الإزماع : توطين النفس على الشيء ، الركاب : الإبل ، لا واحد لها من لفظها ، وقال الفراء : واحدهما ركوب مثل قلوص وقلاص يقول : إن وطنت نفسك على الفراق وعزمت عليه فإني قد شعرت به بزمكم إبلكم ليلا ، وقيل بل معناه : قد عزمت على الفراق فان إبلكم قد زمت بليل مظلم ، فان على القول الأول حرف شرط ، وعلى القول الثاني حرف تأكيد 10
راعه روعا : أفزعه ، الحمولة : الإبل التي لا تطيق أن يحمل عليها ، وسط ، بتسكين السين ، لا يكون إلا ظرفا ، والوسط بفتح السين اسم لما بين طرفي الشيء ، الخمخم : نبت تعلفه الإبل ، السف والإستفاف معروفان . يقول : ما أفزعتني إلا استفاف ابلها حب الخمخم وسط الديار ، أي ما أنذرني بارتحالها إلا انقضاء مدة الانتجاع والكلإ فإذا انقضت مدة الانتجاع علمت أنها ترتحل إلى دار حيها 11
الحلوبة : جمع الحلوب عند البصريين ، وكذلكة قلوبة وقلوب وركوبة وركوب ، وقال غيرهم : هي بمعنى محلوب ، وفعلول إذا كان بمعنى المفعول جاز أن تلحقه تاء التأنيث عندهم ، الأسحم : الأسود . الخوافي من الجناح : أربع من ريشها ، والجناع عند أكثر الأئمة : ست عشرة ريشة ، أربع قوادم وأربع مناكب وأربع أباهر ، وقال بعضهم : بل هي عشرون ريشة وأربع منها كلى يقول : في حمولتها اثنتان واربعون ناقة تحلب سودا كخوافي الغراب الاسود ، ذكر سوادها دون سائر الألوان لأنها أنفس الابل وأعزها عندهم وبذلك وصف رهط عشيقته بالغنى والتمول 12
الاستباء والسبي واحد ، غرب كل شيء: حده ، والجمع غروب ، الوضوح : البياض ، المقبل : موضع التقبيل يقول : إنما كان فزعك من ارتحالها حين تستبيك بثغر ذي حدة واضح عذب موضع التقبيل منه ولذ مطعمه ، أراد بالغروب الأشر التي تكون في أسنان الشواب ، وتحرير المعنى : تستبيك بذي اشر يستغذب تقبيله ويستلذ طعم ريقه 13(465/74)
أراد بالتاجر : العطار . سميت فارة المسك فارة لان الروائح تفور منها ، والأصل فائرة فخففت فقيل فارة ، كما يقال : رجل خائل مال ، وخال مال ، إذا كان حسن القيام عليه ، القسامة : الحسن والصباحة والفعل قسم يقسم ، والنعت قسيم ، والتقسيم التحسين ، ومنه قول العجاج : ورب هذا الأثر المقسم ، أي المحسن ، يعني مقام إبراهيم ، عليه السلام . العوارض من الأسنان معروفة يقول: وكأن فارة مسك عطار بنكهة امرأة حسناء سبقت عوارضها إليك من فيها . شبه طيب نكهتها بطيب ريح المسك ، أي تسبق نكهتها الطيبة عوارضها إذا رمت تقبيلها 14
روضة أنف : لم ترع بعد ، وكأس انف استؤنف الشرب بها ، وأمر انف مستأنف ، وأصله كله من الاستئناف والإئتناف وهما بمعنى ، الدمن جمع دمنة وهي السرجين يقول : وكأن فأرة تارجر أو روضة لم ترع بعد وقد زكا نبتها وسقاه مطر لم يكن معه سرجين وليست الروضة بمعلم تطؤه الدواب والناس يقول : طيب نكهتها كطيب ريح فارة المسك أو كطيب ريح روضة لم ترع ولم يصبها سرجين ينقص طيب ريحها ولا وطئتها الدواب فتنقص نضرتها وطيب ريحها 15
البكر من السحاب : السابق ، والجمع الأبكار ، الحرة : الخالصة من البرد والريح . والحر من كل شيء : خالصة وجيده ، ومنه طين حر لم يخالطه رمل ، ومنه أحرار البقول وهي التي تؤكل منها ، وحرر المملوك خلص من الرق ، وأرض حرة لا خراج عليها ، وثوب حر لا عيب فيه ويروى : جادت عليه كل عين ثرة ، العين : مطر أيام لا يقلع ، والثرة والثرثار : الكثير الماء ، القرارة : الحفرة يقول : أمطرت على هذه الروضة كل سحابة سابقة المطر لا برد معها أو كل مطر يدوم أياما ويكثر ملؤه حتى تركت كل حفرة كالدرهم لاستدارتها بالماء وبياض مائها وصفائه 16(465/75)
السح : الصب والانصباب جميعا ، والفعل سح يسح ، التسكاب : السكب ، يقال : سكبت الماء أسكبته سكبا فسكب فهو يسكب سكوبا ، التصرم : الانقطاع يقول : أصابها المطر الجود صبا وسكبا فكل عشية يجري عليها ماء السحاب ولم ينقطع عنها يقول : أصابها المطر الجود صبا وسكبا فكل عشية يجري عليها ماء السحاب ولم ينقطع عنها 17
البراح : الزوال ، والفعل برح يبرح ، التغريد : التصويت ، والفعل غرد ، والنعت غرد ، الترنم : ترديد الصوت بضرب من التلحين يقول : وخلت الذباب بهذه الروضة فلا يزايلنها ويصوتن تصويت شارب الخمر حين رجع صوته بالغناء ، شبه الشاعر أصواتها بالغناء 18
هزجا : مصوتا ، المكب : المقبل على الشيء ، الأجذام : الناقص اليد يقول : يصوت الذباب حال حكه إحدى ذراعيه بالأخرى مثل قدح رجل ناقص اليد قد أقبل على قدح النار ، شبه حك الذباب إحدى يديه بالأخرى بقدح رجل ناقص اليد النار من الزندين . لما شبه طيب نكهة هذه المرأة بطيب نسيم الروضة بالغ في وصف الروضة وأمعن في نعتها ليكون ريحها أطيب ثم عاد إلى النسيب فقال : تمسي 19
السراة : أعلى الظهر يقول : تصبح وتمسي فوق فراش وطيء وأبيت أنا فوق فرس أدهم ملجم ، يقول : هي تتنعم وأنا أقاسي شدائد الأسفار والحروب 20
الحشية من الثياب : ما حشي بقطن أو صوف أو غيرهما ، والجمع الحشايا ، العبل : الغليظ ، والفعل عبل عبالة ، الشوى : الأطراف والقوائم ، النهد : الضحم المشرف ، المراكل : جمع المركل وهو موضع الركل ، والركل : الضرب بالرجل : والفعل ركل يركل ، النبيل السمين ، وبستعار للخير والشر لأنهما يزيدان على غيرهما زيادة السمين على الأعجف ، المحزم : موضع الحزام من جسم الدابة 21(465/76)
يقول : وحشيتي سرج على فرس غليظ القوائم والأطراف ضخم ، الجنبين فتفخهما ، سمين موضع الحزام ، يريد أنه يستوطئ سرج الفرس كما يستوطئ غيره الحشية ويلازم ركوب الخيل لزوم غيره الجلوس على الحشية والاضطجاع عليها ، ثم وصف الفرس بأوصاف يحمدونها وهي : غلظ القوائم وانتفاخ الجبين وسمنهما شدن : أرض أو قبيلة تنسب الإبل إليها . أراد بالشراب اللبن ، التصريم : القطع يقول : هل تبلغني دار الحبيبة ناقة شدنية لعنت ودعي عليها بأن تخرم اللبن ويقطع لبنها ، أي لبعد عهدها باللقاح ، كأنها قد دعي عليها بأن تحرم اللبن فاستجيب ذلك الدعاء ، وإنما شرط هذا لتكون أقوى وأسمن وأصبر على معاناة شدائد الأسفار لأن كثرة الحمل والولادة تكسبها ضعفا وهزالا 22
خطر البعير بذنبه : يخطر خطرا وخطرانا إذا شال به ، الزيف : التبخير ، والفعل زاف يزيف ، الوطس والوثم : الكسر يقول : هي رافعة ذنبها في سيرها مرحا ونشاطا بعدما سارت الليل كله متبخترة تكسر الإكام بخفها الكثير الكسر للاشياء . ويروى : بذات خف ، أي برجل ذات خف ، ويروى : بوخد خف . الوخد والوخدان : السير السريع ، الميثم : للمبالغة كأنه آلة الوثم ، كما يقال : رجل مسعر حرب ، وفرس مسح ، كأن الرجل آلة السعر الحروب والفرس آلة لسح الجري 23
المصلم : من أوصاف الظليم لأنه لا أذن له ، والصل الاستئصال ، كأن أذنه استؤصلت يقول : كأنما تكسر الإكام لشدة وطئها عشية بعد سرى الليل وسير النهار كظليم قرب ما بين منسميه ولا أذن له ، شبهها في سرعة سيرها بعد سرى ليلة ووصل سير يوم به بسرعة سير الظليم ، ولما شبهها في سرعة السير بالظليم أخذ في وصفه فقال : تأوي 24(465/77)
القلوص من الإبل والنعام : بمنزلة الجارية من الناس ، والجمع قلص وقلائص ، يقال : أوى يأوي أويا ، أي انضم ، ويوصل بالى يقال : أويت إليه ، إنما وصلها باللام لأنه أراد تأوي إليه قلص له ، الحزق ، الجماعات والوحدة حزقة وكذلك الحزيقة ، والجمع حزيق وحزائق ، الطمطم : الذي لا يفصح ، أي العي الذي لا يفصح ، وأراد بالأعجم الحبشي يقول : تأوي إلى هذا الظليم صغائر النعام كما تأوي الإبل اليمانية إلى راع أعجم عيي لا يفصح ، شبه الشاعر الظليم في سواده بهذا الراعي الحبشي، وقلص النعام بإبل يمانية لأن السواد في إبل اليمانيين أكثر ، وشبه أويها إليه بأوي الإبل إلى راعيها ، ووصفه بالعي والعجمة لأن الظليم لا نطق له 25
قلة الرأس : أعلاه ، الحدج: مركب من مراكب النساء ، النعش : الشيء المرفوع ، والنعش بمعنى النعوش ، المخيم : المجعول خيمة يقول : تتبع هؤلاء النعام أعلى رأس هذا الظليم ، أي جعلته نصب أعينها لا تنحرف عنه ، ثم شبه خلقه بمركب من مراكب النساء جعل كالخيمة فوق مكان مرتفع 26
الصعل والأصعل : الصغير الرأس ، يعود : يتعهد ، الأصلم : الذي لا أذن له ، شبه الظليم بعبد لبس فروا طويلا ولا أذن له لأنه لا أذن للنعام ، وشرط الفرو الطويل ليشبه جناحيه ، وشرط العبد لسواد الظليم ، وعبيد العرب السودان ، ذو الشعيرة : موضع ثم رجع إلى وصف ناقته فقال : شربت 27
الزور : الميل ، والفعل ازور يزور ، والنعت أزور ، والأنثى زوراء ، والجمع زور ، مياه الديلم : مياه معروفة ، وقيل : العرب تسمي الأعداء ديلما لأن الديلم صنف من أعدائها يقول : شربت هذه الناقة من مياه هذا الموضع فأصبحت مائلة نافرة عن مياه الأعداء ، والباء في قوله بماء الدحرضين زائدة عند البصريين كزيادتها في قوله تعالى : "ألم يعلم بأن الله يرى " 28(465/78)
الدف : الجنب ، الجانب الوحشي : اليمين ، وسمي وحشيا لأنه لا يركب من ذلك الجانب ولا ينزل ، الهزج : الصوت ، والفعل هزج يهزج ، والنعت هزج ، المؤوم : القبيح الرأس العظيمة ، قوله : من هزج العشي ، أي من خوف هزج العشي فحذف المضاف ، والباء في قوله بجانب دفها للتعدية . يقول: كأن هذه الناقة تبعد وتنحي الجانب الأيمن منها من خوف هر عظيم الرأس قبيحة ، وجعله هزج العشي لأنهم إذا تعشوا فانه يصيح على هذا الطعام ليطعم . يصف الشاعر هذه الناقة بالنشاط في السير وأنها لا تستقيم في سيرها نشاطا ومرحا فكأنها تنحي جانبها الأيمن خوف خدش سنور إياه وقيل : بل أراد أنها تنحيه وتبعده مخافة الضرب بالسوط فكأنها تخاف خدش سنور جانبها الأيمن 29
هر : بدل من هزج العشي ، جنيب : أي مجنوب إليها أي مقود ، أتقاها : أي استقبلها يقول : تتنحى وتتباعد من خوف سنور كلما انصرفت الناقة غضبى لتعقره استقبلها الهر بالخدش بيده والعض بفمه ، يقول : كلما أمالت رأسها إليه زادها خدشا وعضا 30
رداع : موضع ، أجش : له صوت . مهضم أي مكسر يقول : كأنما بركت هذه الناقة وقت بروكها على جنب الرداع على قصب مكسر له صوت ، شبه أنينها من كلالها بصوت القصب المكسر عند بروكها عليه ، وقيل : بل شبه صوت تكسر الطين اليابس الذي نضب عنه الماء بصوت تكسر القصب 31
الرب : الطلا ، الكحيل : القطران ، عقدت الدواء : أغليته حتى خثر ، حش النار يحشها حشا : أوقدها ، الوقود : الحطب ، والوقود ، بضم الواو ، الإيقاد . شبه العرق السائل من رأسها وعنقها برب أو قطران جعل في قمقم أوقدت عليها النار فهو يترشح به عند الغليان، وعرق الإبل أسود لذلك شبهه بهما وشبه رأسها بالقمقم في الصلابة ، وتقدير البيت : وكأن رب أو كحيلا حش الوقود باغلائه في جوانب قمقم عرقها الذي يترشح منها 32(465/79)
أراد ينبع فأشبع الفتحة لإقامة الوزن فتولدت من أشباعها ألف ، ومثله قول إبراهيم بن هرمة بن حرث : (ما سلكوا أذنو فانظروا) أراد فانظر فأشبعت الضمة فتولدت من إشباعها واو ، ومثله قوله آمين والأصل أمين ، فأشبعت الفتحة فتولدت من اشباعها ألف ، يدلك عليه أنه ليس في كلام العرب اسم جاء على فاعيل ، وهذه اللفظة عربية بالإجماع ، ومنهم من جعله ينفعل من البوع وهو طي المسافة . الذفرى : ما خلف الأذن ، الجسرة : الناقة الموثقة الخلق ، الزيف : التبخير ، والفعل زاف يزيف ، الفنيق : الفحل من الإبل يقول : ينبع هذا العرق من خلف أذن ناقة غضوب موثقة الخلق شديدة التبخير في سيرها مثل فحل من الإبل قد كدمته الفحول ، شبهها بالفحل في تخترها ووثاقة خلقها وضخمها 33
الاغداف : الإرخاء ، طب : حاذق عالم ، استلأم : لبس اللامة يقول مخاطبا عشيقته : إن ترخي وترسلي دوني القناع ، أي تستري عني ، فإني حاذق بأخذ الفرسان الدارعين ، أي لا ينبغي لك أن تزهدي في مع نجدتي وبأسي وشدة مراسي ، وقيل : بل معناه إذا لم أعجز عن صيد الفرسان الدارعين فكيف أعجز عن صيد أمثالك 34
المخالفة : مفاعلة من الخلق يقول : أثني علي أيتها الحبيبة بما علمت من مجامدي ومناقبي فإني سهل الخالطة والخالقة إذا لم يهضم حقي ولم يبخس حظي 35
باسل : كريه ، ورجل باسل شجاع ، والبسالة الشجاعة يقول : إذا ظلمت وجدت ظلمي كريها مرا كطعم العلقم ، أي تجاه من ظلمني وعاقبته عقابا بالغا يكرهه كما يكره طعم العلقم من ذاقه 36(465/80)
ركد : سكن ، الهواجر : جمع الهاجرة وهي أشد الأوقات حرا ، المشوف : المجلو ، المدام والمدامة : الخمر ، سميت بها لأنها أديمت في دنها يقول : ولقد شربت من الخمر بعد اشتداد حر الهواجر وسكونه بالدينار المجلو المنقوش ، يريد أنه اشترى الخمر فشربها ، والعرب تفتخر بشرب الخمر والقمار ، لأنهما دلائل الجود عندها . قوله : بالمشوف ، أي بالدينار المشوف ، فحذف الموصوف ، ومنهم من جعله من صفة القدح وقال : أراد بالقدح المشوف 37
الأسرة : جمع السر والسرر ، وهما من خطوط اليد والجبهة وغيرهما ، وتجمع أيضا على الأسر ثم تجمع الأسرار على أسرار ، بأزهر أي بلإبريق أزهر ، مقدم : مسدود الرأس بالفدام يقول : شربتها بزجاجة صفراء عليها خطوط قرنتها بإبريق أبيض مسدود الرأس بالفدام لأصب الخمر من الإبريق في الزجاجة 38
يقول : فاذا شربت الخمر فانني أهلك مالي بجودي ولا أشين عرضى فأكون تام العرض مهلك المال لا يكلم عرضي عيب عائب ، يفتخر بأ، سكره يحمله على محامد الأخلاق ويكفه عن المثالب 39
يقول : وإذا صحوت من سكري لم أقصر عن جودي ، أي يفاقني السكر ولا يفارقني الجود ، ثم قال : وأخلاقي وتكرمي كما علمت أيتها الحبيبة ، افتخر الشاعر بالجود ووفور العقل إذا لم ينقص السكر عقله . وهذان البيتان قد حكم الرواة بتقدمهما في بابهما 40(465/81)
الحليل ، بالمهلة : الزوج ، والحليلة الزوجة ، وقيل في اشتقاقهما إنهما من الحلول فسميا بها لأنهما يحلان منزلا واحدا وفراشا واحدا ، فهو على هذا القول فعيل بمعنى مفاعل ، مثل شريب وأكيل ونديم بمعنى مشارب ومؤاكل ومنادم ، وقيل : بل هما مشتقان من الحل لأن كلا منهم يحل لصاحبه ، فهو على هذا القول فعيل بمعنى مفعل مثل الحكيم بمعنى المحكم وقيل : بل هما مشتقان من الحل ، وهو على هذا القول فعيل بمعنى فاعل وسميا بهما لأن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه ، الغانية : ذات الزوج من النساء لأنها غنيت بزوجها عن الرجال ، وقال الشاعر : أحب الأيامى اذ بثينة أيم وأحببت لما أن غنيت الغوانيا وقيل : بل الغانية البارعة الجمال المستغنية بكمال جمالها عن التزين ، وقيل : الغانية المقيمة في بيت أبويها لم تزوج بعد ، من غني بالمكان إذا أقام به . وقال عمارة بن عقيل : الغنية الشابة الحسناء التي تعجب الرجال ويعجبها الرجال ، والأحسن القول الثاني والرابع ، جدلته : ألقيته على الجدالة ، وهي الأرض ، فتجدل أي سقط عليها ، المكاء : الصفير ، العلم : الشق في الشفة العليا يقول : ورب زوج امرأة بارعة الجمال مستغنية بجمالها عن التزين قتلته وألقيته على الأرض وكانت فريصته تمكو بانصباب الدم منها كشدق الأعلم . قال أكثرهم : شبه سعة الطعن بسعة شدق الأعلم ، وقال بعضهم : بل شبه صوت انصباب الدم بصوت خروج النفس من شدق الأعلم 41
العندم : دم الأخوين ، وقيل : بل هو البقعم ، وقيل : شقائق النعمان يقول : طعنته طعنة في عجلة ترش دما من طعنة نافذة تحكي لون العندم 42
يقول : هلا سألت الفرسان عن حالي في قتالي إن كنت جاهلة بها 43(465/82)
التعاور : التداول ، يقال : تعاوروه ضربا إذا جعلوا يضربونه على جهة التناوب ، وكذلك الأعتوار ، الكلم : الجرح ، والتكليم التجريح يقول : هلا سألت الفرسان عن حالي إذا لم أزل على سرج فرس سابح تناوب الأبطال في جرحه ، أي جرحه كل منهم . ونهد : من صفة السابح وهو ضخم 44
الطور : التارة والمرة ، والجمع الأطوار يقول : مرة أجرده من صف الأولياء لطعن الأعداء وضربهم وأنضم مرة إلى قوم محكمي القسي كثير ، يقول : مرة أحمل عليه على الاعداء فأحسن بلائي وأنكي فيهم أبلغ نكاية ، ومرة أنضم إلى قوم أحكمت قسيهم وكثر عددهم ، أراد أنهم رماة مع كثرة عددهم ، العرمرم : الكثير ، حصد الشيء حصدا : إذا استحكم ، والإحصاد الإحكام 45
يخبرك : مجزوم لأنه جواب هلا سألت ، الوقعة والوقيعة : اسمان من اسماء الحرب ، والجمع الوقعات والقائع ، الوغى : أصوات أهل الحرب ثم استعير للحرب ، المغنم والغنم والغنيمة واحد يقول : إن سألت الفرسان عن حالي في الحرب يخبرك من حضر الحرب بأني كريم عالي الهمة آتي الحروب وأعف عن اغتنام الأموال 46
المدجج : التام السلاح ، الإمعان : الإسراع في الشيء والغلو فيه ، الاستسلام : الانقياد والاستكانة يقول : ورب رجل تام السلاح كانت الابطال تكره نزاله وقتاله لفرط بأسه وصدق مراسه ، فهو لايسرع في الهرب إذا اشتد بأس عدوه ولا يستكين له إذا صدق مراسه 47
يقول : جادت يدي له بطعنة عاجلة برمح مقوم صلب الكعوب . والبيت جواب رب المضمر بعد الواو في ومدجج . قوله بعاجل طعنة ، قدم الصفة على الموصوف ثم أضافها اليه ، تقديره : بطعنة عاجلة ، الصدق : الصلب 48(465/83)
الشك : الانتظام ، والفعل شك يشك ، الأصم : الصلب يقول : فانتظمت برمحي الصلب ثيابه ، أي طعنته طعنة أنفذت الرمح في جسمه وثيابه كلها ، ثم قال : ليس الكريم محرما على الرماح ، يريد أن الرماح مولعة بالكرام لحرصهم على الإقدام ، وقيل : بل معناه أن كرهه لا يخلصه من القتل المقدر له 49
الجزر : جمع جزرة وهي الشاة التي أعدت للذبح ، النوش : التناول ، والفعل ناش ينوش نوشا ، القضم : الاكل بمقدم الاسنان ، والفعل قضم يقضم يقول : فصيرته طعمة للسباع كما يكون الجزر طعمه للناس ، ثم قال : تتناوله السباع وتأكل بمقدم اسنانها بنانة الحسن ومعصمه الحسن ، يريد أنه قتله فجعله عرضة للسباع حتى تناولته وأكلته 50
المشك : الدرع التي قد شك بعضها إلى بعض ، وقيل مساميرها يشير إلى أنه الزرد ، وقيل : الرجال التام السلاح ، الحقيقة : ما يحق عليك حفظه أي يجب ، العلم ، بكسر اللام : الذي أعلم نفسه أي شهرها بعلامة يعرف بها في الحرب حتى ينتدب الابطال لبرازه ، والمعلم بفتح اللام : الذي يشار اليه ويدل عليه بأنه فارس الكتيبة وواحد السرية يقول : ورب مشك درع ، أي رب موضع انتظام درع واسعة ، شققت أوساطها بالسيف عن رجل حسام لما يجب عليه حفظه شاهر نفسه في حومة الحرب أو مشار اليه فيها ، يريد أنه هتك مثل هذه الدرع عن مثل هذا الشجاع فكيف الظن بغيره 51(465/84)
الربذ : السريع ، شتا : دخل في الشتاء ، يشتو شتوا ، الغاية : راية ينصبها الخمار ليعرف مكانه بها . أراد بالتجار الخمارين ، الملوم : الذي ليم مرة بعد أخرى . والبيت كله من صفة حامي الحقيقة يقول : هتكت الدرع عن رجل سريع اليد خفيفها في اجالة القداخ في الميسر في برد الشتاء ، وخص الشتاء لأنهم يكثرون الميسر فيه لتفرغهم له ، وعن رجل يهتك رايات الخمارين ، أي كان يشتري جميع ما عندهم من الخمر حتى يقلعوا راياتهم لنفاذ خمرهم ، فهو ملوم على إمعانه في الجود وإسرافه في البذل ، وهذا كله من صفة حامي الحقيقة 52
يقول : لما رآني هذا الرجل نزلت عن فرسي أريد قتله كثر عن أنيابه غير متبسم ، أي لفرط كلوحه من كراهية الموت قلصت شفتاه عن أسنانه ، وليس ذاك لتكلم ولا لتبسم ولكن من الخوف ، ويروى لغير تكلم 53
مد النهار ك طوله ، العظلم : نبت يختضب به ، العهد : اللقاء ، يقال : عهدته أعهد عهدا إذا لقيته . يقول: رأيته طول النهار وامتداده بقد قتلي إياه وجفاف الدم عليه كأن بنانه ورأسه مخضوبان بهذا النبت 54
المخذم : السريع القطع يقول : طعنته برمحي حين ألقيته من ظهر فرسه ثم علوته مع سيف مهند صافي الحديد سريع القطع 55
السرحة : الشجرة العظيمة ، يحذى : أي تجعل حذاء له ، والحذاء : النعل ، والجمع الأحذية يقول : وهو بطل مديد القد كأن ثيابه ألبست شجرة عظيمة من طول قامته واستواء خلقه تجعل جلود البقر المدبوغة بالقرظ نعالا له ، أي تستوعب رجلاه السبت ، ولم تحمل امه غيره ، بالغ في وصفه بالشدة والقوة بامتداد قامته وعظم أعضائه وتمام غذائه عند إرضاعه إذ كان فذا غير توأم 56(465/85)
ما صلة زائدة ، الشاة : كناية عن المرأة يقول : يا هؤلاء أشهدوا شاة قنص لمن حلت له فتعجبوا من حسنها وجمالها فإنها قد حازت أتم الجمال ، والمعنى : هي حسناء جميلة مقنع لمن كلف بها وشغف بحبها ، ولكنها حرمت علي وليتها لم تحرم على ، أي ليت أبي لم يتزوجها ، وقيل : أراد بذلك أنها حرمت عليها باشتباك الحرب بين قبيلتيهما ثم تمنى بقاء الصلح 57
يقول : فبعثت جاريتي لتتعرف أحوالها لي 58
الغرة : الغفلة ، رجل غر غافل لم يجرب الأمور يقول : فقالت جاريتي ، لما أنصرفت لي : صادفت الأعادي غافلين عنها ورمي الشاة ممكن لمن راد أن يرتميها ، يريد أن زيارتها ممكنة لطالبها لغفلة الرقباء والقرناء عنها 59
الجداية : ولد الظبية ، والجمع الجدايا ، الرشأ : الذي قوي من أولاد الظباء ، والغزلان جمع الغزال ، الحر من كل شيء : خالصة وجيدة ، الأرثم : الذي في شفته العليا وأنفه بياض يقول : كأن التفاتها إلينا في نظرها التفات ولد ظبية هذه صفته في نظره 60
التنبئة والتنبيئ : مثل الإنباء ، هذه من سبعة أفعال تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، وهي : أعلمت وأريت وأنبأت ونبأت وأخبرت وخبرت وحدثت ، وإنما تعدت الخمسة التي هي غير أعلمت وأريت إلى ثلاثة مفاعيل لتضمنها معنى أعلمت يقول : أعلمت أن عمرا لا يشكر ننعمتي ، وكفران النعمة ينفر نفس المنعم عن الإنعام : فالتاء في نبئت هو المفعول الأول قد أقيم مقام الفاعل وأسند الفعل إليه ، وعمرا هو المفعول الثاني ، وغير هو المفعول الثالث 61
الوصاة والوصية شيء واحد ، وضح الفم : الاسنان ، القلوص : التشنج والقصر يقول : ولقد حفظت وصية عمي إياي باقتحامي القتال ومناجزتي الأبطال في أشد أحوال الحرب ، وهي حال تقلص الشفاه عن الأسنان من شدة كلوح الأبطال والكماة فرقا من القتل 62(465/86)
حومة الحرب :معظمها وهي حيث تحوم الحرب أي تدور ، وغمرات الحرب : شدائدها التي تغمر أصحابها ، أى تغلب قلوبهم وعقولهم ، التغمغم : صياح ولجب لا يفهم منه شئ يقول : ولقد حفظت وصية عمي في حومة الحرب التي لا تشكوها الابطال إلا بجلبة وصياح 63
الاتقاء : الحجز بين الشيئين ، يقول : اتقيت العدو بترسي ، أي جعلت الترس حاجزا بيني وبين العدو ، الخيم : الجبن ، المقدم : موضع الإقدام ، وقد يكون الإقدام في غير هذا الموضع يقول : حين جعلني أصحابي حاجزا بينهم وبين أسنة أعدائهم ، أي قدموني وجعلوني في نحور أعدائهم ، لم أجبن عن أسنتهم ولم أتأخر ولكن قد تضايق موضع اقدامي فتعذر التقدم فتأخرت لذلك 64
التذامر : تفاعل من الذمر وهو الحض على القتال يقول : لما رأيت جمع الأعداء قد أقبلوا نحونا يحض بعضهم بعضا على قتالنا عطفت عليهم لقتالهم غير مذمم ، أي محمود القتال غير مذمومة 65
الشطن : الحبل الذي يستقى به و ، والجمع الاشطان ، اللبان : الصدر . يقول : كانوا يدعونني في حال إصابة رماح الاعداء صدر فرسي ودخولها فيه ، ثم شبهها في طولها بالحبال التي يستقى بها من الآبار 66
الثغرة : الثقب في أعلى النحر ، والجمع الثغر يقول : لم أزل أرمي الاعداء بنحر فرسي حتى جرح وتلطخ بالدم وصار الدم له بمنزلة السربال ، أي عم جسده عموم السربال جسد لابسه 67
الازورار : الميل ، التحمحم : من صهيل الفرس ما كان فيه شبه الحنين ليرق صاحبه له يقول : فمال فرسي مما أصابت رماح الأعداء صدره ووقوعها به ، وشكا إلي بعبرته وحمحمته ، أي نظر إلي وحمحم لأرق له 68
يقول : لو كان يعلم الخطاب لاشتكى إلي مما يقاسيه ويعانيه ولكلمني لو كان يعلم الكلام ، يريد أنه لو قدر على الكلام لشكا إليه مما أصابه من الجراح 69
يقول : ولقد شفى نفسي وأذهب سقمها قول الفوارس لي : ويلك يا عنتره أقدم نحو العدو واحمل عليه ، يريد أن تعويل أصحابه عليه والتجاءهم إليه شفى نفسه ونفى غمه 70(465/87)
الخبار : الأرض اللينة ، الشيظم : الطويل من الخيل يقول : والخيل تسير وتجري في الأرض اللينة التي تسوخ فيها قوائمها بشدة وصعوبة وقد عبست وجوهها لما نالها من الإعياء وهي لاتخلو من فرس طويل أو طويلة ، أي كلها طويلة 71
ذلل : جمع ذلول من الذل وهو ضد الصعوبة ، الركاب : الابل لا واحد لها من لفظها عند جمهور الأئمة ، وقال الفراء : إنها جمع ركوب مثل قلوص وقلاص ولقوح ولقاح ، المشايعة : المعاونة ، اخذت من الشياع وهو دقاق الحطب لمعاونته على النار على الإيقاد في الحطب الجزل ، الحفز : الدفع ، الابرام : الاحكام يقول : تذل إبلي لي حيث وجهتها من البلاد ويعاونني على أفعالي عقلي وأمضي ما يقضيه عقلي بأمر محكم 72
الدائرة : اسم للحادثة ، سميت بها لأنها تدور من خير إلى شر ومن شر إلى خير ، ثم استعملت في المكروهة دون المحبوبة ت يقول : ولقد خاف أن أموت ولم تدر الحرب على ابني ضمضم بما يكرهانه ، وهما حصين وهرم إبنا ضمضم 73
يقول : اللذان يشتمان عرضي ولم أشتمهما أنا ، والموجبان على انفسهما سفك دمي إذا لم أراهما ، يريد أنهما يتوعدانه حال غيبته فأما في حال الحضور فلا يتجاسران عليه 74
يقول : إن يشتماني لم أستغرب منهما ذلك فإني قتلت أباهما وصيرته جزر السباع وكل نسر مسن 75
===============
لبيد بن ربيعة ...
... ...
... ...
... ...(465/88)
هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامري المضري كان من أشراف قومه و فرسانهم ، و قد نشأ كريماً شجاعاً فاتكاً إلى أن دخل الإسلام نحو سنة 629 ثم انتقل إلى الكوفة و قضى فيها أواخر أيامه إلى أن توفي سنة 691 و له من العمر أكثر من مائة سنة . له ديوان شعر طبع للمرة الأولى في سنة1880 و قد ترجم إلى الألمانية و أشهر ما في الديوان المعلقة تقع في 88 بيتاً من البحر الكامل و هي تدور حول ذكر الديار _ وصف الناقة _ وصف اللهو _ و الغزل و الكرم _ و الافتخار بالنفس و بالقوم . فنه : لبيد شاعر فطري بعيد عن الحضارة و تأثيراتها يتجلى فنه في صدقه فهو ناطق في جميع شعره يستمد قوته على صدقه و شدة إيمانه بجمال ما ينصرف إليه من أعمال و ما يسمو إليه من مثل في الحياة و لهذا تراه إن تحدث عن ذاته رسم لنا صورته كما هي فهو في السلم رجل لهو و عبث و رجل كرم و جود و إذا هو في الحرب شديد البأس و الشجاعة و إذا هو و قد تقدمت به السن رجل حكمة و موعظة و رزانة . و إن وصف تحري الدقة في كل ما يقوله و ابتعد عن المبالغات الإيحائية و أكثر ما اشتهر به وصف الديار الخالية و وصف سرعة الناقة و تشبيهها بحيوانات الصحراء كالأتان الوحشية و الطبية . و إن رثى أخلص القول و أظهر كل ما لديه من العواطف الصادقة والحكم المعزية فهو متين اللفظ ضخم الأسلوب فشعره يمثل الحياة البدوية الساذجة في فطرتها و قسوتها أحسن تمثيل و أصدق تمثيل تبدأ المعلقة بوصف الديار المقفرة _ و الأطلال البالية . و تخلص إلى الغزل ثم إلى وصف الناقة و هو أهم أقسام المعلقة ثم يتحول إلى وصف نفسه و ما فيها من هدوء ـ اضطراب _ لهو ... فكان مجيداً في تشبيهاته القصصية . و قد أظهر مقدرة عالية في دقته و إسهابه و الإحاطة لجميع صور الموصوف و يتفوق على جميع أصحاب المعلقات بإثارة ذكريات الديار القديمة فشعره يمثل دليل رحلة من قلب بادية الشام بادية العرب إلى الخليج الفارسي ... ...(465/89)
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلّهَا فَمُقَامُهَا ... بِمِنىً تَأَبَّدَ غَوْلُهَا فرِجَامُهَا ... 1
فَمَدافِعُ الرّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُهَا ... خَلَقاً كما ضَمِنَ الوِحيُ سِلامُهَا ... 2
دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِها ... حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُها وَحَرامُها ... 3
رُزِقَتْ مَرابِيعَ الْنُّجومِ وَصَابَها ... وَدْقُ الرَّوعِدِ جَوْدُهَا فَرِ هَامُها ... 4
مِنْ كُلِّ سارِيَةٍ وغَادٍ مُدْجِنٍ ... وَعَشِيَّةٍ مُتَجَاوِب إِرزَامُهَا ... 5
فَعَلا فُرُوعُ الأَيْهَقانِ وَأَطْفَلَتْ ... بالَجلْهَتَيْنِ ظِباؤُها وَنَعامُها ... 6
وَالْعَيْنُ ساكِنَةٌ على أَطْلائِها ... عُوَذاً تَأجَّلُ بالفَضاءِ بِها مُها ... 7
وَجَلا السّيُولُ عَنِ الْطّلولِ كأنّها ... زُبُرٌ تُجِدُّ مُتُونَها أَقْلامُها ... 8
أَوْ رَجْعُ وَاشِمَة أُسِفَّ نَوُورهُا ... كِفَفاً تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وَشامُها ... 9
فَوَقَفْتُ أَسْأَلُها، وَكيفَ سُؤالُنا ... صُمّاً خَوَالِدَ ما يَبِينُ كلامُها ... 10
عَرِيَتْ وكانَ بها الَجمِيعُ فَأبْكَرُوا ... مِنْها وَغُودِرَ نُؤْيُها وَثُمامُها ... 11
شَاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ حينَ تَحَمَّلوا ... فتَكَنَّسوا قُطُناً تَصِرُّ خِيَامُها ... 12
مِنْ كلُّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّةُ ... زَوْجٌ عَلَيْه كِلةٌ وَقِرَامُها ... 13
زُجُلاً كأَنَّ نِعَاجَ تُوضِحَ فَوْقَها ... وَظِبَاءَ وَجْرَةَ عُطَّفاً أَرْآمُها ... 14
حُفِزَتْ وَزَايَلَها السَّرَابُ كأْنها ... أَجْرَاعُ بِيشَةَ أَثْلُها وَرِضَامُها ... 15
بَلْ مَا تَذَكّرُ منْ نَوَارَ وَقَدْ نَأَتْ ... وَتَقَصَّعَتْ أَسْبَابُها وَرِمَامُها ... 16
مُرِّيَّةٌ حَلّتْ بِفَيْدَ وَجَاوَرَتْ ... أَهْلَ الْحِجَارِ فأْيْنَ مِنْكَ مَرَامُها ... 17
بِمشَارِق الْجَبَلَيْنِ أَوْ بِمُحَجَّر ... فَتَضَمَّنَتْها فَرْدَةٌ فَرُخَامُهَا ... 18
فَصُوَائِقٌ إِنْ أَيْمَنَت فِمظَنَّةٌ ... فبها وَحَافُ الْقَهْرِ أَوْ طِلْخَامُها ... 19
فَاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنَ تَعَرَّضَ وَصْلُةُ ... وَلشَرُّ واصِلِ خُلَّةٍ صَرَّامُهَا ... 20(465/90)
وَأحْبُ الُمجَامِلَ باَلجزيلِ وَصَرْمُهُ ... باقٍ إِذَا ظَلَعَتْ وَزَاغَ قِوامُهَا ... 21
بِطَلِيحِ أَسْفَارٍ تَرَكْنَ بَقِيَّةً ... مِنْها فَأَحْنَقَ صُلْبُهَا وَسَنامُهَا ... 22
وَإِذَا تَغَالَى لَحْمُهَا وَتَحَسَّرَتْ ... وَتَقَطَّعَتْ بَعْدَ الكَلالِ خِدَامُهَا ... 23
فَلَهَا هِبَابٌ في الزِّمَامِ كأَنَّها ... صَهْبَاءُ خَفَّ مَعَ الْجَنُوبِ جِهَامُهَا ... 24
أَوْ مُلْمِعٌ وَسَقَتْ لأَحْقَبَ لاَحهُ ... طَرْدُ الْفُحُولِ وَضَرْبُهَا وَكِدامُهَا ... 25
يَعْلُو بِهَا حَدَبَ الإِكَامِ مُسَتْحَجٌ ... قَدْ رَابَهُ عِصْيَانُهَا وَوِحامُهَا ... 26
بِأَجِزَّةِ الثَّلَبُوتِ يَرْبَأُ فَوْقَهَا ... قَفْرَ الَمراقِبِ خَوْفُهَا آرَامُهَا ... 27
حَتَّى إِذَا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّةً ... جَزَآ فَطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَا ... 28
رَجَعَا بِأَمْرِهِمَا إِلَى ذِي مِرَّةٍ ... حَصِدٍ وَنُجْعُ صَرِيَمةٍ إِبْرَامُهَا ... 29
وَرَمَى دَوابِرَهَا السَّفَا وَتَهَيَّجَتْ ... رِيحُ الَمصَايِفِ سَوْمُهَا وَسِهامُهَا ... 30
فَتَنَازَعَا سَبِطاً يَطِيرُ ظِلالُهُ ... كَدُخَانِ مُشْعَلةً يُشَبُّ ضِرامُهَا ... 31
مَشْمُولَةٍ غُلِئَتْ بِنَابِتِ عَرْفَجِ ... كَدُخَانِ نارٍ ساطِعٍ أَسْنَامُهَا ... 32
فَمضَى وَقَدَّمَهَا وكانَتْ عادَةً ... مِنْهُ إِذَا هِيَ عَرَّدَتْ إِقْدَامُهَا ... 33
فَتَوَ سَّطا عُرْضَ الْسّرِيِّ وَصَدَّعَا ... مَسْجُورَةً مُتَجَاوِراً قُلاُمها ... 34
مَحْفُوفَةً وَسْطَ الْيَرَاعِ يُظِلّهَا ... مِنْهُ مُصَرَّعُ غابَةٍ وَقِيَامُها ... 35
أَفَتِلْكَ أَمْ وَحشِيَّةٌ مَسْبَوعَةٌ ... خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوامُهَا ... 36
خَنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الْفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ ... عُرْضَ الْشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وَبُغَامُهَا ... 37
لِمعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعُ شِلْوَهُ ... غُبْسٌ كَواِسبُ لا يُمَنَّ طَعامُها ... 38
صَادَفْنَ منهَا غِرَّةً فَأَصَبْنَهَا ... إِنَّ الَمنايَا لا تَطِيشُ سِهَامُها ... 39(465/91)
بَاَتتْ وَأَسْبَلَ وَاكِفٌ من دِيَمةٍ ... يُرْوِي الْخَمائِلَ دائِماً تَسْجَامُها ... 40
يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِرٌ ... فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُها ... 41
تَجَتَافُ أَصْلاً قالِصاً مُتَنَبِّذاً ... بعُجُوبِ أَنْقَاءِ يَميلُ هُيامُها ... 42
وَتُضِيءُ في وَجْهِ الظَّلامِ مُنِيرَةً ... كَجُمَانَةِ الْبَحْرِيِّ سُلَّ نِظامها ... 43
حَتَّى إِذَا انْحَسَرَ الْظلامُ وَأَسْفَرَتْ ... بَكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلاُمها ... 44
عَلِهَتْ تَرَدَّدُ في نِهاءِ صُعَائِدٍ ... سَبْعاً تُؤاماً كاملاً أَيَّامُها ... 45
حتى إِذا يَئِسَتْ وأَسْحَقَ خَالِقٌ ... لم يُبْلِهِ إِرْضَاعُها وَفِطامُها ... 46
فَتَوَّجستْ رِزَّ الأَنِيسِ فَراعَها ... عنْ ظَهْرِ غَيْبٍ وَالأَنِيسُ سقامُها ... 47
فَغَدَتْ كِلا الْفَرْجَيْنِ تَحْسبُ أَنَّهُ ... مُوْلُى الَمخَافَةِ خَلْفُهَا وَأَمَامُها ... 48
حتى إِذا يَئِسَ الرُّمَاةُ وَأَرْسَلُوا ... غُضْفاً دَوَاجِنَ قافِلاً أَعْصامُها ... 49
فَلَحِقْنَ وَاعْتَكَرَتْ لها مَدْرِيَّةٌ ... كالسَّمْهَرِيَّةِ حَدُّهَا وَتَمامُها ... 50
لِتَذُودَهُنَّ وَأَيْقَنَتْ إِنْ لم تُذُدْ ... أَنْ قَدْ أَحَمَّ مِنَ الحُتُوفِ حِمامُها ... 51
فَتَقصَّدَتْ مِنْهَا كَسَابِ فَضُرِّجَتْ ... بِدَمٍ وَغُودِرَ في الَمكَرِّ سُخَامُها ... 52
فَبِتِلْكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوَامعُ بالضُّحى ... وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرابِ إِكامُهَا ... 53
أَقْضِي اللُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيبَةً ... أَوْ أَنْ يَلُومَ بحاجَةٍ لَوَّامُها ... 54
أَوَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي نَوَارُ بأنَّني ... وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُها ... 55
تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذا لمْ أَرْضَها ... أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حمَامُها ... 56
بلْ أَنْتِ لا تَدْرِينُ كَمْ مِن لَيْلَةٍ ... طَلْقٍ لَذِيذٍ لَهْوُهَا وَنِدَامُهَا ... 57
قَدْ بِتُّ سامِرَها وَغَايَةَ تاجرٍ ... وَافَيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدَامُها ... 58(465/92)
أُغْلي السِّباءَ بكُلِّ أَدْكَنَ عاتِقٍ ... أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وَفُضَّ خِتامُها ... 59
بِصَبُوحِ صَافِيَةٍ وَجَذْبٍ كَرِينَةٍ ... بِمُوَترٍ تَأْتَاُلهُ إِبْهَامُها ... 60
باكَرْتُ حاجَتَها الدَّجَاجَ بِسُحْرَةٍ ... لاِ عَلِّ مِنهَا حينَ هَب نِيامُها ... 61
وَغَدَاةَ رِيحٍ قَدْ وَزَعْتُ وقِرَّةٍ ... قد أَصْبَحَتْ بيَدِ الشَّمالِ زِمامُها ... 62
وَلَقَدْ حَمَيْتُ الحَيَّ تحْمِلُ شِكَّتي ... فُرْطٌ وِشاِحي إِذْ غَدَوْتُ لِجامُها ... 63
فَعَلَوْتُ مُرْتَقَباً على ذِي هَبْوَةٍ ... حَرْجٍ إِلَى أَعْلاَمِهِنَّ قَتامُها ... 64
حتّى إِذا أَلْقَتْ يَداً في كافِرٍ ... وَأَجَنَّ عَوْراتِ الثُّغورِ ظَلامُها ... 65
أَسْهَلْتُ وَانْتَصَبَت كَجِذْعِ مُنِيفَةٍ ... جَرْداءَ يَحْصَرُ دُونَها جُرَّامُها ... 66
رَفّعْتُها طَرْدَ النّعامِ وَشَلهُ ... حتّى إِذا سَخِنَتْ وَخَفّ عِظامُها ... 67
قَلِقَتْ رِحَالَتُها وَأَسْبَلَ نَحْرُها ... وَابْتَلَّ مِن زَبَدِ الحَمِيمِ حزَامُها ... 68
تَرْقَى وَتَطْعَنُ في الْعِنانِ وَتَنْتَحِي ... ورْدَ الْحَمامَةِ إِذْ أَجَدَّ حمامُها ... 69
وَكَثِيرَةٍ غُربَاؤُها مَجْوُلَةٍ ... تُرْجَى نَوَافِلُها ويُخْشى ذَامُها ... 70
غُلْبٍ تَشَذَّرُ بالدُخولِ كأنّها ... جِنُّ الْبَدِيِّ رَوِاسياً أَقْدَامُها ... 71
أَنْكَرْتُ باطِلَها وُبؤْتُ بِحَقِّها ... عِندِي ولم يَفْخَرْ عَلَيَّ كِرامُها ... 72
وَجزُورِ أَيْسارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِها ... بِمَغَالِقٍ مُتَشابِهٍ أَجْسامُها ... 73
أَدْعُو بِهِنَّ لِعَاقِرٍ أَوْ مُطْفِلٍ ... بُذِلَت لجيرانِ الَجميعِ لحِامُها ... 74
فَالضَّيْفَ وَالجارُ الَجنِيبُ كَأَنَّما ... هَبَطَا تَبالَةَ مُخْصِباً أَهْضامُها ... 75
تأوِي إِلى الأطْنابِس كلُّ رِذِيَّةٍ ... مِثْلِ الْبَلِيَّةِ قالِصٍ أَهْدامُها ... 76
وُيكَلِّوُنَ إِذَا الرِّيَاحُ تَناوَحتْ ... خُلُجاً تُمَدُّ شَوارِعاً أَيْتامُها ... 77
إِنّا إِذا الْتَقَتِ المجامِعُ لَمْ يَزلْ ... مِنّا لزِازُ عَظِيمَةٍ جَشَّامُها ... 78(465/93)
وُمقَسِّمٌ يُعْطِي الْعشِيرةَ حَقَّها ... ومُغَذْمِرٌ لِحُقُوقِها هَضّامُها ... 79
فَضلاً وذُو كرمٍ يُعِينُ على النَّدى ... سَمْحٌ كَسُوبُ رَغائِبٍ غَنّامُها ... 80
مِنْ مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آباؤهُمْ ... ولِكُلِّ قَوْمٍ سُنّةٌ وإِمامُها ... 81
لا يَطْبَعُون ولا يَبُورُ فَعالُهُمْ ... إِذْ لا يَميلْ مَعَ الْهوى أَحْلامُها ... 82
فَاقْنَعْ بما قَسَمَ الَملِيكُ فإِنّما ... قَسَمَ الَخلائِق بَيْنَنا عَلاُمها ... 83
وَإِذا الأَمانةُ قُسِّمَتْ في مَعْشَر ... أَوْفَى بِأوْفَرِ حَظّنا قَسّامُها ... 84
فَبَني لَنا بَيْتاً رَفِيعاً سَمْكُهُ ... فَسَما إِلَيْهِ كَهْلُها وغُلامُها ... 85
وهُمُ السّعادةُ اذَا الْعَشيرَةُ أُفْظِعَتْ ... وهُمُ فَوارِسُها وَهُمْ حُكّامُها ... 86
وهُمُ رَبيعٌ للْمُجاوِرِ فِيهِمُ ... والُمرْمِلاتِ إِذا تَطاوَلَ عامُها ... 87
وهُمُ الْعَشِيرَةُ أَنْ يُبَطِّىْءَ حاسِدٌ ... أَوْ أَنْ يَميلَ مَعَ الْعَدُوِّ لِئَامُها ... 88
شرح معلقة لبيد بن ربيعة
عفا لازم ومتعد ، يقال : عفت الريح المنزل وعفا المنزل نفسه عفوا وعفاء ، وهو في البيت لازم ، المحل من الديار : ما حل فيه لأيام معدودة ، والمقام منها ما طالت إقامته به ، منى : موضع يحمى ضرية غير منى الحرم ، ومنى ينصرف ولا ينصرف يذكر ويؤنث ، تأبد : توحش وكذلك أبد يؤبد يأبد أبودا ، الغول والرجام : جبلان معروفان . ومنه قول أوس بن حجر : زعمتم أن غولا والرجام لكم ومنعجا فاذكروا فالأمر مشترك يقول : عفت ديار الأحباب وانمحت منازلهم ماكان منها للحلول دون الإقامة وما كان منا للإقامة ، وهذه الديار كانت بالموضع المسمى منى ، وقد توحشت الديار الغولية والديار الرجامية منها لارتحال قطانها واحتمال . سكانها ، والكناية في غولها ورجامها راجعة إلى الديار ، قوله : تأبد غولها ، أي ديار غولها ورجامها . فحذف المضاف 1(465/94)
المدافع : أماكن يندفع عنها الماء من الربى والأخياف ، والواحد مدفع ، الريان : جبل معروف . ومنه قول جرير : ياحبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كنا التعرية : مصدر عريته فعري وتعرى ، الوحي : الكتابة ، والفعل وحى يحي والحي الكتاب ، والجمع الوحي ، السلام : الحجارة ، والواحد سلمة بكسر اللام ، فمدفع معطوف على قوله غولها يقول : توحشت الديار الغولية والرجامية ، وتوحشت مدافع جبل الريان لارتحال الأحباب منها واحتمال الجيران عنها. ثم قال : وقد توحشت وغيرت رسوم هذه الديار فعريت خلقا وإنما عرتها السيول ولم تنمح بطول الزمان فكأنه كتاب ضمن حجرا ، شبه بقاء الآثار لعدة أيام ببقاء الكتاب في الحجر ، ونصب خلقا على الحال ، والعامل فيه عري ، والمضمر الذي أضيف اليه سلام عائد إلى الوحي 2
التجرم : التكمل والانقطاع ، يقال ، تجرمت السنة وسنة مجرمة أي مكملة ، العهد ، اللقاء ، والفعل عهد يعهد ، الحجج : جمع حجة وهي السنة . وأراد بالحرام الأشهر الحرم ، وبالحلال أشهر الحل ، الخلو : المضي ومنه الأمم الخالية ، ومنه قوله عز وجل "وقد خلت القرون من قبلي" يقول : هي آثار ديار قد تمت وكملت وانقطعت إذ بعد عهد سكانها بها سنون مضت أشهر الحرم وأشهر الحل منها ، وتحرير المعنى : قد مضت بعد ارتحالهم عنها سنون بكمالها ، خلون : المضمر فيه راجع إلى الحجج ، وحلالها بدل من الحجج ، وحرامها معطوف عليها ، والسنة لا تعدو أشهر الحرم وأشهر الحل ، فعبر عن مضي السنة بمضيهما 3(465/95)
مرابيع النجوم : الأنواء الربيعية وهي المنازل التي تحلها الشمس فصل الربيع ، الواحد مرباع ، الصوب : الإصابة ، يقال : صابه أمر كذا وأصابه بمعنى ، الودق : المطر ، وقد ودقت السماء تدق ودقا إذا أمطرت الجود : المطر التام العام ، وقال ابن الأنباري : هو المطر الذي يرضي أهله وقد جاد يجوده جودا فهو جود ، الرواعد : ذوات الرعد من السحاب ، واحدتها راعدة ، الرهام والرهم : جمع رهمة وهي المطرة التي فيها لين يقول : رزقت الديار والدمن أمطار الأنواء الربيعية فأمرعت وأعشبت وأصابها مطر ذوات الرعود من السحائب ما كان منه عاما بالغا مرضيا أهله وما كان منه لينا سهلا . وتحرير المعنى : أن تلك الديار ممرعة معشبة لترادف الأمطار المختلفة عليها ونزاهتها 4
السارية : السحابة الماطرة ليلا ، والجمع السواري ، المدجن : الملبس آفاق السماء بظلامه لفرط كثافته ، والدجن إلباس الغيم آفاق السماء ، وقد أدحن الغيم ، الإرزام : التصويت ، وقد أرزمت الناقة إذا رغت ، والأسم الرزمة ، ثم فسر تلك الأمطار فقال : هي كل مطر سحابة سارية ومطر سحاب غاد يلبس آفاق السماء بكثافته وتراكمه وسحابة عشية تتجاوب أصواتها ، أي كأن وعودها تتجاوب ، جمع لها أمطار السنة لأن أمطار الشتاء أكثرها يقع ليلا ، وأمطار الربيع يقع أكثرها غداة وأمطار الصيف يقع أكثرها عشيا . كذا زعم مفسرو هذا البيت 5(465/96)
الأيهقان : بفتح الهاء وضمها : ضرب من النبت وهو الجرجير البري ، أطفلت أي صارت ذوات الأطفال ، المجلهتان : جانبا الوادي : ثم أخبر عن إخصاب الديار وأعشابها فقال : علت بها فروع هذا الضرب من النبت وأصبحت الظباء والنعام ذوات أطفال بجانبي وادي هذه الديار ، قوله : ظباؤها ونعامها ، يريد وأطفلت ظباؤها وباضت نعامها ، لأن النعام تبيض ولا تلد الأطفال ، ولكنه عطف النعام على الظباء في الظاهر لزوال اللبس . ومثله قول الشاعر: إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا أي وكحلن العيون ، وقوله الآخر: تراه كأن الله يجدع أنفه وعينيه أن مولاه صار له وفر أي ويفقأ عينيه ، وقول الآخر : ياليت زوجك قد غدا منقلدا سيفا ورمحا أي وحاملا رمحا ، تضبط نظائر ما ذكرنا ، وزعم كثير من الأئمة النحويين والكوفيين أن هذا المذهب سائغ في كل موضع ، ولوح أبو الحسن الأخفش إلى أن المعول فيه على السماع 6
العين : واسعات العيون ، الطلا : ولد الوحش حين يولد إلى أن يأتي عليه شهر ، والجمع الأطلاء ، ويستعار لولد الإنسان وغيره ، العوذ : الحديثات النتاج ، الواحدة عائذ ، مثل عائط وعوط ، وحائل وحول ، وبازل وبزل ، وفاره وفره ، وجمع الفاعل على فعل قليل معول فيه على الحفظ ، الاجل أجلا ، الفضاء : الصحراء ، البهام : أولاد الضأن اذا انفردت ، وإذا اختلطت بأولاد الضأن أولاد الماعز قيل للجمع بهام ، وإذا انفردت أولاد العز من أولاد الضأن لم تكن بهاما ، وبقر الوحش بمنزلة الضأن ، وشاة الجبل بمنزلة المعز عند العرب ، وواحدة البهام بهم ، وواحد البهم بهمة ، ويجمع البهام على البهمات يقول : والبقر الواسعات العيون قد سكنت وأقامت على أولادها ترضها حال كونها حديثات النتاج وأولادها تصير قطيعا في تلك الصحراء فالمعنى من هذا الكلام : أنها صارت مغنى الوحش بعد كونها مغنى الإنس . ونصب عوذا على الحال من العين 7(465/97)
جلا : كشف ، يجلو جلاء ، وجلوت العروس جلوة من ذلك ، وجلوت السيف جلاء صقلته ، منه أيضا ، السيول : جمع سيل مثل بيت بيوت ، شيخ وشيوخ ، الطلول : جمع الطلل ، الزبر : جمع زبور وهو الكتاب ، والزبر الكتابة ، والزبور فعول بمعنى المفعول بمنزلة الركوب والحلوب بمعنى المركوب والمحلوب ، الإجداد والتجديد واحد يقول : وكشفت السيول عن أطلال الديار فأظهرتها بعد ستر التراب إياها ، فكأن الديار كتب تجدد الأقلام كتابتها .. فشبه الشاعر كشف السيول عن الأطلال التي غطاها التراب بتجديد الكتاب سطور الكتاب الدارس ، وظهور الأطلال بعد دروسها بظهور السطور بعد دروسها ، وأقلام مضافة إلى ضمير زبر ، وأسم كان ضمير الطلول 8
الرجع الترديد والتجديد ، وهو من قولهم : رجعته أرجعته رجعا فرجع يرجع رجوعا . وقد فسرنا الواشمة ، الاسفاف : الذر ، وهو من قولهم : سف زيد السويق وغيره يسفه سفا النؤور : ما يتخذ من دخان السراج والنار ، وقيل : النيلج ، الكفف : جمع كفة وهي الدارات ، وكل شيئ مستدير كفة ، بكسر الكاف ، وجمعها كفف ، وكل مستطيل كفة بضمها ، والجمع كفف ، كذا حكى الأئمة ، تعرض وأعرض : ظهر ولاح ، الوشام : جمع وشم ، شبه ظهور الأطلال بعد دروسها بتجديد الكتابة وتجديد الوشم يقول : كأنها زبر أو ترديد واشمة وشما قد ذرت نؤورها في دارات ظهر الوشام فوقها فأعادتها كما تعيد السيول الأطلال إلى ما كانت عليه ، فجعل إظهار السيل الأطلال كإظهار الواشمة الوشم ، وجعل دروسها كدروس الوشم ، نؤورها اسم ما لم يسم فاعله ، وكففا هو المفعول الثاني بقي على انتصابه بعد إسناد الفعل إلى المفعول ، وشامها : فاعل تعرض وقد أضيف إلى ضمير الواشمة 9(465/98)
الصم : الصلاب ، والواحد أصم والواحدة صماء ، خوالد : بواق ، يبين : بان يبين بيانا ، وأبان قد يكون بمعنى أظهر ويكون بمعنى ظهر ، وكذلك بين وتبين بالتضعيف قد يكون بمعنى ظهر وقد يكون بمعنى عرف واستبان كذلك ، فالأول لازم والأربعة الباقية قد تكون لازمة وقد تكون متعدية ، وقولهم : بين الصبح لذي عينين ، أي ظهر فهو هنا لازم ويروى في البيت : ما يبين كلامها وما يبين ، بفتح الياء وضمها ، وهما هنا بمعنى ظهر يقول : فوقفت أسأل الطلول عن قطانها وسكانها ، ثم قال وكيف سؤالنا حجارة صلابا بواقي لا يظهر كلامها ، أي كيف يجدي هذا السؤال على صاحبه وكيف ينتفع به السائل ؟ لوح إلى أن الداعي إلى هذا السؤال فرط الكلف والشغف وغاية الوله ، وهذا مستحب في النسيب والمرئية لأن الهوى والمصيبة يدلهان صاحبهما 10
بكرت من المكان وابتكرت بمعنى أي سرت منه بكرة ، المغادرة : الترك ، غادرت الشيء تركته وخلفته ، ومنه الغدير لأنه ماء تركه السيل وخلفه ، والجمع الغدر والغدران والأغدرة ، النؤي : نهير يحفر حول البيت لينصب إليه الماء من البيت ، والجمع نؤي وأنآ ، وتقلب فيقال : آناء مثل أبآر وأرآء وآراء ، الثمام : ضرب من الشجر رخو يسد به خلل البيوت يقول : عريت الطلول عن قطانها بعد كون جميعهم بها فساروا منها بكرة وتركوا النؤي ، الئمام ، وإنما لم يحملوا الثما م لأنه لا يعوزهم في محالهم 11(465/99)
الظعن : بتسكين العين تخفيف الظعن بضمها ، وهي جمع الظعون : وهو البعير الذي عليه هودج وفيه امرأة ، وقد يكون الظعن جمع ظعينة وهي المرأة الظاعنة مع زوجها ، ثم يقال لها وهي في بيتها ظعينة ، وقد يجمع بالظعائن أيضا ، التكنس : دخول الكناس والاستكنان به ، القطن : جمع قطين وهو الجماعة ، والقطن واحد ، الصرير : صوت البال والرحل وغير ذلك . يقول : حملتك على الاستياق والحنين نساء الحي أو مراكبهن يوم ارتحل الحي ودخلوا ف الكنس ، جمع الهوادج للنساء بمنزلة الكنس للوحس ، ثم قال : وكانت خيامهم المحمولة أو دخلن هوادج غطيت بثياب القطن ، والقطن من الثياب الفاخرة عندهم ، والضمير في تكنسوا للحي والمضمر الذي أضيف إليه الخيام للظعن ، وقطنا منصوب على الحال إن جعلته جمع قطين ، ومفعول به إن جعلته قطنا 12
حف الهودج وغيره بالثياب : إذا غطي بها ، وحف الناس حول الشيء أحاطوا به . أظل الجدار الشيء : إذا كان في ظل الجدار ، العصي هنا : عيدان الهودج ، الزوج : النمط من الثياب ، والجمع الازواج ، الكلة الستر الرقيق ، والجمع الكلل ، القرام : الستر ، والجمع القرم ، ثم فصل الزوج فقال : هو كلة ، وعبر بها عن الستر الذي يلقي فوق الهودج لئلا تؤذي الشمس صاحبته ، وعبر بالقرم عن الستر المرسل على جوانب الهودج وتحرير المعنى : الهوادج محفوفة بالثياب فعيدانها تحت ظلال ثيابها ، والمضمر بعد القرام للعصي أو الكلة 13(465/100)
الزجل : الجماعات ، الوحدة زجلة ، النعاج: إناث بقر الوحش الواحدة نعجة ، وجرة موضع بعينه . العطف جمع العاطف الذي هو الترحم أو من العطف الذي هو الثني ، الارآم : جمع الرئم وهي الظبي الخالص البياض يقول : تحملوا جماعات كأنهن إناث بقر الوحش فوق الإبل ، شبه النساء في حسن الاعين والمشي بها أو بظباء وجرة في حال ترحمها على أولادها أو في حال عطفها أعناقها للنظر إلى أولادها ، شبه النساء بالظباء في هذه الحال لأن عيونها أحسن ا تكون في هذه الحال لكثرة مائها وتحرير المعنى : شبه الشاعر النساء ببقر توضح وظباء وجرة في كحل أعينها . ونصب زجلا على الحال والعامل فيها تحملوا ، ونصب عطفا على الحال ، ورفع أرآمها لانها فاعل والعامل فيها الحال السادة مسد الفعل 14
الحفز : الدفع ، والفعل حفز يحفز ، الاجزاع : جمع جزع وهو منعطف الوادي ، بيشة : واد بعينه ، الائل : شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منها ، الرضام : الحجارة العظام ، الواحدة رضمة ، والجنس رضم يقول : دفعت الظعن ، أي صرت الركاب ، لتجد في السير وفارقها قطع السراب ، أي رحت خلال قطع السراب ولمعت ، فكأن الظعن منعطفات وادي بيشة أثلها وحجارتها العظام ، شبههما في العظم والضخم بهما 15
نوار : اسم امرأة يشبب بها ، النأي : البعد ، الرمام : جمع الرمة وهي قطعة من الحبل خلقة ضعيفة ، أضرب الشاعر عن صفة الديار ووصف حال احتمال الأحباب بعد تمامها وأخذ في كلام آخر من غير إبطال لما سبق ، بل ، في كلام الله تعالى، لا تكون إلا بهذا المعنى ، لأنه لا يجوز منه إبطال كلامه وإكذابه ، قال مخاطبا نفسه : أي شيء تتذكرين من نوار في حال بعدها وتقطع أسباب وصولها ما قوي منها وما ضعف 16(465/101)
مرية : منسوبة إلى مرة ، فيد : بلدة معروفة ، ولم يصرفها لاستجماعها التأنيث والتعريف ، وصرفها سائغ أيضا لأنها مصوغة على أخف أوزان الإلقاء فعادلت الخفة أحد السببين فصارت كأنه ليس فيها إلا سبب واحد لا يمنع الصرف ، وكذلك حكم كل إسم كان على ثلاثة أحرف ساكن الأوسط مستجمعا للتأنيث والتعريف نحو هند ودعد ، وأنشد النحويون : لم تتلفع بفضل مئزرها دعد ولم تفد دعد في اللعب ألا ترى الشاعر كيف جمع بين اللغتين في هذا البيت ؟ يقول : نوار امرأة من مرة حلت بهذه البلدة وجاورت أهل الحجاز ، يريد أنها تحل بفيد احيانا وتجاور أهل الحجاز ، وذلك في فصل الربيع وأيام الإنتاج لأن الحال بفيد لا يكون مجاورا أهل الحجاز لأن بينها وبين الحجاز مسافة بعيدة وتيها قذفا . وتلخيص المعنى أنه يقول : هي مرية تتردد بين الموضعين وبينهما وبين بلادك بعد ، وكيف يتيسر لك طلبها والوصول اليها 17
عنى بالجبلين : جبلي طي ، أجأ وسلمى ، المحجر : جبل آخر ، فردة : جبل منفرد عن سائر الجبال سمي بذلك لانفراده عن الجبال ، رخام : أرض متصلة بفردة لذلك أضافها إليها يقول : حلت نوار بمشارق أجا وسلمى ، أي جوانبها التي تلي المشرق ، أو حلت بمحجر فتضمنتا فردة فالأرض المتصلة بها وهي رخام ، وإنما يحصي منازلها عند حلولها بفيد ، وهذه الجبال قريبة منها بعيدة عن الحجاز ، تضمن الموضع فلانا إذا حصل فيه ، وضمنته فلانا إذا حصلته فيه ، مثل قولك : ضمنته القبر فتضمنه القبر 18(465/102)
يقال أيمن الرجل إذا أتى اليمن ، مثل أعرق إذا أتى العراق وأخيف إذا أتى خيف منى ، مظنه الشيء : حيث يظن كونه فيه ، ومن الظن ، بالظاء ، وأما قولهم: علق مضنة ، هو من الضن ، بالضاد ، أي شيء نفيس يبخل به ، صوائق : موضع معروف ، وحاف القهر بالراء غير معجمة : موضع معروف ، ومنهم من رواه بالزاي معجمة ، طلخام : موضع معروف ايضا يقول : وإن انتجعت نحو اليمن فالظن أنها تحل بضوائق وتحل من بينها بوحاف القهر أو بطلخام ، وهما خاصان مع الإضافة إلى صوائق . وتلخيص المعنى : أنها إن أتت اليمن حلت بوحاف القهر أو طلخام من صوائق 19
اللبانة : الحاجة ، الخلة : المودة المتناهية ، والخليل والخل والخلة واحد ، الصرام : القطاع ، فعال من الصرم والقطع ، والفعل صرم يصرم ، ثم أضرب الشاعر عن ذكر نوار وأقبل على نفسه مخاطبا إياها فقال : فاقطع أربك وحاجتك ممن كان وصله معرضا للزوال والانتقاض ، ثم قال : وشر من وصل محبة أم حبيبا من قطعها ، أي شر واصلي الأحباب أو المحبات قطاعها ، يذم من كان وصله في معرض الانتكاث والانتقاض . ويروى : ولخير واصل ، وهذه أوجه الروايتين وأمثلهما، أي خير واصلي المحبات أو الأحباب إذا رجا غيرهم قطاعها إذ يئس منه ، قوله لبانة من تعرض ، أي لبانتك منه ، لأن قطع لبانة منك ليس إليك 20(465/103)
حبوته بكذا أحبون حباء : إذا أعطيته إياه ، المجامل : المصانع ويروى : المحامل ، أي الذي يتحمل أذاك كما تتحمل أذاه ، بالجزيل أي بالود الجزيل . الجزال والكمال والتمام أصله الضخم والغلظ ، والفعل جزل يجزل والنعت جزل وجزيل ، وقد أجزل عطيته وفره وكثرها ، الصرم : القطيعة ، الظلع :غمز من الدواب ، الزبغ : الميل ، والإزاغة هي الإمالة ، قوام الشيء : ما يقوم به يقول : وأحب من جاملك وصانعك وداراك بود كامل وافر ، ثم قال : وقطيعته باقية إن ظلعت خلته ومال قوامها ، أي إن ضعفت أسبابها ودعائمها ، أي إن حال المجامل عن كرم العهد فأنت قادر على صرمه وقطيعته .. فالمضمر الذي أضيف إليه قوامها للخلة وكذلك المضمر في ظلعت 21
الطلح والطليح : المعيي ، وقد طلحت البعير أطلحه طلحا أعييته ، فطليح على وزن فعيل بمعنى مفعول ، بمنزلة الجريح والقتيل ، وطلح على وزن فعل في معنى مفعول بمنزلة الذبح والطحن بمعنى المذبوح والمطحون ، أسفار : جمع سفر ، الإحناق : الضمر . الباء في قوله بطليح من صلة وصرمة . يقول ، إذا زال قوام خلته فأنت تقدر على قطيعته بركوب ناقة أعيتها الأسفار وتركت بقية من لحمها وقوتها فضمر صلبها وسنامها . وتلخيص المعنى : فأنت تقدر على قطيعته بركوب ناقة قد اعتادت الأسفار ومرنت عليها 22
تغالى لحمها : ارتفع إلى رؤوس العظام ، من الغلاء وهو الارتفاع ومنه قولهم غلا السعر يغلو غلاء ، إذا ارتفع ، تحسرت أي صارت حسيرا فهي كالة معيية عارية من اللحم ، الخدام ، والخدم جمع خدمة وهي سيور تشد بها النعال إلى أرساغ الإبل يقول : فاذا ارتفع لحمها إلى رؤوس عظامها وأعيت عن اللحم وتقطعت السيور التي تشد بها نعالها بعد إعيائها وجواب هذا البيت الذي بعده 23(465/104)
الهباب : النشاط ، الصهباء : الحمراء ، يريد كأنها سحابة صهباء فحذف الموصوف ، خف يخف خفوفا : أسرع ، الجهام : السحاب الذي أراق ماؤه يقول : فلها في مثل هذا الحال نشاط في السير في حال قود زمامها فكأنها في سرعة سيرها سحابة حمراء قد ذهبت الجنوب بقطعها التي اهرقت ماءها فانفردت عنها ، وتلك أسرع ذهابا من غيرها 24
ألمعت الأتان فهي ملمع : أشرق ضبياها باللبن ، وسقت : حملت تسق وسقا ، الأحقب : العير الذي في وركيه بياض أو في خاصرتيه ، لاحه ، ولوحه : غيره ويروى : طرد الفحولة ضربها وعذامها ، الفحول والفحولة والفحالة : جمع فحل ، الكدام : يجوز أنه بمنزلة الكدم وهو العض ، وأن يكون بمنزلة المكادمة وهي المعاضة ، العذام : يجوز أن يكون بمنزلة العذم وهو العض ، وأن يكون بمنزلة المعاذمة وهي المعاضة يقول : كأنها صهباء أو أتان أشرقت أطباؤها باللبن وقد حملت تولبا لفحل أحقب قد غير وهزل ذلك الفحل طرده الفحول وضربه إياها وعضه لها . وتلخيص المعنى : أنها تشبه في شدة سيرها هذه السحابة أو هذه الأتان التي حملت تولبا لمثل هذا الفحل شديد الغيرة عليها فهو يسوقها سوقا عنيفا 25
الإكام : جمع أكم ، وكذلك الآكام والأكم جمع أكمة ، ويجمع الآكام على الأكم ، حدبها : ما احدودب منها ، السحج: القشر والخدش العنيف ، والتسحيج مبالغة السحج ، الوحام والوحم : إشتهاء الحبلى للشيء والفعل وحمت توحم وتاحم وتيحم ، هذا القياس مطرد في فعل يفعل من معتل الفاء يقول : يعلي هذا الفحل الأتان الأكام إتعابا لها وإبعادا بها عن الفحول ، وقد شككه في أمرها عصيانها إياه في حال حملها واشتهاؤها إياه قبله ، والمسحج : العير المعضض 26(465/105)
الأحزة : جمع حزيز وهو مثل القف ، ثلبوت : موضع بعينه ، ربأت القوم وربأت لهم أربأ ربأ : كنت ربيئة لهم ، القفر : الخالي ، الجمع القفار ، المراقب : جمع مرقبة وهو الموضع الذي يقوم عليه الرقيب ، ويريد بالمراقب الاماكن المرتفعة ، الآرام : أعلام الطريق ، الواحد أرم يقول : يعلو العير بالأتان الإكام في قفار هذا الموضع ويكون رقيبا لها فوقها في موضع خال من الاماكن المرتفعة ، لأنه يخاف أعلامها ، أي يخاف استتار الصيادين بأعلامها . وتلخيص المعنى : أنهما بهذا الموضع والعير يعلو إكامه لينظر إلى أعلامها هل يرى صائد استتر بعلم منها يريد أن يرميها 27
سلخت الشهر وغيره أسلخه سلخا : مر علي ، وانسلخ الشهر نفسه ، جمادى : أسم للشتاء ، سمي بها لجمود الماء فيه ، ومنه قول الشاعر : في ليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا أي من الشتاء ، جزأ الوحش يجزأ جزءا : اكتفى بالرطب عن الماء ، الصيام : الإمساك في كلام العرب ، ومنه الصوم المعروف لانه إمساك عن المفطرات يقول : أقاما بالثلبوت حتى مر عليهما الشتاء ستة أشهر الربيع فاكتفيا بالرطب عن الماء وطال إمساك العير وإمساك الأتان عنه ، وستة بدل من جمادى لذلك نصبها ، وأراد ستة أشهر فحذف أشهرا لدلالة الكلام عليه 28
الباء في بأمرهما زائدة إن جعلت رجعا من الرجوع ، أي رجع أمرهما أي أسنداه ، وإن جعلته من الرجوع كانت الباء للتعدية ، المرة : القوة : والجمع المرر ، وأصلها قوة الفتل ، الامرار : إحكام الفتل ، الحصد : المحكم ، والفعل حصد يحصد ، وقد أحصدت الشيء أحكمته ، النجح والنجاح : حصول المراد ، الصريمة : العزيمة التي صرمها صاحبها عن سائر عزائمه بالجد في إمضائها والجمع صرائم ، الإبرام : الإحكام يقول : أسند العير والاتان أمرهما إلى عزم أو رأي محكم ذي قوة وهو عزم العير على الورود أو رأيه فيه ، ثم قال : وإنما يحصل المرام بإحكام العزم 29(465/106)
الدوابر : مآخير الحوافر ، السفا : شوك البهمي وهو ضرب من الشوك ، هاج الشيء يهيج هيجانا واهتاج اهتياجا وتهيج تهيجا . تحرك ونشأ ، وهجته هيجا وهيجته تهييجا ، المصايف : جمع المصيف وهو الصيف ، السوم : المرور ، والفعل سام يسوم ، السهام : شدة الحر يقول : وأصاب شوك البهمي مآخير حوافرها . وتحرك ريح الصيف : مرورها وشدة حرها ، يشير بهذا الى انقضاء الربيع ومجيء الصيف واحتياجها الى ورود الماء 30
التنازع : مثل التجاذب ، السبط : الممتد الطويل ، كدخان مشعلة أي نار مشعلة ، فحذف الموصوف . شب النار واشعالها واحد والفعل منه شب يشب ، الضرام : دقائق الحطب ، واحدها ضرم وواحد الضرم ضرمة وقد ضرمت النار واضطرمت وتضرمت التهبت ، وأضرمتها وضرمتها أنا ، سبطا : غبارا سبطا ، فحذف الموصوف يقول : فتجاذب العير والاتان في عدوهما نحو الماء غبارا ممتدا طويلا كدخان نار موقدة تشعل النار في دقائق حطبها . وتلخيص المعنى : أنه جعل الغبار الساطع بينهما يعدوهما كثوب يتجاذبانه ، ثم شبه فى كثافته وظلمته بدخان نار موقدة 31(465/107)
مشمولة : هبت عليها ريح الشمال ، وقد شمل الشيء أصابته ريح الشمال ، الغلث والعلث : الخلط ، والفعل غلث يغلث ، بالغين والعين جميعا ، الثابت : الغض، ومنه قول الشاعر : ووطئنا وطأ على حنق وطء المقيد نابت الهرم أي غضه ، العرفج : ضرب من الشجر ، ويروى : عليت بنابت ، أي وضع فوقها ، الأسنام : جمع سنام ، ويروى : بثابت أسنامها ، وهو الارتفاع والرفع جميعا يقول : هذه النار قد أصابتها الشمال وقد خلطت بالحطب اليابس والرطب الغض كدخان نار قد أرتفع أعاليها ، وسنام الشيء أعلاه . شبه الغبار الساطع من قوائم العير والأتان بنار أوقدت بحطب يابس تسرع فيه النار وحطب غض ، وجعلها كذلك ليكون دخانها أكثف فيشبه الغبار الكثيف ، ثم جعل هذا الدخان الذي شبهه الغبار كدخان نار قد سطع أعاليها في الاضطرام والالتهاب ليكون دخانه أكثر ، وجر مشمولة لأنها صفة لمشعلة ، وقوله : كدخان نار ساطع أسنامها ، صفة أيضا ، إلا أنه كرر قوله (كدخان) لتفخيم الشأن وتعظيم القصة ، كنظائر من مثل : أرى الموت لا ينجو من الموت هاربه وهو أكثر من أن يحصى 32
التعريد : التأخر والجبن ، والإقدام : بمعنى التقدمة لذلك أنث الشاعر فعلها فقال وكانت تقدمه الأتان عادة من العير ، وهذا مثل قول الشاعر : غفرنا وكانت من سجيتنا الغفر أي وكانت المغفرة من سجيتنا . وقال رويشد بن كثير الطائي: ياأيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت أي ما هذه الاستغاثة ، لأن الصوت مذكر يقول : فمضى العير نحو الماء وقدم الأتان لئلا تتأخر ، وكانت تقدمة الأتان عادة من العير إذا تأخرت هي ، أي خاف العير تأخرها 33(465/108)
العرض : الناحية ، السري : النهر الصغير ، والجمع الأسرية ، التصديع : التشقيق ، السجر : الملء ، أي عينا مسجورة ، فحذف الموصوف لما دلت عليه الصفة ، القلام : ضرب من النبت يقول :فتوسط العير والأتان جانب النهر الصغير وشقا عينا مملوءة ماء قد تجاور قلامها ، أي كثر هذا الضرب من النبت عليها . وتحرير المعنى : أنهما قد وردا عينا ممتلئة ماء فدخلا فيها من عرض نهرها وقد تجاور نبتها 34
اليراع : القصب ، الغابة : الأجمة ، والجمع الغاب ، المصرع : مبالغة المصروع ، القيام : جمع قائم يقول : قد شقا عينا قد حفت بضروب النبت والقصب فهي وسط القصب يظلها من القصب ما صرع من غابتها وما قام منها ، يريد أنها في ظل قصب بعضه مصروع وبعضه قائم 35
مسبوعة أي قد أصابها السبع بافتراس ولدها ، الهادية : المتقدمة والمتقدم أيضا ، فتكون التاء إذن للمبالغة ، الصوار والصيار : القطيع من بقر الوحش ، والجمع الصيران ، قوام الشيء : ما يقوم به هو يقول : أفتلك الأتان المذكورة تشبه ناقتي في الإسراع في السير أم بقرة وحشية قد أفترس السبع ولدها حين خذلته وذهبت ترعى مع صواحبها وقوام أمرها الفحل الذي يتقدم القطيع من بقر الوحش . وتحرير المعنى : أناقتي تشبه تلك الأتان أو هذه البقرة التي خذلت ولدها وذهبت ترعى مع صواحبها وجعلت هادية الصوار قوام أمرها فافترست السباع ولدها فأسرعت في السير طالبة لولدها 36(465/109)
الخنس : تأخر في الأرنبة ، الفرير : ولد البقرة الوحشية ، والجمع فرار على غير قياس ، الريم : البراح ، والفعل رام يريم ، العرض : الناحية ، الشقائق : جمع شقيقة وهي أرض صلبة بين رملتين ، البغام : صوت رقيق يقول : هذه البقرة الوحشية قد تأخرت أرنبتها (والبقر كلها خنس) وقد ضيعت ولدها ، أي خذلته حتى افترسته السباع فذلك تضييعها إياه ، ثم قال : ولم يبرح طوفها وخوارها نواحي الارضين الصلبة في طلبه . وتحرير المعنى : ضيعته حتى صادته السباع فطلبته طائفة وصائحة فيما بين الرمال 37
العفر والتعفير : الالقاء على العفر وهو أديم الأرض ، القهد : الابيض ، التنازع : التجاذب ، الشلو : العضو ، وقيل هو بقية الجسد ، والجمع الاشلاء ، الغبس جمع أغبس وغباء ، والغبسة : لون كلون الرماد ، المن : القطع ، والفعل من يمن ، ومنه قوله تعالى :"لهم أجر غير ممنون" ومنه سمي الغبار منينا لانقطاع بعض أجزائه عن بعض ، والدهر والمنية منونا لقطعهما أعمار الناس وغيرهم يقول : هي تطوف وتبغم لأجل جؤذر ملقى على الارض أبيض قد تجاذبت أعضاءه ذئاب أو كلاب غبس لا يقطع طعامها ، أي لا تفتر في الاصطياد فينقطع طعامها هذا إذا جعلت غبسا من صفة الذئاب ، وإن جعلتها من صفة الكلاب فمعناه : لا يقطع أصحابها طعامها ، وتحرير المعنى : أنها تجد في الطلب لاجل فقدها ولدا قد ألقي على أديم الارض وافترسته كلاب أو ذئاب صوائد قد أعتادت الاصطياد ، وبقر الوحش بيض ما خلا أوجهها وأكارعها ، لذلك قال الشاعر : قهد ، الكسب : الصيد في البيت 38
الغرة : الغفلة ، الطيش : الانحراف والعدول يقول : صادفت الكلاب أو الذئاب غفلة من البقرة فأصبن تلك الغفلة أو تلك البقرة بافتراس ولدها ، أي وجدتها غافلة عن ولدها فاصطادته ، ثم قال : وإن الموت لا تطيش سهامه ، أي لا مخلص من هجومه ، واستعار له سهاما واستعار للإخطاء لفظ الطيش ، لان السهم إذا أخطأ الهدف فقد طاش عنه 39(465/110)
الوكف والوكفان واحد ، والفعل منهما وكف يكف أي قطر ، الديمة : مطرة تدوم وأقلها نصف يوم وليلة ، والجمع الديم ، وقد دومت السحابة إذا كان مطرها ديمة ، وأصل ديمة دومة فقلبت الواو يا لانكسار ما قبلها ثم قلبت في الديم حملا على القلب في الواحد ، الخمائل : جمع خميلة وهي كل رملة ذات نبت عند الاكثر من الائمة . وقال جماعة منهم هي أرض ذات شجر ، التسجم : في معنى السجم أو السجوم ، يقال سجم الجمع وغيره يسجمه سجما فسجم وهو يسجم سجوما أي صبته فانصب يقول : باتت البقرة بعد فقدها ولدها وقد أسيل مطر واكف من مطر دائم يروي الرمال المنبتة والارضين التي بها أشجار في حال دوام سكبها الماء ، أي باتت في مطر دائم الهطلان . وواكف يجوز أن يكون صفة مطر ، ويجوز أن يكون صفة سحاب 40
طريقة المتن : خط من ذنبها إلى عنقها ، الكفر : التغطية والستر يقول : يعلو صلبها قطر متواتر في ليلة ستر غمامها النجوم 41
الاجتياف : الدخول في جوف الشيء ، ويروى : تجتاب ، بالباء أي تلبس ، التنبيذ : التنحي من النبذة وهي الناحية ، العجب : أصل الذنب ، والجمع العجوب ، فاستعاره لاصل النقا ، والنقا : الكثيب من الرمل والتثنية نقوان ونقيان ، والجمع انقاء ، الهيام : ما لا تماسك به من الرمال وأصله من هام يهيم يقول : وقد دخلت لبقرة الوحشية في جوف أصل شجرة متنح عن سائر الشجر وقد قلصت أغصانها ، وذلك الشجر في أصول كثبان من الرمل يميل ما لا يتماسك منها عليها لهطلان المطر وهبوب الريح . وتحرير المعنى أنها تستتر من البرد والمطر بأغصان الشجر ولا تقيها البرد والمطر لتقلصها وتنهال كثبان الرمل عليها مع ذلك 42(465/111)
الإضاءة والإنارة : يتعدى فعلهما ويلزم ، وهما لازمان في البيت ، وجه الظلام . أوله ، وكذلك وجه النهار ، الجمان والجمانة : درة مصنوعة من الفضة ، ثم يستعاران للدرة ، وأصله فارسي معرب وهو كمانة يقول : وتضيء هذه البقرة في أول ظلام الليل كدزة الصدف البحري أو الرجل البحري حين سلم النظام منها ، شبه البقرة في تلألؤ لونها بالدرة وإنما خص ما يسل نظامها إشارة إلى أنها تعدو ولا تستقر كما تتحرك وتنتقل الدرة التي سل نظامها ، وإنما شبهها بها لأنها بيضاء متلالئة ما خلا أكارعها ووجهها 43
الانحسار : الانكشاف والانجلاء ، الإسفار : الاضاءة إذا لزم فعلها الفاعل ، والازلام : قوائمها ، جعلها أزلاما لاستوائها ، ومنه سميت القداح أزلاما ، والتزليم التسوية ، وواحد الازلم زلم ، والزلمة القد ، ومنه قولهم : هو العبد زلمة ، أي قده قد العبد يقول : حتى إذا انكشف وانجلى ظلام الليل وأضاء ، بكرت البقرة من مأواها فأخذت فوائمها تزل عن التراب الندي لكثرة المطر الذي أصابه ليلا 44
العله والهلع : الانهماك في الجزع والضجر ، ويروى تلبد ، أي تتحير وتتعمه ، النهاء جمع نهي . ونهي ، بفتح النون وكسرها : وهما الغدير ، وكذلك الانهاء ، صعائد : موضع بعينه ، التؤام : جمع توأم يقول : أمعنت في الجزع وترددت متحيرة في وهاد هذا الموضع ومواضع غدرانه سبع ليال تؤام للايام ، وقد كملت أيام تلك الليالي ، أي ترددت في طلب ولدها سبع ليال بأيامها ، وجعل أيامها كاملة إشارة إلى أنها كانت من أيام الصيف وشهور الحر 45
الاسحاق : الإخلاق ، والسحق الخلق ، الخالق : الضرع الممتلئ لبنا يقول : حتى إذا يئست البقرة من ولدها وصار ضرعها الممتلئ لبنا خلقا لانقطاع لبنها ، ثم قال : ولم يبل ضرعها إرضاعها ولدها ولا فطامها إياه وإنما فقدها إياه 46(465/112)
الرز : الصوت الخفي ، الأنيس والانس والأناس الناس واحد ، راعها : أفزعها ، السقام والسقم واحد ، والفعل سقم يسقم ، والنعت سقيم ، وكذلك النعت مما كان من أفعال فعل يفعل من الأدواء والعلل نحو مرض يقول : فتسمعت البقرة صوت الناس فأفزعها ذلك وإنما سمعته عن ظهر غيب ، أي لم تر الأنيس ، ثم قال : والناس سقم الوحش وداؤها لأنهم يصيدونها ونقصون منها نقص السقم من الجسد . وتحرير المعنى : أنها سمعت صوتا ولم تر صاحبه فخافت ولا غرو أن تخاف عند سماعها صوت الناس لأن الناس يبيدونها ويهلكونها ، والتقدير : فتسمعت رز الأنيس عن ظهر غيب فراعها والأنيس سقامها 47
الفرج : موضع المخافة ، والفرج ما بين قوائم الدواب ، فما بين اليدين فرج ، والجمع فروج ، وقال الثعلب : إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء ، كقوله تعالى:"مأواكم النار هي مولاكم" أي أولى بكم يقول : فغدت البقرة وهي تحسب أن كل فرج من فرجيها هو الأولى بالمخافة منه ، أي بأن يخاف منه . وتحرير المعنى : أنها لم تقف على أن صاحب الرز خلفها أم أمامها فغدت فزعة مذعورة لا تعرف منجاها من مهلكها . وقال الأصمعي : أراد بالمخافة الكلاب وبمولاها صاحبها ، أي غدت وهي لا تعرف ان الكلاب والكلاب خلفها أو أمامها فهي تظن كل جهة من الجهتين موضعا للكلاب والكلاب ، والضمير الذي هو اسم أن عائد إلى كلا وهو مفرد الفظ وإن كان يتضمن معنى التثنية ، ويجوز حمل الكلام بعده على لفظه مرة وعلى معناه مرة أخرى ، والحمل على اللفظ أكثر ، وتمثيلهما : كلا أخويك سبني وكل أخويك سباني 48(465/113)
الغضف من الكلاب : المسترخية الآذان ، والغضف استرخاء الأذن يقال : كلب أغضف وكلبة غضفاء ، الدواجن : المعلمات ، القفول : اليبس ، أعصامها : بطونها ، وقيل بل سواجيرها وهي قلائدها من الحديد والجلود وغير ذلك ، يقول : حتى إذا يئس الرماة من البقرة وعلموا أن سهامها لا تنالها وأرسلوا كلابا مسترخية الآذان معلمة ضوامر البطون أو يابسة السواجير 49
عكر واعتكر : عطف ، المدرية : طرف قرنها ، السمهرية من الرماح : منسوبة إلى سمهر ، رجل كان بقرية تسمى خطا من قرى البحرين وكان مثقفا ماهرا فنسبت إليه الرماح الجيدة . يقول فلحقت الكلاب البقرة وعطفت عليها ولها قرن يشبه الرماح في حدتها وتمام طولها أي ، أقبلت البقرة على الكلاب وطعنتها بهذا القرن الذي هو كالرماح 50
الذود : الكف والرد ، الإحمام والإجمام : القرب ، الحتف : قضاء الموت ، وقد يسمى الهلاك حتفا ، الحمام : تقدير الموت ، يقال : حم كذا أي قدر . يقول : عطفت البقرة وكرت لترد الكلاب وتطردها عن نفسها ، وأيقنت أنها إن لم تذدها قرب موتها من جملة حتوف الحيوان ، أي أيقنت انها إن لم تطرد الكلاب قتلتها الكلاب 51
أقصد وتقصد : قتل ، كساب ، مبنية على الكسرة : اسم كلبة ، وكذلك سخام . وقد روي بالحاء المهملة يقول : فقتلت البقرة كساب من جملة تلك الكلاب فحمرتها بالدم وتركت سخاما في موضع كرها صريعة ، أي قتلت هاتين الكلبتين ، التضريج : التحمير بالدم ، ضرجته فتضرج ، ويريد بالمكسر موضع كرها 52
يقول : فبتلك الناقة إذ رقصت لوامع السراب بالضحى ، أي تحركت ولبست الإكام أردية من السراب . وتحرير المعنى : فبتلك الناقة التي أشبهت البقرة والأتان أقضي حوائجي في الهواجر ، ورقص لوامع السراب ولبس الإكام أرديته كناية عن احتدام الهواجر 53(465/114)
اللبانة : الحاجة ، التفريط : التضييع وتقدمة العجز ، الريبة : التهمة ، واللوام مبالغة اللائم واللوام جمع اللائم يقول : بركوب هذه الناقة وإتعابها في حر الهواجر أقضي وطري ولا أفرد في طلب بغيتي ولا أدع ريبة إلا أن يلومني لائم . وتحرير المعنى : أنه لا يقصر ولكن لايمكنه الاحتراز عن لوم اللوام إياه ، وأوفي قوله : أو أن يلوم ، بمعنى إلا ، ومثله قولهم : لألزمنه أو يعطيني حقي ، أي إلا أن يعطيني حقي ، وقال امرؤ القيس : فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا أي إلا أن نموت 54
الحبائل : جمع الحبالة وهي مستعارة للعهد والمودة هنا ، الجذم : القطع ، والفعل جذم يجذم ، الجذام مبالغة المجاذم . ثم رجع إلى التشبيب بالعشيقة . فقال : أو لم تكن تعلم نوار أني وصال عقد العهود والمودات وقطاعها ، يريد أنه يصل من استحق الصلة ويقطع من استحق القطيعة 55
يقول : إني تراك أماكن إذا لم أرضها إلا أن يربط نفسي حمامها فلا يمكنها البراح ، وأراد ببعض النفوس هنا نفسه . هذا أوجه الأقوال وأحسنها . ومن جعل بعض النفوس فقد أخطأ لأن بعضا لا يفيد العموم والاستيعاب . وتحرير المعنى: إني لا أترك الأماكن التي اجتويها وأقليها إلا أن أموت 56
ليلة طلق وطلقة : ساكنة لا حر فيها ولا قر ، الندام : جمع نديم مثل الكرام في جمع كريم ، والندام أيضا المنادمة مثل الجدال والمجادلة ، والندام في البيت يحتمل الوجهين ، أضرب عن الإخبار للمخاطبة فقال : بل أنت يا نوار لا تعلمين كم من ليلة ساكنة غير مؤذية بحر ولا برد لذيذة اللهو والندماء او المنادمة ، وتحرير المعنى : بل أنت تجهلين كثرة الليالي التي طابت لي واستلذت لهوي وندمائي فيها الكرام او منادمتي الكرام فيها 57(465/115)
الغاية : راية ينصبها الخمار ليعرف مكانه ، وأراد بالتاجر الخمار ، وافيت المكان : أتيته ، المدام ، والمدامة : الخمر ، سميت بها لأنها قد أدميت في دنها ، يقول : قد بت محدث تلك الليلة ، أي كنت سامر ندمائي ومحدثهم فيها ، ورب راية خمار أتيتها حين رفعت ونصبت وغلت خمرها وقل وجودها . وهو يمتدح بكونه لسان أصحابه وبكون جوادا لاشترائه الخمر غالية لندمائه 58
سبأت الخمر أسبؤها سبأ وسباء : اشتريتها ، أغليت الشيء : اشتريته غاليا وصيرته غاليا ووجدته غاليا ، الأدكن : الذي فيه دكنة كالخز الأدكن ، أراد بكل زق أدكن ، الجونة : السوداء ، أراد أو خابية سوداء ، قدحت ، القدح : الغرف ، الفض : الكسر ، الخاتم والخاتام والخيتام والختام واحد يقول : أشتري الخمر غالية السعر باشتراء كل زق أدكن أو خابية سوداء قد فض ختامها واغترف منها . وتحرير المعنى : أنا أشتري الخمر للندماء عند غلاء السعر واشتري كل زق مقير أو خابية مقيرة ، وإنما قيرا لئلا يرشحا بما فيهما ، وقوله : قدحت وفض ختامها ، فيه تقديم وتأخير ، وتقديره : فض ختامها وقدحت لأنه إن لم يكسر ختامها لا يمكن اغتراف ما فيها من الخمر 59
الكرينة : الجارية العوادة ، والجمع الكرائن ، الائتيال : المعالجة ، وأراد بالموتر العود يقول : وكم من صبوح خمر صافية وجذب عوادة عودا موترا تعالجه إبهام العوادة . وتحرير المعنى : كم من صبوح من خمر صافية استمتعت باصطحابها وضربت عوادة فيها على عودها ، فاستمتعت بالإصغاء إلى أغانيها 60
يقول : باكرت الديوك لحاجتي إلى الخمر ، إي تعاطيت شربها قبل أن يصبح الديك ، لأسقى منها مرة بعد أخرى حين استيقظ نيام السحرة ، والسحرة والسحر بمعنى ، والدجاج اسم للجنس يعم ذكوره وإناثه ، والواحد دجاجة ، وجمع الدجاج دجج ، والدجاج ، بكسر الدال ، لغة غير مختارة . وتحرير المعنى : باكرت صياح الديك لأسقي الخمر سقيا متتابعا 61(465/116)
القرة والقر : البرد يقول : كم من غداة تهب فيها الشمال (وهي أبرد الرياح) وبرد قد ملكت الشمال زمامه قد كففت عادية البرد عن الناس بنحر الجزر لهم . وتحرير المعنى : وكم من برد كففت غرب عاديته بإطعام الناس 62
الشكة : السلاح ، الفرط : الفرس المتقدمة السريعة الخفيفة ، الوشاح والإشاح بمعنى ، والجمع الوشح يقول : ولقد حميت قبيلتي في حال حملتني فرس متقدمة سريعة ، كان سلاحي ووشاحي لجامها إذا غدوت ، يريد انه يلقي لجام الفرس على عاتقه ويخرج منه يده حتى يصير بمنزلة الوشاح ، أي انه يتوشح بلجامها لفرط الحاجة إليه حتى إذا ارتفع صراخ ألجم الفرس وركبها سريعا . وتحرير المعنى : ولقد حميت قبيلتي وأنا على فرس أتوشح بلجامها إذا نزلت لأكون متهيئا لركوبها 63
المرتقب : المكان المرتفع الذي يقوم عليه الرقيب ، الهبوة : الغبرة ، لحرج : الضيق جدا ، الأعلام : الجبال والرايات ، القتام : الغبار يقول : فعلوت عند حماية الحي مكانا عاليا ، أي كنت ربيئة على ذي هبوة ، أي على جبل ذي هبوة ، وقد قرب قتام الهبوة إلى أعلام فرق الأعداء وقبائلهم ، أي ربأت لهم على جبل قريب من جبال الأعداء ومن راياتهم 64
الكافر : الليل ، سمي به لكفره الاشياء أي لستره ، والكفر الستر ، والإجنان الستر ايضا ، الثغر : موضع المخافة ، والجمع الثغور ، وعورته أشده مخافة يقول : حتى إذا ألقت الشمس يدها في الليل ، أي ابتدأت في الغروب ، وعبر عن هذا المعنى بالقاء لليد لأن من ابتدأ بالشيئ قيل ألقى يده فيه وستر الظلام مواضع المخافة ، والضمير بعد ظلامها للعورات . وتحرير المعنى : حتى إذا غربت الشمس وأظلم الليل 65(465/117)
أسهل : أتى السهل من الأرض ، المنيفة : النخلة العالية ، الجرداء : القليلة السعف والليف، مستعارة من الجرداء من الخيل ، الحصر : ضيق الصدر ، والفعل حصر يحصر ، الجرام : جمع جارم وهو الذي يجرم النخل أي يقطع حمله يقول : لما غربت الشمس وأظلم الليل نزلت من المرقب وأتيت مكانا سهلا وانتصبت الفرس ، أي رفعت عنقها ، كجذع نخلة طويلة عالية تضيق صدور الذي يريدون قطع حملها لعجزهم عن ارتقائها ، شبه الشاعر عنق الفرس في الطول بمثل هذه النخلة ، وقوله : كجذع منيفة ، أي كجذع نخلة منيفة 66
رفعتها : مبالغة رفعت . الطرد والطرد بفتح الراء وتسكينها لغتان جيدتان ، والشل والشلل الطرد أيضا يقول ك حملت فرسي وكلفتها عدوا مثل عدو النعام أو كلفتها عدوا يصلح لاصطياد النعام حتى إذا جدت في الجري وخف عظامها في السير 67
القلق : سرعة الحركة ، الرحالة : شبه سرج يتخذ من جلود الغنم بأصوافها ليكون أخف في الطلب والهرب ، والجمع الرحائل ، أسبل : أمطر ، الحميم : العرق يقول : اضطربت رحالتها على ظهرها من إسراعها في عدوها ومطر نحرها عرقا وابتل حزامها من زبد عرقها ، أي من عرقها 68
رقي يرقى رقيا : صعد وعلا ، الانتحاء : الاعتماد ، الحمام : ذوات الأطواق من الطير ، واحدتها حمامة ، وتجمع الحمامة على الحمامات والحمائم ايضا يقول : ترفع عنقها نشاكا في عدوها كأنها تطعن بعنقها في عنانها ، وهي تعمد في عدوها الذي يشبه ورد الحمام حين جد سرب الحمام التي هي في جملته في الطيران لما ألح عليها من العطش . شبه الشاعر سرعة عدوها بسرعة طيران الحمائم إذا كانت عطشى ، وورد الحمامة نصب على المصدر من غير لفظ الفعل وهو ترقى أو تطعن أو تنتحي 69(465/118)
الذيم والذام : العيب يقول : رب مقامة أو قبة أو دار كثرت غرباؤها وغاشيتها وجهلت ، أي لايعرف بعض الغرباء بعضا ، نرجى عطاياها ويخشى عيبها ، وهو يفتخر بالمناظرة التي جرت بينه وبين الربيع بن زياد في مجلس النعمان بن منذر ملك العرب ، ولها قصة طويلة . وتحرير المعنى: رب دار كثرت غاشيتها لأن دور الملوك يغشاها الوفود وغرباؤها يجهل بعضهم بعضا وترجى عطايا الملوك وتخشى معايب تلحق في مجالسها 70
الغلب : الغلاظ الأعناق ، التشذر : التهدد ، الذحول : الأحقاد ، الواحد ذحل ، البدي : موضع الرواسي يقول : هم رجال غلاظ الأعناق كالأسود ، أي خلقوا خلقة الأسود ، يهدد بعضهم بعضا بسبب الأحقد التي بينهم ،ثم شبههن بجن هذا الموضع في ثيابهم في الخصام والجدال ، يمدح بذلك خصومه ، وكلما كان الخصم أقوى وأشد كان قاهره وغالبه أقوى وأشد 71
باء بكذا : أقر ، ومنه قولهم في الدعاء : أبوء لك بالنعمة أي أقر يقول : أنكرت باطل دعاوى تلك الرجال الغلب وأقررت بما كان حقا منها عندي ، أي في اعتقادي ، ولم يفخر علي كرامتى ، أي لم يغلبني بالفخر كرامها ، من قولهم : فاخرته ففخرته ، أي غلبته بالفخر ، وكان ينبغي أن يقول : ولم تفخرني كرامها ، ولكنه ألحق علي حملا عل معنى ولم يتعال علي ولم يتكبر علي 72
الأيسار : جمع يسر وهو صاحب الميسر ، المغالق : سهام الميسر ، سميت بها لأن بها يغلق الخطر ، قولهم : غلق الرهن يغلق غلقا ، إذا لم يوجد له تخلص وفكاك يقول : ورب جزور أصحاب ميسر دعوت ندمائى لنحرها وعقرها بأزلام متشابهة الأجسام ، وسهام الميسر يشبه بعضها بعضا . وتحرير المعنى: ورب جزور أصحاب ميسر كانت تصلح لتقامر الايسار عليها دعوت ندمائى لهلاكها أي لنحرها بسهام متشابهة . قال الائمة : يفتخر بنحره إياها من صلب ماله لا من كسب قماره ، والأبيات التي بعده تدل عليه ، وإنما أراد السهام ليقرع بها بين إبله أيها ينحر للندماء 73(465/119)
العاقر : التي لا تلد ، المطفل : التي معها ولدها ، اللحام : جمع لحم يقول : أدعو بالقداح لنحر ناقة عاقر أو ناقة مطفل تبذل لحومها لجميع الجيران ، أي إنما أطلب القدح لأنحر مثل هاتين ، وذكر العاقر لأنها أسمن وذكر المطفل لأنها أنفس 74
الجنيب : الغريب ، تبالة : واد مخصب من أودية اليمن ، الهضيم ، المطمئن من الأرض ، والجمع الاهضام والهضوم يقول : فالأضياف والجيران الغرباء عندي كأنهم نازلون هذا الوادي في حال كثرة نبات أماكنة المطمئنة . شبه الشاعر ضيفه وجاره في الخصب والسعة بنازل هذا الوادي أيام الربيع 75
الأطناب : حبال البيت ، واحدها طنب ، الرذية : الناقة التي ترذي في السفر ، أي تخلف لفرط هزالها وكلالها ، والجمع الرذايا ، استعارها للفقيرة ، البلية : الناقة التي تشد على قبر صاحبها حتى تموت ، والجمع البلايا ، الاهدام : الاخلاق من الثياب ، واحدها هدم ، قلوصها : قصرها يقول : وتأوي إلى أطناب بيتي كل مسكينة ضعيفة قصيرة الاخلاق التي عليها لما بها من الفقر والمسكنة ، ثم شبهها بالبلية في قلة تصرفها وعجزها عن الكسب وامتناع الرزق منها 76
تناوحت تقابلت ، ومنه قولهم : الحبلان متناوحان ، أي متقابلان ، ومنه النوائح لتقابلهن ، الخلج : جمع خليج وهو نهر صغير يختلج من نهر كبير أو من بحر ، والخلج الجذب ، تمد : تزاد ، شرع في الماء : خاضة يقول : ونكلل للفقراء والمساكين والجيران إذا تقابلت الرياح ، أو في كلب الشتاء واختلاف هبوب الرياح ، جفانا تحكي بكثرة مرقها أنهارا يشرع أيتام المساكين فيها وقد كللت بكسور اللحم . وتلخيص المعنى: ونبذل المساكين والجيران جفانا عظاما مملوءة مرقا مكللة بكسور اللحم في كلب الشتاء وضنك العيشة 77(465/120)
رجل لزاز الخصوم : يصلح لان يلزبهم ، أي يقرن بهم ليقهرهم ، ومنه لزاز الباب ولزاز الجدار يقول : إذا اجتمعت جماعات القبائل فلم يزل يسودهم رجل منا يقمع الخصوم عند الجدال ويتجشم عظائم الخصام ، أي لاتخلو المجامع من رجل منا يتحلى بما ذكر من قمع الخصوم وتكلف الخصام 78
التغذمر والغذمرة : التغضب مع همهمة ، الهضم : الكسر والظلم يقول : يقسم الغنائم فيوفر على العشائر حقوقها ويتغضب عند إضاعة شيء من حقوقها ويهضم من حقوق نفسه ، قوله : ومغذمر لحقوقها ، أي لأجل حقوقها ، هضامها ، أي هضام الحقوق التي تكون له ، والكناية في هضامها يجور أن تكون عائدة على العشيرة أي هضام للأعداء فيهم منا ، أي هضامهم للأعداء ، ويجوز أن تكون عائدة على حقوق ، أي المغذمر لحقوق العشيرة والهضام لها منا ، والسيد يملك أمور القوم جبرا وهضما في أوقاتها على أختلافها ، فإن أساءوا هضم حقهم وأن أحسنوا تغذمر لهم 79
الندى : الجود ، والفعل ندي يندى ندى ، ورجل ند ، الرغائب : جمع الرغيبة وهي ما رغب فيه من علق نفيس أو خصلة شريفة أو غيرهما ، الغنام : مبالغة الغانم يقول : يفعل ما سبق ذكره تفضلا ولم يزل منا كريم يعين أصحابه على الكرم ، أي يعطيهم ما يعطون ، جواب يكسب رغائب المعالي ويغتنمها 80
يقول : هو من قوم سنت لهم أسلافهم كسب رغائب المعالي واغتنامها ، ثم قال : ولكل قوم سنة وإمام يؤتم به فيها 81
الطبع : تدنس العرض وتلطخه ، والفعل طبع يطبع ، البوار : الفساد والهلاك ، الفعال : فعل واحد جميلا كان أو قبيحا ، كذا قال ثعلب والمبرد وابن الأنباري وابن الأعرابي يقول : لا تتدنس أعراضهم بعار ولاتفسد أفعالهم إذ لا تميل عقولهم مع أهوائهم 82(465/121)
يقول : فاقنع أيها العدو بما قسم الله تعالى فان قسام المعايش والخلائق علامها ، يريد إن الله تعالى قسم لكل ما استحقه من كمال ونقص رفعة وضعة . والقسم مصدر قسم يقسم ، والقسم والقسمة اسمان ، وجمع القسم أقسام ، وجمع القسمة قسم ، الملك والملك ، بسكون اللام وكسرها ، والمليك واحد ، وجمع الملك ، بسكون اللام ، ملوك وجمع الملك ، بكسر اللام ، أملاك 83
معشر : قوم ، قسم وقسم ، بالتشديد والتخفيف ، واحد ، أوفى ووفي : كمل ووفر ، ووفى يفي وفيا كمل ، والوفور الكثرة . بأوفر حظنا ، أي بأكثرة يقول : وإذا قسمت الامات بين ِأقوم وفر وكمل قسمنا من الامانة أي نصيبنا الاكثر منها ،يريد أوفى الاقوام امانة ، والباء في قوله بأوفر زائدة ، أي أوفى وأوفر حظنا 84
يقول : بنى الله تعالى لنا بيت شرف ومجد عالي السقف فارتفع إلى ذلك الشرف كهل العشيرة وغلامها ، يريد أن كهولهم وشبانهم يسمون إلى المعالي والمكارم . إذ روي هذا البيت قبل فاقنع ، كان المعنى : فبنى لنا سيدنا بيت مجد وشرف ، إلى آخر المعنى 85
السعاة : جمع الساعي ، أفظعت : أصيبت بأمر فظيع يقول : إذا أصاب العشيرة أمر عظيم سعوا بدفعة وكشفه وهم فرسان العشيرة عند قتالها وحكامها عند تخاصمها ، يريد رهطه الأدنين 86
أرمل القوم : إذا نفدت أزوادهم يقول : هم لمن جاورهم ربيع لعموم نفعهم وإحيائهم إياه بجودهم كما يحيى الربيع الارض . وتحرير المعنى : هم لمن جاورهم وللنساء اللواتي نفدت ازوادهن بمنزلة الربيع إذا تتطاول عامها لسوء حالها ، لأن زمان الشدة يشتطال 87(465/122)
قوله أن يبطئ حاسد ، معناه على قول البصريين : كراهية أن يبطئ حاسد وكراهية أن يميل ، وعند الكوفيين : أن لا يبطئ حاسد وأن لا يميل ، كقوله تعالى :"يبين الله لكم أن تضلوا" أي كرهية أن يضلوا أو يبين الله لكم أن لا تضلوا أي كي لا تضلوا يقول : وهم العشيرة ، أي هم متوافقون متعاضدون فكنى عنه بلفظ العشيرة ، كراهية أن يبطئ حاسد بعضهم عن نصرة بعض أو كيلا يبطئ حاسد بعضهم عن نصر بعض وكراهية ان يميل لئام العشيرة وأخساؤها مع العدو ، أ ي أن يظاهر الأعداء على الأقرباء . وتحرير المعنى : أنهم يتوافقون ويتعاضدون كراهية أن يبطئ الحاسد بعضهم عن نصر بعض وميل لئامهم إلى الأعداء أو مظاهرتهم إياهم على الأقارب 88
==============
زهير بن أبي سلمى ...(465/123)
هو زهير بن أبي سلمى واسم أبي سلمى رباح بن ربيعة ينتهي نسبه إلى مزينة احدى قبائل مضر . نشأ و عاش في بني عبد الله بن غطفان فقد كان أبوه قد تزوج امرأة منهم و أقام هو و أولاده بينهم . يعد زهير في الطبقة الأولى من شعراء الجاهلية مع امرىء القيس و النابغة و الأعشى و يفضله كثير من الرواة على أصحابه . كان زهير رواية لأوس بن حجر التميمي زوج أمه و قد تاثر به و سار على طريقته في تنقيح الشعر لكنه تفوق على أستاذه حتى أخمله . يدور أكثر شعر زهير على المدح و الوصف و الحكمة و له قليل من الاعتذار و الهجاء . و كان اكثر مدحه لساداة بني مرة من ذبيان و خاصة هرم بن سنان فقد كان منقطعاً إليه و كان هرم يجزل له الجوائز ، و قد مدح معه أباه سنان بن أبي حارثة و الحارث بن عوف بن سنان و حصن بن حذيفة . عُمّر زهير طويلاً جاوز الثمانين أو التسعين و يقال إنه توفي قبل البعثة بسنة و لم يتصل الشعر قي أسرة في الجاهلية كما اتصل في أسرة زهير فقد كان أبوه شاعراً و أختاه سلمى و الخنساء شاعرتين و ابناه كعب و بحير و حفيده عقبة و ابن حفيده العوام بن عقبة جميعاً شعراء . و كان خاله بشامة بن الفدير شاعر غطفان ...
