وَقَد أَتى بَعدَ ذا يَومُ الرَّجِيعِ بِما ... فِيهِ مِنَ الغَدرِ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ
وَثارَ نَقعُ المَنايا في مَعُونَةَ مِن ... بَني سُلَيمٍ بِأَهلِ الفَضلِ وَالحِكَمِ
ثُمَّ اشْرَأَبَّت لِخَفرِ العَهدِ مِن سَفَهٍ ... بَنُو النَّضيرِ فَأَجلاهُم عَنِ الأُطُمِ
وَسارَ مُنتَحِياً ذاتَ الرِّقاعِ فَلَم ... تَلقَ الكَتائِبُ فيها كَيدَ مُصطَدَمِ
وَحَلَّ مِن بَعدِها بَدراً لِوَعدِ أَبِي ... سُفيانَ لَكِنَّهُ وَلّى وَلَم يَحُمِ
وَأَمَّ دَومَةَ في جَمعٍ وَعادَ إِلى ... مَكانِهِ وَسَماءُ النَّقعِ لَم تَغِمِ
ثُمَّ اسْتَثارَت قُرَيشٌ وَهيَ ظالِمَةٌ ... أَحلافَها وَأَتَت في جَحفَلٍ لَهِمِ
تَستَمرِئُ البَغيَ مِن جَهلٍ وَما عَلِمَت ... أَنَّ الجَهالَة مَدعاةٌ إِلى الثَّلَمِ
وَقامَ فيهم أَبُو سُفيانَ مِن حَنَقٍ ... يَدعُو إِلى الشَّرِّ مثلَ الفَحلِ ذِي القَطَمِ
فَخَندَقَ المُؤمِنُونَ الدّارَ وَاِنتَصَبُوا ... لِحَربِهِم كَضَواري الأُسدِ في الأَجَمِ
فَما استَطاعَت قُرَيشٌ نَيلَ ما طَلَبَت ... وَهَل تَنالُ الثُّرَيّا كَفُّ مُستَلِمِ
رامَت بِجَهلَتِها أَمراً وَلَو عَلِمَت ... ماذَا أُعِدَّ لَها في الغَيبِ لَم تَرُمِ
فَخَيَّبَ اللَّهُ مَسعاها وَغادَرَها ... نَهبَ الرَّدى وَالصَّدى وَالرِّيحِ وَالطَّسَمِ
فَقوَّضَت عُمُدَ التَّرحالِ وَاِنصَرَفَت ... لَيلاً إِلى حَيثُ لَم تَسرَح وَلَم تَسُمِ
وَكَيفَ تَحمَدُ عُقبى ماجَنَت يَدُها ... بَغياً وَقَد سَرَحَت في مَرتَعٍ وَخِمِ
قَد أَقبَلَت وَهيَ في فَخرٍ وَفي جَذَلٍ ... وَأَدبَرَت وَهيَ في خِزيٍ وَفي سَدَمِ
مَن يَركَبِ الغَيَّ لا يَحمَد عَواقِبَهُ ... وَمَن يُطِع قَلبُهُ أَمرَ الهَوى يَهِمِ
ثُمَّ اِنتَحى بِوُجُوهِ الخَيلِ ساهِمَةً ... بَني قُرَيظَةَ في رَجراجَةٍ حُطَمِ
خانُوا الرَّسُولَ فَجازاهُم بِما كَسَبُوا ... وَفِي الخِيانَةِ مَدعاةٌ إِلى النِّقَمِ(1027/15)
وَسارَ يَنحُو بَني لِحيانَ فَاِعتَصَمُوا ... خَوفَ الرَّدى بِالعَوالي كُلَّ مُعتَصَمِ
وَأَمَّ ذا قَرَدٍ في جَحفَلٍ لَجِبٍ ... يَستَنُّ في لاحِبٍ بادٍ وَفي نَسَمِ
وَزارَ بِالجَيشِ غَزواً أَرضَ مُصطَلِقٍ ... فَما اتَّقُوهُ بِغَيرِ البِيضِ في الخَدَمِ
وَفي الحُدَيبِيَةِ الصُّلحُ اِستَتَبَّ إِلى ... عَشرٍ وَلَم يَجرِ فيها مِن دَمٍ هَدَمِ
وَجاءَ خَيبَرَ في جَأواءَ كَالِحَةٍ ... بِالخَيلِ كَالسَّيلِ وَالأَسيافِ كَالضَّرَمِ
حَتّى إِذا اِمتَنَعَت شُمُّ الحُصونِ عَلى ... مَن رامَها بَعدَ إِيغالٍ وَمُقتَحَمِ
قالَ النَّبِيُّ سَأُعطِي رايَتِي رَجُلاً ... يُحِبُّنِي وَيُحِبُّ اللَّهَ ذا الكَرَمِ
ذا مِرَّةٍ يَفتَحُ اللَّهُ الحُصونَ عَلَى ... يَدَيهِ لَيسَ بِفَرّارٍ وَلا بَرِمِ
فَما بَدا الفَجرُ إِلّا وَالزَّعيمُ عَلى ... جَيشِ القِتالِ عَلِيٌّ رافِعُ العَلَمِ
وَكانَ ذا رَمَدٍ فَارْتَدَّ ذا بَصَرٍ ... بِنَفثَةٍ أَبرَأَت عَينَيهِ مِن وَرَمِ
فَسارَ مُعتَزِماً حَتّى أَنافَ عَلى ... حُصُونِ خَيبَرَ بِالمَسلُولَةِ الخُذُمِ
يَمضِي بِمُنصُلِهِ قُدماً فَيَلحَمُهُ ... مَجرى الوَريدِ مِنَ الأَعناقِ وَاللِّمَمِ
حَتّى إِذا طاحَ مِنهُ التُّرسُ تاحَ لَهُ ... بابٌ فَكانَ لَهُ تُرساً إِلى العَتَمِ
بابٌ أَبَت قَلبَهُ جَهداً ثَمانِيَةٌ ... مِنَ الصَّحابَةِ أَهلِ الجِدِّ وَالعَزَمِ
فَلَم يَزَل صائِلاً في الحَربِ مُقتَحِماً ... غَيابَةَ النَّقعِ مِثلَ الحَيدَرِ القَرِمِ
حَتّى تَبَلَّجَ فَجرُ النَّصرِ وَاِنتَشَرَت ... بِهِ البَشائِرُ بَينَ السَّهلِ وَالعَلَمِ
أَبشِر بِهِ يَومَ فَتحٍ قَد أَضاءَ بِهِ ... وَجهُ الزَّمانِ فَأَبدى بِشرَ مُبتَسِمِ
أَتى بِهِ جَعفَرُ الطَّيّارُ فَاِبتَهَجَت ... بِعَودِهِ أَنفُسُ الأَصحابِ وَالعُزَمِ
فَكانَ يَوماً حَوى عِيدَينِ في نَسَقٍ ... فَتحاً وَعَود كَرِيمٍ طاهِرِ الشِّيَمِ(1027/16)
وَعادَ بِالنَّصرِ مَولى الدِّينِ مُنصَرِفاً ... يَؤُمُّ طَيبَةَ فِي عِزٍّ وَفِي نِعَمِ
ثُمَّ اسْتَقامَ لِبَيتِ اللَّهِ مُعتَمِراً ... لِنَيلِ ما فاتَهُ بِالهَديِ لِلحَرَمِ
وَسارَ زَيدٌ أَميراً نَحوَ مُؤتَةَ في ... بَعثٍ فَلاقى بِها الأَعداءَ مِن كَثَمِ
فَعَبَّأَ المُسلِمُونَ الجُندَ وَاِقتَتَلُوا ... قِتالَ مُنتَصِرٍ لِلحَقِّ مُنتَقِمِ
فَطاحَ زَيدٌ وَأَودى جَعفَرٌ وَقَضى ... تَحتَ العَجاجَةِ عَبدُ اللَّهِ في قُدُمِ
لا عارَ بِالمَوتِ فَالشَّهمُ الجَرِيءُ يَرى ... أَنَّ الرَّدى في المَعالي خَيرُ مُغتَنَمِ
وَحِينَ خاسَت قُرَيشٌ بِالعُهُودِ وَلَم ... تُنصِف وَسارَت مِن الأَهواءِ في نَقَمِ
وَظاهَرَت مِن بَني بَكرٍ حَليفَتَها ... عَلى خُزاعَةَ أَهلِ الصِّدقِ فِي الذِّمَمِ
قامَ النَّبِيُّ لِنَصرِ الحَقِّ مُعتَزِماً ... بِجَحفَلٍ لِجُمُوعِ الشِّركِ مُختَرِمِ
تَبدُو بِهِ البِيضُ وَالقَسطالُ مُنتَشِرٌ ... كَالشُّهبِ في اللَّيلِ أَو كَالنّارِ فِي الفَحَمِ
لَمعُ السُّيُوفِ وَتَصهالُ الخُيولِ بِهِ ... كَالبَرقِ وَالرَّعدِ في مُغدَودِقٍ هَزِمِ
عَرمرَمٌ يَنسِفُ الأَرضَ الفَضاءَ إِذا ... سَرى بِها وَيَدُكُّ الهَضبَ مِن خِيَمِ
فِيهِ الكُماةُ الَّتي ذَلَّت لِعِزَّتِها ... مَعاطِسٌ لَم تُذَلَّل قَبلُ بِالخُطُمِ
مِن كُلِّ مُعتَزِمٍ بِالصَّبرِ مُحتَزِمٍ ... لِلقِرنِ مُلتَزِمٍ في البَأسِ مُهتَزِمِ
طالَت بِهِم هِمَمٌ نالُوا السِّماكَ بِها ... عَن قُدرَةٍ وَعُلُوُّ النَّفسِ بِالهِمَمِ
بِيضٌ أَساوِرَةٌ غُلبٌ قَساوِرَةٌ ... شُكسٌ لَدى الحَربِ مِطعامونَ في الأُزُمِ
طابَت نُفُوسُهُمُ بِالمَوتِ إِذ عَلِمُوا ... أَنَّ الحَياةَ الَّتي يَبغُونَ في العَدَمِ
ساسُوا الجِيادَ فَظَلَّت في أَعِنَّتِها ... طَوعَ البَنانَةِ في كَرٍّ وَمُقتَحَمِ
تَكادُ تَفقَهُ لَحنَ القَولِ مِن أَدَبٍ ... وَتَسبِقُ الوَحيَ وَالإِيماءَ مِن فَهَمِ(1027/17)
كَأَنَّ أَذنابَها في الكَرِّ أَلوِيَةٌ ... عَلَى سَفِينٍ لِأَمرِ الرِّيحِ مُرتَسِمِ
مِن كُلِّ مُنجَرِدٍ يَهوي بِصاحِبِهِ ... بَينَ العَجاجِ هوِيَّ الأَجدَلِ اللَّحِمِ
وَالبِيضُ تَرجُفُ في الأَغمادِ مِن ظَمَأٍ ... وَالسُّمرُ تَرعدُ في الأَيمانِ مِن قَرَمِ
مِن كُلِّ مُطَّرِدٍ لَولا عَلائِقُهُ ... لَسابَقَ المَوتَ نَحوَ القِرنِ مِن ضَرَمِ
كَأَنَّهُ أَرقَمٌ في رَأسِهِ حُمَةٌ ... يَستَلُّ كَيدَ الأَعادي بِابنَةِ الرَّقَمِ
فَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى ... أَرباضِ مَكّةَ بِالفُرسانِ وَالبُهَمِ
وَلَفَّهم بِخَمِيسٍ لَو يَشُدُّ عَلى ... أَركانِ رَضوى لَأَضحى مائِلَ الدِّعَمِ
فَأَقبَلوا يَسأَلُونَ الصَّفحَ حِينَ رَأَوا ... أَنَّ اللَّجاجَةَ مَدعاةٌ إِلى النَّدَمِ
رِيعُوا فَذَلُّوا وَلَو طاشُوا لَوَقَّرَهُم ... ضَربٌ يُفَرِّقُ مِنهُم مَجمَعَ اللِّمَمِ
ذاقُوا الرَّدى جُرَعاً فَاِستَسلَمُوا جَزَعاً ... لِلصُّلحِ وَالحَربُ مَرقاةٌ إِلى السَّلَمِ
وَأَقبَلَ النَّصرُ يَتلُو وَهوَ مُبتَسِمٌ ... المَجدُ لِلسَّيفِ لَيسَ المَجدُ لِلقَلَمِ
يا حائِرَ اللُّبِّ هَذا الحَقُّ فَامضِ لَهُ ... تَسلَم وَهَذا سَبِيلُ الرُّشدِ فَاِستَقِمِ
لا يَصرَعَنَّكَ وَهمٌ بِتَّ تَرقُبُهُ ... إِنَّ التَّوَهُّمَ حَتفُ العاجِزِ الوَخِمِ
هَذا النَّبيُّ وَذاكَ الجَيشُ مُنتَشِرٌ ... مِلءَ الفَضا فَاِستَبق لِلخَيرِ تَغتَنِمِ
فَالزَم حِماهُ تَجِد ما شِئتَ مِن أَرَبٍ ... وَشِم نَداهُ إِذا ما البَرقُ لَم يُشَمِ
وَاحلُل رِحالَكَ وَانزِل نَحوَ سُدَّتِهِ ... فَإِنَّها عصمَةٌ مِن أَوثَقِ العِصمِ
أَحيا بِهِ اللَّهُ أَمواتَ القُلوبِ كَما ... أَحيا النَّباتَ بِفَيضِ الوابِلِ الرَّذِمِ
حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ الصُلحِ وَاِنتَظَمَت ... بِهِ عُقودُ الأَماني أَيَّ مُنتَظَمِ
قامَ النَّبِيُّ بِشُكرِ اللَّهِ مُنتَصِباً ... وَالشُّكرُ فِي كُلِّ حالٍ كافِلُ النِّعَمِ(1027/18)
وَطافَ بِالبَيتِ سبعاً فَوقَ راحِلَةٍ ... قَوداءَ ناجِيَةٍ أَمضى مِنَ النَّسَمِ
فَما أَشارَ إِلى بُدٍّ بِمِحجَنِهِ ... إِلّا هوَى لِيَدٍ مَغلُولَةٍ وَفَمِ
وَفِي حُنَينٍ إِذ اِرتَدَّت هَوازِنُ عَن ... قَصدِ السَّبيلِ وَلَم تَرجِع إِلى الحَكَمِ
سَرى إِلَيها بِبَحرٍ مِن مُلَملَمَةٍ ... طامي السّراة بِمَوجِ البِيضِ مُلتَطِمِ
حَتّى اِستَذَلَّت وَعادَت بَعدَ نَخوَتِها ... تُلقي إِلى كُلِّ مَن تَلقاهُ بِالسَّلَمِ
وَيَمَّمَ الطّائِفَ الغَنّاءَ ثُمَّ مَضى ... عَنها إلى أَجَلٍ في الغَيبِ مُكتَتَمِ
وَحِينَ أَوفى عَلى وادِي تَبُوكَ سَعى ... إِلَيهِ ساكِنُها طَوعاً بِلا رَغَمِ
فَصالَحُوهُ وَأَدَّوا جِزيَةً وَرَضُوا ... بِحُكمِهِ وَتَبيعُ الرُشد لَم يَهِمِ
أَلفى بِها عَينَ ماءٍ لا تَبِضُّ فَمُذ ... دَعا لَها اِنفَجَرَت عَن سائِغٍ سَنِمِ
وَراوَدَ الغَيثَ فَاِنهَلَّت بَوادِرُهُ ... بَعدَ الجُمودِ بِمُنهَلٍّ وَمُنسَجِمِ
وَأَمَّ طَيبَةَ مَسْروراً بِعَودَتِهِ ... يَطوي المَنازِلَ بِالوَخّادَةِ الرُّسُمِ
ثُمَّ استَهَلَّت وُفُودُ الناسِ قاطِبَةً ... إِلى حِماهُ فَلاقَت وافِرَ الكَرَمِ
فَكانَ عامَ وُفودٍ كُلَّما اِنصَرَفَت ... عِصابَةٌ أَقبَلَت أُخرى عَلى قَدَمِ
وَأَرسَلَ الرُّسلَ تَترى لِلمُلوكِ بِما ... فِيهِ بَلاغٌ لِأَهلِ الذِّكرِ وَالفَهَمِ
وَأَمَّ غالِبُ أَكنافَ الكَديدِ إِلى ... بَني المُلَوَّحِ فَاِستَولى عَلى النَّعَمِ
وَحِينَ خانَت جُذامٌ فَلَّ شَوكَتَها ... زَيدٌ بِجَمعٍ لِرَهطِ الشِّركِ مُقتَثِمِ
وَسارَ مُنتَحِياً وادي القُرى فَمَحا ... بَني فَزارَةَ أَصلَ اللُّؤمِ وَالقَزَمِ
وَأَمَّ خَيبَرَ عَبدُ اللَّهِ في نَفَرٍ ... إِلى اليَسِير فَأَرداهُ بِلا أَتَمِ
وَيَمَّمَ اِبنُ أُنَيسٍ عُرضَ نَخلَةَ إِذ ... طَغا اِبنُ ثَورٍ فَاصماهُ وَلَم يَخِمِ
ثُمَّ استَقَلَّ اِبنُ حِصنٍ فَاحْتَوَت يَدُهُ ... عَلى بَني العَنبَرِ الطُّرّارِ وَالشُّجُمِ(1027/19)
وَسارَ عَمرو إِلى ذاتِ السَّلاسِلِ في ... جَمعٍ لُهامٍ لِجَيشِ الشِّركِ مُصطَلِمِ
وَغَزوَتانِ لِعَبدِ اللَّهِ واجِدَةٌ ... إِلى رِفاعَةَ وَالأُخرى إِلى إِضَمِ
وَسارَ جَمعُ اِبنِ عَوفٍ نَحوَ دَومَةَ كَي ... يَفُلَّ سَورَةَ أَهلِ الزُّورِ وَالتُّهَمِ
وَأَمَّ بِالخَيلِ سيفَ البَحرِ مُعتَزِماً ... أَبُو عُبَيدَةَ في صُيّابَةٍ حُشُمِ
وَسارَ عَمرو إِلى أُمِّ القُرى لِأَبي ... سُفيانَ لَكِن عَدَتهُ مُهلَةُ القِسَمِ
وَأَمَّ مَديَنَ زَيدٌ فَاِستَوَت يَدُهُ ... عَلى العَدُوِّ وَساقَ السَّبيَ كَالغَنَمِ
وَقامَ سالِمُ بِالعَضبِ الجُرازِ إِلى ... أَبي عُفَيكٍ فَأَرداهُ وَلَم يَجِمِ
وَانقَضَّ لَيلاً عُمَيرٌ بِالحُسامِ عَلى ... عَصماءَ حَتّى سَقاها عَلقَمَ العَدَمِ
وَسارَ بَعثٌ فَلَم يُخطِئ ثُمامَةَ إِذ ... رَآهُ فَاحتازَهُ غُنماً وَلَم يُلَمِ
ذاكَ الهُمامُ الَّذي لَبّى بِمَكَّة إِذ ... أَتى بِها مُعلِناً في الأَشهُرِ الحُرُمِ
وَبَعثُ عَلقَمَةَ اِستَقرى العَدُوَّ ضُحىً ... فَلَم يَجِد في خِلالِ الحَيِّ مِن أَرمِ
وَرَدَّ كُرزٌ إِلى العَذراءِ مَن غَدَرُوا ... يَسارَ حَتّى لَقَوا بَرحاً مِنَ الشَّجَمِ
وَسارَ بَعثُ اِبنِ زَيدٍ لِلشَّآمِ فَلَم ... يَلبَث أَنِ انقَضَّ كَالبازي عَلى اليَمَمِ
فَهَذِهِ الغَزَواتُ الغُرُّ شامِلَةً ... جَمعَ البُعُوثِ كَدُرٍّ لاحَ في نُظُمِ
نَظَمتُها راجِياً نَيلَ الشَّفاعَةِ مِن ... خَيرِ البَرايا وَمَولى العُربِ وَالعَجَمِ
هُوَ النَّبِيُّ الَّذي لَولاهُ ما قُبِلَت ... رَجاةُ آدمَ لَمّا زَلَّ في القِدَمِ
حَسبِي بِطَلعَتِهِ الغَرّاءِ مَفخَرَةً ... لَمّا اِلتَقَيتُ بِهِ في عالَمِ الحُلُمِ
وَقَد حَباني عَصاهُ فَاِعتَصَمتُ بِها ... في كُلِّ هَولٍ فَلم أَفزَع وَلَم أَهِمِ
فَهيَ الَّتي كانَ يَحبُو مِثلَها كَرَماً ... لِمَن يَوَدُّ وَحَسبِي نسبَةً بِهِمِ
لَم أَخشَ مِن بَعدِها ما كُنتُ أَحذَرُهُ ... وَكَيفَ وَهيَ الَّتي تُنجي مِنَ الغُمَمِ(1027/20)
كَفى بِها نِعمَةً تَعلُو بِقيمَتِها ... نَفسِي وَإِن كُنتُ مَسلوباً مِنَ القِيَمِ
وَما أُبَرِّئُ نَفسي وَهيَ آمِرَةٌ ... بِالسُوءِ ما لَم تَعُقها خيفَةُ النَّدَمِ
فَيا نَدامَةَ نَفسي في المَعادِ إِذا ... تَعَوَّذَ المَرءُ خَوفَ النُطقِ بِالبَكمِ
لَكِنَّني وَاثِقٌ بِالعَفو مِن مَلِكٍ ... يَعفُو بِرَحمَتِهِ عَن كُلِّ مُجتَرِمِ
وَسَوفَ أَبلُغُ آمالي وَإِن عَظُمَت ... جَرائِمي يَومَ أَلقى صاحِبَ العَلَمِ
هُوَ الَّذي يَنعَشُ المَكرُوبَ إِذ عَلِقَت ... بِهِ الرَّزايا وَيُغني كُلَّ ذي عَدَمِ
هَيهاتَ يَخذُلُ مَولاهُ وَشاعِرَهُ ... في الحَشرِ وَهوَ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ
فَمَدحُهُ رَأسُ مالي يَومَ مُفتَقَرِي ... وَحُبُّهُ عِزُّ نَفسي عِندَ مُهتَضَمِي
وَهَبتُ نَفسِي لَهُ حُبّا وَتَكرِمَة ... فَهَل تَراني بَلَغتُ السُّؤلَ مِن سَلَمي
إِنِّي وَإِن مالَ بي دَهري وَبَرَّحَ بي ... ضَيمٌ أَشاطَ عَلى جَمرِ النَّوى أَدَمي
لثابِتُ العَهدِ لَم يَحلُل قُوى أَمَلِي ... يَأسٌ وَلَم تَخطُ بِي في سَلوَةٍ قَدَمي
لَم يَترُكِ الدَّهرُ لي ما أَستَعِينُ بِهِ ... عَلى التَّجَمُّلِ إِلّا ساعِدي وَفَمِي
هَذا يُحَبِّرُ مَدحي في الرَّسولِ وَذا ... يَتلُو عَلى الناسِ ما أُوحيهِ مِن كَلِمِي
يا سَيِّدَ الكَونِ عَفواً إِن أَثِمتُ فَلي ... بِحُبِّكُم صِلَةٌ تُغنِي عَنِ الرَّحِمِ
كَفى بِسَلمانَ لِي فَخراً إِذا انتَسَبَت ... نَفسي لَكُم مِثلَهُ في زُمرَةِ الحَشَمِ
وَحسنُ ظَنِّي بِكُم إِن مُتُّ يَكلَؤُني ... مِن هَولِ ما أَتَّقي فِي ظُلمَةِ الرَّجَمِ
تَاللَّهِ ما عاقَني عَن حَيِّكُم شَجَنٌ ... لَكِنَّنِي مُوثَقٌ في رِبقَةِ السَّلَمِ
فَهَل إِلى زَورَةٍ يَحيا الفُؤادُ بِها ... ذَرِيعَةٌ أَبتَغيها قَبلَ مُختَرَمِي
شَكَوتُ بَثِّي إِلى رَبِّي لِيُنصِفَني ... مِن كُلِّ باغٍ عَتِيدِ الجَورِ أَوهكمِ
وَكَيفَ أَرهَبُ حَيفا وَهوَ مُنتَقِمٌ ... يَهابُهُ كُلُّ جَبّارٍ وَمُنتَقِمِ(1027/21)
لا غَروَ إِن نِلتُ ما أَمَّلتُ مِنهُ فَقَد ... أَنزَلتُ مُعظَمَ آمالي بِذي كَرَمِ
يا مالِكَ المُلكِ هَب لِي مِنكَ مَغفِرَةً ... تَمحُو ذُنُوبي غَداةَ الخَوفِ وَالنَّدَمِ
وَامْنُن عَلَيَّ بِلُطفٍ مِنكَ يَعصِمُني ... زَيغَ النُّهى يَومَ أَخذِ المَوتِ بِالكَظَمِ
لَم أَدعُ غَيرَكَ فِيما نابَني فَقِني ... شَرَّ العَواقِبِ وَاِحفَظنِي مِنَ التُّهَمِ
حاشا لِراجيكَ أَن يَخشى العِثارَ وَما ... بَعدَ الرَّجاءِ سِوى التَّوفيقِ لِلسَّلَمِ
وَكَيفَ أَخشى ضَلالاً بَعدَما سَلَكَت ... نَفسِي بِنُورِ الهُدى في مَسلَكٍ قِيَمِ
وَلِي بِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ مَنزِلَةٌ ... أَرجُو بِها الصَّفحَ يَومَ الدِّينِ عَن جُرُمِي
لا أَدَّعي عِصمَةً لَكِن يَدِي عَلِقَت ... بِسَيِّدٍ مَن يَرِد مَرعاتَهُ يَسُمِ
خَدَمتُهُ بِمَديحي فَاعتَلَوتُ عَلى ... هامِ السِّماكِ وَصارَ السَّعدُ مِن خَدَمِي
وَكَيفَ أَرهَبُ ضَيماً بَعدَ خِدمَتِهِ ... وَخادِمُ السَّادَةِ الأَجوادِ لَم يُضَمِ
أَم كَيفَ يَخذُلُنِي مِن بَعدِ تَسمِيَتِي ... بِاسمٍ لَهُ في سَماءِ العَرشِ مُحتَرَمِ
أَبكانِيَ الدَّهرُ حَتّى إِذ لَجِئتُ بِهِ ... حَنا عَلَيَّ وَأَبدى ثَغرَ مُبتَسِمِ
فَهوَ الَّذي يَمنَحُ العافِينَ ما سَأَلُوا ... فَضلاً وَيَشفَعُ يَومَ الدِّينِ في الأُمَمِ
نُورٌ لِمُقتَبِسٍ ذُخرٌ لِمُلتَمِسٍ ... حِرزٌ لِمُبتَئِسٍ كَهفٌ لِمُعتَصِمِ
بَثَّ الرَّدى وَالنَّدى شَطرَينِ فَانبَعَثا ... فِيمَن غَوى وَهَدى بِالبُؤسِ وَالنِّعَمِ
فَالكُفرُ مِن بَأسِهِ المَشهورِ في حَرَبٍ ... وَالدِّينُ مِن عَدلِهِ المَأثُورِ في حَرَمِ
هَذا ثَنائِي وَإِن قَصَّرتُ فيهِ فَلي ... عُذرٌ وَأَينَ السُّها مِن كَفِّ مُستَلِمِ
هَيهاتَ أَبلُغُ بِالأَشعارِ مدَحتَهُ ... وَإِن سَلَكتُ سَبيلَ القالَةِ القُدُمِ
ماذا عَسى أَن يَقُولَ المادِحُونَ وَقَد ... أَثنى عَلَيهِ بِفَضلٍ مُنزلُ الكَلِمِ(1027/22)
فَهاكَها يا رَسُولَ اللَّهِ زاهِرَةً ... تُهدِي إِلى النَّفسِ رَيّا الآسِ وَالبَرَمِ
وَسمتُها بِاسمِكَ العَالي فَأَلبَسنَها ... ثَوباً مِنَ الفَخرِ لا يَبلى عَلى القِدَمِ
غَرِيبَةٌ في إِسارِ البَينِ لَو أَنِسَت ... بِنَظرَةٍ مِنكَ لاستغنَت عَنِ النَّسَمِ
لَم أَلتَزِم نَظمَ حَبّاتِ البَديعِ بِها ... إِذ كانَ صَوغُ المَعانِي الغُرِّ مُلتَزمِي
وَإِنَّما هِيَ أَبياتٌ رَجَوتُ بِها ... نَيلَ المُنى يَومَ تَحيا بَذَّةُ الرِّمَمِ
نَثَرتُ فِيها فَرِيدَ المَدحِ فَاِنتَظَمَت ... أَحسِن بِمُنتَثِرٍ مِنها وَمُنتَظِمِ
صَدَّرتُها بِنَسِيبٍ شَفَّ باطِنُهُ ... عَن عِفَّةٍ لَم يَشِنها قَولُ مُتَّهِمِ
لَم أَتَّخِذهُ جُزافاً بَل سَلَكتُ بِهِ ... فِي القَولِ مَسلَكَ أَقوامٍ ذَوي قَدَمِ
تابَعتُ كَعباً وَحَسّاناً وَلِي بِهِما ... في القَولِ أُسوَةُ بَرٍّ غَيرِ مُتَّهَمِ
وَالشِّعرُ مَعرَضُ أَلبابٍ يُروجُ بِهِ ... ما نَمَّقَتهُ يَدُ الآدابِ وَالحِكَمِ
فَلا يَلُمنِي عَلى التَّشبِيبِ ذُو عَنَتٍ ... فَبُلبُلُ الرَّوضِ مَطبُوعٌ عَلَى النَّغَمِ
وَلَيسَ لِي رَوضَةٌ أَلهُو بِزَهرَتِها ... في مَعرَضِ القَولِ إِلّا رَوضَةُ الحَرَمِ
فَهيَ الَّتِي تَيَّمَت قَلبي وَهِمتُ بِهَا ... وَجْداً وَإِن كُنتُ عَفَّ النَّفسِ لَم أَهِمِ
مَعاهِدٌ نَقَشَت في وَجنَتيَّ لَها ... أَيدِي الهَوى أَسطُراً مِن عَبرَتِي بِدَمِ
يا حادِيَ العِيسِ إِن بَلَّغتَني أَمَلي ... مِن قَصدِهِ فَاقتَرِحْ مَا شِئتَ وَاِحتَكِمِ
سِر بِالمَطايا وَلا تَرفَق فَلَيسَ فَتىً ... أَولى بِهَذا السُّرَى مِنْ سَائِقٍ حُطَمِ
وَلا تَخَف ضَلَّةً وَاِنظُر فَسَوفَ تَرى ... نُوراً يُريكَ مَدَبَّ الذَّرِ فِي الأَكَمِ
وَكَيفَ يَخشى ضَلالاً مَن يَؤُمُّ حِمى ... مُحَمَّدٍ وَهوَ مِشكاةٌ عَلَى عَلَمِ
هَذِي مُنايَ وَحَسبي أَن أَفوزَ بِها ... بِنِعمَةِ اللَّهِ قَبلَ الشَّيبِ وَالهَرَمِ(1027/23)
وَمَن يَكُن راجِياً مَولاهُ نالَ بِهِ ... ما لَم يَنَلهُ بِفَضلِ الجِدِّ وَالهِمَمِ
فاسجُد لَهُ وَاِقترِب تَبلُغ بِطاعَتِهِ ... ما شِئتَ في الدَّهرِ مِن جاهٍ وَمِن عِظَمِ
هَوَ المَليكُ الَّذي ذَلَّت لِعِزَّتِهِ ... أَهلُ المَصانِعِ مِن عادٍ وَمِن إِرَمِ
يُحيي البَرايا إِذا حانَ المَعادُ كَما ... يُحيي النَّباتَ بِشُؤبُوبٍ مِنَ الدِّيَمِ
يا غافِرَ الذَّنبِ وَالأَلبابُ حائِرَةٌ ... في الحَشرِ وَالنارُ تَرمِي الجَوَّ بِالضَّرَمِ
حَاشَا لِفَضلِكَ وَهوَ الْمُسْتَعاذُ بِهِ ... أَن لا تَمُنَّ عَلى ذِي خَلَّةٍ عَدِمِ
إِنّي لَمُستَشفِعٌ بِالمُصطَفى وَكَفى ... بِهِ شَفِيعاً لَدَى الأَهْوَالِ وَالقُحَمِ
فَاقبَل رَجائِي فَما لي مَن أَلوذُ بِهِ ... سِواكَ في كُلِّ ما أَخشَاهُ مِن فَقَمِ
وَصَلِّ رَبِّ عَلى المُختارِ ما طَلَعَت ... شَمسُ النَّهارِ وَلاَحَتْ أَنجُمُ الظُّلَمِ
وَالآلِ وَالصَّحبِ وَالأَنصارِ مَن تَبِعُوا ... هُداهُ وَاعْتَرَفوا بِالعَهدِ وَالذِّمَمِ
وَامنُن عَلى عَبدِكَ العانِي بِمَغفِرَةٍ ... تَمحُو خَطاياهُ في بَدءٍ وَمُختَتَمِ(1027/24)
عذراً رسول الهدى
الشاعر / عبد الله بن غالب الحميري
اليمن ـ 27/ 12/ 1426 هـ
كفر تنفس عنه الغرب لاكانا تكاد تنهدُّ منه الأرض أركانا
وقُبْح وجه أزاحوا عن صفافته زيف الستار فبان اليوم عريانا
شلت يداه بما خطت وما رسمت في حق أكرم خلق الله إنسانا
وقُبِّحَت أمة فاهت صحافتها بالنيل من شخصه المعصوم عدوانا
بني العقيدة لا كانت مواقفكم حتى تُفَجَّر نحو الغرب بركان
ولا استقر لنا عيش ولا اكتحلت بالنوم عين إذا ما جانب لانا
أيُزْدَرَى برسول الله بينكمُ جهراً ويمتهن القرآن إعلانا
ويشتم الله في وضْح النهار فلا تثور ثائرة منّا لمولانا
ورغم ذلك نستبقي مودتهم ونجتبي سلع الكفار أطنانا
هيا انهضوا أمة التوحيد وانتصروا لله واتحدوا في الدين إخوانا
وأسمعوا " دنمركًا" في وقاحتها ما يردع الكافر الموتور أزمانا
حتى تُدين كلاب الغرب فعلتها ويذعن الصاغر المأفون إذعانا
ألا نغار على عرض الرسول فهل نرجو الشفاعة يوم الحشر مجانا
ومن أبى وادعى منا محبته فإنه مُدّعٍ زوراً وبهتانا
ماذا نؤمل من قومٍ عداوتهم معلومة قد بدت سرًّا وإعلانا
وما اتخاذهم الإسلام مسخرة إلا على ما حكاه الله برهانا
إن العلاقة لا تُبنى مجردة من الثوابت في شيء وإن هانا
فلا تسامح إن مُسّت عقيدتنا أو اقتضى الأمر إيماناً وكفرانا
عذراً رسول الهدى المختار إن وهنت منا العزائم شبّانا وشيبانا
فلم يعد يرهب الأعداء صولتنا وما أقاموا لنا وزناً ولا شانا
ولوا أطعناك ما هنَّا وما اجترءوا على مقامك أو كان الذي كانا
لكن عصيناك في جل الأمور فلم نفلح بشيء ولا حُلّت قضايانا
عذراً, فداك رسول الله أنفسنا وما ملكناه أرواحاً وأبدانا
عذراً, فداك خليلَ الله كل أبٍ وكل أم بما أسديت عرفانا
فدىً لك الأهل والأبناء قاطبة وسائر الناس عجماناً وعربانا
فداك كل كفور في الدّنا عميت عيناه عنك وقد أُرسلت تبيانا
فداك كل يهود والدنا معها وأمة ألّهت في الأرض صلبانا(1028/1)
فدى تراب نعال كنت تلبسها عند الأذى أمة الدنمرك قربانا
حاشاك حاشاك يا خير الورى رتباً مما رموك به ظلماً وعدوانا
وأنت أكرم من يمشي على قدم وأرجح الرسل عند الله ميزانا
وأطهر الخلق من عيب ومن دنس وإنّ شانئك المبتور لا كانا(1028/2)
كيف ينسى أفق النور المبين
كيف ينسى أفق النور المبين ...... وضياء الفجر في وجه حزين
واكتمال البدر في حلته ...... عبق فاح بروح الياسمين
أترى مما سروري قد بدا ...... النور ساطع وسط الجبين
أم لأقمار تباهوا ليلة ...... أكملوا دين رسول العالمين
يانسيم البحر ياغيث السمآ ...... قد أتى السعد فكن مبتسما
وأتاك الشوق كالريح تطوف ...... عانقت وجد فؤادي فرتما
ولقد طال امتدادي في الثرى ...... وبدا ذاك لجرحي بلسما
هكذا يبدي حبيبي المثل ...... آهكذا يسرد شوقي القلما
غرد الطير بشجو في الصباح ...... صوت تكبير ودعوى للفلاح
وصدى الصوت أتى كل الدنا ...... ذا رسول الله لدين امتناح
من سمى بالدين يوما فارتقى ...... وبدا بدر ليالينا الملآح
قد عرفنا الحق في سيرته ...... لك غنى الطير تغريدا وصاح
قد أتاك البحر فانساب غريقا ...... عشقتك الشمس فازدادت بريقا
أي نور قد علا شهب السما ...... أي بحر قد بدا فيك عميقا
قد وهبت الأرض أمجاد الهنا ...... بهناك قد بدا الكل عشيقا
قد عشقناك رسولا وأبا ...... ونصير الحق منهاجا وثيقا
ونعيد الطرف نستاف الغزل ...... فلذكراك حبيبي نشوات وأمل
عذلوني في هواكم فصرخت ...... أتركوني أغلقوا باب العذل
بل أحبوا واعشقوا الوجه المليح ...... فالهوى درب ومن سار وصل
ليلة ألقى حبيبي باسما ...... قمر الليل برؤياه أكتمل
أسمر والوصف قد يبدو محال ...... ليس نجما بالسما ليس هلال
بل كذا الشمس بدت في حيرة ...... كل شيء فيك رمز للجمال
وكذا نفسك يا روح الإباء ...... أحقيق أنت أم أنت الخيال
وستبقى بين أصناف الورى ...... دوحة الحب ومعيار الكمال(1029/1)
لأجله فقط ...
ريوف الشمري
الشمس تاهت وغيم الدمع حاجبها والطير ما عاد يطرِب لحنه أسماعي
فوقي سما ضاع كوكب من كواكبها و أطى على تراب مثل الجمر لذَّاعِ
أجرت عيوني من اللوعات ساكبها و أفشى ضميري لنجمٍ ساير أوجاعي
يا ليت روحي معي بالضحك أغالبها و ياليت قلبي على النسيان مطواعِ
أرض (الدنمارك) لا طابت ملاعبها كثر العنا و العذاب الساكن أضلاعي
يوم أطلقت ريشة الراسم عقاربها على الرسول الأمين الخاتم الداعي
من باب حرية الفكره و صاحبها لبْست عرايا الجرايم ثوب الإبداعِ
الله على مجرم الرسمة و كاتبها و الله على من سعى في نشره و باعِ
يكرم رسول الهدى عن كذب كاذبها النجم عالي و دود القاع بالقاعِ
يا خير من لا بكى الدنيا و ذاهبها وأعزّ من حاز بالفردوس مرباعِ
يا صاحب الحوض.. يروى دوم شاربها يا أول الخلق عند الله شفَّاعِ
يا أعظم الناس راجلها و راكبها يا من لحبه عنيد القلب خضَّاعِ
النفس ضاقت من الحسره مذاهبها ما بان ردٍ يبرّد قلب ملتاعِ
أحس أنا الشمس تصرخ في مغاربها (إلا محمد) و من للشمس سمَّاعِ
هو وين ملياااار أعاجمها و أعاربها و ين الزعامات من حكام و أتباعِ
نرسل تواقيع ... بالتوبه نطالبها نحسب عِدانا من التوقيع ترتاعِ!!!
وقِّع ... و عَبّ الورق و إملا جوانبها و ابصم بعد فوقها وبعشر الأصباعِ
الشمس ما ردّت كفوفك لواهبها و الذيب يغنم إذا ما بالحمى راعي Œ(1030/1)
مالي أراكَ كسيرَ الطّرفِ يا قمرُ؟
مالي أراكَ كسيرَ الطّرفِ يا قمرُ؟ وأدمعُ العينِ تهمي منكَ تنهمِرُ؟
ما لي أرى السحُبَ السوداءَ تجعلها كمن يريدُ بها سِتراً فتستَتِرُ؟
ما لي أراكَ حزينَ القلبِ منكسراً تكادُ من هولِ ما تشكوهُ تنشطِرُ؟
ما للطيورِ تجوبُ الأفْقَ غاضبةً؟ وكيف باتَ بلا أوراقِهِ الشجرُ؟
ما للجبالِ كأنّ اللهَ زلزلها ترى الصخورَ بها تهوي وتنحدِرُ؟
وما لشمسِ الضحى تاهتْ أشعّتُها فليس يسعدُ في أنوارِها الزّهَرُ؟
فصَدّ عني كأني لا أحادِثُهُ وظلّ من هول ما يُخفيهِ يعتصِرُ
وقال لي – وحروفُ الحزنِ باكيةٌ الوهنُ بادٍ بها والضعْفُ والخوَرُ
تملّكَ الضيمُ قلبي لا يفارقُهُ إني أكادُ من الأحزانِ أنتحِرُ
وفَلَّ صبْريَ أمرٌ لا عزاءَ لهُ فلا أكادُ لهولِ الأمرِ أصطبِرُ
الهمّ طوّحَ بي والغمّ أرّقَني فقلتُ:ماذا جرى؟ ما الخطبُ؟ ما الخَبَرُ؟
دهى العقيدةَ أمرٌ لو تدبّرَهُ قلبُ التّقيِّ لكادَ القلبُ ينفطِرُ
فقلتُ:حسبي إلهي ما الذي نطَقَتْ بهِ شِفاهُك؟ أفصِحْ أيها القمَرُ
فقالَ:عِرضُ الرسولِ البَرِّ دنّسَهُ علوجُ كفرٍ هُمُ الأرزاءُ والقَذَرُ
هُمُ العلوجُ فلا عِزٌّ ولا كرمٌ وكيفَ يكرُمُ من أسيادُهُمْ بَقَرُ؟
ترى الكِلابَ إذا شبّهْتَها بِهِمُ تثورُ تصرُخُ لا نرضى فذا جَوَرُ
"قومٌ لِئامٌ أقلَّ اللهُ عِدّتَهمْ كما تناثَرَ حولَ الفقحَةِ البَعَرُ"(1)
لَوَ انّهُمْ ذُكروا عندَ الحميرِ ترى الـ حميرَ تخجَلُ منهم ثمّ تستَتِرُ
سَبُّوا الرسولَ فيا قومي أليسَ بكمْ من يُلقِمُ الكفرَ أحجاراً ويبتَدِرُ؟
سَبُّوا الذي لو تناسَتْهُ القلوبُ قَسَتْ وحينَ تذكُرُهُ تزهو وتزدَهِرُ
لم يبقَ غيرُ علوجِ الكفرِ تنهش من عِرضِ الرسولِ بِهِ تهزا وتحتَقِرُ؟!!
لا باركَ الله في أعراضِنا أبداً إذا قُضِي بحبيبي دونَهَا الوَطَرُ
إنّ الرسولَ لنورٌ فازَ قابِسُهُ إنّا بشِرْعَتِهِ نسمو ونفتَخِرُ(1031/1)
إنّ الرسولَ سماءٌ لو لها جمعوا كلَّ الغبارِ لما ضَرُّوا وما كَدِروا
صلّى عليكَ إلهُ الكونِ خالِقُنا فداكَ روحي فداكَ السمعُ والبَصَرُ
فداكَ عِرضي وعِرضُ الناسِ كُلِّهِمُ فداكَ أهلي فداكَ الخلقُ والبَشَرُ
أسامة العتيك ( بريدة )
الأحد
22/12/1426 هـ
(1) وجدتُ بيتَ حسانَ بنِ ثابتٍ -رضي الله عنه - هذا مناسباً لهذا الموضع - أجلّكمُ الله !(1031/2)
محمد المبعوث للناس iiرحمةً
مدح الرسول
الشيخ جمال الدين الصرصري
يقول الشيخ جمال الدين الصرصري والذي قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية ج6ص299 : الصرصري المادح , الماهر , ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه وقد قتله التتار حينما دخلوا بغداد سنة 656هـ. يقول:
محمد المبعوث للناس iiرحمةً يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبال iiمجيبةً لداود أو لان الحديد المصفح
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه وإن الحصا في كفه ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء iiبالعصا فمن كفه قد أصبح الماء iiيَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً سليمان لا تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا ورعبُ على شهر به الخصم iiيكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم iiوسخِّرت له الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها أتته فرَدَّ الزاهد المترجِّح
وإن كان إبراهيم أُعطي خُلةً وموسى بتكليم على الطور iiيُمنح
فهذا حبيب بل خليل مكلَّم وخصِّص بالرؤيا وبالحق iiأشرح
وخصص بالحوض الرَّواء iiوباللِّوا ويشفع للعاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب ناله عطاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليا الوسيلة دونها مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ له بابها قبل الخلائق يُفْتَح Œ(1032/1)
هو المختارُ " صلى الله عليه وسلم "
د.عبدالرحمن العشماوي
هو المختارُ :" اللهم إني أحببتك وأحببت نبيك عليه الصلاة والسلام حباً صادقاً أرجو أن تغفر به الذنب ، وتُسعد به القلب ، اللهم تقبّلْها دفاعاً عن سيِّد الأبرار "
من نبع هديك تستقي iiالأنوار وإلى ضيائك تنتمي الأقمار
رب العباد حباك أعظم نعمة دينا يعزُّ بعزَّه الأخيار
حُفظت بك الأخلاق بعد iiضياعها وتسامقت فى روضها iiالأشجار
وبُعثت للثقلين بعثة سيدٍ صدقتْ به وبدينه iiالأخبار
أصغت اليك الجن وانبهرت iiبما تتلو، وعَمَّ قلوبها iiاستبشار
يا خير من وطيءَ الثرى iiوتشرفت بمسيره الكثبان iiوالأحجار
يا من تتوق إلى محاسن وجهه شمسٌ ويفْرَحُ أن يراه نهار
بأبي وأمي أنتَ ، حين تشرَّفت بك هجرة وتشرَّفَ iiالأنصار
أنْشَأْتَ مدرسة النبوة فاستقى من علمها ويقينها الأبرار
هي للعلوم قديمها iiوحديثها ولمنهج الدين الحنيف iiمنار
لله درك مرشدا ومعلما شَرُفَتْ به وبعلمه iiالآثار
ربَّيْتَ فيها من رجالك iiثُلَّةً بالحقِّ طافوا في البلاد وداروا
قوم إذا دعت المطامع iiأغلقوا فمها، وإن دعت المكارم طاروا
إن واجهوا ظلماً رموه بعدلهم وإِذا رأوا ليل الضلال أناروا
قد كنت قرآناً يسير أمامهم وبك اقتدوا فأضاءت الأفكار
عمروا القلوب كما عَمَرْت، فما iiمضوا إلا وأفئدة العباد iiعَمَار
لو أطلق الكونُ الفسيحُ لسانه لسرتْ إليك بمدحه الأشعار
لو قيل : مَنْ خيرُ العبادِ ، لردَّدتْ أصواتُ مَنْ سمعوا : هو المختارُ
لِمَ لا تكون ؟ وأنتَ أفضلُ iiمرسلٍ وأعزُّ من رسموا الطريق iiوساروا
ما أنت إلا الشمس يملأ نورُها آفاقَنا ، مهما أُثيرَ غبار
ما أنت إلا أحمد المحمود iiفى كل الأمور ، بذاك يشهد iiغار
والكعبة الغرَّاءُ تشهد مثلما شهد المقامُ وركنها والدَّار
يا خير من صلى وصام وخير من قاد الحجيج وخير من يَشْتَارُ
سقطت مكانة شاتم ، وجزاؤه إن لم يتب مما جناه النار(1033/1)
لكأنني بخطاه تأكل iiبعضها وهناً ، وقد ثَقُلَتْ بها الأوزار
ما نال منك منافق أو كافر بل منه نالت ذلة وصَغَار
حلّقت في الأفق البعيد، فلا iiيدٌ وصلت إليك ، ولا فمٌ مهذار
وسكنت فى الفردوس سُكْنَى من iiبه وبدينه يتكفَّل iiالقهَّار
أعلاك ربك همة ومكانة فلك السمو وللحسود بوار
إنا ليؤلمنا تطاول iiكافر ملأت مشارب نفسه iiالأقذار
ويزيدنا ألماً تخاذل iiأمةٍ يشكو اندحار غثائها المليار
وقفت على باب الخضوع، أمامها وهن القلوب، وخلفها iiالكفار
يا ليتها صانت محارم دارها من قبل أن يتحرك iiالاعصار
يا خير من وطيء الثرى، فى عصرنا جيش الرذيلة والهوى جرَّار
فى عصرنا احتدم المحيط ولم iiيزل متخبِّطاً فى موجه iiالبحَّار
جمحتْ عقول الناسِ، طاشَ بها الهوى ومن الهوى تتسرَّب الأخطار
أنت البشير لهم، وأنت iiنذيرهم نعم البشارةُ منك والإنذار
لكنهم بهوى النفوس iiتشربوا فأصابهم غَبَشُ الظنونِ وحاروا
صبغوا الحضارةَ بالرذيلةِ فالْتقى بالذئبِ فيها الثَّعْلبُ iiالمَكَّارُ
ما (دانمركُ) القوم، ما (نرويجهم)؟ يُصغي الرُّعاةُ وتفهم iiالأبقار
ما بالهم سكتوا على سفهائهم حتى تمادى الشرُّ والأشرار
عجباً لهذا الحقد يجري iiمثلما يجري (صديدٌ) فى القلوب ii،و(قََارُ)
يا عصرَ إلحاد العقولِ، لقد iiجرى بك في طريق الموبقاتِ iiقطار
قََرُبَت خُطاك من النهاية، فانتبهْ فلربَّما تتحطَّم الأسوار
إني أقول ، وللدموع حكايةٌ عن مثلها تتحدَّث iiالأمطار:
إنَّا لنعلم أنَّ قَدْرَ نبيِّنا أسمى ، وأنَّ الشانئينَ iiصِغَارُ
لكنه ألم المحب iiيزيده شرفاً، وفيه لمن يُحب iiفخار
يُشقي غُفاةَ القومِ موتُ قلوبهم ويذوق طعمَ الرَّاحَةِ iiالأغْيارُ Œ(1033/2)
...
نظم الميمية في الذود عن خير البرية
تبا لرسام الضلال وبئسما خطت يداه بشأن ذا المعصموم
أنى لذي الطرف الحسير الأرمد إبصار شمس ضحوة ونجوم
لو كان للجرو السفيه مروءة تثنيه عن هزء ونشر رسوم
إن النبي لفيء نستظل به بشفاعة لمقصر وأثيم
من أنقذ الجنس اللطيف وأمة تئد الإناث وتحتفي بزنيم
من طهر البيت الحرام مبددا سحب الجهالة باترا لرجوم
البيت دنس بالتفسخ والمكا ء أي الصفير وبوءوا بعظيم
هل غير أحمد للرقاب مخلصا من ظلم أسياد وحر جحيم
يا خنفس الدنمارك بؤت بغضبة تشقيك أنت بفادح وهموم
الغرب قد أمضى عصور تخلف جن الضلال عليهمو بغيوم
فأزاح ذا الجهل المركب عنهمو قبسات وحي قد هدت لعلوم
طب ابن سينا لم يزل نبراسهم أس الدواء ومحتذى لفهوم
أسلافنا خاضوا الفنون فأبحروا فجناها غرب آنفا بكلوم
أنى لجرو نابح متورك نيلا لعلياء السماء نؤوم
نفسي وأهلي والخليقة كلها دون النبي وهجوه برسوم(1034/1)
نفحات الهجرة ...
صالح بن علي العمري
شعّ الهدى، و البشرُ في بسماتهِ و اليُمن و الإيمان في قسماتهِ
و تفجرت فينا ينابيع الهدى و استيقظ التأريخ من غفواتهِ
"اقرأ و ربُّك" في حراء تحررت والدهر غافٍ في عميق سباتهِ
جبريل حاملها و أحمد روحها إن الحديث موثّقُ برواتهِ
مُهج الملائك بالتلاوة تنتشي فتُقَبّل الكلماتِ فوق شفاتهِ
صلى عليك الله يا من ذكره قربى . . ونورُ الله من مشكاتهِ
يا من كساه الله حلّة سمته و كساهُ بالقرآن حُلّة ذاتهِ
لمّا أضاء الله مهجة قلبه هانت عليه الروحُ في مرضاتهِ
غسل الكرى عن أعين الدنيا كما يُجلى الدُّجى بالفجر في فلقاتهِ
و أنار بالآيات كلّ بصيرةٍ فكأن نور الشمس من قسماتهِ
و اقتاد للجنّات أسمى موكبٍ "إياك نعبدُ " تمتماتُ حداتهِ
إقرأ معاني الوحي في كلماته في نسكهِ و حياتهِ و مماته
لو نُظّمت كلّ النجوم مدائحا كانت قلائدهن بعض صفاته
يا من بنى للكون أكرم أمّةٍ من علمه . . من حلمه و أناته
صاروا ملوكا للأنام بعيد أن كانوا رعاءَ الشاءِ في فلواته
فسل العدالة و الفضيلة و الندى وسل المعنّى عن مُلمِّ شتاته
و سل المكارم و المحارم والحيا من غضّ عن درب الخنا نظراته؟!
من حطّم الأصنام في تكبيره من عانق التوحيد في سجداتهِ
من أطلق الإنسان من أغلاله من أخرج الموءود من دركاته؟!
من علّم الحيران درب نجاتهِ من أورد العطشان عذب فراتهِ؟!
من هدّ بنيان الجهالة و العمى وبنى الأمان على رميم رفاتهِ؟!
فإذا بأخلاق العقيدة تعتلي زور التراب و جنسه و لغاتهِ
وإذا لقاء الله يأسر في رضا وتشوّقٍ من كان عبد حصاته
ورأى جنان الخلد حقّا فازدرى دنياه . . و استعلى على لذّاتهِ
أرأيت إقدام الشهيد و قد سعى للحتف معتذراً إلى تمراته !!
حملوا الهدى للكون في جفن الفدا فتحرر الوجدان من شهواتهِ
خيّالة المجد المؤثل و العلا فكأنما ولدوا على صهواتهِ
سمّارة المحراب في ليل ، وإن نادى الجهاد فهم عُتاة كماته(1035/1)
في الهجرة الغراء ذكرى معهدٍ نستلهمُ الأمجاد من خطراته
تاريخ أمتنا . . و منبع عزّنا و دروبنا تزهو بإشراقاته
فيه الحضارة والبشارة والتقى ومُقِيل هذا الكون من عثراته
فتألقي يا نفس في نفحاته واستشرفي الغايات من غاياته.. Œ(1035/2)
نهج البردة - الشيخ عبد الحميد الخطيب
الشيخ عبد الحميد الخطيب
1908
أصله ونشأته
هو الشيخ عبد الحميد بن المرحوم أحمد بن عبد اللطيف الخطيب, واصل الأسرة من مكة المكرمة, تكنت (بالخطيب) لأن أجداده كانوا خطباء في المسجد الحرام, ولد في مكة المكرمة في شهر صفر سنة 1326هـ, وآذار سنه 1908م تلقى مبادىء العلوم على والده وكان عالماً وقد خلفَّ في ميدان التأليف (46) مؤلفاً علمياً ثم درس على أعلام العلماء في الحلقات الدراسية التي تعقد في المسجد الحرام وتعمق في العلوم الدينية ودرس الآداب بالمطالعة.
سفره إلى مصر:
سافر إلى مصر بعهد الملك حسين الهاشمي وكان شقيقه أمين الخطيب معتمد الحكومة الهاشمية في مصر فأقام فيها مدة خمس عشرة سنة كان خلالها يتردد على الأزهر ويعاشر العلماء وقد اشتغل في الصحافة العربية وله خدمات اجتماعية وهو من مؤسسي جمعية الشبان الحجاز بين الخيرية في مصر وخلال إقامته فيها ذهب إلى أوروبا مرتين للاستجمام وزار سوريا فأعجبها مناخها.
الانقلاب الهاشمي: ولما وقع الانقلاب الهاشمي واستولى السعوديون على الحجاز كان المترجم وجماعته من مؤيدي الهاشميين يقامون الحركة السعودية وقد اشتركوا في ثورة ابن رفاده وكانت جمعية الأحرار الحجازيين تقوم بالدعاية للهاشميين ولما أصدر الملك ابن سعود العفو العام أصدر بياناً يدعوه وجماعته للعودة إلى أوطانهم فيما إذا كانوا مخلصين لقوميتهم للتفاهم وليروا بأعينهم أعماله الإصلاحية ولهم الحكم بعد ذلك وإن كانوا يعملون لمصلحة الهاشميين فالله المستعان عليهم.
عودته إلى مكة :(1036/1)
واستجاب لنداء الملك السعودي ورجع إلى مكة بتاريخ 13 مايس 1926م وتشرف بمقابلة جلالته في مجلس خاص وآمن بعظمته واتصل بالعلماء وافهمهم الحقائق وان كل ما يقال عن السعوديين وأعمالهم كانت افتراء ودعايات باطلة وكان المترجم م يود العودة إلى مصر لمتابعة أعماله الخاصة إلا أن جلالة الملك رغب أن يبقى في مكة فعينه عضواً في مجلس الشورى وبقي في وظيفته حتى تموز سنة 1948م ثم عين وزيراً مفوضاً فوق العادة لدى حكومة الباكستان ثم أصبح سفيراً بعد رفع المفوضية إلى سفارة وبقي إلى سفارة وبقي إلى سنة 1955م حيث أعفي من الخدمة بناء على رغبته لمرض قلبه.
مؤلفاته:
ألف 1_ تفسير الخطيب المكي وقد ظهر منه أربعة أجزاء يبحث في اللفظ بأسلوب جديد
2_ رسالة جوهر الدين وقد ترجمت وطبعت بعدة لغات أخرى
3_مناجاة الله (أول وثان)
4_سيرة سيد ولد آدم بلا إضافة إلى مجموعة من الرسائل باللغة الأوردية ومحاضرات الخطيب بالمسجد الحرام
5_ مؤلف ديني ضخم بعنوان (أسمى الرسالات)
6_ الإمام العادل وهو في جزئين يبحث عن تاريخ آل سعود, ومستقبلك في يدك وهو في ثلاثة أجزاء
مواهبه الأدبية:
كان منذ صغره ولوعاً بنظم الشعر ولما أقام في مصر توسع في نظم القريض وأول شعر نظمه كان في مناجاة الله سنة 1938م وأذاعها من محطة الإذاعة المصرية ونالت الاستحسان ثم نظم نهج البردة وهمزية الخطيب وسيرة سيدنا آدم بألفي بيت وتائية الخطيب بخمسة آلاف بيت في سر تأخر المسلمين وحكمة التشريع الإسلامي ومبادىء الإسلام وغاياته وهذه قصيدة من شعر البليغ وقد عارض فيها نهج البردة نقتطف منها أبياتها:
أمن تذكر بيت الله والحرم
ووقفة بخشوع عند ملتزم
جرت دموعك فوق الخد منبئة
عما بقلبك من خوف ومن ندم
وقد ذكرت ليال قد عصيت بها
مولاك جهراً ولم تحذر من النقم
فلم يجازك إلا بالجميل وقد
والى عليك جليل الفضل والنعم
فصرت تشعر وخزاً من ضميرك لا
يزول عنك وتخشى النار من إثم(1036/2)
أم أنه الحب قد طارت شرارته
إلى الفؤاد فأضحى منه في ضرم
وقد سرت ناره بين الضلوع فمذ
تأججت جادت العينان بالسجم
فما لقلبك خفاق كذي وجل
وما لجسمك منحول كذي هرم
أتحسب الحب متعات تلذ بها
بلا اصطبار على الأهوال والقحم
وتذرف الدمع لاستجداء مرحمة
من المحب وهذا منتهى الوهم
إذ البكاء دليل منك عن خور
وذا ينافي صفات الصب ذي الشمم
وكذبتك شهود الحال قائلة
من يبتغي الوصل لم يعشق ولم يهم
فكيف تبغي انتسابا للألى عشقوا
وأنت تجهل ما في الهجر من حكم
لولا الصدود لما أدركت طعم هوى
يا مدعى العشق أقصر فيه واحتشم
نعم هو الحب لذات مخلدة
لا يعتريها ذبول قط من سأم
سيان وصل وهجر لا يؤثر في
نفس المحب ولا يشكو إلى حكم
احذر مغبَّته واحفظ كرامته
وإن رأيت محبا صاح فاحترم
يا من جهلت الهوى ما الحب عاطفة
نفسية يرتجيها كل ذي نهم
وإنما الحب معنى ليس يعرفه
غير المحب سليم الذوق والشيم
والحب يحلو بتعذيب وفرط جوى
ولو تهدمت الأجسام بالسقم
والحب سعد لمن يدري حقيقته
ويملك الصبر رغم السهد والألم
والحب يشهد بالعليا لصاحبه
ويحسن الحال والأخلاق في الأمم
والحب خير علاج النفس يصلحها
عند التمرد يصليها فتستقم
والحب خير شفيع لا يرد إذا
كان الخليل به أدرى وذا كرم
***
فقلت بشراك يا نفسي فقد بزغت
شمس الرجاء وطب يا قلب وابتسم
فما بغير إلهي اليوم لي وله
وهو العليم بما بالقلب من سدم
وهو الرحيم وما لي غيره سند
ومصدر الجود والإكرام والنعم
وهو المهيمن في روحي وفي بدني
وقد رضيت بما يرضاه من قسم
وما البكاء سوى أنفاس محترق
يخفي الجوى وهواه غير منكتم
***
يا من قربت ونفسي عنك قد بعدت
والنور منك هدى من شئت من أمم
قد حجب الجهل عيني عنك يا أملي
وأصبح القلب في بحر من الغمم
فخلت أن فعال المرء منجية
بذاتها من عذاب الله والنقم
وما وجدت لنفسي أيما عمل
أرجو النجاة به من حالك الظلم
ولست أهلا لعفو لا يفوز به
إلا المصلون من عرب ومن عجم(1036/3)
وقد عصيت إلهي واتبعت هوى
نفسي وتابعت إبليسا إلى الإثم
ولست أملك قلبي كي أوجهه
إليك حقا بإخلاص مع الندم
وقد أسأت كثيراً في الحياة ولم
أشكر جميلك فيما مر من نعم
لكنني بعد لأيٍ قد عرفتك يا
مولاي حقا من الآلاء والكرم
فبت أمقت أعمالي وإن صلحت
وبت لا أرتجي إلاك في الإزم
وبت لا أبتغي إلا رضاءك من
جميع ما قدمت يمناي من خدم
وقد عرفت بأن السر منك فمن
ترضاه ناج ولو عاداك من قدم
ومن قضيت عليه بالعذاب فلا
تجديه طاعته حتى مع العظم
ولا يخافك إلا من أردت له
بالخوف منك وتوفيق بلا سأم
والحب منك فمن أحببت فاز ومن
كان المحب يعاني لوعة السقم
وليس يسعد من لا كنت غايته
وليس غيرك يشفي القلب من ألم
سبحان ربي فلا قول ولا عمل
إلا بعلمك عن قصد وعن حكم
لا فضل لا جود لا إحسان لا أمل
في الحب في الوصل إلا خط بالقلم
هل نظرة منك تدنيني إلى أملي
وتملأ القلب بالأنوار والرحم
وتجذب النفس بالغفران خاضعة
لتطمئن إلى وصل من العشم
فأنت مبدأ خلقي منتهى أملي
وذاك أعظم ما أرجو من النعم
وأنت مالك سري خالق عملي
مدبر الكون مبداه من القدم
وإنني من غدا يرجوك مرحمة
مع الهداية والتوفيق للكرم
بحسن ظني وإيماني وفرط هوى
في مهجتي نحو رب الخلق كلهم
***
مولاي جد لي بفضل منك يشملني
واغفر جميع ذنوبي كاشف الغمم
وامنن على برضوان يقربني
إليك حقا وكن يا رب معتصمي
وائذن لعبدك طه بالشفاعة لي
يوم الزحام إذا ما عز ذو رحم
محمد خير من أرسلت من رسل
وخير قرم ومن يمشي على قدم
نبينا فخر من يهدي إليك بما
آتيته من بليغ القول والحكم
لا عيب فيه سوى أن لا شبيه له
في الحسن والجاه والألطاف والشيم
هو البشير بجنات ومرحمة
هو النذير بما أعددت من نقم
طابت أرومته عزت سلالته
عفت أمومته عن معظم الحرم
سمت منازله سادت عشيرته
في كل وقت هم من سادة الأمم
فهم قريش ومنهم كان محتده
من هاشم لخليل الله جدهم
بيت الزعامة والإحسان طبعهم
والمجد والنبل من أجلى صفاتهم(1036/4)
من عمروا البيت واختصوا سدانته
سقوا الحجيج نقىً من خير مائهم
يتمته قبل نفخ الروح في بدن
وقد نظرت له في حالة اليتم
أنشأته رب أمياً لتجعله
كآية لك لا تبقى على التهم
ربته أنت يا رباه من صغر
على المكارم والإخلاص والعشم
عرفته بك لما كنت راعيه
فلم يشكك برؤيا الشمس والنجم
أدبته خير تأديب وأحسنه
وصنته بالتقى والخوف من إثم
فكان سيد أهليه وأرحمهم
بالناس بل هو زين الخلق كلهم
سمي أميناً لما قد حاز من ثقة
في قومه دون ما يدرون بالعصم
فها خديجة تهوى قربه طمعا
لما رأته من الأخلاق والشمم
ألفته أطيب زوج معاشرة
ورقة وشعور فائق عمم
وذاك ورقة يستنتج نبوته
من قصة هي عنوان على العظم
يقول هذا هو الناموس جاء على
موسى الكليم رسول الله من قدم
لأنصرنك إذ يخرجك قومك إن
ظللت حيا بنصر ليس بالأمم
فما أتى أحد مما أتيت به
إلا وقوبل بالإيذاء والنقم
وذي قريش به قد أذعنت حكما
في حل مشكلة للركن في الحرم
وليس بدعاً فرب العش أيده
بالصدق في القول والإيحاء للكلم
هناك عند حراء كان منقطعا
ليعبد الله في صدق بلا سأم
وافاه جبريل يدعوه لمكرمة
هي الرسالة من مولاه للأمم
ناداه إقرأ وسم الله ربك من
أنشاك من علق والأصل من عدم
وعلم الناس ما لم يعلموه وقد
اختص سبحانه باللوح والقلم
وقد أطاع فلبى ثم قام إلى
أقوامه وهو يدعوهم لخيرهم
وأنت تدعم دعواه بمختلف
من الخوارق للعادات والنظم
وتنصرنه بجند لا يرى أبدا
من الملائك معروفين بالسيم
وتقذف الرعب في الأعدا لتجعله
يعلي شريعتك المثلى برغمهم
علمته كل شيء من لدنك وقد
أهلته قبل للإيحاء والفهم
فصار يخبر عما كان مستتراً
عن العيون وخلف البحر والأكم
وعن حوادث مرت أو تمر وما
لم يبلغ العقل مرماه ولم يحم
ومن تكن أنت يا مولاي مرشده
فليس يجهل ما علمت من حكم
ومن ينل حكمة لم يؤتها أحد
نال الكثير من الخيرات والنعم
ومن يجاهد لوجه الله عن ثقة
يهدي لخير سبيل منه في الغمم
قد فاق كل الورى علما ومعرفة(1036/5)
وجاءنا بكتاب جامع الكلم
آيات حق بها أوحى الأمين إلى
فخر النبيين عما خط بالقلم
وما بلوح من الذكر المنزه عن
ريب ومن يدعي الإنكار فهو عمي
محكمات تعالى الله منزلها
أكرم بأول من قد قالها بفم
أعيت فصاحتها الألباب فانبهرت
لها وآمن منها صاحب الفهم
وقد تحدى بها أفذاذ أمته
فأذعنوا أنها من قول ربهم
لها معان سمت لم يدر غايتها
إنس تشع مع الأيام بالحكم
فيها المواعظ والأمثال شاخصة
وهي الأساس لما في الشرع من نظم
فيها الحقائق عن أخبار من سلفوا
وعن مصير الورى من بعد مزدحم
كانت رسالته الأخلاق يكملها
وفى بذلك في عرب وفي عجم
وما شريعته إلا السماحة مع
يسر ونبذ خراف سابق وخم
وأن ندين لمن دان الجميع له
طوعا وكرها بإرغام لأنفهم
أنشا الخليقة فضلا منه من عدم
وسوف يرجعها ثان من العدم
للعلم والعمل المبرور دعوته
إلى التقدم والتفكير في النجم
إلى السياسة والتدبير يصحبه
حسن الثبات وإقدام على القحم
إلى الحضارة والعدل الصحيح إلى
إعداد كل القوى حرصا على السلم
إلى الإخوة والإخلاص تدعمها
حرية الرأي والتحكيم للذمم
إلى التمتع في الدنيا بزينتها
ضمن النظام وإيثار مع الكرم
هذي مبادئه هذي شريعته
فاقت شرائع من مروا من الأمم
دع عنك قول غلاة في مدائحه
وما ادعته النصارى في نبيهم
وصفه حقا بما فيه وكن حذرا
من أن تصفه بوصف الله ذي القدم
فما غلوك إلا أن وجدت به
نقصا تكمله من قول متهم
وأن فضل رسول الله أكبر من
أن يستطيع له حصرا ذوو الفهم
وحسبه أن رب العرش أرسله
إلى البرية بالآيات والحكم
وخصه بمزايا لم تتح لسوى
هذا النبي وهذا منتهى العظم
وزانه بالتقى بالحسن جمله
بالعلم كمله والفضل والشمم
أسرى به ربه للقدس من حرم
إلى السماء لنجوى خالق النسم
من بعد ما اخترق السبع الطباق وقد
ألفى النبيين فيها صاحب العلم
أدناه منه وقد أولاه منزلة
لم يدنها أحدا في الأعصر الدهم
وقال عنه حبيبي ثم قال له
أنت الشفيع غدا في كافة الأمم(1036/6)
وهاك حوضا من الماء الشهي غدا
ترويه من شئت من عرب ومن عجم
وأنت أكرم خلقي بل وسيدهم
ومنك يسطع نور الحق في الظلم
رفعت ذكرك واستعليت شأنك بي
وقد جعلتك فوق الرسل كلهم
من لم يحبك فالنيران موعده
ومن أحبك يجزى وافر النعم
وقد بدأتك مني بالصلاة فمن
يضن عنك بها أصله من نقم
والكافرون بما أوتيت أخلدهم
في النار حتى بها يغدون من ضرم
والمؤمنون أنمي الصالحات لهم
وسوف أعطيك ما يرضيك من كرمي
ومن أطاعك نال الحب من قبلي
ومن عصاك لجهل كان كالنعم
لا ضير أن نصله ناراً تطهره
وثم ندخله الجنات بالرحم
أنعم به من نبي عز أمته
في الخافقين وأعلاهم إلى القمم
دعا الإله لهم عند العروج إلى
سمائه رب خفف من صلاتهم
أبقي عليهم فلم ينزل بهم سخطا
بالرغم عما بدا من سوء بغيهم
وكان عونا لهم في كل نازلة
وكان حصنا لهم في كل مصطدم
وكان يبكي ويدعو دائما لهم
فجاء جبريل بالبشرى لأجلهم
يقول قال إلهي لا نسوءك في
من يقتدي بك حتى ترضى بالقسم
وكان حقا مثال الحسن في خلق
وفي الكمال غدا كالنار في العلم
منه استنار الورى والله طهره
من كل منقصة تزري بذي شيم
والله أنجاه من كيد ومن فتن
وصانه دائما من لوثة الإثم
بالعدل ساس الورى والظلم بدده
بالحلم ألف بين الناس والحكم
دعا إلى العلم واستصفى أئمته
وقال هم خلفاء الرسل في الأمم
كان التواضع من أجلى مظاهره
فلا يفرق عن صحب وعن حشم
يهوى الفقير ويهوى أن يجالسه
لم يحتقر قط إنسانا ولم يصم
يصاحب الناس بالإحسان يجذبهم
إليه بالود والإكرام والرحم
ما كان يرضي سبابا أو مفاخرة
ولا التنابز بالألقاب والعظم
هو الجواد الذي ما رد سائله
يوما ولم يخش إقلالا من الكرم
بل كان يقترض الأموال ينفقها
في حمل نازلة أو عون مؤتزم
يرجو التقرب من مولاه وهو له
أدنى وكان لديه موضع القمم
آخى الشعوب وساوى في الحقوق ولم
يفضل العرب قرباه على العجم
لا فضل إلا لتقوى الله بينهم
وقد دعاهم إلى توحيد ربهم
وكان يكره أن يدعى بسيدهم(1036/7)
أو أن يقام له من دون جمعهم
وكان يخدم أهليه ويكرمهم
ولا يصول ولا يمتاز بالقدم
قضى على كل ذي كبر وغطرسة
وحارب الشرك والطاغوت مع صنم
قاسى الأمرين من أقوامه فدعا
له بهدى ولم يثأر ولم يلم
وظل يدعو إلى التوحيد فانتظمت
من حوله الصحب والأنصار كالرجم
من كل أروع لا يخشى منيته
يلقى الحروب بثغر منه مبتسم
جادوا بأرواحهم لله فاجتهدوا
أن يسلموها له عن طيب نفسهم
تمسكوا بكتاب الله واتبعوا
محمدا فغدوا في موضع السنم
أعلى بهم كلمة المولى ودك بهم
معاقل البغي والأنصاب والزلم
ضحى بكل عزيز عنده لرضا
مولاه وهو كثير الخوف والعشم
وناوأ الدين أعداء فبددهم
واجتث دابرهم بالصارم الخذم
وكان يغضب للمولى ويفرح من
رضائه وله قد دان بالعظم
يقضي النهار بذكر الله يرقبه
في كل شيء ويحيي الليل لم ينم
وكان أنقى الورى قلبا وأطهرهم
نفسا أحفظهم للعهد والذمم
ما جاءه ظالم مستغفراً ندما
إلا تقبله مولاه بالكرم
فكيف حال فتى أضحت محبته
لله ثم لهذا السيد السنم
قد جاء بيتك ربي وهو مفتقر
للجود مستغفر مع شدة الندم
حاشا يخيب إله العرش صبكما
أو أن أضام وأنت اليوم معتصمي
ومن تكن أنت يا مولاي حافظه
فلن يهاب من الأرزاء والصلم
يا مالك الملك مالي قط معتمد
إلاك عند اشتداد الخطب والإزم
ولن تضيق بمثلي يا كريم وما
أعياك خلق الورى من سابق العدم
فإن لي ذمة مذ كنت (عبد) ك يا
(حميد) والعبد أحرى الناس بالنعم
إني (خطيب) الرضا والعفو ملتجىء
بباب جودك فاقبلني وقل نعم
أستغفر الله من جرمي ومعصيتي
ومن ذنوب غدت في منتهى العظم
أستغفر الله مما قد جنته يدي
وما خطت قدمي سعيا إلى الحرم
أستغفر الله من عيني وما نظرت
وما نقضت من التوبات والذمم
وما أسأت به للناس قاطبة
وما بنفسي من الطغيان والوهم
أستغفر الله مما لست أذكره
وما نطقت به من فاحش الكلم
أستغفر الله مما قد أضعت من الأ
وقات في اللهو واللذات واللمم
أستغفر الله من فرض أتيت به
والقلب يسبح في بحر من الغمم(1036/8)
لم أرع فيه جلال الله شارعه
ولم أبرئه بالإخلاص من أتم
أستغفر الله رب العرش مالكنا
وأرتجي عفوه واللطف في الإزم
يا نفس لاح بشير السعد فانشرحي
فإن ربك غفار لذي جرم
سبحانه يبغض العاصين أن يئسوا
من النجاة لأن الذنب كالأكم
***
يا من إذا قلت يا رباه تسمعني
وتستجيب دعائي ساعة الظلم
أعصيك تسترني أنساك تذكرني
أضن عنك تجد بالفضل كالديم
أصد عنك تعاتب أخش منك تقل
لا تقنطن فإني مصدر الكرم
لعلني ما عدوت الحد في أملي
وحسن ظني برب دائم النعم
فإن أمنت من المكر العظيم فلم
يكن بغيرك يا مولاي معتصمي
يا رب واجعل رجائي فيك مدخري
ولا تكلني إلى الأعمال والهمم
فليس لي عمل ألقاك رب به
غير الذنوب وأرجو الفضل بالندم
وأن تجود بإحسان ومرحمة
لكشف ضري وإنقاذي من النقم
والسعد يا رب في الدارين أطلبه
من محض جودك يا مغني من العدم
ووالدي فجد وارحمهما كرما
مع المشايخ والإخوان كلهم
والطف بأمة طه من وصفتهم
بعزة وغدون اليوم كالرمم
وأنت تعلم ماضيهم وحاضرهم
وما دهاهم من الأبناء والخصم
فقد تألب أهل الأرض قاطبة
على أذاهم بلا عهد ولا ذمم
واستقطعوا أرضهم بغيا وما ورعوا
عن ذلهم واقتسام الناس كالبهم
حتى الأذلون في أوطانهم طمعوا
ولا نصير لهم يشكون من ألم
وقد تشتت أبناء لهم فرقا
وأغرقوا في هوى اللذات كالنهم
ولم يراعوا تعاليم النبي وما
جاء الكتاب به من أروع الحكم
فامنن عليهم بجمع الشمل واقض لهم
بوحدة الرأي كي يعلوا إلى القمم
ونر لهم سبل التقوى وعمهم
بالهدى منك وألف ذات بينهم
وانصرهم رب واعلِ شأن شوكتهم
وامنحهم البأس والسلطان في الأمم
وآخ بين ملوك المسلمين وزح
من القلوب مرار البغض والنقم
ثم الصلاة على الهادي وشيعته
والآل والصحب والأتباع كلهم
ما دام في الكون أحياء وما طلعت
شمس وما زهت الأفلاك بالنجم
وزده يا رب تسليما ومرحمة
وأحسن ختامي بها يا واسع الكرم
******(1036/9)
لقد تشعبت مواهبه في نواح عدة فهو مؤلف وشاعر وناثر وخطيب وعالم لوذعي جليل يدل ذلك قدرته بتفسير آي الذكر الحكيم التي لا يقدم عليها إلا أفذاذ العلماء ومن أبرز سجاياه صدقه وإخلاصه للسدة السعودية.
أحوله الخاصة: يتحلى المترجم بلا أخلاق الفاضلة والمعشر الأنيس يهوى معاشرة العلماء والأدباء وله مكانة اجتماعية بارزة في البلاد الشرقية وقد أولع في إشادة العمارات وصارت
له فيها خبرة وافية وتوسعت أحواله المادية بسبب بيعها ومواصلة البناء أثناء وجوده في مصر وله عمارة في القاهرة وثلاث عمارات في جدة تدر عليه مورداً كبيراً ثابتاً وقد فضل السكنى في دمشق فبنى بين ربوع دمر ودمشق قصراً منيفاً يستقبل به ضيوفه ويرتاد العلماء والشعراء والأدباء ويلقون منه كل حفاوة وإكرام وترتع في جنائنه ذريته المباركة البالغة ثمانية عشر مولوداً منهم سبعة ذكور.
من كتاب أعلام الأدب والفن ج2 - أدهم الجندي(1036/10)
نَصْرُ المُخْتار ودَحْر الفُجَّار!
يوسف مسعود قطب حبيب :
نَبِحتْ شِرَارُ الخَلْقِ تَقْذِفُ بِالتُّهَمْ لِتَعِيبَ مَنْ أَرْسَى المَبادِئَ والقِيَمْ
أيْنَ النُّباحُ وإن تَكاثَرَ أَهْلُهُ مِنْ نَيْلِ بَدْرٍ قَدْ سَما فَوْقَ القممْ
أو نََيْلِ نَجْمٍٍ ساطِعٍ يَهْدِي الوَرَى سَعِدَتْ بِه وَبِنُورِهِ كُلُّ الأُممْ
جَادَ الكَريمُ بِهِ بِأَعْظَمِ نِعْمَةٍ فَتَحَ القُلوبَ بهِ وأَحْيا مِنْ عَدَمْ
قَدْ تَمَّمَ الأَخْلاقَ بَعْدَ ضَياعها وَشَفَى العَلِيلَ بهِ وأَبْرَأَ من سَقَمْ
بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ قامَتْ شِرْعَةٌ والفُحْشُ والبَغْيُ البَغيضُ قَد انْهَدَمْ
فَغَدا ظَلامُ الكَوْنِ صُبْحاً مُشْرِقا لَمّا اسْتَضاءَ بِنورِ أحْمَدَ وابْتَسَمْ
سَحّاءُ كَفُّ مُحَمَّدٍ بِعَطائِها كَالْغَيْثِ عِنْدَ عُمُومِهِ لا بَلْ أَعَمْ
مَن ذا يُطاوِلُ رَحْمَةً فِي قَلْبِهِ مَنْ ذا يُبارِي في السَّماحَةِ iiوالكَرَمْ؟
فَلْتَسألِ الثِّقلينِ عَنْ أخلاقهِ بَلْ سائِلِ الطيرَ المُحَلِّقَ بِالقِمَمْ
مَنْ صاحَ بالأصحابِ رُدّوا فَرْخَهَ كَيْ يَسْعَدَ العُشُّ الحزينُ وَيَلْتَئِمْ
بَلْ سائِلِ الجَمَلَ الْبَهِيمَ إذِ اشْتَكَى لِمُحَمَّدٍ بِدمُوعِهِ مُرَّ الألَمْ
فَوَعَى الخِطابَ وقامَ يُعْلنُ غاضِبًا لا يَرْحَمُ الرحمنُ إلا مَن رَحِمْ
وَعَفا عَنِ الخَصْمِ اللَّدودِ وَسَيْفُهُ بِيَمِينِهِ, وَالخصْمُ قَدْ ألْقَى السَّلَمْ
هَلاّ رَأيتمْ مِثلَ عَفْوِِ محمدٍ عَنْ أهلِ مكةَ عَبرَ تاريخِ الأُمَمْ؟
**************
يا جاحِداً لِلْحَقِّ هل بدِيارِكُمْ لم يَبْقَ ذِكْرٌ لَلْعَدالةِ أو عَلَمْ؟!
هلاّ أقَمْتَ لِما افْتَريْتَ دَليلَهُ إنَّ الدَّليلَ لِكُلِّ قَوْلٍ يُلْتَزَمْ
هَلْ يَقْتُلُ المُخْتارُ شَيْخاً فانِيًا هَلْ يَقْبَلُ المُخْتارُ نَقْضاً لِلذِّمَمْ؟!(1037/1)
هَلْ مَثَّلَ المختارُ أو قَتَلَ النِّسا هَلْ أَهْلَكَ المُخْتارُ شَعباً وانتقَمْ؟!
فَهُوَ الطَّبِيبُ بِحَرْبِهِ وبِسَلْمِهِ يَجْتَثُّ أسْبابَ الشِّكَايَةِ والسّقَمْ
فِيُزيلُ أنظمةً تُجَرِّعُ شَعْبَها كَأْسَ المَذَلَّةِ والعِبادَةِ لِلصَّنَمْ
كَيْ ِيُشْرِقَ التّوْحِيدُ فِي أرْجائِها ولِيَشْكُرَ المَخْلوقُ مَنْ أسْدَى النِّعَمْ
هذا جهادُ نَبِيِّنَا وَمُرَادُهُ فاذْكُرْ مَقاصِدَ حَرْبِكُمْ كُلَّ الأُمَمْ
ولْتَسْألِ (الْبوسْنا) تُجِبْكَ نِساؤها الثْـ ـثَكْلَى وَقَبْرٌ جامِعٌ وبحارُ دَمْ
بَلْ سائلِ (الشّيشانَ) مَنْ أَوْرَى iiبِها ناراً أحَاطتْ بِالسِّهولِ وبالقِمَمْ؟!
والمسجدُ الأقصى يَئنُّ بِجُرْحِه بَيْنَ الجماجمِ سائلاً: أينَ القِيَمْ؟!
مَنْ أجَّجَ الحَرْبَيْنِ فتكا بِالوَرَى أمُحَمَّدٌ أمْ هُمْ أساطِينُ الْعَجَمْ؟!
Œ
يوسف مسعود قطب حبيب
Yhabeeb@awq.gov.qa(1037/2)
نِدَاءُ اسْتِغَاثَة
صلاح الدين الغزال :
لِتَعْذِرَنَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نُعَانِي تَحْتَ أَهْوَالٍ عِظَامِ
أَمَاتُوا أُمَّةً هَانَتْ وَنَادُوا بِأَنَّ سُبَاتَنَا لِلدِّينِ حَامِ
وَهُمْ أَعْدَاؤُنَا سِرّاً وَلَكِنْ هُنَاكَ تَفَاوُتٌ عِنْدَ الصِّدَامِ
فَبَعْضٌ فِي التُّرَابِ يَدُسُّ رَأْساً وَيَشْمَخُ بِاسْتِهِ مِثْلَ النَّعَامِ
وَآخَرُ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ زَيْفاً يَسُوسُ النَّاسَ قَسْراً بِالحُسَامِ
يَرَوْنَ دِمَاءَنَا لِلسَّفْكِ حِلاًّ قُسَاةً يَلْهَثُونَ بِلاَ أُوَامِ
غَدَاةَ السِّلْمِ كُلُّهُمُ صُقُورٌ وَعِنْدَ الحَرْبِ أَشْبَهُ بِالحَمَامِ
يَدُوسُونَ النُّفُوسَ بِلاَ حَيَاءٍ وَقَدْ جُبِلُوا عَلَى سَحْلِ الأَنَامِ
غِثَاءُ السَّيْلِ صَارَ لَنَا شَبِيهاً نَهِيمُ بِلاَ هُدَىً مِثْلَ السَّوَامِ
رَسُولَ اللهِ لاَ تَأْبَهْ لِرَسْمٍ شَنِيعٍ صَاغَهُ بَعْضُ اللِئَامِ
تَصَدَّى نُورُ وَجْهِكَ دُونَ لأْيٍ مَعَ الإِيمَانِ جَهْراً لِلظَّلاَمِ
فَزَالَ الكُفْرُ عَنْ قَيْسٍ وَأَضْحَتْ بِكَ الرُّكْبَانُ تَرْفُلُ بِالسَّلاَمِ
وَهَا شَاهَدْتَ فِي الأَجْسَادِ نَزْفِي وَقَدْ كَرُّوا عَلَى المَوْتِ الزُّؤَامِ
شَبَابٌ لاَ يَخَافُونَ المَنَايَا تَداعُوا لِلَّظَى وَالأُفْقُ دَامِ
فِدَاكَ أَبِي وَرُوحِي دُونَ مَنٍّ أُقَدِّمُهَا إِلَى مَرْمَى السِّهَامِ
وَلَوْ قَدْ كَانَ لِي رَهْطٌ وَخَيْلٌ لأَسْمَعْتُ الأُلَى خَسِئُوا كَلاَمِي
وَلَكِنْ لاَ سِلاَحَ لَهُ نُفُوذٌ سِوَى قَلَمِي لإِيقَاظِ النِّيَامِ
فَلَيْتَ لَنَا بِجَوْفِ الغِمْدِِ سَيْفاً وَلَيْتَ لَنَا وَرَاءَ القَوْسِ رَامِ
جَمِيلُ الفِعْلِ لَيْسَ هُنَاكَ شَكٌّ نَزِيهٌ أَنْتَ عَنْ كُلِّ اتِّهَامِ
نِدَائِي يَا رَسُولَ اللهِ يَوْماً بِأَنْ أُشْفَى بِحَوْضِكَ مِنْ سَقَامِي
بِمَدْحِكَ أَرْتَجِي وَالوَيْلُ خَلْفِي وَقَدْ عَاثَ العِدَى حُسْنَ الخِتَامِ(1038/1)
حسان بن ثابت: في الذب عن عرضه صلى الله عليه وسلم
هجوت محمدًا فأجبت iiعنه وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدًا برًّا تقيًّا رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء
يبارين الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتمو عنا iiاعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم يعز الله فيه من يشاء
وقال الله: قد أرسلت عبدًا يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله: قد يسرت جندًا هم الأنصار عرضتها iiاللقاء
لنا في كل يوم من معد سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منك ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له iiكفاء Œ(1039/1)
رمضان عمر: بأبي وأمي
هذا المداد بمسك أحمد قد هما وازدان فيه مع النسيم مثالُ
أزهو به في رقة أشدو بها ليطيب في مدح الحبيب مقالُ
أقفو به كعب الأوائل ليتني كنت الذي آبت به الآمالُ
فتصيبني بعض الشفاعة حينها فأكون أسعد من حوته رمالُ
أفديك يا خير الخلائق كلها إن شط قوم أو بغى الدجالُ
بأبي وأمي كيف لا أفديك إذ بدأ القتال ودقت الأطبالُ
وتطاولت عصب الكلاب وأنفث من كل سم ناقع ريغالُ
قد زاد حد الحد حتى لم يعد يجدي مع الفعل الشنيع جدالُ
وتمرد الأزلام حتى أثخنوا طعنًا وكيدًا والحروب سجالُ
كذبوا ولو صدقوا لقالوا: إنه سحر الوجود فلن يعاب كمالُ!
خير البرية رغم أنف أنوفهم حاشا لمثلك أن يسيء مقالُ
فالقول دونك في المديح وإن علا ولشسع نعلك تسقط الأقوالُ
فليخسئوا، ولبئس ما جاءت به صفر الوجوه الخسة الأنذالُ
الراتعون مع الشياه كأنما شاهت وجوه الغرب فهي سمالُ
القاصرون عن الفضائل ما ارعووا واللؤم فيهم شيمة وخصالُ
شر البرية يا أشر خليقة خجلت لمثل فعالهن بغالُ
أحضارة الدجل السخيف أهكذا تؤتى المكارم؟! بئسما الأفعالُ
أخزى الذي سمك السماء بناءكم يا أيها السفهاء والأنذالُ
أحلام هرطقة، وخسة قاصر رَسَمَ الحقيرُ وشَبَّه المحتالُ
لا ليس في رسم الخسيس بلاغة إن البلاغة في الحبيب تقالُ
فهو الكريم إذا الكرام تعاظمت عند الزحام، وعزت الأحمالُ
وهو الفصيح إذا الفصاحة iiأينعت سالت بعذب حديثه الأقوالُ
فبذكره كان الغدو رياضنا ومع الغدو تمازجت آصالُ
وبمدحه مهج القلوب ترنمت وتراقصت طربًا له الأوصالُ
يا أيها المختار حسبك رتبة مهما تعملق لم يصلك خيالُ
فالكل خلفك واجمون كأنهم كبتوا تشد وجومهم أحبالُ
خيرت بين الخمر واللبن الذي فطرت عليه من الورى الأجيالُ
فاخترت فطرة أمة لمّا تزل خير القرون فتية تختالُ
وبنيت للإسلام صرحًا شامخًا طال السماء, فكيف ذاك يزالُ
أضحت به بغداد نجمة عصرها ضاءت إذا غرب الجنوب شمالُ(1040/1)
ومشى السحاب لكي يفارق iiأرضها فمشت توازي ظله الأجيالُ
وتتابع العلماء حتى أزبدت سوح البطاح فحملهن ثقالُ
ذاك ابن سينا والفرابيُّ الذي لو زِين زانت عُشْرُهُ الأثقالُ
ولدحية الكلبي إذ بسطت له شم القياصر كبرها الأمثالُ
لغسلت دون الكعب، لو سنحت iiلنا لقيا الأمين وفي اللقاء جمالُ
أقرئ نبيك يا دحية أنه حان الزمان وملكنا سيزالُ
سيزول ليل الظلم حتى تنضوي كل المكائد تختفي الأدغالُ
ويعم كل الكون عدل محمد ويذوب بغي ينتهي الأهوالُ
يا أمة المليار هل من عضبة نذكي النفوس كأنها المرجالُ
تجتث شأفة حاقد من أصله حتى يثوب مع الردى الدجالُ
فالصافنات من الجياد على الذرى قد أسرجت، وتقدّم الخيالُ
والعاديات الضبح تبرق في iiالدجا والموريات القدح والأجمالُ
يا سيدي ما إن رموك بسهمهم حتى تدافع للوغى الأبطالُ
وتعالت الرايات تعلن زحفها للنصر يعلو فوقهن هلالُ
من قبة الإسراء تغزل عزمها أتذود بالعزم الفتي نِصالُ
وتريق من دمها الزكي جداولاً نعم الدماء فداك حين تُسالُ
دقت به جند الحماس حصونهم فمشى النعي يقوده الإعوالُ
والسمهري بها يغذ خطوطه فهوت عروشٌ حُطمت أغلالُ
وتقهقر الأسطول أسطول الخنا والبُش يصرخ أن هلمَّ تعالوا
وتناقص الشيطان لا يلوي إلى ما قد دعا وتقطعت أحبالُ
وتشرذموا فرقًا تجر خيولهم أذيال نكستهم، وآل مآلُ
لا تفرحوا.. أما فطنتم أنما سنجزّ رأسًا لن يطول نزالُ
ويباع في سوق النخاسة بشكم حتى تدوس جبينه الأطفالُ
يا أيها الغرب الكسيح رويدكم إن المعامع حملهن ثقالُ
ولنا خلقن ولن تسار لغيرنا تلك المكارم أيها الجهالُ
إنا قدحنا بالحماس نفوسنا فاستنفرت شررًا بنا الأوصالُ
وتضاعفت أحقادنا حتى إذا حمي الوطيس أتاكم الزلزالُ
سنهز عرش الكفر نكسر أنفه هذي الجموع يقودها الرئبالُ
هذي الجموع تدافعت نحو iiالردى تفدي الحبيب نفوسها والمالُ
سنغيّر التاريخ نصلح أمره حتى تعود لهديها الأجيالُ(1040/2)
وندق روما ثم نزوي بعدها كل المدائن لن يدوم ضلالُ
وعد النبي فكيف يخلف وعده كل الوعود مع النبي تُنالُ
هذه حقائق هدينا نسمو بها نحن الأشاوس نسوة ورجالُ
مهما بطشتم يا قساوسة الفنا فالحرب كرّ تارة وسجالُ
والحرب شم خيارنا إنا لها نحن الألى مهروا الوعى الأبطالُ
نحن الألى باعوا النفوس لربها فهو الذي قضيت به الآجالُ
فالموت إما أن يجيء فمرحبا يا موت حيّ ففي المنون منالُ
فهو الطريق إلى لقاء محمد ولقاء احمد بغية آمالُ
Œ(1040/3)
هذا رسولُ اللهِ.. كيف يُسبُّ ؟!..
حسن علي النجار:
هذا رسولُ اللهِ.. كيف يُسبُّ ؟!
بل كيف يعلنها خسيسٌ كلبُ ؟!
هذا رسولُ اللهِ.. كيف تجرءوا ؟!
ويلٌ لهم.. وصواعقٌ تتصبُّ
**
ثوري براكينَ.. أسودَ محمدٍ
ثوري جحيماً غاضباً لا يخبو
ثوري.. فليس هناك صبرُ دقيقةٍ
نَفَدَ انتظارُ الثائرين.. فهُبوا
**
رسموا رسولَ اللهِ أقبحَ صورة
تبَّتْ أيادي الحاقدين وتبُّوا
"حريةٌ" قالوا.. أيُلعبُ باللظى ؟!
علَّ اللظى بديارهم تنشبُّ
**
دِنِمَرْكُ.. لا عذراً.. ولا تتأسفي
قد فاتَ.. فاتَ الوقتُ هذا صعبُ
لا عفوَ.. إنّ عقولَكم بَقَرَيّةٌ
جفّت ضروعُ عقولِكم.. لا حَلْبُ
**
ها نحن أمةُ أحمدٍ.. لا ننحني
ورؤوسُنا لا تعتليها سحبُ
عنوانُنا: استعلاءُ أعظمِ منهجٍ
والعزُّ منبعه.. ونعمَ الشِّربُ
ورسولُنا الأغلى.. وشمسُ حياتنا
وبذكرِ أحمدَ كم ترنَمَ صبُّ
**
دِنِمَرْكُ أنتِ أَثَرْتِ جمراً.. فابلعي
جمراً وموتي.. لن يفيدَ النَّدبُ
دِنِمَرْكُ.. صمتاً رُغمَ أنفِكِ.. واعلمي
هذا رسولُ اللهِ.. كيف يُسبُّ ؟!(1041/1)
د. زاهر الحسن :إلى الحبيب الأعظم
هم يحسبونَ وقد سكتُّ غَضوبا صمتي وجرحي ، يا حبيبُ، iiذنوبا
هم يزعمون بأنني لم iiأشتعلْ غضباً ، ولم أُشعِلْ فداكَ حروبا
هم يزعمون بأنني لم iiأرتحلْ شوقاً إليكَ ، ولم تكُ المحبوبا
هم يسلكون إلى رضاكَ iiدروبَهم وأنا أطير وما سلكتُ iiدروبا
واللهُ يعلم لو قسمتُ مشاعري بين القلوبِ لما بقينَ iiقلوبا Œ(1042/1)
ولقد سمعنا ما يسوءُ قلوبنا من دولةِ الأبقارِ والأجبانِ
ماجد بن محمد الجهني الظهران
عرضي فدا عرض الحبيب محمدٍ وفداه مهجةُ خافقي وجَناني
وفداه كلُّ صغيرنا وكبيرنا وفداه ما نظرت له العينانِ
وفداه ملكُ السابقين ومَنْ مضوا وفداه ماسمعت به الأذنانِ
وفداه كلُّ الحاضرين وملكهم وفداه روحُ المُغْرمِ الولهانِ
وفداه ملكُ القادمين ومن أتوا أرواحنا تفديه كلَّ أوانِ
خيرُ البريةِ والتُّقى محرابه تسمو محبَّتُهُ على الألحانِ
أزكى رسولٍ بالهدى قد جاءَنا وخليلُ ربي الواحدُ الرحمنِ
صلى عليه الربُّ في عليائه إذ زانه بالصدقِ والإيمانِ
واللهُ أعلا شانَهُ في آيِهِ وَلَدِينُهُ يعلو على الأديان
أخزى به ربي ضلالةَ مُشركٍ وأذلَّ أهلَ الغيِّ والصلبان
أعداؤه في نكسةٍ وبغلِّهم يصلونَ قَسْراً ضحضحَ النيرانِ
أعداؤه بُكْمٌ وصُمٌّ مارأوا أعداؤه هم أخبثُ العُميانِ
أهداهمُ إبليسُ من نزواتِهِ فتقَحَّموا في النارِ كالقُطْعانِ
تبتْ يدٌ لما أساءَت رسمها شُلَّت يمينُ المُجرمِ الفتَّانِ
اللهُ مُخزيهم ومُوبقُ سعيهم والله ذو بطشٍ وذو سلطانِ
يكفي الإلهُ نبيَنا من جُرمهم واللهُ منتقمٌ عظيمُ الشانِ
حُبُّ الحبيبِ محمدٍ أُهزوجةٌ يشدو بها قلبي مع الخفقانِ
واللهِ ماجاد النساءُ بمثله أكْرِم به من مُرسلٍ رباني
نورُ البريةِ عمَّنا بضيائِهِ فهو البشيرُ بصادقِ البرهانِ
من سبَّ هادينا وسبَّ إمامنا فلقد غدا دمه بلا أثمانِ
في حكم ملتنا وهدي كتابنا من سَبَّهُ في أسفلِ النيرانِ
مَنْ دنسوا حرماتنا قد أسرفوا عن بغيهم يتحدثُ الثقلانِ
قد دنسوا قُرآننا في أمسهم أواه يا أسفي ويا أحزاني
حتى المساجدُ مالها قدسيةٌ في عُرف أهل الظلمِ والعدوانِ
ولقد سمعنا مايسوءُ قلوبنا من دولةِ الأبقارِ والأجبانِ
من دولةِ الدَّنْمركِ ساء مقيلُها أخبارها جاءت مع الركبانِ
ولدولةِ النرويجِ في ناقوسهم سهمٌ من التهريجِ والهذيان(1043/1)
واللهِ قد هزُلت وبان هزالُها لما غدونا مطمعَ الفئرانِ
دولٌ كمثل الذرِّ في مقدارها دولٌ مدهدهةٌ على الجُعْلانِ
الشانئون لسيرةٍ قد عُطرت بالمسك والأزهارِ والريحانِ
أخزى الذي سمك السماءَ بناءَهم وأحالهم عِبَرَاً مدى الأزمانِ
الشانئون له تعاظم مكرهم كلٌّ له حِممٌ من الأضغانِ
كم منتدىً للكفر يُعلنُ جهرةً بقبيح قولٍ من بذيء لسانِ
كم في السجون من الزبانية iiالتي هزأت بسيد أمةِ القرآنِ
كم في الصحافة من وضيع مفكرٍ جمع الضغينةَ في لبوسٍ ثانِ
متعالمٌ متحذلقٌ متفذلكٌ متدثرٌ بالزور والبهتانِ
أخزاهمُ ربي وفرَّقَ شملَهم وأقضَّ مضجعهم بكلِّ مكانِ
يا أمةَ الإسلام أين نفيركم؟ أعلو منائر سنةِ العدناني
أعلو منائر سنةٍ وتمسكوا بالهدي والتنزيل والفرقانِ
ذبُّوا عن المختار وارعوا حَقَّه لا يُلْهينكم زخرفُ الشيطانِ
أموالكم ضيعاتكم أولادكم ليست أعزَّ من النبيِّ الحاني
فالسُنَّةُ الغراء نِيلَ إمامُها فلتغضبوا لله يا إخواني
فبكم نظنُّ الخيرَ يا أحبابنا أحيوا مواقفَ عزةِ الشجعانِ
هذا قصيدي والقصيدُ مُقصرٌ قد قلتُ مافي الجُهدِ والإمكانِ
واللهِ قد شرُفَ القصيدُ وإنه شرفٌ لكلِّ قصيدةٍ وبيانِ
شرفٌ بأن نجري له أقلامَنا شرفٌ لكلِّ فُلانةٍ وفُلانِ
تمت وأثنوا بالصلاةِ ومثلِها ما لاحَ غيمٌ أو بدا القمرانِ Œ(1043/2)
الهام من عمان: في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلم
يا طالباً للحُبّ هِم بمحمد ذاك هو النبع الزُلال الصافي
حُباً يورّثك الجنان فسيحة يُنجيك من كرب بلا مقداف
اعرف فضائل مصطفاك فريضة وأسكنها بالقلب الكليم الجافي
إن كنت ترضى في الحبيب تواضعاً فمحمدٌ نهر التواضع صافي
أو كنت ترضى في الحبيب iiتعطّفاً فبعطفه أمسى الصقيع دافي
إن كان يُعجبك التسامح شيمة سل أهل مكة ساعة الإنصافِ
ولئن يروقك أن تهيم بماجدٍ فالمجد صنعته بلا إسفاف Œ(1044/1)
يا أيَّها الدنماركُ .. إلا رسولَ اللهِ
مصطفى العاني :
إلا رسولَ اللهِ يا أقزامُ
أوَ يُستباحُ محمّدٌ ويُضامُ ؟
أوَ يستهانُ بسيِّدٍ دانَتْ له
كُلُّ الرقابِ وذلَّتِ الأصنامُ؟
يا أيُّها الجبناءُ إنَّ رسومَكم
في حَقِّ أحمدَ كلُّها إجرامُ
لا، لن تَطالَ محمداً وجنودَه
مادام مصدرَ عزِّنا الإسلامُ
إنّا جنودُ محمَّدٍ لو ساءَهُ
سُوءٌ فنحنُ الواثبُ الضرغامُ
لو شاكَهُ شوكٌ فإنّا دونَه
وفداؤُه الأرواحُ والأجسامُ
يا أيُّها (الدَّنِمَرْكُ) سوف نذيقُكُم
طعمَ الهوانِ وساءَ ذا الإيلامُ
يا أيُّها الأنذالُ ليس يضيرُنا
قولٌ ولا رسمٌ ولا أفلام
أنتم عبيدٌ للعجولِ وروثِها
بل أنتمُ الأبقارُ والخُدّامُ
لسنا إلى أبقارِكم في حاجةٍ
أو منتجاتٍ صاغهنّ لِئامُ
إنَّا وإنْ كَثُرَ العِدا لكنّنا
سيفٌ لأحمدَ صارمٌ صَمصامُ
سنذودُ عنه يقودُنا قرآنُنا
وتراثُه والحبُّ والإعظامُ
يا أيُّها (الدَّنِمَرْكُ) ليس يسوؤُنا
هذا الثغاءُ لأنَّكُم أغنامُ
إنَّ النبيَّ بقلبِ كلِّ موحِّدٍ
ومساسُه فَتْكٌ بكم وحِمامُ
إنَّ الحبيبَ ذرىً وليسَ يضيره
تلكَ الرسومُ فكُلُّها أوهامُ
قد راعكُم دينٌ أطاحَ بصرحِكم
وأخافكُم ذا المعولُ الهدّامُ
فلكلِّ من يؤذي النبيَّ وصحبَه
ونساءَه، التقتيلُ والإضرامُ
سَنَشِنُّ حملتَنا نقاطعُكُم بها
ولنا بذلكَ رِفعةٌ ووسامُ
لا لن نلينَ وَقَدْ بَدَتْ أحقادُكُم
رُفِعَت بذاكَ الصُّحْفُ والأقلامُ
"إلا رسولَ الله" فهي شعارُنا
ومحمّدٌ عِزٌّ لنا وإمامُ(1045/1)
يا نبيّ الله عُذرًا.... !!!
صفاء رفعت:
يا نبيّ الله عُذرًا.. فلك الفضل وأكثر
يا نبيّ الله عُذرًا.. فبِك العلياء تفخر
بِِتُّ في الحزن سُهادي.. وأنين القلب يزأر
***
قد منحتَ للبرايا رحمةً بالهَدْيِ تُؤثَر
ولسانًا جامعًا للخير كاللؤلؤ يُنثَر
وأزاهيرَ من النور ورَيْحانًا مُعطّر
وطريقًا للخلاصِ إن وعاها الحُرُّ يظفر
وعهودًا من سلامٍ عاجلَ الخيرِ مُيسّر
وقلوبًا في رحاب الخيرِ تُؤطَر
بِودادٍ ورباطٍ ليس يُكسَر
***
وتواضعت فكُنتَ.. أُسوةٌ تُحكَى و تُعْبَر
وتلقَّيْتَ قلوبًا صادية بالكفر تجهر
تُضمرُ الحقد وتعدوا في ابتغاء الظلم تسمر
فغدت في الحق نورًا في التماس الخير تسهر
وتحملّت خطوبًا يهوِي لها الصخر ويُقْهَر
وأبيْتَ أن تكون داعيًا بالشرِّ يُنصَر
***
فحباك الله ذكْرًا في الورى أندى وأعطر
صرت في العلْيَا سراجًا.. إن نور الله أنضر
***
كيف يأتي اليوم عبدٌ جاهلٌ.. لا ليس يُذكر
يدّعي من فرط جهلٍ أن شمسَ الله تُخفَر
يبتغي بالبغيِ مُلكًا زائلاً كالجمر يُسعَر
إنْ أُقيم الوزن يوم الدين يخسر
كيف يزعم أنَّ نور الهدي وهمٌ.. أن عهد الله أصغر
يدّعي السوءَ بسُكر.. ومن نبي الله يسخر؟!
***
يا رسول الله عذرًا.. فلك الفضل وأكثر
يا نبيّ الله عذرًا.. فبك العلياء تفخر
إن نقضنا اليوم عهدك.. فلنا الخزيُ وأحقر
في سبيل الله نمضي.. إن جُند اللهِ أصبر
في سبيل الله نسعى.. لا نحيدُ و لا نُؤخَّر
إن عهد الله أبقى.. وحدود الله أكبر(1046/1)
يا حبيبي هاكَ نحري
عبد الناصر منذر رسلان:
فجأةً شاعَ الخبرْ هزَّ قلبي مذْ خَطَرْ
قلتُ في نفسي عسى كِذْبُ إعلامٍ عبرْ
فاستعدتُ الحسَّ منّي مُدركا فحوى الخبرْ
هزَّني صوتُ المذيعِ (آذوا) أحمدْ يا بشرْ
حسرةٌ بانتْ لعيني بعدها الدمعُ انهمرْ
قمتُ مذعورًا أنادي هلْ بهذا نُختبرْ؟
يا حبيبي هاكَ نحري دونكَ القلبُ انفطرْ
يا حبيبي يا شفيعي أنتَ قلبي والنظرْ
يا حبيبَ اللهَ صبرًا حانَ ميعادُ الظفرْ
قدْ صحونا منْ رُقادٍ وانتبهنا للخطرْ
واجتمعنا بعدَ نأيٍ بعدَ ما كنّا زُمرْ
يا حماةَ الدينِ هيّا فانصروا خيرَ البشرْ
مزّقوا كلَّ كفورٍ ناشرًا ذاكَ الخبرْ
مزّقوهُ كيْ يكونَ عِبرةً فيمنْ عبرْ
قاطعوا كلَّ نِتاجٍ فيهِ أيدي منْ كفرْ
مزّقوا كلَّ الجرائدْ قطعوا كلَّ الصورْ
واحرقوا حتى الهواءَ وادفنوهمْ في الحُفرْ
وانصروا خيرَ البرايا منْ لهُ انشقَّ القمرْ
منْ لهُ الأفلاكُ دانتْ منْ لهُ الكونُ انحسرْ
هلْ جزاءُ التائبينَ غيرَ حورٍ وسُرَرْ
هلْ جزاءُ الصابرينَ غيرَ طلحٍ و نَهرْ
مُنتهى حُبُّ النبيّ سجدةٌ عندَ السحرْ
يا جنودَ اللهَ ارمي واقذفيهمْ بالشرَرْ
كُلُّنا جُندٌ لِطَهَ كُلُّنا أضحى عُمرْ(1047/1)
د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل: طه إمام المرسلين
يَا دَانَمَرْكُ النَّازِيَهْ يَا بِئْرَ فُحْشٍ عَاتِيَهْ
يَا رَأْسَ فِسْقٍ فِي iiالدُّنَا يَاذِي الْقُلُوْبِ الْقَاسِيَهْ
خَطَّتْ يَدَاكِ جَرِيْمَةً أَوْدَتْ بِهَا فِي iiالْهَاوِيَهْ
فَلِمَ السَّفَاهَةُ وَالْخَنَا مَاذَا اسْتَفَدْتِ وَمَا هِيَهْ
نَارُ الْمَذَلَّةِ فَاصْطَلِيْ يَا دَانَمَرْكُ الْوَاهِيَهْ
مِلْيَارُ قَلْبٍ أَضْمَرُوا أَنْ يَقْذِفُوْكِ بِدَاهِيَهْ
وَالْخَسْفُ آتٍ يَا زَنِيْمُ فَلَمْ تَذُوْقِيْ عَافِيَهْ
جَاءَتْ شَرِيْعَةُ أَحْمَدٍ مِنْ ذِي الْجَلاَلِ إِلَهِيَهْ
فِيْهَا الْهُدَى مُتَجَلِّيًا عَمَرَ الْقُلُوْبَ الْخَاوِيَهْ
وَمَحَى دَيَاجِيْرَ الْهَوَى فَبَدَتْ عُقُوْلٌ صَافِيَهْ
طَه إِمَامُ الْمُرْسَلِيْنَ فَيَا لِرُوْحٍ سَامِيَهْ
بَرٌّ رَحِيْمٌ سَيِّدٌ رُوْحِيْ فِدَاهُ وَمَالِيَهْ
صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا سَمِعَ الْمُصَلِّيْ iiالْوَافِيَهْ
وَالآلِ وَالصَّحْبِ الْكِرَامِ هُمُ النُّجُوْمُ الْعَالِيَهْ
Œ(1048/1)
عبدالله البصري :واستمطروا غضبًا
يَا عَينُ جُودِي بِدَمعٍ مِنكِ مُنسَكِبِ وَابكِي عَلَى الفَضلِ وَالأَخلاقِ iiوَالأَدَبِ
وَاستَفرِغِي الدَّمعَ لا تُبقِيهِ قَد عَظُمَت مُصِيبَةُ الكَونِ سُبَّ المُصطَفَى iiالعَرَبي
سَبُّوا نَبيَّ الهُدَى وَاستَهزَؤُوا عَلَنًا بِالهَاشِمِيِّ المُفَدَّى طَاهِرِ النَّسَبِ
سَبُّوهُ وَاستَهزَؤُوا وَاستَمطَرُوا غَضَبًا فَليَرقُبُوا عَن قَرِيبٍ ثَورَةَ الغَضَبِ
يَا وَيحَهُم أَيُّ جُرمٍ قَد أَتوهُ أَمَا لِلحِقدِ حَدٌّ وَزُورِ القَولِ وَالكَذَبِ
يَا وَيحَهُم أَينَ مَا كَانُوا إِلَيهِ دَعَوا في مجلِسِ الأَمنِ مِن سِلمٍ وَمِن رَحَبِ
أَينَ الحِوَارَاتُ أَمْ أَينَ القَرَارَاتُ أَمْ أَينَ الوُعُودُ التي صِيغَت مِنَ الذَّهَبِ
أَمْ أَنها دُولَةٌ بَينَ اليَهُودِ وَمَنْ أَمسَى عَلَى دَربِهِم مِن عَابِدِي الصُّلُبِ
تَبًّا لها مِن حِوَارَاتٍ وَتَبًّا لَهُ سِلْمًا يُدَانُ بِهِ إِلا مَعَ العَرَبِ
بِالأَمسِ أَبدَوهُ تحقِيقًا لِمَصلَحَةٍ كَانَت تُدَارُ وَأَخفَوا غَيضَ مُرتَقِبِ
وَاليَومَ فَاهُوا بما تُخفِي صُدُورُهُمُ مِن إِحنَةٍ زَالَ عَنهَا مُظلِمُ الرِّيَبِ
الحِقدُ قَد بَانَ وَالبَغضَاءُ قَد ظَهَرَت وَالكُرهُ قَد شَبَّ في الطَّاغِينَ iiكَالجَرَبِ
يُمسِي بِبَلدَةِ أَوغَادٍ وَيُصبِحُ قَد أَلقَى بِأُخرَى رِحَالَ القَصدِ عَن كَثَبِ
أَغرَى بِهِ سَاسَةُ الأَبقَارِ إِخوَتَهُم فَاستَجمَعُوا النَّطحَ في هَرجٍ وفي صَخَبِ
لم يَرقُبُوا مَوثِقًا فِينَا وَمَا اكتَرَثُوا يَومَ استَخَفُّوا بِدِينٍ أَو بِعِرضِ نَبي
لَكِنْ لَنَا اللهُ مَولانَا نُؤَمِّلُهُ عِندَ الرَّخَاءِ وفي الشِّدَّاتِ وَالنُّوَبِ
وَهْوَ الحَسِيبُ وَكَافِينَا وَنَاصِرُنَا في كُلِّ خَطبٍ فَلا نَخشَى مِنَ الغَلَبِ
اليَومَ نَبكِي بِدَمعٍ سَاجِمٍ وَغَدًا قَد يَضحَكُ الدَّهرُ مِن أُنسٍ وَمِن طَرَبِ
Œ(1049/1)
المهرولون نزار قباني
-1-
سقطت آخر جدرانِ الحياءْ.
و فرِحنا.. و رقَصنا..
و تباركنا بتوقيع سلامِ الجُبنَاءْ
لم يعُد يُرعبنا شيئٌ..
و لا يُخْجِلُنا شيئٌ..
فقد يَبسَتْ فينا عُرُوق الكبرياءْ ...
-2-
سَقَطَتْ..للمرّةِ الخمسينَ عُذريَّتُنَا..
دون أن نهتَّز.. أو نصرخَ..
أو يرعبنا مرأى الدماءْ..
و دخَلنَا في زَمان الهروَلَة..
و و قفنا بالطوابير, كأغنامٍ أمام المقصلة.
و ركَضنَا.. و لَهثنا..
و تسابقنا لتقبيلِ حذاء القَتَلَة..
-3-
جَوَّعوا أطفالنا خمسينَ عاماً.
و رَموا في آخرِ الصومِ إلينا..
بَصَلَة...
-4-
سَقَطَتْ غرناطةٌ
-للمرّة الخمسينَ- من أيدي العَرَبْ.
سَقَطَ التاريخُ من أيدي العَرَبْ.
سَقَطتْ أعمدةُ الرُوح, و أفخاذُ القبيلَة.
سَقَطتْ كلُّ مواويلِ البُطُولة.
سَقَطتْ كلُّ مواويلِ البطولة.
سَقَطتْ إشبيلَة.
سَقَطتْ أنطاكيَه..
سَقَطتْ حِطّينُ من غير قتالً..
سَقَطتْ عمُّوريَة..
سَقَطتْ مريمُ في أيدي الميليشياتِ
فما من رجُلٍ ينقذُ الرمز السماويَّ
و لا ثَمَّ رُجُولَة...
-5-
سَقَطتْ آخرُ محظِّياتنا
في يَدِ الرُومِ, فعنْ ماذا نُدافعْ؟
لم يَعُد في قَصرِنا جاريةٌ واحدةٌ
تصنع القهوةَ و الجِنسَ..
فعن ماذا ندافِعْ؟؟
-6-
لم يَعُدْ في يدِنَا أندلسٌ واحدةٌ نملكُها..
سَرَقُوا الابوابَ, و الحيطانَ, و الزوجاتِ, و الأولادَ,
و الزيتونَ, و الزيتَ, و أحجار الشوارعْ.
سَرَقُوا عيسى بنَ مريَمْ
و هو ما زالَ رضيعاً..
سَرَقوا عيسى بن مريَمْ
و هو ما زالَ رضيعاً..
سرقُوا ذاكرةَ الليمُون..
و المُشمُشِ.. و النَعناعِ منّا..
و قَناديلَ الجوامِعْ...
-7-
تَرَكُوا عُلْبةَ سردينٍ بأيدينا
تُسمَّى (غَزَّةً)..
عَظمةً يابسةً تُدعى (أَريحا)..
فُندقاً يُدعى فلسطينَ..
بلا سقفٍ لا أعمدَةٍ..
تركُنا جَسَداً دونَ عظامٍ
و يداً دونَ أصابعْ...
-8-
لم يَعُد ثمّةَ أطلال لكي نبكي عليها.
كيف تبكي أمَّةٌ
أخَذوا منها المدامعْ؟؟
-9-(1050/1)
بعد هذا الغَزَلِ السِريِّ في أوسلُو
خرجنا عاقرينْ..
وهبونا وَطناً أصغر من حبَّةِ قمحٍ..
وطَناً نبلعه من غير ماءٍ
كحبوب الأسبرينْ!!..
-10-
بعدَ خمسينَ سَنَةْ..
نجلس الآنَ, على الأرضِ الخَرَابْ..
ما لنا مأوى
كآلافِ الكلاب!!.
-11-
بعدَ خمسينَ سنةْ
ما وجدْنا وطناً نسكُنُه إلا السرابْ..
ليس صُلحاً, ذلكَ الصلحُ الذي أُدخِلَ كالخنجر فينا..
إنه فِعلُ إغتصابْ!!..
-12-
ما تُفيدُ الهرولَةْ؟
ما تُفيدُ الهَرولة؟
عندما يبقى ضميرُ الشَعبِ حِيَّاً
كفَتيلِ القنبلة..
لن تساوي كل توقيعاتِ أوسْلُو..
خَردلَة!!..
-13-
كم حَلمنا بسلامٍ أخضرٍ..
و هلالٍ أبيضٍ..
و ببحرٍ أزقٍ.. و قوع مرسلَة..
و وجدنا فجأة أنفسَنا.. في مزبلَة!!.
-14-
مَنْ تُرى يسألهمْ عن سلام الجبناءْ؟
لا سلام الأقوياء القادرينْ.
من ترى يسألهم عن سلام البيع بالتقسيطِ..
و التأجير بالتقسيطِ.. و الصَفْقاتِ..و التجارِ و المستثمرينْ؟.
من ترى يسألهُم عن سلام الميِّتين؟
أسكتوا الشارعَ.. و اغتالوا جميع الأسئلة..
و جميع السائلينْ...
-15-
... و تزوَّجنا بلا حبٍّ..
من الأنثى التي ذاتَ يومٍ أكلت أولادنا..
مضغتْ أكبادنا..
و أخذناها إلى شهرِ العسلْ..
و سكِرْنا.. و رقصنا..
و استعدنا كلَّ ما نحفظ من شِعر الغزَلْ..
ثم أنجبنا, لسوء الحظِّ, أولاد معاقينَ
لهم شكلُ الضفادعْ..
و تشَّردنا على أرصفةِ الحزنِ,
فلا نم بَلَدٍ نحضُنُهُ..
أو من وَلَدْ!!
-16-
لم يكن في العرسِ رقصٌ عربي.ٌّ
أو طعامٌ عربي.ٌّ
أو غناءٌ عربي.ٌّ
أو حياء عربي.ٌّ ٌ
فاقد غاب عن الزَّةِ أولاد البَلَدْ..
-17-
كان نصفُ المَهرِ بالدولارِ..
كان الخاتمُ الماسيُّ بالدولارِ..
كانت أُجرةُ المأذون بالدولارِ..
و الكعكةُ كانتْ هبةً من أمريكا..
و غطاءُ العُرسِ, و الأزهارُ, و الشمعُ,
و موسيقى المارينزْ..
كلُّها قد صُنِعَتْ في أمريكا!!.
-18-
و انتهى العُرسُ..
و لم تحضَرْ فلسطينُ الفَرحْ.(1050/2)
بل رأتْ صورتها مبثوثةً عبر كلِّ الأقنية..
و رأت دمعتها تعبرُ أمواجَ المحيطْ..
نحو شيكاغو.. و جيرسي..و ميامي..
و هيَ مثلُ الطائرِ المذبوحِ تصرخْ:
ليسَ هذا الثوبُ ثوبي..
ليس هذا العارُ عاري..
أبداً..يا أمريكا..
أبداً..يا أمريكا..
أبداً..يا أمريكا..(1050/3)
هذه البلاد شقة مفروشة !
هذي البلادُ شقَّةٌ مَفروشةٌ ، يملُكُها شخصٌ يُسَمّى عَنترَهْ ...
يسكَرُ طوالَ الليل عندَ بابها ، و يجمَعُ الإيجارَ من سُكّانها ..
وَ يَطلُبُ الزواجَ من نسوانها ، وَ يُطلقُ النارَ على الأشجار ...
و الأطفال ... و العيون ... و الأثداء ... والضفائر المُعَطّرَهْ ...
هذي البلادُ كلُّها مَزرَعَةٌ شخصيّةٌ لعَنترَهْ ...
سماؤها .. هَواؤها ... نساؤها ... حُقولُها المُخضَوضَرَهْ ...
كلُّ البنايات – هنا – يَسكُنُ فيها عَنتَرَهْ ...
كلُّ الشبابيك علَيها صورَةٌ لعَنتَرَهْ ...
كلُّ الميادين هُنا ، تحملُ اسمَ عَنتَرَهْ ...
عَنتَرَةٌ يُقيمُ في ثيابنا ... في ربطة الخبز ...
و في زجاجة الكُولا ، وَ في أحلامنا المُحتَضرَهْ ...
مدينةٌ مَهجورَةٌ مُهَجّرَهْ ...
لم يبقَ – فيها – فأرةٌ ، أو نملَةٌ ، أو جدوَلٌ ، أو شجَرَهْ ...
لاشيء – فيها – يُدهشُ السّياح إلاّ الصورَةُ الرسميّة المُقَرَّرَهْ ..
للجنرال عَنتَرَهْ ...
في عرَبات الخَسّ ، و البطّيخ ...
في الباصات ، في مَحطّة القطار ، في جمارك المطار..
في طوابع البريد ، في ملاعب الفوتبول ، في مطاعم البيتزا ...
و في كُلّ فئات العُملَة المُزَوَّرَهْ ...
في غرفَة الجلوس ... في الحمّام .. في المرحاض ..
في ميلاده السَعيد ، في ختّانه المَجيد ..
في قُصوره الشامخَة ، الباذخَة ، المُسَوَّرَهْ ...
ما من جديدٍ في حياة هذي المدينَةُ المُستَعمَرَهْ ...
فَحُزنُنا مُكّرَّرٌ ، وَمَوتُنا مُكَرَّرٌ ،ونكهَةُ القهوَة في شفاهنا مُكَرَّرَهْ ...
فَمُنذُ أَنْ وُلدنا ،و نَحنُ مَحبوسُونَ في زجاجة الثقافة المُدَوَّرَهْ ...
وَمُذْ دَخَلنَا المَدرَسَهْ ،و نحنُ لانَدرُسُ إلاّ سيرَةً ذاتيّةً واحدَهً ...
تُخبرنا عن عَضلات عَنتَرَهْ ...
وَ مَكرُمات عَنتَرَهْ ... وَ مُعجزات عَنتَرَهْ ...
ولا نرى في كلّ دُور السينما إلاّ شريطاً عربيّاً مُضجراً يلعبُ فيه عَنتَرَهْ ...
لا شيء – في إذاعَة الصباح – نهتمُّ به ...(1051/1)
فالخبَرُ الأوّلُـ – فيها – خبرٌ عن عَنترَهْ ...
و الخَبَرُ الأخيرُ – فيها – خَبَرٌ عن عَنتَرَهْ ...
لا شيءَ – في البرنامج الثاني – سوَى :
عزفٌ – على القانون – من مُؤلَّفات عَنتَرَهْ ...
وَ لَوحَةٌ زيتيّةٌ من خربَشات عَنتَرَهْ ...
و باقَةٌ من أردَئ الشعر بصوت عنترَهْ ...
هذي بلادٌ يَمنَحُ المُثَقَّفونَ – فيها – صَوتَهُم ،لسَيّد المُثَقَّفينَ عَنتَرَهْ ...
يُجَمّلُونَ قُبحَهُ ، يُؤَرّخونَ عصرَهُ ، و ينشُرونَ فكرَهُ ...
و يَقرَعونَ الطبلَ في حروبه المُظفَّرَهْ ...
لا نَجمَ – في شاشَة التلفاز – إلاّ عَنتَرَهْ ...
بقَدّه المَيَّاس ، أو ضحكَته المُعَبرَهْ ...
يوماً بزيّ الدُوق و الأمير ... يوماً بزيّ الكادحٍ الفقير ...
يوماً على طائرَةٍ سَمتيّةٍ .. يَوماً على دبّابَة روسيّةٍ ...
يوماً على مُجَنزَرَهْ ...
يوماً على أضلاعنا المُكَسَّرَهْ ...
لا أحَدٌ يجرُؤُ أن يقولَ : " لا " ، للجنرال عَنتَرَهْ ...
لا أحَدٌ يجرؤُ أن يسألَ أهلَ العلم – في المدينَة – عَن حُكم عَنتَرَهْ ...
إنَّ الخيارات هنا ، مَحدودَةٌ ،بينَ دخول السَجن ،أو دخول المَقبَرَهْ ..
لا شيء في مدينَة المائة و خمسين مليون تابوت سوى ...
تلاوَةُ القُرآن ، و السُرادقُ الكبير ، و الجنائز المُنتَظرَهْ ...
لا شيء ،إلاَّ رجُلٌ يبيعُ - في حقيبَةٍ - تذاكرَ الدخول للقبر ، يُدعى عَنتَرهْ ...
عَنتَرَةُ العَبسيُّ ... لا يَترُكنا دقيقةً واحدَةً ...
فـ مَرّةَ ، يأكُلُ من طعامنا ... و َمرَّةً يشرَبُ من شرابنا ...
وَ مَرَّةً يَندَسُّ في فراشنا ... وَ مرَّةً يزورُنا مُسَلَّحاً ...
ليَقبَضَ الإيجار عن بلادنا المُستأجَرَهْ(1051/2)
أأحور عن قصدي وقد برح الخفا
أأحور عن قصدي وقد برح الخفا ... ووقفت من عمري القصير على شفا
وأرى شؤون العين تمسك ماءها ... ولقبل ما حكت السحاب الوكفا
وأخال ذاك لعبرة عرضت لها ... من قسوة في القلب اشبهت الصفا
ولقل لي طول البكاء لهفوتي ... فلربما شفع البكاء لمن هفا
إن المعاصي لا تقيم بمنزل ... إلا لتجعل منه قاعا صفصفا
ولو أنني داويت معطب دائها ... بمراهم التقوى لوافقت الشفا
ولعفت موردها المشوب برنقها ... وغسلت رين القلب في عين الصفا
وهزمت جحفل غيها بإنابة ... وسللت من ندم عليها مرهفا
وهجرت دنيا لم تزل غرارة ... بمؤمليها الممحضين لها الوفا
سحقتهم وديارهم سحق الرحا ... فعليهم وعلى ديارهم العفا
ولقد يخاف عليهم من ربهم ... يوم الجزاء النار إلا إن عفا
إن الجواد إذا تطلب غاية ... بلغ المدى منها وبذ المقرفا
شتان بين مشمر لمعادة ... أبدا وآخر لا يزال مسوفا
إني دعوتك ملحفا لتجيرني ... مما أخاف فلا ترد الملحفا(1052/1)
أتيتك راجيا ياذا الجلال
? أتيتك راجيا ياذا الجلال ... ففرج ما ترى من سوء حالي
? عصيتك سيدي ويلي بجهلي ... وعيب الذنب لم يخطر ببالي
? لعمرى ليت أمي لم تلدني ... ولم أغضبك في ظلم الليالي
? فها أنا عبدك العاصي فقير ... إلى رحماك فاقبل لي سؤالي
? فإن عاقبت يا ربي تعاقب ... محقا بالعذاب وبالنكال
? وإن تعف فعفوك قد أراني ... لأفعالي وأوزاري الثقال(1053/1)
أحمامة البيدا أطلت بكاك
أحمامة البيدا أطلت بكاك ... فبحسن صوتك ما الذي أبكاك
إن كان حقا ما ظننت فإن بي ... فوق الذي بك من شديد جواك
إني أظنك قد دهيت بفرقة ... من مؤنس لك فارتمضت لذاك
لكن ما أشكوه من فرط الجوى ... بخلاف ما تجدين من شكواك
أنا إنما ابكي الذنوب وأسرها ... ومناي في الشكوى منال فكاكي
وإذا بكيت سألت ربي رحمة ... وتجاوزا فبكاي غير بكاك(1054/1)
ألا حي العقاب وقاطنيه
ألا حي العقاب وقاطنيه ... وقل أهلا به وبزائريه
حللت به فنفس ما بنفسي ... وأنسني فما استوحشت فيه
وكم ذيب نجاوره ولكن ... رأيت المرء يؤتى من أخيه
وأيأسني من الأيام أني ... رأيت الوجه يزهد في الوجيه
فآثرت البعاد على التداني ... لأني لم أجد من أصطفيه(1055/1)
ألا خبر بمنتزح النواحي
ألا خبر بمنتزح النواحي ... أطير إليه منشور الجناح
فأسأله وألطفه عساه ... سيأسو ما بديني من جراح
ويجلو ما دجا من ليل جهلي ... بنور هدى كمنبلج الصباح
فأبصق في محيا أم دفر ... واهجرها وأدفعها براحي
وأصحو من حمياها وأسلوا ... عفافا عن جآذرها الملاح
وأصرف همتي بالكل عنها ... إلى دار السعادة والنجاح
أفي الستين أهجع في مقيلي ... وحادي الموت يوقظ للروح
وقد نشر الزمان لواء شيبي ... ليطويني ويسلبني وشاحي
وقد سل الحمام علي نصلا ... سيقتلني وإن شاكت سلاحي
ويحملني إلى الأجداث صحبي ... إلى ضيق هناك أو انفساح
فأجزى الخير إن قدمت خيرا ... وشرا إن جزيت على اجتراحي
وها أناذا على علمي بهذا ... بطيء الشأو في سنن الصلاح
ولي شأو بميدان الخطايا ... بعيد لا يبارى بالرياح
فلو أني نظرت بعين عقلي ... إذن لقطعت دهري بالنياح
ولم أسحب ذيولي في التصابي ... ولم أطرب بغانية رداح
وكنت اليوم أوابا منيبا ... لعلي أن تفوز غدا قداحي
إذا ما كنت مكبول الخطايا ... وعانيها فمن لي بالبراح
فهل من توبة منها نصوح ... تطيرني وتأخذ لي سراحي
فيا لهفي إذا جمع البرايا ... على حربي لديهم وافتضاحي
ولولا أنني أرجو إلهي ... ورحمته يئست من الفلاح(1056/1)
ألا قل لصنهاجة أجمعين
أبو إسحاق الإلبيري
ألا قل لصنهاجة أجمعين ... بدور الندي وأسد العرين
لقد زل سيدكم زلة ... تقر بها أعين الشامتين
تخير كاتبه كافرا ... ولو شاء كان من المسلمين
فعز اليهود به وانتخوا ... وتاهوا وكانوا من الأرذلين
ونالوا مناهم وجازوا المدى ... فحان الهلاك وما يشعرون
فكم مسلم فاضل قانت ... لأرذل قرد من المشركين
وما كان ذلك من سعيهم ... ولكن منا يقوم المعين
فهلا اقتدى فيهم بالألى ... من القادة الخيرة المتقين
وأنزلهم حيث يستأهلون ... وردهم أسفل السافلين
وطافوا لدينا بأخراجهم ... عليهم صغار وذل وهون
وقموا المزابل عن خرقة ... ملونة لدثار الدفين
ولم يستخفوا بأعلامنا ... ولم يستطيلوا على الصالحين
ولا جالسوهم وهم هجنة ... ولا واكبوهم مع الأقربين
أباديس أنت امرؤ حاذق ... تصيب بظنك نفس اليقين
فكيف اختفت عنك أعيانهم وفي الأرض تضرب منها القرون
وكيف تحب فراخ الزنا ... وهم بغضوك إلى العالمين
وكيف يتم لك المرتقى ... إذا كنت تبني وهم يهدمون
وكيف استنمت إلى فاسق ... وقارنته وهو بيس القرين
وقد أنزل الله في وحيه ... يحذر عن صحبة الفاسقين
فلا تتخذ منهم خادما ... وذرهم إلى لعنة اللاعنين
فقد ضجت الأرض من فسقهم ... وكادت تميد بنا أجمعين
تأمل بعينيك أقطارها ... تجدهم كلابا بها خاسئين
وكيف انفردت بتقريبهم ... وهم في البلاد من المبعدين
على أنك الملك المرتضى ... سليل الملوك من الماجدين
وأن لك البق بين الورى ... كما أنت من جلة السابقين
وإني احتللت بغرناطة ... فكنت أراهم بها عابثين
وقد قسموها وأعمالها ... فمنهم بكل مكان لعين
وهم يقبضون جباياتها ... وهم يخضمون وهم يقضمون
وهم يلبسون رفيع الكسا ... وأنتم لأوضعها لابسون
وهم أمناكم على سركم ... وكيف يكون خؤون أمين
ويأكل غيرهم درهما ... فيقصى ويدنون إذ يأكلون
وقد ناهضوكم إلى ربكم ... فما تمنعون ولا تنكرون
وقد لابسوكم بأسحارهم ... فما تسمعون ولا تبصرون
وهم يذبحون بأسواقها ... وأنتم لأطرافها آكلون(1057/1)
ورخم قردهم داره ... وأجرى إليها نمير العيون
فصارت حوائجنا عنده ... ونحن على بابه قائمون
ويضحك منا ومن ديننا ... فإنا إلى ربنا راجعون
ولو قلت في ماله إنه ... كمالك كنت من الصادقين
فبادر إلى ذبحه قربة ... وضح به فهو كبش سمين
ولا ترفع الضغط عن رهطه ... فقد كنزوا كل علق ثمين
وفرق عراهم وخذ مالهم ... فأنت أحق بما يجمعون
ولا تحسبن قتلهم غدرة ... بل الغدر في تركهم يعبثون
وقد نكثوا عهدنا عندهم ... فكيف تلام على الناكثين
وكيف تكون لهم ذمة ... ونحن خمول وهم ظاهرون
ونحن الأذلة من بينهم ... كأنا أسأنا وهم محسنون
فلا ترض فينا بأفعالهم ... فأنت رهين بما يفعلون
وراقب إلهك في حزبه ... فحرب الإله هم الغالبون(1057/2)
ألفت العقاب حذار العقاب
ألفت العقاب حذار العقاب ... وعفت الموارد خوف الذئاب
وأبغضت نفسي لعصيانها ... وعاتبتها بأشد العتاب
وقلت لها بان عنك الصبا ... وجردك الشيب ثوب الشباب
وما بعد ذلك إلا البلى ... وسكنى القبور وهول الحساب
فأيقظها العتب من نومها ... ولكنها جمة الإضطراب
فكم أنشأت مزنة للتقى ... وعادت وشيكا كلمع السراب
وكم وعدتني بتوب وكم ... وما أنجزت وعدها في المتاب
وكم خدعتني على أنني ... بصير بطرق الخطا والصواب
فلست على الأمن من غدرها ... ولو حلفت لي بآي الكتاب(1058/1)
أنت المخاطب أيها الإنسان
أنت المخاطب أيها الإنسان ... فأصخ إلي يلح لك البرهان
أودعت ما لو قلته لك قلت لي ... هذا لعمرك كله هذيان
فانظر بعقلك من بنانك واعتبر ... إتقان صنعته فثم الشان
لله أكياس جفوا أوطانهم ... فالأرض أجمعها لهم أوطان
جالت عقولهم مجال تفكر ... وتدبر فبدا لها الكتمان
ركبت بحار الفهم في فلك النهى ... وجرى بها الإخلاص والإيمان
فرست بهم لما أتوا محبوبهم ... مرسى لهم فيه غنى وأمان(1059/1)
أيا وزيرا لم يزل آخذا
أيا وزيرا لم يزل آخذا ... عند الملمات بأيدينا
وسيدا نحكم في ماله ... وجاهه النامي بما شينا
اراك مشغولا بكسب العلا ... وحارسا دنياك والدينا
فاجعل من الليل لنا ساعة ... يحكم فيها ماله جينا
ولا يكن يحضرنا ثالث ... فربما الثالث يؤذينا(1060/1)
أين الملوك وأين ما جمعوا وما
أين الملوك وأين ما جمعوا وما ... ذخروه من ذهب المتاع الذاهب
ومن السوابغ والصوارم والقنا ... ومن الصواهل بدن وشوازب
كانت سوابقها تحمل منهم ... اقمار أندية وأسد كتائب
كانوا ليوث خفية لكنهم ... سكنوا غياض اسنة وقواضب
قصفتهم ريح الردى ورمتهم ... كف المنون بكل سهم صائب
فإن الردى غال أهل التقى ... فلم يبق إلا الغشوم العنيد
وأودى بكل خليل ودود ... فأين ولا أين خل ودود
وكم من أخي ثقة قد لحدت ... فلله ما غيبته اللحود
وأثكلني الأنس ثكل اللدات ... فصرت كأني غريب وحيد
وكم من شقي يوارى التراب ... وكم من سعيد يوارى الصعيد(1061/1)
إن أولي العلم بما في الفتن
إن أولي العلم بما في الفتن ... تهيبوها من قديم الزمن
فاستعصموا الله وكان التقى ... أوفى لهم فيها من أوفى الجنن
واجتمعوا في حسن توفيقه ... وافترقوا في كل سعي حسن
فعالم مستمجد عامل ... يسلك بالناس سواء السنن
ينثر من فيه لهم جوهرا ... من علمه ليس له من ثمن
يقسمه طلابه بينهم ... قسمة تعديل بقدر الفطن
وبهمة مخترط سيفه ... يغمده في هام أهل الوثن
يلبس من إيمانه لأمة ... فضاضة يغنى بها عن مجن
وحابس في بيته نفسه ... معتزل مستمسك بالسنن
يأخذ من دنياه قوتا له ... مقنعا مثل عذار الرسن
قد جعل البيت كقبر له ... وبرده فيه له كالكفن
فهو خفيف الظهر لكنه ... أثقل في ميزانه من حضن
وهارب شحا على دينه ... إلى البراري ورؤوس الفتن
يأنس بالوحدة في بيدها ... أكثر من تأنيسه بالسكن
لا يرهب الأسد ومن لم يخن ... سيده في عهده لم يخن
وتائب من ذنبه مشفق ... يبكي بكاء الواكفات الهتن
تخاله بين يدي ربه ... في ظلم الليل كمثل الغصن
إن مهد الناس لدنياهم ... شمر في تمهيده للجنن
كأنما الأرض له أيكة ... وهو بها قمرية في فنن
وصامت في قلبه مقول ... بالذكر لله طويل لسن
تراه كالأبله في ظاهر ... وهو من اذكى الناس فيما يظن
قد نور الله له قلبه ... بالذكر في السر له والعلن
فإن يبن بالفكر عن صحبه ... فجسمه بينهم لم يبن
إن لغوا جليس لهم ... لم يلج اللغو له في أذن
في ملكوت الله سبحانه ... تجول ألباب لباب الفطن
فهم خصوص الله نحو التي ... من حل في جيرتها قد أمن
ونزهوا الأنفس عن منزل ... نازله مستوفز للظعن
وسمروا الخيل ليوم به ... ينكب من يركب فوق الهجن
فليتني كنت لهم خادما ... وليتني إذ لم أكن لم أكن
ومن سواهم فرجال رجوا ... أن يعبروا البحر بغير السفن
وإنما قصر بي عنهم ... حبي لدار ملئت بالفتن
لا غارت الدنيا ولا أنجدت ... فالعاقل الحر بها ممتحن
تميل للأحمق من اهلها ... وهي على عاقلهم تضطغن
يا عجبا من غفلتي بعد أن ... ناداني الشيب ألا فارحلن
وأدرك الفائت من قبل ان ... يفجأك الموت فلا تنظرن(1062/1)
اقبح من ترمقه مقلة ... مبصرة شيخ خليع الرسن
تقتاده الدهر دواعي الهوى ... إلى الصبا مثل اقتياد البدن
يأمل آمال فتى يافع ... كأنه ليس بشيخ يفن
ليس جمال الشيخ إلا التقى ... والمحو للسؤ بفعل حسن
شغلت بالوصف ولو أنني ... أشغل بالموصوف كنت الفطن
ولم أبع رشدا بغي ولم ... أرض بعقلي مثل هذا الغبن
إنا إلى الله لقد حاق بي ... ما يورث الخزي غدا والحزن
والحمد لله ففي كفه ... منح لمن شاء وفيها المنن
وهو الذي أرجو فإن لم يكن ... عند رجائي فيه طولا فمن(1062/2)
السواط أبلغ من قال ومن قيل
السواط أبلغ من قال ومن قيل ... ومن نباح سفيه بالأباطيل
مر المذاق كحر النار أبرده ... يعقل المتعاطي أي تعقيل
رأى من الطب ما بقراط لم يره ... في برء كل سخيف العقل مخذول
عند السخيف به خبر وتجربة ... فقد رمى تحته ما عد بالفول
وقد حسا منه امراقا مفلفلة ... جشته شر الجشا من شر مأكول
وقد هجاه بهجو مؤلم وجع ... لا يشبه الشعر في نظم وتفصيل
فقل له إن جرى هجو بخاطره ... أذكر قيامك محلول السراويل
واذكر طوافك في الأسواق مفتضحا ... مجردا خاشعا في ذل معزول
واذكر عقوبة ما زورته سفها ... في السادة القادة الشم البهاليل
عصابة عظم الرحمن حرمتها ... وخصها منه إكراما بتبجيل
هم لباب الورى حقا وغيرهم ... عند الحقيقة ابقال الغرابيل
إن ابن توبة فيهم رافع علما ... من القضاء وممتاز بإكليل
قضى بتنكيل من لم يرع حقهم ... وحصن الحكم في هذا بتسجيل
الظهر قرطاسه والسوط يطلبه ... بئس الكتاب بعقد غير محلول(1063/1)
الشيب نبه ذا النهى فتنبها
الشيب نبه ذا النهى فتنبها ... ونهى الجهول فما استفاق ولا انتهى
بل زاد رغبة فتهافتت ... تبغي اللهى وكأن بها بين اللها
فإلى متى ألهو وأفرح بالمنى ... والشيخ أقبح ما يكون إذا لها
ما حسنه إلا التقى لا أن يرى ... صبا بألحاظ الجآذر والمها
أنى يقاتل وهو مفلول الظبا ... كابي الجواد إذا استقل تأوها
محق الزمان هلاله فكأنما ... أبقى له منه على قدر السها
فغدا حسيرا يشتهي أن يشتهي ... ولكم جرى طلق الجموح كما اشتهى
إن أن أواه وأجهش في البكا ... لذنوبه ضحك الظلوم وقهقها
ليست تنهنهه العظات ومثله ... في سنه قد آن أن يتنهنها
فقد اللدات وزاد غيا بعدهم ... هلا تيقظ بعدهم وتنبها
يا ويحه ما با له لا ينتهي ... عن غيه والعمر منه قد انتهى
قد كان من شيمتي الدها فتركته ... علما بأن من الدها ترك الدها
ولو انني أرضى الدناءة خطة ... لوددت أني كنت أحمق أبلها
فلقد رأيت البله قد بلغوا المدى ... وتجاوزوه وازدروا بأولي النهى
من ليس يسعى في الخلاص لنفسه ... كانت سعايته عليها لا لها
إن الذنوب بتوبة تمحى كما ... يمحو سجود السهو غفلة من سها(1064/1)
بصرت بشيبة وخطت نصلي
بصرت بشيبة وخطت نصلي ... فقلت له تأهب للرحيل
ولا يهن القليل عليك منها ... فما في الشيب ويحك من قليل
وكم قد ابصرت عيناك مزنا ... أصابك طلها قبل الهمول
وكم عاينت خيط الصبح يجلو ... سواد الليل كالسيف الصقيل
ولا تحقر بنذر الشيب واعلم ... بأن القطر يبعث بالسيول
فكم ممن مفارقه ثغام ... وأنجمه على فلك الأفول
تعوض من ذراع الخطو فترا ... ومن عضب بمفلول كليل
فكيف بمثله لمهاة رمل ... كأن وصالها نوم العليل
تطلب غير ما في الطبع صعب ... عليك فدع طلاب المستحيل
ولازم قرع باب الرب دأبا ... فإن لزومه سبب الدخول(1065/1)
تغازلني المنية من قريب
تغازلني المنية من قريب ... وتلحظني ملاحظة الرقيب
وتنشر لي كتابا فيه طيي ... بخط الدهر أسطره مشيبي
كتاب في معانيه غموض ... يلوح لكل أواب منيب
أرى الأعصار تعصر ماء عودي ... وقدما كنت ريان القضيب
أدال الشيب يا صاح شبابي ... فعوضت البغيض من الحبيب
وبدلت التثاقل من نشاطي ... ومن حسن النضارة بالشحوب
كذاك الشمس يعلوها اصفرار ... إذا جنحت ومالت للغروب
تحاربنا جنود لا تجارى ... ولا تلقى بآساد الحروب
هي الأقدار والآجال تأتي ... فتنزل بالمطبب والطبيب
تفوق أسهما عن قوس غيب ... وما أغراضها غير القلوب
فأنى باحتراس من جنود ... مؤيدة تمد من الغيوب
وما آسى على الدنيا ولكن ... على ما قد ركبت من الذنوب
فيا لهفي على طول اغتراري ... ويا ويحي من اليوم العصيب
إذا أنا لم أنح نفسي وأبكي ... على حوبي بتهتان سكوب
فمن هذا الذي بعدي سيبكي ... عليها من بعيد أو قريب(1066/1)
تفت ُ فؤادك الأيام فتَّا
لأبي إسحاق الألبيري
1. ... تفت ُ فؤادك الأيام فتَّا وتنحت جسمك الساعات نحتا
2. ... وتدعوك المنون دعاء صدق ألا ياصاح أنت أريد أنتا
3. ... أراك تحب عرساً ذات مالٍ أبتَّ طلاقها الأكياس بتَّا
4. ... تنام الدهر ويحك في غطيطٍ بها حتى إذا متَّ انتبهتا
5. ... فكم ذا أنت مخدوع وحتى متى لاترعوي عنها وحتى
6. ... أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى مافيه حظك إن عقلتا
7. ... إلى علم تكون به إماماً مطاعاً إن أمرت وإن نهيتا
8. ... ويجلو ما بعينك من عشاها ويهديك السبيل إذا ضللتا
9. ... وتحمل منه في ناديك تاجاَ ويكسوك الجمال إذا اعتريتا
10. ... ينالك نفعه مادمت حياً ويبقى ذخره لك إن ذهبتا
11. ... هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به المقاتل إن ضربتا
12. ... وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
13. ... يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا
14. ... فلو قد ذقت من حلواه طعماً لآثرت التعلم واجتهدتا
15. ... ولم يشغلك عنه هوى مطاع ولا دنيا بزخرفها فتنتا
16. ... ولا ألهاك عنه أنيق روض ولا خدر بربربه كُلِفتا
17. ... فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت وإن شربتا
18. ... فواظبه وخذ بالجد فيه فإن أعطى الإله قد انتفعتا
19. ... وإن أوتيت فيه طول باع وقال الناس أنك قد سبقتا
20. ... فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا
21. ... فرأس العلم تقوى الله حقا وليس بأن يقال لقد رأستا
22. ... وأحسن ثوبك الإحسان لا أن تُرى ثوب الإساءة قد لبستا
23. ... إذا مالم يفدك العلم خيراً فخير منه أن لو قد جهلتا
24. ... وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا
25. ... ستجني من ثمار العجز جهلاً وتصغر في العيون وإن كبرتا
26. ... وتفقد إن جهلت وأنت باقٍ وتوجد إن علمت وقد فُقدتا
27. ... وتذكر قولتي لك بعد حينٍ وتغبطها إذا عنها شُغلتا
28. ... وسف تعض من ندم عليها وما تغني الندامة إن ندمتا
29. ... إذا أبصرت صحبك في سماءٍ قد ارتفعوا عليك وقد سفلتا
30. ... فراجعها ودع عنك الهوينا فما بالبطء تدرك ما أردتا(1067/1)
31. ... ولا تحفل بمالك والْهُ عنه فليس المال إلا ما علمتا
32. ... وليس لجاهل في الناس معنى ولو مُلْك العراق له تَأتَّى
33. ... سينطق عنك علمك في نَديٍّ ويكتب عنك يوماَ إن كتبتا
34. ... وما يغنيك تشييد المباني إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
35. ... جعلت المال فوق العلم جهلاً لعمرك في القضية ما عدلتا
36. ... وبينهما بنص الوحي بَونٌ ستعلمه إذا (طه) قرأتا
37. ... لئن رفع الغني لواء مالٍ لأنت لواء علمك قد رفعتا
38. ... وإن جلس الغني على الحشايا لأنت على الكواكب قد جلستا
39. ... وإن ركب الجيادَ مسوّماتٍ لأنت مناهجَ التقوى ركبتا
40. ... ومهما افتض أبكارَ الغواني فكم بِكرٍ من الحكم افتضضتا
41. ... وليس يضرك الاقتار شيئاً إذا ما أنت ربك قد عرفتا
42. ... فماذا عنده لك من جميل إذا بفِناء طاعته أنختا
43. ... فقابل بالقبول صحيح نصحي فإن أعرضت عنه فقد خسرتا
44. ... و إن راعيته قولاً وفعلاً وتاجرت الإله فقد ربحتا
45. ... فليست هذه الدنيا بشيء تسوؤك حقبة وتسر وقتا
46. ... وغايتها إذا فكرت فيها كفيئك أو كحلمك إن حلمتا
47. ... سُجنت بها وأنت لها محبٌ فكيف تحب ما فيه سُجنتا
48. ... وتطعمك الطعام وعن قريب ستطعم منك ما منها طعمتا
49. ... وتعرى إن لبست بها ثياباً وتكسى إن ملا بسها خلعتا
50. ... وتشهد كل يوم دفن خَلًّ كأنك لا تراد بما شهدتا
51. ... ولم تُخلق لتعمرها ولكن لتعبرها فجِدَّ لما خُلقتا
52. ... وإن هُدمتْ فزدها أنت هدماً وشيّد أمر دينك ما استطعتا
53. ... ولا تحزن على ما فات فيها إذا ما أنت في أُخراك فزتا
54. ... فليس بنافع ما نلت منها من الفاني إذا الباقي حُرمتا(1067/2)
عج بالمطي على اليباب الغامر
عج بالمطي على اليباب الغامر ... واربع على قبر تضمن ناظري
فستستبين مكانه بضجيعه ... وينم منه إليك عرف العاطر
فلكم تضمن من تقى وتعفف ... وكريم أعراق وعرض طاهر
واقر السلام عليه من ذي لوعة ... صدعته صدعا ما له من جابر
فعساه يسمح لي بوصل في الكرى ... متعاهدا لي بالخيال الزائر
فأعلل القلب العليل بطيفه ... علي أوافيه ولست بغادر
إني لأستحييه وهو مغيب ... في لحده فكأنه كالحاضر
ارعى أذمته وأحفظ عهده ... عندي فما يجري سواه بخاطري
إن كان يدثر جسمه في رمسه ... فهواي فيه الدهر ليس بداثر
قطع الزمان معي بأكرم عشرة ... لهفي عليه من أبر معاشر
ما كان إلا ندرة لا أرتجي ... عوضا بها فرثيته بنوادر
ولو انني أنصفته في وده ... لقضيت يوم قضى ولم أستاخر
وشققت في خلب الفؤاد ضريحه ... وسقيته أبدا بماء محاجري
أجد الحلاوة في الفؤاد بكونه ... فيه وأرعاه بعين ضمائري
لسألت مغفرة له وتجاوزا ... عنه من الرب الجواد الغافر
أخلق ببمثلي أن يرى متطلبا ... حوراء ذات غدائر وأساور
مقصورة في قبة من لؤلؤ ... ذخرت ثوابا للمصاب الصابر
لخلت ذراعي وانفردت فإن أكن ... تاجرت فيها كنت أربح تاجر
ولئن حرمت ولم يفز قدحي بها ... فأنا لعمر الله أخسر خاسر
من جاوز الستين لم يجمل به ... شغل بجمل والرباب وغادر
بل شغله في زاده لمعاده ... فالزاد آكد شغل كل مسافر
والشيخ ليس قصاره إلا التقى ... لا أن يهيم صبابة بجاذر
نفرت طباع الغيد عنه كراهة ... ومن العناء علاقة بمنافر
هل يلتقي قرن بقرن في الوغي ... إلا بأزرق أو بعضب باتر
وإذا تقحم أعزل في مأزق ... كان الأسير ولم يكن بالآسر
ما يشتهي نهدا ولحظا فاترا ... إلا خلي في زمان فاتر
حسبي كتاب الله فهو تنعمي ... وتأنسي في وحشتي بدفاتري
أفتض أبكارا بها يغسلن من ... يفتضهن بكل معنى طاهر
وإذا أردت نزاهة طالعتها ... فأجول منها في أنيق زاهر
وأرى بها نهج الهداية واضحا ... ينجو به من ليس عنه بجائر
قد آن لي أن أستفيق وأرعوي ... لو أنني ممن تصح بصائري(1068/1)
فلكم أروح وأغتدي في غمرة ... مترددا فيها كمثل الحائر
وأرى شبابي ظاعنا في عسكر ... عني وشيبي وافدا بعساكر
فغدت مظفرة علي ولم تزل ... قدما معلاة قداح الظافر
ولقد رأيت من الزمان عجائبا ... جربتها بمواردي ومصادري
فوجدت إخوان الصفا بزعمهم ... يلقاك أمحضهم بعرض سابري
ولر بما قد شذ منهم نادر ... وأصولنا أن لا قياس بنادر
وإذا نبا بي منزل أو رانبي ... صفقت عنه كالعقاب الكاسر
فأجوب أرضا سهلها كحزونها ... عندي وأول قطرها كالآخر
ولقد عجبت لمؤمن في شدقه ... جرس كناقوس ببيعة كافر
لسن يهينم دائبا ولما يرى ... أن اللسان كمثل ليث هاصر
ولو أنني أدعو الكلام أجابني ... كاجابة المأسور دعوة آسر
لكن رأيت نبينا قد عابه ... من كل ثرثار وأشدق شاعر
فصمت إلا عن تقى ولربما ... قذفت بحار قريحتي بجواهر
ما استحسنوا طول الخطابة بل رأوا ... تقصيرها مهما ارتقوا بمنابر
ولما رأوا سرد الكلام بسائغ ... إلا لعبد قارىء أو ذاكر
فالعي في الإكثار لا في منطق ... يهدي إلى الألباب نفثة ساحر
ولقد أقول لبعض من هو عاذلي ... في القصد في شاني وليس بعاذري
لما رأيت الأرض أصبح ماؤها ... رنقا كفتني منه حسوة طائر
ولو أنني أرضى القذا في مشربي ... لكرعت كرعة ظامىء بهواجر
وعبرت بحر الرزق التمس الغنى ... حرصا عليه وكنت أمهر ماهر
لكنني عوضت منه عناية ... بقناعة وتجمل في الظاهر
فمن الغنى ما قد يضر بأهله ... والفقر عند الله ليس بضائر
ولقد أصبت من المطاعم حاجتي ... ومن الملابس فوق ما هو ساتري
وأنا لعمرك مكرم في جيرتي ... ومعظم ومبجل بعشائري
وغذا بميدان السباق سنلتقي ... فيرى الثقيل من الخفيف الضامر
واسوأتا إن كنت سكيتا به ... أرجو اللحاق على هجين عاثر(1068/2)
في خميسية الجاسر:
د. الهدلق يحاضر عن (قصيدة أبي إسحاق الالبيري إلى باديس الصنهاجي) ...
* تغطية: سعيد الدحيه الزهراني:
خميسية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في ضحى اليوم العاشر من شهر رجب لعام 1422ه كانت محاضرة بعنوان/ قصيدة أبي إسحاق الالبيري إلى باديس بن حيُّوس الصنهاجي دوافعها وتأثيرها. ل د. محمد الهدلق.
استهل المحاضرة الدكتور عبدالعزيز الهادي بالترحيب بالدكتور الهدلق. وبرواد الخميسية، ثم انتقل الى تقديم محاضر الملتقى الخميسي الدكتور محمد الهدلق، ذاكراً أهم دراساته الفكرية والثقافية مشيراً إلى المناصب التي شغلها في حياته العملية، منتهياً إلى دراسته أو بحثه الذي سيقدمه في ذلك اليوم ذاكراً أنه قد سبق نشره في عدد من المجلات.
لينتقل الحديث بعد ذلك إلى الدكتور الهدلق. حيث ذكر أن هذا البحث ليس بجديد. وقد سبق نشره في عدد من المجلات. إحداها قامت بنشره في عدد واحد مرتين. ما دفعني إلى أن ألقيه على مسامعكم هو أن أحد الإخوة رواد الخميسية قام بمهاتفتي طالباً مني ذلك، وها أنذا ألقيه عليكم.
عنوان البحث كما تعرفون هو / قصيدة أبي إسحاق الالبيري إلى باديس ابن حيُّوس الصنهاجي. دوافعها وتأثيرها على أهل غرناطة.
في هذا البحث لن أتناول القصيدة من الناحية الفنية، حيث إنني قمت بكتابة هذا البحث مشاركة في مؤتمر عقد في القاهرة منذ أربع سنوات. إحياءً لذكرى مستشرق إسباني اسمه/ إميليو قارسيا قومث. وهو صاحب اهتمامات بالدراسات الإسبانية فحرصت على أن تكون مشاركتي ذات علاقة به فاخترت هذه القصيدة.
بداية سأستهل بالتعريف بالشاعر أبي إسحاق. فهو شاعر زاهد اشتهر بقصيدة قالها مخاطباً بها صنهاجة، وزعيمها باديس ابن حيوس الصنهاجي الذي حكم غرناطة وما حولها في الفترة من 429 إلى 467.(1069/1)
أما غرض هذه القصيدة فهو أن الالبيري نظمها لتحريض حاكم غرناطة على كاتبه ووزيره اليهودي المعروف بابن النغرلة. ذلك الذي أطلق أيدي اليهود في غرناطة وقلدهم المناصب فآذوا المسلمين وأذلوهم. أما دوافع باديس إلى استخدام اليهود فكانت سياسية قصده الأول منها أن يأمن على مركزه السياسي من التهديد أو الإطاحة، فهو لو استخدم العرب فإن هناك من سيحاول الإطاحة به وإعادة الحكم الأموي.(1069/2)
فقام بتولية اليهودي ابن النغرلة وزيراً له. وقد كان هذا حاذقاً في تدبير شؤون الدولة حسن المعاملة للرعية. وبعد موته قام بتعيين ابنه يوسف خلفاً لأبيه. حيث سار في أول الأمر على نهج أبيه ثم بدأ يخطط في استئثار السلطة حيث جعل باديس يوكل إليه جميع مهامه وسلطته وهيأ له جميع وسائل الترف والتنعم والراحة. حينها بدأ التذمر يدب في الشارع الغرناطي من استئثار يوسف بالسلطة. ووصل الأمر إلى أن بدأ بلقين ابن باديس بن حيوس الصنهاجي التفكير في ابعاد يوسف لكن الأخير هذا كان إلى ما أراده بلقين أسرع.. حيث انه دبر له مكيدة بأن وضع له السم في طعام أكله بلقين فمات. فحزن عليه أبوه حزناً شديداً جعله يعتزل الناس. أما ابن النغرلة فقد استغل ضعف باديس وانصرافه عن شؤون الدولة فادعى على عدد من خصومه من المسلمين ومن اليهود بأنهم الذين دبروا قتل بلقين. ففتك بهم باديس، وفي ظل هذه الأحداث زادت حدة التذمر في الشارع الغرناطي فوصل أحد اتباع ابن عباد اسمه النايه إلى بلاط باديس فقربه منهم. فأخذ النايه يحرض باديس على ابن النغرله، لكن ابن النغرله تيقن لهذا الأمر. وقد ذكر ابن بسام ان ابن النغرله كان يهدف إلى أن يفل عرش الباديسي بالصمادحي لما كان يعلمه من كلاله وقلة استقلاله. إثر خطة دبرها وأحكمها ابن النغرله. وقد عزم ساعة أن يخلو له وجه ابن صمادح بعد باديس أن يتحرس بجانبه ويلحقه بصاحبه. أما تذمر الشارع الغرناطي فقد كان في تزايد وتعاظم لما كان يقوم به ابن النغرله من تمرد على الناس وعلى عقائدهم، حيث ذكر أنه كان يهزأ من المسلمين ولا يقيم لمشاعرهم وزناً إلى درجة أنه أقسم أن ينظم جميع آيات القرآن أشعاراً يتغنى بها.(1069/3)
عندما اشتدت وطأة الوزير ابن النغرله على أهل غرناطة أنكر ابي إسحاق على باديس ابن حيوس اتخاذه وزيراً يهودياً. كما أنكر على أهل غرناطة انقيادهم لذلك الوزير ورغبة من ابن النغرله في إسكات أي صوت يوجه ضده طلب من باديس أن ينفي أبي اسحاق من غرناطة وأن يخرجه منها. فخرج إلى قريته المسماة ب(حصن العقاب) ومن ذلك يقول:
...
ألفت العُقاب حذاري العقاب
وعفت الموارد خوف الذئاب ...
وفي هذا المنفى أو في غرناطة نظم أبو إسحاق الالبيري قصيدته الشهيرة التي خاطب فيها صنهاجة وزعيمها باديس وحرضه على الفتك بابن النغرله وهي:
...
ألا قل لصنهاجة أجمعين
بدور الزمان وأسد العرين
لقد زل سيدكم زلةً
تقر بها أعين الشامتين
تغير كاتبه كافراً
ولو شاء كان من المسلمين
معز اليهود به واتخوا
وتاهو وكانوا من الارذلين
ونالوا مناهم وجازوا المدى
فحان الهلاك وما يشعرون ...
إلى أن قال:
...
فلا ترضى فينا بأفعالهم
فأنت رهين بما يفعلون
وراقب إلهك في حزبه
فحزب الإله هم الغالبون ...
* * ü
أما تأثير هذه القصيدة فيبدوا أنها لم تصل إلى باديس لأنه كان محتجباً عن الناس. حيث كبر سنه، وهيأ له وزيره جميع الأمور التي تمكنه من الإنصراف عن الناس.
أما وإن كانت القصيدة قد وصلت إلى باديس، فهذا ما استبعده تماماً وإن وصلته حقيقة فإنها لم تؤثر فيه. لأنه لم يثبت تاريخياً أن باديس عمل شيئاً لكبح وزيره أو المتسلطين مثله.
أما صنهاجة فقد تأثرت بالقصيدة واشتهر الالبيري بها شهرة كبيرة.(1069/4)
كان ابن النغرله منغمساً في تدبير مؤامراته وذات ليلة جمع أعوانه ممن تآمروا معه على إتمام خطته ودخول ابن صمادح ومن ضمنهم عبد من عبيد باديس كان يضمر ولاءه لابن النغرله وهو يبطن الكراهية له وبعد أن شرب عملاء ابن النغرله ومن كان معه وأصبحوا في حالة السكر. سأل العبد عن باديس أهو مات وخرج يصرخ في الشوارع ويقول إن ابن النغرله قد قتل المظفر وإن باديس سيدخل مدينتكم الليلة فثار الناس على ابن النغرله اليهودي وطاردوه حتى ظفروا به وقتلوه. وبعدها أعمل المسلمون سيوفهم في اليهود حتى ذكر أن من قتل منهم آنذاك يقدر ب3000 يهودي.
أما تأثيرها وما أدت إليه من نتائج فإن المؤرخين الأوائل لم يذكروها كأحد الأسباب التي أدت إلى الثورة. غير أن المؤرخين المتأخرين يعدونها أحد أهم أسباب الثورة على ابن النغرله. وقد حظيت هذه القصيدة باهتمام عدد كبير من المستشرقين والدارسين العرب، حيث أشار إلى تساؤلات هؤلاء الدارسين حول تأثير القصيدة ودوافعها ونتائجها شارحاً رأيه الشخصي في تلك الدراسات مختتماً حديثه بالصلاة والسلام على رسول الله.
المداخلات لم تكن على نطاق واسع أو كما نعهدها في أعقاب الندوات والمحاضرات إلا من من عدد قليل من أساتذة الجامعات أمثال الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب الذي أشار إلى أهمية البحث ومدى عمقه وثرائه .
من جانب آخر تحدث عن العداء اليهودي للمسلمين منذ الأزمان القديمة كما ذكر أن هذه المحاولة اليهودية لإقامة دولة لهم على أرض عربية إسلامية قد تكون أولى المحاولات.
ثم جاءت مداخلة أخرى من الدكتور عبدالعزيز المانع ذكر فيها أنه وجد البحث في أحد المجلات وعندما قرأه وانتهى منه وجده مرة أخرى في نفس المجلة فقرأه للمرة الثانية مشيداً بمستوى البحث ومدى تفوقه وقوته متسائلاً عن العبد وكيفية ولائه لباديس وابن النغرله؟(1069/5)
وكانت المداخلة الأخرى من الأستاذ/ سعد العليان حيث تساءل عن مدى مصادقة هذه الحادثة للمقولة الشهيرة إن التاريخ يعيد نفسه في كثير من الأحيان.
أما الدكتور/ عبدالعزيز الهادي فقد جاءت مداخلته حول أن القصيدة هيجت الناس ورسمت صور الذل التي كانوا يعانونها ودفعتهم إلى الثورة، هل كانت تلك الثورة ثورة رعاع أم ثورة غيرة على الدين أم ماذا كانت؟
إجابات د. الهدلق جاءت كما يلي:
فيما يخص اقامة دولة لليهود فقد حرصت على هذا أشد الحرص وقمت بالبحث عن هذا ولم أجد ما يشير إليه نهائياً.
أما عن العبد الذي اشعل نار الثورة فهو في حقيقته موالياً لباديس ولكنه عندما أغري بالمال لم ير بداً من التحالف مع ابن النغرله. عندما أصبح في حالة سكر كاملة عاد إلى ولائه الجوهري لباديس وخرج يصرخ بالناس ويشيع فيهم خبر قتل باديس وما إليه.
ما يخص مداخلة العليان أقول بلا شك ليتنا نتعظ من التاريخ ونستفيد منه.
واختتم تعليقاته بإيجاز لعدد مما قيل متطرقاً إلى بعض النقاط بشيء عن التفصيل.
ليختتم د. الهادي الملتقى الخميسي بالشكر لسعادة د/ محمد الهدلق وكل من شارك في إنجاحها سواء بالمداخلة أو الحضور.
مشيراً إلى ملتقى الأسبوع الذي يلي تاريخ هذا الأسبوع بأنه سيكون عن مقابلة للشيخ حمد الجاسر رحمه الله. لم يسبق وأن أذيعت أو نشرت.
