسانٍ حَلاَ . . . مَن بِلِبانِ المجد قِدْماً غُذِي فأدْوَأُ الدَّاءِ كما قد رَوَوْا . . . خُلْقٌ دَنِيٌّ ولسانٌ بَذِي وله : بَقِيَّةُ عُمْرِ حُرٍ مُدَّ فيها . . . يَتِمُّ بها المَسَرَّةُ والْفَخارُ ألسْت ترى الرَّبيعَ يَرُوقَ مَرْأىً . . . وتأْتِي في الخريفِ له الثِّمارُ وله : رَوضةٌ جادَها الْحَيا بَلآلٍ . . . قلدتْه جواهرَ الأزْهارِ ضاحِكاتٌ أطْفالُ أنْهارِها إذْ . . . إذْ وَعَدتْها نَسائمُ الأسْحارِ قال : وقلت لما سمعت قول أبي بكر رضي الله عنه : من امتطى التغافل ملك زمام المروءة : تَغافَلْ إذا رُمْتَ وُدَّ الورَى . . . يدُوم فتُصْبحُ لِلْعِزِّ جارَا زِمامُ المُروءةِ في كَفِّ مَن . . . تَغافُلَه يمْتطِي حيثُ سَارَا وله : وَلَّى الشَّبابُ حَمِيداً حين وَرَّثَنِي . . . مَجْداً وشِعْراً يُحاكي زَاهِيَ الحِبَرِ إن جاد طَبْعِي بشِعْرٍ راقَ رائِقُهُ . . . لا تُنْكرُوا رِقَّةً في نَسْمَةِ السَّحَرِ وله : أوْصافُ مولانا سَقَتْ . . . ظَمْآنَ سَمْعِي كَوْثَرَا كجَنَّةٍ مَعْشوقةٍ . . . للناسِ قبلَ أن تُرَى(4/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
وله : لي سيِّدٌ مُتواضِعٌ لِغُلامِهِ . . . وعلى سِواهُ مُسْرِفٌ في كِبْرِهِ ينْقادُ للغِلْمانِ في خَلَواتِهِ . . . مِثْلَ السَّفِينِ زِمامُه في دُبْرِهِ وله : وسارقٍ يسْرِقُ شِعْرَ الورَى . . . ويُتْبِع المَنْظومَ بالنَّثْرِ ما اقْتَبسَ الآياتِ إلاَّ لِمَا . . . يأْلَفهُ من سِرْقَةِ الشِّعْرِ وله : قالُوا لِشاعرِك الذي . . . أهْدَى مَدِيحاً حَطَّ قَدْرَكْ جَدِّد وُضوءَك بعدَ ذا . . . إنْ كان هذا الشِّعْرُ شِعْرَكْ وله : كلُّ الأمورِ لم تزَلْ . . . تكْبُر من بَعْدِ صِغَرْ إلاَّ مصائبَ الورَى . . . تصغُر من بَعْدِ كِبَرْ وله : ومُباحثٍ في العِلْمِ من نَفَرٍ . . . لا يُدْرِكون مَباحِثَ النَّظَرِ أعْرَضْتُ عنه كأنه عَلَمٌ . . . وتركْتُه بمَباحِثِ البَقَرِ العرب تقول : تركته بمباحث البقر ، إذا لم يعرف مكانه ، وتقول : تركته بملاحس البقر ، إذا ترك بمكانٍ لا أنيس به ، وملاحس البقر : المواضع التي تلحس فيها بقر الوحش أولادها . وله : في دَوْلةِ وَصْلِ مُنيَتِي والهَجْرِ . . . قد حُقَّ لذا وحَقِّ رَبِّي شُكْرِي في الوصلِ حَلَتْ حياةُ نَفْسٍ وصَفَتْ . . . والهجرُ به يُطِيلُ رَبِّي عُمْرِي ولي أنا من هذا : رمضانُ جاء فمَرْحباً بقُدومِهِ . . . شهرٌ بلغْتق بفضْلِهِ المَأْمُولاَ وأُجِلُّ مِنَّتَه عليَّ بأن أرَى . . . عُمْرِي النَّفِيسَ يزيدُ فيه طولاَ وله : إن يكنْ أخْلَقَ الشَّبابُ ورَثَّتْ . . . جِدَّتي والنَّشاطُ في كلِّ أمْرِ كم لبِسْتُ الشبابَ غَضّاً جديداً . . . ساحِبَ الذَّيْلِ في مَواسِمِ عُمْرِي وله : مَعْلُومِيَ المعلومُ يا سيِّدي . . . يحْفظُه الدِّيوانُ والدَّفْتَرُ(4/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
كأنه هَمْزَةُ وَصْلٍ بهِ . . . يُرْسَم في الخَطِّ ولا يُذْكَرُ وله : قد كنتُ في كَنَفِ الخُمولِ مُنَعَّماً . . . والآن أتْعَبنِي الْعَنَأ لمَّا حَضَرْ كالحَرْفِ فَرَّ من الْتقاءِ السَّاكنَيْ . . . نِ لعُسْرِ نُطْقٍ في التَّلفُّظِ فانْكَسَرْ وله : أصبحتُ مَن يُبْصِرُني طَرْفُهُ . . . بكلِّ ما أمْلِكُه يَدْرِي كسُلْحُفَاةٍ من مِيَاهٍ بَدَتْ . . . بَيْتِي وما أحْوِي على ظَهْرِي وله : رأيتُك تُعْطِينا الهِباتِ كتارِكٍ . . . لَدَى أهْلِهِ مُسْتَوْدَعاتِ الذَّخائِرِ ودائعُ في حِرْزٍ من الدهرِ سالمٍ . . . وما ضاع جُودٌ مُودَعٌ عند شاكِرِ وله : يقولون إِن المَدَّ في أثَرِ الجَزْرِ . . . لِنُورِ بَدْرِ العصرِ في ساحلِ البَحْرِ فما بَالُ بَحْرِ الدَّمْعِ يزْدَادُ مَدُّهُإذا