1
بِحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فَالُمتَثَلّمِ
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَي دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ
2
مَرَاجِيعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ
وَدَارٌ لها بالرَّقْمتَيْنِ كأَنَّهَا
3
وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
بِهَا الْعَيْنُ وَالأَرْآمُ يْمَشِينَ خِلْفَةً
4
فَلأْياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
وَقَفْتُ بِهَا من بعْدَ عِشْرِينَ حِجَّةً
5
وَنُؤْياً كَجِذْمِ الْحوْضِ لم يتَثَلَّمِ
أَثَافِي سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ
6
أَلا أنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ
فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا
7
تَحَمَّلْنَ بالعَلْيَاءِ من فَوْقِ جُرْثُمِ
تَبَصَّر خَلِيلي هَلْ تَرَى من ظَعائِنٍ
8(465/124)
وكَمْ بِالقنانِ مِن مُحِلِّ وَمُحْرِمِ
جَعَلْنَ الْقنانَ عَنْ يَمينٍ وَحَزْنَهُ
9
ورَادٍ حَوَاشِيهَا مُشَاكهةَ الدَّمِ
عَلَوْنَ بأَنْماطٍ عِتَاقٍ وَكِلَّةٍ
10
عَلَيْهِنَّ دَلُّ النَّاعِمِ المتَنَعِّمِ
وَوَرَّكْنَ فِي الْسُّوبانِ يَعْلُونَ مَتْنَهُ
11
فَهُنَّ وَوَادِى الرَّسِّ كاليَدِ لِلْفَمِ
بَكًرْنَ بُكُوراً وَاسْتَحَزْنَ بِسُحْرةٍ
12
أَنِيقٌ لِعَيْنِ الْنَّاظِرِ الُمتَرَسِّمِ
وَفيهِنَّ مَلْهَىً لَّلطِيفِ وَمَنْظَرٌ
13
نَزَلْنَ بهِ حَبُّ الْفَنَا لم يحَطمِ
كَأَنَّ فتَاتَ الْعِهْنِ في كلِّ مَنْزِلٍ
14
وَضَعْنَ عِصِيّ الْحَاضِرِ الُمتَخَيِّمِ
فَلَمَّا وَرَدْنَ الَماءَ زُرْقاً جِمَامُهُ
15
على كلِّ قَيْنيِّ قَشِيبٍ وَمُفْأَمِ
ظَهَرْنَ مِنَ السُّوبانِ ثُمَّ جَزْعْنَهُ
16
رِجالُ بَنَوْهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرْهُمِ
فَأَقْسَمْتُ بالبَيْتِ الّذِي طافَ حوْلَهُ
17
على كلِّ حالٍ من سَحيلٍ وَمُبْرَمِ
يَميناً لَنِعْمَ الْسَّيِّدانِ وُجِدْتَما
18
تَفَانَوْا وَدُّقوا بَيْنَهُمْ عِطْر مَنْشِمِ
تَدَارَ كُتما عَبْساً وَذُبْيَانَ بَعْدمَا
19
بمالٍ ومَعْروفٍ من الْقَوْلِ نَسْلَمِ
وقَدْ قُلْتُما: إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ واسِعاً
20
بَعِيدَيْن فيها مِنْ عُقُوقٍ ومَأْثَمِ
فَأَصْبَحْتُما منها على خَيرِ مَوْطِنٍ
21
ومَنْ يَسْتَبِحْ كنزاً من الَمجدِ يَعْظُمِ
عَظِيمْينِ فِي عُلْيَا مَعدِّ هُديِتُما
22
يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ
تُعَفَّى الكُلُومُ بالِمئينَ فأصْبَحَتْ
23
وَلم يُهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَمِ
يُنَجِّمُهَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرامَةً
24
مَغَانمُ شَىَّ مِنْ إِفَالٍ مُزَنّمِ
فأصْبَحَ يَجَرِي فيهمُ منِ تلادِكُمْ
25
وَذُبيَانَ هل أَقْسَمْتُم كلَّ مُقْسَمِ
أَلا أَبْلِغِ الأَحْلافَ عني رِسَالَةً
26
لِيَخْفَى ومَهْما يُكْتمِ اللهُ يَعْلَمِ(465/125)
فَلا تَكْتُمُنَّ اللهَ ما في نُفُوسِكمْ
27
لِيَوْمِ الحِسابِ أَوْ يُعَجَّلْ فيُنْقَمِ
يُؤَخَّرْ فيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ
28
ومَا ُهَو عَنْهَا بالحَديثِ الُمرَجَّمِ
وَمَا الحَرْبُ إِلا ما عَلِمْتُم وَذُقْتُمُ
29
وَتَضْرَ إِذا ضَرَّيْتُمُوها فَتَضْرَم
مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةً
30
وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ
فَتَعْرُكُكْم عرْكَ الرّحى بثِقالها
31
كأَحْمَرِ عادٍ ثمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
فَتُنْتِجْ لَكُمْ غلْمانَ أَشأَمَ كّلهمْ
32
قُرًى بالعرَاقِ من قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ
فتُغْلِلْ لكُمْ مَا لا تُغِلُّ لأهْلِهَا
33
بمالا يُؤاتِيهمْ حَصينُ بنُ ضَمضمِ
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الحَيِّ جَرَّ عليهِمُ
34
فَلا هُوَ أَبْداها ولَمْ يَتَقَدَّمِ
وكانَ طوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنّةِ
35
عَدُوِّي بأَلْفٍ مِنْ وَرَائِيَ مُلَجَمِ
وقَالَ سأقْضِي حاجتي ثُمَّ أَتَّقِي
36
لدى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَها أَمُّ قَشْعَمِ
فَشَدَّ فَلَمْ يُفْزِعْ بُيُوتاً كثيرةً
37
لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ
لدى أَسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ
38
سَريعاً، وَإِلا يُبْدَ بالظلمِ يَظْلِمِ
جَرِيءِ مَتى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظْلمِهِ
39
غِماراً تَفَرَّى بالسِّلاحِ وبالدَّمِ
دعوا ظِمأَهْم حتَّى إِذا تَم أوْرَدُوا
40
إِلى كلإِ مُسْتَوْبِلٍ مُتَوَخِّمِ
فَقَضَّوا مَنايا بَيْنَهُم ثمَّ أَصْدَروا
41
دَمَ ابْنِ نَهِيكٍ أَوْ قَتِيلِ الُمثَلّمِ
لَعَمرُكَ ما جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهمْ
42
وَلا وَهَبِ مِنْها وَلا ابنِ الُمَخَّزمِ
وَلا شَاركَتْ في الَموْتِ فِي دَمِ نَوْفَل
43
صَحِيحاتِ مالٍ طالِعاتٍ بِمَخْرِمِ
فكُلاَّ أَرَاهُمْ أَصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ
44
إِذَا طَرَقَتْ إِحْدى اللَّيالي بُمعْظَمِ
لِحَيِّ حِلالٍ يَعصِمُ الْنَّاسَ أَمْرُهُمْ
45
وَلا الَجارِمُ الجَاني عَلَيْهم بُمسْلَمِ(465/126)
كِرامٍ فَلاذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ
46
ثَمانِينَ حَولاً لا أَبا لَكِ يَسأمِ
سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ
47
وَلكِنَّني عن عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ
وَأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ
48
تُمِتْهُ وَمِنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
رَأَيْتُ الَمنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَن تُصِبْ
49
يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمِ
وَمَنْ لم يُصانِعْ في أْمُورٍ كَثِيرَةٍ
50
يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
وَمَنْ يَجْعلِ المعْروفَ مِن دُونِ عِرْضِهِ
51
على قَوْمِهِ يُسْتَعْنَ عنْهُ وَيُذْمَمِ
وَمَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بفَضلِهِ
52
إِلى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لا يَتَجَمْجمِ
وَمَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ وَمن يُهدَ قلبُهُ
53
وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الَمنَايَا يَنَلْنَهُ
54
يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمّاً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ
وَمَنْ يَجْعَلِ الَمعْرُوفَ في غَيْرِ أَهْلِهِ
55
يُطيعُ الْعَواِلي رُكِّبَتْ كلَّ لَهْذَمِ
وَمَن يَعْضِ أَطْرَافَ الزِّجاج فإِنَّهُ
56
يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظلمِ الْنّاسَ يُظَلمِ
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاِحهِ
57
وَمَنْ لَمْ يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لم يكَرَّمِ
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عدُوَّا صَدِيقَهُ
58
وَإِنْ خَالَها تَخْفَى على النّاسِ تُعْلَمِ
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِىءِ مِنْ خْلِيقَةٍ
59
زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلّمِ
وكائنْ تَرَى من صامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ
60
فلَمْ يَبْقَ إِلا صورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ
لسانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فؤَادُهُ
61
وَإِنَّ الْفَتَى بَعْدَ الْسَّفَاهَةِ يَحْلُمِ
وَإِنَّ سَفَاهَ الْشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ
62
وَمَنْ أَكْثَرَ التّسآلَ يَوماً سَيُحْرَمِ
سأَلْنا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَعُدْتُمْ
شرح معلقة زهير بن أبي سلمى(465/127)
الدمنة : ما اسود من آثار الدار بالعبر والرماد وغيرهما ، والجمع الدمن ، والدمنة الحقد ، والدمنة السرجين وهي في البيت بمعنى الأول ، حومانة الدراج والمتلثم : موضعان . وقوله : أمن أم أوفى ، يعني أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفي دمنة لا تجيب ؟ وقوله : لم تكلم ، جزم بلم ثم حرك الميم بالكسر لأن الساكن إذا حرك كان الأحرى تحريكه بالكسر ولم يكن بد ههنا من تحريكه ليستقيم الوزن ويثبت السجع ثم أشبعت الكسرة بالاطلاق لأن القصيدة مطلقة القوافي . يقول : أمن منازل الحبيبة المكناة بأم أوفى دمنة لا تجيب سؤالها بهذين الموضعين . أخرج الشاعر الكلام في معرض الشك ليدل بذلك على أنه لبعد عهده بالدمنة وفرط تغيرها لم يعرفها معرفة قطع وتحقيق 1
الرقمتان : حرتان إحداهما قريبة من البصرة والاخرى قريبة من المدينة ، المراجيع : جمع المرجوع ، من قولهم : رجعه رجعا ، أراد الوشم المجدد والمردد ، نواشر المعصم : عروقه ، الواحد : ناشر ن وقيل ناشرة ، والمعصم : موضع السوار من اليد ، والجمع المعاصم يقول : أمن منازلها دار بالرقمتين ؟ يريد أنها تحل الموضعين عند الانتجاع ولم يرد انها تسكنهما جميعا لان بينهما مسافة بعيدة ، ثم شبه رسوم دار بهما بوشم في المعصم قد رمم وجدد بعد انمحائه ، شبه رسوم الدار عند تجديد السيول إياها بكشف التراب عنها بتجديد الوشم ؛ وتلخيص المعنى : أنه أخرج الكلام في معرض الشك في هذه الدار أهي لها أم لا ، ثم شبه رسومها بالوشم المجدد في المعصم ؛ وقوله ، ودار لها بالرقمتين ، يريد : وداران لها بهما ، فاجتزأ بالواحد عن التثنية لزوال اللبس إذ لا ريب في أن الدار الواحدة لا تكون قريبة من البصرة والمدينة ؛ وقوله كأنها ، أراد كأن رسومها وأطلالها ، فحذف المضاف 2(465/128)
قوله : بها العين ، أي البقر العين ، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه ، والعين : الواسعات العيون ، والعين سعة العين ، الأرآم : جمع رئم وهو الظبي الابيض خالص البياض ، وقوله : خلفه ، أي يخلف بعضها بعضا إذا مضى قطيع منها جاء قطيع آخر ، ومنه قوله تعالى :"وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة" الاطلاء : جمع الطلا وهو ولد الظبية والبقرة الوحشية ويستعار لولد الإنسان . ، الجثوم للناس والطير والوحوش ، والفعل جثم يجثم ، والمجثم : موضع الجثوم ، والمجثم الجثوم ، فالمفعل من باب فعل يفعل ، إذا كان مفتوح العين كان مصدرا ، وإذا كان مكسور العين كان موضعا ، المضرب بالفتح والمضرب بالكسر يقول : بهذه الدار بقر وحش واسعات العيون وظباء بيض يمشين بها خالفات بعضها بعضا وتنهض اولادها من مرابضها لترضعها أمهاتها 3
الحجة : السنة ، والجمع الحجج ، اللأي : الجهد والمشقة يقول : وقفت بدار أم أوفى بعد مضي عشرين سنة من بينها ، وعرفت دارها بعد التوهم بمقاساة جهد ومعاناة مشقة ، يريد أنه لم يثبتها إلا بعد جهد ومشقة لبعد العهد بها ودروس أعلامها 4(465/129)
الأثافية : جمعها الأثافي بتثقيل الياء وتخفيفها ، وهي حجارة توضع القدر عليها ، ثم إن كان من الحديد سمي منصبا ، والجمع المناصب ، ولا يسمى أثفية ، السفع : السود ، والأسفع مثل الأسود ، والسفاع مثل السواد ، المعرس : أصله المنزل ، من التعريس وهو النزول في وقت السحر ، ثم استعير للمكان الذي تنصب فيه القدر ، المرجل : القدر عند ثعلب من أي صنف من المعادن كانت ، النؤي : نهير يحفر حول البيت ليجري فيه الماء الذي ينصب من البيت عند المطر ولا يدخل البيت ، والجمع الآناء ، الجذم : الأصل ، ويروى: كحوض الجد ، والجد : البئر القريبة من الكلا ، وقيل بل هي البئر القديمة يقول : عرفت حجارة سودا تنصب عليها القدر ، وعرفت نهيرا كان حول بيت أم أوفى بقي غير متلثم كأنه حوض وقد نصب أثافي على البدل من الدار في قوله عرفت الدار ، يريد أن هذه الأشياء دلته على أنها دار أم أوفى 5
كانت العرب تقول في تحيتها : أنعم صباحا أي نعمت صباحا ، أي طاب عيشك في صباحك ، من النعمة وهي طيب العيش ، وخص الصباح بهذا الدعاء لأن الغارات والكرائه تقع صباحا ، وفيها أربع لغات : أنعم صباحا ، بفتح العين ، من نعم ينعم مثل علم يعلم . والثانية أنعم ، بكسر العين ، من نعم ينعم مثل حسب يحسب ، ولم يات على فعل يفعل من الصحيح غيرهما ، وقد ذكر سيبويه أن بعض العرب أنشده قول أمرئ القيس : ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن منن كان في العصرالخالي؟ بكسر العين من ينعم . والثالثة عم صباحا من وعم يعم مثل وضع يضع ، والرابعة عم صباحا من وعم يعم مثل وعد يعد يقول : وقفت بدار أم أوفى فقلت لدارها محييا إياها وداعيا لها : طاب عيشك في صباحك وسلمت 6(465/130)
الظعائن : جمع ظعينة ، لأنها تظعن مع زوجها ، من الظعن وهو الارتحال ، بالعلياء: أي بالأرض العلياء أي المرتفعة ، جرثم : ماء بعينه يقول : فقلت لخليلي : أنظر ياخليلي هل بالأرض العالية من فوق هذا الماء نساء في هوادج على إبل ؟ يريد أن الوجد يرح به والصبابة ألحت عليه حتى ظن المحال لفرظ ولهه ، لأن كونهن بحيث يراهن خليله بعد مضي عشرين سنة محال ، التبصر : النظر ، التحمل : الترحل 7
الفنان : جبل لبني أسد ، عن يمين ، يريد الظعائن ، الحزن : ما غلظ من الارض وكان مستويا . والحزن ما غلظ من الارض وكان مرتفعا ، من محل ومحرم ، يقال : حل الرجل من إحرامه وأحل ، وقال الاصمعي : من محل ومحرم ، يريد من له حرمة ومن لا حرمة له ، وقال غيره : ويريد دخل في أشهر الحل ودخل فى أشهر الحرم يقول مررت بهم أشهر الحل ودخل وأشهر الحرم 8
الباء في قوله علون بأنماط للتعدية ن ويروى : وأعلين وهما بمعنى واحد ، والمعالاة قد تكون بمعنى الإعلاء ومنه قول الشاعر : عاليت أنساعي وجلب الكور على سراة رائح ممطور أنماط : جمع نمط وهو ما يبسط من صنوف الثياب ، العتاق : الكرام الواحد عتيق ، الكلة : الستر الرقيق ، والجمع الكلل ، الوارد : جمع ورد وهو الاحمر والذي يضربلونه إلى الحمرة ، المشاكهة : المشابهة ، ويروى وارد الحواشي لونها لون عندم ، العندم : البقم ، والعندم دم الاخوين يقول : وأعلين أنماطا كراما ذات أخطار وسترا رقيقا ، أي القينها على الهوادج وغشين بها . ثم وصف تلك الثياب بأنها حمر الحواشي يشبه الوانها الدم في شدة الحمرة أو البقم أو دم الأخوين 9
السوبان : الارض المرتفعة اسم علم لها ، التوريك : ركوب أوراك الدواب ، الدل والدلال والداله واحد ، وقد أدلت المرأة وتدللت ، النعمة: طيب العيش والنتعم : تكلف النعمة يقول : وركبت هؤلاء النسوة أوراك ركابهن في حال علوهن متن السوبان وعليهن دلال الانسان الطيب العيش الذي يتكلف ذلك 10(465/131)
بكر وابتكر وبكر وأبكر : ساربكرة ، استحر: سار سحرا سحرة : اسم للسحر ، لاتصرف سحرة وسحر إذا عنيتهما من يومك الذي أنت فيه . وان عنيت سحرا من الاسحار صرفتهما ، وادي الرس : واد بعينه يقول : ابتدأن السير وسرن سحرا وهن قاصدات لوادي الرس لا يخطئنه كاليد القاصدة الفم لا تخطئه 11
الملهى : اللهو وموضعه ، اللطيف : المتأنق الحسن المنظر ، الانيق : المعجب ، فعيل بمعنى المفعل كالحكيم بمعنى المحكم والسميع بمعنى المسمع والاليم بمعنى المؤلم ، ومنه قوله عز وجل:"عذاب أليم" ، ومنه قول الشاعر ابن معديكرب: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع أي المسمع ، والإيناق : الإعجاب ، التوسم : التفرس ، ومنه قوله تعالى:"وإن في ذلك لآيات للمتوسمين" وأصله من الوسامة وهما الحسن كأن التوسم تتبع محاسن الشيئ ، وقد يكون من الوسم فيكون تتبع علامات الشيئ وسماته يقول : وفي هؤلاء النسوة لهو للمتأنق الحسن المنظر ومناظر معجبة لعين الناظر المتتبع محاسنهن وسمات جمالهن 12
الفتات : اسم لما انفت من الشيئ أي تقطع وتفرق ، وأصله من الفت وهو التقطع والتفريق ، والفعل منه فت يفت ، والمبالغة التفتيت والمطاوع الانفتات والتفتت ، الفنا : عنب الثعلب ، التحطم : التكسر ، والحطم التكسر ، العهن : الصوف المصبوغ ، والجمع العهون يقول : كأن قطع الصوف المصبوغ الذي زينت به الهوادج في كل منزل نزلته هؤلاء النسوة حب عنب الثعلب في حال كونه غير محطم ، لانه إذا حطم زايله لونه ، شبه الصوف الاحمر بحب عنب الثعلب قبل تحطيمه 13(465/132)
الزرقة : شدة الصفاء ، ونصل أزرق وماء أزرق إذا اشتد صفاؤهما والجمع زرق ، ومنه زرقة العين ، العين الجمام : جمع جم الماء وجمته ، وهو ما اجتمع منه في البئر والحوض أو غيرهما ، وضع العصي : كناية عن الإقامة ، لأن المسافرين إذا أقاموا وضعوا عصيهم ، التخييم : ابتناء الخيمة . فلما وردت هؤلاء الظعائن الماء وقد اشتد صفاء ما جمع منه في الآبار والحياض عزمن على الإقامة كالحاضر المبتني الخيمة 14
الجزع : قطع الوادي ، والفعل جزع يجزع ، ومنه قول امرئ القيس : وآخر منهم جازع نجد كبكب أي قاطع ، القين : كل صانع عند العرب ، فالحداد قين ، والجزار قين ، فالقين هنا الرحال ، وجمع العين قيون مثل بيت وبيوت ، وأصل القين الإصلاح ، والفعل منه قان يقين ، ثم وضع المصدر موضع اسم الفاعل وجعل كل صانع قينا لانه مصلح ؛ ومنه قول الشاعر : ولي كبد مجروحة قد بدا بها صدوع الهوى لو أن قينا يقينها أي لو أن مصلحا يصلحها . ويروى : على كل حيري ، منسوب إلى الحيرة ، وهي بلدة ، القشيب: الجديد ، المفأم : الموسع يقول : علون من وادي السوبان ثم قطعته مرة اخرى لانه اعترض لهن في طريقهن مرتين وهن على كل رحل حيري أو قيني جديد موسع 15
يقول: حلفت بالكعبة التي طاف حولها من بناها من القبيلتين ، جرهم قبيلة قديمة تزوج فيهم إسماعيل ، عليه السلام ، فغلبوا على الكعبة والحرم بعد وفاته ، عليه السلام ، وضعف أمر أولاده ، ثم استولت عليها بعد جرهم ، خزاعة ، إلى أن عادت إلى قريش ، وقريش اسم لولد النضرين ابن كنانة 16(465/133)
السحيل : المفتول على قوة واحدة ، المبرم : المفتول على قوتين أو أكثر ، ثم يستعار السحيل للضعيف والمبرم القوي يقول : حلفت يمينا ، أي حلفت حلفا ، نعم السيدان وجدتما على كل حال ضعيفة وحال قوية ، لقد وجدتما كاملين مستوفيين لخلال الشرف في حال يحتاج فيها إلى ممارسة الشدائد وحال يفتقر فيها إلى معاناة النوائب ، وأراد بالسيدين هرم بن سنان والحارث بن عوف ، مدحهما لإتمامهما الصلح بين عبس وذبيان وتحملهما أعباء ديات القتلى 17
التدارك : التلافي ، أي تداركتما امرهما ، التفاني : التشارك في الفناء ، منثم : قيل فيه انه اسم امرأة عطارة اشترى قوم منها جفنه من العطر ، وتعاقدوا وتحالفوا وجعلوا آية الحلف غمسهم الايدي في ذلك العطر، فقاتلوا العدو الذي تحالفوا على قتاله فقتلوا عن آخرهم ، فتطير العرب بعطر منثم وسار المثل به ، وقيل : بل كان عطارا يشترى منه ما يحنط به الموتى فسار المثل به يقول ، تلافيتما امر هاتين القبيلتين بعدما أفنى القتال رجالهما وبعد دقهم عطر هذه المرأة ، أي بعد إتيان القتال على آخرهم كما أتى على آخر المتعطرين بعطر من 18
السلم : الصلح ، يذكر ويؤنث يقول : وقد قلتما ، إن أدركنا الصلح واسعا ، أي أن اتفق لنا إتمام الصلح بين القبيلتين ببذل المال واسداء المعروف من الخير سلمنا من تفاني العشائر 19(465/134)
العقوق : العصيان ، ومنه قوله ، عليه السلام ، "لايدخل الجنة عاق لابويه" ، المأثم ، الاثم ، يقال أثم الرجل يأثم أذا أقدم على إثم ، وأثمة الله يأثمه إثاما وإثما إذا جازاه بإثمه ، وأثمه إيثاما صيره ذا إثم ، وتأثم الرجل تأثما إذا تجنب الاثم ، مثل تحرج وتحنث وتحوب اذا تجنب الحرج والحنث والحوب يقول : فأصبحنا على خير موطن من الصلح بعيدين في إتمامه من عقوق الاقارب والاثم بقطيعة الرحم ؛ وتلخيص المعنى ، انكما طلبتما الصلح بين العشائر ببذل الاعلاق وظفرتما به وبعدتما عن قطيعة الرحم . والضمير في منها يعود إلى السلم ، يذكر ويؤنث 20
العليا ، تأنيث الاعلى ، وجمعها العليات والعلى مثل الكبرى في تأنيث الاكبر والكبريات والكبر في جمعها ، وكذلك قياس الباب ، وقوله هديتما ، دعاء لهما ، الاستباحة : وجود الشيء مباح ، والاستباحة الاستئصال . ويروى يعظم من الاعظام بمعنى التعظيم ، ونصب عظيمين على الحال يقول : ظفرتما بالصلح في حال عظمتكما في الرتبة العليا من شرف معد وحسبها ، ثم دعا لهما فقال : هديتما إلى طريق الصلاح والنجاح والفلاح ، ثم قال : ومن وجد كنزا من المجد مباحا واستأصله عظم أمره أو عظم فيما بين الكرام 21
الكلوم والكلام : جمع كلم وهو الجرح ، وقد يكون مصدرا كالجرح ، التعفيه : التمحية ، من قولهم : عفا الشيئ يعفو اذا انمحى ودرس وعفاه غيره ويعفيه وعفاه أيضا عفوا ، ينجمها أي يعطيها نجوما . يقول : تمحى وتزال الجراح بالمئين من الإبل فأصبحت الإبل يعطيها نجوما من هو بريء الساحة بعيد عن الجرم في هذه الحروب ، يريد أنهما بمعزل عن إراقة الدماء وقد ضمنا إعطاء الديات وأخرجاها نجوما ، وكذلك نعطى الديات 22(465/135)
أراق الماء والدم يريقه ، وهرقه يهريقه ، وأهراقه يهريقه لغات ، والأصل اللغة الأولى ، والهاء في الثانية بدل من الهمزة في الأولى ، وجمع في الثالثة بين البدل والمبدل توهما أن همزة أفعل لم تلحقه بعد ، المحجم : آلة الحجام ، والجمع المحاجم يقول : ينجم الإبل قوم غرامة لقوم ، أي ينجمها هذان السيدان غرامة للقتلى ، لأن الديات تلزمهم دونهما ، ثم قال : هؤلاء الذين ينجمون الديات لم يريقوا مقدار ما يملأ محجما من الدماء ، والملء مصدر ملأت الشيء ، والملء مقدار الشيء الذي يملأ الإناء وغيره ، وجمعه أملأ ، يقال : أعطني ملء القدح ومليئة وثلاثة أملائه 23
التلاد والتليد : المال القديم الموروث ، المغانم جمع المغنم وهو الغنيمة ، شتى أي متفرقة ، الإفال : جمع أفيل وهو الصغير السن من الإبل ، المزنم : المعلم بزنمه يقول : فأصبح يجري في أولياء المقتولين من نفائس أموالكم القديمة الموروثة غنائم متفرقة من إبل صغار معلمة ، وخص الصغار لأن الديات تعطى من بنات اللبون والحقاق ولأجذاع ، ولم يقل المزنمة وإن كان وصفه الإفال حملا على اللفظ لأن فعالا من الأبنية التي اشترك فيها الآحاد والجموع وكل بناء انخرط في هذا السلك ساغ تذكيره حملا على اللفظ 24
الأحلاف والحلفاء : الجيران ، جمع حليف على أحلاف كما جمع نجيب على أنجاب وشريف على أشراف وشهيد على أشهاد ، أنشد يعقوب : قد أغتدي بقينة أنجاب وجهمة الليل إلى ذهاب أقسم أي حلف ، وتقاسم القوم أي تحالفوا ، والقسم الحلف ، والجمع الأقسام ، وكذلك القسيمة ، هل أقسمتم أي قد أقسمتم ، ومنه قوله تعالى : " هل أتى على الأنسان" أي قد أتى ، وأنشد سيبويه : سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم أي قد رأونا ، لأن حرف الاستفهام لا يلحق حرف الاستفهام يقول : أبلغ ذبيان وحلفاءها وقل لهم قد حلفتم على إبرام حبل الصلح كل حف فتحرجوا الحنث وتجنبوا 25(465/136)
يقول : لا تخفوا من الله ما تضمرون من الغدر ونقض العهد ليخفى على الله ومهما يكتم من شيء يعلمه الله ، يريد أن الله عالم بالخفيات والسرائر ولا يخفى عليه شيئ من ضمائر العباد ، فلا تضمروا الغدر ونقض العهد فإنكم إن أضمرتموه علمه الله ، وقوله يكتم الله أي يكتم من الله 26
أي يؤخر عقابه في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل العقاب في الدنيا قبل المصير إلى الآخرة فينتقم من صاحبه ، يريد لا مخلص من عقاب آجلا أو عاجلا 27
الذوق : التجربة ، الحديث المرجم : الذي يرجم فيه بالظنون أي يحكم فيه بظنونها يقول : ليست الحرب إلا ما عهدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها وما هذا الذي أقوله بحديث مرجم عن الحرب ، أي هذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون 28
الضرى : شدة الحرب واستعار نارها ، وكذلك الضراوة ، والفعل ضري بضرى ، والإضراء والتضرية الحمل على الضراوة ، ضرمت النار تضرم ضرما واضطرمت وتضرمت : التهبت ، وأضرمتها وضرمتها : ألهبتها يقول : متى تبعثوا الحرب مذمومة أي تذمون على إثارتها ، وشتد ضرمها إذ حملتموها على شدة الضرى فتلتهب نيرانها ، وتلخيص المعنى : إنكم إذ أوقدتم نار الحرب ذممتم ومتى أثرتموها ثارت وهيجتموها فهو يحثهم على التمسك بالصلح ويعلمهم سوء عاقبة إيقاد نار الحرب 29(465/137)
ثفال الرحى : خرقة أو جلدة تبسط تحتها ليقع الطحين . والباء في قوله بثفالها بمعنى مع ، اللقح واللقاح حمل الولد ، يقال : لقحت الناقة والإقاح جعلها كذلك ، الكشاف : أن تلقح نعجة في السنة مرتين أنتجت الناقة إنتاجا إذا ولدت عندي ن ونتجت الناقة تنتج ، الاتآم : أن تلد الأنثى توأمين ، وامرأة متآم إذا كان ذلك دأبها ، والتوأم ، بجمع على التؤام يقول : وتعرككم الحرب عرك الرحى الحب مع ثفاله ، وخص تلك الحالة لأنه لا يبسط إلا عند الطحن ، ثم قال ك وتلقح الحرب في السنة مرتين وتلد توأمين ، جعل إنفاء الحرب إياهم بمنزلة طحن الرحى الحب وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات ، وبالغ في وصفها باستتباع الشر شيئين : احدهما جعله إياها لاقحة كشافا ، والآخر إتآمها 30
الشؤم : ضد اليمن ، ويقا رجل مشؤوم ورجال مشائيم كما يقال رجل ميمون ورجال ميامين ، الأشأم أفعل من الشؤم ، وهو مبالغة المشؤوم وكذلك الأيمن مبالغة الميمون ، وجمعه الأشائم ، وأراد بأحمر عاد أحمر ثمود وهو عاقر الناقة ، واسمه قدار بن سالف يقول : فتولد لكم أبناء في أثناء تلك الحروب كل واحد منهم بضاهي في الشؤم عاقر الناقة ، ثم ترضعهم الحروب وتقطعهم ، أي تكون ولادتهم ونشؤهم في الحرب فيصبحون مشائيم على آبائهم 31
أغلت الأرض تغل إذا كانت لها غلة ، أظهر تضعيف المضاعف في محل الجزم والبناء على الوقف ، يتهكم ويهزأ بهم يقول : فتغل لكم الحروب حينئذ ضروبا من الغلات لا يكون مثلها لقرى من العراق التي تغل الدراهم بالقفيزات ، وتلخيص المعنى أن المضار المتولدة من هذه الحروب تربي على المنافع المتولدة من هذه القرى كل هذا حث منه لهم على الاعتصام بحبل الصلح وزجر لهم عن الغدر بإيقاد نار الحرب يقول : لم يتقدم بما أخفى فيعجل به ولكن أخره حتى يمكنه 32(465/138)
جر عليهم : جنى عليهم ، والجريرة الجناية ، والجمع الجرائر ، يؤاتيهم : يوافقهم ، وهذه المؤاتاة هي قتل ورد بن حابس العبسي هرم بن ضمضم قبل هذا الصلح ، فلما اصطلحت القبيلتان عبس وذبيان استتر وتوارى حصين بن ضمضم لئلا يطالب بالدخول في الصلح ، وكان ينتهز الفرصة حتى ظفر برجل من عبس فشد عليه فقتله فركبت عبس فاستقر الأمر بين القبيلتين عل عقل القتيل يقول : أقسم بحياتي لنعمت القبيلة جنى عليهم حصين بن ضمضم وإن لم يوافقوه في إضمار الغدر ونقض العهد 33
الكشح منقطع الأضلاع ، والجمع كشوح ، والكاشح المضمر العداوة في كشحه ، وقيل نبل هو من وقولهم : كشح يكشح كشحا إذا أدبر وولى وإنما سمي العدو كاشحا لإعراضه عن الود والوفاق ، ويقال طوى كشحه على كذا أي أضمر في صدره ، الاستكنان : طلب الكن ، والاستكنان الاستتار ، وهو في البيت على العنى الثاني ، فلا هو أبداها أي فلم يبدها وليكون لا مع الفعل الماضي بمنزلة لم مع الفعل المستقبل في المعنى ، كقوله تعال "فلا صدق ولا صلى" أي فلم يصدق ولم يصل ، وقوله تعالى :"فلا اقتحم العقبة" أي لم يقتحمها يقول : وكان حصين أضمر في صدره حقدا وطوى كشحه على نية مستترة فيه ولم يظهرها لأحد قبل ولم يتقد عليها قبل إمكانه الفرصة 34
يقول : وقال حصين في نفسه : سأقضي حاجتي من قتل قاتل أخي أو قتل كفؤ له ثم أجعل بيني وبين عدوي الف فارس ملجم فرسه أو ألفا من الخيل ملجما 35
الشدة : الحملة ، وقد شد عليه يشد شدا ، الإفزاع : الاخافة أم قشعم : كنية الموت يقول : فحمل حصين على الرجل الذي رام أن يقتله بأخيه ولم يفزع بيوتا كثيرة ، أي لم يتعرض لغيره عند ملقى رحل المنية ، وملقى الرحل : المنزل ، لأن المسافر يلقي به رحله ، اراد عند منزل المنية 36(465/139)
شاكي السلاح وشائك السلاح وشاك السلاح ، أي تام السلاح ، كله من الشوكة وهي العدة والقوة ، مقذف : أي يقذف به كثيرا إلى الوقائع ، والتقذيف القذف ، اللبد : جمع لبدة الآسد وهي ما تلبد من شعر على منكبيه يقول : عند أسد تام السلاح يصلح لان يرمى به إلى الحروب . فالرجل يشبه أسدا له لبدتان لم تقلم براثنه ، يريد أنه لا يعتريه ضعف ولا يعييه عدم شوكة كما أن الاسد لا يقل براثنه ، والبيت كله من صفة حصين 37
الجرأة والجراءة : الشجاعة ، والفعل جرؤ يجرؤ وقد جرأته عليه ن بدأت بالشيء أبدأ به مهموز فقلبت الهمزة ألفا ثم حذفت للجازم يقول : وهو شجاع منى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعا ، وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهارا لغنائه وحسن بلائه ، والبيت من صفة أسد في البيت الذي قبله وعنى به حصينا ، ثم اضرب عن قصته ورجع إلى تقبيح صورة الحرب والحث على الاعتصام بالصلح 38
الرعي يقتصر على مفعول واحد : رعت الماشية الكلأ ، وقد يتعدى الى مفعولين نحو : رعيت الماشية الكلأ ورعى الكلأ نفسه الظمء : ما بين موردين ،والجمع الاظماء ، الغمار: جمع غمر وهو الماء الكمثير ، التفري : التشقق يقول: رعوا إبلهم الكلأ حتى إذا تم الظمء اوردوها مياها كثيرة ، وهذا كله استعارة ، والمعنى أنهم كفوا عن القتال وأقلعوا عن النزال مدة معلومة كما ترعى الابل مدة معلومة ثم عاودوا الوقائع كما تورد الابل بعد الرعي فالحروب بمنزلة الغمار ولكنها تنشق عنهم باستعمال السلاح وسفك الدماء 39(465/140)
قضيت الشيء وقضيته : أحكمته وأتممته أصدرت : ضد أوردت ، استوبلت الشيء : وجدته وبيلا ، واستوخمته وتوخمته : وجدته وخيما ، والوبيل والوخيم : الذي لا يستمرا يقول : فأحكموا وتمموا منايا بينهم أي قتل كل واحد من الحيين صنفا من الآخر فكأنهم تمموا منايا قتلاهم ثم أصدروا إبلهم بعد كلإ وبيل وخيم أي ، ثم أقلعوا عن القتال والقراع واشتغلوا بالاستعداد له ثانيا كما تصدر الإبل فترعى إلى أن تورد ثانيا ، وجعل اعتزامهم على الحرب ثانية والاستعداد لها بمنزلة كلإ وبيل وخيم ، كما جعل استعدادهم للحرب أولا وخوضهم غمراتها وإقلاعهم عنها زمنا وخوضهم إياها ثانية بمنزلة رعي الإبل أولا ، وإيرادها وإصدارها ورعيها ثانيا ، وشبه تلك الحال بهذه الحال ، ثم أضرب عن هذا الكلام وعاد إلى مدح الذين يعقلون القتلى ويدفعون الديات 40
يقول : أقسم ببقائك وحياتهم أن رماحهم لم تجن عليهم دماء هؤلاء ، أي لم يسفكوها ولم يشاركوا قاتليهم في سفك دمائهم ، والتأنيث في شاركت الرماح يبين براءة ذممهم عن سفك دمهم ليكون ذلك أبلغ في مدحهم بعقلهم القتلى 41
مضى شرح هذا البيت في أثناء شرح البيت الذي قبله 42
عقلت القتيل : وديته ، وعقلت عن الرجل أعقل عنه ، أديت عنه الدية التي لزمته ، وسميت الدية عقلا لأنها تعقل الدم عن السفك أي تحقنه وتحبسه ، وقيل بل سميت عقلا لأن الوادي كان يأتي بالإبل إلى أقنية القتيل فيعقلها هناك بعقلها ، فعقل على هذا القول بمعنى المعقول ، ثم سميت الدية عقلا وإن كانت دنانير ودراهم ، والأصل ما ذكرنا ، طلعت الثنية وأطلعتها : علوتها ، المخرم : منقطع أنف الجبل والطريق فيه ، والجمع المخارم يقول : فكل واحد من القتلى أرى العاقلين يعقلونه بصحيحات ابل تعلو في طرق الجبال عند سوقها إلى أولياء المقتولين 43(465/141)
حلال : جمع حال ، مثل صاحب وصحاب ، وصائم وصيام ، وقائم وقيام ، يعصم : يمنع ، الطروق : الإتيان ليلا ، والباء في قوله بمعظم يجوز كونه بمعنى مع وكونه للتعدية ، أعظم الأمر أي سار إلى حال العظم ، كقولهم : أجز البر وأجد التمر وأقطف العنب ، أي يعقلون القتلى لأجل حي نازلين يعصم أمرهم جيرانهم وحلفاءهم إذا اتت إحدى الليالي بأمر فظيع وخطب عظيم ، أي إذا نابتهم عصموهم ومنعوهم 44
الضغن والضغينة واحد : وهو ما استكن في القلب من العداوة ، والجمع الأضغان والضغائن ، التبل : الحقد ، والجمع التبول . الجارم والجاني واحد ، والجارم : ذو الجرم كاللابن والتامر يمعنى ، ذي اللبن وذي التمر ، الإسلام : الخذلان يقول : لحي كرام لا يدرك ذو الوتر وتره عندهم ولا يقدر على الانتقام منهم من ظلموه وجنى عليه بعض فتيانهم وحلفائهم وجيرانهم 45
سئمت الشيئ سآمة : مللته ، التكاليف : المشاق والشدائد ، لا أبالك : كلمه جافية لا يراد بها هنا الجفاء وإنما يراد بها التنبيه والإعلام يقول : مللت مشاق الحياة وشدائدها ، ومن عاش ثمانين سنة مل الكبر لا محالة 46
يقول : وقد يحيط علمي بما مضى وما حضر ولكني عمي القلب عن الإحاطة بما هو منتظر و متوقع 47(465/142)
الخبط : الضرب باليد ، والفعل خبط يخبط ، العشواء : تأنيث الأعشى ، والياء في عشي منقلبة عن الواو كما كانت في رضي منقلبة عنها ، والعشواء : الناقة التي لا تبصر ليلا ، ويقال في المثل : هو خابط خبط عشواء ، أي قد ركب رأسه في الضلالة كالناقة التي لا تبصر ليلا فتخبط بيديها على عمى فربما تردت في مهواة وربما وطئت سبعا أو حية أو غير ذلك قوله : ومن تخطئ ، أي ومن تخطئه ، فحذف المفعول ، وحذفه سائغ كثير في الكلام والشعر والتنزيل ، التعمير : تطويل العمر يقول : رأيت المنايا تصيب الناس على غير نسق وترتيب وبصيرة كما أن هذه الناقة تطأ على غير بصيرة ، ثم قال : من أصابته المنايا أهلكته ومن أخطأته أبقته فبلغ الهرم 48
يقول : ومن لم يصانع الناس ولم يدارهم في كثير من الأمور قهروه وأذلوه وربما قتلوه كالذي يضرس بالناب ويوطأ بالمنسم ، الضرس : العض على الشيئ بالضرس ، والتضريس مبالغة ، المنسم للبعير : بمنزلة السنبك للفرس ، والجمع المناسم 49
يقول : ومن جعل معروفه ذابا ذم الرجال عن عرضه وجعل إحسانه واقيا عرضه - وفر مكارمه ، ومن لا يتق شتم الناس إياه شتم : يريد أن من بذل معروفه صان عرضه ، ومن بخل بمعروفه عرض عرضه للذم والشتم ، وفرت الشيء أفره وفرا : أكثرته ؛ ووفرته فوفر وفورا 50
يقول : من كان ذا فضل ومال فبخل به استغني عنه وذم ، فأظهر التضعيف على لغة أهل الحجاز ، لأن لغتهم إظهار التضعيف في محل الجزم والبناء على الوقف 51
وفيت بالعهد أفي به وفاء وأوفيت به إيفاء ، لغتان جيدتان والثانية أجودهما لأنها لغة القرآن ، قال الله تعالى :"وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم" ، ويقال هديته الطريق وهديته إلى الطريق وهديته للطريق يقول : ومن أوفى بعهده لم يلحقه ذم ، ومن هدى قلبه إلى بر يطمئن القلب إلى حسنه ويسكن إلى وقوعه موقعه لم يتمتع في إسدائه وإيلائه 52(465/143)
يقول : من خاف وهاب أسباب المنايا نالته ولم يجد عليه خوفه وهيبته إياها نفعا ولو رام الصعود إلى السماء فرارا منها 53
يقول : ومن وضع اياديه في غير من استحقها ، أي من أحسن إلى من لم يكن اهلا للاحسان إليه والامتنان عليه ، ذمه الذي أحسن اليه ولم يحمده وندم المحسن الواضع إحسانه في غير موضعه 54
الزجاج ، جمع زج الرمح : وهو الحديد المركب في اسفله ، وإذا قيل : زج الرمح ، عني به ذلك الحديد والسنان ، اللهذم : السنان الطويل ، عالية الرمح ضد سافلته والجمع العوالي ، إذا التقت فئتان من العرب سددت كل واحدة منهما زجاج الرماح نحو صاحبتها وسعى الساعون في الصلح ، فإن أبتا إلا التمادي في القتال قلبت كل واحدة منهما للرماح واقتتلتا بالأسنة يقول : ومن عنصى أطراف الزجاج أطاع عوالي الرماح التي ركبت فيها الأسنة الطوال ، وتحرير المعنى: من أبى الصلح ذللته الحرب ولينته ، وقوله يطيع العوالي ، كان حقه أن يقول : يطيع العوالي ، بفتح الياء ، ولكنه سكن الياء لإقامة الوزن وحمل النصب على الرفع والجر لأن هذه الياء مسكنة فيهما ، ومثله قول الراجز : كأن أيديهن بالقاع الفرق أيدي جوار يتعاطين الورق 55
الذود : الكف والردع يقول : ومن لا يكف اعداءه عن حوضه بسلاحه هدم حوضه ، ومن كف عن ظلم الناس ظلمه الناس ، يعني من لم يحم حريمه استبيح حريمه واستعار الحوض للحريم 56
يقول : من سافر واغترب حسب الأعداء أصدقاء لأنه لم يجريهم فتوقفه التجارب على ضمائر صدورهم ، ومن لم يكرم نفسه بتجنب الدنايا لم يكرمه الناس 57
يقول : ومهما كان للانسان من خلق فظن انه يخفى على الناس علم ولم يخف ، والخلق والخليقة واحد ، والجمع الأخلاق والخلائق . وتحرير المعنى : أن الاخلاق لا تخفى والتخلق لا يبقى 58(465/144)
في كائن ثلاث لغات : كأين وكائن وكئن ، مثل كعين وكاعن وكع ، الصمت والصمات والصموت واحد ، والفعل صمت يصمت يقول : وكم صامت يعجبك صمته فتستحسنه وإنما تظهر زيادته على غيره ونقصانه عن غيره عند تكلمه 59
هذا كقول العرب : المرء بأصغريه لسانه وجنانه 60
إذا كان الشيخ سفيها لم يرج حلمه لأنه لا حال بعد الشيب إلا الموت ، والفتى إن كان نزقا سفيها أكسبه شيبه حلما ووقارا ، ومثله قوله صالح بن عبد القدوس : والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه 61
يقول : سألناكم رفدكم ومعروفكم فجدتم بهما فعدنا الى السؤال وعدتم الى النوال ، ومن أكثر السؤال حرم يوما لا محالة ، والتسآل : السؤال ، تفعال من ابنية المصادر 62
==================
طرفة بن العبد(465/145)
هو عمرو بن العبد الملقب ( طرفة ) من بني بكر بن وائل ، ولد حوالي سنة 543 في البحرين من أبوين شريفين و كان له من نسبه العالي ما يحقق له هذه الشاعرية فجده و أبوه و عماه المرقشان و خاله المتلمس كلهم شعراء مات أبوه و هو بعد حدث فكفله أعمامه إلا أنهم أساؤوا تريبته و ضيقوا عليه فهضموا حقوق أمه و ما كاد طرفة يفتح عينيه على الحياة حتى قذف بذاته في أحضانها يستمتع بملذاتها فلها و سكر و لعب و بذر و أسرف فعاش طفولة مهملة لاهية طريدة راح يضرب في البلاد حتى بلغ أطراف جزيرة العرب ثم عاد إلى قومه يرعى إبل معبد أخيه ثم عاد إلى حياة اللهو بلغ في تجواله بلاط الحيرة فقربه عمرو بن هند فهجا الملك فأوقع الملك به مات مقتولاً و هو دون الثلاثين من عمره سنة 569 . من آثاره : ديوان شعر أشهر ما فيه المعلقة نظمها الشاعر بعدما لقيه من ابن عمه من سوء المعاملة و ما لقيه من ذوي قرباه من الاضطهاد في المعلقة ثلاثة أقسام كبرى ( 1 ) القسم الغزالي من ( 1 ـ 10 ) ـ ( 2 ) القسم الوصفي ( 11 ـ 44 ) ـ ( 3 ) القسم الإخباري ( 45 ـ 99 ) . و سبب نظم المعلقة ( إذا كان نظمها قد تم دفعة واحدة فهو ما لقيه من ابن عمه من تقصير و إيذاء و بخل و أثرة و التواء عن المودة و ربما نظمت القصيدة في أوقات متفرقة فوصف الناقة الطويل ينم على أنه وليد التشرد و وصف اللهو و العبث يرجح أنه نظم قبل التشرد و قد يكون عتاب الشاعر لابن عمه قد نظم بعد الخلاف بينه و بين أخيه معبد . شهرة المعلقة و قيمتها : بعض النقاد فضلوا معلقة طرفة على جميع الشعر الجاهلي لما فيها من الشعر الإنساني ـ العواصف المتضاربة ـ الآراء في الحياة ـ و الموت جمال الوصف ـ براعة التشبيه ، و شرح لأحوال نفس شابة و قلب متوثب .(465/146)
في الخاتمة ـ يتجلى لنا طرفة شاعراً جليلاً من فئة الشبان الجاهليين ففي معلقته من الفوائد التاريخية الشيء الكثير كما صورت ناحية واسعة من أخلاق العرب الكريمة و تطلعنا على ما كان للعرب من صناعات و ملاحة و أدوات ... و في دراستنا لمعلقته ندرك ما فيها من فلسفة شخصية و من فن و تاريخ
لخِولة أَطْلالٌ بِيَرْقَةِ ثَهْمَدِ ... تَلُوحُ كَبَاقي الْوَشْمِ في طَاهِرِ الْيَدِ ... 1
وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مطِيَّهُمْ ... يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَلَّدِ ... 2
كأنَّ حُدُوجَ الَمْالِكِيَّةِ غُدْوَةً ... خَلا يا سَفِين بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ ... 3
عَدُو لِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ ... يَجُوز بُهَا الْمّلاحُ طَوراً وَيَهْتَدِي ... 4
يَشُقُّ حَبَابَ الَماءِ حَيْزُ ومُها بها ... كما قَسَمَ التِّرْبَ الْمَفايِلُ باليَدِ ... 5
وفِي الَحيِّ أَخْوَى يَنْفُضُ المرْ دَشادِنٌ ... مُظَاهِرِ سُمْطَيْ لُؤْلؤٍ وَزَبَرْجَدِ ... 6
خَذُولٌ تُراعي رَبْرَباً بِخَميلَةٍ ... تَنَاوَلُ أَطْرَافَ الَبريرِ وَتَرْتَدِي ... 7
وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمى كأَنَّ مُنَوّراً ... تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهُ نَدِ ... 8
سَقَتْهُ إِيَاُة الشَّمْس إِلا لِثَاتِهِ ... أُسِفّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمدِ ... 9
وَوَجْهٌ كأنَّ الشَّمْسَ أَلفَتْ رِداءَهَا ... عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ ... 10
وَإِني لاُ مْضِي الَهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ ... بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي ... 11
أَمونٍ كأَلْوَاحِ الإِرانِ نَصَأتُها ... على لاحِبٍ كأَنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ ... 12
جَمَاِليَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها ... سَفَنجَةٌ تَبْري لأَزْعَرَ أَرْبَدِ ... 13
تُبارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ ... وَظيفاً وَظيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّرِ ... 14
تَرَبَّعَتِ الْقُفّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي ... حَدَائِقَ مَوْليَّ الاسِرَّةِ أَغْيَدِ ... 15(465/147)
تَرِيعُ إِلىَ صَوْتِ الُمهِيبِ وَتَتَّقي ... بذي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ ... 16
كَأنَّ جنَاحَيْ مَضْرَ حيِّ تَكَنَّفَا ... حِفا فيهِ شُكّا في العَسِيبِ بِمسْرَدِ ... 17
فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً ... على حَشَفٍ كالشَّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ ... 18
لها فَخِذَانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما ... كأنّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ ... 19
وَطَيِّ مُحالٍ كالَحنيّ خُلُوفُهُ ... وَأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ ... 20
كأنّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يُكْنِفانِها ... وَأَطْرَ قِسِيِّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَبَّدِ ... 21
لها مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كأنّها ... تَمُرُّ بِسَلْمَيْ داِلجٍ مُتَشَدِّدِ ... 22
كقَنْطَرَةِ الرُّوِميّ أَقْسَمَ ربّها ... لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرْمَدِ ... 23
صُهابِيّةُ الْعُثْنُونِ مُو جَدَةُ الْقَرَا ... بعيدةُ وَخْدِ الرّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ ... 24
أُمِرَّتْ يَدَاها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ ... لها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ ... 25
جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثمَّ أُفْرِعَتْ ... لها كتِفَاها في مُعالي مُصَعَّدِ ... 26
كأَنَّ عُلوبَ النَّسْعِ في دَأَيَاتِها ... مَوَارِدُ من خَلْقاءَ في ظهرِ قَرْدَدِ ... 27
تَلاقَى وَأَحْياناً تَبينُ كأنّها ... بَنائِقُ غَرِّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ ... 28
وَأَتْلَغُ نَهَّاضٌ صَعَّدَتْ بِهِ ... كسُكّانِ بُوِصيِّ بِدْجِلَةَ مُصْعِدِ ... 29
وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ الْعَلاةِ كأنّما ... وَعى الُمْلَتقى منها إِلى حرْفِ مِبْرَدِ ... 30
وَخَد كقِرْطاسِ الشّآمي ومِشْفَرٌ ... كسِبْتِ الْيَماني قَدُّهُ لم يُجَرَّدِ ... 31
وَعَيْنَانِ كالَماوِيَتَيْنِ اسْتَكَنّتا ... بكهفَي حجَاجَي صَخْرَةٍ قلْتِ مَوْرِدِ ... 32
طَحورانِ عُوّارَ الْقَذَى فَتَراهُما ... كمِكْحَلَتَيْ مذعورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ ... 33
وَصَادِفَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّرى ... لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدِّدِ ... 34
مُوَلّلتانِ تَعْرِف الْعِتْقَ فيهِما ... كسامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ ... 35(465/148)
وَأرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحدُّ مُلَمْلمٌ ... كمِرْداةِ صَخْرٍ في صَفِيحٍ مُصَمَّدِ ... 36
وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ من اْلأَنفِ مارِنٌ ... عَتيقٌ متى تَرْجُمْ به اْلأَرْضَ تَزْددِ ... 37
وَإِنْ شئتُ لم تُرْقِلْ وَإِنْ شئتُ أَرْقَلَتْ ... مَخَافَةَ مَلْوِيِّ مِنَ الْقَدِّ مُحْصَدِ ... 38
وَإِنْ شئتُ سلمى وَاسطَ الكورِ رَأسهَا ... وَعامَتْ بضَبْعَيها نجاءَا الخَفَيْدَدِ ... 39
على مِثْلِهَا أَمْضي إِذَا قالَ صاحبي، ... أَلا لَيْتَني أَفديكَ منها وَأفْتَدي ... 40
وَجاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوفْاً وَخاَله ... مُصَاباً وَلَوْ أمْسَى على غيرِ مَرْصَدِ ... 41
إِذَا الْقَوْمُ قالوا مَنْ فَتًىِ خلْتُ أَنَّني ... عُنِيتُ فلَم أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ ... 42
أَحلْتُ عَلَيْها بالقطيع فأجِذَمَت ... وَقَدْ خَبَّ آلُ اْلأَمْعَزِ اُلمتوَقِّدَّ ... 43
فَذالتْ كما ذالتْ وَليدَة مَجْلِسٍ ... تُرِي رَبَّهَا أَذيالَ سَحلٍ مَمددِ ... 44
وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاعِ مَخافَةً ... وَلكِنْ متى يَسْتَرْفِدِ الْقَوْمُ أَرْفِدِ ... 45
فَإِنْ تَبْغِني في حَلْقَةِ القَوْمِ تلِقَني ... وَإِنْ تَلْتَمِسْني في الَحْوَانِيتِ تَصْطَدِ ... 46
وَإِنْ يَلْتَقِ الَحْيُّ الَجْمِيعُ تُلاِقني ... إِلى ذِرْوَةِ البَيْتِ الشَّرِيفِ الُمصَمَّدِ ... 47
نَدَامايَ بيضٌ كالنجوم وَقَيْنَةٌ ... تَرُوحُ عَليْنَا بينَ بُرْدٍ وَمَجْسَدِ ... 48
رَحيبٌ قِطَابُ الَجْيْبِ منْهَا رَقِيقةٌ ... بِجَسِّ النَّدامَى بَضَّةُ اُلمتَجَردِ ... 49
إِذَا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمعِينا انْبَرَتْ لَنَا ... على رِسْلِها مَطْرُوقَةً لم تَشَدَّدِ ... 50
إِذَا رَجَعَتْ في صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَها ... تَجاوُبَ أَظْآرٍ على رُبَعٍ رَدِ ... 51
وَمَا زالَ تَشْرابي الُخْمورَ وَلَذَّتي ... وَبَيْعِي وَإِنْفَاقي طَريفي وَمُتْلَدِي ... 52
إِلى أَنْ تَحامَتْني الْعَشيرَةُ كُلّهَا ... وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ الْبَعِيرِ الُمعَبَّدِ ... 53(465/149)
رَأَيتُ بَنِي غَبْراء لا يُنْكِرُونَني ... وَلا أَهْلُ هذاكَ الِّطرافِ الُممَددِ ... 54
فإِنْ كنتَ لا تسْتطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتي ... فَدَعْني أبادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي ... 55
ولَولا ثَلاثٌ هُنَّ من عيشةِ الْفَتى ... وَجدِّكَ لم أَحفِلْ مَتى قامَ عُوْدي ... 56
فَمِنْهُنّ سَبْقِي الْعاذِلاتِ بِشَربَةٍ ... كُمَيْتٍ متى ما تُعْلَ باَلماءِ تُزْبِدِ ... 57
وَكَرِّي إِذَا نادَى اُلمضافُ مُحَنَّباً ... كَسِيدِ الْغَضا نَبّهْتَهُ الُمتَوَرِّدِ ... 58
وَتقصيرُ يوم الدَّجنِ والدجنُ مُعجِبٌ ... بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الخِباءِ الُمعَمَّدِ ... 59
كَأَنّ الْبُريَنَ وَالدَّماليجَ عُلِّقَتْ ... على عُشَرٍ أو خِروَعٍ لم يُخَضَّدِ ... 60
كَرِيمٌ يروِّي نَفْسَهُ في حَيَاتِه ... سَتَعْلَمُ إِن مُتْنا غَداً أَيّنا الصدي ... 61
أَرَى قَبْرَ نَحّامٍ بَخَيلٍ بِمَاله ... كقَبْرِ غوِيِّ في البطالَةِ مُفْسِدِ ... 62
تَرَىَ جشوَتَيْنِ من تُراب عَلَيْهمَا ... صَفَائحُ صُمِّ من صَفيحٍ مُنَضَّدِ ... 63
أَرى اَلموت يَعْتامُ الكِرَامَ ويَصْطفي ... عَقِيَلةَ مَالِ الْفَاِحشِ اُلمتَشَدِّدِ ... 64
أرَى الْعَيْشَ كنزاً ناقصاً كلّ ليْلَةٍ ... وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدّهرُ يَنْفَدِ ... 65
لَعَمْرُكَ إِنّ اَلموَتَ مَا أَخْطأَ الْفَتى ... لكَالطَّوَلِ اُلمرْخَى وثِنْيَاهُ بِاليَدِ ... 66
فمالي أرَاني وَابْنَ عَمِّيَ مَالِكاً ... مَتَى أَدْنُ مِنْه يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعُدِ ... 67
يَلُومُ ومَا أَدْرِي عَلاَمَ يَلُوُمني ... كما لامني في الحيّ قُرْطُ بنُ مَعْبدِ ... 68
وأَيْأَسَنيِ من كل خَيْرٍ طَلَبتُهُ ... كأنَّا وَضَعنَاهُ إِلى رَمْسِ مُلْحَدِ ... 69
على غَيْرِ شيءٍ قُلْتُهُ غَيْرَ أَنَّني ... نَشَدْتُ فلم أُغْفِل حَمولَةَ مَعْبَدِ ... 70
وَقَرّبْتُ بالقُرْبَى وَجدَّكَ إِنَّني ... متى يَكُ أَمْرٌ لِلنّكيثَةِ أَشْهَدِ ... 71
وإِنْ أُدْعَ للجُلىَّ أَكنْ مِنْ حُماتِها ... وإِنْ يَأَتِكَ الأَعْدَاءُ بالجَهْدِ أَجْهَدِ ... 72(465/150)
وإِنْ يَقذِفُوا بالقذعِ عِرْضَك أَسْقِهِمْ ... بكَأْسِ حِيَاضِ الموتِ قبلَ التهدُّدِ ... 73
بِلاَ حدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وكَمُحْدَثٍ ... هِجائي وقَذْفي بالشَّكَاةِ ومُطْرَدِي ... 74
فَلَوْ كان مَوْلايَ أمْرُءٌا هُوَ غَيْرَهُ ... لَفَرَّجَ كَرْبي أَوْ لأنظَرَني غَدِي ... 75
وَلكِنّ مَوْلايَ آمْرُءٌ هُوَ خانقي ... على الشُّكْرِ والتَّسْآل أَوْ أَنَا مُفْتَدِ ... 76
وظُلْمُ ذَوي الْقُرْبَى أَشَدُّ مضاضَةً ... على الَمرءِ مِن وَقْعِ الُحسامِ الُمهَنَّدِ ... 77
فَذَرْني وَخُلْقي، إِنَّني لَكَ شَاكِرٌ ... وَلوْ حَلّ بَيْتي نائباً عند ضَرْغَدِ ... 78
فَلَوْ شَاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خَالِدٍ ... وَلَوْ شَاءَ رَبي كُنْتُ عَمرو بن مَرْثَدِ ... 79
فأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كثيرٍ وَزَارَني ... بَنونٌ كرامٌ سادَةٌ لُمِسَوَّدِ ... 80
أَنا الرّجُلُ الضَّرْب الَّذِي تَعْرِفُوَنهُ ... خَشاشٌ كرَأْسِ الَحيّة الُمَتَوقّدِ ... 81
فَآليْتُ لا يَنْفَكُّ كشْجِي بطانَةً ... لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ ... 82
حُسَامٍ إِذَا ما قُمتُ مُنتَصِراً به ... كفى الْعَوْدَ منه الْبَدءُ ليسَ بِمعْضَدِ ... 83
أَخِيِ تقَةٍ لا يَنْثَنيِ عَنْ ضَرِيبةٍ ... إِذَا قِيلَ مَهْلاً قالَ حاِجزُهُ قَدِي ... 84
إِذَا ابتدَرَ الْقَوْمُ السِّلاَحَ وَجدْتَني ... مَنيعاً إِذَا بَلّتْ بقَائِمِهِ يَدِي ... 85
وبَرْكُ هُجُودٍ قَد أَثَارتْ مَخَافتي ... بَوَادِيَهَا، أَمشِي بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ ... 86
فَمرّتْ كَهاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلالَةٌ ... عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالوَبيلِ يَلَنْدَدِ ... 87
يَقُولُ وقَدْ تَرّ اْلوَظِيفُ وَسَاقُهَا ... أَلَستَ تَرى أَن قَد أَتَيْتَ بمؤْيِدِ ... 88
وقَالَ، ألا ماذَا تَرَوْنَ بِشَارِبٍ ... شَدِيدٍ عَلَيْنا بَغْيُهُ مُتَعَمِّدِ ... 89
وقَالَ، ذَرُوهْ إِنَّما نَفْعُها لَهُ ... وإِلاّ تكُفّوا قاصيَ الْبَرْكِ يَزْدَدِ ... 90
فَظَلّ اْلإِماءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا ... وَيُسْعَى بها بالسّديفِ اُلمسَرْهَدِ ... 91(465/151)
فإِنْ مِتُّ فانْعِيني بِما أنَا أَهْلُةُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الَجَيْب يَا أبْنَةَ مَعْبَدِ ... 92
وَلا تَجْعَلِيني كامرِىءٍ لَيْسَ هَمُّهُ ... كهَمِّي وَلا يُغْنِي غَنائي ومَشْهَدِي ... 93
بَطِيءٍ عَن الُجْلَّي سَرِيع الى الخَنا ... ذَلُولٍ بأَجماعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ ... 94
فَلوْ كُنْتُ وَغلاً في الرِّجالِ لَضَرَّني ... عَدَاوَةُ ذِي اْلأَصْحَابِ وَالُمَتوَحِّدِ ... 95
ولكِنْ نَفَى عني الرِّجالَ جَراءَتي ... عَلَيْهِمْ وَإِقْدَامِي وَصِدْفي وَمحْتَدِي ... 96
لَعَمْرُكَ ما أمْري عَلَيَّ بغُمَّةٍ ... نَهاري وَلا لَيْلي عَلَيِّ بسَرْمَدِ ... 97
ويَومٍ حَبَسْتْ النَّفْسَ عندَ عراكهِ ... حِفَاظاً عَلى عَوْراتِهِ والتَّهَدُّدِ ... 98
على مَوْطِنٍ يَخْشَى الْفْتَى عِندَهُ الرَّدى ... متى تَعْتَرِكْ فيهِ الْفَراِئصُ تُرْعَدِ ... 99
وَأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوَارَهُ ... على النارِ واستَوْدَعْتُهْ كَفَّ مُجْمِدِ ... 100
ستُبْدِي لكَ الأَيَّامُ ما كُنْتَ جاهِلاً ... وَيَأْتِيكَ باْلأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ... 101
وَيَأْتِيكَ باْلأَخْبارِ مَنْ لَمْ تَبعْ لَهُ ... بَتَاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعدِ ... 102
شرح معلقة طرفة بن العبد
خولة : اسم امرأة كلبية ، الطلل : ماشخص من رسوم الدار ، والجمع أطلال وطلول ، البرقة والأبرق والبرقاء : مكان اختلط ترابه بحجارة أو حصى ، والجمع الأبارق والبراق والبرق ، ثهمد : موضع ، تلوح : تلمع ، واللوح اللمعان ، الوشم : غرز ظاهر اليد وغيره بإبرة وحشو المغارز بالكحل أو النقش بالنيلج ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الواشمة والمستوشمة " يقول : لهذه المرأة أطلال ديار بالموضع الذي يخالط أرضه حجارة وحصى من ثهمد فتلمع تلك الأطلال لمعان بقايا الوشم في ظاهر الكف 1
تفسير البيت هنا كتفسيره في قصيدة أمرىء القيس ، التجلد : تكلف الجلادة ، أي التصبر 2(465/152)
الحدج : مركب من مراكب النساء ، والجمع حدوج وأحداج ، المالكية : منسوبة إلى بني مالك قبيلة من كلب ، الخلايا: جمع الخلية وهي السفينة العظيمة ، السفين : جمع سفينة ، النواصف : جمع الناصفة ، وهي أماكن تتسع من نواحي الأودية مثال السكك وغيرها ، دد ، قيل : هو اسم واد في هذا البيت ، وقيل دد مثل يد ، يقول : كأن مراكب العشيقة المالكية غدوة فراقها بنواحي وادي دد سفن عظام . شبه الشاعر الإبل و عليها الهوادج بالسفن العظام ، وقيل : بل حسبها سفنا عظاما من فرط لهوه وولهه ، إذا حملت ددا على اللهو ، وإن حملته على أنه واد بعينه فمعناه على القول الأول 3
عدولي : قبيلة من أهل البحرين ، وابن يامن : رجل من أهلها ، الجور : العدول عن الطريق ، والباء للتعدية ، الطور : التارة ، والجمع الأطوار يقول : هذه السفن التي تشبهها هذه الإبل من هذه القبيلة أو من سفن هذا الرجل ، الملاح يجريها مرة على استواء واهتداء ، وتارة يعدل بها فيميلها عن سنن الاستواء ، وكذلك الحداة تارة يسوقون هذه الإبل على سمت الطريق ، وتارة يميلها عن الطريق ليختصروا المسافة ، وخص سفن هذه القبيلة وهذا الرجل لعظمها وضخمها ثم شبه سوق الإبل تارة على الطريق وتارة على غير الطريق بإجراء الملاح السفينة مرة على سمت الطريق ومرة عادلا عن ذلك السمت 4
حباب الماء : أمواجه ، الواحدة حبابة ، الحيزوم : الصدر ، والجمع : الحيازم ، الترب والتراب والترباء والتورب والتيراب والتوراب واحد ، الفيال : ضرب من اللعب ، وهو أن يجمع التراب فيدفن فيه شيء، ثم يقسم التراب نصفين ، ويسأل عن الدفين في أيهما هو ، فمن أصاب فسمر ومن أخطأ فمر ، يقال : فايل هذا الرجل يفايل مفايلة وفيالا إذا لعب بهذا الضرب من اللعب . شبه الشاعر شق السفن الماء بشق المفايل التراب المجموع بيده 5(465/153)
الأحوى : الذي في شفتيه سمرة ، يقال : حوي الفرس مال إلى السواد ، فعلى هذا شادن صفة أحوى ، وقيل بدل من أحوى ، وينفض المرد صفة أحوى ، الشادن : الغزال الذي قوي واستغني عن أمه ، المظاهر : الذي لبس ثوبا فوق ثوب أو درعا فوق درع ، السمط : الخيط الذي نظمت فيه الجواهر ، والجمع سموط يقول : وفي الحي حبيب يشبه ظبيا أحوى في كحل العينين وسمرة الشفتين في حال نفض الظبي ثمر الأراك لأنه يمد عنقه في تلك الحال ، ثم صرح بأنه يريد إنسانا ، وقال قد لبس عقدين أحدهما من اللؤلؤ والآخر من الزبرجد ، شبهه بالظبي في ثلاثة أشياء : في كحل العينين وحوة الشفتين ، وحسن الجيد ، ثم أخبر أنه متحل بعقدين من لؤلؤ وزبرجد 6
خذول : أي خذلت أولادها ، تراعي ربربا: أي ترعى معه ، الربرب : القطيع من الظباء وبقر الوحش ، الخميلة : رملة منبتة ، البرير: ثمر الأراك المدرك البالغ ، الواحدة بريرة ، الارتداء والتردي : لبس الدراء يقول : هذه الظبية التي اشبهها الحبيب ظبية خذلت اولادها وذهبت مع صواحبها في قطيع من الظباء ترعى معها في أرض ذات شجر أو ذات رملة منبتة تتناول اطراف الأراك وترتدي بأغصانه ، شبه الشاعر طول عنق الحبيب وحسنه بذلك 7
الألمى : الذي يضرب لون شفتيه إلى السواد ، والانثى لمياء ، والجمع لمي ، والمصدر اللمى ، والفعل لمي يلمى ، البسم والتبسم والابتسام واحد ، كأن منورا يعني اقحوانا منورا ، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه ، نور النبت خرج نوره فهو منور ، حر كل شيء: خالصة ، الدعص : الكثيب من الرمل ، والجمع الادعاص ، الندى يكون دون الابتلال ، والفعل ندي يندى ندى ، ونديته تندية يقول وتبسم الحبيبة عن ثغر ألمى الشفتين كأنه أقحوان خرج نوره في دعص ند يكون ذلك الدعص فيما بين رمل خالص لايخالطه تراب ، وإنما جعله نديا ليكون الاقحوان غضا ناضرا 8(465/154)
إياة الشمس وإياها : شعاعها ، اللثة : مغرز الأسنان ، والجمع اللثات ، الإسفاف : إفعال سففت الشيء أسفه سفا ، الإثمد : الكحل ، الكدم : العض . ثم وصف ثغرها فقال : سقاة شعاع الشمس ، أي كأن الشمس أعارته ضوءها . ثم قال : إلا لثاته ، يستثنى اللثات لأنه لا يستحب بريقها . ثم قال : إلا لثاته ، يستثنى اللثات لأنه لا يستحب بريقها . ونساء العرب تذر الإثمد على الشفاه واللثات فيكون ذلك أشد لمعان الأسنان 9
التخدد : التشنج والتغضن يقول : وتبسم عن وجه كأن الشمس كسته ضياءها وجمالها ، فاستعار لضياء الشمس اسم الرداء ، ثم ذكر ان وجهها نقي اللون غير متشنج متغضن . وصف وجهها بكمال الضياء والنقاء والنضارة ، وجر الوجه عطفا على ألمى 10
الاحتضار والحضور واحد ، العوجاء : الناقة التي لا تستقيم في سيرها لفرط نشاطها ، المرقال : مبالغة مرقل من الإرقال : وهو بين السير والعدو يقول : وإني لأمضي همي وأنفذ إرادتي عند حضورها بناقة نشيطة في سيرها تخب حببا وتذمل ذميلا في رواحها واغتدائها ، يريد أنها تصل سير الليل بسير النهار ، وسير النهار بسير الليل ، يقول : وإني لأنفذ همي عند حضوره بإتعاب ناقة مسرعة في سيرها 11
الأمون : التي يؤمن عثارها ، الإران : التابوت العظيم ، نصأتها ، بالصاد ، زجرتها . ونسأتها ، بالسين ، أي ضربتها بالنسأة ، وهي العصا ، اللاحب : الطريق الواضح ، البرجد : كساء مخطط يقول : هذه الناقة الموثقة الخلق يؤمن عثارها في سيرها وعدوها ، وعظامها كألواح التابوت العظيم ، ضربتها بالمنسأة على طريق واضح كأنه كساء مخطط في عرضه 12(465/155)
الجمالية : الناقة التي تشبه الجمل في وثاقة الخلق ، الوجناء : المكتنزة اللحم ، الرديان : عدو الحمار بين متمرغة وأربه ، السفنجة : النعامة ، تبري: تعرض ، والبري والانبراء واحد كذلك التبري ، الأزعر : القليل الشعر ، الاربد ك الذي لونه لون الرماد يقول : أمضي همي بناقة تشبه الجمل في وثاقة الخلق مكتنزة اللحم تعدو كأنها نعامة تعرض لظليم قليل الشعر يضرب لونه إلى لون الرماد ، شبه عدوها بعدو النعامة في هذه الحال 13
باريت الرجل : فعلت مثل فعله مغالبا له ، العتاق : جمع عتيق ، وهو الكريم ، الناجيات : المسرعات في السير ، الوظيف : ما بين الرسغ إلى الركبة وهو وظيف كله ، المور : الطريق ، المعبد : المذلل ، والتعبيد : التذليل والتأثير يقول : هي تباري إبلا كراما مسرعات في السير وتتبع وظيف رجلها وظيف يدها فوق طريق مذلل بالسلوك والطء بالاقدام والحوافر والمناسم في السير 14
التربع : رعي الربيع والإقامة بالمكان واتخاذه ربعا ، القف : ما غلظ من الارض وارتفع لم يبلغ أن يكون جبلا ، والجمع قفاف ، الشول : النوق التي جفت ضروعها وقلت ألبانها ، الواحدة شائلة ، بالتاء لا غير . ويقال : ناقة شائل وجمل شائل . والشول : الارتفاع ، الارتعاء : الرعي ، الحدائق : جمع حديقة ، وهى كل روضة ارتفعت أطرافها وانخفض وسطها ، والحديقة البستان أيضا ، المولي : الذي أصابه الولي وهو المطر الثاني من أمطار السنة ، سر الوادي وسراته : خيره أفضله كلأ ، والجمع الأسرة الأسرار ، الاغيد : الناعم الخلق ، وتأنيثه غيداء ، والجمع غيد ، ومصدره الغيد ، يقول : رعت هذه الناقة أيام الربيع كلا القفين ، بين نوق جفت ضروعها وقلت ألبانها ترعى في حدائق واد قد وليت أسرتها وهو مع ذلك ناعم التربة . وقوله : حدائق مولي الأسرة ، تقديره حدائق واد مولي الأسرة ، فحذف الموصوف ثقة بدلالة الصفة عليه 15(465/156)
الريع : الرجوع ، والفعل راع يربع ، الإهابة : دعاة الإبل وغيرها ، يقال أهاب بناقته إذا دعاها ، الاتقاء : الحجز بين شيئين ، يقال : اتقى قرنه بترسه إذا جعل حاجزا بينه وبينه ، وقوله : بذي خصل ، أراد بذنب ذي خصل ، فحذف الموصوف اكتفاء بدلالة الصفة عليه ، والخصل جمع خصلة من الشعر وهي قطعة منه ، الروع : الافزاع ، والروعة فعلة منه ، وجمعها الروعات ، الأكلف : الذي يضرب إلى السواد ، الملبد : ذو وبر متلبد من البول والثلط وغيره ، روعات أكلف أي روعات فحل اكلف ، فحذف الموصوف يقول : هي ذكية القلب ترجع إلى راعيها وتجعل ذنبها حاجزا بينها وبين فحل تضرب حمرته إلى السواد متلبد الوبر ، يريد أنها لايمكنه من ضرابها فلا تلقح ، وإذا لم يصل الفحل إلى ضرابها لم تلقح وإذا لم تلقح كانت مجتمعة القوى وافرة اللحم قوية على السير والعدو 16
المضرحي : الأبيض من النسور ، وقيل : هو العظيم منها ، التكنف : الكون في كنف الشيئ وهو ناحيته ، الحفاف : الجانب ، والجمع الأحفة ، الشك : الغرز ، العسيب : عظم الذنب ، والجمع العسب ، والمسرد والمسراد : الاشفى ، والجمع المسارد والمساريد يقول : كأن جناحي نسر أبيض غرزا بإشفى في عظم ذنبها فصارا في ناحية . شبه الشاعر شعر ذنبها بجناحي نسر أبيض في الباطن 17
قوله : فطورا به ، يعني فطورا تضرب بالذنب ، الزميل : الرديف ، الحشف : الاخلاف التي جف لبنها فتشنجت ، الواحدة حشفة ، الشن : القربة الخلق ، والجمع الشنان ، الذوي : الذبول ، المجدد : الذى جد لبنه أي قطع يقول : تارة تضرب هذه الناقة ذنبها على عجزها خلف رديف راكبها وتارة تضرب على اخلاف متشنجة خلقة كقربة بالية وقد انقطع لبنها 18(465/157)
النحض : اللحم ، وقوله : بابا منيف ، أى بابا قصر منيف ، فحذف الموصوف ، والمنيف : العالي ، والاناقة العلو ، الممرد : المملس ، ومن قولهم : وجه أمرد وغلام أمرد لا شعر عليه ، وشجرة مرداء لا ورق لها ، والممرد المطول أيضا ، وقد أول تعالى :"صرح ممرد من قوارير" بهما يقول : لهذه الناقة فخذان أكمل لحمهما فشابها مصراعي باب قصر عال مملس أو مطول في العرض 19
الطي : طي البئر ، المحال : فقار الظهر ، الواحدة محالة وفقارة ، الحني : القسي ، الواحدة حنية وتجمع أيضا على حنايا ، الخلوف: الأضلاع ، الواحد خلف ، الأجرنة : جمع جران ، وهو باطن العنق ، اللز : الضم ، الدأي : خرز الظهر والعنق ، الواحدة دأية وتجمع أيضا على الدأيات ، التنضيد مبالغة النضد : وهو وضع الشيئ على الشيئ ، والمنضد أشد من المنضود يقول : ولها فقار مطوية متراصفة متداخلة كأن الأضلاع المتصلة بها نسي ولها باطن عنق ضم وقرن إلى خرز عنق قد نضد على بعض 20
الكناس : بيت يتخذه الوحش في أصل شجرة ، والجمع الكنس ، وقد كنس الوحش يكنس كنسا وكنوسا : دخل كناسه ، الضال : ضرب من الشجر وهو السدر البري ، الواحدة ضالة ، كنفت الشيء : صرت في ناحيته ، أكنفه كنفا ، والكنف الناحية ، والجمع الأكناف ، الأطر : العطف ، والائتطرار الانعطاف ، المؤيد : المقوى ، والتأييد التقوية ، من الأيد والأد وهما القوة ، شبه إبطيها في السعة ببيتين من بيوت الوحش في أصل شجرة ، وشبه أضلاعها بقسي معطوفة يقول : كأن بيتين من بيوت الوحش في أصل ضالة صارا في ناحيتي هذه الناقة وقسيا معطوفة تحت صلب مقوى وسعة الإبط أبعد لها من العثار ، لذلك مدحها بها 21(465/158)
الافتل : القوي الشديد ، وتأنيثه فتلاء ، السلم : الدلو لها عروة واحدة مثل دلاء السقائين ، الدالج : الذي يأخذ الدلو من البئر فيفرغها في الحوض ، التشدد والاشتداد والشدة واحد . يقال : شد يشد شدة إذا قوي ، والباء في قوله تمر بسلمي للتعدية ويجوز أن تكون يمعنى مع ايضا يقول : لهذه الناقة مرفقان قويان شديدان بائنان عن جنبيها فكأنها تمر مع دلوين من دلاء الدالجين الاقوياء ، شبهها بسقاء حمل دلوين إحداهما بيمناه والاخرى بيسراه فبانت يداه عن جنبيه ، شبه بعد مرفقيها عن جنبيها ببعد هاتين الدلوين عن جنبي حاملهما القوي الشديد 22
القرمد : الآجر ، وقيل هو الصاروج ، الواحدة قرمدة ، الاكتناف : الكون في أكناف الشيء وهي نواحيه ، شبه الناقة في تراضف عظامها وتداخل أعضائها بقنطرة تبنى لرجل رومي قد حلف صاحبها ليحاطن بها حتى ترفع أو تجصص بالصاروخ أو الآجر ، الشيد : الرفع والطلي بالشيد وهو الجص . قوله : كقنطرة الرومي ، أي كقنطرة الرجل الرومي . وقوله: لتكتنفن ، أي والله لتكتنفن 23
العثنون : شعرات تحت لحيها الأسفل ، يقول : فيها صهبة أي حمرة ، القرا : الظهر ، والجمع الأقراء ، الموجدة : المقواة ، والإيجاد التقوية ، ومنه قولهم :بعير أجد أي شديد الخلق ، الوخد والوخدان والوخيد : الذميل والفعل وخد يخد ، المور : الذهاب والمجئ ، والموارة مبالغة المائرة ، وقد مارت تمور مورا فهي مائرة يقول : في عثنونها صهبة وفي ظهرها قوة وشدة ويبعد ذميل رجليها ومور يديها في السير ، ويجوز جر صهابية العثنون على الصفة لعوجاء ويجوز رفعها على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره : هي صهابية العثنون 24
الإمرار : إحكام الفتل الشزر : ما أدير عن الصدر ، والنظر الشزر والطعن الشزر ما كان في أحد الشقين ، الإجناح : الإمالة ، والجنوح الميل ، السقف والسقيف واحد ، والجمع سقوف ، المسند : الذي أسند بعضه إلى بعض 25(465/159)
الجنوح مبالغة الجانحة : وهي التي تميل في أحد الشقين لنشاطها في السير ، الدفاق : المندفقة في سيرها أي المسرعة غاية الإسراع ، العندل : العظيمة الرأس ، الإفراع : التعلية ، يقال : فرعت الجبل أفرعة فرعا إذا علوته ، وتفرعته أيضا وأفرعته غيري أي جعلته يعلوه ، المعالاة والإعلاء والتعلية واحد ، والتصعيد مثلها يقول : هذه الناقة شديدة الميلان عن سمت الطريق لفرط نشاطها في السير مسرعة غاية الإسراع عظيمة الرأس وقد عليت كتفاها في خلق معلى مصعد ، وقوله : في معالي ، يريد في خلق معالي أو ظهر معالي ، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه ، ويجوز في الجنوح الرفع والجر 26
العلب : الأثر ، والجمع العلوب ، وقد علبت الشيء علبا إذا أثرت فيه ، النسع : سير كهيئة العنان تشد به الأحمال ، وكذلك النسعة ، والجمع الانساع والنسوع والنسع ، المورد وهو الماء الذي يورد ، الخلقاء : الملساء ، والأخلق الأملس ، وأراد من خلقاء ، أي من صخرة خلقاء ، فحذف الموصوف ، القردد : الأرض الغليظة الصلبة التي فيها وهاد ونجاد . يقول : كأن آثار النسع في ظهر هذه الناقة وجنبيها نقر فيها ماء من صخرة ملساء في أرض غليظة متعادية فيها وهاد ونجاد . شبه الشاعر آثار النسع أو الانسان بالنقر التي فيها الماء في بياضها ، وجعل جنبها صلبا كالصخرة الملساء ، وجعل خلقها في الشدة والصلابة كالأرض الغليظة 28-27
الأتلع : الطويل العنق ، النهاض : مبالغة الناهض ، البوصي : ضرب من السفن ، السكان : ذنب السفينة يقول : هي طويلة العنق فإذا رفعت عنقها أشبه ذنب السفينة في دجلة تصمد . قوله : إذا صعدت به ، أى بالعنق ، والباء للتعدية ، جعل عنقها طويلا سريع النهوض ، ثم شبه في الارتفاع والانتصاب بسكان السفينة في حال جريها في الماء
29(465/160)
الوعي : الحفظ والاجتماع والانضمام ، وهو في البيت على المعنى الثاني ، الحرف : الناحية ، والجمع الأحرف والحروف يقول : ولها جمجمة تشبه العلاة في الصلابة فكأنما انضم طرفها إلى حد عظيم يشبه المبرد في الحدة والصلابة ، الملتقى : موضع الالتقاء وهو طرف الجمجمة لأنه يلتقي به فراش الرأس 30
قوله : كقرطاس الشآمي يعني كقرطاس الرجل الشآمي ، فحذف الموصوف اكتفاء بدلالة الصفة عليه ، المشفر للبعير : بمنزلة الشفة للانسان ، والجمع الشافر ، السبت : جلود البقر المدبوغة بالقرط ، وقوله : كسبت اليماني ، يريد كسبت الرجل اليماني ، التجريد : اضطراب القطع وتفاوته شبه خدها في الانملاس بالقرطاس ومشفرها بالسبت في اللين واستقامة القطع 31
الماوية : المرآة ، الاستكنان : طلب الكن ، الكهف : للغار ، الحجاج : العظم المشرف على العين الذي هو منبت شعر الحاجب ، والجمع الأحجة ، القلت : النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء ، والجمع القلات ، المورد : الماء . هنا يقول : لها عينان تشبهان مرآتين في الصفاء والنقاء والبريق وتشبهان ماء في القلت في الصفاء ، وشبه عينيها بكهفين في غورهما ، وحجاجيها بالصخرة في الصلابة ، قوله : حجاجي صخرة أي حجاجي من صخرة ، كقولهم : باب حديد أي باب من حديد 32
يقول : عيناها تطرحان وتبعدان القذى عن أنفسهما ، ثم شبههما بعيني بقرة وحشية لها ولد وقد أفزعها صائد أو غيره ، وعين البقرة الوحشية في هذه الحالة أحسن ما تكون 33
التوجس التسمع ، السرى : سير الليل ، الهجس : الحركة التنديد ك رفع الصوت يقول : ولها أذنان صادقتا الاستماع في حال سير الليل لا يخفى عليهما السر الخفي ولا الصوت الرفيع 34(465/161)
التأليل : التحديد والتدقيق من الآلة وهي الحربة وجمعها آل وإلال ، وقد أله يؤله ألا إذا طعنه بالالة ، والدقة والحدة تحمدان في آذان الإبل ، العتق : الكريم والنجابة ، السامعتان : الأذنان ، الشاة : الثور الوحشي ، حومل : موضع بعينه يقول : لها أذنان محددتان تحديد الالة تعرف نجابتها فيهما وهما كأذني ثور وحشي منفرد في الموضع المعين ، وخص المفرد لأنه اشد فزعا وتيقظا واحترازا 35
الأروع : الذي يرتاع بكل شيء لفرط كائه، النباض : الكثير الحركة ، مبالغة النابض من نبض ينبض نبضانا ، الأحذ: الخفيف السريع ، الململم : المجتمع الخلق الشديد الصلب ، المرداة : الصخرة التي تكسر بها الصخور، الصفيحة : الحجر العريض ، والجمع الصفائح والصفيح ، المصمد : المحكم الموثق . يقول : لها قلب يرتاع لادنى شيء لفرط ذكائه ، وهو سريع الحركة خفيف صلب مجتمع الخلق يشبه صخرة تكسر بها الصخور في الصلابة فيما بين اضلاع تشبه حجارة عراضا محكمة ، شبه القلب بين الاضلاع بحجر صلب بين حجارة عراض . وقوله : كمرداة صخر ، أى كمرداة من صخر . مثل قولهم : هذا ثوب خز ، وقوله : في صفيح ، أى فيما بين صفيح ، والمصمد نعت للصفيح على لفظه دون معناه 36
الاعلم المشقوق الشفة العليا ، المخروت : المثقوب ، والخرت الثقب ، المارن : ما لان من الانف يقول : ولها مشفر مشقوق ومارن انفها مثقوب وهي عندما ترمي الارض بأنفها ورأسها تزداد في سيرها 37
الإرقال : دون العدو وفوق السير ، الإحصاد : الإحكام والتوثيق يقول : هي مذللة مروضة فإن شئت اسرعت في سيرها ، وإن شئت لم تسرع مخافة سوط ملوى من الجلد موثوق 38(465/162)
المساماة : المباراة في السمو وهو العلو ، الكور : الرحل بأداته ، والجمع الاكوار والكيران ، وواسط له كالقربوس للسرج ، العوم : السباحة ، والفعل عام يعوم عوما ، الضبع : العضد ، النجاء : الإسراع ، الخفيدد : الظليم ، ذكر النعام يقول : إن شئت جعلت رأسها موازنا لواسط رحلها في العلو من فرط نشاطها وجذبي زمامها إلى وأسرعت في سيرها حتى كأنها تسبح بعضديها إسراعا مثل إسراع الظليم 39
يقول : على مثل هذه الناقة امضي في أسفاري حين بلغ الأمر غايته ، يقول صاحبي : ألا ليتني افديك من مشقة هذه الشقة فأخلصك منها وأنجي نفسي 40
خاله : أي ظنه ، والخيلولة الظن ، المرصد : الطريق ، والجمع المراصد ، وكذلك المرصاد . يقول : وارتفعت نفسه أي زال قلبه عن مستقره لفرط خوفه فظنه هالكا وإن أمسى على غير الطريق يقول: إن صعوبة هذه الفلوت جعلته يظن أنه هالك وإن لم يكن على طريق يخاف قطاع الطريق 41
يقول : إذا القوم قالوا من فتى يكفي مهما أو يدفع شرا ؟ فعلت أنني المراد بقولهم فلم اكسل في كفاية الهم ودفع الشر ولم أتبلد الميما ، وعنيت من قولهم عني يعنى عنيا بمعنى اراد ، ومنه قولهم : يعني كذا أي يريده ، وايش تعني بهذا أي ايش تريد بهذا ، ومنه خنى وهو المراد ، والجمع المعاني 42
الإحالة : الإقبال هنا ، القطيع : السوط ، الإجذام : الإسراع في السير ، الآل : مايرى شبه السراب طرفي النهار ، والسراب ما كان نصف النهار ، الأمعز: مكان يخالط ترابه حجارة أو حصى ، وإذا حمل على الأرض أو البقعة قيل العزاء ، والجمع الأماعز يقول : أقبلت على الناقة أضربها بالسوط فأسرعت في السير في حال خيب آل الأماكن التي اختلطت تربتها بالحجارة والحصى 43(465/163)
الذيل : التبختر ، والفعل ذال يذيل ، الوليدة : الصبية والجارية ، وهي في البيت بمعنى الجارية ، السحل : الثوب الابيض من القطن وغيره يقول : فتبخترت هذه الناقة كما تتبختر جارية ترقص بين يدي سيدها فتريه ذيل ثوبها الابيض الطويل في رقصها ، شبه الشاعر تبخترها في السير بتبختر الجارية في الرقص ، وشبه طول ذنبها بطول ذيلها 44
الحلال : مبالغة الحال من الحلول ، التلعة : ما ارتفع من مسيل الماء وانخفض عن الجبال أو قرار الأرض ، والجمع التلعات والتلاع ، الرفد والأرفاد : الإعانة ، والاسترفاد الاستعانة يقول : أنا لاأحل التلاع مخافة حلول الأضياف بي أو غزو الأعداء اياي ولكني أعين القوم إذا استعانوا بي إما في قرى الأضياف ، واما في قتال الأعداء والحساد 45
البغاء : الطلب ، والفعل بغى يبغي ، الحلقة تجمع على الحلق بفتح الحاء واللام وهذا من الشواذ ، وقد تجمع على الحلق مثل بدرة وبدر وثلة وثلل ، الحانوت : بيت الخمار ، والجمع الحوانيت ، الاصطياد : الاقتناص يقول : وإن تطلبني في محفل القوم تجدني هناك ، وان تطلبني في بيوت الخمارين تصطدني هناك يريد أنه يجمع بين الجد والهزل 46
الصمد : القصد ، والفعل صمد يصمد ، والتصميد مبالغة الصمد يقول : وإن اجتمع الحي للافتخار تلاقني أنتمي وأعتزي إلى ذروة البيت الشريف أي إلى اعلى الشرف يريد أنه أوفاهم حظا من الحسب وأعلاهم سهما من النسب ، قوله : تلاقني إلى ، يريد أعتزي إلى فحذف الفعل لدلالة الحرف عليه 47(465/164)
الندامى : وجمع الندمان وهو النديم ، وجمع النديم ندام وندماء ، وصفهم بالبياض تلويحا إلى انهم احرار ولدتهم حرائر ولم تعرف الإماء فيهم فتورثهم ألوانهن ، أو وصفهم بالبياض لاشراق أولوانهم وتلألؤ غررهم في الأندية والمقامات إذ لم يلحقهم عار يعيرون به فتتغير ألوانهم لذلك ، أو وصفهم بالبياض لنقائهم من العيوب ، لأن البياض يكون نقيا من الدرن والوسخ ، أو لاشتهاهِم ، لأن الفرس الأغر مشهور فيما بين الخيل ، والمدح بالبياض في كلام العرب لايخرج من هذه الوجوه ، القينة : الجارية المغنية ، والجمع القينات والقيان ، المجسد : الثوب المصبوغ بالجساد والزعفران ، ويقال بل الثوب الذي أشبع صبغة فيكاد يقوم من إشباع صبغة ، والمجسد لغة فيه ، وقال جماعة من الأئمة : بل المجسد الثوب الذي يلي الجسد ، والمجسد ما ذكرنا ، والجمع المجاسد يقول : نداماي احرار كرام تتلالأ ألوانهم وتشرق وجوههم ومغنية تأتينا رواحا لابسة بردا أو ثوبا مصبوغا بالزعفران أو ثوبا مشبع الصبغ 48
الرحب والرحيب واحد ، والفعل رحب رحبا ورحابة ورحبا ، قطاب الجيب : مخرج الرأس منه ، الغضاضة : نعومة البدن ورقة الجلد ، والفعل غض يغض ورض يبض ، المنجرد : حيث تجرد أي تعرى يقول : هذه القينة واسعة الجيب لإدخال الندامى ايديهم في جيبها للمسها . ثم قال : هي رقيقة على جس الندامى إياها ، وما يعرى من جسدها ناعم اللحم رقيق الجلد صافي اللون ، والجس : اللمس ، والفعل جس يجس جسا 49(465/165)
اسمعينا : أى غنينا ، البري والانبراء والتبرى : الاعتراض للشيء والأخذ فيه ، على رسلها : أي على تؤدتها ووقارها ، المطروقة : التي بها ضعف ، ويروى مطروفة ، وهى التى اصيب طرفها بشيء أي كأها أصيب طرفها لفتور نظرها يقول : إذا سألناها الغناء عرضت تغنينا متئدة في غنائها على ضعف نغمتها لا تشدد فيها ، أراد لم تشدد فحذف إحدى التاءين استثقالا لهما في صدر الكلمة ومثله تنزل الملائكة ، نارا تلظى ، وأنت عنه تلهى ، وما أشبه ذلك 50
الترجيع : ترديد الصوت وتغريده ، الظئر : التي لها ولد ، والجمع الاظآر ، الربع من ولد الأبل : ما ولد في اول النتاج ، الردى :الهلاك ، والفعل ردي يردى ، والإرداء الاهلاك ، والتردي مثل الردى يقول : إذا طربت في صوتها ورددت نغمتها حسبت صوتها اصوات نوق تصيح عند جؤارها على هالك ، شبه الشاعر صوتها بصوتهن في التحزين ، ويجوز أن تكون الاظآر النساء ، والربع مستعار لولد الانسان ، فشبه صوتها في التحزين والترقيق بأصوات النوادب والنوائح على صبي هالك 51
التشراب : الشرب ، وتفعال من أوزان المصادر مثل التقتال بمعنى الفتل والتنقاد بمعنى النقد ، الطريف والطارف : المال الحديث ، التليد والتلاد والمتلد : المال القديم الموروث يقول : لم أزل أشرب الخمر وأشتغل باللذات وبيع الاعلاق النفيسة وإتلافها حتى كأن هذه الأشياء لي بمنزلة المال المستحدث والموروث ، يريد انه التزم القيام بهذه الأشياء لزوم غيره القيام باقتنائه المال كإصلاحه 52
التحامي : التجنب والاعتزال ، البعير المعبد : المذلل المطلي بالقطران ،والبعير يستلذ ذلك فيذل له يقول : فتجنبتني عشيرتي كما يتجنب البعير المطلي بالقطران وأفردتني لما رأت أني لا أكف عن إتلاف المال والاشتغال باللذات 53(465/166)
الغبراء : صفة الأرض جعلت كالاسم لها ، الطراف : البيت من الأدم ، والجمع الطروف وكنسى بتمديده عن عظمه يقول : لما أفردتني العشيرة ، رأيت الفقراء الذين لصقوا بالأرض من شدة الفقر لا ينكرونني لاستطابتهم صحبتي ومنادمتي يقول : إن هجرتني الاقارب وصلتني الأباعد ، وهم الفقراء والاغنياء ، فهؤلاء لطلب المعروف وهؤلاء لطلب العلم 54
الوعى أصله الابطال في الحرب ثم جعل اسما للحرب ، الخلود : البقاء والفعل يخلد ، والإخلاد والتخليد والإبقاء يقول : ألا أيها الانسان الذي يلومني على حضور الحرب وحضور اللذات هل تخلدني إن كففت عنها؟ اسطاع يسطيع : لغة في استطاع يقول : فإن كنت لا تسطيع أن تدفع موتي عني فدعني أبادر الموت بإنفاق أملاكي ، يريد أن الموت لابد منه فلا معنى للبخل بالمال وترك اللذات 55
الجد : الحظ والبخت ، والجمع الجدود ، وقد جد الرجل يجد جدا فهو جديد ، وجد يجد جدا فهو مجدود إذا كان ذا جد ، وقد أجده الله إجدادا جعله ذا جد ، وقوله وجدك قسم ، الحفل : المبالاة ، العود : جمع عائد من العيادة يقول : فلولا حبي ثلاث خصال هن من لذة الفتى الكريم لم أبال متى أقام عودي من عندي آيسين من حياتي أي لم أبال متى مت 56
يقول : إحدى تلك الخلال أني أسبق العواذل بشربة من الخمر كميت اللون متى صب الماء عليها أزبدت ، يريد أنه يباكر شرب الخمر قبل انتباه العواذل 57(465/167)
الكر : العطف ، والكرور : الانعطاف ، المضاف : الخائف والمذعور ، والمضاف الملجأ ، المحنب الذي في يده انحناء ، السيد : الذئب ، والجمع السيدان ، الغضا : شجر يقول : والخصلة الثانية عطفي إذا ناداني اللاجئ إلي والخائف عدوه مستغيثا إياي فرسا في يده إنحناء يسرع في عدوه إسراع ذئب يسكن فيما بين الغضا إذا نبهته وهو يريد الماء ، جعل الخصلة الثانية إغاثته المستغيث وإعانته اللاجئ إليه ، فقال : أعطف في إغاثته فرسي بذئب اجتمع له ثلاث خلال : إحداها كونه فيما بين الغضا ، وذئب الغضا أخبث الذئاب ، والثانية إثارة الإنسان إياه ، والثالثة وروده الماء ، وهما يزيدان في شدة العدو 58
قصرت الشيء : جعلته قصيرا ، الدجن : إلباس الغيم آفاق السماء . البهكنة : المرأة الحسنة الخلق السمينة الناعمة ، المعمد : المرفوع بالعمد يقول : والخصلة الثالثة أني أقصر يوم الغيم بالتمتع بامرأة ناعمة حسنة الخلق تحت بيت مرفوع بالعمد ، جعل الخصلة الثالثة استمتاعه بجبائبه ، وشرط تقصير اليوم لأن أوقات اللهو والطرب أفضل الأوقات ، ومنه قول الشاعر : شهور ينقضين وما شعرنا بأنصاف لهن ولا سرار وقوله : والدجن معجب أي يعجب الانسان 59
البرة : حلقة من صفر أو شبه أو غيرهما تجعل في أنف الناقة ، والجمع البري والبرات والبرون في الرفع والبرين في النصب والجر ، استعارها للاسورة والخلاخيل ، الدملج والدملوج : المعضد ، والجمع الدمالج والدماليج ، العشر والخروع : ضربان من الشجر ، التخضيد : التشذيب من الأغصان والأوراق ، والعشر وصف البهكنة يقول : كأن خلاخيلها وأسورتها ومعاضدها معلقة على أحد هذين الضربين من الشجر ، وجعله غير مخضد ليكون أغلظ ؛ شبه ساعديها وساقيها بأحد الشجرين في الامتلاء والنعومة والضخامة 60
يقول : أنا كريم يروي نفسه أيام حياته بالخمر ، ستعلم إن متنا غدا أينا العطشان ، يريد أن يموت ريان وعاذله يموت عطشان 61(465/168)
النحام الحريص على الجمع والمنع ، الغوي : الغاوي الضال ، والغي والغواية الضلالة ، وقد غوى يغوى يقول : لا فرق بين البخيل والجواد بعد الوفاة فلم أبخل بأعلاقي ، فقال : أرى قبر البخيل والحريص بماله كقبر الضال في بطالته المفسد بماله 62
الجثوة : الكرومة من التراب وغيره ، والجمع الجثى ، التنضيد : مبالغة النضد يقول : أى قبري البخيل والجواد كومتين من التراب عليهما حجارة عراض صلاب فيما بين قبور عليها حجارة عراض قد نضدت 63
الاعتيام : الاختيار ، العقائل : كرائم المال والنساء ، الواحدة عقيلة ، الفاحش : البخيل يقول : أرى الموت يختار الكرام بالإفناء ، ويصطفي كريمة مال البخيل المتشدد بالابقاء ، وقيل : بل معناه أن الموت يعم الأجواد والبخلاء فيصطفي الكرام وكرائم اموال البخلاء ؛ يريد أنه لا تخلص منه لواحد من الصنفين ، فلا يجدي البخل على صاحبه بخير فالجود أحرى لأنه أحمد 64
شبه البقاء بكنز ينقص كل ليلة ، وما لا يزال ينقص فان مآله إلى النفاد ، فقال : وما تنقصه الأيام والدهر ينفد لا محالة . فكذلك العيش صائر إلى النفاد والنفود الفناء ، والفعل نفد ينفد ، والانفاد الافناء 65
العمر والعمر بمعنى ولا يستعمل في القسم إلا بفتح العين قوله : ما أخطأ الفتى ، فما مع الفعل هنا بمنزلة مصدر حل محل الزمان ، نحو قولهم : آتيك خفوق النجم ومقدم الحاج أي وقت خفوق النجم ووقت مقدم الحاج ، الطول : الحب الذي يطول للدابة فترعى فيه ، الارخاء : الارسال ، الثني : الطرف ، والجمع الأثناء يقول : أقسم بحياتك أن الموت في مدة إخطائه الفتى ، أي مجاوزته إياه ، بمنزلة حبل طول للدابة ترعى فيه وطرفاه بيد صاحبه ، يريد أنه لا يتخلص منه كما أن الدابة لا تفلت ما دام صاحبها آخذا بطرفي طولها . ولما جعل الموت قاد الفتى لهلاكه ومن كان في حبل الموت انقاد لقوده 66(465/169)
النأي والبعد واحد فجمع بينهما للتأكيد وإثبات القافية ، كقول الشاعر : وهند أتى من دونها النأي والبعد يقول : فما لى أراني وابن عمي متي تقربت منه تباعد عني ؟ يستغرب هجرانه إياه مع تقربه هو منه 67
يلومني مالك وما أدري ما السبب الداعي الى لومه إياي كما لامني هذا الرجل في القبيلة ، يريد أن لومه إياه ظلم صراح كما كان لوم إياه كذلك 68
الرمس : القبر وأصله الدفن ، ألحدت الرجل : جعلت له لحدا يقول : فنطني مالك من كل خير رجوته منه حتى كأنا وضعنا ذلك الطلب إلى قبر رجل مدفون في اللحد ، يريد أنه أيأسه من كل خير طلبه كما أن الميت لا يرجى خيره 69
النشدان : طلب المفقود ، الاغفال : الترك ، الحمولة : الابل التي تطيق أن يحمل عليها ، معبد : أخوه ، يقول : يلومني على غير الشيء قلته وجناية جنيتها ولكنني طلبت ابل أخي ولم أتركها فنقم ذلك مني وجعل يلومني ، وقوله : غير انيي ، استثناء منقطع تقديره ولكنني 70
القربى : جمع قربة ، وقيل هو اسم من القرب والقرابة ، وهو أصح القولين النكيثة : المبالغة في الجهد وأقصى الطاقة ، يقال : بلغت نكيثة البعير أقصى ما يطيق من السير يقول: وقربت نفسي بالقرابة التى ضمن حبلها ونظمنا خيطها ، وأقسم بحظك وبخطتك أنه متى حدث له أمر يبلغ فيه غاية الطاقة ويبذل فيه المجهود أحضره وأنصره 71
الجلى : تأنيث الاجل ، وهي الخطة العظيمة ، والجلاء بفتح الجيم والمد لغة فيها ، الحماة : جمع الحامي من الحماية يقول : وان دعوتني للامر العظيم والخطب الجسيم أكن من الذين يحمون حريمك ، وان يأت الاعداء لقتالك أجهد في دفعهم عنك غاية الجهد ، والباء في قوله بالجهد زائدة 72(465/170)
القذع : الفحش ، العرض : موضع المدح والذم من الانسان ، قاله ابن دريد ، وقد يفسر بالحسب ، والعرض النفس ، ومنه قول حسان : فأن ابي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء أي نفسي فداء ، والعرض : العرق وموضع العرق ، والجمع الاعراض في جميع الوجوه ، التهدد والتهديد : واحد ، القذف : السب يقول : وان أساء الاعداء القول فيك وأفحشوا الكلام أوردتهم حياض الموت قبل أن أهددهم ، يريد أنه يبيدهم قبل تهديدهم أي لا يشتغل بتهديدهم بلإهلاكهم ، ومن روى بشرب فهو النصيب من الماء ، والشرب ، بضم الشين مصدر شرب ، يريد أسقهم شرب حياض الموت ، فالباء زائدة والمصدر بمعنى المفعول والاضافة بتقدير من 73
يقول : أجفى وأهجر وأضام من غير حدث اساءة أحدثته ، ثم أهجى وأشكى وأطردكما يهجى من احدث اساءة وجر جريرة وجنى جناية ويشكى ويطرد ، والشكاية والشكوى والشكية والشكاة واحد والمطرد بمعنى الاطراد ، وأطردته صيرته طريدا 74
يقول فلو كان ابن عمي غير مالك لفرج كربي ولأمهلني زمانا اذا ملأ صدره ، والكربة اسم منه ، والجمع كرب ، الإنظار : الإمهال والنظرة اسم بمعنى الإنظار 75
خنقت الرجل خنقا : عصرت حلقه ، التسآل : السؤال يقول : ولكن ابن عمي رجل يضيق الامر علي حتى كأنه يأخذ علي متنفسي على حال شكري اياه وسؤالي عوارفه وعفوه أو كنت في حال افتدائي نفسي منه . يقول هو لا يزال يضيق الامر علي سواء شكرته على آلائه او سألته بره وعطفه او طلبت تخليص نفسي منه 76
مضني الأمر وأمضني : بلغ من قلبي وأثر في نفسي تهييج الحزن والغضب يقول : ظلم الأقارب أشد تأثيرا في تهييج نار الحزن والغضب من وقع السيف القاطع المحدد أو المطبوع بالهند ، الحسام : فعال من الحسم وهو القطع 77
ضرغد : الجبل يقول : خل بيني وبين خلقي وكلني الى سجيتي فإني شاكر لك وان بعدت غاية البعد حتى ينزل بيتي عند هذا الجبل الذي سمي بضرغد ، وبينهم وبين ضرغد مسافة بعيدة وشقة شاقة وبينونة بليغة 78(465/171)
هذان سيدان من سادات العرب مذكوران بوفور المال ونجابة الأولاد ، وشرف النسب وعظم الحسب يقول : لو شاء الله بلغني منزلتهما وقدرهما 79
يقول : فصرت حينئذ صاحب مال كثير وزارني بنون موصوفون بالكرم والسؤدد لرجل مسود يعني به نفسه ، والتسويد مصدر سودته فساد يقول : لو بلغني الله منزلتهما لصرت وافر المال ، كريم العقب ، وهو الولد 80
الضرب : الرجل الخفيف اللحم يقول: أنا الضرب الذي عرفتموه ، والعرب تتمدح بخفة اللحم لأن كثرته داعية إلى الكسل والثقل وهما يمنعان من الاسراع في دفع الملمات وكشف المهمات ، ثم قال : وانا دخال في الأمور بخفة وسرعة . شبه الشاعر تيقظة وذكاءه ذهنه بسرعة حركة رأس الحية وشدة توقده 81
لا ينفك : لايزال ، وما انفك مازال ، البطانة: نقيض الظهارة ، العضب السيف القاطع ، شفرتا السيف : حداه ، والجمع الشفرات والشفار يقول : ولقد حلفت أن لايزال كشحي لسيف قاطع رقيق الحدين طبعته الهند بمنزلة البطانة للظهارة 82
الانتصار : الانتقام ، المعضد : سيف يقطع به الشجر ، العضد قطع الشجر والفعل عضد يعضد يقول : لايزال كشحي بطانة لسيف قاطع اذا ما قمت منتقما به من الأعداء كفت الضربة الأولى به الضربة الثانية فيغني البدء عن العود ، وليس سيفا يقطع به الشجر ، نفى ذلك لأنه من أردا السيوف 83(465/172)
أخي يقة : يوثق به ، أي صاحب ثقة ، الثني : الصرف ، والفعل ثنى ينثني والانثناء الانصراف ، الضريبة ما يضرب بالسيف ، والرمية : ما يرمى بالسهم ، الجمع الضرائب والرمايا ، مهلا : أي كف ، قدي وقدني : أي حسبي ، وقد جمعهما الراجز في قوله : قدني من نصر الحبيبين قدي يقول : هذا السيف سيف يوثق بمضائه كالأخ الذي يوثق بإخائه لا ينصرف عن ضريبة أي لا ينبو عما ضرب به ، إذا قيل لصاحبه كف عن ضرب عدوك قال مانع السيف وهو صاحبه : حسبي فإني قد بلغت ما أردت من قتل عدوي ، يريد أنه ماض لا ينبو عن الضرائب فاذا ضرب به صاحبه أغنته الضربة الأولى عن غيرها 84
ابتدر القوم السلاح: استبقوه ، المنيع : الذي لايقهر ولا يغلب ، بل بالشيء يبل به بلا إذا ظفر به . يقول : إذا استبق القوم اسلحتهم وجدتني منيعا لا أقهر ولا أغلب اذا ظفرت يدي بقائم هذا السيف 85
البرك : الإبل الكثيرة الباركة ، الهجود : جمع هاجد وهو النائم ، رقد هجد يهجد هجودا ، مخافتي : مصدر مضاف إلى المفعول ، بواديها : أوائلها وسوابقها يقول : ورب إبل كثيرة باركة قد أثارتها عن مباركها مخافتها إياي في حال مشيي مع سيف قاطع مسلول من غمده ، يريد أنه أراد أن ينحر بعيرا منها فنفرت منه لتعودها ذلك منه 86
الكهاة والجلالة : الناقة الضخمة السمينة ، الخيف : جلد الضرع وجمعه أخياف ، العقيلة : كريمة المال والنساء ، والجمع العقائل ، الوبيل : العصا الضخمة ، اليلندد والألندد والألد : الشديد الخصومة ، وقد لد الرجل يلد لددا صار شديد الخصومة ، وقد لددته ألده لدا غلبته بالخصومة يقول : فمرت بي في حال إثارة مخافتي إياها ناقة ضخمة لها جلد الضرع ، وهي كريمة مال شيخ قد يبس جلده ونحل جسمه من الكبر حتى صار كالعصا الضخمة يبسا ونحولا وهو شديد الخصومة ، قيل : أراد به أباه ، يريد أنه نحر كرائم مال أبيه لندمائه ، قيل : بل أراد غيره ممن يغير هو على ماله ، والقول الأول أحراهما بالصواب 87(465/173)
تر : أي سقط ، المؤيد : الداهية العظيمة الشديدة يقول : قال هذا الشيخ في حال عقري هذه الناقة الكريمة وسقوط وظيفها وساقها عند ضريبي إياها بالسيف : ألم تر أنك أتيت بداهية شديدة بعقرك مثل هذه الناقة الكريمة النجيبة 88
يقول : قال هذا الشيخ للحاضرين : أي شيء ترون أن يفعل لشارب خمر اشتد بغيه علينا عن تعمد وقصد ؟ يريد أنه استشار أصحابه في شأني وقال : ماذا نحتال في دفع هذا الشارب الذي يشرب الخمر ويبغي علينا بعقر كرائم أموالنا ونحرها متعمدا قاصدا ؟ والباء في قوله بشارب صلة محذوف تقديره أن يفعل ونحوه 89
ذروه : دعوه ، والماضي غير مستعمل عند جمهور الأئمة اجتزاء بترك منهما ، وكذلك اسم الفاعل والمفعول لاجتزائهم بالتارك والمتروك ، الكف : المنع والامتناع ، كفه فكف ، والمضارع منهما يكف يقول : ثم استقر راي الشيخ على أن قال دعوا طرفة : إنما نفع هذه الناقة له . أو أراد هذه الأبل له لأنه ولدي الذي يرثني وإلا تردوا وتمنعوا ما بعد هذه الأبل من الندود يزدد طرفة من عقرها ونحرها أراد أنه أمرهم برد ما ند لئلا أعقر غير ماعقرت 90
الإماء : جمع أمة ، الامتلال والملل : جعل الشيء في الملة وهي الجمر والرماد الحار، الحوار للناقة بمنزلة الولد للانسان يعم الذكر والأنثى ، السديف : السنام ، وقيل قطع السنام ، المسرهد : المربى ، والفعل سرهد يسرهد سرهدة يقول: فظل الإماء يشوين الولد الذي خرج من بطنها تحت الجمر والرماد الحار ويسعى الخدم علينا بقطع سنامها المقطع ، يريد أنهم أكلوا أطايبها وأباحوا غيره للخدم ، وذكر الحوار دال على أنها كانت حبلى وهي من أنفس الابل عندهم 91(465/174)
لما فرغ من تعداد مفاخرة أوصى ابنه أخية ، ومعبد أخوه ، فقال : إذا هلكت فأشيعي خبر هلاكي بثنائي الذي أستحقه واستوجبه وشقي جيبك علي ، يوصيها بالثناء عليه والبكاء ، النعي : اشاعة خبر الموت ، والفعل نعى ينعي ، أهله : أي مستحقة ، كقوله تعالى "وكانوا أحق بها وأهلها" 92
يقول ¨: ولاتسوي بيني وبين رجل لا يكون همه مطلب المعالي كهمي ، ولا يكفي المهم والملم كفايتي ، ولايشهد الوقائع مشهدي ، والهم أصله القصد ، يقال : هم بكذا أي قصد له ، ثم يجعل الهم والهمة اسما لداعية النفس الى العلى ، الغناء : الكفاية ، المشهد في البيت بمعنى الشهود وهو الحضور ، أي ولا يغني غناء مثل غنائي ولا يشهد الوقائع شهودا مثل شهودي يقول : لا تعدلي بي من لايساويني في هذه الخلال فتجعلي الثناء عليه كالثناء علي ، والبكاء علي كالبكاء عليه 93
البطء : ضد العجلة ، والفعل بطؤ يبطأ ، الجلى : الأمر العظيم ، الخنا : الفحش ، جمع الكف ، يقال : ضربة بجمع كفه إذا ضربه بها مجموعة ؛ والجمع الأجماع ، التلهيد : مبالغة اللهد وهو الدفع بجمع الكف ، يقال : لهذه يلهد لهذا . والبيت كله من صفة من يهني ابنه أخيه أن تعدل غيره به يقول : ولا تجعليني كرجل يبطأ عن الأمر العظيم ويسرع إلى الفحش وكثيرا ما يدفعه الرجمال بأجماع أكفهم فقد ذل غاية الذل 94
الوغل : أصله الضعيف ثم يستعار للئيم يقول : لو كنت ضعيفا من الرجال لضرتني معاداة ذي الأتباع والمنفرد الذى لا أتباع له إياي ، ولكنني قوي منيع لا تضرني معاداتهم اياي ، ويروى : وغدا ، وهو اللئيم 95
الجراءة والجرأة واحد ، والفعل جرؤ يجرؤ ، والنعت جريء ، وقد جرأه على كذا أي شجعه ، المحتد : الأصل يقول : ولكن نفى عني مباراة الراجال ومجاراتهم شجاعتي وإقدامي في الحروب وصدق صريمتي وكرم أصلي 96(465/175)
الغمة والغم واحد ، وأصل الغم التغطية ، والفعل غم يغم ، ومنه الغمام لأنه يغم السماء أي يغطيها ، ومنه الأغم والغماء ، لأن كثرة الشعر تغطي الجبين والقفا يقول: أقسم ببقائك ما يغم أمري رأي ، أي ما تغطي الهموم رأي في نهاري ، ولا يطول علي ليلي حتى كأنه صار دائما سرمدا . وتلخيص المعنى أنه تمدح بمضاء الصريمة وذكاء العزيمة . ويقول : لا تغمني النوائب فيطول ليلي ويظلم نهاري 97
العراك والمعاركة : القتال ، وأصلهما من العرك وهو الدلك ، لحفاظ : المحافظة على من تجب المحافظة عليه من حماية الحوزة والذب عن لحريم ودفع الذم على الأحساب يقول : ورب يوم حبست نفسي عن القتال والفزعات وتهدد الاقران محافظة على حسبي 98
الموطن : الموضع ، الردى الهلاك ، والفعل ردي يردى ، والإرداء الاهلاك ، الاعتراك والتعارك واحد ، الفرائص : جمع فريصة وهي لحمة عند مجمع الكنف ترعد عن الفزع يقول : حبست نفسي في موضع من الحرب يخشى الكريم هناك الهلاك ومتى تعترك الفرائص فيه أرعدت من فرط الفزع وهول المقام 99
ضبحت الشيء: قربته من النار حتى أثرت فيه ، أضبحة ضبحا ، الحوار والمحاورة : مراجعة الحديث ، وأصله من قولهم . حار يحور إذا رجع ومنه قول لبيد : وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع نظرت : أي انتظرت ، والنظر الانتظار ، ومنه قوله تعالى: " انظرونا نقتبس من نوركم "، استودعته وأودعته واحد ، المجمد : الذي لا يفوز وأصله من الجمود يقول : ورب قدح أصفر قد قرب من النار حتى أثرت فيه ، وإنما فعل ذلك ليصلب ويصفر ، انتظرت مراجعته أي انتظرت فوزه أو خيبته ونحن مجتمعون على النار له ، وأودعت القدح كف رجل معروف بالخيبة وقلة الفوز ، يفتخر بالميسر ، وإنما افتخرت العرب به لانه لا يركن اليه إلا سمح جواد ، ثم كمل المفخرة بإيداع قدحه كف مجمد قليل الفوز 100
يقول : ستطلعك الايام على ماتغفل عنه وسينقل اليك الاخبار من لم تزوده 101(465/176)
باع . قد يكون بمعنى اشترى ، وهو في البيت بهذا المعنى ، البتات : كساء المسافر وأداته . ولم تضرب له أي لم تبين له ، كقوله تعالى "ضرب الله مثلا" أي بين وأوضح يقول : سينقل اليك الاخبار من لم تشتر له متاع المسافر ولم تبين له وقتا الاخبار اليك 102
===============
عمرو بن كلثوم
... ...
هذه المعلقة هي الخامسة في المعلقات و هي من أغنى الشعر الجاهلي بالعناصر الملجمية و الفوائد التاريخية و الاجتماعية و أما مقياس جمالها الغني فهو ما تحركه لدى سماعها في النفس من نبض الحماسة و شعور العزة و الاندفاع . و أما الشاعر عمرو بن كلثوم فهو من قبيلة تغلب كان أبوه كلثوم سيد تغلب و أمه ليلى بنت المهلهل المعروف ( بالزير ) و في هذا الجو من الرفعة و السؤدد نشأ الشاعر شديد الإعجاب بالنفس و بالقوم أنوفاً عزيز الجانب ، فساد قومه و هو في الخامسة عشرة من عمره تقع معلقة ابن كلثوم في ( 100 ) بيت أنشأ الشاعر قسماً منها في حضرة عمرو بن هند ملك الحيرة و كانت تغلب قد انتدبت الشاعر للذود عنها حين احتكمت إلى ملك الحيرة ، لحل الخلاف الناشب بين قبيلتي بكر و تغلب ، و كان ملك الحيرة ( عمرو بن هند ) أيضاً . مزهواً بنفسه و قد استشاط عضباً حين وجد أن الشاعر لا يقيم له ورناً و لم يرع له حرمة و مقاماً فعمد إلى حيلة يذله بها فأرسل ( عمرو بن هند ) إلى عمرو بن كلثوم ( يستزيره ) و أن يزير معه أمه ففعل الشاعر ذلك و كان ملك الحيرة قد أوعز إلى أمه أن تستخدم ليلى أم الشاعر و حين طلبت منها أن تناولها الطبق قالت ليلى : لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها . . . . ثم صاحت ( واذلاه ) يالتغلب ! فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم فوثب إلى سيف معلق بالرواق فضرب به رأس عمرو بن هند ملك الحيرة و على إثر قتل الملك نظم الشاعر القسم الثاني من المعلقة و زاده عليها . ((465/177)
و هي منظومة على البحر الوافر ) و من أطرف ما ذكر عن المعلقة أن بني تغلب كباراً و صغاراً كانوا يحفظونها و يتغنون بها زمناً طويلاً . توفي الشاعر سنة نحو ( 600 ) للميلاد بعد أن سئم الأيام و الدهر ...
1
وَلا تُبْقِي خُمورَ الأَندَرِينا
أَلا هُبِّي بصَحْنِكِ فَاصْبَحينا
2
إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينا
مُشَعْشَعَةً كانَّ الحُصَّ فيها
3
إِذا مَا ذاقَها حَتَّى يَلِينا
تَجُورُ بذي اللُّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ
4
عَلَيْهِ لمِالِهِ فيها مُهينا
تَرَى الّلحِزَ الشّحيحَ إِذا أُمِرَّتْ
5
وكانَ الْكَأْسُ مَجْراها الْيَمِينا
صَبَنْتِ الْكَأْسَ عَنّا أُمَّ عَمْرٍو
6
بِصاحِبِكِ الّذِي لا تصْبَحِينا
وَمَا شَرُّ الثّلاثَةِ أُمَّ عَمْروٍ
7
وَأُخْرَى في دِمَشْقَ وَقَاصِرِينا
وَكَأسٍ قَدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَكِّ
8
مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدِّرِينا
وَإِنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنا الَمنَايَا
9
نُخَبِّرْكِ الْيَقِينَ وَتُخْبِرِينا
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينا
10
لِوَ شْكِ الْبَيْنِ أَمْ خُنْتِ اْلأَمِينَا
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صِرْماً
11
أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ الْعُيُونا
بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْباً وَطَعْناً
12
وَبَعْدَ غَدٍ بِما لا تَعْلَمِينا
وَإِنَّ غَداً وإِنَّ الْيَوْمَ رَهْنٌ
13
وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الْكَاشِحِينَا
تُرِيكَ إِذا دَخَلْتَ عَلى خَلاءٍ
14
هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِينَا
ذِرَاعَي عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ
15
حَصَاناً مِنْ أَكُفِّ الّلامِسِينا
وَثَدْياً مِثْلَ حُقِّ الْعَاجِ رَخْصاً
16
رَوَادِفُها تَنُوءُ بِما وَلِينا
وَمَتْنَيْ لَدْنَةٍ سَمَقَتْ وَطَالَتْ
17
وَكَشْحاً قَدْ جُنِنْتُ بِهِ جُنُونا
وَمَأْكَمةً يَضِيقُ الْبَابُ عَنْها
18
يَرِنُّ خَشَاشُ حَلْيِهِما رَنِينا
وَسَارِيَتَيْ بِلَنْطٍ أَوْ رُخامٍ
19
أَضَلَّتْهُ فَرَجَّعَتِ الَحنِينا(465/178)
فَما وَجَدْتْ كَوَجْدِي أُمُّ َسْقبٍ
20
لَها مِنْ تِسْعَةٍ إِلا جَنِينا
وَلا شَمْطَاءُ لَمْ يَتْرُكْ شَقاها
21
رَأَيْتُ حُمُولَهَا أُصُلاً حُدِينا
تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّا
22
كأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلَتِينَا
فَأَعْرَضَتِ الْيَمامَةُ وَأشْمَخَرَّتْ
23
وَأَنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ الْيَقِينا
أَبَا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنا
24
وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رَوِينا
بأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضاً
25
عَصَيْنا الَملْكَ فيهَا أَنْ نَدِينا
وَأَيَّامِ لَنَا عزِّ طِوَالٍ
26
بِتَاجِ الُملْكِ يَحْمِي الُمْحَجرِينا
وَسَيِّدِ مَعْشَر قَدْ تَوَّجُوهُ
27
مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفُونا
تَرَكْنا الَخيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ
28
إِلَى الشَّامَاتِ تَنْفِي الُموِعدِينا
وَأَنْزَلْنا الْبُيُوتَ بِذِي طُلُوحٍ
29
وَشَذَّ ْبنا قَتادَةَ مَنَ يَلِينا
وَقَدْ هَرَّتْ كلابُ الَحيِّ مِنَّا
30
يَكُونُوا فِي الِّلقَاءِ لَها طَحِينا
مَتَى نَنْقُلْ إِلى قَوْمٍ رَحَانا
31
وَلَهْوَتُها قُضاعَةَ أَجْمَعينا
يَكُونُ ثِفَاُلهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ
32
فَأعْجَلْنا الْقِرَى أَنْ تَشْتِمُونا
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّا
33
قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونا
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنا قِرَاكُمْ
34
وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُونا
نَعُمُّ أُنَاسَنا وَنَعِفُّ عَنْهُمْ
35
وَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ إِذَا غُشِينا
نُطَاعِنُ مَا تَراخَى النّاسُ عَنَّا
36
ذَوَابِلَ أَوْ بِبِيضٍ يَخْتَلِينا
بِسُمْرٍ مِنْ قَنا الَخطِّيِّ لُدْنٍ
37
وَسُوقٌ بِالأَمَاعِزِ يَرْتَمِينا
كأَنَّ جَمَاجِمَ الأَبطَالِ فِيها
38
وَنَخْتَلِبُ الرِّقَابَ فَتَخْتَلينا
نَشُقُّ بِهَا رُؤُوسَ الْقَوْمِ شَقا
39
عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينا
وَإِنُّ الضِّعْنَ بَعْدَ الْضِّعْنِ يَبْدُو
40(465/179)
نُطَاعِنُ دُونَهُ حَتَّى يَبِينا
وَرِثْنا الَمجْدَ قَدْ عَلَمِتْ مَعَدٌّ
41
عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلينا
وَنَحْنُ إِذا عِمادُ الْحَيِّ خَرَّتْ
42
فَما يَدْرُونَ مَاذا يَتَّقُونا
نَجُدُّ رُؤُوسَهُمْ فِي غَيْرِ بِرٍّ
43
مَخَارِيقٌ بِأَيْدِي لاعِبِينا
كأَنَّ سُيُوفَنا مِنّا وَمِنْهُم
44
خُضِبْنَ بِأُرْجُوانٍ أَوْ طُلِينا
كانَّ ثِيابَنا مِنّا وَمِنْهُمُ
45
مِنَ الَهوْلِ الُمَشَّبهِ أَنْ يَكُونا
إِذا ما عَيَّ بالإِسْنافِ حَيٌّ
46
مُحَافَظَةً وكُنّا الْسّابِقِينا
نَصَبْنا مِثْلَ رَهْوَةَ ذَاتَ حَدِّ
47
وَشِيبٍ في الُحرُوبِ مُجَرَّبِينا
بِشُبَّانٍ يَرَوْنَ الْقَتْلَ مَجْداً
48
مُقَارَعَةً بَنيهِمْ عَنْ بَنِينا
حُدَيَّا النّاسِ كُلّهِمُ جَمِيعاً
49
فَتُصْبِحُ خَيْلُنا عُصَباً نُبِينا
فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنا عَلَيْهِمْ
50
فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّبِينا
وَأَمَّا يَوْمَ لا نَخْشَى عَلَيْهِمْ
51
نَدُقُّ بِهِ السُّهُولَةَ وَالُحزُونَا
بِرَأْسٍ مِنْ بَني جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ
52
تَضَعْضعْنا وَأَنَّا قَدُ وَنِينا
أَلا لا يَعْلَمُ الأَقْوامُ أَنَّا
53
فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الَجاهِلِينا
أَلا لا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا
54
نَكُونُ لِقِيلِكُمْ فيها قَطينا
بأيِّ مَشِيئَة عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ
55
تُطيع بِنا الْوُشَاةَ وَتَزْدَرِينا
بأَيِّ مَشِيئَة عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ
56
مَتى كُنّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينا
تَهَدَّدْنا وَأَوْعِدْنَا رُوَيْداً
57
عَلى الأَعْدَاءِ قَبْلَكَ أَنْ تَلِينا
فَإِنَّ قَنَاتَنا يا عَمْرُو أَعْيَتْ
58
وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةً زَبُونا
إِذا عَضَّ الثِّقافُ بها اشْمأَزَّتْ
59
تَشُجُّ قَفَا الُمثَقِّفِ وَالَجبِينا
عَشَوْزَنَةً إِذا انْقَلَبَتْ أَرَنَّتْ
60
بِنَقْصٍ في خُطُوبِ الأَوَّلِينا
فَهَلْ حُدِّثْتَ في جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ
61(465/180)
أَباحَ لَنَا حُصُونَ الَمجْدِ دِينا
وَرِثْنا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بنِ سَيْفٍ
62
زُهَيْراً نِعْمَ ذُخْرِ الذّاخِرينا
وَرِثْتُ مُهَلْهِلاً وَالْخَيرَ مِنْهُ
63
بِهِمْ نِلْنا تُراثَ الأكْرَمِينا
وَعَتَّاباً وَكُلْثُوماً جَمِيعاً
64
بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي الُمحْجَرينا
وَذا الْبُرَةِ الَّذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ
65
فأيُّ الَمجْدِ إِلا قَدْ وَلِينا
وَمِنَّا قَبْلَةُ الْسّاعِي كُلَيْبٌ
66
تَجُذَّ الْحَبْلَ أَوْ تَقِصِ الْقَرِينا
مَتَى نَعْقِدْ قَرِينَتَنا بِحَبْلٍ
67
وَأَوْفاهُمْ إِذا عَقَدُوا يَمينا
وَنُوَجدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَاراً
68
رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرافِدِينا
وَنَحْنُ غَداةَ أُوِقدَ في خَزَازَى
69
تَسَفُّ الجِلّةُ الْخُورُ الدَّرِينا
وَنَحْنُ الَحابِسُونَ بِذِي أَرَاطَى
70
وَنَحْنُ الْعَازِمُونَ إِذا عُصِينا
وَنَحْنُ الْحَاِكُمونَ إِذا أُطِعْنا
71
وَنَحْنُ الآخِذُونَ لِما رَضِينا
وَنحْنُ التَّارِكُونَ لِما سَخِطْنا
72
وَكاَنَ الأَيْسَرِينَ بَنُو أَبِينا
وَكُنَّا الأَيْمَنِينَ إِذا الْتَقَيْنا
73
وَصُلْنا صَوْلَةً فيمَنْ يَلِينا
فَصَالُوا صَوْلَةً فِيمَنْ يَلِيهِمْ
74
وَإِبْنا بالُمُلوكِ مُصَفَّدِينا
فآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا
75
أَلَمَّا تَعْرِفُوا مِنَّا الْيَقِينا
إِلَيْكُمْ يا بَني بَكْرٍ إِلَيْكُم
76
كَتَائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرْتَمِينا
أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنّا وَمِنْكم
77
وَأَسْيَافٌ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينا
عَلَيْنا الْبَيْضُ وَالْيَلَبُ الْيَماني
78
تَرَى فَوْقَ النِّطاقِ لها غُضونا
عَلَيْنا كُلُّ سَابِغَةٍ دِلاصٍ
79
رَأَيْتَ لَها جُلودَ الْقَوْمِ جُونا
إِذا وُضِعَتْ عَنِ الأَبْطالِ يَوْماً
80
تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إِذا جَرَيْنا
كأَنَّ عُضُونَهُنَّ مُتُونُ غَدْر
81
عُرِفْنَ لَنا نَقَائِذَ وَافْتُلِينا
وَتََحْمِلُنا غَداةَ الرَّوْعِ جُرْدٌ(465/181)
82
كامثال الرِّصائِعِ قَدْ بَلِينا
وَرَدْنَ دَوَارِعاً وَخَرَجْنَ شُعْثاً
83
وَنُورِثُها إِذا مُتْنا بَنِيْنا
وَرِثْناهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ
84
نُحَاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهونا
عَلى آثَارِنَا بِيضٌ حِسانٌ
85
إِذَا لاقُوْا كَتَائِبَ مُعْلِمِينَا
أَخذْن عَلى بُعُولَتِهِنَّ عَهْداً
86
وَأَسْرَى فِي الْحَدِيدِ مُقَرَّنِيناً
لَيَسْتَلِبُنَّ أَفْرَاساً وَبِيضاً
87
قَدِ اتَّخَذُوا مَخَافَتَنا قَرِينا
تَرَانَا بَارِزِينَ وَكُلُّ حَيِّ
88
كَما اضْطَرَبَتْ مُتُونُ الشَّارِبِينا
إِذا مارُحْنَ يَمْشِينَ الُهوَيْنَى
89
بُعُولَتَنَا إِذَا لَمْ تَمْنَعونا
يَقُتْنَ جِيادَنَا وَيَقُلْنَ لَسْتُمْ
90
خَلَطْنَ بِميسَمٍ حَسَباً وَدِينا
ظَعائِنَ مِنْ بَني جشَمِ بِنِ بَكْرٍ
91
تَرَى مِنْهُ الْسَّواعِدَ كالقُلِينا
وَمَا مَنَعَ الْظَّعائِنَ مِثْلُ ضَرْبٍ
92
وَلَدْنا الْنَّاسَ طُرَّا أَجْمَعِينا
كأَنَّا وَالْسُّيُوفُ مُسَلَّلاتٌ
93
حَزَاوِرَةٌ بأَبْطَحِهَا الْكُرِينا
يُدَهْدُونَ الرُّؤُوسَ كما تُدَهْدِي
94
إِذَا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينا
وَقَدْ عَلِمَ الْقَبَائِلُ مِنْ مَعَدِّ
95
وَأَنَّا الُمهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِينا
بِأَنّا الُمطْعِمُونَ إِذَا قَدَرْنَا
96
وَأَنَّا الْنَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينا
وَأَنَّا الَمانِعُونَ لِما أَرَدْنا
97
وَأَنّا الآخِذُونَ إِذَا رَضِينا
وَأَنّا التَّارِكُونَ إِذَا سَخِطْنَا
98
وَأَنّا الْعازِمُونَ إِذَا عُصِينا
وَأَنّا الْعَاصِمُونَ إِذَا أُطِعْنْا
99
وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِينا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا الَماءَ صَفْواً
100
وَدُعْمِيًّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمونا
أَلا أَبْلِغْ بَني الْطَّمَّاحِ عَنَّا
101
أَبَيْنا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِينا
إِذَا مَا الَملْكُ سَامَ الْنَّاسَ خَسْفاً
102
وَمَاءَ الْبَحْرِ نَمَلؤُهُ سَفِينا(465/182)
مَلاَنا الْبَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا
103
تَخِرُّ لَهُ الْجَبابِرُ ساجِدِينا
إِذا بَلَغَ الْفِطَامَ لَنا صَبِيٌّ
معلقة عمرو بن كلثوم
1 هب من نومه يهب هبا : إذا استيقظ ، الصحن : القدح العظيم والجمع الصحون ، الصبح: سقي الصبوح ، والفعل صبح يصبح ، أبقيت الشيء وبقيته بمعنى ، الأندرون : قرى بالشام يقول : ألا استيقظي من نومك أيتها الساقية واسقيني الصبوح بقدحك العظيم ولا تدخري خمر هذه القرى
2 شعشعت الشراب : مزجته بالماء ، الحص : الورس ، وهونبت في نوار أحمر يشقه الزعفران . ومنهم من جعل سخينا صفة ومعناه الحار ، من سخن يسخن سخونة ، ومنهم من جعله فعلا من سخي يسخى سخاء ، وفيه ثلاث لغات : إحداهن ما ذكرنا ، والثانية سخو يسخو ، والثالثة سخا يسخو سخاوة يقول : اسقنيها ممزوجة بالماء كأنها من شدة حمرتها بعد امتزاجها بالماء ألقي فيها نور هذا النبت الأحمر ، وإذا خالطها الماء وشربناها وسكرنا جدنا بعقائل أموالنا وسمحنا بذخائر أعلاقنا ، هذا إذا جعلنا سخينا فعلا وإذا جعلناه صفة كان المعنى : كأنها حال امتزاجها بالماء وكون الماء حارا نور هذا النبت . ويروي شحينا ، بالشين المعجمة ، أي إذا خالطها الماء مملوءة به . والشحن : الملء ، والفعل شحن يشحن ، والشحين بمعنى المشحون كالقتيل بمعنى المقتول ، يريد أنها حال امتزاجها بالماء وكون الماء كثيرا تشبه هذا النور
3 يمدح الخمر ويقول : انها تميل صاحب الحاجة عن حاجته وهواه إذا ذاقها حتى يلين ، أي إنها تنسي الهموم والحوائج أصحابها فاذا شربوها لانوا ونسوا أحزانهم وحوائجهم
4 اللحز : الضيق الصدر ، الشحيح البخيل الحريص ، والجمع الأشحة الأشحاء ، الشحاح أيضا مثل الشحيح ، والفعل شح يشح والمصدر الشح وهو البخل معه حرص يقول : ترى الانسان الضيق الصدر البخيل الحريص مهينا لماله فيها ، أي في شرائها ، إذا أمرت الخمر عليه ، أي إذا أديرت عليه(465/183)
5 الصبن : الصرف ، والفعل صبن يصبن يقول : صرفت الكأس عنا يا أم عمرو وكان مجرى الكأس على اليمين فأجريتها على اليسار
6 يقول : ليس بصاحبك الذي لا تسقينه الصبوح هو شر هؤلاء الثلاثة الذين تسقيهم ، أي لست شر أصحابي فكيف أخرتني وتركت سقيي الصبوح
7 يقول : ورب كأس شربتها بهذه البلدة ورب كأس شربتها بتينك البلدتين
8 يقول : سوف تدركنا مقادير موتنا وقد قدرت تلك المقادير لنا وقدرنا لها ، المنايا : جمع المنية وهي تقدير الموت
9 أراد يا ظعينة فرخم ، والظغينة : المرأة في الهودج ، سميت بذلك لظعنها مع زوجها ، فهي ، فعيلة بمعنى فاعلة ، ثم أكثر استعمال هذا الأسم للمرأة حتى يقال لها ظعينة وهي في بيت زوجها يقول : فقي مطيتك أيتها الحبيبة الظاعنة نخبرك بما قاسينا بعدك وتخبرينا بما لاقيت بعدنا
10 الصرم : القطيعة ، الوشك : السرعة ، والوشيك : السريع ، الأمين : بمعنى المأمون يقول : فقي مطيتك نسألك هل أحدثت قطيعة لسرعة الفراق أم هل خنت حبيبك الذي نؤمن خيانته ؟ أي هل دعتك سرعة الفراق إلى القطيعة أو الخيانة في مودة من لا يخونك في مودته إياك(465/184)
11 الكريهة : من أسماء الحرب ، والجمع الكرائه ، سميت بها لأن النفوس تكرهها ، وإنما لحقتها التاء لأنها أخرجت مخرج الأسماء مثل : النطيحة والذبيحة ، ولم تخرج مخرج النعوت مثل : امرأة قتيل وكف خضيب . ونصب ضربا وطعنا على المصدر أي يضرب فيه ضربا ويطعن فيه طعنا قولهم : أقر الله عينك ، قال الأصمعي : معناه أبرد الله دمعك ، أي سرك غاية السرور ، وزعم أن دمع السرور بارد عليه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب هذا القول وقال : الدمع كله حار جلبه فرح أو ترح. وقال أبو عمرو الشيباني : معناه أنام الله عينك وأزال سهرها لأن أستيلاء الحزن داع إلى السهر ، فالإقرار عل قوله إفعال من قر يقر إقرارا ن لأن العيون تقر في النوم وتطرف في السهر . وحكى ثعلب عن جماعة من الأئمة أن معناه : أعطاك الله مناك ومبتغاك حتى تقر عينك عن الطموح إلى غيره وتحرير المعنى : أرضاك الله ، لأن المترقب للشيئ يطمح ببصره اليه فاذا ظفر به قرت عينه عن الطموع إليه يقول : تخبرك بيوم حرب كثر فيه الضرب والطعن فأقر بنو أعمامك عيونهم في ذلك اليوم ، أي فازوا ببغيتهم وظفروا بمناهم من قهر الأعداء
12 أي بما لا تعلمين من الحوادث يقول : فان الأيام رهن بما لا يحيط علمك به أي ملازمة له
13 الكاشح : المضمر العداوة في كشحه ، وخصت العرب الكشح بالعداوة لأنه موضع الكبد ، والعداوة عندهم تكون في الكبد ، وقيل بل سمي العدو كاشحا لأنه يكشح عن عدوه فيوليه كشحه ، يقال : كشح عنه يكشح كشحا يقول : تريك هذه المرأة إذا أتيتها خالبة وأمنت عيون أعدائها(465/185)
14 العيطل : الطويل العنق من النوق ، الادماء : البيضاء منها ، والأدمة البياض في الإبل ، البكر : الناقة التي حملت بطنا واحدا ، ويروى بكر بفتح الباء ، وهو الفتي من الإبل ، وبكسر الباء على الروايتين ، ويروى : تربعت رعت ربيعا ، الأرجاع : جمع الأجرع وهو والمكان الذي فيه جرع ، والجرع : جمع جرعه ، وهي دعص من الرمل . المتون : جمع متن وهو الظهر من الأرض ، الهجان : الابيض الخالص البياض يستوي فيها الواحد والتثنية والجمع ، وينعت به الابل والرجال وغيرهما ، لم تقرأ جنينا : لم تضم في رحمها ولدا يقول : تزيل ذراعين ممتلئتين لحما كذراعي ناقة طويلة العنق لم تلد بعد أو رعت ايام الربيع في مثل هذا الموضع ، ذكر هذا مبالغة في سمنها ، أي ناقة سمينة لم تحمل ولدا قط بيضاء اللون
15 رخصا : لينا ، حصانا: عفيفة يقول : وتريك ثديا مثل حق من عاج بياضا واستدارة محرزة من أكف من يلمسها
16 اللدن : اللين ، والجمع لدن ، أي تريك متني قامة لدنة ، السموق : الطول ، والفعل سمق يسمق ، الرادفتان والرانفتان : فرعا الأليتين ، والجمع الروادف والورانف ، النوء : النهوض في تثاقل ، الولى : القرب ، والفعل ولي يلي يقول : وتريك متني قامة طويلة لينة تثقل أردافها مع ما يقرب منها وبذ لك وصفها بطول القامة وثقل الأرداف
17 المأكمه : رأس الورك ، والجمع المآكم يقول : وتريك وركا يضيق الباب عنها لعظمها وضخمها وامتلائها باللحم ، وكشحا قد جننت بحسنه جنونا
18 البلنط : العاج ، السارية : الاسطوانة ، والجمع السواري ، الرنين : الصوت يقول : وتريك ساقين كاسطوانتين من عاج أو رخام بياضا وضخما يصوت حليهما ، أي خلاخيلهما ، تصويتا(465/186)
19 قال القاضي أبو سعيد السيرافي : البعير بمنزلة الانسان والجمل بمنزلة الرجل والناقة بمنزلة المرأة : والسقب بمنزلة الصبي ، والحائل بمنزلة الصبية ، والحوار بمنزلة الولد ، والبكر بمنزلة الفتى ، والقلوص بمنزلة الجارية الوجد : الحزن ، والفعل وجد يجد ، الترجيع : ترديد الصوت ، الحنين : صوت المتوجع يقول : فما حزنت حزنا مثل حزني ناقة أضلت ولدها فرددت صوتها مع توجعها في طلبها ، يريد أن حزن هذه الناقة دون حزنه لفراق حبيبته
20 الشمط : بياض الشعر ، الجنين : المستور في القبر هنا يقول : ولا حزنت كحزني عجوز لم يترك شقاء حظها لها من تسعة أبناء إلا مدفونا في قبره ، أي ماتوا كلهم ودفنوا ، يريد أن حزن العجوز التي فقدت تسعة بنين دون حزنه عند فراق عشيقته
21 الحمول : جمع حامل ، يريد إبلها يقول : تذكرت العشق والهوى واشتقت إلى العشيقة لما رأيت حمول أبلها سيقت عشيا
22 أعرضت : ظهرت ، وعرضت الشيئ أظهرته ، ومنه قوله عز وجل :"وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا" وهذا من النوادر ، عرضت الشيئ فأعرض ، ومثله كببته فأكب ، ولا ثالث لهما فيما سمعنا ، اشمخرت : ارتفعت ، أصلت السيف : سللته يقول: فظهرت لنا قرى اليمامة وارتفعت في أعيننا كأسياف بأيدي رجال سالين سيوفهم .. شبه الشاعر ظهور قراها بظهور أسياف مسلولة من أغمادها
23 يقول : يا أبا هند لا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك باليقين من أمرنا وشرفنا ، يريد عمرو بن هند فكناه
24 االراية : العلم ، والجمع الرايات والراي يقول نخبرك باليقين من أمرنا بأنا نورد أعلامنا الحروب بيضا ونرجعها منها حمرا قد روين من دماء الابطال . هذا البيت تفسير اليقين من البيت الأول(465/187)
25 يقول : نخبرك بوقائع لنا مشاهير كالغر من الخيل عصينا فيها الملك فيها كراهية أن نطيعه ونتذلل له ، الأيام : الوقائع ، الغر بمعنى المشاهير كالخيل الغر لا شتهارها فيما بين الخيل . قوله أن ندين ، أي كراهية أن ندين فحذف المضاف ، هذا على قول البصريين ، وقال الكوفيون : تقديره أن لا ندين ، أي لئلا ندين ، فحذف لا
26 يقول ورب سيد قوم متوج بتاج الملك حام للاحجئين اليه قهرناه ، أحجرته : الجأته
27 العكوف : الاقامة ، والفعل عكف يعكف ، الصفون : جمع صافن ، وقد صفن الفرس يصفن صفونا إذا قام على ثلاثة قوائم وثنى سنبكه الرابع يقول : قتلناه وحبسنا خيلنا عليه وقد قلدناه أعنتها في حال صفونها عنده
28 يقول : وأنزلنا بيوتنا بمكان يعرف بذي طلوح إلى الشامات تنفي من هذه الأماكن أعداءنا الذين كانوا يوعدوننا
29 القتاد : شجر ذو شوك ، والواحدة منها قتادة ، التشذيب : نفي الشوك والأغصان الزائدة والليف عن الشجر . يلينا : أي يقرب منا يقول : وقد لبسنا الأسلحة حتى أنكرتنا الكلاب وهرت لانكارها إيانا وقد كسرنا شوكة من يقرب منا من أعدائنا ، استعار لفل الغرب وكسر الشوكة تشذيب القتادة
30 أراد بالمرحى رحى الحرب وهي معظمها يقول : مت حاربنا قوم قتلناهم ، لما استعار للحرب اسم الرحى استعار لقتلاها اسم الطحين
31 الثفال : خرقة أو جلدة تبسط تحت الرحى ليقع عليها الدقيق ، اللهوة : القبضة من الحب تلقى في فم الرحى ، وقد ألهيت الرحى أي القيت فيها لهوة يقول تكون معركتنا الجانب الشرقي من نجد وتكون قبضتنا قضاعة أجمعين ، فستعار للمعركة اسم الثفال ، وللقتلى اسم اللهوة .. ليشاكل الرحى والطحين(465/188)
32 يقول : نزلتم منزلة الأضياف فعجلنا لكم قراكم كراهية أن تشتمونا ولكي لا تشتمونا ، والمعنى : تعرضتم لمعاداتنا كما يتعرض الضيف للقرى فقتلناكم عجالا كما يحمد تعجيل قرى الضيف ، ثم قال تهكما بهم واستهزاء : وذلك خشية ان تشتمونا ، أي قريناكم على عجلة كراهية شتمكم إيانا إن اخرنا قراكم
33 المرداة : الصخرة التي يكسر بها الصخور ، والمرادة ايضا الصخرة التي يرمى بها ، والردى الرمي والفعل ردى يردي ، فاستعار المرداة للحرب ، الطحون : فعول من الطحن . مرداة طحونا أي حربا اهلكتهم اشد إهلاك
34 يقول : نعم عشائرنا بنوالنا وسبيلنا ونعف عن اموالهم ونحمل عنهم ما حملونا من أثقال حقوقهم ومؤنتهم ، والله أعلم
35 التراخي : البعد ، الغشيان : الإتيان يقول : نطاعن الابطال ما تباعدوا عنا ، أي وقت تباعدهم عنا ، ونضربهم بالسيوف إذا اتينا أي اتونا ، فقربوا منا ، يريد ان شأننا طعن من لاتناله سيوفنا
36 اللدن : اللين ، والجمع لدن يقول : نطاعنهم برماح سمر لينة من رماح الرجل الخطي ، يريد سمهرا أي نضاربهم بسيوف بيض يقطعن ما ضرب بها ، توصف الرماح بالسمهرة لأن سمهرتها دالة على نضحها في منابتها
37 الأبطال : جمع بطل وهو الشجاع ، الوسوق : جمع وسق وهو حمل بعير ، الأماعز : جمع الأمعز وهو المكان الذي تكثر حجارته يقول : كأن جماجم الشجعان منهم أحمال ابل تسقط في الأماكن الكثيرة الحجارة ، شبه رؤوسهم في عظمها باحمال الأبل ، والارتماء لازم ومتعد ، وهو في البيت لازم
38 الاختلاب : قطع الشيء بالمخلب وهو المنجل الذي لا أسنان له ، الاختلاء : قطع الخلا وهو رطب الحشيش يقول : نشق بها رؤوس الأعداء شقا ونقطع بها رقابهم فيقطعن
39 يقول : وان الضغن بعد الضغن تفشو آثاره ويخرج الداء المدفون من الافئدة ، أي يبعث على الانتقام
40 يقول : ورثنا شرف آبائنا قد علمت ذلك معد فنحن نطاعن الأعداء دون شرفنا حتى يظهر الشرف لنا(465/189)
41 الحفض : متاع البيت ، والجمع أحفاض ، والحفض البعير الذي يحمل متاع البيت ، من روى في البيت : على الأحفاض ، أراد بها الأمتعة ، ومن روى : عن الأحفاض ، اراد بها الابل يقول : ونحن إذا قوضت الخيام فخرت على أمتعتها نمنع ونحمي من يقرب منا من جيراننا ، أو ونحن إذا سقطت الخيام عن الابل للاسراع في الهرب نمنع ونحمي جيراننا إذا هرب غيرنا حمينا غيرنا
42 الجذ : القطع يقول : نقطع رؤوسهم في غير بر ، أي في عقوق ، ولا يدرون ماذا يحذرون منا من القتل وسبي الحرم واستباحة الأموال
43 المخراق : معروف ، والمخراق أيضا سيف من خشب يقول : كنا لا نحفل بالضرب بالسيوف كما لايحفل اللاعبون بالضرب بالمخاريق أو كنا نضرب بها في سرعة كما يضرب بالمخاريق في سرعة
44 يقول : كأن ثيابنا وثياب أقراننا خضبت بأرجوان أو طليت
45 الاسناف : الاقدام يقول : إذا عجز عن التقدم قوم مخافة هول منتظر متوقع يشبه ان يكون ويمكن
46 يقول : نصبنا خيلا مثل هذا الجبل أو كتيبة ذات شوكة محافظة على أحسابنا وسبقنا خصومنا ، أي غلبناهم . وتحرير المعنى : إذا فزع غيرنا من التقدم أقدمنا مع كتيبة ذات شوكة وغلبنا ، وإنما نفعل هذا محافظة على أحسابنا
47 يقول : نسبق ونغلب بشبان يعدون القتال في الحروب مجدا وشيب قد تمرنوا على الحروب
48 حديا : اسم جاء على صيغة التصغير مثل ثريا وحميا وهي بمعنى التحدي يقول : نتحدى الناس كلهم بمثل مجدنا وشرفنا ونقارع أبناءهم ذابين عن أبنائنا ، أي نضاربهم بالسيوف حماية للحريم وذبا عن الحوزة
49 . العصب : جمع عصبة وهي ما بين العشرة والأربعين ، الثبة : الجماعة ، والجمع الثبات ، والثبون في الرفع ، والثبين في النصب والجر يقول : فأما يوم نخشى على أبنائنا وحرمنا من الأعداء تصبح خيلنا جماعات ، أي تتفرق في كل وجه لذب الأعداء عن الحرم(465/190)
50 الإمعان : الإسراع والمبالغة في الشيء ، التلبب : لبس السلاح يقول : وأما يوم لانخشى على حرمنا من أعدائنا فنمعن في الاغارة على الأعداء لابسين أسلحتنا
51 الرأس . الرئيس والسيد يقول : نغير عليهم مع سيد من هؤلاء القوم ندق به السهل ، أي نهزم الضعاف والأشداء
52 التضعضع : التكسر والتذلل ، ضعضعه فتضعضع أي كسرته لسنا بهذه الصفة فتعلمنا الأقوام بها
53 أي لا يسعفهن احد علينا فنسفه عليم فوق سفههم ، أي نجازيهم بسفههم جزاء يربي عليه ، فسمي جزاء الجهل جهلا لازدواج الكلام وحسن تجانس اللفظ ، كما قال الله تعالى :"الله يستهزئ بهم" وقال الله تعالى : "وجزاء سيئة سيئة مثلها" وقال جل ذكره :"ومكروا ومكر الله" وقال جل وعلا :"يخادعون الله وهو خادعهم" . سمي جزاء الاستهزاء والسيئة والمكر والخداع استهزاء وسيئة ومكرا وخداعا لما ذكرنا
54 القطين : الخدم ، القيل : الملك دون الملك الأعظم يقول : كيف تشاء يا عمرو بن هند أن نكون خدما لمن وليتموه أمرنا من الملوك الذين وليتموهم ؟ أي شئ دعاك إلى هذه المشيئة المحال؟ يريد أنه لم يظهر منهم ضعف يطمع الملك في إذلالهم باستخدام قيله إياهم
55 إدراه وازدرى به : قصر به واحتقره يقول : كيف تشاء أن تطيع الوشاة بنا إليك وتحتقرنا وتقصر بنا؟ أي : أي شيء دعاك إلى هذه المشيئة ؟ أي لم يظهر منا ضعف يطمع الملك فينا حتى يصغي إلى من يشي بنا إليه ويغريه بنا فيحتقرنا(465/191)
56 القتو : خدمة الملوك ، والفعل قتا يقتو ، والقتي مصدر كالقتو ، تنسب إليه فتقول مقتوي ، ثم يجمع مع طرح ياه النسبة فيقال مقتوون في الرفع ، ومقتوين في الجر والنصب ، كما يجمع الأعجمي بطرح ياء النسبة فيقال أعجمون في الرفع : وأعجمين في النصب والجر يقال : ترفق في تهددنا وإبعادنا ولا تمعن فيهما ، فمتى كنا خدما لأمك ؟ أي لم نكن خدما لها حتى نعبأ بتهديدك ووعيدك إيانا . ومن روى : تهددنا وتوعدنا ، كان إخبارا ، ثم قال : رويدا أي دع الوعيد والتهديد وأمهله
57 العرب تستعير للعز أسم القناة يقول : فإن قناتنا أبت أن تلين لأعدائنا قبلك ، يريد أن عزمهم أبي أن يزول بمحاربة أعدائهم ومخاصمتهم ومكايدتهم ، يريد أن عزمهم منيع لايرام
58 الثقاف : الحديدة التي يقوم بها الرمح ، وقد ثقفته : قومته ، العشوزنة : الصلبة الشديدة ، الزبون : الدفوع ، وأصله من قولهم : زبنت الناقة حالبها ، إذا ضربته بثفنات رجليها أي بكبتيها ، ومنه الزبانية لزبنهم أهل النار أي لدفعهم يقول : إذا أخذها الثفاف لتقويمها نفرت من التقويم وولت . الثقاف قناة صلبة شديدة دفوعا ، جعل القناة التي لا يتهيأ تقويمها مثلا لعزتهم التي لا تضعضع ، وجعل قهرها من تعرض لهدمها كنفار القناة من التقويم والاعتدال
59 أرنت : صوتت ، والإرنان هنا لازم قد يكون متعديا . ثم بالغ في وصف القناة بأنها تصوت إذا أريد تثقيفها ولم تطاوع الغامز بل تشج قفاه وجبينه ، وكذلك عزتهم لا نضعضع لمن رامها بل تهلكه وتقهره
60 يقول : هل أخبرت بنقص كان من هؤلاء في أمور القرون الماضية أو بنقص في عهد سلف
61 الدين : القهر ، ومنه قوله عز وجل :"فلولا أن كنتم غير مدينين" أي غير مقهورين يقولون : ورثنا مجد هذا الرجل الشريف من أسلافنا وقد جعل لنا حصون المجد مباحة قهرا وعنوة ، أي غلب أقرانه على المجد ثم أورثنا مجده ذلك(465/192)
62 يقول : ورثت مجد مهلهل ومجد الرجل الذي هو خير منه وهو زهير فنعم ذخر الذاخرين هو ، أي مجده وشرفه للافتخار به
63 يقول : وورثنا مجد عتاب وكلثوم وبهم بلغنا ميراث الأكارم أي حزنا مآثرهم ومفاخرهم فشرفنا بها وكرمنا
64 ذو البرة : من بني تغلب ، سمي به لشعر على أنفه يستدير كالحلقة يقول : ورثت مجد ذي البرة الذي اشتهر وعرف وحدثت عنه أيها المخاطب وبمجده يحمينا سيدنا وبه نحمي الفقراء الملجئين إلى الاستجارة بغيرهم
65 يقول : ومنا قبل ذي البرة الساعي للمعالي كليب ، يعني كليب وائل ، ثم قال : وأي المجد إلا قد ولينا ، أي قربنا منه فحويناه
66 يقول : متى قرنا ناقتنا بأخرى قطعت الحبل أو كسرت عنق القرين ، والمعنى : متى قرنا بقوم في قتال أو جدال غلبناهم وقهرناهم ، الجذ : القطع ، والفعل جذ يجذ ، الوقص : دق العنق ، والفعل وقص يقص
67 يقول : تجدنا أيها المخاطب أمنعهم ذمة وجوارا وحلفا وأوفاهم باليمين عند عقدهم ، الذمار : العهد والحلف والذمة ، سمي به لأنه يتذمر له أي يتغصب لمراعاته
68 الرفد : الإعانة ، والرفد الاسم يقول : ونحن غداة أوقدت نار الحرب في خزازي أعنا نزارا فوق إعانة المعينين ، يفتخر باعانة قومه بني نزار في محاربتهم اليمن
71-69 تسف أي تأكل يابسا ، والمصدر السفوف ، الجلة : الكبار من الإبل ، الخور : الكثيرة الألبان . وقيل الخور الغزار من الإبل ، والناقة خوراء ، الدزين: ما أسود من النبت وقدم يقول : ونحن حبسنا أموالنا بهذا الموضع حتى سفت النوق الغزار قديم النبت وأسوده لإعانة قومنا ومساعدتهم على قتال أعدائنا
72 يقول : كنا حماة الميمنة إذا لقينا الأعداء وكان إخواننا حماة الميسرة ، يصف غناءهم في حرب نزار اليمن عندما قتل كليب وائل لبيد ابن عنق الغساني عامل ملك غسان على تغلب حين لطم أخت كليب وكانت تحته
73 يقول : فحمل بنو بكر على من يليهم من الأعداء وحملنا على من يلينا(465/193)
74 النهاب : الغنائم ، الواحد نهب ، الأوب : الرجوع ، التصفيد : التقييد ، يقال : صفدته أي قيدته وأوثقته يقول : فرجع بنو بكر بالغنائم والسبايا ورجعنا مع الملوك مقيدين ، أي اغتنموا الأموال وأسرنا الملوك
75 يقول : تنحوا وتباعدوا عن مساماتنا ومباراتنا يا بنى بكر ، ألم تعلموا من نجدتنا وبأسنا اليقين ؟ بلى ، وقد علمتم ذلك لنا فلا تتعرضوا لنا ، يقال : إليك إليك ، أي تنح
76 يقول : ألم تعلموا كتائب منا ومنكم يطعن بعضهن بعضا ويرمي بعضهن بعضا ؟ وما في قول ألما صلة زائدة ، الإطعان والارتماء : مثل التطاعن والترامي
77 اليلب : نسيجة من سيور تلبس تحت البيض يقول : وكان علينا البيض واليلب اليماني وأسياف يقمن وينحنين لطول الضرائب بها
78 السابغة : الدرع الواسعة التامة، الدلاص : البراقة ، الغضون : جمع غضن وهو التشنج في الشيء يقول : وكانت علينا كل درع واسعة براقة ترى أيها المخاطب فوق المنطقة لها غضونا لسعتها وسبوغها
79 الجُون : الأسود ، والجَون الأبيض ، والجمع الجُون يقول : اذا خلعها الأبطال يوما رأيت جلودهم سودا للبسهم اياها ، قوله : لها ، أي للبسها
80 الغدر: مخفض غدر وهو جمع غدير ، تصفقه : تضربه ، شبه غضون الدرع بمتون الغدران اذا ضربتها الرياح في جريها ، والطرائق التي ترى في الدروع بالني تراها في الماء اذا ضربته الريح
81 الروع : الفزع ويريد به الحرب هنا ، الجرد : التي رق شعر جسدها وقصر ، والواحد أجرد والواحدة جرداء ، النقائذ : المخلصات من أيدي الأعداء ، واحدتها نقيذة ن وهي فعيلة بمعنى مفعلة ، يقال : أنقذتها أي خلصتها ، فهي ونقيذة ، الفلو والافتلاء : القطام يقول : وتحملنا في الحرب خيل رقاق الشعور قصارها عرفن لنا وفطمت عندنا وخلصناها من أيدي أعدائنا بعد استيلائهم عليها(465/194)
82 رجل دارع: عليه درع ، ودروع الخيل تجافيفها ، الرصائع : جمع الرصيعة وهي عقدة العنان على قذال الفرس يقول : وردت خيلنا وعليها تجافيفها وخرجن منها شعثا قد بلين ، كما بلي عقد الأعنة ، لما نالها من الكلال والمشاق فيها
83 يقول : ورثنا خيلنا من آباء كرام شأنهم الصدق في الفعال والمقال ونورثها أبناءنا اذا متنا ، يريد أنها تناتجت وتناسلت عندهم قديما
84 يقول : على آثارنا في الحرب نساء بيض حسان نحاذر عليها أن تسبيها الأعداء فتقسمها وتهينها ، وكانت العرب تشهد نساءها الحروب وتقيمها خلف الرجال ليقاتل الرجال ذبا عن حرمها فلا تفشل مخافة العار بسبي الحرم
85 يقول قد عاهدن أزواجهن اذا قاتلوا كتائب من الأعداء قد أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها في الحرب أن يثبتوا في حومة القتال ولا يفروا والبعول والبعولة جمع بعل ، يقال للرجل : هو بعل المرأة ، وللمرأة هي بعله وبعلته ، كما يقال . هو زوجها وهي زوجها وهي زوجة وزوجته
86 أي ليستلب رجالنا أفراس الأعداء وبيضهم وأسرى منهم قد قرنوا في الحديد
87 يقول : ترانا خارجين إلى الأرض البراز ، وهي الصحراء التي لا جبل بها ، لثقتنا بنجدتنا وشوكتنا ، وكل قبيلة تستجير وتعتصم بغيرها مخافة سطوتنا بها
88 الهوبنى تصغير الهونى وهي تأنيث الأهون ، مثل الأكبر والكبرى يقول : إذا مشين يمشين مشيا رفيقا لثقل أردافهن وكثرة لحومهن ، ثم شبههن في تبخترهن بالسكارى في مشيهم
89 القوت : الاطعام بقدر الحاجة ، والفعل قات يقوت ، والاسم القوت ، والجمع الاقوات يقول : يعلفن خيلنا الجياد ويقلن : لستم أزواجنا إذا لم تمنعونا من سبي الأعداء إيانا(465/195)
90 الميسم : الحسن وهو من الوسام والوسامة وهما الحسن والجمال ، والفعل وسم يوسم ، والنعت وسيم ، الحسب : ما يحسب من مكارم الانسان ومكارم أسلافه ، فهو فعل في معنى مفعول مثل النفض والخبط والقبض واللقط في معنى المنفوض والمخبوط والمقبوض والملقوط ، فالحسب إذن في معنى المحسوب من مكارم آبائه يقول : هن نساء من هذه القبيلة جمعن إلى الجمال الكرم والدين
91 يقول : ما منع النساء من سبي الأعداء إياهن شيء مثل ضرب تطير منه سواعد المضروبين كما تطير القلة إذا ضربت بالمقلى
92 يقول : كأنا حال استلال السيوف من أغمادها ، أي حال الحرب ، ولدنا جميع الناس ، أي نحميهم حماية الوالد لولده
93 الحزور : الغلام الغليظ الشديد ، والجمع الحزاورة يقول : يدحرجون رؤوس أقرانهم كما يدحرج الغلمان الغلاظ الشداد الكرات في مكان مطمئن من الأرض
94 يقول : وقد علمت قبائل معد إذا بنيت قبابها بمكان أبطح ، القبب والقباب جمعا قبة
95 يقول : قد علمت هذه القبائل أنا نطعم الضيفان اذا قدرنا عليه ونهلك أعداءنا إذا اختبروا قتالنا
96 يقول : ونحن نمنع الناس ما اردنا منعه إياهم وننزل حيث شئنان من بلاد العرب
97 يقول : وأنا نترك ما نسخط عليه ونأخذ إذا رضينا ، أي لا نقبل عطايا من سخطنا عليه ونقبل هدايا من رضينا عليه
98 يقول ونحن نعصم ونمنع جيراننا إذا اطاعونا ونعزم عليهم بالعدوان إذا عصونا
99 يقول : ونأخذ من كل شيء أفضله وندع لغيرنا أرذله ، يريد أنهم السادة والقادة وغيرهم أتباع لهم
100 يقول : سل هؤلاء كيف وجدونا ، شجعانا أم جبناء
101 الخسف والخسف ، بفتح الخاء وضمها : الذل ، السوم : أن تجشم إنسانا مشقة وشرا ، يقال : سامة خسفا ، أي حمله وكلفه ما فيه ذله يقول : إذا أكره الملك الناس على ما فيه ذلهم أبينا الانقياد له
102 يقول : ملأنا الدنيا برا وبحرا فضاق البر عن بيوتنا والبحر عن سفننا(465/196)
103 يقول : إذا بلغ صبياننا وقت الفطام سجدت لهم الجبابرة من غيرنا
=================
طرفة بن العبد
هو عمرو بن العبد الملقب ( طرفة ) من بني بكر بن وائل ، ولد حوالي سنة 543 في البحرين من أبوين شريفين و كان له من نسبه العالي ما يحقق له هذه الشاعرية فجده و أبوه و عماه المرقشان و خاله المتلمس كلهم شعراء مات أبوه و هو بعد حدث فكفله أعمامه إلا أنهم أساؤوا تريبته و ضيقوا عليه فهضموا حقوق أمه و ما كاد طرفة يفتح عينيه على الحياة حتى قذف بذاته في أحضانها يستمتع بملذاتها فلها و سكر و لعب و بذر و أسرف فعاش طفولة مهملة لاهية طريدة راح يضرب في البلاد حتى بلغ أطراف جزيرة العرب ثم عاد إلى قومه يرعى إبل معبد أخيه ثم عاد إلى حياة اللهو بلغ في تجواله بلاط الحيرة فقربه عمرو بن هند فهجا الملك فأوقع الملك به مات مقتولاً و هو دون الثلاثين من عمره سنة 569 . من آثاره : ديوان شعر أشهر ما فيه المعلقة نظمها الشاعر بعدما لقيه من ابن عمه من سوء المعاملة و ما لقيه من ذوي قرباه من الاضطهاد في المعلقة ثلاثة أقسام كبرى ( 1 ) القسم الغزالي من ( 1 ـ 10 ) ـ ( 2 ) القسم الوصفي ( 11 ـ 44 ) ـ ( 3 ) القسم الإخباري ( 45 ـ 99 ) . و سبب نظم المعلقة ( إذا كان نظمها قد تم دفعة واحدة فهو ما لقيه من ابن عمه من تقصير و إيذاء و بخل و أثرة و التواء عن المودة و ربما نظمت القصيدة في أوقات متفرقة فوصف الناقة الطويل ينم على أنه وليد التشرد و وصف اللهو و العبث يرجح أنه نظم قبل التشرد و قد يكون عتاب الشاعر لابن عمه قد نظم بعد الخلاف بينه و بين أخيه معبد . شهرة المعلقة و قيمتها : بعض النقاد فضلوا معلقة طرفة على جميع الشعر الجاهلي لما فيها من الشعر الإنساني ـ العواصف المتضاربة ـ الآراء في الحياة ـ و الموت جمال الوصف ـ براعة التشبيه ، و شرح لأحوال نفس شابة و قلب متوثب .(465/197)
في الخاتمة ـ يتجلى لنا طرفة شاعراً جليلاً من فئة الشبان الجاهليين ففي معلقته من الفوائد التاريخية الشيء الكثير كما صورت ناحية واسعة من أخلاق العرب الكريمة و تطلعنا على ما كان للعرب من صناعات و ملاحة و أدوات ... و في دراستنا لمعلقته ندرك ما فيها من فلسفة شخصية و من فن و تاريخ
لخِولة أَطْلالٌ بِيَرْقَةِ ثَهْمَدِ ... تَلُوحُ كَبَاقي الْوَشْمِ في طَاهِرِ الْيَدِ ... 1
وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مطِيَّهُمْ ... يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَلَّدِ ... 2
كأنَّ حُدُوجَ الَمْالِكِيَّةِ غُدْوَةً ... خَلا يا سَفِين بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ ... 3
عَدُو لِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ ... يَجُوز بُهَا الْمّلاحُ طَوراً وَيَهْتَدِي ... 4
يَشُقُّ حَبَابَ الَماءِ حَيْزُ ومُها بها ... كما قَسَمَ التِّرْبَ الْمَفايِلُ باليَدِ ... 5
وفِي الَحيِّ أَخْوَى يَنْفُضُ المرْ دَشادِنٌ ... مُظَاهِرِ سُمْطَيْ لُؤْلؤٍ وَزَبَرْجَدِ ... 6
خَذُولٌ تُراعي رَبْرَباً بِخَميلَةٍ ... تَنَاوَلُ أَطْرَافَ الَبريرِ وَتَرْتَدِي ... 7
وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمى كأَنَّ مُنَوّراً ... تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهُ نَدِ ... 8
سَقَتْهُ إِيَاُة الشَّمْس إِلا لِثَاتِهِ ... أُسِفّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمدِ ... 9
وَوَجْهٌ كأنَّ الشَّمْسَ أَلفَتْ رِداءَهَا ... عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ ... 10
وَإِني لاُ مْضِي الَهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ ... بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي ... 11
أَمونٍ كأَلْوَاحِ الإِرانِ نَصَأتُها ... على لاحِبٍ كأَنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ ... 12
جَمَاِليَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها ... سَفَنجَةٌ تَبْري لأَزْعَرَ أَرْبَدِ ... 13
تُبارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ ... وَظيفاً وَظيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّرِ ... 14
تَرَبَّعَتِ الْقُفّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي ... حَدَائِقَ مَوْليَّ الاسِرَّةِ أَغْيَدِ ... 15(465/198)
تَرِيعُ إِلىَ صَوْتِ الُمهِيبِ وَتَتَّقي ... بذي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ ... 16
كَأنَّ جنَاحَيْ مَضْرَ حيِّ تَكَنَّفَا ... حِفا فيهِ شُكّا في العَسِيبِ بِمسْرَدِ ... 17
فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً ... على حَشَفٍ كالشَّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ ... 18
لها فَخِذَانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما ... كأنّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ ... 19
وَطَيِّ مُحالٍ كالَحنيّ خُلُوفُهُ ... وَأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ ... 20
كأنّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يُكْنِفانِها ... وَأَطْرَ قِسِيِّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَبَّدِ ... 21
لها مِرْفَقَانِ أَفْتَلانِ كأنّها ... تَمُرُّ بِسَلْمَيْ داِلجٍ مُتَشَدِّدِ ... 22
كقَنْطَرَةِ الرُّوِميّ أَقْسَمَ ربّها ... لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرْمَدِ ... 23
صُهابِيّةُ الْعُثْنُونِ مُو جَدَةُ الْقَرَا ... بعيدةُ وَخْدِ الرّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ ... 24
أُمِرَّتْ يَدَاها فَتْلَ شَزْرٍ وأُجْنِحَتْ ... لها عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ ... 25
جَنُوحٌ دِفَاقٌ عَنْدَلٌ ثمَّ أُفْرِعَتْ ... لها كتِفَاها في مُعالي مُصَعَّدِ ... 26
كأَنَّ عُلوبَ النَّسْعِ في دَأَيَاتِها ... مَوَارِدُ من خَلْقاءَ في ظهرِ قَرْدَدِ ... 27
تَلاقَى وَأَحْياناً تَبينُ كأنّها ... بَنائِقُ غَرِّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ ... 28
وَأَتْلَغُ نَهَّاضٌ صَعَّدَتْ بِهِ ... كسُكّانِ بُوِصيِّ بِدْجِلَةَ مُصْعِدِ ... 29
وَجُمْجُمَةٌ مِثْلُ الْعَلاةِ كأنّما ... وَعى الُمْلَتقى منها إِلى حرْفِ مِبْرَدِ ... 30
وَخَد كقِرْطاسِ الشّآمي ومِشْفَرٌ ... كسِبْتِ الْيَماني قَدُّهُ لم يُجَرَّدِ ... 31
وَعَيْنَانِ كالَماوِيَتَيْنِ اسْتَكَنّتا ... بكهفَي حجَاجَي صَخْرَةٍ قلْتِ مَوْرِدِ ... 32
طَحورانِ عُوّارَ الْقَذَى فَتَراهُما ... كمِكْحَلَتَيْ مذعورَةٍ أُمِّ فَرْقَدِ ... 33
وَصَادِفَتَا سَمْعِ التَّوَجُّسِ للسُّرى ... لِهَجْسٍ خَفِيٍّ أَوْ لِصَوْتٍ مُنَدِّدِ ... 34
مُوَلّلتانِ تَعْرِف الْعِتْقَ فيهِما ... كسامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ ... 35(465/199)
وَأرْوَعُ نَبَّاضٌ أَحدُّ مُلَمْلمٌ ... كمِرْداةِ صَخْرٍ في صَفِيحٍ مُصَمَّدِ ... 36
وَأَعْلَمُ مَخْرُوتٌ من اْلأَنفِ مارِنٌ ... عَتيقٌ متى تَرْجُمْ به اْلأَرْضَ تَزْددِ ... 37
وَإِنْ شئتُ لم تُرْقِلْ وَإِنْ شئتُ أَرْقَلَتْ ... مَخَافَةَ مَلْوِيِّ مِنَ الْقَدِّ مُحْصَدِ ... 38
وَإِنْ شئتُ سلمى وَاسطَ الكورِ رَأسهَا ... وَعامَتْ بضَبْعَيها نجاءَا الخَفَيْدَدِ ... 39
على مِثْلِهَا أَمْضي إِذَا قالَ صاحبي، ... أَلا لَيْتَني أَفديكَ منها وَأفْتَدي ... 40
وَجاشَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ خَوفْاً وَخاَله ... مُصَاباً وَلَوْ أمْسَى على غيرِ مَرْصَدِ ... 41
إِذَا الْقَوْمُ قالوا مَنْ فَتًىِ خلْتُ أَنَّني ... عُنِيتُ فلَم أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ ... 42
أَحلْتُ عَلَيْها بالقطيع فأجِذَمَت ... وَقَدْ خَبَّ آلُ اْلأَمْعَزِ اُلمتوَقِّدَّ ... 43
فَذالتْ كما ذالتْ وَليدَة مَجْلِسٍ ... تُرِي رَبَّهَا أَذيالَ سَحلٍ مَمددِ ... 44
وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاعِ مَخافَةً ... وَلكِنْ متى يَسْتَرْفِدِ الْقَوْمُ أَرْفِدِ ... 45
فَإِنْ تَبْغِني في حَلْقَةِ القَوْمِ تلِقَني ... وَإِنْ تَلْتَمِسْني في الَحْوَانِيتِ تَصْطَدِ ... 46
وَإِنْ يَلْتَقِ الَحْيُّ الَجْمِيعُ تُلاِقني ... إِلى ذِرْوَةِ البَيْتِ الشَّرِيفِ الُمصَمَّدِ ... 47
نَدَامايَ بيضٌ كالنجوم وَقَيْنَةٌ ... تَرُوحُ عَليْنَا بينَ بُرْدٍ وَمَجْسَدِ ... 48
رَحيبٌ قِطَابُ الَجْيْبِ منْهَا رَقِيقةٌ ... بِجَسِّ النَّدامَى بَضَّةُ اُلمتَجَردِ ... 49
إِذَا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمعِينا انْبَرَتْ لَنَا ... على رِسْلِها مَطْرُوقَةً لم تَشَدَّدِ ... 50
إِذَا رَجَعَتْ في صَوْتِهَا خِلْتَ صَوْتَها ... تَجاوُبَ أَظْآرٍ على رُبَعٍ رَدِ ... 51
وَمَا زالَ تَشْرابي الُخْمورَ وَلَذَّتي ... وَبَيْعِي وَإِنْفَاقي طَريفي وَمُتْلَدِي ... 52
إِلى أَنْ تَحامَتْني الْعَشيرَةُ كُلّهَا ... وَأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ الْبَعِيرِ الُمعَبَّدِ ... 53(465/200)
رَأَيتُ بَنِي غَبْراء لا يُنْكِرُونَني ... وَلا أَهْلُ هذاكَ الِّطرافِ الُممَددِ ... 54
فإِنْ كنتَ لا تسْتطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتي ... فَدَعْني أبادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي ... 55
ولَولا ثَلاثٌ هُنَّ من عيشةِ الْفَتى ... وَجدِّكَ لم أَحفِلْ مَتى قامَ عُوْدي ... 56
فَمِنْهُنّ سَبْقِي الْعاذِلاتِ بِشَربَةٍ ... كُمَيْتٍ متى ما تُعْلَ باَلماءِ تُزْبِدِ ... 57
وَكَرِّي إِذَا نادَى اُلمضافُ مُحَنَّباً ... كَسِيدِ الْغَضا نَبّهْتَهُ الُمتَوَرِّدِ ... 58
وَتقصيرُ يوم الدَّجنِ والدجنُ مُعجِبٌ ... بِبَهْكَنَةٍ تَحْتَ الخِباءِ الُمعَمَّدِ ... 59
كَأَنّ الْبُريَنَ وَالدَّماليجَ عُلِّقَتْ ... على عُشَرٍ أو خِروَعٍ لم يُخَضَّدِ ... 60
كَرِيمٌ يروِّي نَفْسَهُ في حَيَاتِه ... سَتَعْلَمُ إِن مُتْنا غَداً أَيّنا الصدي ... 61
أَرَى قَبْرَ نَحّامٍ بَخَيلٍ بِمَاله ... كقَبْرِ غوِيِّ في البطالَةِ مُفْسِدِ ... 62
تَرَىَ جشوَتَيْنِ من تُراب عَلَيْهمَا ... صَفَائحُ صُمِّ من صَفيحٍ مُنَضَّدِ ... 63
أَرى اَلموت يَعْتامُ الكِرَامَ ويَصْطفي ... عَقِيَلةَ مَالِ الْفَاِحشِ اُلمتَشَدِّدِ ... 64
أرَى الْعَيْشَ كنزاً ناقصاً كلّ ليْلَةٍ ... وَمَا تَنْقُصِ الأيَّامُ وَالدّهرُ يَنْفَدِ ... 65
لَعَمْرُكَ إِنّ اَلموَتَ مَا أَخْطأَ الْفَتى ... لكَالطَّوَلِ اُلمرْخَى وثِنْيَاهُ بِاليَدِ ... 66
فمالي أرَاني وَابْنَ عَمِّيَ مَالِكاً ... مَتَى أَدْنُ مِنْه يَنْأَ عَنِّي وَيَبْعُدِ ... 67
يَلُومُ ومَا أَدْرِي عَلاَمَ يَلُوُمني ... كما لامني في الحيّ قُرْطُ بنُ مَعْبدِ ... 68
وأَيْأَسَنيِ من كل خَيْرٍ طَلَبتُهُ ... كأنَّا وَضَعنَاهُ إِلى رَمْسِ مُلْحَدِ ... 69
على غَيْرِ شيءٍ قُلْتُهُ غَيْرَ أَنَّني ... نَشَدْتُ فلم أُغْفِل حَمولَةَ مَعْبَدِ ... 70
وَقَرّبْتُ بالقُرْبَى وَجدَّكَ إِنَّني ... متى يَكُ أَمْرٌ لِلنّكيثَةِ أَشْهَدِ ... 71
وإِنْ أُدْعَ للجُلىَّ أَكنْ مِنْ حُماتِها ... وإِنْ يَأَتِكَ الأَعْدَاءُ بالجَهْدِ أَجْهَدِ ... 72(465/201)
وإِنْ يَقذِفُوا بالقذعِ عِرْضَك أَسْقِهِمْ ... بكَأْسِ حِيَاضِ الموتِ قبلَ التهدُّدِ ... 73
بِلاَ حدَثٍ أَحْدَثْتُهُ وكَمُحْدَثٍ ... هِجائي وقَذْفي بالشَّكَاةِ ومُطْرَدِي ... 74
فَلَوْ كان مَوْلايَ أمْرُءٌا هُوَ غَيْرَهُ ... لَفَرَّجَ كَرْبي أَوْ لأنظَرَني غَدِي ... 75
وَلكِنّ مَوْلايَ آمْرُءٌ هُوَ خانقي ... على الشُّكْرِ والتَّسْآل أَوْ أَنَا مُفْتَدِ ... 76
وظُلْمُ ذَوي الْقُرْبَى أَشَدُّ مضاضَةً ... على الَمرءِ مِن وَقْعِ الُحسامِ الُمهَنَّدِ ... 77
فَذَرْني وَخُلْقي، إِنَّني لَكَ شَاكِرٌ ... وَلوْ حَلّ بَيْتي نائباً عند ضَرْغَدِ ... 78
فَلَوْ شَاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خَالِدٍ ... وَلَوْ شَاءَ رَبي كُنْتُ عَمرو بن مَرْثَدِ ... 79
فأَصْبَحْتُ ذَا مَالٍ كثيرٍ وَزَارَني ... بَنونٌ كرامٌ سادَةٌ لُمِسَوَّدِ ... 80
أَنا الرّجُلُ الضَّرْب الَّذِي تَعْرِفُوَنهُ ... خَشاشٌ كرَأْسِ الَحيّة الُمَتَوقّدِ ... 81
فَآليْتُ لا يَنْفَكُّ كشْجِي بطانَةً ... لِعَضْبٍ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ ... 82
حُسَامٍ إِذَا ما قُمتُ مُنتَصِراً به ... كفى الْعَوْدَ منه الْبَدءُ ليسَ بِمعْضَدِ ... 83
أَخِيِ تقَةٍ لا يَنْثَنيِ عَنْ ضَرِيبةٍ ... إِذَا قِيلَ مَهْلاً قالَ حاِجزُهُ قَدِي ... 84
إِذَا ابتدَرَ الْقَوْمُ السِّلاَحَ وَجدْتَني ... مَنيعاً إِذَا بَلّتْ بقَائِمِهِ يَدِي ... 85
وبَرْكُ هُجُودٍ قَد أَثَارتْ مَخَافتي ... بَوَادِيَهَا، أَمشِي بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ ... 86
فَمرّتْ كَهاةٌ ذَاتُ خَيْفٍ جُلالَةٌ ... عَقِيلَةُ شَيْخٍ كَالوَبيلِ يَلَنْدَدِ ... 87
يَقُولُ وقَدْ تَرّ اْلوَظِيفُ وَسَاقُهَا ... أَلَستَ تَرى أَن قَد أَتَيْتَ بمؤْيِدِ ... 88
وقَالَ، ألا ماذَا تَرَوْنَ بِشَارِبٍ ... شَدِيدٍ عَلَيْنا بَغْيُهُ مُتَعَمِّدِ ... 89
وقَالَ، ذَرُوهْ إِنَّما نَفْعُها لَهُ ... وإِلاّ تكُفّوا قاصيَ الْبَرْكِ يَزْدَدِ ... 90
فَظَلّ اْلإِماءُ يَمْتَلِلْنَ حُوَارَهَا ... وَيُسْعَى بها بالسّديفِ اُلمسَرْهَدِ ... 91(465/202)
فإِنْ مِتُّ فانْعِيني بِما أنَا أَهْلُةُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الَجَيْب يَا أبْنَةَ مَعْبَدِ ... 92
وَلا تَجْعَلِيني كامرِىءٍ لَيْسَ هَمُّهُ ... كهَمِّي وَلا يُغْنِي غَنائي ومَشْهَدِي ... 93
بَطِيءٍ عَن الُجْلَّي سَرِيع الى الخَنا ... ذَلُولٍ بأَجماعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ ... 94
فَلوْ كُنْتُ وَغلاً في الرِّجالِ لَضَرَّني ... عَدَاوَةُ ذِي اْلأَصْحَابِ وَالُمَتوَحِّدِ ... 95
ولكِنْ نَفَى عني الرِّجالَ جَراءَتي ... عَلَيْهِمْ وَإِقْدَامِي وَصِدْفي وَمحْتَدِي ... 96
لَعَمْرُكَ ما أمْري عَلَيَّ بغُمَّةٍ ... نَهاري وَلا لَيْلي عَلَيِّ بسَرْمَدِ ... 97
ويَومٍ حَبَسْتْ النَّفْسَ عندَ عراكهِ ... حِفَاظاً عَلى عَوْراتِهِ والتَّهَدُّدِ ... 98
على مَوْطِنٍ يَخْشَى الْفْتَى عِندَهُ الرَّدى ... متى تَعْتَرِكْ فيهِ الْفَراِئصُ تُرْعَدِ ... 99
وَأَصْفَرَ مَضْبُوحٍ نَظَرْتُ حِوَارَهُ ... على النارِ واستَوْدَعْتُهْ كَفَّ مُجْمِدِ ... 100
ستُبْدِي لكَ الأَيَّامُ ما كُنْتَ جاهِلاً ... وَيَأْتِيكَ باْلأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ... 101
وَيَأْتِيكَ باْلأَخْبارِ مَنْ لَمْ تَبعْ لَهُ ... بَتَاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعدِ ... 102
شرح معلقة طرفة بن العبد
خولة : اسم امرأة كلبية ، الطلل : ماشخص من رسوم الدار ، والجمع أطلال وطلول ، البرقة والأبرق والبرقاء : مكان اختلط ترابه بحجارة أو حصى ، والجمع الأبارق والبراق والبرق ، ثهمد : موضع ، تلوح : تلمع ، واللوح اللمعان ، الوشم : غرز ظاهر اليد وغيره بإبرة وحشو المغارز بالكحل أو النقش بالنيلج ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الواشمة والمستوشمة " يقول : لهذه المرأة أطلال ديار بالموضع الذي يخالط أرضه حجارة وحصى من ثهمد فتلمع تلك الأطلال لمعان بقايا الوشم في ظاهر الكف 1
تفسير البيت هنا كتفسيره في قصيدة أمرىء القيس ، التجلد : تكلف الجلادة ، أي التصبر 2(465/203)
الحدج : مركب من مراكب النساء ، والجمع حدوج وأحداج ، المالكية : منسوبة إلى بني مالك قبيلة من كلب ، الخلايا: جمع الخلية وهي السفينة العظيمة ، السفين : جمع سفينة ، النواصف : جمع الناصفة ، وهي أماكن تتسع من نواحي الأودية مثال السكك وغيرها ، دد ، قيل : هو اسم واد في هذا البيت ، وقيل دد مثل يد ، يقول : كأن مراكب العشيقة المالكية غدوة فراقها بنواحي وادي دد سفن عظام . شبه الشاعر الإبل و عليها الهوادج بالسفن العظام ، وقيل : بل حسبها سفنا عظاما من فرط لهوه وولهه ، إذا حملت ددا على اللهو ، وإن حملته على أنه واد بعينه فمعناه على القول الأول 3
عدولي : قبيلة من أهل البحرين ، وابن يامن : رجل من أهلها ، الجور : العدول عن الطريق ، والباء للتعدية ، الطور : التارة ، والجمع الأطوار يقول : هذه السفن التي تشبهها هذه الإبل من هذه القبيلة أو من سفن هذا الرجل ، الملاح يجريها مرة على استواء واهتداء ، وتارة يعدل بها فيميلها عن سنن الاستواء ، وكذلك الحداة تارة يسوقون هذه الإبل على سمت الطريق ، وتارة يميلها عن الطريق ليختصروا المسافة ، وخص سفن هذه القبيلة وهذا الرجل لعظمها وضخمها ثم شبه سوق الإبل تارة على الطريق وتارة على غير الطريق بإجراء الملاح السفينة مرة على سمت الطريق ومرة عادلا عن ذلك السمت 4
حباب الماء : أمواجه ، الواحدة حبابة ، الحيزوم : الصدر ، والجمع : الحيازم ، الترب والتراب والترباء والتورب والتيراب والتوراب واحد ، الفيال : ضرب من اللعب ، وهو أن يجمع التراب فيدفن فيه شيء، ثم يقسم التراب نصفين ، ويسأل عن الدفين في أيهما هو ، فمن أصاب فسمر ومن أخطأ فمر ، يقال : فايل هذا الرجل يفايل مفايلة وفيالا إذا لعب بهذا الضرب من اللعب . شبه الشاعر شق السفن الماء بشق المفايل التراب المجموع بيده 5(465/204)
الأحوى : الذي في شفتيه سمرة ، يقال : حوي الفرس مال إلى السواد ، فعلى هذا شادن صفة أحوى ، وقيل بدل من أحوى ، وينفض المرد صفة أحوى ، الشادن : الغزال الذي قوي واستغني عن أمه ، المظاهر : الذي لبس ثوبا فوق ثوب أو درعا فوق درع ، السمط : الخيط الذي نظمت فيه الجواهر ، والجمع سموط يقول : وفي الحي حبيب يشبه ظبيا أحوى في كحل العينين وسمرة الشفتين في حال نفض الظبي ثمر الأراك لأنه يمد عنقه في تلك الحال ، ثم صرح بأنه يريد إنسانا ، وقال قد لبس عقدين أحدهما من اللؤلؤ والآخر من الزبرجد ، شبهه بالظبي في ثلاثة أشياء : في كحل العينين وحوة الشفتين ، وحسن الجيد ، ثم أخبر أنه متحل بعقدين من لؤلؤ وزبرجد 6
خذول : أي خذلت أولادها ، تراعي ربربا: أي ترعى معه ، الربرب : القطيع من الظباء وبقر الوحش ، الخميلة : رملة منبتة ، البرير: ثمر الأراك المدرك البالغ ، الواحدة بريرة ، الارتداء والتردي : لبس الدراء يقول : هذه الظبية التي اشبهها الحبيب ظبية خذلت اولادها وذهبت مع صواحبها في قطيع من الظباء ترعى معها في أرض ذات شجر أو ذات رملة منبتة تتناول اطراف الأراك وترتدي بأغصانه ، شبه الشاعر طول عنق الحبيب وحسنه بذلك 7
الألمى : الذي يضرب لون شفتيه إلى السواد ، والانثى لمياء ، والجمع لمي ، والمصدر اللمى ، والفعل لمي يلمى ، البسم والتبسم والابتسام واحد ، كأن منورا يعني اقحوانا منورا ، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه ، نور النبت خرج نوره فهو منور ، حر كل شيء: خالصة ، الدعص : الكثيب من الرمل ، والجمع الادعاص ، الندى يكون دون الابتلال ، والفعل ندي يندى ندى ، ونديته تندية يقول وتبسم الحبيبة عن ثغر ألمى الشفتين كأنه أقحوان خرج نوره في دعص ند يكون ذلك الدعص فيما بين رمل خالص لايخالطه تراب ، وإنما جعله نديا ليكون الاقحوان غضا ناضرا 8(465/205)
إياة الشمس وإياها : شعاعها ، اللثة : مغرز الأسنان ، والجمع اللثات ، الإسفاف : إفعال سففت الشيء أسفه سفا ، الإثمد : الكحل ، الكدم : العض . ثم وصف ثغرها فقال : سقاة شعاع الشمس ، أي كأن الشمس أعارته ضوءها . ثم قال : إلا لثاته ، يستثنى اللثات لأنه لا يستحب بريقها . ثم قال : إلا لثاته ، يستثنى اللثات لأنه لا يستحب بريقها . ونساء العرب تذر الإثمد على الشفاه واللثات فيكون ذلك أشد لمعان الأسنان 9
التخدد : التشنج والتغضن يقول : وتبسم عن وجه كأن الشمس كسته ضياءها وجمالها ، فاستعار لضياء الشمس اسم الرداء ، ثم ذكر ان وجهها نقي اللون غير متشنج متغضن . وصف وجهها بكمال الضياء والنقاء والنضارة ، وجر الوجه عطفا على ألمى 10
الاحتضار والحضور واحد ، العوجاء : الناقة التي لا تستقيم في سيرها لفرط نشاطها ، المرقال : مبالغة مرقل من الإرقال : وهو بين السير والعدو يقول : وإني لأمضي همي وأنفذ إرادتي عند حضورها بناقة نشيطة في سيرها تخب حببا وتذمل ذميلا في رواحها واغتدائها ، يريد أنها تصل سير الليل بسير النهار ، وسير النهار بسير الليل ، يقول : وإني لأنفذ همي عند حضوره بإتعاب ناقة مسرعة في سيرها 11
الأمون : التي يؤمن عثارها ، الإران : التابوت العظيم ، نصأتها ، بالصاد ، زجرتها . ونسأتها ، بالسين ، أي ضربتها بالنسأة ، وهي العصا ، اللاحب : الطريق الواضح ، البرجد : كساء مخطط يقول : هذه الناقة الموثقة الخلق يؤمن عثارها في سيرها وعدوها ، وعظامها كألواح التابوت العظيم ، ضربتها بالمنسأة على طريق واضح كأنه كساء مخطط في عرضه 12(465/206)
الجمالية : الناقة التي تشبه الجمل في وثاقة الخلق ، الوجناء : المكتنزة اللحم ، الرديان : عدو الحمار بين متمرغة وأربه ، السفنجة : النعامة ، تبري: تعرض ، والبري والانبراء واحد كذلك التبري ، الأزعر : القليل الشعر ، الاربد ك الذي لونه لون الرماد يقول : أمضي همي بناقة تشبه الجمل في وثاقة الخلق مكتنزة اللحم تعدو كأنها نعامة تعرض لظليم قليل الشعر يضرب لونه إلى لون الرماد ، شبه عدوها بعدو النعامة في هذه الحال 13
باريت الرجل : فعلت مثل فعله مغالبا له ، العتاق : جمع عتيق ، وهو الكريم ، الناجيات : المسرعات في السير ، الوظيف : ما بين الرسغ إلى الركبة وهو وظيف كله ، المور : الطريق ، المعبد : المذلل ، والتعبيد : التذليل والتأثير يقول : هي تباري إبلا كراما مسرعات في السير وتتبع وظيف رجلها وظيف يدها فوق طريق مذلل بالسلوك والطء بالاقدام والحوافر والمناسم في السير 14
التربع : رعي الربيع والإقامة بالمكان واتخاذه ربعا ، القف : ما غلظ من الارض وارتفع لم يبلغ أن يكون جبلا ، والجمع قفاف ، الشول : النوق التي جفت ضروعها وقلت ألبانها ، الواحدة شائلة ، بالتاء لا غير . ويقال : ناقة شائل وجمل شائل . والشول : الارتفاع ، الارتعاء : الرعي ، الحدائق : جمع حديقة ، وهى كل روضة ارتفعت أطرافها وانخفض وسطها ، والحديقة البستان أيضا ، المولي : الذي أصابه الولي وهو المطر الثاني من أمطار السنة ، سر الوادي وسراته : خيره أفضله كلأ ، والجمع الأسرة الأسرار ، الاغيد : الناعم الخلق ، وتأنيثه غيداء ، والجمع غيد ، ومصدره الغيد ، يقول : رعت هذه الناقة أيام الربيع كلا القفين ، بين نوق جفت ضروعها وقلت ألبانها ترعى في حدائق واد قد وليت أسرتها وهو مع ذلك ناعم التربة . وقوله : حدائق مولي الأسرة ، تقديره حدائق واد مولي الأسرة ، فحذف الموصوف ثقة بدلالة الصفة عليه 15(465/207)
الريع : الرجوع ، والفعل راع يربع ، الإهابة : دعاة الإبل وغيرها ، يقال أهاب بناقته إذا دعاها ، الاتقاء : الحجز بين شيئين ، يقال : اتقى قرنه بترسه إذا جعل حاجزا بينه وبينه ، وقوله : بذي خصل ، أراد بذنب ذي خصل ، فحذف الموصوف اكتفاء بدلالة الصفة عليه ، والخصل جمع خصلة من الشعر وهي قطعة منه ، الروع : الافزاع ، والروعة فعلة منه ، وجمعها الروعات ، الأكلف : الذي يضرب إلى السواد ، الملبد : ذو وبر متلبد من البول والثلط وغيره ، روعات أكلف أي روعات فحل اكلف ، فحذف الموصوف يقول : هي ذكية القلب ترجع إلى راعيها وتجعل ذنبها حاجزا بينها وبين فحل تضرب حمرته إلى السواد متلبد الوبر ، يريد أنها لايمكنه من ضرابها فلا تلقح ، وإذا لم يصل الفحل إلى ضرابها لم تلقح وإذا لم تلقح كانت مجتمعة القوى وافرة اللحم قوية على السير والعدو 16
المضرحي : الأبيض من النسور ، وقيل : هو العظيم منها ، التكنف : الكون في كنف الشيئ وهو ناحيته ، الحفاف : الجانب ، والجمع الأحفة ، الشك : الغرز ، العسيب : عظم الذنب ، والجمع العسب ، والمسرد والمسراد : الاشفى ، والجمع المسارد والمساريد يقول : كأن جناحي نسر أبيض غرزا بإشفى في عظم ذنبها فصارا في ناحية . شبه الشاعر شعر ذنبها بجناحي نسر أبيض في الباطن 17
قوله : فطورا به ، يعني فطورا تضرب بالذنب ، الزميل : الرديف ، الحشف : الاخلاف التي جف لبنها فتشنجت ، الواحدة حشفة ، الشن : القربة الخلق ، والجمع الشنان ، الذوي : الذبول ، المجدد : الذى جد لبنه أي قطع يقول : تارة تضرب هذه الناقة ذنبها على عجزها خلف رديف راكبها وتارة تضرب على اخلاف متشنجة خلقة كقربة بالية وقد انقطع لبنها 18(465/208)
النحض : اللحم ، وقوله : بابا منيف ، أى بابا قصر منيف ، فحذف الموصوف ، والمنيف : العالي ، والاناقة العلو ، الممرد : المملس ، ومن قولهم : وجه أمرد وغلام أمرد لا شعر عليه ، وشجرة مرداء لا ورق لها ، والممرد المطول أيضا ، وقد أول تعالى :"صرح ممرد من قوارير" بهما يقول : لهذه الناقة فخذان أكمل لحمهما فشابها مصراعي باب قصر عال مملس أو مطول في العرض 19
الطي : طي البئر ، المحال : فقار الظهر ، الواحدة محالة وفقارة ، الحني : القسي ، الواحدة حنية وتجمع أيضا على حنايا ، الخلوف: الأضلاع ، الواحد خلف ، الأجرنة : جمع جران ، وهو باطن العنق ، اللز : الضم ، الدأي : خرز الظهر والعنق ، الواحدة دأية وتجمع أيضا على الدأيات ، التنضيد مبالغة النضد : وهو وضع الشيئ على الشيئ ، والمنضد أشد من المنضود يقول : ولها فقار مطوية متراصفة متداخلة كأن الأضلاع المتصلة بها نسي ولها باطن عنق ضم وقرن إلى خرز عنق قد نضد على بعض 20
الكناس : بيت يتخذه الوحش في أصل شجرة ، والجمع الكنس ، وقد كنس الوحش يكنس كنسا وكنوسا : دخل كناسه ، الضال : ضرب من الشجر وهو السدر البري ، الواحدة ضالة ، كنفت الشيء : صرت في ناحيته ، أكنفه كنفا ، والكنف الناحية ، والجمع الأكناف ، الأطر : العطف ، والائتطرار الانعطاف ، المؤيد : المقوى ، والتأييد التقوية ، من الأيد والأد وهما القوة ، شبه إبطيها في السعة ببيتين من بيوت الوحش في أصل شجرة ، وشبه أضلاعها بقسي معطوفة يقول : كأن بيتين من بيوت الوحش في أصل ضالة صارا في ناحيتي هذه الناقة وقسيا معطوفة تحت صلب مقوى وسعة الإبط أبعد لها من العثار ، لذلك مدحها بها 21(465/209)
الافتل : القوي الشديد ، وتأنيثه فتلاء ، السلم : الدلو لها عروة واحدة مثل دلاء السقائين ، الدالج : الذي يأخذ الدلو من البئر فيفرغها في الحوض ، التشدد والاشتداد والشدة واحد . يقال : شد يشد شدة إذا قوي ، والباء في قوله تمر بسلمي للتعدية ويجوز أن تكون يمعنى مع ايضا يقول : لهذه الناقة مرفقان قويان شديدان بائنان عن جنبيها فكأنها تمر مع دلوين من دلاء الدالجين الاقوياء ، شبهها بسقاء حمل دلوين إحداهما بيمناه والاخرى بيسراه فبانت يداه عن جنبيه ، شبه بعد مرفقيها عن جنبيها ببعد هاتين الدلوين عن جنبي حاملهما القوي الشديد 22
القرمد : الآجر ، وقيل هو الصاروج ، الواحدة قرمدة ، الاكتناف : الكون في أكناف الشيء وهي نواحيه ، شبه الناقة في تراضف عظامها وتداخل أعضائها بقنطرة تبنى لرجل رومي قد حلف صاحبها ليحاطن بها حتى ترفع أو تجصص بالصاروخ أو الآجر ، الشيد : الرفع والطلي بالشيد وهو الجص . قوله : كقنطرة الرومي ، أي كقنطرة الرجل الرومي . وقوله: لتكتنفن ، أي والله لتكتنفن 23
العثنون : شعرات تحت لحيها الأسفل ، يقول : فيها صهبة أي حمرة ، القرا : الظهر ، والجمع الأقراء ، الموجدة : المقواة ، والإيجاد التقوية ، ومنه قولهم :بعير أجد أي شديد الخلق ، الوخد والوخدان والوخيد : الذميل والفعل وخد يخد ، المور : الذهاب والمجئ ، والموارة مبالغة المائرة ، وقد مارت تمور مورا فهي مائرة يقول : في عثنونها صهبة وفي ظهرها قوة وشدة ويبعد ذميل رجليها ومور يديها في السير ، ويجوز جر صهابية العثنون على الصفة لعوجاء ويجوز رفعها على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره : هي صهابية العثنون 24
الإمرار : إحكام الفتل الشزر : ما أدير عن الصدر ، والنظر الشزر والطعن الشزر ما كان في أحد الشقين ، الإجناح : الإمالة ، والجنوح الميل ، السقف والسقيف واحد ، والجمع سقوف ، المسند : الذي أسند بعضه إلى بعض 25(465/210)
الجنوح مبالغة الجانحة : وهي التي تميل في أحد الشقين لنشاطها في السير ، الدفاق : المندفقة في سيرها أي المسرعة غاية الإسراع ، العندل : العظيمة الرأس ، الإفراع : التعلية ، يقال : فرعت الجبل أفرعة فرعا إذا علوته ، وتفرعته أيضا وأفرعته غيري أي جعلته يعلوه ، المعالاة والإعلاء والتعلية واحد ، والتصعيد مثلها يقول : هذه الناقة شديدة الميلان عن سمت الطريق لفرط نشاطها في السير مسرعة غاية الإسراع عظيمة الرأس وقد عليت كتفاها في خلق معلى مصعد ، وقوله : في معالي ، يريد في خلق معالي أو ظهر معالي ، فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه ، ويجوز في الجنوح الرفع والجر 26
العلب : الأثر ، والجمع العلوب ، وقد علبت الشيء علبا إذا أثرت فيه ، النسع : سير كهيئة العنان تشد به الأحمال ، وكذلك النسعة ، والجمع الانساع والنسوع والنسع ، المورد وهو الماء الذي يورد ، الخلقاء : الملساء ، والأخلق الأملس ، وأراد من خلقاء ، أي من صخرة خلقاء ، فحذف الموصوف ، القردد : الأرض الغليظة الصلبة التي فيها وهاد ونجاد . يقول : كأن آثار النسع في ظهر هذه الناقة وجنبيها نقر فيها ماء من صخرة ملساء في أرض غليظة متعادية فيها وهاد ونجاد . شبه الشاعر آثار النسع أو الانسان بالنقر التي فيها الماء في بياضها ، وجعل جنبها صلبا كالصخرة الملساء ، وجعل خلقها في الشدة والصلابة كالأرض الغليظة 28-27
الأتلع : الطويل العنق ، النهاض : مبالغة الناهض ، البوصي : ضرب من السفن ، السكان : ذنب السفينة يقول : هي طويلة العنق فإذا رفعت عنقها أشبه ذنب السفينة في دجلة تصمد . قوله : إذا صعدت به ، أى بالعنق ، والباء للتعدية ، جعل عنقها طويلا سريع النهوض ، ثم شبه في الارتفاع والانتصاب بسكان السفينة في حال جريها في الماء
29(465/211)
الوعي : الحفظ والاجتماع والانضمام ، وهو في البيت على المعنى الثاني ، الحرف : الناحية ، والجمع الأحرف والحروف يقول : ولها جمجمة تشبه العلاة في الصلابة فكأنما انضم طرفها إلى حد عظيم يشبه المبرد في الحدة والصلابة ، الملتقى : موضع الالتقاء وهو طرف الجمجمة لأنه يلتقي به فراش الرأس 30
قوله : كقرطاس الشآمي يعني كقرطاس الرجل الشآمي ، فحذف الموصوف اكتفاء بدلالة الصفة عليه ، المشفر للبعير : بمنزلة الشفة للانسان ، والجمع الشافر ، السبت : جلود البقر المدبوغة بالقرط ، وقوله : كسبت اليماني ، يريد كسبت الرجل اليماني ، التجريد : اضطراب القطع وتفاوته شبه خدها في الانملاس بالقرطاس ومشفرها بالسبت في اللين واستقامة القطع 31
الماوية : المرآة ، الاستكنان : طلب الكن ، الكهف : للغار ، الحجاج : العظم المشرف على العين الذي هو منبت شعر الحاجب ، والجمع الأحجة ، القلت : النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء ، والجمع القلات ، المورد : الماء . هنا يقول : لها عينان تشبهان مرآتين في الصفاء والنقاء والبريق وتشبهان ماء في القلت في الصفاء ، وشبه عينيها بكهفين في غورهما ، وحجاجيها بالصخرة في الصلابة ، قوله : حجاجي صخرة أي حجاجي من صخرة ، كقولهم : باب حديد أي باب من حديد 32
يقول : عيناها تطرحان وتبعدان القذى عن أنفسهما ، ثم شبههما بعيني بقرة وحشية لها ولد وقد أفزعها صائد أو غيره ، وعين البقرة الوحشية في هذه الحالة أحسن ما تكون 33
التوجس التسمع ، السرى : سير الليل ، الهجس : الحركة التنديد ك رفع الصوت يقول : ولها أذنان صادقتا الاستماع في حال سير الليل لا يخفى عليهما السر الخفي ولا الصوت الرفيع 34(465/212)
التأليل : التحديد والتدقيق من الآلة وهي الحربة وجمعها آل وإلال ، وقد أله يؤله ألا إذا طعنه بالالة ، والدقة والحدة تحمدان في آذان الإبل ، العتق : الكريم والنجابة ، السامعتان : الأذنان ، الشاة : الثور الوحشي ، حومل : موضع بعينه يقول : لها أذنان محددتان تحديد الالة تعرف نجابتها فيهما وهما كأذني ثور وحشي منفرد في الموضع المعين ، وخص المفرد لأنه اشد فزعا وتيقظا واحترازا 35
الأروع : الذي يرتاع بكل شيء لفرط كائه، النباض : الكثير الحركة ، مبالغة النابض من نبض ينبض نبضانا ، الأحذ: الخفيف السريع ، الململم : المجتمع الخلق الشديد الصلب ، المرداة : الصخرة التي تكسر بها الصخور، الصفيحة : الحجر العريض ، والجمع الصفائح والصفيح ، المصمد : المحكم الموثق . يقول : لها قلب يرتاع لادنى شيء لفرط ذكائه ، وهو سريع الحركة خفيف صلب مجتمع الخلق يشبه صخرة تكسر بها الصخور في الصلابة فيما بين اضلاع تشبه حجارة عراضا محكمة ، شبه القلب بين الاضلاع بحجر صلب بين حجارة عراض . وقوله : كمرداة صخر ، أى كمرداة من صخر . مثل قولهم : هذا ثوب خز ، وقوله : في صفيح ، أى فيما بين صفيح ، والمصمد نعت للصفيح على لفظه دون معناه 36
الاعلم المشقوق الشفة العليا ، المخروت : المثقوب ، والخرت الثقب ، المارن : ما لان من الانف يقول : ولها مشفر مشقوق ومارن انفها مثقوب وهي عندما ترمي الارض بأنفها ورأسها تزداد في سيرها 37
الإرقال : دون العدو وفوق السير ، الإحصاد : الإحكام والتوثيق يقول : هي مذللة مروضة فإن شئت اسرعت في سيرها ، وإن شئت لم تسرع مخافة سوط ملوى من الجلد موثوق 38(465/213)
المساماة : المباراة في السمو وهو العلو ، الكور : الرحل بأداته ، والجمع الاكوار والكيران ، وواسط له كالقربوس للسرج ، العوم : السباحة ، والفعل عام يعوم عوما ، الضبع : العضد ، النجاء : الإسراع ، الخفيدد : الظليم ، ذكر النعام يقول : إن شئت جعلت رأسها موازنا لواسط رحلها في العلو من فرط نشاطها وجذبي زمامها إلى وأسرعت في سيرها حتى كأنها تسبح بعضديها إسراعا مثل إسراع الظليم 39
يقول : على مثل هذه الناقة امضي في أسفاري حين بلغ الأمر غايته ، يقول صاحبي : ألا ليتني افديك من مشقة هذه الشقة فأخلصك منها وأنجي نفسي 40
خاله : أي ظنه ، والخيلولة الظن ، المرصد : الطريق ، والجمع المراصد ، وكذلك المرصاد . يقول : وارتفعت نفسه أي زال قلبه عن مستقره لفرط خوفه فظنه هالكا وإن أمسى على غير الطريق يقول: إن صعوبة هذه الفلوت جعلته يظن أنه هالك وإن لم يكن على طريق يخاف قطاع الطريق 41
يقول : إذا القوم قالوا من فتى يكفي مهما أو يدفع شرا ؟ فعلت أنني المراد بقولهم فلم اكسل في كفاية الهم ودفع الشر ولم أتبلد الميما ، وعنيت من قولهم عني يعنى عنيا بمعنى اراد ، ومنه قولهم : يعني كذا أي يريده ، وايش تعني بهذا أي ايش تريد بهذا ، ومنه خنى وهو المراد ، والجمع المعاني 42
الإحالة : الإقبال هنا ، القطيع : السوط ، الإجذام : الإسراع في السير ، الآل : مايرى شبه السراب طرفي النهار ، والسراب ما كان نصف النهار ، الأمعز: مكان يخالط ترابه حجارة أو حصى ، وإذا حمل على الأرض أو البقعة قيل العزاء ، والجمع الأماعز يقول : أقبلت على الناقة أضربها بالسوط فأسرعت في السير في حال خيب آل الأماكن التي اختلطت تربتها بالحجارة والحصى 43(465/214)
الذيل : التبختر ، والفعل ذال يذيل ، الوليدة : الصبية والجارية ، وهي في البيت بمعنى الجارية ، السحل : الثوب الابيض من القطن وغيره يقول : فتبخترت هذه الناقة كما تتبختر جارية ترقص بين يدي سيدها فتريه ذيل ثوبها الابيض الطويل في رقصها ، شبه الشاعر تبخترها في السير بتبختر الجارية في الرقص ، وشبه طول ذنبها بطول ذيلها 44
الحلال : مبالغة الحال من الحلول ، التلعة : ما ارتفع من مسيل الماء وانخفض عن الجبال أو قرار الأرض ، والجمع التلعات والتلاع ، الرفد والأرفاد : الإعانة ، والاسترفاد الاستعانة يقول : أنا لاأحل التلاع مخافة حلول الأضياف بي أو غزو الأعداء اياي ولكني أعين القوم إذا استعانوا بي إما في قرى الأضياف ، واما في قتال الأعداء والحساد 45
البغاء : الطلب ، والفعل بغى يبغي ، الحلقة تجمع على الحلق بفتح الحاء واللام وهذا من الشواذ ، وقد تجمع على الحلق مثل بدرة وبدر وثلة وثلل ، الحانوت : بيت الخمار ، والجمع الحوانيت ، الاصطياد : الاقتناص يقول : وإن تطلبني في محفل القوم تجدني هناك ، وان تطلبني في بيوت الخمارين تصطدني هناك يريد أنه يجمع بين الجد والهزل 46
الصمد : القصد ، والفعل صمد يصمد ، والتصميد مبالغة الصمد يقول : وإن اجتمع الحي للافتخار تلاقني أنتمي وأعتزي إلى ذروة البيت الشريف أي إلى اعلى الشرف يريد أنه أوفاهم حظا من الحسب وأعلاهم سهما من النسب ، قوله : تلاقني إلى ، يريد أعتزي إلى فحذف الفعل لدلالة الحرف عليه 47(465/215)
الندامى : وجمع الندمان وهو النديم ، وجمع النديم ندام وندماء ، وصفهم بالبياض تلويحا إلى انهم احرار ولدتهم حرائر ولم تعرف الإماء فيهم فتورثهم ألوانهن ، أو وصفهم بالبياض لاشراق أولوانهم وتلألؤ غررهم في الأندية والمقامات إذ لم يلحقهم عار يعيرون به فتتغير ألوانهم لذلك ، أو وصفهم بالبياض لنقائهم من العيوب ، لأن البياض يكون نقيا من الدرن والوسخ ، أو لاشتهاهِم ، لأن الفرس الأغر مشهور فيما بين الخيل ، والمدح بالبياض في كلام العرب لايخرج من هذه الوجوه ، القينة : الجارية المغنية ، والجمع القينات والقيان ، المجسد : الثوب المصبوغ بالجساد والزعفران ، ويقال بل الثوب الذي أشبع صبغة فيكاد يقوم من إشباع صبغة ، والمجسد لغة فيه ، وقال جماعة من الأئمة : بل المجسد الثوب الذي يلي الجسد ، والمجسد ما ذكرنا ، والجمع المجاسد يقول : نداماي احرار كرام تتلالأ ألوانهم وتشرق وجوههم ومغنية تأتينا رواحا لابسة بردا أو ثوبا مصبوغا بالزعفران أو ثوبا مشبع الصبغ 48
الرحب والرحيب واحد ، والفعل رحب رحبا ورحابة ورحبا ، قطاب الجيب : مخرج الرأس منه ، الغضاضة : نعومة البدن ورقة الجلد ، والفعل غض يغض ورض يبض ، المنجرد : حيث تجرد أي تعرى يقول : هذه القينة واسعة الجيب لإدخال الندامى ايديهم في جيبها للمسها . ثم قال : هي رقيقة على جس الندامى إياها ، وما يعرى من جسدها ناعم اللحم رقيق الجلد صافي اللون ، والجس : اللمس ، والفعل جس يجس جسا 49(465/216)
اسمعينا : أى غنينا ، البري والانبراء والتبرى : الاعتراض للشيء والأخذ فيه ، على رسلها : أي على تؤدتها ووقارها ، المطروقة : التي بها ضعف ، ويروى مطروفة ، وهى التى اصيب طرفها بشيء أي كأها أصيب طرفها لفتور نظرها يقول : إذا سألناها الغناء عرضت تغنينا متئدة في غنائها على ضعف نغمتها لا تشدد فيها ، أراد لم تشدد فحذف إحدى التاءين استثقالا لهما في صدر الكلمة ومثله تنزل الملائكة ، نارا تلظى ، وأنت عنه تلهى ، وما أشبه ذلك 50
الترجيع : ترديد الصوت وتغريده ، الظئر : التي لها ولد ، والجمع الاظآر ، الربع من ولد الأبل : ما ولد في اول النتاج ، الردى :الهلاك ، والفعل ردي يردى ، والإرداء الاهلاك ، والتردي مثل الردى يقول : إذا طربت في صوتها ورددت نغمتها حسبت صوتها اصوات نوق تصيح عند جؤارها على هالك ، شبه الشاعر صوتها بصوتهن في التحزين ، ويجوز أن تكون الاظآر النساء ، والربع مستعار لولد الانسان ، فشبه صوتها في التحزين والترقيق بأصوات النوادب والنوائح على صبي هالك 51
التشراب : الشرب ، وتفعال من أوزان المصادر مثل التقتال بمعنى الفتل والتنقاد بمعنى النقد ، الطريف والطارف : المال الحديث ، التليد والتلاد والمتلد : المال القديم الموروث يقول : لم أزل أشرب الخمر وأشتغل باللذات وبيع الاعلاق النفيسة وإتلافها حتى كأن هذه الأشياء لي بمنزلة المال المستحدث والموروث ، يريد انه التزم القيام بهذه الأشياء لزوم غيره القيام باقتنائه المال كإصلاحه 52
التحامي : التجنب والاعتزال ، البعير المعبد : المذلل المطلي بالقطران ،والبعير يستلذ ذلك فيذل له يقول : فتجنبتني عشيرتي كما يتجنب البعير المطلي بالقطران وأفردتني لما رأت أني لا أكف عن إتلاف المال والاشتغال باللذات 53(465/217)
الغبراء : صفة الأرض جعلت كالاسم لها ، الطراف : البيت من الأدم ، والجمع الطروف وكنسى بتمديده عن عظمه يقول : لما أفردتني العشيرة ، رأيت الفقراء الذين لصقوا بالأرض من شدة الفقر لا ينكرونني لاستطابتهم صحبتي ومنادمتي يقول : إن هجرتني الاقارب وصلتني الأباعد ، وهم الفقراء والاغنياء ، فهؤلاء لطلب المعروف وهؤلاء لطلب العلم 54
الوعى أصله الابطال في الحرب ثم جعل اسما للحرب ، الخلود : البقاء والفعل يخلد ، والإخلاد والتخليد والإبقاء يقول : ألا أيها الانسان الذي يلومني على حضور الحرب وحضور اللذات هل تخلدني إن كففت عنها؟ اسطاع يسطيع : لغة في استطاع يقول : فإن كنت لا تسطيع أن تدفع موتي عني فدعني أبادر الموت بإنفاق أملاكي ، يريد أن الموت لابد منه فلا معنى للبخل بالمال وترك اللذات 55
الجد : الحظ والبخت ، والجمع الجدود ، وقد جد الرجل يجد جدا فهو جديد ، وجد يجد جدا فهو مجدود إذا كان ذا جد ، وقد أجده الله إجدادا جعله ذا جد ، وقوله وجدك قسم ، الحفل : المبالاة ، العود : جمع عائد من العيادة يقول : فلولا حبي ثلاث خصال هن من لذة الفتى الكريم لم أبال متى أقام عودي من عندي آيسين من حياتي أي لم أبال متى مت 56
يقول : إحدى تلك الخلال أني أسبق العواذل بشربة من الخمر كميت اللون متى صب الماء عليها أزبدت ، يريد أنه يباكر شرب الخمر قبل انتباه العواذل 57(465/218)
الكر : العطف ، والكرور : الانعطاف ، المضاف : الخائف والمذعور ، والمضاف الملجأ ، المحنب الذي في يده انحناء ، السيد : الذئب ، والجمع السيدان ، الغضا : شجر يقول : والخصلة الثانية عطفي إذا ناداني اللاجئ إلي والخائف عدوه مستغيثا إياي فرسا في يده إنحناء يسرع في عدوه إسراع ذئب يسكن فيما بين الغضا إذا نبهته وهو يريد الماء ، جعل الخصلة الثانية إغاثته المستغيث وإعانته اللاجئ إليه ، فقال : أعطف في إغاثته فرسي بذئب اجتمع له ثلاث خلال : إحداها كونه فيما بين الغضا ، وذئب الغضا أخبث الذئاب ، والثانية إثارة الإنسان إياه ، والثالثة وروده الماء ، وهما يزيدان في شدة العدو 58
قصرت الشيء : جعلته قصيرا ، الدجن : إلباس الغيم آفاق السماء . البهكنة : المرأة الحسنة الخلق السمينة الناعمة ، المعمد : المرفوع بالعمد يقول : والخصلة الثالثة أني أقصر يوم الغيم بالتمتع بامرأة ناعمة حسنة الخلق تحت بيت مرفوع بالعمد ، جعل الخصلة الثالثة استمتاعه بجبائبه ، وشرط تقصير اليوم لأن أوقات اللهو والطرب أفضل الأوقات ، ومنه قول الشاعر : شهور ينقضين وما شعرنا بأنصاف لهن ولا سرار وقوله : والدجن معجب أي يعجب الانسان 59
البرة : حلقة من صفر أو شبه أو غيرهما تجعل في أنف الناقة ، والجمع البري والبرات والبرون في الرفع والبرين في النصب والجر ، استعارها للاسورة والخلاخيل ، الدملج والدملوج : المعضد ، والجمع الدمالج والدماليج ، العشر والخروع : ضربان من الشجر ، التخضيد : التشذيب من الأغصان والأوراق ، والعشر وصف البهكنة يقول : كأن خلاخيلها وأسورتها ومعاضدها معلقة على أحد هذين الضربين من الشجر ، وجعله غير مخضد ليكون أغلظ ؛ شبه ساعديها وساقيها بأحد الشجرين في الامتلاء والنعومة والضخامة 60
يقول : أنا كريم يروي نفسه أيام حياته بالخمر ، ستعلم إن متنا غدا أينا العطشان ، يريد أن يموت ريان وعاذله يموت عطشان 61(465/219)
النحام الحريص على الجمع والمنع ، الغوي : الغاوي الضال ، والغي والغواية الضلالة ، وقد غوى يغوى يقول : لا فرق بين البخيل والجواد بعد الوفاة فلم أبخل بأعلاقي ، فقال : أرى قبر البخيل والحريص بماله كقبر الضال في بطالته المفسد بماله 62
الجثوة : الكرومة من التراب وغيره ، والجمع الجثى ، التنضيد : مبالغة النضد يقول : أى قبري البخيل والجواد كومتين من التراب عليهما حجارة عراض صلاب فيما بين قبور عليها حجارة عراض قد نضدت 63
الاعتيام : الاختيار ، العقائل : كرائم المال والنساء ، الواحدة عقيلة ، الفاحش : البخيل يقول : أرى الموت يختار الكرام بالإفناء ، ويصطفي كريمة مال البخيل المتشدد بالابقاء ، وقيل : بل معناه أن الموت يعم الأجواد والبخلاء فيصطفي الكرام وكرائم اموال البخلاء ؛ يريد أنه لا تخلص منه لواحد من الصنفين ، فلا يجدي البخل على صاحبه بخير فالجود أحرى لأنه أحمد 64
شبه البقاء بكنز ينقص كل ليلة ، وما لا يزال ينقص فان مآله إلى النفاد ، فقال : وما تنقصه الأيام والدهر ينفد لا محالة . فكذلك العيش صائر إلى النفاد والنفود الفناء ، والفعل نفد ينفد ، والانفاد الافناء 65
العمر والعمر بمعنى ولا يستعمل في القسم إلا بفتح العين قوله : ما أخطأ الفتى ، فما مع الفعل هنا بمنزلة مصدر حل محل الزمان ، نحو قولهم : آتيك خفوق النجم ومقدم الحاج أي وقت خفوق النجم ووقت مقدم الحاج ، الطول : الحب الذي يطول للدابة فترعى فيه ، الارخاء : الارسال ، الثني : الطرف ، والجمع الأثناء يقول : أقسم بحياتك أن الموت في مدة إخطائه الفتى ، أي مجاوزته إياه ، بمنزلة حبل طول للدابة ترعى فيه وطرفاه بيد صاحبه ، يريد أنه لا يتخلص منه كما أن الدابة لا تفلت ما دام صاحبها آخذا بطرفي طولها . ولما جعل الموت قاد الفتى لهلاكه ومن كان في حبل الموت انقاد لقوده 66(465/220)
النأي والبعد واحد فجمع بينهما للتأكيد وإثبات القافية ، كقول الشاعر : وهند أتى من دونها النأي والبعد يقول : فما لى أراني وابن عمي متي تقربت منه تباعد عني ؟ يستغرب هجرانه إياه مع تقربه هو منه 67
يلومني مالك وما أدري ما السبب الداعي الى لومه إياي كما لامني هذا الرجل في القبيلة ، يريد أن لومه إياه ظلم صراح كما كان لوم إياه كذلك 68
الرمس : القبر وأصله الدفن ، ألحدت الرجل : جعلت له لحدا يقول : فنطني مالك من كل خير رجوته منه حتى كأنا وضعنا ذلك الطلب إلى قبر رجل مدفون في اللحد ، يريد أنه أيأسه من كل خير طلبه كما أن الميت لا يرجى خيره 69
النشدان : طلب المفقود ، الاغفال : الترك ، الحمولة : الابل التي تطيق أن يحمل عليها ، معبد : أخوه ، يقول : يلومني على غير الشيء قلته وجناية جنيتها ولكنني طلبت ابل أخي ولم أتركها فنقم ذلك مني وجعل يلومني ، وقوله : غير انيي ، استثناء منقطع تقديره ولكنني 70
القربى : جمع قربة ، وقيل هو اسم من القرب والقرابة ، وهو أصح القولين النكيثة : المبالغة في الجهد وأقصى الطاقة ، يقال : بلغت نكيثة البعير أقصى ما يطيق من السير يقول: وقربت نفسي بالقرابة التى ضمن حبلها ونظمنا خيطها ، وأقسم بحظك وبخطتك أنه متى حدث له أمر يبلغ فيه غاية الطاقة ويبذل فيه المجهود أحضره وأنصره 71
الجلى : تأنيث الاجل ، وهي الخطة العظيمة ، والجلاء بفتح الجيم والمد لغة فيها ، الحماة : جمع الحامي من الحماية يقول : وان دعوتني للامر العظيم والخطب الجسيم أكن من الذين يحمون حريمك ، وان يأت الاعداء لقتالك أجهد في دفعهم عنك غاية الجهد ، والباء في قوله بالجهد زائدة 72(465/221)
القذع : الفحش ، العرض : موضع المدح والذم من الانسان ، قاله ابن دريد ، وقد يفسر بالحسب ، والعرض النفس ، ومنه قول حسان : فأن ابي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء أي نفسي فداء ، والعرض : العرق وموضع العرق ، والجمع الاعراض في جميع الوجوه ، التهدد والتهديد : واحد ، القذف : السب يقول : وان أساء الاعداء القول فيك وأفحشوا الكلام أوردتهم حياض الموت قبل أن أهددهم ، يريد أنه يبيدهم قبل تهديدهم أي لا يشتغل بتهديدهم بلإهلاكهم ، ومن روى بشرب فهو النصيب من الماء ، والشرب ، بضم الشين مصدر شرب ، يريد أسقهم شرب حياض الموت ، فالباء زائدة والمصدر بمعنى المفعول والاضافة بتقدير من 73
يقول : أجفى وأهجر وأضام من غير حدث اساءة أحدثته ، ثم أهجى وأشكى وأطردكما يهجى من احدث اساءة وجر جريرة وجنى جناية ويشكى ويطرد ، والشكاية والشكوى والشكية والشكاة واحد والمطرد بمعنى الاطراد ، وأطردته صيرته طريدا 74
يقول فلو كان ابن عمي غير مالك لفرج كربي ولأمهلني زمانا اذا ملأ صدره ، والكربة اسم منه ، والجمع كرب ، الإنظار : الإمهال والنظرة اسم بمعنى الإنظار 75
خنقت الرجل خنقا : عصرت حلقه ، التسآل : السؤال يقول : ولكن ابن عمي رجل يضيق الامر علي حتى كأنه يأخذ علي متنفسي على حال شكري اياه وسؤالي عوارفه وعفوه أو كنت في حال افتدائي نفسي منه . يقول هو لا يزال يضيق الامر علي سواء شكرته على آلائه او سألته بره وعطفه او طلبت تخليص نفسي منه 76
مضني الأمر وأمضني : بلغ من قلبي وأثر في نفسي تهييج الحزن والغضب يقول : ظلم الأقارب أشد تأثيرا في تهييج نار الحزن والغضب من وقع السيف القاطع المحدد أو المطبوع بالهند ، الحسام : فعال من الحسم وهو القطع 77
ضرغد : الجبل يقول : خل بيني وبين خلقي وكلني الى سجيتي فإني شاكر لك وان بعدت غاية البعد حتى ينزل بيتي عند هذا الجبل الذي سمي بضرغد ، وبينهم وبين ضرغد مسافة بعيدة وشقة شاقة وبينونة بليغة 78(465/222)
هذان سيدان من سادات العرب مذكوران بوفور المال ونجابة الأولاد ، وشرف النسب وعظم الحسب يقول : لو شاء الله بلغني منزلتهما وقدرهما 79
يقول : فصرت حينئذ صاحب مال كثير وزارني بنون موصوفون بالكرم والسؤدد لرجل مسود يعني به نفسه ، والتسويد مصدر سودته فساد يقول : لو بلغني الله منزلتهما لصرت وافر المال ، كريم العقب ، وهو الولد 80
الضرب : الرجل الخفيف اللحم يقول: أنا الضرب الذي عرفتموه ، والعرب تتمدح بخفة اللحم لأن كثرته داعية إلى الكسل والثقل وهما يمنعان من الاسراع في دفع الملمات وكشف المهمات ، ثم قال : وانا دخال في الأمور بخفة وسرعة . شبه الشاعر تيقظة وذكاءه ذهنه بسرعة حركة رأس الحية وشدة توقده 81
لا ينفك : لايزال ، وما انفك مازال ، البطانة: نقيض الظهارة ، العضب السيف القاطع ، شفرتا السيف : حداه ، والجمع الشفرات والشفار يقول : ولقد حلفت أن لايزال كشحي لسيف قاطع رقيق الحدين طبعته الهند بمنزلة البطانة للظهارة 82
الانتصار : الانتقام ، المعضد : سيف يقطع به الشجر ، العضد قطع الشجر والفعل عضد يعضد يقول : لايزال كشحي بطانة لسيف قاطع اذا ما قمت منتقما به من الأعداء كفت الضربة الأولى به الضربة الثانية فيغني البدء عن العود ، وليس سيفا يقطع به الشجر ، نفى ذلك لأنه من أردا السيوف 83(465/223)
أخي يقة : يوثق به ، أي صاحب ثقة ، الثني : الصرف ، والفعل ثنى ينثني والانثناء الانصراف ، الضريبة ما يضرب بالسيف ، والرمية : ما يرمى بالسهم ، الجمع الضرائب والرمايا ، مهلا : أي كف ، قدي وقدني : أي حسبي ، وقد جمعهما الراجز في قوله : قدني من نصر الحبيبين قدي يقول : هذا السيف سيف يوثق بمضائه كالأخ الذي يوثق بإخائه لا ينصرف عن ضريبة أي لا ينبو عما ضرب به ، إذا قيل لصاحبه كف عن ضرب عدوك قال مانع السيف وهو صاحبه : حسبي فإني قد بلغت ما أردت من قتل عدوي ، يريد أنه ماض لا ينبو عن الضرائب فاذا ضرب به صاحبه أغنته الضربة الأولى عن غيرها 84
ابتدر القوم السلاح: استبقوه ، المنيع : الذي لايقهر ولا يغلب ، بل بالشيء يبل به بلا إذا ظفر به . يقول : إذا استبق القوم اسلحتهم وجدتني منيعا لا أقهر ولا أغلب اذا ظفرت يدي بقائم هذا السيف 85
البرك : الإبل الكثيرة الباركة ، الهجود : جمع هاجد وهو النائم ، رقد هجد يهجد هجودا ، مخافتي : مصدر مضاف إلى المفعول ، بواديها : أوائلها وسوابقها يقول : ورب إبل كثيرة باركة قد أثارتها عن مباركها مخافتها إياي في حال مشيي مع سيف قاطع مسلول من غمده ، يريد أنه أراد أن ينحر بعيرا منها فنفرت منه لتعودها ذلك منه 86
الكهاة والجلالة : الناقة الضخمة السمينة ، الخيف : جلد الضرع وجمعه أخياف ، العقيلة : كريمة المال والنساء ، والجمع العقائل ، الوبيل : العصا الضخمة ، اليلندد والألندد والألد : الشديد الخصومة ، وقد لد الرجل يلد لددا صار شديد الخصومة ، وقد لددته ألده لدا غلبته بالخصومة يقول : فمرت بي في حال إثارة مخافتي إياها ناقة ضخمة لها جلد الضرع ، وهي كريمة مال شيخ قد يبس جلده ونحل جسمه من الكبر حتى صار كالعصا الضخمة يبسا ونحولا وهو شديد الخصومة ، قيل : أراد به أباه ، يريد أنه نحر كرائم مال أبيه لندمائه ، قيل : بل أراد غيره ممن يغير هو على ماله ، والقول الأول أحراهما بالصواب 87(465/224)
تر : أي سقط ، المؤيد : الداهية العظيمة الشديدة يقول : قال هذا الشيخ في حال عقري هذه الناقة الكريمة وسقوط وظيفها وساقها عند ضريبي إياها بالسيف : ألم تر أنك أتيت بداهية شديدة بعقرك مثل هذه الناقة الكريمة النجيبة 88
يقول : قال هذا الشيخ للحاضرين : أي شيء ترون أن يفعل لشارب خمر اشتد بغيه علينا عن تعمد وقصد ؟ يريد أنه استشار أصحابه في شأني وقال : ماذا نحتال في دفع هذا الشارب الذي يشرب الخمر ويبغي علينا بعقر كرائم أموالنا ونحرها متعمدا قاصدا ؟ والباء في قوله بشارب صلة محذوف تقديره أن يفعل ونحوه 89
ذروه : دعوه ، والماضي غير مستعمل عند جمهور الأئمة اجتزاء بترك منهما ، وكذلك اسم الفاعل والمفعول لاجتزائهم بالتارك والمتروك ، الكف : المنع والامتناع ، كفه فكف ، والمضارع منهما يكف يقول : ثم استقر راي الشيخ على أن قال دعوا طرفة : إنما نفع هذه الناقة له . أو أراد هذه الأبل له لأنه ولدي الذي يرثني وإلا تردوا وتمنعوا ما بعد هذه الأبل من الندود يزدد طرفة من عقرها ونحرها أراد أنه أمرهم برد ما ند لئلا أعقر غير ماعقرت 90
الإماء : جمع أمة ، الامتلال والملل : جعل الشيء في الملة وهي الجمر والرماد الحار، الحوار للناقة بمنزلة الولد للانسان يعم الذكر والأنثى ، السديف : السنام ، وقيل قطع السنام ، المسرهد : المربى ، والفعل سرهد يسرهد سرهدة يقول: فظل الإماء يشوين الولد الذي خرج من بطنها تحت الجمر والرماد الحار ويسعى الخدم علينا بقطع سنامها المقطع ، يريد أنهم أكلوا أطايبها وأباحوا غيره للخدم ، وذكر الحوار دال على أنها كانت حبلى وهي من أنفس الابل عندهم 91(465/225)
لما فرغ من تعداد مفاخرة أوصى ابنه أخية ، ومعبد أخوه ، فقال : إذا هلكت فأشيعي خبر هلاكي بثنائي الذي أستحقه واستوجبه وشقي جيبك علي ، يوصيها بالثناء عليه والبكاء ، النعي : اشاعة خبر الموت ، والفعل نعى ينعي ، أهله : أي مستحقة ، كقوله تعالى "وكانوا أحق بها وأهلها" 92
يقول ¨: ولاتسوي بيني وبين رجل لا يكون همه مطلب المعالي كهمي ، ولا يكفي المهم والملم كفايتي ، ولايشهد الوقائع مشهدي ، والهم أصله القصد ، يقال : هم بكذا أي قصد له ، ثم يجعل الهم والهمة اسما لداعية النفس الى العلى ، الغناء : الكفاية ، المشهد في البيت بمعنى الشهود وهو الحضور ، أي ولا يغني غناء مثل غنائي ولا يشهد الوقائع شهودا مثل شهودي يقول : لا تعدلي بي من لايساويني في هذه الخلال فتجعلي الثناء عليه كالثناء علي ، والبكاء علي كالبكاء عليه 93
البطء : ضد العجلة ، والفعل بطؤ يبطأ ، الجلى : الأمر العظيم ، الخنا : الفحش ، جمع الكف ، يقال : ضربة بجمع كفه إذا ضربه بها مجموعة ؛ والجمع الأجماع ، التلهيد : مبالغة اللهد وهو الدفع بجمع الكف ، يقال : لهذه يلهد لهذا . والبيت كله من صفة من يهني ابنه أخيه أن تعدل غيره به يقول : ولا تجعليني كرجل يبطأ عن الأمر العظيم ويسرع إلى الفحش وكثيرا ما يدفعه الرجمال بأجماع أكفهم فقد ذل غاية الذل 94
الوغل : أصله الضعيف ثم يستعار للئيم يقول : لو كنت ضعيفا من الرجال لضرتني معاداة ذي الأتباع والمنفرد الذى لا أتباع له إياي ، ولكنني قوي منيع لا تضرني معاداتهم اياي ، ويروى : وغدا ، وهو اللئيم 95
الجراءة والجرأة واحد ، والفعل جرؤ يجرؤ ، والنعت جريء ، وقد جرأه على كذا أي شجعه ، المحتد : الأصل يقول : ولكن نفى عني مباراة الراجال ومجاراتهم شجاعتي وإقدامي في الحروب وصدق صريمتي وكرم أصلي 96(465/226)
الغمة والغم واحد ، وأصل الغم التغطية ، والفعل غم يغم ، ومنه الغمام لأنه يغم السماء أي يغطيها ، ومنه الأغم والغماء ، لأن كثرة الشعر تغطي الجبين والقفا يقول: أقسم ببقائك ما يغم أمري رأي ، أي ما تغطي الهموم رأي في نهاري ، ولا يطول علي ليلي حتى كأنه صار دائما سرمدا . وتلخيص المعنى أنه تمدح بمضاء الصريمة وذكاء العزيمة . ويقول : لا تغمني النوائب فيطول ليلي ويظلم نهاري 97
العراك والمعاركة : القتال ، وأصلهما من العرك وهو الدلك ، لحفاظ : المحافظة على من تجب المحافظة عليه من حماية الحوزة والذب عن لحريم ودفع الذم على الأحساب يقول : ورب يوم حبست نفسي عن القتال والفزعات وتهدد الاقران محافظة على حسبي 98
الموطن : الموضع ، الردى الهلاك ، والفعل ردي يردى ، والإرداء الاهلاك ، الاعتراك والتعارك واحد ، الفرائص : جمع فريصة وهي لحمة عند مجمع الكنف ترعد عن الفزع يقول : حبست نفسي في موضع من الحرب يخشى الكريم هناك الهلاك ومتى تعترك الفرائص فيه أرعدت من فرط الفزع وهول المقام 99
ضبحت الشيء: قربته من النار حتى أثرت فيه ، أضبحة ضبحا ، الحوار والمحاورة : مراجعة الحديث ، وأصله من قولهم . حار يحور إذا رجع ومنه قول لبيد : وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع نظرت : أي انتظرت ، والنظر الانتظار ، ومنه قوله تعالى: " انظرونا نقتبس من نوركم "، استودعته وأودعته واحد ، المجمد : الذي لا يفوز وأصله من الجمود يقول : ورب قدح أصفر قد قرب من النار حتى أثرت فيه ، وإنما فعل ذلك ليصلب ويصفر ، انتظرت مراجعته أي انتظرت فوزه أو خيبته ونحن مجتمعون على النار له ، وأودعت القدح كف رجل معروف بالخيبة وقلة الفوز ، يفتخر بالميسر ، وإنما افتخرت العرب به لانه لا يركن اليه إلا سمح جواد ، ثم كمل المفخرة بإيداع قدحه كف مجمد قليل الفوز 100
يقول : ستطلعك الايام على ماتغفل عنه وسينقل اليك الاخبار من لم تزوده 101(465/227)
باع . قد يكون بمعنى اشترى ، وهو في البيت بهذا المعنى ، البتات : كساء المسافر وأداته . ولم تضرب له أي لم تبين له ، كقوله تعالى "ضرب الله مثلا" أي بين وأوضح يقول : سينقل اليك الاخبار من لم تشتر له متاع المسافر ولم تبين له وقتا الاخبار اليك 102
===============
معلقة عبيد بن الأبرص
====================
معلقة النابغة الذبياني(465/228)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام ، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام ، وعلى آله وأصحابه العرانين الكرام أما بعد ،،،
فقد صار من عادة القائمين بنشر العلوم أن يهتموا بتتبع مهمات مسائلها بالنظم ، لسهولة حفظه فيرسخ في الحافظة من غير مزيد مشقة بخلاف النثر فإنه أصعب(1) ، وبين أيدينا منظومة للشيخ عائض القرني حفظه الله كتبها لأبناء الحيل بعد أن ضجت الساحة المعاصرة بالمناهج المختلفة ، والتيارات المتباينة ، والأفكار المتغايرة التي لم تقتصر في محلها على الوسائل التي قد يقبل فيها الأخذ والرد بل تجاوزت إلى المقاصد حتى صار لكل منهج منظرون وأتباع يؤلفون الكتب والمصنفات ، ويكتبون الردود والتعقبات ، كلُ ينصر مذهبه ، ويقيم الحجج ليقوي مشربه ، سالكين في ذلك طرائق قدداً ، الأمر الذي أدى إلى وقوع كثير من أبناء الجيل في الحيرة يبحثون عن الهداية إلى صراط مستقيم ، فجاءت هذه المنظومة المباركة تبصرة للناس بإتباع أفضل الطرق وأصح المناهج وهو ما كان عليه السلف خير القرون كما سيظهر ذلك جلياً في الشرح إن شاء الله .
________________________________
(1) ... حاشية ابن قاسم على الدرة ص16 في شرح قول السفاريني :
وصار من عادة أهل العلم **** أن يعتنوا في سبر ذا بالنظم
لأنه يسهل للحفظ كما **** يروق للسمع ويشفي من ظمأ
وقبل أن أشرع في شرح أبيات القصيدة سوف أذكر مقدمة تحتوي على ثلاثة مطالب هي :
الأول : التعريف بالمؤِّلف .
الثاني : التعريف بالمؤَّلف .
الثالث : منهجي في الشرح .
ونسأل الله أن يرزقنا التوفيق والهداية في القول والعمل .
المطلب الأول : التعريف بالمُؤلف :
أولاً : اسمه ونسبه :
هو عائض بن عبدالله بن عائض القرني من مواليد عام 1379هـ ،
والقرني نسبة إلى القرن في جنوب المملكة العربية السعودية التي ولد فيها(1)(466/1)
وأما نسبه فإنه يرجع إلى بطن من مذحج (2) وقد بشر النبي ? أهل مذحج بأنهم أكثر القبائل في الجنة (3) حيث قال عليه الصلاة والسلام : شر القبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب ، وأكثر القبائل في الجنة مذحج ومأكول (4).
ثانياً : طلبه العلم :
بدأ طلب العلم في أبها فحفظ القرآن الكريم ثم اشتغل بسنة النبي ? فحفظ بلوغ المرام وما يقارب من أربعة آلاف حديث ، واتجه نحو الأدب فحفظ أكثر من عشرة آلاف بيت من الشعر وألان الله له الشعر كما ألان لداود الحديد ، ورزقه قوة الأسلوب ، وجمال العبارة ، وعذوبة الألفاظ ، وذلك من فضل الله ___________________________________________
(1) ... معجم البلدان للحموي (4/377) .
(2) ... الأنساب للسمعاني (10/115) ، ولب اللباب للسيوطي (2/177) ، ونهاية الأرب للقلقشندي ص355
(3) ... نهاية الأرب للنويري (2/313) .
(4) ... رواه أحمد في مسنده (4/287) ، وصحح إسناده حمزة الزين في تحقيقه للمسند(14/479) ، ورواه الحاكم (4/91) وقال : صحيح الاسناد غريب المتن ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي في المجمع (10/46) : رجال الجميع ثقات ، وعزا حمزة الزين للهيثمي تصحيحه للحديث .
عليه ، وهذا ما اشتهر به وإلا فقد درس الفقه الحنبلي من كتاب زاد المستقنع إلا أنه لم يتعصب لمذهبه الذي نشأ عليه بل يسير في ركب الدليل حيث لاحت له دلالتها .
وقد سهل الله له القراءة والمطالعة فهي شغله الشاغل بعد الفرائض والنوافل .
واتجه المؤلف كبقية أقرانه إلى الدراسة النظامية فأنهى الدراسة الجامعية في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود ثم حصل على الماجستير في علم الحديث النبوي وكان عنوان الرسالة " البدعة وأثرها في الدراية والرواية " و شرع في الدكتوراه في علم الحديث أيضاً وتأخرت رسالته كما تأخر غيره في أتون المحن التي ابتلى بها دعاة الإسلام في كل مصر وعصر .
ثالثاً : مؤلفاته :(466/2)
وفق الله المؤلف فكتب كتباً كثيرة قرابة ثلاثين مؤلفاً رزقت بالقبول منها :
1- ... تحقيق المفهم للقرطبي في شرحه على مسلم .
2- ... لا تحزن .
3- ... العظمة .
4- ... حدائق ذات بهجة .
5- ... هكذا حدثنا الزمان .
6- ... ترجمان السنة .
7- ... جاءت سكرة الموت .
8- ... ثلاثون درساً للصائمين .
9- ... المسك والعنبر في خطب المنبر .
وله ستون رسالة منها :
1- ... احفظ الله يحفظك .
2- ... قل هذه سبيلي .
3- ... جسر المحبة .
4- ... آداب النصيحة .
وله أربعة دواوين شعرية هي :
1- ... تاج المدائح .
2- ... أبو ذر في القرن الخامس عشر .
3- ... نسمات من الجنوب .
4- ... هدايا وتحايا.
وله اثنا عشر كتاباً تحت الطبع بدار ابن حزم ودار الفكر .
وله مقامات العصر على طريقة الهمذاني والحريري (1)
_____________________________________________
(1) ... المقامة في اللغة المجلس أو جماعة من الناس ثم أطلق على الحكاية التي تسرد في مجلس معين أو أمام جماعة من الناس وهي تحتوي على فوائد لغوية ونوادر الكلام وشوارد اللغة وأشهرها : مقامات الهمذاني بشرح محمد محي الدين، والحريري بشرح القيسي في خمسة مجلدات، ومقامات السيوطي ، وحافظ إبراهيم في ليالي سطيح ،ومحمد المويلحي .
وعادة المقامة أن يكون لها راو وبطل ،وهل يشترط فيها الاطراد ؟ للأدباء فيها كلام
رابعاً : جهوده ونشاطه :
1- ... الشيخ القرني داعية طائر لا يقدر على السكون فتراه ينتقل في أرض الجزيرة، ويحلق حتى يصل إلى أمريكا وأوربا، فهو يريد أن يسمع كلمة التوحيد في كل بقاع الأرض، ويريد أن تكون البقاع شاهدة له عند الله أنه بلغ دعوة سيد المرسلين .
2- ... للشيخ أكثر من تسعمائة شريط إسلامي في الوعظ ، والعقيدة ، والتفسير ، والفقه ، والحديث ، والسيرة ، والأدب ، وغيرها ، فهو يرى أن الشريط الإسلامي وسيلة من وسائل الدعوة وأن ذلك من نعمة الله على أهل العصر .(466/3)
3- ... له مجلس يومي علمي بعد صلاة المغرب في بيته في الرياض في الحديث والتفسير والفقه والأدب يرتاده المحبون وطلبة العلم والعامة .
خامساً : عقيدته :
المؤلف عقيدته سلفية ، وكتبه ودروسه شاهدة على ذلك ، و هذه النونية تؤكد ذلك وتثبته ، هذا وقد أخذ بعض الناس على المؤلف استخدامه لعبارات توهم عدم اتباعه منهج السلف ، والمنصف عليه أن يرجع إلى كتب المؤلف ورسائله لا اتهامه بمجرد عبارة جرت على لسانه من غير ان يقصد لوازمها ، وسيأتي في هذه القصيدة تصريح المؤلف باتباعه نهج السلف واعتذاره عما أخطأ فيه فإذا بقي الناقد مصراً على رأيه فلا يملك الناظم القرني إلا أن يقول : والله المستعان على ما تصفون.
المطلب الثاني:
اسم القصيدة نونية القرني ، وقد أشتهر في تاريخ الأدب قصائد كثيرة بقوافيها منها: لامية الشنفرى والتى تسمى بلامية العرب(1)، وهناك أيضاً لامية العجم(2)، ولامية ابن الوردي (3)، وهناك همزية البوصيرى(4)، وسينية البحتري (5) ، وبائية ذي الرمة (6) و نونية عمرو بن كلثوم التغلبي (7) ، ونونية القحطاني (8)
ونونية ابن القيم (9) ونونية القرضاوي حتى قال :
نونية والنون تحلو في فمي **** أبداً فكدت يقال لي ذو النون (10)
____________________________________________________
(1) ... وقد شرحها كل من الزمخشري ، والمبرد ، وابن زاكور المغربي ، وابن عطاء المصري وقد طبعت في دار الحديث .
(2) ... للطغرائي وقد شرحها الصفدي في مجلدين طبعت في دار الكتب العلمية .
(3) ... شرحها القناري وسماه فتح الرحمن طبع في الحلبي .
(4) ... شرحها ابن حجر الهيتمي في ثلاثة مجلدات طبعت في دار الحاوي في بيروت ، وشرحها محمد شلبي باقتباس من شرح ابن حجر وشرح الجمل وهو مطبوع .
(5) ... في ديوانه (2/1152) ، وانظر البحتري بين نقاد عصره ص362 .
(6) ... شرحها أبو بكر الصنوبري ت سنة 334هـ ، وطبعت في مؤسسة الرسالة .
(7) ... انظر شرح المعلقات للقاضي الزوزني ص185
((466/4)
8) ... طبعت في مكتبة الوادي .
(9) ... في 5821 بيتاً،وقد شرحها ابن عيسى، وابن سعدى وهراس وكلها مطبوعة.
(10) ... نفحات ونفحات ص64 .
ونحن في هذا المطلب سنتكلم عن دراسة القصيدة من الناحية النقدية وذلك أن دراسة النص وتحليله هي الغاية التي سعى إليها النقد الأدبي في تاريخه الطويل منذ أن كانت ملاحظات مختصرة تصدر عن الذوق إلى ان اتجه النقد نحو الموضوعية فافترقت القراءة الثانية الناقدة عن القراءة الأولى الذوقية وسوف نلقي الضوء على قصيدة المؤلف من الناحية النقدية التي لا تعني بالضرورة الإساءة فأقول :
أولاً : التجربة الشعرية :
ويقصد بها الصورة الكاملة التي يصورها الشاعر حين يفكر في أمر من الأمور تفكيراً ينم على عميق شعوره وإحساسه وفيها يرجع الشاعر إلى الاقتناع الذاتي لا إلى مجرد مهارته في صياغة القول ليعبث بالحقائق أو يجاري شعور الآخرين لينال رضاهم . (1)
والشاعر الحق هو الذي يقف على أجزاء التجربة بفكره ويرتبها ترتيباً
قبل أن يفكر في الكتابة ، والقرني قد توفرت في قصيدته ذلك بدليل قوله :
حبكت برأي بالسداد متوج **** والرأي قبل شجاعة الشجعان
إلى آخر تلك المواضع التي يعرفها القارئ .
ثانياً الوحدة العضوية :
يقصد بالوحدة العضوية "وحدة الموضوع" ووحدة المشاعر التي يثيرها الموضوع وما يستلزم ذلك من ترتيب الصور والأفكار ترتيباً تتقدم به القصيدة شيئاً فشيئاً حتى تنتهي إلى خاتمة يستلزمها ترتيب الأفكار والصور ، على أن تكون القصيدة
________________________________________________
(1) ... النقد الأدبي الحديث د 0 محمد هلال ص264(466/5)
كالبنية الحية ، لكل جزء فيها وظيفته ، ويؤدي بعضه إلى بعض عن طريق التسلسل في التفكير والمشاعر ، وبجانب ذلك فإن هذه الوحدة تستلزم أن يفكر الشاعر تكفيراً طويلاً في منهج قصيدته ، وفي الأثر الذي يريد أن يحدثه في سامعيه ، وفي الأجزاء التي تندرج في إحداث هذا الأثر ، بحيث تتمشى مع بنية القصيدة بوصفها وحدة حية ، ثم في الأفكار والصور التي يشتمل عليها كل جزء ، بحيث تتحرك به القصيدة إلى الأمام لإحداث الأثر المقصود منها ، عن طريق التتابع المنطقي ، وتسلسل الأفكار والأحداث " (1)
وهذه الوحدة العضوية تختلف من قصيدة لأخرى تبعاً لموضوع القصيدة ، وقصيدة القرني اشتملت على قسمين الأول : العقيدة ، والثاني : الثقافة ، وتفصيل موضوعات القصيدة على النحو الأتي :
1- ... مقدمة وتمهيد في الثناء على الله
2- ... وصف النونية بعدة أوصاف .
3- ... إثبات ان أئمة السلف هم شيوخ المؤلف .
4- ... بيان ان أهل الضلالة هم خصومه .
5- ... البراءة من كل خطأ وقع فيه .
6- ... بيان معتقده في الإيمان وصاحب الكبيرة .
7- ... موقفه من ولاة الأمر .
8- ... نقد المؤلف للفرق المخالفة لطريقة السلف .
_____________________________________________
(1) ... النقد الأدبي الحديث د 0 محمد هلال ص373 .
9- ... نهي المؤلف عن علم الكلام .
10- ... رفع الملام عن الأئمة الأعلام .
11- ... نصيحة القارئ بكتب المتقدمين وانتقاءه للكتب المعاصرة التي على نهج الأقدمين .
12- ... ذم المعتزلة .
13- ... نصيحة القارئ .
14- ... نهي القارئ عن قراءة بعض الكتب . .
ثالثاً : الصورة التعبيرية :
وتتكون هذه الصورة من عنصرين هامين هما : الألفاظ والعبارات ثم الصور والأخيلة ، ويضاف إليها موسيقى الشعر .
1- ... الألفاظ والعبارات : -(466/6)
في الحياة كثير من المعاني والأفكار والمشاعر المختلفة ، والانفعالات المتباينة ، والعواطف الجياشة ، والفنانون يختلفون في طريقة التعبير عنها ، ولكل فنان أداته التي يعبر بها عن انعكاس الحياة على نفسه ، فأداة الرسام في التعبير عن الحياة الألوان والظلال ، وأداة الشاعر اللفظ المعبر والكلمة الموحية (1)
_________________________________________________
(1) ... النقد الأدبي للسيد غزلان ، ومحمد حمزة ص76
وكلامنا في الألفاظ والعبارات سيكون على النحو التالي :
أ ... الدلالة اللغوية والدلالة الشعورية :
الكلمة لا تقف دلالتها عند المفهوم اللغوي المحدد في المعاجم بل قد يستخرج الشاعر من الكلمة عدداً من المعاني والدلالات الشعورية ، والشاعر هو الذي يعرف سر الكلمة بفطرته وموهبته وتذوقه
ولنأخذ مثالاً على ذلك ،فقد قال القرني :
نونية القرني أشرق نورها ****0000000000000
فلماذا لم يقل ألمع نورها ؟
الجواب : لأن الإشراق أدوم من اللمعان إذ ان اللمع شيء يأتي بعد الشيء ، ولهذا لما سمع النابغة حسان بن ثابت يقول :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى **** وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
قال النابغة في نقده : إنه لو قال يشرقن لكان أكثر افتخاراً (1) ولأن الإشراق يكون بذاته بخلاف اللمعان فإنه بسبب من غيره.
فالكلمة من حيث هي كلمة لها معنى ، لكن كمالها يكون بالنظر إلى سياقها حيث به تستكمل قدرتها التعبيرية
_________________________________________________
(1) ... القصة مشهورة إلا أن ابن جني نقل في المحتسب (1/187) ان أبا علي الفارسي كان ينكر هذه القصة ويقول : هذا خبر مجهول لا أصل له وانظر النحو الوافي (1/138) و (4/632) .
ب - الكلمة ومطابقة قوانين اللغة :(466/7)
ونجاح الشاعر يأتي أيضاً من اختيار الألفاظ التي تؤدي وظيفتها كاملة بمراعاة قوانين اللغة من حيث فصاحتها وخلوها من التنافر والغرابة، و مطابقتها لمقتضى الحال، ومثال مطابقة الألفاظ لمقتضى الحال هو أن القصيدة لنصرة معتقد السلف والرد على أهل البدع فحال الشاعر كأنه في معركة والمحارب لابد أن يستخدم الألفاظ الموحية بذلك ولهذا تجده يقول :
وعكاظ لم نسمع بمثل دويها **** 00000000000000000
ويقول : أرمي بها أهل الضلال *** الخ القصيدة التي يظهر هذا العنصر فيها بوضوح .
ومن النقد الذي يوجه إلى القصيدة في عدم مراعتها لقوانين اللغة استخدام الشاعر كلمة ( سمحاء ) بدلاً من سمحة وهي غير جارية على قوانين اللغة وقد بينا ذلك عند تعليقنا على البيت .
(2) الصور والأخيلة :
التصور والخيال عنصران أساسيان في الشعر إلا أن الشعر الإسلامي له سمات خاصة قد لا تحتاج إلى هذين العنصرين كثيراً كما هو معروف ومع هذا فإن الشعراء الإسلاميين لم يخل شعرهم من هذين العنصرين سواء من الذين تكلموا في العلوم أو من الذين تكلموا عن الإسلام بصفة عامة (1).
فابن القيم مثلاً في نونيته لم تخل عن التصوير والخيال بل بدأ قصيدته كعادة ______________________________________________
(1) انظر ما كتبه د بكري أمين في كتابه الحركة الأدبية في السعودية ص71 وص76
الشعراء في النسيب ولنأخذ مثالاً من النونية في قوله :
أجهلت أوصاف المبيع وقدره **** أم كنت ذا جهل بذى الأثمان
فابن القيم هنا لم يرد البيع الذي هو مبادلة مال بمال بل شبه عقد الإيمان بالله بالبيع فكما أنه لا يحسن الجهل بأوصاف المبيع فكذلك لا يحسن الجهل بأوصاف الرب لان بدون ذلك لا يقدر الإنسان ربه ، وإذا جهل أوصاف المبيع فسيكون مغبوناً فكذلك من يجهل صفات الباري .
فانظر كيف استطاع ابن القيم تصوير المسألة ، وإن كنت لم أر من الشراح من نص على ذلك .(466/8)
ومن الأمثلة على هذين العنصرين في نونية القرني قوله عنها أنها نسجت من برد الهدى وقد علقنا على ذلك في شرحنا للبيت .
فدور الخيال في الشعر هو أنه وسيلة تقوية للمعنى ، وإيضاح الحقائق في صورة جلية ، وتصوير لموقف الشاعر في صورة صادقة فنياً وليست تزييفاً للواقع إلى غير ذلك من الأمثلة التي وضحناها في مكانها .
3- ... موسيقى الشعر :
وتنقسم إلى قسمين إلا أن الذي يهمنا هنا الموسيقى الخارجية .
والموسيقى الخارجية ترجع إلى الوزن والقافية وقد عني بها الأقدمون فقالوا : الشعر : كلام موزون مقفى .
أ ... فالوزن هو مجموعة التفعيلات التي تسمى بحراً ، ونونية القرني من بحر الكامل وهو كما قال الشاعر :
كمل الجمال من البحور الكامل **** متفاعلن متفاعلن متفاعلن
و قد نرى في أبيات من النونية تغييرات و ذلك كتسكين المتحرك أو حذفه أو حذف الساكن فإن تناول التغيير ثواني الأسباب (1) سمى زحافاً ، وإذا وجد الزحاف في بيت لا يلزم تكراره في بقية الأبيات إلا في عروض البحر البسيط وضربه ، وإن تناول التغيير العروض أي آخر الشطر الأول ، و الضرب أي أخر الشطر الثاني سمى علة ولا يكون في غيرهما من تفاعيل البيت
وإذا حلت العلة في ضرب وجب التزامها في كل القصيدة أي في جميع الأبيات ولنأخذ مثالاً من النونية في قول المؤلف :
نسجت بعون الله من برد الهدى **** قد جاء هذا الفيض من حسان
نجتبعو ... نللاهمن ... برد الهدى ... قد جاءها ... ذلفيضمن ... حساني
مُتَفَاعلن ... مُتْفاعِلُنْ ... مُتْفاعِلُنْ ... مُتْفاعِلُن ... مُتْفاعلن ... متفاعلْ
والضرب في أبيات النونية مصاب بعلة القطع وهو حذف ساكن الوتد المجموع في آخر التفعيلة وتسكين ما قبله فمثلاً : حساني ، متفاعلْ وأصلها متفاعلن .
ب- ... أما القافية فهي اشتراك بيتين أو أكثر في الجزء الأخير مع مراعاة وحدة الحرف المسمى بحرف الروي .(466/9)
وقد كانت القصيدة العربية على قافية واحدة من أولها إلى آخرها بجانب وحدة الوزن حتى اشتهرت قصائد بقوافيها كما سبق أن ذكرنا :
________________________________________________
(1) ... السبب هو مقطع صوتي من حرفين وهما نوعان :
أ ... خفيف وهو متحرك فساكن مثل : من .
ب ... ثقيل وهو متحركان مثل : لَكَ
والزحاف لا يتناول الأوتاد الذي هو اجتماع حرفين متحركين بعدهما حرف ساكن.
السرقات الشعرية :
والمراد منها ان يأخذ الشخص كلام غيره وينسبه لنفسه (1).
وقضية السرقة شغلت جانباً كبيراً من تلك المعارك النقدية التي دارت حول شعر الشعراء وقد تعددت وتشعبت التسميات والمصطلحات التي وضعوها تحت هذه القضية وغالى البعض في تتبع موضوع السرقة حتى أصبح أي تقارب بين شاعر وشاعر في الفكرة والمعنى يعد المتأخر منهما سارقاً لهذا المعنى الأول (2).
ومن هؤلاء ابن وكيع في المنصف (3) حتى قال عنه ابن رشيق : سمى
كتاب المنصف مثل ما سمى اللديغ سليما وما أبعد الإنصاف عنه (4).
ومن المعتدلين في موقف السرقات أذكر ثلاثة هم :
1-ابن رشيق حيث قال : وهذا باب متسع جداً لا يقدر أحد من الشعراء ان يدعي السلامة منه وفيه أشياء فاضحة لا تخفى على الجاهل المغفل (5)
2-أبو هلال العسكري حيث قال : ليس لأحد غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصب على قوالب من سبقهم ... ... الخ ثم نقل قول علي بن __________________________________________________
(1) ... جواهر البلاغة للهاشمي ص412.
(2) ... النقد الأدبي د 0 محمد كافود ص300 .
(3) ... في اظهار سرقات المتنبي طبع في مجلدين في دار صادر .
(4) ... العمده (2/281)
(5) ... العمده في محاسن الشعر وآدابه ونقده (2/281) .
... أبي طالب : لولا أن الكلام يعاد لنفد (1).
3- ... الجرجاني حيث قال : ومتى جاءت السرقة هذا المجيء لم تعد مع المعايب ، ولم تُحص في جملة المثالب ، وكان صاحبها بالتفضيل أحق ، وبالمدح والتزكية أولى (2).(466/10)
وإذا أردنا أن نحلل نونية القرني فإننا نرى أن الشاعر قد أخذ من الشعراء كما أخذ غيره (3) ويمكن أن نقسم هذا الأخذ إلى :
أ ... المواردة وهي أن يتفق المتكلمان في اللفظ والمعنى ، أو في المعنى وحده ولا يعلم أخذ أحدهما من الآخر وهذا يحدث من اتفاق القرائح ، وتوارد الأفكار من غير أن يسرق أحد من الآخر ، ولو كان أحدهما متأخراً زمناً
فلو قلنا مثلاً إن قول القرني : ( ومدادنا والرق مخلوقان ) لا يعلم أخذه من قول القحطاني وابن القيم لكان يصدق عليه هذا النوع .
ومنه قول القرني :
ونمر أخبار الصفات كما أتت **** من غير تأويل ولا جحدان
مع قول القحطاني (4) :
أمر أحاديث الصفات كما أتت **** من غير تأويل ولا هذيان
______________________________________________
(1) ... كتاب الصناعتين الكتابة والشعر ص196 .
(2) ... الوساطة بين المتنبي وخصومه ص188 .
(3) ... انظر ما كتبه د 0 محمد الدرية في تاريخ النقد في الأندلس ص481 .
(4) ... نونية القحطاني ص48.
وإذا علم أخذه من السابق فإنه سيكون من القسم الثالث الذي سيأتي ومن المعاصرين عبد الرحمن حبنكة الميداني كتب قصيدة مبنية على حوار ثم فوجئ بقصيدة مثلها وزناً وقافية وحرف روي، وكذلك في أسلوبها وموضوعها موجودة في كتاب الأغاني فقال : لو اطلع على القصيدتين لقال : سارق انتحل القصيدة وهي ليست له (1) فمثل هذا قد يحدث على سبيل توارد القرائح الشعرية .
ب- الاشتراك العام وهى التوافق في الأغراض وفي الأفكار والمعاني المتداولة التي يشترك معظم الناس بإدراكها وقد ضرب الجرجاني أمثلة على هذا النوع (2).
ومن هذا النوع أخذ الأمثال كقول القرني :
الرأي قبل شجاعة الشجعان فهو وان كان شطر بيت للمتنبي إلا أنه جرى مجرى المثل ولهذا وضعها الثعالبي في يتيمة الدهر (3).
3-أخذ السابق من اللاحق نفس الفكرة لكن صاغها بأسلوب آخر أو عبارة أخرى أو نحو ذلك .
ومن ذلك قول القرني :
أ ... كعصا كليم الله تلقف كلما(466/11)
مع نونية القحطاني في قوله :
_____________________________________________
(1) ... البلاغة لعربية (2/547).
(2) ... انظر الوساطة ص183.
(3) ... (1/260) ، وانظر موسوعة الأمثال د 0 اميل (6/216) .
الله صيرني عصا موسى لكم .
ب ... ولكل مبتدع أقول مجلجلاً **** أنا صارم يفرى الرقاب يماني
مع قول القحطاني :
سل بني قحطان كيف فعالهم *** يوم الهياج إذا انتفى الزحفان
المطلب الثالث : منهجي في الشرح :
سلكت في شرح النونية المنهج الأتي :
1- ... أشرح كل بيت مبينة غريب اللغة ، ووجوه البلاغة غالباً .
2- ... أبين مسائل لاعتقاد مع ذكر الخلاف وعزوها لقائليها .
3- ... أذكر أدلة قول السلف من الكتاب والسنة وآثار السلف غالباً .
4- ... طعمت البحث بنقول من شيخ الإسلام وتلميذه وأئمة الدعوة في نجد إلى عصرنا .
5- ... ترجمت للأعلام الذين ذكرهم المؤلف وذكر مصادر ترجمتهم .
6- ... ذكرت نبذة عن الكتب التي ذكرها المؤلف بحيث توقف القارئ على مهماتها
وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود .
1-بسم الرحيمِ الواحدِ الرحمانِ **** المالكِ الفردِ الوليْ الديانِ
ابتدأ المؤلف قصيدته بالبسملة جرياً على عادة المصنفين ، وإنما بدأ المصنفون كتبهم بالبسملة تأسياً بالكتاب المنزل على النبي المرسل ? واقتداء به في مكاتباته للملوك وغيرهم وامتثالاً لقوله ? " كل أمر ذى بالا لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " رواه عبدالقادر الرهاوى في الأربعين البلدانية وكذا الخطيب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1) .
وأما الرحمن والرحيم فهما مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة و (رحمن) أشد مبالغة من (الرحيم) ، لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل ونظيرهما نديم وندمان ، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا (2)واتفق أكثر العلماء على ان اسم (الرحمن) عربي لفظه .(466/12)
وقال ابن الحصار بعد سرده للحديث القدسي :" أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمى " فقد دل هذا الحديث الصحيح على الاشتقاق ، فلا معنى للمخالفة والشقاق (3) .
_________________________________________________
(1) ... لوامع الأنوار للسفاريني (1/32) ، وانظر الكلام على الحديث في كتاب تفصيل المقال على حديث كل امر ذي بال د 0 عبدالغفور البلوشي ، والحديث حسنه السيوطي في حاشيته على البيضاوي المسماه بنواهد الأبكار ، والعجلوني في كشف الخفا (2/119) ، وابن حجر الهيتمي في شرح الهمزية (1/110) وقال : للحديث الحسن والصحيح ا 0 هـ .
(2) ... جامع البيان (1/43) .
(3) ... نقله محمد الحمود في النهج الأسمى (1/75) .
وقال ثعلب : إنه عبراني الأصل وكان رخمانا بالخاء المعجمة (1) .
ومصدر رحم رحمة وهو سماعي (2) .
أما إنكار كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله ? لعلي رضي الله عنه :" اكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل : أما ( الرحمن ) فوالله ما أدري ما هي ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب (3). .
وفي قوله تعالى : ? وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن انسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً ? [ الفرقان : 60] .
فالظاهر أنه إنكار جحود وعناد وتعنت ، ومما يدل على انهم كانوا يعرفون هذا الاسم قوله تعالى حكاية عنهم :? وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ? [الزخرف :20] .
وأما الواحد فهو من أسماء الله الحسنى بدليل قوله تعالى ? وبرزوا لله الواحد القهار ? [الآية 48 من سورة إبراهيم] .
قال الشوكاني :
وقد اختلف العلماء أيهما أبلغ ملك أو مالك ؟ فقيل : إن ملك أعمّ وأبلغ من مالك ، إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملكاً ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك ، قاله أبو عبيد والمبرّد
__________________________________________________
(1) ... نقله الرازي في شرح الأسماء الحسنى ص164.
((466/13)
2) ... شرح الفصيح للزمخشري (1/255) .
(3) ... رواه البخاري (2731،2732)، والتصريح بأن الكاتب هو علي رضي الله عنه جاء في رواية أخرى للبخاري برقم (2698) .
ورجحه الزمخشري .
وقيل : مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم ، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم
وقال أبو حاتم : إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك . وملك أبلغ في مدح
المخلوقين من مالك ، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك ، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي .
والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر ؛ فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها ، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية ؛ فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور (1).
و أما الفرد فدليل كونه من الأسماء عند من يقول بذلك حديث " أشهد أنك فرد أحد صمد " (2) .
وأما الولى فهو ضد العدو ، والموالاة ضد المعاداة (3) .
____________________________________________________
(1) ... فتح القدير (1/24).
(2) ... رواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/288) وقال : ليس هذا بالقوي ، ورواه الحاكم في علوم الحديث ص216 ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (3/178) ، وعزاه المتقي الهندي في كنز العمال (2/215) إلى ابن مردوية والأصبهاني في الترغيب ، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر رقم 152.
والحديث ضعيف جداً لأن في إسناده محمد بن السائب الكلبي وهو متهم بالوضع .
(3) ... الصحاح للجوهري (6/2529) .
وأما معنى هذا الاسم فهو : مالك التدبير ، ولهذا يقال للقيم على اليتيم : ولي اليتيم ، وللأمير : الوالي (1).
وقال الغزالي الولي هو : المحب الناصر (2).(466/14)
ودليل كون الديان من الأسماء عند من يقول بذلك كون الديان من الأسماء عند من يقول بذلك قوله ? " يحشر الناس يوم القيامة عراة ثم يناد لهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان " (3).
والديان القهار ، وهو فعال من : دان الناس أي قهرهم على الطاعة (4).
ومعناه في حق الله قيل إنه القهار ، وقيل : الحاكم والقاضي (5).
___________________________________________________
(1) ... الحليمي في المنهاج (1/204) نقله الحمود في النهج الأسمى (2/46).
(2) ... المقصد الأسنى ص115 .
(3) ... رواه أحمد في مسنده (3/495) ، والحاكم في المستدرك (4/574) وصححه ووافقه الذهبي ، وابن أبي عاصم في السنة (1/225) وصححه الألباني رحمه الله ، وأخرجه البخاري تعليقاً كما في الفتح (13/452) .
(4) ... لسان العرب (4/458) .
(5) ... النهاية لابن الأثير (2/148) .
2-الماجد البر السلام لخلقه ... **** ... حاز الكمال بغير ما نقصان
والدليل على أن الماجد من الأسماء عند من يقول بذلك قوله ? " يقول الله تعالى : ... ذلك بأني جواد ماجد صمد " (1).
ومعناه الشرف التام الكامل ، وقيل السعة والكثرة (2).
أما البر فهو اللطيف بعباده على ما حكاه ابن جرير (3) وقيل هو العطوف على عباده ، المحسن إليهم على ما حكاه الخطابي (4).
وأما السلام فله معان ذكرها الناظم هنا وهي :
1- ... أن يكون الرب مسالماً من مماثلة أحد من خلقه (5) وهذا المعنى مأخوذ من قول الناظم " السلام لخلقه " بجعل اللام بمعنى " من " وهو وارد في اللغة (6).
2- ... السلام بمعنى ان الخلق قد سلموا من الظلم منه (7)
____________________________________________________
(1) ... رواه أحمد في مسنده (5/154)،والترمذي وحسنه في سننه حديث رقم 2495،وابن ماجه (2/439)
(2) ... النهج الأسمى للحمود (1/432) .
(3) ... جامع البيان (27/18).
(4) ... شأن الدعاء ص90 .
(5) ... توضيح الكافية للسعدي ص127.
((466/15)
6) ... كما في الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم المرادي ص102 .
(7) ... تفسير القرطبي (18/46) .
وهذا يؤخذ من قول الناظم " السلام لخلقه " بجعل اللام بمعنى " على " أي أنه سلام عليهم فلا يظلمهم ، واستخدام اللام بمعنى " على " وارد في اللغة (1)
3- ... السالم من كل نقص وآفة وعيب (2).
وهذا يؤخذ من قول الناظم " حاز الكمال من غير ما نقصان " .
وقد ظهرت براعة الناظم في هذا البيت حيث جمع معاني السلام الثلاثة في نسق واحد .
و (ما) في قول الناظم زائدة للتوكيد (3)، ولا يصح جعل (ما) للنفي ، لأن نفي النفي إثبات ولا يستقيم بذلك المعنى .
___________________________________________________
(1) ... الجني الداني ص100 ، وحروف المعاني للزجاجي ص75 ، ورصف المباني للمالقي ص297.
(2) ... تفسير الألوسي (28/63) .
(3) ... انظر معاني (ما) في الجني الداني ص332 ، ورصف المباني ص382.
3-والحمد لله العظيم لذاته ... **** ... حمداً على الإسلام والإيمان
بعد ان بدأ الناظم بالبسملة أعقبها بالحمدلة ابتداء إضافيا أي بالنسبة لما بعدها وهو ما يقدم على الشروع في المقصود بالذات جمعاً بين حديثي البسملة والحمدلة ، ولم يعكس لموافقة الكتاب العزيز .
والحمد قيل هو والشكر مترادفان وهو قول الطبرى (1) والمبرد وابن عطاء من الصوفية (2)وقد رجح هذا القول محمود شاكر (3)ورد هذا القول كثيرون منهم ابن عطية (4)والقرطبي (5)، وابن كثير (6)، وأبو هلال العسكري (7).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
الحمد هو ذكر صفات المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله ، فإن تجرد عن ذلك فهو مدح ، فالفرق بينهما أن الإخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخباراً مجرداً من حب وإرادة أو مقروناً بحبه وإرادته . فإن كان الأول فهو مدح وإن كان الثاني فهو الحمد (8).
____________________________________________________
(1) ... في تفسيره (1/59) .
(2) ... تفسير القرطبي (1/133) .
((466/16)
3) ... تفسير الطبري (1/138).نقله عنه د0 الشايع في فروق اللغة ص215 .
(4) ... في تفسيره (1/99) .
(5) ... في تفسيره (1/133) .
(6) ... في تفسيره (1/22) .
(7) ... في الفروق ص39، وانظر الفروق اللغوية للشايع ص215 .
(8) ... التنبيهات السنية للرشيد ص4 .
( والعظيم ) صفة لله ، وهو من أسمائه ، أما معناه فقد اختلفوا فيه :
فقال بعضهم : معنى العظيم المعظم ، صرف المفعل إلى فعيل ، كما يقال : العتيق بمعنى المعتق .
فقوله العظيم معناه : الذي يُعظِّمه خلقه ويهابونه ويتقونه .
وقال آخرون : بل تأويل قوله (العظيم) : هو أن له عظمة هي له صفة ؛ قالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنَّا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات ، وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظيم المعروف من العباد ، لأن ذلك تشبيةٌ له بخلقه وليس كذلك وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها .
وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه مُعظمٌ ، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل ذلك عند فناء الخلق ، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال .
وقال آخرون : بل قوله إنه ( العظيم ) وصف منه نفسه بالعظم .
وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر ، لصغرهم عن عظمته " اهـ (1).
وقول الناظم ( لذاته ) أي أن الله يستحق الحمد للذات ولو لم يكن منه إيصال نفع إلى العباد .
وقوله ( حمداً ) مفعول مطلق ، وعامله المصدر .
وقوله ( على الإسلام والإيمان ) فيه دليل على ان المؤلف قد ذهب إلى المغايرة بينهما (2)وسيأتي تفصيل المسألة .
____________________________________________________
(1) ... تفسير الطبري (3/13) ، شرح الأسماء للحمود (1/282) .
(2) ... وقد صرح المؤلف بذلك في كتابه ترجمان السنة ص17 .
4-وصلاة ربي والسلام محبراً ... **** ... لإمامنا المعصوم من عدنان
والصلاة في قول الناظم اختلفوا فيها على قولين :(466/17)
الأول : أنها من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن غيرهم التضرع والدعاء وهذا القول هو الجاري على ألسنة الجمهور (1).
الثاني : ان الصلاة من الله هي الثناء وهو الذي ذكره البخاري عن أبي العالية ، ونصر هذا القول ابن القيم من وجوه في جلاء الأفهام (2)وبدافع الفوائد (3).
وأما ( السلام ) فهو بمعنى التحية والسلامة من النقائص والرذائل .
وأما قوله ( محبراً ) فمأخوذ من الحبر وهو الجمال والبهاء .
قال الأصمعي: كان يقال للطفيل الغنوي:مُحَبِّر لأنه كان يُحَسِّن الشعر قال و هو مأخوذ من التحبير وحسن الخط والمنطق (4)ويقال:حبرت الشعر والكلام(5)
وقوله (لإمامنا) هو كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين .
والنبي ? إمام أمته ، وعليهم جميعاً الائتمام بسنته التي مضى عليها (1)
____________________________________________________
(1) ... لوامع النوار (1/46) .
(2) ... ص158.
(3) ... (1/26).
(4) ... تهذيب اللغة (5/33).
(5) ... المحيط لابن عباد (3/90) .
(6) ... تهذيب اللغة للأزهري (15/638) ، والمحيط لابن عباد (10/460)
ووصف الناظم النبي ? بأنه معصوم وفي مسألة العصمة تفصيل :
1- ... ان الأنبياء معصومون فيما يخبرون به عن الله ، وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة . (1) أجمعوا على عصمة الأنبياء من الكبائر (2)
2- ... اختلفوا في وقوع الصغائر فالذي عليه جمهور الأشاعرة أنهم معصومون(3)، والذي نقله شيخ الإسلام عن السلف انهم غير معصومين عنها لكن سرعان ما يتداركونه بصدق الإنابة (4).
أما إن أراد الناظم بالعصمة مطلق الحفظ كما في قوله تعالى ? والله يعصمك من الناس ? فلا إشكال في ذلك (5).
وقوله من ( عدنان ) وهم : شعب عظيم يتصل نسبهم بإسماعيل عليه السلام باتفاق من النسابين ، وأن الأباء بينه وبين إسماعيل غير معروفة وتنقلب في غالب الأمر مخلطة مختلفة والكثرة في العدد .(466/18)
كانت مواطنهم مختصة بنجد ، وكلهم بادية رحاله ، إلا قريشاً كانوا يقيمون بمكة ، ثم انتشروا في تهامة والحجاز ، ثم في العراق والجزيرة ، ثم افترقوا في كثير
________________________________________________
(1) ... الفتاوى (10/289) .
(2) ... إعلام المسلمين بعصمة النبيين لاسحاق المكي ص23، وعصمة الأنبياء للدكتور محمود ماضي ص21 ، وعصمة الأنبياء للرازي ص27 وقد نقل عن الحشوية جواز وقوع الكبائر من الأنبياء ولا أدي من الذي يقصدهم ! .
(3) ... انظر أصول الدين للبغدادي ص167 ، والعقيدة د 0 نصار ص198 .
(4) ... الفتاوى (4/319) ، (15/148).
(5) ... تفسير الخازن (2/63) ، حاشية الباجوري على السلم ص23
من بقاع الأرض (1)
أما عمود نسب النبي ? فعلى ما ذكره ابن اسحاق (2) و تبعه عليه ابن هشام (3) هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النظر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وإلى هذا القدر قد أجمع النسابون وما فوق عدنان إلى إسماعيل فيه خلاف كبير(4) .
قال عبدالقادر البغدادي : والعرب جميعاً فرقتان :
إحداهما : قحطان وهو ابو عرب اليمن .
وثانيهما : عدنان وهو ابو عرب الحجاز وما والاها وهم غير عرب اليمن (5).
قال الشاعر :
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت **** بكنه ذلك عدنانَُ وقحطانُ
_________________________________________________
(1) ... معجم قبائل العرب لكحالة (2/761) .
(2) ... سيرة ابن اسحاق ص1.
(3) ... في السيرة النبوية (1/7) .
(4) ... نهاية الأرب للقلقشندي ص33 ، تاريخ ابن خلدون (2/343) ، تاريخ الطبري (1/515) ، عيون الأثر لابن سيد الناس (1/33) .
(5) ... شرح أبيات مغني اللبيب (1/291)
5-ذي الحوض بل هو ذو الشفاعة في الورى *** ذو الملة السمحاء والقرآن(466/19)
وقوله (ذي الحوض ) أي صاحب الحوض وهو لغة : مجمع الماء ، وهو ثابت بإجماع أهل الحق خلافاً للمعتزلة والرافضة والخوارج (1).
والأحاديث الواردة فيها متواترة (2) ، والحوض موجود الآن (3) ، وماؤه من الكوثر وهو النهر الذي أعطيه النبي ? في الجنة حيث فيه ميزابان ينزلان إلى الحوض ، وأما مكانه فهو في عرصات القيامة قبل العبور على الصراط وإليه مال القرطبي (4) .
والقول الثاني انه بعد الصراط وقد قال الحافظ في الفتح : وإيراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة إشارة منه إلى ان الورود على الحوض يكون بعد الصراط والمرور عليه (5) .
والقول الثالث هو الجمع بين الأحاديث الواردة واختلفوا في طريقة الجمع على قولين :
الأول : واختاره الحافظ الحكمى حيث قال : " وليس بين أحاديث رسول الله ? تعارض ولا تناقض ولا اختلاف ، وحديثه كله يصدق بعضه بعضاً ،
___________________________________________________
(1) ... التذكرة للقرطبي (1/373) .
(2) ... فتح الباري (11/468).
(3) ... كما في البخاري برقم 6590.
(4) ... قي التذكرة ص347 .
(5) ... الفتح (11/474) .
وأصحاب هذا القول إن أرادوا أن الحوض لا يرى ولا يوصل إليه إلا بعد قطع
الصراط ؛ فحديث أبي هريرة هذا وغيره يرد قولهم ، وإن أرادوا أن المؤمنين إذا جاوزوه وقطعوه بدا لهم الحوض فشربوا منه ، فهذا يدل عليه حديث لقيط هذا ، وهو لا يناقض كونه قبل الصراط ، فإن قوله :" طوله شهر وعرضه شهر " فإذا كان بهذا الطول والسعة ؛ فما الذي يحيل امتداده إلى وراء الجسر فيرده المؤمنون قبل الصراط ويعده ؟ فهذا في حيز الإمكان ووقوعه موقوف على خبر الصادق " (1)(466/20)
والقول الثاني للسيوطي حيث جمع بين الروايات التي تفيد أن الحوض بعد الصراط ، والروايات التي تفيد أنه قبله بقوله : " ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم وتأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار ، حتى يهذبوا منها على الصراط " ، ثم قال :" ولعل هذا أقوى " .
وقد امتدح الشيخ مرعي – كما نقل عنه السفاريني – هذا الجمع بقوله " وهذا في غاية التحقيق جامع القولين وهو دقيق " (2).
، ويرد هذا الحوض المؤمنون بالرسول ? المتبعون لشريعته (3).
وأما صفاته فماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وآنيته عدد نجوم
_________________________________________________
(1) ... عزاه للحكم في المعارج د 0 غالب عواجي في كتابه الحياة الآخرة (3/1466) .
(2) ... لوامع الأنوار (2/196) .
(3) ... التذكرة ص307 .
السماء ، طوله شهر وعرضه شهر ، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها ابداً .
وقوله (ذي الحوض) هل يعني أنه ينفي ان يكون لكل نبي حوض ام لا ؟ (1).
ليس في كلام الناظم تصريح والمسالة فيها خلاف بين العلماء (2).
أما قوله (ذو الشفاعة ) فقد قال الراغب الأصفهاني :" الشفاعة : الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه ، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من أدنى (3).
وأمر الشفاعة في الآخرة قد ثبت بنصوص كثيرة جداً – قرآنية وحديثية - ، و دلت هذه النصوص وخاصة منها الحديثية على أن الشفاعة أنواع عدة ، منها ما يخص نبينا محمداً – ? - لا يشاركه فيه غيره ، ومنها ما يكون لإخوانه الأنبياء والرسل – صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً - ، ومنها ما يكون للملائكة وغيرهم من المؤمنين .(466/21)
وأعظم تلك الشفاعات كلها وأكبرها وأجلها الشفاعة العامة العظمى للرسول – ? - في أهل المواقف التي يتأخر عنها أولو العزم من الرسل فمن دونهم ، لإراحة الخلائق من هول وشدة ذلك اليوم العصيب بتعجيل حسابهم وفصل القضاء بينهم بين يدي الله تبارك وتعالى أحكم الحاكمين بقسطه وعدله (4).
_________________________________________________
(1) ... الروضة الندية شرح الوسطية لزيد بن فياض ص334 .
(2) ... الحياة الآخرة للعواجي (3/1483).
(3) ... المفردات (1/346).
(4) ... الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة للعلوي ص457.
وقوله ( في الورى ) أي في الخلق كما قال الفراء (1) ، ومنه قول الشاعر :
إني بليت بأربع يرمينني **** بالنبل عن قوس له توتير
إبليس والدنيا ونفسي والورى **** يا رب أنت على الخلاص قدير
وقوله ( ذو الملة ) أي ذو السنة والطريقة (2).
وقوله ( السمحاء ) : أي السهلة ، والمسامحة المساهلة (3).
ولفظ السمحاء وهو وإن كان شائعاً عند الكتاب إلا أنه خطأ لأن "فَعْلاَء" هي لمؤنث " أفْعَل " كأحمر تقول : حمراء وأغبر : غَبْراء ، وأصفر : صفراء .
(1) ... أما مؤنث "سًمْح " على وزن "فَعْل " فهو "سَمْحَة" على وزن فَعْلَة من
سَمُحَ يَسْمُحُ سَمَاحَةً وسمُوْحا ، وسُمُوْحة بمعنى جاد ، وأعطى عن كرم ، وسخاء فهو سَمْحٌ وسَمْيحٌ ، وسَمِح ، وامرأة سَمْحَة ، وسَمِحَة ، وهم وهن سِمَاح ، وهم سُمَحَاء " (4).
ومن ذلك وصف الحنفية السمحة .
وما وقع فيه الناظم من اللحن قد وقع فيه الشعراء من قبل منهم أبو فراس الحمداني عندما قال :
______________________________________________
(1) ... تهذيب اللغة (15/303).
(2) ... تهذيب الأزهري (15/351) .
(3) ... لسان العرب (6/355) .
(4) ... أخطاء لغوية معاصرة د 0 عبدالله العبادي ص58 ، وانظر الوسيط (1/451) ،ومعجم لاروس ص640 .
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا **** تعالى أقاسمك الهموم تعالي(466/22)
فالبيت بكسر اللام وصوابه بالفتح ولهذا قال ابن هشام ومن ثم لحنوا قائله ا0 هـ
مع ان الكسر لغة ضعيفة عند أهل الحجاز (1).
_________________________________________________
(1) ... شرح قطر الندى ص46 .
6-ومقامه المحمود أشرف رتبة **** وله الوسيلة عن بني الإنسان
قوله ( ومقامه المحمود ) أي الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق كما سبق هذا هو المشهور .
وقال مجاهد إن المقام المحمود هو أن يُجلس الله نبيه معه على عرشه (1).
وقوله ( وله الوسيلة ) وهي المنزلة التي في الجنة ولا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ونسأل الله أن تكون للنبي ? لأن من سألها له حلت له الشفاعة (1).
____________________________________________________
(1) ... تفسير القاسمي (10/269) ، وقد شنع الواحدي على القائل به ولي بحث في هذه المسألة ذكرت فيه أقوال الأئمة في المقام المحمود ومن الذي مشى على قول مجاهد .
(2) ... للحديث الذي رواه مسلم 284 ، و أبو داود (523) والترمذي (3619) ، والنسائي ( 2/25) .
وانظر ما قاله القرطبي في المفهم (2/13) ، وعياض في شرحه على مسلم (2/252) .
7- وسألتك اللهم بالاسم الذي ... **** ... حسنت محاسنه بلا نكران
قوله ( اللهم ) منادى مبني على الضم على الهاء في محل نصب حذف منه حرف النداء، وعوض عنه الميم, ويجوز مع ياء النداء في ضرورة الشعر عند البصر بين .
قال ابن مالك :
والأكثر اللهم بالتعويض **** وشذ يا اللهم في قريض
وأما الكوفيون فقد جوزوا الجمع بينهما ولو في غير ضرورة لأن الميم ليس عوضاً من الياء على رأيهم (2).
وأما قوله ( بالاسم الذي حسنت محاسنه ) فهو الاسم الأعظم لما يدل عليه البيت الذي يليه .
واختلفوا في تعيينه على أقوال كثيرة وأشهر الأقوال :(466/23)
ا- ... ان الاسم الأعظم هو الحي القيوم لحديث أبي أمامة مرفوعاً " اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث : في البقرة وآل عمران ، وطه " وهذا رأي شيخ الإسلام (3) وتلميذه ابن القيم (4) وإليه مال الناظم القرني كما يظهر .
_________________________________________________
(1) ... حاشية الصبان على الأشموني (3/146) ، حاشية الخضري على ابن عقيل (2/75)
وانظر الخلاف بين سيبويه والنحاة في وصف اللهم في حاشية الحمصى على شرح التصريح (2/173) ، والمقتضب للمبرد (4/239)
(2) ... همع الهوامع للسيوطي (2/48).
(3) ... الفتاوى (18/311).
(4) ... مختصر الصواعق (1/119) .
8- فإذا دعيت به أجبت وإن تسل **** أعطيت سئل الملحف الولهان
وفي هذا البيت ما يدل على ميل المؤلف إلى ان الاسم الأعظم هو الحي القيوم لحديث أنس – رضي الله عنه – قال : كنت جالساً مع النبي ? في المسجد ورجل يصلي فقال : " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، المنان ، بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم .
فقال النبي ? : " دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى (1).
وقول الناظم ( الملحف ) اسم فاعل من ألحف إذا ألح في المسألة (2) وقال تعالى : ? لا يسألون الناس إلحافاً ? (3) ، ومعنى ألحف أي دعا حتى غطى نفسه بذلك أشبه باللحاف الذي يغطى به الإنسان نفسه (4).
والولهان مأخوذ من الوله وهو ذهاب العقل والمراد هنا من هو شديد التعلق بربه حتى أسلمه تعلقه إلى الوله وهو ذهاب العقل (5).
____________________________________________________
(1) ... رواه النسائي (3/52) ، وأبو داود (2/79)، وأحمد (3/120،158) ، وابن حبان رقم (2382) ، والحاكم في المستدرك (1/503) وصححه ووافقه الذهبي .
(2) ... المحيط (3/104) .
(3) ... البقرة 273.
(4) ... تهذيب اللغة (5/70) .
(5) ... المحيط (4/65) .
9- يا حي يا قيوم يا ذا الطول يا **** ذا العرش يا فرد فمالك ثاني(466/24)
ومعنى الحي الموصوف بالحياة الكاملة الأبدية التي لا يلحقها موت ولا فناء ، لأنها ذاتية له سبحانه ، وكما أن قيوميته مستلزمة لسائر صفات الكمال الفعلية فكذلك حياته مستلزمة لسائر صفات الكمال الذاتية من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعزة والكبرياء والعظمة ونحوها ، فالحي والقيوم متضمنان لصفات الكمال وهما القطبان لأفق سمائها فلا تتخلف عنها صفة منها أصلاً .
ومن أسمائه الحسنى سبحانه (القيوم) وهو مبالغة من قام وله معنيان :
أحدهما : أنه القائم بنفسه المستغني عن جميع خلقه فلا يفتقر إلى شيء أصلاً لا في وجوده ، ولا في بقائه ، ولا فيما اتصف به من كمال ، ولا فيما يصدر عنه من أفعال ، فإن غناه كما قدمنا ذاتي له فلا يطرأ عليه فقر أو حاجة .
والثاني : أنه الكثير القيام بتدبير خلقه ، فكل شيء في هذا الوجود مفتقر إليه فقراً ذاتياً أصيلاً لا يمكن أن يستغني عنه في لحظة من اللحظات ، فهو مفتقر إليه في وجوده أولاً وفي بقائه بعد الوجود ، فهو الذي يمده بأسباب البقاء ، فلا يقوم شيء في الوجود كله إلا به ، فهو دائم التدبير والرعاية لشؤون خلقه ، لا يمكن أن يغفل عنهم لحظة وإلا اختل نظام الكون وتحطمت أركانه ، قال تعالى : ? قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ? (1) وقال ? إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ? (2).
___________________________________________________
(1) ... الأنبياء 42 .
(2) ... فاطر 41 .
قال ابن القيم : (1)
هذا و من أوصافه القيومُ **** والقيوم في أوصافه أمرانِ
إحداهما القيوم قام بنفسه **** والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره **** والفقر من كلٍ إليه الثاني
والوصف بالقيوم ذو شأنٍ كذا **** موصوفه أيضاً عظيم الشان
والحى يتلوه فأوصاف الكما **** لـ هما لأفق سمائها قطبان
فالحى والقيوم لن تتخلف الـ **** الأوصاف أصلا عنهما ببيانِ(466/25)
وأما ( ذو الطول ) فقد يقال إنه من باب الخبر والثناء ، وقد يقال إنه اسم وقد تبع فيه الخطابي والبيهقي وابن العربي وابن الوزير (2).
وأما معناه فقد قال قتادة (ذى الطول) أي : ذي النعم (3)، وفيه أقوال أخرى(4)
قال ابن كثير :
قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني السعة والغنى ، وهكذا قال مجاهد وقتادة ، وقال يزيد الأصم ذي الطول يعني الخير الكثير ، وقال عكرمة ?ذي الطول?
____________________________________________________
(1) ... مع شرح هراس (2/110) ، والدر المصون للسمين (1/612) ، والوسيط للواحدي (1/367) ، والسعدي ص127 ، وابن عطية (2/379) ، وابن الجوزي (1/302) .
(2) ... معتقد أهل السنة للتميمى ص234 .
(3) ... تفسير الطبري (24/28) .
(4) ... ذكرها ابن عطية في تفسيره (63/7) ، وابن الجوزي (7/207) ، والماوردي (5/142) ، والسمرقندي (3/191) ، والنسفى (3/197) .
ذي المن ، وقال قتادة ذي النعم والفواضل ، والمعنى أنه المتفضل على عباده المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والأنعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها ? وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ? الآية (1) .
وأما ( ذو العرش ) فيقال فيه ما قيل في ذي الطول فقد ذهب إلى أنه من الأسماء الحليمي ، والبيهقي ، وابن الوزير (2).
والعرش في اللغة : سرير الملك .
قال الله تعالى عن يوسف : ? ورفع أبويه على العرش ? [ يوسف : 100] .
وقال عن ملكة سبأ : ? ولها عرش عظيم ? [ النمل : 23] .
ولأما عرش الرحمن الذي استوى عليه فهو عرش عظيم محيط بالمخلوقات وهو أعلاها وأكبرها كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي ? قال : " ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة " (3).
___________________________________________________
(1) ... تفسير ابن كثير (5/182) .
(2) ... معتقد أهل السنة للتميمي ص234 .
((466/26)
3) ... الحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 109 .
0-هيئ لنا من أمرنا رشدا إذا **** دجت الخطوب بليلها الفتان
وقوله ( هيئ لنا من أمرنا رشداً ) أي يسر لنا كل موصل إلى الرشد ، وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا ، وهيئ مأخوذ من قولك هيأت الأمر فتهيأ .
والرشد والرشاد نقيض الضلال وفي تفسير اللفظ وجهان : الأول : التقدير وهيئ لنا أمراً ذا رشد حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .
الثاني : اجعل أمرنا رشداً كله كقولك رأيت منك رشداً (1).
وقوله ( إذا دجت الخطوب بليلها الفتان ) أي أن المصائب قد شملت وسبغت وعمت ، ثم وصف الناظم الليل بالفتان لأن الليل عماية و النهار هداية ، والعماية سبب الفتنة والضلال .
وقد وصف ابن القيم في نونيته جهم بن صفوان بالكاذب الفتان وهو الشديد الفتنة وهي خداع الناس وتضليلهم فقال :
إن كنت كاذبة الذي حدثتني **** فعليك إثم الكاذب الفتان (2).
وقوله ( دجت ) مأخوذ من دجى عليه ثوبه : أي سبغ (3). ، و دجا الرجل المرأة إذا جامعها ، فقال للدلالة على إشتباك الخطوب (إذا دجت الخطوب ) وحذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية .
_______________________________________________
(1) ... تفسير الرازي (21/70) .
(2) ... شرح هراس (1/25) .
(3) ... المحيط لابن عباد (7/159) .
ثم في كلام المؤلف مناسبة جميلة وهي أنه لوجود الخطوب والمحن دعا الله أن يهيئ له من أمره رشداً كما فعل أصحاب الكهف لما أرادوا التخلص من الفتنة(1).
________________________________________________
(1) ... انظر نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي (12/18) .
11- نونية القرني أشرق نورها ... **** ... عينان فيها للهدى نونان
( نونية ) سبق الكلام عليها في المقدمة .
( والقرني ) سبق الكلام عليه .
وقوله أشرق نورها يحتمل أمرين :
الأول : ان هذه القصيدة كانت موجودة عنده منذ زمن ثم أظهرها كما يقال للشمس الغائبة حينما تظهر أشرقت .(466/27)
الثاني: أنها أشرقت لقوة معانيها تشبيهاً لها بضوء الشمس القوي الذي إذا ظهر أمات كل ضوء ، وأعدم كل نور ، وكذلك هذه القصيدة ، فإن قيل هل يصح ان يمدح الناظم نفسه بهذه الطريقة ؟
فالجواب أن هذا المدح ليس منهياً عنه فقد جرى عليه العلماء كابن مالك عندما قال:
وتقتضي رضا بغير سخط **** فائقة ألفية ابن معط .
وقال السيوطي :
فائقة ألفية ابن مالك **** لكونها واضحة المسالك
وقال أيضاً :
فائقة ألفية العراقي **** في النظم والإيجاز واتساق
وللأجهوري المالكي ألفية وقال في أولها فائقة ألفية ابن مالك (1)..
فإن قيل ألا يدخل ذلك في قوله تعالى : ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى?
____________________________________________________
(1) ... ذكره الخضري في حاشيته على ابن عقيل (1/12)
1- ... أن هذه تزكية للعمل وليس للنفس .
2- ... أن مدح النفس يكون مذموماً إذا قصد الرجل به التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل فقوله تعالى ? فلا تزكو أنفسكم ? المراد منه تزكية النفس حال كونها غير متزكية والدليل عليه قوله تعالى بعده ?هو أعلم بمن اتقى? أما لو كان الإنسان عالماً بأنه حق وصدق فهذا غير ممنوع (1) ولقوله تعالى عن يوسف عليه السلام ?إني حفيظ عليم ?
وقوله ( عينان فيها للهدى نونان ) فالمراد بالنونين نون النونية ، ونون القرني ، وأما قول ( عينان ) فقد شبه الناظم كمال الهدى بالنونية بكمال الإبصار بالعينين وذلك لما احتوت عليه القصيدة من المعاني .
___________________________________________________
(1) ... تفسير الرازي (18/129) .
12- نسجت بعون الله من برد الهدى **** قد جاء هذا الفيض من حسان
قوله ( نسجت ) النسج معروف ، وعامله النساج ، والشاعر ينسج الشعر (1).
وقوله ( بعون) أي مستعيناً بالله فالبار للاستعانة (2)(466/28)
وقوله ( من برد الهدى ) شبه الهدى بما يحله من دفء الإيمان بالبرد الذي يكسى الإنسان (3).فيحميه وإضافة المشبه به إلى المشبه من باب لجين الماء وهو فرع من فروع التشبيه البليغ .
(والفيض) هو الكثير ، والغيض : القليل (4)، وفاض أي الماء إذا سال (5) ، فشبه الناظم شعره بسيلان الماء بجامع أن كلا منهما غزير وصاف ليس فيه ما يشوبه لأنه تكلم عن عقيدة صافية ، وفي تتابع الخواطر وعدم انقطاعها كسيلان الماء المتصل ، وفي عذوبة الألفاظ وحلو المعاني ما يشبه الماء أيضاً ، وفي قوة الحجة واندفاعها على الخصم كسيلان الماء فهو مشبه بالماء من وجوه عديدة .
( وحسان ) هو : حسان بن ثابت بن المنذر (6) : بن حرام بن ____________________________________________________
(1) ... المحيط (7/14) ، وتهذيب اللغة (10/591) .
(2) ... الرسالة الكبرى في البسملة للصبان ص45
(3) ... هذا إذا كان بضم الباء كما في المحيط (9/296) ، وتهذيب اللغة (14/014) .
(4) ... المحيط (1/51).
(5) ... التهذيب (12/77) .
(6) ... أسد الغاية ت (1123) ، التاريخ لابن معين (2/107) ، تاريخ خليفة (202) ، التاريخ الكبير (3/29) ، الجرح والتعديل (3/233) ، الأغاني (4/134-169) ، =
عمرو بن زيد بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم النجاري ، شاعر رسول الله ? .
وأمه الفريعة - بالفاء والعين المهملة مصغراً – بنت خالد بن حبيش بن لوذان ، خزرجية أيضاً .
أدركت الإسلام فأسلمت وبايعت . وقيل : هي أخت خالد لا ابنته .
يكنى : أبا الوليد ، وهي الأشهر ، وأبا المضرب ، وأبا الحسام ، وأبا عبدالرحمن روى عن النبي ? أحاديث ، وروى عنه سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، وآخرون .
قال أبو عبيدة : فضل حسان بن ثابت على الشعراء ثلاث : كان شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي ? في أيام النبوة ، وشاعر اليمن كلها في الإسلام ، وكان مع ذلك جباناً .(466/29)
وفي الصحيحين وغيرهما ( عن طريق سعيد بن المسيب قال : مرّ عمر بحسان في المسجد وهو ينشد فلحظ إليه فقال : كنت أنشد وفيه من هو خير منك ، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال : أنشدك الله ، أسمعت النبي ? يقول :" أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس قال : اللهم نعم " (6)
____________________________________________________
= ... تهذيب الكمال (6/16) ، تهذيب التهذيب (2/247-248) ، خلاصة تهذيب الكمال 75 ، شذرات الذهب (1/41،60) ، الاستيعاب على حاشية الإصابة (1/335) .
(1) كالحاكم في المستدرك (3/335) عن عبدالله بن عمر بلفظه وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، والنسائي (2/48) كتاب المساجد باب 24 الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد حديث رقم 716، وأحمد في المسند (2/269)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/448) ،(10/126،237)، وعبد الرزاق في المصنف حديث رقم 20509.
والجمهور على أنه عاش مائة وعشرين سنة .
فإن قيل لماذا ذكر الناظم أن فيضه قد حار من حسان ؟
فالجواب :
1- ... لأن النبي ? دعا لحسان فقال : اللهم أيده بروح القدس فأراد متابعته للدخول معه في النصرة التي سألها رسول الله ? .
2- ... أو لأن حساناً كان شاعر اليمن والناظم من قحطان فاشتركا نسباً (1).
3- ... أو أن حساناً شاعر إسلامي فكذلك الناظم .
__________________________________________________
(1) ... فحسان خزرجي والخزرج في بطن من الأنصار وهم من قحطان كما في الأنساب (5/109).
13- شرفت عن الإطراء صدق قولها **** وحديثها قبس من القرآن
ومعنى البيت أن هذه القصيدة شرفت عن الإطراء والمدح لأنها مأخوذة من الكتاب العزيز لقول الناظم ( وحديثها قبس من القرآن ) .
ويقتبسها أي يأخذها (1)، وهذا هو موضع الإطراء فيها إذ أنها مأخوذة مما تعالى عن الإطراء وهو القرآن ومن ثم فقد كان للتابع حكم المتبوع في التعالي عن الإطراء .
________________________________________________
((466/30)
1) ... تهذيب اللغة ( 8/419) .
14- ما لامرء القيس المضلل لوثه **** فيها ولا الأعشى ولا القباني
لما ذكر الناظم أن قصيدته مأخوذة من قبس القرآن معنى ومن فيض حسان نظماً؟
أراد أن ينفي أي لوثة لشعراء الضلال فيها .
فإن قيل ألا يكفي البيت السابق في إثباته أنها من القرآن ؟
فالجواب :
ان الإثبات لا يمنع غيره بخلاف الجمع بين النفي والإثبات (1). ، ولأنها نظم فشابهت ما وقع في النظوم فأبان اختلافها في غرضها وما اشتملت عليه عن أغراض الشعراء الممقوتة الذي جاء فيها قوله تعالى ?والشعراء يتبعهم الغاوون? فكأنها ثبت لها وصف الحكمة الثابت في قوله ? " إن من الشعر لحكمة " وانتفى عنها وصف الضلالة الثابت في الآية السابقة وأتى تأكيدا للنفي بمخالفة هدى كبرائهم .
ثم ذكر ثلاثة من الشعراء اشتهروا بالمجون والضلالة وهم :
أ ... امرؤ القيس (2)من 497م إلى 545م وهو :
___________________________________________________
(1) ... انظر تقريب التدمرية للعلامة لعثيمين ص20 .
(2) ... الشعر والشعراء لابن قتبة (1/107) ، الأعلام للزركلي (2/11) ، وأدباء العرب لبطرس البستاني (1/97) ، الأغاني ( 9/84) .
كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكر غداً! اليوم خمراً وغداً أمر ! ، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد ، وقال في ذلك شعراً كثيراً .
امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يمانيّ الأصل ، مولده بنجد ، أو بمخلاف السكاسك باليمن ، اشتهر بلقبه ، واختلف المؤرخون في اسمه ، فقيل حُنْدُج وقيل مليكة وقيل عديّ ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، وأمه أخت المهلهل الشاعر ، ثم جعل ينتقل في أحياء العرب ،يشرب ويطرب ويغزو ويلهو ، إلى ان ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه ، فبلغ ذلك امرأ القيس
وهو جالس للشراب فقال : رحم الله أبي ! ضيعني صغيراً وحملني دمه(466/31)
وكانت حكومة فارس ساخطة على آباء امرئ القيس فأوعزت إلى المنذر (ملك العراق ) بطلب امرئ القيس ، فطلبه ، فابتعد وتفرق عنه أنصاره ؛ فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل ، فأجاره ، فمكث عنده مدة ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس فقصد الحارث بن ابي شمر الغساني ( والي بادية الشام ) فسيره هذا إلى قيصر الروم في القسطنطينية فوعده ومطله ثم ولاه إمرة فلسطين ولقبه بالوالي (1).
ووصف الناظم امرىء القيس بالمضلل لأنه لقبه ، ولقب بذلك لأنه ترك ملكه وتوجه إلى قيصر يطلب منه جيشاً يأخذ به ثأر أبيه من بني أسد وقد قال الشاعر:
ولم ترد على الضليل صحته **** ولا ثنت أَسَداً على ربها حُجُرِ
__________________________________________________
(1) ... وإذا أطلق فإنه ينصرف إلى الكندي ، وهناك امرؤ القيس الأول والثاني والثالث ، فانظر ترجمتهم في الأعلام (2/12) .
قال النويرى: الضليل الذي أشار إليه هو امرؤ القيس ، ثم ذكر سبب لقبه(1).
أما الأعشى ت سنة 629م فهو :
ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، أبو بصير ، المعروف بأعشى قيس ، ويقال له أعشى بكر بن وائل ، والأعشى الكبير : من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية ، وأحد أصحاب المعلقات . كان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس ، غزير الشعر ، يسلك فيه كل مسلك ، وليس لأحد ممن عرف قبله أكثر شعراً منه ، وكان يُغَنِّى بشعره فسمي " صَنَّاجة العرب " .
قال البغدادي : كان يفد على الملوك ولا سيما ملوك فارس ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره .
عاش عمراً طويلاً ، وأدرك الإسلام ولم يسلم ولقب بالأعشى لضعف بصره(2). وعمي في أواخر عمره .
مولده ووفاته في قرية " منفوحة " باليمامة قرب مدينة " الرياض " وفيها داره ، وبها قبره ، أخباره كثيرة ، ومطلع معلقته :
ما بكاء الكبير بالأطلال **** وسؤالي وما ترد سؤالي (3).(466/32)
وأما القباني : فهو الشاعر المعاصر نزار قباني ولد سنة 1914م ، وتوفى في شهر
___________________________________________________
(1) ... نهاية الأرب للنويرى (5/190) ، معجم ألقاب الشعراء للعاني ص226
(2) ... الأعلام (7/341) ، ومعاهد التصنصيص (1/196)، الشعر والشعراء (1/257)، والأغاني (9/121) ، وخزانة الأدب (1/84) .
(3) ... معجم ألقاب الشعراء للعاني ص24 .
مايو من سنة 1998م وقد ثار جدل كبير حول حكم صلاة الجنازة عليه (1).
لما اشتهر عنه انه تجرأ على الخوض في الثوابت الدينية وأصبح ملوثاً بالحداثة المعاصرة وقد تحدثت الصحف عنه ومن أهم ما قالوا عنه :
نزار قباني ، في خريفه ، نطق كلاما لا ينسجم أبدا مع الفطرة السليمة ، ولا يتسق مع الرؤية الدينية العامة .
إلا أن الجميع – على ما يبدو – قد تعودوا من نزار على كل شيء ولكن تعالوا لنعيد قراءة ما لفظه قلم نزار قباني .
قال : وكان يعلق على خبر استنساخ الخلايا ، الذي أعلن عنه العلماء منذ فترة : " هذا خبر سيئ جداً للبشرية ، ومعناه أن العلماء بدأوا بتحدي السماء ... .وزحزحة الله من مكانه – كذا !! –
معنى هذا أيضاً – والكلام لا يزال لنزار – أن الإنسان لم يعد له رب يؤمن به ويركع في محرابه ، ويصلي له ، ويطلب رضاه وغفرانه ، لأن المختبرات العلمية ، أخذت مكان الرب ، ( الحياة ، العدد 12434 تاريخ 13/3/1997م )(2).
وفي مقال لسعيد الغامدي قال : وسوف أوضح مواقف نزار قباني من خلال أقواله التي مات ولم يتراجع عنها ، بدليل الطبعات الجديدة من دواوينه والصادرة من الدار والمسماة باسمه :
في قضية ( الإيمان بالله تعالى ) التي هي أهم قضية وأعظم ركن ، نجد في شعره السب الصريح لله تعالى والتهكم والاستخفاف ، بل النفي لوجوده تعالى ، و
___________________________________________________
(1) ... جريدة المسلمون بتاريخ 13/1/1419هـ .
(2) ... المرجع السابق .(466/33)
التفوه بما تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً ، فمن ذلك قوله ( من بعد موت الله مشنوقاً على باب المدينة لم تبق للصلوات قيمة لم يبقى للإيمان أو الكفر قيمة ) الأعمال الشعرية الكاملة 3/342.
وقضية ( قتل الألوهية ) أو ( قتل الله ) تعالى عما يقولون ، أصل حداثي كبير استعاره المحاكون العرب من أساتذتهم الملاحدة في الغرب .
ومن اعتقادات نزار قباني الشنيعة قوله ( من أين يأتي الشعر يا قرطاجة والله مات وعادت الأنصاب ) المصدر نفسه 3/637 .
ويعلن نزار قباني نفيه للإيمان ، متوشحاً رداء العدمية والوجودية ، ومعترفاً بالكفر والإلحاد ن وكأنه يعترف بالفضيلة والصلاح ، فيقول في سياق مخاطباته الغرامية : ( ماذا تشعرين الآن ؟ هل ضيعت إيمانك مثلي ، بجميع الآلهة ) المصدر نفسه 2/338 ، 33/60.
ومن ألوان تهكمه وسخريته بالعبادة لله ، وامتداحه للكفر والإلحاد قوله : ( يا طعم الثلج وطعم النار ونكهة كفري ويقيني ) المصدر نفسه 2/39 .
وقوله : ( ماذا أعطيك ؟ أجيبي ، قلقي إلحادي ؟ غثياني ، ماذا أعطيك سوى قدر يرقص في كف الشيطان ) المصدر نفسه 1/406 .
وقوله ( فأعذروني أيها السادة إن كنت كفرت ) المصدر نفسه 3/277 (1)
________________________________________________
(1) ... إلى آخر ما نقله الغامدي في مجلة المجتمع العدد 1300- 23 محرم 1419 هـ .
15- وعكاظ لم تسمع بمثل دويها **** نسخت قريض النابغ الذبياني
وامتدح الناظم هنا قصيدته بأن عكاظ لم تسمع مثلها .
وعكاظ هي المعرض العربي العام أيام الجاهلية ، معرض بكل ما لهذه الكلمة من مفهوم لدينا نحن أبناء هذا العصر : فهي مجمع أدبي لغوي رسمي ، له محكمون تضرب عليهم القباب ، فيعرض شعراء كل قبيلة عليهم شعرهم وأدبهم ، فما استجادوه فهو الجيد ، وما بهرجوه فهو الزائف .(466/34)
وحول هذه القباب الرواة والشعراء من عامة الأقطار العربية ، فما ينطق الحكم بحكمه حتى يتناقل أولئك الرواة القصية الفائزة فتسير في أغوار الجزيرة وأنجادها ، وتلهج بها الألسن في البوادي والحواضر . يحمل إلى هذه السوق التهامي والحجازي والنجدي والعراقي واليمني والعماني (1)، وقوله ( نسخت قريض النابغ الذبياني ) فيه احتمالان :
الأول : أنه نسخة من حيث الصنعة ومن حيث المضمون ، لكن هذا الاحتمال بعيد ، والقرينة المانعة منه هو كون النابغة من الطبقة الأولى المقدمين على سائر الشعراء ، وعده بعض العلماء من شعراء المعلقات(2) .
الثاني : نسخته في المضمون حيث ان النابغة قد اشتهر بالشعر الوصفي وإن كان
________________________________________________
(1) ... أسواق العرب لأفغاني ص277 ، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (7/377) .
(2) ... ديوان المتنبي بشرح العكبري ص43 ، والعرف الطيب ص566 ، والمحيط (5/249)، والتهذيب (8/340) .
(3) ... المفصل في تاريخ الأدب لعلي الجارم وإخوانه ص90 .
قليلاً إلا ان هناك أبياتاً فاضحة حتى قال الهالك جرجي زيدان : وفي قصيدته
أبيات لا يليق نشرها (1)
والاحتمال الثاني هو الأقرب ، ويقال في الشطر الأول مثله .
والقريض هو الشعر ومنه قول المتنبي :
وشعر مدحتُ به الكركرنّ **** بين القريض وبين الرقى (2)
والنابغة الذبياني ( ت سنة 604م ) هو :
زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة : شاعر جاهلي ، من الطبقة الأولى من أهل الحجاز كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها .
وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابعة وكان أبو عمرو ابن العلاء يفضله على سائر الشعراء وهو أحد الأشراف في الجاهلية .(466/35)
وكان حظياً عند النعمان بن المنذر ، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة ( زوجة النعمان ) فغضب النعمان ، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام ، وغاب زمناً ثم رضى عنه النعمان ، فعاد إليه (3).
واختلف في السبب الذي من اجله لقب بالنابغة على قولين :
_______________________________________
(1) ... تاريخ آداب اللغة العربية (1/105) .
(2) ... ديوان المتنبي بشرح العكبري ص43 ، والعرف الطيب ص566 ، والمحيط (5/249) ، والتهذيب (8/340) .
(3) ... الأعلام للزركلي (3/55) .
1- ... أنه لقوله : فقد نبغت لنا منهم شؤون (1).
2- ... انه بسبب نبوغه في الشعر بعدما كبر في السن (2).
_______________________________________________
(1) ... الأغاني (11/3) ، أدباء العرب للبستاني (1/185)، ألقاب الشعراء ص
(2) ... ألقاب الشعراء لامي العاني ص233 .
بسم الله الرحمن الرحيم
1-بسم الرحيمِ الواحدِ الرحمانِ **** المالكِ الفردِ الوليْ الديانِ
2- الماجدِ البر ِ السلام ِلخلقه **** حازَ الكمالَ بغيرِ ما نُقصْانِ
3- والحمدُ لله العظيمِ لذاتِه **** حمداً على الإسلام والإيمانِ
4- وصلاةُ ربي والسلامُ مُحَبَّراً **** لإمامنا المعصومِ من عدنانِ
5- ذي الحوضِ بل هو ذو الشفاعةِ في الورى ** ذو الملةِ السمحاءِ والقرآنِ
6- ومقامُه المحمودُ أشرفُ رُتبةً **** وله الوسيلةُ عن بني الإنسانِ
7- وسألتُكَ اللهم بالإسمِ الذيِ **** حَسُنَتْ محاسِنُه بل ا نُكرانِ
8- فإذا دُعيتَ به أَجبتَ وإن تُسلْ **** أَعطيتَ سُئل الملحفِ الولهانِ
9- يا حيُّ يا قيَّومُ يا ذا الطولِ يا **** ذا العرش يا فردُ فما لك ثاني
10- هيئ لنا من أمرنا رَشَداْ إذا **** دجت الخطوبُ بليلها الفتان
11- نونيةُ القرني أشرق نورُها **** عينان فيها للهدى نُونانِ
12- نُسجتْ بعون الله من بُرِد الهدى **** قد جاء هذا الفيضُ من حسان
13- شَرُفت عن الإطراء صَدَّق قولَها **** وحديثَها قبسُ من القرآن(466/36)
14- ما لامرء القيسِ المضللِ لوثةٌ **** فيها ولا الأعشى ولا القباني
15- وعكاظُ لم تسمعْ بمثل دويها **** نسَخَتْ قريض النابغ الذُبياني
16- كالسيف جُرِّد مُصْلتاً يهوي على **** هام الأراذل ثلةِ الخسران
17 – في كَفِ صنديدٍ له من بأسه **** يوم الوغى وثباتِه درعان
18- كعصا كليم الله تلقفُ كُلَّما **** صنعوا من التدجيلِ والبهُتْانِ
19- سلفيةُ تهوي على قِرن الوغى **** بالطعنِ قَبْل تطاعنِ الأقرانِ
20- حُبِكَتْ برأيِ بالسدادِ مُتوَّجُ **** والرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ
21- أرمي بها أهلَ الضلالِ من الألى **** ضجوا ببدعتهم مَعَ الشنئانِ
22- فإلاهُنا الرحمنُ جَلّ َ جلالُه **** وإمامُنا المبعوثُ ذو الفرقان
23 – وصحابة المختار أفضلنا وهم **** نور الدجى ونجوم كل زمان
24-والراشدون معالم مرضية **** وهم الهداة وشامة البلدان
25- والتابعون لهم بإحسان على **** مر العصور منائر الرضوان
26- وأئمة السلف الكرام شيوخنا **** كأبي حنيفة الأبي النعمان
27- وكمالك وابن المسيب قبله **** مع أحمد قل طاب سفيانان
28- والشافعي مع الهمام الأوزعي **** من نسل أوزاعٍ وحمادان
29- أما ابن تيمية الإمام فحجة **** سمح الطريقة ساطع البرهان
30 – فاعرف أبا العباس حقاً إنه **** زين الشيوخ وقدوة الشبان
31- لله درك من إمام عارف **** نشر الهدى ولصرح أحمد باني
32- تلميذه يقظ إمام بارع **** صافي القريحة واضح التبيان
33- ومجدد الإسلام في هذا الورى **** أعني التميمي ناصر الإيمان
34- رحم الإله محمداً في لحده **** خضم الضلال مهدم الأوثان
35- في نجد أشرق نوره متوهجاً **** بل شع من هند إل ى تطوان
36- فعلى عقيدتهم بنيت عقيدتي **** وعلى رسائلهم فتقت لساني
37- اقفوا طريقتهم ونهجي نهجهم **** دوماً وأبرأ من أخي كفران
38- أهل الضلالة هم خصومي دائماً **** لا يلتقي بمحبة خصمان
39- ولكل مبتدع أقول مجلجلاً **** أنا صارم يفري الرقاب يماني(466/37)
40- أسلمت نفسي للذي برأ الورى **** وبرئت من شركٍ ومن طغيان
41- ورضيت بالقرآن والسنن التي **** جاءت بفهم صحابة العدنان
42 – استغفر الله العظيم لكل ما **** أخطأت فيه وزل فيه لساني
43 – أو قلته متعمداً أو جاهلاً **** أو ناسياً في السر والإعلان
44-فالقصد معروفٌ ولكن ربما **** خفي الصواب على بني الإنسان
45 - والعذر يقبله الكرام وربنا **** هو أكرم المعطين في الإحسان
46 – أشهدت ربي والملائكة الألى **** حملوا العلوم بقوة وأمان
47- أني مع السلف الكرام وهديهم **** هل عاقل يرضى بنهج ثان
48- إيماننا عملٌ وقولٌ قبله **** عقد بقلبٍ عامر الإيقان
49- ويزيد بالطاعات من أعمالنا **** ومع المعاصي ظاهرُ النقصانِ
50 – أهلُ الكبائر لا نُكَفرُهُم **** فإن استحلوها فللكفران
51- ونطيع آل الأمر فيما لم يكنُ **** أمرٌ بمعصيةِ ولا نُكرانِ
52-نأبى الخروج عليه لو ظلم جرى **** فالصبر مطلوب من الإنسان
53-ما لم نر كفرا ً بواحاً ظاهراً **** لا يختلف في أمره إثنان
54- ونُمر أخبار الصفات كما أتتُ **** من غير تأويلٍ ولا جُحدانِ
55- والقولُ في تلك الصفات كقولنا **** في الذات قولُ العالم الربانيِ
56- نروي أحاديث الوعيد كما أتتْ **** والوعد نقبله من الديانِ
57- والمولدُ المزعوم لا نرضى به **** أفتى ببدعته أولوا العرفان
58- أنهاك عن شد الرحال لقبره **** واقرأ مُصَنَّفَ عالمٍ حرانيِ
59- أهلُ التصوفِ لا تُلِمَّ بدارهمْ **** فالزيغُ منسوجٌ مع القُمصانِ
60- وكذا الخوارجُ هم كلابُ النار قد **** ورد الحديث فلا تكن متواني
61- فأبو سعيدٍ قد روى في مسلمٍ **** وروى عليُّ بمسندِ الشيباني
62- قدرية جبرية قد بُدِّعوا **** إذ أعرضوا عن منهجِ القرآن
63- وطوائفُ الإرجاءِ شَرُّ طوائفٍ **** جاءوا بقولٍ ظاهرِ البطلان
64- والأشعريّ له نُقول غَثةٌ **** تأويلُه من أرخصِ الهذيان
65 - لكن أتباع الرسول وحزبه **** هم درة في هذه الأكوان(466/38)
66 - هم فرقة منصورة قد أيدت **** وكذاك ناجية من الخسران
67- فالزم طريقتهم وعض بناجذ **** منها ولا يغررك قول ثاني
68- فإمامها المعصوم من بين الورى **** دع عنك رأي فلان أو علان
69 – أنهاك عن علم الكلام وأهله **** واهجر فديتك منطق اليونان
70 – وكفاك عن علم الكلام شريعة **** كملت بلا حرج ولا نقصان
71 – ترجو دواء القلب من ذي علةٍ *** وتريد وصف الشمس من عُميانِ
72- انظر إلى الرازيْ يقول محذراً *** في ساعةِ التوديعِ يا إخواني
73- جربتُ كل طريقة مذكورةٍ *** وركبت بحرَ الهول كالرُّباني
74- وقرأتُ فلسفةً ظننت بريقها *** نوراً وهذا النورُ قد أعماني
75 –فالآن أعلنُ أنه لا شرعةٌ *** أهدى ولا أشفى من القرآن
76 –و كذاك سنةُ أحمدِ فهْي التي *** فيها نجاة العبدِ من نيرانِ
77 –وكذا الجويني صاح في طلابه *** يا قومُ حيَّر فكرتي الهمذاني
78- حتى ابنُ سينا وهْو من أقطابهم *** متحيراً وكبيرُ شهرستاني
79- بل قال بعض رؤوسهم متوجعاً *** من شدةِ الإحباطِ والهذيان
80- يا ليتني تابعتُ دين عجائزي *** ولزمتُ حفظ عقيدة الصبيانِ
81 – قد جاء شاهدُ قومها من أهلها **** الحق أبلجُ شامخُ البينان
82 – خير الطوائف سنةٌ وجماعةٌ **** حتى و لو قلوا مع الحسبانِ
83 – إركبْ سفينةَ نوحَ تنجُ من الردى **** قد قال مالك ذاك عن عرفان
84 – والسنة الغراء بحر لم يُحِطْ **** بجميعها إلا النبيْ العدناني
85 – هذا كلامُ الشافعيِّ محمدٌ **** في ما حكاه مؤلفُ التبيان
86- ولذاك قد تَخفيِ لكثرتها وما **** إلمامنا بالشرعِ في إمكان
87 – والقيِّمُ الجوزِيُّ في إعلامه **** ذكر الكثيرَ لأهل هذا الشان
88- ولشيخهِ الحبرِ الإمامِ مؤلفٌ **** رفع الملام كفاك بالحسبان
89- فالكل ذو رد ومردود له **** إلا محمداً طيب الأردان
90 – نظروا بعين النقد لابن خزيمة **** لكلامه في صورة الرحمن
91- وهو المسمى كعبة العلماء في **** جمع العلوم وقوة الإتقان(466/39)
92- ولصاحب التقسيم والأنواع **** في حد الإله توهم الغلطان
93- وله كلام في النبوة لامع **** أهل الحديث وهمت يا حباني
94 – مع أنه جمع الصحيح بهمة **** تسمو على الجوزاء والدبران
95 – هذا تقي الدين أنكر جملة **** من قول عبدالقادر الجيلاني
96 – متلمساً عذراً له ومنافحاً **** حتى يقول له كلام ثاني
97 – والعالم الهروي صاغ منازلاً **** فيها من الأخطاء عد بناني
98 – قال ابن قيمنا لعل مراده **** هذا فإن الوهم سبق لسان
99 –ذكر ابن سعدي عن تقي الدين **** في مأموله في الخمس بعد ثمان
100–في الناس من هو كالذباب فلا **** يقع إلا على جرح من العدوان
101- ولصاحب السير الذكي عبارة **** مزجت بماء العين في الأجفان
102 – لو أننا كنا تركنا كل من **** قد زل لم يسلم لنا اثنان
103 –ماء الفضائل إن يزد في وزنه **** عن قلتين فذاك ذو رجحان
104 –في سورة الأحقاف يقبل محسن **** ويقابل التواب بالغفران
105- وأجلها الذكر الحكيم فإنه **** أصل الهدى وأساس بيان
106 – كتب الصحاح وبعدها **** سنت أتت من عال م رباني
107 – ثم المسانيد العظام كأحمد **** ومعاجم الإسلام كالطبراني
108 – ثم الشروح وخيرها من نهجه **** في منهج الأسلاف أهل الشان
109 – وعليك بالكتب التي ما مثلها **** كتب ابن تيمية له شكران
110- وأخص تلميذا له متوقداً **** وابن الكثير مفسر القرآن
111- والشكر للذهبي في تأليفه **** ومصنف للفتح والميزان
112-وكذا النواوي وهو صاحب حجةٍ **** في سنة المختار والقران
113- حاز ابن عبد البر فينا منزلاٌ **** يعلو على المريخ أو كيوان
114- ولابن حزم عبقرية عالم **** لولا الخدوش اتى بطلع داني
115- علماء عصرك إن أردت قراءة **** في كتبهم فانصت لذي التبيان
116- كتب المجددِ كالرياضِ أنيقةٌ **** ورجالُ دعوتهِ أولو العرفان
117-اقرأ لابن الباز بورك سعيه **** ومحمد بن الصالح الرباني(466/40)
118- ثم الأمين محمد أنعم به **** حاز الذكاء من أرض موريتاني
119- وحمود من نسل التواجر عالم **** وكذا ابن جبرين مع السلماني
120- ومؤلفوا كتب الحديث بعصرنا **** كمحمد ابن الناصر الألباني
121- وابن الوزير له علوم جمة **** ومحمد المعروف بالصنعاني
122- كتب يدبجها بجودة ذهنه **** صديق خان وشيخه الشوكاني
123- أنصت إلى السعدي فإن كلامه **** فيض من التحقيق والبرهان
124- والاعتزال طريقةٌ ممقوتة **** فيها من الأغلاط والهذيان
125 – عقل على النقل الصحيح مقدم **** والحسن والتقبيح للإنسان
126- بل وافقوا نهج الخوارج في الذي **** يأتي الكبيرة فهو في النيران
127- لا مؤمن يدعى وليس بكافر **** هذا كلام الواهم الغلطان
128- وكلامه القرآن وهو منزل **** ومدادنا والرق مخلوقان
129- من قال إن الذكر مخلوق فقل **** كذب الدعي الجاحد الخوان
130 – طالع كتاب الحيدة الفذ الذي **** عبدالعزيز رواه وهو كناني
131- والذكر مخلوق لديهم مثلما **** قد جاء في الكشاف والمرجان
132- قالوا وربي لا يراه عبده **** في يوم حشرٍ خاب قول الجاني
133- نادى بموسى لن تراني عندهم **** دامت على التأييد في الأزمان
134-كذبوا لعل جزائهم من ربهم **** أن يرجعوا بالخزي والحرمان
135-ردوا حديث جرير البجلي في **** ما قد روى للسنة الشيخان
136- والشافعي من القرآن أتى بها **** لله در المدرك الرباني
137-ذا قال كلا إنهم عن ربهم **** حجبوا فينظره أولوا الإيمان
138- نبرأ إلى الرحمن جل جلاله **** من نهج رافضة أولي بهتان
139- سبوا صحابته وآذوا شرعه **** فالرفض والتزوير مقترنان
140 – اقرأ لشيخ الدين في منهاجه **** يشفي غليل الواله اللهفان
141- يكفيك ما قد قاله الشعبي في **** أهل الضلال عصابة الشيطان
142- إذ شابهوا أهل الصليب ووافقوا **** حتى اليهود مراتع الأوثان
143- زادوا على الفئتين في تشنيعهم **** لصحابة جلو عن البهتان(466/41)
144- حمر مع سرب البهائم أصبحوا **** رخماً مع ذي الريش والطيران
145- كتب الروافض قد عرفت ضلالها ** حذراً من الشر القريب الداني
146- فعقولهم قد أخلت سردابهم **** هم ينبشون الأرض كالفئران
147- لما أتى التتار كانوا حزبه **** دكوا معاقلنا مع الصلبان
148-النار لابن العلقمي من نسلهم **** حفر القليب لدولة الإيمان
149- وابن الباسيري خان خليفة **** وسعى لذبح الدين في بغدان
150-وكذا نصير الدين منهم إنه **** حقاً عدو الدين والديان
151- أفتى لهولاكو يجرد سيفه **** حتى أباد به أولي العرفان
150-وكذا نصير الدين منهم إنه **** حقاً عدو الدين والديان
151- أفتى لهولاكو يجرد سيفه **** حتى أباد به أولي العرفان
152- والفاطميون اللئام فإنهم **** ليسوا لأهل البيت بالحسبان
153- أفتى تقي الدين أن جدودهم **** نسل اليهود محاربي الرحمان
154- أما ابن خلدون فلم ينصف وقد **** نسب اليهود لأسرة العدناني
155- فتكوا بدين الله فتكة فاجر **** يا دولة الأرذال والأوثان
156- نصر على مصر أتى تأليفه **** من ابن جوزي واعظ البلدان
157- هذا صلاح الدين شتت شملهم **** وأحلهم في ذلة وهوان
158- لا تقرأن كتب الضلال فإنها **** سم الفؤاد وعلة الغثيان
159- إلا لمن أمن الخداع وكان من **** أهل البصيرة حافظاً لجنان
160- واهجر من الكتب التي قد أفعمت **** بالزور والتضليل والبهتان
161- مثل الأغاني فيه قول ساقط **** فالأصفهاني في الأغاني جاني
162- واترك أبا نواس إن قريضه **** سفه ويدعو الناس للعصياني
163- وابن المعري قادح في شرعنا **** يلقيك بالأشعار في الوديان
164- ورأيت في العقد الفريد مزالقاٌ **** والجاحظ الخلاب غير مصان
165- إذ قد حوى بدعا وأغلاطاً له **** في سفري التبيين و الحيوان
166- وكتاب إخوان الصفا متهالك **** بئس الصفا بل بئس من إخوان
167- انس ابن سينا فهو صاحب زلة **** سفر الإشارة والشفاء سقمان(466/42)
168- بل قال بعض الناس في تأليفه **** مرض الفؤاد به وما أشفاني
169- إحيا علوم الدين صار قضية **** فيه الدواء والداء مجتمعان
170- لا تأخذن عقيدة من نهجه **** وكذا التصوف فهو في غليان
171- واسمع رقائقه وحر أنينه **** أما الحديث فليس باليقظان
172- أعرض عن التلبيس في كتب أتت **** للكوثري والمفلس النبهاني
173- فبضاعة الأقوام مزجاة فهل **** ميزت بين الترب والمرجان
74- ودع الفصوص مع الفتوحات التي **** قذفت برجس ظاهر الأنتان
175- وابن الروندي مزقن تأليفه **** ورسائل الحلاج والتيجاني
176- طه حسين هو العميل صراحة **** ليس العميد وهكذا اللأفغاني
177- إني عرفت القوم معرفة الذي **** عرف الحقائق أيما عرفاني
178- عُمي عن القرآن والآثار يا **** لله ما قد عمهم نوران
179-شمس العلوم ومثل تلك مصائب **** سحر وشعوذة من الكهان
180-جعلوا قضاء الله فعل كواكب **** كالثور والميزان والسرطان
181- شاهت وجوههم وخيب سعيهم **** علم النجوم نهاية الخذلان
182-والباطنية هم أضل طريقة **** غرقى مع ا لإلحاد والكفران
183-أتباع قرمط والجنابي كلهم **** يدعو الكواكب زج بالنيران
184- فكأنه أخذ الضلال مركباً **** من مزدك وأخي الجهالة ماني
185- وغلام مرزا كاذب متهتك **** وكذا البهائي ظاهر البهتان
وحي الذاكرة
شرح نونية القرني
1-بسم الرحيم الواحد الرحمان ... ... **** ... المالك الفرد الولي الديان
ابتدأ المؤلف قصيدته بالبسملة جرياً على عادة المصنفين ، وإنما بدأ المصنفون كتبهم بالبسملة تأسياً بالكتاب المنزل على النبي المرسل ? واقتداء به في مكاتباته للملوك وغيرهم وامتثالاً لقوله ? " كل أمر ذى بالا لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " رواه عبدالقادر الرهاوى في الأربعين البلدانية وكذا الخطيب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1) .(466/43)
وأما الرحمن والرحيم فهما مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة و ( رحمن ) أشد مبالغة من ( الرحيم ) ، لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل ونظيرهما نديم وندمان ، وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا (2) ، واتفق أكثر العلماء على ان اسم ( الرحمن ) عربي لفظه .
وقال ابن الحصار بعد سرده للحديث القدسي :" أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمى " فقد دل هذا الحديث الصحيح على الاشتقاق ، فلا معنى للمخالفة والشقاق (3) .
وقال ثعلب : إنه عبراني الأصل وكان رخمانا بالخاء المعجمة (4) .
____________________________________________________
(4) ... لوامع الأنوار للسفاريني (1/32) ، وانظر الكلام على الحديث في كتاب تفصيل المقال على حديث كل امر ذي بال د 0 عبدالغفور البلوشي ، والحديث حسنه السيوطي في حاشيته على البيضاوي المسماه بنواهد الأبكار ، والعجلوني في كشف الخفار (2/119) ، وابن حجر الهيتمي في شرح الهمزية (1/110) وقال : للحديث الحسن والصحيح ا 0 هـ .
(5) ... جامع البيان (1/43) .
(6) ... نقله محمد الحمود في النهج الأسمى (2/75) .
(7) ... نقله الرازي في شرح الأسماء الحسنى ص164.
ومصدر رحم هو رحمة وهو سماعي (1) .
أما إنكار كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله ? لعلي رضي الله عنه :" اكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل : أما ( الرحمن ) فوالله ما أدري ما هي ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب (2). .
وفي قوله تعالى : ? وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن انسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً ? [ الفرقان : 60] .
فالظاهر أنه إنكار جحود وعناد وتعنت ، ومما يدل على انهم كانوا يعرفون هذا الاسم قوله تعالى حكاية عنهم :?وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ?[ الزخرف : 20]
وأما الواحد فهو من أسماء الله الحسنى (3) بدليل قوله تعالى ? وبرزوا لله الواحد القهار ? الآية 48 من سورة إبراهيم .(466/44)
ومعنى الواحد الفرد الذي لا ثاني له من العدد (4) وسيأتي أنواع الوحدانية عند الكلام على التوحيد في قول الناظم .
وأما المالك فهو من الأسماء الحسنى عند جمع من العلماء منهم : ابن عيينة ، وابن منده ، وابن العربي، وابن القيم ، وابن الوزير ، وابن حجر ، والسعدي ، ولم يعدها من الأسماء ابن عثيمين (5). .
قال الشوكاني :
وقد اختلف العلماء أيهما أبلغ ملك أو مالك ؟ فقيل : إن ملك أعمّ وأبلغ من مالك ،
___________________________________________________
(4) ... شرح الفصيح للزمخشري (1/255) .
(5) ... رواه البخاري (2731،2732)، والتصريح بأن الكاتب هو علي رضي الله عنه جاء في رواية أخرى للبخاري برقم (2698) .
(6) ... قد أقتصر على ذكر معنى الاسم من الأسماء الحسنى بدون دليله إذا كان مشهوراً .
(7) ... اشتقاق اسماء الله للزجاجي ص90 .
(8) ... معتقد أهل السنة في أسماء الله د0محمد التميمى ص217.
إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملكاً ، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه
حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك ، قاله أبو عبيد والمبرّد ورجحه الزمخشري .
وقيل : مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس وغيرهم ، فالمالك أبلغ تصرفاً وأعظم .
وقال أبو حاتم : إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك . وملك أبلغ في مدح
المخلوقين من مالك ، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك ، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً .
واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي .
والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر ؛ فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها ، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية ؛ فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور ، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور .(466/45)
والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الربّ سبحانه أن الملك صفة لذاته ، والمالك صفة لفعله (1) .
و أما الفرد فقد ذكره من الأسماء الحسنى كل من الحليمي ، والبيهقي (2) .
ودليله حديث " أشهد أنك فرد أحد صمد " (3) .
_____________________________________________________
(3) ... فتح القدير (1/24).
(4) ... معتقد أهل السنة للتميمي ص297.
(5) ... رواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/288) وقال : ليس هذا بالقوي ، ورواه الحاكم في علوم الحديث ص216 ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (3/178) ، وعزاه المتقي الهندي في كنز العمال (2/215) إلى ابن مردوية والأصبهاني في الترغيب ، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر رقم 152.
والحديث ضعيف جداً لأن في إسناده محمد بن السائب الكلبي وهو متهم بالوضع .
وأما الولى فهو ضد العدو ، والموالاة ضد المعاداة (1) .
وأما معنى هذا الاسم فهو : مالك التدبير ، ولهذا يقال للقيم على اليتيم : ولي اليتيم ، وللأمير : الوالي (2) .
وقال الغزالي الولي هو : المحب الناصر (3) .
وأما الديان فقد عده من الأسماء : الخطابي وابن مندة ، والحليمي ، والبيهقي ، والقرطبي ، وابن القيم ولم يعده كثيرون كابن العربي وابن الوزير وابن حميد والسعدي والعثيمين (4) .
ودليل ذلك قوله ? " يحشر الناس يوم القيامة عراة ثم يناد لهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان " (5) .
والديان القهار ، وهو فعال من : دان الناس أي قهرهم على الطاعة (6) .
ومعناه في حق الله قيل أنه القهار ، وقيل : الحاكم والقاضي (7) .
_____________________________________________________
(1) ... الصحاح للجوهري (6/2529) .
(2) ... الحليمي في المنهاج (1/204) نقله الحمود في النهج الأسمى (2/46).
(3) ... المقصد الأسنى ص115 .
(4) ... معتقد أهل السنة للتميمى ص171 .
((466/46)
5) ... رواه أحمد في مسنده (3/495) ، والحاكم في المستدرك (4/574) وصححه ووافقه الذهبي ، وابن أبي عاصم في السنة (1/225) وصححه الألباني رحمه الله ، وأخرجه البخاري تعليقاً كما في الفتح (13/452) .
(6) ... لسان العرب (4/458) .
(7) ... النهاية لابن الأثير (2/148) .
2-الماجد البر السلام لخلقه ... ... **** ... حاز الكمال بغير ما نقصان
عد الماجد من الأسماء كل من الخطابي ، وابن ، والأصبهاني في حين ذهب الأكثرون إلى أنها ليست اسماً بخلاف المجيد فق ذهب الأكثرون إلى انه اسم (1) .
والدليل على أن الماجد من الأسماء قوله ? " يقول الله تعالى : ... ذلك بأني جواد ماجد صمد " (2) .
ومعناه هو أنه الشرف التام الكامل ، وأنه السعة والكثرة (3) .
أما البر فهو اللطيف بعباده على ما حكاه ابن جرير (4) وقيل هو العطوف على عباده ، المحسن إليهم على ما حكاه الخطابي (5) .
وأما السلام فله معان ذكرها الناظم هنا وهي :
4- ... أن يكون الرب مسالماً من مماثلة أحد من خلقه وهذا المعنى مأخوذ من قول الناظم " السلام خلقه " بجعل اللام بمعنى " من " وهو وارد في اللغة (7) .
5- ... السلام بمعنى ان الخلق قد سلموا من الظلم منه (8)
وهذا يؤخذ من قول الناظم " السلام لخلقه " بجعل اللام بمعنى " على " أي أنه سلام عليهم فلا يظلمهم ، واستخدام اللام بمعنى " على " وارد
____________________________________________________
(8) ... معتقد أهل السنة للتميمي ص191، وص302 .
(9) ... رواه أحمد في مسنده (5/154)، والترمذي وحسنه في سننه حديث رقم 2495 ، وابن ماجه (2/439)
(10) ... النهج الأسمى للحمود (1/432) .
(11) ... جامع البيان (27/18).
(12) ... شأن الدعاء ص90 .
(13) ... روح المعاني (28/63) .
(14) ... كما في الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم المرادي ص102 .
(15) ... تفسير القرطبي (18/46) .
في اللغة (1)
6- ... السالم من كل نقص وآفة وعيب (2) .
وهذا يؤخذ من قول الناظم " حاز الكمال من غيرما نقصان " .(466/47)
وقد ظهرت براعة الناظم في هذا البيت :
أ ... انه جمع معاني السلام الثلاثة في نسق واحد .
ب ... انه جمع فيه الصفة الذاتية والفعلية ، فالذاتية وهو إن الله برئ من كل عيب ، والفعلية في ان خلقه قد سلموا من ظلمه .
جـ- ... تقديمه المتعدية على اللازمة إذ أنه قدم السلام بمعنى من أمن من جوره وظلمه وذلك متعد على اللازم الذي هو السلامة من الآفة والنقص وهو تقديم في محله لتفضيل التعدي على اللزوم ، وكذا لما في معنى المتعدي من التطميع فقدمه ترغيباً على ما في اللازم من التعظيم ترهيباً لما جبل عليه الناقص من رهبة الكامل .
و (ما) في قول الناظم زائدة للتوكيد (3) ، ولا يصح جعل (ما) للنفي ، لأن نفي النفي إثبات ولا يستقيم بذلك المعنى .
_____________________________________________________
(4) ... الجني الداني ص100 ، وحروف المعاني للزجاجي ص75 ، ورصف المباني للمالقي ص297.
(5) ... تفسير الألوسي (28/63) .
(6) ... انظر معاني (ما) في الجني الداني ص332 ، ورصف المباني ص382.
3-والحمد لله العظيم لذاته ... ... **** ... حمداً على الإسلام والإيمان
بعد ان بدأ الناظم بالبسملة أعقبها بالحمدلة ابتداء إضافيا أي بالنسبة لما بعدها وهو ما يقدم على الشروع في المقصود بالذات جمعاً بين حديثي البسملة والحمدلة ، ولم يعكس لموافقة الكتاب العزيز .
والحمد قيل هو الشكر مترادفان وهو قول الطبرى (1) والمبرد وابن عطاء من الصوفية (2) وقد رجح هذا القول محمود شاكر (3) ورد هذا القول كثيرون منهم ابن عطية (4) والقرطبي (5) ، وابن كثير (6) ، وأبو هلال العسكري (7) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
الحمد هو ذكر صفات المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله ، فإن تجرد عن ذلك فهو مدح ، فالفرق بينهما أن الإخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخباراً مجرداً من حب وإرادة أو مقروناً بحبه وإرادته . فإن كان الأول فهو مدح وإن كان الثاني فهو الحمد (8) .
((466/48)
والعظيم ) صفة لله ، وهو من أسمائه ، أما معناه فقد اختلفوا فيه :
فقال بعضهم : معنى العظيم في هذا الموضع المعظم ، صف المفعل إلى فعيل ، كما يقال : العتيق بمعنى المعتق .
_____________________________________________________
(9) ... في تفسيره (1/59) .
(10) ... تفسير القرطبي (1/133) .
(11) ... تفسير الطبري (1/138).
(12) ... في تفسيره (1/99) .
(13) ... في تفسيره (1/133) .
(14) ... في تفسيره (1/22) .
(15) ... في الفروق ص39، وانظر الفروق اللغوية للشايع ص215 .
(16) ... التنبيهات السنية للرشيد ص4 .
فقوله العظيم معناه : الذي يُعظِّمه خلقه ويهابونه ويتقونه .
وقال آخرون : بل تأويل قوله (العظيم) : هو أن له عظمة هي له صفة ؛ قالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنَّا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات ، وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظيم المعروف من العباد ، لأن ذلك تشبيةٌ له بخلقه وليس كذلك .
وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها .
وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه مُعظمٌ ، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل ذلك عند فناء الخلق ، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال .
وقال آخرون : بل قوله إنه ( العظيم ) وصف منه نفسه بالعظم .
وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر ، لصغرهم عن عظمته " اهـ (1) .
وقول الناظم ( لذاته ) أي أن الله يستحق الحمد للذات ولو لم يكن منه إيصال نفع إلى العباد .
وقوله ( حمداً ) مفعول مطلق ، وعامله المصدر .
وقوله ( على الإسلام والإيمان ) فيه دليل على ان المؤلف قد ذهب إلى المغايرة بينهما (2) وسيأتي تفصيل المسألة .
_____________________________________________________
(3) ... تفسير الطبري (3/13) ، شرح الأسماء للحمود (1/282) .
(4) ... وقد صرح المؤلف بذلك في كتابه ترجمان السنة ص17 .
4-وصلاة ربي والسلام محبراً ... **** ... لإمامنا المعصوم من عدنان
والصلاة في قول الناظم اختلفوا فيها على قولين :(466/49)
الأول : أنها من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن غيرهم التضرع والدعاء وهذا القول هو الجاري على ألسنة الجمهور (1) .
الثاني : ان الصلاة من الله هي الثناء وهو الذي ذكره البخاري عن أبي العالية ، ونصر هذا القول ابن القيم من وجوه في جلاء الأفهام (2) وبدافع الفوائد (3) .
وأما ( السلام ) فهو بمعنى التحية والسلامة من النقائص والرذائل .
وأما قوله ( محبراً ) فمأخوذ من الحبر وهو الجمال والبهاء .
قال الأصمعي : كان يقال للطفيل الغنوي : مُحَبِّر لأنه كان يُحَسِّن الشعر قال وهو مأخوذ من التخيير وحسن الخط والمنطق (4) ، ويقال : حبرت الشعر والكلام (5) .
وقوله ( لإمامنا) فهو كل من أتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين .
والنبي ? إمام أمته ، وعليهم جميعاً الأئتمام بسنته التي مضى عليها (6) وسيأتي الكلام على ذلك .
ووصف النبي ? بأنه معصوم وفي مسألة العصمة تفصيل :
_____________________________________________________
(7) ... لوامع النوار (1/ ) ,
(8) ... ص158.
(9) ... (1/26).
(10) ... تهذيب اللغة (5/32).
(11) ... المحيط لابن عباد (3/90) .
(12) ... تهذيب اللغة للأزهري (15/638) ، والمحيط لابن عباد (10/460)
3- ... ان الأنبياء معصومون فيما يخبرون به عن الله ، وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة . (1) .
4- ... أجمعوا على عصمة الأنبياء من الكبائر (2)
5- ... اختلفوا في وقوع الصغائر فالذي عليه جمهور الأشاعرة انهم معصومون (3) ، والذي نقله شيخ الإسلام عن السلف انهم غير معصومون عنها لكن سرعان ما يتداركونه بصدق الإنابة (4).
أما إن أراد بالعصمة مطلق الحفظ كما في قوله تعالى ? والله يعصمك من الناس ? فلا إشكال في ذلك (5) .
وقوله من ( عدنان ) وهم : شعب عظيم يتصل نسبهم بإسماعيل عليه السلام باتفاق من النسابين ، وأن الأباء بينه وبين إسماعيل غير معروفة وتنقلب في غالب الأمر مخلطة مختلفة والكثرة في العدد .(466/50)
كانت مواطنهم مختصة بنجد ، وكلهم بادية رحاله ، إلا قريشاً كانوا يقيمون بمكة ، ثم انتشروا في تهامة والحجاز ، ثم في العراق والجزيرة ، ثم افترقوا في كثير من بقاع الأرض (6).
أما عمود نسب النبي ? فعلى ما ذكره ابن اسحاق (7) و تبعه عليه
_____________________________________________________
(6) ... الفتاوي (10/289) .
(7) ... إعلام المسلمين بعصمة النبيين لاسحاق المكي ص23، وعصمة الأنبياء للدكتور محمود ماضي ص21 ، وعصمة الأنبياء للرازي ص27 وقد نقل عن الحشوية جواز وقوع الكبائر من الأنبياء ولا أدي من الذي يقصدهم ! .
(8) ... انظر أصول الدين للبغدادي ص167 ، والعقيدة د 0 نصار ص198 .
(9) ... الفتاوى (4/319) ، (15/148).
(10) ... تفسير الخازن (2/63) ، حاشية الباجوري على السلم ص23
(11) ... معجم قبائل العرب لكحالة (2/761) .
(12) ... سيرة ابن اسحاق ص1.
ابن هشام (8): هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النظر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وإلى هذا القدر قد أجمع النسابون وما فوق عنان إلى إسماعيل فيه خلاف كبير (2)
قال عبدالقادر البغدادي : والعرب جميعاً فرقتان :
إحداهما : قحطان وهو ابو عرب اليمن .
وثانيهما : عدنان وهو ابو عرب الحجاز وما والاها وهم غير عرب اليمن (3) .
قال الشاعر :
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت **** بكنه ذلك عدنانَُ وقحطانُ
_____________________________________________________
(1) ... في السيرة النبوية (1/7) .
(2) ... نهاية الأرب للقلقشندي ص33 ، تاريخ ابن خلدون (2/343) ، تاريخ الطبرني (1/515) ، عيون الأثر لابن سيد الناس (1/33) .
(3) ... شرح ابيات مغني اللبيب (1/291)
5-ذي الحوض بل هو ذو الشفاعة في الورى **** ذو الملة السمحاء والقرآن(466/51)
وقوله (ذي الحوض ) أي صاحب الحوض وهو لغة : مجمع الماء ، وهو ثابت بإجماع أهل الحق خلافاً للمعتزلة (1) .
والأحاديث الواردة فيها متواترة (2) ، والحوض موجود الآن (3) ، وماؤه من الكوثر وهو النهر الذي أعطيه النبي ? في الجنة حيث فيه ميزابان ينزلان إلى الحوض ، وأما وفيه فهو في عرصات القيامة قبل العبور على الصراط وغليه مال القرطبي (4) ، ويرد هذا الحوض المؤمنون بالرسول ? المتبعون لشريعته (5) .
وأما صفاته فماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وآنيته عدد نجوم السماء ، طوله شهر وعرضه شهر ، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها ابداً .
وقوله ( ذي الحوض ) هل يعني أنه ينفي ان يكون لكل نبي حوض ام لا ؟
ليس في كلام الناظم تصريح والمسالة فيها خلاف بين العلماء (7) .
أما قوله (ذو الشفاعة ) فقد قال الراغب الأصفهاني :" الشفاعة : الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه ، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من أدنى (8) .
____________________________________________________
(6) ... شرح الواسطية للفوزان ص152 .
(7) ... فتح الباري (11/468).
(8) ... كما بينه في البخاري برقم 6590.