...(1069/6)
قالوا ألا تستجد بيتا
قالوا ألا تستجد بيتا ... تعجب من حسنه البيوت
فقلت ما ذلكم صواب ... حفش كثير لمن يموت
لولا شتاء ولفح قيظ ... وخوف لص وحفظ قوت
ونسوة يبتغين سترا ... بنيت بنيان عنكبوت
وأي معنى لحسن مغنى ... ليس لأربابه ثبوت
ما أوعظ القبر لو قبلنا ... موعظة الناطق الصموت
يوحي إلى ممتطي الحشايا ... مالك من مضجعي عميت
نسيت يومي وطول نومي ... وسوف تنسى كما نسيت
وشدت يا هادمي قصورا ... نعمت فيهن كيف شيت
معتنقا للحسان فيها ... مستنشقا مسكها الفتيت
تسحب ذيل الصبا وتلهو ... بآنسات يقلن هيت
فاذكر مهادي الى التنادي ... وامهد له قبل أن يفوت
فعن قريب تكون طعمي ... سخطت يا صاح أم رضيت(1070/1)
قد بلغت الستين ويحك فاعلم
قد بلغت الستين ويحك فاعلم ... أن ما بعدها عليك تلوَّم
فإذا ما انقضت سنوك وولت ... فصل الحاكم القضاء فأبرم
أنت مثل السجل ينشر حينا ... ثم يطوى من بعد ذاك ويختم
كيف يلتذ بالحياة لبيب ... فوقت نحوه المنية أسهم
ليس يدري متى يفاجيه منها ... صائب يقصف الظهور ويقصم
ما لغصني ذوى وكان نظيرا ... ولظهري انحنى وكان مقوم
ولحدي نبا وكان مبيرا ... ولجيشي انثنى وكان عرمرم
ولدهري أدال شرخ شبابي ... بمشيب عند الحسان مذمم
فأنا اليوم عن هواهن سال ... وقديما بهن كنت متيم
لو بروق الزمان ينطح يوما ... ركن ثهلان هده فتهدم
نحن في منزل الفناء ولكن ... هو باب إلى البقاء وسلم
ورحى الموت تستدير علينا ... أبدا تطحن الجميع وتهشم
وأنا موقن بذاك عليم ... وفعالي فعال من ليس يعلم
وكذا امتطي الهوينا إلى أن ... أتوفى فعند ذلك أندم
فعسى من له أعفر وجهي ... سيرى فاقتي إليه فيرحم
فشفيعي إليه حسن ظنوني ... ورجائي له وأني مسلم
وله الحمد أن هداني لهذا ... عدد القطر ما الحمام ترنم
وإليه ضراعتي وابتهالي ... في معافاة شيبتي من جهنم(1071/1)
كأني بنفسي وهي في السكرات
كأني بنفسي وهي في السكرات ... تعالج أن ترقى إلى اللهوات
وقد زم رحلي واستقلت ركائبي ... وقد آذنتني بالرحيل حداتي
إلى منزل فيه عذاب ورحمة ... وكم فيه من زجر لنا وعظات
ومن أعين سالت على وجناتها ... ومن أوجه في التراب منعفرات
ومن وارد فيه على ما يسره ... ومن وارد فيه على الحسرات
ومن عاثر ما إن يقال له لعا ... على ما عهدنا قبل في العثرات
ومن ملك كان السرور مهاده ... مع الآنسات الخرد الخفرات
غدا لا يذود الدود عن حر وجهه ... وكان يذود الأسد في الأجمات
وعوض أنسا من ظباء كناسه ... وأرامه بالرقش والحشرات
وصار ببطن الأرض يلتحف الثرى ... وكان يجر الوشي والحبرات
ولم تغنه أنصاره وجنوده ... ولم تحمه بالبيض والأسلات
ومما شجاني والشجون كثيرة ... ذنوب عظام أسبلت عبراتي
وأقلقني أني أموت مفرطا ... على أنني خلفت بعد لداتي
وأغفلت أمري بعدهم متثبطا ... فيا عجبا مني ومن غفلاتي
إلى الله أشكو جهل نفسي فإنها ... تميل إلى الراحات والشهوات
ويا رب خل كنت ذا صلة له ... يرى أن دفني من أجل صلاتي
وكنت له أنسا وشمسا منيرة ... فأفردني في وحشة الظلمات
سأضرب فسطاطي على عسكر البلى ... وأركز فيه للنزول قناتي
وأركب ظهرا لا يؤوب براكب ... ولا يمتطى إلا إلى الهلكات
وليس يرى إلا بساحة ظاعن ... إلى مصرع الفرحات والترحات
يسير أدنى الناس سيرا كسيره ... بأرفع منعي من السروات
فطورا تراه يحمل الشم والربا ... وطورا تراه يحمل الحصيات
ورب حصاة قدرها فوق يذبل ... كمقبول ما يرمى من الجمرات
وكل صغير كان لله خالصا ... يربي على ما جاء في الصدقات
ولكنه يرجى لمن مات محسنا ... ويخشى على من مات في غمرات
وما اليوم يمتاز التفاضل بينهم ... ولكن غدا يمتاز في الدرجات
إذا روع الخاطي وطار فؤاده ... وأفرخ روع البر في الغرفات
وما يعرف الإنسان أين وفاته ... أفي البر أم في البحر أم بفلاة
فيا إخواتي مهما شهدتم جنازتي ... فقوموا لربي واسألوه نجاتي
وجدوا ابتهالا في الدعاء وأخلصوا ... لعل إلهي يقبل الدعوات(1072/1)
وقولوا جميلا إن علمتم خلافه ... وأغضوا على ما كان من هفواتي
ولا تصفوني بالذي أنا أهله ... فأشقى وحلوني بخير صفات
ولا تتناسوني فقدما ذكرتكم ... وواصلتكم بالبر طول حياتي
وبالرغم فارقت الأحبة منكم ... ولما تفارقني بكم زفراتي
وإن كنت ميتا بين أيديكم لقى ... فروحي حي سامع لنعاتي
أناجيكم وحيا وإن كنت صامتا ... ألا كلكم يوما إلي سياتي
وليس يقوم الجسم إلا بروحه ... هو القطب والأعضاء كالأدوات
ولابد يوما أن يحور بعينه ... ليجزى على الطاعات والتبعات
وإلا أكن أهلا لفضل ورحمة ... فربي أهل الفضل والرحمات
فما زلت ارجو عفوه وجنانه ... وأحمده في اليسر والأزمات
وأسجد تعظيما له وتذللا ... وأعبده في الجهر والخلوات
ولست بممتن عليه بطاعتي ... له المن في التيسير للحسنات(1072/2)
كل امرىء فيما يدين يدان
كل امرىء فيما يدين يدان ... سبحان من لم يخل منه مكان
يا عامر الدنيا ليسكنها وما ... هي بالتي يبقى بها سكان
تفنى وتبقى الأرض بعدك مثلما ... يبقى المناخ وترحل الركبان
أأسر في الدنيا بكل زيادة ... وزيادتي فيها هي النقضان(1073/1)
كم آمن للمنون لاه
كم آمن للمنون لاه ... عن الردى بات مطمئنا
صبحه وافد المنايا ... فعاين الموت حين عنا
حتى إذا ما قضى بكاه ... حميمه معولا مرنا
واروه في لحده وسنوا ... العليه قيد التراب سنا
وانتهبوا ماله وشنوا ... الغارات فيما حواه شنا
لمثل هذا فكن معدا ... ما قد اعد الهداة منا
وارتقب الموت فهو حتم ... يخترم الطفل والمسنا(1074/1)
لا قوة لي يا ربي فأنتصر
لا قوة لي يا ربي فأنتصر ... ولا براءة من ذنبي فأعتذر
فإن تعاقب فأهل للعقاب وإن ... تغفر فعفوك مأمول ومنتظر
إن العظيم إذا لم يعف مقتدرا ... عن العظيم فمن يعفو ويقتدر(1075/1)
لو كنت في ديني من الإبطال
لو كنت في ديني من الابطال ... ما كنت بالواني ولا البطال
ولبست منه لأمة فضاضة ... مسرودة من صالح العمال
لكنني عطلتأقواس التقى ... من نبلها فرمت بغير نبال
ورمى العدو بسهمه فأصابني ... إذا لم احصن جنة لنضال
فأنا كمن يلقى الكتبية اعزلا ... في مأزق متعرضا لنزال
لولا رجاء العفو كنت كناقع ... برح الغليل برشف لمع الآل
شاب القذال فآن لي أن أرعوي ... لو كنت متعظا بشيب قذال
ولو انني مستبصرا إذ حل بي ... لعلمت أني حلولة ترحالي
فنظرت في زاد لدار إقامتي ... وسألت ربي أن يحل عقالي
فلكم هممت بتوبة فمنعتها ... إذ لم أكن أهلا لها وبدالي
ويعز ذاك علي إلا أنني ... متقلب في قبضة المتعالي
ووصلت دنيا سوف تقطع شأفتي ... بأفول انجمها وخسف هلالي
شغلت مفتن أهلها بفتونها ... ومن المحال تشاغل بمحال
لا شيء أخسر صفقة من عالم ... لعبت به الدنيا مع الجهال
فغدا يفرق دينه أيدي سبا ... ويزيله حرصا لجمع المال
لا خير في كسب الحرام وقلما ... يرجى الخلاص لكاسب لحلال
ما إن سمعت بعائل تكوى غدا ... بالنار جبهته على الإقلال
وإذا اردت صحيح من يكوى بها ... فاقرأعقيبة سورة الأنفال
ما يثقل الميزان إلا بامرىء ... قد خف كاهله من الأثقال
فخد الكفاف ولا تكن ذا فضلة ... فالفضل تسأل عنه أي سؤال
فهم وأنت وفقرنا وغناهم ... لا يستقر ولا يدوم بحال
وطف البلاد لكي ترى آثار من ... قد كان يملكها من الأقيال
عصفت بهم ريح الردى فذرتهم ... ذرو الرياح الهوج حقف رمال
وتزلزلت بهم المنابر بعد ما ... ثبتت وكانوا فوقها كجبال
واحبس قلوصك ساعة بطلولهم ... واحذر عليك بها من الأغوال
فلكم بها من أرقم صل وكم ... قد كان فيها من مها وغزال
ولكم غدت منها وراحت حلبة ... للحرب يقدمها ابو الأشبال
فتقطعت أسبابهم وتمزقت ... ولقبل ما كانوا كنظم لآل
وإذا أتيت قبورهم فاسألهم ... عما لقوا فيها من الأهوال
فسيخبرونك إن فهمت بحالهم ... بعبارة كالوحي لا بمقال
من لا يراقب ربه ويخافه ... تبت يداه وما له من وال(1076/1)
ما أميل النفس إلى الباطل
ما أميل النفس إلى الباطل ... وأهون الدنيا على العاقل
ترضي الفتى في عاجل شهوة ... لو خسر الجنة في الآجل
يبيع ما يبقى بما ينفضي ... فعل السفينة الأحمق الجاهل
يا من رأى لي واصلا مرشدا ... وانني أكلف بالواصل
يا من رأى لي عالما عاملا ... فألزم الخدمة للعامل
أم من رأى عالما ساكتا ... وعقله في عالم جائل
يسرح في زهر رياض النهى ... ليست كروض ماحل ذابل
يا رب قلب كجناح هفت ... قد غاب في بحر بلا ساحل
يصرف الخطرة مذعورة ... مما يرى من منظر هائل
آه لسر صنته لم أجد ... خلفا له قط بمستاهل
هل يقظ يسألني علني ... أكشفه لليقظ السائل
قد يرحل المرء لمطلوبه ... والسبب الكطلوب في الراحل
لو شغل المرء بتركيبه ... كان به في شغل شاغل
وعاين الحكمة مجموعة ... ماثلة في هيكل ماثل
يا أيها الغافل عن نفسه ... ويك أفق من سنة الغافل
وانظر إلى الطاعة مشهورة ... في الفلك الصاعد والنازل
والحظ بعينيك أديم السما ... من طالع فيها ومن آفل
كل على مسلكه لا يرى ... عن ذلك المسلك بالمائل
لو دبرت أنفسها لم تغب ... واطلع الناقص كالكامل
وانظر إلى المزنة مشحونة ... مثقلة الكاهل كالبازل
تحن من شوق إلى وقفة ... أو خطرة بالبلد الماحل
فسر هذا الشأن لا ينجلي ... إلا لعبد مخلص فاضل(1077/1)
ما توج الملك إلا بابن سلمان
ما توج الملك إلا بابن سلمان ... ولا يشد سواه أزر سلطان
ما الريح في سيرها تحكي عزائمه ... إلا الجياد إذا جدت بأقران
كانت جزيرتنا من قبل أندلسا ... فمذ نشأت بها فهي العراقان
نهدي إليك القوافي وهي طيبة ... كالراح تهدى زفافا بين خلان
مالي تلاحظني عين الخطوب وقد ... أسندت منك إلى ركن كثهلان
وكيف يشكو الصدى مثلي على مقتي ... وماؤك الغمر يروي كل ظمآن
أم كيف يطمح شيطان إلى افقي ... ومن سمائك يرمى كل شيطان
بل كيف يغمرني إنسان أعينهم ... وأنت لي وزر من كل إنسان
نبه أبا حسن للمعضلات ونم ... نوم العروس على روح وريحان(1078/1)
ما عناء الكبير بالحسناء
ما عناء الكبير بالحسناء ... وهو مثل الحباب فوق الماء
يتصابى ولات حين تصاب ... بعيون المها وسرب الظباء
ولعمري لما تحب فتاة ... يفنا لو غدا من الخلفاء
وتحب الفتى الرقيق الحواشي ... حب ذي الجدب صادق الأنواء
كيف لا وهو يهنأ النقب منها ... بهناء يزيد في البرحاء
لحكاها لطافة وحكته ... فهما في الهوى كمزج الهواء
لا كصاد أناخ عند قليب ... دون دلو يدلي به ورشاء
يلحظ الماء حسرة وهو منه ... متدان في حالة المتنائي
كل قرن يعد سيفا كليلا ... للقاء يخونه في اللقاء
فمن الرأي أن تكون جبانا ... سامريا يدين بالانزواء
عجبا كم رأيت مالا مصونا ... وفؤادا نهبا بأيدي النساء
وإذا حازم على المال أبقى ... فقواه أحق بالإبقاء
فتساوى الرجال في مثل هذا ... فالمجانين فيه كالعقلاء
أي خير لوالد في بنيه ... وهو عنهم يفر يوم الجزاء
والتقي الموفق البر منهم ... عدم كالسماع بالعنقاء
وإذا ما الأديب شبه فيهم ... جر أذياله من الخيلاء
وازدرى بالشيوخ واعترض الدأ ... ماء جهلا بنفثة الرقاء
ذنب أبتر لعمرك خير ... من طويل يجر في الأقذاء
ومن الغبن هجر دار خلود ... وبقاء ووصل دار الفناء
واشتغال بفرتنى وبلبنى ... وبدعد عن خطبة الحوراء
ولئن عاد ليل رأسي صبحا ... ووشى بي شيبي إلى الحسناء
إن عودي لعاجميه لصلب ... وفؤادي كصارم مضاء
وأقضي لبانتي وأروي ... عامل الرمح من دم العذراء
وأنا قرة لعين صديقي ... وقذى في محاجر الأعداء
هذبتني نوائب الدهر حتى ... صرت كالوصل بعد طول الجفاء
فسفيني تجري بأطيب ريح ... لا بريح ضعيفة نكباء
بعلي بن توبة فاز قدحي ... وسمت همتي على الجوزاء
فهنيئا لنا وللدين قاض ... مثله عالم بفصل القضاء
يحسم الأمر بالسياسة والعدل ... ل كحسم الحسام للأعداء
لو إياس يلقاه قال اعترافا ... غلط الواصفون لي بالذكاء
ولو أن الدهاة من كل عصر ... خبروه دانوا له بالدهاء
أو رأى أحنف أو احلم منه ... حلمه ما انتموا إلى الحلماء
لو رأى أحنفت أو احلم منه ... حلمه ما انتموا إلى الحلماء(1079/1)
لو رأى المنصفون بحر نداه ... جعلوا حاتما من البخلاء
هو أوفى من السموءل عهدا ... ولما زال معرما بالوفاء
وحيا المزن ذو حياء إذا ما ... هملت كفه بوبل العطاء
يشهد العالمون في كل فن ... أنه كالشهاب في العلماء
وقضاة الزمان أرض لديه ... وهو من فوقهم كأفق السماء
لتعرضت مدحه فكأني ... رمت بحرا مساجلا بالدلاء
فأنا مفحم على أن خيلي ... لا تجارى في حلبة الشعراء
لكساني بمجده ثوب فخر ... طال حتى جررته من ورائي
ولو انصفته وذاك قليل ... كان خدي لرجله كالحذاء
فأنا عبده وذاك فخاري ... وجمالي بين الورى وبهائي
وثنائي وقف عليه وشكري ... ودعائي له بطول البقاء(1079/2)
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك ... لا أن تجر به مستكبرا حللك
كم من جديد ثياب دينه خلق ... تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
وكم مرقع أطمار جديد تقى ... بكت عليه السما والأرض حين هلك
ما ضر ذلك طمراه ولا نفعت ... هذا حلاه ولا أن الرقاب ملك(1080/1)
من ليس بالباكي ولا المتباكي
من ليس بالباكي ولا المتباكي ... لقبيح ما يأتي فليس بزاك
نادت بي الدنيا فقلت لها اقصري ... ما عد في الأكياس من لباك
ولما صفا عند الإله ولا دنا ... منه امرؤ صافاك أو داناك
ما زلت خادعتى ببرق خلب ... ولو اهتديت لما انخدعت لذاك
قالت أغرك من جناحك طوله ... وكأن به قد قص في أشراكي
تالله ما في الأرض موضع راحة ... إلا وقد نصبت عليه شباكي
طر كيف شئت فأنت فيها واقع ... عان بها لا يرتجى لفكاك
من كان يصرع قرنه في معرك ... فعلي صرعته بغير عراك
ما أعرف العضب الصقيل ولا القنا ... ولقد بطشت بذي السلاح الشاكي
فأجبتها متعجبا من غدرها ... أجزيت بالبغضاء من يهواك
لأجلت عيني في نبيك فكلهم ... أسراك أو جرحاك أو صرعاك
لو قارضوك على صنيعك فيهم ... قطعوا مدى أعمارهم بقلاك
طمست عقولهم ونور قلوبهم ... فتها فتوا حرصا على حلواك
فكأنهم مثل الذباب تساقطت ... في الأري حتى استؤ صلوا بهلاك
لا كنت من أم لنا أكالة ... بعد الولادة ماأقل حياك
ولقد عهدنا الأم تلطف بابنها ... عطفا عليه وأنت ما أقساك
ما فوق ظهرك قاطن أو ظاعن ... إلا سيهشم في ثفال رحاك
أنت السراب وأنت داء كامن ... بين الضلوع فما أعز دواك
يعصى الأله إذا أطعت وطاعتي ... لله ربي أن أشق عصاك
فرض علينا برنا أماتنا ... وعقوقهن محرم إلاك
ما إن يدوم الفقر فيك ولا الغنى ... سيان فقرك عندنا وغناك
أين الجبابرة الألى ورياشهم ... قد باشروا بعد الحرير ثراك
ولطالما ردوا بأردية البها ... فتعوضوا منها رداء رداك
كانت وجوههم كأقمار الدجا ... فغدت مسجاة بثوب دجاك
وعنت لقيوم السماوات العلا ... رب الجميع وقاهر الأملاك
وجلال ربي لو تصح عزائمي ... لزهدت فيك ولا بتغيب سواك
وأخذت زادي منك من عمل التقى ... وشددت غيماني بنقض عراك
وحططت رحلي تحت ألوية الهدى ... ولما رآني الله تحت لواك
مهلا عليك فسوف يلحقك الفنا ... فترى بلا أرض ولا أفلاك
ويعيدنا رب أمات جميعنا ... ليكون يرضي غير من أرضاك
والله ماالمحبوب عند مليكه ... إلا لبيب لم يزل يشناك(1081/1)
هجر الغواني واصلا لعقائل ... يضحكن حبا للولي الباكي
إني أرقت لهن لا لحمائم ... تبكى الهديل على غصون أراك
لا عيش يصفو للملوك وإنما ... تصفو وتحمد عيشة النساك
ومن الإله على النبي صلاته ... عدد النجوم وعدة الأملاك(1081/2)
وذي غنى أوهمته همته
وذي غنى أوهمته همته ... أن الغنى عنه غير منفصل
فجر أذيال عجبه بطرا ... واختال للكبرياء في حلل
بزته أيدي الخطوب بزته ... فاعتاض بعد الجديد بالسمل
فلا تثق بالغنى فآفته ... الفقر وصرف الزمان ذو دول
كفى بنيل الكفاف منه غنى ... عنه فكن فيه غير محتفل(1082/1)
ويل لأهل النار في النار
ويل لأهل النار في النار ... ماذا يقاسون من النار
تنقد من غيظ فتغلي بهم ... كمرجل يغلي على النار
فيستغيثون لكي يعتبوا ... ألا لعا من عثرة النار
وكلهم معترف نادم ... لو تقبل التوبة في النار
يهوي بها الأشقى على رأسه ... فالويل للأشقى من النار
فتارة يطفو على جمرها ... وتارة يرسب في النار
وكلما رام فرارا بها ... فر من النار إلى النار
يطوف من أفعى إلى أرقم ... وسمها أقوى من النار
وكم بها من أرقم لا يني ... يلسع من يسحب في النار
لا راحة فيها ولا فترة ... هيهات لا راحة في النار
أنفاسها مطبقة فوقهم ... وهكذا الأنفاس في النار
سبحان من يمسك أرواحهم ... في الدرك الأسفل في النار
ولو جبال الأرض تهوي بها ... ذابت كذوب القطر في النار
طوبى لمن فاز بدار التقى ... ولم يكن من حصب النار
وويل من عمر دهرا ولم ... يرحم ولم يعتق من النار
يا أيها الناس خذوا حذركم ... وحصنوا الجنة للنار
فإنها من شر أعدائكم ... ما في العدا أعدى من النار
وأكثروا من ذكر مولاكم ... فذكره ينجي من النار
وا عجبا من مرح لا عب ... يلهو ولا يحفل بالنار
يوقن بالنار ولا يرعوي ... كأنه يرتاب في النار
وهو بها في خطر بين ... لو كاس ما خاطر بالنار
إن الألباء هم قلة ... فروا إلى الله من النار
وطلقوا الدنيا بتاتا ولم ... يلووا عليها حذر النار
وأبصروا من عيبها أنها ... فتانة تدعو إلى النار
فطابت الأنفس منهم بأن ... أمنهم من فزع النار
والله لو أعقل لم تكتحل ... بالنوم عيني خيفة النار
ولا رقا دمعي ولا علم ... لي أني في أمن من النار
ولم أرد ماء ولا ساغ لي ... إذا ذكرت المهل في النار
ولم أجد لذة طعم إذا ... فكرت في الزقوم في النار
أي التذاذ بنعيم إذا ... أدى إلى الشقوة في النار
أم أي خير في سرور إذا ... أعقب طول الحزن في النار
ففكروا في هولها واحذروا ... ما حذر الله من النار
فإنها راصدة أهلها ... تدعهم دعا إلى النار
فليس مثلي طالبا حبة ... إلا المعافاة من النار
وطالما استرحمته ضارعا ... يا رب حرمني على النار(1083/1)
فأنت مولاي ولا رب لي ... غيرك أعتقني من النار
ولم تزل تسمعني قائلا ... أعوذ بالله من النار(1083/2)
يا أيها المغتر بالله
1. يا أيها المغتر بالله ... فر من الله إلى الله
2. ولذ به واسأله من فضله ... فقد نجا من لاذ بالله
3. وقم له الليل في جنحه ... فحبذا من قام لله
4. وأتل من الوحي ولو آية ... تكسى بها نورا من الله
5. وعفر الوجه له ساجدا ... فعو وجه ذل من الله
6. فما نعيم كمناجاته ... لقانت يخلص لله
7. وابعد عن الذنب ولا تاته ... فبعد قرب من الله
8. يا طالبا جاها بغير التقى ... جهلت ما يدني من الله
9. لا جاه يوم القضا ... إذ ليس حكم لسوى الله
10. وصار من يسعد في جنة ... عالية في رحمة الله
11. يسكن في الفردوس في قبة ... من لؤلؤ في جيزة الله
12. ومن يكن يقضى عليه الشقا ... في جاحم في سخط الله
13. يسحب في النار على وجهه ... بسابق الحكم من الله
14. يا عجبا من موقن بالجزا ... وهو قليل الخوف لله
15. كأنه قد جاءه مخبر ... بأمنه من قبل الله
16. يا رب جبار شديد القوى ... أصابه سهم من الله
17. فأنفذ المقتل منه وكم ... أصمت وتصمي أسهم الله
18. وغاله الدهر ولم تغنه ... أنصاره شيئا من الله
19. واستل قسرا من قصور إلى ... ال أجداث واستسلم لله
20. مرتهنا فيها بما قد جنى ... يخشى عليه غضب الله
21. ليس له حول ولا قوة ... الحول والقوة لله
22. يا صاح سر في الأرض كيما ترى ... ما فوقها من عبر الله
23. وكم لنا من عبرة تحتها ... في أمم صارت إلى الله
24. من ملك منهم ومن سوقة ... حشرهم هين على الله
25. والحظ بعينك أديم السما ... وما بها من حكمة الله
26. ترى بها الأفلاك دوارة ... شاهدة بالملك لله
27. ما وقفت مذ اجريت لمحة ... أو دونها خوفا من الله
28. وما عليها من حساب ولا ... تخشى الذي يخشى من الله
29. وهي وما غاب وما قد بدا ... من آية في قبضة الله
30. وما تسمى أحد في السما ... والأرض غير الله بالله
31. إن الحمد حمى الله منيع فما ... يقرب شيء من حمى الله
32. لا شيء في الأفواه أحلى من ... الت وحيد والتمجيد لله
33. ولا اطمأن القلب إلا لمن ... يعمره بالذكر لله(1084/1)
34. وإن رأى في دينه شبهة ... أمسك عنها خشية الله
35. أو عرضته فاقة أو غنى ... لاقاهما بالشكر لله
36. ومن يكن في هديه هكذا ... كان خليقا برضى الله
37. وكان في الدنيا وفي قبره ... وبعده في ذمة الله
38. وفي غد تبصره آمنا ... لخوفه اليوم من الله
39. ما أقبح الشيخ الذي إذا ما صبا ... وعاقه الجهل عن الله
40. وهو من العمر على بازل ... يحمله حثا الى الله
41. هلا اذا أشفى رأى شيبه ... ينعاه فاستحيى من الله
42. كأنما رين على قلبه ... فصار محجوبا عن الله
43. ما يعذر الجاهل في جهله ... فضلا عن العالم بالله
44. داران لا بد لنا منهما ... بالفضل والعدل من الله
45. ولست أدري منزلي منهما ... لكن توكلت على الله
46. فاعجب لعبد هذه حاله ... كيف نبا عن طاعة الله
47. واسوأتا إن خاب ظني غدا ... ولم تسعني رحمة الله
48. كم سوءة مستورة عندنا ... يكشفها العرض على الله
49. في مشهد فيه جميع الورى ... قد نكسوا الأذقان لله
50. وكم ترى من فائز فيهم ... جلله ستر من الله
51. فالحمد لله على نعمة ... الإسلم ثم الحمد لله(1084/2)
يضيع مفروض ويغفل واجب
يضيع مفروض ويغفل واجب ... وإني على أهل الزمان لعاتب
أتندب أطلال البلاد ولا يرى ... لإلبيرة منهم على الأرض نادب
على أنها شمس البلاد وأنسها ... وكل سواها وحشة وغياهب
وكم من مجيب كان فيها لصارخ ... تجاب إلى جدوى يديه السباسب
وكم من نجيب أنجبته وعالم ... بأبوابهم كانت تناخ الركائب
وكم بلغت فيها الأماني وقضيت ... لصب لبانات بها ومآرب
وكم طلعت منها الشموس وكم مشت ... على الأرض أقمار بها وكواكب
وكم فرست فيها الظباء ضراغما ... وكم صرعت فيها الكماة كواعب
لعهدي بها مبيضة الليل فاعتذت ... وأيامها قد سودتها النوائب
وما كان فيها غير بشرى وأنعم ... فلم يبق فيها الآن إلا المصائب
غدت بعد ربات الحجال قصورها ... يبابا تغاديها الصبا والجنائب
فآه ألوفا تقتضي عدد الحصا ... على عهدها ما عاهدتها السحائب
عجبت لما ادري بها من عجيبة ... فياليت شعري أين تلك العجائب
وما فعلت أعلامها وفئامها ... وأرامها أم أين تلك المراتب
وأين بحار العلم والحلم والندى ... وأين الأكف الهاميات السواكب
شققنا على من مات منهم جيوبنا ... وكان قليلا أن تشق الترائب
وإن فقدت أعيانهم فلتوجدن ... مدى الدهر أفعال لهم ومناقب
وقد بقيت في الأرض منهم بقية ... كأنهم فيها نجوم ثواقب
فلله ثاويهم ولله حيهم ... فكل جواد باهر الفضل واهب
لساءلت عنهم رسمها فأجابني ... ألا كل شيء ما خلا الله ذاهب
يخاطبنا أن قد أخذت بذنبكم ... وما أحد منكم عن الذنب تائب
وأن قد قست اكبادكم وقلوبكم ... وما منكم داع إلى الله راغب
لشكلكم أولى وأجدر بالبكا ... على مثله حقا تقوم النوادب(1085/1)
أنت النبي لا كذب
أنت النبي لا كذب ... أنت ابن عبد المطلب
خذ بيدي عل إلى القصد ... بخير أنقلب
وداو قلبي بالهدى ... إني إليك أنتسب
حاشاك أن ترد من ... أضحى عليك ينحسب
وقد أتاك راجيا ... فيض نداك المنسكب
وقد دعاك خائفا ... بلهف قلب مضطرب
غوثاه يا سر الورى ... يا حاضرا متى ندب
يا علم العز الذي ... في الرفرف الأعلى نصب
وستر برهان على ... خدر الخفايا قد ضرب
وسطر علم سره ... في لوح تعظيم كتب
وملجأ عند البلا ... لدفعة الكرب طلب
أدرك فأنت المرتجى ... والمستغاث المنتدب
واملأ بفضل دلو ... مالي إلى عقد الكرب
وقل منحت ما تشا ... فمن أتاك لم يخب
ألوذ فيك دائما ... لكل هول ملتهب
وأنت لي نعم الحمى ... يا صاحب بالصدر الرحب
أدعوك يا عين العمي ... أجب أجب أجب أجب
أنت النبي لا كذب ... أنت ابن عبد المطلب(1086/1)
أواه من ألم الفراق لأنه
أواه من ألم الفراق لأنه ... داء جسيم يا له من داء
لم يشفه إلا اللقاء ولم يزل ... يخفيه خوف شماتة الأعداء
للعارفين إذا تعاظم كربهم ... هرع لساحة كوكب البطحاء
سر الوجود إمام أهل الجود عنوان ... الشهود وسيد الشفعاء
عين العيون الجوهر المكنون كشاف ... المهمة ملجأ الضعفاء
باب الهدى والخير والأفراح دافع ... كل خوف مزعج وقضاء
أرجو به الفرج القريب لأنني ... عظمت علي بليتي وعنائي
هو سلم المدد الخفي وصاحب القدر ... العلي ومأمل الفقراء
ظني به الظن الجميل ولن أرى ... إلاه في كل الأمور حمائي
وبه لجأت بذلتي وبزلتي ... وبحمل وزر كالجبال ورائي
وبهم عصر آه من أوقاته ... وبهم أعداء وفقد إخاء
حاشاه أن يرضى بردي إنه ... بحر الرجاء ومسبغ النعماء
وبه يلوذ المرسلون وظله الظل الظليل الوارف الآلاء
صلى عليه الله ما نشر الدجى ... وأتى الصباح بطلعة غراء
وعلى بنيه الطيبين وصحبه ... وعلى الخصوص البضعة الزهراء
وعلى جميع التابعين وآلهم ... والأولياء الخلص النجباء
والقائمين بحفظ عهد طريقهم ... وبنيهم الانجاب والخلفاء
يرجوبهم كشف الكروب أبو الهدى ... ونجاح ما يبغي بكل رضاء(1087/1)
إلهي مسني كرب عظيم
أبو الهدى الصيادي أندلسي
إلهي مسني كرب عظيم ... وأعظم منه ظني والرجاء
فلا تقطع رجاي وأنت ربي ... وفرج ما به دهم القضاء
وأيدني بلطفك واعف عني ... وكن عوني فقد عظم البلاء
ولا تشمت بي الأعداء إني أخو ضعف به ضاق الفضاء
بحرمة عبدك المختار طه ... ومن لرقيه شق السماء
وأعظم من غدا والناس سكرى ... بدولته تلوذ الأنبياء
وبالأبناء والأصحاب من هم ... أئمتنا الصدور الأتقياء
بأهل الله من هم في البرايا ... شيوخ المسلمين الأولياء
إلهي ليل كربي طال فاصرف ... دواعيه وقل لمع الضياء
ونورني بنور البشر والطف ... بعبد للذنوب هو الوعاء
سألتك لا تخيب لي رجائي فحاشا أن يخيب بك الرجاء
ولا ترجع دعاي بلا قبول ... وقل بشراك قد قبل الدعاء(1088/1)
حجاب الخطب إن شدت عراه
حجاب الخطب إن شدت عراه ... وضاق الأمر وانقطع الرجاء
فبات محمد باب الأماني ... إذا ما الود زحزح والإخاء
له الجاه العريض وكل آن ... بدولته تلوذ الأنبياء
حبيب لا يرد له مراد ... ويدفع في وسيلته القضاء
له ثوب النبوة قد تدلى ... وآدم في الخفا طين وماء(1089/1)
ذنوبي أثقلت ظهري وإني
ذنوبي أثقلت ظهري وإني ... لفرط الوزر أضنتني الخطوب
ومن ألم الخطايا ضاع فكري ... وشمس العمر حاولها الغروب
وأوقاتي مشتتة وصبري ... وهي وبدت من الوزر العيوب
وايامي بنوح الهم تمضي ... وتقطع ليل مدتها الكروب
هربت لباب خير الخلق طه ... بباب محمد تمحى الذنوب(1090/1)
ضارعت زفرة الذنوب بكائي
ضارعت زفرة الذنوب بكائي ... يا لسقمي ويا لطول عنائي
سهم الشيب لمتي ببياض ... وخدودي بدمعة حمراء
صيرتني الأيام يا نعم قوسا ... والليالي قد قومت عوجائي
وأحبائي الذين عليهم ... طويت يوم أزمعوا أحشائي
نال مني فراقهم ما أرادت ... لفؤادي والوعتي أعدائي
وزمان صعب العراك تساوى ... فيه بين الطغام والكرماء
مفعم بالهموم تلهب فيه ... زفرة النار في لفيف الماء
تتراآى منه العجائب ألوانا ... لعمري يراع منها الرائي
تلك والهفة المعالي شؤن ... بارزات بحيرة الآراء
ليس للخطب إن تفاقم إلا ... همة المصطفى ابي الزهراء
شرف المرسلين روح البرايا ... علة الخلق قبضة الإبداء
عين كل الأعيان طيا ونشرا ... نقطة الجمع سيد الشفعاء
برزت من علومه خارقات ... أيدت شأن دولة الأنبياء
معجزات أفحمن كل عدو ... وأفضن الإحسان للأولياء
كل آن تبدو ويلمع منها ... نور نصر يميط ليل العناء
أحكم العدل في الوجود إذ الظلم ... ظلام والعدل أي ضياء
ومحا آية الفساد بهدي ... نبوي كالفجر بادي السناء
وزوى ثورة النفوس فكل ... بأمان من عابث الأهواء
واتى باليقين والحلم والعلم ... ودين الهدى وحق الإخاء
وبحفظ العهود والقدم الثابت ... والصدق والرضا والوفاء
وبحسن الاخلاق والعفو والصفح ... ولين الكلام والإغضاء
وبعز ما شيب فيه علو ... أو جفاء وبالتقى والحياء
وحمى الدين أن يذل بعزم ... هاشمي محمدي العلاء
وأعز الأمر ألإلهي في الأرض ... فطالت راياته للسماء
قمع الشرك والغواية بالتوحيد ... والحق نوره ذو انجلاء
تظهر الباطل النفوس عنادا ... وهو في حكمه رهين الخفاء
ومن الحق في العقول معان ... صائلات بغارة شعواء
تدفع المبطل الحقود لحرب ... مع آرائه لسين وراء
خل زعم الحسود واعمل بدين ... السيد الأبطحي سامي اللواء
واتخذه درعا بكل ملم ... وشفاء يا خل من كل داء
وغياثا وموئلا وعياذا ... وعتادا في شدة أو رخاء
فهو سيف الله الصقيل هزبر الغيب ... جحجاح نهضة الإسراء
لوح علم الله الكريم ومجلى ... ما طواه في الدرة البيضاء(1091/1)
يا رسول الرحمن إني ضعيف ... وحماك الملاذ للضعفاء
أخذتني الذنوب مني فعمري ... يا لعمري من فتكها كالهباء
أستحث العزم الكليل إلى الله ووزري ... بالقيد عاق خطائي
وارى السابقين منكسر القلب ... وما في الركبان سار ورائي
زمزموا بالنجائب البيض وألحظ ... دهاني بضالع عرجاء
ألغياث الغياث يا مظهر الرحمة ... يا روح هذه الأشياء
ألغياث الغياث ندهة ملهوف ... يناديك لاهب الاحشاء
ألغياث الغياث يا أحمد الكون ... وياعين دولة الآلاء
أجبر الكسر طهرا السر لاحظ ... بالسعادات خيبتي وشقائي
أنا من آلك الوحا فتدارك ... بافتقاد الآباء للأبناء
ما ندبناك للمهمة إلا ... مزقت وانطوت بطمس العماء
ما رجوناك للعناية والإحسان ... إلا أغرقتنا بالعطاء
لك فينا آيات غوث وغيث ... دون تلك الآيات كشف الغطاء
فعليك الصلاة في كل آن ... وزمان تجلى بغير انقضاء
وعلى الآل والصحابة طرا ... سيما من طويتهم بالكساء
وعلى شبلك الإمام الرفاعي ... أحمد القوم سيد الأولياء(1091/2)
ضاقت الحيلة مني
ضاقت الحيلة مني ... وشوت قلبي المصائب
وعدوي قد تجارى ... ورماني بالمعائب
ليس للقلب خلاص ... من ملمات المتاعب
ومن الأكدار إلا ... بالتهامي ابن غالب
فهو سهم الله للخصم ... وسهم الله صائب
وهو الكاشف كربي ... وبه أعطى المواهب
وله أشكو وحاشا ... أن يكون الظن خائب
فعليه صلوات الله ... ما ناجاه طالب
أو دعاه بانكسار ... مغرم بالفضل راغب
وعلى الآل وصحب ... ومحب والأقارب
من هم حزب إلهي ... إن حزب الله غالب(1092/1)
عج بالركائب ساحة الجرعاء
عج بالركائب ساحة الجرعاء ... وأنزل بتلك البقعة الفيحاء
وأنخ بعيسك حولها فلأهلها ... فضل على الخدام والأمراء
قوم كرام لا يضام نزيلهم ... وحماهم حام من الأعداء
سبقوا الورى شرفا بكل مزية ... وعلوا على الأبناء والآباء
وتوشحوا البيض الصقال فطأطأت ... لقوى علاهم هامة العلياء
فتحوا المشارق والمغارب مثل ما ... سدوا طريق البغي والفحشاء
قد أغرقوا الدنيا برأفتهم وقد ... داسوا ببأس جبهة الجوزاء
خضعت لهم زهر الغطارفة العظام ... وقد أعزوا عصبة الضعفاء
وجلوا غبار الظلم عن وجه الورى ... والعدل قد بسطوه في الغبراء
وبجودهم عموا الوجود ومجدهم ... كشف الدجا بمحجة بيضاء
قوم رئيسهم الرسول المصطفى المبعوث ... بالآيات والأنباء
عين البرية أصل كل حقيقة ... سر الوجود خلاصة الأشياء
كشاف دهم المعضلات ودافع البلوى ... وترياق الشفا للداء
وإشارة الرحموت في الملكوت والملك ... العظيم ونقطة الإبداء
ورقيقة المقصود من خلق الوجود ... وعينه في عالم الأسماء
والهيكل المحفوظ في طي العمى ... من قبل صبغة طينها والماء
علامة السر الخفي وصاحب القدر ... العلي وسيد الشفعاء
طه سراج المرسلين وقبضة النور ... القديم وأكرم الكرماء
سيف الإله وفارس القدس الذي ... ذلت لديه فوارس الهيجاء
شمس النبوة والفتوة والهدى ... والكوكب اللماع في الظلماء
وطريق كل طريقة وإمام كل ... حقيقة والكنز للفقراء
كم من يد بيضاء شعت منه في ... وجه الكمال ولألأت للرائي
طابت به الدنيا وضرتها معا ... للمؤمنين وعمهم برضاء
وبفضله انجلت الهموم وبدلت ... بعد المضرة والعنا بصفاء
وسما منار الحق فيه إلى السماء ... بالحق لا بالفكر والآراء
وأبان منهاج الأمان بهمة ... أعي علاها مدرك العقلاء
وأتى بقرآن قديم معجز الأيات ... للبلغاء والفصحاء
وأقام ركن الدين بالعزم الذي ... ذلت له الآساد في البيداء
فسل الجيوش بيوم بدر إذ أبا ... دهمو ورد ورودهم ببلاء
واذكر حنينا حين أحنى ظهر حجفلها ... ومزق عصبة الأهواء(1093/1)
وكذاك في أحد بحد صقيله ... أعلى سناء الملة السمحاء
وبفتح مكة ضاءت الدنيا به ... مذ جاءها بعمامة سوداء
كشف الخطوب بها عن الإسلام حين ... دعا إلى المولى بخير دعاء
وسرت لوامع رشده في الملك والملكوت ... رغم المقلة العمياء
وعلا به الدين المؤيد مظهرا ... وبنى به الإيمان أي بناء
هو رحمة للعالمين ونعمة ... تعلو بفضل سائر النعماء
هو حصن إسعاف وبحر عناية ... وسحاب مرحمة وكنز عطاء
وهو الملاذ الملتجى بجنابه ... يوم المخاف وذلة العظماء
حرم الأمان لكل عبد مذنب ... ووسيلة الآباء والابناء
وذريعة اللاجين والراجين والغياث ... للقرباء والغرباء
محراب آمال الوجود وسره المقصود ... عند ملمة ورخاء
مولى موالي القبلتين وعلة الثقلين ... عين السادة النجباء
سيف إلهي نصول ببأسه ... ونرد فيه عوائق البأساء
وجناح نجح نستعين بعزمه الفعال ... في السراء والضراء
باب المراد ذريعة الإرشاد للمولى ... ومفتاح لكل رجاء
ما لي سواه لعلتي ولذلتي ... ولقلتي ولقلة الصدقاء
هو ملجئي وله استندت وإنني ... من فيضه الطامي أخذت منائي
حاشاه أن يرضى بردي خائبا ... ولسيب نعمته بسطت ردائي
وله رفعت أكف فقري راجيا ... منه القبول وقد أطلت ندائي
وبه يلوذ المرسلون وبابه ... ميزاب كل عطية وسخاء
مولاي يا جد الحسين المجتبى ... من آل فهر يا ابا الزهراء
يا تاج سادات الورى يا شمس عترة ... هاشم والعصبة الغراء
يا من بفضلك يرتجى وإلى حماك ... المتلجي للأخذ والإعطاء
أدرك ولاحظني بعطفك واكفني ... نكد الزمان وداوني من دائي
فلقد عرفتك ملجئي ووقايتي ... ومساعدي ومظاهري وحمائي
ولك افتقرت وأنت باب الله والحبل ... المتين لنيل كل وقاء
خذني غدا تحت اللواء لوائك المرفوع ... أشرف ملجاء ولواء
واجبر بعزك في حياتي كسرتي ... وأصلح شؤني واكفني أعدائي
وعليك صلى الله ما لاح الضحى ... وسناك زاد علا على الأضواء
وعلى النبيين العظام وآلك الغر ... الكرام السادة الحنفاء
وعلى الصحابة والقرابة ما بدا ... سر الإله بدولة الآلاء(1093/2)
عرض حال الضعاف للأقوياء
عرض حال الضعاف للأقوياء ... وندى الأقوياء للضعفاء
وإذا راعت المهمة عبدا ... وكساه الزمان ثوب عناء
وتخلى عنه الصديق والقته ... المعاصي بقبضة الأعداء
فله أن يدق باب نبي ... فيه لاذت أكابر الأنبياء
علم المرسلين غوث البرايا ... سيد العالمين سامي اللواء
أفضل الخلق حجة الحق مولى الصدق ... بحر الإحسان كنز العطاء
الرسول الوصول عالي المزايا ... تاج أهل القبول باب الرجاء
عمدة اللائذين عون المنادي ... مفزع الملتجي مجيب النداء
صاحب الجاه عند مولاه أولى الناس ... بالعاجزين والفقراء
ألرؤف الرحيم كشاف بلوى ... عبد رق يشكو بصدق التجاء
ذو المعالي باب المآمل باب الخير ... باب القلوب باب السماء
متبع البر والمرؤة والرقق ... وكشاف معضلات الداء
أسد الله رحمه الله سيف الله ... كنز الإسعاف للأولياء
جئته ليس لي سواه وإني ... لا أرى في الورى حقيرا سوائي
عاكتني الأعداء حتى تعدت ... وأرادت بالزور هدم علائي
وأقامت علي حرب عناد ... عن فساد ملفق وأفتراء
واستمدت أحزابهم بطغام ... كدرت لي بالزور كأس صفائي
وذنوبي علي قد ساعدتهم ... ورمتني بحية رقطاء
فلهذا قرعت باب رسول الله ... مولاي سيد الشفعاء
راجيا غارة النبي لحال ... زاد فيه دائي وعز دوائي
مستمدا من سره قهر خصم ... صار للحقد دينه إيذائي
يا رسول الرحمن غوثاه يا جداه ... أنت الغياث للأبناء
بفهومي وحكمتي وعلومي ... وظهوري ورفعتي وارتقايء
يطلب العاجز الحسود سقوطي ... وانخفاضي وذلتي وعنائي
وأنا فيك يا محمد عزي ... وبعلياك رونقي وبهائي
أنت جدي ونصرتي ومعيني ... وضميني وكافلي وحمائي
ألغياث الغياث فتكة عضب ... هاشمي محمدي سمائي
يجرح الخصم جرحه لن تداوي ... بدواء ولن ترى من شفاء
جرحه كلما أراد قياما ... أقعدته مقطع الأعضاء
وأرشه يا سيدي بسهام ... ناقع من فؤاده بالدماء
وعليك الصلاة يا مصطفى الرسل ... ويا تاج سادة الأنبياء
وعليك السلام يا أشرف الخلق ... ويا أصل هذه الآلاء
وعليك التحية المحضة العلياء ... من ذات خالق الأشياء(1094/1)
وعلى آلك الكرام جميعا ... والصحاب العظام والأولياء
ما أتاك المسكين يعرض حالا ... عرض حال الضعاف للأقوياء(1094/2)
عطر السمع بامتداح الحبيب
عطر السمع بامتداح الحبيب ... واحي قلبي بذكره فهو طيبي
واكشف السر بالغرام العجيب ... وإذن قل ولا تخف من مريب
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
لك يا مصطفى المقام المعلى ... وعليك الباري المهيمن صلى
وللقياك بالجمال تجلى ... وبدا السر بالجلال المهيب
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
لك في دولة العناية أرقى ... رتبة قد علت واشرف مرقى
ولك الفخر تم خلقا وخلقا ... ولك العلم من قريب مجيب
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
لك ذكر في مجلس القرب يحكى ... ولسان من ألسن الخلق أزكى
أنت نعم الزكي بل والمزكى ... والملاذ الحامي لظهر الغريب
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
جئت أشكو إليك جور زماني ... فزماني بمكره قد رماني
كن غياثي وملجئي وأماني ... وعياذي وكافلي ومجيبي
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
أنا في ظلك الكريم مقري ... وإليك استناد قلبي وسري
أنت حصني إذا أقيم لضري ... من عدوي شأن على تعذيبي
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
راعني الدهر يالخطوب فمالي ... غير حسناك يا كثير النوال
فاجبر الكسر واكفني شر حالي ... واجرح الضد بالحسام المصيب
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
سيدي سيدي ذنوبي جلت ... وأويقات دولة العمر ولت
كن نصيري عني رفاقي تخلت ... وشواني الواشي وجار رقيبي
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
ضاق أمري واشتد حر التكوي ... ضاع صبري وقد حبل التقوى
خان دهري وقد تجارى عدوي ... ولذا قلت من فؤاد كئيب
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
أنا من كربتي فنى شخص رسمي ... وجيوش الضنى غزت ركب جسمي
يا كريم الحمى عليك بخصمي ... خذه وأخذله وارمه بالعجيب
يا شفاء القلوب أنت طبيبي
أنت عوني وملجئي في الكروب ... واعتمادي وعدتي في الخطوب
كم أنادي جد يا شفاء القلوب ... وتعطف على الحسيب النسيب
يا شفاء القلوب أنت طبيبي(1095/1)
غريب ضعيف كثير الذنوب
غريب ضعيف كثير الذنوب ... وربي المغيث بدفع الخطوب
أناجيه أدعوه بالمصطفى ... سرارة معنى ضمير الغيوب
ببضعته الطهر زوج الرضا ... وآل وصحب وأهل القلوب
ومالي أنيس سوى ذلتي ... وكسري وأني اسير الكروب
وظني بربي جميل وكم ... أعان بنصري وستر العيوب
أؤب بذنبي إلى خالقي ... وعن طلب الغير قلبا أتوب(1096/1)
قلبي على جمر الغضا تقلبا
قلبي على جمر الغضا تقلبا ... وبرق وعد الدهر صار خلبا
ما شمت وجها من زماني رائقا ... وقلت لذ الوقت إلا قطبا
كأنه على الكرام حنق ... يرصد للجور عليهم سببا
يسلك بالقوم الطعام مشعبا ... والأنجبون يسلكون مشعباً
فلم نقل يصلح إلا وغوى ... ولم نقل يعذب إلا عذبا
فالخطباء الألكنون دشهة ... من بغيه والألكنون الخطبا
يقلب أعيان الشؤن جاعلا ... رغم الحقائق التراب ذهبا
كم حسرة أودع قلب جهبذ ... لربه عن الوجود انقلبا
فالخبل كالبلخي صار عارفا ... به ومطموس الفؤاد قطبا
ما رتع الريم به في روضة ... إلا لوى عليه كلبا أكلبا
ولا مشى الهزبر فيه ريضا ... إلا وقد ولى عليه الثعلبا
عن غلط يولي كريما راحة ... يوما فيحشوها بعمد تعبا
تبا لرايه فإن رأيه ... لخفض أرباب المعالي ذهبا
وكم غدا مرئسا من ذنب ... وجاعلا راسا غيورا ذنبا
وقد قلب الموضوع عكسا مثل من ... صير برقع الحبيب عقربا
مر على الظبي الأنيق معرضا ... وزان بالدر النقي الأجربا
وقال للخذل الغلاظ مزقوا ... عرض الكرام أرهقوهم رهبا
طغى بغى تعندا بحقده ... واحربا من حقده واحربا
بصير عين إن تراآى وقح ... له وأعمى إذ يرى المهذبا
لقد عرفنا كيف آذى طائشا ... يوم الغري السيد المحجبا
وكيف قال الخب لابن دينه ... أوقر ركابي فضة وذهبا
عظائم للدهر من وعثائها ... يكاد أن يقضي اللبيب عجبا
يا ليت شعري والزمان غفوة ... أي جناية جناها النجبا
دع يا فؤادي العتب فالدهر على ... زلاته قبلك كم من عتبا
وطر إلى الله بحال خالص واتخذ الهادي الكريم سببا
حبيب رب العالمين المصطفى ... سيد كل المرسلين المجتبى
ذو المدد الفياض والخلق الذي ... عطر عرف نشره ريح الصبا
نور الحقيقة التي بشمسها ... جلت عن السر البديع الغيهبا
ناطقة الفرقان واللوح الذي ... بقلبه الله الكتاب كتبا
درس في جامع إسراء الدنو ... وعلى منبره قد خطبا
وقبل خلق الكائنات كلها ... لألأ في أفق الغيوب كوكبا
هام بربه وما رام السوى ... وغيره برمشة ما طلبا(1097/1)
وقلبت له الجبال ذهبا فكف عنها الطرف زهدا وأبى
علت به إلى الخليل نسبة ... به علت وزان منها الحسبا
أجل حزب المرسلين مظهرا ... وأفخم الكل هدى ونسبا
قد سلسلته الطيبون النجبا ... وقد زكى أصلاه أما وأبا
أتى وكان الدين ذلا صامتا ... فعز بعد ذله وأعربا
عم فجاج الكائنات عطره ... لله ما أشرفه وأطيبا
بالمعجزات جاءنا مؤيدا ... معلما حكم الهدى مؤدبا
وخصه الله بكل خصلة ... عظيمة بالسعي لن تكتسبا
طوبى به الله المعالي كلها ... وهزه لنشره فانتدبا
فهمم دارت بها رحى الورى ... وقول فصل دونه بيض الظبا
ومنظر شمس الضحى ساجدة ... لحسنه إذا بدا منقبا
وحكم أوردها بالغة ... مألوفة بنصها ما أغربا
وزهر أحكام هي العدل الذي ... من راح منصورا به لن يغلبا
مدت بسرداب الهدى أحكامه ... طراز أمن للأنام مذهبا
أحيى القلوب دينه بحكمة ... من فاتها وعر الضلال ركبا
وعم أقطار الورى إحسانه ... فدونه البحر إذا ما اضطربا
يغرق راجيه بأصناف الندى ... ويخجل الغيث إذا ما انسكبا
قام على عرش الفخار مرسلا ... فكان أعلى المرسلين رتبا
وأوضح الكل بحق حجة ... ومنهجا وسيرة ومذهبا
ورد طبع الجاهلية الذي ... جفا وساء حكمة وأدبا
وهذب القوم فعز شأنهم ... وعقدوا بالثابتات طنبا
أين الحواريون من أصحابه ... عقلا وعزما وعلا ومنصبا
من صحبه كالأنبياء قد أتى ... قوم وقول الحق لن يكذبا
مضوا إلى الله بعزم مطلع ... بالحق في سمك الفخار شهبا
وآله الغر الميامين الألى ... سادات سادات الوجود النجبا
أمان أهل الأرض من خبط البلا ... وغوثهم إذ الزمان صعبا
أعذب آل المرسلين منهلا ... وموردا ومصدرا ومشربا
ننظر منهم كل آن شيما ... أعارت اللطف لأزهار الربى
ناهيك منهم إن ذكرت مفخرا ... لعصبة بالزهر أصحاب العبا
يا رب إني رب وزر مذنب ... وأنت بالعفو تجير المذنبا
ولي كروب اثقلت ظهري وكم ... برمشة فرجت ربي الكربا
سلمت أمري لك يا من بالرضا ... تمحو عن القلب الكئيب النوبا
فارحم صراخي سيدي ولوعتي ... ومهجة مني تشب لهبا(1097/2)
وخذ حنانا يا كريم بيدي ... فالشيب مني جاء يطرد الصبا
أحاول الخمسين لا مفارقا ... ذنبي ولا أنحو التقى لأصحبا
وقد جعلت المصطفى وسيلتي ... ومن به استجار لن يخيبا
صلى عليه الله كل طرفة ... ولمحة ما الريح هز القضبا
والآل والصحب الذين حبهم ... وودهم فرض علينا وجبا
وكل قطب وولي سيما ... شيخ العريجا وغريب الغرب(1097/3)
كيف لا تزد هي بناء العلياء
كيف لا تزد هي بناء العلياء ... ولنا المجد طينة ورداء
أمة خير أمة أخرجت للناس ... والناس بعدها أكفاء
قام منها في الأعصر السود أقمار ... رجال لها الشموس حذاء
كأسود الشرى كنوز عقول ... طويت في منشورها الآلاء
خلص من جحاجح الشوس غر ... علماء أئمة حكماء
كم تردوا من العجاج ثيابا ... أبطنتها ديباجة حمراء
وتغشوا بالبيض والسمر في ساحة ... نقع غثاؤها الأمعاء
أرهبوا الأرض حين صالوا وظلت ... تشكر الأرض فعلهم والسماء
ولكم حينما رحى الحرب دارت ... سجدت حال أرعدوا الهيجاء
وتساوى بطاعة الأمر منهم ... في الورى الأقرباء والبعداء
وإذا هددوا فخشية من في ... دارهم والبلاد طرا سواء
فتحوا مغلق النواحي وصانوا ... أهلها أن تمسهم بأساء
وقضوا في الأنام عدلا فنعم القوم ... أهل القضاء ونعم القضاء
ومحوا سنة الجهالة بالعلم ... وخلت سفسافها السفهاء
قوموا بالسيوف عوج قلوب ... وبهذا تقوم العوجاء
وبعدل كالشمس شقوا رداء الظلم ... والظلم ظلمة سوداء
كلهم في الحروب لله والمحراب ... نار وروضة غناء
قلبوا عين عصبة الجحد إيمانا ... متينا وهكذا الكيمياء
نصروا شرعة الإله ونابوا ... عن نبي عزت به الأنبياء
الحبيب الذي تألق بدرا ... في سما الغيب والوجود هباء
والذي عز بالنبوة إذ آدم ... قبل البروز طين وماء
شرف المرسلين معنى نصوص ... لاح منها المحجة البيضاء
باسم الثغر حين تبكي الكماة ... الهصر المدلهمة الدهماء
نسخة الختم منتقى وسط المجد ... الذي فيه أبدع الإبداء
نكتة الأصل روح جسم فروع ... الكون نور بهديه يستضاء
طلسم العلم في ضمير جناب ... أحرزت علمها به العلماء
كان كل الأنام بالجهل أمواتا ... فوافي وها هم أحياء
فبأخذ العلوم عنه عليه الله ... صلى كل الورى شركاء
أذعن العالمون ظرا فما ضر ... لجهل لو كابر الأغبياء
هو سيف للحق أصلته الله ... به حين انضت ودماء لاذت به الضعفاء
هو حصن قوامه الحق والعدل ... رصين لاذت به الضعفاء
هو للإعتصام حبل وللاجئ ... ذخر وللقلوب شفاء(1098/1)
في مقام الإحسان نال مقاما ... طال ما لابتدا سناه انتهاء
ثم لما دنى به فتدلى ... وتدلت عن شأوه النظراء
وله انحط كل ركن عظيم ... من علاهم وكلهم عظماء
ماثل الأنبياء من تابعيه العلماء ... الأفاضل الصلحاء
مظهر باهر درته صنوف الناس ... بل والحجارة الصماء
وأنين الجذع الذي حينما أن ... بكى القوم آية زهراء
وبكفيه هلل الماء لما ... هل منها وسبح الحصباء
وقد انشق في العلا القمر الطالع ... والناس كلهم شهداء
وتجلت من نطقه كلمات ... خرست عن تنظيرها البلغاء
هي آيات حكمة بينات ... سهم من رام ندها الإعياء
أترى أن يكون مثل نزيح الجب ... زخار سيلها الدأماء
كم تلاها تال فأزعجت الحساد ... هزا لطولها الرحضاء
يا له هيد لدى قاب قوسين ... لأنعاله البساط وطاء
دينه رحمة وفقه وصدق ... وكمال وحشمة وحياء
وجلال وسيرة كلها عدل ... وعقل وعزة ووفاء
ترتع الشاة لم تخف لاسمه الذئب ... وضمت كليهما صحراء
لا نبالي تغير الدهر إنا ... قام فينا بأمره الخلفاء
قادة الناس كلها الراشدون الحكماء ... الأعاظم الأتقياء
شيخ كبارهم أبو بكر الصديق ... من طاب مدحه والثناء
علم المسلمين من وافق الأقدار ... في رفع قدره الآراء
والذي أجج الفضا لذوي الردة ... حربا وهابه الأعداء
وحمى بيضة الحنيفية ... السمحاء فاعتز باسمه السمحاء
خالد بن الوليد كان أمير الحرب ... عنه وهكذا الأمراء
قاد للدين مرغما كل صعب ... قام في نفسه الجفا والإباء
وبصدق الصديق أيده الله ... فكانت طوعا له الأشياء
إن هذا العتيق لا زال مرضيا ... امام أطفاله الكبراء
ناب من بعده أبو حفص الفا ... روق فالدين زانه إعلاء
أحكم الحكم والشريعة والعدل ... وعاشت برفده الأنحاء
مهد الملك والبلاد وزالت ... بمعالي أحكامه الحوباء
هو صمصام دولة شيد الدين ... بماضيه واستقام البناء
أي قطر ما فيه غربا وشرقا ... من فتوحاته يد بيضاء
والإمام الجليل عثمان ذو النورين ... رب المكارم المعطاء
صهر خير الورى ولابدع أصهار ... نبي الهدى هم الفضلاء
صاحب الفضل والحيا والمعالي ... والذي حفه السنى والسناء(1098/2)
صابر القوم راضيا قدر الله ... ليعطى ما أعطي الشهداء
يا لطود من التقى زينته ... شيم ما لعدها استقصاء
وعلي الكرار من باسمه السرو ... في الغيب تذكر الأسماء
هو زوج الزهرا البتول ولا شك م ... علي من زوجه الزهراء
عرسه فاطم وابناؤه الزهر ... الفحول الأئمة الأوصياء
كم بحطم الصفوف في يوم صفين ... استغاثت من ضربه الرقباء
ولدى النهروان أثنت على صمصامه ... من طيورها الخمصاء
وبيوم الغدير أثنى عليه المصطفى ... والثنا هناك دعاء
هو في شأنه له مكرمات ... ذكرتها الآيات والأنباء
أي فضل يحكى لعمرك عنه ... وهو للفضل مرجع ووقاء
سهم فتك أبو الحسين وكم ضاق ... بأعدائه المدى والفضاء
أسد الله صاحب الفتق والرتق ... ومن خرس بابه الفصحاء
والذي تبهت العقول إذا ما ... قام يحكي وتذهل الخطباء
وبنوه الأئمة السادة الأعيان ... أقمار ديننا الأصفياء
أخذوا مشرب الحقيقة عنه ... فهم العارفون والنجباء
هم إلى الحق سلم الخلق للقرب ... وهم عند ربنا شفعاء
كلهم مرشد جليل وشيخ ... موصل ما أصابه شنعاء
ما انطوى عارف لعمرك إلا ... منهم جاء بعده عرفاء
عصبة بعضها كبعض إذ الآباء ... تأتي كحالها الأبناء
هذه سيرة الإمام الرفاعي ... سنة لو دريتها غراء
ناب عن جده علي وعن خير ... البرايا وطبعه الإقتفاء
كم له من كلامه خارقات ... حار في نسج سبكها العقلاء
والنبي الكريم أكرم مثوه ... ومدت له اليد السمحاء
غبطته الأملاك في الملإ الأعلى ... وأهل المعارج الأولياء
فامتطى تابعوه ذروة عرفان ... وباهت بمجده الشرفاء
وتلقى عنه المعالي رجال ... فقراء لربهم أغنياء
خدموا منهج النبي فسادوا ... في البرايا فكلهم أمراء
رب إني باسم الرسول أناجيك ... وما خاب بالرسول الرجاء
وبأصحابه وآل وأتباع ... بهم طاول السما الغبراء
لا تدعني أسير ذنبي وهل للعبد ... عزم إذا ثناه القضاء
وتدارك باللطف يا من بطرف العين ... إن شاء تكشف الجلاء
وأغثني بنفحة تصلح الشأن ... فقد برحت بي الادواء
أنت بالفضل تجبر الكسر والداء ... له من ندى رضاك دواء(1098/3)
يا إلهي إني ضعيف وما ذل ... بنادي إحسانك الضعفاء
حيني بالقبول فضلا وإلا ... طحنتني من البلا الأرحاء
يا نصير اللاجين يا عمدة الراجين ... يا من يمضي كما قد يشاء
يا حكيما بأمره تتدلي ... للبرايا الضراء والسراء
صف سري بنظرة الفتح إني ... نازعتني بجيشها الأهواء
واكفني وصمة الذنوب فمنها ... عين قلبي مطموسة عمياء
أنت نعم الكريم حاشاك يخزى ... من له من نوالك استجداء
قد دعوناك يا غني وإنا ... لك يا منتهى الرجا فقراء
نفس الكرب يسر الأمر يا من ... هو باق والحادثات فناء
وعلى الهاشمي صل وسلم ... ما أدلهم الدجا ولاح الضياء
وعلى الآل والصحابة ما هبت ... على الكون نسمة خضراء
وانطوى بارز وقام كمين ... وتوارى من الظهور الخفاء(1098/4)
لجأت بباب النبي العظيم
لجأت بباب النبي العظيم ... الجليل الغيور الرسول الحبيب
وحققت أني وصلت المرام ... بنصر عزيز وفتح قريب
نعم هو راعي زمام الغريب ... وسلم وصل القريب المجيب
وكاشف كرب الضعيف الذليل ... وناصر جاه الحسيب النسيب
عليه الصلاة وأزكى السلام ... من المستهام الحقير الكئيب(1099/1)
لك أشكو يا أرحم الرحماء
لك أشكو يا أرحم الرحماء ... داء هم أذاب لي أعضائي
وإلى بابك الإلهي ألوي ... همة العزم والمنى والرجاء
وأناجيك بانكسار وذل ... فاجبر الكسر يا مجيب الدعاء
بمعاني القرآن في عالم الأمر ... بمجلى حقائق الأسماء
بخوافي أسرار غيبك بالإبداع ... بالطمس بالفنا بالبقاء
بتدلي فيوض عزتك العظمى ... إلى المرسلين والأنبياء
وبهم كلهم بأعظمهم جاها ... سراج الهدى أبي الزهراء
عبدك المصطفى حقيقة نور القدس ... شكلا وسيد الشفعاء
طورحكم البرهان في حضرة الجمع ... وسلطان دولة الآلاء
من دنى فارتقى العلى وتدلى ... لمقام الهنا بكشف الغطاء
روح ذرات عالم الكون مصباح ... هداها المزيل للظلماء
علم الرسل مظهر الفصل والوصل ... مدى الدهر علة الاشياء
سرباء الكتاب في حبل بسم الله ... والنقطة التي في الباء
دوحة العلم في رياض بطون الطي ... قبل انتشار ذر المرائي
حجة الله في القضايا وكشاف ... البلايا إن طم سيل القضاء
جنة الخائفين من كل ضر ... وملاذ العواجز الضعفاء
منتهى القصد صادق الوعد والعهد ... عياذ الجحاجح الأصفياء
سيد الخلق مظهر الحق كنز الصدق ... والرفق والصفا والوفاء
عين معنى عوالم الملإ الأعلى ... وسر الإشارة البيضاء
يا حبيب الرحمن يا علة الأكوان ... يا عمدتي ويا مولائي
إنني عبدك الضعيف حليف الوزر ... والذنب أحقر الفقراء
فتدارك ضعفي بعزك وانظر ... بالرضا ذلتي ولاحظ حمائي
وعليك الصلاة والآل والصحب ... نجوم الهداية النجباء(1100/1)
لك في مهمة التجلي البهاء
أبو الهدى الصيادي أندلسي
1. ... لك في مهمة التجلي البهاء ... يانبيا نوابه الأنبياء
2. ... أنت روح القلوب طيا ونشرا ... بك لاذ الأموات والأحياء
3. ... لمعت شمسك المنيرة في الكون ... فضاءت بنورها الظلماء
4. ... وتدلت آيات هديك للناس ... فسارت بهديها الأتقياء
5. ... كان قبل البروز كوكبك اللماع ... يجلى وكل باد خفاء
6. ... أشرقت منه في زوايا خبايا الغيب ... تلك الفجاج والأنحاء
7. ... واستنارت عوالم الملاء الأعلى ... وضاء الدجنة السوداء
8. ... عنك قد شق في البطون رداء ... حشوة الخارقات ذاك الرداء
9. ... قمت في برجك المشعشع شمسا ... ظل ينحط عن علاها العلاء
10. ... بك طافت أرواحها انبياء الله ... غيبا فبايعوك وجاؤا
11. ... عنك نابوا وبشروا بك اصناف ... البرايا وصحت الأنباء
12. ... جئت ختما لهم فها أنت في النظم ... ختام وفي الكيان ابتداء
13. ... أنت سلطانهم وقد تعرض الجند ... ابتداء وتعقب الأمراء
14. ... ما طووا حكمة من السر إلا ... أنت معراجها وأنت البناء
15. ... شمل الكل من لوائك أمن ... وعليهم ما زال ذاك اللواء
16. ... وتباهى بك الخليل رعاك الله ... إبنا باهت به الآباء
17. ... يا لفرع كسا الأصول فخارا ... أبديا لا يعتريه انقضاء
18. ... نال منه أبوه آدم عزا ... وقبولا وأمه حواء
19. ... وتدلى من حضرة الأفق للأرض ... هبوطا مضمونة الارتقاء
20. ... والعلامات قبل أن جاء جاءت ... بشؤن لاحت لها أضواء
21. ... وتوالت عجائب الغيب يروي ... طورها عنه ما طواه الغطاء
22. ... راقبته القلوب في الكون والأبصار ... من نوره عليها غشاء
23. ... رب نور يغشى العيون بستر ... إنما غاية الظهور الخفاء
24. ... هذه يا أبا البتول معانيك ... التي انشق عن سناها السناء
25. ... حير القوم شأن قدسك في مهد ... التجلى فطاشت الآراء
26. ... راح عرافهم لتلك العلامات ... وتعلوه حيرة بحتاء
27. ... صولة من سرادق الغيب للناس ... تدلت برفعها الآلاء
28. ... هي آلاء ربنا والذي يقضيه ... ماض وفاعل ما يشاء
29. ... حققت ذلك الهواتف والأحبار م ... والكاهنون والعرفاء(1101/1)
30. ... وبمر الظهران راهبهم إذ قص ... هذا وللصباح ضياء
31. ... وانقضاض النجوم والنار إذ صاوت ... رمادا وحين غار الماء
32. ... رد أمن المجوس خوفا نذير ... الغيب إذ جاء عكس ما هم شاؤا
33. ... ورمى الغي والضلال شهاب ... اج منه للجاحدين انمحاء
34. ... ضاء والكائنات طمس فعم النور ... واستبصرت به الأشياء
35. ... وتبدت أشكالها بعد أن عنه م ... ببرج الأبراز قام انجلاء
36. ... ملأ الكون هيبة وجلالا ... شأن سلطانه وعم البهاء
37. ... نسجت عنه بالبشارات أمراط ... غبار تثيره الهيجاء
38. ... كتبت للهدى سطورا ببيض ... سال منها على الحواشي الدماء
39. ... جردت ثم أودعت في كنوز ... الغيبم قدما وأهلها الخلصاء
40. ... ورآى الموبذان هذا مناما ... راع كسرى كما قضاه القضاء
41. ... وسطيح لما أتاه ابن عمرو ... وبه من أسقامه إعياء
42. ... نص حكم التورية في الأمر والإنجيل م ... نصا ما شابه ايماء
43. ... ذاكرا صاحب الهراوة والحق ... مبين وما هناك مراء
44. ... ومياها فاضت وغاضت وفي الأمرين م ... للعارفين سين وراء
45. ... ليت شعري هل يجحد الشمس إلا ... مقلة عن شعاعها عمياء
46. ... كل شيء له انتهاء وطه ... فمعاليه ما لهن انتهاء
47. ... نقطة في معالم القدس دارت ... فاستديرت بنمطها العلياء
48. ... برزت في العلى بطالع قدس ... ملئت من أضوائه الخضراء
49. ... فالإشارات أعربت عنه معنى ... والبشارات ما لها استقصاء
50. ... ضجة في محاضر الملكوت انشق م ... عن شمسها الوضاح العماء
51. ... فبدت والاكوان ترقب منها ... سر غيب وما بذاك امتراء
52. ... نشأة الطي حين تبرز في النشر ... يرى ما بطيها النبهاء
53. ... يشهد القوم بالبصائر من كنه ... طواها ما يشهد البصراء
54. ... تلك آيات ربنا وله الحكم م ... وأحكامه لها الإمضاء
55. ... كيف لا تشهد العيون ضياء ... من حجاب تلوح فيه ذكاء
56. ... منه مس القلوب وارد خوف ... مد في الأرض ما طوته السماء
57. ... هيبة عمت الوجود فكل ... فوقه من جلالها سيماء
58. ... طرفت مقلة العيان بضوء ... دون نبراس لمعه الأضواء
59. ... دولة تعرب البراهين عنها ... بينات ما نابها إخفاء(1101/2)
60. ... راع كسرى سلطانها ولكسر ... سوف يأتيه قد تداعى البناء
61. ... أيها المستميح بردة عتم ... عن منار له الشموس حذاء
62. ... رحت تستكشف الشؤن من الكهان ... والأمر شمسه بلجاء
63. ... ما قرأت التورية أو ما تدبرت م ... نصوصا أشاعها شعياء
64. ... وفصول الزبور أو ما تلاه ... من نصوص الأنجيل يوحناء
65. ... قول متى ما فيه لو ولا ليت م ... وللحق طلعة وضاء
66. ... أوشككت الشكوك منك بسهم الحق م ... أبصرت والحظوظ عطاء
67. ... نشر الله ذكر أحمد بالآيات م ... قدما فلم يصبه انطواء
68. ... وتدلى من برجه يتجلى ... م بتدل تحقيقه إعلاء
69. ... قلبته الأقدار في الظهر والبطن م ... بقوم هم قادة نجباء
70. ... أنبياء وأولياء وأخيار م ... وشوس وسادة شرفاء
71. ... لم يشنهم كالجاهلية في الحكم م ... سفاح أو خلة شنعاء
72. ... حرستهم عين العناية والعبد م ... إذا صين فالشؤن صفاء
73. ... كلهم سيد حسيب نسيب ... أريحي آباؤه كرماء
74. ... نور شمس الهدى تنقل فيهم ... فأضاءت منهم به الأجزاء
75. ... عمهم نوره لذا أخلصوا التوحيد م ... نهجا فكلهم حنفاء
76. ... بالعمودين أشرف الخلق أصلا ... أمهات النبي والآباء
77. ... خيرة الله هم من الخلق للمختار م ... أهل أعاظم كبراء
78. ... قد حباهم خلاقهم واصطفاهم ... وكذا المصطفى له الإصطفاء
79. ... وانتهى مظهر البروز بمجلى ... بنت وهب فضاءت الأرجاء
80. ... ولدته العذراء آمنة النور م ... أمينا وقومه أمناء
81. ... غبطتها العذراء مريم فيمن ... رزقته وقبلها حواء
82. ... وبوهب الكريم أنجب عبد الله م ... مولى أتباعه النجباء
83. ... يا لحظ مؤيد أعظمته ... للتجلي الخضراء والغبراء
84. ... شب في سدرة الفخار يتيما ... ويد القدس لليتيم وقاء
85. ... لاحظته الأقدار وهو صغير ... ولديه تصاغر الكبراء
86. ... زق بالعلم من سرادق غيب الله م ... وهبا فطاب منه النماء
87. ... يا له في محافل الفضل أمي م ... عظيم خدامه العلماء
88. ... أدب يبهر النسيم العراري م ... وبأس تجلى به البأساء
89. ... وجلال تهابه الشمس في قرص م ... سناها غشى علاه الحياء
90. ... وجمال يحيى به الميت إذ يبدو ... وتفنى وجدا له الأحياء(1101/3)
91. ... وكمال تنسقت فيه آيات م ... غيوب ما نالها الأنبياء
92. ... قام والدين مقعد في كمين ... طلسمي وللأعادي اعتداء
93. ... وطريق الأقوام محض ضلال ... وعناد وغلظة وجفاء
94. ... فنفى الشرك والضلال بهدي ... أحكمته المحجة البيضاء
95. ... وانجلى نوره فعم الوجودات م ... وطاب الشعوب والأحياء
96. ... لمع البرق منذرا وبشيرا ... منه فانهد ركنها الرقباء
97. ... قيل جاء النبي بالبعثة الزهراء م ... فاستبشرت به العرفاء
98. ... ملأ الأرض بالهدى وبحق ... كمل الدين تمت النعماء
99. ... وأضاءت بطحاء مكة لما ... قومت من سكانها العوجاء
100. ... وسرى سره ليثرب بالعز م ... فطابت وطاب فيها الثواء
101. ... وأفاض الهدى على ساكني الأقطار م ... والغي نابه إمحاء
102. ... وبدت معجزاته البيض تتلى ... وتباهت بنصها القراء
103. ... حينما انشق في العلا القمر الطالع م ... ليلا شقت قلوب هواء
104. ... وتهادى الركبان سيرا إلى الله م ... مذ امتد ستره الإسراء
105. ... نطق الجذع باسمه سبح الماء م ... بكفيه هلل الحصباء
106. ... وله الظبي قد تكلم والأشجار م ... سارت ولانت الصماء
107. ... وروى جيشه بحفنة ماء ... يا بماء العيون ذاك الماء
108. ... أشبع القوم من قليل طعام ... فانطوى فيه للجميع الشفاء
109. ... بعيوني تراب نعليه للروح ... حياة وللسقام دواء
110. ... قد طوى الله دولة الكون في طية م ... برديه وانجلى الإبداء
111. ... كان ذاك الكساء كنزاً لذرات م ... البرايا يا نعم ذاك الكساء
112. ... علة الخلق في رقائق حكم الطي م ... والنشر حيث كل هباء
113. ... مد بسط الإرشاد لله بالحكمة م ... حتى اهتدت به الحكماء
114. ... أثبت العدل حكمه الفصل إذ فيه م ... تساوى الضعاف والأقوياء
115. ... وأتى بالقرآن آية حق ... حين تتلى خرش لها الفصحاء
116. ... عقله سيد العقول وخدام م ... حواشي أعتابه العقلاء
117. ... ومعاليه والأيادي بعد ... وحساب فما لها استيفاء
118. ... نصرته بالرعب غارة قدس ... فأريعت بسرها الأعداء
119. ... أقلق الحاسدين منه شعاع ... ما طووه إلا اجتلاه انجلاء
120. ... يخفض الحاسد العلي خيالا ... ومن الله حظه الإعلاء(1101/4)
121. ... وإذا داركت يد الحفظ عبدا ... فدواء مضمونها الأدواء
122. ... أيد الله عبده الطهر طه ... فانتحت عن طريقه الأسواء
123. ... خدمته الأملاك دارت به الأفلاك م ... غشى الأحلاك منه ضياء
124. ... وقضى الحق أنه علة الخلق ... وطرز الورى لذا إيماء
125. ... هو لولاه ما هي الأرض أرض ... وذووها ولا السماء سماء
126. ... سبب شقت الوجودات عنه ... بانفتاق أرتاقها الطمساء
127. ... فتذكر حديث جابر يبدو ... لك مكنون سره الإبتداء
128. ... يا له من خطير سر ابتداء ... ما لعلياه والفخار انتهاء
129. ... كل أطوار عمره معجزات ... أحمد واتضاعه فاعتلاء
130. ... ذل لله طارحا ما سوى الله م ... فذلت لعزه العظماء
131. ... رحمة للوجود جاء ونورا ... وأمانا إذ تجزع الاصفياء
132. ... عزمه سلم القلوب إلى الله م ... ومن باب دينه الإرتقاء
133. ... والذي حاد عن طريق هداه ... فضلال طريقه وعماء
134. ... يا بروحي أفديه من هاشمي ... شرفت من جنابه الأسماء
135. ... محكمات آياته بينات ... ما عليهن للبصير غطاء
136. ... ألفتها العقول لا منكرات ... عسرات ولا بها إيذاء
137. ... مجملات مفصلات رقاق ... كلهن اليتمية العصماء
138. ... رقرقت كأس حكمة بمعان ... سرهن الساري رحيق صفاء
139. ... ما أحيلا مذاقها فيه للنفس م ... فناء وللفؤاد بقاء
140. ... ونصوص أحكامها باهرات ... أعظمت شأن حقها البعداء
141. ... كم طوى الدهر من شؤون جسام ... ومعانيه ما لهن انطواء
142. ... أبد الله عزه وله الحكم م ... تعالى سلطانه والعلاء
143. ... هو فرد في الملك ذاتا وشأنا ... ما لعالي جنابه نظراء
144. ... أبرز الله مفردا نوره الفياض م ... والمرسلون طين وماء
145. ... هو إخوانه النبيون لكن ... من سناه قبل الكيان استضاؤه
146. ... وعليهم له شريف أياد ... ولهم من فيوضه استجداء
147. ... أصلهم آدم ولما دعا الله ... تعالى به استجيب الدعاء
148. ... وغدا حين يذهل الكل طرا ... ترتجيه الشفاعة الشفعاء
149. ... ليت شعري هل تبصر الركب عيناي م ... وللنوق للحجازه رغاء
150. ... وأراها لطيببة تتهادى ... ويرش القيعان مني البكاء(1101/5)
151. ... يثقل السير بالجمال جهارا ... ديمة من مدامعي وطفاء
152. ... فولوه ولوعة وهيام ... وغرام ومهجة حراء
153. ... وأنين وذهلة وحنين ... واصطلام ودمعة حمراء
154. ... وفؤاد يطير قبل نياق الركب ... والعين ما لها إغفاء
155. ... وفناء بحت لشمة أعتاب ... ثراها به الشفا والثراء
156. ... وانقطاع عن الوجود بوصل ... لحمى منه كالسماء الفناء
157. ... آه والوعتي وطول أنيني ... مثقل بالذنوب مني الخطاء
158. ... أتمنى وأين ما أتمناه ... ووزري مؤزري والشقاء
159. ... عل من نفحة الرسول لقيدي ... فك قفل به يتم الرجاء
160. ... وعساها عناية الطهر تجلو ... عن فؤادي ما بث فيه العناء
161. ... وأراني بعد الشقاء سعيدا ... بنبي عبيده السعداء
162. ... وأرى قبره المنير وللسر ... سرور يعد النوى وهناء
163. ... وعلى بابه أرى حر وجهي ... تجتليه من مسه غبراء
164. ... ودموعي تسيل وجدا وشوقا ... ولظهري من الخشوع انحناء
165. ... وقفول العشاق من كل فج ... مثل شأني لهم إليه التواء
166. ... هزهم وأرد الغرام فأرواح ... تناجيه دينها الإلتجاء
167. ... وعقول هامت به فهي إلا ... عن معاني جماله ذهلا
168. ... لم يفتني الإسعاف قط وأني ... لي إليه بالانتساب ارتقاء
169. ... رفعتني له عقود جدود ... عن سوى الله أقلعوا وتناؤا
170. ... رحم واصل بأكرم مولى ... دونه في البرية الرحماء
171. ... كوكب في مطالع القدس منه ... ملأ الكون رونق وضياء
172. ... وإمام للعالمين وهاد ... وولي إذ تنتحي الأولياء
173. ... وحسام قد أصلتته يد القدرة ... بالله باتر مضاء
174. ... وحبيب لله مقبول جاه ... عند مولاه كائن ما يشاء
175. ... يا رسول الرحمن دعوة مغلوب ... يناجيك ما له نصراء
176. ... غيرت حاله الذنوب فوجه ... ذو سواد ولمة بيضاء
177. ... فأعتقنه من ربقة الذنب يا من ... كم لسحاج جوده عتقاء
178. ... وتدارك بالغوث عبدا غريبا ... فبعلياك تلجأ الغرباء
179. ... مسني الضر فانتدب لي بعون ... عل تمحو ضرائي السراء
180. ... خذ بثاري يا أغير الخلق من أعدإ ... مجد لي بالتجري أساؤا
181. ... واحم فضلا قرابتي فلعمري ... أنت من يحتمي به الأقرباء(1101/6)
182. ... وإذا مت صل حبالي بقرب ... منك إني صحيفتي سوداء
183. ... لا تدعني رهن السؤال فإني ... عن جوابي قوالتي بكماء
184. ... أنت سيفي وناصري ومعيني ... وأماني إذ تبعد القرباء
185. ... أنا يا سيدي وأهلي ضعاف ... لك آل آذاهم الأدعياء
186. ... أعقوقي يضيع منك حقوقي ... وعطاياك دونها الأنواء
187. ... عجبا للألى لمدحك راموا ... بعض حد ظنا وبالعجز باؤا
188. ... ما لمداحك الكرام سوى نظم ... عقود يفتر عنها الثناء
189. ... وخضوع وذلة وارتباط ... بك تغنى بفيضه الفقراء
190. ... سيدي سيدي بكل حبيب ... لك منهم ساداتنا الأوصياء
191. ... بصحاب علمتهم كل خير ... قام منهم لصوننا الخلفاء
192. ... وزراء الهدى وفي الناس حينا ... ناب عن ذات نورك الوزراء
193. ... بجناب الصديق صاحبك المقبول ... من أحكمت به السمحاء
194. ... والذي بعد أن قضيت ارتضاه ... أمناء الصحابة الأصدقاء
195. ... والذي رد بالسيوف أولي الردة ... حطما مذ هاجت الهيجاء
196. ... برجال من كل ليث كسيف الله ... محو بسيفه الغرماء
197. ... رب فتك فحل أخاضته بالموت ... ضحوكا طمرة جرداء
198. ... مصلتا أبيضا قد احمر تتلوه ... لدى البطش صعدة سمراء
199. ... من أبي بكر اجتلته صباحا ... يد عزم تجلى به الغماء
200. ... أفضل السادة الصحابة والكل ... نجوم وسادة فضلا
201. ... قلب صدق مضمونه الصدق في الله ... وأذن فيها له إصغاء
202. ... سيد العارفين بالله والصحب ... لعمري جميعهم عرفاء
203. ... حب طه خليله صاحب الغار ... الموالي إذ شحت الأسخياء
204. ... باذل الكل في هوى سيد الكل ... ويتلو صدق الغرام السخاء
205. ... شيم تنضح العبير ومنها ... لاح للعين جنة خضراء
206. ... وبجاه الفاروق ثاني الوزيرين ... الذين لذ حبه والولاء
207. ... فاتح الأرض ناصر الشرع والدين ... ومن طوره التقى والوفاء
208. ... والذي وافق الكتاب كتاب الله ... من نص قلبه الآراء
209. ... أي غوث للدين أي أمير ... بعض خدام بابه الأمراء
210. ... ما ذكرنا منه المناقب إلا ... أسكرتنا من دورها صهباء
211. ... شرف تخجل الكواكب إذ يبدو ... وتطوى بذيله الجوزاء(1101/7)
212. ... وبجاه الشهيد عثمان ذي النورين ... من زان مشهديه الحياء
213. ... صهر طه على ابنتيه وفي هذا ... اختصاص من ربه وانتقاء
214. ... ذو الأيادي مجهز الجيش في العسرة ... والعسر في الخطوب بلاء
215. ... قرشي زاكي الشمائل وضاح ... محيا مهذب معطاء
216. ... أكتسبته شهادة الدار في الله ... حياة وهكذا الشهداء
217. ... وبجاه الأمير حيدرة الكرار ... من حبه لروحي جلاء
218. ... الوصي السامي الذرى كافل الزهراء ... نعم الوصي والزهراء
219. ... أسد الله سيد الآل مخطوب ... المعالي وللعلي العلاء
220. ... أنبأتنا الأنباء عن قدره العالي ... ويكفي للموقن الأنباء
221. ... كم شهدنا لعزمه خارقات ... شاكل المعجزات منها المضاء
222. ... قال ذو الحقد مادح الصهر أطراه ... ونزر في مدحه الإطراء
223. ... قد رأينا العلياء تعلي رجالا ... وعلي تعلو به العلياء
224. ... حينما استعرض الصفوف ببدر كر من عضبه عليهم وباء
225. ... ودحا الباب يوم خيبر فالحصن ... تداعى وانهز منه البناء
226. ... باب علم الرسول ذخري أو السبطين ... عزمي إذ تثقل الأعباء
227. ... كم أناديه والنوائب ليل ... مدلهم فيعتريها انجلاء
228. ... حسدته أولو الضغائن حقدا ... وكثيرا ما تحسد الحسناء
229. ... وبجاه السبطين شبليه عيني ... عصبة فوقها أستدير العباء
230. ... سيدي سادة الائمة والكل ... لعمري أئمة نجباء
231. ... أمة من بني النبي استظلت ... بحماها الأبدال والنقباء
232. ... حسرتي هم طول المدى ولكم من حسرات ماتت بها كرماء
233. ... آه والوعتي عليهم إذا ما ... خطرت لي البقيع أو كربلاء
234. ... ذو احتراق إذ يذكر النجف الأشرف ... قلبي المضنى وسامراء
235. ... فرقتهم يد التجلي فطوس ... دارهم والبطاح والزوراء
236. ... شرفوا كل بقعة قدسوها ... ومع الله صبحهم والمساء
237. ... وبجاه الأمير خالد سيف الله ... من صح لي إليه انتماء
238. ... ألهزبر الفحل الذي أيد الدين ... ولانت بسيفه الأقسياء
239. ... والذي دوخ الألى من أولي الردة فاستسلموا له ثم فاؤا
240. ... والذي عز في فتوحاته الأقطار دين الهدى وطال اللواء(1101/8)
241. ... وبجاه الصحب الكرام جميعا ... نعم جيش النبي والرفقاء
242. ... قلبتهم يد الرسالة نورا ... بعد عتم وهذه الكيمياء
243. ... أسد الله والذي لأجل الله ... منهم طوعا أبيح الدماء
244. ... شيدوا الدين بالمواضي وهدوا ما بناه من الغوى القدماء
245. ... ومضوا إذ قضوا كراما بأصحاب ... النبيين ما لهم أكفاء
246. ... كم ببدر من حزبهم لاح بدر ... يتجلى سماؤه البيداء
247. ... كم حنين لصفهم بحنين ... ناب ظهر العدا به إحناء
248. ... وبحدب لهم مخضبة الأطراف ... بيض كم قومت حدباء
249. ... جاء منهم كالأنبياء رجال ... ما لوتها عن ربها الأشياء
250. ... وبجاه الأئمة الغر من عنهم ... أتتنا الشريعة الغراء
251. ... علماء الكتاب والسنة البيضاء ... أعيان ديننا الفقهاء
252. ... وبجاه المشايخ الزهر من هم ... عظماء الطريقة الأولياء
253. ... سادة هذبوا النفوس بدين الطهر ... طه فانجاب عنها الغطاء
254. ... زهدهم قد زوى الوجودات عنهم ... فلعمري حقا هم العقلاء
255. ... فزعت منهم القلوب إلى الله ... فذكر زمانهم ودعاء
256. ... وصلاة بصدق حال وصوم ... طرق الخوف كله والرجاء
257. ... وبجاه الغوث الكبير الرفاعي ... من تجلت له اليد البيضاء
258. ... سيد ناب عن نبي البرايا ... بشؤن حارت لها النظراء
259. ... علم الشرق كوكب الصدق فياض ... الأيادي والفلذة الخضراء
260. ... مدد يرفع الوضيع وسر ... قد أقيمت بحاله العرجاء
261. ... وخلال حميدة وفيوض ... هي والعارض الملح سواء
262. ... وبأولاده الهداة فهم قوم ... كرام أماجد صلحاء
263. ... بيت مجد إلى علي تعالت ... من ذويه الأبناء والآباء
264. ... شرف ينطح النجوم وصيت ... ملئت من معطاره الأرجاء
265. ... وبجاه انكسار كل محب ... خالص مسه من الحب داء
266. ... بمعان على القلوب أضاءت فاستنارت وزيح عنها الغشاء
267. ... بإشارات كل عبد نزيه ... جذبته للصانع الآلاء
268. ... رضي الله كافلا ووليا ... فاطمأنت من سره الأحشاء
269. ... بدموع للعاشقين إذا ... مس فقد كالسحب منها الماء
270. ... بأنين للوالهين لديه ... زفرات تبكي لها الصماء
271. ... بعقول قد أدركت غاية السر ... ومنها لربها إسراء(1101/9)
272. ... بفهوم قد هزها الوجد حتى نطقت من صميمها الخرساء
273. ... بالخفي الجلي ذي الغارة المهدي من عمني به الإهتداء
274. ... مظهر الحق باهر السر من طاب لقلبي بهديه الإقتداء
275. ... وارث المرتضى ومجلى هداه ... من علاه ضمن الظهور الخفاء
276. ... برجال الديوان حيا وميتا ... ولعمري أمواتهم أحياء
277. ... خذ حنانا يا مصطفى بعناني ... فالأعادي لها بشأني اعتناء
278. ... رب إني مدحت عبدك طه ... وبطه يستشفع الفقراء
279. ... نق سري يا رب من كل سوء ... فبسري من زلتي اصداء
280. ... وتدارك عجزي بقدرتك العظمى فإني مطيتي هزلاء
281. ... سار أهل القلوب لله والذنب ... دهاني وهمتي عثراء
282. ... كلما قلت أجتلي النور طمت ... منهجي ظلمة الهوى الظلماء
283. ... تب علي انتصر إلي فإني ... غلبتني الأعداء والأهواء
284. ... وأغثني مما أهم فرأيي ... ضمن سيل الذنوب شيء غثاء
285. ... واجتذبني إلى طريق أمان ... فطريقي فجاجه وعثاء
286. ... أنا عبد قد أثقلتني المعاصي ... وأعنائي وملني النصحاء
287. ... ألغياث الغياث يا رب فالركب ... أمام والعزم مني وراء
288. ... ألغياث الغياث فرج كروبي ... وارض عني فمنك يرجى الرضاء
289. ... يا إلهي هذا الزمان تمادى ... وبدت منه هجمة واعتداء
290. ... كدر الصفو فيه أحقاد قوم ... أقلقتهم بغيها الشحناء
291. ... وقلوب لهم تربع فيها ... قسوة تغلب النهى وجفاء
292. ... ضيق الأرض يا غيور عليهم ... وامض فيهم من القضا ما تشاء
293. ... وأعذني من شر كل حسود ... وقرت في ضميره البغضاء
294. ... واحي قلبي برحمة منك إني ... ما لناري بغيرها إطفاء
295. ... وأفنني بالنبي حتى أراني ... لي فناء بحبه وبقاء
296. ... وأراني له رفيقا وجارا ... منه يجري فضلا علي العطاء
297. ... فهو روح الأرواح سرا وجهرا ... هب من نشره عليها شذاء
298. ... نسجت للألباب منه معان ... روضة في طرازها فيحاء
299. ... هو في الكون نقطة الباء يبدو ... حين يجلى ما افتر عنه الباء
300. ... كم أعاد الباري به من أفانين ... علوم لم يبدها الإبداء
301. ... جاء بالحق والقلوب بها موت ... فعاشت وهزها الإحياء(1101/10)
302. ... وبدا نوره فأصبح للحشر ... منيرا بضوءه يستضاء
303. ... يا إلهي يا واسع الجود يا من ... شأنه الوضع جل والإعلاء
304. ... يا عظيم النوال يا واهب الآمال ... يا من لبابه الإلتجاء
305. ... يا مجيب المضطر حين يناجيه ... ولليل عتمة فحماء
306. ... يا مغيثا بلجة البحر إن ما ... هتفت باسم قدسه الغرقاء
307. ... قد رجوناك فاسبل الستر والطف ... عل يروي ظما القلوب الرواء
308. ... وعلى المصطفى فصل وسلم ... ما استمال الغصن الرطيب هواء
309. ... وانطوى بالخفاء نشر ولاحت ... بارقات لها المعاني غطاء
310. ... وعلى آله الذين اصطفاهم ... ربهم للعلى فهم أصفياء
311. ... سادة الناس أكرم الخلق طرا شرفاء الخلائق الأذكياء
312. ... وعلى السادة الصحابة من هم ... سادتي حين تذكر الأسماء
313. ... ما حدا الركب في المهامه حاد ... هيمته الطلول والأرجاء
314. ... وسرى في عوالم الله سر ... وارتقت في المنابر الخطباء
315. ... واستهلت بشرى بحسن ختام وطوى شقة العناء الرضاء(1101/11)
ما للفقير الذي جلت مصائبه
ما للفقير الذي جلت مصائبه ... إلا الرسول الذي عمت مواهبه
محمد الخير تاج المرسلين ومن ... سرت إلى العالم الأعلى ركائبه
سر النبوة مصباح المروءة مولى ... الكون بل معدن الإحسان واهبه
روح المعاني طريق الوصل واسطة الآمال ... كنز حقير مل صاحبه
سيف انتصار إذا عادى الزمان عدا ... وباب عز لمن ذلت جوانبه
حصن حصين مكين يستجار به ... إذا طغى الدهر أو جارت نوائبه
عزي به وانتصاري دائما أبدا ... رغم العدو الذي ساءت مذاهبه
يا حبذا شرف طوقت فيه من الهادي ... الذي لم يخب والله طالبه
قل للعدو كساه الله ثوب عنا ... هون عليك فمجدي جل ناصبه
لن يهدم الشرف العالي قصير يد ... لم تقطع الشفة السفلى غرائبه
إني وإن كنت مملوء الجيوب بأوزاري ... وذنبي عظيم حار كاتبه
فرحمه الله بالمختار حاصله ... وسيب شمس الهدى كالبحر ساكبه
وإن رأيت ضعيف العزم لي مدد ... بالمصطفى تدهش الرائي عجائبه
ولي بنفحته الزهراء نور هدى ... تجلو حنادس أكداري كواكبه
ولي عساكر نصر من عنايته ... ليلا إذا ما الدجى قامت مواكبه
ولي طراز قبول من مكارمه ... لا بد أن تملاء الدنيا مناقبه
ولي كريم رحاب لا يذل به ... دهراً ولا الضيم في آن يقاربه
ولي بشوكته العظمى سهام حمى ... لا بد تلدغ أعدائي عقاربه
ولي به صولة سلطان دولتها ... صعب على الحاسد الممقوت حاجبه
امنت بالله والمولى الرسول كفى ... عندي لكل ملم إذ اقالبه
فلا الصديق على مدحي أطالبه ... ولا العدو على ذمي أعاتبه
وكل ما جاء من ربي لدي رضا ... فيه وظني أن تمحى مصائبه
وقد لجأت بذيل الهاشمي على ... صدق وقد أمطرت روحي سحائبه
وقد ركبت له عزما مطية ... إيماني فدهري لا تخشى متاعبه
وفي القيامة محفوظ الجناب به ... وإنه قط ما ذلت حبائبه
ولي به حبل وصل جاء عن رحم ... إن عد في الحشر للزلفى أقاربه
وصدق حبي ولو ذي ضمن ساحته ... طريق عز غدت تسمو مراتبه
صلى عليه إله العرش ما كشفت ... عن مغلق الليل في صبح غياهبه(1102/1)
وآله الغر والأصحاب سادتنا ... وابن الرفاعي من ما هان نادبه
والأولياء رجال الله من خلفو ... خير الوجود فهم فينا عصائبه(1102/2)
وهي حالي وضقت لثقل حوبي
وهي حالي وضقت لثقل حوبي ... وعز الصبر من ألم الذنوب
ومالي منجد يحمي حمائي ... ويطفي لي بنصرته لهيبي
وقد قوبلت من قبل الأعادي ... وأهل الحقد بالعجب العجيب
وحسادي رموني مذ تعالوا ... علي لقصد نفس بالمعيب
وأفشوا الافتراء علي طيشا ... ونالوني ببغيهم الغريب
وقالوا في ما قالوا وأبدوا الإشاعة ... للبعيد وللقريب
فلما ضقت ذرعا من هموم ... عدت روحي نفسي بالنحيب
وقلت لنفسي ارتاحي وخلي ... عناءك واركني طبعا وطيبي
لك اتضحت طريق النجح حقا ... بظل عناية الهادي الأديب
نعم كل الهموم الدهم تجلى ... متى وضعت بأعتاب الحبيب
إمام الرسل سلطان البرايا ... مغيث المتجي حصن الغريب
مدار حقائق الأسرار معنى ... تجلي سر بارئنا المجيب
مفسر حكمة القرآن مولى ... صدور الأنبياء حمى الكئيب
محل عناية الرحمن مجري ... ندا الرحموت مفتاح الغيوب
أبو الزهراء نور الكون جد الحسين ... ابن النجيب أبي النجيب
عريض الجاه علة خلق كل الوجود ... ودولة الرب القريب
أناديه وأخجل من ذنوبي ... وليس سواه أطلب من مجيب
فإن عضال دائي ضر جسمي ... وهل إلاك يا طه طبيبي
رسول الله يا غوثاه يا من ... ببابك لذت بالدمع الصبيب
تداركني ولاحظ عرض حالي ... بفضلك واكفني نكد الخطوب
وعاملني بشأنك واحم فضلا ... حماي فأنت كشاف الكروب
وفي الآخرى تداركني بعون ... وألحقني بموكبك المهيب
عليك صلاة ربك كل آن ... وأصحاب ذوي شرف حسيب
وللآل الكرام ذوي المعالي ... واقطاب محبتهم نصيبي
بهم أرجو العناية ضقت صدرا ... وعز الصبر من ألم الذنوب(1103/1)
يا مصطفى آمالنا بك
يا مصطفى آمالنا بك ... فاطو البشائر في جوابك
هذي عريضة مذنب ... رفع الشؤن إلى جنابك
وافى إليك وحمله ... قد حطه أبدا ببابك
فأغث إذا يا مصطفى ... عبدا وقيعا في رحابك
فلأنت أكرم من يفيض ... الغوث حيث الخطب حابك
لما ارتقيت إلى العلى ... مشت الملائك في ركابك
صل سيدي حبلي فلي ... حبل اعتصام بانتسابك
وعليك صلى الله والآل ... الأولى وعلى صاحبك
والتابعين ومن تمسك ... بالشريعة لاقترابك
ما فاز ظام قد دعاك ... بكل بر من سحابك(1104/1)
يا نبيا علا على الأنبياء
يا نبيا علا على الأنبياء ... بمقام التعظيم والاصطفاء
وسما وارتقى السما وتسامى ... قدره في المراتب العلياء
فهو في هيئة الجلالة فرد ... في المعالي من مبدأ الأشياء
وهو في مظهر العناية نور ... غالب ضوءه على الأضواء
درة السر كنز كل المعاني ... أصلها من حقيقة الأسماء
جوهر الفخر نور عين البرايا ... منتهى سرها من الإبتداء
معدن المجد روح جسم المعالي ... مظهر الحق في سلوك الفناء
أصل سر الأشياء في كل سر ... بجلي المعنى وبالإخفاء
عين وجه المقصود من كل لب ... سلم الذاهبين للإهتداء
مظهر المجد هيكل السعد مولى الخلق ... من قبل خلق طين وماء
صولة الله في الوجود ومجلى ... نور عين الكمال في كل رائي
هيبة الحق قر في كل قلب ... شأنه فانجلى بسر علائي
سطوة الغيب دولة الرب حقا ... حكمة الأمر سيد الأصفياء
علم شرف الإله به الأرض ... كما دار ذكره في السماء
طيب طابت البرية فيه ... طاب ذاتا وطاب فيه ثنائي
أول الأنبياء خلقا وأبهى الكل ... خلقا وخيرهم لاقتداء
جامع السر معدن البر والخير ... وكنز النوال للفقراء
سيد المرسلين غوث المنادي ... كعبة الإعتصام للغرباء
سيف قدس سطا بكل عدو ... وولي يحمي من الأعداء
باب لطف لكل من قرع الباب ... بذل يجود بالإعطاء
ترجمان الرحمن في كل شأن ... وتجلى قبوله للدعاء
كاف كن قبل كون كل مكين ... نون كان الأمان للشفعاء
صاد صبح القبول من غير شك ... ميم معنى الوجود للأشياء
يا إمام الهدى ويا خير هاد ... وعمادي يوم اللقا وحمائي
يا حبيب الديان يا نور عرش الله ... حقا يا خاتم الأنبياء
يا ملاذ اللاجين يا ملجأ الراجين ... جهرا يا موئل الضعفاء
كن نصيري وكافلي ومعيني ... وعياذي في شدتي ورخائي
واكفني ما أراه من هم دهري ... واحمني العمر من خفي القضاء
وأثبني إخلاص قلب وصدق ... واشف يا عمدتي بفضلك دائي
وأعني على زماني فإني ... لك دون الوجود صح التجائي
واكشف الكرب والمهمة واقبل ... يا سراج الورى بعطف رجائي
فعليك الصلاة في كل آن ... وزمان تجري بغير انقضاء(1105/1)
وعلى السادة الصحابة طرا ... وعلى الآل بعد أهل العباء
وعلى التابعين في كل وقت ... وعلى الصالحين والأولياء
ما أتاك العبد الضعيف ينادي ... يا نبيا علا على الأنبياء(1105/2)
يعاركني الزمان كما يشاء
يعاركني الزمان كما يشاء ... وبي للحزن نشر وانطواء
ولي قلب عبثن به الليالي ... بفقد أحبتي والفقد داء
فأي مسرة تحلو لقلبي ... ولون الماء يبرزه الإناء
تهاجمت الهموم علي حتى ... جرت عيني ومدمعها دماء
وأوقات مع الأحباب مرت ... عسى لا راع برهتها انقضاء
نروم بغير تبصرة وفاء ... من الدنيا ألدنيا وفاء
تركنا الكل للباري رضاء ... بما يقضيه والدين الرضاء
ولذنا بالنبي الطهر طه ... فلاح العون وانطمس العناء
جعلناه الرجاء لكل شأن ... وأحمد لا يرد له رجاء
تلألأ نوره في الغيب قدما ... ولا أرض هناك ولا سماء
عليه الله بالتعظيم صلى ... وسلم ما تلا الصبح المساء
وأهل البيت والأصحاب طرا ... فهم غر الجباه الأتقياء
وصاحب حالة البعد الرفاعي ... ويتلوه الرجال الأولياء(1106/1)
أَلا زَعَمَت أَسماءُ أَن لا أُحِبُّها
1
أَلا زَعَمَت أَسماءُ أَن لا أُحِبُّها *** فَقُلتُ بَلى لَولا يُنازِعُني شُغلي
2
جَزَيتُكِ ضِعفَ الوُدِّ لِما اشَتكَيتِهِ *** وَما إِن جَزاكِ الضِعفَ مِن أَحَدٍ قَبلي
3
فَإِنْ تَكُ أُنْثَى مِن مَعَدٍّ كَرِيمةً *** علينا فقدْ أُعْطِيتِ نَافِلَةَ الفَضْلِ
4
لَعَمرُكَ ما عَيساءُ تَتبَعُ شادِنًا *** يَعِنُّ لَها بِالجِزعِ مِن نَخِبِ النَجلِ
5
إِذا هِيَ قامَت تَقشَعِرُّ شَواتُها *** وَيُشرِقُ بَينَ الليتِ مِنها إِلى الصُقلِ
6
تَرى حَمَشًا في صَدرِها ثُمَّ إِنَّها *** إِذا أَدبَرَت وَلَّت بِمُكتَنِزٍ عَبلِ
7
وَما أُمُّ خِشفٍ بِالعَلايَةِ تَرتَعي *** وَتَرمُقُ أَحيانًا مُخاتَلَةَ الحَبلِ
8
بِأَحسَنَ مِنها يَومَ قالَت تَدَلُّلاً *** أَتَصرِمُ حَبلي أَم تَدومُ عَلى وَصْلِي
9
فَإِن تَزعُميني كُنتُ أَجهَلُ فيكُمُ *** فَإِنّي شَرَيتُ الحِلمَ بَعدَكِ بِالجَهلِ
10
وَقالَ صِحابي قَد غُبِنتَ فخِلتُني *** غَبَنتُ فَلا أَدري أَشَكلُهُمُ شَكلي
11
عَلى أَنَّها قالَت رَأَيتُ خُوَيلِدًا *** تَنَكَّرَ حَتّى عادَ أَسوَدَ كَالجِذلِ
12
فَتِلكَ خُطوبٌ قَد تَمَلَّت شَبابَنا *** زَمانًا فَتُبلينا الخُطوبُ وَما نُبلي
13
وَتُبلى الأُولى يَستَلئِمونَ عَلى الأولى *** تَراهُنَّ يَومَ الرَوعِ كَالحِدَإِ القُبلِ
14
فَهُنَّ كَعِقبانِ الشُرَيفِ جَوانِحٌ *** وَهُم فَوقَها مُستَلئِمو حَلَقِ الجَدلِ
15
مَنايا يُقَرِّبنَ الحُتوفَ لِأَهلِها *** جِهارًا وَيَستَمتِعنَ بِالأَنَسِ الجَبلِ
16
وَمُفرِهَةٍ عَنسٍ قَدَرتُ لِرِجلِها *** فَخَرَّت كَما تَتّابَعُ الريحُ بِالقَفلِ
17
لِحَيٍّ جِياعٍ أَو لِضَيفٍ مُحَوَّلٍ *** أُبادِرُ ذِكرا أَن يُلَجَّ بِهِ قَبلي
18
رَوَيتُ وَلَم يَغرَم نَديمي وَحاوَلَت *** بَني عَمِّها أَسماءُ أَن يَفعَلوا فِعلي
19(1107/1)
فَما فَضلَةٌ مِن أَذرِعاتٍ هَوَت بِها *** مُذَكَّرَةٌ عَنسٌ كَهادِيَةِ الضَحلِ
20
سُلافَةُ راحٍ ضُمِّنَتها إِداوَةٌ *** مُقيَرَّةٌ رِدفٌ لمؤخِرَةِ الرَحلِ
21
تَزَوَّدَها مِن أَهلِ بُصرى وَغَزَّةٍ *** عَلى جَسرَةٍ مَرفوعَةِ الذَيلِ وَالكِفلِ
22
فَوافى بِها عُسفانَ ثُمَّ أَتى بِها *** مَجَنَّةَ تَصفو في القِلالِ وَلا تَغلي
23
فَرَّوحَها مِن ذي المَجازِ عَشِيَّةً *** يُبادِرُ أَولى السابِقاتِ إِلى الحَبلِ
24
فَجِئنَ وَجاءَت بَينَهُنَّ وَإِنَّهُ *** لَيَسمَحُ ذِفراها تَزَغَّمُ كَالفَحلِ
25
فَجاءَ بِها كَيما يُوافِيَ حِجَّةً *** نَديمُ كِرامٍ غَيرُ نِكسٍ وَلا وَغلِ
26
فَباتَ بِجَمعٍ ثُمَّ تَمَّ إِلى مِنىً *** فَأَصبَحَ رَادًا يَبتَغي المَزجَ بِالسحلِ
27
فَجاءَ بِمَزجٍ لَم يَرَ الناسُ مِثلَهُ *** هُوَ الضَحكُ إِلّا أَنَّهُ عَمَلُ النَحلِ
28
يَمانِيَةٍ أَحيا لَها مَظَّ مَأبِدٍ *** وَآلِ قَراسٍ صَوبُ أَرْمِيَةٍ كُحلِ
29
فَما إِن هَما في صَحفَةٍ بارِقِيَّةٍ *** جَديدٍ أُرِقَّت بِالقَدومِ وَبِالصَقلِ
30
بِأَطيَبَ مِن فيها إِذا جِئتُ طارِقًا *** وَلَم يَتَبَيَّن ساطِعُ الأُفُقِ المُجلي
31
إِذا الهَدَفُ المِعزابُ صَوَّبَ رَأسَهُ *** وَأَمكَنَهُ ضَفوٌ مِنَ الثَلَّةِ الخُطلِ(1107/2)
أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ
أبو ذؤيب الهذلي
1
أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ *** وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
2
قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِبًا *** مُنذُ ابتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ
3
أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعًا *** إِلّا أَقَضَّ عَلَيكَ ذاكَ المَضجَعُ
4
فَأَجَبتُها أَن ما لِجِسمِيَ أَنَّهُ *** أَودى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ ووَدَّعوا
5
أَودى بَنِيَّ وَأَعقَبوني حَسْرَةً *** بَعدَ الرُقادِ وَعَبرَةً لا تُقلِعُ
6
وَلَقَد أَرى أَنَّ البُكاءَ سَفاهَةٌ *** وَلَسَوفَ يولَعُ بِالبُكا مِن يَفجَعُ
7
سَبَقوا هَوَىَّ وَأَعنَقوا لِهَواهُمُ *** فَتُخُرِّموا وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعُ
8
فَغَبَرتُ بَعدَهُمُ بِعَيشٍ ناصِبٍ *** وَإَخالُ أَنّي لاحِقٌ مُستَتبَعُ
9
وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ *** فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُ
10
وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها *** أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ
11
فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَها *** سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ
12
حَتّى كَأَنّي لِلحَوادِثِ مَروَةٌ *** بِصَفا المُشَرَّقِ كُلَّ يَومٍ تُقرَعُ
13
وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ *** أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ
14
وَالنَفسُ راغِبِةٌ إِذا رَغَّبتَها *** فَإِذا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقنَعُ
15
وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ *** جَونُ السَراةِ لَهُ جَدائِدُ أَربَعُ
16
صَخِبُ الشَوارِبِ لا يَزالُ كَأَنَّهُ *** عَبدٌ لِآلِ أَبي رَبيعَةَ مُسبَعُ
17
أَكَلَ الجَميمَ وَطاوَعَتهُ سَمحَجٌ *** مِثلُ القَناةِ وَأَزعَلَتهُ الأَمرُعُُ
18
بِقَرارِ قيعانٍ سَقاها وابِلٌ *** واهٍ فَأَثجَمَ بُرهَةً لا يُقلِعُ
19
فَلَبِثنَ حينًا يَعتَلِجنَ بِرَوضَةٍ *** فَيَجِدُّ حينًا في العِلاجِ وَيَشمَعُ
20(1108/1)
حَتّى إِذا جَزَرَت مِياهُ رُزونِهِ *** وَبِأَيِّ حينِ مِلاوَةٍ تَتَقَطَّعُ
21
ذَكَرَ الوُرودَ بِها وَشاقى أَمرَهُ *** شُؤمٌ وَأَقبَلَ حَينُهُ يَتَتَبَّعُ
22
فَافتَنَّهُنَّ مِن السَواءِ وَماؤُهُ *** بِثرٌ وَعانَدَهُ طَريقٌ مَهيَعُ
23
فَكَأَنَّها بِالجِزعِ بَينَ نُبَايعٍ *** وَأولاتِ ذي العَرجاءِ نَهبٌ مُجمَعُ
24
وَكَأَنَّهُنَّ رِبابَةٌ وَكَأَنَّهُ *** يَسَرٌ يُفيضُ عَلى القِداحِ وَيَصدَعُ
25
وَكَأَنَّما هُوَ مِدوَسٌ مُتَقَلِّبٌ *** في الكَفِّ إِلّا أَنَّهُ هُوَ أَضلَعُ
26
فَوَرَدنَ وَالعَيّوقُ مَقعَدَ رابِىءِ الضـ *** ـضُرَباءِ فَوقَ النَظمِ لا يَتَتَلَّعُ
27
فَشَرَعنَ في حَجَراتِ عَذبٍ بارِدٍ *** حَصِبِ البِطاحِ تَغيبُ فيهِ الأَكرُعُ
28
فَشَرِبنَ ثُمَّ سَمِعنَ حِسًّا دونَهُ *** شَرَفُ الحِجابِ وَرَيبَ قَرعٍ يُقرَعُ
29
وَنَميمَةً مِن قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ *** في كَفِّهِ جَشءٌ أَجَشُّ وَأَقطُعُ
30
فَنَكِرنَهُ فَنَفَرنَ وَامتَرَسَت بِهِ *** عَوْجَاءُ هادِيَةٌ وَهادٍ جُرشُعُ
31
فَرَمى فَأَنفَذَ مِن نَجودٍ عائِطٍ *** سَهمًا فَخَرَّ وَريشُهُ مُتَصَمِّعُ
32
فَبَدا لَهُ أَقرابُ هذا رائِغًا *** عَجِلًا فَعَيَّثَ في الكِنانَةِ يُرجِعُ
33
فَرَمى فَأَلحَقَ صاعِدِيًّا مِطحَرًا *** بِالكَشحِ فَاشتَمَّلَت عَلَيهِ الأَضلُعُ
34
فَأَبَدَّهُنَّ حُتوفَهُنَّ فَهارِبٌ *** بِذَمائِهِ أَو بارِكٌ مُتَجَعجِعُ
35
يَعثُرنَ في عَلَقِ النَّجِيعِ كَأَنَّما *** كُسِيَت بُرودَ بَني يَزيدَ الأَذرُعُ
36
وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ *** شَبَبٌ أَفَزَّتهُ الكِلابُ مُرَوَّعُ
37
شَعَفَ الكِلابُ الضارِياتُ فُؤادَهُ *** فَإِذا يَرى الصُبحَ المُصَدَّقَ يَفزَعُ
38
وَيَعوذُ بِالأَرطى إِذا ما شَفَّهُ *** قَطرٌ وَراحَتهُ بَلِيلٌ زَعزَعُ
39
يَرمي بِعَينَيهِ الغُيوبَ وَطَرفُهُ *** مُغضٍ يُصَدِّقُ طَرفُهُ ما يَسمَعُ(1108/2)
40
فَغَدا يُشَرِّقُ مَتنَهُ فَبَدا لَهُ *** أَولى سَوابِقَها قَريبًا توزَعُ
41
فانْصَاعَ مِن فَزَعٍ وَسَدَّ فُروجَهُ *** غُبرٌ ضَوارٍ وافِيانِ وَأَجدَعُ
42
فَنَحا لَها بِمُذَلَّقَينِ كَأَنَّما *** بِهِما مِنَ النَضحِ المُجَدَّحِ أَيدَعُ
43
يَنهَسنَهُ وَيَذُبُّهُنَّ وَيَحتَمي *** عَبلُ الشَوى بِالطُرَّتَينِ مُوَلَّعُ
44
حَتّى إِذا ارتَدَّت وَأَقصَدَ عُصبَةً *** مِنها وَقامَ شَريدُها يَتَضَرَّعُ
45
فَكَأَنَّ سَفّودَينِ لَمّا يُقتَرا *** عَجِلا لَهُ بِشَواءِ شَربٍ يُنزَعُ
46
فَبَدا لَهُ رَبُّ الكِلابِ بِكَفِّهِ *** بيضٌ رِهافٌ ريشُهُنَّ مُقَزَّعُ
47
ففَرَمى لِيُنقِذَ فَرَّها فَهَوى لَهُ *** سَهمٌ فَأَنفَذَ طُرَّتَيهِ المِنزَعُ
48
فَكَبا كَما يَكبو فِنيقٌ تارِزٌ *** بِالخُبتِ إِلّا أَنَّهُ هُوَ أَبرَعُ
49
وَالدَهرُ لا يَبقى عَلى حَدَثانِهِ *** مُستَشعِرٌ حَلَقَ الحَديدِ مُقَنَّعُ
50
حَمِيَت عَلَيهِ الدِرعُ حَتّى وَجهُهُ *** مِن حَرِّها يَومَ الكَريهَةِ أَسفَعُ
51
تَعدو بِهِ خَوصاءُ يَفصِمُ جَريُها *** حَلَقَ الرِحالَةِ فَهِيَ رِخوٌ تَمزَعُ
52
قَصَرَ الصَبوحَ لَها فَشَرَّجَ لَحمَها *** بِالنَيِّ فَهِيَ تَثوخُ فيها الإِصبَعُ
53
تَأبى بِدُرَّتِها إِذا ما استُكرِهَت *** إِلّا الحَميمَ فَإِنَّهُ يَتَبَضَّعُ
54
مُتَفَلِّقٌ أَنساؤُها عَن قانِئٍ *** كَالقُرطِ صاوٍ غُبرُهُ لا يُرضَعُ
55
بَينَنا تَعَانُقِهِ الكُماةَ وَرَوغِهِ *** يَومًا أُتيحَ لَهُ جَريءٌ سَلفَعُ
56
يَعدو بِهِ نَهِشُ المُشاشِ كَأَنّهُ *** صَدَعٌ سَليمٌ رَجعُهُ لا يَظلَعُ
57
فَتَنَازَلا وَتَواقَفَت خَيلاهُما *** وَكِلاهُما بَطَلُ اللِقاءِ مُخَدَّعُ
58
يَتَنَاهَبَانِ المَجدَ كُلٌّ واثِقٌ *** بِبَلائِهِ وَاليَومُ يَومٌ أَشنَعُ
59
وَكِلاهُما مُتَوَشِّحٌ ذا رَونَقٍ *** عَضبًا إِذا مَسَّ الضَريبَةَ يَقطَعُ
60(1108/3)
وَكِلاهُما في كَفِّهِ يَزَنِيَّةٌ *** فيها سِنانٌ كَالمَنارَةِ أَصلَعُ
61
وَعَلَيهِما مَاذِيَّتَانِ قَضاهُما *** داودٌ أَو صَنَعُ السَوابِغِ تُبَّعُ
62
فَتَخالَسا نَفسَيهِما بِنَوافِذٍ *** كَنَوافِذِ العُبُطِ الَّتي لا تُرقَعُ
63
وَكِلاهُما قَد عاشَ عيشَةَ ماجِدٍ *** وَجَنى العَلاءَ لَو انَّ شَيئًا يَنفَعُ(1108/4)
لا تَذْكُرَنَّ أُخْتَنَا إِنَّ أُخْتَنَا
لما بلغ أبا ذؤيب ما تراجع فيه خالد بن زهير ومعقل بن خويلد خشي أن يتفاقم الأمر، فقال يصلح بين معقل بن خويلد وبين خالد بن زهير، ولم يروها أبو نصر
1
لا تَذْكُرَنَّ أُخْتَنَا إِنَّ أُخْتَنَا *** يَعِزُّ عَلَيْنَا هُونُها وشَكَاتُها
2
فأَبلِغ لَدَيكَ مَعقِلَ بنَ خُوَيلِدٍ *** مَلائِكَ يَهديها إِلَيكَ هُداتُها
3
عَلى إِثرِ أُخرى قَبلَ ذلِكَ قَد أَتَت *** إِلَيكَ فَجاءَت مُقشَعِرًّا شَواتُها
4
وَقَد عَلِمَ الأَقوامُ أَنَّكَ سَيِّدٌ *** وَأَنَّكَ مِن دارٍ شَديدٍ حَصاتُها
5
ولا تُتبِعِ الأَفعى يَدَيكَ تَنوشُها *** وَدَعها إِذا ما غَيَّبَتها سَفاتُها
6
وَأَطفِئ وَلا توقِد وَلا تَكُ مِحضأً *** لِنارِ العُداةِ أَن تَطيرَ شَكاتُها
7
فَإِنَّ مِنَ القَولِ الَّتي لا شَوى لَها *** إِذا زَلَّ عَن ظَهرِ اللِسانِ انفِلاتُها
8
وَمَوقِعُها ضَخمٌ إِذا هِيَ أُرسِلَت *** وَلَو كُفِتَت كانَت يَسيرًا كِفاتُها
9
فَإِنَّكَ إِنْ تَفْعَلْ فَإِنَّكَ سَالِمٌ *** وَإِنْ تَفْعَلِ الأخرى تَصِبْكَ أَذَاتُها
10
وَإِنْ لم تَطِب نَفسي بِإِرسالِها لَكُمْ *** وَهَل يَنفَعَن نَفسي إِلَيكُم أَناتُها(1109/1)
لَعَمرُكَ ما وَنى ابنُ أَبي قُبَيْسٍ
1
لَعَمرُكَ ما وَنى ابنُ أَبي قُبَيْسٍ *** وَما خامَ القِتالَ وَما أَضاعا
2
رَمى بظباتها حَتّى إِذا ما *** أَتاهُ قِرنُهُ بَذَل المِصاعا
3
بِمُطَّرِدٍ تَخالُ الأَثرَ فيهِ *** مَدَبَّ غَرانِقٍ خاضَت نِقاعا
4
إِذا مَسَّ الضَريبَةَ شَفرَتاهُ *** كَفاكَ مِنَ الضَريبَةِ ما استَطاعا
5
تَنَحَّى سالِمٌ مِن بَعْدِ غَمٍّ *** وَقَد كَلَمَ الذُؤابَةَ وَالذِراعا
6
وَلَو سَلِمَت لَهُ يُمنى يَدَيهِ *** لَعَمرُ أَبيكَ أَطعَمَهُ السِباعا
7
كَأَنَّ مُحَرَّبا مِن أُسدِ تَرجٍ *** يُسافِعُ فارِسَي عَبدٍ سِفاعا
8
وإِن أَكُ نائِيًا عَنهُ فَإِنّي *** سُرِرتُ بِأَنَّهُ غَبَنَ البِياعا(1110/1)
ما حُمِّلَ البُختِيُّ عامَ غِيارِهِ
1
ما حُمِّلَ البُختِيُّ عامَ غِيارِهِ *** عَلَيهِ الوُسوقُ بُرُّها وَشَعيرُها
2
أَتى قَريَةً كانَت كثيراً طَعامُها *** كَرَفغِ التُرابِ كُلُّ شَيءٍ يَميرُها
3
فَقيلَ تَحَمَّل فَوقَ طَوقِكَ إِنَّها *** مُطَبَّعَةٌ مَن يَأتِها لا يَضيرُها
4
بِأَثْقَلَ مِمّا كُنتُ حَمَّلتُ خالِدًا *** وَبَعضُ أَماناتِ الرِجالِ غُرورُها
5
وَلَو أَنَّني حَمَّلتُهُ البُزلَ لَم تَقُم *** بِهِ البُزلُ حَتّى تَتلَئِبَّ صُدورُها
6
خَليلي الَّذي دَلَّى لِغَيٍّ خَليلَتي *** فَكُلًا أَراهُ قَد أَصابَ عُرورُها
7
فَشَأنَكَها إِنّي أَمينٌ وَإِنَّني *** إِذا ما تَحالى مِثلُها لا أَطورُها
8
أُحاذِرُ يَومًا أَن تَبينَ قَرينَتي *** وَيُسلِمَها إِخْوَانُها وَنَصيرُها
9
وَما أَنفُسُ الفِتيانِ إِلّا قَرائِنٌ *** تَبينُ وَيَبقى هامُها وَقُبورُها
10
فَنَفسَكَ فَاحفَظها وَلا تُفشِ لِلعِدا *** مِنَ السِرِّ ما يُطوى عَلَيهِ ضَميرُها
11
وَما يَحفَظُ المَكتومَ مِن سِرِّ أَمْرِهِ *** إِذا عُقَدُ الأَسرارِ ضاعَ كَبيرُها
12
مِنَ القَومِ إِلّا ذو عَفافٍ يُعينُهُ *** عَلى ذاكَ مِنهُ صِدقُ نَفسٍ وَخَيرُها
13
رَعى خالِدٌ سِرّي لَياليَ نَفسُهُ *** تَوالى عَلى قَصدِ السَبيلِ أُمورُها
14
فَلمّا تَراماهُ الشَبابُ وَغَيُّهُ *** وَفي النَفسِ مِنهُ فِتنَةٌ وَفُجورُها
15
لَوى رَأسَهُ عَنّي وَمالَ بِوُدِّهِ *** أَغانيجُ خَودٍ كانَ فِيْنَا يَزورُها
16
تَعَلَّقَهُ مِنها دَلالٌ وَمُقلَةٌ *** تَظَلُّ لِأَصحابِ الشَقاءِ تُديرُها
17
فَإِنَّ حَرامًا أَن أَخونَ أَمانَةً *** وَآمَنَ نَفسًا لَيسَ عِندي ضَميرُها(1111/1)
ما بالُ عَيني لا تَجِفُّ دُموعُها
أبو ذؤيب الهذلي
العصر ... مخضرم
عدد الأبيات ... 4
البحر ... كامل
الروي ... عين
الغرض ... رثاء
مصدر القصيدة ... شرح أشعار الهذليين (1/225)، صنعة أبي سعيد الحسن السكري، حققه عبد الستار فراج، مكتبة دار العروبة
المناسبة ... وقال يرثي بعجة حين غدرت بهم بهز
1
ما بالُ عَيني لا تَجِفُّ دُموعُها *** كَثيرٌ تَشَكّيها قَليلٌ هُجوعُها
2
أُصيبَت بِقَتلى آلِ عَمرٍ وَنَوفَلٍ *** وَبَعجَةَ فَاختَلَّت وَراثَ رُجوعُها
3
إِذا ذَكَرَت قَتلى بِكَوساءَ أَشعَلَت *** كَواهِيَةِ الأَخراتِ رَثٍّ صُنوعُها
4
وَكانوا السَنامَ اجتُثَّ أَمسِ فَقَومُهُمْ *** كَعَرّاءَ بَعدَ النَيِّ راثَ رَبيعُها(1112/1)
هَلِ الدَهرُ إِلّا لَيلَةٌ وَنَهارُها
1
هَلِ الدَهرُ إِلّا لَيلَةٌ وَنَهارُها *** وَإِلّا طُلوعُ الشَمسِ ثُمَّ غِيارُها
2
أَبى القَلبُ إِلّا أُمَّ عَمروٍ وَأَصبَحَت *** تُحَرَّقُ ناري بِالشَكاةِ وَنارُها
3
وَعَيَّرَها الواشونَ أَنّي أُحِبُّها *** وَتِلكَ شَكاةُ ظاهِرٌ عَنكَ عارُها
4
فَلا يَهنَأ الواشينَ أَنْ قد هَجَرتُها *** وَأَظلَمَ دوني لَيلُها وَنَهارُها
5
فَإِن أَعتَذِر مِنها فَإِنّي مُكَذَّبٌ *** وَإِن تَعتَذِر يُردَد عَلَيها اعتِذارُها
6
فَما أُمُّ خِشفٍ بِالعَلايَةِ فَارِدٍ *** تَنوشُ البَريرَ حَيثُ نالَ اهتِصارُها
7
مُوَلَّعَةٌ بِالطُرَّتَينِ دَنا لَها *** جَنى أَيكَةٍ يَضفو عَلَيها قِصارُها
8
بِهِ أَبَلَت شَهرَي رَبيعٍ كِلَيهِما *** فَقَد مارَ فيها نَسؤُها وَاقتِرارُها
9
وَسَوَّدَ ماءُ المَردِ فاها فَلَونُهُ *** كَلَونِ النَوورِ فَهيَ أَدماءُ سارُها
10
بِأَحسَنَ مِنها يَومَ قامَت فَأَعرَضَت *** تُواري الدُموعَ حينَ جَدّا انحِدارُها
11
وما حَاوَلَتْ إلا لِتَعْنِتَ لُبَّهُ *** غَدَاةَ الظِّبَاءِ أو لِيُعْذَرَ جَارُها
12
كَأَنَّ عَلى فيها عُقارًا مُدامَةً *** سُلافَةَ راحٍ عَتَّقَتها تِجارُها
13
مُشَعْشَعَةً مِن أَذرِعاتٍ هَوَت بِها *** رِكابُ وَعَنَّتها الزِقاقُ وَقارُها
14
فَلا تُشتَرى إِلّا بِرِبحٍ سِباؤُها *** بَناتُ المَخاضِ شِيمُها وَحِضارُها
15
تَرى شَربَها حُمرَ الحِداقِ كَأَنَّهُمْ *** أَساوى إِذا ما مار فيهِم سُوارُها
16
أَلِلْحَيْنِ قَامَتْ هَاهُنا أَمْ تَعَرَّضَتْ *** فُطَيْمَةُ أَمْ كَيْمَا يَبَرَّ اعْتِذَارُها
17
فَإِنَّكَ مِنها وَالتَعَذُّرَ بَعدَما *** لَجِجَتَ وَشَطَّت مِن فُطَيمَةَ دارُها
18
لنَعْتِ الَّتي قَامَتْ تُسَبِّعُ سُؤرَها *** وَقالَت حَرامٌ أَن يُرَجَّلَ جارُها
19(1113/1)
تَبَرَّأُ مِن دَمِّ القَتيلِ وَبَزِّهِ *** وَقَد عَلِقَت دَمَّ القَتيلِ إِزارُها
20
فَإِنَّكِ لَو ساءَلتِ عَنّا فَتُخبَري *** إِذا البُزلُ راحَت لا تُدِرُّ عِشارُها
21
لَأُنبِئتِ أَنّا نَجتَدي الفَضلَ إِنَّما *** تَكَلَّفُهُ مِنَ النُفوسِ خَيارُها
22
لَنا صِرَمٌ يُنحَرنَ في كُلِّ شَتوَةٍ *** إِذا ما سَماءُ الناسِ قَلَّ قِطارُها
23
وَسودٌ مِنَ الصيدانِ فيها مَذانِبُ النـ *** ـنُضارٌ إِذا لَم نَستَفِدها نُعارُها
24
لَهُنَّ نَشيجٌ بِالنَشيلِ كَأَنَّها *** ضَرائِرُ حِرمِيٍّ تَفاحَشَ غارُها
25
إِذا استُعجِلَت بَعدَ الخُبُوِّ تَرازَمَتْ *** كَهَزمِ الظُؤارِ جُرَّ عَنها حُوارُها
26
إِذا حُبَّ تَرويحُ القُتَارُ فَإِنَّنا *** نُرَوِّحُها شَفعًا حَميدًا قُتارُها
27
فَإِن تَصرِمي حَبلي وَإِن تَتَبَدَّلي *** خَليلًا وَإِحداكُنَّ سوءٌ قَصَارُها
28
فَإِنّي إِذا ما خُلَّةٌ رَثَّ وَصلُها *** وَجَدَّت بِصُرمٍ وَاستَمَرَّ عِذارُها
29
وَحالَت كَحَولِ القَوسِ طُلَّت فعُطِّلَت *** ثَلاثًا فَأَعْيَا عَجسُها وَظُهارُها
30
فَإِنّي جَديرٌ أنّ أُوَدِّعَ عَهدَها *** بِحَمدٍ وَلَم يُرفَع لَدَينا شَنارُها
31
وَإِنّي صَبَرتُ النَفسَ بَعدَ ابنِ عَنبَسٍ *** نُشَيبَةٌ وَالهَلكى يَهيجُ ادِّكارُها
32
وَذلِكَ مَشبوحُ الذِراعَينِ خَلجَمٌ *** خَشوفٌ إِذا ما الحَربُ طالَ مِرارُها
33
إِذا ما الخَلاجيمُ العَلاجيمُ نَكَّلوا *** وَطالَ عَلَيهِمْ ضَرْسُها وَسُعارُها
34
ضَروبٌ لِهاماتِ الرِجالِ بِسَيفِهِ *** إِذا عُجِمَت وَسطَ الشُؤونِ شِفارُها
35
بِضَربٍ يَقُضُّ البَيضَ شِدَّةُ وَقعِهِ *** وَطَعنٍ كَرَكضِ الخَيلِ تُفلى مِهارُها
36
وَطَعنَةِ خَلسٍ قَد طَعَنتَ مُرِشَّةٍ *** كَعَطِّ الرِداءِ لا يُشَكُّ طَوارُها
37
مُسَحسِحَةٍ تَنفي الحَصى عَن طَريقِها *** يُطَيِّرُ أَحشاءَ الرَعيبِ انثِرارُها
38(1113/2)
وَمُدَّعَسٍ فيهِ الأَنيضُ اختَفَيتَهُ *** بِجَرداءَ يَنتابُ الثَميلَ حِمارُها
39
وَعادِيَةٍ تُلقي الثِيابَ كَأَنَّها *** يَعَافِيرُ رَمْلٍ مَحصُها وَانبِتارُها
40
سَبَقتَ إِذا ما الشَمسُ آضتْ كَأَنَّها *** صَلاءَةُ طيبٍ لِيطُها وَاصفِرارُها
41
إِذا ما سِراعُ القَومِ كانوا كَأَنَّهُمْ *** قَوافِلُ خَيلٍ جَريُها وَاقوِرارُها(1113/3)
يا مَيَّ إِن تَفقِدي قَومًا وَلَدتِهِمُ
1
يا مَيَّ إِن تَفقِدي قَومًا وَلَدتِهِمُ *** أَو تُخلَسيهِمْ فَإِنَّ الدَهرَ خَلّاسُ
2
عَمروٌ وَعَبدُ مَنافٍ وَالَّذي عَهِدَتْ *** بِبَطنِ عَرْعَرَ آبي الضَيمِ عَبّاسُ
3
يا مَيَّ إِنَّ سِباعَ الأَرضِ هالِكَةٌ *** وَالأُدمُ وَالعُفرُ وَالآرامُ وَالناسُ
4
تاللهِ لا يَأْمَنُ الأَيّامَ مُبْتَرِكٌ *** في حَومَةِ المَوتِ رَزّامٌ وَفَرّاسُ
5
لَيثٌ هِزَبرٌ مُدِلٌّ عِندَ خيسَتِهِ *** بِالرَقمَتَينِ لَهُ أَجرٍ وَأَعراسُ
6
يَحْمِي الصَريمَةَ إِحدانَ الرِجالِ لَهُ *** صَيدٌ وَمُستَمِعٌ بِاللَيلِ هَجّاسُ
7
صَعبُ البَديهَةِ مَشبوبٌ أَظافِرُهُ *** مُواثِبٌ أَهَرتُ الشِدقَينِ هِرماسُ
8
يا مَيُّ لا يُعجِزُ الأَيّامَ ذو حَيَدٍ *** بِمُشمَخِرٍّ بِهِ الظَيّانُ وَالآسُ
9
في رَأسِ شاهِقَةٍ أُنبوبُها خَصِرٌ *** دونَ السَماءِ لَهُ في الجَوِّ قُرناسُ
10
مِن فَوقِهِ أَنسُرٌ سودٌ وَأَغرِبَةٌ *** وَتَحتُهُ أَعنُزٌ كُلفٌ وَأَتياسُ
11
حتى أتيح له يومًا بمرقبة *** ذو مرة بدوار الصيد وجاس
12
يُدني الحَشيفَ عَلَيها كَي يُوارِيَها *** وَنَفسَهُ وَهوَ لِلأَطمارِ لَبّاسُ
13
فَثارَ مِن مَرْبَضٍ عَجلانَ مُقتَحِمًا *** وَرابَهُ ريبَةٌ مِنهُ وَإيجاسُ
14
فَقامَ في سَيتَيها فَانتَحى فَرَمى *** وَسَهمُهُ لِبَناتِ الجَوفِ مَسّاسُ
15
فَراغَ عَن شَزَنٍ يَعدو وَعارَضَهُ *** عِرقٌ تَمُجُّ بِهِ الأَجْوَافُ قَلّاسُ(1114/1)
أبْعَدُ نأيِ المَليحَةِ البَخَلُ
فِي البُعْدِ ما لا تُكَلَّفُ الإبلُ
مَلُولَةٌ ما يَدومُ لَيسَ لَها
مِنْ مَلَلٍ دائِمٍ بِهَا مَلَلُ
كأنّمَا قَدُّها إذا انْفَتَلَتْ
سَكْرانُ منْ خَمرِ طَرْفِها ثَمِلُ
بِي حَرُّ شَوْقٍ إلى تَرَشّفِها
يَنفَصِلُ الصّبرُ حينَ يَتّصِلُ
ألثّغْرُ والنّحْرُ والمُخَلْخَلُ
والمِعْصَمُ دائي والفاحِمُ الرّجِلُ
ومَهْمَهٍ جُبْتُهُ على قَدَمي
تَعجِزُ عَنهُ العَرامِسُ الذُّلُلُ
بصارِمي مُرْتَدٍ ، بِمَخْبُرَتي
مُجْتَزِىءٌ ، بالظلامِ مُشْتَمِلُ
إذا صَديقٌ نَكِرْتُ جانِبَهُ
لَمْ تُعْيِنِي فِي فِراقِهِ الحِيَلُ
فِي سَعَةِ الخافِقَينِ مُضْطَرَبٌ
وفِي بِلادٍ مِنْ أُخْتِها بَدَلُ
وفِي اعْتِمارِ الأميرِ بَدْرِ بنِ
عَمّارٍ عَنِ الشّغلِ بالوَرَى شُغُلُ
أصْبَحَ مالٌ كَمالِهِ لِذَوي
الحاجَةِ لا يُبْتَدَا ولا يُسَلُ
هَانَ عَلى قَلْبِهِ الزّمانُ فَما
يَبينُ فيهِ غَمٌّ ولا جَذَلُ
يَكادُ مِنْ طاعَةِ الحِمامِ لَهُ
يَقْتُلُ من مَا دَنَا لَهُ الأجَلُ
يَكادُ مِنْ صِحّةِ العَزيمَةِ مَا
يَفْعَلُ قَبْلَ الفِعالِ يَنْفَعِلُ
تُعْرَفُ فِي عَيْنِهِ حَقائِقُهُ
كأنّهُ بالذّكاءِ مُكْتَحِلُ
أُشْفِقُ عِندَ اتّقادِ فِكرَتِهِ
عَلَيْهِ مِنها أخافُ يَشْتَعِلُ
أغَرُّ ، أعْداؤهُ إذا سَلِمُوا
بالهَرَبِ استَكبَرُوا الذي فَعَلُوا
يُقْبِلُهُمْ وَجْهَ كُلّ سابِحَةٍ
أرْبَعُها قَبلَ طَرْفِها تَصِلُ
جَرْداءَ مِلْءِ الحِزامِ مُجْفِرَةٍ
تكونُ مِثْلَيْ عَسيبِها الخُصَلُ
إنْ أدْبَرَتْ قُلتَ لا تَليلَ لَهَا
أو أقبَلَتْ قُلتَ مَا لَهَا كَفَلُ
والطّعنُ شَزْرٌ والأرْضُ واجفةٌ
كأنّما فِي فُؤادِها وَهَلُ
قَدْ صَبَغَتْ خَدَّها الدّماءُ كمَا
يَصبُغُ خَدَّ الخَريدَةِ الخَجَلُ
والخَيْلُ تَبكي جُلُودُها عَرَقاً
بأدْمُعٍ ما تَسُحّها مُقَلُ
سارٍ ولا قَفْرَ مِنْ مَواكِبِهِ
كأنّما كلّ سَبْسَبٍ جَبَلُ(1115/1)
يَمْنَعُهَا أن يُصِيبَها مَطَرٌ
شِدّةُ ما قَدْ تَضايَقَ الأسَلُ
يا بَدْرُ يا بَحْرُ يا غَمامَةُ يا
لَيثَ الشّرَى يا حِمامُ يا رَجُلُ
إنّ البَنَانَ الذي تُقَلّبُهُ
عِندَكَ فِي كلّ مَوْضِعٍ مَثَلُ
إنّكَ مِنْ مَعشَرٍ إذا وَهَبُوا
ما دونَ أعمارِهمْ فَقد بَخِلُوا
قُلُوبُهُمْ فِي مَضاءِ ما امتَشَقُوا
قاماتُهُمْ فِي تَمامِ ما اعْتَقَلُوا
أنتَ نَقيضُ اسمِهِ إذا اختَلَفتْ
قَواضِبُ الهِنْدِ والقَنَا الذُّبُلُ
أنتَ لَعَمري البَدْرُ المُنيرُ
ولكِنّكَ فِي حَوْمَةِ الوَغى زُحَلُ
كَتيبَةٌ لَسْتَ رَبَّها نَفَلٌ
وبَلْدَةٌ لَستَ حَلْيَها عُطُلُ
قُصِدْتَ مِنْ شَرْقِها ومَغْرِبِها
حتَّى اشتَكَتْكَ الرّكابُ والسُّبُلُ
لَمْ تُبْقِ إلاّ قَليلَ عافِيَةٍ
قد وَفَدَتْ تَجتَديكَهَا العِلَلُ
عُذْرُ المَلُومَينِ فيكَ أنّهُمَا
آسٍ جَبَانٌ ومبْضَعٌ بَطَلُ
مَدَدْتَ فِي راحَةِ الطّبيبِ يَداً
فَما دَرَى كَيفَ يُقطَعُ الأمَلُ
إنْ يَكُنِ البَضْعُ ضَرّ باطِنَهَا
فَرُبّما ضَرّ ظَهْرَها القُبَلُ
يَشُقّ فِي عِرْقِها الفِصادُ ولا
يَشقّ فِي عِرْقِ جُودِها العَذَلُ
خامَرَهُ إذ مَدَدْتَها جَزَعٌ
كأنّهُ مِنْ حَذاقَةٍ عَجِلُ
جازَ حُدودَ اجتِهادِهِ فأتَى
غَيرَ اجتِهادٍ ، لأمّهِ الهَبَلُ
أبْلَغُ ما يُطْلَبُ النّجاحُ بِهِ
الطّبْعُ وعندَ التّعَمّقِ الزّلَلُ
إرْثِ لَهَا إنّها بِمَا مَلَكَتْ
وبالذي قَدْ أسَلْتَ تَنْهَمِلُ
مِثْلُكَ يا بَدْرُ لا يَكونُ ولا
تَصْلُحُ إلاّ لِمثْلِكَ الدّوَلُ(1115/2)
أتُراها لكَثْرَةِ العُشّاقِ
تَحْسَبُ الدّمعَ خِلقَةً فِي المآقي
كيفَ تَرْثي التي ترَى كلَّ جَفْنٍ
راءها غَيرَ جَفْنِها غَيرَ راقي
أنْتِ مِنّا فَتَنْتِ نَفسَكِ لَكِنّكِ
عُوفِيتِ مِنْ ضَنًى واشتياقِ
حُلتِ دونَ المَزارِ فاليَوْمَ لوْ زُرْتِ
لحالَ النُّحولُ دونَ العِناقِ
إنّ لَحْظاً أدَمْتِهِ وأدَمْنَا
كانَ عَمداً لَنا وحَتفَ اتّفاقِ
لوْ عَدا عَنكِ غيرَ هجرِكِ بُعدٌ
لأرارَ الرّسيمُ مُخَّ المَنَاقي
ولَسِرْنا ولَوْ وَصَلْنا عَلَيها
مثلَ أنْفاسِنا على الأرْماقِ
ما بِنا مِنْ هوَى العُيونِ اللّواتي
لَوْنُ أشفارِهِنّ لَوْنُ الحِداقِ
قَصّرَتْ مُدّةَ اللّيالي المَواضِي
فأطالَتْ بِهَا اللّيالي البَواقي
كاثَرَتْ نائِلَ الأميرِ مِنَ المالِ
بِمَا نَوّلَتْ مِنَ الإيراقِ
لَيسَ إلاّ أبا العَشائِرِ خَلْقٌ
سادَ هذا الأنامَ باستِحقاقِ
طاعنُ الطّعنَةِ التي تَطْعَنُ
الفيلَقَ بالذّعْرِ والدّمِ المُهرَاقِ
ذاتُ فَرْغٍ كأنّها فِي حَشَا
المُخْبَرِ عَنها من شِدّةِ الإطْراقِ
ضارِبُ الهَامِ فِي الغُبارِ وَمَا يَرْهَبُ
أَنْ يَشرَبَ الذي هُوَ سَاقِ
فَوْقَ شَقّاءَ للأشَقِّ مَجَالٌ
بَينَ أرْساغِها وبَينَ الصّفاقِ
ما رآها مكَذِّبُ الرُّسلِ إلاّ
صَدّقَ القَوْلَ فِي صِفاتِ البُراقِ
هَمُّهُ فِي ذوي الأسِنّةِ لا فيها
وأطْرافُها لَهُ كالنّطاقِ
ثاقبُ الرّأيِ ثابِتُ الحِلْمِ
لا يَقدِرُ أمْرٌ لَهُ على إقْلاقِ
يا بَني الحارِثِ بنِ لُقمانَ لا
تَعدَمْكُمُ فِي الوَغى مُتونُ العِتاقِ
بَعَثُوا الرُّعبَ فِي قُلوبِ الأعاديِّ
فكانَ القِتالُ قَبلَ التّلاقي
وتكادُ الظُّبَى لِمَا عَوّدوها
تَنْتَضِي نَفْسَها إلى الأعْناقِ
وإذا أشفَقَ الفَوارِسُ مِنْ وَقْعِ
القَنَا أشفَقوا مِنَ الإشْفاقِ
كلُّ ذِمرٍ يزْدادُ فِي الموْتِ حُسناً
كَبُدورٍ تَمامُها فِي المُحاقِ
جاعِلٍ دِرْعَهُ مَنِيّتَهُ إنْ(1116/1)
لَمْ يكُنْ دونَها منَ العارِ واقِ
كَرَمٌ خَشّنَ الجَوانبَ مِنهُمْ
فَهْوَ كالماءِ فِي الشّفارِ الرّقاقِ
ومَعالٍ إذا ادّعاها سِواهُمْ
لَزِمَتْهُ جِنايَةُ السُّرّاقِ
يابنَ مَنْ كُلّما بَدَوْتَ بدا لي
غائبَ الشّخصِ حاضرَ الأخلاقِ
لوْ تَنَكّرْتَ فِي المَكَرّ لقَوْمٍ
حَلَفُوا أنّكَ ابنُهُ بالطّلاقِ
كيفَ يَقوَى بكَفّكَ الزَّندُ
والآفاقُ فيها كالكفّ فِي الآفاقِ
قَلّ نَفْعُ الحَديدِ فيكَ فَما
يَلقاكَ إلاّ مَنْ سَيفُهُ مِنْ نِفاقِ
إلْفُ هذا الهَواءِ أوْقَعَ فِي
الأنْفُسِ أنّ الحِمامَ مُرُّ المَذاقِ
والأسَى قبلَ فُرْقَةِ الرّوحِ عجزٌ
والأسَى لا يَكونُ بَعدَ الفِراقِ
كمْ ثَراءٍ فَرَّجتَ بالرّمْحِ عنهُ
كانَ مِن بُخلِ أهلِه فِي وِثاقِ
والغِنى فِي يَدِ اللّئيمِ قَبيحٌ
قَدْرَ قُبْحِ الكَريمِ فِي الإمْلاقِ
ليس قَوْلي فِي شَمسُ فِعلكَ كالشّمْسِ
ولكن كالشّمسِ فِي الإشراقِ
شاعرُ المَجْدِ خِدْنُهُ شاعرُ
اللّفْظِ كِلانا رَبُّ المَعانِي الدّقاقِ
لَمْ تَزَلْ تَسمَعُ المَديحَ ولكِنّ
صَهيلَ الجِيادِ غَيرُ النُّهاقِ
ليتَ لي مثلَ جَدّ ذا الدّهرِ فِي
الأدهُرِ أوْ رِزْقِهِ منَ الأرزاقِ
أنْتَ فيهِ وكانَ كلُّ زَمانٍ
يَشتَهي بَعضَ ذا على الخَلاّقِ(1116/2)
أتُنْكِرُ يا ابنَ إسْحَاقٍ إخائي
وتَحْسَبُ ماءَ غَيرِي مِنْ إِنَائِي ؟
أأنْطِقُ فيكَ هُجْراً بعدَ عِلْمي
بأنّكَ خَيرُ مَن تَحْتَ السّماءِ
وأكْرَهُ مِن ذُبابِ السّيفِ طَعْمًا
وأمْضَى فِي الأمورِ منَ القَضاءِ
ومَا أرْبَتْ على العِشْرينَ سِنّي
فكَيفَ مَلِلْتُ منْ طولِ البَقاءِ ؟
وما استَغرقتُ وَصْفَكَ فِي مَديحي
فأنْقُصَ مِنْهُ شَيئًا بالهِجَاءِ
وهَبْني قُلتُ : هذا الصّبْحُ لَيْلٌ
أيَعْمَى العالمُونَ عَنِ الضّياءِ ؟
تُطيعُ الحاسِدينَ وأنْتَ مَرْءٌ
جُعِلْتُ فِداءَهُ وهُمُ فِدائي
وهاجي نَفْسِهِ مَنْ لَمْ يُمَيّزْ
كَلامي مِنْ كَلامِهِمِ الهُراءِ
وإنّ مِنَ العَجائِبِ أنْ تَراني
فَتَعْدِلَ بي أقَلّ مِنَ الهَبَاءِ
وتُنْكِرَ مَوْتَهُمْ وأنا سُهَيْلٌ
طَلَعْتُ بِمَوْتِ أوْلادِ الزّناءِ(1117/1)
أيْنَ أزْمَعْتَ أيّهذا الهُمامُ ؟
نَحْنُ نَبْتُ الرُّبَى وأنتَ الغَمامُ
نَحْنُ مَن ضايَقَ الزّمانُ له
فيكَ وخانَتْهُ قُرْبَكَ الأيّامُ
فِي سَبيلِ العُلى قِتالُكَ
والسّلْمُ وهذا المُقامُ والإجْذامُ
لَيتَ أنّا إذا ارْتَحَلْتَ لكَ
الخَيْلُ وأنّا إذا نَزَلْتَ الخِيامُ
كُلَّ يَوْمٍ لكَ احْتِمالٌ جَديدٌ
ومَسيرٌ للمَجْدِ فيهِ مُقامُ
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً
تَعِبَتْ فِي مُرادِها الأجْسامُ
وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا
وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ
ولَنَا عادَةُ الجَميلِ منَ الصّبْرِ
لَوَ انّا سِوَى نَوَاكَ نُسامُ
كُلُّ عَيْشٍ ما لَمْ تُطِبْهُ حِمامٌ
كلُّ شَمسٍ ما لَمْ تكُنْها ظَلامُ
أزِلِ الوَحْشَةَ التي عِندَنَا يا
مَن بِهِ يأنَسُ الخَميسُ اللُّهامُ
والذي يَشهَدُ الوَغَى ساكِنَ
القَلبِ كَأنّ القِتالَ فيها ذِمَامُ
والذي يَضرِبُ الكَتائِبَ حتَّى
تَتَلاقَى الفِهاقُ والأقدامُ
وإذا حَلّ ساعَةً بِمَكانٍ
فأذاهُ عَلى الزّمانِ حَرامُ
والذي تُنْبِتُ البِلادُ سُرُورٌ
والذي تَمْطُرُ السّحابُ مُدامُ
كُلّما قيلَ قَد تَناهَى أرانَا
كَرَماً ما اهتَدَتْ إليهِ الكِرامُ
وكِفاحاً تَكِعُّ عَنْهُ الأعادي
وارْتِياحاً تَحارُ فيهِ الأنامُ
إنّما هَيْبَةُ المُؤمَّلِ سَيْفِ الدوْلَةِ
المَلْكِ فِي القلوبِ حُسامُ
فكَثيرٌ مِنَ الشّجاعِ التّوَقّي
وكَثيرٌ مِنَ البَليغِ السّلامُ(1118/1)
أَحُلماً نَرَى أَم زَماناً جَديداً
أَمِ الخَلقُ فِي شَخصِ حَيٍّ أُعيدا
تَجَلَّى لَنا فَأَضَأنا بِهِ
كَأَنَّا نُجومٌ لَقينا سُعودا
رَأَينا بِبَدرِ وَآبائِهِ
لِبَدرٍ وَلوداً وَبَدراً وَليدا
طَلَبنا رِضاهُ بِتَركِ الَّذي
رَضينا لَهُ فَتَرَكنا السُّجودا
أَميرٌ أَميرٌ عَلَيهِ النَّدَى
جَوادٌ بَخيلٌ بِأَن لا يَجودا
يُحَدَّثُ عَن فَضلِهِ مُكرَهاً
كَأَنَّ لَهُ مِنهُ قَلباً حَسودا
وَيُقدِمُ إِلاَّ عَلى أَن يَفِرَّ
وَيَقدِرُ إِلاَّ عَلى أَن يَزيدا
كَأَنَّ نَوالَكَ بَعضُ القَضاءِ
فَما تُعطِ مِنهُ نَجِدهُ جُدودا
وَرُبَّتَما حَملَةٍ فِي الوَغَى
رَدَدتَ بِها الذُبَّلَ السُّمرَ سودا
وَهَولٍ كَشَفتَ وَنَصلٍ قَصَفتَ
وَرُمحٍ تَرَكتَ مُباداً مُبيدا
وَمالٍ وَهَبتِ بِلا مَوعِدٍ
وَقِرنٍ سَبَقتَ إِلَيهِ الوَعيدا
بِهَجرِ سُيوفِكَ أَغمادَها
تَمَنَّى الطُّلَى أَن تَكونَ الغُمودا
إِلَى الهَامِ تَصدُرُ عَن مِثلِهِ
تَرَى صَدَراً عَن وُرودٍ وُرودا
قَتَلتَ نُفوسَ العِدا بِالحَديدِ
حَتَّى قَتَلتَ بِهِنَّ الحَديدا
فَأَنفَدتَ مِن عَيشِهِنَّ البَقاءَ
وَأَبقَيتَ مِمَّا مَلَكتَ النُّفودا
كَأَنَّكَ بِالفَقرِ تَبغي الغِنَى
وَبِالمَوتِ فِي الحَربِ تَبغِي الخُلودا
خَلائِقُ تَهدي إِلَى رَبِّها
وَآيَةُ مَجدٍ أَراها العَبيدا
مُهَذَّبَةٌ حُلوَةٌ مُرَّةٌ
حَقَرنا البِحارَ بِها وَالأُسودا
بَعيدٌ عَلى قُربِها وَصفُها
تَغولُ الظُنونَ وَتَنضَى القَصيدا
فَأَنتَ وَحيدُ بَنِي آدَمٍ
وَلَستَ لِفَقدِ نَظيرٍ وَحيدا(1119/1)
أَريقُكِ أَم مَاءُ الغَمامَةِ أَم خَمرُ
بِفِيَّ بَرودٌ وَهوَ فِي كَبِدي جَمرُ
أَذا الغُصنُ أَم ذا الدِّعصِ أَم أَنتِ فِتنَةٌ
وَذَيَّا الَّذي قَبَّلتُهُ البَرقُ أَم ثَغرُ
رَأَت وَجهَ مَن أَهوَى بِلَيلٍ عَواذِلِي
فَقُلنَ نَرَى شَمساً وَمَا طَلَعَ الفَجرُ
رَأَينَ الَّتِي لِلسِحرِ فِي لَحَظاتِها
سُيوفٌ ظُباها مِن دَمِي أَبَداً حُمرُ
تَناهَى سُكونُ الحُسنِ فِي حَرَكاتِها
فَلَيسَ لِراءٍ وَجهَها لَم يَمُت عُذرُ
إِلَيكَ ابنَ يَحيَى ابنِ الوَليدِ تَجاوَزَت
بِيَ البيدَ عيسٌ لَحمُها وَالدَّمُ الشِّعرُ
نَضَحتُ بِذِكراكُم حَرارَةَ قَلبِها
فَسارَت وَطولُ الأَرضِ فِي عَينِها شِبرُ
إِلَى لَيثِ حَربٍ يُلحِمُ اللَيثَ سَيفُهُ
وَبَحرِ نَدىً فِي مَوجِهِ يَغرَقُ البَحرُ
وَإِن كَانَ يُبقِي جودُهُ مِن تَليدِهِ
شَبيهاً بِما يُبقِي مِنَ العَاشِقِ الهَجرُ
فَتَىً كُلَّ يَومٍ تَحتَوي نَفسَ مالِهِ
رِماحُ المَعالِي لا الرُدَينِيَّةُ السُّمرُ
تَباعَدَ مَا بَينَ السَّحابِ وَبَينَهُ
فَنائِلُها قَطرٌ وَنائِلُهُ غَمرُ
وَلَو تَنزِلُ الدُّنيا عَلى حُكمِ كَفِّهِ
لأَصبَحَتِ الدُّنيا وَأَكثَرُها نَزرُ
أَراهُ صَغيراً قَدرَها عُظمُ قَدرِهِ
فَما لِعَظيمٍ قَدرُهُ عِندَهُ قَدرُ
مَتَى مَا يُشِر نَحوَ السَّماءِ بِوَجهِهِ
تَخِرَّ لَهُ الشِعرى وَيَنخَسِفِ البَدرُ
تَرَ القَمَرَ الأَرضِيَّ وَالمَلِكَ الَّذي
لَهُ المُلكُ بَعدَ اللهِ وَالمَجدُ وَالذِّكرُ
كَثيرُ سُهادِ العَينِ مِن غَيرِ عِلَّةٍ
يُؤَرِّقُهُ فِيما يُشَرِّفُهُ الفِكرُ
لَهُ مِثَنٌ تُفنِي الثَناءَ كَأَنَّما
بِهِ أَقسَمَت أَن لا يُؤَدَّى لَها شُكرُ
أَبا أَحمَدٍ ما الفَخرُ إِلاَّ لأَهلِهِ
وَمَا لاِمرِئٍ لَم يُمسِ مِن بُحتُرٍ فَخرُ
هُمُ النَّاسُ إِلاَّ أَنَّهُم مِن مَكارِمٍ
يُغَنِّي بِهِم حَضرٌ وَيَحدو بِهِم سَفرُ
بِمَن أَضرِبُ الأَمثالَ أَم مَن أَقيسُهُ(1120/1)
إِلَيكَ وَأَهلُ الدَّهرِ دُونَكَ وَالدَّهرُ(1120/2)
أَظَبيَةَ الوَحشِ لَولا ظَبيَةُ الأَنَسِ
لَما غَدَوتُ بِجَدٍّ فِي الهَوَى تَعِسِ
وَلا سَقَيتُ الثَّرَى وَالمُزنُ مُخلِفَةٌ
دَمعاً يُنَشِّفُهُ مِن لَوعَةٍ نَفَسي
وَلا وَقَفتُ بِجِسمٍ مُسيَ ثالِثَةٍ
ذِي أَرسُمٍ دُرُسٍ فِي الأَرسُمِ الدُّرُسِ
صَريعَ مُقلَتِها سَآلَ دِمنَتِها
قَتيلَ تَكسيرِ ذاكِ الجَفنِ وَاللَعَسِ
خَريدَةٌ لَو رَأَتها الشَّمسُ مَا طَلَعَت
وَلَو رَآها قَضيبُ البَانِ لَم يَمِسِ
مَا ضَاقَ قَبلَكِ خَلخالٌ عَلى رَشَأٍ
وَلا سَمِعتُ بِديباجٍ عَلى كَنَسِ
إِن تَرمِنِي نَكَباتُ الدَّهرِ عَن كَثَبٍ
تَرمِ امرَأً غَيرَ رِعديدٍ وَلا نَكِسِ
يَفدي بَنيكَ عُبَيدَ اللهِ حَاسِدُهُم
بِجَبهَةِ العيرِ يُفدى حافِرُ الفَرَسِ
أَبا الغَطارِفَةِ الحامينَ جارَهُمُ
وَتارِكي اللَّيثِ كَلباً غَيرَ مُفتَرَسِ
مِن كُلِّ أَبيَضَ وَضَّاحٍ عَمامَتُهُ
كَأَنَّما اشتَمَلَت نُوراً عَلى قَبَسِ
دَانٍ بَعيدٍ مُحِبٍّ مُبغِضٍ بَهِجٍ
أَغَرَّ حُلوٍ مُمِرٍّ لَيِّنٍ شَرِسِ
نَدٍ أَبِيٍّ غَرٍ وافٍ أَخي ثِقَةٍ
جَعدٍ سَرِيٍّ نَهٍ نَدبٍ رَضاً نَدُسِ
لَو كَانَ فَيضُ يَدَيهِ مَاءَ غادِيَةٍ
عَزَّ القَطا فِي الفَيافِي مَوضِعُ اليَبَسِ
أَكارِمٌ حَسَدَ الأَرضَ السَّماءُ بِهِم
وَقَصَّرَت كُلُّ مِصرٍ عَن طَرابُلسِ
أَيُّ المُلوكِ وَهُم قَصدي أُحاذِرُهُ
وَأَيُّ قِرنٍ وَهُم سَيفي وَهُم تُرُسي(1121/1)
أَعِيدُوا صَباحِي فَهوَ عِندَ الكَواعِبِ
وَرُدُّوا رُقادِي فَهوَ لَحظُ الحَبائِبِ
فَإِنَّ نَهاري لَيلَةٌ مُدلَهِمَّةٌ
عَلى مُقلَةٍ مِن بَعدِكُم فِي غَياهِبِ
بَعيدَةِ ما بَينَ الجُفونِ كَأَنَّما
عَقَدتُم أَعالِي كُلِّ هُدبٍ بِحاجِبِ
وَأَحسَبُ أَنِّي لَو هَويتُ فِراقَكُم
لَفارَقتُهُ وَالدَّهرُ أَخبَثُ صاحِبِ
فَيا لَيتَ مَا بَينِي وَبَينَ أَحِبَّتِي
مِنَ البُعدِ مَا بَينِي وَبَينَ المَصائِبِ
أَراكَ ظَنَنتِ السِلكَ جِسمي فَعُقتِهِ
عَلَيكِ بِدُرٍّ عَن لِقاءِ التَّرائِبِ
وَلَو قَلَمٌ أُلقيتُ فِي شَقِّ رَأسِهِ
مِنَ السُّقمِ ما غَيَّرتُ مِن خَطِّ كاتِبِ
تُخَوِّفُنِي دُونَ الَّذي أَمَرَت بِهِ
وَلَم تَدرِ أَنَّ العَارَ شَرُّ العَواقِبِ
وَلا بُدَّ مِن يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ
يَطولُ استِماعي بَعدَهُ لِلنَّوادِبِ
يَهونُ عَلى مِثلي إِذا رامَ حاجَةً
وُقوعُ العَوالِي دونَها وَالقَواضِبِ
كَثيرُ حَياةِ المَرءِ مِثلُ قَليلِها
يَزولُ وَباقِي عَيشِهِ مِثلُ ذاهِبِ
إِلَيكِ فَإِنِّي لَستُ مِمَّن إِذا اتَّقى
عِضاضَ الأَفاعي نامَ فَوقَ العَقارِبِ
أَتانِي وَعيدُ الأَدعِياءِ وَأَنَّهُم
أَعَدُّوا لِيَ السودانَ فِي كَفرِ عاقِبِ
وَلَو صَدَقوا فِي جَدِّهِم لَحَذِرتُهُم
فَهَل فِيَّ وَحدي قَولُهُم غَيرُ كاذِبِ
إِلَيَّ لَعَمري قَصدُ كُلِّ عَجيبَةٍ
كَأَنِّي عَجيبٌ فِي عُيونِ العَجائِبِ
بِأَيِّ بِلادٍ لَم أَجُرَّ ذُؤابَتِي
وَأَيُّ مَكانٍ لَم تَطَأهُ رَكائِبِي
كَأَنَّ رَحيلِي كانَ مِن كَفِّ طاهِرٍ
فَأَثبَتَ كورِي فِي ظُهورِ المَواهِبِ
فَلَم يَبقَ خَلقٌ لَم يَرِدنَ فِنائَهُ
وَهُنَّ لَهُ شِربٌ وُرودَ المَشارِبِ
فَتَىً عَلَّمَتهُ نَفسُهُ وَجُدودُهُ
قِراعَ الأَعادي وَابتِذالَ الرَغائِبِ
فَقَد غَيَّبَ الشُهّادَ عَن كُلِّ مَوطِنٍ
وَرَدَّ إِلَى أَوطانِهِ كُلَّ غائِبِ
كَذا الفاطِمِيُّونَ النَّدَى فِي بَنانِهِم(1122/1)
أَعَزُّ اِمِّحاءً مِن خُطوطِ الرَواجِبِ
أُناسٌ إِذا لاقَوا عِدىً فَكَأَنَّما
سِلاحُ الَّذي لاقَوا غُبارُ السَلاهِبِ
رَمَوا بِنَواصيها القِسِيَّ فَجِئنَها
دَوامِي الهَوادِي سالِماتِ الجَوانِبِ
أولَئِكَ أَحلى مِن حَياةٍ مُعادَةٍ
وَأَكثَرُ ذِكراً مِن دُهورِ الشَّبائِبِ
نَصَرتَ عَلِيّاً يا ابنَهُ بِبَواتِرٍ
مِنَ الفِعلِ لا فَلٌّ لَها فِي المَضارِبِ
وَأَبهَرُ آياتِ التِّهامِيِّ أَنَّهُ
أَبوكَ وَأَجدى مالَكُم مِن مَناقِبِ
إِذا لَم تَكُن نَفسُ النَّسيبِ كَأَصلِهِ
فَماذا الَّذي تُغنِي كِرامُ المَناصِبِ
وَما قَرُبَت أَشباهُ قَومٍ أَباعِدٍ
وَلا بَعُدَت أَشباهُ قَومٍ أَقارِبِ
إِذا عَلَوِيٌّ لَم يَكُن مِثلَ طاهِرٍ
فَما هُوَ إِلاَّ حُجَّةٌ لِلنَّواصِبِ
يَقولونَ تَأثيرُ الكَواكِبِ فِي الوَرى
فَما بالُهُ تَأثيرُهُ فِي الكَواكِبِ
عَلا كَتَدَ الدُّنيا إِلَى كُلِّ غايَةٍ
تَسيرُ بِهِ سَيرَ الذَلولِ بِراكِبِ
وَحُقَّ لَهُ أَن يَسبِقَ النَّاسَ جالِساً
وَيُدرِكَ مالَم يُدرِكوا غَيرَ طالِبِ
وَيُحذى عَرانينَ المُلوكِ وَإِنَّها
لِمَن قَدَمَيهِ فِي أَجَلِّ المَراتِبِ
يَدٌ لِلزَّمانِ الجَمعُ بَينِي وَبَينَهُ
لِتَفريقِهِ بَينِي وَبَينَ النَّوائِبِ
هُوَ ابنُ رَسولِ اللهِ وَابنُ وَصِيِّهِ
وَشِبهُهُما شَبَّهتُ بَعدَ التَجارِبِ
يَرَى أَنَّ مَا بانَ مِنكَ لِضارِبٍ
بِأَقتَلَ مِمَّا بَانَ مِنكَ لِعائِبِ
أَلا أَيُّها المالُ الَّذي قَد أَبادَهُ
تَعَزَّ فَهَذا فِعلُهُ فِي الكَتائِبِ
لَعَلَّكَ فِي وَقتٍ شَغَلتَ فُؤادَهُ
عَنِ الجودِ أَو كَثَّرتَ جَيشَ مُحارِبِ
حَمَلتُ إِلَيهِ مِن لِسانِي حَديقَةً
سَقاها الحِجَى سَقيَ الرِّياضَ السَّحائِبِ
فَحُيِّيتَ خَيرَ ابنٍ لِخَيرِ أَبٍ بِها
لأَشرَفِ بَيتٍ فِي لُؤَيِّ بنِ غالِبِ(1122/2)
أَلاَ لاَ أَرَى الأَحداثَ حَمداً وَلا ذَمَّا
فَما بَطشُها جَهلاً وَلا كَفُّها حِلما
إِلَى مِثلِ مَا كَانَ الفَتَى مَرجِعُ الفَتَى
يَعودُ كَما أُبدِي وَيُكري كَما أَرمَى
لَكِ اللهُ مِن مَفجوعَةٍ بِحَبيبِها
قَتيلَةِ شَوقٍ غَيرِ مُلحِقِها وَصما
أَحِنُّ إِلَى الكَأسِ الَّتِي شَرِبَت بِها
وَأَهوَى لِمَثواها التُّرابَ وَمَا ضَمَّا
بَكَيتُ عَلَيها خيفَةً فِي حَياتِها
وَذَاقَ كِلانَا ثُكلَ صَاحِبِهِ قِدما
وَلَو قَتَلَ الهَجرُ المُحِبِّينَ كُلَّهُم
مَضَى بَلَدٌ بَاقٍ أَجَدَّت لَهُ صَرما
عَرَفتُ اللَّيالِي قَبلَ مَا صَنَعَت بِنا
فَلَمَّا دَهَتنِي لَم تَزِدنِي بِها عِلما
مَنافِعُها مَا ضَرَّ فِي نَفعِ غَيرِها
تَغَذَّى وَتَروى أَن تَجوعَ وَأَن تَظما
أَتاهَا كِتابِي بَعدَ يَأسٍ وَتَرحَةٍ
فَماتَت سُروراً بِي فَمُتُّ بِها غَمَّا
حَرامٌ عَلى قَلبِي السُّرورُ فَإِنَّنِي
أَعُدُّ الَّذي مَاتَت بِهِ بَعدَها سُمَّا
تَعَجَّبُ مِن خَطِّي وَلَفظِي كَأَنَّها
تَرَى بِحُروفِ السَّطرِ أَغرِبَةً عُصما
وَتَلثَمُهُ حَتَّى أَصارَ مِدادُهُ
مَحاجِرَ عَينَيها وَأَنيابَها سُحما
رَقَا دَمعُها الجَارِي وَجَفَّت جُفونُها
وَفارَقَ حُبِّي قَلبَها بَعدَ مَا أَدمَى
وَلَم يُسلِها إِلاَّ المَنايا وَإِنَّما
أَشَدُّ مِنَ السُّقمِ الَّذي أَذهَبَ السُّقما
طَلَبتُ لَها حَظّاً فَفاتَت وَفاتَنِي
وَقَد رَضِيَت بِي لَو رَضيتُ بِها قِسما
فَأَصبَحتُ أَستَسقِي الغَمامُ لِقَبرِها
وَقَد كُنتُ أَستَسقِي الوَغَى وَالقَنا الصُمَّا
وَكُنتُ قُبَيلَ المَوتِ أَستَعظِمُ النَّوَى
فَقَد صَارَتِ الصُّغرَى الَّتِي كَانَتِ العُّظمَى
هَبينِي أَخَذتُ الثَّأرَ فِيكِ مِنَ العِدَا
فَكَيفَ بِأَخذِ الثَّأرِ فِيكِ مِنَ الحُمَّى
وَمَا انسَدَّتِ الدُّنيا عَلَيَّ لِضيقِها
وَلَكِنَّ طَرفاً لاَ أَرَاكِ بِهِ أَعمَى
فَوَا أَسَفا أَن لاَ أُكِبَّ مُقَبِّلاً(1123/1)
لِرَأسِكِ وَالصَّدرِ الَّذي مُلِئا حَزما
وَأَن لاَ أُلاقِي رُوحَكِ الطَيِّبَ الَّذي
كَأَنَّ ذَكِيَّ المِسكِ كَانَ لَهُ جِسما
وَلَو لَم تَكونِي بِنتَ أَكرَمِ والِدٍ
لَكانَ أَباكِ الضَّخمَ كَونُكِ لِي أُمَّا
لَئِن لَذَّ يَومُ الشَّامِتينَ بِيَومِها
فَقَد وَلَدَت مِنِّي لأَنفِهِمُ رَغما
تَغَرَّبَ لاَ مُستَعظِماً غَيرَ نَفسِهِ
وَلا قابِلاً إِلاَّ لِخالِقِهِ حُكما
وَلا سالِكاً إِلاَّ فُؤَادَ عَجاجَةٍ
وَلا واجِداً إِلاَّ لِمَكرُمَةٍ طَعما
يَقولونَ لِي مَا أَنتَ فِي كُلِّ بَلدَةٍ
وَمَا تَبتَغِي مَا أَبتَغِي جَلَّ أَن يُسمَى
كَأَنَّ بَنيهِم عالِمونَ بِأَنَّنِي
جَلوبٌ إِلَيهِم مِن مَعادِنِهِ اليُتما
وَمَا الجَمعُ بَينَ الماءِ وَالنَّارِ فِي يَدي
بِأَصعَبَ مِن أَن أَجمَعَ الجَدَّ وَالفَهما
وَلَكِنَّنِي مُستَنصِرٌ بِذُبابِهِ
وَمُرتَكِبٌ فِي كُلِّ حَالٍ بِهِ الغَشما
وَجاعِلُهُ يَومَ اللِّقاءِ تَحِيَّتِي
وَإِلاَّ فَلَستُ السَيِّدَ البَطَلَ القَرما
إِذا فَلَّ عَزمِي عَن مَدىً خَوفُ بُعدِهِ
فَأَبعَدُ شَيءٍ مُمكِنٌ لَم يَجِد عَزما
وَإِنِّي لَمِن قَومٍ كَأَنَّ نُفوسَنا
بِها أَنَفٌ أَن تَسكُنَ اللَّحمَ وَالعَظما
كَذا أَنا يَا دُنيا إِذا شِئتِ فَاذهَبِي
وَيَا نَفسُ زِيدِي فِي كَرائِهِها قُدما
فَلا عَبَرَت بِي سَاعَةٌ لاَ تُعِزُّنِي
وَلاَ صَحِبَتنِي مُهجَةٌ تَقبَلُ الظُّلما(1123/2)
أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنيا كَريمُ
تَزولُ بِهِ عَنِ القَلبِ الهُمومُ
أَمَا فِي هَذِهِ الدُّنيا مَكانٌ
يُسَرُّ بِأَهلِهِ الجارُ المُقيمُ
تَشابَهَتِ البَهائِمُ وَالعِبِدَّى
عَلَينا وَالمَوالِي وَالصَّميمُ
وَمَا أَدرِي أَذا دَاءٌ حَديثٌ
أَصابَ النَّاسَ أَم دَاءٌ قَديمُ
حَصَلتُ بِأَرضِ مِصرَ عَلى عَبيدٍ
كَأَنَّ الحُرَّ بَينَهُمُ يَتيمُ
كَأَنَّ الأَسوَدَ اللابِيَّ فِيهِم
غُرابٌ حَولَهُ رَخَمٌ وَبومُ
أُخِذتُ بِمَدحِهِ فَرَأَيتُ لَهواً
مَقالِي لِلأُحيمِقِ يَا حَليمُ
وَلَمّا أَن هَجَوتُ رَأَيتُ عِيّاً
مَقالِي لاِبنِ آوى يَا لَئيمُ
فَهَل مِن عاذِرٍ فِي ذَا وَفِي ذَا
فَمَدفوعٌ إِلَى السَّقَمِ السَّقيمُ
إِذا أَتَتِ الإِساءَةُ مِن لَئيمٍ
وَلَم أُلُمِ المُسيءَ فَمَن أَلومُ(1124/1)
أَيَدرِي مَا أَرابَكَ مَن يُريبُ
وَهَل تَرقَى إِلَى الفَلَكِ الخُطوبُ
وَجِسمُكَ فَوقَ هِمَّةِ كُلِّ دَاءٍ
فَقُربُ أَقَلِّها مِنهُ عَجيبُ
يُجَمِّشُكَ الزَّمانُ هَوىً وَحُبّاً
وَقَد يُؤذِي مِنَ المِقَةِ الحَبيبُ
وَكَيفَ تُعِلُّكَ الدُّنيا بِشَيءٍ
وَأَنتَ لِعِلَّةِ الدُّنيا طَبيبُ
وَكَيفَ تَنوبَكَ الشَّكوى بِداءٍ
وَأَنتَ المُستَغاثُ لِما يَنوبُ
مَلِلتُ مُقامَ يَومٍ لَيسَ فِيهِ
طِعانٌ صادِقٌ وَدَمٌ صَبيبُ
وَأَنتَ المَلكُ تُمرِضُهُ الحَشَايا
لِهِمَّتِهِ وَتَشفيهِ الحُروبُ
وَما بِكَ غَيرُ حُبِّكَ أَن تَرَاها
وَعِثيَرُها لأَرجُلِها جَنيبُ
مُجَلِّحَةً لَها أَرضُ الأَعَادِي
وَلِلسُّمرِ المَناحِرُ وَالجُنوبُ
فَقَرِّطها الأَعِنَّةَ راجِعاتٍ
فَإِنَّ بَعيدَ ما طَلَبَت قَريبُ
أَذا دَاءٌ هَفا بُقراطُ عَنهُ
فَلَم يُعرَف لِصاحِبِهِ ضَريبُ
بِسَيفِ الدَولَةِ الوَضَّاءِ تُمسِي
جُفونِي تَحتَ شَمسٍ مَا تَغيبُ
فَأَغزو مَن غَزا وَبِهِ اقتِداري
وَأَرمي مَن رَمى وَبِهِ أُصيبُ
وَلِلحُسَّادِ عُذرٌ أَن يَشِحُّوا
عَلى نَظَري إِلَيهِ وَأَن يَذوبوا
فَإِنِّي قَد وَصَلتُ إِلَى مَكانٍ
عَلَيهِ تَحسُدُ الحَدَقَ القُلوبُ(1125/1)
أُريكَ الرِّضا لَو أَخفَتِ النَّفسُ خَافِيا
وَمَا أَنا عَن نَفسِي وَلا عَنكَ رَاضِيا
أَمَيناً وَإِخلافاً وَغَدراً وَخِسَّةً
وَجُبناً أَشَخصاً لُحتَ لِي أَم مَخازِيا
تَظُنُّ ابتِساماتِي رَجاءً وَغِبطَةً
وَمَا أَنا إِلاَّ ضَاحِكٌ مِن رَجَائِيا
وَتُعجِبُنِي رِجلاكَ فِي النَّعلِ إِنَّنِي
رَأَيتُكَ ذَا نَعلٍ إِذا كُنتَ حَافِيا
وَإِنَّكَ لا تَدري أَلَونُكَ أَسوَدٌ
مِنَ الجَهلِ أَم قَد صَارَ أَبيَضَ صَافِيا
وَيُذكِرُنِي تَخيِيطُ كَعبِكَ شَقَّهُ
وَمَشيَكَ فِي ثَوبٍ مِنَ الزَّيتِ عَارِيا
وَلَولا فُضولُ النَّاسِ جِئتُكَ مَادِحاً
بِما كُنتُ فِي سِرِّي بِهِ لَكَ هَاجِيا
فَأَصبَحتَ مَسروراً بِما أَنا مُنشِدٌ
وَإِن كَانَ بِالإِنشادِ هَجوُكَ غَالِيا
فَإِن كُنتَ لا خَيراً أَفَدتَ فَإِنَّنِي
أَفَدتُ بِلَحظِي مِشفَرَيكَ المَلاهِيا
وَمِثلُكَ يُؤتَى مِن بِلادٍ بَعيدَةٍ
لِيُضحِكَ رَبَّاتِ الحِدادِ البَواكِيا(1126/1)
إثْلِثْ ! فإنّا أيّهَا الطّلَلُ
نَبْكِي وَتُرْزِمُ تَحْتَنَا الإبِلُ
أَوْ لا فَلا عَتْبٌ عَلى طَلَلٍ
إنّ الطّلُولَ لمِثْلِهَا فُعُلُ
لَوْ كُنْتَ تَنْطِقُ قُلتَ مُعتَذِراً
بي غَيرُ ما بِكَ أيّهَا الرَّجُلُ
أبكاكَ أنّكَ بَعضُ مَن شَغَفُوا
لَمْ أبكِ أنّي بَعضُ مَن قَتَلُوا
إنّ الذينَ أقَمْتَ وَارْتَحَلُوا
أيّامُهُمْ لِدِيَارِهِمْ دُوَلُ
الحُسْنُ يَرْحَلُ كُلّمَا رَحلوا
مَعَهُمْ وَيَنْزِلُ حَيثُمَا نَزَلُوا
فِي مُقْلَتيْ رَشَإٍ تُديرُهُمَا
بَدَوِيّةٌ فُتِنَتْ بِهَا الحِلَلُ
تَشكُو المَطاعِمُ طولَ هِجرَتِها
وَصُدودَها وَمَنِ الذي تَصِلُ
ما أسْأرَتْ فِي القَعْبِ مِن لَبَنٍ
تَرَكَتهُ وَهوَ المِسكُ وَالعَسَلُ
قالَتْ ألا تَصْحُو فَقُلتُ لَهَا
أَعْلَمْتِني أَنَّ الهَوَى ثَمَلُ
لَوْ أنّ فَنّاخُسْرَ صَبّحَكُمْ
وَبَرَزْتِ وَحْدَكِ عاقَهُ الغَزَلُ
وَتَفَرّقَتْ عَنكُمْ كَتَائِبُهُ
إنّ المِلاحَ خَوَادِعٌ قُتُلُ
مَا كُنتِ فَاعِلَةً وَضَيْفُكُمُ
مَلِكُ المُلُوكِ وَشأنُكِ البَخَلُ
أتُمَنّعِينَ قِرىً فتَفْتَضِحي
أَمْ تَبْذِلينَ لَهُ الذي يَسَلُ
بَلْ لا يَحِلّ بِحَيْثُ حَلّ بِهِ
بُخْلٌ وَلا خَوَرٌ وَلا وَجَلُ
مَلِكٌ إذا مَا الرُّمحُ أدرَكَهُ
طَنَبٌ ذَكَرْنَاهُ فَيَعْتَدِلُ
إنْ لَمْ يَكُنْ مَن قَبلَهُ عَجَزُوا
عَمّا يَسُوسُ بهِ فَقد غَفَلُوا
حَتَّى أتَى الدّنْيَا ابنُ بَجدَتِهَا
فَشكَا إلَيْه السّهلُ وَالجَبَلُ
شكوَى العَليلِ إلى الكَفيلِ لَهُ
أنْ لا تَمُرَّ بِجِسْمِهِ العِلَلُ
قالَتْ فَلا كَذَبَتْ شَجاعَتُهُ
أقْدِمْ فنَفْسُكَ مَا لهَا أجَلُ
فَهُوَ النّهَايَةُ إنْ جَرَى مَثَلٌ
أوْ قيلَ يَوْمَ وَغىً منِ البَطَلُ
عُدَدُ الوُفُودِ العَامِدينَ لَهُ
دونَ السّلاحِ الشُّكلُ وَالعُقُلُ
فَلِشُكْلِهِمْ فِي خَيْلِهِ عَمَلٌ
وَلِعُقْلِهِمْ فِي بُخْتِهِ شُغُلُ(1127/1)
تُمْسِي على أيْدي مَوَاهِبِهِ
هِيَ أوْ بَقِيّتُهَا أوِ البَدَلُ
يُشْتَاقُ مِنْ يَدِهِ إلى سَبَلٍ
شَوْقاً إلَيْهِ يَنْبُتُ الأسَلُ
سَبَلٌ تَطُولُ المَكْرُماتُ بِهِ
وَالمَجْدُ لا الحَوْذانُ وَالنَّفَلُ
وَإلى حَصَى أرْضٍ أقَامَ بِهَا
بالنّاسِ مِنْ تَقبيلِهِ يَلَلُ
إنْ لَمْ تُخَالِطْهُ ضَوَاحِكُهُمْ
فَلِمَنْ تُصَانُ وَتُذخَرُ القُبَلُ
فِي وَجْهِهِ مِنْ نُورِ خَالِقِهِ
غُرَرٌ هِيَ الآيَاتُ وَالرّسُلُ
فإذا الخَميسُ أبَى السّجودَ لهُ
سَجَدَتْ لَهُ فيهِ القَنَا الذُّبُلُ
وَإذا القُلُوبُ أبَتْ حُكُومَتَهُ
رَضِيَتْ بِحُكمِ سُيُوفِهِ القُلَلُ
أرَضِيتَ وَهشُوذانُ ما حكَمَتْ
أمْ تَسْتَزِيدَ لاُِمّكَ الهَبَلُ
وَرَدَتْ بِلادَكَ غيرَ مُغْمَدَةٍ
وَكَأنّهَا بَينَ القَنَا شُعَلُ
وَالقَوْمُ فِي أعيانِهِمْ خَزَرٌ
وَالخَيْلُ فِي أعيانِهَا قَبَلُ
فأتَوْكَ لَيسَ بِمَنْ أتَوْا قِبَلٌ
بِهِمِ وَلَيسَ بِمَنْ نَأوْا خَلَلُ
لَمْ يَدْرِ مَنْ بالرّيّ أنّهُمُ
فَصَلُوا وَلا يَدري إذا قَفَلُوا
وَأتَيْتَ مُعْتَزِماً وَلا أسَدٌ
وَمَضَيْتَ مُنهَزِماً وَلا وَعِلُ
تُعْطي سِلاحَهُمُ وَرَاحَهُمُ
مَا لَمْ تَكُنْ لِتَنَالَهُ المُقَلُ
أسخَى المُلُوكِ بِنَقْلِ مَملَكَةٍ
مَنْ كادَ عَنْهُ الرّأسُ يَنتَقِلُ
لَوْلا الجَهَالَةُ مَا دَلَفْتَ إلى
قَوْمٍ غَرِقْتَ وَإنّمَا تَفَلُوا
لا أقْبَلُوا سِرّاً وَلا ظَفِرُوا
غَدْراً وَلا نَصَرَتْهُمُ الغِيَلُ
لا تَلْقَ أفرَسَ منكَ تَعْرِفُهُ
إلاّ إذا ما ضاقَتِ الحِيَلُ
لا يَسْتَحي أحَدٌ يُقَالُ لَهُ
نَضَلُوكَ آلُ بُوَيْهِ أوْ فَضَلُوا
قَدَرُوا عَفَوْا وَعدوا وَفَوْا سُئلوا
أغنَوْا عَلَوْا أعْلَوْا وَلُوا عَدَلوا
فَوْقَ السّمَاءِ وَفَوْقَ ما طلَبوا
فإذا أرادوا غايَةً نَزَلُوا
قَطَعَتْ مكارِمُهُمْ صَوَارِمَهمْ
فإذا تَعَذّرَ كاذِبٌ قَبِلُوا(1127/2)
لا يَشْهَرُونَ عَلى مُخالِفِهِمْ
سَيْفاً يَقُومُ مَقَامَهُ العَذَلُ
فأبُو عَليٍّ مَنْ بِهِ قَهَرُوا
أَبُو شُجَاعٍ مَنْ بِهِ كمَلُوا
حَلَفَتْ لِذا بَرَكاتُ غُرّةِ ذا
فِي المَهْدِ أنْ لا فَاتَهُ أمَلُ(1127/3)
إذا غامَرْتَ فِي شَرَفٍ مَرُومِ
فَلا تَقنَعْ بِمَا دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ فِي أمْرٍ حَقِيرٍ
كطَعْمِ المَوْتِ فِي أمْرٍ عَظيمِ
ستَبكي شَجوهَا فَرَسي ومُهري
صَفائحُ دَمْعُها ماءُ الجُسُومِ
قُرِينَ النّارَ ثمّ نَشَأنَ فيهَا
كمَا نَشأ العَذارَى فِي النّعيمِ
وفارَقْنَ الصّياقِلَ مُخْلَصاتٍ
وأيْديهَا كَثيراتُ الكُلُومِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ
وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكلّ شَجاعَةٍ فِي المَرْءِ تُغني
ولا مِثلَ الشّجاعَةِ فِي الحَكيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً
وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ
على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ(1128/1)
إِنِّي لأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ
أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ
وَرَأَيتُ كُلاًّ مَا يُعَلِّلُ نَفسَهُ
بِتَعِلَّةٍ وَإِلَى الفَناءِ يَصيرُ
أَمُجاوِرَ الدِّيماسِ رَهنَ قَرارَةٍ
فِيها الضِّياءُ بِوَجهِهِ وَالنُّورُ
مَا كُنتُ أَحسَبُ قَبلَ دَفنِكَ فِي الثَّرَى
أَنَّ الكَواكِبَ فِي التُّرابِ تَغورُ
مَا كُنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أَن أَرَى
رَضوَى عَلى أَيدِي الرِّجالِ تَسيرُ
خَرَجوا بِهِ وَلِكُلِّ باكٍ خَلفَهُ
صَعَقاتُ مُوسَى يَومَ دُكَّ الطُّورُ
وَالشَّمسُ فِي كَبِدِ السَّماءِ مَريضَةٌ
وَالأَرضُ واجِفَةٌ تَكادُ تَمورُ
وَحَفيفُ أَجنِحَةِ المَلائِكِ حَولُهُ
وَعُيونُ أَهلِ اللاذِقِيَّةِ صورُ
حَتَّى أَتَوا جَدَثاً كَأَنَّ ضَريحَهُ
فِي قَلبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحفورُ
بِمُزَوَّدٍ كَفَنَ البِلَى مِن مُلكِهِ
مُغفٍ وَإِثمِدُ عَينِهِ الكافورُ
فِيهِ الفَصاحَةُ وَالسَّماحَةُ وَالتُّقَى
وَالبَأسُ أَجمَعُ وَالحِجى وَالخَيرُ
كَفَلَ الثَّناءُ لَهُ بِرَدِّ حَياتِهِ
لَمَّا انطَوى فَكَأَنَّهُ مَنشورُ
وَكَأَنَّما عِيسَى ابنُ مَريَمَ ذِكرُهُ
وَكَأَنَّ عَازَرَ شَخصُهُ المَقبورُ(1129/1)
الرَّأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُّجعانِ
هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثَّانِي
فَإِذا هُما اجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ
بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ
وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتَى أَقرانَهُ
بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ
لَولاَ العُقولُ لَكانَ أَدنَى ضَيغَمٍ
أَدنَى إِلَى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ
وَلَما تَفاضَلَتِ النُّفوسُ وَدَبَّرَت
أَيدِي الكُماةِ عَوالِيَ المُرَّانِ
لَولاَ سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ
لَمَّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ
خَاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتَّى مَا دُرَى
أَمِنِ احتِقَارٍ ذَاكَ أَم نِسيانِ
وَسَعَى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ فِي العُلَى
أَهلُ الزَّمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ
تَخِذوا المَجالِسَ فِي البُيوتِ وَعِندَهُ
أَنَّ السُّرُوجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
وَتَوَهَّموا اللَّعِبَ الوَغَى وَالطَّعنُ فِي
الهَيجاءِ غَيرُ الطَّعنِ فِي المَيدَانِ
قَادَ الجِيادَ إِلَى الطِّعانِ وَلَم يَقُد
إِلاَّ إِلَى العَادَاتِ وَالأَوطانِ
كُلُّ ابنِ سَابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ
فِي قَلبِ صَاحِبِهِ عَلى الأَحزَانِ
إِن خُلِّيَت رُبِطَت بِآدَابِ الوَغَى
فَدُعاؤُهَا يُغنِي عَنِ الأَرسانِ
فِي جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ
فَكَأَنَّما يُبصِرنَ بِالآذانِ
يَرمِي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ
كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دَانِ
فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ
يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ
حَتَّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحاً
يَنشُرنَ فِيهِ عَمائِمَ الفُرسَانِ
يَقمُصنَ فِي مِثلِ المُدَى مِن بَارِدٍ
يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ
تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلتَقِيانِ
رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ
وَثَنَى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ
وَبَنَى السَّفينَ لَهُ مِنَ الصُّلبانِ(1130/1)
وَحَشاهُ عَادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ
عُقمَ البُّطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ
تَأتِي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها
تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ
بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لأَهلِهِ
مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ
فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرَى
رَاعاكَ وَاستَثنَى بَنِي حَمدانِ
المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صَارِمٍ
ذِمَمَ الدُّروعِ عَلى ذَوِي التِّيجانِ
مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم
مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشَّانِ
يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ
أَجَلِ الظَّليمِ وَرِبقَةِ السَّرحانِ
خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً
وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ
وَعَلى الدُّروبِ وَفِي الرُّجوعِ غَضاضَةٌ
وَالسَّيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ
وَالطُّرقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا
وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ
نَظَروا إِلَى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما
يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ
وَفَوارِسٍ يُحيِ الحِمامُ نُفوسَها
فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ
مَا زِلتَ تَضرِبُهُم دِرَاكاً فِي الذُّرَى
ضَرباً كَأَنَّ السَّيفَ فِيهِ اثنانِ
خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما
جَاءَت إِلَيكَ جُسومُهُم بِأَمانِ
فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا
يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ
يَغشاهُمُ مَطَرُ السَّحابِ مُفَصَّلاً
بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ وَسِنانِ
حُرِموا الَّذي أَمِلُوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ
آمالَهُ مَن عَادَ بِالحِرمانِ
وَإِذا الرِّماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ
شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ
هَيهاتَ عَاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ
كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العانِي
وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فِيهِمِ
فَأَطَعنَهُ فِي طَاعَةِ الرَّحمَنِ
قَد سَوَّدَت شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُم
فَكَأَنَّ فِيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ
وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَّجيعُ القَانِي(1130/2)
فَكَأَنَّهُ النَّارَنجُ فِي الأَغصانِ
إِنَّ السُّيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُم
كَقُلوبِهِنَّ إِذا التَقَى الجَمعانِ
تَلقَى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ
مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ
رَفَعَت بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَت
قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النِّيرانِ
أَنسابُ فَخرِهِمِ إِلَيكَ وَإِنَّما
أَنسابُ أَصلِهِمِ إِلَى عَدنانِ
يَا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ
أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ
فَإِذا رَأَيتُكَ حَارَ دُونَكَ نَاظِرِي
وَإِذا مَدَحتُكَ حَارَ فِيكَ لِسانِي(1130/3)
القَلبُ أَعلَمُ يَا عَذولُ بِدائِهِ
وَأَحَقُّ مِنكَ بِجَفنِهِ وَبِمائِهِ
فَوَمَن أُحِبُّ لأَعصِيَنَّكَ فِي الهَوَى
قَسَماً بِهِ وَبِحُسنِهِ وَبَهائِهِ
أَأُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فِيهِ مَلامَةً
إِنَّ المَلامَةَ فِيهِ مِن أَعدائِهِ
عَجِبَ الوُشاةُ مِنَ اللُحاةِ وَقَولِهِم
دَع مَا بَراكَ ضَعُفتَ عَن إِخفائِهِ
مَا الخِلُّ إِلاَّ مَن أَوَدُّ بِقَلبِهِ
وَأَرَى بِطَرفٍ لا يَرَى بِسَوائِهِ
إِنَّ المُعينَ عَلى الصَّبابَةِ بِالأَسَى
أَولَى بِرَحمَةِ رَبِّها وَإِخائِهِ
مَهلاً فَإِنَّ العَذلَ مِن أَسقامِهِ
وَتَرَفُّقاً فَالسَّمعُ مِن أَعضائِهِ
وَهَبِ المَلامَةَ فِي اللَذاذَةِ كَالكَرَى
مَطرودَةً بِسُهادِهِ وَبُكائِهِ
لا تَعذُلِ المُشتاقَ فِي أَشواقِهِ
حَتَّى يَكونَ حَشاكَ فِي أَحشائِهِ
إِنَّ القَتيلَ مُضَرَّجاً بِدُموعِهِ
مِثلُ القَتيلِ مُضَرَّجاً بِدِمائِهِ
وَالعِشقُ كَالمَعشوقِ يَعذُبُ قُربُهُ
لِلمُبتَلى وَيَنالُ مِن حَوبائِهِ
لَو قُلتَ لِلدَنِفِ الحَزينِ فَدَيتُهُ
مِمَّا بِهِ لأَغَرتَهُ بِفِدائِهِ
وُقِيَ الأَميرُ هَوَى العُيونِ فَإِنَّهُ
مَا لا يَزولُ بِبَأسِهِ وَسَخائِهِ
يَستَأسِرُ البَطَلَ الكَمِيَّ بِنَظرَةٍ
وَيَحولُ بَينَ فُؤادِهِ وَعَزائِهِ
إِنِّي دَعَوتُكَ لِلنَّوائِبِ دَعوَةً
لَم يُدعَ سامِعُها إِلَى أَكفائِهِ
فَأَتَيتَ مِن فَوقِ الزَّمانِ وَتَحتِهِ
مُتَصَلصِلاً وَأَمامِهِ وَوَرائِهِ
مَن لِلسُّيوفِ بِأَن تَكونَ سَمِيَّها
فِي أَصلِهِ وَفِرِندِهِ وَوَفائِهِ
طُبِعَ الحَديدُ فَكانَ مِن أَجناسِهِ
وَعَلِيٌّ المَطبوعُ مِن آبائِهِ(1131/1)
المَجدُ عُوفِيَ إِذ عُوفِيتَ وَالكَرَمُ
وَزالَ عَنكَ إِلَى أَعدائِكَ الأَلَمُ
صَحَّت بِصِحَّتِكَ الغَاراتُ وَابتَهَجَت
بِها المَكارِمُ وَانهَلَّت بِها الدِّيَمُ
وَراجَعَ الشَّمسَ نُورٌ كَانَ فارَقَها
كَأَنَّما فَقدُهُ فِي جِسمِها سَقَمُ
وَلاحَ بَرقُكَ لِي مِن عارِضَي مَلِكٍ
مَا يَسقُطُ الغَيثُ إِلاَّ حَيثُ يَبتَسِمُ
يَسمَى الحُسامَ وَلَيسَت مِن مُشابَهَةٍ
وَكَيفَ يَشتَبِهُ المَخدومُ وَالخَدَمُ
تَفَرَّدَ العُربُ فِي الدُّنيا بِمَحتِدِهِ
وَشارَكَ العُربَ فِي إِحسانِهِ العَجَمُ
وَأَخلَصَ اللهُ لِلإِسلامِ نَصرَتَهُ
وَإِن تَقَلَّبَ فِي آلائِهِ الأُمَمُ
وَما أَخُصُّكَ فِي بُرءٍ بِتَهنِئَةٍ
إِذا سَلِمتَ فَكُلُّ النَّاسِ قَد سَلِموا(1132/1)
النَّاسُ مَا لَم يَرَوكَ أَشباهُ
وَالدَّهرُ لَفظٌ وَأَنتَ مَعناهُ
وَالجودُ عَينٌ وَأَنتَ ناظِرُها
وَالبَأسُ باعٌ وَأَنتَ يُمناهُ
أَفدِي الَّذي كُلُّ مَأزِقٍ حَرِجٍ
أَغبَرَ فُرسانُهُ تَحاماهُ
أَعلَى قَناةِ الحُسَينِ أَوسَطُها
فِيهِ وَأَعلَى الكَمِيَّ رِجلاهُ
تُنشِدُ أَثوابُنا مَدائِحُهُ
بِأَلسُنٍ مالَهُنَّ أَفواهُ
إِذا مَرَرنا عَلى الأَصَمِّ بِها
أَغنَتهُ عَن مِسمَعَيهِ عَيناهُ
سُبحانَ مَن خارَ لِلكَواكِبِ
بِالبُعدِ وَلَو نِلنَ كُنَّ جَدواهُ
لَو كانَ ضَوءُ الشُّموسِ فِي يَدِهِ
لَصاعَهُ جودُهُ وَأَفناهُ
يَا رَاحِلاً كُلُّ مَن يُوَدِّعُهُ
مُوَدِّعٌ دينَهُ وَدُنياهُ
إِن كَانَ فِيما نَراهُ مِن كَرَمٍ
فيكَ مَزيدٌ فَزادَكَ اللهُ(1133/1)
بَكَيتُ يَا رَبعُ حَتَّى كِدتُ أَبكِيكَا
وَجُدتُ بِي وَبِدَمعِي فِي مَغانِيكا
فَعِم صَباحاً لَقَد هَيَّجتَ لِي شَجَناً
وَاِردُد تَحِيَّتَنا إِنَّا مُحَيُّوكا
بِأَيِّ حُكمِ زَمانٍ صِرتَ مُتَّخِذاً
رِئمَ الفَلا بَدَلاً مِن رِئمِ أَهلِيكا
أَيَّامَ فِيكَ شُموسٌ مَا انبَعَثنَ لَنا
إِلاَّ ابتَعَثنَ دَماً بِاللَّحظِ مَسفوكا
وَالعَيشُ أَخضَرُ وَالأَطلالُ مُشرِفَةٌ
كَأَنَّ نُورَ عُبَيدِ اللهِ يَعلوكا
نَجا امرُؤٌ يا ابنَ يَحيَى كُنتَ بُغيَتَهُ
وَخابَ رَكبُ رِكابٍ لَم يَأُمُّوكا
أَحيَيتَ لِلشُعَراءِ الشِّعرَ فَامتَدَحوا
جَميعَ مَن مَدَحوهُ بِالَّذي فِيكا
وَعَلَّموا النَّاسَ مِنكَ المَجدَ وَاقتَدَروا
عَلى دَقيقِ المَعانِي مِن مَعانِيكا
فَكُن كَما أَنتَ يَا مَن لا شَبيهَ لَهُ
أَو كَيفَ شِئتَ فَما خَلقٌ يُدانِيكا
شُكرُ العُفاةِ لِما أَولَيتَ أَوجَدَنِي
إِلَى نَداكَ طَريقَ العُرفِ مَسلوكا
وَعُظمُ قَدرِكَ فِي الآفاقِ أَوهَمَنِي
أَنِّي بِقِلَّةِ مَا أَثنَيتُ أَهجوكا
كَفَى بِأَنَّكَ مِن قَحطانَ فِي شَرَفٍ
وَإِن فَخَرتَ فَكُلٌّ مِن مَوالِيكا
وَلَو نَقَصتُ كَما قَد زِدتُ مِن كَرَمٍ
عَلى الوَرَى لَرَأَونِي مِثلَ شانِيكا
لَبَّى نَداكَ لَقَد نَادَى فَأَسمَعَنِي
يَفديكَ مِن رَجُلٍ صَحبِي وَأَفدِيكا
مَا زِلتَ تُتبِعُ مَا تولِي يَداً بِيَدٍ
حَتَّى ظَنَنتُ حَياتِي مِن أَيادِيكا
فَإِن تَقُل هَا فَعاداتٌ عُرِفتَ بِها
أَو لاَ فَإِنَّكَ لاَ يَسخو بِها فوكا(1134/1)
بِأَبِي الشُّموسُ الجَانِحَاتُ غَوارِبا
اللابِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبا
المَنهِباتُ قُلوبَنا وَعُقولَنا
وَجَناتِهِنَّ النَّاهِباتِ النَّاهِبا
النَّاعِماتُ القاتِلاتُ المُحيِياتُ
المُبدِياتُ مِنَ الدَّلالِ غَرائِبا
حَاوَلنَ تَفدِيَتِي وَخِفنَ مُراقِباً
فَوَضَعنَ أَيدِيَهُنَّ فَوقَ تَرائِبا
وَبَسَمنَ عَن بَرَدٍ خَشيتُ أُذيبَهُ
مِن حَرِّ أَنفاسِي فَكُنتُ الذَّائِبا
يَا حَبَّذا المُتَحَمَّلونَ وَحَبَّذا
وَادٍ لَثَمتُ بِهِ الغَزالَةَ كَاعِبا
كَيفَ الرَّجاءُ مِنَ الخُطوبِ تَخَلُّصاً
مِن بَعدِ مَا أَنشَبنَ فِيَّ مَخالِبا
أَوحَدنَنِي وَوَجَدنَ حُزناً واحِداً
مُتَناهِياً فَجَعَلنَهُ لِي صَاحِبا
وَنَصَبنَنِي غَرَضَ الرُّماةِ تُصِيبُنِي
مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُّيوفِ مَضارِبا
أَظمَتنِيَ الدُّنيا فَلَمَّا جِئتُها
مُستَسقِياً مَطَرَت عَلَيَّ مَصائِبا
وَحُبِيتُ مِن خوصِ الرِّكابِ بِأَسوَدٍ
مِن دَارِشٍ فَغَدَوتُ أَمشِي رَاكِبا
حَالٌ مَتَى عَلِمَ ابنُ مَنصورٍ بِها
جَاءَ الزَّمانُ إِلَيَّ مِنهَا تَائِبا
مَلِكٌ سِنانُ قَناتِهِ وَبَنانُهُ
يَتَبارَيانِ دَماً وَعُرفاً سَاكِبا
يَستَصغِرُ الخَطَرَ الكَبيرَ لِوَفدِهِ
وَيَظُنُّ دِجلَةَ لَيسَ تَكفي شَارِبا
كَرَماً فَلَو حَدَّثتَهُ عَن نَفسِهِ
بِعَظيمِ مَا صَنَعَت لَظَنَّكَ كَاذِبا
سَل عَن شَجاعَتِهِ وَزُرهُ مُسالِماً
وَحَذارِ ثُمَّ حَذارِ مِنهُ مُحارِبا
فَالمَوتُ تُعرَفُ بِالصِفاتِ طِباعُهُ
لَم تَلقَ خَلقاً ذَاقَ مَوتاً آيِبا
إِن تَلقَهُ لا تَلقَ إِلاَّ قَسطَلاً
أَو جَحفَلاً أَو طاعِناً أَو ضَارِبا
أَو هارِباً أَو طالِباً أَو رَاغِباً
أَو رَاهِباً أَو هَالِكاً أَو نَادِبا
وَإِذا نَظَرتَ إِلَى الجِبالِ رَأَيتَها
فَوقَ السُّهولِ عَواسِلاً وَقَواضِبا
وَإِذا نَظَرتَ إِلَى السُّهولِ رَأَيتَها
تَحتَ الجِبالِ فَوارِساً وَجَنائِبا(1135/1)
وَعَجاجَةً تَرَكَ الحَديدُ سَوادَها
زِنجاً تَبَسَّمُ أَو قَذالاً شَائِبا
فَكَأَنَّما كُسِيَ النَّهارُ بِها دُجَى
لَيلٍ وَأَطلَعَتِ الرِّماحُ كَواكِبا
قَد عَسكَرَت مَعَها الرَّزايا عَسكَراً
وَتَكَتَّبَت فِيهَا الرِّجالُ كَتائِبا
أُسُدٌ فَرائِسُها الأُسودُ يَقودُها
أَسَدٌ تَصيرُ لَهُ الأُسودُ ثَعالِبا
فِي رُتبَةٍ حَجَبَ الوَرَى عَن نَيلِها
وَعَلا فَسَمَّوهُ عَلِيَّ الحاجِبا
وَدَعَوهُ مِن فَرطِ السَّخاءِ مُبَذِّراً
وَدَعَوهُ مِن غَصبِ النُّفوسِ الغَاصِبا
هَذَا الَّذي أَفنَى النُّضارَ مَواهِباً
وَعِداهُ قَتلاً وَالزُّمانَ تَجارِبا
وَمُخَيِّبُ العُذَّالِ فِيمَا أَمَّلوا
مِنهُ وَلَيسَ يَرُدُّ كَفّاً خائِبا
هَذَا الَّذي أَبصَرتُ مِنهُ حاضِراً
مِثلُ الَّذي أَبصَرتُ مِنهُ غَائِبا
كَالبَدرِ مِن حَيثُ اِلتَفَتَّ رَأَيتَهُ
يُهدِي إِلَى عَينَيكَ نُوراً ثَاقِبا
كَالبَحرِ يَقذِفُ لِلقَريبِ جَواهِراً
جوداً وَيَبعَثُ لِلبَعيدِ سَحائِبا
كَالشَّمسِ فِي كَبِدِ السَّماءِ وَضَوؤُها
يَغشَى البِلادَ مَشارِقاً وَمَغارِبا
أَمُهَجِّنَ الكُرَماءِ وَالمُزري بِهِم
وَتَروكَ كُلِّ كَريمِ قَومٍ عَاتِبا
شَادُوا مَناقِبَهُم وَشِدتَ مَناقِباً
وُجِدَت مَناقِبُهُم بِهِنَّ مَثالِبا
لَبَّيكَ غَيظَ الحاسِدينَ الرَّاتِبا
إِنَّا لَنَخبُرُ مِن يَدَيكَ عَجائِبا
تَدبيرُ ذي حُنَكٍ يُفَكِّرُ فِي غَدٍ
وَهُجومُ غِرٍّ لا يَخافُ عَواقِبا
وَعَطاءُ مَالٍ لَو عَداهُ طالِبٌ
أَنفَقتَهُ فِي أَن تُلاقِيَ طَالِبا
خُذ مِن ثَنايَ عَلَيكَ مَا أَسطيعُهُ
لا تُلزِمَنِّي فِي الثَّناءِ الوَاجِبا
فَلَقَد دَهِشتُ لِما فَعَلتَ وَدونَهُ
ما يُدهِشُ المَلَكَ الحَفيظَ الكَاتِبا(1135/2)
بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ
وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني
مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ
ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ
فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ
وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ
مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ
هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ
فِي إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ
تَحَمّلُوا حَمَلَتْكُمْ كلُّ ناجِيَةٍ
فكُلُّ بَينٍ عَليّ اليَوْمَ مُؤتَمَنُ
ما فِي هَوَادِجِكم من مُهجتي عِوَضٌ
إنْ مُتُّ شَوْقاً وَلا فيها لهَا ثَمَنُ
يَا مَنْ نُعيتُ على بُعْدٍ بِمَجْلِسِهِ
كُلٌّ بِمَا زَعَمَ النّاعونَ مُرْتَهَنُ
كمْ قد قُتِلتُ وكم قد متُّ عندَكُمُ
ثمّ انتَفَضْتُ فزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قولهِمِ
جَماعَةٌ ثُمّ ماتُوا قبلَ مَن دَفَنوا
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
تَجرِي الرّياحُ بِمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
رَأيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ
وَلا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ
جَزاءُ كُلّ قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ
وَحَظُّ كُلّ مُحِبٍّ منكُمُ ضَغَنُ
وَتَغضَبُونَ على مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ
حتَّى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ وَالمِنَنُ
فَغَادَرَ الهَجْرُ ما بَيني وَبينَكُمُ
يَهماءَ تكذِبُ فيها العَينُ وَالأُذُنُ
تَحْبُو الرّوَاسِمُ مِن بَعدِ الرّسيمِ بِهَا
وَتَسألُ الأرْضَ عن أخفافِها الثَّفِنُ
إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ
وَلا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ
وَلا أُقيمُ على مَالٍ أذِلُّ بِهِ
وَلا ألَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ
سَهِرْتُ بَعد رَحيلي وَحشَةً لكُمُ
ثمّ استَمَرّ مريري وَارْعَوَى الوَسَنُ
وَإنْ بُلِيتُ بوُدٍّ مِثْلِ وُدّكُمُ
فإنّني بفِراقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ(1136/1)
أبْلى الأجِلّةَ مُهْري عِندَ غَيرِكُمُ
وَبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ وَالرّسَنُ
عندَ الهُمامِ أبي المِسكِ الذي غرِقَتْ
فِي جُودِهِ مُضَرُ الحَمراءِ وَاليَمَنُ
وَإنْ تأخّرَ عَنّي بَعضُ مَوْعِدِهِ
فَمَا تَأخَّرُ آمَالي وَلا تَهِنُ
هُوَ الوَفِيُّ وَلَكِنّي ذَكَرْتُ لَهُ
مَوَدّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ(1136/2)
تَذَكّرْتُ ما بَينَ العُذَيبِ وَبَارِقِ
مَجَرَّ عَوَالينَا وَمَجْرَى السّوَابِقِ
وَصُحْبَةَ قَوْمٍ يَذبَحُونَ قَنيصَهُمْ
بفَضْلَةِ ما قد كَسّرُوا فِي المَفارِقِ
وَلَيْلاً تَوَسَّدْنَا الثَّوِيّةَ تَحْتَهُ
كأنّ ثَرَاهَا عَنْبَرٌ فِي المَرَافِقِ
بِلادٌ إذا زارَ الحِسانَ بغَيرِهَا
حَصَى تُرْبِهَا ثَقّبْنَهُ للمَخانِقِ
سَقَتْني بِهَا القُطْرُبُّليَّ مَليحَةٌ على
كاذِبٍ منْ وَعدِها ضَوْءُ صَادقِ
سُهادٌ لأجفانٍ وَشَمْسٌ لِنَاظِرٍ
وَسُقْمٌ لأبدانٍ وَمِسْكٌ لِناشِقِ
وَأغْيَدُ يَهْوَى نَفْسَهُ كلُّ عاقِلٍ
عَفيفٍ وَيَهوَى جسمَهُ كلُّ فاسِقِ
أدِيبٌ إذا ما جَسّ أوْتَارَ مِزْهَرٍ
بلا كُلَّ سَمْعٍ عن سِواها بعائِقِ
يُحَدِّثُ عَمّا بَينَ عادٍ وَبَيْنَهُ
وَصُدْغاهُ فِي خَدّيْ غُلامٍ مُراهِقِ
وَمَا الحُسْنُ فِي وَجْهِ الفتى شَرَفاً لَهُ
إذا لَمْ يكُنْ فِي فِعْلِهِ وَالخَلائِقِ
وَمَا بَلَدُ الإنْسانِ غَيرُ المُوافِقِ
وَلا أهْلُهُ الأدْنَوْنَ غَيرُ الأصَادِقِ
وَجائِزَةٌ دَعْوَى المَحَبّةِ وَالهَوَى
وَإنْ كانَ لا يَخفَى كَلامُ المُنافِقِ
برَأيِ مَنِ انْقادَتْ عُقيلٌ إلى الرّدَى
وَإشماتِ مَخلُوقٍ وَإسخاطِ خالِقِ
أرَادوا عَلِيّاً بالذي يُعجِزُ الوَرَى
وَيُوسِعُ قَتلَ الجحفَلِ المُتَضايِقِ
فَمَا بَسَطُوا كَفّاً إلى غَيرِ قَاطِعٍ
وَلا حَمَلُوا رَأساً إلى غَيرِ فَالِقِ
لَقَد أقدَمُوا لَوْ صادَفُوا غيرَ آخِذٍ
وَقد هرَبوا لوْ صَادَفوا غيرَ لاحِقِ
وَلَمَّا كَسَا كَعْباً ثِياباً طَغَوْا بِهَا
رَمَى كلَّ ثَوْبٍ مِنْ سِنانٍ بِخارِقِ
وَلمّا سَقَى الغَيْثَ الذي كَفَرُوا بِهِ
سَقَى غَيرَهُ فِي غَيرِ تلكَ البَوَارِقِ
وَما يُوجعُ الحِرْمانُ من كَفّ حارِمٍ
كمَا يُوجعُ الحِرْمانُ من كَفّ رازِقِ
أتَاهُمْ بِهَا حَشْوَ العَجَاجَةِ وَالقَنَا
سَنَابِكُهَا تحشُو بُطُونَ الحَمالِقِ(1137/1)
عَوَابِسَ حَلّى يَابِسُ الماءِ حُزْمَها
فَهُنَّ على أوْساطِها كالمَنَاطِقِ
فَلَيْتَ أبَا الهَيْجا يرَى خَلْفَ تَدْمُرٍ
طِوَالَ العَوالي فِي طِوال السَّمالِقِ
وَسَوْقَ عَليٍّ مِنْ مَعَدٍّ وَغَيرِها
قَبَائِلَ لا تُعْطي القُفِيَّ لِسَائِقِ
قُشَيرٌ وَبَلْعَجْلانِ فيها خَفِيّةٌ
كَرَاءَينِ فِي ألْفاظِ ألثَغَ نَاطِقِ
تُخَلّيهِمُ النّسْوانُ غَيرَ فَوَارِكٍ
وَهُمْ خَلّوُا النّسْوانَ غَيرَ طَوَالِقِ
يُفَرِّقُ ما بَينَ الكُماةِ وَبَيْنَهَا
بطَعْنٍ يُسَلّي حَرُّهُ كلَّ عاشِقِ
أتَى الظُّعْنَ حتَّى ما تَطيرُ رَشاشَةٌ
منَ الخَيلِ إلاّ فِي نُحُورِ العَوَاتِقِ
بكُلّ فَلاةٍ تُنكِرُ الإنْسَ أرْضُهَا
ظعائنُ حُمْرُ الحَليِ حمرُ الأيانِقِ
وَمَلْمُومَةٌ سَيْفِيّةٌ رَبَعِيّةٌ تَصيحُ
الحَصَى فيها صِياحَ اللّقالِقِ
بَعيدَةُ أطْرَافِ القَنا مِنْ أُصُولِهِ
قَريبَةُ بَينَ البَيضِ غُبرُ اليَلامِقِ
نَهَاهَا وَأغْنَاهَا عَنِ النّهْبِ جُودُه
فَمَا تَبْتَغي إلاّ حُماةَ الحَقائِقِ
تَوَهّمَهَا الأعرابُ سَوْرَةَ مُترَفٍ
تُذَكّرُهُ البَيْداءُ ظِلَّ السُّرادِقِ
فَذَكّرْتَهُمْ بالمَاءِ ساعَةَ غَبّرَتْ
سَماوَةُ كَلبٍ فِي أُنوفِ الحَزَائِقِ
وكانُوا يَرُوعونَ المُلُوكَ بأنْ بدَوْا
وَأنْ نَبَتَتْ فِي المَاءِ نَبْتَ الغَلافِقِ
فهاجُوكَ أهْدَى فِي الفَلا من نُجُومه
وَأبْدَى بُيُوتاً من أداحي النّقانِقِ
وَأصْبَرَ عَن أمْوَاهِهِ من ضِبابِهِ
وَآلَفَ منْها مُقْلَةً للوَدائِقِ
وَكانَ هَديراً مِنْ فُحُولٍ تَرَكتَها
مُهَلَّبَةَ الأذنابِ خُرْسَ الشّقاشِقِ
فَما حَرَمُوا بالرّكضِ خَيلَكَ رَاحةً
وَلَكِنْ كَفَاهَا البَرُّ قَطعَ الشّوَاهقِ
وَلا شَغَلُوا صُمّ القَنَا بِقُلُوبِهِم
عنِ الرَّكْزِ لكِنْ عن قلوبِ الدماسقِ
أَلَمْ يحذَروا مَسْخَ الذي يَمسَخُ العِدَى
ويجعَلُ أيدي الأُسدِ أيدي الخرانِقِ
وَقد عايَنُوه فِي سِواهُمْ وَرُبّمَا(1137/2)
أَرَى مارِقاً فِي الحَرْبِ مصرَعَ مارِقِ
تَعَوّدَ أنْ لا تَقْضَمَ الحَبَّ خَيْلُهُ
إذا الهَامُ لَمْ تَرْفَعْ جُنُوبَ العَلائِقِ
وَلا تَرِدَ الغُدْرانَ إلاّ وَمَاؤهَا
منَ الدّمِ كالرّيحَانِ فَوْقَ الشّقائقِ
لَوَفْدُ نُمَيرٍ كانَ أرْشَدَ منْهُمُ
وقد طَرَدوا الأظْعانَ طَرْدَ الوَسائقِ
أعَدّوا رِماحاً مِنْ خُضُوعٍ فطاعَنُوا
بِهَا الجَيشَ حتَّى رَدّ غَرْبَ الفَيالِقِ
فَلَمْ أرَ أرْمَى منهُ غَيرَ مُخاتِلٍ
وَأسرَى إلى الأعداءِ غَيرَ مُسارِقِ