غاب بَدْرُ الحُسْنِ في ظُلْمةِ الهَجْرِ وله : صَرَف اللِّحاظَ عن الوُشَا . . . ةِ إلى الكَئِيب وما يَسُرُّهْ أبداً يَميِلُ إليهمُ . . . مَيْلَ المريضِ لِمَا يضُرُّهْ وله : وطُوفانِ ليلٍ مُذْ طَفًَا فيه مَوْجُهُ . . . طَفَا زَبَدُ الدهرِ المُزَيِّنِ للْخَضْرَا تفَجَّر سَيْلُ الصبحِ من سَدِّ شَرْقِهِ . . . فمِن أجْلِ ذا يُدْعَى الصباحُ بهِ فَجْرَا وله : غَطَّتْ بساعِدٍ كماءٍ يجْرِي . . . وَجْهاً يفُوق الوَرْدَ تبَّ القَطْرِ كبدرِ تَمٍ عند نصفِ شَهْرِ . . . غاب وقد لاحَ عَمودُ الفَجْرِ وله : قُل لِرَقيبٍ قد أتى لِصِببْيَةٍ . . . أرَقّ مَعْنىً من نَسِيمِ السَّحَرِ باللّهِ قُمْ لا تقْطَعَنْ حديثَهمْ . . . وتعْترِضْ بين الصَّبا والزَّهْرِ وله : بكَر النَّدامَى للصَّبُوح ونَبَّهُوا . . . أوْتارَهم تدْعُو لهم ضِعْفَ السُّرورْ فتمطَّتِ الأغْصانُ من نَفَسِ الصَّبا . . . وتثاءبَتْ في الأرضِ أفْواهُ الزُّهورْ وله : مُذ زار مَن أهْواه في رَوضةٍ . . . أرْشَفنِي ثَغْراً هو الخَمْرُ(4/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
قالت لِي الأرْدافُ مِن خَلْفِه : . . . اليومَ خَمْراً وغَداً أمْرُ وله : سرَق المَنام بطَرْفِه الْ . . . فَتَّانِ ذُو الحُسْنِ الغَزِيرِ طِرَازُ حُسْنِ حاذِقٍ . . . طَرَّ القلوبَ من الصُّدورِ وله : وحَقِّكُمُ مَدِيحِي في عُلاكمْ . . . له نَشْرٌ ببُرْدِ الدهرِ عاطِرْ وعَرْفُ العُودِ يُخْبِر مَن رَآهُ . . . بِطيبٍ فيه تنْقُله المَجامِرْ وله : رَقَّ مِسْكِيُّ حُلَّةٍ فوقَ جسمٍ . . . رَقَّ حتى لَكاد باللُّطْفِ يجْرِي فيه طَرْفِي مُنَزَّهٌ حين أبْدَى . . . بُرْدَ ظِلٍ على مَعاطِفِ نَهْرِ وله : رعَى اللّهُ عَصْراً غاب عنِّي عَواذِلِي . . . به فَسرقْتُ الوَصْلَ في غَفْلةِ الدهرِ أصائِلُ وَصْلٍ بَرَّدتْ بنَسِيمِها . . . من الكَبِدِ المَلْهوفِ هاجِرَةَ الهَجْرِ وله : تعلَّق قلبي في الغرامِ بصُدْغِهِ . . . فعَطْفةُ ذاك الصُّدْغِ وَقْفةُ خايِرِ تعلَّق قلبي ليس يدْرِي قَرارَهُ . . . كأنّ فؤادِي في مَخالِبِ طائِرِ وله : كيف سُلُوِّي إذا تبدَّى . . . بوَجْهِ مَعْشوقيَ العِذارُ والحُسْنُ في وَجْنتيْهِ غَضٌّ . . . ما اخْتلَف الليلُ والنهارُ وله : دَعَوْتُك يا خليلي للحضُورِ . . . فلا تبْخَل بتعْجيلِ السُّرورِ فعْمْرُ الالْتقاءِ غدا قصيراً . . . فطَوِّلْهُ بأوقاتِ البُكورِ وله : يا صاحِ والشوقُ اسْتَعَرْ . . . إن فَتَّق الجَفْنَ السَّهَرْ رَفَّاهُ خَيْطُ مَدْمَعٍ . . . له من الهُدْبِ إبَرْ وله : ويمْنعُنِي تقْبيلَ خَدَّيْه أنني . . . أخافُ إذا ما أبْصَرتْه النَّواظِرُ فعلمَني تقبيل رِجْليْه إذْ مَشَى . . . وقد قبَّلتْ أقْدامَهُنَّ الضفَّائِرُ وله : فرَش الرَّبيعُ لنا خَمائِلَ سُنْدُسٍ . . . مِن حولها غُدْرانُهُنَّ فَراوِزُ(4/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
ومشَى بها سارِي الصَّبا مُتَسَلِّلاً . . . وعليه أعْيُنُ نُورِه تَتَغامَزُ وله : مَحَا اللّهُ أقْطاراً من الجُودِ أمْحلَتْ . . . وكم قادرٍ فيها عَن الحَمْدِ عاجِزُ وعاقِرَ أرْضٍ ليس يُولَد نَبْتُها . . . وكم وَلَدتْ فيها المَنايَا المَفاوِزُ وله : وكم ناسٍ بِمَوْتِ أُصولِهم قد . . . رَقَوْا رُتَباً لها شَرَفٌ وعِزَّهْ كدُودِ القَزِّ أمْسَى في قبورٍ . . . لصاحبِها بها حُلَلٌ وبِزَّهْ وله : مَلَكْتُ من القَنْعِ كَنْزَ الغِنَى . . . وقال اصْطبارِيَ مَن عَزَّ بَزّ فإن عَزّ ذو الجْاهِ من كِبْرِه . . . فَجَاهُ القَناعةِ عندي أعَزّ وله : حسَدتُ كِتَابي حين لاقَى أحِبَّتِي . . . بِعارِضِ خَطٍ دَبَّ في خَدِّ قِرْطاسِ فقال على الأقْدامِ تسعى وتبْتغِي . . . مَقامِي وقد أمْسَيْتُ أسْعَآ على رَاسِ وله : الخَلْقُ سَفْرٌ والزمانُ مَراحِلٌ . . . خَطَواتُه في سَيْرِهِ الأنْفاسُ والمَقْصِدُ الأسْنَى لهم دارُ الْبَقَا . . . دخَلتْه من بابِ الفَناءِ الناسُ وله : مَن يبْغِ طُولَ العمرِ لم يضْجَرْ بما . . . ساق الزمانُ له فكدَّر حُسْنَهُ مَن كان يخْتار الحياةَ وطُولَها . . . فعلى النَّوائِبِ فَلْيُوَطنْ نَفْسَهُ وله : إن غاب مَن أهْوَى فلي مُسامِرٌ . . . مِن الأماني لم يَغِبْ عن مَجْلِسي نِعْمَ الرَّفِيقُ أمَلي إن لم يَجُد . . . بنَفْعِه فهْو لَعَمْرِي مُؤْنِسِي وله : لأشْعارِ مصر بالتَّوارِي سَخافَةٌ . . . وكم لاح تَجْنِيسٌ بها وهْو تَنْجِيسُ يقولون في الألفاظِ مِنَّا حَلاوةٌ . . . فقلتُ ولكن ذاك حَشْوٌ وتَلْبِيسُ وله : أفئدة الخلقِ على حُكْمِهِ . . . له رَعايَا والسَّرِيرُ الْحَشَا مَلَّكه الحُسْنُ قلوبَ الوَرى . . . واللّهُ يُؤْتِي مُلْكَه مَن يَشَا وله :(4/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
أيُّها الَّلائِمُ دَعْنِي واسْتَرِحْ . . . مِن خليعٍ هو للنُّصْحِ عَصَى لا تلُم في اللَّهْوِ والسِّنُّ عَلاَ . . . واقْرَعِ العُودَ ودَعْ قَرْعَ عَصَا وله : يا صاحِ تَوَقَّ من فَواتِ الفُرَصِ . . . لا تَهْنَأُ عِيشَةُ امْرِىءٍ ذِي غصَصِ فالوُرْق وإن غَدَتْ بعَيْشٍ رَغَدٍ . . . تبْكي وتنُوحُ دائماً في الْقَفَصِ وله : دهرُ سُوءٍ فيه ارْتفاعُ لَئيمٍ . . . وبَنانٌ من المَكارِمِ تُنْفَضْ فَيَدِي قد غَسلْتُها من نَداهُ . . . وفمُ الجَفْنِ بالدُّمُوعِ تَمَضْمَضْ وله : ومَوْلىً له بالمُرْدِ قلبٌ مُوَلَّعٌ . . . يُصَرِّح طَوْراً بالهوَى ويُعَرِّضُ ومُذ قال إن الحبَّ عنديَ آفةٌ . . . خَشِيتُ عليه أن يَمَلَّ فيُحْمِضُ وله : رعَى اللّهُ عَوَّاداً إذا زار نادياً . . . غَدا لِجُموحِ اللَّهْوِ في الحالِ رَائِضَا رأى طَرَبَ النَّدْمانِ أسْقَمه الهوَى . . . فَجَسَّ له نَبْضاً من العُودِ نابِضَا وله : وقومٍ لِئامٍ ليس لي فيهمُ رِضاً . . . وما فيهمُ شَيءٌ على قُبْحِه يُرْضِي أُسائِل عنهم كلَّ مَن قد لَقِيتُه . . . سُؤالَ طَبِيبٍ ليس يعلمُ بالنَّبْضِ إنما يسأل عن القارورة والبراز ، فهو كنايةٌ بديعةز وله : نَثِيرُ اليَاسَمِينِ من فوقِ بَدْرٍ . . . لِمُحِبِّيه بالخَلاعةِ باسِطْ فحَسبْناه شَمْعةً أوْقَدُوها . . . وعليها فَراشُ لَيْلٍ تَساقَطْ وله : للّهِ ما ألْطَفَه من زامرٍ . . . ينْشَق من عَبَقِ الإنْبِساطْ كأنَّ إسْرافيلَ قد وكَّلَه . . . لِيبْعثَ الأرْواحَ من فَرْطِ النَّشاطْ وله : قلتُ لمَّا عَذَّبوه فَغَدا . . . مَثَلاً يُسْرِعُ في خَيطِ اخْتلاطْ عُذْرُ مَولايَ الذي جاء به . . . مِثْلُ ضَمِّ الاسْتِ من بعدِ الضُّراطْ وله : كم هِمَّةٍ عاليةٍ . . . في الجدِّ لم تُفَرِّطِ لا تَرْتَضِي بوَسَطٍ . . . فالدُّونُ جارُ الوَسَطِ(4/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
وله : كتب الربيعُ على طُرُوسِ رِياضِهِ . . . صُحُفاً من التَّوحيدِ ما فيها غَلَطْ وحَدَا السحابُ إِلى الحدائق قُدْرَةً . . . نَقّاشُها في الرَّوْضِ نَقَّطَ ثم خَطّ وله : ومَوْلىً أمْطَرتْ كَفَّاه غَيْثاً . . . لَدَى الأزَماتِ فهْو على اشْتِراطِ ومَن يُحْسِنْ وقد فات احْتِياجٌ . . . كمن يقْضِي الصَّلاةَ على الصِّراطِ وله : قيل فلانٌ يَدَّعِي كَرَماً . . . ورِفْعةً والزمانُ فيه غَلِطْ فقلتُ مات الكِرامُ فهْو كمَنْ . . . وَجَد البيتَ خالِياً فضَرَطْ وله : أمَوْلايَ كم من دُعاءٍ إلى . . . نَداكَ دعاءَ مُلِحٍ مُلِظِّ تَخِذْتُك كَهْفاً لِمَا أرْتجِي . . . فما نِلْتُ منك سوى يومِ حَظِّي وله : وسحابٍ فيه بَرْقٌ . . . بعُيونِ النَّوْرِ تُلْحَظْ خِلْتُه لمَّا تَبَدَّى . . . حَبَشِيّاً يتلَمّظْ وله : المَدُّ بعد الجَزْرِ قالوا إنه . . . يأْتِي من البدرِ المُنِيرِ الطَّالِعِ صَدَقُوا فبَدْرِي في مَطالِعِ حُسْنِهِ . . . قد أوْرَثَ الأجْفانَ مَدَّ مَدامِعِي وله : إذا لم ألْقَ في أمْرِي شَفِيعاً . . . فتَرْكِي ما أُرِيدُ أجَلُّ شَافِعْ أأخْشَى ضِيقَ صَدْرٍ من لَئِيمٍ . . . وصَدْرُ البِيدِ والطُّرُقاتِ واسعْ وله : لَعَمْرُك ما طال الوُقوفُ على الحِمَى . . . لِحِيرةِ فكري من دُرُوسِ المَرابِعِ ولكنْ تمَشَّتْ في ذَراهُ عُيونُنا . . . تجُرُّ على الأطْلالِ ذَيْلَ المَدَامِعِ وله : تَواضَعْ تكنْ ممَّا يَشِينُك سالِماً . . . فكم جَرَّ نَفْعاً لِلَّبِيبِ التَّواضُعُ وللإسْمِ بالتَّصغير جَمْعُ سَلامةٍ . . . وإن كان فيه قبلَ ذاك مَوانِعُ وله : أذْهَب نَقْدَ العمرِ حتى انْحنَى . . . يطلُب في التُّرْبِ لِمَا ضَيَّعَا(4/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
كأنما نَكَّسَ رَأْساً له . . . يُعاقِبُ القلبَ الذي ما وَعَى وله : قد انْحنَى الشيخُ لعُظْمِ الذي . . . حُمِّلَ مِن ذَنْبٍ له قد سَعَى كأنما سلَّم من فَرْحةٍ . . . على رسولِ الموتِ إذ وَدَّعَا وله : مِيعادُك الفارغُ إن ساعَدَهُ . . . قولهمُ مَن أجْدَبَ المَرْعَى انْتجَعْ أشْفِقْ عليه كم كذا تجُرُّهُ . . . ما بين يَأْسٍ زاجِرٍ لي وطَمَعْ وله : قالُوا المَنَامُ لم يزَلْ . . . بكلِّ تَأْويلٍ يَقَعْ على جَناحِ طائرٍ . . . فهْو إذا قُصَّ وَقَعْ وله : أصْبَحْتُ في خَلَفٍ كجِلْدٍ أجْرَبِ . . . وبِمُهْجتِي داءٌ دوائي ما ابْتَغَى حَلِم الأدِيمُ فليس يُجْدِي دَبْغُه . . . حتى يعودَ الْقارِظان فيُدْبَغَا وله : لمَّا رأَى القلبُ أهْوالَ الزمانِ وما . . . في اليأْسِ مِن راحةٍ بعد الْعَنَا فَرَغَا لم تُجْدِ شَكْوَايَ إلاَّ ذِلَّةً وعَنَا . . . وليس أوَّلُ فَحْلِ أثْقَلُوا فَرَغَا وله : لا أطمعُ اليومَ وقد أصبحتْ . . . للّهِ عندي نِعَمٌ سَابِغَهْ لِرَأْسِ أطْماعِي تَبِيتُ المُنَى . . . تَدْهُنُ من قارورةٍ فارِغَهْ وله : فَدَيْتُك إن النفسَ تأْنَفُ أن تَرَى . . . رجائيَ في باب امْرِىءٍ مُتكفِّفَا وليس يتمُّ الجودُ للحُرِّ مُوسِراً . . . إذا لم يكنْ في عُسْرِه مُتعَفِّفَا وله : أقول لِلَّهْوِ والصَّهباء قد مَنَعتْ . . . صَفْواً على رَغْمِ أنْفٍ للخَلِيعِ عَفَا أغاب إبْلِيسُ مِن هذا المُصابِ لنا . . . ما ذاك إلاَّ لِطُولِ العمر قد خَرِفَا وله : أيْرٌ ككلْبِ الدارِ لمَّا جَنَى . . . وصار في فِعْلِ الْخَنَا ذا شَغَفْ يقُوم للطَّارِي عليه ولا . . . يقومُ للإلْفِ الذي قد عَرَفْ وله : سقى اللّهُ رَوضاً قد نَعِمْنا بظِلِّه . . . ولا جارَ إلاّ نَهْرُه المُتدَفِّقُ(4/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
إذا ما تغنَّتْ وُرْقُه وطيورُه . . . غَدتْ طَرَباً أيْدِي المِياهِ تُصَفِّقُ وله : قد شِبْتُ وعُمْرُ صَبْوتِي عن طَوْقِي . . . ما شَبَّ وطِفْلُه بمَهْدِ الشَّوْقِ في غُصْنِ نَقاً إذا بدا عُنْصُرُه . . . في ماءِ مَشارِبِي حَلاَ في ذَوْقِي وله : مِن تحت هَمْزةِ صُدْغِه ألِفٌ . . . مِن عارِضَيْهِ تملكَّتْ رِقي عابُوه في حَلْقٍ لها عَبَثاً . . . مع أنَّها من أحْرُفِ الحَلْقِ وله : هذه الدنيا مَمَرٌّ . . . فيه للداخلِ طُرْقُ ليس بيْن الموتِ في الأوْ . . . طانِ والغُرْبةِ فَرْقُ وله : شُجاعٌ إذا قام في مَعْرَكٍ . . . يزِيدُ اشْتعالاً لَدَيْه العِراكُ فكم دَارِعٍ صادَه في الوغَى . . . كأن الدُّرُوعَ عليه شِباكُ وله : لَعيدُ الزمانِ وعُرْسُ الفَلَكْ . . . زمانُ كِرامٍ أضاءَ الحَلَكْ وإن زَمَاناً به قد وَلِيتَ . . . لما