(9) ... قي التذكرة ص347 .
(10) ... التذكرة ص307 .
(11) ... الروضة الندية شرح الوسطية لزيد بن فياض ص334 .
(12) ... الحياة الآخرة للعواجي (3/1483).
(13) ... المفردات (1/346).
وأمر الشفاعة في الآخرة قد ثبت بنصوص كثيرة جداً – قرآنية وحديثية - ، و دلت هذه النصوص وخاصة منها الحديثية على أن الشفاعة أنواع عدة ، منها ما يخص نبينا محمداً – ? - لا يشاركه فيه غيره ، ومنها ما يكون لإخوانه الأنبياء والرسل – صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً - ، منها ما يكون للملائكة وغيرهم من المؤمنين .(466/52)
وأعظم تلك الشفاعات كلها وأكبرها وأجلها الشفاعة العامة العظمى للرسول – ? - في أهل المواقف التي يتأخر عنها أولو العزم من الرسل فمن دونهم ، لإراحة لخلائق من هول وشدة ذلك اليوم العصيب بتعجيل حسابهم وفصل القضاء بينهم بين يدي الله تبارك وتعالى أحكم الحاكمين بقسطه وعدله (1) .
وقوله ( في الورى ) أي في الخلق كما قال الفراء (2) ، ومنه قول الشاعر :
إني بليت بأربع يرمينني **** بالنبل عن قوس له توتير
إبليس والدنيا ونفسي والورى **** يا رب أنت على الخلاص قدير
وقوله ( ذو الملة ) أي ذو السنة والطريقة (3) .
وقوله ( السمحاء ) : أي السهلة ، والمسامحة المساهلة (4) .
ولفظ السمحاء وهو وان كان شائعاً عند الكتاب إلا أنه خطأ لأن "فَعْلاَء" هي لمؤنث " أفْعَل " كأحمر وأغبر : غَبْراء ، وأصفر : صفراء .
أما مؤنث "سًمْح " على وزن "فَعْل " فهو "سَمْحَة" على وزن فَعْلَة من سَمُحَ يَسْمُحُ _____________________________________________________
(2) ... الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة للعلوي ص457.
(3) ... تهذيب اللغة (15/303).
(4) ... تهذيب الأزهري (15/351) .
(5) ... لسان العرب (6/355) .
سَمَاحَةً وسًمُوْحا ، وسُمُوْحة بمعنى جاد ، وأعطى عن كرم ، وسخاء فهو سَمْحٌ وسَمْيحٌ ، وسَمِح ، وامرأة سَمْحَة ، وسَمِحَة ، وهم وهن سِمَاح ، وهم سُمَحَاء " (1)
ومن ذلك وصف الحنفية السمحة .
وما وقع فيه الناظم قد وقع فيه الشعراء من قبل منهم أبو فراس الحمداني عندما قال :
أيا جارنا ما أنصف الدهر بيننا **** تعالى أقاسمك الهموم تعالي
وهو بكسر اللام وصوابه بالفتح ولهذا قال ابن هشام ومن ثم لحنوا قائله ا 0 هـ
مع الكسر ان الكسر لغة ضعيفة عد أهل الحجاز (2) .
_____________________________________________________
(2) ... أخطاء لغوية معاصرة د 0 عبدالله العبادي ص58 ، وانظر الوسيط (1/451) ،ومعجم لاروس ص640 .
(3) ... شرح قطر الندى ص46 .(466/53)
6-ومقامه المحمود أشرف رتبة ... **** ... وله الوسيلة عن بني الإنسان
قوله ( ومقامه المحمود ) أي الشافعة العظمى للفصل بين الخلائق كما سبق هذا هو المشهور .
وقال مجاهد أن المقام المحمود هو أن يُجلس الله نبيه معه على عرشه (1) .
وقوله ( وله الوسيلة ) وهي المنزلة التي في الجنة ولا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ونسأل الله أن تكون للنبي ? لأن من سألها له حلت له الشفاعة (2) .
_____________________________________________________
(3) ... تفسير القاسمي (10/269) ، وقد شفع الواحد على القائل به أولي بحث في هذه المسألة ذكرت أقوال الأئمة في المقام المحمود ومن الذي مشى على قول مجاهد .
(4) ... للحديث الذي رواه مسلم 284 ، أبو داود (523) والترمذي (3619) ، والنسائي ( 2/25) .
وانظر ما قاله القرطبي في المفهم (2/13) ، وعياض في شرحه على مسلم (2/252) .
7- وسألتك اللهم بالاسم الذي ... ... **** ... حسنت محاسنه بلا نكران
قوله ( اللهم ) منادى مبني على ضم الظاهر على الهاء في محل نصب حذف منه حرف النداء ، وعوض عنه الميم , ويجوز مع ياء النداء في ضرورة الشهر عند البصر بين .
قال ابن مالك :
والأكثر اللهم بالتعويض **** وشذ يا اللهم في قريض
وأما الكوفيون فقد جوزوا الجمع بينهما ولو في غير ضرورة لأن الميم ليس عوضاً من الياء على رأيهم (2) .
وأما قوله ( بالاسم الذي حسنت محاسنه ) فهو الاسم الأعظم لما يدل عليه البيت الذي عليه .
واختلفوا في تعيينه على أقوال كثيرة وأشهر القوال :
ا- ... ان الاسم الأعظم هو الحي القيوم لحديث أبي أمامة مرفوعاً " اسم الله العظم في سور من القرآن ثلاث : في البقرة وآل عمران ، وطه " وهذا رأي شيخ الإسلام (3) وتلميذه ابن القيم (4) وإليه مال الناظم القرني كما يظهر .
_____________________________________________________
(5) ... حاشية الصاوى على الأشموني (3/146) ، حاشية الخضري على ابن عقيل (2/75)(466/54)
وانظر الخلاف بين سيبويه والنحاة في وصف اللهم في حاشية الحمصى على شرح التصريح (2/173) ، والمقتضب للمبرد (4/239)
(6) ... همع الهوامع للسيوطي (2/48).
(7) ... الفتاوى (18/311).
(8) ... مختصر الصواعق (1/119) .
8- فإذا دعيت به أجبت وإن تسل ... **** ... أعطيت سئل الملحف الولهان
وفي هذا البيت ما يدل على ميل المؤلف إلى ان الاسم الأعظم هي الحي القيوم لحديث أنس – رضي الله عنه – قال : كنت جالساً مع النبي ? في المسجد ورجل يصلي فقال : " اللهم أني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، المنان ، بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم .
فقال النبي ? : " دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى (1) .
وقول الناظم ( الملحف ) اسم فاعل من ألحف إذا ألح في المسألة (2) وقال تعالى : ? لا يسألون الناس إلحافاً ? (3) ، ومعنى ألحف أي دعا حتى غطى نفسه بذلك أشبه باللحاف الذي يغطى به الإنسان نفسه (4) .
والولهان مأخوذ من الوله وهو ذهاب العقل والمراد هنا من هو شديد التعلق بربه حتى أسلمه تعلقه إلى الوله وهو ذهاب العقل (5) .
_____________________________________________________
(6) ... رواه النسائي (3/52) ، وأبو داود (2/79)، وأحمد (3/120،158) ، وابن حبان رقم (2382) ، والحاكم في المستدرك (1/503) وصححه ووافقه الذهبي .
(7) ... المحيط (3/104) .
(8) ... البقرة 273.
(9) ... تهذيب اللغة (5/70) .
(10) ... المحيط (4/65) .
9- يا حي يا قيوم يا ذا الطول يا ... **** ... ذا العرش يا فرد فمالك ثاني(466/55)
ومعنى الحي الموصوف بالحياة الكاملة الأبدية التي لا يلحقها موت ولا فناء ، لأنها ذاتية له سبحانه ، وكما أن قيوميته مستلزمة لسائر صفات الكمال الفعلية فكذلك حياته مستلزمة لسائر صفات الكمال الذاتية من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعزة والكبرياء والعظمة ونحوها ، فالحي والقيوم متضمنان لصفات الكمال وهما القطبان لأفق سمائها فلا تتخلف عنها صفة منها أصلاً .
ومن أسمائه الحسنى سبحانه ( القيوم ) وهو مبالغة من قام وله معنيان :
أحدهما : أنه القائم بنفسه المستغني عن جميع خلقه فلا يفتقر إلى شيء أصلاً لا في وجوده ، ولا في بقائه ، ولا فيما اتصف به من كمال ، ولا فيما يصدر عنه من أفعال ، فإن غناه كما قدمنا ذاتي له فلا يطرأ عليه فقر أو حاجة .
والثاني : أنه الكثير القيام بتدبير خلقه ، فكل شيء في هذا الوجود مفتقر إليه فقراً ذاتياً أصيلاً لا يمكن أن يستغني عنه في لحظة من اللحظات ، فهو مفتقر إليه في وجوده أولاً وفي بقائه بعد الوجود ، فهو الذي يمده بأسباب البقاء ، فلا يقوم شيء في الوجود كله إلا به ، فهو دائم التدبير والرعاية لشؤون خلقه ، لا يمكن أن يغفل عنهم لحظة وإلا اختل نظام الكون وتحطمت أركانه ، قال تعالى : ? قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ? (1) وقال ? إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ? (2) .
_____________________________________________________
(3) ... الأنبياء 42 .
(4) ... فاطر 41 .
قال ابن القيم :
هذا و من أوصافه القيومُ **** والقيوم في أوصافه أمرانِ
إحداهما القيوم قام بنفسه **** والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره **** والفقر من كل إليه الثاني
والوصف بالقيوم ذو شأن كذا **** موصوفة أيضاً عظيم الشان
والحى يتلوه فأوصاف الكمال **** هما لأفق سمائها قطباَ
فالحى والقيوم لن تتخلف **** الأوصاف أصلا عنهما ببيانِ(466/56)
وأما ( ذو الطول ) فقد يقال أنه من باب الخبر والثناء وقد يقال انه اسم وقد تبع فيه الخطابي والبيهقي وابن العربي وابن الوزير (2)
وأما معناه فقد قال قتادة ( ذى الطول ) أي : ذي النعم (3) ، وفيه أقوال أخرى (4)
قال ابن كثير :
قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني السعة والغني ، وهكذا قال مجاهد وقتادة ، وقال يزيد الأصم ذي الطول يعني الخير الكثير ، وقال عكرمة ?ذي الطول? ذي المن ، وقال قتادة ذي النعم والفواضل ، والمعنى أنه المتفضل على عباده المتطول عليهم بما هم فيه من المنن والأنعام التي لا يطيقون القيام بشكر واحدة منها ? وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ? الآية (5) .
_____________________________________________________
(5) ... مع شرح هراس (2/110) ، والدر المصون للسمين (1/612) ، والوسيط للواحدي (1/367) ، والسعدي ص127 ، وابن عطية (2/379) ، وابن الجوزي (1/302) .
(6) ... معتقد أهل السنة للتميمى ص234 .
(7) ... تفسير الطبري (24/28) .
(8) ... ذكرها ابن عطية في تفسيره (63/7) ، وابن الجوزي (7/207) ، والماوردي (5/142) ، والسمرقندي (3/191) ، والنسفى (3/197) .
(9) ... تفسير ابن كثير (5/182) .
وأما ( ذو العرش ) فيقال فيه ما قيل في ذي الطول فقد ذهب إلى أنه من الأسماء الحليمي ، والبيهقي ، وابن الوزير (1) .
والعرش هو الجسم المخلوق الذي السماوات السبع والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض (2) .
وللمفسرين تأويلان في الآية (3) .
وأما الفرد فقد سبق الكلام عليه .
_____________________________________________________
(1) ... معتقد أهل السنة للتميمي ص234 .
(2) ... تفسير ابن عطية (13/17) .
(3) ... زاد المسير (7/210) ، وانظر تفسير الماوردي (5/147) ، والسمرقندي (3/163) ، النسفي (3/203) .
10- هيئ لنا من أمرنا رشدا إذا ... **** ... دجت الخطوب بليلها الفتان(466/57)
وقوله ( هيئ لنا من أمرنا رشداً ) أي يسر لنا كل موصل إلى الرشد ، وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا ، وهيئ مأخوذ من قولك هيأت الأمر فتهيأ .
والرشد والرشاد نقيض الضلال وفي تفسير اللفظ وجهان : الأول : التقدير وهيئ لنا أمراً ذا رشد حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .
الثاني : اجعل أمرنا رشداً كله كقولك رأيت منك رشداً (1)
وقوله ( إذا دجت الخطوب بليلها الفتان ) أي أن المصائب قد شملت وسبغت وعمت ، ثم وصف الناظم الليل بالفتان لأن الليل عماية و النهار هداية ، والعماية سبب الفتنة والضلال .
وقد وصف ابن القيم في نونيته جهم بن صفوان بالكاذب الفتان وهو الشديد الفتنة وهي خداع الناس وتضليلهم فقال :
إن كنت كاذبة الذي حدثتني **** فعليك آثم الكاذب الفتان (2)
وقوله ( دجت ) مأخوذ من دجى عليه ثوبه : أي سبع (3) و دجا الرجل المرأة إذا جامعها ، فيه الخطوب حال اشتباكها فقال للدلالة على ذلك إذا دجت وحذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية .
ثم في كلام المؤلف مناسبة جميلة وهي أنه لوجود الخطوب والمحن دعا الله أن يهيئ له من أمره رشداً كما فعل أصحاب الكهف لما أرادوا التخلص من الفتنة (4)
_____________________________________________________
(4) ... تفسير الرازي (21/70) .
(5) ... شرح هراس (1/25) .
(6) ... المحيط لابن عباد (7/159) .
(7) ... انظر نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي (12/18) .
11- نونية القرني أشرق نورها ... **** ... عينان فيها للهدى نونان
( نونية ) سبق الكلام عليها في المقدمة .
( والقرني ) سبق الكلام عليه .
وقوله أشرق نورها يحتمل ثلاثة أمور :
الأول : ان هذه القصيدة كانت موجودة عنده منذ زمن ثم أظهرها كما يقال للشمس الغائبة حينما تظهر أشرقت .
الثاني : أشرق نورها أي خروجها إلى الوجود كخروج اليوم إلى الدنيا وعليه فلا حاجة إلى سوق المبررات الآنية وإن أفادت في غيره من المواطن .(466/58)
الثالث: أنها أشرقت لقوة معانيها تشبيهاً لها بضوء الشمس القوي الذي إذا ظهر أمات كل ضوء ، وأعدم كل نور ، وكذلك هذه القصيدة ، فإن قيل هل يصح ان يمدح الناظم نفسه بهذه الطريقة ؟
فالجواب أن هذا المدح ليس منهياً عنه فقد جرى عليه العلماء كابن مالك عندما قال:
وتقتضي رضا بغير سخط **** فائقة ألفية ابن معط .
وقال السيوطي :
فائقة ألفية ابن مالك **** لكونها واضحة المسالك
وقال أيضاً :
فائقة ألفية الوافي **** في العظم والأيجاز واتساق
وللأجهوري المالكي ألفية وقال في أولها فائقة ألفية ابن مالك (1) .
فإن قيل ألا يدخل ذلك في قوله تعالى : ? ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ?
فالجواب :
_____________________________________________________
(2) ... ذكره الخضري في حاشيته على ابن عقيل (1/12)
3- ... أن هذه تزكية للعمل وليس للنفس .
4- ... أن مدح النفس يكون مذموماً إذا قصد الرجل به التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل فقوله تعالى ? فلا تزكو أنفسكم ? المراد منه تزكية النفس حال كونها غير متزكية والدليل عليه قوله تعالى بعده ?هو أعلم بمن اتقى? أما لو كان الإنسان عالماً بأنه حق وصدق فهذا غير ممنوع (1) ولقوله تعالى عن يوسف عليه السلام ?إني حفيظ عليم ?
وقوله ( عينان فيها للهدى نونان ) فالمراد بالنونين نون النونية ، ونون القرني ، وأما قول ( عينان ) فقد سنه الناظم كمال الهدى بالنونية بكمال الإبصار بالعينين وذلك لما احتوت عليه القصيدة من المعاني .
_____________________________________________________
(2) ... النجم 32 .
(3) ... تفسير الرازي (18/129) .
12- نسجت بعون الله من برد الهدى **** قد جاء هذا الفيض من حسان
قوله ( نسجت ) النسج معروف ، وعامله النساج ، والشاعر ينسج الشعر (1)
وقوله ( بعون) أي مستعيناً بالله فالبار للاستعانة (2) .(466/59)
وقوله ( من برد الهدى ) شبه الهدى بما يحله من دفء الإيمان بالبرد الذي يكسى الإنسان (3) فيحميه وإضافة المشبه له إلى المشبه من باب لجين الماء وهو فرع من فروع التشبيه البليغ .
( والفيض ) هو الكثير ، والغيض : القليل (4) ، وفاض أي المال إذا سال (5) ، فشبه الناظم شعره بسيلان الماء بجامع أن كلا منهما غزير وصاف ليس فيه ما يشوبه لأنه تكلم عن عقيدة صافية وفي تتابع الخواطر وعدم انقطاعها كسيلان الماء المتصل ، وفي عذوبة الألفاظ وحلو المعاني ما يشبه الماء أيضاً ، وفي قوة الحجة واندفاعها على الخصم كسيلان الماء فهو مشبه بالماء من وجوه عديدة .
( وحسان ) هو : حسان بن ثابت بن المنذر (6) : بن حرام بن عمرو بن زيد بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم النجاري ، _____________________________________________________
(7) ... المحيط (7/14) ، وتهذيب اللغة (10/591) .
(8) ... الرسالة الكبرى في البسملة ص3 للصبان ص45
(9) ... هذا إذا كان بضم الباء كما في المحيط (9/296) ، وتهذيب اللغة (14/014) .
(10) ... المحيط (1/51).
(11) ... التهذيب (12/77) .
(12) ... أسد الغاية ت (1123) ، التاريخ لابن معين (2/107) ، تاريخ خليفة (202) ، التاريخ الكبير (3/29) ، الجرح والتعديل (3/233) ، الأغاني (4/134-169) ، تهذيب الكمال (6/16) ، تهذيب التهذيب (2/247-248) ، خلاصة تهذيب الكمال 75، شذرات الذهب (1/41،60) ، الاستيعاب على حاشية الإصابة (1/335) .
شاعر رسول الله ? .
وأمه الفريعة - بالفاء والعين المهملة مصغراً – بنت خالد بن حبيش بن لوذان ، خزرجية أيضاً .
أدركت الإسلام فأسلمت وبايعت . وقيل : هي أخت خالد لا ابنته .
يكنى : أبا الوليد ، وهي الأشهر ، وأبا المضرب ، وأبا الحسام ، وأبا عبدالرحمن .
روى عن النبي ? أحاديث ، روى عنه سعي بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، وآخرون .(466/60)
قال أبو عبيدة : فضل حسان بن ثابت على الشعراء ثلاث : كان شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي ? في أيام النبوة ، وشاعر اليمن كلها في الإسلام ، وكان مع ذلك جباناً .
وفي الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب قال : مرّ عمر بحسان في المسجد وهو ينشد فلحظ إليه فقال : كنت أنشد وفيه من هو خير منك ، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال : أنشدك الله ، أسمعت النبي ? يقول :" أجب عني " ، اللهم أيده بروح القدس " (1)
والجمهور على أنه عاش مائة وعشرين سنة .
فإن قيل لماذا ذكر الناظم أن فيضه قد حار من حسان ؟
___________________________________________________
(1) ... أخرجه الحاكم في المستدرك (3/335) عن عبدالله بن عمر بلفظه وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والنسائي (2/48) كتاب المساجد باب 24 الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد حديث رقم 716 ، وأحمد في المسند (2/269)، البيهقي في السنن الكبرى (2/448) ، (10/126،237) وعبد الرزاق في المصنف حديث رقم 20509 .
فالجواب :
4- ... لأن النبي ? دعا لحسان فقال : اللهم أيده بروح القدس فأراد متابعته للدخول معه في النصرة التي سألها رسول الله ? .
5- ... إما لأن حسان كان شاعر اليمن والناظم من قحطان فاشتركا نسباً (1) .
6- ... أو أن حساناً شاعر إسلامي فكذلك الناظم .
_____________________________________________________
(2) ... فحسان خزرجي والخزرج في بطن من الأنصار وهم من قحطان كما في الأنساب (5/109).
13- شرفت عن الإطراء صدق قولها ... **** ... وحديثها قبس من القرآن
ومعنى البيت أن هذه القصيدة شرفت عن الإطراء والمدح لأنها مأخوذة من الكتاب العزيز لقول الناظم ( وحديثها قبس من القرآن ) .
ويقتبسها أي يأخذها (1) ، وهذا هو موضع الإطراء فيها إذ أنها مأخوذة مما تعالى عن الإطراء وهو القرآن ومن ثم فقد كان للتابع حكم المتبوع في التعالي عن الإطراء .(466/61)
_____________________________________________________
(2) ... تهذيب اللغة ( 8/419) .
14- ما لامرء القيس المضلل لوثه ... **** ... فيها ولا الأعشى ولا القباني
لما ذكر الناظم أن قصيدته ماخوذة من قبس القرآن معنى ومن قبض حسان نظماً ؟
أراد أن ينفي أي لوثة لشعراء الضلال فيها .
فإن قيل ألا يكفي البيت السابق في إثباته أنها من القرآن ؟
فالجواب :
ان الإثبات لا يمنع غيره بخلاف الجمع بين النفي والإثبات (1) . ، ولأنها نظم فشابهت ما وقع في النظوم فأبان إختلفها في غرضها وما اشتملت عليه عن أغراض الشعراء الممقوتة الذي جاء فيها قوله تعالى ?والشعراء يتبعهم العادون? فكأنها نظم لها وصف الحكمة الثابت في قوله ? " إن من الشعر لحكمة " وانتفى عنها وصف الضلالة الثابت في الآية السابقة وأتى تأكيدا للنفي بمخالفة هدى كبرائهم .
ثم ذكر ثلاثة من الشعراء اشتهروا بالمجون والضلالة وهم :
ب ... امرؤ القيس (2) من 497م إلى 545م وهو :
امرؤ القيس ابن حجر بن الحارث الكندي (3) ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يمانيّ الأصل ، مولده بنجد ، أو بمخلاف السكاسك باليمن ، اشتهر بلقبه ، واختلف المؤرخون في اسمه ، فقيل حُنْدُج وقيل مليكة وقيل عديّ ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر ، ثم جعل ينتقل في أحياء العرب ،يشرب ويطرب ويغزو ويلهو ، إلى ان ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه ، فبلغ ذلك امرأ القيس وهو جالس للشراب فقال : رحم الله أبي ! ضيعني صغيراً وحملني دمه
_____________________________________________________
(3) ... انظر تقريب التدمرية للعلامة لعثيمين ص20 .
(4) ... الشعر والشعراء لابن قتبة (1/107) ، الأعلام للزركلي (2/11) ، وأدباء العرب لبطرس البستاني (1/97) ، الأغاني ( 9/84) .
كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكر غداً! اليوم خمراً وغداً أمر ! ، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد ، وقال في ذلك شعراً كثيراً .(466/62)
وكانت حكومة فارس ساخطة على آباء امرئ القيس فأوعزت إلى المنذر ( ملك العراق ) بطلب امرئ القيس ، فطلبه ، فابتعد ، وتفرق عنه أنصاره ؛ فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل ، فأجاره . فمكث عنده مدة ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس فقصد الحارث ابن ابي شمر الغساني ( والي بادية الشام ) فسيره هذا إلى قيصر الروم في القسطنطينية فوعده ومطله ثم ولاه آمرة فلسطين ولقبه بالوالي (1) .
ووصف الناظم امرىء القيس بالمضلل لأنه لقبه ولقب بذلك لأنه ترك ملكه وتوجه إلى قيصر يطلب منه جيشاً يأخذ به ثأر أبيه من بني أسد وقد قال الشاعر :
ولم ترد على الضليل صحته **** ولا ثنت أسداً على ربها حُجُر
قال النويرى : الضليل الذي أشار إليه هو امرؤ القيس ثم ذكر سبب لقبه (2) .
أما الأعشى ت سنة 629هـ فهو :
ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، أبو بصير ، المعروف بأعشى قيس ، ويقال له أعشى بكر بن وائل ، والأعشى الكبير : من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية ، وأحد أصحاب المعلقات . كان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس ، غزير الشعر ، يسلك فيه كل مسلك ، وليس لأحد ممن عرف قبله أكثر شعراً منه . وكان يعني بشعره فسمي " صَنَّاجة العرب " .
_____________________________________________________
(2) ... وإذا أطلق فإنه ينصرف أبى الكندي ، وهناك امرؤ القيس الأول والثاني والثالث ، فانظر ترجمتهم في الاعلام (2/12) .
(3) ... نهاية الأرب للنويرى (5/190) ، معجم ألقاب الشعراء للعاني ص226
قال البغدادي : كان يفد على الملوك ولا سيما ملوك فارس ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره .
عاش عمراً طويلاً ، وأدرك الإسلام ولم يسلم ولقب بالعشى لضعف بصره وعمي في أواخر عمره .
مولده ووفاته في قرية " منفوحة " باليمامة قرب مدينة " الرياض " وفيها داره ، وبها قبره . أخباره كثيرة ، ومطلع معلقته :
ما بكاء الكبير بالأطلال **** وسؤالي وما ترد سؤالي (1)(466/63)
ولقب بذلك لضعف بصره (2) .
وأما القباني :
_____________________________________________________
(1) ... الأعلام (7/341) ، ومعاهد التصنصيص (1/196)، الشعر والشعراء (1/257)، والأغاني (9/121) ، وخزانة الأدب (1/84) .
(2) ... معجم ألقاب الشعراء للعاني ص24 .
15- وعكاظ لم تسمع بمثل دوبها ... **** ... نسخت قريض النابغ الذبياني
وامتدح الناظم هنا قصيدته بأن عكاظ لم تسمع مثلها ولا قوتها .
وعكاظ هي المعرض العربي العام أيام الجاهلية ، معرض بكل ما لهذه الكلمة من مفهوم لدينا نحن أبناء هذا العصر : فهي مجمع أدبي لغوي رسمي ، له محكمون تضرب عليهم القباب ، فيعرض شعراء كل قبيلة عليهم شعرهم وأدبهم ، فما استجادوه فهو الجيد ، وما بهرجوه فهو الزائف .
وحول هذه القباب الرواة والشعراء من عامة الأقطار العربية ، فما ينطق الحكم بحكمه حتى يتناقل أولئك الرواة القصية الفائزة فتسير في أغوار الجزيرة وأنجادها ، وتلهج بها الألسن في البوادي والحواضر . يحمل إلى هذه السوق التهامي والحجازي والنجدي والعراقي واليمامي واليمني والعماني ، كل ألفاظ حية ولغة قطره ، فما تزال عكاظ بهذه اللهجات نخلاً واصفاء حتى يتبقى الأنسب الرشق ويرح المجفو الثقيل (1) .
وقوله ( نسخت قريض النابغ الذبياني ) أي نسجت على منواله في الحسن وسلامة العبارة وصحة الغرض غير أنها لاحقة وهو سابق فكانت كالناسخة لما جاء به لاشتراط التأخر في الناسخ .
والقريض هو الشعر ومنه قول المتنبي :
وشعر مدحتُ به الكركرنّ **** بين القريض وبين الرقى (2)
_____________________________________________________
(4) ... أسواق العرب لأفغاني ص277 ، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (7/377) .
(5) ... ديوان المتنبي بشرح العكبري ص43 ، والعرف الطيب ص566 ، والمحيط (5/249)، والتهذيب (8/340) .
والنابغة الذبياني ( ت سنة 604م ) هو :(466/64)
زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة : شاعر جاهلي ، من الطبقة الأولى من أهل الحجاز كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها .
وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابعة وكان أبو عمرو ابن العلاء يفضله على سائر الشعراء وهو أحد الأشراف في الجاهلية .
وكان حظياً عند النعمان بن المنذر ، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة ( زوجة النعمان ) فغضب النعمان ، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام ، وغاب زمناً ثم رضى عنه النعمان ، فعاد إليه (1) .
واختلف في السبب الذي من اجله لقب بالنابغة على قولين :
3- ... أنه لقوله : فقد نبغت لنا منهم شؤون (2) .
4- ... انه بسبب نبوغه في الشعر بعدما كبر في السن (3) .
_____________________________________________________
(3) ...
(4) ... الأغاني (11/3) ، أدباء العرب للبستاني (1/185)، ألقاب الشعراء ص
(5) ...
16- كالسيف جُرِّد مُصْلتاً يهوي على **** هام الأراذل ثلةِ الخسران(466/65)
لا زال كلام الناظم في وصف قصيدته حيث شبهها هنا بالسيف الذي جُرَّد من غمده إشارة منه إلى بدء معركته مع الخصوم، وكمال استعداده لها، ثم بين ان هذا السيف مصلت أي أملس لكي يكون أمضى في الضرب(1) ،وتتمة البيت فيه بيان لمحل استخدام السيف حيث جعله على هام الأراذل ،والهام هم جماعة من الناس بعد جماعة(2) أي أنهم كثيرون كما بين ذلك بقوله ثلة لأن معناها جماعة من الناس كثيرة(3) ويؤيد ذلك قوله تعالى:?ثلة من الأولين وقليل من الآخرين?(4) حيث قوبل لفظ (ثلة) بلفظ (قليل) للإشارة إلى ان الثلة أكثر منه وهذا التفسير للثلة على أحد القولين عند أهل اللغة وعليه جرى ابن عباد كما نقلناه عنه ،والقول الثاني ان الثلة اسم للجماعة من الناس مطلقاً قليلاً كانوا أو كثيراً، وهذا هو قول الفراء وأهل اللغة والراغب وصاحب لسان العرب وصاحب القاموس والزمخشري في الأساس ،وقال الزمخشري في الكشاف إن الثلة :الأمة الكثيرة من الناس ومحمله على أنه أراد به تفسير معناها في هذه الآية لا تفسير الكلمة في اللغة(5) ثم أضافها الناظم إلى الخسران وسيأتي أنهم أهل البدع
____________________________________________________________
(1) ... المحيط (8/120) ، وتهذيب اللغة (12/135) .
(2) ... المحيط (4/85) .
(3) ... المحيط (10/127) .
(4) ... سورة الواقعة ، 13 – 14
(5) ... التحرير والتنوير لابن عاشور (27/290) ، وتفسير الرازي (29/130) ، وتفسير الألوسي (27/134) .
17 - في كَفِ صنديدٍ له من بأسه **** يوم الوغى وثباتِه درعان
بعد أن ذكر الناظم في البيت السابق ان القصيدة كالسيف ، والسيف لابد له من حامل قد يُتوهم أن حامله لا يكون ذا صنعة في حمله ، ولا ذا معرفة في المبارزة به كما قال المتنبي :
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا **** إذا لم يكن فوق الكرام كرام
وقال المتنبي أيضاً :
إن السلاح جميع الناس تحمله **** وليس كل ذوات المخلب السبع(466/66)
دفع الناظم هذا الوهم بقوله ( في كف صنديد ) وجمعه صناديد وهم السادات ، والأجواد ، وحماة العسكر(1).
وتتمة البيت بيان من الناظم أن له درعين ، درعاً لثباته حيث يستعين به على الإقدام ، ورد كيد الخصوم ، ودرعاً آخر لما يجده من البأس والمشقة والمحن فيدفعها بهذا الدرع .
والوغى : الحرب (2) ، وقد ذكرنا ان حرب الناظم مع أهل البدع والضلالة فسيفه قلمه ، والدرعان هما درع العلم ، ودرع الإيمان والتقوى فبالدرع الأول يستعين على رد كيد الخصوم ، وبالدرع الثاني يستعين على نوائب الأيام وما أكثرها .
_______________________________________________
(1) ... التهذيب (12/144) .
(2) ... المرجع السابق (8/223) .
18- كعصا كليم الله تلقفُ كُلَّما **** صنعوا من التدجيلِ والبهُتْانِ
في هذا البيت شبه الناظم سيفه بعصا موسى عليه السلام بجامع محو الدجل أي الكذب(1) والبهتان والباطل دوماً لدلالة كلما عليه حيث انه لفظ مؤلف من (كل) ومن ( ما ) المصدرية الظرفية وهي أداة تفيد التكرار في جملة واحدة ولا يليها إلا الفعل الماضي في أغلب الأحيان(2) فكلما صنعوا باطلاً فإن سيف الناظم أي قلمه سوف يكون لهم بالمرصاد .
_______________________________________________
(1) ... المحيط (7/44) .
(2) ... المعجم المفصل في الإعراب د 0 إميل ص354 .
19- سلفيةُ تهوي على قِرن الوغى **** بالطعنِ قَبْل تطاعنِ الأقرانِ
في هذا البيت وصف الناظم القصيدة بكونها سلفية ( فسلفية ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره القصيدة ، ومراده مضمونها حيث حوت معتقد السلف وطريقتهم .
وقوله ( قرن ) بكسر القاف من يقاوم في بطش أو قتال(1) أو هو الكفء في الحرب(2).(466/67)
وقوله ( بالطعن قبل تطاعن الأقران ) أي ان القصيدة سوف تهوي وتسقط على أهل الباطل قبل تطاعن الأقران ،كناية عن سرعة ضربه الخصوم لكون ذلك من المسارعة في الخيرات ،وفي البيت تفضيل الناظم نفسه على الخصوم بحسن التدبير ، ودقة الرأي قبل أن يصرح القتال .
____________________________________________________
(1) ... المحيط (5/388) .
(2) ... شرح البرقوفي على المتنبي (4/308 ) .
20- حُبِكَتْ برأيِ بالسدادِ مُتوَّجُ **** والرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ
لما ذكر الناظم في البيت السابق سرعة انتصاره على أهل الباطل قد يظن الظان ان هذه الشجاعة الصادرة منه لم تصدر عن عقل راجح ، ومعرفة تامة فدفع هذا الظن بقوله ان طعنه في الخصوم بسرعة مبني على الرأي المسدد لا على التهور والعجلة ، وضعف البصيرة ، وقلة البضاعة .
وقوله ( حبكت) مأخوذ الحبْك وهو إجادة النسج ، وإتقان الصنع (1) وهو المعنى الذي ذكرناه .
والشطر الثاني من البيت مأخوذ من قول المتنبي ومراده ان العقل مقدم على الشجاعة فان الشجاعة إذا لم تصدر عن عقل أتت على صاحبها فأهلكته (2).
والشطر الثاني من البيت السابق مأخوذ من قول المتنبي لكن استبدل الناظم (بالطعن) بدلاً من قول المتنبي ( بالرأي ) .
____________________________________________________
(1) ... التحرير والتنوير (26/341) .
(2) ... شرح المتنبي للواحدي (2/847) ، والبرقوقي (4/307) .
21- أرمي بها أهلَ الضلالِ من الألى **** ضجوا ببدعتهم مَعَ الشنئانِ
بعد أن انتهى الناظم من وصف النونية بعدة أوصاف في عشرة أبيات سابقة فإن السؤال الذي سيرد إلى الأذهان : إلى من ستوجه هذه القصيدة ؟ ومن الذي سيحاربهم الناظم ؟ وما هو سبب المعركة ؟ فأجاب في هذا البيت ان المقصودين هم أهل الضلال الذين ضجوا أي صاحوا(1) ببدعتهم مع الشنئان أي مع بغضهم(2) ويحتمل أمرين :
الأول : بغض المؤلف لهم أي يرميهم وهو يبغضهم .(466/68)
الثاني : بغض أهل البدع للمؤلف والمعنى انه سيرمهم ومع الرمي سيزول بغضهم ضرورة كونهم قد زالوا وانقضوا .
وأما البدعة فضابطها التعبد لله بما لم يشرعه الله ، وإن شئت فقل : التعبد لله بما ليس عليه النبي ? ولا خلفاؤه الراشدون(3).
________________________________________
(1) ... المحيط (6/385) .
(2) ... التهذيب (11/421) .
(3) ... المجموع الثمين للعلامة العثيمين ص29 .
22- فإلاهُنا الرحمنُ جَلَّ جلالُه **** وإمامُنا المبعوثُ ذو الفرقان
في هذا البيت يبين المؤلف ان ثقته السابقة من النصر ، ورميه أهل الضلال سببه أمران :
الأول : ان معبوده الحق هو الرحمن الذي بيده ملكوت كل شيء فالمستعين به منصور بلا شك .
قال تعالى : ? إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون ? [ الصافات : 172] وأما المبطلون فإنهم مهزومون لكون اعتمادهم على أهوائهم وعقولهم .
ومن استعان بغير الله في طلبٍ **** فإن ناصره عجز وخذلان
الثاني : إن قدوته في ذلك هو الرسول ? الذي فرق بين الحق والباطل فاتِّباعه له سبب في النصرة وهذان عُرفا من قول المؤلف ( فإلاهنا ) فإن الفاء للعلة كما في الحديث ( اعتقها فإنها مؤمنة ) فترتيب الحكم على الوصف بالفاء يدل على الِعلَّية كما يقول الأصوليون .
23 – وصحابة المختار أفضلنا وهم **** نور الدجى ونجوم كل زمان
في هذا البيت إشارة من المؤلف إلى أن منهجه تبع لما عليه الصحابة ، والتابعون كما في البيت القادم ، وما عليه أئمة السلف كما في الأبيات القادمة .
وقوله ( وصحابة المختار ) أي صحابة الرسول ? فهو المختار من رب العالمين والذي ختم به الرسالات .
والصحابي هو من لقي النبي ? مؤمناً به ، ومات على الإسلام ، ولو تخللت ردة في الأصح(1) .
قال شيخ الإسلام في الواسطية :(466/69)
ومن نظر في سيرة القوم بعلمٍ وبصيرةٍ ، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل ؛ علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله(2)
( ونور الدجى ) وصف للصحابة ، والدجى : الظلمة(3).
وقوله ( نجوم كل زمان ) أي لديمومة اتباعهم ، وعدم الخروج عن مسلكهم وطريقتهم ، وتشبيه الصحابة بالنجوم مأخوذ من الحديث الصحيح الذي قال فيه النبي ? : " النجوم أمنةٌ للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنةٌ لأمتي
____________________________________________________
(1) ... نزهة النظر للحافظ ابن حجر ص149 .
(2) ... الواسطية مع التنبيهات السنية لعبدالعزيز الرشيد ص321 .
(3) ... التهذيب (11/162) .
فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعدون .
و ( قوله : " النجوم أمنة للسماء " أي : ما دامت النجومُ فيها لم تتغير بالانشقاق ، ولا بالانفطار ، فإذا انتثرتْ نجومها ، وكورت شمسها ، جاءها ذلك ، وهو الذي وعدت به .
و ( قوله : " وأصحابي أمنة لأمتي " ) يعني : أن أصحابه ما داموا موجودين كان الدينُ قائماً ، والحق ظاهراً والنصرُ على الأعداء حاصلاً ، ولما ذهب أصحابه غلبتِ الأهواء ، وأديلت الأعداء ، ولا يزال أمرُ لدين متناقصاً ، وجده ناكصاً إلى أن لا يبقى على ظهر الأرض أحد يقول : الله ، الله وهو الذي وعدت به أمته والله تعالى أعلم(1)
وأما ( أصحابي كالنجوم ) فهو حديث لا يصح(2).
_________________________________________________
(1) ... شرح القرطبي على مسلم (6/485) والابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج للغماري ص207 .
(2) ... انظر الكلام عليه في :
موافقة الخُبر الخَبر للحافظ ابن حجر (1/145) والتلخيص الحبير (4/209) ، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة رقم 58 : إنه موضوع .(466/70)
24-والراشدون معالم مرضية **** وهم الهداة وشامة البلدان
قوله ( والراشدون ) من باب عطف الخاص على العام .
وقوله ( هم الهداة ) أي هداية الدلالة والبيان والإرشاد لا هداية التوفيق والإلهام الذي لا يقدر عليه غير الله عز وجل .
والقسم الأول يقدر عليه الرسل وأتباع الرسل ممن يجعله الله سبباً لهداية شخص أو أشخاص . قال الله تعالى : ( ولكل قوم هاد ) وقال : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) وقال ? لعلي رضي الله عنه " لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " .
ومن هذا القسم قوله تعالى: ?وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى? أي بينا لهم ودللناهم وأرشدناهم فلم يهتدوا وهذه التي بعثت بها الرسل لتدل الأمم إليها وتدعوهم إلى قبولها فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة .
وأما القسم الثاني : فلا يقدر عليه إلا الله مختص بمن يشاء الله هدايته ودليله قوله تعالى : ? إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ? وقوله ? فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ? وهذه خاصة يتفضل بها على من يشاء من عباده وهو أعلم بالمهتدين(1)
وقوله ( شامة البلدان ) مأخوذ من الوشم وهو ما توشم به اليد ونحوها(2).
________________________________________________
(1) ... الكواشف الجلية للسلمان ص21 .
(2) ... المحيط (7/397) .
وهي تلصق في اليد ويصعب إزالتها ، والجامع بينهما ان الخلفاء الراشدين شامة البلدان فيصعب أن ينكر خلافتهم أحد ولهذا قال شيخ الإسلام : ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله(1)
_________________________________________________
(1) ... الواسطية مع التنبيهات السنية ص309 .
25- والتابعون لهم بإحسان على **** مر العصور منائر الرضوان
والتابعي هو من لقي الصحابي كما قال الحافظ في النخبة.(466/71)
والاحسان : هو العمل الصالح . والباء للملابسة . وإنما قيد الناظم التابعين بإحسان ولم يقيده في الصحابه لأن السابقين الأولين ما بعثهم على الإيمان إلا الإخلاص ، فهم محسنون ، وأما الذين اتبعوهم فمن بينهم من آمن اعتزازاً بالمسلمين حين صاروا أكثر أهل المدينة ، فمنهم من آمن وفي إيمانه ضعف وتردد ، مثل المؤلفة قلوبهم ، فربما نزل بهم إلى النفاق وربما ارتقى بهم إلى الإيمان الكامل ، وهم المذكورون مع المنافقين في قوله تعالى : ? لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ? فإذا بلغوا رتبة الإحسان دخلوا في وعد الرضى من الله وإعداد الجنات (1)
وقوله ( منائر ) جمع منارة والألف فيها أصلية فالقياس أن يقول : مناور ، كمفازة ومفاوز وفي هذا يقول ابن مالك :
والمد زيد ثالثاً في الواحد **** همزاً يُرى في مثل كالقلائد
إلا أنه سمع شذوداً منائر (2) وعليه فالسماع يصححه والشذود لا يعني عدم الصحة كما هو معلوم ومقرر لكون الشاذ هو ما خالف القياس أي القواعد العامة(3) .
________________________________________________
(1) ... التحرير والتنوير (11/18) .
(2) ... حاشية الصبان على ألشموني (4/289) ، والنحو الوافي لعباس حسن (4/763) .
(3) ... ظاهرة الشذود في النحو العربي د 0 فتحي الرحيني ص33 ، المزهر في اللغة للسيوطي (1/230) .
26- وأئمة السلف الكرام شيوخنا **** كأبي حنيفة الأبي النعمان
يقصد بالسلف على ما قاله السفاريني :
ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وأعيان التابعين لهم بإحسان واتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظم شأنه في الدين وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف دون من رمى ببدعة ، أو شهر بلقب غير مرضي مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرامية ونحو هؤلاء(1) .
وقيل هم من كانوا قبل الخمسمائة ، وقيل القرون الثلاثة الصحابة ، والتابعون ، وأتباع التابعين(2) .(466/72)
وفي هذا البيت بيان من المؤلف وإقرار ان شيوخه هم أئمة السلف ثم بدأ بهم وسنذكر تراجمهم باختصار من غير إشارة إلى المصادر لكثرتها فنكتفي بأعلام الزركلي ، ووفيات ابن خلكان .
فأبو حنيفة ولد سنة 80هـ وتوفى سنة 150هـ .
وهو النعمان بن ثابت ، التيمى بالولاء ، الكوفي ، أبو حنيفة : إمام الحنفية ، الفقيه المجتهد المحقق ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة قيل : أصله من من أبناء فارس ولد ونشأ بالكوفة . وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ، ثم انقطع للتدريس والإفتاء . وأراده عمر بن هبيرة ( أمير العراقين ) على القضاء ،
________________________________________________
(1) ... لوامع الأنوار (1/20) .
(2) ... شرح جوهرة التوحيد للبيجوري ص91 .
فامتنع ورعاً . وأراده المنصور العباسي بعد ذلك على القضاء ببغداد ، فأبى ، فحلف عليه ليفعلن ، فحلف أبو حنيفة أنه لا يفعل ، فحبسه إلى أن مات ( قال ابن خلكان : هذا هو الصحيح ) وكان قوي الحجة ، من أحسن الناس منطقاً ، قال الإمام مالك ، يصفه : رأيت رجلاً لو كلمته في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته ! وكان كريماً في أخلاقه ، جواداً ، حسن المنطق والصورة ، جهوري الصوت ، إذا حدث انطلق في القول وكان لكلامه دويّ وعن الإمام الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة .
27- وكمالك وابن المسيب قبله **** مع أحمد قل طاب سفيانان
مالك بن أنس ولد سنة 93هـ وتوفى سنة 179هـ .(466/73)
وهو مالك بن أنس مالك الأصبحي الحميري ، أبو عبدالله : إمام دار الهجرة ، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، وإليه تنسب المالكية . مولده ووفاته في المدينة . كان صلباً في دينه ، بعيداً عن الأمراء والملوك ، وشى به إلى جعفر عم المنصور العباسي ، فضربه سياطاً انخلعت لها كتفه . ووجه إليه الرشيد العباسي ليأتيه فيحدثه ، فقال : العلم يؤتى ، فقصد الرشيد منزله واستند إلى الجدار ، فقال مالك : يا أمير المؤمنين من إجلال رسول الله إجلال العلم ، فجلس بين يديه ، فحدثه وسأله المنصور أن يضع كتاباً للناس يحملهم على العمل به ،
وأما سعيد بن المسيب فولد سنة 13 وتوفى سنة 94هـ ولهذا قال الناظم ( وقبله ) أي قبل مالك بن أنس .
وهو سعيد بن المسيب بن حَزْن بن أبي وهب المخزومي القرشي ، أبو محمد : سيد التابعين ، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع ، وكان يعيش من التجارة بالزيت ، ى يأخذ عطاءاً وكان أحفظ الناس لأحكام عمر ابن الخطاب وأقضيته ، حتى سُمي راوية عمر .
أما الإمام أحمد فقد ولد سنة 164هـ وتوفى سنة 241هـ
وهو أحمد بن محمد بن حنبل ، أبو عبدالله ، الشيباني الوائلي : إمام المذهب الحنبلي ، وأحد الأئمة الأربعة ، أصله من مرو ، وكان أبوه والى سرخس وولد ببغداد . فنشأ منكباً على طلب العلم ، وسافر في سبيله أسفاراً كبيرة إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والمغرب والجزائر والعراقين وفارس وخراسان والجبال والأطراف .
وفي أيامه دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن ومات قبل أن يناظر ابن حنبل ، وتولى المعتصم فسجن ابن حنبل ثمانية وعشرين شهراً لامتناعه عن القول بخلق القرآن ، وأطلق سنة 220هـ – ولم يصبه شر في زمن الواثق وولي أخوه المتوكل ابن المعتصم أكرم الإمام ابن حنبل وقدمه ، ومكث مدة لا يولي أحداً إلا بمشورته ، وتوفى الإمام وهو على تقدمه عند المتوكل .
وأما السفيانان فهما :(466/74)
سفيان الثوري ولد سنة 97هـ ، وتوفى سنة 161هـ .
وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، من بني ثور بن عبد مناة ، من مضر ، أبو عبدالله : أمير المؤمنين في الحديث كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى . ولد ونشأ في الكوفة وراوده المنصور العباسي أن يلي الحكم فأبى ، وخرج من الكوفة ، (سنة 144هـ ) فسكن مكة والمدينة . ثم طلبه المهدي فتوارى وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفياً .
وسفيان بن عيينة ولد سنة 107هـ ، وتوفى سنة 198هـ .
وهو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي ، أبو محمد : محدّث الحرم المكي . من الموالي . ولد بالكوفة ، وسكن مكة وتوفى بها . كان حافظاً ثقة ، واسع العلم كبير القدر ، قال الشافعي : لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز .
28- والشافعي مع الهمام الأوزعي **** من نسل أوزاعٍ وحمادان
الشافعي ولد سنة 150هـ ، وتوفى سنة 204هـ .
وهو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي ، أبو عبدالله : أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة . وإليه نسبة الشافعية كافة . ولد في غزة ( بفلسطين ) وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين وزار بغداد مرتين وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها ، وقبره في القاهرة . قال المبرد : كان الشافعي أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراآت . وقال الإمام ابن حنبل : ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منة . وكان من أحذق قريش بالرمي ، يصيب من العشرة عشرة ، برع في ذلك أولا كما برع في الشعر واللغة وأيام العرب ، ثم أقبل على الفقه والحديث ، وأفتى وهو ابن عشرين سنة وكان ذكياً مفرطاً .
والأوزاعي ولد سنة 88هـ ، توفى سنة 157هـ .
وهو عبدالرحمن بن عمرو بن يُحْمِد الأوزاعي ، من قبيلة الأوزاع ، أبو عمرو : إمام الديار الشامية في الفقه والزهد ، ولد في بعلبك ، ونشأ في البقاع ، وسكن بيروت وتوفي بها . وعرض عليه القضاء فامتنع .(466/75)
وذكر الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " أن الأوزاعي دخل الحمام ببيروت وكان لصاحب الحمام شغل ، فأغلق الحمام عليه وذهب ، ثم جاء ففتح الباب فوجده ميتاً ، قد وضع يده اليمنى على خده وهو مستقبل القبلة ؛ وقيل إن امرأته فعلت ذلك ، ولم تكن عامدة لذلك ، فأمرها سعيد بن عبدالعزيز بعتق رقبة .
وقوله ( من نسل أوزاع ) الأوزاع : قبيلة من اليمن ، اختلف النسابون فيهم ، فقالوا : بطن من همدان ، من القحطانية وقالوا بطون من حمير ، وقالوا : بطن من ذي الكلاع من حمير وقالوا نسبتهم إلى حمير ، ولكن عدادهم في همدان سموا بذلك لأنهم تفرقوا وقد نزلوا ناحية من الشام فسميت الناحية بهم وهي قرية على باب دمشق من جهة باب الفراديس(1).
وأما الحمادان فهما حماد بن سلمه ، وحماد بن زيد
فحماد بن سلمه توفى سنة 167هـ .
وهو حماد بن سلمة بن دينار البصري الربعي بالولاء ، أبو سلمة : مفتي البصرة ، وأحد رجال الحديث ، ومن النحاة . كان حافظاً ثقة مأموناً إلا أنه لما كبر ساء حفظه فتركه البخاري ، وأما مسلم فاجتهد وأخذ من حديثه بعض ما سمع منه قبل تغيره . ونقل الذهبي : كان حماد إماماً في العربية ، فقيهاً ، فصيحاً مفوهاً ، شديداً على المبتدعة .
وأما حماد بن زيد فولد سنة 98هـ وتوفى سنة 179هـ .
وهو حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي ، مولاهم البصري ، أبو إسماعيل : شيخ العراق في عصره من حفاظ الحديث المجودين يُعرف بالأزرق أصله من سبي سجستان ، ومولده ووفاته في البصرة وكان ضريراً طرأ عليه العمى ، يحفظ أربعة آلاف حديث خرج حديثه الأئمة الستة .
____________________________________________________
(1) ... معجم قبائل العرب لكحالة (1/149) ولب اللباب للسيوطي (2/81) .
29- أما ابن تيمية الإمام فحجة **** سمح الطريقة ساطع البرهان(466/76)
قوله ( أما ) إشارة إلى ان الذين سيأتون وإن كانوا على طريقة السلف من حيث الاعتقاد ، إلا أنهم ليسوا منهم من حيث الزمان كما ذكرنا سابقاً في تعريف السلف اصطلاحاً .
وقوله عن شيخ الإسلام ( سمح الطريقة ) أي سهل(1) الطريقة اتباعاً للشرع القويم فما جعل الله في الدين من حرج ، ولكن بناء شيخ الإسلام كان على أصول وقواعد حتى قيل إنه مجتهد مطلق ، ومن أشهر فتاواه اعتبار الطلاق الثلاث طلقة واحدة فما أحوج الناس اليوم إلى هذا التسهيل والتيسير الموجود في بحر علوم شيخ الإسلام في الوقت الذي كثرت فيه شرور الطلاق ومفاتنه . وقل وازع الناس الديني ، فتحطم بنيان الأسر ، وتشتت شمل الأولاد ، وحصل من الشر ما الله به عليم(2).
وقوله ( ساطع البرهان ) تأكيد لما ذكرناه من انه مع كونه سمح الطريقة إلا انه صاحب برهان ودليل ساطع .
30 – فاعرف أبا العباس حقاً إنه **** زين الشيوخ وقدوة الشبان
وصف الناظم شيخ الإسلام بأنه زين الشيوخ وقدوة الشبان لكي يسلكوا طريقته ويتبعوا نهجه في العلم والتقوى .
____________________________________________________
(1) ... ترتيب القاموس المحيط (2/608) .
(2) ... أصول الفقه وابن تيمية للدكتور صالح المنصور (2/803) .
31- لله درك من إمام عارف **** نشر الهدى ولصرح أحمد باني
( لله درك ) من الأساليب السماعية في التعجب .
قال الأزهري في التصريح (1) : والدر بفتح الدال المهملة وتشديد الراء في الأصل مصدر در اللبن يدر ويدر بكسر الدال وضمها درا ودرورا كثر ويسمى اللبن نفسه درا وهو هنا كناية عن فعل الممدوح الصادر عنه وإنما أضاف فعله إلى الله تعالى قصداً لإظهار التعجب منه لأنه تعالى منشىء العجائب فمعنى قولهم لله دره فارسا ما أعجب فعله ويحتمل أن يكون التعجب من لبنه الذي ارتضعه من ثدي أمه أي ما أعجب هذا اللبن الذي نزل به مثل هذا الولد الكامل في هذه الصفة .
وفي المحيط قال : ولله درك : أي عملك(2) .(466/77)
وقوله ( ولصرح أحمد باني ) يتحمل أمرين :
الأول : أنه بنى مذهبه في الفقه لكن هذا معارض بأن شيخ الإسلام درجته متأخرة في مذهب أحمد كما نقله المردواي في الإنصاف حتى أنهم قدموا عليه العلامة ابن رجب الحنبلي(3) ، ولعل السبب هو خروجه عن مشهور المذهب حتى قيل إنه مجتهد كما ذكرنا .
الثاني : أنه بنى مذهبه في الاعتقاد وهذا الاحتمال هو الأظهر لكون الناظم يتكلم عن الاعتقاد ، ولظهور هذا الأمر ، فشيخ الإسلام قد انتصر لما كان عليه الإمام أحمد في مسائل الاعتقاد كما هو بين لكل من يقرأ كتبه بعلم وعدل .
____________________________________________________
(1) ... التصريح (1/397) .
(2) ... المحيط (9/255) .
(3) ... الانصاف (1/17) .
وشيخ الإسلام ولد سنة 661هـ وتوفى سنة 728 هـ .
وهو أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن عبدالله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي ، أبو العباس ، تقي الدين ابن تيمية : الإمام ، شيخ الإسلام ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها ، فقصدها فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة ، ونقل إلى الإسكندرية ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة 712هـ ، واعتقل بها سنة 720 وأطلق ، ثم أعيد ، ومات معتقلاً بقلعة دمشق ، فخرجت دمشق كلها في جنازته كان كثير البحث في فنون الحكمة داعية إصلاح في الدين . آية في التفسير والأصول ، فصيح اللسان ، قلمه ولسانه متقاربان ، وفي الدرر الكامنة أنه ناظر العلماء واستدل وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرس وهو دون العشرين .
32- تلميذه يقظ إمام بارع **** صافي القريحة واضح التبيان
تلميذ شيخ الإسلام ، هو الإمام ابن القيم ،ووصفه الناظم بعدة أوصاف وهي :
ا- انه يقظ وهو نقيض النوم فابن القيم لا يكاد يعرف النوم ومؤلفاته التي تتصف بالتحقيق شاهدة على ذلك .
2- انه بارع وهذا الوصف يقال للأصيل الجيد الرأي(1).(466/78)
3- صافي القريحة ، والقريحة : أول ماء يستبط من البئر ، وأول كل شيء ، ومنك : طبعك(2).
4- كونه واضح التبيان في أسلوبه وعبارته وقد رزقه الله الفصاحة حتى كتب نونية تقارب ستة آلاف بيت بعبارات واضحة .
وابن القيم ولد سنة 691هـ ، وتوفى سنة 751هـ .
وهو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي ، أبو عبدالله ، شمس الدين : من أركان الإصلاح الإسلامي ، وأحد كبار العلماء مولده ووفاته في دمشق تتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه ، وسجن معه في قلعة دمشق ، وأطلق بعد موت ابن تيمية وكان حسن الخلق محبوباً عند الناس ، أغري بحب الكتب ، فجمع منها عدداً عظيماً ، وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً وألف تصانيف كثيرة .
___________________________________________________
(1) ... المحيط (2/34) .
(2) ... ترتيب القاموس المحيط (3/584) .
33- ومجدد الإسلام في هذا الورى **** أعني التميمي ناصر الإيمان
34- رحم الإله محمداً في لحده **** خضم الضلال مهدم الأوثان
35- في نجد أشرق نوره متوهجاً **** بل شع من هند إلى تطوان
تكلم الناظم عن الإمام محمد بن عبدالوهاب بأمور :
1- ... مجدد الإسلام في الناس .
2- ... ناصر الإيمان .
3- ... خضم الضلال ، والخضم هو الأكل بأقصى الأضراس(1).
4- ... مهدم الأوثان .
5- ... انتشار دعوته التي بدأت من نجد ووصلت إلى الهند(2) أي المشرق ، وإلى تطوان أي المغرب .
ومحمد بن عبد الوهاب ولد سنة 115هـ وتوفى سنة 1206هـ .(466/79)
وهو محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي النجدي : زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة في جزيرة العرب . ولد ونشأ في العيينة ( بنجد ) ورحل مرتين إلى الحجاز ، فمكث في المدينة مدة قرأ بها على بعض أعلامها وزار الشام ودخل البصرة فأوذي فيها . وعاد إلى نجد ، فسكن " حريملاء " وكان أبوه قاضيها بعد العيينة ثم انتقل إلى العيينة ناهجاً منهج السلف الصالح ، داعياً إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع وتحطيم ما علق بالإسلام من أوهام وارتاح أمير
____________________________________________________
(1) ... التهذيب (7/117) ، و المحيط (4/240) .
(2) ... ولأهل الهند اثنتان وأربعون ملة كما في الروض المعطار للحميري ص597 .(466/80)
العيينة عثمان بن حمد بن معمر إلى دعوته فناصره ، ثم خذله فقصد الدرعية (بنجد ) سنة 1157هـ ، فتلقاه أميرها محمد بن سعود بالإكرام ، وقبل دعوته وآزره كما آزره من بعده ابنه عبدالعزيز ثم سعود بن عبدالعزيز ، وقاتلوا من خالفه ، واتسع نطاق ملكهم فاستولوا على شرق الجزيرة كله ، ثم كان لهم جانب عظيم من اليمن وملكوا مكة والمدينة وقبائل الحجاز وقاربوا الشام ببلوغهم " المزيريب " وكانت دعوته وقد جهر بها سنة 1143هـ (1730م ) الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله : تأثر بها رجال الإصلاح في الهند ومصر والعراق والشام وغيرها ، فظهر الآلوسي الكبير في بغداد ، ومحمد عبده بمصر ، وجمال الدين القاسمي بالشام ، وخير الدين التونسي بتونس ، وصديق حسن خان في بهوبال ، وأمير علي في كلكتة ، ولمعت أسماء آخرين وعُرف من والاه وشد أزره في قلب الجزيرة بأهل التوحيد " إخوان من أطاع الله " وسماهم خصومهم بالوهابيين (نسبة إليه ) وشاعت التسمية الأخيرة عند الأوربيين فدخلت معجماتهم الحديثة ، وأخطأ بعضهم فجعلها " مذهباً " جديداً في الإسلام ، تبعاً لما افتراه خصومه ، ولا سيما دعاة من كانوا يتلقبون بالخلفاء من الترك ، " العثمانيين "
وللناظم القرني مقامات على طريقة الأدباء خص بعض مقاماته للإمام محمد بن عبدالوهاب ولولا الإطالة لنقلناها فأحيل القارئ إليها فإن فيها فوائد كثيرة .
36- فعلى عقيدتهم بنيت عقيدتي **** وعلى رسائلهم فتقت لساني
37- اقفوا طريقتهم ونهجي نهجهم **** دوماً وأبرأ من أخي كفران
في هذا البيت بين الناظم ان عقيدته مبنية على رسائل وعقائد السلف الذين مضى ذكرهم .
ورجل فتيف اللسان : أي ماض(1).
والفتيق اللسان : الحذاقي الفصيح اللسان(2).
__________________________________________________
(1) ... المحيط (5/368) .
(2) ... التهذيب (9/63) .
38- أهل الضلالة هم خصومي دائماً **** لا يلتقي بمحبة خصمان(466/81)
وهذا واضح مما سبق فخصوم الناظم كما ذكرنا هم أهل الضلالة .
وقوله : ( لا يلتقي بمحبة خصمان ) يحتمل أمرين :
الأول : نفي أصل المحبة وهذا محمول على ان أهل الضلالة في كلام الناظم هم الذين وصلوا بيدعتهم إلى الخروج عن الإيمان والدخول في الكفر والعياذ بالله
الاحتمال الثاني : نفي كمال المحبة ، وهذا محمول على أن أهل الضلالة في كلام الناظم هم المخالفون في العقائد لنهج السلف ، وهذا يؤدي إلى نقصان الطاعة لله بلا شك فنقصت المحبة لنقصان طاعتهم ، وللخصومة التي بين الناظم وبينهم في الله .
39- ولكل مبتدع أقول مجلجلاً **** أنا صارم يفري الرقاب يماني
وفي هذا البيت يتحدى الناظم كل مبتدع بأنه سوف يقطع بدعتهم ، ويبين شبهاتهم ، ويشق رقابهم .
فالصرم : القطع(1). ، والفري : الشق(2).
وقوله ( يماني ) لأجل أن الناظم من اليمن لكونه من قحطان كما سبق ، واليماني واليمني كلاهما نسبة لليمن(3)، أو لأن الصارم أحد أجود أنواع السيوف اليمنية .
__________________________________________________
(1) ... المحيط (9/139) .
(2) ... المحيط (10/257) .
(3) ... اللباب في تحرير الأنساب لابن الأثير (3/ 417) .
40- أسلمت نفسي للذي برأ الورى **** وبرئت من شركٍ ومن طغيان
41- ورضيت بالقرآن والسنن التي **** جاءت بفهم صحابة العدنان
هذان البيتان إعلان من الناظم بتسليم أموره كلها لله الذي خلق الناس ، وفي الشطر الثاني يبرأ الناظم من جميع أنواع الشرك ليصدق عليه دعوة الخليل عندما قال ? واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ? .
وفي البيت الثاني يبين أنه يتبع الكتاب والسنة لكن ليس بفهمه هو بل بفهم الصحابة الذين هم خير القرون .
42 – استغفر الله العظيم لكل ما **** أخطأت فيه وزل فيه لساني
43 – أو قلته متعمداً أو جاهلاً **** أو ناسياً في السر والإعلان
44-فالقصد معروفٌ ولكن ربما **** خفي الصواب على بني الإنسان(466/82)
هنا بدأ المؤلف يعتذر عما ظهر منه من أخطاء صدرت منه بالبنان ، أو تكلم بها باللسان ، وسواء قالها جاهلاً ثم علم ، أو قالها ناسياً ثم تذكر ، وسواء كان ذلك في السر أو في العلن ، فإن قيل ان الجهل والنسيان عذران لا يحاسب الإنسان بهما فلماذا اعتذر المؤلف معهما ؟
الجواب : ان الاعتذار ليس لذاتهما بل لأجل تقصيره عن الوصول للحق فالناظم اعتذر لكونه رأى نفسه مقصراً فأشبه الاتلاف الذي يستوي عمده وخطأه حتى في الحج عند الأئمة الأربعة خلافاً لشيخ الإسلام ، واعتذر أيضاً عن الأخطاء التي صدرت منه حال كونه متعمداً لها لكن لا يعلم ان الحق على خلافه ولهذا قال (فالقصد معروف ) يعني قالها قاصداً ألفاظها ومعانيها لكن خفي عليه الصواب ثم تبين له ، أو أنه ترتب على القول بهذه الأقوال لوازم لم ينتبه لها ثم انتبه فأعلن تراجعه واستغفاره .
وبالمناسبة فإن المؤلف ليس الأوحد في هذا الباب فهناك أئمة كثيرون قالوا بأقوال في أيام الصبا ، وزمان الشباب ، وفي الأوقات الأولى لطلب العلم ثم تبين لهم خلاف ذلك ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية فقد تراجع عن مسائل كان يقول بها سواء كانت في الفقه أو في الاعتقاد .
فمثال المسألة الفقهية انه كان يقول بالزيادة الواردة في قوله ? " إن كان جامداً فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم ، وإن كان مائعاً فلا تقربوه " ثم تبين له عدم صحة الزيادة فقال في الفتاوى (21/516) :
وهذا هو الذي تبين لنا ولغيرنا ، ونحن جازمون بأن هذه الزيادة ليست من كلام النبي ? ، فلذلك رجعنا عن الافتاء بها بعد أن كنا نفتى بها أولا . فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل والبخاري والترمذي رحمة الله عليهما وغيرهما من أئمة الحديث قد بينوا لنا أنها باطلة ا0هـ.(466/83)
وأما مثال المسألة العقائدية فهو الصفات الاختيارية لله ، والزيارة الشرعية فشيخ الإسلام لم يكن يقول بقول أهل الحديث في أول الطلب بل كان يوافق المتكلمين ثم رجع عن ذلك ، ولهذا يقول في الفتاوى (6/258) :
وأنا وغيري كنا على " مذهب الآباء " في ذلك !! نقول في " الأصلين " بقول أهل البدع ؛ فلما تبين لنا ما جاء به الرسول دار الأمر بين أن نتبع ما أنزل الله أو نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فكان الواجب هو اتباع الرسول ؛ وان لا نكون ممن قيل فيه : ? وإذا قيل لهم اتبعوا ما ،زل الله قالوا : بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ? وقد قال تعالى ? قل : أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه اباءكم ? وقال تعالى : ? ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفاً ، واتبع سبيل من أناب إلى ?.
فالواجب اتباع الكتاب المنزل والنبي المرسل ، وسبيل من أناب إلى الله فاتبعنا الكتاب والسنة كالمهاجرين والأنصار ؛ دون ما خالف ذلك من دين الآباء وغير الآباء ، والله يهدينا وسائر اخواننا إلى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ? ا0هـ .
وهكذا الناظم القرني ما الذي يضره إذا قال قولاً في أيام الطلب ثم تراجع كما فعل شيخ الإسلام !! هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الناظم لا يتبع هواه بل يتبع الحق حيث وجده .
45 - والعذر يقبله الكرام وربنا **** هو أكرم المعطين في الإحسان
هذا البيت تتمة لما سبق .
وهنا يرد سؤال : لماذا يطلب القرني الاعتذار من الناس مع ان الذي يغفر الخطأ هو رب العالمين ؟(466/84)
فالجواب : ان الاعتذار من الناس ليس لغفران الخطأ بل للسكوت عن الخوض في عرضه ، والطعن فيه بلا حق ، ولما قد يُتوهم هذا الوهم دفعه الناظم بقوله ( وربنا هو أكرم المعطين ) فهو المحسن الحقيقي فإحسان الله عند الناظم وجودي ، وأما إحسان الخلق فهو إحسان عدمي وهو سكوتهم وحفظ لسانهم .
46 – أشهدت ربي والملائكة الألى **** حملوا العلوم بقوة وأمان
47- أني مع السلف الكرام وهديهم **** هل عاقل يرضى بنهج ثان
في هذين البيتين يقرر الناظم أنه على عقيدة السلف كما سبق ان كرره ويشهد الله وكفى بالله شهيداً ، ويشهد الملائكة على ذلك أيضاً فلا يبقى على العبد إلا أن يسلم بما يقوله الناظم من تقريره معتقد السلف .
ووصف الناظم الملائكة في شطر البيت الأول بالقوة لقوله تعالى ? ذو مرة ? أي ذو قوة (1). ، وبالأمانة لقوله تعالى : ? نزل به الروح الأمين ? (2).
وفي شطر البيت الثاني يسأل الناظم سؤالاً إنكاريا : هل عاقل يرضى بمنهج غير منهج السلف ؟ وبعد هذا التقرير يشرع في ذكر معتقده وبدأ بالإيمان .
____________________________________________________
(1) ... تفسير القرطبي (17/85) .
(2) ... تفسير القرطبي (13/138) .
48- إيماننا عملٌ وقولٌ قبله **** عقد بقلبٍ عامر الإيقان
هذا البيت يتعلق ببيان معتقد الناظم ومعتقد السلف في مسألة الإيمان ، وإنما بدأ بها لكونها من كبريات مسائل الاعتقاد ، وكثر اختلاف الناس فيه قديماً وحديثاً ، وهو أول خلاف وقع في هذه الأمة ، لكل هذه الأسباب بدأ بها الناظم .
تعريف الإيمان لغة واصطلاحاً :
أولاً : تعريف الإيمان لغة فقد عرفه الأزهري بالتصديق وحكى الاتفاق عليه فقال : واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه : التصديق .
وقال الله تعالى حكاية عن إخوة يوسف لأبيهم : ? وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ? . لم يختلف أهل التفسير أن معناه : وما أنت بمصدق لنا (1) .
وقال ابن فارس :(466/85)
الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان : أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب ؛ والآخر التصديق(2) .
وقال أبو عبيد الأزهري :
وقوله ( ما أنت بمؤمن لنا ) أي بمصدق ، يقال : آمن به ، وآمن له (3) .
_________________________________________________
(1) ... تهذيب الأزهري (15/514) .
(2) ... معجم مقاييس اللغة (1/133) .
(3) ... الغريبين في القرآن والحديث (1/110) .
وقال ابن منظور :
والإيمان بمعنى التصديق ، ضده التكذيب ، يقال : آمن به قوم ، وكذب به قوم ، فأما آمنته المتعدي فهو ضد أخفته .
وقال ابن عباد :
والإيمان التصديق في قوله تعالى ? وما أنت بمؤمن لنا ? أي بمصدق (1) .
وقال الجوهري :
والإيمان التصديق (2) .
وقال صاحب القاموس : وآمن به إيماناً صدقه (3) .
قال الزبيدي في شرحه : وهو الذي جزم به الزمخشري وغيرهم(4) .
وقال الزمخشري : ( وما أنت بمؤمن لنا ) أي بمصدق(5) .
وهذا القول وهو كون الإيمان لغة التصديق اختاره العلامة العثيمين في أحد قوليه حيث قال في تلخيص الحموية : والإيمان لغة : التصديق قال الله تعالى ( وما أنت بمؤمن لنا ) أي بمصدق لنا (6) .
وقد اختار شيخ الإسلام في تعريف الإيمان اللغوي أنه بمعنى الإقرار ، لأنه رأي لفظة أقر أصدق في الدلالة على معنى الإيمان من غيرها من الألفاظ التي فسر بها
__________________________________________________
(1) ... المحيط (10/414)
(2) ... الصحاح (2/217)
(3) ... ترتيب القاموس (1/182) .
(4) ... تاج العروس (9/135) .
(5) ... أساس البلاغة ص10 .
(6) ... تلخيص الحموية ص111 .
الإيمان ، لأمور وأسباب ذكرها رحمه الله ثم إنه ناقش باستفاضة وافية وبتحقيق متين قول من ادعى أن الإيمان مرادف للتصديق ، وذكر فروقاً بين التصديق والإيمان تمنع دعوى الترادف بينهما ، ثم خلص من ذلك إلى أن أولى تفسير لغوي للإيمان هو الإقرار(1) .(466/86)
أما الإيمان شرعاً : فهو عند أهل السنة والجماعة قول وعمل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض بيانه لعقيدة أهل السنة والجماعة وأصولهم التي اتفقوا عليها
" ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح "
فهذه خمسة أمور اشتمل عليها مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة .
فقول القلب هو تصديقه ويقينه ، وقول اللسان هو النطق بالشهادتين ، وعمل القلب هو النية والإخلاص والمحبة ، والانقياد والإقبال على الله ، والتوكل عليه ولوازم ذلك وتوابعه .
عمل اللسان ، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا به كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتحميد والتكبير والدعاء والاستغفار وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى باللسان .
وعمل الجوارح ، وهو العمل الذي لا يؤدى إلا بها مثل القيام والركوع والسجود والمشي في مرضاة الله كنقل الخطا إلى المساجد وإلى الحج والجهاد في سبيل الله ، وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى بالجوارح(2) .
_________________________________________________
(1) ... زيادة الإيمان ونقصانه للعباد ص17 .
(2) ... المرجع السابق ص24.
49- ويزيد بالطاعات من أعمالنا **** ومع المعاصي ظاهرُ النقصانِ
قرر الناظم أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة وقد دل على ذلك الآيات المتكاثرة ، والأحاديث المتواترة .
قال تعالى : ? فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً ? ، قال تعالى : ? ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ? ، وقال تعالى : ? ويزداد الذين آمنوا إيماناً ? .
وقد روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ? : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان "
وفي هذا دليل على أن الإيمان فيه أعلى وأدنى ، ,إذا كان كذلك كان قابلاً للزيادة والنقصان .(466/87)
وبين أن القول بزيادة الإيمان ونقصانه هو المأثور عن الصحابة والتابعين وجمهور السلف وهو مذهب المحدثين .
يقول : " والمأثور عن الصحابة والتابعين وجمهور السلف ، وهو مذهب أهل الحديث ، وهو المنسوب إلى أهل السنة ، أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية " .
وقال محيي السنة وقامع البدعة الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – " الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، الصلاة والزكاة والحج والبر كله من الإيمان ، والمعاصي تنقص من الإيمان(1) .
_____________________________________________
(1) ... صديق خان وأراؤه الاعتقادية د 0 أختر لقمان ص375 .
وبعد تقرير معتقد أهل السنة في زيادة الإيمان يبقى أن نذكر أوجه الزيادة في الإيمان وهي على النحو الآتي :
أولاً : الزيادة في أصل الإيمان أي التصديق نفسه يكون بعضه أقوى من بعض فالعلم والتصديق يتفاضل ويتفاوت كما يتفاضل سائر صفات الحي من القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ، بل سائر الأعراض من الحركة والسواد والبياض ونحو ذلك ، فإذا كانت القدرة على الشيء تتفاوت فكذلك الإخبار عنه يتفاوت ، وإذا قال القائل العلم بالشيء الواحد لا يتفاضل كان بمنزلة قوله القدرة على المقدور الواحد لا تتفاضل .
قال النووي بعد أن ذكر قول من قال إن التصديق لا يزيد ولا ينقص وإنه متى قبل الزيادة كان شكاً وكفراً ، قال : " والأظهر والله اعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض ، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال ، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك ، فهذا مما لا يمكن إنكاره "(466/88)
ثانياً : إن أعمال القلوب كالمحبة والخشية والخشوع والذل والإنابة والتوكل والحياة والرغبة والرهبة والخوف والرجاء وغيرها يتفاضل الناس فيها تفاضلاً عظيماً . وهي جميعها من أعمال الإيمان كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفاق سلف هذه الأمة .
فالمحبة مثلاً الناس متفاوتون فيها ، ما بين أفضل الخلق محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام وهما خليلا الله وأشد الناس محبة له ، إلى أدنى الناس درجة في الإيمان كمن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، وبين هذين الحدين من الدرجات ما لا يحصيه إلا رب الأرض النفاق أو سلب الإيمان كله " .
ثالثاً :
إن الأعمال الظاهرة يتفاضل الناس فيها وتزيد وتنقص وهذا شامل لأعمال اللسان ، كالتسبيح والتكبير والاستغفار والذكر وقراءة القرآن وغيرها ، وشامل لأعمال الجوارح ، كالصلاة والحج والجهاد والصدقة وغيرها فهذه الأعمال الظاهرة هي من الإيمان وداخلة في مسماه ، والتفاضل يقع فيها كما يقع في الأعمال الباطنة .
قال شيخ الإسلام : " وهذا مما اتفق الناس على دخول الزيادة فيه والنقصان ، لكن نزاعهم في دخول ذلك في مسمى الإيمان ... ... .."
وقال : " وأما زيادة العمل الصالح الذي على الجوارح ونقصانه فمتفق عليه وإن كان في دخوله في مطلق الإيمان نزاع ، والذي عليه أهل السنة والحديث أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص(1) .
ولزيادة الإيمان أسباب منها :
1- ... معرفة أسماء الله وصفاته : فإن العبد كلما ازداد معرفة بها وبمقتضياتها وآثارها ازداد إيماناً بربه وحبا له وتعظيماً .
2- ... النظر في آيات الله الكونية والشرعية : فإن العبد كلما نظر فيها وتأمل ما اشتملت عليه من القدرة الباهرة والحكمة البالغة ازداد إيماناً ويقينه بلا ريب .
___________________________________________________
(1) ... زيادة الإيمان ونقصانه للعباد ص154 .(466/89)
3- ... فعل الطاعة : فإن الإيمان يزداد به بحسب حسن العمل وجنسه وكثرته ، فكلما كان العمل أحسن كانت زيادة الإيمان به أعظم وحسن العمل يكون بحسب الإخلاص والمتابعة .
وأما جنس العمل فإن الواجب أفضل من المسنون ، وبعض الطاعات أوكد وأفضل من البعض الآخر .
وكلما كانت الطاعة أفضل كانت زيادة الإيمان بها أعظم .
وأما كثرة العمل فإن الإيمان يزداد بها لأن العمل من الإيمان فلا جرم أن يزيد بزيادته .
4- ... ترك المعصية خوفاً من الله عز وجل : وكلما قوي الداعي إلى فعل المعصية كان زيادة الإيمان بتركها أعظم ؛ لأن تركها مع قوة الداعي إليها دليل على قوة إيمان العبد وتقديمه ما يحبه الله ورسوله على ما تهواه نفسه .
وأما نقص الإيمان فله أسباب :
1- ... الجهل بالله تعالى وأسمائه وصفاته .
2- ... الغفلة والإعراض عن النظر في آيات الله وأحكامه الكونية والشرعية فإن ذلك يوجب مرض القلب أو موته باستيلاء الشهوات والشبهات عليه .
3- ... فعل المعصية : فينقص الإيمان بحسب جنسها ، وقدرها ، والتهاون بها ، وقوة الداعي إليها أو ضعفه .
• ... فأما جنسها وقدرها : فإن نقص الإيمان بالكبائر أعظم من نقصة بالصغائر ، ونقص الإيمان بقتل النفس المحرمة أعظم من نقصه بأخذ مال محترم ، ونقصه بمعصيتين أكثر من نقصه بمعصية واحدة وهكذا .
• ... وأما التهاون بها : فإن المعصية إذا صدرت من قلب متهاون بمن عصاه ضعيف الخوف منه كان نقص الإيمان بها أعظم من نقصه إذا صدرت من قلب معظم لله تعالى شديد الخوف منه لكن فرطت منه المعصية .(466/90)
• ... وأما قوة الداعي إليها : فإن المعصية إذا صدرت ممن ضعفت منه دواعيها كان نقص الإيمان بها أعظم من نقصه إذا صدرت ممن قويت منه دواعيها ، ولذلك كان استكبار الفقير ، وزنى الشيخ أعظم إثماً من استكبار الغني وزنى الشاب كما في الحديث : " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " وذكر منهم : " الأشيمط الزاني ، والعائل المستكبر " ، لقلة داعي تلك المعصية فيهما .
4- ... ترك الطاعة : فإن الإيمان ينقص به والنقص به على حسب تأكد الطاعة فكلما كانت الطاعة أوكد كان نقص الإيمان بتركها أعظم ، وربما فقد الإيمان كله كترك الصلاة .
ثم إن نقص الإيمان بترك الطاعة على نوعين .
1- ... نوع يعاقب عليه ، وهو ترك الواجب بلا عذر .
2- ... ونوع لا يعاقب ، وهو ترك الواجب لعذر شرعي أو حسي وترك المستحب .
فالأول : كترك المرأة لصلاة أيام الحيض .
والثاني : كترك صلاة الضحى والله أعلم . (1)
________________________________________________
(1) ... تلخيص الحموية للعلامة العثيمين ص194 .
50 – أهلُ الكبائر لا نُكَفرُهُم **** فإن استحلوها فللكفران
اختلف العلماء – رحمهم الله – في تعريف الكبيرة على أقوال كثيرة ، تزيد عن عشرين قولاً ، وأكثرها متقاربة وبعضها أقوال ضعيفة .
قال ابن القيم – رحمه الله - : " وأما الكبائر فاختلف السلف فيها اختلافاً لا يرجع إلى تباين وتضاد ، وأقوالهم متقاربة "
وأولى الأقوال بالصواب ما رواه ابن جرير بسنده عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى : ? إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ? الآية . قال : "الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار ، أو غضب ، أو لعنة ، أو عذاب وهذا اختيار شيخ الإسلام .(466/91)
ويعتقد أهل السنة والجماعة أن من ارتكب كبيرة – خلا الشرك – ولم يستحلها ، فإنه لا يكفر ، بل يسمى مؤمناً ناقص الإيمان ، وبعضهم يعبر عن ذلك بقوله : " مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته " ، وأما من مات مصراً عليها ، فإنه تحت مشيئة الله تعالى ، إن شاء غفر له ذنبه ابتداء ، وأدخله الجنة تفضلاً منه سبحانه ، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ثم يخرجه من النار ، ويدخله الجنة لأن النار لا يخلد فيها موحد .
قال الإمام أحمد – رحمه الله - : " والكف عن أهل القبلة ولا تكفر أحداً منهم بذنب ولا تخرجه من الإسلام "
وقد بوب البخاري – رحمه الله – في صحيحه بقوله : " باب المعاصي من أمر الجاهلية ، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك "
وقال ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
" إن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله ، إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه ما لم تكن كبيرته شركاً بالله " .
وقال شيخ الإسلام في سياق مذهب أهل السنة :
" وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج ، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الإيمان بالكلية ، ولا يخلدونه في النار ، كما تقوله المعتزلة ، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق ويقولون هو مؤمن ناقص الإيمان ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ، ولا يسلب مطلق الاسم . (1)
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى : " وقد اختلف العلماء في مرتكب الكبائر : هل يسمى مؤمناً ناقص الإيمان أم لا يسمى مؤمناً ، وإنما يقال هو مسلم ، فليس بمؤمن ؟ على قولين : وهما روايتان عن أحمد رحمه الله ، فأما من ارتكب الصغائر فلا يزول عنه اسم الإيمان بالكلية بل هو مؤمن ناقص الإيمان ، ينقص إيمانه بحسب ما ارتكب من ذلك ، والقول بأن مرتكب الكبائر يقال له : مؤمن ناقص الإيمان مروي عن جابر بن عبدالله ، وهو قول ابن المبارك وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم .(466/92)
والقول بأنه مسلم ليس بمؤمن مروي عن أبي جعفر محمد بن علي ، وذكر بعضهم أنه المختار عند أهل السنة "
___________________________________________________
(1) ... عقيدة ابن عبد البر في التوحيد للإيمان للغصن ص508 .
وقال رحمه الله تعالى أيضاً : " وقوله ? : ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فهو إلى الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له " صريح في أن الكبائر من لقي الله بها كانت تحت مشيئته ، وهذا يدل على أن إقامة الفرائض لا تكفرها ولا تمحوها ، فإن عموم المسلمين يحافظون على الفرائض ، لا سيما من بايعهم لنبي ? وخرج من ذلك من لقي الله وقد تاب منها بالنصوص الدالة من الكتاب والسنة على أن من تاب إلى الله تاب الله عليه وغفر له ، فبقي من لم يتب داخلاً تحت المشيئة . (1)
__________________________________________________
(1) ... ابن رجب وأثره في توضيح عقيدة السلف د 0 عبدالله العقيلي (2/543) .
51- ونطيع آل الأمر فيما لم يكنُ **** أمرٌ بمعصيةِ ولا نُكرانِ
52-نأبى الخروج عليه لو ظلم جرى **** فالصبر مطلوب من الإنسان
53-ما لم نر كفراً بواحاً ظاهراً **** لا يختلف في أمره إثنان
يقول الناظم في رسالته ( هذه عقيدتي ) :
والذي اعتقده من الصغر وأدين الله به اعتقاد البيعة لولاة الأمر في هذا البلاد ، مقتدياً في ذلك بعلمائنا ، مقتفياً في ذلك سلفنا الصالح ، وهذا الذي تعلمته ودعوت إليه ، وهو معتقد أهل السنة والجماعة ، وكما بسط ذلك صاحب الطحاوية ، وشيخ الإسلام في منهاج السنة ، وفي فتاويه ورسائله ، والشيخ المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " اسمع واطع وإن ولي عليك عبد حبشي " الحديث .
ولما سأله بعض أصحابه عن الخروج على الولاة الظلمة قال : " لا ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان "(466/93)
وطاعة الوالي المسلم في طاعة الله ، والصبر على ما قد يحصل من ظلم وجور ، وعدم الخروج عليه هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، بل يصلي وراءهم ، ويجاهد معهم ، ويدعى لهم ، ولا تشق العصا عليهم ، ولا تجعل ذنوبهم سبباً للخروج عليهم ، ما لم تصل إلى الكفر الظاهر الصريح ، وهذا الذي تعلمناه واعتقدناه ورضينا به ا0هـ .
وفي هذا الكلام غنية فإن طاعة ولاة الأمور واجبة بالدلالات الكثيرة ، ويحرم الخروج عليهم إلا ان أتوا بكفر بواح وبشرط وجود القدرة حتى لا تكون فتنة يراق فيها الدماء ، وتزهق فيها الأنفس .
والبيعة لهم ثابتة إما حقيقة وإما حكماً بعدم الخروج عليهم والسمع والطاعة لهم لكن هل يجب شرعاً طاعتهم في كل أمر بمعنى ان مخالفتهم توقع في الإثم .
فيه تفصيل فإن الإمام قد يأمر بشيء واجب أو محرم أو مكروه أو مباح او مندوب فإن أمر بمحرم فلا يطاع وإن أمر بواجب فهو واجب بأصل الشرع وإن أمر بمندوب أو مباح أو مكروه فاختلف العلماء في ذلك وأنقل كلاماً مفيداً لبعض العلماء في ذلك :
1- ... قال ابن مفلح في الفروع ص158 ( وظاهر كلامهم : لا يلزم الصوم بأمره ، مع أن في المستوعب وغيره تجب طاعته في غير المعصية ، وذكر بعضهم (ع) ولعل المراد : في السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها لا مطلقاً ، ولهذا جزم بعضهم : تجب في الطاعة وتسن في المسنون ، وتكره في المكروه وذكر أبو الوفاء وأبو المعالي : لو نذر الإمام الاستسقاء زمن الجدب وحده أو هو والناس لزمه في نفسه وليس له إن يلزم غيره بالخروج معه .(466/94)
2- ... قال با علوي في كتابه بغية المسترشدين ( يجب امتثال أمر الإمام في كل ما له فيه ولاية كدفع زكاة المال الظاهر فإن لم تكن له فيه ولاية وهو من الحقوق الواجبة أو المندوبة جاز الدفع إليه والاستقلال بصرفه في مصارفه وإن كان المأمور به مباحاً أو مكروهاً أو حراماً لم يجب امتثال أمره فيه وتردد فيه في التحفة ثم مال إلى الوجوب في كل ما أمر به الإمام ولو محرماً ولكن ظاهرا فقط وما عداه إن كان فيه مصلحة عامة وجب ظاهراً وباطناً وإلا فظاهرا فقط أيضاً ومعنى قولهم ظاهراً أنه لا يأثم بعدم الامتثال ومعنى باطناً أنه يأثم والحاصل أنه تجب طاعة الإمام فيما أمر به ظاهراً وباطناً مما ليس بحرام أو مكروه فالواجب يتأكد والمندوب يجب وكذا المباح إن كان فيه مصلحة كترك شرب التنباك إذا قلنا بكراهته لأنه فيه خسة بذوي الهيئات وقد وقع أن السلطان أمر نائبه بأن ينادي بعدم شرب الناس له في الأسواق والقهاوي فخالفوه وشربوا فهم العصاة ويحرم شربه الآن امتثالاً لأمره ولو أمر الإمام بشيء ثم رجع ولو قبل التلبس به لم يسقط الوجوب ) .
3- ... قال الألوسي في تفسيره (5/6) : ( وهل يشمل المباح أم لا ؟ فيه خلاف ، فقيل أنه لا يجب طاعتهم فيه لأنه لا يجوز لأحد أن يحرم ما حلله الله تعالى ولا يحلل ما حرمه تعالى ، وقيل : تجب أيضاً كما نص عليه الحصكفي وغيره ، وقال بعض محققي الشافعية : يجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يأمر بمحرم ، وقال بعضهم : الذي يظهر أن ما أمر به مّما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهراً فقط بخلاف ما فيه ذلك فإنه يجب باطناً أيضاً ، وكذا يقال في المباح الذي فيه ضرر للمأمور به .
54- ونُمر أخبار الصفات كما أتتُ **** من غير تأويلٍ ولا جُحدانِ
55- والقولُ في تلك الصفات كقولنا **** في الذات قولُ العالم الربانيِ(466/95)
هذه عقيدة الناظم في صفات الله وهي الإيمان بما ثبت من غير تأويل لها ولا جحود ، ومراده بالتأويل هنا صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى المعنى المرجوح(1) .
ثم ذكر الناظم قاعدة عظيمة في هذا الباب أخذها من شيخ الإسلام في التدمرية وهي أن " القول في الصفات كالقول في الذات "
يعني أن من أثبت لله تعالى ذاتاً لا تماثل ذوات المخلوقين لزمه أن يثبت له صفات لا تماثل صفات المخلوقين ، لأن القول في الصفات كالقول في الذات ، وهذا الأصل يخاطب به أهل التمثيل ، وأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم .
فيقال لأهل التمثيل ألستم تثبتون لله ذاتاً بلا تمثيل فأثبتوا له صفات بلا تمثيل .
ويقال لأهل التعطيل من المعتزلة ونحوهم : ألستم تقولون بوجود ذات لا تشبه الذوات فكذلك قولوا بصفات لا تشبه الصفات .
مثال ذلك : إذا قال : إن الله استوى على العرش فكيف استواؤه ؟
فيقال له : القول في الصفات كالقول في الذات فأخبرنا كيف ذاته؟
فإن قال : لا أعلم كيفية ذاته .
قيل له : ونحن لا نعلم كيفية استوائه .
وحينئذ يلزمه أن يقر باستواء حقيقي غير مماثل لاستواء المخلوقين ولا معلوم
____________________________________________________
(1) ... تقريب التدمرية للعلامة العثيمين ص86 .
الكيفية ، كما أقر بذات حقيقية غير مماثلة لذوات المخلوقين ولا معلومة الكيفية ، كما قال مالك وشيخه ربيعة وغيرهما في الاستواء : " الاستواء معلوم والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة "(1)
___________________________________________________
(1) ... تقريب التدمرية ص41 .
56- نروي أحاديث الوعيد كما أتتْ **** والوعد نقبله من الديانِ
الوعد في اللغة : يكون بالخير والشر .
وأما الوعيد : فلا يكون إلا بالشر .
والمراد بالوعد : النصوص المتضمنة وعد الله لأهل طاعته بالثواب والجزاء الحسن والنعيم المقيم .(466/96)
ويعرف أهل الكلام الوعد بأنه : كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير أو دفع ضرر عنه في المستقبل .
وأما الوعيد : فالمراد به : النصوص التي فيها توعد للعصاة بالعذاب والنكال .
ويعرفه المتكلمون بأنه : كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلى الغير أو تفويت نفع عنه في المستقبل "
وإذا تقرر لدينا معنى الوعد والوعيد والمراد بهما فاعلم أنه جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ? كثير من الآيات والأحاديث التي تدل على وعد الله عز وجل للمؤمنين والمطيعين بالثواب الجزيل ، وأنه أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ووعدهم بألوان من الأجر والجزاء ومغفرة الذنوب فيما دون الشرك ، وتكفير السيئات وإبدالها حسنات ونحو ذلك .
فمن النصوص الواردة في ذلك قوله عز وجل : ? وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ?
ومن نصوص الوعد بغفران الذنوب وتكفير السيئات : قوله عز وجل : ? إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ? ، وقوله عز وجل : ?قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ? وقوله ? : ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ) رواه مسلم .
وقوله ? :" ما من عبد قال : لا إله إلا الله ؛ ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة - قال الراوي– وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق " رواه مسلم .(466/97)
كما ورد فيهما أيضاً آيات وأحاديث كثيرة ، تتضمن الوعيد الشديد بالعذاب الأليم والخلود في النار لأهل الفسق والمعاصي وأصحاب الكبائر ووصفهم بالكفر والفسق والضلال ونحو ذلك ، كما في قوله عز وجل : ? ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ? ، وقوله سبحانه : ? إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا ? ، وقوله : ? ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ? ، ونحو قوله ? : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... ... ... ." ، وقوله : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " .
الحاصل أن النصوص الواردة في الوعد والوعيد كثيرة ، سواء في كتاب الله عز وجل ، أو من سنة رسوله ? .
تجاه هذه النصوص وما شابهها افترق الناس في باب الوعد والوعيد إلى طرفين وواسطة :
طرف غلب نصوص الوعد ، وأغفل نصوص الوعيد ، وهم المرجئة الخالصة ، فقالوا : كل ذنب سوى الشرك فهو مغفور واحتجوا بقوله تعالى : ? إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء? ، وقالوا : لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة .(466/98)
والطرف المقابل لهم وهم الخوارج والمعتزلة قالوا : لابد أن ينجز الله وعده ووعيده ، ولا يصح أن يخلف أيا منهما . وهؤلاء قد ضلوا في الوعد والوعيد جميعاً . فأما ضلالهم في الوعيد فواضح ، حيث جرهم قولهم به إلى إكفار أصحاب الكبائر أو إخراجهم من الإيمان عند المعتزلة إلى الفسق ووجوب إدخالهم النار وتخليدهم فيها ، وقالوا : إنه لا يجوز أن يغفر الله لهم إذا لم يتوبوا ، ويكفي أن قولهم هذا يناقض قول الله عز وجل : ? إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ? فمن أين لهم أنه سبحانه لا يشاء المغفرة لهم ، مع كونهم ليسوا كفاراً على مذهب المعتزلة ، وليسوا مشركين على مذهب الإباضية وطوائف من الخوارج ، والنص إنما دل على عدم المغفرة للمشرك به سبحانه ، والذين لا يغفر لهم هم الكافرون والمشركون .
وأما ضلالهم في الوعد : فلإيجابهم ذلك على الله سبحانه بطريق الاستحقاق والعوض يقول القاضي عبد الجبار : ( اعلم أنه تعالى إذا كلفنا الأفعال الشاقّة ، فلابد أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله ... ..) .
أما أهل السنة الذين يمثلون نقطة التوازن بين الطرفين ، فإنهم يأخذون بنصوص الوعد والوعيد ، فيجمعون بين الخوف والرجاء ، لم يفرطوا في نصوص الوعيد كالمرجئة الخالصة الذين قالوا لا يضر مع الإيمان ذنب ولم يغلوا غلو الخوارج والمعتزلة في نصوص الوعيد فكان قولهم في الوعيد أنه : ( يجوز أن يعفو الله عن المذنب ، وأنه يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد )
وقالوا في الوعد : إن الله لا يخلف وعده ، وإنه لابد أن يثيب أهل الإيمان به وأهل طاعته بحكم وعده لهم بذلك ، لا بحكم استحقاقهم عليه فإن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئاً .(466/99)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :" وأما الاستحقاق ؛ فهم يقولون : إن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئاً ، وليس له أن يوجب على ربه شيئاً لا لنفسه ولا لغيره ، ويقولون : إنه لابد أن يثيب المطيعين كما وعد ؛ فإنه صادق في وعده ولا يخلف الميعاد "
وقال في موضع آخر : ( واتفقوا على أن الله تعالى إذا وعد عباده بشيء كان وقوعه واجباً بحكم وعده ؛ فإنه الصادق في خبره الذي لا يخلف الميعاد ). (1)
___________________________________________________
(1) ... وسطية أهل السنة د 0 محمد باكريم ص358
57- والمولدُ المزعوم لا نرضى به **** أفتى ببدعته أولوا العرفان
ومن الذين أفتوا ببدعيته سماحة العلامة ابن باز رحمه الله حيث قال :
أما هذه الاحتفالات الشائعة فهي غير جائزة ، بل هي من البدع المحدثة في الدين ؛ لأن الرسول ? لم يفعلها ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا غيرهم من الصحابة – رضوان الله على الجميع – ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله ? ومتابعة لشرعه ممن بعدهم ، وأول من ابتدعها فيما بلغنا هم الفاطميون في القرن الرابع الهجري ، وهم معروفون بالعقيدة الفاسدة وإظهار التشيع لأهل البيت والغلو فيهم ، وقد ثبت عن النبي ? أنه قال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي : مردود عليه ، وقال في حديث آخر : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواخذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " .(466/100)
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها وقد قال الله سبحانه في كتابه ? وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ? ، وقال عز وجل : ? فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ? ، وقال سبحانه : ? لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ? وقال تعالى : ? والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم? ، وقال تعالى : ? اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ? والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه : أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول ? لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقرب إلى الله . وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه ، وعلى رسوله ? ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة ، والرسول ? قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله نهما قال : قال رسول الله ? : " ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم " رواه مسلم في صحيحه(1) .
____________________________________________________
(1) ... رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي لمجموعة من العلماء (2/394) .
58- أنهاك عند شد الرحال لقبره **** واقرأ مُصَنَّفَ عالمٍ حرانيِ
أي شيخ الإسلام حيث قال :(466/101)
وشد الرحل إلى مسجده مشروع باتفاق المسلمين كما في الصحيحين عنه انه قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا " وفي الصحيحين عنه أنه قال : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام " فإذا أتى مسجد النبي ? فإنه يسلم عليه وعلى صاحبيه ، كما كان الصحابة يفعلون .
وأما إذا كان قصده بالسفر زيارة قبر النبي دون الصلاة في مسجده فهذه المسألة فيها خلاف فالذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أن هذا غير مشروع ، ولا مأمور به ؛ لقوله ? :" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " ولهذا لم يذكر العلماء أن مثل هذا السفر إذا نذره يجب الوفاء به ؛ بخلاف السفر إلى المساجد الثلاثة لا للصلاة فيها والاعتكاف ، فقد ذكر العلماء وجوب ذلك في بعضها – في المسجد الحرام – وتنازعوا في المسجدين الآخرين .
فالجمهور يوجبون الوفاء به في المسجدين الآخرين : كمالك والشافعي وأحمد ؛ لكون السفر إلى الفاضل لا يغني عن السفر إلى المفضول وأبو حنيفة إنما يوجب السفر إلى المسجد الحرام ؛ بناء على أنه إنما يوجب بالنذر ما كان جنسه واجب بالشرع ، والجمهور يوجبون الوفاء بكل ما هو طاعة ؛ لما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ? أنه قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه " بل قد صرح طائفة من العلماء كابن عقيل وغيره بأن المسافر لزيارة قبور الأنبياء عليهم السلام وغيرها لا يقصر الصلاة في هذا السفر ؛ لأنه معصية ، لكونه معتقداً أنه طاعة وليس بطاعة ، والتقرب إلى الله عز وجل بما ليس بطاعة هو معصية ؛ ولأنه نهى عن ذلك والنهي يقتضي التحريم .(466/102)
ورخص بعض المتأخرين في السفر لزيارة القبور كما ذكر أبو حامد في " الأحياء " وأبو الحسن بن عبدوس ، وأبو محمد المقدسي وقد روى حديثاً رواه الطبراني من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله ? : " من جاءني زائراً لا تنزعه إلا زيارتي كان حقاً على أن أكون له شفيعاً يوم القيامة " لكنه من حديث عبدالله بن عبدالله بن عمر العمري ، وهو مضعف ولهذا لم يحتج بهذا الحديث أحد من السلف والأئمة وبمثله لا يجوز إثبات حكم شرعي باتفاق علماء المسلمين والله أعلم(1) .
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (27/28) .
59- أهلُ التصوفِ لا تُلِمَّ بدارهمْ **** فالزيغُ منسوجٌ مع القُمصانِ
هناك آراء كثيرة في تعريف التصوف واشتقاق الاسم وأرجحها ما ينسبها إلى لبس الصوف لأنه دأب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فأضافتهم إلى ظاهر اللبسة كان ذلك اسماً مجملا عاماً ولأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء عليهم السلام والصديقين وشعار المساكين المتنسكين .
وهذا ما يرجحه ابن تيمية مستبعداً باقي التعليلات والتفسيرات السابقة مفنداً إياها موضحاً الأسباب في كل حالة . لأنه لو كان نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله لقيل صفى ، وإذا قيل نسبة إلى الصفوة من خلق الله لكان الاسم الصحيح ( صفوى ) وإذا كانت النسبة إلى صوفه ابن بشير من القبلة المجاورة لمكة منذ الزمن القديم الذين ينسب إليهم النساك فإنه قول ضعيف لأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لعرف هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم كما لا يرضى صوفى أن يكون مضافاً إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام .
فالأصح إذن عنده هو أن الصوفية نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم ( صوفى ) .
وليس طريقهم مقيداً بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به ، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال(1) .(466/103)
أما تاريخ ظهور الصوفية ، فإن لفظ " الصوفية " لم يكن معروفاً على عهد الصحابة بل لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة المفضلة وإنما اشتهر بعد القرون
___________________________________________________
(1) ... التصوف والاتجاه السلفي في العصر الحديث د 0 مصطفى حلمي ص10 .
الثلاثة الأول .
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن أول ظهور الصوفية من البصرة بالعراق ، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة ما لم يكن في سائر أهل الأمصار .
مذاهب الصوفية :
يمكن تقسيم مذاهب الغلاة من الصوفية إلى ثلاثة أقسام :
1- ... القسم الأول : أهل المذهب الإشراقي وهو الذي غلبت فيه الناحية الفلسفية على ما عداها مع الزهد ، والمقصو بالمذاهب الإشراقي ، الإشراق النفسي الذي يفيض في القلب بالنور ، والذي يكون نتيجة للتربية النفسية والرياضة الروحية وتعذيب الجسم لتنقية الروح وتصفيتها ويمكن أن تكون هذه الصفة يشترك فيها جميع الصوفية وأهل هذا القسم توقفوا عند هذا الحد ولم يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من القائلين بالحلول ووحدة الوجود ولكن هذا الأسلوب مخالف لتعاليم الإسلام وهو مأخوذ من الديانات المنحرفة كالبوذية وغيرها .
2- ... المذهب الثاني : مذهب الحلول وهم القائلون بأن الله يحل في الإنسان – تعالى الله عن ذلك – وقد نادى بذلك بعض الغلاة من الصوفية كالحسين بن منصور الحلاج الذي أفتى العلماء بكفره وقتله وقد قتل وصلب سنة 309هـ وقد نُسب إليه قوله
سبحان من أظهر ناسوته *** سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهراً **** في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه **** كلحظة الحاجب بالحاجب
3- ... المذهب الثالث : القول بوحدة الوجود وهو يقرر أن الموجود واحد في الحقيقة وكل ما نراه ليس إلا تعينات لذات الإلهية وزعيم هذه الطائفة ابن عربي الحاتمي الطائي المدفون بدمشق والمتوفى سنة 638هـ ويقول في ذلك في كتابه الفتوحات المكية :(466/104)
العبد رب والرب عبد **** ياليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك حق **** أو قلت رب أني يكلف
... ويقول أيضا في الفتوحات :
" إن الذين عبدوا العجل ما عبدوا غير الله " .
وابن عربي هذا يلقبه الصوفية بالعارف بالله ، والقطب الأكبر ، والمسك الأذفر ، والكبريت الأحمر ، مع قوله بوحدة الوجود وغيرها من الطامات ، فإن يمدح فرعون ويحكم بأنه مات على الإيمان ويذم هارون على إنكاره على قومه عبادة العجل مخالفاً بذلك نص القرآن(1) . ويرى ان النصارى إنما كفروا لأنهم خصصوا عيسى بالألوهية ولو عمموا لما كفروا.
على أن الحق والإنصاف يقتضي ان من الصوفية من التزم بالكتاب والسنة ، واجتهد في الطاعة وقد بين شيخ الإسلام أنه إذا وقف عليهم فلابد من شروط لاستحقاق هذا الوقف وكلامه رحمه الله أعدل ما قيل
___________________________________________________
(1) ... حقيقة الصوفية د 0 محمد المدخلي ص18 .
في الصوفية فقال :
ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه تنازع الناس في طريقهم ؛ فطائفة ذمت " الصوفية والتصوف " وقالوا : أنهم مبتدعون ، خارجون عن
السنة ، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف ، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام .
وطائفة غلت فيهم ، وادعوا أنهم أفضل الخلق ، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم .
و " الصواب " أنهم مجتهدون في طاعة الله ، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطىء ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب .
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه ، عاص لربه .(466/105)
وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم : كالحلاج مثلاً ؛ فإن أكثر مشائخ الطريق أنكروه ، وأخرجوه عن الطريق . مثل : الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره . كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي ؛ في " طبقات الصوفية " وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد .
فهذا أصل التصوف ثم انه بعد ذلك تشعب وتنوع وصارت الصوفية " ثلاثة أصناف " صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم .
فأما " صوفية الحقائق " : فهو الذين وصفناهم .
وأما " صوفية الأرزاق " فهم الذين وقفت عليهم الوقوف .
كالخوانك فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق . فإن هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك ؛ ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط :
( أحدها ) العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم .
و ( الثاني ) التأدب بآداب أهل الطريق وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها .
و ( الثالث ) أن لا يكون أحدهم متمسكاً بفضول الدنيا فأما من كان جماعاً للمال أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة ولا يتأدب بالآداب الشرعية أو كان فاسقاً فإنه لا يستحق ذلك .
وأما " صوفية الرسم " فهم المقتصرون على النسبة فهمهم في اللباس والآداب الوضعية ، ونحو ذلك فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع ما من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم .
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (11/19) .
60- وكذا الخوارجُ هم كلابُ النار قد **** ورد الحديث فلا تكن متواني
61- فأبو سعيدٍ قد روى في مسلمٍ **** وروى عليُّ بمسندِ الشيباني
تعريف الخوارج لغة واصطلاحاً :(466/106)
1-في اللغة : الخوارج في اللغة جمع خارج وخارجي اسم مشتق من الخروج وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهم اللغوية في مادة " خرج " على هذه الطائفة من الناس معللين ذلك بخروجهم عن الدين أو على الإمام علي أو لخروجهم على الناس "
2-في الاصطلاح : اختلف العلماء في التعريف الاصطلاحي للخوارج وحاصل ذلك :
1- ... منهم من عرفهم تعريفاً سياسياً عاماً ، اعتبر الخروج على الإمام المتفق على إمامته الشرعية خروجاً في أي زمن كان .
قال الشهرستاني : " كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان "
2- ... ومنهم من خصهم بالطائفة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه قال الأشعري " والسبب الذي سعوا له خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب "
زاد ابن حزم بأن اسم الخارجي يلحق كل من أشعة الخارجين على الإمام علي أو شاركهم في آرائهم في أي زمن وهو يتفق مع تعريف الشهرستاني "(1) .
وقد ورد في ذمهم أحاديث منها ما ذكره الناظم :(466/107)
عن أبي سعيد الخدري قال : " بعث علي ، وهو باليمن ، بذهبة في تربتها ، إلى رسول الله ? ، فقسمها رسول الله ? بين أربعة نفر : الأقرع ابن حابس الحنظلي ، وعيينة ابن بدر الفزاري ، وعلقمة ابن علاثة العامري ، ثم احد بني كلاب ، وزيد الخير الطائي ، ثم احد بني نبهان ، قال : فغضبت قريش ، فقالوا : أتعطي صناديد نجد وتدعنا ؟ فقال رسول الله ? :" إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم " ، فجاء رجل كث اللحية ، مشرف الوجنتين ، غائر العينين ، ناتىء الجبين محلوق الرأس ، فقال : اتق الله ، يا محمد ! قال : فقال رسول الله ? : " فمن يطع الله إن عصيته ، أيامنني على أهل الأرض ولا تأمنوني " قال : ثم أدبر الرجل ، فاستأذن رجل من القوم في قتله ، ( يرون أنه خالد بن الوليد ) فقال رسول الله ? : " إن من ضئضىء هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد "(2) .
والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده أيضاً كما قال الناظم(3) .
____________________________________________________
(1) ... فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام د0غالب العواجي (1/66) .
(2) ... رواه مسلم ، كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم .
(3) ... مسند أحمد ، تحقيق حمزة الزين (10/14،215) .
62- قدرية جبرية قد بُدِّعوا **** إذ أعرضوا عن منهجِ القرآن
تكلم الناظم عن فرقتين هما :
1- ... القدرية ، 2- الجبرية
أولاً : القدرية :
للقدرية إطلاقان ، خاص وعام .
فالقدرية بالمعنى الخاص : هم المنكرون للقدر ( أي المكذبون بتقدير الله تعالى لأفعال العباد أو بعضها ) أي : الذين قالوا : لا قدر ( من الله ) والأمر أنف أي مستأنف ليس لله فيه تقدير سابق كما سيأتي بيانه .(466/108)
والقدرية بالمعنى العام : هم الخائضون في علم الله تعالى وكتابته ومشيئته وتقديره وخلقه بغير علم ، وبخلاف مقتضى النصوص وفهم السلف ويشمل ذلك الأصناف التالية :
1- ... القدرية النفاة الذين أنكروا القدر أو بعضه ( المعبدية والغيلانية والمعتزلة)
2- ... الجبرية الذين زعموا أن الإنسان لا اختيار له ألبته ( الجهمية ) .
3- ... المعترضة والمشككة في القدر ( طوائف كثيرة ) .
4- ... الذين خاضوا في مسألة الكسب والاستطاعة بخلاف ما عليه السلف (الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ) .
والقدرية كغيرها من سائر الفرق بدأت مقولاتها قليلة وحذرة ، ثم تطورت واتسعت ، وتجذرت حتى صارت لها أصول وقواعد وشعب ومقولات وفرق ودعاة .
ويمكننا تلخيص المراحل التي مرت بها القدرية بما يلي :
1-المرحلة الأولى : ( ظهور القدرية الأولى ) :
وتتمثل في مقولات معبد الجهني ت (80) وأتباعه ، ثم غيلان الدمشقي وأتباعه ت (105)وتتخلص بأن الله تعالى ( بزعمهم ) لم يقدر أفعال العباد ولم يكتبها ، ولأن الأمر أنف ( أي مستأنف ) لم يكن في علم الله ولا تقديره السابق ) .
وكانت بدايات كلامهم في هذا بعد سنة 63 هـ وهو تاريخ نشأة القدرية الأولى ، إذن فالقدرية الأولى هم ( الذين أنكروا علم الله السابق ، وزعموا أن الله تعالى لم يقدر أفعال العباد سلفاً ، ولم يعلمها ولم يكتبها في اللوح المحفوظ ، وأن الأمر أنف ( أي مستأنف ) ليس بتقدير سابق من الله تعالى مما استقل العباد بفعلها ) وهذه مقولة غالية في القدر حيث تنكر العلم والكتابة وتقدير عموم أفعال المكلفين خيرها وشرها فيما يظهر ) .
هذا أول أمرهم ، فلما أنكر الأئمة هذا القول صار جمهور القدرية .
غيلان الدمشقي المقتول سنة 105 تقريباً :(466/109)
غيلان الدمشقي هو الرجل الثاني بعد معبد الجهني من رؤوس بدعة القدرية وقد ظهرت مقولته بالشام وافتتن بها خلق وتأثر بها عدد من أهل العلم والفضل ومنهم ثور بن يزيد ت 105 ومكحول الشامي ت بضعة عشر ومائة ولكنه رجع .
2- المرحلة الثانية : القدرية الثانية ( المعتزلة والجهمية ومن تابعهم ) :
ظهرت القدرية الثانية بظهور المعتزلة في أول القرن الثاني الهجري وتتمثل بمقولات المعتزلة والجهمية وأهل الكلام في القدر ، فالقدرية في هذه المرحلة توسعت مقالاتها وتشعبت بين الفرق على النحو التالي :
أ ... شعبة صارت ضمن المعتزلة القائلين بأن الإنسان مقدر أفعاله وهو خالقها ومنشؤها ، ولم تقدر عليه قبل ، وهذه هي وريثة ( القدرية الأولى ) النفاة .
ب ... وشعبة منها صارت في الجهمية الجبرية القائلين بأن الإنسان مجبور على أفعاله كالريشة في مهب الريح ، فلا اختيار له ، وهذه هي ( القدرية الجبرية الخالصة ) وقد ظهرت فيما بعد في عقائد كثير من المتصوفة والفلاسفة .
ج- ... وشعبة ثالثة صارت أقرب إلى الجبرية ، وهم القائلون بالكسب من الأشاعرة ومن سلك سبيلهم(1) .
وأما الجبرية فأساس مذهبهم يرتكز على رجلين .
الأول كما يليق بجلاله وعظمته ( جعد بن درهم ) صاحب المذهب والثاني (جهم بن صفوان ) ناشر المذهب .
اولاً : ( جهم بن صفوان ) الناشر كان يقول : أن الإنسان مجبور في أفعاله وأنه لا اختيار له ولا قدرة وأنه كالريشة المعلقة في الهواء إذ تحرك تحركت وإذا سكن سكنت وإن الله سبحانه قدر عليه أعمالاً لابد أن تصدر منه وجادل جهم في مذهبه ( مقاتل) المفسر(2) .
_________________________________________________
(1) ... القدرية والمرجئة د 0 ناصر العقل .
(2) ... التآليف بين الفرق لمحمد حمزة ص167.
قال الشهرستاني :(466/110)
الجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى والجبرية أصناف فالجبرية الخالصة : هي التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً والجبرية المتوسطة : هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً فأما من أثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل ، وسمى ذلك كسباً فليس بجبري . (1) .
وكلام الشهرستاني في ان القول بالكسب ليس جبراً فرار من وصف المخالفين له بذلك حتى إن بعض الأشعرية قالوا بأن الكسب هو الجبر ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام أيضاً(2) .
____________________________________________________
(1) ... الملل والنحل (1/85) .
(2) ... انظر منهج الشهرستاني في الملل لمحمد السحيباني ص357.
63- وطوائفُ الإرجاءِ شَرُّ طوائفٍ **** جاءوا بقولٍ ظاهرِ البطلان
كلام الناظم هنا عن المرجئة الخالصة والإرجاء على معنيين :
أحدهما : بمعنى التأخير كما في قوله تعالى : ( قالوا أرجه وأخاه ) أي أمهله وأخره .
والثاني : إعطاء الرجاء .
أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد .
وأما بالمعنى الثاني فظاهر ، فإنهم كانوا يقولون : لا تضر مع الإيمان المعصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة .
وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا ، من كونه من أهل الجنة ، أو من أهل النار فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان .
وقيل الإرجاء : تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان .
والمرجئة أربعة أصناف : مرجئة الخوارج ، ومرجئة القدرية ، ومرجئة الجبرية والمرجئة الخالصة ، ومحمد بن شبيب ، والصالحي ، والخالدي من مرجئة القدرية وكذلك الغيلانية أصحاب غيلان الدمشقي ، أول من أحدث القول بالقدر والإرجاء ونحن إنما نعد مقالات المرجئة الخالصة منهم(1) .
______________________________________________
((466/111)
1) ... الملل والنحل للشهرستاني (1/139) .
وقد نقل شيخ الإسلام أقوال الأئمة في ذم المرجئة فقال :
قال إبراهيم النخعي : " لفتنتهم عندي أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارق يعني المرجئة " .
وقال الزهري : " ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من هذه ، يعني الإرجاء " .
وقال الأوزاعي : " كان يحيى وقتادة يقولان : ليس من الأهواء شيء أخوف على الأمة من الإرجاء " .
وقال شريك في المرجئة : " هم أخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله تعالى " .
وقال سفيان الثوري : " تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سامري " .
وسئل ميمون بن مهران عن كلام المرجئة فقال : " أنا أكبر من ذلك " .
وقال سعيد بن جبير لذر الهمذاني : " أما تستحي من رأي أنت أكبر منه "(1) .
_______________________________________________
(1) ... الفتاوى (7/395) .
64- والأشعريّ له نُقول غَثةٌ **** تأويلُه من أرخصِ الهذيان
الألف واللام في ( الأشعري ) إما ان يكون للعهد فيقصد به أبو الحسن قبل رجوعه لمذهب السلف على القول بمرحلة البرزخ(1) .، وإما ان يكون للجنس أو الاستغراق ويقصد به الأشاعرة ، ولكون الذين اعتنقوا هذا المذهب كثيرين فأود ان أقف مع معتقداتهم وسوف يكون الكلام عليها على النحو الآتي :
أولاً : توحيد الربوبية :
1-أول واجب على المكلف :
ذهبوا إلى انه النظر أي ترتيب أمرين معلومين ليتوصل بترتيبهما إلى علم مجهول كالعالم متغير ، وكل متغير حادث ، فالعالم حادث(2) .
وهذا القول مخالف لقول أهل السنة القائلين بأن الشهادتين هما أول واجب على المكلف ، وأن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك بعد البلوغ ، وقد بين ذلك شيخ الإسلام في درء التعارض وغيره(3) .
2-طرق الأشعرية في إثبات توحيد الربوبية :(466/112)
أشهر دليل عند الأشاعرة هو دليل حدوث الأجسام ، وإن كان يوجد فيهم من سلك مسالك أخرى لإثبات وجود الله ، ولكن لما كان دليلهم الذي سار عليه متقدموهم ومتأخروهم هو دليل الحدوث فإنه الذي سأركز عليه – إن شاء الله تعالى .
_________________________________________________
(1) ... ذكرت ذلك في حاشيتي على القواعد المثلى .
(2) ... شرح الجوهرى للبيجوري ص38 .
(3) ... وانظر أول واجب على المكلف للغنيمان ص14 .
وخلاصة الدليل أن هؤلاء قالوا : لا يعرف صدق الرسول حتى يعرف إثبات الصانع ، ولا يعرف إثبات الصانع حتى يعرف حدوث العالم ، ولا يعلم حدوث العالم إلا بما به بعلم حدوث الأجسام .
وهذا الدليل يبني على مقدمتين ، وكل واحدة من المقدمتين يشترط إقامة أدلة على صحتها حتى تنتج المقدمتان نتيجة صحيحة .
أما المقدمتان فهما :
الأولى : العالم حادث .
الثانية : كل حادث لابد له من محدث .
والنتيجة بعد إثبات صحة المقدمتين : العالم لابد له من محدث أحدثه ، وهو الله سبحانه وتعالى .
فأما إثبات حدوث العالم فيستند إلى إثبات خمسة أمور وهي :
الأول : إثبات الأعراض وقيامها بالجواهر .
الثاني : إثبات حدوث الأعراض .
الثالث : إثبات استحالة تخلي الجواهر عن الأعراض .
الرابع : إثبات امتناع حوادث لا أول لها .
الخامس : إثبات ان ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث .
وهذا القول باطل لأنه يلزم عليه لوازم فاسدة ، من نفي صفات الله ، ونفي قدرته على الفعل ، والقول بأنه فعل بعد أن كان الفعل ممتنعاً عليه ، وأنه يرجع أحد المقدورين على الآخر بلا مرجح، وكل هذا خلاف المعقول الصحيح ، وخلاف الكتاب والسنة .
وأن هذا أوجب تسلط الفلاسفة على المتكلمين في مسألة حدوث العالم إلى غير ذلك من الوجوه.
قال شيخ الإسلام :(466/113)
فجاء هؤلاء المتفلسفة لما رأوا هذه عمدة هؤلاء المتكلمين في اثبات حدوث العالم واثبات الصانع وتفطنوا لموضع المنع فيها ، وهو قولهم : يمتنع دوام الحوادث قالوا : هذه الطريقة تستلزم كون الصانع كان معطلاً عن الكلام والفعل دائماً إلى أن أحدث كلاماً وفعلا بلا سبب أصلاً . قالوا : وهذا مما يعلم بطلانه بصريح العقل ، قالوا : وليس معكم من نصوص الأنبياء ما يوافق هذا ، وأما أخبار الله أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ، فهذا يدل على أنه خلقها من مادة قبل ذلك كما أخبر أنه : ? استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ? [سورة فصلت: 11]
وكذلك في أول التوراة ما يوافق هذا . قالوا : وهذا النص وان كان يناقض قولنا بقدم العالم فليس فيه ما يدل على قولكم بتعطيل الصانع عن الصنع ، وحينئذ فنحن نقول في هذا النص وأمثاله من نصوص المبدأ والمعاد ما نقوله نحن وأنتم في نصوص الصفات (1) .
وقال شيخ الإسلام في شرح الأصفهانية :
وليس العلم بإثبات الصانع سبحانه مفتقراً إلى شيء من الطرق المبتدعة و إن كانت صحيحة ، فكيف إذا كانت باطلة ؟ لكن الرجل إذا استدل على الحق بدليل صحيح لم يكن هذا مذموماً مطلقاً ، كما تجد كثيراً من أهل الحديث ،
_______________________________________________
(1) ... الصفدية (1/275) .(466/114)
والصوفية ، والمتفقهة يعيبون من أقام دليلاً عقليا صحيحاً على بعض المطالب الدينية ويجعلون هذا من الكلام المذموم ،وليس الأمر كما يقوله هؤلاء بل الدليل الصحيح مقبول وإن لم يعلم استدلال غيره به ،لكن قد يذم لأسباب؛ مثل أن يكون فيه خطر ،وغيره مغن عنه، كمن سلك إلى مكة الطريق البعيد المخوفة مع إمكان القريبة الأمينة وكذلك إذا رد الباطل بممانعة صحيحة ،أو معارضة صحيحة لكن المذموم أن يدعي صحة الباطل أو يتوقف الإيمان على بدعة ما شرعها الله تعالى ورسوله ،فكيف إذا اجتمعا جميعاً كما زعم هؤلاء حيث قالوا: لا يمكن تصديق الرسول ? إلا بما ذكروه من الطرق النظرية التي ابتدعوها .
ثانياً : توحيد الصفات :
موقف الأشعرية من الصفات معروف حيث أثبتوا سبعاً مما يدل العقل عليها بزعمهم وأولوا بقية الصفات الخبرية منها والفعلية ، ولابد من بيان أن الصفات السبع التي أثبتها الأشعرية خالفوا في طريقتها أهل السنة أيضاً وإيضاح ذلك بما يلي :
1- ... أثبتوا صفة الكلام ثم فسروه بالمعنى القديم القائم بالله ليست بحرف ولا صوت ، وكلامه تعالى عندهم صفة واحدة لا تعدد فيها ، لكن لها أقسام اعتبارية ، فمن حيث تعلقه بطلب فعل الصلاة مثلاً : أمر ، ومن حيث تعلقه بطلب ترك الزنا مثلاً : نهي ، ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا مثلاً : خبرٌ ، ومن حيث تعلقه بأن الطائع له الجنة : وعد ، ومن حيث تعلقه بأن العاصى يدخل النار : وعيدٌ إلى غير ذلك (1) .
____________________________________________________
(1) ... شرح الجوهرة للصاوي ص102 .
وهذا مخالف لعقيدة أهل السنة في الكلام كما هو معلوم فالكلام عند أهل السنة يكون بحرف وصوت والله تكلم به حقيقة على النحو اللائق به سبحانه ، وهو قديم النوع حادث الأفراد .(466/115)
2- ... أثبتوا صفة السمع والبصر وجعلوها أزلية فيقولون إن الله يسمع العبد الذي يتكلم في أي وقت بسمعه الأزلي ، أما أهل السنة فيقولون إن السمع صفة ذاتية فعلية فيسمع من يتكلم حين يتكلم ، وكذلك يقال في البصر ، فإن الله يرى حين فعل العبد ، فدل على أن هذه الصفة ذاتية فعلية(1)
3- ... أثبتوا صفة الإرادة وجعلوها أزلية ، وأهل السنة يثبتون الإرادة الذاتية والفعلية(2) .
يقول شيخ الإسلام :
" كون الشيء واجب الوقوع لكونه قد سبق به القضاء وعلم أنه لابد من كونه لا يمتنع أن يكون واقعاً بمشيئته وقدرته وإرادته – وإن كانت من لوازم ذاته كحياته وعلمه – فإن إرادته للمستقبلات هي مسبوقة بإرادته للماضي ، ? إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ? ، وإنما أراد هذا الثاني بعد أن أراد قبله ما يقتضي إرادته ، فكان حصول الإرادة السابقة بالإرادة اللاحقة .
4- ... أثبتوا صفة العلم لله لكن قالوا إنه لا يتجدد له عند وجود المعلومات نعت ولا صفة بناء على نفيهم لحلول الحوادث لأنه يلزم من ذلك التغير في ذات __________________________________________________
(1) ... منهج أهل السنة و الأشاعرة لخالد نور (2/522) .
(2) ... ابن تيمية السلفي لهراس ص126 .
الله ، وبهذا احتج الفلاسفة على نفي علم الله .
يقول شيخ الإسلام موضحاً الخلاف في علم الله وتعلقه بالمستقبل : " الناس المنتسبون إلى الإسلام في علم الله باعتبار تعلقه بالمستقبل على ثلاثة أقوال :(466/116)
أحدها : أنه يعلم المستقبلات بعلم قديم لازم لذاته ، ولا يتجدد له عند وجود المعلومات نعت ولا صفة ، وإنما يتجدد مجرد التعلق بين العلم والمعلوم ، وهذا قول طائفة من الصفاتية من الكلابية والأشاعرة ، ومن وافقهم من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة ، وهو قول طوائف من المعتزلة وغيرهم من نفاة الصفات ، لكن هؤلاء يقولون : يعلم المستقبلات ويتجدد التعلق بين العالم والمعلوم ، لا بين العلم والمعلوم .
وقد تنازع الأولون : هل له علم واحد أو علوم متعددة ؟ على قولين : والأول قول الأشعري وأكثر أصحابه ، والقاضي أبي يعلى وأتباعه ، ونحو هؤلاء والثاني قول أبي سهل الصعلوكي .
والقول الثاني : أنه لا يعلم المحدثات إلا بعد حدوثها ، وهذا أصل قول القدرية الذين يقولون : لم يعلم أفعال لعباد إلا بعد وجودها وأن الأمر أنف ، لم يسبق القدر لشقاوة ولا سعادة ، وهم غلاة القدرية .
والقول الثالث : أنه يعلمها قبل حدوثها ، ويعلمها بعلم آخر حين وجودها " وهذا قول السلف ، وهو قول أبي البركات صاحب المعتبر من الفلاسفة ، وقول الرازي في المطالب العالية ، وهو مخالف لما ينسب إلى الجهم الذي يقول بتجدد علم قبل الحدوث ، والذي في القرآن أن التجدد يكون بعد الوجود .
يقول شيخ الإسلام : " لا ريب أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون ، ثم إذا كان :
فهل يتجدد له علم آخر ؟ أم علمه به معدوماً هو علمه به موجوداً ؟ هذا فيه نزاع بين النظار " ثم قال عن القول الأول – وهو أنه يتجدد له علم آخر – " وإذا كان هو الذي يدل عليه صريح المعقول ، فهو الذي يدل عليه صحيح المنقول ، وعليه دل القرآن في أكثر من عشر مواضع ، وهو الذي جاءت به الآثار عن السلف "(1) .
ثالثاً : الإيمان :(466/117)
أي تصديق النبي ? ، والمراد بتصديق النبي في ذلك : الإذعان لما جاء به والقبول له ، وليس المراد وقوع نسبة الصدق إليه في القلب من غير إذعان وقبول له حتى يلزم الحكم بإيمان كثير من الكفار الذين كانوا يعرفون حقيقة نبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم .
فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء بل اتفق له ذلك . فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في الحكام الدنيوية ؛ أما المعذور إذا قامت قرينة على إسلامه بغير النطق كالإشارة ، فهو مؤمن فيهما ؛ وأما الآبى بأن طلب منه النطق بالشهادتين ، فأبى فهو كافر فيهما ، ولو أذعن في قلبه فلا ينفعه ذلك ولو في الآخرة ؛ ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق فهو مؤمن في الأحكام الدنيوية غير مؤمن عند الله تعالى ، ومحل كونه مؤمناً في الأحكام الدنيوية ما لم يطلع على كفره بعلامة كسجود لصنم ، وإلا جرت عليه أحكام الكفر(2) .
ولا شك ان الاكتفاء بالتصديق من غير النطق باللسان مخالف لعقيدة السلف .
___________________________________________________
(1) ... موقف ابن تيمية من الأشاعرة د 0 المحمود (3/1055) .
(2) ... شرح الجوهرة للباجوري ص43 ، و حاشية الأمير ص49 .
رابعاً: القضاء والقدر :
وسنتكلم فيه عن مسائل :
1-مسألة الحكمة والتعليل :
حيث ذهبوا إلى أن أفعال الله غير معللة خلق المخلوقات ، وأمر المأمورات ، لا لعلة ولا لداع ولا باعث ، بل فعل ذلك لمحض المشيئة ، وصرف الإرادة(1) .
وهذا القول مخالف لمعتقد السلف كما هو معلوم(2) .
2-التحسين والتقبيح :
وسيأتي مذهب الأشاعرة عند قول الناظم ( والحسن والتقبيح للإنسان ) .
3-الكسب :(466/118)
ذهب الأشاعرة إلى ان الله خالق أفعال العباد ثم أتوا بنظرية الكسب التي ضرب بها المثل في الخفاء ومعناها اقتران القدرة الحادثة بالمقدور من غير تأثير القدرة فيها الأمر الذي جعل أبا المعالي الجويني يرد هذا القول في النظامية ، لكونه يؤدي إلى الجبر حتى قال الرازي إن الإنسان مجبور في صورة مختار ، ثم ذهبوا إلى ان الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل لا يجوز أن تتقدمه مخالفين بذلك أهل السنة في إثبات الاستطاعة المصححة للفعل والتي تكون قبله ، واستطالة مقارنة للفعل يجب معها وجود الفعل(3).
__________________________________________________
(1) ... نهاية الأقدام للشهرستاني ص397 .
(2) ... انظر الحكمة والتعليل للمدخلي .
(3) ... موقف ابن تيمية من الأشاعرة المحمود (3/1332) .
ومذهب أهل السنة اثبات أن للعبد قدرة وإرادة حقيقية لكنها مخلوقة لله فأفعاله مخلوقة لأن خالق السبب التام خالق للمسبب ، فإن قيل إن هذا جبر ، قلنا ما قاله شيخ الإسلام : ربما سمي جبراً إذا أمن اللبس حيث قال رحمه الله :
فإن قيل : هب أن فعلي الذي أردته واخترته هو واقع بمشيئتي وإرادتي أليست تلك الإرادة وتلك المشيئة من خلق الله تعالى ؟ وإذا خلق الأمر الموجب للفعل فهل يتأتى ترك الفعل معه ؟ أقصى ما في الباب ان الأول جبر بغير توسط الإرادة من العبد ، وهذا جبر بتوسط الإرادة .
فنقول : الجبر المنفي هو الأول كما فسرناه ، وأما إثبات القسم الثاني فلا ريب فيه عند أهل الاستنان والآثار وأولى الألباب والأبصار لكن لا يطلق عليه اسم الجبر خشية الالتباس بالقسم الأول وفراراً من تبادر الأفهام إليه وربما سمي [جبراً] إذا أمن من اللبس وعلم القصد . قال علي رضي الله عنه في الدعاء المشهور عنه في الصلاة على النبي ? : اللهم داحي المدحوات وباري المسموكات جبار القلوب على فطراتها شقاها أو سعدها .(466/119)
فبين أنه سبحانه جبر القلوب على ما فطرها عليه : من شقاوة أو سعادة وهذه الفطرة الثانية ليست الفطرة الأولى ، وبكلا الفطرتين فسر قوله ? :" كل مولود يولد على الفطرة " وتفسيره بالأولى واضح قاله محمد بن كعب القرظي – وهو من أفاضل تابعي أهل المدينة وأعيانهم ، وربما فضل على أكثرهم – في قوله ( الجبار ) ، قال جبر العباد على ما أراد ، وروى ذلك عن غيره وشهادة القرآن والأحاديث ورؤية أهل البصائر والاستدلال التام لتقليب الله سبحانه وتعالى قلوب العباد ، وتصريفه إياها وإلهامه فجورها وتقواها ، وتنزيل القضاء النافذ من عند العزيز الحكيم ، في أدنى من لمح البصر على قلوب العالمين ، حتى تتحرك الجوارح بما قضى لها وعليها بين غاية البيان إلا لمن اعمى الله بصره وقلبه
فإن قلت : أنا أسألك على هذا التقدير بعد خروجي عن تقدير الجبر الذي نفوه وأبطلوه وثباتي على ما قالوه وبينوه كيف إنبنى الصواب والعقاب ؟
فهذه الآثار هي التي تورثها الأعمال هي الثواب والعقاب وأفضاء العمل إليها واقتضاؤه إياها كافضاء جميع الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى أسباباً إلى مسبباتها والإنسان إذا أكل أو شرب حصل له الري والشبع وقد ربط الله سبحانه وتعالى الري والشبع بالشرب والأكل ربطاً محكماً ، ولو شاء أن لا يشبعه ويرويه مع وجود الأكل والشرب فعل ، أما أن لا يجعل في الطعام قوة أو يجعل في المحل قوة مانعة أو بما يشاء سبحانه وتعالى ، ولو شاء أن يشبعه ويرويه بلا أكل ولا شرب أو بأكل شيء غير معتاد فعل .
كذلك في الأعمال : المثوبات والعقوبات حذو القذة بالقذة فإنه إنما سمي الثواب ثواباً ؛ لأنه يثوب إلى العامل من عمله : أي يرجع والعقاب عقاباً لأنه يعقب العمل ؛ أي يكون بعده ، ولو شاء الله أن لا يثيبه على ذلك العمل أما بأن لا يجعل في العمل خاصة تفضي إلى الثواب ، أو لوجود أسباب تنفي ذلك الثواب أو غير ذلك لفعل سبحانه وتعالى وكذلك في العقوبات .(466/120)
وبيان ذلك ان نفس الأكل والشرب باختيار العبد ومشيئته التي هي من فعل الله سبحانه وتعالى أيضاً ، وحصول الشبع عقب الأكل ليس للعبد فيه صنع ألبتة ، حتى لو أراد دفع الشبع بعد تعاطي الأسباب الموجبة له لم يطق وكذلك نفس العمل هو بإرادته واختياره ، فلو شاء أن يدفع أثر ذلك العمل وثوابه بعد وجود موجبه لم يقدر(1) .
4-السببية :
قال شيخ الإسلام عن الأشعرية أنهم : يقولون إن قدرة العبد وغيرها من الأسباب التي خلق الله تعالى بها المخلوقات ليست أسباباً وأن وجودها كعدمها وليس هناك إلا مجرد اقتران عادي كاقتران الدليل بالمدلول وكلامهم لما جحد في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم والعلل ، ولم يجعل في العين قوة تمتاز بها عن الخد تبصر بها ولا في القلب قوة يمتاز بها عن الرجل يعقل بها ، ولا في النار قوة تمتاز بها عن التراب تحرق بها ، وهؤلاء ينكرون ما في الأجسام المطبوعة من الطبائع والغرائز .
قال بعض الفضلاء تكلم قوم من الناس في إبطال الأسباب والقوى والطبائع فأضحكوا العقلاء على عقولهم .
ثم إن هؤلاء يقولون لا ينبغي للإنسان أن يقول أنه شبع بالخبز وروى بالماء بل يقول شبعت عنده ورويت عنده ؛ فإن الله يخلق الشبع والري ونحو ذلك من الحوادث عند هذه المقترنات بها عادة ؛ لا بها وهذا خلاف الكتاب والسنة
ونظير هؤلاء الذين أبطلوا الأسباب المقدرة في خلق الله من أبطل الأسباب المشروعة في أمر الله ؛ كالذين يظنون أن ما يحصل بالدعاء والأعمال الصالحة وغير ذلك من الخيرات إن كان مقدراً حصل بدون ذلك ؛ وإن لم يكن مقدراً لم يحصل بذلك ، وهؤلاء كالذين قالوا للنبي ? أفلا ندع العمل ونتكل على
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (8/397) .
الكتاب ؟ فقال " لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له "(466/121)
وفي السنن انه قيل :يا رسول الله ؛ أرأيت أدوية نتداوى بها ؛ ورقى نسترقى بها وتقاة نتقيها ؛ هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال: هي من قدر الله ولهذا قال من قال من العلماء :الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو السباب أن تكون أسباباً تغيير في وجه العقل ؛ والأعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع .
والله سبحانه خلق الأسباب والمسببات ؛ وجعل هذا سبباً لهذا ، فإذا قال القائل إن كان هذا مقدراً حصل بدون السبب وإلا لم يحصل ؛ جوابه أنه مقدر بالسبب وليس مقدراً بدون السبب ، كما قال النبي ? " أن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ؛ وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم " وقال ? : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة "(1) .
وقال شيخ الإسلام :
وهذا القول الوسط ، وهو إثبات كون الرب خالقاً لكل شيء ، ومع كون أفعال العباد مخلوقة له ، ومع كونها أفعالاً للعباد أيضاً ، وأن قدرة العباد لها تأثير فيه ، كتأثير الأسباب في مسبباتها ، وأن الله خالق كل شيء بما خلقه من الأسباب ، وليس شيء من الأسباب مستقلاً بالفعل ، بل هو محتاج إلى أسباب أخر تعاونه ، وإلى دفع موانع تعارضه ، ولا تستقل إلا مشيئة الله تعالى ، فإنه ما __________________________________________________
(1) ... الفتاوى (8/138) .
شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فما شاء الله كان وإن لم يشأ العباد ، وما لم يشأ لم يكن ولو شاء العباد(1) .
وقال أيضاً :(466/122)
فلعلك أن تقول بعد هذا البيان : انا لا أفهم الأسباب ، ولا أخرج عن دائرة التقسيم والمطالبة بأحد القسمين وما أنت أن قلت هذا : إلا مسبوق بخلق من الضلال :?كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ) وموقفك هذا مفرق طرق إما إلى الجنة وإما إلى النار ، فيعاد عليك البيان بأن لها تأثيراً من حيث هي السبب كتأثير القلم وليس لها تأثير من حيث الابتداع والاختراع ، ونضرب لك الأمثال لعلك تفهم صورة الحال ، ويبين لك أن إثبات الأسباب مبتدعات هو الإشراك وإثباتها أسباباً موصولات هو عين تحقيق التوحيد ، عسى الله أن يقذف بقلبك نوراً ترى هذا البيان
( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )
فإن قلت : اثبات القدرة سبب نفي للتأثير في الحقيقة فما بال الفعل يضاف إلى العبد ، وما باله يؤمر وينهي ؟ ويثاب ويعاقب وهل هذا إلا محض الجبر ؟ وإذا كنت مشبهاً لقدرة الإنسان بقلم الكاتب وعصا الضارب فهل رأيت القلم يثاب أو العصا تعاقب ؟ وأقول لك الآن ان شاء اله وجب هداك بمعونة مولاك ، وان لم تطلع من أسرار القدر إلا على مثل ضرب الأثر والق السمع وأنت شهيد ، عسى الله ان يمدك بالتأييد .
اعلم أن العبد فاعل على الحقيقة وله مشيئة ثابتة . وله إرادة جازمة وقوة صالحة
__________________________________________________
(1) ... درء التعارض (5/265) ط0 دار الكتب .
، وقد نطق القرآن باثبات مشيئة العباد في غير ما آية كقوله : ?لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين? ?فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا? ?فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة?
ونطق بإثبات فعله في عامة آيات القرآن : ( يعملون ) ( يفعلون ) (يؤمنون) (يكفرون) (يتفكرون( (يحافظون) ( يتقون).(466/123)
وكما أنا فارقنا مجوس الأمة بإثبات أنه تعالى خالق ، فارقنا الجبرية بإثبات أن العبد كاسب فاعل صانع عامل ، والجبر المعقول الذي أنكره سلف الأمة وعلماء السنة هو أن يكون الفعل صادراً على الشيء من غير إرادة ولا مشيئة ولا اختيار مثل حركة الأشجار بهبوب الرياح ، وحركة باطباق الأيدي ومثله في الأناسي حركة المحموم والمفلوج والمرتعش فإن كل عاقل يجد تفرقة بديهية بين قيام الإنسان وقعوده وصلاته وجهاده ، وزناه وسرقته وبين انتعاش المفلوج وانتفاض المحموم ، ونعلم أن الأول قادر على الفعل مريد له مختار ، وأن الثاني غير قادر عليه ولا مريد له ولا مختار .
والمحكي عن جهم وشيعته " الجبرية " انهم زعموا :أن جميع أفاعيل العباد قسم واحد ، وهو قول ظاهر الفساد ، وبما بين القسمين من الفرقان انقسمت الأفعال: إلى اختياري ، واضطراري واختص المختار منها بإثبات الأمر والنهي عليه ، ولم يجيء في الشرائع ولا في كلام حكيم أمر الأعمى بنقط المصحف ، والمقعد بالاشتداد أو المحمود بالسكون، وشبه ذلك ، وان اختلفوا في تجويزه
عقلاً أو سمعاً فإنما منع وقوعه بإجماع العقلاء أولى العقل من جميع الأصناف(1)
خامساً : النبوات :
يختلف مذهب الأشاعرة عن مذهب أهل السنة والجماعة في النبوات اختلافاً بعيداً ، فهم يقررون أن إرسال الرسل راجع للمشيئة المحضة ، ثم يقررون أنه لا دليل على صدق النبي إلا المعجزة ، ثم يقررون أن أفعال السحرة والكهان من جنس المعجزة لكنها لا تكون مقرونة بإدعاء النبوة والتحدي ، قالوا ولو ادعى الساحر أو الكاهن النبوة لسلبه الله معرفة السحر رأساً وإلا كان هذا إضلالاً من الله وهو يمتنع عليه الإضلال إلى آخر ما يقررونه مما يخالف المنقول والمعقول ، ولضعف مذهبهم في النبوات مع كونها من أخطر أبواب العقيدة إذ كل أمورها متوقفة على ثبوت النبوة أغروا أعداء الإسلام بالنيل منه واستطال عليهم الفلاسفة والملاحدة(2).(466/124)
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (8/394) .
(2) ... منهج الأشاعرة د 0 سفر الحوالي ص27 .
65 - لكن أتباع الرسول وحزبه **** هم درة في هذه الأكوان
66 - هم فرقة منصورة قد أيدت **** وكذاك ناجية من الخسران
بعد أن تكلم الناظم عن العقائد المخالفة شرع في وصف الفرقة الناجية وهي أتباع الرسول ? كما قال الناظم تبعاً لشيخ الإسلام حيث قال :
ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد ، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم ، ومن خالف ذلك كان مبتدعاً عند أهل السنة والجماعة ، فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة ، ومتنازعون في إجماع من بعدهم(1) .
ووصف الناظم هذه الفرقة بعدة أوصاف وهي :
1- ... أنهم درة الكون والدرة هي اللؤلوة العظيمة(2) والجامع بينهما الصفاء(3) فإن عقيدة أهل السنة صافية لا يشوبها شيء بخلاف العقائد الأخرى .
2- ... أنهم فرقة منصورة كما قال شيخ الإسلام في الواسطية(4) .
وقد اختلف في الطائفة المنصورة ما هي ؟ قال البخاري في صحيحه هم أهل العلم ، وقال يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل إن لم يكونوا أهل الحديث : فلا أدري من هم ؟ وقال ابن المبارك وعلى بن المدينى وغيرهم أنهم أهل
______________________________________________
(1) ... منهاج السنة (2/610) .
(2) ... ترتيب القاموس المحيط (2/168) .
(3) ... التحرير والتنوير (18/238) .
(4) ... الفتاوى (3/159) .
الحديث(1) . قال القاضي عياض تعليقاً على قول الإمام أحمد السابق : وإنما أراد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث(2) .
3-أنهم الفرقة الناجية أي التي سلمت من الهلاك والشرور في الدنيا والآخرة ، وحصلت على السعادة بسبب استقامتها على الحق وتمسكها بما كان عليه أصحابه .
وشيخ الإسلام عندما كتب الواسطية وصف معتقدها بأنه من الفرقة الناجية .(466/125)
وقال لمن اعترض نعته لأهل السنة بأنهم الفرقة الناجية وزعم أنه إذا كان هذا قول الفرقة الناجية خرج عن ذلك من لم يقل ذلك من المتكلمين : قال الشيخ فقلت لهم : ليس كل من خالفني في شيء من هذا يكون هالكاً فان المنازع قد يكون مجتهداً يغفر الله خطاياه .
وقد لا يكون بلغة في ذلك من العلم ما تقوم عليه الحجة وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته ، وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة لا يجب أن يدخل فيها المتأول والتائب وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك فهذا أولى بل موجب ذلك ان من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجياً ، وقد لا يكون ناجياً كما يقال من صمت نجا ا0هـ .
وقد ورد حديث افتراق الأمة إلى ثلاثة وسبعين فرقة ، وقد صححه جمع من الأئمة منهم الترمذي ، والحاكم ، والذهبي ، وشيخ الإسلام ، والشاطبي ، _________________________________________________
(1) ... الروضة الندية ص507 .
(2) ... إكمال المعلم (6/350) .
وحسنه الحافظ ابن حجر ، وقواه ابن كثير(1).
وبعض أهل العلم قد طعن في زيادة ( كلها في النار إلا واحدة ) ومن هؤلاء ابن الوزير حيث فهم ان معناه كفر أصحاب هذه الفرق ، وخلود أربابها .
والجواب أن فهم المعنى ليس سبباً في رد الحديث إن كان ثابتاً ، أما معناه فليس على ما فهمه ابن الوزير بل يقال بنجاة أهل الحديث ، وأما الآخرون فإنهم داخلون في الوعيد(2) لكن هل الأشعرية والماتريدية يلحقهم الوعيد أيضاً ؟ .
الذي قال إنهم من أهل السنة فعلى قوله لا يدخلون في الوعيد ومن هؤلاء السفاريني لكن أهل الحديث من حيث القطع وأولئك من حيث الظن(3) .(466/126)
والذي قال إنهم ليسوا من أهل السنة فيلزمه أن يدخل الأشعرية والماتريدية في الوعيد ابتداءً من أبي الحسن الأشعري على القول بأنه لم يرجع إلى مذهب أهل الحديث ، ومروراً بالباقلاني ت سنة 403هـ ، وابن فورك ت سنة 406 هـ ، وأبي اسحاق الاسفرائيني ت سنة 418هـ، والبغدادي ت سنة 429هـ وأبي القاسم القشيري ت سنة 465هـ ، وأبي المعالي الجويني ت سنة 478هـ ،وأبي اسحاق الشيرازي ت سنة 476هـ ،والكيا ت سنة 504هـ ، والغزالي ت سنة 505هـ ، والشهرستاني ت سنة 548هـ ، وابن العربي
ت سنة 543هـ ، والرازي ت سنة 606 هـ ، والعز بن عبد السلام ت سنة 660هـ ، والنووي ت سنة 676هـ ، وانتهاءً بجميع المتأخرين والمعاصرين ،
__________________________________________________
(1) ... نصح الأمة في فهم أحاديث افتراق الأمة للهلالي ص32 .
(2) ... افتراق الأمة للصنعاني ص68 .
(3) ... لوامع الأنوار (2/267) .
لكونهم من أفراد القاعدة إلا أن هناك موانع قد تمنع من صدق وصف الهلاك عليهم ودخولهم في الوعيد كما سبق عن شيخ الإسلام لكن انطباقه على فرد دون آخر هل يكون بالنسبة لنا أم في واقع الأمر ؟
فإن كان في واقع الأمر عند الله فلا حاجة لنا للكلام ، وإن كان بالنسبة لنا فإن هذا مما تختلف فيه الأنظار فتعيين شخص بالنجاة دون آخر تحكم ، فتصير أحكامنا على كلا الأمرين لا أثر لها في أمر يختص به علام الغيوب.
67- فالزم طريقتهم وعض بناجذ **** منها ولا يغررك قول ثاني
68- فإمامها المعصوم من بين الورى **** دع عنك رأي فلان أو علان
بعد أن بين الناظم نجاة أهل الحديث أوصاهم في هذا البيت بالتمسك بهم ، وسلوك منهجهم ، وقفو طريقتهم حتى يكون للتابع فضل ما للمتبوع .
وقوله ( ولا يغررك قول ثاني ) يحتمل أمرين :(466/127)
الأول : نهي عن الاغترار بالأقوال لكون القول في كلام الناظم نكرة في سياق نهي فيفيد العموم أي جميع الأقوال لا تغتر بها مهما زخرفت ووصفت بالصحة لا فرق في ذلك بين قول الأشعرية وغيرهم .
الثاني : ان قوله ( قول ثاني ) يراد به ما اشتهر على ألسنة الناس من ان المسألة فيها قولان فلا داعي للإنكار في مسائل الخلاف فبين الناظم ان هذا مما لا يقال فيه قول ثاني .
ثم أكد الناظم على اتباع الرسول ? بفهم صحابته دون قول شخص آخر .
69 – أنهاك عن علم الكلام وأهله **** واهجر فديتك منطق اليونان
علم الكلام به تعريفان :
الأول : يرادف علم أصول الدين أو علم العقائد أو التوحيد وعلى هذا جرى السفاريني وعرفه بأنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية(1) .
وهذا ليس مراد الناظم وإن كان هناك تحفظ على تعريف السفاريني في قوله اليقينية لكون الاعتقاد من موارده الظن أيضاً خلافاً لأهل الكلام لكن من حيث الجملة فتعريف السفاريني مقبول .
الثاني : علم الكلام الذي يعتمد على المعقول المحض وهذا هو مراد الناظم .
وهذان القسمان لعلم الكلام ذكرهما الحنابلة حيث قال في كشاف القناع : فالمحرمة كعلم العلام ،إذا تكلم فيه بالمعقول المحض ، أو المخالف للمنقول الصريح الصحيح فان تكلم فيه بالنقل فقط ، أو بالنقل والعقل الموافق له ، فهو أصل الدين وطريقة أهل السنة وهذا معنى كلام الشيخ تقي الدين(2).
ولهذا جنح كثير من الأشعرية إلى النهي عن القراءة في كتب الرازي(3) .
وقوله ( واهجر فديتك منطق اليونان ) يريد به المنطق المشوب بالفسلفة كما بين ذلك شراح السلم وتبعهم العلامة محمد الأمين في كتابه آداب البحث والمناظرة وقد كتب مقدمة نافعة قال فيها :
_________________________________________________
(1) ... لوامع الأنوار (1/70) .
(2) ... كشاف القناع (3/34) .
(3) ... شرح السنوسية الكبرى لعبد الفتاح بركة ص41 .(466/128)
ولما كان من المتوقع أن يواجه الدعاة إلى الحق دعاة إلى الباطل مضللون يجادلون لشبه فلسفية ، ومقدمات سوفسطائية ، وكانوا لشدة تمرنهم على تلك الحجج الباطلة كثيراً ما يظهرون الحق في صورة الباطل ، والباطل في صورة الحق ، من أجل ذلك قررت مادة ( آداب البحث والمناظرة ) لأنه هو العلم الذي يقدر به من تعلمه على بيان مواضع الغلط في حجة خصمه ، وعلى تصحيح مذهبه بإقامة الدليل المقنع على صحته أو صحة ملزومه أو بطلان نقيضه ونحو ذلك فوضعنا هذه المذكرة ، وجئنا بتلك الأصول المنطقية خالصة من شوائب الشبه الفلسفية فيها النفع الذي لا يخالطه ضرر ألبته لأنها من الذي خلصه علماء الإسلام من شوائب الفلسفة كما قال العلامة شيخ مشايخنا وابن عمنا المختار بن بونة شارح الألفية والجامع معها ألفية أخرى من نظمه تكميلاً للفائدة في نظمه في فن المنطق .
فإن تقل حرمه النواوي **** وابن الصلاح ، والسيوطي الراوي
قلت نرى الأقوال ذي المخالفة **** محلها ما صنف الفلاسفة
أما الذي خلصه من أسلما **** لابد أن يعلم عند العلما
وأما قول الأخضري في سلمه :
فابن الصلاح والنواوي حرما **** وقال قوم ينبغي أن يعلما
والقولة المشهورة الصحيحة **** جوازه لكامل القريحة
ممارس السنة والكتاب **** ليهتدي به إلى الصواب .
فمحله المنطق المشوب بكلام الفلاسفة الباطل .
ومن المعلوم أن فن المنطق منذ ترجم من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية في أيام المأمون كانت جميع المؤلفات توجد فيها عبارات واصطلاحات منطقية لا يفهمها إلا من له إلمام به ، ولا يفهم الرد على المنطقيين في ما جاؤا به من الباطل إلا من له إلمام بفن المنطق .(466/129)
وقد يعين على رد الشبه التي جاء بها المتكلمون في أقيسة منطقية فزعموا أن العقل يمنع بسببها كثيراً من صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة ، لأن أكبر سبب لإفحام المبطل أن تكون الحجة عليه من جنس ما يحتج به وأن تكون مركبة من مقدمات على الهيأة التي يعترف الخصم المبطل بصحة إنتاجها .
ولا شك أن المنطق لو لم يترجم إلى العربية ولم يتعلمه المسلمون لكان دينهم وعقيدتهم في غنى عنه كما استغنى عنه سلفهم الصالح ، ولكنه لما ترجم وتعلم وصارت أقيسته هي الطريق الوحيدة لنفي بعض صفات الله الثابتة في الوحيين ، كان ينبغي لعلماء المسلمين أن يتعلموه وينظروا فيه ليردوا حجج المبطلين بجنس ما استدلوا به على نفيهم لبعض الصفات ، لأن إفحامهم بنفس أدلتهم أدعى لانقطاعهم وإلزامهم الحق ا0هـ .
وذكرت ذلك في حاشيتي على شرح الدمنهوري على السلم .
وقد فرق الحنابلة بين حكم الفلسفة والمنطق فقالوا بحرمة الأول ، وكراهة الثاني(1) وقد كتب كثيرون يحذرون من علم الكلام منهم الهروي صاحب منازل السائرين في كتاب سماه ذم الكلام.(2)
(1) ... كشاف القناع (3/34)
(2) ... طبع في خمسة مجلدات بتحقيق عبدالله الأنصاري ، وطبع في جزء بتحقيق د 0 سميح دغيم
ويقال والعهدة على الناقل ان اليونان : موضع كان بأرض الروم به مدن وقرى كثيرة وإنها منشأ الحكماء اليونانيين والآن استوى عليها الماء . من عجائبها أن من حفظ شيئاً في تلك الأرض لا ينساه أو يبقى معه زمناً طويلاً وحكى التجار أنهم إذا ركبوا البحر ووصلوا إلى ذلك الموضع يذكرون ما غاب عنهم(1).
_______________________________________________
(1) ... حاشية معجم البلدان للحموي (5/517) .
70 – وكفاك عن علم الكلام شريعة **** كملت بلا حرج ولا نقصان
هذا البيت من الناظم قد سبقه به القحطاني وابن عبد القوي .
فابن عبد القوي يقول :
وإياك عن آراء كل مزخرفٍ **** مقالته كالسم في ضمنها الردي(466/130)
فقد مات خير الناس والدين كامل **** غني عن التبيين من كل ملحد
فطالبُ دين الحق بالرأي ضائع **** ومن خاض في علم الكلام فما هُدي
كفى بهم نقصاً تناقض قولهم **** وكل يقول : الحق عندي ، فقلِّدِ
فما الدين إلا الاتباع لما أتى **** عن الله والهادي البشير محمد (1).