تُصِيبُ المَجانيقُ العِظامُ بكَفّهِ
دَقائِقَ قَدْ أعْيَتْ قِسِيَّ البَنَادِقِ(1137/3)
حاشَى الرّقيبَ فَخانَتْهُ ضَمائِرُهُ
وَغَيّضَ الدّمْعَ فانهَلّتْ بَوادِرُهُ
وكاتمُ الحُبّ يَوْمَ البَينِ مُنهَتِكٌ
وصاحبُ الدّمعِ لا تَخفَى سرائرُهُ
لَوْلا ظِباءُ عَدِيّ ما شُغِفْتُ بِهِمْ
وَلا برَبْرَبِهِمْ لَوْلا جَآذِرُهُ
من كلّ أحوَرَ فِي أنْيابِهِ شَنَبٌ
خَمْرٌ يُخَامِرُها مِسكٌ تُخامِرُهُ
نُعْجٌ مَحاجِرُهُ دُعْجٌ نَواظِرُهُ
حُمْرٌ غَفائِرُهُ سُودٌ غَدائرُهُ
أعَارَني سُقْمَ عَينَيْهِ وَحَمّلَني
منَ الهَوَى ثِقْلَ ما تَحوي مآزِرُهُ
يا مَنْ تَحَكّمَ فِي نَفسي فعَذّبَني
وَمَنْ فُؤادي على قَتلي يُضافِرُهُ
بعَوْدَةِ الدّوْلَةِ الغَرّاءِ ثَانِيَةً
سَلَوْتُ عَنكَ ونامَ اللّيلَ ساهرُهُ
منْ بَعدِ ما كانَ لَيلي لا صَباحَ لَهُ
كأنّ أوَّلَ يَوْمِ الحَشْرِ آخِرُهُ
غابَ الأميرُ فَغابَ الخيرُ عَنْ بَلَدٍ
كادَتْ لفَقْدِ اسمِهِ تَبكي مَنابِرُهُ
قدِ اشتَكَتْ وَحشَةَ الأحياءِ أرْبُعُهُ
وَخَبّرَتْ عَن أسَى المَوْتَى مَقابرُهُ
حتَّى إذا عُقِدَتْ فيه القِبابُ لَهُ
أهَلّ للهِ بادِيهِ وحاضِرُهُ
وَجَدّدَتْ فَرَحاً لا الغَمُّ يَطْرُدُهُ
وَلا الصّبابةُ فِي قَلْبٍ تُجاوِرُهُ
إذا خَلَتْ منكَ حمصٌ لا خلتْ أبداً
فَلا سَقَاها مِنَ الوَسميّ باكِرُهُ
دَخَلْتَها وشُعاعُ الشّمسِ مُتّقِدٌ
ونُورُ وَجْهِكَ بينَ الخلْقِ باهرُهُ
فِي فَيْلَقٍ مِنْ حَديدٍ لوْ قَذَفتَ بهِ
صرْفَ الزّمانِ لمَا دارَتْ دَوائِرُهُ
تَمضِي المَواكبُ والأبصارُ شاخصَةٌ
منها إلى المَلِكِ المَيْمُونِ طائِرُهُ
قَدْ حِرْنَ فِي بَشَرٍ فِي تاجِهِ قَمَرٌ
فِي دِرْعِهِ أسَدٌ تَدْمَى أظافِرُهُ
حُلْوٍ خَلائِقُهُ شُوسٍ حَقائِقُهُ تُحصَى
الحَصَى قَبلَ أنْ تُحصَى مآثرُهُ
تَضيقُ عن جَيشه الدّنيا ولوْ رَحُبتْ
كصَدْرِهِ لَمْ تَبِنْ فيها عَساكِرُهُ
إذا تَغَلْغَلَ فكرُ المرءِ فِي طَرَفٍ
من مَجْدِهِ غَرِقَتْ فيه خَواطِرُهُ(1138/1)
تَحْمَى السّيوفُ على أعدائِهِ مَعَهُ
كأنّهُنّ بَنُوهُ أوْ عَشائِرُهُ
إذا انْتَضَاها لحرْبٍ لَمْ تَدَعْ جَسَداً
إلاّ وباطِنُهُ للعَينِ ظاهِرُهُ
فَقَدْ تَيَقّنّ أنّ الحَقّ فِي يَدِهِ
وَقَدْ وَثِقْنَ بأنّ اللهَ نَاصِرُهُ
تَرَكْنَ هَامَ بَني عَوْفٍ وثَعْلَبَةٍ
على رُؤوسٍ بلا ناسٍ مَغَافِرُهُ
فخاضَ بالسّيفِ بحرَ المَوْتِ خَلفَهُمُ
وكانَ منهُ إلى الكَعْبَينِ زاخِرُهُ
حتى انتهَى الفرَسُ الجاري وما وَقعَتْ
فِي الأرضِ من جِيَفِ القتلى حوافرُهُ
كَمْ مِنْ دَمٍ رَوِيَتْ منهُ أسِنّتُهُ
وَمُهْجَةٍ وَلَغَتْ فيها بَواتِرُهُ
وحائِنٍ لَعِبَتْ شُمُّ الرّماحِ بهِ
فالعَيشُ هاجِرُهُ والنّسرُ زائِرُهُ
مَنْ قَالَ لَسْتَ بِخَيرِ النّاسِ كلِّهِمِ
فجَهْلُهُ بكَ عندَ النّاسِ عاذرُهُ
أوْ شَكّ أنّكَ فَرْدٌ فِي زَمانِهِمِ
بلا نَظِيرٍ فَفِي رُوحِي أُخاطِرُهُ
يا مَنْ ألُوذُ بِهِ فيمَا أُؤمّلُهُ
وَمَنْ أعُوذُ بهِ مِمّا أُحاذِرُهُ
وَمَنْ تَوَهّمْتُ أنّ البَحرَ راحَتُهُ
جُوداً وأنّ عَطاياها جَواهِرُهُ
لا يَجْبُرُ النّاسُ عَظْماً أنْتَ كاسِرُهُ
وَلا يَهيضُونَ عَظْماً أنْتَ جابِرُهُ(1138/2)
سرب محاسنه حرمت ذواتها
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 47 / ص 406)
العصر العباسي >> المتنبي >> سرب محاسنه حرمت ذواتها
سرب محاسنه حرمت ذواتها
رقم القصيدة : 5474
--------------
سِرْبٌ مَحاسِنُهُ حُرِمتُ ذَوَاتِها داني الصّفاتِ بَعيدُ مَوْصوفاتِهَا
أوْفَى فكُنْتُ إذا رَمَيْتُ بمُقلَتي بَشَراً رأيتُ أرَقَّ مِن عَبَراتِهَا
يَسْتَاقُ عيسَهُمُ أنيني خَلفَها تَتَوَهّمُ الزّفَراتِ زَجرَ حُداتِهَا
وكأنّها شَجَرٌ بَدَتْ لَكِنّهَا شَجَرٌ جَنَيتُ الموْتَ من ثمَراتِهَا
لا سِرْتِ مِن إبلٍ لوَانّي فَوْقَها لمَحَتْ حرارَةُ مَدمَعيّ سِماتِهَا
وحمَلتُ ما حُمّلتِ من هذي المَها وحَملتِ ما حُمّلتُ من حسراتِها
إنّي على شَغَفي بِما في خُمْرِها لأعِفُّ عَمّا في سَرابِيلاتِهَا
وتَرَى المُرُوّةَ والفُتُوّةَ والأبُوّ ةَ فيّ كُلُّ مَليحَةٍ ضَرّاتِهَا
هُنّ الثّلاثُ المانِعاتي لَذّتي في خَلْوَتي لا الخَوْفُ من تَبِعاتِهَا
ومَطالِبٍ فيها الهَلاكُ أتَيْتُها ثَبْتَ الجَنانِ كأنّني لم آتِهَا
ومَقانِبٍ بمَقانِبٍ غادَرْتُهَا أقْوَاتَ وَحْشٍ كُنّ من أقواتِهَا
أقْبَلْتُها غُرَرَ الجِيادِ كأنّما أيْدي بَني عِمرانَ في جَبَهاتِهَا
ألثّابِتينَ فُرُوسَةً كَجُلُودِها في ظَهْرِها والطّعنُ في لَبّاتِهَا
ألعارِفِينَ بها كَما عَرَفَتْهُمُ والرّاكِبِينَ جُدودُهُمْ أُمّاتِهَا
فكأنّما نُتِجَتْ قِياماً تَحْتَهُمُ وكأنّهُمْ وُلِدوا على صَهَواتِهَا
إنّ الكِرامَ بِلا كِرامٍ مِنْهُمُ مِثْلُ القُلوبِ بلا سُوَيداواتِهَا
تِلْكَ النّفُوسُ الغالِباتُ على العُلى والمَجْدُ يَغْلِبُها على شَهَواتِهَا
سُقِيتْ مَنابتُها التي سقَتِ الوَرَى بنَدَى أبي أيّوبَ خيرِ نَبَاتِهَا
لَيسَ التّعَجّبُ من مَواهِبِ مالِه بَلْ مِنْ سَلامَتِها إلى أوْقاتِهَا
عَجَباً لهُ حَفِظَ العِنانَ بأُنْمُلٍ ما حِفْظُها الأشياءَ مِنْ عاداتِهَا(1139/1)
لوْ مرّ يَرْكضُ في سُطورِ كتابَةٍ أحْصَى بحافِرِ مُهْرِهِ مِيماتِهَا
يَضَعُ السّنانَ بحيثُ شاءَ مُجاوِلاً حتى مِنَ الآذانِ في أخْراتِهَا
تَكْبو وراءَكَ يابنَ أحمدَ قُرَّحٌ لَيْسَتْ قَوائِمُهُنّ مِنْ آلاتِهَا
رِعَدُ الفَوارِسِ مِنكَ في أبْدانِها أجرَى من العَسَلانِ في قَنَواتِهَا
لا خَلْقَ أسمَحُ منكَ إلاّ عارِفٌ بك راءَ نَفسَكَ لم يقلْ لك هاتِهَا
غَلِتَ الذي حَسَبَ العُشورَ بآيَةٍ تَرْتيلُكَ السُّوراتِ مِنْ آياتِهَا
كَرَمٌ تَبَيّنَ في كَلامِكَ مَاثِلاً ويَبِينُ عِتْقُ الخَيلِ في أصواتِهَا
أعْيَا زَوالُكَ عَن مَحَلٍّ نِلْتَهُ لا تَخْرُجُ الأقمارُ عن هالاتِهَا
لا نَعذُلُ المرَضَ الذي بك شائِقٌ أنتَ الرّجالَ وشائِقٌ عِلاّتِهَا
فإذا نَوَتْ سَفَراً إلَيْكَ سَبَقْنَها فأضَفْتَ قَبلَ مُضافِهَا حالاتِهَا
ومَنازِلُ الحُمّى الجُسومُ فقُلْ لنا ما عُذرُها في تَرْكِها خَيراتِهَا
أعْجَبْتَها شَرَفاً فَطالَ وُقُوفُها لِتأمُّلِ الأعضاءِ لا لأذاتِهَا
وبَذَلْتَ ما عَشِقَتْهُ نَفسُك كلّه حتى بذَلْتَ لهَذِهِ صِحّاتِهَا
حقُّ الكواكبِ أن تعودَكَ من عَلٍ وتَعُودَكَ الآسادُ مِنْ غاباتِهَا
والجِنُّ من سُتَراتِها والوَحشُ من فَلَواتِها والطّيرُ منْ وُكَناتِهَا
ذُكرَ الأنامُ لَنا فكانَ قَصيدَةً كُنتَ البَديعَ الفَرْدَ مِنْ أبياتِهَا
في النّاسِ أمثِلَةٌ تَدورُ حَياتُها كَمماتِها ومَماتُها كَحَياتِهَا
فاليَوْمَ صِرْتُ إلى الذي لوْ أنّهُ مَلَكَ البَرِيّةَ لاستَقَلّ هِباتِهَا
مُستَرْخَصٌ نَظَرٌ إلَيهِ بما بهِ نَظَرَتْ وعَثْرَةُ رِجْلِهِ بدِياتِهَا(1139/2)
صَحِبَ النَّاسُ قَبلَنا ذَا الزَّمانا
وَعَناهُم مِن شَأنِهِ مَا عَنانا
وَتَوَلَّوا بِغُصَّةٍ كُلُّهُم مِنهُ
وَإِن سَرَّ بَعضُهُم أَحيانا
رُبَّما تُحسِنُ الصَّنيعَ لَياليهِ
وَلَكِن تُكَدِّرُ الإِحسانا
وَكَأَنَّا لَم يَرضَ فِينا بِرَيبِ
الدَّهرِ حَتَّى أَعانَهُ مَن أَعانا
كُلَّما أَنبَتَ الزَّمانُ قَناةً
رَكَّبَ المَرءُ فِي القَناةِ سِنانا
وَمُرادُ النُّفوسِ أَصغَرُ مِن أَن
نَتَعادَى فِيهِ وَأَن نَتَفانَى
غَيرَ أَنَّ الفَتَى يُلاقِي المَنايا
كالِحاتٍ وَلا يُلاقِي الهَوَانا
وَلَوَ أَنَّ الحَياةَ تَبقَى لِحَيٍّ
لَعَدَدنا أَضَلَّنا الشُّجعانا
وَإِذا لَم يَكُن مِنَ المَوتِ بُدٌّ
فَمِنَ العَجزِ أَن تَكونَ جَبانا
كُلُّ مَا لَم يَكُن مِنَ الصَّعبِ فِي
الأَنفُسِ سَهلٌ فِيها إِذا هُوَ كَانا(1140/1)
ظُلمٌ لِذا اليَومِ وَصفٌ قَبلَ رُؤيَتِهِ
لا يَصدُقُ الوَصفُ حَتَّى يَصدُقُ النَّظَرُ
تَزاحَمَ الجَيشُ حَتَّى لَم يَجِد سَبَباً
إِلَى بِساطِكَ لِي سَمعٌ وَلا بَصَرُ
فَكُنتُ أَشهَدَ مُختَصٍّ وَأَغيَبَهُ
مُعايِناً وَعِيانِي كُلُّهُ خَبَرُ
اليَومَ يَرفَعُ مَلكُ الرُّومِ ناظِرَهُ
لأَنَّ عَفوَكَ عَنهُ عِندَهُ ظَفَرُ
وَإِن أَجَبتَ بِشَيءٍ عَن رَسائِلِهِ
فَما يَزالُ عَلى الأَملاكِ يَفتَخِرُ
قَدِ استَراحَت إِلَى وَقتٍ رِقابُهُمُ
مِنَ السُّيوفِ وَباقي القَومِ يَنتَظِرُ
وَقَد تُبَدِّلُها بِالقَومِ غَيرُهُمُ
لِكَي تَجِمَّ رُؤوسَ القَومِ وَالقَصرُ
تَشبيهُ جودِكَ بِالأَمطارِ غادِيَةً
جودٌ لِكَفِّكَ ثانٍ نالَهُ المَطَرُ
تَكَسَّبُ الشَّمسُ مِنكَ النُّورَ طالِعَةً
كَما تَكَسَّبَ مِنها نورَهُ القَمَرُ(1141/1)
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 90)
العصر العباسي >> المتنبي >> على قدر أهل العزم تأتي العزائم
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
رقم القصيدة : 5651
-----------------------------------
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها
وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ
وَقد عَجِزَتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ
وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه
وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ
يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْراً سِلاحَهُ
نُسُورُ الفَلا أحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرّها خَلْقٌ بغَيرِ مَخالِبٍ
وَقَدْ خُلِقَتْ أسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها
وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا
وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بهَا مثْلُ الجُنُونِ فأصْبَحَتْ
وَمِنْ جُثَثِ القَتْلى عَلَيْها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَهَا
على الدّينِ بالخَطّيّ وَالدّهْرُ رَاغِمُ
تُفيتُ کللّيالي كُلَّ شيءٍ أخَذْتَهُ
وَهُنّ لِمَا يأخُذْنَ منكَ غَوَارِمُ
إذا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلاً مُضارِعاً
مَضَى قبلَ أنْ تُلقى علَيهِ الجَوازِمُ
وكيفَ تُرَجّي الرّومُ والرّوسُ هدمَها
وَذا الطّعْنُ آساسٌ لهَا وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَمُوهَا وَالمَنَايَا حَوَاكِمٌ
فَما ماتَ مَظلُومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأنّمَا
سَرَوْا بِجِيَادٍ ما لَهُنّ قَوَائِمُ
إذا بَرَقُوا لم تُعْرَفِ البِيضُ منهُمُ
ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ
خميسٌ بشرْقِ الأرْضِ وَالغرْبِ زَحْفُهُ(1142/1)
وَفي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ
تَجَمّعَ فيهِ كلُّ لِسْنٍ وَأُمّةٍ
فَمَا يُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاّ الترَاجِمُ
فَلِلّهِ وَقْتٌ ذَوّبَ الغِشَّ نَارُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صَارِمٌ أوْ ضُبارِمُ
تَقَطّعَ ما لا يَقْطَعُ الدّرْعَ وَالقَنَا
وَفَرّ منَ الفُرْسانِ مَنْ لا يُصادِمُ
وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ
كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ
تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً
وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى
إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ
ضَمَمْتَ جَناحَيهِمْ على القلبِ ضَمّةً
تَمُوتُ الخَوَافي تحتَها وَالقَوَادِمُ
بضَرْبٍ أتَى الهاماتِ وَالنّصرُ غَائِبٌ
وَصَارَ إلى اللّبّاتِ وَالنّصرُ قَادِمُ
حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيّاتِ حتى طَرَحتَها
وَحتى كأنّ السّيفَ للرّمحِ شاتِمُ
وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا
مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ
نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الأُحَيْدِبِ كُلّهِ
كمَا نُثِرَتْ فَوْقَ العَرُوسِ الدّراهمُ
تدوسُ بكَ الخيلُ الوكورَ على الذُّرَى
وَقد كثرَتْ حَوْلَ الوُكورِ المَطاعِمُ
تَظُنّ فِراخُ الفُتْخِ أنّكَ زُرْتَهَا
بأُمّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصّلادِمُ
إذا زَلِقَتْ مَشّيْتَها ببُطونِهَا
كمَا تَتَمَشّى في الصّعيدِ الأراقِمُ
أفي كُلّ يَوْمٍ ذا الدُّمُسْتُقُ مُقدِمٌ
قَفَاهُ على الإقْدامِ للوَجْهِ لائِمُ
أيُنكِرُ رِيحَ اللّيثِ حتى يَذُوقَهُ
وَقد عَرَفتْ ريحَ اللّيوثِ البَهَائِمُ
وَقد فَجَعَتْهُ بابْنِهِ وَابنِ صِهْرِهِ
وَبالصّهْرِ حَمْلاتُ الأميرِ الغَوَاشِمُ
مضَى يَشكُرُ الأصْحَابَ في فوْته الظُّبَى
لِمَا شَغَلَتْهَا هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ
وَيَفْهَمُ صَوْتَ المَشرَفِيّةِ فيهِمِ
على أنّ أصْواتَ السّيوفِ أعَاجِمُ
يُسَرّ بمَا أعْطاكَ لا عَنْ جَهَالَةٍ
وَلكِنّ مَغْنُوماً نَجَا منكَ غانِمُ(1142/2)
وَلَسْتَ مَليكاً هازِماً لِنَظِيرِهِ
وَلَكِنّكَ التّوْحيدُ للشّرْكِ هَازِمُ
تَشَرّفُ عَدْنانٌ بهِ لا رَبيعَةٌ
وَتَفْتَخِرُ الدّنْيا بهِ لا العَوَاصِمُ
لَكَ الحَمدُ في الدُّرّ الذي ليَ لَفظُهُ
فإنّكَ مُعْطيهِ وَإنّيَ نَاظِمُ
وَإنّي لَتَعْدو بي عَطَايَاكَ في الوَغَى
فَلا أنَا مَذْمُومٌ وَلا أنْتَ نَادِمُ
عَلى كُلّ طَيّارٍ إلَيْهَا برِجْلِهِ
إذا وَقَعَتْ في مِسْمَعَيْهِ الغَمَاغِمُ
ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَداً
وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ
هَنيئاً لضَرْبِ الهَامِ وَالمَجْدِ وَالعُلَى
وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ
وَلِمْ لا يَقي الرّحم?نُ حدّيك ما وَقى
وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ
وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ(1142/3)
عيد بأية حال عدت يا عيد
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 48 / ص 447)
العصر العباسي >> المتنبي >> عيد بأية حال عدت يا عيد
عيد بأية حال عدت يا عيد
رقم القصيدة : 5511
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
لَوْلا العُلى لم تجُبْ بي ما أجوبُ بهَا
وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيْدودُ
وَكَانَ أطيَبَ مِنْ سَيفي مُعانَقَةً
أشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الغِيدُ الأمَاليدُ
لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي
شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما
أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني
هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ
إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً
وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ
ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ
أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ
أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ خَازِناً وَيَداً
أنَا الغَنيّ وَأمْوَالي المَوَاعِيدُ
إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ
عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ
جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ
منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ
إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ
أكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ
أوْ خَانَهُ فَلَهُ في مصرَ تَمْهِيدُ
صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا
فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها
فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ
لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ
إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ(1143/1)
يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ
ولا تَوَهّمْتُ أنّ النّاسَ قَدْ فُقِدوا
وَأنّ مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ
وَأنّ ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ
تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرّعاديد
جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادي وَيُمسِكني
لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقْصُودُ
وَيْلُمِّهَا خُطّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا
لِمِثْلِها خُلِقَ المَهْرِيّةُ القُودُ
وَعِنْدَها لَذّ طَعْمَ المَوْتِ شَارِبُهُ
إنّ المَنِيّةَ عِنْدَ الذّلّ قِنْديدُ
مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً
أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ
أمْ أُذْنُهُ في يَدِ النّخّاسِ دامِيَةً
أمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ
أوْلى اللّئَامِ كُوَيْفِيرٌ بمَعْذِرَةٍ
في كلّ لُؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ
وَذاكَ أنّ الفُحُولَ البِيضَ عاجِزَةٌ
عنِ الجَميلِ فكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟(1143/2)
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ فِي عَينِ الصّغيرِ صغارُها
وَتَصْغُرُ فِي عَين العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ
وَقد عَجِزَتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ
وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه
وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ
يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْراً سِلاحَهُ
نُسُورُ الفَلا أحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرّها خَلْقٌ بغَيرِ مَخالِبٍ
وَقَدْ خُلِقَتْ أسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها
وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ
فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا
وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بِهَا مثْلُ الجُنُونِ فأصْبَحَتْ
وَمِنْ جُثَثِ القَتْلى عَلَيْها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَهَا
على الدّينِ بالخَطّيّ وَالدّهْرُ رَاغِمُ
تُفيتُ اللّيالي كُلَّ شيءٍ أخَذْتَهُ
وَهُنّ لِمَا يأخُذْنَ منكَ غَوَارِمُ
إذا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلاً مُضارِعاً
مَضَى قبلَ أنْ تُلقى علَيهِ الجَوازِمُ
وكيفَ تُرَجّي الرّومُ والرّوسُ هدمَها
وَذا الطّعْنُ آساسٌ لهَا وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَمُوهَا وَالمَنَايَا حَوَاكِمٌ
فَما ماتَ مَظلُومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأنّمَا
سَرَوْا بِجِيَادٍ ما لَهُنّ قَوَائِمُ
إذا بَرَقُوا لَمْ تُعْرَفِ البِيضُ منهُمُ
ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ
خميسٌ بشرْقِ الأرْضِ وَالغرْبِ زَحْفُهُ
وَفِي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ
تَجَمّعَ فيهِ كلُّ لِسْنٍ وَأُمّةٍ
فَمَا يُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاّ الترَاجِمُ
فَلِلّهِ وَقْتٌ ذَوّبَ الغِشَّ نَارُهُ
فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صَارِمٌ أوْ ضُبارِمُ
تَقَطّعَ ما لا يَقْطَعُ الدّرْعَ وَالقَنَا(1144/1)
وَفَرّ منَ الفُرْسانِ مَنْ لا يُصادِمُ
وَقَفْتَ وَما فِي المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ
كأنّكَ فِي جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ
تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً
وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى
إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ
ضَمَمْتَ جَناحَيهِمْ على القلبِ ضَمّةً
تَمُوتُ الخَوَافي تحتَها وَالقَوَادِمُ
بضَرْبٍ أتَى الهاماتِ وَالنّصرُ غَائِبٌ
وَصَارَ إلى اللّبّاتِ وَالنّصرُ قَادِمُ
حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيّاتِ حتَّى طَرَحتَها
وَحتى كأنّ السّيفَ للرّمحِ شاتِمُ
وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا
مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ
نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الأُحَيْدِبِ كُلّهِ
كمَا نُثِرَتْ فَوْقَ العَرُوسِ الدّراهمُ
تدوسُ بكَ الخيلُ الوكورَ على الذُّرَى
وَقد كثرَتْ حَوْلَ الوُكورِ المَطاعِمُ
تَظُنّ فِراخُ الفُتْخِ أنّكَ زُرْتَهَا
بأُمّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصّلادِمُ
إذا زَلِقَتْ مَشّيْتَها ببُطونِهَا
كمَا تَتَمَشّى فِي الصّعيدِ الأراقِمُ
أَفِي كُلّ يَوْمٍ ذا الدُّمُسْتُقُ مُقدِمٌ
قَفَاهُ على الإقْدامِ للوَجْهِ لائِمُ
أيُنكِرُ رِيحَ اللّيثِ حتَّى يَذُوقَهُ
وَقد عَرَفتْ ريحَ اللّيوثِ البَهَائِمُ
وَقد فَجَعَتْهُ بابْنِهِ وَابنِ صِهْرِهِ
وَبالصّهْرِ حَمْلاتُ الأميرِ الغَوَاشِمُ
مضَى يَشكُرُ الأصْحَابَ فِي فوْته
الظُّبَى لِمَا شَغَلَتْهَا هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ
وَيَفْهَمُ صَوْتَ المَشرَفِيّةِ فيهِمِ
على أنّ أصْواتَ السّيوفِ أعَاجِمُ
يُسَرّ بِمَا أعْطاكَ لا عَنْ جَهَالَةٍ
وَلكِنّ مَغْنُوماً نَجَا منكَ غانِمُ
وَلَسْتَ مَليكاً هازِماً لِنَظِيرِهِ
وَلَكِنّكَ التّوْحيدُ للشّرْكِ هَازِمُ
تَشَرّفُ عَدْنانٌ بهِ لا رَبيعَةٌ
وَتَفْتَخِرُ الدّنْيا بهِ لا العَوَاصِمُ
لَكَ الحَمدُ فِي الدُّرّ الذي ليَ لَفظُهُ
فإنّكَ مُعْطيهِ وَإنّيَ نَاظِمُ(1144/2)
وَإنّي لَتَعْدو بي عَطَايَاكَ فِي الوَغَى
فَلا أنَا مَذْمُومٌ وَلا أنْتَ نَادِمُ
عَلى كُلّ طَيّارٍ إلَيْهَا برِجْلِهِ
إذا وَقَعَتْ فِي مِسْمَعَيْهِ الغَمَاغِمُ
ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَداً
وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ
هَنيئاً لضَرْبِ الهَامِ وَالمَجْدِ وَالعُلَى
وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ
وَلِمْ لا يَقي الرّحمنُ حدّيك ما وَقى
وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ(1144/3)
قِفا تَرَيا وَدقي فَهاتا المَخايِلُ
وَلا تَخشَيا خُلفاً لِما أَنا قائِلُ
رَمانِي خِساسُ النَّاسِ مِن صائِبِ استِهِ
وَآخَرُ قُطنٌ مِن يَدَيهِ الجَنادِلُ
وَمِن جاهِلٍ بِي وَهوَ يَجهَلُ جَهلَهُ
وَيَجهَلُ عِلمي أَنَّهُ بِيَ جاهِلُ
وَيَجهَلُ أَنّي مالِكَ الأَرضِ مُعسِرٌ
وَأَنِّي عَلى ظَهرِ السَماكَينِ راجِلُ
تُحَقِّرُ عِندي هِمَّتِي كُلَّ مَطلَبٍ
وَيَقصُرُ فِي عَينِي المَدَى المُتَطاوِلُ
وَمَا زِلتُ طَوداً لا تَزولُ مَناكِبِي
إِلَى أَن بَدَت لِلضَّيمِ فِيَّ زَلازِلُ
فَقَلقَلتُ بِالهَمِّ الَّذي قَلقَلَ الحَشا
قَلاقِلَ عيسٍ كُلُّهُنَّ قَلاقِلُ
إِذا اللَّيلُ وَارَانا أَرَتنا خِفافُها
بِقَدحِ الحَصَى مَالا تُرينا المَشاعِلُ
كَأَنِّي مِنَ الوَجناءِ فِي ظَهرِ مَوجَةٍ
رَمَت بِي بِحاراً مَا لَهُنَّ سَواحِلُ
يُخَيَّلُ لِي أَنَّ البِلادَ مَسامِعي
وَأَنِّيَ فِيها مَا تَقولُ العَواذِلُ
وَمَن يَبغِ مَا أَبغِي مِنَ المَجدِ وَالعُلا
تَساوَى المَحايِي عِندَهُ وَالمَقاتِلُ
أَلا لَيسَتِ الحاجاتُ إِلاَّ نُفوسَكُم
وَلَيسَ لَنا إِلاَّ السُّيوفَ وَسائِلُ
فَما وَرَدَت رُوحَ امرِئٍ روحُهُ لَهُ
وَلا صَدَرَت عَن باخِلٍ وَهوَ باخِلُ
غَثاثَةُ عَيشي أَن تَغِثَّ كَرامَتِي
وَلَيسَ بِغَثٍّ أَن تَغِثَّ المَآكِلُ(1145/1)
كدَعْواكِ كُلٌّ يَدّعي صِحّةَ العقلِ
وَمَن ذا الذي يَدري بِمَا فِيه مِنْ جَهْلِ
لَهِنّكِ أوْلَى لائِمٍ بِمَلامَةٍ
وَأحْوَجُ مِمّنْ تَعذُلِينَ إلى العَذلِ
تَقُولِينَ ما فِي النّاسِ مِثلَكَ عاشِقٌ
جِدي مثلَ مَن أحبَبْتُهُ تجدي مِثلي
مُحِبٌّ كَنَى بالبِيضِ عَنْ مُرْهَفَاتِهِ
وَبالحُسنِ فِي أجسامِهِنّ عَنْ الصّقلِ
وَبالسُّمْرِ عن سُمرِ القَنَا غَيرَ أنّني
جَنَاهَا أحِبّائي وَأطْرَافُها رُسْلي
عَدِمْتُ فُؤاداً لَمْ تَبِتْ فيهِ فَضْلَةٌ
لغَيرِ الثّنَايَا الغُرّ وَالحَدَقِ النُّجلِ
فَمَا حَرَمَتْ حَسْناءُ بالهَجرِ غِبْطةً
وَلا بَلّغَتْها مَنْ شَكَا الهَجرَ بالوَصْلِ
ذَرِيني أنَلْ ما لا يُنَالُ مِنَ العُلَى فَصَعْبُ
العُلَى فِي الصَّعبِ وَالسهلُ فِي السهلِ
تُريدينَ لُقيانَ المَعَالي رَخيصَةً
وَلا بُدّ دونَ الشّهدِ من إبَرِ النّحلِ
حَذِرْتِ عَلَينَا المَوْتَ وَالخَيلُ تدَّعي
وَلَمْ تَعلَمي عَن أَيّ عاقِبَةٍ تُجْلي
وَلَسْتُ غَبِيناً لَوْ شَرِبْتُ مَنِيّتي
بإكْرَامِ دِلّيرَ بنِ لَشْكَرَوَزٍّ لي
تَمَرُّ الأنَابِيبُ الخَوَاطِرُ بَيْنَنَا
وَنَذْكُرُ إقْبالَ الأمِيرِ فَتَحْلَوْلي
وَلَوْ كُنتُ أدرِي أنّهَا سَبَبٌ لَهُ
لَزَادَ سُرُوري بالزّيادَةِ فِي القَتْلِ
فَلا عَدِمَتْ أرْضُ العِراقَينِ فِتْنَةً
دعَتكَ إليها كاشفَ البأس وَالمَحلِ
ظَلِلْنَا إذا أنْبَى الحَديدُ نِصَالَنَا
نُجرّدُ ذكراً منك أمضَى من النّصْلِ
وَنَرْمي نَوَاصِيها منِ اسمكَ فِي الوَغى
بأنْفَذَ مِن نُشّابِنا وَمِنَ النَّبْلِ
فإنْ تَكُ منْ بَعدِ القِتالِ أتَيْتَنَا
فَقَدْ هَزَمَ الأعْداءَ ذِكرُك من قَبلِ
وَما زِلْتُ أطوي القلبَ قبل اجتِماعِنا
على حاجَةٍ بَينَ السّنابِكِ وَالسُّبْلِ
وَلَوْ لَمْ تَسِرْ سِرْنَا إلَيكَ بأنْفُسٍ
غَرَائِبَ يُؤثِرْنَ الجِيادَ على الأهلِ(1146/1)
وَخَيْلٍ إذا مَرّتْ بوَحْشٍ وَرَوْضَةٍ
أبَتْ رَعْيَها إلاّ وَمِرْجَلُنَا يَغلي
وَلكنْ رأيتَ القَصْدَ فِي الفضْلِ شِركةً
فكانَ لكَ الفضْلانِ بالقصْدِ وَالفضْلِ
وَلَيسَ الذي يَتّبَّعُ الوَبْلَ رَائِداً
كمَنْ جاءَهُ فِي دارِهِ رَائِدُ الوَبْلِ
وَمَا أنَا مِمّنْ يَدّعي الشّوْقَ قَلبُهُ
وَيَحْتَجّ فِي تَرْكِ الزّيارَةِ بالشّغلِ
أرَادَتْ كِلابٌ أنْ تَفُوزَ بدَوْلَةٍ
لمن ترَكتْ رَعْيَ الشُّوَيهاتِ وَالإبْلِ
أبَى رَبُّها أنْ يترُكَ الوَحشَ وَحْدَها
وَأن يُؤمِنَ الضّبَّ الخبيثَ من الأكلِ
وَقَادَ لهَا دِلّيرُ كُلَّ طِمِرّةٍ
تُنيفُ بخَدّيهَا سَحُوقٌ من النّخلِ
وَكلَّ جَوَادٍ تَلْطِمُ الأرْضَ كَفُّهُ
بأغنى عنِ النّعْلِ الحَديد من النّعلِ
فَوَلّتْ تُريغُ الغَيثَ والغَيْثَ خَلّفَتْ
وَتَطلُبُ ما قَد كانَ فِي اليَدِ بِالرِّجْلِ
تُحاذِرُ هُزْلَ المَالِ وَهْيَ ذَليلَةٌ
وَأشْهَدُ أنّ الذّلّ شرٌّ من الهُزْلِ
وَأهْدَتْ إلَيْنَا غَيرَ قاصِدَةٍ بِهِ
كَريمَ السّجايَا يَسبِقُ القوْلَ بالفعلِ
تَتَبَّعَ آثَارَ الرّزَايَا بِجُودِهِ
تَتَبُّعَ آثَارِ الأسِنّةِ بالفُتْلِ
شَفَى كُلَّ شَاكٍ سَيْفُهُ وَنَوَالُهُ
منَ الدّاءِ حتَّى الثّاكِلاتِ من الثكلِ
عفيفٌ تَروقُ الشمسَ صُورَةُ وَجهِه
فَلَوْ نَزَلَتْ شَوْقاً لحَادَ إلى الظّلِّ
شُجاعٌ كأنّ الحَرْبَ عاشِقَةٌ لَهُ
إذا زَارَهَا فَدّتْهُ بالخَيْلِ وَالرَّجْلِ
وَرَيّانُ لا تَصْدَى إلى الخمرِ نَفْسُهُ
وَصَدْيانُ لا تَرْوَي يَداهُ من البَذلِ
فتَمْليكُ دِلّيرٍ وَتَعْظيمُ قَدْرِهِ
شَهيدٌ بوَحْدانِيّةِ اللهِ وَالعَدْلِ
وَمَا دامَ دِلّيرٌ يَهُزّ حُسَامَهُ
فَلا نَابَ فِي الدّنْيَا لِلَيثٍ وَلا شِبلِ
وَمَا دامَ دِلّيرٌ يُقَلّبُ كَفَّهُ فَلا
خلقَ من دعوَى المكارِم فِي حِلِّ
فَتًى لا يُرَجّي أنْ تَتِمّ طَهَارَةٌ(1146/2)
لِمَنْ لَمْ يُطَهّرْ رَاحَتَيْهِ من البُخلِ
فَلا قَطَعَ الرّحْمنُ أصْلاً أتَى بِهِ
فإنّي رَأيتُ الطّيّبَ الطّيّبَ الأصْلِ(1146/3)
كم قتيل كما قتلت شهيد
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 48 / ص 421)
العصر العباسي >> المتنبي >> كم قتيل كما قتلت شهيد
كم قتيل كما قتلت شهيد
رقم القصيدة : 5488
كمْ قَتيلٍ كمَا قُتِلْتُ شَهيدِ
لِبَياضِ الطُّلَى وَوَرْدِ الخُدودِ
وَعُيُونِ المَهَا وَلا كَعُيُونٍ
فَتَكَتْ بالمُتَيَّمِ المَعْمُودِ
دَرَّ دَرُّ الصَّبَاءِ أيّامَ تَجْرِيـ
ـرِ ذُيُولي بدارِ أثْلَةَ عُودِي
عَمْرَكَ الله! هَلْ رَأيتَ بُدوراً
طَلَعَتْ في بَراقِعٍ وعُقُودِ
رَامِياتٍ بأسْهُمٍ رِيشُها الهُدْ
بُ تَشُقّ القُلوبَ قبلَ الجُلودِ
يَتَرَشّفْنَ مِنْ فَمي رَشَفَاتٍ
هُنّ فيهِ أحْلى مِنَ التّوْحيدِ
كُلُّ خُمْصَانَةٍ أرَقُّ منَ الخَمْـ
ـرِ بقَلْبٍ أقسَى مِنَ الجُلْمُودِ
ذاتِ فَرْعٍ كأنّما ضُرِبَ العَنْـ
ـبَرُ فيهِ بمَاءِ وَرْدٍ وَعُودِ
حالِكٍ كالغُدافِ جَثْلٍ دَجُو
جيٍّ أثيثٍ جَعْدٍ بلا تَجْعِيدِ
تَحْمِلُ المِسْكَ عن غَدائرِها الرّيـ
ـحُ وَتَفْتَرُّ عَن شَنيبٍ بَرُودِ
جَمَعَتْ بينَ جسْمِ أحمَدَ والسّقْـ
ـمِ وَبَينَ الجُفُونِ وَالتّسْهِيدِ
هَذِهِ مُهْجَتي لَدَيْكِ لحَيْني
فانْقُصِي مِنْ عَذابِها أوْ فَزيدي
أهْلُ ما بي منَ الضّنَى بَطَلٌ صِيـ
ـدَ بتَصْفيفِ طُرّةٍ وبجيدِ
كُلُّ شيءٍ مِنَ الدّماءِ حَرامٌ
شُرْبُهُ مَا خَلا ابْنَةَ العُنْقُودِ
فاسْقِنيهَا فِدًى لعَيْنَيْكَ نَفسي
مِنْ غَزَالٍ وَطارِفي وَتليدي
شَيْبُ رَأسِي وَذِلّتي ونُحولي
وَدُمُوعي عَلى هَوَاكَ شُهُودي
أيّ يَوْمٍ سَرَرْتَني بوِصالٍ
لمْ تَرُعْني ثَلاثَةً بِصُدُودِ
مَا مُقامي بأرْضِ نَخْلَةَ إلاّ
كمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهُودِ
مَفْرَشِي صَهْوَةُ الحِصانِ وَلَكِـ
ـنّ قَميصِي مسرُودَةٌ مِنْ حَديدِ
لأمَةٌ فاضَةٌ أضَاةٌ دِلاصٌ
أحْكَمَتْ نَسْجَها يَدَا داوُدِ
أينَ فَضْلي إذا قَنِعْتُ منَ الدّهْـ
ـرِ بعَيْشٍ مُعَجَّلِ التّنكيدِ
ضاقَ صَدري وطالَ في طَلبِ الرّزْ(1147/1)
قِ قيامي وَقَلّ عَنهُ قُعُودِي
أبَداً أقْطَعُ البِلادَ وَنَجْمي
في نُحُوسٍ وَهِمّتي في سُعُودِ
وَلَعَلّي مُؤمّلٌ بَعْضَ مَا أبْـ
ـلُغُ باللّطْفِ من عَزيزٍ حَميدِ
لِسَرِيٍّ لِباسُهُ خَشِنُ القُطْـ
ـنِ وَمَرْوِيّ مَرْوَ لِبْسُ القُرُودِ
عِشْ عزيزاً أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ
بَينَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ
فَرُؤوسُ الرّمَاحِ أذْهَبُ للغَيْـ
ـظِ وَأشفَى لِغلّ صَدرِ الحَقُودِ
لا كَما قد حَيِيتَ غَيرَ حَميدٍ
وإذا مُتَّ مُتَّ غَيْرَ فَقيدِ
فاطْلُبِ العِزّ في لَظَى وَدَعِ الذّ
لّ وَلَوْ كانَ في جِنانِ الخُلُودِ
يُقْتَلُ العاجِزُ الجَبَانُ وقَدْ يَعـ
ـجِزُ عَن قَطْع بُخْنُقِ المَولودِ
وَيُوَقَّى الفَتى المِخَشُّ وقَدْ خوّ
ضَ في ماءِ لَبّةِ الصّنْديدِ
لا بقَوْمي شَرُفْتُ بل شَرُفُوا بي
وَبنَفْسِي فَخَرْتُ لا بجُدودِي
وبهمْ فَخْرُ كلّ مَنْ نَطَقَ الضّا
دَ وَعَوْذُ الجاني وَغَوْثُ الطّريدِ
إنْ أكُنْ مُعجَباً فعُجبُ عَجيبٍ
لمْ يَجدْ فَوقَ نَفْسِهِ من مَزيدِ
أنَا تِرْبُ النّدَى وَرَبُّ القَوَافي
وَسِمَامُ العِدَى وغَيظُ الحَسودِ
أنَا في أُمّةٍ تَدارَكَهَا اللّـ
ـهُ غَريبٌ كصَالِحٍ في ثَمودِ(1147/2)
كَفَى بِكَ دَاءً أَن تَرَى المَوتَ شَافِيا
وَحَسبُ المَنايَا أَن يَكُنَّ أَمَانِيا
تَمَنَّيتَها لَمَّا تَمَنَّيتَ أَن تَرَى
صَديقاً فَأَعيا أَو عَدُوّاً مُداجِيا
إِذا كُنتَ تَرضَى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ
فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا
وَلا تَستَطيلَنَّ الرِّماحَ لِغارَةٍ
وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا
فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَّوَى
وَلا تُتَّقَى حَتَّى تَكونَ ضَوارِيا
حَبَبتُكَ قَلبِي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى
وَقَد كَانَ غَدّاراً فَكُن أَنتَ وافِيا
وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ
فَلَستَ فُؤَادِي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا
فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها
إِذا كُنَّ إِثرَ الغَادِرينَ جَوارِيا
إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصاً مِنَ الأَذى
فَلا الحَمدُ مَكسوباً وَلا المالُ باقِيا
وَلِلنَفسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتَى
أَكانَ سَخاءً مَا أَتَى أَم تَساخِيا
أَقِلَّ اِشتِياقاً أَيُّها القَلبُ رُبَّما
رَأَيتُكَ تُصفي الوُدَّ مَن لَيسَ جازِيا
خُلِقتُ أَلوفاً لَو رَحَلتُ إِلَى الصِبا
لَفارَقتُ شَيبِي موجَعَ القَلبِ باكِيا
وَلَكِنَّ بِالفُسطاطِ بَحراً أَزَرتُهُ
حَياتِي وَنُصحِي وَالهَوَى وَالقَوافِيا
وَجُرداً مَدَدنا بَينَ آذانِها القَنا
فَبِتنَ خِفافاً يَتَّبِعنَ العَوالِيا
تَماشَى بِأَيدٍ كُلَّمَا وافَتِ الصَّفا
نَقَشنَ بِهِ صَدرَ البُزاةِ حَوافِيا
وَتَنظُرُ مِن سودٍ صَوادِقَ فِي الدُجَى
يَرَينَ بَعيداتِ الشُّخوصِ كَما هِيَ
وَتَنصِبُ لِلجَرسِ الخَفيِّ سَوامِعاً
يَخَلنَ مُناجاةَ الضَّميرِ تَنادِيا
تُجاذِبُ فُرسانَ الصَّباحِ أَعِنَّةً
كَأَنَّ عَلى الأَعناقِ مِنهَا أَفاعِيا
بِعَزمٍ يَسيرُ الجِسمُ فِي السَّرجِ راكِباً
بِهِ وَيَسيرُ القَلبُ فِي الجِسمِ مَاشِيا
قَواصِدَ كافورٍ تَوارِكَ غَيرِهِ(1148/1)
وَمَن قَصَدَ البَحرَ استَقَلُّ السَواقِيا
فَجاءَت بِنا إِنسانَ عَينِ زَمانِهِ
وَخَلَّت بَياضاً خَلفَها وَمَآقِيا
نَجوزَ عَلَيها المُحسِنينَ إِلَى الَّذي
نَرَى عِندَهُم إِحسانَهُ وَالأَيادِيا
فَتَىً مَا سَرَينا فِي ظُهورِ جُدودِنا
إِلَى عَصرِهِ إِلاَّ نُرَجِّي التَّلاقِيا
تَرَفَّعَ عَن عَونِ المَكارِمِ قَدرُهُ
فَما يَفعَلُ الفَعلاتِ إِلاَّ عَذارِيا
يُبيدُ عَداواتِ البُغاةِ بِلُطفِهِ
فَإِن لَم تَبِد مِنهُم أَبادَ الأَعادِيا
أَبا المِسكِ ذا الوَجهُ الَّذي كُنتُ تائِقاً
إِلَيهِ وَذا الوَقتُ الَّذي كُنتُ رَاجِيا
لَقيتُ المَرَورى وَالشَناخيبَ دُونَهُ
وَجُبتُ هَجيراً يَترُكُ الماءَ صَادِيا
أَبا كُلِّ طيبٍ لا أَبا المِسكِ وَحدَهُ
وَكُلَّ سَحابٍ لا أَخَصُّ الغَوادِيا
يَدِلُّ بِمَعنَىً واحِدٍ كُلَّ فاخِرٍ
وَقَد جَمَعَ الرَّحمَنُ فِيكَ المَعانِيا
إِذا كَسَبَ النَّاسُ المَعالِيَ بِالنَّدَى
فَإِنَّكَ تُعطِي فِي نَداكَ المَعالِيا
وَغَيرُ كَثيرٍ أَن يَزورَكَ راجِلٌ
فَيَرجِعَ مَلكاً لِلعِراقَينِ والِيا
فَقَد تَهَبَ الجَيشَ الَّذي جاءَ غازِياً
لِسائِلِكَ الفَردِ الَّذي جاءَ عَافِيا
وَتَحتَقِرُ الدُّنيا احتِقارَ مُجَرِّبٍ
يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا وَحاشاكَ فَانِيا
وَمَا كُنتَ مِمَّن أَدرَكَ المُلكَ بِالمُنَى
وَلَكِن بِأَيَّامٍ أَشَبنَ النَّواصِيا
عِداكَ تَراها فِي البِلادِ مَساعِياً
وَأَنتَ تَراها فِي السَّماءِ مَراقِيا
لَبِستَ لَها كُدرَ العَجاجِ كَأَنَّما
تَرَى غَيرَ صَافٍ أَن تَرَى الجَوَّ صَافِيا
وَقُدتَ إِلَيها كُلَّ أَجرَدَ سابِحٍ
يُؤَدّيكَ غَضباناً وَيَثنِكَ رَاضِيا
وَمُختَرَطٍ مَاضٍ يُطيعُكَ آمِراً
وَيَعصِي إِذا استَثنَيتَ لَو كُنتَ نَاهِيا
وَأَسمَرَ ذِي عِشرينَ تَرضاهُ وارِداً
وَيَرضاكَ فِي إيرادِهِ الخَيلَ ساقِيا(1148/2)
كَتائِبَ مَا انفَكَّت تَجوسُ عَمائِراً
مِنَ الأَرضِ قَد جاسَت إِلَيها فَيافِيا
غَزَوتَ بِها دورَ المُلوكِ فَباشَرَت
سَنابِكُها هاماتِهِم وَالمَغانِيا
وَأَنتَ الَّذي تَغشى الأَسِنَّةَ أَوَّلاً
وَتَأنَفَ أَن تَغشَى الأَسِنَّةَ ثانِيا
إِذا الهِندُ سَوَّت بَينَ سَيفَي كَريهَةٍ
فَسَيفُكَ فِي كَفٍّ تُزيلُ التَّساوِيا
وَمِن قَولِ سَامٍ لَو رَآكَ لِنَسلِهِ
فِدَى ابنِ أَخِي نَسلي وَنَفسي وَمالِيا
مَدَىً بَلَّغَ الأُستاذَ أَقصاهُ رَبُّهُ
وَنَفسٌ لَهُ لَم تَرضَ إِلاَّ التَّناهِيا
دَعَتهُ فَلَبَّاها إِلَى المَجدِ وَالعُلا
وَقَد خالَفَ النَّاسُ النُّفوسَ الدَّواعِيا
فَأَصبَحَ فَوقَ العَالَمينَ يَرَونَهُ
وَإِن كَانَ يُدنيهِ التَّكَرُّمُ نائِيا(1148/3)
كَم قَتيلٍ كَما قُتِلتُ شَهِيدِ
بِبَياضِ الطُّلَى وَوَردِ الخُدودِ
وَعُيونِ المَها وَلا كَعُيونٍ
فَتَكَت بِالمُتَيَّمِ المَعمودِ
دَرَّ دَرُّ الصِّبَا أَأَيَّامَ تَجريرِ
ذُيولِي بِدارِ أَثلَةَ عودي
عَمرَكَ اللهُ هَل رَأَيتَ بُدوراً
طَلَعَت فِي بَراقِعٍ وَعُقودِ
رَامِياتٍ بِأَسهُمٍ ريشُها الهُدبُ
تَشُقُّ القُلوبُ قَبلَ الجُلودِ
يَتَرَشَّفنَ مِن فَمِي رَشَفاتٍ
هُنَّ فِيهِ أَحلَى مِنَ التَّوحيدِ
كُلُّ خَمصانَةٍ أَرَقُّ مِنَ الخَمرِ
بِقَلبٍ أَقسَى مِنَ الجَلمُودِ
ذَاتِ فَرعٍ كَأَنَّما ضُرِبَ العَنبَرُ
فِيهِ بِماءِ وَردٍ وَعودِ
حَالِكٍ كَالغُدافِ جَثلٍ دَجوجِيٍ
أَثيثٍ جَعدٍ بِلا تَجعيدِ
تَحمِلُ المِسكَ عَن غَدائِرِها الرِّيحُ
وَتَفتَرُّ عَن شَنيبٍ بَرودِ
جَمَعَت بَينَ جِسمِ أَحمَدَ وَالسُّقمِ
وَبَينَ الجُفونِ وَالتَّسهيدِ
هَذِهِ مُهجَتِي لَدَيكِ لِحينِي
فَانقُصي مِن عَذابِها أَو فَزيدي
أَهلُ مَا بِي مِنَ الضَنَى بَطَلٌ صيدَ
بِتَصفيفِ طُرَّةٍ وَبِجيدِ
كُلُّ شَيءٍ مِنَ الدِّماءِ حَرامٌ
شُربُهُ مَا خَلا دَمَ العُنقودِ
فَاسقِنِيها فِدىً لِعَينَيكِ نَفسِي
مِن غَزالٍ وَطَارِفِي وَتَليدي
شَيبُ رَأسِي وَذِلَّتِي وَنُحولِي
وَدُمُوعِي عَلى هَوَاكَ شُهودي
أَيَّ يَومٍ سَرَرتَنِي بِوِصالٍ
لَم تَرُعنِي ثَلاثَةً بِصُدودِ
مَا مُقامِي بِأَرضِ نَخلَةَ إِلاَّ
كَمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهُودِ
مَفرَشِي صَهوَةُ الحِصانِ وَلَكِنَّ
قَمِيصِي مَسرُودَةٌ مِن حَديدِ
لأمَةٌ فَاضَةٌ أَضَاةٌ دِلاَصٌ
أَحكَمَت نَسجَها يَدَا دَاوُّدِ
أَينَ فَضلِي إِذا قَنِعتُ مِنَ الدَّهرِ
بِعَيشٍ مُعَجَّلِ التَّنكيدِ
ضَاقَ صَدري وَطالَ فِي طَلَبِ الرِّزقِ
قِيامِي وَقَلَّ عَنهُ قُعودي
أَبَداً أَقطَعُ البِلادَ وَنَجمِي
فِي نُحوسٍ وَهِمَّتِي فِي سُعودِ
وَلَعَلِّي مُؤَمِّلٌ بَعضَ مَا أَبلُغُ
بِاللُطفِ مِن عَزيزٍ حَميدِ(1149/1)
لِسَرِيٍّ لِباسُهُ خَشِنُ القُطنِ
وَمَروِيُّ مَروَ لِبسُ القُرودِ
عِش عَزيزاً أَو مُت وَأَنتَ كَريمٌ
بَينَ طَعنِ القَنا وَخَفقِ البُنودِ
فَرُؤوسُ الرِّماحِ أَذهَبُ لِلغَيظِ
وَأَشفى لِغِلِّ صَدرِ الحَقودِ
لاَ كَما قَد حَيّتَ غَيرَ حَميدٍ
وَإِذا مُتَّ مُتَّ غَيرَ فَقيدِ
فَاطلُبِ العِزَّ فِي لَظَى وَذَرِ الذُّلَّ
وَلَو كَانَ فِي جِنانِ الخُلودِ
يُقتَلُ العَاجِزُ الجَبانُ وَقَد يَعجِزُ
عَن قَطعِ بُخنُقِ المَولُودِ
وَيُوَقَّى الفَتَى المِخَشُّ وَقَد
خَوَّضَ فِي مَاءِ لَبَّةِ الصِّنديدِ
لاَ بِقَومِي شَرُفتُ بَل شَرُفوا بِي
وَبِنَفسِي فَخَرتُ لاَ بِجُدُودي
وَبِهِم فَخرُ كُلِّ مَن نَطَقَ الضَّادَ
وَعَوذُ الجانِي وَعَوثُ الطَّريدِ
إِن أَكُن مُعجَباً فَعُجبُ عَجيبٍ
لَم يَجِد فَوقَ نَفسِهِ مِن مَزيدِ
أَنا تِربُ النَّدى وَرَبُّ القَوافِي
وَسِمامُ العِدَا وَغَيظُ الحَسُودِ
أَنا فِي أُمَّةٍ تَدارَكَها اللهُ
غَريبٌ كَصالِحٍ فِي ثَمودِ(1149/2)
لأَيِّ صُروفِ الدَّهرِ فِيهِ نُعاتِبُ
وَأَيَّ رَزاياهُ بِوِترٍ نُطالِبُ
مَضَى مَن فَقَدنا صَبرَنا عِندَ فَقدِهِ
وَقَد كَانَ يُعطِي الصَّبرَ وَالصَّبرُ عَازِبُ
يَزورُ الأَعادي فِي سَماءِ عَجاجَةٍ
أَسِنَّتُهُ فِي جانِبَيها الكَواكِبُ
فَتُسفِرُ عَنهُ وَالسُّيوفُ كَأَنَّما
مَضارِبُها مِمَّا انفَلَلنَ ضَرائِبُ
طَلَعنَ شُموساً وَالغُمودُ مَشارِقُ
لَهُنَّ وَهاماتُ الرِّجالِ مَغارِبُ
مَصائِبُ شَتَّى جُمِّعَت فِي مُصيبَةٍ
وَلَم يَكفِها حَتَّى قَفَتها مَصائِبُ
رَثى ابنَ أَبينا غَيرُ ذِي رَحِمٍ لَهُ
فَباعَدَنا مِنهُ وَنَحنُ الأَقارِبُ
وَعَرَّضَ أَنَّا شَامِتونَ بِمَوتِهِ
وَإِلاَّ فَزارَت عارِضَيهِ القَواضِبُ
أَلَيسَ عَجيباً أَنَّ بَينَ بَنِي أَبٍ
لِنَجلِ يَهودِيٍّ تَدِبُّ العَقارِبُ
أَلا إِنَّما كَانَت وَفاةُ مُحَمَّدٍ
دَليلاً عَلى أَن لَيسَ للهِ غالِبُ(1150/1)
لَيالِيَّ بَعدَ الظَّاعِنينَ شُكولُ
طِوالٌ وَلَيلُ العاشِقينَ طَويلُ
يُبِنَّ لِيَ البَدرَ الَّذي لا أُريدُهُ
وَيُخفينَ بَدراً مَا إِلَيهِ سَبيلُ
وَما عِشتُ مِن بَعدِ الأَحِبَّةِ سَلوَةً
وَلَكِنَّنِي لِلنائِباتِ حَمولُ
وَإِنَّ رَحيلاً واحِداً حالَ بَينَنا
وَفِي المَوتِ مِن بَعدِ الرَّحيلِ رَحيلُ
إِذا كَانَ شَمُّ الرُّوحِ أَدنَى إِلَيكُمُ
فَلا بَرِحَتنِي رَوضَةٌ وَقَبولُ
وَمَا شَرَقي بِالماءِ إِلاَّ تَذَكُّراً
لِماءٍ بِهِ أَهلُ الحَبيبِ نُزولُ
يُحَرِّمُهُ لَمعُ الأَسِنَّةِ فَوقَهُ
فَلَيسَ لِظَمآنٍ إِلَيهِ وُصولُ
أَمَا فِي النُّجومِ السَّائِراتِ وَغَيرِها
لِعَينِي عَلى ضَوءِ الصَّباحِ دَليلُ
أَلَم يَرَ هَذا اللَّيلُ عَينَيكِ رُؤيَتِي
فَتَظهَرَ فِيهِ رِقَّةٌ وَنُحولُ
لَقيتُ بِدَربِ القُلَّةِ الفَجرُ لَقيَةً
شَفَت كَمَدي وَاللَّيلُ فِيهِ قَتيلُ
وَيَوماً كَأَنَّ الحَسنَ فِيهِ عَلامَةٌ
بَعَثتِ بِها وَالشَّمسُ مِنكِ رَسولُ
وَما قَبلَ سَيفِ الدَولَةِ اثَّارَ عاشِقٌ
وَلا طُلِبَت عِندَ الظَّلامِ ذُحولُ
وَلَكِنَّهُ يَأتِي بِكُلِّ غَريبَةٍ
تَروقُ عَلى استِغرابِها وَتَهولُ
رَمَى الدَّربَ بِالجُردِ الجِيادِ إِلَى العِدا
وَما عَلِموا أَنَّ السِّهامَ خُيولُ
شَوائِلَ تَشوالَ العَقارِبِ بِالقَنا
لَها مَرَحٌ مِن تَحتِهِ وَصَهيلُ
وَما هِيَ إِلاَّ خَطرَةٌ عَرَضَت لَهُ
بِحَرَّانَ لَبَّتها قَناً وَنُصولُ
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ أَمضَى هُمومَهُ
بِأَرعَنَ وَطءُ المَوتِ فِيهِ ثَقيلُ
وَخَيلٍ بَراها الرَّكضُ فِي كُلِّ بَلدَةٍ
إِذا عَرَّسَت فِيها فَلَيسَ تَقيلُ
فَلَمَّا تَجَلَّى مِن دَلوكٍ وَصَنجَةٍ
عَلَت كُلَّ طَودٍ رايَةٌ وَرَعيلُ
عَلى طُرُقٍ فِيها عَلى الطُّرقِ رِفعَةٌ
وَفِي ذِكرِها عِندَ الأَنيسِ خُمولُ
فَما شَعَروا حَتَّى رَأَوها مُغيرَةً
قِباحاً وَأَمَّا خَلفُها فَجَميلُ(1151/1)
سَحائِبُ يُمطِرنَ الحَديدَ عَلَيهِمُ
فَكُلُّ مَكانٍ بِالسُّيوفِ غَسيلُ
وَأَمسَى السَّبايا يَنتَحِبنَ بِعَرقَةٍ
كَأَنَّ جُيوبَ الثَّاكِلاتِ ذُيولُ
وَعادَت فَظَنّوها بِمَوزارَ قُفَّلاً
وَلَيسَ لَها إِلاَّ الدُخولَ قُفولُ
فَخاضَت نَجيعَ الجَمعِ خَوضاً كَأَنَّهُ
بِكُلِّ نَجيعٍ لَم تَخُضهُ كَفيلُ
تُسايِرُها النِّيرانُ فِي كُلِّ مَسلَكٍ
بِهِ القَومُ صَرعَى وَالدِّيارُ طُلولُ
وَكَرَّت فَمَرَّت فِي دِماءِ مَلَطيَةٍ
مَلَطيَةُ أُمٌّ لِلبَنينِ ثَكولُ
وَأَضعَفنَ مَا كُلِّفنَهُ مِن قُباقِبٍ
فَأَضحَى كَأَنَّ الماءَ فِيهِ عَليلُ
وَرُعنَ بِنا قَلبَ الفُراتِ كَأَنَّما
تَخِرُّ عَلَيهِ بِالرِّجالِ سُيولُ
يُطارِدُ فِيهِ مَوجَهُ كُلُّ سابِحٍ
سَواءٌ عَلَيهِ غَمرَةٌ وَمَسيلُ
تَراهُ كَأَنَّ الماءَ مَرَّ بِجِسمِهِ
وَأَقبَلَ رَأسٌ وَحدَهُ وَتَليلُ
وَفِي بَطنِ هِنزيطٍ وَسِمنينَ لِلظُّبَى
وَصُمَّ القَنا مِمَّن أَبَدنَ بَديلُ
طَلَعنَ عَلَيهِم طَلعَةً يَعرِفونَها
لَها غُرَرٌ ما تَنقَضِي وَحُجولُ
تَمَلُّ الحُصونُ الشُمُّ طولَ نِزالِنا
فَتُلقي إِلَينا أَهلَها وَتَزولُ
وَبِتنَ بِحِصنِ الرانِ رَزحَى مِنَ الوَجَى
وَكُلُّ عَزيزٍ لِلأَميرِ ذَليلُ
وَفِي كُلِّ نَفسٍ ما خَلاهُ مَلالَةٌ
وَفِي كُلِّ سَيفٍ ما خَلاهُ فُلولُ
وَدونَ سُمَيساطَ المَطاميرُ وَالمَلا
وَأَودِيَةٌ مَجهولَةٌ وَهُجولُ
لَبِسنَ الدُّجى فِيها إِلَى أَرضِ مَرعَشٍ
وَلِلرومِ خَطبٌ فِي البِلادِ جَليلُ
فَلَمَّا رَأَوهُ وَحدَهُ قَبلَ جَيشِهِ
دَرَوا أَنَّ كُلَّ العالَمينَ فُضولُ
وَأَنَّ رِماحَ الخَطِّ عَنهُ قَصيرَةٌ
وَأَنَّ حَديدَ الهِندِ عَنهُ كَليلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ وَسَيفَهُ
فَتَىً بَأسُهُ مِثلُ العَطاءِ جَزيلُ
جَوادٌ عَلى العِلاَّتِ بِالمالِ كُلِّهِ
وَلَكِنَّهُ بِالدَّارِعينَ بَخيلُ
فَوَدَّعَ قَتلاهُم وَشَيَّعَ فَلَهُم(1151/2)
بِضَربٍ حُزونُ البَيضِ فِيهِ سُهولُ
عَلى قَلبِ قُسطَنطينَ مِنهُ تَعَجُّبٌ
وَإِن كانَ فِي ساقَيهِ مِنهُ كُبولُ
لَعَلَّكَ يَوماً يَا دُمُستُقُ عائِدٌ
فَكَم هارِبٍ مِمَّا إِلَيهِ يَئولُ
نَجَوتَ بِإِحدى مُهجَتَيكَ جَريحَةً
وَخَلَّفتَ إِحدى مُهجَتَيكَ تَسيلُ
أَتُسلِمُ لِلخَطِّيَّةِ ابنَكَ هارِباً
وَيَسكُنَ فِي الدُّنيا إِلَيكَ خَليلُ
بِوَجهِكَ مَا أَنساكَهُ مِن مُرِشَّةٍ
نَصيرُكَ مِنها رَنَّةٌ وَعَويلُ
أَغَرَّكُمُ طولُ الجُيوشِ وَعَرضُها
عَلِيٌّ شَروبٌ لِلجُيوشِ أَكولُ
إِذا لَم تَكُن لِلَّيثِ إِلاَّ فَريسَةً
غَذاهُ وَلَم يَنفَعكَ أَنَّكَ فيلُ
إِذا الطَّعنُ لَم تُدخِلكَ فِيهِ شَجاعَةٌ
هِيَ الطَّعنُ لَم يُدخِلكَ فِيهِ عَذولُ
فَإِن تَكُنِ الأَيَّامُ أَبصَرنَ صَولَهُ
فَقَد عَلَّمَ الأَيَّامَ كَيفَ تَصولُ
فَدَتكَ مُلوكٌ لَم تُسَمَّ مَواضِياً
فَإِنَّكَ مَاضِي الشَّفرَتَينِ صَقيلُ
إِذا كَانَ بَعضُ النَّاسِ سَيفاً لِدَولَةٍ
فَفي النَّاسِ بوقاتٌ لَها وَطُبولُ
أَنَا السَّابِقُ الهادي إِلَى مَا أَقولُهُ
إِذِ القَولُ قَبلَ القائِلينَ مَقولُ
وَما لِكَلامِ النَّاسِ فِيما يُريبُنِي
أُصولٌ وَلا لِلقائِليهِ أُصولُ
أُعَادِي عَلى مَا يوجِبُ الحُبَّ لِلفَتَى
وَأَهدَأُ وَالأَفكارُ فِيَّ تَجولُ
سِوَى وَجَعِ الحُسَّادِ دَاوِ فَإِنَّهُ
إِذا حَلَّ فِي قَلبٍ فَلَيسَ يَحولُ
وَلا تَطمَعَن مِن حَاسِدٍ فِي مَوَدَّةٍ
وَإِن كُنتَ تُبديها لَهُ وَتُنيلُ
وَإِنَّا لَنَلقَى الحادِثاتِ بِأَنفُسٍ
كَثيرُ الرَّزايا عِندَهُنَّ قَليلُ
يَهونُ عَلَينا أَن تُصابَ جُسومُنا
وَتَسلَمَ أَعراضٌ لَنا وَعُقولُ
فَتيهاً وَفَخراً تَغلِبَ ابنَةَ وائِلٍ
فَأَنتِ لِخَيرِ الفاخِرينَ قَبيلُ
يَغُمُّ عَلِيّاً أَن يَموتَ عَدُوُّهُ
إِذا لَم تَغُلهُ بِالأَسِنَّةِ غولُ
شَريكُ المَنايا وَالنُّفوسُ غَنيمَةٌ
فَكُلُّ مَماتٍ لَم يُمِتهُ غُلولُ(1151/3)
فَإِن تَكُنِ الدَّولاتُ قِسماً فَإِنَّها
لِمَن وَرَدَ المَوتَ الزُؤامَ تَدولُ
لِمَن هَوَّنَ الدُّنيا عَلى النَّفسِ ساعَةً
وَلِلبيضِ فِي هَامِ الكُماةِ صَليلُ(1151/4)
لِكُلِّ امرىءٍ مِنْ دَهْرِهِ مَا تَعَوّدَا
وعادَةُ سَيفِ الدّوْلةِ الطَّعنُ فِي العِدَى
وَإنْ يُكذِبَ الإرْجافَ عنهُ بضِدّهِ
وَيُمْسِي بِمَا تَنوي أَعادِيهِ أسْعَدَا
وَرُبّ مُريدٍ ضَرَّهُ ضَرَّ نَفْسَهُ
وَهادٍ إلَيهِ الجيشَ أهدى وما هَدى
وَمُستَكْبِرٍ لَمْ يَعرِفِ الله ساعَةً
رَأى سَيْفَهُ فِي كَفّهِ فتَشَهّدَا
هُوَ البَحْرُ غُصْ فيهِ إذا كَانَ سَاكِناً
عَلَى الدُّرّ وَاحذَرْهُ إذا كَانَ مُزْبِدَا
فإنّي رَأيتُ البحرَ يَعثُرُ بالفتى
وَهذا الذي يأتي الفتى مُتَعَمِّدَا
تَظَلّ مُلُوكُ الأرْض خاشعَةً لَهُ
تُفارِقُهُ هَلْكَى وَتَلقاهُ سُجّدَا
وَتُحْيي لَهُ المَالَ الصّوَارِمُ وَالقَنَا
وَيَقْتُلُ ما تُحيي التّبَسّمُ وَالجَدَا
ذَكِيٌّ تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَيْنِهِ
يَرَى قَلبُهُ فِي يَوْمِهِ ما ترَى غَدَا
وَصُولٌ إلى المُسْتَصْعَباتِ بِخَيْلِهِ
فلَوْ كانَ قَرْنُ الشّمسِ ماءً لأوْرَدَا
لذلك سَمّى ابنُ الدُّمُستُقِ يَوْمَهُ
مَمَاتاً وَسَمّاهُ الدُّمُستُقُ موْلِدَا
سَرَيْتَ إلى جَيحانَ من أرْضِ آمِدٍ
ثَلاثاً، لقد أدناكَ رَكضٌ وَأبْعَدَا
فَوَلّى وَأعطاكَ ابْنَهُ وَجُيُوشَهُ
جَميعاً وَلَمْ يُعطِ الجَميعَ ليُحْمَدَا
عَرَضْتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرْفِهِ
وَأبصَرَ سَيفَ الله منكَ مُجَرَّدَا
وَما طَلَبَتْ زُرْقُ الأسِنّةِ غَيرَهُ
وَلكِنّ قُسطَنطينَ كانَ لَهُ الفِدَى
فأصْبَحَ يَجْتابُ المُسوحَ مَخَافَةً
وَقد كانَ يَجْتابُ الدِّلاصَ المُسرَّدَا
وَيَمْشِي بهِ العُكّازُ فِي الدّيرِ تائِباً
وَما كانَ يَرْضَى مشيَ أشقَرَ أجرَدَا
وَما تابَ حتَّى غادَرَ الكَرُّ وَجْهَهُ
جَريحاً وَخَلّى جَفْنَهُ النّقعُ أرْمَدَا
فَلَوْ كانَ يُنْجي من عَليٍّ تَرَهُّبٌ
تَرَهّبَتِ الأمْلاكُ مَثْنَى وَمَوْحَدَا
وكلُّ امرىءٍ فِي الشّرْقِ وَالغَرْبِ بعده
يُعِدّ لَهُ ثَوْباً مِنَ الشَّعْرِ أسْوَدَا(1152/1)
هَنيئاً لكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ
وَعِيدٌ لمَنْ سَمّى وَضَحّى وَعَيّدَا
وَلا زَالَتِ الأعْيادُ لُبْسَكَ بَعْدَهُ
تُسَلِّمُ مَخرُوقاً وَتُعْطَى مُجدَّدَا
فَذا اليَوْمُ فِي الأيّامِ مثلُكَ فِي الوَرَى
كمَا كنتَ فيهِمْ أوْحداً كانَ أوْحَدَا
هوَ الجَدّ حتَّى تَفْضُلُ العَينُ أُختَهَا
وَحتَّى يكونُ اليَوْمُ لليَوْمِ سَيّدَا
فَيَا عَجَباً مِنْ دائِلٍ أنْتَ سَيفُهُ
أمَا يَتَوَقّى شَفْرَتَيْ مَا تَقَلّدَا
ومَنْ يَجعَلِ الضِّرْغامَ للصّيْدِ بازَهُ
تَصَيّدَهُ الضّرْغامُ فيما تَصَيّدَا
رَأيتُكَ محْضَ الحِلْمِ فِي محْضِ قُدرَةٍ
وَلوْ شئتَ كانَ الحِلمُ منكَ المُهنّدَا
وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ
وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا
إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ
وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا
وَوَضْعُ النّدى فِي موْضعِ السّيفِ بالعلى
مضرٌّ كوضْع السيفِ فِي موضع النّدى
وَلكنْ تَفُوقُ النّاسَ رَأياً وَحِكمةً
كما فُقتَهمْ حالاً وَنَفساً وَمحْتِدَا
يَدِقّ على الأفكارِ ما أنْتَ فاعِلٌ
فيُترَكُ ما يخفَى وَيُؤخَذُ ما بَدَا
أزِلْ حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بكَبتِهمْ
فأنتَ الذي صَيّرْتَهُمْ ليَ حُسّدَا
إذا شَدّ زَنْدي حُسنُ رَأيكَ فيهِمُ
ضرَبْتُ بسَيفٍ يَقطَعُ الهَامَ مُغمَدَا
وَمَا أنَا إلاّ سَمْهَرِيٌّ حَمَلْتَهُ
فزَيّنَ مَعْرُوضاً وَرَاعَ مُسَدَّدَا
وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي
إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهْرُ مُنشِدَا
فَسَارَ بهِ مَنْ لا يَسيرُ مُشَمِّراً
وَغَنّى بهِ مَنْ لا يُغَنّي مُغَرِّدَا
أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا
بِشِعْري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني
أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى
تَرَكْتُ السُّرَى خَلفي لمَنْ قَلّ مالُه
وَأنعَلْتُ أفراسي بنُعْماكَ عَسجَدَا(1152/2)
وَقَيّدْتُ نَفْسِي فِي ذَرَاكَ مَحَبّةً
وَمَنْ وَجَدَ الإحْسانَ قَيْداً تَقَيّدَا
إذا سَألَ الإنْسَانُ أيّامَهُ الغِنى
وَكنتَ عَلَى بُعْدٍ جَعَلْنَكَ موْعِدَا(1152/3)
من أيّةِ الطُّرْقِ يأتِي نَحوك الكَرَمُ
أينَ المَحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ
جازَ الأُلى مَلكَتْ كَفّاكَ قَدْرَهُمُ
فعُرّفُوا بكَ أنّ الكَلْبَ فوْقَهُمُ
ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ
وَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم
يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ
ألا فَتًى يُورِدُ الهِنْدِيَّ هَامَتَهُ
كَيما تزولَ شكوكُ النّاسِ وَالتُّهمُ
فإنّهُ حُجّةٌ يُؤذي القُلُوبَ بِهَا
مَنْ دينُهُ الدّهرُ وَالتّعطيلُ وَالقِدمُ
ما أقدَرَ اللهَ أنْ يُخْزِي خَليقَتَهُ
وَلا يُصَدِّقَ قَوْماً فِي الذي زَعَمُوا(1153/1)
مَلومُكُما يَجِلُّ عَنِ المَلامِ
وَوَقعُ فَعالِهِ فَوقَ الكَلامِ
ذَرانِي وَالفَلاةُ بِلا دَليلٍ
وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ
فَإِنّي أَستَريحُ بِذي وَهَذا
وَأَتعَبُ بِالإِناخَةِ وَالمُقامِ
عُيونُ رَواحِلي إِن حُرتُ عَينِي
وَكُلُّ بُغامِ رازِحَةٍ بُغامي
فَقَد أَرِدُ المِياهَ بِغَيرِ هادٍ
سِوَى عَدّي لَها بَرقَ الغَمامِ
يُذِمُّ لِمُهجَتي رَبّي وَسَيفي
إِذَا اِحتاجَ الوَحيدُ إِلى الذِّمامِ
وَلا أُمسِي لأَهلِ البُخلِ ضَيفاً
وَلَيسَ قِرىً سِوى مُخِّ النِّعامِ
فَلَمّا صارَ وُدُّ النَّاسِ خِبًّا
جَزَيتُ عَلَى ابتِسامٍ بِابتِسامِ
وَصِرتُ أَشُكُّ فيمَن أَصطَفيهِ
لِعِلمِي أَنَّهُ بَعضُ الأَنامِ
يُحِبُّ العاقِلونَ عَلَى التَصَافِي
وَحُبُّ الجَاهِلينَ عَلَى الوَسَامِ
وَآنَفُ مِنْ أَخِي لأَبِي وَأُمِّي
إِذَا مَا لَمْ أَجِدهُ مِنَ الكِرامِ
أَرَى الأَجدادَ تَغلِبُهَا كَثيراً
عَلَى الأَولاَدِ أَخلاقُ اللِّئَامِ
وَلَستُ بِقانِعٍ مِن كُلِّ فَضلٍ
بِأَن أُعزى إِلى جَدٍّ هُمامِ
عَجِبتُ لِمَن لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
وَيَنبو نَبوَةَ القَضِمِ الكَهامِ
وَمَن يَجِدُ الطَريقَ إِلى المَعَالِي
فَلا يَذَرُ المَطِيَّ بِلا سَنامِ
وَلَم أَرَ فِي عُيوبِ النَّاسِ شَيئاً
كَنَقصِ القَادِرينَ عَلَى التَّمامِ
أَقَمتُ بِأَرضِ مِصرَ فَلا وَرَائِي
تَخُبُّ بِيَ المَطِيُّ وَلاَ أَمَامي
وَمَلَّنِيَ الفِراشُ وَكانَ جَنبِي
يَمَلُّ لِقاءَهُ فِي كُلِّ عَامِ
قَليلٌ عَائِدي سَقِمٌ فُؤادِي
كَثيرٌ حَاسِدي صَعبٌ مَرَامي
عَليلُ الجِسمِ مُمتَنِعُ القِيامِ
شَديدُ السُّكرِ مِن غَيرِ المُدامِ
وَزائِرَتِي كَأَنَّ بِها حَياءً
فَلَيسَ تَزورُ إِلاَّ فِي الظَلامِ
بَذَلتُ لَهَا المَطارِفَ وَالحَشَايَا
فَعافَتهَا وَباتَت فِي عِظَامي
يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسي وَعَنهَا
فَتوسِعُهُ بِأَنواعِ السِّقَامِ
إِذَا مَا فارَقَتنِي غَسَّلَتنِي(1154/1)
كَأَنّا عاكِفَانِ عَلَى حَرامِ
كَأَنَّ الصُّبحَ يَطرُدُها فَتَجرِي
مَدامِعُها بِأَربَعَةٍ سِجَامِ
أُراقِبُ وَقتَها مِن غَيرِ شَوقٍ
مُراقَبَةَ المَشوقِ المُستَهامِ
وَيَصدُقُ وَعدُها وَالصِّدقُ شَرٌّ
إِذَا أَلقاكَ فِي الكُرَبِ العِظامِ
أَبِنتَ الدَّهرِ عِندِي كُلُّ بِنتٍ
فَكَيفَ وَصَلتِ أَنتِ مِنَ الزِّحامِ
جَرَحتِ مُجَرَّحاً لَمْ يَبقَ فِيهِ
مَكَانٌ لِلسُّيوفِ وَلا السِّهامِ
أَلا يا لَيتَ شَعرَ يَدي أَتُمسِي
تَصَرَّفُ فِي عِنانٍ أَو زِمامِ
وَهَل أَرمِي هَوايَ بِراقِصاتٍ
مُحَلاَّةِ المَقاوِدِ بِاللُغامِ
فَرُبَّتَما شَفَيتُ غَليلَ صَدري
بِسَيرٍ أَو قَناةٍ أَو حُسامِ
وَضاقَت خُطَّةٌ فَخَلَصتُ مِنهَا
خَلاصَ الخَمرِ مِن نَسجِ الفِدامِ
وَفارَقتُ الحَبيبَ بِلا وَداعٍ
وَوَدَّعتُ البِلادَ بِلا سَلامِ
يَقولُ لِي الطَبيبُ أَكَلتَ شَيئاً
وَداؤُكَ فِي شَرابِكَ وَالطَعامِ
وَمَا فِي طِبِّهِ أَنّي جَوادٌ
أَضَرَّ بِجِسمِهِ طولُ الجِمامِ
تَعَوَّدَ أَن يُغَبِّرَ فِي السَرَايَا
وَيَدخُلَ مِن قَتامٍ فِي قَتامِ
فَأُمسِكَ لاَ يُطالُ لَهُ فَيَرعَى
وَلا هُوَ فِي العَليقِ وَلا اللِجامِ
فَإِن أَمرَض فَما مَرِضَ اصطِباري
وَإِن أُحمَم فَما حُمَّ اعتِزامي
وَإِن أَسلَم فَما أَبقى وَلَكِن
سَلِمتُ مِنَ الحِمامِ إِلى الحِمامِ
تَمَتَّع مِن سُهادِ أَو رُقَادٍ
وَلاَ تَأمُل كَرىً تَحتَ الرِجامِ
فَإِنَّ لِثالِثِ الحالَينِ مَعنَىً
سِوَى مَعنَى انتِباهِكَ وَالمَنامِ(1154/2)
نعد المشرفية والعوالي
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 39)
العصر العباسي >> المتنبي >> نعد المشرفية والعوالي
نعد المشرفية والعوالي
رقم القصيدة : 5600
نُعِدّ المَشرَفيّةَ والعَوالي
وتَقْتُلُنا المَنُونُ بِلا قِتالِ
ونَرْتَبِطُ السّوابِقَ مُقرَباتٍ
وما يُنْجينَ مِنْ خبَبِ اللّيالي
ومَنْ لم يَعشَقِ الدّنيا قَديماً
ولكِنْ لا سَبيلَ إلى الوِصالِ
نَصيبُكَ في حَياتِكَ من حَبيبٍ
نَصيبُكَ في مَنامِكَ من خيَالِ
رَماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتى
فُؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ
فَصِرْتُ إذا أصابَتْني سِهامٌ
تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ
وهانَ فَما أُبالي بالرّزايا
لأنّي ما انْتَفَعتُ بأنْ أُبالي
وهَذا أوّلُ النّاعينَ طُرّاً
لأوّلِ مَيْتَةٍ في ذا الجَلالِ
كأنّ المَوْتَ لم يَفْجَعْ بنَفْسٍ
ولم يَخْطُرْ لمَخلُوقٍ بِبالِ
صَلاةُ الله خالِقِنا حَنُوطٌ
على الوَجْهِ المُكَفَّنِ بالجَمَالِ
على المَدْفونِ قَبلَ التُّرْبِ صَوْناً
وقَبلَ اللّحدِ في كَرَمِ الخِلالِ
فإنّ لهُ ببَطْنِ الأرْضِ شَخْصاً
جَديداً ذِكْرُناهُ وهْوَ بَالِ
أطابَ النّفسَ أنّكِ مُتِّ مَوْتاً
تَمَنّتْهُ البَوَاقي والخَوَالي
وزُلْتِ ولم تَرَيْ يَوْماً كَريهاً
تُسَرّ النّفسُ فيهِ بالزّوالِ
رِواقُ العِزّ فَوْقَكِ مُسْبَطِرٌّ
ومُلْكُ عَليٍّ ابنِكِ في كمَالِ
سَقَى مَثْواكِ غادٍ في الغَوادي
نَظيرُ نَوَالِ كَفّكِ في النّوالِ
لِساحبهِ على الأجداثِ حَفْشٌ
كأيدي الخَيلِ أبصَرتِ المَخالي
أُسائِلُ عَنكِ بعدَكِ كلّ مَجدٍ
وما عَهدي بمَجدٍ عَنكِ خالِ
يَمُرّ بقَبرِكِ العافي فيَبكي
ويَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السّؤالِ
وما أهداكِ لِلْجَدْوَى عَلَيْهِ
لَوَ انّكِ تَقدِرينَ على فَعَالِ
بعَيشِكِ هلْ سَلَوْتِ فإنّ قَلبي
وإنْ جانَبْتُ أرْضَكِ غيرُ سالِ
نَزَلْتِ على الكَراهَةِ في مَكانٍ
بَعُدْتِ عنِ النُّعامى والشَّمالِ
تُحَجّبُ عنكِ رائحَةُ الخُزامَى(1155/1)
وتُمْنَعُ منكِ أنْداءُ الطِّلالِ
بدارٍ كلّ ساكِنِها غَريبٌ
بَعيدُ الدّارِ مُنْبَتُّ الحِبالِ
حَصانٌ مثلُ ماءِ المُزْنِ فيهِ
كَتُومُ السّرّ صادِقَةُ المَقالِ
يُعَلّلُها نِطاسِيُّ الشّكايَا
وواحِدُها نِطاسِيُّ المَعَالي
إذا وَصَفُوا لهُ داءً بثَغْرٍ
سَقاهُ أسِنّةَ الأسَلِ الطِّوالِ
ولَيسَتْ كالإناثِ ولا اللّواتي
تُعَدّ لها القُبورُ منَ الحِجالِ
ولا مَنْ في جَنازَتِها تِجارٌ
يكونُ وَداعُها نَفضَ النّعالِ
مَشَى الأمَراءُ حَوْلَيها حُفاةً
كأنّ المَرْوَ من زِفِّ الرّئَالِ
وأبْرَزَتِ الخُدورُ مُخَبّآتٍ
يَضَعْنَ النِّقْسَ أمكِنَةَ الغَوالي
أتَتْهُنّ المُصيبَةُ غافِلاتٍ
فدَمْعُ الحُزْنِ في دَمعِ الدّلالِ
ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا
لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ
ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
وأفجَعُ مَنْ فَقَدْنا مَن وَجَدْنا
قُبَيلَ الفَقْدِ مَفْقُودَ المِثالِ
يُدَفِّنُ بَعْضُنا بَعضاً وتَمْشِي
أواخِرُنا على هامِ الأوالي
وكَمْ عَيْنٍ مُقَبّلَةِ النّواحي
كَحيلٌ بالجَنادِلِ والرّمالِ
ومُغْضٍ كانَ لا يُغْضِي لخَطبٍ
وبالٍ كانَ يَفكُرُ في الهُزالِ
أسَيْفَ الدّوْلَةِ اسْتَنجِدْ بصَبرٍ
وكيفَ بمِثْلِ صَبرِكَ للجِبالِ
وأنتَ تُعَلّمُ النّاسَ التّعَزّي
وخوْضَ الموْتِ في الحرْبِ السِّجالِ
وحالاتُ الزّمانِ عَلَيكَ شتى
وحالُكَ واحدٌ في كلّ حالِ
فلا غِيضَتْ بحارُكَ يا جَمُوماً
على عَلَلِ الغَرائبِ والدِّخالِ
رأيتُكَ في الّذينَ أرَى مُلُوكاً
كأنّكَ مُسْتَقيمٌ في مُحالِ
فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ
فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ(1155/2)
هُوَ البَينُ حتَّى ما تَأنّى الحَزائِقُ
ويا قَلْبُ حتَّى أنْتَ مِمّن أُفارِقُ
وَقَفْنا ومِمّا زادَ بَثّاً وُقُوفُنَا
فَرِيقَيْ هَوًى منّا مَشُوقٌ وشائِقُ
وقد صارَتِ الأجفانُ قَرْحى منَ البُكا
وصارَتْ بهاراً فِي الخدودِ الشّقائقُ
على ذا مضَى النّاسُ اجتماعٌ وفُرْقَةٌ
ومَيْتٌ ومَوْلُودٌ وقالٍ ووامِقُ
تَغَيّرَ حَالي واللّيالي بِحالِها
وشِبْتُ وما شابَ الزّمانُ الغُرانِقُ
سَلِ البِيدَ أينَ الجِنّ منّا بجَوْزِها
وعن ذي المَهاري أينَ منها النَّقانِقُ
ولَيْلٍ دَجوجيٍّ كَأنّا جَلَتْ لَنا
مُحَيّاكَ فيهِ فاهْتَدَيْنا السَّمالِقُ
فما زالَ لَوْلا نُورُ وَجهِكَ جِنحُهُ
ولا جابهَا الرُّكْبانُ لوْلا الأيانِقُ
وهَزٌّ أطارَ النّوْمَ حتَّى كَأنّني
من السُّكرِ فِي الغَرْزَينِ ثوْبٌ شُبارِقُ
شدَوْا بابنِ إسحقَ الحُسينِ فصافحتْ
ذَفارِيَها كِيرانُها والنَّمارِقُ
بِمَنْ تَقشَعرّ الأرْضُ خوفاً إذا مشَى
عليها وتَرْتَجّ الجبالُ الشّواهِقُ
فتًى كالسّحابِ الجونِ يُخشَى ويُرْتَجى
يُرَجّى الحَيا منها وتُخشَى الصّواعقُ
ولَكِنّها تَمْضِي وهذا مُخَيِّمٌ
وتَكذبُ أحياناً وذا الدّهرَ صادِقُ
تَخَلّى منَ الدّنْيا ليُنْسَى فَما خلتْ
مَغارِبُها مِنْ ذِكْرِهِ وَالمَشارِقُ
غَذا الهِنْدُوانيّاتِ بالهَامِ والطُّلَى
فَهُنّ مَدارِيها وهُنّ المَخانِقُ
تَشَقَّقُ مِنهُنّ الجُيوبُ إذا غَزا
وتُخضَبُ منهنّ اللّحَى والمَفارِقُ
يُجَنَّبُها مَنْ حَتْفُهُ عنهُ غافِلٌ
ويَصلى بِهَا مَن نَفسُهُ منهُ طالِقُ
يُحاجَى به ما ناطِقٌ وهْوَ ساكِتٌ
يُرَى ساكتاً والسّيفُ عن فيه ناطِقُ
نَكِرْتُكَ حتَّى طالَ منكَ تَعَجّبي
ولا عَجَبٌ من حُسنِ ما اللهُ خالِقُ
كأنّكَ فِي الإعطاءِ للمَالِ مُبغِضٌ
وفِي كلّ حَرْبٍ للمَنيّةِ عَاشِقُ
ألا قَلّما تَبْقَى علَى ما بَدا لَهَا
وحَلّ بِهَا مِنْكَ القَنَا والسّوابِقُ
خَفِ اللهَ وَاسْتُرْ ذا الجَمالَ ببُرْقعٍ(1156/1)
فإنْ لُحتَ ذابتْ فِي الخدورِ العواتقُ
سَيُحيي بكَ السُّمّارُ ما لاحَ كوْكبٌ
ويَحدو بكَ السُّفّارُ ما ذرّ شارِقُ
فَما تَرْزُقُ الأقدارُ من أنتَ حارِمٌ
ولا تَحْرِمُ الأقدارُ مَن أنتَ رازِقُ
ولا تَفْتُقُ الأيّامُ ما أنْتَ راتِقٌ
ولا تَرْتُقُ الأيّامُ ما أنْتَ فاتِقُ
لكَ الخَيرُ غَيري رامَ من غيرك الغنى
وغَيري بغَيرِ اللاذِقيّةِ لاحِقُ
هيَ الغَرضُ الأقصَى ورُؤيَتُكَ المُنَى
ومَنزِلُكَ الدّنْيا وأنْتَ الخَلائِقُ(1156/2)
ومُنْتَسِبٍ عِندي إلى مَنْ أُحِبّهُ
وللنَّبْلِ حَوْلي مِن يَدَيهِ حَفيفُ
فَهَيّجَ مِنْ شَوْقي وما من مَذَلّةٍ
حَنَنْتُ ولَكِنّ الكَريمَ ألُوفُ
وكلُّ وِدادٍ لا يَدومُ على الأذَى
دَوامَ وِدادي للحُسَينِ ضَعيفُ
فإنْ يكُنِ الفِعْلُ الذي ساءَ واحِداً
فأفْعالُهُ اللائي سَرَرْنَ أُلُوفُ
ونَفْسي لَهُ نَفْسي الفِداءُ لنَفْسِهِ
ولكِنّ بَعضَ المالِكينَ عَنيفُ
فإنْ كانَ يَبغي قَتْلَها يَكُ قاتِلاً
بكَفّيهِ فالقَتْلُ الشّريفُ شريفُ(1157/1)
وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدي
وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ
إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ
فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ
قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ
فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ
وَكانَ أحسنَ ما فِي الأحسَنِ الشّيَمُ
فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ
فِي طَيّهِ أسَفٌ فِي طَيّهِ نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ
لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ
ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئاً لَيسَ يَلزَمُها
أنْ لا يُوارِيَهُمْ أرْضٌ وَلا عَلَمُ
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً
تَصَرّفَتْ بِكَ فِي آثَارِهِ الهِمَمُ
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ فِي كلّ مُعْتَرَكٍ
وَمَا عَلَيْكَ بِهِمْ عَارٌ إذا انهَزَمُوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ
تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ فِي مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا
بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدّهُ فِي جَهْلِهِ ضَحِكي
حَتَّى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها
أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ
رِجلاهُ فِي الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ(1158/1)
وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ
حتَّى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ
ألخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً
حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ
وَجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ
مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ
لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ
إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا
فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ
وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ
إنّ المَعارِفَ فِي أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ
وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شَرَفِي
أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ
يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ
لا تَسْتَقِلّ بِهَا الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا
لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا
أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ
تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ
قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ(1158/2)
وَشادِنٍ رُوحُ مَن يَهواهُ فِي يَدِهِ
سَيفُ الصُّدودِ عَلى أَعلَى مُقَلَّدِهِ
مَا اهتَزَّ مِنهُ عَلى عُضوٍ لِيَبتُرَهُ
إِلاَّ اتَّقاهُ بِتُرسٍ مِن تَجَلُّدِهِ
ذَمَّ الزَّمانُ إِلَيهِ مِن أَحِبَّتِهِ
مَا ذَمَّ مِن بَدرِهِ فِي حَمدِ أَحمَدِهِ
شَمسٌ إِذا الشَّمسُ لاقَتهُ عَلى فَرَسٍ
تَرَدَّدَ النُّورُ فِيها مِن تَرَدُّدِهِ
إِن يَقبُحِ الحُسنُ إِلاَّ عِندَ طَلعَتِهِ
فَالعَبدُ يَقبُحُ إِلاَّ عِندَ سَيِّدِهِ
قَالَت عَنِ الرِفدِ طِب نَفساً فَقُلتُ لَها
لا يَصدُرُ الحُرُّ إِلاَّ بَعدَ مَورِدِهِ
لَم أَعرِفِ الخَيرَ إِلاَّ مُذ عَرَفتُ فَتَىً
لَم يولَدِ الجودُ إِلاَّ عِندَ مَولِدِهِ
نَفسٌ تُصَغِّرُ نَفسَ الدَّهرِ مِن كِبَرٍ
لَها نُهى كَهلِهِ فِي سِنِّ أَمرِدِهِ(1159/1)
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 87)
العصر العباسي >> المتنبي >> واحر قلباه ممن قلبه شبم
واحر قلباه ممن قلبه شبم
رقم القصيدة : 5648
وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي
وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ
إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ
فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ
قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ
فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ
وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ
فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ
في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ
لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ
ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئاً لَيسَ يَلزَمُها
أنْ لا يُوارِيَهُمْ أرْضٌ وَلا عَلَمُ
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً
تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ
وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ
تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا
بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي
حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً(1160/1)
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها
أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ
رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ
وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ
حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ
الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً
حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ
وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ
مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ
لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ
إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا
فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ
وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ
إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ
وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي
أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ
يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ
لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا
لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا
أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ
تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ
قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ(1160/2)
أتعجبُ أنْ طربتَ لصوتِ حادِ حدا بزلاً يسرنَ ببطنِ وادِ
فلا تعجبَ، فإنْ الحبّ أمسى لبثنةِ، في السوادِ من الفؤادِ(1161/1)
ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ
جميل بثينة
ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ ودهراً تولى، يا بثينَ، يعودُ
فنبقى كما كنا نكونُ، وأنتمُ قريبٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ
وما أنسَ، الأشياءِ لا أنسَ قولها وقد قربتْ نضوي، أمصرَ تريدُ
ولا قولها: لولا العيونُ التي ترى لزرتكَ فاعذرني فدتكَ جدودُ
خليلي، ما ألقى من الوجدِ باطنٌ ودمعي بما أخفيَ، الغداةَ، شهيدُ
ألا قد أرى، واللهِ أنْ ربّ عبرةٍ إذا الدارُ شطتْ بيننا، ستزيدُ
إذا قلتُ: ما ربي يا بثينةُ قاتلي منَ الحبّ، قالت: ثابتٌ، ويزيدُ
وإن قلتُ: رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ تولتْ وقالتْ: ذاكَ منكَ بعيدُ
فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالباً ولا حبها فيما يبيدُ يبيدُ
جزتكَ الجواري، يا بثينَ، سلامةً إذا ما خليلٌ بانَ وهوَ حميدُ
وقلتُ لها، بيني وبينكِ، فاعلمي منَ اللهِ ميثاقٌ لهُ وعهودٌ
وقد كانَ حبيكمْ طريفاً وتالداً وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ
وإنّ عروضَ الوصلِ بيني وبينها وإنْ سهلتهُ بالمنى، لكؤودُ
وأفنيتُ عمري بانتظاري وعدها وأبليتُ فيها الدهرَ وهوَ جديدُ
فليتَ وشاةَ الناسِ، بيني وبينها يدوفُ لهمُ سماً طماطمُ سودُ
وليتهمُ، في كلّ ممسىً وشارقٍ تضاعفُ أكبالُ لهم وقيودُ
ويحسبُ نسوانٌ منَ الجهلِ أنني إذا جئتُ، إياهنَّ كنتُ أريدُ
فأقسمُ طرفي بينهنّ فيستوي وفي الصدرِ بونٌ بينهنّ بعيدُ
ألا ليتَ شعري، هلَ أبيتنّ ليلةً بوادي القرى؟ إني إذنْ لسعيدُ
وهل أهبطنَ أرضاً تظلُّ رياحها لها بالثنايا القاوياتِ وئيدِ
وهل ألقينْ سعدى من الدهرِ مرةً وما رثَ منْ حبلِ الصفاءِ جديدُ
وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرقٍ وقد تدركُ الحاجاتُ وهي بعيدُ
وهل أزجرنْ حرفاً علاةً شملةً بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ
على ظهرِ مرهوبٍ، كأنّ نشوزةً إذا جازَ هلاكُ الطريقِ، رقودُ
سبتني بعيني جؤذرٍ وسطَ ربربٍ وصدرٌ كفاثورِ اللجينَ جيدُ
تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها مباهيةٌ، طيَّ الوشاحِ، ميودُ(1162/1)
إذا جئتها يوماً من الدهرِ زائراً تعرضَ منفوضُ اليدينِ، صدودُ
يصدُّ ويغضي عنَ هوايَ، ويجتبي ذنوباً عليها، إنهُ لعنودُ
فأصرمها خوفاً، كأني مجانبُ ويغفلُ عن مرةً فنعودُ
ومن يعطَ في لدنيا قريناً كمثلها فذلكَ في عيشِ الحياةِ رشيدُ
يموتُ الهوى مني إذا ما لقيتها ويحيا، إذا فرقتها، فيعودُ
يقولون: جاهدْ، يا جميلُ، بغزوةٍ وأيّ جهادٍ، غيرهنّ، أريدُ
لكلّ حديثِ بينهنّ بشاشةُ وكلُّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ
واحسنُ أيامي وأبهجُ عيشتي إذا هيجَ بي يوماً وهنّ قعودُ
تذكرتُ ليلى، فالفؤادُ عميدُ وشطتْ نواها، فالمزارُ بعيدُ
علقتُ الهوى منها وليداً، فلم يزلْ إلى اليومِ ينمي حبه ويزيدُ
فما ذكرَ الحلانُ إلاّ ذكرتها ولا البخلُ إلاّ قلتُ سوفَ تجودُ
إذا فكرتْ قالت: قد أدركتُ ودهُ وما ضرني بخلي، فكيفَ أجودُ
فلو تكشفُ الأحشاءُ صودفَ تحتها لبثنةَ حبُ طارفٌ وتليدُ
ألمْ تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني أضاحكُ ذكراكم وأنتِ صلودُ
فهلْ ألقينْ فرداً بثينةَ ليلةً تجودُ لنا منْ ودها وتجودُ
ومن كانَ في حبي بثينةَ يمترى فبرقاءُ ذي ضالٍ عليّ شهيدُ(1162/2)
تذكرَ منها القلبُ، ما ليسَ ناسياً ملاحةَ قولٍ، يومَ قالتْ، ومعهدا
فإن كنتَ تهوى أوْ تريدُ لقاءنا على خلوةٍ، فاضربْ، لنا منكَ، موعدا
فقلتُ، ولم أملكْ سوابقَ عبرةٍ أأحسنُ، من هذي العيشةِ، مقعدا
فقالت: أخافُ الكاشحينَ، واتقي عيوناً، من الواشينَ، حولي شهدا(1163/1)
حلتْ بثينةُ منْ قلبي بمنزلةٍ
جميل بثينة
حلتْ بثينةُ منْ قلبي بمنزلةٍ بينَ الجوانحِ لم ينزلْ بها أحدُ
صادتْ فؤادي بعينها ومبتسمٍ كأنهُ حينَ أبدتهُ لنا بردُ
عذبٍ كأنّ ذكيَّ المسكِ خالطهُ والزّنجبيلُ وماءُ المزنِ والشّهدُ
وجيدِ أدماءَ تحنوهُ إلى رشإٍ أغنَّ لمْ يتّبعها مثلهُ ولد
رجراجةٌ رخصةُ الأطرافِ ناعمةٌ تكادُ من بدنها في البيتِ تنخضدُ
خدلٌ مخلخلها وعثٌ مؤزّرها هيفاءُ لم يغذها بؤسٌ ولا وبدُ
هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبرةً، تمتْ فليسَ يرى في خلقها أودُ
نعمَ لحافُ الفتى المقرورِ يجعلها شعارهُ حين يخشى القرُّ والصّردُ
وما يضرُّ امرأً يمسي وأنتِ لهُ ألاّ يكونَ منَ الدّنيا له سبدُ
يا ليتنا، والمنى ليستْ مقرّبةً، أنّا لقيناكِ والأحراسُ قد رقدوا
فيستفيقَ محبٌّ قد أضرّ بهِ شوقٌ إليكِ ويشفى قلبهُ الكمدُ
تلكمْ بثينةُ قد شفتْ مودّتها قلبي، فلمْ يبقَ إلاّ الرّوحُ والجسدُ(1164/1)
أتَعْرِفُ أطْلالاً ونُؤياً مُهَدَّما
أتَعْرِفُ أطْلالاً ونُؤياً مُهَدَّما ... كخطك، في رق، كتاباً منمنما
أذاعتْ بهِ الأرْواحُ، بعدَ أنيسِها ... شُهُوراً، وأيّاماً، وحَوْلاً مُجرَّما
دوارجَ، قد غيرن ظاهر تربه، ... وغيرت الأيام ما كان معلما
وغيرها طول التقادم والبلى ، ... فما أعرِفُ الأطْلالَ، إلاّ تَوَهُّمَا
تَهادى عَلَيها حَلْيُها، ذاتَ بهجة ٍ ... وكشحاً، كطي السابرية ، أهضما
ونحراً كفى نور الجبين، يزينه ... توَقُّدُ ياقوتٍ وشَذْرٌ، مُنَظَّمَا
كجمر الغضا هبت به، بعد هجعة ... من الليل، أروح الصبَّا، فتنسما
يُضِيءُ لَنا البَيتُ الظّليلُ، خَصاصَة ً ... إذا هيَ، لَيلاً، حاوَلتْ أن تَبَسّمَا
إذا انقَلَبَتْ فوْقَ الحَشيّة ِ، مرّة ً ... تَرَنّمَ وَسْوَاسُ الحُلِيّ ترَنُّمَا
وعاذلتين هبتا، بعد هجعة ، ... تَلُومانِ مِتْلافاً، مُفيداً، مُلَوَّمَا
تَلومانِ، لمّا غَوّرَ النّجمُ، ضِلّة ً ... فتًى لا يرَى الإتلافَ، في الحمدِ، مغرَما
فقلتُ: وقد طالَ العِتابُ علَيهِما ... ولوْ عَذَراني، أنْ تَبينَا وتُصْرَما
ألا لا تَلُوماني على ما تَقَدّما ... كفى بصُرُوفِ الدّهرِ، للمرْءِ، مُحْكِما
فإنّكُما لا ما مضَى تُدْرِكانِهِ ... ولَسْتُ على ما فاتَني مُتَنَدّمَا
فنَفسَكَ أكرِمْها، فإنّكَ إنْ تَهُنْ ... عليك، فلن تلفي لك، الدهر، مكرما
أهِنْ للّذي تَهْوَى التّلادَ، فإنّهُ ... إذا مُتَّ كانَ المالُ نَهْباً مُقَسَّمَا
ولا تشقين فيه، فيسعد وارثٌ ... بهِ، حينَ تخشَى أغبرَ اللّوْنِ، مُظلِما
يُقَسّمُهُ غُنْماً، ويَشري كَرامَة ً ... وقد صِرْتَ، في خطٍّ من الأرْض، أعظُما
قليلٌ بهِ ما يَحمَدَنّكَ وَارِثٌ ... إذا ساق مما كنت تجمع مغنما
تحملْ عن الذنين، واستبق ودهمُ ... ولن تستطع الحلم حتى تحلما
متى تَرْقِ أضْغانَ العَشيرَة ِ بالأنَا ... وكفّ الأذى ، يُحسَم لك الداء مَحسما
وما ابتَعَثَتني، في هَوايَ، لجاجة ٌ ... إذا لم أجِدْ فيها إمامي مُقَدَّمَا(1165/1)
إذا شِئْتَ ناوَيْتَ امْرَأ السّوْءِ ما نَزَا ... إليكَ، ولاطَمْتَ اللّئيمَ المُلَطَّمَا
وذو اللب والتقوى حقيق، إذا رأى ... ذو طبع الأخلاق، أن يتكرَّما
فجاورْ كريماً، واقتدح من زنادهِ ... وأسْنِدْ إليهِ، إنْ تَطاوَلَ، سُلّمَا
وعوراء، قد أعرضت عنها، فلم يضرْ ... وذي أودٍ قومته، فتقوما
وأغْفِرُ عَوْراءَ الكَريمِ ادّخارَهُ ... وأصفح من شتم اللئيم، تكرَّما
ولا أخذِلُ الموْلى ، وإن كان خاذِلاً ... ولا أشتمُ ابنَ العمّ، إن كانَ مُفحَما
ولا زادَني عنهُ غِنائي تَباعُداً ... وإن كان ذا نقص من المال مصرما
ولَيْلٍ بَهيمٍ قد تَسَرْبَلتُ هَوْلَهُ ... إذا الليلُ، بالنِّكسِ الضّعيفِ، تجَهّمَا
ولن يَكسِبَ الصّعلوكُ حمداً ولا غنًى ... إذا هو لم يركب، من الأمر، معظما
يرى الخمص تعذيباً، وإن يلق شبعة ً ... يبت قلبه، من قلة الهم، مبهما
لحى اللَّهُ صُعلوكاً، مُناهُ وهَمُّهُ ... من العيش، أن يلقى لبوساً ومطعما
يَنامُ الضّحى ، حتى إذا ليلُهُ استوَى ... تنبه مثلوج الفؤاد، مورَّما
مقيماً مع المشرين، ليس ببارحٍ، ... إذا كان جدوى من طعامٍ ومَجثِمَا
ولله صعلوك يساور همُّه، ... ويمضِي، على الأحداثِ والدهرِ، مُقدِما
فتى طلباتٍ، لا يرى الخمص ترحة ً ... ولا شَبعَة ً، إنْ نالَها، عَدّ مَغنَما
إذا ما أرى يوماً مكارم أعرضتْ، ... تَيَمّمَ كُبراهُنّ، ثُمّتَ صَمّمَا
ترى رمحه، ونبله، ومجنه، ... وذا شطب، عضب الضريبة ، مخذما
وأحناء سرج فاتر، ولجامهُ، ... عتاد فتى هيجاً، وطرفاً مسوَّما(1165/2)
ألا أرِقَتْ عَيني، فبِتُّ أُديرُها
ألا أرِقَتْ عَيني، فبِتُّ أُديرُها ... حذار غد، أحجى بأن لا يضيرها
إذا النّجم أضْحى ، مغربَ الشمس، مائلاً ... ولم يك، بالآفاق، بون ينيرها
إذا ما السماء، لم تكن غير حلبة ، ... كجِدّة ِ بَيتِ العَنكبوتِ، يُنيرُها
فقد عَلِمَتْ غَوْثٌ بأنّا سَراتُها ... إذا أعلمت، بعد السرار،امورها
إذا الرّيحُ جاءَتْ من أمامِ أخائِفٍ ... وألوت، بأطناب البيوت، صدورها
وإنا نهين المال، في غير ظنة ، ... وما يشتكينا، في السنين، ضريرها
إذا ما بخيل الناس هرت كلابه، ... وشق، على الضيف الضعيف، عقورها
فإنّي جَبانُ الكلبِ، بَيْتي مُوَطّأٌ ... أجود، إذا مالالنفس شح ضميرها
وإن كلابي قد أهرت وعودت، ... قليلٌ، على مَنْ يَعتريني، هَريرُها
وما تستكى قدري، إذا الناس امحلت ... أوثقها طوراً، وطوراً اميرها
وأبرزُ قدري بالفضاء، قليلها ... يرى غير مضمون به، وكثيرها
وإبلي رهن أن يكون كريمها ... عَقِيراً، أمامَ البيتِ، حينَ أُثِيرُها
أُشاوِرُ نَفسَ الجُودِ، حتى تُطيعَني ... وأترُكُ نفسَ البُخلِ، لا أستشيرُها
وليس على ناري حجاب يكنها ... لمستوبص ليلاً، ولكن أنيرها
فلا، وأبيك، ما يظلَّ ابن جارتي ... يَطوفُ حَوالَيْ قِدْرِنا، ما يَطورُها
وما تستكيني جارتي، غير أنها، ... إذا غاب عنها بعلها، لا أزورها
سيبلغها خيري، ويرجع بعلها ... إليها، ولم يقصر، عليَّ ستورها
وخَيْلٍ تَعادَى للطّعانِ شَهِدْتُها ... ولَوْ لم أكُنْ فيها لَساءَ عَذيرُها
وغمرة ٍ وموت ليس فيها هوادة ، ... يكون صدور المشرفي جسورها
صَبرْنا لها في نَهْكِها ومُصابِها ... بأسيافنا، حتى يبوخ سعيرها
وعَرْجَلَة ٍ شُعْثِ الرّؤوسِ، كأنّهم ... بنوا الجن، لم تطبخ، بقدر، جزورها
شَهِدْتُ وعَوّاناً، أُمَيْمَة ُ، انّنا ... بنو الحرب نصلاها، إذا اشتد نورها
على مُهرَة ٍ كَبداءَ، جرْداءَ، ضامِرٍ ... أمين شظاها، مطمئن نسورها
وأقسمت، لاأعطي مليكاً ظلامة ، ... وحَوْلي عَدِيٌّ، كَهْلُها وغَرِيرُها(1166/1)
أبَتْ ليَ ذاكُمْ أُسرَة ٌ ثُعْلِيّة ٌ ... كريم غناها، مستعفف فقيرها
وخُوصٍ دِقاقٍ، قد حَدَوْتُ لفتية ٍ ... عليهِنّ، إحداهنّ قد حَلّ كُورُها(1166/2)
ألا إنني هاجني، الليلة ، الذكرْ
ألا إنني هاجني، الليلة ، الذكرْ ... وما ذاكَ منْ حُبّ النساءِ ولا الأشَرْ
ولكنني، مما أصاب عشيرتي ... وقَوْمي بأقرانٍ، حَوالَيهمِ الصُّبَرْ
ليالي نمسي بين جوٍ ومسطحٍ ... نشاوى ، لنا من كل سائمة ٍ جزرْ
فيا لَيتَ خيرَ الناسِ، حيّاً ومَيّتاً ... يقول لنا خيراً، ويمضي الذي إئتمرْ
فإنْ كانَ شَرٌّ، فالعَزاءُ، فإنّنا ... على وقعات الدهر، من قبلها، صبرْ
سقى الله، رب الناس، سحاً وديمة ٍ ... جَنُوبَ السَّراة ِ من مَآبٍ إلى زُعَرْ
بلادَ امرىء ٍ، لا يَعرِفُ الذّمُّ بيتَهُ ... له المشرب الصافي، وليس له الكدرْ
تذكّرْتُ من وَهمِ بن عمرٍو جلادة ً ... وجرأة معداه، إذا نازح بكرْ
فأبشرْ، وقرَّ العين منك، فإنني ... أجيء كريماً، ولا ضعيفاً ولا حصرْ(1167/1)
رَسْماً جديداً، من نَوَارَ، تعَرّفُ
أرَسْماً جديداً، من نَوَارَ، تعَرّفُ ... تسائله إذ ليس بالدار موقفُ
تَبَغّ ابنَ عَمِّ الصِّدقِ، حيثُ لقِيتَهُ ... فإنّ ابنَ عَمّ السَّوءِ، إنْ سَرَّ يُخلفُ
إذا مات منا سيد قام بعدهُ ... نظير له، يغني غناه ويخلفُ
وإني لأَقْري الضَّيفَ، قبلَ سؤالِهِ ... وأطعن قدماً، والأسنة ترعفُ
وإني لأخزى أن ترى بي بطنة ، ... وجارات بيتي طاويات، ونحفُ
وإني لأُغشِي أبعَدَ الحيّ جَفْنَتي ... إذا حرك الأطناب نكباء حرجفُ
وإني أرمي بالعداوة أهلها، ... وإنّيَ بالأعداءِ لا أتَنَكّفُ
وإنّي لأُعْطي سائلي، ولَرُبّما ... أُكلَّفُ ما لا أستَطيعُ، فأكلَفُ
وإنّي لمَذْمومٌ، إذا قيلَ حاتِمٌ ... نبا نبوة ، إن الكريم يعنفُ
سآبى ، وتَأبَى بي أُصُولٌ كريمَة ٌ ... وآباء صدق، بالمودة ، شرِّفوا
وأجعل مالي دون عرضي، إنني ... كذلِكُمُ مِمّا أُفيدُ وأُتْلِفُ
وأغْفِرُ، إنْ زَلّتْ بمَوْلايَ نَعْلَة ٌ ... ولا خير في المولى ، وإذا كان يقرفُ
سأنصره، إن كان للحق نابعاً، ... وإنْ جارَ لم يَكْثُرْ عليّ التّعَطّفُ
وإن ظلموه قمت بالسيف دونه ... لأنصره، إن الضيف الضعيف يؤنَّفُ
وإنّي، وإنْ طالَ الثّواءُ، لَمَيّتٌ ... ويَعْطِمُني، ماوِيَّ، بيتٌ مُسقَّفُ
وإنّي لَمَجْزِيٌّ بِما أنا كاسِبٌ ... وكل امرئ رهن بما هو متلفُ(1168/1)
صَحا القلبُ من سلمى ، وعن أُمّ عامرِ
حاتم الطائي
صَحا القلبُ من سلمى ، وعن أُمّ عامرِ ... وكنتُ أُراني عنهُما غيرَ صابِرِ
ووشتْ وشاة بيننا، وتقاذفت ... نوى غربة ٍ، من بعد طول التجاورِ
وفتيانِ صِدْقٍ ضَمَّهمْ دَلَجُ السُّرَى ... على مُسْهَماتٍ، كالقِداحِ، ضَوامرِ
فلمّا أتَوْني قلتُ: خيرُ مُعَرَّسٍ ... ولم أطّرِحْ حاجاتِهِمْ بمَعاذِرِ
وقُمتُ بمَوْشيّ المُتونِ، كأنّهُ ... شِهابُ غَضاً، في كَفّ ساعٍ مبادرِ
ليشقى به عرقوب كوماءؤَ جبلة ٍ ... عَقيلَة ِ أُدْمٍ، كالهِضابِ، بَهازِرِ
فظَلّ عُفاتي مُكْرَمينَ، وطابخي ... فريقان منهم:بين شاوٍ وقادرِ
شآمِيَة ٌ، لم يُتّخَذْ لَهُ حاسِرُ ... الطبيخ، ولا ذمُّ الخليط المجاورِ
يُقَمِّصُ دَهْداقَ البَضيعِ، كأنّهُ ... رؤوس القطا الكدر، الدقاق الحناجرِ
كأنّ ضُلوعَ الجَنْبِ في فَوَرانِها ... إذا استحمشت، أيدي نساءٍ حواسرِ
إذا استُنزِلتْ كانتْ هَدايا وطُعمة ً ... ولم تُخْتَزَنْ دونَ العيونِ النّواظِرِ
كأنّ رِياحَ اللّحمِ، حينَ تغَطمَطتْ ... رياح عبيرٍ بين أيدي العواطرِ
ألاليت أن الموت كان حمامه، ... لَياليَ حَلّ الحَيُّ أكنافَ حابِرِ
ليالي يدعوني الهوى ،فاجيبه، ... حثيثاً، ولا أرعي إلى قول زاجرِ
ودويَّة ٍ قفرٍ، تعاوى سباعها، ... عواء اليتامى من حذار التراترِ
قطعتُ بمرداة ٍ، كأن نسوعها، ... تشدعلى قرمٍ، علندى ،مخاطرِ(1169/1)
مهلاً نوار، اقلي اللوم والعذلا،
مهلاً نوار، اقلي اللوم والعذلا، ... ولا تقولي، لشيء فات، ما فعلا؟
ولا تقولي لمال، كنت مهلكه، ... مهلاً، وإن كنت أعطي الجن والخبلا
يرى البخيل سيل المال واحدة ، ... إن الجواد يرى ، في ماله، سيلا
إن البخيلَ، إذا ما مات، يتبعه ... سُوءُ الثّناءِ، ويحوي الوارِثُ الإبِلا
فاصدقْ حديثك، إن المرء يتبعه ... ما كان يَبني، إذا ما نَعْشُهُ حُمِلا
لَيتَ البخيلَ يراهُ النّاسُ كُلُّهُمُ ... كما يراهم، فلا يقرى ، إذا نزلا
لا تعذليني على مال وصلت بهِ ... رحماً، وخير سبيل المال ما وصلا
يَسعى الفتى ، وحِمامُ الموْتِ يُدرِكُهُ ... وكلُّ يوْمٍ يُدَنّي، للفتى ، الأجَلا
إني لأعلم أني سوف يدركني ... يومي، أصبح، عن دنياي، مشتغلا
فليتَ شعري، وليتٌ غيرُ مُدرِكة ٍ ... لأيّ حالٍ بها أضْحَى بنُو ثُعَلا
أبلغْ بني ثعل عني مغلغلة ، ... جهد الرسالة لا محكاً، ولا بطلا
أغزوا بني ثعل، فالغزو حظكم، ... عُدّوا الرّوابي ولا تبكوا لمن نكَلا
ويهاً فداؤكم أمي وما ولدتْ، ... حامُوا على مجدِكم، واكفوا من اتّكلا
إذْ غاب مبن غاب عنهم من عشيرتنا، ... وأبدَتِ الحرْبُ ناباً كالِحاً، عَصِلا
اللَّهُ يَعْلَمُ أنّي ذو مُحافَظَة ٍ ... ما لم يَخُنّي خَليلي يَبْتَغي بَدَلا
فإنْ تَبَدّلَ ألفاني أخا ثِقَة ٍ ... عَفَّ الخليقة ِ، لا نِكْساً ولا وكِلا(1170/1)
وإنّي لَعَفُّ الفَقْرِ، مُشترَكُ الغِنى
وإنّي لَعَفُّ الفَقْرِ، مُشترَكُ الغِنى ... وردك شكل لا يوافقه شكلي
وشكلي شكل لا يقوم لمثله، ... من الناس، إلا كلُّ ذي نيقة مثلي
ولي نيقة في المجد والبذل لم تكنْ ... تألفها، فيما مضى ، أحدٌ قبلي
وأجعلُ مالي دون عرضي، جنة ً ... لنفسي، فاستغني بما كان من فضلي
ولي، معَ بذلِ المالِ والبأسِ، صَوْلة ٌ ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل
وما ضَرّني أَنْ سارَ سَعْدٌ بِأهْلِهِ ... وأفرَدَني في الدّارِ، ليسَ معي أهلي
شيكفي ابنتاي المجد، سعد بن حشرج، ... أحمل عنكم كل ما حل من أزلي
وما مِنْ لَئيمٍ عالَهُ الدّهْرُ مَرّة ً ... فيذكرها، إستمال إلى البخل(1171/1)
ولقد بغى ، بجلاد أوس، قومه
ولقد بغى ، بجلاد أوس، قومه ... ذُلاًّ، وقد علِمتْ، بذلك، سِنْبِسُ
حاشا بني عمرو بن سنبس، إنهمْ ... مَنَعُوا ذِمارَ أبيهِمِ، أنْ يَدْنَسوا
وتَواعَدوا وِرْدَ القُرَيّة ِ، غُدْوَة ً ... وحَلَفْتُ باللَّهِ العَزيزِ لنُحْبَسُ
والله يعلم لو أنى بسلافهمْ ... طَرْفُ الجريضِ، لظلّ يوْمٌ مُشكِسُ
كالنّارِ والشّمسِ التي قالَتْ لها: ... بيَدِ اللُّوَيمِسِ، عالِماً ما يَلْمِسُ
لا تَطْعَمَنّ الماءَ إنْ أوْرَدْتَهُمْ ... لتمام طميكم، ففوزوا واحبسوا
أو ذو الحصين، وفارس ذو مرة ، ... بكَتيبَة ٍ، مَنْ يُدْرِكُوهُ يَغرِسُ
وموطأ الأكتاف، غير ملعن، ... في الحي مشاءٌ إليه المجلسُ(1172/1)
أَبا الهَولِ طالَ عَلَيكَ العُصُرْ
1
أَبا الهَولِ طالَ عَلَيكَ العُصُرْ *** وَبُلِّغتَ في الأَرضِ أَقصى العُمُرْ
2
فَيالِدَةَ الدَهرِ لا الدَهرُ شَبَّ *** وَلا أَنتَ جاوَزتَ حَدَّ الصِغَرْ
3
إِلامَ رُكوبُكَ مَتنَ الرِمالِ *** لِطَيِّ الأَصيلِ وَجَوبِ السَحَرْ
4
تُسافِرُ مُنتَقِلًا في القُرونِ *** فَأَيّانَ تُلقي غُبارَ السَفَرْ
5
أَبَينَكَ عَهدٌ وَبَينَ الجِبالِ *** تَزولانِ في المَوعِدِ المُنتَظَر
6
أَبا الهَولِ ماذا وَراءَ البَقاءِ *** إِذا ما تَطاوَلَ غَيرُ الضَجَرْ
7
عَجِبتُ لِلُقمانَ في حِرصِهِ *** عَلى لُبَدٍ وَالنُسورِ الأُخَرْ
8
وَشَكوى لَبيدٍ لِطولِ الحَياةِ *** وَلَو لَم تَطُل لَتَشَكّى القِصَرْ
9
وَلَو وُجِدَت فيكَ يا ابنَ الصَفاةِ *** لَحَقتَ بِصانِعِكَ المُقتَدِرْ
10
فَإِنَّ الحَياةَ تَفُلُّ الحَديدَ *** إِذا لَبِسَتهُ وَتُبلى الحَجَرْ
11
أَبا الهَولِ ما أَنتَ في المُعضِلاتِ *** لَقَد ضَلَّتِ السُبلَ فيكَ الفِكَرْ
12
تَحَيَّرَتِ البَدوُ ماذا تَكونُ *** وَضَلَّت بِوادي الظُنونِ الحَضَرْ
13
فَكُنتَ لَهُمْ صورَةَ العُنفُوانِ *** وَكُنتَ مِثالَ الحِجى وَالبَصَرْ
14
وَسِرُّكَ في حُجبِهِ كُلَّما *** أَطَلَّت عَلَيهِ الظُنونُ استَتَرْ
15
وَما راعَهُمْ غَيرُ رَأسِ الرِجالِ *** عَلى هَيكَلٍ مِن ذَواتِ الظُفُرْ
16
وَلَو صُوِّروا مِن نَواحي الطِباعِ *** تَوالَوا عَلَيكَ سِباغَ الصُوَرْ
17
فَيا رُبَّ وَجهٍ كَصافي النَميرِ *** تَشابَهَ حامِلُهُ وَالنَمِرْ
18
أَبا الهَولِ وَيحَكَ لا يُستَقَلُّ *** مَعَ الدَهرِ شَيءٌ وَلا يُحتَقَرْ
19
تَهَزَّأتَ دَهرًا بِديكِ الصَباحِ *** فَنَقَّرَ عَينَيكَ فيما نَقَرْ
20
أَسالَ البَياضَ وَسَلَّ السَوادَ *** وَأَوغَلَ مِنقارَهُ في الحُفَرْ
21
فَعُدتَ كَأَنَّكَ ذو المَحبِسَينِ *** قَطيعَ القِيامِ سَليبَ البَصَرْ
22(1173/1)
كَأَنَّ الرِمالَ عَلى جانِبَيكَ *** وَبَينَ يَدَيكَ ذُنوبُ البَشَرْ
23
كَأَنَّكَ فيها لِواءُ الفَضاءِ *** عَلى الأَرضِ أَو دَيدَبانُ القَدَرْ
24
كَأَنَّكَ صاحِبُ رَملٍ يَرى *** خَبايا الغُيوبِ خِلالَ السَطَرْ
25
أَبا الهَولِ أَنتَ نَديمُ الزَمانِ *** نَجِيُّ الأَوانِ سَميرُ العُصُرْ
26
بَسَطتَ ذِراعَيكَ مِن آدَمٍ *** وَوَلَّيتَ وَجهَكَ شَطرَ الزُمَرْ
27
تُطِلُّ عَلى عالَمٍ يَستَهِلُّ *** وَتُوفي عَلى عالَمٍ يُحتَضَرْ
28
فَعَينٌ إِلى مَن بَدا لِلوُجودِ *** وَأُخرى مُشَيِّعَةٌ مِن غَبَرْ
29
فَحَدِّث فَقَد يُهتَدى بِالحَديثِ *** وَخَبِّر فَقَد يُؤتَسى بِالخَبَرْ
30
أَلَم تَبلُ فِرعَونَ في عِزِّهِ *** إِلى الشَمسِ مُعتَزِيًا وَالقَمَرْ
31
ظَليلَ الحَضارَةِ في الأَوَّلينَ *** رَفيعَ البِناءِ جَليلَ الأَثَرْ
32
يُؤَسِّسُ في الأَرضِ لِلغابِرينَ *** وَيَغرِسُ لِلآخَرينَ الثَمَرْ
33
وَراعَكَ ما راعَ مِن خَيلِ قَمبيـ *** ـزَ تَرمي سَنابِكَها بِالشَرَرْ
34
جَوارِفُ بِالنارِ تَغزو البِلادَ *** وَآوِنَةً بِالقَنا المُشتَجِرْ
35
وَأَبصَرتَ إِسكَندَرًا في المَلا *** قَشيبَ العُلا في الشَبابِ النَضِرْ
36
تَبَلَّجَ في مِصرَ إِكليلُهُ *** فَلَم يَعدُ في المُلكِ عُمرَ الزَهَرْ
37
وَشاهَدتَ قَيصَرَ كَيفَ استَبَدَّ *** وَكَيفَ أَذَلَّ بِمِصرَ القَصَرْ
38
وَكَيفَ تَجَبَّرَ أَعوانُهُ *** وَساقوا الخَلائِقَ سَوقَ الحُمُرْ
39
وَكَيفَ ابتُلوا بِقَليلِ العَديدِ *** مِنَ الفاتِحينَ كَريمِ النَفَرْ
40
رَمى تاجَ قَيصَرَ رَميَ الزُجاجِ *** وَفَلَّ الجُموعَ وَثَلَّ السُرَرْ
41
فَدَعْ كُلَّ طاغِيَةٍ لِلزَمانِ *** فَإِنَّ الزَمانَ يُقيمُ الصَعَرْ
42
رَأَيتَ الدِياناتِ في نَظمِها *** وَحينَ وَهى سِلكُها وَانتَثَرْ
43
تُشادُ البُيوتُ لَها كَالبُروجِ *** إِذا أَخَذَ الطَرفُ فيها انحَسَرْ
44(1173/2)
تَلاقى أَساسًا وَشُمَّ الجِبالِ *** كَما تَتَلاقى أُصولُ الشَجَرْ
45
وَإيزيسُ خَلفَ مَقاصيرِها *** تَخَطّى المُلوكُ إِلَيها السُتُرْ
46
تُضيءُ عَلى صَفَحاتِ السَماءِ *** وَتُشرِقُ في الأَرضِ مِنها الحُجَرْ
47
وَآبيسُ في نيرِهِ العالِمونَ *** وَبَعضُ العَقائِدِ نيرٌ عَسِرْ
48
تُساسُ بِهِ مُعضِلاتُ الأُمورِ *** وَيُرجى النَعيمُ وَتُخشى سَقَرْ
49
وَلا يَشعُرِ القَومُ إِلّا بِهِ *** وَلَو أَخَذَتهُ المُدى ما شَعَرْ
50
يَقِلُّ أَبو المِسكِ عَبدًا لَهُ *** وَإِن صاغَ أَحمَدُ فيهِ الدُرَرْ
51
وَآنَستَ موسى وَتابوتَهُ *** وَنورَ العَصا وَالوَصايا الغُرَرْ
52
وَعيسى يَلُمُّ رِداءَ الحَياءِ *** وَمَريَمُ تَجمَعُ ذَيلَ الخَفَرْ
53
وَعَمرو يَسوقُ بِمِصرَ الصِحابَ *** وَيُزجي الكِتابَ وَيَحدو السُوَرْ
54
فَكَيفَ رَأَيتَ الهُدى وَالضَلالَ *** وَدُنيا المُلوكِ وَأُخرى عُمَرْ
55
وَنَبذَ المُقَوقِسِ عَهدَ الفُجورِ *** وَأَخذَ المُقَوقِسِ عَهدَ الفَجِرْ
56
وَتَبديلَهُ ظُلُماتِ الضَلالِ *** بِصُبحِ الهِدايَةِ لَمّا سَفَرْ
57
وَتَأليفَهُ القِبطَ وَالمُسلِمين *** كَما أُلِّفَت بِالوَلاءِ الأُسَرْ
58
أَبا الهَولِ لَو لَم تَكُن آيَةً *** لَكانَ وَفاؤُكَ إِحدى العِبَرْ
59
أَطَلتَ عَلى الهَرَمَينِ الوُقوفَ *** كَثاكِلَةٍ لا تَريمُ الحُفَرْ
60
تُرَجّي لِبانيهِما عَودَةً *** وَكَيفَ يَعودُ الرَميمُ النَخِرْ
61
تَجوسُ بِعَينٍ خِلالَ الدِيارِ *** وَتَرمي بِأُخرى فَضاءَ النَهَرْ
62
تَرومُ بِمَنفيسَ بيضَ الظُبا *** وَسُمرَ القَنا وَالخَميسَ الدُثَرْ
63
وَمَهدَ العُلومِ الخَطيرَ الجَلالِ *** وَعَهدِ الفُنونِ الجَليلَ الخَطَرْ
64
فَلا تَستَبينُ سِوى قَريَةٍ *** أَجَدَّ مَحاسِنَها ما اندَثَرْ
65
تَكادُ لِإِغراقِها في الجُمودِ *** إِذا الأَرضُ دارَت بِها لَم تَدُرْ
66(1173/3)
فَهَل مَن يُبَلِّغُ عَنّا الأُصولَ *** بِأَنَّ الفُروعَ اقتَدَت بِالسِيَرْ
67
وَأَنّا خَطَبنا حِسانَ العُلا *** وَسُقنا لَها الغالِيَ المُدَّخَرْ
68
وَأَنّا رَكِبنا غِمارَ الأُمورِ *** وَأَنّا نَزَلنا إِلى المُؤتَمَرْ
69
بِكُلِّ مُبينٍ شَديدِ اللِدادِ *** وَكُلِّ أَريبٍ بَعيدِ النَظَرْ
70
تُطالِبُ بِالحَقِّ في أُمَّةٍ *** جَرى دَمُها دونَهُ وَانتَشَرْ
71
وَلَم تَفتَخِر بِأَساطيلِها *** وَلَكِن بِدُستورِها تَفتَخِرْ
72
فَلَم يَبقَ غَيرُكَ مَن لَم يَحِفْ *** وَلَم يَبقَ غَيرُكَ مَن لَم يَطِرْ
73
تَحَرَّك أَبا الهَولِ هَذا الزَمانُ *** تَحَرَّكَ ما فيهِ حَتّى الحَجَرْ
74
نَجِيَّ أَبي الهَولِ آنَ الأَوانُ *** وَدانَ الزَمانُ وَلانَ القَدَرْ
75
خَبَأتُ لِقَومِكَ ما يَستَقونَ *** وَلا يَخبَأُ العَذبَ مِثلُ الحَجَرْ
76
فَعِندي المُلوكُ بِأَعيانِها *** وَعِندَ التَوابيتِ مِنها الأَثَرْ
77
مَحا ظُلمَةَ اليَأسِ صُبحُ الرَجاءِ *** وَهَذا هُوَ الفَلَقُ المُنتَظَرْ(1173/4)
أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا
1
أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا *** لَم أَجِد لي وافِيًا إِلا الكِتابا
2
صاحِبٌ إِنْ عِبتَهُ أَو لَم تَعِبْ *** لَيسَ بِالواجِدِ لِلصاحِبِ عابا
3
كُلَّما أَخلَقتُهُ جَدَّدَني *** وَكَساني مِن حِلى الفَضلِ ثِيابا
4
صُحبَةٌ لَم أَشكُ مِنها ريبَةً *** وَوِدادٌ لَم يُكَلِّفني عِتابا
5
رُبَّ لَيلٍ لَم نُقَصِّر فيهِ عَن *** سَمَرٍ طالَ عَلى الصَمتِ وَطابا
6
كانَ مِن هَمِّ نَهاري راحَتي *** وَنَدامايَ وَنَقلِيَ وَالشَرابا
7
إِن يَجِدني يَتَحَدَّث أَو يَجِد *** مَلَلاً يَطوي الأَحاديثَ اقتِضابا
8
تَجِدُ الكُتبَ عَلى النَقدِ كَما *** تَجِدُ الإِخوانَ صِدقًا وَكِذابا
9
فَتَخَيَّرها كَما تَختارُهُ *** وَادَّخِر في الصَحبِ وَالكُتبِ اللُبابا
10
صالِحُ الإِخوانِ يَبغيكَ التُقى *** وَرَشيدُ الكُتبِ يَبغيكَ الصَوابا
11
غالِ بِالتاريخِ وَاِجعَل صُحفَهُ *** مِن كِتابِ اللهِ في الإِجلالِ قابا
12
قَلِّبِ الإِنجيلَ وَانظُر في الهُدى *** تَلقَ لِلتاريخِ وَزنًا وَحِسابا
13
رُبَّ مَن سافَرَ في أَسفارِهِ *** بِلَيالي الدَهرِ وَالأَيّامِ آبا
14
وَاطلُبِ الخُلدَ وَرُمهُ مَنزِلاً *** تَجِدِ الخُلدَ مِنَ التاريخِ بابا
15
عاشَ خَلقٌ وَمَضَوا ما نَقَصوا *** رُقعَةَ الأَرضِ وَلا زادوا التُرابا
16
أَخَذَ التاريخُ مِمّا تَرَكوا *** عَمَلاً أَحسَنَ أَو قَولاً أَصابا
17
وَمِنَ الإِحسانِ أَو مِن ضِدِّهِ *** نَجَحَ الراغِبُ في الذِكرِ وَخابا
18
مَثَلُ القَومِ نَسوا تاريخَهُمْ *** كَلَقيطٍ عَيَّ في الناسِ انتِسابا
19
أَو كَمَغلوبٍ عَلى ذاكِرَةٍ *** يَشتَكي مِن صِلَةِ الماضي انقِضابا
20
يا أَبا الحُفّاظِ قَد بَلَّغتَنا *** طِلبَةً بَلَّغَكَ اللَهُ الرِغابا
21
لَكَ في الفَتحِ وَفي أَحداثِهِ *** فَتَحَ اللهُ حَديثًا وَخِطابا
22(1174/1)
مَن يُطالِعهُ وَيَستَأنِس بِهِ *** يَجِدِ الجِدَّ وَلا يَعدَمْ دِعابا
23
صُحُفٌ أَلَّفَتها في شِدَّةٍ *** يَتَلاشى دونَها الفِكرُ انتِهابا
24
لُغَةُ الكامِلِ في استِرسالِهِ *** وَابنُ خَلدونَ إِذا صَحَّ وَصابا
25
إِنَّ لِلفُصحى زِمامًا وَيَدًا *** تَجنِبُ السَهلَ وَتَقتادُ الصَعابا
26
لُغَةُ الذِكرِ لِسانُ المُجتَبى *** كَيفَ تَعيا بِالمُنادينَ جَوابا
27
كُلُّ عَصرٍ دارُها إِنْ صادَفَتْ *** مَنزِلاً رَحبًا وَأَهلاً وَجَنابا
28
اِئتِ بِالعُمرانِ رَوضًا يانِعًا *** وَادعُها تَجرِ يَنابيعَ عِذابا
29
لا تَجِئها بِالمَتاعِ المُقتَنى *** سَرَقًا مِن كُلِّ قَومٍ وَنِهابا
30
سَل بِها أَندَلُسًا هَل قَصَّرَت *** دونَ مِضمارِ العُلا حينَ أَهابا
31
غُرِسَت في كُلِّ تُربٍ أَعجَمٍ *** فَزَكَت أَصلاً كَما طابَت نِصابا
32
وَمَشَت مِشيَتَها لَم تَرتَكِب *** غَيرَ رِجلَيها وَلَم تَحجِل غُرابا
33
إِنَّ عَصرًا قُمتَ تَجلوهُ لَنا *** لَبِسَ الأَيّامَ دَجنًا وَضَبابا
34
المَماليكُ تَمَشّى ظُلمُهُمْ *** ظُلُماتٍ كَدُجى اللَيلِ حِجابا
35
كُلُّهُمْ كافورُ أَو عَبدُ الخَنا *** غَيرَ أَنَّ المُتَنَبّي عَنهُ خابا
36
وَلِكُلٍّ شيعَةٌ مِن جِنسِهِ *** إِنَّ لِلشَرِّ إِلى الشَرِّ انجِذابا
37
ظُلُماتٌ لا تَرى في جُنحِها *** غَيرَ هَذا الأَزهَرِ السَمحِ شِهابا
38
زيدَتِ الأَخلاقُ فيهِ حائِطًا *** فَاحتَمى فيها رِواقًا وَقِبابا
39
وَتَرى الأَعزالَ مِن أَشياخِهِ *** صَيَّروهُ بِسِلاحِ الحَقِّ غابا
40
قَسَمًا لَولاهُ لَم يَبقَ بِها *** رَجُلٌ يَقرَأُ أَو يَدري الكِتابا
41
حَفِظَ الدينَ مَلِيًّا وَمَضى *** يُنقِذُ الدُنيا فَلَم يَملِك ذَهابا
42
أوذِيَت هَيبَتُهُ مِن عَجزِهِ *** وَقُصارى عاجِزٍ أَلا يُهابا
43
لَم تُغادِر قَلَمًا في راحَةٍ *** دَولَةٌ ما عَرَفَت إِلا الحِرابا
44(1174/2)
أَقعَدَ اللَهُ الجَبرَتِيَّ لَها *** قَلَمًا عَن غائِبِ الأَقلامِ نابا
45
خَبَّأَ الشَيخُ لَها في رُدنِهِ *** مِرقَمًا أَدهى مِنَ الصِلِّ انسِيابا
46
مَلِكٌ لَم يُغضِ عَن سَيِّئَةٍ *** يا لَهُ مِن مَلَكٍ يَهوى السِبابا
47
لا يَراهُ الظُلمُ في كاهِلِهِ *** وَهوَ يَكوي كاهِلَ الظُلمِ عِقابا
48
صُحُفُ الشَيخِ وَيَومِيّاتُهُ *** كَزَمانِ الشَيخِ سُقمًا وَاضطِرابا
49
مِن حَواشٍ كَجَليدٍ لَم يَذُب *** وَفُصولٍ تُشبِهُ التِبرَ المُذابا
50
وَالجَبَرتِيُّ عَلى فِطنَتِهِ *** مَرَّةً يَغبى وَحينًا يَتَغابى
51
مُنصِفٌ ما لَم يَرُض عاطِفَةً *** أَو يُعالِجُ لِهَوى النَفسِ غِلابا
52
وَإِذا الحَيُّ تَوَلّى بِالهَوى *** سيرَةَ الحَيِّ بَغى فيها وَحابى
53
وَقعَةُ الأَهرامِ جَلَّت مَوقِعًا *** وَتَعالَت في المَغازي أَن تُرابا
54
عِظَةُ الماضي وَمُلقى دَرسِهِ *** لِعُقولٍ تَجعَلُ الماضي مَثابا
55
مِن بَناتِ الدَهرِ إِلا أَنَّها *** تَنشُرُ الدَهرَ وَتَطويهِ كَعابا
56
وَمِنَ الأَيّامِ ما يَبقى وَإِن *** أَمعَنَ الأَبطالُ في الدَهرِ احتِجابا
57
هِيَ مِن أَيِّ سَبيلٍ جِئتَها *** غايَةٌ في المَجدِ لا تَدنو طِلابا
58
اُنظُرِ الشَرقَ تَجِدها صَرَّفَت *** دَولَةَ الشَرقِ استِواءً وَانقِلابا
59
جَلَبَت خَيرًا وَشَرًّا وَسَقَت *** أُمَمًا في مَهدِهِم شُهدًا وَصابا
60
في تصيبينَ لَبِسنا حُسنَها *** وَعَلى التَلِّ لَبِسناها مَعابا
61
إِنَّ سِربًا زَحَفَ النَسرُ بِهِ *** قَطَعَ الأَرضَ بِطاحًا وَهِضابا
62
إِن تَرامَت بَلَدًا عِقبانُهُ *** خَطَفَت تاجًا وَاصطادَت عُقابا
63
شَهِدَ الجَيزِيُّ مِنهُم عُصبَةً *** لَبِسوا الغارَ عَلى الغارِ اغتِصابا
64
كَذِئابِ القَفرِ مِن طولِ الوَغى *** وَاختِلافِ النَقعِ لَونًا وَإِهابا
65
قادَهُمْ لِلفَتحِ في الأَرضِ فَتًى *** لَو تَأَنّى حَظَّهُ قادَ الصَحابا
66(1174/3)
غَرَّتِ الناسَ بِهِ نَكبَتُهُ *** جَمَعَ الجُرحُ عَلى اللَيثِ الذُبابا
67
بَرَزَت بِالمَنظَرِ الضاحي لَهُمْ *** فَيلَقٌ كَالزَهرِ حُسنًا وَالتِهابا
68
حُلِّيَ الفُرسانُ فيها جَوهَرًا *** وَجَلالُ الخَيلِ دُرًّا وَذَهابا
69
في سِلاحٍ كَحُلِيِّ الغيدِ ما *** لَمَسَت طَعنًا وَلا مَسَّت ضِرابا
70
طَرِحَت مِصرٌ فَكانَت مومِيا *** بَينَ لِصَّينِ أَراداها جُذابا
71
نالَها الأَعرَضُ ظَفَرًا مِنهُما *** مِن ذِئابِ الحَربِ وَالأَطوَلُ نابا
72
وَبَنو الوادي رِجالاتُ الحِمى *** وَقَفوا مِن ساقِهِ الجَيشَ ذُنابى
73
مَوقِفَ العاجِزِ مِن حِلفِ الوَغى *** يَحرُسُ الأَحمالَ أَو يَسقي مُصابا(1174/4)
أَيِّها العُمِّالُ أَفنوا
1
أَيِّها العُمِّالُ أَفنوا الـ *** ـعُمرَ كَدًّا وَاكتِسابا
2
وَاعمُروا الأَرضَ فَلَو لا *** سَعيُكُم أَمسَت يَبابا
3
إِنِّ لي نُصحًا إِلَيكُمْ *** إِن أَذِنتُم وَعِتابا
4
في زَمانٍ غَبِيَ النا *** صِحُ فيهِ أَو تَغابى
5
أَينَ أَنتُم مِن جُدودٍ *** خَلَّدوا هَذا التُرابا
6
قَلّدوهُ الأَثَرَ المُعـ *** ـجِزَ وَالفَنَّ العُجابا
7
وَكَسَوهُ أَبَدَ الدَهـ *** ـرِ مِنَ الفَخرِ ثِيابا
8
أَتقَنوا الصَنعَةَ حَتِّى *** أَخَذوا الخُلدَ اغتِصابا
9
إِنّ لِلمُتقِنِ عِندَ الل *** ـه وَالناسِ ثَوابا
10
أَتقِنوا يُحبِبكُمُ اللَـ *** ـهُ وَيَرفَعكُم جَنابا
11
أَرَضيتُمْ أَن تُرى مِصـ *** ـرُ مِنَ الفَنِّ خَرابا
12
بَعدَ ما كانَت سَماءً *** لِلصِناعاتِ وَغابا
13
أَيِّها الجَمعُ لَقَد صِر *** تَ مِنَ المَجلِسِ قابا
14
فَكُنِ الحُرَّ اختِيارًا *** وَكُنِ الحُرَّ انتِخابا
15
إِنِّ لِلقَومِ لَعَينًا *** لَيسَ تَألوكَ ارتِقابا
16
فَتَوَقَّعْ أَنْ يَقولوا *** مَن عَنِ العُمِّالِ نابا
17
لَيسَ بِالأَمرِ جَديرًا *** كُلُّ مَن أَلقى خِطابا
18
أَو سَخا بِالمالِ أَو قَد *** دَمَ جاهًا وَانتِسابا
19
أَو رَأى أُمِّيَّةً فَاخـ *** ـتَلَب الجَهلَ اختِلابا
20
فَتَخَيَّرْ كُلَّ مَن شَبـ *** ـبَ عَلى الصِدقِ وَشابا
21
وَاذكُرِ الأَنصارَ بِالأَمـ *** سِ وَلا تَنسَ الصِحابا
22
أَيِّها الغادونَ كَالنَحـ *** ـلِ ارتِيادًا وَطِلابا
23
في بُكورِ الطَيرِ لِلرِز *** قِ مَجيئًا وَذَهابا
24
اطلُبوا الحَقَّ بِرِفقٍ *** وَاجعَلوا الواجِبَ دابا
25
وَاستَقيموا يَفتَحِ اللَـ *** ـهُ لَكُم بابًا فَبابا
26
اهجُروا الخَمرَ تُطيعوا الـ *** ـلَهَ أَو تُرضوا الكِتابا
27
إِنِّها رِجسٌ فَطوبى *** لِامرِئٍ كَفَّ وَتابا
28
تُرعِشُ الأَيدي وَمَن يُر *** عِش مِنَ الصُنِّاعِ خابا
29(1175/1)
إِنِّما العاقِلُ مَن يَجـ *** ـعَلُ لِلدَهرِ حِسابا
30
فَاذكُروا يَومَ مَشيبٍ *** فيهِ تَبكونَ الشَبابا
31
إِنِّ لِلسِنِّ لَهَمًِّا *** حينَ تَعلو وَعَذابا
32
فَاجعَلوا مِن مالِكُمْ *** لِلشَيبِ وَالضَعفِ نِصابا
33
وَاذكُروا في الصَحِّةِ الدا *** ءَ إِذا ما السُقمُ نابا
34
وَاجمَعوا المالَ لِيَومٍ *** فيهِ تَلقَونَ اغتِصابا
35
قَد دَعاكُم ذَنبَ الهَيـ *** ـئَةِ داعٍ فَأَصابا
36
هِيَ طاووسٌ وَهَل أَحـ *** ـسَنُهُ إِلِّا الذُنابى(1175/2)
أُداري العُيونَ الفاتِراتِ السَواجِيا
1
أُداري العُيونَ الفاتِراتِ السَواجِيا *** وَأَشكو إِلَيها كَيدَ إِنسانِها لِيا
2
قَتَلنَ وَمَنَّينَ القَتيلَ بِأَلسُنٍ *** مِنَ السِحرِ يُبدِلنَ المَنايا أَمانِيا
3
وَكَلَّمنَ بِالأَلحاظِ مَرضى كَليلَةٍ *** فَكانَت صِحاحًا في القُلوبِ مَواضِيا
4
حَبَبتُكِ ذاتَ الخالِ وَالحُبُّ حالَةٌ *** إِذا عَرَضَت لِلمَرءِ لَم يَدرِ ماهِيا
5
وَإِنَّكِ دُنيا القَلبِ مَهما غَدَرتِهِ *** أَتى لَكِ مَملوءً مِنَ الوَجدِ وافِيا
6
صُدودُكِ فيهِ لَيسَ يَألوهُ جارِحًا *** وَلَفظُكِ لا يَنفَكُّ لِلجُرحِ آسِيا
7
وَبَينَ الهَوى وَالعَذلِ لِلقَلبِ مَوقِفٌ *** كَخالِكِ بَينَ السَيفِ وَالنارِ ثاوِيا
8
وَبَينَ المُنى وَاليَأسِ لِلصَبرِ هِزَّةٌ *** كَخَصرِكِ بَينَ النَهدِ وَالرِدفِ واهِيا
9
وَعَرَّضَ بي قَومي يَقولونَ قَد غَوى *** عَدِمتُ عَذولي فيكِ إِن كُنتُ غاوِيا
10
يَرومونَ سُلوانًا لِقَلبي يُريحُهُ *** وَمَن لي بِالسُلوانِ أَشريهِ غالِيا
11
وَما العِشقُ إِلا لَذَّةٌ ثُمَّ شِقوَةٌ *** كَما شَقِيَ المَخمورُ بِالسُكرِ صاحِيا(1176/1)
أُعِدَّتِ الراحَةُ الكُبرى لِمَن تَعِبا
الشوقيات (1/70-72)، تقديم حسين هيكل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان اضغط هنا لمعرفة أرقام الأبيات في في كل صفحة، وهذه الخدمة تفيد الباحثين؛ لتحديد البيت في المصدر بدقة.
المناسبة ... مشروع 28 فبراير
1
أُعِدَّتِ الراحَةُ الكُبرى لِمَن تَعِبا *** وَفازَ بِالحَقِِّ مَن يَألُهُ طَلَبا
2
وَما قَضَت مِصرُ مِن كُلٍّ لُبانَتَها *** حَتَّى تَجُرَّ ذُيولَ الغِبطَةِ القُشُبا
3
في الأَمرِ ما فيهِ مِن جِدٍّ فَلا تَقِفوا *** مِن واقِعٍ جَزَعًا أَو طائِرٍ طَرَبا
4
لا تُثبِتُ العَينُ شَيئًا أَو تُحَقِِّقُهُ *** إِذا تَحَيَّرَ فيها الدَمعُ وَاضطَرَبا
5
وَالصُبحُ يُظلِمُ في عَينَيكِ ناصِعُهُ *** إِذا سَدَلتَ عَلَيكَ الشَكَّ وَالرِيَبا
6
إِذا طَلَبتَ عَظيمًا فَاصبِرَنَّ لَهُ *** أَو فَاحشُدَنَّ رِماحَ الخَطِِّ وَالقُضُبا
7
وَلا تُعِدَّ صَغيراتِ الأُمورِ لَهُ *** إِنَّ الصَغائِرَ لَيسَت لِلعُلا أُهُبا
8
وَلَن تَرى صُحبَةً تُرضى عَواقِبُها *** كَالحَقِِّ وَالصَبرِ في أَمرٍ إِذا اصطَحَبا
9
إِنَّ الرِجالَ إِذا ما أُلجِئوا لَجَؤوا *** إِلى التَعاوُنِ فيما جَلَّ أَو حَزَبا
10
لا رَيبَ أَنَّ خُطا الآمالِ واسِعَةٌ *** وَأَنَّ لَيلَ سُراها صُبحُهُ اقتَرَبا
11
وَأَنَّ في راحَتَي مِصرٍ وَصاحِبِها *** عَهدًا وَعَقدًا بِحَقٍّ كانَ مُغتَصَبا
12
قَد فَتَّحَ اللهُ أَبوابًا لَعَلَّ لَنا *** وَراءَها فُسَحَ الآمالِ وَالرُحُبا
13
لَولا يَدُ اللهِ لَم نَدفَع مَناكِبَها *** وَلَم نُعالِج عَلى مِصراعِها الأَرَبا
14
لا تَعدَمُ الهِمَّةُ الكُبرى جَوائِزَها *** سِيَّانِ مَن غَلَبَ الأَيَّامَ أَو غُلِبا
15
وَكُلُّ سَعيٍ سَيَجزي اللهُ ساعِيَهُ *** هَيهاتَ يَذهَبُ سَعيَ المُحسِنينَ هَبا
16
لَم يُبرِمِ الأَمرَ حَتَّى يَستَبينَ لَكُم *** أَساءَ عاقِبَةً أَم سَرَّ مُنقَلَبا
17(1177/1)
نِلتُم جَليلًا وَلا تُعطونَ خَردَلَةً *** إِلّا الذي دَفَعَ الدُستورُ أَو جَلَبا
18
تَمَهَّدَت عَقَباتٌ غَيرُ هَيِّنَةٍ *** تَلقى رُكابُ السُرى مِن مِثلِها نَصَبا
19
وَأَقبَلَت عَقَباتٌ لا يُذَلِِّلُها *** في مَوقِفِ الفَصلِ إِلّا الشَعبُ مُنتَخَبا
20
لَهُ غَدًا رَأيُهُ فيها وَحِكمَتُهُ *** إِذا تَمَهَّلَ فَوقَ الشَوكِ أَو وَثَبا
21
كَم صَعَّبَ اليَومُ مِن سَهلٍ هَمَمتَ بِهِ *** وَسَهَّلَ الغَدُ في الأَشياءِ ما صَعُبا
22
ضُمُّوا الجُهودَ وَخَلوُها مُنَكَّرَةً *** لا تَملَؤوا الشَدقَ مِن تَعريفِها عَجَبا
23
أَفي الوَغى وَرَحى الهَيجاءِ دائِرَةٌ *** تُحصونَ مَن ماتَ أَو تُحصونَ ما سُلِبا
24
خَلُّوا الأَكاليلَ لِلتأريخِ إِنَّ لَهُ *** يَدًا تُؤَلِِّفُها دُرًّا وَمَخشَلَبا
25
أَمرُ الرِجالِ إِلَيهِ لا إِلى نَفَرٍ *** مِن بَينِكُم سَبَقَ الأَنباءَ وَالكُتُبا
26
أَملى عَلَيهِ الهَوى وَالحِقدُ فَاندَفَعَت *** يَداهُ تَرتَجِلانِ الماءَ وَاللَهَبا
27
إِذا رَأَيتَ الهَوى في أُمَّةٍ حَكَمًا *** فَاحكُم هُنالِكَ أَنَّ العَقلَ قَد ذَهَبا
28
قالوا الحِمايَةُ زالَت قُلتُ لا عَجَبٌ *** بَل كانَ باطِلُها فيكُم هُوَ العَجَبا
29
رَأسُ الحِمايَةِ مَقطوعٌ فَلا عَدِمَت *** كِنانَةُ اللهِ حَزمًا يَقطَعُ الذَنَبا
30
لَو تَسأَلونَ (أَلِنبي) يَومَ جَندَلَها *** بِأَيِِّ سَيفٍ عَلى يافوخِها ضَرَبا
31
أَبا الذي جَرَّ يَومَ السِلمِ مُتَّشِحًا *** أَم بِالذي هَزَّ يَومَ الحَربِ مُختَضِبا
32
أَم بِالتَكاتُفِ حَولَ الحَقِِّ في بَلَدٍ *** مِن أَربَعينَ يُنادي الوَيلَ وَالحَرَبا
33
يا فاتِحَ القُدسِ خَلِِّ السَيفَ ناحِيَةً *** لَيسَ الصَليبُ حَديدًا كانَ بَل خَشَبا
34
إِذا نَظَرتَ إِلى أَينَ انتَهَت يَدُهُ *** وَكَيفَ جاوَزَ في سُلطانِهِ القُطُبا
35(1177/2)
عَلِمتَ أَنَّ وَراءَ الضَعفِ مَقدِرَةً *** وَأَنَّ لِلحَقِِّ لا لِلقُوَّةِ الغَلَب(1177/3)
أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا
1
أُنادي الرَسمَ لَو مَلَكَ الجَوابا *** وَأُجزيهِ بِدَمعِيَ لَو أَثابا
2
وَقَلَّ لِحَقِّهِ العَبَراتُ تَجري *** وَإِن كانَت سَوادَ القَلبِ ذابا
3
سَبَقنَ مُقَبِّلاتِ التُربِ عَنّي *** وَأَدَّينَ التَحِيَّةَ وَالخِطابا
4
فَنَثري الدَمعَ في الدِمَنِ البَوالي *** كَنَظمي في كَواعِبِها الشَبابا
5
وَقَفتُ بِها كَما شاءَت وَشاؤوا *** وُقوفًا عَلَّمَ الصَبرَ الذِهابا
6
لَها حَقٌّ وَلِلأَحبابِ حَقٌّ *** رَشَفتُ وِصالَهُمْ فيها حَبابا
7
وَمَن شَكَرَ المَناجِمَ مُحسِناتٍ *** إِذا التِبرُ انجَلى شَكَرَ التُرابا
8
وَبَينَ جَوانِحي وافٍ أُلوفٌ *** إِذا لَمَحَ الدِيارَ مَضى وَثابا
9
رَأى مَيلَ الزَمانِ بِها فَكانَت *** عَلى الأَيّامِ صُحبَتُهُ عِتابا
10
وَداعًا أَرضَ أَندَلُسٍ وَهَذا *** ثَنائي إِن رَضيتِ بِهِ ثَوابا
11
وَما أَثنَيتُ إِلّا بَعدَ عِلمٍ *** وَكَم مِن جاهِلٍ أَثنى فَعابا
12
تَخِذتُكِ مَوئِلًا فَحَلَلتُ أَندى *** ذُرًا مِن وائِلٍ وَأَعَزَّ غابا
13
مُغَرِّبُ آدَمٍ مِن دارِ عَدنٍ *** قَضاها في حِماكِ لِيَ اغتِرابا
14
شَكَرتُ الفُلكَ يَومَ حَوَيتِ رَحلي *** فَيا لِمُفارِقٍ شَكَرَ الغُرابا
15
فَأَنتِ أَرَحتِني مِن كُلِّ أَنفٍ *** كَأَنفِ المَيتِ في النَزعِ انتِصابا
16
وَمَنظَرِ كُلِّ خَوّانٍ يَراني *** بِوَجهٍ كَالبَغِيِّ رَمى النِقابا
17
وَلَيسَ بِعامِرٍ بُنيانُ قَومٍ *** إِذا أَخلاقُهُمْ كانَت خَرابا
18
أَحَقٌّ كُنتِ لِلزَهراءِ ساحًا *** وَكُنتِ لِساكِنِ الزاهي رِحابا
19
وَلَم تَكُ جَورُ أَبهى مِنكِ وَردًا *** وَلَم تَكُ بابِلٌ أَشهى شَرابا
20
وَأَنَّ المَجدَ في الدُنيا رَحيقٌ *** إِذا طالَ الزَمانُ عَلَيهِ طابا
21
أولَئِكَ أُمَّةٌ ضَرَبوا المَعالي *** بِمَشرِقِها وَمَغرِبِها قِبابا
22(1178/1)
جَرى كَدَرًا لَهُم صَفوُ اللَيالي *** وَغايَةُ كُلِّ صَفوٍ أَن يُشابا
23
مَشَيِّبَةُ القُرونِ أُديلَ مِنها *** أَلَم تَرَ قَرنَها في الجَوِّ شابا
24
مُعَلَّقَةٌ تَنَظَّرُ صَولَجانًا *** يَخُرُّ عَنِ السَماءِ بِها لِعابا
25
تُعَدُّ بِها عَلى الأُمَمِ اللَيالي *** وَما تَدري السِنينَ وَلا الحِسابا
26
وَيا وَطَني لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ *** كَأَنّي قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا
27
وَكُلُّ مُسافِرٍ سَيَئوبُ يَومًا *** إِذا رُزِقَ السَلامَةَ وَالإِيابا
28
وَلَو أَنّي دُعيتُ لَكُنتَ ديني *** عَلَيهِ أُقابِلُ الحَتمَ المُجابا
29
أُديرُ إِلَيكَ قَبلَ البَيتِ وَجهي *** إِذا فُهتُ الشَهادَةَ وَالمَتابا
30
وَقَد سَبَقَت رَكائِبِيَ القَوافي *** مُقَلَّدَةً أَزِمَّتَها طِرابا
31
تَجوبُ الدَهرَ نَحوَكَ وَالفَيافي *** وَتَقتَحِمُ اللَيالِيَ لا العُبابا
32
وَتُهديكَ الثَناءَ الحُرَّ تاجًا *** عَلى تاجَيكَ مُؤتَلِقًا عُجابا
33
هَدانا ضَوءُ ثَغرِكَ مِن ثَلاثٍ *** كَما تَهدي المُنَوَّرَةُ الرِكابا
34
وَقَد غَشِي المَنارُ البَحرَ نورًا *** كَنارِ الطورِ جَلَّلَتِ الشِعابا
35
وَقيلَ الثَغرُ فَاتَّأَدَت فَأَرسَت *** فَكانَت مِن ثَراكَ الطُهرِ قابا
36
فَصَفحًا لِلزَمانِ لِصُبحِ يَومٍ *** بِهِ أَضحى الزَمانُ إِلَيَّ ثابا
37
وَحَيّا اللَهُ فِتيانًا سِماحًا *** كَسَوا عِطفَيَّ مِن فَخرٍ ثِيابا
38
مَلائِكَةٌ إِذا حَفّوكَ يَومًا *** أَحَبَّكَ كُلُّ مَن تَلقى وَهابا
39
وَإِن حَمَلَتكَ أَيديهِمْ بُحورًا *** بَلَغتَ عَلى أَكُفِّهِمُ السَحابا
40
تَلَقَّوني بِكُلِّ أَغَرَّ زاهٍ *** كَأَنَّ عَلى أَسِرَّتِهِ شَهابا
41
تَرى الإيمانَ مُؤتَلِقًا عَلَيهِ *** وَنورَ العِلمِ وَالكَرَمَ اللُبابا
42
وَتَلمَحُ مِن وَضاءَةِ صَفحَتَيهِ *** مُحَيّا مِصرَ رائِعَةً كَعابا
43(1178/2)
وَما أَدَبي لِما أَسدَوهُ أَهلٌ *** وَلَكِن مَن أَحَبَّ الشَيءَ حابى
44
شَبابَ النيلِ إِنَّ لَكُم لَصَوتًا *** مُلَبّى حينَ يُرفَعُ مُستَجابا
45
فَهُزّوا العَرشَ بِالدَعَواتِ حَتّى *** يُخَفِّفَ عَن كِنانَتِهِ العَذابا
46
أَمِن حَربِ البَسوسِ إِلى غَلاءٍ *** يَكادُ يُعيدُها سَبعًا صِعابا
47
وَهَل في القَومِ يوسُفُ يَتَّقيها *** وَيُحسِنُ حِسبَةً وَيَرى صَوابا
48
عِبادَكَ رَبِّ قَد جاعوا بِمِصرٍ *** أَنيلًا سُقتَ فيهِمُ أَم سَرابا
49
حَنانَكَ وَاهدِ لِلحُسنى تِجارًا *** بِها مَلَكوا المَرافِقَ وَالرِقابا
50
وَرَقِّق لِلفَقيرِ بِها قُلوبًا *** مُحَجَّرَةً وَأَكبادًا صِلابا
51
أَمَن أَكَلَ اليَتيمَ لَهُ عِقابٌ *** وَمَن أَكَلَ الفَقيرَ فَلا عِقابا
52
أُصيبَ مِنَ التُجارِ بِكُلِّ ضارٍ *** أَشَدَّ مِنَ الزَمانِ عَلَيهِ نابا
53
يَكادُ إِذا غَذاهُ أَو كَساهُ *** يُنازِعُهُ الحَشاشَةَ وَالإِهابا
54
وَتَسمَعُ رَحمَةً في كُلِّ نادٍ *** وَلَستَ تُحِسُّ لِلبِرِّ انتِدابا
55
أَكُلٌّ في كِتابِ اللهِ إِلّا *** زَكاةَ المالِ لَيسَت فيهِ بابا
56
إِذا ما الطامِعونَ شَكَوا وَضَجّوا *** فَدَعهُمْ وَاسمَعِ الغَرثى السِغابا
57
فَما يَبكونُ مِن ثُكلٍ وَلَكِن *** كَما تَصِفُ المُعَدِّدَةُ المُصابا
58
وَلَم أَرَ مِثلَ شَوقِ الخَيرِ كَسبًا *** وَلا كَتِجارَةِ السوءِ اكتِسابا
59
وَلا كَأُولَئِكَ البُؤَساءِ شاءً *** إِذا جَوَّعتَها انتَشَرَت ذِئابا
60
وَلَولا البِرُّ لَم يُبعَث رَسولٌ *** وَلَم يَحمِل إِلى قَومٍ كِتابا(1178/3)
إِلى عَرَفاتِ اللَهِ يا خَيرَ زائِرٍ
1
إِلى عَرَفاتِ اللَهِ يا خَيرَ زائِرٍ *** عَلَيكَ سَلامُ اللهِ في عَرَفاتِ
2
وَيَومَ تُوَلّى وُجهَةَ البَيتِ ناضِرًا *** وَسيمَ مَجالي البِشرِ وَالقَسَماتِ
3
عَلى كُلِّ أُفقٍ بِالحِجازِ مَلائِكٌ *** تَزُفُّ تَحايا اللهِ وَالبَرَكاتِ
4
إِذا حُدِيَت عيسُ المُلوكِ فَإِنَّهُمْ *** لِعيسِكَ في البَيداءِ خَيرُ حُداةِ
5
لَدى البابِ جِبريلُ الأَمينُ بِراحِهِ *** رَسائِلُ رَحمانِيَّةُ النَفَحاتِ
6
وَفي الكَعبَةِ الغَرّاءِ رُكنٌ مُرَحِّبٌ *** بِكَعبَةِ قُصّادٍ وَرُكنِ عُفاةِ
7
وَما سَكَبَ الميزابُ ماءً وَإِنَّما *** أَفاضَ عَلَيكَ الأَجرَ وَالرَحَماتِ
8
وَزَمزَمُ تَجري بَينَ عَينَيكَ أَعيُنًا *** مِنَ الكَوثَرِ المَعسولِ مُنفَجِراتِ
9
وَيَرمونَ إِبليسَ الرَجيمَ فَيَصطَلي *** وَشانيكَ نيرانًا مِنَ الجَمَراتِ
10
يُحَيّيكَ طَهَ في مَضاجِعِ طُهرِهِ *** وَيَعلَمُ ما عالَجتَ مِن عَقَباتِ
11
وَيُثني عَلَيكَ الراشِدونَ بِصالِحٍ *** وَرُبَّ ثَناءٍ مِن لِسانِ رُفاتِ
12
لَكَ الدينُ يا رَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُمْ *** لِبَيتٍ طَهورِ الساحِ وَالعَرَصاتِ
13
أَرى الناسَ أَصنافًا وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ *** إِلَيكَ انتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ
14
تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ *** لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ
15
عَنَت لَكَ في التُربِ المُقَدَّسِ جَبهَةٌ *** يَدينُ لَها العاتي مِنَ الجَبَهاتِ
16
مُنَوِّرَةٌ كَالبَدرِ شَمّاءُ كَالسُها *** وَتُخفَضُ في حَقٍّ وَعِندَ صَلاةِ
17
وَيا رَبِّ لَو سَخَّرتَ ناقَةَ صالِحٍ *** لِعَبدِكَ ما كانَت مِنَ السَلِساتِ
18
وَيا رَبِّ هَل سَيّارَةٌ أَو مَطارَةٌ *** فَيَدنو بَعيدُ البيدِ وَالفَلَواتِ
19
وَيا رَبِّ هَل تُغني عَنِ العَبدِ حَجَّةٌ *** وَفي العُمرِ ما فيهِ مِنَ الهَفَواتِ
20(1179/1)
وَتَشهَدُ ما آذَيتُ نَفسًا وَلَم أَضِر *** وَلَم أَبغِ في جَهري وَلا خَطَراتي
21
وَلا غَلَبَتني شِقوَةٌ أَو سَعادَةٌ *** عَلى حِكمَةٍ آتَيتَني وَأَناةِ
22
وَلا جالَ إِلّا الخَيرُ بَينَ سَرائِري *** لَدى سُدَّةٍ خَيرِيَّةِ الرَغَباتِ
23
وَلا بِتُّ إِلّا كَابنِ مَريَمَ مُشفِقًا *** عَلى حُسَّدي مُستَغفِرًا لِعِداتي
24
وَلا حُمِّلَت نَفسٌ هَوىً لِبِلادِها *** كَنَفسِيَ في فِعلي وَفي نَفَثاتي
25
وَإِنّي وَلا مَنٌّ عَلَيكَ بِطاعَةٍ *** أُجِلُّ وَأُغلي في الفُروضِ زَكاتي
26
أُبلَغُ فيها وَهيَ عَدلٌ وَرَحمَةٌ *** وَيَترُكُها النُسّاكُ في الخَلَواتِ
27
وَأَنتَ وَلِيُّ العَفوِ فَامحُ بِناصِعٍ *** مِنَ الصَفحِ ما سَوَّدتُ مِن صَفَحاتي
28
وَمَن تَضحَكِ الدُنيا إِلَيهِ فَيَغتَرِر *** يَمُت كَقَتيلِ الغيدِ بِالبَسَماتِ
29
وَرَكِبَ كَإِقبالِ الزَمانِ مُحَجَّلٍ *** كَريمِ الحَواشي كابِرِ الخُطُواتِ
30
يَسيرُ بِأَرضٍ أَخرَجَت خَيرَ أُمَّةٍ *** وَتَحتَ سَماءِ الوَحيِ وَالسُوَراتِ
31
يُفيضُ عَلَيها اليُمنَ في غَدَواتِهِ *** وَيُضفي عَلَيها الأَمنَ في الرَوَحاتِ
32
إِذا زُرتَ يا مَولايَ قَبرَ مُحَمَّدٍ *** وَقَبَّلتَ مَثوى الأَعظَمِ العَطِراتِ
33
وَفاضَت مَعَ الدَمعِ العُيونُ مَهابَةً *** لِأَحمَدَ بَينَ السِترِ وَالحُجُراتِ
34
وَأَشرَقَ نورٌ تَحتَ كُلِّ ثَنِيَّةٍ *** وَضاعَ أَريجٌ تَحتَ كُلِّ حَصاةِ
35
لِمُظهِرِ دينِ اللهِ فَوقَ تَنوفَةٍ *** وَباني صُروحِ المَجدِ فَوقَ فَلاةِ
36
فَقُل لِرَسولِ اللَهِ يا خَيرَ مُرسَلٍ *** أَبُثُّكَ ما تَدري مِنَ الحَسَراتِ
37
شُعوبُكَ في شَرقِ البِلادِ وَغَربِها *** كَأَصحابِ كَهفٍ في عَميقِ سُباتِ
38
بِأَيمانِهِمْ نورانِ ذِكرٌ وَسُنَّةٌ *** فَما بالُهُمْ في حالِكِ الظُلُماتِ
39
وَذَلِكَ ماضي مَجدِهِمْ وَفَخارِهِمْ *** فَما ضَرَّهُمْ لَو يَعمَلونَ لِآتي
40(1179/2)
وَهَذا زَمانٌ أَرضُهُ وَسَماؤُهُ *** مَجالٌ لِمِقدامٍ كَبيرِ حَياةِ
41
مَشى فيهِ قَومٌ في السَماءِ وَأَنشَؤوا *** بَوارِجَ في الأَبراجِ مُمتَنِعاتِ
42
فَقُل رَبِّ وَفِّق لِلعَظائِمِ أُمَّتي *** وَزَيِّن لَها الأَفعالَ وَالعَزَماتِ(1179/3)
احمد شوقي في سطور ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني واخواتي الكرام
لعل الموضوع جديدا بعض الشئ ولكن احببت ان اكون اول المشاركين
وفي الحقيقه كنت انوي ان اكتب عن بعض الشعراء الشعبيين ولكن لقله المصادر وشحها عنهم او لعل البحث يمكث زمنا غير قصير احببت ان اكتب عن احد اعلام الادب العربي الى ان اجد المصادر الكافيه عن احد الشعراء الشعبيين
لعل هذا الموضوع حري به ان يكون في خيمه الثقافه والادب ولكن جميعنا يخدم الادب وجميعنا يسعى لرقيه فارتأيت ان يكون هنا
اليكم ما وجدت
كان احمد شوقي رجلا بعيد الغور واسع الطموح متسع الافاق عظيم الحيله وافر الثقافه جميل الديباجه حسن التصرف رائق الخيال ملأ الدنيا وشغل الناس في حياته وبعد مماته فكان جليس الخديوي عباس حلمي الثاني وصديقه وشاعره ونديمه وقد كان معتزا بذلك كما قال :
شاعر الامير وما ,,,,,,, بالقليل ذا اللقب
وادرك شوقي اهميه المسرح الشعري فأرسل مسرحياته الشعريه لتكون مهوى اقلام النقاد بين مادح وقادح . فقد رماه خصومه بمداهنة الخديوي وبرود العاطفه وأنه جعل مسرحياته صورا غنائيه مفككه.
في مهد من مهاد الترف ولد شوقي سنة 1869 م لأب وأم ينحدران من اصول غير عربيه ,, اما ابوه فكان يجري فيه الدم الشركسي والكردي , واما امه التي توفيت حال منفاه الى الاندلس فتجري فيها دماء تركيه ويونانيه , فأمها يونانيه وابوها تركي .(1180/1)
تعهد علي شوقي ابنه منذ نعومه اظافره فادخله مكتب الشيخ صالح ما أن اتم الرابعه من عمره وألحقه ذلك الوالد المستنير بالمدرسه الثانويه فتخرج منها في السادسه عشره من عمره فادخله والده عام 1885 م مدرسه الحقوق ليدرس القانون . وهناك في المدرسه وصفه الدكتور احمد زكي الاديب الباحث الشهير وزميل المدرسه ( كان من جمله الوافدين سنه 1885 م فتى نحيف هزيل ضئيل القامه وسيم الطلعه فتى بعيون متألقه ولكنها متنقله فاذا نظر للارض دقيقه فللسماء منه دقائق متماديه ما كان يلابسنا فيما نأخذ فيه من اللهو والمزاح ولا يتهافت معنا على تلقف الكره بعد الفراغ من تناول الغداء)
وكان استاذه في المدرسه محمد البسيوني شاعرا فصيحا اعجب به احمد شوقي وجلس اليه مجلس التلميذ بين يدي الاستاذ وكان البسصيوني يدبج القصائد الطوال في مدح الخديوي توفيق كلما حل موسم او هل عيد . وكان البسيوني قبل ان يرسل قصائده لتنشر في صحيفه الوقائع المصريه وغيرها يعرضها على تلميذه احمد فما يزال يصلح له فيها فيمحو هذه اللفظه او تلك ويعدل هذا الشطر او ذاك ويسقط بعض الابيات واستاذه البسيوني مغتبط بذلك
وبعد ذلك ...
لعلي اقف عند هذا الحد وللحديث بقيه مع علم من اعلام الادب العربي
سمحلي أن أضيف تلك القصيدة الرائعة جداً لشوقي,, والتي منها اقتبست شعاري...
****
اختلاف النهارِ والليلِ يُنسي
-------------------اذكرا لي الصبا وأيام أُنسي
وصِفَا لي مُلاوة من شَباب
-----------------صورت من تصوراتِ ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرت
------------------------سِنة حُلوة ولذة خلسِ
وسَلا مِصرَ , هل سَلا القلبُ عنها
--------------أو أسا جُرحه الزمان ُ المُؤسي؟
كلما مرت الليالي عليه
-------------- رق , والعهدُ في الليالي تقسي
مستطارٌ إذا البواخر رنتْ
-------------- أول الليل أو عَوت بعد جَرس
راهب في الضلوع للسفنِ فطن
-------------------كلما ثرن شاعهن بنقسِ(1180/2)
يا بنة اليم ما أبوكِ بخيلٌ
-------------------ماله مولعا بمنعِ وحبسِ؟
أحرام علي بلابله الدوحُ
--------------- حلال للطير من كل جنس؟
كُل دار أحقُ بالأهل إلا
--------------في خبيث من المذاهب ِرجس
نَفَسى مِرجَلٌ وقَلبي شِراع
----------- بهما في الدموع سيرى وأرسي
واجعلي وجهك( الفنار)ومجراك
------------ يد (الثغر) بين (رمل) ومَكس
وطني لو شُغِلت بالخُِلد عنهُ
------------ نازعتني إليه في الخُلِد نَفسِي
وهفا بالفؤاد فى سلسبيل
---------- ظمأ للسواد من ( عين شمس )
شَهِد اللهُ لم يغب عن جفوني
---------- شخصهُ ساعةً ولم يخلُ حِسي
خرج الاستاذ احمد شوقي من المدرسه عام 1887 م وهو نفس العام الذي اهدى فيه مصطفى كامل مسرحيته (فتح الاندلس) للاستاذا علي شوقي والد احمد .
وأرسل الخديوي توفيق بن اسماعيل احمد شوقي على نفقته الى فرنسا لدراسة القانون والادب الفرنسي في اعوام اربعه وكتب الخديوي الى مدير البعثه المصريه في فرنسا طالبا الحفاوة بالشاعر الشاب .
فلما وصل شوقي الى مرسيليا وجد المدير في استقباله مبلغا الشاعر انه سيقضي عامين هناك وعامين في باريس.
فالتحق شوقي بمدرسه الحقوق في مونبيليا . وبعد مرور سنه رفض الخديوي توفيق ان يعود شوقي الى مصر لقضاء العطلة الصيفيه . مؤكدا ان عليه البقاء في باريس لينهل في فرنسا من الثقافة والادب .
فنهل شوقي من ادب هيجو وراسين ولامرتين. وبعيد انتهاء السنة الثانية صحبه مدير البعثة المصرية في فرنسا في رحلة الى انجلترا حيث قضيا زهاء الشهر .
وقد أصيب شوقي في سنته الثالثة بباريس بمرض شديد كان فيه بين الحياة والموت فلما تماثل للشفاء أشار عليه النطاسيون من الأطباء أن يقضي بضعة أيام تحت سماء إفريقيا فاختار الجزائر , ومكث بها أربعين يوما ثم قفل منها راجعا إلى باريس مستأنفا الدرس .(1180/3)
وقد استطاع أن يحصل على إجازته النهائية في آخر السنة الثالثة ثم ظل هناك ستة شهور يختلف فيها إلى مسارح باريس ثم رجع إلى وطنه .
وما إن عاد شوقي إلى مصر سنة 1893 م حتى علم أن الخديوي توفيق قد مات وجلس على سرير الملك من بعده ابنه الشاب الخديوي عباس حلمي الثاني الذي كان في الثامنة عشرة من عمره .
كيف تعامل شوقي مع الحادث؟
وكيف تعامل مع الملك الجديد؟
ما إن وصل شوقي إلى مصر حتى قربه الملك إليه وعينه رئيسا للقسم الإفرنجي بالقصر .
وفي نفس السنة تعرف شوقي على مصطفى كامل ومحمد فريد وجرجي زيدان وإسماعيل صبري وحافظ إبراهيم وسعد زغلول والمطربين عبده الحامولي وعبد الحي حلمي , وأهم صداقتين كانت صداقته لمصطفى كامل وحافظ إبراهيم رغم التنافس بينهما , فقد عاش شوقي وحافظ يغمر كل منهما الآخر بحبه وتقديره ةقامت بينهما ممازحات سجلها بعض الأدباء .
وقد تأثر شوقي بقصيدة فيكتور هيجو أسطورة القرون فنظم سنة 1894 م على منوالها قصيده (كبار الحوادث في وادي النيل) التي ألقاها في المؤتمر الشرقي الدولي الذي انعقد في جنيف وكان شوقي مندوبا للحكومة المصرية فيه.
ويظهر فيها اطلاعه على تاريخ مصر وحدبه على تاريخ الفراعنة يقول في رمسيس وهو أهم فرعون حكم مصر :
من كرمسيس في الملوك حديثا ,,,,, ولرمسيس الملوك فداء
بايعته القلوب في صلب سيتي ,,,,, يو أن شاقها إليه الرجاء
وسما للعلا فنال مكانا ,,,,, لم ينله الأمثال والنظراء
وعلوم تحيي البلاد وبنتا ,,,,, ؤر فخر البلاد والشعراء
وتزوج شوقي من سيدة ثرية طيبة سنة 1897 م حيث حضر الزواج الخديوي عباس الثاني ورياض باشا رئيس الوزراء ومصطفى كامل ومحمد فريد وقد أنجبت له زوجته ثلاثه من الذرية وهم علي وحسين وأمينه .
وبعد شهور من القران توفي والد شوقي فرثاه شوقي بقيدة لا يعدها النقاد من درر شعره منها :
ما أبي إلا أخ صادقته ,,,,, وده الصدق وود الناس مين(1180/4)
طالما قمنا إلى مائدة ,,,,, كانت الكسرة فيها كسرتين
لا تخف بعدك حزنا اوبكا ,,,,, جمدت مني ومنك اليوم عين
لعلنا نقف هاهنا قبل أن نخوض في دواوين شوقي وحالته بعد فقد والده
واخرج شوقي الجزء الأول من ديوانه (الشوقيات) في سنة 1898 م وقدم له بمقدمه أبان فيها عن تصوره للشعر وعما ينبغي أن يكون عليه وحاول أن يجدد تحت تأثير ما قرأ في الأدب الفرنسي لفكتور هيجو ولا مرتين ولا فونتين فكان ذلك سببا لاصطدامه بالنقاد حينئذ, فهب محمد المويلحي في صحيفة مصباح الشرق يكتب مقالات متفرقه ينتقد الاتجاه إلى التجديد عند شوقي زاعما أن الشعر العربي ليس بحاجة إلى تجديد ومن بعثرات لغوية وجدها عند شوقي حاول أن يهدمه هدما .
وأصدر مصطفى كامل ومحمد فريد صحيفة اللواء سنة 1900 م فكان شوقي وحافظ من شعراء الصحفيين وزادت علاقتهما بمصطفى كامل ومحمد فريد وقد عاد الزعيم احمد عرابي من منفاه إلى مصر وكان أشد القادحين له مصطفى كامل عرابي كما هجا شوقي بثلاث قصائد وكلها ليست موجوده في ديوانه بيد أنها موجودة في صحيفة اللواء يقول في الأولى:
صغار في الذهاب وفي الإياب ,,,,, أهذا كل شأنك يا عرابي
عفا عنك الأباعد والأداني ,,,,, فمن يعفو عن الوطن المصاب
وقال في الثانية :
أهلا وسهلا بحاميها وفاديها ,,,,, ومرحبا وسلاما يا عرابيها
وبالكرامة يا من راح يفضحها ,,,,, ومقدم الخير يامن جاء يخزيها
وقال في الثالثة :
عرابي كيف أوفيك الملاما ,,,,, جمعت على ملامتك المناما
فقف بالتل واستمع العظاما ,,,,, فإن لها كما لهمو كلاما
وقد لام كثير من المؤرخين أو المفكرين شوقي على موقفه من عرابي , وكان أشدهم الأستاذ محمود الخفيفي في كتابه (احمد عرابي المفترى عليه) والذي صدر عام 1947 م
وقد فقد شوقي في عام 1902 م صديقه المطرب الشهير القدير عبده الحامولي فرثاه بقصيدة من جيد شعره يقول فيها :
قال شوقي في رثاء الحامولي :(1180/5)
زفرات كأنها بث قيس ,,,,, في معاني الهوى وفي أخباره
لا يجاريه في تفننه العود ,,,,, ولا يشتكي إذا لم يجاره
يسمع الليل منه في الفجرياليل ,,,,, فيصغي مستمهلا في فراره
وكان شوقي في هذه الفترة لسان حال الخديوي .
وقد كان رياض باشا مبغضا من الخديوي , وجاء الخديوي عباس حلمي في 22 مايو عام 1904 م لوضع الحجر الأساسي لمدرسة محمد علي الصناعية واعتذر اللواء كرومر , وألقى رياض باشا خطابا مدح فيه اللورد , وبإيعاز من الخديوي هجا شوقي رياض باشا فقال :
غمرت القوم إطراءا ومدحا ,,,,, وهم غمروك بالنعم الجسام
رأوا بالأمس أنفك في الثريا ,,,,, فكيف اليوم أصبح في الرغام
أما والله ماعلموك إلا ,,,,, صغيرا في ولائك والخصام
خطبت فكنت خطبا لا خطيبا ,,,,, أضيف إلى مصائبنا العظام
ووقعت حادثة دنشواي سنة 1906 م وأعدم الإنجليز أربعة من المصريين فأبلى مصطفى كامل بلاء عظيما في التنديد بإنجلتره , وكان من أثر حملته عزل كرومر .
أما شوقي فقد تأخر عاما كاملا عن رثاء شهداء دنشواي , وممن اعتذر له في التأخير الدكتور احمد محمد الحوفي إذ يقول :
الحق أن الصدمة كانت شديده وإن اشتراك بعض المصريين في الحكم على الضحايا في الدفاع لصالح الإنجليز أصاب الشاعر بخيبة أمل وذهول وأسى يقول فيها شوقي :
نيرون .. لو أدركت عهد كرومر ,,,,, لعرفت كيف تنفذ الأحكام
نوحي .. حمائم دنشواي وروعي ,,,,, شعبا بوادي النيل ليس ينام
وهجا كرومر يوم عزله قائلا :
لما رحلت عن البلاد تشهدت ,,,,, فكأنك الداء العياء رحيلا
في ملعب للمضحكات مشيد ,,,,, مثلث فيه المبكيات فصول
شهد الحسين عليه لعن أصوله ,,,,, وتصدر الأعمى به تطفيلا
لعلنا نرى في الابيات الأخيره من العدد السابق تحريض الخديوي واضح في البيت الثالث فالحسين هو حسين ابن عم الخديوي والأعمى الشيخ عبدالكريم سليمان .(1180/6)
وفجعت مصر عام 1908 م بوفاة مصطفى كامل رحمه الله فرثاه شوقي بقصيده مطوله , وقد عاش شوقي محبا لمصطفى كامل عارفا لذكراه , وكان مصطفى كامل يصف شعر شوقي بأنه الغدير الصافي في ألفاف الغاب وكان يخصص لقصائد شوقي أسمى مكان في جريدة اللواء يقول شوقي في رثاءه :
المشرقان عليك ينتحبان ,,,,, قاصيهما في مأتم والداني
يتساءلون أبالسلال قضيت ,,,,, أم بالقلب أم هل مت بالسرطان
الله يشهد أن موتك بالحجا ,,,,, والجد والإقدام والعرفان
دقات قلب المرء قائلة له ,,,,, إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها ,,,,, فالذكر للإنسان عمر ثاني
ولقد نظرتك والردى بك محدق ,,,,, والداء ملء معالم الجثمان
فهششت لي حتى كأنك عائدي ,,,,, وأنا الذي هد السقام كياني
لعل هذه الابيات تستوقف القارئ كثيرا
وبعد هذه الابيات يعرج على تأخره في نظم القصيدة فيقول:
ماذا دهاني يوم بنت فعقني ,,,,, فيك القريض وخانني إمكاني
وولي محمد فريد زعامه الحزب الوطني بعد مصطفى كامل واستمر الود بين شوقي وفريد حتى غادر الأخير مصير محزونا منكوبا عام 1912 م .
مرحلة جديدة :
وأعلنت الحرب العالميه الأولى وكان الخديوي عباس حلمي غائبا في تركيا فمنعه الإنجليز من دخول مصر وأقاموا عليها السلطان حسين كامل وأخذوا يبعدون عن القصر من يستشعرون منه الولاء لعباس حلمي ,
لم يصمت شوقي بل نظم قصيده يهاجم فيها الحمايه مطلعها (إن الرواية لم تتم فصولا ...) فنفاه الإنجليز إلى إسبانيا وعندما عاد وجد الأرض نخضبه بدماء الحركه الوطنية ولا ندري هل فكر في العودة إلى القصر الذي أصبح في يد الملك فؤاد ام لا , ولكن المؤكد أن فؤادا لم يفتح له قصره فظل بعيدا عن القصر قريبا من روح الشعب .
هكذا عاد شوقي من المنفى ولكن ما فعله بعد ذلك سنراه قريبا انشاء الله
من أحلى قصائده ... قصة الثعلب والديك
برز الثعلب يوما ... في شعار الواعظينا(1180/7)
فمشى في الأرض يهذي ... ويسب الماكرينا
ويقول : الحمد لله ... إله العالمينا
ياعباد الله توبوا ... فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير ... إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن ... لصلاة الصبح فينا
فاتى الديك رسول ... من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه ... وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك عذراً ... يا أضل المهتدينا
بلّغ الثعلب عنّي ... عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن ... دخل البطن اللعينا
إنهم قالوا وخير ال ... قول قول العارفينا
" مخطئ من ظن يوماً ... أن للثعلب دينا "
عاد شوقي من المنفى وبدأ مرحله من الشعر بعيدا عن ظل القصر فكانت تلك اجمل فترات حياته أخلد فيها لما يريد أن يفعله فتفرغ للمسرح الشعري وما يهواه من فنون .
فترك كرمته في حي المطريه وبنى كرمته التي سماها كرمة ابن هانئ وبنى أيضا في الإسكندرية (درة الغواص) وكان شوقي قد أرسل ابنيه علي وحسين إلى باريس للدراسة فكان يزور باريس سنويا كما بدأت رحلاته إلى بيروت ودمشق وتركيا.
وقد رثى في هذه الفترة كثير من أعلام الوطنية والأدب ففي اليوم الذي جرى فيه اغتيال سعد زغلول توفي مصطفى لطفي المنفلوطي فقال شوقي في سعد :
نجا وتماثل ربانها ,,,,, ودق البشائر ركبانها
أرى مصر يلهو بحد السلاح ,,,,, ويلعب بالنار ولدانها
ويا سعد أنت أمين البلاد ,,,,, قد امتلأت منك أيمانها
وقال في المنفلوطي :
اخترت يوم الهول يوم وداع ,,,,, ونعاك في عصف الرياح الناعي
هتف النعاة ضحى فأوصد دونهم ,,,,, جرح الرئيس منافع الأسماع
من مات في فزع القيامة لم يجد ,,,,, قدما تشيع أو حفاوة ساعي
مسرحياته(1180/8)
أخرج شوقي رائعته (مجنون ليلى) عام 1924 م فعشقها القراء ولكن نقاد المسرح رغم اعترافهم بعذوبة الشعر الغنائي بها افتقدوا فيها جوهر المسرح واسلوب تصوير الشخصيات , وقد اختار شوقي صدر الدولة الأموية زمنا للمسرحية وبادية نجد مكانا لها , أما أشخاص المسرحية فهم قيس بن الملوح والمهدي والد ليلى وليلى وورد زوج ليلى ومنازل غريم قيس في حب ليلى , أما قراء الأدب فقد عشقوا ذلك الطرب الرومانسي الجميل مثل قول شوقي على لسان قيس :
تعالي نعش ياليل في ظل قفرة ,,,,, من البيد لم تنقل بها قدمان
تعالي إلى واد خلي وجدول ,,,,, ورنة عصفور وأيكة بان
تعالي ذكرى الصبا وجنونه ,,,,, وأحلام عيش من دد وأمان
بدأت علاقة شوقي بمحمد عبدالوهاب عام 1924 م وقد سافر الأخير مع شوقي إلى باريس ثلاث مرات كما روى أحمد عبدالوهاب في كتابه (اثنى عشر عاما في صحبة أمير الشعراء 1920 – 1932 م ) واحمد عبدالوهاب هو كاتب شوقي في تلك الفترة وكتابه خير ما ألف عنها .
وقد أرسل شوقي المسرحية تلو الأخرى وطبقت شهرته الآفاق فزاره عام 1926 م شاعر الهند طاغور وأعلام السياسة والفكر واختير عام 1927 م عضوا في مجلس الشيوخ وقد تقرر عندما أصدر الطبعه الثانيه من الشوقيات عام 1927 م أن تقيم له الهيئات والأدباء حفلة تكريم كبيره وقد اشتركت فيها الدول العربية بمندوبيها فكان من الشام محمد كرد علي ومن لبنان شكيب أرسلان ومن فلسطين أيمن الحسيني ومن بلجيكا فندنبرج ومن مصر حافظ ابراهيم ومحمد حسين هيكل ولقبوه في الحفل بأمير الشعراء وقد أعلن ذلك بالنيابة عنهم صديقه حافظ ابراهيم الذي ألقى قصيدة منها :
أمير القوافي قدي أتيت مبايعا ,,,,, وهذي وفود الشرق قد بايعت معي(1180/9)
وتتالت مسرحياته (عنترة بن شداد) و ( مصرع كيلوبتره) و ( قمبيز ) التي هاجمها العقاد في كتاب سماه ( قمبيز في الميزان) ويروي الأستاذ احمد عبدالوهاب أن شوقي في السنتين الأخيرتين كان يعكف على قراءة القرآن الكريم وكتب الحديث .
وفي الساعة الثانية من ليلة 14 اكتوبر عام 1932 م أحس شاعرنا بألم في صدره فتقاطر أهل منزله نحوه فلما أن وصلوا إليه حتى أسلم روحه إلى بارئها ..
وكان وقع وفاته فاجعا على نفوس عارفيه وعشاق فنه , وفقدت قيثارة الأدب بفقده الشاعر المبدع والناثر البليغ والمسرحي النابه والوطني العظيم .(1180/10)
الرحلة إلى الأندلس
لأحمد شوقي
اختلاف النهار والليل يُنسي
اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي مُلاوةً من شبابٍ
صُوّرتْ من تصوّراتٍ ومَسِّ
عصفتْ كالصَّبا اللعوبِ ومرّت
سِنةً حلوةً ولذََّّةُ خَلْس
وسلا مصرَ هل سلا القلبُ عنها
أَو أَسا جُرحَه الزمان المؤسّي
كلما مرّت الليالي عليه
رقَّ والعهدُ في الليالي تقسِّي
مستطارٌ إذا البواخر رنَّتْ
أولَ الليلِ أو عَوَتْ بعد جرْس
راهبٌ في الضلوع للسفن فَطْن
كلما ثُرْنَ شاعَهن بنَقسْ
يا ابنةَ اليمِّ ما أبوكِ بخيلٌ
ما له مولَعاً بمنعٍ وحبسٍ
أحرامٌ على بلابله الدَوْ
حُ حلالٌ للطير من كل جنس
كلُّ دارٍ أحقُّ بالأهل إلا
في خبيثٍ من المذاهب رِجْس
نفسي مرجلٌ وقلبي شراعٌ
بهما في الدموع سِيري وأرسي
واجعلي وجهك الفنارَ ومجرا
كِ يدَ الثغرِ بين رمل ومكس
وطني لو شغلتُ بالخلدِ عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهفا بالفؤاد في سلسبيلٍ
ظماٌ للسواد من عين شمس
شهد اللهُ لم يَغب عن جفوني
شخصه ساعةُ ولم يخلُ حسي
يصبح الفكُر و المسلَّةُ ناد
يه وبالسَّرحة الزكية يُمسي
وكأني أرى الجزيرةَ أيْكاً
نَغَمَتْ طيره بأرخم جَرس
هي بلقيسُ في الخمائل صَرْحٌ
من عُباب وصاحبٌ غيرُ نكس
حسبها أن تكون للنيل عرساً
قبلها لم يُجنَّ يوماً بعرس
لبستْ بالأصيل حلةَ وشيٍ
بين صنعاء في الثياب وقَسّ
قدها النيلُ فاستحتْ فتوارتْ
منه بالجسر بين عُرْيٍ ولبس
وأَرى النيلَ كالعقيق بواديـ
ـه وإن كان كوثَر المتحسي
ابنُ ماء السماءِ ذو الموكب الفخـ
ـم الذي يحسرُ العيون ويخسي
لا ترى في ركابه غيرَ مُثنٍ
بخميلٍ وشاكرٍ فضلَ عرس
وأرى الجيزة الحزينة ثكلى
لم تفقْ بعدُ من مَناحة رمسي
أكثرتْ ضجةَ السواقي عليه
وسؤال اليراع عنه بهمس
وقيامَ النخيل ضفَّرنَ شعراً
وتجرَّدْنَ غَيْرَ طَوقٍ وسَلْس
وكأَنَّ الأهرامَ ميزانُ فرعو
نَ بيومٍ على الجبابر نَحْس(1181/1)
أو قناطيره تأنَّق فيها
ألفُ جابٍ وألفُ صاحبِ مَكْس
روعةٌ في الضحى ملاعبُ جنٍّ
حين يغشى الدّجى حماها ويغسي
ورهينُ الرمال أفطسُ إلاَّ
أنه صُنْعُ جِنَّةٍ غير فُطْس
تتجلى حقيقةُ الناس فيه
سَبُعُ الخلقِ في أسارير إنسي
لِعبَ الدَّهرُ في ثراه صبياً
والليالي كواعباً غيرَ عُنْس
ركبتْ صُيّدُ المقادير عينيـ
ـه لنقْدٍ ومخلبيهِ لفرس
فأصابت به الممالكَ كسرى
وهرقلاً والعبقريَّ الفرنسي
يا فؤادي لكلِّ أمرٍ قرارٌ
فيه يبدو وينجلي بعدَ لَبْس
عقلتْ لجةُ الأمورِ عقولاً
طالتْ الحوتَ طُولَ سَبْح وَغَسِّ
غرقتْ حيثُ لا يصاحُ بطافٍ
أو غريقٍ ولا يصاخُ لحسِّ
فلكٌ يكسفُ الشموسَ نهاراً
ويسومُ البدورَ ليلةَ وكْس
ومواقيتُ للأمورِ إذا ما
بلغتها الأمورُ صارتْ لعكس
دولٌ كالرجالِ مرتهناتٌ
بقيامٍ من الجُدُودِ وتعْس
وليالٍ من كلِّ ذاتِ سوارٍ
لطَمَتْ كلَّ رَبِّ رُومٍ وفُرْس
سددتْ بالهلال قوساً وسلتْ
خنجراً ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون خوفو ودارا
وعفت وائلا وأَلوَتْ بعَبس
أين مروانُ في المشارق عرشٌ
أمويٌّ وفي المغارب كرسي
سقمتْ شمسهم فردَّ عليها
نورها كلُّ ثاقبِ الرأْي نطْس
ثم غابتْ وكلُّ شمسِ سوى هاتيـ
ـكَ تبلى وتنطوي تحتَ رَمس
وعظ البحتريَّ إيوانُ كسرى
وشفتني القصورُ من عبد شمس
رُبَّ ليلٍ سريتُ والبرقُ طرفي
وبساطٍ طويتُ والريحُ عَنْسي
أنظمُ الشرقَ في الجزيرة بالغر
بِ وأطوي البلاد حَزناً لدهس
في ديارٍ من الخلائف درسٍ
ومنارٍ من الطوائف طمس
وربىً كالجنانِ في كنف الزيتو
نِ خضرٍ وفي ذرا الكرمْ طلس
لم يرعني سوى ثرىً قرطبيٍّ
لمستْ فيه عبرةَ الدهر خمسي
يا وقى الله ما أُصبِّحُ منه
وسَقى صَفْوَةَ الحيَا ما أُمَسِّي
قريةٌ لا تعدُّ في الأرض كانت
تمسكُ الأَرض أن تَميدَ وتُرْسي
غَشِيتْ ساحلَ المحيط وغطَّتْ
لجَّةَ الرُّومِ من شراعٍ وقلسِ
ركب الدهرُ خاطري في ثراها(1181/2)
فأتى ذلك الحِمى بعد حَدْس
فتجلّتْ ليَ القصورُ ومن فيـ
ـها من العزِّ في منازلَ قعس
ما ضفتْ قطُّ في الملوكِ على نذْ
لِ المعالي ولا ترددتْ بنجس
وكأني بلغتُ للعلمِ بيتاً
فيه ما لِلعقولِ من كل دَرس
قُدُساً في البلادِ شرقاً وغرباً
حَجَّهُ القومُ من فقيهٍ وقَسّ
وعلى الجمعةِ الجلالةُ والنا
صرُ نورُ الخميس تحت الدَّرفس
ينزل التاجَ عن مفارقِ دونٍ
ويحلِّي به جبينَ البرنس
سِنَةٌ من كرىً وطيفُ أمانٍ
وصحا القلبُ من ضلالٍ وهَجْس
وإذا الدارُ ما بها من أنيسٍ
وإذا القومُ ما لهم من مُحسِ
ورقيق من البيوت عتيق
جاوز الألفَ غيرَ مذموم حرْس
أثرٌ من محمد وتراثٌ
صار للروح ذي الولاء الأمسِّ
بلغَ النَّجمَ ذروةً وتناهى
بين ثهلانَ في الأساس وقدس
مرمرٌ تسبحُ النواظُر فيه
ويطول المدى عليها فتُرسي
وسَوارٍ كأنها في استواءٍ
ألِفاتُ الوزيرِ في عَرضِ طِرْس
فَتَرَةُ الدهر قد كست سَطَرَيْها
ما اكتسى الهدبُ من فتور ونعس
وَيْحَهَا كَمْ تزينتْ لعليم
واحِدِ الدَّهرِ واستعدت لخمس
وكأن الرفيفَ في مسرح العيـ
ـن مُلاءٌ مدنَّراتُ الدِّمقس
وكأن الآيات في جانبيه
يتنزَّلنَ في معارج قدس
منبرٌ تحت منذرٍ من جلال
لم يزل يكتسبه أو تحتَ قُسِّ
ومكانُ الكتاب يغريكَ ريَّا
وردِه غائباً فتدنو للمس
صنعة الداخلِ المباركِ في الغر
ب وآلٍ له ميامينَ شُمسْ
مَنْ لحمراءَ جللتْ بغبار الـ
ـدهرِ كالجرح بين برءٍ ونُكس
كسنا البرقِ لو محا الضوءُ لحظاً
لمحتها العيونُ من طول قَبْس
حِصْنُ غرناطة ودارُ بني الأحـ
ـمر من غافلٍ ويقظانَ نَدْس
جَلَّلَ الثلجُ دونها رأسَ شيرى
فبدا منه في عصائبَ بِرس
سَرْمَدٌ شَيْبُهُ ولم أر شيباً
قبله يُرجى البقاءَ ويُنْسي
مَشَتِ الحادثاتُ في غُرَف الحمـ
ـراءِ مَشْيَ النَّعيِّ في دار عرس
هتكتْ عزَّةَ الحجابِ وفضَّت
سدةَ الباب من سمير وأنس
عَرَصاتٌ تخلَّت الخيلُ عنها(1181/3)
واستراحت من احتراسٍ وعَس
ومغانٍ على الليالي وِضاءٌ
لم تجد للعشيِّ تكرارَ مسِّ
لا ترى غير وافدين على التا
ريخ ساعينَ في خشوع ونكس
نقَّلوا الطرفَ في نضارَةِ آسٍ
من نقوش وفي عُصارة وَرْس
وقبابٍ من لا زوردٍ وتبرٍ
كالرُّبى الشُّمِّ بين ظل وشمس
وخطوطِ تكلفتْ للمعاني
ولألفاظها بأزين لبْس
وترى مجلسَ السباع خلاءً
مقفرَ القاعِ من ظباءٍ وخنس
لا الثريا ولا جواري الثريا
يتنزَّلْنَ فيه أقمارَ إنْس
مْرمرٌ قامت الأُسودُ عليه
كَلَّةَ الظُّفرِ ليِّنَاتِ المَجسّ
تنثر الماءَ في الحياض جُماناً
يَتنزّى على ترائبَ مُلس
آخرَ العهدِ بالجزيرة كانت
بعد عَرك من الزمان وضَرس
فتراها تقول رايةُ جيشٍ
بادَ بالأمس بين أسرٍ وحَسّ
ومفاتيحُها مقاليدُ ملكٍ
باعها الوارثُ المُضِيعُ بِبَخس
خرج القومُ في كتائب صُمٍّ
عن حفاظ كموكب الدَّفْن خُرْس
ركبوا بالبحار نَعْشاً وكانت
تحت آبائهم هي العرش أمس
رُبَّ بانٍ لهادِم وجَمُوعٍ
لمُشِتٍّ ومحسن لمخسّ
إمرةْ الناسِ همَّةٌ لا تأنَّى
لجبانٍ ولا تسَنَّى لجبس
وإذا ما أصاب بنيانَ قومٍ
وهي خُلْقٍ فإنه وهْيُ أُسّ
يا دياراً نزلتُ كالخُلد ظِلاًّ
وجنى دانياً وسَلْسَالَ أنس
مُحسِناتِ الفصولِ لا ناجرٌ فيـ
ـها بقيظٍ ولا جُمادَى بقرس
لا تَحِشّ العيونُ فوق رُباها
غيرَ حُورٍ حُوِّ المراشف لُعْس
كُسيتْ أفرخي بظلكِ ريشاً
وربا في رباكِ واشتدّ غرسي
هم بنو مصرَ لا الجميل لديهم
بمضاعٍ ولا الصنيعُ بمنسي
من لسانٍ على ثنائكِ وَقْفٌ
وجنانٌ على ولائكِ حَبْس
حسبهم هذه الطلولُ عِظاتٍ
من جديدٍ على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الما
ضي فقد غاب عنك وجهُ التأسيِّ(1181/4)
اللَهُ أَكبَرُ كَم في الفَتحِ مِن عَجَبٍ
1
اللَهُ أَكبَرُ كَم في الفَتحِ مِن عَجَبٍ *** يا خالِدَ التُركِ جَدِّد خالِدَ العَرَبِ
2
صُلحٌ عَزيزٌ عَلى حَربٍ مُظَفَّرَةٍ *** فَالسَيفُ في غِمدِهِ وَالحَقُّ في النُصُبِ
3
يا حُسنَ أُمنِيَّةٍ في السَيفِ ما كَذَبَتْ *** وَطيبَ أُمنِيَّةٍ في الرَأيِ لَم تَخِبِ
4
خُطاكَ في الحَقِّ كانَت كُلُّها كَرَمًا *** وَأَنتَ أَكرَمُ في حَقنِ الدَمِ السَرِبِ
5
حَذَوتَ حَربَ الصَلاحِيّينَ في زَمَنٍ *** فيهِ القِتالُ بِلا شَرعٍ وَلا أَدَبِ
6
لَم يَأتِ سَيفُكَ فَحشاءً وَلا هَتَكَتْ *** قَناكَ مِن حُرمَةِ الرُهبانِ وَالصُلُبِ
7
سُئِلتَ سِلمًا عَلى نَصرٍ فَجُدتَ بِها *** وَلَو سُئِلتَ بِغَيرِ النَصرِ لَم تُجِبِ
8
مَشيئَةٌ قَبِلَتها الخَيلُ عاتِبَةٌ *** وَأَذعَنَ السَيفُ مَطوِيًّا عَلى عَضَبِ
9
أَتَيتَ ما يُشبِهُ التَقوى وَإِن خُلِقَتْ *** سُيوفُ قَومِكَ لا تَرتاحُ لِلقُرُبِ
10
وَلا أَزيدُكَ بِالإِسلامِ مَعرِفَةً *** كُلُّ المُروءَةِ في الإِسلامِ وَالحَسَبِ
11
مَنَحتَهُم هُدنَةٌ مِن سَيفِكَ اِلتُمِسَت *** فَهَب لَهُم هُدنَةٌ مِن رَأيِكَ الضَرِبِ
12
أَتاهُمُ مِنكَ في «لَوزانَ» داهِيَةٌ *** جاءَت بِهِ الحَربُ مِن حَيّاتِها الرُقُبِ
13
أَصَمٌّ يَسمَعُ سِرَّ الكائِدينَ لَهُ *** وَلا يَضيقُ بِجَهرِ المُحنَقِ الصَخِبِ
14
لَم تَفتَرِق شَهَواتُ القَومِ في أَرَبٍ *** إِلا قَضى وَطَرًا مِن ذَلِكَ الأَرَبِ
15
تَدَرَّعَت لِلِقاءِ السِلمِ أَنقَرَةٌ *** وَمَهَّدَ السَيفُ في «لوزانَ» لِلخُطَبِ
16
فَقُل لِبانٍ بِقَولٍ رُكنَ مَملَكَةٍ *** عَلى الكَتائِبِ يُبنى المُلكُ لا الكُتُبِ
17
لا تَلتَمِس غَلَبًا لِلحَقِّ في أُمَمٍ *** الحَقُّ عِندَهُمُ مَعنىً مِنَ الغَلَبِ
18
لا خَيرَ في مِنبَرٍ حَتّى يَكونَ لَهُ *** عودٌ مِنَ السُمرِ أَو عودٌ مِنَ القُضُبِ
19(1182/1)
وَما السِلاحُ لِقَومٍ كُلُّ عُدَّتِهِمْ *** حَتّى يكونوا مِنَ الأَخلاقِ في أُهُبِ
20
لَو كانَ في النابِ دونَ الخُلقِ مَنبَهَةٌ *** تَساوَتِ الأُسدُ وَالذُؤبانُ في الرُتَبِ
21
لَم يُغنِ عَن قادَةِ اليونانَ ما حَشَدوا *** مِنَ السِلاحِ وَما ساقوا مِنَ العُصَبِ
22
وَتَركُهُمْ آسِيا الصُغرى مُدَجَّجَةً *** كَثُكنَةِ النَحلِ أَو كَالقُنفُذِ الخَشَبِ
23
لِلتُركِ ساعاتُ صَبرٍ يَومَ نَكبَتِهِمْ *** كُتِبنَ في صُحُفِ الأَخلاقِ بِالذَهَبِ
24
مَغارِمٌ وَضَحايا ما صَرَخنَ وَلا *** كُدِّرنَ بِالمَنِّ أَو أُفسِدنَ بِالكَذِبِ
25
بِالفِعلِ وَالأَثَرِ المَحمودِ تَعرِفُها *** وَلَستَ تَعرِفُها بِاِسمٍ وَلا لَقَبِ
26
جُمِعنَ في اِثنَينِ مِن دينٍ وَمِن وَطَنٍ *** جَمعَ الذَبائِحِ في اسمِ اللهِ وَالقُرَبِ
27
فيها حَياةٌ لِشَعبٍ لَم يَمُت خُلُقًا *** وَمَطمَعٌ لِقَبيلٍ ناهِضٍ أَرَبِ
28
لَم يَطعَمِ الغُمضَ جَفَنُ المُسلِمينَ لَها *** حَتّى انجَلى لَيلُها عَن صُبحِهِ الشَنِبِ
29
كُنَّ الرَجاءَ وَكُنَّ اليَأسَ ثُمَّ مَحا *** نورُ اليَقينِ ظَلامَ الشَكِّ وَالرَيَبِ
30
تَلَمَّسَ التُركُ أَسبابًا فَما وَجَدوا *** كَالسَيفِ مِن سُلَّمٍ لِلعِزِّ أَو سَبَبِ
31
خاضوا العَوانَ رَجاءً أَن تُبَلِّغَهُمْ *** عَبرَ النَجاةِ فَكانَت صَخرَةَ العَطَبِ
32
سَفينَةُ اللَهِ لَم تُقهَر عَلى دُسُرٍ *** في العاصِفاتِ وَلَم تُغلَب عَلى خُشُبِ
33
قَد أَمَّنَ اللَهُ مَجراها وَأَبدَلَها *** بِحُسنِ عاقِبَةٍ مِن سوءِ مُنقَلَبِ
34
وَاختارَ رُبّانَها مِن أَهلِها فَنَجَتْ *** مِن كَيدِ حامٍ وَمِن تَضليلِ مُنتَدَبِ
35
ما كانَ ماءُ «سَقارَيّا» سِوى سَقَرٍ *** طَغَتْ فَأَغرَقَتِ الإِغريقَ في اللَهَبِ
36
لَمّا انبَرَت نارُها تَبغيهُمُ حَطَبًا *** كانَت قِيادَتُهُم حَمّالَةَ الحَطَبِ
37(1182/2)
سَعَتْ بِهِمْ نَحوَكَ الآجالُ يَومَئِذٍ *** يا ضَلَّ ساعٍ بِداعي الحَينِ مُنجَذِبِ
38
مَدّوا الجُسورَ فَحَلَّ اللهُ ما عَقَدوا *** إِلا مَسالِكَ فِرعَونِيَّةَ السَرَبِ
39
كَربٌ تَغَشّاهُمُ مِن رَأيِ ساسَتِهِمْ *** وَأَشأَمُ الرَأيِ ما أَلقاكَ في الكُرَبِ
40
هُم حَسَّنوا لِلسَوادِ البُلهِ مَملَكَةً *** مِن لِبدَةِ اللَيثِ أَو مِن غيلِهِ الأَشِبِ
41
وَأَنشَؤوا نُزهَةً لِلجَيشِ قاتِلَةً *** وَمَن تَنَزَّهَ في الآجامِ لَم يَؤُبِ
42
ضَلَّ الأَميرُ كَما ضَلَّ الوَزيرُ بِهِمْ *** كِلا السَرابَينِ أَظماهُمْ وَلَم يَصُبِ
43
تَجاذَباهُمْ كَما شاءا بِمُختَلِفٍ *** مِنَ الأَمانِيِّ وَالأَحلامِ مُختَلِبِ
44
وَكَيفَ تَلقى نَجاحًا أُمَّةٌ ذَهَبَتْ *** حِزبَينِ ضِدَّينِ عِندَ الحادِثِ الحَزِبِ
45
زَحَفتَ زَحفَ أَتِيٍّ غَيرِ ذي شَفَقٍ *** عَلى الوِهادِ وَلا رِفقٍ عَلى الهِضَبِ
46
قَذَفتَهُمْ بِالرِياحِ الهوجِ مُسرَجَةً *** يَحمِلنَ أُسدَ الشَرى في البَيضِ وَاليَلَبِ
47
هَبَّتْ عَلَيهِمْ فَذابوا عَن مَعاقِلِهِمْ *** وَالثَلجُ في قُلَلِ الأَجبالِ لَم يَذُبِ
48
لَمّا صَدَعتَ جَناحَيهِمْ وَقَلبَهُمُ *** طاروا بِأَجنِحَةٍ شَتّى مِنَ الرُعبِ
49
جَدَّ الفِرارُ فَأَلقى كُلُّ مُعتَقَلٍ *** قَناتَهُ وَتَخَلى كُلُّ مُحتَقِبِ
50
يا حُسنَ ما انسَحَبوا في مَنطِقٍ عَجَبٍ *** تُدعى الهَزيمَةُ فيهِ حُسنَ مُنسَحَبِ
51
لَم يَدرِ قائِدُهُمْ لَمّا أَحَطَّتَ بِهِ *** هَبَطتَ مِن صُعُدٍ أَم جِئتَ مِن صَبَبِ
52
أَخَذتَهُ وَهوَ في تَدبيرِ خُطَّتِهِ *** فَلَم تَتِمَّ وَكانَت خُطَّةَ الهَرَبِ
53
تِلكَ الفَراسِخُ مِن سَهلٍ وَمِن جَبَلٍ *** قَرَّبتَ ما كانَ مِنها غَيرَ مُقتَرِبِ
54
خَيلُ الرَسولِ مِنَ الفولاذِ مَعدِنُها *** وَسائِرُ الخَيلِ مِن لَحمٍ وَمِن عَصَبِ
55(1182/3)
أَفي لَيالٍ تَجوبُ الراسِياتُ بِها *** وَتَقطَعُ الأَرضَ مِن قُطْبٍ إِلى قُطُبِ
56
سَلِ الظَلامَ بِها أَيُّ المَعاقِلِ لَمْ *** تَطفِر وَأَيُّ حُصونِ الرومِ لَم تَشبِ
57
آلَت لَئِن لَم تَرِد «أَزميرَ» لا نَزَلَت *** ماءً سِواها وَلا حَلَّت عَلى عُشُبِ
58
وَالصَبرُ فيها وَفي فُرسانِها خُلُقٌ *** تَوارَثوهُ أَبًا في الرَوعِ بَعدَ أَبِ
59
كَما وُلِدتُمْ عَلى أَعرافِها وُلِدَتْ *** في ساحَةِ الحَربِ لا في باحَةِ الرَحَبِ
60
حَتّى طَلَعتَ عَلى «أَزميرَ» في فَلَكٍ *** مِن نابِهِ الذِكرِ لَم يَسمُك عَلى الشُهُبِ
61
في مَوكِبٍ وَقَفَ التأريخُ يَعرِضُهُ *** فَلَم يُكَذِّب وَلَم يَذمُم وَلَم يُرِبِ
62
يَومٌ كَبَدرٍ فَخَيلُ الحَقِّ راقِصَةٌ *** عَلى الصَعيدِ وَخَيلُ اللهِ في السُحُبِ
63
غُرٌّ تُظَلِّلُها غَرّاءُ وارِفَةٌ *** بَدرِيَّةُ العودِ وَالديباجِ وَالعَذَبِ
64
نَشوى مِنَ الظَفَرِ العالي مُرَنَّحَةٌ *** مِن سَكرَةِ النَصرِ لا مِن سَكرَةِ النَصَبِ
65
تُذَكِّرُ الأَرضُ ما لَم تَنسَ مِن زَبَدٍ *** كَالمِسكِ مِن جَنَباتِ السَكبِ مُنسَكِبِ
66
حَتّى تَعالى أَذانُ الفَتحِ فَاتَّأَدَت *** مَشيَ المُجَلّي إِذا استَولى عَلى القَصَبِ
67
تَحِيَّةً أَيُّها الغازي وَتَهنِئَةً *** بِآيَةِ الفَتحِ تَبقى آيَةُ الحِقَبِ
68
وَقَيِّمًا مِن ثَناءٍ لا كِفاءَ لَهُ *** إِلا التَعَجُّبُ مِن أَصحابِكَ النُجُبِ
69
الصابِرينَ إِذا حَلَّ البَلاءُ بِهِمْ *** كَاللَيثِ عَضَّ عَلى نابَيهِ في النُوَبِ
70
وَالجاعِلينَ سُيوفَ الهِندِ أَلسِنَهُمْ *** وَالكاتِبينَ بِأَطرافِ القَنا السُلُبُ
71
لا الصَعبُ عِندَهُمُ بِالصَعبِ مَركَبُهُ *** وَلا المُحالُ بِمُستَعصٍ عَلى الطَلَبِ
72
وَلا المَصائِبُ إِذ يَرمي الرِجالُ بِها *** بِقاتِلاتٍ إِذا الأَخلاقُ لَم تُصَبِ
73(1182/4)
قُوّادُ مَعرَكَةٍ وُرّادُ مَهلَكَةٍ *** أَوتادُ مَملَكَةٍ آسادُ مُحتَرَبِ
74
بَلَوتَهُمْ فَتَحَدَّث كَم شَدَدتَ بِهِمْ *** مِن مُضمَحِلٍّ وَكَم عَمَّرتَ مِن خُرَبِ
75
وَكَم ثَلَمتَ بِهِمْ مِن مَعقِلٍ أَشِبٍ *** وَكَم هَزَمتَ بِهِمْ مِن جَحفَلٍ لَجِبِ
76
وَكَم بَنَيتَ بِهِمْ مَجدًا فَما نَسَبوا *** في الهَدمِ ما لَيسَ في البُنيانِ مِن صَخَبِ
77
مِن فَلِّ جَيشٍ وَمِن أَنقاضِ مَملَكَةٍ *** وَمِن بَقِيَّةِ قَومٍ جِئتَ بِالعَجَبِ
78
أَخرَجتَ لِلناسِ مِن ذُلٍّ وَمِن فَشَلٍ *** شَعبًا وَراءَ العَوالي غَيرَ مُنشَعِبِ
79
لَمّا أَتَيتَ بِبَدرٍ مِن مَطالِعِها *** تَلَفَّتَ البَيتُ في الأَستارِ وَالحُجُبِ
80
وَهَشَّتِ الرَوضَةُ الفَيحاءُ ضاحِكَةً *** إِنَّ المُنَوَّرَةَ المِسكِيَّةَ التُرُبِ
81
وَمَسَّتِ الدارُ أَزكى طيبِها وَأَتَتْ *** بابَ الرَسولِ فَمَسَّتْ أَشرَفَ العُتُبِ
82
وَأَرَّجَ الفَتحُ أَرجاءَ الحِجازِ وَكَمْ *** قَضى اللَيالِيَ لَم يَنعَمْ وَلَم يَطِبِ
83
وَازَّيَّنَت أُمَّهاتُ الشَرقِ وَاستَبَقَتْ *** مَهارِجُ الفَتحِ في المُؤشِيَّةِ القُشُبِ
84
هَزَّت دِمَشقُ بَني أَيّوبَ فَانتَبِهوا *** يَهنَئونَ بَني حَمدانَ في حَلَبِ
85
وَمُسلِمو الهِندِ وَالهِندوسُ في جَذَلٍ *** وَمُسلِمو مِصرَ وَالأَقباطُ في طَرَبِ
86
مَمالِكٌ ضَمَّها الإِسلامُ في رَحِمٍ *** وَشيجَةٍ وَحَواها الشَرقُ في نَسَبِ
87
مِن كُلِّ ضاحِيَةٍ تَرمي بِمُكتَحَلٍ *** إِلى مَكانِكَ أَو تَرمي بِمُختَضَبِ
88
تَقولُ لَولا الفَتى التُركِيُّ حَلَّ بِنا *** يَومٌ كَيَومِ يَهودٍ كانَ عَن كَثَبِ(1182/5)
المطرية تتكلم
المطرية : اسم بلد كان يسكنها الشاعر، وقد أحس بحاجة هذا البلد إلى مدرسة تهذب أبناءه، فناشد وزير المعارف سعد زغلول باشا أن يقوم بذلك، بلسان المطرية
1
يا ناشِرَ العِلمِ بِهَذي البِلادْ *** وُفِّقتَ نَشرُ العِلمِ مِثلُ الجِهادْ
2
بانِيَ صَرحِ المَجدِ أَنتَ الَّذي *** تَبني بُيوتَ العِلمِ في كُلِّ نادْ
3
بِالعِلمِ سادَ الناسُ في عَصرِهِمْ *** وَاختَرَقوا السَبعَ الطِباقَ الشِدادْ
4
أَيَطلُبُ المَجدَ وَيَبغي العُلا *** قَومٌ لِسوقِ العِلمِ فيهِمْ كَسادْ
5
نَقّادُ أَعمالِكَ مُغلٍ لَها *** إِذا غَلا الدُرُّ غَلا الانتِقادْ
6
ما أَصعَبَ الفِعلَ لِمَن رامَهُ *** وَأَسهَلَ القَولَ عَلى مَن أَرادْ
7
سَمعًا لِشَكوايَ فَإِن لَم تَجِد *** مِنكَ قُبولًا فَالشَكاوى تُعادْ
8
عَدلًا عَلى ما كانَ مِن فَضلِكُمْ *** فَالفَضلُ إِنْ وُزِّع بِالعَدلِ زادْ
9
أَسمَعُ أَحيانًا وَحينًا أَرى *** مَدرَسَةً في كُلِّ حَيٍّ تُشادْ
10
قَدَّمتَ قَبلي مُدُنًا أَو قُرى *** كُنتُ أَنا السَيفَ وَكُنَّ النِجادْ
11
أَنا الَّتي كُنتُ سَريرًا لِمَن *** سادَ كَإِدوَردَ زَمانًا وَشادْ
12
قَد وَحَّدَ الخالِقَ في هَيكَلٍ *** مِن قَبلِ سُقراطَ وَمِن قَبلِ عادْ
13
وَهَذَّبَ الهِندُ دِياناتِهِمْ *** بِكُلِّ خافٍ مِن رُموزي وَبادْ
14
وَمِن تَلاميذي موسى الَّذي *** أوحِيَ مِن بَعدُ إِلَيهِ فَهادْ
15
وَأُرضِعَ الحِكمَةَ عيسى الهُدى *** أَيّامَ تُربي مَهدُهُ وَالوِسادْ
16
مَدرَسَتي كانَت حِياضَ النُهى *** قَرارَةَ العِرفانِ دارَ الرَشادْ
17
مَشايِخُ اليونانِ يَأتونَها *** يُلقونَ في العِلمِ إِلَيها القِيادْ
18
كُنّا نُسَمّيهِمْ بِصِبيانِهِ *** وَصِبيَتي بِالشَيبِ أَهلُ السَدادْ
19
ذَلِكَ أَمسي ما بِهِ ريبَةٌ *** وَيَومِيَ القُبَّةُ ذاتُ العِمادْ
20(1183/1)
أَصبَحتُ كَالفِردَوسِ في ظِلِّها *** مِن مِصرَ لِلخَنكا لِظِلّي امتِدادْ
21
لَولا جُلّى زَيتونِيَ النَضرِ ما *** أَقسَمَ بِالزَيتونِ رَبُّ العِبادْ
22
الواحَةُ الزَهراءُ ذاتُ الغِنى *** تُربي الَّتي ما مِثلِها في البِلادْ
23
تُريكَ بِالصُبحِ وَجُنحِ الدُجى *** بُدورَ حُسنٍ وَشُموسَ اتِّقادْ
24
بَنِيَّ يا سَعدُ كَزُغبِ القَطا *** لا نَقَّصَ اللَهُ لَهُمْ مِن عِدادْ
25
إِنْ فاتَكَ النَسلُ فَأَكرِمْ بِهِمْ *** وَرُبَّ نَسلٍ بِالنَدى يُستَفادْ
26
أَخشى عَلَيهِمْ مِن أَذىً رائِحٍ *** يَجمَعُهُمْ في الفَجرِ وَالعَصرِ غادْ
27
صَفيرُهُ يَسلُبُني راحَتي *** وَيَمنَعُ الجَفنَ لَذيذَ الرُقادْ
28
يَعقوبُ مِن ذِئبٍ بَكى مُشفِقًا *** فَكَيفَ أَنيابُ الحَديدِ الحِدادْ
29
فَانظُر رَعاكَ اللَهُ في حاجِهِمْ *** فَنَظرَةٌ مِنكَ تُنيلُ المُرادْ
30
قَد بَسَطوا الكَفَّ عَلى أَنَّهُمْ *** في كَرَمِ الراحِ كَصَوبِ العِهادْ
31
إِنْ طُلِبَ القِسطُ فَما مِنهُمُ *** إِلّا جَوادٌ عَن أَبيهِ الجَوادْ(1183/2)
الهلال
سنون تعادُ ودهرٌ يعيدْ
----------- لعمرُك ما فى الليالي من جديدْ
أضاء لآدمَ هذا الهلال
----------- فكيف تقولُ الهلال الوليد
نعد عليه الزمانَ القريب
----------- ويُحصى علينا الزمانَ البعيد
على صفحتيه حديث القرى
----------- وأيام (عاد) ودنيا(ثمود)
و(طيبة) آهلة بالملوك
----------- (وطيبة) مقفرة بالصعيد
يزول ببعض سناه الصفا(1)
---------- ويفنى ببعض سناه الحديد
ومن عجَبٍ وهو جَد الليالي
----------- يبيد الليالي فيما يبيد
-----------*******-------------
يقولون يا عامُ عدتَ لي
---------- فياليت شعري بماذا تعود؟
لقد كنتَ لى أمس ما لم أرد
-------- فهل أنت لى اليوم ما لا أريد؟
ومَنْ صاَبر الدهَر صبري له
------- شكا فى الثلاثين شكوى (لبيد)
ظمِئت ومثلي بِرِىً أحمق
----- كأني حسينٌ(3) ودهري يزيد
تغابيتث حتى صحِبتُ الجهول
------ وداريتُ حتى صحبت الحسود
*********************************
(1) الصفا: الصخر
(2) لبيد :هو لبيد بن أبى ربيعة أحد العمرين
(3) حسين: هو الحسين بن على بن أبى طالب
(4) يزيد : هو يزيد بن معاوية بن أبى سفيان
-----------------------------------------------(1184/1)
اليَومُ نَسودُ بِوادينا
1
اليَومُ نَسودُ بِوادينا *** وَنُعيدُ مَحاسِنَ ماضينا
2
وَيُشيدُ العِزُّ بَأَيدينا *** وَطَنٌ نَفديهِ وَيَفدينا
3
وَطَنٌ بِالحَقِّ نُؤَيِّدُهُ *** وَبِعَينِ اللَهِ نُشَيِّدُهُ
4
وَنُحَسِّنُهُ وَنُزَيِّنُهُ *** بِمَآثِرِنا وَمَساعينا
5
سِرُّ التاريخِ وَعُنصُرُهُ *** وَسَريرُ الدَهرِ وَمِنبَرُهُ
6
وَجِنانُ الخُلدِ وَكَوثَرُهُ *** وَكَفى الآباءُ رَياحينا
7
نَتَّخِذُ الشَمسَ لَهُ تاجًا *** وَضُحاها عَرشًا وَهّاجا
8
وَسَماءَ السُؤدَدِ أَبراجًا *** وَكَذلِكَ كانَ أَوالينا
9
العَصرُ يَراكُم وَالأُمَمُ *** وَالكَرنَكُ يَلحَظُ وَالهَرَمُ
10
أَبني الأَوطانَ أَلا هِمَمُ *** كَبِناءِ الأَوَّلِ يَبنينا
11
سَعيًا أَبَدًا سَعيًا سَعيًا *** لِأَثيلِ المَجدِ وَلِلعَليا
12
وَلنَجعَل مِصرَ هِيَ الدُنيا *** وَلنَجعَل مِصرَ هِيَ الدُنيا(1185/1)
امرؤ القيس والعذارى .....