تَمَّ دهرٌ بِبَخْسِ الفَلَكْ وله : إذا لُحْتَ قالتْ عيونُ الورَى . . . أَذَا مَلِكٌ طالِعٌ أم مَلَكْ أرى زمناً كنتَ فيه العَمِي . . . دَ عِرْسَ الكِرامِ وعيدَ الفَلَكْ وله : كِلاَ جَانِبَيْ هَرْشَي طَرِيقٌ لسالِكٍ . . . إذا لم يكن يَرْضَ مُقاماً على ذُلِّ فإن كنتُ مأكولاً فكُنْ خيرَ آكِلٍ . . . ولا تنْتهِبْنِي نِهْبَةَ الذئب للسَّخْلِ وله : فَدَيْتُ دِياراً للأحِبَّةِ لم تَزَلْ . . . على القلبِ للقلبِ المُتَيَّمِ مَنْزِلاَ فليت تُراباً مَسَّها قَدَمٌ لهم . . . أراه بأفْواهِ الجُفُونِ مُقَبَّلاَ وله : أمَلِي مُذ سَعى لِطُرْقِ المَعالي . . . وله الحِرْصُ والغَناءُ دَلِيلُ قال يَأْسِي له اسْتَرِحْ فهْي طُرْقٌ . . . ما على المُحْسِنين فيها سَبِيلُ(4/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
وله : يُعْلِي مَقامَ المرءِ خِفَّةُ ظِلِّهِ . . . وترى الثَّقيلَ مُحَقَّراً مَمْلولاَ أوَ ما ترى المِيزانَ يُرْفَع كلَّما . . . قد خَفَّ فاحْذَرْ أن تكون ثَقِيلاَ وله : رأَى في طريقِ الرُّشْد شَبَّتْ بهامَتِي . . . فأوْقَد فوق الرأسِ منِّي مَشَاعِلاَ يخُطُّ به راءً لَدَى كلِّ شَعْرةٍ . . . تُنَفِّر عني كلَّ مَن كان وَاصِلاَ وله : ناديْتُ وقد هَجَرْتُمُ يا ليلى . . . مُذْ طُلْتِ هَدَدْتِ بالتَّجافِي حَيْلِي والدَّمْعُ بمُقْلتي لِنَوْمِي أفْنَى . . . والذَّنْبُ لنائمٍ بطُرْقِ السَّيْلِ وله : بجُودِه تغرق الآمالُ حين تَرَى . . . مَوْجَ النَّدى سال في النَّادِي لِمن سَأَلاَ له مَوائِدُ إحْسانٍ إذَا بُسِطتْ . . . تدْعُو الثناءَ إليها دَعْوة الْجَفَلَى دعوة الجفلى هي الدعوة العامة ، يجفلون إليها ، والنقري : خلافها ، قال طرفة : نحنُ في المَشْتاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى . . . لا تَرَى الآدِبَ فينا ينْتَقِرْ وله : أرى كلَّ ذي عَيْبٍ ونَقْصٍ لقد عَلاَ . . . على كلِّ حُرٍ بالفضائلِ كُمِّلاَ كذلك عاداتُ الزمانِ لأجْلِ ذا . . . صفاتُ عُيوبِ الخلقِ في الوَزْنِ أفْعَلاَ وله : ما فتح الوردَ بَنانُ النَّدَى . . . ولا نَسِيمٌ سَحَراً ناسِمُ قراضةَ التِّبْرِ بِفِيهِ احْتَسَى . . . فهْو لذا فَرِحٌ باسِمُ وله : قيل في اسْمِ السَّلامِ رُقْيَةُ رَاقٍ . . . للأَفاعِي قد حَرّمْتها الأنامُ وأنا قد رأيتُ رُقْيةَ فَقْرِي . . . حين ألْقاكَ أن أقولَ السَّلامُ وله : إنِّي إذا ما الْهَمُّ وَافَى إلىَ . . . مَضاجِعٍ شَرَّدَ عنها المَنَامْ خَادعْتُ أيَّامِي بشُربِ الطِّلاَ . . . فخِدْعَةُ الأيامِ شُرْبُ المُدامْ وله : مَن كان في الدهرِ له مَكْسَبٌ . . . فلْيَجْعلِ العَقْلَ بَرِيدَ المَرامْ لكلِّ شيءٍ صَنْعةٌ أُحْكِمتْ . . . وصنْعةُ العقلِ اخْتيارُ الكرامْ(4/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
وله : كُن لِمَا لا ترجُو أشَدَّ رَجاءً . . . وارْجُ رَبَّاً للعالمين كَرِيمَا إن مُوسَى راح يقْبِسُ ناراً . . . كلَّم اللّهَ رَبَّه تكْلِيمَا وله : قالوا الزمانُ غَدا قَصِيراً هل مَضَتْ . . . بَرَكاتُه أوْ زادتِ الآلامُ ما ذاك إلاَّ أنه قد فَرَّ مِن . . . خَوفٍ وقد جارَتْ به الأحْكامُ وله : يتَبادَلان بِلاَ رِباً إذْ أحْكَمَا . . . عِنْدَ المَحبَّةِ أيَّمَا إحْكامٍ قُبَلٌ فَماً لِفَمٍ وصَبٌّ دائمٌ . . . ما بَيْن ذَيْنِ كفَرْدَتَيْ بَنْكامِ وله : ومُولَّعٍ بالدَّبِّ كَيْ . . . يسْرِقَ لَيْلاً خاتِمَا وقد حكَى الطَّيْفَ فما . . . يزُورُ إلاَّ نائما وله : أُغْلِقُ الجَفْنَ حين زار خَيالٌ . . . منك كي لا يَفِرَّ من أجْفانِي فيظُنُّ العَذُولُ أنَّ مَنامِي . . . زَارَني والمنامُ ليس يَرَانِي وله : صَبرتُ لخَطْبِ زمانٍ دَهانِي . . . وأفْنَى الَّلآلِي شَيْدُ والِي المَبانِي فشَالَتْ نَعامتُهم بالرَّدَى . . . وفَرَّخَ رُوعِي بوَكْرِ الجِنانِ وله : وكم فِتْيةٍ نَجَّيْتُ من نار فِتْنَةٍ . . . وأنْقَذْتُهم من ظُلْمةِ الحَدَثانِ أضاعُوا حُقوقِي ثم غُرُّوا بِذِلَّتِي . . . كأنِّي لديْهم خالدُ بن سِنانِ وله : ولم أنْسَ إذْ أهدَى النَّسِيمُ تحيَّةً . . . رقصَتْ لها طَرَباً غصونُ الْبَانِ والسُّحْبُ قد نَسَجتَ رِداءً أدْكَناً . . . والبَرْقُ مَكُّوكٌ من العِقْيانِ وله : مُذْ هَجَرْتُم هَجَر الطَّيْقُ ولِي . . . نَاظِرٌ لم يَدْرِ ما طَعْمُ الوَسَنْ في هَواكم ألِفَ الْحُزْنَ فلو . . . لم يجدْه مات من فَرْطِ الْحَزَنْ وله : أيها السَّائلِي عن النومِ إنِّي . . . لم أذُقْه من بعد ساعةِ بَيْنِي(4/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
أتَظُنُّ المَنامَ يدخُل جَفْنِي . . . كيف هذا وحُسْنُه مِلءُ عَيْنِي وله في معنى قول الحسن : من ركب الليل والنهارفإنه يسار به وإن كان مقيماً : لا تَظُنَّنَّ ذَا حياةٍ مُقِيماً . . . وهْو في رِحْلةٍ له بيَقِينِ مَن مَطاياهُ ليلُه ونهارٌ . . . سائرٌ للفناءِ في كلِّ حِينِ وله : إذا غبتَ يا شمسَ المكارمِ والنَّدَى . . . وأظْلَمَ من أُفْقِ التَّواصُلِ هِجْرانُ في كلِّ طَرْفٍ من خَيالِك صُورةٌ . . . وفي كلِّ عَيْنٍ مثْلَما قيل إنْسانُ وله : العينُ تَوَدُّ في جميعِ الأزْمانْ . . . لو تُبْصر طَرْفَه المريض الفَتَّانْ تشْكو سُهْدَ النَّاعِساتِ الأجْفانْ . . . فالنَّومُ كما يقال حَقّاً سُلْطانْ وله : قالوا لِيَ اصْبِرْ لفادِح الأحْزانِ . . . فالحُزْنُ وما يَسُرُّ كلٌّ فَانِي فارْقُبْ فَرَجاً فقُلتُ إنِّيَ أخْشَى . . . يأْتي الفَرَجُ إليَّ لا يلْقانِي وله : زارَنا الوَرْدُ في أسَرِّ زَمانٍ . . . فقَرَيْناه بابْنةِ الزَّرْجُونِ وبُعَيْدَ الرَّبيعِ أطْفالُ نَوْرٍ . . . لَعِبت والخيولُ قُضْبُ غُصونِ وله مضمنا ، فيمن علق على جبينه باقة نرجس : على وَجْه من أحْبَبْتُ أبْصَرْتُ نَرْجِساً . . . غدا بَاهِتاً يرْنُو له بعُيونِهِ فيا حَبَّذا بلدرٌ بقلبِيَ نازلٌ . . . كأنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقتْ في جَبِينِهِ وله : يا حابِسَ الكأسِ في يَدَيْهِ . . . أنْعِمْ بِرَدٍ لِشارِبِيهَا فَحَبْسُها في يدَيْك ظُلْمٌ . . . شَيَّبَ رأسَ الحَبابِ فِيهَا وله : حُسْنُ لِباسِ الفتى يدُلُّ على . . . مُروءَةٍ طَبْعُه بها زَاهِي فبِزَّةُ المرءِ في تَجَمُّلِهِ . . . عليْه عُنْوانُ نِعمةِ اللّهِ وله : تَوَقَّ السُّؤالَ إذا ما حَجَجْتَ . . . وفي جامعٍ تعْبدُ اللّهَ فِيهِ فمَن يسْألِ الناسَ عند الكريمِ . . . سواءٌ لَديْه ومَن يشْتكِيهِ وله :(4/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
لمَّا رأيتُ الوزيرَ بالدُّنْيَا . . . أجْمَعِها قام وهْو حَاوِيهَا عَرفتُ أن الدنيا تقومُ على . . . قَرْنٍ لِثَوْرٍ بإذْن بَارِيهَا وله : مَدحْتُه يوماً فنِلْتُ الغِنَى . . . بالوعدِ والإحْسانِ مِن فِيهِ فقال لي لمَّا تَقاضَيْتُه . . . كِذْبٌ بكِذْبٍ لا رِبَا فِيهِ وله : مَنْزِلٌ ضَيِّقٌ ولا حُسْنَ فيه . . . غيرُ تَهْوِينِ ضِيقِ قَبْرٍ كَرِيهِ مثل حَبْسِ الأرْحامِ مَن يَنْجُ منه . . . ما رأيْناه قَطُّ يدخلُ فِيهِ وله : قدَّر اللّهُ أن أعِيشَ فريداً . . . في ديارٍ أُساقُ كَرْهاً إليْهَا وبقلْبِي مُخَدَّراتُ مَعانٍ . . . أُنْزِلَتْ آيةُ الحِجابِ عليْهَا وله : كلُّ الورى جُرْدٌ سَلُوقيَّةٌ . . . لِصَيْدِ رِزْقٍ أبداً تَنْوِي ووثْبةُ الأرْنَبِ كم خَلَّفتْ . . . كَلْباً على حِرْمانِه يَعْوِي وله : مَوْلىً إذا ما جئْتُ أبْوابَهُ . . . وفَضْلُه أصْبح