وقول القحطاني في نونيته المشهورة ، والذي منها قوله :
لا تلتمس علم الكلام فإنه **** يدعو إلى التعطيل والهيمان
علم الكلام وعلم شرع محمد ****يتغايران وليس يشتبهان
أخذوا الكلام عن الفلاسفة الأولى **** جحدوا الشرائع غرة وأمان
حملوا الأمور على قياس عقولهم **** فتبلدوا كتبلد الحيران
كل يقيس بعقله سبل الهدى **** ويتيه تيه الواله الهيمان
من قاس شرع محمد في عقله **** قذفت به الأهواء في غدران
يا معشر المتكلمين عدوتم **** عدوان أهل السبت في الحيتان
إن حل مذهبكم بأرض أجدبت **** أو أصبحت قفراً بلا عمران
_________________________________________________
(1) ... الألفية في الأداب الشرعية ص101 .
71 – ترجو دواء القلب من ذي علةٍ *** وتريد وصف الشمس من عُميانِ
72- انظر إلى الرازيْ يقول محذراً *** في ساعةِ التوديعِ يا إخواني
73- جربتُ كل طريقة مذكورةٍ *** وركبت بحرَ الهول كالرُّباني
74- وقرأتُ فلسفةً ظننت بريقها *** نوراً وهذا النورُ قد أعماني
75 –فالآن أعلنُ أنه لا شرعةٌ *** أهدى ولا أشفى من القرآن
76 –و كذاك سنةُ أحمدِ فهْي التي *** فيها نجاة العبدِ من نيرانِ
77 –وكذا الجويني صاح في طلابه *** يا قومُ حيَّر فكرتي الهمذاني
78- حتى ابنُ سينا وهْو من أقطابهم *** متحيراً وكبيرُ شهرستاني
79- بل قال بعض رؤوسهم متوجعاً *** من شدةِ الإحباطِ والهذيان
80- يا ليتني تابعتُ دين عجائزي *** ولزمتُ حفظ عقيدة الصبيانِ
لما بين الناظم فساد علم الكلام ذكر في هذه الأبيات أسماء علماء الكلام الذين تراجعوا عن مذهبهم ومن هؤلاء :(466/131)
الرازي والجويني وابن سينا والشهرستاني ،وهذه التوبة من هؤلاء انقسم الناس فيها إلى فريقين :
الأول ، نَقَلها مصدقاً بها .
الثاني : نقَلَها وهو غير مصدق بها إما من ناحية الثبوت وإما من ناحية الدلالة .
أما الفريق الأول فكثيرون منهم ابن الجوزي(1) ، وشيخ الإسلام ،(2) ___________________________________________________
(1) ... المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (16/245) .
(2) ... درء التعارض (8/48) ، ومنهاج السنة (5/1269) ، والاستقامة (1/79) ، وغير ذلك من كتبه .
والذهبي(1) وغيرهم .
أما الفريق الثاني فقسمان :
الأول : يتأول بأنواع من التأويلات(2) .
الثاني : مكذب لهذه القصص أو بعضها ومن هؤلاء السبكي وتبعه السقاف في شرح الطحاوية(3) .
قال السبكي عن توبة إمام الحرمين :
" يشبه أن تكون هذه الحكاية مكذوبة ، وابن طاهر عنده تحامل على إمام الحرمين ، والقيرواني رجل مجهول ، ثم هذا الإمام العظيم الذي ملأت تلامذته الأرض لا ينقل هذه الحكاية عنه إلا رجل مجهول ، ولا تعرف من غير طريق ابن طاهر !! إن هذا لعجيب !! وأغلب ظني أنها كذبة ؛ افتعلها من لا يستحي ؛ وما الذي بلغ به رضي الله تعالى عنه علم الكلام ؟ أليس قد أعزّ الله به الحق وأظهر به السنة ، وأمات البدعة ؟ ! "(4) انتهى .
وقال عن قوله ( حيرنى الهمزاني ) :
" قلت : لقد تكلف لهذه الحكاية وأسندها بإجازة على إجازة ، مع ما في إسنادها ممن لا يخفى محاطه على الأشعري ، وعدم معرفته بعلم الكلام .
__________________________________________________
(1) ... . سير أعلام النبلاء (18/468 )
(2) ... شرح السنوسية ص40 ، وحاشية الأمير على شرح عبد السلام على جوهرة اللقاني ص27 .
(3) ... ص60 .
(4) ... الطبقات الكبرى (5/186) .(466/132)
ثم أقول : يالله ويا للمسلمين !! أيقال عن الإمام إنه يتخبط عند سؤال سأله إياه هذا المحدّث ، وهو أستاذ المناظرين وعلم المتكلمين ؟ ! أو كان الإمام عاجزاً عن أن يقول له كذبتَ يا ملعون ، فإن العارف لا يحدث نفسه بفوقية الجسمية ، ولا يحدد ذلك إلا جاهل يعتقد الجهة !! .
بل نقول : لا يقول عارف : يا رباه ، إلا وقد غابت عنه الجهات ، ولو كانت جهة فوق مطلوبة لما مُنع المصلي من النظر إليها ، وشدد عليه في الوعيد عليها .
وأما قوله ( صاح بالحيرة ) وكان يقول : ( حيرني الهمذاني ) فكذب ممن لا يستحي ، وليت شعري ! أي شبهة أوردها ، وأي دليل اعترضه حتى يقول : حيرني الهمذاني .
ثم أقول : إن كان الإمام متحيراً لا يدري ما يعتقد ، فواهاً على أئمة المسلمين من سنة ثمان وسبعين وأربعمائة إلى اليوم فإن الأرض لم تخرج من لدن عهده أعرف منه بالله ، ولا أعرف منه : فيالله ماذا يكون حال الذهبي وأمثاله إذا كان مثل الإمام متحيراً ؟ ! إن هذا لخزي عظيم ثم ليت شعري ! من أبو جعفر الهمذاني في أئمة النظر والكلام ؟ ومن هو من ذوي التحقيق من علماء المسلمين! .
ثم أعاد الذهبي الحكاية عن محمد بن طاهر ، عن أبي جعفر !! وكلاهما لا يقبل نقله ، وزاد فيها أن الإمام صار يقول ( يا حبيبي ما ثَمَّ إلا الحيرة ) فإنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد ابتلى المسلمون من هؤلاء الجهلة بمصيبة لا عزاء بها(1).
________________________________________
(1) ... الطبقات الكبرى (5/190) .
وقال الأمير :
حتى أنشد ابن تيمية وأساء الأدب في حق الفخر الرازي وكتابه المحصل :
محصل في أصول الدين حاصله **** من بعد تحصيله علم بلا دين
رأس الضلالة في الأفك المبين فما **** فيه فأكثره وحي الشياطين
فإن الفخر رحمه الله تعالى من الأئمة الذين هدموا كل شبهة تحار فيها جملة وصانوا بها أمة حتى إنها تفوق نسك المتعبدين(1)
والجواب على شبهاتهم أمور :(466/133)
أولا : ان هناك حكايات ثابتة لا شك فيها مثل التي وردت على ألسنة المتكلمين أنفسهم ومن كتبهم ومن هؤلاء :
1- الشهرستاني حيث قال في مقدمة كتابه نهاية الأقدام في علم الكلام : الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة على رسوله المصطفى وآله الطيبين الطاهرين أجمعين أما بعد فقد أشار إلي من إشارته غنم وطاعته حتم أن اجمع له مشكلات الأصول واحل له ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول لحسن ظنه بي اني وقفت على نهايات النظر وفزت بغايات مطارح الفكر ولعله استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم لعمري .
لقد طفت في تلك المعاهد كلها **** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر **** على ذقن أو قارعاً سن نادم(2)
وقد رد عليه الصنعاني ببيتين بين فيهما ان الحيرة والندم إنما تقع لمن لم يتبع
______________________________________
(1) ... حاشية الأمير على شرح الجوهرة ص37 .
(2) ... نهاية الإقدام ص3 .
المنهج الصحيح من التمسك بما جاء به نبينا محمد ? من الكتاب والسنة ، والاعتماد عليها والاقتداء بالسلف الصالح حيث قال :
لعلك أهملت الطواف بمعهد **** الرسول ومن لاقاه من كل عالم
فما حار من يهدي بهدى محمد**** ولست تراه قارعاً سن نادم(1)
وأخيراً قال الشهرستاني : " فعليكم بدين العجائز فهو من أسنى الجوائز "(2).
2- الرازي حيث نقل شيخ الإسلام عن الرازي من كتابه أقسام اللذات ما جاء به الناظم القرني لكن حاول السقاف ان يشكك في نسبة الكلام إلى الرازي بحجة أوهى من بيت العنكبوت حيث نقل كلام د 0 محمد رشاد سالم في تعليقه على منهاج السنة (5/271) وعلى درء التعارض (1/160) حيث قال د 0 رشاد : لم أجد هذا النص فيما بين يدى من كتب الرازي سواء المطبوع منها والمخطوط ويذكر ابن تيمية أن الرازي كان يتمثل بهذا النص في كتابه " أقسام اللذات " وهذا الكتاب مخطوط بالهند ولم يذكره بروكلمان ضمن مؤلفات الرازي .(466/134)
وكثير ما يذكر ابن تيمية هذا النص في كتبه انظر – مثلاً – مجموع فتاوى ابن تيمية ( د 0 الرياض ) 4/71 ؛ الفرقان بين الحق والباطل ؛ ص97 من مجموعة الرسائل الكبرى ط 0 صبيح ؛ معارج الوصول ، ص185 من المجموعة السابقة
ثم قال السقاف معقباً على ذلك :
________________________________________
(1) ... منهج الشهرستاني في الملل والنحل لمحمد السحيباني ص116 .
(2) ... نهاية الأقدام ص4 .
وهذا مما يؤكد لنا أن هذا كله مكذوب على الإمام الرازي ولا شك في ذلك عندنا ؛ وقد أخذه مجسمة العصر من كتب ابن تيمية وأذاعوه في المشرق والمغرب ، فلتعلموا أنه كذب بحت على الإمام الرازي !!
والله المستعان !! .
وأقول : إن هذه الأبيات هي من نظم ابن تيمية وكأنه يصف بها نفسه ا0هـ(1).
ولا أخال كلام السقاف يصدر من باحث رائده الحق فإن عدم وقوف د 0 رشاد على كلام الرازي لا يعني أنه غير موجود فجهل من جهل ليس حجة على علم من علم ، ثم ان الدكتور رشاد لم ينف وجود كلام الرازي بل اكتفى بعدم رؤيته هو ، ثم ذكر أن كتاب الرازي موجود في الهند ، فكان على السقاف بدلاً من أن يصدر حكمه المتسرع أن يبحث عن الكتاب ويقرأ فيه ثم يصدر حكمه إن شاء ، وشيخ الإسلام أجل من أن يكذب على إنسان مع ما وجده من صنوف الكذب وأنواع البهتان .
وأما كتاب أقسام اللذات فالمتتبعون لكتب الرازي يثبتونه وذكروا منه نسخة خطية في برلين _5427) ، ونسخة في مكتبة رياسة المطبوعات في كابل (2) ،فليت السقاف يطلبه .
ثانياً : بعض الحكايات التي كذبها السبكي والتي لم ترد على ألسنة المتكلمين أنفسهم فجوابنا أن النقل إذا اختلف احتاج إلى ترجيح ، ونقل شيخ الإسلام
__________________________________________________
(1) ... شرح الطحاوية ص71 .
(2) ... مقدمة المباحث المشرقية للرازي للمحقق محمد البغدادي (1/44) .
والذهبي عندنا مقدم على نقل السبكي إلا أن يكون هناك برهان ساطع يكذب
المقالة .(466/135)
بقى أن نذكر تراجم من ورد ذكرهم في الأبيات السابقة وهم :
3- الرازي وهو : أبو عبدالله ، محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي ، القرشي ، التيمي – نسبة إلى تيم عشيرة أبي بكر الصديق – البكري – نسبة إلى بكر الصديق رضي الله عنه – الطبرستاني أصلاً ، الرازي مولداً – نسبة إلى مدينة الرَّيّ ، بفتح الراء وتشديد الياء ، وهي تقع جنوبي غربي طهران – الشافعي مذهباً الأشعري عقيدة – على سبيل التغليب – المعروف بفخر الدين الرازي ، أو بابن خطيب الرّي – نسبة إلى والده خطيب مسجد الرّي – ولد في الري سنة 543هـ وأجمعوا على أنه في رمضان قيل 15 منه وقيل 25 وقيل في العشر الأواخر .
أما وفاته فقد مرض في خوارزم فنقل إلى داره في هراة حيث اشتد عليه المرض فأملى على تلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصفهاني وصيته في الحادي والعشرين من المحرم سنة 606 هـ . وقيل في سبب وفاته ان الكرامية – أتباع محمد بن كرام – سموه وكانت وفاته سنة 606 هـ في 15 رمضان يوم الجمعة أو على قول آخر في غرة شوال يوم الاثنين من السنة نفسها ، وقيل في ذي الحجة(1)
4- الجويني المولود سنة 419هـ ، والمتوفى سنة 478هـ :
وهو عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن محمد الجويني ، أبو المعالي ، ركن الدين ، الملقب بإمام الحرمين : أعلم المتأخرين ، من أصحاب الشافعي ولد في جوين
________________________________________________
(1) ... مقدمة المباحث المشرقية (1/11) .
( من نواحي نيسابور ) ورحل إلى بغداد ، فمكة حيث جاوز أربع سنين وذهب إلى المدينة فأفتى ودرس ، جامعاً طرق المذاهب . ثم عاد إلى نيسابور ، فبني له الوزير نظام الملك " المدرسة النظامية " فيها . وكان يحضر دروسه أكابر العلماء(1) .(466/136)
له مصنفات كثيرة ، منها " غياث الأمم والتياث الظلم – ط " و "العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية- ط " و " البرهان ط في أصول الفقه –ط ، ونهاية المطلب في دراية المذهب – خ " في فقه الشافعية ، آثنا عشر مجلداً يقوم بتحقيقه د 0 عبد العظيم الديب في جامعة قطر " ، و " الشامل " في أصول الدين ، على مذهب الأشاعرة ط جزء منه و " الإرشاد – ط" في أصول الدين ، و " الورقات – ط " في أصول الفقه ، و " مغيث الخلق – ط " وقد رد عليه الكوثري في كتابه إحقاق الحق بإبطال الباطل من مغيث الخلق .
5- الهمذاني المولود بعد سنة 440 هـ والمتوفى سنة 531هـ
قال الذهبي في ترجمة الهمذاني : الشيخ الإمام الحافظ الرحال الزاهد ، بقية السلف والأثبات ، أبو جعفر محمد بن أبي علي بن محمد بن عبدالله ، الهمذاني .
ولد بعد الأربعين وأربع مئة وكان من أئمة أهل الأثر ، ومن كبراء الصوفية .
قال السمعاني : كان خطه رديئاً ، وما كان له كبير معرفة بالحديث على ما سمعت .قلت : حدث عنه: ابن طاهر المقدسي ، وأبو العلاء العطار ، وعبد الرحمن بن عبدالوهاب بن المعزم ، وآخرون . وهو الذي قام في مجلس وعظ إمام الحرمين ، وأورد عليه في مسألة العلو ، فقال : ما قال عارف قط : يا ألله ، ____________________________________________________
(1) ... أعلام الزركلى (4/160) .
إلا وقام من باطنه قصد تطلب العلو ، لا يلتفت يمنة ولا يسرة ، فهل لدفع هذه الضرورة من حيلة ؟ ! فقال : يا حبيبي ما ثم إلا الحيرة وذلك في ترجمة أبي المعالي(1) .
وقد أنكر السقاف(2) كونه محدثاً محتجاً بما نقله الذهبي عن السمعاني انه لم يكن له كبير معرفة بالحديث وترك تعقيب الذهبي الذي نقلناه من كون بعض المحدثين قد أخذ عنه !! .
6-ابن سينا المولود سنة 370 هـ والمتوفى سنة 428هـ .(466/137)
هو الحسين بن عبدالله بن سينا ، أبو علي ، شرف الملك : الفيلسوف الرئيس ، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات أصله من بلخ ، ومولده في إحدى قرى بخارى . نشأ وتعلم في بخارى ، وطاف البلاد ، وناظر العلماء ، واتسعت شهرته ، وتقلد الوزارة في همذان ، وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته ، فتوارى ثم صار إلى أصفهان ، وصنف بها أكثر كتبه . وعاد في أواخر أيامه إلى همذان ، فمرض في الطريق ، ومات بها ، قال ابن قيم الجوزية : " كان ابن سينا – كما أخبر عن نفسه – هو وأبوه ، من أهل دعوة الحاكم ، من القرامطة الباطنيين " وقال ابن تيمية : " تكلم ابن سينا في أشياء من الإلهيات والنبويات ، والمعاد والشرائع ، لم يتكلم بها سلفه ، ولا وصلت إليها عقولهم ، ولا بلغتها علومهم ؛ فإنه استفادها من المسلمين ، وإن كان إنما يأخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالاسماعيلية ؛ وكان أهل بيته من أهل دعوتهم ،
___________________________________________________
(1) ... سير أعلام النبلاء (20/102) .
(2) ... شرح الطحاوية ص64 .
من أتباع الحاكم العبيدي الذي كان هو وأهل بيته معروفين عند المسلمين بالالحاد " صنف نحو مئة كتاب ، بين مطول ومختصر(1).
ولشيوع شهرة ابن سينا بين الناس حتى ظنوا انه من علماء المسلمين مع ان أهل العلم قد كفروه لاعتقاده قدم العالم ، ومن هؤلاء ابن القيم ننقل ما قاله في النونية:
وأتى ابن سينا بعد ذاك مصانعاً **** للمسلمين فقال بالإمكان
لكنه الأزلى ليس بمحدث **** ما كان معدوماً ولا هو فان
وأتى بصلحٍ بين طائفتينِ بينهما **** الحروب وما هما سلمانِ
أنى يكون المسلونَ وشيعةُ اليونان **** صلحاً قط في الإيمانِ
والسيف بين الأنبياء وبينهم **** والحرب بينهم فحرب عوانِ .
وقال هراس في شرحه :(466/138)
جاء ابن سينا بعد أرسطو ، وكان تلميذاً وفيا لفلسفة أستاذه ، ولكنه من جهة أخرى كان يريد مصانعة المسلمين ومداهنتهم حتى لا يفطنوا لمروقه وإلحاده ، فتكايس بمحاولة التوفيق بين الفلسفة التي تقول بقدم العالم ومقارنته لله في الزمان ، وبين الدين الذي يجعله مخلوقاً حادثاً ، بعد أن لم يكن ، فزعم أن الله علة تامة لوجود العالم ، والعلة التامة يجب أن يقارنها معلولها ولا يتخلف عنها ، وعلى هذا فيمكن القول بأن العالم أزلى مقارن له في الزمان ، كما تقول الفلسفة ، ولكنه من جهة أخرى متأخر وممكن حادث بالذات أما كونه متأخراً فلأن المعلول قد استفاد الوجود من علته ، ولا نعني بالحدوث الذاتي إلا استفادة
____________________________________________________
(1) ... الأعلام (2/242) .
الوجود من الغير . ومن العجيب أن ابن سينا مع قوله بقدم العالم يسمى الله
خالقاً وفاعلاً ويسمى العالم مخلوقاً ومفعولاً ، فمتى خلق الله العالم على رأيه أو فعله إذا كان وجوده مقارناً لوجوده ، وكيف يمكن أن يكون الله خالقاً للعالم مع القول بأنه علة والخلق إنما يعتمد على القصد والاختيار وأما العلة فيصدر عنها معلولها بالإيجاب المنافي للاختيار والعالم عنده كما هو أزلى مساوق لعلته في جانب الأزل ، هو كذلك أبدى غير قابل للفناء ، لأن المعلول لعلة تامة يجب أن يبقي ببقاء علته .
وهكذا يظن ابن سينا أنه أفلح بهذا التمويه والمغالطة في لبس الأمر على المسلمين ، ولكن الأذكياء من علماء هذه الأمة من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية استطاعوا كشف تلبيساته وفضح سرائره ونياته .(466/139)
ومن العجيب أيضاً أن يزعم هذا الرجل أنه يحاول الصلح والتوفيق بين طائفتين يعقل أن تهدأ بينهما الحرب أو أن يتم سلام ، فهذه طائفة تؤمن بالوحي والقرآن وتعتصم بعرى الإسلام والإيمان وهذه طائفة كافرة تدين بما ضرطت به عقول فلاسفة اليونان مما كله أو أغلبه كفر وإلحاد وهذيان فلا يمكن أن يوضع السيف بينهم وبين أتباع الأنبياء أبد الدهر ، وستبقي بينهم الحرب العوان حتى لا تكون فتنة وحتى يظهر دين الله على الدين كله ولو كره الكافرون(1).
7-الشهرستاني والمولود سنة 479هـ ، والمتوفى سنة 548هـ :
وهو محمد بن عبدالكريم بن أحمد ، أبو الفتح الشهرستاني : من فلاسفة الإسلام . كان إماماً في علم الكلام وأديان الأمم ومذاهب الفلاسفة . يلقب بالأفضل
________________________________________
(1) ... شرح النونية (1/176) .
ولد في شهرستان ( بين نيسابور وخوارزم ) وانتقل إلى بغداد سنة 510 هـ ، فأقام ثلاث سنين ، وعاد إلى بلده وتوفى بها . قال ياقوت في وصفه : "الفيلسوف المتكلم " ، صاحب التصانيف ، كان وافر الفضل ، كامل العقل ، ولولا تخبطه في الاعتقاد ومبالغته في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم لكان هو الإمام " من كتبه الملل والنحل – ط " ثلاثة أجزاء ، و " نهاية الإقدام في علم الكلام – ط " و " الإرشاد إلى عقائد العباد " و " تلخيص الأقسام لمذاهب الأنام " و " مصارعات الفلاسفة – خ " و " تاريخ الحكماء – خ " و " المبدأ والمعاد " و " تفسير سورة يوسف " بأسلوب فلسفي و " مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار – خ " في التفسير ، منه نسخة كتبت سنة 667هـ ، في خزانة مجلس الشورى الوطني بطهران(1).
ولم نرد أن ننقل نصوص كلام المتكلمين الذين مضى ذكرهم لكون الناظم قد جاء بها نظماً وعبارته فيها واضحة .
____________________________________________________
(1) ... أعلام الزركلي (6/215) .
81 – قد جاء شاهدُ قومها من أهلها **** الحق أبلجُ شامخُ البينان(466/140)
هذا البيت مأخوذ من المثل المعروف : الحق أبلجُ والباطل لجلج
أبلج : واضح . لجلج : ملتبس ، من قولهم : تلجلج في القول ، إذا تتعتع فيه ، ولم يستوف العبارة عن معناه قال الشاعر :
ألم تر أن الحق تلقاه أبلجا **** وأنك تلقى باطل القول لجلجا .
ويقال : لجلج اللقمة في فيه ، إذا أدارها ولم يُسِغْها ، قال الشاعر :
يلجلج مضغة فيها أنيض *** أضلت فمى تحت الكَشْح داء .
وقال بعضهم : الحق أبلج ، وطريق الصدق منهج ، ومسلك الباطل أعوج ، وقال الشاعر :
فإن الحق ليس به خفاء **** ولا تخفى الخيانة والخلاب(1).
____________________________________________________
(1) ... جمهرة الأمثال للعسكري (1/364) ، ومجمع الأمثال للميداني (1/207) ، والمستقصى للزمخشري (1/303) ، وموسوعة الأمثال د 0 إميل (3/570) .
82 – خير الطوائف سنةٌ وجماعةٌ **** حتى و لو قلوا مع الحسبانِ
83 – إركبْ سفينةَ نوحَ تنجُ من الردى **** قد قال مالك ذاك عن عرفان
مضمون هذين البيتين قد قالهما الإمام مالك بن أنس فيما رواه أبو إسماعيل الهروي في كتابه ذم الكلام وأهله حيث روى عن ابن وهب انه قال :
" كنا عند مالك بن أنس ، فذكرت السنة ، فقال مالك : السنة سفينة نوح ، من ركبها ؛ نجى ، ومن تخلف عنها ؛ غرق(1).
____________________________________________________
(1) ... ذم الكلام (4/124) .
84 – والسنة الغراء بحر لم يُحِطْ **** بجميعها إلا النبيْ العدناني
ووجه إحاطة النبي ? بها أنه هو الذي قالها وقد قال تعالى : ? سنقرئك فلا تنسى ? ، أي : سنحفظ ما أوحيناه إليك من الكتاب ، ونوعيه قلبك ، فلا تنسى منه شيئاً .
وهذه بشارة من الله كبيرة لعبده ، ورسوله ، محمد ? ، أن الله سيعلمه علماً لا ينساه(1).
____________________________________________________
(1) ... تفسير ابن سعدي ص 1284 .
85 – هذا كلامُ الشافعيِّ محمدٌ **** في ما حكاه مؤلفُ التبيان(466/141)
أي أن النووي حكاه عن الشافعي ويشهد لهذا الكلام ما في الرسالة حيث قال الشافعي : ولسان العرب أوسعُ الألسنةِ مذهباً ، وأكثرها ألفاظاً ، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسانٌ غير نبي ، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها ، حتى لا يكون موجوداً فيها من يعرفه .
والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه : لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء(1).
____________________________________________________
(1) ... الرسالة ص42 .
86- ولذاك قد تَخفيِ لكثرتها وما **** إلمامنا بالشرعِ في إمكان
87 – والقيِّمُ الجوزِيُّ في إعلامه **** ذكر الكثيرَ لأهل هذا الشان
88- ولشيخهِ الحبرِ الإمامِ مؤلفٌ **** رفع الملام كفاك بالحسبان
أي لكثرة أحاديث النبي ? التي لم يحط بها أحد قد تخفى على كل شخص حتى خيار الأمة ولهذا قال شيخ الإسلام.
وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله ? فهذا لا يمكن ادعاؤه قط ، واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين الذين هم أعلم الأمة بأمور رسول الله ? وسنته وأحواله ، خصوصاً الصديق رضي الله عنه ؛ الذي لم يكن يفارقه حضراً ولا سفراً ، بل كان يكون معه في غالب الأوقات ، حتى إنه يسمر عنده بالليل في أمور المسلمين وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه ? كثيراً ما يقول : دخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، ثم مع ذلك لما سئل أبو بكر – رضي الله عنه – عن ميراث الجدة قال : مالك في كتاب الله من شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله ? من شيء ، ولكن أسأل الناس ا0هـ(1).
ثم ضرب شيخ الإسلام أمثلة على ذلك.
ومثله في هذا النقل تلميذه ابن القيم في كتابه إعلامه الموقعين كما حكى الناظم.
وقول شيخ الإسلام والناظم ان الإحاطة بالسنة غير ممكنة أي من حيث الإمكان العادي لا العقلي لأن العقل يجوز ذلك لكنه ممتنع عادة .
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (20/234) .(466/142)
89- فالكل ذو رد ومردود له **** إلا محمداً طيب الأردان
وهذا ما قاله جميع الأئمة فكل يرد عليه إلا الرسول ? .
وقول ( الأردان ) جمع رُدن وهو الكم القميص الواسع .
وطيب الأردان أي : شريف طاهر(1).
____________________________________________________
(1) ... معجم الأروس ص517 .
90 – نظروا بعين النقد لابن خزيمة **** لكلامه في صورة الرحمن
91- وهو المسمى كعبة العلماء في **** جمع العلوم وقوة الإتقان
92- ولصاحب التقسيم والأنواع **** في حد الإله توهم الغلطان
ابن خزيمة هو إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة السلمى النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف شيخ الإسلام ولد سنة اثنتين وعشرين ومائتين وروى عن ابن راهوية وخلق وعنه البخاري ومسلم خارج صحيحيهما ومحمد بن عبدالله بن عبد الحكم وأبو على النيسابوري ، وهو حافظ ثبت إمام رحل إلى الشام والحجاز والعراق ومصر وتفقه على المزنى وغيره قال الحافظ أبو على النيسابورى لم أر مثل محمد بن إسحق وقال أبو زكريا العنبرى سمعت ابن خزيمة يقول ليس لأحد مع رسول الله ? قول إذا صح الخبر عنه ، وقال أبو على الحافظ كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة وقال ابن حبان لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد والمتن وقال الدارقطني كان إماماً معدوم النظير وقال الاسنوى في طبقاته صار ابن خزيمة إمام زمانه بخراسان رحلت إليه الطلبة من الآفاق قال شيخه الربيع استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا وكان متقللا له قميص واحد دائماً فإذا جدد آخر وهب ما كان عليه(1).
وصفة الصورة التي ردها ابن خزيمة ثابتة لله ولهذا قال ابن قتيبة(2):"والذي عندي ____________________________________________________
(1) ... شذرات الذهب لابن العماد (2/263) .
(2) ... تأويل مختلف الحديث ص261 .(466/143)
– والله تعالى أعلم – أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين ، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن ، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد ا0هـ.
وأما ابن خزيمة فقال :
توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله ( على صورته ) يريد صورة الرحمن – عز ربنا وجل – عن أن يكون هذا معنى الخبر ، بل معنى قوله : ( خلق آدم على صورته ) : الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب ، والمشتوم ، أراد – ? - أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب ، الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب ، والذي قبح وجهه ، فزجر – ? - أن يقول : ( ووجه من أشبه وجهك ، لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه " ، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، كان مقبحاً وجه آدم – صلوات الله عليه ا 0 هـ .
والظاهر ان سبب رد ابن خزيمة لحديث الصورة هو عود الضمير ونفي أن يكون عائداً على الله لكن ذلك لا يستدعي نفي الصفة رأساً لأنها قد ثبتت في أحاديث أخرى منها قوله ? : يأتيهم الجبار في صورته "(2).
أما حديث عود الضمير فقد رده ابن خزيمة لثلاث علل وزاد الألباني علة رابعة(3).
____________________________________________________
(1) ... التوحيد (1/84) .
(2) ... رواه البخاري 7439 ، ومسلم 183 .
(3) ... التوحيد ( 1/87) مع حاشية المحقق .
وعود الضمير له توجيهات كثيرة ويجاب عنه بجواب مجمل ومفصل كما قال العلامة ابن عثيمين :
أما المجمل فهو أنه لا يمكن ان يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله الذي صح وقد قال الله تعالى ? كيس كمثله شيء ?(466/144)
نأتى إلى الجواب المفصل : نقول : (1). إن الذي قال : " إن الله خلق آدم على صورته " رسول الذي قال : ? ليس كمثله شيء ? [ الشورى : 11 ] والرسول لا يمكن أن ينطق بما يكذب المرسل والذي قال : " خلق آدم على صورته " هو الذي قال : " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر " فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر ؟ فالجواب : الثاني ، فإن قلت بالأول فمقتضاه دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم آناف وليس لهم أفواه وإن شئنا قلنا دخلوا وهم أحجار ، إذاً لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له .
فإن أبي فهمك وتقاصر عن هذا وقال أنا لا افهم إلا أنه مماثل قلنا هناك : جواب آخر : وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه صورة الله مثل قوله عز وجل في آدم : ? ونفخت فيه من روحي ? [ ص : 72] ولا يمكن ان الله عز وجل أعطى آدم جزء من روحه لكن روح الله يعني الروح التي خلقها الله عز وجل لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب التشريف كما نقول "عباد الله " يشمل الكافر والمسلم والمؤمن والشهيد والصديق والنبي ، لكننا لو قلنا محمد عبد الله هذه إضافة خاصة ليست كالعبودية السابقة فإذا : صورة الله يعني صورة من الصور التي خلقها الله وصورها .
والخلاصة ان العلماء شددوا النكير على ابن خزيمة لتأويله الحديث .
93- وله كلام في النبوة لامع **** أهل الحديث وهمت يا حباني
94 – مع أنه جمع الصحيح بهمة **** تسمو على الجوزاء والدبران
ابن حبان هو : محمد بن حبان بن أحمد بن حبان أبو حاتم التميمي البستي السجستاني .(466/145)
يعتبر ابن حبان – رحمه الله تعالى – عربي النسب ، فهو من قبيلة بني تميم من صلبهم ، ينسب إلى مدينة بست حينما يقال له البستي ، لأنه ولد فيها وتوفي فيها أيضاً ، ويقال له : السجستاني ؛ لأن هذه المدينة – بست – من أعمال السجستان .
فالسجستان إقليم واسع يضم عدة مدن وقرى ، تعتبر بست إحدى هذه المدن ، ويقع هذا الإقليم – وبالذات مدينة بست – في هذا العصر في البلد المعروفة بأفغانستان .
ولد ابن حبان – رحمه الله تعالى – على التخمين – في عشر الثمانين ومائتين لأنه – رحمه الله – توفى في سنة أربع وخمسين وثلثمائة ، وله من العمر نحو ثمانين عاماً فاستنبطوا أن مولده في عشر الثمانين ومائتين .
واسم كتابه هو " المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع ... ." فما هي هذه الأقسام ؟ وما هي هذه الأنواع ؟ .
رأى – رحمه الله – أن السنن تنقسم إلى خمسة أقسام :
القسم الأول : الأوامر التي أمر الله عباده بها .
والقسم الثاني : النواهي التي نهى الله عباده عنها .
والقسم الثالث : الأخبار أي : إخباره جل وعلا – عما احتيج إلى معرفته .
والقسم الرابع : الإباحات التي أبيح ارتكابها .
والقسم الخامس : أفعال النبي ? التي انفرد بفعلها ، يعني عن سائر الأمة .
وجد أن السنن لا تخرج عن هذه الأقسام الخمسة ، فجعلها اصلاً لكتابه ، أي قسم كتابه إلى خمسة أقسام ، ثم جعل تحت كل قسم عدة أنواع ، فبالنسبة للأوامر التي أمر الله عباده بها جعل تحتها مائة وعشرة أنواع يعني " مثل الأبواب " ، تحت كل نوع يورد عدداً من الأحاديث .
وكذلك النواهي التي نهى الله عباده عنها جعل تحته مائة وعشرة أنواع .
أما الأخبار أي " إخباره جل وعلا عما احتيج إلى معرفته " فجعل تحته ثمانين نوعاً .
وأما الإباحات وأفعال النبي ? ، فجعل تحت كل قسم منهما خمسين نوعاً .(466/146)
يبلغ مجموع هذه الأنواع برمتها أربعمائة نوع ، فهل يا ترى قصد ابن حبان الحصر ؟ يقول : لا ، لو أردنا المزيد لأتينا بالمزيد ، ولكنه وجد أن هذه الأربعمائة تكفي وأن ما عداها يعتبر من التكلف ، وإلا لو تكلف لاستطاع أن يأتي بالمزيد من هذه الأنواع التي ذكرها(1).
وقد أخذوا على ابن حبان مسألتين :
الأولى : نفي الحد عن الله عز وجل قال الذهبي في تذكرة الحفاظ : 21) .
وقال ابو اسماعيل الهروى سألت يحيى بن عمار عنه فقال : نحن أخرجناه من
_____________________________________________________________
(1) ... مناهج المحدثين لسعد الحميد ص162 .
(2) ... (3/921) .
سجستان ، كان له علم ولم يكن له كبير دين ، قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه ، قال الذهبي : كلاهما مخطئ إذ لم يأت نص بإثبات الحد ولا بنفيه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .
وقال في ميزان الاعتدال(1) :
قلت : إنكاره الحد وإثباتكم للحد نوع من فضول الكلام ، والسكوت عن الطرفين أولى ؛ إذ لم يأت نص بنفي ذلك ولا إثباته ، والله تعالى ليس كمثله شيء فمن أثبته قال له خصمه : جعلت لله حداً برأيك ، ولا نص معك بالحد ؛ والمحدود مخلوق ؛ تعالى الله عن ذلك .
وقال هو للنافي : ساويت ربك بالشيء المعدوم ، إذ المعدوم لا حد له ، فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف .
وقال ابن حجر في لسان الميزان :
وقوله : قال له النافي : ساويت ربك بالشيء المعدوم ، إذ المعدوم لا حد له نازل ، فإنا لا نسلم أن القول بعدم الحد يفضي إلى مساواته بالمعدوم بعد تحقق وجوده وقوله ( بدت ) من ابن حبان هفوة طعنوا فيه لها ، إن أراد القصة الأولى (2) التي صدر بها كلامه ، فليست هذه بهفوة ، والحق أن الحق مع ابن حبان فيها وأن أراد الثانية(3) ، فقد اعتذر هو عنها أولا فكيف يحكم عليه بأنه هفا ماذا إلا تعصب زائد على المتأولين وابن حبان قد كان صاحب فنون وذكاء(466/147)
___________________________________________________________
(1) ... (3/507) .
(2) ... يعني مسألة الحد
(3) ... يعني النبوة
مفرط وحفظ واسع إلى الغاية رحمه الله ا0هـ .
وقول ابن حجر في الحد هو الذي عليه الأشاعرة(1). والصواب التفصيل كما
قال ابن ابي العز :
السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون أن لله حداً ، وأنهم لا يحدون شيئاً من صفاته فالمعنى أن الله يتعالى عن أن يحيط أحد بحده ، فالمعنى أنه متميز عن خلقه ، منفصل عنهم ، مباين لهم .
سئل عبدالله بن المبارك : بم نعرف ربنا ؟ قال : بأنه على العرش ، بائن من خلقه ، قيل : بحد ؟ قال : بحد انتهى .
ومن المعلوم أن الحد يقال على ما ينفصل به الشيء ويتميز به عن غيره ، والله تعالى غير حال في خلقه ، ولا قائم بهم ، بل هو القيوم القائم بنفسه ، المقيم لما سواه فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلاً ، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ، ونفي حقيقته .
وأما الحد بمعنى العلم والقول ، وهو أن يحده العباد ، فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة(2).
المسألة الثانية التي أُخذت على ابن حبان هي : قوله عن النبوة أنها العلم والعمل ، قال الذهبي في ميزان الاعتدال(3).
___________________________________________________
(1) ... وللسقاف كتاب سماه : الرد على معتقد قدم العالم والحد ، وقد رددت عليه في كتابي القدم النوعي للعالم .
(2) ... شرح الطحاوية ص208 .
(3) ... (3/508) .
قال أبو اسماعيل الأنصاري : سمعت عبدالصمد بن محمد بن محمد يقول : سمعت
أبي يقول : أنكروا على ابن حبان قوله النبوة العلم والعمل ، وحكموا عليه بالزندقة ، وهجروه ، وكتب فيه إلى الخليفة فأمر بقتله ، وسمعت غيره يقول : لذلك أخرج إلى سمرقند ، قلت : ولقوله هذا محمل سائغ إن كان عناه ، أي(466/148)
عماد النبوة العلم والعمل ، لأن الله لم يؤت النبوة والوحي إلا من اتصف بهذين النعتين ، وذلك لأن النبي يصير بالوحي عالماً ، ويلزم من وجود العلم الإلهي العمل الصالح ، فصدق بهذا الاعتبار قوله النبوة العلم اللدني والعمل المقرب إلى الله .
فالنبوة إذاً تفسر بوجود هذين الوصفين الكامليين ، ولا سبيل إلى تحصيل هذين الوصفين بكمالهما إلا بالوحي الإلهي إذ الوحي الإلهي علم يقيني ما فيه ظن ، وعلم غير الأنبياء منه يقيني ، وأكثره ظني .
ثم النبوة ملازمة للعصمة ، ولا عصمة لغيرهم ولو بلغ في العلم والعمل ما بلغ ، والخبر عن الشيء يصدق ببعض أركانه وأهم مقاصده ، غير أنا لا تسوغ لأحد إطلاق هذا إلا بقرينة كقوله عليه الصلاة والسلام : " الحج عرفة " وإن كان عنى الحصر أي ليس هي إلا العلم والعمل فهذه زندقة وفلسفة ا0هـ .
وقال في سير أعلام النبلاء(1):
سمعت عبدالصمد بن محمد بن محمد ، سمعت أبي يقول : أنكروا على أبي حاتم بن حبان قوله : النبوة : " العلم والعمل " فحكموا عليه بالزندقة ، هجر ، وكتب فيه إلى الخليفة فكتب بقتله .
____________________________________________________
(1) ... (16/96) .
قلت : هذه حكاية غريبة ، وابن حبان من كبار الأئمة ، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها ، قد يطلقها المسلم ، ويطلقها الزنديق الفيلسوف ، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي ، لكن يعتذر عنه ، فنقول : لم يرد حصر المبتدأ في الخبر ، ونظير ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : "الحج عرفة" ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفه حاجاً ، بل بقي عليه فروض وواجبات ، وإنما ذكر مهم الحج وكذا هذا ذكر مهم النبوة ، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل ، فلا يكون أحد نبياً إلا بوجودهما ، وليس كل من برز فيهما نبياً ، لأن النبوة موهبة من الحق تعالى ، لا حيلة للعبد في اكتسابها ، بل بها يتولد العلم اللدني والعمل الصالح .(466/149)
وأما الفيلسوف فيقول : النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل ، فهذا كفر ، ولا يريده أبو حاتم أصلاً ، وحاشاه ، وإن كان في تقاسيمه من الأقوال ، والتأويلات البعيدة ، والأحاديث المنكرة ، عجائب ا0هـ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهؤلاء عندهم النبوة مكتسبة ، وكان جماعة من زندقة الإسلام يطلبون أن يصيروا أنبياء .
قال السفاريني : والحاصل أن النبوة فضل من الله وموهبة ونعمة من الله تعالى يمن بها سبحانه ويعطيها " لمن يشاء " ان يكرمه بالنبوة فلا يبلغها أحد بعلمه ولا يستحقها بكسبه ولا ينالها عن استعداد ولايته بل يخص بها من يشاء " من خلقه " ومن زعم أنها مكتسبة فهو زنديق يجب قتله لأنه يقتضي كلامه واعتقاده ان لا تنقطع وهو مخالف للنص القرآني والأحاديث المتواترة بأن نبينا ? خاتم النبيين
عليهم السلام(1).
وقول الناظم ( تسمو ) أي تعلو وترتفع (2). والجوزاء برج في السماء(3).
والدبران يلي الثريا نجم أحمر أطلق العرب عليه اسم ( الدبران ) وقد تطلق عليه اسم ( التابع ) لأنه يتبع الثريا ، و ( الحادى ) كأنه يطلق لها الحداء ، و (المجدح) ، والعرب تتشاءم بنوئه كثيراً لأنه غير محمود في زعمهم ، يطلع الدبران في السادس والعشرين من أيار ( مايو ) حين اشتداد الحر ، وهبوب رياح السموم ، قال الساجع " إذا طلع الدبران يبست الغدران ، وتوقد الخزان وكرهت النيران ، واستعرت الذبّان ، ورمت بأنفسها حيث تشاء الصبيان "(4)..
________________________________________________
(1) ... لوامع الأنوار (2/268) .
(2) ... شرح الهمزية لابن حجر الهيثمي (1/162) .
(3) ... ترتيب القاموس (1/555) .
(4) ... علم الفلك د 0 يحيى الشامي ص82 .
95 – هذا تقي الدين أنكر جملة **** من قول عبدالقادر الجيلاني
96 – متلمساً عذراً له ومنافحاً **** حتى يقول له كلام ثاني
أي أن شيخ الإسلام أنكر بعض كلام عبد القادر الجيلاني لكن مع ذلك يلتمس له العذر بأن له كلاماً ثانياً(1).(466/150)
والجيلاني ولد سنة 471هـ ، وتوفى سنة 561هـ .
وهو عبدالقادر بن موسى بن عبدالله بن جنكي دوست الحسني ، أبو محمد ، محيي الدين الجيلاني ، أو الكيلاني ، او الجبلي : تنتسب إليه الطريقة القادرية من كبار الزهاد والمتصوفين . ولد في جيلان ( وراء طبرستان ) وانتقل إلى بغداد شاباً ، سنة 488هـ ، فاتصل بشيوخ العلم والتصوف ، وبرع في أساليب الوعظ ، وتفقه ، وسمع الحديث ، وقرأ الأدب ، واشتهر وكان يأكل من عمل يده وتصدر للتدريس والإفتاء في بغداد سنة 528هـ ، وتوفي بها له كتب ، منها " الغنية لطالب طريق الحق – ط " و " الفتح الرباني – ط " و " فتوح الغيب – ط "(2).
_________________________________________________
(1) ... انظر الفتاوى (10/516) ، وانظر كتاب شيخ الجيلاني وآراؤه الاعتقادية د 0 سعيد بن مسفر .
(2) ... أعلام الزركلي (4/47) .
97 – والعالم الهروي صاغ منازلاً **** فيها من الأخطاء عد بناني
98 – قال ابن قيمنا لعل مراده **** هذا فإن الوهم سبق لسان
الهروى له كتاب اسمه منازل السائرين طبع بمفرده وشرحه ابن القيم في مدارج السالكين فطبع معه أيضاً والهروي ولد سنة 396هـ وتوفى سنة 481هـ وهو:
عبدالله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي ، أبو اسماعيل : شيخ خراسان في عصره من كبار الحنابلة . من ذرية أبي أيوب الأنصاري . كان بارعاً في اللغة ، حافظاً للحديث ، عارفاً بالتاريخ والأنساب . مظهراً للسنة داعياً إليها . امتحن وأوذي وسمع يقول : " عرضت على السيف خمس مرات ، لا يقال لي ارجع عن مذهبك " لكن يقال لي اسكت عمن خالفك ، فأقول : لا أسكت ! " من كتبه " ذم الكلام وأهله وق سبق الكلام عليه(1).
والمنازل فيها أخطاء من حيث ظاهر اللفظ لكن اعتذر عنه ابن القيم بحمل الكلام على أحسن محمل ولهذا قال تعليقاً على بعض عباراته : فهذا أحسن ما يقال في شرح كلامه وتقريره ، وحمله على أحسن الوجوه وأجملها ا0هـ(2).
وله مثل ذلك عبارات كثيرة في المدارج .(466/151)
____________________________________________________
(1) ... أعلام الزركلي (4/122) .
(2) ... مدارج السالكين (3/397) .
99 – ذكر ابن سعدي عن تقي الدين في **** مأموله في الخمس بعد ثمان
100 – في الناس من هو كالذباب فلا يقع **** إلا على جرح من العدوان
ابن سعدي ستأتي ترجمته ، والبيت واضح .
101- ولصاحب السير الذكي عبارة **** مزجت بماء العين في الأجفان
102 – لو أننا كنا تركنا كل من **** قد زل لم يسلم لنا اثنان
صاحب السير هو الذهبي وستأتي ترجمته ، وكتابه سير أعلام النبلاء (1) ، وعبارته هي : ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه - ، وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه ، وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا . رحم الله الجميع بمنه وكرمه ا 0 هـ .
وهذه العبارة من أحسن ما يقال في الاعتذار عن المخالف الذي يجمعه بك صحة الاعتقاد ، وسلامة المنهج .
___________________________________________________
(1) ... أعلام الزركلي (4/122).
103 – ماء الفضائل إن يزد في وزنه **** عن قلتين فذاك ذو رجحان
هذا البيت مأخوذ من الحديث المروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ? :" إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " وفي لفظ " لم ينجس " أخرجه الأربعة ، وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان(1).
أما حديث القلتين فاسمعه **** جاء صحيحاً ورواه الأربعة .
والمقصود ان الماء الطهور إذا بلغ قلتين و خالطته نجاسة لم تغيره فإن الماء يبقى طهوراً ، وهكذا فضائل الإنسان إن كثرت فإن أخطاء المرء تعد متروكة .
وقال ابن رجب في القواعد:والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه(2) __________________________________________________
(1) ... سبل السلام (1/44) .
(2) ... القواعد لابن رجب (1/4) .
104 – في سورة الأحقاف يقبل محسن **** ويقابل التواب بالغفران(466/152)
هذا البيت مأخوذ من قوله تعالى في سورة الأحقاف : ? أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ? .
كتب المتقدمين
105- وأجلها الذكر الحكيم فإنه **** أصل الهدى وأساس بيان
بدأ الناظم بالكتاب العزيز لفضله وذكر أنه :
أولاً : أصل الهدى والهداية أربعة أنواع :
أحدها الهداية العامة المشتركة بين الخلق المذكورة في قوله تعالى ? الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى? أي أعطى كل شيء صورته التي لا يشتبه فيها بغيره ، وأعطى كل عضو شكله وهيأته ، وأعطى كل موجود خلقه المختص به ، ثم هداه إلى ما خلقه له من الأعمال ، وهذه الهداية تعم هداية الحيوان المتحرك بإرادته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ، وهداية الجماد المسخر لما خلق له ، فله هداية تليق به كما ان لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وان اختلفت أنواعها وضروبها ، وكذلك لكل عضو هداية تليق به فالرجلان للمشى ، واليدان للبطش والعمل ، واللسان للكلام ،والأذن للاستماع ، والعين لكشف المرئيات ،وكل عضو لما خلق له وهدى الزوجين من كل حيوان للازدواج والتناسل وتربية الولد ، وهدى الولد إلى التقام الثدى عند وضعه وطلبه ، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو فتبارك الله رب العالمين ، وقد هدى النحل ان تتخذ من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومن الابنية ثم تسلك سبل ربها مذللة لها لا تستعصى عليها ثم تأوى إلى بيوتها ثم هداها إلى بناء البيوت العجيبة الصفة المحكمة البناء ومن تأمل بعض هدايته المبثوثة في العالم شهد له بأنه الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم .
((466/153)
النوع الثاني ) هداية البيان والدلالة والتعريف لنجدى الخير والشر ، وطريقى الهلاك والنجاة ، وهذه لا تستلزم الهدى التام فإنها سبب وشرط لا موجب ولهذا ينتفى الهدى معها كقوله تعالى ? وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ? أي بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا ومنها قوله ? وانك لتهدي إلى صراط مستقيم ?
( الثالث ) هداية التوفيق والالهام المستلزمة للاهتداء التي ذكرناها آنفا.
( الرابع ) غاية هذه الهداية وهي الهداية إلى الجنة والنار إذا سيق أهلهما إليهما قال تعالى : ? ان الذين أمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ? وقال أهل الجنة فيها ?الحمد لله الذي هدانا لهذا? وقال تعالى عن أهل النار?احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ? وتفاصيل أنواع الهداية وأسبابها ومتعلقاتها كثيرة جدا ذكها الإمام المحقق ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد وقد لخصت لك منه ما لعله يحصل به أصل المقصود والله أعلم (1).
ثانياً : ذكر الناظم عن القرآن انه أساس كل بيان : وعندما رأى العرب أسلوب القرآن رأوا ألفاظهم بأعيانها متساوقة فيما ألفوه من طرق الخطاب وألوان المنطق ليس في ذلك إعنات ولا معاياة ، غير أنهم ورد عليهم من طرق نظمه ، ووجوه
تركيبه ، ونسق حروفه في كلماتها ، وكلماته في جملها ، ونسق هذه الجمل في
جملته - ما أذهلهم عن أنفسهم ، من هيبة رائعة وروعة مخوفة ، وخوف تقشعر منه الجلود ؛ حتى أحسوا بضعف الفطرة القوية ، وتخلف الملكة المستحكمة ؛
_________________________________________________
(1) ... لوامع الأنوار للسفاريني ( ) .
ورأي بلغاؤهم أنه جنس من الكلام غير ما هم فيه ، وأن هذا التركيب هو روح(466/154)
الفطرة اللغوية فيهم ، وأنه لا سبيل إلى صرفه عن نفس أحد العرب أو اعتراض مساغه إلى هذه النفس ، إذ هو وجه الكمال اللغوي الذي عرف أرواحهم واطلع على قلوبهم وقد استيقن بلغاء العرب كل ذلك فاستيأسوا من حق المعارضة ، إذ وجدوا من القرآن ما يغمر القوة ويحيل الطبع ويخاذل النفس مصادمة لا حيلة ولا خدعة ، وإنما سبيل المعارضة الممكنة التي يطمع فيها أن يكون لصاحبها جهة من جهات الكلام لم يؤخذ عليه ، وفن من فنون المعنى لم يستوف قبله ، وباب من أبواب الصنعة لم يصفق من دونه ، وأن تكون وجوه البيان له معرضة يأخذ في هذا ويعدل عن ذلك ؛ حتى يستطيع أن يعارض الحسنة بالحسنة ، ويضع الكلمة بإزاء الكلمة ، ويقابل الجملة بالجملة ، ثم يصير الأمر بعد ذلك إلى مقدار التأثير الذي يكون لكلامه ، وإلى مبلغه في نفوس القوم ؛ من تأثير الكلام الذي يعارضه(1).
___________________________________________________
(1) ... إعجاز القرآن للرافعي ص189 .
106 – كتب الصحاح وبعدها **** سنت أتت من عالم رباني
استخدم أهل العلم كلمة الصحاح في إطلاقين :
الإطلاق الأول : إطلاقها على البخاري ومسلم وكتب السنن وهذا على سبيل التساهل كما قال العراقي :
ومن عليها أطلق الصحيحا **** فقد أتى تساهلاً صريحاً
قال زكريا في شرحه :
( ومن عليها ) أي : كتب السنن كلها أو بعضها ( اطلق الصحيحا ) كالحاكم حيث أطلقه على " سنن " أبي داود ، والترمذي ، وكابن مندة حيث أطلقه على سنن أبي داود والنسائي ، وكأبي طاهر السلفي حيث قال : اتفق علماء المشرق والمغرب على صحة الكتب الخمسة ( فقد أتى تساهلاً صريحاً ) إذ فيها ما صرحوا بأنه ضعيف أو منكر أو نحوه(1).(466/155)
الإطلاق الثاني : وهذا هو مراد الناظم أي الكتب التي التزمت الصحة التي هي رواية العدل الضابط من أول السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة ، على اختلاف في تحقيق هذه الشروط بين شدتها وخفتها فأعلاها صحة البخاري ومسلم ، ثم شرطهما ثم شرط كل منهما ، ثم ما كان صحيحاً ولم يكن على شرط أحدهما ، ومنها الكتب التي التزمت الصحة كابن حبان والحاكم وغيرهما إلا أنهما أخف شروطاً من البخاري ومسلم ولهذا قال السيوطي في ألفيته :
ما ساهل البستى في كتابه **** بل شرطه خف وقد وفى به .
________________________________________
(1) ... فتح الباقي ص108 .
وسنتكلم باختصار عن الكتب التي التزمت الصحة وهي :
1- صحيح البخاري :
واسمه ( الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله ? وسنته وأيامه ) للإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث أبي عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم الجعفي البخاري ( المولود سنة 194هـ ، والمتوفى سنة 256هـ ) رحمه الله ، وصحح البخاري أول ما صنف في الحديث الصحيح صنفه على أبواب الفقه .
2- صحيح مسلم :
وهو الجامع لحجة الإسلام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (المولود سنة 204 والمتوفى سنة 261هـ في نيسابور ) صنف الإمام مسلم صحيحه على أبواب الفقه ).
3- الموطأ :
على رأي بعض أهل العلم ، للإمام مالك بن أنس الأصبحي الحميري ولد سنة 93هـ ، وتوفى سنة 179هـ ، ومن الذين رأوا صحة موطأ مالك العلامة محمد حبيب الله بن ما يأبي الجكني في أبيات نظمها وقال فيها :
أول من ألف في الصحيح **** مالك الإمام في الصحيح
كما له ابن حجر قد رجعا **** في نكت كان لها قد جمعا
وغيره مما به سأعلن **** في ردما الرد عليه بين (1)
4- صحيح ابن خزيمة :
لإمام الأئمة أبي عبدالله وأبي بكر محمد بن اسحاق بن خزيمة السلمي
________________________________________
(1) ... إضاءة الحالك ص7 .
النيسابوري (311هـ – 924م ) .(466/156)
وهو كتاب مختص بجمع الأحاديث الشريفة ، وكان ابن خزيمة فقيهاً شافعياً مجتهداً عالماً بالحديث وهو شيخ ابن حبان ، ويعرف عند المحدثين بإمام الأئمة .
5- صحيح ابن حبان وقد سبق .
6- مستدرك الحاكم المولود سنة 321 والمتوفى سنة 405هـ
أبو عبدالله ، واسمه محمد بن عبدالله بن حمدوية بن نعيم المعروف بابن البيع الضبي الشافعي النيسابوري ، واشتهر بأبي عبدالله الحاكم .
ولقب بالحاكم إما لتوليه القضاء فترة من الزمن ، و إما أنها رتبة له في العلم بالحديث ، وهذه الرتبة هي الثانية التي تلي أمر أمير المؤمنين في الحديث .
ولقب أيضاً بالحافظ لقوة حفظه - رحمه الله - ولذلك إذا قال البيهقي : "حدثنا أبو عبدالله الحافظ " فإنه يعني شيخه الحاكم .
7- كتاب الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو احدهما ، لضياء الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالواحد بن أحمد بن عبدالرجمن السعدي (المقدسي) ثم الدمشقي ، الصالحي الحنبلي ، المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، وهو مرتب على المسانيد على حروف المعجم ، لا على الأبواب ، ولم يكمل
، التزم فيه الصحة ، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها ، وقد سلم له فيه إلا أحاديث يسيرة جداً تعقبت عليه ، وذكر ابن تيمية والزركشي وغيرهما : ان تصحيحه أعلا مزية من تصحيح الحاكم (1)
8- صحيح الحافظ أبي علي سعيد بن عثمان بن سعيد ( بن السكن ) البغدادي
________________________________________________
(1) ... الرسالة المستطرفة ص24.
المصري نزيل مصر ، المتوفى بها سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ويسمى بالصحيح المنتقى وبالسنن الصحاح المأثورة عن رسول الله ? لكنه كتاب محذوف الأسانيد جعله أبواباً في جميع ما يحتاج إليه من الأحكام ضمنه ما صح عنده من السنن المأثورة قال : وما ذكرته في كتابي هذا جملاً فهو مما أجمعوا على صحته(1)(466/157)
وقول الناظم ( وبعدها سنن أتت ) أي كتب السنن وأشهرها سنن أبي داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه .
1- سنن أبي داود : للإمام الثبت سيد الحفاظ سليمان بن الشعت السجستاني (المولود سنة 202هـ والمتوفى سنة 275هـ ) صنف أبو داود كتابه على أبواب الفقه واقتصر فيه على السنن والأحكام فلم يذكر فيه القصص والمواعظ والأخبار والرقائق وفضائل الأعمال ، فكتابه خاص بأحاديث الأحكام ، ولم يقصد فيه تخريج الحديث الصحيح فقط بل أخرج فيه الصحيح والحسن وما دون ذلك ، وكثيراً ما يشير إلى ما فيه نكارة أو ضعف شديد .
2- سنن النسائي : للامام الحافظ أبي عبد الرحمن أحمد ابن شعيب النسائي - بفتح النون والسين نسبة إلى بلده نساء بخراسان ( المولود سنة 215 - والمتوفى
سنة 303هـ ) صنف النسائي سننه ولم يخرج فيها عن راو أجمع النقاد على
تركه ، وقد رتب كتابه على أبواب الفقه ، وسنن النسائي اقل السنن حديثاً ضعيفاً ، وهو في مرتبة سنن أبي داود قريبة منه .
3- سنن الترمذي أو الجامع الصحيح : للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، ، (المولود نحو سنة 209هـ المتوفى سنة 279هـ)
________________________________________
(1) ... الرسالة المستطرفة ص25 .
صنف الترمذي سننه على أبواب الفقه ، وهذا المصنف من أجمع كتب الحديث وأغزرها علماً وصناعة حديثية ، فقد أخرج الترمذي في كتابه الصحيح والحسن والضعيف والغريب والملل وكشف عن علته ، كما ذكر المنكر وبين وجه النكارة فيه ، وتكلم في فقد الأحاديث ومذاهب السلف وفي الرواة وغير ذلك مما له صلة بالحديث وبعلومه .(466/158)
4- سنن ابن ماجه : للإمام الحافظ أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه ( المولود سنة 209 - والمتوفى سنة 273هـ ) صنفه ابن ماجه على أبواب الفقه ، ولم يلتزم فيه إخراج الصحيح ، ففيه الصحيح والحسن والضعيف ، وفي هذا الكتاب أحاديث لم تخرج في الصحيحين والسنن ولهذه الميزة ضمه العلماء إلى الكتب الست(1) .
والسنن في اصطلاحهم الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة ، إلى آخرها ، وليس فيها شيء من الموقوف لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة ويسمى حديثاً(1) .
________________________________________
(1) ... لمحات في المكتبة د 0 عجاج ص174 .
(2) ... الرسالة المستطرفة ص25.
107 – ثم المسانيد العظام كأحمد **** ومعاجم الإسلام كالطبراني
وكتب المسانيد هي التي موضوعها جعل أحاديث كل صحابي على حدة .
ولقد جرى على ذلك جمع من العلماء ، يذكرون الصحابي وتحته ما رواه من أحاديث عن رسول الله ? ، وما قاله من رأيه أو تفسيره . وإنما كتبوا الأحاديث مرتبة على الصحابة أو التابعين لأنهم كانوا يكتبون للناس ليحفظوا ، فكانوا يجعلون وحدة الحفظ مرويات الصحابي ، فكانت مرويات الصحابي بمثابة السورة من القرآن ، وحدة مستقلة ينشط طالب العلم إذا انتهى من واحدة وبدأ في الأخرى .(466/159)
والمسانيد كثيرة جداً فلقد كانت منهج العلماء على رأس المائتين . فألف كثيرون عليها ومن أشهرها مسند الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وهو الذي يراد عند إطلاق كلمة مسند، أما في غيره فتقال مقيدة ، ومنها أيضاً مسند الحميدي - شيخ البخاري - وهو مطبوع شائع ، ومنها مسند أبي داود الطيالسي وهو أيضاً مطبوع ، والمسند الكبير على الرجال لمسلم بن الحجاج ، ومسند نعيم بن حماد المروزى ، ومسند أبي اسحاق ابراهيم بن نصر المطوعى ، ومسند أسد بن موسى ، ومسند أبي محمد عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام العبسي ، ومسند يحيى بن عبدالحميد الحماني ، ومسند مسدد بن مسرهد ، ومسند ابي خيثمة زهير بن حرب ، وغير ذلك كثير.
وقد كتب كل من البوصيري المتوفى سنة 840هـ ، والحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852هـ زوائد بعض المسانيد على الكتب الستة ومسند أحمد ، والمسانيد التي اختاروها هي مسند الطيالسي ومسدد بن مسرهد والحميدي ، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ، واسحاق بن راهوية وابن أبي شيبة ، وأحمد بن منيع ، وعبد بن حميد ، والحارث ابن أبي أسامة ، وأبي يعلى الموصلي .
وقوله ( ومعاجم الإسلام كالطبراني )
المعاجم ، جمع معجم ، وهو في اصطلاحهم ما تذكر فيه الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان أو غير ذلك ، والغالب أن يكونوا مرتبين على حروف الهجاء .
كمعجم الطبراني الكبير المؤلف في أسماء الصحابة على حروف المعجم ، عدا مسند أبي هريرة فانه افرده في مصنف ، يقال انه أورد فيه ستين ألف حديث في اثنى عشر مجلداً ، وفيه قال ابن دحية : هو أكبر معاجم الدنيا ، وإذا أطلق في كلامهم المعجم فهو المراد وإذا أريد غيره قيد ، والأوسط ألفه في أسماء شيوخه ، وهم قريب من ألفى رجل ، حتى انه روى عمن عاش بعده لسعة روايته وكثرة شيوخه ، وأكثر من غرائب حديثهم .
والطبراني ولد سنة 260هـ ، وتوفى سنة 360هـ .(466/160)
وهو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي ، أبو القاسم : من كبار المحدثين . أصله من طبرية الشام ، وإليها نسبته ولد بعكا ، ورحل إلى الحجاز واليمن ومصر والعراق وفارس والجزيرة ، وتوفى بأصبهان.
________________________________________
(1) ... الأعلام (3/121) .
108 – ثم الشروح وخيرها من نهجه **** في منهج الأسلاف أهل الشان
أي شروح الصحاح والسنن وما أكثرها فمن شروح البخاري المطبوعة شرح الخطابي ، وابن بطال ، والكرماني ، وابن رجب ، وابن حجر ، والعيني ، والسيوطي ، والقسطلاني ، ومحمد يحيى المالكي ،
ومن شروح مسلم المطبوعة شرح كل من : المازري ، وعياض ، والقرطبي ، شيخ القرطبي المفسر ، والنووي ، والأبي ، والسنوسي ، والسيوطي ، وشبير العثماني .
ومن شروح الموطأ شرح كل من :
ابن عبدالبر في الاستذكار والتمهيد ، والباجي ، وابن العربي ، والسيوطي ، والدهلوي ، والزرقاني ، والكانهلوي ، والندوي .
ومن شروح أبي داود شرح كل من :
الخطابي ، والعيني ، والسهارنفوري ، وشمس الحق الأبادي ، وأمين خطاب ، ومن شروح الترمذي شرح كل من ابن العربي ، وابن سيد الناس ، والمباركفوري والبنوري .
ومن شروح ابن ماجه شرح كل من .
مغلطاي ، والسندي ، وغير ذلك من الشروح.
ثم قال المؤلف إن خير الشروح ما كان منها على منهج السلف .
109 – وعليك بالكتب التي ما مثلها **** كتب ابن تيمية له شكران
نصح الناظم بكتب شيخ الإسلام وقد سبق أن ذكرنا بعضها .
قال في لسان العرب :
الشكر : عرفان الإحسان ونشره ، وهو الشكور أيضاً قال ثعلب : الشكر لا يكون إلا عن يد ، والحمد يكون عن يد وعن غير يد ، فهذا الفرق بينهما والشكر من الله : المجازاة والثناء الجميل ، شكره وشكر له يشكر شكراً وشكوراً وشكراناً ؛ قال أبو نخيلة :
شكرتك ، إن الشكر حبل من التقى **** وما كل من أوليته نعمة يقضي(466/161)
قال ابن سيده : وهذا يدل على أن الشكر لا يكون إلا عن يد ، ألا ترى أنه قال : وما كل من أوليته نعمة يقضي ؟ أي ليس كل من أوليته نعمة يشكرك عليها .
110- وأخص تلميذا له متوقداً **** وابن الكثير مفسر القرآن
وتلميذه هو الإمام ابن القيم وقد سبق ذكر بعض مؤلفاته .
وأما ابن كثير فقد ولد سنة 701هـ ، وتوفى سنة 774هـ
وهو اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضو بن درع القرشي البصروي ثم الدمشقي ، أبو الفداء ، عماد الدين : حافظ مؤرخ فقيه . ولد في قرية من أعمال بصرى الشام ، وانتقل مع أخ له إلى دمشق سنة 706هـ ، ورحل في طلب العلم وتوفي بدمشق ، تناقل الناس تصانيفه في حياته من كتبه " البداية والنهاية - ط " 14 مجلداً في التاريخ على نسق الكامل لابن الأثير انتهى فيه إلى حوادث سنة 767 و " شرح صحيح البخاري " لم يكمله .
ويعد تفسيره من التفسير بالمأثور حيث يفسر القرآن بالقرآن ثم بالحديث ثم بالآثار المسندة إلى أصحابها .
111- والشكر للذهبي في تأليفه **** ومصنف للفتح والميزان
الذهبي ولد سنة 673 وتوفى سنة 748هـ وهو محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي شمس الدين أبو عبدالله : حافظ ، مؤرخ ، علامة محقق ، تركماني الأصل ، من أهل ميافارقين . مولده ووفاته في دمشق رحل إلى القاهرة وطاف كثيراً من البلدان ، وكف بصره سنة 741هـ تصانيفه كبيرة كثيرة تقارب المئة ، منها " دول الإسلام - ط " جزآن ، و " المشتبه في الأسماء والأنساب ، والكنى والألقاب - ط " ، و " تاريخ الإسلام الكبير - خ " 36 مجلداً ، طبع منها خمسة ، و " سير النبلاء - ط" ، و"تذكرة الحفاظ - ط " " و الكاشف " في تراجم رجال الحديث - ط " ، و " العبر في خبر من غبر - ط " ، و " طبقات القراء - ط " .
ومصنف الفتح أي فتح الباري للحافظ ابن حجر المولود سنة 773هـ والمتوفى سنة 852هـ وهو :(466/162)
أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني ، أبو الفضل ، شهاب الدين ، ابن حجر : من أئمة العلم والتاريخ . أصله من عسقلان ( بفلسطين ) ومولده ووفاته بالقاهرة ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث ، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ ، وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ عنه وأصبح حافظ الإسلام في عصره ، قال السخاوي : " انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر" وترجم له السخاوي في كتاب اسمه الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر في كتاب طبع في ثلاثة مجلدات بتحقيق ابراهيم عبدالمجيد .
وقوله ( والميزان ) أي ميزان الاعتدال .
وهو كتاب في تراجم الرجال الذين رووا الحديث الشريف وكانوا من الضعفاء أو من الذين تكلم العلماء فيهم للذب عنهم ، أو لأن الكلام غير مؤثر فيهم ضعفاً .(466/163)
ورتبه على حروف المعجم في الأسماء والآباء ، ليقرب تناوله ، وأتبعه بباب في الكنى والأنساب والمجاهيل ، ووضع عقب الاسم رمزاً بالحروف للدلالة على الكتاب أو الكتب التي خرجت أحاديثه من الأئمة الستة البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه . واستوعب أسماء جميع الرجال والنساء ممن له ذكر في الكتب الستة وذكر أقوال العلماء في الرواة جرحاً وتعديلاً ، ولكنه لم يذكر أسماء الصحابة لجلالتهم ، ولاتفاق العلماء على عدالتهم مهما نقل عنهم من افتراء أو طعن ولم يذكر أيضاً أسماء الأئمة المتبوعين في الفروع لمكانتهم واحتوى الكتاب على ذكر الوضاعين والكذابين والمتهمين بالوضع أو بالتزوير ، وعلى الكذابين في لهجتهم لا في الحديث ، والمتروكين الذين لا يعتمد على روايتهم ، وعلى الحفاظ الذين في دينهم رقة ووهن ، أو على الضعفاء من قبل حفظهم الذين لهم غلط وأوهام ممن يقبل حديثهم في الشواهد والاعتبار ، وعلى الصادقين والمستورين الذين فيهم لين ، وعلى خلق كثير من المجهولين ، ثم على الثقات الذين فيهم بدعة ، أو تكلم فيهم من لا يلتفت إلى كلامه وضم الكتاب ( 11053 ) ترجمة(1)
________________________________________
(1) ... مرجع العلوم الإسلامية ص307.
112- وكذا النواوي وهو صاحب حجةٍ **** في سنة المختار والقران
النووي ولد سنة 631 وتوفى سنة 676هـ
وهو يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني ، النووي ، الشافعي ، أبو زكريا ، محيي الدين : علامة بالفقه والحديث . مولده ووفاته في نوا ( من قرى حوران ، بسورية ) وإليها نسبته .تعلم في دمشق ، وأقام بها زمناً طويلاً . من كتبه " تهذيب السماء واللغات – ط " و " منهاج الطالبين – ط " و " الدقائق – ط " و " تصحيح التنبيه – ط " في فقه الشافعية .
113- حاز ابن عبد البر فينا منزلاٌ **** يعلو على المريخ أو كيوان
ابن عبدالبر ولد سنة 368هـ ، وتوفى سنة 463هـ(466/164)
وهو يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري القرطبي المالكي ، أبو عمر : من كبار حفاظ الحديث ، مؤرخ ، أديب ، بحاثة . يقال له حافظ المغرب ولد بقرطبة ورحل رحلات طويلة في غربي الأندلس وشرقيها وولي قضاء لشبونة وشنترين . وتوفي بشاطبة من كتبه " الدرر في اختصار المغاري والسير - ط " و " العقل والعقلاء " و " الاستيعاب - ط " ، في تراجم الصحابة ، و " جامع بيان العلم وفضله - ط " و " بهجة المجالس وأنس المجالس - ط " في المحاضرات ، و " الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء - ط " ترجم به مالكاً وأبا حنيفة والشافعي ، و " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " كبير جداً ط و " الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار - ط "
والمريخ رابع الكواكب بعداً عن الشمس وكيوان أو خيوان الكوكب السادس بعداً من الشمس واسمه زحل (1).
________________________________________
(1) ... لسان العرب (12/197) .
114- ولابن حزم عبقرية عالم **** لولا الخدوش اتى بطلع داني
ابن حزم ولد سنة 384هـ وتوفي سنة 456هـ(466/165)
وهو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، أبو محمد : عالم الأندلس في عصره ، وأحد أئمة الإسلام كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه ، يقال لهم " الحزمية " ولد بقرطبة وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة ، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف ، فكان من صدور الباحثين فقيهاً حافظاً يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة ، بعيداً عن المصانعة وانتقد كثيراً من العلماء والفقهاء ، فتمالأوا على بغضه ، وأجمعوا على تضليله وحذروا سلاطينهم من فتنته ، ونهوا عوامهم عن الدنو منه ، فأقصته الملوك وطاردته ، فرحل إلى بادية لبلة ( من بلاد الأندلس ) فتوفي فيها رووا عن ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو 400 مجلد ، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة وكان يقال : لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان أشهر مصنفاته " الفصل في الملل والأهواء والنحل - ط " وله " المحلى - ط " في 11 جزءاً ، فقه ، و " جمهرة الأنساب - ط " و ط الناسخ والمنسوخ - ط و " حجة الوداع - ط "
قال الذهبي :
قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام - وكان أحد المجتهدين - : ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل " المحلى " لابن حزم ، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين .
قلت : لقد صدق الشيخ عز الدين وثالثهما : " السنن الكبير " للبيهقي ،
ورابعها : " التمهيد " لابن عبدالبر فمن حصل هذه الدواوين ، وكان من أذكياء المفتين ، وأدمن المطالعة فيها ، فهو العالم حقاً(1).
لكن هذا الكلام محمول على من ترقي في العلم وبلغ به منزلاً لا أن يبدأ طالب العلم المبتدىء بهذه الدواوين فإنه لن يحصل بها الملكة الفقهية ، ولابد من أن يحذر في بداية طلبه من قراءة المحلى حتى لا يتجرأ على أهل العلم .
________________________________________
(1) ... السير (18/193) .
كتب معاصرة تقرأ
115- علماء عصرك إن أردت قراءة **** في كتبهم فانصت لذي التبيان(466/166)
قول الناظم ( إن أردت قراءة ) فيه دلالة على ان الأصل عدم قراءة كتب المعاصرين ، والاكتفاء بكتب السابقين لكثرة فائدتها بخلاف المعاصرين لقلتها لكن قد تكون في بعضها فوائد لا يستغني ولهذا انتقى الناظم أهم من يُقرأ لهم .
116- كتب المجددِ كالرياضِ أنيقةٌ **** ورجالُ دعوتهِ أولو العرفان
بدأ بكتب المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب وقد ذكرنا كتبه فيما سبق .
والأنقُ : الاعجاب بالشيء ، أنقتُ به آنق أنقاً ، وهو أنق وأنيقٌ : أي معجب وآنقنى يؤنقني وروضةٌ أنيقٌ . ونحن في أناقةٍ من عيشنا ودهرنا .
وما آنق فلانٌ في كذا : أي ما أشد طلبه له .
وماله في الشيء آنقهٌ : أي ليس له عجبٌ(1) .
وقوله ( ورجاله دعوته ) أي الذين سلكوا منهج الإمام محمد في الدعوة إلى التوحيد وما أكثرهم في نجد والحجاز وسائر الأقطار . ____________________________________________________
(1) ... المحيط (6/37) .
117-اقرأ لابن الباز بورك سعيه **** ومحمد بن الصالح الرباني
ثنى الناظم بالإمام ابن باز رحمه الله وترجم له في رسالة سماها الممتاز في مناقب الشيخ ابن باز وهي مع صغر حجمها حوت فوائد كثيرة .
نسبه : هو أبو عبدالله عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد ابن عبدالله آل باز .
مولده : ولد بمدينة الرياض في الثاني عشر من ذي الحجة عام 1330هـ – 12/12/1330هـ .
نشأته : نشأ سماحة الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض وأصابه مرض في عينيه عام 1246هـ وفقد بصره في مستهل محرم 1350هـ .
والحديث عنه يحتاج إلى دراسة كبيرة وقد خرجت بعض الدراسات إلى النور بعد وفاته .
وأما العلامة العثيمين فهو أبو عبدالله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين الوهيبي التميمى .
مولده : ولد في مدينة عنيزه في 27 من رمضان المبارك عام 1347هـ .
نشأته : قرأ القرآن على جده من جهة أمه عبدالرحمن بن سليمان آل دامغ رحمه الله . فحفظه ثم اتجه إلى طلب العلم فتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب.(466/167)
ويقول فضيلة الشيخ حفظه الله إنني تأثرت بالشيخ ابن سعدى كثيراً في طريقة التدريس وعرض العلم وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني ، وكذلك أيضاً تأثرت به من ناحية الأخلاق لأن الشيخ عبدالرحمن رحمه الله كان على جانب كبير من الأخلاق الفاضلة وكان رحمه الله على قدرة في العلم والعبادة ، وكان يمازح الصغير ويضحك إلى الكبير وهو ما شاء الله من أحسن من رأيت أخلاقاً .
والجدير بالذكر أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله قد عرض بل ألح على فضيلة الشيخ العثيمين في تولي القضاء ، بل أصدر قراره بتعيينه حفظه الله تعالى رئيساً للمحكمة الشرعية بالإحساء فطلب منه الإعفاء ، وبعد مراجعات واتصال شخصي من فضيلة الشيخ سمح رحمه الله تعالى بإعفائه من منصب القضاء .
118- ثم الأمين محمد أنعم به **** حاز الذكاء من أرض موريتاني
الشنقيطي ولد سنة 1325هـ ، وتوفى سنة 1393هـ .
وهو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبالقادر الجكني الشنقيطي : مفسر مدرس من علماء شنقيط ( موريتانيا ) . ولد وتعلم بها وحج (1367) واستقر مدرساً في المدينة المنورة ثم الرياض (71) وأخيراً في الجامعة الإسلامية بالمدينة (1381) وتوفى بمكة . له كتب ، منها " أضواء البيان في تفسير القرآن – ط " ، و " منع جواز المجاز – ط " و " منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات – ط " صغير و " دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب – ط " و " آداب البحث والمناظرة –ط " جزآن .
وللدكتور عبدالعزيز الطويان مجلدان في جهود الشنقيطي في تقريره عقيدة السلف.
119- وحمود من نسل التواجر عالم **** وكذا ابن جبرين مع السلماني
التويجرى هو حمود بن عبدالله التويجري ولد سنة 1334هـ ، وتوفى سنة 1413هـ .
ولد بمدينة المجمعة ( في السعودية ) وابتدأ القراءة على يد الشيخ أحمد الصانع عام 1342هـ وذلك قبل وفاة والده بأيام قلائل .(466/168)
تعلم على يديه مبادىء القراءة والكتابة ، ثم حفظ القرآن ولم يتجاوز الحادية عشر من عمره .
ثم ابتدأ القراءة على الفقيه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري قاضي المجمعة وتوابعها وفقيهها ، ولازمه ما يزيد على ربع قرن من الزمن ؛ قرأ عليه في شتى العلوم والفنون .
ألزم الشيخ بالقضاء في رحيمة ورأس تنورة بالمنطقة الشرقية وذلك عام 1368هـ ، وبقي بها نحواً من ستة أشهر ، ثم ألزم بالقضاء مرة أخرى في مدينة الزلفي عام 1369هـ ، وبقي بها إلى آخر سنة 1373هـ ، ثم اعتذر عن القضاء .
وقد بلغت مؤلفاته أكثر من خمسين مؤلفاً .
وأما ابن جبرين فهو : الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين بن محمد بن عبدالله بن رشيد ، من قبيلة بني زيد المعروفين في نجد ، وكان أصلهم من بلد شقراء ، ثم نزح الكثير منهم إلى كثير من القرى ، ومنها بلد القويعية وهي بلد المترجم له .
ولد سنة تسع وأربعين بعد الثلاث مائة والألف من الهجرة النبوية ، في بلد محيرقة ، وهي إحدى قرى القويعية .
نشأ في قرية الرين التابعة للقويعية ، وفي بلد محيرقة ، وقرأ القرآن على أبيه ، وعلى إمام جامع محيرقة ، وهو أحد أعمامه ، واسمه سعد بن عبدالله بن جبرين بن فهد .
ثم تعلم على والده ، وعلى قاضي الرين فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري .
وله جهد كبير إلى الآن في التعليم والتدريس في مختلف العلوم .
( والسلماني ) هو العلامة عبدالعزيز المحمد السلمان المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض اشتهر بالفقه والزهد في تأليفاته ، له كتاب كبير في الفقه اسمه الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بأدلتها الشرعية ، وله كتب كثيرة في الزهد والسلوك والمواعظ .
120- ومؤلفوا كتب الحديث بعصرنا **** كمحمد ابن الناصر الألباني
الألباني هو أبو عبدالرحمن محمد ناصر الدين بن نوح الألباني .(466/169)
مولده : ولد الشيخ حفظه الله سنة 1333هـ في مدينة " اشقودرة " عاصمة " البانيا " قديماً .
نشأته : نشأ في أسرة فقيرة يغلب عليها حب العلم وأهله فقد تخرج والده الحاج نوح من المعاهد الشرعية في عاصمة الدولة العثمانية ورجع إلى بلاده وصار مرجع الناس ، وقد توجه الألباني لعلم الحديث في العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار التي يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله ، وكان أول عمل حديثي قام به هو نسخ كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار وقد أنكر عليه والده عمله في الحديث قائلاً له " إن علم الحديث صنعة المفاليس " ورغم ذلك فلم يزدد الشيخ إلا حباً في الحديث ، ولما كانت أسرته أسرة فقيرة لم يكن يجد لديها من النقود ما يشتري به ما يشاء من الكتب لذلك توجه شطر المكتبة الظاهرية ، وكان يستعير من بعض المكتبات الخاصة ، وقد رزقه الله عمراً طويلاً وكتب مؤلفات كثيرة حتى لا يكاد يخلو بيت من كتبه .
121- وابن الوزير له علوم جمة **** ومحمد المعروف بالصنعاني
ابن الوزير ولد سنة 775هـ ، وتوفى سنة 840هـ .
وهو محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي ، أبو عبدالله ، عز الدين ، من آل الوزير : عالم باحث ، من أعيان اليمن . ولد في هجرة الظهران ( من شطب : أحد جبال اليمن ) وتعلم بصنعاء وصعدة ومكة وأقبل في أواخر أيامه على العبادة . قال الشوكاني : " تمشيخ وتوحش في الفلوات وانقطع عن الناس " ومات بصنعاء . له كتب نفائس ، منها " إيثار الحق على الخلق – ط " و " تنقيح الأنظار في علوم الآثار – ط " في مصطلح الحديث ، و " قبول البشرى بالتيسير لليسرى – ط " و " العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم – ط " ومختصره " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم –ط "
وأما الصنعاني فقد ولد سنة 1099هـ وتوفى سنة 1182هـ وهو :(466/170)
محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني ، الكحلاني ثم الصنعاني ، أبو إبراهيم ، عز الدين ، المعروف كأسلافه بالأمير من بيت الإمامة في اليمن . يلقب " المؤيد بالله " ابن المتوكل على الله أصيب بمحن كثيرة من الجهلاء والعوام . له نحو مائة مؤلف ، ذكر صديق حسن خان أن أكثرها عنده ( في الهند ) ولد بمدينة كحلان ، ونشأ وتوفى بصنعاء .
لكن ينبغي الحذر من بعض أقواله العقائدية وبخاصة في مسألتين :
الأولى : انه ذهب إلى قول المعتزلة في مسألة خلق أفعال العبد كما ذكر ذلك في كتابه إيقاظ الفكرة في مراجعة الفطرة وزعم أنه هو مذهب أهل السنة .
المسألة الثانية : إن ما يفعله القبوريون هو من الكفر العملي لا الكفر الجحودي وقد رد عليه الشوكاني في الدر النضيد .
122- كتب يدبجها بجودة ذهنه **** صديق خان وشيخه الشوكاني
صديق خان ولد سنة 1248هـ ، وتوفى سنة 1307هـ .
وهو محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي ، أبو الطيب : من رجال النهضة الإسلامية المجددين ولد ونشأ في قنوج ( بالهند ) وتعلم في دهلي وسافر إلى بهوبال طلباً للمعيشة ، ففاز بثروة وافرة ، قال في ترجمة نفسه : " ألقى عصا الترحال في محروسة بهوبال ، فأقام بها وتوطن وتمول ، واستوزر وناب ، وألف وصنف ، وتزوج بملكة بهوبال ، ولقب بنواب عالي الجاه أمير الملك بهادر . له نيف وستون مصنفاً بالعربية والفارسية والهندية منها بالعربية " حسن الأسوة في ما ثبت عن الله ورسوله في النسوة – ط " و " أبجد العلوم – ط " و " فتح البيان في مقاصد القرآن –ط " في التفسير ، و "حصول المأمول من علم الأصول –ط " و " عون الباري – ط " في الحديث ، و " العلم الخفاق من علم الاشتقاق – ط " و" نيل المرام من تفسير آيات الأحكام – ط " و " البلغة إلى أصول اللغة – ط " و " الروضة الندية – ط " في شرح الدرر للشوكاني .
و الشوكاني ولد سنة 1173 ، وتوفى سنة 1250هـ(466/171)
وهو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني : من كبار علماء اليمن ، من أهل صنعاء ولد بهجرة شوكان ( من بلاد خولان ، باليمن ) ونشأ بصنعاء وولى قضاءها سنة 1229 ومات حاكماً بها وكان يرى تحريم التقليد ، له 114 مؤلفاً ، منها " نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار – ط " ، و " البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع – ط " مجلدان و " اتحاف الأكابر – ط " وهو ثبت مروياته عن شيوخه ، مرتب على حروف الهجاء ، و " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة – ط " و " فتح القدير – ط " في التفسير ، خمسة مجلدات ، و " إرشاد الفحول – ط " في أصول الفقه ، و " السيل الجرار – ط" .
123- أنصت إلى السعدي فإن كلامه **** فيض من التحقيق والبرهان
ابن سعدي ولد سنة 1307هـ ، وتوفى سنة 1376هـ
وهو عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي التميمي : من علماء الحنابلة ، من اهل نجد مولده ووفاته في عنيزة ( بالقصيم ) وهو أول من أنشأ مكتبة فيها ( سنة 1358) له نحو 30 كتاباً ، منها الكتب المطبوعة الأتية : " تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن ، و " القواعد الحسان في تفسير القرآن " و " طريق الوصول إلى العلم المأمول من الأصول " و " الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين " رسالة ، و " القواعد والأصول الجامعة "، و " التوضيح والبيان لشجرة الإيمان " رسالة ، و " الدرة البهية " شرح للقصيدة التائية لابن تيمية " و " توضيح الكافية الشافية لابن القيم " شرح لها .
وقوله ( فيض من التحقيق والبرهان ) ظاهر لكل من يطلع على مؤلفات ابن سعدي حيث اعتنى بحسن التقسيمات وتحرير محل النزاع ، وضرب الصور ، وتحقيق المسألة مما يجعل لطالب العلم ملكة في العلم .
124- والاعتزال طريقةٌ ممقوتة **** فيها من الأغلاط والهذيان
المعتزلة ، أو الاعتزال ، لفظ يدل في اللغة على التنحية ، والانفراد والضعف ، والانقطاع .(466/172)
جاء في كتب اللغة ( عزله ، يعزله ، وعزّله ، فاعتزل ، وانعزل ، وتعزّل ) : نحاه جانباً فتنحى .
و ( المعزال ) الراعي المنفرد ، والضعيف الأحمق .
والمعتزلة في الاصطلاح : يمكن تعريفهم بأنهم فرقة من القدرية ، خالفوا قول الأمة في مسألة مرتكب الكبيرة ، بزعامة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ، زمن التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله تعالى .
وإذا نظرنا إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي لتعريف المعتزلة ، وجدنا أن الصلة وثيقة بينهما تماماً ، فإن هذه الفرقة التي سلكت غير مسلك الأمة وبخاصة أهل السنة والجماعة ، انفردت بمنهجها الكلامي المميز ، حتى آل أمرها إلى الضعف والضمور والانقطاع(1).
والسبب فيه أنه دخل واحد على الحسن البصري فقال : يا إمام الدين ، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة ، وهم وعيدية الخوارج وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر ، ولا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمة فكيف _________________________________________________
(1) ... آراء المعتزلة الأصولية د 0 علي الضويحي .
تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟
فتفكر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين : لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن : اعتزل عنا واصل فسمى هو وأصحابه معتزلة(1).
____________________________________________________
(1) ... الملل والنحل للشهرستاني (1/28) .
125 – عقل على النقل الصحيح مقدم **** والحسن والتقبيح للإنسان(466/173)
قوله ( عقل على النقل الصحيح مقدم ) يحتاج إلى قيد حتى يستقيم الكلام لكن النظم قد يمنع من القيود ، فالعقل عند أهل السنة إذا كان قطعياً فإنه يقدم على النقل إذا كان ظنياً ولهذا قال شيخ الإسلام :
بيان ذلك بتقديم أصل ، وهو أن يقال : إذا قيل : تعارض دليلان سواء كانا سمعيين أو عقليين ، أو أحدهما سمعياً والآخر عقلياً ، فالواجب أن يُقال لا يخلو إما أن يكونا قطعيين ، أو يكونا ظنيين ، وإما ن يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً .
فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما : سواء كانا عقليين أو سمعيين ، أو أحدهما عقلياً والآخر سمعياً ، وهذا متفق عليه بين العقلاء ، لأن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة .
وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان ، وأحدهما يناقض مدلول الآخر ، للزم الجمع بين النقيضين ، وهو محال ، بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد أنها قطعية فلابد من أن يكون الدليلان أو أحدهما غير قطعي ، أو أن لا يكون مدلولاهما متناقضين ، فأما مع تناقض المدلولين المعلوميين فيمتنع تعارض الدليلين.
وإن كان أحد الدليلان المتعارضين قطعياً دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء ، سواء كان هو السمعي أو العقلي ، فإن الظن لا يرفع اليقين .
وأما إن كانا جميعاً ظنيين : فإنه يصار إلى طلب ترجيح أحدهما ، فأيهما رجح
كان هو المقدم ، سواء كان سمعياً أو عقلياً(1) .
وقال أيضاً : لا نسلم انحصار القسمة فيما ذكرته من الأقسام الأربعة ؛ إذ من الممكن أن يقال : يقدم العقلي تارة والسمعي أخرى ، أيهما كان قطعياً قدم ، وإن كان جميعاً قطعيين ، فيمتنع التعارض ، وإن كانا ظنيين فالراجح هو المقدم فدعوى المدعي أنه لابد من تقديم العقلي مطلقاً و السمعي مطلقاً أو الجمع بين النقيضين أو رفع النقضين – دعوى باطلة ، بل هنا قسم ليس من هذه الأقسام ، كما ذكرناه بل هو الحق الذي لا ريب فيه (2).(466/174)
وبهذا أن العقل يقدم على النقل في حالين :
1- ... إذا كان العقل قطعياً والسمع ظنياً .
2- ... إذا كان العقل ظنياً راجحاً والسمع مرجوحاً .
ولا شك ان الناظم لا يريد ان النقل يقدم في الحالين السابقين وأما إذا تساوى العقل الظني مع النقل الظني فهنا يقدم النقل وهذا هو محل كلام الناظم .
وأما قوله ( والحسن والتقبيح للإنسان ) فهو بحاجة لقيد أيضاً إذ أن أهل السنة عندهم الحُسن والتقبيح قد يكون بالعقل كما ذكر شيخ الإسلام في التدمرية وغيرها ولتحقيق النزاع في مسألة التحسين والتقبيح نقول : يتبادر عند الحديث عن هذه المسألة سؤال مفاده : هل بإمكان المكلف أن يدرك حسن الأشياء وقبحها بعقله أم ليس في مكنته ذلك ؟
_____________________________________________
(1) ... درء التعارض (1/78) .
(2) ... درء التعارض (1/87) .
والجواب على هذا أن الناس يتفاوتون في إدراك الحسن والقبح تفاوتاً كبيراً ، تبعاً للقدرات التي أودعها الله تعالى فيهم ، مع القول بأن العقل محدود كباقي طاقات الإنسان المخلوقة المحدودة ، ولكن ما حقيقة الحسن والقبح ؟
لقد تصور الكلاميون من المسلمين ثلاثة معان للحُسن والقبح ، لا يخالف المعتزلة إلا في واحدة منها ، وهذه المعاني هي :
1- صفة الكمال والنقص : فالحسن هو كون الصفة صفة كمال ، والقبح هو كون الصفة صفة نقصان ، كما نقول في الجهل والعلم ، ولا نزاع بين المسلمين في أن هذا المعنى أمر ثابت للصفات في نفسها ، وأن العقل يدرك ذلك دون تعلقه بالشرع .(466/175)
2- موافقة الغرض ومنافاته ، فما وافق الغرض ولاءم الطبع ، كالصحة والولد والمال ، ... ... .الخ ، كان حسناً ، وما خالفه كترك انقاذ الغريق واتهام البرىء كان قبيحاً ، وما ليس كذلك لم يكن حسنا ولا قبيحا ، وقد يعبر عنهما بالمصلحة والمفسدة ، وهذا المعنى عقلي أيضاً إلا أنه يختلف في الاعتبار ، فقتل زيد مثلاً مصلحة لأعدائه ، ومفسدة لأوليائه ، وهذا يدل على أن هذا النوع ليس الحسن والقبح صفة ذاتية فيه وإنما هو أمر إضافي .
3- تعلق المدح والذم والثواب والعقاب بالفعل ، وهذا المعنى هو مجال اختلاف ، ونزاع بين الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم .
- مذاهب المسلمين في التحسين والتقبيح :
تنازع المسلمون في أن المكلفين هل يعلمون بعقولهم حسن الأفعال وقبحها شرعاً ، بمعنى كون الفعل سبباً للذم والعقاب ، أو المدح والذم ؟ ، وهل يعلم ذلك العقل ؟ أم لا يعلم إلا بالشرع ؟ أم يعلم بهما معاً ؟ .
وحاصل أقوال الناس في خذه المسألة على سبيل الإجمال ثلاثة أقوال :
القول الأول : وهو قول كثير من أئمة أهل الحديث ، وجمهور الحنفية ، وكثير من أصحاب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وهو مذهب المعتزلة والكرامية أيضاً .
وهؤلاء يقولون : إن الحسن والقبح عقليان لا يتوقف في معرفتهما وأخذهما عن الدليل السمعي ، ويجعلون الحسن والقبح صفات ذاتية للفعل لازمة لها ، ولا يجعلون الشرع إلا كاشفاً عن تلك الصفات لا سبباً لشيء من الصفات .
ورتب المعتزلة على هذا الأصل أموراً عديدة منها : أن القبيح في العقل يترتب عليه الذم والعقاب في الشرع ، والحسن يترتب عليه المدح والثواب في الشرع ، وان الله سبحانه وتعالى يجب عليه أن يفعل ما استحسنه العقل ويحرم عليه أن يفعل ما استقبحه العقل .(466/176)
ويعقب اين تيمية على هذا القول بقوله : وهذا ضعيف ولاسيما إذا ضم إليه قياس الرب على خلقه ، فقيل ما حسن من المخلوق حسن من الخالق ، وما قبح من المخلوق قبح من الخالق ، وهم مشبهة الأفعال وهذا قول باطل .
القول الثاني : وهو قول جهم ، والأشعري ، ومن تابعه من المنتسبين إلى السنة من أصحاب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وحاصل هذا القول أن الأفعال لا تتصف بصفات تكون بها حسنة ولا سيئة البته ، وكون الفعل حسناً وسيئاً إنما معناه أنه منهي عنه أو غير منهي عنه ، وهذه الصفة إضافية لا تثبت إلا بالشرع
وهذا القول عكس الأول تماماً ، إذ يعتبر أن الحسن والقبح لا يثبتان بالعقل وإنما يثبتان بالشرع فقط ؛ وهذا واضح في كتب الأشاعرة الكلامية والأصولية (1).
_______________________________________________
(1) ... التكليف في ضوء القضاء والقدر د 0 أحمد بن علي عبدالعال ص232.
القول الثالث : مذهب السلف :
السلف يرون أن الأفعال فيها حسن وقبح يمكن إدراكه بالعقل ، فالأفعال ليست سواء في نفس الأمر بقطع النظر عن ورود الشرع ، فللفعل عندهم حسن في نفسه ، وحسن بإيجاب الشارع له – كما أن بعض الأفعال قبيح من نفسه وقبيح بالنهي عنه .
يقول ابن القيم : ( وهل يسوي عاقل بين الرجيع والبول والدم والقىء وبين الخبز واللحم والماء والفاكهة ) .(466/177)
وقد يكون الفعل حسناً في نفسه ، وقبيحاً في مكان آخر فتخلف المسبب عن سببه لوجود معارض لا يخرجه عن كونه مقتضياً للمسبب عند عدم المعارض ، فتخلف الانتفاع بالدواء في شدة الحر والبرد وفي وقت تزايد العلة لا يخرجه عن كونه نافعاً في ذاته ، فالشرائع جاءت مراعية لمصالح الناس فمثلاً نكاح الأخت كان حسناً في وقت مست الحاجة إليه ، وذلك لتكثير النسل ، وحفظ النوع الانساني ثم أصبح قبيحاً عندما انتفت تلك الضرورة فحرمه الشارع ، وبهذا يعلم ان معنى كون الفعل يقتضي الحسن والقبح لذاته ، أو لوصفه اللازم له ، وأن الحسن ينشأ من ذاته أو من وصفه بشرط معين ، والقبح ينشا من ذاته أو من وصفه بشرط آخر ، فإذا عدم شرط الاقتضاء أو وجد مانع يمنع الاقتضاء زال الأمر المترتب بحسب الذات أو الوصف لزوال شرطه أو لوجود مانعه .(466/178)
ويرى السلف أن معنى كون الفعل حسناً أنه منشأ لمصلحة ، ومعنى كونه قبيحاً أنه منشأ للمفسدة ، وسبب لها وأنه لا يلزم من وجود السبب وجود مسببه ، إذ قد يكون ترتب المسبب على سببه مشروطاً بشرط ، وقد يوجد السبب ولا يوجد المسبب لوجود مانع ، ومن هنا قد يكون الفعل الواحد حسنا في نفسه في وقت لكونه منشأ للمصلحة في ذلك الوقت دون وقت آخر ، وقد يكون حسناً بالنسبة لقوم دون آخرين وفي ذلك يقول ابن القيم : ( والتحقيق في هذا أن سبب العقاب قائم قبل البعثة ، ولكن لا يلزم من وجود سبب العذاب حصوله لأن هذا السبب قد نصب الله له شرطاً ، وهو بعثة الرسل وانتفاء التعذيب قبل البعثة هو الانتفاء شرطه لا لعدم سببه ومقتضيه وهذا فصل الخطاب ) وبهذا يتبين أن السلف وإن قالوا بالحسن والقبح الذاتيين فإنهم لا يرون ترتب العقاب على فعل القبيح أمراً لازماً ، وذلك لأن العقاب عندهم وإن كان سببه قائماً إلا أنه مشروط بورود الشرع دفعاً للمعذرة ، فلا يعاقب إنسان بناء على مقتضى ما أدرك من قبيح قبل ورود الشرع من بالقبيح ، فلولا ورود الشرع بالعقاب لم يعاقب فاعل القبيح وإن كان مستحقاً للعقاب قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى ? وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا? اخبار عن عدله تعالى وأنه لا يعذب أحداً ألا بعد قيام الحجة عليه بارسال الرسول إليه كما قال تعالى : ?كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتيكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ? إلى أن قال : إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحداً النار إلا بعد إرسال الرسول إليه " فسبب العقاب قبل البعثة قائم وانتفاء المسبب لعدم وجود شرط العذاب وهو إرسال الرسول إقامة للحجة ، وقطعاً للعذر فلا يقبح العفو لأنه لا
يستلزم كذباً في الخبر بل غايته ترك حق الله تعالى قد وجب قبل البعثة وهذا حسن(1) .(466/179)
________________________________________________
(1) ... قضية الثواب والعقاب د 0 جابر السميري ص46 .
قال الإمام ابن القيم : ( الشرائع كلها في أصولها – وإن تباينت – متفقة ، مركوز حسنها في العقول ، ولو وقعت على غير ما هي عليه لخرجت عن الحكمة والمصلحة والرحمة ، بل من المحال أن تأتي بخلاف ما أتت به ؛ ? ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ? [ المؤمنون : 71] (1)
وقال أيضاً : وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه وأنه لا يعذب الله عليه إلا بعد إقامة الحجة بالرسالة وهذه النكتة هي التي فاتت المعتزلة والكلابية كليهما ، فاستطالت كل طائفة منهما على الأخرى . لعدم جمعها بين هذين الأمرين ، فاستطالت الكلابية على المعتزلة بإثباتهم العذاب قبل إرسال الرسل ، وترتيبهم العقاب على مجرد القبح العقلي ، وأحسنوا في رد ذلك عليهم ، واستطالت المعتزلة عليهم في إنكارهم الحسن والقبح العقليين جملة ، وجعلهم انتفاء العذاب قبل البعثة دليلاً على انتفاء القبح واستواء الأفعال في أنفسها ، وأحسنوا في رد هذا عليهم ، فكل طائفة استطالت على الأخرى بسبب إنكارها الصواب ! .
وأما من سلك هذا المسلك الذي سلكناه فلا سبيل لواحدة من الطائفتين إلى رد قوله ، ولا الظفر عليه أصلاً ، فإنه موافق لكل طائفة على ما معها من الحق ، مقررٌ له ، مخالفٌ لها في باطلها ، منكر له ، وليس مع النفاة – قط – دليل
واحدٌ صحيحٌ على نفي الحسن والقبح العقليين ، وأن الأفعال المتضادة كلها في نفس الأمر سواء لا فرق بينها إلا بالأمر والنهي ! وكل أدلتهم على هذا باطلة .
___________________________________________________
(1) ... مفتاح دار السعادة (2/320) .
وليس مع المعتزلة دليلٌ واحدٌ قط يدل على إثبات العذاب على مجرد القبح العقلي قبل بعثة الرسل ، وأدلتهم على ذلك كلها باطلة كما سنذكرها ونذكر بطلانها – إن شاء الله تعالى(1)(466/180)
_______________________________________________
(1) ... مفتاح دار السعادة (2/330) .
126- بل وافقوا نهج الخوارج في الذي **** يأتي الكبيرة فهو في النيران
127- لا مؤمن يدعى وليس بكافر **** هذا كلام الواهم الغلطان
معنى هذين البيتين ذكرهما شيخ الإسلام حيث قال :
وكانت " الخوارج " قد تكلموا في تكفير أهل الذنوب من أهل القبلة ، وقالوا : أنهم كفار مخلدون في النار ، فخاض الناس في ذلك ، وخاض في ذلك القدرية بعد موت الحسن البصري ، فقال عمرو بن عبيد وأصحابه : لا هم مسلمون ولا كفار ؛ بل لهم منزلة بين المنزلتين ، وهم مخلدون في النار ، فوافقوا الخوارج على أنهم مخلدون ، وعلى أنه ليس معهم من الإسلام والإيمان شيء ولكن لم يسموهم كفاراً ، واعتزلوا حلقة أصحاب الحسن البصري مثل قتادة وأيوب السختياني وأمثالهما فسموا معتزلة من ذلك الوقت بعد موت الحسن وقيل : إن قتادة كان يقول أولئك المعتزلة .
وتنازع الناس في " الأسماء والأحكام " أي في أسماء الدين ، مثل مسلم ومؤمن ، وكافر وفاسق ، وفي أحكام هؤلاء في الدنيا والآخرة ، فالمعتزلة وافقوا الخوارج على حكمهم في الآخرة دون الدنيا ، فلم يستحلوا من دمائهم وأموالهم ما استحلته الخوارج وفي الأسماء أحدثوا المنزلة بين المنزلتين وهذه خاصة المعتزلة التي انفردوا بها وسائر أقوالهم قد شاركهم فيها غيرهم(1).
وقال أيضاً : فهذا أصل مختصر في " مسألة الأسماء " و أما " مسألة الأحكام " وحكمه في الدار الآخرة فالذي عليه الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وسائر أهل
_________________________________________________
(1) ... الفتاوى (3/37) .
السنة والجماعة أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان ؛ بل يخرج منها من معه مثقال حبة ، أو مثقال ذرة من إيمان .(466/181)
وأما الخوارج " ومن وافقهم من المعتزلة فيوجبون خلود من دخل النار ، وعندهم من دخلها خلد فيها ، ولا يجتمع في حق الشخص الواحد العذاب والثواب وأهل السنة والجماعة وسائر من اتبعهم متفقون على اجتماع الأمرين ، في حق خلق كثير كما جاءت به السنن المتواترة عن النبي ? .
وأيضاً : فأهل السنة والجماعة لا يوجبون العذاب في حق كل من أتى كبيرة ولا يشهدون لمسلم بعينه بالنار لأجل كبيرة واحدة عملها ؛ بل يجوز عندهم أن صاحب الكبيرة يدخله الله الجنة بلا عذاب أما الحسنات تمحوا كبيرته منه أو من غيره ؛ واما لمصائب كفرتها عنه ، وإما لدعاء مستجاب منه أو من غيره فيه ، وإما لغير ذلك .
و " الوعيدية " من الخوارج والمعتزلة : يوجبون العذاب في حق أهل الكبائر لشمول نصوص الوعيد لهم : مثل قوله : ? إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا ? ، وتجعل المعتزلة إنفاذ الوعيد أحد " الأصول الخمسة " التي يكفرون من خالفها ، ويخالفون أهل السنة والجماعة في وجوب نفوذ الوعيد فيهم ، وفي تخليدهم؛ ولهذا منعت الخوارج والمعتزلة أن يكون لنبينا ? شفاعة في أهل الكبائر في اخراج أهل الكبائر من النار(1).
__________________________________________________
(1) ... الفتاوى (12/479) .
128- وكلامه القرآن وهو منزل **** ومدادنا والرق مخلوقان
الشطر الثاني مأخوذ من نونية القحطاني وابن القيم حيث قال في النونية :
ولقد أتى في نظمه من قال قو **** ل الحق والإنصاف غير جبان
إن الذي هو في المصاحف **** مثبت بأنامل الأشياخ والشبان
هو قول ربى آيه وحروفه **** ومدادنا والرق مخلوقان
فشفى وفرق بين متلو و**** مصنوع وذاك حقيقة العرفان(466/182)
يقصد المؤلف بهذه الأبيان أن يرد على شبهة قد تتعلق ببعض الأذهان ، وهي أنه كيف يكون هذا المتلو بالألسنة أو المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق ، مع أن القارىء يحدثه بصوته وينطق به حروفاً وألفاظاً ، وكذلك الكاتب يرقمه بالمداد في الرق فهو يحدثه ببنانه وقلمه .
والجواب عن هذه الشبهة هو أنه يجب أن نفرق بين التلاوة والمتلو ، وبين الكتابة والمكتوب ، فكل من التلاوة والكتابة فعل العبد وهو مخلوق وأما المتلو والمكتوب والمحفوظ فهو كلام الله وقوله جل شأنه ، ولهذا تختلف القراءة تجويداً ولحناً وتختلف أصوات القارئين قباحة وحسنا ، ولكن المقروء لا يختلف وكذلك تختلف الكتابة بين خط جيد وآخر ردىء والمكتوب واحد ، فأصوات القارئين ومداد الكاتبين وأقلامهم والأوراق التي يكتبون عليها وفعلهم الكتابة ، كل ذلك أفعال للعباد مخلوقة ، وأما المثبت في المصاحف بأنامل الأشياخ والشبان فهو كلام الله وقوله بآياته وحروفه ، فالمعرفة الحقة تقتضي التفرقة بين المتلو الذي هو كلام الله وبين المصنوع الذي هو من فعل العبد (1).
__________________________________________________
(1) ... شرح نونية ابن القيم لهراس (1/148) .
129- من قال إن الذكر مخلوق فقل **** كذب الدعي الجاحد الخوان
قال شيخ الإسلام :
وأما " المعتزلة " ونحوهم فيوافقونهم في أن الله لا يتكلم في الحقيقة التي يعلم الناس أن صاحبها [ بل كلامه ] منفصل عنه ويزعمون ان ذلك حقيقة ، وليس كلامه عندهم إلا أنه خلق في الهواء أو غيره أصواتاً يسمعها من يشاء من ملائكته وأنبيائه من غير أن يقوم بنفسه كلام لا معنى ولا حروف ، وهم يتنازعون في ذلك المخلوق هل هو جسم او عرض أو لا يوصف بواحد منها .(466/183)
ولما ظهر هؤلاء تكلم السلف من التابعين وتابعيهم في تكفيرهم والرد عليهم بما هو مشهور عند السلف ، واطلع الأئمة الحذاق من العلماء على أن حقيقة قول هؤلاء هو التعطيل والزندقة وإن كان عوامهم لا يفهمون ذلك كما اطلعوا على أن حقيقة قول القرامطة والاسماعلية هو التعطيل والزندقة وإن كان عوامهم إنما يدينون بالرفض ، وجرت فتنة الجهمية ، كما امتحنت الأئمة وأقام " الإمام أحمد " إمام السنة ، وصديق الأمة في وقته ، وخليفة المرسلين ، ووارث النبيين فثبت الله به الإسلام والقرآن ، وحفظ به على الأمة العلم والإيمان ودفع أهل الكفر والنفاق والطغيان الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض .
فاستقر أهل السنة وجماهير الأمة وأهل الجماعة وأعلام الملة في شرقها وغربها على الإيمان الذي جاءت به الرسل عن الله وجاء به خاتم النبيين مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ، وهو ان القرآن والتوارة والانجيل كلام الله ، وإن كلام الله لا يكون مخلوقاً منفصلاً عنه كما لا يكون كلام المتكلم منفصلاً عنه ؛ فإن هذا جحود لكلامه الذي هو رسالته ، ودفع لحقيقة ما أنبأت به الرسل وعلمته أممهم وإلحاد في أسماء الله وآياته(1).
________________________________________
(1) ... الفتاوى (12/355) .
130 – طالع كتاب الحيدة الفذ الذي **** عبدالعزيز رواه وهو كناني(466/184)
لقد شك بعض المؤرخين في اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني ، فقال الذهبي في ميزان الاعتدال : " عبدالعزيز بن يحيى بن عبدالعزيز الكناني ، المكي ينسب إليه كتاب الحيدة في مناظرته لبشر المريسي " ، وقال أيضاً : " لم يصح اسناد كتاب الحيدة إليه ، فإنه موضوع عليه " ، وذهب السبكي في طبقات الشافعية إلى ما ذهب إليه الذهبي ، فقال : " كان عبدالعزيز الكناني ناصراً للسنة في نفي خلق القرآن ، كما دلت عليه مناظراته مع بشر ، وكتاب الحيدة المنسوب إليه فيه أمور مستشنعة ، لكنه كما قال شيخنا الذهبي ، لم يصح اسناده إليه ، ولا ثبت انه من كلامه ، فلعله وضع عليه "
فما هي قيمة هذا الرأي ، وهل هناك مجال للشك في اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني ؟(466/185)
للإجابة عن هذا السؤال نقول أولاً ان الذهبي والسبكي لا يشكان في قيام المناظرة بين الرجلين من جهة ما هي حادث تاريخي جرى بحضرة الخليفة المأمون ، بل يشكان في إسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني وحجة السبكي في ذلك ان في كتاب الحيدة أموراً مستشنعة لا يصح صدورها عن رجل كان ناصراً للسنة في نفي خلق القرآن ، كما دلت عليه مناظرته لبشر المريسي فما هي هذه الأمور المستشنعة ؟ ان السبكي لا يبين لنا ذلك وإذا صح اشتمال كتاب الحيدة على أمور مخالفة لآراء المحدثين والفقهاء في رواية بعض الأحاديث ، او تفسير بعض الآيات ، أو استعمال النظر والقياس في مسألة خلق القرآن ، فإن الاستدلال بها على نفى اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني ، انما هو استدلال عقلي لا تحقيق تاريخي وليس في أيدينا من تآليف عبالعزيز الكناني كتاب نستطيع الرجوع إليه لمقابلة آرائه بعضها ببعض وما هو مستشنع في نظر السبكي وطبقته ، فما لم يكن هناك كتاب للكناني يمكن الرجوع إليه لمقابلة آرائه ، أو دليل تاريخي يثبت أن كتاب الحيدة ليس من كلامه ، فإن شك الذهبي والسبكي في صحة اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني يظل شكا نظرياً لا حقيقة تاريخية مبنية على أدلة واضحة .(466/186)
وإذا علمنا ان ابن النديم والخطيب البغدادي ، وهما متقدمان على الذهبي والسبكي ، لم يشكا في اسناد كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز الكناني ازاداد ميلنا إلى تفضيل موقف الإثبات في هذه المسألة على موقف النفي فقد قال ابن النديم : " عبدالعزيز بن يحيى المكي في طبقة الحارث ، وهو عبدالعزيز بن يحيى ابن عبدالملك ( كذا ) بن مسلم بن ميمون الكناني ، وكان متكلماً مقدماً ، وزاهداً وعابداً وله في الزهد والكلام كتب ، وتوفي وله من الكتب كتاب الحيدة فيا جرى بينه وبين بشر المريسي " وقال الخطيب البغدادي : قدم عبدالعزيز بغداد " في أيام المأمون " وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن وهو صاحب كتاب الحيدة ، وكان من أهل الفضل والعلم ، وله مصنفات عدة ، وكان ممن تفقه بالشافعي ، واشتهر بصحبته " وهذا القول الذي ذكره ابن النديم والخطيب البغدادي فأسندا فيه كتاب الحيدة إلى عبدالعزيز أخذ به بعدهما ابن حجر ، العسقلاني في تهذيب التهذيب ، وعبدالحي بن عماد الحنبلي في شذرات الذهب ، فقال العسقلاني : " وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن وهو صاحب كتاب الحيدة " ، وقال ابن عماد الحنبلي : " وناظر بشراً المريسي في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة ، فانقطع بشر وظهر عبدالعزيز ومناظرته هذه مشهورة مسطورة ، وعبدالعزيز هو صاحب كتاب الحيدة ، وهو معدود في أصحاب الشافعي(1) .
وممن يرى صحة نسبة الكتاب إلى الكناني شيخ الإسلام حيث قال : فصار هنا لابطال هذا القول ثلاثة مسالك ، مسلك الكلابية ، ومسلك الكرامية ، ومسلك السلف ، فهذا كان هذا القسم مما ذكره عبدالعزيز بن يحيى الكناني في " الحيدة " وأبطله من غير ان يلتزم خلاف السلف وقد كتبت ألفاظه وشرحتها في غير هذا الموضع(2) ا 0 هـ .(466/187)
والكناني توفى سنة 240هـ وهو عبدالعزيز بن يحيى بن عبدالعزيز الكناني المكي : فقيه مناظر كان من تلاميذ الإمام الشافعي يلقب بالغول لدمامته وقدم بغداد في أيام المأمون .
_________________________________________________
(1) ... مقدمة محقق كتاب الحيدة د 0 جميل صليبا ص17 .
(2) ... الفتاوى (6/325) .
131- والذكر مخلوق لديهم مثلما **** قد جاء في الكشاف والمرجان
هذا مكرر مع ما قبله لكن مع زيادة إثبات قول المعتزلة في كتابين هما :
1- ... الكشاف للزمخشري(1) ت سنة 528هـ .
2- ... المرجان ولم أقف على هذا الكتاب لكن أخبرني الناظم أنه من كتب المعتزلة وقد جاء فيها ان القرآن مخلوق .
___________________________________________________
(1) ... (1/592) .
132- قالوا وربي لا يراه عبده **** في يوم حشرٍ خاب قول الجاني
133- نادى بموسى لن تراني عندهم **** دامت على التأييد في الأزمان
134-كذبوا لعل جزائهم من ربهم **** أن يرجعوا بالخزي والحرمان
ذهب المعتزلة والجهمية ومن تبعهم من الخوارج والإمامية وبعض الزيدية وبعض المرجئة إلى نفي رؤية الله تعالى عياناً في الدنيا والآخرة ، وقالوا : باستحالة ذلك عقلاً ؛ لأنهم يقولون إن البصر لا يدرك إلا الألوان والأشكال أي ما هو مادي والله تعالى ذات غير مادية ، فمن المستحيل إذا أن يقع عليه البصر ، فالقول برؤية الله تعالى هدم للتنزيه وتشويه لذات الله وتشبيه له حيث ان الرؤية لا تحصل إلا بانطباع صورة المرئي في الحدقة ، ومن شرط ذلك انحصار المرئي في جهة معينة من المكان حتى يمكن اتجاه الحدقة إليه ، ومن المعلوم علم اليقين أن الله تعالى ليس بجسم ولا تحده جهة من الجهات ولو جاز أن يرى في الآخرة لجازت رؤيته الآن فشروط الرؤية لا تتغير في الدنيا والآخرة (1).
ودليلهم على ذلك من جهة السمع قوله تعالى ( لن تراني ) [ الأعراف : 143] ، والآية دليل عليهم من وجوه :(466/188)
أحدها : أنه لا يظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته أن يسأل ما لا يجوز عليه بل هو عندهم من أعظم المحال .
الثاني : لان الله لم ينكر عليه سؤاله ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله ، وقال ? إني أعظك أن تكون من الجاهلين ? [ هود : 46] .
____________________________________________________
(1) ... رؤية الله د 0 أحمد بن ناصر ص26 .
الثالث : أنه تعالى قال : ? لن تراني ? ولم يقل : إني لا أرى أو لا تجوز رؤيتي أو لست بمرئي والفرق بين الجوابين ظاهر ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاماً فقال : أطعمنيه ، فالجواب الصحيح : أنه لا يؤكل أما إذا كان طعاماً صح أن يقال : إنك لن تأكله وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي ـ، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع وهو .
الرابع : قوله ? ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوى تراني ? [ الأعراف : 143] فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار ، فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف ؟
الخامس : أن الله سبحانه قادر على أن يجعل الجبل مستقراً ، وذلك ممكن ، وقد علق به الرؤية ، ولو كانت محالاً لكان نظير أن يقول : إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام والكل عندهم سواء .
السادس : قوله تعالى : ? فما تجلى ربه للجبل جعله دكا ? [ الأعراف : 143] فإذا جاز أن يتجلى للجبل ، الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب ، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسله ، وأوليائه في دار كرامته ؟ ولكن الله أعلم موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار ، فالبشر أضعف .
السابع : أن الله كلم موسى وناداه وناجاه ، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأنه يسمع مخاطبة كلامه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز ولهذا لا يتم إنكار رؤيته إلا بانكار كلامه ، وقد جمعوا بينهما .(466/189)
وأما دعواهم تأبيد النفي بـ" لن " وأن ذلك يدل على نفي الرؤية في الآخرة ففاسد ، فإنها لو قيدت بالتأبيد لا يدل على دوام النفي في الآخرة فكيف إذا
أطلقت قال تعالى : ? ولن يتمنوه أبداً ? [ البقرة : 95] ، مع قوله ? ونادوا يا ملك ليقض علينا ربك ? [ الزخرف : 77 ] ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها ، وقد جاء ذلك ، قال تعالى : ? فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ? [ يوسف : 80] فثبت أن " لن " لا تقتضي النفي المؤبد .
قال الشيخ جمال الدين ابن مالك رحمه الله : (1).
ومن رأى النفي بلن مؤبدا *** فقوله أردد وخلافه فاعضدا
وقال في شرح الكافية (2).
ثم أشرت إلى ضعف قول من رأى تأبيد النفي بـ " لن " وهو الزمخشري في "أنموذجه " .
وحامله على ذلك اعتقاده أن الله – تعالى- لا يرى وهو اعتقاد باطل بصحة ذلك عن رسول الله ? أعني ثبوت الرؤية .
جعلنا الله من أهلها ، وأعاذنا من عدم الإيمان بها ا0هـ .
_______________________________________
(1) ... شرح الطحاوية بتقريب خالد بن فوزي (1/591) .
(2) ... (3/1531) .
135- ردوا حديث جرير البجلي في **** ما قد روى للسنة الشيخان
جرير هو جرير بن عبدالله بن جابر البجلي صحابي اختلف في وقت إسلامه (1). وحديث جرير في الصحيحين قال البخاري حدثنا عمرو بن عوف حدثنا خالد وهشيم عن اسماعيل بن قيس عن جرير قال : كنا جلوساً عند النبي ? إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، قال : ? إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا ?
وقال البخاري : ? حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عاصم بن يوسف البربوعي حدثنا أبو شهاب عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبدالله قال : قال النبي ? : " إنكم سترون ربكم عياناً "(2).
____________________________________________________
(1) ... الإصابة لابن حجر (1/232) .
((466/190)
2) ... فتح الباري (13/436).
136- والشافعي من القرآن أتى بها **** لله در المدرك الرباني
137-ذا قال كلا إنهم عن ربهم **** حجبوا فينظره أولوا الإيمان
قال ابن القيم : ( وقد احتج بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر الطبراني وغيره عن المزني قال سمعت الشافعي يقول في قوله عز وجل : ? كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ? فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة وقال الحاكم : حدثنا الصم أنبأنا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد ابن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز وجل : ? كلا إنهم عن ربهم يؤمئذ لمحجوبون ? فقال الشافعي : لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا ، قال الربيع فقلت يا أبا عبدالله وبه تقول ؟ قال نعم وبه أدين الله ، ولو لم يوقن محمد ابن ادريس أنه يرى الله لما عبدالله عز وجل ، ورواه الطبراني في شرح السنة من طريق الأصم أيضاً ، وقال أبو زرعة الرازي سمعت أحمد بن محمد بن الحسين يقول : سئل محمد بن عبدالله بن الحكم هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة المؤمنون والكفار ؟ فقال محمد بن عبدالله : ليس يراه إلا المؤمنون ، قال محمد وسئل الشافعي عن الرؤية فقال : يقول الله تعالى : ? كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ? ففي هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عن وجل .
وقال مالك بن أنس: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه وقال الحسن : لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا .
قال الحسين بن الفضل لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته وعلى هذا التفسير الجمهور وبه تظهر فائدة التخصيص(1).
________________________________________
(1) ... رؤية الله د 0 أحمد بن ناصر ص219 .
الرافضة
138- نبرأ إلى الرحمن جل جلاله **** من نهج رافضة أولي بهتان(466/191)
يبرأ الناظم من فرقة الرافضة والرفض في اللغة يأتي بمعنى الترك يقال رفض يرفض رفضاً أي ترك.
وعرفهم أهل اللغة بقولهم : " والروافض كل جند تركوا قائدهم " : هذا هو معنى الرفض في اللغة .
وأما في الاصطلاح : فإنه يطلق على تلك الطائفة ذات الأفكار والآراء الاعتقادية الذين رفضوا خلافة الشيخين وأكثر الصحابة ، وزعموا أن الخلافة في علي وذريته من بعده بنص من النبي ? .
2-سبب تسميتهم بالرافضة :
أطلقت هذه التسمية على الرافضة لأسباب كثيرة .
1- قيل إنهم سموا رافضة لرفضهم إمامة زيد بن علي ، وتفرقهم عنه كما تقدم
2-وقيل سموا رافضة لرفضهم أكثر الصحابة ، ورفضهم لإمامة الشيخين .
3- وقيل لرفضهم الدين .
والراجح هو الثاني ، ولا منافاة بينه وبين الأول ، لأنهم كانوا رفضة يرفضون الشيخين وقد رفضوا زيداً كذلك إذ لم يرض مذهبهم(1).
____________________________________________________
(1) ... فرق معاصرة لغالب العواجي (1/163).
139- سبوا صحابته وآذوا شرعه **** فالرفض والتزوير مقترنان
140 – اقرأ لشيخ الدين في منهاجه **** يشفي غليل الواله اللهفان
ما قاله الناظم هو المشهور عن الرافضة أخذاً مما حكاه الكليني في الكافي حيث قال : عن حنّان عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : " كان الناس أهل ردة بعد النبي ? إلا ثلاثة . فقلت : ومن الثلاثة ؟ فقال : المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسى رحمة الله وبركاته عليهم ، ثم عرف أناس بعد يسير ، وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرها فبايع ... "(466/192)
ولما رأى الرافضة بقيادة مضلهم الأكبر عبدالله بن سبأ أن دعوى النص على علي رضي الله عنه ، ودعوى تكفيرهم الصحابة رضوان الله عليهم لا يمكن أن تقبل منهم إلا بما يؤيدها من الأدلة ، قاموا بوضع آلاف الروايات على لسان النبي ? في فضائل علي رضي الله عنه ، ودعوى النص عليه ، ثم وضع ما لا يقل عنها من الروايات في الطعن في أصحاب النبي ? عموماً ، وفي الخلفاء الثلاثة خصوصاً ، ليظهر بذلك رجحان كفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الخلفاء الثلاثة في أحقيته بالخلافة بعد رسول الله ? ثم إنهم جعلوا تلك المناقب المبالغ فيها التي نسبوها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه شرطا من شروط الإمامة عندهم ، فكان أن أثبتوها لكل إمام من أئمتهم وزوروا فيها تلك الروايات التي تمتلىء بها كتبهم ، على السنة الأئمة .
وبعد أن اتخذ الرافضة هذا المنهج ، وهو الغلو في الأئمة والطعن في الصحابة لاثبات إمامة أئمتهم ، جعلوه أصلاً من أصول مذهبهم الفاسد وميزاناً يزنون به الناس ليعرف به الرافضي من غيره ، وهو ما يعبرون عنه في كتبهم ( بالولاء والبراء ) (1).
وقول الناظم ( فالرفض والتزوير مقترنان ) محكي عن أئمة الإسلام .
وقوله ( أقرأ لشيخ الدين ومنهاجه ( أي في منهاج السنة لشيخ الإسلام الذي رد فيه على معاصره ابن المطهر الحلي في كتابه منهاج الكرامة وهو خليق بأن يسمى منهاج الندامة (2) ، وكتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام اختصره الذهبي في المنتقى واختصره الشيخ عبدالله الغنيمان في مجلدين .
وفيما يلي بعض أقوال الأئمة في كذب الرافضة يقول الذهبي : فإن الرافضة في الأصل ليسوا أهل خبرة بطريق المناظرة ، ومعرفة الأدلة ، وما يدخل فيها من المنع والمعارضة ، كما أنهم جهلة بالمنقولات ، وإنما عمدتهم على تواريخ منقطعة الإسناد ، وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب ، فيعتمدون على نقل أبي مخنف لوط بن يحيى وهشام بن الكلبي .(466/193)
قال يونس بن عبد الأعلى قال أشهب سئل مالك رضي الله عنه عن الرافضة فقال : " لا تكلمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنهم يكذبون "
وقال حرملة : سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول : " لم أر أحداً أشهد بالزور من الرافضة " .
_________________________________________________
(1) ... بذل المجهود في اثبات مشابهة الرافضة لليهود لعبدالله الجميلي (/454) .
(2) ... قاله شيخ الإسلام في منهاج السنة ( 1/21) .
وقال مؤمل بن إهاب سمعت يزيد بن هارون يقول " يكتب عن كل مبتدع – إذا لم يكن داعية – إلا الرافضة ؛ فإنهم يكذبون ".
وقال محمد بن سعيد الأصفهاني سمعت شريكاً يقول : " احمل العلم عن كل من لقيته إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه ديناً "(1).
____________________________________________________
(1) ... المنتقى للذهبي ص22 .
141- يكفيك ما قد قاله الشعبي في **** أهل الضلال عصابة الشيطان
142- إذ شابهوا أهل الصليب ووافقوا **** حتى اليهود مراتع الأوثان
143- زادوا على الفئتين في تشنيعهم **** لصحابة جلو عن البهتان
144- حمر مع سرب البهائم أصبحوا **** رخماً مع ذي الريش والطيران
الشعبي ولد سنة 19هـ ، وتوفى سنة 103هـ .
وهو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي الحميري ، أبو عمرو : رواية من التابعين ، يضرب المثل بحفظه ، ولد ونشأ ومات فجأة بالكوفى اتصل بعبد الملك بن مروان ، فكان نديمه وسميره ورسوله إلى ملك الروم وكان ضيئلاً نحيفاً ، ولد لسبعة أشهر وسئل عما بلغ إليه حفظه ، فقال : ما كتبت سوداء في بيضاء ، ولا حدثني رجل بحديث إلا حفظته وهو من رجال الحديث الثقات ، استقضاه عمر بن عبدالعزيز وكان فقيهاً ، شاعراً واختلفوا في اسم أبيه فقيل : شراحيل وقيل : عبدالله نسبته إلى شعب وهو بطن من همدان .(466/194)
وقوله ( إذ شابهوا ) الخ الأبيات مأخوذ من كلام شيخ الإسلام في منهاج السنة حيث قال : ولهذا كان بينهم وبين اليهود من [ المشابهة في الخبث ] واتباع الهوى وغير ذلك من أخلاق اليهود ، وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل وغير ذلك من أخلاق النصارى ، ما أشبهوا به هؤلاء من وجه وهؤلاء من وجه ، وما زال الناس يصفونهم بذلك .
ومن أخبر [ الناس بهم ] الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة ، وقد ثبت عن الشعبي أنه قال : " ما رأيت أحمق من الخشبية لو كانوا من الطير لكانوا رخماً (1)
، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمراً ، والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهباً على أن أكذب على على [ لأعطوني ، ووالله ما ] أكذب عليه أبداً " وقد روى هذا الكلام مبسوطاً عنه أكثر من هذا ، لكن الأظهر أن المبسوط من كلام غيره .(466/195)
وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت [ اليهود ] : لا يصلح الملك إلا في آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا في ولد على ، وقالت اليهود : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل السيف من السماء ، وقالت الرافضة : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادى منادٍ من السماء ، واليهود يؤخرون [ الصلاة إلى اشتباك النجوم ] ، وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم ، والحديث عن النبي ? أنه قال : "لا تزال أمتى على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم " ، واليهود تزول عن القبلة شيئاً وكذلك الرافضة ، واليهود تنود في الصلاة ، وكذلك الرافضة ، واليهود تسدل أثوابها في الصلاة وكذلك الرافضة ، واليهود لا يرون على النساء عدة ، وكذلك الرافضة واليهود حرفوا التوارة وكذلك الرافضة حرفوا القرآن واليهود قالوا : افترض الله علينا خمسين صلاة وكذلك الرافضة ، واليهود يستحلون أموال الناس كلهم ، وكذلك الرافضة ، وقد أخبرنا الله عنهم بذلك في القرآن أنهم : ? قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ? [سورة آل عمران : 75]
____________________________________________________
(1) ... الرخم نوع من الطير ، واحدته رخمة يوصف بالغدر والقذر وهو من لئام الطير قاله في لسان العرب .
وكذلك الرافضة ، واليهود تسجد على قرونها في الصلاة ، وكذلك الرافضة ،
واليهود لا تسجد حتى تخفق برؤوسها مراراً شبه الركوع ، وكذلك الرافضة ، واليهود تبغض جبريل ويقولون : هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة يقولون غلط [ جبريل ] بالوحي على محمد ، وكذلك الرافضة وافقوا النصارى في خصلة النصارى : ليس لنسائهم صداق إنما يتمتعون بهن تمتعاً ، وكذلك الرافضة يتزوجون بالمتعة ويستحلون المتعة .(466/196)
وفضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين : سُئلت اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب موسى وسئلت النصارى : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : حوارىّ عيسى وسئلت الرافضة : من شر أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب محمد ? أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم ، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة ، لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ، ولا تجتمع لهم كلمة ، ولا تجاب لهم دعوة دعوتهم مدحوضة ، وكلمتهم مختلفة وجمعهم متفرق ، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله .
قلت : هذا الكلام بعضه ثابت عن الشعبي كقوله : لو كانت الشيعة من البهائم لكانوا حمرا ، ولو كانت من الطير لكانوا رخماً فإن هذا ثابت عنه(1).
________________________________________
(1) ... منهاج السنة (1/22) .
145- كتب الروافض قد عرفت ضلالها ** حذراً من الشر القريب الداني
يبين الناظم أن أحكامه على الروافض صادرة من قراءة كتبهم وقراءة هذه الكتب ليس لخير فيها بل لمعرفة ما بها من الشر حتى يكون على حذر منها .
146- فعقولهم قد أخلت سردابهم **** هم ينبشون الأرض كالفئران
السرداب بالكسر الحفر تحت الأرض(1). ، والنبش الاستخراج(2).
ويشير الناظم في هذا البيت إلى عقيدة الرافضة في المهدي المنتظر حيث يعتقدون أن إمامهم الثاني عشر قد دخل السرداب في العراق وأنه سوف يخرج آخر الزمان ، ولا زالوا يتتبعونه عند السرداب ينتظرون خروجه ، وفي هذا يقول محمد الحسين آل كاشف الغطاء : في قضية المهدي قد تعلو نبرات الاستهتار والاستنكار من سائر فرق المسلمين بل ومن غيرهم على الإمامية في الاعتقاد بوجود إمام غائب عن الأبصار ليس له أثر من الآثار ، زاعمين أنه رأى قائل وعقيدة سخيفة والمعقول من إنكارهم يرجع إلى أمرين :
((466/197)
الأول ) : استبعاد بقائه طول هذه المدة التي تتجاوز الألف سنة وكأنهم ينسون أو يتناسون حديث عمر نوح الذي لبث في قومه بنص الكتاب ألف سنة إلا خمسين عاماً وأقل ما قيل في عمره ألف وستمائة سنة وقيل أكثر إلى ثلاثة آلاف ، وقد روى علماء الحديث من السنة بغير نوح ما هو أكثر من ذلك ( تهذيب الأسماء ) ما نصه : اختلفوا في حياة الخضر ونبوته فقال الأكثرون من العلماء هو حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم وإنما شذ بانكاره بعض المحدثين .
ويخطر لي أنه قال هو في موضع آخر والزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : إن المسلمين متفقون على حياة أربعة من الأنبياء اثنان منهم في السماء وهما إدريس وعيسى واثنان في الأرض الياس والخضر وأن ولادة الخضر في زمن إبراهيم أبي الأنبياء والمعمرون الذين تجاوزا العمر الطبيعي إلى مئات السنين كثيرون وقد ذكر السيد المرتضى في أماليه جملة منهم وذكر غيره كالصدوق في ( إكمال الدين ) كثر مما ذكره الشريف ، وكم رأينا في هذه الأعصار من تناهت بهم الأعمار إلى المائة والعشرين وما قاربها أو زاد عليها ، على أن الحق في نظر الاعتبار أن من يقدر على حفظ الحياة يوماً واحداً يقدر على حفظها آلافا من السنين ، ولم يبق إلا أنه خارق العادة وهل خارق العادة والشذوذ عن نواميس الطبيعة في شؤون الأنبياء والأولياء بشيء عجيب أو أمر نادر ؟(1).
والجواب على ذلك بما يلي :
1- ... نحن لا ننكر أن كثيراً من أهل السنة يرى حياة الخضر بل عزا النووي وابن الصلاح وغيرهما ذلك إلى الأكثرين إلا انه لا يوجد في ذلك دليل بل ظواهر الأدلة على خلافه .(466/198)
2- ... إن القائلين بحياة الخضر لا يحصرونه في مكان كما فعلت الرافضة .
3- ... والأهم من ذلك ان أهل السنة لا يعلقون الأحكام عليه بخلاف الرافضة الأمر الذي دعا معاصريهم إلى إعادة النظر في بعض البناء ، وفي هذا يقول الخميني :
وقد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام ، وقد تمر ألوف
________________________________________________
(1) ... أصل الشيعة وأصولها ص68 .
السنين قبل أن تقضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر ، وفي طول هذه المدة المديدة ، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة ، يعمل الناس خلالها ما يشاؤون ؟ ألا يلزم ذلك الهرج والمرج ؟ هل ينبغي أن يخسر الإسلام من بعد الغيبة الصغرى كل شيء ؟ الذهاب إلى هذا الرأي عندي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ "(1).
ومن هنا طرحت نظرية ولاية الفقيه باعتبارها لازمة منطقياً ، وتترتب على أساس النبوة والإمامة ويمكن صياغة البناء المنطقي لهذه النظرية على الوجه التالي:
1- ... أن الله هو الحاكم المطلق للكون ، وما فيه .
2- ... وأن القيادة البشرية التي تتجسد بها حاكمية الله في الأرض هي النبوة .
3- ... وأن خط الإمامة ، هو استمرار لخط النبوة في قيادة الأمة .
4- ... وبناء عليه ، فإن المرجعية الفقهية ، امتداد واستمرار لخط الإمامة .
5- ... فالنظرة الشيعية ، تجعل كل ما لله في سياسة المجتمع ، وعقيدة أهله ، للرسول ? ، وبعد الرسول أصبح كل ما كان للإمام ، وبعد غيبة الإمام ، فإن كل ما كان للإمام الذي هو كل ما لله والرسول – فهو للفقيه المجتهد باستثناء أمرين اثنين هما :
أ ... أن للإمام مقاماً عند الله ، لا يبلغه الفقهاء .
ب ... أن ولاية الإمام ولاية تكوينية ، أما ولاية الفقيه فولاية إعتبارية
وعلى ضوء ذلك يعتقد الشيعة الإمامية بأن كل المؤسسات الأساسية في المجتمع
___________________________________________________
(1) ... الحكومة الاسلامية ص26 .(466/199)
تكون تحت قيادة شرعية ، تخضع لها مؤسسات المجتمع الأخرى .
إن البحث في نظرية ولاية الفقيه ، عند الشيعة الإمامية اليوم ، هو بحث في فلسفة نظام الحكم في الإسلام ، وفيما إذا كان الإسلام قادراً على خلق حياة سياسية ، منبثقة ضمن إطار نظام حكم إسلامي ، يكون قادراً على استيعاب أبعاد الحياة الإنسانية ، وقيمها ، وما تشتمل عليه من قضايا سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية .
ولما كانت الرؤية الشيعية الإمامية ، لا تشير إلى أساس لإقامة الدولة الإسلامية في عصر ما بعد الغيبة ، فقد جاءت ولاية الفقيه في نظر مفكري الشيعة المعاصرين لـ " تعكس أفقاً مسؤولاً وحقاً مشروعاً للفكر الإسلامي أو الذي لابد أن يتولى الإشراف على تطبيقه أفضل الناس فهماً للدين ، واقربهم إلى هذا الفكر ، وهم الفقهاء " كما جاءت نظريه ولايه الفقيه نتيجة للاعتقاد السائد بين المسلمين بضرورة إقامة الدولة الإسلامية لإصلاح واقع المسلمين ، ولعل هذا الواقع ، هو الذي منح هذه النظرية بعض مصداقيتها ، وأعطاها بعدها الحقيقي ، باعتبارها الضمانة الحقيقية لتطبيق الإسلام في العصر الحديث(1).
ويقول الدكتور موسى الموسوي : ولكن مع الأسف الشديد ان فقهاء المذهب الجعفري الصقوا إلى المهدي جناحين شوهوا بهما صورة المهدي الرفيعة الوضاءة وهذان الجناحان بدعتان كبيرتان الصقتا بالمذهب الشيعي في عهد ظهور الصراع بين الشيعة والتشييع وهما تتناقضان مناقضة صريحة واضحة مع نصوص القرآن الكريم وسيرة الرسول ? وعمل الإمام علي والأئمة من بعده .
________________________________________
(1) ... النظرية السياسية المعاصرة للشيعة ص100 .
البدعة الأولى هي تفسير الخمس في أرباح المكاسب والبدعة الثانية هي ولاية الفقيه في المجتهدين(1).ا0هـ .(466/200)
وإن الذي تشهده الساحة الإيرانية في الآونة الأخيرة من شدة الصراع بين المحافظين والإصلاحيين ينبىء بمراجعة لدي الجيل المعاصر من بعض المرتكزات العالقة بأذهان جيل الثورة وبخاصة في ظل التحركات التي يسعون لها مقابل سياسة الاحتواء المزدوج ضد حكمهم .
____________________________________________________
(1) ... الشيعة والتصحيح ص63 .
147- لما أتى التتار كانوا حزبه **** دكوا معاقلنا مع الصلبان
148-النار لابن العلقمي من نسلهم **** حفر القليب لدولة الإيمان
ابن العلقمي ولد سنة 593 ، وتوفى سنة 656هـ وهو محمد بن أحمد ( أو محمد بن محمد ابن أحمد ) بن علي ، أبو طالب ، مؤيد الدين الأسدي البغدادي المعروف بابن العلقمي : وزير المستعصم العباسي وصاحب الجريمة النكراء ، في ممالأة " هولاكو " على غزو بغداد ، في رواية أكثر المؤرخين ، اشتغل في صباه بالأدب وارتقى إلى رتبة الوزارة ( سنة 642) فوليها أربعة عشر عاماً ووثق به (المستعصم ) فألقى إليه زمام أموره وكان حازماً خبيراً بسياسة الملك ، كاتباً فصيح الإنشاء اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد .
وأحداث التتار وابن العلقمي مشهورة في كتب التاريخ وفي هذا يقول : ابن كثير عن سنة 656هـ
استهلت هذه السنة وجنود التتار قد نازلت بغداد صحبة الأميرين اللذين على مقدمة عساكر سلطان التتار ، هولاكو خان ، وجاءت إليهم أمداد صاحب الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه ، وكل ذلك خوفاً على نفسه من التتار ، ومصانعة لهم قبحهم الله تعالى ، وقد سترت بغداد ونصبت فيها المجانيق وغيرها من آلات الممانعة التي لا ترد من قدر الله سبحانه وتعالى شيئاً ، كما ورد في الأثر "لن يغن حذر عن قدر" وكما قال تعالى : ?إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ?(1). وقال تعالى: ?إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما ________________________________________________
(1) ... سورة نوح : 40 .(466/201)
بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال? (2). وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب وكان قدوم هولاكو خان بجنوده كلها وكانوا نحو مائتى ألف ، مقاتل – إلى بغداد في ثاني عشر المحرم من هذه السنة ، وهو شديد الحنق على الخليفة بسبب ما كان تقدم من الأمر الذي قدره الله وقضاه وأنفذه وأمضاه ، وهو أن هلاكو لما كان أول بروزه من همدان متوجهاً إلى العراق أشار الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي على الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سنية ليكون ذلك مداراة له عما يريده من قصد بلادهم فخذل الخليفة عن ذلك دويداره الصغير أيبك وغيره ، وقالوا : إن الوزير إنما يريد بهذا مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الأموال ، وأشاروا بأن يبعث بشيء يسير ، فأرسل شيئاً من الهدايا فاحتقرها هولاكو خان وأرسل إلى الخليفة يطلب منه دويداره المذكور ، وسليمان شاه ، فلم يبعثهما إليه ولا بالا به حتى أزف قدومه ، ووصل بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية ، وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة لا يبلغون عشرة آلاف فارس ، وهم وبقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وابواب المساجد ، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله ، وذلك كله عن آراء الوزير بن العلقمي الرافضي ، وذلك أنه لما كان في السنة الماضية كان بين أهل السنة والرافضة حرب عظيمة نهبت فيها الكرخ ومحلة الرافضة حتى نهبت دور قرابات الوزير فاشتد حنقه على ذلك ؛ فكان هذا مما أهاجه على أن دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات ، ولهذا كان أول من برز إلى التتار هو فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه فاجتمع بالسلطان هولاكو خان لعنه الله ،(466/202)
ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة ، فاحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورءوس الأمراء والدولة والأعيان ، فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكو خان حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفساً فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين ، وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم ، وأحضر الخليفة بين يدى هولاكو فسأله عن أشياء كثيرة فيقال إنه اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت ، ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجه نصير الدين الطوسي ، والوزير ابن العلقمي وغيرهما ، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة فأحضر من دار الخلافة شيئاً كثيراً من الذهب والحلى والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة ، وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة ، وقال الوزير متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك ، وحسنوا له قتل الخليفة ، فلما عاد الخليفة إلى السلطان هولاكو أمر بقتله ، ويقال : أن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الدين الطوسي وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت ، وانتزعها من أيدي الإسماعلية وكان النصير وزيراً لشمس الشموس ولأبيه من قبله علاء الدين بن جلال الدين ، وكانوا ينسبون إلى نزار بن المستنصر العبيدي وانتخب هولاكو النصير ليكون في خدمته كالوزير المشير ، فلما قدم هولاكو وتهيب من قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك فقتلوه رفساً وهو في جوالق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه خافوا أن يؤخذ بثأره فيما قيل لهم ، وقيل : بل خنق ، ويقال : بل أغرق فالله أعلم فباءوا بإثمه وإثم من كان من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولى الحل والعقد ببلاده – وستأتي(466/203)
ترجمة الخليفة في الوفيات – ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش ، وقتى الوسخ ، وكمنوا كذلك أياماً لا يظهرون ، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار ، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة ، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وكذلك في المساجد والجوامع والربط ، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي وطائفة من التجار أخذوا لهم أماناً ، بذلوا عليه أموالاً جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس ، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة ، وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان ، فكانت العساكر في آخر ايام المستنصر قريباً من مائة ألف مقاتل ، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر ، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف ، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد ، وسهل عليهم ذلك ، وحكى لهم حقيقة الحال ، وكشف لهم ضعف الرجال ، وذلك كله طمعاً منه أن يزيل السنة بالكلية ، وأن يظهر البدعة الرافضة وأن يقيم خليفة من الفاطميين وأن يبيد العلماء والمفتيين ، والله غالب
على أمره ، وقد رد كيده في نحره ، وأذله بعد العزة القعساء(1). ، وجعله حوشكاشا(2) للتتار بعد ما كان وزيراً للخلفاء واكتسب إثم من قتل ببغداد من الرجال والنساء والأطفال ، فالحكم لله العلى الكبير رب الأرض والسماء .(466/204)
وقد جرى على بنى إسرائيل ببيت المقدس قريب مما جرى على أهل بغداد كما قص الله تعالى علينا ذلك في كتابه العزيز ، حيث يقول : ? وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولاً ?(3) الآيات وقد قتل من بني اسرائيل خلق من الصلحاء وأسر جماعة من أولاد الأنبياء وخرب بيت المقدس بعد ما كان معموراً بالعباد والزهاد والأحبار والأنبياء فصار خاوياً على عروشه واهى البناء .
وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة فقيل : ثمانمائة ألف ، وقيل : ألف ألف وثمانمائة ألف ، وقيل : بلغت القتلى ألفي ألف نفس ، فإنا له وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكان دخولهم إلى بغداد في أواخر المحرم ، وما زال السيف يقتل أهلها أربعين يوماً ، وكان قتل الخليفة المستعصم بالله أمير المؤمنين يوم الأربعاء رابع عشر صفر وعفى قبره وكان عمره يومئذٍ ستا وأربعين سنة وأربعة أشهر ، ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام ، وقتل معه ولده الأكبر أبو العباس أحمد ،
________________________________________
(1) ... قعساء : ممتنعة ثابتة المعجم الوسيط 2/778) .
(2) ... حوشكاش : مطاوعاً ومحرضاً التتار على المسلمين ( المعجم الوسيط 1/214]
(3) ... الإسراء 4،5 .
وله خمس وعشرون سنة ، ثم قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبدالرحمن وله ثلاث
وعشرون سنة وأسر ولده الأصغر مبارك وأسرت أخواته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر فيما قيل والله أعلم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .(466/205)
وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيى الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، وكان عدو الوزير ، وقتل أولاده الثلاثة : عبدالله ، عبدالرحمن ، وعبدالكريم ، وأكابر الدولة واحداً بعد واحد ، منهم الديودار الصغير مجاهد الدين أيبك ، وشهاب الدين سليمان شاه ، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد ، وكان الرجل يستدعي به من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال ، وتجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشاة ، ويؤسر من يختارون
149- وابن الباسيري خان خليفة **** وسعى لذبح الدين في بغدان
البسا سيري توفى سنة 451هـ وهو أرسلان بن عبدالله أبو الحارث البساسيري : قائد ، ثائر ، تركي الأصل كان من مماليك بني بويه ، وخدم القائم العباسي فقدمه على جميع الأتراك في بغداد وقلده الأمور بأسرها ، وخطب له على منابر العراق وخوزستان ، فعظم أمره وهابته الملوك ، وتلقب بالمظفر ثم خرج على القائم وأخرجه من بغداد ، وخطب للمستنصر الفاطمي صاحب مصر ( سنة 450هـ ) وأخذ له بيعة القضاة والأشراف ببغداد قسراً ولم يثق به المستنصر فأهمل أمره ، فتغلب عليه أعوان القائم ، من عسكر السلطان طغرلبك فقتلوه وكانت ببغداد محلة كبيرة تنسب إليه .
وبعد سيطرة التشيع والنفوذ الباطني ، خلال قرنين من الزمان ، قيض الله السلاجقة الأتراك ، ليوقفوا هذا الزحف الحاقد ، ولينصروا خليفة بغداد ، ومذهب أهل السنة .
تنسب هذه الدولة إلى ( سلجوق ) الذي كان من قادة الترك في تركستان ، وكان قد أعلن إسلامه وحارب كفار الترك ، واتجه مع أبنائه نحو بلاد المشرق ، وأصبحت دولة السلاجقة بعد ذلك ، هي القوة الأولى في المشرق الإسلامي .
كان السلاجقة أمة مقاتلة بطبيعتها ، إضافة إلى ما تميزوا به من الحماس الديني والمغامرة والإقدام .
كما أنهم كانوا على المذهب السني ، مما دفعهم إلى مقاومة الرافضة وطردهم من بلاد الشام .
وفي عهد طغرل بك :(466/206)
استولوا علىخراسان ، ووصلوا العراق ، ثم دخلوا بغداد استجابة لدعوة الخليفة العباسي " القائم بأمر الله " لدرء الخطر البويهي الشيعي .
" كان طغرل بك من القادة الكبار ، اتصل بالخليفة القائم ، وكان من أقوى رجال عصره وأوسعهم سلطاناً ، واشرأبت نفسه للاصلاح والجهاد بعد أن كلفه الخليفة بنشر العدل وكف الظلم ، وإصلاح الرعية ، وخاطبه الخليفة : "بملك المشرق والمغرب " .
كان طغرل قد أمضى من عمره ستين سنة في ميادين الحرب والقتال ، دون أن يشعر أن له هدفاً آخر بعد النصر والهزيمة ، فلم يكد يتصل بالخلافة وبواقع الروم ، حتى أحس هو ومن معه كأنهم خلقوا من جديد .
وهكذا لا يزال الناس هملاً حتى يشعروا أن لهم رسالة في الحياة ، فيظهروا وكأنما بعثوا خلقاً جديداً .
فتنة البساسيري :
ومن أفضل أعمال طغرل بك أن قضى على فتنة القائد البويهي ( أرسلان البساسيري ) الذي كان يدين بالتشيع ، ويراسل العبيدين ، لينقل إليهم شادات خليفة بغداد " القائم " .
دخل طغرل بك بغداد ، واستقبله الخليفة ، وتم القبض على الأمير البويهي ، وانسحب البساسيري قبل دخول طغرل بغداد توجه إلى إمارة ( كمال بن مرداس ) في الرحبة ، والذي قدم له العون .
وكان الوزير الفاطمي في مصر " اليازوري " قد أخرج معظم أموال الخزائن الفاطمية ، والأسلحة الوفيرة وزود بها " داعي الدعاة " الذي سار بها نحو الرحبة لدعم حركة البساسيري .(466/207)
انتهز البساسيري فرصة انسحاب طغرل بك من العراق لمواجهة تمرد أخيه ، واندفع إلى بغداد حاملاً الرايات المستنصرية العبيدية ، يصحبه حليفه " قريش بن بدران العقيلي " وتم الاستيلاء على عاصمة الخلافة عام 450هـ ، ومن ثم قبض قريش بن بدران على الخليفة القائم ، وأرسله إلى حصنه بحديثة عانة ، مع أهله وحاشيته ونفي فيها عاماً كاملاً . ثم أقيمت الخطبة للخليفة المستنصر في جامع المنصور ببغداد وقطعت الخطبة العباسية ، وزيد في الأذان عبارة : " حي على خير العمل " ، وأكره الخليفة القائم على أن يمضي وثيقة يتنازل فيها عن حقوقه وحقوق العباسيين لمصلحة الخليفة المستنصر ، الذي أرسلت إليه إذ ذاك شارات الخلافة بما فيها بردة الرسول ? كما أرسلت عمامة الخليفة القائم إلى المستنصر العبيدي كان في عام 450هـ .
عاد طغرل بك مسرعاً إلى العراق ، لإعادة الخليفة القائم إلى عاصمته ، فهرب البساسيري من بغداد ، وعاد الخليفة العباسي ، وعادت إليه الخطبة ، وسار طغرل بك ، يطارد البساسيري ودارت معركة فاصلة انتهت بمقتل المتمرد الرافضي البساسيري .
وبذلك انتهى النفوذ البويهي في بغداد ، وكانت مدة ولايتهم مائة وعشر سنوات .
ثم أزيل ما كان على أبواب المساجد من سب الصحابة ، وقتل شيخ الروافض "أبو عبدالله الجلاب " لغلوه في الرفض ، وأمر المؤذن بترك عبارة " حي على خير العمل " ووضع عبارة : الصلاة خير من النوم(1) .
________________________________________
(1) ... الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري لمحمد الناصر ص51 .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :(466/208)
وفي دولة المستنصر كانت فتنة البساسري في المائة الخامسة سنة خمسين وأربعمائة لما جاهد البساسري خارجاً عن طاعة الخليفة القائم بأمر الله العباسي ، واتفق مع المستنصر العبيدي وذهب يحشر إلى العراق وأظهروا في بلاد الشام والعراق شعار الرافضة كما كانوا قد أظهروها بأرض مصر ، وقتلوا طوائف من علماء المسلمين وشيوخهم كما كان سلفهم قتلوا قبل ذلك بالمغرب طوائف ، وأذنوا على المنابر : " حي على خير العمل " حتى جاء الترك " السلاجقة " الذين كانوا ملوك المسلمين فهزموهم وطردوهم إلى مصر وكان من أواخرهم " الشهيد نور الدين محمود " الذي فتح أكثر الشام واستنقذه من أيدي النصارى ؛ ثم بعث عسكره إلى مصر لما استنجدوه على الافرنج ، وتكرر دخول العسكر إليها مع صلاح الدين الذي فتح مصر ؛ فأزال عنها دعوة العبيديين من القرامطة الباطنية ، وأظهر فيها شرائع الإسلام ، حتى سكنها من حينئذ من أظهر بها دين الإسلام .
150-وكذا نصير الدين منهم إنه **** حقاً عدو الدين والديان
151- أفتى لهولاكو يجرد سيفه **** حتى أباد به أولي العرفان
والطوسي ولد سنة 597هـ ، وتوفى سنة 672هـ وهو محمد بن محمد بن الحسن ، أبو جعفر ، نصير الدين الطوسي : فيلسوف كان رأساً في العلوم العقلية ، علت منزلته عند " هولاكو " فكان يطيعه فيما يشير به عليه ولد بطوس ( قرب نيسابور ) وابتنى بمراغة قبة ورصداً عظيماً ، واتخذ خزانة ملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة ، اجتمع فيها نحو أربعمئة ألف مجلد ، وقرر منجمين لرصد الكواكب وجعل لهم أوقافاً تقوم بمعاشهم وكان " هولاكو" يمده بالأموال وصنف كتباً جليلة من أشهرها تلخيص المحصل .