لحامد حسن
( ألا رب يومٍ لك منهمن صالحٍ *** ولا سيما يومٍ بدارة جلجلِ )
المعلقة
أزفَ الترحلُ .. فالمطهمةُ العتاقُ الهوجُ تُسرج
والفاتناتُ ، الهِيفُ ، سكرى الدلِ تبسمُ للمدجج
هذي على قتبٍٍ يدغدغها الهجيرُ ...وتلك هودج
وأطل فرعاها وما خجلا ...علىالكَفَلِِ المرجرج
والناهدُ البطرُ المكوز ...... دائمُ الوثبات أهوج
وظلالُ أهداب العيون .. حقول ازهار البنفسج
رسمت على الحدقات سطراً مبهمَ الكلمات أعوج
وبكل بارقةٍ تُطل دنىً .............. بفتنتها تموج
والدربُ من ألقٍ ومن عبقٍ ومن غزلٍ مضرج
**
غصت لَهَاةُ البيدِ بالعطراتِ .......والحادي توغل
أزمازمُ اللفحات في الصحراءِ ؟ أم غليان مرجل ؟
سعته ألسنة اللهيبِ ........ فضج ملسوعاً وولول
وحسانُ " كندة " جئن بعد الركب ماءَ غدير جلجل
غيدٌ .. رشاقٌ .. عاطراتٌ .. ميس الأعطاف .. عطل
وتكادُ من حر الظهيرة .. والصبا المهتاج تُشعل
فرمين بالحبرات..... واستسلمن للماء المسلسل
حببٌ طفا .. في مرشف الكأس المعطرة المقبل
إما تناظم .. أو تبدد .... أو تساكن ..... أو تقلقل
شهبٌ مزعفرةُ الأشعة .. بُعثرت ... والأفق مُخمل
الماءُ .. حتى الماءُ يهصرهن مفتوناً ..... فيثمل
متلألئ القسماتِ .. صفق للمجانةِ .. ليس يخجل
ووراءهن فتىً يذوبُ جوىً ....... بمخبئه تململ
متواصل الزفراتِ. أسفع .. أشعث الفودين أعزل
مترقبٌ قلقٌ ......... فإما لاح منه الظل أجفل
شبحٌ . بمدرجة العراءِ . يروغ في حذرٍ تسلل
خطِفَ الثياب .. وعاد يطفح بين جانحتيه مأمل
وأطل من كثبٍ ... ....وأورد مقلتيه ألذ منهل
فيثور والشوق المذيبُ .. بكل جارحةٍ تغلغل
**
خرج العذارى من ذراع الماء يثنين الضفائر
اللاصقات على الترائب .. والمناكب والخواصر
والماء يقطر من جوانبها كذوب النور عاطر
يرفض في الفجوات .. كالأحلام في أجفان شاعر
والشمس تلثم كل مكتنزٍ ، شهي العري نافر(1186/1)
وإذا الفتى يبدو ،ويرسل شدقه ضحكات فاجر
متحفزٌ للوثب.. مشتعل الحشا .. لهفان ثائر
فصرخن خوفاً .. وارتمين ليتخذن الماء ساتر
وانسبن فيه مثلما تنساب في القلب الخواطر
***
عطفت أميرتهن والنهدانِ في الصدرِ اشرأبا
يأبى لها إلا الخروج إليه عاريةً .. فتأبى
حتى إذا هزأ الخليعُ بكلِ عاطفةٍ وقربى
خرجت تعثر بالحياءِ .. كسيرة النظرات غضبى
ترتج .. والجسد العري .. غدا لناظرتيه نهبا ..!(1186/2)
اِثنِ عَنانَ القَلبِ وَاسلَم بِهِ
1
اِثنِ عَنانَ القَلبِ وَاسلَم بِهِ *** مِن رَبرَبِ الرَملِ وَمِن سِربِهِ
2
وَمِن تَثَنّي الغيدِ عَن بانِهِ *** مُرتَجَّةَ الأَردافِ عَن كُثبِهِ
3
ظِباؤُهُ المُنكَسِراتُ الظُبا *** يَغلِبنَ ذا اللُبِّ عَلى لُبِّهِ
4
بيضٌ رِقاقُ الحُسنِ في لَمحَةٍ *** مِن ناعِمِ الدُرِّ وَمِن رَطبِهِ
5
ذَوابِلُ النَرجِسِ في أَصلِهِ *** يَوانِعُ الوَردِ عَلى قُضبِهِ
6
زِنَّ عَلى الأَرضِ سَماءَ الدُجى *** وَزِدنَ في الحُسنِ عَلى شُهبِهِ
7
يَمشينَ أَسرابًا عَلى هينَةٍ *** مَشيَ القَطا الآمِنِ في سِربِهِ
8
مِن كُلِّ وَسنانٍ بِغَيرِ الكَرى *** تَنتَبِهُ الآجالُ مِن هُدبِهِ
9
جَفنٌ تَلَقّى مَلَكا بابِلٍ *** غَرائِبَ السِحرِ عَلى غَربِهِ
10
يا ظَبيَةَ الرَملِ وُقيتِ الهَوى *** وَإِن سَمِعَت عَيناكِ في جَلبِهِ
11
وَلا ذَرَفتِ الدَمعَ يَومًا وَإِن *** أَسرَفتِ في الدَمعِ وَفي سَكبِهِ
12
هَذي الشَواكي النُحلُ صِدنَ امرأً *** مُلقى الصِبا أَعزَلَ مِن غَربِهِ
13
صَيّادَ آرامٍ رَماهُ الهَوى *** بِشادِنٍ لا بُرءَ مِن حُبِّهِ
14
شابٌّ وَفي أَضلُعِهِ صاحِبٌ *** خِلوٌ مِنَ الشَيبِ وَمِن خَطبِهِ
15
واهٍ بِجَنبي خافِقٌ كُلَّما *** قُلتُ تَناهى لَجَّ في وَثبِهِ
16
لا تَنثَني الآرامُ عَن قاعِهِ *** وَلا بَناتُ الشَوقِ عَن شِعبِهِ
17
حَمَّلتُهُ في الحُبِّ ما لَم يَكُن *** لِيَحمِلَ الحُبُّ عَلى قَلبِهِ
18
ما خَفَّ إِلّا لِلهَوى وَالعُلا *** أَو لِجَلالِ الوَفدِ في رَكبِهِ
19
أَربَعَةٌ تَجمَعُهُم هِمَّةٌ *** يَنقُلُها الجيلُ إِلى عَقبِهِ
20
قِطارُهُم كَالقَطرِ هَزَّ الثَرى *** وَزادَهُ خِصبًا عَلى خِصبِهِ
21
لَولا استِلامُ الخَلقِ أَرسانَهُ *** شَبَّ فَنالَ الشَمسَ مِن عُجبِهِ
22
كُلُّهُمُ أَغيَرُ مِن وائِلٍ *** عَلى حِماهُ وَعَلى شَعبِهِ
23(1187/1)
لَو قَدَروا جاؤوكُمُ بِالثَرى *** مِن قُطبِهِ مُلكًا إِلى قُطبِهِ
24
وَما اعتِراضُ الحَظِّ دونَ المُنى *** مِن هَفوَةِ المُحسِنِ أَو ذَنبِهِ
25
وَلَيسَ بِالفاضِلِ في نَفسِهِ *** مَن يُنكِرُ الفَضلَ عَلى رَبِّهِ
26
ما بالُ قَومي اختَلَفوا بَينَهُمْ *** في مِدحَةِ المَشروعِ أَو ثَلبِهِ
27
كَأَنَّهُمْ أَسرى أَحاديثُهُمْ *** في لَيِّنِ القَيدِ وَفي صُلبِهِ
28
يا قَومِ هَذا زَمَنٌ قَد رَمى *** بِالقَيدِ وَاستَكبَرَ عَن سَحبِهِ
29
لَو أَنَّ قَيدًا جاءَهُ مِن عَلِ *** خَشيتُ أَن يَأتي عَلى رَبِّهِ
30
وَهَذِهِ الضَجَّةُ مِن ناسِهِ *** جَنازَةُ الرِقِّ إِلى تُربِهِ
31
مَن يَخلَعُ النيرَ يَعِش بُرهَةً *** في أَثَرِ النيرِ وَفي نَدبِهِ
32
يا نَشأَ الحَيِّ شَبابَ الحِمى *** سُلالَةَ المَشرِقِ مِن نُجبِهِ
33
بَني الأُلى أَصبَحَ إِحسانُهُم *** دارَت رَحى الفَنِّ عَلى قُطبِهِ
34
موسى وَعيسى نَشَآ بَينَهُم *** في سَعَةِ الفِكرِ وَفي رُحبِهِ
35
وَعالَجا أَوَّلَ ما عالَجا *** مِن عِلَلِ العالَمِ أَو طِبِّهِ
36
ما نَسِيَت مِصرُ لَكُم بِرَّها *** في حازِبِ الأَمرِ وَفي صَعبِهِ
37
مَزَّقتُمُ الوَهمَ وَأَلِفتُمُ *** أَهِلَّةَ اللهِ عَلى صُلبِهِ
38
حَتّى بَنَيتُم هَرَمًا رابِعًا *** مِن فِئَةِ الحَقِّ وَمِن حِزبِهِ
39
يَومٌ لَكُم يَبقى كَبَدرٍ عَلى *** أَنصارِ سَعدٍ وَعَلى صَحبِهِ
40
قَد صارَتِ الحالُ إِلى جِدِّها *** وَانتَبَهَ الغافِلُ مِن لُعبِهِ
41
اللَيثُ وَالعالَمُ مِن شَرقِهِ *** في هَيبَةِ اللَيثِ إِلى غَربِهِ
42
قَضى بِأَن نَبني عَلى نابِهِ *** مُلكَ بَنينا وَعَلى خِلبِهِ
43
وَنَبلُغُ المَجدَ عَلى عَينِهِ *** وَنَدخُلُ العَصرَ إِلى جَنبِهِ
44
وَنَصِلَ النازِلَ في سِلمِهِ *** وَنَقطَعَ الداخِلَ في حَربِهِ
45
وَنَصرِفَ النيلَ إِلى رَأيِهِ *** يَقسِمُهُ بِالعَدلِ في شِربِهِ
46(1187/2)
يُبيحُ أَو يَحمي عَلى قُدرَةٍ *** حَقَّ القُرى وَالناسُ في عَذبِهِ
47
أَمرٌ عَلَيكُم أَو لَكُم في غَدٍ *** ما ساءَ أَو ما سَرَّ مِن غَبِّهِ
48
لا تَستَقِلّوهُ فَما دَهرُكُم *** بِحاتِمِ الجودِ وَلا كَعبِهِ
49
نَسمَعُ بِالحَقِّ وَلَم نَطَّلِع *** عَلى قَنا الحَقِّ وَلا قُضبِهِ
50
يَنالُ بِاللينِ الفَتى بَعضَ ما *** يَعجَزُ بِالشِدَّةِ عَن غَصبِهِ
51
فَإِن أَنِستُم فَليَكُن أُنسُكُم *** في الصَبرِ لِلدَهرِ وَفي عَتبِهِ
52
وَفي احتِشامِ الأُسدِ دونَ القَذى *** إِذا هِيَ اضطُرَّت إِلى شُربِهِ
53
قَد أَسقَطَ الطَفرَةَ في مُلكِهِ *** مَن لَيسَ بِالعاجِزِ عَن قَلبِهِ
54
يا رُبَّ قَيدٍ لا تُحِبّونَهُ *** زَمانُكُم لَم يَتَقَيَّد بِهِ
55
وَمَطلَبٍ في الظَنِّ مُستَبعَدٍ *** كَالصُبحِ لِلناظِرِ في قُربِهِ
56
وَاليَأسُ لا يَجمُلُ مِن مُؤمِنٍ *** ما دامَ هَذا الغَيبُ في حُجبِهِ(1187/3)
بحث عن حياة أمير الشعراء أحمد شوقي "
تمهيد
نبذة عن حياة الشاعر
أحمد شوقي
أحمد شوقي.. أمير الشعراء
كان الشعر العربي على موعد مع القدر ، ينتظر من يأخذ بيده ، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة ، وتعيد له الدماء في الأوصال ، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن ، خامل الحركة ، كليل البصر .
وشاء الله أن يكون " البارودي " هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي ، ويلبسه أثوابًا قشيبة ، زاهية اللون ، بديعة الشكل والصورة ، ويوصله بماضيه التليد ، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية .
ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره - وإن كان له فضل السبق والريادة - فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها ، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال : إسماعيل صبري ، وحافظ إبراهيم ، وأحمد محرم ، وأحمد نسيم ، وأحمد الكاشف ، وعبد الحليم المصري . وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضي واختيار ، فقد ملأ الدنيا بشعره ، وشغل الناس ، وأشجى القلوب .
المولد والنشأة
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م) لأب شركسي وأم من أصول يونانية ، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل ، وعلى جانب من الغنى والثراء ، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر ، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح ، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة ، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة ، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا ، فبدأ الشعر يجري على لسانه .(1188/1)
وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م) ، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا ، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ " محمد البسيوني " ، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه ، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات ، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية ، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي ، وأفهمه أنه جدير بالرعاية ، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته .
السفر إلى فرنسا
وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة ، والتحق بقصر الخديوي توفيق ، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا ، فالتحق بجامعة " مونبلييه " لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م) ، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر .
العودة إلى مصر
عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر ، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر ، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز ، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده ، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه ، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر ، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م) ، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر ، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد ، فاختار النفي إلى برشلونة في أسبانيا ، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط .
شعره في هذه الفترة(1188/2)
ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح ؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه ، وهجاء أعدائه ، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له ، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم ، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض .
ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم ، لا نقمة على المحتلين فحسب ، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك ، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر ، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها :
غمرت القوم إطراءً وحمدًا @@@ وهم غمروك بالنعم الجسام
خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًا @@@ أضيف إلى مصائبنا العظام
لهجت بالاحتلال وما أتاه @@@ وجرحك منه لو أحسست دام
وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة ، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة ، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي ؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي ، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان ، قوي الرنين ، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد المستعمر ، ومطلع القصيدة :
المشرقان عليك ينتحبان @@@ قاصيهما في مأتم والدان
يا خادم الإسلام أجر مجاهد @@@ في الله من خلد ومن رضوان
لمّا نُعيت إلى الحجاز مشى الأسى @@@ في الزائرين وروّع الحرمان
وارتبط شوقي بدولة الخلافة العثمانية ارتباطًا وثيقًا ، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني ؛ داعيًا المسلمين إلى الالتفات حولها ؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد من أزرهم ، فيقول :
أما الخلافة فهي حائط بيتكم @@@ حتى يبين الحشر عن أهواله(1188/3)
لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم @@@ فمصيبة الإسلام من جهالة
ولما انتصرت الدولة العثمانية في حربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1987م) كتب مطولة عظيمة بعنوان " صدى الحرب " ، أشاد فيها بانتصارات السلطان العثماني ، واستهلها بقوله :
بسيفك يعلو والحق أغلب @@@ وينصر دين الله أيان تضرب
وهي مطولة تشبه الملاحم ، وقد قسمها إلى أجزاء كأنها الأناشيد في ملحمة ، فجزء تحت عنوان " أبوة أمير المؤمنين " ، وآخر عن " الجلوس الأسعد " ، وثالث بعنوان " حلم عظيم وبطش أعظم " . ويبكي سقوط عبد الحميد الثاني في انقلاب قام به جماعة الاتحاد والترقي ، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التي بعنوان " الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد " ، وقد استهلها بقوله :
سل يلدزا ذات القصور @@@ هل جاءها نبأ البدور
لو تستطيع إجابة @@@ لبكتك بالدمع الغزير
ولم تكن صلة شوقي بالترك صلة رحم ولا ممالأة لأميره فحسب ، وإنما كانت صلة في الله ، فقد كان السلطان العثماني خليفة المسلمين ، ووجوده يكفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها ، ولم يكن هذا إيمان شوقي وحده ، بل كان إيمان كثير من الزعماء المصريين .
وفي هذه الفترة نظم إسلامياته الرائعة ، وتعد قصائده في مدح الرسول - r - من أبدع شعره قوة في النظم ، وصدقًا في العاطفة، وجمالاً في التصوير ، وتجديدًا في الموضوع ، ومن أشهر قصائده " نهج البردة " التي عارض فيها البوصيري في بردته ، وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك محدث العصر الشيخ " سليم البشري " فينهض لشرحها وبيانها . يقول في مطلع القصيدة :
ريم على القاع بين البان والعلم @@@ أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومن أبياتها في الرد على مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف :
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا @@@ لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة @@@ فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم(1188/4)
ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى ، مثل : الهمزية النبوية ، وهي معارضة أيضًا للبوصيري ، وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها :
سلوا قلبي غداة سلا وتابا @@@ لعل على الجمال له عتابًا
كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان ، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا ؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية ، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده .
وقد صاغ شوقي هذه الحكايات بأسلوب سهل جذاب ، وبلغ عدد تلك الحكايات 56 حكاية ، نُشرت أول واحدة منها في جريدة " الأهرام " سنة (1310هـ = 1892م ) ، وكانت بعنوان " الهندي والدجاج " ، وفيها يرمز بالهندي لقوات الاحتلال وبالدجاج لمصر .
النفي إلى أسبانيا
وفي الفترة التي قضاها شوقي في أسبانيا تعلم لغتها ، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ ، خاصة تاريخ الأندلس ، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية ، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في اشبيلية وقرطبة وغرناطة .
وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته " دول العرب وعظماء الإسلام " ، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة ، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة ، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي ، وقد نُشرت بعد وفاته .
وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه . ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه ، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير ، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان " الرحلة إلى الأندلس " ، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى ، ومطلعها :
صنت نفسي عما يدنس نفسي @@@ وترفعت عن جدا كل جبس(1188/5)
وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها ، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها ، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها ، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه إلى مصر قوله :
أحرام على بلابله الدوح @@@ حلال للطير من كل جنس
وطني لو شُغلت بالخلد عنه @@@ نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني @@@ شخصه ساعة ولم يخل حسي
العودة إلى الوطن
عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339 هـ = 1920م ) ، و استقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته ، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير " حافظ إبراهيم " ، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919 م ، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء ، فمال شوقي إلى جانب الشعب ، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم ، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال .
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته ، وخرج من القفص الذهبي ، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين ، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم ، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن ، يصيح فيهم قائلاً :
إلام الخلف بينكم إلاما ؟ @@@ وهذي الضجة الكبرى علاما ؟
وفيم يكيد بعضكم لبعض @@@ وتبدون العداوة والخصاما ؟
وأين الفوز ؟ لا مصر استقرت @@@ على حال ولا السودان داما
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر ، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول . ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ آمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة ، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر ؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح ، فنظم قصيدة رائعة مطلعها :(1188/6)
قفي يا أخت يوشع خبرينا @@@ أحاديث القرون الغابرينا
وقصي من مصارعهم علينا @@@ ومن دولاتهم ما تعلمينا
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في " نكبة دمشق " وفي " نكبة بيروت " وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها ، ومن أبدع شعره قصيدته في " نكبة دمشق " التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها :
بني سوريّة اطرحوا الأماني @@@ وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
وقفتم بين موت أو حياة @@@ فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حرٍّ @@@ يد سلفت ودين مستحقُّ
وللحرية الحمراء باب @@@ بكل يد مضرجة يُدَقُّ
ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية ، فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي ، وتقوية الأواصر بين شعوبه ، حتى إذا أعلن " مصطفى كمال أتاتورك " إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة ، ورثاها رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية مطلعها :
عادت أغاني العرس رجع نواح @@@ ونعيت بين معالم الأفراح
كُفنت في ليل الزفاف بثوبه @@@ ودفنت عند تبلج الإصباح
ضجت عليك مآذن ومنابر @@@ وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ومصر حزينة @@@ تبكي عليك بمدمع سحَّاح
إمارة الشعر
أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها ، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره ، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية ، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة ( 1346هـ = 1927م ) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات " . وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه ، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً :
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي @@@ بشعر أمير الدولتين ورجِّعي(1188/7)
أعيدي على الأسماع ما غردت به @@@ براعة شوقي في ابتداء ومقطع
أمير القوافي قد أتيت مبايعًا @@@ وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
مسرحيات شوقي
أحمد شوقي و سعد زغلول
بلغ أحمد شوقي قمة مجده ، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر ، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية ، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد .
وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة ، استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم ، وهما : " مصرع كليوباترا " و " قمبيز " ، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهورً ، وواحدة من التاريخ الإسلامي هي " مجنون ليلى " ، ومثلها من التاريخ العربي القديم هي " عنترة " ، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي " علي بك الكبير " ، وله مسرحيتان هزليتان، هما : " الست هدي " ، و " البخيلة " .
ولأمر غير معلوم كتب مسرحية " أميرة الأندلس " نثرًا ، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد .
وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته ، وضعف الطابع الدرامي ، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار ، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية ، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث .
مكانة شوقي
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة ، وبديهة سيالة ، لا يجد عناء في نظم القصيدة ، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول ، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه ، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره ؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية ؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت ، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث .(1188/8)
وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب ، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره ، وصحب كبار شعرائه ، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب ، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم ، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ ، وتدل رائعته الكبرى " كبار الحوادث في وادي النيل " التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمة وحديثه .
وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع ، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء .
وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الإطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها ، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة .
وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل ، ووصف وحكمة ، وله في ذلك أوابد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي ، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية ، مثل : " عذراء الهند " ، ورواية " لادياس " ، و "ورقة الآس " ، و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيه كتاب " أطواق الذهب " للزمخشري ، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة .
وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه " الشوقيات " ، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه ، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه " الشوقيات المجهولة " .
وفاته(1188/9)
ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر ، وفاضت روحه الكريمة في ( 13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م ) .
WWW
الباب الأول
حياة شوقي وثقافته
وملامح شخصيته
الفصل الأول : في مرحلة التعليم
الفصل الثاني : فترة المجد في حياة شوقي
الفصل الثالث : العاطفة الهادئة المركزة التي تنأي عن الصخب
الفصل الأول
مرحلة التعليم
يدخل شوقي في الرابعة من عمره كتاب " الشيخ صالح " ويبدو أن الدراسة في هذا الكتاب كانت سيئة تعتمد علي التلقين والحفظ في التعليم ، والعصا ، أو ما هو أقصي منها في التربية ، وهذا ما جعله يصرح بأن إدخاله الكتاب كان " من أهلي جناية علي وجداني " وينتهي شوقي من دراسة المرحلة الثانوية في سن مبكرة " سنة 1885 م " ثم ينتهي من دراسة الحقوق والترجمة عن الفرنسية " سنة 1889 م " وكان في أثناء دراسته للحقوق يتلقى نوعاً أخر من الدراسة الأدبية ، فقد تتلمذ علي يد الشيخ حسين المرصفي أستاذ البارودي أيضاً وقرأ معه كتاب " الكشكول " لبهاء الدين العاملي وشعر البهاء زهير وكذلك اتصل شوقي في هذه المرحلة بالشيخ حفني ناصف وتتلمذ عليه سنتين .
ومع انتهاء شوقي من دراسته الحقوق تكون موهبته قد نضجت وأعلن ميلاد شاعر جديد لمصر .
وصلة شوقي الوطيدة بالقصر ، وبالخديوي توفيق ، أهلته لبعثه يدرس فيها الحقوق في فرنسا أوائل سنة 1891 م ، حيث قضي سنتين في باريس وثالثة في مونبلييه ، وكان هدف توفيق من هذه البعثة أن يصقل موهبته ، ليكون شاعره " الخاص " المسبح بحمده ، والمتحدث باسمه لذلك يطلب منه في إحدى رسائله أن يتمتع بمعالم المدينة القائمة أمامه وأن " تأتينا من مدينة النور باريز بقبس تستضئ به الآداب العربية .(1188/10)
علي أن شوقي – فيما يبدو – كان يقف من الأدب ومذاهبه موقف الهاوي المتذوق ، يتأثر بشعراء أو بجوانب من فنهم ، وليس بسمات محددة " لمذهب بعينه " وقد صرح منذ وقت مبكر بإعجابه بثلاثة شعراء فرنسيين علي اختلاف اتجاهاتهم وهم ( فيكتور هوجو – ألفرد دي موسيه – لامرتين ) ، وفي أواخر حياته سنة 1921 م كان شعراء العربية عنده آثر من أي شاعر أخر وننتهي إلي أن تأثر شوقي بالآداب الغربية لم يكن منظماً ، بحيث يبدو واضح المعالم في أدبه بصفة عامة باستثناء " شكسبير " الذي تتبعه بدقة في مسرحيته " كيلوباترا " .
???
الفصل الثاني
فترة المجد في حياة شوقي وفنه
يعود شوقي من بعثته أواخر سنة 1893 م بعد وفاة الخديوي توفيق ، ليعمل في معية عباس حلمي الثاني بعد أن أقنع به وهما يقتربان بحكم السن بدرجة تذكرنا بعلاقة المتنبي بسيف الدولة الحمداني ، وتشهد الفترة من سنة 1893 : 1914 م ، سنوات المجد الاجتماعي والأدبي بالنسبة لشوقي .
فمن الناحية الاجتماعية كان شوقي شخصيه مرموقة في بلاط الخديوي ، وصار من أقرب المقربين إليه ، يوفده مندوباً عنه إلي الخارج ، ويحضره ندواته واجتماعاته السياسية باعتباره أحد رجاله ، ونتيجة لهذا التقارب , كان شوقي فيما يبدو – المعبر برضي واقتناع – عن سياسة القصر ومدح الخديوي ، وتحددت صلته برجال الأمة وزعماء السياسة بحسب قربهم أو بعدهم من القصر .
الناحية الفنية :
فقد أسهم شوقي في الإحياء الشعري وبدايات التجديد بمحاولات كثيرة كماً وكيفاً ، فشعره في هذه المرحلة يمثل مرحلة متقدمة من مراحل إحياء الشعر العربي التي بدأها البارودي ، حيث صارت الجملة الشعرية أصفي لغة ، وأثري خيالاً ، وأقوي تركيباً ، محمله طاقه غنائية عذبة ، موظفة عناصر التراث القديم ومطورة لها ، وهذه العودة إلي مصادر العروبة في الفن هي التي وحدت " الذوق " العربي حول شعر شوقي ، وأهلته بالتالي ليكون أمير الشعر العربي سنة 1927 م .(1188/11)
كذلك نجد عند شوقي في أثناء هذه الفترة بدايات للشعر " الوجداني " المعبر عن الزاد مثل قصيدته عن النفس التي يبدأها بقوله :
صحوت واستدركتني ، شيمتي الأدب ??? وبت تنكرني اللذات والطرب
ويذكر فيها بعد ذلك :
أوشكت اتلف أقلامي وتتلفني ??? وما أنلت بني مصر الذي طلبوا
هموا رأوا أن تظل القضب مغمدة ??? فلن تذيب سوي أغمادها القضب
ويكاد ينفرد شوقي أيضاً في هذه المرحلة ، بما يمكن أن نسميه بالشعر الوطني الذي يستلهم تاريخ مصر منذ الفراعنة مشيداً بحضارتها الخالدة ، وتاريخها العريق تعبيراً عن رغبة مصر في التحرر والاستقلال والقيام بدورها .
???
الفصل الثالث
العاطفة الهادئة المركزة التي تنأي عن الصخب
وأقتبس هنا ما ذكره الدكتور محمد زكي العشماوي عن هذه العاطفة " إنها العاطفة الخاضعة لسلطان العقل والفن ، وليست العاطفة المشبوبة بغير قيد أو شرط ، فالعاطفة مهما بلغ صدقها لا تستطيع وحدها أن تحقق الفن ، إنها عامل أساسي وجوهري في التجربة الشعرية ، ولكن لابد أن تمتزج بعقل الفنان الخالق امتزاجاً يحقق الاعتدال والتوازن ، ذلك أن الذي يحدد القيمة النهائية للعمل الفني هو الفن ، لا العاطفة المشبوبة ، أو الصادقة وحدها .
هنا يختلف شوقي عن حافظ ، فبينما يؤثر شوقي العاطفة الهادئة ، الخاضعة لسيطرة الشاعر ، والتعبير عن الانفعالات الجياشة الصاخبة ، إذ بحافظ يؤثر طبيعته الخاصة التي تتمثل في قدرته علي إثارة الانفعال بما يمتلك من عاطفة مشبوبة ، ومن هدير الخواطر المتدفقة ، ومن اللغة التجسيدية ذات الإيقاع الخاص والتوتر الخاص ، لغة كلغة الأقدمين ، لغة ترج وتجرف ، ذات موج عال من الانفعال ، ولكي نخرج من التجريد إلي التحديد ، دعنا نتخير المقطعين الأولين من رثاء حافظ وشوقي لسعد زغلول " توفي 1927 م " ، وقول حافظ :
إيه ياليل هل شهدت المضابا ??? كيف ينصب في النفوس انصبابا
بلغ المشرقين قبل انبلاج الصبح ??? أن الرئيس ولي وغابا(1188/12)
وانع للنيرات سعداً فسعد ??? كان أمضي في الأرض منها شهابا
يقول شوقي :
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها??? وانحني الشرق عليها فبكاها
ليتني في الركب لما أفلت ??? " يوشع " ، همت ، فنادي ، فثناها
علي أن الذي أكسب الصورة روعتها ، ومنحها هيبتها تلك العلاقات التي تآلفت من كلمات البيت والتلاؤم الموسيقي بين " شيعوا " و " مالوا " وبين " أنحني الشرق عليها " ثم بين " ضخاها " و" بكاها " ، ثم انتشار حروف المد علي طول البيت بإيقاع متناغم ، هذا التلاؤم لا ينصرف تأثيره إلي مدي تفاعل هده الأصوات ، بل بالإحساس العام الذي ينتهي إليه البيت ، وبالموجة الهادئة التي تخطوا خطوات حزينة وفي نغم موقع .
فإذا انتقلنا إلي البيت التالي ، وجدنا شوقي يستعين في إشاعة الحزن بمهارات أخري ، فاستعاد موقف النبي " يوشع " الذي طلب من ربه أن يؤخر له مغرب الشمس فاستجاب له ربه ، فليت شوقي كان في موقف يوشع ، حين همت الشمس بالغروب ، فنادي ربه فاستجاب له ، فثناها عن الغروب ، استطاع شوقي باستعارة موقف يوشع أن يعبر عن حسرته لاغترابه وحرمانه من تشييع جنازة سعد ، ومن جزعه لفراقه . ومن إدراكه للخسارة التي تكبدها الشرق كله بموت سعد ، والتي كانت تحتاج إلي معجزة تؤخر حدوثها .(1188/13)
ويكفيك أن تقرأ البيت الثاني مره ثانية ، لكي تري ما فعله شوقي بموسيقي البيت ، حين توالت كلمات بعينها مثل " أفلت " في نهاية الشطر الأول ، ثم " همت " " فنادي " " فثناها " في الشطر الثاني ، ثم أليس العطف بالفاء – هو الأخر ، قد منحنا الإحساس أمام حدث جلل ، يوشك أن يقع ، ولا بد من تفاديه بأي ثمن ... ولعلنا بهذا الشاهد نكون قد أوضحنا ما عنيناه من قبل حين قلنا ، أن عاطفة شوقي ليست مدفوعة بغلبة الانفعال الصاخب ، أو الحاد ، ولكنها العاطفة التي يحكمها عقل الفنان الخالق وأرادته الفنية حين يسيطران علي التجربة ، ويخضعان لسلطانهما ، أقول ، ومن اليسير أن نربط بين هذه العاطفة وبين " موقف " شوقي من التجديد ، بهذه الدرجة من الهدوء أخذ من التجديد ما يتواءم مع مزاجه والأمر يختلف مع حافظ .
???
الباب الثاني
الفصل الأول : الاعتماد علي الإيقاع الموسيقي اعتمادا واعيا بوظيفته في المعني
الفصل الثاني : تدفق الصور الفنية المنبثقة من الصورة العامة للعمل الفني
الفصل الثالث : كيف كان شوقي ينظم شعره ؟
الفصل الرابع : من المعاني الوطنية في شعر أحمد شوقي
الفصل الأول
الاعتماد علي الإيقاع الموسيقي
اعتمادا واعيا بوظيفته في المعني(1188/14)
حديثنا عن موسيقي شوقي هو ركيزة البحث ، لأننا نبحث عن خصائص موسيقاه من خلال فنون البديع ، وهنا . سنتكلم عن " الموسيقي العامة التي تندرج تحتها فنون البديع الإيقاعية ، ويجمل الدكتور شوقي ضيف وصف هذه القدرة المتميزة عند شوقي ، بقوله " ... ولا أبالغ إذا قولت أنني لا أستمع إلي قصيدة طويلة لشوقي حتي أخال كأنني استمع حقاً إلي " سيمفونية " فموسيقاه تتضخم في أذني واشعر أنها تتضاعف ، وكأن مجاميع من مهرة العازفين يشتركون في إخراجها ، وفي إيقاع نغماتها ، ولا أرتاب في أن ذلك يرجع إلي ضبطه البارع لآلات ألفاظه ، وذبذباتها الصوتية ، وليست المسألة مسألة حذق أو مهارة فحسب ، بل هي أبعد من ذلك غوراً ، هي نبوغ وإلهام ، وإحساس عبقري بالبناء الصوتي للشعر ، وهذه الروعة في الموسيقي تقترن بحلاوة وعذوبة لا تعرف في عصرنا لغير شوقي وربما كانت تلك آيته الكبري في صناعته ، فأنت مهما اختلفت معه في تقدير شعره ، لا تسمعه حتي ترهف له أذنك ، وحتي تشعر كأنما يحدث فيها ثقوباً ، هي ثقوب الصوت الصافي الذي تهدر به المياه بين الصخور ، والصوت يعلو تارة فيشبه زئير البحار حتي تهيج ، وينخفض تارة فيشبه قطرات الفضة التي تسقط من مجاديف الزوارق ، وهي تجري سابحة علي صفحة النيل ... " .
ولنأخذ مثالاً علي ذلك قصيدة " النيل " التي نظمها سنة 1914م ، يقول فيها :
من أي عهد في القرى تتدفق ??? وبأي كف في المدائن تغدق
ومن السماء نزلت أم فجرت ??? من عليا الجنان جداولاً تترقرق
وإذا استرسلنا مع بقية القصيدة استخرجنا المزيد من الدرجات الموسيقية ، المتراوحة بين السرعة حين يكون الحديث عن التدفق والانفجار والانسكاب وبين الهدوء والتدرج حين يكون عن أثار النيل فيما حوله من قري وحقول وحياض وبرود مختلف ألوانها .
???
الفصل الثاني
تدفق الصور الفنية المنبثقة
من الصورة العامة للعمل الفني(1188/15)
وأعني بتدفق الصور ، انبثاقها من بؤرة واحدة ، تنطلق جميعاً هنا وهناك ، ولكنها ترتبط بصلة وثقي بالمنبع ، وتدور حول فلك الأصل الواحد ولنأخذ مثلاً لذلك قصيدة " الهلال " التي نظمها في عيد ميلاده الثلاثين ، يقول فيها :
سنون تعاد ودهر يعيد ??? لعمره ما في الليالي جديد
أضاء لآدم هذا الهلال ??? فكيف تقول الهلال الوليد
نعد عليه الزمان القريب ??? ويحصي علينا الزمان البعيد
علي صفحتيه حديث القري ??? وأيام عاد ودنيا ثمود
وطيبة أهله بالملوك ??? وطيبة مقفرة بالصعيد
يزول ببعض سناه الصفا ??? ويفني ببعض سناه الحديد
ومن عجب وهو جد الليالي ??? يبيد الليالي فيما يبيد
يقولون يا عام قد عدلت لي ??? فيا ليت شعري بماذا تعود ؟
لقد كنت لي أمس ما لم أرد ??? فهل أنت لي اليوم ما لا أريد
ومن صابر الدهر صبري له ??? شكي في الثلاثين شكوي لبيد
ظمئت ومثلي بري أحق ??? كأني " حسين " ودهري " يزيد "
تغابيت حتي صحبت الجهول ??? وداريت حتي صحبت الحسود
نظم شوقي هذه القصيدة في مناسبة عيد ميلاده الثلاثين ، لقد انصرم عام أخر من عمره ، ومن ثم كان من الطبيعي أن يلقي بنظره إلي الوراء ، ليري حصيلة هذا العام ، بل ومقدار ما أنجزه في الثلاثين التي مضت ، إنه ليشعر بان تلك السنون الخالية كانت جميعاً من نمط واحد ، فإحساسه بأن حياته مرت كلها علي وتيرة واحدة يدفعه إلي إسقاط هذه الرتابة علي الزمن ذاته .
" سنون تعاد ودهر يعيد " هذه هي القضية العامة الذي يستهل بها الشاعر قصيدته ولفظة " تعاد " تعني أن الدهر يرجع السنين لنا كما هي ، أو يجعلها تؤوب إلينا كما رحلت عنا ، وهي تعني كذلك أن الدهر " يكرر " هذه السنين ، وغني عن الذكر ما في المدلولين – وكلاهما مقصود – من صفة الرتابة والآلية ، السنون تعود وتعاد ، ولا شئ جديد .
والهلال يطل علي آدم ، ومن ولد آدم عاد وثمود .(1188/16)
ومن ولده المصريون بأمجادهم ، ومنهم أجداد الشاعر وآباؤه ، وهم العرب المصريون ، ومن ولدهم الشاعر نفسه ، ومع الشاعر تتقلب الأيام بالأحداث ، وعما رأته قبيلة عاد وقبيلة ثمود من عز ونعمة ثم دمرتا ، بل لا تختلف عما رآه الصخر ، لقد كان صلداً فتفتت ، أو الحديد ، كان جلمداً فتذوب ، حتي وجد الشاعر نفسه وقد شكي شكوي لبيب بعد أن طال به الأجل ، وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره فهو آدم ، وهو طيبة ، وهو الصفا ، وهو الحديد ، بل هو الحسين المغتال ، ودهره يزيد الجبار ، ولكن أتري ثمة علاقة بين قومه وقوم عاد أو ثمود ؟ أتري ثمة علاقة بينه وبين صالح أو هود ؟ ولم لا ؟
أتري ثمة علاقة بينه وبين الهلال ، يضئ للناس في الأرض وهو مقيد بضوء الشمس ؟!
إن ظهور الهلال في عيد ميلاد الشاعر كان تبعاً لتدفق صور لا تنتهي ولو أراد أن يتعقبها لما توقف عند البيت الثاني عشر ، لأن الدائرة التي رسمها كانت غنية بالعطاء .
فشوقي كثيراً ما يجنح إلي استقصاء الصور الجزئية المرتبطة بالصورة العامة لموضوعة وقد يصل بها الشكل النهائي إلي شكل دائري أو غير دائري ، ولكنه مسبوك سبكاً ، ومتصل اتصالاً ، من كلا طرفيه .
وغني عن البيان أنني قد عرضت للخصائص التي لم يختلف عليها الكثير من دارسي شوقي وشعره ، ولم أتحري الاستقصاء لانتزاع خصيصة هنا أو هناك ، أو ملمحاً غاب عن الأذهان فقد احتاج إلي الرجوع إلي هذه الخصائص البارزة ، وقد تستوقفني خصيصة أخري في ثنايا معالجتي لفنون البديع عند شوقي ، ولكن ما اسعي إليه هو " بديع شوقي " لا " البديع البلاغي " .
???
الفصل الثالث
كيف كان شوقي ينظم شعره ؟(1188/17)
يقول داوود بركات رئيس صحيفة الأهرام في عصره : كانت الحادثة من الحوادث تقع صباحاً ، فلا يحل المساء حتي تذاع بين الجمهور بقصيدة شوقي ، لأنه كان للحوادث تأثير شديد فيه ، يهز أعصابه ويستثير نفسه ويحفز خياله . وكان أكثر ما ينظم الشعر وهو ماش أو واقف أو جالس إلي أصحابه ، يغيب عنهم بذهنه وفكره ، يجلس إلي مكتبه للتفكير وعصر الذهن ، فإذا جلس إلي المكتب فلتدوين ما يكون قد نظمه واستوعبه في ذاكرته فبين سيجارة وأخري يجد فكرته ، وبين كلمه وأخري يجد الظرف الموافق لهيكل الفكرة .
أنه ينظم بين أصحابه فيكون معهم وليس معهم ، وينظم في المركبة وفي السكة الحديدية وفي المجتمع الرسمي ، وحين يشاء وحيث يشاء ، ولا يعرف جليسه أنه ينظم إلا إذا سمع منه بادئ بدء غمغمة تشبه النغم الصادر من غور بعيد ، ثم رأي ناظريه وقد برقا وتواترت فيهما حركة المحجرين ثم بصر به وقد رفع يده إلي جبينه ، وأمرها عليه إمراراً خفيفاً هنيهة بعد هنيهة ، فإذا قوطع في خلال النظم انتقل إلي أي حديث يباحث فيه ، حاضر الذهن صافية جميل البادرة كعادته في الحديث . ثم إذا استأنف ذلك المنظوم ولو بعد أيام طوال عاد إليه كأنه لم ينقطع عنه مستظهراً ما تم منه ، حافظ لبقية المعني الذي يضمره ويكتب القصيدة بعد تمامها وربما نسيها شهراً ثم ذكرها فكتبها في جلسة واحدة .
لم يكن شوقي يختار وقتاً معلوماً لنظم شعره فهو مستعد دائماً لإقتبال ربة الشعر كي تنزل عليه بإلهامها ، لكن المعروف عنه أنه كثيراً ما ينظم الشعر بعد قضاء سهراته في المطاعم والنوادي وقد يظل ينظم حتي منتصف الساعة الرابعة من الصباح ، وكأنه يسوي ليلاً ما صادته شباك ذاكرته نهاراً .
???
الفصل الرابع
من المعاني الوطنية
في شعر أحمد شوقي(1188/18)
يزخر ديوان شوقي بالمعاني الوطنية المتنوعة ، وقد ضمنت الصحف انتشار قصائده وسرعة رواجها بين الناس كما ساهمت المناسبات المتزاحمة في ربط الصلة بين معانيه الوطنية ومعاصريه ، فقد كان حساساً لما يجد علي أرض مصر من حوادث حتي وهو في منفاه ، يلتقطها ليصدع من خلالها برأي أو موقف .
وقد رأينا أن نقسم هذه المعاني الوطنية في الشوقيات علي النحو التالي :
- نقد الإنكليز والمتواطئين معهم
- الوفاء لتراث مصر
- حب الوطن والتنويه بأبطاله
- استنهاض الهمم
- الإيمان بالشعب وبالمؤسسات والدستور
- التنويه بالثورة العربية
- الدعوة إلي العلم والمعرفة
- التسامح الديني
لئن كانت المعاني الوطنية في شعر شوقي موصولة العري متماسكة الأركان ، إلا إن الباحث يحتاج إلي تصنيفها والنظر إلي زواياها المختلفة وقد اعتبرت هذه المعاني الوطنية في مد وجذر بتوجه فيها شوقي بالقول للاستعمار حيناً و إلي الشعب المصري ومجاهديه حيناً أخر .
???
الباب الثالث
الفصل الأول :
أولاً : نقد الإنكليز والمتواطئين معهم
ثانياً : الوفاء لتراث مصر
ثالثاً : تاريخ مصر
الفصل الثاني :
أولاً : الولاء للإسلام
ثانياً : حب الوطن
ثالثاً : استنهاض الهمم
الفصل الثالث :
أولاً : الإيمان بالشعب وبالمؤسسات والدستور
ثانياً : التسامح الديني
ثالثاً : التنويه بالثورة العربية
الفصل الرابع :
أولاً : الدعوة إلي العلم والمعرفة
ثانياً : من الخصائص الفنية في وطنيات شوقي
ثالثاً : بناء القصيدة
الفصل الخامس :
أ - الصورة الشعرية القائمة علي التشبيه
ب- الصورة الشعرية القائمة علي الاستعارة
جـ - الصورة النغمية أو الرصانة الشعرية
الفصل الأول
أولاً : نقد الإنكليز والمتواطئين معهم(1188/19)
إن الحوادث التي كانت تجد في مصر هي التي تذكي في نفس شوقي لهيب وطنيته ، ومن الحوادث العظيمة نقل الطاغية كرومر من مصر بعد أن جثم علي صدرها أربعا وعشرين سنه يعسف بالناس ويقتلهم وينهب خيرات البلاد ، وينصب من يشاء ويعزل من يشاء .
وقد خطب كرومر يوم رحيله عن مصر في حفل توديع أقيم له سنة 1907 فندد بإسماعيل وعصره وذم المصريين وشتمهم لأنهم في نظره لم يقدروا منن الاحتلال الإنكليزي ولم يعترفوا بجميله عليهم .
ومما ورد في خطبة اللورد كرومر وكان قادحا لسخط شوقي قوله : " أننا في ربع قرن قد أدينا عملا طيبا علي ما فيه من القصور ... ولا يمكن أن أصدق أنه يمكن للمصريين أن يتنكروا للتمدن الغربي الذي جلبته لهم إنكلترا في خلال الخمسة والعشرين عاما ، ذلك التمدن الذي نشلهم من وهدة اليأس بعدما هرموا فيها . وهب أبناء الجيل الحاضر لا يعترفون بهذه الحقيقة فإني لا أزال آمل أن يعترف بها أبناؤهم ، إذ المعتاد أن يكون أولاد العميان مبصرين ... إن الاحتلال البريطاني سيدوم ويبقي ... ولا يكن عند أحد ريب في هذه الحقيقة الثابتة " .
وقد تجلي غضب شوقي في قصيدة مطوله عبر فيها عن غضبه وغضب الناس تجاه وقاحة المستعمر وتحديه لحقوق الشعب ، وجعل أي احتلال هو مرض عضال لابد للشعوب أن تبدأ منه يوماً :
أيامكم أم عهد إسماعيلا ??? أم أنت فرعون يسوس النيل
أم حاكم في أرض مصر بأمره??? لا سائلاً أبداً ولا مسؤولا
لما رحلت عن البلاد تشهدت ??? وكأنك الداء العياء رحيلا
أوسعتنا يوم الوداع إهانة ??? أدب لعمرك لا يصيب مثيلا
اليوم أخلفت الوعود حكومة ??? كنا نظن عهودها الإنجيلا(1188/20)
وكما نقد شوقي كرومر باعتباره ممثلا للاحتلال البريطاني وشنع بأعماله ، نقد كذلك سلوك المصريين المتواطئين مع الاحتلال السائرين علي نهجه ، المتشبهين بأذياله ، ومن هؤلاء نذكر رئيس الوزارة " رياض باشا " الذي طالب الخديوي عباس أن يعتذر إلي الإنكليز لأنه نقد أحد قاداتهم ، ولما أبي الملك أن يعتذر تقدم رياض رئيس الوزارة المصرية من كرومر وبرأ نفسه من صنيع الملك وراح يلح في الأعذار وألقي خطاباً مجد فيه الإنكليز ونقد عباساً ودولته . ومما ورد علي لسان رياض باشا في هذه الخطبة قوله منوهاً بمزايا الاحتلال : " فهذه اليد الفعالة قد شملتنا ، وهي التي كانت لنا معوانا ، بل متمماً ومكملاً لهذا المشروع ، فحق علينا أن نعرف هذه المبرة ، ونقدم لجنابة ( كرومر) واجب الشكر ، ونثني عليه أطيب الثناء ، ونرجو ، ألا يترك هذا المولود في المهد صبيا ، بل يراعيه بعين عنايته ويواسيه ويواليه إلي أن يتربي ويبلغ أشده ، ويصير رجلاً قوياً يقوم بأود نفسه .
ولئن استنكر الحاضرون هذا التملق الفاضح فإن شوقي خرج من مجرد الاستنكار إلي التنديد بقصيدة رد فيها علي هذه الخطبة ، والممالاة لمن قهروا مصر والمصريين :
غمرت القوم إطراء وحمدا ??? وهم غمروك بالنعم الجسام
رأوا بالأمس أنفك في الثرايا ??? فكيف اليوم أصبح في الرغام
خطبت فكنت خطباً لا خطيباً ??? أضيف إلي مصائبنا العظام
لهجت بالاحتلال وما أتاه ??? وجرحك منه لو أحسست دام
وما أغناه عما قال فيه ??? وما أغناك عن هذا الترامي
أجبت البلاد طويل دهر ??? وذا ثمن الولاء والاحترام
ثانيا : الوفاء لتراث مصر
تغني شوقي بتراث مصر العظيم في غرر من قصائده المطولة ، وتجلي اعتزازه بهذا التراث المتنوع صريحا أراد أن ينقله غلي جيل الشباب حتي يبتعثوه حيا ما جدا من جديد .
ثالثاً : تاريخ مصر(1188/21)
لقد دون شوقي تاريخ مصر في قصائد مطوله مثل " أيها النيل " و " وداع اللورد كرومر " وخاصة في " كبار الحوادث في وادي النيل " التي قدمها للمؤتمر الدولي المنعقد في جنيف في سبتمبر 1894 بصفته مندوبا للحكومة المصرية ، وهي تدل دلاله واضحة علي ما يكنه الشاعر لوطنه من ألوان الوفاء والولاء من جهة وعلي ثراء ثقافته وقدرته علي تجاوز المادة التاريخية إلي ما وراءها كي يستنهض الأمة ضد من يحتل أرضها ويشكك في قيمة تراثها ويزرع بذرة الإحباط في نفوس أبنائها ، كان لابد أن يصدح الشاعر بعظمة مصر ويذكر بمآثرها وعلمائها وعظمائها وإشعاعها الحضاري علي أصقاع العالم يقول طالع هذه القصيدة :
همت الفلك واحتواها الماء??? وحداها بمن تقل الرجاء
في هذه القصيدة المطولة التي قارب عدد أبياتها الثلاثمائة يذكر الشاعر بتاريخ مصر عندما كانت تسيطر علي البحار وتملك الرقاب ويشيد بإنجازات الفراعنة وخاصة منها الأهرامات ويصور عصرهم تصويرا مبدعا ، ويعدد مآثرهم لا تعداد المؤرخ الموضوعي المحايد وإنما تعداد المؤرخ الذي ينفعل مع التاريخ حتي يصرخ متحمساً معتزاً :
وبنينا فلم نخل لبان ??? وعلونا فلم يجزنا علاء
وملكنا فالمالكون عبيد ??? والبرايا بأسرهم أسراء
ويتعرض الشاعر إلي أعلام العصور المختلفة فيبرز عظمة رمسيس وهيبته وقوة سلطانه ومحبة الناس له وحنكته السياسية وحسن تدبيره الدولة وعدم اغتراره بالدساسين والسفهاء وهو بكل هذه الخصال يفوق علي جميع الملوك علي مر الأزمان وحتي العصر الحديث ، فهو المثال الذي يصلح أن يكون قدوة لغيره وعلي هدي خطاه ينبغي أن يسير كل ملك يروم بسط سلطانه والاحتفاظ بعرشه .
???
الفصل الثاني
الولاء للإسلام
حب الوطن ، استنهاض الهمم
أولاً : الولاء للإسلام :(1188/22)
تنطلق الشوقيات باعتزاز شوقي بالدين الإسلامي ، واعتباره درعا يقي المصريين من طعنات الاحتلال . وقد خص لتعاليم الإسلام أكثر من قصيدة " نهج البردة " ، وفيها إكبار للرسول لأنه حمل أعظم الرسالات ودعا إلي مبادئ سامية فصلها شوقي تفصيلا في مطولته ، ورأي في الرسول قدوة يقتدي به المسلمون ليخرجوا من جهلهم وهزائمهم ، ورأي في مبادئ العدل التي دعا إليها والعلم الذي أقره ينابيع الحضارة الحق :
كم شيد المصلحون العاملون بها ??? في الشرق والغرب ملكا باذخ العظم
للعلم والعدل والتمدين ما عزموا ??? من الأمور وما شدوا من الحزم
سرعان ما فتحوا الدنيا لملتهم ??? وأنهلوا الناس من سلسالها الشبم
ومن المبادئ الإسلامية التي أشاد بها شوقي المساواة بين الفقراء والأغنياء واعتبار التقوي فوق الجاه والمال ، يقول مخاطبا الرسول :
فرسمت بعدك للعباد حكومة ??? لا سوقه فيها ولا أمراء
أنصفت أهل الفقر من أهل الغني ??? فالكل في حق الحياة سواء
فلو أن إنسانا تخير ملة ??? ما اختار غلا دينك الفقراء
ثانياً : حب الوطن
كان حب الوطن متغلغلاً في نفس شوقي ، فلما نفي عن مصر وأحس الاغتراب توهجت وطنيته وأحس حنينا جارفا غلي مصر دل علي ما بداخله من كرم الطينة والوفاء للأهل والديار ، وقد قال أحد الحكماء قديما : " حنين الرجل إلي وطنه من علامات الرشد " .
وقد نظم شوقي قصائد عدة في الحنين إلي الوطن لعل أظهرها تلك التي مطلعها :
اختلاف الليل والنهار ينسي ??? اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وطني لو شغلت بالخلد عنه ??? نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني ??? شخصه ساعة ، ولم يخل حسي
وقد نظم شوقي قصيدة مطولة عارض بها قصيدة ابن زيدون الأندلسي والتي مطلعها :
أضحي التناهي بديلاً من تدانينا ??? وناب عن طيب لقيانا تجافينا
أما مطلع قصيدة شوقي :
يا نائح الطلح أشباه عوادينا ??? نشجي لواديك أم نأسي لوادينا(1188/23)
وفيها غني شوقي غناء حزين ، وحن حنيناً إلي مصر رقيقاً وتمني جرعة من النيل تروي عطشه وتبل حرقته ورأي في ابن زيدون غربة وحرماناً تلتقي وحرقته :
يا ساكني مصر أنا لا نزال علي ??? عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا من ماء نهركم ??? شيئاً نبل به أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آسنة ??? ما أبعد النيل عن أمانينا
فكيف كانت عودة شوقي إلي مصر ؟
في سنة 1919 وفي قصر السلطان حسين كامل بمصر وكان قد جمع أصدقاءه وخاصته في ليلة من ليالي الأنس ، إذ التمس منه الشاعر المصري وصديق شوقي ، إسماعيل صبري أن يسمح للشاعر الغريب بالعودة إلي الوطن فتزدان به مصر ويفخر به المصريون فاستجاب السلطان لطلب إسماعيل صبري وأذن لشوقي بالعودة إلي مصر ، فاستعدت جماهير من الطلبة ومن عموم الناس لاقتباله ، ولما اقتربت السفينة من الميناء طفرت الدموع من عينه وهتف قائلاً :
يا وطني لقيتك بعد يأس ???كأني قد لقيت بك الشبابا
ولو أني دعيت لكنت ديني ??? عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهي ??? إذا فهت الشهادة والمتابا
وقد أتاح النفي لشوقي أن يراجع حياته وبعض مواقفه التي جانب فيها الصواب وحاد عن مطامح الوطن كالمواقف الجادة التي وقفها من أحمد عرابي ، وصار شوقي يؤمن بالشعب بطلاً أوحد في التاريخ ويهجن من سلطة الأفراد .
ثالثا : استنهاض الهمم
أدرك شوقي بعد عودته من منفاه ، أن الشباب الذي حمله علي الأعناق أكراما ، إنما هو القوة الضاربة في مصر وهو القادر علي تبديل حال بحال ، وإليه توكل الثورات التي تعصف بالحكام والطغاة فكان يتوجه إلي الشباب ينفخ فيهم لهيب الثورة ويحثهم علي مواصلة المقاومة التي بدأها أحرار مصر :
شباب النيل إن لكم لصوتا ??? ملبي حين يرفع مستحبابا
فهزوا " العرش " بالدعوات " حتي ???يخفف عن كنانته المصابا(1188/24)
ولم يكن نداء شوقي للشباب إلا دعوة لتبديل نظام بنظام وعرش بعرش بسواعد عهد فيها التضحية من أجل " الحرية الحمراء " .
وقد يتجاوز شوقي خطابه لشباب مصر ليشمل كل الشباب المتفجر حيويته ، فيصوغ له المثل المنشود حكما تتجاوز الزمان والمكان وترسم الغد المضئ بالجهد والجهاد :
وما نيل المطالب بالتمني??? ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصي علي قوم منال ??? إذا الإقدام كان لهم ركابا
وإذا كان الشباب عماد الثورة " يهز العرش " فلا بد من عدة يعدها لهذا الأمر الجلل ، وهذه العدة هي العلم والمعرفة .
وقد ألح شوقي أيما إلحاح علي العلم واكتسابه والتفاني في تحصيله ، فهو عدة الشباب ليسترجع ماضيه التليد ، وليبني مستقبله المشرق وليقاوم الاحتلال في حاضره المقيت :
فخذوا العلم علي أعلامه ??? واطلبوا الحكمة عند الحكماء
واقرؤوا تاريخكم واحتفظوا??? خلقت نصرتها للضعفاء
واطلبوا المجد علي الأرض فإن ??? هي ضاقت فاطلبوه في السماء
بمثل هذه الأبيات الخطابية توجه شوقي يحفز الهمم وينير البصائر خاصة وقد شهد عن كثب آثار العلم في المدينة الأوربية ، وأدرك البون البائن بين الحضارتين وعلم أن تفريط العرب في علومهم زمن الانحطاط إنما هو السبب المباشر في الاستعمار بشتي أشكاله .
???
الفصل الثالث
أولاً : الإيمان بالشعب وبالمؤسسات والدستور
إن السنوات التي قضاها شوقي بعيدا عن الوطن منفيا في أسبانيا ثم ذلك اللقاء الجماهيري الضخم الذي قابله به المصريون واعتبروه بطلا قائدا من منفاه قد غير أرستقراطية شوقي وقربه أكثر من شواغل الشعب وهمومه ، وخفف من حدة تبعية للخديوي وللوظيفة وأعطي شعره مجري جديدا ومبادئ كان غافلا عنها عندما هزت ثورة 1919 أركان مصر وهو غائب عنها .(1188/25)
وقد كشفت له الثورة عظمة الشعب وقدرته علي إخضاع أعتي القوي الاستعمارية ، كما كشفت له تضحية الأفراد والجماعات بالمال والنفس والأبناء في سبيل الاستقلال وعزة مصر ، وتصدر الشعب في ديوان شوقي محل القصر ، وهتف قائلا :
زمان الفرد يا فرعون ولي??? ودالت دولة المتجبرينا
وأصبحت الرعاة بكل أرض ??? علي حكم الرعية نازلينا
وقد تجسدت تضحيات الشعب المصري في المطالبة بالدستور الذي " يلجم الحكومة بلجام من حديد " علي حد تعبير الزعيم مصطفي كامل ، وقد وضع هذا الدستور سنة 1924 ولكن الملك فؤاد سعي إلي إبطال العمل به لأنه اعتبره استنقاصا لسلطة الملك وتقليلا من شأنه في أعين الجماهير . غير أن شوقي هزته النخوة وهو يستمع إلي بطولات الأبطال تتلي علي مسامعه وود لو كان رآها عن كثب حتي تفجر فيه شاعريته . وفي هذا الصدد قال :
يوم البطولة لو شهدت ناره ??? لنظمت للأجيال ما لم ينظم
لو لا عوادي النفي أو عقباته ???والنفي حال من عذاب جهنم
لجمعت ألوان الحوادث صورة??? مثلت فيها صورة المستسلم
فما كان شوقي إلا أن يحث الناس علي التمسك بهذا المكسب لأنه وجه من وجوه سلطة الشعب .
يقول شوقي :
ويا طالبي الدستور لا تسكتوا ولا ??? تبيتوا علي يأس ولا تتضجروا
اعدوا له صدر المكان فإنني ??? أراه علي أبوابكم يتخطر
ولما أفتتح أول برلمان مصري في 15 مارس سنة 1924 م قال شوقي قصيدة أشاد فيها بالحكم النيابي وعده مظهراً للحرية والسيادة وثمرة لنضال الشعب وامتداداً للحكم الشوري الذي نص عليه الإسلام ، ومما يقول في هذه القصيدة :
البرلمان غداً يمد رواقه ??? ظلاً علي الوادي السعيد ظلالا
قل للشباب اليوم بورك غرسكم ??? دنت القطوف وذللت تذليلا
حيوا من الشباب كل مغيب ??? وضعوا علي أحجاره إكليلا
ليكون حظ الحي من شكرانكم ??? جماً وحظ الميت منه جزيلا
لا يلمس الدستور فيكم روحه ??? حتي يري جنديه المجهولا(1188/26)
وتيقن شوقي أن هذه المكاسب مهددة وأن العقول التي آمنت بسلطة الفرد أو سلطة الاستعمار لابد أن تهدمها بمعاولها الرجعية ، فحث علي صيانة هذه المكاسب بفضل العلم والمعرفة واليقظة الدائمة ، ودعا إلي اختيار ممثلي الشعب اختيار واعياً يدل علي ما بلغه الفرد من معرفة بحقوقه ، فاستمع إليه يتوجه إلي الشعب المصري قائلاً :
أيها الشعب لقد صر ??? ت من المجلس قابا
فكن الحر اختياراً ??? وكن الحر انتخابا
إن للقوم لعيبا ??? ليس تألوك ارتقابا
فتخير من كل شـ ??? ب علي الصدق وشابا
بهذه الحماسة للدستور والبرلمان ولمن دافع عنهما مثل سعد زغلول كان شعر شوقي معبراً عن طموح الناس في الحرية والاستقلال وبناء الوطن بناء جديداً .
ثانياً : التسامح الديني
كان شوقي يأخذ نفسه بالتسامح الديني وخاصة بين المسلمين والأقباط إذ كان يعتبر المتشيعين للإسلام والمسيحية أمة واحدة منذ عشرات القرون وأنهم جميعا أبناء النيل ومن طينه ومائه .
وكثيرا ما نبه شوقي المسلمين والمسيحيين علي حد سواء إلي أن المصريين جميعا شركاء في الآلام ، أما اختلاف الدين فلا يصح أن يكون عاملا للفرقة والانقسام فالمسلم يتجه إلي الله والقبطي يتجه إلي الله كذلك :
يا بني مصر لم أقل أمة القبط ??? فهذا تشبت بمحال
إنما نحن ، مسلمين وقبطا ??? أمة وحدت علي الأجيال
سبق النيل بالأبوة فينا??? فهو أصل وآدم الجد تال
مر ما مر من قرون علينا??? رسفا في القيود والأغلال
وإلي الله من مشي بصليب ??? في يديه ومن مشي بهلال
ثالثاً : التنويه بالثورة العربية
لم تكن البلدان العربية في مطلع القرن العشرين أفضل حالا من مصر ، بل كانت جميعا ترزح تحت الاحتلال الأوروبي يسومها ألخسف و المذلة, ويعبث بأموالها وأرواحها, ويشككها في قدراتها على ألعلم والنمو والانبعاث . وقد نظر شوقي إلى البلاد العربية شرقا وغربا فلم يجد إلا الخضوع إلى الهيمنة , هيمنة الحاكم المحلي ينصبه الاستعمار ويدعمه .(1188/27)
وقد حزن شوقي للبلاد العربية : يجثم الإنجليز علي صدر مصر والفرنسيون علي صدر سوريا وشمال أفريقيا والطليان علي صدر ليبيا . ومن دوافع قصائده ما قاله في " نكبة دمشق " وقد أسي لعدوان فرنسا علي سورية وعبثها بآثارها ومعالمها الإسلامية ، وهي التي كانت بالأمس تبش بالحرية وتنصب نفسها حامية للحقوق الإنسانية والمبادئ السامية ، إلا أن الاستعمار وإن أخفي وحشيته فإلي حين ثم تنفضح في ممارسته وقد ندد شوقي في هذه القصيدة بفرنسا قائلاً :
وللمستعمرين وإن ألانوا??? قلوب كالحجارة ولا ترق
دم الثوار تعرفه فرنسا ??? وتعلم أنه نور وحق
بلاد مات فتيتها لتحيا ??? وزالوا دون قومهم ليبقوا
وحررت الشعوب علي قناها ??? فكيف علي قناها تسترق ؟
غير أن المدافع التي هدمت دمشق لم تكن نهاية النضال حسب شوقي ، بل هي حافز علي مقاومة الاحتلال الفرنسي والنزوع إلي حرية ثمنها باهظ ، ولئن كان التوجه إلي سوريا فالخطاب موجه إلي كل بلد عربي ابتلي بالاستعمار .
???
الفصل الرابع
أولاً : الدعوة إلي العلم والمعرفة
لا تكاد تخلو قصيدة وطنية في الشوقيات من التنويه بالعلم قديما وحديثا ، فبالعلم أشعت مصر قديما علي مختلف الأصقاع حتي لهج الناس بفضلها ، وبالعلم اكتسح العرب قديما أعظم الحضارات ، فلما أبتلي العقل العربي بالجمود والانحطاط وانتابه الجهل كالداء العضال فرط في مكتسباته . ولهذا اقترنت في شعر شوقي دعوتان متلازمتان : الدعوة إلي كسب العلم ، والدعوى إلي محاربة الجهل في شتي أشكاله .
أما الدعوة المكملة للعلم ، فهي ضرب الحصار علي الجهل أينما كان ، وإيصال العلم إلي كل فرد ومساعدته علي متابعة تحصيله ولا غرابة فصوت المصلحين قد جعل العلم كالماء والهواء ينبغي أن يتمتع به كل إنسان وما كان لشوقي أن يغفل عن دور الجهل في تركيز دعائم الاستعمار وتمكين دائه في جسم الشعوب وعقلها وروحها :
إني نظرت إلي الشعوب فلم أجد ??? كالجهل للشعوب مبيدا(1188/28)
وإذا علمنا أن مصر وسائر البلاد العربية ارتفعت فيها أصوات حره تدعو إلي التعليم وتمقت الجهل ، علمنا أن هذه الأصوات لم تجعل الفتاة بمعزل عن العلم ، واعتبرت عقل الفتاة إذا تعلم سرب المعرفة إلي الناشئة وبث فيهم روح الوطنية ، ومن هذه الأصوات صوت قاسم أمين في مصر والطاهر الحداد في الجزائر ، وكان شوقي مساندا لقاسم أمين في دعوته إلي تعليم الفتاة وقد أكد قناعته بما رآه من آيات المعرفة عند المرأه في الحضارة العربية الإسلامية ، فدعا إلي استعادة تلك الأمجاد ، وغلي صقل عقول الفتيات :
وحضارة الإسلام تنط ??? ق عن مكان المسلمات
بغداد دار العالما ???ت ومنزل المتأدبات
ودمشق تحت أمية ??? أم الجواري النابغات
وكما أدرك شوقي قيمة المتعلم أدرك أيضا قيمة المعلم الذي ينقل العلم جيلا بعد جيل ، ويفتح أكمام العقول ، وينير السبيل بمصباح العلم ، فخص في فضل المعلم قصيدا مطولا نوه فيه بفضائله ، وعد منزلته تضاهي الرسل والأنبياء فحمله عبء هذه الأمانة وحمل الناس واجب تبجيله :
قم للمعلم وفيه التبجيلا ??? كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أحل من الذي ??? يبني وينشئ أنفسا وعقولا ؟
تلك هي في نظرنا أهم المعاني الوطنية في شعر شوقي فخر بمصر حضارتها وأمجدها ، وولاء لها وتفان في حبها ومناضلة الاحتلال من أجلها وإشادة بجهاد زعمائها وأبطالها ودعوة حارة إلي وحدة أبنائها ومنافحة صادقة عن معتقداتها ودفاع مستميت عن دساتيرها وأسباب مناعتها وغيره شديدة علي الإسلام وحياضه والأمة العربية وأرضها وكيانها سبيل كل ذلك علم ينير العقول ويبصر القلوب فتقوي الأمة وتسترد مجدها وسناءها .
ثانياً : الخصائص الفنية في وطنيات شوقي
تعرضنا سابقاً إلي معاني الوطنية في شعر أحمد شوقي وهي معاني حضارية وثقافية وسياسية وأخلاقية – اقتضت خصائص فنية وأساليب شعرية تهبها تألقاً وجمالاً وقوة في التأثير ووجاهة في الإقناع .
ثالثاً : بناء القصيدة(1188/29)
جاءت أغلب قصائد شوقي الوطنية ذات بناء كلاسيكي يذكرك بالقصيدة الجاهلية مستجيبة تقريباً لعمود الشعر الذي نبه إليه قدامه بن جعفر رغم حداثة الموضوع الذي ينظم فيه . فأنت مازلت تجد الوقفة الطللية ومازلت تجد الحديث عن الرحلة والراحلة باللغة القديمة التي تذكرك بالصحراء والفيافي والنياق والخيول ، ومازلت تجد بث لواعج الشوق والمحبة إلي الأحبة والخلان ، غير أن الممدوح لم يعد هو ذاك الذي عرف قديماً وإنما هو الوطن مصر والشعب الذي عاش بين أحضانه . يقول :
يا نائح الطلح أشباه عوادينا ??? نشجي لواديك أم نأسي لوادينا
ماذا تقص علينا غير أن يدا ??? قصت جناحك جالت في حواشينا
رما بنا البين أيكا غير سامرنا ??? أخا الغريب : وظلا غير نادينا
وإذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع ??? من الجناحين عي لا يلبنيا
رسم وقفنا علي رسم الوفاء له ??? تجيش بالدمع والإجلال يثنينا
هذا مطلع من قصيدة عارض بها شوقي ابن زيدون استهلها بالوقوف علي الأطلال علي طريقة الشاعر الجاهلي وأن من يقرن نونية ابن زيدون :
أضحي التنائي بديلاً من تدانينا ??? وناب عن طيب لقيانا تجافينا
إلي نونية شوقي يستطيع أن يلاحظ أن نونية ابن زيدون كلها لوعة وحرقة وشكوي من البين والأعداء والزمن وأنها مشحونة بعتاب حبيبته ولادة في تضاعيف كل ذلك وأثنائه ، أما شوقي فاستهل قصيدته بمناجاة طائر حزين يرسل شجوه بوادي الطلح في ضاحية أشبيلية وكأنه يعبر عن حزنه ولوعته لفراق وطنه ، فقد وقف علي الرسوم الدارسة ولكنها ليست أثار مقام الحبيبة وإنما هي رسوم الحضارة العربية الإسلامية تذكره ببلده وبملاعبه وهو حين يخاطب البرق لا يحمل تحية إلي الحبيبة كابن زيدون في قوله :
يا سارق البرق غاد القصر واسق به ???من كان صرف الهوي والود يسقينا
وإنما ليستهديه تحية إلي منازله بالنيل وتحسس رائحة وطنه .(1188/30)
هذا هو البناء الذي يسم أشعار شوقي الوطنية من الاستهلال إلي جوهر القصيدة أما خواتم القصائد فعادة ما تكون حكمة تختزل القيم الوطنية التي تناولها علي نحو ما سنبنيه لك في الفصل الخاص بالحكمة عند شوقي .
???
الفصل الخامس
الصورة الشعرية
أفاض النقاد قديماً وحديثاً في تعريف الصورة الشعرية ، وقد رأينا أن نوجزها علي هذا النحو : الصورة الشعرية هي لغة الحواس والشعور ، ووسيلة من الوسائل التي تصوغ الفكرة المجردة في شكل محسوس .
وقد تواترت في شعر كل من أحمد شوقي و أبي القاسم الشابي التشبيهات والاستعارات ، فأدت معاني الوطنية في أجمل إخراج وأجل صورة .
أ – الصورة الشعرية القائمة علي التشبيه
التشبيه عملية تتمثل في وضع دالين متميزين يقابلهما مدلولان يظهران تماثلاً بينهما مع إيراد لفظة دالة علي تشابه الحقيقتين المذكورتين ، إنه صورة تقوم علي تمثيل شئ محسوس أو مجرد بشئ أخر حسي أو مجرد لأشتراكهما في صفة واحدة أو أكثر ، حسية أو مجردة ، الغاية منها تقريب المعني من الأذان أو إخراجه من حال الغموض إلي حال الوضوح لغاية إمتاع النفس أو إقناع العقل بواسطة التحسين والتقبيح . وقد ذكر ابن رشيق في باب التشبيه قوله : التشبيه الحسن هو الذي يخرج الأغمض إلي الأوضح .
وقد اعتمد أحمد شوقي في وطنياته التشبيه لعدة أغراض من أهمها تأكيد حبه لوطنه والإقناع بهذا الحب ليغري به غيره ويحفزه عليه ، ولذلك تراه يشبه الوطن بالأمل وعهد الشبيبة تارة ويشبه بالعقيدة الدينية تارة أخري وبالكعبة المشرفة تارة ثالثة وبالجنة طوراً رابعاً وبالثمار الذكية طوراً خامساً ، يقول في قصيدته بعد عودته من منفاه :
ويا وطني لقيتك بعد يأس ??? كأن قد لقيت بك الشبابا
ولو أني دعيت لكنت ديني ??? عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهي ??? إذا فهت الشهادة والمتابا(1188/31)
لقد جاء طرفا المعادلة في هذا التشبيه شبه ماديين ، ( لقاء الوطن / لقاء الشباب ) إلا أن طبيعة المشبه به وما تنطوي عليه من رقة وشفافية وغناء قد سمت به عن التقرير والتعادل ، فالشباب أمل وطموح وفتوة وتخط للصعاب توسل به الشاعر لتقريب ما انفرد به واختص به وحده من عشق الوطن وفرحة بالعودة . غير أن الشاعر بعد تشبيهه فرحة العودة إلي الوطن بفرحة الشيخ برجعة الشباب إليه ، بلغت به غلواؤه إلي مجاوزة التوقير الديني فوحد بين العقيدة والوطن إذ جعل من مصر ديناً يلقي عليه ربه في اليوم الأخر لو أنه قضي نحبه وهو في المنفي .
ب – الصورة الشعرية القائمة علي الاستعارة
تعد الاستعارة ركناً رئيسياً في تكوين الشعر وخلق الصور ، وهي عند بعضهم الأصل في تطور اللغة لأنها هي الأساس في استخدام الكلمات استخداماً جديداً . فالإنسان عامة والشعر خاصة يضطر للتعبير عن حاجته أو رؤيته الجمالية إلي استخدام نفس الكلمات في سياقات جديدة علي سبيل الاستعارة فيصوغ الواقع صوغاً جديداً .
وقد قال ابن رشيق في العمدة عن " الاستعارة " الاستعارة أفضل المجاز وليس في حلي الشعر أعجب منها ، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها ونزلت موضعها .
وقد أورد ابن رشيق قول القاضي الجرجاني في تعريف الاستعارة : الاستعارة ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصلي ، ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها ، وملاكها بقرب التشبيه ، ومناسبة المستعار للمستعار له ، وامتزج اللفظ بالمعني حتي لا يوجد بينهما منافرة ، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الأخر .
وقال الرماني : الاستعارة ، استعمال العبارة علي غير ما وضعت له في أصل اللغة .
ونجد نحن في أشعار شوقي الوطنية ألواناً من الاستعارة تخيرنا منها ما يلي:
يقول شوقي من قصيدة ألقاها 1897 .
دار من أحببت أيتها ??? أنها تصغي بلا أذن
وفؤادي لا رشاد له ??? طالب اللذات ليس يني
أو هنته الحادثات هوي ??? وهو خفاق علي الوهن(1188/32)
كل ركن كل زاوية ??? هيكل يهفو علي وثن
خلع الأسرار كاهنه??? وبغير الحسن لم يدن
تشكل هذه الأبيات استعارة كبيرة حل فيها شوقي الوطن محل الحبيبة ، وصاغها وفق مثال سابق في الشعر العربي تمتزج فيه ذكري الديار بذكري العهود امتزاج الروح بالبدن . وآلف بين المعني الغزلي ومعجمه ومعني الوطن : ( من أحببت ، فؤادي فاقد الرشد ، طالب اللذات ، واهن من المصائب والهوي ، خفاق أبداً رغم وهنه ) .
ثم ما هية الشاعر بين صورة المعبود وصورة الوطن منتقلاً إلي معجم جديد تتعانق فيه المعاني ( الهيكل – الوثن – الأسرار – الكاهن ) . أنها تراتيب ناسك في معبد محبوبه مقدسة هي " مصر " هي رمز المحبة والحسن والحياة ، تتناغم في وصفها المعاني الغزلية بالمعاني الدينية لتؤدي المعني الوطني ، هي إذاً أقانيم ثلاثة تتداخل الحب والجمال والألوهية .
إن الاستعارة التي ابتدعها شوقي بهذا التمازج واسع الأطراف ما يلبث أن يكشف عنها في أخر بيت في القصيدة إذ ينزع الإنسانية بكل أبعادها عمن لا وطن له .
إن إنساناً تقابله ??? ليس إنساناً بلا وطن
وما تلبث الملاعبة اللفظية أن تنجلي عن المعني الوطني إذ يصبح الوطن هو القطب الذي يجتذب كل المعاني وتدور حوله كل الأحاسيس الإنسانية .
ج – الصورة النغمية أو الرصانة الشعرية
الشاعر الوطني في عرف بعض الأدباء هو الأديب الذي يكون ثائر النفس جياش الفؤاد ، قادراً بما يملكه من فصاحة وقوة بيان علي صب ثورة نفسه في قلوب أبناء أمته فيثيرهم ويثير أحلامهم ويجيش هممهم ويوقظ نائم أحقادهم ، وهو الذي يرفع لهم مثل الحياة الحرة الشريفة العزيزة ويهزهم هزاً إلي صراع عدوهم وإن اشتد بطشه وجبروته ويحبب إليهم احتمال الأذى ولقاء الردي ويحملهم علي الجود بالنفس والمال والولد ونعيم الحياة وراحة الحياة الدنيا .(1188/33)
فالشاعر بهذا المعني يعد لسان الأمة الصادق والمترجم عن شعورها والحافز لهمتها والمستل لعوامل اليأس والاستكانة في نفوس أبنائها والمفاخر بأثارها والمنافح عن أمجادها .
وليكون الشاعر هذا اللسان المعبر عن آمال الشعب وآلامه لا بد له من الاختلاط به والاندماج فيه ومشاركته عواطفه وميوله .
وبهذا يفهم الشعر الوطني علي أنه وسيلة قبل أن يكون غاية وأداة قبل أن يكون فناً يطلب لذاته ، ومن ثم وجب أن يتوخي له الشاعر أساليب مخصوصة تلائم الأحداث والأوضاع ووجب أن ينتقي له اللفظ القوي الجذاب والصورة المونقة المؤثرة وأن يجتنب فيه الإغراب والتعمية والإلغاز لكي تقع أفهام السامعين علي معانيه في سهولة ويسر ، كما يجب أن يتخير له من الأوزان والصيغ ذات التوقيع النغمي الهزاز الذي يسهم في إلهاب المشاعر وإثارة الحمية .
وإذا صحت هذه المقدمات تجد شوقي استجاب لها حيناً وجانبها أحياناً . فأنت تقرأ شعره الوطني لا تري فيه خطيباً مفوهاً أو سياسياً مجلجلاً محرضاً وإنما تستخلص من تضاعيفه ذلك الرجل الهادي الطبع الوديع النفس الذي عاش في جو من التأملات وذكريات الماضي البعيد المليء بتاريخه وديانته وأحداثه وعبره ، وتلمس من خلال كل ذلك ملامح المعلم الناقد الذي يصوغ ما حصله من علم حكماً ونصائح وتوجيهات يزجيها إلي الناس لكي يعملوا بها حياتهم أو يستنيروا بها فيما يختارون ويذهبون إليه ، لذلك طغي الإخبار علي شعره والتسجيلية الحرفية للوقائع والأحداث يوثقها ثم يبلغها للسامعين بلغة فيها كثير من مشاعر العطف والتأثر ولكن فيها نصيب وافر من العقل والحكمة .
ويقول :
أحبك مصر من أعماق قلبي ??? وحبك في صميم القلب نام
سيجمعني بك التاريخ يوماً ??? إذا ظهر الكرام علي اللئام
لأجلك رحت بالدنيا شقيا ??? أصد الوجه والدنيا أمامي
وهيتك غير هياب يراعا ??? أشد علي العدو من الحسام(1188/34)
فأنت في هذه الأبيات لا تلمس تلك اللهجة المثيرة المنتظرة من قصيدة وطنية ولا تقف علي لغة متوترة أو مستوفزة ترج وتجرف لكأن صاحبها يريد إخضاعها لسلطان العقل والفن معاً .
ولا تظهر هذه العاطفة الهادئة الرصينة في ما نظم شوقي عن الوطن وعلاقته الخاصة به وإنما تتبدي لنا أيضاً في ما قاله في كبار الحوادث وجليل الوقائق مثل كبار الحوادث في وادي النيل " أو نكبة دمشق " حيث يقول :
لحاها الله أنباء توالت ??? علي سمع الولي بما يشق
تكاد لوعة الأحداث فيها??? تخال من الخرافة وهي صدق
وقيل معالم التاريخ دكت ??? وقيل أصابها تلف وحرق
ألست دمشق للإسلام ظئراً ??? ومرضعة الأبوة لا تعق
وللأوطان في دم كل حر ??? يد سلفت ودين مستحق
وللحرية الحمراء باب??? بكل يد مضرجة يدق
تقرأ هذه الأبيات فتجد الشاعر يعرض لك الواقعة بأسلوب إخباري عرضاً هادئاً غير مشبوب ويفحصها فحصاً عاقلاً لكنه لا يخلو من مشاعر الحزن ولا يعدم قولاً حكيماً أيضاً ، جاء هكذا كله في لغة مباشرة لا غموض فيها ولا التواء وحتي إن بدت بعض العبارات قليلة الخصب الذهني والعمق العقلي مثل قوله :
وقيل معالم التاريخ دكت ??? وقيل أصابها تلف وحرق
فإن المهم لدي الشاعر أن يكون شعره سهل المأخذ قريب الغور .
إلا إن حديثنا عن رصانة شوقي الشعرية وميله إلي النقل الهادئ للأحداث والنقد الرزين للمستعمر وأذياله والنصح الرشيد لأبناء الوطن بلغة شعرية طغي عليها الإبلاغ فإنه لا يعدم شعراً حماسياً جاء في أساليب إنشائية نمت عن ثورة في النفس أو غضب يمور به صدره فجاءت صوره البيانية جلية ناصعة وافرة الخصب والرواء .
???
الخاتمة
الحمد لله الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم . وأصلي وأسلم علي الحبيب المعلم - r -
وبعد :
اللغة الشعرية :(1188/35)
كان شوقي يعني أشد العناية بتوفير عناصر الجمال اللفظي لشعره ، ولعل احتفاله بالمعني كان لا يضاهي احتفاله باللفظ فالصنعة والديباجة ونسيج الكلام أمور مقدمة في قول الشعر لديه وقد يكون في أقصي ضميره يؤثر البيت الجيد اللفظ علي البيت الجيد المعني من شعر الشعراء القدامي الذين كان شديد الإعجاب بهم والتأثر بفرائضهم . لذلك نجد لغة الشعر لغة البيان الأول متانة وحسن سبك وجودة صياغته ، ومما لا شك فيه أن شوقي كان يتخير لفظه من المنتوج اللغوي القديم في عهوده المشرقة ويعمد إلي إعادة حياكته بمواضيع جديدة وخاصة منها الموضوع الوطني .
غير أن العودة إلي القديم واتخاذه أداة إنشاد وإبلاغ في مواضيع حديثه أحدث نوعا من الارتباك في اللغة الشعرية لدي أحمد شوقي لذلك تري القصيدة الواحدة وقد عجت بلغة الصحاري والخيل والسيوف والرماح والأبقار الوحشية والغزلان وإلي جانبها لغة السياسة الجديدة من دستور وبرلمان وشعب واستقلال ووطن ومهرجان ومؤتمر وحزب ومستعمر وغيرها .
يقول مستعملاً لغة قديمة :
الخيل حولك في الجلا ??? ل العسجدية ينثنين
وعلي نجادك هالتا ??? ن من القنا والدارعين(1188/36)
برز الثعلب يوماً.... قصيدة رائعة لأحمد شوقي
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله
من روائع ما كتب أحمد شوقي هذه القصيدة وهي من ديوانه الشوقيات وعنوانها "مر الثعلب يوماً" ، فأترككم معها:
برز الثعلبُ يوماً في شعار الواعِظينا
فمشى في الأرضِ يهذي ويسبُّ الماكرينا
ويقولُ : الحمدُ للـ ـهِ إلهِ العالمينا
يا عِباد الله، تُوبُوا فهموَ كهفُ التائبينا
وازهَدُوا في الطَّير، إنّ الـ ـعيشَ عيشُ الزاهدينا
واطلبوا الدِّيك يؤذنْ لصلاة ِ الصُّبحِ فينا
فأَتى الديكَ رسولٌ من إمام الناسكينا
عَرَضَ الأَمْرَ عليه وهْوَ يرجو أَن يَلينا
فأجاب الديك : عذراً يا أضلَّ المهتدينا !
بلِّغ الثعلبَ عني عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التِّيجان ممن دَخل البَطْنَ اللعِينا
أَنهم قالوا وخيرُ الـ ـقولِ قولُ العارفينا:
" مخطيٌّ من ظنّ يوماً أَنّ للثعلبِ دِينا"(1189/1)
بِأَبي وَروحي الناعِماتِ الغيدا
قال هذه القصيدة في حفل تكريم بعض السجناء الذين أطلق سراحهم في وزارة سعد زغلول باشا سنة 1934م، وكانوا قد أدينوا من المحاكم العسكرية الإنجليزية.
1
بِأَبي وَروحي الناعِماتِ الغيدا *** الباسِماتِ عَنِ اليَتيمِ نَضيدَا
2
الرانِياتِ بِكُلِّ أَحوَرَ فاتِرٍ *** يَذُرُ الخَلِيَّ مِنَ القُلوبِ عَميدا
3
الراوِياتِ مِنَ السُلافِ مَحاجِرًا *** الناهِلاتِ سَوالِفًا وَخُدودا
4
اللاعِباتِ عَلى النَسيمِ غَدائِرًا *** الراتِعاتِ مَعَ النَسيمِ قُدودا
5
أَقبَلنَ في ذَهَبِ الأَصيلِ وَوَشيِهِ *** مِلءَ الغَلائِلِ لُؤلُؤًا وَفَريدا
6
يَحدِجنَ بِالحَدقِ الحَواسِدِ دُميَةً *** كَظِباءِ وَجرَةَ مُقلَتَينِ وَجيدا
7
حَوَتِ الجَمالَ فَلَو ذَهَبتَ تَزيدُها *** في الوَهمِ حُسنًا ما استَطَعتَ مَزيدا
8
لَو مَرَّ بِالوِلدانِ طَيفُ جَمالِها *** في الخُلدِ خَرّوا رُكَّعًا وَسُجودا
9
أَشهى مِنَ العودِ المُرَنَّمِ مَنطِقًا *** وَأَلَذُّ مِن أَوتارِهِ تَغريدا
10
لَو كُنتَ مُطلِقَ السُجَناءِ لَم *** تُطلِق لِساحِرِ طَرفِها مَصفودا
11
ما قَصَّرَ الرُؤَساءُ عَنهُ سَعى لَهُ *** سَعدٌ فَكانَ مُوَفَّقًا وَرَشيدا
12
يا مِصرُ أَشبالُ العَرينِ تَرَعرَعَت *** وَمَشَت إِلَيكِ مِنَ السُجونِ أُسودا
13
قاضى السِياسَةِ نالَهُمْ بِعِقابِهِ *** خَشِنَ الحُكومَةِ في الشَبابِ عَتيدا
14
أَتَتِ الحَوادِثُ دون عَقدِ قَضائِهِ *** فَانهارَ بَيِّنَةً وَدُكَّ شَهيدا
15
تَقضي السِياسَةُ غَيرَ مالِكَةٍ لِما *** حَكَمَت بِهِ نَقضًا وَلا تَوكيدا
16
قالوا أَتَنظُمُ لِلشَبابِ تَحِيَّةً *** تَبقى عَلى جيدِ الزَمانِ قَصيدا
17
قُلتُ الشَبابُ أَتَمُّ عِقدَ مَآثِرٍ *** مِن أَن أَزيدَهُمُ الثَناءَ عُقودا
18
قَبِلَت جُهودَهُمُ البِلادُ وَقَبَّلَت *** تاجًا عَلى هاماتِهِمْ مَعقودا
19(1190/1)
خَرَجوا فَما مَدّوا حَناجِرَهُمْ وَلا *** مَنّوا عَلى أَوطانِهِمْ مَجهودا
20
خَفِيَ الأَساسُ عَنِ العُيونِ تَواضُعًا *** مِن بَعدِ ما رَفَعَ البِناءَ مَشيدا
21
ما كانَ أَفطَنَهُمْ لِكُلُّ خَديعَةٍ *** وَلِكُلِّ شَرٍّ بِالبِلادِ أُريدا
22
لَمّا بَنى اللَهُ القَضِيَّةَ مِنهُمُ *** قامَت عَلى الحَقِّ المُبينِ عَمودا
23
جادوا بِأَيّامِ الشَبابِ وَأَوشَكوا *** يَتَجاوَزونَ إِلى الحَياةِ الجودا
24
طَلَبوا الجَلاءَ عَلى الجِهادِ مَثوبَةً *** لَم يَطلُبوا أَجرَ الجِهادِ زَهيدا
25
وَاللَهِ ما دونَ الجَلاءِ وَيَومِهِ *** يَومٌ تُسَمّيهِ الكِنانَةُ عيدا
26
وَجَدَ السَجينُ يَدًا تُحَطِّمُ قَيدَهُ *** مَن ذا يُحَطِّمُ لِلبِلادِ قُيودا
27
رَبِحَت مِنَ التَصريحِ أَنَّ قُيودَها *** قَد صِرنَ مِن ذَهَبٍ وَكُنَّ حَديدا
28
أَوَ ما تَرونَ عَلى المَنابِعِ عُدَّةً *** لا تَنجَلي وَعَلى الضِفافِ عَديدا
29
يا فِتيَةَ النيلِ السَعيدِ خُذوا المَدى *** وَاستَأنِفوا نَفَسَ الجِهادِ مَديدا
30
وَتَنَكَّبوا العُدوانَ وَاجتَنِبوا الأَذى *** وَقِفوا بِمِصرَ المَوقِفَ المَحمودا
31
الأَرضُ أَليَقُ مَنزِلًا بِجَماعَةٍ *** يَبغونَ أَسبابَ السَماءِ قُعودا
32
أَنتُم غَدًا أَهلُ الأُمورِ وَإِنَّما *** كُنّا عَلَيكُم في الأُمورِ وُفودا
33
فَابنوا عَلى أُسُسِ الزَمانِ وَروحِهِ *** رُكنَ الحَضارَةِ باذِخًا وَشَديدا
34
الهَدمُ أَجمَلُ مِن بِنايَةِ مُصلِحٍ *** يَبني عَلى الأُسُسِ العِتاقِ جَديدا
35
وَجهُ الكِنانَةِ لَيسَ يُغضِبُ رَبَّكُمْ *** أَن تَجعَلوهُ كَوَجهِهِ مَعبودا
36
وَلّوا إِلَيهِ في الدُروسِ وُجوهَكُمْ *** وَإِذا فَرَغتُمُ وَاعبُدوهُ هُجودا
37
إِنَّ الَّذي قَسَمَ البِلادَ حَباكُمُ *** بَلَدًا كَأَوطانِ النُجومِ مَجيدا
38
قَد كانَ وَالدُنيا لُحودٌ كُلُّها *** لِلعَبقَرِيَّةِ وَالفُنونِ مُهودا
39(1190/2)
مَجدُ الأُمورِ زَوالُهُ في زَلَّةٍ *** لا تَرجُ لِاسمِكَ بِالأُمورِ خُلودا
40
الفَردُ بِالشورى وَبِاسمِ نَدِيِّها *** لُفِظَ الخَليفَةُ في الظَلامِ شَريدا
41
خَلَعَتهُ دونَ المُسلِمينَ عِصابَةٌ *** لَم يَجعَلوا لِلمُسلِمينَ وُجودا
42
يَقضونَ ذَلِكَ عَن سَوادٍ غافِلٍ *** خُلِقَ السَوادُ مُضَلَّلًا وَمَسودا
43
جَعَلوا مَشيئَتَهُ الغَبِيَّةَ سُلَّمًا *** نَحوَ الأُمورِ لِمَن أَرادَ صُعودا
44
إِنّي نَظَرتُ إِلى الشُعوبِ فَلَم أَجِد *** كَالجَهلِ داءً لِلشُعوبِ مُبيدا
45
الجَهلُ لا يَلِدُ الحَياةَ مَواتُهُ *** إِلّا كَما تَلِدُ الرِمامُ الدودا
46
لَم يَخلُ مِن صُوَرِ الحَياةِ وَإِنَّما *** أَخطاهُ عُنصُرُها فَماتَ وَليدا
47
وَإِذا سَبى الفَردُ المُسَلَّطُ مَجلِسًا *** أَلفَيتَ أَحرارَ الرِجالِ عَبيدا
48
وَرَأَيتَ في صَدرِ النَدِيِّ مُنَوَّمًا *** في عُصبَةٍ يَتَحَرَّكونَ رُقودا
49
الحَقُّ سَهمٌ لا تَرِشهُ بِباطِلٍ *** ما كانَ سَهمُ المُبطِلينَ سَديدا
50
وَالعَب بِغَيرِ سِلاحِهِ فَلَرُبَّما *** قَتَلَ الرِجالَ سِلاحُهُ مَردودا(1190/3)
بِسَيفِكَ يَعلو الحَقُّ وَالحَقُّ أَغلَبُ
الشوقيات (39-54)، تقديم حسين هيكل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان اضغط هنا لمعرفة أرقام الأبيات في في كل صفحة، وهذه الخدمة تفيد الباحثين؛ لتحديد البيت في المصدر بدقة.
المناسبة ... وصف الوقائع العثمانية اليونانية
1
بِسَيفِكَ يَعلو الحَقُّ وَالحَقُّ أَغلَبُ *** وَيُنصَرُ دينُ اللَهِ أَيّانَ تَضرِبُ
2
وَما السَيفُ إِلّا آيَةُ المُلكِ في الوَرى *** وَلا الأَمرُ إِلّا لِلَّذي يَتَغَلَّبُ
3
فَأَدِّب بِهِ القَومَ الطُغاةَ فَإِنَّهُ *** لَنِعمَ المَرَبي لِلطُغاةِ المُؤَدِّبُ
4
وَداوِ بِهِ الدولاتِ مِن كُلِّ دائِها *** فَنِعمَ الحُسامُ الطِبُّ وَالمُتَطَبِّبُ
5
تَنامُ خُطوبُ المُلكِ إِن باتَ ساهِرًا *** وَإِن هُوَ نامَ استَيقَظَت تَتَأَلَّبُ
6
أَمِنّا اللَيالي أَن نُراعَ بِحادِثٍ *** وَأَرمينيا ثَكلى وَحَورانَ أَشيَبُ
7
وَمَملَكَةُ اليونانِ مَحلولَةُ العُرى *** رَجاؤُكَ يُعطيها وَخَوفُكَ يُسلَبُ
8
هَدَدتَ أَميرَ المُؤمِنينَ كَيانَها *** بِأَسطَعَ مِثلِ الصُبحِ لا يَتَكَذَّبُ
9
وَمازالَ فَجرًا سَيفُ عُثمانَ صادِقًا *** يُساريهِ مِن عالي ذَكائِكَ كَوكَبُ
10
إِذا ما صَدَعتَ الحادِثاتِ بِحَدِّهِ *** تَكَشَّفَ داجي الخَطبِ وَانجابَ غَيهَبُ
11
وَهابَ العِدا فيهِ خِلافَتَكَ الَّتي *** لَهُم مَأرَبٌ فيها وَلِلَّهِ مَأرَبُ
12
سَما بِكَ يا عَبدَ الحَميدِ أُبُوَّةٌ *** ثَلاثونَ خُضّارُ الجَلالَةِ غُيَّبُ
13
قَياصِرُ أَحيانًا خَلائِفُ تارَةً *** خَواقينُ طَورًا وَالفَخارُ المُقَلَّبُ
14
نُجومُ سُعودِ المَلكِ أَقمارُ زُهرِهِ *** لَوَ اَنَّ النُجومَ الزُهرَ يَجمَعُها أَبُ
15
تَواصَوا بِهِ عَصرًا فَعَصرًا فَزادَهُ *** مُعَمَّمُهُم مِن هَيبَةٍ وَالمُعَصَّبُ
16
هُمُ الشَمسُ لَم تَبرَح سَماواتِ عِزِّها *** وَفينا ضُحاها وَالشُعاعُ المُحَبَّبُ
17(1191/1)
نَهَضتَ بِعَرشٍ يَنهَضُ الدَهرُ بِهِ *** خُشوعًا وَتَخشاهُ اللَيالي وَتَرهَبُ
18
مَكينٍ عَلى مَتنِ الوُجودِ مُؤَيَّدٍ *** بِشَمسِ استِواءٍ مالَها الدَهرَ مَغرِبُ
19
تَرَقَّت لَهُ الأَسواءُ حَتّى ارتَقَيتَهُ *** فَقُمتَ بِها في بَعضِ ما تَتَنَكَّبُ
20
فَكُنتَ كَعَينٍ ذاتِ جَريٍ كَمينَةٍ *** تَفيضُ عَلى مَرِّ الزَمانِ وَتَعذُبُ
21
مُوَكَّلَةٍ بِالأَرضِ تَنسابُ في الثَرى *** فَيَحيا وَتَجري في البِلادِ فَتُخضِبُ
22
فَأَحيَيتَ مَيتًا دارِسَ الرَسمِ غابِرًا *** كَأَنَّكَ فيما جِئتَ عيسى المُقَرَّبُ
23
وَشِدتَ مَنارًا لِلخِلافَةِ في الوَرى *** تُشَرِّقُ فيهِم شَمسُهُ وَتُغَرِّبُ
24
سَهِرتَ وَنامَ المُسلِمونَ بِغَبطَةٍ *** وَما يُزعِجُ النُوّامَ وَالساهِرُ الأَبُ
25
فَنَبَّهَنا الفَتحُ الَّذي ما بِفَجرِهِ *** وَلا بِكَ يا فَجرَ السَلامِ مُكَذِّبُ
26
حُسامُكَ مِن سُقراطَ في الخَطبِ أَخطَبُ *** وَعودُكَ مِن عودِ المَنابِرِ أَصلَبُ
27
وَعَزمُكَ مِن هوميرَ أَمضى بَديهَةً *** وَأَجلى بَيانًا في القُلوبِ وَأَعذَبُ
28
وَإِن يَذكُروا إِسكَندَرًا وَفُتوحَهُ *** فَعَهدُكَ بِالفَتحِ المُحَجَّلِ أَقرَبُ
29
وَمُلكُكَ أَرقى بِالدَليلِ حُكومَةً *** وَأَنفَذُ سَهمًا في الأُمورِ وَأَصوَبُ
30
ظَهَرتَ أَميرَ المُؤمِنينَ عَلى العِدا *** ظُهورًا يَسوءُ الحاسِدينَ وَيُتعِبُ
31
سَلِ العَصرَ وَالأَيّامَ وَالناسَ هَل نَبا *** لِرَأيِكَ فيهِم أَو لِسَيفِكَ مَضرِبُ
32
هُمُ مَلَئوا الدُنيا جَهامًا وَراءَهُ *** جَهامٌ مِنَ الأَعوانِ أَهذى وَأَكذَبُ
33
فَلَمّا استَلَلتَ السَيفَ أَخلَبَ بَرقُهُم *** وَما كُنتَ يا بَرقَ المَنِيَّةِ تُخلِبُ
34
أَخَذتَهُمُ لا مالِكينَ لِحَوضِهِم *** مِنَ الذَودِ إِلّا ما أَطالوا وَأَسهَبوا
35
وَلم يَتَكَلَّف قَومُكَ الأُسدُ أُهبَةً *** وَلَكِنَّ خُلقًا في السِباعِ التَأَهُّبُ
36(1191/2)
كَذا الناسُ بِالأَخلاقِ يَبقى صَلاحُهُم *** وَيَذهَبُ عَنهُم أَمرُهُم حينَ تَذهَبُ
37
وَمِن شَرَفِ الأَوطانِ أَلّا يَفوتَها *** حُسامٌ مُعِزٌّ أَو يَراعٌ مُهَذَّبُ
38
مَلَكتَ سَبيلَيهِم فَفي الشَرقِ مَضرِبٌ *** لِجَيشِكَ مَمدودٌ وَفي الغَربِ مَضرِبُ
39
ثَمانونَ أَلفًا أُسدُ غابٍ ضَراغِمٌ *** لَها مِخلَبٌ فيهِم وَلِلمَوتِ مَخلِبُ
40
إِذا حَلِمَت فَالشَرُّ وَسنانُ حالِمٌ *** وَإِن غَضِبَت فَالشَرُّ يَقظانُ مُغضِبُ
41
فَيالِقُ أَفشى في البِلادِ مِنَ الضُحى *** وَأَبعَدُ مِن شَمسِ النَهارِ وَأَقرَبُ
42
وَتُصبِحُ تَلقاهُم وَتُمسي تَصُدُّهُم *** وَتَظهَرُ في جِدِّ القِتالِ وَتَلعَبُ
43
تَلوحُ لَهُم في كُلِّ أُفقٍ وَتَعتَلي *** وَتَطلُعُ فيهِم مِن مَكانٍ وَتَغرُبُ
44
وَتُقدِمُ إِقدامَ اللُيوثِ وَتَنثَني *** وَتُدبِرُ عِلمًا بِالوَغى وَتُعَقِّبُ
45
وَتَملِكُ أَطرافَ الشِعابِ وَتَلتَقي *** وَتَأخُذُ عَفوًا كُلَّ عالٍ وَتَغصِبُ
46
وَتَغشى أَبِيّاتِ المَعاقِلِ وَالذُرا *** فَثَيِّبُهُنَّ البِكرُ وَالبِكرُ ثَيِّبُ
47
يَقودُ سَراياها وَيَحمي لِواءَها *** سَديدُ المَرائي في الحُروبِ مُجَرِّبُ
48
يَجيءُ بِها حينًا وَيَرجِعُ مَرَّةً *** كَما تَدفَعُ اللَجَّ البِحارُ وَتَجذِبُ
49
وَيَرمي بِها كَالبَحرِ مِن كُلِّ جانِبٍ *** فَكُلُّ خَميسٍ لُجَّةٌ تَتَضَرَّبُ
50
وَيُنفِذُها مِن كُلِّ شِعبٍ فَتَلتَقي *** كَما يَتَلاقى العارِضُ المُتَشَعِّبُ
51
وَيَجعَلُ ميقاتًا لَها تَنبَري لَهُ *** كَما دارَ يَلقى عَقرَبَ السَيرِ عَقرَبُ
52
فَظَلَّت عُيونُ الحَربِ حَيرى لِما تَرى *** نَواظِرَ ما تَأتي اللُيوثُ وَتُغرِبُ
53
تُبالِغُ بِالرامي وَتَزهو بِما رَمى *** وَتُعجَبُ بِالقُوّادِ وَالجُندُ أَعجَبُ
54
وَتُثني عَلى مُزجي الجُيوشِ بِيَلدِزٍ *** وَمُلهِمِها فيما تَنالُ وَتَكسِبُ
55(1191/3)
وَما المُلكُ إِلّا الجَيشُ شَأنًا وَمَظهَرًا *** وَلا الجَيشُ إِلّا رَبُّهُ حينَ يُنسَبُ
56
تُحَذِّرُني مِن قَومِها التُركِ زَينَبُ *** وَتُعجِمُ في وَصفِ اللُيوثِ وَتُعرِبُ
57
وَتُكثِرُ ذِكرَ الباسِلينَ وَتَنثَني *** بِعِزٍّ عَلى عِزِّ الجَمالِ وَتُعجَبُ
58
وَتَسحَبُ ذَيلَ الكِبرِياءِ وَهَكَذا *** يَتيهُ وَيَختالُ القَوِيُّ المُغَلِّبُ
59
وَزَينَبُ إِن تاهَت وَإِن هِيَ فاخَرَت *** فَما قَومُها إِلّا العَشيرُ المُحَبَّبُ
60
يُؤَلِّفُ إيلامُ الحَوادِثِ بَينَنا *** وَيَجمَعُنا في اللَهِ دينٌ وَمَذهَبُ
61
نَما الوُدُّ حَتّى مَهَّدَ السُبلَ لِلهَوى *** فَما في سَبيلِ الوَصلِ ما يُتَصَعَّبُ
62
وَدانى الهَوى ما شاءَ بَيني وَبَينَها *** فَلَم يَبقَ إِلّا الأَرضُ وَالأَرضُ تَقرُبُ
63
رَكِبتُ إِلَيها البَحرَ وَهوَ مَصيدَةٌ *** تُمَدُّ بِها سُفنُ الحَديدِ وَتُنصَبُ
64
تَروحُ المَنايا الزُرقُ فيهِ وَتَغتَدي *** وَما هِيَ إِلّا المَوجُ يَأتي وَيَذهَبُ
65
وَتَبدو عَلَيهِ الفُلكُ شَتّى كَأَنَّها *** بُؤوزٌ تُراعيها عَلى البُعدِ أَعقُبُ
66
حَوامِلُ أَعلامِ القَياصِرِ حُضرٌ *** عَلَيها سَلاطينُ البَرِيَّةِ غُيَّبُ
67
تُجاري خُطاها الحادِثاتِ وَتَقتَفي *** وَتَطفو حَوالَيها الخُطوبُ وَتَرسُبُ
68
وَيوشِكُ يَجري الماءُ مِن تَحتِها دَمًا *** إِذا جَمَعَت أَثقالَها تَتَرَقَّبُ
69
فَقُلتُ أَأَشراطُ القِيامَةِ ما أَرى *** أَمِ الحَربُ أَدنى مِن وَريدٍ وَأَقرَبُ
70
أَمانًا أَمانًا لُجَّةَ الرومِ لِلوَرى *** لَوَ اَنَّ أَمانًا عِندَ دَأماءَ يُطلَبُ
71
كَأَنّي بِأَحداثِ الزَمانِ مُلِمَّةً *** وَقَد فاضَ مِنها حَوضُكِ المُتَضَرِّبُ
72
فَأُزعِجَ مَغبوطٌ وَرُوِّعَ آمِنٌ *** وَغالَ سَلامَ العالَمينَ التَعَصُّبُ
73
فَقالَت أَطَلتَ الهَمَّ لِلخَلقِ مَلجَأٌ *** أَبَرُّ بِهِم مِن كُلِّ بَرٍّ وَأَحدَبُ
74(1191/4)
سَلامُ البَرايا في كَلاءَةِ فَرقَدٍ *** بِيَلدِزَ لا يَغفو وَلا يَتَغَيَّبُ
75
وَإِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ لَوابِلٌ *** مِنَ الغَوثِ مُنهَلٌ عَلى الخَلقِ صَيِّبُ
76
رَأى الفِتنَةَ الكُبرى فَوالى انهِمالَهُ *** فَبادَت وَكانَت جَمرَةً تَتَلَهَّبُ
77
فَما زِلتُ بِالأَهوالِ حَتّى اقتَحَمتُها *** وَقَد تُركِبُ الحاجاتُ ما لَيسَ يُركَبُ
78
أَخوضُ اللَيالي مِن عُبابٍ وَمِن دُجىً *** إِلى أُفقٍ فيهِ الخَليفَةُ كَوكَبُ
79
إِلى مُلكِ عُثمانَ الَّذي دونَ حَوضِهِ *** بِناءُ العَوالي المُشمَخِرُّ المُطَنَّبُ
80
فَلاحَ يُناغي النَجمَ صَرحٌ مُثَقَّبٌ *** عَلى الماءِ قَد حاذاهُ صَرحٌ مُثقَبُ
81
بُروجٌ أَعارَتها المَنونُ عُيونَها *** لَها في الجَواري نَظرَةٌ لا تُخَيَّبُ
82
رَواسي ابتِداعٍ في رَواسي طَبيعَةٍ *** تَكادُ ذُراها في السَحابِ تُغَيَّبُ
83
فَقُمتُ أُجيلُ الطَرفَ حَيرانَ قائِلًا *** أَهَذى ثُغورُ التُركِ أَم أَنا أَحسَبُ
84
فَمِثلَ بِناءِ التُركِ لَم يَبنِ مُشرِقٌ *** وَمِثلَ بِناءِ التُركِ لَم يَبنِ مَغرِبُ
85
تَظَلُّ مَهولاتُ البَوارِجِ دونَهُ *** حَوائِرَ ما يَدرينَ ماذا تُخَرِّبُ
86
إِذا طاشَ بَينَ الماءِ وَالصَخرِ سَهمُها *** أَتاها حَديدٌ ما يَطيشُ وَأَسرَبُ
87
يُسَدِّدُهُ عِزريلُ في زِيِّ قاذِفٍ *** وَأَيدي المَنايا وَالقَضاءُ المُدَرَّبُ
88
قَذائِفُ تَخشى مُهجَةُ الشَمسِ كُلَّما *** عَلَت مُصعِداتٍ أَنَّها لا تُصَوَّبُ
89
إِذا صُبَّ حاميها عَلى السُفنِ انثَنَت *** وَغانِمُها الناجي فَكَيفَ المُخَيَّبُ
90
سَلِ الرومَ هَل فيهِنَّ لِلفُلكِ حيلَةٌ *** وَهَل عاصِمٌ مِنهُنَّ إِلّا التَنَكُّبُ
91
تَذَبذَبَ أُسطولاهُمُ فَدَعَتهُما *** إِلى الرُشدِ نارٌ ثَمَّ لا تَتَذَبذَبُ
92
فَلا الشَرقُ في أُسطولِهِ مُتقى الحِمى *** وَلا الغَربُ في أُسطولِهِ مُتَهَيَّبُ
93(1191/5)
وَما راعَني إِلّا لِواءٌ مُخَضَّبٌ *** هُنالِكَ يَحميهِ بَنانٌ مُخَضَّبُ
94
فَقُلتُ مَنِ الحامي أَلَيثٌ غَضَنفَرٌ *** مِنَ التُركِ ضارٍ أَم غَزالٌ مُرَبَّبُ
95
أَمِ المَلِكُ الغازي المُجاهِدُ قَد بَدا *** أَمِ النَجمُ في الآرامِ أَم أَنتِ زَينَبُ
96
رَفَعتِ بَناتَ التُركِ قالَت وَهَل بِنا *** بَناتِ الضَواري أَن نَصولَ تَعَجُّبُ
97
إِذا ما الدِيارُ استَصرَخَت بَدَرَت لَها *** كَرائِمُ مِنّا بِالقَنا تَتَنَقَّبُ
98
تُقَرِّبُ رَبّاتُ البُعولِ بُعولَها *** فَإِن لَم يَكُن بَعلٌ فَنَفسًا تُقَرِّبُ
99
وَلاحَت بِآفاقِ العَدُوِّ سَرِيَّةٌ *** فَوارِسُ تَبدو تارَةً وَتُحَجَّبُ
100
نَواهِضُ في حُزنٍ كَما تَنهَضُ القَطا *** رَواكِضُ في سَهلٍ كَما انسابَ ثَعلَبُ
101
قَليلونَ مِن بُعدٍ كَثيرونَ إِن دَنَوا *** لَهُم سَكَنٌ آنًا وَآنًا تَهَيُّبُ
102
فَقالَت شَهِدتَ الحَربَ أَو أَنتَ موشِكٌ *** فَصِفنا فَأَنتَ الباسِلُ المُتَأَدِّبُ
103
وَنادَت فَلَبّى الخَيلُ مِن كُلِّ جانِبٍ *** وَلَبّى عَلَيها القَسوَرُ المُتَرَقِّبُ
104
خِفافًا إِلى الداعي سِراعًا كَأَنَّما *** مِنَ الحَربِ داعٍ لِلصَلاةِ مُثَوِّبُ
105
مُنيفينَ مِن حَولِ اللِواءِ كَأَنَّهُم *** لَهُ مَعقِلٌ فَوقَ المَعاقِلِ أَغلَبُ
106
وَما هِيَ إِلّا دَعوَةٌ وَإِجابَةٌ *** أَنِ التَحَمَت وَالحَربُ بَكرٌ وَتَغلِبُ
107
فَأَبصَرتُ ما لَم تُبصِرا مِن مَشاهِدٍ *** وَلا شَهِدَت يَومًا مَعَدٌّ وَيَعرُبُ
108
جِبالَ مَلونا لا تَخوري وَتَجزَعي *** إِذا مالَ رَأسٌ أَو تَضَعضَعَ مَنكِبُ
109
فَما كُنتِ إِلّا السَيفَ وَالنارَ مَركَبًا *** وَما كانَ يَستَعصي عَلى التُركِ مَركَبُ
110
عَلَوا فَوقَ عَلياءِ العَدُوِّ وَدونَهُ *** مَضيقٌ كَحَلقِ اللَيثِ أَو هُوَ أَصعَبُ
111(1191/6)
فَكانَ صِراطُ الحَشرِ ما ثَمَّ ريبَةٌ *** وَكانوا فَريقَ اللَهِ ما ثَمَّ مُذنِبُ
112
يَمُرّونَ مَرَّ البَرقِ تَحتَ دُجُنَّةٍ *** دُخانًا بِهِ أَشباحُهُم تَتَجَلبَبُ
113
حَثيثينَ مِن فَوقِ الجِبالِ وَتَحتِها *** كَما انهارَ طَودٌ أَو كَما انهالَ مِذنَبُ
114
تُمِدُّهُمُ قُذّافُهُم وَرُماتُهُم *** بِنارٍ كَنيرانِ البَراكينِ تَدأَبُ
115
تُذَرّى بِها شُمُّ الذُرا حينَ تَعتَلي *** وَيَسفَحُ مِنها السَفحُ إِذ تَتَصَبَّبُ
116
تُسَمَّرُ في رَأسِ القِلاعِ كُراتُها *** وَيَسكُنُ أَعجازَ الحُصونِ المُذَنَّبُ
117
فَلَمّا دَجى داجي العَوانِ وَأَطبَقَت *** تَبَلَّجَ وَالنَصرَ الهِلالُ المُحَجَّبُ
118
وَرُدَّت عَلى أَعقابِها الرومُ بَعدَما *** تَناثَرَ مِنها الجَيشُ أَو كادَ يَذهَبُ
119
جَناحَينِ في شِبهِ الشِباكَينِ مِن قَنا *** وَقَلبًا عَلى حُرِّ الوَغى يَتَقَلَّبُ
120
عَلى قُلَلِ الأَجبالِ حَيرى جُموعُهُم *** شَواخِصُ ما إِن تَهتَدي أَينَ تَذهَبُ
121
إِذا صَعَدَت فَالسَيفُ أَبيَضُ خاطِفٌ *** وَإِن نَزَلَت فَالنارُ حَمراءُ تَلهَبُ
122
تَطَوَّعَ أَسرًا مِنهُمُ ذَلِكَ الَّذي *** تَطَوَّعَ حَربًا وَالزَمانُ تَقَلُّبُ
123
وَتَمَّ لَنا النَصرُ المُبينُ عَلى العِدا *** وَفَتحُ المَعالي وَالنَهارُ المُذَهَّبُ
124
فَجِئتُ فَتاةَ التُركِ أَجزي دِفاعَها *** عَنِ المُلكِ وَالأَوطانِ ما الحَقُّ يوجِبُ
125
فَقَبَّلتُ كَفًّا كانَ بِالسَيفِ ضارِبًا *** وَقَبَّلتُ سَيفًا كانَ بِالكَفِّ يَضرِبُ
126
وَقُلتُ أَفي الدُنيا لِقَومِكِ غالِبٌ *** وَفي مِثلِ هَذا الحِجرِ رُبّوا وَهُذِّبوا
127
رُوَيدًا بَني عُثمانَ في طَلَبِ العُلا *** وَهَيهاتَ لَم يُستَبقَ شَيءٌ فَيُطلَبُ
128
أَفي كُلِّ آنٍ تَغرِسونَ وَنَجتَني *** وَفي كُلِّ يَومٍ تَفتَحونَ وَنَكتُبُ
129(1191/7)
وَما زِلتُمُ يَسقيكُمُ النَصرُ حُمرَهُ *** وَتَسقونَهُ وَالكُلُّ نَشوانَ مُصأَبُ
130
إِلى أَن أَحَلَّ السُكرَ مَن لا يُحِلُّهُ *** وَمَدَّ بِساطَ الشُربِ مَن لَيسَ يَشرَبُ
131
وَأَشمَطَ سَوّاسِ الفَوارِسِ أَشيَبُ *** يَسيرُ بِهِ في الشَعبِ أَشمَطُ أَشيَبُ
132
رَفيقًا ذَهابٍ في الحُروبِ وَجيئَةٍ *** قَدِ اصطَحَبا وَالحُرُّ لِلحُرِّ يَصحَبُ
133
إِذا شَهِداها جَدَّدا هِزَّةَ الصِبا *** كَما يَتَصابى ذو ثَمانينَ يَطرُبُ
134
فَيَهتَزُّ هَذا كَالحُسامِ وَيَنثَني *** وَيَنفُرُ هَذا كَالغَزالِ وَيَلعَبُ
135
تَوالى رَصاصُ المُطلِقينَ عَلَيهِما *** يُخَضِّلُ مِن شَيبِهِما وَيُخَضِّبُ
136
فَقيلَ أَنِل أَقدامَكَ الأَرضَ إِنَّها *** أَبَرُّ جَوادًا إِن فَعَلتَ وَأَنجَبُ
137
فَقالَ أَيَرضى واهِبُ النَصرِ أَنَّنا *** نَموتُ كَمَوتِ الغانِياتِ وَنُعطَبُ
138
ذَروني وَشَأني وَالوَغى لا مُبالِيًا *** إِلى المَوتِ أَمشي أَم إِلى المَوتِ أَركَبُ
139
أَيَحمِلُني عُمرًا وَيَحمي شَبيبَتي *** وَأَخذُلُهُ في وَهنِهِ وَأُخَيِّبُ
140
إِذا نَحنُ مِتنا فَادفِنونا بِبُقعَةٍ *** يَظَلُّ بِذِكرانا ثَراها يُطَيِّبُ
141
وَلا تَعجَبوا أَن تَبسُلَ الخَيلُ إِنَّها *** لَها مِثلُ ما لِلناسِ في المَوتِ مَشرَبُ
142
فَماتا أَمامَ اللَهِ مَوتَ بَسالَةٍ *** كَأَنَّهُما فيهِ مِثالٌ مُنَصَّبُ
143
وَما شُهَداءُ الحَربِ إِلّا عِمادُها *** وَإِن شَيَّدَ الأَحياءُ فيها وَطَنَّبوا
144
مِدادُ سِجِلِّ النَصرِ فيها دِماؤُهُم *** وَبِالتِبرِ مِن غالي ثَراهُم يُتَرَّبُ
145
فَهَل مِن مَلونا مَوقِفٌ وَمَسامِعٌ *** وَمِن جَبَلَيها مِنبَرٌ لي فَأَخطُبُ
146
فَأَسأَلُ حِصنَيها العَجيبَينِ في الوَرى *** وَمَدخَلُها الأَعصى الَّذي هُوَ أَعجَبُ
147
وَأَستَشهِدُ الأَطوادَ شَمّاءَ وَالذُرا *** بَواذِخَ تُلوي بِالنُجومِ وَتُجذَبُ
148(1191/8)
هَلِ البَأسُ إِلّا بَأسُهُم وَثَباتُهُم *** أَوِ العَزمُ إِلّا عَزمُهُم وَالتَلَبُّبُ
149
أَوِ الدينُ إِلّا ما رَأَت مِن جِهادِهِم *** أَوِ المُلكُ إِلّا ما أَعَزّوا وَهَيَّبوا
150
وَأَيُّ فَضاءٍ في الوَغى لَم يُضَيِّقوا *** وَأَيُّ مَضيقٍ في الوَرى لَم يُرَحِّبوا
151
وَهَل قَبلَهُم مَن عانَقَ النارَ راغِبًا *** وَلَو أَنَّهُ عُبّادُها المُتَرَهِّبُ
152
وَهَل نالَ ما نالوا مِنَ الفَخرِ حاضِرٌ *** وَهَل حُبِيَ الخالونَ مِنهُ الَّذي حُبوا
153
سَلامًا مَلونا وَاحتِفاظًا وَعِصمَةً *** لِمَن باتَ في عالي الرِضى يَتَقَلَّبُ
154
وَضِنّي بِعَظمٍ في ثَراكِ مُعَظَّمٍ *** يُقَرِبُهُ الرَحمَنُ فيما يُقَرِّبُ
155
وَطِرناوُ إِذ طارَ الذُهولُ بِجَيشِها *** وَبِالشَعبِ فَوضى في المَذاهِبِ يَذهَبُ
156
عَشِيَّةَ ضاقَت أَرضُها وَسَماؤُها *** وَضاقَ فَضاءٌ بَينَ ذاكَ مُرَحِّبُ
157
خَلَت مِن بَني الجَيشِ الحُصونُ وَأَقفَرَت *** مَساكِنُ أَهليها وَعَمَّ التَخَرُّبُ
158
وَنادى مُنادٍ لِلهَزيمَةِ في المَلا *** وَإِنَّ مُنادي التُركِ يَدنو وَيَقرُبُ
159
فَأَعرَضَ عَن قُوّادِهِ الجُندُ شارِدًا *** وَعَلَّمَهُ قُوّادُهُ كَيفَ يَهرُبُ
160
وَطارَ الأَهالي نافِرينَ إِلى الفَلا *** مِئينَ وَآلافًا تَهيمُ وَتَسرُبُ
161
نَجَوا بِالنُفوسِ الذاهِلاتِ وَما نَجَوا *** بِغَيرِ يَدٍ صِفرٍ وَأُخرى تُقَلِّبُ
162
وَطالَت يَدٌ لِلجَمعِ في الجَمعِ بِالخَنا *** وَبِالسَلبِ لَم يَمدُد بِها فيهِ أَجنَبُ
163
يَسيرُ عَلى أَشلاءِ والِدِهِ الفَتى *** وَيَنسى هُناكَ المُرضَعَ الأُمُّ وَالأَبُ
164
وَتَمضي السَرايا واطِئاتٍ بِخَيلِها *** أَرامِلَ تَبكي أَو ثَواكِلَ تَندُبُ
165
فَمِن راجِلٍ تَهوي السِنونُ بِرِجلِهِ *** وَمِن فارِسٍ تَمشي النِساءُ وَيَركَبُ
166(1191/9)
وَماضٍ بِمالٍ قَد مَضى عَنهُ وَألُهُ *** وَمُزجٍ أَثاثًا بَينَ عَينَيهِ يُنهَبُ
167
يَكادونَ مِن ذُعرٍ تَفُرُّ دِيارُهُم *** وَتَنجو الرَواسي لَو حَواهُنَّ مَشعَبُ
168
يَكادُ الثَرى مِن تَحتِهِم يَلِجُ الثَرى *** وَيَقضِمُ بَعضُ الأَرضِ بَعضًا وَيُقضِبُ
169
تَكادُ خُطاهُم تَسبِقُ البَرقَ سُرعَةً *** وَتَذهَبُ بِالأَبصارِ أَيّانَ تَذهَبُ
170
تَكادُ عَلى أَبصارِهِم تَقطَعُ المَدى *** وَتَنفُذُ مَرماها البَعيدَ وَتَحجُبُ
171
تَكادُ تَمُسُّ الأَرضَ مَسًّا نِعالُهُم *** وَلَو وَجَدوا سُبلًا إِلى الجَوِّ نَكَّبوا
172
هَزيمَةُ مَن لا هازِمٌ يَستَحِثُّهُ *** وَلا طارِدٌ يَدعو لِذاكَ وَيوجِبُ
173
قَعَدنا فَلَم يَعدَم فَتى الرومِ فَيلَقًا *** مِنَ الرُعبِ يَغزوهُ وَآخَرَ يَسلُبُ
174
ظَفِرنا بِهِ وَجهًا فَظَنَّ تَعَقُّبًا *** وَماذا يَزيدُ الظافِرينَ التَعَقُّبُ
175
فَوَلّى وَما وَلّى نِظامُ جُنودِهِ *** وَيا شُؤمَ جَيشٍ لِلفَرارِ يُرَتِّبُ
176
يَسوقُ وَيَحدو لِلنَجاةِ كَتائِبًا *** لَهُ مَوكِبٌ مِنها وَلِلعارِ مَوكِبُ
177
مُنَظَّمَةٌ مِن حَولِهِ بَيدَ أَنَّها *** تَوَدُّ لَوِ انشَقَّ الثَرى فَتُغَيَّبُ
178
مُؤَزَّرَةٌ بِالرُعبِ مَلدوغَةٌ بِهِ *** فَفي كُلِّ ثَوبٍ عَقرَبٌ مِنهُ تَلسِبُ
179
تَرى الخَيلَ مِن كُلِّ الجِهاتِ تَخَيُّلًا *** فَيَأخُذُ مِنها وَهمُها وَالتَهَيُّبُ
180
فَمِن خَلفِها طَورًا وَحينًا أَمامَها *** وَآوِنَةً مِن كُلِّ أَوبٍ تَأَلَّبُ
181
فَوارِسُ في طولِ الجِبالِ وَعَرضِها *** إِذا غابَ مِنهُم مِقنَبٌ لاحَ مِقنَبُ
182
فَمَهما تَهِم يَسنَح لَها ذو مُهَنَّدٍ *** وَيَخرُج لَها مِن باطِنِ الأَرضِ مِحرَبُ
183
وَتَنزِل عَلَيها مِن سَماءِ خَيالِها *** صَواعِقٌ فيهِنَّ الرَدى المُتَصَبِّبُ
184(1191/10)
رُؤىً إِن تَكُن حَقًّا يَكُن مِن وَرائِها *** مَلائِكَةُ اللَهِ الَّذي لَيسَ يُغلَبُ
185
وَفِرسالُ إِذ باتوا وَبِتنا أَعادِيًا *** عَلى السَهلِ لُدًّا يَرقُبونَ وَنَرقُبُ
186
وَقامَ فَتانا اللَيلَ يَحمي لِواءَهُ *** وَقامَ فَتاهُم لَيلَهُ يَتَلَعَّبُ
187
تَوَسَّدَ هَذا قائِمَ السَيفِ يَتَّقي *** وَهَذا عَلى أَحلامِهِ يَتَحَسَّبُ
188
وَهَل يَستَوي القِرنانُ هَذا مُنَعَّمٌ *** غَريرٌ وَهَذا ذو تَجاريبَ قُلَّبُ
189
حَمَينا كِلانا أَرضَ فِرسالَ وَالسَما *** فَكُلُّ سَبيلٍ بَينَ ذَلِكَ مَعطَبُ
190
وَرُحنا يَهُبُّ الشَرُّ فينا وَفيهِمُ *** وَتَشمُلُ أَرواحُ القِتالِ وَتَجنُبُ
191
كَأَنّا أُسودٌ رابِضاتٌ كَأَنَّهُم *** قَطيعٌ بِأَقصى السَهلِ حَيرانَ مُذئِبُ
192
كَأَنَّ خِيامَ الجَيشِ في السَهلِ أَينَقُ *** نَواشِزُ فَوضى في دُجى اللَيلِ شُزَّبُ
193
كَأَنَّ السَرايا ساكِناتٍ مَوائِجًا *** قَطائِعُ تُعطى الأَمنَ طَورًا وَتُسلَبُ
194
كَأَنَّ القَنا دونَ الخِيامِ نَوازِلًا *** جَداوِلُ يُجريها الظَلامُ وَيُسكَبُ
195
كَأَنَّ الدُجى بَحرٌ إِلى النَجمِ صاعِدٌ *** كَأَنَّ السَرايا مَوجُهُ المُتَضَرِّبُ
196
كَأَنَّ المَنايا في ضَميرِ ظَلامِهِ *** هُمومٌ بِها فاضَ الضَميرُ المُحَجَّبُ
197
كَأَنَّ صَهيلَ الخَيلِ ناعٍ مُبَشِّرٌ *** تَراهُنَّ فيها ضُحَّكًا وَهيَ نُحَّبُ
198
كَأَنَّ وُجوهَ الخَيلِ غُرًّا وَسيمَةً *** دَرارِيُّ لَيلٍ طُلَّعٌ فيهِ ثُقَّبُ
199
كَأَنَّ أُنوفَ الخَيلِ حَرّى مِنَ الوَغى *** مَجامِرُ في الظَلماءِ تَهدا وَتَلهُبُ
200
كَأَنَّ صُدورَ الخَيلِ غُدرٌ عَلى الدُجى *** كَأَنَّ بَقايا النَضحِ فيهِنَّ طُحلُبُ
201
كَأَنَّ سَنى الأَبواقِ في اللَيلِ بَرقُهُ *** كَأَنَّ صَداها الرَعدُ لِلبَرقِ يَصحَبُ
202(1191/11)
كَأَنَّ نِداءَ الجَيشِ مِن كُلِّ جانِبٍ *** دَوِيُّ رِياحٍ في الدُجى تَتَذَأَّبُ
203
كَأَنَّ عُيونَ الجَيشِ مِن كُلِّ مَذهَبٍ *** مِنَ السَهلِ جُنَّ جُوَّلٌ فيهِ جُوَّبُ
204
كَأَنَّ الوَغى نارٌ كَأَنَّ جُنودَنا *** مَجوسٌ إِذا ما يَمَّموا النارَ قَرَّبوا
205
كَأَنَّ الوَغى نارٌ كَأَنَّ الرَدى قِرىً *** كَأَنَّ وَراءَ النارِ حاتِمَ يَأدِبُ
206
كَأَنَّ الوَغى نارٌ كَأَنَّ بَني الوَغى *** فَراشٌ لَهُ مَلمَسُ النارِ مَأرَبُ
207
وَثَبنا يَضيقُ السَهلُ عَن وَثَباتِنا *** وَتَقدُمُنا نارٌ إِلى الرومِ أَوثَبُ
208
مَشَت في سَراياهُم فَحَلَّت نِظامَها *** فَلَمّا مَشَينا أَدبَرَت لا تُعَقِّبُ
209
رَأى السَهلُ مِنهُم ما رَأى الوَعرُ قَبلَهُ *** فَيا قَومُ حَتّى السَهلُ في الحَربِ يَصعُبُ
210
وَحِصنٌ تَسامى مِن دُموقو كَأَنَّهُ *** مُعَشِّشُ نَسرٍ أَو بِهَذا يُلَقَّبُ
211
أَشُمُّ عَلى طَودٍ أَشَمَّ كِلاهُما *** مَنونُ المُفاجي وَالحِمامُ المُرَحِّبُ
212
تَكادُ تَقادُ الغادِياتُ لِرَبِّهِ *** فَيُزجي وَتَنزُمُّ الرِياحُ فَيَركَبُ
213
حَمَتهُ لُيوثٌ مِن حَديدٍ تَرَكَّزَت *** عَلى عَجَلٍ وَاستَجمَعَت تَتَرَقَّبُ
214
تَثورُ وَتَستَأني وَتَنأى وَتَدَّني *** وَتَغدو بِما تَغدي وَتَرمي وَتَنشُبُ
215
تَأبّى فَظَنَّ العالِمونَ استَحالَةً *** وَأَعيا عَلى أَوهامِهِم فَتَرَيَّبوا
216
فَما في القِوى أَنَّ السَماواتِ تُرتَقى *** بِجَيشٍ وَأَنَّ النَجمَ يُغشى فَيُغضِبُ
217
سَمَوتُم إِلَيهِ وَالقَنابِلُ دونَهُ *** وَشُهبُ المَنايا وَالرَصاصُ المُصَوَّبُ
218
فَكُنتُم يَواقيتَ الحُروبِ كَرامَةً *** عَلى النارِ أَو أَنتُم أَشَدُّ وَأَصلَبُ
219
صَعَدتُم وَما غَيرُ القَنا ثَمَّ مَصعَدٌ *** وَلا سُلَّمٌ إِلّا الحَديدُ المُذَرَّبُ
220(1191/12)
كَما ازدَحَمَت بَيزانُ جَوٍّ بِمَورِدٍ *** أَوِ ارتَفَعَت تَلقى الفَريسَةَ أَعقَبُ
221
فَما زِلتُمُ حَتّى نَزَلتُم بُروجَهُ *** وَلَم تَحتَضِر شَمسُ النَهارِ فَتَغرُبُ
222
هُنالِكَ غالى في الأَماديحِ مَشرِقٌ *** وَبالَغَ فيكُم آلَ عُثمانَ مَغرِبُ
223
وَزَيدَ حَمى الإِسلامَ عِزًّا وَمَنعَةً *** وَرُدَّ جِماحُ العَصرِ فَالعَصرُ هَيِّبُ
224
رَفَعنا إِلى النَجمِ الرُؤوسِ بِنَصرِكُم *** وَكُنّا بِحُكمِ الحادِثاتِ نُصَوِّبُ
225
وَمَن كانَ مَنسوبًا إِلى دَولَةِ القَنا *** فَلَيسَ إِلى شَيءٍ سِوى العِزِّ يُنسَبُ
226
فَيا قَومُ أَينَ الجَيشُ فيما زَعَمتُمُ *** وَأَينَ الجَواري وَالدِفاعُ المُرَكَّبُ
227
وَأَينَ أَميرُ البَأسِ وَالعَزمِ وَالحِجى *** وَأَينَ رَجاءٌ في الأَميرِ مُخَيَّبُ
228
وَأَينَ تُخومٌ تَستَبيحونَ دَوسَها *** وَأَينَ عِصاباتٌ لَكُم تَتَوَثَّبُ
229
وَأَينَ الَّذي قالَت لَنا الصُحفُ عَنكُمُ *** وَأَسنَدَ أَهلوها إِلَيكُم فَأَطنَبوا
230
وَما قَد رَوى بَرقٌ مِنَ القَولِ كاذِبٌ *** وَآخَرُ مِن فِعلِ المُحِبّينَ أَكذَبُ
231
وَما شِدتُمُ مِن دَولَةٍ عَرضُها الثَرى *** يَدينُ لَها الجِنسانِ تُركٌ وَصَقلَبُ
232
لَها عَلَمٌ فَوقَ الهِلالِ وَسُدَّةٌ *** تُنَصُّ عَلى هامِ النُجومِ وَتُنصَبُ
233
أَهَذا هُوَ الذَودُ الَّذي تَدَّعونَهُ *** وَنَصرُ كَريدٍ وَالوَلا وَالتَحَبُّبُ
234
أَهَذا الَّذي لِلمُلكِ وَالعِرضِ عِندَكُم *** وَلِلجارِ إِن أَعيا عَلى الجارِ مَطلَبُ
235
أَهَذا سِلاحُ الفَتحِ وَالنَصرِ وَالعُلا *** أَهَذا مَطايا مَن إِلى المَجدِ يَركَبُ
236
أَهَذا الَّذي لِلذِكرِ خُلَّبُ مَعشَرٌ *** عَلى ذِكرِهِم يَأتي الزَمانُ وَيَذهَبُ
237
أَسَأتُم وَكانَ السوءُ مِنكُم إِلَيكُمُ *** إِلى خَيرِ جارٍ عِندَهُ الخَيرُ يُطلَبُ
238(1191/13)
إِلى ذي انتِقامٍ لا يَنامُ غَريمُهُ *** وَلَو أَنَّهُ شَخصُ المَنامِ المُحَجَّبُ
239
شَقيتُم بِها مِن حيلَةٍ مُستَحيلَةٍ *** وَأَينَ مِنَ المُحتالِ عَنقاءُ مُغرِبُ
240
فَلَولا سُيوفُ التُركِ جَرَّبَ غَيرُكُم *** وَلَكِن مِنَ الأَشياءِ ما لا يُجَرَّبُ
241
فَعَفوًا أَميرَ المُؤمِنينَ لِأُمَّةٍ *** دَعَت قادِرًا مازالَ في العَفوِ يَرغَبُ
242
ضَرَبتَ عَلى آمالِها وَمَآلِها *** وَأَنتَ عَلى استِقلالِها اليَومَ تَضرِبُ
243
إِذا خانَ عَبدُ السوءِ مَولاهُ مُعتَقًا *** فَما يَفعَلُ الكَريمُ المُهَذَّبُ
244
وَلا تَضرِبَن بِالرَأيِ مُنحَلَّ مُلكِهِم *** فَما يَفعَلُ المَولى الكَريمُ المُهَذَّبُ
245
لَقَد فَنِيَت أَرزاقُهُم وَرِجالُهُم *** وَليسَ بِفانٍ طَيشُهُم وَالتَقَلُّبُ
246
فَإِن يَجِدوا لِلنَفسِ بِالعَودِ راحَةً *** فَقَد يَشتَهي المَوتَ المَريضُ المُعَذَّبُ
247
وَإِن هَمَّ بِالعَفوِ الكَريمِ رَجاؤُهُم *** فَمِن كَرَمِ الأَخلاقِ أَن لا يُخَيَّبوا
248
فَما زِلتَ جارَ البِرِّ وَالسَيِّدَ الَّذي *** إِلى فَضلِهِ مِن عَدلِهِ الجارُ يَهرُبُ
249
يُلاقي بَعيدُ الأَهلِ عِندَكَ أَهلَهُ *** وَيَمرَحُ في أَوطانِهِ المُتَغَرِّبُ
250
أَمَولايَ غَنَّتكَ السُيوفُ فَأَطرَبَت *** فَهَل لِيَراعي أَن يُغَنّي فَيُطرِبُ
251
فَعِندي كَما عِندَ الظُبا لَكَ نَغمَةٌ *** وَمُختَلِفُ الأَنغامِ لِلأُنسِ أَجلَبُ
252
أُعَرِّبُ ما تُنشي عُلاكَ وَإِنَّهُ *** لَفي لُطفِهِ ما لا يَنالُ المُعَرِّبُ
253
مَدَحتُكَ وَالدُنيا لِسانٌ وَأَهلُها *** جَميعًا لِسانٌ يُملِيانِ وَأَكتُبُ
254
أُناوِلُ مِن شِعرِ الخِلافَةِ رَبَّها *** وَأَكسو القَوافي ما يَدومُ فَيُقشِبُ
255
وَهَل أَنتَ إِلّا الشَمسُ في كُلِّ أُمَّةٍ *** فَكُلُّ لِسانٍ في مَديحِكَ طَيِّبُ
256(1191/14)
فَإِن لَم يَلِق شِعري لِبابِكَ مِدحَةً *** فَمُر يَنفَتِح بابٌ مِنَ العُذرِ أَرحَبُ(1191/15)
تَجَلَّدَ لِلرَحيلِ فَما استَطاعا
1
تَجَلَّدَ لِلرَحيلِ فَما استَطاعا *** وَداعًا جَنَّةَ الدُنيا وَداعا
2
عَسى الأَيّامُ تَجمَعُني فَإِنّي *** أَرى العَيشَ افتِراقًا وَاجتِماعا
3
أَلا لَيتَ البِلادَ لَها قُلوبُ *** كَما لِلناسِ تَنفَطِرُ التِياعا
4
وَلَيتَ لَدى فُروقٍ بَعضَ بَثّي *** وَما فَعَلَ الفُراقُ غَداةَ راعا
5
أَما وَاللَهِ لَو عَلِمَت مَكاني *** لَأَنطَقَتِ المَآذِنَ وَالقِلاعا
6
حَوَت رِقَّ القَواضِبِ وَالعَوالي *** فَلَمّا ضُفتُها حَوَتِ اليَراعا
7
سَأَلتُ القَلبَ عَن تِلكَ اللَيالي *** أَكُنُّ لَيالِيًا أَم كُنَّ ساعا
8
فَقالَ القَلبُ بَل مَرَّت عِجالًا *** كَدَقّاتي لِذِكراها سِراعا
9
أَدارَ مُحَمَّدٍ وَتُراثُ عيسى *** لَقَد رَضِياكِ بينَهُما مَشاعا
10
فَهَل نَبَذَ التَعصُّبُ فيكِ قَومٌ *** يَمُدُّ الجَهلُ بَينَهُمُ النِزاعا
11
أَرى الرَحمَنَ حَصَّنَ مَسجِدَيهِ *** بِأَطوَلِ حائِطٍ مِنكِ امتِناعا
12
فَكُنتِ لِبَيتِهِ المَحجوجِ رُكنًا *** وَكُنتِ لِبَيتِهِ الأَقصى سِطاعا
13
هَواؤُكِ وَالعُيونُ مُفَجَّراتٌ *** كَفى بِهِما مِنَ الدُنيا مَتاعا
14
وَشَمسُكِ كُلَّما طَلَعَت بِأُفقٍ *** تَخَطَّرَتِ الحَياةُ بِهِ شُعاعا
15
وَغيدُكِ هُنَّ فَوقَ الأَرضِ حورٌ *** أَوانِسُ لا نِقابَ وَلا قِناعا
16
حَوالى لُجَّةٍ مِن لازَوَردٍ *** تَعالى اللَهُ خَلقًا وَابتِداعا
17
يَروحُ لُجَينُها الجاري وَيَغدو *** عَلى الفِردَوسِ آكامًا وَقاعا(1192/1)
جولة في شعر أحمد شوقي الإسلامي الوطني
لم يكن أحمد شوقي الذي عاش في عصر شهد تغلغل النفوذ الأوروبي إلى قلب المنطقة العربية، سوى الابن البار لعصره فارتبط بهموم مجتمعه وآماله وآلامه، لذا نراه قد شهر سيفه محارباً محاولة الغرب تسريب ثقافته ولغته وتقاليده ومظاهره وتقريبها إلى عقول الناس بحيث تصبح نمطاً عادياً ينسيهم واقعهم وحضارتهم ويشدهم إلى «التفرنج» والتغريب الذي كان له الأثر الكبير في العديد من الدعوات والدعوات المضادة من اصلاحية وتجددية واسلامية وعربية إلى جانب دعوات الالتصاق بالغرب. وقد شهد شوقي الثورة العربية وسقوط السلطنة العثمانية والحرب الكونية الأولى وسيطرة الانجليز على مصر وقيام الحركات الوطنية التي توجّت بالثورة العربية الكبرى وبالثورتين العراقية والسورية وثورات الجزائر وتونس وليبيا والمغرب وكانت بذور النهضة العربية القومية قد أخذت تتبلور منذ أواخر القرن التاسع عشر.
ـ حياة شوقي:
وسط هذه الأجواء الحبلى بكل أمر جديد، ولد شوقي العام 1869م حيث قضى طفولته وقسماً من فتوته عند جدته لأمه، وعندما بلغ شاعرنا عتبة الشباب، تأثر بمحمود سامي البارودي من المحدثين وبالشعراء العباسيين من أمثال المتنبي وأبي تمام والبحتري كما تأثر ببعض أدباء الغرب، وعندما ألحقه والده بمدرسة الحقوق، لم يتابعها بل التحق في قسم الترجمة، وفي هذه المرحلة المهمة من حياته اتصل اتصالاً مباشراً بأستاذ في اللغة العربية الشيخ محمد البسيوني البيباني، الذي أفاده لغوياً بفضل كونه شيخاً أزهرياً.(1193/1)
وبعد تخرجه من قسم الترجمة عيّن موظفاً في قصر الخديوي توفيق الذي أرسله إلى فرنسا ليكمل دراسته في الحقوق والأدب معاً. وتعتبر هذه المرحلة ذات مؤثرات ثقافية وشعرية من حيث اطلاع شاعرنا على الحضارة الغربية وآدابها. ولدى عودة شوقي إلى مصر اتصل بالخديوي عباس الذي خلف أخاه المتوفي توفيقاً. فقربه منه وأرسله إلى سويسرا ليمثل مصر في مؤتمر المستشرقين وعندما قامت الحرب العالمية الأولى، خلع الانكليز الخديوي عباساً وعينوا مكانه السلطان حسين كامل وصدر الأمر بنفي شوقي إلى اسبانيا بسبب مهاجمته الانكليز. وفي عام 1919 عاد إلى مصر التي استقبلته استقبالاً حافلاً واختير عام 1927 عضواً في مجلس الشيوخ وكرّس في نفس العام أميراً للشعراء، وفي الرابع عشر من تشرين الأول عام 1932 توفي الأمير المتوج فرثاه شعراء العرب بأحلى القصائد الخالدة.
ـ الأثر الإسلامي:
لا يمكن الحديث في تلك الفترة عن أي اتجاه اسلامي أصيل متجدد خارج ما طرحه الأفغاني ومحمد عبده ولا نظن أن شوقي كان يحبذ هذا التيار، خاصة وإن الدولة الإسلامية كانت عالقة بين مطرقة الأتراك الضعفاء وسندان التغريب، لذلك نرى كيف سادت النزعة الاسلامية في مصر على كل الروابط حتى أوائل القرن العشرين وكان من البديهي اعتراف المصريين بسلطة الخليفة التركي عليهم؟، حتى إن أحمد عرابي، حينما ثار على فساد الحكام والحكم في مصر وعلى تغلغل النفوذ الأجنبي، لم يفكر بالخروج على السلطان أو عدم طاعته. وكانت الأحداث المتسارعة بسبب المسألة الشرقية تتلون بلون ديني عند معظم الكتاب والمفكرين في الشرق والغرب معاً.
وكان الشعراء يمدحون الخليفة ويشيدون بفضله وحرصه على إعلاء كلمة الدين وكانوا يرون إن الخليفة هو موحد المسلمين والمدافع عنهم يقول شوقي في ذلك:
رضي المسلمون والاسلام فرع عثمان. دُم فِداكَ الدوامُ
ايه عبدالحميد جل زمان أنت فيه خلافة وامامُ(1193/2)
عمرٌ أنتَ، بيد أنك ظل للبرايا وعصمة وسلامُ
عالم لم يكن لينظم لولا إنك السلم وسطه والوئامُ
وكان يرى شعراء هذه الحقبة في الخليفة المنقذ الذي عليه واجب المساعدة ورعاية شؤون المسلمين ويعاتبونه إذا تخلف، وفي هذا يقول شوقي:
عالي الباب، هزّ بابك منا فسعينا وفي الناس مرام
نستميح الإمام نصرا لمصر مثلما ينصر الحسام الحسام
فلمصر ـ وأنت بالحب أدرى ـ بك يا حامي الحمى استعصام
وإلى السيد الخليفة نشكر جور دهر أحراره ظلام
وعدوها لنا وعودا كبارا هل رأيت القرى علاها الجهام
ويقول شوقي في قصيدة «ضجيج الحجيج» التي رفعها إلى السلطان عبدالحميد، شاكياً اضطراب الأمن في الحجاز بسبب تمرد شريف مكة:
ضجّ الحجيج وضجّ البيت والحرم واستصرخت ربها في مكة الأمم
قد مسّها في حماك الضر فاقض لها خليفة الله، أنت السيد الحكم
وعندما ينتصر الأتراك في حربهم مع اليونان عام 1897م يرتفع صوت شوقي مشيداً بانتصار الترك الذين أعلوا راية الاسلام وصانوا خلافته:
بسيفك يعلو الحق والحق أغلب وينصر دين الله أيان تضرب
رفعنا إلى النجم الرؤوس بنصركم وكنا بحكم الحادثات نصوّب
ومما لا شك فيه أن للاسلام والمسيحية أثراً عظيماً في شعر شوقي، فالاسلام أوحى له قصائده الشهيرة: «نهج البردة والمدائح النبوية» والمسيحية أوحت له الكثير من المقتطفات الرائعة فهو يقول في «الأندلس الجديدة»:
عيسى سبيلك رحمة ومحبة في العالمين وعصمة وسلام
يا حامل الآلام بعد هذا الورى كثرت عليه باسمك الآلام
وقد قاده تقديسه للديانتين إلى نظم قصيدة في مسجد «آيا صوفيا» أحسن فيها بقوله:
كنيسة صارت إلى مسجد هدية السيد للسيد
كانت لعيسى حرماً فانتهت بنصرة الروح إلى أحمد
ـ الأثر الوطني:(1193/3)
كان عصر شوقي على المستوى الاقليمي صراعاً شعبياً مصرياً ضد الانكليز، تمثل في ثورات أحمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول ومصطفى كامل ضدهم، وقد لقي الشعب المصري أصنافاً من العذاب على يد جيش الاحتلال الانكليزي، من هنا نرى عاطفة شوقي الوطنية الصادقة حيث أنشد قصيدته التي حيا بها الوطن بعد عودته من منفاه قائلاً:
ولو أني دعيت لكنت ديني عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل البيت وجهي إذا فهت الشهادة والمتابا
ويقول في قصيدته «توت عنخ آمون»:
هذا المقام عرفته وسبقت فيه القائلين
ووقفت في آثاركم أذِنُ الجلا واستبين
وبنيت في العشرين من أحجارها شعري الرصين
ولشوقي مطولة تزيد على مائة وخمسين بيتاً في نهر النيل وهي من إحدى القصائد التي تأخذ عليه في سياق اقليميته حيث يقول:
أين الفراعنة الأول استذري بهم عيسى ويوسف والكليم المصعق
الموردون الناس منهل حكمة أفضى إليه الأنبياء ليستقوا
الرافعون إلى الضحى آباءهم فالشمس أصلهم الوضيء المعرق
وطبعاً لا يجوز أن نلصق بالشاعر تهمة الاقليمية أو الفرعونية بسبب قصيدة أو قصائد كتبت في مرحلة كان الاستعمار يحاول فيها القضاء على الهوية وعلى الانسان وذلك بتحويله إلى مقلد يستهلك كل حضارة الغرب دون النظر إلى واقعه، إلى جانب التأثر بالدعوات الوطنية والاقليمية في أوروبا وانتقال أثرها إلى الشرق عبر البعثات المتبادلة. والذي يؤكد عدم اقليمية شوقي ذلك الفيض من أشعاره الذي يشارك فيها الدولة العربية همومها ومظالمها ومن أهمها قصيدة «تحية دمشق»:
قم ناج جلّق وأنشد رسم من بانوا مشت على الرسم أحداث وأزمان
بنو أمية للأنباء ما فتحوا وللأحاديث ما سادوا وما دانوا
كانوا ملوكا سرير الشرق تحتهم فهل سألت سرير الغرب ما كانوا
عالين كالشمس في أطراف دولتها في كل ناحية ملك وسلطان
بالأمس قمت على الزهراء أندبهم واليوم دمعي على «الفيحاء» هتان(1193/4)
مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان
ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم ونحن في الجرح والآلام إخوان
وفي قصيدته «نكبة دمشق» أبان الثورة السورية نجد أصالة الروابط وعمق الأسى حين وصل إلى مسامع شاعرنا أخبار دمشق وهي تئن تحت قنابل المستعمرين:
سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق
دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نور وحق
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
ـ أسلوب شوقي:
تأثر شوقي في حياته وشعره بالظروف السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في البلاد كذلك تأثر بالحياة الأوروبية وبالشعر الأوروبي، وبهذا نصبح أمام رجلين مختلفين لا صلة لأحدهما بالآخر، فأحدهما مسلم يقدس أخاه المسلم ويجعل من الخلافة الاسلامية قدساً مقدساً ومحافظاً على اللغة العربية، والآخر رجل دنيا متسامح ساخر من الناس وتقاليدهم:
رمضان ولى هاتها يا ساق مشتاقة تسعى لمشتاق
وقد جدد في اللغة وهذا ما يوضح لنا ازدواجيته:
1 ـ أثر التراث العربي القديم على نفسه وقد حاول أن يعيش شاعراً عباسياً في القرن العشرين وهذا واضح في قصائده وأسلوبه وتقرّبه من السلاطين.
2 ـ احتلال الانكليز لمصر جعل شوقي خصماً لهم مما جعله المعبر عما يجول من آمال وآلام عند أهل الشرق قاطبة.
3 ـ إذا كتب قصيدة فهو لا يشير إلا بأبيات عن المناسبة وأكثر الأبيات في الحكم والوصف.
4 ـ له عاطفة اسلامية وعاطفة وطنية.
5 ـ أشاد بالاسلام لإيمانه بمعانيه، وتعجب هنا إزاء ترفه وأحياناً اسفافه.
6 ـ شعره عربي متجدد ولم يتأثر بالغرب إلاّ قليلاً.
7 ـ كان كثير التحدث عن الأتراك والخلافة.
8 ـ غلوّه في الألفاظ كان أكثر من غلوه في المعاني وموسيقاه الشعرية هي لبّ إبداعه.
9 ـ لا نستطيع أن نشتم من قصائده أي تحيز لأي فكر أو اتجاه عدا ما كان معاصراً.
10 ـ يعلق شوقي بالشباب الآمال.
-----------------------------
* مجلة الموقف/العدد السابع /1983م(1193/5)
جِبريلُ هَلِّل في السَماءِ وَكَبِّرِ
1
جِبريلُ هَلِّل في السَماءِ وَكَبِّرِ *** وَاكتُب ثَوابَ المُحسِنينَ وَسَطِّرِ
2
سَل لِلفَقيرِ عَلى تَكَرُّمِهِ الغِنى *** وَاطلُب مَزيدًا في الرَخاءِ لِموسِرِ
3
وَادعُ الَّذي جَعَلَ الهِلالَ شِعارَهُ *** يَفتَح عَلى أُمَمِ الهِلالِ وَيَنصُرِ
4
وَتَوَلَّ في الهَيجاءِ جُندَ مُحَمَّدٍ *** وَاقعُدْ بِهِمْ في ذَلِكَ المُستَمطَرِ
5
يا مِهرَجانَ البَرِّ أَنتَ تَحِيَّةٌ *** لِلَّهِ مِن مَلَإٍ كَريمٍ خَيِّرِ
6
هُمْ زَيَّنوكَ بِكُلِّ أَزهَرِ في الدُجى *** وَاللَهُ زانَكَ بِالقَبولِ الأَنوَرِ
7
حَسُنَتْ وُجوهُكَ في العُيونِ وَأَشرَقَتْ *** مِن كُلِّ أَبلَجَ في الأَكارِمِ أَزهَرِ
8
كَثُرَت عَلَيكَ أَكُفُّهُم في صَوبِها *** فَكَأَنَّها قِطَعُ الغَمامِ المُمطِرِ
9
لَو يَعلَمونَ السوقَ ما حَسَناتُها *** بيعَ الحَصى في السوقِ بَيعَ الجَوهَرِ
10
جِبريلُ يَعرُضُ وَالمَلائِكُ باعَةٌ *** أَينَ المُساوِمُ في الثَوابِ المُشتَري
11
وَمُجاهِدينَ هُناكَ عِندَ مُعَسكَرٍ *** وَمِنَ المَهابَةِ بَينَ أَلفِ مُعَسكَرِ
12
موفينَ لِلأَوطانِ بَينَ حِياضِها *** لا يَسمَحونَ بِها وَبَينَ الكَوثَرِ
13
عَرَبٌ عَلى دينِ الأُبُوَّةِ في الوَغى *** لا يَطعَنونَ القِرنَ ما لَم يُنذَرِ
14
أَلِفوا مُصاحَبَةَ السُيوفِ وَعُوِّدوا *** أَخذَ المَعاقِلِ بِالقَنا المُتَشَجِّرِ
15
يَمشونَ مِن تَحتِ القَذائِفِ نَحوَها *** لا يَسأَلونَ عَنِ السَعيرِ المُمطِرِ
16
في أَعيُنِ الباري وَفَوقَ يَمينِهِ *** جَرحى نُجِلُّهُمُ كَجَرحى خَيبَرِ
17
مِن كُلِّ مَيمونِ الضِمادِ كَأَنَّما *** دَمُ أَهلِ بَدرٍ فيهِ أَو دَمُ حَيدَرِ
18
جَذلانُ هَيِّنَةٌ عَلَيهِ جِراحُهُ *** وَجِراحُهُ في قَلبِ كُلِّ غَضَنفَرِ
19
ضُمِدَت بِأَهدابِ الجُفونِ وَطالَما *** ضُمِدَت بِأَعرافِ الجِيادِ الضُمَّرِ
20(1194/1)
عُوّادُهُ يَتَمَسَّحونَ بِرُدنِهِ *** كَالوَفدِ مَسَّحَ بِالحَطيمِ الأَطهَرِ
21
وَتَكادُ مِن نورِ الإِلَهِ حِيالَهُ *** تَبيَضُّ أَثناءُ الهِلالِ الأَحمَرِ(1194/2)
خلافة الإسلام
" وهي من أروع قصائد شوقي ، وقد نظمها بمناسبة اجتماع زعماء العرب والمسلمين في القاهرة عام 1344هـ لبحث أمر الخلافة ، وكلهم كان فيها من الطامعين .