لي دَاعِيَا ظَلَّ أميرُ الشَّوْقِ لي آمِراً . . . وحاجبُ الْهَيْبةِ لي ناهِيَا وله : أتَيْتُك يا مَوْلايَ أبْغِي زيارةً . . . تسُرُّ على رَغْمِ الأعادِي الأمانِيَا فإن كنتَ لم تُصْبِحْ لِيَ اليومَ آذِناً . . . فقد أذِنَتْ لي هِمَّتِي بارْتِحالِيَا وله : دَارِ الْبَرِيَّةَ إن تُرِدْ . . . شَرَفاً ودَعْ عنك الْحَيَا إن الرِّياسةَ كاسْمِها . . . فاسْمَعْ أوائِلُها رِيَا ومن مفرداته التي أجراها مجرى الأمثال : دَارِ الأنامَ صغيرَهم وكبيرَهم . . . مَن لم يُدارِ المُشْطَ ينْتِفْ لِحْيَتَهْ أرْسِلْ إذا أرْسلْتَ خِلاَّ حاذِقاً . . . إنَّ الرسولَ تُرْجُمانُ العَقْلِ(4/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
يَطِيبُ عَيْشُ المرءِ في حَيِّهِ . . . إن ترك التَّدْبيرَ والإخْتيارَا مَن يتَّبِعْ رَأيَ الأمانِي . . . لم يَنْجُ مِن مَطْلِ التَّوانِي كفَى ناظِراً للعَبْدِ أنَّ عَدُوَّهُ . . . يكون على حالٍ بها يَغْضَبُ الرَّبُّ مَن يَزْنِ في حُلْمٍ يكُنْ جَزاؤُه . . . في حُكْمِ أهل الشَّرْعِ يُجْلَد ظِلُّهُ كلُّ الورى صائدٌ ولكنْ . . . يختلفُ الفَخُّ والشِّباكًُ البَيْعُ بالنَّقْدِ خيرٌ . . . وأوَّلُ السَّوْمِ رِبْحُ كم ناصحٍ وصَف الطريقَ لِمُدلِجٍ . . . ويَنامُ عن سَنَنِ الطَّريقِ الواضِحِ ومن يقعُدْ على طُرُقِ الْقوافِي . . . تَمُرُّ عليه قافيةُ الهِجاءِ لا تكُن مُمْسِكاً حَبابَ رَجاءٍ . . . فالأمانِي بَضَائِعُ الْحَمْقَى ولا خيرَ في مُلْكٍ بغيرِ مُدَبِّرٍ . . . تفرَّقت الأغنامُ إذْ ذَهَب الرَّاعِي تَسْبيحُ عِلْقٍ زارَهُ لائِطٌ . . . أبْرَدُ أم سَجَّادةُ الزَّانِيَهْ كلُّ مَن قَصَّر عَمَّا . . . نالَه الناسُ يَعِيبُهْ ما يطلُب المرءُ بغيرِ حاجةٍ . . . تدعُو إليها الحالُ فَقْرٌ حاضِرُ بلُحومِ الأنامِ مَن يتغَذَّى . . . ذاق جُوعاً من النَّدَى والمَعالِي إذا ما تَّيسعَ الخَرْقُ . . . فأعْطِ الثَّوبَ رَافِيهِ(4/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
يروغُ في مِشْيةٍ ثَعْلَبٌ . . . ولو مَشى في رَبَضٍ خَالِي إن لم يكُنْ في منزلٍ مُؤْنِسٌ . . . ما الفَرْقُ بين البيتِ والقَبْرِ أيها النَّافخُ يبْغِي أنَّه . . . يُطْفِىءُ الشمسَ لقد أتْعَبْتَ فَاكَا لسانُ كلِّ عاقلٍ في قلبِه . . . وقلبُ كلِّ جاهلٍ في فِيهِ إن نصَحْتَ الصديقَ فانْصَحْه سِرّاً . . . كلُّ نُصْحٍ بين المَلاَ تَقْرِيعُ يا مَن سقَى مِن حَنْظَل عَسَلاً . . . أرَقْتَ في غيرِ طائلٍ عَسَلَكْ مَن صحِب الدهرَ طُولَ عُمْرِهْ . . . لم يَخْلُ من خَيْرِه وشَرِّهْ إذا كنتَ في بَلْدِةٍ لم تُرِدْ . . . مُقامَك فيها فأنتَ الأسيرُ مَن لا له حَبِيبُ . . . فإنَّه غَرِيبُ خيرُ السِّلاح ما وَقَى . . . إن الرشادَ في التُّقَى إنما أشْتَهي لقاءَ حَبِيبٍ . . . أو لبيبٍ يشْفي الفؤادَ كلامُهْ قيل لا جُهْدَ بَلاءٍ نازلٍ . . . مثلُ جارِ السُّوءِ في دارِ المُقامَهْ مَن يُهْدِ للناسِ ثمارَ الغنَى . . . أهْدَوْا إليه ثَمَرَ الشكرِ إنَّ رِضَا المرءِ على نفسِهِ . . . دليلُ سُخْطِ الخَلْقِ والخالقِ وإذا ما كنتَ يوماً مُخْطِئاً . . . فاعْتِرافٌ بالْخَطَا عَيْنُ الرِّضَا(4/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