وقال ابن القيم في النونية :
وكذا أتى الطوسى بالحرب الصريح **** بصارم منه وسل لسان
وأتى إلى الإسلام يهدم أصله **** من أسه وقواعد البنيان
عمر المدارس للفلاسفة الألى **** كفروا بدين الله والقرآن(466/209)
وأتى إلى أوقاف أهل الدين **** ينقلها إليهم فعل ذى أضغان
وأراد تحويل الإشارات التي **** هي لابن سينا موضع الفرقان
وأراد تحويل الشريعة بالنواميس **** التي كانت لذى اليونان
لكنه علم اللعين بأن هذا **** ليس في المقدور والإمكان
إلا إذا قتل الخليفة والقضاة **** وسائر الفقهاء في البلدان
فسعى لذاك وساعد المقدور بالأمر **** الذي هو حكمة الرحمن
الشرح
بعد أن فرغ المؤلف من الكلام على ابن سينا القرمطي ، وما كان يكيد به للإسلام وأهله في الخفاء بسبب اتباعه للفلسفة مع إيهامه انه حريص على اتباع الشريعة ، وأنه يحاول جاهداً التوفيق بينها وبين الفلسفة ، أخذ في الحديث على ذيل من ذيوله الذين تعلقوا بفلسفته وهو الخواجة نصير الدين الطوسي ، فذكر أن هذا الرجل لم يكن يصانع المسلمين كسلفه ، ولكنه أعلنها على الإسلام وأهله حرباً صريحة سافرة بسيفه ولسانه ، فكان يسعى جهده لكى يهدم الإسلام من أساسه ، فأنشأ المدارس ، لا لدراسة الكتاب والسنة وعلوم الشريعة ، ولكن لدراسة الكفر والإلحاد باسم الفلسفة ، وحول الأحباس التي كانت لأهل الدين إلى طلبه هذه المدارس حسداً منه وبغياً .
وقد أراد هذا الخبيث أن يجعل من كتاب الإشارات الذي ألفه سيده ابن سينا كتاباً مقدساً بدلاً من القرآن ، يعني بحفظه ودراسته وتعليمه ، كما أراد أن ينسخ الشريعة ويستعيض عنها بالنظم والقوانين التي كانت عند اليونان والرومان ، ولكنه علم أن ذلك لا يتم له ولا يقدر عليه إلا إذا أزال دولة الإسلام بقتل رجالاتها من الخليفة والقضاة والفقهاء في سائر البلدان ، فسعى لذلك سعيه باستعداء التتار أتباع جانكيز خان على المسلمين ، وكان يعمل كالمشير لهم ، وساعد على تحقيق غرضه موافقة الأقدار له لحكمة أرادها الله سبحانه وهو أحكم الحاكمين
فأشار أن يضع التتار سيوفهم **** في عسكر الإيمان والقرآن
لكنهم يبقون أهل مصانع الدنيا **** لأجل مصالح الأبدان(466/210)
فغدا على سيف التتار الألف في **** مثل لها مضروبة بوزان
وكذا ثمان مئينها في ألفها **** مضروبة بالعد والحسان
حتى بكى الإسلام أعداه اليهود **** كذا المجوس وعابد الصلبان
فشفى اللعين النفس من حزب **** الرسول وعسكر الإيمان والقرآن
وبوده لو كان في أحد وقد **** شهد الوقيعة مع أبي سفيان
لأقر أعينهم وأوفى نذره **** أو أن يرى متمزق اللحمان
الشرح
أراد هذا الخبيث شفاء غيظه المتقد على الإسلام وأهله بمحاولة الإتيان على أصوله وقواعده والقضاء على حملته ، فأشار على أعوانه من التتار ، وهم أهل جهل وغلظة أن يضعوا سيوفهم في معسكر الإيمان والقرآن من رجال الفقه والدين مع الإبقاء على ذوى الحرف وأرباب الصنائع من أجل عمارة البلدان ومصالح الأبدان .
وقد أخذ هؤلاء السفكة من التتار بمشورة هذا الخبيث الملحد ، فأعملوا سيوفهم في أهل الإسلام في كل بلد دخلوه حتى قدر عدد القتلى بسيوف هؤلاء المجرمين بما يقرب من مليون وثمانمائة ألف شخص ونكب الإسلام بهم نكبة جعلت أعداءه من اليهود والنصارى والمجوس يبكونه ويرثون لحاله ، وبذلك تمكن هذا اللعين من شفاء نفسه من حزب الرسول ? الذين هم جند الإيمان وعسكر القرآن . وكان يود لو أنه شهد وقعة أحد مع أبي سفيان وحزبه ، وكان جنديا في جيش الباطل إذاً لصال وجال وأقر أعين إخوانه من أهل الشرك والضلال وأوفى نذره في الكيد للإسلام وجهاد أهله ، او يرى مقتولاً متمزق اللحمان (1)
___________________________________________________
(1) ... شرح النونية لهراس (1/179) .
152- والفاطميون اللئام فإنهم **** ليسوا لأهل البيت بالحسبان
153- أفتى تقي الدين أن جدودهم **** نسل اليهود محاربي الرحمان
154- أما ابن خلدون فلم ينصف وقد **** نسب اليهود لأسرة العدناني
الفاطميون أو العبيديون شيعة رافضة ظهروا في شمال أفريقية ( تونس ) في القرن الثالث الهجري سنة 297هـ ، وزحفوا على مصر سنة 358هـ (1).(466/211)
ومؤسس هذه الدولة عبيد الله بن محمد المهدي وإليه تنسب الدولة وكان أبوه قد استطاع نشر الدعوة الفاطمية في بلاد اليمن ، ثم اليمامة والبحرين والسند ومصر والمغرب ثم واصل عبيدالله طريق والده ووسع نفوذه وتصدى للهجمات والثورات حتى قبض عليه اليسع بن مدرار أمير سجلماسة وسجنه واصل قائدة أبو عبدالله الشيعي فتوحه ومد نفوذه إلى أكثر أجزاء المغرب ودخل أخيراً (رقادة) عاصمة الأغالبة وأزال دولتهم عام 296هـ /875م ثم سار إلى سلجماسة فهرب حاكمها فأطلق زعيمه عبيدالله عام 296هـ /875م فبايعوه وتلقب بخليفة المسلمين وأمير المؤمنين وواصل انتصاراته وهكذا استطاع القضاء على ملك الأغالبة وآل رستم والأدارسة ودان له الشمال الافريقي كاملاً ، واتخذ القيروان عاصمة ملكه وفي عام 304هـ /916م بنى ( المهدية ) وجعلها عاصمته مات سنة 322هـ /933م وخلفه ابنه القائم ، ثم تتالى عليها ذريته(2).
واختلف الناس في نسبهم على قولين:
___________________________________________________
(1) ... جهاد المسلمين في الحروب الصليبية د 0 فايد عاشور ص68 .
(2) ... موجز التاريخ الإسلامي لأحمد العسيري ص210 .
الأول : انهم من أهل البيت ومن الذين يرون هذا القول :
1- ابن خلدون حيث قال :
دولة العبيديين وأولهم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم ، وشهد فيه أعلام الأئمة .
وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمون القدح وغيره فكفاه ذلك إثما وسفسفة وكان شيعة هؤلاء العبيدين بالمشرق واليمن وأفريقية(1)..
يقول د0 عبدالحليم عويس : بل إن بعض المؤرخين الثقات كابن الأثير في الكامل (630هـ ) والمقريزي في الخطط المقريزية (845هـ ) يدافعون عن نسب : الفاطميين وكأنهم قد وضعوا أيديهم على ما يؤكد ذلك .(466/212)
ولو اطلع هؤلاء المؤرخون على ما أورده المؤرخ ( أبو عبدالله محمد بن علي بن حماد ) في مخطوطه الموسوم باسم ( أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم ) لضموه إلى جملة الآراء التي يستشهدون بها دليلاً على صحة رأيهم إن هذا المؤرخ القريب العهد بالفاطميين يقول ( في الصفحة السادسة من مخطوطه ) وهو بصدد الحديث عن عبيد الله المهدي يقول : " لقد اختلف الناس في نسبه إلى الحسين بن علي عليهما السلام فمن مسلمين ما ادعاه ومقرين بما حكاه ومن دافعين ومانعين ما انتحله ولا يزالون مختلفين إلا من رحم الله ، فالذي ادعاه هو أنه ___________________________________________________
(1) ... تاريخ ابن خلدون (4/37) .
عبيد الله بن محمد بن الحسين بن محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم والذي ادعاه الناس لا برهان عليه فلا حاجة لي إليه " هذا ما قاله أبو عبيد الله بن حماد فضلاً عن تأييد جمهرة مؤرخي الشيعة لصحة هذا النسب !!! .
أما المحدثون ممن ذهبوا إلى صحة نسبهم فهم كثيرون نذكر منهم " كارل بروكلمان " والدكتور أحمد شلبي ( انظر الجزء الرابع من موسوعة التاريخ الإسلامي ) والدكتور إبراهيم شعوط في كتابه ( أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ) كما ذهب إلى هذا الرأي الدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور محمد جمال الدين سرور ومال إليه – بشيء من التردد – المستشرق – كترمير -!!! ومن الجدير بالذكر أن الدكتور " حسن إبراهيم " يبني تأييده لصحة نسب الفاطميين على ( شيوع هذا الأمر ) وعلى ( اعتقاد الناس فيه ) وعلى (رأي الشعراء ) ونشاط دعاة الفاطميين(1). .(466/213)
القول الثاني : انهم ليسوا من أهل البيت وعلى هذا جرى الناظم وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : وكذلك " النسب " قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم ، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس ، أو اليهود هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وأهل الحديث ، و أهل الكلام ، وعلماء النسب ، والعامة ، وغيرهم . وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس وأيامهم ، حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه ؛ فإنه ذكر ما كتبه علماء المسلمين _________________________________________________
(1) ... قضية نسب الفاطميين أمام منهج النقد التاريخي ص3 ، والمنجد ص403 .
بخطوطهم في القدح في نسبهم .
وأما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه ، فإنهم ذكروا بطلان نسبهم ، وكذلك ابن الجوزي ، وأبو شامة وغيرهما من أهل العلم بذلك ، حتى صنف العلماء في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ، كما صنف القاضي أبو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم ، وذكر أنهم من ذرية المجوس ، وذكر من مذاهبهم ما بين فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى ؛ بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون الاهية علي أو نبوته ، فهم أكفر من هؤلاء ؛ وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه " المعتمد " فصلا طويلاً في شرح زندقتهم وكفرهم ، وكذلك ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه الذي سماه " فضائل المستظهرية ، وفضائح الباطنية " قال : ظاهر مذهبهم الرفض ، وباطنه الكفر المحض(1).
وكلمة اليهود في قول الناظم ( أما ابن خلدون فلم ينصف وقد نسب اليهود ) صفة لموصوف محذوف تقديره : وقد نسب الفاطميين اليهود ، فالألف للعهد الذكري وليس للعهد الذهني ، وحذف المنعوت جائز في اللغة كما قال ابن مالك :
وما من المنعوت والنعت عقل **** يجوز حذفه وفي النعت يقل(466/214)
وأما ترجمة ابن خلدون الذي ولد سنة 732هـ وتوفى سنة 808هـ فهو عبدالرحمن بن محمد بن محمد ، ابن خلدون أبو زيد ، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي ، من ولد وائل بن حجر : الفيلسوف المؤرخ ، العالم الإجتماعي _________________________________________________
(1) ... الفتاوى (35/128) .
البحاثة أصله من إشبيلية ، ومولده ومنشأه بتونس رحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان والأندلس ، وتولى أعمالاً ، واعترضته دسائس ووشايات ، وعاد إلى تونس ثم توجه إلى مصر فأكرمه سلطانها الظاهر برقوق وولي فيها قضاء المالكية ، ولم ينزيّ بزيّ القضاة محتفظاً بزيّ بلاده وعزل ، وأعيد وتوفى فجأة في القاهرة كان فصيحاً ، جميل الصورة ، عاقلاً ، صادق اللهجة ، عزوفاً عن الضيم ، طامحاً للمراتب العالية ولما رحل إلى الأندلس اهتز له سلطانها ، وأركب خاصته لتلقيه ، وأجلسه في مجلسه اشتهر بكتابه " العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر – ط " في سبعة مجلدات ، أولها " المقدمة " وهي تعد من أصول علم الاجتماع ، ترجمت هي وأجزاء منه إلى الفرنسية وغيرها .
155- فتكوا بدين الله فتكة فاجر **** يا دولة الأرذال والأوثان
كان لملوك العبيديين تاريخ حافل بالجرائم الشنيعة ، خلال تعقبهم لعلماء أهل السنة ، وهذه نماذج مما حفظه لنا التاريخ ، قال أبو الحسن القابسي : " إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف رجل ، ليردوهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا الموت " وقال أبو شامة متحدثاً عن عبيد الله رأس ملوكهم " كان زنديقاً خبيثاً " عدواً للإسلام يتظاهر بالتشيع ، حريصاً على إزالة الملة الإسلامية ، قتل من الفقهاء والمحدثين والصالحين جماعة كثيرة ونشأت ذريته على ذلك ، يجهرون إذا أمكنتهم الفرصة ، وإلا أسروه "(466/215)
" ولما هلك المهدي قام ابنه المسمى " بالقائم " مقامه ، وزاد شره على شر أبيه أضعافاً مضاعفة ، وجاهر بشتم الأنبياء والصحابة ، فكان ينادي في أسواق المهدية – في المغرب وغيرها – " العنوا عائشة وبعلها ، العنوا الغار ومن حوى"
" وبعث القائم هذا إلى أبي طاهر القرمطي في البحرين ، وحثه على قتل المسلمين وإحراق المساجد والمصاحف " .
" اللهم صل على نبيك وارض عن أصحابه وأزواجه ، والعن هؤلاء الكفرة الفجرة الملحدين ، وارحم من أزالهم ، ومن جرى على يديه تفريق جمعهم "
أما المنصور ابن القائم ، حفيد عبيد الله ، فكان من جرائمه قتله قاضي برقة ، محمد بن الحبلي قاضي مدينة برقة ، أتاه أمير المدينة ، وقال غداً العيد . قال القاضي : حتى نرى الهلال ، ولا أفطر الناس وأتقلد إثمهم وكان العبيديون يعتمدون الحساب الفلكي في ذلك وقال القاضي : لا أخرج ولا أصلي بالناس ، فطلبه المنصور العبيدي ، وقال له : تنصل وأعفو عنك فامتنع ، فأمر به فعلق في الشمس إلى أن مات .
كان رحمه الله يستغيث من العطش فلم يُسق ، ثم صلبوه على خشبة فلعنة الله على الظالمين .
قال الذهبي : " وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد ، لما شهدوه من الكفر الصُّراح الذي لا حيلة فيه .
وفي عهد المعز ، فاتح مصر ، وأول خلفائهم فيها وهو الذي تنسب إليه القاهرة المعزية ، " أي بنيت في عهده على يد قائده جوهر " بعث دعاته وكانوا يقولون : هو المهدي الذي يملك الأرض وكان قائده جوهر قد عاهد أهل مصر على ترك الحرية لهم في بقائهم على السنة ، إلا أنه بعد تمكن المعز ، نقض العهد وجد أصحابه في تشييع المصريين .(466/216)
وهذا الطاغية هو الذي بطش بفقيه الشام ، أبي بكر النابلسي محمد بن أحمد بن سهل الرملي – فقد حُمل إليه من دمشق بقفص من خشب ، وأمر بسلخه فسلخه حياً ، سلخه يهودي بين يديه ، ثم حشي جلده تبناً وصلب رحمه الله كان يقول وهو يسلخ ، ? كان ذلك في الكتاب مسطوراً? [ الإسراء : 58] (1).
_________________________________________________
(1) ... الجهاد والتجديد لمحمد الناصر ص25 .
156- نصر على مصر أتى تأليفه **** من ابن جوزي واعظ البلدان
ابن الجوزي ولد سنة 508هـ ، وتوفى سنة 597هـ وهو عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي ، أبو الفرج : علامة عصره في التاريخ والحديث ، كثير التصانيف مولده ووفاته ببغداد ، ونسبته إلى " مشرعة الجوز " من محالها له نحو ثلاث مئة مصنف ، منها " تلقيح فهوم أهل الآثار ، في مختصر السير والأخبار – ط " قطعة منه ، و " الأذكياء وأخبارهم – ط " و " مناقب عمر بن عبدالعزيز –ط " و " روح الأرواح –ط " و " شذور العقود في تاريخ العهود – خ " و " المدهش – ط " في المواعظ وغرائب الأخبار ،
وأما قول الناظم "نصر على مصر "فهو كتاب لابن الجوزي وذكره اسماعيل البغدادي في هدية العارفين وذكره سبط ابن الجوزي في مرآه الزمان بعنوان مشوه : ( لغته الكبير والنصر على مصر ) ويقتضي السجع أن يكون مطلع هذا الكتاب : ( كبر الذكر ) وقد ذكر هذه العبارة سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان أيضاً عنواناً لكتاب آخر فليراجع وذكره ابن رجب بعنوان : ( النصر على مصر ) وقال إنه صنفه لما خطب للمستضيء بمصر وانقطع أثر العبيديين عنها وبهذا العنوان أيضاً ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام(1).
_________________________________________________
(1) ... مؤلفات ابن الجوزي لعبد الحميد العلوجي ص187 .
157- هذا صلاح الدين شتت شملهم **** وأحلهم في ذلة وهوان(466/217)
كان صلاح الدين يعتبر – مثله كمثل كل المسلمين السنيين في المشرق – أن الفاطميين كفرة وإذا كان لديه من السياسة ما يكفي لاستيعابهم ؛ فلم يكن لديه من الثقافة الدينية ما يفهم به كفرهم ومعانيهم الباطنية ، وفلسفة المذهب اللاهوتية . ولما كان قد أضحى وزير تفويض مطلق اليد ، والخليفة العاضد أكثر عزلة فأكثر ، وليس في يده أمر سوى الشكل والاسم ؛ فإن صلاح الدين أخذ في تعديل وتسوية ما كان يعتبره انحرافاً عن الدين السوي – بتقوية السنة ، ويعتبره واجباً أمام الله ، فقام بخطوات عديدة بهذا الاتجاه ( التقويمي ) التصحيحي حسب معتقده يرضى به نفسه وسيده نور الدين والخلافة العباسية وأهل السنة جميعاً ؛ ومن ذلك :
- ... أنه عزل قضاة مصر الشيعة بوصفه كافل القضاة وقطع أرزاقهم ، وجعل القضاء للشافعية فقط .
- ... سرَّح الدعاة وألغى مجالس الدعوة .
- ... أزال مظاهر المذهب في العبادة – الأذان بحيَّ على خير العمل صلاة الضحى صيام رمضان ثلاثين يوماً .
- ... ألغى عن السكة – النقد – صيغة ( علي ولي الله )
- ... منع صلاة الجمع في الجامع الأزهر وجامع الحاكم .
إلغاء الخلافة الفاطمية :
ولم يجد نور الدين من عذر لصلاح الدين بعد أن صار قوىَّ المركز ، في تأجيل المطلب الأساسي ، فبعث ( في شهر حزيران 1171م ) بأمر رسمي له باتخاذ الخطوة الحاسمة وإعلان الخلافة العباسية في مصر ، وأبلغ الخليفة العباسي في بغداد ذلك .
ونفذ صلاح الدين الأمر ( في أول جمعة من محرم سنة 567هـ / سبتمبر 1171م ) ، وقصة هذا الإلغاء يجعلها بعض المؤرخين ذوي العواطف الفاطمية قصة مأسوية ، ولكنها تمت بكل هدوء وبساطة بين صمت هؤلاء وترحيب أهل السنة في مصر ، وضجيج الشام ، وأفراح بغداد وزيناتها ، وضرب الطبول ونشر الرايات ونثر الدنانير .(466/218)
وكان العاضد قد مرض مرضاً شديداً واشتد مرضه فلم يُعلمه أحد من أهله وأصحابه ( بما تم من قطع الخطبة له ، وقالوا : إن عوفي فهو يعلم ، وإن توفي فلا ينبغي أن نفجعه بمثل هذه الحادثة قبل موته فتوفي في يوم عاشوراء ( يوم استشهاد الحسين ) ولم يعلم بقطع الخطبة " وكان الخطيب في الجمعة الأولى رجلاً أعجمياً ادعى انه نسي اسم الخليفة العباسي فلم يدعُ له ؛ لكن الخطبة في الجمعة التالية كانت للمستضيء ويظهر فرح نور الدين بإلغاء الخلافة الفاطمية واضحاً في المنشور الذي أمر بأن يقرأ على المنابر في جميع المدن والقرى بمملكته وفيه :
" اصدرنا هذه المكاتبة إلى جميع البلاد الإسلامية عامة بما فتح الله على أيدينا من إقامة الدعوة العباسية بجميع المدن والأقطار والأمصار المصرية " والإسكندرية ومصر والقاهرة وسائر الأطراف وهذا شرف لزماننا هذا وأهله ، يفتخر به على الأزمنة التي مضت وما زالت هممنا إلى مصر مصروفة حتى ظفرنا بها بعد يأس الملوك منها ، وقدرنا عليها وقد عجزوا عنها وبقيت مئتين وثمانين سنة ممنوَّة بدعوة المبطلين مموَّلة بحزب الشياطين حتى أذن الله لغمَّتها بالانفراج بعد أن اجتمع عليها داءان الكفر والبدعة – يقصد الفرنج والمذهب الفاطمي – فملّكنا الله تلك البلاد ، ومكّّن لنا في الأرض ، وأقدرنا على ما كنا نؤمله في إزالة الإلحاد والرفض ومن إقامة الفرض وتقدمنا إلى من استنبناه أن يستفتح باب السعادة ويقيم الدعوة العباسية هنالك ( ويُورد ) دعاة الإلحاد بها المهالك(1)..
_______________________________________________
(1) ... صلاح الدين الفارس المجاهد والملك الزاهد بقلم شاكر مصطفى ص107
158- لا تقرأن كتب الضلال فإنها **** سم الفؤاد وعلة الغثيان
159- إلا لمن أمن الخداع وكان من **** أهل البصيرة حافظاً لجنان
160- واهجر من الكتب التي قد أفعمت **** بالزور والتضليل والبهتان(466/219)
ينهى الناظم في هذه الأبيات عن قراءة كتب الضلال إلا لمن أمن شرها ، ثم شرع في ضرب الأمثلة على ذلك .
161- مثل الأغاني فيه قول ساقط **** فالأصفهاني في الأغاني جاني
الأصفهاني ولد سنة 284، وتوفى سنة 356هـ وهو علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي ، أبو الفرج الأصبهاني : من أئمة الأدب ، الأعلام في معرفة التاريخ والأنساب والسير والآثار واللغة والمغاري . ولد في أصبهان ، ونشأ وتوفي ببغداد . قال الذهبي :" والعجب أنه أموي شيعي " . وكان يبعث بتصانيفه سراً إلى صاحب الأندلس الأموي فيأتيه انعامه من كتبه " الأغاني – ط" خمسة وعشرون مجلداً ، لم يعمل في بابه مثله ، جمعه في خمسين سنة ، و " مقاتل الطالبيين – ط "
وقد طعن العلما في الأصفهاني وكتابه قال مشهور أل سلمان .
اختلف مترجمو أبي الفرج بين مادحٍ له وقادح فيه ، وممن ذمه : هلال ابن المحسن الصابي ، نقل عنه ياقوت في " معجمه " (13/100) ؛ أنه قال في أبي الفرج : " كان وسخاً قذراً ، ولم يغسل له ثوب منذ فصله إلى أن قطعه ، وكان الناس على ذلك يحذرون لسانه ويتقون هجاءه ، ويصبرون على مجالسته ومعاشرته ومؤاكلته ومشاربته ، وعلى كل صعب من أمره ؛ لأنه كان وسخاً في نفسه ، ثم في ثوبه وفعله ... ... ".
وأسند الخطيب في " تاريخ بغداد " (11/399) عن أبي محمد الحسن بن الحسين النوبختي قوله فيه : " كان أكذب الناس ، كان يدخل سوق الوراقين وهي عامرة ، والدكاكين مملوءة بالكتب ؛ فيشتري شيئاً كثيراً من الصحف ، ويحملها إلى بيته ثم تكون رواياته كلها منها" .(466/220)
وكذا ذمه المتأخرون ممن ترجم له من العلماء ؛ فقال فيه ابن الجوزي في " المنتظم " (7/40-41) ، ونقله عنه ابن كثير في " البداية والنهاية " (11/280) وارتضاه : " ومثله لا يوثق بروايته ، يصرح في كتبه بما يوجب عليه الفسق ، ويهون شرب الخمر ، وربما حكى ذلك عن نفسه " وقال في كتابه الشهير " الأغاني " : "ومن تأمل كتاب " الأغاني " رأى كل قبيحٍ ومنكر"
وذمه أيضاً الإسلام ابن تيمية ؛ ففي تصدير " الأغاني " (1/19) ذكر ابن شاكر الكتبي أن الذهبي قال : " رأيت شيخنا تقي الدين بن تيمية يضعفه ويتهمه في نقله ، ويستهول ما يأتي به ، وما علمت فيه جرحاً ؛ إلا قول ابن أبي الفوارس : خلط قبل موته " .
قلت : قوله : " وما علمت فيه جرحاً ... ... .." من كلام الذهبي في " السير " (16/202) أيضاً ،وقال بعده : " قلت : لا بأس به ... ." ، و " كان وسخاً زرياً " وقبله : " كان بحراً في نقل الآداب " ، و" كان بصيراً بالأنساب وأيام العرب ، جيد الشعر " ، وقال في " الميزان " (3/123) : " كان إليه المنتهى في معرفة الأخبار وأيام الناس والشعر والغناء والمحاضرات ، وكأن يأتي بأعاجيب بحدثنا وأخبرنا " ، وقال : " والظاهر أنه صدوق " ، وقال في " المغني في الضعفاء " (2/446) : " شيعى يأتي بعجائب ، يحتمل لسعة اطلاعه ؛ فالله أعلم " ، وقال في " ديوان الضعفاء والمتروكين " (2/170 ، رقم 2918) : " شيعى فيه كلام " ، وقال في " السير " (16/202) : " والعجب أنه أموي شيعي "(1) .
________________________________________________
(1) ... كتب حذر منها العلماء لمشهور أل سلمان (2/24) .
وقد ألف وليد الأعظمي كتاباً تتبع فيه الأغاني وسقطاته وسماه : السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني ، وهو مطبوع .
162- واترك أبا نواس إن قريضه **** سفه ويدعو الناس للعصياني(466/221)
أبو نواس ولد سنة 146 ، وتوفى سنة 198هـ وهو : الحسن بن هانىء بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء ، أبو نواس : شاعر العراق في عصره . ولد في الأهواز ( من بلاد خوزستان ) ونشأ بالبصرة ، ورحل إلى بغداد فاتصل فيها بالخلفاء من بني العباس ، ومدح بعضهم ، وخرج إلى دمشق ، ومنها إلى مصر ، فمدح أميرها الخصيب ، وعاد إلى بغداد فأقام إلى أن توفي فيها .
وقد اشتهر أبو نواس في تاريخ الأدب بأنه شاعر الخمرة ويبلغ أبو نواس غاية أمله ، حين آلت الخلافة إلى صديقه وأليفه ( محمد الأمين ) وكان يحبه ويوثره على ما عداه ، وكأنما كان في تلك الألفة والمودة ، دعوة لأبي نواس أن يطلق لنفسه العنان ويعب من كؤوس الخمر واللذائذ دون تحرج أو خوف ، ومن يجرؤ على معارضته ، وموضع رعايته ووده ، ولكن سعادته لم تدم أكثر من سنتين ، وللخليفة حرمة وحدود ، وقد تجاوز أبو نواس كل حد ، وكان أن بلغ الأمين كلمة قالها في خراسان الحسن بن سهل وكان قد انضم إلى أخيه المأمون ، حين نشب الخلاف بينهما فقال : " كيف لا يحل قتال الأمين وشاعره ونديمه يقول :
" ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر **** ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر "
وكان لابد للأمين ، وقد استشعر الخطر ، من أن يخطو خطوة تبعد عنه أقاويل الناس ، فأمر بحبس شاعره وصديقه ، ثم أطلق سراحه بعد ثلاثة أشهر ، وكان قد كتب إليه من سجنه يستشفعه ويرجوه فك قيوده :
قل للخليفة أنني **** -حتى أراك – بكل باسي
من ذا يكون أبا نوا ****سك ، إذ حبست أبا نواس
ولم يأبه الأمين لهذا الرجاء ، وتغافل عنه ، فيكتب أبو نواس ثانية له :
تذكر أمين الله ، والعهد يذكر **** مقامي و انشاديك والناس حضر
ونثري عليك الدر يا در هاشم **** فيامن رأى دراً على الدر ينثر
مضت لي شهور مذ حبست ثلاثة **** كأني أذنبت ما ليس يغفر
فإن كنت لم أذنب ففيم حبستني **** وان كنت ذا ذنب فعفوك أكبر(1)
________________________________________________
((466/222)
1) ... مقدمة تحقيق ديوان أبي نواس .
163- وابن المعري قادح في شرعنا **** يلقيك بالأشعار في الوديان
المعري ولد سنة 363هـ ، وتوفى سنة 449هـ وهو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري : شاعر فيلسوف ولد ومات في معرة النعمان . كان نحيف الجسم ، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة . ورحل إلى بغداد سنة 398هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر . وهو من بيت علم كبير في بلده . ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه . وكان يلعب بالشطرنج والنرد .
وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبدالله بن ابي هاشم ، وكان يحرم إيلام الحيوان ، وكان يلبس خشن الثياب . أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته ، فثلاثة أقسام : " لزوم ما لا يلزم – ط " ويعرف باللزميات ، و "سقط الزند –ط " و" ضوء السقط – خ " وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية وأما كتبه فكثيرة وفهرسها في معجم الأدباء .
وقول الناظم ( قادح في شرعنا ) إشارة إلى الأبيات التي اشتهرت عنه كما نقل عنه ابن كثير فقال :
ودخل بغداد ، سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، فأقام بها سنة وسبعة أشهر ، ثم خرج منها طريداً منهزماً لأنه سأل سؤالاً بشعر ، يدل على قلة دينه ، وعلمه وعقله فقال :
تناقض فما لنا إلا السكوت له **** وأن نعوذ بمولانا من النار
يد بخمس مئين عسجد وديت **** ما بالها قطعت في ربع دينار(466/223)
وهذا من إفكه ، يقول : اليد ديتها خمسمائة دينار ، فما لكم تقطعونها إذا سرقت ربع دينار ، وهذا من قلة عقله ، وعلمه ، وعمى بصيرته . وذلك أنه إذا جنى عليها ، يناسب أن يكون ديتها كثيرة ، لينزجر الناس عن العدوان ، وأما إذا جنت هي بالسرقة ، فيناسب أن تقل قيمتها ، وديتها ، لينزجر الناس عن أموال الناس ، وتصان أموالهم ، ولهذا قال بعضهم : كانت ثمينة لما كانت أمينة ، فلما خانت هانت 00ولما عزم الفقهاء على أخذه بهذا وأمثاله ، هرب ، ورجع إلى بلده ، ولزم منزله ، فكان لا يخرج منه وكان يوماً عند الخليفة ، وكان الخليفة يكره المتنبى ويضع منه وكان أبو العلاء يحب المتنبى ويرفع من قدره ويمدحه فجرى ذكر المتنبى، في ذلك المجلس ، فذمه الخليفة ، فقال أبو العلاء : لو لم يكن للمتنبي إلا قصيدته التي أولها لك يا منازل في القلوب منازل لكفاه ذلك فغضب الخليفة ، وأمر به فسحب برجله على وجهه ، وقال : أخرجوا عني هذا الكلب وقال الخليفة : أتدرون ما أراد هذا الكلب من هذه القصيدة وذكره لها ؟
أراد قول المتنبي فيها :
وإذا أتتك مذمتى من ناقص **** فهى الدليل على أنى كاملُ
وإلا فالمتنبي له قصائد أحسن من هذه ، وإنما أراد هذا وهذا من فرط ذكاء الخليفة ، حيث تنبه لهذا . وقد كان المعرى أيضاً من الأذكياء ، ومكث المعرى خمساً وأربعين سنة من عمره لا يأكل اللحم ، ولا اللبن ، ولا البيض ، ولا شيئاً من حيوان ، على طريقة البراهمة الفلاسفة ، ويقال إنه اجتمع براهب في بعض الصوامع ، في مجيئه من بعض السواحل ، آواه الليل عنده ، فشككه في دين الإسلام ، وكان يتقوت بالنبات وغيره ، وأكثر ما كان يأكل العدس ، ويتحلى بالدبس ، وبالتين ، وكان لا يأكل بحضرة أحد، ويقول : أكل الأعمى عورة ؛ وكان في غاية الذكاء المفرط ، على ما ذكروه . ا0هـ .
وقد رد بعض العلماء على المعري في أبياته السابقة فقال :
قل للمعرى عار أيما عارى **** جهل الفتى وهو من ثوب التقى عارى(466/224)
يد بخمس مئين عسجداً وديت **** لكنها قطعت فى ربع دينار
حماية النفس أغلاها وارخصها **** حماية المال فافهم حكمة البارى اهـ
164- ورأيت في العقد الفريد مزالقاٌ **** والجاحظ الخلاب غير مصان
165- إذ قد حوى بدعا وأغلاطاً له **** في سفري التبيين و الحيوان
العقد الفريد كتاب مشهور في الأدب استفاد من السابقين كابن قتيبة والجاحظ والمبرد وابن المقفع وغيرهم ، وقد ذكر أنه تخير كتابه من متخير جواهر الآداب ومحصول جوامع البيان ، فكان جوهر الجوهر ، ولباب اللباب قال ( فتطلبت نظائر الكلام وأشكال المعاني ، وجواهر الحكم ، وضروب الأدب ، ونوادر الأمثال ، ثم قرنت كل جنس منها إلى جنسه ، فجعلته باباً على حدته ، ليستدل الطالب للخبر على موضعه من الكتاب ونظيره في كل باب ، وقصدت من جملة الأخبار وفنون الآثار أشرفها جوهراً ، وأظهرها رونقاً ، وألطفها معنى ، وأجزلها لفظاً ، وأحسنها ديباجة ، وأكثرها طلاوة وحلاوة ، وقد طبع الكتاب في ثمانية أجزاء .
قال مشهور آل سلمان :
" فالكتاب مخلوط صحيحه بواهيه ، محذوف منه الأسانيد والرواة ، واعتمد على مصادر لا يجوز النقل منها إلا بعد التثبت ولم يعتمد مؤلفه في النقل منها إلا الطرفة والملحة ؛ إذ في كتابه ميل إلى الفكاهة والدعابة ، ونزوع إلى القصص والنوادر والنكات ؛ فنواه في كتابه يذكر الكثير من ذلك أو لا يستنكف عن ذكر بذيء اللفظ وسافل المعنى ، ورغم كل ذلك ؛ فإن المسحة الأدبية تبدو قوية في كتابه ، بحيث يشعر بها كل من يقرأ" العقد " أو يتصفحه " وكذا ؛ فلا ينبغي للباحث الاعتماد على ما فيه حتى يفليه ويبحث عن ناقليه وقد ذكر الأستاذ رشيد رضا في " تفسيره المنار " (5/85) أن هنالك شبهة للقائلين بحل الخمر في الأديان السابقة وهي : أن الأنبياء قد شربوها ، ثم قال : " كما نقل ذلك صاحب " العقد الفريد " وأمثاله من الأدباء الذين يعنون بتدوين أخبار الفساق والمجان وغيرهم " .(466/225)
قلت : إذا عرفت السبب ؛ بطل العجب كما يقولون ، فإن من مصادر ابن عبد ربه في كتابه هذا " التوراة " و " الإنجيل " و " كليلة ودمنة " وما شابهها وقد حذر الأستاذ منير محمد الغضبان من هذا الكتاب ، وقال بأنه لم يكن قصد لكاتبه عند كتابته ؛ إلا استهواء الجماهير عند جنوح الخيال ، وتعقد القصة وحلها بالشكل المثير للعاطفة والمحرك للنفسية ، شأنهم في ذلك شأن القصاصين الذين كانوا يجلسون في المساجد فيصنعون ما يشاؤون من الأحاديث ؛ سواء كانت توافق الدين أو تخالفه ، وكان أكبر همهم أن يصغي أكبر عدد ممكن من الناس لأحاديثهم . وقد بين الأستاذ عبدالحليم عويس أن هذا الكتاب وغيره قد أوجد حاجزاً سميكاً حال دون الوصول إلى كثير من الحقائق المتصلة بتاريخ بني أمية في المشرق ويقول الدكتور الطاهر أحمد مكي في دراسة عن هذا الكتاب : " وهو لا يمحص الأخبار ، ولا يقف منها موقف الفاحص المدقق ، وإنما يعرضها كيفما تأتت له " ويقول أيضاً " ثم يعرض لأشياء هي إلى الخرافات والأساطير أقرب "(1) .
____________________________________________________
(1) ... كتب حذر منها العلماء (2/44) .
وابن عبد ربه ولد سنة 246هـ وتوفى سنة 328هـ وهو : أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم ، أبو عمر : الأديب من أهل قرطبة كان جده الأعلى سالم مولى لهشام بن عبدالرحمن بن معاوية . وكان ابن عبد ربه شاعراً مذكوراً فغلب عليه الاشتغال في أخبار الأدب وجمعها . له شعر كثير ، منه ما سماه " الممحَّصات " وهي قصائد ومقاطيع في المواعظ والزهد ، نقض بها كل ما قاله في صباه من الغزل والنسيب وكانت له في عصره شهرة ذائعة .
ملحوظة : الكتاب اشتهر باسم العقد الفريد إلا ان الزركلي وبعض المتأخرين ذكر ان اسم الكتاب هو العقد وأما الفريد فهو من إضافة النساخ المتأخرين .(466/226)
وأما الجاحظ فقد ولد سنة 163، وتوفى سنة 255هـ وهو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء ، الليثي ، أبو عثمان ، الشهير بالجاحظ : كبير أئمة الأدب ، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ، مولده ووفاته في البصرة . فلج في آخر عمره وكان مشوه الخلقة . ومات والكتاب على صدره . قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه . له تصانيف كثيرة ، منها " الحيوان – ط " أربعة مجلدات ، و " البيان والتبيين – ط "
وقد حذر الناظم من هذين الكتابين مع ما فيهما من الأدب والفوائد لكونهما حوت بعض البدع والأغلاط .
قال مشهور أل سلمان :
كتب الجاحظ مليئة بالأخبار وطافحة بالآثار ، وهو أشبه ما يكون بـ " الصحفي " فيها ، ينوع مادته ويعرضها بأسلوب أخاذ شيق ، ولكن ؛ ينبغي الحذر من الآثار والأخبار التي يوردها ، وقد حذر من كتبه بعامة تلميذه ابن قتيبة واعتذر عن تلمذته له ؛ فقال عنه :
" ثم نصير إلى الجاحظ ، وهو آخر المتكلمين والمعاير على المتقدمين ، وأحسنهم للحجة استثارة ، وأشدهم تلطفاً لتعظيم الصغير حتى يعظم ، وتصغير العظيم حتى يصغر ، ويبلغ به الاقتدار إلى أن يعمل الشيء وتقيضه ، ويحتج لفضل السودان على البيضان " وقال يصف تلاعبه ونفاقه : " فتجده يحتج مرة للعثمانية على الرافضة ، ومرة للزيدية على العثمانية وأهل السنة ، ومرة يفضل علياً رضي الله عنه ومرة يؤخره ، ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويتبعه : قال الجماز ، وقال إسماعيل بن غزوان كذا وكذا من الفواحش ويجل رسول الله ? وآله وسلم عن أن يذكر في كتاب ذكر فيه هؤلاء ؛ فكيف في ورقة أو بعد سطر وسطرين .
ويعمل كتاباً يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين ، فإذا صار إلى الرد عليهم ؛ تجوز في الحجة كأنه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة من المسلمين .
وتجده يقصد في كتبه المضاحيك والعبث يريد بذلك استمالة الأحداث وشراب النبيذ .(466/227)
ويستهزىء من الحديث استهزاء لا يخفى على أهل العلم ، يذكر كبد الحوت وقرن الشيطان ، ويذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض ؛ فسوده المشركون ، وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا .
ويذكر الصحيفة التي كان فيها المنزل في الرضاع ، تحت سرير عائشة ؛ فأكلتها الشاة ، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب في تنادم الديك والغراب ، ودفن الهدهد أمه في رأسه ، وتسبيح الضفدع ، وطوق الحمامة وأشباه هذا ... ... "
وقال أيضاً : " وهو مع هذا من اكذب الأمة ، وأوضعهم لحديث ، وأنصرهم لباطل ، ومن علم – رحمك الله – أن كلامه من عمله قل إلا فيما ينفعه ، ومن أيقن أنه مسؤول عما ألف وعما كتب ؛ لم يعمل الشيء وضده ، ولذا ؛ قال عنه الذهبي : " كان ماجناً قليل الدين ، له نوادر ، وقال " يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق " ، وقال أيضاً : " وكان من أئمة البدع " وقال الخطابي : " هو مغموص في دينه " ، وذكر أبو الفرج الأصبهاني أنه كان يرمى بالزندقة ، وقال ابن حزم : " كان أحد المجان ومن غلب عليه الهزل ، وأحد الضلال المضلين ؛ فإننا ما رأينا في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتاً لها ، وإن كان كثيراً الإيراد كذب غيره " .
وقد وصف المأمون كتبه لما اطلع عليها بقوله : " جمع استقصاء المعاني واستيفاء جميع الحقوق مع اللفظ الجزل والمخرج السهل ؛ فهو سوقي ملوكي وعامي خاصي " ، وعلق عليه ابن حجر بقوله : " وهذه والله صفة كتب الجاحظ ؛ فسبحان من أضله على علم " (1) .
__________________________________________________
(1) ... كتب حذر منها العلماء (2/46) .
166- وكتاب إخوان الصفا متهالك **** بئس الصفا بل بئس من إخوان(466/228)
أقدم مصدر ذكر اخوان الصفاء هو أبو حيان التوحيدي في كتابه ( الامتاع والمؤانسة ) ، يجيب فيه على سؤال للوزير أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان المتوفى سنة 375هـ ، عن زيد بن رفاعة وحقيقة معتقده ، حيث يفيدنا أبو حيان التوحيدي عن هذا الرجل فيقول :" أنه أقام بالبصرة زمانا طويلا ، وصادق بها جماعة جامعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة ، منهم ( أبو سليمان محمد بن معشر البيستي ، ويعرف بالمقدسي ) ، ( وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ) ، ( وأبو أحمد المهرجاني ) ( والعوفي ) وغيرهم ، فصحبهم وخدمهم ، وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة ، وتصافت بالصداقة ، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة ، فوضعوا بينهم مذهبا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله والمصير إلى جنته ، وذلك أنهم قالوا : الشريعة قد دنست بالجهالات ، واختلطت بالضلالات ، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة ، وذلك لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية ، والمصلحة الاجتهادية ، وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية ، فقد حصل الكمال ، وصنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة ، علميها وعمليها ، وأفردوا لها فهرسة وسموها ( رسائل اخوان الصفاء وخلان الوفاء ) ، وكتموا أسماءهم ، وبثوها في الوراقين ، ولقنوها للناس "(1)
وتعد " رسائل إخوان الصفا " إحدى ثمار الحركة الباطنية للجماعة السرية التي مزجت الفلسفة اليونانية والعقيدة الباطنية ؛ لتخرج للناس مذهباً جديداً ، يمزج ____________________________________________________
(1) ... الحركات الباطنية في العالم الإسلامي د 0 محمد أحمد الخطيب ص169 .
إلهيات اليونان ، ونظريات أفلاطون وأرسطو وأفلوطين وفيثاغورس وغيرهم بالعقيدة الإسلامية في خليط مضطرب فاسد .(466/229)
وقد أنتج هؤلاء العشرة " رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفا التي أذاعوها بعد أن كتموا أسماءهم واستتروا وراء تلك الرموز الخفية التي وضعوها هنا وهناك من فصول كتاباتهم ، واستهدفوا منها وضع برنامج للعمل السرى الذي يستهدف القضاء على الإسلام ودولته ، وتأسيس دولة أخرى على أنقاض الدولة الإسلامية ، تضم العقائد الوثنية والمجوسية والإباحية التي نسقوها في جماع ركام الفكر البشري الزائف ، الممتد من فارس إلى الهند إلى اليونان والذي اختلطت فيه " الهلينية الإغريقية " بـ " الغنوصية الشرقية " !
وحاولوا أن يلصقوا هذه الترهات والأباطيل بجعفر الصادق رضي الله عنه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" كتاب " رسائل إخوان الصفاء " الذي صنفه جماعة في دولة بني بويه ببغداد ، وكانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنفة ، جمعوا بزعمهم بين دين الصابئة المبدلين ، وبين الحنفية ، وأتوا بكلام المتفلسفة وبأشياء من الشريعة ، وفيه من الكفر والجهل الشيء الكثير ، ومع هذا ؛ فإن طائفة من الناس – من بعض أكابر قضاة النواحي – يزعم أنه من كلام جعفر الصادق ، وهذا قول زنديق ، وتشنيع جاهل "
وقال في موطن آخر : " وكذلك أضيف إلى جعفر الصادق " رسائل إخوان الصفاء " ، وهذا في غاية الجهل ؛ فإن هذه الرسائل إنما وضعت بعد موته بأكثر من مئتي سنة ، فإنه توفي سنة ثمان وأربعين ومئة ، وهذه الرسائل وضعت في دولة بني بويبه في أثناء المئة الرابعة في أوائل دولة بني عبيد الذين بنوا القاهرة ، وضعها جماعة ، وزعموا أنهم جمعوا بها بين الشريعة والفلسفة ؛ فضلوا وأضلوا "
وقد ذكر واضعها فيها ما حدث في الإسلام من استيلاء النصارى على سواحل الشام ، ونحو ذلك من الأحداث التي حدثت بعد المئة الثالثة ، وهذا يؤكد كذب نسبة هذه الرسائل لجعفر الصادق رضي الله عنه .(466/230)
وقد حذر منها وكشف عوارها وسمومها جماعة من أهل العلم ، على رأسهم شيخ الإسلام ؛ إذ قال في أصحابها :" وهم على طريقة هؤلاء العبيدين ذرية عبيد الله بن ميمون القداح " ، ثم قال : " فهل ينكر أحد ممن يعرف دين المسلمين، أو اليهود ، او النصارى أن ما يقوله أصحاب " رسائل إخوان الصفا " مخالف للملل الثلاث ، وإن كان في ذلك من العلوم الرياضية و الطبيعية ، وبعض المنطقية والإلهية ، وعلوم الأخلاق ، والسياسة ، والمنزل ما لا ينكر ، فإن في ذلك مخالفة الرسل فيما أخبرت به ، وأمرت به ، والتكذيب بكثير مما جاءت به ، وتبديل شرائع الرسل كلهم بما لا يخفى على عارف بملة من الملل ؛ فهؤلاء خارجون عن الملل الثلاث(1) .
والمطبوع من رسائل اخوان الصفاء أربعة مجلدات :
الأول : القسم الرياضي وفيه أربع عشرة رسالة .
الثاني : الجسمانيات الطبيعيات وفيه اثنا عشر رسالة .
الثالث : الجسمانيات الطبيعيات والنفسانيات العقليات وفيه إحدى عشرة رسالة
الرابع : العلوم الناموسية الإلهية والشرعية وفيه إحدى عشرة رسالة .
____________________________________________________
(1) ... كتب حذر منها العلماء (1/68) .
167- انس ابن سينا فهو صاحب زلة **** سفر الإشارة والشفاء سقمان
168- بل قال بعض الناس في تأليفه **** مرض الفؤاد به وما أشفاني
الشفاء لابن سينا أقسام :
القسم الأول : الإلهيات وطبع في جزءين .
القسم الثاني : المنطق وينقسم إلى : المدخل ، والمقولات ، والقياس ، والبرهان ، والسفسطة ، والظاهر أن هناك نقصاً في الأجزاء إما من المطبوع عندي أو من المخطوط .
القسم الثالث : الطبيعيات .
القسم الرابع : الرياضيات .
قال شيخ الإسلام :
وقد أنكر أئمة الدين على " أبي حامد " هذا في كتبه . وقالوا : مرضه " الشفاء " يعني شفاء ابن سينا في الفلسفة .
وأما الإشارات فهي مطبوعة أيضاً .
_________________________________________________
(1) ... (10/552) .(466/231)
169- إحيا علوم الدين صار قضية **** فيه الدواء والداء مجتمعان
170- لا تأخذن عقيدة من نهجه **** وكذا التصوف فهو في غليان
171- واسمع رقائقه وحر أنينه **** أما الحديث فليس باليقظان
إحياء علوم الدين من أشهر كتب السلوك شرحه الزبيدي في اتحاف السادة المتقين في أربعة عشر مجلداً ، وخرج أحاديثه الحافظ العراقي ، وقسم الغزالي كتابه إلى أربعة أقسام هي :
ربع العبادات ، وربع العادات ، وربع المنجيات ، وربع المهلكات .
واختلاف الناس في الإحياء مشهور كما ذكر الناظم ولهذا يقول المازري : وقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم بإحياء علوم الدين .
وذكرتم أن آراء الناس منه قد اختلفت . فطائفة انتصرت وتعصبت لإشهاره ، وطائفة حذرت منه ونفرت وطائفة لكتبه أحرقت(1).
قال شيخ الإسلام :
والغزالي في كلامه مادة فلسفية كبيرة ، بسبب كلام ابن سينا في " الشفا " وغيره ؛ " ورسائل اخوان الصفا" وكلام أبي حيان التوحيدي .
وأما المادة المعتزلة في كلامه فقليلة أو معدومة كما أن المادة الفلسفية في كلام ابن عقيل قليلة أو معدومة .
وكلامه في " الاحياء " غالبه جيد ، لكن فيه مواد فاسدة : مادة فلسفية ومادة
____________________________________________________
(1) ... أبو حامد والتصوف لعبد الرحمن دمشقية ص315.
كلامية ـ ومادة من ترهات الصوفية ؛ ومادة من الأحاديث الموضوعة(1) .
وسئل شيخ الإسلام عن " احياء علوم الدين " و " قوت القلوب " الخ .
فأجاب : أما ( كتاب قوت القلوب ) و ( كتاب الأحياء ) تبع له فيما يذكره من أعمال القلوب : مثل الصبر والشكر ، والحب والتوكل ، والتوحيد ونحو ذلك وأبو طالب أعلم بالحديث والأثر وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم من أبي حامد الغزالي ، وكلامه أسد وأجود تحقيقاً ، وأبعد عن البدعة مع ان في " قوت القلوب " أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة .(466/232)
واما ما في ( الأحياء ) من الكلام في " المهلكات " مثل الكلام على الكبر ، والعجب والرياء ، والحسد ونحو ذلك فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبى في الرعاية ، ومنه ما هو مقبول ومنه ما هو مردود . ومنه ما هو متنازع فيه .
و" الاحياء " فيه فوائد كثيرة ؛ لكن فيه مواد مذمومة فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين .
وقد أنكر أئمة الدين على " أبى حامد " هذا في كتبه . وقالوا : مرضه " الشفاء " يعني شفاء ابن سينا في الفلسفة .
وفيه أحاديث وآثار ضعيفة ؛ بل موضوعة كثيرة .
وفيه أشياء من اغاليط الصوفية وترهاتهم .
وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة ، ومن غير ذلك من العبادات والدب ما هو موافق
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (6/53) .
للكتاب والسنة ، ما هو أكثر مما يرد منه ، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه (1) .
وقد تكلم العلماء على كتاب الإحياء كثيراً ومن هؤلاء ابن الجوزي ، والذهبي ، والمازري الصقلي ، والطوسي ، وابن الصلاح ، ولولا خشية الإطالة لنقلتها(2) .
_________________________________________________
(1) ... الفتاوى (10/551) .
(2) ... انظر كتاب دمشقية / أبو حامد الغزالي والتصوف ص314 ، و د 0 القرضاوي الغزالي بين مادحيه وقادحيه
172- أعرض عن التلبيس في كتب أتت **** للكوثري والمفلس النبهاني
173- فبضاعة الأقوام مزجاة فهل **** ميزت بين الترب والمرجان
الكوثري ولد سنة 1296هـ ، وتوفى سنة 1371هـ(466/233)
وهو محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري : فقيه حنفي ، جركسي الأصل ، له اشتغال بالأدب والسير . ولد ونشأ في قرية من أعمال " دوزجة " بشرقي الآستانة ، وتفقه في جامع " الفاتح " بالآستانة ، ودرس فيه وتولى رياسة مجلس التدريس ، واضطهده " الاتحاديون " في خلال الحرب العالمية الأولى ، لمعارضته خطتهم في إحلال العلوم الحديثة محل العلوم الدينية ، في أكثر حصص الدراسة ، ولما ولي " الكماليون " وجاهروا بالإلحاد ، أريد اعتقاله ، فركب إحدى البواخر إلى الإسكندرية ( سنة 1341هـ –1922م )
وتنقل زمناً بين مصر والشام ، ثم استقر في القاهرة ، موظفاً في
" دار المحفوظات " لترجمة ما فيها من الوثائق التركية إلى العربية وتوفى بالقاهرة وكان يجيد العربية والتركية والفارسية والجركسية ، وفي نطقه بالعربية لكنة خفيفة له تعليقات كثيرة على بعض المطبوعات في أيامه ، في الفقه والحديث والرجال وله تآليف ، منها " تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب – ط " ويعني بالخطيب صاحب تاريخ بغداد ، و " النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة – ط " و " الاستبصار في التحدث عن الجبر والاختيار – ط " و رسائل في تراجم " الإمام زفر " و " أبي يوسف القاضي " و " محمد بن الحسن الشيباني " و " البدر العيني " و " الإمامين الحسن بن زياد ومحمد بن شجاع " و " الطحاوي " كلها مطبوعة وله نحو مئة مقالة جمعها السيد أحمد خيري في كتاب " مقالات الكوثري – ط " وتناوله علامة الشام محمد بهجت البيطار بالنقد ، في كتاب " الكوثري وتعليقاته – ط " بتعليق محمد الحمود .
ورد عليه أيضاً العلامة المعلمي في كتابه التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل وطبع في مجلدين .
وقد رددت عليه أيضاً في كتابي القدم النوعي للعالم رداً على ما كتبه في حاشية السيف الصقيل في الرد على نونية ابن القيم .(466/234)
وممن رد عليه أيضاً بكر أبو زيد في كتابه براءة أهل السنة ووصف العلامة ابن باز رحمه الله الكوثري بالأفاك الأثيم(1) .
وأما النبهاني فقد ولد سنة 1265هـ ، وتوفى سنة 1350هـ
وهو يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني : شاعر ، أديب ، من رجال القضاء . نسبته إلى " بني نبهان " من عرب البادية بفلسطين ، استوطنوا قرية " إجزم " – بصيغة الأمر – التابعة لحيفا في شمالي فلسطين وبها ولد ونشأ . وتعلم بالأزهر بمصر ( سنة 1283-1289هـ ) وذهب إلى الآستانة فعمل في تحرير جريدة " الجوائب " وتصحيح ما يطبع في مطبعتها ورجع إلى بلاد الشام (1296) فتنقل في أعمال القضاء إلى أن كان رئيساً لمحكمة الحقوق ببيروت (1305) وأقام زيادة على عشرين سنة . وسافر إلى " المدينة " مجاوراً ، ونشبت الحرب العالمية (الأولى ) فعاد إلى قريته وتوفى بها له كتب كثيرة ، قال صاحب " معجم الشيوخ " : " خلط فيها الصالح بالطالح ، وحمل على أعلام الإسلام ، كابن
__________________________________________________
(1) ... الردود لبكر أبو زيد ص178 .
تيمية وابن قيم الجوزية ، حملات شعواء وتناول بمثلها الإمام الآلوسي المفسر ، والشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني وآخرين " من كتبه " جامع كرامات الأولياء – ط " مجلدان ، و " رياض الجنة في أذكار الكتاب والسنة – ط " و " المجموعة النبهانية في المدائح النبوية – ط " أربعة أجزاء ، و " حجة الله على العالمين – ط " في المعجزات النبوية ، و " الفتح الكبير – ط " ثلاثة مجلدات في الحديث
وصدر مؤخراً كتاب للنيهاني اسمه شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق يرد فيه على شيخ الإسلام .
74- ودع الفصوص مع الفتوحات التي **** قذفت برجس ظاهر الأنتان
الفصوص والفتوحات لابن عربي وهما مطبوعان فالفصوص في مجلد ، والفتوحات المكية في ثلاثة عشر مجلداً ، وقد شرح الفصوص الشيخ عبد الرزاق القاشاني ت سنة 730هـ وطبع في الحلبي .(466/235)
وقد اشتهر ابن عربي بوحدة الوجود وتتلخص عقيدة وحدة الوجود عند الصوفية في أن ذات الله – تعالى – إنما هي كائنة في كل ذات وفي كل موجود إذ لا ثم سواه ، فالخلق والخالق ، يشكل عندهم شيئاً واحداً اسمه الإله فلا بين بين الخلق والخالق ، ولكن نظراً لأن الإنسان قد ينسى هذه الحقيقة فعليه إذن بالسلوك والمجاهدة حتى يتحقق بالمعاينة ، فيغيب عن رؤية نفسه ويحتجب عن ذاته ولا يرى من ثم سوى الله .
وترتب على هذا التصور وجود عقيدة لا تفرق بين عبادة الله وعبادة الحجر ، أو الشجر أو البشر ، فالكل ذاته ، وهو نفسه العابد المعبود كما أنه هو المكلف للعباد وهو نفسه المكلف .
يصرح ابن عربي ( ت 638هـ ) بعقيدته هذه بلا مواربة في مقدمة كتابه"فصوص الحكم " ، فيقول :
العبد رب والرب عبد **** ليت شعري من المكلف ؟
عن قلت عبد فذاك حق **** وإن قلت رب فأنى يكلف
ويقول أيضاً : " سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها " ويقول : " إن العارف من يرى الحق ( أي الله تعالى ) في كل شيء بل يراه عين كل شيء " ويؤكد ابن عربي ضرورة كتمان عقيدتهم ، وعدم الحديث فيها إلا لمن يؤتمن جانبه ، فيقول : " وهذا الفن من الكشف والعلم يجب ستره عن أكثر الخلق ، لما فيه من الغلو ، فغوره بعيد والتلف فيه قريب "
ويرى ابن عربي كفر من قالوا بالتثليث في النصرانية ، ولكن علة ذلك عنده هي أنهم حصروا ذات الله في ثلاثة صور فحسب ، وكان عليهم أن يعبدوا الله في كل شيء ، أي في جميع صور تجلياته ، ولذا فإن ابن عربي وأتباعه يرون أن المسلمين أشد كفراً من اليهود والنصارى ، بسبب عبادتهم في ذات واحدة ، مباينة لذوات غيره ، منزهة عن مشبهتها أو الحلول فيها (1) .
وللعلامة علي بن سلطان القاري كتاب مطبوع في الرد على القائلين بوحدة الوجود .
وابن عربي ولد سنة 560هـ ، وتوفى سنة 638هـ وهو :(466/236)
محمد بن علي بن محمد ابن عربي ، أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي ، المعروف بمحيي الدين بن عربي ، الملقب بالشيخ الأكبر : فيلسوف ولد في مرسية (بالأندلس ) وانتقل إلى إشبيلية وقام برحلة ، فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز وأنكر عليه أهل الديار المصرية " شطحات " صدرت عنه ، فعمل بعضهم على إراقة دمه ، كما أريق دم الحلاج وأشباهه . وحبس ، فسعى في خلاصه على بن فتح البجائي ( من أهل بجاية ) فنجا واستقر في دمشق ، فتوفى فيها وهو ، كما يقول الذهبي : قدوة القائلين بوحدة الوجود له نحو أربعمائة كتاب ورسالة ، وقد كفره كثير من العلماء منهم البقاعي في كتابه تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي .
________________________________________________
(1) شيخ الإسلام وموقفه من التصوف لمصطفى عبد الباسط أحمد ص32.
175- وابن الروندي مزقن تأليفه **** ورسائل الحلاج والتيجاني
ابن الراوندي توفى سنة 298هـ وهو أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الراوندي ، أو ابن الراوندي : فيلسوف مجاهر بالإلحاد من سكان بغداد ، نسبته إلى " راوند " من قرى أصبهان قال ابن خلكان : له مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام ، وقد انفرد بمذاهب نقلوها عنه في كتبهم وقال ابن كثير : أحد مشاهير الزنادقة ، طلبه السلطان فهرب ، ولجأ إلى ابن لاوي اليهودي ( بالأهواز ) وصنف له في مدة مقامه عنده كتابه الذي سماه " الدامغ للقرآن " وقال ابن حجر العسقلاني : ابن الراوندي ، الزنديق الشهير ، كان أولاً من متكلمي المعتزلة تم تزندق واشتهر بالإلحاد ، ويقال كان غاية في الذكاء(466/237)
وقال ابن الجوزي : أبو الحسين الريوندي ، الملحد الزنديق ، وإنما ذكرته ليعرف قدر كفره فإنه معتمد الملاحدة والزنادقة ثم قال : وكنت أسمع عنه بالعظائم ، حتى رأيت ما لم يخطر على قلب أن يقوله عاقل وذكر أنه وقعت له كتبه ونقل عن الجبائي أن ابن الريوندي ( كما يسميه ) وضع كتاباً في قدم العالم ونفى الصانع وتصحيح مذهب الدهر والرد على مذهب أهل التوحيد ، وكتاباً في الطعن على محمد ? وقال أبو العلاء المعري ( في رسالة الغفران ) : " سمعت من يخبر أن لابن الراوندي معاشر يخترصون له فضائل يشهد الخالق وأهل المعقول أن كذبها غير مصقول ، وهو في هذا أحد الكفرة ، لا يحسب من الكرام البررة " وعرفه ابن تغري بردي بالماجن المنسوب إلى الهزل والزندقة وتناقل مترجموه أن له نحو 114 كتاباً ، منها " فضيحة المعتزلة " و " التاج " و " الزمرد " و " نعت الحكمة " و " قضيب الذهب " و " الدامغ " المتقدم ذكره ، وأن كتبه التي ألفها في الطعن على الشريعة اثنا عشر كتاباً .
وقال ابن عقيل : عجبي كيف لم يقتل وقد صنف " الدامغ " يدمغ به القرآن و " الزمرذة " يزري فيه على النبوات .
قال ابن الجوزي : فيه هذيان بارد لا يتعلق بشبه! يقول فيه : إن كلام أكثم بن صيفي فيه ما هو أحسن من سورة الكوثر وإن الأنبياء وقعوا بطلاسم وألف لليهود والنصارى يحتج لهم في إبطال نبوة سيد البشر .
قال أبو العباس بن القاضي الفقيه : كان ابن الراوندي لا يستقر على مذهب ولا نحلة ، حتى صنف لليهود كتاب " النصرة على المسلمين " لدراهم أعطيها من يهود فلما أخذ المال رام نقضها فأعطوه مائتي درهم حتى سكت(1) .
وللدكتور عبدالأمير الأعسم كتاب قرابة ألف صفحة في تاريخ ابن الراوندي الملحد في المراجع العربية الحديثة .(466/238)
وأما الحلاج فقد توفى سنة 309هـ وهو الحسين بن منصور الحلاج ، أبو مغيث : فيلسوف ، يعد تارة في كبار المتعبدين والزهاد ، وتارة في زمرة الملحدين أصله من بيضاء فارس ، ونشأ بواسط العراق ( أو بتستر ) وانتقل إلى البصرة ، وحج ، ودخل بغداد وعاد إلى تستر وظهر أمره 0سنة 299هـ فاتبع بعض الناس طريقته في التوحيد والإيمان . ثم كان يتنقل في البلدان وينشر طريقته سراً ، وقالوا : إنه كان يأكل يسيراً ويصلي كثيراً ويصوم الدهر ، وإنه كان يظهر مذهب الشيعة للملوك ( العباسيين ) ومذهب الصوفية للعامة ، وهو في
________________________________________________
(1) ... مقدمة محقق كتاب الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد للخياط ص22 .
تضاعيف ذلك يدعي حلول الإلهية فيه وكثرت الوشايات به إلى المقتدر العباسي فأمر بالقبض عليه ، فسجن وعذب وضرب وهو صابر لا يتأوه ولا يستغيث . قال ابن خلكان : وقطعت أطرافه الأربعة ثم حز رأسه وأحرقت جثته ولما صارت رماداً ألقيت في دجلة ونصب الرأس على جسر بغداد وادعى أصحابه أنه لم يقتل وإنما ألقي شبهه على عدو له وقال ابن النديم في وصفه : كان محتالا يتعاطى مذاهب الصوفية ويدعى كل علم ، جسوراً على السلاطين ، مرتكباً للعظائم ، يروم إقلاب الدول ويقول بالحلول وأورد أسماء ستة وأربعين كتاباً له .
وسئل شيخ الإسلام قدس الله روحه :
ما تقول أئمة الإسلام في الحلاج ؟ وفيمن قال : أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج ماذا يجب عليه ؟ ويقول : إنه قتل ظلماً كما قتل بعض الأنبياء ؟ ويقول : الحلاج من أولياء الله فماذا يجب عليه بهذا الكلام ، وهل قتل بسيف الشريعة ؟
فأجاب :
الحمد لله من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين ؛ فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والإلحاد ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد ، كقوله : أنا الله . وقوله : إله في السماء وإله في الأرض .(466/239)
وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله ، وأن الله خالق كل شيء ، وكل ما سواه مخلوق و ( إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبداً ) وقال تعالى : ? يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ? الآيات وقال تعالى : ?لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ? الآيتين .
فالنصارى الذين كفرهم الله ورسوله ، واتفق المسلمون على كفرهم بالله فمن قال بالحلول والإتحاد في غير المسيح – كما تقوله الغالية في علي ، وكما تقول الحلاجية في الحلاج ، والحاكمية في الحاكم ، وأمثال هؤلاء – فقولهم شر من قول النصارى لأن المسيح بن مريم أفضل من هؤلاء كلهم .
والحلاج : كانت له مخاريق وأنواع من السحر ، وله كتب منسوبة إليه في السحر .
وبالجملة فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله في البشر ، واتحاده به ، وإن البشر يكون إلهاً وهذا من الآلهة : فهو كافر مباح الدم ، وعلى هذا قتل الحلاج
ومن قال : إن الله نطق على لسان الحلاج ، وإن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله ، وكان الله هو القائل على لسانه : أنا الله فهو كافر باتفاق المسلمين ؛ فإن الله لا يحل في البشر ، ولا تكلم على لسان بشر ، ولكن يرسل الرسل بكلامه ، فيقولون عليه ما أمرهم ببلاغه ، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم (1) .
وأما التيجاني فهو الشيعي المعاصر صاحب الرسائل الأربعة المشهورة وهي : ثم اهتديت ، واسألوا أهل اذكر ، ومع الصادقين ، والشيعة هم أهل السنة ، وقد رد عليها عثمان الناصري في كتابه كشف الجاني محمد التيجاني .
____________________________________________________
(1) ... الفتاوى (2/480) .
176- طه حسين هو العميل صراحة **** ليس العميد وهكذا اللأفغاني
177- إني عرفت القوم معرفة الذي **** عرف الحقائق أيما عرفاني
178- عُمي عن القرآن والآثار يا **** لله ما قد عمهم نوران(466/240)
طه حسين سمى بعميد الأدب العربي وهو في الواقع عميل الفكر الغربي ، ولد سنة 1307هـ ، وتوفى سنة 1393هـ وهو طه بن حسين ابن علي بن سلامة ، الدكتور في الأدب ، جدد مناهج ، وأحدث ضجة في عالم الأدب العربي ولد في قرية " الكيلو " بمغاغة من محافظة المنيا ( بالصعيد المصري ) وأصيب بالجدري في الثالثة من عمره ، فكف بصره ، وبدأ حياته في الأزهر (1902 –08) ثم بالجامعة المصرية القديمة وهو أول من نال شهادة " الدكتوراه " منها (1914) بكتاب " ذكرى أبي العلاء – ط " وسافر في بعثة إلى باريس فتخرج بالسوربون (1918) وعاد إلى مصر ، فاتصل بالصحافة وعين محاضراً في كلية الآداب بجامعة القاهرة ثم كان عميداً لتلك الكلية فوزيراً للمعارف وفي هذه البرهة تمكن من جعل التعليم الثانوي والفني مجاناً وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي المراسلين بدمشق ثم رئيساً لمجمع اللغة بمصر وأقبل الناس على كتبه ومن المطبوع منها " في الأدب الجاهلي " و " في الشعر الجاهلي " و " حديث الأربعاء " ثلاثة مجلدات ، و " قادة الفكر " و " على هامش السيرة " ثلاثة أجزاء ، و " مع أبي العلاء في سجنه " و " مع المتنبي " جزآن و " أحاديث " و " الأيام " وكان قد شغف بالأدب اليوناني في صباه وترجم بعض آثاره ككتاب " نظام الاثينيين لأرسطو – ط " و " آلهة اليونان – ط " و " صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان – ط " وله " فلسفة ابن خلدون – ط " وهو رسالة الدكتوراه بالفرنسية ، إلى السوربون ، ترجمها إلى العربية محمد عنان .(466/241)
وقف طه حسين من الأدب العربي موقفاً خاصاً ، وقال إن الإسلام مدين لهذا الأدب ، وخالف بقوله هذا ما كان يراه أي باحث مسلمٍ سواه ؛ وراح في يقينه الأدبي الجديد يهاجم الفئات المحافظة في كثير من الجرأة ، وقد تصدى له الكثيرون وعلى رأسهم مصطفى صادق الرافعي الذي نقل الحوار الأدبي إلى البرلمان والوزارة وطالب الحكومة بالاقتصاص من هذا الجريء الذي لا يضع حداً لتهجماته ونشر طه حسين كتابه " في الشعر الجاهلي " سنة 1926 ، وهو مجموعة محاضرات ألقاها في الجامعة وعبر فيها تعبيراً واضحاً عن طريقته الحديثة في النقد ، وذهب فيها إلى أن معظم الشعر الجاهلي غير جاهلي وأنه من نظم الشعراء الإسلاميين الذين رغبوا من وراء نسبته إلى الجاهليين أن يدعموا مزاعمهم السياسية ، ويرضوا نزعة التنافس أو التفاخر فيما بينهم ، ويزودوا رواة الأحاديث النبوية وعلماء الدين او مفسري القرآن بالمستندات والشواهد وقادت هذه الطريقة طه حسين إلى الشك بأمور كثيرة تتعلق بالتاريخ العربي أو تتصل بالدين من ذلك أنه رفض قصة الحجر الأسود ، ورفض وجود إبراهيم واسماعيل ، وقال :" أريد أن اصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء في أول هذا العصر الحديث يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربي وتاريخه أن ننسى عواطفنا القومية وكل مشخصاتها ، وأن ننسى عواطفنا الدينية وكل ما يتصل بها يجب ألا نتقيد بشيء ، ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح ذلك أنا إذا لم ننس هذه العواطف وما يتصل بها فسنضطر إلى المحاباة وإرضاء العواطف ، وسنغل عقولنا بما يلائمها وهل فعل القدماء غير هذا ؟ وهل أفسد علم القدماء شيء غير هذا ؟ وفي سياق هذا النهج عرض طه حسين لشواهد الكتب المقدسة ورفض أن يعتبرها حقائق تاريخية صحيحة .(466/242)
واتخذ الرافعي منه موقفاً واتهم طه حسين بالإلحاد ، ورأى فيه أخطر ملحد في الإسلام ، وطالب الحكومة بإتخاذ إجراءات ضده وأمام هذا الصخب المتعالي ، لم يجد طه حسين بداً من اللجوء إلى أساليب أكثر ليونة ، وإلى إعلان إيمانه ، وذلك من غير أن يعدل عن وجهه نظره بالنسبة إلى الفكر العلماني ، وقد عمد إلى كتابه " في الشعر الجاهلي " فأجرى فيه قلمه بعض الشيء ، وغير عنوانه ، فصار " في الأدب الجاهلي " ، وحذف منه فصلاً وأضاف إليه بعض الفصول ، وقال في مقدمة الطبعة الثانية : " وأنا أرجو أن أكون قد وفقت في هذه الطبعة الثانية إلى حاجة الذين يريدون أن يدرسوا الأدب العربي عامة والجاهلي خاصة من مناهج البحث وسبل التحقيق في الأدب وتاريخه (1) .
وقد جمع محمود مهدي الاستانبولي ما كُتب حول طه حسين والنقد الذي وُجه له في كتاب سماه طه حسين في ميزان العلماء والأدباء ، وكتب أنور الجندي أيضاً كتاباً سماه طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام ونقل الاتهامات التي وجهت ضده وهي :
الأول : أن المؤلف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في أخباره عن إبراهيم واسماعيل حيث ذكر في 26 من كتابه ما يلي :
" للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً ولكن
____________________________________________________
(1) ... الجامع في تاريخ الأدب العربي للفاخوري (2/344) .
ورود هذين الاسمين في التوارة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخي فضلا
عن إثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوارة من جهة أخرى " إلى أخر ما جاء في هذا الصدد .(466/243)
الثاني : ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعاً ، وأنه في كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله وأن هذه القراءات إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت لا كما أوحى الله بها إلى نبيه مع أننا معاشر المسلمين نعلم أن كل هذه القراءات مروية عن الله تعالى على لسان النبي ? .
الثالث : أن المؤلف طعن في كتابه على النبي ? طعنا فاحشاً من حيث نسبه فقال في ص72 من كتابه :
" ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه إلى قريش فلأمر ما أقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم ، و أن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بنى قصى وأن تكون قصى صفوة قريش وقريش صفوة مضر ومضر صفوة عدنان وعدنان صفوة العرب والعرب صفوة الإنسانية كلها " .
وقالوا أن تعدى المؤلف بالتعرض بنسب النبي والتحقير من قدره هو تعد على الدين وجرم عظيم يسىء إلى المسلمين والإسلام فهو قد اجترأ في أمر لم يسبقه كافر ولا مشرك .
الرابع : أن المؤلف أنكر أن للإسلام أولية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم إذ يقول في ص80 :
" أما المسلمون فقد أرادوا أن يثبتوا أن للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي اوحاه الله إلى الأنبياء من قبل " إلى أن قال في ص81" وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدد دين إبراهيم ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور ثم أعرضت عنه لما أضلها به المضلون وانصرفت إلى عبادة الأوثان " (1) .(466/244)
وأما الأفغاني فقد ولد سنة 1254هـ وتوفى سنة 1315هـ وهو محمد بن صفدر الحسيني ، جمال الدين : ولد في أسعد آباد ونشأ بكابل وتلقى العلوم وبرع في الرياضيات وسافر إلى الهند وحج ( سنة 1273هـ ) وعاد إلى وطنه ، فأقام بكابل وانتظم في سلك رجال الحكومة في عهد " دوست محمد خان " ثم رحل ماراً بالهند ومصر ، إلى ألاستانة ( سنة 1285) فجعل فيها من أعضاء مجلس المعارف ونفي منها ( سنة 1288) فقصد مصر ، وتتلمذ له الشيخ محمد عبده ، وكثيرون وأصدر أديب إسحاق ، وهو من مريديه ، جريدة " مصر " فكان جمال الدين يكتب فيها بتوقيع " مظهر بن وضاح " أما منشوراته بعد ذلك فكان توقيعه على بعضها " السيد الحسيني " أو " السيد " ونفته الحكومة المصرية ( سنة 1296) فرحل إلى حيدر آباد ، ثم إلى باريس وأنشأ فيها مع الشيخ محمد عبده جريدة " العروة الوثقى " ورحل رحلات طويلة ، فأقام في
_______________________________________________
(1) ... طه حسين لأنور الجندي ص178 .(466/245)
العاصمة الروسية " بطرسبرج " كما كانت تسمى ، أربع سنوات ، ومكث قليلاً في ميونيخ ( بألمانيا ) حيث التقى بشاه إيران " ناصر الدين " ودعاه هذا إلى بلاده ، فسافر إلى إيران ثم ضيق عليه ، فاعتكف في أحد المساجد سبعة أشهر ، كان في خلالها يكتب إلى الصحف مبيناً مساوئ الشاه ، محرضاً على خلعه وخرج إلى أوربا ونزل بلندن فدعاه " السلطان عبدالحميد إلى الآستانة ، فذهب وقابله ، وطلب منه السلطان أن يكف عن التعرض للشاه ، فأطاع وعلم السلطان بعد ذلك أنه قابل " عباس حلمي " الخديوي ، فعاتبه قائلاً : " أتريد أن تجعلها عباسية ؟ ومرض بعد هذا بالسرطان ، في فكه ، ويقال : دس له السم وتوفى بالآستانة ونقل رفاته إلى بلاد الأفغان سنة 1363 وكان عارفاً باللغات العربية والأفغانية والفارسية والسنكريتية والتركية ، وتعلم الفرنسية والانجليزية والروسية ، وإذا تكلم بالعربية فلغته الفصحى له " تاريخ الأفغان – ط " و " رسالة الرد على الدهريين – ط " ترجمها إلى العربية تلميذه الشيخ محمد عبده وجمع محمد باشا المخزومي كثيراً من آرائه في كتاب " خاطرات جمال الدين الأفغاني – ط " ولمحمد سلام مذكور كتاب " جمال الدين الأفغاني باعث النهضة الفكرية في الشرق – ط " في سيرته .
وقد اختلف الناس في حقيقة الأفغاني ، بين مدافع عنه ، وبين فاضح له ومن الذين كتبوا في ذلك :
1- ... دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام لمصطفى غزال وهي رسالة علمية بإشراف د 0 محمود الطحان .
2- ... جمال الدين الأفغاني المفترى عليه د 0 محمد عمارة .
3- ... حقيقة جمال الدين الأفغاني د 0 عبد النعيم حسنين .
وقد بين مصطفى غزال في رسالته ان دعوة الأفغاني هي :
1- ... دعوة سياسية .
2- ... دعوة إلى التفرنج باسم التجديد .
3- ... دعوة ظاهرها الإسلام وباطنها الزندقة .
4- ... دعوة إلى التحرر والإنحلال من القيود الشرعية .
5- ... دعوة إلى إتحاد فيدرالي باسم الجامعة الاسمية .
6- ... دعوة إلى توحيد الأديان الثلاثة .(466/246)
7- ... دعوة إلى وحدة الشرق بما فيه من ملل .
8- ... دعوة إلى القومية .
9- ... دعوة إلى الاشتراكية .
10- ... دعوة إلى الوطنية .
11- ... دعوة إلى السفور .
179-شمس العلوم ومثل تلك مصائب **** سحر وشعوذة من الكهان
شمس العلوم أي شمس المعارف لأحمد بن علي البوني ت سنة 622هـ وكتابه مطبوع .
قال الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله ورعاه : " هذا الكتاب من كتب الخرافيين ، وقد شحنه مؤلفه بالأكاذيب والخرافات الباطلة ، وفيه عقائد باطلة يكفر من اعتقدها ، وهو أيضاً مليء بأمور السحر والكهانة ، وأكثر من يقتنيه هم السحرة وأهل الشعوذة ؛ فقد حصل بسببه مفاسد وأضرار أوقعت جماعات كثيرة في أنواع من الكفريات والضلالة والضرر بالأمة ، فننصح كل مسلم بالبعد عنه ، ومن حصل عليه ؛ فيلحرقه ، كما ننصح المسلم بقراءة كتاب الله تعالى ، وكتب السنة المطهرة ، كالـ " الصحيحين " ، والسنن ، وكتب التوحيد الصحيحة ؛ ففيها ما يحفظ على المسلم دينه وأمانته ، والله أعلم "
فهذا الكتاب مليء بالكذب والزور والتمويه والإخبار – باطلاً – عن مستقبلات الحوادث وغائبات الأمور .
وقد حذر الشيخ علوي المالكي منه ، وذكره تحت فائدة " ذكر العلماء كتباً لا ينبغي للإنسان أن ينقل منها حديثاً إلا بعد المراجعة والتنقيب، بل بعضها يغلب فيه ذكر الأحاديث الموضوعة ... ... ." ، وذكر هذا الكتاب .
ويا ليت الشر الذي في هذا الكتاب مقتصراً على هذا الباب على خطورته ، ولكنه تعداه إلى صحيح التوحيد ؛ فهو كتاب " طلاسم " وسحر (1) .
__________________________________________________
(1) ... كتب حذر منها العلماء ( 1/124) .
180-جعلوا قضاء الله فعل كواكب **** كالثور والميزان والسرطان
181- شاهت وجوههم وخيب سعيهم **** علم النجوم نهاية الخذلان
علم أحكام النجوم ينقسم إلى أقسام :
منها : اعتقاد أن هذه الكواكب تدبر هذا الكون ، ومنها يصدر الخير والشر والسعادة والنحوسة .(466/247)
وهذا القسم وهو نسبة الاختراع والتدابير إلى الكواكب دون الله أو مع الله فهذا كفر ، يقتل صاحبه مرتداً بالإجماع فمن اعتقد هذا الاعتقاد فقد نحا نحو الصابئة : عبدة الكواكب الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام ، وصار على عقيدتهم وارتد عن الإسلام – والعياذ بالله - (1) .
____________________________________________________
(1) ... التنجيم والمنجمون للمشعبي ص255 والقول المقيد للعلامة العثيمين (2/102)
182-والباطنية هم أضل طريقة **** غرقى مع الإلحاد والكفران
الباطنية : لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر ، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة تخفى على الأغبياء والجهلاء .
أما عن نشأة الباطنية :
فيحدثنا أبو حامد الغزالي رحمه الله عن جذورها بقوله : " مما تطابق عليه نقله المقالات قاطبة أن هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب إلى ملة ، لأن مساقها ينقاد إلى الانسلال من الدين ، كانسلال الشعرة من العجين ولكن تشاور جماعة من المجوس والمزدكية ، وشرذمة من الثنوية الملحدين ، وطائفة كبيرة من الفلاسفة المتقدمين ، وضربوا سهام الرأي ، في استنباط تدبير يخفف عنهم ما أصابهم من استيلاء أهل الدين ، وينفس عنهم كربة ما دهاهم من أمر المسلمين .
وقالوا : " إن سبيلنا أن ننتحل عقيدة طائفة من فرقهم ، هم أركهم عقولاً، وأسخفهم رأياً ، وأطوعهم للتعريف بالأكاذيب المزخرفة ، وهم الروافض ، ونتباكى لهم على ما حل بآل البيت " آل محمد " ونتوصل إلى تطويل اللسان في أئمة سلفهم الذين هم قدوتهم ... ... .."
وحقيقة مذهبهم ومعتقداتهم :
أنه مذهب ظاهره الرفض ، وباطنه الكفر المحض ، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم وعزل العقول عن أن تكون مدركة للحق لما يعتريها من الشبهات .(466/248)
وقد ضمت هذه الحركة بين صفوفها جماعات مختلفة ، يجمعها هدف مشترك ، هو إفساد عقيدة المسلمين ، وجذبت إليها مفكرين وفلاسفة ، كإخوان الصفا وابن سينا ، وشعراء وأدباء كالمعري وأبي حيان التوحيدي .
انتشر دعاة الباطنيين في أنحاء العالم الإسلامي ، وصاروا يدعون إلى إسقاط الخلافة العباسية السنية ومضوا يغتالون الشخصيات التي تعارضهم ... ."
أما معتقدهم في الإمامة : فقد اتفقوا على أنه لابد في كل عصر من إمام معصوم قائم بالحق ، يرجع إليه في تأويل الظاهر وحل الإشكالات في القرآن ، والأخبار والمعقولات ، وأنه هو المتصدي لهذه الأمور واتفقوا على أن الإمام يساوى النبي في العصمة ، والاطلاع على حقائق الحق في كل الأمور ، إلا أنه لا ينزل عليه الوحي ، وإنما يتلقى ذلك من النبي فإنه خليفته ... ... ... وبإزاء منزلته ، ولا يتصور في زمان واحد إمامان ، كما أنه لا يتصور نبيان تختلف شريعتهما .
ولذلك أعلن الخلفاء الفاطميون الحرب على الخلفاء العباسيين بكل وسيلة .
ويتلخص معتقدهم في التكاليف الشرعية : في أن المنقول عنهم هو الإباحة المطلقة ، ورفع الحجاب واستباحة المحظورات واستحلالها ، وإنكار الشرائع .
إلا أنهم ينكرون ذلك إذا نُسب إليهم
وآخر دعواهم أن العارف بحقائق الأشياء هو المتصدي للإمامة بمصر ، ويجب على كافة الخلائق إطاعته ، والتعلم منه ، لينالوا بذلك سعادة الدنيا والآخرة !!.
نماذج من تأويلاتهم :
يعتبر الباطنيون أن كل ما ورد من ظواهر التكاليف الشرعية ، وقضايا الآخرة ، ما هو إلا رموز إلى بواطن الأمور .
ففي الشرعيات : الجنابة عندهم تعني مبادرة المستجيب لدعوتهم بإفشاء سر إليه قبل أن ينال رتبة استحقاقه لتلك الدعوة .
ومعنى الغسل : هو تجديد العهد على من فعل ذلك .(466/249)
ومجامعة البهيمة : معناها – عندهم – معالجة من لا عهد له ، ومن لم يؤد شيئاً من صدقة النجوي ، ولذلك أوجب الشارع القتل على الفاعل والمفعول به ، وإلا فالبهيمة متى وجب القتل عليها ؟ !
والزنا – عندهم – هو إلقاء نطفة العلم الباطن في نفس من لم يسبق معه عقد العهد والطهور ، هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى مبايعة الإمام
والصيام : هو الإمساك عن كشف السر .
والكعبة : هي النبي والباب علي ، والتلبية : إجابة الداعي الخ . من هذه التفاهات العجيبة .
أما المعاد : فزعم بعضهم أن النار والأغلال ، ما هي إلا مجموعة الأوامر التي تعني التكاليف ، أولوها وقالوا : هي طوفان العلم ، أغرق به المتمسكون بالسنة ، ونار إبراهيم عبارة عن غضب النمرود ، وليست ناراً حقيقية(1)
___________________________________________________
(1) ... الجهاد والتجديد لمحمد الناصر ص15 ، والعقائد الباطنية د 0 صابر طعمية ص14 ، والحركات الباطنية في العالم الإسلامي د 0 محمد الخطيب .
183-أتباع قرمط والجنابي كلهم **** يدعو الكواكب زج بالنيران
القرامطة : " 278-466هـ " :
كانت هذه الطائفة من أوائل الحركات الباطنية الهدامة في تاريخ المسلمين ، وكان قادتها من أشد الناس شراسة وتعطشاً لإراقة الدماء .
وكان من دعاتهم حسين الأهوازي : الذي حل السواد الكوفة ، واستطاع إغواء الهمج والرعاع ، ونقلهم إلى مذهب الإباحية والكفر ، واستباحة قتل المسلمين .
كان من أشياعه " حمدان قرمط " ولذلك سمى أتباعه بالقرامطة .
انتشرت هذه الدعوة الخبيثة في البحرين " القطيف وما حولها " واستجاب لها رجل يسمى : أبو سعيد الجنابي الفارسي الأصل ، والذي قاد الجيوش لحرب خليفة بغداد ، وتمكن من الانتصار على جيش الخليفة ، وقتل كل الأسرى .(466/250)
وفي سنة (290هـ) امتد نشاط القرامطة على يد هذا الخبيث " أبو سعيد الجنابي " إلى بلاد الشام ، فحاصروا دمشق وقتلوا كثيراً من سكانها ، ثم قتل قائد القرامطة على أبواب دمشق ، ثم توجه القرامطة نحو بقية مدن الشام : حمص وحماة ومعرة النعمان وسليمة ، فنشروا فيها الرعب والدمار ، وأكثروا من القتل والفساد .
ومن زعماء قرامطة البحرين : أبو طاهر الجنابي ، وجرائمه كثيرة ، هاجم الكوفة ، واعترض قافلة الحجاج عائدة إلى العراق فنهبهم وتركهم في الصحراء ، فمات أكثرهم جوعاً وعطشاً .
ومن أقبح جرائمه ، هجومه على مكة ، وتعرضه للحجاج ، وقتله كل من وجده في المسجد الحرام ، وألقى بجثثهم في بئر زمزم ، وذلك في عام 317هـ
قال ابن كثير رحمه الله في هذه الطائفة المارقة : " وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحاداً عظيماً وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين .
ومعلوم أنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس ، بل ومن عبدة الأصنام " (1) .
وقرمط توفى سنة 293، قال الزركلي :(466/251)
قرمط : رأس " القرامطة " من الباطنية وإليه نسبتهم اختلف في اسمه وأصله . قيل " حمدان " أو " الفرج بن عثمان " أو " الفرج بن يحيى " وقرمط لقبه و النسابون يضبطونه بكسر القاف والميم ، بينهما راء ساكنة واللغويون يفتحون القاف والميم ؛ وعن هؤلاء أخذ الفرنج فسموه " Karmath" أصله من خوزستان وعرف في سواد الكوفة ( سنة 258هـ ) فكان يظهر الزهد والتقشف واستمال إليه بعض الناس ، فأراهم كتابا قيل : أوله " بسم الله الرحمن الرحيم يقول الفرج بن عثمان ، وهو عيسى ، وهو الكلمة ، وهو المهدي ، وهو أحمد بن محمد ابن الحنفية ، وهو جبريل" وفي الكتاب كثير من كلمات الكفر والتحليل والتحريم وكثر أتباعه والسالكون سبيله ، فكان منهم " زكرويه بن مهرويه " " وأبو سعيد " الحسن بن بهرام " الجنابي ، كلاهما في جهات القطيف والبحرين ، وقام بنو القليص بم ضمضم (من بني كلب ابن وبرة) بدعوته بين العراق والشام ؛ و " علي بن الفضل " في اليمن ولا تزال بقاياهم إلى اليوم في جبل " الكلبية " باللاذقية ، وفي " نجران " باليمن ، وفي " القطيف " غربي الخليج الفارسي .
واندمج أكثرهم في الإسماعيلية والنصيرية وغيرهما من طوائف الباطنية وتداخلت
_________________________________________________
(1) ... الجهاد والتجديد لمحمد الناصر ص20 .
أخبار صاحب الترجمة " قرمط " في كتب التاريخ ، بأخبار دعاته ، والأرجح أنه هو الذي قبض عليه عامل " الرحبة " سنة 293 وقتله المكتفي بالله العباسي وفي " المنتظم " لابن الجوزي شرح لبعض أحوال القرامطة يرجع إليه .
184- فكأنه أخذ الضلال مركباً **** من مزدك وأخي الجهالة ماني
ماني نسب إليه المانوية وهو ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في عصر الملك سابور بن أردشير ، وهو بعد عصر المسيح عيسى ابن مريم .
ومبادئها النور والظلمة ، وأنهما أزليان لم يزالا ولن يزالا ومن مبادئ المانوية :
(أ ) ... دفع عُشر الأموال .
((466/252)
ب ) ... وأربع صلوات في اليوم والليلة .
(ج ) ... الدعاء إلى الحق .
(د ) ... ترك الكذب والقتل والسرقة والزنا والبخل والسمر .
(هـ) ... ترك عبادة الأوثان(1) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
ظهر رجل فارسي يقال له ( ماني ) فأظهر دين المانية ، وزعم أنه نبي ، فأخذه بهرام بن بهرام ملك الفرس فشقه نصفين ، وأخذ من أصحابه وممن يقول بقوله مائتي رجل ، فغرس رؤوسهم في الطين منكسين حتى ماتوا منكسين (2) .
والمزدكية : دين يتفرع عن الديانة الفارسية ( المجوسية ) ، ظهر به الفيلسوف الفارسي " مزدك " في ( القرن 2 ق0م) ، زمن الملك الفارسي ( قباد ) الذي أجابه إلى مذهبه الجديد ، ولكن خلفه الملك الفارسي ( أنوشروان) لم يتبعه ، بل أنه قتله كان ( مزدك ) ينهي عن الاختلاف بين الناس ، ولما كان أكثر ذلك ____________________________________________________
(1) ... الملل والنحل للشهرستاني (2/244) .
(2) ... الجواب الصحيح (4/202) .
يقع بسبب النساء والأموال ، فقد جعلها مشاعة بين الناس ، حيث أباح النساء وأحل الأموال ! (1) .
_________________________________________________
(1) ... العنصرية اليهودية د 0 أحمد الزغيبي (3/340) ، والملل والنحل (2/249) .
185- وغلام مرزا كاذب متهتك **** وكذا البهائي ظاهر البهتان
وغلام مرزا هو مؤسس فرقة القاديانية .
والقاديانية حركة نشأت سنة 1900م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية ، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص ، حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام ، وكان لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية .(466/253)
وكان مرزا غلام أحمد القادياني 1839-1908م أداة التنفيذ الأساسية لايجاد القاديانية وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م ، وكان ينتمي إلى أسرت اشتهرت بخيانة الدين والوطن ، وهكذا نشأ غلام أحمد وفيا للاستعمار مطيعاً له في كل حال ، فاختير لدور المتنبيء حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهادهم للاستعمار الانجليزي وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم ، فأظهروا الولاء لها ، وكان غلام احمد معروفاً عند اتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات .
وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة ، الشيخ ابو الوفا ثناء الله الأمر تسري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند ، حيث ناظره وأفحم حجته ، وكشف خبث طويته ، وكفر وانحراف نحلته ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق ، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام أحمد القادياني في عام 1908م مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً ، ومن أهم كتبه : إزالة الأوهام ، إعجاز أحمدي ، براهين أحمدية ، أنوار الإسلام ، إعجاز المسيح ، التبليغ ، تجليات إلهية .
الأفكار والمعتقدات :
بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار ثم ادعى أنه مجدد وملهم من الله ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد ?
يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطيء ويجامع – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
يعتقد القادياني بأن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية.
تعتقد القاديانية بأن النبوة لم تختم بمحمد ? بل هي جارية ، والله يرسل الرسول حسب الضرورة ، وان غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً .
يعتقدون أن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه ، وأن إلهاماته كالقرآن .(466/254)
يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود ( الغلام ) ، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته ، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد .
يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم (1) .
والبهائي ولد سنة 1233هـ ، وتوفى سنة 1309هـ
وهو حسين علي نوري بن عباس بن بزرك، الميرزا ، المعروف بالبهاء ، أو بهاء الله " رأس "البهائية " و مؤسسها إيراني مستعرب أصله من بلدة نور (بمازندران) وإليها نسبته من أسرة ظهر فيها وزراء وعلماء ولد بها – وقيل : بطهران – ____________________________________________________
(1) ... الموسوعة الميسرة في الأديان إشراف د 0 مانع الجهني (1/419) ، وذيل الملل والنحل لمحمد سيد كيلاني (2/57) .
واعتنق " دعوة " كان علي بن محمد الشيرازي ، الملقب بالباب ، قد قام بها ،
ظاهرها الإصلاح الديني والاجتماعي وباطنها تلفيق عقيدة جديدة من أديان ومبادىء مختلفة . وقتل الباب رمياً بالرصاص في تبريز ( سنة 1266هـ – 1850م ) فخلفه البهاء في دعوته ، فاتهم بالاشتراك في مؤامرة ، لاغتيال ناصر الدين شاه ( ملك إيران ) انتقاماً للباب فاعتقل ، وأبعد ، فنزل ببغداد ، وأقام 12سنة قضى بعضها في أطراف السليمانية يبشر ببدعته وضج منه علماء العراق ، فأخرجته حكومة بغداد ، فقصد الآستانة ن وقاومه شيوخها ، فنفي إلى " أدرنة " حيث أقام نحو خمس سنين " أرسل بعدها إلى سجن عكة ( بفلسطين ) عام 1868م ، ثم افرج عنه ، فانتقل إلى البهجة ( من قرى عكة ) والتف حوله مريدوه ، وتوفى بها ودفن في حيفا من آثاره ما سماه " الكتاب الأقدس – ط " كتبه بالعربية ، و " الإيقان – ط " بالفارسية وقد ترجم إلى العربية واللغات الأجنبية و " الهيكل – ط " أكثره بالعربية و " الألواح – ط " مجموعة رسائل بالعربية والفارسية .
الأفكار والمعتقدات :
يعتقد البهائيون ان الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جمع الأشياء .(466/255)
يقولون بالحلول والاتحاد والتناسخ وخلود الكائنات وأن الثواب والعقاب إنما يكونان للأرواح فقط على وجه يشبه الخيال .
يقدسون العدد 19 ويجعلون عدد الشهور 19 شهراً وعدد أيام الشهر 19 يوماً وقد تابعهم في هذا الهراء المدعو محمد رشاد خليفة حين ادعى قدسية خاصة للرقم 19 ، وحاول إثبات أن القرآن الكريم قائم في نظمه من حيث عدد الكلمات والحروف على 19 ولكن كلامه ساقط بكل المقاييس .
يقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزاردشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس الأول .
يوافقون اليهود والنصارى في القول بصلب المسيح .
يؤولون القرآن تأويلات باطنية ليتوافق مع مذهبهم .
ينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن كما ينكرون الجنة والنار(1) .
وقد ألف العلماء المسلمون كتباً كثيرة في الرد على الطوائف المنحرفة وهناك كتب مستقلة في الرد على الباطنية والقرامطة ، والقاديانية ، والبهائية وما ذكرناه هو شيء يسير عن هؤلاء .
إلى هنا نصل إلى نهاية هذا الشرح على نونية القرني التي حوت الفوائد الكثيرة ، وفي الختام أود أن أنقل ما كتبه الشيخ عائض القرني عن عقيدته في رسالة بعنوان ( هذه عقيدتي ) فقال حفظه الله .
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً وتوحيداً .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ? وعلى آله وسلم تسليما مزيدا ... ... ..وبعد ،،،
فهذه عقيدتي التي أعتقدها واسأل الله الثبات عليها حتى ألقاه .(466/256)
آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله . وآمنت بما جاء عن الله على مراد الله ، وبما جاء عن رسوله على مراد رسول الله وآمنت بما وصف الله به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله ? من غير تحريف لا يدل عليه لفظ الكتاب والسنة ومن غير تكييف يبحث عن كنه الصفة ومن غير تمثيل يمثلها لصفات المخلوقين ? ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ? .
فلا ننفي عن ما وصف به نفسه ، ولا نحرف الكلم عن موضعه ولا نلحد في أسماءه بأن ننكر شيئاً منها أو مما دلت عليه أو نجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين أو نسميه سبحانه بما لم يسم به نفسه أو نشتق من أسمائه أسماء للأصنام .
ولا نلحد في آياته بصرفها عما دلت عليه وتحميلها ما لا تحتمله ولا نمثل بصفات خلقه لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفوا له ولا ند له ولا شبيه له ولا يقاس بخالقه تعالى.
فنشهد أنه حي قيوم عليم حكيم ، لطيف خبير ، سميع بصير قوي عزيز ، أول وآخر ظاهر وباطن وبكل شيء عليم ، وأنه الرزاق ذو القوة المتين وأنه فعال لما يريد وأنه على كل شيء محيط وبكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه يحب ويبغض ويرضى ويسخط ويكره ويأتي يوم القيامة وينزل في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله ويتكلم بما شاء متى شاء والقرآن كلامه منه بدأ وإليه يعود . وأنه يرى ويسمع ويعفو وينتقم إلى غير ذلك من صفاته التي هي صفات كمال لا نقص فيها ولا عيب .
ونؤمن بملائكة الله عز وجل أنهم خلق من خلقه لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وإنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون وقد وكلهم الله بأعمال كالنزول بالوحي من الله على رسله وحفظ العباد بأمر الله وكتابة الحسنات والسيئات وغير ذلك ونؤمن بكتب الله المنزلة التي عرفناها والتي لم نعرفها كصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى والقرآن الذي نزل على رسولنا ? .(466/257)
ونؤمن برسل الله عليهم الصلاة والسلام وإنهم بشر معصومون يبلغون رسالات الله وليسوا بإلاه هم عباد مصطفون وقد فضل الله بعضهم على بعض ومن أنبياء ورسل وأولوا العزم خمسة وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام وأفضلهم وخاتمهم محمد ? .
ونؤمن باليوم الآخر وما جاء فيه من نعيم القبر وعذابه والحساب والميزان والحوض والصراط والجنة والنار والشفاعة ونشر الدواوين وإعطاء الصحف .
ونؤمن بالقدر وأنه من عند الله وأن الله علم المقادير وكتبها وقدرها كما شاء جل في علاه ولا نقول بقول الجبرية الذين يزعمون أن العبد مجبور على أفعاله لا قدرة له عليها وأن أفعاله بمنزلة حركات الأشجار . ولا نقول بقول القدرية الذين نفوا تعلق قدرة الله بأفعال العباد فأفعال العباد عندهم لا تدخل تحت مشيئة الله وقدرته .
ونعتقد أن الإيمان قول : اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان ، ولا نقول بقول المرجئة الذين جعلوا الإيمان فقط تصديق القلب وأخرجوا عنه جميع الأعمال الباطنة والظاهرة وجوزوا على الله أن يعذب المطيعين وأن ينعم العاصين ، ولا نقول بقول : الوعيدية من القدرية الذين خلدوا في النار كل من مات مصرا على الكبائر دون الشرك ، بل نقول بقول : أهل السنة والجماعة من أن الإيمان اسم جامع لجميع العقائد الدينية والأعمال القلبية والبدنية وأنه قد يبقى ناقصاً إذا تجرأ المؤمن على المعاصي بدون توبة وأن الله لا يظلم من عباده أحداً ، ولا يعذب الطائعين بغير جرم ولا ذنب وأنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولو فعل الكبائر كما تواترت بذلك نصوص الكتاب والسنة .(466/258)
ولا نقول بقول : الحرورية من الخوارج الذين يكفرون عصاه المؤمنين ويخلدونهم في النار ولا بقول : المعتزلة الذين يقولون في العصاة : ليسوا بمسلمين ولا بكافرين ويخلدونهم في النار ، ونرضى عن أهل بيت الرسول ? الأطهار وعن الصحابة الأخيار من المهاجرين والأنصار ونحبهم ونذب عن اعراضهم لأن الله زكاهم ورضى عنهم ومدحهم وعدلهم .
ولا نقول بقول الرافضة : ونبرأ إلى الله من مذهبهم في سب الصحابة ولعنهم وربما كفروهم ونبرأ من مذهبهم فإنهم قاتلوا الصحابة وكفروهم واستحلوا دماء المسلمين .
ولا نقل بقول النواصب : الذين سبوا أهل بيت الرسول ? وناصبوا العداء والبغضاء بل نذهب مذهب أهل السنة والجماعة فنعترف بفضل أصحاب الرسول ? وأنهم أفضل الأمة ولا نغلوا فيهم ولا نقول : بعظمة أحد غير الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام .
ولا نقول بقول الخوارج : مع الولاة فإنهم يكفرون بالكبيرة ويخرجون على ولاة الجور ويجردون عليهم السيف وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة بل نسمع ونطع لمن ولاه الله أمرنا ولا نخرج عليه ما لم نرى كفراً بواحاً ظاهراً عندنا فيه من الله برهان ونصلي وراءهم ونجاهد معهم وننصحهم وندعوا لهم ونرى أن الله عز وجل لا يرى في الدنيا لقوله لموسى ? لن تراني ? وأنه يُرى سبحانه في الآخرة لقوله تعالى ? وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ? وقوله ? " أنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته .
ولا نرى رأي الجهمية المعطليه الذي عطلوا أسماء الله وصفاته ونفوها وجردوها من معانيها بل نثبت أسماء الله وصفاته لما جاء بها الكتاب والسنة على وجه يليق بجلال الله سبحانه من غير تكييف ولا تمثيل ، ولا تشبيه ولا تعطيل .
ولا نرى رأي المعتزلة الذين أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات ومذهبهم في ذلك باطل ، ولا مذهب الأشاعرة الذين أثبتوا الأسماء وسبع صفات فحسب بل نثبت كل الصفات لأن القول فيما أثبتوه كالقول فيما نفوه .(466/259)
ولا نتبرك بالقبور ولا نحلف بغير الله ولا نغلو في الصالحين ولا نبتدع في الدين ولا نوالي الكافرين ونحم تعليق التمائم والودع والذهاب إلى السحرة والعرافين والكهنة ولا ندعي علم الغيب ونثبت الهجرة للرسول والكرامة للولي الصالح بشرطها ، ونرى أنه لا يسع أحد الخروج على الكتاب والسنة كائناً من كان ولا نقنط أحداً من رحمة الله ولا نؤمنه من مكر الله ونرى تحريم الاستهزاء بالدين وأنه كفر صريح ، ونرى تحريم التشبه بالكفار ، ونبرأ إلى الله من فعل اليهود مع الأنبياء لأنهم كذبوهم وقتلوهم ، ونبرأ من فعل النصارى لأنهم ألهوهم بل نؤمن بالرسل عليهم السلام ونصدقهم ونرى عصمتهم وأنهم أفضل البشر ونبرأ إلى الله من قول السبئية في تأليه علي بن أبي طالب ومن قول الرافضة في أبي بكر وعمر وعائشة الطاهرة المطهرة ومن قول الجعد بن درهم من أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى تكليماً ومن قول ابن الجهم وبشر المريسي وابن أبي داود من أن القرآن مخلوق ومن قول ابن سينا أن الله يعلم بالكليات لا الجزئيات وقوله بقدم العالم قبل خالقه بل الله هو الأول خالق كل شيء وبقوله أن المعاد للأرواح فحسب ، ونرى أن أعظم ما يدعى إليه التوحيد وأن أفضل الأئمة بعد نبيها أبو بكر فعمر فعثمان فعلي على منزلة في الخلافة ونكف عن ما شجر بين الصحابة ولا ننشر أخطاءهم بل نترضى عليهم ونحبهم ونتولاهم ونلتمس لمخطئهم العذر ، ونرى أن من أفضل الأعمال طلب العلم النافع وهو علم الكتاب والسنة ، ونرى وجوب توقير علماء الملة ومحبتهم واحترامهم ، ونحب أهل الحديث بخاصة ، ولا ننخدع بحال أحد مهما فعل حتى يوافق الكتاب والسنة وندعو لسلامة القلب من الشرك والرياء والعجب والكبر والخيلاء والحسد والحقد والغل والغش وسلامة اللسان من الكذب واللعن والسب والشتم والاستهزاء والغيبة والنميمة وسلامة المطعم من الحرام وندعو إلى تقوى الله وحبه وطاعته والخوف منه ورجاؤه والرهبة منه(466/260)
والرغبة إليه والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه مع التوبة من الذنوب والإقلاع عن المعاصي ، وندعوا للصدق والصبر والوفاء بالعهد والأمانة والعدل في الأقوال والأمانة وحسن الخلق والتواضع والكرم والشجاعة والزهد وقصر الأمل وكثرة ذكر الله وتلاوة القرآن والتزود بالنوافل والصدقة والبر ورحمة اليتيم والمسكين والأرملة والصغير ، واحترام الولاة العادلين والعلماء العاملين وحملة القرآن المتقين والكبار المستبين ، وإمامنا رسول الله ? ومرجعنا الكتاب والسنة ، وخيرنا أتقانا ، ونفعل السبب مع التوكل ، ونعمل بالمأمور ونجتنب المحذور ، ونصبر على المقدور ، ونشهد بالجنة لمن شهد له بها رسولنا ? ، وندعو للأخوة الإيمانية ونحث على الأخلاق الإسلامية ، وننهى عن الحزبية التي تورث الخلاف والشقاق والبغضاء ونكفر تارك الصلاة ونرى وجوب صلاة الجماعة ونحل ما أحل الله ورسوله ونحرم ما حرم الله ورسوله ولا نخلع يداً من بيعة ولا نشق عصا الجماعة ولا نفرح بمصائب المؤمنين وندعو إلى الله بالحكمة ولا نقول بقول بعض المخالفين أن من أهم مطالب الدين إقامة الإمامة أو الخلافة بل أهم المطالب وأجل المقاصد توحيد رب العالمين ولا نقول بقول الصوفية : من أن العلم علم الخرق لا علم الورق بل نقول : العلم قال الله قال رسوله ? .(466/261)
ولا نذهب مذهب المتعصبة من الفقهاء الذين جعلوا أقوال أئمتهم حجة عند التنازع فقلدوهم بلا دليل وقدموا كلامهم هوى وتشهياً بل نقدم كلام الله وكلام رسوله على كلام أي أحد كائناً من كان ونعتصم بالدليل ونقبل الحق ممن قاله ولو خالف ما كنا عليه ، ونأخذ القرآن والسنة على فهم الصحابة وسلف الأئمة وائمة الدين كابن المسيب والحسن البصري والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ومن وافقهم ، ونرد ولا نقبل قول واصل بن عطاء وعمر وبن عبيد والجهم بن صفوان والجعد بن درهم وابن الجهم والمريسي والزمخشري ، وننهي عن علم الكلام لأنه طريق الجدل والخصام ، ونحذر من الفلسفة ومنطق اليونان وقد كفانا ما في القرآن وما جاء به سيد ولد عدنان ، وليس لنا إلا عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى ولا نرى عيد المولد ونرى المسح على الخفين وتحريم زواج المتعة.
ورضى الله مقصدنا والجنة مطلبنا والشريعة مرجعنا والحديث الصحيح مذهبنا ، وجهاد الكفار ماضٍ إلى يوم القيامة وباب الاجتهاد في الشريعة مفتوح ولكل مائة عام مجدد من أهل السنة والجماعة سواء كان في باب الحديث أو الفقه أو الأمر والنهي أو الولاية العامة أو الجهاد .
وكتب الحديث المعتبرة هي الصحيحان والسنن الأربع ومسند أحمد والدارمي وموطأ مالك وصحيح ابن حبان والحاكم وسنن البيهقي والدارقطني ومعاجم الطبراني الثلاثة ونحوها وكتب التفاسير المعتمدة كتفسير الطبري والبغوي وابن كثير وابن سعدي والشنقيطي ونرشد طالب العلم إلى كتب ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وكتب الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة .
واعلم أن الغزالي أمات الدين بإحياءه وان ابن سينا أمرض القلوب بشفائه وأن الزمخشري أظلم الجو بكشافه وأن أبا الفرج الأصفهاني كدر النفوس بأغانيه وغناءه ، وأحذر من مزالق الجاحظ في تأليفه ومن سقطات كل مبتدع في تصانيفه .(466/262)
وعليك بتصانيف المتأخرين كالصنعاني والشوكاني وأئمة الدعوة واقرأ لابن باز وابن عثيمين وبكر أبو زيد ، فإنها الشهد المذاب والروح واللباب .
وننكر أفعال الحجاج وطريقة الحلاج وأبيات المعري وتوجهات العلمانيين .
وليس أحد من الأمة قوله حجة على غيره إلا محمد ? فهو الذي يدور معه الحق حيث دار ، فعلى قوله توزن الأقوال وعلى فعله تقاس الأفعال ، وعلى حاله تضرب الأحوال فهو المعصوم من الزلل ، السليم من العلل ، البريء من الخلل .
هذا وإني استغفر الله وأتوب إليه من كل قول قلته أو كتبته أو فعل فعلته يخالف كتاب الله وسنة رسوله ? وقد كتبت رسالة بعنوان المراجعات اعتذرت فيها عن العبارات التي سلفت مني شعراً أو نثراً زمن الشباب في مثل ديواني لحن الخلود والله المسئول وحده أن يتجاوز عنا وأن يرحمنا وأن يلطف بنا أنه سميع مجيب عليه توكلت وإليه أنيب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين .
المصادر والمراجع
1- ... حاشية ابن قاسم على الدرة .
2- ... معجم البلدان للحموي .
3- ... الأنساب للسمعاني .
4- ... لب اللباب للسيوطي .
5- ... نهاية الأرب للقلقشندى .
6- ... مسند الإمام أحمد .
7- ... مسند الإمام أحمد المحقق د0حمزة الزين
8- ... المستدرك للحاكم
9- ... مجمع الزوائد للهيثمي .
10- ... مقامات الهمزاني بشرح محي الدين .
11- ... مقامات الحريري بشرح القيسي .
12- ... مقاما السيوطي .
13- ... ليالي سطيح للحافظ إبراهيم .
14- ... د0 محمد المليجي .
15- ... لامية العرب بشرح الزمخشري ، والمبرد وابن ذاكور المغربي وابن عطاء المهدي
16- ... لامية العجم للطغرائي بشح الصفدي .
17- ... لامية ابن الورى – بشرح القنارى وسماه فتح الرحمن .
18- ... همزة البوصيري – بشرح ابن حجر الهيثمى وشرحها محمد شلبي باقتباس من ابن حجر وشرح الجمل .
19- ... سينية البحتري في ديوانه .
20- ... البحتري بين نفاة عصره .
21- ... بائية ذى الرمة شرحها ابو بكر الصنوبري .(466/263)
22- ... نونية عمرو بن مكتوم التغلبي في شرح المعلقات للقاضي الرزوني .
23- ... نونية القحطاني .
24- ... نونية ابن القيم بشرح ابن عيسى وابن سعدي – وهراس
25- ... نفحات ولفحات للقرضاوي .
26- ... النقد الدبي الحديث د 0 محمد الهلال .
27- ... النقد الأدبي للسيد عزلان – ومحمد حمزة .
28- ... المحتسب لابن جنى
29- ... النحو الوافى .
30- ... الحركة الأدبية في السعودية – د 0 بكري أمين .
31- ... جواهر البلاغة للهاشمي .
32- ... النقد الأدبي – د 0 محمد كافود .
33- ... المنصف لابن وكيع في اظهار سرقات المتنبى .
34- ... العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده .
35- ... كتاب الصناعتين الكتابة والشعر .
36- ... الوساطة بين المتنبي وخصومه .
37- ... تاريخ النقد في الأندلس للدكتور محمد الدرية .
38- ... نونية القحطاني .
39- ... البلاغة العربية .
40- ... موسوعة الأمثال د 0 أميل .
41- ... يتيمة الدهر للثعالبي .
42- ... لوامع النوار للسفاريني .
43- ... تفصيل المقال على حديث كل أمر ذي بال – د 0 عبدالغفور البلوشي
44- ... حاشية السيوطي على البيضاوي المسمى بنواهر الأفكار .
45- ... كشف الخفا للعجلوني .
46- ... شرح الهمزية للهيثمي .
47- ... جامع البيان للطبرى .
48- ... النهج الأسمى لمحمد المحمود .
49- ... شرح الاسماء الحسنى للرازي .
50- ... شرح الفصيح للزمخشري .
51- ... البخاري .
52- ... فتح القدير للشوكاني .
53- ... الأسماء والصفات للبيهقي .
54- ... علوم الحديث للحاكم .
55- ... أخلاق النبي ? لأبي الشيخ .
56- ... كنز العمال للمتقي الهندي .
57- ... الترغيب لابن القيم
58- ... كتاب الشكر لابن أبي الدنيا .
59- ... الصحاح للجوهري .
60- ... المنهاج للحليمي .
61- ... المقصد السني .
62- ... السنة لإبن أبي عاصم .
63- ... فتح الباري لابن حجر .
64- ... لسان العرب لابن منظور .
65- ... النهاية لابن الأثير .
66- ... سنن الترمذي .
67- ... ابن ماجة .
68- ... شأن الدعاء .
69- ... توضيح الكافية للسعدي .
70- ... الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم المرادى .
71- ... تفسير القرطبي .
72- ... حروف المعاني للزجاجي .(466/264)
73- ... رصف المباني للمالقي .
74- ... تفسير الألوسي .
75- ... فروق اللغة للدكتور الشايع .
76- ... تفسير ابن عطية .
77- ... تفسير ابن كثير .
78- ... الفروق لابي هلال العسكري .
79- ... التنبيهات السنية للرشيد .
80- ... ترجمان السنة للمؤلف .
81- ... جلاء الأفهام لابن القيم .
82- ... بدائع الفوائد لابن القيم .
83- ... تهذيب اللغة للزهري .
84- ... المحيط لابن عباد .
85- ... مجموع الفتاوى لابن تيمية .
86- ... إعلام المسلمين بعصمة النبيين لاسحاق المكي .
87- ... وعصمة الأنبياء للدكتور محمود ماضي .
88- ... عصمة الأنبياء للرازي .
89- ... أصول الدين للبغدادي .
90- ... العقيدة د 0 نصار .
91- ... تفسير خازن .
92- ... حاشية الباجوري على السلم .
93- ... معجم قبائل العرب لكحالة .
94- ... سيرة ابن اسحاق .
95- ... السيرة النبوية لابن هشام .
96- ... تاريخ ابن خلدون .
97- ... تاريخ طبرى .
98- ... عيون الأثر لابن سيد الناس .
99- ... شرح أبيات مغني اللبيب .
100- ... التذكرة للقرطبي .
101- ... معارج سلم الوصول للحكمي .
102- ... الحياة الآخرة د 0 غالب عواجي .
103- ... الروضة الندية شرح الواسطية لزيد بن فياض .
104- ... المفردات للراغب .
105- ... الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة للعلوى .
106- ... أخطاء لغوية معاصرة د0 عبدالله العبادي .
107- ... الوسيط .
108- ... معجم لاروس .
109- ... شرح قطرى الندى .
110- ... تفسير القاسمي .
111- ... صحيح مسلم .
112- ... أبو داود .
113- ... البنائس .
114- ... المفهم للقرطبي .
115- ... شرح مسلم للقاضي عياض .
116- ... حاشية الصبان على الأشموني .
117- ... حاشية الخضري على ابن عقيل .
118- ... حاشية الحمصي على شرح التصريح .
119- ... المقتضب للمبرد .
120- ... همع الهوامع للسيوطي .
121- ... مختصر الصواعق .
122- ... الكنز العظم في تعيين الاسم الأعظم لمحمد موسى الروحاني .
123- ... صحيح ابن حبان .
124- ... تفسير الدر المصون للسمين .
125- ... تفسير الوسيط للواحدي .
126- ... تفسير السعدي .
127- ... زاد المسير لابن الجوزي .
128- ... معتقد أهل السنة للتميمي .
129- ... تفسير السمرقندي .(466/265)
130- ... تفسير الماوردي .
131- ... تفسير النفسي
132- ... السلسة الصحيحة لألباني
133- ... تفسير الرازي .
134- ... نونية ابن القيم بشرح هراس .
135- ... النظم الدرر في تناسب الآيبات والسور للبقاعي .
136- ... الرسالة الكبرى في البسملة للصبان .
137- ... أسد الغابة .
138- ... التاريخ لابن معين .
139- ... تاريخ خليفة بن خياط .
140- ... التاريخ الكبير للبخاري .
141- ... الجرح والتعديل .
142- ... الغاني لأبي الفرج .
143- ... تهذيب الكمال .
144- ... تهذيب التهذيب
145- ... خلاصة تهذيب الكمال .
146- ... شذرات الذهب .
147- ... الاسقيعات على حاشية الاصابة .
148- ... سنن الكبرى للبيهقي .
149- ... مصنف عبدالرزاق .
150- ... تقريب التدمرية لابن عثيمين .
151- ... الشعر والشعراء لابن قتيبة .
152- ... الأعلام للزركلي .
153- ... أدباء العرب لبطرس البستاني .
154- ... كفاية الأرب للنويري .
155- ... معجم ألقاب الشعراء للعاني .
156- ... معاهد التنصيص .
157- ... خزانة الأدباء .
158- ... جريدة المسلمون بتاريخ 30/1/1419.
159- ... مجلة المجتمع العدد 1300-23 محرم 1419 ما نقله الغامدي .
160- ... أسواق العرب لأفعاني .
161- ... المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام .
162- ... ديوان المتنبي بشرح العكبري .
163- ... العرف الطيب .
164- ... المفصل في تاريخ الدب لعلي الجارم .
165- ... تاريخ آداب اللغة العربية .
166- ... التحرير والتنوير لابن عاشور .
167- ... المعجم المفصل في الاعراب د 0 اميل .
168- ... شرح البرقوقي على المتنبي .
169- ... شرح المتنبى للواحدي.
170- ... المجموع الثمين لابن عثيمين .
171- ... نزهة النظر لابن حجر .
172- ... الواسطية مع التنبيهات السنية لعبد العزيز الرشيد .
173- ... الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج للغماري .
174- ... موافقة الخبر الخبر للحافظ ابن حجر .
175- ... التلخيص الحبير لابن حجر .
176- ... سلسلة الضعيفة للألباني .
177- ... الكواشف الجلية للسلمان.
178- ... ظاهرة الشذوذ في النحو العربي د 0 فتحي الرحيني .
179- ... الزهر في اللغة للسيوطي .
180- ... شرح جوهرة التوحيد للبيجوري .(466/266)
181- ... ترتيب القاموس المحيط .
182- ... اصول الفقه وابن تيمية – للدكتور صالح المنصور .
183- ... الروض المعطار للحميرى .
184- ... التصريح .
185- ... الانصاف .
186- ... اللباب في تحرير الأنساب لابن الثير .
187- ... منهاج السنة لابن تيمية .
188- ... الروضة الندية .
189- ... نصح الأمة في فهم أحاديث افتراق الأمة – للهلالي .
190- ... افتراق الأمة للصنعاني .
191- ... كشاف القناع .
192- ... شرح السنوسية الكبري لعبد الفتاح بركة .
193- ... منازل السائرين – تحقيق عبدالله الأنصاري وبتحقيق د 0 سميح دغيم
194- ... حاشية معجم البلدان للحموي .
195- ... الألفية في الآداب الشرعية .
196- ... المنتظم في تاريخ الاسم والملوك .
197- ... درء التعارض .
198- ... الاستقامة لابن تيمية .
199- ... سير أعلام النبلاء .
200- ... حاشية المير على شرح عبدالسلام على جوهرة اللقاني .
201- ... الطبقات الكبرى .
202- ... كفاية الاقدام .
203- ... منهج الشهرستاني في الملل والنحل لمحمد السحيباني .
204- ... شرح الطحاوية .
205- ... المباحث المشرقية للرازي محقق محمد البغدادي .
206- ... شرح النونية .
207- ... جمهرة الأمثال للعسكري .
208- ... مجمع الأمثال للميداني .
209- ... المستقصي للزمخشري .
210- ... ذم الكلام .
211- ... الرسالة .
212- ... تاويل مختلف الحديث .
213- ... التوحيد لابن خزيمة مع حاشية المحقق .
214- ... مناهج المحدثين لسعد الحميد .
215- ... الرد على معتقد قدم العالم والحد .
216- ... القدم النوعي للعالم .
217- ... علم الفلك د 0 يحيى الشامي .
218- ... شيخ الجيلاني وأراءه الاعتقادية د 0 سعيد بن سفر .
219- ... مدارج السالكين .
220- ... سبل السلام .
221- ... القواعد لابن رجب .
222- ... الحكومة الإسلامية .
223- ... النظرية السياسية المعاصرة للشيعة .
224- ... الشيعة والتصحيح .
225- ... الجهاد والتجديد في القرن السادس الهجري لمحمد الناصر .
226- ... جهاد المسلمين في الحروب الصليبية د 0 فايد عاشور .
227- ... موجز التاريخ افسلامي لأحمد العسيرى .
228- ... قضية نسب الفاطميين أمام منهج النقد التاريخي .(466/267)
229- ... المنجد في العلام .
230- ... مؤلفات ابن الجوزي لعبد الحميد العلوجي .
231- ... صلاح الدين الفارسي المجاهد والملك الزاهد بقلم شاكر مصطفى .
232- ... معجم مقاييس اللغة .
233- ... الغربيين في القرآن والحديث.
234- ... تاج العروس .
235- ... أساس البلاغة .
236- ... تلخيص الحموية .
237- ... زيادة الإيمان ونقصانه للعباد .
238- ... صديق خاص وآراءه الاعتقادية د0 أختر لقمان .
239- ... عقيدة ابن عبد البر في التوحيد للايمان – للغصن .
240- ... ابن رجب وأثره في توضيح عقيدة السلف د 0 عبدالله العقيلي .
241- ... تقريب التدمرية لابن عثيمين .
242- ... وسطية اهل السنة د0 محمد باكريم .
243- ... كتب حذر منها العلماء لمشهور آل سلمان .
244- ... مقدمة تحقيق – ديوان ابي نواس .
245- ... الحركات الباطنية في العالم الإسلامي د0 محمد أحمد الخطيب .
246- ... أبو حامد والتصوف لعبد الرحمن الدمشقية .
247- ... الغزالي بين مادحيه وقاديه للقرضاوي .
248- ... الردود لبكر ابو زيد .
249- ... شيخ الإسلام وموقفه من التصوف لمصطفى عبد الباسط أحمد .
250- ... مقدمة محقق كتاب الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد للخياط
251- ... الجامع في تاريخ الأدب العربي للفاخوري .
252- ... طه حسين لنوار الجندي .
253- ... التنجيم والمنجمون للشعبي .
254- ... القول المفيد لابن عثيمين .
255- ... العقائد الباطنية د 0 صابر طعيمة .
256- ... الملل والنحل للشهرستاني .
257- ... الجواب الصحيح .
258- ... العنصرية اليهودية د 0 أحمد الزعيبى .
259- ... الموسوعة الميسرة في الأديان إشراف د مانع الجهني .
260- ... ذيل الملل والنحل لمحمد سيد كيلاني .
261- ... اعجاز القرآن للرافعي .
262- ... فتح الباقي بشرح ألفية العراقي .
263- ... اضاءة الحالك .
264- ... الرسالة المستطرفة .
265- ... لمحات في المكتبة د 0 عجاج .
266- ... مرجع العلوم الإسلامية .
267- ... آراء المعتزلة الأصولية د 0 على الضويحى .
268- ... التكليف في ضوء القضاء والقدر د 0 أحمد بن علي عبدالعال .
269- ... قضية الثواب والعقاب د 0 جابر السميرى .(466/268)
270- ... مفتاح دار السعادة
271- ... مقدمة محقق كتاب الحيدة د 0 جميل صليبا .
272- ... رؤية الله د0 احمد بن ناصر .
273- ... شرح الطحاوية بتقريب خالد فوزي .
274- ... الإصابة لابن حجر .
275- ... فرق معاصرة لغالب العواجي .
276- ... بذل المجهود في اثبات متابعة الرافضة لليهود لعبدالله الجميلي .
277- ... المنتقى للذهبي .
278- ... أصل الشيعة وأصولها .
279- ... رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي لمجموعة من العلماء .
280- ... التصوف والاتجاه السلفي في العصر الحديث د 0 مصطفى حلمي .
281- ... حقيقة الصوفية د 0 محمد المدخلي .
282- ... التأليف بين الفرق لمحمد حمزة .
283- ... القدرية والمرجئة د 0 ناصر العقل .
284- ... حاشية الشارح على القواعد المثلي لابن عثيمين .
285- ... شرح الجوهري للبيجوري .
286- ... أول واجب على المكلب للغنيمان .
287- ... الصفدية لابن تيمية .
288- ... منهج أهل السنة والأشاعرة لخالد نور .
289- ... ابن تيمية السلفي لهراس .
290- ... موقف ابن تيمية من الشاعرة د 0 المحمود .
291- ... الحكمة والتعليل للمدخلي .
292- ... منهج الأشاعرة د 0 سفر الحوالي .(466/269)
شرود الذهن
يقول أبو جندل العباس وكان مدرساً فرأى تلميذه شارد الذهن فنبهه بقوله:
أَسْرِجْ شُمُوْخَكَ يَا بَطَلْ وَدَعِ المَهَازِلَ وَالْغَزَلْ
وَانْسَ الْهُمُوْمَ فَإِنَّهَا دَاءُ الأَحَاجِيْ وَالمُقَلْ
ثُمَّ اهْجُرِ الْعِشْقَ الَّذِيْ سَلَبَ الْفُؤَادَ عَلَى عَجَلْ
وَدِّعْ سُعَادَ فَمالها خَطَفَتْ لُبَابَكَ فَارْتَحَلْ
وَاسْمَعْ لِشَرْحِ الدَّرْسِ لا تَرْحَلْ بَعِيْداً بِالأَمَلْ
فرد عليه التلميذ قائلاً:
عُذْرَاً مُعَلِّمَنَا فَإِنّيْ لا عَشِقْتُ وَلا خَجِلْ
إِنَّ الهُمُوْمَ لَهَا اضْطِرَامٌ في الْحَشَا وَبِهَا اشْتَعَلْ
إَنِّيْ سَمِعْتُ الشَّرْحَ لـ كِنْ أُمَّتِي سُلِبَتْ: أَجَلّ
سُلِبَتْ كَرَامَتُهَا وَقَوْ مِي صَفَّقُوا لِلْكُفْرِ، بَلْ
نَامُوا عَلَى عَتَبَاتِهِ يَشْكُونَ وَيْلاتِ الدُّوَلْ
أَمُعَلِّمِي أَيْنَ الرِّجَالُ وَأَيْنَ فَارِسُهُمْ وَهَلْ
مِنْ قَائِدٍ يُدْمِي سُيُوفَ البَغْيِ شَاطَرَهَا الْخَطَلْ
************************(467/1)
شعراء عراقيون مقاومون من نوع آخر
قصائد عراقية تمجد المقاومة والبطولة دون أن تجد لها مكانا للنشر.
ميدل ايست اونلاين
بغداد – من إياد الدليمي
تتعدد أشكال المقاومة الوطنية في العراق ضد قوات الاحتلال. فهي تارة بالسلاح، وتارة أخرى بالسياسة، وطورا بالكلمة شعرا ونثرا. وبالرغم من تركز اهتمام الناس خارج العراق على المقاومة المسلحة، فإن مقاومة العراقيين لا تقف حتما عند هذا الحد. إذ أفرزت المقاومة العراقية المسلحة مقاومة رديفة، كانت لها سندا وعونا، ألا وهي مقاومة الكلمة.
فالشعر والأدب عرف هو الآخر طريقه نحو مقاومة المحتل، والتغني ببطولات الأجداد، وببطولات أبناء المقاومة العراقية الحالية. فكانت قصائد تفيض بالشاعرية، وتؤكد على أصالة الانتماء إلى القيم الإسلامية، والعربية، التي ترفض المحتل، وتأنف منه، مهما كانت أسباب مجيئه، ومهما تلونت وتزينت الشعارات البراقة التي ينادي بها.
عرف العراقيون القصيدة المقاومة منذ زمن بعيد. وهي ليست بالجديدة على ساحة الأدب العراقي العريق. فالعراق الذي عرف الاحتلال في بداية القرن الماضي، من قبل الإمبراطورية البريطانية، عرف أيضا المقاومة بكل أشكالها، والتي كان من بينها المقاومة بالكلمة والقصيدة، فكان الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري، الذي قاوم المحتل، من خلال رفضه للعديد من تصرفات الساسة العراقيين آنذاك، وكان هناك معروف الرصافي، ومعروف عبد الغني، الذي ما زال يشمخ وسط العاصمة العراقية بغداد، بتمثال يخلد هذا العملاق، الذي يقول في إحدى قصائده في مطلع الأربعينيات منتقدا فيها الأوضاع السائدة آنذاك:
علم ودستور ومجلس أمة
كلٌ عن المعنى الصحيح محرفُ(468/1)
وهي الأبيات التي استشهدت بها بعض الصحف العراقية حاليا على قلتها، بعد اختيار الحكومة والمجلس الوطني المؤقت، منتقدة تلك الآلية، التي ينطبق عليها تماما بيت الرصافي، الذي يقول في أبيات أخرى منتقدا السياسات القمعية، التي كانت تمارس من قبل قوات الاحتلال البريطاني ضد أبناء الشعب العراقي آنذاك:
قتل امرؤ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر
فلمقاومة المحتل، في الشعر والقصيدة إرث في الذاكرة العراقية الحديثة، ولم تأت وليدة الاحتلال الأمريكي للعراق. ومن هنا كان لشعراء عراقيين غير معروفين قصائد تمجد المقاومة الوطنية، وترفض الاحتلال والهيمنة. لكنها قصائد لم تجد طرقها للنشر على صفحات الصحف العراقية المحلية، التي يسير أغلبها في ركب الاحتلال والحكومة المعينة من قبله. أما بقية الصحف فإنها تخشى من الإغلاق والمطاردة، سواء من قبل قوات الاحتلال الأمريكي، أو من قبل الحكومة المعينة.
وليس من السهولة أن يلتقي المرء بهؤلاء الشعراء "المقاومين"،، إلا أن قصائدهم منتشرة بين العديد من الشباب العراقي الذي يرفض المحتل. كما أنها تنتشر أكثر في المناطق التي تشتهر بالمقاومة، خاصة في الأعظمية، وسط العاصمة بغداد، ومناطق العراق الغربية، والموصل، وبيجي، وسامراء، وبعقوبة.
فالشاعر محمد سعيد الجميلي، يناجي العراق في قصيدة له بعنوان "صحائف العز"، كتب في أسفل عنوانها الرئيس "بين يدي السيد العراق، بماضيه الزاهر، وحاضره المظلم، ومستقبله المشرق بإذن الله"، يقول في قصيدته التي حصلت "قدس برس" على نسخة منها:
أطل وقوفك واستذكر محياها
فدار سلمى عجيبات سجاياها
وقل سلام على النهرين مذ هبطا
أرضا كأن ثراها من ثرياها
والباسقات نضيد الطلع زينتها
مدت كمرضعة للطفل أثداها
ويسترسل الشاعر في قصيدته متغنيا بالعراق وبغداد:
هذي قرون بني العباس شاهدة
بأن بغداد تعني المجد ذكراها
وأن راية حطين التي خفقت(468/2)
يد العراق تجلت في ثناياها
هذي بلاد كأن الكون مختصر
ما بين فسحة يمناها ويسراها
ديمقراطية أمريكا والموساد
وإذا كان هؤلاء الشعراء من غير المعروفين على المستوى المحلي أو العربي، فإن المتتبع للمشهد الأدبي العراقي قبل الاحتلال، يجد أكثر من سبب لهؤلاء الشعراء، الذين لم يعرفوا قبل الاحتلال بقصائدهم أو أدبهم لقول الشعر. فالشعر في العراق قبل الاحتلال كان شعرا محصورا في التغني بالرئيس السابق وأمجاد ثورة تموز. وبخلاف ذلك لا بزوغ لشمس شاعر مهما علا شأنه في عالم الأدب والقصيدة.
أما اليوم وقد ارتفعت عنهم بعض قيود الأمس، فإنهم وجدوا أنفسهم أمام مرحلة تختلف كليا عما ألفوه. فالبلد محتل، ويتحكم به دعاة الديمقراطية الجدد، فكان لزاما عليهم أن يخرجوا من طور الكتابة في الخفاء، إلى طور الكتابة في العلن، وإن أصبحوا يعانون من قيود جديدة فرضها الواقع الجديد.
يقول الشاعر عبد الفتاح صالح العاني في قصيدة له بعنوان "ديمقراطية أمريكا"
ماذا نقول لسالف الأجداد
أفلا علمتم حاضر الأحفاد
فلقد بدا غزو (التأمرك) واضحا
يلج البيوت بغفلة الأضداد
ويعرج العاني في قصيدته على بعض من مطالب أمريكا للشرق المسلم، والتي كان من بينها تعديل مناهج التعليم، وبالذات الإسلامية منها، بحجة تشجيعها للإرهاب إذ يقول:
وبدا يطالب حذف بعض (كتابنا)
دستور (أحمد) في هوى (الموساد)
وهو الذي ارتكب المجازر كلها
وأحاط في خيرات أرض سوادي
وهو الذي يهب الكراسي واثقا
بالدائبين على خراب بلادي
وهو الذي نشر السجون بأرضنا
وأباح فعل السوء للجلاد
تعلمنا من شعر المقاومة الفلسطينية
وأكثر ما يخشاه هؤلاء الشعراء، الذين جعلوا من جرح بلدهم قضية قوافيهم، هو أن تطمر تلك القصائد تحت ركام النسيان، ولا تجد لها المكان المناسب لتخرج من مجرد التداول المحدود، إلى التداول الأوسع، الذي يسجل لمرحلة مهمة من تاريخ العراق.(468/3)
يقول الشاعر "ابن الرافدين"، وهكذا عرف نفسه لمراسل "قدس برس"، "أخشى أن يكتب التاريخ بأن القصيدة العراقية لم تكن بمستوى الحدث. نحن نكتب شعرا مقاوما تعلمناه أول ما تعلمناه من قصائد المقاومة الفلسطينية، حتى تجسدت المعاناة على أرضنا، فلم يكن من بد إلا أن نشحذ الأقلام والأفكار لمساندة قضيتنا، ومساندة المقاومة العراقية".
ويضيف ابن الرافدين قائلا "إلا أن الحال في العراق يختلف عن فلسطين. فإذا كانت القصيدة الفلسطينية قد واكبت تطورات الأحداث وعرفها العالم، وليس الفلسطيني فحسب، فإن القصيدة العراقية المقاومة مازالت محاصرة خلف جدران الخوف والمنع. فليس هناك من صحيفة تقبل على نشر هكذا قصائد. حتى الصحف المعروفة بمعارضتها للاحتلال، رغم قلتها، إلا أنها تتراجع عن نشر هذه القصائد، خوفا من الملاحقة".
"وهكذا فالقصيدة المقاومة في العراق اليوم حالها حال المقاومين أنفسهم، كلاهما مطلوب القبض عليه. لذلك فإن منافذنا للنشر معدومة، وغاية ما نستطيعه هو أن نقوم باستنساخ القصيدة، وتوزيعها في المساجد، أو في بعض الأماكن، التي نعتقد أن لها رغبة في هكذا أدب".
كيف الخروج من الحصار؟
تتشابه التحديات التي تواجه القصيدة المقاومة مع التحديات التي تواجه الشخص المقاوم. ومن هنا يحاول الشعراء المقاومون أن يجدوا السبيل للخروج من حصار فرض عليهم من قبل السلطات. وكان من بين تلك السبل هو اللجوء إلى نشر أشرطة الكاسيت، التي تحوي على تلك القصائد بإنشاد أحد المنشدين. وربما ترافقها ضربات على الدف، أو على إيقاع خفيف. إذ انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من تلك الأشرطة، بعد أن صارت لها أماكن للتسجيل والبيع على أنها أناشيد إسلامية.(468/4)
ويشير النقاد إلى أن هذه القصائد، على الرغم من عدم انتشارها، وتوافر أسباب ذيوعها، إلا أنها تتمتع بصدق فني ونفسي كبير، لأنها تنبع من أحاسيس صادقة، لا تعرف التزييف، وهو الأمر الذي يكتب لها النجاح والخلود في آن واحد. وهكذا فالقصيدة المقاومة في العراق لم تنس في عز محنتها أن تكتب لفلسطين. يقول الشاعر عبد الفتاح العاني في قصيدة له:
حيوا الجهاد بكل عز للهدى
لم يرحل الغازون بغير جهاد
وسيرحل المحتل تحت إرادة
وثبات عزم راسخ الأوتاد
تحيا فلسطين الحبيبة إنها
أم الضحايا قدوة الرواد
تحيا بلادي حرة وعزيزة
وسلمت من كيد العدى بغدادي
وتبقى القصيدة المقاومة في العراق تحمل ذات النفس، الذي تحمله المقاومة المسلحة، ألا وهو النفس الإسلامي. يقول الشاعر محمد سعيد الجميلي في قصيدته "صحائف العز":
صبرا فخلف ستور الغيب كوكبة
ممن يجد السرى تهوى مناياها
عهدا بأن عراق الفتح لو طمست
منه المعالم يستحي سراياها
ويبعث الله جيشا من عصائبه
يجفف الدمع من أجفان أقصاها
فيا حماة الحمى تاريخنا حكم
غدا ستروي لأجيالي حكاياها
أذلنا الله لما راح هدهدنا
يحكي لبلقيس أسرارا كتمناها
لما سجدنا لما كانت تقدسه
جهلا وغرت بني قومي هداياها
فإن خدعنا برايات ملفقة
تقفو هواها فإيانا وإياها
فالشعب يدرك بالإسلام غايته
والتضحيات مهور لو بذلناها
فإن حورا سلبناها تزف لنا
وجنة الخلد تهوانا ونهواها
وبائع النفس بالفردوس سلعته
بالنوق ديتها لكن مولاها
حين اشتراها بعقد زاد قيمتها
فضلا لمن بالغيب سواها(468/5)
وأخيرا ترك الشاعر العراقي الأصيل ليلى خلف ظهره، وراح يبحث عن كلمات لها وقع التغزل والغزل والحب، ولكن ليس بليلى هذه المرة، وإنما بالوطن الذي داسته سنابك خيل المحتل، فكانت القصيدة المقاومة في العراق، الوجه الثاني من المقاومة العراقية المسلحة. فبين القلم والسلاح قواسم مشتركة عند المسلم العربي، منذ أن عرفت قريحته الشعر، وهو فارس مقاتل على ظهر الخيل. ومثلما كانت ليلى، كان الوطن عشق ممزوج بين حبيبين إلا أن الوطن يبقى الحبيب الأول لدى الشاعر العراقي دوما، وفي هذه الأيام خاصة على وجه التأكيد. (قدس برس)(468/6)
شغف الرُّوح بحبِّ محمد
شعر: خضر محمد أبو جحجوح
عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين
عضو رابطة أدباء الشام
sndbad_34@hotmail.com
يسري في دمي حبُّ نبيِّي الهادي
كنسيم الفجر نديّا عذبا شفافا
عطرا يعبق في القلب فيهفو
ويرفرف كالعصفور الشادي
ويقبِّل أهداب الحبِّ
ويلامس شغف الرُّوح فتصفو
وترقُّ فتسمو في الكون الرَّحبِ
تتلألأُ في نور التسبيحِ فتشرقْ
ويفيض عليها شوقي الصادي
دمعا يترقرقُ أطيافا
فترقّ وتورقْ
يا فيض الحبِّ العذبِ المتدفِّقْ
زدني إشراقا
وارو الأشواقا
خذني بفضاء حنيني لمحمَّد
غمِّسني في عطر التقوى
غسِّلني بالنُّورِ الأنقى
كي أرقى
لأقبِّل وجنةَ محبوبي ويديه
وأذوبَ بحبِّ محمَّدْ
خيرِ البشريَّه
وأمتِّع عينيَّ بطلعته
وأروِّيَ تحناني من كفَّيه بماء الكوثر
وأنال شفاعته الورديَّه
كي أنعم في صحبته بالجنة(469/1)
شُلت يمينك ؟!
أعضاء منتدى رواء الأعزاء :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
تعلمون ذلك الخطب الجسيم الذي أصاب أمتنا الإسلامية قبل فترة ليست باليسيرة
ذلك الخطب الذي سالت من أجله العيون , ووعى وقعه الأليم صغار المسلمين قبل كبارهم !
فتسائل الناس من بعده ماذا يفعلون لنصرة نبيهم محمد صلوات الله وسلامه عليه
من أجل ذلك حري بي وبأمثالي ممن يحمل سلاح الأدب أن يدلي بدلوه , ولا يحقرن من المعروف شيئاً
فهذه قصيدة وددت أن أعرضها عليكم , حينما رأيت فيكم تلك الهمة الصاعدة , والأيدي التي أصبحت بالتعاون واحدة , فأرجو منكم التكرم بالدخول , وكتابة كل ما من شأنه في الخاطر أن يجول , سواء بالإيجاب أو بالسلب , داعية الله لي ولكم الأجر والمثوبة
أترككم مع القصيدة ...والتي هي بعنوان : ( شُلت يمينك ؟!!)
قالوا جُرحتَ , فما تُراه دهاني ................ تلك الجراحُ يقولها أقراني
مالي أرى دمعي تكاثرَ سيره ................. والقلب يشكي وطأة الأحزانِ
مالي أرى كأسي يُساق مرارةً ................. أوَ ياتُرى من كان منه سقاني ؟!
تلك الفجيعة قد أحاطتْ أمتي ................. ومضيتُ مع تلك الجموع أُعاني
فالمسلمون توحدتْ أصواتهم ................. والغائبون لهم أنينُ العاني
والصُحْف ملأى بالحديث بشأنه ............. والحبرُ صار من الكتابةِ فاني !
والبحر أُدهش من بواخر شعرهم............ فاقت بقوتها قوى الحيتانِ
والصامتُ الحيرانُ صار مفوهاً................ في خطبةٍ يروي بذاك الشانِ
ماذلك الخطبُ الجسيمُ أيا تُرى ................ فالطفلُ يروي أمره ويعاني
تلك المصيبةُ قد تكاتفَ أهلُها ................. من شيبةٍ فينا ومن شُبانِ
لا تعجبن لحالهم يا صاحبي .................. فالأمرُ ينكره اللبيبُ الحاني
هَبوا لنجدةِ سيدٍ ملئ الدُنى .................. نوراً وراء الخالق المنانِ(470/1)
ذاك الذي نشر الفضيلةَ شامخاً................. وأنار درب الضائع الحيرانِ
وأزال ظلم اليأس بات مجاهداً ................ يهدي طريق الخيرِ للإنسانِ
ذاك الإمام الحق في إسلامنا ................. يُرمى بأخبث صورة الطغيانِ
أيباع في سوق الصحائف عرضه ........... بلسان من نزعوا من الإيمانِ؟!
سهمٌ تعاطى سمه في داره ................... ويجول غدراً قاصداً لمكاني
أوَ نرتضي بعد المصاب بصمتنا ............ بكماً نماثل عيشة الحيوانِ ؟!
أوَ نرتضي حريةً نطقوا بها ................ في فعلهم , لا والذي أبكاني
نحن الذين نذبُ عن أعراضنا ............... سمعاً لقول الواحد الرحمنِ
ونكون للأعداء سهماً صاعداً ............... في قلب من رضي الخنا بزماني
تفديك روحي يامبلغ هدينا ................. وفداك أمي لو فقدت حناني
شُلت يمينك يا مبلغ غايةٍ .................. أطلقتها من بلدة الألبانِ
وتركتها ترعى وربي ماهلٌ .............. أولا تقول اللهَ جل يراني
أوما ترى أن المصيبة أرهقت ............ كل الأنام فكنت أنت الجاني
فاللهَ أسأل في غياهب ليلةٍ ............... أجر المصيبة في الذي أعياني
ويمدنا نصراً عظيمٌ شأنه ............... فنرد كيداً ظالماً أبلاني
تلك القوافي سابقتني بغيةً ............... للذود عن عرض الرسول الحاني
فكأن جسمي حين واجه أمره ............. قد عاش في الدنيا بغير أمانِِ
فمصابنا قد وَجهتْ لقصائدي ............. أمراً له فاستقبلته بنانِ(470/2)
شماتة الأعداء
يقول المهلبي:
كل المصائبِ قد تمرّ على الفتى فتهون، غيرَ شماتة الأعداءِ(471/1)
شمس الوفاء .. إلى كلّ وفاء قسطنطين
رمضان زيدان 1/12/1425
12/01/2005
شمسُ الوفاءِ عن الدّنا تتغيّبُ
والكلّ في غيّ الضلالةِ يلعبُ
غابََ الضياءُ عن البريّة كلّها
لمّا توارى في الضباب المغربُ
غابت وفاءُ أما رأيتم حزنَها؟!
سكن المآقي والجميعُ تهرّبوا
أفلَ الجبينُ عن الحياة بنورِهِ
نورُ العشيةِ قد حواه الغيهبُ
نورُ العشيةِ قد تبدّل لونُهُ
لونًا سديمًا بالوبا يتغلّبُ(يتقلّب)
شعري يصف من المرائي حزنه
هتف المدادُ بناره يتقلبُ
شعري تأجّج بالنحيب من الضّنى
وكأنّه صوتٌ يئنّ ويغضبُ
وكأنّه لفحُ السعيرِ بقيّظهِ
تكوي الظهورَ مشاعرٌ تترسّبُ
ورأيت من هول الفجيعةِ أختَنا
راحت تذوقُ من العذاب وتُصلبُ
راحت تبثّ إلى الجموع مُصابهَا
تستمطرُ الرحماتِ مَنْ يتوثبُ؟
راحت تشيّد من أنينٍ صاخبٍ
مأساةَ قومٍ من ضميرٍ يُسْلبُ
ذهبت وفاءُ إلى رفيقةِ عمرِها
لبست لباسًا بالتُّقى تتحجّبُ
نورٌ أضاء بصيرةَ العقلِ الذي
وهب التفكّر درةً تترقبُ
هو منهلُ الخيرِ الذي نشر الندى
هو قوّة القلبِ الذي لا يرهبُ
هو في احتدام القيظِ ظلٌّ وارفٌ
هو في السماءِ سحابةٌ تتصببُ
يا أختُ من ذاك التديّن طهرة
ملك الفؤادَ وفي السريرة يسهبُ
هو يا وفاء ُمقادُنا لبِشارةٍ
نحو الشهادةِ والمسامع تطنبُ
لو كان عيسى شاهدًا لم يثنِه
إلا اتّباعًا صافيًا يتشبّبُ
غضب المسيحُ على جهالة فِعلهمْ
هو من ضلالٍ قاتمٍ يتعجبُ
هو من شريعةِ ديننا لمسَ الهدى
هو من فواح محمدٍ يتطيّبُ
هو نفخةُ الروحِ الأمينِ بأمّهِ
هو آيةٌ علويةٌ تتحبّبُ
هُزّي إليك بجذعِ نخلتِنا التي
رسمت صحائفَ مجدِها وتصوّبُ
لا تُخدعي بحديث كلّ مخرّبٍ
واستعصمي بعُرى التديّن يرهبُ
أختاه دينُ محمدٍ يروى به
منضات قلبٍ بالهدى تتخضب
فتوجّهي نحو السماء بدعوةٍ
فيها الجوابُ لمن تظلّم أرحبُ
صبرًا وفاء ُعلى البليّة إنها
محنٌ يطوفُ بها العناءُ ويذهبُ
صبرًا وفاء فإنّ قلبي مولعٌ
والدمعُ يسقط بالدّما يتلهبُ(472/1)
عينُ الصباحِ ترقّبت أهدابُها
نورًا يشعّ وقد شداه الكوكبُ
أختاه يصمدُ للحوادث مخلصٌ
يعلو بها فوق المدائن أصلبُ
صبرًا وفاءُ على البلاءِ فإنّه
قدرٌ يمحّصُ زمرةً ويطبّبُ(472/2)
شّهِدَتْ بِفَضْلِ مَقَامِكَ الأَكْوَانُ
الشيخ/ حامد بن عبد الله العلي
شّهِدَتْ بِفَضْلِ مَقَامِكَ الأَكْوَانُ وَتَرَنّمتْ فَرَحاً بِكَ الأَزْمَانُ
وَتَبَاشَرَتْ كُلّ السّمَاءِ وَكَبّرتْ وَالأرْضُ فِي عُرْسٍ كَذاً الأَرْكَانُ
وَتَزَلْزَلَ الطّغْيَانُ فٍي أَرْجَاءِهَا فَبْسَيْفِ دِينِكِ يٌهْزَمُ الطّغْيّانُ
وَتَثَقّفَ الإنْسَانُ أَعْلاَمَ الهُدَى لَوْلاَكَ ضَلّ بِجَهْلِهِ الإنْسَانُ
كَمُلَتْ صِفَاتُكَ فٍي الأنَامِ iiفَكُلّهَا نُورٌ تُضِيءُ يَمُدّها الإِيْمَانُ
سَبْحَانَ مَنْ أَلْقَى إِلَيْكَ مَحَاسِناً منْ نُوُرِ نُورِكَ يَنْبُعُ السّبْحًانُ
وَعَلاَ بِذِكْرِكَ حَامِداً وَمُحَمّداً وَبِاسْمِ أَحْمَدَ تَشْهَدُ الرّهْبَانُ
جِبْريلُ يَشْهَدُ وَالملائِكَةُ العُلاَ وَالأَنْبِيَاءُ بِصِدْقِهْمْ قَدْ دَانوا
أَنْتَ الّذِيِ أُوُتِيتَ كُلّ فَضَيِلةٍ وَالمُعْجِزُاتِ عَظِيْمُها القُرْآنُ
أَنْتَ المُقَرّبُ وَالمُشَفّعُ للوَرَى يَوْمُ الشّفّاعّةِ أَحْمَدُ العُنْوَانُ
أَنْتَ الخَلِيلُ وَأنْتَ أَعْظَمُ نِعْمَةً وَالآيَةُ العُظْمَىَ كذَا الفُرْقَانُ
وَبِنورِ وِجْهِكَ تُمْطُِرُنَا السّمَا وَبِفْضْلِ جُودِكَ عَمّنا الإحْسَانُ
عَرْشُ الإلَهِ يَرَى مَقَامِكَ عَالِياً أَدْنَاكَ مِنْهُ بِفَضْلِهِ الرّحْمَنُ
مَا ضَرّ تّاجُ الكَوْنِ فِيِ عِلْيائه مَا ضَرّهُ أنْ يَنْبَحَ الشّيْطانُ
وَتَطاوِلِ (الدنمرك)فِيِ أَحْقَادِهِمْ سَتُذِيقُهُمْ حَر اللّظّىَ النّيِرانُ
سَيُصِيبُهُمْ مِنّا لّهِيبٌ حَارِق فَيَدُكّهمْ وَتَلَفُّهُمْ أَحْزَانُ
Œ(473/1)
شوقي يقول وما درى بمصيبتي
يقول إبراهيم طوقان:
شوقي يقول وما درى بمصيبتي=قم للمعلم وفه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجلا=من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد يقلقني الامير بقوله=كاد المعلم ان يكون رسولا
لو جرّب التعليم شوقي ساعة=لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمة وكآبة=مراى الدفاتر بكرة واصيلا
مئة على مئة اذا هي صلّحت=وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أن في التصليح نفعاً يُرتجى=وأبيك لم أك بالعيون بخيلا
لكن اصلّح غلطةً نحويةً=مثلاً وأتخذ الكتاب دليلا
مستشهدا بالغر من أياته=أو بالحديث مفصلا تفصيلا
واغوص في الشعر القديم فأنتقي=ما ليس ملتبساً ولا مبذولا
وأكاد ابعث سيبويه من البلى=وذويه من أهل القرون الاولى
فأرى حماراً بعد ذلك كله=رفع المضاف إليه والمفعولا
لا تعجبوا ان صحتُ يوماً صيحةً=ووقعت ما بين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته=إن المعلم لا يعيش طويلا
شوقي يقول وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجلا من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد يقلقني الامير بقوله كاد المعلم ان يكون رسولا
لو جرّب التعليم شوقي ساعة لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمة وكآبة مراى الدفاتر بكرة واصيلا
مئة على مئة اذا هي صلّحت وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أن في التصليح نفعاً يُرتجى وأبيك لم أك بالعيون بخيلا
لكن اصلّح غلطةً نحويةً مثلاً وأتخذ الكتاب دليلا
مستشهدا بالغر من أياته أو بالحديث مفصلا تفصيلا
واغوص في الشعر القديم فأنتقي ما ليس ملتبساً ولا مبذولا
وأكاد ابعث سيبويه من البلى وذويه من أهل القرون الاولى
فأرى حماراً بعد ذلك كله رفع المضاف إليه والمفعولا
لا تعجبوا ان صحتُ يوماً صيحةً ووقعت ما بين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته إن المعلم لا يعيش طويلا(474/1)
شيب الرأس
يقول أبو العتاهية:
لاحَ شيبُ الرأسِ منِّي فاتَّضحْ بَعدَ لَهْوٍ وشَباب ومَرَحْ
فَلَهَوْنَا وفَرِحْنَا، ثمّ لَمْ يَدَعِ المَوْتُ لذي اللّبّ فرَحْ
يا بَنِي آدَمَ صُونُوا دينَكُمْ يَنْبَغي للّينِ أنْ لا يُطّرَحْ
واحمدوا اللهَ الذِي أكرَمَكُمْ بنذيرٍ قامَ فيكُمْ فنصَحْ
بخطيبٍ فتحَ اللهُ بهِ كُلَّ خيرٍ نلتُمُوهُ وشرَحْ(475/1)
صَبا قَلبي وَكَلَّفَني كَنودا
خداش بن زهير العامري
العصر ... جاهلي
عدد الأبيات ... 47
البحر ... وافر
الروي ... دال
الغرض ... فخر
مصدر القصيدة ... شعر خداش بن زهير العامري (39-46)، صنعة يحيى الجبوري، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1406هـ-1986م اضغط هنا لمعرفة أرقام الأبيات في في كل صفحة، وهذه الخدمة تفيد الباحثين؛ لتحديد البيت في المصدر بدقة.