1. ... بعثوا الخلافة سيرة في النادي ********أين المبايع بالإمام ينادي
2. ... من بات يلتمس الخلافة في الكرى لم يلق غير خلافة الصياد
3. ... ومن ابتغاها صاحباً فمحلها********بين القواضب والقنا المياد
4. ... أو في جناحي عبقري مارد********يفري السماء بجنة مراد
5. ... اليوم لاسمر الرماح بعدة********تغني ولا بيض الظبا بعتاد
6. ... هيهات عز سبيلها وتقطعت********دون المراد وسائل المرتاد
7. ... حلت على ذهب المعز طلاسم********ومشت على سيف المعز غوادي
8. ... أين الكرامة والوقار لجثة********نبشوا عليها القبر بعد فساد
9. ... والميت أقرب سلوة من غائب********يرجى فلا يزداد غير بعاد
10. ... قل فيم يجتمع الرجال وما الذي ********يبغون من دول لحقن بعاد
11. ... ما لم يبد منها على يد أهله********أخنى عليه تطاول الآباد
12. ... لم تستقم للقوم خلف عمادهم********هل تستقيم وهم بغير عماد
13. ... غلبوا عليها الراشدين وضرجوا********أم الكتاب بجبهة السجاد
14. ... وبنوا على الدنيا بجلق ركنها********وعلى عتو الملك في بغداد
15. ... جعلوا الهوى سلطانها ودعوا لها********من لا يسد به مكان الهادي
16. ... وأنا الذي مرضتها في دائها********وجمعت فيه عواطف العواد
17. ... غنيتها لحناً تغلغل في البكا********يارب باك في ظواهر شادي
18. ... ونصرتها نصر المجاهد في ذرا********عبدالحيمد وفي جناح رشاد
19. ... ودفنتها ودفنت خير قصائدي********معها وطال بقبرها إنشادي
20. ... حتى اتهمت فقيل تركي الهوى********صدقوا هوى الأبطال ملء فؤادي
21. ... وأخي القريب وإن شقيت بظلمه********أدنى إلي من الغريب العادي
22. ... والله يعلم ما انفردت وإنما********صورت شعري من شعور الوادي
23. ... كنا نعظم للهلال بقية********في الأرض من ثكن ومن أجناد(1195/1)
24. ... ونسن رضوان الخليفة خطة********ولكل جيل خطة ومبادي
25. ... وجه القضية غيرته حوادث********أعطت بأيد غير ذات أيادي
26. ... من سيّدٌ بالأمس ننكر قوله********صرنا لفعال من الأسياد
27. ... إني هتفت بكل يوم بسالة********للترك لم يؤثر من الآساد
28. ... فهززت نشأً لا يحرك للعلا********إلا بذكر وقائع الأنجاد
29. ... عصف المعلم في الصبا بذكائهم********وأصار نار شبابهم لرماد
30. ... ولو ان يوم التل يوم صالح********لحماسة لجعلته إليادي
31. ... وفد الخلافة لا أنبهكم على********بلد حفي بالنزيل جواد
32. ... تنسون في واديه لو نسي الحمى********ما قد هجرتم من هوى ووداد
33. ... إن العلاقة بيننا قد وثقت********فكأن عروتها من الميلاد
34. ... جرح الليالي في ذمام الشرق في********حبل العقيدة في ولاء الضاد
35. ... لولا الأمور لسار سنته القرى********وجرى فجاوز غاية الأرفاد
36. ... ما في بلاد أنتم نزلاؤها********إلا قضية أمة وبلاد
37. ... أتحاولون بلا جهاد خطة********لم يستطعها الترك بعد جهاد
38. ... نفضوا القنا المنصور من تبعاتها********والظافرات الحمر في الأغماد
39. ... كانت هي الداء الدخيل فأدبرت********فتماثلوا من كل داء بادي
40. ... نزعوا من الأعناق نير جبابر********جعلوا الخلافة دولة استعباد
41. ... من كل فضفاض الغرور ببرده********نمرود أو فرعون ذو الأوتاد
42. ... تروى بطانته ويشبع بطنه********والملك غرثان الرعية صادي
43. ... مضت الخلافة والإمام فهل مضى********ما كان بين الله والعبّاد
44. ... والله ما نسي الشهادة حاضر********في المسلمين ولا تردد بادي
45. ... خرجوا إلى الصلوات كل جماعة********تدعو لصاحبها على الأعواد
46. ... والصوم باق والصلاة مقيمة********والحج ينشط في عناق الحادي
47. ... والفطر والأضحى كعادتيهما********يترديان بشاشة الأعياد
48. ... إن الحضارة في اطراد جديدها********خصم القديم وحرب كل تلاد
49. ... لا تحفظ الأشياء غير ذخائر********للعبقرية غير ذات نفاد(1195/2)
50. ... هي حسن كل زمان قوم رائح********وجمال كل زمان قوم عادي
51. ... تمشي القرون بنور كل مكرر********منها كمصباح السماء معاد
52. ... كم من محاسن لايلاث عتيقها********في الهجرة اجتمعت وفي الميلاد
53. ... أخذت أحاسنها الحضارة واقتنت********روح البيان وقول كل سداد
54. ... لم تحرم البؤس العزاء ولا الأولى********ضلوا الرجاء من الشعاع الهادي
55. ... القيد أفسح من عقول عصابة********زعموا فكاك العقل في الإلحاد
56. ... سنن الزمان إذا جرت في وجهها********ظفرت بكل بلادة وعناد
57. ... فاشفوا الممالك من قضاة صيّد********قعدوا لصيد ولاية أو زاد
58. ... وتداركوها من عمائم صادفت********مرعى من الأوقاف والأرصاد
59. ... وخذوا سبيل المصلحين وأقبلوا********روح الزمان هوامد الأجساد
60. ... ردوا إلى الإيمان أجمح عِلية********وإلى مراشده أضل سواد
61. ... أمم كملموم القطيع ترى لهم********شمل الجميع وفرقة الآحاد
62. ... يدعون أبناء الزمان وإنما********جمدوا وليس أبوهم بجماد(1195/3)
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ
1
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ *** وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ
2
أَتُراها تَناسَت اسمِيَ لَمّا *** كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ
3
إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم *** تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ
4
نَظرَةٌ فَابتِسامَةٌ فَسَلامٌ *** فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ
5
فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواءٌ *** أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ
6
يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا *** نَتَهادى مِنَ الهَوى ما نَشاءُ
7
وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيبٌ *** تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ
8
جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت *** أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراءُ
9
فَاتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى *** فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواءُ(1196/1)
رثاء الخلافة
" لأمير الشعراء أحمد شوقي
وقد قال هذه القصيدة يرثي فيها خلافة الإسلام التي ألغاها الهالك مصطفى كمال ونفى الخليفة من بلاد الأتراك. والجدير بالذكر أن الشاعر مدح مصطفى كمال لانتصاره سنة 1923
عادت أَغاني العرسِ رَجْعَ نُواح *****ِ ونُعيتِ بين معالم الأَفراحِ
كُفِّنتِ في ليلِ الزفاف بثوبه ***** ودُفنتِ عند تبلُّج الإِصباح
شُيِّعتِ من هَلَعٍ بعَبْرةِ ضاحكٍ ***** في كلّ ناحيةٍ، وسكرةِ صاح
ضجَّتْ عليكِ مآذنٌ، ومنابر ***** وبكت عليك ممالكٌ، ونواح
الهندُ والهةٌ، ومصرُ حزينةٌ ***** تبكي عليك بمدمعٍ سَحّاحِ
والشامُ تسأَلُ، والعراق، وفارسٌ ***** أَمَحَا من الأَرض الخلافةَ ماح؟
وأَتت لك الجُمَعُ الجلائلُ مأْتماً ***** فقعدن فيه مَقاعدَ الأَنواح
يا لَلرّجال لحُرة مَوءُودة ***** قُتلت بغير جريرة وجُناح
إِنَّ الَّذين أَسَتْ جراحَكِ حربُهم ***** قتلتْكِ سلهمُ بغير جِراح
هتكوا بأَيديهم مُلاءَةَ فخرهِم ***** مَوْشِيَّةً بمواهب الفتاح
نزعوا عن الأَعناق خيرَ قِلادة ***** ونَضَوْا عن الأَعطاف خير وِشاح
حَسَبٌ أَتى طولُ الليالي دونَه ***** قد طاح بين عشيةٍ وصباح
وعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرَى أَسبابها ***** كانت أَبرَّ علائقِ الأَرواح
جَمَعَت على البرِّ الحُضورَ، وربما ***** جمَعتْ عليه سرائرَ النُّزَّاح
نظمت صفوفَ المسلمين وخَطْوَهم ***** في كلِّ غُدوةِ جُمعة ورواح
بكت الصلاةُ، وتلك فتنةُ عابثٍ ***** بالشرع، عِرْبيدِ القضاءِ، وَقاح
أَفتى خُزَعْبِلَةً، وقال ضلالةً ***** وأَتى بكفر في البلاد بواح
إِنَّ الذين جرى عليهم فقهُهُ ***** خُلقوا لِفقه كتيبة وسلاح
إِن حدّثوا نطقوا بخُرْسِ كتائبٍ ***** أَو خوطبوا سمِعوا بصُمِّ رِماح
استغفرُ الأَخلاقَ، لستُ بجاحدٍ ***** من كنتُ أَدفعُ دونَه وألاحي
ما لي أُطوّقُهُ الملامَ وطالما ***** قلَّدتُه المأْثورَ من أَمداحي(1197/1)
هو ركنُ مملكة، وحائطُ دُولةٍ ***** وقريعُ شهباءٍ، وكبشُ نِطاح
أَأَقولُ مَن أَحيا الجماعةَ مُلحِدٌ ***** وأَقول مَن رد الحقوقَ إباحي
الحقُّ أَولى من وليِّك حرمةً***** وأَحقُّ منك بنصرةٍ وكِفاح
فامدح على الحقِّ الرجالَ ولُمْهُم ***** أَو خَلِّ عنك مَواقفَ النصاح
ومِن الرجالِ إِذا انبريتَ لهدمهم ***** هرمٌ غليظُ مناكِبِ الصُّفّاحِ
فإِذا قذفتَ الحق في أَجلاده ***** ترك الصراعَ مُضعْضَعَ الألواح
أَدُّوا إِلى الغازي النصيحةَ يَنتصحْ ***** إِن الجوادَ يثوبُ بعد جِماح
إِن الغرورَ سقى الرئيسَ بِراحِه ***** كيف احتيالُك في صريع الراح
نقل الشرائعَ، والعقائدَ، والقرى ***** والناسَ نقلَ كتائبٍ في الساح
تركتْه كالشبح المؤلَّهِ أُمَّةٌ ***** لم تَسْلُ بعدُ عباد الأشباح
هُم أَطلقوا يده كقيصرَ فيهم ***** حتى تناول كلَّ غيرِ مباح
غرَّته طاعاتُ الجُموعِ، ودولةٌ ***** وجد السوادُ لها هَوَى المُرتاح
وإِذا أَخذتَ المجدَ من أُمِّيةٍ ***** لم تُعطَ غيرَ سَرابِه اللّماح
منْ قائِلٌ للمسلمين مقالةً ***** لم يوحها غيرَ النصيحة واح؟
عهدُ الخلافةِ فِيَّ أَوّلُ ذائدٍ ***** عن حوضها ببراعةٍ نضَّاح
حبٌّ لذاتِ اللَّهِ كان، ولم يزل ***** وهوىً لذاتِ الحقِّ والإِصل
إِني أَنا المِصباحُ، لست بضائع ***** حتى أَكونَ فراشةَ المصباح
غزواتُ أَدهم كُلِّلَت بذوابِلٍ ***** وفتوحُ أَنورَ فُصِّلت بِصفاح
ولَّتْ سيوفُهما، وبان قناهُما ***** وشبا يَراعي غيرُ ذاتِ بَراح
لا تَبذلوا بُرَدَ النبي لِعاجزٍ ***** عُزُلٍ، يدافَعُ دونَه بالراح
بالأَمس أَوهى المسلمين جراحةً ***** واليوم مدّ لهم يَدَ الجرّاح
فلتَسمَعُنّ بكل أَرضٍ داعياً ***** يدعو إِلى الكذّابِ أَو لسَجاح
ولتشهدُنّ بكل أَرض فِتنةً ***** فيها يباعُ الدِّين بيعَ سَماح
يُفتَى على ذهبِ المُعزِّ وسيفِه ***** وهوى النفوس، وحِقْدِها المحاح(1197/2)
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ
1
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ *** أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
2
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا *** يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
3
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً *** يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
4
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي *** جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
5
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ *** إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
6
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ *** لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
7
لَقَد أَنَلتُكَ أُذنًا غَيرَ واعِيَةٍ *** وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ
8
يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَدًا *** أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ
9
أَفديكَ إِلفًا وَلا آلو الخَيالَ فِدًى *** أَغراكَ باِلبُخلِ مَن أَغراهُ بِالكَرَمِ
10
سَرى فَصادَفَ جُرحًا دامِيًا فَأَسا *** وَرُبَّ فَضلٍ عَلى العُشّاقِ لِلحُلُمِ
11
مَنِ المَوائِسُ بانًا بِالرُبى وَقَنًا *** اللاعِباتُ بِروحي السافِحاتُ دَمي
12
السافِراتُ كَأَمثالِ البُدورِ ضُحًى *** يُغِرنَ شَمسَ الضُحى بِالحَليِ وَالعِصَمِ
13
القاتِلاتُ بِأَجفانٍ بِها سَقَمٌ *** وَلِلمَنِيَّةِ أَسبابٌ مِنَ السَقَمِ
14
العاثِراتُ بِأَلبابِ الرِجالِ وَما *** أُقِلنَ مِن عَثَراتِ الدَلِّ في الرَسَمِ
15
المُضرِماتُ خُدودًا أَسفَرَتْ وَجَلَتْ *** عَن فِتنَةٍ تُسلِمُ الأَكبادَ لِلضَرَمِ
16
الحامِلاتُ لِواءَ الحُسنِ مُختَلِفًا *** أَشكالُهُ وَهوَ فَردٌ غَيرُ مُنقَسِمِ
17
مِن كُلِّ بَيضاءَ أَو سَمراءَ زُيِّنَتا *** لِلعَينِ وَالحُسنُ في الآرامِ كَالعُصُمِ
18
يُرَعنَ لِلبَصَرِ السامي وَمِن عَجَبٍ *** إِذا أَشَرنَ أَسَرنَ اللَيثَ بِالعَنَمِ
19(1198/1)
وَضَعتُ خَدّي وَقَسَّمتُ الفُؤادَ رُبًى *** يَرتَعنَ في كُنُسٍ مِنهُ وَفي أَكَمِ
20
يا بِنتَ ذي اللَبَدِ المُحَميِّ جانِبُهُ *** أَلقاكِ في الغابِ أَم أَلقاكِ في الأُطُمِ
21
ما كُنتُ أَعلَمُ حَتّى عَنَّ مَسكَنُهُ *** أَنَّ المُنى وَالمَنايا مَضرِبُ الخِيَمِ
22
مَن أَنبَتَ الغُصنَ مِن صَمصامَةٍ ذَكَرٍ *** وَأَخرَجَ الريمَ مِن ضِرغامَةٍ قَرِمِ
23
بَيني وَبَينُكِ مِن سُمرِ القَنا حُجُبٌ *** وَمِثلُها عِفَّةٌ عُذرِيَّةُ العِصَمِ
24
لَم أَغشَ مَغناكِ إِلا في غُضونِ كِرًى *** مَغناكَ أَبعَدُ لِلمُشتاقِ مِن إِرَمِ
25
يا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ *** وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ
26
فُضّي بِتَقواكِ فاهًا كُلَّما ضَحِكَتْ *** كَما يَفُضُّ أَذى الرَقشاءِ بِالثَرَمِ
27
مَخطوبَةٌ مُنذُ كانَ الناسُ خاطِبَةٌ *** مِن أَوَّلِ الدَهرِ لَم تُرمِل وَلَم تَئَمِ
28
يَفنى الزَمانُ وَيَبقى مِن إِساءَتِها *** جُرحٌ بِآدَمَ يَبكي مِنهُ في الأَدَمِ
29
لا تَحفَلي بِجَناها أَو جِنايَتِها *** المَوتُ بِالزَهرِ مِثلُ المَوتِ بِالفَحَمِ
30
كَم نائِمٍ لا يَراها وَهيَ ساهِرَةٌ *** لَولا الأَمانِيُّ وَالأَحلامُ لَم يَنَمِ
31
طَورًا تَمُدُّكَ في نُعمى وَعافِيَةٍ *** وَتارَةً في قَرارِ البُؤسِ وَالوَصَمِ
32
كَم ضَلَّلَتكَ وَمَن تُحجَب بَصيرَتُهُ *** إِن يَلقَ صابا يَرِد أَو عَلقَمًا يَسُمُ
33
يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها وَدَها *** مُسوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ اللَمَمِ
34
رَكَضتُها في مَريعِ المَعصِياتِ وَما *** أَخَذتُ مِن حِميَةِ الطاعاتِ لِلتُخَمِ
35
هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها *** وَالنَفسُ إِن يَدعُها داعي الصِبا تَهِمِ
36
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ *** فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
37(1198/2)
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ *** وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ
38
تَطغى إِذا مُكِّنَت مِن لَذَّةٍ وَهَوًى *** طَغيَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ
39
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ *** في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ
40
أَلقى رَجائي إِذا عَزَّ المُجيرُ عَلى *** مُفَرِّجِ الكَرَبِ في الدارَينِ وَالغَمَمِ
41
إِذا خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ *** عِزَّ الشَفاعَةِ لَم أَسأَل سِوى أُمَمِ
42
وَإِن تَقَدَّمَ ذو تَقوى بِصالِحَةٍ *** قَدَّمتُ بَينَ يَدَيهِ عَبرَةَ النَدَمِ
43
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن *** يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللهِ يَغتَنِمِ
44
فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ *** ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ
45
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلاً أُعَزُّ بِهِ *** في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُّحَمِ
46
يُزري قَريضي زُهَيرًا حينَ أَمدَحُهُ *** وَلا يُقاسُ إِلى جودي لَدى هَرِمِ
47
مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ *** وَبُغيَةُ اللهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ
48
وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ *** مَتى الوُرودُ وَجِبريلُ الأَمينُ ظَمي
49
سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ طالِعَةً *** فَالجِرمُ في فَلَكٍ وَالضَوءُ في عَلَمِ
50
قَد أَخطَأَ النَجمَ ما نالَت أُبُوَّتُهُ *** مِن سُؤدُدٍ باذِخٍ في مَظهَرٍ سَنِمِ
51
نُموا إِلَيهِ فَزادوا في الوَرى شَرَفًا *** وَرُبَّ أَصلٍ لِفَرعٍ في الفَخارِ نُمي
52
حَواهُ في سُبُحاتِ الطُهرِ قَبلَهُمُ *** نورانِ قاما مَقامَ الصُلبِ وَالرَحِمِ
53
لَمّا رَآهُ بَحيرًا قالَ نَعرِفُهُ *** بِما حَفِظنا مِنَ الأَسماءِ وَالسِيَمِ
54
سائِل حِراءَ وَروحَ القُدسِ هَل عَلِما *** مَصونَ سِرٍّ عَنِ الإِدراكِ مُنكَتِمِ
55
كَم جَيئَةٍ وَذَهابٍ شُرِّفَتْ بِهِما *** بَطحاءُ مَكَّةَ في الإِصباحِ وَالغَسَمِ(1198/3)
56
وَوَحشَةٍ لِاِبنِ عَبدِ اللَهِ بينَهُما *** أَشهى مِنَ الأُنسِ بِالأَحسابِ وَالحَشَمِ
57
يُسامِرُ الوَحيَ فيها قَبلَ مَهبِطِهِ *** وَمَن يُبَشِّر بِسيمى الخَيرِ يَتَّسِمِ
58
لَمّا دَعا الصَحبُ يَستَسقونَ مِن ظَمَإٍ *** فاضَت يَداهُ مِنَ التَسنيمِ بِالسَنَمِ
59
وَظَلَّلَتهُ فَصارَت تَستَظِلُّ بِهِ *** غَمامَةٌ جَذَبَتها خيرَةُ الدِيَمِ
60
مَحَبَّةٌ لِرَسولِ اللَهِ أُشرِبَها *** قَعائِدُ الدَيرِ وَالرُهبانُ في القِمَمِ
61
إِنَّ الشَمائِلَ إِن رَقَّت يَكادُ بِها *** يُغرى الجَمادُ وَيُغرى كُلُّ ذي نَسَمِ
62
وَنودِيَ اِقرَأ تَعالى اللهُ قائِلُها *** لَم تَتَّصِل قَبلَ مَن قيلَت لَهُ بِفَمِ
63
هُناكَ أَذَّنَ لِلرَحَمَنِ فَاِمتَلأَتْ *** أَسماعُ مَكَّةَ مِن قُدسِيَّةِ النَغَمِ
64
فَلا تَسَل عَن قُرَيشٍ كَيفَ حَيرَتُها *** وَكَيفَ نُفرَتُها في السَهلِ وَالعَلَمِ
65
تَساءَلوا عَن عَظيمٍ قَد أَلَمَّ بِهِمْ *** رَمى المَشايِخَ وَالوِلدانِ بِاللَمَمِ
66
يا جاهِلينَ عَلى الهادي وَدَعوَتِهِ *** هَل تَجهَلونَ مَكانَ الصادِقِ العَلَمِ
67
لَقَّبتُموهُ أَمينَ القَومِ في صِغَرٍ *** وَما الأَمينُ عَلى قَولٍ بِمُتَّهَمِ
68
فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَمْ *** بِالخُلقِ وَالخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ
69
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ *** وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
70
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ *** يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
71
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ *** يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتَقوى وَبِالرَحِمِ
72
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً *** حَديثُكَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
73
حَلَّيتَ مِن عَطَلٍ جِيدَ البَيانِ بِهِ *** في كُلِّ مُنتَثِرٍ في حُسنِ مُنتَظِمِ
74(1198/4)
بِكُلِّ قَولٍ كَريمٍ أَنتَ قائِلُهُ *** تُحيِ القُلوبَ وَتُحيِ مَيِّتَ الهِمَمِ
75
سَرَت بَشائِرُ باِلهادي وَمَولِدِهِ *** في الشَرقِ وَالغَربِ مَسرى النورِ في الظُلَمِ
76
تَخَطَّفَتْ مُهَجَ الطاغينَ مِن عَرَبٍ *** وَطَيَّرَت أَنفُسَ الباغينَ مِن عُجُمِ
77
ريعَت لَها شَرَفُ الإيوانِ فَاِنصَدَعَتْ *** مِن صَدمَةِ الحَقِّ لا مِن صَدمَةِ القُدُمِ
78
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِمْ *** إِلا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ
79
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَورًا مُسَخَّرَةٌ *** لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ
80
مُسَيطِرُ الفُرسِ يَبغي في رَعِيَّتِهِ *** وَقَيصَرُ الرومِ مِن كِبرٍ أَصَمُّ عَمِ
81
يُعَذِّبانِ عِبادَ اللَهِ في شُبَهٍ *** وَيَذبَحانِ كَما ضَحَّيتَ بِالغَنَمِ
82
وَالخَلقُ يَفتِكُ أَقواهُمْ بِأَضعَفِهِمْ *** كَاللَيثِ بِالبَهْمِ أَو كَالحوتِ بِالبَلَمِ
83
أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ *** وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ
84
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِمْ *** كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
85
صَلّى وَراءَكَ مِنهُمْ كُلُّ ذي خَطَرٍ *** وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللهِ يَأتَمِمِ
86
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِمْ *** عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
87
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ *** لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
88
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ *** وَقُدرَةُ اللهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
89
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها *** عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
90
وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ *** وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاستَلِمِ
91
خَطَطتَ لِلدينِ وَالدُنيا عُلومَهُما *** يا قارِئَ اللَوحِ بَل يا لامِسَ القَلَمِ
92(1198/5)
أَحَطتَ بَينَهُما بِالسِرِّ وَانكَشَفَت *** لَكَ الخَزائِنُ مِن عِلمٍ وَمِن حِكَمِ
93
وَضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ مِن مِنَنٍ *** بِلا عِدادٍ وَما طُوِّقتَ مِن نِعَمِ
94
سَل عُصبَةَ الشِركِ حَولَ الغارِ سائِمَةً *** لَولا مُطارَدَةُ المُختارِ لَم تُسَمَ
95
هَل أَبصَروا الأَثَرَ الوَضّاءَ أَم سَمِعوا *** هَمسَ التَسابيحِ وَالقُرآنِ مِن أُمَمِ
96
وَهَل تَمَثَّلَ نَسجُ العَنكَبوتِ لَهُمْ *** كَالغابِ وَالحائِماتُ الزُغْبُ كَالرُخَمِ
97
فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُمْ *** كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ
98
لَولا يَدُ اللهِ بِالجارَينِ ما سَلِما *** وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ
99
تَوارَيا بِجَناحِ اللهِ وَاستَتَرا *** وَمَن يَضُمُّ جَناحُ اللهِ لا يُضَمِ
100
يا أَحمَدَ الخَيرِ لي جاهٌ بِتَسمِيَتي *** وَكَيفَ لا يَتَسامى بِالرَسولِ سَمي
101
المادِحونَ وَأَربابُ الهَوى تَبَعٌ *** لِصاحِبِ البُردَةِ الفَيحاءِ ذي القَدَمِ
102
مَديحُهُ فيكَ حُبٌّ خالِصٌ وَهَوًى *** وَصادِقُ الحُبِّ يُملي صادِقَ الكَلَمِ
103
اللهُ يَشهَدُ أَنّي لا أُعارِضُهُ *** من ذا يُعارِضُ صَوبَ العارِضِ العَرِمِ
104
وَإِنَّما أَنا بَعضُ الغابِطينَ وَمَنْ *** يَغبِط وَلِيَّكَ لا يُذمَم وَلا يُلَمِ
105
هَذا مَقامٌ مِنَ الرَحمَنِ مُقتَبَسٌ *** تَرمي مَهابَتُهُ سَحبانَ بِالبَكَمِ
106
البَدرُ دونَكَ في حُسنٍ وَفي شَرَفٍ *** وَالبَحرُ دونَكَ في خَيرٍ وَفي كَرَمِ
107
شُمُّ الجِبالِ إِذا طاوَلتَها انخَفَضَتْ *** وَالأَنجُمُ الزُهرُ ما واسَمتَها تَسِمِ
108
وَاللَيثُ دونَكَ بَأسًا عِندَ وَثبَتِهِ *** إِذا مَشَيتَ إِلى شاكي السِلاحِ كَمي
109
تَهفو إِلَيكَ وَإِن أَدمَيتَ حَبَّتَها *** في الحَربِ أَفئِدَةُ الأَبطالِ وَالبُهَمِ
110(1198/6)
مَحَبَّةُ اللَهِ أَلقاها وَهَيبَتُهُ *** عَلى اِبنِ آمِنَةٍ في كُلِّ مُصطَدَمِ
111
كَأَنَّ وَجهَكَ تَحتَ النَقعِ بَدرُ دُجًى *** يُضيءُ مُلتَثِمًا أَو غَيرَ مُلتَثِمِ
112
بَدرٌ تَطَلَّعَ في بَدرٍ فَغُرَّتُهُ *** كَغُرَّةِ النَصرِ تَجلو داجِيَ الظُلَمِ
113
ذُكِرتَ بِاليُتمِ في القُرآنِ تَكرِمَةً *** وَقيمَةُ اللُؤلُؤِ المَكنونِ في اليُتُمِ
114
اللهُ قَسَّمَ بَينَ الناسِ رِزقَهُمُ *** وَأَنتَ خُيِّرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ
115
إِن قُلتَ في الأَمرِ «لا» أَو قُلتَ فيهِ «نَعَم» *** فَخيرَةُ اللهِ في «لا» مِنكَ أَو «نَعَمِ»
116
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتًا فَقامَ لَهُ *** وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الزَّمَمِ
117
وَالجَهلُ مَوتٌ فَإِن أوتيتَ مُعجِزَةً *** فَابعَث مِنَ الجَهلِ أَو فَابعَث مِنَ الرَجَمِ
118
قالوا غَزَوتَ وَرُسلُ اللَهِ ما بُعِثوا *** لِقَتلِ نَفسٍ وَلا جاؤوا لِسَفكِ دَمِ
119
جَهلٌ وَتَضليلُ أَحلامٍ وَسَفسَطَةٌ *** فَتَحتَ بِالسَيفِ بَعدَ الفَتحِ بِالقَلَمِ
120
لَمّا أَتى لَكَ عَفوًا كُلُّ ذي حَسَبٍ *** تَكَفَّلَ السَيفُ بِالجُهّالِ وَالعَمَمِ
121
وَالشَرُّ إِن تَلقَهُ بِالخَيرِ ضِقتَ بِهِ *** ذَرعًا وَإِن تَلقَهُ بِالشَرِّ يَنحَسِمِ
122
سَلِ المَسيحِيَّةَ الغَرّاءَ كَم شَرِبَتْ *** بِالصابِ مِن شَهَواتِ الظالِمِ الغَلِمِ
123
طَريدَةُ الشِركِ يُؤذيها وَيوسِعُها *** في كُلِّ حينٍ قِتالاً ساطِعَ الحَدَمِ
124
لَولا حُماةٌ لَها هَبّوا لِنُصرَتِها *** بِالسَيفِ ما انتَفَعَت بِالرِفقِ وَالرُحَمِ
125
لَولا مَكانٌ لِعيسى عِندَ مُرسِلِهِ *** وَحُرمَةٌ وَجَبَت لِلروحِ في القِدَمِ
126
لَسُمِّرَ البَدَنُ الطُهْرُ الشَريفُ عَلى *** لَوحَينِ لَم يَخشَ مُؤذيهِ وَلَم يَجِمِ
127
جَلَّ المَسيحُ وَذاقَ الصَلبَ شانِئُهُ *** إِنَّ العِقابَ بِقَدرِ الذَنبِ وَالجُرُمِ
128(1198/7)
أَخو النَبِيِّ وَروحُ اللهِ في نُزُلٍ *** فَوقَ السَماءِ وَدونَ العَرشِ مُحتَرَمِ
129
عَلَّمتَهُمْ كُلَّ شَيءٍ يَجهَلونَ بِهِ *** حَتّى القِتالَ وَما فيهِ مِنَ الذِّمَمِ
130
دَعَوتَهُمْ لِجِهادٍ فيهِ سُؤدُدُهُمْ *** وَالحَربُ أُسُّ نِظامِ الكَونِ وَالأُمَمِ
131
لَولاهُ لَم نَرَ لِلدَولاتِ في زَمَنٍ *** ما طالَ مِن عُمُدٍ أَو قَرَّ مِن دُهُمِ
132
تِلكَ الشَواهِدُ تَترى كُلَّ آوِنَةٍ *** في الأَعصُرِ الغُرِّ لا في الأَعصُرِ الدُهُمِ
133
بِالأَمسِ مالَت عُروشٌ وَاعتَلَتْ سُرُرٌ *** لَولا القَذائِفُ لَم تَثلَمْ وَلَم تَصُمِ
134
أَشياعُ عيسى أَعَدّوا كُلَّ قاصِمَةٍ *** وَلَم نُعِدَّ سِوى حالاتِ مُنقَصِمِ
135
مَهما دُعيتَ إِلى الهَيجاءِ قُمتَ لَها *** تَرمي بِأُسْدٍ وَيَرمي اللهُ بِالرُجُمِ
136
عَلى لِوائِكَ مِنهُم كُلُّ مُنتَقِمٍ *** للهِ مُستَقتِلٍ في اللهِ مُعتَزِمِ
137
مُسَبِّحٍ لِلِقاءِ اللهِ مُضطَرِمٍ *** شَوقًا عَلى سابِخٍ كَالبَرقِ مُضطَرِمِ
138
لَو صادَفَ الدَهرَ يَبغي نَقلَةً فَرَمى *** بِعَزمِهِ في رِحالِ الدَهرِ لَم يَرِمِ
139
بيضٌ مَفاليلُ مِن فِعلِ الحُروبِ بِهِمْ *** مِن أَسيُفِ اللهِ لا الهِندِيَّةُ الخُذُمُ
140
كَم في التُرابِ إِذا فَتَّشتَ عَن رَجُلٍ *** مَن ماتَ بِالعَهدِ أَو مَن ماتَ بِالقَسَمِ
141
لَولا مَواهِبُ في بَعضِ الأَنامِ لَما *** تَفاوَتَ الناسُ في الأَقدارِ وَالقِيَمِ
142
شَريعَةٌ لَكَ فَجَّرتَ العُقولَ بِها *** عَن زاخِرٍ بِصُنوفِ العِلمِ مُلتَطِمِ
143
يَلوحُ حَولَ سَنا التَوحيدِ جَوهَرُها *** كَالحَليِ لِلسَيفِ أَو كَالوَشيِ لِلعَلَمِ
144
غَرّاءُ حامَتْ عَلَيها أَنفُسٌ وَنُهًى *** وَمَن يَجِد سَلسَلاً مِن حِكمَةٍ يَحُمِ
145
نورُ السَبيلِ يُساسُ العالَمونَ بِها *** تَكَفَّلَتْ بِشَبابِ الدَهرِ وَالهَرَمِ
146(1198/8)
يَجري الزَمانُ وَأَحكامُ الزَمانِ عَلى *** حُكمٍ لَها نافِذٍ في الخَلقِ مُرتَسِمِ
147
لَمّا اعتَلَت دَولَةُ الإِسلامِ وَاتَّسَعَتْ *** مَشَتْ مَمالِكُهُ في نورِها التَّمَمِ
148
وَعَلَّمَتْ أُمَّةً بِالقَفرِ نازِلَةً *** رَعيَ القَياصِرِ بَعدَ الشاءِ وَالنَعَمِ
149
كَم شَيَّدَ المُصلِحونَ العامِلونَ بِها *** في الشَرقِ وَالغَربِ مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
150
لِلعِلمِ وَالعَدلِ وَالتَمدينِ ما عَزَموا *** مِنَ الأُمورِ وَما شَدّوا مِنَ الحُزُمِ
151
سُرعانَ ما فَتَحوا الدُنيا لِمِلَّتِهِمْ *** وَأَنهَلوا الناسَ مِن سَلسالِها الشَبِمِ
152
ساروا عَلَيها هُداةَ الناسِ فَهيَ بِهِمْ *** إِلى الفَلاحِ طَريقٌ واضِحُ العَظَمِ
153
لا يَهدِمُ الدَهرُ رُكنًا شادَ عَدلَهُمُ *** وَحائِطُ البَغيِ إِن تَلمَسهُ يَنهَدِمِ
154
نالوا السَعادَةَ في الدارَينِ وَاِجتَمَعوا *** عَلى عَميمٍ مِنَ الرُضوانِ مُقتَسَمِ
155
دَع عَنكَ روما وَآثينا وَما حَوَتا *** كُلُّ اليَواقيتِ في بَغدادَ وَالتُوَمِ
156
وَخَلِّ كِسرى وَإيوانًا يَدِلُّ بِهِ *** هَوى عَلى أَثَرِ النيرانِ وَالأَيُمِ
157
وَاترُك رَعمَسيسَ إِنَّ المُلكَ مَظهَرُهُ *** في نَهضَةِ العَدلِ لا في نَهضَةِ الهَرَمِ
158
دارُ الشَرائِعِ روما كُلَّما ذُكِرَتْ *** دارُ السَلامِ لَها أَلقَتْ يَدَ السَلَمِ
159
ما ضارَعَتها بَيانًا عِندَ مُلتَأَمٍ *** وَلا حَكَتها قَضاءً عِندَ مُختَصَمِ
160
وَلا احتَوَت في طِرازٍ مِن قَياصِرِها *** عَلى رَشيدٍ وَمَأمونٍ وَمُعتَصِمِ
161
مَنِ الَّذينَ إِذا سارَت كَتائِبُهُمْ *** تَصَرَّفوا بِحُدودِ الأَرضِ وَالتُخَمِ
162
وَيَجلِسونَ إِلى عِلمٍ وَمَعرِفَةٍ *** فَلا يُدانَونَ في عَقلٍ وَلا فَهَمِ
163
يُطَأطِئُ العُلَماءُ الهامَ إِن نَبَسوا *** مِن هَيبَةِ العِلمِ لا مِن هَيبَةِ الحُكُمِ
164(1198/9)
وَيُمطَرونَ فَما بِالأَرضِ مِن مَحَلٍ *** وَلا بِمَن باتَ فَوقَ الأَرضِ مِن عُدُمِ
165
خَلائِفُ اللهِ جَلّوا عَن مُوازَنَةٍ *** فَلا تَقيسَنَّ أَملاكَ الوَرى بِهِمِ
166
مَن في البَرِيَّةِ كَالفاروقِ مَعدَلَةً *** وَكَابنِ عَبدِ العَزيزِ الخاشِعِ الحَشِمِ
167
وَكَالإِمامِ إِذا ما فَضَّ مُزدَحِمًا *** بِمَدمَعٍ في مَآقي القَومِ مُزدَحِمِ
168
الزاخِرُ العَذبُ في عِلمٍ وَفي أَدَبٍ *** وَالناصِرُ النَدبُ في حَربٍ وَفي سَلَمِ
169
أَو كَابنِ عَفّانَ وَالقُرآنُ في يَدِهِ *** يَحنو عَلَيهِ كَما تَحنو عَلى الفُطُمِ
170
وَيَجمَعُ الآيَ تَرتيبًا وَيَنظُمُها *** عِقدًا بِجيدِ اللَيالي غَيرَ مُنفَصِمِ
171
جُرحانِ في كَبِدِ الإِسلامِ ما اِلتَأَما *** جُرحُ الشَهيدِ وَجُرحٌ بِالكِتابِ دَمي
172
وَما بَلاءُ أَبي بَكرٍ بِمُتَّهَمٍ *** بَعدَ الجَلائِلِ في الأَفعالِ وَالخِدَمِ
173
بِالحَزمِ وَالعَزمِ حاطَ الدينَ في مِحَنٍ *** أَضَلَّتِ الحُلمَ مِن كَهلٍ وَمُحتَلِمِ
174
وَحِدنَ بِالراشِدِ الفاروقِ عَن رُشدٍ *** في المَوتِ وَهوَ يَقينٌ غَيرُ مُنبَهِمِ
175
يُجادِلُ القَومَ مُستَلًّا مُهَنَّدَهُ *** في أَعظَمِ الرُسلِ قَدرًا كَيفَ لَم يَدُمِ
176
لا تَعذُلوهُ إِذا طافَ الذُهولُ بِهِ *** ماتَ الحَبيبُ فَضَلَّ الصَبُّ عَن رَغَمِ
177
يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّم ما أَرَدتَ عَلى *** نَزيلِ عَرشِكَ خَيرِ الرُسلِ كُلِّهِمِ
178
مُحيِ اللَيالي صَلاةً لا يُقَطِّعُها *** إِلا بِدَمعٍ مِنَ الإِشفاقِ مُنسَجِمِ
179
مُسَبِّحًا لَكَ جُنحَ اللَيلِ مُحتَمِلاً *** ضُرًّا مِنَ السُهدِ أَو ضُرًّا مِنَ الوَرَمِ
180
رَضِيَّةٌ نَفسُهُ لا تَشتَكي سَأَمًا *** وَما مَعَ الحُبِّ إِن أَخلَصتَ مِن سَأَمِ
181
وَصَلِّ رَبّي عَلى آلٍ لَهُ نُخَبٍ *** جَعَلتَ فيهِم لِواءَ البَيتِ وَالحَرَمِ
182(1198/10)
بيضُ الوُجوهِ وَوَجهُ الدَهرِ ذو حَلَكٍ *** شُمُّ الأُنوفِ وَأَنفُ الحادِثاتِ حَمى
183
وَأَهدِ خَيرَ صَلاةٍ مِنكَ أَربَعَةً *** في الصَحبِ صُحبَتُهُم مَرعِيَّةُ الحُرَمِ
184
الراكِبينَ إِذا نادى النَبِيُّ بِهِمْ *** ما هالَ مِن جَلَلٍ وَاشتَدَّ مِن عَمَمِ
185
الصابِرينَ وَنَفسُ الأَرضِ واجِفَةٌ *** الضاحِكينَ إِلى الأَخطارِ وَالقُحَمِ
186
يا رَبِّ هَبَّتْ شُعوبٌ مِن مَنِيَّتِها *** وَاستَيقَظَت أُمَمٌ مِن رَقدَةِ العَدَمِ
187
سَعدٌ وَنَحسٌ وَمُلكٌ أَنتَ مالِكُهُ *** تُديلُ مِن نِعَمٍ فيهِ وَمِن نِقَمِ
188
رَأى قَضاؤُكَ فينا رَأيَ حِكمَتِهِ *** أَكرِم بِوَجهِكَ مِن قاضٍ وَمُنتَقِمِ
189
فَالطُف لأَجلِ رَسولِ العالَمينَ بِنا *** وَلا تَزِد قَومَهُ خَسفًا وَلا تُسِمِ
190
يا رَبِّ أَحسَنتَ بَدءَ المُسلِمينَ بِهِ *** فَتَمِّمِ الفَضلَ وَاِمنَح حُسنَ مُختَتَمِ(1198/11)
سل الرماح العوالي عن معالينا
سل الرماح العوالي عن معاليناواستشهد البيض هل خاب الرجا فينا
لماسعينا فما رقت عزائمنا عما نروم ولاخابت مساعينا
قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة .يوماً وإن حكموا كانوا موازينا
تدرعوا العقل جلباباً فإن حميتنار الوغى خلتهم فيها شياطينا
إذا ادَّعوا جاءت الدنيا مصدقةً وإن دَعوا قالت الأيام : آمينا
إنا لقومٌ أبت أخلاقنا شرفاًأن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيض صنائعنا سودٌ وقائعنا خضرٌ مرابعنا حُمرٌ مواضينا
=============
قصيده لبغداد الحبيبه
كانوا ملوكا سرير الشرق تحيتهم فهل سالت سرير الغرب ما كانو
عالين كالشمس اطراف دولتها فى كل ناحيه ملك وسلطان
يا ويح قلبى مهما انتاب ارمهم سرى بها الهم او عاته اشجان
بالامس قمت على الزهراء اندبهم واليوم دمعى على بغداد هتان
فى الارض منهم سماوات والويه ونيرات وانواء وعقبان
معادن العز قد مال الرغام بهم لو هان فى تربه الابريز ما ها نوا
لو لا بغداد لما كانت طليطله ولا زهت ببنى العباس بغدان
مررت المسجد الحزون اساله هل فى المصلى او المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت على المنابر احرار وعبدان
فلا الاذان اذان فى منارته اذاتعالى ولا الاذان اذان
امنت بالله واسثنيت جنته بغداد روح وجنات وريحان
قال الرفاق وقد هبت خما ئلها الارض دار الفيحاء بستان
جرى وصفق يلفانا بها بردى كما تلقاك دون الخلد رضوان
دخلتها وحواشيها زمرده والشمس فوق لجين الماء عقبان
===============
قم ناج جلّق وأنشد رسم من بانوا
و دمشق من أجمل المدن التي وصفها كثير من الشعراء , كما قال أحمد شوقي فيها, في قصيدة تحية إلى دمشق:
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا
أمير الشعراء / أحمد شوقى
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا مشت على الرسم أحداث وأزمان
هذا الأديم كتاب لا كفاء له رث الصحائف باق منه عنوان
الدين والوحي والأخلاق طائفة منه وسائره دنيا وبهتان(1199/1)
ما فيه إن قلبت يوما جواهره إلا قرائح من راد وأذهان
بنو أمية للأنباء ما فتحوا وللأحاديث ما سادوا وما دانوا
كانوا ملوكا سرير الشرق تحتهم فهل سألت سرير الغرب ما كانوا
عالين كالشمس في أطراف دولتها في كل ناحية ملك وسلطان
يا ويح قلبي مهما انتاب أرسمهم سرى به الهم أو عادته أشجان
بالأمس قمت على الزهراء أندبهم واليوم دمعي على الفيحاء هتان
في الأرض منهم سماوات وألوية ونيرات وأنواء وعقبان
معادن العز قد مال الرغام بهم لو هان في تربه الإبريز ما هانوا
لولا دمشق لما كانت طليطلة ولا زهت ببني العباس بغدان
مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان
آمنت بالله واستثنيت جنته دمشق روح وجنات وريحان
قال الرفاق وقد هبت خمائلها الأرض دار لها الفيحاء بستان
جرى وصفق يلقانا بها بردى كما تلقاك دون الخلد رضوان
دخلتها وحواشيها زمردة والشمس فوق لجين الماء عقيان
والحور في دمر أو حول هامتها حور كواشف عن ساق وولدان
وربوة الواد في جلباب راقصة الساق كاسية والنحر عريان
والطير تصدح من خلف العيون بها وللعيون كما للطير ألحان
وأقبلت بالنبات الأرض مختلفا أفوافه فهو أصباغ وألوان
وقد صفا بردى للريح فابتدرت لدى ستور حواشيهن أفنان
ثم انثنت لم يزل عنها البلال ولا جفت من الماء أذيال وأردان
خلفت لبنان جنات النعيم وما نبئت أن طريق الخلد لبنان
حتى انحدرت إلى فيحاء وارفة فيها الندى وبها طي وشيبان
نزلت فيها بفتيان جحاجحة آباؤهم في شباب الدهر غسان
يا فتية الشام شكرا لا انقضاء له لو أن إحسانكم يجزيه شكران
ما فوق راحاتكم يوم السماح يد ولا كأوطانكم في البشر أوطان
خميلة الله وشتها يداه لكم فهل لها قيم منكم وجنان
شيدوا لها الملك وابنوا ركن دولتها فالملك غرس وتجديد وبنيان(1199/2)
لو يرجع الدهر مفقودا له خطر لآب بالواحد المبكي ثكلان
الملك أن تعملوا ما استطعتمو عملا وأن يبين على الأعمال إتقان
الملك أن تخرج الأموال ناشطة لمطلب فيه إصلاح وعمران
الملك تحت لسان حوله أدب وتحت عقل على جنبيه عرفان
الملك أن تتلافوا في هوى وطن تفرقت فيه أجناس وأديان
نصيحة ملؤها الإخلاص صادقة والنصح خالصه دين وإيمان
والشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة أو حكمة فهو تقطيع وأوزان
ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم ونحن في الجرح والآلام إخوان
==================
أحمد شوقي
يا شراعاً وراءَ دجلة َ يجري في دموعي تجنبَتكَ العَوادي
سِر على الماءِ كالمسيحِ رُويداً واجر في اليمِّ كالشعاع الهادي
وأْتِ قاعاً كرفرَفِ الخلدِ طِيباً أو كفردوسهِ بشاشة َ وادي
قفْ ، تمهَّل ، وخذ أمانا لقلبي من عيونِ المهَا وراءَ السَّوادِ
والنُّواسِيُّ والنَّدامَى ؛ أَمِنْهُمُ سامرلٌ يملأُ الدُّجى أو نادِ ؟
خطرتْ فوقه المهارة ُ تعدو في غُبارِ الآباءِ والأَجداد
أمَّة ٌ تنشىء الحياة َ ، وتبني كبِناءِ الأُبوَّة ِ الأَمجاد
تحتَ تاجٍ من القرابة والمُلـ ـكِ على فَرْقِ أَرْيحيٍّ جواد
ملك الشطِّ، والفراتيْنِ، والبطـ ـحاءِ، أَعظِمْ بِفَيْصَلٍ والبلاد(1199/3)
سَل يَلدِزًا ذاتَ القُصورِ
الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد
1
سَل يَلدِزًا ذاتَ القُصورِ *** هَل جاءَها نَبَأُ البُدورْ
2
لَو تَستَطيعُ إِجابَةً *** لَبَكَتكَ بِالدَمعِ الغَزيرْ
3
أَخنى عَلَيها ما أَنا *** خَ عَلى الخَوَرنَقِ وَالسَديرْ
4
وَدَها الجَزيرَةَ بَعدَ إِسـ *** ـماعيلَ وَالمَلِكِ الكَبيرْ
5
ذَهَبَ الجَميعُ فَلا القُصو *** رُ تُرى وَلا أَهلُ القُصورْ
6
فَلَكٌ يَدورُ سُعودُهُ *** وَنُحوسُهُ بِيَدِ المُديرْ
7
أَينَ الأَوانِسُ في ذُرا *** ها مِن مَلائِكَةٍ وَحورْ
8
المُترَعاتُ مِنَ النَعيـ *** ـمِ الراوِياتُ مِنَ السُرورْ
9
العاثِراتُ مِنَ الدَلا *** لِ الناهِضاتُ مِنَ الغُرورْ
10
الآمِراتُ عَلى الوُلا *** ةِ الناهِياتُ عَلى الصُدورْ
11
الناعِماتُ الطَيِّبا *** تُ العَرفِ أَمثالُ الزُهورْ
12
الذاهِلاتُ عَنِ الزَما *** نِ بِنَشوَةِ العَيشِ النَضيرْ
13
المُشرِفاتُ وَما انتَقَلـ *** ـنَ عَلى المَمالِكِ وَالبُحورْ
14
مِن كُلِّ بَلقيسٍ عَلى *** كُرسِيِّ عِزَّتِها الوَثيرْ
15
أَمضى نُفوذًا مِن زُبَيـ *** ـدَةَ في الإِمارَةِ وَالأَميرْ
16
بَينَ الرَفارِفِ وَالمَشا *** رِفِ وَالزَخارِفِ وَالحَريرْ
17
وَالرَوضُ في حَجمِ الدُنا *** وَالبَحرِ في حَجمِ الغَديرْ
18
وَالدُرِّ مُؤتَلِقِ السَنا *** وَالمِسكِ فَيّاحِ العَبيرْ
19
في مَسكَنٍ فَوقَ السِما *** كِ وَفَوقَ غاراتِ المُغيرْ
20
بَينَ المَعاقِلِ وَالقَنا *** وَالخَيلِ وَالجَمِّ الغَفيرْ
21
سَمَّوهُ يَلدِزَ وَالأُفو *** لُ نِهايَةُ النَجمِ المُغيرْ
22
دارَت عَلَيهِنَّ الدَوا *** ئِرُ في المَخادِعِ وَالخُدورْ
23
أَمسَينَ في رِقِّ العَبيـ *** ـلِ وَبِتنَ في أَسرِ العَشيرْ
24
ما يَنتَهينَ مِنَ الصَلا *** ةِ ضَراعَةً وَمِنَ النُذورْ
25
يَطلُبنَ نُصرَةَ رَبِّهِنَّ *** وَرَبُّهُنَّ بِلا نَصيرْ
26(1200/1)
صَبَغَ السَوادُ حَبيرَهُنَّ *** وَكانَ مِن يَقَقِ الحُبورْ
27
أَنا إِنْ عَجِزتُ فَإِنَّ في *** بُردَيَّ أَشعَرَ مِن جَريرْ
28
خَطبُ الإِمامِ عَلى النَظيـ *** مِ يَعُزُّ شَرحًا وَالنَثيرْ
29
عِظَةُ المُلوكِ وَعِبرَةُ الـ *** ـأَيّامِ في الزَمَنِ الأَخيرْ
30
شَيخُ المُلوكِ وَإِن تَضَع *** ضَعَ في الفُؤادِ وَفي الضَميرْ
31
تَستَغفِرُ المَولى لَهُ *** وَاللَهُ يَعفو عَن كَثيرْ
32
وَنَراهُ عِندَ مُصابِهِ *** أَولى بِباكٍ أَو عَذيرْ
33
وَنَصونُهُ وَنُجِلُّهُ *** بَينَ الشَماتَةِ وَالنَكيرْ
34
عَبدَ الحَميدِ حِسابُ مِثـ *** ـلِكَ في يَدِ المَلِكِ الغَفورْ
35
سُدتَ الثَلاثينَ الطِوا *** لَ وَلَسنَ بِالحُكمِ القَصيرْ
36
تَنهى وَتَأمُرُ ما بَدا *** لَكَ في الكَبيرِ وَفي الصَغيرْ
37
لا تَستَشيرُ وَفي الحِمى *** عَدَدُ الكَواكِبِ مِن مُشيرْ
38
كَم سَبَّحوا لَكَ في الرَوا *** حِ وَأَلَّهوكَ لَدى البُكورْ
39
وَرَأَيتَهُمْ لَكَ سُجَّدًا *** كَسُجودِ موسى في الحُضورْ
40
خَفَضوا الرُؤوسَ وَوَتَّروا *** بِالذُلِّ أَقواسَ الظُهورْ
41
ماذا دَهاكَ مِنَ الأُمو *** رِ وَكُنتَ داهِيَةَ الأُمورْ
42
ما كُنتَ إِنْ حَدَثَتْ وَجَلَّـ *** ـت بِالجُزوعِ وَلا العَثور
43
أَينَ الرَوِيَّةُ وَالأَنا *** ةُ وَحِكمَةُ الشَيخِ الخَبيرْ
44
إِنَّ القَضاءَ إِذا رَمى *** دَكَّ القَواعِدِ مِن ثَبيرْ
45
دَخَلوا السَريرَ عَلَيكَ يَحـ *** ـتَكِمونَ في رَبِّ السَريرْ
46
أَعظِمْ بِهِم مِن آسِريـ *** ـنَ وَبِالخَليفَةِ مِن أَسيرْ
47
أَسَدٌ هَصورٌ أَنشَبَ الـ *** ـأَظفارَ في أَسَدٍ هَصورْ
48
قالوا اعتَزِل قُلتَ اعتَزَلـ *** ـتُ وَالحُكمُ لِلَّهِ القَديرْ
49
صَبَروا لِدَولَتِكَ السِنيـ *** ـنَ وَما صَبَرتَ سِوى شُهورْ
50
أوذيتَ مِن دُستورِهِمْ *** وَحَنَنتَ لِلحُكمِ العَسيرْ
51(1200/2)
وَغَضِبتَ كَالمَنصورِ أَو *** هارونَ في خالي العُصورْ
52
ضَنّوا بِضائِعِ حَقِّهِمْ *** وَضَنَنتَ بِالدُنيا الغَرورْ
53
هَلّا احتَفَظتَ بِهِ احتِفا *** ظَ مُرَحِّبٍ فَرِحٍ قَريرْ
54
هُوَ حِليَةُ المَلِكِ الرَشيـ *** ـدِ وَعِصمَةُ المَلِكِ الغَريرْ
55
وَبِهِ يُبارِكُ في المَما *** لِكِ وَالمُلوكِ عَلى الدُهورْ
56
يا أَيُّها الجَيشُ الَّذي *** لا بِالدَعِيِّ وَلا الفَخورْ
57
يَخفي فَإِن ريعَ الحِمى *** لَفَتَ البَرِيَّةَ بِالظُهورْ
58
كَاللَيثِ يُسرِفُ في الفِعا *** لِ وَلَيسَ يُسرِفُ في الزَئيرْ
59
الخاطِبُ العَلياءِ بِالـ *** ـأَرواحِ غالِيَةِ المُهورْ
60
عِندَ المُهَيمِنِ ما جَرى *** في الحَقِّ مِن دَمِكَ الطَهورْ
61
يَتلو الزَمانُ صَحيفَةً *** غَرّا مُذَهَّبَةَ السُطورْ
62
في مَدحِ أَنوَرِكَ الجَري *** ءِ وَفي نِيازيكَ الجَسورْ
63
يا شَوكَتَ الإِسلامِ بَل *** يا فاتِحَ البَلَدِ العَسيرْ
64
وَابنَ الأَكارِمِ مِن بَني *** عُمَرَ الكَريمِ عَلى البَشيرْ
65
القابِضينَ عَلى الصَليـ *** ـلِ كَجَدِّهِمْ وَعَلى الصَريرْ
66
هَل كانَ جَدُّكَ في رِدا *** ئِكَ يَومَ زَحفِكَ وَالكُرورْ
67
فَقَنَصَت صَيّادَ الأُسو *** دِ وَصِدتَ قَنّاصَ النُسورْ
68
وَأَخَذتَ يَلدِزَ عَنوَةً *** وَمَلَكتَ عَنقاءَ الثُغورْ
69
المُؤمِنونَ بِمِصرَ يُهـ *** ـدونَ السَلامَ إِلى الأَميرْ
70
وَيُبايِعونَكَ يا مُحَمـ *** ـمَدُ في الضَمائِرِ وَالصُدورْ
71
قَد أَمَّلوا لِهِلالِهِمْ *** حَظَّ الأَهِلَّةِ في المَسيرْ
72
فَابلُغ بِهِ أَوجَ الكَما *** لِ بِقُوَّةِ اللَهِ النَصيرْ
73
أَنتَ الكَبيرُ يُقَلِّدو *** نَكَ سَيفَ عُثمانَ الكَبيرْ
74
شَيخُ الغُزاةِ الفاتِحيـ *** ـنَ حُسامُهُ شَيخُ الذُكورْ
75
يَمضي وَيُغمِدُ بِالهُدى *** فَكَأَنَّهُ سَيفُ النَذيرْ
76
بُشرى الإِمامِ مُحَمَّدٍ *** بِخِلافَةِ اللَهِ القَديرْ
77(1200/3)
بُشرى الخِلافَةِ بِالإِما *** مِ العادِلِ النَزِهِ الجَديرْ
78
الباعِثِ الدُستورَ في الـ *** ـإِسلامِ مِن حُفَرِ القُبورْ
79
أَودى مُعاوِيَةٌ بِهِ *** وَبَعَثتَهُ قَبلَ النُشور
80
فَعَلى الخِلافَةِ مِنكُما *** نورٌ تَلَألَأَ فَوقَ نورْ(1200/4)
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ
أحمد شوقي
1
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ *** وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
2
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي *** جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
3
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي *** إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
4
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي *** جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ
5
دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ *** وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ
6
وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري *** وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ
7
وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ *** لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ
8
عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ *** وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ
9
رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ *** بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ
10
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ *** أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ
11
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ *** أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ
12
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ *** عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
13
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ *** وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ
14
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها *** تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
15
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ *** وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
16
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا *** وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
17
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ *** وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ
18
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ *** لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ
19
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ *** وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ
20
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا *** غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ
21
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ *** بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
22(1201/1)
رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها *** أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ
23
وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ *** وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ
24
وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ *** مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّ
25
بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ *** وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ
26
إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ *** أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ
27
بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا *** وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ
28
إِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ *** عَلى جَنَباتِهِ وَاسوَدَّ أُفقُ
29
سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ *** أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ
30
وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا *** قُلوبٌ كَالحِجارَةِ لا تَرِقُّ
31
رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا *** أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُ
32
إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ *** يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا
33
دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا *** وَتَعلَمُ أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ
34
جَرى في أَرضِها فيهِ حَياةٌ *** كَمُنهَلِّ السَماءِ وَفيهِ رِزقُ
35
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا *** وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
36
وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها *** فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّ
37
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني *** وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
38
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا *** بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ
39
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ *** كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ
40
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي *** وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ
41
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا *** وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
42
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ *** بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ
43
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ *** فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
44(1201/2)
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ *** يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
45
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا *** إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
46
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا *** وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
47
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ *** وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
48
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ *** بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
49
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ *** وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ
50
نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ *** وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ
51
وَما كانَ الدُروزُ قَبيلَ شَرٍّ *** وَإِن أُخِذوا بِما لَم يَستَحِقّوا
52
وَلَكِن ذادَةٌ وَقُراةُ ضَيفٍ *** كَيَنبوعِ الصَفا خَشُنوا وَرَقُّوا
53
لَهُم جَبَلٌ أَشَمُّ لَهُ شَعافٌ *** مَوارِدُ في السَحابِ الجُونِ بُلقُ
54
لِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ *** نِضالٌ دونَ غايَتِهِ وَرَشقُ
55
كَأَنَّ مِنَ السَمَوأَلِ فيهِ شَيئًا *** فَكُلُّ جِهاتِهِ شَرَفٌ وَخَلقُ(1201/3)
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا
أحمد شوقي
1
سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا *** لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا
2
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ *** فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
3
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَومًا *** تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
4
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ *** هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
5
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ:وَلّى *** وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ: ثابا
6
وَلَو خُلِقَتْ قُلوبٌ مِن حَديدٍ *** لَما حَمَلَتْ كَما حَمَلَ العَذابا
7
وَأَحبابٍ سُقيتُ بِهِمْ سُلافًا *** وَكانَ الوَصلُ مِن قِصَرٍ حَبابا
8
وَنادَمنا الشَبابَ عَلى بِساطٍ *** مِنَ اللَذاتِ مُختَلِفٍ شَرابا
9
وَكُلُّ بِساطِ عَيشٍ سَوفَ يُطوى *** وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ وَطابا
10
كَأَنَّ القَلبَ بَعدَهُمُ غَريبٌ *** إِذا عادَتهُ ذِكرى الأَهلِ ذابا
11
وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي *** كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا
12
أَخا الدُنيا أَرى دُنياكَ أَفعى *** تُبَدِّلُ كُلَّ آوِنَةٍ إِهابا
13
وَأَنَّ الرُقطَ أَيقَظُ هاجِعاتٍ *** وَأَترَعُ في ظِلالِ السِلمِ نابا
14
وَمِن عَجَبٍ تُشَيِّبُ عاشِقيها *** وَتُفنيهِمْ وَما بَرِحَتْ كَعابا
15
فَمَن يَغتَرُّ بِالدُنيا فَإِنّي *** لَبِستُ بِها فَأَبلَيتُ الثِيابا
16
لَها ضَحِكُ القِيانِ إِلى غَبِيٍّ *** وَلي ضَحِكُ اللَبيبِ إِذا تَغابى
17
جَنَيتُ بِرَوضِها وَردًا وَشَوكًا *** وَذُقتُ بِكَأسِها شَهدًا وَصابا
18
فَلَم أَرَ غَيرَ حُكمِ اللهِ حُكمًا *** وَلَم أَرَ دونَ بابِ اللَهِ بابا
19
وَلا عَظَّمتُ في الأَشياءِ إِلا *** صَحيحَ العِلمِ وَالأَدَبَ اللُبابا
20
وَلا كَرَّمتُ إِلا وَجهَ حُرٍّ *** يُقَلِّدُ قَومَهُ المِنَنَ الرَغابا
21
وَلَم أَرَ مِثلَ جَمعِ المالِ داءً *** وَلا مِثلَ البَخيلِ بِهِ مُصابا
22(1202/1)
فَلا تَقتُلكَ شَهوَتُهُ وَزِنها *** كَما تَزِنُ الطَعامَ أَوِ الشَرابا
23
وَخُذ لِبَنيكَ وَالأَيّامِ ذُخرًا *** وَأَعطِ اللهَ حِصَّتَهُ احتِسابا
24
فَلَو طالَعتَ أَحداثَ اللَيالي *** وَجَدتَ الفَقرَ أَقرَبَها انتِيابا
25
وَأَنَّ البِرَّ خَيرٌ في حَياةٍ *** وَأَبقى بَعدَ صاحِبِهِ ثَوابا
26
وَأَنَّ الشَرَّ يَصدَعُ فاعِليهِ *** وَلَم أَرَ خَيِّرًا بِالشَرِّ آبا
27
فَرِفقًا بِالبَنينَ إِذا اللَيالي *** عَلى الأَعقابِ أَوقَعَتِ العِقابا
28
وَلَم يَتَقَلَّدوا شُكرَ اليَتامى *** وَلا ادَّرَعوا الدُعاءَ المُستَجابا
29
عَجِبتُ لِمَعشَرٍ صَلّوا وَصاموا *** عَواهِرَ خِشيَةً وَتُقى كِذابا
30
وَتُلفيهُمْ حِيالَ المالِ صُمًّا *** إِذا داعي الزَكاةِ بِهِمْ أَهابا
31
لَقَد كَتَموا نَصيبَ اللهِ مِنهُ *** كَأَنَّ اللهَ لَم يُحصِ النِصابا
32
وَمَن يَعدِل بِحُبِّ اللهِ شَيئًا *** كَحُبِّ المالِ ضَلَّ هَوًى وَخابا
33
أَرادَ اللَهُ بِالفُقَراءِ بِرًّا *** وَبِالأَيتامِ حُبًّا وَارتِبابا
34
فَرُبَّ صَغيرِ قَومٍ عَلَّموهُ *** سَما وَحَمى المُسَوَّمَةَ العِرابا
35
وَكانَ لِقَومِهِ نَفعًا وَفَخرًا *** وَلَو تَرَكوهُ كانَ أَذًى وَعابا
36
فَعَلِّمْ ما استَطَعتَ لَعَلَّ جيلاً *** سَيَأتي يُحدِثُ العَجَبَ العُجابا
37
وَلا تُرهِقْ شَبابَ الحَيِّ يَأسًا *** فَإِنَّ اليَأسَ يَختَرِمُ الشَبابا
38
يُريدُ الخالِقُ الرِزقَ اشتِراكًا *** وَإِن يَكُ خَصَّ أَقوامًا وَحابى
39
فَما حَرَمَ المُجِدَّ جَنى يَدَيهِ *** وَلا نَسِيَ الشَقِيَّ وَلا المُصابا
40
وَلَولا البُخلُ لَم يَهلِكْ فَريقٌ *** عَلى الأَقدارِ تَلقاهُمْ غِضابا
41
تَعِبتُ بِأَهلِهِ لَومًا وَقَبلي *** دُعاةُ البِرِّ قَد سَئِموا الخِطابا
42
وَلَو أَنّي خَطَبتُ عَلى جَمادٍ *** فَجَرْتُ بِهِ اليَنابيعَ العِذابا
43(1202/2)
أَلَم تَرَ لِلهَواءِ جَرى فَأَفضى *** إِلى الأَكواخِ وَاختَرَقَ القِبابا
44
وَأَنَّ الشَمسَ في الآفاقِ تَغشى *** حِمى كِسرى كَما تَغشى اليَبابا
45
وَأَنَّ الماءَ تُروى الأُسدُ مِنهُ *** وَيَشفي مِن تَلَعلُعِها الكِلابا
46
وَسَوّى اللهُ بَينَكُمُ المَنايا *** وَوَسَّدَكُمْ مَعَ الرُسلِ التُرابا
47
وَأَرسَلَ عائِلاً مِنكُمْ يَتيمًا *** دَنا مِن ذي الجَلالِ فَكانَ قابا
48
نَبِيُّ البِرِّ بَيَّنَهُ سَبيلاً *** وَسَنَّ خِلالَهُ وَهَدى الشِعابا
49
تَفَرَّقَ بَعدَ عيسى الناسُ فيهِ *** فَلَمّا جاءَ كانَ لَهُمْ مَتابا
50
وَشافي النَفسِ مِن نَزَعاتِ شَرٍّ *** كَشافٍ مِن طَبائِعِها الذِئابا
51
وَكانَ بَيانُهُ لِلهَديِ سُبلاً *** وَكانَت خَيلُهُ لِلحَقِّ غابا
52
وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى *** أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا
53
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي *** وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
54
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ *** إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا
55
تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَعَمَّتْ *** بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصابا
56
وَأَسدَتْ لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهبٍ *** يَدًا بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا
57
لَقَد وَضَعَتهُ وَهّاجًا مُنيرًا *** كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِهابا
58
فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نورًا *** يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِقابا
59
وَضاعَت يَثرِبُ الفَيحاءُ مِسكًا *** وَفاحَ القاعُ أَرجاءً وَطابا
60
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري *** بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا
61
فَما عَرَفَ البَلاغَةَ ذو بَيانٍ *** إِذا لَم يَتَّخِذكَ لَهُ كِتابا
62
مَدَحتُ المالِكينَ فَزِدتُ قَدرًا *** فَحينَ مَدَحتُكَ اقتَدتُ السَحابا
63
سَأَلتُ اللهَ في أَبناءِ ديني *** فَإِن تَكُنِ الوَسيلَةَ لي أَجابا
64
وَما لِلمُسلِمينَ سِواكَ حِصنٌ *** إِذا ما الضَرُّ مَسَّهُمُ وَنابا(1202/3)
65
كَأَنَّ النَحسَ حينَ جَرى عَلَيهِمْ *** أَطارَ بِكُلِّ مَملَكَةٍ غُرابا
66
وَلَو حَفَظوا سَبيلَكَ كان نورًا *** وَكانَ مِنَ النُحوسِ لَهُمْ حِجابا
67
بَنَيتَ لَهُمْ مِنَ الأَخلاقِ رُكنًا *** فَخانوا الرُكنَ فَانهَدَمَ اضطِرابا
68
وَكانَ جَنابُهُمْ فيها مَهيبًا *** وَلَلأَخلاقِ أَجدَرُ أَن تُهابا
69
فَلَولاها لَساوى اللَيثُ ذِئبًا *** وَساوى الصارِمُ الماضي قِرابا
70
فَإِن قُرِنَت مَكارِمُها بِعِلمٍ *** تَذَلَّلَتِ العُلا بِهِما صِعابا
71
وَفي هَذا الزَمانِ مَسيحُ عِلمٍ *** يَرُدُّ عَلى بَني الأُمَمِ الشَباب(1202/4)
ظَلَمَ الرِجالُ نِساءَهُمْ وَتَعَسَّفوا
1
ظَلَمَ الرِجالُ نِساءَهُمْ وَتَعَسَّفوا *** هَل لِلنِساءِ بِمِصرَ مِن أَنصارِ
2
يا مَعشَرَ الكُتّابِ أَينَ بَلاؤُكُمْ *** أَينَ البَيانُ وَصائِبُ الأَفكارِ
3
أَيَهُمُّكُمْ عَبَثٌ وَلَيسَ يَهُمُّكُمْ *** بُنيانُ أَخلاقٍ بِغَيرِ جِدارِ
4
عِندي عَلى ضَيمِ الحَرائِرِ بَينَكُمْ *** نَبَأٌ يُثيرُ ضَمائِرَ الأَحرارِ
5
مِمّا رَأَيتُ وَما عَلِمتُ مُسافِرًا *** وَالعِلمُ بَعضُ فَوائِدِ الأَسفارِ
6
فيهِ مَجالٌ لِلكَلامِ وَمَذهَبٌ *** لِيَراعِ باحِثَةٍ وَسِتِّ الدارِ
7
كَثُرَت عَلى دارِ السَعادَةِ زُمرَةٌ *** مِن مِصرَ أَهلُ مَزارِعٍ وَيَسارِ
8
يَتَزَوَّجونَ عَلى نِساءٍ تَحتَهُمْ *** لا صاحِباتِ بُغىً وَلا بِشَرارِ
9
شاطَرنَهُمْ نِعَمَ الصِبا وَسَقَينَهُمْ *** دَهرًا بِكَأسٍ لِلسُرورِ عُقارُ
10
الوالِداتُ بَنيهُمُْ وَبَناتِهِمْ *** الحائِطاتُ العِرضَ كَالأَسوارِ
11
الصابِراتُ لِضَرَّةٍ وَمَضَرَّةٍ *** المُحيِياتُ اللَيلَ بِالأَذكارِ
12
مِن كُلِّ ذي سَبعينَ يَكتُمُ شَيبَهُ *** وَالشَيبُ في فَودَيهِ ضَوءُ نَهارِ
13
يَأبى لَهُ في الشَيبِ غَيرَ سَفاهَةٍ *** قَلبٌ صَغيرُ الهَمِّ وَالأَوطارِ
14
ما حَلَّهُ عَطفٌ وَلا رِفقٌ وَلا *** بِرٌّ بِأَهلٍ أَو هَوىً لِدِيارِ
15
كَم ناهِدٍ في اللّاعِباتِ صَغيرَةٍ *** أَلهَتهُ عَن حَفَدٍ بِمِصرَ صِغارِ
16
مَهما غَدا أَو راحَ في جَولاتِهِ *** دَفَعَتهُ خاطِبَةٌ إِلى سِمسارِ
17
شُغِلَ المَشايِخُ بِالمَتابِ وَشُغلُهُ *** بِتَبَدُّلِ الأَزواجِ وَالأَصهارِ
18
في كُلِّ عامٍ هَمُّهُ في طَفلَةٍ *** كَالشَمسِ إِن خُطِبَت فَلِلأَقمارِ
19
يَرشو عَلَيها الوالِدينَ ثَلاثَةً *** لَم أَدرِ أَيُّهُمُ الغَليظُ الضاري
20
المالُ حَلَّلَ كُلَّ غَيرِ مُحَلَّلِ *** حَتّى زَواجَ الشيبِ بِالأَبكارِ
21(1203/1)
سَحَرَ القُلوبَ فَرُبَّ أُمٍّ قَلبُها *** مِن سِحرِهِ حَجَرٌ مِنَ الأَحجارِ
22
دَفَعَت بُنَيَّتَها لِأَشأَمَ مَضجَعٍ *** وَرَمَت بِها في غُربَةٍ وَإِسارِ
23
وَتَعَلَّلَت بِالشَرعِ قُلتُ كَذِبتِهِ *** ما كانَ شَرعُ اللَهِ بِالجَزّارِ
24
ما زُوِّجَت تِلكَ الفَتاةُ وَإِنَّما *** بيعَ الصِبا وَالحُسنُ بِالدينارِ
25
بَعضُ الزَواجِ مُذَمَّمٌ ما بِالزِنا *** وَالرِقِّ إِنْ قيسا بِهِ مِن عارِ
26
فَتَّشتُ لَم أَرَ في الزَواجِ كَفاءَةً *** كَكَفاءَةِ الأَزواجِ في الأَعمارِ
27
أَسَفي عَلى تِلكَ المَحاسِنِ كُلَّما *** نُقِلَت مِنَ البالي إِلى الدَوّارِ
28
إِنَّ الحِجابَ عَلى فُروقٍ جَنَّةٌ *** وَحِجابُ مِصرَ وَريفِها مِن نارِ
29
وَعَلى وُجوهٍ كَالأَهِلَّةِ رُوِّعَت *** بَعدَ السُفورِ بِبُرقُعٍ وَخِمارِ
30
وَعَلى الذَوائِبِ وَهيَ مِسكٌ خولِطَت *** عِندَ العِناقِ بِمِثلِ ذَوبِ القارِ
31
وَعَلى الشِفاهِ المُحيِياتِ أَماتَها *** ريحُ الشُيوخِ تَهُبُّ في الأَسحارِ
32
وَعَلى المَجالِسِ فَوقَ كُلِّ خَميلَةٍ *** بَينَ الجِبالِ وَشاطِئٍ مِحبارِ
33
تَدنو الزَوارِقُ مِنهُ تُنزِلُ جُؤذَرًا *** بِقِلادَةٍ أَو شادِنًا بِسِوارِ
34
يَرفُلنَ في أُزُرِ الحَريرِ تَنَوَّعَت *** أَلوانُهُ كَالزَهرِ في آذارِ
35
الطاهِراتُ اللَحظِ أَمثالَ المَها *** الناطِقاتُ الجَرسِ كَالأَوتارِ
36
الدَهرُ فَرَّقَ شَملَهُنَّ فَمُر بِهِ *** يا رَبِّ تَجمَعُهُ يَدُ المِقدارِ(1203/2)
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ
أحمد شوقي
قال هذه القصيدة يرثي فيها خلافة الإسلام؛ وذلك أن العالم الإسلامي ما كاد يفرح بانتصار الأتراك على أعدائهم بقيادة مصطفى باشا كمال سنة 1823 حتى أعلن هذا إلغاء الخلافة ونفى الخليفة من بلاد الأتراك، والشاعر ينبه في هذه القصيدة ممالك الإسلام ليسدوا النصح للغازي لعله يبني ما هدم وينصف من ظُلم
1
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ *** وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ
2
كُفِّنتِ في لَيلِ الزَفافِ بِثَوبِهِ *** وَدُفِنتِ عِندَ تَبَلُّجِ الإِصباحِ
3
شُيِّعتِ مِن هَلَعٍ بِعَبرَةِ ضاحِكٍ *** في كُلِّ ناحِيَةٍ وَسَكرَةِ صاحِ
4
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ *** وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ
5
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ *** تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ
6
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ *** أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ
7
وَأَتَت لَكِ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَمًا *** فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ
8
يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ مَوؤودَةٍ *** قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ
9
إِنَّ الَّذينَ أَسَتْ جِراحَكِ حَربُهُمْ *** قَتَلَتكِ سَلمُهُمُ بِغَيرِ جِراحِ
10
هَتَكوا بِأَيديهِمْ مُلاءَةَ فَخرِهِمْ *** مَوشِيَّةً بِمَواهِبِ الفَتّاحِ
11
نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ *** وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ
12
حَسَبٌ أَتى طولُ اللَيالي دونَهُ *** قَد طاحَ بَينَ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ
13
وَعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرى أَسبابِها *** كانَت أَبَرَّ عَلائِقِ الأَرواحِ
14
جَمَعَتْ عَلى البِرِّ الحُضورَ وَرُبَّما *** جَمَعَتْ عَلَيهِ سَرائِرَ النُزّاحِ
15
نَظَمَتْ صُفوفَ المُسلِمينَ وَخَطوَهُمْ *** في كُلِّ غَدوَةِ جُمعَةٍ وَرَواحِ
16
بَكَتِ الصَلاةُ وَتِلكَ فِتنَةُ عابِثٍ *** بِالشَرعِ عِربيدِ القَضاءِ وَقاحِ
17(1204/1)
أَفتى خُزَعبِلَةً وَقالَ ضَلالَةً *** وَأَتى بِكُفرٍ في البِلادِ بَواحِ
18
إِنَّ الَّذينَ جَرى عَلَيهِمْ فِقهُهُ *** خُلِقوا لِفِقهِ كَتيبَةٍ وَسِلاحِ
19
إِن حَدَّثوا نَطَقوا بِخُرسِ كَتائِبٍ *** أَو خوطِبوا سَمِعوا بِصُمِّ رِماحِ
20
أَستَغفِرُ الأَخلاقَ لَستُ بِجاحِدٍ *** مَن كُنتُ أَدفَعُ دونَهُ وَأُلاحي
21
مالي أُطَوِّقُهُ المَلامَ وَطالَما *** قَلَّدتُهُ المَأثورَ مِن أَمداحي
22
هُوَ رُكنُ مَملَكَةٍ وَحائِطُ دَولَةٍ *** وَقَريعُ شَهباءٍ وَكَبشُ نِطاحِ
23
أَأَقولُ مَن أَحيا الجَماعَةَ مُلحِدٌ *** وَأَقولُ مَن رَدَّ الحُقوقَ إِباحي
24
الحَقُّ أَولى مِن وَلِيِّكَ حُرمَةً *** وَأَحَقُّ مِنكَ بِنُصرَةٍ وَكِفاحِ
25
فَامدَح عَلى الحَقِّ الرِجالَ وَلُمهُمُ *** أَو خَلِّ عَنكَ مَواقِفَ النُصّاحِ
26
وَمِنَ الرِجالِ إِذا انبَرَيتَ لِهَدمِهِمْ *** هَرَمٌ غَليظُ مَناكِبِ الصُفّاحِ
27
فَإِذا قَذَفتَ الحَقَّ في أَجلادِهِ *** تَرَكَ الصِراعَ مُضَعضَعَ الأَلواحِ
28
أَدُّوا إِلى الغازي النَصيحَةَ يَنتَصِحْ *** إِنَّ الجَوادَ يَثوبُ بَعدَ جِماحِ
29
إِنَّ الغُرورَ سَقى الرَئيسَ بِراحِهِ *** كَيفَ احتِيالُكَ في صَريعِ الراحِ
30
نَقَلَ الشَرائِعَ وَالعَقائِدَ وَالقُرى *** وَالناسَ نَقْلَ كَتائِبٍ في الساحِ
31
تَرَكَتهُ كَالشَبَحِ المُؤَلَّهِ أُمَّةٌ *** لَم تَسلُ بَعدُ عِبادَةَ الأَشباحِ
32
هُمْ أَطلَقوا يَدَهُ كَقَيصَرَ فيهُمُ *** حَتّى تَناوَلَ كُلَّ غَيرِ مُباحِ
33
غَرَّتهُ طاعاتُ الجُموعِ وَدَولَةٌ *** وَجَدَ السَوادُ لَها هَوى المُرتاحِ
34
وَإِذا أَخَذتَ المَجدَ مِن أُمِّيَّةٍ *** لَم تُعطَ غَيرَ سَرابِهِ اللَمّاحِ
35
مَن قائِلٌ لِلمُسلِمينَ مَقالَةً *** لَم يوحِها غَيرَ النَصيحَةِ واحِ
36
عَهدُ الخِلافَةِ فِيَّ أَوَّلُ ذائِدٍ *** عَن حَوضِها بِبَراعَةٍ نَضّاحِ
37(1204/2)
حُبٌّ لِذاتِ اللهِ كانَ وَلَم يَزَلْ *** وَهَوًى لِذاتِ الحَقِّ وَالإِصلاحِ
38
إِنّي أَنا المِصباحُ لَستُ بِضائِعٍ *** حَتّى أَكونَ فَراشَةَ المِصباحِ
39
غَزَواتُ «أَدهَمَ» كُلِّلَت بَذَوابِلٍ *** وَفُتوحُ «أَنوَرَ» فُصِّلَت بِصِفاحِ
40
وَلَّتْ سُيوفُهُما وَبانَ قَناهُما *** وَشَبا يَراعي غَيرُ ذاتِ بَراحِ
41
لا تَبذُلوا بُرَدَ النَبِيِّ لِعاجِزٍ *** عُزُلٍ يُدافِعُ دونَهُ بِالراحِ
42
بِالأَمسِ أَوهى المُسلِمينَ جِراحَةً *** وَاليَومَ مَدَّ لَهُمْ يَدَ الجَرّاحِ
43
فَلتَسمَعُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ داعِيًا *** يَدعو إِلى الكَذّابِ أَو لِسَجاحِ
44
وَلتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ فِتنَةً *** فيها يُباعُ الدينُ بَيعَ سَماحِ
45
يُفتى عَلى ذَهَبِ المُعِزِّ وَسَيفِهِ *** وَهَوى النُفوسِ وَحِقدِها المِلحاحِ(1204/3)
علموه كيف يجفو
لأحمد شوقي
عَلَّموهُ كَيْفَ يَجْفو فَجَفَا
ظَالمٌ لاَقَيْتُ مِنْهُ مَا كَفَى
مُسْرِفٌ في هَجْرِهِ مَا يَنْتَهي
أَتُراهُمْ عَلَّموهُ السَّرَفَا
جَعَلُوا ذَنْبِي لَدَيْهِ سَهَري
لَيْتَ بَدّري إذ دَرَى الذَّنْب عَفَا
عَرَفَ النَّاسُ حُقُوقي عِنْدَهُ
وَغَرِيْمي مَا دَرَى مَا عَرَفَا
صَحَّ لي في العمْرِ مِنْهُ مَوْعِدٌ
ثُم مَا صَدَّقْتُ حَتَّى أَخْلَفَا
وَيَرَى لِي الصَّبرَ قَلْبٌ مَا دَرَى
أنَّ مَا كَلَّفَني مَا كَلَّفَا
مُسْتَهَامٌ فِي هَوَاهُ مُدْنَفٌ
يَتَرَضَّى مُسْتَهَاماً مُدْنَفَا
يَا خَليْلَيَّ صَفَا لي حِيلَةً
وَأرَى الحِيلَةَ أنْ لاَ تَصِفَا
أنَا لَوْ نَادَيْتُهُ في ذِلَّةٍ
هِيَ ذِي رُوحي فَخُذْهَا مَا احْتَفَى(1205/1)
في المَوتِ ما أَعيا وَفي أَسبابِهِ
الشوقيات (74-77)، تقديم حسين هيكل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان
المناسبة ... ذكرى كانارفون
1
في المَوتِ ما أَعيا وَفي أَسبابِهِ *** كُلُّ اِمرِئٍ رَهنٌ بِطَيِّ كِتابِهِ
2
أَسَدٌ لَعَمرُكَ مَن يَموتُ بِظُفرِهِ *** عِندَ اللِقاءِ كَمَن يَموتُ بِنابِهِ
3
إِن نامَ عَنكَ فَكُلُّ طِبٍّ نافِعٌ *** أَو لَم يَنَم فَالطِبُّ مِن أَذنابِهِ
4
داءُ النُفوسِ وَكُلُّ داءٍ قَبلَهُ *** هَمٌّ نَسينَ مَجيئَهُ بِذَهابِهِ
5
النَفسُ حَربُ المَوتِ إِلّا أَنَّها *** أَتَتِ الحَياةَ وَشُغلَها مِن بابِهِ
6
تَسَعُ الحَياةَ عَلى طَويلِ بَلائِها *** وَتَضيقُ عَنهُ عَلى قَصيرِ عَذابِهِ
7
هُوَ مَنزِلُ الساري وَراحَةُ رائِحٍ *** كَثُرَ النَهارُ عَلَيهِ في إِنعابِهِ
8
وَشَفاءُ هَذي الروحِ مِن آلامِها *** وَدَواءُ هَذا الجِسمِ مِن أَوصابِهِ
9
مَن سَرَّهُ أَلّا يَموتَ فَبِالعُلا *** خَلُدَ الرِجالُ وَبِالفِعالِ النابِهِ
10
ما ماتَ مَن حازَ الثَرى آثارَهُ *** وَاِستَولَتِ الدُنيا عَلى آدابِهِ
11
قُل لِلمُدِلِّ بِمالِهِ وَبِجاهِهِ *** وَبِما يُجِلُّ الناسُ مِن أَنسابِهِ
12
هَذا الأَديمُ يَصُدُّ عَن حُضّارِهِ *** وَيَنامُ مِلءَ الجَفنِ عَن غُيّابِهِ
13
إِلّا فَتًىً يَمشي عَلَيهِ مُجَدِّدًا *** ديباجَتَيهِ مُعَمِّرًا بِخَرابِهِ
14
صادَت بِقارِعَةِ الصَعيدِ بَعوضَةٌ *** في الجَوِّ صائِدَ بازِهِ وَعُقابِهِ
15
وَأَصابَ خُرطومُ الذُبابَةِ صَفحَةً *** خُلِقَت لِسَيفِ الهِندِ أَو لِذُبابِهِ
16
طارَت بِخافِيَةِ القَضاءِ وَرَأرَأَت *** بِكَريمَتَيهِ وَلامَسَت بِلُعابِهِ
17
لا تَسمَعَنَّ لِعُصبَةِ الأَرواحِ ما *** قالوا بِباطِلِ عِلمِهِم وَكِذابِهِ
18
الروحُ لِلرَحمَنِ جَلَّ جَلالُهُ *** هِيَ مِن ضَنائِنِ عِلمِهِ وَغِيابِهِ
19(1206/1)
غُلِبوا عَلى أَعصابِهِم فَتَوَهَّموا *** أَوهامَ مَغلوبٍ عَلى أَعصابِهِ
20
ما آبَ جَبّارُ القُرونِ وَإِنَّما *** يَومُ الحِسابِ يَكونُ يَومَ إِيابِهِ
21
فَذَروهُ في بَلَدِ العَجائِبِ مُغمَدًا *** لا تَشهَروهُ كَأَمسِ فَوقَ رِقابِهِ
22
المُستَبِدُّ يُطاقُ في ناووسِهِ *** لا تَحتَ تاجَيهِ وَفَوقَ وِثابِهِ
23
وَالفَردُ يُؤمَنُ شَرُّهُ في قَبرِهِ *** كَالسَيفِ نامَ الشَرُّ خَلفَ قِرابِهِ
24
هَل كانَ توتَنخٌ تَقَمَّصُ روحُهُ *** قُمُصَ البَعوضِ وَمُستَخَسَّ إِهابِهِ
25
أَو كانَ يَجزيكَ الرَدى عَن صُحبَةٍ *** وَهوَ القَديمُ وَفاؤُهُ لِصِحابِهِ
26
تَاللَهِ لَو أَهدى لَكَ الهَرَمَينِ مِن *** ذَهَبٍ لَكانَ أَقَلَّ ما تُجزى بِهِ
27
أَنتَ البَشيرُ بِهِ وَقَيِّمُ قَصرِهِ *** وَمُقَدِّمُ النُبَلاءِ مِن حُجّابِهِ
28
أَعلَمتَ أَقوامَ الزَمانِ مَكانَهُ *** وَحَشَدتَهُم في ساحِهِ وَرِحابِهِ
29
لولا بَنانُكَ في طَلاسِمِ تُربِهِ *** ما زادَ في شَرَفٍ عَلى أَترابِهِ
30
أَخنى الحِمامُ عَلى اِبنِ هِمَّةِ نَفسِهِ *** في المَجدِ وَالباني عَلى أَحسابِهِ
31
الجائِبُ الصَخرَ العَتيدَ بِحاجِرٍ *** دَبَّ الزَمانُ وَشَبَّ في أَسرابِهِ
32
لَو زايَلَ المَوتى مَحاجِرَهُم بِهِ *** وَتَلَفَّتوا لَتَحَيَّروا كَضَبابِهِ
33
لَم يَألُهُ صَبرًا وَلَم يَنِ هِمَّةً *** حَتّى اِنثَنى بِكُنوزِهِ وَرِغابِهِ
34
أَفضى إِلى خَتمِ الزَمانِ فَفَضَّهُ *** وَحَبا إِلى التاريخِ في مِحرابِهِ
35
وَطَوى القُرونَ القَهقَرى حَتّى أَتى *** فِرعَونَ بَينَ طَعامِهِ وَشَرابِهِ
36
المَندَلُ الفَيّاحُ عودُ سَريرِهِ *** وَاللُؤلُؤُ اللَمّاحُ وَشيُ ثِيابِهِ
37
وَكَأَنَّ راحَ القاطِفينَ فَرَغنَ مِن *** أَثمارِهِ صُبحًا وَمِن أَرطابِهِ
38
جَدَثٌ حَوى ما ضاقَ غُمدانٌ بِهِ *** مِن هالَةِ المُلكِ الجَسيمِ وَغابِهِ
39(1206/2)
بُنيانُ عُمرانٍ وَصَرحُ حَضارَةٍ *** في القَبرِ يَلتَقِيانِ في أَطنابِهِ
40
فَتَرى الزَمانَ هُناكَ عِندَ مَشيبِهِ *** مِثلَ الزَمانِ اليَومَ بَعدَ شَبابِهِ
41
وَتُحِسُّ ثَمَّ العِلمَ عِندَ عُبابِهِ *** تَحتَ الثَرى وَالفَنُّ عِندَ عُجابِهِ
42
يا صاحِبَ الأُخرى بَلَغتَ مَحَلَّةً *** هِيَ مِن أَخي الدُنيا مُناخُ رِكابِهِ
43
نُزُلٌ أَفاقَ بِجانِبَيهِ مِنَ الهَوى *** مَن لا يُفيقُ وَجَدَّ مِن تَلعابِهِ
44
نامَ العَدُوُّ لَدَيهِ عَن أَحقادِهِ *** وَسَلا الصَديقُ بِهِ هَوى أَحبابِهِ
45
الراحَةُ الكُبرى مِلاكُ أَديمِهِ *** وَالسَلوَةُ الطولى قِوامُ تُرابِهِ
46
وادي المُلوكِ بَكَت عَلَيكَ عُيونُهُ *** بِمُرَقرَقٍ كَالمُزنِ في تَسكابِهِ
47
أَلقى بَياضَ الغَيمِ عَن أَعطافِهِ *** حُزنًا وَأَقبَلَ في سَوادِ سَحابِهِ
48
يَأسى عَلى حَرباءِ شَمسِ نَهارِهِ *** وَنَزيلُ قيعَتِهِ وَجارُ سَرابِهِ
49
وَيَوَدُّ لَو أُلبِستَ مِن بَردِيَّهِ *** بُردَينِ ثُمَّ دُفِنتَ بَينَ شِعابِهِ
50
نَوَّهتَ في الدُنيا بِهِ وَرَفَعتَهُ *** فَوقَ الأَديمِ بِطاحِهِ وَهِضابِهِ
51
أَخرَجتَ مِن قَبرٍ كِتابَ حَضارَةٍ *** الفَنُّ وَالإِعجازُ مِن أَبوابِهِ
52
فَصَّلتَهُ فَالبَرقُ في إيجازِهِ *** يُبنى البَريدُ عَلَيهِ في إِطنابِهِ
53
طَلَعا عَلى لَوزانَ وَالدُنيا بِها *** وَعَلى المُحيطِ ما وَراءَ عُبابِهِ
54
جِئتَ الشُعوبَ المُحسِنينَ بِشافِعٍ *** مِن مِثلِ مُتقَنِ فَنِّهِم وَلُبابِهِ
55
فَرَفَعتَ رُكنًا لِلقَضِيَّةِ لَم يَكُن *** سَحبانُ يَرفَعُهُ بِسِحرِ خِطابِهِ(1206/3)
قصيدة نهج البردة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
( أحمد شوقي )
نهج البردة قصيده نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي في مدح الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهي من أروع القصائد التي قيلت في مدح المصطفى . وقد عارض بها قصيدة البردة للبوصيري التي يقول في مطلعها :-
أمِنْ تَذَكُّرِ جِيران بِذِي سَلَمٍ
مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ
وإليكم القصيده :-
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ
أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُر الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَداً
يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً
يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي
جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ
إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ
لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُم
ِلَقَد أَنَلتُكَ أُذناً غَيرَ واعِيَةٍ
وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ
يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَداً
أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ
أَفديكَ إِلفاً وَلا آلو الخَيالَ فِدىً
أَغراكَ باِلبُخلِ مَن أَغراهُ بِالكَرَمِ
سَرى فَصادَفَ جُرحاً دامِياً فَأَسا
وَرُبَّ فَضلٍ عَلى العُشّاقِ لِلحُلُمِ
مَنِ المَوائِسُ باناً بِالرُبى وَقَناً
اللاعِباتُ بِروحي السافِحاتُ دَمي
السافِراتُ كَأَمثالِ البُدورِ ضُحىً
يُغِرنَ شَمسَ الضُحى بِالحَليِ وَالعِصَمِ
القاتِلاتُ بِأَجفانٍ بِها سَقَمٌ
وَلِلمَنِيَّةِ أَسبابٌ مِنَ السَقَمِ
العاثِراتُ بِأَلبابِ الرِجالِ وَما
أُقِلنَ مِن عَثَراتِ الدَلِّ في الرَسَمِ
المُضرِماتُ خُدوداً أَسفَرَت وَجَلَت
عَن فِتنَةٍ تُسلِمُ الأَكبادَ لِلضَرَمِ
الحامِلاتُ لِواءَ الحُسنِ مُختَلِفاً(1207/1)
أَشكالُهُ وَهوَ فَردٌ غَيرُ مُنقَسِمِ
مِن كُلِّ بَيضاءَ أَو سَمراءَ زُيِّنَتا
لِلعَينِ وَالحُسنُ في الآرامِ كَالعُصُمِ
يُرَعنَ لِلبَصَرِ السامي وَمِن عَجَبٍ
إِذا أَشَرنَ أَسَرنَ اللَيثَ بِالغَنَمِ
وَضَعتُ خَدّي وَقَسَّمتُ الفُؤادَ رُبيً
يَرتَعنَ في كُنُسٍ مِنهُ وَفي أَكَمِ
يا بِنتَ ذي اللَبَدِ المُحَمّى جانِبُهُ
أَلقاكِ في الغابِ أَم أَلقاكِ في الأُطُمِ
ما كُنتُ أَعلَمُ حَتّى عَنَّ مَسكَنُهُ
أَنَّ المُنى وَالمَنايا مَضرِبُ الخِيَمِ
مَن أَنبَتَ الغُصنَ مِن صَمصامَةٍ ذَكَر
وَأَخرَجَ الريمَ مِن ضِرغامَةٍ قَرِمِ
بَيني وَبَينُكِ مِن سُمرِ القَنا حُجُبٌ
وَمِثلُها عِفَّةٌ عُذرِيَّةُ العِصَمِ
لَم أَغشَ مَغناكِ إِلّا في غُضونِ كِرىً
مَغناكَ أَبعَدُ لِلمُشتاقِ مِن إِرَمِ
يا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ
وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ
فُضّي بِتَقواكِ فاهاً كُلَّما ضَحِكَت
كَما يَفُضُّ أَذى الرَقشاءِ بِالثَرَمِ
مَخطوبَةٌ مُنذُ كانَ الناسُ خاطِبَةٌ
مِن أَوَّلِ الدَهرِ لَم تُرمِل وَلَم تَئَمِ
يَفنى الزَمانُ وَيَبقى مِن إِساءَتِها
جُرحٌ بِآدَمَ يَبكي مِنهُ في الأَدَمِ
لا تَحفَلي بِجَناها أَو جِنايَتِها
المَوتُ بِالزَهرِ مِثلُ المَوتِ بِالفَحَمِ
كَم نائِمٍ لا يَراها وَهيَ ساهِرَةٌ
لَولا الأَمانِيُّ وَالأَحلامُ لَم يَنَمِ
طَوراً تَمُدُّكَ في نُعمى وَعافِيَةٍ
وَتارَةً في قَرارِ البُؤسِ وَالوَصَمِ
كَم ضَلَّلَتكَ وَمَن تُحجَب بَصيرَتُهُ
إِن يَلقَ صابا يَرِد أَو عَلقَماً يَسُمُ
يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها وَدَها
مُسوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ اللَمَمِ
رَكَضتُها في مَريعِ المَعصِياتِ وَما
أَخَذتُ مِن حِميَةِ الطاعاتِ لِلتُخَمِ
هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها
وَالنَفسُ إِن يَدعُها داعي الصِبا تَهِمِ
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ(1207/2)
فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ
وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ
تَطغى إِذا مُكِّنَت مِن لَذَّةٍ وَهَوىً
طَغيَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ
في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ
أَلقى رَجائي إِذا عَزَّ المُجيرُ عَلى
مُفَرِّجِ الكَرَبِ في الدارَينِ وَالغَمَمِ
إِذا خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ
عِزَّ الشَفاعَةِ لَم أَسأَل سِوى أُمَمِ
وَإِن تَقَدَّمَ ذو تَقوى بِصالِحَةٍ
قَدَّمتُ بَينَ يَدَيهِ عَبرَةَ النَدَمِ
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن
يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللَهِ يَغتَنِمِ
فَكُلُّ فَضلٍ وَإِحسانٍ وَعارِفَةٍ
ما بَينَ مُستَلِمٍ مِنهُ وَمُلتَزِمِ
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلاً أُعَزُّ بِهِ
في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُحَمِ
يُزري قَريضي زُهَيراً حينَ أَمدَحُهُ
وَلا يُقاسُ إِلى جودي لَدى هَرِمِ
مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ
وَبُغيَةُ اللَهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ
وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ
مَتى الوُرودُ وَجِبريلُ الأَمينُ ظَمي
سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ طالِعَةً
فَالجِرمُ في فَلَكٍ وَالضَوءُ في عَلَمِ
قَد أَخطَأَ النَجمَ ما نالَت أُبُوَّتُهُ
مِن سُؤدُدٍ باذِخٍ في مَظهَرٍ سَنِمِ
نُموا إِلَيهِ فَزادوا في الوَرى شَرَفاً
وَرُبَّ أَصلٍ لِفَرعٍ في الفَخارِ نُمي
حَواهُ في سُبُحاتِ الطُهرِ قَبلَهُمُ
نورانِ قاما مَقامَ الصُلبِ وَالرَحِمِ
لَمّا رَآهُ بَحيرا قالَ نَعرِفُهُ
بِما حَفِظنا مِنَ الأَسماءِ وَالسِيَمِ
سائِل حِراءَ وَروحَ القُدسِ هَل عَلِما
مَصونَ سِرٍّ عَنِ الإِدراكِ مُنكَتِمِ
كَم جيئَةٍ وَذَهابٍ شُرِّفَت بِهِما
بَطحاءُ مَكَّةَ في الإِصباحِ وَالغَسَمِ
وَوَحشَةٍ لِاِبنِ عَبدِ اللَهِ بينَهُما(1207/3)
أَشهى مِنَ الأُنسِ بِالأَحسابِ وَالحَشَمِ
يُسامِرُ الوَحيَ فيها قَبلَ مَهبِطِهِ
وَمَن يُبَشِّر بِسيمى الخَيرِ يَتَّسِمِ
لَمّا دَعا الصَحبُ يَستَسقونَ مِن ظَمَإٍ
فاضَت يَداهُ مِنَ التَسنيمِ بِالسَنَمِ
وَظَلَّلَتهُ فَصارَت تَستَظِلُّ بِهِ
غَمامَةٌ جَذَبَتها خيرَةُ الدِيَمِ
مَحَبَّةٌ لِرَسولِ اللَهِ أُشرِبَها
قَعائِدُ الدَيرِ وَالرُهبانُ في القِمَمِ
إِنَّ الشَمائِلَ إِن رَقَّت يَكادُ بِها
يُغرى المادُ وَيُغرى كُلُّ ذي نَسَمِ
وَنودِيَ اِقرَأ تَعالى اللَهُ قائِلُها
لَم تَتَّصِل قَبلَ مَن قيلَت لَهُ بِفَمِ
هُناكَ أَذَّنَ لِلرَحَمَنِ فَاِمتَلَأَت
أَسماعُ مَكَّةَ مِن قُدسِيَّةِ النَغَمِ
فَلا تَسَل عَن قُرَيشٍ كَيفَ حَيرَتُها
وَكَيفَ نُفرَتُها في السَهلِ وَالعَلَمِ
تَساءَلواعَن عَظيمٍ قَد أَلَمَّ بِهِم
رَمى المَشايِخَ وَالوِلدانِ بِاللَمَمِ
ياجاهِلينَ عَلى الهادي وَدَعوَتِهِ
هَل تَجهَلونَ مَكانَ الصادِقِ العَلَمِ
لَقَّبتُموهُ أَمينَ القَومِ في صِغَرٍ
وَما الأَمينُ عَلى قَولٍ بِمُتَّهَمِ
فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَم
بِالخُلقِ والخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَت
وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ
يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ
يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتَقوى وَبِالرَحِمِ
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً
حَديثُ
كَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
حَلَّيتَ مِن عَطَلٍ جيدَ البَيانِ بِهِ
في كُلِّ مُنتَثِرٍ في حُسنِ مُنتَظِمِ
بِكُلِّ قَولٍ كَريمٍ أَنتَ قائِلُهُ
تُحـ
يِ القُلوبَ وَتُحيِ مَيِّتَ الهِمَمِ
سَرَت بَشائِرُ باِلهادي وَمَولِدِهِ
في الشَرقِ والغَربِ مَسرىالنورِ في الظُلَمِ
تَخَطَّفَت مُهَجَ الطاغينَ مِن عَرَبٍ(1207/4)
وَطَيَّرَت أَنفُسَ الباغينَ مِن عُجُمِ
ريعَت لَها شَرَفُ الإيوانِ فَاِنصَدَعَت
مِن صَدمَةِ الحَقِّ لا مِن صَدمَةِالقُدُمِ
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِم
إِلّا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَوراً مُسَخَّرَةٌ
لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ
مُسَيطِرُالفُرسِ يَبغي في رَعِيَّتِهِ
وَقَيصَرُالرومِ مِن كِبرٍأَصَمُّ عَمِ
يُعَذِّبانِ عِبادَ اللَهِ في شُبَهٍ
وَيَذبَحانِ كَما ضَحَّيتَ بِالغَنَمِ
وَالخَلقُ يَفتِكُ أَقواهُم بِأَضعَفِهِم
كَاللَيثِ بِالبَهمِ أَو كَالحوتِ بِالبَلَمِ
أَستتتترى بِكَ اللَهُ لَيلاً إِذ مَلائِكُهُ
والرُسلُ في المَسجِدِالأَقصى عَلى قَدَمِ
لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِم
كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ
صَلّى وَراءَكَ مِنهُم كُلُّ ذي خَطَرٍ
وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللَهِ يَأتَمِمِ
جُبتَ السَماواتِ أَو ما فَوقَهُنَّ بِهِم
عَلى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُجُمِ
رَكوبَةً لَكَ مِن عِزٍّ وَمِن شَرَفٍ
لا في الجِيادِ وَلا في الأَينُقِ الرُسُمِ
مَشيئَةُ الخالِقِ الباري وَصَنعَتُهُ
وَقُدرَةُ اللَهِ فَوقَ الشَكِّ وَالتُهَمِ
حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها
عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ
وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ
وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاِستَلِمِ
خَطَطتَ لِلدينِ وَالدُنيا عُلومَهُما
يا قارِئَ اللَوحِ بَل يا لامِسَ القَلَمِ
أَحَطتَ بَينَهُما بِالسِرِّ وَاِنكَشَفَت
لَكَ الخَزائِنُ مِن عِلمٍ وَمِن حِكَمِ
وَضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدتَ مِن مِنَنٍ
بِلا عِدادٍ وَما طُوِّقتَ مِن نِعَمِ
سَل عُصبَةَ الشِركِ حَولَ الغارِ سائِمَةً
لَولا مُطارَدَةُ المُختارِ لَم تُسَمَ
هَل أَبصَروا الأَثَرَالوَضّاءَ أَم سَمِعوا
هَمسَ التَسابيحِ وَالقُرآنِ مِن أُمَمِ
وَهَل تَمَثَّلَ نَسجُ العَنكَبوتِ لَهُم(1207/5)
كَالغابِ وَالحائِماتُ وَالزُغبُ كَالرُخَمِ
فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُم
كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ
لَولا يَدُ اللَهِ بِالجارَينَ ما سَلِما
وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ
تَوارَيا بِجَناحِ اللَهِ وَاِستَتَرا
وَمَن يَضُمُّ جَناحُ اللَهِ لا يُضَمِ
يا أَحمَدَ الخَيرِ لي جاهٌ بِتَسمِيَتي
وَكَيفَ لا يَتَسامى بِالرَسولِ سَمي
المادِحونَ وَأَربابُ الهَوى تَبَعٌ
لِصاحِبِ البُردَةِ الفَيحاءِ ذي القَدَمِ
مَديحُهُ فيكَ حُبٌّ خالِصٌ وَهَوىً
وَصادِقُ الحُبِّ يُملي صادِقَ الكَلَمِ
اللَهُ يَشهَدُ أَنّي لا أُعارِضُهُ
من ذا يُعارِضُ صَوبَ العارِضِ العَرِمِ
وَإِنَّما أَنا بَعضُ الغابِطينَ وَمَن
يَغبِط وَلِيَّكَ لا يُذمَم وَلا يُلَمِ
هَذا مَقامٌ مِنَ الرَحمَنِ مُقتَبَسٌ
تَ
رمي مَهابَتُهُ سَحبانَ بِالبَكَمِ
البَدرُ دونَكَ في حُسنٍ وَفي شَرَفٍ
وَالبَحرُ دونَكَ في خَيرٍ وَفي كَرَمِ
شُمُّ الجِبالِ إِذا طاوَلتَها اِنخَفَضَت
وَالأَنجُمُ الزُهرُ ما واسَمتَها تَسِمِ
وَاللَيثُ دونَكَ بَأساً عِندَ وَثبَتِهِ
إِذا مَشَيتَ إِلى شاكي السِلاحِ كَمي
تَهفو إِلَيكَ وَإِن أَدمَيتَ حَبَّتَها
في الحَربِ أَفئِدَةُ الأَبطالِ وَالبُهَمِ
مَحَبَّةُ اللَهِ أَلقاها وَهَيبَتُهُ
عَلى اِبنِ آمِنَةٍ في كُلِّ مُصطَدَمِ
كَأَنَّ وَجهَكَ تَحتَ النَقعِ بَدرُ دُجىً
يُضيءُ مُلتَثِماً أَو غَيرَ مُلتَثِمِ
بَدرٌ تَطَلَّعَ في بَدرٍ فَغُرَّتُهُ
كَغُرَّةِ النَصرِ تَجلو داجِيَ الظُلَمِ
ذُكِرتَ بِاليُتمِ في القُرآنِ تَكرِمَةً
وَقيمَةُ اللُؤلُؤِ المَكنونِ في اليُتُمِ
اللَهُ قَسَّمَ بَينَ الناسِ رِزقَهُمُ
وأنتَ خُيِّرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ
إِن قُلتَ في الأَمرِ لا أَو قُلتَ فيهِ نَعَم
فَخيرَةُ اللَهِ في لا مِنكَ أَو نَعَمِ
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتاً فَقامَ لَهُ(1207/6)
وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الزِمَمِ
وَالجَهلُ مَوتٌ فَإِن أوتيتَ مُعجِزَةً
فَاِبعَث مِنَ الجَهلِ أَو فَاِبعَث مِنَ الرَجَمِ
قالوا غَزَوتَ وَرُسلُ اللَهِ ما بُعِثوا
لِقَتلِ نَفسٍ وَلاجاؤوا لِسَفكِ دَمِ
جَهلٌ وَتَضليلُ أَحلامٍ وَسَفسَطَةٌ
فَتَحتَ بِالسَيفِ بَعدَ الفَتحِ بِالقَلَمِ
لَمّا أَتى لَكَ عَفواً كُلُّ ذي حَسَبٍ
تَكَفَّلَ السَيفُ بِالجُهّالِ وَالعَمَم
ِوَالشَرُّ إِن تَلقَهُ بِالخَيرِ ضِقتَ بِهِ
ذَرعاً وَإِن تَلقَهُ بِالشَرِّ يَنحَسِمِ
سَلِ المَسيحِيَّةَ الغَرّاءَ كَم شَرِبَت
بِالصابِ مِن شَهَواتِ الظالِمِ الغَلِمِ
طَريدَةُ الشِركِ يُؤذيها وَيوسِعُها
في كُلِّ حينٍ قِتالاً ساطِعَ الحَدَمِ
لَولا حُماةٌ لَها هَبّوا لِنُصرَتِها
بِالسَيفِ ما اِنتَفَعَت بِالرِفقِ وَالرُحَمِ
لَولا مَكانٌ لِعيسى عِندَ مُرسِلِهِ
وَحُرمَةٌ وَجَبَت لِلروحِ في القِدَمِ
لَسُمِّرَ البَدَنُ الطُهرُ الشَريفُ عَلى
لَوحَينِ لَم يَخشَ مُؤذيهِ وَلَم يَجِمِ
جَلَّ المَسيحُ وَذاقَ الصَلبَ شانِئُهُ
إِنَّ العِقابَ بِقَدرِ الذَنبِ وَالجُرُمِ
أَخو النَبِيِّ وَروحُ اللَهِ في نُتزُلٍ
فَوقَ السَماءِ وَدونَ العَرشِ مُحتَترَمِ
عَلَّمتَهُم كُلَّ شَيءٍ يَجهَلونَ بِهِ
حَتّى القِتالَ وَما فيهِ مِنَ الذِمَمِ
دَعَوتَهُم لِجِهادٍ فيهِ سُؤدُدُهُم
وَالحَربُ أُسُّ نِظامِ الكَتتتونِ وَالأُمَمِ
لَولاهُ لَم نَرَ لِلدَولاتِ في زَمَنٍ
ما طالَ مِن عُمُدٍ أَو قَرَّ مِن دُهُمِ
تِلكَ الشَواهِدُ تَترى كُلَّ آوِنَةٍ
في الأَعصُرِ الغُرِّ لا في الأَعصُرِ الدُهُمِ
بِالأَمسِ مالَت عُروشٌ وَاِعتَلَت سُرُرٌ
لَولا القَذائِفُ لَم تَثلَم وَلَم تَصُمِ
أَشياعُ عيسى أَعَدّوا كُلَّ قاصِمَةٍ
وَلَم نُعِدُّ سِوى حالاتِ مُنقَصِمِ
مَهما دُعيتَ إِلى الهَيجاءِ قُمتَ لَها
تَرمي بِأُسدٍ وَيَرمي اللَهُ بِالرُجُمِ(1207/7)
عَلى لِوائِكَ مِنهُم كُلُّ مُنتَقِمٍ
لِلَّهِ مُستَقتِلٍ في اللَهِ مُعتَزِمِ
مُسَبِّحٍ لِلِقاءِ اللَهِ مُضطَرِمٍ
شَوقاً عَلى سابِخٍ كَالبَرقِ مُضطَرِمِ
لَوصادَفَ الدَهرَ يَبغي نَقلَةً فَرَمى
بِعَزمِهِ في رِحالِ الدَهرِ لَم يَرِمِ
بيضٌ مَفاليلُ مِن فِعلِ الحُروبِ بِهِم
مِن أَسيُفِ اللَهِ لا الهِندِيَّةُ الخُذُمُ
كَم في التُرابِ إِذا فَتَّشتَ عَن رَجُلٍ
مَن ماتَ بِالعَهدِ أَو مَن ماتَ بِالقَسَمِ
لَولا مَواهِبُ في بَعضِ الأَنامِ لَما
تَفاوَتَ الناسُ في الأَقدارِ وَالقِيَمِ
شَريعَةٌ لَكَ فَجَّرتَ العُقولَ بِها
عَن زاخِرٍ بِصُنوفِ العِلمِ مُلتَطِمِ
يَلوحُ حَولَ سَنا التَوحيدِ جَوهَرُها
كَالحَليِ لِلسَيفِ أَو كَالوَشيِ لِلعَلَمِ
غَرّاءُ حامَت عَلَيها أَنفُسٌ وَنُهىً
وَمَن يَجِد سَلسَلاً مِن حِكمَةٍ يَحُمِ
نورُ السَبيلِ يُساسُ العالِمونَ بِها
تَكَفَّلَت بِشَبابِ الدَهرِ وَالهَرَمِ
يَجري الزَمانُ وَأَحكامُ الزَمانِ عَلى
حُكمٍ لَها نافِذٍ في الخَلقِ مُرتَسِمِ
لَمّا اِعتَلَت دَولَةُ الإِسلامِ وَاِتَّسَعَت
مَشَت مَمالِكُهُ في نورِها التَمَمِ
وَعَلَّمَت أُمَّةً بِالقَفرِ نازِلَةً
رَعيَ القَياصِرِ بَعدَ الشاءِ وَالنَعَمِ
كَم شَيَّدَ المُصلِحونَ العامِلونَ بِها
في الشَرقِ وَالغَربِ مُلكاً باذِخَ العِظَمِ
لِلعِلمِ وَالعَدلِ وَالتَمدينِ ما عَزَموا
مِنَ الأُمورِ وَما شَدّوا مِنَ الحُزُمِ
سُرعانَ ما فَتَحوا الدُنيا لِمِلَّتِهِم
وَأَنهَلوا الناسَ مِن سَلسالِها الشَبِمِ
ساروا عَلَيها هُداةَ الناسِ فَهيَ بِهِم
إِلى الفَلاحِ طَريقٌ واضِحُ العَظَمِ
لا يَهدِمُ الدَهرُ رُكناً شادَ عَدلَهُمُ
وَحائِطُ البَغيِ إِن تَلمَسهُ يَنهَدِمِ
نالوا السَعادَةَ في الدارَينِ وَاِجتَمَعوا
عَلى عَميمٍ مِنَ الرُضوانِ مُقتَسَمِ
دَع عَنكَ روما وَآثينا وَما حَوَتا(1207/8)
كُلُّ اليَواقيتِ في بَغدادَ وَالتُوَمِ
وَخَلِّ كِسرى وَإيواناً يَدِلُّ بِهِ
هَوىً عَلى أَثَرِ النيرانِ وَالأَيُمِ
وَاِترُك رَعمَسيسَ إِنَّ المُلكَ مَظهَرُهُ
في نهضَةِ العَدلِ لا في نَهضَةِ الهَرَمِ
دارُ الشَرائِعِ روما كُلَّما ذُكِرَت
دارُ السَلامِ لَها أَلقَت يَدَ السَلَمِ
ما ضارَعَتها بَياناً عِندَ مُلتَأَمٍ
وَلا حَكَتها قَضاءً عِندَ مُختَصَمِ
وَلا اِحتَوَت في طِرازٍ مِن قَياصِرِها
عَلى رَشيدٍ وَمَأمونٍ وَمُعتَصِمِ
مَنِ الَّذينَ إِذا سارَت كَتائِبُهُم
تَصَرَّفوا بِحُدودِ الأَرضِ وَالتُخَمِ
وَيَجلِسونَ إِلى عِلمٍ وَمَعرِفَةٍ
فَلا يُدانَونَ في عَقلٍ وَلا فَهَمِ
يُطَأطِئُ العُلَماءُ الهامَ إِن نَبَسوا
مِن هَيبَةِ العِلمِ لا مِن هَيبَةِ iiالحُكُمِ
وَيُمطِرونَ فَما بِالأَرضِ مِن مَحَلٍ
وَلا بِمَن باتَ فَوقَ الأَرضِ مِن عُدُمِ
خَلائِفُ اللَهِ جَلّوا عَن مُوازَنَةٍ
فَلا تَقيسَنَّ أَملاكَ الوَرى بِهِمِ
مَن في البَرِيَّةِ كَالفاروقِ مَعدَلَةً
وَكَاِبنِ عَبدِ العَزيزِ الخاشِعِ الحَشِمِ
وَكَالإِمامِ إِذا ما فَضَّ مُزدَحِماً
بِمَدمَعٍ في مَآقي القَومِ مُزدَحِمِ
الزاخِرُ العَذبُ في عِلمٍ وَفي أَدَبٍ
وَالناصِرُالنَدبِ في حَربٍ وَفي سَلَمِ
أَو كَاِبنِ عَفّانَ وَالقُرآنُ في يَدِهِ
يَحنوعَلَيهِ كَما تَحنو عَلى الفُطُمِ
وَيَجمَعُ الآيَ تَرتيباً وَيَنظُمُها
عِقداً بِجيدِ اللَيالي غَيرَ مُنفَصِمِ
جُرحانِ في كَبِدِ الإِسلامِ ما اِلتَأَما
جُرحُ الشَهيدِ وَجُرحٌ بِالكِتابِ دَمي
وَما بَلاءُ أَبي بَكرٍ بِمُتَّهَمٍ
بَعدَ الجَلائِلِ في الأَفعالِ وَالخِدَمِ
بِالحَزمِ وَالعَزمِ حاطَ الدينَ في مِحَنٍ
أَضَلَّتِ الحُلمَ مِن كَهلٍ وَمُحتَلِمِ
وَحِدنَ بِالراشِدِ الفاروقِ عَن رُشدٍ
في المَوتِ وَهوَ يَقينٌ غَيرُ مُنبَهِمِ
يُجادِلُ القَومَ مُستَلّاً مُهَنَّدَهُ(1207/9)
في أَعظَمِ الرُسلِ قَدراً كَيفَ لَم يَدُمِ
لا تَعذُلوهُ إِذا طافَ الذُهولُ بِهِ
ماتَ الحَبيبُ فَضَلَّ الصَبُّ عَن رَغَمِ
يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّم ما أَرَدتَ عَلى
نَزيلِ عَرشِكَ خَيرِ الرُسلِ كُلِّهِمِ
مُحيِ اللَيالي صَلاةً لا يُقَطِّعُها
إِلا بِدَمعٍ مِنَ الإِشفاقِ مُنسَجِمِ
مُسَبِّحاً لَكَ جُنحَ اللَيلِ مُحتَمِلاً
ضُرّاً مِنَ السُهدِ أَو ضُرّاً مِنَ الوَرَمِ
رَضِيَّةٌ نَفسُهُ لا تَشتَكي سَأَماً
وَما مَعَ الحُبِّ إِن أَخلَصتَ مِن سَأَمِ
وَصَلِّ رَبّي عَلى آلٍ لَهُ نُخَبٍ
جَعَلتَ فيهِم لِواءَ البَيتِ وَالحَرَمِ
بيضُ الوُجوهِ وَوَجهُ الدَهرِ ذو حَلَكٍ
شُمُّ الأُنوفِ وَأَنفُ الحادِثاتِ حَمى
وَأَهدِ خَيرَ صَلاةٍ مِنكَ أَربَعَةً
في الصَحبِ صُحبَتُهُم مَرعِيَّةُ الحُرَمِ
الراكِبينَ إِذا نادى النَبِيُّ بِهِم
ماهالَ مِن جَلَلٍ وَاِشتَدَّ مِن عَمَم
الصابِرينَ وَنَفسُ الأَرضِ واجِفَةٌ
الضاحِكينَ إِلى الأَخطارِ وَالقُحَمِ
يارَبِّ هَبَّت شُعوبٌ مِن مَنِيَّتِها
وَاِستَيقَظَت أُمَمٌ مِن رَقدَةِ العَدَمِ
سَعدٌ وَنَحسٌ وَمُلكٌ أَنتَ مالِكُهُ
تُديلُ مِن نِعَمٍ فيهِ وَمِن نِقَمِ
رَأى قَضاؤُكَ فينا رَأيَ حِكمَتِهِ
أَكرِم بِوَجهِكَ مِن قاضٍ وَمُنتَقِمِ
فَاِلطُف لِأَجلِ رَسولِ العالَمينَ بِنا
وَلا تَزِد قَومَهُ خَسفاً وَلا تُسِمِ
يا رَبِّ أَحسَنتَ بَدءَ المُسلِمينَ بِهِ
فَتَمِّمِ الفَضلَ وَاِمنَح حُسنَ مُختَتَمِ(1207/10)
قم ناج جلّق وأنشد رسم من بانوا
و دمشق من أجمل المدن التي وصفها كثير من الشعراء , كما قال أحمد شوقي فيها, في قصيدة تحية إلى دمشق:
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا
أمير الشعراء / أحمد شوقى
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا مشت على الرسم أحداث وأزمان
هذا الأديم كتاب لا كفاء له رث الصحائف باق منه عنوان
الدين والوحي والأخلاق طائفة منه وسائره دنيا وبهتان
ما فيه إن قلبت يوما جواهره إلا قرائح من راد وأذهان
بنو أمية للأنباء ما فتحوا وللأحاديث ما سادوا وما دانوا
كانوا ملوكا سرير الشرق تحتهم فهل سألت سرير الغرب ما كانوا
عالين كالشمس في أطراف دولتها في كل ناحية ملك وسلطان
يا ويح قلبي مهما انتاب أرسمهم سرى به الهم أو عادته أشجان
بالأمس قمت على الزهراء أندبهم واليوم دمعي على الفيحاء هتان
في الأرض منهم سماوات وألوية ونيرات وأنواء وعقبان
معادن العز قد مال الرغام بهم لو هان في تربه الإبريز ما هانوا
لولا دمشق لما كانت طليطلة ولا زهت ببني العباس بغدان
مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان
آمنت بالله واستثنيت جنته دمشق روح وجنات وريحان
قال الرفاق وقد هبت خمائلها الأرض دار لها الفيحاء بستان
جرى وصفق يلقانا بها بردى كما تلقاك دون الخلد رضوان
دخلتها وحواشيها زمردة والشمس فوق لجين الماء عقيان
والحور في دمر أو حول هامتها حور كواشف عن ساق وولدان
وربوة الواد في جلباب راقصة الساق كاسية والنحر عريان
والطير تصدح من خلف العيون بها وللعيون كما للطير ألحان
وأقبلت بالنبات الأرض مختلفا أفوافه فهو أصباغ وألوان
وقد صفا بردى للريح فابتدرت لدى ستور حواشيهن أفنان
ثم انثنت لم يزل عنها البلال ولا جفت من الماء أذيال وأردان
خلفت لبنان جنات النعيم وما نبئت أن طريق الخلد لبنان(1208/1)
حتى انحدرت إلى فيحاء وارفة فيها الندى وبها طي وشيبان
نزلت فيها بفتيان جحاجحة آباؤهم في شباب الدهر غسان
يا فتية الشام شكرا لا انقضاء له لو أن إحسانكم يجزيه شكران
ما فوق راحاتكم يوم السماح يد ولا كأوطانكم في البشر أوطان
خميلة الله وشتها يداه لكم فهل لها قيم منكم وجنان
شيدوا لها الملك وابنوا ركن دولتها فالملك غرس وتجديد وبنيان
لو يرجع الدهر مفقودا له خطر لآب بالواحد المبكي ثكلان
الملك أن تعملوا ما استطعتمو عملا وأن يبين على الأعمال إتقان
الملك أن تخرج الأموال ناشطة لمطلب فيه إصلاح وعمران
الملك تحت لسان حوله أدب وتحت عقل على جنبيه عرفان
الملك أن تتلافوا في هوى وطن تفرقت فيه أجناس وأديان
نصيحة ملؤها الإخلاص صادقة والنصح خالصه دين وإيمان
والشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة أو حكمة فهو تقطيع وأوزان
ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم ونحن في الجرح والآلام إخوان
==================(1208/2)
قُم حَيِّ هَذي النَيِّراتِ
ألقيت هذه القصيدة في جمع حافل من السيدات المصريات بمسرح حديقة الأزبكية
1
قُم حَيِّ هَذي النَيِّراتِ *** حَيِّ الحِسانَ الخَيِّراتْ
2
وَاخفِضْ جَبينَكَ هَيبَةً *** لِلخُرَّدِ المُتَخَفِّراتْ
3
زَينِ المَقاصِرِ وَالحِجا *** لِ وَزَينِ مِحرابِ الصَلاةْ
4
هَذا مَقامُ الأُمَّها *** تِ فَهَل قَدَرتَ الأُمَّهاتْ
5
لا تَلغُ فيهِ وَلا تَقُلْ *** غَيرَ الفَواصِلِ مُحكَماتْ
6
وَإِذا خَطَبتَ فَلا تَكُنْ *** خَطبًا عَلى مِصرَ الفَتاةْ
7
اُذكُر لَها اليابانَ لا *** أُمَمَ الهَوى المُتَهَتِّكاتْ
8
ماذا لَقيتَ مِنَ الحَضا *** رَةِ يا أُخَيَّ التُرَّهاتْ
9
لَم تَلقَ غَيرَ الرِقِّ مِن *** عُسرٍ عَلى الشَرقِيِّ عاتْ
10
خُذ بِالكِتابِ وَبِالحَديـ *** ـثِ وَسيرَةِ السَلَفِ الثِقاةْ
11
وَارجِع إِلى سنن الخَليـ *** ـقَةِ وَاتَّبِع نُظمَ الحَياةْ
12
هَذا رَسولُ اللهِ لَم *** يُنقِص حُقوقَ المُؤمِناتْ
13
العِلمُ كانَ شَريعَةً *** لِنِسائِهِ المُتَفَقِّهاتْ
14
رُضنَ التِجارَةَ وَالسِيا *** سَةَ وَالشُؤونَ الأُخرَياتْ
15
وَلَقَد عَلَت بِبَناتِهِ *** لُجَجُ العُلومِ الزاخِراتْ
16
كانَت سُكَينَةُ تَملَأُ الدُنـ *** ـيا وَتَهزَأُ بِالرُواةْ
17
رَوَتِ الحَديثُ وَفَسَّرَتْ *** آيَ الكِتابِ البَيِّناتْ
18
وَحَضارَةُ الإِسلامِ تَنـ *** ـطِقُ عَن مَكانِ المُسلِماتْ
19
بَغدادُ دارُ العالِما *** تِ وَمَنزِلُ المُتَأَدِّباتْ
20
وَدِمَشقُ تَحتَ أُمَيَّةٍ *** أُمُّ الجَواري النابِغاتْ
21
وَرِياضُ أَندَلُسٍ نَمَيـ *** ـنَ الهاتِفاتِ الشاعِراتْ
22
اُدعْ الرِجالَ لِيَنظُروا *** كَيفَ اتِّحادُ الغانِياتْ
23
وَالنَفعَ كَيفَ أَخَذنَ في *** أَسبابِهِ مُتَعاوِناتْ
24
لَمّا رَأَينَ نَدى الرِجا *** لِ تَفاخُرًا أَو حَبَّ ذاتْ
25
وَرَأَينَ عِندَهُمُ الصَنا *** ئِعَ وَالفُنونَ مُضَيَّعاتْ
26(1209/1)
وَالبِرَّ عِندَ الأَغنِيا *** ءِ مِنَ الشُؤونِ المُهمَلاتْ
27
أَقبَلنَ يَبنينَ المَنا *** ئِرَ لِلنَجاحِ مُوَفَّقاتْ
28
لِلصالِحاتِ عَقائِلِ الـ *** ـوادي هَوىً في الصالِحاتْ
29
اللَهُ أَنبَتَهُنَّ في *** طاعاتِهِ خَيرَ النَباتْ
30
فَأَتَينَ أَطيَبَ ما أَتى *** زَهَرُ المَناقِبِ وَالصِفاتْ
31
لَم يَكفِ أَن أَحسَنَّ حَتـ *** ـتى زِدنَ حَضَّ المُحصَناتْ
32
يَمشينَ في سوقِ الثَوا *** بِ مُساوِماتٍ رابِحاتْ
33
يَلبَسنَ ذُلَّ السائِلا *** تِ وَما ذَكَرنَ البائِساتْ
34
فَوُجوهُهُنَّ وَماؤُها *** سِترٌ عَلى المُتَجَمِّلاتْ
35
مِصرٌ تُجَدِّدُ مَجدَها *** بِنِسائِها المُتَجَدِّداتْ
36
النافِراتُ مِنَ الجُمو *** دِ كَأَنَّهُ شَبَحُ المَماتْ
37
هَل بَينَهُنَّ جَوامِدًا *** فَرقٌ وَبَينَ المومِياتْ
38
لَمّا حَضَنَّ لَنا القَضِيـ *** ـيَةَ كُنَّ خَيرَ الحاضِناتْ
39
غَذَّينَها في مَهدِها *** بِلِبانِهِنَّ الطاهِراتْ
40
وَسَبَقنَ فيها المُعلَميـ *** ـنَ إِلى الكَريهَةِ مُعلَماتْ
41
يَنفُثنَ في الفِتيانِ مِن *** روحِ الشَجاعَةِ وَالثَباتْ
42
يَهوَينَ تَقبيلَ المُهَنـ *** ـنَدِ أَو مُعانَقَةَ القَناةْ
43
وَيَرَينَ حَتّى في الكَرى *** قُبَلَ الرِجالِ مُحَرَّماتْ(1209/2)
قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا
1
قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا *** وَانثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا
2
وَاجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ *** في مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا
3
وَاذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّمًا *** لِمَساجِدِ اللهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا
4
وَاخشَع مَلِيًّا وَاقضِ حَقَّ أَئِمَّةٍ *** طَلَعوا بِهِ زُهرًا وَماجوا أَبحُرا
5
كانوا أَجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَةً *** وَأَعَزَّ سُلطانًا وَأَفخَمَ مَظهَرا
6
زَمَنُ المَخاوِفِ كانَ فيهِ جَنابُهُمْ *** حَرَمَ الأَمانِ وَكانَ ظِلُّهُمُ الذَرا
7
مِن كُلِّ بَحرٍ في الشَريعَةِ زاخِرٍ *** وَيُريكَهُ الخُلُقُ العَظيمُ غَضَنفَرا
8
لا تَحذُ حَذوَ عِصابَةٍ مَفتونَةٍ *** يَجِدونَ كُلَّ قَديمِ شَيءٍ مُنكَرا
9
وَلَوِ استَطاعوا في المَجامِعِ أَنكَروا *** مَن ماتَ مِن آبائِهِم أَو عُمِّرا
10
مِن كُلِّ ماضٍ في القَديمِ وَهَدمِهِ *** وَإِذا تَقَدَّمَ لِلبِنايَةِ قَصَّرا
11
وَأَتى الحَضارَةَ بِالصِناعَةِ رَثَّةً *** وَالعِلمِ نَزرًا وَالبَيانِ مُثَرثِرا
12
يا مَعهَدًا أَفنى القُرونَ جِدارُهُ *** وَطَوى اللَيالِيَ رَكنُهُ وَالأَعصُرا
13
وَمَشى عَلى يَبَسِ المَشارِقِ نورُهُ *** وَأَضاءَ أَبيَضَ لُجِّها وَالأَحمَرا
14
وَأَتى الزَمانُ عَلَيهِ يَحمي سُنَّةً *** وَيَذودُ عَن نُسُكٍ وَيَمنَعُ مَشعَرا
15
في الفاطِمِيّينَ انتَمى يَنبوعُهُ *** عَذبَ الأُصولِ كَجَدِّهِم مُتَفَجِّرا
16
عَينٌ مِنَ الفُرقانِ فاضَ نَميرُها *** وَحيًا مِنَ الفُصحى جَرى وَتَحَدَّرا
17
ما ضَرَّني أَن لَيسَ أُفقُكَ مَطلَعي *** وَعَلى كَواكِبِهِ تَعَلَّمتُ السُرى
18
لا وَالَّذي وَكَلَ البَيانَ إِلَيكَ لَم *** أَكُ دونَ غاياتِ البَيانِ مُقَصِّرا
19
لَمّا جَرى الإِصلاحُ قُمتَ مُهَنِّئًا *** بِاسمِ الحَنيفَةِ بِالمَزيدِ مُبَشِّرا
20(1210/1)
نَبَأٌ سَرى فَكَسا المَنارَةَ حَبرَةً *** وَزَها المُصَلّى وَاستَخَفَّ المِنبَرا
21
وَسَما بِأَروِقَةِ الهُدى فَأَحَلَّها *** فَرعَ الثُرَيّا وَهيَ في أَصلِ الثَرى
22
وَمَشى إِلى الحَلَقاتِ فَانفَجَرَت لَهُ *** حَلقًا كَهالاتِ السَماءِ مُنَوِّرا
23
حَتّى ظَنَنّا الشافِعِيَّ وَمالِكًا *** وَأَبا حَنيفَةِ وَابنَ حَنبَلِ حُضَّرا
24
إِنَّ الَّذي جَعَلَ العَتيقَ مَثابَةً *** جَعَلَ الكِنانِيَّ المُبارَكَ كَوثَرا
25
العِلمُ فيهِ مَناهِلًا وَمَجانِيًا *** يَأتي لَهُ النُزّاعُ يَبغونَ القِرى
26
يا فِتيَةَ المَعمورِ سارَ حَديثُكُمْ *** نَدًّا بِأَفواهِ الرِكابِ وَعَنبَرا
27
المَعهَدُ القُدسِيُّ كانَ نَدِيُّهُ *** قُطبًا لِدائِرَةِ البِلادِ وَمِحوَرا
28
وُلِدَت قَضِيَّتُها عَلى مِحرابِهِ *** وَحَبَت بِهِ طِفلا وَشَبَّتْ مُعصِرا
29
وَتَقَدَّمَت تُزجي الصُفوفَ كَأَنَّها *** «جاندَركُ» في يَدِها اللِواءُ مُظَفَّرا
30
هُزّوا القُرى مِن كَهفِها وَرَقيمِها *** أَنتُم لَعَمرُ اللهِ أَعصابُ القُرى
31
الغافِلُ الأُمِّيُّ يَنطُقُ عِندَكُمْ *** كَالبَبَّغاءِ مُرَدِّدًا وَمُكَرِّرا
32
يُمسي وَيُصبِحُ في أَوامِرِ دينِهِ *** وَأُمورِ دُنياهُ بِكُمْ مُستَبصِرا
33
لَو قُلتُمُ اختَر لِلنِيابَةِ جاهِلا *** أَو لِلخَطابَةِ باقِلا لَتَخَيَّرا
34
ذُكِرَ الرِجالُ لَهُ فَأَلَّهَ عُصبَةً *** مِنهُم وَفَسَّقَ آخَرينَ وَكَفَّرا
35
آباؤُكُم قَرَؤوا عَلَيهِ وَرَتَّلوا *** بِالأَمسِ تأريخَ الرِجالِ مُزَوَّرا
36
حَتّى تَلَفَّتَ عَن مَحاجِرِ رَومَةٍ *** فَرَأى «عُرابي» في المَواكِبِ قَيصَرا
37
وَدَعا لِمَخلوقٍ وَأَلَّهَ زائِلاً *** وَارتَدَّ في ظُلَمِ العُصورِ القَهقَرى
38
وَتَفَيَّؤوا الدُستورَ تَحتَ ظِلالِهِ *** كَنَفًا أَهَشَّ مِنَ الرِياضِ وَأَنضَرا
39(1210/2)
لا تَجعَلوهُ هَوًى وَخُلقًا بَينَكُمْ *** وَمَجَرَّ دُنيا لِلنُفوسِ وَمَتجَرا
40
اليَومَ صَرَّحَتِ الأُمورُ فَأَظهَرَتْ *** ما كانَ مِن خُدَعِ السِياسَةِ مُضمَرا
41
قَد كانَ وَجهُ الرَأيِ أَن نَبقى يَدًا *** وَنَرى وَراءَ جُنودِها إِنكِلتِرا
42
فَإِذا أَتَتنا بِالصُفوفِ كَثيرَةً *** جِئنا بِصَفٍّ واحِدٍ لَن يُكسَرا
43
غَضِبَتْ فَغَضَّ الطَرفَ كُلُّ مُكابِرٍ *** يَلقاكَ بِالخَدِّ اللَطيمِ مُصَعَّرا
44
لَم تَلقَ إِصلاحًا يُهابُ وَلَم تَجِد *** مِن كُتلَةٍ ما كانَ أَعيا «مِلنَرا»
45
حَظٌّ رَجَونا الخَيرَ مِن إِقبالِهِ *** عاثَ المُفَرِّقُ فيهِ حَتّى أَدبَرا
46
دارُ النِيابَةِ هَيَّأَت دَرَجاتُها *** فَليَرقَ في الدَرَجِ الذَوائِبُ وَالذُرا
47
الصارِخونَ إِذا أُسيءَ إِلى الحِمى *** وَالزائِرونَ إِذا أُغيرَ عَلى الشَرى
48
لا الجاهِلونَ العاجِزونَ وَلا الأُلى *** يَمشونَ في ذَهَبِ القُيودِ تَبَختُرا(1210/3)
قُم ناجِ جِلَّقَ وَاِنشُد رَسمَ مَن بانوا
أحمد شوقي
قُم ناجِ جِلَّقَ وَاِنشُد رَسمَ مَن بانوا مَشَت عَلى الرَسمِ أَحداثٌ وَأَزمانُ
هَذا الأَديمُ كِتابٌ لا كِفاءَ لَهُ رَثُّ الصَحائِفِ باقٍ مِنهُ عُنوانُ
الدينُ وَالوَحيُ وَالأَخلاقُ طائِفَةٌ مِنهُ وَسائِرُهُ دُنيا وَبُهتانُ
ما فيهِ إِن قُلِّبَت يَوماً جَواهِرُهُ إِلّا قَرائِحُ مِن رادٍ وَأَذهانُ
بَنو أُمَيَّةَ لِلأَنباءِ ما فَتَحوا وَلِلأَحاديثِ ما سادوا وَما دانوا
كانوا مُلوكاً سَريرُ الشَرقِ تَحتَهُمُ فَهَل سَأَلتَ سَريرَ الغَربِ ما كانوا
عالينَ كَالشَمسِ في أَطرافِ دَولَتِها في كُلِّ ناحِيَةٍ مُلكٌ وَسُلطانُ
يا وَيحَ قَلبِيَ مَهما اِنتابَ أَرسُمَهُم سَرى بِهِ الهَمُّ أَو عادَتهُ أَشجانُ
في الأَرضِ مِنهُم سَماواتٌ وَأَلوِيَةٌ وَنَيِّراتٌ وَأَنواءٌ وَعُقبانُ
مَعادِنُ العِزِّ قَد مالَ الرَغامُ بِهِم لَو هانَ في تُربِهِ الإِبريزُ ما هانوا
لَولا دِمَشقُ لَما كانَت طُلَيطِلَةٌ وَلا زَهَت بِبَني العَبّاسِ بَغدانُ
مَرَرتُ بِالمَسجِدِ المَحزونِ أَسأَلَهُ هَل في المُصَلّى أَوِ المِحرابِ مَروانُ
تَغَيَّرَ المَسجِدُ المَحزونُ وَاِختَلَفَت عَلى المَنابِرِ أَحرارٌ وَعِبدانُ
فَلا الأَذانُ أَذانٌ في مَنارَتِهِ إِذا تَعالى وَلا الآذانُ آذانُ
آمَنتُ بِاللَهِ وَاِستَثنَيتُ جَنَّتَهُ دِمَشقُ روحٌ وَجَنّاتٌ وَرَيحانُ
قالَ الرِفاقُ وَقَد هَبَّت خَمائِلُها الأَرضُ دارٌ لَها الفَيحاءُ بُستانُ
جَرى وَصَفَّقَ يَلقانا بِها بَرَدى كَما تَلقاكَ دونَ الخُلدِ رَضوانُ
دَخَلتُها وَحَواشيها زُمُرُّدَةٌ وَالشَمسُ فَوقَ لُجَينِ الماءِ عِقيانُ
وَالحورُ في دُمَّرَ أَو حَولَ هامَتِها حورٌ كَواشِفُ عَن ساقٍ وَوِلدانُ
وَرَبوَةُ الوادِ في جِلبابِ راقِصَةٍ الساقُ كاسِيَةٌ وَالنَحرُ عُريانُ(1211/1)
وَالطَيرُ تَصدَحُ مِن خَلفِ العُيونِ بِها وَلِلعُيونِ كَما لِلطَيرِ أَلحانُ
وَأَقبَلَت بِالنَباتِ الأَرضُ مُختَلِفاً أَفوافُهُ فَهوَ أَصباغٌ وَأَلوانُ
وَقَد صَفا بَرَدى لِلريحِ فَاِبتَدَرَت لَدى سُتورٍ حَواشيهُنَّ أَفنانُ
ثُمَّ اِنثَنَت لَم يَزَل عَنها البَلالُ وَلا جَفَّت مِنَ الماءِ أَذيالٌ وَأَردانُ
خَلَّفتُ لُبنانَ جَنّاتِ النَعيمِ وَما نُبِّئتُ أَنَّ طَريقَ الخُلدِ لُبنانُ
حَتّى اِنحَدَرتُ إِلى فَيحاءَ وارِفَةٍ فيها النَدى وَبِها طَيٌّ وَشَيبانُ
نَزَلتُ فيها بِفِتيانٍ جَحاجِحَةٍ آباؤُهُم في شَبابِ الدَهرِ غَسّانُ
بيضُ الأَسِرَّةِ باقٍ فيهُمُ صَيَدٌ مِن عَبدِ شَمسٍ وَإِن لَم تَبقَ تيجانُ
يا فِتيَةَ الشامِ شُكراً لا اِنقِضاءَ لَهُ لَو أَنَّ إِحسانَكُم يَجزيهِ شُكرانُ
ما فَوقَ راحاتِكُم يَومَ السَماحِ يَدٌ وَلا كَأَوطانِكُم في البِشرِ أَوطانُ
خَميلَةُ اللَهِ وَشَّتها يَداهُ لَكُم فَهَل لَها قَيِّمٌ مِنكُم وَجَنّانُ
شيدوا لَها المُلكَ وَاِبنوا رُكنَ دَولَتِها فَالمُلكُ غَرسٌ وَتَجديدٌ وَبُنيانُ
لَو يُرجَعُ الدَهرُ مَفقوداً لَهُ خَطَرٌ لَآبَ بِالواحِدِ المَبكِيِّ ثَكلانُ
المُلكُ أَن تَعمَلوا ما اِستَطَعتُمو عَمَلاً وَأَن يَبينَ عَلى الأَعمالِ إِتقانُ
المُلكُ أَن تُخرَجَ الأَموالُ ناشِطَةً لِمَطلَبٍ فيهِ إِصلاحٌ وَعُمرانُ
المُلكُ تَحتَ لِسانٍ حَولَهُ أَدَبٌ وَتَحتَ عَقلٍ عَلى جَنبَيهِ عِرفانُ
المُلكُ أَن تَتَلافَوا في هَوى وَطَنٍ تَفَرَّقَت فيهِ أَجناسٌ وَأَديانُ
نَصيحَةٌ مِلؤُها الإِخلاصُ صادِقَةٌ وَالنُصحُ خالِصُهُ دينٌ وَإيمانُ
وَنَحنُ في الشَرقِ وَالفُصحى بَنو رَحِمٍ وَنَحنُ في الجُرحِ وَالآلامِ إِخوانُ(1211/2)
قِف ناجِ أَهرامَ الجَلالِ وَنادِ
قالها الشاعر في احتفال على سفح الهرم أقيم بمناسبة وفود أديب من أدباء سوريا هو أمين الريحاني
1
قِف ناجِ أَهرامَ الجَلالِ وَنادِ *** هَل مِن بُناتِكَ مَجلِسٌ أَو نادِ
2
نَشكو وَنَفزَعُ فيهِ بَينَ عُيونِهِمْ *** إِنَّ الأُبُوَّةَ مَفزِعُ الأَولادِ
3
وَنَبُثُّهُمْ عَبَثَ الهَوى بِتُراثِهِمْ *** مِن كُلِّ مُلقٍ لِلهَوى بِقِيادِ
4
وَنُبينُ كَيفَ تَفَرَّقَ الإِخوانُ في *** وَقتِ البَلاءِ تَفَرُّقَ الأَضدادِ
5
إِنَّ المَغالِطَ في الحَقيقَةِ نَفسَهُ *** باغٍ عَلى النَفسِ الضَعيفَةِ عادِ
6
قُل لِلأَعاجيبِ الثَلاثِ مَقالَةً *** مِن هاتِفٍ بِمَكانِهِنَّ وَشادِ
7
لِلَّهِ أَنتِ فَما رَأَيتُ عَلى الصَفا *** هَذا الجَلالَ وَلا عَلى الأَوتادِ
8
لَكِ كَالمَعابِدِ رَوعَةٌ قُدسِيَّةٌ *** وَعَلَيكِ روحانِيَّةُ العُبّادِ
9
أُسِّستِ مِن أَحلامِهِمْ بِقَواعِدٍ *** وَرُفِعتِ مِن أَخلاقِهِمْ بِعِمادِ
10
تِلكَ الرِمالُ بِجانِبَيكِ بَقِيَّةٌ *** مِن نِعمَةٍ وَسَماحَةٍ وَرَمادِ
11
إِن نَحنُ أَكرَمنا النَزيلَ حِيالَها *** فَالضَيفُ عِندَكِ مَوضِعُ الإِرفادِ
12
هَذا الأَمينُ بِحائِطَيكِ مُطَوِّفًا *** مُتَقَدِّمَ الحُجّاجِ وَالوُفّادِ
13
إِن يَعدُهُ مِنكِ الخُلودُ فَشَعرُهُ *** باقٍ وَلَيسَ بَيانُهُ لِنَفادِ
14
إيهِ أَمينُ لَمَستَ كُلَّ مُحَجَّبٍ *** في الحُسنِ مِن أَثَرِ العُقولِ وَبادي
15
قُم قَبِّلِ الأَحجارَ وَالأَيدي الَّتي *** أَخَذَت لَها عَهدًا مِنَ الآبادِ
16
وَخُذِ النُبوغَ عَنِ الكِنانَةِ إِنَّها *** مَهدُ الشُموسِ وَمَسقَطُ الآرادِ
17
أُمُّ القِرى إِن لَم تَكُن أُمَّ القُرى *** وَمَثابَةُ الأَعيانِ وَالأَفرادِ
18
مازالَ يَغشى الشَرقَ مِن لَمَحاتِها *** في كُلِّ مُظلِمَةٍ شُعاعٌ هادي
19(1212/1)
رَفَعوا لَكَ الرَيحانَ كَاسمِكَ طَيِّبًا *** إِنَّ العَمارَ تَحِيَّةُ الأَمجادِ
20
وَتَخَيَّروا لِلمِهرَجانِ مَكانَهُ *** وَجَعَلتُ مَوضِعَ الاحتِفاءِ فُؤادي
21
سَلَفَ الزَمانُ عَلى المَوَدَّةِ بَينَنا *** سَنَواتُ صَحوٍ بَل سَناتُ رُقادِ
22
وَإِذا جَمَعتَ الطَيِّباتِ رَدَدتَها *** لِعَتيقِ خَمرٍ أَو قَديمِ وِدادِ
23
يا نَجمَ سورِيّا وَلَستَ بِأَوَّلٍ *** ماذا نَمَت مِن نَيِّرٍ وَقّادِ
24
أُطلُع عَلى يَمَنٍ بِيُمنِكَ في غَدٍ *** وَتَجَلَّ بَعدَ غَدٍ عَلى بَغدادِ
25
وَأَجِل خَيالَكَ في طُلولِ مَمالِكٍ *** مِمّا تَجوبُ وَفي رُسومِ بِلادِ
26
وَسَلِ القُبورَ وَلا أَقولُ سَلِ القُرى *** هَل مِن رَبيعَةَ حاضِرٌ أَو بادي
27
سَتَرى الدِيارَ مِنِ اختِلافِ أُمورِها *** نَطَقَ البَعيرُ بِها وَعَيَّ الحادي
28
قَضَّيتَ أَيّامَ الشَبابِ بِعالَمٍ *** لَبِسَ السِنينَ قَشيبَةَ الأَبرادِ
29
وَلَدَ البَدائِعَ وَالرَوائِعَ كُلَّها *** وَعَدَتهُ أَن يَلِدَ البَيانَ عُوادي
30
لَم يَختَرِع شَيطانَ حَسّانٍ وَلَم *** تُخرِج مَصانِعُهُ لِسانَ زِيادِ
31
اللَهُ كَرَّمَ بِالبَيانِ عِصابَةً *** في العالَمينَ عَزيزَةَ الميلادِ
32
هوميرُ أَحدَثُ مِن قُرونٍ بَعدَهُ *** شِعرًا وَإِن لَم تَخلُ مِن آحادِ
33
وَالشِعرُ في حَيثُ النُفوسِ تَلَذُّهُ *** لا في الجَديدِ وَلا القَديمِ العادي
34
حَقُّ العَشيرَةِ في نُبوغِكَ أَوَّلٌ *** فَانظُر لَعَلَّكَ بِالعَشيرَةِ بادي
35
لَم يَكفِهِم شَطرُ النُبوغِ فَزُدهُمُ *** إِن كُنتَ بِالشَطرَينِ غَيرَ جَوادِ
36
أَو دَع لِسانَكَ وَاللُغاتِ فَرُبَّما *** غَنّى الأَصيلُ بِمَنطِقِ الأَجدادِ
37
إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِنًا *** جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضادِ(1212/2)
لِمَن ذَلِكَ المُلكُ الَّذي عَزَّ جانِبُهُ
الشوقيات (72-74)، تقديم حسين هيكل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان اضغط هنا لمعرفة أرقام الأبيات في في كل صفحة، وهذه الخدمة تفيد الباحثين؛ لتحديد البيت في المصدر بدقة.
المناسبة ... نظمت هذه القصيدة بمناسبة تتويج الملك إدوارد السابع، وتأجيل إقامة الحفلة لإصابة جلالته بدمل وذلك في سنة 1902م
1
لِمَن ذَلِكَ المُلكُ الَّذي عَزَّ جانِبُهُ *** لَقَد وَعَظَ الأَملاكَ وَالناسَ صاحِبُه
2
أَمُلكُكَ يا داوُدُ وَالمَلكُ الَّذي *** يَغارُ عَلَيهِ وَالَّذي هُوَ واهِبُه
3
أَرادَ بِهِ أَمرًا فَجَلَّت صُدورُهُ *** فَأَتبَعَهُ لُطفًا فَجَلَّت عَواقِبُه
4
رَمى وَاِستَرَدَّ السَهمَ وَالخَلقُ غافِلٌ *** فَهَل يَتَّقيهِ خَلقُهُ أَو يُراقِبُه
5
أَيَبطُلُ عيدُ الدَهرِ مِن أَجلِ دُمَّلٍ *** وَتَخبو مَجاليهِ وَتُطوى مَواكِبُه
6
وَيَرجِعُ بِالقَلبِ الكَسيرِ وُفودُهُ *** وَفيهِم مَصابيحُ الوَرى وَكَواكِبُه
7
وَتَسمو يَدُ الدَهرِ اِرتِجالًا بِبَأسِها *** إِلى طُنُبِ الأَقواسِ وَالنَصرُ ضارِبُه
8
وَيَستَغفِرُ الشَعبُ الفَخورُ لِرَبِّهِ *** وَيَجمَعُ مِن ذَيلِ المَخيلَةِ ساحِبُه
9
وَيُحجَبُ رَبُّ العيدِ ساعَةَ عيدِهِ *** وَتَنقُصُ مِن أَطرافِهِنَّ مَآرِبُه
10
أَلا هَكَذا الدُنيا وَذَلِكَ وُدُّها *** فَهَلّا تَأَتّى في الأَمانِيِّ خاطِبُه
11
أَعَدَّ لَها إِدوَردُ أَعيادَ تاجِهِ *** وَما في حِسابِ اللهِ ما هُوَ حاسِبُه
12
مَشَت في الثَرى أَنباؤُها فَتَساءَلَت *** مَشارِقُهُ عَن أَمرِها وَمَغارِبُه
13
وَكاثَرَ في البَرِّ الحَصى مَن يَجوبُهُ *** وَكاثَرَ مَوجَ في البَحرِ راكِبُه
14
إِلى مَوكِبٍ لَم تُخرِجِ الأَرضُ مِثلَهُ *** وَلَن يَتهادى فَوقَها ما يُقارِبُه
15
إِذا سارَ فيهِ سارَتِ الناسُ خَلفَهُ *** وَشَدَّت مَغاويرَ المُلوكِ رَكائِبُه
16(1213/1)
تُحيطُ بِهِ كَالنَملِ في البَرِّ خَيلُهُ *** وَتَملَأُ آفاقَ البِحارِ مَراكِبُه
17
نِظامُ المَجالي وَالمَواكِبِ حَلَّهُ *** زَمانٌ وَشيكٌ رَيبُهُ وَنَوائِبُه
18
فَبَينا سَبيلُ القَومِ أَمنٌ إِلى المُنى *** إِذا هُوَ خَوفٌ في الظُنونِ مَذاهِبُه
19
إِذا جَاءَتِ الأَعيادُ في كُلِّ مَسمَعٍ *** تَجوبُ الثَرى شَرقًا وَغَربًا جَوائِبُه
20
رَجاءٌ فَلَم يَلبُث فَخَوفٌ فَلَم يَدُم *** سَلِ الدَهرَ أَيُّ الحادِثَينِ عَجائِبُه
21
فيا لَيتَ شِعري أَينَ كانَت جُنودُهُ *** وَكَيفَ تَراخَت في الفِداءِ قَواضِبُه
22
وَرُدَّت عَلى أَعقابِهِنَّ سَفينُهُ *** وَما رَدَّها في البَحرِ يَومًا مُحارِبُه
23
وَكَيفَ أَفاتَتهُ الحَوادِثُ طِلبَةً *** وَما عَوَّدتَهُ أَن تَفوتَ رَغائِبُه
24
لَكَ المُلكُ يا مَن خَصَّ بِالعِزِّ ذاتَهُ *** وَمَن فَوقَ آرابَ المُلوكِ مَآرِبُه
25
فَلا عَرشَ إِلّا أَنتَ وارِثُ عِزِّهِ *** وَلا تاجَ إِلّا أَنتَ بِالحَقِّ كاسِبُه
26
وَآمَنتُ بِالعِلمِ الَّذي أَنتَ نورُهُ *** وَمِنكَ أَياديهِ وَمِنكَ مَناقِبُه
27
تُؤامِنُ مِن خَوفٍ بِهِ كُلُّ غالِبٍ *** عَلى أَمرِهِ في الأَرضِ وَالداءُ غالِبُه
28
سَلوا صاحِبَ المُلكَينِ هَل مَلَك القُوى *** وَأُسدُ الشَرى تَعنو لَهُ وَتُحارِبُه
29
وَهَل رَفَعَ الداءَ العُضالَ وَزيرُهُ *** وَهَل حَجَبَ البابَ المُمَنَّعَ حاجِبُه
30
وَهَل قَدَّمَت إِلّا دُعاةً شُعوبُهُ *** وَساعَفَ إِلّا بِالصَلاةِ أَقارِبُه
31
هُنالِكَ كانَ العِلمُ يُبلي بَلاءَهُ *** وَكانَ سِلاحُ النَفسِ تُغني تَجارِبُه
32
كَريمُ الظُبا لا يَقرُبُ الشَرَّ حَدُّهُ *** وَفي غَيرِهِ شَرُّ الوَرى وَمَعاطِبُه
33
إِذا مَرَّ نَحوَ المَرءِ كانَ حَياتَهُ *** كَإِصبَعِ عيسى نَحوَ مَيتٍ يُخاطِبُه
34
وَأَيسَرُ مِن جُرحِ الصُدودِ فِعالُهُ *** وَأَسهَلُ مِن سَيفِ اللِحاظِ مَضارِبُه
35(1213/2)
عَجيبٌ يُرَجّى مِشرَطًا أَو يَهابُهُ *** مَنِ الغَربُ راجيهِ مَنِ الشَرقُ هائِبُه
36
فَلَو تُفتَدى بِالبيضِ وَالسُمرِ فِديَةٌ *** لَأَلقَت قَناها في البِلادِ كَتائِبُه
37
وَلَو أَنَّ فَوقَ العِلمِ تاجًا لَتَوَّجوا *** طَبيبًا لَهُ بِالأَمسِ كانَ يُصاحِبُه
38
فَآمَنتُ بِاللهِ الَّذي عَزَّ شَأنُهُ *** وَآمَنتُ بِالعِلمِ الَّذي عَزَّ طالِبُه(1213/3)
مربية الفتح أم مربية الطرب
مربية الفتح أم مربية الطرب ****** وموئل المجد أم مستنقع العرب
عادت عليك الليالي وهي قاسية ****** فصرت ممسوخة الأخلاق والنسب
هذي القوارب من ذا اليوم يركبها ****** أهل الجهاد أو الأقداح واللعب
ما بالهم ويحهم ضاعت شمائلهم ****** وأفسد الوهن منهم كل مرتقب
كأنهم لم يقيموا أمس قرطبة ****** ولا أناروا صروح العلم والأدب
كأنهم لم يمدوا للجهاد يداً ****** ولا تخطوا مدى الأيام والحقب
غرناطة الخير هل حي فيخبرنا ****** ماذا جرى بعد عهد العز والغلب
كم مسجد عامر بالحق روعه ****** جان وأدرك منه غاية الأرب
نادى فلم يستجب للصوت معتصم ****** فبات يندب والصلبان في طرب
كم حرة هتك العادون حرمتها ****** وكم ضعيف شواه المكر باللهب
غرناطة الخير والحمراء شاهدنا ****** قولي بربك ماذا حل بالعرب
ماذا أصاب بني الإسلام كلهم ****** كيف اشتروا منتن الأخشاب بالذهب
غرناطة الخير هل حي فنخبره ****** أنا على العهد رغم البعد والنصب
مازال يازينة الأمصار في دمنا ****** نار تأجج بالإيمان والغضب
نحن الوجود وإن غابت كواكبنا ****** نحن العلا والهدى في حالك الكرب
نحن الوفاء إذا ضن الزمان به ****** نحن النقاء بدنيا الزيف والكذب
نحن الأماني للإسلام مشرقة ****** نحن المقام الذي يعلو على الرتب
لا تحزني ياربيع الأرض إن لنا ****** فجراً سيشرق رغم الليل والحجب(1214/1)
مضناك جفناه مرقده
لأحمد شوقي ، معارضاً قصيدة الحصري (ياليل الصب)
مضناك جفناه مرقده ***** وبكاه ورَحَّمَ عُوّدُه
حيرانُ القلب معذبُه ***** مقروح الجفن مُسَهّدُه
أودى حَرَفاً إلا رمقا ***** يُبقيه عليك وتُنْفِدُه
يستهوي الوُرْقَ تأوّهه ***** ويذيب الصخرَ تنهدُه
ويناجي النجم ويتعبه ***** ويقيم الليل ويُقعده
ويُعلم كلَّ مطوقة ***** شجنا في الدوح تردده
كم مدّ لِطَيفِكَ من شَرَكٍ ***** وتأدّب لا يتصيّده
فعساك بغمضٍ مُسعفه ***** ولعل خيالك مُسعده
الحسن حلفتُ بِيُوسُفِهِ ***** (والسورةِ)إنك مُفْرَدُه
قد ودّ جمالَك أو قبسا ***** حوراءُ الخُلد وأمرده
وتمنت كل مُقَطَّعَةٍ ***** يدَها لو تُبْعَثُ تَشهدُه
جحدت عيناك زكيَّ دمى ***** أ كذلك خدك يجحده؟
قد عزّ شهودي إذ رمتا ***** فأشرتُ لخلدك أُشهده
وهممت بجيدك أشركه ***** فأبى، واستكبر أَصْيَدُه
وهززتُ قوامك أعطِفه ***** فنبا وتمنّع أمْلَدُه
سبب لرضاك أُمَهّدُه ***** ما بال الخصر يُعَقِّدُه؟
بيني في الحب وبينك ما ***** لا يقدر واش يفسده
ما بال العاذلِ يفتح لي ***** باب السُّلوان وأُوصِده؟
ويقول: تكاد تُجَنُّ به ***** فأقول : وأوشك أعبده
مولاي وروحي في يده ***** قد ضيعها سلمت يده
ناقوس القلب يدق له ***** وحنايا الأضلع معبده
قسما بثنايا لؤلؤها ***** قسم الياقوت مُنَضَّدُهُ
ورُضابٍ يُوعدُ كوثره ***** مقتول العشق ومُشْهَدُه
وبخالٍ كاد يُحَجُّ له ***** لو كان يُقَبَّلُ أسوده
وقوامٍ يروى الغصن له ***** نسباً والرمح يُنَفِّدُه
وبخَصْرٍ أوهن من جَلَدي ***** وعوادي الهجر تُبَدِّدُه
ما خنت هواك ولا خطرت ***** سلوى بالقلب تُبَرِّدُهُ(1215/1)
مَملَكَةٌ مُدَبَّرَةْ
1
مَملَكَةٌ مُدَبَّرَةْ *** بِامرَأَةٍ مُؤَمَّرَةْ
2
تَحمِلُ في العُمّالِ وَالصـ *** ـصُنّاعِ عِبءَ السَيطَرَةْ
3
فَاعجَب لِعُمّالٍ يُوَلـ *** ـلونَ عَلَيهِم قَيصَرَةْ
4
تَحكُمُهُمْ راهِبَةً *** ذَكّارَةٌ مُغَبِّرَةْ
5
عاقِدَةٌ زُنّارَها *** عَن ساقِها مُشَمِّرَةْ
6
تَلَثَّمَت بِالأُرجُوا *** نِ وَارتَدَتهُ مِئزَرَةْ
7
وَارتَفَعَت كَأَنَّها *** شَرارَةٌ مُطَيَّرَةْ
8
وَوَقَعَت لَم تَختَلِجْ *** كَأَنَّها مُسَمَّرَةْ
9
مَخلوقَةٌ ضَعيفَةٌ *** مِن خُلُقٍ مُصَوَّرَةْ
10
يا ما أَقَلَّ مُلكَها *** وَما أَجَلَّ خَطَرَةْ
11
قِف سائِلِ النَحلَ بِهِ *** بِأَيِّ عَقلٍ دَبَّرَةْ
12
يُجِبكَ بِالأَخلاقِ وَهـ *** ـيَ كَالعُقولِ جَوهَرَةْ
13
تُغني قُوى الأَخلاقِ ما *** تُغني القُوى المُفَكِّرَةْ
14
وَيَرفَعُ اللَهُ بِها *** مَن شاءَ حَتّى الحَشَرَةْ
15
أَلَيسَ في مَملَكَةِ النـ *** ـنَحلِ لِقَومٍ تَبصِرَةْ
16
مُلكٌ بَناهُ أَهلُهُ *** بِهِمَّةٍ وَمَجدَرَةْ
17
لَوِ التَمَستَ فيهِ بَطـ *** ـطالَ اليَدَينِ لَم تَرَةْ
18
تُقتَلُ أَو تُنفى الكُسا *** لى فيهِ غَيرَ مُنذَرَةْ
19
تَحكُمُ فيهِ قَيصَرَةْ *** في قَومِها مُوَقَّرَةْ
20
مِنَ الرِجالِ وَقُيو *** دِ حُكمِهِمْ مُحَرَّرَةْ
21
لا تورِثُ القَومَ وَلَو *** كانوا البَنينَ البَرَرَةْ
22
المُلكُ لِلإِناثِ في الد *** دُستورِ لا لِلذُكَرَةْ
23
نَيِّرَةٌ تَنزِلُ عَن *** هالَتِها لِنَيِّرَةْ
24
فَهَل تُرى تَخشى الطَما *** عَ في الرِجالِ وَالشَرَه
25
فَطالَما تَلاعَبوا *** بِالهَمَجِ المُصَيَّرَةْ
26
وَعَبَروا غَفلَتَها *** إِلى الظُهورِ قَنطَرَةْ
27
وَفي الرِجالِ كَرَمُ الضـ *** ـضَعفِ وَلُؤمُ المَقدِرَةْ
28
وَفِتنَةُ الرَأيِ وَما *** وَراءَها مِن أَثَرَةْ
29
أُنثى وَلَكِن في جَنا *** حَيها لَباةٌ مُخدِرَةْ
30(1216/1)
ذائِدَةٌ عَن حَوضِها *** طارِدَةٌ مَن كَدَّرَه
31
تَقَلَّدَت إِبرَتَها *** وَادَّرَعَت بِالحَبَرَةْ
32
كَأَنَّها تُركِيَّةٌ *** قَد رابَطَت بِأَنقَرَةْ
33
كَأَنَّها جاندَركُ في *** كَتيبَةٍ مُعَسكِرَةْ
34
تَلقى المُغيرَ بِالجُنو *** دِ الخُشُنِ المُنَمِّرَةْ
35
السابِغينَ شِكَّةً *** البالِغينَ جَسَرَةْ
36
قَد نَثَرَتهُمْ جُعبَةٌ *** وَنَفَضَتهُم مِئبَرَةْ
37
مَن يَبنِ مُلكًا أَو يَذُد *** فَبِالقَنا المُجَرَّرَةْ
38
إِنَّ الأُمورَ هِمَّةٌ *** لَيسَ الأُمورُ ثَرثَرَةْ
39
ما المُلكُ إِلّا في ذُرى الـ *** ـأَلوِيَةِ المُنَشَّرَةْ
40
عَرينُهُ مُذ كانَ لا *** يَحميهِ إِلّا قَسوَرَهةْ
41
رَبُّ النُيوبِ الزُرقِ وَالـ *** ـمَخالِبِ المُذَكَّرَةْ
42
مالِكَةٌ عامِلَةٌ *** مُصلِحَةٌ مُعَمِّرَةْ
43
المالُ في أَتباعِها *** لا تَستَبينُ أَثَرَه
44
لا يَعرِفونَ بَينَهُمْ *** أَصلًا لَهُ مِن ثَمَرَةْ
45
لَو عَرَفوهُ عَرَفوا *** مِنَ البَلاءِ أَكثَرَه
46
وَاتَّخَذوا نَقابَةً *** لِأَمرِهِم مُسَيَّرَةْ
47
سُبحانَ مَن نَزَّهَ عَنـ *** ـهُ مُلكُهُم وَطَهَّرَه
48
وَساسَهُ بِحُرَّةٍ *** عامِلَةٍ مُسَخَّرَةْ
49
صاعِدَةٍ في مَعمَلٍ *** مِن مَعمَلٍ مُنحَدِرَةْ
50
وارِدَةٍ دَسكَرَةً *** صادِرَةٍ عَن دَسكَرَةْ
51
باكِرَةٍ تَستَنهِضُ الـ *** ـعَصائِبَ المُبَكِّرَةْ
52
السامِعينَ الطائِعيـ *** ـنَ المُحسِنينَ المَهَرَةْ
53
مِن كُلِّ مَن خَطَّ البِنا *** ءَ أَو أَقامَ أَسطُرَه
54
أَو شَدَّ أَصلَ عَقدِهِ *** أَو سَدَّهُ أَو قَوَّرَه
55
أَو طافَ بِالماءِ عَلى *** جُدرانِهِ المُجَدَّرَةْ
56
وَتَذهَبُ النَحلُ خِفا *** فًا وَتَجيءُ مُوقَرَةْ
57
جَوالِبَ الشَمعِ مِنَ الـ *** ـخَمائِلِ المُنَوَّرَةْ
58
حَوالِبُ الماذِيِّ مِن *** زَهرِ الرِياضِ الشَيِّرَةْ
59
مَشدودَةٌ جُيوبُها *** عَلى الجَنى مُزَرَّرَةْ
60(1216/2)
وَكُلُّ خُرطومٍ أَدا *** ةُ العَسَلِ المُقَطِّرَةْ
61
وَكُلُّ أَنفٍ قانِئٍ *** فيهِ مِنَ الشُهدِ بُرَةْ
62
حَتّى إِذا جاءَت بِهِ *** جاسَت خِلالَ الأَدوِرَةْ
63
وَغَيَّبَتهُ كَالسُلا *** فِ في الدِنانِ المُحضَرَةْ
64
فَهَل رَأَيتَ النَحلَ عَن *** أَمانَةٍ مُقَصِّرَةْ
65
ما اقتَرَضَت مِن بَقلَةٍ *** أَوِ استَعارَت زَهَرَةْ
66
أَدَّت إِلى الناسِ بِهِ *** سُكَّرَةً بِسُكَّرَةْ(1216/3)
ناشِئٌ في الوَردِ مِن أَيّامِهِ
نظم الشاعر هذه القصيدة لطلبة مصر الذين تفشت فيهم عادة الانتحار عند فشلهم في الامتحان، فأراد بهذه القصيدة أن يقطع عليهم اليأس ويبسط لهم الأمل
1
ناشِئٌ في الوَردِ مِن أَيّامِهِ *** حَسبُهُ اللَهُ أَبِالوَردِ عَثَرْ
2
سَدَّدَ السَهمَ إِلى صَدرِ الصِبا *** وَرَماهُ في حَواشيهِ الغُرَرْ
3
بِيَدٍ لا تَعرِفُ الشَرَّ وَلا *** صَلَحَت إِلّا لِتَلهو بِالأُكَرْ
4
بُسِطَت لِلسُمِّ وَالحَبلِ وَما *** بُسِطَت لِلكَأسِ يَومًا وَالوَتَرْ
5
غَفَرَ اللَهُ لَهُ ما ضَرَّهُ *** لَو قَضى مِن لَذَّةِ العَيشِ الوَطَرْ
6
لَم يُمَتَّعْ مِن صِبا أَيّامِهِ *** وَلَياليهِ أَصيلٌ وَسَحَرْ
7
يَتَمَنّى الشَيخُ مِنهُ ساعَةً *** بِحِجابِ السَمعِ أَو نورِ البَصَرْ
8
لَيسَ في الجَنَّةِ ما يُشبِهُهُ *** خِفَّةً في الظِلِّ أَو طيبَ قِصَرْ
9
فَصِبا الخُلدِ كَثيرٌ دائِمٌ *** وَصِبا الدُنيا عَزيزٌ مُختَصَرْ
10
كُلُّ يَومٍ خَبَرٌ عَن حَدَثٍ *** سَئِمَ العَيشَ وَمَن يَسأَم يَذَرْ
11
عافَ بِالدُنيا بِناءً بَعدَ ما *** خَطَبَ الدُنيا وَأَهدى وَمَهَرْ
12
حَلَّ يَومَ العُرسِ مِنها نَفسَهُ *** رَحِمَ اللَهُ العَروسُ المُختَضَرْ
13
ضاقَ بِالعيشَةِ ذَرعًا فَهَوى *** عَن شَفا اليَأسِ وَبِئسَ المُنحَدَرْ
14
راحِلًا في مِثلِ أَعمارِ المُنى *** ذاهِبًا في مِثلِ آجالِ الزَهَرْ
15
هارِبًا مِن ساحَةِ العَيشِ وَما *** شارَفَ الغَمرَةَ مِنها وَالغُدُرْ
16
لا أَرى الأَيّامَ إِلّا مَعرَكًا *** وَأَرى الصِنديدَ فيهِ مَن صَبَرْ
17
رُبَّ واهي الجَأشِ فيهِ قَصَفٌ *** ماتَ بِالجُبنِ وَأَودى بِالحَذَرْ
18
لامَهُ الناسُ وَما أَظلَمَهُمْ *** وَقَليلٌ مَن تَغاضى أَو عَذَرْ
19
وَلَقَد أَبلاكَ عُذرًا حَسَنًا *** مُرتَدي الأَكفانِ مُلقىً في الحُفَرْ
20(1217/1)
قالَ ناسٌ صَرعَةٌ مِن قَدَرٍ *** وَقَديمًا ظَلَمَ الناسُ القَدَرْ
21
وَيَقولُ الطِبُّ بَل مِن جِنَّةٍ *** وَرَأَيتُ العَقلَ في الناسِ نَدَرْ
22
وَيَقولونَ جَفاءٌ راعَهُ *** مِن أَبٍ أَغلَظَ قَلبًا مِن حَجَرْ
23
وَامتِحانٌ صَعَّبَتهُ وَطأَةٌ *** شَدَّها في العِلمِ أُستاذٌ نَكِرْ
24
لا أَرى إِلّا نِظامًا فاسِدًا *** فَكَّكَ الغَلمَ وَأَودى بِالأُسَرْ
25
مِن ضَحاياهُ وَما أَكثَرَها *** ذَلِكَ الكارِهُ في غَضِّ العُمُرْ
26
ما رَأى في العَيشِ شَيئًا سَرَّهُ *** وَأَخَفُّ العَيشِ ما ساءَ وَسَرْ
27
نَزَلَ العَيشَ فَلَم يَنزِل سِوى *** شُعبَةِ الهَمِّ وَبَيداءِ الفِكَرْ
28
وَنَهارٍ لَيسَ فيهِ غِبطَةٌ *** وَلَيالٍ لَيسَ فيهِنَّ سَمَرْ
29
وَدُروسٍ لَم يُذَلِّل قَطفَها *** عالِمٌ إِنْ نَطَقَ الدَرسَ سَحَرْ
30
وَلَقَد تُنهِكُهُ نَهكَ الضَنى *** ضَرَّةٌ مَنظَرُها سُقمٌ وَضُرْ
31
وَيُلاقي نَصَبًا مِمّا انطَوى *** في بَني العَلّاتِ مِن ضِغنٍ وَشَرْ
32
إِخوَةٌ ما جَمَعَتهُمْ رَحِمٌ *** بَعضُهُمْ يَمشونَ لِلبَعضِ الخَمَرْ
33
لَم يُرَفرِف مَلَكُ الحُبِّ عَلى *** أَبَوَيهِمْ أَو يُبارِك في الثَمَرْ
34
خَلَقَ اللَهُ مِنَ الحُبِّ الوَرى *** وَبَنى المُلكَ عَلَيهِ وَعَمَرْ
35
نَشَأَ الخَيرِ رُوَيدًا قَتلُكُمْ *** في الصِبا النَفسَ ضَلالٌ وَخُسُرْ
36
لَو عَصَيتُمُ كاذِبِ اليَأسِ فَما *** في صِباها يَنحَرُ النَفَسَ الضَجَرْ
37
تُضمِرُ اليَأسَ مِنَ الدُنيا وَما *** عِندَها عَن حادِثِ الدُنيا خَبَرْ
38
فيمَ تَجنونَ عَلى آبائِكُمْ *** أَلَمَ الثُكلِ شَديدًا في الكِبَرْ
39
وَتَعُقّونَ بِلادًا لَم تَزَلْ *** بَينَ إِشفاقٍ عَلَيكُمْ وَحَذَرْ
40
فَمُصابُ المُلكِ في شُبّانِهِ *** كَمُصابِ الأَرضِ في الزَرعِ النَضِرْ
41
لَيسَ يَدري أَحَدٌ مِنكُمْ بِما *** كانَ يُعطى لَو تَأَنّى وَانتَظَرْ
42(1217/2)
رُبَّ طِفلٍ بَرَّحَ البُؤسُ بِهِ *** مُطِرَ الخَيرَ فَتِيًّا وَمَطَرْ
43
وَصَبِيٍّ أَزرَتِ الدُنيا بِهِ *** شَبَّ بَينَ العِزِّ فيها وَالخَطَرْ
44
وَرَفيعٍ لَم يُسَوِّدهُ أَبٌ *** مَن أَبو الشَمسِ وَمَن جَدُّ القَمَرْ
45
فَلَكٌ جارٍ وَدُنيا لَم يَدُمْ *** عِندَها السَعدُ وَلا النَحسُ استَمَرْ
46
رَوِّحوا القَلبَ بِلَذّاتِ الصِبا *** فَكَفى الشَيبُ مَجالًا لِلكَدَرْ
47
عالِجوا الحِكمَةَ وَاستَشفوا بِها *** وَانشُدوا ما ضَلَّ مِنها في السِيَرْ
48
وَاقرَأوا آدابَ مَن قَبلِكُمْ *** رُبَّما عَلَّمَ حَيًّا مَن غَبَرْ
49
وَاغنَموا ما سَخَّرَ اللَهُ لَكُمْ *** مِن جَمالٍ في المَعاني وَالصُوَرْ
50
وَاطلُبوا العِلمَ لِذاتِ العِلمِ لا *** لِشَهاداتٍ وَآرابٍ أُخَرْ
51
كَم غُلامٍ خامِلٍ في دَرسِهِ *** صارَ بَحرَ العِلمِ أُستاذَ العُصُرْ
52
وَمُجِدٍّ فيهِ أَمسى خامِلًا *** لَيسَ فيمَن غابَ أَو فيمَن حَضَرْ
53
قاتِلُ النَفسِ لَو كانَت لَهُ *** أَسخَطَ اللَهَ وَلَم يُرضِ البَشَرْ
54
ساحَةُ العَيشِ إِلى اللَهِ الَّذي *** جَعَلَ الوِردَ بِإِذنٍ وَالصَدَرْ
55
لا تَموتُ النَفسُ إِلّا بِاسمِهِ *** قامَ بِالمَوتِ عَلَيها وَقَهَرْ
56
إِنَّما يَسمَحُ بِالروحِ الفَتى *** ساعَةَ الرَوعِ إِذا الجَمعُ اشتَجَرْ
57
فَهُناكَ الأَجرُ وَالفَخرُ مَعًا *** مَن يَعِش يُحمَد وَمَن ماتَ أُجِرْ(1217/3)
نهج البردة
ريم على القاع بين البان والعلَم
--------------------أحَل سفكْكَ دمى فى الأشهر الحُرُم
لما رَنا حدثتني النفسُ قائلة
------------------- يا ويح جنبِكَ بالسهم المُصيبِ رُمى
جحدتُها وكتمتُ السهم فى كبدي
------------------- جٌرْحُ الأحبة عندي غير ذي ألم
يا لائمي فى هواهُ والهوى قدَرٌ
------------------ لو شفك الوجد لمْ تعذلْ ولم تلُم
لقد أنلتك أذْنا غير واعية
----------------- ورب منتصبٍ والقلبُ فى صَمَم
يا ناعس الطرف لا ذُقت الهوى أبدً
---------------- أسهرت مضناك فى حفظ الهوى, فنم
يا نفس دنياكٍ تُخفى كل مبكية
---------------- وإن بدا لكِ منها حُسنُ مُبتسم
صلاحُ أمرِك للأخلاق مرِجعُه
--------------- فقوم النفسَ بالأخلاقِ تستقِمِ
والنفسُ من خيرِها فى خير عافيةٍ
---------------- والنفس من شرّها فى مَرْتع وخم
تطغى إذا مُكنتْ من لذة وهوًى
----------------- طَغى الجِيادِ إذا عضت على الشُكم
إذا جَل ذنبى عن الغفران لي أملٌ
---------------- فى اللهِ يجعلني فى خير معتصم
ألقى رجائي إذا عز المُجيرُ على
---------------- مفرج الكرْب فى الداريْن والغُمَم
إذا خفضت جَناحَ الذل أسألٌهٌ
-----------------عزِ الشفاعِة لم أسألْ سوى أمَتم
وإن تقدم ذوى تقوى بصالحةٍ
--------------- قدّمتُ بين يديه عَبرةَ الندَم
لزِمتُ باب أمير الأنبياء ومن
------------- يُمْسِكْ بمِفتاحِ باب الله يغتنمِ
محمد صفوة الباري ورحمتُه
-------------- وبغُيَة الله من خلْقٍ ومن نَسَم
ونودىَ اقرأ تعالى الله قائلُها
---------------- لم تتصِلْ قبلَ مَن قيلتْ له بفم
هناك أذنَ للرَحمن فامتلأت
-------------- أسماعُ مكة من قُدسِيةِ النغَم
فلا تسلْ عن قريشٍ كيفَ حيْرَتُها
-------------- وكيف نُفرتها فى السهل والعلم
تساءلوا عن عظيمٍ قد ألم بهم
-------------- رمَى المشايخ والولدَن باللمَم
سَرَت بشائِر بالهادي ومولِده(1218/1)
------فى الشرق والغرب مَسْرَى النور فى الظلم
تخطفتْ مُهَج الطاغين من عربٍ
-------------- وطيرت أنفسَ الباغين من عجم
يُعذبان عباد الله فى شُبهٍ
------------- ويَذبَحان كما ضحيتَ بالغَنم
والخلق يفتِك أقواهم بأضعفِهم
------------- كالليثِ بالبٌهْم أو كالحوتِ بالبَلَم
أسرَى بك الله ليلاً إذ ملائكهُ
------- والرسلُ فى المسجد الأقصى على قدم
لما خطرْتَ به التفوا بسيدهم
---------- كالشهبِ بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطرٍ
-------------- ومن يفُزْ بحبيبِ الله يأتمم
جُبْتَ السماوات أو ما فوقهنّ بهم
--------------على منورة درية اللُجُتم
مشيئة الخالق الباري وصنعتُه
-------------- وقدرة الله فوق الشك والتُهَم
حتى بلغتَ سماءً لا يطارُ لها
----------- على جناحِ ولا يسعى على قدم
وقيل كل نبي عند رُتبته
------------ ويا محمدُ هذا العرشُ فاستلم
يا رب هبت شعوب من منيتها
---------- واستيقظت أمم من رقدة العدم
رأى قضاؤك فينا رأى حكمته
--------- أكْرم بوجهك من قاضٍ ومنتقم
فالطُف لأجل رسول العالمين بنا
----------- ولا تزد قومه خسفا ولا تسُم
يا رب أحسنت بَدْءَ المسلمين به
-------- فتمِم الفضل وامنح حُسن مختتم
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-(1218/2)
هَمَّتِ الفُلكُ وَاِحتَواها الماءُ
الشوقيات (1/17-32)، تقديم حسين هيكل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان
المناسبة ... ألقاها في المؤتمر الشرقي الدولي في جنيف في ايلول 1894، وكان منتدبا من قبل الحكومة المصرية إليه.
1
هَمَّتِ الفُلكُ وَاِحتَواها الماءُ *** وَحَداها بِمَن تُقِلُّ الرَجاءُ
2
ضَرَبَ البَحرُ ذو العُبابِ حَوالَيـ *** ـها سَماءً قَد أَكبَرَتها السَماءُ
3
وَرَأى المارِقونَ مِن شَرَكِ الأَر *** ضِ شِباكًا تَمُدُّها الدَأماءُ
4
وَجِبالاً مَوائِجًا في جِبالٍ *** تَتَدَجّى كَأَنَّها الظَلماءُ
5
وَدَوِيًّا كَما تَأَهَّبَتِ الخَيـ *** ـلُ وَهاجَت حُماتَها الهَيجاءُ
6
لُجَّةٌ عِندَ لُجَّةٍ عِندَ أُخرى *** كَهِضابٍ ماجَت بِها البَيداءُ
7
وَسَفينٌ طَورًا تَلوحُ وَحينًا *** يَتَوَلّى أَشباحَهُنَّ الخَفاءُ
8
نازِلاتٌ في سَيرِها صاعِداتٌ *** كَالهَوادي يَهُزُّهُنَّ الحُداءُ
9
رَبِّ إِن شِئتَ فَالفَضاءُ مَضيقٌ *** وَإِذا شِئتَ فَالمَضيقُ فَضاءُ
10
فَاِجعَلِ البَحرَ عِصمَةً وَاِبعَثِ الرَحـ *** ـمَةَ فيها الرِياحُ وَالأَنواءُ
11
أَنتَ أُنسٌ لَنا إِذا بَعُدَ الإِنـ *** ـسُ وَأَنتَ الحَياةُ وَالإِحياءُ
12
يَتَوَلّى البِحارَ مَهما اِدلَهَمَّت *** مِنكَ في كُلِّ جانِبٍ لَألاءُ
13
وَإِذا ما عَلَت فَذاكَ قِيامٌ *** وَإِذا ما رَغَت فَذاكَ دُعاءُ
14
فَإِذا راعَها جَلالُكَ خَرَّتْ *** هَيبَةً فَهيَ وَالبِساطُ سَواءُ
15
وَالعَريضُ الطَويلُ مِنها كِتابٌ *** لَكَ فيهِ تَحِيَّةٌ وَثَناءُ
16
يا زَمانَ البِحارِ لَولاكَ لَم تُفـ *** ـجَع بِنُعمى زَمانِها الوَجناءُ
17
فَقَديمًا عَن وَخدِها ضاقَ وَجهُ الـ *** ـأَرضِ وَاِنقادَ بِالشِراعِ الماءُ
18
وَاِنتَهَت إِمرَةُ البِحارِ إِلى الشَر *** قِ وَقامَ الوُجودُ فيما يَشاءُ
19
وَبَنَينا فَلَم نُخَلِّ لِبانٍ *** وَعَلَونا فَلَم يَجُزنا عَلاءُ
20(1219/1)
وَمَلَكنا فَالمالِكونَ عَبيدٌ *** وَالبَرايا بِأَسرِهِمْ أُسَراءُ
21
قُل لِبانٍ بَنى فَشادَ فَغالى *** لَم يَجُز مِصرَ في الزَمانِ بِناءُ
22
لَيسَ في المُمكِناتِ أَن تُنقَلَ الأَجـ *** بالُ شُمًّا وَأَن تُنالَ السَماءُ
23
أَجفَلَ الجِنُّ عَن عَزائِمَ فِرعَو *** نَ وَدانَت لِبَأسِها الآناءُ
24
شادَ ما لَم يُشِد زَمانٌ وَلا أَنـ *** ـشَأَ عَصرٌ وَلا بَنى بَنّاءُ
25
هَيكَلٌ تُنثَرُ الدِياناتُ فيهِ *** فَهيَ وَالناسُ وَالقُرونُ هَباءُ
26
وَقُبورٌ تَحُطُّ فيها اللَيالي *** وَيُوارى الإِصباحُ وَالإِمساءُ
27
تَشفَقُ الشَمسُ وَالكَواكِبُ مِنها *** وَالجَديدانِ وَالبِلى وَالفَناءُ
28
زَعَموا أَنَّها دَعائِمُ شيدَت *** بِيَدِ البَغيِ مِلؤُها ظَلماءُ
29
فَاِعذُرِ الحاسِدينَ فيها إِذا لا *** موا فَصَعبٌ عَلى الحَسودِ الثَناءُ
30
دُمِّرَ الناسُ وَالرَعِيَّةُ في تَشـ *** ـييدِها وَالخَلائِقُ الأُسَراءُ
31
أَينَ كانَ القَضاءُ وَالعَدلُ وَالحِكـ *** ـمَةُ وَالرَأيُ وَالنُهى وَالذَكاءُ
32
وَبَنو الشَمسِ مِن أَعِزَّةِ مِصرٍ *** وَالعُلومُ الَّتي بِها يُستَضاءُ
33
فَاِدَّعَوا ما اِدَّعى أَصاغِرُ آثيـ *** ـنا وَدَعواهُمُ خَنًا وَاِفتِراءُ
34
وَرَأَوا لِلَّذينَ سادوا وَشادوا *** سُبَّةً أَن تُسَخَّرَ الأَعداءُ
35
إِن يَكُن غَيرَ ما أَتَوهُ فَخارٌ *** فَأَنا مِنكَ يا فَخارُ بَراءُ
36
لَيتَ شِعري وَالدَهرُ حَربُ بَنيهِ *** وَأَياديهِ عِندَهُمْ أَفياءُ
37
ما الَّذي داخَلَ اللَيالِيَ مِنّا *** في صِبانا وَلِلَّيالي دَهاءُ
38
فَعَلا الدَهرُ فَوقَ عَلياءِ فِرعَو *** نَ وَهَمَّت بِمُلكِهِ الأَرزاءُ
39
أَعلَنَت أَمرَها الذِئابُ وَكانوا *** في ثِيابِ الرُعاةِ مِن قَبلُ جاؤوا
40
وَأَتى كُلُّ شامِتٍ مِن عِدا المُلـ *** ـكِ إِلَيهِم وَاِنضَمَّتِ الأَجزاءُ
41(1219/2)
وَمَضى المالِكونَ إِلّا بَقايا *** لَهُمُ في ثَرى الصَعيدِ اِلتِجاءُ
42
فَعَلى دَولَةِ البُناةِ سَلامٌ *** وَعَلى ما بَنى البُناةُ العَفاءُ
43
وَإِذا مِصرُ شاةُ خَيرٍ لِراعي السَ *** ـسوءِ تُؤذى في نَسلِها وَتُساءُ
44
قَد أَذَلَّ الرِجالَ فَهيَ عَبيدٌ *** وَنُفوسَ الرِجالِ فَهيَ إِماءُ
45
فَإِذا شاءَ فَالرِقابُ فِداهُ *** وَيَسيرٌ إِذا أَرادَ الدِماءُ
46
وَلِقَومٍ نَوالُهُ وَرِضاهُ *** وَلِأَقوامِ القِلى وَالجَفاءُ
47
فَفَريقٌ مُمَتَّعونَ بِمِصرٍ *** وَفَريقٍ في أَرضِهِم غُرَباءُ
48
إِن مَلَكتَ النُفوسَ فَاِبغِ رِضاها *** فَلَها ثَورَةٌ وَفيها مَضاءُ
49
يَسكُنُ الوَحشُ لِلوُثوبِ مِنَ الأَسـ *** ـرِ فَكَيفَ الخَلائِقُ العُقَلاءُ
50
يَحسَبُ الظالِمونَ أَن سَيَسودو *** نَ وَأَن لَن يُؤَيَّدَ الضُعَفاءُ
51
وَاللَيالي جَوائِرٌ مِثلَما جا *** روا وَلِلدَهرِ مِثلَهُم أَهواءُ
52
لَبِثَت مِصرُ في الظَلامِ إِلى أَن *** قيلَ ماتَ الصَباحُ وَالأَضواءُ
53
لَم يَكُن ذاكَ مِن عَمىً كُلُّ عَينٍ *** حَجَبَ اللَيلُ ضَوءَها عَمياءُ
54
ما نَراها دَعا الوَفاءُ بَنيها *** وَأَتاهُم مِنَ القُبورِ النِداءُ
55
لِيُزيحوا عَنها العِدا فَأَزاحوا *** وَأُزيحَت عَن جَفنِها الأَقذاءُ
56
وَأُعيدَ المَجدُ القَديمُ وَقامَت *** في مَعالي آبائِها الأَبناءُ
57
وَأَتى الدَهرُ تائِبًا بِعَظيمٍ *** مِن عَظيمٍ آباؤُهُ عُظَماءُ
58
مَن كَرَمسيسَ في المُلوكِ حَديثًا *** وَلِرَمسيسٍ المُلوكُ فِداءُ
59
بايَعَتهُ القُلوبُ في صُلبِ سيتي *** يَومَ أَن شاقَها إِلَيهِ الرَجاءُ
60
وَاِستَعدَّ العُبّادُ لِلمَولِدِ الأَكـ *** ـبَرِ وَاِزَّيَّنَت لَهُ الغَبراءُ
61
جَلَّ سيزوستَريسُ عَهدًا وَجَلَّت *** في صِباهُ الآياتُ وَالآلاءُ
62
فَسَمِعنا عَنِ الصَبِيِّ الَّذي يَعـ *** ـفو وَطَبعُ الصِبا الغَشومُ الإِباءُ
63(1219/3)
وَيَرى الناسَ وَالمُلوكَ سَواءً *** وَهَلِ الناسُ وَالمُلوكُ سَواءُ
64
وَأَرانا التاريخُ فِرعَونَ يَمشي *** لَم يَحُل دونَ بِشرِهِ كِبرِياءُ
65
يولَدُ السَيِّدُ المُتَوَّجُ غَضًّا *** طَهَّرَتهُ في مَهدِها النَعماءُ
66
لَم يُغَيِّرهُ يَومَ ميلادِهِ بُؤ *** سٌ وَلا نالَهُ وَليدًا شَقاءُ
67
فَإِذا ما المُمَلِّقونَ تَوَلَّو *** هُ تَوَلَّى طِباعَهُ الخُيَلاءُ
68
وَسَرى في فُؤادِهِ زُخرُفُ القَو *** لِ تَراهُ مُستَعذَبًا وَهوَ داءُ
69
فَإِذا أَبيَضُ الهَديلِ غُرابٌ *** وَإِذا أَبلَجُ الصَباحِ مَساءُ
70
جَلَّ رَمسيسُ فِطرَةً وَتَعالى *** شيعَةً أَن يَقودَهُ السُفَهاءُ
71
وَسَما لِلعُلا فَنالَ مَكانًا *** لَم يَنَلهُ الأَمثالُ وَالنُظَراءُ
72
وَجُيوشٌ يَنهَضنَ بِالأَرضِ مَلكًا *** وَلِواءٌ مِن تَحتِهِ الأَحياءُ
73
وَوُجودٌ يُساسُ وَالقَولُ فيهِ *** ما يَقولُ القُضاةُ وَالحُكَماءُ
74
وَبِناءٌ إِلى بِناءٍ يَوَدُّ الخُلـ *** ـدُ لَو نالَ عُمرَهُ وَالبَقاءُ
75
وَعُلومٌ تُحيِ البِلادَ وَبِنتا *** هورُ فَخرُ البِلادِ وَالشُعَراءُ
76
إيهِ سيزوستَريسَ ماذا يَنالُ الـ *** ـوَصفُ يَومًا أَو يَبلُغُ الإِطراءُ
77
كَبُرَت ذاتُكَ العَلِيَّةُ أَن تُحـ *** ـصي ثَناها الأَلقابُ وَالأَسماءُ
78
لَكَ آمونُ وَالهِلالُ إِذا يَكـ *** ـبُرُ وَالشَمسُ وَالضُحى آباءُ
79
وَلَكَ الريفُ وَالصَعيدُ وَتاجا *** مِصرَ وَالعَرشُ عالِيًا وَالرِداءُ
80
وَلَكَ المُنشَآتُ في كُلِّ بَحرٍ *** وَلَكَ البَرُّ أَرضُهُ وَالسَماءُ
81
لَيتَ لَم يُبلِكَ الزَمانُ وَلَم يَبـ *** ـلَ لِمُلكِ البِلادِ فيكَ رَجاءُ
82
هَكَذا الدَهرُ حالَةٌ ثُمَّ ضِدٌّ *** ما لِحالٍ مَعَ الزَمانِ بَقاءُ
83
لا رَعاكَ التاريخُ يا يَومَ قَمبيـ *** ـزَ وَلا طَنطَنَت بِكَ الأَنباءُ
84
دارَتِ الدائِراتُ فيكَ وَنالَت *** هَذِهِ الأُمَّةَ اليَدُ العَسراءُ(1219/4)
85
فَمُبصِرٌ مِمّا جَنَيتَ لِمِصرٍ *** أَيُّ داءٍ ما إِن إِلَيهِ دَواءُ
86
نَكَدٌ خالِدٌ وَبُؤسٌ مُقيمٌ *** وَشَقاءٌ يَجُدُّ مِنهُ شَقاءُ
87
يَومَ مَنفيسَ وَالبِلادُ لِكِسرى *** وَالمُلوكُ المُطاعَةُ الأَعداءُ
88
يَأمُرُ السَيفُ في الرِقابِ وَيَنهى *** وَلِمِصرٍ عَلى القَذى إِغضاءُ
89
جيءَ بِالمالِكِ العَزيزِ ذَليلًا *** لَم تُزَلزِل فُؤادَهُ البَأساءُ
90
يُبصِرُ الآلَ إِذ يُراحُ بِهِم في *** مَوقِفِ الذُلِّ عَنوَةً وَيُجاءُ
91
بِنتُ فِرعَونَ في السَلاسِلِ تَمشي *** أَزعَجَ الدَهرُ عُريُها وَالحَفاءُ
92
فَكَأَن لَم يَنهَض بِهَودَجِها الدَهـ *** ـرُ وَلا سارَ خَلفَها الأُمَراءُ
93
وَأَبوها العَظيمُ يَنظُرُ لَمّا *** رُدِّيَت مِثلَما تُرَدّى الإِماءُ
94
أُعطِيَت جَرَّةً وَقيلَ إِلَيكِ النـ *** ـنَهر قومي كَما تَقومُ النِساءُ
95
فَمَشَت تُظهِرُ الإِباءَ وَتَحمي الدَمـ *** ـعَ أَن تَستَرِقَّهُ الضَرّاءُ
96
وَالأَعادي شَواخِصٌ وَأَبوها *** بِيَدِ الخَطبِ صَخرَةٌ صَمّاءُ
97
فَأَرادوا لِيَنظُروا دَمعَ فِرعَو *** نَ وَفِرعَونُ دَمعُهُ العَنقاءُ
98
فَأَرَوهُ الصَديقَ في ثَوبِ فَقرٍ *** يَسأَلُ الجَمعَ وَالسُؤالُ بَلاءُ
99
فَبَكى رَحمَةً وَما كانَ مَن يَبـ *** ـكي وَلَكِنَّما أَرادَ الوَفاءُ
100
هَكَذا المُلكُ وَالمُلوكُ وَإِن جا *** رَ زَمانٌ وَرَوَّعَت بَلواءُ
101
لا تَسَلني ما دَولَةُ الفُرسِ ساءَت *** دَولَةُ الفُرسِ في البِلادِ وَساؤوا
102
أُمَّةٌ هَمُّها الخَرائِبُ تُبلي *** ها وَحَقُّ الخَرائِبِ الإِعلاءُ
103
سَلَبَت مِصرَ عِزَّها وَكَسَتها *** ذِلَّةً ما لَها الزَمانَ اِنقِضاءُ
104
وَاِرتَوى سَيفُها فَعاجَلَها الـ *** ـلَهُ بِسَيفٍ ما إِن لَهُ إِرواءُ
105
طِلبَةٌ لِلعِبادِ كانَت لِإِسكَنـ *** ـدَرَ في نَيلِها اليَدُ البَيضاءُ
106(1219/5)
شادَ إِسكَندَرٌ لِمِصرَ بِناءً *** لَم تَشِدهُ المُلوكُ وَالأُمَراءُ
107
بَلَدًا يَرحَلُ الأَنامُ إِلَيهِ *** وَيَحُجُّ الطُلّابُ وَالحُكَماءُ
108
عاشَ عُمرًا في البَحرِ ثَغرَ المَعالي *** وَالمَنارَ الَّذي بِهِ الاِهتِداءُ
109
مُطمَئِنًّا مِنَ الكَتائِبِ وَالكُتـ *** ـبِ بِما يَنتَهي إِلَيهِ العَلاءُ
110
يَبعَثُ الضَوءَ لِلبِلادِ فَتَسري *** في سَناهُ الفُهومُ وَالفُهَماءُ
111
وَالجَواري في البَحرِ يُظهِرنَ عِزَّ الـ *** ـمُلكِ وَالبَحرُ صَولَةٌ وَثَراءُ
112
وَالرَعايا في نِعمَةٍ وَلِبَطلَي *** موسَ في الأَرضِ دَولَةٌ عَلياءُ
113
فَقَضى اللَهُ أَن تُضَيِّعَ هَذا الـ *** ـمُلكَ أُنثى صَعبٌ عَلَيها الوَفاءُ
114
تَخِذَتها روما إِلى الشَرِّ تَمهيـ *** دًا وَتَمهيدُهُ بِأُنثى بَلاءُ
115
فَتَناهى الفَسادُ في هَذِهِ الأَر *** ضِ وَجازَ الأَبالِسَ الإِغواءُ
116
ضَيَّعَت قَيصَرَ البَرِيَّةِ أُنثى *** يا لَرَبّي مِمّا تَجُرُّ النِساءُ
117
فَتَنَت مِنهُ كَهفَ روما المُرَجّى *** وَالحُسامَ الَّذي بِهِ الاِتِّقاءُ
118
قاهِرَ الخَصمِ وَالجَحافِلِ مَهما *** جَدَّ هَولُ الوَغى وَجَدَّ اللِقاءُ
119
فَأَتاها مَن لَيسَ تَملُكُهُ أُنـ *** ـثى وَلا تَستَرِقُّهُ هَيفاءُ
120
بَطَلُ الدَولَتَينِ حامى حِمى رو *** ما الَّذي لا تَقودُهُ الأَهواءُ
121
أَخَذَ المُلكَ وَهيَ في قَبضَةِ الأَفـ *** ـعى عَنِ المُلكِ وَالهَوى عَمياءُ
122
سَلَبَتها الحَياةَ فَاِعجَب لِرَقطا *** ءَ أَراحَت مِنها الوَرى رَقطاءُ
123
لَم تُصِب بِالخِداعِ نُجحًا وَلَكِن *** خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ
124
قَتَلَت نَفسَها وَظَنَّت فِداءً *** صَغُرَت نَفسُها وَقَلَّ الفِداءُ
125
سَل كِلوبَترَةَ المُكايِدِ هَلّا *** صَدَّها عَن وَلاءِ روما الدَهاءُ
126
فَبِروما تَأَيَّدَت وَبِروما *** هِيَ تَشقى وَهَكَذا الأَعداءُ
127(1219/6)
وَلِروما المُلكُ الَّذي طالَما وا *** فاهُ في السِرِّ نُصحُها وَالوَلاءُ
128
وَتَوَلَّت مِصرًا يَمينٌ عَلى المِصـ *** رِيِّ مِن دونِ ذا الوَرى عَسراءُ
129
تُسمِعُ الأَرضُ قَيصَرًا حينَ تَدعو *** وَعَقيمٌ مِن أَهلِ مِصرَ الدُعاءُ
130
وَيُنيلُ الوَرى الحُقوقَ فَإِن نا *** دَتهُ مِصرٌ فَأُذنُهُ صَمّاءُ
131
فَاِصبِري مِصرُ لِلبَلاءِ وَأَنّى *** لَكِ وَالصَبرُ لِلبَلاءِ بَلاءُ
132
ذا الَّذي كُنتِ تَلتَجينَ إِلَيهِ *** لَيسَ مِنهُ إِلى سِواهُ النَجاءُ
133
رَبِّ شُقتَ العِبادَ أَزمانَ لا كُتـ *** ـبٌ بِها يُهتَدى وَلا أَنبِياءُ
134
ذَهَبوا في الهَوى مَذاهِبَ شَتّى *** جَمَعَتها الحَقيقَةُ الزَهراءُ
135
فَإِذا لَقَّبوا قَوِيًّا إِلَها *** فَلَهُ بِالقُوى إِلَيكِ اِنتِهاءُ
136
وَإِذا آثَروا جَميلًا بِتَنزيـ *** ـهٍ فَإِنَّ الجَمالَ مِنكِ حِباءُ
137
وَإِذا أَنشَئوا التَماثيلَ غُرًّا *** فَإِلَيكِ الرُموزُ وَالإيماءُ
138
وَإِذا قَدَّروا الكَواكِبَ أَربا *** بًا فَمِنكِ السَنا وَمِنكِ السَناءُ
139
وَإِذا أَلَّهوا النَباتَ فَمِن آ *** ثارِ نُعماكِ حُسنُهُ وَالنَماءُ
140
وَإِذا يَمَّموا الجِبالَ سُجودًا *** فَالمُرادُ الجَلالَةُ الشَمّاءُ
141
وَإِذا تُعبَدُ البِحارُ مَعَ الأَسـ *** ـماكِ وَالعاصِفاتُ وَالأَنواءُ
142
وَسِباعُ السَماءِ وَالأَرضِ وَالأَر *** حامُ وَالأُمَّهاتُ وَالآباءُ
143
لِعُلاكَ المُذَكَّراتُ عَبيدٌ *** خُضَّعٌ وَالمُؤَنَّثاتُ إِماءُ
144
جَمَعَ الخَلقَ وَالفَضيلَةَ سِرٌّ *** شَفَّ عَنهُ الحِجابُ فَهوَ ضِياءُ
145
سَجَدَت مِصرُ في الزَمانِ لِإيزيـ *** ـسَ النَدى مَن لَها اليَدُ البَيضاءُ
146
إِن تَلِ البَرَّ فَالبِلادُ نُضارٌ *** أَو تَلِ البَحرَ فَالرِياحُ رُخاءُ
147
أَو تَلِ النَفسَ فَهيَ في كُلِّ عُضوٍ *** أَو تَلِ الأُفقَ فَهيَ فيهِ ذُكاءُ
148(1219/7)
قيلَ إيزيسُ رَبَّةَ الكَونِ لَولا *** أَن تَوَحَّدتِ لَم تَكُ الأَشياءُ
149
وَاِتَّخَذتِ الأَنوارَ حُجبًا فَلَم تُبـ *** ـصِركِ أَرضٌ وَلا رَأَتكِ سَماءُ
150
أَنتِ ما أَظهَرَ الوُجودُ وَما أَخـ *** ـفى وَأَنتِ الإِظهارُ وَالإِخفاءُ
151
لَكَ آبيسُ وَالمُحَبَّبُ أوزيـ *** ـريسُ وَاِبناهُ كُلُّهُم أَولِياءُ
152
مُثِّلَت لِلعُيونِ ذاتُكِ وَالتَمـ *** ـثيلُ يُدني مَن لا لَهُ إِدناءُ
153
وَاِدَّعاكِ اليونانُ مِن بَعدِ مِصرٍ *** وَتَلاهُ في حُبِّكِ القُدَماءُ
154
فَإِذا قيلَ ما مَفاخِرَ مِصرٍ *** قيلَ مِنها إيزيسُها الغَرّاءُ
155
رَبِّ هَذي عُقولُنا في صِباها *** نالَها الخَوفُ وَاِستَباها الرَجاءُ
156
فعَشِقناكَ قَبلَ أَن تَأتِيَ الرُسـ *** ـلُ وَقامَت بِحُبِّكَ الأَعضاءُ
157
وَوَصَلنا السُرى فَلَولا ظَلامُ الـ *** ـجَهلِ لَم يَخطُنا إِلَيكِ اِهتِداءُ
158
وَاِتَّخَذنا الأَسماءَ شَتّى فَلَمّا *** جاءَ موسى اِنتَهَت لَكَ الأَسماءُ
159
حَجَّنا في الزَمانِ سِحرًا بِسِحرٍ *** وَاِطمَأَنَّت إِلى العَصا السُعَداءُ
160
وَيُريدُ الإِلَهُ أَن يُكرَمَ العَقـ *** ـلُ وَأَلّا تُحَقَّرَ الآراءُ
161
ظَنَّ فِرعَونُ أَنَّ موسى لَهُ وا *** فٍ وَعِندَ الكِرامِ يُرجى الوَفاءُ
162
لَم يَكُن في حِسابِهِ يَومَ رَبّى *** أَن سَيَأتي ضِدَّ الجَزاءِ الجَزاءُ
163
فَرَأى اللَهُ أَن يَعِقَّ وَلِلَّـ *** ـهِ تَفي لا لِغَيرِهِ الأَنبِياءُ
164
مِصرُ موسى عِندَ اِنتِماءٍ وَموسى *** مِصرُ إِن كانَ نِسبَةٌ وَاِنتِماءُ
165
فَبِهِ فَخرُها المُؤَيَّدُ مَهما *** هُزَّ بِالسَيِّدِ الكَليمِ اللِواءُ
166
إِن تَكُن قَد جَفَتهُ في ساعَةِ الشَكِّ *** فَحَظُّ الكَبيرِ مِنها الجَفاءُ
167
خِلَّةٌ لِلبِلادِ يَشقى بِها النا *** سُ وَتَشقى الدِيارُ وَالأَبناءُ
168
فَكَبيرٌ أَلّا يُصانَ كَبيرٌ *** وَعَظيمٌ أَن يُنبَذَ العُظَماءُ(1219/8)
169
وُلِدَ الرِفقُ يَومَ مَولِدِ عيسى *** وَالمُروءاتُ وَالهُدى وَالحَياءُ
170
وَاِزدَهى الكَونُ بِالوَليدِ وَضاءَت *** بِسَناهُ مِنَ الثَرى الأَرجاءُ
171
وَسَرَت آيَةُ المَسيحِ كَما يَسـ *** ـري مِنَ الفَجرِ في الوُجودِ الضِياءُ
172
تَملَأُ الأَرضَ وَالعَوالِمَ نورًا *** فَالثَرى مائِجٌ بَهًا وَضّاءُ
173
لا وَعيدٌ لا صَولَةٌ لا اِنتِقامُ *** لا حُسامٌ لا غَزوَةٌ لا دِماءُ
174
مَلَكٌ جاوَرَ التُرابَ فَلَمّا *** مَلَّ نابَت عَنِ التُرابِ السَماءُ
175
وَأَطاعَتهُ في الإِلَهِ شُيوخٌ *** خُشَّعٌ خُضَّعٌ لَهُ ضُعَفاءُ
176
أَذعَنَ الناسُ وَالمُلوكُ إِلى ما *** رَسَموا وَالعُقولُ وَالعُقَلاءُ
177
فَلَهُم وَقفَةٌ عَلى كُلِّ أَرضٍ *** وَعَلى كُلِّ شاطِئٍ إِرساءُ
178
دَخَلوا ثَيبَةً فَأَحسَنَ لُقيا *** هُم رِجالٌ بِثيبَةٍ حُكَماءُ
179
فَهِموا السِرَّ حينَ ذاقوا وَسَهلٌ *** أَن يَنالَ الحَقائِقَ الفُهَماءُ
180
فَإِذا الهَيكَلُ المُقَدَّسُ دَيرٌ *** وَإِذا الدَيرُ رَونَقٌ وَبَهاءُ
181
وَإِذا ثَيبَةٌ لِعيسى وَمَنفيـ *** ـسُ وَنَيلُ الثَراءِ وَالبَطحاءُ
182
إِنَّما الأَرضُ وَالفَضاءُ لِرَبّي *** وَمُلوكُ الحَقيقَةِ الأَنبِياءُ
183
لَهُمُ الحُبُّ خالِصًا مِن رَعايا *** هُم وَكُلُّ الهَوى لَهُم وَالوَلاءُ
184
إِنَّما يُنكِرُ الدِياناتِ قَومٌ *** هُم بِما يُنكِرونَهُ أَشقِياءُ
185
هَرِمَت دَولَةُ القَياصِرِ وَالدَو *** لاتُ كَالناسِ داؤُهُنَّ الفَناءُ
186
لَيسَ تُغني عَنها البِلادُ وَلا ما *** لُ الأَقاليمِ إِن أَتاها النِداءُ
187
نالَ روما ما نالَ مِن قَبلُ آثيـ *** ـنا وَسيمَتهُ ثَيبَةُ العَصماءُ
188
سُنَّةُ اللَهِ في المَمالِكِ مِن قَبـ *** ـلُ وَمِن بَعدِ ما لِنُعمى بَقاءُ
189
أَظلَمَ الشَرقُ بَعدَ قَيصَرَ وَالغَر *** بُ وَعَمَّ البَرِيَّةَ الإِدجاءُ
190(1219/9)
فَالوَرى في ضَلالِهِ مُتَمادٍ *** يَفتُكُ الجَهلُ فيهِ وَالجُهَلاءُ
191
عَرَّفَ اللَهَ ضِلَّةً فَهوَ شَخصٌ *** أَو شِهابٌ أَو صَخرَةٌ صَمّاءُ
192
وَتَوَلّى عَلى النُفوسِ هَوى الأَو *** ثانِ حَتّى اِنتَهَت لَهُ الأَهواءُ
193
فَرَأى اللَهُ أَن تُطَهَّرَ بِالسَيـ *** ـفِ وَأَن تَغسِلَ الخَطايا الدِماءُ
194
وَكَذاكَ النُفوسُ وَهيَ مِراضٌ *** بَعضُ أَعضائِها لِبَعضٍ فِداءُ
195
لَم يُعادِ اللَهُ العَبيدَ وَلَكِن *** شَقِيَت بِالغَباوَةِ الأَغبِياءُ
196
وَإِذا جَلَّتِ الذُنوبُ وَهالَت *** فَمِنَ العَدلِ أَن يَهولَ الجَزاءُ
197
أَشرَقَ النورُ في العَوالِمِ لَمّا *** بَشَّرَتها بِأَحمَدَ الأَنباءُ
198
بِاليَتيمِ الأُمِّيِّ وَالبَشَرِ المو *** حى إِلَيهِ العُلومُ وَالأَسماءُ
199
قُوَّةُ اللَهِ إِن تَوَلَّت ضَعيفًا *** تَعِبَت في مِراسِهِ الأَقوِياءُ
200
أَشرَفُ المُرسَلينَ آيَتُهُ النُط *** قُ مُبينًا وَقَومُهُ الفُصَحاءُ
201
لَم يَفُه بِالنَوابِغِ الغُرِّ حَتّى *** سَبَقَ الخَلقَ نَحوَهُ البُلَغاءُ
202
وَأَتَتهُ العُقولُ مُنقادَةَ اللُبـ *** ـبِ وَلَبّى الأَعوانُ وَالنُصَراءُ
203
جاءَ لِلناسِ وَالسَرائِرُ فَوضى *** لَم يُؤَلِّف شَتاتُهُنّ لِواءُ
204
وَحِمى اللَهُ مُستَباحٌ وَشَرعُ الـ *** ـلَهِ وَالحَقُّ وَالصَوابُ وَراءُ
205
فَلِجِبريلَ جَيئَةٌ وَرَواحٌ *** وَهُبوطٌ إِلى الثَرى وَاِرتِقاءُ
206
يُحسَبُ الأُفقُ في جَناحَيهِ نورٌ *** سُلِبَتهُ النُجومُ وَالجَوزاءُ
207
تِلكَ آيُ الفُرقانِ أَرسَلَها الـ *** ـلَهُ ضِياءً يَهدي بِهِ مَن يَشاءُ
208
نَسَخَت سُنَّةَ النَبِيّينَ وَالرُسـ *** ـلِ كَما يَنسَخُ الضِياءَ الضِياءُ
209
وَحَماها غُرٌّ كِرامٌ أَشِدّا *** ءُ عَلى الخَصمِ بَينَهُم رُحَماءُ
210
أُمَّةٌ يَنتَهي البَيانُ إِلَيها *** وَتَؤولُ العُلومُ وَالعُلَماءُ
211(1219/10)
جازَتِ النَجمَ وَاِطمَأَنَّت بِأُفقٍ *** مُطمَئِنٍّ بِهِ السَنا وَالسَناءُ
212
كُلَّما حَثَّتِ الرِكابَ لِأَرضٍ *** جاوَرَ الرُشدُ أَهلَها وَالذَكاءُ
213
وَعَلا الحَقُّ بَينَهُم وَسَما الفَضـ *** ـلُ وَنالَت حُقوقَها الضُعَفاءُ
214
تَحمِلُ النَجمَ وَالوَسيلَةَ وَالميـ *** ـزانَ مِن دينِها إِلى مَن تَشاءُ
215
وَتُنيلُ الوُجودَ مِنهُ نِظامًا *** هُوَ طِبُّ الوُجودِ وَهوَ الدَواءُ
216
يَرجِعُ الناسُ وَالعُصورُ إِلى ما *** سَنَّ وَالجاحِدونَ وَالأَعداءُ
217
فيهِ ما تَشتَهي العَزائِمُ إِن هَمـ *** ـمَ ذَووها وَيَشتَهي الأَذكِياءُ
218
فَلِمَن حاوَلَ النَعيمَ نَعيمٌ *** وَلِمَن آثَرَ الشَقاءَ شَقاءُ
219
أَيَرى العُجمُ مِن بَني الظِلِّ وَالما *** ءِ عَجيبًا أَن تُنجِبَ البَيداءُ
220
وَتُثيرُ الخِيامُ آسادَ هَيجا *** ءَ تَراها آسادَها الهَيجاءُ
221
ما أَنافَت عَلى السَواعِدِ حَتّى الـ *** ـأَرضُ طُرًّا في أَسرِها وَالفَضاءُ
222
تَشهَدُ الصينُ وَالبِحارُ وَبَغدا *** دُ وَمِصرٌ وَالغَربُ وَالحَمراءُ
223
مَن كَعَمرِو البِلادِ وَالضادُ مِمّا *** شادَ فيها وَالمِلَّةُ الغَرّاءُ
224
شادَ لِلمُسلِمينَ رُكنًا جَسامًا *** ضافِيَ الظِلِّ دَأبُهُ الإيواءُ
225
طالَما قامَتِ الخِلافَةُ فيهِ *** فَاِطمَأَنَّت وَقامَتِ الخُلَفاءُ
226
وَاِنتَهى الدينُ بِالرَجاءِ إِلَيهِ *** وَبَنو الدينِ إِذ هُمُ ضُعَفاءُ
227
مَن يَصُنهُ يَصُن بَقِيَّةَ عِزٍّ *** غَيَّضَ التُركُ صَفوَهُ وَالثَواءُ
228
فَاِبكِ عَمَرًا إِن كُنتَ مُنصِفَ عَمرو *** إِنَّ عُمَرًا لَنَيِّرٌ وَضّاءُ
229
جادَ لِلمُسلِمينَ بِالنيلِ وَالنيـ *** ـلُ لِمَن يَقتَنيهِ أَفريقاءُ
230
فَهيَ تَعلو شَأنًا إِذا حُرِّرَ النيـ *** ـلُ وَفي رِقِّهِ لَها إِزراءُ
231
وَاِذكُرِ الغُرَّ آلَ أَيّوبَ وَاِمدَح *** فَمِنَ المَدحِ لِلرِجالِ جَزاءُ
232(1219/11)
هُم حُماةُ الإِسلامِ وَالنَفَرُ البيـ *** ـضُ المُلوكُ الأَعِزَّةُ الصُلَحاءُ
233
كُلَّ يَومٍ بِالصالِحِيَّةِ حِصنٌ *** وَبِبُلبَيسَ قَلعَةٌ شَمّاءُ
234
وَبِمِصرٍ لِلعِلمِ دارٌ وَلِلضَيـ *** ـفانِ نارٌ عَظيمَةٌ حَمراءُ
235
وَلِأَعداءِ آلِ أَيّوبَ قَتلٌ *** وَلِأَسراهُمُ قِرىً وَثَواءُ
236
يَعرِفُ الدينُ مَن صَلاحٌ وَيَدري *** مَن هُوَ المَسجِدانِ وَالإِسراءُ
237
إِنَّهُ حِصنُهُ الَّذي كانَ حِصنًا *** وَحُماهُ الَّذي بِهِ الاِحتِماءُ
238
يَومَ سارَ الصَليبُ وَالحامِلوهُ *** وَمَشى الغَربُ قَومُهُ وَالنِساءُ
239
بِنُفوسٍ تَجولُ فيها الأَماني *** وَقُلوبٍ تَثورُ فيها الدِماءُ
240
يُضمِرونَ الدَمارَ لِلحَقِّ وَالنا *** سِ وَدينِ الَّذينَ بِالحَقِّ جاؤوا
241
وَيَهُدّونَ بِالتِلاوَةِ وَالصُلـ *** ـبانِ ما شادَ بِالقَنا البَنّاءُ
242
فَتَلَقَّتهُمُ عَزائِمُ صِدقٍ *** نُصَّ لِلدينِ بَينَهُنَّ خِباءُ
243
مَزَّقَت جَمعَهُم عَلى كُلِّ أَرضٍ *** مِثلَما مَزَّقَ الظَلامَ الضِياءُ
244
وَسَبَت أَمرَدَ المُلوكِ فَرَدَّتـ *** ـهُ وَما فيهِ لِلرَعايا رَجاءُ
245
وَلَو أَنَّ المَليكَ هيبَ أَذاهُ *** لَم يُخَلِّصهُ مِن أَذاها الفِداءُ
246
هَكَذا المُسلِمونَ وَالعَرَبُ الخا *** لونَ لا ما يَقولُهُ الأَعداءُ
247
فَبِهِم في الزَمانِ نِلنا اللَيالي *** وَبِهِم في الوَرى لَنا أَنباءُ
248
لَيسَ لِلذُلِّ حيلَةٌ في نُفوسٍ *** يَستَوي المَوتُ عِندَها وَالبَقاءُ
249
وَاِذكُرِ التُركَ إِنَّهُم لَم يُطاعوا *** فَيَرى الناسُ أَحسَنوا أَم أَساؤوا
250
حَكَمَت دَولَةُ الجَراكِسِ عَنهُمُ *** وَهيَ في الدَهرِ دَولَةٌ عَسراءُ
251
وَاِستَبَدَّت بِالأَمرِ مِنهُم فَبا *** شا التُركِ في مِصرَ آلَةٌ صَمّاءُ
252
يَأخُذُ المالَ مِن مَواعيدَ ما كا *** نوا لَها مُنجِزينَ فَهيَ هَباءُ
253(1219/12)
وَيَسومونَهُ الرِضا بِأُمورٍ *** لَيسَ يَرضى أَقَلَّهُنَّ الرَضاءُ
254
فَيُداري لِيَعصِمَ الغَدَ مِنهُم *** وَالمُداراةُ حِكمَةٌ وَدَهاءُ
255
وَأَتى النَسرُ يَنهَبُ الأَرضَ نَهبًا *** حَولَهُ قَومُهُ النُسورُ ظِماءُ
256
يَشتَهي النيلَ أَن يُشيدَ عَلَيهِ *** دَولَةً عَرضُها الثَرى وَالسَماءُ
257
حَلُمَت رومَةٌ بِها في اللَيالي *** وَرَآها القَياصِرُ الأَقوِياءُ
258
فَأَتَت مِصرَ رُسلُهُم تَتَوالى *** وَتَرامَت سودانَها العُلَماءُ
259
وَلَوِ اِستَشهَدَ الفَرَنسيسُ روما *** لَأَتَتهُم مِن رومَةَ الأَنباءُ
260
عَلِمَت كُلُّ دَولَةٍ قَد تَوَلَّت *** أَنَّنا سُمُّها وَأَنّا الوَباءُ
261
قاهِرُ العَصرِ وَالمَمالِكِ نابِلـ *** ـيونُ وَلَّت قُوّادُهُ الكُبَراءُ
262
جاءَ طَيشًا وَراحَ طَيشًا وَمِن قَبـ *** ـلُ أَطاشَت أُناسَها العَلياءُ
263
سَكَتَت عَنهُ يَومَ عَيَّرَها الأَهـ *** ـرامُ لَكِن سُكوتُها اِستِهزاءُ
264
فَهيَ توحي إِلَيهِ أَن تِلكَ واتِر *** لو فَأَينَ الجُيوشُ أَينَ اللِواءُ(1219/13)
هَنيئًا أَميرَ المُؤمِنينَ فَإِنَّما
الشوقيات (1/80-82)، تقديم حسين هيكل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان
المناسبة ... قال هذه القصيدة مهنئا الخليفة الذي نجا من الموت بعد إلقاء قذيفة عليه في سبتمبر 1905م
1
هَنيئًا أَميرَ المُؤمِنينَ فَإِنَّما *** نَجاتُكَ لِلدينِ الحَنيفِ نَجاةُ
2
هَنيئًا لِطَهَ وَالكِتابِ وَأُمَّةٍ *** بَقاؤُكَ إِبقاءٌ لَها وَحَياةُ
3
أَخَذتَ عَلى الأَقدارِ عَهدًا وَمَوثِقًا *** فَلَستَ الَّذي تَرقى إِلَيهِ أَذاةُ
4
وَمَن يَكُ في بُردِ النَبِيِّ وَثَوبِهِ *** تَجُزهُ إِلى أَعدائِهِ الرَّمَياتُ
5
يَكادُ يَسيرُ البَيتُ شُكرًا لِرَبِّهِ *** إِلَيكَ وَيَسعى هاتِفًا عَرَفاتُ
6
وَتَستَوهِبُ الصَفحَ المَساجِدُ خُشَّعًا *** وَتَبسُطُ راحَ التَوبَةِ الجُمُعاتُ
7
وَتَستَغفِرُ الأَرضُ الخَصيبُ وَما جَنَتْ *** وَلَكِن سَقاها قاتِلونَ جُناةُ
8
وَتُثني مِنَ الجَرحى عَلَيكَ جِراحُهُمْ *** وَتَأتي مِنَ القَتلى لَكَ الدَعَواتُ
9
ضَحِكتَ مِنَ الأَهوالِ ثُمَّ بَكَيتَهُمْ *** بِدَمعٍ جَرَت في إِثرِهِ الرَحَماتُ
10
تُثابُ بِغاليهِ وَتُجزى بِطُهرِهِ *** إِلى البَعثِ أَشلاءٌ لَهُمْ وَرُفاتُ
11
وَما كُنتَ تُحييهِمْ فَكِلهُمْ لِرَبِّهِمْ *** فَما ماتَ قَومٌ في سَبيلِكَ ماتوا
12
رَمَتهُمْ بِسَهمِ الغَدرِ عِندَ صَلاتِهِمْ *** عِصابَةُ شَرٍّ لِلصَلاةِ عُداةُ
13
تَبَرَّأَ عيسى مِنهُمُ وَصِحابِهِ *** أَأَتباعُ عيسى ذي الحَنانِ جُفاةُ
14
يُعادونَ دينًا لا يُعادونَ دَولَةً *** لَقَد كَذِبَت دَعوى لَهُمْ وَشُكاةُ
15
وَلا خَيرَ في الدُنيا وَلا في حُقوقِها *** إِذا قيلَ طُلّابُ الحُقوقِ بُغاةُ
16
بِأَيِّ فُؤادٍ تَلتَقي الهَولَ ثابِتًا *** وَما لِقُلوبِ العالَمينَ ثَباتُ
17
إِذا زُلزِلَت مِن حَولِكَ الأَرضُ رادَها *** وَقارُكَ حَتّى تَسكُنَ الجَنَباتُ
18(1220/1)
وَإِن خَرَجَت نارٌ فَكانَت جَهَنَّمًا *** تُغَذّى بِأَجسادِ الوَرى وَتُقاتُ
19
وَتَرتَجُّ مِنها لُجَّةٌ وَمَدينَةٌ *** وَتَصلى نَواحٍ حَرَّها وَجِهاتُ
20
تَمَشَّيتَ في بُردِ الخَليلِ فَخُضتَها *** سَلامًا وَبُردًا حَولَكَ الغَمَراتُ
21
وَسِرتَ وَمِلءُ الأَرضِ حولَك أَدرُعٌ *** وَدِرعُكَ قَلبٌ خاشِعٌ وَصَلاةُ
22
ضَحوكًا وَأَصنافُ المَنايا عَوابِسٌ *** وَقورًا وَأَنواعُ الحُتوفِ طُغاةُ
23
يَحوطُكَ إِن خانَ الحُماةَ انتِباهُهُمْ *** مَلائِكُ مِن عِندِ الإِلَهِ حُماةُ
24
تُشيرُ بِوَجهٍ أَحمَدِيٍّ مُنَوِّرٍ *** عُيونُ البَرايا فيهِ مُنحَسِراتُ
25
يُحَيِّ الرَعايا وَالقَضاءُ مُهَلِّلٌ *** يُحَييهِ وَالأَقدارُ مُعتَذِراتُ
26
نَجاتُكَ نُعمى لِلإِلَهِ سَنِيَّةٌ *** لَها فيكَ شُكرٌ واجِبٌ وَزَكاةُ
27
فَصَيِّرْ أَميرَ المُؤمِنينَ ثَناءَها *** مَآثِرَ تُحيِ الأَرضَ وَهيَ مَواتُ
28
إِذا لَم يَفُتنا مِن وُجودِكَ فائِتٌ *** فَلَيسَ لِآمالِ النُفوسِ فَواتُ
29
بَلَوناكَ يَقظانَ الصَوارِمِ وَالقَنا *** إِذا ضَيَّعَ الصيدَ المُلوكَ سُباتُ
30
سَهِرتَ وَلَذَّ النَومُ وَهوَ مَنِيَّةٌ *** رَعايا تَوَلّاها الهَوى وَرُعاةُ
31
فَلَولاكَ مُلكُ المُسلِمينَ مُضَيَّعٌ *** وَلَولاكَ شَملُ المُسلِمينَ شَتاتُ
32
لَقَد ذَهَبَت راياتُهُمْ غَيرَ رايَةٍ *** لَها النَصرُ وَسمٌ وَالفُتوحُ شِياتُ
33
تَظَلُّ عَلى الأَيّامِ غَرّاءَ حُرَّةً *** مُحَجَّلَةً في ظِلِّها الغَزَواتُ
34
حَنيفِيَّةٌ قَد عَزَّها وَأَعَزَّها *** ثَلاثونَ مَلكًا فاتِحونَ غُزاةُ
35
حَماها وَأَسماها عَلى الدَهرِ مِنهُمُ *** مُلوكٌ عَلى أَملاكِهِ سَرَواتُ
36
غَمائِمُ في مَحلِ السِنينِ هَواطِلٌ *** مَصابيحُ في لَيلِ الشُكوكِ هُداةُ
37
تَهادَت سَلامًا في ذَراكَ مَطيفَةً *** لَها رَغَباتُ الخَلقِ وَالرَهَباتُ
38(1220/2)
تَموتُ سِباعُ الجَوِّ غَرثى حِيالَها *** وَتَحيا نُفوسُ الخَلقِ وَالمُهَجاتِ
39
سَنَنتَ اعتِدالَ الدَهرِ في أَمرِ أَهلِهِ *** فَباتَ رَضِيًّا في دَراكَ وَباتوا
40
فَأَنتَ غَمامٌ وَالزَمانُ خَميلَةٌ *** وَأَنتَ سِنانٌ وَالزَمانُ قَناةُ
41
وَأَنتَ مِلاكُ السِلمِ إِنْ مادَ رُكنُهُ *** وَأَشفَقَ قُوّامٌ عَلَيهِ ثُقاتُ
42
أَكانَ لِهَذا الأَمرِ غَيرُكَ صالِحٌ *** وَقَد هَوَّنَتهُ عِندَكَ السَنَواتُ
43
وَمَن يَسُسِ الدُنيا ثَلاثينَ حِجَّةً *** تُعِنهُ عَلَيها حِكمَةٌ وَأَناةُ
44
مَلَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ ابنَ هانِئٍ *** بِفَضلٍ لَهُ الأَلبابُ مُمتَلَكاتُ
45
وَمازِلتُ حَسّانَ المَقامِ وَلَم تَزَل *** تَليني وَتَسري مِنكَ لي النَفَحاتُ
46
زَهِدتُ الَّذي في راحَتَيكَ وَشاقَني *** جَوائِزُ عِندَ اللهِ مُبتَغَياتُ
47
وَمَن كانَ مِثلي أَحمَدَ الوَقتِ لَم تَجُز *** عَلَيهِ وَلَو مِن مِثلِكَ الصَدَقاتُ
48
وَلي دُرَرُ الأَخلاقِ في المَدحِ وَالهَوى *** وَلِلمُتَنَبّي دُرَّةٌ وَحَصاةُ
49
نَجَت أُمَّةٌ لَمّا نَجَوتَ وَدورِكَتْ *** بِلادٌ وَطالَت لِلسَريرِ حَياةُ
50
وَصينَ جَلالُ المُلكِ وَامتَدَّ عِزُّهُ *** وَدامَ عَلَيهِ الحُسنُ وَالحَسَناتُ
51
وَأُمِّنَ في شَرقِ البِلادِ وَغَربِها *** يَتامى عَلى أَقواتِهِم وَعُفاةُ
52
سَلامِيَ عَن هَذا المَقامِ مُقَصِّرٌ *** عَلَيكَ سَلامُ اللهِ وَالبَرَكاتُ(1220/3)
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ
1
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ *** وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
2
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ *** لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
3
وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي *** وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
4
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا *** بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ
5
وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ *** وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ
6
نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ *** في اللَوحِ وَاسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ
7
اسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ *** أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ
8
يا خَيرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً *** مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا
9
بَيتُ النَبِيّينَ الَّذي لا يَلتَقي *** إِلّا الحَنائِفُ فيهِ وَالحُنَفاءُ
10
خَيرُ الأُبُوَّةِ حازَهُمْ لَكَ آدَمٌ *** دونَ الأَنامِ وَأَحرَزَت حَوّاءُ
11
هُم أَدرَكوا عِزَّ النُبُوَّةِ وَانتَهَت *** فيها إِلَيكَ العِزَّةُ القَعساءُ
12
خُلِقَت لِبَيتِكَ وَهوَ مَخلوقٌ لَها *** إِنَّ العَظائِمَ كُفؤُها العُظَماءُ
13
بِكَ بَشَّرَ اللَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت *** وَتَضَوَّعَت مِسكًا بِكَ الغَبراءُ
14
وَبَدا مُحَيّاكَ الَّذي قَسَماتُهُ *** حَقٌّ وَغُرَّتُهُ هُدىً وَحَياءُ
15
وَعَلَيهِ مِن نورِ النُبُوَّةِ رَونَقٌ *** وَمِنَ الخَليلِ وَهَديِهِ سيماءُ
16
أَثنى المَسيحُ عَلَيهِ خَلفَ سَمائِهِ *** وَتَهَلَّلَت وَاهتَزَّتِ العَذراءُ
17
يَومٌ يَتيهُ عَلى الزَمانِ صَباحُهُ *** وَمَساؤُهُ بِمُحَمَّدٍ وَضّاءُ
18
الحَقُّ عالي الرُكنِ فيهِ مُظَفَّرٌ *** في المُلكِ لا يَعلو عَلَيهِ لِواءُ
19
ذُعِرَت عُروشُ الظالِمينَ فَزُلزِلَت *** وَعَلَت عَلى تيجانِهِم أَصداءُ
20
وَالنارُ خاوِيَةُ الجَوانِبِ حَولَهُمْ *** خَمَدَت ذَوائِبُها وَغاضَ الماءُ
21(1221/1)
وَالآيُ تَترى وَالخَوارِقُ جَمَّةٌ *** جِبريلُ رَوّاحٌ بِها غَدّاءُ
22
نِعمَ اليَتيمُ بَدَت مَخايِلُ فَضلِهِ *** وَاليُتمُ رِزقٌ بَعضُهُ وَذَكاءُ
23
في المَهدِ يُستَسقى الحَيا بِرَجائِهِ *** وَبِقَصدِهِ تُستَدفَعُ البَأساءُ
24
بِسِوى الأَمانَةِ في الصِبا وَالصِدقِ لَم *** يَعرِفهُ أَهلُ الصِدقِ وَالأُمَناءُ
25
يا مَن لَهُ الأَخلاقُ ما تَهوى العُلا *** مِنها وَما يَتَعَشَّقُ الكُبَراءُ
26
لَو لَم تُقِم دينًا لَقامَت وَحدَها *** دينًا تُضيءُ بِنورِهِ الآناءُ
27
زانَتكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ *** يُغرى بِهِنَّ وَيولَعُ الكُرَماءُ
28
أَمّا الجَمالُ فَأَنتَ شَمسُ سَمائِهِ *** وَمَلاحَةُ الصِدّيقِ مِنكَ أَياءُ
29
وَالحُسنُ مِن كَرَمِ الوُجوهِ وَخَيرُهُ *** ما أوتِيَ القُوّادُ وَالزُعَماءُ
30
فَإِذا سَخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى *** وَفَعَلتَ ما لا تَفعَلُ الأَنواءُ
31
وَإِذا عَفَوتَ فَقادِرًا وَمُقَدَّرًا *** لا يَستَهينُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ
32
وَإِذا رَحِمتَ فَأَنتَ أُمٌّ أَو أَبٌ *** هَذانِ في الدُنيا هُما الرُحَماءُ
33
وَإِذا غَضِبتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبَةٌ *** في الحَقِّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ
34
وَإِذا رَضيتَ فَذاكَ في مَرضاتِهِ *** وَرِضا الكَثيرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ
35
وَإِذا خَطَبتَ فَلِلمَنابِرِ هِزَّةٌ *** تَعرو النَدِيَّ وَلِلقُلوبِ بُكاءُ
36
وَإِذا قَضَيتَ فَلا ارتِيابَ كَأَنَّما *** جاءَ الخُصومَ مِنَ السَماءِ قَضاءُ
37
وَإِذا حَمَيتَ الماءَ لَم يورَد وَلَو *** أَنَّ القَياصِرَ وَالمُلوكَ ظِماءُ
38
وَإِذا أَجَرتَ فَأَنتَ بَيتُ اللهِ لَم *** يَدخُل عَلَيهِ المُستَجيرَ عَداءُ
39
وَإِذا مَلَكتَ النَفسَ قُمتَ بِبِرِّها *** وَلَوَ اَنَّ ما مَلَكَت يَداكَ الشاءُ
40
وَإِذا بَنَيتَ فَخَيرُ زَوجٍ عِشرَةً *** وَإِذا ابتَنَيتَ فَدونَكَ الآباءُ
41(1221/2)
وَإِذا صَحِبتَ رَأى الوَفاءَ مُجَسَّمًا *** في بُردِكَ الأَصحابُ وَالخُلَطاءُ
42
وَإِذا أَخَذتَ العَهدَ أَو أَعطَيتَهُ *** فَجَميعُ عَهدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفاءُ
43
وَإِذا مَشَيتَ إِلى العِدا فَغَضَنفَرٌ *** وَإِذا جَرَيتَ فَإِنَّكَ النَكباءُ
44
وَتَمُدُّ حِلمَكَ لِلسَفيهِ مُدارِيًا *** حَتّى يَضيقَ بِعَرضِكَ السُفَهاءُ
45
في كُلِّ نَفسٍ مِن سُطاكَ مَهابَةٌ *** وَلِكُلِّ نَفسٍ في نَداكَ رَجاءُ
46
وَالرَأيُ لَم يُنضَ المُهَنَّدُ دونَهُ *** كَالسَيفِ لَم تَضرِب بِهِ الآراءُ
47
يأَيُّها الأُمِيُّ حَسبُكَ رُتبَةً *** في العِلمِ أَن دانَت بِكَ العُلَماءُ
48
الذِكرُ آيَةُ رَبِّكَ الكُبرى الَّتي *** فيها لِباغي المُعجِزاتِ غَناءُ
49
صَدرُ البَيانِ لَهُ إِذا التَقَتِ اللُغى *** وَتَقَدَّمَ البُلَغاءُ وَالفُصَحاءُ
50
نُسِخَت بِهِ التَوراةُ وَهيَ وَضيئَةٌ *** وَتَخَلَّفَ الإِنجيلُ وَهوَ ذُكاءُ
51
لَمّا تَمَشّى في الحِجازِ حَكيمُهُ *** فُضَّت عُكاظُ بِهِ وَقامَ حِراءُ
52
أَزرى بِمَنطِقِ أَهلِهِ وَبَيانِهِمْ *** وَحيٌ يُقَصِّرُ دونَهُ البُلَغاءُ
53
حَسَدوا فَقالوا شاعِرٌ أَو ساحِرٌ *** وَمِنَ الحَسودِ يَكونُ الاستِهزاءُ
54
قَد نالَ بِالهادي الكَريمِ وَبِالهُدى *** ما لَم تَنَل مِن سُؤدُدٍ سيناءُ
55
أَمسى كَأَنَّكَ مِن جَلالِكَ أُمَّةٌ *** وَكَأَنَّهُ مِن أُنسِهِ بَيداءُ
56
يوحى إِلَيكَ الفَوزُ في ظُلُماتِهِ *** مُتَتابِعًا تُجلى بِهِ الظَلماءُ
57
دينٌ يُشَيَّدُ آيَةً في آيَةٍ *** لَبِناتُهُ السوراتُ وَالأَدواءُ
58
الحَقُّ فيهِ هُوَ الأَساسُ وَكَيفَ لا *** وَاللهُ جَلَّ جَلالُهُ البَنّاءُ
59
أَمّا حَديثُكَ في العُقولِ فَمَشرَعٌ *** وَالعِلمُ وَالحِكَمُ الغَوالي الماءُ
60
هُوَ صِبغَةُ الفُرقانِ نَفحَةُ قُدسِهِ *** وَالسينُ مِن سَوراتِهِ وَالراءُ
61(1221/3)
جَرَتِ الفَصاحَةُ مِن يَنابيعَ النُهى *** مِن دَوحِهِ وَتَفَجَّرَ الإِنشاءُ
62
في بَحرِهِ لِلسابِحينَ بِهِ عَلى *** أَدَبِ الحَياةِ وَعِلمِها إِرساءُ
63
أَتَتِ الدُهورُ عَلى سُلافَتِهِ وَلَم *** تَفنَ السُلافُ وَلا سَلا النُدَماءُ
64
بِكَ يا ابنَ عَبدِ اللهِ قامَت سَمحَةٌ *** بِالحَقِّ مِن مَلَلِ الهُدى غَرّاءُ
65
بُنِيَت عَلى التَوحيدِ وَهيَ حَقيقَةٌ *** نادى بِها سُقراطُ وَالقُدَماءُ
66
وَجَدَ الزُعافَ مِنَ السُمومِ لِأَجلِها *** كَالشَهدِ ثُمَّ تَتابَعَ الشُهَداءُ
67
وَمَشى عَلى وَجهِ الزَمانِ بِنورِها *** كُهّانُ وادي النيلِ وَالعُرَفاءُ
68
إيزيسُ ذاتُ المُلكِ حينَ تَوَحَّدَت *** أَخَذَت قِوامَ أُمورِها الأَشياءُ
69
لَمّا دَعَوتَ الناسَ لَبّى عاقِلٌ *** وَأَصَمَّ مِنكَ الجاهِلينَ نِداءُ
70
أَبَوا الخُروجَ إِلَيكَ مِن أَوهامِهِمْ *** وَالناسُ في أَوهامِهِمْ سُجَناءُ
71
وَمِنَ العُقولِ جَداوِلٌ وَجَلامِدٌ *** وَمِنَ النُفوسِ حَرائِرٌ وَإِماءُ
72
داءُ الجَماعَةِ مِن أَرِسطاليسَ لَم *** يوصَف لَهُ حَتّى أَتَيتَ دَواءُ
73
فَرَسَمتَ بَعدَكَ لِلعِبادِ حُكومَةً *** لا سوقَةٌ فيها وَلا أُمَراءُ
74
اللهُ فَوقَ الخَلقِ فيها وَحدَهُ *** وَالناسُ تَحتَ لِوائِها أَكفاءُ
75
وَالدينُ يُسرٌ وَالخِلافَةُ بَيعَةٌ *** وَالأَمرُ شورى وَالحُقوقُ قَضاءُ
76
الإِشتِراكِيّونَ أَنتَ إِمامُهُمْ *** لَولا دَعاوي القَومِ وَالغُلَواءُ
77
داوَيتَ مُتَّئِدًا وَداوَوا ظَفرَةً *** وَأَخَفُّ مِن بَعضِ الدَواءِ الداءُ
78
الحَربُ في حَقٍّ لَدَيكَ شَريعَةٌ *** وَمِنَ السُمومِ الناقِعاتِ دَواءُ
79
وَالبِرُّ عِندَكَ ذِمَّةٌ وَفَريضَةٌ *** لا مِنَّةٌ مَمنونَةٌ وَجَباءُ
80
جاءَت فَوَحَّدَتِ الزَكاةُ سَبيلَهُ *** حَتّى التَقى الكُرَماءُ وَالبُخَلاءُ
81(1221/4)
أَنصَفَت أَهلَ الفَقرِ مِن أَهلِ الغِنى *** فَالكُلُّ في حَقِّ الحَياةِ سَواءُ
82
فَلَوَ اَنَّ إِنسانًا تَخَيَّرَ مِلَّةً *** ما اختارَ إِلّا دينَكَ الفُقَراءُ
83
يأَيُّها المُسرى بِهِ شَرَفًا إِلى *** ما لا تَنالُ الشَمسُ وَالجَوزاءُ
84
يَتَساءَلونَ وَأَنتَ أَطهَرُ هَيكَلٍ *** بِالروحِ أَم بِالهَيكَلِ الإِسراءُ
85
بِهِما سَمَوتَ مُطَهَّرَينِ كِلاهُما *** نورٌ وَرَيحانِيَّةٌ وَبَهاءُ
86
فَضلٌ عَلَيكَ لِذي الجَلالِ وَمِنَّةٌ *** وَاللهُ يَفعَلُ ما يَرى وَيَشاءُ
87
تَغشى الغُيوبَ مِنَ العَوالِمِ كُلَّما *** طُوِيَت سَماءٌ قُلِّدَتكَ سَماءُ
88
في كُلِّ مِنطَقَةٍ حَواشي نورُها *** نونٌ وَأَنتَ النُقطَةُ الزَهراءُ
89
أَنتَ الجَمالُ بِها وَأَنتَ المُجتَلى *** وَالكَفُّ وَالمِرآةُ وَالحَسناءُ
90
اللهُ هَيَّأَ مِن حَظيرَةِ قُدسِهِ *** نَزُلًا لِذاتِكَ لَم يَجُزهُ عَلاءُ
91
العَرشُ تَحتَكَ سُدَّةً وَقَوائِمًا *** وَمَناكِبُ الروحِ الأَمينِ وِطاءُ
92
وَالرُسلُ دونَ العَرشِ لَم يُؤذَن لَهُمْ *** حاشا لِغَيرِكَ مَوعِدٌ وَلِقاءُ
93
الخَيلُ تَأبى غَيرَ أَحمَدَ حامِيًا *** وَبِها إِذا ذُكِرَ اسمُهُ خُيَلاءُ
94
شَيخُ الفَوارِسِ يَعلَمونَ مَكانَهُ *** إِن هَيَّجَت آسادَها الهَيجاءُ
95
وَإِذا تَصَدّى لِلظُبا فَمُهَنَّدٌ *** أَو لِلرِماحِ فَصَعدَةٌ سَمراءُ
96
وَإِذا رَمى عَن قَوسِهِ فَيَمينُهُ *** قَدَرٌ وَما تُرمى اليَمينُ قَضاءُ
97
مِن كُلِّ داعي الحَقِّ هِمَّةُ سَيفِهِ *** فَلِسَيفِهِ في الراسِياتِ مَضاءُ
98
ساقي الجَريحِ وَمُطعِمُ الأَسرى وَمَن *** أَمِنَت سَنابِكَ خَيلِهِ الأَشلاءُ
99
إِنَّ الشَجاعَةَ في الرِجالِ غَلاظَةٌ *** ما لَم تَزِنها رَأفَةٌ وَسَخاءُ
100
وَالحَربُ مِن شَرَفِ الشُعوبِ فَإِن بَغَوا *** فَالمَجدُ مِمّا يَدَّعونَ بَراءُ
101(1221/5)
وَالحَربُ يَبعَثُها القَوِيُّ تَجَبُّرًا *** وَيَنوءُ تَحتَ بَلائِها الضُعَفاءُ
102
كَم مِن غُزاةٍ لِلرَسولِ كَريمَةٍ *** فيها رِضىً لِلحَقِّ أَو إِعلاءُ
103
كانَت لِجُندِ اللهِ فيها شِدَّةٌ *** في إِثرِها لِلعالَمينَ رَخاءُ
104
ضَرَبوا الضَلالَةَ ضَربَةٌ ذَهَبَت بِها *** فَعَلى الجَهالَةِ وَالضَلالِ عَفاءُ
105
دَعَموا عَلى الحَربِ السَلامَ وَطالَما *** حَقَنَت دِماءً في الزَمانِ دِماءُ
106
الحَقُّ عِرضُ اللهِ كلُّ أَبِيَّةٍ *** بَينَ النُفوسِ حِمىً لَهُ وَوِقارُ
107
هَل كانَ حَولَ مُحَمَّدٍ مِن قَومِهِ *** إِلا صَبِيٌّ واحِدٌ وَنِساءُ
108
فَدَعا فَلَبّى في القَبائِلِ عُصبَةٌ *** مُستَضعَفونَ قَلائِلٌ أَنضاءُ
109
رَدّوا بِبَأسِ العَزمِ عَنهُ مِنَ الأَذى *** ما لا تَرُدُّ الصَخرَةُ الصَمّاءُ
110
وَالحَقُّ وَالإيمانُ إِن صُبّا عَلى *** بُردٍ فَفيهِ كَتيبَةٌ خَرساءُ
111
نَسَفوا بِناءَ الشِركِ فَهوَ خَرائِبٌ *** وَاستَأصَلوا الأَصنامَ فَهيَ هَباءُ
112
يَمشونَ تُغضي الأَرضُ مِنهُمْ هَيبَةً *** وَبِهِمْ حِيالَ نَعيمِها إِغضاءُ
113
حَتّى إِذا فُتِحَت لَهُمْ أَطرافُها *** لَم يُطغِهِمْ تَرَفٌ وَلا نَعماءُ
114
يا مَن لَهُ عِزُّ الشَفاعَةِ وَحدَهُ *** وَهوَ المُنَزَّهُ ما لَهُ شُفَعاءُ
115
عَرشُ القِيامَةِ أَنتَ تَحتَ لِوائِهِ *** وَالحَوضُ أَنتَ حِيالَهُ السَقاءُ
116
تَروي وَتَسقي الصالِحينَ ثَوابَهُمْ *** وَالصالِحاتُ ذَخائِرٌ وَجَزاءُ
117
أَلِمِثلِ هَذا ذُقتَ في الدُنيا الطَوى *** وَانشَقَّ مِن خَلَقٍ عَلَيكَ رِداءُ
118
لي في مَديحِكَ يا رَسولُ عَرائِسٌ *** تُيِّمنَ فيكَ وَشاقَهُنَّ جَلاءُ
119
هُنَّ الحِسانُ فَإِن قَبِلتَ تَكَرُّمًا *** فَمُهورُهُنَّ شَفاعَةٌ حَسناءُ
120
أَنتَ الَّذي نَظَمَ البَرِيَّةَ دينُهُ *** ماذا يَقولُ وَيَنظُمُ الشُعَراءُ
121(1221/6)
المُصلِحونَ أَصابِعٌ جُمِعَت يَدًا *** هِيَ أَنتَ بَل أَنتَ اليَدُ البَيضاءُ
122
ما جِئتُ بابَكَ مادِحًا بَل داعِيًا *** وَمِنَ المَديحِ تَضَرُّعٌ وَدُعاءُ
123
أَدعوكَ عَن قَومي الضِعافِ لِأَزمَةٍ *** في مِثلِها يُلقى عَلَيكَ رَجاءُ
124
أَدرى رَسولُ اللهِ أَنَّ نُفوسَهُمْ *** رَكِبَت هَواها وَالقُلوبُ هَواءُ
125
مُتَفَكِّكونَ فَما تَضُمُّ نُفوسَهُمْ *** ثِقَةٌ وَلا جَمَعَ القُلوبَ صَفاءُ
126
رَقَدوا وَغَرَّهُمُ نَعيمٌ باطِلٌ *** وَنَعيمُ قَومٍ في القُيودِ بَلاءُ
127
ظَلَموا شَريعَتَكَ الَّتي نِلنا بِها *** ما لَم يَنَل في رومَةَ الفُقَهاءُ
128
مَشَتِ الحَضارَةُ في سَناها وَاهتَدى *** في الدينِ وَالدُنيا بِها السُعَداءُ
129
صَلّى عَلَيكَ اللهُ ما صَحِبَ الدُجى *** حادٍ وَحَنَّت بِالفَلا وَجناءُ
130
وَاستَقبَلَ الرِضوانَ في غُرُفاتِهِمْ *** بِجِنانِ عَدنٍ آلُكَ السُمَحاءُ
131
خَيرُ الوَسائِلِ مَن يَقَع مِنهُم عَلى *** سَبَبٍ إِلَيكَ فَحَسبِيَ الزَهراءُ(1221/7)
يا شراعاً وراءَ دجلة َ يجري
يا شراعاً وراءَ دجلة َ يجري ... في دموعي تجنبَتكَ العَوادي
سِر على الماءِ كالمسيحِ رُويداً ... واجر في اليمِّ كالشعاع الهادي
وأْتِ قاعاً كرفرَفِ الخلدِ طِيباً ... أو كفردوسهِ بشاشة َ وادي
قفْ ، تمهَّل ، وخذ أمانا لقلبي ... من عيونِ المهَا وراءَ السَّوادِ
والنُّواسِيُّ والنَّدامَى ؛ أَمِنْهُمُ ... سامرلٌ يملأُ الدُّجى أو نادِ ؟
خطرتْ فوقه المهارة ُ تعدو ... في غُبارِ الآباءِ والأَجداد
أمَّة ٌ تنشىء الحياة َ ، وتبني ... كبِناءِ الأُبوَّة ِ الأَمجاد
تحتَ تاجٍ من القرابة والمُلـ ... ـكِ على فَرْقِ أَرْيحيٍّ جواد
ملك الشطِّ، والفراتيْنِ، والبطـ ... ـحاءِ، أَعظِمْ بِفَيْصَلٍ والبلاد(1222/1)
يا نائح الطلح
لأحمد شوقي
1. يا نائح الطلحِ أشباهٌ عوادينا نشْجى لواديك أم نأسى لوادينا
2. ماذا تقصُّ علينا غيرَ أنّ يداً قصَّتَ جناحك جالت في حواشينا
3. رمى بنا البين أيكاً غير سامِرنا أخا الغريب وظلاًّ غيرَ نادينا
4. كلٌّ رمتهُ النَّوى ريشَ الفِراقُ لنا سهماً وسلّ عليك البينُ سكينا
5. إذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع من الجناحين عيٍّ لا يُلبّينا
6. فإنَ يَكُ الجنسُ يا ابن الطَّلْحِ فرّفنا إن المصائب يجمعنَ المُصابينا
7. لم تألُ ماءك تحناناً ولا ظمأً ولا ادِّكاراً ولا شجواً أفانينا
8. تجُرُّ من فنن ساقاً إلى فَنَنٍ وتسحبُ الذيلَ ترتادُ المؤاسينا
9. أساةُ جسمِكَ شتَّى حين تطلبهم فمَنْ لروحك بالنُّطْس المُداوينا
10. آهاً لنا نازحيْ أيكٍ بأندلسٍ وإن حَلَلْنَا رفيقاً من رَوابينا
11. رسمٌ وقفنا على رسمِ الوفاء له نَجيش بالدَّمع والإجلال يثنينا
12. لفتيَةٍ لا تنال الأرضُ أدمُعَهم ولا مَفارقهم إلاَّ مُصَلّيِنا
13. لو لم يسودوا بدين فيه منبهةٌ للناس كانت لهم أخلاقُهم دينا
14. لم نَسْرِ من حرمٍ إلاّ إلى حَرَم كالخمر من بابلٍ سارت لدارينا
15. لمّا نبا الخلدُ نابت عنه نُسْختُه تماثلَ الورْدِ خيريّاً ونسرينا
16. نسْقي ثراهمْ ثناءً كلَّما نثرتْ دُموعُنا نُظِمتْ منها مراثينا
17. كادت عيون قوافينا تحرّكهُ وكِدْنَ يوقظنَ في التُّربِ السلاطينا
18. لكنَّ مصرَ وإن أغضتْ على مقةٍ عينٌ من الخلدِ بالكافور تسقينا
19. على جوانبها رَفَّتْ تمائمنا وحولَ حافاتها قامتْ رواقينا
20. ملاعبٌ مَرحَتْ فيها مآربُنا وأربع أَنِسَتْ فيها أمانينا
21. ومطلعٌ لسعودٍ من أواخِرنا ومغربٌ لجُدُودٍ من أوالينا
22. بنَّا فلم نَخلُ من روح يراوحنا من بَرّ مصرَ وريحانٍ يُغادينا
23. كأمِّ موسى على اسمِ الله تكْفُلُنا وباسمهِ ذهبتْ في اليَمِّ تُلقِينا
24. ومصرُ كالكرمِ ذي الإحسان فاكهةٌ لحاضِرينَ وأكوابٌ لبَادينا(1223/1)
25. يا ساري البرقِ يرمي عن جوانحنا بعدَ الهدوءِ ويهمي عن مآقينا
26. لمّا ترقرق في دمع السماءِ دماً هاج البكا فخضبْناَ الأرضَ باكينا
27. الليلُ يشهد لم نهتِك دياجِيَهُ على نيامٍ ولم نهتف بسالينا
28. والنَّجمُ لم يرَنا إلاّ على قدمٍ قيامَ ليل الهوى للعهج راعينا
29. كزفرةٍ في سماءِ الليل حائرةٍ ممَّا نُرَدِّدُ فيه حين يُضوينا
30. بالله إن جبت ظلماءَ العبابِ على نجائب النُّور مَحدوّاً بجرينا
31. تردُّ عنك يداه كلَّ عاديةِ إنساً يعثنَ فساداً أو شياطينا
32. حتى حَوتكَ سماءُ النيلِ عالية على الغيوث وإن كانت ميامينا
33. وأحرزتكَ شُفوفُ اللازوَرْدِ على وشيِ الزَّبرْجَدِ من أَفوافِ وادينا
34. وحازكَ الريفُ أرجاءً مؤرَّجَةً رَبَتْ خمائِلَ واهتزَّت بساتينا
35. فقِف إلى النيل واهتف في خمائله وانزل كما نزل الطلُّ الرَّياحينا
36. وآسِ ما بَاتَ يذوِي من منازلنا بالحادثات ويضوي من مغانينا
37. ويا معطِّرةَ الوادي سرَتْ سَحَراً فطابَ كلُّ طروحٍ من مرامينا
38. ذكيَّة اللَّيل لو خِلنا غلالتها قميصَ يوسفَ لم نحسبْ مُغالينا
39. جشمتِ شوْكَ السُّرى حتى أتيتِ لنا بالورد كتباً وبالرَيَّا عناوينا
40. فلو جزيناك بالأرواح غاليةٌ عن طيب مسراك لم تنهض جوازينا
41. هل من ذيولكِ مسْكِيٌّ نحَمِّلُه غرائب الشوق وَشياً من أمالينا
42. إلى الذين وجدنا وُدَّ غيرهمُ دُنيا وودّهم الصافي هو الدنيا
43. يا من نغارُ عليهم من ضمائرنا ومن مَصون هواهم في نتاجينا
44. خاب الحنينُ إليكم في خواطرِنا عن الدّلال عليكم في أمانينا
45. جئنا إلى الصبر ندعوه كعادتنا في النائبات فلم يأخذ بأيدينا
46. وما غلبنا على دمع ولا جلدٍ حتى أتتنا نواكم من صياصينا
47. ونابغيّ كأن الحشر آخره تُميتنا فيه ذكراكم وتُحيينا
48. نَطوي دجاه بجرحٍ من فراقكم يكاد في غلَس الأسحار يطوينا
49. إذا رَسا النجمُ لم ترقأ مَحاجِرنا حتى يزول ولم تهدأْ تراقينا(1223/2)
50. يبدو النهارُ فيخفيه تجلُّدُنا للشامتين ويأْسُوه تأيِّينا
51. سقياً لعهدٍ كأكناف الرُّبى رفةً أَنَّى ذهبنا وأعطاف الصَّبا لينا
52. إذِ الزمانُ بنا غيناءُ زاهيةٌ ترفُّ أوقاتُنا فيها رَيَاحينا
53. الوصلُ صافيةٌ والعيشُ ناغيةٌ والسعدُ حاشيةٌ والدهرُ ماشينا
54. والشمس تختال في العقيان تحسبها بلقيس ترفُلُ في وشيِ اليمَانينا
55. والنيلُ يٌقبِل كالدنيا إذا احتفلت لو كان فيها وفاءٌ للمُصافينا
56. والسعدِ لوْ دام والنعمَى لو اطَّردتْ والسيلِ لَو عَفَّ والمقدار لو دينا
57. ألقى على الأرض حتى رَدَّها ذهبا ماءً لمسنا به الإكسير أو طينا
58. أعداه من يُمنِه التابوتُ وارتسَمَتْ على جوانبه الأنوارُ من سينا
59. له مبالغُ ما في الخُلْقِ من كرَمٍ عهدُ الكرامِ وميثاقُ الوفيِّينا
60. لم يجرِ للدهرِ إعذارٌ ولا عُرُسٌ إلاَّ بأيامنا أو في ليالينا
61. ولا حوى السعدُ أطغى في أعنَّته كنَّا جياداً ولا أرحى ميادينا
62. نحن اليواقيتُ خاض النارَ جَوهَرُنا ولم يهُنْ بيدِ التشتيتِ غالينا
63. ولا يحول لنا صبغٍ ولا خُلُقٌ إذا تلّون كالحرباء شانينا
64. لم تنزل الشمسُ ميزاناً ولا صعدَتْ في مُلكها الضخمِ عرشاَ مثلَ وادينا
65. ألم تُؤلَّه على حافاته ورأتْ عليه أبناءها الغرَّ الميامينا
66. إن غازلت شاطئيه في الضحى لبسا خمائل السُّندُس الموشيَّةِ الغينا
67. وبات كلُّ مجاج الوادِ من شجرٍ لوافظِ القزِّ بالخيطان ترمينا
68. وهذه الأرضُ من سهلٍ ومن جبلِ قبل القياصر دِنَّاها فراعينا
69. ولم يضع حجراً بانٍ على حجرٍ في الأرض إلاَّ على آثار بانينا
70. كأنّ أهرام مصرِ حائطٌ نهضت به يدُ الدهرِ لا بنيانُ فانينا
71. إيوانُه الفخمُ من عُليا مقاصره يُفني الملوك ولا يُبقي الأواوينا
72. كأنها ورمالا حولها التطمتْ سفينةٌ غرقتْ إلاَّ أساطينا
73. كأنها تحت لألاء الضُّحى ذهباً كنوزُ فِرعون غطَّين الموازينا(1223/3)
74. أرضُ الأبوةِ والميلاد طيَّبها مرُّ الصِّبا في ذيول من تصابينا
75. كانت مُحجَّلةً فيها مواقِفُنا غُرَّاً مُسَلْسَلَةَ المجرى قوافينا
76. فآب مِنْ كُرةِ الأيامِ لاعِبنا وثاب مِنْ سِنةِ الأحلامِ لاهينا
77. ولم ندع لليالي صافياً فدعتْ (بأن نغصَّ فقال الدهرُ آمينا)
78. لو استطعنا لخُضْنَا الجوِّ صاعقةً والبرَّ نارَ وَغىً والبحرَ غسلينا
79. سعياً إلى مصرَ نقضي حقَّ ذاكرنا فيها إذا نَسيَ الوافي وباكينا
80. كنزٌ بحُلوان عندَ اللهِ نطلُبُه خيرَ الودائع من خير المؤدِّينا
81. لو غاب كلُّ عزيز عنه غَيبتَنَا لم يأتِه الشوقُ إلاَّ من نواحينا
82. إذا حمَلْنا لمصر أو لهُ شَجَناً لم ندرِ أيُّ هوى الأمين شاجينا(1223/4)
آآآهـ يا إيمانمع التحية إلى براءة الطفلة « إيمان حجو »
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1224/1)
وقفة على أشلاء مضيئة
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
أخرج على مثل الضحى هدفاً
فإنك لن تفرَّ من القَدَرْ
شبكة مشكاة
الإسلامية
فارسْ
ويقول للأرضِ : أطمئنّي ..