ربما كان سارقانِ على المْا . . . لِ حَفِيظانِ مثلَ رَبِّ المْالِ مِن أفضلِ التَّصدُّقاتِ بِرَّا . . . جُهْدُ مُقِلٍ لفقِيرٍ سَرَّا لقد قيل إن الكبرَ والعُجْبَ مِحْنَةٌ . . . وذاك بَلاءٌ ليس يرحمُ صاحِبَهْ إذا جاد لْلقوم رَبُّ الطعام . . . فماذا يكونُ امْتنانُ الطُّفَيْلِي قل لِمَن في الخيْر أبْدَى جُهْدَهُ . . . الضِّمارُ اليومَ والسَّبْقُ غَدَا إن لم يكنْ بين القلوبِ تجاوُزٌ . . . كان الجِوارُ قَرَابةَ الْحِيطانِ لا تَصْحبنْ إلاَّ امْرَءاً عاقلاً . . . ينفع في الدنيا وفي الآخِرهْ رحم اللّه صاحباً لِيَ أهْدَى . . . عَيْبَ نَفْسي قد كنتُ لستُ أَراهُ ومن نوادره منظومته في الأمثال ، سماها ريحانة الندمان . منها : مَن ينتسِبْ إلى العظيمِ عُظِّمَا . . . فالْجَأْ إلى اللّهِ تكُن مُكَرَّمَا تُصانُ عن كَسْرٍ وعن إمَالَهْ . . . مُجاوِراً سَعْداً وخيرَ حَالَهْ ورُبّما يُكْسَر لْلجوارِ . . . ويُؤْخَذُ الجارُ بظُلْمِ الْجارِ في زمن فيه الفُحولُ صَرْعَى . . . اسْتَنَّنتِ الفِصالُ حَتَّى القَرْعَى خُذْ عِظةً من الزمانِ كم وَعَظْ . . . إن السعيدَ مَنْ بغيرهِ اتَّعظْ ليس الغَنِي إلاَّ إذا صَفَا الكَدَرْ . . . هل ينظُر الغَرِيقُ في البحرِ الدُّرَرْ فامْدَدْ على قَدْرِ الكِساءِ رِجْلَكَا . . . واقْطَعْ على طُولِ القَوامِ ثَوْبَكَا قد مات أمْسِ وتقَضَّى أمَدُهْ . . . واليومُ في النَّزْع ولم يُولَدْ غَدُهْ اتْرُكْ فتىً أخلاقُه أخْلاقُ . . . دَواءُ ما لا تشْتهي الفِراقُ كم آلِفٍ مَن لم يكُنْ قَرِينَهْ . . . ضَرورةً كصُحْبةِ السَّفِينَهْ مَن خطب الشَرَّ تزوَّج النَّدَمْ . . . ويسْتوِي منه الوجودُ والعَدَمْ مَن يزْرع العِتابَ يَحْصُدِ الفِراقْ . . . وغِيرةُ الْحَمْقاءِ مِفْتاحُ الطَّلاقْ(4/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
كم زارع لراقدٍ قد أكَلاَ . . . ومُوقدٍ ناراً وغيرُه اصْطَلى مَنْ مَوْتُه عِتْقٌ من الآفاتِ . . . فلْيُؤْثِرِ الموتَ على الحياةِ ما الخَطْبُ إلاّ للجَلِيلِ طارِقُ . . . مِن الأعالي تنزلُ الصَّواعِقُ مَن لا يَقِيكَ غائباً أُذْناهُ . . . ليس تَراكَ شاهداً عَيْناهُ وَسِّعْ عليك كلَّ شيءٍ يتَّسِعْ . . . فإنه مَن صَارعَ الدنيا صُرِعَ قد يُنبِىءُ اللفظُ عن الضَّميرِ . . . واللَّحْظُ عن لَفْظٍ بلا تَعْبِيرِ مَن نَفْسُه لِذلَّةٍ تُسلِّمُهْ . . . لا أكْرَم الرحمنُ مَ ، يُكَرِّمُهْ رِضَا الأنامِ غايةٌ لا تُدْرَكُ . . . أرْضِ الإله للسَّدادِ تَمْلِكُ إنَّ اقْتنَاءَ المجدِ والمَناقِبِ . . . تكونُ في الصبرِ على العَواقِبِ إنَّ المِزاح مُلْقِحُ الأضْغانِ . . . وكاسِفٌ مَهابةَ الإنْسانِ فَضْلُ الأيادِي في النَّدَى قُروضُ . . . ووُدُّها في شَرْعِه فُروض لا يعدَمُ الكريمُ أن لا يُحْسَدَا . . . والمالُ مَكذوبٌ عليه أبَدَا إذا تَلاقَى الخطْب والأقْدارُ . . . يصْطلِحُ الغَرِيقُ والتَّيَّارُ يَتْعب مَن يُجاوِرُ الأعْلَى المَحَلَّ . . . أما تَرَى الْخَصْرَ النَّحِيلَ والكَفَلْ ورُبَّ شِرِّيرٍ لِقَومٍ يُصْلِحُ . . . إنَّ الحديدَ بالحديدِ يُفْلَحُ إنَّ الجبانَ حَتْفُه مِن فوقِه . . . والثَّوْرُ يحمى أنفَه برَوْقِهِ لا يتْركُ الحزْمَ اللبيبُ الأكْيَسُ . . . أن تَرِدَ الماءَ بماءٍ أكْيَسُ والْحِرْصُ في كلِّ زمانٍ عانِي . . . والحِرْصُ والحِرْمانُ تَوْءَمانِ شَيبُ الشُّعورِ زُهْرُ النُّجومِ . . . تُنْبِتُه غمائمُ الغُمُومِ إن لم يجُدْ بوَصْلِه الحبيبُ . . . اصْطَلح العاشقُ والرَّقيبُ أعْطِ أخاك إن قَدَرْتَ تَمْرَهْ . . . فإن أبى قبولَها فَجَمْرَهْ تُؤدِّب الأشْرافُ بالهجْرانِ . . . ولم تُؤدِّبْ قطُّ بالحرْمانش لا تصْحبِ المجْدُودَ بعد الْياسِ . . . فرُبَّما أعْداك بالإفْلاسِ
السادات البكرية
سادات الوجود ، وأولياء النعم الذين عرفوا بالكرم والجود . بيتٌ كبيت العتيق يزوره من لبى وأحرم ، ومن نال لثم عتبة بابه فقد ظفر بالحجر المكرم . ثبتت أوتاده وأطناهب ، ووصلت بأسباب السماء أسبابه . لا زحاف فيه إلا في بيوت حساده ، ولا يطأ إلا على رقاب أضداده . حرمٌ آمن ليس للحوادث عليه هجوم ، ولا لشياطين البغي فيه(4/237)