تنبيه ... البيت (10) : «فما إن أصدرتما» ينكسر به الوزن، والتصحيح من الحاشية
1
صَبا قَلبي وَكَلَّفَني كَنودا *** وَعاوَدَ داءَهُ مِنها التَليدا
2
وَلَم يَكُ حُبُّها عَرَضًا وَلَكِن *** تَعَلَّقَ داءَهُ مِنها وَليدا
3
لَيالِيَ إِذ تَرَيَّعُ بَطنَ ضيمٍ *** فَأَكنافَ الوَضيحَةِ فَالبَرودا
4
وَإِذ هِيَ عَذبَةُ الأَنيابِ خَودٌ *** تُعيشُ بِريقِها العَطِشَ المَجودا
5
ذَريني أَصطَبِحْ كَأسًا وَأُودي *** مَعَ الفِتيانِ إِذ صَحِبوا ثَمودا
6
فَإِنّي قَد بَقيتُ بَقاءَ حَيٍّ *** وَلَكِن لا بَقاءَ وَلا خُلودا
7
وَإِنَّ المَرءَ لَم يُخلَق سِلامًا *** وَلا حَجَرًا وَلَم يُخلَق حَديدا
8
وَلَكِن عايِشٌ ما عاشَ حَتّى *** إِذا ما كادَهُ الأَيّامُ كِيدا
9
لَحَت عَذّالَتايَ فَقُلتُ مَهلًا *** أَلَمّا تُبصِرا الرَأيَ الرَشيدا
10
فَما إِن امرتما إِلّا بِبُخلٍ *** فَهَلّا أَن أُثَمَّرَ أَو أَفيدا
11
سَأُحضِرُها التِجارَ إِذا أَتوني *** بِخَمرِهُمُ وَأَمنَحُها المُريدا
12
وَأُروي الفِتيَةَ النُدَماءَ مِنها *** ذَوي شَرِكٍ يُعِدّونَ الفُقودا
13
رَأَيتُ اللهَ أَكثَرَ كُلِّ شَيءٍ *** مُحاوَلَةً وَأَكثَرَهُمْ جُنودا
14
تَقوهُ أَيُّها الفِتيانُ إِنّي *** رَأَيتُ اللهَ قَد غَلَبَ الجُدودا
15
رَأَيتُ الخادِرَ المَحجوبَ مِنّا *** يُلَقّى حَتفَهُ وَالمُستَزيدا
16
وَلَمّا يُبقِ مِن سَرَواتِ فِهرٍ *** وَخِندِفَ هَذِهِ إِلّا شَريدا
17(476/1)
تَوَلَّوا نَضرِبُ الأَقفاءَ مِنهُمْ *** بِما انتَهَكوا المَحارِمَ وَالجُدودا
18
فَأَبرَحُ ما أَدامَ اللهَ رَهطي *** رَخِيَّ البالِ مُنتَطِقًا مُجيدا
19
بِساهِمَةٍ أَهَنتُ لَها عِيالي *** وَأَمنَحُها الخَلِيَّةَ وَالصُعودا
20
وَأُلحِفُها إِذا ما الكَلبُ وَلّى *** بَراثِنَهُ وَجَبهَتَهُ الجَليدا
21
رِدائِيَ فَهيَ صافِنَةٌ إِلَينا *** تَشيمُ بِطَرفِها البَلَدَ البَعيدا
22
مِنَ المُتَلَفِّتاتِ لِجانِبَيها *** إِذا أَخضَلنَ بِالعَرَقِ اللُّبُودا
23
أَقَدتُ بِثابِتٍ وَإِلى زِيادٍ *** رَضَختُ بِنِعمَةٍ وَإِلى يَزيدا
24
وَفي النَجّارِ قَد أَسدَيتُ نُعمى *** وَأَجدِر في النَوائِبِ أَن أَعودا
25
إِذِ الأَشهادُ مِن عَمروُ بنِ عَوفٍ *** قُعودٌ في الرِفاقِ وَفي يَهودا
26
أَثيبوني القِيانَ إِذا انتَدَيتُمْ *** وَبُزلَ الشَولِ تُحدى وَالبُرودا
27
وَجُردًا في الأَعِنَّةِ مُصغِياتٍ *** حِدادَ الطَرفِ يَعلِكنَ الحَديدا
28
فَأَبلِغ إِن عَرَضتَ بِنا هِشامًا *** وَعَبدَ اللهِ أَبلِغ وَالوَليدا
29
أولَئِكَ إِن يَكُن في القَومِ خَيرٌ *** فَإِنَّ لَدَيهِمُ حَسَبًا وَجودا
30
هُمُ خَيرُ المَعاشِرِ مِن قُرَيشٍ *** وَأَوراها إِذا قُدِحَت زُنودا
31
بِأَنّا يَومَ شَمظَةَ قَد أَقَمنا *** عَمودَ المَجدِ إِنَّ لَهُ عَمودا
32
جَلَبنا الخَيلَ ساهِمَةٌ إِلَيهِمْ *** عَوابِسَ يَدَّرِعنَ النَقعَ قودا
33
وَبِتنا نَعقِدُ السِيمى وَباتوا *** وَقالوا صَبِّحُوا الأَنَسَ الحَريدا
34
وَقَد حَتَموا القَضاءَ لِيَجعَلونا *** مَعَ الإِصباحِ جارِيَةً وَئيدا
35
فَجاؤوا عارِضًا بَرِدًا وَجِئنا *** كَما أَضرَمتَ في الغابِ الوُقودا
36
فَقالوا يا لَعَمروُ لا تَفِرّوا *** فَقُلنا لا فِرارَ وَلا صُدودا
37
فَعارَكنا الكُماةَ وَعارَكونا *** عِراكَ النُمرِ واجَهَتِ الأُسودا
38(476/2)
عَلَوناهُمْ بِكُلِّ أَفَلَّ عَضبٍ *** تَخالُ جَماءَ وَقعَتَهُ خُدودا
39
فَلَمْ أَرَ مِثلَهُمْ هُزِموا وَفُلّوا *** وَلا كَذِيادِنا غَبقا مَذودا
40
عَدَدتُمْ عَطفَتَينِ وَلَم تَعُدّوا *** وَقائِعَ قَد تَرَكنَكُمُ حَصيدا
41
تَرَكنا البيدَ وَالمَعزاءَ مِنهُمْ *** تَخالُ خِلالَها مِعزى صَريدا
42
تَرَكنا عامِرَيهِمْ مِثلَ عادٍ *** وَمُرَّةَ أُهلِكوا إِلّا الشَريدا
43
وَعَبدَ اللهِ قَد قَتَلوا فَصاروا *** هُمُ الأَنكاسَ يَرعَونَ النَقيدا
44
أَنا الحامي الذِمارَ وَلَيثُ غابٍ *** أَشُبُّ الحَربَ أُشعِلُها وَقودا
45
أَهُمُّ فَلا أُقَصِّرُ دونَ هَمّي *** أَنالُ الغُنمَ وَالبَلَدَ البَعيدا
46
بِتَجهيزي المَقانِبَ كُلَّ عامٍ *** وَغاراتي عَلى جَبَلي زَرودا
47
عَلى الأَحلافِ مِن أَسَدٍ وَطَيءٍ *** وَفي غَطَفانَ أَجدِر أَن أَعودا(476/3)
قول الشاعر محمد سعيد الجميلي في قصيدته "صحائف العز
صبرا فخلف ستور الغيب كوكبة
ممن يجد السرى تهوى مناياها
عهدا بأن عراق الفتح لو طمست
منه المعالم يستحي سراياها
ويبعث الله جيشا من عصائبه
يجفف الدمع من أجفان أقصاها
فيا حماة الحمى تاريخنا حكم
غدا ستروي لأجيالي حكاياها
أذلنا الله لما راح هدهدنا
يحكي لبلقيس أسرارا كتمناها
لما سجدنا لما كانت تقدسه
جهلا وغرت بني قومي هداياها
فإن خدعنا برايات ملفقة
تقفو هواها فإيانا وإياها
فالشعب يدرك بالإسلام غايته
والتضحيات مهور لو بذلناها
فإن حورا سلبناها تزف لنا
وجنة الخلد تهوانا ونهواها
وبائع النفس بالفردوس سلعته
بالنوق ديتها لكن مولاها
حين اشتراها بعقد زاد قيمتها
فضلا لمن بالغيب سواها":
فالشاعر محمد سعيد الجميلي، يناجي العراق في قصيدة له بعنوان "صحائف العز"، كتب في أسفل عنوانها الرئيس "بين يدي السيد العراق، بماضيه الزاهر، وحاضره المظلم، ومستقبله المشرق بإذن الله"، يقول في قصيدته التي حصلت "قدس برس" على نسخة منها:
أطل وقوفك واستذكر محياها
فدار سلمى عجيبات سجاياها
وقل سلام على النهرين مذ هبطا
أرضا كأن ثراها من ثرياها
والباسقات نضيد الطلع زينتها
مدت كمرضعة للطفل أثداها
ويسترسل الشاعر في قصيدته متغنيا بالعراق وبغداد:
هذي قرون بني العباس شاهدة
بأن بغداد تعني المجد ذكراها
وأن راية حطين التي خفقت
يد العراق تجلت في ثناياها
هذي بلاد كأن الكون مختصر
ما بين فسحة يمناها ويسراها
ديمقراطية أمريكا والموساد
لقاء قديم مع الشاعر محمد سعيد الجميلي
الشاعر محمد سعيد الجميلي
الإسلام أمانة في أعناقنا فلنحافظ عليه
الشعراء (الذين أمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا).(477/1)
هم حداة أمتهم إلى تنفس صبحها الموعود، وتلمس فردوسها المفقود.. ومن هؤلاء الذين تسنموا منارة الدعوة وصرخوا بوجه ظلم الحكام وحكم الظلام ودفعوا ضريبة صدقهم، معاناة مريرة في ظلم سجن الإستبداد وظلامه.. منهم شاعرنا محمد سعيد الجميلي.. الفائز بالمرتبة الأولى للمسابقة الشعرية لجمعية الشبان المسلمين ببغداد، ولسنتين متتاليتين.. في محياه براءة الشعراء، فيما تضيء عيناه بألق العطاء.. في صوته بحّة حزن محببة.. وفي قصائده زخّات حزن مذهّبة. ألتقيته في مسجده بين اجمات الأشجار ونغمات الأطيار وخرير الأنهار..
- مشواركم الشعري بداياته متى؟
* بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فأني اسأل الله العظيم أن يجعل من (البصائر) ومن جنودها العاملين لسان صدق من أجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وتبريز صوت الإسلام الهادر وصورته الناصعة التي شوهت بأيدي آثمة، حتى نعيد لديننا مكانته ولقرآننا هيبته ولبلدنا عزته. وأشكر أخوتي العاملين فيها، إذ خصّوني بهذا اللقاء..
أما عن البدايات فهي تعود إلى أيام الصبا يوم أن كنت أدندن بأشعار أسمعها من أفواه المنشدين كقصيدة البردة وغيرها، حتى أستهوتني فرحت أنظم على غرارها ثم نَمتْ هذه الموهبة معي ولازلت أحاول أن أرتقي بها إلى مستوى يليق بالمضمار الذي اسير فيه..
-ما هي القصيدة التي بها تعتز ومنها كان المنطلق؟
* هناك عدة قصائد أعتز بها.. ولكن تبقى (جولة سيدنا عمر) و(القلعة الكبيرة) و(حنظلة) هي الأكثر والأوفر حظاً في قربها إلى قلبي وقلوب الناس.
- قاموسك الشعري أخاذ.. هل أنت مولع بالمطالعة الشعرية والنثرية؟(477/2)
* المطالعة والمتابعة زاد لكل إنسان يهتم بالادب ومسيرة الدعوة .. وكلما كان قاموس المرء اللغوي ثراً كلما استطاع أن يبحر أكثر في لجة هذا اليم الزاخر.. ولكن يبقى المقياس أنك ملزم بمخاطبة الناس بما يفهمونه وبما تحرك به مشاعرهم وتحاكي همومهم، لا أن يكون همك الطلاسم والرمزيات.
-الشعراء الذين تأثرت بهم؟
* الحقيقة إني تأثرت بكل كلمة صادقة بغض النظر عن مصدرها. إلا أن شعراء الدعوة منذ فجر الرسالة المباركة إلى يومنا هذا هم الذين يستهووني لأنهم يحملون همومي ويعبرون عن كوامني.
-البادية.. حيث الهوادج والنوق الممعنة في البيد.. والكثبان والواحات والترحال الدائم.. لها أفقها الشعري.. حدثنا عن محاولاتك في هذا المجال؟
* الشعر الشعبي عامة والبدوي خاصة، أقرب إلى قلوب شريحة واسعة من المجتمع، إننا مأمورون بمخاطبة جميع الأطياف فيها إلا أن الفصحى هي لغة القرآن.. وهي أداتنا الأولى والأخيرة.
وما محاولتي في الشعبي والبدوي إلا من قبيل (الضرورات تبيح المحضورات).
-ديوانك البكر.. متى يرى النور؟
* حاولت إصدار مجاميع شعرية ابان العهد السابق إلا أن هذه المحاولات بائت بالفشل نظراً للرقابة الصارمة على الأفكار والكلمات.. إلا إنني الآن أفكر جدياً بجمع ما كتبته في ديوان يتداول بين محبي الشعر. وعسى أن يكون صدقة جارية في ميزان حسناتي.
- هل لك تجديف في خلجان الشعر الحر؟
* أنا لا أدري لماذا سيمتها خلجان، ولكن هناك الشعر الحر الذي يلتزم بالتفعيلة، فهذا النوع على الرغم من أنه لايلزم بعدد التفعيلات إلا أنه يعطي مجالاً أوسع كي يعبر الانسان عن فكرة يريد ايصالها إلى الناس، وهكذا نظمت (جولة سيدنا عمر) وقصيدة(عللوني) و(حنظلة) وغيرها من القصائد. أما شعر الطلاسم والبنيوية والرمزية الغائرة في الإيماءات البعيدة فأنا بعيد عنها.
- أجب بكلمة واحدة ماذا يعني لديك: الإخلاص
* الخلاص.
- العلم
* الرفعة
- الأخوة
* القوة
- الشعر
* البوح(477/3)
- الشباب
* العطاء
- هل كتبت للطفل والمرأة؟
* نعم كتبت ولكني مقل في هذا الجانب، واسأل الله أن أتوسع أكثر في مخاطبة المرأة والطفل مستقبلاً.
- نشأتك في الريف، حيث الجمال يتربع فوق كل شيء. هل كان لها دور في شاعريتك المتميزة؟
* الشاعرية تتعاضد في تكوينها بينابيع عديدة، ربما أحدها البيئة.. وبما إن بيئتي ريفية حيث الفرات بانسيابه والبساتين بجمالها.. ألتقت بظلالها في نفسي فكانت رافداً آخراً أعانني في مسيرتي الشعرية.
- هل من كلمة أخيرة؟
*أخيراً أقول: إن الإسلام أمانة في أعناقنا فلنحافظ عليها.
__________________http://www.tajdeed.org.uk/forums/showthread.php?s=7a700395057ae0c1c10d98ed98f57af6&threadid=37690
حوار مع الشاعر الإسلامي محمد سعيد الجميلي عدد القراء : 345 . قبل ان التقي به داهم سمعي صوته الجهوري الهادر عبر المذياع وهو يلقي قصيدته في استنهاض شباب الامة ، التقيته فوجدته اديباً متمكناً من فنه واسع الثقافة راسخ القدم في ميدان عمله وموهبته على حد سواء.
محمد سعيد الجميلي شاعر إسلامي معاصر يتميز بدماثة الخلق وسعة الصدر وحسن الاستماع للاخر حتى النهاية، الابتسامة لا تفارق محياه, رثى ديوانه الاول بعد احتراقه واحتسبه عند الله,حاورته فوجدته مخلصاً لامته، غيوراً عليها، مدافعاً عن حقوقها ضد الاعداء من المحتلين واعوانهم, وجدته يستجلي في قصائده اصالة الامة وشخصيتها عبر الغوص في شخصيات واحداث كانت وما زالت تعد منائر الابداع في تأريخ امتنا الإسلامية.
هو محمد سعيد عبيد صالح الجميلي ولد في ستينيات القرن الماضي متزوج وله ثلاثة اولاد اكبرهم سيف الاسلام ثم نور الاسلام ثم المقداد.
تخرج من معهد التكنولوجيا ثم وجد في نفسه دافعا لدراسة العلوم الاسلامية حيث تخرج من كلية العلوم الاسلامية عام 1999 وهو الان امام وخطيب احد جوامع قرى الفلوجة.
البصائر- كيف بدأ الشعر معك؟(477/4)
- منذ نعومة اظفاري وانا احاكي القصائد التي كنت اسمعها من (المداحين) يؤدونها بلحن محبب للنفوس وتطورت معي هواية محاكاة القصائد كبردة البوصيري وهمزيته وكذلك ابداعات البرعي في روائعه. حتى رسمت لنفسي خطاً معروفاً بالواقعية فكتبت قصائد لا تذهب في الخيال بعيداً ولا تبالغ في رسم صورة غير حقيقية.
البصائر- وماذا كتبت في ذلك؟
- كتبت(جولة سيدنا عمر في المدينة) و (قصة القلعة الكبيرة) و(حنظلة غسيل الملائكة) وغيرها كثير مما لاقى قبولاً عند الناس، فدفعني ذلك الى مواصلة المشوار في هذا الطريق الطويل، الذي لم ازل في بدايته.
البصائر- ماهي مهمة الشاعر في ظل ظرف الاحتلال؟
- الشاعر الملتزم هو الصرخة الصادقة، وهو الكلمة الهادفة، وهو الشعلة المتوقدة. فالشاعر باحاسيسه المرهفة، وخلجاته الصادقة يعيش همَّ امته في دينها وخصائص حياتها.
فكيف بالشاعر وهو يرى وطنه محتلاً بالتاكيد سيكون مرجلاً يغلي وثورة دائمة وصرخة عالية يستنهض الهمم، وينذر بالخطب. يوقظ النائمين وينبه الغافلين ويرتضي بالعاملين ويثبت المجاهدين.
البصائر- كيف توثق هذا الكلام؟
- حسبنا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لحسان (اهجهم وروح القدس معك) فاذا كان جبريل كبير امناء الوحي مع حسان بن ثابت على المشركين افلا يكون شرفاً للشاعر المسلم ان يصحبه في درب الكلمة الصادقة جبريل عليه السلام لا يكلفه ذلك الا ان يعيش الهم ويستحضر القضية ويستشعر الخطب.
البصائر- ما رايك باقامة مهرجانات للشعر الاسلامي؟
- المهرجانات وسيلة عملية وناجحة للقاء بالناس وايصال الفكرة لهم لاسيما ونحن نعيش اليوم ثورة من الفضائيات ووسائل الاعلام المعروفة فكم من شاعر لا يسمع صوته وكم من قصيدة رائعة بقيت في ادراج مكتب قائلها.
ويمكن ان نفعل دور الادب من خلال المهرجانات والفضائيات وعالم الانترنت والاقراص المدمجة.
البصائر- احيانا يعدالشعر من نافلة القول. ما قولك؟(477/5)
- الشعر يبقى وسيلة ناجعة وطريقة مثلى لالهاب المشاعر وتجييش العواطف فهو اداة قديمة حديثة اذا احسن استخدامها واستطعت ان تمخر عباب الامواج المتلاطمة ولامست مشاعر الناس.
البصائر- ابرز المهرجانات التي شاركت بها؟
- شاركت بمسابقات الشعراء الشباب في جمعية الشبان المسلمين واحرزت المرتبة الاولى لمرتين متتاليتين.
وشاركت بمهرجان البردة في الموصل الحدباء مرتين وكذلك شاركت بالكثير من اللقاءات والاحتفالات التي اقيمت في العراق من شماله الى جنوبه.
البصائر- هل من الممكن الارتقاء بالذوق العام وكيف؟
- الشباب هم الشريحة التي يجب الاهتمام بها وكما يقول الشاعر:
ان الغصون اذا قومتها اعتدلت
ولا تلين اذا صارت من الخشب
فهم يهضمون ما يلقى اليهم والساحة اليوم تكاد ان تكون خالية من الاعلام الاسلامي الهادف. فتقويم الذوق العام يبدأ بربط الشباب بكتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن ثم نبصرهم بالادب الاسلامي والشعر بصورة خاصة في اغراضه الحماسية والدعوية والجهادية.
البصائر- ما قصة ديوانك المرثي؟
- للاسف لم تسعفني الظروف الخاصة والعامة ان اطبع ديواني الاول حيث بعد ان بدأت بجمع قصائدي لاصدارها في ديوان مطبوع دهمنا الاحتلال ومن ثم توالت الاحداث الجسام فاحرق الامريكان بيتي ومكتبتي وكان من ضمنها مجموع القصائد.
وتأثرت لذلك ابلغ التأثير فكتبت قصيدة رثاء لديواني المحترق عنوانها (ديواني الموؤد) والتي مطلعها
اطفيء بطلِّ الشعر جذوة ناري
وازلْ لحون الحزن عن اوتاري
البصائر- كيف تجد الصفحة الثقافية في البصائر
- انها تخطو خطوات واعدة وان شاء الله ترتقي الى مستوى يليق بمكانة (البصائر) وبمكانة الخط الذي تنتهجه وذلك بمواصلة المبدعين من الادباء الملتزمين وكذلك خبرة المهنيين ونقد المتمكنين.
البصائر- كلمة اخيرة(477/6)
- لا يفوتني ان اسجل شكري وتقديري لجريدة البصائر ولاخي الدكتور مثنى الضاري ولكل العاملين بهذا المنبر الذي يرفع صوته وسط ضجيج المغرضين ويتصدى بكل حزم وشجاعة لمكائد الحاقدين وجعلنا الله واياكم ممن يخدم هذا الدين.(477/7)
صحائف العز
يقول الشاعر محمد سعيد الجميلي في قصيدته "صحائف العز
صبرا فخلف ستور الغيب كوكبة
ممن يجد السرى تهوى مناياها
عهدا بأن عراق الفتح لو طمست
منه المعالم يستحي سراياها
ويبعث الله جيشا من عصائبه
يجفف الدمع من أجفان أقصاها
فيا حماة الحمى تاريخنا حكم
غدا ستروي لأجيالي حكاياها
أذلنا الله لما راح هدهدنا
يحكي لبلقيس أسرارا كتمناها
لما سجدنا لما كانت تقدسه
جهلا وغرت بني قومي هداياها
فإن خدعنا برايات ملفقة
تقفو هواها فإيانا وإياها
فالشعب يدرك بالإسلام غايته
والتضحيات مهور لو بذلناها
فإن حورا سلبناها تزف لنا
وجنة الخلد تهوانا ونهواها
وبائع النفس بالفردوس سلعته
بالنوق ديتها لكن مولاها
حين اشتراها بعقد زاد قيمتها
فضلا لمن بالغيب سواها":
فالشاعر محمد سعيد الجميلي، يناجي العراق في قصيدة له بعنوان "صحائف العز"، كتب في أسفل عنوانها الرئيس "بين يدي السيد العراق، بماضيه الزاهر، وحاضره المظلم، ومستقبله المشرق بإذن الله"، يقول في قصيدته التي حصلت "قدس برس" على نسخة منها:
أطل وقوفك واستذكر محياها
فدار سلمى عجيبات سجاياها
وقل سلام على النهرين مذ هبطا
أرضا كأن ثراها من ثرياها
والباسقات نضيد الطلع زينتها
مدت كمرضعة للطفل أثداها
ويسترسل الشاعر في قصيدته متغنيا بالعراق وبغداد:
هذي قرون بني العباس شاهدة
بأن بغداد تعني المجد ذكراها
وأن راية حطين التي خفقت
يد العراق تجلت في ثناياها
هذي بلاد كأن الكون مختصر
ما بين فسحة يمناها ويسراها
ديمقراطية أمريكا والموساد
لقاء قديم مع الشاعر محمد سعيد الجميلي
الشاعر محمد سعيد الجميلي
الإسلام أمانة في أعناقنا فلنحافظ عليه
الشعراء (الذين أمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا).(478/1)
هم حداة أمتهم إلى تنفس صبحها الموعود، وتلمس فردوسها المفقود.. ومن هؤلاء الذين تسنموا منارة الدعوة وصرخوا بوجه ظلم الحكام وحكم الظلام ودفعوا ضريبة صدقهم، معاناة مريرة في ظلم سجن الإستبداد وظلامه.. منهم شاعرنا محمد سعيد الجميلي.. الفائز بالمرتبة الأولى للمسابقة الشعرية لجمعية الشبان المسلمين ببغداد، ولسنتين متتاليتين.. في محياه براءة الشعراء، فيما تضيء عيناه بألق العطاء.. في صوته بحّة حزن محببة.. وفي قصائده زخّات حزن مذهّبة. ألتقيته في مسجده بين اجمات الأشجار ونغمات الأطيار وخرير الأنهار..
- مشواركم الشعري بداياته متى؟
* بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فأني اسأل الله العظيم أن يجعل من (البصائر) ومن جنودها العاملين لسان صدق من أجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وتبريز صوت الإسلام الهادر وصورته الناصعة التي شوهت بأيدي آثمة، حتى نعيد لديننا مكانته ولقرآننا هيبته ولبلدنا عزته. وأشكر أخوتي العاملين فيها، إذ خصّوني بهذا اللقاء..
أما عن البدايات فهي تعود إلى أيام الصبا يوم أن كنت أدندن بأشعار أسمعها من أفواه المنشدين كقصيدة البردة وغيرها، حتى أستهوتني فرحت أنظم على غرارها ثم نَمتْ هذه الموهبة معي ولازلت أحاول أن أرتقي بها إلى مستوى يليق بالمضمار الذي اسير فيه..
-ما هي القصيدة التي بها تعتز ومنها كان المنطلق؟
* هناك عدة قصائد أعتز بها.. ولكن تبقى (جولة سيدنا عمر) و(القلعة الكبيرة) و(حنظلة) هي الأكثر والأوفر حظاً في قربها إلى قلبي وقلوب الناس.
- قاموسك الشعري أخاذ.. هل أنت مولع بالمطالعة الشعرية والنثرية؟(478/2)
* المطالعة والمتابعة زاد لكل إنسان يهتم بالادب ومسيرة الدعوة .. وكلما كان قاموس المرء اللغوي ثراً كلما استطاع أن يبحر أكثر في لجة هذا اليم الزاخر.. ولكن يبقى المقياس أنك ملزم بمخاطبة الناس بما يفهمونه وبما تحرك به مشاعرهم وتحاكي همومهم، لا أن يكون همك الطلاسم والرمزيات.
-الشعراء الذين تأثرت بهم؟
* الحقيقة إني تأثرت بكل كلمة صادقة بغض النظر عن مصدرها. إلا أن شعراء الدعوة منذ فجر الرسالة المباركة إلى يومنا هذا هم الذين يستهووني لأنهم يحملون همومي ويعبرون عن كوامني.
-البادية.. حيث الهوادج والنوق الممعنة في البيد.. والكثبان والواحات والترحال الدائم.. لها أفقها الشعري.. حدثنا عن محاولاتك في هذا المجال؟
* الشعر الشعبي عامة والبدوي خاصة، أقرب إلى قلوب شريحة واسعة من المجتمع، إننا مأمورون بمخاطبة جميع الأطياف فيها إلا أن الفصحى هي لغة القرآن.. وهي أداتنا الأولى والأخيرة.
وما محاولتي في الشعبي والبدوي إلا من قبيل (الضرورات تبيح المحضورات).
-ديوانك البكر.. متى يرى النور؟
* حاولت إصدار مجاميع شعرية ابان العهد السابق إلا أن هذه المحاولات بائت بالفشل نظراً للرقابة الصارمة على الأفكار والكلمات.. إلا إنني الآن أفكر جدياً بجمع ما كتبته في ديوان يتداول بين محبي الشعر. وعسى أن يكون صدقة جارية في ميزان حسناتي.
- هل لك تجديف في خلجان الشعر الحر؟
* أنا لا أدري لماذا سيمتها خلجان، ولكن هناك الشعر الحر الذي يلتزم بالتفعيلة، فهذا النوع على الرغم من أنه لايلزم بعدد التفعيلات إلا أنه يعطي مجالاً أوسع كي يعبر الانسان عن فكرة يريد ايصالها إلى الناس، وهكذا نظمت (جولة سيدنا عمر) وقصيدة(عللوني) و(حنظلة) وغيرها من القصائد. أما شعر الطلاسم والبنيوية والرمزية الغائرة في الإيماءات البعيدة فأنا بعيد عنها.
- أجب بكلمة واحدة ماذا يعني لديك: الإخلاص
* الخلاص.
- العلم
* الرفعة
- الأخوة
* القوة
- الشعر
* البوح(478/3)
- الشباب
* العطاء
- هل كتبت للطفل والمرأة؟
* نعم كتبت ولكني مقل في هذا الجانب، واسأل الله أن أتوسع أكثر في مخاطبة المرأة والطفل مستقبلاً.
- نشأتك في الريف، حيث الجمال يتربع فوق كل شيء. هل كان لها دور في شاعريتك المتميزة؟
* الشاعرية تتعاضد في تكوينها بينابيع عديدة، ربما أحدها البيئة.. وبما إن بيئتي ريفية حيث الفرات بانسيابه والبساتين بجمالها.. ألتقت بظلالها في نفسي فكانت رافداً آخراً أعانني في مسيرتي الشعرية.
- هل من كلمة أخيرة؟
*أخيراً أقول: إن الإسلام أمانة في أعناقنا فلنحافظ عليها.
__________________http://www.tajdeed.org.uk/forums/showthread.php?s=7a700395057ae0c1c10d98ed98f57af6&threadid=37690
حوار مع الشاعر الإسلامي محمد سعيد الجميلي عدد القراء : 345 . قبل ان التقي به داهم سمعي صوته الجهوري الهادر عبر المذياع وهو يلقي قصيدته في استنهاض شباب الامة ، التقيته فوجدته اديباً متمكناً من فنه واسع الثقافة راسخ القدم في ميدان عمله وموهبته على حد سواء.
محمد سعيد الجميلي شاعر إسلامي معاصر يتميز بدماثة الخلق وسعة الصدر وحسن الاستماع للاخر حتى النهاية، الابتسامة لا تفارق محياه, رثى ديوانه الاول بعد احتراقه واحتسبه عند الله,حاورته فوجدته مخلصاً لامته، غيوراً عليها، مدافعاً عن حقوقها ضد الاعداء من المحتلين واعوانهم, وجدته يستجلي في قصائده اصالة الامة وشخصيتها عبر الغوص في شخصيات واحداث كانت وما زالت تعد منائر الابداع في تأريخ امتنا الإسلامية.
هو محمد سعيد عبيد صالح الجميلي ولد في ستينيات القرن الماضي متزوج وله ثلاثة اولاد اكبرهم سيف الاسلام ثم نور الاسلام ثم المقداد.
تخرج من معهد التكنولوجيا ثم وجد في نفسه دافعا لدراسة العلوم الاسلامية حيث تخرج من كلية العلوم الاسلامية عام 1999 وهو الان امام وخطيب احد جوامع قرى الفلوجة.
البصائر- كيف بدأ الشعر معك؟(478/4)
- منذ نعومة اظفاري وانا احاكي القصائد التي كنت اسمعها من (المداحين) يؤدونها بلحن محبب للنفوس وتطورت معي هواية محاكاة القصائد كبردة البوصيري وهمزيته وكذلك ابداعات البرعي في روائعه. حتى رسمت لنفسي خطاً معروفاً بالواقعية فكتبت قصائد لا تذهب في الخيال بعيداً ولا تبالغ في رسم صورة غير حقيقية.
البصائر- وماذا كتبت في ذلك؟
- كتبت(جولة سيدنا عمر في المدينة) و (قصة القلعة الكبيرة) و(حنظلة غسيل الملائكة) وغيرها كثير مما لاقى قبولاً عند الناس، فدفعني ذلك الى مواصلة المشوار في هذا الطريق الطويل، الذي لم ازل في بدايته.
البصائر- ماهي مهمة الشاعر في ظل ظرف الاحتلال؟
- الشاعر الملتزم هو الصرخة الصادقة، وهو الكلمة الهادفة، وهو الشعلة المتوقدة. فالشاعر باحاسيسه المرهفة، وخلجاته الصادقة يعيش همَّ امته في دينها وخصائص حياتها.
فكيف بالشاعر وهو يرى وطنه محتلاً بالتاكيد سيكون مرجلاً يغلي وثورة دائمة وصرخة عالية يستنهض الهمم، وينذر بالخطب. يوقظ النائمين وينبه الغافلين ويرتضي بالعاملين ويثبت المجاهدين.
البصائر- كيف توثق هذا الكلام؟
- حسبنا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لحسان (اهجهم وروح القدس معك) فاذا كان جبريل كبير امناء الوحي مع حسان بن ثابت على المشركين افلا يكون شرفاً للشاعر المسلم ان يصحبه في درب الكلمة الصادقة جبريل عليه السلام لا يكلفه ذلك الا ان يعيش الهم ويستحضر القضية ويستشعر الخطب.
البصائر- ما رايك باقامة مهرجانات للشعر الاسلامي؟
- المهرجانات وسيلة عملية وناجحة للقاء بالناس وايصال الفكرة لهم لاسيما ونحن نعيش اليوم ثورة من الفضائيات ووسائل الاعلام المعروفة فكم من شاعر لا يسمع صوته وكم من قصيدة رائعة بقيت في ادراج مكتب قائلها.
ويمكن ان نفعل دور الادب من خلال المهرجانات والفضائيات وعالم الانترنت والاقراص المدمجة.
البصائر- احيانا يعدالشعر من نافلة القول. ما قولك؟(478/5)
- الشعر يبقى وسيلة ناجعة وطريقة مثلى لالهاب المشاعر وتجييش العواطف فهو اداة قديمة حديثة اذا احسن استخدامها واستطعت ان تمخر عباب الامواج المتلاطمة ولامست مشاعر الناس.
البصائر- ابرز المهرجانات التي شاركت بها؟
- شاركت بمسابقات الشعراء الشباب في جمعية الشبان المسلمين واحرزت المرتبة الاولى لمرتين متتاليتين.
وشاركت بمهرجان البردة في الموصل الحدباء مرتين وكذلك شاركت بالكثير من اللقاءات والاحتفالات التي اقيمت في العراق من شماله الى جنوبه.
البصائر- هل من الممكن الارتقاء بالذوق العام وكيف؟
- الشباب هم الشريحة التي يجب الاهتمام بها وكما يقول الشاعر:
ان الغصون اذا قومتها اعتدلت
ولا تلين اذا صارت من الخشب
فهم يهضمون ما يلقى اليهم والساحة اليوم تكاد ان تكون خالية من الاعلام الاسلامي الهادف. فتقويم الذوق العام يبدأ بربط الشباب بكتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن ثم نبصرهم بالادب الاسلامي والشعر بصورة خاصة في اغراضه الحماسية والدعوية والجهادية.
البصائر- ما قصة ديوانك المرثي؟
- للاسف لم تسعفني الظروف الخاصة والعامة ان اطبع ديواني الاول حيث بعد ان بدأت بجمع قصائدي لاصدارها في ديوان مطبوع دهمنا الاحتلال ومن ثم توالت الاحداث الجسام فاحرق الامريكان بيتي ومكتبتي وكان من ضمنها مجموع القصائد.
وتأثرت لذلك ابلغ التأثير فكتبت قصيدة رثاء لديواني المحترق عنوانها (ديواني الموؤد) والتي مطلعها
اطفيء بطلِّ الشعر جذوة ناري
وازلْ لحون الحزن عن اوتاري
البصائر- كيف تجد الصفحة الثقافية في البصائر
- انها تخطو خطوات واعدة وان شاء الله ترتقي الى مستوى يليق بمكانة (البصائر) وبمكانة الخط الذي تنتهجه وذلك بمواصلة المبدعين من الادباء الملتزمين وكذلك خبرة المهنيين ونقد المتمكنين.
البصائر- كلمة اخيرة(478/6)
- لا يفوتني ان اسجل شكري وتقديري لجريدة البصائر ولاخي الدكتور مثنى الضاري ولكل العاملين بهذا المنبر الذي يرفع صوته وسط ضجيج المغرضين ويتصدى بكل حزم وشجاعة لمكائد الحاقدين وجعلنا الله واياكم ممن يخدم هذا الدين.
العراق.. "قصيدة المقاومة" تكافح الحصار
بغداد- إياد الدليمي (قدس برس)- إسلام أون لاين.نت/ 5-9-2004
معروف الرصافي
تتعدد أشكال المقاومة الوطنية في العراق ضد قوات الاحتلال؛ فهي تارة بالسلاح، وتارة أخرى بالسياسة، وطورا بالكلمة؛ شعرا ونثرا تطارده الحكومة العراقية المؤقتة والاحتلال. وسلاح قصيدة المقاومة ليس بالأمر الجديد في العراق؛ إذ عرفته بلاد الرافدين إبان الاحتلال البريطاني أوائل القرن العشرين.
ويقول أحد شعراء المقاومة المغمورين: "أخشى أن يكتب التاريخ أن القصيدة العراقية لم تكن بمستوى الحدث. نحن نكتب شعرا مقاوما تعلمناه أول ما تعلمناه من قصائد المقاومة الفلسطينية؛ حتى تجسدت المعاناة على أرضنا؛ فلم يكن من بُد إلا أن نشحذ الأقلام والأفكار لمساندة قضيتنا، ومساندة المقاومة العراقية".
ويضيف الشاعر الذي عرف نفسه باسم "ابن الرافدين" لوكالة "قدس برس" الأحد 5-9-2004: "الحال في العراق يختلف عن فلسطين. فإذا كانت القصيدة الفلسطينية قد واكبت تطورات الأحداث وعرفها العالم؛ فإن القصيدة العراقية المقاومة ما زالت محاصرة خلف جدران الخوف والمنع".
وأوضح ابن الرافدين أن الصحف العراقية لا تقبل نشر مثل هذه القصائد، "حتى الصحف المعروفة بمعارضتها للاحتلال -رغم قلتها- تتراجع عن نشر هذه القصائد؛ خوفا من الملاحقة".
وأضاف "قصيدة المقاومة في العراق اليوم حالها حال المقاومين أنفسهم، كلاهما مطلوب القبض عليه. لذلك فإن منافذنا للنشر معدومة، وغاية ما نستطيعه هو أن نقوم باستنساخ القصيدة، وتوزيعها في المساجد، أو في بعض الأماكن التي نعتقد أن لها رغبة في ذلك".(478/7)
وتنتشر قصائد الشعراء المقاومين بين العديد من الشباب كما تنتشر أكثر في المناطق التي تشتهر بالمقاومة، خاصة في حي الأعظمية وسط العاصمة بغداد، ومناطق العراق الغربية، والموصل، وبيجي، وسامراء، وبعقوبة.
الشاعر محمد سعيد الجميلي يناجي العراق في قصيدة له بعنوان "صحائف العز"، كتب في أسفل عنوانها الرئيسى "بين يدي السيد العراق، بماضيه الزاهر، وحاضره المظلم، ومستقبله المشرق بإذن الله"، يقول في قصيدته:
أطل وقوفك واستذكر محياها ** فدار سلمى عجيبات سجاياها
وقل سلام على النهرين مذ هبطا ** أرضا كأن ثراها من ثريّاها
والباسقات نضيد الطلع زينتها ** مدت كمرضعة للطفل أثداها
ويسترسل الشاعر في قصيدته متغنيا بالعراق وبغداد:
هذي قرون بني العباس شاهدة ** بأن بغداد تعني المجد ذكراها
وأن راية حطين التي خفقت ** يد العراق تجلت في ثناياها
هذي بلاد كأن الكون مختصر ** ما بين فسحة يمناها ويسراها
مواجهة التحديات
مقاومة الاحتلال لا تقتصر على حمل السلاح
وتتشابه التحديات التي تواجه القصيدة المقاومة مع التحديات التي تواجه الفرد المقاوم. ومن هنا يحاول شعراء المقاومة البحث عن سبيل للخروج من حصار فُرض عليهم من قبل السلطات.
وكان من بين تلك السبل اللجوء إلى نشر أشرطة الكاسيت التي تحوي تلك القصائد بإنشاد أحد المنشدين. وربما ترافقها ضربات على الدف، أو على إيقاع خفيف.
وانتشرت في الآونة الأخيرة العديد من تلك الأشرطة، بعد أن صارت لها أماكن للتسجيل والبيع على أنها أناشيد إسلامية.
ويشير النقاد إلى أن هذه القصائد على الرغم من عدم انتشارها، وتوافر أسباب ذيوعها.. فإنها تتمتع بصدق فني ونفسي كبيرين؛ لأنها تنبع من أحاسيس صادقة، لا تعرف التزييف، وهو الأمر الذي يكتب لها النجاح والخلود في آن واحد.
فلسطين حاضرة
ولم تنس قصيدة المقاومة في العراق في عز محنتها أن تكتب لفلسطين. يقول الشاعر عبد الفتاح العاني في قصيدة له:(478/8)
حيوا الجهاد بكل عز للهدى ** لم يرحل الغازون بغير جهاد
وسيرحل المحتل تحت إرادة ** وثبات عزم راسخ الأوتاد
تحيا فلسطين الحبيبة إنها ** أمّ الضحايا قدوة الرواد
تحيا بلادي حرة وعزيزة ** وسلمتِ من كيد العِدا بغداد
ديمقراطية أمريكا والموساد
وعانى هولاء الشعراء المغمورون في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين؛ حيث كان الشعر محصورا في التغني به، ثم وجدوا أنفسهم اليوم أمام قيود جديدة فرضها الواقع الجديد والاحتلال.
ويقول الشاعر عبد الفتاح صالح العاني في قصيدة له بعنوان "ديمقراطية أمريكا":
ماذا نقول لسالف الأجداد؟! ** أفلا علمتم حاضر الأحفاد؟!
فلقد بدا غزو التأمرك واضحا ** يلج البيوت بغفلة الأضداد
ويعرج العاني في قصيدته على بعض من مطالب أمريكا للشرق المسلم التي كان من بينها تعديل مناهج التعليم، وبالذات الإسلامية منها، بزعم تشجيعها على الإرهاب إذ يقول:
وبدا يطالب حذف بعض "كتابنا" ** دستور "أحمد" في هوى "الموساد"
وهو الذي ارتكب المجازر كلها ** وأحاط في خيرات أرض سوادي
وهو الذي يهب الكراسي واثقا ** بالدائبين على خراب بلادي
وهو الذي نشر السجون بأرضنا ** وأباح فعل السوء للجلاد
وأكثر ما يخشاه هؤلاء الشعراء الذين جعلوا من جرح بلدهم قضية قوافيهم هو أن تطمر تلك القصائد تحت ركام النسيان، ولا تجد لها المكان المناسب لتخرج من مجرد التداول المحدود، إلى التداول الأوسع الذي يسجل لمرحلة مهمة من تاريخ العراق.
ويقول الشاعر محمد سعيد الجميلي في قصيدته "صحائف العز":
صبرا فخلف ستور الغيب كوكبة ** ممن يجد السرى تهوى مناياها
عهدا بأن عراق الفتح لو طمست ** منه المعالم يستحي سراياها
ويبعث الله جيشا من عصائبه ** يجفف الدمع من أجفان أقصاها
فيا حماة الحمى تاريخنا حكم ** غدا ستروي لأجيالي حكاياها
أذلنا الله لما راح هدهدنا ** يحكي لبلقيس أسرارا كتمناها(478/9)
لمّا سجدنا لِما كانت تقدسه ** جهلا وغرت بني قومي هداياها
فإن خدعنا برايات ملفقة ** تقفو هواها فإيانا وإياها
فالشعب يدرك بالإسلام غايته ** والتضحيات مهور لو بذلناها
فإن حورا سلبناها تزف لنا ** وجنة الخلد تهوانا ونهواها
وبائع النفس بالفردوس سلعته ** بالنوق ديّتها لكن مولاها
حين اشتراها بعقد زاد قيمتها ** فضلا لمن بالغيب سواها
منذ الاحتلال البريطاني
وقد عرف العراقيون القصيدة المقاومة منذ زمن بعيد، وهي ليست بالجديدة على ساحة الأدب العراقي.
فالعراق الذي عرف الاحتلال في بداية القرن الماضي من قبل بريطانيا عرف أيضا المقاومة بكل أشكالها، والتي كان من بينها المقاومة بالكلمة والقصيدة؛ فكان الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي قاوم المحتل من خلال رفضه للعديد من تصرفات الساسة العراقيين آنذاك، وكان هناك معروف الرصافي، ومعروف عبد الغني الذي ما زال يشمخ وسط العاصمة العراقية بغداد، بتمثال يخلد هذا العملاق، الذي يقول في إحدى قصائده في مطلع الأربعينيات منتقدا فيها الأوضاع السائدة آنذاك:
"علم ودستور ومجلس أمة ** كلٌ عن المعنى الصحيح محرّفُ".
كما قال الشاعر البارز الرصافي في أبيات أخرى منتقدا السياسات القمعية التي كانت تمارس من قبل قوات الاحتلال البريطاني ضد أبناء الشعب العراقي آنذاك:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر ** وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر؟!(478/10)
صحبة الأراذل
يقول المتنبي:
وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ
******************
يقول عبد الجبار الأزدي الصقلي:
إلى متى منكمُ هجري وإقصائي وليتني وجدتُ أحِبّائِي كأعْدائِي
هُمْ أظمئوني إلى ماءِ اللّمى ظمأً ترحلَ الريّ بي منهُ عنِ الماء
وخالفونيَ فيما كنتُ آملهُ منهمْ ورب دواءٍ عادَ كالداءِ
أعيا عليّ، وعذري لا خفاءَ به رياضة ُ الصعب من أخلاقٍ عذراء
وكل جَدبٍ له الأنواءُ ماحية ٌ وجدبُ جسمي لا تمحوه أنوائي
************************(479/1)
صحبة الجاهل
يقول المتنبي:
ومن العداوة ما ينالك نفعُهُ ومن الصداقة ما يضر ويؤلمُ
******************(480/1)
صرخة أبية لليلى العفيفة :
وقد قالتها بعد أن أُخذت سبية عند الفرس ليتزوجها ملكهم ولكنها تمنعت حتى استخلصها ابن عمها البرّاق .
ليت للبرّاق عيناً فترى ******** ما أقاسي من بلاء وعنا
يا كليباً يا عقيلا إخوتي ******* يا جُنيداً ساعدوني بالبكا
عُذبتْ أختكمُ يا ويلكمْ ******* بعذاب النُكر صبحاً ومسا
يكذب الأعجم ما يقربني ****** ومعي بعض حساسات الحيا
قيِّدُوني غللوني وافعلوا ***** كل ما شئتم جميعاً من بلا
فأنا كارهة بُغيتكم ****** ومريرُ الموت عندي قد حلا
أتدُلُّونَ علينا فارساً ****** يا بني أنمار يا أهل الخنا
يا إياد خسرت صفقتكم ***** ورُمي المُنظرُ من بُرد العمى
يا بني الأعماص إما تقطعوا *** لبني عدنان أسباب الرجا
فاصطباراً وعزاءً حسناً **** كلُّ نصر بعد ضُرٍّ يُرتجى
قُل لعدنان فديتم شَمِّروا **** لبني الأعجام تشمير الوحى
واعقدوا الرايات في أقطارها ** واشهروا البيض وسيروا في الضحى
يا بني تغلب سيروا وانصروا ** وذروا الغفلة عنكم والكرى
واحذروا العار على أعقابكم *** وعليكم ما بقيتم في الورى(481/1)
صرمت حبالك بعد وصلك زينب
وقال صالح بن عبدالقدوس يصف الدنيا :
صرمت حبالك بعد وصلك زينب**** والدهر فيه تصرم وتقلب
وكذ اك وصل الغانيات فإنه*** آل ببلقعة وبرق خلب
فدع الصبا فلقد عداك زمانه*** واجهد، فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشباب فما له من عودة*** وأتى المشيب فأين منه المهرب
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا*** واذكر ذ نوبك وابكهايا مذنب
واخش مناقشة الحساب فأنه*** لابد يحصي ما حنيت ويكتب
والليل ، فاعلم ، والنهار كلاهما** أنفاسنا فيه تعد وتحسب
لم ينسه الملكان حين نسيته *** بل أثبتاه ، وأنت لاه تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها*** ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعى لها*** دار حقيقتها متاع يذهب
وجميع ما حصلته وجمعته*** حقا يقينا بعد موتك ينهب
تبا لدار لا يدوم نعيمها*** ومشيدها عما قليل يخرب
لا تأمن الدهر الخؤون لأنه*** ما زال قدماللرجال يهذب
وكذلك الأيام في غصاتها*** مضض يذل له الأعز الأنجب
ويفوز بالمال الحقير مكانة*** فتراه يرجى ما لديه ويرغب
ويسر بالترحيب عند قدومه*** ويقام عند سلامه ويقرب
لا تحرصن فالحرص ليس بزائد*** في الرزق بل يشقى الحريص ويتعب
كم عاجز في الناس يأتي رزقه*** رغدا ويحرم كيس ويخيب
فعليك تقوى الله فالزمها تفز*** إن التقي هو البهي الأهيب
واعمل بطاعته تنل منه الرضا*** إن المطيع لربه لمقرب
أد الأمانة ، والخيانة فاجتنب*** واعدل ولاتظلم يطيب المكسب
واحذر من المظلوم سهما صائبا*** واعلم بأن دعاءه لا يحجب
وإذا أصابك في زمانك شده *** وأصابك الخطب الكريه الأصعب
فادع لربك إنه أدنى لمن *** يدعوه من حبل الوريد وأقرب
واحذر مؤاخاة الدني لأنه*** يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخرا*** إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب ولا يكن لك صاحبا*** إن الكذوب لبئس خلا يصحب
وذر الحسود وإن تقادم عهده *** فالحقد باق في الصدور مغيب(482/1)
واحفظ لسانك واحترز من لفظه*** فالمرء يسلم باللسان ويعطب
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن *** ثرثارة في كل ناد تخطب
والسر فاكتمه ولا تنطق به *** فهو الأسير لديك إذ لا ينشب
واحرص على حفظ القلوب من الأذى*** فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها*** شبه الزجاجة كسرها لايشعب
واحذر عدوك إذ تراه باسما*** فالليث يبدو نابه إذ يغضب
لا خير في ود امرئ متملق*** حلو اللسان وقلبه يتلهب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة *** ويروغ منك كما يروغ الثعلب
يلقاك يحلف أنه بك واثق *** وإذا توارى عنك فهو العقرب
وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة *** وخشيت فيها أن يضيق المكسب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا*** طولا وعرضا شرقها والمغرب(482/2)
صفة الجنة في القرآن والسنة شعر
جنة الفردوس دار المتقين... في مقام عند ذي العرش أمين
مقعد صدق حياة حقة... في جوار الله عيش الخالدين
جنة فوق السماوات العلى... عرضها سبع السما والأرضين
كل مافيها جديد دائم...نعم فتانة للناظرين
من قباب كلها من لؤلؤ...وتراب كله مسك رصين
تحتها الأنهار يجري ماؤها...ليس بالآسن من كر السنين
لبن لم يتغير طعمه...خمرة بل لذة للشاربين
هذه لا غول فيها شربها...تركوا التأثيم لغو الآثمين
عسل فيها مصفى أنهر... ومن التسنيم ماء من معين
وكؤوس أترعت بل مزجت...زنجبيلا هيئت للمشتهين
وأباريق و غلمان لها...تحمل الأكواب تسقي الطالبين
تحسب الغلمان فيها لؤلؤا...جل باريهم إله العالمين
وثياب سندس خضر واستبرق...والفرش فيه كل لين
وخيام من يواقيت وفي...جوفها حور من الأبكار عين
لو أطلت للدنا واحدة...لأضاءت كل أرض الشاهدين
لفتة خير من الدنيا و ما...تحتويه من نفيس أو ثمين
ريحها تملأ ما بينهما... كلها حب وشوق وحنين
سرر مرفوعة مصفوفة...وأريك هيئت للقائلين
تكأة للقوم بل مرتفق...حسنت مرتفقا للسامرين
شجر قد ذللت أثمارها...وظلال أدنيت من حالمين
وعلى الأبواب رضوان له... خير ترحيب بقوم وافدين
ورثوا الفردوس فيها خلدوا...قدما خيرا فعاشوا فاكهين
جنة عالية سكانها...إخوة نعم إخاء المتقين
نضرة فيها حبور دائم...تلك حال الفائزين المكرمين
لا يخافون ولا يحزنهم...فزع صاروا لديها آمنين
في قصور كلها من ذهب...تحتها أنهارها والمسك طين
تلك روضات ندي ظلها...روحها ريحانها في كل حين
ولهم ما تشتهي أنفسهم...ما تلذ العين طلب السائلين
فوق هذا نظرة تبهجهم...دونها كل نعيم الناعمين
إذ يرون الله لا يحجبهم...نوره عن وجهه رؤيا يقين
تلك جنات و ليست جنة...فأعد الرحل هيء مايعين
فمهور الحور سعي و تقى...ويقين ثم عزم لا يلين
أكثر التسبيح واحمده تفز...بغراس في جنان الغارسين(483/1)
واسأل المولى نعيما دائما...جنة المأوى عطاء الفائزين
- - - - - - - - - - - -(483/2)
صفعة في وجه طاغوت مرتد وأزلامه
---
يقول الطاغوت :
نسبي أنا من أكرم الأنساب ... من شك بي عذبته بعذابي
أنا هاشمي الأصل جدّي يعرب ... أنا من مؤمن أنا طاهر الأثوابِ
أنا من بنى للعرب سلما ماجدا ... أنا نشرت العدل فوق رحابِ
أنا من يقوم الليل حتى تسعدوا ... ضحيّت من أجل الهنا بشبابي
أنا رافع أنا خافض أنا واحد ... أنا حاكم من غير حسابِ
أوليس لي ملك البلاد وأهلها ... والنهر تحتي جارياً بشعابي
أنا مطعم الخلائق رازق ... بل إنني أنا أعظم الأربابِ
يقول الشاعر :
بل أنت طاغوت يؤلّه نفسه ... بفعاله ولسانه الكذّابِ
ما أنت اصلك هاشم أو يعرب ... أنت الدعي ومنكر الأنسابِ
إنّ اليهود لهم بأصلك لُحمة ... أبناء عمّك خُلّص الأحبابِ
لو كنت حقّا من قريش لم تزر ... قبر القرود ولم تفه بخطابِ
وسكبت من عينيك دمعا مثلما ... صبّت مياه من عيون سحابِ
لسنا نخالك إذا فعلت فعالهم ... إلا يهودياً بغير عُجابِ
لو لم تكن لك في اليهود وشيجة ... لتهودّت منك الدّما بحبابِ
أنت الذي ملّكتهم ما لك يكن ... يُجنى بغير قواضب وحرابِ
ونصبت للإسلام حرب عدواةٍ ... وكشفت عن حقد وعن أنيابِ
أقسمت أنّك خصمه لقيامة ... ووصمته بنوزاع الإرهابِ
وزعمت أنّك باليمين لآخذ ... كتيا وتدخل جنة الأطيابِ
وسدرت في غي وفي اضلولة ... لولا نهتك مشايخ الارابِ
---
أنا إن عذرتك لست أعذر لُسنهم ... من اسكتوا من غير أيّ عتابِ
نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم ... من أجل دنيا جيفة ككلابِ
يا ليتهم سكتوا ولكن زيّنوا ... بالقول والأفعال كلّ خرابِ
هم زينوا للناس أنك مؤمن ... تقضي الأنام بسنّة وكتابِ
ضلّوا فضلّت أمّة بضلالهم ... أصلاهم الجبّار سوء عذابِ
يا أيها المخدوع لا تسمع لهم ... هم خادعوك بزخرف وكذابِ
وأدوا الحقيقة مبتغين رضاكمُ ... بل أنت خادعهم بدار تبابِ
سمّنتهم ربّيتهم ورفعتهم ... حتى غدوا طوعا لكل طِلابِ
يا أيها الشيخ المضل لقومه ... أقصِر وهتّك عنه كل حجابِ
لو كنت من أهل التقى لسللته ... سيفاً يمزق ظلمة الكذابِ
لو كنت تخشى الله كنت مجاهراً ... بالحق غير مثبط هيابِ(484/1)
فأتب لربّك يا شيخُ فإنه ... يعفو بتبيان الهدى ومتابِ
---
يا أيها الملك المؤله نفسه ... جُلّلك بالنيران يوم حسابِ
أقصر فحسبك ما بدا من ظلمة ... كُشف النقاب وزال كل ضبابِ
لا تحسبن الناس تجهل مكركم ... قد طاح عهد المين والألعابِ
عطّلتم شرع الإله ودينه ... حكّمتمُ في الناس شرع الغابِ
فسرى الفساد وعم كل بقاعها ... والشعب حي بشقوة وصحابِ
طوّوف عيونك في البلاد فلن ترى ... غير الفقير المكتسي بترابِ
والذل خيّم فوق كل رؤوسنا ... يا ليتنا نردى بقطع رقابِ
---
عشنا زمانا تحت ظل عدالة ... إذ كان حكم شريعة الوهابِ
كنّا أعز الناس في دنيا الورى ... والخير سال بأوهد وهضابِ
أنّى بدت شمس السّماء فإنما ... هي فوق أبياتي وفوق جنابي
ما بالهم كان الإباء كساءهم ... وكساؤنا من أوهن الأثوابِ
هم حكّموا شرع الإله بغير ما ... نقص ولا استبداله بتبابِ
فلتحكموا بالشرع شرع محمّد [*] ... ولتنبذوا دستور كل ذئابِ
إن تحكموا بالشرع دون هوادة ... صرتم لنا من أطيب الأحبابِ
لكن إذا دام المقام على الخنا ... سيكون سيفي لا اللسان جوابي
لو لم أجد إلا الأظافر شوكة ... لو لم أجد لطعنتكم بسبابِ(484/2)
صلاة الله وسلامه على الهادي
الإمام الشيخ صالح الجعفرى
على الهادى رسول الله صلاة الله سَلام الله
للمختار قد زُرْنَا لدار الخلد قد جٍئنا
وشاهدنا رسولَ الله وفى الرّوضات صَلّينا
وبحر الحبَّ أمْواجا رأيتُ الناسَ أفواجَا
لحُبٍ فى رسول الله ودمع الشوق ثجّاجَا
وعطر النّدَّ فواحُ وفى رؤياه أفراحُ
وسامَحَهُم رسولُ الله وأهل الحبَّ قد باحوا
وجاء الخيرُ والبرُّ ولاح النّور والسرُّ
برؤياهم رسولَ الله وأهل الله قد قرّوا
وقد زاروا رسولَ الله حبيب الله يلقاهم
لمن للمصطفى زاروا وغفرانُ و أسرارُ
من الهادى رسول الله عليهم تبدو أنوارٌ
وأقمارُ الهدى هلّت جيوش النفس قد ولّت
لمن زاروا رسولَ الله وسحبُ الخير قد عمّت
إلى الخلاَّق بارينا وشمس الدين تَهدينا
أتينا يا رسولَ الله رسولُ الله داعينا
باقبال وإسعاد جمالُ المصطفى بادى
و شاهدنا رسولُ الله وعطرُ رَوَّحَ الوادى
بتوفيق بلا حجْب ونلنا غاية القرب
أبا القاسم رسولَ الله وزرنا سيدَ العُرْب
لدى المختار هاديها وهز الروحَ باريها
شهوداً فى رسول الله فنالت من أمانيها
وسلَّمنا على طه رياض الخلد نلناها
بإمدادٍ رسول الله وروح الحبَّ حَيّاها
على المختار ذى الذكر صلاةُ الله كالقطر
و آلٍ من رسول الله وصحبٍ سادةٍ غُرَّ
مديح المصطفى كرَّرْ متى ما الجعفرى حَرّرْ
بنورٍ من رسول الله ووجه الحبَّ قد نوّر(485/1)
صلة الرحم
قال الشاعر:
وإذا رزقت من النوافل ثروة فامنح عشيرتك الأداني فضلها
واعلم بأنك لم تسود فيهم حتى ترى دمث الخلائق سهلها
*****************
وقال آخر:
وحَسْبُكَ من ذلٍّ وسوءِ صنيعةٍ مناواةُ ذي القربى وإن قيل: قاطعُ
ولكنْ أواسيه وأنسى عيوبَه لِتُرْجِعَهُ يوماً إليَّ الرواجعُ
ولا يستوي في الحكِم عبدانِ: واصلٌ وعبدٌ لأرحامِ القرابةِ قاطعُ
****************
وقال المقنع الكندي:
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمِّي لَمُختلفٌ جِدّا
إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندهم قدحت لهم في كلِّ مكرمةٍ زندا
وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهُمْ وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
ولا أَحْمِل الحقدَ القديمَ عليهمُ وليس رئيسُ القومِ مَنْ يَحْمِلُ الحقدا
وأعطيهمُ مالي إذا كنت واجداً وإن قلّ مالي لم أكَلّفْهمُ رِفْدا
*****************
وقال آخر:
رَأَيْت صَلاَحَ الْمَرْءِ يُصْلِحُ أَهْلَهُ وَيُعْدِيهِمْ عِنْدَ الْفَسَادِ إذَا فَسَدْ
يُعَظَّمُ فِي الدُّنْيَا بِفَضْلِ صَلاَحِهِ وَيُحْفَظُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الأهل وَالْوَلَدْ
*****************
وقال آخر:
مَنْ كان يَحْلُم أن يسودَ عشيرةً فعليه بالتقوى ولينِ الجانب
ويغضَّ طرفاً عن مساوي من أساء منهم ويحلم عند جهل الصاحب
*****************(486/1)
صلى الإله وسلما
شعر الأستاذ / عبدالسلام المآخذي _ صنعاء
صلى الإله على النبي وسلما ... والآل من ورثوا الكتاب المحكما
صلوا عليه وسلموا وترحموا ... سعد المصلي بالنبي وأكرما
طوبى لمن أضحى بطه مغرما ... و بآله في دينه مستعصما
طوبى لمن قصد المدينة زائراً ... و توسلاً صلى جوارك محرما
طه عشقنا قبةً نبويةً ... تعلو رياضك طيبها يروي الضما
طه عشقنا تربةً قدسيةً ... إني لشوق لقائها أبكي دما
الأنبياءُ علوتهم فضلاً كما ... يعلو النجوم البدر في كبد السما
هيهات أن يرقى سواك ويعتلي ... ظهر البراق مشاهداً غيب السما
يارحمة الرحمن يا نور الهدى ... طابت لنا الدنيا بذكرك دائما
يا حجة الباري على كل الورى ... لولاك ما صلى التقي وأحرما(487/1)
صلّى عليك الله
ميسون قصاص
ريح الصّبا تزكي الصّبابة في الحشا عند الهبوب
وتحرّك الأشواق تطوي بالمنى بُعدَ الدّروب
فإذا الحياة بمرّها تحلو وتنساها الكروب
وتهون في الدّرب الصّعاب وينجلي ليل الخطوب
يا أحمدَ الهادي ويا نوراً أطلّ على القلوب
من كلِّ شيءٍ حسنَهُ آتاك علّام الغيوب
فالشّمسُ حزت ضياءها
والغيمُ مدمعَه السّكوب
والطّيرُ أهدت شدوها والزّهرُ أهداك الطّيوب
أهدى الصّباح حياته وسكينةً أهدى الغروب
يا منذراً ومبشّراً من عند علّام الغيوب
يا داعياً وسراجَ نورٍ قد أضاء لنا الدّروب
ذكراك تحيينا وحبّك غيثنا يروي القلوب
وحديثك الهادي رياض ليس فيها من لغوب
صلّى عليك الله
يا من ذكره يمحو الذّنوب
صلّى عليك . . صلّى عليك(488/1)
صهيل القوافي
استمع قولي صريحاً واستفق ****** يا ( صهيلاً ) بل ضجيجاً في طبق ْ
إن أردت العيش صفواً رائقاً ****** بادر الأعذار صدقاً واختلق
هذه الأبيات سقناها لكي****** يُعلم المهزوم ممن قد سبق ْ
جاءني الشعر المُقَفَّى شاكياً ****** مستجيراً من صهيلٍ قد نهق
قد نظمت اليوم شِعري صافياً****** ملقياً عني بنيات الأرق
تزعمون اليوم زوراً أنكم ****** في طريق الشعر جزتم من سبق
شبه شِعرٍ فاح من أفواهكم ****** قد ظنناه كنيفاً منبثق
شعركم يدعو لضعف ظاهر****** يا حرير القز بل أنتم أرق
نحن أُسْد لن تجارينا إذا****** جاء يوم فيه تحمر الحدق
شعرنا من جولة يرديكم ُ ****** والشلولخ إن يقابلني شهق
يا (صهيلاً ) أنت تبدو ليناً ****** أو طرياً بل شبيهاً بالسجق
خانك الشيخ الذي رباكم ُ ****** في دلال يا رجالاً من ورق
أخبر المأفون قولي صادقاً ****** وابتعد عن كل قول مختلَق
إنه إن يبتعد أو إن يعُد ْ****** أبلهٌ يبدو كغر ٍّ قد صُفق
قد بدأت الحرب ظلماً فانتظر****** سوف تلقى مثل فرخ قد نفق(489/1)
صوت صفير البلبل
صَوْتُ صَفِيْرِ البُلْبُلِ
هَيَّجَ قَلْبِيَ الثَمِلِ
المَاءُ وَالزَّهْرُ مَعَاً
مَعَ زَهرِ لَحْظِ المُقَلِ
وَأَنْتَ يَاسَيِّدَ لِي
وَسَيِّدِي وَمَوْلَى لِي
فَكَمْ فَكَمْ تَيَّمَنِي
غُزَيِّلٌ عَقَيْقَلي
قَطَّفْتُ مِنْ وَجْنَتِهِ
مِنْ لَثْمِ وَرْدِ الخَجَلِ
فَقَالَ بَسْ بَسْبَسْتَنِي
فَلَمْ يَجّدُ بالقُبَلِ
فَقَالَ لاَ لاَ لاَ لاَ لاَ
وَقَدْ غَدَا مُهَرْولِ
وَالخُودُ مَالَتْ طَرَبَاً
مِنْ فِعْلِ هَذَا الرَّجُلِ
فَوَلْوَلَتْ وَوَلْوَلَتُ
وَلي وَلي يَاوَيْلَ لِي
فَقُلْتُ لا تُوَلْوِلِي
وَبَيِّنِي اللُؤْلُؤَلَي
لَمَّا رَأَتْهُ أَشْمَطَا
يُرِيدُ غَيْرَ القُبَلِ
وَبَعْدَهُ لاَيَكْتَفِي
إلاَّ بِطِيْبِ الوَصْلَ لِي
قَالَتْ لَهُ حِيْنَ كَذَا
انْهَضْ وَجِدْ بِالنَّقَلِ
وَفِتْيَةٍ سَقَوْنَنِي
قَهْوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمْتُهَا بِأَنْفِي
أَزْكَى مِنَ القَرَنْفُلِ
فِي وَسْطِ بُسْتَانٍ حُلِي
بالزَّهْرِ وَالسُرُورُ لِي
وَالعُودُ دَنْ دَنْدَنَ لِي
وَالطَّبْلُ طَبْ طَبَّلَ لِي
وَالسَّقْفُ قَدْ سَقْسَقَ لِي
وَالرَّقْصُ قَدْ طَبْطَبَ لِي
شَوَى شَوَى وَشَاهِشُ
عَلَى وَرَقْ سِفَرجَلِ
وَغَرَّدَ القِمْرِ يَصِيحُ
مِنْ مَلَلٍ فِي مَلَلِ
فَلَوْ تَرَانِي رَاكِباً
عَلَى حِمَارٍ أَهْزَلِ
يَمْشِي عَلَى ثَلاثَةٍ
كَمَشْيَةِ العَرَنْجِلِ
وَالنَّاسُ تَرْجِمْ جَمَلِي
فِي السُوقِ بالقُلْقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعْكَعْ كَعِكَعْ
خَلْفِي وَمِنْ حُوَيْلَلِي
لكِنْ مَشَيتُ هَارِبا
مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي
إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ
مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ
يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ
حَمْرَاءْ كَالدَّمْ دَمَلِي
أَجُرُّ فِيهَا مَاشِياً
مُبَغْدِدَاً للذِّيَّلِ
أَنَا الأَدِيْبُ الأَلْمَعِي
مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوْصِلِ
نَظِمْتُ قِطعاً زُخْرِفَتْ
يَعْجِزُ عَنْهَا الأَدْبُ لِي
أَقُوْلُ فِي مَطْلَعِهَا(490/1)
صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ(490/2)
ضجعة الموت
لأبي العلاء المعري
غَيْرُ مُجْدٍ، في مِلّتي واعْتِقادي ***** نَوْحُ باكٍ، ولا تَرَنّمُ شادِ
وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعِيّ، إذا قِيـ ***** ــسَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ
أبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ، أمْ غَـ ***** ـنّتْ عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ؟
صَاحِ! هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْـ ***** ـبَ، فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ
خَفّفِ الوَطْءَ! ما أظُنّ أدِيمَ الْـ ***** ـأرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ
وقَبيحٌ بنَا، وإنْ قَدُمَ العَهْـ***** ـدُ، هَوَانُ الآبَاءِ وَالأجْدادِ
سِرْ إنِ اسْطَعت في الهَوَاءِ رُوَيداً*****لا اخْتِيالاً عَلى رُفَاتِ العِبادِ
رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مراراً*****ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُممِ الأضْدادِ
وَدَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ***** في طَويلِ الأزْمانِ وَالآبادِ
فاسْألِ الفَرْقَدَينِ عَمّنْ أحَسّا*****مِنْ قلٍ، وآنسا من بلادِ
كَمْ أقامَا على زَوالِ نَهارٍ***** وَأنارا لِمُدْلِجٍ في سَوَادِ
تَعَبٌ كُلّها الحَياةُ، فَما أعْـ*****ـجَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْدِيادِ
إنّ حُزْناً، في ساعةِ المَوْتِ أضْعَا*****فُ سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ
خُلِقَ النّاسُُ للبَقَاءِ، فضَلّتْ *****أُمّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفَادِ
إنّمَا يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْما*****لٍ إلى دارِ شِقوَةٍ أوْ رَشَادِ
ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يَستريحُ الـ*****ـجِسْمُ فيها والعَيشُ مِثلُ السّهادِ
أبَناتِ الهَديلِ! أسْعِدْنَ أوْ عِدْ*****نَ قَليلَ العَزاءِ بالإسْعَادِ
إيهِ! للّه دَرّكُنّ، فأنْتنّ الـ*****ـلوَاتي تُحْسِنّ حِفْظَ الوِدادِ
ما نَسيتُنّ هالِكاً في الأوانِ الـ*****ـخَالِ أوْدَى مِنْ قَبلِ هُهُلكِ إيادِ
بَيْدَ أنّي لا أرْتَضِي مَا فَعَلْتُـ*****ـنّ، وَأطْوَاقُكُنّ في الأجْيَادِ
فَتَسَلّبْنَ، وَاسْتَعِرْنَ، جَمياً*****منْ قَميصِ الدّجَى، ثيابَ حِدادِ(491/1)
ثُمّ غَرِّدْنَ في المَآتِمِ، وَانْدُبْـ*****ـنَ بِشَجْوٍ مَعَ الغَواني الخِرادِ
قَصَد الدّهْرُ، من أبي حَمزَةَ الأوّ*****ابِ، مَوْلى حِجىً، وخِدنَ اقتصَادِ
وفَقيهاً، أفكارهُ شِدْنَ، للنَعْـ*****ـمانِ، مَا لم يَشِهُ شعرُ زِيادِ
فالعِراقيُّ، بَعْدَهُ، للحِجازِ*****يّ، قليلُ الخِلافِ سَهْلُ القِيادِ
وخَطيباً، لو قامَ بَينَ وُحُوشٍ*****عَلّمَ الضّارِياتِ بِرَّ النِّقَادِ
رَاوِياً للحَديثِ، لم يُحْوِجِ المَعْـ*****ـرُوفَ مِنْ صِدْقِهِ إلى الأسْنادِ
أنْفَقَ العُمرَ ناسِكاً، يَطْلُبُ العِلْـ*****ـمَ بكَشْفٍ عَن أصْلِهِ، وَانْتِقادِ
مُستَقي الكَفّ مِنْ قَليبِ زُجاجٍ*****بِغُرُوبِ الياعِ، ماءَ مِدادِ
ذا بَنَانٍ، لا تَلْمُسُ الذّهَبَ الأحْـ*****ـمَرَ زُهْداً في العَسجَدِ المُستَفادِ
وَدِّعا، أيّها الحَفيّانِ، ذاكَ الـ*****ـشّخْصَ إنّ الوَداعَ أيسَرُ زَادِ
وَاغْسِلاهُ بالدّمعِ، إنْ كانَ طُهْراً*****وَادْفِناهُ بَيْنَ الحَشَ وَالفُؤادِ
وَاحْبُوَاهُ الأكْفانَ مِنْ وَرَقِ المُصْـ*****ـحَفِ، كِبْراً عن أنْفَسِ الأبْرادِ
وَاتْلُوَا النّعْشَ بالقِرةِ وَالتّسْـ*****ـبِيحِ لا بالنّحيبِ وَالتّعْدادِ
أسَفٌ غَيْرُ نافِعٍ، وَاجْتِهادٌ*****لا يُؤدّي إلى غَنَاءِ اجْتِهادِ
طالا أخْرَجَ الحَزينُ جَوَى الحُزْ*****نِ إلى غَيْرِ لائِقٍ بالسَّدادِ
مِثْلَ ما فاتَتِ الصّلاةُ سُلَيْمَا*****نَ، فَأنْحَى عَلى رِقابِ الجِيادِ
وهوَ مَنْ سُخّرَتْ لهُ الإنْسُ والجِـ*****ـنّ، بما صَحّ من شَهادَةِ صَادِ
خافَ غَدْرَ الأنامِ، فاستَوْدَع الرّيـ*****ـحَ سَليلاً، تَغْذُوهُ دَرَّ العِهَادِ
وَتَوَخَىّ لَهُ النّجاةَ، وَقَدْ أيْـ*****ـقَنَ أنّ الحِمَامَ بالمِرْصَادِ
فَرَمَتْهُ بهِ، على جانِبِ الكُرْ*****سِيّ، أُمُّ اللُّهَيْمِ، أُخْتُ النّآدِ
كيفَ أصْبَحتَ، في محَلّكَ، بعدي*****يا جَديرا منّي بحُسْنِ افتِقادِ(491/2)
قد أقَرّ الطّبيبُ عَنْكَ بِعَجْزٍ*****وَتَقَضىّ تَرَدّدُ العُوّادِ
وَانتَهَى اليأسُ مِنكَ،وَاستشعر الوَجـ*****ـدُ بأنْ لا مَعادَ، حتى المعادِ
هَجَدَ السّاهرُونَ، حَوْلَكَ، للتمْـ*****ـريضِ؛ وَيحٌ لأعْيُنِ الهُجّادِ
أنتَ مِن ن أُسْرَةٍ مَضَوْا غَيرَ مَغْرُو*****رينَ مِنْ عيشَةٍ بِذاتِ ضِمادِ
لا يُغَيّرْكُمُ الصّعيدُ، وكونوا*****فيهِ مثلَ السّيوفِ في الأغمادِ
فَعَزيزٌ عَليّ خَلْطُ اللّيالي*****رِمَّ أقدامِكُمُ بِرِمّ الهَوَادي
كُنتَ خِلّ الصِّبا، فلَمّا أرادَ الـ*****ـبَينَ وَافَقتَ رأيَهُ في المُرادِ
ورأيتَ الوَفاءَ، للصّاحِبِ الأ*****وّلِ، مِنْ شيمَةِ الكَريمِ الجَوادِ
وَخَلَعْتَ الشّبابَ غَضّاً،فَيا لَيْـ*****ـتَكَ أبْلَيْتَهُ مَعَ الأنْدادِ
فاذْهَبا خَيرَ ذاهبَينِ، حقيقَيْـ*****ـنِ بِسُقْيا رَوائِحٍ وَغَوَادِ
ومَراث لَوْ أنّهُنّ دُمُوعٌ*****لمَحَوْنَ السّطُورَ في الإنْشَادِ
زُحَلٌ أشرَفُ الكَواكبِ داراً*****مِنْ لِقاءِ الرّدَى، على ميعادِ
ولِنارِ المِرّيخِ مِن حَدَثانِ الدّهَـ*****ـرِ مُطْفٍ، وَإنْ عَلَتْ في اتّقَادِ
وَالثّرَيّا رِهينَةٌ بِافْتِراقِ الـ*****ـشّمْلِ، حَتّى تُعَدّ في الأفرادِ
فليَكُنْ للْمُحَسِّنِ الأجلُ المَمْـ*****ـدود، رغماً لآنُفِ الحُسِّادِ
وَلْيَطِبْ عَنْ أخهِ نَفساً،وأبْنا*****ء أخيهِ، جَرائحِ الأكبادِ
وإذا البَحْرُ غاضَ عَنّي، ولم أرْ*****وَ، فلا رِيّ بادّخارِ الثِّمادِ
كُلُّ بتٍ للْهَدْمِ، ما تَبْتَني الوَرْ*****قاءُ، والسّيّدُ الرّفيعُ العِمادِ
والفَتى ظاعِنٌ، ويَكفيهِ ظِلُّ الـ*****ـسّدْرِ ضَرْبَ الأظْنابِ وَالأوْتادِ
بانَ أمْرُ الإلَهِ، وَاختَلَفَ النّا*****سُ، فَداعٍ إلى ضَلالٍ وَهَادِ
وَالّذي حارَتِ البَرِيّةُ فيهِ*****حَيَوَانٌ مُسْتَحْدَثٌ مِن جَمادِ
وَاللّبيبُ اللّبيبُ مَنْ لَيسَ يَغْتَـ*****ـرّ بِكَوْنٍ، مَصيرُهُ للفَسادِ(491/3)
طاعة الوالدين
قال أمية بن أبي الصلت ،وهو قد عتب على ابنه :
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعلّ بما أسعى عليك وتنهل
إذا ليلةٌ جاءتك بالشكو لم أكن بشكواك إلاّ ساهراً أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الرّدى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجل
فلما بلغت السنّ والغاية التي إليها مدى ما كنت قبل أؤمل
جعلت جزائي غلظةً وفظاظةً كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حقّ الْجوار ولَم تكن عليّ بِمالي دونَ مالِكَ تبخل
****************
وقال آخر:
إن للوالدين حقٌ علينا بعد حق الإله في الاحترامِ
أوجدانا وربيانا صغاراً فاستحقا نهاية الإكرام
****************
وقال آخر:
لأمك حق لو علمت كبير كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي لَها من جواها أنَّةٌ وزفير
وفِي الوضع لو تدري عليك مشقة فكم غُصصٍ منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها ومن ثديها شُربٌ لديك نَمِير
وكم مرّة جاعت وأعطتك قوتَها حُنُوًّا وإشفاقًا وأنت صغير
فضيّعتها لَما أسنّت جهالة وطال عليك الأمر وهو قصير
فدونك فارغب فِي عميم دعائها فأنت لِما تدعو إليه فقير
****************
ذُكِر أن شابًا اسمه مُنازِل كان مُكبًّا على اللهو واللعب لا يفيق عنه، وكان له والدٌ صاحب دين، كثيراً ما يعظ هذا الابن ويقول له: يا بني، احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألَحّ عليه زاد في العقوق، ولما كان يوم من الأيام ألَحّ على ابنه بالنصح على عادته، فمدّ الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله مجتهدًا ليأتينّ بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:
يا مَن إليه أتى الحجّاج قد قطعوا عَرضَ المَهامِهِ من قُربٍ ومن بُعدِ(492/1)
إنِّي أتيتك يا مَن لا يُخيِّبُ مَن يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمَد
هذا مُنازِلُ لا يرتدُّ من عَقَقِي فخذ بحقّيَ يا رحمن من ولدي
وشُلَّ منه بحولٍ منك جانبه يا من تقدَّس لم يولَد ولم يلِد
فقيل: إنه ما استتمّ كلامه حتى يبس شِقُّ ولده الأيمن، نعوذ بالله من العقوق.
****************(492/2)
طريق السلام
لمحمود غنيم
قلنا وأصغى السامعون طويلا ***** خلوا المنابر للسيوف قليلا
سقنا الأدلة كالصباح لهم فما ***** أغنت عن الحق الصُراح فتيلا
من يستدل على الحقوق فلن يجد ***** مثل الحسام على الحقوق دليلا
إن صُمت الآذان لم نسمع سوى ***** قصف المدافع منطقاً معقولا
لغة الخصوم من الرجوم حروفها ***** فليقرؤوا منها الغداة فصولا
لما أبوا أن يفهموا إلا بها ** *** رحنا نرتلها لهم ترتيلا
أدت رسالتها المنابر وانبرى ***** حد السلاح بدوره ليقولا
ولقد بحثت عن السلام فلم أجد ***** كإراقة الدم بالسلام كفيلا(493/1)
طلب العلم
قال الشاعر:
مللت كل جليس كنت آلفه إلا الكتاب فلا يعدله إنسانُ
عاشرته فأَراني كل مكرمة له عليَّ رعاه الله إحسانُ
*****************
وقال آخر:
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الأنام كتابُ
*****************
وقال أبي إسحاق الألبيري يوصي ابنه بطلب العلم:
تفت فؤادك الأيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق ألا يا صاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عروساً ذات خدر أبتَّ طلاقها الأكياس بتا
تنام الدهر ويحك في غطيط بها حتى إذا مت انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع وحتى متى لا ترعوي عنها وحتى
أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماما مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من غشاها ويهديك الطرق إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجاً ويكسوك الجمال إذا عريتا
ينالك نفعه ما دمت حياً ويبقى ذكره لك إن ذهبتا
هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مقاتل من أردتا
وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفا شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعماً لآثرت التعلم واجتهدتا
*****************
وقال آخر:
يكفيك أن رفيق العلم منزله بين السماكين مرفوعاً على زحل
تهفو له الشمس والجوزاء تحسده يبيت فوق حشايا الجد في قلل
استشهد الله أهل العلم فضلهم على جميع البرايا من بني الدول
وميز الله حتى في البهائم ما منها يعلم في صيد وذي جهل
والهدهد اجتث بلقيساً وهدهدها بالعلم جاء سليماناً على عجل
ذو العلم حي ولو ذابت حشاشته له الجلالة عن حاف ومنتعل
حتى الملائكة الأبرار تذكره والنمل يدعو له في السهل والجبل
مداده كرم جاد الشهيد به في حومة الهول بين البيض والأسل
أقلامه تعمر الدنيا إذا نطقت ألواحه صحف الرضوان والأمل
كلامه درر أحكامه عبر أفعاله أثر لله من حلل
يقضي ويمضي وكل الناس تقبله في ساعة الجد أو في ساعة الهزل(494/1)
والله لو وزنوا الدنيا بزخرفها ما عادلت كلمة من لفظه الجزل
أو قدموها قناطيراً مقنطرة ما وازنت حرف علم صافي النهل
مات الملوك وأهل العلم ذكرهمو كالمسك في الناس نداً عشرق جزل
لو أن عبداً حقير الأصل ممتهناً أصك مفتولة أذناه كالثعل
ممزق الثوب عار الظهر مشفرة كمشفر الضب والكفان في شلل
أثط أفطس قد طالت ضفائره طعامه من رخيص البقل والدقل
وعنده من علوم الوحي لانصدعت له القلوب وصار الكون في جزل
ووقرته ملوك الأرض وارتجفت له المنابر في عز وفي جلل
وقربت نعله الأشراف وافتخرت به المدائن من سهل ومن جبل
*****************
وقال أبو الفتح الملقب بكشاجم:
لا تمنع العلم أمرأً والعلمُ يمنعُ جانبَهْ
أمّا الغبي فليس يفـ ـهم لطْفَهُ وغَرائبهْ
وتكون حاضرةُ الفوا ئد عنده كالغائبهْ
وأخو الحصافة مُسْتَحِق أَن ينالَ مَطَالبهْ
فبحقَه أعطيتهُ مِنْ فَضْلِ علمك وَاجِبَهْ
*****************
وقال آخر:
قل للذي غَرَّتهُ عِزَّةُ مُلْكِه حتى أخَل بطاعةِ النصحاءِ
شرفُ الملوكِ بعلمهم وبرأيهم وكذاك أوْجُ الشمسِ في الجوزاء
*****************
وقال أبو الفتح البستي:
إذا أقسم الأبطالُ يوماً بسيفهم وعدّوه ممّا يُكْسِبُ المجدَ والكرمْ
كفى قَلَمُ الكتاب مَجْداً ورفعةً مدَى الدَّهرِ أنّ اللَه أقْسَم بالقَلَمْ
*****************
وقال آخر:
العلم أشرف مطلوب وطالبه لله أكرم من يمشي على قدم
فقدِّس العلم واعرف قدر حرمته في القول والفعل والآدابَ فالتزم
يا طالب العلم لا تبغِ به بدلاً فقد ظفرت ورب اللَّوح والقلم
واجهد بعزم قوي لا انثناء له لو يعلم المرء قدر العلم لم ينمِ
والنية اجعل لوجه الله خالصة إن البناء بدون الأصل لم يقمِ
*****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا لَمْ يُذَاكِرْ ذُو الْعُلُومِ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ عِلْمًا نَسِيَ مَا تَعَلَّمَا
فَكَمْ جَامِعٍ لِلْكُتُبِ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ يَزِيدُ مَعَ الأيام فِي جَمْعِهِ عَمَى(494/2)
*****************
وقال آخر:
ومن لم يذُقْ مر التعلم ساعة تجرَّع ذُل الجهل طول حياته
*****************
وقال آخر:
وَفِي الْجَهْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَوْتٌ لأهْلِهِ فَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَإِنْ امْرَأً لَمْ يَحْيَ بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
*****************
وقال آخر:
قوموا اقرعوا بالعلم أبواب العلا لا تقصروا عن همة القرَّاع
واستعذبوا شوك المنايا في اجتنى ورد الأماني رائق الإيناع
وتعلموا فالعلم معراج العلا ومفاتح الإخصاب والإمراع
وإذا علمتم فاعملوا فالعلم لا يجدي بلا عمل بحسن زمام
*****************
هو العلم كما يقول أبي إسحاق الألبيري
فواظبه وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا
وإن أعطيت فيه طويل باعٍ وقال الناس إنك قد علمتا
فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ : علمتَ فما عملتا
فرأس العلم تقوى الله حقا وليس بأن يقال لقد رأستا
وأفضل ثوبك الإحسان لكن نرى ثوب الإساءة قد لبستا
*****************
ويقول أيضاً:
إذا ما لم يفدك العلم خيراً فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجني من ثمار العجز جهلاً وتصغر في العيون إذا كبرتا
وتُفقد إن جهلت وأنت باق وتوجد إن علمت ولو فُقدتا
وتذكر قولتي لك بعد حين إذا حقاً بها يوما عملتا
وإن أهملتها ونبذت نصحاً وملت إلى حطام قد جمعتا
فسوف تعض من ندم عليها وما تغني الندامة إن ندمتا
*****************
وقال آخر:
لنا جلساءٌ ما نملّ حديثهم ألّباء مأمونون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى وعقلاً وتأديباً ورأياً مسدّدا
بلا فتنةٍ تخشى ولا سوء عشرةٍ ولا نتّقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أمواتٌ فلست بكاذبٍ وإن قلت أحياءٌ فلست مفنّدا
*****************
وقال أبي محمد الأندلسي القحطاني
كن طالباً للعلم واعمل صالحا فهما إلى سبل الهدى سببان
لا تتبع علم النجوم فإنه متعلق بزخارف الكهان(494/3)
علم النجوم وعلم شرع محمد في قلب عبد ليس يجتمعان
*****************
وقال آخر:
العلم زين للرجال مروءةٌ والعلم أنفع من كنوز الجوهر
أأخي إن من الرجال بهيمةً في صورة الرجل السميع المبصر
فطن لكلّ مصيبة في ماله وإذا يصاب بدينه لم يشعر
*****************
وقال عبد الله بن المبارك:
العلم كنز وذخره لا تعادله نعم القرين إذا ما عاقل صحبا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه لا تعدلن به داراً ولا ذهبا
اشدد يديك به تحمد مغبته به تنال الغنى والدين والحسبا
قد يجمع المرء مالاً ثم يسلبه عما قليل فيلقى الذل والحربا
*****************
وقال عبدالله بن المبارك أيضاً:
تعلّم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإنّ كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفّت عليه المحافل
*****************
وقال آخر:
الْعِلْمُ نورٌ وَفِي الأجْوَاءِ مُنْتَشِرُ وَالْفَخْرُ بِالْعِلْمِ لا بِالْمَالِ نَفْتَخِرُ
هُوَ الضِّيَاءُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ نُوْرُ هُدًى هُمُ النُّجُوْمُ وفي أَنْفَاسهِمْ دُرَرُ
*****************
وقال آخر:
لو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهونوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما
*****************
وقال آخر:
العلم أنفس شيء أنت داخره
من يدرس العلم لم تدرس مفاخره
أقبل على العلم واستقبل مقاصده
فأول العلم إقبال وآخره
*****************
وقال آخر:
إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى وسيرته عدلاً وأخلاقه حسنا
فبشره أن الله أولاه فتنة تغشيه حرماناً وتوسعه حزنا
*****************
وقال آخر:
تعلم إذا ما كنت لست بعالم فما العلم إلا عند أهل التعلم
تعلم فإن العلم أزين للفتى من الحلة الحسناء عند التكلم
*****************
وقال آخر:
لا تدخر غير العلوم فإنها نعم الذخائر
فالمرء لو ربح البقاء مع الجهالة كان خاسر
*****************
ويقول الشافعي:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان(494/4)
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
*****************
وقال آخر:
كن عالما وارض بصف النعال ولا تكن صدرا بغير الكمال
فإن تصدرت بلا آلة صيرت ذاك الصدر صف النعال(494/5)
طلب العلم والحرص عليه
---
قصيدة أبي إسحاق الألبيريى والتي يوصي فيها ابنه بطلب العلم والحرص عليه وهى من أجمل ما ألف في هذا الباب ..
قال رحمه الله تعالى:
تفت فؤادك الأيام فتا ... وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق ... ألا يا صاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عرسا ذات خدر ... أبتَّ طلاقها الأكياس بتا
تنام الدهر ويحك في غطيط ... بها حتى إذا مت انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع وحتى ... متى لا ترعوي عنها وحتى
أبا بكر دعوتك لو أجبتا ... إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماما ... مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من غشاها ... ويهديك الطرق إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجا ... ويكسوك الجمال إذا عريتا
ينالك نفعه ما دمت حيا ... ويبقى ذكره لك إن ذهبتا
هو العضب المهند ليس ينبو ... تصيب به مقاتل من أردتا
وكنز لا تخاف عليه لصا ... خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه ... وينقص إن به كفا شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعما ... لآثرت التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوى مطاعٌ ... ولا دنيا بزخرفها فُتنتا
ولا ألهاك عنه أنيق روضٍ ... ولا دنيا بزينتها كلفتا
فقوت الروح أرواح المعاني ... وليس بأن طعمت ولا شربتا
فواظبه وخذ بالجد فيه ... فإن أعطاكه الله انتفعتا
وإن أعطيت فيه طويل باعٍ ... وقال الناس إنك قد علمتا
فلا تأمن سؤال الله عنه ... بتوبيخ : علمتَ فما عملتا
فرأس العلم تقوى الله حقا ... وليس بأن يقال لقد رأستا
وأفضل ثوبك الإحسان لكن ... نرى ثوب الإساءة قد لبستا
إذا ما لم يفدك العلم خيرا ... فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ ... فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجني من ثمار العجز جهلا ... وتصغر في العيون إذا كبرتا
وتُفقد إن جهلت وأنت باق ... وتوجد إن علمت ولو فُقدتا
وتذكر قولتي لك بعد حين ... إذا حقا بها يوما عملتا
وإن أهملتها ونبذت نصحا ... وملت إلى حطام قد جمعتا
فسوف تعض من ندم عليها ... وما تغني الندامة إن ندمتا
إذا أبصرت صحبك في سماء ... قد ارتفعوا عليك وقد سفلتا(495/1)
فراجعها ودع عنك الهوينى ... فما بالبطء تدرك ما طلبتا
ولا تختَل بمالك والهُ عنه ... فليس المال إلا ما علمتا
وليس لجاهل في الناس مغن ... ولو مُلك العراق له تأتا
سينطق عنك علمك في ملاءٍ ... ويكتب عنك يوما إن كتمتا
وما يغنيك تشييد المباني ... إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
جعلت المال فوق العلم جهلا ... لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بون ... ستعلمه إذا طه قرأتا
لئن رفع الغني لواء مال ... لأنت لواء علمك قد رفعتا
لئن جلس الغني على الحشايا ... لأنت على الكواكب قد جلستا
وإن ركب الجياد مسومات ... لأنت مناهج التقوى ركبتا
ومهما افتض أبكار الغواني ... فكم بكر من الحِكم افتضضتا
وليس يضرك الإقتار شيئا ... إذا ما أنت ربك قد عرفتا
فماذا عنده لك من جميل ... إذا بفناء طاعته أنختا
فقابل بالقبول لنصح قولي ... فإن أعرضت عنه فقد خسرتا
وإن راعيته قولا وفعلا ... وتاجرت الإله به ربحتا
فليست هذه الدنيا بشيءٍ ... تسوؤك حقبة وتسر وقتا
وغايتها إذا فكرت فيها ... كفيئك أو كحلمك إذ حلُمتا
سجنتَ بها وأنت لها محب ... فكيف تحب ما فيه سجنتا
وتطعمك الطعام وعن قريب ... ستطعم منك ما فيها طعمتا
وتعرى إن لبست بها ثيابا ... وتكسى إن ملابسها خلعتا
وتشهد كل يوم دفن خل ... كأنك لا تراد لما شهدتا
ولم تخلق لتعمرها ولكن ... لتعبرها فجد لما خلقتا
وإن هدمت فزدها أنت هدما ... وحصن أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات منها ... إذا ما أنت في أخراك فزتا
فليس بنافع ما نلت منها ... من الفاني إذا الباقي حرمتا
ولا تضحك مع السفهاء يوما ... فإنك سوف تبكي إن ضحكتا
ومن لك بالسرور وأنت رهن ... وما تدري أتُفدى أم غللتا
وسل من ربك التوفيق فيها ... وأخلص في السؤال إذا سألتا
وناد إذا سجدت له اعترافا ... بما نادا ذو النون ابن متى
ولازم بابه قرعا عساه ... سيفتح بابه لك إن قرعتا
وأكثر ذكره في الأرض دأبا ... لتُذكر في السماء إذا ذكرتا
ولا تقل الصبا فيه امتهال ... ونكر كم صغير قد دفنتا
وقل يا ناصحي بل أنت أولى ... بنصحك لو لفعلك قد نظرتا(495/2)
تقطعني على التفريط لوما ... وبالتفريط دهرك قد قطعتا
وفي صغري تخوفني المنايا ... وما تدري بحالك حيث شختا
وكنت مع الصبا أهدى سبيلا ... فما لك بعد شيبك قد نكثتا
وها أنا لم أخض بحر الخطايا ... كما قد خضته حتى غرقتا
ولم أشرب حُميا أم دفرٍ ... وأنت شربتها حتى سكرتا
ولم أنشأ بعصر فيه نفع ... وأنت نشأت فيه وما انتفعتا
ولم أحلل بواد فيه ظلم ... وأنت حللت فيه وانتهكتا
لقد صاحبتَ أعلاما كبارا ... ولم أرك اقتديت بمن صحبتا
وناداك الكتاب فلم تجبه ... ونبهك المشيب فما انتبهتا
ويقبح بالفتى فعل التصابي ... وأقبح منه شيخ قد تفتا
ونفسك ذم لا تذمم سواها ... لعيب فهي أجدر من ذممتا
وأنت أحق بالتفنيد من ... ولو كنت اللبيب لما نطقتا
ولو بكت الدما عيناك خوفا ... لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
ومن لك بالأمان وأنت عبد ... أُمرت فما ائتمرت ولا أطعتا
ثقلت من الذنوب ولست تخشى ... لجهلك أن تخف إذا وزنتا
وتشفق للمصر على المعاصي ... وترحمه ونفسك ما رحمتا
رجعت القهقرى وخبطت عشوى ... لعمرك لو وصلت لما رجعتا
ولو وافيت ربك دون ذنب ... ونوقشت الحساب إذاً هلكتا
ولم يظلمك في عمل ولكن ... عسير أن تقوم بما حملتا
ولو قد جئت يوم الحشر فردا ... وأبصرت المنازل فيه شتى
لأعظمت الندامة فيه لهفا ... على ما في حيتك قد أضعتا
تفر من الهجير وتتقيه ... فهلا من جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا ... ولو كنت الحديد به لذبتا
ولا تنكر فإن الأمر جد ... وليس كما حسبت ولا ظننتا
أبا بكر كشفت أقل عيبي ... وأكثره ومعظمه سترتا
فقل ما شئت في من المخازي ... وضاعفها فإنك قد صدقتا
ومهما عبتني فلفرط علمي ... بباطنه كأنك قد مدحتا
فلا ترض المعايب فهو عار ... عظيم يورث المحبوب مقتا
وتهوي بالوجيه من الثريا ... ويبدله مكان الفوق تحتا
كما الطاعات تبلك الدراري ... وتجعلك القريب وإن بعدتا
وتنشر عنك في الدنيا جميلا ... وتلقى البر فيها حيث شئتا
وتمشي في مناكبها عزيزا ... وتجني الحمد فيما قد غرستا
وأنت ان لم تُعرف بعيبٍ ... ولا دنست ثوبك مذ نشأتا(495/3)
ولا سابقت في ميدان زورٍ ... ولا أوضعتَ فيه ولا خببتا
فإن لم تنأ عنه نشبت فيه ... ومن لك بالخلاص إذا نشبتا
تدنس ما تطهر منك حتى ... كأنك قبل ذلك ما طهرتا
وصرت أسير ذنبك في وثاق ... وكيف لك الفكاك وقد أُسرتا
فخف أبناء جنسك واخش منهم ... كما تخشى الضراغم والسبنتا
وخالطهم وزايلهم حِذارا ... وكن كالسامري إذا لُمستا
وإن جهلوا عليك فقل سلام ... لعلك سوف تسلم إن فعلتا
ومن لك بالسلامة في زمان ... تنال العصم إلا إن عصمتا
ولا تلبث بحي فيه ضيمٌ ... يميت القلب إلا إن كُبلتا
وغرب فالتغرب فيه خير ... وشرق إن بريقك قد شرقتا
فليس الزهد في الدنيا خمولا ... لأنت بها الأمير إذا زهدتا
ولو فوق الأمير تكون فيها ... سموا وارتفاعا كنت أنتا
فإن فارقتها وخرجت منها ... إلى دار السلام فقد سلمتا
وإن أكرمتها ونظرت فيها ... لإكرام فنفسك قد أهنتا
جمعتُ لك النصائح فامتثلها ... حياتك فهي أفضل ما امتثلتا
وطولتُ العتاب وزدت فيه ... لأنك في البطالة قد أطلتا
ولا يغررك تقصيري وسهوي ... وخذ بوصيتي لك إن رشدتا
وقد أردفتها تسعا حسانا ... وكانت قبل ذا مائة وستا
وصلى على تمام الرسل ربي ... وعترته الكريمة ما ذكرتا(495/4)
طلب المعالي
يقول المتنبي
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
******************
يقول المتنبي
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
******************
يقول المتنبي
وَحيدٌ مِنَ الخُلّانِ في كُلِّ بَلدَةٍ إِذا عَظُمَ المَطلوبُ قَلَّ المُساعِدُ
******************
يقول المتنبي
تريدين لُقيان المعالي رخيصة ً ولا بد دون الشهد ِ من إبر النحل
******************
يقول حافظ إبراهيم
لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم فلربَّ مغلوبٍ هوى ثمَّ ارتقى
مَدَّتْ له الآمال من أفلاكها خيطَ الرجاء إلى العلا فتسلَّقا
فتجشَّموا للمجد كلَّ عظيمة إني رأيت المجد صعب المرتقى
من رام وصل الشمس حاكَ خيوطها سبباً إلى آماله وتعلقا
******************
يقول الشاعر:
إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى وخلعت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
******************
يقول المتنبي
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
********************************
صفي الدين الحلي
سمَتْ بي إلى العَلياء نَفسٌ أبيّة ٌ تَرى أقبحَ الأشياءِ أخذَ المواهبِ
********************************(496/1)
طلع البدر علينا ...
كلمات لمحمود غنيم
طلع البدر علينا ....... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ....... ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا ....... جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة ....... مرحباً يا خير داع
طلع النور المبين ....... نور خير المرسلين
نور أمن وسلام ....... نور حق ويقين
ساقه الله تعالى ....... رحمة للعالمين
فعلى البر شعاع ....... وعلى البحر شعاع
مرسل بالحق جاء ....... نطقه وحى السماء
قوله قول فصيح ....... يتحدى البلغاء
فيه للجسم شفاء ....... فيه للروح دواء
أيها الهادى سلاماً ....... ما وعى القرآن واع
جاءنا الهادى البشير ....... مطلق العانى الأسير
مرشد الساعى إذا ما ....... أخطأ الساعي المسير
دينه حق صراح ....... دينه ملك كبير
هو فى الدنيا نعيم ....... هو فى الآخرة متاع
هاتِ هَدى الله هات ....... يا نبي المعجزات
ليس للات مكان ....... ليس للعزى ثبات
وحد الله ووحد ....... شملنا بعد الشتات
أنت ألفت قلوباً ....... شدها طول الصراط
طلع البدر علينا ....... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ....... ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا ....... جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة ....... مرحباً يا خير داع(497/1)
طلع البدر علينا
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... مادعى لله داع
أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة ... مرحبا يا خير داع
ولبسنا ثوب عز ... بعد تلفيق الرقاع
وصلاة الله على ... أحمد مادعى لله داع
خير خلق الله أحمد ... ذكره في الكون شاع
مدحه بلسم لروحي ... وله يحلو السماع
صل يارب على من ... حل في خير البقاع
ربنا شفعه فينا ... يوم حشر واجتماع
صلوا يا أهل الفلاح ... وامدحوا زين الملاح
من سرى بالليل حقا ... وأتى قبل الصباح(498/1)
عائدون يا رسول الله
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
أيّ رمحٍ رموه جهراً نهارا ii؟ ... يحمل الإفك في السنان iiشعارا
طعنوا المسلمين في صلب iiدين ... عبثا بالرسول iiواستهتارا
نقرأ الحقد لاسواه iiونرثي ... ذلنا لا يزيد إلاّ iiانكسارا
يُشتم الشافع المشفع فينا ... ثم نجثو على الصعيد iiحيارى
كيف تغدو الحياة بعد iiانبطاح ... مرّغ الأنف في التراب شنارا ii؟!
نصرة الدين فوق كلّ iiهواء ... في رئات المليار يسري iiمِرارا
أخرس الوهن أمة الخير iiلما ... نخر الصدّ عظمها iiفتوارى
كالحلازين رخوة iiصيّروها ... جرّدوها لتلبس الأخطارا
أعرضتْ عن كتاب ربي iiفنالتْ ... من جزاء الفِعال خزيا iiوعارا
كيف تقوى على القصاص iiبردع ... وهي تخطو بمنسمين عِثارا ؟!
كيف ترضى رسولها في iiهوان ... في رسوم حقيرة iiتتبارى
حول جاه وعالمية iiصيتٍ ... وفلوس تضفي لها استكبارا ii؟!
حسبنا الشتم بالكلام iiسبابا ... في خطاب مزخرف iiأشعارا
حسبنا الشجب والتظاهر iiسلما ... والصراخ المولول iiاستنكارا
إنما يقظة الشعوب iiبحبّ ... عارم للرسول يجلي الستارا
بإقتداء واهتداء iiوسعي ... نحو خطو الدليل ليلا iiنهارا
عندها يلتقي المحيط iiفروحا ... بالخليج السعيد رتقا iiجوارا
ويرى " الدانمركُ " كم كان أغبى ... مابنى هدّموهُ ... صار قفارا ii!
ويعود " النرويج" يبكي على iiما ... فات ... هل نقبل الإعتذارا ii؟
تتوالى هزائم الغرب iiتترى ... ويحها لم تطق علينا iiاقتدارا
لم تعد أمة الحبيب iiكما ... كانت بذلّ فقد نفضنا iiالغبارا
أصبحتْ باتباع أحمد حصنا ... من صياصي الهدى بنت iiأسوارا
خفقتْ راية الإله iiبتوحيدٍ ... ترفرفَ ينتشي iiالإنتصارا
كلنا للفداء نمضي iiأسودا ... لك يا أكرم الأنام iiهُصارى
إننا عائدون لله iiبشرى ... لفلسطين والعراق iiبشارا
هكذا نصنع الحياة شموسا ... من فتيل الرسوم صرنا iiمنارا
مكروا بالرسول والمكر iiسمّ ... يقتل الماكرين هودا iiنصارى
آية المكر في الكتاب iiدليل ... تصدقُ القول فافتحوا الأبصارا(499/1)
يا هنانا بالحبيب لما iiيرانا ... قد رفعنا لواءه iiأنصارا
وهنانا برفقة منه iiلمّا ... نلتقي في الجنان صحبا iiجوارا(499/2)
عائشة بنت الصديق
عائشة ابنة الصديق أم المؤمنين
يقول أبي عمران موسى بن محمد بن عبدالله الواعظ الأندلسي – رحمه الله - :
ما شَانُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَشَانِي هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّانِي
إِنِّي أَقُولُ مُبَيِّناً عَنْ فَضْلِه ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَانِي
يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكانُ مَكانِي
إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعانِي
وَسَبَقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِلِ كُلِّه فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَانُ عِنَانِي
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبِي فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمانُ زَمانِي
زَوْجِي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ اللهُ زَوَّجَنِي بِهِ وحَبَانِي
وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِصُورَتِي فَأَحَبَّنِي المُخْتَارُ حِينَ رَآنِي
أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ وضَجِيعُهُ في مَنْزِلِي قَمَرانِ
وتَكَلَّمَ اللهُ العَظيمُ بِحُجَّتِي وَبَرَاءَتِي في مُحْكَمِ القُرآنِ
واللهُ خَفَّرَنِي وعَظَّمَ حُرْمَتِي وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بَرَّانِي
واللهُ في القُرْآنِ قَدْ لَعَنَ الذي بَعْدَ البَرَاءَةِ بِالقَبِيحِ رَمَانِي
واللهُ وَبَّخَ مَنْ أَرادَ تَنَقُّصِي إفْكاً وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِي
إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإزارِ بَرِيئَةٌ ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي
واللهُ أَحْصَنَنِي بخاتَمِ رُسْلِهِ وأَذَلَّ أَهْلَ الإفْكِ والبُهتَانِ
وسَمِعْتُ وَحْيَ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِن جِبْرَئِيلَ ونُورُهُ يَغْشانِي
أَوْحَى إلَيْهِ وَكُنْتُ تَحْتَ ثِيابِهِ فَحَنا عليَّ بِثَوْبِهِ خَبَّاني
مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْبَتِي ومُحَمَّدٌ في حِجْرِهِ رَبَّاني؟
وأَخَذْتُ عن أَبَوَيَّ دِينَ مُحَمَّدٍ وَهُما على الإسْلامِ مُصْطَحِبانِ(500/1)
وأبي أَقامَ الدِّينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ فالنَّصْلُ نَصْلِي والسِّنانُ سِنانِي
والفَخْرُ فَخْرِي والخِلاَفَةُ في أبِي حَسْبِي بِهَذا مَفْخَراً وكَفانِي
وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِبِ أَحْمَدٍ وحَبِيبِهِ في السِّرِّ والإعلانِ
نَصَرَ النَّبيَّ بمالِهِ وفَعالِهِ وخُرُوجِهِ مَعَهُ مِن الأَوْطانِ
****************(500/2)
عاد محمد صلى الله عليه وسلم
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
أيسخر كف الليل بالنور iiهازئا ... ويضحك في سخفٍ صليبٌ وغرقدُ
أيشتم مشكاة النبوة iiوالهدى ... وفي عرقنا نبض تلألأ iiيوقدُ
أ ترسم أيد حاقدات iiرسولنا ... لها في ذيوع الشر و الكفر iiمقصدُ
تطاول عشاق الدنية فامتطوا ... صحيفة خبث في السخافة تفندُ ii!!!
أباحوا حمى الإسلام بالإفك iiجهرة ... على المصطفى عيثا أساؤوا وأفسدوا
وما يرعوي الأوغاد إن صحتَ باكيا ... على الفعلة النكرا تنزّه iiأحمدُ
وما تنتهي الأحقاد ذاكم دفينهم ... تجلّى على مرآى العوالم iiيشهدُ
تصدّع كل الكون من خطب iiراسم ... دَعِيٍّّ سفيهٍ للحصافة iiيفقد
تئنّ مجرا ت الفضاء iiتقطعا ... وتنتحب الذرّات والقلب iiأكمدُ
ويشتعل البركان من حرّ iiغضبةٍ ... وينهمر الطوفان يرغي iiويزبدُ
وتنتفض الحيتان في البحر iiريثما ... قصاصٌ يردّ العزّ يحيي iiوينجدُ
ألا ليت شعري كم تعدّ iiجسومنا ... فنعجز كا لموتور في الردع يزهدُ
أم الغفلة الصماّء طاب وسادها ... على أعذب الأحلام نغفو iiونرقدُ
لعمري هو الإسلام نعرف iiنهجه ... ولكننا نأبى السلالم iiنصعدُ
وما الرفض رفض للعقيدة iiإنما ... كسالى إلى الأهواء نسعى iiونحفدُ
فمن ذا الذي يأبى السعادة iiغاية ... وكل المنى فيها تهيم وتسعدُ
ولكن جنان الله صعب منالها ... غلتْ سلعة تشرى كذا قال iiأحمدُ
هي الصحوة العصماء نور iiبوهجها ... تسير على نهج الحبيب iiوترشدُ
إذا لم تكن منا ففي نسلنا iiالذي ... سنشبعه من حب " طه" iiونعهدُ
سنغرس هذا الحب في كل iiأسرة ... منارة إسلام علينا iiتُشيّدُ
ويصبح مولود العيايل iiراضعا ... معين الهدى قد صار بالدين iiيعضدُ
وينمو هزبرا بين كتْفيه iiلبدة ... يرصّع يمناه الحسام المهندُ
ويحمل قلبا لا مثيل iiلعطفه ... صفاء وودا لا يكيد iiويحقدُ
وترجع أسراب الطيور iiبنغمها ... مغردة أحلى التراتيل iiتنشدُ
وتنفتق الأكمام وردا معطّرا ... يضوع أريجا في المساجد iiينفدُ(501/1)
فيا أيها الغرب الغرير iiتمردا ... على أمة الإسلام تمضي iiتُهدِّدُ
كفاك الغرور قد دنوتَ iiبسفرةٍ ... إلى الموت قد أغواك هذا التعنّدُ
إذا لم تتب هذا المصير مصيركم ii: ... " ترابٌ يواري سوءة الغرب iiملحدُ"
ويا أمتي هذا خلاصكِ iiفالزمي ... سفينة نوح قادها الحِبّ iiأحمدُ
بشائركِ الكبرى تلوح من iiالسما ... على الشفق الورديّ :" عاد محمّدُ "(501/2)
عادوا الهدى أبو قتادة
عَادَوا الهُدى بالَشر و الإبلاس ***** وتكَاتَفت سُدُفُ الظلام تُخاسي
و تخايل الكُفر اللَعين مُهددًا ***** إذ ظن سوءًا من ضَلال إياس
و مضى يُثير ضَلاله مُتبجحا ***** أن الدُنا قد مات من إحسَاس
فأتاهم الأسد الِهزبر مُزَمِْجرًا ***** يرمي العَوالِي طائرات هِراس
فتضعضعت أوهامهم و حُلُومُهم ***** و تساقطت عِليَاؤُها ِلأسَاس
رَجمُ الكبائر فَنُه و قيَاسُه ***** مَن َيبْنِ ِدينًا همُه ِللرَاس
فأسامة الليث المُوفق ِخبْرةٌ ***** ليس الصَغَار طُلابُه ِبمِرَاس
ضحك الأنامُ بفرحةٍ مهديةٍ ***** إذ شاهدوا ما أبغضوه ُيقاسي
هذي المكارم ِوْردُها معصومة ***** تروي العطاش بملئها و الكاس
و الليث أيمن واليمان ِفعاله ***** ظَهْرَ المَعَاِليَ مُسْتقرُ جِلاس
كرمُ الجدود لا يَنْبَتُ عن ***** حُسن المآثر أثقلته رواسي
من يعرف الماضين من أجداده ***** يلقى المعالي أشرفت للراس
و الخير في عطف الملالي مُلْتئم ***** إن كان مُلا الخير مثل إياس
علقت بأهداب النجوم مطيته ***** فتيقظت من نومها ونعاس
ذكرى المعالي والمكارم دوحة ***** إذ أخمدوها في نفوس الناس
شَبَهٌ من العلماء باعوا دينهم ***** للحاكمين بغير شِرْعَةٍ و سياس
خانوا الأمانة و المواثيق الأُولى ***** و تنجسوا بالسوء و الأرجاس
يا أمة الإسلام ها قد أشرقت ***** بَسْمَ الهُدى و الحوُر و الإِناس
و جِنَان ربي قد أتاكم نُورها ***** قَسمَات مَشْرقِها بغير لِبَاس والمهر بذلٌ للإله و قَتْلَة ***** و إهانةٌ لمن عتا بِمَداسِ
هيا اقبلُوا بحرًا و نُورًا للهدى ***** هيا انعشوا من مات من إحساس
هيا اقتَفُوا آثار من أبْصَرتُمُوا ***** قد عُطِرت أكتَافه بالآس
هيا اثروا لأحبةٍ و صحابةٍ ***** نُجُمُ الهدى رُجُمُ العِدَا و الخاسي
هيا الحقوا بالطير خُضْرا تنعموا ***** لِعناق أحمد طيب الأنفاس(502/1)
و النور و الدُرَرُ المسبِح حَوْلكم ***** نِعْم الخيام بنورها المِقباس
حور وغلمان و أعلاها التي ***** مِنْهُ المزيد برؤية الأقداس(502/2)
عاصمة الخلافة
أحمد شوقي
على أي الجنان بنا تمر وفي أي الحدائق تستقر
رويدا أيها الفلك الأبر بلغت بنا الربوع فأنت حر
سهرت ولم تنم للركب عين كأن لم يضوهم ضجر وأين
يحث خطاك لج بل لجين بل الإبريز بل أفق أغر
على شبه السهول من المياه تحيط بك الجزائر كالشياه
وأنت لهن راع ذو انتباه تكر مع الظلام ولا تفر
ينيف البدر فوقك بالهباء رفيعا في السمو بلا انتهاء
تخالكما العيون إلى التقاء ودون الملتقى كون ودهر
إلى أن قيل هذا الدردنيل فسرت إليه والفجر الدليل
يجيزك والأمان به سبيل إذا هو لم يجز فالماء خمر
تمر من المعاقل والجبال بعال فوق عال خلف عالي
إذا أومأن وقفت الليالي وتحمي الحادثات فلا تمر
مدافع بعضها متقابلات ومنها الصاعدات النازلات
ومنها الظاهرات وأخريات توارى في الصخور وتستسر
فلو أن البحار جرت مئينا وكان اللج أجمعه سفينا
لتلقى منفذا للقين حينا ولما يمسس البوغاز ضر
وبعد الأرخبيل وما يليه وتيه في العيالم أي تيه
بدا ضوء الصباح فسرت فيه إلى البسفور واقترب المقر
تسايرك المدائن والأناسي وفلك بين جوال وراسي
وتحضنك الجزائر والرواسي وتجري رقة لك وهي صخر
تسير من الفضاء إلى المضيق فآنا أنت في بحر طليق
وآونة لدى مجرى سحيق كما الشلال قام لديه نهر
وتأتي الأفتق تطويه سجلا لآخر كالسراب إذا أضلا
إذا قلنا المنازل قيل كلا فدون بلوغها ظهر وعصر
إلى أن حل في الأوج النهار وللرائي تبينت الديار
فقلنا الشمس فيها أم نضار وياقوت ومرجان ودر
وددنا لو مشيت بنا الهوينا وأين الخلود لديك أينا
لنبهج خاطرا ونقر عينا بأحسن ما رأى في البحر سفر
بلوح جامع الصور الغوالي وديوان تفرد بالخيال
ومرآة المناظر والمجالي تمر بها الطبيعة ما تمر
فضاء مثَّّّّّّّّّّّل الفردوس فيه ومرأى في البحار بلا شبيه
فإيه يا بنات الشعر إيه فمالك في عقوق الشعر عذر
لأجلك سرت في بر وبحر وأنت الدهر أنت بكل قطر(503/1)
حننت إلى الطبيعة دون مصر وقلت لدى الطبيعة أين مصر
فهلا هزك التبر المذاب وهذا اللوح والقلم العجاب
وما بيني وبينهما حجاب ولا دوني على الآيات ستر
جهات أم عذارى حاليات وماء أم سماء أم نبات
وتلك جزائر أم نيرات وكيف طلوعها والوقت ظهر
جلاها الأفق صفرا وهي خضر كزهر دونه في الروض زهر
لوى نحر بها والتف بحر كما ملكت جهات الدوح غدر
تلوح بها المساجد باذخات وتتصل المعاقل شامخات
طباقا في العلى متفاوتات سما بر بها وانحط بر
وكم أرض هنالك فوق أرض وروض فوق روض فوق روض
ودور بعضها من فوق بعض كسطر في الكتاب علاه سطر
سطور لا يحيط بهن رسم ولا يحصي معانيهن علم
إذا قرئت جميعا فهي نظم وإن قرئت فرادى فهي نثر
تأرج كلما اقتربت وتزكو ويجمعها من الآفاق سلك
تشاكل ما به فالقصر فلك على بعد لنا والفلك قصر
ونون دونها في البحر نون من البسفور نقطها السفين
كأن السبل فيه لنا عيون وإنسان السفينة لا يقر
هنالك حفت النعمى خطانا وحاطتنا السلامة في حمانا
فالقينا المراسي واحتوانا بناء للخلافة مشمخر
فيا من يطلب المرأى البديعا ويعشقه شهيدا أو سميعا
رأيت محاسن الدنيا جميعا فهن الواو والبسفور عمرو(503/2)
عذراً فلسطين
شعر
أحمد حسن القضاة
---
عَشِقْتُ فلسْطينَ حَتَّى كأنَّ ... هَوايَ لها وعليها اقْتَصَرْ
كأنِّي وُلِدْتُ بِأَحْضانِها ... ... وَفيها تَرَعْرَعْتُ مُنْذُ الصِّغَرْ
وَلَيْسَ (لِهِنْدٍ) ولا غَيْرِها ... ... مَكانٌ بِقَلْبي ولا مُسْتَقَرّْ
وزادَ هِيامي وقد زُرْتُها ... ... وشاهَدْتُ فيها جَمالاً يَسُرّْ
تَعلَّقَ قَلْبي بِشُطْآنِها ... يُعانِقُها الْمَوْجُ أو يَنْحَسِرْ
بِجَنَّاتِها الْخُضْرِ مُزْدانَةٌ ... بِأنْدى الزُّهُورِ وَأَشْهى الثَّمَرْ
فَمَنْ مِنُكُمُو لَمْ يَعْشَقِ البُرْتُقا ... لَ ولَمْ يَتَنَسَّمْ عَبيرَ الزَّهَرْ؟
وَمْن هُوَ يَنْسى لِقاءَ الشَّبابِ ... وأُهْزوجَةً في لَيالي السَّمَرْ؟
* ... * ... *
فَعُذْراً فلسطينُ إِنْ شَطَّ شِعْري وَغابَ القَريضُ وَبُحَّ الوَتَرْ
فأنتِ القصيدُ وأنتِ (الْحِدا ... ءُ) وأَنتِ النَّفيسةُ بينَ الدُّرَرْ
وما كانَ صَمتيَ عَنْ غَفْلَةٍ ... ولا عَنْ تَراخٍ ولا عَنْ ضَجَرْ
وَلكنَّ شِعريَ وَزَّعْتُهُ ... لِشَتَّى (القضايا) وشتَّى الصُّوَرْ
فَلَسْتِ الوَحيدةَ بينَ الأمو ... رِ التي أشْغَلَتْنا طَوالَ العُمُرْ
قَضايانا زادَتْ بِهذا الزَّما ... نِ.. تداعتْ علينا بُغاةُ البَشَرْ
قَضايانا – يا هذي – مطروحةٌ ... على (مجلسِ الأمنِ) قَيْدَ النَّظَرْ
نَبَذْنا الشَّريعةَ فَانْتابَنا ... ضَياعٌ – لَعَمْري - ألا نَعْتَبِرْ؟
فأَينَ البواسِلُ مِنْ أُمَّتي ... وَأينَ الوليدُ ، وأينَ عُمَرْ؟
* ... * ... *
فَمَهْلاً فلسطينُ مهما بَدا ... لِعَيْنِكِ هذا الطريقُ الوَعِرْ
فما زالَ في الأُفْقِ نورٌ يُضِييءُ ، سَيَمْتَدُّ حتَّى يُنيرَ الدُّجُرْ
ولا يَرْتَضي العارَ إلاَّ الذَّليلُ وأعْمى البَصيرةِ أعشى البصَرْ
وَصَبْراً.. لأنَّا عَزَمْنا مَعَاً ... لِطَرْدِ الغُزاة ِ ودَرْءِ الْخَطَرْ
وَهذي الدُّعاةُ – على قلَّةٍ - ... سَتَمْضي تُبَلِّغُ حَقَّاً عُقِرْ
فَلَيْسوا نِياماً ولا غافِلينَ عنِ الثَّأرِ في غَدِنا المنْتَظَرْ(504/1)
مُناهُمْ يَنالونَ إحداهُما: ... فإمَّا الشَّهادةُ أو نَنْتَصِرْ(504/2)
عذراً.. رسول الله!..
عبيد الشحادة
عَجولٌ لا سعادُ ولا iiطُلولُ ... تُشاغلني وقد أزِفَ iiالرحيلُ
فَمنْ لي صوَبهُ نُجُب المطايا ... تَغُذُّ السيرَ غايتُها الوصول
أتيتُكَ مرسَلاً بهوانِ iiقومي ... فرفقاً بالمُرَاسلِ يا iiرسول!
ولستُ بطالبٍ جاهاً iiومالاً ... فأصغرُ همي العَرَضُ iiالقليل
أبوءُ بذنبِ تقصيرٍ iiعظيم ... وطرفي منه منكسرٌ iiذليل
لأسكبَ من دموعي منتهاها ... وحتى لو جرتْ منها سيول
أتغسِلُ عارَ مَنْ هانوا iiوذَلوا؟ ... وكيف ينظّفُ العارَ iiالغسيل؟!
رسولَ اللهِ عذراً عن iiقصورٍ ... وأنّى يُقبَلُ العذرُ iiالخجول؟!
قعدْنا دون نُصرتكَ iiانخذالاً ... وما من علة إلا iiالخمول
شُغلنا بالسفاسفِ من iiأمور ... وأشغلَ هَمَّنا الهمُّ iiالبديل
فصار السيِّدَ المحسودَ iiفينا ... كثيرُ المال رابيه.. الكَسول؟
وذو الجاه المزركشُ iiبالتعالي ... كطاووسٍ له ذيلٌ iiطويل!
رسولَ الله معذرةً.. فقومي ... لديهم قد تكسّرَتِ iiالنُّصول
وألقَوا بالرماح وكل iiقوسٍ ... وأُنزِلَ عن مُقلَّدِهِ iiالصقيل
وما عادت مراكبُهم iiخيولاً ... يُشَنِّفُ أُذنَهم منها iiالصّهيلُ
ولا الصّهواتُ تغريهم رُكوباً ... سواءٌ عندهم ثَورٌ iiوفِيل!
ففرسانُ الخيولِ غدوا iiعظاماً ... بكتهم في مرابطها iiالخيول..
إذا رُكبَ الجوادُ بدا iiجياداً ... كأنَ ظِلالَ واحدها iiرعيل
تسيرُ مهابةً منهم iiوفيهم ... فلا حَزَنٌ يُهاب ولا iiسهول
نفوسٌ تعشق الإقدامَ iiحتى ... يُحاذر بأسَها الموتُ iiالذليل
بأطراف الأسنّة iiمبتغاها ... ويُطربُها من النغمِ الصليل
أولئك من يحامي عن iiنبيٍ ... ويثبتُ لا يحيد ولا iiيميل
ويصمدُ والمنايا مُحدقاتٌ ... فإما قاتلٌ هو أو iiقتيل
ويصدقُ إن يفديه iiبروحٍ ... قؤولٌ صادقٌ.. بَرٌّ iiفَعول
رجالٌ أُرضِعوا لبناً iiصريحاً ... فنِعمَ الأصلُ واللبنُ iiالأصيل
فكانوا كالأسودِ على iiحماها ... تصولُ عزيزةً وبها iiتجول
وأما نحنُـ: إمَّا زِيرُ iiعشقٍ ... وإما مُتخَمٌ شَرِهٌ iiأكُول(505/1)
رضيعُ البِيْدِ قَسورةٌ iiجَسورٌ ... ورُضَّعُنا من (النيدو) iiعُجول..
رسولَ الله عذراً قد كُنا iiرؤوساً؟ ... وإنّا الآنَ في الناس iiالذُيول
وكُنَا أمةً وسطاً iiكراماً ... يميزُنا بوسْطِ الناس iiطُول
وكُنّا مضربُ الأمثالِ فينا ... ومنَّا ينبعُ الخُلُقُ iiالنبيل
فيا خجلي إذا بكَ جِيءَ iiيوماً ... وأنت شهيدُنا وبنا كفيل
ويا خجلي إذا ناديتَ iiيوماً ... إليه كلُّنا حتماً iiنؤول
وقلتَ أريدُ أحبابي بقربي ... وقربُك يومها شأنٌ iiجليل
فكيف نراكَ قُربَ الحوضِ ظَمأى؟! ... وحوضُكَ يرتوي منه iiالغليل
بماذا ندَّعي زوراً iiونذي؟ ... وماذا عن مواقفنا iiنقول؟!
أكنّا أمةً نَخلاءَ؟ iiعوداً ... فخارَ بعزمنا الجسَدُ iiالنحيل
أو أنّا أمةً فقراءُ؟ iiرزقاً ... وجانبَ قوتَنا الخيرُ iiالجزيل
نَعُولُ عوائلاً وبها iiانشغلنا ... فأورثنا المذلَّة مَنْ iiنعولُ
أو إنَّ نساءَنا تخشى iiعلينا ... فبِئسَ غنيمةً تلك البُعول
أم أنا أمةٌ كثُرتْ iiعداداً ... وتعدادُ الرجالِ بها قليل
تفرَّق أمرُها شيَعاً iiوأضحى ... لكل في سياسته iiميول
ففينا مُرجفٌ خافي النوايا ... وفينا مِنْ أكابرنا iiعميل
أيعجزُنا سفيهٌ ابنُ iiبغيٍ؟ ... وما كانتْ لتُعجزَنا iiالنُّغُول
فيهزأُ بالنبيِّ بنشر iiرسمٍ ... يؤيِّدُه من القوم iiالقبول؟
بداعي أنه حرٌ iiوأنّا ... تماهت في عواطِفنا iiالعقول
وأنّا نركبُ الإرهابَ iiدرباً ... ويجدرُ مسلكاً عنه iiالعُدول
علوجٌ في زرائبها iiعجولٌ ... تخورُ.. وليس للبقر iiالصهيلُ
أيعجزُنا ونحنُ حماةُ iiدينٍ ... يقومُ به على الناس iiالدليل
لقد كانتْ قريشُ عتاةَ iiشِركٍ ... وكانَ الشركُ في دمها iiيسيل
وكان الرومُ أقوى مَنْ iiعليها ... وأمكنَ في بلادهم iiالدُخول
بصدق عقيدةٍ وطلاقِ iiدنيا ... وقومٍ ما استقرَّ بهم رحيل
يطوفون البلادَ iiومستحيلٌ ... يرونَ أمَامهم ما يستحيل
رسولَ اللهِ معذرةً iiوعذراً ... إذا لم يبقَ عندي ما iiأقول!!..(505/2)
عرس الطبيعة
بقلم: محمد ضياء الدين الصابوني (شاعر طيبة)
عرس الطبيعة بهجة الأزمان
ميلاد "احمد" سيد الأكوان
نور يشع على الوجود ضياؤه
ولقد تألق في دنى الاوثان
العدل يسراه ويمناه الهدى
وثناؤه المحبوب في (الفرقان)
فلقد أطل على الوجود بهاؤه
فالبشريات تعم كل مكان
هو خير خلق الله خاتم رسله
وهو الشفيع لأمة "القرآن"
"فمحمد" فخر البرية كلها
و"محمد" لأغاثة اللهفان
والمؤمنون بشرع "أحمد"اخوة
فغنيهم وفقيرهم سيان
والحكم لله العلي مقامه
لا حكم طاغية وشرع غوان
والناس أكرمهم بها أتقاهم
لا فضل الا في تقى الرحمن
ماذا أقول بمدح "أحمد"بعدما
أثنى عليه الله في القرآن؟
هو حب مولاه وصفوة خلقه
هو صاحب الآيات والبرهان
وعلى تفنن مادحيه فانهم
عجزوا عن التعبير والتبيان
دع عنك ما قال الجهول سفاهة
فالحب يمنح جنة الرضوان
ان المحب يفوز في مرضاته
أما الشقي يبوء بالخسران
(صلوا عليه وسلموا) كم تنعموا
ان الصلاة تزيد في الميزان
وبذلك الحب العظيم ألا (افرحوا)
فالحب نور مشرق رباني
والله يقذفه بقلب محبه
ان المحبة منحة الرحمن
ما الحب الا في اتباع طريقه
وسلوك هدي "مصطفى" العدناني
ما لي سوى "طه" ألوذ بشرعه
ان نابني ضيم وجار زماني
يا رب وفقنا على مرضاته
واخلع علينا خلعة الرضوان
واشرح صدورا قد تعاظم داؤها
بوساوس الأفكار والشيطان
فلأنت يا مولاي أكرم راحم
وتعمنا بالفضل والغفران
عطفا علينا واهدنا سبل الهدى
وأدم علينا نعمة الأيمان
إنا عبيدك قد أتينا خشعا
والذنب يغمرنا إلى الأذقان
فارحم تضرعنا وفرج كربنا
يا مبدع الأكون والإنسان
صلى اٌٌٌلإله على النبي "محمد"
فخر العوالم بهجة الأكوان(506/1)
عروس المجد
عمر أبو ريشة
1. ... يا عروسَ المجدِ تيهي واسحبي في مغانينا ذيولَ الشّهب
2. ... لن ترَي حبّةَ رملٍ فوقَها لم تُعطَّر بدما حرٍّ أبي
3. ... درجَ البغيُ عليها حقبةً وهوى دونَ بلوغِ الأربِ
4. ... وارتمى كِبرُ الليالي دونَها ليّنَ النابِ ، كليلَ المخلبِ
5. ... لا يموتُ الحقُّ مهما لطمتْ عارضيهِ قبضةُ المغتصبِ!
6. ... من هُنا شقَّ الهدى أكمامهُ وتهادى موكباً في موكبِ
7. ... وأتى الدنيا فرفّتْ طرباً وانتشتْ من عبقهِ المنسكبِ
8. ... وتغنّت بالمروءاتِ التي عرفتها في فتاها العربي
9. ... أصيدٌ ، ضاقتْ بهِ صحراؤهُ فأعدّته لأفقٍ أرحبِ
10. ... هبَّ للفتح ِ، فأدمى تحتهُ حافرُ المهرِ جبينَ الكوكبِ!
11. ... وأمانيه انتفاضُ الأرضِ من غيهبِ الذل ِّ، وذلِّ الغيهبِ
12. ... وانطلاقُ النورِ حتّى يرتوي كلُّ جفنٍ بالثرى مختضبِ
13. ... حلمٌ ولّى ، و لم يُجرحْ بهِ شرفُ المسعى ونبلُ المطلبِ
14. ... يا عروسَ المجدِ، طالَ المُلتقى بعدما طالَ جوى المغتربِ
15. ... سكرتْ أجيالنا في زهوها وغفتْ عن كيدِ دهرٍ قُلّبِ
16. ... و صحَونا ، فإذا أعناقُنا مثقلاتٌ بقيودِ الأجنبي
17. ... فدعوناكِ فلم نسمعْ سوى زفرةٍ من صدركِ المكتئبِ
18. ... قد عرفنا مهركِ الغالي فلم نرخص ِ المهرَ و لم نحتسبِ
19. ... فحملنا لكِ إكليلَ الوفا ومشينا فوقَ هامِ النوبِ
20. ... وأرقناها دماءً حرّةً فاغرُفي ما شئتِ منها واشربي!
21. ... نحن ُ من ضعفٍ بنينا قوةً لم تلنْ للمارجِ الملتهبِ
22. ... كم لنا من ميسلونٍ نفضتْ عن جناحيها غبارَ التعبِ
23. ... كم نَبتْ أسيافُنا في ملعبٍ وكبتْ أفراسُنا في ملعبِ
24. ... من نضالٍ عاثرٍ مصطخبٍ لنضالٍ عاثرٍ مصطخبِ
25. ... شرفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلى غلبَ الواثبُ أم لم يغلبِ!
26. ... فالتفِت من كوّةِ الفردوسِ يا فيصلَ العلياءَ وانظرْ واعجبِ
27. ... أترى كيفَ اشتفى الثأرُ من الـ ـفاتحِ المسترقِ المستلبِ ؟
28. ... و طوى ما طالَ من راياته في ثنايا نجمهِ المحتجبِ(507/1)
29. ... ما نسينا دمعةً عاصيتَها في وداعِ الأملِ المرتقبِ
30. ... رجفتْ بالأمسِ سكرى ألمٍ فأسلها اليومَ سكرى طربِ !
31. ... يا لنعمى خفَّ في أظلالها ما حملنا في ركابِ الحقبِ
32. ... أينما جالَ بنا الطرفُ انثنى وطيوفُ الزهوِ فوقَ الهدبِ
33. ... هذه تربتُنا لن تزدهي بسوانا من حُماةٍ نُدبِ
34. ... فلنصنْ مَن حَرَمَ الملكَ لها منبرَ الحقدِ وسيفَ الغضبِ
35. ... و لنُسلْ حنجرةَ الشدوِ بها بينَ أطلالِ الضحايا الغيّبِ
36. ... ضلّت الأمّةُ إن أرختْ على جرحِ ماضيها كثيفَ الحجبِ !
37. ... ما بلغنا بعدُ من أحلامنا ذلكَ الحلمَ الكريمَ الذهبي
38. ... أينَ في القدسِ ضلوعٌ غضّةٌ لم تلامسها ذنابى عقربِ؟
39. ... وقفَ التاريخُ في محرابها وقفةَ المرتجفِ المضطربِ
40. ... كم روى عنها أناشيدَ النّهى في سماعِ العالمِ المستغربِ؟
41. ... أيُّ أنشودةِ خزيٍ غصَّ في بثّها بينَ الأسى والكربِ
42. ... من لأبناءِ السبايا ركبوا للأماني البيضِ أشهى مركبِ
43. ... و متى هزّوا علينا رايةً ما انطوتْ بينَ رخيصِ السَّلَبِ؟
44. ... ومَنِ الطاغي الذي مدَّ لهم من سرابِ الحقِّ أوهى سببِ؟
45. ... أو ما كنّا له في خطبهِ معقلَ الأمن ِ وجسرَ الهربِ؟
46. ... ما لنا نلمحُ في مشيتهِ مخلبَ الذئبِ وجلدَ الثعلبِ؟
47. ... يا لذلِّ العهدِ إن أغض أسىً فوقَ صدرِ الشرفِ المنتحبِ!
48. ... يا روابي القدسِ يا مجلى السّنا يا رؤى عيسى على جفنِ النبي
49. ... دونَ عليائكِ في الرحبِ المدى صهلةُ الخيلِ ووهجُ القضُبِ !
50. ... لمّتِ الآمالُ منّا شملنا ونمتْ ما بيننا من نسبِ
51. ... فإذا مصرُ أغاني جلّقٍ وإذا بغدادُ نجوى يثربِ
52. ... ذهبتْ أعلامُها خافقةً والتقى مشرقُها بالمغربِ
53. ... كلّما انقضَّ عليها عاصفٌ دفنتهُ في ضلوعِ السّحبِ
54. ... بوركَ الخطبُ، فكم لفَّ على سهمهِ أشتاتَ شعبٍ مغضبِ
55. ... يا عروسَ المجدِ حسبي عزّةً أن أرى المجدَ انثنى يعتزُّ بي
56. ... أنا لولاهُ لما طوّفتُ في كلِّ قفرٍ مترامٍ مجدبِ(507/2)
57. ... ربَّ لحنٍ سالَ عن قيثارتي هزَّ أعطافَ الجهادِ الأشيبِ(507/3)
عزة الإسلام
شعر الأستاذ : خير الدين وانلي رحمه الله تعالى
الذلُّ والإيمانُ مُختصمانِ لا يَرتضي بالذلُّ غيرُ جَبانِ
للهِ كلُّ العزِّ جَلَّ جلالُهُ فهو العزيزُ وصاحبُ السلطانِ
وهو المعزُّ لمنْ يَشاءُ بفضلِه وهو المذلُّ لكلِّ ذي كُفْرانِ
بالعروةِ الوثْقى تمسَّكُ تَغتنمْ والعروةُ الوثقى هُدَى القرآنِ
عَزَّ الأنامُ بشرعِه وتعَاونوا وتَقدّموا في العلْمِ والعُمرانِ
واهتزَّ عرشُ الكفر تحتَ ملوكِهِ وارتاعَ كِسْرى صاحبُ الإيوانِ
والرومُ قصيرُهم غشَتْه رِعْدَةٌ فلقد أَحسَّ بثورةِ البركانِ
اللهُ أكبرُ ملْءَ كلِّ مسامعٍ لما أُزيلَ الوقرُ من آذانِ
وتطلعتْ نحو المآذِنِ أعينٌ سئمتْ من الإذلالِ والإذعانِ
هي عزَّةُ الإسلامِ عَمَّتْ أرضَنا وسمتْ بمن فيها من الإنسانِ
حتى غدا البدويُّ في أَسْمالِه يطأُ العروشَ بعزَّةِ الإيمانِ
ويهدِّدُ الفرسَ الأكاسرةَ الأُلى دكّوا حصونَ القيصرِ الروماني
هي نُصرَةُ المولى العزيزِ لجندِه والنصرُ بالإِيمانِ لا السلطانِ
من ذلَّ للهِ القديرِ عَنَتْ له كلُّ الطغاةِ بقدْرِة الرحمنِ
من قامَ في وجهِ الظلومِ مجاهداً فهو الشهيدُ شَهادةَ الشجعانِ
من قالَ: لا للظلمِ دونَ تردُّدٍ فهو الجديرُ بِجَنَّةِ الرِّضوانِ
المؤمنونَ عزيزةٌ راياتُهم سحقَتْ صَغارَ الكفْرِ والأوثانِ
ومشتْ جحافلُهم عل بطحائِها وجرتْ سفائنُهم على الخِلجانِ
أورتْ سنابكُ خيلِهم نيرانَها فتوقَّدَ الجُلمودَ بالنيرانِ
ذابَ الهوانُ على سعيرِ لهيبِها وتساقطَ الطاغوتُ ذو الكفرانِ
وتسلَّمَ المستضعفونَ قيادةً كانت بأيدي الظلْمِ والطغيانِ
رضَعوا مِنَ الإسلامِ عِزّاً فارْتَوَوا وتخلّقوا بمكارمِ الإحسانِ
حتى غَدَوا مِشكاةَ كلِّ فضيلةٍ والفضلُ محمودٌ بكلِّ لسانِ
* * *
من عزَّةِ الإسلامِ عِزُّ نفوسِنا فنفوسُنا تعتزُّ بالإيمان ِ
ولقد نَهَلْنا فارتَوَينا عزَّةً وكرامةً من منهَلِ القرآنِ(508/1)
ما فازَ مَنْ لم يَسْتَنِرْ بمنارةٍ كالشمسِ تَنْثُرُ واضحَ البرهانِ
قرآنُنا تاريخُنا ومحمدٌ باني الحضارةِ قدوةُ الإنسانِ
لم يحنِ رأساً للعواصفِ حولَه في وجهِ أَهلِ البغْيِ والعدوانِ
إنْ كان فرْداً فالملائكُ جيشُهُ تَفَْري رؤوسَ الكفْرِ في الميْدانِ
أوْ كانَ أصحابُ النبيِّ قليلةً أعدادُهم فالنصرُ بالإيمانِ
ما صادَفَ الإيمانُ كفْراً في الوغَى إلا وللكفرانِ كلُّ الهوانِ
هي سنَّةُ الربِّ العظيمِ تقدَّسَتْ أسماءُ مَنْ يُعطي بلا حُسبانِ
* * *
يا خالقَ الأكوانِ صرْنا أُمةً مسلوبةَ الخيراتِ والأَوطانِ
أفكارُها من أُعْطياتِ خصومِها ما أقبحَ التقليدَ في السَّعْدانِ
والبأسُ فيما بينهما مستحكم ٌ والأمرُ فوْضى والشعوبُ تُعاني
ما ذاكَ إلا بعدَ نَأْيٍ واضحٍ عن محكَمِ التشريعِ والفُرْقانِ
لا يُرجِعُ الأَمجادَ إلا رجعة ٌ للهِ في سًّر وفي إعلانِ
فهو العزيزُ أَعزّنا بكتابِه لنقيمَ شرْعَ اللهِ في الأكوانِ
ويعمَّ نورُ اللهِ في أَرجائِها ويسودَ دينُ اللهِ في الأَديانِ(508/2)
عِشْ عزيزاً أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 48 / ص 421)
العصر العباسي >> المتنبي >> كم قتيل كما قتلت شهيد
كم قتيل كما قتلت شهيد
رقم القصيدة : 5488
-----------------------------------
كمْ قَتيلٍ كمَا قُتِلْتُ شَهيدِ لِبَياضِ الطُّلَى وَوَرْدِ الخُدودِ
وَعُيُونِ المَهَا وَلا كَعُيُونٍ فَتَكَتْ بالمُتَيَّمِ المَعْمُودِ
دَرَّ دَرُّ الصَّبَاءِ أيّامَ تَجْرِيـ ـرِ ذُيُولي بدارِ أثْلَةَ عُودِي
عَمْرَكَ الله! هَلْ رَأيتَ بُدوراً طَلَعَتْ في بَراقِعٍ وعُقُودِ
رَامِياتٍ بأسْهُمٍ رِيشُها الهُدْ بُ تَشُقّ القُلوبَ قبلَ الجُلودِ
يَتَرَشّفْنَ مِنْ فَمي رَشَفَاتٍ هُنّ فيهِ أحْلى مِنَ التّوْحيدِ
كُلُّ خُمْصَانَةٍ أرَقُّ منَ الخَمْـ ـرِ بقَلْبٍ أقسَى مِنَ الجُلْمُودِ
ذاتِ فَرْعٍ كأنّما ضُرِبَ العَنْـ ـبَرُ فيهِ بمَاءِ وَرْدٍ وَعُودِ
حالِكٍ كالغُدافِ جَثْلٍ دَجُو جيٍّ أثيثٍ جَعْدٍ بلا تَجْعِيدِ
تَحْمِلُ المِسْكَ عن غَدائرِها الرّيـ ـحُ وَتَفْتَرُّ عَن شَنيبٍ بَرُودِ
جَمَعَتْ بينَ جسْمِ أحمَدَ والسّقْـ ـمِ وَبَينَ الجُفُونِ وَالتّسْهِيدِ
هَذِهِ مُهْجَتي لَدَيْكِ لحَيْني فانْقُصِي مِنْ عَذابِها أوْ فَزيدي
أهْلُ ما بي منَ الضّنَى بَطَلٌ صِيـ ـدَ بتَصْفيفِ طُرّةٍ وبجيدِ
كُلُّ شيءٍ مِنَ الدّماءِ حَرامٌ شُرْبُهُ مَا خَلا ابْنَةَ العُنْقُودِ
فاسْقِنيهَا فِدًى لعَيْنَيْكَ نَفسي مِنْ غَزَالٍ وَطارِفي وَتليدي
شَيْبُ رَأسِي وَذِلّتي ونُحولي وَدُمُوعي عَلى هَوَاكَ شُهُودي
أيّ يَوْمٍ سَرَرْتَني بوِصالٍ لمْ تَرُعْني ثَلاثَةً بِصُدُودِ
مَا مُقامي بأرْضِ نَخْلَةَ إلاّ كمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهُودِ
مَفْرَشِي صَهْوَةُ الحِصانِ وَلَكِـ ـنّ قَميصِي مسرُودَةٌ مِنْ حَديدِ
لأمَةٌ فاضَةٌ أضَاةٌ دِلاصٌ أحْكَمَتْ نَسْجَها يَدَا داوُدِ(509/1)
أينَ فَضْلي إذا قَنِعْتُ منَ الدّهْـ ـرِ بعَيْشٍ مُعَجَّلِ التّنكيدِ
ضاقَ صَدري وطالَ في طَلبِ الرّزْ قِ قيامي وَقَلّ عَنهُ قُعُودِي
أبَداً أقْطَعُ البِلادَ وَنَجْمي في نُحُوسٍ وَهِمّتي في سُعُودِ
وَلَعَلّي مُؤمّلٌ بَعْضَ مَا أبْـ ـلُغُ باللّطْفِ من عَزيزٍ حَميدِ
لِسَرِيٍّ لِباسُهُ خَشِنُ القُطْـ ـنِ وَمَرْوِيّ مَرْوَ لِبْسُ القُرُودِ
عِشْ عزيزاً أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ بَينَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ
فَرُؤوسُ الرّمَاحِ أذْهَبُ للغَيْـ ـظِ وَأشفَى لِغلّ صَدرِ الحَقُودِ
لا كَما قد حَيِيتَ غَيرَ حَميدٍ وإذا مُتَّ مُتَّ غَيْرَ فَقيدِ
فاطْلُبِ العِزّ في لَظَى وَدَعِ الذّ لّ وَلَوْ كانَ في جِنانِ الخُلُودِ
يُقْتَلُ العاجِزُ الجَبَانُ وقَدْ يَعـ ـجِزُ عَن قَطْع بُخْنُقِ المَولودِ
وَيُوَقَّى الفَتى المِخَشُّ وقَدْ خوّ ضَ في ماءِ لَبّةِ الصّنْديدِ
لا بقَوْمي شَرُفْتُ بل شَرُفُوا بي وَبنَفْسِي فَخَرْتُ لا بجُدودِي
وبهمْ فَخْرُ كلّ مَنْ نَطَقَ الضّا دَ وَعَوْذُ الجاني وَغَوْثُ الطّريدِ
إنْ أكُنْ مُعجَباً فعُجبُ عَجيبٍ لمْ يَجدْ فَوقَ نَفْسِهِ من مَزيدِ
أنَا تِرْبُ النّدَى وَرَبُّ القَوَافي وَسِمَامُ العِدَى وغَيظُ الحَسودِ
أنَا في أُمّةٍ تَدارَكَهَا اللّـ ـهُ غَريبٌ كصَالِحٍ في ثَمودِ(509/2)
عفا من آلِ فاطمةَ الجواءُ
زهير بن أبي سلمى
العصر ... جاهلي
عدد الأبيات ... 63
البحر ... وافر
الروي ... همزة
الغرض ... هجاء
مصدر القصيدة ... الديوان (122-145) بتحقيق فخر الدين قباوة دار الآفاق الجديدة
1
عفا من آلِ فاطمةَ الجواءُ *** فَيُمْنٌ فالقَوَادِمُ فالحِسَاءُ
2
فذُو هاشٍ فَهِيثُ عُرَيْتِنَاتٍ *** عَفَتْها الرِّيحُ بعدكَ والسَّماءُ
3
فذِرْوَةُ فالجِنَابُ كأنَّ خُنْسَ النِّـ *** ـعَاجِ الطَّاوِياتِ بها المُلاءُ
4
يَشِمْنَ بُرُوقَهُ وَيَرُشُّ أَرْيَ الـ *** ـجَنُوبِ على حَوَاجِبِها العَمَاءُ
5
فلمَّا أنْ تحمَّل أهلُ ليلى *** جرتْ بيني وبينَهمُ الظِّبَاءُ
6
تَحَمَّلَ أهلُها مِنها فبانُوا *** على آثارِ مَن ذهبَ العَفَاءُ
7
جرتْ سُنُحًا فقلتُ لها: أَجِيزَي *** نوًى مَشْمُولَةً فمتَى الِّلقاءُ
8
كأنَّ أوابِدَ الثِّيرانِ فيها *** هَجَائِنُ في مَغَابِنِها الطِّلاءُ
9
لقدْ طَالَبْتُها ولكلِّ شَيءٍ *** وإِنْ طَالَتْ لَجَاجَتُهُ انتهاءُ
10
تَنَازَعَها المَهَا شَبَهًا ودُرُّ النُّـ *** ـحُورِ وَشَاكَهَتْ فيها الظِّبَاءُ
11
فأمَّا ما فُوَيْقَ العِقْدِ مِنها *** فَمِنْ أَدْمَاءَ مَرْتَعُها الخَلاءُ
12
وأَمَّا المُقْلَتَانِ فَمِن مَهَاةٍ *** وَلِلدُّرِّ المَلاحَةُ والصَّفَاءُ
13
فَصَرِّمْ حَبْلَها إِذْ صَرَّمَتْهُ *** وَعَادَى أَنْ تُلاقِيَها العَدَاءُ
14
بآرِزَةِ الفَقَارةِ لم يَخُنْها *** قِطَافٌ في الرِّكابِ ولا خِلاءُ
15
كَأَنَّ الرَّحلَ مِنها فَوقَ صَعْلٍ *** مِن الظِّلْمَانِ جُؤْجُؤُهُ هَوَاءُ
16
أَصَكَّ مُصَلَّمِ الأُذُنَيْنِ أَجْنَى *** لهُ بالسِّيِّ تَنُّومٌ وَآءُ
17
أَذَلِكَ أَمْ شَتِيمُ الوَجْهِ جَأْبٌ *** عليهِ مِن عَقِيقَتِهِ عِفاءُ
18
تَرَبَّعَ صَارَةً حتَّى إذا ما *** فنَى الدُّحْلانُ عنهُ والإِضَاءُ
19
تَرَّفَّعَ لِلقَنانِ وكلِّ فَجٍّ *** طَبَاه الرَّعْيُ منهُ والخَلاءُ
20(510/1)
فَأَوْرَدَها حِياضَ صُنَيْبِعَاتٍ *** فَأَلْفَاهُنَّ ليسَ بِهِنَّ مَاءُ
21
فَشَجَّ بِها الأَمَاعِزَ وهي تَهْوِي *** هُوِيَّ الدَّلوِ أَسْلَمَها الرِّشَاءُ
22
فليسَ لَحَاقهُ كَلَحَاقِ إِلْفٍ *** ولا كَنَجَائِها مِنهُ نَجَاءُ
23
وإِنْ مَالا لِوَعْثٍ خَاذَمَتْهُ *** بِأَلْوَاحٍ مَفَاصِلُها ظِمَاءُ
24
يَخِرُّ نَبِيذُها عن حَاجِبَيْهِ *** فليسَ لِوَجْهِهِ منهُ غِطَاءُ
25
يُغَرِّدُ بينَ خُرْمٍ مُفْضِياتٍ *** صَوَافٍ لم تُكَدِّرْها الدِّلاءُ
26
يُفَضِّلُهُ إذا اجْتَهَدَتْ عليهِ *** تَمَامُ السِّنِّ منهُ والذَّكَاءُ
27
كأنَّ سَحِيلَهُ في كلِّ فَجْرٍ *** على أَحْسَاءِ يَمْؤُودٍ دُعَاءُ
28
فآضَ كأنَّهُ رَجُلٌ سَلِيبٌ *** على عَلْيَاءَ ليسَ لهُ رِدَاءُ
29
كأنَّ بَرِيقَهُ بَرَقَانُ سَحْلٍ *** جَلا عن مَتْنِهِ حُرُضٌ ومَاءُ
30
فليسَ بِغَافِلٍ عنها مُضِيعٍ *** رَعَيَّتَهُ إذا غَفَلَ الرِّعَاءُ
31
وقد أَغدُو على ثُبَةٍ كِرَامٍ *** نَشَاوَى واجِدِينَ لِمَا نَشَاءُ
32
لهمْ رَاحٌ وَرَاوُوقٌ ومِسْكٌ *** تُعَلُّ به جُلُودُهمُ ومَاءُ
33
يَجُرُّونَ البُرُودَ وقد تَمَشَّتْ *** حُمَيَّا الكأسِ فيهمْ والغِنَاءُ
34
تَمَشَّي بينَ قَتْلَى قدْ أُصِيبَتْ *** نُفُوسُهُمُ ولم تُهْرَقْ دِمَاءُ
35
وما أَدْرِي وسوف إِخَالُ أَدْرِي *** أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِسَاءُ
36
فإِنْ قالوا النِّساءُ مُخَبَّآتٍ *** فحُقُّ لكلِّ مُحْصَنَةٍ هِدَاءُ
37
وإِمَّا أَنْ يقولَ بنو مَصَادٍ: *** إليكمْ إِنَّنا قَوْمٌ بَرَاءُ
38
وإمّا أنْ يقولوا: قد وَفَيْنَا *** بِذِمَّتِنَا وعادَتُنا الوَفَاءُ
39
وإمّا أَنْ يقولوا: قد أَبَيْنَا *** فشَرُّ مَوَاطِنِ الحَسَبِ الإِبَاءُ
40
فإنَّ الحقَّ مَقْطَعُهُ ثلاثٌ: *** يمينٌ أو نِفَارٌ أو جَلاءُ
41
فذلكمُ مَقَاطِعُ كلِّ حَقٍّ *** ثلاثٌ كلُّهنَّ لكمْ شِفَاءُ
42(510/2)
فلا مُسْتَكْرَهونَ لِمَا مَنَعْتُمْ *** ولا تُعْطُونَ إِلاّ أنّ تَشَاؤُوا
43
جِوارٌ شِاهِدٌ عَدْلٌ عليكمْ *** وسِيَّانِ الكَفَالَةُ والتِّلاءُ
44
بأيِّ الجِيْرَتَيْنِ أَجَرْتُمُوهُ *** فلم يَصْلُحْ لكُمْ إِلاّ الأَدَاءُ
45
وجارٍ سارَ مُعْتَمِدًا إليكم *** أَجَاءَتْهُ المَخَافَةُ والرَّجَاءُ
46
فجاوَرَ مُكْرَمًا حتَّى إذا ما *** دَعَاهُ الصَّيْفُ وانْصَرَمَ الشِّتَاءُ
47
ضَمِنْتُمْ مَالَهُ وَغَدَا جَمِيعًا *** عليكمْ نَقْصُهُ ولَهُ النَّمَاءُ
48
ولولا أَنْ يَنَالَ أبا طَرِيفٍ *** إِسَارٌ مِن مَلِيكٍ أو لِحَاءُ
49
لقد زَارَتْ بُيُوتَ بني عُلَيمٍ *** مِن الكَلِمَاتِ آنِيَةٌ مِلاءُ
50
فَتُجْمَعُ أَيُمْنٌ مِنَّا ومنكُمْ *** بِمُقْسِمَةٍ تَمُورُ بِها الدِّمَاءُ
51
سيأتي آلَ حِصْنٍ أينَ كانُوا *** مِن المَثُلاتِ ما فِيها ثِنَاءُ
52
فلمْ أَرَ مَعْشَرًا أَسَرُوا هَدِيًّا *** ولم أرَ جَارَ بَيْتٍ يُسْتَبَاءُ
53
وجارُ البيتِ والرَّجُلُ المُنَادِي *** أمامَ الحيِّ عَهْدُهما سَوَاءُ
54
أبَى الشُّهداءُ عندَكَ مِن مَعَدٍّ *** فليسَ لما تَدِبُّ بهِ خَفَاءُ
55
تُلَجْلِجُ مُضْغَةً فيها أَنِيضٌ *** أُصَلَّتْ فهيَ تحتَ الكَشْحِ دَاءُ
56
غَصِصْتَ بِنِيْئِها فَبَشِمْتَ عنها *** وعندَكَ لو أَرَدْتَ لها دَوَاءُ
57
وإنِّي لو لَقِيتُكَ فاجْتَمَعْنَا *** لكانَ لكلِّ مُنْدِيَةٍ لِقَاءُ
58
فَأُبْرِئُ مُوضِحَاتِ الرَّأْسِ منهُ *** وقدْ يَشْفي مِن الجَرَبِ الهَنَاءُ
59
فَمَهْلاً آلَ عبدِ اللهِ عَدُّوا *** مَخَازِيَ لا يُدَبُّ لها الضَّراءُ
60
أَرُونا سُنَّةً لا عيبَ فيها *** يُسَوَّى بينَنا فيها السَّواءُ
61
فإنْ تَدَعُوا السَّواءَ فليسَ بيني *** وبينكمُ بني حصنٍ بَقَاءُ
62
ويبقى بينَنا قَذَعٌ وتُلْفَوا *** إذن قومٌ بأنفُسِهمْ أَسَاؤُوا
63(510/3)
وتُوْقَدْ نَارُكُمْ شَرَرًا ويُرْفَعْ *** لكمْ في كلِّ مَجْمَعةٍ لَوَاءُ(510/4)
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
المتنبي
العصر ... عباسي
عدد الأبيات ... 46
البحر ... طويل
الروي ... ميم
الغرض ... مدح
مصدر القصيدة ... التبيان (3/378-392)
المناسبة ... يمدح سيف الدولة
1
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ *** وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
2
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها *** وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
3
يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ *** وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
4
وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ *** وَذَلِكَ ما لا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ
5
يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمرًا سِلاحَهُ *** نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ
6
وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ *** وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ
7
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها *** وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
8
سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ *** فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
9
بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا *** وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ
10
وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَتْ *** وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ
11
طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها *** عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ
12
تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ *** وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ
13
إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعًا *** مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ
14
وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها *** وَذا الطَعنُ آساسٌ لَها وَدَعائِمُ
15
وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ *** فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
16
أَتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُمْ *** سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ
17
إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ *** ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ
18(511/1)
خَميسٌ بِشَرقِ الأَرضِ وَالغَربِ زَحفُهُ *** وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ
19
تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ *** فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلا التَراجِمُ
20
فَلِلهِ وَقتٌ ذَوَّبَ الغِشَّ نارُهُ *** فَلَم يَبقَ إِلّا صارِمٌ أَو ضُبارِمُ
21
تَقَطَّعَ ما لا يَقطَعُ الدِرعَ وَالقَنا *** وَفَرَّ مِنَ الأَبطالِ مَن لا يُصادِمُ
22
وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ *** كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ
23
تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً *** وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
24
تَجاوَزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنُهى *** إِلى قَولِ قَومٍ أَنتَ بِالغَيبِ عالِمُ
25
ضَمَمتَ جَناحَيهِمْ عَلى القَلبِ ضَمَّةً *** تَموتُ الخَوافي تَحتَها وَالقَوادِمُ
26
بِضَربٍ أَتى الهاماتِ وَالنَصرُ غائِبُ *** وَصارَ إِلى اللَبّاتِ وَالنَصرُ قادِمُ
27
حَقَرتَ الرُدَينِيّاتِ حَتّى طَرَحتَها *** وَحَتّى كَأَنَّ السَيفَ لِلرُمحِ شاتِمُ
28
وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّما *** مَفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَوارِمُ
29
نَثَرتَهُمُ فَوقَ الأُحَيدِبِ نَثْرَةً *** كَما نُثِرَت فَوقَ العَروسِ الدَراهِمُ
30
تَدوسُ بِكَ الخَيلُ الوُكورَ عَلى الذُرى *** وَقَد كَثُرَتْ حَولَ الوُكورِ المَطاعِمُ
31
تَظُنُّ فِراخُ الفُتخِ أَنَّكَ زُرتَها *** بِأُمّاتِها وَهيَ العِتاقُ الصَلادِمُ
32
إِذا زَلِقت مَشَّيتَها بِبِطونِها *** كَما تَتَمَشّى في الصَعيدِ الأَراقِمُ
33
أَفي كُلِّ يَومٍ ذا الدُمُستُقُ مُقدِمٌ *** قَفاهُ عَلى الإِقدامِ لِلوَجهِ لائِمُ
34
أَيُنكِرُ ريحَ اللَيثَ حَتّى يَذوقَهُ *** وَقَد عَرَفَتْ ريحَ اللُيوثِ البَهائِمُ
35
وَقَد فَجَعَتهُ بِاِبنِهِ وَاِبنِ صِهرِهِ *** وَبِالصِهرِ حَمْلاتُ الأَميرِ الغَواشِمُ
36(511/2)
مَضى يَشكُرُ الأَصحابَ في فَوتِهِ الظُبا *** بِما شَغَلَتها هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ
37
وَيَفهَمُ صَوتَ المَشرَفِيَّةِ فيهِمُ *** عَلى أَنَّ أَصواتَ السُيوفِ أَعاجِمُ
38
يُسَرُّ بِما أَعطاكَ لا عَن جَهالَةٍ *** وَلَكِنَّ مَغنومًا نَجا مِنكَ غانِمُ
39
وَلَستَ مَليكًا هازِمًا لِنَظيرِهِ *** وَلَكِنَّكَ التَوحيدُ لِلشِركِ هازِمُ
40
تَشَرَّفُ عَدنانٌ بِهِ لا رَبيعَةٌ *** وَتَفتَخِرُ الدُنيا بِهِ لا العَواصِمُ
41
لَكَ الحَمدُ في الدُرِّ الَّذي لِيَ لَفظُهُ *** فَإِنَّكَ مُعطيهِ وَإِنِّيَ ناظِمُ
42
وَإِنّي لَتَعدو بي عَطاياكَ في الوَغى *** فَلا أَنا مَذمومٌ وَلا أَنتَ نادِمُ
43
عَلى كُلِّ طَيّارٍ إِلَيها بِرِجلِهِ *** إِذا وَقَعَت في مِسمَعَيهِ الغَماغِمُ
44
أَلا أَيُّها السَيفُ الَّذي لَيسَ مُغمَدًا *** وَلا فيهِ مُرتابٌ وَلا مِنهُ عاصِمُ
45
هَنيئًا لِضَربِ الهامِ وَالمَجدِ وَالعُلا *** وَراجيكَ وَالإِسلامِ أَنَّكَ سالِمُ
46
وَلِم لا يَقي الرَحمَنُ حَدَّيكَ ما وَقى *** وَتَفليقُهُ هامَ العِدا بِكَ دائِمُ(511/3)
على أبوابكم عبد ذليل..