إنني للقدس حارسْ
أسرج شموخك يا بطل
أو ما ترى غيث البطولة ..
في رُبى الأقصى هًطَلْ ؟
أو ما ترى الطفل الذي ..
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1225/1)
وقفة على أبواب مستوطنة يهوديةيا أبي
هذي روابينا تغشَّاها سكونُ الموتِ ..
أدماها الضجرْ ..
هذه قريتنا تشكو ..
وهذا غصن أحلامي انكسرْ ..
يا أبي ..
شبكة مشكاة
الإسلاميةوجهك معروق ..
وهذا دمع عينيك انهمرْ ..
هذه قريتنا كاسفة الخدينِ ..
صفراء الشجرْ ..
ما الذي يجري هنا يا أبتي ..
هل نفضَ الموتَ التتَرْ ؟!
يا أبي ..
هذا هو الفجر تدلَّى فوقنا من جانب الأُفُقْ ..
وفي طلعته لون الأسى ..
هاهو المركب في شاطئنا الغالي رَسَى ..
غيرَ أنا ما سمعنا يا أبي ..
صوتَ الأذانْ ..
عجبًا ..
صوتُ الأذانْ ؟؟
منذ أنْ صاحبني الوعيُ بما يحدث في هذا المكانْ ..
منذ أنْ أصغيتُ للجدَّةِ ..
تروي من حكاياتِ الزمانْ :
( كان في الماضي وكان )
شبكة مشكاة
الإسلامية(1226/1)
من أعماق القلب
أختاه، دونك حاجز وستار ولديك من صدق اليقين شعار
عودي إلى الرحمن عوْداً صادقاً فيه يزول الشرّ والأشرارُ
وبه يعود إلى البلاد أمانها وبه يُفّكُ عن الخليج حصارُ
أختاه، دينُك منبع يروي به قلب التقي وتشرق الأنوارُ
وتلاوة القرآن خير وسيلةٍ للنصر، لا دفّ ولا مزمار
شبكة مشكاة
الإسلامية هو في احتدام القيظ ظلّ وارف وإذا التوى وجه النهار دثارُ
ودعاؤك الميمون في جنح الدّجى سهم تذوب أمامه الأخطار
الكون-ـ يا أختاه -ـ ليس قصيدة منثورة، في لحنها استهتار
الكون ليس بما حوى ألعوبة كلا، ولكن بالقضاء يُدار
يروي السياسيون ألف حكاية وتسوق ما لم يعرفوا الأقدار
أختاه حولك روضة مخضرة تختال فوق ربوعها الأشجار
نبع ونهر لا يجف مسيله أبدا، وجذع شامخ وثمار
دين تهون به الخطو، وتزدهي في ظله همم، ويمسح عار
ولديك يا أختاه منه ذخيرة يحمى بها عرض، ويحفظ جار
ولديك تاريخ عريق شامخ يحلو به للمؤمن استذكار
في منهج "الخنساء" درس فضيلة وبمثله يسترشد الأخيار
أختاه، يصمد للحوادث مخلص فيما يقول ويسقط السمسار
في كفك النشأ الذين بمثلهم تصفو الحياة وتحفظ الآثار
هزي لهم جذع البطولة ، ربما أدمى وجوه الظالمين صغار
غذي صغارك بالعقيدة ، إنها زاد به يتزود الأبرار
لا تستجيبي للدعاوى، أنها كذب وفيها للظنون مثار
إعلام هذا العصر شر ظاهر فعلى يديه تزور الأخبار
وعلى يديه تشاع كل رذيلة وعلى يديه تشوه الأفكار
وبه تشب النار يوقد جمرها وبه يثار من الشكوك غبار
أختاه عين الفجر ترقب ما جرى وغدا ستشرب نوره الأزهار
شبكة مشكاة
الإسلامية وسيحرق الليل الطويل ثيابه ولسوف تهتك دونه الأستار
وسيكتب القمر المنير حكاية عن حزنه وستفضح الأسرار
وستعزف الشمس المضيئة نورها ولسوف تهدم عندها الأسوار
أختاه، كم من ظالم يبني له ملكا، فيهدم ملكه القهار
أين الجبابرة الذين تسلطوا ذهبوا، وظل الواحد الجبار(1227/1)
لا ترهبي التيار أنت قوية بالله مهما استأسد التيار
تبقى صروح الحق شامخة وان أرغى وأزبد عندها الإعصار
إن البناء وإن تسامق واعتلى ما لم يشيد بالتقى ينهار
قد يحصد الطغيان بعض ثماره لكن عقبى الظالمين دمار(1227/2)
أيها الحادي الذي يحدو القوافل
أيها الحادي الذي يحدو القوافل أنت ماضٍ، وجديرٌ أن تواصل
أسمِعِ الصحراء صوتاً أبخشيّاً صافياً يُلهبُ أخفاف الرواحل
وبه تمنحنا الراحة ظلاً وبه تُطوى من الدرب المراحل
أيها الحادي، أدر شَدوكَ فينا نغماً يوقظ أحلام الغوافل
صوتك العذب يُرينا كيف تهفو مُقل الرمل، وأهدابُ المنازل
صوتك العذب غناءٌ يتلاشى عنده تغريد أصوات البلابل
كلما أنشدتُ لحناً، خِلتُ أني أمسح النجم بأطراف الأنامل
وأناجي قمر الليل وأبني فوقه صرحاً، وأبراجَ فضائل
وأرى دائرة النور أمامي غُرّةً بيضاء في جبهةِ صاهل
وأرى الأنجم عقداً لؤلؤياً ما له في عالم الدِّر مُماثل
أيها الحادي، تألقتَ فرفقاً بالقوارير وربَّات الخلاخل
خفِّف اللحن الذي أصبح سحراً يتسامى وَصفُه عن سحر بابل
أيها الحادي، على لحنك سارت خيلُنا الدُّهمُ الكريماتُ الأصائل
لم نزل نُركِضُها في خير أرضٍ صانها الرحمن من ضَربِ الزلازل
لم نزل نسقي رمال البيد غيثاً من سحابٍ، عبرت عنه الجداول
لم نزل في رحلة الحب سويّاً نقطع البيد ونجتاز المجاهل
ربما يعذُلنا من ليس منا والفتى الواثق لا يخشى العواذل
نحن ما زلنا على درب هُدانا نرشد الناس وندعو ونحاول
لا نبالي بخفافيش ظلامٍ بل نناديها وغيثُ الحبِّ هاطل
يا خفافيش ظلام الليل، إنّا قد عرفنا كلَّ ما تُخفي الحواصل
عجباً، كيف وهمتم، أنسيتم أن بحر الوهم لا يلقاه ساحل؟
لجّةٌ مظلمةٌ يغرق فيها كل مجنونٍ ومخدوعٍ وعاطل
يا خفافيش ظلام الليل إنّا لم نزل نحملُ في الليل المشاعل
ما وجدنا حَيرةً لما انطلقنا بل عرفنا كيف نمضي ونواصل
نحن لم نجنح عن الحق ولكن جنحَ الواهم واللِّصُ المخاتل
دارت الدنيا بنا حتى ثبتنا وورثنا بالهدى مجد الأوائل
وعرفنا لغة التجديد، لكن دون أن نفقد روحاً أو نجامل
أرضنا مهبط وحي الله، فيها جمَّع الإسلام أشتات القبائل
هذه كعبتنا مهوى قلوبٍ شوقُها يغلي كما تغلي المراجل(1228/1)
ركنُها والحجر الأسود فيها والمصلّى والحماماتُ الزواجل
صورةٌ تختصر الكونَ وتمحو من قلوب الناس آثار الغوائل
يا خفافيش ظلامِ الليل، مهلاً سرجُكم في ساحة الميدان مائل
شرِّقوا أو غرِّبوا إنّا ورثنا من تعاليم الهدى خير الشمائل
وورثنا من كتاب الله علماً كلُّ علمٍ بعده تحصيلُ حاصل
ويلكم، كيف نسيتم أن ديني هو نبع الخير والأرض خمائل؟!
إنما يحفظ حق الناس دينٌ يرِدُ الناس به أصفى المناهل
وبه يُحفَظ حقٌّ لضعيفٍ وبه يُطعم مسكينٌ وعائل
وبه تُرفع راياتُ بلادي وبه تُعرف أحكام النوازل
إن من أعظم ما يرعى حقوقاً لبني الإنسان أن يُقتل قاتل
أن ترى كفُّ الذي يسرق حدّاً صارماً يحمي من اللص السنابل
ان يرى المجرم سيفاً حيدرياً مشرقاً يلمع في قبضة عادل
أن ترى الأمة ما يحمي حماها من هوى باغٍ ومن زلة جاهل
أن يرى من يهتك الأعراض ظلماً كيف يحمي الرجم أعراض الحلائل
أن يرى من يقذف الناس بفُحشٍ أن حدَّ القذف يحمي عِرض غافل
في القصاص الأمن من سطوة باغٍ وبه تطفأ نيران القلاقل
صورة محكمة النسج، ودين واضحٌ تسمو به الأرواح كامل
عجباً ممن يرى في التمر جمراً ويساوي بين مجنون وعاقل
ويرى أن العصا مثل حسامٍ ويساوي بين سَحبَانٍ وباقل
كيف يرعى من حقوق الناس شيئاً مَن يناديهم إلى وحل الرذائل؟
ويرى حرية الناس انحلالاً وانحرافاً عن موازين الفضائل
عالم الغربِ الذي يطلق فينا كلَّ يومٍ صرخةً من فم صائل
لم يزل يسبح في بحر المعاصي وعلى شطآنه تجري المهازل
لم يزل ينهشنا لحماً وعظماً ويُرينا كيف يَحتَزُّ المفاصل
عالم الغرب اختراعاتُ عقولٍ أصبحت في خالق الكون تجادل
يزنُ الأمر بميزانين، هذا راجحٌ في الوزن والآخر شائل
كيف نرجو من فتى يأبى التزاماً بفروض الدين تطبيقَ النوافل؟!
ما قلوب الناس إلا كبقاعٍ بعضها معشوشبٌ والبعض قاحل
كم قلوبٍ كزهور الروض حبّاً وصفاءً، وقلوبٍ كالجنادل
أيّها الماضون في درب الدعاوى دربُنا يُسقى من الخير بوابل(1228/2)
نحن في مملكة أشرق فيها فجرُ دين الله يجتاز الحوائل
نحن أدرى بحقوق الناس، هذا ديننا يدفع عنها ويناضل
ديننا للدين والدنيا نظامٌ جامعٌ مستوعبٌ للكون شامل
ديننا صرحٌ من الخير متينٌ تتهاوى دونه أعتى المعاول
ديننا أثبتُ من قُنّةِ رضوى كلُّ دينٍ غيره في الأرض باطل
رايةُ التوحيد إعلانٌ صريحٌ وجوابٌ عندما يسأل سائل(1228/3)
أيها العالم !!شبكة مشكاة
الإسلامية(1229/1)
إمنحوني حفرة أدفن أمي =======
بين أمِّي وأخي، كيف أنامُ
................ليلةٌأهونُ ما فيها الظَّلامُ
جُثَّةٌ هامدةٌ أمِّي أمَامي
..............آهِ كم يجرحُني هذا الأمَام
وأخي الغالي هنا، يالَهْفَ نفسي
............جُثَّة أَذْبلَها الموتُ الزُّؤام
بين أمّي وأخي، بين حُطام
ٍ............... آه مما ضمه هذا الحطام
نَكْهَةُ الموتِ هنا تخنُقُ صدري
..............وزوايا منزلي الغالي رُكَام
دَمُ أُمِّي وأَخي يرسمُ حَوْلِي
............صورةَ الرُّعْبِ، وللحُزْنِ ضِرَامُ
صورةٌ قاتمةٌ أبصرتموها
...............وعلى أعينِكم منها جَهَامُ
رُبَّما«حَوْقَلَ» منكم مَنْ رآها
................وعلى شاشَتِه منها قَتَام
ثم أرخى طَرْفَهُ حيناً فلمَّا
............َسكَنَتْ آلامُه لذَّ المنام
سَكَرَاتُ الموتِ تَشْتدُّ أمَامِي
...............وَأَنيُن الأُمِّ في قلبي سِهَامُ
وأخي حاول أَنْ ينطقَ، لكنْ
...............فاضتِ الرُّوحُ وما تمّ الكلامُ
كلُّ شيءٍ ها هنا صار مُخيفاً
...............بعد أَنْ قَوَّضَ أحلامي الحِمَامُ
ها هنا الإرجافُ والغَدْرُ انتصارٌ
.............وهنا الإنصافُ والعدلُ انهزامُ
حاصروني، وأخي يَنْزِفُ عندي
.............وَدَمُ الأُمِّ على الأَرضِ سِجَامُ
وبقايا الدارِ سِرْدابٌ مُخيفٌ
...............لم يَعُدْ فيها لأَحبابي مُقامُ
وعلى ناصية الشارعِ جيشٌ
................من قرودٍ كلُّ مَنْ فيه لِئَامُ
آلة الحرب هنا آلة موتٍ
.................زادُها اليوميُّ بنتٌ وغُلامُ
زادُها ليلى وإيمانٌ وسُعدَى
.....................ونضالٌ وجهادٌ وعصامُ
زادها اليوميُّ أَشْلاَءُ نساءٍ
..............وشيوخٍ وهَنَتْ منها العِظَامُ
زادُها في رَحِم الأُمِّ جَنينٌ
................ورضيعٌ لم يفارقْهُ الفِطَامُ
آلةُ الحرب هنا وحشٌ مخيفٌ
.............هائجٌ، غايتُه الكبرى انتقامُ(1230/1)
يا نظامَ الدُّولِ الكُبرى سَمِعْنَا
............منكَ لوماً، عجباً كيف نُلامُ؟!
أَتُلامُ امرأةٌ ثَكْلىَ تُنادِي
..........أَيُلامُ الشَّعبُ بالقهرِ يُسَامُ؟!
أمن الإِرهابِ شارونُ بريءٌ
.......وهو بالقتل شَغُوفٌ مُسْتَهامُ؟!
أيُّ مِكْيالَينِ ياقومُ لدَيْكمْ
.......بهما يُلْقَى إلى الَجوْرِ الزِّمامُ؟!
لست أدري، ما الذي تعني لديكم
......حُرْمَةُ النَّاسِ، وما يعني السَّلام
لكَأَنّي بلسانِ الأرضِ يشكُو
..........مثلما تشكو من الظلم رِهَامُ
بين شارونَ وبينَ الصَّمْتِ منكمْ
..........لم يعد للشر في الأرض لِجَامُ
فِتَنٌ أَبْصَرَتِ الشِّيشانُ منها
...........مارأت كابولُ والأَقصى وجَامُو
أَلْفُ شارونَ هُنَا يا قومُ أعدى
.............. مَنْ يُعاديهمْ وفاءٌ والتزامُ
حاصروني هاهنا، للقصف حولي
..............دَمْدَمَاتٌ، ولآلامي احتدام
هذه داري وربِّ البيت هذا
........ مسجد يعرفني فيه الإِمامُ
هاهنا صلَّى أبي الغالي وجدِّي
.........ها هنا قاموا من اللَّيل وصامُوا
ياكرامَ الناسِ في الأرضِ، أَجيبُوا
............صرختي، لا تخذُلوني ياكرامُ
أنا لا أطلبُ من تُرْبَة أرضِي
...........غيرَ قبرينِ، فَهل هذا حرامُ؟!
امنحوني حفرةً، أدفنُ أمِّي
............وأخي، فالدَّفن للموتى لِزَامُ(1230/2)
اجلس يارامي
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1231/1)
الأقصى يناديكم
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1232/1)
الأمل القادم
أنى تغيب ونور وجهك ساطع وضباء حبك في الفؤاد رواجع
أنى تغيب وأنت في عيني ضحى يزهو وبرق في خيالي لامع
أنى تغيب وأنت بين جوانحي شمس وفي الظلماء بدر طالع
أنى تغيب وأنت ظل عندما تشتد رمضائي إليه أسارع
حاصرتني في نصف دائرة الهوى وأنا بحظي من حصارك قانع
شبكة مشكاة
الإسلامية من أين أخرج والسياج يحيط بي من كل ناحية وأمرك قاطع
وأنا أقول لظبية الشعر التي ربيتها إن المسافر راجع
يا ظبية الشعر اطمئني إنني ما زلت في كتب الحنين أراجع
في القلب شيء قيل لي هو لوعة وأنا أقول هو الحريق اللاذع
وبمقلتي نهر سينقص قدره لو قلت هذي في العيون مدامع
وأمام أبواب المشاعر نبتة في غصنها ثمر المودة طالع
يا ظبية الشعر المؤجج في دمي تيهي فصيتك في فؤادي ذائع
عاقبتني لما شكوت وإنما أشكو لأن الحق فينا ضائع
ولأن جدران الكرامة هدمت في أمتي والذل فيها شائع
ولأنني أبصرت ثعبان الهوى في نابه المشؤوم سم ناقع
ولأنني أبصرت ما لم تبصري فهناك ذئب عند بابك قابع
إني أقول لمن يعاتبني أفق فأنا بسيف الشعر عنك أقارع
أنظر إلى لون السلام وطعمه مر مذاقته ولون فاقع
قالوا السلام أتى فتابعنا الذي وصفوا فبان لنا الكلام الخادع
قلنا لهم أين السلام فما نرى إلا أكف الواهمين تبايع
شتان بين مسالم ومتاجر إن المتاجر للكرامة بائع
في كف داعية السلام مزاهر وبكف تجار السلام مقامع
أرأيت في الدنيا سلاما عادلا تدعو إليه قنابل ومدافع
إني لأخجل حين أضحك لاهيا وقد ارتمى في الأرض طفل جائع
إني لأخجل حين أشغل بالهوى وعفاف ليلى البسنوية دامع
إني لأخجل حين أبصر أمتي تهفو إلى أعدائها وتوادع
ما زلت أدعوها ويجمد في فمي صوت المحب ولا يجيب الخاضع
ما زلت أدعوها وألف حكاية تروى عن الأهل الذين تقاطعوا
عن إخوة ركبوا الخلاف مطية وإلى سراديب الشقاق تدافعوا
شبكة مشكاة
الإسلامية يا أمة يسمو بها تاريخها ويسوقها نحو الضياع الواقع(1233/1)
يا أمة تصغي إلى أهوائها وتسد سمعا حين يصدع صادع
يا أمة ما زلت أسأل حالها عنها فتنطق بالجواب فواجع
ما لي أراك فتحت أبواب الهوى وقبلت ما يدعو إليه الطامع
يممت غربا والحقائق كلها شرق وفي يدك الدواء الناجع
ما لي أراك مددت للمال الربا جسرا وفي القرآن عنه قوارع
أنسيت حرب الله وهي رهيبة أو ما لديك من العقيدة رادع
أو غاية الإسلام عندك أن يرى لك في الوجود معامل ومصانع
أنسيت أن الناس فيك معادن أنسيت أن الأرض فيك مواضع
لا تخدعي بعض الوجوه قبيحة وتزينها للناظرين براقع
وإذا أراد الله نزع ولاية عمي البصير بها وصم السامع
يا أمتي عوتبتُ فيك وإنما خشي المعاتب أن يسوء الطالع
قالوا تدافع بالقصائد قلت بل بيقين قلبي عن حماك أدافع
شبت عن الطوق الحروف فما بها حرف يزيف رؤيتي ويخادع
أسلمت للرحمن ناصيتي فما تلهو القصائد أو يغيب الوازع
إني أتوق إلى انتصار عقيدة فيها لأنهار النجاة منابع
قالوا : تروم المستحيل ؟ فقلت بل وعد من الرحمن حق واقع
والله لو جرف العدو بيوتنا ورمت بنا خلف المحيط زوابع
شبكة مشكاة
الإسلامية لظللت أؤمن أن أمتنا لها يوم من الأمجاد أبيض ناصع
هذي حقائقنا وليست صورة وهمية فيها العقول تنازع
أنا لن أمل من النداء فربما أجدى نداء من فؤادي نابع(1233/2)
البائع الخاسر ====
بعها فأنت لما سواها أبيع .. لك عارها ولها المقام الأرفع
لك وصمة التاريخ أنت لمثلها .. أهل ومثلك في المذلة يرتع
شبح مضى والناس بين مكذب .. ومصدق ويد الكرامة تقطع
ضيعت جهد المخلصين كأنهم .. لم يبذلوا جهدا ولم يتبرعوا
والله ما أحسنت ظني في الذي .. تدعو ولا مثلي بمثلك يخدع
وقرأت في عينيك قصة غادر .. أمسى على درب الهوى يتسكع
وعلمت أنك ابن اسرائيل لم تفطم وأنك من هواها ترضع
لكن بعض القوم قد خدعوا بما نمّقته فتأثروا وتسرعوا
ظنوك منقذهم ولو علموا بما تخفي وأنك في الرئاسة تطمع
لرماك بالأحجار طفل شامخ .. ما زال يحرس ما هجرت ويمنع
يا من تزوجت القضية خدعة .. وحلفت أنك بالحقيقة تصدع
عجبا لزوج لا يغار فقلبه .. متحجر وعيونه لا تدمع
عجبا لزوج باع ثوب عروسه .. لا ينزوي خجلا ولا يتورع
يا بائع الأوطان بيعك خاسر .. بيع السفيه لمثله لا يشرع
هذي فلسطين العزيزة لم تزل .. في كل قلب مسلم تتربع
مسرى النبي بها وأول قبلة .. فيها وفيها للبطولة مهيع
فيها عقول بالرشاد مضيئة .. فيها حماس وجهها لا يصفع
هذي فلسطين العزيزة ثوبها .. من طلعة الفجر المضيئة يصنع
هذي فلسطين العزيزة طفلها .. متوثب لا يستكين ويخضع
هي أرض كل موحد لا بيع من .. باعوا يتمّ ولا الدعاوى تسمع
سيجيء يوم حافل بجهادنا .. الخيل تصهل والصوارم تلمع
قد طال ليل الكفر لكني أرى من خلفه شمس العقيدة تسطع(1234/1)
الباحة اليوم صوتي لصوتك يا قلبي الحنون صدى فاهتف بلحن الرضى واجعل أساك فدى
أنخْ هنا ركبك الساري، فأنت على أرض ستُنبت أزهار الهناء غدا
أسمعْ رُبى غامدٍ لحناً، تردّده زهرانُ، فالدّرب صار اليوم متّحدا
إنّي حفرتُ روابي الشعر، أزرعها حباً، وصدقاً وللإنسان ما قصدا
يا فهدُ .. ها أنت والأزهار راقصة من حولنا تزدهي حبا لمن وفدا
شبكة مشكاة
الإسلامية الباحةُ – اليوم – لحن سوف أنشده شعراً، وتُنشدُه هذي الرُّبى أبدا
أرضيتها بلقاء، سوف يحفظه تاريخها زمنا ، لا يعرف العددا
سمعتُ أزهارها تحكي، وقد حلفت بالله صدقا، إذا أحسنتم المددا
لتصبحنّ مثال الحسن في بل لكم محاسنه ... أنعم به بلدا
وعدتُ قلبي بحلم كنتُ أرقبه إنّ الفتى من يفي دوماً بما وعدا
وها أنا اليوم ألقي الشعر تسمعني ربوعها، وأرى في ربعها فهدا
شعرا يعيش على أنغامه أملي ويقتل اللحن فيه الحزن والكمدا
يشدو به "حُزنةُ" العالي، وينقله لحناً شجياً إلى كل الربوع "شدا"(1)
أفنيتُ فيها شباب الحرف أنظمه وصفاً لها. كلما قرّبته ابتعدا
يا بلبل النغم العذب الذي غرست ألحانه عبر هاتيك الرّبوع صدا
إن كنت تشدو على أغصانها فعلى غصون قلبي عصفور الهناء شدا
يا شعر غرّد على أيك المشاعر في صدق فقد يؤنسُ التغريد من وجدا
هذا اللقاء الذي نحياه، ينقلني إلى زمان، أضاء المشرقين هدى
رأيت فيه رسول الله، يملؤه عدلا، وكان لمن يحتاجه سندا
وقد رأيت به الصدّيق ممتثلاً كما رأيت به الفاروق متّقدا
ولم تزل تسمع الأيام صرخته ويشرب الدهر منها عزّة وفدى
قد قالها عمر الفاروق في ثقة بالله، يمهرها الأموال والولدا
فلو تعثّر في صنعاء راحلة براكب ، كنت مسئولا ومنتقدا
من حقّق النصر في بدر ومن جعل الأحزابَ، بالرغم من إحكامها، بددا؟
ومن طوى الأرض للإسلام طائعه إلا الذي لم يزل في حكمه أحدا
إنا نكوّن بالإسلام رابطة مهما اختلفنا فقد صرنا بها جسدا(1235/1)
لو اشتكى كدرا ماءُ الخليج شكا منه الفرات، ولم ينس الأسى بردى
ليس التزمّت طبعاً في عقيدتنا ولا التّحلّل .. إنّا نبتغي رشدا
وليس من يمتطي للمجد همّته كمن قضىعمره لهوًا فضاع سُدى
لا يعرفُ الحرّ إلا من تعامُلهِ ولا الشجاع الفتى إلا إذا صمدا
قد يغرق المرء في لذّاته، ويرى دنياه نشوى ويأتي عيشُه رغدا
حتى إذا ما تمادى في غوايته تبدّلت حاله بعد الرضى نكدا
مهما غفا الناس إعراضاً فلن يجدوا من دون ربهم الرحمن ملتحدا
في كل ذرّة رمل من جزيرتنا معنى من العزّ بالبشرى يسيل ندى
تمّت لنا نعم الرحمن في بلد كالمنهل العذب، كم من ظامئ وردا
إليه تهفو قلوب المسلمين على بُعد المسافات، والإسلام منه بدا
دستورنتا الحق، لا نرضى به بدلا به نسير إلى أهدافنا صُعُدا
فبالهدى نجعل الأيّام ناعمةً تزهو.. وإن أحكمتْ أعداؤنا العُقدا
نمضي بإيماننا، و الله يكلؤنا ما خاب من مدّ لله الكريم يدا(1235/2)
الحروف المقطعة
شبكة مشكاة
الإسلامية
وأصغ بسمعك عن للنداء
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1236/1)
بين الهوى و العقل
قالت أيسمو الشعر في دنياك عن أوصافنا؟
ويعز يا من تنسج الأشـ ــــواق عن أشواقنا؟
يا شاعر الآهات لم نسمـ ـــمع حديث غرامنا؟!
تشدو به فيذيب بالأ لحان مُرّ جراحنا
أنسيت أيام الرضى؟ ونسيت عذب كلامنا؟
أنسيت ترنيم القصا ــــئد في ربوع صفئنا؟
شبكة مشكاة
الإسلامية ******
فأجبتها - متلطفا - حقا ذكرت ولا عليك
فلكم ركضت وراء أحلامي لألمح مقلتيك
فلقد أرى في الهدب رسم بشائر مما لديك
والقلب – يا من تعتبين عليّ- كم يرنو إليك
ويغار - لا تستنكري ما قلت – حتى من يديك
لما تلامس يا فتاة الحسن وردة وجنتيك
******
لكنني بشريعتي أحيا على درب اليقين
أنا لاأدافع حين أنشد عن قلوب الوالهين
فقلوب أهل الشعر لا تخشى الصبابة والأنين
والقلب حين تناله الأشـ ــــواق يحرقه الحنين
أناعاشق للقمة الشمـ ـــــاء للحبل المتين
لكتابي السامي ويكفيـ ــــني به شرفا ودين
******
فتراجعت والأدمع الخجلى على وجناتها
وعيونها الكحلاء تنظـ ــــــر في سجل حياتها
رسمت أمامي صورة الآلام من زفراتها
وتكلمت والصدق يسبقـ ــــها إلى كلماتها:
شبكة مشكاة
الإسلامية أنعم بقصدك فاسم للعلياء من طرقاتها
وارحم مشاعر أمة تبكي على فلذاتها
******
إنا سنعلنها فما نهـ ـــوى الشباب التائهين
نهوى شبابا أريحيا يرتدي ثوب القين
ويرد عن أوطانه بالعـ ـــزم كيد الخائينين
نهوى شبابا شاعريّ الحـ ـــس موفور الحنين
متوقد العزمات ذا شـ ـــرف وذا خلق ودين
يعلو بدين الله في صف الرجال الخالدين
******
ومضت وفي عينيّ أشتـ ــات من الصور العجيبة
قلبي يهيم بها وعقلي قد سما عن كل ريبة
وظللت يصرع فكري السامي أماني الغريبة
ومشاعر الإيمان تسقي ارض أحلامي الخصيبة
فمضيت أدعو أمتي لترد أوطاني السليبة
يا أمتي ... سيري ، فكـ ــأس النصر دانية قريبة(1237/1)
( في مسابقة تحفيظ القرآن للعسكريين تحت رعاية الأمير سلطان )
نفحة من بستان الوحي
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1238/1)
بوح و شكوى إلهى من سناك قبستُ نوري وأنبت المحبة في ضميري
أعوذ بنور وجهك يا إلهي من البلوى ومن سوء المصير
أفرُ إليك من نكدي ويأسي ومن عفن الضلالة في شعوري
فقيراً جئت بابك يا إلاهي ولستُ إلى عبادك بالفقير
شبكة مشكاة
الإسلامية غنى عنهمو بيقين قلبي وأطمع منك في الفضل الكبير
إلهي ما سألت سواك عوناً فحسبي العون من رب قدير
إلهي ما سألت سواك عفواً فحسبي العون من ربق غفور
إلهي ما سألت سواك هديا فحسبي الهدي من رب بصير
إذا لم أستعن بك يا إلهي فمن عوني سواك ومن مجيري
إليك رفعتُ يا ربي دعائي أجود عليه بالدمع الغزير
لأشكو غربتي في ظل عصر ينكس رأسه بين العصور
أرى فيه العداوة بين قومي وأسمع فيه أبواق الشرور
وألمح عزة الأعداد حولي وقومي ، ذلهم يُدمي شعوري
أرى في كل ناحية سؤالاً ملحتاً ، والحقيقة في نفوري
وأسمع في فم الأقصى نداءً ولكن العزائم في فتور
إلهي ما يئسنا إذ شكونا فإن اليأس يفتكُ بالضمير
لنا يا رب إيمان يرينا جلال السير في الدرب العسير
تضيق بنا الحياة وحين نهفو إلى نجواك نحظى بالسرور(1239/1)
حوار بيني و بين أميشبكة مشكاة
الإسلامية(1240/1)
تألقي يا حروف الشعر
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1241/1)
شبكاة مسكاة
الإسلاميةتسوليما أنت الا مثلٌ من شعبكِ المرحل
مدي يديكِ .. أطلبي لا تخجلي
فربماوجدت كفنا لزوجك المجندلِ
وربما وجدت كسرة من خبزكِ المفضلِ
وربما وجدتِ رقعةٌ لثوبكِ المهلهلِ
وربما وجدتِ آثراً من بيتكِ المزلزلِ
لا تقلقي من رؤية الطائرة المحلقة
وثورة القنبلة المحرقة
لا تقلقي من صحفٌ مأجورةٌ ملفقة
ان هدموا منزلكِ الصغير فاسكتي
لا تصرخي ولا تعاتبي ولا تبكتي
فربما أصبحتي في قائمة الارهاب
اذا صرختي او بكيتي او بالغتي في العتاب
تسولي ياأختنا تسولي
لا تشتكي ولا تولولي
فعندك الرصيف خير منزلِ..نعم
ففي الرصيف راحة من مطبخ وغرفه وغرسة ومكتل
هم يرسمون ياأخيتي وجة الطريق الامثل
فلا تولولي .. لا تغضبي
فانهم لم يقصدوا ان يهدموا البيوت والمساجد
لم يقصدوا ان ينثروا أشلاء ركعٌ وساجدِ
قد يخطىْ الطيار يا اخيتي
وتخطىْ المقاصدِ
وربما ينحرف الصاروخ او يعاندِ
وربما تدحرجت قنبلة بريئة
وأشعلت بيوتكم أجزاؤها المضيئة
وأحدثت مالم يكن في الخطة الجريئة
تسولي يا أختنا تسولي
شبكاة مسكاة
الإسلاميةفحربهم تلاحق الجناة في الجبال
لم يقصدوا ان يقتلوا الاطفالِ
اطفالكم هم الذين ضيقوا المجالِ
فانهم هداهم الالة يلعبون
ويسرحون في ربوعكم ويمرحون
هم يخرجون لحظة الزلزال
يواجهون القصف والاهوال
كم يخطىء الاطفال يا أخيتي
تسولي يا أختنا تسولي
فحربهم تريد ان تزيل عنكم الشقاء
>
لم يقصدوا ان يقتلوا الشيوخ والنساء
شيوخكم قد اخطأوا
وأخطأت نساؤكم فكلكم خطاء
لانكم هداكم الالة تخرجون في العراء
وتهربون حينما تمطركم قنابل الوفاء
نعم قنابل الوفاء
اليس يرمي قبلها او بعدها الغذاء ؟؟
شبكة مشكاة
الإسلاميةكم يخطىء الشيوخ يا أخيتي وتخطىء النساء
تسولي .. يا أختنا تسولي
لابأس ان يموت طفلك الصغير
وان يموت جده الكبير
وان يئن قلبك الكسير
وان تشب في دياركم السعير
لابأس ان تضربكم طائرة تغير
قائدها يمسك علبة عصير(1242/1)
جهازها يرقب في جبالكم تحرك الخيول والحمير
لانها وسيلة لنقلكم خطيرة
تحملكم ظهورها في الطرق العسير
هداكم الالة يا أخيتي
فعندكم أسلحةٌ مثيرة
لابأس ان يراقبوا مسيرة الحمارة الثيثة
وحركات القطة الغثيثة
فربما تطلق من اذنها بودرة للجمرة الخبيثة
تسولي .. يا أختنا تسولي
فربما تسللت من أرضكم فراشة
عنيفة قوية الهشاشة
وقطعت مسافة تقصر او تطول
وحينما تحقق الوصول
تفجرت في برجهم والناس في ذهول
ألستِ ياأخيتي في عصرنا العجيب ؟؟
بعقلةِ وفكرةِ الغريب
فربما تحولت فراشةٌ من أرضكم صغيرة
وأصبحت طائرةٌ كبيرة
واصطدمت ببرجِهم وأوقدت سعيرة
وأصبحت فراشةالارهابِ جديرةٌ بالضرب والعقاب
تسولي .. يا أختنا تسولي
فربما وجدت عابراً يمد كف مفضلِ
لا تشتكي ,,!!
شبكة مشكاة
الإسلاميةأتشكين المر يا اخيتي الى نبات حنظل ؟؟
أتشكين هدم منزلِ الى ضمير معولِ
لاتشتكي ورددي أدعية وحوقلي
وسبحي وهللي وأبشري
فالليل مهما طال سوف ينجلى ؟؟؟(1242/2)
حاضرة الدمعة يا عينيشبكة مشكاة
الإسلامية(1243/1)
حرقة على حال الأمة أطرقت حتى ملني الإطراق وبكيت حتى أحمرت الأحداقُ
سامرت نجم الليل حتى غاب عن عيني وهد عزيمتي الإرهاقُ
شبكة مشكاة
الإسلامية يأتي الظلام وتنجلي أطرافه عنا وما للنوم فيه مذاقُ
سهر يؤرقني ففي قلبي الأسى يغلي وفي أهدابي الحراقُ
سيان عندي ليلنا ونهارنا فالموج في بحريهما صفاقُ
قتل وتشريد وهتك محارم فينا وكأس الحادثات دهاقُ
أنا قصة صاغ الأنين حروفها ولها من الالم الدفين سياقُ
أنا أيها الأحباب مسلمة لها قلب إلى شرع الهدى تواقُ
حتى إذا انكشف الغطاء وغردت آمالنا وبدا لنا الإشراقُ
وقف الصليب على الطريق فلا تسل عما جناه القتل والإحراقُ
وحشية يقف الخيال أمامها متضالا وتمجها الأذواقُ
أطفالنا ناموا على أحلامهم وعلى لهيب القاذفات افاقوا
يبكون كلا بل بكت أعماقهم ولقد تجود بدمعهم الأعماقُ
أوَ ما يحركك الذي يجري لنا أوَ ما يثيرك جرحنا الدفاقُ(1244/1)
حسرة في قلب امرأة صومالية( قصيدة على لسان صومالية تخاطب ابنها )
قم يا محمد نامت الأعراب وتقطعت ببلادك الأسباب
جاء الصليب مدججا بسلاحه ووراءه التطبيل والإرهاب
قم يا محمد عرض أمك خائف وأمام كوخي يا بني كلاب
انظر إلى العلج الذي تروعني نظراته فأنا بها أرتاب
ماذا يريد بكوخنا هذا الذي ما فيه زاد يبتغى وشراب
شبكة مشكاة
الإسلامية كوخ حقير فيه شيخ هده سقم وطفل جائع ودلاب
وعباءة سترت بقايا هيكل مني وثوب هالك وحجاب
وبقية من ثوب عرسي ما لها كمٌ وحبر جامد وكتاب
قم يا محمد إن مقديشو على جمر تغلّق دونها الأبواب
هذا أزيز الطائرات يروعها والجند فيها جيئة وذهاب
ما بالهم جاءوا سراعا نحونا وعلى سراييفوا يصيح غراب
هلا حموا أطفالها من صربهم وتبرؤوا مما جنوه وتابوا
أإعادة الأمل الجميل سجية للغرب ، هذا يا بني كلاب
كم علقونا بالوعود وما وفوا وكذاك وعد الكافرين سراب
ساق الغرور جنودهم فعقولهم سكرى وما لعيونهم أهداب
هذي الصفوف من الجنود كأنها نعم وإن عظمت لها الألقاب
أوما تراها لا تصلي ركعة أو ما تراها والقلوب خراب
قالوا لنا سيؤمنون غذاءنا أتؤمن الغنم الجياع ذئاب
قم يا محمد جاءنا مستعمر قد سال منه على البلاد لعاب
عين على الصومال والأخرى على سوداننا فليوقن المرتاب
قم يا بني فإن أمك تشتكي وهنا وجرح فؤادها ثغاب
وبثغرها أطلال أسئلة عفت آثارهن فهل هناك جواب
ما بال إخوان العقيدة فرطوا حتى خلت من مائها الأكواب
حتى تولى المعتدون شؤوننا وجرى القطار وسافر الركاب
شبكة مشكاة
الإسلامية ما بالهم لم يستجيبوا عندما صحنا وحين دعى العدو أجابوا
ما بالهم لما أتى أعداؤنا جاءوا ولو غاب العدو لغابوا
خطأ كبير يا بني وقومنا حلفوا يمينا إنه لصواب
أصواب قومك أن تسلم أرضنا للغاصبين ويحزن المحراب
قم يا بني إلى الجهاد فإنه للعز في عصر المذلة باب
قم يا بني إلى الجهاد وقل معي خسر الطغاة الماكرون وخابوا(1245/1)
يا أرض أحلامي جفافك راحل فغدا سيغسل راحتيك سحاب(1245/2)
حسرةٌ في خاطري متّكئه
.........................وظلامٌ دامسٌ ما أبطأه
كان ليلي مثل عملاقٍ له
..........................ألفُ رأسٍ وله نصفُ رئه
يحتويني صمته يخنقني
........................لونه الدامس يخفي نبأه
وأنا أرسم في ذهني رؤىً
....................من سجلات المنى مُجتزَأه
كان قنديل الرضا مشتعلاً
....................ليت شعري أيّ حزنٍ أطفأه
كان جرحي ماضياً في بُرئه
................... ليت شعري أيّ سهمٍ نكأه
ونداءٌ صارخٌ يعزفني
....................... وحنينٌ صار قلبي مرفأه
أمّتي ياعزّةً ما ضيةً
......................وخضوعاً حاضراً ما أسوأه
كنت بالإسلام جسماً واحداً
.................... فلماذا اليوم هذي التجزئه
فئةٌ واحدةٌ ما بالها
.................. أصبحت في عصرنا ألف فئه
آه من مسترسلٍ في غيّه
.......................كانت العلياء يوماً موطئه
كم حقودٍ تنثني هامته
....................... كذباً يحمل عدوان مئه
ربّما تأكله أحقاده مثلما
.....................يأكل فأرٌ منسأه
ربّما أهدى عدوٌ باقةً
........................والأفاعي بينها مختبئه
سرّ هذا الكون لا نعلمهُ
.............................إنّما يعلمه من برأه
أمّتي هل من رجوعٍ صادقٍ
........................ليعيد المجد ما قد بدأه
وإذا خالط قلباً صدأٌ
.......................فسيجلو ذكرُ ربّي صدأه
إلجئي لله يا أمّتنا
......................فاز من كان إلهي ملجأه(1246/1)
حوار مع التاريخ
أَفقِْ أَيُّها التّاريخُ ، نَبِّهْ رِجالَنَا فَيارُبَّ مَرْموقٍ لهُ أَلْفُ هَفْوَةِ
أِفْق أَيُّها التاريخُ ، أَدْرِكْ حَقيقَتي فَعَنْ نَهْجَ ديني لن تَضِلَّ مَسيرَتي
أَفِق ، و انتَظِر من أُمَّتي وَثَباتِها فَلَن تَقِفَ الأعْداءُ في وَجْهِ وَثبتي
شبكة مشكاة
الإسلامية فَلي من كِتابِ اللهِ أَعظمُ رائدٍ ومِنْ سُنَّةِ العَدْنانِ أَعْظَمُ قُدْوَةِ
أَفِقْ فالفُؤادُ الحُّرِ لا يَعْرِفُ الخنا ولن تَصْلُحَ الأَيامٌ إلا بِسنتي
سَفَحَتْ دَمَ الأَحْقادِ دُونَ شَريعَتي وأَعْدَدْتُ للأَيامِ كامِلَ عُدَّتي
وكَيْفَ يَنالُ اليَأْسُ قَلْبًا مُوَحِّدًا إلى اللهِ يَرْنو مُؤْمِنًا كُل لَحْظَةِ
أُخوتًنا في اللهِ ، مَهْما تَباعَدَتْ مَسافاتُ أَوْطاني مِثالُ الأُخُوَّةِ
عَليها بَنى أَسلافُنا صَرْحَ مَجْدِنا فَكَيْفَ هَدَمْنا صَرْحَنا بالتعَنتِ
وقُلْ لَلعِدى مَهْمَا يَجُورُنَ إننَا حَمَلْنا إلى الدُّنْيا مَعالِمَ نَهْضَةِ
وَإِنّا سَنَمْضي في الطَّريقِ الذي مَضى على نَهْجِهِ أَسْلافُنَا سَيْرَ حِكْمَةِ
وَإِنْ تَكُ أَوْطاني تَشَتَتَ جَمْعُها فَعَمّا قَريب سَوْفَ تَمْضي بِهِمَّةِ
أَيا أُمَّةَ الإِسْلامِ لا زِلْتُ صامِدًا ولا زُلْتُ رَغْمَ الصَّدِّ والهَجْرِ أُمَّتِي
لَكَ اللهُ مازالَ الزَّمانُ مُغَرِّدًا عَلى قِمَّةِ الإِسْلامِ أَعْظَمُ قِمَّةِ
خذُوا كُلَّ ما تَبْغونَ إِلا كَرامَتي فَمَوْتي لَذيذٌ في سَبيلِ عَقيدَتي
بَني أُمَّتِي ، إِنّ الحَياةَ رَخيصَةُ إِذا لَمْ نَقُمْ فيها بإِحْياءِ شِرْعَةِ
أَفِيقُوا ، فَما للذِّئْبِ يا قَوْمُ ذِمَّةُ وأَكْبَرُ عارٍ أَنْ أُضَيِّعَ ذِمَّتي(1247/1)
حوارٌ مع وردةٍ
الشذا فيكِ والرواء جميلُ وبأوراقكِ الندى مشغولُ
أنتِ أودعت في الترابِ بذوراً وزنها في العيون وزن ضءيل
خبريني متى شققت تراباً وتراءى لكِ الضياء الهزيل
خبريني متى صعدت إلينا وتغنى بكِ النسيم العليل
صعّدت عطرها إليّ وقالت : شرح هذا الذي تريد يطول
بذرة كنت وزنها ليس وزناً في يديكم وأمرها مجهول
لم أكد أنفض التراب وأبدي رأس جذري حتى استبد الفضول
ورأيتُ الأيدي تمدُّ سراعاً كل كفٍ ذراعها مفتول
إن شوكي وسيلة لدفاعي عن حياتي وللنجاة سبيل
إيه ياوردتي أطلي ليمحو كل هم جبينك المبلول
إن تركناكِ ما قطفناك حيناً فسيسطو على حماكِ الذبول
نحن ياوردتي كذلك نحيا ثم يأتي بعد المقام الرحيل(1248/1)
وقفة أمام خيام المبعدين مضى ليل وأعقبه الصباح وما رحلت عن القلب الجراح
أرى عصفور أحلامي أمامي وما غنى ولا خفق الجناح
أشاهد من وراء الغيب وجها تجلى في ملامحه ارتياح
وأطمح للقاء به ولكن متى هذا اللقاء به يتاح
كأني والقوافل ماضيات طريد مات في فمه الصياح
شبكة مشكاة
الإسلامية تلفت يمنة فرأى سرابا وعن يسراه وافاه النباح
فأرخى طرفه وبكى وأبكى ودمع الحر في الشكوى مباح
وقفت على مشارف ذكرياتي أراقب من غدوا عنا وراحوا
خيول الراحلين لها صهيل وقد ضاقت بمن رحلوا البطاح
أسائلهم ولو نطقوا لقالوا من الأحياء موتانا استراحوا
أرى نخل المشاعر باسقات عليها من مهابتها وشاح
أراها لا عذوق لها ولكن لها سعف تغاض به الرماح
وكيف تريد ثمرا من نخيل إذا لم يجر في دمها اللقاح
تسائلني الحبيبة كيف أشدوا بأحزاني أفي الحزن انشراح
فقلت لها لأن الحزن شعر وبينهما انغلاق وانفتاح
وما كل الذين بكوا حزانى وإن نطقوا بشكواهم وباحوا
بكاء البلبل الشادي عناء وشدو حمائم الدوح النواح
ولو أني أبوح بما أعاني لما وفى الأساس ولا الصحاح
رأيت المبعدين ولو رآهم كرؤيتنا لأنجدهم صلاح
لدى رابين مدفأة وبيت يظلله وريحان وراح
وحراس يروح بهم ويغدو وساحات ممهدة فساح
وهم فوق الجليد ولا قريب يناصرهم ولا أمل متاح
إذا سكنوا الخيام شكوا صقيعا وتلطمهم إذا خرجوا الرياح
أحبتنا لكم منا سلام ، لكم من بلبل الشوق الصداح
لكم من وزن شعري ما تساما ومن ألفاظه الغرر الفصاح
شبكة مشكاة
الإسلامية رأيناكم فما للحزن حد ولا للهيبه عنا براح
على أحزاننا نمسي ومنها كون إذا بدا الفجر (الصباح)
تراكم أمتي بعيون حيرى يعطلها عن السير الكساح
تتوق شعوبها للذود عنكم ولكن ما بأيدهم سلاح
شعوب تكره الباغي ولكن من الحكام للباغي السماح
تسائلني فلسطين المآسي وقد دارت بحسرتها القداح
متى تصحو ربوعي ذات يوم على صوت يُفك به السراح
متى أصحو على تكبير جند وتهليل يطيب به الكفاح(1249/1)
حبيبتنا اعذرينا إن فينا خضوعاً لا يروق له (اقتماح)
تصاغ من السلام لنا دعاوى وفي الأقصى ولبنان اجتياح
إذا باع الفتى للوهم عقلا ففكرته التي ولدت سفاح
ولولا أن في الدنيا انتكاسا لما عشقت مسيلمةً سجاح(1249/2)
في خيمة الحب
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1250/1)
ذات الوشاح
أزهارُ الوادي,.
تَبعَثُ عِطرَ شذاها
ورحيق الطَّلِّ,.
يُسَلسِلُ في الأغصانِ نَداها
أهدابُ الشمس,.
تُراقب خَيط رُؤاها
شبكة مشكاة
الإسلاميةورُؤاها ترسمُ وجهَ هواها
وهواها نارٌ,.
تحرق مَن خَلفِ البابِ,.
تُلَوِّحُ للشمس يَداها
وأمام البابِ عيونٌ,.
تُغمَضُ حين تَراها
قامتُها تسمع وَقع خطاها وخطاها تسمع هَمسَ ثراها
وثراها يُنشد لحن الخِصبِ,.
ويهتف حين يراها
من سرَّبَ في عينيها النومَ,.
ومن أغمض جَفنَ الليلِ عليها,.
مَن غطاها؟؟
ولماذا قبل طلوع الفجر دَعاها؟؟
وأباح لجيش الرُّعبِ حماها؟
مَن أسكنَ فيها الرُّعبَ,.
ومن أغواها؟؟
ولماذا امتص رحيق براءتها,.
ووراء جدار الحسرة ألقاها؟
مَن أطفأ شمعة بسمتها,.
ولماذا انقلبت شفتاها؟
مَن مزَّق فضل عباءتها
وبثوب الاغراء كساها؟
من أحرق قمح بيادرها
وبحب الحنظل غذَّاها؟
شبكة مشكاة
الإسلاميةولماذا عكَّر منبعها
وبكأس الأوهام سقاها؟
ولماذا اغتال محاسنها
بالصمت وعد خطاياها؟
مَن تلك، وكيف تحدِّثنا
عن أنثى نجهل فحواها؟
ولماذا صِرتَ تلاحقنا
بحكايا نجهل مغزاها؟
عمن تسألنا، عن ليلى
فلماذا تبعث ذكراها؟!
ولماذا لا تسأل قيسا
ليصور بعض سجاياها؟!
وليقرع باب قبيلتها
بالحب ليطلب لقياها
عمن تسألنا، عن لُبنَى
أو سُعدى او مَن والاها؟
مهلا,.
فسؤالي عن أخرى
يخفق بالحب جناحاها
حيرني وصف ملامحها
والشعر بعالمها تاها
عيناها,, كيف أصورها
والأفق الحالم عيناها
شبكة مشكاة
الإسلاميةربطت بالسحر ضفائرها
وعليه تلاقى جفناها
فكأن البدر استنسخها
وكأن الحسن تبناها
أسألكم عن ذات وشاحٍ
صبحها الرعب ومساها
تشكو والليل يلاحقها
يدفن في الظلمة شكواها
وأبوها يفتل شاربه
يغمض عينيه ويتباهى
وأخوها الأكبر يتغنى
في بلد الغربة بسواها
وأخوها الأوسط يتلهى
بنوادي الليل ويغشاها
وأخوها الأصغر يتلقى
زيف القنوات وطغواها
أما أبناء عمومتها
فقلوب تطفو بهواها
أسألكم عن أجمل انثى
رُفِعَت للخالق كفاها(1251/1)
شجر الزيتون موائدها
والتين المثمر حلواها
تضحك للشمس مآذنها
شبكة مشكاة
الإسلاميةوالبدر يتوق لنجواها
اسألكم عن ذات وشاحٍ
تمسك بالجمرة يُمناها
أنتم أخلفتم موعدها
ونقضتم بالذل عُراها
اسأل عن أجمل فاتنة
صوبها الغدر وأدماها
تشهد بالجرح مآذنها
ويحدِّث عنها أقصاها
والمسرى يسمع صرختها
ويكاد إلينا ينعاها
لو كان لها عين تبكي
لاجتاحت بالدمع رباها
عاشقة أسرف عاشقها
في الهجر، فمن يتولاها؟؟(1251/2)
رثاء أب
شبكة مشكاة
الإسلامية
أنا صرخةٌ للجرح
تلطم وجه من خان العهودْ
شبكة مشكاة
الإسلامية
يا ويل أرباب الفتنْ
كم أوقدوا ناراً وكم نسجوا كفنْ
كم أنبتوا شوكاً على طرقات أمتنا
شبكة مشكاة
الإسلامية
ترانيم الفرح
رسمتْ جدائلُها لعين الشمس
خارطة المرَحْ
شبكة مشكاة
الإسلامية
بأسرار الشَّقاء
يتساءل الرمان يا أبتي
ودالية العنب
والخوخ والتفاح يسألُ
والرطبْ
وزهور وادينا تشارك في السؤالْ
ويضجُّ وادينا بأسئلةٍ
شبكة مشكاة
الإسلامية
فالله حيٌّ
شبكة مشكاة
الإسلامية(1252/1)
رثاء أبْ
هزي جذوعك يا غصون اللوز
في وطني الحبيب
فلربما صار البعيد لنا قريب
ولربما غنت عصافير الصفاء
وغرد القمري
وابتسم الكئيب
هزي غصونك
وانثري في الأرض لوزك يا جذوع
ودعي النسيم يثير أشجان الفروع
ودعي شموخك يا جذوع اللوز
يهزأُ بالخضوع
هزي غصونك
ربما سمع الزمان صدى الحفيف
ولربما وصل الفقير إلى رغيف
ولربما لثم الربيع فم الخريف
هزي غصونك
ربما بعث الصفاء إلى مشاعرنا
بريدَهْ
ولربما تتفيأ الكلمات في درب المنى
ظل القصيدة
أنا يا جذوع اللوزِ
أغنيةٌ على ثغر اليقين
أنا طفلة نظرت إلى الأفاق
رافعة الجبين
أنا من ربا المرزوق
تعرفني ربوع بني كبير
أملي يغرد يا جذوع اللوز
في قلبي الصغير
وأبي الحبيب يكادُ بي
من فرط لهفته يطير
أنا ياجذوع اللوز من صنعت لها المأساة
مركبةً صغيرة
أنا مَنْ قدحْتُ على مدى الأحلام
ذاكرة البصيرة
لأرى خيال أبي وكان رعيتي
وأنا الأميرة
كم كنت أمشط رأسهُ
وأجر أطراف العمامةْ
وأريه من فرحي رُباً خضراً
ومن أملي غمامةْ
كم كنت أصنع من تجهمه
إذا غضب، ابتسامهْ
أنا ياجذوع اللوز
بنت فقيد واجبه مساعد
أنا مَنْ تدانى الحزن من قلبي
وصبري عن حمى قلبي
تباعدْ
أنا طفلة تُدعى عهود
أنا صرخةٌ للجرح
تلطم وجه من خان العهودْ
أنا بسمةٌ في ثغر هذا الكونِ
خالطها الألمْ
صوتي يردد في شمم
عفواً أبي الغالي ، إذا أسرجت
خيل الذكرياتْ
فهي التي تُدني إلى الأحياء
صورة من نأى عنهم
وماتْ
عفواً
إذا بلغت بي الكلماتُ حدَّ اليأس
واحترق الأملْ
فأنا أرى في وجه أحلامي خجلْ
وأنا أرددُ في وجلْ
يا ويل عباد الإمامة والإمامْ
أو ما يصونون الذِّمامْ
كم روعوا من طفلةٍ مثلي
وكم قتلوا غلامْ
ولكم جنوا باسم السلامِ
على قوانين السلامْ
ياويل عُبَّاد القبورْ
هُمْ في فؤاد الأمة الغراء آلامٌ
وفي وجه الكرامة كالبثور
هُمْ - يا أبي الغالي - قذىً في عين أمتنا
وضيقٌ في الصدور
يا ويل أرباب الفتنْ
كم أوقدوا ناراً وكم نسجوا كفنْ(1253/1)
كم أنبتوا شوكاً على طرقات أمتنا
وكم قطعوا فَنَنْ
كنا نظن بأنهم يدعون للإسلام حقاً يا أبي
فإذا بهم
يدعون للبغضاءِ فينا والإِحنْ
عفوا أبي الغالي
أراك تُشيح عني ناظريكْ
وأنا التي نثرتْ خُطاها في دروب الشوق
ساعيةً إليك
ألبستنا ثوب الوقار
ورفعتَ فوق رؤوسنا تاج افتخارْ
إني لأطرب حين أسمع من يقول
هذا شهيد أمانته
بذل الحياة صيانةً لكرامته
أواهُ لو أبصرتَ
زهوَ الدَّمع في أجفان غامدْ
ورأيت - يا أبتاه - كيف يكون
إحساس الأماجدْ
أواه لو أبصرت ما فعل الأسى
ببني كبير
كل القلوب بكتْ عليك
وأنت يا أبتي جدير
أنا يا أبي الغالي عهود
أنسيتَ يا أبتي عهود
أنا طفلةٌُ عزفتْ على أوتار بسمتها
ترانيم الفرح
رسمتْ جدائلُها لعين الشمس
خارطة المرَحْ
كم ليلةٍ أسرجتَ لي فيها قناديل ابتسامتك الحبيبهْ
فصفا فؤادي وانشرحْ
أختايَ يا أبتي وأمي الغاليهْ
يسألنَ عنك رحاب قريتنا
وصوت الساقيهْ
أرحلت يا أبتي الحبيب؟؟
كلُّ النجوم تسابقت نحوي
تزفُّ لي العزاءْ
والبدر مدَّ إليَّ كفاً من ضياءْ
والليل هزَّ ثيابه
فانهلَّ من أطرافها حزنُ المساء
تتساءل المرزوق يا أبتي الحبيب
ما بال عينِ الشمس ترمقنا
بأجفان الغروبْ
وإلى متى تمتدُّ رحلتك الطويلةُ يا أبي
ومتى تؤوب؟؟
وإلى متى تجتثُّ فرحتنا
أعاصير الخطوب
هذا لسان الطَّلِّ يُنشِدُ للربا
لحن البكاءْ
هذي سواقي الماء في وديان قريتنا
على جنباتها انتحر الغُثاءْ
هذا المساءْ
يُفضي إلى آفاق قريتنا
بأسرار الشَّقاء
يتساءل الرمان يا أبتي
ودالية العنب
والخوخ والتفاح يسألُ
والرطبْ
وزهور وادينا تشارك في السؤالْ
ويضجُّ وادينا بأسئلةٍ
تنمُّ عن انفعالْ
ماذا أصاب حبيبنا الغالي مساعد
كيف غابْ؟
ومتى تحركت الذئابْ؟
ومتى اختفى صوتُ البلابلِ
وانتشى صوتُ الغراب؟
يا ويح قلبي من سؤالٍ
لا أطيق له جوابْ
ما زلتُ - يا أبتي - أصارع حسرتي
وأسد ساقية الدموعْ
أهوى رجوعك يا أبي الغالي
ولكنْ
لا رجوعْ
إن مُتَّ يا أبتي(1253/2)
وفارقت الوجودْ
فالموتُ فاتحة الخلودْ
ما مُتَّ في درب الخيانة والخنى
بل مت صوناً للعهود
يا حزنُ
لا تثبتْ على قدمٍ
ولا تهجر فؤادْ
فأنا أراك لفرحتي الكبرى امتدادْ
إن ماتَ - يا حزني - أبي
فالله حيٌّ لا يموتْ
الله حيٌّ لا يموتْ(1253/3)
ريحانة القلب
حسبي من الهّم أنّ القلب ينتحبُ وإن بدا فرحي للناس و الطربُ
مسافرٌ في دروب الشوق تحرقني نار انتظاري ووجداني لها لهب
كأنني فارس لاسيفَ في يده والحرب دائرة والناس تضطرب
أو أنني ُمبحر تاهت سفينته والموج يلطم عينيها وينسحب
أو أنني سالكُ الصحراءِ أظَمأه قيظٌ ، وأوقفه عن سيره التعب
شبكة مشكاة
الإسلامية يمد عينيه للأفق البعيد فما يبدو له منقذ في الدرب أو سبب
يا شاعرا ما مشت في ثغره لغةٌ إلا وفي قلبه من أصلها نسب
خيول شعرك تجري في أعنّتها ما نالها في مراقي عزّها نصب
ريحانةَ القلب عين الشعر مبصرةٌ وفجرنا في عروق الكون ينسكب
وأنت كالشمس لولا نورُها لطغى ليل المعاناةِ وازدادت به الحُجب
يا من أبى القلبُ إلا أن يكون لها وفيه مأوى لعينيها ومنقلب
الله يكتب يا ريحانتي فإذا أراد أمضى وعند الناس ما كتبوا
لو اجمعَ الناسُ أمراً في مساءتنا ولم يُقدّر لما فازوا بما طلبوا
ريحانةَ القلب روح الحب ساميةٌ فليس ُيقبل فيها الغدر والكذب
ليس الهوى سلعةً ُتشرى على ملأٍ ولا تباع ولايأتي بها الغَلب
قد يعشق المرءُ من لامالَ في يده ويكره القلبُ من في كفّه الذهب
حقيقةٌ لو وعاها الجاهلون لما تنافسوا في معانيها ولا احتربوا
ما قيمة الناس إلا في مبادئهم لا المال يبقى ولا الألقاب والرتب(1254/1)
حوار في ساحة المطاف
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1255/1)
شاهد التاريخ
شبكة مشكاة
الإسلامية
وَعدُ بِلفُورَ الذي صيَّرني **** كسبايا الفُرسِ عند الخَزَرِ
أيُّها الناسُ أَفيقوا، وارحموا **** أمَلاً في قلبيَ المُنصَهِرِ
ما يَهودُ الغَدر إلا أَنفسٌ **** غُمِسَت في حقدها المُستَعِرِ
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1256/1)
( وقفة وداع شعري لابن عثيمين )شموخ الصابرين لحقَ الشيخُ بركبِ الصالحين فلماذا يا جراحي تنزفين؟
ولماذا يا فؤادي تشتكي و لماذا يا دموعي تَذرفين؟
رحل الشيخ عن الدنيا التي كلُّ ما فيها سوى الذِّكر لَعين
فارقَ الدنيا، وما الدنيا سوى خيمةٍ مَنصوبةٍ للعابرين
فارقَ الدنيا التي تَفَنَى إلى منزلٍ رَحبٍ وجناتٍ، وَعِين
ذاكَ ما نرجو، وهذا ظنُّنا بالذي يغفر للمستغفرين
شبكة مشكاة
الإسلامية رحل الشيخُ على مِثلِ الضُّحَى من صلاحٍ وثباتٍ ويقين
فلماذا أيُّها القلبُ أرى هذه اللَّوعَةَ تسري في الوَتين؟
ولماذا يا حروفَ الشعر عن سرِّ آلام فؤادي تكشفين
أتركي الحسرةَ في موقعها تتغذَّى من أسى قلبي الحزين
وارحلي بي رحلةً مُوغلة في حياةِ العُلماءِ الأكرمين
واسلُكي بي ذلكَ الدَّربَ الذي ظِلُّه يحمي وجوهَ السالكين
يا حروفَ الشعر لا تَصطحبي لغةَ الشعر الى جُرحي الدَّفين
ربما أحرقها الجرحُ فما صار للشعر فَمٌ يَروي الحنين
واتركي لوعةَ قلبي، إنَّها تارةً تقسو ، و تاراتٍ تَلين
وادخلي بي واحةَ العلم التي فُتحت أبوابُها للوافدين
عندها سوف نرى النَّبعَ الذي لم يزل يَشفي غَليلَ الظامئين
شيخُنا ما كانَ إلاَّ عَلَماً يتسامى بخشوع العابدين
عالمُ السنَّةِ والفقهِ الذي هزَمَ اللهُ به المبتدعين
لا نزكّيه ، و لكنَّا نرى صُوراً تُلحِقُه بالصادقين
في خيوط الشمس ما يُغني و إن أنكرتها نظراتُ الغافلين
راحلٌ ما غاب إلا جسمُه و لنا من علمه كنزٌ ثمين
ما لقيناه على دَربِ الهوى بل على دَربِ الهُداةِ المهتدين
لكأني أُبصر الدنيا التي بذلت إغراءَها للناظرين
أقبلت تَعرض من فتنتها صوراً تَسبي عقول الغافلين
رقصَت من حوله، لكنَّها لم تجد إلا سُموَّ الزَّاهدين
أرسل الشيخُ إليها نَظرةً من عُزوف الراكعين الساجدين
فمضت خائبةً خاسرةً تتحاشى نظراتِ الشَّامتين
أخرجَ الدنيا من القلبِ، وفي كفِّه منها بلاغُ الراحلين
شبكة مشكاة(1257/1)
الإسلامية لم يكن في عُزلةٍ عنها، ولم يُغلقِ البابَ عن المسترشدين
غيرَ أنَّ القلبَ لم يُشغَل بها كان مشغولاً بربِّ العالمين
أوَ ما أعرض عنها قَبلَه سيِّدُ الخلقِ، إمامُ المرسلين
أيُّها الشيخُ، لقد علَّمتنا كيف نرعى حُرمَةَ المستضعفين
كيف نَستَشعِرُ من أمَّتنا صرخة الثَّكلَى ودَمعَ الَّلاجئين
كيف نبني هِمَّةَ الجيل على منهج التقوى، ووعي الراشدين
كنتَ يا شيخ على علمٍ بما نالنا من غَفلةِ المنهزمين
قومُنا ساروا على درب الرَّدَى فغدوا ألعوبةَ المستعمرين
شرَّقوا حيناً وحيناً غرَّبوا واستُبيحت أرضهم للغاصبين
هجروا الصَّالحَ من أفكارهم فتلقَّتهم يدُ المستشرقين
وارتموا في حضن أرباب الهوى من ذيول الغاصب المستعربين
ضيَّعوا الأقصى وظنُّوا أنَّهم سوف يحظون بِسِلمِ المعتدين
فإذا بالفارس الطفل على أمة المجد ينادي الواهمين
صاغها ملحمةً قُدسيَّةً ذكَّرتنا بشموخ الفاتحين
قالها الطفلُ، وقُلنا معه إنَّ بيعَ القدس بَيعُ الخاسرين
أيُّها الشيخُ الذي أهدى لنا صُوَراً بيضاءَ من علمٍ ودين
لم تكن تغفل عن أمَّتنا وضلالاتِ بَنيها العابثين
كنتَ تدعوها إلى درب الهُدَى وتناديها نداءَ المصلحين
قلتَ للأمةِ، والبؤسُ على وجهها الباكي غبارٌ للأنين
إنما تغسل هذا البوسَ عن وجهكِ الباكي، دموع التائبين
أيها الشيخُ الذي ودَّعَنا عاليَ الهمَّةِ وضَّاح الجبين
شبكة مشكاة
الإسلامية نحن نلقاك وإن فارقتَنا في علومٍ بقيت للرَّاغبين
أنتَ كالشمسِ إذا ما غَربَت أهدتِ البَدرَ ضياءَ المُدلجين
أنتَ ما ودَّعتَنا إلاَّ إلى حيث تُؤويكَ لوبُ المسلمين
إن بكيناكَ فإنّا لم نزل بقضاء الله فينا مُوقنين
في وفاةِ المصطفى سَلوَى لنا وعزاءٌ عن وفاةِ الصالحين
ذلك الرُّزءُ الذي اهتزَّ له عُمَرُ الفاروقُ ذو العقل الرزين
ماتَ خيرُ الناس، هذا خَبَرٌ ترك الناسَ حيارى تائهين
طاشت الألبابُ حتى سمعوا ما تلا الصدِّيقُ من قولٍ مُبين(1257/2)
لا يعزِّينا عن الأحبابِ في شدَّةِ الهول سوى مَوتِ الأمين
إنها الرُّوح التي تسمو بنا ويظلُّ الجسم من ماءٍ وطين
يحزن القلب ولكنَّا على حُزنه نَبني شموخ الصابرين
كلُّنا نفنَى ويبقى ربُّنا خالق الكون ملاذُ الخائفين(1257/3)
نظرة في شموخ اليتيم أسمى صفاتِكَ أنْ تكون كريما وتكونَ بَراً بالعباد رحيما
أسمى صفاتِكَ أنْ تكونَ مميَّزاً بسداد رأيكَ في الأمور، حكيما
تسعى بكَ الدنيا، وأنتَ تقودُها بالحقِّ، تُسْعِدُ قلبها المهموما
تلقى الخطوبَ وأنتَ أرفَعُ هامةً منها، وتأنَف أنْ تعيش ذَميما
أسمى صفاتكَ أنْ ترى الدنيا بلا غَبَشٍ، وأنْ يبقى الفؤادُ سليما
شبكة مشكاة
الإسلامية أنْ تجعل التاريخَ يَمْلأُ كأسَه وتكونَ أنتَ رحيقَها المختوما
ترمي بسهمكَ، لا لِتَقْتُلَ آمناً لكنْ لتحرُسَ خائفاً محروما
تسعى إلى كَسْبِ العلومِ تقرُّباً للهِ ، لا ليُقَالَ : صار عليما
أسمى صفاتكَ أنْ تحلِّقَ عالياً بجناح عدلكَ، تنصر المظلوما
يا حاملَ الدُّنيا على كتفِ الرِّضا يا من رأيتُكَ للجَفاءِ غَريما
يا ساعياً للخير في العصر الذي ما زال حَبْلُ وفائه مصروما
للخير أغصانٌ تطيب ثمارُها فامنحْ جَناها خائفاً وعَديما
واحملْ إلى أفيائها الطفلَ الذي ما زال في حُفَرِ الشقاء مقيما
فلَرُبَّ ماسحِ أَدْمُعٍ من مقلةٍ تبكي، رأى فضلاً بهنَّ عَميما
انظرْ إلى وجه اليتيمِ، ولا تكنْ إلا صديقاً لليتيمِ حميما
وارسمْ حروفَ العطف حَوْل جبينهِ فالعَطْفُ يمكن أنْ يُرى مرسوما
وامسح بكفِّكَ رأسه، سترى على كفَّيكَ زَهْراً بالشَّذَا مَفْغُوما
ولسوف تُبصر في فؤادكَ واحةً للحبِّ، تجعل نَبْضَه تنغيما
ولسوف تبصر ألفَ ألفِ خميلةٍ تُهديك من زَهْر الحياةِ شَميما
ولسوف تُسعدكَ الرياضُ بنشرها وتريكَ وجهاً للحنانِ وسيما
انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له عَطْفاً يعيش به الحياةَ كريما
وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما يرعى الحنانُ، فؤادَه المكلوما
لولا الحنانُ لَمَا رأيتَ سعادةً لولا السماءُ لَمَا رأيتَ نجوما
لولا الرّياحُ لَمَا رأيتَ لَواقحاً لولا البحارُ لَمَا رأيتَ غيوما
لولا الغصونُ لما رأيتَ ظِلالَها لولا الرعودُ لَمَا سمعتَ هَزيما(1258/1)
لولا الربيعُ لما رأيتَ زُهورَه تشدو، ولا لامَسْتَ فيه نَسيما
يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما
ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ منها نجهِّز للحياةِ عظيما
شبكة مشكاة
الإسلامية ونحوِّل الحرمانَ فيها نعمةً كُبْرى تُزيل عن الفؤادِ هموما
قَسَمَ الإلهُ على العباد حظوظَهم فالكلُّ يأخذ حَظَّه المقسوما
وسعادةُ الإنسانِ أن يرضى بما قَسَمَ الإلهُ، ويُعلنَ التَّسليما
قالوا: اليتيمُ، فقلتُ: أَيْتَمُ مَنْ أرى مَنْ كان للخلُقِ النَّبيل خَصيما
قالوا: اليتيمُ، فقلتُ أَيْتَمُ مَنْ أرى مَنْ عاشَ بين الأكرمينَ لَئيما
كم رافلٍ في نعمةِ الأبويْن، لم يسلكْ طريقاً للهدى معلوما
يا كافلَ الأيتام، كفُّكَ واحةٌ لا تُنْبِتُ الأشواكَ والزَّقُّوما
ما أَنْبَتَتْ إلاَّ الزُّهورَ نديَّةً والشِّيحَ والرَّيحانَ والقيْصُوما
أَبْشِرْ فإنَّ الأَرْضَ تُصبح واحةً للمحسنين، وتُعلن التكريما
أبشرْ بصحبةِ خيرِ مَنْ وَطىءَ الثرى في جَنَّةٍ كمُلَتْ رضاً ونَعيما
قالوا: اليتيمُ، وأرسلوا زَفَراتهم وبكوا كما يبكي الصحيحُ سَقيما
قلت: امنحوه مع الحنانِ كرامةً فلرُبَّ عَطْفٍ يُوْرِثُ التَّحطيما
ولَرُبَّ نَظْرةِ مُشفقٍ بعثتْ أسىً في قَلبه، جَعَلَ الشفيقَ مَلُوما
قالوا: اليتيمُ، فَمَاج عطرُ قصيدتي وتلفَّتتْ كلماتُها تَعظيما
وسمعْتُ منها حكمةً أَزليَّةً أهدتْ إِليَّ كتابَها المرقوما:
حَسْبُ اليتيم سعادةً أنَّ الذي نشرَ الهُدَى في الناسِ عاشَ يَتيما(1258/2)
صرخة مرصعة بالإخلاص لا تشعلي ألم الجراح فالحب مكسور الجناح
ما عدت أطرب لابتسام الحب في ثغر الصباح
ما عدت أسعد بالتأمل في ليالي الملاح
ضاقت علي دروب أحلامي وما تعبت جراحي
أنا واحد من أمة أمجادها في كل ساح
شبكة مشكاة
الإسلامية أنا رائد بشريعة الـ إسلام في كل النواحي
فاسأل ضمير الفجر حين اهتز من تلك البطاح
يقظان ينتهب الخطا يسعى إلى الماء القراح
يدعو القوب إلى الهدى لم يخش من وقع الرماح
وإذا بها ترنو إلى الرحمن عن ضرب القداح
ذاكم رسول الله عنوان الهداية والسماح
لن ترتوي يا قلب إلا بالصمود على الكفاح
ويح العدا ، كم ضللوا الـ أفكار كم بعثوا جراحي
هذا نداء الماردين على الكتاب على الصلاح
أما نداء الله يا قلبي فحي على الفلاح
قل للكلاب النابحات : أنا الفتى رغم النباح
واصرخ بها في وجه كل مضلل صعب الجماح
ردوا عليكم ما صنعتم إن قرآني سلاحي
إن الدم الجاري بذكر الله ليس بمستباح
أنظل نبكى مجدنا الـ ماضي ونغرق في النواح
ونعيد ذكرى طارق بن زياد أو ذكرى صلاح
ونحيد عن درب به انتصروا ونطمع في النجاح
لكأنني بظلام غفوتنا يتوق إلى الصباح
وبصرخة المجد العريق تثور في صدر الكفاح
شبكة مسشكاة
الإسلامية يا قمة الإسلام تيهي غردي لن تستباحي
فسننحر الخوف الجبان بخنجر الحق الصراح
من يغتدي بالخير يجني أجره عند الرواح(1259/1)
صَبْراً رياضَ الحُبِّ
(( قصيدة فيها نظر ))
شعر الدكتور/ عبد الرحمن بن صالح العشماوي
صَبراً فأُفْقُكِ بالمودَّةِ مُفْعَمُ =مهما تطاول بالخيانةِ مُجرمُ
صبراً رياضَ الحُبِّ أنتِ قويّةٌ =باللهِ، يمنحُكِ الأمانَ ويَعصِمُ
ما دام فيكِ مكبِّرٌ، ومهلِّلٌ =للهِ ربِّ العالمينَ يعظِّمُ
اللهُ أكبرُ مِنْ تآمُرِ غادرٍ =وأَجَلُّ ممَّا دبَّروه ونظَّموا
هذي الحوادثُ يا رياضُ، جريمةٌ =بمياسِمِ الشَّبَحِ المُموَّه تُوْسَمُ
شَبَحٌ غريبٌ لا تراه عيونُنا =يمحو ويكتُب في الظَّلامِ ويُبْرِمُ
ما زال يُرسِلُ من رسائل غدره =مالا تغيب رُؤاه عمَّن يفهَمُ
ما زال يرحل في دروبِ خيانةٍ =إحساسُه كاللّيل فيها مُظْلِمُ
تلك الأساطيلُ الكبيرةُ، عندها =خَبَرٌ، ولكنَّ المبلِّغَ أَبكَمُ
يا سُوءَ ما يجني على أوطاننا =بَغْيٌ مُريبٌ غامضٌ متلثِّمُ
متجاوزٌ لحدودِ شرع إِلهنا =متطاولٌ متحاملٌ مُتكتِّمُ
أين التديُّنُ من فريقٍ واهمٍ =بفم التنطُّع والغلوِّ يُهَمْهِمُ؟
من سوء نيَّته تدفَّقَ بَغْيُه =حُمَماً، بها أفكارُه تتفحَّمُ
صنعتْ به الأَيديْ الخفيَّةُ لُعبَةً =دمويَّةً تهذي بما لا تعلمُ
أَسْمَى مقاصدِه الخروجُ بشُبْهةٍ =رَعْنَاءَ في وُجدانه تتحكَّمُ
يمشي، ونارُ الحقد في أَعماقه =تغلي، وفي دمه العِداءُ يُزَمْزِمُ
رَشَّاشُه لغةٌ تُحدِّث كُلَّ مَنْ =يدنو إليه، وعن هواه تُترجمُ
قُطِعَتْ حبالُ الوُدِّ من إِحساسه =والوُدُّ حَبْلٌ بالقطيعةِ يُصْرَمُ
أينَ المحبَّةُ والوئام من امرئٍ =قاسٍ، إذا حيَّيتَه يتجهَّم؟!
أين التحيَّةُ والسلام من الذي =بتحيَّةِ المتفجِّراتِ يُسلِّم
ياليتَه حيَّا بها الأعداءَ في =حَربٍ يَنال بها الشُّموخَ ويَغْنَمُ
ياليته رفع الغِشاوةَ كي يرى =مالا يراه الغافلُ المتوهِّمُ
أَوَما لديهِ من الضَّمير بقيَّةٌ =تَثني هواه المُسْتَبِدَّ وتَخْطِمُ؟(1260/1)
أوليس يفهم سِرَّ قولِ نَبيِّه: =لا يرحم الرحمنُ مَنْ لا يَرْحَمُ؟
أَوَما كفانا غَدْرُ شارونَ الذي =يهتزُّ شوقاً للدِّماءِ ويَبْسِمُ؟!
أوَما كفانا أننا من حقِّنا =في قُدْسنا الغالي علينا نُحْرَمُ؟
أوَما كفانا في العراق جريمةٌ =فيها قوانينُ العَدالةِ تُهْزَمُ؟
أوَما كفانا جُرْحُ أمتنا الذي =أمسى على الجسد الضَّعيف يُقَسَّمُ؟
أوَّاه من نظراتِ طفلٍ خائفٍ =وجدارُ غرفةِ والديه مُحَطَّمُ
في مقلتيه تساؤُلُ الألمِ الذي =جرتْ الدموعُ به إلى مَنْ أجرمواً:
ما ذَنْبُ طفلٍ في حقيبته اِلْتَقَى =قَمَرُ البراءَةٍ صافياً، والأَنْجُمُ
ماتَ الجوابُ على صدى الصوتِ الذي =بِدَوِّيِهِ كُتُبُ الخيانةِ تُخْتَمُ
يا ضيعةَ الإصلاحِ حين يقودُه =قلبٌ بلا حس، وفكرٌ مُعْتِمُ
يا ضيعةَ الإصلاحِ حين تقودُه =كفٌّ تَعوَّذَ من أصابعها الدَّمُ
صَبْراً رياضَ الحبِّ، لّحْنُ قصائدي =يجري إليكِ، وخَيْلُهنَّ تُحَمْحِمُ
صَبْراً، فروضتُكِ الحبيبةُ لم تزلْ =صُوَرُ التلاحُم في ثراها تُرْسَمُ
ما زلتِ للتغريدِ غُصناً يانعاً =مهما بدا فيكِ الغُرابُ الأَسْحَمُ
قولي لمن ركبوا على مَتْن الرَّدَى =هيهاتَ، مَنْ ركبَ الرَّدَى لا يَسْلمُ
توبوا إلى الرحمن تَوْبَةَ صادقٍ =فالله أَرْأَفُ بالعبادِ وأرحَمُ
إنَّ الدَّم المعصومَ يبقى جَذْوَةً =في كلِّ وجهٍ للخيانةِ، تُضْرَم
صَبْراً رياضَ الحُبِّ، إنَّ لُجوءَنا =للهِ سوفَ يَصُدُّ مالا نَعْلَمُ
لا تجزعي ما زال أمنُكِ وارفاً =نحيا به متآلِفيْنَ ونَنْعُمُ(1260/2)
ضدّان يا أختاه =============
هذي العيون وذلك القدّ
...........والشيح واريحان والندُّ
هذي المفاتن في تناسقها
...........ذكرى تلوح وعبرةٌ تبدو
سبحان من أعطى أرى جسداً
..........إغراؤه للنفس يحتدّ
عينان مارنتا إلى رجلٍ
...........إلا رأيت قواه تنهدّ
من أين أنت؟أأنجبتك رباً
...........خضرٌ فأنت الزهر والورد
من أين أنت فإنّ بي شغفاً
...........وإليك نفسي لهفةً تعدو
قالت وفي أجفانها كَحَلٌ
...........يُغري وفي كلماتها جِدّ
عربيةٌ حرّيتي جعلت
..........منّي فتاةٌ مالها ندّ
أغشى بقاع الأرض ما سنحت
...........لي فرصةٌ ،بالنفس أعتدّ
عربيةٌ،فسألتُ مسلمةٌ؟
..........قالت:نعم ولخالقي الحمد
فسألتها والنفس حائرةٌ
..........والنار في قلبي لها وقد
من أين هذا الزِّيُّ؟ما عرفت
..........أرض الحجاز ولا رأت نجد
هذا التبذّل يا محدّثتي
..........سهمٌ من الإلحاد مرتدّ
فتنمّرت ثم انثنت صلفاً
..........ولسانها لسبابها عبد
قالت أنا بالنّفس واثقةٌ
..........حرّيتي دون الهوى سدّ
فأجبتها والحزن يعصف بي:
..........أخشى بأن يتناثر العقد
ضدّان يا أختاه مااجتمعا
..........دين الهدى والفسق والصدّ
والله ما أزرى بأمّتنا
..........إلا ازدواجٌ ماله حدُّ(1261/1)
في طريق الحزن
شبكة مشكاة
الإسلامية
مقتولاً
وتبكي
ألجمتها شدة الهول فما تستطيع
تحكي
وجهها لوحة آلام وتعبيرات ضنك
أنت يا أم البطل
لملمي حزنك هذا وافتحي باب الأمل
نحن لا نملك تأخير الأجل
ليت لي طولاً
لكي امسح هذا الحزن عنك
يا صغيراً مات في عمر الزهور
يا صغيراً ضم في جنبيه
وجدان كبير
شبكة مشكاة
الإسلامية
أين انتم يا رجال
أنسيم أن باب المجد مفتوح
لمن شدّوا إلى الأقصى الرحال
يا أخا الكعبة والبيت المطهر
شبكة مشكاة
الإسلامية
ذات السلاسل
حطموا تمثال وهم.
ظل يبنيه اليهود
واعلموا أن سلام القوم وهم.
ماله في هذه الدنيا وجود
أيهود وسلام؟؟ وسلام ويهود؟؟
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1262/1)
وقفة أمام عام الحزن
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
بكاكَ المسجدُ القُدْسيُّ
والمدَنيُّ، والحَرَمُ
بكتْكَ سلاسلُ الكتبِ
التي كالدُّرِّ ، تنتظم
فسلسلةُ الأحاديث
التي صحَّتْ لمن فهموا
وسلسلةُ الأحاديث
التي ضَعُفَتْ لمن وَهموا
وتحقيقُ الأسانيد
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1263/1)
عندما يعزف الرصاص
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
الأسماء المذكورة رمز لهؤلاء : طه حسين ، حماد الراوية ، الحسين الحلاج ، سعد حداد (1)شبكة مشكاة
الإسلامية(1264/1)
عندما تبكي الفضيلةشبكة مشكاة
الإسلامية(1265/1)
غب يا هلال
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1266/1)
غداً يتحدث الرطب
حروف الشعر تنتحب فلا فكر ولا أدب
وأوزاني معلقة فلا زحف ولا خبب
ذوت أغصان روضتنا فلا تين ولا عنب
كأن الأرض ما استمعت إلى ما قالت السحب
تعفر وجه خيمتنا وما شدت لها الطنب
عجبت لأمر أمتنا يقاتل دونها الطرب
شبكة مشكاة
الإسلامية ملابسها مرقعة وبحر جراحها لجب
وفي أفكارها خلل على الإيمان ينسحب
وبعض رجالها بقر ولكن ما لهم قتب
أرى حربا فوا أسفا سيوف رجالنا خشب
أرى الأخطار محدقة وفي أفواهها لهب
تحدثنا بلهجتها وفيها الخوف والرهب
وأمتنا يخدرها الهوى المكشوف واللعب
أسائل أمتي وعلى لساني الملح والقصب
لماذا كلما طلبوا يلبى عندنا الطلب
فنأكل كلما أكلوا ونشرب كلما شربوا
ونفرح كلما فرحوا ونغضب كلما غضبوا
وننزل كلما نزلوا ونركب كلما ركبوا
ونسكت كلما سكتوا ونصخب كلما صخبوا
ونرفض كلما رفضوا ونرغب كلما رغبوا
أقول لأمة قعدت وجيش عدوها يثب
إذا داسوا كرامتنا فماذا ينفع الذهب
وماذا ينفع التلفيق والتضليل والكذب
إذا جفت منابعنا فماذا تنفع القرب
شبكة مشكاة
الإسلامية وكيف ?تكن من مطر بيوت سقفها خرب
أسائل بعض من قرءوا وأسأل بعض من كتبوا
لماذا أمتي احترقت فمنها النار والحطب
حماها يستباح ولم تجرد سيفها العرب
ألا يا أمتي انتفضي فإن الكون يرتقب
ولا تخشي ظلام الليل إن الحر يحسب
فلولا الليل ما رقصت على أهدابنا الشهب
إلا يا جذع نخلتنا غدا يتحدث الرطب(1267/1)
غريب
غريب و أوطاني تُداس وأمتي تعاني وموج الظلم يشتد صائله
غريب وهل في هذه الدار منزل؟ لمن في سواها تستقر منازله
شبكة مشكاة
الإسلامية ألا ليت شعري يا بلادي متى أرى خميساً من الأبطال سارت جحافله
يجَّمعنا شرع حكيم وسنّة فيبدوا لنا زيف الضلال و باطله
أقافلة الإسلام هيا تحفزي وسيري فإن الشر سارت قوافله
أيا أمتي قد يأنس المرء بالهوى ويشتاق للدنيا وفيها مشاغلُه
ويمضي مع الأيام يشدو بحبها وفيها ولو يدري تقيم مقاتله
غريب .. اختار الحياض وماؤها غثاء وحوض الدين تصفو مناهله
وكم من صديق تحسب الخير قصده فتبدو على مر الليالي مهازله
ومن سار في الدنيا بغير طريقة فقد بات والأوهام سم يداخله
تناول من الأغصان ما تستطيعه ودعك من الغصن الذي لا تطاوله(1268/1)
غريب
غريب ، وأوطاني تُداس وأمتي ***** تعاني وموج الظلم يشتد صائله
غريب ، وهل في هذه الدار منزل؟ ***** لمن في سواها تستقر منازله
ألا ليت شعري يا بلادي متى أرى ***خميساً من الأبطال سارت جحافله
يجَّمعنا شرع حكيم وسنّة ***** فيبدوا لنا زيف الضلال وباطله
أقافلة الإسلام هيا تحفزي ***** وسيري فإن الشر سارت قوافله
أيا أمتي ، قد يأنس المرء بالهوى ***** ويشتاق للدنيا وفيها مشاغلُه
ويمضي مع الأيام يشدو بحبها ***** وفيها ولو يدري تقيم مقاتله
غريب ، أنختار الحياض ، وماؤها ***** غثاء وحوض الدين تصفو مناهله
وكم من صديق تحسب الخير قصده **** فتبدو على مر الليالي مهازله
ومن سار في الدنيا بغير طريقة ***** فقد بات والأوهام سم يداخله
تناول من الأغضان ما تستطيعه ***** ودعك من الغصن الذي لا تطاوله(1269/1)
غِبْ يا هلالْ
إنِّي أخاف عليك من قهر الرِّجالْ
قِفْ من وراء الغيمِ
لا تنشر ضياءَك فوْق أعناق التِّلالْ
غِبْ يا هلالْ
إني لأخشى أنْ يُصيبَكَ
- حين تلمحنا - الخَبَالْ
أنا – يا هلالْ
أنا طفلةٌ عربيةٌ فارقتُ أسْرتنَا الكريمَةْ
لي قصةٌ
دمويَّةُ الأحداثِ باكيةٌ أليمة
أنا – يا هلالْ
أنا مِن ضَحايا الاحتلالْ
أنا مَنْ وُلِدْتُ
وفي فمِي ثَدْيُ الهزيمَهْ
إنِّي لأَعجب يا هلالْ
يترنَّح المذياعُ من طربٍ
ويَنْتعِشُ القدحْ
وتهيج موسيقى المَرحْ
والمطربون يردِّدون على مسامعنا
ترانيم الفرَحْ
وبرامج التلفاز تعرضُ لوحةً للْتهنئَهْ
( عيدٌ سعيدٌ يا صغارْ )
والطفلُ في لبنانَ يجهل منْشَأهْ
وبراعم الأقصى عرايا جائعونْ
والّلاجئونَ
يصارعوْن الأوْبئَهْ
غِبْ يا هلالْ
قالوْا :
ستجلبُ نحوَنا العيدَ السعيدْ
عيدٌ سعيدٌ ؟؟!
والأرضُ ما زالتْ مبلَّلَةََ الثَّرى
بدمِ الشَّهيدْ
ومدى السعادةِ لم يزلْ عنّا بعيدْ
غِبْ يا هلالْ
لا تأتِ بالعيد السعيدِ
مع الأَنينْ
أتظنُ أنَّ العيدَ في حَلْوى
وأثوابٍ جديدَهْ ؟
أتظنُ أنّ العيد تَهنئةٌ
تُسطَّر في جريدهْ
غِبْ يا هلالْ
حتى ترى رايات أمتنا ترفرفُ في شَمَمْ
فهناكَ عيدٌ
أيُّ عيدْ
وهناك يبتسم الشقيُّ مع السعيدْ(1270/1)
فجر في دجى الأحداث
القصيدة التي ألقاها في مهرجان الجنادرية -ذوالقعدة 1422هـ-
===== فجر في دجى الأحداث =====
كلُّ ما صاغَه خيالُ الظُّنونِ يتهاوى أمَام فجرِ اليقينِ
لغةُ الفجرِ ذاتُ معنىً صحيحٍ ولسانٍ طَلْقٍ، ولفظٍ مبينِ
يتهاوى أمامها كلُّ ليل سرمدي من العذاب المُهينِ
لغةٌ تمنح القلوبَ صفاءً ونقاءً في عصرنا المفتونِ
ها هنا الفجرُ، ما يزال يُريني كيف ينجو من الخِضَمِّ سَفيني
كيف أَلْقى بشائر الخيرِ، لمَّا تتضاغى سِباغُ ذاتِ القرونِ
كيف نمضي وإنْ أُقيمتْ سدودٌ من أكاذيب حاقد وخؤون
ها هنا الفجرُ مشرقاً فاطمئنِّي يا قلوباً، ويا عيونُ استبيني
ها هنا الفجر، فاقرأوه كتاباً سُطِّرتْ فيه ذكرياتُ الحنينِ
أيَّ فجر تعنيه؟، كان سؤالاً جارحاً من مواجعي وشجوني
من ربوع الإسراء للرُّعب فيها قصصٌ سُطِّرتْ بحبر المَنُونِ
من بناتٍ محصَّناتٍ يتامى لا تقولوا: مَنْ هُنَّ لا تَجرحوني
لا تقولوا: مَنْ هُنَّ، هُنَّ دموعٌ ذرفتْها جفونُ عرضٍ مَصُونِ
كان قبلَ الغاراتِ عرضاً مصوناً وهو اليومَ، وصْمةٌ في الجبينِ
أي فجرٍ تعنيه، كان سؤالاً من عجوز يعيش عِيشَةَ هُونِ
من ثكالى وَلَجْن بابَ المآسي شاحباتٍ يبكينَ فقد البنينِ
من صغارٍ في القدس ذاقوا وبالاً ولهذا بِحُرْقةٍ سألوني:
أيَّ فجر تعنيه، والليلُ أعمى مزَّق القَصْفُ فيه ثوبَ السُّكونِ؟
أيَّ فجرٍ تعنيه، هل هو فجرٌ من ترانيم شعرك الموزونِ؟؟
من عباراتك الجميلة، إنَّا لنراها بديعةَ التَّلحينِ؟
نحن يا شاعرَ التفاؤلِ نَحيا مُنْذُ دهرٍ في ليلنا «الصهيوني»
كيف تشدو بالفجر والناسُ تشكو من ظلام مُعَتَّقٍ بالأنينِ؟!
أي فجر رأيته؟ هل تناءَى بك وعيٌ عن صرخة من سجينِ؟!
عن دموع الأيتام في كل أرضٍ والثكالى ومُسْقِطاتِ الجنينِ؟!
عن قتيل في القدس من غير ذنبٍ عمره في الشهور، قبل السنينِ؟!(1271/1)
عن بيوت الأفغان صارتْ ركاماً أكْسَبَتْهُ الدماءُ حمرةَ طينِ؟!
عن ألوف المشردين الضحايا يتمنون حَفْنَةً من طحينِ؟!
لغة الفجر عذبة غير أنَّا لم نُمَتَّعْ بلحنها منذ حين
أيَّ فجر تعنيه، هل هو فجرٌ لانتصارات ألْفِنا المليون؟!
أيَّ فجر تعنيه؟، يا لسؤال مرَّ كالسهم نحو قلبي الحزين؟!
هزَّني ذلك السؤال، وكادتْ حسرتي تحت وقعه تَجْتَويني
غيرَ أني نفضتُ وَهْمَ انكساري حين لاحت أنواره تدعوني
إنه الفجر، كيف تنسون فجراً ساطعَ النور، في الكتاب المبين؟!
في هُدَى الأنبياء من عهد نوح وختاماً بالصادق المأمون؟
منذ أن عاش في حراء وحيداً ثم نادى في أهله: دثروني
ثم أحيا القلوب بعدَ مواتٍ وحماها من وسوسات اللعين
ها هنا الفجر، فاركضي يا قوافي في ميادين لهفتي واتبعيني
وابعثي لحنك الجميل نداءً من صميم الفؤاد، لا تَخْذُليني:
يا ابن أرض الهُدَى، أرى العصر يشكو من دعاة التيئيس والتوهينِ
وأرى السَّامريَّ يصنع عجلاً وينادي برأيه المأْفون
وأرى صَوْلةَ البُغاة علينا روَّعتْنا في قُدسنا المحزون
وأرى فتنةً تلاحق أخرى وجنوناً للحرب بعد حنون
وأرى القوة العظيمة صارتْ آلةَ الموت في يد «التِّنينِ»
وأرى الوهم مُمْسِكاً بالنواصي مُستخفّاً بكل عقل رزينِ
يا أبا متعب أرى الغربَ يرمي بدعاوى ممهورة بالظنون
هم أراقوا دَمَ العدالة لمَّا واجهوا أمتي بحقد دفين
أهدروا «دُرَّةَ» الصِّغار وصانوا دَمَ سفاح قُدسنا «شارون»
رسموا العنف لوحةً لوَّنوها بدماء الضعيف والمسكين
نسبوها زُوراً إلينا ولسنا في يَسارٍ من أمرها أو يمين
عجباً، غيَّروا الحقائق حتى منحوا للهزيل وصف السمين
ألبسونا الإرهاب ثوباً غريباً ورمونا بكلِّ فعلٍ مَشينِ
أيكونُ الإرهابَ في صَدِّ باغٍ مستبد وظالم مُستهينِ؟؟
أيكونُ الإرهاب في نصر حقٍ واحتكام إلى تعاليم دينِ؟!
إنها الحربُ أشعلوها، فماذا يَصْنَع السيفُ في يدِ المستكين؟!(1271/2)
يا أبا متعب أرى الأرض عَطْشى تطلب الماء من شحيح ضنين
تتلوَّى جوعاً على باب أفعى ونريد الإنقاذ من حَيْزَبُونِ
لو أصَخْنا سمعاً إليها رهيفاً لسمعنا نداءها: أنقذوني
أنقذوني من ظالم مستبد لم تزلْ نارُ ظُلمه تُصْليني
أنقذوني من الفساد، تمادى وسرى في النفوس كالطاعون
يا أبا متعب، هي الأرض تشكو وتنادي يا قوم لا تتركوني
عندنا نحن أمنُها وهُداها ولدينا وسائل التأمينِ
من حمى بيتنا الحرام انطلقنا نُنقِذُ الناس من ظلام السجون
أنتَ أعلنتَها بياناً صريحاً ما به حاجةٌ إلى تَبْييِن:
دينُنا الرُّوحُ لا نساومُ فيه أو نُحابي به دُعاة الفُتون
نحن أهل القرآن منه ابتدأنا ومضينا بنوره في يقين
وتلوناه للوجود، فأجرى للقلوب الظماء أصفى مَعين
وسكنَّا من آيهِ في حصونٍ شامخات الذُّرى وحرزٍ مكينِ
وفتحنا نوافذَ الكونِ حتى صار سِفْراً لنا بديع الفنون
ورفعنا الأَذانَ حياً فتاقتْ كلُّ نفسٍ إلى جميل اللُّحون
عندنا الكنزُ، كنزُ دين حنيفٍ نحن أغنى بفضله المخزون
عندنا حكمة الشيوخِ، وفينا همَّةٌ للشباب ذاتُ شؤون
إن خسرنا، والكنزُ فينا، فبُعداً ثم بعداً لنا، ولا تعذلوني
يا ابنَ أرض الهُدى، عُلانا هُدانا وهدانا هدى النبيِّ الأمينِ
أرضنا الواحة العظيمة تُدني من يد المجتني ثمارَ الغصونِ
أرضنا للعباد صدرٌ حنونٌ يا رعى اللهُ كلَّ صدرٍ حنونِ
نحن في هذه البلاد اتَّخذنا منهجاً واضحاً منيعَ الحصونِ
ومددنا أواصر الحق فينا واتصلنا منها بحبل متينِ
وسقينا بواسقَ النخل حباً فسعدنا بطلعها الميمون
ومحالٌ أن يصبح التمر جمراً ويكون الأصيل مثل الهجين
يا أخا الفهد، عصرنا لا يُبالي بضعيف يحيا على التخمين
لا يبالي بأمة تتساقى بكؤوس من الخضوع المَشين
عَصْرُنا عصرُ ذَرَّةٍ وفضاءٍ واكتشاف المجمهول والمكنون
فافتحوا الباب للشموخ، فإنا قد وَرِثنا بالدين وَعْيَ القرون(1271/3)
رَسَمَ الغربُ للحضارة وجهاً دموياً مشوَّه التكوين
ملأوا الأرض بالعلوم ولكن أثخنوها بفسقهم والمجون
ورَسَمْنا وجهَ الحضارة طَلْقاً ومدَدْنا لها ظلال الغصون
مُنْذُ فاضت بطحاء مكَّةَ بِشْرًا وانتشى بالضياء «رِيْعُ الحُجون»
إن ضَعُفْنا في عصرنا فلأنَّا قد ركنَّا للغرب أقسى رُكونِ
يا ابنَ أرضِ الهُدى سيرعى خُطانا مَنْ رعى في محيطهِ «ذا النُّونِ»
إنما الأمرُ في يدِ اللهِ يُمضي ما طوى علمُه بكافٍ ونونِ
دَعْوَةُ الكُفر تنتهي وستبقى دعوةُ الحقِّ دعوةَ التمكينِ(1271/4)
قالوا تطرف جيلنا صبح تنفس بالضياء وأشرقا الصحوة الكبرى تهز البيرقا
وشبيبة الإسلام هذا فيلق في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا
وقوافل الإيمان تتخذ المدى دربا وتصنع للمحيط الزورقا
وحروف شعري لا تمل توثبا فوق الشفاه وغيب شعري أبرقا
وأنا أقول وقد شرقت بأدمعي فرحا وحق لمن بكى أن يشرقا
ما أمر هذه الصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا
هي نخلة طاب الثرى فنما لها جذع قوي في التراب وأعذقا
شبكة مشكاة
الإسلامية هي في رياض قلوبنا زيتونة في جذعها غصن الكرامة أورقا
فجر تدفق من سيحبس نوره أرني يدا سدت علينا المشرقا
يا نهر صحوتنا رأيتك صافيا وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى
ورأيت حولك جيلنا الحر الذي فتح المدى بوابة وتألقا
قالوا تطرف جيلنا لما سما قدرا وأعطى للبطولة موثقا
ورموه بالإرهاب حين أبى الخنى ومضى على درب الكرامة وارتقا
أو كان إرهابا جهاد نبينا أم كان حقا بالكتاب مصدقا
أتطرف إيماننا بالله في عصر تطرف في الهوى وتزندقا
إن التطرف ما نرى من غفلة ملك العدو بها الزمام وأطبقا
إن التطرف ما نرى من ظالم أودى بأحلام الشعوب وأرهقا
لما رأى جريان صحوتنا طغى وأباح أرواح الشباب وأزهقا
ما زال ينسج كل يوم قصة تروى وقولا في الدعاة ملفقا
إن التطرف أن يسافر مسلم في لهوه سفرا طويلا مرهقا
إن التطرف أن نرى من قومنا من صانع الكفر اللئيم وأبرقا
إن التطرف أن نبادل كافرا حبا ونمنحه الولاء محققا
إن التطرف أن نذم محمدا والمقتدين به ونمدح عفلقا
إن التطرف أن نؤمن بطرسا وهو الذي من كأس والده استقى
إن التطرف وصمة في وجه من جعلوا صليبهم الرصاص المحرقا
إن التطرف في اليهود سجية شربوا به كأس العداء معتقا
إن التطرف أن يظل رصاصنا متلعثما ورصاصهم متفيهقا
يا من تسائلني وفي أجفانها فيض من الدمع الغزير ترقرقا
وتقول لي رفقا بنفسك إننا نحتاج منك الآن أن تترفقا
أو ما ترى أهل الضلالة أصبحوا؟ يتعقبون شبابنا المتألقا(1272/1)
لا تجزعي إن الفؤاد قد امتطى ظهر اليقين وفي معارجه ارتقى
غذيت قلبي بالكتاب وآيه وجعلت لي في كل حق منطقا
شبكة مشكاة
الإسلامية ووطئت أوهامي فما أسكنتها عقلي وجاوزت الفضاء محلقا
أنا لا أخدر أمتي بقصائد تبني على هام الرياح خورنقا
يسمو بشعري حين أنشد صدقه أخلق بمن عشق الهدى أن يصدقا
أوغلت في حزني وأوغل في دمي حزني وعصفور القصيدة زقزقا
أنا يا قصيدة ما كتبتك عابثا كلا ولا سطرت فيك تملقا
عيني وعينك يا قصيدة أنورا دمعا وشعرا والفؤاد تحرقا
قالوا قسوت ورب قسوة عاشق حفظت لمن يهوى المكان الأعمقا
بعض الرؤوس تظل خاضعة فما؟ تصحو وما تهتز حتى تطرقا
خوان أمته الذي يشدو لها بالزيف والتضليل حتى تغرقا
خوان أمته الذي يرمي لها حبلا من الأوهام حتى تشنقا
كالذئب من يرمي إليك بنظرة مسمومة مهما بدا متأنقا
شتان بين فتى تشرب قلبه بيقينه ومن ادعى وتشدقا
شتان بين النهر يعذب ماؤه والبحر بالملح الأجاج تمذقا
إني لأعجب للفتي متطاولا متباهيا بضلاله متحذلقا
سلك العباد دروبهم وهو الذي ما زال حيران الفؤاد معلقا
الشمس في كبد السماء ولم يزل في الشك في وضح النهار مطوقا
النهر يجري في القلوب وماؤه يزداد في حبل الوريد تدفقا
وأخو الضلالة ما يزال مكابرا يطوي على الأحقاد صدرا ضيقا
يا جيل صحوتنا أعيذك أن أرى في الصف من بعد الإخاء تمزقا
شبكة مشكاة
الإسلامية لك من كتاب الله فجر صادق فاتبع هداه ودعك ممن فرقا
لك في رسولك قدوة فهو الذي بالصدق والخلق الرفيع تخلقا
يا جيل صحوتنا ستبقى شامخا ولسوف تبقى بالتزامك أسمقا
سترى رؤى بدر تلوح فرحة بيمينها ولسوف تبصر خندقا
سترى طريقك مستقيما واضحا وترى سواك مغربا ومشرقا
فتحت لك البوابة الكبرى فما نخشى وإن طال المدى أن تغلقا
إن طال درب السالكين إلى العلا فعلى ضفاف المكرمات الملتقى
وهناك يظهر حين ينقشع الدجا من كان خوانا وكان المشفقا(1272/2)
قلعة العلم
مع العزاء الصادق لكل مسلم في وفاة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
خفقان قلب الشعر أم خفقاني
أم أنه لهب من الأحزانِ
ماذا يقول محدثي أحقيقة ما
قال أم ضرب من الهذيان
مالي أرى ألفاظه كحجارة
ترمي بها الأفواه للآذان
الشيخ مات عبارة ما خلتها
إلا كصاعقة على الوجدان
أو أنها موج عنيف جاءني
يقتاد نحوي ثورة البركان
يا ليتني أستوقفت رنه هاتفي
قبل إستماع نداء من نادني
أو أني أغلقت كل خطوطه
متخلصاً من صوته الرنانِ
الشيخ مات أما لديك عباره
أخرى تعيد به إتزان جناني
قلي بربك أي شيء ربما
أنقذتني من هذه الأشجان
قلي بربك أي شيء قال لي
عجباً لأمرك يا فتى الفتيان
أنسيت أن الموت حقاً واقعاً
ونهاية كتبت على الإنسان
انسيت أن الله يبقى وحده
وجميع من خلق المهيمن فاني
أنسيت لا والله لكني إلى باب
الرجاء هربت من أحزاني
الشيخ مات صدقت أني مؤمن
بالله مجبول على الإذعان
الشيخ لا بل قلعة العلم التي
ملأت برأي صائب وبيان
هو قلعة العلم التي بنيت على
ثقة بعون الخالق المنانِ
وأمامها هزمت دعاوى ملحد
وارتد موج البغي والبهتان
وتتطايرت شبه العقول لأنها
وجدت بناءاً ثابت الأركان
أنست بها نجدُُ ومهبط وحينا
واسترشد القاصي بها والداني
هو قلعة ظلت تحاط بروضة
خضراء من ذكر ومن قرآن
صان الإله عقيدة أمة
في عصرنا المتذبذب الحيرانِ
ماذا تقول قصائد الشعر التي
صارت بلا ثغر ولا أوزان
ماذا تقول عن بن باز أنها
ستظل عاجزةً عن التبيان
ماذا تقول عن التواضع شامخاً
وعن الشموخ يحاط بالإيمان
ماذا تقول عن السماحة والنهى
عن فقه هذا العالم الرباني
مات بن باز للقصائد ان ترى
حزن القلوب وادمع الأجفان
في عين طيبة أدمع فياضة
تلقى دموع الطائف الولهان
والخرج تسأل والرياض ومكة
عن قصة مشهورة العنوان
عن قصة الرجل الذي منحت
له كل القلوب مشاعر إطمئنان
ما زالت أذكر صوته يسري
إلى أعماقنا بمودة وحنان(1273/1)
يفتي وينصح مرشداً وموجهاً
ومعلماً للناس دون توانِ
نوراً على الدرب ارتوى من فقه
وسرت منابعه إلى الظمآن
يا رب قد أصغت إليك قلوبنا
وتعلقت بك يا عظيم الشان
الشيخ مات عليه أندى رحمه
وأجل مغفرة من الرحمان(1273/2)
كاترينا
شعر: عبدالرحمن صالح العشماوي
أقبلتْ والشِّمال تلوي اليمينا
تخلط القادمين بالرَّاحلينا
أرسلتْ طرفَها ومدَّتْ خُطاها
تَطَأ الأَرض توقظ الغافلينا
كشفتْ رأسَها، فلم تُخْفِ وجْهاً
حين سارتْ ولم تُغطِّ الجبينا
مقلتاها تحدِّ ثانِ بسر
كان قبل المجيء سرَّاً دَفينا
شفتاها تُردِّدان حروفاً
وحديثاً عمَّا تُريد مُبينا
قَدَماها تُعلِّمان الفيافي
ما يُريها انطلاقَها ويُرينا
ساقت الموجَ والبحار وساقت
خَلْفها الرِّيح تَطرد الهاربينا
وأدارتْ في كلِّ شيءٍ رحاها
فأحالت ما واجهته طحينا
وأراقت عليه ماءً أُجاجاً
صنعتْ منه للفناءِ العَجينا
لا تبالي بما تقابل مهما
كان ضخماً وكان صلباً متينا
ملأتْ دربها الطويل ضحايا
وصراخاً وادمعاً وأنينا
كيف جاءت وأين تغدو وماذا
تبتغي هذه التي تجتوينا؟!
ما اسمُها؟ ضجَّت الأعاصيرُ لمَّا
سألوها، ورددتْ (كاترينا)
(كاترينا) أما ترون يديها
كيف هزَّتْ قلاعكم والحصونا؟!
أو ما تسمعون وقْع خُطاها
أَورَثَ العقل حيرةً وجنونا؟!
مالكم - ويلكم - وقفتم حيارى
وفغرتم أفواهكم واجمينا؟!
أنتم القوَّة العظيمة هيَّا
حطّموها، وأمّنوا الخائفينا
وجِّهوا نحوها أساطيل جوّ
واملؤوا البحر للدِّفاع سفينا
أمطروها بسائل الغاز حتى
تقتلوها قتلاً فظيعاً مُهينا
حرِّ قوها بناركم، مزِّقوها
كضحايا العراقِ حتى تَلينا
عندكم خبرة القتال، رأينا
في بلاد الأَفغانِ منها فُنونا
ورأينا العراق يجري دماءً
بعد أن صار في يديكم رهينا
(كاترينا) هيَّا اسمُلوا مقلتيها
بالمسامير، أَغمِدُوا السكِّينا
عندكم خِبرَةُ السجون فهيَّا
أَسِكنُوها في (قونتنامو) السُّجونا
أجهزوا - أيها الصقور - عليها
قبل أن يَهزِمَ اليقينُ الظُّنونا
بادروها بجيشكم، واستعدُّوا
قد أتتكم (ريقا) بما تكرهونا
جَنْدِلُوا هذه وتلكَ سريعاً
أولستم بجيشكم قادرينا؟!
نحن - والله - لا نريد هلاكاً(1274/1)
للضحايا، ولا نريد فُتونا
غير أنا نقول قوْلَةَ حقّ
يصبح الظنُّ في مداها يقينا
يُمهل الله خلقَه ويُريهم
طُرُق الخير عَلَّهم يَسلكونا
جعل العفو واحةً وغصوناً
وارفاتٍ تظلِّل التائبينا
بابُه مُشرعٌ لكلِّ منيبٍ
بابُ خيرٍ يستوعب العالمينا
فإذا أسرف العباد وجاروا
وتمادوا وروَّعوا الآمنينا
قال: كُنْ، خالقُ العباد فكانتْ
لَمْحَةُ العينِ مُهلَةَ الظالمينا
يا ضحايا غرورهم وهواهم
كم ننادي غروركم فاسمعونا
اسمعونا فربما جاء يومٌ
مُثْقَلٌ يملأُ المسامع طينا
اخرجوا من مغارةِ الوهم إنَّا
لنراكم في ليلها غارقينا
احرسوا شعبكم بعدلٍ، وإلا
فعليكم أوزارُهم أجمعينا
ما دهاكم، أما كفى ما رأيتم
من ملايين شعبكم هائمينا؟!
لحظةٌ من إرادة الله دكَّتْ
ما بنيتم من القلاع سنينا
مَنْ رأى البحر هائجاً، وتمادَى
دوَّنتْه الأمواجُ في الهالكين(1274/2)
لا تيأسي
«وقفة شعرية مع الطفلة «مها» التي شهدت قتل أهلها
جميعاً في مجزرة «غَزَّة» الأخيرة، ورأتْ أشلاءهم تتطاير
مع أطباق عشائهم».
في ليلةٍ مقتولةِ الأَسحارِ
محروقةٍ أثوابُها بالنَّارِ
ساعاتها مشحونةٌ بمواجعي
مبلولةٌ بدمي ودمعي الجارِي
ظَلْماؤها فُجِعَتْ بما شهدْته من
آثار موقع بيتنا المُنْهارِ
في ليلةٍ لَيْلاءَ باتتْ «غزَّةٌ»
تحت اللَّظى، وقذائف الأَخطارِ
باتتْ يُحاصُرها الدُّخَانُ، فما ترى
إلاَّ اختلاطَ دُخَانِها بغبارِ
وترى خيالاً من وراءِ رُكامها
لمَّا دَنَا، فُجِعَتْ بمنظر «عارِي»
يمشي على الأَشلاءِ مِشْيَةَ حانقٍ
لم تَخْلُ من وَهَنٍ بها وعِثارِ
مَنْ أنتَ يا هذا؟ سؤالٌ جامدٌ
في ليلةِ التَّرويعِ والإِهدارِ
أنا مسلمٌ - يا قومُ - أَسْترُ عورتي
لكنْ ردائي ضائعٌ وإِزارِي
أنا واحدٌ من أسرةٍ مدفونةٍ
تحتَ الثَّرى المخلوطِ بالأحجارِ
أنا واحدٌ من أهلِ غَزَّةَ في فمي
ذكر الإلهِ ودعوةُ الأخيارِ
لا تسألوني، إنَّ في قلبي اللَّظَى
مما جنى الباغي، وَوَمْضَ شَرارِ
هلاّ بحثتم في الرُّكامِ، فإنني
ما عُدْتُ أملك حيلتي وقرارِي
أين الصِّغارُ، وللسؤال مَرارةٌ
فوقَ الِّلسانِ، فهل يجيب صغاري؟!
أشلاؤهم صارتْ تُضيء كأنجمٍ
تحتَ الرُّكامِ نَقيَّةِ الأنوار
أين النِّساءُ؟، روى الدَّمارُ حكايةً
عن معصمٍ وحقيبةٍ وسِوَارِ
عن راحةٍ مقبوضةٍ تحت الثَّرى
فيها بقايا مِسْفَعٍ وخِمارِ
يا ليلةً سوداءَ أَقْفَرَ صمتُها
إلاَّ من الآلامِ والأكْدارِ
فكأَنَّها الغُولُ التي وصفوا لنا
قَسَماتها في سالفِ الأخَبارِ
في وجهها ارتسمتْ لنا صورُ الأسى
وبدت ملامحُ قبْحها المتوارِي
ساعاتُها امتشقتْ حساماً كالحاً
من طولها، ورمَتْ به إِصراري
من أين جاءت ليلتي بظلامها
حتى أجاد مع الهمومِ حصارِي؟؟
من أيِّ بحرٍ يستقي الليلُ الدُّجَى
ومتى تسير مراكب الإبحارِ؟؟
وبأيِّ ثَغْرٍ تنطق الدَّار التي(1275/1)
فُجِعَتْ بموتِ جميعِ أهل الدَّار؟؟
ماذا أقول لكم وبستان الرِّضا
أمسى بلا شجر ولا إثمارِ؟!
ماذا أقول، ولست أقدر أنْ أرى
أهلي وأطفالي، وهم بجواري؟!
لمّا دَنَا وجهُ الظلام تجمَّعوا
كي يستريحوا من عَناءِ نَهَارِ
أين العشاء؟، تحدَّث الصاروخ عن
طَبَقٍ تطايرَ ساعةَ الإِعصَارِ
عن كِسْرةٍ من خُبْزَةٍ شهدتْ بما
يُخفي ركامُ البيتِ من أسرارِ
أين العَشاءُ؟ لدى الشظايا قصةٌ
عن بيْضَةٍ سلمتْ من الأَضرارِ
حَلَفَ الحُطامُ لنا يميناً، أنَّها
مسكونةٌ بالعزمِ والإصرارِ
ولربما صارت - على طول المدى-
حجراً يحطِّم جبهةَ المُتمارِي
أين العشاءُ؟، دع السؤالَ فربما
سمع السؤالُ إجابةَ استنكارِ
إسألْ عن الأُسَر التي اختلط الثرى
بدمائها، عن هَجْمةِ الكفَّارِ
إسألْ «مَهَا» عن أهلها فَلَرُبّما
سردتْ حكايةَ جرحها المَوَّارِ
ولربَّما رسمتْ ملامحَ دارِها
لمَّا غدتْ أثراً بلا آثارِ
ولربما وصفتْ ظَفيرةَ أختها
تحتَ الرَّكامِ، ووجهَ بنتِ الجارِ
إسألْ «مَهَا» عن ظالمٍ لا يَرعوي
عن قَتْل ما يلقى من الأَزهارِ
اسأل «مها» عن أمِّها كيف اختفتْ
في ليلةٍ مهتوكةِ الأستارِ
في ساعةٍ دمويةٍ شهدتْ بما
في أمتي من ذِلَّةٍ وصَغارِ
شهدتْ بأنَّ الغربَ أصبحَ لا يرى
إلاَّ بعينِ الفأْسِ والمِنْشارِ
إسألْ «مَهَا» عن غَزَّةٍ، وانظُرْ إلى
آثار ما اقترفتْ يَدُ الأشرارِ
وابعثْ إليها دَعْوَةً ممهورةً
بالحبِّ، وابعثْ صرخةَ استنفارِ
يا غَزَّةَ الألم الذي سيظلُّ في
أعماقنا لهباً لجذَوْةِ نارِ
غاراتُ شذَّاذ اليهودِ رسالةٌ
غربيَّةٌ محمومةٌ الأفكارِ
كُتِبَتْ هنالكَ في مصادرها التي
تختال فيها شَفْرَةُ الجزَّارِ
بُعِثَتْ إليكِ على بريدِ خيانةٍ
متكفِّلٍ برسائلِ الفُجَّار
لو تسألين القدسَ عمَّا أرسلوا
لروى حكايةَ مدفعٍ ثَرْثَارِ
وروى حكايةَ غافلٍ متشاغلٍ
عن وجهك الباكي بلِعْبِ «قِمار»
لو تسألين «جِنينَ» عنها أَخبرتْ(1275/2)
عن مُرسلٍ ومراسلٍ، غدَّارِ
وتحدَّثتْ عن بائعٍ ما زال في
غَمَراتِه يرنو لدرهم شارِي
لو يستطيع لباع كلَّ دقيقةٍ
من عمره المشؤومِ بالدُّولارِ
يا غَزَّةَ الأملِ الكبيرِ، تكشَّفَتْ
حُجُبٌ فبانتْ سَحْنَةُ السِّمسارِ
وتخفَّف الليلُ البَهيمُ من الدُّجَى
فبدتْ ملامحُ ظالمٍ ومُماري
يا غَزَةُ احتسبي جِراحَكِ إنني
لأرى اختلاطَ الفجرِ بالأَسحارِ
لا تجزعي من منظر السُّحُب التي
تُخْفي كواكِبَنا عن الأَنْظارِ
سترين تلكَ السُّحْبَ تَنُفُضُ ثوبَها
يوماً بما نرجو من الأمطارِ
يا غزَّة الجُرْح المعطَّر بالتُّقَى
لا تيأسي من صَحْوةِ المليارِ
لا تيأسي من أمةٍ، في روحها
ما زال يجري مَنْهَجُ المُخْتَارِ(1275/3)
لغة الحجارة أبتاه ما زالت جراحي تنزفُ والليل أعمى والمدافع تقصفُ
بيني وبين مطامحي ألف يد هذي تريق دمي وهذي تغرفُ
ليل التخاذل سيطرت ظلماته والقلب بالهمّ الثقيل مغلفُ
وتثائب الصمت الطويل ومقلتي ترنو الى الافق البعيد وتذرفُ
وأمام باب الدار يرقبني الردى وعلى النوافذ ما يخيف ويرجفُ
شبكة مشكاة
الإسلامية من أين أخرج يا أبي والى متى أحيا على خدر الوعود وأضعفُ
نشقى وتجار الحروب قلوبهم بلقاء من شربوا دمي تتشرفُ
ويسومنا الاعداء شر عذابهم فإلى متى لعدونا نتلطف ؟
ها نحن يا أبتي نعيد لقومنا شرف الدفاع عن الحمى ونشرّفُ
طال انتظار صغاركم فتحركوا لما رأوا أن الكبار توقفوا
وتلفتوا نحو السلاح فما رأوا إلا الحصى من حولهم تتلهف
عزفوا بها لحن البطولة والحصى في كف من يأبى المذلة تعزف
هذي الحجارة يا أبي لغة لنا لما رأينا أننا لا ننصف
لما رأينا أن حاخاماتهم يتلاعبون بنا فيرضى الأسقف
لما رأينا أن أمتنا على أرض الخلاف قطارها متوقف
ماذا نؤمل يا أبي من فاسق يلهو ومن متدين يتطرف ؟
جيش الحجارة يا أبي متقدم والمعتدي بسلاحه متخلف
أنا لا أتوق الى الفناء وإنما موت الكريم على الشهادة أشرف
بيني وبين حصى بلادي موعد ما كان يعرفه العدو المرجف
يتعوذ الرشاش من طلقاتها ويفر منها المستبد الأجوف
لغة الحجارة يا أبي ، رسمت لنا وعد الإباء ووعدها لا يخلف
وغدت تنادينا نداء صادقا وفؤادها من ضعفنا يتألف
لا تألفوا هذا الركون الى العدا فالمرء مشدود الى ما يألف
هزوا سيوف الحق في زمن على كتفيه من ظلم العدا ما يجحف
عفواً أبي فقصائدي مجروحة تشكو معانيها وتبكي الأحرف
وقلوبنا مشحونة باليأس في زمن يداس به الضعيف ويجرف
يتطلع الاقصى اليّ وحوله عين تراقبه وسمع مرهف
ويد مجمدة على الرشاش لم تغسل بماء منذ ساء الموقف
شبكة مشكاة
الإسلامية في وجه صاحبها نفور صارخ وعلامة للغدر ليست توصف
هذا هو الاقصى وطائر مجده يشدوا بألحان الهدى ويرفرف(1276/1)
تتحلق الاعوام في ساحاته حِلَقاً تسبّح للإله وتهتف
ويقبّل التاريخ ظاهر كفه وبثوبه جسد العلا يتلحف
واليوم يرقبنا بطرف ساهر ويداه من هول المصيبة ترجف
ما زال يدعو يا أبي وفؤاده من كل معنى للتخاذل يأنف
يا أمة ما زلت أنشد مجدها شعراً يطاوعني صداه ويسعف
المجد مجدك إنما أزرى به راع يتيه وعالم يتزلف
وشبيبة هجرت مبادئ دينها وغدت لأفكار العدا تتلقف
يا زورق أحلام في بحر الأسى هذي يدي رغم القيود تجدف
وبوارج الأعداء تختزن الردى ربّانها متطاول متعجرف
واجهت يا أبتي الخطوب وعدتي قلب عصاميّ وحسٌ مرهف
وتوجهٌ لله يجعل هامتي أعلى ، وإن جار الطغاة وأسرفوا
أبتاه لن يحمي حمى أوطاننا إلا حسام لا يُفلّ ومصحفُ(1276/2)
لك الله يا سامي
شعر الدكتور / عبد الرحمن العشماوي
لك الله يا سامي إذا احتدم الأمرُ = لك الله منه العون للعبد والنَّصْرُ
لك الله في أرضٍ تطاوَل ليلُها = على أهلها حتى شكا الغُرْبةَ الفِجْرُ
وحتى شَكَا القانونُ فيها انتهاكَه = فلم يتَّّسع فيها لظالمها العُذْرُ
لك اللهُ في أرضٍ تباكتْ نجومُها = على سوء ما يجري بها, وبكى البَدْرُ
ولو نطق التمثالُ فيها, لَرُبَّما = تبرَّأ ممَّا جرَّه الظلم والغَدْرُ
ولو أنَّ أمريكا أقامت لنفسها = من العقل نبراساً لما اختلط الأمرُ
وكم يقتل الإحساسَ في القلب = حقدُه ويُفقده معنى بصيرته الكِبْرُ
فيا ليت أربابَ العقول تسلَّقوا = جدار دُعاةِ الوهم, كي يُجْبَرَ الكَسْرُ
وياليت جدرانَ الفواصل تنتهي = ليأمن أطفالٌ أصابهم الذُّعْرُ
نقول لمن ساقوا أباطيلَ بغيهم = أفيقوا, فقد يجني على الساحرالسحرُ
ترى العين في لَمْعِ السَّرابِ نجاتَها = فينقذها عقلٌ ويرشدها فكرُ
لك الله يا سامي, فجسرُكَ لم يَزَلْ = بربِّك موصولاً, ولن يُقطَعَ الجسْرُ
لك الله في بحرٍ ستعبر موجَه = إلى الضّفّة الأخرى, وإنْ زمجر البحرُ
وكيف يخاف البحرَ من خاضَ موجَه = وبحَّارُه التقوى, وزورقُه الصَّبْرُ؟
بإيمانها تسمو القلوب وتزدهي = سعادتُها فيها, وينشرح الصَّدْرُ
وكيف يهُزُّ اليأسُ وجدانَ مسلمٍ = وفي ثغره الميمون قد أورق الذِّكْرُ؟
رأيتُكَ وجهاً فيه للخير صورةٌ = وفي الوجه تعبيرٌ يُزَاحُ به السِّتْرُ
ولو أنَّ مَنْ يسعون للخير أصبحوا = عناصرَ إرهابٍ لما بُذِرَ البَذْرُ
أَيُوصَفُ بالإرهاب من مَدَّ كفَّه = لينقذ محتاجاً أضرَّ به الفَقْرُ؟
أيوصف بالإرهاب مَنْ ردَّ صائلاً = وحارب محتَلاَّ, طبيعتُه المكرُ؟
أتصدقُ دعواهم على كلِّ مسلمٍ = ويسلم من أوزارها القَسُّ والحَبْرُ؟!
لك الله يا سامي, فللحقِّ جولة = سيُنْقَذُ فيها من طواغيته العَصْرُ(1277/1)
كأني بك اجتزْت المسافاتِ قادماً = إلى الوطن الغالي, يرافقُك البِشْرُ
ستلقاك يا سامي الخزامى بنشرها = بريئاً, وتلقاك البَواسقُ والسِّدْرُ
سيسعد أطفالٌ وتسعد زوجةٌ = لإخلاصها في كل ناحيةٍ ذكْرُ
لقد سطَّرتْ من عزمها وصمودها = كتاباً لها فيه الكفايةُ والأَجْرُ
ستسعد يا سامي بعُمْرةِ مسلمٍ = يكون بها لله في بيته الشُّكْرُ
لك الله يا سامي فلا تَخشَ,إنه = من العُسْرِ - مهما اشتدَّ - يَنْبثق اليُسْرُ(1277/2)
ليس هذا عيدي( إليكِ أيتها الأخت الصغيرة هذه الهدية )
قابَلتني في فرحةٍ بالتحية ولها بسمة على الثغر حيه
خطوها راقص تقول سروراَ هاهو العيد جئت أبغي الهديه
فتمطت في القلب آهة جرح وتساءلت والدموع سخيَّه
أي عيد رقصت شوقاً إليه ؟ أي عيد ذكرته يا أخيه ؟
أهو عيد للقدس عاد إلينا ؟ بعد أن دمَّرته أيد غبيَّه
عجبت أختي الصغيرة من حالي وقالت في دهشة ورديَّه:
إنه عيدنا وعيد رفاقي عيد حلوى وذكريات عنيَّه
قم معي يا أخي نُؤرجح بعضاً في أراجيحنا ونلعب ( فَيّه)
قلت يا أختُ (مرجحي ) وتغنَّي لم تزل نفسك الطهور نقيَّه
كنت طفلاَ يا أخت مثلك خِلواَ من همومي ، وليس في القلب كيَّه
كم غدونا إلى البيوت صباحاَ يوم عيدي نحن الرفاق سويّه
وطلبنا من ربَّة البيت حلوى وسرقنا إذا استطعنا البقيَّه
كم هنئنا بمثل عيدك هذا فاصدحي بالرضى وعيشي هنيَّه
هو عيد الأطفال مثلك يا أختي وعيد الأبطال عيد البريَّه
ليس هذا عيدي ، فإن جراحي لم تزل يا حبيبة القلب حيَّه
ليس هذا عيدي ولكنَّ عيدي أن أرى أمتي تعود أبيَّه(1278/1)
( قالها العشماوي عند قدومه إلى المدينة المنورة )مأزر الإيمان
هل أنت في حلم يمر سريعا لما دعاك إليه جئت مطيعا
هذي أمامك طيبة ورحابها قد بوركت في العالمين ربوعا
شبكة مشكاة
الإسلامية هذي المدينة قد تألق فوقها تاج يرصع بالهدى ترصيعا
هذي سقيفتها تلوح أمامنا فنرى بها شمل الرجال جميعا
هي مأرز الإيمان في الزمن الذي يشكو بناء المكرمات صدوعا
هذا قباء ، أما رأيت البدر في ساحاته لما استتم طلوعا
أو ما تشاهد روضة من جنة مخضرة أوما تحس خشوعا
أو ما ترى جذع اليقين قد ازدهى وامتد عبر الكائنات فروعا
أو ما تشم المسك في أرجائها أو ما تشاهد خندقا وبقيعا
مالي أراك وقفت وحدك جامدا ما بال عينك لا تفيض دموعا
هذا هو الوادي المبارك لم يزل في الحب في زمن الجفاف ربيعا
هذا هو الجبل الأشم كأنه يصغي ليسمع شعرك المطبوعا
أحد يحب رسولنا ونحبه ما زال رمزا للوفاء بديعا
ما أنت في حلم فهذي طيبة قد أوقدت للتائهين شموعا(1279/1)
ما بالها أقبلت من غير توقيت
قصيده كتبها شاعرنا يهجو فيها وزيرةالخارجية الأمريكية اليهودية اًلأصل
مادلين أولبرايت
فيقول:
ما بالها أقبلت من غير توقيت
تسير مابين تصفيق وتصويت
رأيتها لارعى الرحمن صورتها
انسانة أقبلت في جسم خرتيت
في وجها صورة للمكر بارزة
كأنها حين يبدو وجه عفريت
كأنها حين تبدو لناظرها
شيطانةخرجت من بطن تابوت
من أين جاءت ؟ روى الراوي لنا خبراً
بأنها من سلالات ( ابن مسحوت )
أما ابن مسحوت فالنسابة اتفقوا
بأنه جاء من أصلاب ( ابن مغلوت )
وحدثتنا الروايات التي رويت
بأن مفلوت ممن صادروا قوتي
وأنها انحدرت من صلبه ونمت
نمو شوك وزقوم وحلتيت
وأنها ولدت والليل مكتئب
مابين مدخل سرداب وحانوت
وحدثتنا عن التخثير في دمها
وأنها من بقايا جيش جالوت
وأنها لم يسر في دربها أحد
إلا وضاع ولم يفرح بخريت
لو كنت املك يوماً أن أزوجها
لكنت زوجتها من وحش تكريت
فربما اغتالها ليلاً وحنطها
كما تحنط أشباح العفاريت
وربما سربت في جوفه حمماً
من ريقها فتوارى في التوابيت
لو تنطق الأرض قالت حين تبصرها
تمشي ملفلفة في جنحها موتي
طاف الممالك لم تصر كمنظرها
ولامشابه قبح عين ياقوت
كأنما وجهها من سوء طلعته
هو القفا وقفاها وجه مسبوت
ثيابها قصرت حتى غدت مثلا
لكل ثوب قبيح النسج ممقوت
حوت يسير على رجلين حملتا
بجثة ، فتأمل مشية الحوت
أعوذ بالله من ساقين مامشتا
إلا لزرع خلافات وتشتيت
كأنما هي سعلاة لها شفة
مقلوبةالصقت في وجه منحوت
في ذهنها فعل أمريكا التي فعلت
فعل الجوارح في زغب الكتاكيت
وعندها سيف أمريكا تريق به دم
الضعيف وتحمي رأس طاغوت
لابأس في عرفها من قتل كوكبة
من الصغار ومن جور وتبكيت
وليس يزعجها هدم البيوت على
سكانها وانتقاص الماء والقوت
ولا يضايقها غدر اليهود بنا
ونقضهم عهد هاروت وماروت
وحرق مسجدنا الأقصى يروق لها
فكم تجود ببارود وكبريت
سفينة الغدر مازالت تخوض بها
محيط أطماعها والظالم النوتي(1280/1)
تصغي إلى قول أفاك يبادلها
زوراً بزور لا تصغي لمكبوت
تدعوا لحفظ حقوق الناس وهي على
سلب الحقوق تصب الخل في التوت
صاغت لنا صورة المأساة كاملة
مابين مسجدنا الأقصى وبيروت
سألت عن قلب أمريكا فحدثني
صلب الحديد بأخبار الديناميت
فقلت يارب جنبنا مكائدها
واكتب لنا النصر في حفظ اليواقيت
يا كفر جالوت لا تفرح فسوف
ترى ما سوف يصنعه إيمان طالوت(1280/2)
مادلين أولبرايت
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1281/1)
ماهي العولمه؟
لنترك شاعرنا يعرفها لنا....فماذا يقول
عين ولام ثم ميم
ألف ونون
ياء مشدّدة وهاء
من هاهنا ابتدأ العناء
من هاهنا جرّ السماسرة الرداء
وطغى على النهر الغثاء
عين. وتنتفض العمالة والعناد
لام . ويظهر في ملامح وجه عالمنا الكساد
ميم . ويرفع ملحد علم الفساد
ألف . ويبتدأ الحصاد
نون . وتبدأ نكسة كبرى ويجتاح الجراد
ياء . وتغرق أمتي في اليانصيب
هاء .وتقطع هامة الأمل الحبيب
عين ولام ثم ميم
ألف ونون
ياء مشددة وهاء
هذي حروف الوهم في زمن الضياع
هذي حروف اليأس في بحر ... يبدد موجه حلم الشراع
هذي حروف الموت في وجدان أمتنا ... .. وقنطرة الصراع
عين ولام ثم ميم
ألف ونون
ياء .مشددة وهاء
عين .عذاب
لام .لهيب واضطراب
ميم. مجافاة الكتاب
ألف .أسىً
نون .نقيق ضفادع وصدى نعاب
ياء .يد سوداء موحشة الخضاب
هاء .هوى يغتال قلب الحر يلتهم الصواب
عين ولام ثم ميم
ألف ونون
ياء مشددة وهاء
من أين نخرج أيها الليل البهيم
من أين نبدأ رحلة الأمل العظيم
من أين ... وانكسر السؤال
وسمعت صوتا من وراء الأفق موفور الجلال
يا سائلا في ثغره اشتعل السؤال
هذا الطريق أمام عينك يا غريق
وأمامك الروض المندى والرحيق
وأمامك القرآن زادك في الطريق
وحديث خير الناس والبيت العتيق
سل أيها الشاكي حراء
سل غار ثور حينما التفت الزمان إلى الوراء
ورأى النبي يقول للصديق لا تحزن ... .فربك في السماء
ورأى أبو جهل ... وفي عينيه نبرة كبرياء
مائة من الإبل العتاق فأين عشاق الثراء
أين الرجال الأقوياء
سل يا أبا جهل سراقة عن إمام الأنبياء
وأصغ بسمعك عن للنداء
اسمع صهيل الخيل في بدر
وقعقعة السيوف الراشفات من الدماء
لكأنني بالرمل يصرخ في وجوه الأشقياء
شاهت وجوه القوم خاب الأدعياء
وكأنني بالصوت جلجل في الفضاء
بشراك خير الأنبياء
صهوات خيل المشركين طريقهم نحو الفناء
فاصبر فإن الله يفعل ما يشاء
يا سائلا في ثغره اشتعل السؤال
أوما ترى عيناك وجه الشمس ... ..ناصية الهلال(1282/1)
قاف وراء
ألف لها مد ونون
هذي الحروف هي اليقين
هذي الحروف هي اليقين الحق يعصف بالظنون
نبع فأين الواردون
نهر صفا من كل ما لا يستسيغ الشاربون
قرآنكم يا مسلمون
قاف. قيم
راء . رقي في سماء المجد سعي للقيم
ألف . أباء في زمان الذل ... أيمان برب الكون ..إخلاص شمم
نون . نقاء الروح من دنس التذلل للصنم
قاف وراء
ألف لها مد ونون
هذا هو الفجر الذي اكتسح الظلام
وأضاء درب السالكين إلى رحاب الخير في البلد الحرام
قد فاز من سلك الطريق إلى الأمام
عين ولام ثم ميم
ألف ونون
ياء مشددة وهاء
سيزول هذا الوهم في ظل العقيدة
ولسوف يعرف كل مغرور حدوده
ولسوف تبدأ أمتي بالحق رحلتها السعيد(1282/2)
من أين أبدأ رحلتي( تساؤلات طفل شردته الحرب )
الليل مكتئبٌ وقريتنا يضاجعها الخراب
ونساء قريتنا على الطرقات يسدلن الحجاب
يخشين – يا أبتي – على أعراضهن من الذئاب
وبكاؤهن يشيع في آفاق قريتنا اكتئاب
وعويل أطفال يذيب القلب ، قد فقدوا الصواب
وهزيم رعد - يا أبتي – يفضي بآلام السحاب
ووميض برق تستضيء به المشارف والشعاب
وسفينة في البرِّ آمنة وأخرى في العُباب
وغناء عصفور على فننٍ يردده غراب
وأنين أفئدة يمزقها التلهف والعذاب
ويد مكبلة وهذا السيف يلمع كالشهاب
وصراخ أسئلة بلا وعي ، تحن إلى جواب :
ما بالهم يستأسدون ويطحنون رؤى الشباب ؟!
ويعربدون ، وينشرون على الورى قانون غاب ؟!
ما بالهم ، في غيهم يتسلطون على الرقاب ؟
ما بالهم ، شربوا دماء الأبرياء بلا حساب ؟؟
همج .. أليس لهم إلى البشر ، انتماء وانتساب ؟؟
بشر؟؟ نعم لكنهم عند عند الرغائب كالدواب
هم كالوحوش بدا لهم في حربنا ظفرُ وناب
أواه من جور العدو ومن مجافاة الصحاب
من أين أبدأ- يا أبي ؟ والليل يرفده الضباب
من أين ألبس – يا أبي ؟ جسدي يحن إلى الثياب
كل المنابع أصبحت مستنقعات للذباب
صارت وجوه الهاربين دفاتر الأمل المذاب
وعيونهم صارت كهوفا للذهول وللعذاب
من أين أبدأ رحلتي ووجوه أصحابي غضاب ؟
يبست على دربي الخطا وتنابحت حولي الكلاب
ستقول يا- أبتي – تصبر ، سوف نقتحم الصعاب
ستقول : لا تجزع ، فمثلك في الحوادث لا يهاب
أتظن أني لا أرى ما نحن فيه من اضطراب ؟!
أتظن أني لا أرى سجني ، ولا تلك الرحاب ؟!
إني لأسمع ما يقال على المنابر من سباب
إني لأعرف كل وجه يختفي خلف الحجاب
كم من وعود – يا أبي – لكنها مثل السراب
هذا صواب يا بني ، وهل تقول سوى الصواب ؟؟
أعداؤنا مثل الذئاب ونحن نصطاد الذئاب
بيقيننا نمضي ونهزم كل شك وارتياب
وإلى متى هذا السؤال وعندنا نحن الجواب
سنسد باب الظلم يا ولدي ونفتح ألف باب(1283/1)
موازين الرجال( تحية فلسطين إلى الأمير عبد الله بن عبد العزيز )
شبكة مشكاة
الإسلامية
تَحذِّرنا من الباغي علينا **** ومن أَتْباع نَهْجِ (أبي رِغالِ)
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1284/1)
نحن أدرى أيها الحادي الذي يحدو القوافل أنت ماضِ ، وجدير أن تواصل
أسمع الصحراء صوتاً أنجشياً صافياً يلهبُ أخفاف الرواحل
وبه تمنحنا الراحة ظلاً وبه تُطوى من الدرب المراحٍل
أيها الحادي ، أدرُ شدوك فينا نغماً يوقظ أحلام الغوافل
صوتك العذب يُرينا كيف تهفو مقل الرمل ، وأهدابُ المنازل
شبكة مشكاة
الإسلامية صوتك العذبُ غناء يتلاشى عنده تغريد أصوات البلابل
كلما أنشدت لحناً ، خلت أني أمسح النجم بأطرف الأنامل
وأناجي قمر الليل وأبني فوقه صرحاً ، وأبراج فضائل
وأرى دائرة النور أمامى غرةً بيضاء في جبهة صاهل
وأرى الأنجم عقداً لؤلؤياً ما له في عالم الدر مماثل
أيها الحادي ، تألقت فرفقاً بالقوارير وربات الخلاخل
خفف اللحن الذي أصبح سحراً يتسامى وصفه عن سحر بابل
أيها الحادي على لحنك سارت خيلنا الدهم الكريمات الأصائل
لم نزل نُركضها في خير أرض صانها الرحمن من ضرب الزلازل
لم نزل نسقي رمال البيد غيثاً من سحاب ، عبرت عنه الجداول
لم نزل في رحلة الحب سوياً نقطع البيد ونجتاز المجاهل
ربما يعذلنا من ليس منا والفتى الواثق لا يخشى العواذل
نحن ما زلنا على درب هُدانا نرشد الناس وندعو ونحاول
لا نبالي بخفافيش ظلام بل نناديها وغيثُ الحب هاطل
يا خفافيش ظلام الليل ، إنا قد عرفنا كل ما تُخفى الحواصل
عجباً كيف وهمتُم ، أنسيتم أن بحر الوهم لا يلقاه ساحل؟
لجةً مظلمة يغرق فيها كل مجنونٍ ومخدوع وعاطل
يا خفافيش ظلام الليل إنا لم نزل نحمل في الليل المشاعل
ما وجدنا حيرة لما انطلقنا بل عرفنا ـيف نمضي ونواصل
نحن لم نجنح عن الحق ولكن جنح الواهم واللص المخاتل
دارتِ الدنيا بنا حتى ثبتنا وورثنا بالهدى مجد الأوائل
وعرفنا لغة التجديد لكن دون أن نفقد روحا أو نجامل
أرضنا مهبط وحي الله فيها جمع الإسلام أشتات القبائل
هذه كعبتنا مهوى قلوب شوقها يغلي كما تغل المراجل
ركنها والحجر الأسود فيها والمصلى والحمامات الزواجل
شبكة مشكاة(1285/1)
الإسلامية صورةً تختصرُ الكون وتمحو من قلوب الناس آثار الغوائل
يا خفافيش ظلام الليل مهلاً سرجكم في ساحة الميدان ما ئل
شرقوا أو غربوا إنا ورثنا من تعاليم الهدى خير الشمائل
ورثنا من كتاب الله علماً كل علم بعده تحصيل حاصل
ويلكم كيف نسيتم أن ديني هو نبع الخير والأرض خمائل ؟
انما يحفظ حق الناس دين يَرِدُ الناس به اصفى المناهل
وبه يحفظ حق لضعيفٍ وبه يُطعمُ مسكين وعائل
وبه ترفع راياتُ بلادي وبه تُعرف أحكام النوازل
إن من أعظم ما يرعى حقوقاً لبني الإنسان ان يُقتل قاتل
ان ترى كفُّ الذي يسرق حدا صارماً يحمي من اللص السنابل
أن يرى المجرمُ سيفاً حيدرياً مشرقاً يلمع في قبضة عادل
أن ترى الأمة ما يحمي حماها من هوى باغِ ومن زلة جاهل
أن يرى من يهتك الأعراض ظلما كيف يحمي الرجمُ أعراض الحلائل
ان يرى من يقذف الناس بفحش أن حد القذف يحمي عرضَ غافل
في القصاص الأمنُ من سطوة باغ وبه تُطفأ نيران القلاقل
صورة مُحكمة النسج ودين واضح تسمو به الأرواح كامل
عجباً ممن يرى في التمر جمراً ويساوي بين مجنون وعاقل
ويرى أن العصا مثل حسام ويساوي بين سحبان وباًقل
كيف يرعى من حقوق الناس شيئاً ومن يناديهم إلى وحل الرذائل؟
ويرى حرية الناس انحلالا وانحرفا عن موازين الفضائل
عالم الغرب الذي يُطلق فينا كل يوم صرخة من فم صائل
لم يزل يسبح في بحر المعاصي وعلى شطآنه تجري المهازل
شبكة مشكاة
الإسلامية لم يزل ينهشنا لحماً وعظماً ويُرينا كيف يجتز المفاصل
عالم الغرب اختراعات عقول أصبحت في خالق الكون تجادل
يَزنُ الأمر بميزانين هذا راجح في الوزن والآخر شائل
وكأن الهيئة الشمطاء فيهم ناقة مسمولة العينين حائل
كيف نرجو من فتىً يأبى التزاما بفروض الدين تطبيق النوافل؟
ما قلوب الناس إلا كبقاع بعضها معشوشب والبعض قاحل
كم قلوب كزهور الروض حباً وصفاء وقلوب كالجنادل
أيها الماضون في درب الدعاوى دربنا يُسقى من الخير بوابل(1285/2)
نحن أدرى في مملكة أشرق فيها فجر دين الله يجتاز الحوائل
نحن أدرى بحقوق الناس هذا ديننا يدفع عنها ويناضل
ديننا للدين والدنيا نظام جامع مستوعب للكون شامل
ديننا صرح من الخير متين تتهاوى دونه اعتى المعاول
ديننا اثبت من قنة رضوى كل دين غيره في الأرض باطل
راية التوحيد إعلان صريح وجواب عندما يسأل سائل(1285/3)
نعزيك في الكلبة الرَّاحلة
بعد أن أعلن المكتب الصحافي في البيت الأبيض
وفاة كلبة الرئيس الأمريكي الراحلة "سبوت بنت ميلي" والتي ترجع أصولها إلى إنجلترا!.
كتب الدكتورر / عبد الرحمن صالح العشماوي هذه ( المواساة )
نعزيك في الكلبة الرَّاحلة =عزاءُ تُسَرُّ به العائلَهْ
نعزيك في كلبةٍ ودَّعت = وغابت عن الأعين الذاهلَهْ
نعزيك فيها وقد فارقت= حياة، برحمتكم حافلَهْ
برحمتكم؟! أينَ؟ لا تعذلوا = سؤالاً، ولا تعذلوا سائلَهْ
لقد فارقت داركم، لم تعد =هنالك خارجة داخلَهْ
فقدتم عزيزاً بفقدانها =فكفكف دموع الأسى الهاطلَهْ
نعزِّيك في حُسْنِ هندامها=وفي شعر"قَصَّتها" المائلَهْ
نعزِّيك في لون أنيابها =وفرشاة" أسنانها الناحلَهْ
وفي أذنيها وفي ذيلها=وضحكة أشداقها الهائلَهْ
نعزِّيك في مربض دافئٍ =إذا ربضت ساعة القائلَهْ
نعزِّيك في جنبها، لم تعد = تحك به أرجل الطاولَهْ
تُعزيك أشلاء أطفالنا =وجدران أوطاننا الفاصلَهْ
تُعزيك أم رأت ابنها=قتيلاً، ودوحتها ذابلَهْ
تُعزِّيك غزة لم تنشغل=بأخلاق غاصبها السافلَهْ
يُعزِّيك طفل العراق الذي =تشَّرد في أرضه القاحلَهْ
يُعزِّيك ماء الفرات الذي =رأى قسوة الضربة القاتلَهْ
رأى القاذفات التي أرسلت =إلى الناس غازاتها السائلَهْ
رأى الطائرات التي أسرفت=غدوًّا، رواحًا إلى الحاملَهْ
رأى الناقلات التي لم تزل =تُلاحقُ ناقلة ناقلَهْ
تُعزِّيك أقفاص أسرى الردى =ببرقية بُعثت عاجلَة
نعزِّيك فيمن فُجعتم بها =وكانت بنعمائكم رافلَهْ
فراق "سُبوت" لأحبابها=فراق تجلَّت به النازلَهْ
فكم زفرة بعدها صُعَّدت =وكم دمعة بعدها هاملَهْ
كريمة أصلٍ فأخوالها =سُلالة إنجلترا الباسلَهْ
و"ميلي"هي الأم جاءت بها =لتصبح مشغولة شاغلَهْ
وأمَّا أبوها وأعمامها =فيُنمَونَ للأسر الخاملهْ
ولا ضير فالأم أولى بمن =تكون بآبائها جاهلَهْ
نعزِّيك فاصبر على فقدها =فدنيا الورى كلها زائلَهْ(1286/1)
فإن العزاء لكم واجب =وإن العزاء لنا نافلَهْ
أتأذن بعد العزاء الذي =نظرنا به نظرة عادلَهْ؟
أتأذن لي بالسؤال الذي =تردده الأنفس الجافلَهْ؟
سؤال المساكين في عالمٍ=تداعت أساطيله الصائلَهْ:
أيمكن أن يجدوا لفتة =من العطف كالكلبة الراحلَهْ؟(1286/2)
هل غادر الرؤساء من متردم
هذه الكلمات من الشاعر الرقيق د. عبد الرحمن العشماوي حفظه الله
1.هل غادر الرؤساء من متردم أم هل عرفت حقيقة المتكلم
2.سنة على سنة تراكم فوقها تعب الطريق وسوء حال المسلم
3.سنة على سنة وأمتنا على جمر الغضى والحزن يشرب من دمي
4.قمم تُشَيَّدُ فوق أرض خضوعنا أرأيت قصراً يُبتنى في قمقم ؟!
5.يا دار مأساة الشعوب تكلمي وعمي صباح الذل فينا واسلمي
6.إنا على المأساة نشرب ليلنا سهراً وفي حضن التوجس نرتمي
7.ما بين مؤتمر ومؤتمر نرى شبحاً يعبر عن خيال مبهم
8.التوصيات تنام فوق رفوفها نوم الفقير أمام باب الأشأم
9.شجب وإنكار وتلك حكاية ماتت لتحيا صرخة المستسلم
10.أأبا الفوارس وجه عبلة شاحب وأمام خيمتها حبائل مجرم
11.أأبا الفوارس صوت عبلة لم يزل فينا ينادي : ويك عنترة أقدم
12.ترنو إليك الخيل وهي حبيسة تشكو إليك بعبرة وتحمحم
13.هلاّ غسلت السيف من صدأ الثرى وعزفت في الميدان ركض الأدهم
14.هلاّ أثرت النقع حتى ينجلي عن قبح وجه الخائن المتلثم
15.وأرحتنا من كل صاحب زلة يوحي إليك بقصة ابني ضمضم
16.أأبا الفوارس أمطرت من بعدكم سحب الهدى غيثاً هنيء الموسم
17.لو أبصرت عيناك وجه محمد ورأيت ما يجري بدار الأرقم
18.ورأيت مكة وهي تغسل وجهها بالنور من آثار ليل مظلم
19.وفتحت نافذة لتسمع ما تلا جبريل من آي الكتاب المحكم
20.ورأيت ميزان العدالة قائماً يُقتص فيه ضحىً من ابن الأيهم
21.ورأيت كيف غدا بلال سيداً ومضى الطغاة إلى شفير جهنم
22.لو أن عينك أبصرت إسلامنا لخرجت من كهف الضلال المعتم
23.وحملت عبلة والحجاب يزيدها شرفاً وأطفأت اللظى في زمزم
24.لو عشت في الإسلام ما عانيت من لون السواد ولا نضحت بمنشم
25.أأبا الفوارس قد عرفتك حافظاً حق الجوار تغض طرف الأكرم
26.ولقد رأيتك في خيالي والوغى تشتد حين كررت غير مذمم
27.فأَدَرْتُ دولاب الأماني أن أرى في عصرنا وجه الشجاع المقدم(1287/1)
28.لكنَّ دولاب الأماني لم يدر إلا بصورة خائف متوهم
29.كم فارس من قومنا لما رأى لهب الرصاص أدار مقلة غيلم
30.ترك الضحايا خلفه وسعى إلى قبو ليغمض مقلتيه ويحتمي!!
31.أأبا الفوارس قف مكانك إننا لنعيش في زمن الخداع المبرم
32.لم يدرك العربي في أيامنا كرم الجدود ولا يقين المسلم
33.طُعِنَت كرامة أمتي في قلبها ليس الكريم على القنا بمحرّم
34.وصراخ أسئلتي يجسد ما حوى قلبي من الجرح العميق المؤلم
35.يا أمة الإسلام هل لك فارس يغشى الوغى ويعف عند المغنم
36.إني ذكرتكِ والجراح نواهل مني وحرفي قد تلجلج في فمي
37.فوددت تمزيق الحروف لأنها وجمت وجوم جبينكِ المتورم
38.يا أرض ( داكار ) اسألي عن حالنا إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
39.يخبرك مَنْ شهد الهزيمة أننا بتنا على حال الأصم الأبكم
40.يا أرض داكار المشوقة ربما رَفَعَت إليك الريح صوت اليُتَّم
41.ولربما فتحت لكِ الباب الذي يفضي إلى الأقصى الجريح فيممي
42.ولربما أفضى إليك البحر في زمن السكوت بسرّه فتفهمي
43.وتأملي كل الوجوه ورددي ما تسمعين من الهتاف، ونغّمي
44.وإذا رأيت بشائر الفرح التي ماتت لدينا فاصرخي وتكلمي
45.يا قادة الدول التي لم تتخذ لغة موحدة أمام المجرم
46.في الكون دائرتان واحدة لها ألق وأخرى ذات وجه أسحم
47.يا قادة الدول التي لولا الهوى وخضوعها لعدوها لم تهزم
48.القمة الكبرى، صفاء قلوبكم لله نصْرُ الخائف المتظلم
49.القمة الكبرى، خلاص نفوسكم من قبضة الدنيا وأسر الدرهم
50.القمة الكبرى، انتشال شعوبكم من فقرها من جهلها المستحكم
51.القمة الكبرى، جهادٌ صادق وبناء صرح إخائنا المتهدم
52.أما مطاردة السراب فإنها وهم يجرعنا كؤوس العلقم
53.مدوا إلى الرحمن أيديكم فما خابت يد تمتد نحو المنعم(1287/2)
هل أنت في حلم يمر سريعا .................. لما دعاك إليه جئت مطيعا
هذي أمامك طيبة ورحابها................... قد بوركت في العالمين ربوعا
هذي المدينة قد تألق فوقها ..................... تاج يرصع بالهدى ترصيعا
هذي سقيفتها تلوح أمامنا ................ فنرى بها شمل الرجال جميعا
هي مأرز الإيمان في الزمن الذي?........... يشكو بناء المكرمات صدوعا
هذا قباء ، أما رأيت البدر في................... ساحاته لما استتم طلوعا
أوما رأيت الوجه وجه محمد ..................... أوما رأيت مقامه المرفوعا
أوما سمعت هتاف أنصار الهدى ........ ما زال في أذن المدى مسموعا
أوما تشاهد روضة من جنة ................... مخضرة أوما تحس خشوعا
أوما ترى جذع اليقين قد ازدهى................. وامتد عبر الكائنات فروعا
أوما تشم المسك في أرجائها ................. أوما تشاهد خندقا وبقيعا
مالي أراك وقفت وحدك جامدا?.............. ما بال عينك لا تفيض دموعا
هذا هو الوادي المبارك لم يزل...........في الحب في زمن الجفاف ربيعا
هذا هو الجبل الأشم كأنه ...............يصغي ليسمع شعرك المطبوعا
أحد يحب رسولنا ونحبه?........................... ما زال رمزا للوفاء بديعا
ما أنت في حلم فهذي طيبة...................قد أوقدت للتائهين شموعا(1288/1)
هلّ الهلال فكيف ضل الساري .......... وعلام تبقى حيرة المحتار
ضحك الطريق لسالكيه فقلت لمن ..........يلوي خطاه عن الطريق حذار
وتنفس الصبح الوضيء فلا تسل ..........عن فرحة الأغصان والأشجار
غنت بواكير الصباح فحركت ...............شجو الطيور ولهفة الأزهار
غنت فمكة وجهها متألق ..........................أملا ووجه طغاتها متواري
هل الهلال فلا العيون ترددت ....................فيما رأته ولا العقول تماري
والجاهلية قد بنت أسوارها .................دون الهدى فأنظر إلى الأسوار
واقرأ عليها سورة الفتح التي .....................نزلت ولا تركن إلى الكفار
أوما ترى البطحاء تفتح قلبها........................ فرحا بمقدم سيد الأبرار
عطشى يلمضها الحنين ولم تزل ............تهفو إلى غيب الهدى المدرار
ماذا ترى الصحراء في جنح الدجى .........هي لا ترى إلا الضياء الساري
وترى على طيف المسافر هالة ..................بيضاء تسرق لهفة الأنظار
وترى عناقيد الضياء ولوحة ......................خضراء قد عرضت بغير إطار
هي لا ترى إلا طلوع البدر في ............غسق الدجي وسعادة الأمصار
ما زلت أسمعها تصوغ سؤالها ........................بعبارة تخلو من التكرار
هل يستطيع الليل أن يبقى إذا .................ألقى الصباح قصيدة الأنوار
ماذا يقول حراء في الزمن الذي............... غلبت عليه شطارة الشطار
ماذا يقول للاتهم ومناتهم ...........................ماذا يقول لطغمة الكفار
ماذا يقول ولم يزل متحفزا .............................متطلعا لخبيئة الأقدار
طب يا حراء فلليتيم حكاية.................... نسجت ومنك بداية المشوار
أوما تراه يجيء نحوك عابدا .............................متبتلا للواحد القهار
أوما ترى في الليل فيض دموعه.................. أوما ترى نجواه بالأسحار
أسمعت شيئا يا حراء عن الفتى ..................أقرأت عنه دفاتر الأخيار(1289/1)
طب يا حراء فأنت أول بقعة.............. في الأرض سوف تفيض بالأسرار
طب يا حراء فأنت شاطيء مركب ..............ما زال يرسم لوحة الإبحار
ماجت بحار الكفر حين جرى ...............على أمواجها الرعناء في إصرار
وتساءل الكفار حين بدت لهم ............في ظلمة الأهواء شمعة ساري
من ذلك الآتي يمد لليلنا قبسا ...................سيكشف عن خبايا الدار
من ذلك الآتي يزلزل ملكنا ........................ويرى عبيد القوم كالأحرار
ما باله يتلو كلاما ساحرا .......................يغري ويلقي خطبة استنفار
ما باله يقسوا على أصنامنا .........................باللوم بالتسفيه بالإنكار
هذا محمد يا قريش كأنكم .............................لم تعرفوه بعفة ووقار
هذا الأمين أتجهلون نقاءه ..............................وصفاءه ووفاءه للجار
هذا الصدوق تطهرت أعماقه ......................فأتى ليرفعكم عن الأقذار
طب يا حراء فأنت أول ساحة ..................ستلين فيها قسوة الأحجار
سترى توهج لحظة الوحي الذي .................سيفيض بالتبشير والإنذار
اقرأ ، ألم تسمع أمين الوحي إذا......... نادى الرسول فقال لست بقاري
اقرأ فديتك يا محمد عندما ....................واجهت هذا الأمر باستفسار
وفديت صوتك عندما رددتها .....................آيا من القرآن باسم الباري
وفديت صوتك خائفا متهدجا ..................تدعو خديجة أسرعي بدثاري
وفديت صوتك ناطقا بالحق ....................لم يمنعك ما لاقيت من إنكار
وفديت زهدك في مباهج عيشهم .............وخلو قلبك من هوى الدينار
يا سيد الأبرار حبك دوحة .......................في خاطري صداحة الأطيار
والشوق ، ما هذا بشوق إنه ...................في قلبي الولهان جذوة نار
حاولت إعطاء المشاعر صورة .................فتهيبت من وصفها أشعاري
ماذا يقول الشعر عن بدر الدجي ..............لما يضيء مجالس السمار(1289/2)
يا سيد الأبرار ، أمتك التي ........................حررتها من قبضة الأشرار
وغسلت من درن الرذيلة ثوبها................. وصرفت عنها قسوة الإعصار
ورفعت بالقرآن قدر رجالها ...........................وسقيتها بالحب والإيثار
يا سيد الأبرار ، أمتك ألتوت .....................في عصرنا ومضت مع التيار
شربت كؤوس الذل حين تعلقت ...................بثقافة مسمومة الأفكار
إني أراها وهي تسحب ثوبها ...............مخدوعة في قبضة السمسار
إني أراها تستطيب خضوعها .........................وتلين للرهبان والأحبار
إني أرى فيها ملامح خطة ...........................للمعتدين غريبة الأطوار
إني أرى بدع الموالد أصبحت......................... داء يهدد منهج الأخيار
وأرى القباب على القبور تطاولت ................تغري العيون بفنها المعمار
يتبركون بها تبرك جاهل .........................أعمى البصيرة فاقد الإبصار
فرق مضللة تجسد حبها للمصـ ...................ـطفي بالشطح والمزمار
أنا لست أعرف كيف يجمع ....................عاقل بين امتداح نبينا والطار
كبرت دوائر حزننا وتعاظمت ......................في عالم أضحى بغير قرار
إني أقول لمن يخادع نفسه ....................ويعيش تحت سنابك الأوزار
سل أيها المخدوع طيبة عندما................... بلغت مداها ناقة المختار
سل صوتها لما تعالى هاتفا وشدا ..................بألف قصيدة استبشار
سل عن حنين الجذع في محرابه .......وعن الحصى في لحظة استغفار
سل صحبة الصديق وهو أنسيه ..................في دربه ورفيقه في الغار
سل حمزة الأسد الهصور فعنده ....................خبر عن الجنات والأنهار
سل وجه حنظلة الغسيل فربما ................أفضى إليك الوجه بالأسرار
سل مصعبا لما تقاصر ثوبه ...................عن جسمه ومضى بنصف إزار
سل في رياض الجنة ابن رواحة ...............واسأل جناحي جعفر الطيار(1289/3)
سل كل من رفعوا شعار عقيدة .............وبها اغتنوا عن رفع كل شعار
سلهم عن الحب الصحيح ووصفه............ فلسوف تسمع صادق الأخبار
حب الرسول تمسك بشريعة ....................غراء في الإعلان والإسرار
حب الرسول تعلق بصفاته ............................وتخلق بخلائق الأطهار
حب الرسول حقيقة يحيا بها .......................قلب التقي عميقة الآثار
إحياء سنته ، إقامة شرعه في .................الأرض ، دفع الشك بالإقرار
إحياء سنته حقيقة حبه في ................القلب في الكلمات في الأفكار
يا سيد الأبرار حبك في دمي ....................نهر على أرض الصبابة جار
يا من تركت لنا المحجة نبعها ........................نبع اليقين وليلها كنهار
سحب من الإيمان تنعش أرضنا ..................بالغيث حين تخلف الأمطار
لك يا نبي الله في أعماقنا .........................قمم من الإجلال والإكبار
عهد علينا أن نصون عقولنا ....................عن وهم مبتدع وظن مماري
علمتنا معنى الولاء لربنا ...........................والصبر عند تزاحم الأخطار
ورسمت للتوحيد أكمل صورة ...................نفضت عن الأذهان كل غبار
فرجاؤنا ودعاؤنا ويقيننا ........................وولاؤنا للواحد القهار(1289/4)
هو المختارُ صلى الله عليه وسلم
د.عبدالرحمن العشماوي 28/12/1426
28/01/2006
هو المختارُ :" اللهم إني أحببتك وأحببت نبيك عليه الصلاة والسلام حباً صادقاً أرجو أن تغفر به الذنب ، وتُسعد به القلب ، اللهم تقبّلْها دفاعاً عن سيِّد الأبرار
***
من نبع هديك تستقي الأنوار * وإلى ضيائك تنتمي الأقمار
رب العباد حباك أعظم نعمة * دينا يعزُّ بعزَّه الأخيار
حُفظت بك الأخلاق بعد ضياعها ** وتسامقت فى روضها الأشجار
وبُعثت للثقلين بعثة سيد* صدقتْ به وبدينه الأخبار
أصغت اليك الجن وانبهرت بما *** تتلو، وعَمَّ قلوبها استبشار
يا خير من وطيءَ الثرى وتشرفت *** بمسيره الكثبان والأحجار
يا من تتوق إلى محاسن وجهه ****** شمسٌ ويفْرَحُ أن يراه نهار
بأبي وأمي أنتَ ، حين تشرَّفت * بك هجرة وتشرَّفَ الأنصار
أنْشَأْتَ مدرسة النبوة فاستقى ***** من علمها ويقينها الأبرار
هي للعلوم قديمها وحديثها *** ولمنهج الدين الحنيف منار
لله درك مرشدا ومعلما ** شَرُفَتْ به وبعلمه الآثار
ربَّيْتَ فيها من رجالك ثُلَّةً **** بالحقِّ طافوا في البلاد وداروا
قوم إذا دعت المطامع أغلقوا *** فمها ، وإن دعت المكارم طاروا
إن واجهوا ظلماً رموه بعدلهم *** وإِذا رأوا ليل الضلال أناروا
قد كنت قرآناً يسير أمامهم * وبك اقتدوا فأضاءت الأفكار
عمروا القلوب كما عَمَرْت، فما مضوا *** إلا وأفئدة العباد عَمَار
لو أطلق الكونُ الفسيحُ لسانه * لسرتْ إليك بمدحه الأشعار
لو قيل : مَنْ خيرُ العبادِ ، لردَّدتْ ******* أصواتُ مَنْ سمعوا : هو المختارُ
لِمَ لا تكون ؟ وأنتَ أفضلُ مرسلٍ ***** وأعزُّ من رسموا الطريق وساروا
ما أنت إلا الشمس يملأ نورُها **** آفاقَنا ، مهما أُثيرَ غبار
ما أنت إلا أحمد المحمود فى *** كل الأمور ، بذاك يشهد غار
والكعبة الغرَّاءُ تشهد مثلما ** شهد المقامُ وركنها والدَّار
يا خير من صلى وصام وخير من *** قاد الحجيج وخير من يَشْتَارُ(1290/1)
سقطت مكانة شاتم ، وجزاؤه *** إن لم يتب مما جناه النار
لكأنني بخطاه تأكل بعضها ** وهناً ، وقد ثَقُلَتْ بها الأوزار
ما نال منك منافق أو كافر ** بل منه نالت ذلة وصَغَار
حلّقت في الأفق البعيد، فلا يدٌ * وصلت إليك ، ولا فمٌ مهذار
وسكنت فى الفردوس سُكْنَى من به *** وبدينه يتكفَّل القهَّار
أعلاك ربك همة ومكانة** فلك السمو وللحسود بوار
إنا ليؤلمنا تطاول كافر * ملأت مشارب نفسه الأقذار
ويزيدنا ألماً تخاذل أمةٍ ** يشكو اندحار غثائها المليار
وقفت على باب الخضوع، أمامها *** وهن القلوب، وخلفها الكفار
يا ليتها صانت محارم دارها *** من قبل أن يتحرك الاعصار
يا خير من وطيء الثرى، فى عصرنا *** *****جيش الرذيلة والهوى جرَّار
فى عصرنا احتدم المحيط ولم يزل *** **متخبِّطاً فى موجه البحَّار
جمحتْ عقول الناسِ، طاشَ بها الهوى ****** ومن الهوى تتسرَّب الأخطار
أنت البشير لهم، وأنت نذيرهم * نعم البشارةُ منك والإنذار
لكنهم بهوى النفوس تشربوا *** فأصابهم غَبَشُ الظنونِ وحاروا
صبغوا الحضارةَ بالرذيلةِ فالْتقى ** ** بالذئبِ فيها الثَّعْلبُ المَكَّارُ
ما (دانمركُ) القوم، ما (نرويجهم)؟ ******* يُصغي الرُّعاةُ وتفهم الأبقار
ما بالهم سكتوا على سفهائهم ***** حتى تمادى الشرُّ والأشرار
عجباً لهذا الحقد يجري مثلما **** يجري (صديدٌ) فى القلوب ،و(قََارُ)
يا عصرَ إلحاد العقولِ، لقد جرى *** بك في طريق الموبقاتِ قطار
قََرُبَت خُطاك من النهاية، فانتبهْ **** فلربَّما تتحطَّم الأسوار
إني أقول ، وللدموع حكايةٌ* عن مثلها تتحدَّث الأمطار:
إنَّا لنعلم أنَّ قَدْرَ نبيِّنا ** أسمى ، وأنَّ الشانئينَ صِغَارُ
لكنه ألم المحب يزيده ** شرفاً، وفيه لمن يُحب فخار
يُشقي غُفاةَ القومِ موتُ قلوبهم ** ويذوق طعمَ الرَّاحَةِ الأغْيارُ(1290/2)
هو رامي أو محمدهو رامي أو محمَّد
صورةُ المأساة تشهد:
أنَّ طفلاً مسلمِاً في ساحة الموتِ تمدَّد
أنَّ جنديَّاً يهودياً على الساحةِ عربَد
وتمادى وتوعَّد
ورمى الطفلَ وللقتلِ تعمَّد
شبكة مشكاة
الإسلاميةهو رامي أو محمَّد
صورة المأساةِ تشهد:
أنَّ طفلاً وأباً كانا على وعدٍ من الموتِ محدَّد
مات رامي أو محمَّد
مات في حضن الأَب المسكينِ.
والعالَمُ يشهد
مَشهدٌ أبصرَه الناسُ.
وكم يخفى عن الأعيُنِ مشهَد
هو رامي أو محمَّد
صورة المأساةِ تشهد:
إنَّ إرهابَ بني صهيونَ.
في صورته الكبرى تجسَّد
أنَّ حسَّ العالَم المسكونِ بالوَهم تبلَّد
أنَّ شيئا ً اسمُه العطفُ على الأطفالِ.
في القدس تجمَّد
هو رامي أو محمَّد
صورة المأساةِ تشهد:
أن لصَّاً دخل الدَّارَ وهدَّد
ورأى الطفلَ على ناصيةِ الدَّرب فسدَّد
وتعالى في نواحي الشارع المشؤوم
ِ صوت القصفِ حيناً.
وتردَّد
صورة المأساةِ تشهد:
أنَّ جيشاً من بني صهيونَ.
شبكة مشكاة
الإسلاميةللإرهابِ يُحشَد
أنَّ نارَ الظلم والطغيانِ تُوقَد
أنَّ آلافَ الخنازير.
على المنبع تُورَد
هذه الطفلةُ سارةْ
زهرةٌ فيها رُواءٌ ونضارةْ
رَسَمَ الرشّاشُ في جبهتها.
شَكلَ مَغارة
لم تكن تعلم أن الظالم الغاشمَ أزبَد
وعلى أشلائها جمَّع أشلاءً وأوقَد
هو رامي أ و محمَّد
صورة المأساةِ تشهَد:
أنَّ جرحَ الأمةِ النازفَ منها لم يُضَمَّد
أنَّ دَينَ المجد مازال علينا.
لم يُسَدَّد
أنَّ باب المجدِ مازالَ.
عن الأمَّةِ يُوصَد
صورة المأساة تشهد:
أنَّ أشجاراً من الزيتونِ تُجتَثُّ.
وفي موقعها يُغرَسُ غرقَد
أنَّ تمثالاً من الوهمِ.
على تَلٍّ من الإلحادِ يُعبَد
هو رامي أو محمَّد
صورةُ المأساةِ تشهد:
شبكة مشكاة
الإسلاميةأنَّ ما أدَلى به التاريخُ.
من أخبار صهيونَ مؤكَّد
أنَّ ما نعرف من أحقادِ صهيونَ تجدَّد
ما بَنُو صهيونَ إلاَّ الحقدُ.
في صورةِ إنسانٍ يُجسَّد
أمرُهم في نَسَق الناسِ معقَّد(1291/1)
يا أعاصيرَ البطولاتِ احمليهم
ووراء البحر في مستنقع الذُّلِّ اقذفيهم
وعن القدسِ وطُهر القِبلة الأُولى خذيهم
قرِّبيهم من مخازيهم وعنَّا أبعديهم
هو رامي أو محمَّد
هو سعدٌ وسعيدٌ ورشيدٌ ومُرشَّد
هي لُبنَى هي سُعدى وابتسامٌ وهيَ سارةْ
هم بواكيرُ زهور المجد في عصر الإثارَةْ
هم شموخٌ في زمانٍ أعلن الذلُّ انكسارة
هم وقود العزم والإقدامِ عنوانُ الجَسَارة
هم جميعاً جيلنا الشامخُ.
أطفالُ الحجارَة ْ
لو سألناهم لقالوا:
ما الشهيدُ الحرُّ.
إلا جَذوَةٌ تُوقِِدُ نارَ العزمِ.
والرَّأيِ المسدَّد
ما الشهيد الحرُّ إلاَّ.
شَمعَةٌ تطرد ليلَ اليأسِ.
شبكة مشكاة
الإسلاميةوالحسِّ المجمَّد
ما الشهيد الحرُّ إلاَّ.
رايةُ التوحيد في العصر المُعَمَّد
ما الشهيدُ الحرُّ إلاَّ.
وَثبَةُ الإيمانِ في العصر المهوَّد
ما الشهيدُ الحرُّ إلاَّ.
فارسٌ كبَّر للهِ ولمَّا حَضَرَ الموتُ تشهَّد
ما الشهيدُ الحُرُّ إلا.
روح صدِّيقٍ إلى الرحمنِ تصعَد
أيُّها الباكونَ من حزنٍ علينا.
إنما يُبكَى الذي استسلمَ للذلِّ وأخلَد
نحن لم نُقتل.
ولكنَّا لقينا الموتَ أعلى همَّةً منكم وأمجد
نحن لم نحزن ولكنا فرحنا ورضينا
فافرحوا أنَّا غسلنَا عنكم الوهمَ الملبَّد
طلِّقوا أوهامكم.
إنَّا نرى الغايةَ أبعَد
هو رامي أو محمَّد
شبكة مشكاة
الإسلاميةهو سعدٌ وسعيدٌ ورشيدٌ ومرشَّد
ربَّما تختلف الأسماءُ لكن
هَدَفُ التحرير للأقصى موحَّد.(1291/2)
امي جميل الدرة ، الطفل الفلسطيني الذي قتله الصهاينة بين يدي والده الجريح )
صورة مأساوية لا تُنسى
يا رامي.. إجلس يا ولدي .... وتجنًب قصفهم الدَّامي
يا رامي .. اجلس من خلفي .... وتترَّس منهم بعظامي
اجلس يا ولدي من خلفي .... لا تنهض فالموت أمامي
طلقات رصاص يا ويحي .... إلصق في ظهري يارامي
طلقات رصاص يا ويحي .... ادخل في جسمي يارامي
احذر فالأرض بما صنعوا .... تتزلزل تحت الأقدامي
طلقات رصاص .. يا أبتي .... أُسكت ياولدي يا رامي
أفديك بروحي يا أبتي .... أُسكت يا – ولدي - يا رامي
أحميك بجسمي يا أبتي .... أسكت – فالله- هو الحامي
احذر يا ولدي قد فتحوا .... رشَّاش الحقد المتنامي
طلقاتُ رصاصٍ .. صرخات .... ترسم خارطة الآلام
طلقات رصاص وسكون .... يتحدًث عن موت غُلام
طلقات رصاص ياويلي .... يا فلذة كبدي يارامي
طلقات رصاص ما بالي .... لا أسمع صوتك يارامي
يا فرحة عمري يا ولدي .... يا سرّ صفائي يا رامي
ما بالُ يديك قد ارتختا .... ما بالك تجمد يارامي
قل لي ياولدي حدثني .... بالغ في شتمي وخصامي
لكن يا ولدي لا تسكت ... لا تقتل زهرة أحلامي
انفاسك يارامي سكنت .... سكنت أنفاسك يا رامي
هل مات حبيبي هل طويت .... صفحته قبل الإتمام ِ
يا أهل النًخوة من قومي .... من يمن العرب إلى الشامِ
يا أهل صلاة وخشوع .... يا أهل لباس الإحرام
يا كلّ أب يرحم ابناً .... يا كلّ رجال الإسلام
يا أهل الأبواق أجيبوا .... يا أهل السَّبق الإعلامي
يا هيئة أمم مقعدة .... تشكو آلاف الأورامِ
يا مجلس خوف أحسبه .... أصبح مأجور الأقلامِ
يا أهل العولمة الكبرى .... يا أخلص جند الحاخامِ
يا من سطرتم مأساتي .... ورفعتم شأن الأقزامِ
يا أهل النّخوة في الدنيا .... أولستم أنصار سلام ؟
أسلام أن تسرق أرضي .... أن يقتل في حضني رامي ؟
ما بالي يتلاشى صوتي .... لم أبصر جبهة مقدامِ
طلقات رصاص أشلاءٌ .... نارٌ كالحة الإضرامِ(1292/1)
طلقات رصاص صُبُّوها .... إن شئتم في قلبي الدامي
صبُّوها في هامة رأسي .... وجميع عروقي وعظامي
فالآن تساوت في نظري .... أوصاف ضياءٍ و ظلامِ
والآن تشابه في سمعي .... صوت الرشاش وأنغامي
والآن سيمكث في قلبي .... لن يرحل من قلبي رامي
لن أنسى نظرته العطشى .... لن أنسى مبسمه الدّامي
لن أنسى الخوف يعلّقه .... بذراعي اليمنى وحزامي
حاولت استجداء الباغي .... وبعثت نداء استرحام
لكنِّ نداءاتي اصطدمت .... بجمود قلوب الأصنام
هل قتلوا رامي ؟ ما قتلوا .... فحبيبي مصدر إلهامي
مازال حبيبي يتبعني .... ويسير ورائي و أمامي
سأجهز إخوته حتى .... يتألِّق فجرُ الإسلام !
بعد القصيدة السابقة قال الشاعر:.
اتصل بي عدد من الإخوة والأخوات بعد قراءتهم لقصيدتي رامي عن الطفل الفلسطيني
الذي قتل في حضن أبيه الجريح، وأكَّدوا لي أنهم قرأوا وسمعوا اسم الطفل محمد
وليس رامي ، علماً بأن وسائل الإعلام نشرت الاسم مختلفاً، فكانت هذه القصيدة :
هو رامي أو محمَّد
صورةُ المأساةِ تشهد:
أنَّ طفلاً مسلماً في ساحة الموتِ تمدَّد
أنَّ جنديَّاً يهودياً على الساحةِ عربَد
وتمادى وتوعَّد
ورمى الطفلَ وللقتلِ تعمَّد
هو رامي أو محمَّد
صورة المأساةِ تشهد:
أنَّ طفلاً وأباً كانا على وعدٍ من الموتِ محدَّد
مات رامي أو محمَّد
مات في حضن الأَب المسكينِ,.
والعالَمُ يشهد
مَشهدٌ أبصرَه الناسُ,.
وكم يخفى عن الأعيُنِ مشهَد
هو رامي أو محمَّد
صورة المأساةِ تشهد:
أنَّ إرهابَ بني صهيونَ,.
في صورته الكبرى تجسَّد
أنَّ حسَّ العالَم المسكونِ بالوَهم تبلَّد
أنَّ شيئاً إسمُه العطفُ على الأطفالِ,.
في القدس تجمَّد
هو رامي أو محمَّد
صورة المأساةِ تشهد:
أن لصَّاً دخل الدَّارَ وهدَّد
ورأى الطفلَ على ناصيةِ الدَّرب فسدَّد
وتعالى في نواحي الشارع المشؤومِ صوت القصفِ حيناً,.
وتردَّد
صورة المأساةِ تشهد:
أنَّ جيشاً من بني صهيونَ,.
للإرهابِ يُحشَد(1292/2)
أنَّ نارَ الظلم والطغيانِ تُوقَد
أنَّ آلافَ الخنازير,.
على المنبع تُورَد
هذه الطفلةُ سارَه
زهرةٌ فيها رُواءٌ ونضارَه
رَسَمَ الرشّاشُ في جبهتها,.
شَكلَ مَغارَه
لم تكن تعلم أن الظالم الغاشمَ أزبَد
وعلى أشلائها جمَّع أشلاءً وأوقَد
هو رامي أو محمَّد
صورة المأساةِ تشهَد:
أنَّ جرحَ الأمةِ النازفَ منها لم يُضَمَّد
أنَّ دَينَ المجد مازال علينا,.
لم يُسَدَّد
أنَّ باب المجدِ مازالَ,.
عن الأمَّةِ يُوصَد
صورة المأساة تشهد:
أنَّ أشجاراً من الزيتونِ تُجتَثُّ,.
وفي موقعها يُغرَسُ غرقَد
أنَّ تمثالاً من الوهمِ,.
على تَلٍّ من الإلحادِ يُعبَد
هو رامي أو محمَّد
صورةُ المأساةِ تشهد:
أنَّ ما أدَلى به التاريخُ,.
من أخبار صهيونَ مؤكَّد
أنَّ ما نعرف من أحقادِ صهيونَ تجدَّد
ما بَنُو صهيونَ إلاَّ الحقدُ,.
في صورةِ إنسانٍ يُجسَّد
أمرُهم في نَسَق الناسِ معقَّد
يا أعاصيرَ البطولاتِ احمليهم
ووراء البحر في مستنقع الذُّلِّ اقذفيهم
وعن القدسِ وطُهر القِبلة الأُولى خذيهم
قرَّبيهم من مخازيهم وعنَّا أبعديهم
هو رامي أو محمَّد
هو سعدٌ وسعيدٌ ورشيدٌ ومُرشَّد
هي لُبنَى هي سُعدى وابتسامٌ وهيَ سارَه
هم بواكيرُ زهور المجد في عصر الإثارَه
هم شموخٌ في زمانٍ أعلن الذلُّ انكسارَه
هم وقود العزم والإقدامِ عنوانُ الجَسَارَه
هم جميعاً جيلنا الشامخُ,.
أطفالُ الحجارَه
لو سألناهم لقالوا:
ما الشهيدُ الحرُّ,,.
إلا جَذوَةٌ تُوقِدُ نارَ العزمِ,.
والرَّأيِ المسدَّد
ما الشهيد الحرُّ إلاَّ,.
شَمعَةٌ تطرد ليلَ اليأسِ,.
والحسِّ المجمَّد
ما الشهيد الحرُّ إلاَّ,.
رايةُ التوحيد في العصر المُعَمَّد
ما الشهيدُ الحرُّ إلاَّ,.
وَثبَةُ الإيمانِ في العصر المهوَّد
ما الشهيدُ الحرُّ إلاَّ,.
فارسٌ كبَّر للهِ ولمَّا حَضَرَ الموتُ تشهَّد
ما الشهيدُ الحُرُّ إلا,.
روح صدِّيقٍ إلى الرحمنِ تصعَد
أيُّها الباكونَ من حزنٍ علينا,.(1292/3)
إنما يُبكَى الذي استسلمَ للذلِّ وأخلَد
نحن لم نُقتل,.
ولكنَّا لقينا الموتَ أعلى همَّةً منكم وأمجد
نحن لم نحزن ولكنا فرحنا ورضينا
فافرحوا أنَّا غسلنَا عنكم الوهمَ الملبَّد
طلِّقوا أوهامكم,.
إنَّا نرى الغايةَ أبعَد
هو رامي أو محمَّد
هو سعدٌ وسعيدٌ ورشيدٌ ومرشَّد
ربَّما تختلف الأسماءُ لكن
هَدَفُ التحرير للأقصى موحَّد(1292/4)
يا ساكنة القلب
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1293/1)
شبكة مشكاة
الإسلاميةيا صديقاً(1294/1)
يا فارس الكرسي
هم أكسبوكَ من السِّباقِ رِهانا
فربحتَ أنتَ و أدركوا الخسرانا
هم أوصلوك إلى مُنَاكَ بغدرهم
فأذقتهم فوق الهوانِ هَوانا
إني لأرجو أن تكون بنارهم
لما رموك بها ، بلغتَ جِنانا
غدروا بشيبتك الكريمة جَهْرةً
أَبشرْ فقد أورثتَهم خذلانا
أهل الإساءة هم ، و لكنْ ما دروا
كم قدَّموا لشموخك الإحسانا
لقب الشهادةِ مَطْمَحٌ لم تدَّخر
وُسْعَاً لتحمله فكنتَ و كانا
يا أحمدُ الياسين، كنتَ مفوَّهاً
بالصمت، كان الصَّمْتُ منكَ بيانا
ما كنتَ إلا همّة ًو عزيمة ً
و شموخَ صبرٍ أعجز العدوانا
فرحي بِنَيْلِ مُناك يمزج دمعتي
ببشارتي و يُخفِّف الأحزانا
وثََّقْتَ باللهِ اتصالكَ حينما
صلََّيْتَ فجرك تطلب الغفرانا
و تَلَوْتَ آياتِ الكتاب مرتِّلاً
متأمِّلاً تتدبَّر القرآنا
و وضعت جبهتك الكريمةَ ساجداً
إنَّ السجود ليرفع الإنسانا
و خرجتَ يَتْبَعُكَ الأحبَّة، ما دروا
أنَّ الفراقَ من الأحبةِ حانا
كرسيُّكَ المتحرِّك اختصر المدى
و طوى بك الآفاقَ و الأزمانا
علَّمتَه معنى الإباءِ ، فلم يكن
مِثل الكراسي الراجفاتِ هَوانا
معك استلذ َّ الموتَ ، صار وفاؤه
مَثَلاً ، و صار إِباؤه عنوانا
أشلاءُ كرسيِّ البطولةِ شاهدٌ
عَدْلٌ يُدين الغادرَ الخوَّانا
لكأنني أبصرت في عجلاته
أَلَماً لفقدكَ ، لوعةً و حنانا
حزناً لأنك قد رحلت، ولم تَعُدْ
تمشي به ، كالطود لا تتوانى
إني لَتَسألُني العدالة ُبعد ما
لقيتْ جحود القوم ، و النكرانا
هل أبصرتْ أجفانُ أمريكا اللَّظَى
أم أنَّها لا تملك الأَجفانا ؟
و عيون أوروبا تُراها لم تزلْ
في غفلةٍ لا تُبصر الطغيانا
هل أبصروا جسداً على كرسيِّه
لما تناثَر في الصَّباح عِيانا
أين الحضارة أيها الغربُ الذي
جعل الحضارةَ جمرةً ، و دخانا
عذراً، فما هذا سؤالُ تعطُّفٍ
قد ضلَّ من يستعطف البركانا
هذا سؤالٌ لا يجيد جوابَه
من يعبد الأَهواءَ و الشيطانا
يا أحمدُ الياسين، إن ودَّعتنا(1295/1)
فلقد تركتَ الصدق و الإيمانا
أنا إنْ بكيتُ فإنما أبكي على
مليارنا لمَّا غدوا قُطْعانا
أبكي على هذا الشَّتاتِ لأُمتي
أبكي الخلافَ المُرَّ، و الأضغانا
أبكي و لي أملٌ كبيرٌ أن أرى
في أمتي مَنْ يكسر الأوثانا
يا فارسَ الكرسيِّ، وجهُكَ لم يكنْ
إلاَّ ربيعاً بالهدى مُزدانا
في شعر لحيتك الكريمة صورةٌ
للفجر حين يبشِّر الأكوانا
فرحتْ بك الحورُ الحسانُ كأنني
بك عندهنَّ مغرِّداً جَذلانا
قدَّمْتَ في الدنيا المهورَ و ربما
بشموخ صبرك قد عقدتَ قِرانا
هذا رجائي يا ابنَ ياسينَ الذي
شيَّدتُ في قلبي له بنيانا
دمُك الزَّكيُّ هو الينابيع التي
تستقي الجذور وتنعش الأَغصانا
روَّيتَ بستانَ الإباءِ بدفقهِ
ما أجمل الأنهارَ و البستانا
ستظلُّ نجماً في سماءِ جهادنا
يا مُقْعَداً جعل العدوَّ جبانا(1295/2)
يا قدس
شبكة مشكاة
الإسلامية
ستقول، أو سأقول، ما هذا الندى **** إلاَّ عطاءٌ ساقه المَنَّانُ
هذا النَّدى، بَذْلُ الذين قلوبُهم **** بوفائها وحنانها تَزْدَانُ
أبناءُ هذي الأرض فيها أَشرقتْ **** حِقَبُ الزمان، وأُنزِل القرآنُ
صنعوا وشاح المجد من إِيمانهم **** نعم الوشاحُ ونِعْمَتِ الأَلوانُ
شبكة مشكاة
الإسلامية
هي حكمةٌ بدويَّة ما أدركتْ **** أَبعادَها في حينها الأَذهانُ
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1296/1)
يا واقفا
مالي أراك تقلبُ النظرا وكأن عينك لا ترى أثرا ؟
و كأن قلبك لايحس بما يجري ولا يستشعر الخطرا
و كأن ما في الكونِ من عبرٍ ومن المواعظ واجهت حجرا
مالي أراك عقدتَ ألويةً للوهم ساقت نحوك الكدرا ؟
أو ما ترى شمس الضحى وإذا جن الظلام، أما ترى القمرا ؟
أو ما ترى الأرض التي ابتهجت أوما ترى النبع الذي انحدرا ؟
يا هارباً من ثوب فطرته أوما ترى الأشواك والحفرا ؟
شبكة مشكاة
الإسلامية أو ما ترى نار الظلال رمت لهباً إليك وأرسلت شررا؟
مالي أراك كريشة علقت ببنان مرتعشٍ رأى الخطرا ؟
تصغي لقول المصلحين وإن فُتِحَ المجال ، تبعتَ من فجرا
إن أحسن الناس اقتديت بهم وإذا أساؤا تتبع الأثرا
أتظل بين الناس إمعةً يسري بك الطوفان حيث سرى؟
عجباً أما لك منهج وسط كمحجةٍ نبراسها ظهرا ؟
يا ساكنا في دار غفلته متوارياً وتعاتب القدرا
أنسيت أن الأرض حين ترى الجفاف تراقب المطرا ؟
أنسيت أن الغصن يسلبه فصل الخريف جماله النضرا
مالي أراك مذبذباً قلقا حيران يشكو طرفك السهرا ؟
هذا قطار العمر ، ما وقفتْ عرباته يوماً ولا انتظرا
فإلى متى تبقى بلا هدفٍ اسماً كأنك تجهل السفرا ؟
هبت رياح المرجفين على إسلامنا ، فلتحسن النظرا
أو ليس للقرآن جلجلة في قلبك الشاكي الذي انفطرا؟
أجزعت ؟ ، كيف وديننا أفق رحب وأدنى ما لديك ذرا ؟!
خسر الجزوع وإن سعى سعياً نحو المراد ، وفاز من صبرا
الأرض كل الأرض ترقبنا وتقول : هذا بابي انكسرا
لم تسلك الدرب الصحيح فهل ترجو النجاة وتطلب الظفرا ؟
إن الكريم إذا أساء بلا قصدٍ وأخطأ تاب واعتذرا
شبكة مشكاة
الإسلامية هذي بلادك ، ذكرها عَطِرٌ فبها تسامى المجد وازدهرا
رفعت لواء الحق منذ هوت أصنامها وضلالها اندحرا
هي واحة الدنيا فكم نشرت ظلاً على من حج واعتمرا
فافخر بها إن المحب إذا صدق الهوى ، بحبيبه افتخرا
دع عنك من ماتت مشاعره وفؤاده في حقده انصهرا
أرأيت ذا عقلٍ يمد يداً نحو التراب ويترك الثمرا ؟(1297/1)
فإلى متى أبقى تدنسني مدنية ، وجدانها كفرا ؟
ولديكم الاسلام ينقذني مما أعاني يدفع الخطرا
الأرض تدعونا انتركها ونكون أول عاشقٍ هجرا ؟
يا واقفاً والركب منطلقٌ أو ما ترى الأحداث والعبرا ؟
أو ما ترى في العصر عولمةٌ جلبت إليك بنفعها الضررا
ولديك مفتاح الصعود بها إن لم تكن ممن بها انبهرا
عد يا أخي فالبحرُ ذو صََفٍ كم مركبٍ في موجه انغمرا
كن واضحاً كالشمس صافية بيضاء يجلو نورها البصرا(1297/2)
إلى ياسر عرفات
بعها فأنت لما سواها أبيع لك عارها ولها المقام الأرفع
لك وصمة التاريخ أنت لمثلها أهل ومثلك في المذلة يرتع
شبح مضى والناس بين مكذب ومصدق ويد الكرامة تقطع
ضيعت جهد المخلصين كأنهم لم يبذلوا جهدا ولم يتبرعوا
والله ما أحسنت ظني في الذي تدعو ولا مثلي بمثلك يخدع
شبكة مشكاة
الإسلامية وقرأت في عينيك قصة غادر أمسى على درب الهوى يتسكع
وعلمت أنك ابن اسرائيل لم تفطم وأنك من هواها ترضع
لكن بعض القوم قد خدعوا بما نمّقته فتأثروا وتسرعوا
ظنوك منقذهم ولو علموا بما تخفي وأنك في الرئاسة تطمع
لرماك بالأحجار طفل شامخ ما زال يحرس ما هجرت ويمنع
يا من تزوجت القضية خدعة وحلفت أنك بالحقيقة تصدع
عجبا لزوج لا يغار فقلبه متحجر وعيونه لا تدمع
عجبا لزوج باع ثوب عروسه لا ينزوي خجلا ولا يورع
يا بائع الأوطان بيعك خاسر بيع السفيه لمثله لا يشرع
هذي فلسطين العزيزة لم تزل في كل قلب مسلم تتربع
مسرى النبي بها وأول قبلة فيها وفيها للبطولة مهيع
فيها عقول بالرشاد مضيئة فيها حماس وجهها لا يصفع
هذي فلسطين العزيزة ثوبها من طلعة الفجر المضيئة يصنع
هذي فلسطين العزيزة طفلها متوثب لا يستكين ويخضع
هي أرض كل موحد لا بيع من باعوا يتمّ ولا الدعاوى تسمع
سيجيء يوم حافل بجهادنا لخيل تصهل والصوارم تلمع
قد طال ليل الكفر لكني أرى من خلفه شمس العقيدة تسطع(1298/1)
مشاهد من يوم القيامة
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية
وصحوت من حلمي ونفسي بالذي ... شاهدت مؤمنة وعيني تهمل
وشعرت أن مظاهر الدنيا التي ... لهوى ..مظاهر نشوة لا تكمل
شبكة مشكاة
الإسلامية
شبكة مشكاة
الإسلامية(1299/1)
أتذكرهمْ و حاجتكَ ادكارُ و قلبكَ في الظعائنِ مستعارُ
عسفنَ على الأماعزِ منْ حيٍّ و في الأظعانِ عنْ طلحَ أزورار
و قدْ أبكاكَ حينَ علاكَ شيبٌ يتوضحَ أو بناظرةَ الديارُ
فتحي مرةً و تموتُ أخرى و تمحوها البوارحُ و القطار
فدارَ الحيَّ لستِ كما عهدنا و أنتِ إذا الأحبةُ فيكِ دارُ
و كنتُ إذا سمعتُ لذاتِ بوٍّ حنيناً كادَ قلبي يستطارُ
أتنفعكَ الحياةُ و أمُّ عمروٍ قريبٌ لا تزورُ و لا تزارُ
و قدْ لحقَ الفرزدقُ بالنصارى لينصرهمْ و ليسَ بهِ انتصارُ
و يسجدُ للصيبِ معَ النصارى و أفلجَ سهمنا فلنا الخيارُ
تخاطرُ منْ وراءِ حمايَ قيسٌ و خندفُ عزَّ ما حمى الذمار
أقينٌ يا تميمُ يعيبُ قيساً يطيرُ علىَ لهازمهِ الشرار
أخاكمْ يا تميمُ و منْ يحامي و أمُّ الحربِ مجليةٌ نوار
و يعلمُ منْ يحاربُ أنَّ قيساً صناديدٌ لها اللججُ الغمارُ
و قيسٌ يا فرزدقُ لو أجاروا بني العوامِ ما افتضحَ الجوارُ
إذاً لحمى فوارسُ غيرُ ميلٍ إذا ما امتدَّ في الرهجِ الغبارُ
و كروا كلَّ مقربةٍ سبوحٍ و طرفٍ في حوالبهِ اضطمار
غدرتمْ بالزبيرِ و ما وفيتمْ فداديناً يبيتُ لها خوارُ
فما رضيتْ بذمتكمْقريشٌ و ما بعدَ الزبيرِ بهِ اغترارُ(1300/1)
أتصحو بل فؤادكَ غيرُ صاح
أتصحو بل فؤادكَ غيرُ صاح عشيةَ همَّ صحبكَ بالرواحِ
يقولُ العاذلاتُ علاك شيبٌ أهذا الشيبُ يمنعني مراحي
يكفني فؤادي من هواهُ ظعائنَ بحتنِ عنَ على رماح
ظعائنَ لمْ يدنَّ معَ النصارى و لا يدرينَ ما سمكُ القراحِ
فبعضُ الماءِ ماء ربابِ مزنٍ و بعض الماءِ منْ سبخٍ ملاحِ
سيكفيكَ العواذلَ أرجيٌّ هجانُ اللونِ كالفردِ الليلح
يعز على الطريق بمنكبيهِ كما ابتركَ الخليعُ على القداحِ
تعزتْ أمُّ حزرةَ ثمَّ قالتْ رأيتُ الموردينَ ذوي لقاحِ
تعللُ وهيَ ساغبةٌ بنيها بأنفاسٍ منَ الشمِ القراحِ
سأمتاحُ البحورَ فجنبيني أذاةَ اللومِ و انتظري امتياحي
ثقي باللهِ ليسَ له شريكُ و منِ عندِ الخليفةِ بالنجاحِ
أعثني يا فداكَ أبي و أمي بسيبٍ منكَ إنكَ ذو ارتباح
فانّيَ قدْ رأيتُ على حقا زيارتي الخليفةَ و امتداحي
سأشكرُ أنْ رددتَ عليَّ ريشي و أثبتَّ القوادمَ في جناحي
ألستمْ خيرَ منْ ركبَ المطايا و أندى العالمينَ بطونَ راحِ
و قومٍ قدْ سموتَ لهمْ فدانوا بدهمٍ في مللةٍ رداحِ
أبحتَ حمى تهامةَ بعدَ نجدٍ و ما شيءٌ حميتَ بمستباحِ
لكمْ شم الجبالِ منَ الرواسي و أعظمُ سيلِ معتلجِ البطاحِ
دعوتَ الملحدينَ أبا خبيبٍ جماحاً هلْ شفيتَ منَ الجماحِ
فقدْ وجدوا الخليفةَ هبرزياً ألفَّ العيصِ ليسَ منَ النواحي
فما شجراتُ عيصكَ في قريشٍ بعشاتِ الفروعِ و لا ضواحي
رأى الناسُ البصيرةَ فاستقاموا و بينتِ المراضِ منَ الصحاحِ(1301/1)
أتطربُ حين لاحَ بكَ المشيبُ
رقم القصيدة : 16347 ... نوع القصيدة : فصحى ...
أتطربُ حين لاحَ بكَ المشيبُ ... وذَلكَ إنْ عَجبتَ هوى ً عَجيبُ
نأى الحيُّ الذينَ يهيجُ منهمْ ... على ما كانَ منْ فزعٍ ركوبُ
تَبَاعَدُ مِنْ جَوارِي أُمّ قَيْسٍ ... و لوْ قدمتُّ ظلَّ لها نجيبُ
وَأيَّ فَتى ً عَلِمْتِ إذا حَلَلْتُمْ ... بأجرازٍ معللها جديبُ
فإنْ يَنْأَ المَحَلُّ فَقَدْ أراكُمْ ... وبَالأجْوَافِ مَنزِلُكُمْ قَرِيبُ
لَعَلّ الله يُرجِعُكُمْ إلَيْنَا ... وَيُفْني مالَكُمْ سَنَة ٌ وذِيبُ
رأيتكَ يا حكيمُ علاكَ شيبٌ ... وَلكنْ ما لحِلْمِكَ لا يَثُوبُ
و عمرٌ وقد كرهتُ عتابَ عمروٍ ... و قد كثرَ المعاتبُ والذنوبُ
تمنى أنْ أموتَ وأينَ مثلي ... لقومكَ حينَ تشعبني شعوبُ
لقد صدعت صخرة َ منْ رماكم ... و قد يرمى بي الحجرُ الصليبُ
وَقَدْ قَطَعَ الحَديدَ فلا تَمارَوْا ... فِرِنْدٌ لا يُفَلّ وَلا يَذُوبُ
نَسيتُمُ ويْلَ غَيرِكُمْ بَلائي، ... لَياليَ لاتَدُرّ لَكُمْ حَلُوبُ
فانَّ الحيَّ قدْ غضبوا عليكمْ ... كما أنا منْ ورائهم غضوبُ(1302/1)
أدارَ الجميعِ الصالحينَ بذي السدرِ أبينى لنا إنَّ التحيةَ عنْ عفرِ
لقدْ طرقتْ عينيَّ في الدارِ دمنةٌ تعاورها الأزمانُ و الريحُ بالقطرِ
فقلتُ لأدنى صاحبيَّ و إنني لأكتمُ وجداً في الجوانحِ كالجمرِ
لعمركما لا تعجلا إنَّ موقفاً علىَ الدارِ فيهِ القتلُ أو راحةُ الدهرِ
فعاجا و ما في الدارِ عينٌ نحسها سوى الربدِ و الظلمانِ ترعى معَ العفرِ
فاللهِ ما ذا هيجتْ منْ صبابةٍ على هالكٍ يهذي بهندٍ و ما يدري
طوى حزناً في القلبِ حتى كأنما بهِ نفثُ سحرٍ أو أشدُّ منَ السحرِ
أخالدَ كانَ الصرمُ بيني و بينكمْ دلالاً فقدْ أجرى البعادُ إلى الهجرْ
جزيتَ ألا تجزينَ وجداً يشفنني و إني لا أنساكِ إلاَّ على ذكرِ
خليليَّ ماذا تأمراني بحاجةٍ و لولا الحياءُ قدْ أشادَ بها صدري
أقيما فانَّ اليومَ يومٌ جرتْ لنا أيامنُ طيرٍ لا نحوسٍ و لا عسرِ
فانْ بخلتْ هندٌ عليكَ فعلها و إنْ هيَ جادتْ كانَ صدعاً على وقرِ
منَ البيضِ أطرافاً كأنَّ بنانها منابتَ ذداءٍ منْ الأجرعِ المثري
لقدْ طالَ لومُ العاذلينَ و شفني تناءٍ طويلٌ و اختلافٌ منَ النجرِ
أثعلبَ أولى حلفةً ما ذكرتكمْ بسوءٍ و لكني عتبتُ على بكرْ
فلا توبسوا بيني و بينكمُ الثرى فانَّ الذي بيني و بينكمُ مثرى
عظامُ المقاري في السنينَ و جاركمْ يبيتُ منَ اللاتي تخافُ لدى وكرِ
أثعلبَ إني لمْ أزلْ مذْ عرفتكمْ أرى لكم ستراً فلا تهتكوا ستري
فلولا ذوو الأحلامِ عمروُ بنُ عامرٍ رميتُ بني بكرٍ بقاصمةِ الظهرِ
همُ يمنعونَ السرحَ لا يمنعونهُ منَ الجيشِ أنْ يزدادَلا نفراً على نفرِ
جزى الله يربوعاً منَ السيد قرضها و ما في شييمٍ أنْ يزدادَ نفراً على نفرِ
بني السيدِ آويناكمُ قدْ علمتمُ الينا و قدْ لجَّ الظعائنُ في نفرِ
مننا عليكمْ لوْ شكرتمْ بلاءنا و قدْ حملتكمْ حربُ ذهلٍ على قتر
بني السيدِ لا يمحي ترمزُ مدركٍ ندوبُ القوافي في جلودكمُ الخضرِ(1303/1)
بأي بلاءٍ تحمدونَ مجاشعاً غاغبَ أثوارٍ تلظى علىَ جسرْ
ألاَ تعرفونَ النافشينَ لحاهمُ إذا بطنوا و الفاخرينَ بلا فخرِ
أنا البدرُ يعشى طرفَ عينيكَ ضوؤه و منْ يجعلَ القردَ المسرولَ كالبدرِ
حمتني ليربوعٍ جبالٌ حصينةٌ و يزخرُ دوني قمقمانٌ منَ البحرِ
فضلَّ ضلالَ العادلينَ مجاشعاً ثلوطَ الروايا بالحماةِ عنِ الثغرِ
فما شهدتْ يومَ الغبيطِ مجاشعٌ و لا نقلانَ الخيلِ منْ قلتي يسر
و لا شهدتنا يومَ جيشِ محرقٍ طهيةُ فرسانُ الوقيديةِ الشقر
و لا شهدتْ يومْ النقاخيلُ هاجرٍ و لا السيدُ إذْ ينحطنَ في الأسلِ الحمر
و نحنْ سلبنا الجونَ و ابني محرقٍ و عمراً و قتلنا ملوكَ بني نصرِ
إذا نحنُ جردنا عليهمْ سيوفنا أقمنا بها درءَ الجبابرةِ الصعرِ
إذا ما رجى روحُ الفرزدقِ راحةَ تغمدهُ آذيُّ ذي حدبِ غمرٍ
فطاشتْ يدُ القينْ الدعي و غمهُ ذرى واسقاتٍ يرتمينَ منَ البحرِ
لعلكَ ترجو أنَّ تنفسَ بعدما غممتَ كما غمَّ المعذبُ في القبر
فما أحصنتهُ بالسعودِ لمالكٍ و لا ولدتهُ أمهُ ليلةَ القدرِ
فلا تحسبنَّ الحربَ لما تشنعتْ مفايشةً إنَّ الفياشَ بكمْ مزرى
أبعدَ بني بدرٍ و أسلابِ جاركم رضيتمْ واحتبيتمْ على وترِ
و نبئتُ جواباً و سكناً يسبني و عمروَ بنَ عفري لا سلامَ على عمرو
و يحسبُ جوابٌ بسكنٍ زيارةً ألا إيما تدهى بغومُ و لا تدري(1303/2)
أربتْ بعينكَ الدموعُ السوافحُ فلا العهدُ منسيٌّ ولا الربعِ بارحُ
محى طللاً بينَ المنيفةِ فانتا صباً راحةٌ أو ذو حبيينَّ رائح
بها كلُّ ذيالِ الأصيلِ كأنهُ بدارةِ رهبي ذو سوارين رامحِ
ألا تذكرُ الأزمانَ إذ تتبعُ الصبا و إذْ أنتَ صبٌّ و الهوى بكَ جامح
و إذ أعينٌ مرضى لهنَّ رميةٌ فقدْ أقصدتِ تلكَ القلوبُ الصحائحُ
منعتِ شفاءَ النفسِ ممنْ تركتهِ بهِ كالجوى مما تجنُّ الجوانحُ
تركتِ بنا لوحاً و لو شئتِ جادنا بعيدَ الكرى ثلجٌ بكرمانَ ناصح
رأيتُ مثيلَ البرقِ تحسبُ أنهُ قريبٌ و أنى صوبهِ منكَ نازحُ
إذا حدثتَ لمْ تلفِ مكنونَ سرها لمنْ قالَ إني بالوديعةِ بائحُ
فتلكَ التي ليستْ بذاتِ دمامةٍ و لمْ يعرها منْ منصبِ الحيَّ قادح
تعجبُ أن ناصاتي الشيبُ و ارتقى إلى الرأسِ حتى ابيضّض مني السائح
فقدْ جعلَ المفروكَ لا نامَ ليلهُ يحبُّ حديثي و الغيورُ المشايج
و ما ثغبٌ باتت تصفقهُ الصبا صراءِ نهيٍ أتأقاته الروايح
بأطيبَ منْ فيها و لا طعمُ قرقفٍ برمانَ لم ينظرْ بها الشرقَ صابح
قفافا ستخيرا الله أنْ تشحط النوى غداةَ جرى ظبيٌ بحوملَِ بارحُ
نظرتُ بشجعي نظرةً فعلَ ذي هوى و أجالُ شجعي دونها و الأباطحِ
لأبصرَ حيثُ استوقدَ الحيُّ بالمللا و بطنُ الملا منْ جوفِ يبرينَ نازحُ
إذا ما أردنا حاجةً حالَ دونها كلابُ العدى منهنَّ عاوٍ و نابحِ
و من آلِ ذي بهدى طلبناكَ رغبةً ليمتاحَ بحراً منْ بحوركَ مايحِ
إذا قلتُ قدْ كلَّ المطي تحاملت على الجهدِ عيدياتهنَّ الشرائح
بأعرافِ موماةِ كأنَّ سرابها على حدبِ البيدِ الأصناءُ الضحاضح
قطعنَ بنا عرضَ السماوةِ هزةً كما هزَّ أمراساً بلينةَ ماتح
جريتُ فلا يجري أمامكَ سابقٌ و برزَ صلتٌ منْ جبينكَ واضحُ
مدحناكَ يا عبدَ العزيزِ و طالماَ مدحتَ فلمْ يبلغْ فعالكَ مادح
تفيدكَ بالآباءِ في كلَّ موطنٍ سبابُ قريشِ و الكهولُ الجحاجحُ
أتغلبُ ماحكمُ الأخيطلِ إذ قضى بعدلٍ و لا بيعُ الأخيطلِ رابح(1304/1)
متى تلقَ حواطي يحوطونَ عازباً عريضَ الحمى تأوى اليهِ المسالح
أتعدلُ منْ يدعو بقيس و خندف لعمركَ ميزانٌ بوزنكَ راجح
يميلُ حصى نجدٍ عليكَ و لو ترى بغوريَّ نجدٍ غرقتكَ الأباطحُ
فلو مالَ ميلٌ منْ تميمِ عليكمْ لأمكَ صلدامٌ منَ العزَذ قادح
و قلتَ لنا ما قلت نشوانَ فاصضبر لحزَّ القوافي لمْ يقلهنَّ مازح
فكمْ منْ خبيثِ الريحِ منْ رهطدْ وبلٍ بدجلةَ لا تبكي عليهِ النوايح
ترديتَ في زوراءَ يرمي ممن هوى رؤوسَ الحوامي جولها المتطاوحِ(1304/2)
أقِلّي اللّوْمَ عاذلَ وَالعِتابَا
جرير يهجو الشاعر النميري
1. أقِلّي اللّوْمَ عاذلَ وَالعِتابَا ... وقولي، إنْ أصَبتُ، لقَد أصَابَا
2. أجِدَّكَ ما تَذَكَّرُ أهْلَ نَجْدٍ ... و حيا طالَ ما انتظروا الايابا
3. بَلى فارْفَضّ دَمْعُكَ غَيرَ نَزْرٍ، ... كما عينتَ بالسربِ الطبابا
4. و هاجَ البرقُ ليلة َ أذرعاتٍ ... هوى ما تستطيعُ لهُ طلابا
5. فقلتُ بحاجة ٍ وطويتُ يكادُ منهُ ضَمِيرُ القَلْبِ يَلتَهِبُ التِهابَا
6. سألْنَاها الشّفَاءَ فَما شَفَتْنَا؛ ... و منتنا المواعدَ والخلابا
7. لشتانَ المجاورَ ديرَ أروى ... وَمَنْ سَكَنَ السّليلَة َ وَالجِنابَا
8. أسِيلَة ُ مَعْقِدِ السِّمْطَينِ مِنها ... فقلْتُ بحاجِة ٍ وَطَوَيْتُ أُخْرَى
9. وَلا تَمْشِي اللّئَامُ لَهَا بسِرٍّ، ... و لا تهدى لجارتها السبابا
10. وَفي فَرْعَيْ خُزَيمَة َ، أنْ أُعَابَا ... شعابَ الحبّ إنَّ لهُ شعابا
11. فهَاجَ عَليّ بيْنَهُمَا اكْتِئابَا ... تبينَ في وجوههم اكتئابا
12. إذا لاقَى بَنُو وَقْبَانَ غَمّاً، ... شددتُ على أنوفهمِ العصابا
13. تَنَحّ، فَإنّ بَحْري خِنْدِفيٌّ، ... وَأحْرَزْنَا الصّنائَعَ والنِّهَابَا
14. لنا تحتَ المحاملِ سابغاتٌ ... أعُزُّكَ بالحِجازِ، وَإنْ تَسَهّلْ
15. وَذي تَاجٍ لَهُ خَرَزاتُ مُلْكٍ، ... سَلَبْنَاهُ السُّرادِقَ وَالحِجَابَا
16. ألا قبحَ الالهُ بني عقال ... وَزَادَهُمُ بغَدْرِهِمُ ارْتِيابَا
17. أجِيرانَ الزّبَيرِ بَرِئْتُ مِنْكُمْ ... فَلا وَأبِيكَ ما لاقَيتُ حَيّاً
18. لقدْ عزَّ القيونُ دماً كريماً ... و رحلاً ضاعَ فانتهبَ انتهابا
19. وَقَدْ قَعِسَتْ ظُهُورُهُمُ بخَيْلٍ ... تجاذبهمْ أعتها جذابا
20. علامَ تقاعسونَ وقدْ دعاكمْ ... أهانكمُ الذي وضعَ الكتابا
21. تعَشّوا مِنْ خَزيرِهِمُ فَنَامُوا ... و لمْ تهجعْ قرائبهُ انتخاباً
22. أتَنْسَوْنَ الزّبَيرَ وَرَهْطَ عَوْفٍ، ... و جعثنَ بعدَ أعينَ والربابا
23. ألمْ ترَ أنَّ جعثنَ وسط سعدٍ ... تسمى َّ بعدَ فضتها الرحابا(1305/1)
24. وَأعْظَمنَا بغَائِرَة ٍ هِضَابَا ... كأنَّ على مشافرهِ جبابا
25. وَخُورُ مُجاشِعٍ تَرَكُوا لَقِيطاً ... وَقالوا: حِنْوَ عَينِكَ وَالغُرَابَا
26. وَأضْبُعُ ذي مَعارِكَ قَدْ علِمْتمْ ... لَقِينَ بجَنْبِهِ العَجبَ العُجَابَا
27. وَلا وَأبيكَ ما لهُم عُقُولٌ؛ ... و لا وجدتْ مكاسرهم صلابا
28. وَلَيْلَة َ رَحْرَحانَ تَرَكْتَ شِيباً ... و شعثاً في بيوتكم سغابا
29. رَضِعتُمْ، ثمّ سالَ على لِحاكُمْ، ... ثعالة َ حيثُ لمْ تجدوا شرابا
30. تَرَكْتُمْ بالوَقيطِ عُضارِطاتٍ، ... تُرَدِّفُ عِندَ رِحْلَتِها الرّكابَا
31. لَقَدْ خَزِيَ الفَرَزْدَقُ في مَعَدٍّ ... فأمسَى جَهدُ نُصرَتِهِ اغْتِيابَا
32. وَلاقَى القَينُ والنَّخَباتُ غَمّاً ... تَرَى لوُكُوفِ عَبرَتِهِ انصِبَابَا
33. فما هبتُ الفرزدقَ قد علمتمْ ... وَما حَقُّ ابنِ بَرْوَعَ أنْ يُهابَا
34. أعَدّ الله للشّعَراءِ مِنّي ... صواعقَ يخضعونَ لها الرقابا
35. قرنتُ العبدَ عبد بني نميرٍ ... بدَعوى َ يالَ خِندِفَ أنْ يُجَابَا
36. أتَاني عَنْ عَرادَة َ قَوْلُ سُوءٍ ... فلا وأبي عرادة َ ما أصابا
37. لَبِئْسَ الكَسْبُ تكسِبُهُ نُمَيرٌ ... إذا استأنوكَ وانتظروا الايابا
38. أتلتمسُ السبابَ بنو نميرٍ ... فقدْ وأبيهمْ لاقوا سبابا
39. أنا البازي المدلُّ على نميرٍ ... أتحتُ منَ السماء لها انصبابا
40. إذا عَلِقَتْ مَخالِبُهُ بقِرْنٍ، ... أصابَ القلبَ أو هتكَ الحجابا
41. ترَى الطّيرَ العِتاقَ تَظَلّ مِنْهُ ... جَوَانحَ للكَلاكِلِ أنْ تُصَابَا
42. فَلا صَلّى الإلَهُ عَلى نُمَيرٍ، ... و لا سقيتْ قبورهمُ السحابا
43. وَخَضْراءِ المَغابِنِ مِنْ نُمَيرٍ، ... يَشينُ سَوادُ مَحجِرِها النّقابَا
44. إذا قامَتْ لغَيرِ صَلاة ِ وِتْرٍ، ... بُعَيْدَ النّوْمِ، أنْبَحَتِ الكِلابَا
45. و قدْ جلتْ نساءُ بني نميرٍ ... و ما عرفتْ أناملها الخضابا
46. إِذا حَلّتْ نساءُ بَني نُمَيرٍ ... على تِبراكَ خَبّثتِ التّرَابَا(1305/2)
47. و لوْ وزنتْ حلومُ بني نميرٍ ... على الميزانِ ما وزنتْ ذبابا
48. فصبراً يا تيوسَ بني نميرٍ ... فإنَّ الحربَ موقدة ٌ شهابا
49. لَعَمْرُ أبي نِسَاءِ بَني نُمَيرٍ، ... لَسَاءَ لَها بمَقْصَبَتي سِبَابَا
50. سَتَهْدمُ حائِطَيْ قَرْماءَ مِنّي ... قوافٍ لا أريدُ بها عتابا
51. دخلنَ قصورَ يثربَ معلماتٍ ... و لمْ يتركنَ منْ صنعاءَ بابا
52. تطولكمُ حبالُ بنيب تميمٍ ... وَيَحمْي زَأرُها أجَماً وَغَابَا
53. ألمْ نعتقْ بني نميرِ ... فلا شكراً جزينْ ولا ثوابا
54. إذا غَضِبَتْ عَلَيكَ بَنُو تَميمٍ ... و قد فارت أباجلهُ وشابا
55. أعدُّ لهُ مواسمَ حامياتٍ ... فَيَشْفي حَرُّ شُعْلَتِها الجِرابَا
56. فغض الطرفَ إنكَ من نميرٍ ... فلا كعبا بلغتَ ولا كلابا
57. أتَعْدِلُ دِمْنَة ً خَبُثَتْ وَقَلتْ ... إلى فَرْعَينِ قَد كَثُرا وَطَابَا
58. و حقَّ لمن تكنفهُ نميرٌ ... وَضَبّة ُ، لا أبَا لكَ، أنْ يُعابَا
59. فَلَوْلا الغُرّ مِنْ سَلَفَيْ كِلابٍ ... و كعبٍ لاغصبتكم اغتصابا
60. فإنّكُمُ قَطِينُ بَني سُلَيْمٍ، ... تُرَى بُرْقُ العَبَاءِ لكُمْ ثِيابَا
61. إذاً لَنَفَيْتُ عَبدَ بَني نُمَيرٍ، ... وَعَلّي أنْ أزيدَهُمُ ارتِيابَا
62. فَيَا عَجَبي! أتُوعِدُني نُميرٌ ... بِراعي الإبْلِ يَحْتَرِشُ الضِّبابَا
63. لَعَلّكَ يا عُبَيدُ حَسِبْتَ حَرْبي ... تقلدكَ الأصرة َ والغلابا
64. إذا نهضَ الكرامُ إلى المعالي ... نهضتَ بعلبة ٍ وأثرتَ نابا
65. تحنُّ لهُ العفاسُ إذا أفاقتْ ... وتَعْرِفُهُ الفِصَالُ إذا أهَابَا
66. فَأْوْلِعْ بالعِفاسِ بَني نُميَرٍ، ... كَمَا أوْلَعْتَ بالَّدبَرِ الغُرَابَا
67. و بئسَ القرضُ عند قيسٍ ... تهيجهمُ وتمتدحُ الوطابا
68. وَتَدْعُو خَمْشَ أمّكَ أنْ تَرانَا ... نُجُوماً لا تَرُومُ لهَا طِلابَا
69. فلَنْ تَسطيعَ حَنظَلَتي وَسُعدى َ ... وَلا عَمْرَى بَلَغتَ وَلا الرِّبَابَا
70. قرومٌ تحملُ الأعباءَ عنكمْ ... إذا ما الأمْرُ في الحَدَثَانِ نَابَا(1305/3)
71. هُمُ مَلَكوا المُلوكَ بذاتِ كَهفٍ ... و همْ منعوا منَ اليمنِ الكلابا
72. فَلا تَجزَعْ فإنّ بَني نُميرٍ ... كأقْوَامٍ نَفَحْتَ لَهُمْ ذِنَابَا
73. شَياطِينُ البِلادِ يَخَفْنَ زَأرِي، ... وَحَيّة ُ أرْيَحَاءَ ليَ اسْتَجَابَا
74. تَرَكْتُ مُجاشِعاً وَبَني نُمَيرٍ، ... كدارِ السوءِ أسرعتِ الخرابا
75. ألَمْ تَرَني وَسَمْتُ بَني نُمَيرٍ ... وَزِدْتُ على أُنوفِهِمُ العِلابَا
76. اليك اليكَ عبدَ بني نميرٍ ... وَلَمّا تَقْتَدِحْ مِنّي شِهَابَا(1305/4)
ألا ينهى بنو صردَ رياحاً و لمْ تعلنْ جائلنا رياحا
قآمرْ والديكَ تلكَ حبي و لوْ أسمعتَ قبرَ أبيكَ صاحا
ألاَّ ينهاكَ ويل أبيكَ قومٌ سقوا الزيفانَ قبلكَ والذباحا(1306/1)
ألاَ حيَّ المنازلَ بالجناب
رقم القصيدة : 16345 ... نوع القصيدة : فصحى ...
ألاَ حيَّ المنازلَ بالجناب ... فقدْ ذكرنَ عهدكَ بالشبابِ
أما تنفكُّ تذكرُ أهلَ دارٍ ... كأنّ رُسُومَها وَرقُ الكِتابِ
لَعَمْرُ أبي الغَواني ما سُلَيْمَى ... بشملالٍ تراحُ إلى الشبابِ
تكنُّ عن النواظر ثمَّ تبدو ... بدوَّ الشمس منْ خلل السحابِ
كَأنّكَ مُسْتَعيرُ كُلَى شعِيبٍ ... وهتْ من ناصح سرب الطبابِ
ألَمْ تُخْبَرْ بَخيْلِ بَني نُفَيْلٍ ... صَموتُ الحِجْلِ قانيَة ُ الخِضَابِ
أما باليتَ يومَ أكقُّ دمعي ... مخافة َ أن يفندني صحابي
تَباعَدَ مِنْ مَزاري أهْلُ نَجْدٍ ... إذا مَرَّتْ بذي خُشُبٍ رِكابي
غريباً عن ديارِ بني تميمٍ ... وَما يُخزي عَشيرَتيَ اغْتِرابي
لَقَدْ عَلِمَ الفَرَزْدَقُ أنّ قَوْمي ... يعدونَ المكارمَ للسباب
يحشونَ الحروبَ بمقرباتٍ ... و داؤودية ٍ كأضا الحبابِ
إذا آباؤنَا وَأبُوكَ عُدّوا ... أبانَ المقرفاتُ منَ العرابِ
فأورثكَ العلاة َ وأورثونا ... رباطَ الخيلِ أفنية َ القبابِ
أجِيرانَ الزّبيرِ غَرَرْتُمُوهُ، ... كما اعترَّ المشنهُ بالسرابِ
و لوْ سارَ الزبيرُ فحلَّ فينا ... لَمَا يَئِسَ الزّبَيرُ مِنَ الإيَابِ
لأصْبَحَ دُونَهُ رَقَماتُ فَلْجٍ ... و غبرُ اللامعاتِ منَ الحداب
وَما باتَ النّوائِحُ من قُرَيْشٍ ... يُراوِحْنَ التّفَجّعَ بانْتِحابِ
ألَسْنَا بالمُجاوِرِ نَحْنُ أوْفَى ، ... و أكرمَ عند معترك الضراب
وَأحْمَدَ حينَ تُحْمَدُ بالمَقاري ... وَحالَ المُرْبِعاتُ منَ السّحابِ
وأوفى للمجاورِ إنْ أجرنا ... و أعطى للنفيسات الرغابِ
قَدُومٌ غَيرُ ثابِتَة ِ النِّصَابِ ... صدوراً لخيلَ تنحطُ في الحراب
وَطِئْنَ مُجاشِعاً وَأخَذْنَ غَضبْاً ... بنيِ الجبارِ في رهجِ الضبابِ
فَمَا بَلَغ الفَرَزْدَقُ في تَميمٍ ... تَخَيُّريَ المَضارِبَ وَانْتِخابي
أنا ابنُ الخالدينِ وآلِ صخرٍ ... أحَلاّني الفُرُوعَ وَفي الرّوَابي(1307/1)
وَيَرْبُوعٌ هُمُ أخَذُوا قَديماً ... عَلَيكَ مِنَ المكارِمِ كلّ بابِ
فلا تفخرْ وأنتَ مجاشعيُّ ... نخيبُ القلبِ منخزقُ الحجاب
إذا عدت مكارمها تميمٌ ... فَخَرْتَ بمَرْجَلٍ وَبِعَقْرِ نابِ
وَسيَفُ أبي الفَرَزْدَقِ قَد عَلمتمْ
كَفَينَا يَوْمَ ذي نَجَبٍ وَعُذتمْ ... بسَعْدٍ يَوْمَ وَارِدَة ِ الكِلابِ
أتَنْسَى بالرّمادَة ِ وِرْدَ سَعْدٍ ... كَما وَرَدوا مُسَلَّحة َ الصّعابِ
أما يدعُ الزناءَ أبو فراس ... وَلا شُرْبَ الخَبيثِ من الشّرابِ
و لامتْ في الحدود وعاتبتهُ ... فقَددْ يَئِستْ نُوَارُ مِنَ العِتابِ
فَلا صَفْوٌ جَوَازُكَ عِندَ سَعْدٍ ... و لا عفُّ الخليفة ِ في الربابِ
لَقَدْ أخزاكَ في نَدَواتِ قَيْسٍ ... و في سعدٍ عياذكَ من زبابِ
على غيرِ السواءِ مدحتَ سعداً ... فزدهمْ ما استطعتَ منَ الثوابِ
هموا قتلوا الزبيرَ فلمْ تنكرْ ... وَعَزّوا رَهْطَ جِعثنَ في الخطابِ
و قد جربتني فعرفتْ أني ... على خطرِ المراهنِ غيرُ كابي
سبقتُ فجاءَ وجهي لم يغبرْ ... وَقد حَطَمَ الشّكيمَة َ عضُّ نابي
سأذكرُ من هنيدة َ ما علمتم ... وَأرْفَعُ شأنَ جِعْثنَ وَالرَّبابِ
و عاراً منْ حميدة َ يومَ حوطٍ ... و وقعاً منْ جنادلها الصلاب
فأصبَحَ غالِياً فتَقَسّمُوهُ ... عليكمْ لحمُ راحلة ِ الغرابِ
لنا قيسٌ عليكَ وأيُّ يومِ ... إذا ما احمَرّ أجنِحَة ُ العُقابِ
أتَعْدِلُ في الشّكِيرِ أبَا جُبَيرٍ ... إلى كعبٍ ورابيتي كلابِ
وجدتُ حصى هوازنَ ذا فضول ... وَبَحراً يا ابنَ شعِرَة َ ذا عُبابِ
و في غطفانَ فأجتنبوا حماهمْ ... لُيُوثُ الغَيْلِ في أجَمٍ وغابِ
... إذا ركبوا وخيلِ بني الحباب
هموا جذوا نبي جشم بنِ بكر ... بلبيَّ بعدَ يوم قرى الزوابي
و حيُّ محاربَ الأبطالِ قدماً ... أولوا بأس وأحلام رغاب
خطاهمْ بالسيوف إلى الأعادي ... بوصلِ سيوفهم يومَ الضرابِ
تحككُ بالوعيدِ فانَّ قيساً ... نَفَوْكُمْ عَنْ ضَريّة َ وَالجِنابِ
ألَمْ تَرَ مَنْ هَجاني كَيفَ يَلقى ... إذا غبَّ الحديثُ من العذاب(1307/2)
يَسبُّهُمُ بسَبّي كُلُّ قَوْمٍ، ... إذا ابتدرتْ محاورة ُ الجواب
و كاهمُ سقيت نقيعَ سمٍّ ... بِبابَيْ مُخْدِرٍ ضَرِمِ اللّعَابِ(1307/3)
أمّا صُبَيْرٌ فإنْ قلّوا وَإنُ لَؤمُوا،
رقم القصيدة : 16349 ... نوع القصيدة : فصحى ...
أمّا صُبَيْرٌ فإنْ قلّوا وَإنُ لَؤمُوا، ... فلستُ هاجيهمْ ما حنت النيبُ
أمّا الرّجالُ فَجِعْلانٌ وَنِسْوَتُهُمْ ... مثلُ القنافذِ لا حسنٌ ولا طيبُ(1308/1)
أهَاج البَرْقُ لَيْلَة أذْرِعاتٍ،
رقم القصيدة : 16344 ... نوع القصيدة : فصحى ...
أهَاج البَرْقُ لَيْلَة أذْرِعاتٍ، ... هوى ما تستطيعُ لهُ طلابا
فكَلّفْتُ النّواعِجَ كُلّ يَوْمٍ ... مِنَ الجَوْزاءِ يَلتَهِبُ التِهابَا
يُذيبُ غُرُورَهنّ، ولَوْ يُصلَّى ... حَديدُ الأقْولَينِ بهِ لَذابَا
و نضاح المقذَّ ترى المطايا ... عَشِيّة َ خِمسِهِنّ لَهُ ذُنَابَى
نَعَبْنَا بجانِبَيْهِ المَشْيَ نَعْباً، ... خَواضَعَ وَهوَ يَنسَلِبُ انسلابَا
بَعَثتُ إلَيكُمُ السّفَراءَ تَتْرى َ ... فأمْسَى لا سَفِيرَ وَلا عِتَابَا
وَقَدْ وَقَعتْ قَوَارِعُها بتَيْمٍ ... وَقد حَذّرْتُ لَوْ حَذرُوا العِقابَا
فَما لاقَيْتُ مَعذِرَة ً لِتَيمٍ، ... و لا حلمَ ابنِ برزة َ مستثابا
لقَدْ كانْ ابنُ بَرْزَة َ في تَميمٍ ... حقيقاً أنْ يجدعَ أو يعابا
أتشتمنيِ وما علمتْ تميمٌ ... لتَيْمٍ غَيرَ حِلْفِهِمُ نِصابَا
أتمدحُ مالكاً وتركتَ تيماً ... و قدْ كانوا همُ الغرضَ المصابا
و إذا عدَّ الكرام وجدتَ تيماً ... نُخالَتَهُمْ، وَغٍيرَهُمُ اللُّبَابَا
أبُوكَ التّيْمُ لَيسَ بخِنْدِفّي ... أرَابَ سَوَادُ لَونِكُمُ أرَابَا
تَرَى لِلّؤمِ بَينَ سِبَالِ تَيْمٍ، ... و بينَ سوادِ أعينهمِ كتابا
عرفنا العارَ من سبأٍ لتيمٍ ... وَفي صَنْعاءَ خَرزَهُمُ العِيَابَا
فأنْتَ على يَجُودَة َ مُسْتَذَلّ ... و فيِ الحيَّ الذينَ علا لهابا
ألمْ ترَ أنَّ زيدَ مناة َ قرمٌ ... قُرَاسِيَة ٌ نُذِلّ بهِ الصّعَابَا
أتكفرُ منْ يجيركَ يا بن تيمٍ ... وَمَنْ تَرْعى بقَوْدهمُ السّحابَا
وما تَيْمٌ إلى سَلَفَيْ نِزارٍ ... وما تَيْمٌ تَرَبّبَتِ الرِّبَابَا
وَمَا تَيْمٌ لضَبّة َ غَيرُ عَبْدٍ، ... أطَاعَ القَوْدَ وَاتّبَعَ الجِنَابَا
وَما تَدْري حُوَيْزَة ُ مَا المَعَالي ... و جاهمُ غيرَ أطرقهمُ العلابا
وَيَومَ بَني رَبيَعة َ قَدْ لحِقْنَا ... وَذُدْنَا يَومَ ذي نَجَبٍ كِلابَا
وَيَوْمَ الحَوْفَزانِ، فأينَ تَيْمٌ ... فتدعي يومَ ذلكَ أو تجابا(1309/1)
وَبِسْطامٌ سما لَهُمُ فَلاقَى ... لُيُوثاً عِندَ أشْبُلِهَا غِضَابَا
فما تيمٌ غداة َ الحنوِ فينا ... وَلا في الخَيْلِ يَوْمَ عَلَتْ إرَابَا
سَمَوْنَا بالفَوارِسِ مُلجِميهَا ... مِنَ الغَوْرَينِ تَطّلِعُ النِّقَابَا
دخلنَُ حصونَ مذحجَ معلمات ... و لمْ يتركنَ منْ صنعاءَ بابا
لَعَلّ الخيَلَ تَذْعَرُ سَرْحَ تَيْمٍ ... و تعجلُ زبدَ أيسر أنْ يذاهبا(1309/2)
إذا ابتسمتْ أبدتْ غروباً كأنها عوارضُ مزنٍ تستهلُّ و تلمحُ
لقد هاجَ هذا الشوقُ عيناً مريضةً أجالتْ قذى ظلتْ به العينُ تمرحُ
بمقلةِ أقنى ينفضُ الطلَّ باكرٌ تجلىَّ الدجى عن طرفه حينَ يصبحُ
و أعطيتُ عمراً منْ أمامةََ حكمه و للمشتري منهُ أمامةََ أربح
صحا القلبُ عنْ سلمى و قدْ برحتْ به و ما كانَ يلقى منْ تماضرَ أبرح
رأيتُ سليمى لا تبالي الذي بنا و لا عرضاً منْ حاجةً لا تسرحُ
إذا سايرتْ أسماءُ يوماً ظعائباً فأسماءُ منْ تلكَ الظعائنِ أملحُ
ظللنَ حوالي حدرِ أسماءَ و انتحى بأسماءَ موارُ الملاطينِ أروح
تقولُ سليمى ليسَ في الصرم راحةٌ بلى إنّ بعضَ الصرمِ أشفى و أروح
أحبك إنَّ الحبَّ داعيةُ الهوى و قد كادَ ما بيني و بينك ينوح
ألا تزجرينَ القائلينَ لي الخنا كما أنا معنيٌّ وراءكِ منفح
ألما على سلمى فلمْ أرَ مثلها خليلَ مصافاةٍ يزارُ و يمدحُُ
و قدْ كانَ قلبي من هواها و ذكرةٍ ذكرنا بها سلمى على النأي يفرحِ
إذا جئتا يوماً منَ الدهرِ زائراً تغيرَ مغيارٌ منَ الفومِ أكلحُ
فللهِ عينٌ لا تزالُ لذكرها على كلَّ حالٍ تستهلُ و تسفحُ
و ما زالَ عني قائدُ الشوقِ و الهوى إذا جئتُ حتى كادَ يبدو فيفضحُ
أصونُ الهوى منْ رهبةٍ أنْ تعزها عيونٌ و أعداءٌ منَ القومِ كشحُ
فما برحَ الوجدُ الذي قد تلبستْ بهِ النفسُ حتى كادَ للشوقِ يذبحُ
لشتانَ يومٌ بينَ سجفٍ و كلةٍ و مرَّ المطايا تغتدى و تروحُ
أعائفنا ماذا تعيفُ و قدْ مضتْ بوارحُ قدامَ المطي و سنحُ
نقيس بقياتِ النطافِ على الحصا وهنَّ على طيَّ الحيازيم جنحَّ
و يومٍ منَ الجوزاء مستوقدِ الحصى تكاد صياصي العينِ منهُ تصيحُ
شديد اللظى حلمي الوديقةَ ريحهُ أشدُّ أذى منْ شمسهِ حينَ تصمحُ
بأعبرَ وهاجَ السمومِ ترى بهِ دفوفُ المهاري و الذفاري تنتحُ
نصبتُ لهُ وجهي و عنساً كأنها منَ الجهدِ و الاسادِ قرمٌ ملوح
ألمْ تعلمي أنَّ الندى منْ خليقتي و كلُّ أريبٍ تاجرٍ يتربح(1310/1)
فلا تصرميني أن ترى ربَّ هجمةٍ يريحُ بذمّ ما أراحَ و يسرح
يراها قليلا لا تدُّ فقورهُ علىَ كلَّ بثٍ حاضرٍ يتترح
رأتْ صرمةَ للحنظليَّ كأنها شظى القنا منها مناقٌ و رزح
سيكفيكَ و الأضيافُ إنْ نزلوا بنا إذا لمْ يكنْ رسلٌ سواءٌ ملوح
و جامعةٍ لا يجعلُ السترُ دونها لأضيافنا و الفائزُ المتمنحُ
ركودٍ تسامى بالمحال كأنها شكموسٌ تذبُّ القائدينَ و تضرح
إذا ما ترامى الغلى في حجرانها ترى الزورَ في أرجائها يتطوح
ألم ينهَ عنيَّ الناسُ أنْ لستُ ظالماً برياً و أني للمتاحينَ متيح
فمنهم رميٌّ قدْ أصيبَ فؤادهُ و آخرُ لاقى صكةً فمرنحُ
بني مالكٍ أمسى الفرزدقُ جاحراً سكيتاً و بذتهُ خناذيذُ قرح
لقد أحرزَ الفاياتِ قبلَ مجاشعٍ فوارسُ غرٌّ و ابنِ شعرةَ يكدح
و ما زالَ فينا سابقٌ قدْ علمتمُ يقلدُ فعلَ السابقينَ و يمدحُ
علتكَ أواذيٌّ منَ البحرِ فاقتبص بكفيكَ فانظرْ أيَّ لجيهِ تقدحُ
لقومي أوفي ذمةٌ منْ مجاشعٍ و خيرٌ إذا شلَّ السوامُ المصبحُ
تخفتَ موازينُ الخناثي مجاشعٌ و يثقلُ ميزاني عليهمْ فيرجحُ
فخرتُ بقيسٍ و افتخرتَ بتغلبٍ فسوفَ ترى أيُّ الفريقينِ أربحُ
فأما النصارى العابدونَ صليبهم فخابوا و أما المسلمونَ فأفلحوا
ألم يأتهمْ أنَّ الأخطيل قدْ هوى و طوحَ في مهواةِ قومٍ تطوحُ
تداركَ مسعاةَ الأخيطلِ لؤمهُ و ظهرٌ كظهرِ القاسطيةِ أفطح
لنا كلَّ عامٍ جزيةٌ تتقي بها عليكَ و ما تلقي من الذلَّ أبرحُ
و ما زال ممنوعاً لقيسٍ و خندفٍ حمى تتخطاهُ الخنازيرُ أفيح
إذا أخذتْ قيسٌ عليكَ و خندفٌ بأقطارها لم تدرِ منْ أينَ تسرح
لقد سلَّ أسيافُ الهذيل عليكمُ رقاقَ النواحي ليس فيهنَّ مصفح
لقيتمْ بأيدي عامرٍ مشرفيةً تعضُّ بهامِ الدارعينَ و تجرحُ
بمعترك تهوى لوقعِ ظباتها خذاريفُ هام أو معاصمُ تطرح
سما لكم الجحافُ بالخيلِ عنوةٌ و أنتَ يشطَّ الزابيينْ تنوح
عليهمْ مفاضاتُ الحديدِ كأنها أصا يومَ دجن في أجاليدَ ضحضح(1310/2)
و ظلَّ لكمْ يومٌ بسنجارِ فاضحٌ و يومٌ بأعطانِ الرحوببنِ أفضح
و ضيعتمُ بالبشرِ عوراتِ نسوةٍ تكشفَ عنهنَّ الحباءُ المسيح
بذلكَ أحمينا البلادَ عليكمُ فما لكَ في حافاتها متزحزح
أبا مالك مالتْ برأسكَ نشوةٌ و عردتَ إذ كبشُ الكتيبةَ أملح
إذا ما رأيتَ الليتِ منْ تغلبيةٍ فقبحَ ذاكَ الليتُ و المتوشحُ
ترى محجراً منها إذا ما تنقبتْ قبيحاً و ما تحتَ النقابينْ أقبحُ
إذا جردتْ لاحَ الصليبُ على أستها و منْ جلدها زهمُ الخنازيرِ ينفحُ
و لم تمسحِ البيتَ العتيقَ أكفها و لكنْ بقربانِ الصليبِ تمسحُ
يقئنَ صباباتٍ منَ الخمرِ فوقها صهيرُ خنازيرِ السوادِ المملحِ
فما لكَ في نجدٍ حصاةٌ تعدها و مالك في غوري تهامةَ أبطح(1310/3)
إذا ذكرتْ زيداً ترقرقَ دمعها بمطروفةِ العينينِ شوساءَ طامح
تبكي على زيدٍ و لمْ ترَ مثلهُ صحيحاً من الحمى شديدَ الجوانح
أتمزيك عما تعلمينَ و قد أرى بعينكِ منْ زيدْ قذى غيرَ بارحِ
فانْ تقصدى فالقص مني خليقةٌ و إنْ تجمحي تلقى لجامَ الجوامحِ(1311/1)
بانَ الخليطُ فودعوا بوادٍ و غدا الخليطَ روافعَ الأعمار
لا تسأليني ما الذي بي بعدما زودتني بلوى التناضبِ زادي
عادتْ همةمي بالأحص و سادي هيهاتِ منْ بلدِ الأحصَّ بلادي
لي خمسَ عشرةَ من جمادى ليلةً ما أستطيعُ على الفرائس رقادى
و نعودُ سيدنا و سيد غيرنا ليتَ التشكي كانَ بالعوادِ
أن يكشفَ الوصبَ الذي أمسى بهِ فأجدابَ دعوةَ شاكرٍ محمادِ
عبد العزيزِ غياثَ كلَّ معصبٍ متروحِ لحجى نداكَ و غادِ
و إذا الكرامُ تبادرتْ سباقها قصبَ الرهانِ سبقتَ كلَّ جوادِ
إنَّ الزنادَ إذا خبتْ نيرانهُ أورى الوليدُ لكمْ بخيرِ زنادِ
رفعوا البناءَ الوليدَ و أسسوا بنايةً وصلتْ أرومةَ عادٍ
منْ لمْ يجدْ دعماً تقيمُ عمادهُ فبنوا الوليد دعائمي و عمادي
اللهُ فضلكم و أعطى منكمُ أمراً يفققئ أعينَ الحسادِ(1312/1)
بكرَ الأميرُ لغربة ٍ وتنائى
رقم القصيدة : 16339 ... نوع القصيدة : فصحى ... ملف صوتي: لا يوجد
بكرَ الأميرُ لغربة ٍ وتنائى ... فلقدْ نسيتُ برامتينِ عزائي
إنّ الأمِيرَ بذي طُلُوحٍ لمْ يُبَلْ ... صدعَ الفؤاد وزفرة َ الصعداءِ
قلبي حياتي بالحسانِ مكلفٌ ... و يحبهنَّ صداى في الأصداءِ
إنّي وَجَدتُ بهِنّ وَجْدَ مُرقِّشٍ، ... ما بَعضُ حاجَتِهِنّ غَيرُ عَناءِ
و لقد وجدت وصالهنَّ تخلبا ... كالظلَّ حينَ بفىء للأفياءِ
بالأعْزَلَينِ عَرَفْتُ مِنها مَنزِلاً ... و منازلاً بقشاوة ِ الخرجاءِ
أقرى الهمومَ إذا سرتْ عيدية ً ... يُرْحَلْنَ حَيْثُ مَواضِعُ الأحنْاءِ
وَإذا بَدَا عَلَمُ الفَلاة ِ طَلَبْنَهُ، ... عَمِقُ الفِجاجِ، مُنَطّقٌ بعَمَاءِ
يرددن إذْ لحقَ الثمايلَ مرة َ ... و يخدنَ وخدَ زمائم الحزباءِ
داويت بالقطرانِ عرَّ جلودهم ... حَتى بَرَأنَ، وَكُنّ غَير بِراءِ
قرنتهمْ فتقطعتْ أنفاسهمْ ... وَيُبَصْبِصُونَ إذا رَفَعْتُ حُدائي
و المجرمونَ إذا أردتَ عقابهمْ ... بارزتهمْ وتركتَ كلَّ ضراءِ
خزي الفرزدقُ والأخيطلُ قبلهُ ... وَالبَارِقيُّ وَراكِبُ القَصْوَاءِ
وَلأعْوَرَيْ نَبْهانَ كأسٌ مُرّة ٌ ... وَلِتَيْمِ بَرْزَة َ قَدْ قَضَيْتُ قَضَائي
وَلَقدْ تركْتُ أبَاكَ يا ابنَ مُسَحَّبٍ ... حَطِمَ القَوائِمِ داميَ السِّيساءِ
و المستنيرَ أجيرَ برزة َ عائذاً ... أمْسى َ بِألأمِ مَنزْلِ الأحْيَاءِ
و بنو البعيث ذكرتُ حمرة َ أمهمْ ... فشفيتُ نفسيِ من بني الحمراءِ
فسل الذينَ قدفت كيفَ وجدتمُ ... بُعْدَ الَمدَى ، وتَقاذُفَ الأرْجاءِ
فارْكُضُ قُفَيرَة َ يا فَرَزْدَقُ جاهداً ... وَاسألْ قُفَيرَة َ كيفَ كانَ جِرَائي
وجدتْ قفيرة ُ لا تجوزُ سهامها ... في المسلمينَ لئيمة َ الآباءِ
عبدُ العزيزِ هوَ الأغرُّ نما بهِ ... عيصٌ تفرعَ معظمَ البطحاءِ
فَلَكَ البَلاطُ مِنَ المَدينَة ِ كُلّهَا ... و الأبطحُ الغربيُّ عندِ حراءِ
أنجحتَ حاجتنا التي جئنا لها ... وكَفَيْتَ حاجَة َ مَنْ ترَكتُ وَرائي(1313/1)
لحَفَ الدّخيلَ قَطائِفاً وَمَطارِفاً، ... و قرى السديفَ عشية َ العرواءِ(1313/2)
بَانَ الخَليطُ فَمَا لَهُ مِنْ مَطْلَبِ
رقم القصيدة : 16342 ... نوع القصيدة : فصحى ...
بَانَ الخَليطُ فَمَا لَهُ مِنْ مَطْلَبِ ... و حذرتُ ذلكَ من أميرٍ مشغب
نَعَبَ الغُرابُ فقُلتُ بَينٌ عَاجِلٌ ... ما شِئْتَ إذا ظَعَنُوا لبَينٍ فانْعَبِ
إنَّ الغوانيَ قدْ قطعنَ مودتي ... بعدَ الهوى ومنعنَ صفوا المشربِ
وَإذا وَعَدْنَكَ نَائِلاً أخْلَفْنَهُ، ... يَبْحَثْنَ بالأدَمَى عُرُوقَ الحُلَّبِ
يُبدينَ مِنْ خَلَلِ الحِجالِ سَوَالِفاً ... بيضا تزينُ بالجمالِ المذهب
أعناقَ عاطية ِ العصونِ جوازئٍ ... يبحنَ بالأدمى عروقٌ الحلب
عَبّاسُ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ أنّكُمْ ... شَرَفٌ لهَا وَقَديمُ عِزٍّ مُصْعَبِ
وإذا القُرُومُ تَخاطَرَتْ في مَوْطِنٍ ... عَرَفَ القُرُومُ لقَرْمِكَ المُتَنمَجَّبِ
قومُ رباطُ بناتِ أعوجَ فيهمُ ... منْ كلَّ مقربة ٍ وطرفٍ مقرب
يا ربما قذفَ العدوٌُّ بعارضٍ ... فَخمِ الكَتائبِ مُستَحيرِ الكَوْكَبِ
وإذا المُجاوِرُ خافَ مِنْ أزَماتِهِ ... كَرْباً، وحَلّ إليكُمُ لم يَكْرَبِ
فانفحْ لنا بسجال فضلٍ منكمُ ... و اسمعْ ثنائي في تلاقي الأركب
آبَاؤكَ المُتَخَيَّرُونَ أُولُو النُّهَى ، ... رَفَعُوا بناءَكَ في اليَفاعِ المَرْقَبِ
تَنْدَى أكُفُّهُمُ بِخَيرٍ فَاضِلٍ ... قدماً إذا يبستْ أكفُّ الخيب
زينُ المنابر حينَ تعلو منبراً ... و إذا ركبتَ فأنتَ زينُ الموكب
وَحَمَيْتَنا وكَفَيْتَ كُلّ حَقيقَة ٍ ... وَالخَيْلُ في رَهَجِ الغُبارِ الأصْهَبِ(1314/1)
بَانَ الخَليطُ، وَلَوْ طُوِّعْتُ ما بَانَا،
1. بَانَ الخَليطُ، وَلَوْ طُوِّعْتُ ما بَانَا، ... و قطعوا منْ حبالِ الوصلِ أقرانا ...
2. حَيِّ المَنَازِلَ إذْ لا نَبْتَغي بَدَلاً ... بِالدارِ داراً، وَلا الجِيرَانِ جِيرَانَا ...
3. قَدْ كنْتُ في أثَرِ الأظْعانِ ذا طَرَبٍ ... مروعاً منْ حذارِ البينِ محزانا ...
4. يا ربَّ مكتئبٍ لوْ قدْ نعيتُ لهُ بَاكٍ، وآخَرَ مَسْرُورٍ بِمَنْعَانَا ...
5. لوْ تعلمينَ الذي نلقى أويتِ لنا ... أوْ تَسْمَعِينَ إلى ذي العرْشِ شكوَانَا ...
6. كصاحبِ الموجِ إذْ مالتْ سفينتهُ ... يدعو إلى اللهِ أسراراً وإعلانا ...
7. يا أيّهَا الرّاكِبُ المُزْجي مَطيّتَهُ، ... بَلِّغْ تَحِيّتَنَا، لُقّيتَ حُمْلانَا ...
8. بلغْ رسائلَ عنا خفَّ محملها ... عَلى قَلائِصَ لمْ يَحْمِلْنَ حِيرَانَا ...
9. كيما نقولَ إذا بلغتَ حاجتا ... أنْتَ الأمِينُ، إذا مُستَأمَنٌ خَانَا ...
10. تُهدي السّلامَ لأهلِ الغَوْرِ من مَلَحٍ، ... هَيْهَاتَ مِنْ مَلَحٍ بالغَوْرِ مُهْدانَا ...
11. أحببْ إلى َّ بذاكَ الجزعِ منزلة ً ... بالطلحِ طلحاً وبالأعطانِ أعطانا ...
12. يا ليتَ ذا القلبَ لاقى منْ يعللهُ ... أو ساقياً فسقاهُ اليومَ سلوانا ...
13. أوْ لَيْتَهَا لمْ تُعَلِّقْنَا عُلاقَتَهَا؛ ... غدْرَ الخَلِيلِ إذا ماكانَ ألْوَانَا ...
14. هَلا تَحَرّجْتِ مِمّا تَفْعَلينَ بِنَا؛ ... يا أطيَبَ النّاسِ يَوْمَ الدَّجنِ أرَدَانَا ...
15. قالَتْ: ألِمّ بِنا إنْ كنتَ مُنْطَلِقاً، ... وَلا إخالُكَ، بَعدَ اليَوْمِ، تَلقانَا ...
16. يا طَيْبَ! هَل من مَتاعٍ تمتِعينَ به ... ضيفاً لكمْ باكراً يا طيبَ عجلانا ...
17. ما كنتُ أولَ مشتاقٍ أخي طربٍ ... هَاجَتْ لَهُ غَدَوَاتُ البَينِ أحْزَانَا ...
18. يا أمَّ عمرو جزاكَ اللهُ مغفرة ً ... رُدّي عَلَيّ فُؤادي كالّذي كانَا ...
19. ألستِ أحسنَ منْ يمشي على قدمٍ ... يا أملحَ الناسِ كلَّ الناسِ إنساناً ...(1315/1)
20. يلقى غريمكمُ منْ غيرِ عسرتكمْ ... بالبَذْلِ بُخْلاً وَبالإحْسَانِ حِرْمانَا ...
21. لا تأمننَّ فانيَّ غيرُ آمنهِ ... غدوَ الخليلِ إذا ما كانَ ألوانا ...
22. قد خنتِ منْ لمْ يكنْ يخشى خيانتكْ ... ما كنتِ أولَ موثوقٍ به خانا ...
23. لقدْ كتمتُ الهوى حتى تهيمنى ... لا أستطيعُ لهذا الحبَّ كتمانا ...
24. كادَ الهوى يومَ سلمانينَ يقتلني ... وَكَادَ يَقْتُلُني يَوْماً بِبَيْدَانَا ...
25. وَكَادَ يَوْمَ لِوَى حَوّاء يَقْتُلُني ... لوْ كُنتُ من زَفَرَاتِ البَينِ قُرْحانَا ...
26. لا بَارَكَ الله فيمَنْ كانَ يَحْسِبُكُمْ ... إلاّ عَلى العَهْدِ حتى كانَ مَا كانَا ...
27. من حُبّكُمْ؛ فاعلَمي للحبّ منزِلة ً، ... نَهْوَى أمِيرَكُمُ، لَوْ كَانَ يَهوَانَا ...
28. لا بَارَكَ الله في الدّنْيَا إذا انقَطَعَتْ ... أسبابُ دنياكِ منْ أسبابِ دنيانا ...
29. يا أمَّ عثمانَ إنَّ الحبَّ عنْ عرضٍ ... يُصبي الحَليمَ ويُبكي العَينَ أحيانا ...
30. ضَنّتْ بِمَوْرِدَة ٍ كانَتْ لَنَا شَرَعاً، تَشفي صَدَى مُستَهامِ القلبِ صَديانَا ...
31. كيفَ التّلاقي وَلا بالقَيظِ مَحضَرُكُم ... مِنّا قَرِيبٌ، وَلا مَبْداكِ مَبْدَانَا؟ ...
32. نَهوَى ثرَى العِرْقِ إذ لم نَلقَ بَعدَكُمُ ... كالعِرْقِ عِرْقاً وَلا السُّلاّنِ سُلاّنَا ...
33. ما أحْدَثَ الدّهْرُ ممّا تَعلَمينَ لكُمْ ... للحَبْلِ صُرْماً وَلا للعَهْدِ نِسْيَانَا ...
34. أبُدّلَ اللّيلُ، لا تسرِي كَوَاكبُهُ، ... أمْ طالَ حتى َّ حسبتُ النجمَ حيرانا ...
35. يا رُبّ عائِذَة ٍ بالغَوْرِ لَوْ شَهدَتْ ... عزّتْ عليها بِدَيْرِ اللُّجّ شَكْوَانَا ...
36. إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ، ... قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا ...
37. يَصرَعنَ ذا اللُّبّ حتى لا حَرَاكَ بهِ، ... و هنَّ أضعفُ خلقْ اللهِ أركانا ...
38. يا رُبّ غابِطِنَا، لَوْ كانَ يطلُبُكُم، ... لا قَى مُباعَدَة ً مِنْكمْ وَحِرْمَانَا ...(1315/2)
39. أرَيْنَهُ المَوْتَ، حتى لا حَيَاة َ بِهِ؛ ... قَدْ كُنّ دِنّكَ قَبلَ اليَوْمِ أدْيَانَا ...
40. طارَ الفؤادُ معَ الخودِ التي طرقتْ ... في النومِ طيبة َ الأعطافِ مبدانا ...
41. مثلوجة َ الريقِ بعدَ النومِ واضعة ً ... عنْ ذي مثانٍ تمجُ المسكَ والبانا ...
42. قالتْ تعزفانَّ القومَ قدْ جعلوا ... دونَ الزيارة ِ أبواباً وخزانا ...
43. لَمّا تَبَيّنْتُ أنْ قَد حِيلَ دُونَهُمُ ... ظلتْ عساكرُ مثلُ الموتِ تغشانا ...
44. ماذا لقيتُ منَ الأظعانِ يومَ قنى ً ... يتبعنَ مغترباً بالبينِ ظعانا ...
45. أتبعتهمْ مقلة ٌ انسانها غرقٌ ... هلْ ما ترى تاركٌ للعينْ انسانا ...
46. كأنَّ أحداجهمْ تحدى مقفية ً ... نخْلٌ بمَلْهَمَ، أوْ نَخلٌ بقُرّانَا ...
47. يا أمَّ عثمانَ ما تلقى رواحلنا ... لو قستِ مصبحنا منْ حيثُ ممسانا ...
48. تخدي بنا نجبٌ مناسمها ... نَقْلُ الخرَابيُّ حِزّاناً، فَحِزّانَا ...
49. ترمي بأعينها نجداً وقدْ قطعتَ ... بينْ السلوطحِ والروحانِ صوانا ...
50. يا حبذا جبلُ الريانِ منْ جبلٍ ... وَحَبّذا ساكِنُ الرّيّانِ مَنْ كَانَا ...
51. وَحَبّذا نَفَحَاتٌ مِنْ يَمَانِية ٍ ... تأتيكَ من قبلَ الريانِ أحيانا ...
52. هبتْ شمالاً فذكرى ما ذكرتكمْ ... عندَ الصفاة ِ التي شرقيَّ حورانا ...
53. هلَ يرجعنَّ وليسَ الدهرُ مرتجعاً ... عيشٌ بها طالما احلولي وما لانا ...
54. أزْمانَ يَدعُونَني الشّيطانَ من غزَلي و كنَّ يهوينني إذْ كنتُ شيطانا ...
55. منْ ذا الذي ظلَّ يغلي أنْ أزوركمْ ... أمْسَى عَلَيْهِ مَلِيكُ النّاسِ غَضْبانَا ...
56. ما يدري شعراءُ الناسِ ويلهمْ مِنْ صَوْلَة ِ المُخدِرِ العادي بخَفّانَا ...
57. جهلاً تمنى َّ حدائي منْ ضلالتهمْ ... فَقَدْ حَدَوْتُهُمُ مَثْنَى وَوُحْدَانَا ...
58. غادرتهمْ منْ حسيرٍ ماتَ في قرنٍ ... وَآخَرِينَ نَسُوا التَّهْدارَ خِصْيَانَا ...
59. ما زالَ حبلى في أعناقهمْ مرساً ... حتى اشتَفَيْتُ وَحتى دانَ مَنْ دانَا ...(1315/3)
60. منْ يدعني منهمْ يبغي محاربتي ... فَاسْتَيِقنَنّ أُجِبْهُ غَيرَ وَسْنَانَا ...
61. ما عضَّ نابي قوماً أوْ أقولَ لهمْ ... إياكمْ ثمَّ إياكمُ وإيانا ...
62. إنيَّ امرؤٌ لمْ أردْ فيمنْ أناوئهُ ... للناسِ ظلماً ولا للحربِ إدهانا ...
63. قالَ الخليفة ُ والخنزيرُ منهزمٌ ... ما كنتَ أولَ عبدٍ محلبٍ خانا ...
64. لاقَى الأخَيْطِلُ بالجَوْلانِ فاقِرَة ً، ... مثلَ اجتِداعِ القَوَافي وَبْرَ هِزّانَا ...
65. يا خزرَ تغلبَ ماذا بالُ نسوتكمْ ... لا يستفقنَ إلى َ الديرينِ تحناتا ...
66. لنْ تدركوا المجدَ أو تشروا باءكمُ ... بالخزَّ أوْ تجعلوا التنومَ ضمرانا ...
67. يا خزرَ تغلبَ ماذا بالُ نسوتكمْ ... لا يستفقنَ إلى َ الديرينِ تحناتا ...
68. لنْ تدركوا المجدَ أو تشروا باءكمُ ... بالخزَّ أوْ تجعلوا التنومَ ضمرانا ...(1315/4)
حيوا أمامة َ واذكروا عهداً مضى
رقم القصيدة : 16336 ... نوع القصيدة : فصحى ... ملف صوتي: لا يوجد
حيوا أمامة َ واذكروا عهداً مضى ... قَبْلَ التّصَدّعِ مِنْ شَماليلِ النّوَى
قالتْ بليتَ فما نراك كعهدنا ... ليت العهود تجددتْ بعد البلى
أأُمَامُ! غَيّرَني، وأنتِ غَريرَة ٌ، ... حاجات ذي أربٍ وهمٌّ كالجوى
قالَتْ أُمامَة ُ: ما لجَهْلِكَ ما لَهُ، ... كيف الصبابة ُ بعد ما ذهب الصبا
و رأت أمامة في العظام تحنياً ... بعدَ استقامته وقصراً في الخطا
و رأتْ يلحيته خضاباً راعها ... وَالوَيْلُ للفَتَياتِ مِنْ خَضْبِ اللّحَى
و تقولُ أني قدْ لقيتُ بلية ً ... من مسح عينك ما يزالُ يها قذى
لَولا ابنُ عائِشَة َ المُبارَكُ سَيْبُهُ، ... أبكَى بَنى ّ وَأُمَّهُمْ طُولُ الطَّوَى
إن الرصافة َ منزلٌ لخليفة ٍ ... جَمَعَ المَكارِمَ والعَزائِمَ والتُّقَى
ما كانَ جرب عند مدَّ حبالكمْ ... ضعف المتون ولا انفصامٌ في العرى
ما إنْ تركْتَ منَ البِلادِ مَضِيلَّة ً ... إلاّ رَفَعتَ بها مناراً للهدى
أُعطِيتَ عافِيَة ً ونَصراً عاجِلاً، ... آمينَ ثم وقيتَ أسبابَ الردى
ألحَمْدُ لله الّذي أعْطاكُمُ ... -سنَ الصنائعِ والدسائع والعلى
يا ابنَ الخَضَارِمِ لا يَعيبُ جُبَاكُمُ ... صِغَرُ الحِياضِ وَلا غَوائِلُ في الجبَا
لا تجفونَّ بني تميمٍ إنهمْ ... تابُوا النَّصوحَ وَرَاجَعوا حسنَ الهدَى
مَنْ كانَ يَمرَضُ قلبُهُ مِنْ رِيبَة ٍ ... خافُوا عِقابَكَ وانتَهَى أهلُ النُّهى َ
و اذكرْ قرابة َ قوم برة َ منكمُ ... فالرحمُ طالبة ٌ وترضى بالرضا
سوستَ مجتمعَ الأباطحِ كلها ... و نزلت منْ جبلى قريشٍ في الذرى
أخَذُوا وَثائِقَ أمرِهِمْ بعَزائِمٍ ... للعالمينَ ولا ترى أمراً سدى
يا ابن الحُماة ِ فَما يُرامُ حِماهُمُ ... و السابقين بكلَّ حمدٍ يشتري
ما زلتُ معتصماً بحبلِ منكم ... مَنْ حَلّ نُجْوَتَكُمْ بأسبابٍ نَجَا
وَإذا ذكَرْتُكُمُ شدَدْتُمْ قُوّتي؛ ... و إذا نزلتُ بغيثكمْ كان الحيا(1316/1)
فلأشكرنَّ بلاءَ قومٍ ثبتوا ... قصبَ الجناح وأنبتوا ريشَ الغنا
مَلَكُوا البِلادَ فسُخّرَتْ أنهارُهَا ... في غير مظلمة ٍ ولا تبعِ الريا
أوتيتَ منْ جذب الفرات جواريا ... منها الهنى وسائحٌ في قرقرى
... بَحْرٌ يَمُدُّ عُبَابُهُ جُوفَ القِنى
سيروا إلى البلدِ المباركِ فانزلوا ... وَخُذوا مَنازِلَكُمْ من الغيثِ الحَيَا
سيروا إلى ابن أرومة عادية ٍ ... وَابنِ الفُرُوعِ يمدُّها طِيبُ الثّرَى
سيروا فقد جرت الأيامنُ فانزلوا ... بابَ الرُّصَافَة ِ تَحمَدوا غبّ السُّرَى
سرنا إليكَ منَ الملا عيدية ً ... يَخبِطنَ في سُرُحِ النِّعالِ على الوَجَى
تدمى مناسمها وهنَّ نواصلٌ ... من كُلّ ناجِيَة ٍ ونِقْضٍ مُرْتَضى َ
كَلّفْنُتُ لاحِقَة َ النَّميلِ خَوَامِساً، ... غُبْرَ المَخارِمِ وهيَ خاشعة ُ الصُّوى
نرمى الغرابَ إذا رأى بركابنا ... جُلَبَ الصِّفاحِ وَدامِياتٍ بالكُلَى(1316/2)
حيوا المقامَ و حيوا ساكنَ الدارِ ما كدتَ تعرفُ إلاَّ بعدَ إنكارِ
إذا تقادمَ عهدُ الحيَّ هيجني خيالُ طيبةِ الأردانِ معطارِ
لا يأمننَّ قوبٌّ نقضَ مرتهِ إني أرى الدهرَ ذا نقضٍ و إمرارِ
قد أطلبُ الحاجةَ القصوى فأدركها و لستُ للجارةِ الدنيا بزوارِ
إلاَّ بغرٍّ منَ الشيزى مكللةٍ يجري السديفُ عليها المربعُ الواري
إذا أقولُ تركتُ الجهلَ هيجني رسمٌ بذي البيضِ أوْ رسمٌ بدوار
تمسي الرياحُ بهِ حنانةً عجلاً سوفَ الروائمُ بواً بينَ أظار
هلْ بالنقيعةَ ذاتِ السدرِ منْ أحدٍ أوْ منبتِ الشيحِ منْ روضاتِ أعيارِ
سقيتِ منْ سبلِ الجوزاءِ غاديةً و كلَّ واكفةِ السعدينِ مدرار
قدْ كدتُ أنَّ فراقَ الحيَّ يشفعني أنسى عزاي و أبدى اليومَ أسراري
لولا الحياءُ لهاجَ الشوقَ مختشعٌ مثلُ الحمامةِ منْ مستوقدِ النارِ
لما رمتني بعينَ الريمِ فاقتتلتْ قلبي رميتُ بعينِ الأجدلِ الضاري
ملءُ العيونِ جمالاً ثم يونقني لحنٌ لبيثٌ و صوتٌ غيرُ خوار
قومي تميمٌ همُ القومُ الذينَ همُ ينفونَ تغلبَ عنْ بحبوحةِ الدار
النازلونَ الحمى لمْ يرعَ قبلهمُ و المانعونَ بلا حلفٍ و لا جارِ
ساقتكَ خيلي منَ الأشرافِ معلمةً حتى نزلتَ جحيشاً غيرَ مختار
لنْ تستطيعَ إذا ما خندفٌ خطرتْ شمَّ الجبالِ و لجّ المزبدِ الجاري
ترمى خزيمةُ منْ أرمى و يغضبُ لي أبناءُ مرٍّ بنو عراءَ مذكارِ
إنَّ الذينَ اجتنوا مجداً و مكرمةً تلكمْ قريشىَ و الأنصارُ أنصاري
و الحيُّ قيسٌ بأعلى المجدِ منزلةً فاستكرموا منْ فروعٍ زندها وارى
قومي فأصلهمُ أصلي و فرعهمُ فرعي و عقدهمُ عقدي و إمراري
منا فوارسُ ذي بهدى و ذي نجبٍ و المعلمونَ صباحاً يومَ ذي قارِ
مسترعفينَ بجزءٍ في أوائلهمْ و قعنبٍ و حماةٍ غيرِ أغمارِ
قدْ غلَّ في الغلِ بسطاماً فوارسنا و استودعوا نعمةً في آلِ حجارِ
ما أوقدَ الناسُ منْ نيرانِ مكرمةٍ إلاَّ اصطلينا و كنا موقدي النارِ(1317/1)
إنا لنبلوُ سيوفاً غيرَ محدثةٍ في كلَّ معتقدِ التاجينِ جبارِ
إني لسباقُ غاياتٍ أفوز بها إذاً أطيلُ لها شغلي و إضماري
يا خزرَ تغلبَ إني قدء وسمتكمُ يا خزرَ تغلبَ وسوماً ذاتَ أحبارِ
لا تفخرنَّ فانَّ اللهَ أنزلكمْ يا خزرَ تغلبَ دارَ الذلَّ و العارِ
ما فيكمُ حكمٌ ترضى حكومتهُ للمسلمينَ و لا مستشهدٌ شاري
قومٌ إذا حاولوا حجاً لبيعهمْ صروا الفلوسَ و حجوا غيرَ أبرارِ
جئني بمثلِ بني بدرٍ لقومهمُ أوْ مثلِ أسرةِ منظورِ بنْ سيارِ
أوْ مثلِ آلِ زهيرٍ و القنا قصدٌ و الخيلُ في رهجٍ منها و إعصارِ
أوْ عامرِ بنْ طفيلٍ في مركبهِ أوْ حارثٍ يومَ نادى القومُ يا حارِ
أوْ فارسٍ كشريحٍ يومَ نحملهُ نهدُ المراكلِ يحمى عورةَ الجارِ
أوْ آلِ شمخٍ وَ هلْ في الناسِ مثلهمُ للمتعفينَ و لاطلابِ أوتارِ
نبأتَ أنكَ بالخابورِ ممتنعٌ ثمَّ انفرجتَ انفراجاً بعدَ إقرارِ
قدْ كانَ دوني منَ النيرانِ مقتبسٌ أخزيتَ قومكَ و استشعلتَ من ناري
لم تدرِ أمكَ ما الحكمُ الذي حكمتُ إذَ مسها سكرٌ منْ دنها الضاري
أمُّ الأخيطلٍ أمٌّ غيرُ منجبةٍ أدتْ لأشهبَ وسطَ البقَّ نخارِ
كأنَّ ما اسودَّ منْ إقبال عانتها ظلاَّ غرابينْ مقرونينِ في غارِ
شبهتُ أرادَ لحييها إذا سكرتَ خصيْ حمارٍ مذكٍ عندِ بيطارِ
تضغوا الخنانيصُ و الفولُ لذى أكلتْ في حاوياتِ ردومِ الليلِ مجعار(1317/2)
حيَّ المنازلَ إذْ لا نبتغي بدلاً
حيَّ المنازلَ إذْ لا نبتغي بدلاً بالدارِ داراً و لا الجيرانِ جيرانا
قدْ كنتُ في أثرِ الأظعانِ ذا طربٍ مروعاً منْ حذارِ البينِ محزانا
يا ربَّ مكتئبٍ لوْ قدْ نعيتُ لهُ باكٍ و آخرَ مسرورٍ بمنعانا
لوْ تعلمينَ الذي نلقى أويتِ لنا أوْ تسمعينَ إلى ذي العرشِ شكوانا
كصاحبِ الموجِ إذْ مالتْ سفينتهُ يدعو إلى اللهِ أسراراً و إعلانا
يا أيها الراكبُ المزجي مطيتهُ بلغْ تحيتنا لقيتَ حملانا
بلغْ رسائلَ عنا خفَّ محملها على قلائصَ لمْ تحملنَ حيرانا
كيما نقولَ إذا بلغتَ حاجتا أنتْ الأمينُ اذا مستأمنٌ خانا
نهدي السلامَ لأهلِ الغورِ منْ ملحِ هيهاتَ منْ ملحٍ بالغورِ مهدانا
أحببْ إلىَّ بذاكَ الجزعِ منزلةً بالطلحِ طلحاً و بالأعطانِ أعطانا
يا ليتَ ذا القلبَ لاقى منْ يعللهُ أو ساقياً فسقاهُ اليومَ سلوانا
أو ليتها لمْ تعلقنا علاقتها و لمْ يكنْ داخلُ الحبَّ الذي كانا
هلاَّ تحرجتِ مما تفعلينَ بنا يا أطيبَ الناسِ يومَ الدجنِ أردانا
قالتْ ألمَّ بنا إنْ كنتَ منطلقاً و لا أخالكَ بعدَ اليومِ تلقانا
يا طيبَ هلْ منْ متاعٍ تمتعينَ بهِ ضيفاً لكمْ باكراً يا طيبَ عجلانا
ما كنتُ أولَ مشتاقٍ أخي طربٍ هاجتْ لهُ غدواتُ البينِ أحزانا
يا أمَّ عمرو جزاكَ اللهُ مغفرةً ردى علىَّ فؤادي كالذي كانا
ألستِ أحسنَ منْ يمشي على قدمٍ يا أملحَ الناسِ كلَّ الناسِ إنساناً
يلقى غريمكمُ منْ غيرِ عسرتكمْ بالبذلِ بخلاً و بالاحسانِ حرمانا
لا تأمننَّ فانيَّ غيرُ آمنهِ غدوَ الخليلِ إذا ما كانَ ألوانا
قد خنتِ منْ لمْ يكنْ يخشى خيانتكْ ما كنتِ أولَ موثوقٍ به خانا
لقدْ كتمتُ الهوى حتى تهيمنى لا أستطيعُ لهذا الحبَّ كتمانا
كادَ الهوى يومَ سلمانينَ يقتلني و كادَ يقتلني يوماً ببيدانا
و كادَ يومَ لوا حواءَ يقتلني لوْ كنتُ منْ زفراتِ البينِ قرحانا
لا باركَ اللهُ فيمنْ كانَ يحسبكمْ إلاَّ على العهدِ حتىَّ كانَ ما كانا(1318/1)
من حبكمْ فاعلمي للحبَّ منزلةً نهوى أميركمْ لوْ كانَ يهوانا
لا باركَ اللهُ في الدنيا إذا انقطعتْ أسبابُ دنياكِ منْ أسبابِ دنيانا
يا أمَّ عثمانَ إنَّ الحبَّ عنْ عرضٍ يصي الحليمَ و يبكي العينَ أحيانا
ضنتْ بموردةٍ كانتْ لنا شرعاً تشفي صدى مستهامِ القلبِ صديانا
كيفَ التلاقي و لا بالقيظِ محضركمْ منا قريبٌ و لا مبداكِ مبدانا
نهوى ثرى العرقِ إذْ لمْ نلقَ بعدكمُ كالعرقِ عرقاً و لا السلانِ سلانا
ما أحدثَ الدهرُ مما تعلمينَ لكمْ للحبلِ صرماً و لا للعهدِ نسيانا
أبدلَ الليلَ لا تسري كواكبهُ أمْ طالَ حتىَّ حسبتُ النجمَ حيرانا
يا ربَّ عائذةٍ بالغورِ لوْ شهدتْ عزتْ عليها بديرِ اللجَّ شكوانا
انَّ العيونَ التي في طرفها مرضٌ قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا
يصرعنَ ذا اللبَّ حتى لا صراعَ بهِ و هنَّ أضعفُ خلقْ اللهِ أركانا
يا رب غابطنا لوْ كانَ يطلبكمْ لاقى مباعدةً منكمْ و حرمانا
أرينهُ الموتَ حتى لا حياةَ بهِ قدْ كنَّ دنكَ قبلَ اليومِ أديانا
طارَ الفؤادُ معَ الخودِ التي طرقتْ في النومِ طيبةَ الأعطافِ مبدانا
مثلوجةَ الريقِ بعدَ النومِ واضعةً عنْ ذي مثانٍ تمجُ المسكَ و البانا
تستافُ بالعنبرِ العهنديَّ قاطعةً همَّ الضجيعِ فلا دينا كدنيانا
بتنا نرانا كأنا مالكونَ لنا يا ليتها صدقتْ بالحقَّ رؤيانا
قالتْ تعزفانَّ القومَ قدْ جعلوا دونَ الزيارةِ أبواباً و خزانا
لما تبينتُ أنْ قدْ حيلَ دونهمْ ظلتْ عساكرُ مثلُ الموتِ تغشانا
ماذا لقيتُ منَ الأظعانِ يومَ قنىً يتبعنَ مغترباً بالبينِ ظعانا
أتبعتهمْ مقلةٌ انسانها غرقٌ هلْ ما ترى تاركٌ للعينْ انسانا
كأنَّ أحداجهمْ تحدى مقفيةً نخلٌ بملهمَ أوْ نخلٌ بقرانا
يا أمَّ عثمانَ ما تلقى رواحلنا لو قستِ مصبحنا منْ حيثُ ممسانا
تخدي بنا نجبٌ مناسمها نقلُ الحزابيَّ حزاناً فحزانا
يا حبذا جبلُ الريانِ منْ جبلٍ و حبذا ساكنُ الريانِ منْ كانا(1318/2)
و حبذا نفحاتٌ منْ يمانيةٍ تأتيكَ من قبلَ الريانِ أحيانا
هبتْ شمالاً فذكرى ما ذكرتكمْ عندَ الصفاةِ التي شرقيَّ حورانا
هلَ يرجعنَّ و ليسَ الدهرُ مرتجعاً عيشٌ بها طالما احلولي و ما لانا
أزمانَ يدعونني الشيطانَ منْ غزلي و كنَّ يهوينني إذْ كنتُ شيطانا
منْ ذا الذي ظلَّ يغلي أنْ أزوركمْ أمسى عليهِ مليكُ الناسِ غضبانا
ما يدري شعراءُ الناسِ ويلهمْ منْ صولةٍ المخدرِ العادي بخفانا
جهلاً تمنىَّ حدائي منْ ضلالتهمْ فقدْ حدونعهمْ مثنى و وحدانا
غادرتهمْ منْ حسيرٍ ماتَ في قرنٍ و آخرين نسوا التهدارَ خصيانا
ما زالَ حبلى في أعناقهمْ مرساً حتى اشتفيتُ و حتىَّ دانَ منْ دانا
منْ يدعني منهمْ يبغي محاربتي فاستيقننَّ أجبهُ غيرَ وسنانا
ما عضَّ نابي قوماً أوْ أقولَ لهمْ إياكمْ ثمَّ إياكمُ و إيانا
قلْ للأخيطلِ لمْ تبلغْ موازنتي فاجعلْ لأمكَ أيرَ القسَّ ميزانا
إنيَّ امرؤٌ لمْ أردْ فيمنْ أناوئهُ للناسِ ظلماً و لا للحربِ إدهانا
أحمي حمايَ بأعلا المجدْ منزلتي منْ خندفٍ و الذرى منْ قيسِ عيلانا
قالَ الخليفةُ و الخنزيرُ منهزمٌ ما كنتَ أولَ عبدٍ محلبٍ خانا
لاقى الأحيطلُ بالجولانِ فاقرةً مثلَ اجتداعِ القوافي و برَ هزانا
يا خزرَ تغلبَ ماذا بالُ نسوتكمْ لا يستفقنَ إلىَ الديرينِ تحناتا
لما روينَ على الخنزيرِ منْ سكرٍ نادينَ يا أعظمَ القسينِ جردانا
هلْ تتركنَّ إلى القسينِ هجرتكمْ و مسحهمْ صلبهمْ رحمانَ قربانا
لنْ تدركوا المجدَ أو تشروا باءكمُ بالخزَّ أوْ تجعلوا التنومَ ضمرانا(1318/3)
سبَّ الفرزدقُ منْ حنيفةَ سابقاً إنَّ السوابقَ عندها التبشيرَ
و لقدْ نهيتكَ أنْ تسبَّ مخرقاً و فراشُ أمكَ كلبتانِ و كيرَ
يا ليتَ جاركمْ استجارَ مخرقاً يومَ الخريبةِ و العجاجُ يثورَ(1319/1)
سقياً لنهي حمامةٍ و حفيرِ بسجالِ مرتكزِ الربابِ مطيرِ
سقياً لتلكَ منازلاً هيجنني و كأنَّ باقيهنَّ وحيَ زبورِ
كمْ قدْ رأيتُ و ليسَ شيءٌ باقياً منْ زائرٍ طرفِ الهوى و مزور
وجدَ الفرزدقُ في مساعي دارمٍ قصراً إذا افتخروا و طولَ أيورِ
لا تفخرنَّ و في أديمِ مجاشع حلمٌ فليسَ سيورهُ بسيورِ
أبنيَّ شعرةَ لمْ نجدْ لمجاشعٍ حلماً يوازنُ ريشةَ العصفورِ
إنا لنعلمُ ما غدا لمجاشعٍ وفدٌ و ما ملكوا وثاقَ أسير
ماذا رجوتَ منَ العلالةَ بعدما نقضتْ حالكَ و استمرَّ مريري
إنَّ الفرزدقَ حينَ يدخلُ مسجداً رجسٌ فليسَ طهوره بطهور
إنَّ الفرزدقَ لا يبالي محرماً و دمَ بأذرعٍ و نحورِ
أمسى الفرزدقُ في جلاجلِ كرجٍ بعدَ الأخيطلِ زوجةً لجريرِ
رهطُ الفرزدقِ منْ نصارى تغلبٍ أو يدعى كذباً دعاوةَ زورِ
حجوا الصليبَ و قربوا قربانكمْ و خذوا نصيبكمٍ منَ الخنزيرَ
إني سأخبرُ عنْ بلاء مجاشعٍ منْ كانَ بالخباتِ غيرَ خبيرِ
أخزى بني و قبانَ عقرُ فتاتهمْ و اعترَّ جارهمُ بحبلِ غرورِ
لو كانَ يعلمُ ما استجارَ مجاشعٌ أستاهَ مملحةٍ هوارمَ خورِ
قالَ الزبيرُ و أسلمتهُ مجاشعٌ لا خيرَ في دنسِ الثيابِ غدورِ
يا شبَّ قدْ ذكرتْ قريشٌ غدركمْ بينَ المحصبِ منْ منيً وثبيرِ
و غدا الفرزدقُ حينَ فارقَ منقرا في غيرِ عافيةٍ و غيرِ سرورِ
غمزَ ابنُ مرةَ يا فرزدقُ كينها غمزَ الطبيبِ نغانغَ المعذورِ
خزى الفرزدقُ بعد وقعةٍ سبعةٍ كالحصنِ منْ ولدَ الأشدَّ ذكورِ
ترضى الغرابَ و قدْ عقرتمْ نابهُ بنتُ الحتاةِ بمحبسٍ و سريرِ
قالتْ فدتكَ مجاشعٌ فاستنشقتْ منْ منخزيهِ عصارةَ القفورِ
أمتْ هنيدةُ خزيةً لمجاشعٍ إذ أولمتْ لهمْ بشرَّ جزور
ركبيْ ربابكمُ بعيراً داريساً في السوقِ أفضحَ راكبٍ و بعيرِ
ودعتْ غمامةُ بالوقيطِ مجاشعاً فوجدتَ يا وقبانُ غيرَ غيورِ
كذبَ الفرزدقُ لنْ بحارى عامراً يومَ الرهانِ بمقرفٍ مبهورِ(1320/1)
فانهَ الفرزدقَ أنْ يعيبَ فوارساً حملوا أباهُ على أزبَّ نفورِ
و لقدْ جهلتَ بشتمٍ قيسٍ بعد ما ذهبوا بريشِ جناحكَ المكسورِ
قيسٌ وجدُّ أبيكَ في أكيارهِ قوادُ كلَّ كتيبةٍ جمهورِ
لنْ تدركوا غطفانَ لو أجريتمُ يا ابنَ القيونِ و لا بني منصورِ
فخروا عليكَ بكلَّ سامٍ معلمٍ فافخزْ بصاحبِ كلبتينْ وكيرِ
كم أنجبوا بخليفةِ و خليفةٍ و أميرِ صائفتينِ و ابنِ أميرِ
ولدَ الحواصنُ في قريشٍ منهمُ يا ربَّ مكرمةٍ ولدنَ و خيرِ
فضلوا بيومِ مكارمٍ معلومةٍ يومٍ أغرَّ محجلٍ مشهورِ
قيسٌ تبيتُ على الثغورِ جيادهمْ و تبيتَ عندَ صواحبِ الماخورِ
هل تذكرونَ بلاءكمْ يومَ الصفا أو تذكرونَ فوارسَ المأمورِ
أودُ ختنوسَ غداةَ جزَّ قرونها و دعتْ بدعوةِ ذلةٍ و ثبورِ
إنَّ الضباعَ تباشرتْ بخصاكم يومَ الصفا و أماعزِ التسريرِ
حانَ القيونُ و قدموا يومَ الصفا ورداً فغورَ أسوأَ التغويرِ
و سما لقيطٌ يومَ ذاكَ لعامرٍ فاستنزلوهُ بلهذمِ مطرورِ
و بر حرحانَ غداةَ كبلَ معبدٌ نكحوا بناتكمُ بغيرْ مهورِ
فيما مجاشعاً زبدا استها حتى المماتِ تروحي و بكوري(1320/2)
سمتْ ليَ نظرةٌ فرأيتَ برقاً تهامياً فراجعني ادكاري
يقولُ الناظرونَ إلى سناهُ نرى بلقاً شمسنَ على مهارِ
لقدْ كذبتَ عداتكِ أمَّ بشرٍ و قدْ طالتْ أناتي و انتظاري
عجلتِ إلى ملامتنا و تسرى مطايانا و ليلكِ غيرُ ساري
فهانَ عليكِ ما لقيتْ ركابي و سيري في الملعةَ القفارِ
و أيامٍ أتينَ على المطايا كأنْ سمومهنَّ أجيجُ نار
كنَّ على مغابنهنَّ هجراً كحيلَ الليتِ أو نبعانَ قارِ
لقدْ أمسى البعيثُ بدارِ ذلٍ و ما أمسى الفرزدقُ بالخيارِ
جلاجلُ كرجٍ و سبالُ قرد و زندٌ منْ قفيرةَ غيرُ وارى
عرفنا منْ قفيرةَ حاجبيها و جذاً في أناملها القصار
تدافعنا فقالَ بنو تميمٍ كأنَّ القردَ طوحَ منْ طمار
أطامعةٌ قيونُ بني عقالٍ بعقبي حينَ فاتهمُ حضاري
وقد ْ علمتَ بنو وقبانَ أني ضبورُ الوعثِ معتزمُ الخبارِ
بيربوعٍ فخرتَ و آل سعدٍ فلا مجدي شمسهُ رهجُ الغبارِ
عتيبةُ و الأحميرُ و ابنُ سعد و عتابٌ و فارسُ ذي الخمار
و يومَ بني جذيمةَ إذ لحقنا ضحى بينَ الشعيبةَ و العقارِ
وجوهُ مجاشعٍ طليتَ بلؤومٍ يبينَ في المقلدِ و العذارِ
و حالفَ جلدَ كلَّ مجاشعيٍّ قميصُ اللؤمِ ليسَ بمستعارِ
لهمْ أدرٌ تصوتُ في خصاهمْ كتصويتِ الجلاجلِ في القطار
أغركمُ الفرزدقُ منْ أبيكمْ و ذكرُ مزادتينْ على حمارِ
وجدنا بيتَ ضبةَ في معدٍ كبيتِ الضبِ ليسَ لهُ سواري
وجدناهمْ قناذعَ ملزقاتٍ بلا نبعٍ نبتنَ و لا نضارِ
إذا ما كنتَ ملتمساً نكاحاً فلا تعدلْ بينكَ بني ضرارِ
و لا تمنعكَ منْ إربٍ لحاهمْ سواءٌ ذو العمامةِ و الخمارِ
و إنْ لاقيتَ ضبياً فنكهُ فكلُّ رجالهمُ رخوُ الحتارِ(1321/1)
سَئِمْتُ مِنَ المُوَاصَلَة ِ العِتَابَا
رقم القصيدة : 16341 ... نوع القصيدة : فصحى ...
سَئِمْتُ مِنَ المُوَاصَلَة ِ العِتَابَا ... وَأمسَى الشَّيبُ قَد وَرِثَ الشّبابَا
غدتْ هوجُ الرياح مبشراتٍ ... إلى بِينٍ نَزَلْتِ بهِ السّحابَا
لقدْ أقررتِ غيبتنا لواشٍ ... و كنا لا نقرُّ لكِ اغتيابا
أنَاة ٌ لا النَّمُومُ لَهَا خَدينٌ، ... و لا تهدى لجارتها السبابا
تطيبُ الأرضُ إنْ نزلتْ بأرضٍ ... و تسقى حينَ تنزلها الربابا
كأنَّ المسكَ خالطَ طعمَ فيها ... بِماءِ المُزْنِ يَطّرِدُ الحَبَابَا
ألا تَجزينَني، وهُمُومُ نَفْسِي ... بذكرِكِ قَدْ أُطيلُ لَها اكْتِئَابَا
سُقِيتِ الغَيثَ حَيْثُ نأيتِ عَنّا ... فما نهوى لغيركم سقابا
أهذا البخلُ زادكِ نأي دارٍ ... فليتَ الحبَّ زادكمُ اقترابا
لقدْ نامَ الخليُّ وطالَ ليلي ... بِحُبّكِ ما أبِيتُ لَهُ انْتِحَابَا
أرَى الهِجرانَ يُحدِثُ كُلّ يَوْمٍ ... لقلبي حينَ أهجركمْ عتابا
وكائِنْ بالأباطِحِ مِنْ صَديقٍ ... يراني لو أصبتُ هوَ المصابا
وَمَسْرُورٍ بأوْبَتِنَا إلَيْهِ، ... و آخرَ لا يحبُّ لنا إيابا
دعا الحجاجُ مثلَ دعاء نوح ... فأسمعَ ذا المعرجِ فاستجابا
صبرتَ النفسَ يا ابنَ أبي عقيلٍ ... محافظة ً فكيفَ ترى الثوابا
وَلَوْ لم يَرْضَ رَبُّكَ لم يُنَزِّلْ، ... معَ النصرِ الملائكة َ الغضابا
إذا أفْرَى عَنِ الرّئَة ِ الحِجَابَا ... رَأى الحَجّاجَ أْثْقَبَها شِهاَبَا
ترى نصرَ الامام عليكَ حقاً ... إذا لبسوا بدينهم ارتيابا
تشدُّ فلا تكذبُ يومَ زحفٍ ... إذا الغمراتُ زَعزَعَتِ العُقَابَا
عَفاريِتُ العِراقِ شَفَيْتَ مِنهُمْ ... فَأمْسَوْا خاضِعِينَ لكَ الرّقَابَا
و قالوا لن يجامعنا أميرٌ ... أقَامَ الحدّ واتّبَعَ الكِتابَا
إذا أخذوا وكيدهمُ ضعيفٌ ... بِبابٍ يَمْكُرُونَ فَتَحتَ بَابَا
و اشمطَ قدْ ترددَ في عماهُ ... جعلتَ لشيبِ لحيتهِ خضابا
إذا عَلِقَتْ حِبالُكَ حَبْلَ عاصٍ ... رأى العاص منَ الأجل اقترابا
بأنَّ السيفَ ليسَ لهُ مردٌّ(1322/1)
كأنك قدْ رأيتَ مقدمات ... بصين استانَ قد رفعوا القبابا
جعلتَ لكلَّ محترس مخوفٍ ... صفوفاً دارعينَ به وغابا(1322/2)
شبهتُ منزلةَ براحَ و قدْ أتى حولُ المحيلِ خلالَ جفنٍ داثرِ
نشرتْ عليكِ فبشرتْ بعدَ البلى ريحٌ يمانيةٌ بيومٍ ماطرِ
إنْ قالَ صحبتكَ الرواحَ فقلْ لهمْ حيوا الغزيزَ و منْ به منْ حاضرِ
نهوى الخليطَ و لو أقمنا بعدهمْ إنّ المقيمَ مكلفٌ بالسائرِ
إنَ المطي بنا يخدنَ ضحى عدٍ و اليومَ يومُ لبانةٍ و تزاور
سنحَ الهوى فكتمتُ صحبي حاجةً بلغتْ تجلدَ ذي العزاءِ الصابرِ
جزعاً بكيتْ على الشبابِ و شاقني عرفانُ منزلةٍ بجزعيْ ساجرِ
أما الفؤاد فلنْ يزالَ متيماً بهوى جمانةَ أو بريا العاقرِ
طرقتَ بمخترقِ القلاةِ مشرداً جعلَ الوسادَ ذراعَ حرفٍ ضامرِ
يا امَّ طلحةَ ما لقينا مثلكمْ في المنجدينَ و لا بغورِ الغائرِ
رهبانَ مدينَ لوْ رأوكِ تنزلوا و العصمُ منْ شعفِ العقولِ الفادرِ
لمن الحمولِ منَ الايادِ تحملتْ كالدومِ أو ظللِ السفينِ العابرِ
يحدو بهنَّ مشمرٌ عن ساقهِ مثلُ المنيحِ نحى قداحَ الياسرِ
قربنَ مفرعةَ الكواهلِ بزلاً منْ كلَّ مطردِ الجديلِ عذافرِ
نهدْ المحالِ إذا حدينَ مفرجٍ سبطَ المشافرِ مخلفٍ أو فاطرِ
منهُ بمجتمع الأخادعِ نابعٌ يغشى الذفاري كالكحيل القاطرِ
و إذا الأزمةُ أعلقتْ أزرارها جرجرنَ بينَ لهاً و بينَ حناجرِ
زالَ الجمالُ بنخلِ يثربَ بالضحى أوْ بالرواجحِ منْ إباضَ العامرِ
ليتَ الزبيرَ بنا تلبسَ حبلهُ ليسَ الوفيُّ لجارهِ كالغادرِ
وجدَ الزبيرُ بذي السباعُ مجاشعاً للحيثلوطِ و نزوةً منْ ضاطرِ
عرقتْ وجوهُ مجاشعٍ و كأنها عفلٌ تدلعَ دونَ مدري الشاصرِ
باتوا وقدْ قتلَ الزبيرُ كأنهمْ خورٌ صوادرُ عنْ نجيلِ قراقرِ
ولدتْ قفيرةُ أمُّ صعصعةَ ابنها فوقَ المزنمِ بينَ وطيْ جازر
تمري العقودَ و ثنيهُ تحتَ استها دونَ الذراعِ و فوقَ شبرِ الشابرِ
عزبتْ قفيرةُ في الغريبِ و راحتْ بالكفَّ بينَ قوادمٍ و أواخرِ
جعلتْ قفيرةُ ليلتينِ لهرمزٍ و الزبيانِ و ليلةً لقنابرِ(1323/1)
علقَ الأخيطلُ في حبالى بعدما عثرَ الفرزدقُ لالعاً للعاثرِ
لقيَ الأخيطلُ ما لقيتَ و قبلهُ طاحَ البعيثُ بغيرِ عرضٍ وافرِ
و إذا رجوا أنْ ينقضوا مني قوى مرستْ قوايَ عليهمُ و مرائري
و منوا بملتهمِ العنانِ مناقلٍ عندَ الرهانِ مقربٍ و محاضرِ
إني نزلتُ بمفرعٍ منْ خندفٍ في أهلِ مملكةٍ و ملكٍ قاهرٍ
كانتْ فواضلنا عليكَ عظيمةً منْ سيبِ مقتدرٍ عزيزٍ قادرِ
ماذا تقولُ و قدْ عرفتَ لخندفٍ زهرَ النجومِ و كلَّ بحرٍ زاخرِ
كانَ الفرزدقُ شاعراً فخصيتهُ ناكَ الفرزدقُ أمهُ منْ شاعر
أمسى الأخيطلُ للفرزدقِ ضرةً فيمَ المراءُ و قدْ نكحتُ ضرائري
إنَّ القصائدَ قدْ وطئنَ مجاشعاً و وطئنَ تغلبَ ما لها منْ زاجرِ
نبئتُ تغلبَ يعبدونَ صليبهمْ بالرقتينِ إلى جنوبِ الماخرِ
يستنصرونَ بمارَ سرجسَ و ابنهِ بعدَ الصليبِ و ما لهمْ منْ ناصرِ
كذبَ الأخيطلُ ما توقفُ خيلنا عندَ اللقاءِ و ما ترى في السامرِ
رجعاً نقصُّ لها الحديدَ منَ الوجى بعدَ ابتراءِ سنابكٍ و دوابرِ
سائلْ بهنَّ أبا ربيعةَ كلهمْ و اسألْ بني غبرٍ غداةَ الحائرِ
وطئتْ جيادُ بني تميمٍ تغلباً يومَ الهذيلِ غداةً حيَّ هاجرِ
و إذا رحعنَ و قدْ وطئنَ عدونا قربنَ بينَ أجلةٍ و أياطرِ
حدرتكَ منْ شرفي خزارٍ خيلنا و الحربُ ذاتُ تقحمٍ و تراترِ
خسرَ الأخيطلُ و الصليبُ و تغلبٌ و يكالُ ما جمعوا بمدٍّ خاسرِ
و ابتعتَ ويلَ أبيكَ ألأمَ شربةٍ بفسادِ تغلبَ بئسَ ربحُ التاجرِ
أدَّ الجزي ودعِ الفخارَ بتغلبٍ و أخسأْ بمنزلةِ الذليلِ الصاغرِ
أنبئتُ تغلبَ بعدَ ما جدعتهمْ يتعذرونَ و ما لهمْ من عاذرِ
و التغلبيةُ حينَ غبَّ غبيها تهوى مشافرها لشرَّ مشافرِ
تفترُّ عن قردِ المنايبِ لطلطٍ مثلِ العجانِ و ضرسها كالحافرِ
إنَّ الأخيطلُ لنْ يقومَ لبزلٍ أنيابها كشبا الزجاجِ قساورِ
فينا الخلافةُ و النبوةُ و الهدى و ذو و المشورةَ كلَّ يومٍ تشاورِ(1323/2)
و رجا الأخيطلُ أنْ يكدرَ بحرنا فأصابَ حومةَ ذي لجاجٍ غامرِ
بينَ الحواجبِ و اللحامنْ تغلبٍ لؤمٌ تورثُ كابراً عنْ كابرِ
يا بنَ الخبيثةِ أينَ منْ أعددتمْ لبني فزارةَ أوْ لحيْ عامرِ
و إذا لقيتَ قرومَ فرعي خندفٍ يبذخنَ بعدَ تزايفٍ و تخاطرِ
خليتَ عنْ سننِ الطريقِ و لمْ تزلْ فيهمْ ملوكُ أسرةٍ و منابرِ(1323/3)
شتمتُ مجاشعاً ببني كليبٍ فمنْ يوفى بشتم بني رياحِ
لهمْ مجدٌ أشمُّ عدامليٌّ ألفُّ العيصِ ليسَ منَ النواحي
فما أمُّ الفرزدقِ منْ هلالٍ و ما أمُّ الفرزدقِ منْ صباحِ
أولاكَ الحيُّ ثعلبةُ بن سعدٍ ذووا الأحسابَ و الأدمَ الصحاحِ
و لكنْ رهطُ أمكَ منْ شييمٍ فأبصرْ و سمَ قدحكَ في القداحِ(1324/1)
عجبتُ لهذا الزائرِ المترقب
رقم القصيدة : 16343 ... نوع القصيدة : فصحى ...
عجبتُ لهذا الزائرِ المترقب ... و إدلالهِ بالصرم بعدَ التجنب
أرى طائراً أشفقتُ من نعبائه ... فان فارقوا غدراً فما شئتَ فانعبِ
إذا لمْ يزَلْ في كلّ دارٍ عَرَفْتَهَا ... لهذا رفٌ منْ دمهع عينيكِ يذهب
فما زال يتنعي الهوى ويقودني ... بحَبْلَينِ حتى قالَ صَحبي ألا ارْكَبِ
وَقَد رَغِبَتْ عن شاعِرَيها مُجاشعٌ ... ومَا شِئتَ فاشُوا من رُواة ٍ لتَغلِبِ
لَقَدْ عَلِمَ الحَيُّ المُصَبَّحُ أنّنَا ... متى ما يقلْ يا للفوارسِ نركب
أكَلّفْتَ خِنْزِيرَيكَ حَوْمة َ زاخرٍ ... بعيدِ سواقي السيلِ ليسَ بمذنبِ
قرنتم بني ذاتِ الصليب بفالجٍ ... قطوع لأغاق القرائنِ مشغب
فَهَلاّ التَمستُمْ فانِياً غٍيرَ معقِبٍ ... عنِ الرّكْضِ أوْ ذا نَبوَة ٍ لم يُجَرَّبِ
إذا رُمْتَ في حَيّيْ خزَيْمَة َ عِزَّنَا، ... سَماكُلُّ صرِّيفِ السّنانَينِ مُصْعَبِ
ألَمْ تَرَ قَوْمي بالَمدينَة ِ مِنهُمُ، ... و منْ ينزلُ البطحاءَ عندَ المحصب
لنا فارطا حوض الرسول وحوضنا ... بنعمانَ والأشهادُ ليسَ بغيب
فَمَا وجدَ الخِنزِيرُ مِثل فِعالِنَا، ... و لا مثلَ حوضينا جباية َ مجتبي
و قيسٌ أذاقوك الهوانَ وقوضوا ... بُيُوتَكُمُ في دارِ ذلٍ ومَحربِ
فوارسنا منْ صلبِ قيسٍ كأنهمْ ... إذا بارزُوا حَرْباً، أسِنّة ُ صُلّبِ
لقد قتلَ الجحافُ أزواجِ نسوة ٍ ... قِصارَ الهَوادي سَيّئَاتِ التّحَوّبِ
يمسحنَ يا رخمانُ في كلِّ بيعة ٍ ... وما نِلن مِنْ قُربانهِنّ المُقَرَّبِ
فإنّك يَا خِنزيرَ تَغْلِبَ إنْ تَقُلْ ... ربيعَة ُ وزنٌ مِنْ تَميمٍ تُكَذَّبِ
أبَا مالِكٍ للحيّ فَضْلٌ عَلَيكُمُ ... فكلْ منْ خنانيص الكناسة واشرب(1325/1)
عفا نهيا حمامة َ فالجواءُ
رقم القصيدة : 16338 ... نوع القصيدة : فصحى ... ملف صوتي: لا يوجد
عفا نهيا حمامة َ فالجواءُ ... لطولِ تباينٍ جرتِ الظباءُ
فمِنْهُمْ مَن يَقولُ نوى ً قَذوفٌ؛ ... وَمنهُمْ مَنْ يَقُولُ هوَ الجَلاءُ
أحِنُّ إذا نَظَرْتُ إلى سُهَيْلٍ، ... و عندَ اليأس ينقطع الرجاءُ
يَلُوحُ كأنّهُ لَهَقٌ شَبُوبٌ، ... أشَذّتْهُ عَنِ البَقَرِ الضِّراءُ
وَبَانُوا ثُمّ قِيلَ ألا تَعَزّى ، ... و أني يومَ واقصة َ العزاءُ
سنذكركمْ وليسَ إذا ذكرنمْ ... بِنا صَبْرٌ، فهَلْ لَكُمُ لِقاءُ
وَكَمْ قَطَعَ القَرينَة َ مِنْ قَرِينٍ ... إذا اخْتَلَفَا وَفي القَرْنِ التِوَاءُ
فماذا تنظرونَ بها وفيكم ... جَسُورٌ بالعَظائِمِ وَاعتِلاءُ
إلى عبد العزيز سمتْ عيونُ ... ـرّعِيّة ِ، إنْ تُخُيّرَتِ الرِّعاءُ
إليه دعت دواعيهِ إذا ما ... عمادُ الملكِ خرتْ والسماءُ
وَقالَ أُولو الحكومَة ِ من قُرَيشٍ ... عَلَيْنَاالبَيْعُ إذْ بَلَغَ الغَلاءُ
رأوا عبد العزيز وليَّ عهدٍ ... ومَاَ ظَلَمُوا بذاكَ وَلا أساءُوا
فَزَحْلِفْهاَ بأزْفُلِهاَ إلَيْهِ، ... أمِيرَ المُؤمِنينَ، إذا تَشَاءُ
فانَّ الناسَ قدْ مدوا إليهِ ... أكفهمْ وقد برحَ الخفاءُ
و لو قدْ بايعوكَ وليَّ عهدٍ ... لَقامَ القِسْطُ وَاعتَدَالَ البِنَاءُ(1326/1)
علقتُ جنيةً ضنتْ بنائلها منْ نسوةٍ زانهنَّ الدلُّ و الخفرُ
قد كنتُ أحسبُ في تيمٍ مصانعةً و فيهمُ عاقلاً بعدَ الذي ائتمروا
تعرضَ التيمُ لي عمداً لتهجوني كما تعرضَ لاستِ الخارئِ الحجرَ
هلا أدرأتمْ سوانا يا بني لجأ أمراً يقاربُ أو وحشاً لهاغرر
أوْ تطلبونَ بتيمٍ لا أبالكمْ منْ تبلغُ التيمُ أو تيمٌ لهُ خطرُ
ترجو الهوادةَ تيمٌ بعدَ ما وقعتْ صماءُ ليسَ لها سمعٌ و لا بصرُ
قدْ كانتِ التيمُ ممنْ قد نصبتُ لهُ بالمنجنقِ و كلادقهُ الحجرُ
ذاقوا كما ذاقَ منْ قدْ كانَ قبلهمُ و استعقبوا عثرةَ الأقيانِ إذ عثروا
قدْ كانَ لوْ وعظتْ تيمْ بغيرهمْ في ذي الصليبِ و قيني مالكٍ عبرَ
خلَّ الطريقِ لمنْ يبني المنار بهِ و ابرزْ ببرزةَ حيثُ اضطركَ القدرُ
ما زلتَ تحفزُ أقواماً و تبلغني ذيخَ المريرةَ حتى استحصد المرر
قدْ حانَ قبلكَ أقوامٌ فقلتُ لهمْ جدَّ النضالُ و قلتَ بيننا العذرِ
لن تستطيعَ بتيمْ أنْ تغاليني حينَ استحنَّ جذابَ النبعةَ الوتر
فاسالْ نزاراً جميعاً أينَ شاعرها و شاعرُ الزبدِ لما أثمرَ الشجرِ
ما ليتمُ إلا ذبابٌ لا جناحَ لهُ قدْ كانَ منَّ عليهمْ مرةً نمرِ
أزمانَ يغشى ذخانُ الذلَّ أعينهمْ لا يستعانونَ في قومٍ إذا ذكروا
و التيمُ عبدٌ لأقوامٍ يلوذْ بهمْ يعطى المقادةَ إنْ أوفوا او إنْ غدروا
أتبغي التيمُ عذراً بعدَ ما عدروا لا يقبلُ اللهُ منْ تيمٍ إذا اعتذروا
لا تمنعونَ لكمْ عرساً و ما لكمُ إلاَّ بغيركمْ وردٌ و لا صدرُ
يا تيمُ تيمَ عديّ لا أبالكمُ لا يوقعنكمُ في سوأةٍ عمرَ
يا تيمُ إنَّ جسيمَ الأمرِ ليسَ لكمْ و لا الجراثيمِ عندَ الدعوةِ الكبرُ
و التيمُ كانَ سطحياً ثمَّ قيلَ لهمْ شأنَ السطيحِ إلى تخبيلهِ العورَ
إنَّ الكرامَ إذا منْ زيدٍ تلوذُ بها كانتْ عصاكَ التي تلخى و تقتشرُ
جاءتْ فوارسنا غرا محجلةً إذْ ليسَ في التيمِ تحجيلٌ و لا غررُ
جئنا بكمْ منْ زهيراتٍ و منْ سبأ و للجوامعِ في أعناقكمْ أثرُ(1327/1)
في جلهمَ اللؤمَ معلوماً معادنهُ و في حويزةَ خبثُ الريحِ و الأدرَ
قولوا لتيمٍ أعصبٌ فوقَ آنفهمْ إذيرَأمونَ التي من مثلها نفروا
قدْ خفتُ يا بنَ التي ماتتْ منافقةً منْ خبثِ برزةَ أنْ لا ينزلَ المطر
أنتَ ابنُ برزةَ منسوباً الى لجأٍ عبدُ العصارةِ و العيدانُ تعتصرُ
أخزيتَ تيماً و ما تحمى محارمها إذْ أنتَ نفاخةٌ للقينِ مؤتجرُ
ما بالُ برزةَ في المنحاةِ إذْ نذرتْ صومَ المحرمِ إنْ لمْ يطلعِ القمرَ
تقولُ و العبدُ مكحولٌ يزحرها إرفقِ فدالكَ أنتَ الناكح الذكرُ
و صتْ بنيها و قالتْ دونَ أكبركمْ فادوا أباكمْ فانَّ التيمَ قدْ كفروا
تضمنتْ منْ لجيٍ و هيَ مقرفةٌ ماءً خبيثاً و منهُ ينبتُ السرر
إني لمهدٍ لكمْ غرا مقبشةً فيها السمامُ و أخرى بعدُ تنتظرُ
إن الحفافيثَ حقاً يا بني لجأٍ يطرقنَ حينَ يسورُ الحيةُ الذكر
لولا عديٌّ و لستمْ شاكرينَ لهمْ لمْ تدرِ تيمٌ بأيَّ القنة الحفر
يا ربَّ نعشنا بعدَ عثرتهمْ كنا لهمْ كسقيفِ العظمِ فاجتبروا
ذدنا العدوَّ و أدنينا محلهمُ حتىَّ ابتنوا بقبابٍ بعدَ ما احتجروا
يوماً نشدُّ وراءَ السبي عاديةً شعثَ النواصي و يوماً تطردُ البقرَ
قدْ يعلمُ الناسُ أنَّ التيمَ ألأمهمْ أأخبرُ الناسَ و لا يوماً إذا افتخروا
أوصى تميمٌ يوماً أنْ يكونَ لهمْ سؤرُ العشيَّ و شربُ التابعِ الكدرُ
يا تيمُ خالطَ مكحولٌ أبا لجأٍ ذا نقبةٍ قدْ بدا في لونهِ عررُ
أنا ابنُ فرعي بني زيدٍ إذا نسبوا هلْ ينكرُ المصطفى أو ينكرُ القمرُ
و اللؤومُ حالفَ تيماً في ديارهمُ و اللؤومُ صيرَ في تيمٍ إذا حضروا
اقبضُ يديكَ فانَّ التيمَ قد سبقوا يومَ التفاخرِ و الغانياتُ تبتدرُ
إنَّ تصبرِ التيمُ مخضراً جلودهمْ على الهوانِ فقبلَ اليومِ ما صبروا
يا بنَ التي اغتسلتْ في بيتِ جارتها ليلاً فأصبحَ في هلبِ استهامدر
إنَّ الذينَ أضاءوا النارَ قد عرفوا آثارَ برزةَ و الآثارُ تفتقرُ(1327/2)
تخريكَ أحياءُ تيمٍ إنْ فخرتَ بهمِ و الخزىُ أمواتُ تيمٍ إنْ همُ نشروا
أعياكَ والدكَ الأدنونَ فالتمسنْ هلْ في شعاعةَ ذي الأهدامِ مفتخرَ
لا يشهدونَ نجيَّ القومِ بينهمُ تقضى الأمورُ على تيمٍ و ما شعروا
عضَّ السرندي على تثليمِ ناجذةِ منْ أمَّ علقةَ بظراً عمهُ الشعر
و عضَّ علقهُ لا يألو بعرعرةٍ منْ بظرِ أمَّ السرندي و هو منتصر(1327/3)
فدى لبني سعدْ بنِ ضبةَ خالتي إذا أفزعَ الروعُ السوامَ المنفرا
هموا قتلوا صبراً شيربنَ خالدٍ و أبكوا لبسطامٍ مىتمِ حسرا
و همْ عصبوا يومَ الشقيقةِ رأسهُ رقيقَ النواحي لا رداءً محبراً
فلما أتى الصهباءَ موقعهمْ بهِ دعتْ ويلها و استعجلتْ أنْ تخمرَّا(1328/1)
فلا خوفٌ عليكِ وَ لنْ تراعي بعقوةِ مازنٍ وَ بني هلالِ
هما الحيانِ إنْ فزعا يطيرا إلى جردٍ كأمثالِ السعالي
أمازنُ يا بنَ كعبٍ إنَّ قلبي لكمْ طولَ الحياةِ لغيرُ قالي
غطاريفٌ يبيتُ الجارُ فيهمْ قريرَ العينِ في أهلٍ وَ مالِ(1329/1)
قالوا نصيبكَ منْ أجرٍ فقلتُ لهمْ منْ للعرينِ إذا فارقتُ أشبالي
لكنْ سوادةُ يجلو مقلتيْ لحمٍ باز يصرصرُ فوثَ المرقبِ العالي
قدْ كنتُ أعرفهُ منيَّ إذا غلقتْ زهنُ الجيادِ و مدَّ الغايةَ الغالي
إلاَّ تكنْ لكَ بالديرينِ باكيةٌ فربَّ باكيةِ بالرملِ معوالِ
كأمَّ بوٍّ عجولٍ عندَ معهدهِ حنتْ إلىَ جلدٍ منهْ و أوصالِ
ترتعُ ما نسيتْ حتى إذا ذكرتْ ردتْ هماهمَ حرى الجوفِ مثكالِ
زدنا على وجدها وجداً و إن رجعتَ في القلبِ منها خطوبٌ ذاتُ بلبال
فارقتني حينَ كفَّ الدهرُ منْ بصري و حينَ صرتُ كعظمْ الرمةِ البالي
إنَّ الثوىَّ بذي الزيتونِ فاحتسبي قد أسرعَ اليومَ في عقلي و في حالي(1330/1)
كأني بالمدبيرِ بينَ زكا و بينَ قرى أبي صفرى أسيرُ
كفى حزناً فراقهمُ و أنيَّ غريبٌ لا أزارُ و لا أزورُ
أجدى فاشربي بحياضِ قومٍ عليهمْ منْ فعالهمُ حبير
عداكِ الفقرُ ما عدتِ المنايا رفاعيَّ القناةِ لهُ نقير
و إنَّ بني رفاعةَ منْ تميمٍ همُ اللجأُ المؤملُ و النصيرُ
همُ الأخيارُ منسكةً و هدياً و في الهيجا كأنهمُ الصقورُ
مرائيبُ الثأي حشدُ المقاري وفاةٌ حينَ لا يوفى خفيرُ
إذا غارَ الندا لخواء نجمٍ فسيبُ بني رفاعةَ لا يغورُ
بهمْ حدبُ الكرامِ على الموالي و فيهمْ عنْ مساءتهمْ فقورُ
عن النكراء كلهمْ غبيٌّ و بالمعروفِ كلهمُ بصيرُ
خلائقُ بعضهمْ فيها كبعضٍ و يؤمُّ صغيرهمْ فيها الكبير
و خوصٍ قد قرنتُ بهنَّ خوصاً تجافىَ الغيثُ عنها و الخضور
كأنَّ حمامها استجمتْ غايا مجربٍ فيهنَّ قير
فخضخضتُ النطافَ ليعملاتٍ نواشطَ حينَ يستغطى البرير
فسافتْ ثمَّ أدركها نجاءٌ على البصراتِ يقصدُ أو يجور
كأنَّ زهاءهنَّ مولياتٍ بذي الحومانتينْ قطا يطيرُ
قلائصَ عذبتْ ليلى عليها و عذبَ ليلها نسعٌ و كورُ
برى قمعاتها سيري اليهمِ و تهجيري إذا صخدَ الهجيرِ
فكمْ واعسنَ منْ حبلٍ اليهمْ و منْ قورٍ مواجههنَّ قور
و منْ حنشٍ تعرضَ للنايا كأنَّ مجرهُ فيها جرير
وقفٍ كالسحابةِ حينَ أوفى بعيدَ الغولِ أسفلهُ وعور
و قومٍ ضامزينَ على نداهم إذا سئلوا كما ضمزَ الحمير
نأنى و دهمْ فنأيتُ إني بذلكَ حينَ لا أدنى جديرُ(1331/1)
لما دعى الداعي لأعينَ لمْ تكنْ لتفعلَ فعلَ المازني بنْ أخضرا
فتدركَ وتراً يا بنَ قينْ مجاشعٍ فتحيا كريماً أو تموتَ فتغذرا
و لكنْ أبي إقرارُ مهركَ إذْ جرى بعرقكَ في الغاياتِ إلاَّ تأخرا(1332/1)
لو كنتُ في غمدانَ أو في عماية َ
رقم القصيدة : 16351 ... نوع القصيدة : فصحى ...
لو كنتُ في غمدانَ أو في عماية َ ... إذاً لأتَاني مِنْ رَبيعَة َ راكِبُ
بِوَادي الحُشَيفِ أوْ بِجُرْزَة َ أهْلُهُ ... أو الجوفِ طبٌّ بالنزالة َ داربُ
يثيرُ الكلابَ آخرَ الليلِ صوتهُ ... كَضَبّ العَرَادِ خَطْوُهُ مُتَقارِبُ
فباتَ يمنينا الربيعَ وصوبهُ ... وَسَطّرَ مِن لُقّاعَة ٍ وَهْوَ كاذِبُ(1333/1)
لولا الحياء لهاجني استعبار
1. لولا الحياء لهاجني استعبار ، ... ولزرت قبرك ، والحبيب يزار
2. ولقد نظرت ، وما تمتع نظرةٍ ... في اللحد ، حيث تمكن المحفار ؟
3. فجزاك ربك في عشيرك نظرةً ... وسقى صداك مجلجلٌ مدرار
4. ولهت قلبي إذ علتني كبرةٌ ، ... وذوو التمائم من بنيك صغار
5. أرعى النجوم وقد مضت غوريةً ... عصب النجوم كأنهن صوار
6. نعم القرين وكنت علق مضنةٍ ... وارى ، بنعف بلية ، الأحجار
7. عمرت مكرمة المساك وفارقت ... ما مسها صلفٌ ولا إقتار
8. فسقى صدى جدثٍ ببرقة ضاحكٍ ... هزمٌ أجش ، وديمةٌ مدرار
9. هزمٌ أجش إذا استحار ببلدةٍ ... فكأنما بجوائها الأنهار
10. متراكبٌ زجلٌ يضيء وميضه ... كالبلق تحت بطونها الأمهار
11. كانت مكرمة العشير ولم يكن ... يخشى غوائل أم حزرة جار
12. ولقد أراك كسيت أجمل منظرٍ ... ومع الجمال سكينةٌ ووقار
13. والريح طيبةٌ إذا استقبلتها ... والعرض لا دنسٌ ولا خوار
14. وإذا سريت رأيت نارك نورت ... وجهاً أغر يزينه الإسفار
15. صلى الملائكة الذين تخيروا ... والصالحون عليك والأبرار
16. وعليك من صلوات ربك كلما ... نصب الحجيج ملبدين وغاروا
17. يا نظرةً لك يوم هاجت عبرةً ... من أم حزرةً ، بالنميرة دار
18. تحيي الروامس ربعها ، فتجده ... بعد البلى ، وتميته الأمطار
19. وكأن منزلةً لها بجلاجلٍ ... وحي الزبور ، تجده الأحبار
20. لا تكثرن إذا جعلت تلومني ... لا يذهبن بحلمك الإكثار
21. كان الخليط هم الخليط فأصبحوا ... متبدلين ، وبالديار ديار
22. لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليلٌ يكر عليهم ونهار
23. أفأم حزرة ، يا فرزدق ، عبتم ؟ ... غضب المليك عليكم القهار
24. كانت إذا هجر الحليل فراشها ... خزن الحديث وعفت الأسرار
25. ليست كأمك إذ يعص بقرطها ... قينٌ وليس على القرون خمار
26. سنثير قينكم ولا يوفى بها ... قينٌ بقارعة المقر مثار(1334/1)
27. وجد الكتيف ذخيرةً في قبره ... والكلبتان جمعن والميشار
28. يبكي صداه ، إذا تهزم مرجلٌ ... أو إن تثلم برمةٌ أعشار
29. رجف المقر وصاح في شرقيه ... قينٌ عليه دواخنٌ وشرار
30. قتلت أباك بنو فقيمٍ عنوةً ، ... إذ جر ، ليس على أبيك إزار
31. عقروا رواحله ، فليس بقتله ... قتلٌ ، وليس بعقرهن عقار
32. حدراء أنكرت القيون وريحهم ، ... والحر يمنع ضيمه الإنكار
33. لما رأت صدأ الحديد بجلده ، ... فاللون أورق ، والبنان قصار
34. قال الفرزدق : رقعي أكيارنا ، ... قالت : وكيف ترقع الأكيار ؟
35. رقع متاعك ، إن جدي خالدٌ ... والقين جدك ، لم تلدك نزار
36. وسمعتها اتصلت بذهلٍ إنهم ... ظلموا بصهرهم القيون وجاروا
37. دعت المصور دعوةً مسموعةً ، ... ومع الدعاء تضرعٌ وحذار
38. عاذت بربك أن يكون قرينها ... قيناً أحم لفسوه إعصار
39. أوصت بلائمةٍ لزيقٍ و ابنه ، ... إن الكريم تشينه الأصهار
40. إن الفضيحة لو بليت بقينهم ، ... و مع الفضيحة غربةٌ و ضرار
41. هلا الزبير منعت يوم تشمست ... حربٌ تضرم نارها ، مذكار
42. و دعا الزبير فما تحركت الحبى ... لو سمتهم جحف الخزير لثاروا
43. غروا بعقدهم الزبير ، كأنهم ... أثوار محرثةٍ ، لهن خوار
44. و الصمتين أجرتم فغدرتم ... و ابن الأصم بحبل بيبة جار
45. أخزاك رهط ابن الأشد فأصبحت ... أكباد قومك ما لهن مرار
46. باتت تكلت ما علمت و لم تكن ... عونٌ تكلفه و لا أبكار
47. سبوا الحمار فسوف أهجو نسوةً ... للكير وسط بيوتهن أوار
48. إن الفرزدق لن يزاول لؤمه ... حتى يزول عن الطريق صرار
49. فيم المراء ؟ وقد سبقت مجاشعاً ... سبقاً تقطع دونه الأبصار
50. قضت الغطارف من قريشٍ فاعترف ... يا بن القيون عليك والأنصار
51. هل في مئين وفي مئين سبقتها ... مد الأعنة ، غايةٌ وحضار
52. كذب الفرزدق إن عود مجاشعٍ ... قصفٌ ، وإن صليبهم خوار(1334/2)
53. وإذا بطنت فأنت يا بن مجاشعٍ ... عند الهوان جنادفٌ نثار
54. سعدٌ أبوا لك أن تفي بجوارهم ... أو أن يفي لك بالجوار جوار
55. قد طال قرعك قبل ذاك صفاتنا ... حتى صممت وفلل المنقار
56. يا بن القيون وطالما جربتني ، ... والنزع حيث أمرت الأوتار
57. ما في معاودتي الفرزدق فاعلموا ... لمجاشعٍ ظفرٌ ، ولا استبشار
58. إن القصائد قد جدعن مجاشعاً ... بالسم يلحم نسجها وينار
59. ولقوا عواصي قد عييت بنقضها ... ولقد نقضت فما بك استمرار
60. قد كان قومك يحسبونك شاعراً ... حتى غرقت ، وضمك التيار
61. نزع الفرزدق ما يسر مجاشعاً ... منه مراهنةً ، ولا مشوار
62. قصرت يداك عن السماء فلم يكن ... في الأرض للشجر الخبيث قرار
63. أثنت نوار على الفرزدق خزيةً ... صدقت وما كذبت عليك نوار
64. إن الفرزدق لا يزال مقنعاً ، ... وإليه بالعمل الخبيث يشار
65. لا يخفين عليك أن مجاشعاً ... لو ينفخون من الخؤور لطاروا
66. قد يؤسرون فما يفك أسيرهم ... ويقتلون فتسلم الأوتار
67. ويفايشونك والعظام ضعيفةٌ ... والمخ ممتخر الهنانة رار
68. نظروا إليك وقد تقلب هامهم ... نظر الضباع أصابهن دوار
69. قرن الفرزدق والبعيث وأمه ... وأبو الفرزدق ، قبح الإستار
70. أضحى يرمز حاجبيه كأنه ... ذيخٌ له بقصيمتين وجار
71. ليست لقومي بالكتيف تجارةٌ ، ... لكن قومي بالطعان تجار
72. يحمي فوارسي الذين لخيلهم ... بالثغر ، قد علم العدو ، مغار
73. تدمى شكائمها ، وخيل مجاشعٍ ... لم يند من عرقٍ لهن عذار
74. إنا وقينكم يرقع كيره ... سرنا لنغتصب الملوك ، وساروا
75. عضت سلاسلنا على ابني منذرٍ ... حتى أقر بحكمنا الجبار
76. وابني هجيمة قد تركنا عنوةً ... لابني هجيمة في الرماح خوار
77. ورئيس مملكةٍ وطئن جبينه ، ... يغشى حواجبه دمٌ وغبار
78. نحمي مخاطرةً على أحسابنا ، ... كرم الحماة ، وعزت الأخطار(1334/3)
79. وإذا النساء خرجن غير تبرزٍ ... غرنا ، وعند خروجهن نغار
80. ومجاشعٌ فضحوا فوارس مالكٍ ... فربا الخزير ، وضيع الأدبار
81. أغمام لو شهد الوقيط فوارسي ... ما قيد يعتل عثجلٌ وضرار
82. يا بن القيون وكيف تطلب مجدنا ... وعليك من سمة القيون نجار(1334/4)
لَقَدْ كانَ ظَنّي يا ابنَ سَعدٍ سَعادة ً
رقم القصيدة : 16350 ... نوع القصيدة : فصحى ...
لَقَدْ كانَ ظَنّي يا ابنَ سَعدٍ سَعادة ً ... و ما الظنُّ إلاَّ مخطئٌ ومصيبُ
تَرَكْتُ عِيالي لا فَوَاكِهَ عِندَهمْ ... و عندَ ابنِ سعدٍ سكرٌ وزبيبُ
تحنى العظامُ الراجغاتُ منَ البلى ... و ليسَ لداءِ الركبتينِ طبيبُ
كَأنّ النّساءِ الآسراتِ حَنَيْنَني ... عريشاً فمشي في الرجالِ دبيبُ
منعتَ عطائي يا ابنَ سعدٍ وإنما ... سَبَقْتَ إليّ المَوْتَ وَهوَ قَريبُ
فانْ ترجعوا رزقي إلى فانهُ ... متاعُ ليالٍ والحياة ُ كذوبُ(1335/1)
لَقَدْ هَتَفَ اليَوْمَ الحَمامُ ليُطرِبَا
رقم القصيدة : 16340 ... نوع القصيدة : فصحى
لَقَدْ هَتَفَ اليَوْمَ الحَمامُ ليُطرِبَا ... و عنيَّ طلابَ الغانيات وشيبا
وَأجْمَعْنَ منكَ النَّفْرَ مِن غيرِ رِيبَة ٍ ... كما ذعرَ الرامي بفيحانَ ربربا
عَجِبتُ لما يَفري الهوَى يومْ مَنعِجٍ ... و يوماً بأعلى عاقل كانَ أعجبا
و أحببتُ أهلَ الغور منْ حب ذي فناً ... و أحببتُ سلمانينَ منْ حبَّ زينبا
يُحَيُّونَ هِنداً، والحِجابانِ دونَها ... بنفسي أهلٌ أنْ تحيا وتحجبا
تَذكّرْتَ والذّكرَى تَهيجُك وَاعتَرى ... خيالٌ بموماة حراجيجَ لغبا
لَئِنْ سَكَنَتْ تَيْمٌ زَماناً بغِرّة ٍ، ... لقدْ حديتْ تيمٌ حداءً عصبصبا
لقَدْ مَدّني عَمروٌ وزيدٌ من الثّرى ... بأكثرَ مما عندَ تيم وأضيبا
إذا اعتركَ الآورادُ يا تيمُ لم تجدْ ... عناجاً ولا حبلاً بدلوكَ مكربا
وَأعلَقتُ أقْرَاني بتَيمٍ لَقَدْ لَقوا ... قطوعاً لأعناق القرائنَ مجذبا
و لو غضبتْ يا تيمُ أوزيلَ الحصا ... عَلَيكَ تَميمٌ لم تجدد لكَ مغصْبا
و ما تعرفونَ الشمسَ إلاَّ لغيركمْ ... و لا منْ منيرات الكواكبَ كوكبا
فَإنّ لَنَا عَمْراً وسَعداً عَلَيكُمُ، ... وَقَمْقَامَ زَيْدٍ والصّريحَ المُهَذَّبَا
سَأُثْني عَلى تَيْمٍ بِمالا يَسُرُّها، ... إذا أرْكُبٌ وَافَوْا بنَعمانَ أرْكُبَا
فإنّكَ لَوْ ضَمّتْكَ يا تَيْمُ ضَمّة ً ... مَنَاكِبُ زَيْدٍ لم تُرِدْ أنْ تَوَثَّبَا
فودتْ نساءُ الدارميينَ لو ترى ... عُتَيْبَة َ أوْ عايَنّ في الخَيلِ قَعْنَبَا
أزيدَ بنَ عبدِ اللهِ هلاَّ منعتمُ ... أُمَامَة َ يَوْمَ الحَارِثيّ وزَيْنَبَا
أخَيْلُكَ أم خَيْلي تَدارَكنَ هانِئاً ... يثرنَ عجاجاً بالغبيطينِ أصهبا
فهلْ جدعُ تيمٍ لا أبالكَ زاجرٌ ... كنَانَة َ، أوْ نَاهٍ زُهَيراً وتَولَبَا
فلا يضغمن الليثُ عكلاً بغرة ٍ ... و عكلٌ يشمونَ الفريسَ المنيبا
وَأخْبِرتُ تَيْماً نادِمِينَ فَسَرّني ... ملامة ُ تيمٍ أمرها المتعقبا(1336/1)
ما أرضى بنصحِ بني كليبٍ و ما أنا عنْ عريفهمُ براضي
و ما أنسىَ ضيعهمُ بحجرٍ و بالقصباتِ محبسهمْ مخاضى
و لو شاءَ الأطبةُ أخبروني بداءٍ في قلوبهم المراضِ
و كمْ دافعتُ منْ خطلٍ ظلومٍ و أشوسَ في الحكومةِ ذي اعتراضِ
شديدٌ منْ ورائهمْ ضريري بطيءٌ بعدَ مرتيَ انتفاضي(1337/1)
ما هاجَ شوقكَ منْ رسومِ ديارِ بلوى عنيقَ أو بصلبِ مطارِ
أبقى العواصفُ منْ معالمِ رسمها شذبَ الخيامِ و مربطَ الأمهارِ
أمنَ الفراق تعبتْ يومَ عنيزةٍ كهواكَ يومَ شقائقِ الأحفارِ
و رأيتَ ناركَ إذ أضاءَ عنيزةٍ كهواكَ يومَ شقائقِ الأحفارِ
و رأيتَ ناركَ إذْ أضاءَ وقودها فرأيتُ أحسنَ مصطلينَ و نارِ
أما البعيثُ فقدْ تبينَ أنهُ عبدٌ فعلكَ في البعيثِ تمارى
و اللؤمَ قدْ خطمَ البعيثَ و أرزمتْ أمُّ الفرزدقِ عندَ شرَّ حوارِ
إنَّ الفرزدقَ و البعيثَ و أمهُ و أبا البعيثِ لشرُّ ما إستارِ
طاحَ الفرزدقُ في الرهانِ و عمهُ غمرُ البديهةِ صادقُ المضمارِ
ترجو الهوادةَ يا فرزدقُ بعدما أطفأتَ ناركَ و اصطليتَ بناري
إني لتحرقُ منْ قصدتُ لشتمه ناري و يلحقُ بالغواةِ سعاري
تباً لفخركَ بالضلالِ و لمْ يزلْ ثوبا أبيكَ مدنسينِ بعارِ
ماذا تقولُ و قدْ علوتُ عليكمْ و المسلمونَ بما أقولُ قواري
و إذا سألتَ قضى القضاةُ عليكمُ و غذا افتخرتَ علا عليكَ فخاري
فأنا النهارُ علا عليكَ بضوئهِ و الليلُ يقبضُ بسطةَ الأبصارِ
إنا لنربعُ بالخميسِ ترى لهُ رهجاً و نضربُ قونسَ الجبارِ
إذْ لا تغارُ على البناتِ مجاشعٌ يومَ الحفاظِ و لا يفونَ بجارِ
أني لقومكَ مثلُ عدوةِ خيلنا بالشعبِ بومَ مجزلِ الأمرارِ
قومي الذينَ يزيدُ سمعي ذكرهمْ سمعاً و كانَ بضوئهمْ إبصاري
و الموردونَ على الأسنةِ قرحاً حمراً مساحلهنَّ غيرَ مهارِ
هلْ تشكرونَ لمنْ تداركَ سيبكمْ و المردفاتِ يملنَ بالأكوارِ
إني لتعرفُ في الثغورِ فوارسي و يفجرونَ قتامَ كلَّ غبارَ
نحنُ البناةَ دعائماً و سوارياً يعلونَ كلَّ دعائمٍ و سوارِ
تدعو ربيعةُ و القميصُ مفاضةٌ تحتَ النجادِ تشدُّ بالأزرارِ
إنَّ البعيثَ و عبدَ آلِ مقاعسٍ لا يقرآنِ بسورةِ الأحبارِ
أبلغْ بني وقبانَ أنَّ نساءهمْ خورٌ بناتُ موقعٍ خوارٍ
كنتمْ بني أمةٍ فأغلقَ دونكمْ بابُ المكارمِ يا بني النخوارِ(1338/1)
أبني قفيرةَ قدْ أناخَ اليكمْ يومَ التقاسمِ لؤمَ آلِ نزارِ
إنَّ اللئامَ بني اللئامِ مجاشعٌ و الأخبثونَ محلَّ كلَّ ازارِ
ضربَ الخميسُ على بناتِ مجاشعٍ حتى رجعنَ و هنَّ غيرُ عذاري
إنَّ المواجنَ منْ بناتِ مجاشعٍ و لهنَ إذا سمعتْ نهاقَ حمارِ
لا تبتغي كمراً بناتُ مجاشعٍ و يردنَ مثلَ بيازرِ القصارِ
أبنيَّ شعرةً ما ظننتَ و حربنا بعدَ المراسِ شديدةُ الاضرارِ
سارَ القصائدُ و استبحنَ مجاشعاً ما بينَ مصرَ إلى جنوبِ و بارِ
يتلاومونَ و قدْ أباحَ حريمهمْ قينٌ أحلهمُ بدارِ بوارِ
لا تفخرنَّ إذا سمعتَ مجاشعاً يتخاورونَ تخاورَ الأثوارِ
أعلى تغضبُ أنْ قفيرةُ أشبهتْ منهُ مكان مقلدٍ و عذارِ
نامَ الفرزدقُ عنْ نوارِ كنومهِ عنْ عقرِ جعثنَ ليلةَ الخفارِ
قالَ الفرزدقُ اذ أتاهُ حديثها ليستْ نوارُ مجاشعٍ بنوارِ
تدعو ضريسَ بني الحتاةِ إذا انتشتْ و تقولُ و يحكَ منْ أحسَّ سواري
إنذَ القائدَ لنْ يزلنَ سوائحاً بحديثِ جعثنَ ما ترنمَ الأكيارِ
و تبيتُ تشربُ عند كلَّ مقصصٍ خضلِ الناملِ واكفِ المعصارِ
لا تفخرنَّ فانَّ دينَ مجاشعٍ دينُ المجوسِ تطوفُ حولَ دوار(1338/2)
هل ينفعكَ إن جربتَ تجريبُ
رقم القصيدة : 16346 ... نوع القصيدة : فصحى ...
هل ينفعكَ إن جربتَ تجريبُ ... أم هل شبابكَ بعدَ السيب مطلوب
أمْ كلمتكَ بسلمانينَ منزلة ٌ ... مَنْ لا يُكَلَّمُ إلاّ وَهوَ مَحجوبُ
كَلّفْتُ مَنْ حَلّ مَلحوباً فكاظمَة ً ... أيهاتَ كاظمة ً منها وملحوبُ
قدْ تيمَ القلبَ حتى زادهُ خبلاً ... من لا يكلمُ إلاّض وهوَ محجوبُ
قد كان يشفيكَ لو لمْ يرضَ خازنهُ ... راحٌ ببردِ قراحِ الماءِ مقطوبُ
كأنَّ في الخدَّ قرنَ الشمسِ طالعة ً ... لّما دَنَا مِنْ جِمارِ النّاسِ تحصِيبُ
تَمّتْ إلى حَسَبٍ ما فَوْقَهُ حَسَبٌ ... مجداً وزينَ ذاكَ الحسنُ والطيبُ
تَبْدو فتُبدي جَمالاً زانَهُ خَفَرٌ ... إذا تَزَأزَأتِ السّودُ العَناكيبُ
هلْ أنتَ باكٍ أو تابعٌ ظعناً ... فالقَلْبُ رَهْنٌ معَ الأظعانَ مَجنوبُ
أما تريني وهذا الدهرُ ذو غيرٍ ... في مَنِكِبَيّ وَفي الأصلابِ تَحْنيبُ
فَقَدْ أمُدُّ نِجادَ السّيفِ مَعتَدِلاً ... مثلَ الردينيَّ هزتهُ الأنابيبُ
وَقَد أكُونُ على الحاجاتِ ذا لبَثٍ، ... و أحوذياً إذا انضمَّ الذعاليب
لَمَّا لَحِقْنا بظُعْنِ الحَيّ نَحْسِبُها ... نَخْلاً تَراءَتْ لَنا البِيضُ الرّعابِيبُ
لما نبذنا سلاماً في مخالسة ٍ ... نَخشَى العُيونَ وَبَعضُ القوْمِ مرْهوبُ
وَفي الحُدوجِ التي قِدْماً كَلِفتُ بهَا ... شخصٌ إلى النّفسِ موْموقٌ وَمْحبوبُ
قتلنا بعيونٍ زانها مرضٌ ... و في المراضِ لنا شجوٌ وتعذيبُ
حتى متى أنتَ مشغوفٌ بغانية ٍ ... صبٌّ اليها طوالَ الدهرِ مكروبُ
هل يصبونَّ حليمٌ بعدَ كبرتهِ ... أمسى وأخدانهُ الأعمامُ والشيبُ
إن الامامَ الذي ترجى نوافلهُ ... بَعدَ الإمامِ، وَليُّ العَهدِ أيّوبُ
مستقبلُ الخيرِ لا كابٍ ولا حجدٌ ... بدرٌ يغمُّ نجومَ الليلِ مشبوبُ
قال البرية ُ إذ أعطوكَ ملكهمُ ... ذببْ وفيكَ عن الأحساب تذبيبُ
يأوى اليكَ فلاَ منٌّ ولا جحدٌ ... منْ ساقهُ السنة ُ الحصاءُ والذيبُ(1339/1)
ما كانَ يُلقَى قَديماً في منازِلِكُمْ ... ضيقٌ ولا في عباب البحر تنضيبُ
أللهُ أعطاكمُ منْ علمهِ بكم ... حكماً وما بعدُ حكم اللهِ تعقيبُ
أنتَ الخَليفَة ُ للرّحْمَنِ يَعرِفُهُ ... أهلُ الزَّبورِ وَفي التّوْراة ِ مَكتُوبُ
كُونُوا كيُوسُفَ لّما جاءَ إخْوَتُهُ ... وَاستَعرفوا قال: ما في اليوْمِ تَثرِيبُ
أللهُ فضلهُ واللهُ وفقهُ ... توفيقُ يوسفَ إذْ وصاهُ يعقوب
لما رأيتَ قرومَ الملكِ سامية ً ... طاحَ الخُبَيْبانِ وَالمكذوبُ مكذوبُ
كانتْ لهمْ شيعٌ طارتْ بها فتنٌ ... كَمَا تَطَيّرُ في الرّيحِ اليَعاسِيبُ
مُدّتْ لهم غايَة ٌ لم يَجْرها حَطِمٌ، ... إلاَّ استدارَ وعضتهُ الكلاليب
سوستمُ الملكَ في الدنيا ومنزلكمْ ... منازلُ الخللدْ زانتها الأكاويب
لمّا كَفَيْتَ قُرَيْشاً كُلَّ مُعضِلَة ٍ، ... قالتَ قُرَيشٌ: فدَتكَ المُرْدُ وَالشِّيبُ
إنّا أتَيْنَاكَ نَرْجُو منكَ نَافِلَة ً، ... منْ رمل يبرينَ إنَّ الخيرَ مطلوب
تخدى بنا نجبٌ أفنى عرائكها ... خِمسٌ وخمسٌ وتأويبٌ وتأويبُ
حتى اكتَسَتْ عرَقاً جَوْناً على عَرَقٍ ... يُضّحي بأعطافِها مِنهُ جَلابِيبُ
... وَابْنَا نَعَامَة َ وَالمَهْرِيُّ مَعكُوبُ
ينهضنَ في كلَ مخشى َّ الردى قذفٍ ... كما تقاذفَ في اليمَّ المرازيبُ
من كُلّ نَضّاخَة ِ الذِّفَرى عَذَوَّرَة ٍ ... في مِرْفَقيْها عَنِ الدّفّينِ تَحنيبُ
إن قيلَ للركب سيروا والمهى حرجٌ ... هَزّتْ عَلابِيَها الهُوجُ الهَراجيبُ
قالوا الرّواحَ وظِلُّ القَوْمَ أرْدِيَة ٌ، ... هذا على عَجَلٍ سَمْكٌ وتَطْنيبُ
كيفَ المقامُ بها هيماءَ صادية ً ... في الخِمس جهدٌ وَوِرْد السدس تنحيبُ
قَفْراً تَشابَهُ آجالُ النَّعامِ بهَا، ... عيداً تَلاقَتْ بهِ قُرّانُ والنُّوبُ(1339/2)
و كنا عهدنا الدارَ و الدارُ مرةً هيَ الدارُ إذْ حلتْ بها أمُّ يعمرا
ذكرتُ بها عهداً على الهجرِ و البلى و لا بدَّ للشعوفِ أنْ يتذكرا
أجنَّ الهوى ما أنسَ لا أنسَ موقفاً عشيةَ جرعاءَ الصريفِ و منظرا
تباعدَ هذا الوصلُ إذ حلَّ أهلها بقوٍ و حلتْ بطنَ عرقٍ فعرعرا
لياليَ تسبى القلبَ منْ غيرْ ريبةٍ إذا سفرتْ عنْ واضحِ اللونِ أزهرَ
أتى دونَ هذا الهمَّ همٌّ فأسهرا أراعى نجوماً تالياتٍ و غورا
أقولُ لها منْ ليلةَ ليسَ طولها كطول الليالي ليتَ صبحك نورا
أخافُ على نفسِ ابنِ أحوزَ إذْ شفىَ و أبلىَ بلاءً ذا حجولٍ مشهرا
شديداً منَ الأثارِ خولةَ بعدما دعتْ ويلها و استعجلتْ أنْ تخمرا
ألا ربَّ سامي الطرفِ منْ آل مازنٍ إذا شمرتْ عنْ ساقها الحربُ شمرا
أتنسونَ شداتِ ابنِ أحوزَ إنها جلتْ كلَّ وجهْ معدٍّ فأسفرا
و أدركَ ثأرَ المسمعينِ بسيفهِ و أغضبَ في شأن الخيارِ فنكرا
جعلتَ بقبرٍ للخيارِ و مالكٍ و قبرِ عديٍّ في المقابرِ أقبرا
و غرقتَ حيتانَ المزونِ و قد لقوا تميماً و عزا ذا مناكبَ مدسرا
و أطفأتَ نيرانَ النفاقِ و أهلهِ و قد حاولوا في فتنةٍ أنْ تسعرا
فلمْ تبقِ منهمْ رايةً يرفعونها و لمْ تبقِ منْ آلِ المهلبِ عسكرا
فأنَّ لأنصارِ الخليفةِ ناصراً عزيزاً إذا طاغٍ طغى و تجبرا
فذو العرشِ أعطانا الكرهِ و الرضا إمامَ الهدى ذا الحكمةَ المتخيرا
فأضحتْ راوسي الملك في مستقرها لمنجبٍ منْ آلِ مروانَ أزهرا
و إنَّ الذي أعطى الخلافةَ أهلها بنى ليَ في قيسٍ و خندفَ مفخرا
منابرَ ملكٍ كلها مضربةٌ يصاى علينا منْ أغرناه منبرا
أنا ابنُ الثرى أدعو قضاعةَ ناصري و ألِ نزارٍ ما أعزَّ و أكثرا
عديداً معدياًّ لهُ ثروةَ الحصى و عزاً قضاعياً و عزاً تنزرا
نزارٌ إلى كلبِ و كلبٌ اليهمُ أحقُّ ز أدنى منْ صداءٍ و حميرا
و أيُّ معديٍّ يخافُ و قدْ رأى جبال معدٍْ و العديدَ المجمهرا
و أبناءُ إسحقَ الليوثُ إذا ارتدوا محاملَ موتٍ لابسينَ السنورا(1340/1)
فيوماً سرابيلُ الحديدِ عليهمُ و يوماً ترى خزاً و عصباً منيرا
إذا افتخروا عدوا الصبهندَ منهمُ و كسرى و آلَ الهرمزانِ و قيصرا
ترى منهمُ مستبرصينَ على الهدى و ذا التاجِ يضحى مرزناباً مسورا
أغرَّ شبيهاً بافنيقِ إذا ارتدى على الفبطرىَّ الفارسيَّ المزررا
و كانَ كتابٌ فيهمُ و نبوةٌ و كانوا بأصطخرَ الملوكَ و تسترا
لقدْ جاهدَ الوضاحُ بالحقَّ معلماً فأورثَ مجداً باقياً أهلَ بربرا
أبونا أبو إسحاقَ يجمعُ بيننا أبٌ كانَ مهدياً نبياً مطهرا
و منا سليمانُ النبيُّ الذي دعى فأعطى بنينا و ملكاً مسخرا
و موسى و عيسىَ و الذي خرسا جداً فأنبتَ زرعاً دمعُ عينيةِ أخضرا
و يعقوبُ منا زادهُ اللهُ حكمةً و كانَ ابنُ يعقوبٍ أميناً مصوراً
فيجمعنا و الغرَّ أبناءَ سارةٍ أبٌ لا نبالي بعدهُ منْ تعذرا
أبونا خليلُ اللهِ و اللهُ ربنا رضينا بما أعطى الالهُ و قدرا
بني قبلةَ الله التي يهتدى بها فأورثنا عزاً و ملكاً معمرا
لشتانَ منْ يحمى معداً منَ العدا و منْ يسكنُ الماخورَ في منْ تمخرا
فبؤْ بالمخازي يا فرزدقُ لمْ يبتْ أديمكَ إلاَّ واهياً غيرَ أوفرا
فانكَ لو ضمنتَ منْ مازنٍ دماً لما كانَ لابنَ القينِ أنْ يتخيرا
فلا تأمنُ الأعداءُ أسيافَ مازنٍ و لكنَّ رأىَ ابني قفيرةُ قصرا
فأخزيتَ يا ابنَ القينِ آلَ مجاشعٍ فأصبحَ ما تحمى مباحاً مدعثرا
اتنعونَ وهباً يا بني زبداستها و قد كنتمُ جيرانَ وهبْ بنْ أبحرا
فما كانَ جيرانُ الزبيرٍ مجاشعٍ بألأمَ منْ جيرانِ وهبٍ و أغدرا
و قالتْ قريشٌ للحواري جاركمْ أرغوانَ تدعو للجوارِ و ضوطرا
تراغيتمُ يومَ الزبيرِ كأنكمْ ضباعُ مغارات يبادرنَ أجعرا
و جعثنَ كانت خزيةً في مجاشعٍ كما كانَ غدرٌ بالحواريَّ منكرا
ألمْ تحبسوا وهباً تمنونهُ المنى و كانَ أخا همٍّ طريداً مسيرا
فلو أنَّ وهباً كانَ حلَّ رجالهُ بحجرٍ للاقى ناصرينَ و عنصرا
و لوْ حلَّ فينا عاينَ القومُ دونهُ عوابسَ يعلكنَ الشكيم و ضمرا(1340/2)
إذاً لسمعتَ الخيلَ و الخيلُ تدعى رياحاً و تدعوا العاصمينَ و جعفرا
فوارسَ لا يدعونَ يالَ مجاشعٍ إذا كانَ ما تذرى السنابكُ عثيرا
و لو ضافَ أحياءً بحزنِ مليحةٍ للاقى جواراً صافياً أكدرا
همُ ضربوا هامَ الملوكِ و عجلوا بوردٍ غداةَ الحوفوانِ فبكرا
و قد جربَ الهرماسُ وقعَ سيوفنا و صدعنَ عنْ رأسِ ابنِ كبشةَ مغفرا
و قدْ جعلتْ يوما بطخفةَ خيلنا لآلِ أبي قابوسَ يوماً مذكرا
فنوردُ يومَ الروعِ خيلا مغيرةً و توردُ ناباً تحملُ الكيرَ صوأرا
سبقتَ بأيامِ الفضالِ و لمْ تجدْ لقومكَ إلاَّ عقرَ نابكَ مفخرا
لقيتَ القرومَ الخاطراتِ فلمْ يكنْ نكيركَ إلاَّ أنْ تشولَ و تيعرا
و لاقيتَ خيراً من أبيكَ فوارساً و أكرمَ أياماً سحيماً و جحدرا
همُ تركوا قيسا و عمراً كلاهما يمجُّ نجيعاً منْ دمِ الجوفِ أحمرا
و سارَ لبكرٍ نخبةٌ منْ مجاشعٍ فلما رأى شيبانَ و الخيلَ كفرا
و في أي يومٍ لم تساقوا غنيمةً و جاركم فقعٌ يحالفُ قرقرا
لقدْ كنتُ يا بنَ القينِ ذا خبرةٍ بكمْ و عوفٌ أبو قيسٍ بكمْ كانَ أخبرا
فلا تتقونَ الشر حتى يصيبكمْ و لا تعرفونَ الأمرَ إلاَّ تدبرا
و عوفٌ يعافُ الضيمَ في آلِ مالك و كنتمْ بنى جوخى على الموتِ أصبرا
تركتمْ مزاداً عندَ عوفٍ رهينةً فأطعمهُ عوفٌ ضباعاً و أنسرا
و صالحنمُ عوفاً على ما يريبكمْ كما لمْ تقاضوا عقرَ جعثنَ منقرا
و جعثنُ قد زيدتْ مداداً على الزنا و زادتْ علىَ حملْ الحواملِ أشهرا
تناومتْ يا بنَ القينِ إذْ يخجلونها كخلجِ الصراري السفينَ المقيرا
فما ظنكمْ بالقعسِ منْ آلِ منقرٍ و قدْ باتَ فيها ليلها ما تسحرا
و باتتْ تنادي غالباً و كأنما يشقونَ زقاً مسهُ القارُ أشعرا
و عمرانُ ألقى فوقَ جعثنَ كلكلاً و أوردَ أمُّ الغيل فيها و أصدرا
و باتتْ ردافي منقرٍ يكسعونها بكلَّ فسوخٍ يابسِ النعظِ أعجرا
رأى غالبٌ آثارَ فيشلٍ منقرٍ فما زالَ منها غالبٌ بعدُ مهترا(1340/3)
لكى غالبٌ لما رأى نطفاً بها منَ الذلَّ إذ ألقى على النارِ أيصرا
أشاعتْ قريشٌ للفرزدقِ خزيةً و تلكَ الوفودُ النازلونَ الموقرا
عشيةَ لاقى القردُ قردُ مجاشعٍ هزبراً ابأشبلينَ في الغيلِ قسورا
منَ المحمياتِ الغيلِ غيلَ خفيةٍ ترى تحتَ لحبيهِ الفريسَ المعفرا
جزى اللهُ ليلى في جبيرِ ملامةً و قحَّ قينا بالفرزدقَ أعورا
إذا ذكرتَ ليلى جبيراً تعصرتْ و ليسَ بشافٍ داءها أن تعصرا
ألا قبحَ اللهُ الفرزدقَ كلما أهلَّ مصلٍّ للصلاةِ و كبرا
فلا يقربنَّ المروتينَ و لا الصفا و لا مسجدَ اللهِ الحرامَ المطهرا
فانكَ للو تعطى الفرزدقَ درهماً على دينِ نصرانيةٍ لتنصرا
يبينُ في وجهِ الفرزدقَ لءمهُ و ألأمُ منسوبٍ قفاً حينَ أدبرا
لحى اللهُ ماءً منْ عروقٍ خبيثةٍ سقتْ سابياءَ جاءَ فيها مخمرا
فما كانَ منْ فحلينِ شرٌّ عصارةً و ألأمُ منْ حوضِ الحمارِ و كيمرا
قفيرةُ لم ترضعْ كريماً بثديها و ما أحسنتْ منْ حيضةٍ أن تطهرا
و ما حملتْ إلاَّ عراضاً لزينةٍ و لا سيقَ منْ مهرْ اليها فتمهرا
قفيرةُ أمُّ القينْ يثمرُ بظرها مراراً إذا ما عرفجُ الصيفِ أثمرا
فقدْ حسبتَ أمُّ الفرزدقُ أنها تبولُ جبابا مز وطابَ ابنْ أيسرا
فجاءتْ على أنفِ الفرزدق خزيةٌ فقبحَ ذاكَ اصطكَّ الأضاميم صدرا
تسوفُ صنانَ القينِ منْ ربةَّ بهِ ليجعلَ في ثقبِ المحالةِ محورا
تزورُ جبيراً مرةً و يزورها و تتركُ أعمى ذا خميلٍ مدثرا
و يخلجُ منها القينُ محبوكةَ القرى كأنَّ بها محاً منَ البيضِ أصفرا
فهلْ لكم في حنثرٍ آلَ حنثرٍ و لما تصبْ تلكَ الصواعقَ حنثرا
ألا ربَّ أعشى ظالمٍ متخمطٍ جعلتُ لعينيهْ جلاءً فأبصرا
ألمْ أكُ ناراً يتقي الناسُ شرها وسماً لأعداءِ العشيرةِ ممقرا
ألم أكُ زادَ المرملينَ و والجاً إذا دفعَ البابُ الغريبَ المعورا
نعدُّ لأيامِ نعدُّ لمثلها فوارسَ قيسٍ دارعينَ و حسرا
أتنسونَ يومى رحرحانَ كليهما و قد أشرعَ القومُ الوشيجَ المؤمرا(1340/4)
و ما كنتَ يا بنَ القينِ تلقي جيادهمْ وقوفاً و لا مستنكراً أنْ تعقرا
تركتَ بوادي رحرحانَ نساءكم و يمَ الصفا لاقيتمْ الشعبَ أوعرا
سمعتمْ بني مجدٍ دعوا يالَ عامر فكنتمْ نعاماً بالحزيزِ منفرا
و أسلتمُ لابني أسيدةً حاجباً و لاقى لقيطٌ حتفهُ فتقطرا
و أسلمتِ القلحاءُ للقومِ معبداً يجاذبُ مخموساً منَ القدَّ أسمرا(1340/5)
الجمال
خَلَقْتَ الجَمَالَ لَنَا آيَةً ... تَطُوفُ القُلوبُ بهَا وَ العَيُونْ
وَأَبْدَعْتَ في الكَوْن مَا تَجْتَلي ... عُيُونٌ وَمَا هُوَ سِرٌّ دَفِينْ
وَزيَّنْتَهُ ! يَا لَهَذا الجَمَالِ ... وَهذا الجَلاَلِ وهذا الحنين
فَتَخْشَعُ في نُورِه أَضْلُعٌ ... وتَخْفُقُ أَشْوَاقُهَا و الشُّجُونْ
فهذي السَّمَاءُ وآفَاقُها ... بُرُوجٌ تُزَيَّنُ للنَّاظِرينْ
فَكَمْ بَصَرٍ عَادَ مِنْهَا حَسْيراً ... عَلى خَشيَةٍ وَهُمُ مُشْفِقُونُ
وَ غَيْبٌ وراءَ وثوب الخيالِ ... عَصَيٌّ عَليْهِ و سَقفٌ مَتِينْ
فُطُفْ حَيْثُ شِئتَ فآيَاتُهَا ... جَلاَلُ المَدَى و جَلال القرونْ
وهذي هي الأرضْ كَمْ جَنَّةٍ ... تَفَجَّرُ بين جَنَاها العُيُونْ
ورَوْضٍ تَنَفَّسَ عَنْهُ الصَّبَاحُ ... شَذاً من وُرُودٍ و مِنْ يَاسَمِينْ
وطَيْرٍ كَأْنّ رَفيفَ جَنَاحَيْـ ... ـهِ رفُّ البكُورِ وهمْسُ الغُصُونْ
يُسَبِّح لله في مَوْكِبٍ ... جَليلٍ وحَشْدٍ من الخاشِعِينْ
وكَمْ مِن جِبالٍ تَشقُّ ذُرَاهَا ... عنانَ السَّماءِ و سَهْلٍ يَلينْ
وَكَمْ أَبْحُرٍ غَيَّبَ الله فِيهَا ... غُيُوباً وأَطْلَقَ فيها السَّفِينْ
وَنَهْرٍ .. تَدَفَّقُ أَمْواهُه ... يُرَوِّي الحَيَاةَ ويُغْني القُرونْ
يُزَيِّنُها الله كَيْفَ يشاءُ ... وَيَمْنَحُهَا عَبْقَرِيَّ الفُنُونْ
وأنْشَأتَ مِنْ زِينَةٍ في الحياةِ ... لِتَبْلُوَ مِنَّا الهَوَى و اليَقِينْ
وَتَبْلوَ مِنَّا خَبَايَا الصُّدُورِ ... ونَجْوَى القُلُوبِ و هَمْس الجُفُونْ
فَكَمْ زِينَةٍ سَعَّرَتْ فِتْنَةً ... تلظَّتْ عَلَى شَهْوَةٍ أَو مُجُونْ
وكمْ زِينَةٍ رفَّ فيها الجَمّالُ ... يُطَهِّرُ أَشْوَاقَنا والحَنِين
فَزِينَةُ هذِي الحَيَاةِ رِيَاشٌ ... وزهْوَةُ مَالٍ وَ شَوْقُ البَنِيْنْ
يُبَدِّلُهَا النَّاسُ في سَعْيِهِمْ ... شُكُورَ التُّقَى أو جُحُودَ الفُتُونْ
فَكَمْ جَاهِلٍ ضَلَّ في غَيِّه ... فَظنَّ الجَمَالَ هَوَى المُعْتَدِينْ(1341/1)
وَلهْوَ الحَرَام عَلَى شَهْوَةٍ ... تَوَاثَبُ بَيْنَ غَوَانٍ و عِينْ
رَفِيفُ الجَمَالِ نَوَالُ الحَلالِ ... وصِدْقُ الوَفَاءِ وعَهْدٌ أَمينْ
وأَجْمَلُ آيَاتِهِ أَنَّهُ ... هُوَ الحَقُّ والطُّهْرُ أنّى يكُونْ
ونورٌ تَدفّقَ مِلءَ الوُجُودِ ... يُزيحُ الظّلاَمَ و يَنْفي الظّنُونْ
وَحُرِّيّةٌ أَطْلَقَتْ أَنْفُساً ... لِتَمْضِيَ في مَوْكِبِ العَابِدينْ
سَيَبْقَى الجَمالُ لَنَا آيَةً ... يَرَى اللّهَ في صِدْقِها العَالمونْ
ويَبْقى هَوَانَا هوى الصَّادقينَ ... فَمَا الحُبُّ إِلا هَوَى الصَّادقِينْ
وَمَا الحُبُّ إلا زكيُّ الجَمَالِ ... نَقِيُّ الفعَال وَ فَاءٌ وَ دينْ
وَمَنْ عَرَفَ الحُبَّ للّـ ... ـهِ عَلّمَهُ الحبُّ تَرْكَ المُجُونْ
ففي كُلِّ ناحِيَةٍ آيَةٌ ... مِنَ الحُسْنِ تُجْلَى و حَقٌّ يَبِينْ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ اللّـ ... ــه رَبُّ الخَلائِقِ و العَالمينْ
وَلَيْسَ يَرَاها سِوَى مُؤمِنٍ ... وَلَيْسَ يَرَاهَا سَوَى المتَّقين
وأَنْتَ جَميلٌ تُحِبُّ الجَمالَ ... فَقُلْتَ لَنَا يا عِبَادِي اتَّقُونْ(1341/2)
السهم الأخير وفتىًُ يفَجَّر نفسَهَّ
ماذا أَقول و أيَّ شيءٍ أكْتُبُ ... السَّاحُ تَنْأى والمَنازلُ تَغْربُ
لَهْفي على تلك الدِّماءِ تَدَفَّقَتْ ... والنَّاسُ في لَهْوٍ يَضجُّ و يصْخَبُ
الرّاقِصون على الدِّماءِ على الأنيـ ... ـن، على الجَماجِم ! والغِناءُ الأعْجَبُ
الغيدُ تَلْهو بالقُلوب و حَوْلَها ... سَكْرَى! وأَنغَامُ الضّياعِ تَسَرَّبُ
لله در ُّ فتىً يُفجِّرُ نَفْسَهُ ... ويْحي ! وأُمّتُهُ غُفَاةٌ غُيَّبُ
فكأنّما مُلِئَتْ جَوانبُهُ أسىً ... غَضَباً ! ولم يَرَ حَوْلَهُ مَنْ يَغْضَبُ
وفؤادُه لَهَبُ العزيمة وَقْدُه ... عَزْمٌ وإِيثارٌ وحقٌّ أَغْلَبُ
وعلى مُحَيَّاهُ البشائرُ أَشْرَقتْ ... أَملاً يُضيء ولَهْفَةً تترقَّبُ
***
وتلفَّتتْ عَيْناه! حِين بَدَا لَهُ ... زَحْفٌ ونِيرانٌ تُصَبّ و تُسْكَبُ
ومدافعٌ وقنابلٌ والطائرا ... تُ تحومُ تُلْقي بالجحيمِ وتضْرِبُ
ويحي! ودّباباتُه انْطَلقَتْ على ... قَصْفٍ أَشَدَّ، لَهِيْبُهُ لا يُحْجَبُ
فمنازلٌ تَهْوي عَلى أصْحابِها ... ومصانِعٌ تُطْوى وأَهْلٌ نُحَّبُ
ودَمٌ تفجَّرَ في المَرابِعِ كُلِّها ... دَوّى هُناك ! فَمنْ يُجِيبُ ويُعْرِبُ ؟
وَدمُ الطّفولةِ يسْتَغيثُ ! وأنَّةُ ... الثكْلى تُنادي! والدّموعُ تَشَعَّبُ
وتلفّتتْ عَيْناه ! هل مِنْ مُشْفِقٍ ... في الأَرْض يَحْنوُ ؟ أو يَلين فيحدُبُ
فالناس والدّنْيا كأنّ بِهمْ عَمىً ... وقلوبُهُمْ شتَّى المسَالكِ تذْهَبُ
أَو أنّهم صُمٌّ وبُكْمٌ ويْحَهُمْ ... لا مَشْرِقٌ يُصْغي لهمْ أو مَغرِبُ
***
وتلفَّتتْ عيناهُ تنطقُ بالأسى ... تقول يا دنيا أطلّوا وارقُبوا
أين النِّظامُ العَالميّ ؟ ! وأيْن كُـ ... ـلُّ لجانِهِ ؟ أيْنَ المُنى والمطْلبُ
أين الشّعاراتُ التي غَنَّوا بِها ... زَمَناً فَغَاب غِناؤهم والمُطْرِبُ
أيْنَ الأُخُوّةُ والعَدالةُ والمُسَا ... واة التي تُطْوى هُنَاكَ وتَكْذِبُ
***
وتلفّتت عيناهُ واْلتَفَتَ الفؤا ... دُ : فأيْن أهْلي و الهَوَى والمأربُ ؟!(1342/1)
أيْنَ العُروبةُ والسّلامُ و أيْنَ أرْ ... حامٌ تَقَطَّعُ والوِدادُ الأَقْرَبُ ؟!
أيْنَ الشِعارات التي دوّى بها ... حَشْدٌ وأين سَبيلُها والمذْهَبُ ؟!
والمسْلمون ! وأَيْنَ هُمْ ؟! أيْنَ الوعُو ... دُ ؟! وكَمْ تُبَدَّل، ويْحَهم، وتُقَلَّبُ
نَادَوْا شُعُوبَ الأرض! قَادتَها! اسْتَغا ... ثُوا بالعدُوِّ وبالصّديقِ وأوْعَبُوا
وتَوسَّلوا! وتَضرَّعوا! و تَذلَّلوا! ... من ذا يُجيبُ نِداءَهُمْ أو يَصْحَب ؟!
قالوا قَلِقْنا! أوقفوا الإرهاب! ويْـ ... لكُمُ ! فمن ذاك الذي هُو يُرْهِبُ ؟!
مَنْ قَتَّل الأَطْفَالَ ؟! مَنْ قَدْ أشعل الـ ... نَّيران؟! مَنْ يَطْغَى هناكَ ويُلْهِبُ ؟!
قالوا : سنبعَثُ بالوسيط لكي يُعا ... لِجَ ما يَرى من مُشْكِلٍ و يُقَرِّبُ
كمْ من وسيطٍ يا فلَسْطِينُ ارْتَدى ... ثوبَ السّلام يَنالُ مِنْكِ ويَنْهَبُ
المجْرِمونَ عِصَابَةٌ جَمَعَتْهُمُ ... فِتَنُ الهَوى صفّاً يَشُدُّ ويدأَبُ
***
وتَلفَّتَتْ عَيْناهُ : أيْنَ مُفاوِضٌ ... يَسْعى ؟ ! وأيْنَ الفارس المتَوَثِّبُ
كم قَاعةٍ قَد زُيِّنتْ لمفَاوُضٍ ... لاهٍ يُمَثّلُ أو يُراوغُ ثَعْلَبُ
وتَدورُ فيها الشاةُ تَثغو، دونَها ... نابٌ يُقَطَِّع أو يُمزِّقُ مخْلبُ
***
وتلفّتَتْ عَيْناهُ! ويْحي لم يَعُدْ ... في السّاحِ مِنْ حَجَرٍ يَطيرُ ويُرْعِبُ
وتَلفّتَتْ عيْناهُ ! ويْحيَ لم يَعُدْ ... حَشْدُ السلاح يَصُدُّ أو يتصَبَّبُ
وتلفّتَتْ عَيْناهُ ! والأَقْصى يَئـ ... ـنُّ وقَيْدُه قاسٍ عليه مُجَرّبُ
وتلفّتَتْ عَيْناهُ! وامْتلأَتْ جوا ... نِبُه أسىً ينْمو لديْه و يَغلِبُ
وإذا الهوان يلفُّ أُمَّتَهُ وهَلْ ... يَبْقَى الأَبيُّ على الهوان ويَرْغَبُ
فإذا به متواثِبٌ ! أحناؤه ... غَضَبٌ يَفُُورُ مع الضُّلوع ويُلْهبُ
وخُطاه تَسْتَبِقُ الرّدى! حتّى إذا ... بلغَ الميادين التي تتقلّبُ
فَتَفَجّرتْ أحْناؤه وتطايرت ... أشْلاؤه والأُفْقُ مِنْهُ مُخَضّبُ(1342/2)
ليظَلَّ يَشْهَدُ أن أمّتنا هَوَتْ ... وغَفَتْ وأطْبَقَ فوْقَ ذلك غيْهَبُ
ويَقولُ : إنْ أخطأتُ، إنّ هَوان مَنْ ... تَرَ كَ الجِهاد أشدُّ منهُ وأصْعبُ
أهلكتُ نَفْسي؟ غَيْر أنّ سِوايَ أهـ ... لَكَ أُمّةً ومَضَى يَهونُ ويُغلَبُ
فالله يَغْفِر ما يَشاء لمنْ يشا ... ءُ بِرَحْمَةٍ تُرجَى وفضْلٍ يُوْهَبُ
ما كان يَغْفِر للّذي يمْضي على ... شِرْكٍ و يُمْعِنُ في هَوَاه و يُغْرِبُ
كَثُرَ الذين رَأَيْتُهُمْ يُفْتُونَ في ... أمْري ! وأمْرُهمُ أشدُّ وأَعْجَبُ
ما بَالُهُمْ لا يَنْهَضُون إلى الّذي ... أفْتَوا به، أو للّذي هو أقْرَبُ
ما عَاد يَنْفَعُني الفتاوى! إنّني ... في عَالَم الحقِّ الّذي لا يُكْذَبُ
فالله يَحْكُم وحده بِعبادِه ... فيه، وحُكْمُ الله حقٌّ مُوْجِبُ
فدَعُوْا أُمُوريَ وانْهَضوا لأُمُورِكُمْ ... وافْتُوا ! فذلك لو عَلمْتُمْ أصْوَبُ
الخُلْفُ بيْنَكُمُ أضَرُّ عَلَيْكُمُ ... واشَدُّ من مَكْرِ العَدوِّ وأصْعَبُ
فِرَقاً تَمَزَّقُ كَمْ تَرَوْن خِلالَها ... شَرّاً يُدَارُ وفتنةً تَتَسرّبُ
***
فجّرْتُ نَفْسِيَ! هل فَتَحْتُمْ بَعْدَه ... دَرْباً إلى النَّصْرِ العزيِزِ يُقرِّبُ
هلاَّ جمعتُم أُمَّة الإسلام صَفّـ ... ـاً يَجْتَلي صُوَرَ الجِهاد ويَطْلبُ
إنْ لمْ تَقُمْ في الأرضِ أُمَّة أحمد ... ضاعَتْ جُهودُكُمُ وتاهَ المَذْهَبُ(1342/3)
الفجر الدامي
دَوّى الأَذَانُ ! فَيَا منَابِرُ أَوِّبي ... شَوقاً إلى خُضْرِ الجِنَانِ وَرَدّدي
خَشَعَتْ لَهُ الدّنيا ! فَيا لَجَلالِهِ ... وجَمَاله وجَلالِ ذاكَ المشْهَدِ
كلُّ المرابعِ أَخْبتَتْ لِلّه خا ... شِعَةً فمِنْ وَادٍ يَرفُّ وأَنْجُدِ
ونَسَائم الفَجْر البَليل سَرَتْ به ... عَبَقاً وأَنداءً وآيَ محمَّد
وكأَنَّ شقشقَة الطيور ِ نَدَاوَةٌ ... رفَّتْ وتسْبيحُ الرُّبى والأوهُدِ
وكأَنَّ شقشقَة الزهور تظلَّ تَسْـ ... ـأَلُ ما يُخبَّأُ يا مَرابعُ في غدِ
وتنفَّسَ الورْدُ الغَنِيُّ كَأَنّهَ ... عَبَقٌ يجودُ بِعطره المُتَورِّدِ
يُلْقي عَلى السَّاحَات مِنْ دَمِه دَماً ... لِيَقُول: يا دُنْيا أَطِلِّي واشُهَدي
فَهُنا مَيَادينُ الجهادِ نَمْدُّها ... دَفْقاً بأمواجِ الدَّم المتجدِّدِ
وهنا رباطُ المؤمنينَ وسَاحَةٌ ... لجِهادِهمْ أو آيةٌ للمهتدي
تَتَلَفَّتُ الآفَاقُ ، لا تَلْقَى سِوَى ... سَاعٍ يُجيبُ نِدَاءَهُ أو مُغْتد
* * *
وتَنفَّسَ الصُّبحُ النَّديُّ و حَوَّمَتْ ... بَيْنَ الدّيار مُنى وطلعةُ شُهَّدِ
يَسْعَون للبَيْتِ المنَوَّر بالهُدى ... مُستبْشِرين بِجَولةٍ أو مَوِعِدِ
فرُبُوعُها سَاحُ الرّباط لمؤمِنٍ ... متَواثِبٍ أَو مؤمِنٍ مُتَهجِّدِ
يتواصَل التَّاريخُ في سَاحاتِها ... بنُبُوة الإسْلاَم و العَهْد النَّدي
يَسْعَون للحَرمِ الطّهور خُطاهُمُ ... نُورٌ يشُقُّ ظلامَ لَيْلٍ أَسُودِ
نِعمَ البُكورُ وتِلْكَ عَزْمة مؤمِنٍ ... والجُمْعَةُ الزَّهراءُ لهْفَةُ أَرْشدِ
والنورُ مِنْ رَمَضَان مُنبَلجٌ عَلى ... سَاحاتِهَا فَيْضاً غَنيَّ المورِدِ
يَا للفضَائل ! كُلّها قَدْ جُمّعَتْ ... للصَّائمين القائمينَ السُّهَّدِ
* * *
لِلّه درُّ البَيْتِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ ... وَشَهادَةٍ صَدَقَتْ وطَلْعةِ رُوَّدِ
وكَأَنّ إبراهيمَ، يا لَدُعَائِه ! ... نادَى وقالَ: هُنَا وَفَاءُ مُحَمَّدِ
الصّائِمون العَابدون خُطاهُمُ ... شَوقٌ يُلحُّ ولهفَةُ المُتعَبِّدِ(1343/1)
فَكّأَنّها أَبدَاً تحِنُّ لجَنَّةٍ ... خَضْراءَ زاهِيةٍ وبِرٍّ أخلدِ
وأَتَوالِبَيْتِ اللهِ يَخْشَعُ عِنْدهَ ... قَلْبٌ أَبَرُ وخفْقَة مِنْ أَكبُدِ
فَتَرى مَواكِبَهمْ هُناكَ كأَنّهم ... زُهْرُ الكَواكِبِ أَو مَطَالِعُ فَرقَدِ
رُفِعُ الأَذَان فأقْبَلُوا وصُفُوفُهمْ ... مَرْصُوصَةٌ وَقلوبُهُمْ شَوْقُ الغَدِ
اللَّهُ أَكْبَرُ! فانْحَنَوا لرِكُوعِهمْ ... واللَّهُ يَسْمعُ خَفْقَةَ المتَوَجِّدِ
رَفَعُوا وأهْوَوا للسُّجودِ فلا تَرَى ... إلا خُشَوعَ العابِدين السُّجَّدِ
دَوَّى الرّصَاصُ! وخلف كلِّ رصاصةٍ ... عاتٍ تمرَّسَ في الضّلال الأنْكدِ
المجرمون ! فيا لِهَوْلِ جَريمةٍ ... كُبْرَى ! ويا لِلْمُجْرِمِ المتَرصِّدِ
كمْ مُجْرِمٍ في الأَرض لم يَقْنُتْ ولمْ ... يخشعْ لخَالِقِهِ وَلمْ يتَعبَّدِ
دَوَّى الرصاصُ فمن شَهيدٍ فُجِّرتْ ... أَضلاعُهُ و مُجنْدل لم يُرْفَدِ
تَتَطايَرُ الأَشْلاءُ كُلُّ ضحية ... تَشْكُو لِبَارئِهَا هوانَ الهُجَّدِ
وتلاقَتِ الأَشلاَءُ عَبْرَ فَضَائِهَا ... مِنْ كُلِّ ناحِيَةٍ تُبَاحُ لمُعْتَدِي
مِنْ أرض " كَشميرٍ " نداءُ دِمَائِها ... مِنْ أَرض "بُوسْنة" صرخَةٌ لم تُنْجَدِ
مِنْ كُلِّ مَجْزَرَةٍ بَقَايا أُمَّةٍ ... تُلْقَى وتُنْشَر في الفَضْاء الأَربدِ
أضْحتْ دِمَاءُ المسْلمينَ مُباحَةً ... لِلمُجْرمين ! لِكُلِّ عَادٍ مُفْسِدِ
وديارُنا أضحتُ مُفتَّحةً لَهُمْ ... وقلوبُنَا فُتِحَتْ لفِتْنة مُلْحِدِ
المُجْرِمُونَ عِصَابةٌ مُمْتَدَّةٌ ... في الأَرْض عَنْ جَشَعِ الهَوى المُتَمرِّدِ
يا لِلْيهَودِ ! وخَلْفِ كُلِّ مُصِيبةٍ ... فِتَنُ لَهُمْ ويَدٌ ! فَيا شَرَّ اليَدِ !
جَمَعُوا مِنَ الأَحلافِ بينَ حِبَالهمْ ... دُوَلاً فماجُوا بِالبَلاءِ المُرْعِدِ
مَنْ كّانَ يَحْلُم بالسَّلاَمِ مَعَ اليَهو ... دِ فَذاكَ حُلْمُ الجَاهِلِ المتزَيِّدِ
طَمِعُوا ،كما طَمِعَ الضَّلالُ جَميعُه، ... بِالمُسْلِمين ، بِدَارِهِمْ ، بالأَنْجُدِ(1343/2)
لا ! لا يُريدون السَّلامَ ولا يُريـ ... دُ الأَمْرِكانُ ولا طبائع مُعْتَدي
جَعَلُوا السَّلام خَديعةً نَصَبُوا بِهَا ... شركاً يُمَدُّ لحائِرٍ مُتَردِّدِ
* * *
أَيْنَ النّظامُ العالميُّ وأَيْن يا ... دُنيا حُقوقُ مُقَتَّلٍ ومطَرَّدِ ؟!
أَينَ العَدَالةُ والوُعُودُ وكَيفَ يُرْ ... جى العَدْلُ منْ ذئْبٍ يَجُولُ وأَسْودِ؟!
يا أُمَّتي إنْ لَمْ تُفِيقي فَاشُهَدي ... أَمْواجَ لَيلٍ زَاحِفٍ مُتَمَدِّدِ
لُمِّي صُفَوفَك ، أَمّة الإِسلام ، كالـ ... بُنْيانِ مَشْدوداً بِعَهْدٍ آكَدِ
خُوضِي مَيَادينَ الجهادِ وَرَجِّعي ... شَوْق الشَّهادة دونَ ذلك وانْهَدِي
يا أُمَّةَ الإسلام تلك أَمانَةٌ ... وشَهادةٌ للَّهِ ! قُومي فاشْهَدي
يا أُمّةَ الإِسلامِ يا أمَلَ الشّعو ... بِ جَميعِها ! أَوفي بَعْهدِكِ ! أَنْجدي
لا ! لَنْ يُقيمَ العدْلَ إلا مُؤمِنٌ ... صَدَق الإِلهَ وقال: يَا نَفْسي رِدِي
* * *
دارَ الخليل تحيّةٌ مِنْ مُهْجَةٍ ... عَرفَتْ جَلال جِهادِك المُتوقِّدِ
قد كُنتِ بالأَمس القريب غَنيّةً ... بالبذْل زاهيَةً بِجُودِكِ واليَدِ
طَهَّرتِ أَرْضَكِ مِنْ تَدفُّقِ رجْسِهِمْ ... ورَوَيْتِها بالطُّهر من دَمِكِ النَّدي
واليومَ أَعْلَيْتِ الوفَاءَ فهذه ... زُمَرٌ تَواثَبُ للشَّهادة فاسْعَدي
وَغداً تَرَيْنَ مَوَاكِباً مَوْصُولةً ... للّه زاحفةً وطلْعَةَ رُوَّدِ
والنَّصْرُ كالفجْرِ المُنوِّرِ مُقْبِلٌ ... بُشرى إليكِ و آيةً للمُهْتَدِي
ميلي إِلى الأقْصَى ! حَنينُكِ لمْ يَزَلْ ... صَفْواً وعَهْدُك لَمْ يَزَلْ أَمَلَ الغَدِ
مِيلي هُناكَ وَجَدِّدا عَهْداً أَبَرَّ ... لجِوْلَةٍ تُوفي بِصدْق الموعِدِ(1343/3)
القدس في خطر
القُدْسُ في خَطرٍ؟! وَيْحي ! ويُفزِعُني ... طولُ الشكاةِ وطولُ العَتْبِ والصّخَبُ
فالناسُ بيْنَ مغاني اللّهو تَصْرَعهمْ ... أهواؤُهم وأماني العجْزِ و الرّغَبُ
أنّى تلفّتَّ أنغامٌ مُخَدٍّرَةً ... ونشوَةٌ وليالٍ هَزّها الطّرَبُ
والقومُ في غفْوَةٍ ! في التيه ! في ظُلَم ... يَلقُّهمْ مِنْ دياجيرِ الهوى حُجُبُ
عواصِفٌ مِنْ شتاتِ الأمرِ نازلةٌ ... فيهمْ وثائرةُ الإعصار تقتربُ
تمزَّقوا فِرَقاً شتّى يَدور بِهمْ ... مرُّ الصِّراع وهوْلُ الشرِّ والحَرَبُ
أَلقَى العَدُوُّ فُتَاتاً فَانْبَرَوْا فِرقاً ... تَنَافَسُوهَا فأَلهَاهُمْ هَوىً كَذِبُ
مَاليْ أَلومُ عَدوّي كُلّما نَزَلتْ ... بِيَ الهَزَائِمُ أو حَلّتْ بِنا النُّوَبُ
نحنُ الملومون ! عَهْدُ اللهِ نَحْملهُ ... وقد تَخَلَّفَ منا العَزْمُ و السببُ
* * *
القُدْسُ في خَطَرٍ؟! الآن ؟! واعجباً ... أيْنَ السّنُونَ التي مَرّت بها الكُرَبُ ؟!
أَين المواعظُ دوّت في مسامِعنا؟ ... أين النَّذير و أين الآيُ و الكُتُبُ؟!
أَيْنَ القَوارع هزّتْ كُلَّ ذي صَممٍ ... ولمْ يُهَزَّ لنا عزْمٌ ولا قُضُبُ ؟!
وخُطّةُ القوِم تَمضي بَيْنَنَا زَمناً ... تَطولُ فيهِ دَواعي المكْرِ و الرّيَبُ
ونَحنُ نمضي على أحْلامِنا وَهَناً ... تُنازُلاً في دُروبِ التّيهِ نَضْطَربُ
مسلسلٌ ! كمْ نزلْنا فيه مُنْحَدَراً ... يَهْوي بنا! هان فيه العزْم والطّلَبُ
دوَّتْ شِعَاراتُنا ! بُحَّتْ حَناجِرُنا! ... جُنّتْ عواطِفُنَا! تَعْلو وتلْتَهبُ
ضجّتْ شِكايتُنَا في كُلِّ مُعْتَرَكٍ ... مَعَ الهَزيمة تُطْوَى ثمَّ تَحْتَجِبُ
لهَيْئةٍ مُزِّقتْ في ساحِها أمُمٌ ... يا سوءَ ما فَعلوا في الأرض و ارتكبوا
لقد ركنّا لكيْدِ الظالمينَ ولمْ ... نَزَلْ على كَيْدهم نشْقَى و نَنْقَلبُ
لم نشْكُ لله ! لم نلجأ ْلرحمتِه ... فما استقام على نهجِ الهُدى أرَبُ
أعطاكُمُ اللهُ ما يُرْجى بهِ أمَلٌ ... وَمَا يُعَزُّ به الإحسانُ و الدأبُ(1344/1)
هذي الملايينُ فَوْقَ الأرض قد نُثِروا ... وَوَفْرةٌ من كنوزِ الأرض والذهبُ
وموقعٌ وَسَطٌ في الأرضِ متّصلٌ ... يَضمُّ ذلك حَبْلُ الدِّينِ والسببُ
فبدَّلوا بعطاء الله ما قَذَفَتْ ... به أيادي عدّوٍ جودُه عَطَبُ
وبَدّلوا العهدَ ! ويحي ! لم يعدْ لهمُ ... إلا الشِعارات دوّتْ عندها العُصَبُ
فأصبحوا شِيَعاً شتَّى ممزَّقة ... وساحُها في يد الأعداء تُنْتَهَبُ
* * *
القدسُ في خَطَرٍ ؟! ما زال يُذهِلُني ... حقّاً ويُفزِعُني من أمرِنا عَجَبُ
القدسُ يا أُمّتي ليْسَتْ بِمنْعَزَلٍ ... عن الديار، ولا الخطْبُ الذي خَطبُوا
القُدْسُ يا أمّتي موصولةٌ بِعُرا ... وبالحبالِ التي يزكو بها النَّسَبُ
بالبيتِ , بالكعبة الغرّاء ! عُروَتُها ... شُدَّت بِها ، بِغَنيِّ النّور تأتَشِبُ
وبالمدينة حَبْلٌ غير منفَصمٍ ... عَهْداً مع الله حّقاً ليس ينقَضِبُ
عَهْداً إلى أُمَّةِ الإسلام ما صدقت ... أمانةَ العهدِ والحقِّ الذي يَجِبُ
* * *
من مكة وظلالِ الكعبةِ انطلقتْ ... ركائبُ الحقِّ يحدوها الهوىالعَذِبُ
مَسْرى الرسولِ ! وجِبريلُ الأمينُ به ... ودفقةُ النّور في الآفاقِ تنسِكبُ
يَطْوي البُراقُ على أشواقه أملاً ... إليك يا قُدْسُ يهفو قلبُه الوَجِبُ
تطوي الزّمانَ وتطوي البيَد وْثبَتُه ... تراجَعَتْ دونه الساحات ُوالحقَبُ
المصطفى ! وجلال الوحي يَحْرُسُه ... والكونُ من حوله يرنو و يرتَقِبُ
أرخى البراقُ جَناحيه بساحته ... فانشَقَّ فجْرٌ مع الأيام مُرْتَقَبُ
هذا النبيُّ ! وهبَّ الأنبياء له ... من عالم الغيب ! تُغضي عنده الهُدُبُ
هنا التقي عالَم الغيبِ الذي طلَعتْ ... رؤاه والمشهَدُ الحقُّ الذي صَحِبوا
فأمَّهم ! وجنودُ الحقّ شاهِدةٌ ... بأن تلك الرّبى للحقّ تنتسبُ
أمانةً في رِقاب المسلمين لهمْ ... يوم الحساب أمور غير ما احتسبوا
مَضى البُراقُ يَشقُّ الأُفْق منطلقاً ... بومضة للسموات العُلا يَثبُ
ومن رُبى طيبَةٍ فوحُ العصور سَرى ... مسكاً غنيّاً ونشراً ليس يُجْتلَبُ
* * *(1344/2)
يا قُدسُ ! يالَهْفَةَ الأكْبَاد صادقةً ... ولهفَةً عمَّها الإعصارُ والغَضَبُ
يا طلعةَ الشوق والأقْصى يُرَجّعُها ... مع العصورِ وحدٌّ صارِم ذرِبُ
القدْسُ يا أُمَّتي فوحُ العصور بها ... صَبّتْ مجامِرها الساحاتُ والحِقَبُ
القدس يا قومُ تاريخ تجودُ به ... أرضُ الرسالاتِ! ما أزكى الذي تَهَبُ !
أرض الرسالات كم مدّت ملاحمها ... دماً على ساحِها بالمسكِ ينسكبُ
القدسُ زَهْرةُ تاريخ مُعَطَّرةٌ ... جُذورها في بطون الأرض تحتجبُ
فإن تقَطّعت الأحبال وانفصَمتْ ... تلك العرا جَفّت العيدان والقَصَبُ
وإن تُرى قُطّعَتْ تلك الجُذُورُ فهلْ ... تظلَّ تَعبقُ في ساحاتها الكُثُبُ
تقول : كلاّ ! فقد خبّأت كلَّ شذى ... عندي لكل شهيد كنتُ أرتَقِبُ
خبّأت كلَّ عطوري في مجامِرها ... نديَّةً لزحوفٍ ليسَ تنْقَلبُ
* * *
يا قومُ ! كلُّ رَوابينا عَلى خَطَرٍ ... وقد تَكسَّرَتِ الأسياف والقُضُبُ
وسدَّ كلَّ سبيل للجهاد بها ... أين السبيل؟! واين الفتية النُجُبُ
المجرمون طغاةُ الأرض قد زحفوا ... زحفاً يموجُ به جَيْشٌ لهمْ لَجِبُ
* * *
القدسُ في خطر ؟! ويحي ! أَيرفَعُه ... عنّا القصيد ويشفي صدرنا الخُطَبُ
كم مهرجان وكم من ندوةٍ طَلَعَتْ ... يدورُ فيها بيانُ الشعر والأدبُ
ما أجمل الأدب الفوّاح تتطلقه ... حُمْرُ النِّصالِ وفي الميدانِ يَخْتضِبُ
ولليهودِ ميادين القنا فُتِحتْ ... كلٌّ بأُهبَتِه في ساحها يَثِبُ
شادُوا من العلم ما هَابَتْهُم أُمَمَ ... بِه وما عزّ فيه القاطع الذربُ
عزائم ٌ لم تزلْ تبني مصانِعَها ... من السلاحِ الذي يُرْجى به الغَلَبُ
فهذه الصين تَسعى في مودَّتِهمْ ... مهابةً، وسواها مُقْبِل حَدِبُ
قوموا إلى ساحها ياقوم وانتصروا ... لله في جولة يُجلَى الدمُ السَّرِبُ(1344/3)
المسجد الأقصى
المسجدُ الأقصى رفيفُ حَنِينِه ... رَيَّا نَسِيمٍ بالأًرِيج مُحَمَّل
المسْجِدُ الأقْصَى على رَبواتِه ... ورحَابِه قَصص الهُدى المتنَزِّلِ
نورٌ مع التاريخ مُؤْتَلِقُ به ... يَغْنى بلألأة الهُداةِ وينجلي
مَهْوى قُلوبِ المؤمنين و قِبْلَةٌ ... أولى على حَقٍّ نَدِيٍّ مُخْضَلِ
وربى ملألِئَةُ يَشعّ بها الهُدى ... من كلِّ رُكْن بالبَهاءِ مُجَلَّلِ
شَعَّتْ بأنوار النبُوَّة و ازدَهَتْ ... بمكبِّرٍ في سَاحها و مهلِّل
ضَمّت ميادين الجِهادِ و فوّحَت ... بالعطِر مِنْ دمِ صادقٍ مُسْتبْسِلِ
هي ملكُ أُمّةِ أحمدٍ و جنودِه ... والسائرين على هُداهُ الأمْثَلِ
صفّاً بَنَتْهُ رسالةٌ فعلا بها ... للهِ ما تبني بذاك وتعتلي
***
وتلفَّتَ الأقصى و بيْنَ أنينِه ... وحنينِهِ شكوى و صرْخةُ أعْزَلِ
وكأنَّ صرخَتَه تغيبُ مع المَدَى ... يُطْوى الصّدى ويغيبُ كلُّ مؤمَّل
ودمٌ يسيلُ كأنّه عَبقُ الجنا ... نِ ونفْحَةُ الأمَلِ النديّ الأجْملِ
ودمٌ يسيل! ودمعةٌ تنسَابُ في ... عُتبى على صمتٍ مُبينٍ مُذهِلِ
ودمٌ يَسِيلُ ! ولَفْتَةٌ ! فأَشَاحَ عَنْ ... سَاحٍ تَمُوجُ على هَوَانٍ مُخْجِل
المسجِدُ الأقْصَى ! فيا لأَنينِه ... وحنينهِ وإِسارِه المتذَلَّل
***
وتلفّتَ الأقْصى! و مكّةُ بالهوى ... ترْنو وطيبةُ، بالحنينِ الأوَّلِ
لله درُّ منائرٍ طَلَعَ الهُدى ... منْها وعمَّ الكوْنَ بالنورِ الجلي
المسجدُ الأقصى! ولهْفَةُ مكّةٍ ... وحنينُ طيْبَةَ! يا منائر أقْبِلي
شُدِّي على العَهْدِ الموثّقِ و انهضي ... للهِ في زحْفٍ أبَرَّ مُعَجَّل
زحفٍ يَضمُّ المؤمنين! يشقُّ دَرْ ... بَ النّصر ! يجْلو من مناهُ و يجْتَلي
الكون كلُّ الكونِ فوْقَ قبابها ... نورٌ يموجُ وآية الله العَلي(1345/1)
الهند .. تقاوم الاحتلال البريطاني
المُجْرمون اسْتَكْبروا في الأرض مَنْ ... سَيَرُدُّ كَيْدَ المُجْرِمِينَ الجُحَّدِ
فِئةٌ مُعَطَّرَةُ الجِهَادِ غَنِيَّةٌ ... لله تَنْهَجُ بِالسَّبيل الأَقْصَد
لله ظاهِرةُ تُقاتِلُ مَنْ طَغَى ... في الأرضِ أَو تُعْلي لِواءَ مُحَمَّدِ
مِنْ كُلِّ أَرْوعَ في الجِهَادِ مُجَرَّبٍ ... مَاضٍ وكُلِّ مُصَدِّقٍ مُتَجَرِّدِ
أَغْنى الحَيَاةَ بصدْقِه وَوَلائِهِ ... لله ، لم يُشْرِكْ وَلَمْ يَتَردَّدِ
مَنَحَ الحَيَاةَ جَمَالها بوفائِهِ ... وَرَوَى المرابع بالدَّم المتَوَقِّدِ
وَمضَى لإِحْدَى الحُسْنَيَيْن يَشُدُّه ... شَوْقُ إِلى أَوفى النَّعيم وأخلدِ
* * *
المُجْرمُون اسْتَكْبَروا في الأرضِ مَنْ ... سَيَرُدُّ مَكْرَ المُجْرِم المُترَصِّدِ
سَتَرُدُّه فِئةُ وَفَاءُ رِجَالِهَا ... بِرُ وإِحْسَانُ وخفقُ مُهَنَّدِ
فِئةٌ تُقِيمُ عَلَى الزَّمانِ مَنَائِراً ... مِنْ هَدْيِهَا ومَلاَحِماً مِنْ أَزْنُدِ
وتُعِيدُ للإِنسَانِ عِزَّتَهُ التي ... ديسَتْ وتُوقُظ شَوْقَه مِنْ مَرْقدِ
وتُحَطّمُ الأغلالَ عَنْهُ فَكَمْ مَضَى الإِ ... نْسَان بَيْنَ مُضَلَّلٍ و مُصَفَّدِ
وَتَمدُّ للمُسْتَضْعَفين يَدَ الهُدَى ... مَدَداً ونَجْدَة صَادِقٍ مُتَوجِّدِ
فِئةٌ كأنَّ المِسْكَ مِنْ أنفاسِهَا ... مَلأَ الزَّمَانَ وَعطَّرَ الأُفقَ النَّدِي
تمضي فَيَهْتَزُّ الرَّبيعُ بها إِذا ... طَلَعتْ ويغنى كُلُّ وادٍ أجْرَدِ
يُشْرَى رَسُولِ الله آية رَبِّهِ ... للعَالمينَ رَحْمة للمُجْهَدِ
* * *
لله دَرُّ الهِنْدِ ! كَمْ مِنْ عالِمٍ ... دَفَعَتْ لسَاحَتِها وَكَمْ مِنْ مُنْجِدِ
بَذَلوا مِنَ العِلْمِ الزَّكيِّ ونُورِهِ ... مُهَجاً إلى صِدقِ العَزِيمةِ واليَدِ
ومَضَوا يَحثُّونَ الخُطى لَهباً عَلى ... دَرْبٍ إلى صِدْقِ الجِهَادِ مُمَهَّدِ
عَبَقُ الأئمَّةِ والمُلُوكِ عَلَى الرُّبى ... نَفْحُ الجِنَانِ وعِطرِها المُتَجَدِّدِ(1346/1)
يمضي " مُعِينُ الدِّين " في جَوْلاتِهِ ... نُوراً أَطَلَّ لُمدْلجٍ وَمُشَرَّدِ
ويَظلُّ " بختيارٌ " أَعزَّ فتنحَني ... هامُ الملوكِ له وكِبْرُ الأَصْيَدِ
و" الدَّهلويُّ " وَيَا لَعزَّةِ دينه ... ردَّ الملوكَ ويَا هَوانَ السُؤدُدِ
والعالمُ " السّرْ هَندِ " يَا لجِهَادِه ... بَذْلاً وَيَا لَلزَّاهِدِ المتَعَبِّدِ
ردَّ الزّنادِقَةَ العُصَاةَ وكَيْدَهُمْ ... ردّا وأخمدَ فِتنَةً مِنْ مُلحدِ
وانْظر " لعرفانَ الشَّهِيدِ " كأنَّهُ ... جيشٌ تواثَبَ في الذُّرا والأوهُد
فَتَحَ القُلوبَ بِغَيْر سَيْف مُصْلتٍ ... فَهَوى الفسادُ وسَيفه لَمْ يُغمد
يا " ندوةَ العُلماءِ " ! يا نَفْحَ الشَّذا ... يا لَهْفَةَ القُصَّادِ شَوْقَ العُوَّدِ
نَسَبُ أَبَرُّ عَلى التُقَى فكأنَّه ... رَحِمُ يَصونُ ولُحمةُ مِنْ مَولِدِ
زَكَتَ الرِّجالُ عَلَى الجِهَادِ ونُورِهِ ... يَا عزَّ مُنْتَسبٍ وَعِزَّة مَحِتْدِ
* * *
لله دَرُّ الهِنْدِ ! نورُ كواكِبٍ ... زُهْرٍ ودفقُ مجاهدٍ ومُسدِّدِ
دُرَرُ مِنْ العُلمَاءِ كَيف أَعُدُّهم ... أَعيتْ حُشُودُهمُ خَيَالَ مُعدِّدِ
مَهَدوا الدُّروب لكلِّ يومٍ أبلجٍ ... دَامٍ و يَومِ شهادةٍ متفرِّدِ(1346/2)
حب ووفاء 2
الأوَّل :
بَحَثْتُ عَنِ الوَفاءِ فَلمْ أَجِدْهُ ... عَلَى شَرَفٍ ولا في بَطْنِ وَادي
ولا بيْنَ السّهولِ ولا الرَّوابي ... ولا بَيْنَ الحَواضِرِ والبَوَادي
ولا بَيْنَ المنازِلِ والحَوَاري ... على طول المرابعِ والبلادِ
عجِبْتُ وكُلمّا صادَقْتُ خِلاٍّ ... سأَلتُ أصاحِبٌ ذا أم مُعَادي
وَحِرتُ مَعَ المُنافِق ، كَمْ جَهولٍ ... يَظنُّ نِفاقَهُ فِطَنَ الرَّشَادِ
ومَهْما جُدتَ بالمعروفِ سَمْحاً ... تُسَوَّدُ عِنْدَه بيضُ الأَيادي
فَلا حَذَرٌ ولا الإِحْسَانُ يُجْدي ... ولا صَفْوُ المحبَّة والوِدادِ
يُجمِّع مِنْ سَوادِ اللَّيْلِ مكْراً ... ويَنْشُر في الصَّبَاح مِنَ السّوادِ
عَجِبْتُ وكُلمَّا آنسْتُ ودَّاً ... وشِمْتُ بَوَادِرَ الرَّجُلِ الجَوادِ
رَجعْتُ وخِنجَرٌ مِنْه بظهري ... يُمَزِّقُ في الضّلُوعِ وفي الفُؤَادِ
الثاني :
روَيدَكَ يا أَخي ! بَالغْتَ حَقّاً ... وتُهْتَ عَنِ الحَقيقَة والسَّدَادِ
أيُعْقَلُ أَنْ تكون الأَرْضُ خِلْواً ... مِن الأَبْرَارِ أوْ أنْوارِ هَادي
ويَعْبَثُ في مَحارِمِها ذِئابٌ ... ويَعْبَثُ في المرابِع كُلُّ عَادِ
ألم تعْلَمْ بأنّ الله أبْقَى ... رِجالاً للهدايَةِ والرَّشادِ
وطائفةً مَعَ الأيامِ تَمْضي ... عَلى عَبَقٍ مُظَفّرَةَ الجِهادِ
كأنَّ المسكَ بعضُ شذى هُداها ... أزاهِرُ فوّحَتْ في كلِّ نادِ
هُمُ الغَيثُ المنَزَّلُ في الرَّوابي ... إِذا ما أَجْدَبَتْ خُضرُ النِّجادِ
فتهتَزُّ الرُّبَى زَهَراً وتَغْنَى ... وتزْخَرُ بالعَطَاءِ وبالحصَادِ
هُمُ الأَمَل المنوِّرُ ما ادْلهِّمتْ ... لَيالٍ بالنوازِل والعَوَادي
هُمُ البُشْرى إِذا يَئِستْ نُفُوسٌ ... وغَابَتْ في التعلُّلِ والرُّقادِ
كَأنَّ وفاءَهم غَيْثٌ مُغِيثٌ ... تُرَوَّى منه أكْبادٌ صَوَادِي
أولئك جُودُهم ودٌّ مصفّى ... أَبَرُّ فلا يُخالَطُ بالفَسَادِ
لَقَدْ أوفَوْا مَعَ الرحمن عَهْداً ... فطابَ وَفاؤهُمْ بَيْنَ العِبادِ(1347/1)
فكيفَ تَرُومُ مِن قومٍ وَفاءً ... وتطلبُ مِنْهُمُ صفْوَ الوِدادِ
وقد نكَثُوا العُهودَ وضَيَّعُوها ... وَمَا صَدَقوا بِهاربَّ العِبادِ
الأول :
صَدَقْتَ أَخِي ! نَصَحْتَ وقُلْتَ حقَّاً ... وجِئتَ إِليَّ بالدُّرَرِ الجِيادِ
جَزَاك الله عَنّا كُلَّ خَيْرٍ ... وزادَكَ مِنْ هُداهُ بِخَيْر زَادِ
سَيْبقَى في الحَياة أَخُو وَفاءٍ ... يُمْحَّصُ بَيْنَ أحداثٍ شِدادِ
ويَبْقَى في الحياة رِجَالُ غدر ... وأَهْلُ خَديِعة وحُشودُ عادِ
ليُبْلَى بَعضُهُمْ حقّاً ببعضٍ ... ويُعْلَمَ كلُّ مخْفِيٍّ وبادِ
فيُوْخَذَ خائِنٌ حيناً ويُمْلَى ... لهُ حِيناً ليَهْلِكَ بالتمادي
وتمضِيَ سُنّةٌ للهِ فِينَا ... وَحكمةُ خالِقٍ وسَبيلُ هادِ
ونُطْوَى بَعْدُ في ظُلماتِ قَبْرٍ ... لنُنْشَر للحِسَابِ وللمَعَادِ
ليومٍ تُفصَل الأَحكامُ فِيه ... وتَعظُمُ فيْه أَهْوالُ التَّنَادي
فينْعَم بالجِنانِ أخو وَفاءٍ ... ويُلْقَى خَائنٌ في قَعْرِ وادِ
أَخي حُسْنُ الوَفاءِ صَفَاءُ دِيْنٍ : ... جَمالُ في الحياةِ وطِيبُ زَادِ
ومن نَكَثَ العُهُودَ يَضلّ سَعْياً ... ويَشْقَى في هَوى فِتَنٍ شِدادِ
يُزَيِّنُها له الشَّيطانُ حَتّى ... يُقادَ بِغَيِّها شَرَّ انْقيادِ
جَمالُ حَياتِنا صِدْقٌ وحبٌّ ... هما صَفْوُ الوَفاءِ أو المَبَادي
وهل تُجْزَى يَدُ الإحسان إلاّ ... بإحْسانٍ يَفيضُ مِنَ الفُؤادِ(1347/2)
حب ووفاء
حَنَانَيْك ! ما أَحْلى الوَفَاءَ وعِطْرَهُ ... إِذا نَشَرَتْهُ مُهْجَةٌ وسَرَائِرُ
وما أَجْمَلَ الأيَّامَ زهْوُ عَطائِها ... حَنانٌ وأَشْوَاقٌ زَهَتْ وبَوَادرُ
وما أَحْسَنَ الدُّنْيَا إِذَا الحُبُّ نَفْحَة ... يَمُوجُ بهَا بِرٌّ غَنيٌّ وطاهِرُ
وما أَعظَمَ الحبَّ الغَنيَّ ، ونبْعُهُ ... يَقينٌ وإِيمانٌ جَلَتْهُ المآثِرُ
هو الحُبُّ نَبعٌ لا يَغيضُ فتَرْتَوي ... نُفُوسٌ وتُروَى لهْفَةٌ ومَشاعِرُ
هو النّبْعُ : حُبُّ الله ، حُبُّ رَسُوِلِهِ ... إِذَا صَحَّ روَّى الكونَ والنّبْعُ زَاخِرُ
فَتُرْوَى بِهِ خُضْرُ الرِّياضِ وَوَرْدَةٌ ... وتُرْوَى بَوادٍ بعدها وحواضرُ
وتمْضِي به حُلْوْ النَّسَائم والنَّدى ... ويَنْشُرُه في سَاحِرِ اللّحْنِ طائِرُ
حَنَانَيْك ! هذا الحبُّ بِّرٌّ ورَحْمَةٌ ... ولُحْمَةُ أَرْحَامٍ نَمَتْ وأواصِرُ
وصُحْبَةُ إِخْوانٍ تَدُومُ مَعَ التُّقى ... وعَدْلٌ مَعَ الإِنْسَانِ مَاضٍ وقادرُ
وأَجْمَلُهُ بَيْتٌ عُرَاهُ مَوَدَّةٌ ... لَهَا سَكُنٌ حانٍ عَلَيْهِ وناشِرُ
تُظلِّلُهُ الأَنْداءُ رَيّاً ورَحْمَةً ... ويَحْفَظُه خَيرٌ مِنَ الله عَامِرُ
تَمُوجُ به الأَنْوارُ بَيْنَ رِحَابِهِ ... فَتَنْشَأُ فِتيانٌ به وحَرائِرُ
شَبابٌ أَشِدّاءٌ كأَنَّ وجوهَهم ... من النُّور صُبْحٌ مَشْرِقُ الأُفْقِ ظاهِرُ
وتُتْلَى به الآيَاتُ نُوراً وحكمةً ... فتنشأ فِيه حانِياتٌ نَوَاضِرُ
هي الأُمُّ يَرعَى لَهْفَة الشَّوق بَعْلها ... وبيتاً وأَجْيالاً رَعَتْها المَفَاخِرُ
هو الأَبُ قوَّامٌ مَعَ الرشْدِ بَذلُهُ ... ولِلأبِ حَقٌّ بالقِوامَةِ ظَاهِرُ
ويَجْمَعُهُمْ في البَيْتِ حُبٌّ كَأَنَّه ... رَفِيقُ النَّدى ظِلٌّ هِنيءٌ ووافِرُ
هو الحُبُّ أَشواقٌ هُناكَ ولَهْفَةٌ ... يموجُ بِهَا قَلْبٌ وفيٌّ وَخَاطرُ
نَقِيٌّ كأنْفَاسِ الصَّباحِ ، رَفِيفُه ... غَنِيٌّ كَدَفْقِ النُّور ، في القَلْب عَامِرُ(1348/1)
كَأَنّ فَتِيتَ المِسْكِ مِنْه ، أو أنَّهُ ... من الْعَبَقِ الفَوّاحِ ورْدٌ وزَاهِرُ
كأَنّ النّسيم الحُلْوَ خفْقُ حَنينه ... ورفُّ النَّدَى مِنْهُ غَنيٌّ وناضِرُ
هو البيْتُ ! إِن أَعْدَدْته كان أُمَّةً ... لها في مَيَادينِ الحَيَاةِ البشائِرُ
مَضَينَا نَشُقُ الدّربَ شَقّاً ونعتَلي ... صُخُوراً ونمضي دُونَها ونُغَامِرُ
يَعَضُّ عليْنا الشوكُ تَدْمي به الخُطا ... وتَدْمي به أَكبَادُنُا والنَّواظِرُ
يَقودُ خُطانَا مِنْ هُدَى الحقِّ دِينُنَا ... وأفئِدةٌ تُجْلَى به وبَصَائِرُ
وعَهْدٌ مَعَ الرَّحْمن أَبْلَجُ نورهُ ... تَدَفَّقَ فانْزاحَتْ بِذاك الدّياجِرُ
تدورُ بِنَا الآفَاقُ حَيْرَى يَروعُهَا ... دماءٌ على سَاحَاتِهَا ومَجَازرُ
فتلك دِيارُ المُسْلمين تَواثبَتْ ... ذئابٌ عَليْها أو وُحُوشٌ كَواسِرُ
تُمزِّقُ أرضاً أَو تُمزِّقُ أُمَّةً ... وأَشلاؤُها في الخافقين تَنَاثَرُ
تَنوَّعَتِ الآلام : أحْزَانُ أُمَّةٍ ... وأَهواءُ قومٍ لوَّثَتْهم مَعَايِرُ
فكم غَادَرَ الدّرْبَ السَّويَّ أَخُو هوىً ... يُطاردُ أشْبَاحَ الهَوىَ وهو سَادِرُ
وظَلَّ على العَهْدِ النَّقيِّ أَجِلَّةُ ... لآلئُ مِنْ صَفْو الوَفَاءِ جَواهِرُ
حنانَيْك ! هذا الدَّرب نحْملُ دُونَهُ ... رسَالَةَ تَوحِيد جَلَتْها المقادِرُ
سنَمْضي بإذن الله نُوفي بِعَهْدنا ... مَعَ الله مَهْمَا رَوَّعَتْنَا المخاطِرُ
يُضيء لَنَا نُورُ اليَقِين سَبيلَنَا ... فَتَنْزاحُ عَنَّا غُمَّةٌ وعَوَاثِرُ
هُوَ الحُبِّ مِنْ نَبْعِ الصَّفَاءِ رُوَاؤه ... تَمُوجُ بِه أَحْناؤنا والضمائِرُ
فهذا جَمَالُ الحُبِّ هذا جَلالُه ... رَعَاهُ وزكَّاهُ الجِهادُ المثابِرُ
فما العُمْرُ إلاَّ رَوْضَةُ وغراسها ... جِهادٌ غَنيُّ بالعطاءِ وناشرُ
حَنَانيكِ ! كَمْ جُرح ضَمَدتِ وأنَّةٍ ... مَسَحْتِ وهَمٍّ في الفؤادِ يُدَاورُ
وكَمْ كَان مِنْ رأي رشيدٍ بَذَلِتِه ... فأطْلَقَه ُ قَلْبُ ذَكيُّ وخَاطِرُ(1348/2)
وَكمْ لَيْلَةٍ قد بِتُّ أَرعى نَجْومها ... فيطْرُقُني هَمّ وهَمُّ وآخَرُ
فَشَارَكتني همّي حَناناً وحكْمِةً ... وقُمنا بِذكر الله تُجلى الخَوَاطِرُ
ضَرَعْنا إلى الرَّحمن سِرّاً وجهرةً ... فَقَلبٌ يُنَاجِي أو لِسَانٌ يُجِاهِرُ
فَزَعْنا إِلى أَمن الصلاة وأَمْنُها ... خُشوعٌ وهاتِيكَ الدّمُوع المواطِرُ
مَضينا نشُقُّ الدَرْبَ والصَّخْرُ دونَنَا ... وأَشواكُهُ ، والله حَامٍ وناصِرُ
ومَنْ يتَّقِ الرَّحمن يَنْجُ ومَنْ يَخُنْ ... مَعَ الله عهْداً لَمْ تَدَعْهُ الفواقِرُ
ولا يَصْدُقُ الإيمَانُ إِلاَّ إِذا جرى ... هواه لِيَرْعَى الحقَّ والحقَُّ ظاهِرُ
وَهَذا جَلالُ الحُبِّ يَمضي به الفَتى ... فَتُرْوَى به الدُّنْيا وتُرْوَى الضّمائِرُ(1348/3)
درّة الأقصى مُحمَّد الدرّة وأبوه جمال الدرّة
ضُمَّني يا أبي إِلَيْكَ ! فَإِني ... خائفٌ ! والرصاص حولي شديدُ
ضُمّني ! و احمني ! فما زالَ يَنصَـ ... ـبُّ علينا رَصَاصُهُمْ و يَزيدُ
لا أرى في يَدَيكَ أَيَّ سلاح ... لا ولا في يَدِيْ سلاحٌ يُفيدُ
كيف نلقى عدوّنا عُزَّلاً و هْـ ... ـوَ لديه سلاحُه والحشودُ
ضُمَّني ! ضُمَّني ! ولسْتُ جباناً ... إنّ عزمي ، كما علمتَ ، حديدُ
أنا من أُمّة بَناها رسول اللّـ ... ـه والوحيُ والكتاب المجيدُ
غيرَ أنّ الهَوَان رُعْبٌ فَفِيه ... نُذُرٌ وَ لْوَلَتْ وفيه وَعيد
نَزَع الذُلُّ عن مَحَيّايَ آما ... لاً وغابَتْ مَعَ الفَضاءِ الوعودُ
هاهم المجرمون ! ويحي ! وحوشٌ ... نَفَرتْ أم جحافِلٌ وجنودُ
أقبلوا يا أبي ! و دوّى رصاصٌ ... كلُّ ساحٍ عواصفٌ ورعودُ
* * *
لا تخفْ يا بُني! صبراً! فإن اللّـ ... ـه يقْضي مِنْ أمره ما يُريدُ
وحْدَنا نحنُ يا بُنيَّ ! فَصَبْراً ... كلُّ ركنٍ نَرْجُو حِماهُ بَعيدُ
كيفَ جِئنا هُنا! و كيفَ حُصِرنا ... لا أرى ملجأً إليه نَعودُ
إنّه الله وحْدَه ملجأ الخا ... ئف يأوي إلى حماه الشريدُ
* * *
عجباً يا أبي لَديْهِمْ سِلاحٌ ... فاتِكٌ نارُه لظىً و وَقُودُ
جَرَّدونا بُنيَّ منه ! رَمَوْنا ... ثمَّ دارَتْ بنا ليالٍ سُودُ
قلتَ لي يا أبي : مَلايينُ هُمْ في الـ ... أرض ، نْحنُ المليارُ أوقَد نَزيدُ
هل يَرانا الأرحام في الأرض ؟ هل هَـ ... ـبَّ أبيٌّ أو مُشْفِق ،أو نجيدُ
أين إخواننا ؟! وأين بنو العَمِّ ؟! ... وأيْنَ الأَخوال ؟! أين الجدود ُ؟!
* * *
وتوالى الرّصاص ! و الموتُ دفّا ... قٌ و دوّى نداؤه المفؤودُ
شَدَّهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ واستغاثتْ ... أضلُعٌ أو حناجِرٌ أو زُنُودُ
* * *
يا أبي ..! يا .. .. ! وغابَ منه نِداءٌ ... و طوتهُ عَنّا فيافٍ و بيدُ
أسْكَتَتْهُ رصَاصَة ورماه ... في ذراعَيْ أبيه قلبٌ حقودُ
ضمَّه ضمة المودّع ! والدمْعُ ... لهيبٌ على الهوان شَهيدُ(1349/1)
أسكتتْهُ رصَاصَةٌ ثمَّ أُخْرى ... وطوى صَوَتَه النّديَّ حدودُ
رجّعَتْهُ كلُّ الرّوابي دوِيّاً ... وصداه على الزّمانِ جَديدُ
غيرَ أن الآذانَ صُمَّتْ فأغْفَتْ ... أعْيُنٌ دُونها ونامَتْ جُهودُ
ضمّه ضَمّةً إلى الصدْرِ يَسْـ ... ـكُب فيها حَنانَه ويجودُ
الحنانُ الندي ! والأمَلُ الضا ... ئعُ ! تيهٌ أمامه ممدودُ
كلُّ ساحٍ مع الضجيج خلاءٌ ... كلُّ دْربٍ أمامَهُ مَسْدودُ
أفرغَ الشوق َ فوقَهُ فَجَرتْ ... بالشَّوقِ منهُ دماؤه والوريدُ
* * *
وابلُ من رصاصهم صُبّ! لكن ... رَمَق لم يَزَلْ لديه يجودُ
مالَ للخَلْفِ وارتخى ساعِداهُ ... وارتخى مِنْه عزمُه المشهودُ(1349/2)
دعاء وابتهال : إلهي
إلهي ! وفي جَنْبيّ خَفْقَةُ وامِقٍ ... وإنِّيَ أوَّابٌ إِليكَ و خَائِفُ
وَفي الدَّار أَهْوالٌ تَمورُ و فِتْنةٌ ... تَدُورُ ودَمْعٌ بين ذلكَ نازِفُ
ودَفْقُ دماءٍ والضَّحَايا تَنَاثَرَتْ ... زَلازِلُ جُنّتْ حَوْلَنَا وَرَواجِفُ
تَصَدَّعَ بُنَيانٌ فأهْوَى وهذِه ... أَعَاصِيرُ مازَالَت به وعَواصِفُ
تهافَتَتِ الدُّنْيا عَلَينَا فَأَقْبَلِتْ ... حُشودٌ تَوَالتْ في الدّيار زَوَاحِفُ
كأنَّهُمُ مَالَوا إلى قَصْعَةٍ لَهْمُ ... فَضجّتْ لها أحشادُهم والطوائفُ
وحُوشٌ عَلَى أنْيَابِها المَوْتُ مُقْبِلٌ ... وكُلُّ فُؤادٍ دُونَ ذلك وَاجفُ
كَأَنّ الرّدَى بَيْن المخالِبِ رَابضٌ ... فإن وثَبَتْ فالمَوتُ ماضٍ وخاطفُ
* * *
إلهي ! وهذي أُمَّتي مَزَّق الهَوى ... قُوَاها وغَشّاهَا هِوىً وزخارفُ
يقود خُطاها في الدَّياجير تائهٌ ... ويَدْفَعُها بَين الأعاصير واكفُ
فُهُنَّا وداستْنَا زُحُوفٌ ومُرِّغِتْ ... جِباهٌ وأهوى في الوُحول غُطارفُ
ومالوا على أَعرَاضِنا فاستباحها ... لِئامٌ فَلمْ يلقَوا كُماةً تُخَالفُ
فكم مِنْ فَتَاةٍ مَزَّقَ القَهْرُ سِتْرَها ... وروَّعها في النائِبات الكواشِفُ
هُناكَ على " البُوسْنا " دَواهٍ وفتنةٌ ... وفي أَرْض " كشميرٍ " لظىً و قذائِفُ
وهذي فِلسْطِينُ المُدَمّاةُ وَيْلَنا ... يَغِيبُ تَلِيدُ المجْدِ مِنْها وطارفُ
تَغيبُ وراءَ الأفق مِنْها مَعَالِمٌ ... نَديُّ ظِلالٍ مِنْ رُباها ووارفُ
تطير قُلوبُ المؤمنين لِسَاحِها ... فَتنْهضُ لِلّقيا رُبى ومشارفُ
وللمَسجدِ الأَقْصَى حَنينٌ ولهفةٌ ... تجيشُ بهَا أشْواقُنَا والعَواطِفُ
وفي كُلِّ أرْضٍ فِتْنَةٌ بعد فِتْنَةٍ ... ويَومٌ عَبُوسُ الشَرِّ والهَوْل كَاسِفُ
وَقَدْ كُشِفَتْ عَوْراتُنا وتَقَطّعَتْ ... عُرَانا وهانَتْ سَاحَةٌ ومَوَاقِفُ
تَمُّر بِنَا الأحْداثُ حَتَّى كَأَنَّها ... أَحَاديثُ لَهْوٍ تَنْطَوي وَسَوالِفُ(1350/1)
إِلهي ! فَمَنْ لِلْمُسْلِمينَ وَقَدْ غَفَوْا ... وما أَيَقظَتْهُمْ آيةٌ وَمَصَاحِفُ
إِلهي ! أَعِنَّا واسْكُب النُّور بَيْننا ... بأَفْئدَةٍ ضَاقَت عَلَيْها المَصَارفُ
وأَلِّفْ قُلوباً فَرَّق الحِقْدُ بَينها ... وقَدْ يَجْمعُ الأضْدَادَ يوماً تآلفُ
وَهَبْنَا يَقِيناً في القُلوبِ لَعَلَّنَا ... نَهُبُّ إلى سَاحَاتنا ونُشارِفُ
وأَنْزل عَلَيْنا رَحْمةً تغسل الذي ... نَهُمُّ به من مأثَمٍ ونُقَارفُ
ونَنْزعُ عَنْ آثامِنا ، عَلَّ تَوْبةً ... يُفيقُ بِهَا لاَهٍ عن الأمْرِ عازِفُ
فَتدْفُقُ في المَيْدَان مِنّا جَحافِلٌ ... يَمُوجُ بِهَا شَاكي السّلاحِ وعاطِفُ
ونَحْمِلُ للدّنيا رسَالةَ ربِّنا ... نُخاصِمُ في هَدْيٍ لها ونُعَاطِفُ
ونَمْضي بِهَا صَفّاً كَأَنَّ جُنودَه ... قواعدُ بُنيانٍ ، فَداعٍ وزَاحفُ
فَتنزلُ نَصْراً يا إلهي ورَحْمةً ... إِذا صَحَّ عَزْمٌ في الميادين عاكِفُ
* * *
الجمعة 23/11/1413هـ(1350/2)
رسالة المسجد الأَقصى إلى المسلمين
أنا المسجدُ الأَقصى ! وهذي المرابعُ ... بقايا ! وذكرى ! والأَسى والفواجعُ
لقد كنتُ بين المؤمنين وديعةً ... على الدّهرِ ما هبّوا إِليَّ وسارعوا
يَضمُّون أَحناءً عليًّ وأعْيُناً ... وتحرُسني مِنْهم سيوفٌ قواطعُ
زُحوفٌ مع الأَيامِ موصولةُ العُرا ... فترتجُّ من عزْم الزُّحوف المرابع
إِذا أعوزَ القومَ السلاحُ تواثُبوا ... تجودُ قُلوبٌ بالوفا وأضالعُ
وعَهْدٌ مع الله العليِّ يشدُّهُ ... يقينٌ بأنَّ المرءَ لله راجِعُ
وأنّ جِنانَ الخُلد بالحقّ تُجْتَلَى ... وبالدَّم تُجْلَى ساحةٌ ووقائِعُ
مواكبُ نورٍ يملأ الدهرَ زحْفُها ... فيُشرقُ منها غَيْهَبٌ ومطالِعُ
وتَنشُرُ في الدنيا رسالةَ ربِّها ... فَتُصغِيْ لها في الخافِقَين المسامعُ
وتنشُرُ أنداءً وتَسْكُبُ وابلاً ... فتخضّرُّ ساحاتٌ ذَوَتْ وبَلاقعُ
* * *
فما بالُ قومي اليوم غابُوا وَغُيِّبوا ... وما عادَ في الآفاقِ منهمْ طلائعُ
وما بال قومي بدَّلوا ساحَةَ الوغى ... فغابَتْ ميادينٌ لهم ومصانِعُ
وما بَالُهمْ تَاهوا عن الدرب،ويَحَهمْ ! ... فجالتْ بهم أهواؤهمْ و المطامعُ
فغابَ نداءٌ ما أجلَّ عَطاءَه ... تُردّدُهُ في كل أفقٍ مجامِعُ
وكانتْ ميادينُ الشّهادةِ ساحَهم ... فصارَ لَهُمْ ملءَ الدّيارِ مَرَاتعُ
وفي كلِّ يومٍ مَهْرَجَانٌ يَضُمُّني ... وتَنْدُبُني بين القصيد المدامِعُ
وكانت دماءُ المؤمنين غنيّةً ... تُصَبُّ وأرواحُ الشهودِ تدافِعُ
فأصبَحْتُ ، يا ويحي ،أَحاديثَ مَجْلسٍ ... وأدمعَ بكَّاءٍ حَوتْه المضاجِعُ
وكان يُدوّي في الميادين جولةٌ ... فصارَ يُدوّي بالشعاراتِ ذائعُ
وَكمْ كنْتُ أَرجو أن تكون دُموعُهمْ ... دِماءً تُرَوّى مِن غِناها البَلاقِعُ
* * *
أَيذْبَحُني أهُلي ويَبكونَ بَعْدَها ... عليَّ ؟ ! لقد سَاءتْ بذاك الصنائِعُ
فَكَمْ تاجرٍ أَلقى بِلَحْميَ سِلْعَةً ... وقَدْ عَزَّ في الأسواقِ منها البَضائِعُ
فهذا يُنادِي بالتجارة جَهْرَةً ... وذاك يُواريه شِعارٌ مخادِعُ(1351/1)
فغاصُوا جميعاً بِالوُحُولِ وَغُيَّبوا ... بتيهٍ ودارَتْ بَيْنَ ذاكَ المصَارعُ
* * *
فما أَنا جُدْرانٌ تَدورُ وسَاحَهٌ ... ولكنّني أُفْقٌ غَنيُّ وواسِعُ
يَمُدُّ لِيَ الآفاقَ وحيُ رسالةٍ ... وحَبْلٌ متينٌ للمنازِلِ جامِعُ
رياضٌ يَرِفُّ الطيبُ منها وتَغْتَني ... مِنَ الطّيب سَاحَاتٌ بها ومَرَابعُ
فِمنْ مُهْجَةِ الإِسْلام مَكّةَ خفقتي ... ومِنْ طيبَةٍ وحيٌ إلى الحقِّ دافعُ
ومن كلِّ دارٍ مِنَبرٌ ومآذِنٌ ... بيوتٌ تدَوِّي بالنّداء جَوامِعُ
قُلوبٌ لها خفقُ الحياةِ وأضْلُعٌ ... تجيشُ وآمالٌ غَلَتْ وَوَدائِعُ
تظلُّ عُروقي بالحياةِ غنيَّةً ... إذا اتّصلتْ بين الدّيار الشرائِعُ
وأَيُّ حَياةٍ دونَ ذلك تُرْتَجى ... إذا انتزَعْتني مِنْ ضُلوعي المطَامِعُ
* * *
ونادَى مُنادٍ حَسْبُنَا كِسرةٌ هنا ... ونَادَى سِوَاهُ نَرْتَجي ونُصانِعُ
وطافتْ على الدُّنيا الهزائمُ كلُّها ... شعارٌ يُدَوّي أو ذليلٌ وضارعُ
تَشُدُّ عليَّ اليوْمَ قبْضَةُ مُجْرِمِ ... وَيَجْتَالُني مَكرٌ لهُ وأصابعُ
وفي كلّ يوم ، وَيْحَ نَفْسي، مَسَارحٌ ... تُدَارُ وأَهْواءٌ عَليْها تَنازَعً
تُدَارُ خيوطُ المكْر خَلْفَ ستارها ... ىوتُعْلَنُ آمالُ عَليْها لَوامِعُ
ويَطْوِي عَلى هُوْنٍ أسايَ وذِلتي ... شِعَارٌ يُدَوّي أو أمانٍ روائعُ
تُمزَّقَ أَوصَالي وتُنْزَعُ مُهْجتي ... ويُطلَبُ نَصْرٌ والنُّفوس خَواضِعُ
يقولون " تحريرٌ " ويُجْرون صَفْقَةً ... عَليْها شُهودٌ ضِامنون وبائعُ
يقولون " تقرير المصير " ! وإنّه ... لَتدميرُ آمالٍ : فَمُعْطٍ ومانِعُ
يفاوضُ فيه الشاةَ ذئبٌ وثعلبٌ ... وقد مَهَّدَتْ عَبْر السنينَ الوقائعُ
يقولونَ : أهلُ الدار أدرى بِحالِها ... وأين هُمُ ؟ ! إني إلى الله ضارعُ
وأهليْ ! وما أهلي سوى أُمَّةٍ لها ... من الله عزمٌ في الميادين جامع
وصفٌّ يشدُّ المؤمنين جميعهُم ... كأَنَّهُمُ البُنْيانُ : عالٍ ومانعُ(1351/2)
إذا لمْ تَقُمْ في الأرض أمَّةُ أَحمدٍ ... فكلِّ الذي يُرْجَى عَلى السّاحِ ضائعُ
حنانيكَ يا أَقصَى ! حنانَيك كُلَّما ... خَطَرْتَ وشدَّتني إليكَ النّوازعُ(1351/3)
صِدْقُ الوَفَاءِ
ما كان لِله مِنْ وُدٍّ ومِنْ صِلَةٍ ... يَظلُّ في زَحْمَةِ الأَيَّامِ مَوْصُولا
يظلُّ ريّانَ مِنْ صِدقِ الوَفاءِ بِه ... يُغْني الحياةَ هُدىً قد كان مأمولا
كأنّه الزّهَرُ الفوَّاحُ روضتُه ... هذي الحَياةُ يَمُدُّ العُمْر تجميلا
ما أَجْملَ العُمرَ في بِرّ الوفاءِ وما ... أَحْلى أَمانيه تقديراً وتفعيلا
وما يكون لِغَيْر الله لا عَجَبٌ ... إِذا تَغَيَّرَ تقطيعاً وتبْديلا
لا يُفسِد الودّ مِثْلُ الظنِّ يَفْتَحُ مِنْ ... شَرٍّ ولا يَرْتضي للخَيْر تَعْليلا
يَظَلُّ يُغلِقُ أَبوابَ الرضا غضباً ... جَهْلاً وينشُر إِفساداً وتَضْليلا
تُبْنَى المودَّةُ مِنْ جُهْدِ السّنينَ رضاً ... ويَهْدِمُ الظنُّ ما نَبْنِيه تَعْجِيلا
وتُشْرِقُ النَّفسُ من نُور الهُدى أَملاً ... حقّاً ويمْلؤُهُا ظنُّ الهوى قَيلا
يَظلُّ بالظنِّ صَدْرُ المرءِ مُضطرباً ... " بالقيل والقال " تَحْويراً و تأوِيلا
يَجْلو التَّبَيُّنُ ما في الصَّدرِ من رِيَبٍ ... ويحفظُ الودَّ مَجْلوّاً ومأمولا
يَبْني التُّقى النُّصحَ بين الناس نَهْجَ وَفَا ... ويَحْسب الظنُّ نهجَ النصح تجهيلا
يظَلُّ بِالنُّصْحِ حَبْلُ الوُدِّ مُتَّصِلاً ... بِراً وصَفْواً وإحساناً وتنْوِيلا
كمْ مَزّق الظنُّ مَنْ قَدْ كَانَ يجمعهم ... صدقُ الهُدى ووفاءً كان مبذولاً
حَالتْ بِهِمْ صُورُ الأيّام واخْتلفَتْ ... بِهِمْ ليالٍ وعاد الحبْل مَبْتُولا
وكيف يَصْدقُ ظَنٌ دُونَ بَيِّنَةٍ ... تردُّ من شُبْهةٍ ،تَنْفي الأقَاويلا
هذا هو الدِّين والإِيمانُ بَيَّنَهُ ... لنا الكتابُ بياناً ليس مجهولاً
فأيْنَ ، ويْحيَ ، أنْداءُ الظِّلال وقَدْ ... سَرَى النَّسيمُ بها بُشرى وتهْليلا
تُلقي النَّميمةُ أَلوانَ الفسادِ وقد ... تُخْفي الحقيقةَ تزويراً وتهويلاً
تُزَيِّنَ الشرَّ بين الناسِ ! تَقْطَعُ من ... وشائجٍ ! تَقْتُل الإنسانَ تقتيلاَ
ما بين غِيْبةِ مُغْتابٍ وفِرْيَتِهِ ... تفرّقَ الناسُ تشتيتاً وتضليلا(1352/1)
تمزَّقت رِحمٌ مَوْصُولةٌ بِهِمِ ... فَبَاتَ لحْمُهُمُ مَيْتاً ومأكولا
نُعْمى مِن الله !حُسْنُ الظنّ بابُ تُقىً ... يُدني الحقيقْة أو يَنْفي الأباطيلا
وإِنَّه الصِّدقُ يَجْلو كُلَّ خَافيةٍ ... ويُنْزِلُ الحقَّ في الأَحْناءِ تَنْزيلا
صدقٌ ونُصْحٌ وصَفْوٌ في النفوس بَدَا ... عَزْماً يَظَلُّ مَعَ الإيمانِ مَبْذولا
لا يَربْطُ النَّاسَ في الإسلام غَيْر عُرى ... عَهْدٍ توثَّقَ تكريماً وتفضيلا
عَهْدٍ مع الله شَدَّتهُ النّفوسُ تُقىً ... جيلاً يَمُدُّ على حَبْل الوفا جيلا(1352/2)
طوفان تسونامي
زَلْزِلي يا " بِحَار " وابْتَلِعي الأرْ ... ضَ وأَلْقي مِنْ جَوْفِكَ الأَهْوالا
أطْلقي الموْجَ كالجبال تَدَافعْـ ... ـنَ جِبالاً تَعْلُو وتَهْوي جِبالا
واعْصفي يا " بِحَارُ " بالموتِ هُبِّي ... بالأعاصير تَسْحقُ الأجْْيالا
هاهُنا أمْسِ كان خلْقٌ كثيرٌ ... أينَ غابوا ؟! فكلّ شيءٍ زالا
* * **** * *
فاجَأتْهُمْ عواصِفٌ فاسْتَداروا ... لِنَجاةٍ فَمَا أَصَابُوا مَنَالا
والتطامُ الأمْواج ! يَجْرُفُ دُنْيَا ... هُمْ ! وعَصْفُ الآفاق هاجَ وجالا
ودويٌّ تَراهُ يَزْحَفُ بالْمَوْ ... تِ فَيُلْقِي الهلاكَ والأَوْجالا
أيّ زَحْفٍ تَرَاُه يَقْتَلِعُ البُنْيَـ ... ــانَ والأهْلَ ! يَخْطَفُ الآجَالا
يا لَهَوْلٍ تَرَاهُ يَجْتَاحُ أَقْطا ... راً وَيَمْتدّ فِتْنَةً ونَكَالا
مَلأَ الهَوْلُ كُلَّ دارٍ أَتَاها ... أَنْدُنِسْيا والهِنْدَ والصُّومالا
ورَوابِي سِرْلَنْك ! تيْلندَ ! تَبْكِي ... كُلُّها الدَّارَ والرُّبَى والرِّجالا
فُجِّرَتْ تِلْكُمُ البِحارُ وجُنَّتْ ... غَضَباً جَاوزَ الرُؤى والخَيالا
ورَمَى جَوْفُها القذائِفَ أَمْوا ... جاً تَوالَتْ وَ أَعْوَلَتْ إِعْوالا
وَعَلَتْ في الفضاءِ أيّ عُلوٍّ ... حَمَلتْ في عُلُوِّها الأحْمَالا
وَهَوَتْ تَنْشُر البلاء بَلاءً ... حيث تَهْوي وتَنْثُُرُ الأطْلالا
وتَراها كَأنَّها البَرْقُ مرَّت ... تَخْطفُ الخَلْقَ والنُّفوسَ اغتيالا
تَنْزِعُ النَّاسَ للفضاءِ وترميْ ... يا لَهْولٍ يُرَوِّعُ الأهْوالا
مُزِّقِوا ثُمَّ غُيِّبِوا بين أَطْلا ... لٍ يُنَاجُون تِلْكُمُ الأطلالا
وأَمَانٍ تَنَاثَرَتْ وتَنَاءَتْ ... وهي تَبْكي دِيَارها والآلا
وطُلُولٍ مَن المنازِل ألْقَتْ ... بَيْنها ما حَوتْه والأثْقَالا
وبَقاياالأجسام! واخْتَلط الشـ ... ـيء مع الشيء ! لا ترى أَشْكالا
وزوايا مِن الأثاث ، وأحْْجَا ... رٌ ، وشيء تَظَنُّه أَسْمالا
مِنْظر يَخْطَفُ النُّفوس ويُلْقي ... بين أحَنَائها أسىً وابْتهالا(1353/1)
وخُشَوعاً وخَشْيةً يَرْجفُ القلـ ... ـبُ لديْها وعَبْرةً تَتَوالى
* * **** * *
لَهفَ نفسي ! على المناظِرِ تَطْوي ... شَبَحَ الموتِ رَهْبَةً وجَلالا
هَا هُنا كَانت الدُّروب ضَجيجاً ... بيْنَها النَّاس يَلْهثُون عِجالا
ويحَ نفسي كَأنَّهمْ في سباقٍ ... أَطْلقوا فيه للهوى الآمالا
ها هنا كانت العمائر تَعْلُو ... ناطحاتٍ تَتِيهُ فيه اختيالا
جَهِلوا أنَّ في الحياة غيوباً ... تفجأُ النَّاسَ رهْبَةً ووَبَالا
كلُّ أَمْرٍ يدورُ في الكَوْن يَمْضي ... قَدراً غَالِباً وأوفى منَالا(1)
* * **** * *
ها هُنا كانتِ الحياةُ رِغَاباً ... هَائِجَاتٍ وشَهْوَةً تَتَوالى
مُتَعٌ في الحياةِ هَيَّجْنَها أشـ ... ـعَلْنَ فيها أَشواقَها إشعالا
أسْكَرتْهُمْ مَعَ الهَوى شَهَواتٌ ... وَرَمَتْهمْ في تِيِهها جُهَّالا
فَنَسُوا غايةَ الحياة وضجُّوا ... بَيْنَ سَاحاتِ لَهْوِهمْ أَرْتَالا
فإذا حُمَّ في الدِّيارِ قَضاءٌ ... أَخذَ الصَّالحين والضُّلالا
أخذَ الصَّالحين لمَّا تغَافَوْا ... عن وَفاءٍ وَأَغْفَلُوا إِغْفَالا
* * **** * *
أَقْبلَ المَوْجُ بالهلاك وضَجّتْ ... مِنهُ سَاحٌ وزُلْزِلَتْ زِلْزالا
لَمْ يَدَعْ دونَه على الأرض شيئاً ... خَلَّفَ الأرضَ كَوْمةً وَتِلالا
ودَنَا زَحْفُهُ هُنالكَ حَتَّى ... بَان لله مِسْجدٌ يَتَعالى
مِسْجدٌ مُشْرِقٌ على الأرض آيٌ ... يَنْشُر النُّور والهُدى والجَمالا
كُلُّ شَيءٍ سِواه أَضْحَى يَبَاباً ... وهُو بالحقِّ نُورُه يتَلالا
هَدَأتْ دونه الأعاصيرُ والمَوْ ... جُ وأَهْوَتْ أَمَاَمَه إجْلالا
وتنحَّتْ عَنْه هُنَاك وَ غَابَتْ ... ثُمَّ رَاحَتْ تُحدِّثُ الأَجْيالا
إنَّها آيةٌ من الله حقَّاً ... صَدقَتْ عِبْرَةً وصَحَّتْ مقالا
* * **** * *
حَدَِّثي " إتشُ " ما دهاكِ فَأْلقى ... فيك شرَّاً يَسْتفْحِل استفحالا
أَينَ أبْناؤكِ الذين تَولَّوا ... ثُمَّ غَابُوا واسْتُؤْصِلوا اسْتِئْصالا
أَمِئاتُ الألوف غَابُوا مَعَ الموْ ... جِ شُيوخاً ونِسْوةً ورجالا(1353/2)
وشَباباً ! والموت يَبْتلعُ النَّا ... سَ ويُرْدِي الشَّباب والأطْفَالا
كَمْ يتيمٍ يتيهُ في الأرض يَلْقَى ... دونَهُ يُتَّماً قَضَوْا وثكالى
* * **** * *
وَرَضيعٌ مَضى تَقاذَفَهُ الموْ ... جُ ! وأُمُّ تُصَارِعُ الأَهْوالا
حَمَلَتْه الأَمْواجُ حتَّى رَمَتْه ... فوقَ لوحٍ فَظلََّ آمَنَ حالا
ثُمَّ أَلْقَتْهُ للشَّواطئ ! لا يَدْ ... ري أَيَلْقى أُمَومةً أو آلا
قد رَعَتْهُ عِنايةُ الله ! تَرْعَى ... كُلُّ شيءٍ إذا غَفَا أو جَالا
إنَّها آيةٌ من الله تُلْقِي ... نُذُرَاً لِلْوَرَى وتُوقِظُ بالا
* * **** * *
لو تَرى الطَّفلَ كَيْف يَقْذِفُه الموْ ... جُ فَيَلْقى من الحياة مَجالا
حَمَلتْهُ عِنايةُ الله حَتَّى ... أَسْكَنَتْهُ بينَ الغُصونِ ظِلالا
آيةٌ بعدَ آيةٍ في السَّموا ... تِ وفي الأرض لم تَزَلْ تَتَوالى
قَدَرٌ غالبٌ وحكمةُ خَلا ... قٍ وعدْلٌ يُقَدِّرُ الأحْوالا
سُنَّةُ اللهِ في الحياة تراها ... كَمْ تسوقُ الآياتِ والأمثالا
* * **** * *
ذِكْرياتُ الطُّوفان غابتْ كأنْ لَمْ ... يَذُقِ النَّاسُ عِنْدَها الأنْكالا
خَدَرٌ في العُروقِ يُنْسِي ولَهْوٌ ... يَطْرَحُ النَّاسَ نُوَّماً وكُسَالى
يَنْزِعُ العَزْمَ مِنْ نُفوسٍ ويُبْقي ... بَيْنَ أَحْنائِها الهَوانَ وَبَالا
أيُّ شيءٍ أشَدُّ هَوْلاً أَطُوْفا ... نٌ يَبُثُّ الدَّمارَ والأطلالا ؟!
أمْ تُراه الطُّوفانُ يَنْشُر في الأرْ ... ضِ فَسَاداً وفِتْنَةً وضَلالا ؟!
فِتْنَةُ النَّاسِ عن هُدى اللهِ تُلْقي ... فيهِمُ فِتْنَةً أشدَّ نَكَالا
* * **** * *
مَنْ تُرَاهُ يَهُبُّ للنَّاس يُلْقي ... فَيْضَ أَحْنَائِهِ يَداً ونَوالا
مَنْ يُغيثُ الملْهُوفَ في خَشْيَةٍ للّـ ... ـهِ يَرْجُو إلى النَّجَاةِ مَآلا
مَنْ تُراهُ يَردُّ دَمْعةَ طِفْلٍ ... أوْ يَتيمٍ مُشَرَّدٍ قَدْ عَالا
مَنْ تُراهُ يَسُدُّ جوع فَقيرٍ ... أَوْ يُدَواي القلُوبَ والأحْوالا
ليسَ كالمؤمن التقيِّ مُغيثاً ... لِعيال الرَّحْمَنِ يُصْلِحُ بَالا(1353/3)
إِنَّما الخَلْقُ كُلُّهُمْ أَيُّها النَّا ... سُ عِيالٌ للهِ فَارْعَوْا عِيالا
كَيْفَ تدعو للهِ تُغْدِقُ بالْوَعْـ ... ـظِ ولا تُوهِبُ النُّفوسَ وِصَالا
كَيْفَ لا تكْسب القلوبَ بِمَعْرُو ... فٍ وإِحْسَانٍ يَفْتَحُ الأقْفَالا
أَيُّها المؤمنونَ أَنْتُمْ أَحَقُّ النْـ ... ـناسِ أوفُوا العُهودَ والآمالا
* * **** * *
الرياض
1/1/1426هـ
10/2/2005م(1353/4)
فلق الصباح
رَجِّعْ دَوِيَّكَ في البطاح ودَمْدِمِ ... وانهض لَملْحَمةِ الجِهَادِ وأقْدِمِ
رَجِّعْ نِداءَكَ في الوِهَاد وفي الذُّرَى ... وبكُلِّ مُنْعَطَفٍ يَحنُّ إِلى كَمِي
واطْرُق بِصَيْحِتِك الفضاء فهاهنا ... خَنَقُوْا النداءَ وأطْبَقُوا فوقَ الفَمِ
وارْفَعْ نِداءَكَ في السماء يطُفْ على ... أَفْلاكها حُرّاً وَبَيْنَ الأنْجُمِ
مَنْ ذا يُجيبُكَ والدُّنا قَدْ سَكَّرَتْ ... أسْمَاعَها والدَّارُ قبضةُ مُجْرِمِ ؟ !
فَارْفَعْهُ للرَّحمن خَفْقة مُوقِنٍ ... بالله لا غِرٍّ وَ لا مُتَوهِّمِ
وَاْلجَأْ إِليْه فَلَم تَزَلْ أبْوَابُهُ ... مفْتُوحَةً للسَّائِلِ المُتَوسِّمِ
المُشْرَعاتُ عَلَى الرُّبى ما بالُهَا ... طُوِيَتْ وما بَالُ الفتَى لْم يَحْزمِ
مَا بالُهُمْ وَقَفُوا وأضْحى زَحْفُهُمْ ... كالبرق مِنْ أُفقٍ شحِيحٍ مُظْلِمِ
هَلاَّ نَشَرْتَ الفَجر في جنباتِه ... ونشرت مِنْ بَرْقِ العزائم والدَّمِ
فانْهضْ ! فَهَاتِيكَ الرُّبى قد فوَّحتْ ... بالعطْرِ مِنْ عَبق الجِهَادِ المُلْهِمِ
أَمجَادُ تاريخ وَوحيُ نُبُوة ... وَجَلالُ إِسْراءٍ وَعِزَّةُ مُسْلِمِ
وَرَفيقُ آيَاتٍ تمُوجُ بِساحِهَا ... نُوراً فَيَغْمُرُ مِنْ رُبىً أو مَعلَمِ
قُدْسِيَّةُ الأنوار يَخشَعُ عنْدَها ... قَلبي ويطْهرُ مِنْ هَوىً أو مأْثَمِ
* * *
يَا رَبْوةَ الأقْصَى حَنِينُكِ أدْمُعٌ ... وأنينُ صَدْرِكِ مِنْ جَوىً لَمْ يُكْتَمِ
تَتَلَفَّتين ! وأَيْنَ إعصارُ الفتى ... يُنْجيك مِنْ رَهَقِ الإِسَارِ المُحكَمِ
تَتَلفَّتِين ! وَ كُلُّ يوم ثورْةٌ ... عَصفَتْ وَقَيْدُك في الوغَى لَمْ يُحْطمِ
أيْن الفَتَى لله يَدْفَعُ خطوَهُ ... وثْباً كَبَارقٍ صَارِم أو لَهْذَمِ ؟!
ويَدُقُّ أبْوابَ الجِنَانِ علَى دَمٍ ... حُرِّ وَعهْدٍ في الوَغَى لَم يُثْلَمِ
* * *
فانْهَضْ إذا أَوْفَيْتَ خُطةَ مُؤمن ... وصَدَقْتْ نَهْجَ الفَارِس المُتَرَسِّمِ(1354/1)
وَتَحفَّزَتْ كُلُّ الرُّبى ! يَا حُسْنَها ... والغَارُ فَوقَ جَبِيِنهَا والمِعْصَمِ
وازّيَّنَتْ بالزّاحفين كَأنَّهم ... فَلَقُ الصَّبَاحِ جَلاَ عَبيرَ العَنْدَمِ
كُلُّ المَيَادِيْنِ التي هَيّجْتَها ... هَبَّاتُ خَطَّارٍ ولَهْفْةُ مُعْلَمِ
* * *
أمَلٌ عَلى أجْفَانِنا وكُبُودِنا ... وعَلى مُحَيَّانَا وَفَوقَ المبْسمِ
أمَلٌ كَأَنَّ الفَجْر في بسَمَاته ... ورَفيفُهُ بَيْن الطُّيوف الحُوَّمِ
وَنَضُمُّ في أَحْنائِنا شَرَف الهَوَى ... والشَّوْقُ بَيْنَ مُجَنَّحِ و مُكَتَّمٍ
لله ما تَهْفُو القُلُوبُ إلى غَدٍ ... زَاهٍ عَلى مَرِّ الزَّمَان مُوَسَّمِ
ومَواكِبُ الإِيَمان تَجْلو نَصْرَهَا ... لتُعيدَ لأْلأَةَ الفُتُوحِ اليُتَّمِ
وَمَجَامِعُ الدُّنيا تُرَدِّدُ حَوْلها ... الله أكْبَر ُ أقبِلي وَتَقَدَّمِي
لا تَنْثَني إِلا وفَتْحٌ مُشْرقٌ ... وَكَريمُ عِرْضِكِ في الْوَغَى لْم يُكْلَمِ
دَارُ مَبَاركةٌ وسَاحُ رباطهَا ... بَابُ الجنَان وآيةُ الشِّوقِ الظَّمِي
يَا يَومَ أنْ ثَارَتْ هُناك قَوَافِل ... تَتَرَى تَشُقُّ منَ العَجَاج الأَقْتمِ
ما صَدَّهُمْ فَقْرُ العَتاد ولا أسَى ... ذاكَ الإِسارِ ولا فَدَاحَةُ مُغْرَمِ
مَا صَدَّهُمْ خَدَرُ القَرِيبِ ولَهْوُهِ ... وَهَوانُ أحْلامِ الغُفَاةِ النُّوَّمِ
شدُّوا أكُفَّهُمُ كأنَّ زِنَادَها ... وقْدُ العَزيمَة في لَهِيب مُضْرَمِ
مَا كَان فِيها لو نظرُتَ سوَى الحَصى ... قد أرْعَدَتْ في الأُفْقِ إرْعَادَ الكمِي
وكَأنَّهَا قَصْفُ المَدافَع ولْوَلَتْ ... ما بَيْنَ أعْراسِ الجِهَادِ وَمَأْتِمِ
وَحَناجِرٍ خَفَقَتْ كَأَنَّ دَويَّهَا ... رَعْدٌ يُجَلْجِلُ أُو زَئِيرُ الضِّرْغَمِ
تركَتْ قِلاعَ الغَاصبين كأنَّها ... تَهْوي بِمُنْصَدعِ الجِدَار مُهَدَّمِ
* * *
أمَلٌ يُدَاعِبُهُ الخَيالُ فَهلْ تُرى ... صدَقَ الخيَالُ وَجَدَّ بَعْدَ تَوَهُّمَ ؟!
أمْ أنّهُ بَرْقٌ ! فيا لعَزائمٍ ... هبَّتْ على نهْجٍ أدقَّ وَأَحْزمِ
* * *(1354/2)
يَا خُطَّةَ الإِيَمانِ ! إِنَّ جَلاءَها ... بَيْنَ النّزال وبينَ رأْيٍ مُحْكَمِ
شَرَفُ الفَعالِ يُصَانُ بَيْنَ أسنَّةٍ ... تَجْلُو عَلَى المَيْدَانِ نَهْجَ المُسْلِمِ
تَمْضِي السنُونَ وَكُلُّ يَوْمٍ خِدْعةٌ ... بَيْنَ " الحُلُول " وأَنَّهُ المتَظَلِّمِ
وَنَكَادُ لاَ تَرْضَى هَوَانَ خديعَةٍ ... إِلاَّ طَوَينَاهَا بحَلٍّ أشْأَم
يَا أُمَّةَ الإِسلاَمِ دَرْبُكِ مُقْفرٌ ... ما بَيْنَ أوهَامٍ تَدُورُ و مَزْعَمِ
فَدُرُوبُها شَوْكٌ أَشَدُّ عليك مِنْ ... خَرْط القَتَادِ ومِنْ مَذاَق العَلْقَمِ
شَرَكُ المُسَاومَة التي تَرْجينها ... شَرَكُ يَمُدُّ إِليك نَابَ الأرْقم
هَلاَّ أفَقْتِ عَلى المَيَادين التي ... تَهْدي إِلى وَضَح السّبِيِل الأقْوَمِ
حَقُّ الشُعُوبِ يَنَالُه خَطْفُ القَنَا ... والرَّأيُ رأيُ المُؤمِنِ المتَقَدِّم
فرِدي حِيَاضَ المَوْتَ حَتى تُوهَبي ... عِزَّ الحَيَاةِ وأقْدِمي لا تُحْجِمي(1354/3)
لآلئ الشِّعر
يَقولُ : تَرْتَجِلُ الأَشْعَار تُنْشِدُها ... وَزْناً وَقَافِيةٍ قَيْداً وإِعسارا
دَعِ القْوافيَ والأَوْزَانَ ! إِنَّ بِهَا ... رَجْعَ التُّراثِ وأَغلالاً وأَوضارا
ودَعْ بَلاغَةَ أَجْدَادٍ وقَدْ غَبَروا ... واتْبَعْ هواكَ ومَا قَدْ شاءَ واخْتارا
و " اغْسلْ " كَلامَك أو "طهّره" إِنّ به ... مِنْ السِّنين، مِنَ التّاريخ ، وإِغبارا
واتْركْ قَواعِدَهمْ واهْدِمْ دَعائِهُمْ ... واجعل " حديثك " بينَ الناس أَسرارا
واجْعَلْ مِنَ الشّعرِ ألغازاً تدورُ بِهِمْ ... لا يَفْقَهُ القومُ ما قَدْ قِيلَ أو دارا
حُرّاً يُعِيدُ أَساطيرَ الخَيالِ بِهِ ... ويَنتَشي بِضَلالٍ حَيْثُما سَارا
يَهيمُ في كلِّ وادٍ مِنْ ضلالَتِه ... مَعَ الشياطينِ إِقْبَالاً وإِدْبَارا
كُلُّ القَدِيم قَدِيمٌ لا يُبَالِ بِهِ ... وجَدِّدِ اليوم أَهْوَاءً وأَفْكارا
ومَزِّقِ "الشَّكلَ" لَيْسَ "الشَّكْلُ" ذا صِلَةٍ ... بالدِّينِ ! أَنْشِبْ بهِ ناباً وأَظفَاراً
كلُّ الشياطين جَالَتْ في مَنَازِلِهِ ... تُغْري وتُطلِقُ أَعواناً وأَنْصَارا
فَكَمْ جَذَبْنَا بأَلْوانِ الخِدَاع فَتىً ... هَوَى يُرَدِّدُ أعذاراً وإِعْذارا
فَقُلْتُ : وَيْحَكَ ما قَدْ قُلْتَ إِنَّ بِهِ ... مِنْ فِتْنَةِ الشَّرِّ أو مِنْ وقْدِه نارا
الشِّعْرُ حُرُّ بِأَوْزَانٍ وقَافِيةٍ ... ملءَ المَيَادينِ دفَّاقاً وزَخَّاراً
إذا تَجَرَّدَ مِنْها غابَ في ظُلُمٍ ... بَيْنَ المَجَاهِل إِجْداباً وإِقْفارا
كَأَنَّهُ هَذَرٌ لمُ يُبْقِ آصِرَةٍ ... لَهُ مَعَ الشِّعْرِ لا صَحْباً ولا جَارا
لَمَ يَتْرُكُوا نَسَباً للشِّعْرِ أَو رحِماً ... يَاوَيْلَ مَنْ قطَّعَ الأرْحام أَو جَارا
لاّلئُ الشِّعْرِ أَوْزانٌ وقافِيةٌ ... تَشِعُّ مِنْ وَهَجِ الإِبْداعَ أَنْوارا
الشِّعْرُ فَنُّ وآلافُ السِّنين بَنَتْ ... لآلئَ الوزنِ أو صَاغَتْ لَه الغَارا
لِسَانُهُ لُغةُ القُرْآنِ آيَتُها ... إِعْجازُه دَارَ إِجْلالاً وإِكْبارا(1355/1)
وَعَبْقَرِيُّ عَطاءِ الشعْرِ قَافِيةٌ ... تَجْري مَعَ " البَحْر " إِنشاداً وإِبْحارا
الشِّعْرُ فنُّ إّذا ما قُلْتُه انتفَضَتْ ... مِنْكَ الجَوارح تَحْنَاناً وَتَذْكَارا
في صُورةٍ جَمَعَتْ أَلْوانَها فَزَهتْ ... وحرّكَتْ من بَدِيع اللَّحْنِ أوتارا
وخفقَةٍ عَبْقرِيُّ الفَنِّ يُطلِقُها ... رَوائِعاً مِنْ غَنِيِّ الشعْر أَبْكارا
كَأَنْها اسْتَلْهَمَتْ مِنْ كُلِّ قَافِيةٍ ... لَحْناً تموحُ به الأَشْعَارُ أَشْعارا
وعطّرَتْ بالقوافي كلَّ رَابِيَةٍ ... وزيَّنَتْ بالقوافي السَّاح والدَّارا
وأَطْلَقَتْ في سَماء الشِّعْر أَنْجُمَهَا ... لآلِئاً وعَلى الآفاقِ أقْمارا
كَأنّما اتَّسَعَتْ للشِّعْر سَاحَتُه ... فَكَانَ بَحْراً وهِاجَ البَحْرُ إِعْصارا
لا يرْكَبَنَّ غَبَابَ البَحْرْ غيرُ فتىً ... جَلْدٍ تمرَّس إِقلاعاً وإِبحارا
يَخُوضُهُ كُلُّ ذي عَزمٍ وموهِبَةٍ ... ويَنْثَي العَاجِزُ المضطرُّ إِدْبارا
يَغُوصُ يَطْلُبُ مِنْ أَعْماقِه دُرَراً ... ويَعْتَلي ظَهْرَهُ جُوْداً وإصْدارا
هذي " البُحورُ "بُحُورُ الشِّعْرِ ، واهِبَةٌ ... للصَّادقين عُلاً يَزهو وأَعْمارا
وإِنّ فِيها لأَصْدافاً تُصَانُ بِهاَ ... لآلِئُ الشِّعْرِ أوْزانا وَأقْدَارا
الشعْرُ بَابَانِ : بَابٌ منْ أَبالِسَةٍ ... يُوحُون بالشَعْر آثاماً وأَوزَاَرا
وزُخْرُفاً لم تَزَلْ تَرْضَاه أَفْئدَةٌ ... تَلقَى به النَّارَ أو تَلْقى به العارا
وشاعَرٌ من هُدى الرَّحْمنِ خَفْقَتُه ... مَعْنى ولفظاً وأشْواقاً وإيثارا
يَطُوفُ في الكوْنِ يَلقَى مِنْ عَجائبه ... آياً تُفَتِّح للأَلْبَابِ أَسْفارا
يهتزُّ من شَوْقِهِ للحقِّ ، يَخْشَعُ في ... جَلاَلِه رَهَباً يَغْشَى وأَذكَارا
ويُطلِقُ الشِّعْرَ أَنداءً مضمّخة ... كالرّوضِ تلقاهُ أَنواراً وأَثْمارا
يَفيضُ فِيه الجَنى في ظِلِّ وارِفةٍ ... تُفجِّرُ الماء يَنبُوعاً وَ أَنْهَارا
هذا هو الشّعْرُ !شِعْرُ المُؤمنين جَرَى ... يَرْوي مَعَ الدَّهْر أَمثالاً وأَخْبارا(1355/2)
كَأنَّه يَهَبُ الأَحْداثَ خَفْقَتها ... يَجْرِي فَيَمْلأُ أَسْماَعَا وأَبصاراً
حتَّى إِذا سَمِعَ الأَشعارَ أُطْلِقُها ... رَوْضاً تفتَّح أوْراداً وأَزْهارا
فعادَ عن غَيِّه وارتَدَّ من عَجَبٍ ... يُرَجّع الشّعرِ إِعْجاباً وإِكْباراً
يَقُولُ هذا هُو الشّعْرُ الحَلالُ جَرَى ... عِطراً يَمُوجُ وسِحْراً بَيْنَهُ دارا(1355/3)
لغتي الجميلة
مالي خَلَعْتُ ثيابي وانْطَلَقْتُ إِلى ... سِواي أَسأَلهُ الأثوابَ و الحُلَلا
قَدْ كانَ لي حُلَلٌ أزْهو بِبْهجَتها ... عِزّاً وَيزْهو بِها مَنْ حَلَّ وارْتحَلا
أَغْنى بِها ، وَتمدُّ الدفْءَ في بَدَني ... أَمْناً وتُطْلِقُ مِنّي العزْمَ والأَمَلا
تموجُ فيها الّلآلي مِنْ مآثِرها ... نوراً وتبْعَثُ مِنْ لآلاِئها الشُّعَلا
حتى أفاءتْ شُعوبُ الأرْضِ تَسألُها ... ثوباً لتستُرَ مِنْها السُّوءَ و العِلَلا
مدَّت يَدَ الجودِ كَنْزاً مِنْ جَواهِرها ... فَزَيَّنتْهُم وكانوا قبلها عُطُلا
جادتْ عليهم وأوفَتْ كلَّ مسْألةٍ ... بِرّاً تَوالى ، وأوْفَتْ كلَّ مَنْ سَألا
هذا البيانُ وقدْ صاغتْهُ معْجِزةً ... تمضي مع الدّهرِ مجْداً ظلَّ مُتَّصلا
تكسو مِنَ الهدْيِ ، مِنْ إعجازِهِ حُللاّ ... أو جَوْهَراً زيَّنَ الأعطافَ والعُطَلا
نسيجُه لغةُ القَرآنِ ، جَوْهرُهُ ... آيٌ منَ اللهِ حقّاً جَلّ واكْتَملا
نبعٌ يفيضُ على الدّنيا فيملؤُها ... رَيّاً وَيُطلقُ مِنْ أحواضِهِ الحَفَلا
أو أنه الروّضُ يُغْني الأرْضَ مِنْ عَبَقٍ ... مِلْءَ الزَّمانِ نديّاً عودُهُ خَضِلا
تَرِفُّ مِنْ هَدْيِهِ أنداءُ خافِقَةٍ ... معَ البكورِ تَمُدُّ الفَيْءَ و الظُّلَلا
وكلُّ مَنْ لوّحتْه حَرُّ هاجِرةٍ ... أوى إليه ليلْقى الرّيَّ و البَلَلا
عجبتُ !! ما بالُ قومي أدْبَروا وجَرَوْا ... يرْجونَ ساقطةَ الغاياتِ والهَمَلا
لمْ يأخذوا مِنْ ديارِ الغرْبِ مكرُمةً ... مِنَ القناعةِ أوْ علماً نَما وَعَلا
لكنّهمْ أخذوا لَيَّ اللّسانِ وقدْ ... حباهُمُ اللهُ حُسْنَ النُّطْقِ مُعْتدِلا
يا ويحهمْ بدَّلوا عيّاً بِفصحِهمُ ... وبالبيانِ الغنيِّ استبدلوا الزَّلَلا
إن اللّسانَ غذاءُ الفكرِ يحْملُهُ ... عِلْماً وفنّاً صواباً كانَ أو خَطَلا
يظلُّ ينسلُّ منه الزّادُ في فِطَرٍ ... تلقى به الخَيْرَ أو تلقى بِهِ الزَّللا
الأَعْجَمِيُّ لِسانٌ زادُهُ عَجَبٌ ... تَراهُ يَخْلطُ في أَوْشابِهِ الجدَلا(1356/1)
لمْ يَحْمِلِ الهدْيَ نوراً في مَصادِرِهِ ... ولا الحقيقة إلا كانت الوَشلا
فحسبُنا مِنْ لِسانِ الضّادِ أنّ له ... فيضاً من النّور أو نبعاً صَفا وجَلا
وأنه اللغة الفصحى نمت وزهتْ ... تنزّلتْ وبلاغاً بالهُدى نزلا
وأنه ، ورسول الله يُبلغه ... ضمَّ الزمان وضمَّ الآيَ وَالرُّسلا
وأنه الكنزُ لا تفنى جواهرهُ ... يُغْني اللياليَ ما أغْنى بِهِ الأُوَلا
يظلُّ يُطْلِقُ من لأْلائِهِ دُرراً ... على الزمان غنيَّ الجودِ متصلا
فعُدْ إلى لغةِ القرآنِ صافيَة ... تَجْلو لكَ الدَّربَ سهْلاً كانَ أو جبلا
تجلو صراطاً سويّاً لا ترى عِوجاً ... فيه ولا فتنةً تَلْقى ولا خَللا
تجلو سبيلاً تراهُ واحداً أبداً ... وللمُضلّين تْلقى عندهُمْ سُبُلا(1356/2)
مواكب بدر
طَوِّفي حَيْثُ شِئتِ هذي المَغَاني ... زَهَرَتْ بالقَصيدِ والمهْرَجَانِ
يا لَنَفْح الإِيمان يَنْشُرُ طِيباً ... مِنْ فَعَالٍ ورَفّةً مِنْ بَيَانِ
يا لَنُورٍ يَشُقُّ مِنْ ظُلْمةِ اللّيْـ ... ـلِ وَيَسْري بَينَ الضُلُوع الحَوَانَي
يَا لَهَا خَفْقَةٌ مِنَ الكَبِدِ الحَـ ... ــرَّى وَدَفْقٌ مِنْ رَحْمَةٍ وَحَنانٍ
أَسْعِفينَا فكمْ ضَلَلْنا و تاهَتْ ... في الدَّياجير خُطْوةُ الإِنسانِ
أَسعِفينَا بآيةٍ مِنْ بَيَانٍ ... شَعَّ مِنْ جَوهَرٍ كَرِيم المَعَاني
كُلُّ حُرِّيَةٍ تَمُوتُ إذا لَمْ ... تَكُ حُرِّيَّةً لصدقِ لِسَانِ
كُلُّ حُسنٍ يَمُوتُ فِينا إِذا لمْ ... يَكُ أَغْلاهُ آيَةً مِنْ بَيَانِ
كمْ سَقَطْنا وَمَا نهضنا فَأْهْوتْ ... بَيْنَ أَوْحالنا خُطَا الفُرْسَانِ
كمْ خَنَقْنَا عَلى الحَنَاجرِ أَصْوَا ... تاً فماتَتْ في غُصَّةٍ وَهَوَانِ
الحُرُوفُ الخَرْسَاءُ ذُلٌّ ومَوتٌ ... دُفِنَتْ بَيْنَ مُجْرمٍ وَجَبَانِ
لَهْفَةُ الشَوْق لَمْ تَزَلْ تَتَعَالَى ... بَيْنَ أَحْنائِنَا ، وصَفْوُ الأمَاني
أَسعِفِينَا بِرَوْعَةِ الحَرْفِ يَجْلُو ... عِزّةً أو يُعِيدُ مِنْ إِيمانِ
كمْ عَدُوٍّ تَرَاهُ يَقْتُلُ فِينَا ... وَمْضَةَ الحَرْف من هُدًى وجِنانِ
يَالِذُلّ الإِنْسَانِ يَطْرَحُه الكُفْـ ... ــرُ شَتِيتَ الأهْوَاءِ والأشجانِ
يَا عَبيداً يَسُوقُها السوطُ في الأرْ ... ضِ فَتَمضِي هُناكَ كالقِطْعَانِ
سَرَقُوا الوَمْضَةَ الغَنِيَّة لكنْ ... أشرقتْ رغم ذاك منها اليدانِ
سرقوا العطر ثمَّ ولَّوْا ولكن ... نَثَرَتْهُ الخُطا بِكُلِّ مَكَانِ
كُلَّمَا أَوغَل الجبَانُ بِظُلمٍ ... جَعَل اللهُ فُرْجةً مِنْ أَمَان
يَا لِذُلِّ العَبيدِ تَرْكَعُ في دُنـ ... ـيا " أَبُولُّو " في زحمَةِ الأوِثانِ
كُلَّ يَوْمٍ لهُمْ إِلهٌ جَديدٌ ... يا لِذُلّ الأَرْبَابِ والعُبْدَانِ
نَحَتُوه مِنَ الخُرَافَةِ والجَهْـ ... ـل وصَاغوهُ مِنْ هوىً فَتّانِ(1357/1)
كُلَّ يَوْمٍ لَهْمُ مَذاهبُ شتَّى ... مِنْ ضَلالِ اليُونانِ والرُّومَانِ
ثُمَّ سَمَّوهُ فلسَفَاتٍ وفِكْراً ... بين جُورِ الضَّلالِ والبُهْتَانِ
فِتْنَةٌ أشْعَلَتْ أَبَالسةُ الأَرْ ... ض لَظَاهَا تَمُدُّ مِنْ نِيرَانِ
فَدَعُوهَا يَا قوم ! أَيُّ فَسادِ ... لِبُناةِ الأَجْيَالِ والأَوْطانِ
لا تُرَاعي يَا نَفْسُ ! هُم جُبَناءٌ ... مَا أَذَلَّ الجَبَانَ عِنْدَ الجَبانِ
ها هُنا نَفْحَةُ النُّبُوَّة مِنْ بدْ ... رٍ وهذي مَلاحِمُ الفُرْقانِ
ها هُنا تُصْنَعُ الرّجَالُ وتُبْنَى ... أُمَّةٌ بينَ آيَةٍ وَسِنَانِ
يَا لَبَدْرٍ ! وَيَا لَمَعْرَكَةٍ تَمْـ ... ـضي مضيَّ الدُّهُورِ و الأزْمَانِ
يَنْحَنِي عِنْدَها الزّمَانُ فَيَلْقَى ... شُعَلاً مِنْ عَزائِمِ الإِيمانِ
في مَيَادِيِنهَا تَمُوجُ اللَّيالي ... و دَوِيٌ مِنْ أيَةٍ و أَذَانِ
والتْطامُ الزُّحُوفِ ، حَمْحَمةُ الخَيْـ ... ــلِ ، نِداءُ الرَّحمن للإِنْسانِ
عَبْقَريُّ الجِهَادِ مِنْ عَزْمةِ الشّوْ ... قِ ، ومِنْ مُهْجَةٍ ، ومِنْ إِحْسَانِ
عَبَقُ المجْدِ كُلُّهُ في الثَّنَايَا ... في ذُراً أشْرَقَتْ وفي وُدْيانِ
كُلُّ شِبْرٍ مُضَمَّخٌ بِدِماءٍ ... كُلُّ سَاحٍ زَهْوُ الرُّبى والمَغَاني
ها هُنَا يُرْفَعَ القَصِيدُ ويُبْنى ... أَدَبٌ مُلْهِمٌ وفيضُ مَعَاني
أَدَبٌ يَرْتَوي البَيَانُ لَدَيِه ... مِنْ حَديثِ الرَّسُول ، مِنْ قرْآنِ
هُو نَبْعٌ مِنَ الهِدَايةِ ، فَيضٌ ... مِنْ وَفَاءٍ ، وخَفْقَةٌ مِنْ جَنَانِ
طَابَ ليْ عِطرُها ! فَكَمْ رَفَّ مِنْها ... عَبَقُ الصِّدْق أَو شَذَا الإِحْسَانِ
خَشَعَتْ أَضْلُعي لآيَتِها الكبْـ ... ـرَى وإِشْراقِ جَوْلةٍ وطعَانِ
هَاجَني الشّوْقُ مِنْ هَوىً فَتلـ ... ــفَّتُّ ! ونَادَيْتُ : أَيْنَ عَزْمُ البَاني
أَيْنَ أَمْجَادُ أُمَّتي ؟ ! كيف تَرْضَـ ... ـون " أبُولّو" ودعوةً مِنْ هَوَانِ
ها هُنَا تَزْخَرُ البُطُولاَتُ في التَّا ... ريخ مِنْ صَادِق الوَفَاءِ و حَانِ(1357/2)
فَتَنَاوَلتُ مِنْ هُنَاكَ مِنَ التّا ... ريخ ، مِنْ رَوضَةٍ وَمِنْ بُسْتَانِ
جَوْهَرَ المجْدِ أَوْ لآليءَ فَتْحٍ ... أَوْ عُقُوداً مَنْظُومَةً مِنْ جُمَانِ
وَوُرُوداً تَفَتَّحَتْ وَزُهُوراً ... عَبَقَتْ بالشَّذَا ، ونَفْحَ جِنَانِ
فَإِذَا كُلُّها تَجَمَّعُ آياً ... في فُؤادٍ حَانٍ وفي وِجْدَانِ
لَمْحَةٌ تَجْمعُ الفَرَائِدِ مِنْ بَدْ ... رٍ ومِنْ وثْبَةٍ وزَهْو يَمَانِ
لا تَغِيبي عَنَّا مَيَادينَ بَدْرٍ ... أَطْلِقي مِنْ مَواكبٍ وعِنانِ
وَثبِي يا مَوَاكِبَ الحَقِّ طُوفي ... بَينَ نَصْرٍ وبَيْن صِدْقِ الأمَاني
وَاصْدُقي الله واطْلُبي الجَنَّة لا الدُّنـ ... ـيَا ولا زُخْرُفَ الحَياةِ الفاني
إِنَّ أَعْلَى البَيَانِ دَفْقُ دِمَاءٍ ... فَجّرَتْها مَوَاقِعُ الإِيمانِ
كُلُّ حَرْفٍ يَصُوغُه دَمُ حُرٍّ ... هُوَ نُورٌ يَسْري مَعَ الأزْمانِ
لَفتةٌ مِنْكَ يا أَخي رفَّ منْها الـ ... ـشَوْقُ للحقِّ أو نَقَيُّ الأماني
لفْتةٌ حُلْوةُ ومَدْرَسَةٌ كُبْـ ... ــرى ودارٌ مَشْدُودةُ الأركانِ
وكَأَنّي أَرَاكَ قمْتَ ! تَلَفَّـ ... ـتَّ ! ونَادَيْتَ يَا رِجال البَيانِ
انْهَضُوا ! أَدركوا البَيَانَ وصُونُوا ... لغة الحَقِّ مِنْ عَدُوٍّ جَانِي
ودَعي أُمَّتي مَذَاهِبَ يُونا ... نٍ وأَوْهَام جَاهِلٍ مُتَوانِ
وانْهضي ! هذه مَدْارِسُ بَدْرٍ ... أطلِقي مِنْ مواكِبِ الفُرسانِ
كِمْ رَمَى الحِقْدُ والتّحاسُدُ فينا ... خَيْلنا في مَتَاهَةٍ وَهَوَانِ
لَكَ مِنّي تَحِيَّةٌ يا أخي أَحْـ ... ـمَدُ ! صفْوُ الدُّعَاءِ والإِحسانِ(1357/3)
مهرجان القصيد (1)
" مَهْرَجَانَ القَصيد " غَنِّ قَصِيْدِي ... بَيْنَ زُهْرِ المُنَى وحُلْوِ النَّشِيدِ
فالمَعَاني انتَقَيْتُها مِنْ جِنَانٍ ... والهَوَى صُغْتُه مَآثِرَ صيدِ
والقَوَافِي كَأَنها عَبَقُ الرَّوْ ... ضِ وَنفْحُ الوُرُودِ بَيْنَ الوُرُودِ
هَاهَنا نَفْحَةٌ مِنَ الأَمَلِ الحُلْـ ... ـو وفَيْضٌ من خَيره الْممدُودِ
وَلقَاءٌ يَمُوْجُ بالنُّورِ يَجْلو ... مَكرُمَات ِ البَيَانِ دَفْقَ الجُودِ
إِيْهِ " لَكْنُو " فَكَمْ ضَمَمْتِ نَديًّا ... مِنْ شُيُوخٍ وَمِنْ شَبابٍ نَجيْدِ
يَا حَنانَ الهَوَى وصَفْوَ ودادٍ ... غَرِّدي مِنْ قَصِيدِك المَعْهُودِ
زَيِّني دَارَكِ الغَنيَّةَ بالشَّوْ ... ق ، بِمَجْدٍ ، بِمَلحَمَات الجُدُودِ
كَمْ دَعَوْتُ القَصِيدَ من دَمْعَة الذُلِّ ... فَأَلْوَى إلى مَكَانٍ بَعيدِ
كمْ تَلَفَّتُّ في دُرُوب هَوَانٍ ... وَحَوَالَيَّ ألفُ خَطْوٍ شريدِ
وَبقَايَا قَواَفِلٍ مَزَّقَتْها ... عَضّةُ الرِّيح والتطامُ النُّجُودِ
زَحَمَتْها عَلَى الدُّرُوب زَوَايا ... وَرَمَتْها في غَيْهَبٍ وسُدُودِ
أَفْلَتَتْ مِنْ يَدَيَّ زُهْرُ القوَافي ... وَنَأى اللحْنُ في بطونِ البيْدِ
وَالمَعَاني تَنَاثَرَتْ في فَضَاءٍ ... واخْتَفَتْ خَلْفَ أُفْقِهِ المسْدُودِ
كِبْرياءُ القَصِيدِ يَشْمُسُ عَنْ ذُلٍّ ... ويَنْأَى عَن الهَوَى والجُحودِ
عِزّةٌ فِيه ، إِنَّهُ أدَبُ الإِسْـ ... ـلاَمِ غَرْسُ الإِيمانِ ، رَيُّ العُهودِ
يَا إِبَاءَ القَصِيدِ يَرْفَعُهُ الصّدْ ... قُ فَيَرْقَى إلى مَطَافِ خُلُودِ
لاَ يَسِفُّ الهَوَى وَلاَ يَهْبطُ الحسُّ ... وَلاَ ينحني لعَضّ قُيودِ
شَرَفُ القَوْلِ مِنْ هُدَى الحقِ ... وسِحْرُ البَيَانِ بالتَوْحيدِ
أَدَبٌ يَرْتَوي البَيَانُ لَدَيه ... مِنْ حَديثٍ ، مِنَ الكتاب المَجيدِ
رَفَّ بالطَّيْبِ عُودُهُ فَتَمنَّى ... كُلُّ رَوْضٍ نَدَاوَةً مِنْ عُودِ
يَنْشُرُ الجَوْهَرَ الكَرِيْم عَلَى الدَّهْـ ... ـرِ غَنِيّاً باللؤلؤ المنضودِ(1358/1)
فأتى الشاعرُ المدلُّ عليه ... صاغه من أساورٍ و عقودِ
فَتَمَنَّتْ مُهَفْهَفَاتُ الغَوَاني ... حِلْيَةً حَوْلَ مِعْصَمٍ أَوْجِيدِ
هُوَ رَفُّ النَّدَى عَلَى الوَرَق اليَا ... بِسِ يَهْتَزُّ في رَبيعٍ جَدِيدِ
هُوَ خَفْقُ الأوْتَارِ بالنَّغَم الحَا ... نيْ عَلَى بَهْجَةٍ وَفَرْحَةِ عِيدِ
هُوَ زَهْوُ الصِّبَا التَّقيِّ وَشَوْقٌ ... مَنْ عَفافٍ وَزِيْنَةٌ في بُرُودِ
هُوَ في الكَوْنِ آيَةٌ حَوَّم المَجْـ ... ـدُ عَلَيْهَا رَوائِعاً مِنْ نشيْدِ
يَا حَنَانَ القَصيدِ ، يَا لمْسَةَ الإِسْـ ... ـلاَم سَلْوَى الحَزين مَأْوى الطَّريدِ
يَا رِحَابَ الأمَان يَمْسَحُ ذُلاًّ ... عَنْ جُفُونٍ وَدَمْعَةً عَنْ خُدُودِ
يَا حِمىً يَفْزَعُ الضَّعِيفُ إليْهِ ... فإذَا فيه قُوَّةٌ مِنْ أُسُودِ
يا غَنَاءَ الفَقِير في مَنْهَج الحق ... وَفي دَرْبِهِ الأمِين الرَّشيدِ
يا لَنُعْمَى الإِنسَانِ يَحْمِلُ مِنْهُ ... مِشْعَلاً شَقَّ مِنْ لَيَالٍ سُوْدِ
رَفْرَفَ الشَّوْقُ فانْتَقَى أَدَبُ الإِسـ ... ـلاَمِ مِنْهُ قُمْريَّةَ التَغْريدِ
وَهَبَ الحُبُّ عِنْدَه الآيَةَ الكُبْـ ... ـرى وأَغْنَى قُدْسِيَّةَ التَرْدِيد
فَهُوَ الله لاَ إله سِواهُ ... هِيَ أَعْلَى هَوىً وَأَحْلى نَشِيدِ
رَجِّعي يَا دُنا جَلاَلَ هَوَانا ... واسْجُدي وانْعَمي بهذا السُّجودِ
أنا عَبْدٌ لله مَا أَعظَمَ الحُبَّ ... ـب وَ أَغْنَاهُ باليقيَن الشَّديد
يَا أَهازِيجُ يَا نَشيدَ اللَّيَالي ... رَجِّعي اللحْنَ أَو أعيدي قَصِيدي
أنا بالحبّ نَشْوَةٌ في فَمِ الدّهْـ ... ـرِ وَلْحنٌ مِنَ الهَوَى المنْشُودِ
يَا عَطَاءَ الإِسْلاَم يَا نَفْحَةَ الإِيـ ... ـمَان يَادُرَّةَ العَطَاءِ الفَرِيدِ
أَدَبٌ شَعَّ في اللّيالي مَعَ العَزْ ... م زَكَا عِطْرُهُ دَماً مِنْ شهيدِ
كَمْ جَلاهُ عَلَى المَيادين فُرْسَا ... نٌ وَغَنَّتْهُ وَثْبَةٌ مِنْ صِيدِ
فانْهَضِي يَا رَوَائعَ الشِّعْرِ هذي ... سَاحَةٌ زَغْردي لَهَا وَ أَعيدي(1358/2)
أَنْت في ذِرْوَةِ البَيَانِ عَطَاءٌ ... زَاخِرٌ بالهُدَى وأَبْحُرُ جُودِ
يَا دِيِارَ الإِسْلاَمِ جُنَّتْ رُبَاهَا ... بَيْنْ عَادٍ مَرَوِّعٍ وَحَسُودِ
أَطْلقي دُونَهُ البَراكِينَ ، صُبِّي ... حِمماً ، زَلْزلي القَوَاعِدَ ، مِيْدي
وَاعصِفي غَضْبَةَ الأعَاصِير ، وارْمي ... فَوْقَهُ مِنْ قَنابلٍ و حَديدِ
لسْتُ بِالشَّاعِرِ المُدِلِّ إذا لَمْ ... يَكُ شِعْري قَذَائِفاً مِنْ وَقُودِ
وَإِذا مَا انْطَوى عَلَى الغِمد سَيْفٌ ... أَو خَلاَ السَّاحُ من هَوَى صِنديدِ
سَوفَ يَمْضي عَلَى الطّرِيقِ قَصِيدِي ... كالنَّدَى رَفَّ في رَبِيعٍ جَدِيد
يا أَديبَ الإِسْلامِ أَيْنَ السَّرَايا ... نَزَعَتْ عن مَضَاجِعٍ وَ مُهُودِ
أَيْقَظَتْهَا صَوَاعِقٌ مِنْ نِداءٍ ... خاطِفَاتٌ بَقيَّةً مِنْ كُبُودِ
دَفَعَتْها إلى النِّزَال أَهَازِيْـ ... ـجُ فَمَاجَتْ عَلى لهيب النَّشيدِ
وَجَلتْهَا عَلَى بِطَاح " فِلَسْطْيـ ... ـنَ " دَويّاً في يَوْمِهَا المَشْهُودِ
وَعَلَى " كَابُلٍ " ، وَزَمْزَمَتِ الأرْ ... ضُ لَهِيْباً وَ أَرْعَدَتْ بالجُنُودِ
أَدَبُ التَّائِهينَ لَيْلٌ و َخَمْرٌ ... بَيْنَ كَأَسٍ مُحطَّمٍ أَوْ غيدِ
حِينَ يَغْفُو القَصِيدُ في خَدَرِ السُّكْـ ... ـرِ لخَصْرٍ مُهَفْهَفٍ وَنُهُودِ
أَدَبٌ ذَلَّ في الفُجُورُ و نَامَتْ ... بَيْنَ أحْضَانِهِ جُفُونُ العَبيدِ
يَتَوَارَوْنَ خَلْفَ سِحْرِ شِعَارٍ ... كاذبٍ أَوْ زَخَارِفٍ ووُعُودِ
سَمِّ مَا شِئْت مِنْ مِثالٍ فَهَذا ... أَدَبُ الضَّائع الشَقيِّ الجَحُودِ
سَوفَ يَفنَى مَعَ الزّمَان وَيَبْقَى ... أَدَبُ الحقِّ شُعْلَةً في الوُجُودِ(1358/3)
نبذة حول الشاعر: عدنان النحوي
الاسم : الدكتور / عدنان بن علي رضا بن محمّد النحوي .
الجنسية : سعودي .
الميلاد : صفد ـ فلسطين ـ 23/7/1346هـ الموافق 15/1/1928م
•دبلوم في التربية والتعليم و أصول التدريس من فلسطين ، وانترميديت فلسطين .
•بكالوريوس في هندسة الاتصالات الكهربائية من مصر بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف الثانية .
•الماجستير والدكتوراه في نفس التخصص من أمريكا .
•درجة الزمالة من معهد المهندسين الكهربائيين ـ انكلترا F.I.E.E .(1359/1)
يا قُدسُ !
يا قُدسُ! يَا نجْوى الزَّمان و لَهْفةَ الـ ... أُفُقِ اُلمُطِلِّ على رُبَاكِ ! فأجْملي
يَا قُدسُ ! يَا إشراقة الفَجْر النَّدِ ... يِّ وبسمةً طَلَعتْ مَع الصُّبْحِ الجَلِي
يَا قُدسُ! يَا عِطرَ الدُّهور ونفحةً ... مَا جَت على الأمَلِ الغنيِّ المرفِلِ
يا قُدسُ! يا رفَّ الحَنين وخَفْقةً ... مِن كلِّ قَلبٍ خَاشعٍ متبتِّلِ
يا قُدسُ! يَا عَبَقَ الفُتُوحِ ونسمةً ... سَارَتْ بريَّا المِسْكِ فوحَ قُرنْفُلِ
يا قُدسُ ! يا نُورَ النُّبوَّةِ أشرقَتْ ... في الدَّاجياتِ ويَا صَفاء المَنْهَلِ
كلُّ النُّبُواتِ التِي بُعِثَتْ سَعَتْ ... شَوقاً إِليكِ بِنُورِهَا المُتَهلِّلِ
كمَ أشرَقَتْ في كلِّ ساحٍ آيةٌْ ... للهِ تُنْبِئُ بالنَّبي ِّ الأَكْمَلِ
فَإِليكِ أُسْريَ بالنَّبيِّ مُحَمَّدٍ ... لِيَؤُمَّهُمْ! يَا للإِمامِ الأعدلِ
ثُمَّ ارتَقَى لمعارِجٍ موصُولةٍ ... بَلَغتْ بهِ أَعلى رُؤَى أو مَنْزِلِ
دارٌ مبارَكَةٌ و أنفاسُ الهُدى ... فيها على رَوْضٍ أَغَنَّ مُظَلَّلِ
المسْجد الأقْصَى بِساحك! يا له ... من مَسْجِدٍ بِهُدَى العُصُور مُجَلَّل
بالحقِّ بالإسلام بالدين الذي ... حَمَلتْهَ كلُّ نُبُوَّة أو مُرْسَل
طاف الجَمال بكلِّ أرضٍِ وانْتَهى ... لرُبَاكِ مَجْلوّاً ! فَقِيل هُنا انْزِلِ
وإذا رباك غَنيَّةٌ خَفقَ الهوى ... في كلِّ ركنٍ بالجلال مُكلَّل
أرضَ الملاحِم حدّثي عن أُمَّةٍ ... تركَتْك في أسْرٍ شَدِيد مُثْقِلِ
أرض الملاحِم حدِّثي عَنْ غافِلٍ ... مُسْتَسْلمٍ أو جاهِلٍ مُتَنَصِّل
طيبي فلسطينُ الحبيبَة أشْرقي ... أملاً تجَدِّده الدّماء وهلِّلي
ستَظلُّ أرضُك بالملاحم ساحَةً ... للمؤمنين وعَهْدَ يوم مُقْبِل
سَتَظَلُّ أرضُكِ بالملاحم شُعْلَةً ... لتَشُقَّ مِنْ ظُلُماتِ لَيْلٍ ألْيَلِ
لا تيأسي! فالأُفْقُ مزْدَحِمٌ بطلْـ ... ــعَةِ أُمَّةٍ موصولةٍ لمْ تُجْهَل
وكتائبٍ مَرْصُوصَةٍ لا تَنْثني ... إلا على نَصْرٍ أعزَّ و أجْمَلِ(1360/1)
أمتي هل لك بين الأمم
عمر أبو ريشة
1.- أمتي هل لك بين الأمم *** منبر للسيف أو للقلم
2. - أتلقاك وطرفي مطرق *** خجلاً من أمسك المنصرم
3.- أين دنياك التي أوحت إلى *** وترى كل يتيم النغم ؟
4.- كم تخطيت على أصدائه *** ملعب العز ومغنى الشمم
5.-وتهاديت كأني ساحب *** مئزري فوق جباه الأنجم
6.-أمتي كم غصة دامية *** خنقت نجوى علاك في فمي
7.- ألإسرائيل تعلو راية *** في حمى المهد وظل الحرم ؟
8.- كيف أغضيت على الذل ولم ولم تنفضي عنك غبار التهم ؟
9.- أو ما كنت إذا البغي اعتدى *** موجة من لهب أو دم ؟
10.- اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دم اليتامى وابسمي
11.- ودعي القادة في أهوائها *** تتفانى في خسيس المغنم
12.- رب وامعتصماه انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتّم
13.- لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم
14.- أمتي كم صنم مجدته *** لم يكن يحمل طهر الصنم
15.- لا يلام الذئب في عدوانه *** إن يك الراعي عدو الغنم
16.- فاحبسي الشكوى فلولاك لما *** كان في الحكم عبيد الدرهم(1361/1)
أنا في موئل النبوة يا دنيا
كان الشاعر عمر أبو ريشة من محبي الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود وهو من لا ينكر دوره ومواقفه الأصيلة تجاه فلسطين وقضيتها فلقد استطاع أن يخضع الغرب بقرار لم يسبق بقطع النفط فكان له بالغ الأثر على القضية الفلسطينية إذ ذاك فك الله أسر فلسطين وأعادها إلى المسلمين
والشاعر يروي أنه رافق الملك فيصل مرة وهو يغسل الكعبة فقال له الملك فيصل تكلم يا عمر ، فقال هذه القصيدة وختمها ببيتين جميلين عن الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله
أنا في موئل النبوة يا دنيا ****** أؤدي فرائض الأيمان
أسأل النفس خاشعا أترى ***** طهرت بردي من لوثة الأدران
كم صلاة صليت لم يتجاوز ***** قدس آياتها حدود لساني!
كم صيام عانيت جوعي فيه ***** ونسيت الجياع من إخواني!
كم رجمت الشيطان والقلب مني **** مرهق في حبائل الشيطان!
رب عفوا إن عشت ديني ألفاظا **** عجافا ولم أعشه معاني
أنا من أمة تجوس حماها **** جاهلياتها بلا استئذان
مزقت شملنا شعائر شتى **** وقيادات طغمة عبدان
مرنتنا على الهزيمة والجبن **** وبعض الحياة بعض مران
فاستكنا لا بارك الله في **** صبر ذليل ولا بكاء جبان
يا بن عبد العزيز وانتفض العز **** وأصغى وقال : من ناداني ؟
قلت : ذاك الجريح في القدس **** في سيناء في الضفتين في الجولان
من موقع عمر أبو ريشة(1362/1)
أوراق ميت
إنها حجرتي لقد صدئ النسيانفيها وشاخ فيها السكوت
أدخلي بالشموع فهي من الظلمةوكر في صدرها منحوت
وانقلي الخطو باتئاد فقد يجفلمنك الغبار والعنكبوت
عند كأسي المكسور حزمة أوراقوعمر في دفتيها شتيت
احمليها ماضي شبابك فيهاوالفتون الذي عليه شقيت
اقرئيها لا تحجب الخلد عنيانشريها لا تتركيني أموت(1363/1)
اقرئيها ( اوراق ميت )
إنها حجرتي لقد صدئ النسيان ... فيها وشاخ فيها السكوت
أدخلي بالشموع فهي من الظلمة ... وكر في صدرها منحوت
وانقلي الخطو باتئاد فقد يجفل ... منك الغبار والعنكبوت
عند كأسي المكسور حزمة أوراق ... وعمر في دفتيها شتيت
احمليها ماضي شبابك فيها ... والفتون الذي عليه شقيت
اقرئيها لا تحجب الخلد عني ... انشريها لا تتركيني أموت(1364/1)
الأشقياء
تتساءلين علام يحيا هؤلاء الأشقياء ؟ المتعبون ودربهم قفر ومرماهم هباء
الواجمون الذاهلون أمام نعش الكبرياء الصابرون على الجراح المطرقون على الحياء
أنستهم الأيام ما ضحك الحياة وما البكاء أزرت بدنياهم ولم تترك لهم فيها رجاء
تتساءلين وكيف ادري ما يرون على البقاء ؟ لشأنك اسكتي أنا واحد من هؤلاء(1365/1)
جبل
معاذ خلال الكبر ما كنت حاقدا ... ولا غاضبا إن عاب مسراي عائب
فكم جبل يغفو على النجم خده ... وأذياله للسائمات ملاعب
نظرت إلى الدنيا فلم ألف عندها ... كبيرا أداري أو صغيرا أعاتب
وما هان لي في موقف العز موقف ... ولا لان لي في جانب الحق جانب
فيا غربة الأحرار ما أطول السرى ... وملء غيابات الدروب غياهب(1366/1)
حسبي
لك ما أردت فلن أسائل ... كيف انتهت أعراس بابل
حسبي مررت بخاطر النعمى ... هنيهات قلائل
كم قلتها لك ما حييت و ... وكم ختمت بها الرسائل
أنا ما حقدت على الشفاه ... ولا عتبت على الأنامل(1367/1)
حنين
لا تغني فإن حشرجة الميت ... وجهش النعاة في مسمعيّا
أتغنين ذكرياتي وكانت ... كوثرا في فم الزمان شهيا
يوم أسقى من راحة الوحي خمري ... وأصوغ الحياة شعرا نديا
وأرى توبة الزمان بعينيك ... فأنسى ما قد أساء إليّا
أسمعيني على أنين الأماني ... من عثار الشباب لحنا شجيا
أوجوم فيم الوجوم منى النفس ... وفيم الذهول يكسو المحيا
أترامت عليك أشباح ذكرى ... تترك الحب يا هلوك حييّا
حولي ناظريك عني فما أسطيع ... أجلو سرا هناك خفيا
ويح نفسي ما للعواصف تخبو ... ويفت الخذلان في ساعديّا
أنا طفل الحياة يا ضلة الروح ... فعفوا إن جئت أمرا فريا
فبليني فقد شعرت بروحي ... وثبت وارتمت على شفتيّا
لست أنت التي أضمك بل ... دنيا فتون وعالما علويا
أتبسمت بعد صمت رهيب ... كان يدوي في مسمعيا دويا؟
خدريني بنغمة تقتل اليأس ... وتهمي بالمسكرات عليا
حسنا تفعلين غني أعيدي ... اخفضي الصوت تمتميه إليّا
اتركيني على ذراعك أغفو ... وأذيبي الأصداء شيا فشيا(1368/1)
خطُ أختي لم أكن أجهله
لوعة ..............
الشاعر الكبير عمر أبو ريشة
خطُ أختي لم أكن أجهله
إن أختي دائماً تكتب لي *
حدثتني أمس عن أهلي وعن
مضض الشوق وبُعد المنزل *
ماعساها اليوم لي قائلة؟
أيُّ شيءٍ يا ترى لم تقلِ *
وفضضت الطرس ..لم أعثر على
غير سطرٍ واحدٍ ..مختزلِ *
وتهجيت بجهدٍ بعضه
إن أختي كتبت في عجل *
فيه شيءٌ...عن عليٍ مبهمٌ
ربما بعد قليل ينجلي *
وتوقفتُ ..ولم أتممْ..وبي
رعشاتُ الخائف المبتهل *
وترآءى لي عليٌّ كاسياً
من خيوط الفجر أسنى حُلَلِ *
مَرِحَ اللفتةِ مزهو الخطى
سلس اللهجة حلو الخجل *
تسأل البسمةُ في مرشفه
عن مواعيد انسكاب القُبَلِ *
طلعةٌ استقبل الدنيا بها
ناعم البال بعيد المأمل *
كم أتى يشرح لي أحلامه
وأمانيه على المستقبل *
قال لي في كبرياء إنه
يعرف الدرب لعيش أفضل *
إنه يكره أغلالي التي
أوهنت عزمي وأدمت أرجلي *
سوف يعطي في غدٍ قريته
خبرة العلم وجهد العمل *
وسيبني بيته في غايةٍ
تترامى فوق سفح الجبل *
وسأعتز به في غده
وأراه مثلاً للرجل *
عدت للطرس الذي ليس به
غير سطرٍ .. واحدٍ .. مختزلِ *
وتجالدت .. لعلي واجد
فيه ما يبعد عني وجلي *
وإذا أقفل معناه على
وهمي الضارع ..كل السبل *
غرقت عيناي في أحرفه
وتهاوى مِزقاً عن أنملي *
قلبُ أختي ..لم أكن أجهله
إن أختي دائماً تحسن لي *
ما لها تنحرني نحراً على
قولها ..مات ابنها.. مات علي *(1369/1)
رب ضاقت ملاعبي
أبو ريشة
رب ضاقت ملاعبي في الدروب المقيدة
أنا عمر مخضب وأمانٍ مشردة
ونشيد خنقت في كبريائي تنهده
رب ما زلت ضاربا من زماني تمرده
صغر اليأس لن يرى بين عيني مقصده
بسماتي سخية وجراحي مضمدة(1370/1)
رسالتها المترجمة
وتلاقينا غريبين هنا = لم تكن أنتَ ولا كنتُ أنا
بدلت منا الليالي وانتهى = عبث الكأس وإغراء الجنى
موسم الورد أخذنا عطره = وتركنا فيه غصنا لينا
وافترقنا ونأى العهد بنا = ونسينا وتناستنا المنى
لا تثر ذكرى هوانا ربما = نفرت عن مقلتيّ الوسنا
آن للنعش الذي أودعته = كل أشلاء الصبا ان يدفنا
امض من دربي فما أحسبه = في خريف العمر إلا هينا(1371/1)
سر السراب
عمر أبو ريشة
كم جئت أحمل من جراحات الهوى
نجوى ، يرددها الضمير ترنُّما
سالتْ مع الأمل الشهي لترتمي
في مسمعيكِ ، فما غمزتِ لها فما
فخنقتها في خاطري ! فتساقطتْ
في أدمعي ، فشربتها متلعثما
ورجعتُ أدراجي أصيدُ من المنى
حلماً ، أنام بأفقه متوهما
أختاهُ ! قد أزف النوى فتنعمي
بعدي فإن الحب لن يتكلما
لا تحسبيني سالياً ، إن تلمحي
في ناظري ، هذا الذهول المبهما
إن تهتكي سر السرابِ وجدتِهِ
حلم الرمالِ الهاجعاتِ على الظما(1372/1)
طلل
قفي قدمي ! إن هذا المكان يغيبُ به المرء عن حسه
رمالٌ وأنقاضُ صرحٍ هوت أعاليه تبحثُ عن أُسه
أقلِّبُ طرفي به ذاهِلاً وأسألُ يومي عن أمسِه
أكانت تسيلُ عليه الحياةُ وتغفو الجفونُ على أنسه
وتشدو البلابلُ في سعده وتجري المقاديرُ في نحسه
أأستنطقُ الصخرَ عن ناحِتيه وأستنهضُ الميتَ من رمسه ؟
حوافر خيل الزمان المشت تكاد تُحدِّثُ عن بؤسه
فما يرضع الشوكُ من صدرهِ ولا ينعبُ البومُ في رأسه
وتلك العناكبُ مذعورةٌ تريدُ التفلُّتَ من حبسهِ
لقد تعبتْ منه كفُّ الدمار وباتت تخاف أذى لمسهِ
هنا ينفض الوهمُ أشباحهُ وينتحرُ الموتُ في يأسه(1373/1)
طهر
ألفيتها ساهمة ... شاردة تأملا
طيف على أهدابها ... كسرها تنقلا
شق وشاح فجرها ... خميلة وجدولا
وما ج فيها رعشة ... حرى وشوقا منزلا
ناديتها فالتفتت ... نهدا وشعرا مرسلا
واللحظ في ذهوله ... مغرورق تململا
طوقتها يا للشذا ... مطوقا مقبلا
فما انثنت حائرة ... ولا رنت تدللا
ولا درت وجنتها ... من خجل تبدلا
كأنها في طهرها ... أطهر من أن تخجلا(1374/1)
عرس المجد
1. ... يا عروسَ المجدِ تيهي واسحبي في مغانينا ذيولَ الشّهب
2. ... لن ترَي حبّةَ رملٍ فوقَها لم تُعطَّر بدما حرٍّ أبي
3. ... درجَ البغيُ عليها حقبةً وهوى دونَ بلوغِ الأربِ
4. ... وارتمى كِبرُ الليالي دونَها ليّنَ النابِ ، كليلَ المخلبِ
5. ... لا يموتُ الحقُّ مهما لطمتْ عارضيهِ قبضةُ المغتصبِ!
6. ... من هُنا شقَّ الهدى أكمامهُ وتهادى موكباً في موكبِ
7. ... وأتى الدنيا فرفّتْ طرباً وانتشتْ من عبقهِ المنسكبِ
8. ... وتغنّت بالمروءاتِ التي عرفتها في فتاها العربي
9. ... أصيدٌ ، ضاقتْ بهِ صحراؤهُ فأعدّته لأفقٍ أرحبِ
10. ... هبَّ للفتح ِ، فأدمى تحتهُ حافرُ المهرِ جبينَ الكوكبِ!
11. ... وأمانيه انتفاضُ الأرضِ من غيهبِ الذل ِّ، وذلِّ الغيهبِ
12. ... وانطلاقُ النورِ حتّى يرتوي كلُّ جفنٍ بالثرى مختضبِ
13. ... حلمٌ ولّى ، و لم يُجرحْ بهِ شرفُ المسعى ونبلُ المطلبِ
14. ... يا عروسَ المجدِ، طالَ المُلتقى بعدما طالَ جوى المغتربِ
15. ... سكرتْ أجيالنا في زهوها وغفتْ عن كيدِ دهرٍ قُلّبِ
16. ... و صحَونا ، فإذا أعناقُنا مثقلاتٌ بقيودِ الأجنبي
17. ... فدعوناكِ فلم نسمعْ سوى زفرةٍ من صدركِ المكتئبِ
18. ... قد عرفنا مهركِ الغالي فلم نرخص ِ المهرَ و لم نحتسبِ
19. ... فحملنا لكِ إكليلَ الوفا ومشينا فوقَ هامِ النوبِ
20. ... وأرقناها دماءً حرّةً فاغرُفي ما شئتِ منها واشربي!
21. ... نحن ُ من ضعفٍ بنينا قوةً لم تلنْ للمارجِ الملتهبِ
22. ... كم لنا من ميسلونٍ نفضتْ عن جناحيها غبارَ التعبِ
23. ... كم نَبتْ أسيافُنا في ملعبٍ وكبتْ أفراسُنا في ملعبِ
24. ... من نضالٍ عاثرٍ مصطخبٍ لنضالٍ عاثرٍ مصطخبِ
25. ... شرفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلى غلبَ الـ واثبُ أم لم يغلبِ!
26. ... فالتفِت من كوّةِ الفردوسِ يا فيصلَ العلياءَ وانظرْ واعجبِ
27. ... أترى كيفَ اشتفى الثأرُ من الـ ـفاتحِ المسترقِ المستلبِ ؟
28. ... و طوى ما طالَ من راياته في ثنايا نجمهِ المحتجبِ(1375/1)
29. ... ما نسينا دمعةً عاصيتَها في وداعِ الأملِ المرتقبِ
30. ... رجفتْ بالأمسِ سكرى ألمٍ فأسلها اليومَ سكرى طربِ !
31. ... يا لنعمى خفَّ في أظلالها ما حملنا في ركابِ الحقبِ
32. ... أينما جالَ بنا الطرفُ انثنى وطيوفُ الزهوِ فوقَ الهدبِ
33. ... هذه تربتُنا لن تزدهي بسوانا من حُماةٍ نُدبِ
34. ... فلنصنْ مَن حَرَمَ الملكَ لها منبرَ الحقدِ وسيفَ الغضبِ
35. ... و لنُسلْ حنجرةَ الشدوِ بها بينَ أطلالِ الضحايا الغيّبِ
36. ... ضلّت الأمّةُ إن أرختْ على جرحِ ماضيها كثيفَ الحجبِ !
37. ... ما بلغنا بعدُ من أحلامنا ذلكَ الحلمَ الكريمَ الذهبي
38. ... أينَ في القدسِ ضلوعٌ غضّةٌ لم تلامسها ذنابى عقربِ؟
39. ... وقفَ التاريخُ في محرابها وقفةَ المرتجفِ المضطربِ
40. ... كم روى عنها أناشيدَ النّهى في سماعِ العالمِ المستغربِ؟
41. ... أيُّ أنشودةِ خزيٍ غصَّ في بثّها بينَ الأسى والكربِ
42. ... من لأبناءِ السبايا ركبوا للأماني البيضِ أشهى مركبِ
43. ... و متى هزّوا علينا رايةً ما انطوتْ بينَ رخيصِ السَّلَبِ؟
44. ... ومَنِ الطاغي الذي مدَّ لهم من سرابِ الحقِّ أوهى سببِ؟
45. ... أو ما كنّا له في خطبهِ معقلَ الأمن ِ وجسرَ الهربِ؟
46. ... ما لنا نلمحُ في مشيتهِ مخلبَ الذئبِ وجلدَ الثعلبِ؟
47. ... يا لذلِّ العهدِ إن أغضى أسىً فوقَ صدرِ الشرفِ المنتحبِ!
48. ... يا روابي القدسِ يا مجلى السّنا يا رؤى عيسى على جفنِ النبي
49. ... دونَ عليائكِ في الرحبِ المدى صهلةُ الخيلِ ووهجُ القضُبِ !
50. ... لمّتِ الآمالُ منّا شملنا ونمتْ ما بيننا من نسبِ
51. ... فإذا مصرُ أغاني جلّقٍ وإذا بغدادُ نجوى يثربِ
52. ... ذهبتْ أعلامُها خافقةً والتقى مشرقُها بالمغربِ
53. ... كلّما انقضَّ عليها عاصفٌ دفنتهُ في ضلوعِ السّحبِ
54. ... بوركَ الخطبُ، فكم لفَّ على سهمهِ أشتاتَ شعبٍ مغضبِ
55. ... يا عروسَ المجدِ حسبي عزّةً أن أرى المجدَ انثنى يعتزُّ بي
56. ... أنا لولاهُ لما طوّفتُ في كلِّ قفرٍ مترامٍ مجدبِ(1375/2)
57. ... ربَّ لحنٍ سالَ عن قيثارتي هزَّ أعطافَ الجهادِ الأشيبِ(1375/3)
عمر أبو ريشة و القدس
بقلم الدكتور أحمد زياد محبك
الثلاثاء 1 شباط (فبراير) 2005
-1-
اشتهر الشاعر عمر أبو ريشة (1910- 1990) بمواقفه الوطنية والقومية الجريئة، فقد قارع المستعمر الفرنسي إبان احتلاله لسورية (1920- 1946)، كما ندّد ببعض المواقف للحكومة السورية بعد الاستقلال (1946)، وكان موقفه الوطني لاينفصل عن موقفه القومي، بل كان شعوره القومي يطغى في كثير من الحالات على شعوره الوطني.
ولقد حظيت القدس من اهتماماته ومشاعره وعواطفه، مثلما حظيت من شعره وقصائده بأكثر مما حظيت به أي مدينة عربية أخرى، حتى مدينته حلب نفسها، التي فيها نشأ وترعرع وأمضى معظم سني شبابه، وفيها دفن (1990).
عمر أبو ريشة لقد كانت القدس بالنسبة إليه طوال حياته المنطلق الذي يقوّم من خلاله أي موقف، فهي القيمة التي تثبت مقدار الإيمان بالإسلام، والتمسكِ بالعروبة، والإخلاصِ لهما، والموقفُ منها هو الموقف الذي يثبت مقدار الوفاءِ للشعب، وتحقيقِ أهدافه وأحلامه في الحرية.
وكان الشاعر في كل مناسبة وطنية أو قومية، يذكر القدس، لأنها حاضرة دائماً في وجدانه، وفي وجدان كل عربي، ولأنها اللحمة والسدى أيضاً في كل مناسبة، لأن قضيتها لاتنفصل عن أي قضية عربية أخرى.
وليس ذلك الموقف من القدس بغريب، فالقدس هي قلب العرب النابض، وعاصمة فلسطين، ومهد السيد المسيح عليه السلام، ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وهي التي دخلها عمر بن الخطاب، فجعلها ملتقى الأديان، وأرسى فيها قواعد السلام، بل جعلها مدينة السلام، ثم غزاها من بعد الصليبيون، وظلوا فيها مئتي عام، حتى حررها فيما بعد صلاح الدين الأيوبي.
فالشاعر يتغنى ببطولات الشعب العربي في سورية، وعلى رأسه المجاهد إبراهيم هنانو وهو يقارع المحتل الفرنسي، وينشد في حفل تكريمه قصيدة مطولة عنوانها قيود (1937)، وفيها يقول (ص552):
وطن عليه من الزمان وقار(1376/1)
تغفو أساطير البطولة فوقه
فتطل من أفق الجهاد قوافلٌ
النور ملء شعابه والنار
ويهزها من مهدها التذكار
مضر يشدّ ركابها ونزار
-2-
وفي سياق الفخار بالبطولة وربط الماضي بالحاضر، ينعطف الشاعر إلى القدس، ليندد بالمستعمر الإنكليزي، ويقرنَه بالغزو الصليبي، ويصورَ ماألحقَ بالشعب العربي في فلسطين من أذى، فيقول (ص557- 559):
والقدسُ ما للقدسِ يخترق الدِّمَا
أيُّ العصور هوى عليه وليس في
عهد الصليبيين لم يبرح له
وشراعُه الآثامُ والأوزار
جنبيه من أنيابه آثار
في مسمع الدنيا صدى دوار
صف الملوك فما استباح إباؤهم
ناموا على الحلم الأبي فنفّرت
صلبوا على جشع الحياة وفاءهم
وبكل كفٍّ غضة سكينة
شرف القتال ولا أهين جوار
منه الطيوف بُنَوّةٌ فجار
ومشواعلى أخشابه وأغاروا
وبكل عرق نابض مسمار
ثم يتحدث عن دعم الإنكليز لليهود وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين وإقامة كيان لهم، ويندد بخيانة الإنكليز للعهود التي قطعوها للعرب، ثم يؤكد أهمية الحفاظ على الحق، ويحذّر من الضعف، فيقول (ص559- 560):
مدّوا الأكف إلى شراذم أمة
ورمَوا بها البلدَ الحرامَ كما رمت
وبنوا لها وطناً وعبق محمد
أين العهود البيض ترقب فجرَها
ولّت وفي حلق العروبة بُحَّةٌ
إن الضعيفَ على عريق فخارِه
ضجّت بنَتْنِ جسومِها الأمصار
بالجيفة الشطَّ الحرامَ بِحَارُ
وابن البتول بأفقه زخّار
بتلهُّفٍ صيّابةٌ أبرار
وعلى مراشفها العطاش غبار
حَمَلٌ يشدُّ بعنقه جزار
وواضح أن الشاعر يحذّر في البيت الأخير من خطورة الاستكانة والتواكل والنوم على المجد الغابر، لأن الحق لاتحميه إلا القوة، وصاحب الحق من غير قوة حمل ضعيف يقاد إلى حتفه.
- 3 –(1376/2)
ويستشهد في جبل النار بفلسطين المناضل سعيد العاص، وهو ابن حماه، مما يؤكد وحدة الشعب العربي، ووحدة النضال ضد المستعمر، أيّاً كان، وأينما كان، سوءا في سورية أم فلسطين، فهما بلد واحد، والشعب شعب واحد، وتقام له في دمشق وحماه حفلات التأبين، ويقف فيها عمر أبو ريشة ليرثيه بقصيدة مطولة عنوانها شهيد (1937) وفيها يقول (ص569- 571):
ياشهيد الجهاد ياصرخة الهول
كلما لاح للكفاح صريخ
تحمل الحملة القوية والإيمان
فكأن الحياة لم تلق فيها
هبةً في يديك كانت ولما
إذا الخيل حمحمت في الساح
صحت لبيك ياصريخ الكفاح
أقوى في قلبك المفراح
مايروّي تعطش الملتاح
رامها المجد عفتها بسماح
ويذكر بوعود الحلفاء للعرب، ووقوف العرب إلى جانبهم في الحرب العالمية الأولى، وتقديم العون لهم، على أمل نيل الحرية والاستقلال، ثم يندّد بنكث الحلفاء لتلك الوعود، وما جرّ على العرب من احتلال أقطارهم، وسلبهم الحرية، يقول مخاطباً سعيد العاص (ص 572- 574):
أي فتى المجد، إنه العمر، يومٌ
إن من سامك المنون لقوم
خفروا ذمة العهود وصمُّوا
كم وعود معسولة سكبوها
فحشدنا لهم جيوش ولاء
وسفكنا الدم الزكي وزيّنّا
وأردنا الأسلاب منهم فكنا
لخسار وآخرٌ لرباح
لم يحيوا على الحجا والفلاح
الأذن عن صرخة الهضيم اللاحي
في فؤاد العروبة المسماح
ومددنا أكفنا للصفاح
جبين الرحى بغار النجاح
نحن أسلابهم ونحن الأضاحي
والشاعر لايضعف، ولا يدخل اليأس إلى قلبه، بل يظل متمسكاً بالحق، وهو يؤكد أن العرب لن يتخلوا عن فلسطين، حيث استشهد سعيد العاص في جبل النار، بل يؤكد أن مأساة فلسطين ستظل منارة تضيء للعرب طريق الكفاح، حيث يقول (ص 574-575):
جبلَ النارِ لن ننام كما نمتَ
لك حبٌّ في قاسيونَ وصنينَ
أنت للعرب كالمنارة في الساحل
جريحَ العلى كسيحَ الطِّماح
وسَيْناء مالَهُ من براح
لاحت لأعين الملاح(1376/3)
والشاعر يبدع في القصيدة نفسها تصوير الصراع بين العرب في فلسطين والعداة المحتلين، ويقدم لوحة فنية متميزة، إذ يصور جبل النار في فلسطين يهتز غضباً من ظلام الطغاة، وتنطلق النسور العربية، تاركة فراخها، لتصارع قوى الظلام، ولكن هذه القوى تسلط نيرانها على النسور، فتحترق أجنحتها، وهي تنشب مخالبها في جسد الظالم، وتأبى إلا أن تسلم الروح وتروي الأرض بدمائها. يقول (ص 564- 568):
ياظلام الأجيال قصَّ جناحيك
مرود كحّل الجفون الكسالى
فصحا من عليائه الجبل الهاجع
وتعالى صياحه يتوالى
تركت في الوكون أفراخها الزغب
وتبارت عصائبا فالفضا الرحب
غضب البغي فانبرى يحشد الهول
شقّ فكّي جهنمٍ فأسالت
فاقشعرت من وهجة القلل الصمّ
وتدجّى الدخان يحجب عين الشمس
فتهاوت تلك النسور وأزرت
تنشب المخلب المعقّف في البغي
ولسان اللهيب يلعب بالريش
غضبة للنسور لا النصر فيها
لم تُزَحْزَحْ تلك المخالب إلا
فتلاشى الدخان عن وَثَبَات البغي
وسرى الليل مالئاً جبل النار
يادماء النسور تجري سخاء
أنبتي العز سرحة يتفيا
أنت دمع السماء إن لهث الحقل
فهذي طلائع الإصباح
فأفاقت على السنا اللمّاح
واهتزّ مفعم الأتراح
فاشرأبت نسوره للصياح
وهبت على أزيز الرياح
بساط من مخلب وجناح
ويرنو إلى الأذى بارتياح
في الروابي لعابَها والبطاح
وأجّت شوامخ الأدواح
عن مأتم الثرى المستباح
بالمنايا على اللظى المجتاح
وتزجي المنقار في إلحاح
ويطوي الجراح فوق الجراح
بمتاح ولا الونى بمباح
بعدما جُرِّدَتْ من الأرواح
في بركة الدم النضاح
سكوناً لولا نشيد الأضاحي
بغرام البطولة الفضاح
بأظاليلها شتيت النواحي
وجفت سنابل وأقاحي(1376/4)
فالشاعر يبدع في تصوير الصراع بين قوى الحق والباطل، الخير والشر، العرب والصهاينة، وهو يستعير صورة الليل والظلام والنيران تغالبها النسور وتنشب فيها مخالبها وتبذل الروح والدم لتسقي الأرض العطشى، والشاعر يؤكد أن قوى الحق على استعداد دائم للتضحية والفداء، وإن كانت تعلم أن الغلبة لن تكون لها، وحسبها فخراً وشرفاً أنها تثبت بطولتها، وتؤكد حقها، كما يؤكد الشاعر أن هذا الدم لن يضيع عبثاً فهو الذي سينبت شجرة العزة.
وصورة الصراع مبتكرة، وهي حافلة بالصور الجزئية البديعة، فالبغي يشق فكي جهنم، والثرى في مأتم مستباح، والنسور تنشب المخلب في البغي وتزجي المنقار، والعز بعد ذلك سرحة، والدماء دمع السماء يروي الحقل الظامئ.
إن القصيدة مبنية على فنية عالية، وصور جديدة، ومعان بعيدة، وليس فيها إلا قدر قليل من المباشرة والخطابة ، على الرغم من أنها قيلت في مناسبة، وأنشدت في حفل، وكانت موجهة إلى جمهور حاشد من المتلقين.
وإذا دلَّ هذا على شيء، فإنه يدل على أن الشاعر يأبى إلا أن يجوِّد فنه، ولو كانت قصيدته في مناسبة، فهي تصدر عن موهبة، لايمكن إلا أن تعبر عن ذاتها،أقوى مايكون التعبير.
- 4 -
وفي عام 1945 قبل أن يتم لسورية الاستقلال، تفتتح دار اكتب الوطنية بحلب، وفي حفل الافتتاح يلقي الشاعر قصيدة مطولة عنوانها " هذه أمتي " (1945)، وفيها يعتز بالعروبة وقدرتها على نفض غبار الأيام، والنهوض ثانية لتصنع العزة، ثم يلتفت إلى القدس، ليشير إلى غدر الأحلاف بالعرب، ونكثهم بعهودهم لهم، وتشجيعهم اليهود على الهجرة إلى فلسطين، فيقول (ص526- 527):
وسلوا القدس هل غفا الشرق عنها
أهتاف خلف البحار بصهيونٍ
ومن الهاتف الملح؟ أحرٌّ ؟
أين ميثاقه؟ أتنحسر الرحمة
يالذل العهود في فم من
أو طوى دونها شبا مُرّانه
وحدب على بناء كيانه
أين صدق الأحرار من بهتانهِ
في دفتيه عن عدوانه ؟
أجرى على عزّها دما فرسانه(1376/5)
ثم يشيد بطهر الأرض المقدسة، ويستنكر تدنيسها بالعدوان، ويؤكد أن الحق لابد سينتصر، وأن الباطل سيدحر وينهزم، فيقول: (ص725- 528):
أي فلسطين يا ابتسامة عيسى
ياتثني البراق في ليلة
لاتنامي خضيبة الحلم خوفا
إنّ للبيت ربّه فدعيه
لجراح الأذى على جثمانه
الإسراء والوحي ممسك بعنانه
من غريب الحمى ومن أعوانه
ربّ حاو رَدَاه في ثعبانه
ومما لاشك فيه أن الشاعر لايرفع دعوة التسليم حين يقول إن للبيت ربه فدعيه، بل يعبر عن ثقة بأن الباطل سينهزم من غير شك لأنه يحمل في داخله بذور فنائه بسبب اعتماده على الزيف والباطل، كالحاوي الذي يعتمد على الأفعى في كسب عيشه. - 5 – وأقيمت حفلة ثانية في دار الكتب الوطنية بحلب، عام 1947 في ذكرى جلاء المستعمر عن سورية، فيلقي عمر أبو ريشة قصيدة مطولة عنوانها: "عرس المجد" (1947) يفخر فيها بمجد العرب، ويعبر عن فرحة كبيرة بالاستقلال، يقول في مطلعها (ص 437):
ياعروس المجد تيهي واسحبي
لن تري حفنة رمل فوقها
درج البغي عليها حقبة
في مغانينا ذيول الشهب
لم تعطر بدما حرّ أبي
وهوى دون بلوغ الأرب
ثم يخاطب في تضاعيف القصيدة القدس الشريف فيتغنّى بطهر أرضه ثم يؤكد أن المصاب في فلسطين قد وحّد العرب ولمَّ شملهم وأنهم جميعاً لن يتخلوا عن الحق، فيقول (ص447- 448) :
ياروابي القدس يامجلى السنا
دون عليائك في الرحب المدى
لمت الآلام منا شملنا
فإذا مصر أغاني جلّقٍ
ذهبت أعلامها خافقة
كلما انقضّ عليها عاصف
بورك الخطب فكم لف على
يارؤى عيسى على جفن النبي
صهلة الخيل ووهج القضب
ونمت مابيننا من نسب
وإذا بغداد نجوى يثرب
والتقى مشرقها بالمغرب
دفنته في ضلوع السحب
سهمه أشتات شعب مغضب
والشاعر بذلك يدل على رؤية تتمسك بالحق، وتثق بالمستقبل، وترى في المصيبة نفسها مايحقق الخلاص، ولكن من خلال وحدة العرب.
- 6 –(1376/6)
ولكن هذه الرؤية الواثقة المتفائلة، ماتلبث أن تصاب بفاجعة كبيرة، عندما ترتد القوى العربية على أعقابها عام 1947، ويعلن الكيان الصهيوني في 15 أيار 1948 عن قيام دولة إسرائيل، فينفجر الغضب في قلب الشاعر، ويعاتب أمته بقسوة، منكراً عليها تقصيرها في الدفاع عن الحق في قصيدة له شهيرة عنوانها " أمتي " (1947) يقول في مطلعها (ص7):
أمتي، هل لك بين الأمم
أتلقاك وطرفي مطرق
ألإسرائيل تعلو راية
كيف أغفيت على الذل ولم
منبر للسيف أو للقلم
خجلاً من أمسك المنصرم
في حمى المهد وظل الحرم
تنفضي عنك غبار التهم
وسرعان مايصب الشاعر نقمته على القادة العرب آنئذ ويحملهم المسؤولية، ويعاتبهم بحدّة بالغة، فيقول عنهم: (ص10)
ربّ وامعتصماه انطلقت
لامست أسماعهم لكنها
ملء أفواه البنات اليتم
لم تلامس نخوة المعتصم
ثم يلتفت إلى الشعب العربي ليحمله المسؤولية كلها، ويلومه على سكوته عن حكامه، فيقول (ص10- 11):
أمتي كم صنم عبدته
لايلام الذئب في عدوانه
فاحبسي الشكوى فلولاك لما
لم يكن يحمل طهر الصنم
إن يك الراعي عدو الغنم
كان في الحكم عبيد الدرهم
والقصيدة مفعمة بالحدة وشدة الانفعال، وهي تضج بالأسئلة والنداءات، وقد عني الشاعر فيها بالطرافة والإدهاش، وتعدّ إحدى قصائده المتميزة، وقد لقيت في حينها رواجاً كبيراً، وحسبها أنه استهل بها ديوانه الذي أصدره عام 1971.
- 7 -
وينتاب الشاعر بعد ذلك قدر غير قليل من الاكتئاب والحزن، وهو يرى القدس تنتهك، وقوافل اللاجئين تجرّ خطا الألم والشقاء والعذاب، والعرب لاهون عنهم عابثون، فيطلق قصيدة مطولة عنوانها " حماة الضيم" (1948)، وفيها يقول (ص17-20):
هل في روابي القدس كهف عبادة
خشب الصليب على الرمال مخضب
فإذا سبيل الحق منفض الصوى
وإذا قوافله العجاف طريدة
كم متعب جرّ السنين وراءه
متلفتاً صوب الديار مودّعا
كم حرّة لم تدر عين الشمس ما
وبناتها وجلى تضج أمامها
بمن استجارت هذه الزمر التي(1376/7)
العري ينشرها على أنيابه
تحنو جوانبه على أحبارِهِ
بدماء من نعموا بطيب جوارهِ
تاهت به الطلقاء من زوارهِ
والبغي يقذفها بمارج ناره
ومشيبه يبكي جلال وقاره
وخطاه بين نهوضه وعثاره
في خدرها أغضت بطرف كاره
والرجس يدفعها إلى أوكاره
مد الزمان لها يد استهتاره
والجوع يطويها على أظفاره
فلربّ سكير شدا مترنّحا
ولربّ متلاف أشاح بوجهه
حسبت بناء العرب مسموك الذرى
فإذا البناة على ذليل وسادها
ودموعها ممزوجة بعقاره
عنها وملء البيد سيل نضاره
تتحطم الأحداث دون جداره
تغفو عن الشرف الذبيح وثاره
وعلى الرغم من هذا الألم، وما يراه الشاعر من مظاهر الضعف والبؤس والتشرد، فإنه لايفقد الأمل، ويظل على ثقة بأن فجر الخلاص قادم، فيقول (ص20):
مهلاً حماة الضيم إن لليلنا
مانام جفن الحقد عنك وإنما
فجراً سيطوي الضيم في أطماره
هي هدأة الرئبال قبل نفاره
ومما لاشك فيه أن هذه الثقة بالنهوض إنما هي مستمدة من التمسك بالحق العربي، ومن قوة هذا الحق نفسه.
- 8 –
وها هو ذا العيد يمرّ بالشاعر، فلا يهنأ به، ولا يحس فيه بسعادة، لأن روابي القدس مستباحة، ولكنه يثق بأن خلاصها قادم، ويعبّر عن ذلك في قصيدة " ياعيد " (1949) وفيها يقول: (ص 93- 95):
ياعيد، ماافترّ ثغر المجد، ياعيد
فكيف تلقاك بالبشرى الزغاريد
طالعْتَنا وجراح البغي راعفة
فتلك راياتنا خجلى منكسة
ياعيدكم في روابي القدس من كبد
سالت على العز إرواء لعفته
سينجلي ليلنا عن فجر معترك
وما لها من أساة الحي تضميد
فأين من دونها تلك الصناديد
لها على الرفرف العلوي تعبيد
والعز عند أباة الضيم معبود
ونحن في فمه المشبوب تغريد
والقصيدة تدل على حزن يحزّ في أعماق الشاعر، لما نال القدس من عدوان، ولما هو عليه حال العرب من تقصير تجاهها، كما تدل القصيدة على تضحيات العرب في فلسطين ونيلهم الشهادة، والشاعر يمجّد أرواحهم، ومن خلال هذه التضحيات يمتلك الثقة بالنصر.(1376/8)
إن الحزن حالة لابدّ منها، تزيد الحسّ رهافة، والوعي قوة، ولا تعدم الرجاء، ولا تفني الأمل، بل لعل تلك الحالة تزيد الأمل قوة.
- 9 –
وتمر على النكبة عشر سنوات، ويطل العام الجديد 1959، فيجد الشاعر المأساة ماتزال كما هي، احتلال، وتشريد، وقهر، فلا يهنأ الشاعر بقدوم العام الجديد، ويجد غرفته كئيبة خاوية، على الرغم من امتلائها ببطاقات التهنئة التي يراها فارغة من معناها، وهذا مايعبر عنه في قصيدة عنوانها "عام جديد" (1959) وفيها يقول (ص64):
وحدي هنا في حجرتي
والليل والعام الوليد
وحدي، وأشباح السنين
كم حطّمَتْ مني ومن
وقفت لتنثر كل جرح
من صيحة الوطن الطعين
وكآبة الشيخ الطريد
وتململ الأحرار في
وتكالب الأقزام فوق
وحدي هنا في حجرتي
ورسائل شتّى تقول
العشر ماثلة الوعيدْ
زهوي ومن مجدي التليدْ
كان في صدري وئيدْ
ورقدة الوطن الشهيد
ودمعة الطفل الشريد
أغلال حكام عبيد
ذيول عملاق عنيد
والجرح والفجر الجديد
جميعها عاماً سعيد
إن حزن الشاعر في العيد، وإحساسه بما يعانيه وطنه وأمته من هوان الاحتلال والتشريد والقهر، لهو دليل على أن الشاعر يحمل الوطن والأمة في وجدانه دائماً، وأن فرحة الإنسان لاتكتمل إلا بفرحة الوطن، وتلك هي في الحقيقة معاناة كل مواطن عربي.
إن ذلك كله يؤكد أن القضية الفلسطينية هي قضية كل عربي، يعيش نبضها كل يوم، ويحس بمأساتها، ولا يهنأ في عيشه، والأرض المقدسة مدنسة، والقدس الشريف منتهك، والشقيق الفلسطيني يعاني من التشريد أو الاحتلال.
- 10 –
ولذلك يصعب على الشاعر أن يسمع أن أحد الأغنياء العرب قد أنفق مبلغاً كبيراً على ملذاته، في الوقت الذي تعاني فيه القدس من جراحها فيثور غضب الشاعر، وينقم، ويمضي ليرسم لوحة لذلك الغني، يسخر فيها منه، ويهزأ، في قصيدة له عنوانها "هكذا" (1954) وفيها يصور جود ذلك الغني وإنفاقه على ملذاته، فيقول (ص26-27):
قال: ياحسناء ماشئت فاطلبي
أختك الشقراء مدت كفها(1376/9)
فانتقى أكرم مايهفو له
وتلاشى الطيب من مخدعه
فكلانا بالغوالي مولع
فاكتسى من كل نجم إصبع
معصم غضٌّ وجيد أتلع
وتولاه السبات الممتع
ثم يعلّق على موقف الغني، ساخراً، في تفجع مرّ، فيقول في ختام القصيدة (ص27):
هكذا تقتحم القدس على
غاصبيها هكذا تسترجع
وفي هذا الختام مايحزّ في الأعماق، ويثير الشعور بالمرارة والألم، بالإضافة إلى مافيه من سخرية وإدانة.
- 11 –
وفي كل مناسبة، ينعطف الشاعر إلى القدس، ليعبر عن واقعها المؤلم، ففي حفل تأبين الشاعر اللبناني الأخطل الصغير عام 1969 يلقي أبو ريشة قصيدة مطولة، عنوانها "بنات الشاعر"، يرثي فيها الشاعر، ويأبى إلا أن ينطق بما في نفسه من حزن وأمل، حزن على واقع فلسطين، والأمة العربية، وأمل في المقاومة الفلسطينية وحركتها فتح التي أعلن عنها عام 1965.
وهاهو ذا يخاطب الشاعر الأخطل الصغير ويبوح له بما في جوانحه من ألم على أمته، فيقول: (ص75- 76):
ياراقداً في حمى النعمى ومضجعه
نجيُّك اليوم من أزرى الزمان به
جناحه بعدما طال المطاف به
يمشي الهوينا على صحراء رحلته
كانت له في هضاب الشرق ألوية
يسائل القدر المحموم في خجل
مازال يندىعليه العشب والزهر
وردّه عن مدى آفاقه الكِبَرُ
مخضّب من شظاياالشهب منكسر
وصحبه الليل والأشباح والسهر
نَسْج الكرامة معقود بها الظفر
عنها فيغضي على استحيائه القدر
وهذا البوح الحزين لايعبر عن مشاعر فردية خاصة، إنما يعبر عن مشاعر وطنية قومية شاملة، مرجعها الحزن على واقع الأمة العربية وما نالها من ضيم، ولكن الشاعر لايفقد الأمل، فعزاؤه في كتائب الفتح، وأمله في رجال المقاومة، الذين يصنعون المستقبل، يقول الشاعر (ص76-77):
كتائبُ الفتح في إعصار عاصفة
من كلّ أمرد ما أدمى مراشفَه
وكلِّ حسناءَ ماباعت أساورها
كتائبٌ بالنضال الحق مؤمنة
بالحقد والغضب العلوي تنفجر
في رعشةالشوق إلا الوحلُ والمدر
إلا لتشتري بها ما الموتُ يدّخر(1376/10)
إذا الطواغيت من إيمانها سخروا
ولكن، على الرغم من هذا الأمل برجال الفداء والتضحية، يظل الشاعر حزيناً، بسبب يأسه من الحكام العرب، وهو يدين في القصيدة نفسها مؤتمر القمة الذي عقدوه آنئذ في الرباط، ثم يعلن في الختام عن ألمه الشديد لأنه لم يقل كل ماكان يريد أن يقول، فما تزال في الصدر غصة، يقول (ص 78):
عفواً بشارة بعض البوح ضقت به
خنقت بالدمعة الخرساء أكثره
فسال فوق فمي حرّان يستعر
وأقتل الدمع مالا يلمح البصر
- 12 –
ولذلك يعلّق الشاعر الأمل على الملك فيصل عندما يعلن عام 1975 عن عزمه على تحرير القدس، فيتمثل فيه صلاح الدين محرّر القدس، ويتوجه إليه في قصيدة مطولة عنوانها " أنا في مكة "، فيقول في مجموعة " أمرك يارب " (ص 57):
ربعُ حطينَ موحش ياصلاح الدين
سِرْ بنا صوبه وصلّ بنا في القدس
إلا من ذكريات غوال
واضرب حرامه بالحلال
- 13 –
ولكن فجأة يغتال الملك فيصل عام 1975، فيرثيه الشاعر بقصيدة مطولة عنوانها "أمرك يارب" (1395هـ 1975م)، وهما الكلمتان اللتان نطق بهما الملك فيصل وهو يجود بروحه، وقد جعل الشاعر القصيدة على لسان الملك، وصوره وهو يودّع الدنيا، ويتوجه إلى ربه بالنداء، معبراً عن أمنيته الأخيرة، وهي تحرير القدس، فيقول في المجموعة نفسها (ص14):
لي بعدُ ياربّ من دنياي أمنيةٌ
أردت أختم فيها العمر مقتحما
وأن أصلِّي وكف القدس تحمل لي
ماكان أكرمها في العمر أمنية
تقتات بالوعد منها كلّ أشجاني
أحقادَ حطين في مضمارها الثاني
رضاك في المسجدالأقصىوترعاني
ماكنت أحسبها تمضي وتنساني
والشاعر يدرك أن الملك فيصل لم يفقد الأمل، كما أن الشاعر نفسه لم يفقد الأمل فكلاهما يثق بالشعب، ويعرف أن القوم لن يتخلوا عن الحق، ولن ينسوا الأمانة، ولا بد من تحرير القدس، ولو طال الأمد، يقول الشاعر على لسان الملك فيصل وهو يجود بروحه (ص16):
يارب ماضاع عهد القدس إن له
أمانة لك لن يرموا بحرمتها
أكاد ألمحهمْ في ظل مسجدها(1376/11)
قومي الأباةَ أعادي كلِّ عدوانِ
ولن يجروا عليها ذيل نسيانِ
وخالدٌ من سنا محرابه دان
وبذلك يعبر الشاعر عن رؤية قوامها التمسك بالحق، والثقة بالشعب، والتفاؤل بالمستقبل، والأمل بتحقيق النصر.
- 14 –
وتلك الرؤية، هي رؤية كل عربي يؤمن بالحق ويتمسك به ويناضل لأجله، وتلك المعاناة هي معاناة الشعب العربي كله، من المحيط إلى الخليج. وهي معاناة شعب، ورؤية شعب، تعدّ قضية فلسطين بالنسبة إليه قضية حق ووجود، وهي قضية حاضر ومستقبل، ولذلك لايفقد المرء الأمل، ولو وافاه الأجل، لأنها قضية شعب وتاريخ ووطن.
ولعل في هذا كله مايؤكد انتساب الشاعر إلى أمته وشعبه وتاريخه، بل مايؤكد عمق ذلك الانتساب وقوته ورسوخه وصدقه، فهو انتساب شاعر وعى القضية، وعاش تاريخها، وعرف أبعادها، ذاق فيها المرّ، ورأى النكبة والنكسة، ولكنه لم يقنط، وظل متعلقاً بالقضية.
- 15 –
ومثلما أخلص أبو ريشة للقضية في فكره ووجدانه ومواقفه، كذلك أخلص لها في فنّه، فكان يجوّد شعره، ويتقنه، ويعنى بصوره، ويجدّدها، وينتقي ألفاظه، ويجوّدها.
ولعلّ أهم ماسيذكر له جرأته في انتقاد الحكام العرب، وتحميلهم مسؤولية ضياع القدس وفلسطين، والتنديد بحرصهم على عروشهم، كما سيذكر له دائماً ثقته بشعبه، وأمته، وتعليقه الأمل دائماً على الجندي والمقاتل والفدائي، وحماة الوطن، وإدراكه أن القوة دائماً هي السبيل إلى النصر.
ومن أهم المعاني التي كان يردّدها طهر القدس ونقاؤها، وإشارته إلى مكانتها لدى المسيحيين والمسلمين، فهي مهد عيسى ومسرى محمد، عليهما السلام، وكان يراهما دائماً متعانقين.
كما كان يرى في الصهاينة دائماً شرذمة من اليهود الكاذبين الظالمين الطغاة صانعي الأكاذيب مدنسي الحرم المقدس.
وفي هذا السياق كان يندّد دائماً بالإنكليز، لنكثهم وعودهم للعرب، ومنحهم العهود لليهود.(1376/12)
وكان مايفتأ يمجد الشهداء، ويأسى لآلام المشرّدين، واللاجئين، ويؤكد انتصار الحق بالقوة. وما كان يهنأ بعيد بل كان في كل عيد يذكر القدس، كما يذكرها في كل مناسبة، لأنه كان يحمل القضية في وجدانه.
وأمل الشاعر بالمستقبل، وثقته بالشعب، وتفاؤله بالنصر، ماكان ليمحو نغمة حزن كانت تشيع في كل ماقاله عن القدس وفلسطين، مثلما هي شائعة في شعره كله. كذلك لايغيب التاريخ عن شعره في القدس، ففي كل حين تأتلق أسماء خالد وصلاح الدين وكتائب الفتح، مثلما تألقت في شعره قصائده عن محمد وخالد والمتنبي والمعري. وإذا دلّ شيوع الحزن في شعره كله وتألق التاريخ على نزوع رومانتيكي، فإنه يدل على ماهو أهم من ذلك، ألا إنه الصدق والأصالة وتميز الصوت وخصوصيته.
ويلاحظ أخيراً أنه كان يعالج تلك المعاني بلغة شعرية راقية، فيها قوة وفيها متانة، وفيها صور جديدة، وإشارات بعيدة، شفيفة، حتى في القصائد التي يعرف أنه سيلقيها في مناسبة، وأمام جماهير حاشدة. لقد كانت المناسبات تقدح زناد قريحته، وتثير فيه شاعريته، وتحرضه على القول، فيجود فيها مثلما يجوّد في غيرها، فإذا هو مجوّد في قصيدة المناسبة مثلما هو مجوّد في غيرها، وإذا دلّ هذا على شيء، فإنه يدل على شاعر صادق، مخلص لشعره وفنه، في الحالات كلّها.
- 16 –(1376/13)
ويبقى عمر أبو ريشة بعد ذلك كله واحداً من مئات الشعراء العرب، الذين اعتنقوا القضية الفلسطينية، وعشقوا القدس، وتمسكوا بالحق العربي، وناضلوا بشعرهم وفنهم، وأحياناً بدمهم وأرواحهم، في سبيل النصر، ولم يكن أبو ريشة الصوت الفرد الوحيد. ولا بد من القول أيضاً إن أولئك الشعراء أيضاً هم ضمير الشعب، وصوت الأمة، وما التزام الشعراء القضية الفلسطينية إلا جزء من التزام الشعب العربي في كل مكان وكل قطر لهذه القضية، التي هي قضية العرب والمسلمين، ومقياس انتمائهم إلى أمتهم وأرضهم وشعبهم وتاريخهم. وإذا كان الشاعر يمتلك الأمل، ويحمل الثقة والتفاؤل، فلأنه يرى الشعب كله يضحي ويناضل، من أجل تحقيق ذلك الأمل.
المصادر
أبو ريشة، عمر، من عمر أبو ريشة شعر، دار الكشاف، بيروت، 1947. أبو ريشة، عمر، ديوان عمر أبو ريشة، دار العودة، بيروت، 1971. أبو ريشة، غنيت في مأتمي، دار العودة، بيروت، 1972. أبو ريشة، عمر، أمرك يارب، دار الأصفهاني، جدّة، 1398.
القصائد وفق تاريخ كتابتها 1- قيود، (1937)، ألقيت في حفلة الذكرى للمجاهد إبراهيم هنانو، شعر 136/142 الديوان ص 552- 561، من البحر الكامل، مطلعها:
وطن عليه من الزمان وقار
النور ملء شعابه والنار
2- شهيد، (1937) ألقيت في الحفلة التذكارية في حماه ودمشق للشهيد البطل سعيد العاص الذي استشهد في جبل النار بفلسطين ، الديوان ص 562- 575 شعرص 199- 208 من البحر الخفيف، مطلعها:
نام في غيهب الزمان الماحي
جبل المجد والندى والسماح
3- هذه أمتي، (1945)، ألقيت في حفلة افتتاح دار الكتب الوطنية في حلب بعد العدوان الفرنسي، وخروج الشاعر من السجن، شعر ص154- 163 الديوان، (ص 516- 528)، من البحر الخفيف، ومطلعها :
ماصحا بعد من خمار زمانه
فليرفّه بالشدو عن أشجانه(1376/14)
4- عرس المجد: (1947) ألقيت في الحفلة التذكارية التي أقيمت في حلب، ابتهاجاً بجلاء الفرنسيين عن سورية، شعر 145- 153 الديوان (ص 437- 449)، من البحر الخفيف، ومطلعها:
ياعروس المجد تيهي واسحبي
في مغانينا ذيول الشهب
5- بعد النكبة (1948)، ألقاها بعد نكبة 1948 في حفل ضم رئيس الوزراء في عهده وهو جميل مردم بك، وقد هجاه ببيتين لم يثبتهما في الديوان، ولكن الناس يتناقلونهما شفاها، يقول فيهما:
كيف تبغي أمة عزتها
إن أرحام البغايا لم تلد
وبها شبه جميل المردم
مجرماً في شكل هذا المجرم
والقصيدة في الديوان ص (7-11) وهي من البحر الرمل، ومطلعها:
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم
6- حماة الضيم: (1948) الديوان ص14- 20، من البحر الكامل ومطلعها:
عاتبته ونسيتِ طيب نجاره
وأبيتِ أن تصغي إلى أعذاره
7- ياعيد، (1949) الديوان ص 93- 95، من البحر البسيط، ومطلعها:
ياعيد ما افتر ثغر المجد ياعيد
فكيف تلقاك بالبشرى الزغاريد
8- عام جديد (1959) الديوان ص 64- 66، من مجزوء الكامل، ومطلعها:
وحدي هنا في حجرتي
والليل والعام الوليد
9- هكذا : (1954) الديوان، ص(25- 27)، من البحر الخفيف، ومطلعها:
صاحَ يا عبد فرفّ الطيب
واستعر الكأس وضج المضجع
10- بنات الشاعر: (1969) ألقيت في حفل تأبين الشاعر اللبناني الأخطل الصغير (الديوان 67-78) من البحر البسيط، ومطلعها:
نديك السمح له يخنق له وتر
ولم يغب عن حواشي ليله سمر
11- أنا في مكة، بلا تاريخ، مجموعة أمرك يارب، 1398هـ، ص 37- 57، من البحر الخفيف، مطلعها :
لم تزالي على ممرّ الليالي
موئل الحقّ ياعروس الرمال
12- أمرك يارب، 1395هـ، مجموعة أمرك يارب، 1398هـ، ص 9-19، ومطلعها:
يا ربّ أمرك هذا لاأطيق له
ردّاً فأمرك ياربي تولاّني(1376/15)
عمر أبو ريشة
من أنت ِ هوعمر أبو ريشة أبوه شافع ولد عمر في منبج عام 1910م وفيها ترعرع ودرج وانتقل منها إلى حلب فدخل مدارسها الابتدائية ثم أدخله أبوه الجامعة الأمريكية في بيروت ثم سافر إلى انكلترا عام 1930 ليدرس في جامعتها على الكيمياء الصناعية وهناك زاد تعلقه بالدين الإسلامي وأراد أن يعمل للدعاية له في لندن ، وراح يتردد على جامع لندن يصاحب من يصاحب ويكتب المقالات الكثيرة في هذا الميدان ، ثم انقلب عمر إلى باريس وعاد إلى حلب عام 1932 ولم يعد بعدها إلى انكلترا، اشترك في الحركة الوطنية في سوريا إيام الاحتلال وسجن عدة مرات وفر من الأضطهاد الفرنسي ، كما ثار على الأوضاع في سوريا بعد حصولها على الاستقلال وقد آمن بوحدة الوطن العربي وانفعل بأحداث الأمة الاسلامية
ولقد كانت كارثة فلسطين بعيدة الأثر في نفسه فله شعر في نكبة فلسطين كثير وله ديوان باسم ( بيت وبيتان ) وديوان باسم ( نساء ) وله مسرحية باسم ( علي ) ولأخرى باسم ( الحسين ) ومسرحية باسم ( تاج محل )وله ديوان باسم ( كاجوراو )ومجموعة قصائد باسم ( حب ) ومجموعة شعرية باسم ( غنيت في مأتمي )، وله مسرحية شعرية سمها ( رايات ذي قار ) أنشأها قبيل عشرين سنة وجعلها في أربعة فصول وله مسرحية باسم ( الطوفان ) وله ملحمة ( ملاحم البطولة في التاريخ الإسلامي ) وهي اثني عشر ألف بيت وله ديوان شعر باللغة الانكليزية 0توفي عام 1410هـ في الرياض(1377/1)
عناد
هذي الربى كم ضاق في فضاؤها ... مالي على جنباتها أتعثر
شب الحصى فيها ودون زحامه ... درب يغيب و آخر يتكسر
وملاعبي ومجر أذيالي بها ... بعدت فما ترقى إليها الأنسر
ما كنت أحسب أنها تتغير
وأرى الشتاء تطاولت أيامه ... وازداد عسفا قلبه المتحجر
كم زارني وكشفت عن صدري له ... فأقام لا يزهو ولا يتكبر
ما زلت أذكر كيف كان لهاثه ... من دفء أضلاعي يذوب ويقطر
ما كنت أحسب انه يتغير
وأتيت مرآتي وعطري في يدي ... فبصرت ما لا كنت فيها أبصر
فخفضت طرفي ذاهلا متوجعا ... ونفرت منها غاضبا استنكر
خانت عهود مودتي فتغيرت ... ما كنت أحسب أنها تتغير(1378/1)
عودي
عمر أبو ريشة
القصيدة (عودي)
عمر أبو ريشة
قالتْ مللتُكَ . إذهبْ . لستُ نادِمةًعلى فِراقِكَ .. إن الحبَّ ليس لنا
سقيتُكَ المرَّ من كأسي . شفيتُ بهاحقدي عليك .. ومالي عن شقاكَ غنى !
لن أشتهي بعد هذا اليوم أمنيةًلقد حملتُ إليها النعش والكفنا ...
قالتْ .. وقالتْ .. ولم أهمسْ بمسمعهاما ثار من غُصصي الحرى وما سَكنا
تركْتُ حجرتها .. والدفءَ منسرحاًوالعطرَ منسكباً .. والعمر مُرتهنا
وسرتُ في وحشتي .. والليل ملتحفٌبالزمهرير . وما في الأفق ومضُ سنا
ولم أكد أجتلي دربي على حدسِوأستلينُ عليه المركبَ الخشِنا ..
حتى .. سمعتُ .. ورائي رجعَ زفرتهاحتى لمستُ حيالي قدَّها اللدنا
نسيتُ مابي ... هزتني فجاءتُهاوفجَّرَتْ من حناني كلَّ ما كَمُنا
وصِحتُ .. يا فتنتي ! ما تفعلين هنا ؟؟ألبردُ يؤذيك عودي ... لن أعود أنا !(1379/1)
غادة من الأندلس
أبو ريشة
1. ... وثبتْ تَستقربُ النجم مجالا وتهادتْ تسحبُ الذيلَ اختيالا
2. ... وحِيالي غادةٌ تلعب في شعرها المائجِ غُنجًا ودلالا
3. ... طلعةٌ ريّا وشيءٌ باهرٌ أجمالٌ ؟ جَلَّ أن يسمى جمالا
4. ... فتبسمتُ لها فابتسمتْ وأجالتْ فيَّ ألحاظًا كُسالى
5. ... وتجاذبنا الأحاديث فما انخفضت حِسًا ولا سَفَّتْ خيالا
6. ... كلُّ حرفٍ زلّ عن مَرْشَفِها نثر الطِّيبَ يميناً وشمالا
7. ... قلتُ يا حسناءُ مَن أنتِ ومِن أيّ دوحٍ أفرع الغصن وطالا ؟
8. ... فَرَنت شامخةً أحسبها فوق أنساب البرايا تتعالى
9. ... وأجابتْ : أنا من أندلسٍ جنةِ الدنيا سهولاً وجبالا
10. ... وجدودي ، ألمح الدهرُ على ذكرهم يطوي جناحيه جلالا
11. ... بوركتْ صحراؤهم كم زخرتْ بالمروءات رِياحاً ورمالا
12. ... حملوا الشرقَ سناءً وسنى وتخطوا ملعب الغرب نِضالا
13. ... فنما المجدُ على آثارهم وتحدى ، بعد ما زالوا الزوالا
14. ... هؤلاء الصِّيد قومي فانتسبْ إن تجد أكرمَ من قومي رجالا
15. ... أطرق القلبُ ، وغامتْ أعيني برؤاها ، وتجاهلتُ السؤالا(1380/1)
في طائرة
وثبت تستقرب النجم مجالا ... وتهادت تسحب الذيل اختيالا
وحيالي غادة تلعب في ... شعرها المائج غنجا ودلالا
طلعة ريا وشيء باهر ... أجمال جل ان يسمى جمالا
فتبسمت لها فابتسمت ... وأجالت في ألحاظا كسالى
وتجاذبنا الأحاديث فما ... انخفضت حسا ولا سفت خيالا
كل حرف زل عن مرشفها ... نثر الطيب يمينا وشمالا
قلت يا حسناء من أنت ... ومن أي دوح أفرع الغصن وطالا
فرنت شامخة احسبها ... فوق انساب البرايا تتعالى
وأجابت أنا من أندلس ... جنة الدنيا سهولا وجبالا
وجدودي المح الدهر على ... ذكرهم يطوي جناحيه جلالا
بوركت صحراؤهم كم زخرت ... بالمروءات رياحا ورمالا
حملوا الشرق سناء وسنى ... وتخطوا ملعب الغرب نضالا
فنما المجد على آثارهم ... وتخطى بعدما زالوا الزوالا
هؤلاء الصيد قومي فانتسب ... إن تجد أكرم من قومي رجالا
أطرق الطرف و غامت أعيني ... برؤاها وتجاهلت السؤالا(1381/1)
في موسم الورد
هنا في موسم الوردِ
تلاقَيْنا بلا وَعْدِ
وسِرْنا في جلال الصمتِ
فوق مناكبِ الخُلْدِ
وفي ألحاظنا جوعٌ
على الحرمان يستجدي!
وأهوى جيدكِ الريان
متكئاً على زِندي
فكُنا غفوةً خرساء
بين الخَدِّ والخَدِّ
مُنى قلبي أرى قلبكِ
لا يبقى على عَهْدِ
أسائلُ عنكِ أحلامي
وأُسكتُها عن الرَدِّ
أردتِ فنلتِ ما أمَّلتِ
مَن عِزّي ومن مجدي
فأنتِ اليوم ألحاني
وألحان الدُّنى بَعْدي
فما أقصرَه حُبَّا
تلاشى وهو في المَهْدِ
ولم أبرحْ هنا،
في ظل هذا المّلتقى وحدي(1382/1)
قصيدة أمتي
عمر أبو ريشة
1.-أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
2.-أتلقاك وطرفي مطرق خجلاً من أمسك المنصرم
3.-ويكاد الدمع يهمي عابثاً ببقايا كبرياء الألم
4.-أين دنياك التي أوحت إلى وتري كل يتيم النغم
5.-كم تخطيت على أصدائه ملعب العز ومغنى الشمم
6.-وتهاديت كأني ساحب مئزري فوق جباه الأنجم
7.-أمتي كم غصة دامية خنقت نجوى علاك في فمي
8.-أي جرح في إبائي راعف فاته الآسي فلم يلتئم
9.-ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم !؟
10.-كيف أغضيت على الذل ولم تنفضي عنك غبار التهم ؟
11.-أوما كنت إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو من دم !؟
12.-كيف أقدمت وأحجمت ولم يشتف الثأر ولم تنتقمي ؟
13.-اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دمع اليتامى وابسمي
14.-ودعي القادة في أهوائها تتفانى في خسيس المغنم
15.-ربَّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه البنات اليتم
16.-لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
17.-أمتي كم صنم مجّدتِه لم يكن يحمل طهر الصنم
18.-لايلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدوَّ الغنم
19.-فاحبسي الشكوى فلولاك لما كان في الحكم عبيدُ الدرهم
20.-أيها الجندي يا كبش الفدا يا شعاع الأمل المبتسم
21.-ما عرفت البخل بالروح إذا طلبتها غصص المجد الظمي
22.-بورك الجرح الذي تحمله شرفاً تحت ظلال العلم(1383/1)
قصيدة طهر
أبو ريشة
ألفيتها ساهمة شاردة تأملا
طيف على أهدابها كسرها تنقلا
شق وشاح فجرها خميلة وجدولا
وما ج فيها رعشة حرى وشوقا منزلا
ناديتها فالتفتت نهدا وشعرا مرسلا
واللحظ في ذهوله مغرورق تململا
طوقتها يا للشذ امطوقا مقبلا
فما انثنت حائرة ولا رنت تدللا
ولا درت وجنتها من خجل تبدلا
كأنها في طهرها أطهر من أن تخجلا(1384/1)
قصيدة عناد
هذي الربى كم ضاق في فضاؤها = مالي على جنباتها أتعثر
شب الحصى فيها ودون زحامه = درب يغيب و آخر يتكسر
وملاعبي ومجر أذيالي بها = بعدت فما ترقى إليها الأنسر
ما كنت أحسب أنها تتغير
وأرى الشتاء تطاولت أيامه =وازداد عسفا قلبه المتحجر
كم زارني وكشفت عن صدري له = فأقام لا يزهو ولا يتكبر
ما زلت أذكر كيف كان لهاثه = من دفء أضلاعي يذوب ويقطر
ما كنت أحسب انه يتغير
وأتيت مرآتي وعطري في يدي =فبصرت ما لا كنت فيها أبصر
فخفضت طرفي ذاهلا متوجعا =ونفرت منها غاضبا استنكر
خانت عهود مودتي فتغيرت= ما كنت أحسب أنها تتغير(1385/1)
قصيدة سر السراب
عمر أبو ريشة
1. كم جئت أحمل من جراحات الهوى نجوى ، يرددها الضمير ترنُّما
2. سالتْ مع الأمل الشهي لترتمي في مسمعيكِ ، فما غمزتِ لها فما
3. فخنقتها في خاطري ! فتساقطتْ في أدمعي ، فشربتها متلعثما
4. ورجعتُ أدراجي أصيدُ من المنى حلماً ، أنام بأفقه متوهما
5. أختاهُ ! قد أزف النوى فتنعمي بعدي فإن الحب لن يتكلما
6. لا تحسبيني سالياً ، إن تلمحي في ناظري ، هذا الذهول المبهما
7. إن تهتكي سر السرابِ وجدتِهِ حلم الرمالِ الهاجعاتِ على الظما(1386/1)
قصيدة عناد)أبو ريشة
هذي الربى كم ضاق في فضاؤها = مالي على جنباتها أتعثر
شب الحصى فيها ودون زحامه = درب يغيب و آخر يتكسر
وملاعبي ومجر أذيالي بها = بعدت فما ترقى إليها الأنسر
ما كنت أحسب أنها تتغير
وأرى الشتاء تطاولت أيامه = وازداد عسفا قلبه المتحجر
كم زارني وكشفت عن صدري له = فأقام لا يزهو ولا يتكبر
ما زلت أذكر كيف كان لهاثه = من دفء أضلاعي يذوب ويقطر
ما كنت أحسب انه يتغير
وأتيت مرآتي وعطري في يدي = فبصرت ما لا كنت فيها أبصر
فخفضت طرفي ذاهلا متوجعا = ونفرت منها غاضبا استنكر
خانت عهود مودتي فتغيرت = ما كنت أحسب أنها تتغير(1387/1)
لوعة
خطُ أختي لم أكن أجهله إن أختي دائماً تكتب لي
* *
حدثتني أمس عن أهلي وعن مضض الشوق وبُعد المنزل
* *
ماعساها اليوم لي قائلة؟ أيُّ شيءٍ يا ترى لم تقلِ
* *
وفضضت الطرس ..لم أعثر على غير سطرٍ واحدٍ ..مختزلِ
* *
وتهجيت بجهدٍ بعضه إن أختي كتبت في عجل
* *
فيه شيءٌ...عن عليٍ مبهمٌ ربما بعد قليل ينجلي
* *
وتوقفتُ ..ولم أتممْ..وبي رعشاتُ الخائف المبتهل
* *
وترآءى لي عليٌّ كاسياً من خيوط الفجر أسنى حُلَلِ
* *
مرِحَ اللفتةِ مزهو الخطى سلس اللهجة حلو الخجل
* *
تسأل البسمةُ في مرشفه عن مواعيد انسكاب القُبَلِ
* *
طلعةٌ استقبل الدنيا بها ناعم البال بعيد المأمل
* *
كم أتى يشرح لي أحلامه وأمانيه على المستقبل
* *
قال لي في كبرياء إنه يعرف الدرب لعيش أفضل
* *
إنه يكره أغلالي التي أوهنت عزمي وأدمت أرجلي
* *
سوف يعطي في غدٍ قريته خبرة العلم وجهد العمل
* *
وسيبني بيته في غايةٍ تترامى فوق سفح الجبل
* *
وسأعتز به في غده وأراه مثلاً للرجل
* *
عدت للطرس الذي ليس به غير سطرٍ .. واحدٍ .. مختزلِ
* *
وتجالدت .. لعلي واجد فيه ما يبعد عني وجلي
* *
وإذا أقفل معناه على وهمي الضارع ..كل السبل
* *
غرقت عيناي في أحرفه وتهاوى مِزقاً عن أنملي
* *
قلبُ أختي ..لم أكن أجهله إن أختي دائماً تحسن لي
* *
ما لها تنحرني نحراً على قولها ..مات ابنها.. مات علي(1388/1)
مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
أنا في موئل النبوة يا دنيا ... أؤدي فرائض الأيمان
أسأل النفس خاشعا أترى ... طهرت بردي من لوثة الأدران
كم صلاة صليت لم يتجاوز ... قدس آياتها حدود لساني!
كم صيام عانيت جوعي فيه ... ونسيت الجياع من إخواني!
كم رجمت الشيطان والقلب مني ... مرهق في حبائل الشيطان!
رب عفوا إن عشت ديني ألفاظا ... عجافا ولم أعشه معاني
أنا من أمة تجوس حماها ... جاهلياتها بلا استئذان
مزقت شملنا شعائر شتى ... وقيادات طغمة عبدان
مرنتنا على الهزيمة والجبن ... وبعض الحياة بعض مران
فاستكنا لا بارك الله في ... صبر ذليل ولا بكاء جبان
يا بن عبد العزيز وانتفض العز ... وأصغى وقال : من ناداني ؟
قلت : ذاك الجريح في القدس ... في سيناء في الضفتين في الجولان(1389/1)
ملحمة النبي صلى الله عليه وسلم عمر أبو ريشة
أي نجوى مخضلة النعماء ... رددتها حناجر الصحراء
سمعتها قريش فا نتفضت غضبى ... وضجت مشبوبة الأهواء
ومشت في حمى الضلال إلى ... الكعبة مشي الطريدة البلهاء
وارتمت خشعة على اللات ... والعزى وهزت ركنيهما بالدعاء
وبدت تنحر القرابين نحرا ... في هوى كل دمية صماء
وانثنت تضرب الرمال اختيالا ... بخطى جاهلية عمياء
عربدي يا قريش وانغمسي ما ... شئت في حمأة المنى النكراء
لن تزيلي ما خطه الله للأرض ... وما صاغه لها من هناء
شاء أن ينبت النبوة في القفر ... ويلقي بالوحي من سيناء
فسلي الربع ما لغربة عبد الله ... تطوى جراحها في العزاء
ما لأقيال هاشم يخلع البشر ... عليها مطارف الخيلاء
انظريها حول اليتيم فراشا ... هزجا حول دافق اللالاء
وأبو طالب على مذبح الأصنام ... يزجي له ضحايا الفداء
هو ذا أحمد فيا منكب الغبراء ... زاحم مناكب الجوزاء
بسم الطفل للحياة وفي جنبيه ... سر الوديعة العصماء
هب من مهده ودب غريبَ ... الدار في ظل خيمة دكناء
تتبارى حليمةٌ خلفه تعدو ... وفي ثغرها افترار رضاء
عرفت فيه طلعة اليمن والخير ... إذا أجدبت ربى البيداء
وتجلى لها الفراق فاغضت ... في ذهول وأجهشت بالبكاء
عاد للربع أين آمنةٌ ... والحب والشوق في مجال اللقاء
ما ارتوت منه مقلة طالما شقت ... عليه ستائر الظلماء
يا اعتداد الأيتام باليتم كفكف ... بعده كل دمعة خرساء
أحمد شب يا قريش فتيهي ... في الغوايات واسرحي في الشقاء
وانفضي الكف من فتى ما تردى ... برداء الأجداد والآباء
أنت سميته الأمين وضمخت ... بذكراه ندوة الشعراء
فدعي عمه فما كان يغريه ... بما في يديك من إغراء
جاءه متعب الخطى شارد الآمال ... مابين خيبة ورجاء
قال هون عنك الأسى يابن عبد ... الله واحقن لنا كريم الدماء
لا تسفه دنيا قريش تبوئك ... من الملك ذروة العلياء
فبكى أحمد وما كان من يبكي ... ولكنها دموع الإباء
فلوى جيده وسار وئيدا ... ثابت العزم مثقل الأعباء
وأتى طوده الموشح بالنور ... وأغفى في ظل غار حراء
وبجفنية من جلال أمانيه ... طيوف علوية الإسراء(1390/1)
وإذا هاتف يصيح به اقرأ ... فيدوي الوجود بالأصداء
وإذا في خشوعه ذلك الأمي ... يتلو رسالة الإيحاء
وإذا الأرض والسماء شفاه ... تتغنى بسيد الأنبياء
جمعت شملها قريش وسلت ... للأذى كل صعدة سمراء
وأرادت أن تنقذ البغي من أحمد ... في جنح ليلة ليلاء
ودرى سرها الرهيب علي ... فاشتهى لو يكون كبش الفداء
قال : يا خاتم النبيين أمست ... مكة دار طغمة سفهاء
أنا باق هنا ولست أبالي ... ما ألاقي من كيدها في البقاء
سيروني على فراشك والسيف ... أمامي وكل دنيا ورائي
حسبي الله في دروب رضاه ... أن يرى فيّ أول الشهداء
فتلقاه أحمد باسم الثغر ... عليما بما انطوى في الخفاء
أمر الوحي ان يحث خطاه ... في الدجى للمدينة الزهراء
وسرى واقتفى سراه أبو بكر ... وغابا عن أعين الرقباء
وأقاما في الغار والملأ العلوي ... يرنو إليهما بالرعاء
وقفت دونه قريش حيارى ... وتنزهت جريحة الكبرياء
وانثنت والرياح تجار والرمل ... نثير في الأوجة الربداء
هللي يا ربا المدينة واهمي ... بسخي الأظلال والأنداء
واقذفيها الله أكبر حتى ... ينتشي كل كوكب و ضاء
واجمعي الأوفياء إن رسول الله ... آت لصحبة الأوفياء
وأطلّ النبي فيضا من الرحمة ... يروي الظماء تلو الظماء(1390/2)
من أنتِ ؟
من أنت كيف طلعت في دنياي ما أبصرت فيا
في مقلتيك أرى الحياة تفيض ينبوعا سخيا
وأرى الوجود تلفتا سمحا وإيماء شهيا
ألممت أحلام الصبا وخلعت أكرمها عليا
مهلا فداك الوهم لا ترمي بمئزرك الثريّا
أنا في جديب العمر أنثر ما تبقى في يديّا
عودي إلى دنياك واجني زهرها غضا زكيا
يكفيك مني أن تكوني في فمي لحنا شجيّا(1391/1)
نسر
أصبح السفح ملعبا للنسور ... فاغضبي يا ذرا الجبال وثوري
إن للجرح صيحة فابعثيها ... في سماع الدنى فحيح سعير
واطرحي الكبرياء شلوا مدمى ... تحت أقدام دهرك السكير
لملمي يا ذرا الجبال بقايا النسر ... وارمي بها صدور العصور
إنه لم يعد يكحل جفن النجم ... تيها بريشة المنثور
هجر الوكر ذاهلا وعلى عينيه ... شيء من الوداع الأخير
تاركا خلفه مواكب سحب ... تتهاوى من افقها المسحور
كم اكبت عليه وهي تندي ... فوقه قبلة الضحى المخمور
هبط السفح طاويا من جناحيه ... على كل مطمح مقبور
فتبارت عصائب الطير ما بين ... شرود من الأذى ونفور
لا تطيري جوابة السفح فالنسر ... إذا ما خبرته لم تطيري
نسل الوهن مخلبيه وأدمت ... منكبيه عواصف المقدور
والوقار الذي يشيع عليه ... فضلة الإرث من سحيق الدهور
وقف النسر جائعا يتلوى ... فوق شلو على الرمال نثير
وعجاف البغاث تدفعه ... بالمخلب الغض والجناح القصير
فسرت فيه رعشة من جنون ... الكبر واهتز هزة المقرور
ومضى ساحبا على الأفق الأغبر ... أنقاض هيكل منخور
وإذا ما أتى الغياهب واجتاز ... مدى الظن من ضمير الأثير
جلجلت منه زعقة نشت الآفاق ... حرى من وهجها المستطير
وهوى جثة على الذروة الشماء ... في حضن وهجها المستطير
أيها النسر هل أعود كم عدت ... أم السفح قد أمات شعوري(1392/1)
هكذا تقتحم القدس
1. صاح يا عبد فرف الطيب =واستعر الكأس وضج المضجع
2. منتهى دنياه نهد شرس = وفم سمح وخصر طيع
3. بدوي أورق الصخر له = وجرى بالسلسبيل البلقع
4. فإذا النخوة والكبر على = ترف الأيام جرح موجع
5. هانت الخيل على فرسانها = وانطوت تلك السيوف القطع
6. والخيام الشم مالت وهوت =وعوت فيها الرياح الأربع
7. قال يا حسناء ما شئت اطلبي = فكلانا بالغوالي مولع
8. أختك الشقراء مدت كفها = فاكتسى من كل نجم إصبع
9. فانتقي أكرم ما يهفو له = معصم غض وجيد أتلع
10. وتلاشى الطيب من مخدعه = وتولاه السبات الممتع
11. والذليل العبد دون الباب لا = يغمض الطرف ولا يضطجع
12. والبطولات على غربتها = في مغانينا جياع خشع
13. هكذا تقتحم القدس على = غاصبيها هكذا تسترجع(1393/1)
هي والدنيا
هي والدنيا وما بينهما ... غصصي الحرى وأهوائي العنيدة
رحلة للشوق لم أبلغ بها ... ما أرتني من فراديس بعيدة
طال دربي وانتهى زادي له ... ومضى عمري على ظهر قصيدة(1394/1)
وداع
قفي ، لا تخجلي مني فما أشقاك أشقاني
كلانا مرَّ بالنعمى مرور المُتعَبِ الواني
وغادرها .. كومض الشوق في أحداق سكرانِ
قفي ، لن تسمعي مني عتاب المُدْنَفِ العاني
فبعد اليوم ، لن أسأل عن كأسي وندماني
خذي ما سطرتْ كفاكِ من وجدٍ وأشجانِ
صحائفُ ... طالما هزتْ بوحيٍ منك ألحاني
خلعتُ بها على قدميك حُلم العالم الفاني!
لنطوٍ الأمسَ ، ولنسدلْ عليه ذيل نسيانِ
فإن أبصرتني ابتسمي وحييني بتحنانِ
وسيري ، سير حالمةٍ وقولي .... كان يهواني!(1395/1)
يا شعب
أبو ريشة
يا شعب لا تشك الشقاء ولا تطل فيه نواحك
لو لم تكن بيديك مجروحا لضمدنا جراحك
أنت انتقيت رجال أمرك وارتقبت بهم صلاحك
فإذا بهم يرخون فوق خسيس دنياهم وشاحك
كم مرة خفروا عهودك واستقوا برضاك راحك
أيسيل صدرك من جراحتهم وتعطيهم سلاحك
لهفي عليك أهكذا تطوي على ذل جناحك
لو لم تُبح لهواك علياءَ الحياة لما استباحك(1396/1)
يا عروسَ المجدِ تيهي
1. يا عروسَ المجدِ تيهي واسحبي في مغانينا ذيولَ الشّهبِ
2. لن ترَي حبّةَ رملٍ فوقَها لم تُعطَّر بدما حرٍّ أبي
3. درجَ البغيُ عليها حقبةً وهوى دونَ بلوغِ الأربِ
4. وارتمى كِبرُ الليالي دونَها ليّنَ النابِ ، كليلَ المخلبِ
5. لا يموتُ الحقُّ مهما لطمتْ عارضيهِ قبضةُ المغتصبِ!
6. من هُنا شقَّ الهدى أكمامهُ وتهادى موكباً في موكبِ
7. وأتى الدنيا فرفّتْ طرباً وانتشتْ من عبقهِ المنسكبِ
8. وتغنّت بالمروءاتِ التي عرفتها في فتاها العربي
9. أصيدٌ ، ضاقتْ بهِ صحراؤهُ فأعدّته لأفقٍ أرحبِ
10. هبَّ للفتح ِ، فأدمى تحتهُ حافرُ المهرِ جبينَ الكوكبِ!
11. وأمانيه انتفاضُ الأرضِ من غيهبِ الذل ِّ، وذلِّ الغيهبِ
12. وانطلاقُ النورِ حتّى يرتوي كلُّ جفنٍ بالثرى مختضبِ
13. حلمٌ ولّى ، و لم يُجرحْ بهِ شرفُ المسعى ونبلُ المطلبِ
14. يا عروسَ المجدِ، طالَ المُلتقى بعدما طالَ جوى المغتربِ
15. سكرتْ أجيالنا في زهوها وغفتْ عن كيدِ دهرٍ قُلّبِ
16. و صحَونا ، فإذا أعناقُنا مثقلاتٌ بقيودِ الأجنبي
17. فدعوناكِ فلم نسمعْ سوى زفرةٍ من صدركِ المكتئبِ
18. قد عرفنا مهركِ الغالي فلم نرخص ِ المهرَ و لم نحتسبِ
19. فحملنا لكِ إكليلَ الوفا ومشينا فوقَ هامِ النوبِ
20. وأرقناها دماءً حرّةً فاغرُفي ما شئتِ منها واشربي!
21. نحن ُ من ضعفٍ بنينا قوةً لم تلنْ للمارجِ الملتهبِ
22. كم لنا من ميسلونٍ نفضتْ عن جناحيها غبارَ التعبِ
23. كم نَبتْ أسيافُنا في ملعبٍ وكبتْ أفراسُنا في ملعبِ
24. من نضالٍ عاثرٍ مصطخبٍ لنضالٍ عاثرٍ مصطخبِ
25. شرفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلى غلبَ الـ واثبُ أم لم يغلبِ!
26. فالتفِت من كوّةِ الفردوسِ يا فيصلَ العلياءَ وانظرْ واعجبِ
27. أترى كيفَ اشتفى الثأرُ من الـ ـفاتحِ المسترقِ المستلبِ ؟
28. و طوى ما طالَ من راياته في ثنايا نجمهِ المحتجبِ(1397/1)
29. ما نسينا دمعةً عاصيتَها في وداعِ الأملِ المرتقبِ
30. رجفتْ بالأمسِ سكرى ألمٍ فأسلها اليومَ سكرى طربِ !
31. يا لنعمى خفَّ في أظلالها ما حملنا في ركابِ الحقبِ
32. أينما جالَ بنا الطرفُ انثنى وطيوفُ الزهوِ فوقَ الهدبِ
33. هذه تربتُنا لن تزدهي بسوانا من حُماةٍ نُدبِ
34. فلنصنْ مَن حَرَمَ الملكَ لها منبرَ الحقدِ وسيفَ الغضبِ
35. و لنُسلْ حنجرةَ الشدوِ بها بينَ أطلالِ الضحايا الغيّبِ
36. ضلّت الأمّةُ إن أرختْ على جرحِ ماضيها كثيفَ الحجبِ !
37. ما بلغنا بعدُ من أحلامنا ذلكَ الحلمَ الكريمَ الذهبي
38. أينَ في القدسِ ضلوعٌ غضّةٌ لم تلامسها ذنابى عقربِ؟
39. وقفَ التاريخُ في محرابها وقفةَ المرتجفِ المضطربِ
40. كم روى عنها أناشيدَ النّهى في سماعِ العالمِ المستغربِ؟
41. أيُّ أنشودةِ خزيٍ غصَّ في بثّها بينَ الأسى والكربِ
42. من لأبناءِ السبايا ركبوا للأماني البيضِ أشهى مركبِ
43. و متى هزّوا علينا رايةً ما انطوتْ بينَ رخيصِ السَّلَبِ؟
44. ومَنِ الطاغي الذي مدَّ لهم من سرابِ الحقِّ أوهى سببِ؟
45. أو ما كنّا له في خطبهِ معقلَ الأمن ِ وجسرَ الهربِ؟
46. ما لنا نلمحُ في مشيتهِ مخلبَ الذئبِ وجلدَ الثعلبِ؟
47. يا لذلِّ العهدِ إن أغضى أسىً فوقَ صدرِ الشرفِ المنتحبِ!
48. يا روابي القدسِ يا مجلى السّنا يا رؤى عيسى على جفنِ النبي
49. دونَ عليائكِ في الرحبِ المدى صهلةُ الخيلِ ووهجُ القضُبِ !
50. لمّتِ الآمالُ منّا شملنا ونمتْ ما بيننا من نسبِ
51. فإذا مصرُ أغاني جلّقٍ وإذا بغدادُ نجوى يثربِ
52. ذهبتْ أعلامُها خافقةً والتقى مشرقُها بالمغربِ
53. كلّما انقضَّ عليها عاصفٌ دفنتهُ في ضلوعِ السّحبِ
54. بوركَ الخطبُ، فكم لفَّ على سهمهِ أشتاتَ شعبٍ مغضبِ
55. يا عروسَ المجدِ حسبي عزّةً أن أرى المجدَ انثنى يعتزُّ بي
56. أنا لولاهُ لما طوّفتُ في كلِّ قفرٍ مترامٍ مجدبِ(1397/2)
57. ربَّ لحنٍ سالَ عن قيثارتي هزَّ أعطافَ الجهادِ الأشيبِ
58. لبلادي ولروّادِ السّنا كلُّ ما ألهمتِني من أدبِ(1397/3)
يا عيدُ
عمر أبو ريشة
يا عيد ما افترّ ثغر المجد ياعيدُ فكيف تلقاك بالبشرى الزغاريدُ
وكيف ينشق عن أطياف أمتنا حلم وراء جفون الحق موؤودُ
طالعتنا وجراح البغي راعفةٌ وما لها من أساة الحي تضميد
فللفجيعة في الأفواه غمغمةٌ وللرجولة في الأسماع تنديد
فتلك راياتنا خجلى منكسة فأين من دونها تلك الصناديد
ما بالها وثبت للثأر وانكفأت وسيفها في قراب الذل مغمود
يا للشعوب التي قادت أزمتها على الليالي عبابيد رعاديد
يا عيد كم في روابي القدس من كبد لها على الرفرف العلويّ تعييد
سالت على العز إرواءً لغصته والعز عند أباة الضيم معبود
هيهات لن يشتكي ما طُلّ من دمها فالحقد مضطرم والعزم مشدود
سينجلي ليلنا عن فجر معترك ونحن في فمه المشبوب تغريدُ(1398/1)
إلى الأميري في قبره
عمر بهاء الدين الأميري ... عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
" ممرض هاو للشعر"
amartharrafi@yahoo.fr
شققتَ الصدور بالرحيل ولم تزل ... تشقّ فؤادا قد أحبّكمو iiحقا
وماذا عساه القلب يفعل لو iiبكتْ ... عيوني وقد حنتْ لرؤيتكم شوقا
سوى أن يفيض الوجد وجد صبابتي ... فيخفقُ بالتحنان للطاهر iiالأتقى
وما كنتُ أدري حين لفكمو iiالردى ... بأني سألقى كلّ هذا الذي iiألقى
كآبات قلب واهتياجا iiلأضلعٍ ... و لوعة وجدان ودمعا همى iiدفقا
فكلّ زفير شبّ في الصّدر iiباللظى ... وكلّ خيال هبّ يسحقني سحقا
يقولون قد مات " الأميريّ ُ" iiيافتى ... وقد سمقتْ أزهار دمنته سمقا
فكفكفْ دراريك الحزينة واعلمنْ ... بأنّ بكاك المرّ لم يعرف iiالسبقا
تأخر في حق "الأميريّ " iiرثوكم ... ومثل " الأميري " بئس من يهضم iiالحقا
فقلتُ لذاكم قد لقيتُ iiأسنة ... لها في حنايا الجسم خلساتها iiخرقا
سيعذرني قومي ولستُ بطالب ... سوى من " أميري " العذرَ أجلي به الربقا
ولو يعلم الشهمُ الكبيرُ iiبراءتي ... من الشعر قرضا قبل أن يعرج iiالأفقا
و إني حديث العهد بالنظم iiليتني ... نظمتُ قبيل الموت حلّ بكم iiبرقا
و قالوا " الأميري " أبدع َالنظمَ حلة ... كستْ أدب الإسلام من نورها iiألقا
فلما تلوتُ من نظيم iiبيانهِ ... سُحرتُ بشعرٍ فاض من نبعه iiالأنقى
و ألفيت في الديوان ما أبهج iiالورى ... مشاعرَ إنسانٍ أصيلٍ سما iiفوقا
ندمتُ و أمسى الذنب يُوخزُ iiمهجتي ... على كلّ يوم قد جهلتكمو حمقا
ومما يزيد القلب نارا iiوحرقة ... ويَضرمُ في الوجدان ما فاتني iiحرقا
تجاورُني في العيش في أرض " مغربٍ ii" ... سنينا ولم أدر الجوار الذي iiأبقى
فضيلتكم خمسا وعشرة iiحجّةٍ ... تنال عطاء الجود من خيرها رزقا
عفا الله عني ما عرفتُ iiبذلكم ... فلما عرفتُ صرتُ من موتكم iiأشقى
ولو كان لي علمٌ قبيل iiمماتكم ... شددتُ الرّحال كي أرى شخصكم حقا
أجالسكم والسّعد يَألق iiبهجة ... وأقتبسُ الأنوار من عروةٍ iiوثقى(1399/1)
تقولُ وقد أفضى لك القلبُ iiسرّه ... بنيَّ سُررْتُ بالذي رمته iiنطقا
أحبّكَ ربّي ذو الجلال وذو iiالرضى ... ومن أجله ذا الحبّ ننشقه iiنشقا
أترغب في نصحي ؟.. فثمة iiناصح ... يقول : اعملوا من بعد.. ذاك الذي iiيبقى
هو الأدب الورديّ يقطر iiبالندى ... يزّينه الإسلام من طهره يُسقى
وما دونه عكر المياه iiمشوبة ... مروقا وهجنا لا يساغُ لها ذوقا
ضلالٌ وزيغٌ و اتباعٌ لأنفسٍ ... تدبق أجفانا برمّتها دبقا
وفي أدب الإسلام حصنُ iiاستقامةٍ ... وعزّة إيمانٍ نغوص بها iiعمقا
فلا تنظمنّ الشعرَ إلاّ iiسبرته ... أيرضاه مولانا ؟ وهل يجلب العتقا ii؟
وكن مثل حسّانٍ يصدّ iiبشعره ... نبالا ويرمي بالنظيم الذي iiدقا
تزوّد بأشعار القدامى iiفنظمهم ... بديعُ المتون في فضائهمو iiترقى
وثابرْ بنيّ أن تكون iiمجاهدا ... وما اسطعتَ من جهدٍ فأنفق له الطوقا
جهاد اليراع لا يقلّ iiحماسة ... عن الخيل في الهيجا يسابقها iiسبقا
ومن قلبك الفيّاض دُرّ iiعواطفا ... من الحبّ و الإخلاص للناس ما تلقى
فلسنا عداة للأنام على الذي ... يراه ضعاف اللبّ من قصْرهم غدقا ii!!!
ولكن حماة للشريعة مذ iiبدتْ ... تحاط أحابيلا تروم لها iiشنقا
و لو علم الأعداءُ شرعة iiربّنا ... و أخلاقها غيثا لقلّ العدى iiخنقا
مروءة ُإنسان وعطفُ سماحةٍ ... وحِلمٌ جميلٌ زاد عفوا فما iiأبقى
محضتُ بنيّ النصحَ و الحبّ سائقي ... يسوق إليكم ما ذكرت لكم iiسوقا
فهل قد وعيت القول ياابن iiعروبتي ... لترجمة الأقوال فعلا تلا iiنطقا
فلم أتمالكْ أن أبوس iiجبينه ... و أسكب من شكري دموعا جرتْ iiهرقا
وقلت : يمين الله هذي iiعزيمتي ... ستبحرُ في يمّ الذي قلته iiصدقا
أخوض غمار الفكر و الدين iiرائدي ... أذود به عمّن يكيد لنا فرقا
فلا تخش منّي رَدّ نصْحٍ iiمحضته ... إليّ فلستُ بالذي لك قد عقا
تهلل بالإشراق وجه " أميرنا " ... وضمّ ضلوعي في حنوّ حلا iiرفقا
وغاب إلى الأرواح في عالم الردى ... وأصبح حزني لا يفارقني iiرتقا
خذوني إلى قبر" الأميريِّ " ساعة ... عساه سلامي كفكف المقلة iiالغرقى(1399/2)
فأدعو رحيما كم تضرّع iiعبده ... ( مع الله ) يرجو من شآبيبه ودقا
و أرفع في كبْد السماء iiأناملا ... أسائل ربي أن يجود له iiعتقا
من النار يوم الحرّ إنّ iiعذابه ... شديدٌ أليمٌ أفزعَ الكون والخلقا
و أن يهب الفنان في الشعر جنة ... إلى ذروة الفردوس في المنتهى iiالأرقى(1399/3)
إني عدوّ الغاشمين
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
أيّ المعاني قد فقهتَ القول ياابن الأكرمينْ ii؟
هل قد ظننتَ مودّة ألقي بها للحاقدينْ ii؟
هلْ قد وأدتُ مبادئي خوف اليهود الكائدينْ ii؟
أبدا و ما كان الحديث يصبّ في الجبن المهينْ
إنْ كنتُ قد آثرتُ كشف الودّ من ديني الحنونْ
من نجدةٍ ومروءةٍ وسماحةٍ وصفًى iiولينْ
فلأنّ أصل الدين فينا رحمة iiللعالمينْ
أنا لم أقل من ضعفنا هيّا نوادّ iiالظالمينْ!!!
من حاربوا المولى فقد باؤوا بخسران iiمبينْ
غمدي سأشهر سيفه... إني عدوّ iiالغاشمينْ
أنا ما نسيتُ مذابحا بالأمس تزفر iiبالأنينْ
في " ديرَ ياسين " وفي " صبرا, شتيلا " في " جنينْ "
و " حماة " في الشام التي تبكي على مرّ السنينْ
و السجن ما أدراك ما السجن الرهيب بما iiيُهينْ
إنا سمعنا بل رأينا الظلم ينشب ُ في iiالسجونْ
في سجن " حربيٍّ " وسجن " أبي غريبٍ" ذا iiيكونْ
في سجن " تدمر " لا يزال حديث قوم ذا iiشجونْ
جلاّدنا , جلاّدهم سيّان عندي في العيونْ ii!
رُقْط ُ الأفاعي و الصليب ُ وعظمة الكلب iiالخؤونْ
سيّان سيّان الثلاثة في الفجور وفي iiالدهونْ
إنّ الجهاد هو السبيل لقصمة الظهر iiالبدينْ
أتخالني لمّا ذكرتُ يراعتي لاح الأفونْ ii؟
لمّا جعلتُ الخيل و الأقلام في حضن المنونْ
تتعادلان شهادة ً ؟! .. كلاّ فهذا لن iiيكونْ
لكن رأيتُ حماسة الشجعان من شعرٍ رنين iiْ
يذكيه فيهم شاعرٌ بالقول بالفصح iiالمبينْ
أمسوا جميعا كالشهاب لردع جَوْر iiالمعتدينْ
من قطعةٍ أو خطبةٍ خرّ الظلام على iiالجبينْ
تالله إني ما خشيت الموتَ ياابن iiالأكرمينْ
من رام نحري قد هداني السعد سعد iiالخالدينْ
لكنْ جهاد الدرب فقهٌ قبل حرب iiالمارقينْ(1400/1)
الصارم المسلول لشاتمي الرسول
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
رسول الله خير الخلق iiيلقى ... من الأعداء في الدنمرك iiنابا
وأمته الجريحة في iiشتات ... تراه على صحيفتهم سِبابا
فلا تقوى على التأديب iiثأرا ... سوى التنديد بالأقوال نابا وما عبنا
التجهم من حديث ... ولكن حبّذا الأقوى اقتضابا
تفطرت السماء وخرّ iiصخرُ ... وأرعدت الغيوم صدىً iiغضابا
وهمّ الأخشبان بدكّ iiقومٍ ... أساؤوا للحبيب هوىً iiكِذابا
فلو فعلوا الذي فعلوه iiقدْما ... وكان العهد في الماضي iiمهابا
رأيتَ الأسْدَ في البيداء هبّتْ ... تردّ العزّ للهادي iiغلابا
هنالكَ سهمُ حمزةَ صار iiبرقا ... وسيف ابن الوليد غدا iiلهابا
وثمة رمح وحشيٍّ iiقنيص ... لمن شتم الرسول عَدًا iiوعابا
أيغدو الوهن فينا اليوم iiيسري ... وقد أغثى بنا الوادي iiحبابا
فنلقى العجم في خترٍ و وَجرٍ ... أهانوا الدين والنسل iiالعرابا
وهمّوا بالرسول ولم iiينالوا ... سوى الآثام تمحقهم iiيبابا
ترى ماذا جنى المختار iiطه ... إزاء الناهشين له عقابا ii؟!
ألم يكُ في البرية خير iiإنسٍ ... رحيم عادل يتلو الكتابا ii؟
ويعفو في سماح عن أناسٍ ... له كانوا خصوما أو ذئابا ii!!
ويرفق بالأسارى ..لو iiسألتم ... هدى التاريخ تلقون iiالجوابا
هلموا للزمان سلوه iiحقا ... عن الأخلاق والتزموا الصوابا
شمائله الزكية قد تسامتْ ... إلى العلياء تخترق السحابا
وناطحت النجوم هدىً iiوصارتْ ... ثرياتٍ جميلاتٍ iiشهابا
وأخرجنا من الظلمات iiطرّا ... إلى الأنوار حيث الأنس iiطابا
كفاكِ صحيفة الدنمرك iiهزءًا ... وحسبكِ ما فتحتِ اليوم iiبابا
سننفذ منه في ألمٍ iiوحنقٍ ... ببركان سنسكبه iiانسكابا
أراكِ الآن في ضحكٍ iiوزهوٍ ... وقهقهة تنادين iiالشرابا
مهٍ " يولاندُ " ربّ البيت iiيصغي ... ويمهلُ ما اجترحتِ غداً iiحسابا
ستلقين الجزاء المرّ دهرا ... فتحترمي المآذن iiوالقبابا
كذاك القول للنرويج iiمثلٌ ... " مغازيناتُ " لم ترع iiالجنابا(1401/1)
وأيمُ الله يأتي اليوم iiغرّ ... يعم الدين في الأرجا iiرحابا(1401/2)
انتصار العرب
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
عدوّ السماءْ ..
ستركع يوما قريبا
وتأتي ذليلا كئيبا
وتلقى الهوانْ
ويسودّ وجهك بالخزي
حتّى تذوبْ
وترحل حمْر الكرياتِ
نحو المقابرِ
صوب الطحالْ
هناك ستشكو من الجسم شلوا
تضخم حجما
يفوق الجبالْ
وتمسي عليلا
بداء عضالْ
وتهتف في الكون هل من طبيبٍ
يردّ إليك المهابة والجبروتْ ؟
تظلّ تنادي
ولا من مجيب
طبيب الطواغيت لفظ ٌ
تدمّر بعد انتصار العربْ
وما عاد إلاّ " ابن سينا " رسول الشفاءِ
يجلّي الكربْ
فتأتي إليه
وتنشده ـ مذعنا ـ بلسم العافيه
وتطلب منه يدا شافيه
فياللعجب !!
لماذا تحاول أن تتناسى
جراح العربْ ؟!
وجمر اللهبْ ؟!
وسوط الرهبْ ؟!
ألم تك " نمرود " كلّ البشر ؟!
ألم تك " فرعون " ربّا سحر ؟!
ألم تك " قارون ملك بهر " ؟!
فما بالك اليوم تشكو
وتخشى الحفر؟!
ستجثو ذليلا أمام الطبيبْ
وتلثم أقدامه بالنحيبْ
وترثي القدرْ
وتمتثل الذكرياتُ
شريطا يدورْ
فترنو لسؤددك الضائع اليوم
خلف البحورْ
وترمق عيناك عرش الجبابرِ
كيف يفرّ ُ
وكيف يكرّ ُ
وكيف يغورْ
ويوطأ بالمنسم اليعربي
هنا تحت أخمص أقدام كلّ العربْ
ويأتي العراقْ
وجرحه لم يلتئم من دماء المآقْ
وفي قشرة المخّ ذاكرة الأمس ِ
تبكي الرفاقْ
وتحمل عبئا ثقيلا من الذكرياتْ
يجرّ السنين الخواليَ
عاما فعاما
وشهرا فشهرا
ويوما فيوما
لعهد الشتاتْ
وتقدُمُ سيّدة القدس والشهداءِ
مضمّخة في بحار الدماءْ
ومكسورة في مرايا الإباء
فتأوي بقرب العراق الحبيبْ
ويمتثلان أمام الطبيبْ
يقولان في لهجة واحدهْ
حكيم العروبةِ
لا تنتصر للذئابْ !
ومكر ابن آوى ونبح الكلابْ
ولو أفصح الطبّ يوما بأن يُستطبّ الذبابْ !!
فهذي مآسي العراق
تؤجج جذوة نار القلوبْ
وتوقظ نخوة شمس العروبْ
وحسبك وصمة عار ٍ
ونقش شنار ٍ
تلطّخ في سجن " بغداد " بالأخبثينْ
نعم يا حكيمْ
تلطخ بالأخبثينْ !!
وسيّدة الشهداء تلقت
طعان النيوبْ
ونهك الحروبْ(1402/1)
ودنّس في قلبها مسجدا للرسولْ
ودنّس بيت المسيح وعذرا البتولْ
فإيّاك إيّاك
لا تخدعنك دموع التماسيح ِ
وانظر لما أحدثته الخنازير بعدك تحت الحقولْ
وما نهشته ذئاب البشرْ
تفطّر قلب " ابن سينا " وقال :
قضيتُ بأن لا أداوي الوحوش من الكائناتْ
إليكم به للقضاء الرشيدْ
أشيروا على " سعد " أمّتنا
كي يحكِّم بالقولة الخالده
على ما جنته " قريظة " في حقبة تالده
ويحيا العربْ
29/03/2005
الموافق لـ 19 صفر 1426هـ(1402/2)
تذكرة أخوية
إلى إخوتي في كل مكان ، إلى من رآني أو لم ير ،
إلى من عرفني أو من لم يعرف ، بحر أخوّتي يسعهم جميعا
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
" ممرض هاو للشعر"
amartharrafi@yahoo.fr
أخي يا حبيب الروح في الدين و iiالتقى ... إليكَ أحنّ و السواكب تهمعُ
أخي هذا قلب الودّ أهديك iiصفوه ... جنىً ساغ شهْدا بالمؤاخاة iiينصعُ
أخي رحمُ الإسلام تجمع iiشملنا ... و تسمو بنا فوق الشموس و iiترفعُ
و تنثرُ في الأرواح زهر iiمحبّةٍ ... و ألفة قلبٍ بالنضارة تبدعُ
هنيئا أخى الإيمان منبر iiلؤلؤ ... يرصّعه الياقوت بالنور iiيسطعُ
هنيئا لك الظل الظليل إذا جثتْ ... على الخلق شمسٌ بالحرارة تقبعُ
تعال أ ُخيّ نذكر الله iiساعة ... و ننأى عن الدنيا بعيدا و نقطعُ
وصالا يتيه المرءُ في خوض iiبحره ... وراء بريق لاح في العمق iiيلمعُ
و ما يملأ الجوف الشغوف ثرىً iiسوى ... ثرىً من أديم الأرض سفا iiيُجرّعُ
فهاك أخي مني هدية iiناصح ... وذكرْ شعاري إنّ ذكراك تنفعُ
أخي إن بلوتَ العمر ألفيتَ شأنه ... سويعاتُ يوم بعدها حلّ iiمصرعُ
وإن أنت أبصرتَ الحياة وجدتها ... متاعا قليلا زائلا iiيتضعضعُ
فما بالنا نرجو النعيم iiسعادة ... و إنْ ذ ُكِر الموتُ المحققُ iiنفزعُ
ولو أننا عشنا بقرءان iiربّنا ... رجونا لقاء الله و الشوق iiيدفعُ
تأمّلْ خليلي نعمة حُقّ iiشكرها ... لها حجرتان في الوجوه iiومرتعُ
و ميزانها يذري الجبال iiنخالها ... ستنجي من الأهوال يومَ iiنروّعُ
هما مقلتا الإبصار نورُ iiحياتنا ... فكيف إذا كنا أضِرّاءَ نصنعُ ii؟
أخي هبْ بأنّ السمعَ قد ضاع iiفجأة ... و صرتَـ عفاك الله لاشيءَ iiتسمعُ
تراك تعيش العمر دون iiإصاخةٍ ... ل" بابا " وقد كانتْ طبولك تقرعُ ii1
أخي نعمة الإسلام أعظم iiنعمة ... على المسلمين من حبيب iiيُشفعُ
و لو يفعل الإنسان خيرا مقنطرا ... بدون هدىً ما كان ذلك iiينفعُ
فهيا أخي لله نسلك iiدربه ... نناجيه ليلا و السرائر iiخشّعُ
و في غدوة الإصباح نبقي iiلساننا ... على الذكر رطبا و الشجيرات نزرعُ 2(1403/1)
نديمُ وصالا للجليل بلا iiونى ... بوصل فؤادٍ تاقَ لله iiيَرجعُ
أخي قد محضتُ النصح و الحبّ دافعي ... و أنصحُ نفسي ثمّ دورَك أ iiُتبعُ
و إني لإخواني حبيبٌ iiأزورهم ... بطيفي ولكنْ جثة الجسم iiتمنعُ
و حسبي بأنّ الله يحشر iiزمرة ... تآخت على الإسلام و الودّ iiيجمعُ
بشارة خير من رحيمٍ iiيحفنا ... بتحنانه الفياض و الله iiموسعُ
و أختم تسليما عليكم أحبتي ... و شوقي من العينين درّ iiومدمعُ
تمت بعون الله يوم :19 / 5 / 2005 م
1: الطبول المقصودة هي طبلات الأذن
2: كلما هرع الإنسان المسلم للتسبيح والذكر بدأ في غرس أشجار جنانه .(1403/2)
تكبيرة الحق
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
" ممرض هاو للشعر"
amartharrafi@yahoo.fr
أشرق العيد في ربوع البلادِ ... ينثر النور في قلوب iiالعبادِ
عطر الكونَ من شذاه رحيقا ... فانتشى المسلمون نسمة الأعيادِ
نسمة ٌ غار منهل السحْر iiمنها ... تسحرُ العبد بانشراح iiالفؤادِ
جلْ بعينيكَ صاحِ في الأرض وانظرْ ... هل ترى غيرَ درّة iiالأجياد
هو ذا العيد لا سواه iiيوشي ... بردة الأرض فهو خير iiجوادِ
غنت الكائنات عذب الأناشيد ... فهبتْ بشارة iiالإسعادِ
ثمّ دوّتْ مآذن الإنس iiتعلي ... صيحة الحقّ فوق كل iiالعمادِ
كلّ تكبيرة تشق ّ iiأثيرا ... تخرق الصمت في سكون iiالرقادِ
طيّها الكبرياء و iiالعزّة ... الزهراء و المنتهى لدحر iiالفسادِ
حملتها على الهواء iiحبيباتٌ ... تطير إلى ذرا iiالأوتادِ
فإذا بالجبال أضحتْ iiحطاما ... صفصفا قاعها حضيض iiالوهادِ
ثمّ طارت تكبيرة الحق ترقى ... سلما في السماء دون اتئادِ
دكت اللفظتان صخر iiالرواسي ... وانبرت للطباق خرقَ iiالشدادِ
خفّ نطق اللسان باللفظ iiلكن ... إن وزنتم ففوق كلّ iiالأيادي
منهما ترجف iiالسماوات ... و الأرض فهل يفقه الحديث أعادي ii؟
كم حصون وكم قلاع iiتهاوت ... خرّ بنيانها هدى iiالاعتقادِ
ثمّ شيدت منابر النور iiفيها ... من سنا " الله أكبر" iiالوقادِ
أين مقداد ُ ؟ أين سعدٌ ii؟ ... وقعقاع السرايا ؟ وخالدُ الأمجادِ ii؟
أين عمرو؟ وعقبة iiالمغرب ... الأقصى ؟ وموسى وطارقُ بن زياد ؟
كلهم جلجلوا براية iiتوحيد ... الإله العظيم في كل iiوادي
من وطيسٍ إلى iiوطيسٍ ... يتوقون إلى نصرة أو iiاستشهاد
دُقّ نعش النصارى iiبالأمس ... و اليوم الصليب الحقود جهْرا iiيعادي
وفحيح اليهود في جحر iiضبّ ... صادق الأفعوان في كلّ iiنادي
يوم كانت طوائف الغدر iiتعنو ... للرسول العظيم iiبالإبعاد
يوم كانت تكبيرة الحقّ تجلي ... كلّ قرد يخون ختم iiالمداد
صار صلّ اليهود يرسي iiكيانا ... رغم أنف العروبة الأسياد
حالف الضبّ والضِباب iiدروعٌ ... بل ضروعٌ بقوّة iiالإمدادِ(1404/1)
هاهما يعبثان iiبالقدس ... و القدس فؤاد العروبة iiالوقادِ
هاهما في العراق عاثا iiفسادا ... أشهرا من دفينة iiالأحقادِ
و الملايين و الملايين iiمن ... أمة طه بكت على iiبغدادِ
لعبٌ نحن كالدمى ليت شعري ... هل أفقنا من غفلة iiورقادِ
هل خلقنا لوصمة الذلّ iiكلاّ ... لا لضيم العباد و iiالإضطهادِ
كبرِالله ..أيّها الحرّ iiواهتفْ ... في الدنا : يا حثالة الأوغادِ
إنني قادمٌ لعزّي iiقريبا ... فأنا عازم على استعدادِ
ليس قبل النهوض iiبالعلم ... والإيمان حقا فذاك عين iiالسدادِ
ما ضللتُ الطريق إني عليم ... بالهدى في الكتاب و الحِبّ iiهادي
و الصِحابُ الكرام في الدرب iiصحبي ... قدوتي كالنجوم نبع iiالرشادِ
ها هنا النور شلة َ العرْب iiفامضوا ... حيث تقوى معادن iiالأجسادِ
واذكروا الله وحدوه iiكثيرا ... يؤتكم أجركم على iiميعادِ
كبّروه ووحدوا الصفّ iiإنا ... سائرون على خطى الأمجادِ(1404/2)
زغردي زغردي فإني شهيد
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
بهجة القلب دثرتْ كلّ iiنفسي ... بالحنان الدفوق يسري بهمس
نبعُ حبّ همى قراحا iiزُلالا ... فاض تحنانه بنفحة iiقدس
وحريرٌ على فراش حرير ... صدرها الرحبُ من نعوم iiالدمقس
هي أمي وما أ ُحيلاكِ iiأمّي ... ليس في الكون بعد أمّي iiكشمسي
أنتِ عطرٌ يضوع بالمسك ريا ... و ورودٌ جميلة ٌ زهرُ iiأنسي
بل نجومٌ تكللُ الأفقَ iiعقدا ... ببهاءٍ سناهُ من نور iiقبس
أنتِ روحُ الهوى ومعبدُ iiشوق ... وجوى الصبّ بالحشاشة يمسي
أنتِ في الكائناتِ طهرٌ iiتبدّى ... يققا بالنقاء في رسم iiإنسي
أنتِ درّة ُلؤلؤٍ غاص iiعمقا ... في بحار الوجود في عتم iiمَلس
ليس يلقى نفيسها المرء iiيوما ... إن جثتْ بالسكون في قعر iiرمس
أبدع الخالق المصوّر iiأمي ... آية ٌ في القلوب من فرط iiحسّ
غرستْ مكرمات حسن iiالسجايا ... في كياني فأثمرتْ بعدَ غرس
أدّبتني فأحسنتْ iiتأديبي ... ثمّ أروتْ بدعوة الخير iiنفسي
مسحتْ كلّ دمعة من iiخدودي ... حينَ مَضّ الزمان حالي iiببؤس
كلّ ُ صمتٍ تراه أمي iiجروحا ... دامياتٍ تروم نحري iiورأسي
والأسى حسكُ الوجوم إذا ما ... قد رَنتهُ على محيايَ يغسي
لغة الصمت والفراسة تلقى ... عند أمي فنونها ألف iiدرس
خير يوم ستطلعُ الشمس iiفيهِ ... أن تزُفّ العروسَ أمي iiلعرسي
كي ترى وهبة الإله iiحفيدا ... يثلج الصدر من حلاوة أنس
إيه أمّي وما أرقكِ iiأمي ... هل ستبكين إن عصيتُ بنكس ii؟
إنني اخترتُ في الجهاد iiطريقا ... حين عاث الفساد من كلّ iiرجس
أمة ُ الحقّ داسها المارد iiالجبار ... والوطأ زاد في شرّ iiدوس
لفها الأخطبوط في كلّ iiقطرٍ ... أذرعا خانقات شعبٍ iiببأس
والنعام الجبان يحكم قوما ... همه القصرُ و الجلالة كرسي ii!
مثلُ أ ُسد ٍ على القناع iiهصارى ... ونعاجٌـ خلف القناع iiبمسّ
إن ّ ديني أماه يأبى iiخنوعا ... للطغاة العتاة ذلوا iiبدعس
سوف أ ُلقي على الحياة iiنشيدي ... ربّ موتٍ على الدنية ينسي
سوف أبقى على الشهادة هيمانا ... وتبقى مآملي فجر iiشمس(1405/1)
راية رفرفتْ على أمة الحقّ ... تعيد الشريط من أمس iiأمس
فإذا متّ يا أميمة iiروحي ... ثمّ شقوا ضريح قبري بفأس
زغردي زغردي.. فإني شهيدٌ ... هذه فرحتي وبهجة iiعرسي
زوجةٌ في الجنان من حور فردوس ... المعالي عذراءُ من طهر iiجنس
نجمة في البهاء يا أمّ هذا ... ما ترومين منذ أوّل iiحرسي
سامحيني فلستُ أقوى على ... كفكفة الدمع من مآقيكِ ii ... شمسي
إنما هذه الحياة iiغرورٌ ... وخداعٌ على الغرير iiالأخسّ
كلنا عائدون لله يا iiأماه ... في ساعة النشور iiبخنس
والسعيد السعيد يرجو لقاءًَ ... للحبيب الكبير أيان يمسي ؟
شغفا قد أحبّ قلبي iiإلهي ... طار شوقي وزاد تحليق نفسي
فاسئلي الله لي شهادة iiحبّ ... واضرعي بالدعاء في كلّ iiخمس
والحقي في الجنان يا أمّ iiإني ... سوف اشتاق للحنان iiبلمس(1405/2)
صهوات من قلب في رمضان
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
" ممرض هاو للشعر"
amartharrafi@yahoo.fr
هبّ الأريج وطابت النسماتُ ... بقدوم شهر بدرُه iiالبسماتُ
شهرٌ حبيبٌ لا يزال iiفراقه ... في القلب تذكي نارَه الجمراتُ
واليوم بشر اليوم عاد iiيزورنا ... وافرحتا.. قد عادت iiالنفحاتُ
كم أسلم العبدُ الأسير إلى iiالهوى ... فعمى عيونَ الغافلين سباتُ
الكلّ يركن للحضيض iiويرتجي ... دنيا تزيد بنهمها iiاللذاتُ
غاب التكافل و التراحم أين iiمن ... يحيي معان نبعها الرحماتُ
أين الرسالة؟ أين دعوة أحمدٍ ii؟ ... أين الشكيمة ؟ أينها العزمات ؟
شغل القلوبَ و مسّ عمق iiشغافها ... المال و الأولادُ و iiالزوجاتُ
إن يُذكر الرحمن في iiجنباتها ... ذي تشمئزّ وتنفرُ الجنباتُ ii!!!
يا ويحها صارت كجلمد iiصخرةٍ ... صمّاءَ لا تسري بها iiالمهجاتُ
هو ذا الزمان بأصرمَيْه iiمخادعٌ ... غرّ الأنامَ على الحياة iiفماتوا
كم دُسّ في قلب التراب iiشمائلٌ ... لليعربيِّ الحرِّ هنّ iiصفاتُ
سقطتْ على أرض المذلة iiبذلة ... من جسمنا فتكشّفت iiعوراتُ
ضحك العدوّ على التجرّد iiبعدما ... علمَ العروبة َ هدّها الولاّة ُ ii!
لم يبق في عرق المروءة iiنخوة ... لم يبق أنفٌ كلهم iiأمواتُ
إلاّك يا رمضان تبعث iiصحوة ... في القلب تردف سيرها iiالحركاتُ
فتطهّر الأدران و الران الذي ... قد أصدأتْ جدرانه iiالغفلاتُ
وتعيدُ عزما في سبيل iiدفاعنا ... عن ديننا كي لا تلين قناة iiُ
* * ii* ... * * ii*
رمضان كم باتتْ تهدّ iiجوانحي ... وتفتّ عظمي في دمي iiالحسراتُ
سوطُ اللهيب من المعاصي قد كوى ... صدْرا ضعيفا عجه iiالزفراتُ
و العين تبكي بالدّماء و iiتشتكي ... قهر الذنوب فصاحت iiالأناتُ
زلل اللسان يكبّ كهف iiمناخري ... قد جرّت الويلاتِ ذي iiالزلاّتُ
و القلب ويح القلب يلفح iiباللظى ... عمّا تغافل لم يحطه iiثباتُ
يا حسرتا... فرّطتُ في جنب الذي ... سوّى فقدّر و النفوس عتاة iiُ
فرّطتُ في جنب الذي أسدى الهدى ... لولا الهداية عمّتِ iiالظلماتُ(1406/1)
كم في الشدائد قد سألته iiحاجتي ... فعصيتُ لمّا انجابتِ iiالشدّاتُ
وذكرتُ عطفكَ يا إلهي iiرأفة ... زادت على تحنانها iiالرحماتُ
فخجلتُ واستحييتُ أن أدعوك iiلا ... تهمي على وجْناتِيَ العبراتُ
إني خشيتُ الفيح فيح iiجهنم ... من حوليَ النيرانُ iiوالحيّاتُ
يا مالكٌ... فليقض ربّك iiحتفنا ... قال امكثوا.. فازدادت iiالشهقاتُ
يا ويلتا .. جسدي النحيل iiتحفه ... نارٌ وحلقي ملؤه iiالغصّاتُ
بلغت ذنوبي في السماء iiعنانَها ... ترقى ، وتسفل جثتي iiالدركاتُ
لولا الرؤوف يقول في iiآياته ... " قل يا عبادي " حلّت اللعناتُ
* * ii* ... * * ii*
رمضان نعم الشهر في iiأيّامه ... من لم يتب هبّتْ له iiالتوباتُ
هو في التزوّد و الورود محطة ... للعبد تملأ زاده iiالحسناتُ
هو جنة علوية iiقدسية ... قد أزهرتْ في روضها البركاتُ
هو نفحة مسكية عبقت iiشذىً ... تسري بها في المسلمين صلاة ُ
ذكرى الألى فيه الفتوح تهللتْ ... بدرٌ وفتحٌ والتتارُ عُناة iiُ
آمنتُ أنّ النصر عزّ iiقادمٌ ... رغم الجراح فأمتي iiأشتاتُ
لابدّ من يوم قريب iiينجلي ... فيه الظلام وتمّحي iiالعقباتُ
الخير ماض عند أمّة iiأحمدٍ ... حتى تقوم لمجدنا مشكاة iiُ
و ليبشر الشهر الكريم بأننا ... بعد الإنابة للجليل هداة iiُ(1406/2)
طيف أمي
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
متع الله أمي بالصحة و العافية وطول العمر
وهذه قصيدة نظمتها لمن توارت أمه تحت التراب وبقيت ذكراها الغالية تحزّ في نفسه
يسير الدهر والأيام تمسي ... على أمّي الحبيبةِ ليلِ iiأنسي
براها الشوق يخبرني iiفؤادي ... بموجات الحنين فهزّ iiنفسي
وشوق الأمّ يرسله الأثيرُ ... وإن كانت ممدّدة iiبرمس
أشمّ أريجه ...أمّي ! ii...أراكِ ... بطيفكِ قد دنوتِ بزيّ iiشمس
أطيفٌ أم نشورٌ ؟ صِحْتُ iiبشرًا ... حياتكِ من جديدٍ يوم iiعرسي
بناتكِ و البنينُ أتوكِ iiتوًّا ... لذكراكِ العزيزة وردِ iiأمسي
تعالي..أقبلي.. إنا iiاجتمعنا ... فقد طال الغيابُ وشدّ بؤسي
هلمّي دثرينا من iiحنان ... تلاشى مذ رحلتِ وحلّ iiتعسي
على يمناكِ ألثم ُ طهرَ iiأيدٍ ... لكمْ قد أرْبتتْ شعْري بمسّ
ومن دفء المودّة قد iiرجونا ... حرارة صدرها من برْدِ iiقرس
ومن نبع الحديث لنا iiاشتياقٌ ... لرشْفِ الأحجياتِ بألف iiكأس
لقد جلستْ بقعدة iiقرفصاءٍ ... توسّدُ حِجرها من تحت iiرأسي
ركبنا البحر و الكلمات iiتجري ... وعطرُ حديثها يسري iiبهمس
أذكرها سخاءً فاض سحا ... وكيف تجود بالإيثار تنسي
وكيف تدرّ من رحمات iiقلبٍ ... سفينة عطفها بالحبّ iiترسي
أحدّثها عن الأيام iiتغدو ... بلا أمّ كمن هو رهن iiحبس
وطعمٌ مثل حنظلة iiبذوق ... يمجُّ بعكس ذوق الأمّ iiسلسِ
وتهنا في حديثٍ iiمستفيضٍ ... حلاوته كشهدِ الرطب iiدبسِ
و أزمعتِ الرحيل فهدّ iiقلبي ... وزادَ وجيبهُ نبضا iiبجسِّ
أيا أمّي رويدكُ لستُ أقوى ... على مرّ الفراق وشؤم iiنحسي
أيا أمّي إلينا iiفلتعودي ... فنجلكِ لا يطيق لظى iiالتأسّي
أيا أمّي أنا ابنكِ ليس iiإلاّ ... من الأفلاذ كبْدة ذات iiنفس
سأدعو الله أن يسقيكِ iiغيثا ... من الرحمات كلّ شروق iiشمس
و أن يرضى عليك كما رضيتِ ... علينا دائما من أمس أمس(1407/1)
عائدون يا رسول الله
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
أيّ رمحٍ رموه جهراً نهارا ii؟ ... يحمل الإفك في السنان iiشعارا
طعنوا المسلمين في صلب iiدين ... عبثا بالرسول iiواستهتارا
نقرأ الحقد لاسواه iiونرثي ... ذلنا لا يزيد إلاّ iiانكسارا
يُشتم الشافع المشفع فينا ... ثم نجثو على الصعيد iiحيارى
كيف تغدو الحياة بعد iiانبطاح ... مرّغ الأنف في التراب شنارا ii؟!
نصرة الدين فوق كلّ iiهواء ... في رئات المليار يسري iiمِرارا
أخرس الوهن أمة الخير iiلما ... نخر الصدّ عظمها iiفتوارى
كالحلازين رخوة iiصيّروها ... جرّدوها لتلبس الأخطارا
أعرضتْ عن كتاب ربي iiفنالتْ ... من جزاء الفِعال خزيا iiوعارا
كيف تقوى على القصاص iiبردع ... وهي تخطو بمنسمين عِثارا ؟!
كيف ترضى رسولها في iiهوان ... في رسوم حقيرة iiتتبارى
حول جاه وعالمية iiصيتٍ ... وفلوس تضفي لها استكبارا ii؟!
حسبنا الشتم بالكلام iiسبابا ... في خطاب مزخرف iiأشعارا
حسبنا الشجب والتظاهر iiسلما ... والصراخ المولول iiاستنكارا
إنما يقظة الشعوب iiبحبّ ... عارم للرسول يجلي الستارا
بإقتداء واهتداء iiوسعي ... نحو خطو الدليل ليلا iiنهارا
عندها يلتقي المحيط iiفروحا ... بالخليج السعيد رتقا iiجوارا
ويرى " الدانمركُ " كم كان أغبى ... مابنى هدّموهُ ... صار قفارا ii!
ويعود " النرويج" يبكي على iiما ... فات ... هل نقبل الإعتذارا ii؟
تتوالى هزائم الغرب iiتترى ... ويحها لم تطق علينا iiاقتدارا
لم تعد أمة الحبيب iiكما ... كانت بذلّ فقد نفضنا iiالغبارا
أصبحتْ باتباع أحمد حصنا ... من صياصي الهدى بنت iiأسوارا
خفقتْ راية الإله iiبتوحيدٍ ... ترفرفَ ينتشي iiالإنتصارا
كلنا للفداء نمضي iiأسودا ... لك يا أكرم الأنام iiهُصارى
إننا عائدون لله iiبشرى ... لفلسطين والعراق iiبشارا
هكذا نصنع الحياة شموسا ... من فتيل الرسوم صرنا iiمنارا
مكروا بالرسول والمكر iiسمّ ... يقتل الماكرين هودا iiنصارى
آية المكر في الكتاب iiدليل ... تصدقُ القول فافتحوا الأبصارا(1408/1)