على أبوابكم عبد ذليل .. كثير الشوق ناصره قليل ..
له أسف على ما كان منه .. و حزن من معاصيه طويل
يمد إليكمو كف افتقار .. فدمع العين منهمل يسيل ..
يرى الأحباب قد وردوا جميعاً .. فليس له إلى ورد سبيل ..
أكون نزيلكم و يضام قلبي .. وحاشا أن يضام لكم نزيل..
فإن يرضيكم طردي و بعدي .. فصبري في محبتكم جميل ..
و حق ولائكم و شديد شوقي .. سلوّي عن هواكم مستحيل ..
قضيت بحبكم أيام عمري فلا أسلو و هل يسلى الجميل ؟؟
قضيت بحبكم أيام عمري فلا أسلو و هل يسلى الجميل ؟؟
فلا أسلو وقد بقي القليل فلا أسلو وقد بقي القليل(512/1)
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
الشاعر :- المتنبي
العصر :-عباسي البحر :-طويل القافية :-الميم
------
1 على قدر أهل العزم تأتي العزائم** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
2 وَتَعْظُمُ في عَينِ الصغير صغارها** وتصغرُ في عين العظيم العظائم
3 يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَة ِ الجيشَ هَمّهُ* وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
4 ويطلبُ عند الناس ما عند نفسه *** وذلك مالا تدعيه الضراغم
5 يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْراً سِلاحَهُ*** نسورُ افلا أحداثها والقشاعم
6 فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صَارِمٌ أوْ ضُبارِمُ**** وَقَدْ خُلِقَتْ أسيافُهُ وَالقَوائِمُ
7 هل الحدثُ الحمراءُ تعرف كونها** وتعلم أيُّ الساقين الغمائم
8 سقتها الغمامُ الغر قبل نزوله**** فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
9 بناها فأعلى والقنا يقرع القنا**** وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ
10 وكان بها مثل الجنون فأصبحت**ومن جثث القتلى عليها تمائم
11 أتوكَ يجرون الحديد كأنهم****** سروا بجياد مالهن قوائم
12 إذا برقوا لم تُعرف البيضُ منهم**** ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ
13 خميسٌ بشرق الأرض والغرب زحفه ** وَفي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ
14 تجمّع فيه كلُّ لسنٍ وأمة ٍ***** فَمَا يُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاّ الترَاجِمُ
15 تَقَطّعَ ما لا يَقْطَعُ الدّرْعَ وَالقَنَا***** وفرّ من الفرسان من لا يصادم
16 وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ**كأنك في جفن الردى وهو نائم
17 تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَة ً***** وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
18 أيُنكِرُ رِيحَ اللّيثِ حتى يَذُوقَهُ*****إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
19 نثرتهم فوق الأُحيدب كله ***** كما نثرت فوق العروسِ الدراهم
20 ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَداً **وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ
21 هنيئاً لضرب الهام والمجد والعلى **وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ(513/1)
22 وَقَد حاكَمُوهَا وَالمَنَايَا حَوَاكِمٌ ***وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ(513/2)
1. عليك بتقوى الله إن كنت غافلا يأتيك بالرزق من حيث لا تدري
2. فكيف تخاف الفقر والله رازقا فقد رزق الطير والحوت في البحر
3. من ظن إن الرزق يأتي بقوة ما أكل العصفور شي مع النسر
4. تزول عن الدنيا فانك لا تدري إذا جن عليك الليل هل تعيش للفجر
5. فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري
6. وكم من صحيح مات من غير علة وكم من مريض عاش حين من الدهر
7. فمن عاش ألفا وألفين فلا بد من يوم يسير فيه إلى القبر(514/1)
عمر بن الخطاب
شعر الأستاذ : خير الدين وانلي رحمه الله تعالى
عمرُ الفاروقُ ثاني الخلفاءْ مُلْهَمُ الأُمةِ فخرُ الأَولياء
فاتحُ ((القدْسِ )) وماحي ((قيصر)) قاهرُ الفرسِ وحامي الأَبرياء
هزَّتِ الدِّرةُ أَركانَ الغِوى فهَوى الطاغوتُ بعدَ الكبرياء
إِنَّ سيفَ الحقِّ سيفٌ صارمٌ وهو أَمْضى في أَيادي الأَقوياء
***
يا أَبا العدْلِ ويا فخْرَ الحِمى صنتَ بالعدلِ حقوقَ الضعفاء
أنتَ للإسلامِ درعٌ سابغٌ حُزْتَ بالإسلامِ عزَّ الأنبياء
فارتمتْ فوقَ الثَّرى في ذِلَّةٍ كلُّ أصنامِ الهوَى والأَغبياء
وامَّحى الإشراكُ وانزاحَ الغِوى فالهُدى يَغْمُرُ أَرضَ الأَتقياء
***
نَمْ قَريرَ العينِ يا فاروقَنا حلَّ عدلُ الدينِ في دانٍ وناء
دولةُ الحقِّ استقرتْ وانتهى ظلْمُ طاغوتٍ وعسْفُ الأَسْرياء
لم يعدْ ثَمَّةَ حقدٌ عارمٌ بين ذي فقْرٍ وبينَ الأغنياء
فجميعُ الناسِ في بَحبوحةٍ وغِنى النفْسِ أسَاسٌ في الغَناء
****
نعمةُ الإسلامِ حَلَّتْ أَرضَنا فصراطُ اللهِ شرعُ الأسوياء
شرعة الرحمن للارض الهدى ليسَ منْ هَدْيٍ سوى هَدْيِ السماء
نفذَّتْهُ عصبةٌ مختارةٌ كأبي حفصٍ زعيمِ الأوفياء
فإذا الدنْيا سلامٌ رافلٌ بنعيمِ الحبِّ زاهٍ بالإِخاء
******
يا شهيدَ الحقِّ والعدْلِ ويا مُلْهَمَ الخيرِ ويا رمزَ الفداء
قَبْلَكَ الإِسلاُم في البلوى وفي دعوةِ الأفرادِ سرّاً في الخَفاء
بعدَكَ الإسلامُ في عزَّتِه يتّحدّى كلَّ كفْرٍ في إباء
هجرةٌ منكَ أَتتْ جهراً ولمْ تأتِ من غيرك إِلا في اختفاء
****
كان جمعُ الآي من قرآنِنا بعضَ ما خصَّك ربّي منْ عطاء
لكَ في الأَسرى ببدرٍ خطةٌ خصَّها الملى بمدْحٍ واصْطفاء
واحتجابٌ لنساءِ المصطفى فكرةٌ جالتْ فخُصَّتْ بالبَقاء
فأبو حفصٍ أَبو بَجْدَتِها وإلهُ العرشِ عونُ الأَصفياء
****
يا أنيسَ المصطفى في حجرةٍ أنتَ كالصدّيق بعدَ الأنبياء
كنتَ في الدنيا رفيقَ المُجتَبى تبذلُ الغاليَ تَسخو في العطاء(515/1)
نمْ قريراً في جوارٍ طيبٍ نعمَ جارُ المصطفَينْ الكرماء
دُمْ معَ الصدّيقِ جارَ المُصطفى في نعيمِ الخلدِ في دارِ الهناء(515/2)
عمل الخير
يقول الشاعر:
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً؟ أو من يثيبُ البلبل المترنما
************************
يقول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيهُ لا يذهبُ العرفُ بين الله والناس
********************************(516/1)
عمل المعروف في غير أهله
يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن يجعل المعروف في غير أهلهِ يكن حمده ذمّاً عليه ويندمِ
******************
يقول المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا مضر ٌكوضع السيف في موضع الندى
******************
يقول صفي الدين الحلّي:
لا يَحسُنُ الحلم إلا في مواطنِهِ ولا يليق الوفاء إلا لمن شكرا
******************(517/1)
عندما يعزف الرصاص
---
نسبي و نطرد يا أبي و نباد
فإلى متى يتطاول الأوغاد
و إلى متى تدمي الجراح قلوبنا
و إلى متى تتقرح الأكباد
نصحو على عزف الرصاص كأننا
زرع و غارات العدو حصاد
و نبيت يجلدنا الشتاء بسوطه
جلدا فما يغشي العيون رقاد
يتسامر الأعداء في أوطاننا
و نصيبنا التشريد و الإبعاد
و تفرخ الأمراض في أجسادنا
أواه مما تحمل الأجساد
كم من مريض مل منه فراشه
ما زاره آس و لا عواد
نشرى كأنا في المحافل سلعة
و نباع كي يتمتع الأسياد
في نهر "جيحون" الحزين مراكب
غرقت و دنس صفوه الإلحاد
و علي ضفاف النهر جثة زورق
يبكي على أشلائها الصياد
و أمامه دار على جدرانها
صور يجدد رسمها و يعاد
صور تلونها دماء أحبة
غرسوا أصول المكرمات و شادوا
رحلوا و للقرآن في أعماقهم
ألق أضاء نفوسهم فانقادوا
أنى اتجهنا يا أبي ظهرت لنا
إحن يحرك جمرها الحساد
أو ما ترى من فوق كل ثنية
صنما يزيد غروره العباد
نصحوا على أصوات ألف مبشر
عزفوا لنا أوهامهم فأجادوا
جاءوا و سيف الجوع يخلع غمده
فشدوا بألحان الغذاء و جادوا
أما دعاة المسلمين فهمهم
أن تكثر الأموال و الأولاد
هم في الخوالف حين ينطق مدفع
و إذا تحدث درهم رواد
أرأيت أظلم يا أبي من صاحب
تختال في أعماقه الأحقاد
يسعى ليبني بالخداع حياته
أرأيت صرحا في الهواء يشاد
أين الأحبة يا أبي أو ما دروا
أنا إلي ساح الفناء نقاد ؟
أو ما دروا كم دمية في أرضنا
تعلو و كم يزري بنا استعباد ؟
أو ما لنا في المسلمين أحبة
فيهم من العوز المميت سداد ؟
ما بال أخواتنا إستكانوا يا أبي
لا شامنا انتفضت و لا بغداد ؟
قالوا الحياد و تلك أكبر كذبة
فحيادهم ألا يكون حياد
هذي بساتين الجنان تزينت
للخاطبين فأين من يرتاد ؟
يا ويحنا ماذا أصاب رجالنا
أو مالنا سعد و لا مقداد ؟
نامت ليالي الغافلين و ليلنا
أرق يذيب قلوبنا و سهاد
سلت سيوف المعتدين و عربدت
و سيوفنا ضاقت بها الأغماد(518/1)
هذا هو الأقصي يلوك جراحه
و المسلمون جموعهم آحاد
دمع اليتامى فيه شاهد ذلة
و سواد أعينهن فيه حداد
أواه يا أبتي على أمجادنا
يختال فوق رفاتها الجلاد
خمسون عاما أتخمت سنواتها
ذلا فكل زمانها إخلاد
ها نحن يا أبتي يسير وراءنا
ليل له فوق السواد سواد
ها نحن يا أبتي نبيت هنا و لا
طنب لخيمتنا و لا أوتاد
أهو القنوط يهد ركن عزيمتي
و به ظلام مخاوفي يزداد
أهو القنوط فأين إيماني بمن
خلق الوجود و ما له أنداد
يا أمة ما زال يكتب نثرها
طه و يروي شعرها حماد
و يرتب الحلاج دفتر فكرها
و يقيم مأتم عرسها حداد
ترعى حماها كل سائبة و في
تمزيقها تتجمع الأضداد
تصغي لأغنية الهوى فنهارها
نوم ثقيل و المساء سفاد
أجدادنا كتبوا مآثر عزها
فمحا مآثر عزها الأحفاد
يا ليل أمتنا الطويل متى نرى
فجرا تغرد فوقه الأمجاد
و متى نرى بوابة مفتوحة
للحق تقصر عندها الآماد
أنا يا أبي طفل و لكن همتي
فجر به يحلو لي إستشهاد
لا تخش يا أبتي علي فربما
قامت على عزم الصغير بلاد
و لربما مات القوي بسيفه
و قضى على مال الغني كساد
في سيف عنترة الفوارس قوة
ما كان يعرف سرها شداد
قل لي بربك يا أبي هل ننزوي
خوفا فليس للعدو قياد
دعنا نسافر في دروب آبائنا
و لنا من الهمم العظيمة زاد
ميعادنا النصر المبين فإن يكن
موت فعند إلهنا الميعاد
دعنا نمت حتى ننال شهادة
فالموت في درب الهدى ميلاد(518/2)
عيد بأية حال عدت يا عيد
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 48 / ص 447)
العصر العباسي >> المتنبي >>
عيد بأية حال عدت يا عيد
رقم القصيدة : 5511
-----------------
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
لَوْلا العُلى لم تجُبْ بي ما أجوبُ بهَا وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيْدودُ
وَكَانَ أطيَبَ مِنْ سَيفي مُعانَقَةً أشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الغِيدُ الأمَاليدُ
لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ
إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ
ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ
أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ خَازِناً وَيَداً أنَا الغَنيّ وَأمْوَالي المَوَاعِيدُ
إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ
جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ
أكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ أوْ خَانَهُ فَلَهُ في مصرَ تَمْهِيدُ
صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ(519/1)
ولا تَوَهّمْتُ أنّ النّاسَ قَدْ فُقِدوا وَأنّ مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ
وَأنّ ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرّعاديد
جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادي وَيُمسِكني لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقْصُودُ
وَيْلُمِّهَا خُطّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا لِمِثْلِها خُلِقَ المَهْرِيّةُ القُودُ
وَعِنْدَها لَذّ طَعْمَ المَوْتِ شَارِبُهُ إنّ المَنِيّةَ عِنْدَ الذّلّ قِنْديدُ
مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ
أمْ أُذْنُهُ في يَدِ النّخّاسِ دامِيَةً أمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ
أوْلى اللّئَامِ كُوَيْفِيرٌ بمَعْذِرَةٍ في كلّ لُؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ
وَذاكَ أنّ الفُحُولَ البِيضَ عاجِزَةٌ عنِ الجَميلِ فكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟(519/2)
عين الصقر
قال عامر علي العامر:
بيضاءُ حَلَّتْ في الفؤادِ صِفاتُها وَشَدَتْ على غصنِ الهوى أَصْواتُها
وَقَضَتْ على جَلَدي بِعَيْنَيْ جُؤْذُرٍ وَرَوَتْ ذُبولَ سعادَتي بَسَماتُها
تَرْنو بِعَيْنِ الصقرِ كي تَنْقَضَّ في وَضْعٍ.. أَنا فيهِ الفَريسَةُ ذاتُها
لَمّا رَنَتْ زادَ الْتِصاقي بِالهوى وَتَمَنَّعَتْ وَقَضَتْ بِذا عاداتُها
********************************(520/1)
عيناكِ ترنو للبقاء
بقلم محمد محمد دومي
عيناكِ ترنو للبقاءِ رواءُ*
أبنيتي بعد الفراقِ لقاءُ
في عينكِ الشوقُ اللهيبُ أثارني
لمَّا اعتراكِ على المضيِّ بكاءُ
فمسكتُ دمعي في الوداعِ تصبُّراً.
ودموعُ عيني في الخفاءِ دماءُ
طبعي التصبُّرُ والحياةُ مريرةٌ
وهوى النفوسِ بطبعها الإخفاءُ
يا طفلتي أنتِ الدنا وسعادتي
وضياءُ وجهكِ للحياةِ ذُكاءُ
ما أصعبَ الدمعَ الذي جرف الخدو
دَ براءةً ومرامها الإبقاءُ!
أبنيتي إنَّ الهناء بدارنا
لا يرتقي وحياتنا النَّعماءُ
إنَّ اغترابي في الدنا وتشردي
لديارنا في العالمين ولاءُ
كُتِبَ الفراقُ على الكريمِ أصالةً
وإذا تخاذلَ فالبقاءُ فناءُ
فالجاهُ في بعض البلادِ مذلةٌ
والذلُّ في بعضِ البلادِ سناءُ
بدموعنا تجري العزيمةُ في دمي
فالقطرُ تنمو بعده الآلاءُ
لن أستكينَ بنيتي لمصابنا
مهما ترامى في البعادِ جفاءُ
ما دمتُ حيَّاً لن يئزَّ جوارحي
هجرٌ ونؤيٌ أو نوى وشقاءُ
أبنيتي منذُ الطفولةِ شمعتي
ضوءٌ تراءتْ دونه الجوزاءُ
فالهجرُ يبني في النفوسِ عزيمةً
ربواتها الأجواءُ والأنواءُ
أرواءُ مهلاً فالديارُ بها غدتْ
من غيرِ نؤيٍ لا يُقامُ بناءُ
فتصبري أبنيتي وترقبي
إنَّ السعادةَ للحياةِ غذاءُ
هل كلُّ شيءٍ في البعادِ مقدسٌ
أم كلُّ شيءٍ في البعادِ هباءُ؟
فالعمرُ ولَّى والشبابُ قد انقضى
والجسمُ يبلى والحياةُ قضاءُ
كم من غريبٍ حُطِّمتْ آمالهُ
وتقطَّعتْ في جوفهِ الأمعاءُ
لمَّا أتته في البعادِ وما درى
أنَّ الأحبةَ قد قضوا أنباءُ
إنَّ العبيدَ على الغريبِ قيادةٌ
هفواتها جوفَ الضلالِ ضياءُ
فالعبدُ عبدٌ لو تعالى نجمُهُ
والحرُّ بدرٌ أفقهُ العلياءُ
فالعلمُ في بعضِ البلادِ بُنيتي
قسماً لعمري حلَّةٌ وغطاءُ
هيهاتَ أنْ ترقى البلادُ بعلمها
ما دامَ فيها للغريبِ عناءُ
أينَ الحجارةُ والترابُ بقريتي
والطيرُ والأشجارُ والأفياءُ
فالنفسُ ظمأى أن تموتَ بأرضها
فالموتُ فيها والخلودُ سواءُ(521/1)
أين الألى قسماتهم سرُّ الوجو
دِ وصوتهم روح الحياةِ غناءُ؟!
أين الروابي المنبتاتُ مكارماً
والروضُ فيها جنَّةٌ غنَّاءُ؟!
أين الفيافي والجبالُ منازلي
أيانَ غابتْ في النوى الأحياءُ؟!
أين الرفاقُ النائلونَ مودتي
والخلُّ والجيرانُ والأبناءُ؟!
أينَ الورودُ الملهماتُ قصائدي
والسحرُ والأهدابُ والأزياءُ؟!
أبنيتي إنِّي أرى أرجوحتي
ربَّانُها الأطفالُ والأشياءُ
سأعودُ ألعبُ كالصغير بدميةٍ
والطفلًُ حولي والربا الخضراءُ
والعود يشدو قصتي وقصائدي
والطيرُ والشحرورُ والورقاءُ
ستظلُّ شمسي في السماءِ مضيئةً
وعلى هواها تُشرقُ الأضواءُ
لا تيأسي إنِّي لعمركِ قادمٌ
لن تستطيعَ فراقَنا العنقاءُ(521/2)
عينية لقيط بن يعمر الإيادي
أمالي المرزوقي - (ج 1 / ص 49)
عينية لقيط بن يعمر الإيادي:
يا دارَ عمرةَ من محتلِّها الجرعا ... هاجتْ ليَ الهمَّ والأحزانَ والوجعا
تامتْ فؤادي بذاتِ الجزعِ خرعبةٌ ... مرَّت تريدُ بذاتِ العذبةِ البيعَا
بمقلَتي خاذلٍ أدماءَ طاعَ لها ... نبتُ الرِّياضِ تزجِّي وسطهُ ذرعَا
وواضحٍ أشنبِ الأنيابِ ذي أُشرٍ ... كالأقحوانِ إذا ما نورهُ لمعَا
جرَّتْ لما بيننا حبلَ الشُّموسِ فلا ... يأساً مُبينا أرى منها ولا طمعَا
فما أزالُ على شحطٍ يؤرِّقني ... طيفٌ تعمَّدَ رحلي حيثُما وضعَا
إنِّي بعينيَ إذ أمَّتْ حمولهمُ ... بطنَ السَّلوطحِ لا ينظرنَ منْ تبعَا
طوراً أراهمْ وطوراً لا أبيِّنهمْ ... إذا تواضعَ خدرٌ ساعةَ لمعَا
بل أيُّها الرَّاكبُ المُزجي على عجلٍ ... نحوَ الجزيرةِ مرتاداً ومنتجعَا
أبلغْ إياداً وخلِّلْ في سراتهمُ ... إنِّي أرى الرأيَ إنْ لم أُعصَ قد نصعَا
يا لهفَ نفسيَ إنْ كانتْ أموركمُ ... شتَّى وأُحكمَ أمرَ النَّاسِ فاجتمعَا
ألا تخافونَ قوماً لا أبالكمُ ... أمسَوا إليكم كأمثالِ الدَّبا سرعَا
أيناءُ قومٍ تآووكمْ على حنقٍ ... لا يشعرونَ أضرَّ اللهُ أمْ نفعَا
أحرارُ فارسَ أبناءُ الملوكِ لهمْ ... من الجموعِ جموع تزدهي القلعَا
فهم سراعٌ إليكم بينَ ملتقطٍ ... شوكاً وآخرَ يجني الصَّابَ والسَّلعَا
لو أنَّ جمعهمُ راموا بهدَّتهِ ... شمَّ الشَّماريخِ من ثهلانَ لانْصدعَا
في كلِّ يومٍ يسنَّونَ الحرابَ لكمْ ... لا يهجعونَ إذا ما غافلٌ هجعَا
خزرٌ عيونُهم كأنَّ لحضهمُ ... حريقُ نارٍ ترى منهُ السَّنا قطعَا
لا الحرثُ يشغلهمْ بل لا يرونَ لهم ... من دون بيضتكمْ ريَّا ولا شبعَا
وأنتمْ تحرثونَ الأرضَ عن عرضٍ ... في كلِّ معتملٍ تبغونَ مزدرعَا
وتُلحقونَ حيالَ الشَّولِ آونةَ ... وتنتجونَ بذاتِ القلعةِ الرُّبعَا
وتلبسونَ ثيابَ الأمنِ ضاحيةَ ... لا تفزعونَ وهذا اللَّيثُ قد جمعَا(522/1)
أنتمْ فريقانِ هذا لا يقومُ لهُ ... هصرُ اللّيوثِ وهذا هالكٌ صقعَا
وقد أظلَّكمُ من شطرِ ثغرِكم ... هولٌ ظلمٌ تغشاكمُ قطعَا
مالي أراكمْ نياماً في بلهنيةٍ ... وقد ترونَ شهابَ الحربِ قد سطعَا
فاشفوا غليلي برأيٍ منكمُ حسنٍ ... يضحِ فؤادي له ريَّانَ قد نقعَا
ولا تكونوا كمنْ قد باتَ مكتنعاً ... إذ يقالُ له افرُجْ غمَّةً كنعَا
قوموا قياماً على أمشاطِ أرجلكمْ ... ثم افزعوا قد ينالُ الأمرَ من فزعَا
صونوا خيولَكم واجْلوا سيوفكمُ ... وجدِّدوا للقسيِّ النَّبعَ والشَّرعَا
واشروا تلادكمُ في حرزِ أنفسكمْ ... وحرزِ نسوتكمْ لا تهلكوا هلعَا
ولا يدعُ بعضكمْ بعضاً لنائبةٍ ... كما تركتمْ بأعلى بيشةَ النَّخعَا
اذكوا العيونَ وراءَ السَّرحِ واحترسوا ... حتَّى ترى الخيلَ من تعدائها وجعَا
فإنْ غلبتمْ على ضنٍّ بداركمُ ... فقد لقيتُم بأمرِ حازمٍ فزعَا
لا تلهكمْ إبلٌ ليستْ لكم إبلٌ ... إنَّ العدوَّ بعظمٍ منكمُ فزعَا
هيهاتَ لا مالَ من زرعٍ ولا إبلٍ ... يرجى لغابركمْ إنْ أنفكم جُدعَا
لا تثمروا المالَ للأعداءِ إنَّهمُ ... إنْ يظفروا يحتووكمْ والتلادَ معَا
واللهِ ما انفكَّتِ الأموالُ مذْ أبدٍ ... لأهلها إنْ أُصيبوا مرةً تبعَا
يا قومُ إنَّ لكمْ من أرثِ أوَّلكمْ ... عزّاً قد أشفقتُ أن يودي فينقطعَا
وما يردُّ عليكمْ عزُّ أوَّلكمْ ... إنْ ضاعَ آخرهُ أو ذلَّ واتَّضعَا
ولا يغرَّنكمْ دنيا ولا طمعٌ ... أنْ تنعشوا بزماعٍ ذلك الطَّمعَا
يا قومُ بيضتكمْ لا تفجعنَّ بها ... إنِّي أخافُ عليها الأزلمَ الجدعَا
يا قومْ لا تأمنوا إن كنتمُ غيُراً ... على نسائكمُ كسرى وما جمعَا
هو الجلاءُ الذي تبقى مذلَّتهُ ... إنْ طارَ طائركمْ يوماً وإنْ وقعَا
هو الفناءُ الذي يجتثُّ أصلكمُ ... فشمِّروا واستعدُّوا للحروبِ معَا
وقلِّدوا أمركُم لله درُّكمُ ... رحبَ الذِّراعِ بأمرِ الحربِ مضطلعَا(522/2)
لا مترفاً إنْ رخاءُ العيشِ ساعدهُ ... ولا إذا عضَّ مكروهٌ به خشعَا
لا يطعمُ النَّومَ إلاَّ ريثَ يبعثهُ ... همٌّ يكادُ أذاهُ يحطمُ الضّلعَا
مسهَّدَ النَّوم تعنيه أموركمُ ... يؤمُّ منها إلى الأعداءِ مطَّلعَا
ما زالَ يجلبُ درَّ الدَّهرِ أشطرهُ ... يكونُ متَّبعاً يوماً ومتَّبعَا
وليسَ يشغلهُ مالٌ يثمِّرهُ ... عنكم ولا ولدٌ يبغي له الرِّفعَا
حتَّى استمرَّتْ على شزرٍ مريرتهُ ... مستحكم السِّنِّ لا قمحا ولا ضرعَا
كمالكِ بن قنانٍ أو كصاحبهِ ... زيدِ القنا يومَ لاقى الحارثينِ معَا
إذ عابهُ عائبٌ يوماً فقالَ لهُ ... دمِّثْ لنفسكَ قبلَ اليومِ مضطجعَا
فساورهُ فألفَوهُ أخا عللِ ... في الحربِ يختبلُ الرِّئبالَ والسَّبعَا
مستنجداً يتحدَّى النَّاسَ كلّهمُ ... لو قارعَ النَّاسَ عن أحسابهم قرعَا
هذا كتابي إليكم والنَّذيرُ لكمْ ... فمن رأى مثلَ ذا رأياً ومن سمعَا
لقد بذلتُ لكم نُصحي بلا دخلٍ ... فاستيقظوا إنَّ خيرَ القولِ ما نفعَا
===============
الحماسة البصرية - (ج 1 / ص 39)
لقيط بن حارثة بن معبد الإيادي
جاهلي
يحذر قومه من غزو كسرى ويحثهم على قتاله
يا دارَ عَمْرَةَ مِن مُحْتَلِّها الجَرَعا ... هاجَتْ لكَ الهَمَّ والأَحْزانَ والوَجَعا
بل يا أَيُّها الرَّاكِبُ المُزْجى مَطِيَّتَهُ ... إِلى الجَزِيرَةِ مُرْتاداً ومُنْتَجِعا
أَبْلِغْ إِياداً، وخَلِّلْ في سَراتِهِمُإِنِّي أَرَى الرَّأْيَ، إِنْ لَمْ أُعْصَ قد نَصَعا
يا لَهْفَ نَفْسِيَ إِنْ كانَتْ أُمُورُكُمُشَتَّى، وأُحْكِمَ أَمْرُ النَّاسِ فاجْتَمَعا
أَلاَ تَخافُونَ قَوْماً لا أَبَا لَكُمُ ... أَمْسَوا إِليكمْ كأَمْثالِ الدَّبا سِرَعا
لو أَنَّ جَمْعَهُمُ رامُوا بِهَدَّتِهِ ... شُمَّ الشَّماريخِ مِن تَهْلان لانْصَدَعا
في كُلِّ يومٍ يَسُنُّونَ الحِرابَ لكم ... لا يَهْجَعُون إِذا ما غافِلٌ هَجَعا(522/3)
لا حَرْثَ يَشْغَلُهُمْ بل لا يَرَوْنَ لهمْ ... مِن دُونِ قَتْلِكُمُ رَيّاً ولا شِبَعا
وأَنتمُ تَحْرُثُونَ الأَرْضَ عن سَفَهٍ ... في كلِّ ناحيةٍ تَبْغُون مُزْدَرَعا
وتُلْقِحُونَ حِيالَ الشَّوْلِ آوِنَةً ... وتَنْتِجُونَ بدارِ القُلْعَةِ الرُّبُعا
وتَلْبَسُونَ ثِيابَ الأَمْنِ ضاحِيَةً ... لا تَجْمَعُون، وهذا الجَيْشُ قد جَمَعا
مالِي أَراكُمْ نِياماً في بُلَهْنِيَةٍ ... وقد تَرَوْنَ شِهابَ الحَرْبِ قد سَطَعا
وقَدْ أَظَلَّكُمُ مِن شَطْرِ ثَغْرِكُمُ ... هَوْلٌ، له ظُلَمٌ، تَغْشاكُمُ قِطَعا
صُونُوا جِيادَكُمُ، واجْلُوا سُيُوفَكُمُ ... وجَدِّدُوا للقِسِيِّ النَّبْلَ والشِّرَعا
واشْرُوا تِلادَكُمُ في حِرْزِ أَنْفُسِكُمْ ... وحِرْزِ نِسْوَتِكُمْ لا تَهْلِكُوا جَزَعا
أَذْكُوا العُيُونَ وَراء السَّرْحِ، واحْتَرِسُواحتَّى تُرَى الخَيْلُ مِن تَعْدائِها رُجُعا
لا تُثْمِرُوا المالَ للأَعْداءِ إنَّهمُ ... إنْ يَظْهَرُوا يَحْتَوُوكُمْ والتِّلادَ مَعا
هَيْهاتَ ما زالتِ الأَمْوالُ مُذْ أَبَدٍ ... لأَهْلِها إِنْ أجِيبُوا مَرَّةً تَبَعا
قُومُوا قِياماً على أَمْشاطِ أَرْجُلِكُمْثُمَّ افْزَعُوا، قد يَنالُ الأَمْرَ مَن فَزِعا
وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمُ، للّهِ دَرُّكُمُ، ... رَحْبَ الذِّراعِ، بأَمْرِ الحربِ مُضْطَلِعا
لا مُتْرَفاً إِنْ رَخاءُ العَيْشِ ساعَدَهُ ... ولا إِذا عَضَّ مَكْرُوهٌ بهِ خَشَعا
مُسَهَّدُ النَّوْمِ، تَعْنِيهِ أُمورُكُمُ ... يَرُومُ فِيها إلى الأَعْداءِ مُطَّلَعا
ما انْفَكَّ يَحْلُبُ هذا الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ ... يكُونُ مُتَّبَعاً يوماً ومُتَّبِعا
لا يَطْعَمُ النَّومَ إِلاَّ رَيْثَ يَحْفِزُهُ ... هَمٌّ، يكَأدُ شَباهُ يَحْطِمُ الضِّلَعا
حتَّى اسْتَمَرَّتْ على شَزْرٍ مَرِيرَتُهُمُسْتَحْكِمُ الرَّأْيِ، لا قَحْماً ولا ضرَعا(522/4)
عَبْلَ الذِّراعِ أَبِيّاً ذا مُزابَنَةٍ ... في الحَرْبِ يَحْتَبِلُ الرِّنْبالَ والسَّبُعا
لقَدْ مَحَنْتُ لكمْ وُدِّي بِلا دَخَلٍفاسْتَيْقِظُوا، إِنَّ خَيْرَ العِلْمِ ما نَفَعا
=============
الشعر والشعراء - (ج 1 / ص 35)
لقيط بن معمر
هو لقيط بن معمرٍ، من إيادٍ، وكانت إيادٌ أكثر نزارٍ عدداً، وأحسنهم وجوهاً، وأمدهم وأشدهم وأمنعهم، وكانوا لقاحاً لا يؤدون خرجاً، وهم أول معدىٍّ خرج من تهامة، فنزلوا السواد، وغلبوا على ما بين البحرين إلى سنداد والخورنق، وسنداد نهرٌ كان بين الحيرة إلى الأبلة، وكانوا أغاروا على أموالٍ لأنوشروان فأخذوها، فجهز إليهم الجيوش، فهزموهم مرةً بعد مرةٍ، ثم إن إياداً ارتحلوا حتى نزلوا الجزيرة، فوجه إليهم كسرى بعد ذلك ستين ألفاً في السلاح، وكان لقيط متخلفاً عنهم بالحيرة، فكتب إليهم:
سَلاَمٌ في الصَّحِيفَة من لَقِيطٍ ... إلىَ مَن بالجزيرة من إِيادِ
بأَنَّ اللَّيْثَ كِسْرَى قد أَتَاكُمْ ... فلا يَشْغلْكُمُ سَوْقُ النِّقَادٍ
أَتاكم مِنْهُمُ سِتُّونَ أَلْفاً ... يَزُجُّون الكَتَائِبَ كالجَرَادِ
على حَنَق أَتَيْنَكُمُ فهذَا ... أَوَانُ هَلاَكِكُمْ كهَلاَكِ عَادِ
فاستعدت إيادٌ لمحاربة جنود كسرى، ثم التقوا، فاقتتلوا قتالا شديداً، أصيب فيه من الفريقين، ورجعت عنهم الخيل، ثم اختلفوا بعد ذلك، فلحقت فرقةٌ بالشأم، وفرقةٌ رجعت إلى السواد، وأقامت فرقةٌ بالجزيرة.
وفي هذه القصة يقول أيضاً لقيطٌ في قصيدته:
يا دارَ عَبْلَةَ من مُحْتَلِّهَا الجَرَعَا
يا لَهْفَ نْفِسيَ إِنْ كانت أُمُورُكمُ ... شَتَّى وأُبْرِمَ أَمْرُ الناس فاجْتَمَعَا
أَحْرَارُ فارِسَ أَبْنَاءُ المُلُوكِ لهم ... من الجُمُوعِ جُمُوعٌ تَزْدَهِي القَلَعَا
فهمْ سِرَاعٌ إليكم بَيْنَ مُلْتَقِطٍ ... شَوْكاً وآخَرَ يَجْنِي الصَّابَ والسَّلَعَا(522/5)
هو الجَلاَءُ الَّذِي تَبْقَى مّذَلَّتُهُ ... إِنْ طارَ طائرُكم يوماً وإنْ وَقَعَا
قُومُوا قِيامَاً على أَمْشَاطِ أَرْجُلِكُمْ افْزَعُوا قد يَنَالُ الأَمْنَ مَنْ فَزِعَا
وقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ للِه دَرُّكُمُ ... رَحْبَ الذَّرَاعِ بأَمْرِ الحربِ مُضْطَلِعا
لا مُتْرَفاً إنْ رَخاءُ العَيْشِ ساعَدَهُ ... ولاَ إِذَا عَضَّ مَكْرُوهٌ به خَشَعَا
ما زال يَحْلُبُ دَرَّ الدَّهْرِ أَشْطُرَهُ ... يَكونُ مُتَّبِعاً طَوْراً ومُتَّبَعَا
حَتَّى اسْتَمَّرتْ على شَزْرٍ مَرِيرَتُه ... مُسْتَحْكِمَ السنِّ لاَ قَحمْاً ولا ضَرَعَا
==============(522/6)
عيوب نفسك
يقول الشاعر
عجبت من الإنسان ينسى عيوبه و يذكر عيبا في أخيه قد اختفى
و لو كان ذا عقل لما عاب غيره و فيه عيوب لو راها بها اكتفى
******************(523/1)
غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
المتنبي
العصر ... عباسي
عدد الأبيات ... 9
البحر ... وافر
الروي ... ميم
الغرض ... حكمة
مصدر القصيدة ... التبيان (4/119-120)
المناسبة ... وقال وقد كبست أنطاكية، فقتل مهره الذي وصفه والحجر أمه
1
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ *** فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
2
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ *** كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ
3
سَتَبكي شَجوَها فَرَسي وَمُهري *** صَفائِحُ دَمعُها ماءُ الجُسومِ
4
قَرَبنَ النارَ ثُمَّ نَشَأنَ فيها *** كَما نَشَأَ العَذارى في النَعيمِ
5
وَفارَقنَ الصَياقِلَ مُخلَصاتٍ *** وَأَيديها كَثيراتُ الكُلومِ
6
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ *** وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
7
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني *** وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
8
وَكَم مِن عائِبٍ قَولاً صَحيحًا *** وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَقيمِ
9
وَلَكِن تَأخُذُ الآذانُ مِنهُ *** عَلى قَدرِ القَرائِحِ وَالعُلومِ(524/1)
غِبْ يا هلالْ..
---
غِبْ يا هلالْ..
إني أخاف عليك من قهر الرجالْ
قِف من وراء الغيم
لا تنشر ضياءك فوق أعناق التلالْ
غِبْ يا هلالْ..
إني لأخشى أن يُصيبك
- حين تلمحنا- الخَبَالْ
أنا - يا هلالْ
أنا طفلةٌ عربيةٌ فارقت أسرتنا الكريمهْ
لي قصةٌ
دمويةُ الأحداث باكية أليمهْ
أنا - يا هلالْ
أنا من ضحايا الاحتلالْ
أنا من وُلدت
وفي فمي ثَدْيُ الهزيمهْ
شاهدتُ يومًا عند منزِلِنا كتيبهْ
في يومِها
كان الظلامُ مكدسًا
من حول قريتنا الحبيبهْ
في يومِها
ساق الجنودُ أبي
وفي عينيه أنهارٌ حبيسهْ
وتجمعت تلك الذئابُ الغُبْرُ
في طلب الفريسَهْ
ورأيت جنديًا يحاصر جسم والدتي
بنظرته المريبهْ
ما زلت أسمع - يا هلالْ-
ما زلت أسمع صوت أمِّي
وهْي تسْتجدي العروبهْ
ما زلت أبصر نصل خنجرها الكريمْ
صانتْ به الشرفَ العظيم
مسكينةٌ أمِّي
فقد ماتتْ
وما عَلِمَتْ بموْتتها العروبهْ
إني لأعجب يا هلال
يترنَّح المذياعُ من طرب!!
وينتعش القدحْ!!
وتهيج موسيقى المرحْ!!
والمطربون يرددون على مسامعنا
ترانيم الفرحْ!!
وبرامج التلفاز تعرضُ لوحة للتهنئهْ
"عيدٌ سعيدٌ يا صغارْ"..!!
والطفلُ في لبنان يجهل منشأهْ
وبراعم الأقصى عرايا جائعونْ
واللاجئونَ
يصارعون الأَوْبئَهْ
غِبْ يا هلالْ
لا تأتِ بالعيد السعيد
مع الأنينْ
أنا لا أريد العيد مقطوعَ الوتينْ
أتظنُ أن العيدَ في حلوى
وأثواب جديدهْ؟!
أتظنُ أنَّ العيد تهنئهْ
تُسطَّر في جريدهْ؟
غِبْ يا هلالْ
واطلعْ علينا حين يبتسم الزمنْ
وتموت نيران الفتنْ
اطلع علينا
حين يُورق بابتسامتنا المساءْ
ويذوب في طرقاتنا ثلج الشتاءْ
اطلعْ علينا بالشذا
بالعز بالنصر المبينْ
اطلعْ علينا بالتئام الشمل
بين المسلمينْ
هذا هو العيدُ السعيدْ
وسواهُ
ليس لنا بِعيدْ
غِبْ يا هلالْ
حتى ترى رايات أمتنا ترفرفُ في شَمَمْ
فهناك عيدٌ
أي عيدْ
وهناك يبتسم الشقيُّ مع السعيدْ(525/1)
غريب المولود بعد قتل أبويه
د.محمد إياد العكاري
(صورة ارشيفية)
قامت القوات الأمريكية في الساعة الثالثة من فجر يوم الأحد 2/2/1426هـ بإطلاق النار على مواطن عراقي وزوجته وطفلته في وسط مدينة تلعفر 13/3/2005م شمال بغداد حيث كانوا في طريقهم إلى المستشفى بعد أن فاجأ زوجته المخاض فاضطر للخروج على الرغم من حظر التجول المفروض من قبل الاحتلال, وقد سقط الزوجان صريعين بنيران القوات الأمريكية في الحال حيث تم نقلهما للمستشفى من قبل القوات العراقية وتم إجراء عملية جراحية للمرأة حيث تم استخراج الجنين الذي كانت تحمله سالماً وهو الآن قيد الحياة أما شقيقته فقد أصيبت إصابة بالغة في الرأس وهي بين الموت والحياة وقد سماه أحد الأطباء في بيان الولادة الصادر غريب.
غريب
تمَادى الشَرُّ وانْتَهَبا
وشبَّ الحرب واغتصبا
ونَارَ الحِقدِ أشْعَلها
وأورَى النَّارَ والحطبا
وأَوغَلَ في وقَاحَتِهِ
لهُ الدُّنيا ومَا رَغِبا
وجَيشُ البَغي مُرتَزقٌ
يُريكَ الحَالَ مُنتَهبا
فمجزَرةٌ تَلوحُ هنا
ومَذبحَةٌ لها انْتَسَبا
ودَاهيَةٌ وضَاعَ صَدَى
فذا الإِعلامُ قَد حُجِبا
وصَارَ المَوتُ مُنفَرجاً
وأضْحَى القَبرُ مُرتَقَبا
ووجهُ الأرضِ مُعتَكِرٌ
من الثَّقلينِ مُضطَربا
من الطُّغيانِ يُنكِرُهُ
من الأَحداثِ مُختضبا
نَعيْشُ الظُّلمَ ألوَاناً
من الإِرهابِ قَد جُلِبا
فذي الأَيامُ قد شَرَقَتْ
بمَا تَلقَاهُ قَد نَشِبا
وتَلقَى الشَّمسَ شَاحِبَةً
وكلُّ النُّورِ قَد سُلِبا
وتلكَ عُيونُ ليلَتها
تَغُورُ وبدرُها احتَجَبا
وضَاقَ سماكُ دُنياها
وغُمَّ وقَلبُها التَهَبا
غَريبٌ جَاءَ للدُّنيا
بلا أَبويْنِ مُنتَحِبا
قَضَى أبواهُ كَي يَحيا
وعاشَ غريبُ كالغُرَبا
فلا صَدرٌ يفيضُ نَدىً
ولا ظَهرٌ لهُ حَدِبا
ولا أُختٌ فقد ذُبحَتْ
وكلُّ الأهلِ قَد ذَهَبا
بنارِ الغَدرِ وا أَسَفَا
وكَأسَ المَوتِ قَد شَربا
ونَقْعَ منيَّةٍ ذَاقا
وحلَّ اليتم ُ ملتهبا(526/1)
لأجلِ طُفولَةٍ مَضَيَا
ليبفى الحبُّ منسكبا
لبُرعُمِ زَهرَةٍ نَبَتتْ
لبُلبُل دَوحةٍ طَربا
لطِفْلٍ جَاءَ مُرتَهناً
بذي الدُّنيا وقَد نُكِبا
وحَلَّ بدارِ فَرحَتهم
مَآتمُ صَوتُها اصْطَخَبا
وبَوقُ الظُّلمِ في جَلبٍ
وبِئسَ الشَّرُّ مُنقَلبا
فوا عَجَباً لعَولمَةٍ
لهَا الإِعلامُ قَد نُصِبا
ولا نلَقَى سِوَى نُوَبٍ
وتُنفَثُ حَولنا الرِّيَبا
وبَاتَ القُطبُ مُجْتَرحَاً
وأمْسَى رَمزُهُ خَرِبا
وأعْجَبُ مِن شِعَاراتٍ
بها الإرهابُ قَد نشبا
وأَضْحَى الحَقُّ مُرتَهَناً
وباتَ العَدلُ مُغْتَربا
د.محمد إياد العكاري15/3/2005م(526/2)
غض البصر
قال الشاعر:
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشررِ
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وترِ؟
والعبد مادام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوفاً على الخطرِ
يُسِر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضررِ
****************
وقال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتبعك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
****************
وقال الشاعر:
يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له طوقه إنه يأتيك بالعطب
*****************
قال الشاعر:
ألم تر أن العين للقلب رائد؟ فما تألف العينان فالقلب آلف
*****************
وقال آخر:
وأنا الذي اجتلب المنيةَ طرفُهُ فَمَنِ المطالبُ والقتيلُ القاتلُ
*****************
وقال آخر:
مرآةُ قلبِكَ لا تُريكَ صلاحَهُ والنَّفسُ فيها دائماً تتنفسُ
*****************
يقول ابن دريد
لَيْسَ السَّلِيمُ سَلِيمَ أَفْعَى حَرَّة ٍ لكنْ سليمَ المقلة ِ النَّجلاءِ
نظرتْ ولا وسنٌ يخالطُ عينها نظرَ المريضِ بسورة ِ الإغفاءِ
*****************(527/1)
غَيرُ مُجْدٍ فِي ملَّتي واعتقادي
ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص - (ج 1 / ص 47)
البيت لأبي العلاء المعري، من قصيدة من الخفيف يرثي بها فقيهاً حنفياً أولها:
غَيرُ مُجْدٍ فِي ملَّتي واعتقادي ... نَوحُ باكٍ وَلا ترنُّم شادي
وشبيهٌ صَوْتُ النَّعيُّ إذا قيسَ بصوتِ البشير في كل نادي
أبكَتْ تلكمُ الحمامة أم غَنَّتْ عَلى فرع غُصنُها الميَّاد
صاحِ هدى قُبورُنا تملأُ الرُّحبَ فأين القُبورُ من عهَد عاد
خَفِّفِ الوطء ما أظُنُّ أديم ال ... أرضِ إلا من هذه الأجْساد
وقَبيحٌ بنا وإن قَدُم العَهْدُ هَوانُ الآباءِ والأجداد
سِرْ إنِ اسْطَعْتَ في الهوا رُوَيداً ... لا اخْتيالاً على رفات العباد
رُبَّ لحدٍ قد صارَ لحداً مراراً ... ضاحِكٍ من تَزاحُم الأضداد
وَدفينٍ علي بقايا دفينٍ ... في طويل الأزمان والآباد
فاسألِ الفَرقدين عمن أحسَّا ... من قَبيلٍ وآنسا من بلاد
كم قاما على زَوالِ نَهارٍ ... وَأنارَا لِمُدلج في سَواد
تَعبٌ كلُّها الحَياةُ وما أعْجبُ إِلاَّ مِنْ رَاغبٍ فِي ازْدياد
إنَّ حُزناً في ساعةِ الموْتِ أضْعا ... فُ سُرورٍ في ساعةِ المِيلاد
خُلقَ النَّاسُ لِلبقاء فَضلَّتْ ... أمُةٌ يَحسبونهمْ لِلنفاد
إنما يُنقلونَ مِنْ دَارِ أعْما ... لٍ إِلى دَارِ شِقوةٍ أوْ رَشاد
وهي طويلة ومنها:
بانَ أمْر الإِلهِ وَاختلفَ النَّا ... سُ فَدَاعِ إلى ضَلاَلٍ وَهادِي
وبعده البيت، وبعده:
فاللَّبيبُ اللَّبيبُ مَنْ لَيسَ يَغترُّ ... بِكونٍ مَصيرهُ لِلفسادِ(528/1)
فاطمة رضي الله عنها
قال الشاعر:
هي بنت مَنْ هي أم مَنْ من ذا يساوي في الأنام علاها
أما أبوها فهو أشرف مرسلٍ جبريل بالتوحيد قد ربّاها
وعليُّ زوجٌ لا تسلْ عنه سوى سيفٌ غدا بيمينه تيَّاها
*********************(529/1)
فتية الحق
[الكاتب: أيمن القادري]
أَنا ابْنُ كَشْمِيرَ وَالأَفْغَانُ أَخْوَالِي ... ... وَبَيْنَ بُسْنَةَ وَالشيشانِ أَطْفَالي
وَزَوْجَتي بنْتُ كُوسُوفَا نجَتْ عَرَضاً ... ... مِنْ خِنْجَرِ الكُفْرِ دُونَ القَوْمِ وَالآلِ
أُمِّي عِرَاقِيَّةٌ وَالقُدْسُ دَارُ أَخِي ... ... وَخَلْفَ "طَارِقَ" أُخْتِي مُنْذُ أَجْيَالِ
أَبي طَرِيدٌ وَعَمِّي أَعْدَمُوهُ ضُحَىً ... ... وَهَا أَنا بَيْنَ قُضْبَانٍ وَأَغْلاَلِ
لَمْ يَبْقَ مِنْ أُسْرَتي إِلاَّ الذِينَ نفُوا ... ... أَوْ سُلِّمُوا لِسَفَارَاتِ الأَبِ الغَالِي
لِهؤُلاَءِ انتِسَابي ... إِنهُ شرَفٌ ... ... أَلاَ أُسَرُّ بِأَشبَاهِي وَأَمْثَالِي؟
...
* * *
...
أَنا فَتَى الحَقِّ وَالأَكْوَانُ تعْرِفُني ... ... جَدِّي "شرَحْبيلُ" وَالأَيْتَامُ أَنجَالِي
أُصَارِعُ الشرْكَ في بُوشٍ وَزُمْرَتهِ ... ... وَمَا اصْطَفَى مِنْ سَلاَطِينٍ وَأَقْيَالِ
مَزَّقْتُ خَوْفي بأَنيَابٍ تسيلُ دَماً ... ... وَلاَ أُبَالِي بِأَصْفَادِي وَأَثقَالِي
يَدِي عَلَى عُنُقِ الطّاغُوتِ مُجْهِزَةٌ ... ... قَطَعْتُمُ أُخْتَهَا؟ لَنْ يَأْمَنَ الوَالِي
في رَايَتي، في صَدَى التَّكْبيرِ، في سُوَرِي ... ... إِشْرَاقَةُ الفَجْرِ تَزْهُو عِنْدَ إِقْبَالِي
لَنْ تأْمَنُوا ثوْرَتي فَالزَّحْفُ مُنْطَلقٌ ... ... يَدُوسُ دِيدَانَ أَرْضِي دُونَ إِمْهَالِ
...
* * *
...
أَنا فَتَى الحَقِّ أَرْضُ القُدْسِ مَعْرَكَتي ... ... وَقَصْرُ بُوشٍ مَقَرُّ القِيلِ وَالقَالِ
أُعَاندُ الكِبْرَ حَتَّى مَوْتِ وَاحِدِنا ... ... وَذَاكَ جَدْوَلُ أَهْدَافِي وَأَعمَالِي
أَحْيَا عَلَى عِشْقِ إِسْلاَمِي وَدَوْلَتهِ ... ... وَإِنْ بَتَرْتمْ يَدِي الأُخْرَى وَأَوْصَالِي
أَحْيَا ... أُرَدِّدُ: "قُرْآني سَأَرْفَعُهُ" ... ... وَإِنْ لَهَا بِلِسَانِي فَكُّ رِئبَالِ
لَنْ تسْلُبُونيَ إِيمَاني وَلاَ ثقَتي ... ... فَالنَّصْرُ آتٍ ... نَعَمْ آتٍ كَزِلْزَالِ
...
* * *
...(530/1)
يُقَاتلُ الصَّمْتَ وَالسِّلْمَ الرَّخِيصَ دَمي ... ... وَمُهْجَتِي وَجَنَانٌ صَادِقُ الحَالِ
أُحَارِبُ السِّلْمَ - لاَ تعْجَبْ - قَدِ ابْتَدَعُوا ... ... سِلْماً غَرِيباً. تأَمَّلْ شرْحَهُ التّالِي:
السِّلْمُ في عُرْفِ أَهْلِ الحُكْمِ طَأْطَأَةٌ ... ... وَذِلَّةٌ ... وَفَمٌ يُحشى بِأَوْحَالِ
السِّلْمُ عِنْدَ مُلُوكِ العُرْبِ قَوْلُ "نعَمْ" ... ... هَمْساً، لِمَنْ صَاحَ "لاَ" في كُلِّ أَحوَالِ
السِّلْمُ تقْبيلُ شارُونٍ ... وَخِنْجَرُهُ ... ... يُمَزِّقُ الصَّدْرَ في حِقْدٍ وَإِذْلاَلِ
تبّاً لقَامُوسِكُمْ ... كَمْ في عَجَائبهِ ... ... مِنْ خِسَّةٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ وَأَشكَالِ
فَلْتَكْتُبُوا: "بابُ تعْرِيفِ الرِّجَالِ: هُمُ ... ... مَنْ لاَ يَبُولُ امْرُؤٌ مِنْهُمْ بِسِرْوَالِ"
وَسَائِلُوا في اللَّيَالي السُّودِ أَنفُسَكُمْ: ... ... "أَنحنُ مِنْهُمْ؟" أَجِيبُوا بِالصَّدَى العَالِي
لمَنْ مَيَادِينُ تقْتيلِ اليَهُودِ؟ لمَنْ؟ ... ... وَسَادَةُ الحُكْمِ في نَوْمٍ وَإِهْمَالِ
أَينَ الرِّجَالُ، رِجَالُ الحُكْمِ؟ مَرْبطُهُمْ ... ... لَدَى مَوَاخِيرَ أَوْ أَسْوَاقِ أَمْوَالِ
...
* * *
...
أَحِينَ فَارَقَ "صَمْتُ الدَّهرِ" وَاحِدَهُمْ ... ... كَانَتْ "مُبَادَرَةٌ" تَعْدُو بِخُلْخَالِ؟
هذا الأَمِيرُ "عُبَيْدُ البُوشِ" أَقْحَمَنَا ... ... فِيهَا، بِصُحبَةِ زَمَّارٍ وَطَبَّالِ
بئْسَتْ "مُبَادَرَةُ" الهَاوِي! أَيسْلمُنَا ... ... إِلى اليَهُودِ وَيُدْعَى خَيْرَ أَبْطَالِ؟
وَإِنْ تذَمَّرَ أَوْ أَبدَى مُعَارَضَةً ... ... فِتْيَانُ حَقٍّ، حَبَوْهُمْ وَصْفَ "ضُلاَّلِ"؟
عَلَى امْتدَادِ بلاَدِ العُرْبِ مُعْتَقَلٌ ... ... فَسِرْ كَسِيراً ذَلِيلاً غَيْرَ مُختَالِ
سِرْ كَيْفَ شاءَ لَكَ الحُكّامُ مُنْبَطِحاً ... ... فَلَسْتَ حُرّاً ... وَدَعْ تَضْلِيلَ مُحتَالِ
شارُونُ تطْلقُ في الأَقْصَى عِصَابَتُهُ ... ... قَتْلاً وَهَدْماً وَهَتْكاً دُونَ إِجْفَالِ(530/2)
وَالمُسْلِمُونَ لَهُمْ سِجْنٌ وَمَحْكَمَةٌ ... ... وَيُوصَمُونَ بِإِرْهَابٍ وَإِخلاَلِ
...
* * *
...
يَا فِتْيَةَ الحَقِّ في أَعمَاقِ مُعْتَقَلٍ ... ... أَنتُمْ طَلاَئِعُ نورٍ صَاغَ آمَالِي
يَا فِتْيَةَ الحَقِّ دُنيَا النّاسِ مُقْبلَةٌ ... ... عَلَى انقِلاَبٍ فَيَفْنَى حُكْمُ أَنذَالِ
وَيسْتَعيدُ كِتَابُ اللّهِ دَوْلَتَهُ ... ... وَيَرْجِعُ العِزُّ في زَهْوٍ وَإِرْفَالِ
زَحْفُ العَقيدَةِ لاَ أَسْوَارَ تقْمَعُهُ ... ... إِنَّ العَرِينَ حَوَى آلاَفَ أَشبَالِ
...
...(530/3)
فدى لرسول الله
شعر: د.إبراهيم الحريري
فدى لرسول الله عرضي iiوتالدي ... وللذود عن عرض الرسول iiقصائدي
نبي كريم ذو وقار iiوهيبة ... حيي يصون النفس عن كل iiفاسد
حبيب إلى الرحمن خصك با iiلهدى ... وأنت بحمد الله فوق iiالمحامد
وأنت الذي بالخير جئت iiمبشرا ... ونبعك فياض ثري الموارد
وأنت الذي عم الخلائق iiفضله ... وأنت شفيع الخلق عند iiالشدائد
بلغت مقاما سامق القدر iiقدره ... وصرت إلى العلياء فوق المعاقد
فإنك شمس الكون في غرة iiالضحى ... وبدر الليالي بين تلك iiالفراقد
فما كان من خلق رفيع له iiانتمى ... به سارت الأمثال في كل iiآمد
وإني وإن أعملت كل iiقصائدي ... بمدحك لن أرقى لنيل iiمقاصدي
وقفت لكم شعري يظل iiمنافحا ... أذود به شر العدو المعاند
وإن رسوم السوء ليست iiجديدة ... على القوم في آدابهم iiوالعوائد
لحى الله ذاك الفعل والدين iiوالهوى ... فقد نسبوا لله فعل iiالتوالد
أساءوا إلى رب العباد بقولهم ... ثلاثة أربابٍ وكلٌّ iiكواحد
فمن سخفهم هذا الصليب iiلربنا ... تنزهت ربي عن شبيه iiمنادد
فقد ضلوا عن علم وقد تاهوا في عمى ... وقد أركسوا في غيهم iiوالمكائد
لقد شرعوا فعل الحرام iiببعضهم ... فهم فيه أحرار الخنا iiوالتسافد
فكم أشعلوا نارا إلى الحرب iiبينهم ... وكم أفسدوا في كلّ حيٍّ iiوجامد
وكم نهبوا خيرات شعب iiوأمة ... فلم يطعموها غير فضل iiالموائد
فهذي حقول النفط في الغرب iiخيرها ... ومن دمنا بترول تلك القواعد
فيا موت زر إن الحياة ذليلة ... ويا نفس عيشي بالأسى iiوالتلاهد
ألسنا الألى جئنا إلى الناس iiبالهدى ... وفي منهج القرآن كل iiالفوائد
فلم يعرف التاريخ مثل فتوحنا ... وألقت لنا الدنيا زمام المقا iiلد
رمونا من الألقاب كل iiنقيصة ... وهم أولى منا باقتراف iiالمفاسد
فمن قتل الأطهار يحي iiوغيره ... ومن نكث الأيمان بعد iiالتعاهد
فمن كيدهم رفع المسيح إلى iiالسما ... ومن رجسهم ضجت عذارى iiالمعابد
أتوا بجيوش أشعل الحقد iiنارها ... وأضغان قسٍّ يرتدي ثوب iiزاهد(531/1)
جموع من الأوباش لا يدرى قصدها ... سوى أنها جاءت بشر iiالمقاصد
لقد حشد الإفرنج كل iiجيوشهم ... ملوك وأجناد بعرض iiالفدافد
فعاثوا فسادا واستحلوا iiبلادنا ... وقد دمروا بالقدس كل iiالمساجد
وقد قتلوا الآلاف منا iiبساحها ... وكم نكلوا في عرضنا iiوالولائد
وعم بلاد الشام حزن iiوذلة ... ومصر دهتها داهيات iiالشدائد
فجاء عماد الدين بالعدل iiوالتقى ... ومن ثم لم الشمل بعد iiالتباعد
وأيقظ روحا للجهاد iiبعزمه ... وأعمل سيف الحق في كل iiجاحد
على نهجه سار الشهيد متابعا ... فكان بحق من سليل الأماجد
فذاك الذي جاء الرسول iiملبيا ... على عجل والقبر أكبر iiشاهد
وكان مقال الصدق منه iiوجنده ... سنحمي نبينا بالسيوف الحدائد
وبعد أتى الميمون يوسف iiمنقذا ... صلاح الذي قد كان خير iiمجاهد
فسار بحمد الله يلقى جموعهم ... بحطين والأيام خير شواهد
أذل ملوك الغرب في ذالك iiاللقا ... وحرر مسرانا بسمر iiالسواعد
ولقنهم درسا من الخلق iiوالوفا ... به سارت الأمثال في عفو iiقائد
ولكن طبع الكفر فيهم iiمؤصل ... حرام وإجرام ونكران iiحاسد
لقد كنا أرقى شرعةً iiوحضارةً ... بأندلسٍ شدنا طوال iiالعمائد
فكانت منار العلم والفكر والهدى ... وقرطبةٌ أضحت هوى كل iiقاصد
إلى أن أتاها دامس الليل فانطفت ... كما يُطفئ الخيرات iiجرذالحواصد
على مثلها تدمى القلوب iiتحسراً ... فما حلّ فيها فوق وصف iiالقصائدِ
فكم سامنا خسفٌ وأعراض iiدُنّست ... وبيعٌ لحرّاتٍ بسوق iiالمرابد
وقسرٌ على تغيير دينٍ iiوكنية ... وقتل وتنكيل على كل iiصاعد
كأن لم يكن بين الحجون إلى iiالصفا ... أنيسٌ وصحبٌ من كريمٍ وماجدِ
فيا لهف نفسي كم أصابنا من iiأذىً ... إلى اليوم والزّوراء أكبر iiشاهد
نُساق إلى ذلّ السجون iiبأرضنا ... ونُسقى من الغصّات سمّ الأساود
إلى أن أتى من جاء يهجو iiنبيّنا ... ويقذفنا بالموبقات iiالعدائد
فاستنسر الطير البغاث iiبأرضنا ... وصرنا لأطماع العدا iiكالطرائد
ويامن رسمت السوء لم تك iiمنصفا ... فما أنت إلا من سلالة حاقد(531/2)
رقيت مقاما عالي القدر iiشأنه ... بسوء وبهتان وخبث iiالجرائد
نبي الهدى يفديك كل رجالنا ... وتفديك منا ناعمات iiالخرائد
رؤوف رحيم فوق كل iiعبارة ... بمدح له بل فوق كل iiالمساند
فمن يقترب من حوض طهرك iiيلقنا ... رجال الحمى صدق الوغى iiوالتجالد
فيا أمة الإسلام يكفينا iiفرقة ... وزاد الذي فينا افتراء iiملاحد
فإن هان قوم في عرين iiبلادهم ... لهانوا بعين الحاقدين iiالأباعد
وما اللوم إلاّ أن قومي iiعالةٌ ... على القوم في إنتاجهم والمقاصد
ونستورد الأجبان واللحم iiوالدوا ... وفيها الذي نخشاه من جلب iiفاسد
وفي أرضنا مخزون خيرٍ iiوثروةٍ ... وفيها بحار النفط جارٍ iiوخامد
تلالٌ من الغلات لا يُحصى iiعدها ... وأنهار ماءٍ رافدٌ إثر iiرافد
ونحن توسّطنا من الأرض iiقبلةً ... ونحن شهود الله يوم iiالتوافد
إلام يظل الغرب يملك iiأمرنا ... بكل الذي نحتاجه من iiموارد
فهلاّ إلى أمجاد ماضٍ iiنعيدها ... خطى نقتفيها في جميع iiالمشاهد
ونعلي لواء الحق في كل iiوجهة ... من الأرض في أتلاعها iiوالمراصد
عسى الله رب الكون يجبر iiكسرنا ... ويشفع فينا المصطفى في الشدائد
ونثأر لا بالقول ممن iiأساءنا ... ولكن بصدق الفعل من كل iiواحد
ونرقى إلى العلياء منّا iiبهمةٍ ... ترد لنا روحا من المجد iiخالد(531/3)
فرعون هذا العصر أدعوك إلى الإسلام !
د.عدنان علي رضا النحوي
أدعُوكَ للإسلام يا فِرْعونُ ! iiمَهْـ ... ـلَكَ ! قِفْ ! تَفَكَّرْ في المصير! iiتأمَّلِ!
قَدْ غَرَّكَ الأَعْوانُ مِنْ " لُوبي iiاليهَو ... دِ " ومِنْ نِفَاقِ التائهينَ الرُّحَّلِ ii(1)
ومِنَ العصَابات التيِ احترفَتْ سَبيـ ... ـل المجْرمين الظَّالمينَ الجُهَّلِ
قَدْ غَرَّكَ الجُنْدُ العديدُ أو iiالسِّلا ... حُ وكُلُّ أمْرٍ بَعْد ذاك iiمُعَوَّلِ
قَدْ غَرَّكَ الأعْوانُ من دُوَلٍ iiتَدَا ... عَتْ للجريْمةِ والغنيمةِ ! فامْهَلِ
والتَّابِعون لكلَّ صَيَحةِ iiمجْرِمٍ ... مُسْتَضعفين على بِسَاطِ iiمُمَوِّلِ
قَدْ غَرَّك الضعفاء ! كم أذللتَهُمْ ... بَيْن الوعود الكاذِبات المُحَّلِ ii(2)
فَنَما الغُرورُ بِكُلِّ عِرْقٍ مِنك iiواشـ ... ـتَدَّتْ نَوازِعُ كِبْرِك iiالمُتَأَصِّلِ
كِبْرٍ يُغَشِّى ناظِرَيْكَ iiوفتْنَةٍ ... مَلأتْ فُؤادَكَ بالضَّلال المُعْضِل(3)
مَا عُدْتَ تُبْصِرُ عِبْرةَ التَّارِيخ والـ ... ـسُّنَنَ التي تُرْوَى بِذكْرٍ iiمُنْزَلِ
انْظرْ إِلى "فِرْعَوْنَ" واَلملأ iiالذي ... يَطغى وفتنَةِ ظالمٍ iiمُسْتَرسِلِ
أمْلى له الجَبّارُ حِيْناً ثُمَّ iiلمْ ... يُفْلِتْهُ مِنْ قَدَرٍ أشَدَّ iiوأمْثَلِ
أَيْنَ الجُنودُ ؟! وأيْنَ أَعوانُ الطُّغا ... ة ؟ ! وأيْنَ طاغٍ بَيْنَهُم iiومُدَجِّلِ
هَلَكُوا جَميعاً والطغاةُ و iiحَشْدُهُم ... عَبْرَ الزَّمان على عذاب iiأثقَلِ
وتراهُمُ يومَ القيامَة في iiجَهَنَّـ ... ـمَ خَالدِين على لَهيبٍ أنْكَلِ
كُلٌّ سَيقْدُمُ قَومَهُ فِيْها iiفَيُو ... ردُهُمْ عذابَ النَّارِ شَرَّ iiالمَوْئِلِ
* * * ... * * *
فانْظرْ لِنفْسِكَ ! لا نَجاةَ لِظالمٍ ... وانْظُرْ لِفِعْلكَ ما جَنيْتَ iiوأَقْبِلِ
وانْظر حَوالَيْكَ الضَّحايا : مِنْ iiيَتا ... مى أَو شيوخٍ عاجِزينَ iiوثُكّلِ
ومن الطُفُولة قَدْ دَفَنْتَ iiحَنِينَها ... مِنْ بَيْنِ أكْوامِ البناءِ iiوجَندَلِ(532/1)
ومن الطُفُولَةِ قدْ طَوى iiأشْواقَهَا ... وقَضَى عَلَيْها كُلُّ دَاءٍ iiمُعْضِلِ
ومِنَ النساءِ إِذا اغْتُصبْنَ وإن iiفَرَرْ ... نَ إِلى فَضَاءٍ واسِعٍ iiمُتَحَوِّلِ
ومِنَ الرِّجالِ تقطّعَت أشلاؤهَمُ ! ... وتَناثَرَتْ في كلِّ وادٍ مُهمَلِ
ومِنَ الملايِين الجِيَاعِ iiنَهَبْتَها ... ورَمَيْتَها نَهْبَ الفَناءِ iiالمُعْجِلِ
ومِنَ الفَسَادِ ،مِنَ الفَواحِش، كمْ iiنَشَرْ ... تَ بكلِّ أَرْضٍ قَدْ بَلَغْتَ iiومَدَخَلِ
ومِنَ الدِّيارِ غَصبْتَها وطَرَدتَ iiأهْـ ... ـلِيها لِخَاطِرِ مُفْترٍ iiمُتَقَوِّلِ
المسْجدُ الأقْصى ! وتلك iiجريمَةٌ ... مَازِلتَ تُتْبِعُها بظلمٍ iiأشْمَلِ
حَسبُ الجرائِمِ ما فَعَلْتَ بأهْلها ... مِنْ كُلِّ فَتكٍ في النفوسِ iiمُزَلِزلِ
في كُلِّ أَرضٍ في البَسيطة iiمِنْكُمُ ... فِتَنٌ وشَرُّ جَريمة وتَغَلْغُلِ
فانظُرْ لِنَفْسِكَ ! أَيُّ مَنْجى iiتَرْتجي؟! ... والظّلْمُ بَينَ تَصَاعُدٍ iiوتَزَيُّلِ
هذا هُو الإِسْلامُ يَفْتَحُ صَدْرَه ... للتائبين الصَّادِقين المُثَّلِ
فافْزَع إلى الإسلام ! لا مَنْجى iiبِغَيـ ... ـرِ هُداه ، والزَمْ شَرْعَه iiوتَقَبَّلِ
إِنّي دَعَوْتُك ! هَلْ تُجيب ؟ iiوإنَّما ... اللهُ الذي يَهَدي العِباد iiويبْتَلي(532/2)
فَصَبْراً في مَجَالِ المَوْتِ صَبْراً
قطريّ بن الفجاءة:
أقُولُ لَها وقَد طَارَتْ شَعَاعاً ... مِنَ الأَبْطَالِ وَيْحَكِ لَنْ تُرَاعِي
فَإِنَّكِ لَوْ سَأَلْتِ حَيَاةَ يَوْمٍ ... سِوَى الأَجَلِ الذِي لَكِ لَمْ تُطَاعِي
فَصَبْراً في مَجَالِ المَوْتِ صَبْراً ... فَما نَيْلُ الخُلُودِ بمُسْتَطَاعِ
وَمَا ثَوْبُ البَقَاءِ بِثَوْبِ عِزٍّ ... فَيُطْوَى عَنْ أَخِي الخَنْعِ اليَراعِ
سَبِيلُ المَوتِ مَنْهَجُ كُلُّ حَيٍّ ... ودَاعِيه لِأهْلِ الأرْضِ دَاعِي
ومَنْ لاَ يَعْتَبَطْ يَسْأَمْ ويَهْرَمْ ... وَيُفْضِ بِهِ الزَّمَانُ إِلى انقِطاعِ(533/1)
فقد البصر
يقول المتنبي:
قد كنت أشفق من دمعي على بصري فاليوم كل عزيز بعدكم هانا
********************************(534/1)
فقد العلماء
يقول ابن دريد:
إنَّ البليَّة َ لا وفرٌ تزعزعه ُ أَيْدِي الحَوَادِثِ تَشْتِيتاً وتَشْذِيبَا
وَلاَ تَفَرُّقُ أُلاَّفٍ يَفُوتُ بِهِمْ بينٌ يغادرُ حبلَ الوصلِ مقضوبا
لَكِنَّ فُقْدَانَ مَنْ أَضْحَى بِمَصْرَعِه ِ نُورُ الهُدَى وبَهَاءُ العِلْمِ مَسْلُوبَا
********************************
ويقول أيضاً
أَوْدَى أَبُو جَعْفَرٍ والعِلْمَ فَاصْطَحَبَا أَعْظِمْ بِذَا صَاحِباً إِذْ ذَاكَ مَصْحُوبَا
إِنَّ المَنِيَّة َ لَمْ تُتْلِفْ بِهِ رَجُلاً بَلْ أَتْلَفَتْ عَلَماً لِلدِّينِ مَنْصُوبَا
أَهْدَى الرَّدَى لِلثَّرَى إِذْ نَالَ مُهْجَتَه نجماً على منْ يعادي الحقَّ مصبوبا
كانَ الزَّمانُ بهِ تصفو مشاربهُ فالآنَ أصبحَ بالتَّكديرِ مقطوبا
********************************(535/1)
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
قصائد في مديح رسول الله
جديد الموقع: حلقات جديدة من برنامج قَصَص القرآن للدكتور محمد هداية - حلقات جديدة من برنامج لمسات بيانية مع الدكتور حسام النعيمي في صفحة لمسات الدكتور حسام النعيمي - محاضرات جديدة في صفحة محاضرات - حلقات جديدة من الكلمة وأخواتها للدكتور أحمد الكبيسي - حلقات جديدة من طريق الهداية - قصائد جديدة في صفحة قصائد شعرية وقصائد الشاعر حسن إبراهيم
مرة أخرى
22/2/2006
أتأتى بالفصيح من الفصيح
رجعنا مرة أخرى إليها
محمد خير خلق الله إنى
وهل من كان مثلك مستحقا
بعدلك تضرب الأمثال فينا
وقلبك كان دنيا من حنان
تطهّر قلبكم من كل رجس
تخيّر لك الإله لنا رسولا
رحيما يا رؤوفا فى عباد
أحن إليك ما جنّت ليالى
وجئت إليك أبكى من جديد
فما عادت لنا سيّرٌ الأوالى
سألت الله فى قومى رضاء
فقد عادوا كما كانوا صغارا
تجمّع حوله من كل شر
ويقصر عننا هدف نبيل
بسنتكم بقرآن كريم
سألت الله غفرانا لذنبى
وأبكى ما الدموع لنا شفاء
طموحى أن أراك ولو مناما
فحقق يا إله العرش ظنى
وجنبنى من النيران إنى
وحاشا أن ترُدَّ لنا رجاء
بحق محمد المختار كن لى
أتاك أبى وأخواتى وأمى
فعاملهم بإحسان جميل
وأنت لقادر تمحو خطايا
تقبلنى إلهى يوم موتى
فذاك اليوم عبدك فى جزوع
ولا حولٌ لنا إن جاء موت
وأنت لقادر إن شئت تعفو
بأمر منك يأخذنى ملاك
بشاشته تبدِّّل خوف نفسى
وتنظم ما يريح من المريح
تداوى سيرة المختار روحى
بكم ألقى مشاعر مستريح
وهل من جاء بعدك للمديح
تعلّم كل ذى فهم وضوح
وإحسان وإشفاق صريح
ومن حقد ستور أو فضوح
وسيرتكم لتشفي من قروحى
أقاموا للقساوة من صروح
بروحى من تحن إليه روحى
وأحكيكم من الألم البريح
وكم يندى جبين من قبيح(536/1)
يعيد لهم إلى عمل ربيح
وأخْيَرهم له خطو الكسيح
يقيده كما الأسد الجريح
ونعجز أن نرُدَّ أذى مشيح
نعود ودون شك إلى الصحيح
بأخطاءٍ تعربد بين سوحى
وإن كانت تخفف من جروح
تردُّ إلي من أمل فسيح
أنلنى فى رضاك من الطموح
أخافك ما بقيت إلى نزوح
وأنت الله فى عفو صفوح
أيا الله فى سندٍ مليح
وأصغرنا وفى صدرٍ ذبيح
فعفوك غافر الإثم الكليح
وإن تك كالجبال من الطليح
برحمات وإكرام سفوح
من الأحوال فى جسد طريح
سوى فرج من العطف المريح
فتذرو سيئاتى بعض ريح
إلى الفردوس فى وجه صبوح
وتشفى للدمامل فى جريح
بشرى السماء
17/2/2006
بك يا رسول الله نُلتُ رضائى
ما كنت أحلم أن أكون بسمعة
لولا مديحك يا محمد لم أكن
من فرط حبى ألبسونى بردة
فاقبل إلهى ظنهم بى قابلا
بمحمد بشرى السماء فزُينت
لو أن شرعك ما أتى بجديده
يكفيك من فخر طهارة مسلم
الصدر إيمانٌ برب خليقة
بك آمن العقل السليم بفطرة
الله ينصركم ونحن لك الفدا
إن أرجف الضالون فى كيد لكم
لن نستكين إلى هدوء بعدها
ما كان منا من تخاذل قاعدا
من مات منا نال خير شهادة
نفسى فداؤك يا محمد راضيا
بل كل أشعارى وموهبتى وما
نفسى أقدمها فداك رخيصة
والله حرضنا جهادا دائما
حتى نعيد لعزة محمودة
كم جاملت للكفر فى ذل وفى
قل لى بربك ما نخاف وجندنا
إن أخلصوا لله من عمل فلا
أرميت إذ ترمى وربك قادر
يا رب إنى قد نصحت لأمتى
جنب به الإسلام شرا قد بدا
يا رب جاوزت الحديث لغيرتى
هذا محمدُ , أحمدٌ أكرم به
وارسل عليهم من أبابيل خلت
واشف الصدور مهيئا أسبابه
لا تتركنَّ صغيرهم وكبيرهم
ما زال إسلام المحامد باقيا
إن لم تناصرنا بأمر عاجل
عشنا بذل فى الحياة كقابض
يا رب عجّل وارمهم بمصائب
قدرى تجاوز غايتى ورجائى
تسرى إلى الدنيا إلى الأرجاء
أبدا لأرقى سلم العلياء
والناس تنسب لى بديع غناء
من توبتى وارحم ضعيف بنائى
والمسك فاح بسائر الغبراء
وبرحمة وشفاعة الخُلصاء
بدنا وروحا عفَّ عن فحشاء(536/2)
والنفس فى طهر لها وصفاء
حاشا فما مالت إلى أهواء
عند الشدائد عند كل بلاء
فى خسة نالت من الأحشاء
حتى نَردَّ وقاحة الجبناء
فالروحَ نُرخصها ليوم فداء
أو أن نعيش بعزة وإباء
وكذا بني , عشيرتى ودمائى
ملكت يمين الحُر من أشياء
يا سيد الثقلين بعض وفاء
من أجل إسلام لنا ولواء
غابت مع التدليس والغوغاء
ضعة وآذت أنفس الشرفاء
والله ناصرهم بصدق أداء
خوف عليهم من شديد عداء
يرمى بجند ضارب الأعداء
فاحفظ لقولى يوم رد جزاء
وانصر رسولك دونما إبطاء
فاغفر وجنبنى عن الأخطاء
وافْتِكْ بمن عادى بلا استثناء
لتعود فى سجيلها الرَّمَاء
نصرا لنا فى كافة الأنحاء
وارحم بريئا من عنا وشقاء
فى صدرنا ينأى عن الضغناء
أنت العليم بظاهر وخَفاء
للجمر فى صبر ليوم لقاء
ومصاعب شتى وصعب قضاء
مبتور عدوك
رسول الله حرمتكم تصان
ومبتور عدوك دون شك
أتى بكتاب ربى كل حق
تطاول فى رحابك بعضُ فِدْمٍ
بأرواح لنا وبكل ابن
بأعمامٍ وأخوالٍ كرام
تحول ودون ثأرهمُ حدود
لدينك تُضرب الأعناق ضربا
فما فى غير دينك من خلاص
بأمر الله نهدم من حصون
محمد خيرُ من جاءوا بخير
ولكنى أردُّ على عَدُوٍّ
وقد أكلوا لخنزير فصاروا
فلا شرف لهم لا من حياء
بحق رسولك المختار ربى
ولا تترك لهم أبناء كفر
فما يرضيك فى المختار ذم
ويا أحرار هذا الكون هبوا
كما كنا نكون ولا نبالى
ويا ربى دعوتك فى صدوق
وأنت العالم الخلجات فينا
فمكِّن أمة الإسلام تصحو
تنال بسيد الثقلين عزاً
دماء المسلمين لها ضمان
وشانئكم له الذل الهوان
إلى يوم القيام لنا أمان
ونحن فداك ما بقي الزمان
إذا دعت الشدائد والطعان
لهم عزمٌ فما وهنوا ولانوا
وأعراف بها قيدٌ جبان
وحتى يستقيم لنا العنان
وإن عاقت لنا القطط السِمان
وتقوى الله فى صدرى لسان
ومعصوم لكم ذكر وشان
أبان الحقد حلّوفٌ مُهان
ديوسا ليس يعصمهم جنان
وهم فى طبعهم صلفٌ حِطان
تؤاخذهم ويخلوهم مكان
وعذِّب من قلوب ذات ران
وتبت ريشة فيها هوان(536/3)
بغيرتكم يعود بكم كيان
وقلب الحر يملؤه احتقان
من الإحساس ينقصه البيان
وإن خفيت , قدير مستعان
ويحييها بلاء وامتحان
يغادرها خنوع وامتهان
ذكرى المولد
بقايا قصيدة نقلتها إذاعة أم درمان أيام الدراسة الثانوية (1963)
أواه منك بذا الغرام سعاد
مالى على شفتيك أطبع قبلة
و الناس حولى ناسك متعبد
يا صاح أقبل ذكر أحمد ياله
هزت به الدنيا مكانة هرمز
هو أحمد بالحق هدم منكرا
و تعانقت أعراب دينا واحدا
هو أحمد بالله قوّم دولة
لك يا رسول السلم خير تحية
قد جئت أشكو يا محمد راجيا
و الناس ضلت يا رسول فهاهمُ
خافوا العدو و قد تحكّم رأيه
أفلا ذكرت الخسف فى إقطاعهم
نحن الألى بعد المذلة حرروا
كنا لهم حكما رشيدا باعثا
الحكم شورى و الأمور رضية
أمحمد يا خير من هبط الدنا
ناموا وعفّت فى الزمان جدودهم
ياليت شعرى هل نسوك محمدا
يا عرب هبوا بالنضال نعيده
و بلادنا مهد الكتاب و يالها
إن كانت الأوشاب تطلب مطمحا
طارت إليك جوارحى و فؤاد
مالى إليك أحنّ أو أرتاد
أو ساجد فى دينه يزداد
يوم على الدنيا فريد جاد
و تزحزحت من نوره الأعماد
فى الناس فرّقهم دم و بلاد
بعد الخلاف فصفها أعقاد
دانت لها الآباء و الأحفاد
لا الشعر يرويها و لا النقاد
و الدين قد أنكى به الفسّاد
للمهلكات تجمعوا و تنادوا
فينا فأين السادة الأمجاد
و رأيت من يلهو به الجلاد
شعبا بناه السوط و الزهاد
نظم السويّة حين جد فساد
دستورنا و العدل فيه قياد
هذا شباب المسلمين يساد
و تتبعوا الإفرنج و هو كساد
فتضمنت لسيوفها الأغماد
إسلامنا تبقى به الآباد
نار تقيد على العدا تزداد
فينا يثور ثقابها الوقّاد
عليك صلاة الله
لعلى بعود من ضلالة أو أعى
بساحك إنى يا محمد نازل
يصلى عليك الله يا خير مرسل
إذا قلت شعرا أن أكون مقصرا
شغفت بحب المصطفى و سريرة
عليك صلاة الله ما لاح بارق
عليك صلاة الله ما هبت الصبا
عليك صلاة الله فاسمح بزورة
وردت حياضا يا محمد ربما(536/4)
إذا كان لى قول لديك محبب
بذكر رسول الله يا رب رحمة
تجاوز إلهى عن خطايا كثيرة
و سيانِ عندى لبس وشي منمنم
و سيان عندى كسب مال و نعمة
فما العمر إلا فى مرير و لذة
و كل بيوم يلتقيه إذا نما
و ليس بمجد إن غدوت محاذرا
فخير دواء للنفوس مهابة
مدحتك حسبى أن أحاول تارة
و علك ترضى عن حبيب متيم
عليك صلاة الله فى كل لحظة
3/2/ 1978 ـ جريدة الراية السودانية / الجريدة/ الخليج
و يصبح ليلى بعد طول توجع
و جئتك أسعى يا محمد فاشفع
بأحكم آي فى الوجود و أرفع
و جاوزت حدا فى شفائك أضلعى
و قبر حبيب قد ذكرت بأدمعى
و ما أنّ محزون بقلب مُوَجّع
و ما عاش عشاق بفكر موزع
تنجّى حقيرا من جرائر نازع
ألاقى شفاء النفس أو جف مدمعى
فما أجمل الدنيا و ما كنت أدعى
لذنب جنيت أو لقول مزعزع
تؤرق ليلاتى و تقلق مضجعى
إذا كنت ترضى أو لبست مرقعى
و عيش الفتى فى شر فقر لمدقع
يروح كغيم فى الفضاء و قشع
فلا هو متروك و إن قيل:اجزع
و سيان من مبطى و من متسرع
تُؤدى لرب العالمين بخُشّع
و أخرى لعلى أن أفوز بأبدع
يناديك فى ضر و فى خير موضع
نجوت بها يوم الحساب بمن معى
رسول الله
مدحتك يا رسول الله فاشفع
وقفت ببابكم أمنا لنفس
ظلمت النفس لما راودتنى
و ما وعظت لقلبى ذاهبات
أتيت إليك أطلب غفر ذنبى
فكن لى يا حبيب الله عونا
لعلى أستفيق من الذنوب
تذوب من الجرائر و الخطوب
بمعصية و لم أك بالمصيب
من الأيام تفضى للمشيب
من التواب فى اليوم الرهيب
و جنبنى مزالقها دروبى
أبا الزهراء
أتسمح لى بمدح من قصيدى؟
فإنى كم خشيت من القوافى
برغمى أن أقول الشعر لكن
و لاقى الناس منى ألف قول
و لم أطرب لتصفيق و مدح
و ما أرضت طموح النفس منى
عليك الله أثنى فى سماء
فما يجدى مديحك من ضعيف
أبا الزهراء يا خير البرايا
و قد كرّست عمرى منذ وقت
متى ما جاء ذكرك طاب قلبى
رسول الله حبك فى فؤادى
ذكرتك كلما جدّت أمور
وُلدت فكان مولدكم ضياء
و رغم اليتم كم فرحت نفوس(536/5)
تطير إلى شروق أو غروب
أتى المختار عالَمَكم رسولا
هنيئاً أننا فزنا بطه
يباركك القدير عليك صلى
حميتَ الدين تهزم للمعاصى
فكيف يحارب الأشرار دينا
دعا لعبادة الرحمن قوماً
فما فطنوا و صوت الحق يعلو
أتى فتح من الرحمن ساوى
صداه يرّن فى طشقند عدلا
و جاء صهيب للإسلام يسعى
لك الرسْل الكرام أتت جميعا
و كنت إمامهم لله تدعو
قست و تحجرت منهم قلوب
فسبحان الذى أسرى بليل
رأيت الأنبياء و قد أصابوا
فما لانوا و لا وهنوا و كانوا
عيون دامعات حين ذكرى
تحمل فى سبيل الله ويلا
يخاطبهم بإحسان و فضل
و تلك خصائص الإسلام ترقى
قوي فى مواقفه و لكنْ
وحسب محمد الأمي علماً
أتى و الناس دانت من قديم
ترى فى كل ناحية إلها
محمد جاء للإنسان عتقا
محمد جئت للأخلاق تبنى
رسول السلم سلمك باقتدار
و كيف و ربك الجبار يرسى
لك الأصحاب تفدى يوم روع
يهاجر فى سبيل الله قوم
سلاما يا أبا الزهرا سلاما
رميت و ما رميت و ذاك يوم
به نصر من القهار واتى
محمد قادها و الله يرعى
رسول الله جئت بيسر دين
أبا الزهرا جزاك الله خيرا
و لكنى سلكت طريق ذنبى
أطأطئ هامتى هما و يبقى
قصدت محمدا أحكى شكاتى
لك الأشواق تدعونى و تترى
غسلت كبائرى بعظيم وجد
ذنوبى صيرتنى عبد خوف
بخوفى أستجير من الخطايا
فحينا كنت ذا عمل جميل
أجرنى يا إلهى يوم رعب
سألتك ستر عيبى فى وقوف
ذنوبى يا رسول الله شتى
تعاظمت الذنوب فكن شفيعا
فواخجلى إذا ما جئت ربى
بحب محمد يا رب محوا
بمدح محمد يا رب صفحا
و ما اقترفت يداي من المعاصى
تعبت من الحياة و ما ألاقى
أحاول كسر قيد إثر قيد
و إن بقيت بداخلنا بقايا
خشيت الله أحميهم عيالى
مدحتك طارقا بابا كريما
و جئتك حاملا أ وزار دنيا
رمت بى حادثات بيد أنى
ظللت بسمح دينك سمح نفس
مدينتَه نصرتِ الدين مرحى
و حُق لآل خزرج مثل أوس
فهم كانوا له سندا و كانوا
و آخى خزرجيُ الضيف حتى
بلال إذ يؤم الناس حرّاً
و كم من معجزات حار فيها
ألا يكفى بجذع النخل يبكى(536/6)
أصاب بقدرة البارى شعورا
تعالى الله خالقنا قدير
يبدّل حالنا بعد انكسار
بسنة أحمد المختار نغدو
نوّحد صفنا بعد انقسام
أبا الزهراء هل عود حميد
سماحة دينك العظمى ضياء
أتيتُ إليك أنعى حال قومى
متى عمر بصوت الحق يأتى
أبا حفص تعثرت المطايا
أترضى أن نعود لسوء حال
و قد حمل الجدود لواء حق
لهم أصحاب أحمد خير ذكر
و تضحية و نكران لذات
سألت الله إحسانا بقومى
فكم كانوا و كان الخير فيهم
ذنوب الخلق تورثهم بلاء
أبا الفقراء و الأيتام هلا
و نحن مع الزمان نعيش مُرّاً
بقرآن الكمال يطيب صدرى
تباعدنا عن التقوى أخذنا
و ما أحرى بنا لو صار فينا
كفى بالعُرب فخرا أن منهم
و كانوا خير أمة فى قديم
و ما حفظوا كريما من صلاح
و هل فى غير دينك من نجاة
إليك رسول صدق سقت همى
شفاء الروح ذكرك و الأمانى
حبيب الله إن الله آسى
و مبتور عدوك دون شك
مدحتك صادقا فى كل حرف
و أنت اعز من نفسى عليها
رسول الله جئت إليك أبكى
كتمت الحق فى صدرى أُدانى
بدأت كما أرى للناس حولى
ونمت بتخمتى إذ نام جارى
فأين مبادئ الإسلام فينا
أبا ذر الغفارى قد نسينا
فمعذرة إذا ما جاء قولى
كلا العمرين كانا رمز صدق
رسول الله جئتك دمع عينى
صلاح الدين لا يبدو قريبا
وبات القدس للفاروق يرنو
و تُهنا نلعق الأحزان حينا
و من قد رام غير الله مجداً
نزلت رحابك الفيحاء أسعى
رسول الله أنت أمان نفس
أبا الزهراء خذ بيدى فإنى
و أخشى من لقاء الله يوما
أبا الزهراء خوفى بى كثير
جمُدن بناظرى ويلا مهولا
رسول الله لى عشم كبير
ألا ألقاك فى نومى لعلى
عسى رؤياك ردّت لى أماناً
متى لبيك ربى سار ركبى
هناك ذرفتُ دمعى كي أُنقى
هناك وقفت فى عرفات حسبى
ذكرت لخطبة المختار أبكى
فداك أبى و أمى يوم هول
متى يا قبره ألقاك علِّى
فهل ربى أزور حبيب قبر
لعل النفس تهدأ من مخيف
بنفسى من تحِنُّ إليه نفسى
أنلنى من حماية مستجير
نزلت إلى رحابك دمع عينى
أسائلك الشفاعة لى , لأمى
وخالاتى وأخواتى وعمى(536/7)
بمدح رسولنا يا رب حفظاً
رسول الله أدرى أن حبي
وما أوتيتُ من حكم البُصيرى
أبا الزهراء فى نفسى كثير
فمن لى بعد عجز بعد عَيٍّ
سلامى مرسل لك كل حين
مع النجم المضئ بكل صوب
بأشواقى و ما خمدت قليلا
إذا كتب الإله أزور قبرا
سكبت الدمع مسفوحا لعلى
أبا الزهرا أبا الزهرا سلاما
و سامح إن أقصر فى مديح
هجرت لها القوافى إذ جفتنى
بمدحك قد علوت الناس شأنا
أعيدى يا بنات الشعر عذبا
و عودى بالأنيق من المعانى
فمدح المصطفى أمل عظيم
رأيت مديحه أغلى ثرائى
و كم عاشت نفوس قانعات
وصلت رحابكم و معى مديحى
وظنى لن ترد لمستكين
أبا الزهراء قد نلت المرامى
دموعى خشية الجبار تجرى
أُعزى النفس بالسلف الحميد
عسانى قد بلغت بذاك مجدا
أراد الله لى شرف القوافى
وذا مجد وصلت به سماء
يعز علي فى ختمى وداعى
صلاة الله من قلب خشوع
و فى سحر و فى صبح و عصر
صلاة الله فى ختم و بدء
يكررها يكررها لسانى
صلاة الله للمختار تسرى
صلاة الله ما غنت طيور
و ما زانت سمانا من نجوم
صلاة الله عوّلنا عليها
نجوت بها بأحبابى و أهلى
نسير على الصراط بخير حال
و حور واقفات عند باب
تنادينا صلاة الله تنجى
بلا عدد بلا عدد نصلى
تجمّل صدر شاعرها بصبر
صلاة الله فى صبح و ليل
صلاة الله فى نوم و صحو
صلاة الله معقود عليها
محمد خير خلق الله صلى
صلاة الله فى سر و جهر
صلاة الله ما حنّت نفوس
يصير قلادة برقتْ بجيدى
إذا جرّت وبالا من حصيد
وُلدت و فى فمى نغم المديد
فأعجبهم و صفق لى عديدى
لعجزى عن مديحك بالجديد
قصائد ذات موضوع مفيد
وجاء المدح مدحَك بالمجيد
يحاول جاهداً كسب الخلود
فيا فخرى بذكرك فى نشيدى
عسى أحظى بمحكي فريد
و طابت نفس شاعرك السعيد
يعيش بخافقي و بالوريد
و أنت ملاذ نفسى فى الشديد
يَعُمُّ بنوره قاصى الحدود
ملائكةٌٌ تبشر بالوليد
لتعلن للورى عن يوم عيد
ختامَ الرسل بالخلق الحميد
إمام الأنبيا خير الشهيد
شفيع الناس من هول كؤود
جبابرةُ السماء مع الجنود(536/8)
أقام العدل فى كل الوجود
لهم فى الشرك تفكير البليد
على صوت المكابر و العنيد
لأشراف البلاد مع العبيد
و تقوى الله مرتكز البنود
و أصبح كعب أشهر من لبيد
تجارى للركوع و للسجود
لدين الحق أفظاظَ اليهود
و جازى العُرب ودك بالكيود
بعبد صالح بر ودود
وميضَ البرق إرزامَ الرعود
بعزم الحق أدعى للصمود
لما يلقى محمد من حقود
بظلم ذوى القرابة أو صدود
يسامحهم على الظلم الأكيد
بنا نحو السماحة للمزيد
رحيمُ القلب ذو فكر سديد
هداية كل ضليل طريد
لجلمود عظيم فى الجمود
عديداً من عديد من عديد
من الرق الممرغ للخدود
و تنقذ للسليب و للوئيد
و حاشا أن تكون ضعيف عود
دعائم دينك الحق الوطيد
بحُرٍّ من صناديد أسود
رأوا أن المحامد بالكبيد
ببدر إذ علوت مع المشيد
بفاصلة المعارك للأبود
جنود الله يا خير الجنود
وجيش الكفر فى رعب الأديد
و يمضى العسر للركن الحَريد
لكم أسديت بالنصح النجيد
مع الأيام أثقل للعمود
بصدرى الهم ألصق من جَسيد
أنفّس عن همومى من حُيود
فزيدى إيه أشواقى و زيدى
بفيض الدمع يا عينى فجودى
و فى حلقى أمَرُّ من الهبيد
و من إثمى و من فعل رديد
و حينا انتحى صوب الضديد
من النيران من لهب الوقود
و حفظى من حريق للجلود
أخافتنى أقضّتْ للرقود
لشاعرك المؤرق بالكسيد
و لم يمْحُ الخطايا من رصيدى
لأخطاء خرجن عن الحدود
لآثامى و نقضى للعهود
كبائرها و من لمم زهيد
جريت وراءها رهن القيود
و ما طمع النفوس بذى حدود
من الإيمان و الأثر الحميد
بتقوى الله و القول السديد
على عشم على كرم عقيد
و لم أك فى الشدائد بالجليد
ضعيف غير طلاع النجود
و ما فى غير دينك من سُنود
لك الفخر الكبير على العهود
مباهاة على الند المُريد
ليوث النصر بالجهد الجهيد
أحسا نعمة الدين الجديد
و كان قبيل ذلك من عبيد
شهود هم ثقاة فى الشهود
أنيناً , كان من حطب الوقود
و إحساساً و حساً فى الجريد
يعيد الروح للرمم الرقود
و بعد الذل نمرح فى الرغيد
صناديد الورى أقوى ورود(536/9)
أناخ بنا على جُرز الصعيد
لتصلح طائش الخلف الجحود
ينير طريق فرس أو هنود
و سبحان المغيّر للعهود
و سوط العدل ألهب ذى برود
و لم نسمع دعاء الخير نودى
كحال السامري و قوم هود
و كانوا صالحا ببنى ثمود
تميّز بالفداء و بالصمود
و إخلاص و إيثار فريد
يعود بهم شواطئ مستعيد
فيا لله للخير الفقيد
و تقوى الله مفتاح الرغيد
تعود فهم بشوق للقديد
و كان العيش موفور الرفيد
و يذهب خوف نفسى بالعَضيد
ظواهرها بأفعال المُحيد
جميع العرب فى ثوب الرشيد
رسولا جاء محفوظ العقود
و لكن أُركسوا نحو المَريد
و قد نصروا لمعوج مبيد
إذا ما الشر أحدق بالكنود
و جئت بغصتى أحوى صديدى
و تنفيس عن الحزن الصَليد
وأعطى كوثرا لك فى خلود
وهل فى ذاك من شك مَحيد؟
و حاشا من نفاق من حجود
بشوق مستزيد مستزيد
أُجرجر خيبة الفدم القعيد
لغصن داني الطلع النضيد
بغض الطرف منحى مستفيد
وجوع البطن صيره حسودى
وأين تجارة ربحت بجود
طريق السابقين طريق صيد
يخيب ظن جَدٍ أو حفيد
عجيبٍ في الطريف وفي التليد
يسيل وفي يدي ذبلت وردى
ومعتصم تناسى للردود
رأى خلف السراب من الوعود
وحينما نرتمى حضن اللدود
تضّور فى السلاسل من حديد
ألاقى راحة القلب العميد
إذا سيل تخطى للسدود
أخاف النوم فى جوف اللحود
به الولدان فى شيب الجدود
ذنوب أثقلت صدرى و جيدى
شفاعتكم نجاتى من شُرود
و يُرهقنى صَعودا فى صَعود
علمت بذاك أمنى فى الورود
لخوفى من رقيب أو عتيد
إلى أم القرى ضمن الوفود
ثيابا بالمعاصى جِدُّ سُود
بغفران من الحي المعيد
لذاك اليوم فى تلك النجود
شباب المسلمين من الأسود
تطيب النفس تحمد للجدود
به قلبى تعلق من بعيد
يراودها يساير للعقود
أجاور شاكيا حَرَن الحَرُود
إذا ما النار تطلب للمزيد
يسيل بوجنتي وبالخدود
أبى أمى وتوأمتى بجود
وعماتى ونسلٍ هم سعودى
لابن لى وبنت أو حفيد
ليعجز عن روايته قصيدى
ولا إبداع شوقى في الخريد
من الآلام تبقى في ركود
أصوغ مشاعر الحب الفريد(536/10)
مع الأنسام في حب وطيد
مع الطير المهاجر من جليد
وكنت أظن شوقى للخمود
له الأرواح تهفو من عهيد
وعظت الشيب فى وجه جعيد
فبارك توبة الفكر الشريد
و ما أقوى على قول شرود
و أكدت رغم قولى إيه جودى
تألق نجم شعرى فى صُعود
يلاقى من طموح لى أعيدى
و عودى بعد ثانية و عودى
به الشعراء تصبو للمُجيد
و أغنانى بحسبى عن نقود
و يكفى البطن من طبق العصيد
شفيع المذنبين من الحشود
قليل الريش فى روع صريد
غداة ولجت بابك من جديد
بإشفاق من اليوم الرعيد
مقاومة لنفسى عن مُميد
بديلا عن ثراء أو ولود
و مدح المصطفى غيظ الحسود
و يقعد عن ملاحقتى نديدى
و ما قلبى سيخلد للمهيد
على المختار فى ليل الهجود
تسير به الحداة إلى الهَدود
صلاة الله لليوم الشديد
طوال العمر فى حزنى و عيدى
كما الريح التى تسرى ببيد
على المختار تنجى من وعيد
نراها من قريب أو بعيد
أبا الزهراء للأمل الوحيد
من النيران لا مسّت وصيدى
إلى الفردوس فى ترحاب غيد
سقتنا خمرة عزفت لعود
لكم بمحمد السمح الودود
على المحمود فى اللوح المجيد
عظيم لا يحيد عن السُدود
عليك محمد الخير المديد
على المختار تحجب للمكيد
نجاة جميع من سمعوا نشيدى
عليه الله فى ملأ شهيد
على المختار بالوجد الوجيد
ليثرب تمتطى ظهر الوخيد
ذكرى لمولده..(14/4/2005)
ذكرى لمولده عودى لنا عودى
هذا الهلال وذاك المجد شاهده
خبر لعلك تُحيى من عقيدتنا
ذكّر فمنا عن التقوى لمنشغلٌ
وقل محمد لا تُنسى مكارمه
يوما نرى من حريق ريحه نتن
وقل محمد خير الرسْل قاطبةً
وقل محمد بالإعجاز أكرمنا
يا سيد الخلق ذكراكم تؤرقنى
لما وجدت رجالاً من رعيتكم
كأنهم بعد ذاك العز شرذمة
فما ترى لكتاب الله من أثر
بل أين من سيرة كنا نؤازرها
ساروا بها لبلاد الفرس يدفعهم
إيمانهم كان للدنيا مفاخرةً
دانت له الأرض فى أقصى منابرها
العدل ديدنها فى كل ناحية
قم يا أبا حفص بعد الموت ثانية
خذ حق من ظُلموا فالله أيدهم
فكل فردٍ لنا فى آيه سعة(536/11)
محمد يا رسول الله أدركنا
هم يستخفون بالإسلام عن عمد
لم يتقوا لقوي فى بواطنهم
إن غبتُ عنكم فلى عذرٌ ومتكأ
حاولت أسعى ولكنى على قدر
رضيت حكم مليكٍ وهْو يعلم ما
له الثناء الذى لا شك ينفعنا
أُسلّمٌ الأمر للرحمن إن له
وهو العليم بما تُخفى سرائرنا
اخلع علي رداءً كنت تلبسه
حتى أعيدَ لقومى بعدما هجروا
محمد يا رسول الله معذرتى
أتيت أسعى وأشواقى تزاحمنى
أستغفر الله إن قصّرت فى عمل
منى الصلاة عليكم دائما أبدا
فاشفع لنا يا رسول الله ملتمسا
يا يوم مولده عودا وتذكرة
عسى ملائكة الرحمن تدركنا
وخبرينا عن الغر الصناديد
فهل حكى ربما أحيا لموءود
أو عل قومى إلى رشد وترشيد
هٌونا وآخر لم يأنس بمحمود
إنقاذنا نهجه من ويل تكبيد
لا ينفع المرء من قربى ومولود
وخير من جاءنا يدعو لمعبود
والمعجزات بلا عدٍ ومعدود
لما نظرت لضعف غير معهود
وعودهم يَبَسٌ يا بئس من عود
من الرعاع ومن أوباش مكدود
ولا حماسا يداوى قلب مفئود
كم شرّفتْ من رجالٍ كمّلٍ صيد
ذاك الحماس بإيمانٍ وتوكيد
وقدوةً , كان فى عزم وتوحيد
حتى أقامت حضاراتٍ بتجديد
يا حبذا عدلنا منحى لتمجيد
وابسط نفوذك فى عدل وتأكيد
فى محكمٍ من كتابٍ جمِ تأييد
حقوقنا حفظت من دون تبديد
فالحق ضيعه بعض المناكيد
يا ويحهم ضيعوا خير الأسانيد
وإنما خوفهم من كفر رعديد
والله يعلم لم أقعد بمجهود
ومن يغالب من أقدار تحديد
يكون أو كان من قبضٍ وتمديد
يوم القيام وصحْف الناس فى سود
من (كنْ) تغيّر من حزن ومن عيد
يا سيد الرسْل شفّع فى كواسيدى
حتى أعيشَ رضاءً غير محدود
ويسمعَ الناس من شعرى وتغريدى
لما لقيتك فى ضعفى وتسهيدى
وربما زحمت حالى مواعيدى
ما كنت أرمى إلى إفساد مقصود
منى السلام بأشواقى وتنهيدى
عفو الكريم و ظلَ العرش فى جود
عسى تردُّ لنا عزما لقعديد
وترجعنَّ لمجد بعد تقييد
عزّ دمع
السيرة العظيمة
هوّم بنا فى سموات من الأمل
حلق بنا و لآذان لنا سمعت
محمد يا رسول الله معذرتى(536/12)
وحبكم يجمع الدنيا بأكملها
فكيف بى وكبيسى لا يفارقنى
إن كان ذا قدرى يا نعم من قدر
فكن لنا يا رسول الله قدوتنا
وسائل الله ستر العيب فى كرم
لا يأس من رحمة المولى إذا ظهرت
يا رب باعد من النيران كم دمعت
وارزق نجيب وشيخى كل مكرمة
وطيبة العشق لا غابت مآثرها
سلامنا لرسول الله خاتمتى
فساح أجوائها تشفى من العلل
من سيرة عظمت بالآي والرسل
لولا الهوى لم أقل شعرا ولم أصل
يوّحد الصف فى قلب وفى عمل
لما أحب لكم فى صادق المثل
منذا يعيش بحب غير منشغل
وكن شفيعا بيوم الهول والوجل
فهو الغفور وإن ملنا إلى زلل
كل الخبايا بذل غير محتمل
من خشية الله من عين ومن مقل
كذا الزبيدى ومن قاموا بذا العمل
واخضر فيها جذوع الزرع والنخل
عبر الأثير بكف الله فى ثقل
رسالة قصيرة بالهاتف للشيخ الكبيسي
تطوف بخاطرى حينا وحينا
ومثلك من تدين له العوالى
سلام من أخى دنف لعلى
أعاد الله شهر الصوم خيرا
بشائره لتشملنا وتنجى
وأعجب أن غدوت لنا قرينا
تواصله الجبابر طائعينا
كسبت بكم من الدنيا خدينا
عليكم بل علينا أجمعينا
من النيران كل السامعين
رسالة قصيرة بالهاتف للشيخ الكبيسي
يا حبيب الروح يا أغلى حبيب
زاد شوقى هل لنا رؤياك تشفى
أين من أخباركم أين نصيبى
من لظى شعرى وتسهيد قليبى
جزاك الله خيرا
9/9/2005
يا كبيسى كم أبان الخلق عنكم
خبّرنّى عن رسول الله إنى
وتحدث عن جفاء مسّ بعضا
رسفوا فى قيدهم ظلما وجوْرا
عودةً للحق إن راموا صلاحا
فجزاك الله يا أحمد خيرا
واعلمنْ أنّ وفائى زاد عما
ما لكم من أثر دام ثمينا
لرسول الله أزداد حنينا
بقلوب زادها الخسران طينا
مالهم من مخرج إلا يقينا
توبة ترضيه رب العالمينا
منذرا بل كامل الرشد أمينا
كان فعلا ظاهرا أو إن دفينا
معلومات هامة عن السودان
توسل ورجاء
1محرم1427هـ
-1-
لَرضاك ربى غايتى وسبيلى
كل الذنوب بفضل عفوك هانت
يا رب سامحنا فإن قلوبنا
تستغفر الله الكريم وترتجى(536/13)
وملاذ قلبى فى الطريق الطويل
عزَّ الذليل بها بعفو جليل
وجْلى وما كلّت عن التهليل
صفحا ليمحو خيبةً لذليل
-2-
يا رب خطّت يمينى كل شاردة
عالج ذراعى بأمر منك مقتدرا
كم كان يكتب أشعارى مرددة
إن لم يكن ذاك سخط أنت تعلمه
من المعانى بتوفيق وإيمان
بحق أحمد فى فضل وإحسان
يمجّد الله فى سر وإعلان
فقد رضيتُ وما أرضاك أرضانى
--------------------------------------------------------------------------------(536/14)
فلا ترضوا بسلطان .. لدين الله قد خانا
---
فلا ترضوا بسلطان ... لدين الله قد خانا
ولم يحكم بتنزيل ... به الرحمن أحيانا
رسول الله أعطانا ... دروس العز إيمانا
من الكفار كم عانى ... فلم يضعف ولا لانا
وللإيمان أنصار ... وقد عانوا كما عانى
على الأخشاب قد حملوا ... وما ذلوا لأعدانا
لهذا الدين قد صرعت ... فدا الإسلام قتلانا
ولم يخشوا حمى الطّاغوت ... لم يرضوه سلطانا
ونحن اليوم لا نرضى ... بغير الدين ميزانا
نطيع الله لا نعصي ... وإن نقتل فبشرانا
فعهد الكفر قد ولّى ... ويوم النصر قد حانا(537/1)
فلسطين
يقول ثروت سليم:
إلى المجاهدين الصامدين في فلسطين رغم آلامِ الجراح والحصار
نَادَيْتَ لم يسمعْ نِداَءكَ داعي قد زادني وجعَاً على أوجاعي
ناديتَ قابيلاً ولكَّنَ الذي ناديتَ أصبحَ ثُعْلُبَا وأفاعي
ناديتَ لكن الجراحَ كثيرةٌ والأخوةُ الأعداءُ مثل قِطَاعِ
فوقَ العيونِ غِشَاوَةٌ وقلوبُهم غُلْفٌ وليسَ هناكَ قلبٌ واعِ
ناديتَهُنَّ اليومَ أو ناديتهُم لا فرقَ بينَ ربيعةٍ ورُبَاعِ
فسيوفُهُم خَشَبٌ ولكِنْ أجمعوُا للشجبِ والتنديدِ بالإجماعِ
دَعْنََا نولوِلُ كالنساء فربما أصواتُنَا تحظَى ببعضِ سَمَاعِ
ما قيمةُ الإنسانِ دُونَ كرامةٍ ما الشَمسُ دونَ حرارةٍ وشُعَاعِ
ما لَوْعَةُ العُشَّاقِ دونَ تباعُدٍ ما لهفةُ المُُشْتَاقِ دونَ ودَاعِ
ما قيمةُ الوطنِ الذي من أجلِهِ دافعتَ دونَ شكيمةٍ ودفاعِ
ناديتَ فاَصْمِدْ أيُهَا القلبُ الذي عانقتَ شعباً داخلَ الأضلاعِ
واصْمدْ فأنتَ مُحَاصر لكنهم أسرَى ببعضِ مواقعي وقِلَاعي
واصبرْ على كيدِ اليهودِ فإنهُم لمََمٌ وأشبَاحٌ وسَقْطُ مَتاعِ
واصبرْ فأنتَ الرمزُ رغم نُبَاحِهِم وهُمُ القطيعُ وأنتَ أنتَ الراعي
واصبرْ فرُبَ الأرضُ تَحْبُلُ سيِّدي وتعودُ نخوتنا ويَدْعُ الدَاعي(538/1)
فلّوجة العزّ
العمري
تحيّة إجلال وإكرام للفلوجّة الصامدة بعقيدتها ومبادئها وعراقتها وشموخها...
فلّوجةَ العزِّ جاء الفتحُ والفرجُ = والفجرُ من حندّسِ الظلماءِ ينبلجُ
للهِ كم فيكِ من ثغرٍ تُفَرْدِسُهُ = حوريّةٌ شعَّ منها النورُ والأرجُ!!
في ضفتيكِ من الأملاكِ ألويةٌ = يطيبُ في ظلّها التكبيرُ والرَّهَجُ
الله أكبرُ يا فلوجةً وقفتْ = في حقبةِ الذُّلِ تستعلي و تنتهجُ
ما ضرّها في مقام العزِّ مُنْقَلبٌ = والحسنيانِ لها في أُفْقِها سُرُجُ..
عزّ النصيرُ..وللأحزابِ زمجرةٌ = والله ينقضُ ما حاكوا وما نسجوا
سليبةٌ قد أحاطّ الظالمون بها = حلفُ الخيانةِ.. للصلبانِ قد خرجوا
سبيّةٌ.. في سبيل الله ما شهدتْ = يذودُ عن صدقِها البرهانُ والحُجَجُ
تستصرخُ الدينَ والدنيا وكلَّ أبٍ = فما استفاق لها عرقٌ ولا وشَجُ
كأنما الأمةُ الغفلى مخدّرةٌ... = لم يبق من عزِّها أمْتٌ ولا عِوَجُ
تناهشتْها سباعُ الأرضِ فانطرحتْ = وليس في صدرِها قلبٌ ولا وَدَجُ
متى تثورُ لأعراضٍ مدنّسةٍ = والعلجُ يجتاحُ محماها و يختلجُ؟!
لكن إذا أذن الباري بنهضتِها.. = قامتْ، وفي قومها البركانُ والوَهَجُ
سلوا الصليب وهولاكوهُ كيف غدوا = هلكى، وما قصةُ الناجين كيف نجوا؟!
سلوا المعاجم عن 'حريّةٍ' أسَرَتْ = يرسي دعائما الغوغاءُ والهمجُ!!
تبّا.. فما قَدِموا إلا لمهلكةٍ = والموتُ ذو لجُجٍ من فوقها لُجَجُ !!
والعلقميُّ وراء العلجِ مُدَّرعُ = والنار تضرمُ، والأحقادُ تعتلجُ !!
ربيبُ غدرٍ على عينٍ مُصَهْينَِةٍ = مُدجّنُ الفكرِ قد أزرى به الغَنَجُ
عبدُ العمالةِ لا دينٌ ولا خُلقٌ.. = إلا رياحُ الهوى والمعدنُ السَمِجُ
أشيمطُ الوجهِ أخزى اللهُ غُرّتَهُ = من كفّهِ الغدرُ و الإرهابُ والهَرَجُ
فلّوجةَ الحقِ هذا الكربُ فاعتصمي.. = بالصبرِ تُستعذبُ الغَدْوَاتُ والدُّلَجُ
تضرّعي عند أعتابِ الإلهِ فما = لمبتلىً عن دعاءِ اللهِ مُنْعرجُ...(539/1)
من لا يُردُّ على الأعقابِ سائلُهُ = ولا تُسَكُّ على أبوابهِ الرُّتُجُ
ثقي بمن يكشف البلوى، ففي يدهِ = زندُ السلاحِ..وسرُّ النَّصرِ..والمُهَجُ
سبحان من دارت الدنيا بحكمتهِ = لولاهُ ما قطعوا بحرا ولا درجوا
يارب نصراً كبدرٍ في جلالتها.. = أو خندقِ المجدِ إذ ضاقت بهم فُجَجُ
ما لي سوى الله والأمواجُ تصرعني = والليلُ يُطبقُ.. لا نجمٌ ولا سُرُجُ!!
ما لي سوى الله في كيدٍ وفي فتنٍ = وهل لها دون فضل الله مُنْفَرَجُ !!
ما لي سوى الله في أعداء ملّتهِ = وفتكِ أسلحةٍ تهوي وتختلجُ!!
ما لي سوى الله في دورٍ مهدَّمةٍ = ومسجدٍ لا يُنَادِي فيهِ مُدَّلِجُ !!
ما لي سوى الله في أنّاتِ أرملةٍ = وكَرْبِ أسرىً وراء الغلِّ قد نضجوا
فلّوجة العزِّ يا آمالَ أمّتِنا = لعلنا بفتوح الله نبتَهِجُ...
وللنفاقِ ارتكاسٌ لا قيامَ لهُ = وفوق أرضكِ رأسُ الكفرِ ينفلجُ
فليشهدْ الدهرُ والتأريخُ أنَّ لها = في سلّم المجدِ إسراءٌ و مُعْتَرَجُ
عليك منّي سلامٌ طاهرٌ عَبِقٌ = ما سبّحَ الخلقُ مولاهم وما لهجوا
فلوجتي.. لاعليكِ اليومَ من حَرَجٍ = لكنْ علينا –وربِّ الكعبةِ- الحَرَجُ !!(539/2)
فليتك تحلو والحياة مريرة
للشاعر :أبو فراس الحمداني
القسم : العصر العباسي
أمَا لِجَمِيلٍ عِنْدَكُنّ ثَوَابُ، ... وَلا لِمُسِيء عِنْدَكُنّ مَتَابُ؟
لَقَد ضَلّ مَنْ تَحوِي هوَاهُ خَرِيدة ٌ، ... و قدْ ذلَّ منْ تقضي عليهِ كعابُ
و لكنني - والحمدُ للهِ - حازمٌ ... أعزُّ إذا ذلتْ لهنَّ رقابُ
وَلا تَمْلِكُ الحَسْنَاءُ قَلْبيَ كُلّهُ ... و إنْ شملتها رقة ٌ وشبابُ
وَأجرِي فلا أُعطي الهوَى فضْلَ مقوَدي، ... وَأهْفُو وَلا يَخْفَى عَلَيّ صَوَابُ
إذا الخِلّ لَمْ يَهْجُرْكَ إلاّ مَلالَة ً، ... فليسَ لهُ إلا الفراقَ عتابُ
إذَا لَمْ أجِدْ مِنْ خُلّة ٍ ما أُرِيدُهُ ... فعندي لأخرى عزمة ٌ وركابُ
وَلَيْسَ فرَاقٌ ما استَطَعتُ، فإن يكُن ... فراقٌ على حالٍ فليسَ إيابُ
صبورٌ ولوْ لمْ تبقَ مني بقية ٌ ... قؤولٌ ولوْ أنَّ السيوفَ جوابُ
وَقُورٌ وأحْدَاثُ الزّمَانِ تَنُوشُني، ... وَفي كُلّ يَوْمٍ لَفْتَة ٌ وَخِطَابُ
وَألْحَظُ أحْوَالَ الزّمَانِ بِمُقْلَة ٍ ... بها الصدقُ صدقٌ والكذابُ كذابُ
بِمَنْ يَثِقُ الإنْسَانُ فِيمَا يَنُوبُهُ ... وَمِنْ أينَ للحُرّ الكَرِيمِ صِحَابُ؟
وَقَدْ صَارَ هَذَا النّاسُ إلاّ أقَلَّهُمْ ... ذئاباً على أجسادهنَّ ثيابُ
تغابيتُ عنْ قومي فظنوا غباوة ً ... بِمَفْرِقِ أغْبَانَا حَصى ً وَتُرَابُ
وَلَوْ عَرَفُوني حَقّ مَعْرِفَتي بهِم، ... إذاً عَلِمُوا أني شَهِدْتُ وَغَابُوا
وَمَا كُلّ فَعّالٍ يُجَازَى بِفِعْلِهِ، ... و لا كلِّ قوالٍ لديَّ يجابُ
وَرُبّ كَلامٍ مَرّ فَوْقَ مَسَامِعي ... -
إلى الله أشْكُو أنّنَا بِمَنَازِلٍ ... تحكمُ في آسادهنَّ كلابُ
تَمُرّ اللّيَالي لَيْسَ للنّفْعِ مَوْضِعٌ ... لديَّ ، ولا للمعتفينَ جنابُ
وَلا شُدّ لي سَرْجٌ عَلى ظَهْرِ سَابحٍ، ... ولا ضُرِبَتْ لي بِالعَرَاءِ قِبَابُ
و لا برقتْ لي في اللقاءِ قواطعٌ ... وَلا لَمَعَتْ لي في الحُرُوبِ حِرَابُ
ستذكرُ أيامي " نميرٌ" و" عامرٌ" ... و" كعبٌ " على علاتها و" كلابُ "(540/1)
أنا الجارُ لا زادي بطيءٌ عليهمُ ... وَلا دُونَ مَالي لِلْحَوَادِثِ بَابُ
وَلا أطْلُبُ العَوْرَاءَ مِنْهُمْ أُصِيبُهَا، ... وَلا عَوْرَتي للطّالِبِينَ تُصَابُ
وَأسْطُو وَحُبّي ثَابِتٌ في صُدورِهِمْ ... وَأحلُمُ عَنْ جُهّالِهِمْ وَأُهَابُ
بَني عَمّنا ما يَصْنعُ السّيفُ في الوَغى ... إذا فلَّ منهُ مضربٌ وذبابُ ؟
شِدَادٌ عَلى غَيْرِ الهَوَانِ صِلابُ
بَني عَمّنَا نَحْنُ السّوَاعِدُ والظُّبَى ... ويوشكُ يوماً أنْ يكونَ ضرابُ
حَرِيّونَ أنْ يُقْضَى لَهُمْ وَيُهَابُوا
فَعَنْ أيّ عُذْرٍ إنْ دُعُوا وَدُعِيتُمُ ... أبَيْتُمْ، بَني أعمَامِنا، وأجَابُوا؟
وَمَا أدّعي، ما يَعْلَمُ الله غَيْرَهُ ... رحابُ " عليٍّ " للعفاة ِ رحابُ
و أفعالهُ للراغبين َ كريمة ٌ ... و أموالهُ للطالبينَ نهابُ
و لكنْ نبا منهُ بكفي صارمٌ ... و أظلمُ في عينيَّ منهُ شهابُ
وَأبطَأ عَنّي، وَالمَنَايَا سَرِيعة ٌ، ... وَلِلْمَوْتِ ظُفْرٌ قَدْ أطَلّ وَنَابُ
و لا نسبٌ بينَ الرجالِ قرابُ
فأَحْوَطَ لِلإسْلامِ أنْ لا يُضِيعَني ... و لي عنهُ فيهِ حوطة ٌ ومنابُ
ولكنني راضٍ على كل حالة ٍ ... ليعلمَ أيُّ الحالتينِ سرابُ
و ما زلتُ أرضى بالقليلِ محبة ً ... لديهِ وما دونَ الكثيرِ حجابُ
وَأطلُبُ إبْقَاءً عَلى الوُدّ أرْضَهُ، ... و ذكرى منى ً في غيرها وطلابُ
كذاكَ الوِدادُ المحضُ لا يُرْتَجى لَهُ ... ثوابٌ ولا يخشى عليهِ عقابُ
وَقد كنتُ أخشَى الهجرَ والشملُ جامعٌ ... و في كلِّ يومٍ لقية ٌ وخطابُ
فكيفَ وفيما بيننا ملكُ قيصرٍ ... وَللبَحْرِ حَوْلي زَخْرَة ٌ وَعُبَابُ
أمنْ بعدِ بذلِ النفسِ فيما تريدهُ ... أُثَابُ بِمُرّ العَتْبِ حِينَ أُثَابُ؟
فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ، ... وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ ... و بيني وبينَ العالمينَ خرابُ(540/2)
في مدح حبيبي رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
ابن جابر الأندلسي
قصيدة للشاعر أبو عبد الله شمس الدين محمد بن احمد بن غلي الهواري المالكي الأندلسي النحوي المعروف بابن جابر الأندلسي ، و قد كانت من أجمل ما كتب على الإطلاق في مدح حبيبي رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم و يكمن سحرها بوجود التورية بسور القرآن الكريم
في كل فاتحة للقول معتبرة حق الثناء على المبعوث بالبقرة
في آل عمران قدما شاع مبعثه رجالهم و النساء استوضحوا خبره
من مد للناس من نعماء مائدة عمت فليست على الأنعام مقتصرة
أعرف نعماه ما حل الرجاء بها إلا و أنفال ذاك الجود مبتدره
به توسل إذ نادى بتوبته في البحر يونس و الظلماء معتكره
هود و يوسف كم خوف به أمنا و لن يروع صوت الرعد من iiذكره
مضمون دعوه إبراهيم كان و في بيت الإله و في الحجر التمس iiأثره
ذو أمه كدوي النحل ذكرهم في كل قطر فسبحان الذي فطره
بكهف رحماه قد لاذ الورى و به بشرى ابن مريم في الإنجيل iiمشتهرة
سمّاه طه و حض الأنبياء على حج المكان الذي من أجله عمره
قد افلح الناس بالنور الذي عمروا من نور فرقانه لما جلا غرره
أكابر الشعراء اللسن قد عجزوا كالنمل إذا سمعت آذانهم سوره
و حسبه قصص للعنكبوت أتى إذ حاك نسجا بباب الغار قد ستره
في الروم قد شاع قدما أمره و به لقمان وفق للدر الذي نثره
كم سجدة في طلى الأحزاب قد سجدت سيوفه فأراهم به عبره
سباهم فاطر السبع العلا كرما لمن بياسين بين الرسل قد شهره
في الحرب قد صفت الأملاك iiتنصره فصار جمع الأعادي هازما زمره
لغافر الذنب في تفصيله سور قد فصلت لمعان غير منحصره
شوراه أن تهجر الدنيا فزخرفها مثل الدخان فيعشي عين من نظره
عزت شريعته البيضاء حين أتى أحقاف بدر و جند الله قد نصره
فجاء بعد القتال الفتح متصلا و أصبحت حجرات الدين منتصرة
بقاف و الذاريات الله أقسم في أن الذي قاله حق كما ذكره(541/1)
في الطور أبصر موسى نجم سؤدده و الأفق قد شق إجلالا له قمره
أسرى فنال من الرحمن واقعة في القرب ثبت فيه ربه بصره
أراه أشياء لا يقوى الحديد لها و في مجادله الكفار قد أزره
في الحشر يوم امتحان الخلق يقبل iiفي صف من الرسل كل تابع أثره
كف يسبح لله الحصاة بها فاقبل إذا جاءك الحق الذي قدره
قد أبصرت عنه الدنيا تغابنها نالت طلاقا و لم يصرف لها نظره
تحريمه الحب للدنيا و رغبته عن زهرة الملك حقا عندما نظره
في نون قد حقت الأمداح فيه بما أثنى به الله إذ أبدى لنا سيره
بجاهه سال نوح في سفينته سفن النجاة و موج لبحر قد غمره
و قالت الجن: جاء الحق فاتبعوا مزملا تابعا للحق لن يذره
مدثرا شافعا يوم القيامة هل أتى نبي له هذا العلا زخره؟
في المرسلات من الكتب انجلى نبأ عن بعثه سائر الأخبار قد سطره
ألطافه النازعات اليم في زمن يوم به عبس العاصي لما ذعره
إذ كورت شمس ذات اليوم و انفطرت سماؤه و دعت ويل به الفجرة
و للسماء انشقاق و البروج خلت من طارق الشهب و الأفلاك iiمستترة
فسبح اسم الذي في الخلق شفعه و هل أتاك حديث الحوض إذ iiنهره
كالفجر في البلد المحروس غرته و الشمس من نوره الوضاح iiمستنره
و الليل مثل الضحى إذ لاح فيه ألم نشرح لك القول في أخباره العطرة
و لو دعا التين و الزيتون لا ابتدرا إليه في الحين و اقرأ تستبن خبره
في ليله القدر كم قد حاز من شرف في الفجر لم يكن الإنسان قد قدره
كم زلزلت بالجياد العاديات له أرض بقارعه التخويف منتشرة
له تكاثر آيات قد اشتهرت في كل عصر فويل للذي كفره
ألم تر الشمس تصديقا له حبست على قريش و جاء الروح إذ أمره
أرأيت أن إله العرش كرمه بكوثر مرسل في حوضه نهره
و الكافرون إذا جاء الورى طردوا عن حوضه فلقد تبت يدا الكفرة
إخلاص أمداحه شغلي فكم فلق للصبح أسمعت فيه الناس مفتخرة
أزكى صلاتي على الهادي و iiعترته و صحبه و خصوصا منهم عشره Œ(541/2)
في المسلمين العيب لا الإسلام
---
في المسلمين العيب لا الإسلام ... في الدافنين رؤوسهم كنعام
في الموكلين الأمر غير ولاته ... في الراقصين على هوى الحكام
ما كان صربيا تجرأ لو رأى ... ناب الضراغم أو صليل حسام
يا ايها الألبان لا تتأملوا ... في نصرة الناتو وزيف السام
والله ما الصربي يقتل وحده ... فالغرب وكله بصب الجام
وأمده بالسيف في ساح الوغى ... وبكذبهم بوسائل الإعلام
فغدا سينقشع الضباب وقد نرى ... من أي صوب جاء سهم الرامي
يا أيها الألبان إن جراحكم ... عار لذي الأبصار والمتعامي
يا آل كوسوفا سيورد وردكم ... الخائنين وزمرة الأزلام
فالكأس دائرة بكف سقاتها ... وزعافها رهن على الأيام
يا طفل كوسوفا دموعك من دمي ... ونحيب أمك زاد في آلامي
فكأننا في القدس ينزف جرحنا ... وصدى الأنين بقلب طفلك دامي
وكذلك في " سرت " و"بغداد " لنا ... مهج سقاها الله صوب غمام
يا أمة الإسلام مالي لا أرى ... وال لأمر خافر لذمام
يا أمة الإسلام قومي وأنهضي ... ليس المقام لخطبة وكلام
أولست خير الناس مذ خلق الورى ... فلم الرضى بالنير كالأنعام
ياليت شعري لو لقلة أنفس ... أو شح مال لألتزمت مقامي
لكننا في الخلق مليار كما ... في المال نحسب من ذوي الإنعام
يا أمة الإسلام إني ناصح ... أنا لست بالهاجي ولا اللوام
لكنه عتب الغيور لدينه ... يا ليت من واع لقصد مرامي
يا مالكي أمر العباد تذكروا ... لله نقض الحكم والإبرام
فستسألون عن الأمانة فأعملوا ... خيرا ليوم تزاحم الأقدام
فوحق من لبى الحجيج ببيته ... ما العز إلا نصرة الإسلام(542/1)
في ذكرى المولد
هذه القصيدة من قصائد المناسبات الاسلامية ... نظمها الدكتور يوسف القرضاوي في ذكرى المولد النبوي الشريف عام 1370هـ ,1950 م في القاهرة .. وقد نشرت في مجلة الدعوة التي كانت تصدر في القاهرة ... وتبلغ ابيات القصيدة ستة وستين بيتا .
هو الرسول فكن في الشعر حسّانا
وصغ من القلب في ذكراه ألحانا
ذكرى النبي الذي أحيا الهدى وكسا
بالعلم والنور شعبا كان عريانا
أطل فجر هداه والدجى عمم
بات الانام وظلوا فيه عميانا
هذا يصور تمثالا ويعبده
وذاك يعبد أحبارا وكهانا
الكون بحر عميق لا منار به
لم يدر فيه بنو الأنسان شطئانا
ويل الصغير !وقد صار الورى سمكا
يسطو الكبير عليه غير خشيانا !
فدولة الروم حوت فاغر فمه
يطغى على تلكم الأسماك طغيانا
ودولة الفرس حوت مثله كشرت
انيابه للورى بغيا وعدوانا
وحشية عمت الدنيا أظافرها !
جهالة أصلت الاكوان نيران !
الليل طال ! ألا فجر يبدده؟
رباه أرسل لنا فلكا وربانا !
هناك لاح سنا المختار مؤتلقا
يهدي الى الله أعجاما وعربانا
يتلو كتاب هدى كان الاخاء له
بدءا وكان له التوحيد عنوانا
لا كبر- فالناس اخوانا سواسية
لا ذل , الا لمن سواك انسانا
يقود دعوته في اليم باخرة
تقل من امها شيبا وشبانا
السلم رايتها والله غايتها
لم تبغ , الا هدى منه ورضوانا
جرت بركبانها لا الريح , زلزلها
ولا يد الموج مهما ثار بركانا
وكم أراد العدا اضلالها عبثا
وحاولوا خرقها بالعنف أزمانا
واها ! أتخرق والرحمن صانعها ؟
والله حارسها من كل من خانا !
أم هل تضل سفين "بيت أبرتها"
وحي من الله يهدي كل حيرانا ؟!
أم كيف لا تصل الشطئان باخرة
ربانها خير خلق الله انسانا ؟َ!
تلك الرواية والهفي ممثلة
في العالم اليوم في بلدانه الآنا
ان يختلف الاسم فالموضوع متحد
مهما تلونت الأشخاص الوانا
فالناس قد اتخذوا الاهواء آلة
ان كان قد تخذ الماضون أوثانا
الشعب يعبد قوادا تضلله
كما يضلل ذو الافلاس صبيانا(543/1)
والحاكمون غدا الكرسي ربهم
يقدمون له الاوطان قربان
ان ماتت الفرس فالروسيا تمثلها
أما ستالين فهو اليوم كسرانا
وان تزل دولة الرومان فالتمسوا
في الانجليز وفي الامريك رومانا
وان يمت قيصر فانظر لصورته
في شخص آتلي ومولاه ترومانا
سياسة الكل ان يبقى الورى سمكا
وأن يكونوا همو في البحر حيتانا
* * *
يا خير من ربت الابطال بعثته
ومن بنى بهمو للحق أركانا
خلفت جيلا من الاصحاب سيرتهم
تضوع بين الورى روحا وريحانا
كانت فتوحهمو برا ومرحمة
كانت سياستهم عدلا واحسانا
لم يعرفوا الدين أورادا ومسبحة
بل اشربوا الدين محرابا وميدانا
فقل لمن ظن أن الدين منفصل
عن السياسة: خذ ياغر برهانا
هل كان أحمد يوما حلس صومعة ؟
أو كان أصحابه في الدير رهبانا؟
هل كان غير كتاب الله مرجعهم ؟
أو كان غير رسول الله سلطانا؟
لا بل مضى الدين دستورا لدولتهم
وأصبح الدين للأشخاص ميزانا
يرضى النبي أبا بكر لدينهمو
فيعلن الجمع: نرضاه لدنيانا
* * *
يا سيد الرسل طب نفسا بطائفة
باعوا الى الله ارواحا وأبدانا
قادوا السفين فما ضلوا ولا وقفوا
وكيف ولا ! وقد أختاروك ربانا؟!
أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم
والناس تزعم نصر الدين مجانا
أعطوا ضريبتهم صبرا على محن
صاغت بلالا وعمارا وسلمانا
عاشوا على الحب أفواها وأفئدة
باتوا على البؤس والنعماء اخوانا
الله يعرفهم انصار دعوته
والناس تعرفهم للخير أعوانا
والليل يعرفهم عباد هجعته
والحرب تعرفهم في الروع فرسانا
دستورهم لا فرنسا قننته ولا
روما , ولكن قد اختاروه قرآنا
زعيمهم خير خلق الله لا بشر
ان يهد حينا يضل القصد احيانا
"الله اكبر".. مازالت هتافهمو
لا يسقطون ولا يحيون انسان
* * *
نشكو الى الله أحزابا مضللة
كم أوسعونا اشاعات وبهتانا
ما زال فينا ألوف من أبي لهب
يؤذون أهل الهدى بغيا ونكرانا
ما زال لابن سلول شيعة كثروا
أضحى النفاق لهم وسما وعنوانا
يا رب انا ظلمنا , فانتصر , وانر
طريقنا , واحبنا بالحق سلطانا(543/2)
نشكوا اليك حكومات تكيد لنا
كيدا, وتفتح للسكسون أحضانا
تبيح للهو حانات وأندية
تؤوى ذوي العهر شرابا ومجانا
فما لدور الهدى تبقى مغلقة ؟
يمسي فتاها غريب الدار حيرانا
يا رب نصرك , فالطاغوت أشعلها
حربا على الدين الحادا وكفرانا
* * *
يا قوم قد ايد التاريخ حجتنا
وحصحص الحق للمستبصر الآنا
انا أقمنا على اخلاص دعوتنا
وصدقها الف برهان وبرهانا
لقد نفونا فقلنا : الماء اين جرى
يحيي الموات ويروي كل ظمآنا
قالوا: الى السجن, قلنا : شعبة فتحت
ليجمعونا بها في الله اخوانا
قالوا: الى الطور, قلنا: ذاك مؤتمر
فيه نقرر ما يخشاه أعدانا!
فهو المصلى نزكى فيه انفسنا
وهو المصيف نقوي فيه أبدانا
معسكر صاغنا جندا لمعركة
ومعهد زادنا للحق تبيانا
من حرموا الجمع منا فوق اربعة
ضموا الالوف بغاب الطور اسدانا!
راموه منفى وتضييقا , فكان لنا
بنعمة الحب والايمان بستانا!
هذا هو الطور شاءوا أن نذوب به
وشاء ربك أن نزداد ايمانا(543/3)
في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
أحمد محمد سعد
أمطرينا يا سماء الله جمرًا واحرقي الإحساس منا.. قد تبلد
وارجمينا يا جبال الأرض صخرًا وارجمي منا لسانًا قد تجمد
كيف يهنينا الطعام وقد صرعنا واستبيح القدس والصرح iiالممرد
كيف ينعشنا النسيم وقد سمعنا مَن بأرض الكفر يسخر من محمد
أي ضيم فاق ضيم الناس طرًّا أي كفر صار يحمي أو يمجد؟!
ألف مليون بلا وزن ترانا ما ترى فينا صليلاً يتردد
يدفع الباغين عن عرض نبي نوره يهدي إلى الخير المسدد
جاء للدنيا فأشرق في رباها فاستقت منه الهدى دومًا لتسعد
أدب الشرك وأرداه طريدًا دون مأوى في البراري يتشرد
علم الناس السعادة كيف تهدى لفقير من لظى الفقر مهدد
وسرى في روحنا يروي قلوبًا من ظلام الكفر والإجرام جلمد
يوم مكة في رؤى التاريخ يوم رحمة الهادي الحبيب به تجدد
حين قال لمن بغى يومًا قريبًا "أنتم الطلقاء" في الأرض تردد
يا بلاد الله هل شاهدت يومًا في جبين الدهر إنسانًا كأحمد؟!
من تبارى فيه أهل الحب جمعًا عشقه للصب أمجادٌ وسؤدد
حين تنسى الروح أن الحب يروي نستقي من حبه حبًا يمدد
والليالي في محبته ضياء والضياء بحبه خُلد وسرمد
يا نبيًا شُلَّ كلُ الجسم مني إن سكتُّ على الإساءة يا محمد!
ما الذي يبقى لنا بعد رسولي ليس تنفعنا صلاة إن تهدد
يا رجال الحق بالإيمان قوموا واقطعوا الكفر الجبان بلا تردد
ذاك عرض المصطفى يُجتاح جهرًا ذاك عرض المجتبى الهادي محمد
إن صمت الناس خزيًا وانكسارًا منه كل الكون والأحياء تفسد
Œ(544/1)
قال السماء كئيبة وتجهما
للشاعر إيليا أبو ماضي وهو احد ابرز شعراء المهجر
قال السماء كئيبة وتجهما قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
قال الليالي جرعتني علقما قلت ابتسم ولئن جرعت العلقما
أتراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما
يا صاح لا خطر على شفتيك أن تتلثما والوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى متلاطم وكذا نحب الأنجما
قال البشاشة ليس تسعد كائنا يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما
قلت ابتسم ما دام بينك والردى شبر فإنك بعد لن تتبسما(545/1)
قال الشهيد
د.عبد المعطي الدالاتي
اُنظرْ هناكَ تراهمُ تحت المآذنِ والقبابْ
يتوضؤونَ من الدموعِ الجارياتِ من الْمَتابْ
عينٌ على رصدِ العدا.. عينٌ على آيِ الكتابْ
يتواثبونَ إلى حياضِ الموت آساداً غِضابْ
زحفاً على كلِّ الربا.. وثباً على كل الهضابْ
فَرُّوا من الصفِّ الأخيرِ إلى الأَمامِ إلى الغِلابْ!
طفلٌ يُهاب ويُتَّقى؟! قد ذَلَّ طفلٌ لا يُهاب
طفل يُلاعب حتفَه؟! يا ويحَه أم ليثُ غابْ؟!
يتدرَّعون صدورَهم مُذْ فاتَهم حملُ الحِرابْ
يتعذَّبونَ وأَيُّ شيءٍ سوف يُجنى بالعذابْ؟!
رضيَ الإِلهُ وأَحمدٌ والمسلمونَ عن الشبابْ
لو قد سألتَ شهيدَهم لسمعتَ من دمه الخطابْ:
لا تَعتِبوا منّي التهوُّرَ إخوتي، فاتَ العتابْ
عن عرضهِ.. عن أرضِهِ من يَستميتُ فلا يُعابْ
أنا لستُ أخشى غيرَ جبّارِ السماء، ولا أَهابْ
فهو المهيمنُ لا تَذِلُّ لغيرِ عزّته الرقابْ
دوماً أَلوذ به وما لي غيرَ إسلامي انتسابْ
يا ربّ بابُك لا يَردُّ العائذينَ به حجابْ
ها قد رجعتُ إليك - ربي - بعدما طال الغيابْ
وإذا سألتَ عن الذنوبِ فإنّ في دميَ الجوابْ(546/1)
قانا
رقم القصيدة : 195 نوع القصيدة : فصحى ملف صوتي: لا يوجد
1
وجه قانا شاحب اللون كما وجه يسوع.
و هواء البحر في نيسان,
أمطار دماء, و دموع ...
2
دخلوا قانا على أجسادنا
يرفعون العلم النازي في أرض الجنوب.
و يعيدون فصول المحرقة..
هتلر أحرقهم في غرف الغاز
و جاؤوا بعده كي يحرقونا..
هتلر هجرهم من شرق أوروبا..
و هم من أرضنا قد هجرونا.
هتلر لم يجد الوقت لكي يمحقهم
و يريح الأرض منهم..
فأتوا من بعده ..كي يمحقونا!!.
3
دخلوا قانا..كأفواج ذئاب جائعة.
يشعلون النار في بيت المسيح.
و يدوسون على ثوب الحسين..
و على أرض الجنوب الغالية..
4
قصفوا الحنطة, و الزيتون, و التبغ,
و أصوات البلابل..
قصفوا قدموس في مركبه..
قصفوا البحر..و أسراب النوارس..
قصفوا حتى المشافي..و النساء المرضعات..
و تلاميذ المدارس.
قصفوا سحر الجنوبيات
و اغتالوا بساتين العيون العسلية!..
5
... .و رأينا الدمع في جفن علي.
و سمعنا صوته و هو يصلي
تحت أمطار سماء دامية..
6
كل من يكتب عن تاريخ (قانا)
سيسميها على أوراقه:
(كربلاء الثانية)!!.
7
كشفت قانا الستائر..
و رئينا أميركا ترتدي معطف حاخام يهودي عتيق..
و تقود المجزرة..
تطلق النار على أطفالنا دون سبب..
و على زوجاتنا دون سبب.
و على أشجارنا دون سبب.
و على أفكارنا دون سبب.
فهل الدستور في سيدة العالم..
بالعبري مكتوب..لإذلال العرب؟؟
8
هل على كل رئيس حاكم في أمريكا؟
إن أراد الفوز في حلم الرئاسة..
قتلنا, نحن العرب؟
9
انتظرنا عربي واحداً.
يسحب الخنجر من رقبتنا..
انتظرنا هاشميا واحداً..
انتظرنا قريشياً واحداً..
دونكشوتاً واحداً..
قبضاياً واحداً لم يقطعوا شاربه ...
انتظرنا خالداً..أو طارقاً..أو عنترة..
فأكلنا ثرثرة و شربنا ثرثرة..
أرسلوا فاكسا إلينا..استلمنا نصه
بعد تقديم التعازي و انتهاء المجزرة!!.
10
ما الذي تخشاه إسرائيل من صرخاتنا؟
ما الذي تخشاه من (فاكساتنا)؟
فجهاد الفاكس من أبسط أنواع الجهاد..(547/1)
فهو نص واحد نكتبه
لجميع الشهداء الراحلين.
و جميع الشهداء القادمين!!.
11
ما الذي تخشاه إسرائيل من ابن المقفع؟
و جرير ..و الفرذدق؟
و من الخنساء تلقي شعرها عند باب المقبرة..
ما الذي تخشاه من حرق الإطارات..
و توقيع البيانات..و تحطيم لمتاجر..
و هي تدري أننا لم نكن يوما ملوك الحرب..
بل كنا ملوك الثرثرة ...
12
ما الذي تخشاه من قرقعة الطبل..
و من شق الملاءات..و من لطم الخدود؟
ما الذي تخشاه من أخبار عاد و ثمود؟؟
13
نحن في غيبوبة قومية
ما استلمنا منذ أيام الفتوحات بريدا ...
14
نحن شعب من عجين.
كلما تزداد إسرائيل إرهابا و قتلا..
نحن نزداد ارتخاء ..و برودا..
15
وطن يزداد ضيقاً.
لغة قطرية تزداد قبحاً.
وحدة خضراء تزداد انفصالاً.
و حدود كلما شاء الهوى تمحو حدودا!!
16
كيف إسرائيل لا تذبحنا ؟
كيف لا تلغي هشاما, و زياداً, و الرشيدا؟
و بنو تغلب مشغولون في نسوانهم..
و بنوا مازن مشغولون في غلمانهم..
و بنو هاشم يرمون السراويل على أقدامها..
و يبيحون شفاها ..و نهودا!!.
17
ما الذي تخشاه إسرائيل من بعض العرب
بعد ما صاروا يهودا؟؟ ...(547/2)
قتال ذات البين
تقول جليلة بعد طردها من مأتم زوجها كليب:
يا ابنة الأقوام إن شئت فلا تعجلي باللوم حتى تسألي
فإذا أنت تبينت الذي يوجب اللوم فلومي واعذلي
إن تكن أخت امرئ ليمت على شفق منها عليه فافعلي
فعل جساس على وجدي به قاصم ظهري ومدن أجلي
هدم البيت الذي استحدثنه وانثنى في هدم بيتي الأول
إنني قاتلة مقتولة فلعل الله أن يرتاح لي
************************(548/1)
قتيل ثأر النائبات
لأبي الحسن الأنباري
قال أبو الحسن الأنباري المتوفى سنة 328هـ هذه القصيدة يرثي بها أبا طاهر بن بقية وزير عز الدولة ؛ لما قتل وصلب . وهي من أعظم المراثي ولم يسمع بمثلها في مصلوب ، حتى إن عضد الدولة الذي صلبه تمنى لو كان هو المصلوب وقيلت فيه.
علو في الحياة وفي الممات ******** بحق أنت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا ******** وفود نداك أيام الصلات
كأنك قائم فيهم خطيبا ******** وكلهم قيام للصلاة
مددت يديك نحوهم احتفاء ******** كمدهما إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن ******** يضم علاك من بعد الوفاة
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا ******** عن الأكفان ثوب السافيات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى ******** بحراس وحفاظ ثقات
وتوقد حولك النيران ليلا ******** كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطيةً من قَبْلُ زيدٌ ******** علاها في السنين الماضيات
وتلك قضية فيها تأس ******** تباعد عنك تعيير العداة
ولم أر قبل جذعك قط جذعا ******** تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت ******** فأنت قتيل ثأر النائبات
وكنت تجيرنا من صرف دهر ******** فعاد مطالبا لك بالثرات
وصير دهرك الإحسان فيه ******** إلينا من عظيم السيئات
وكنت لمعشر سعدا فلما ******** مضيت تفرقوا بالمنجسات
غليل باطن لك في فؤادي ******** يخفف بالدموع الجاريات
ولوأني قدرت على قيام ******** بفرضك و الحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي ******** ونحت بها خلاف النائحات
ولكني أصبر عنك نفسي ******** مخافة أن أعد من الجناة
ومالك تربة فأقول تسقى ******** لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى ******** برحمات غواد رائحات(549/1)
قذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ
الخنساء ترثي أخاها صخراً
1. قذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ أمْ ذرَّفتْ إذْ خلتْ منْ أهلهَا الدَّارُ
2. كانَّ عيني لذكراهُ إذَا خطرتْ فيضٌ يسيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ
3. تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهتْ وَدونهُ منْ جديدِ التُّربِ أستارُ
4. تبكي خناسٌ فما تنفكُّ مَا عمرتْ لَها عليهِ رنينٌ وَهيَ مفتارُ
5. تبكي خناسٌ علَى صخرٍ وحقَّ لهَا إذْ رابهَا الدَّهرُ إنَّ الدَّهرَ ضرَّارُ
6. لاَ بدَّ منْ ميتةٍ في صرفهَا عبرٌ وَالدَّهرُ في صرفهِ حولٌ وَأطوارُ
7. قدْ كانَ فيكمْ أبو عمرٍو يسودكمُ نعمَ المعمَّمُ للدَّاعينَ نصَّارُ
8. صلبُ النَّحيزةِ وَهَّابٌ إذَا منعُوا وَفي الحروبِ جريءُ الصَّدرِ مهصارُ
9. يا صخرُ ورَّادَ ماءٍ قدْ تناذرهُ أهلُ المواردِ مَا في وردهِ عارُ
10. مشَي السَّبنتى إلى هيجاءِ معضلةٍ لهُ سلاحانِ أنيابٌ وَأظفارُ
11. وَما عجولٌ علَى بوٍ تطيفُ بهِ لهَا حنيننانِ إعلانٌ وَإسرارُ
12. ترتعُ مَا رتعتْ حتَّى إذا ادّكرتْ فإنَّنما هيَ إقبالٌ وَإدبارُ
13. لاَ تسمنُ الدَّهرَ في أرضٍ وَإنْ رتعتْ فإنَّما هيَ تحنانٌ وَتسجارُ
14. يوماً بأوجدَ منّي يومَ فارقني صخرٌ وَللدَّهرِ إحلاءٌ وَإمرارُ
15. وإنَّ صخراً لوالينَا وَسيّدنَا وإنَّ صخراً إذَا نشتُو لنحَّارُ
16. وإنَّ صخراً لمقدامٌ إذَا ركبوا وإنَّ صخراً إذَا جاعُوا لعقّارُ
17. وإنَّ صخراً لتأتمُّ الهداةُ بهِ كأنَّهُ علمٌ في رأسهِ نارُ
18. جلدٌ جميلُ المحيَّا كاملٌ ورعٌ وَللحروبِ غداةََ الرَّوعِ مسعارُ
19. حمَّالُ ألويةٍ هبَّاطُ أوديةٍ شهَّادُ أنديةٍ للجيشِ جرَّارُ
20. فقلتُ لمَّا رأيتُ الدَّهرَ ليسَ لهُ معاتبٌ وحدهُ يسدي وَنيَّارُ
21. لقدْ نعى ابنُ نهيكٍ لي أخاَ ثقةٍ كانتْ ترجَّمُ عنهُ قبلُ أخبارُ
22. فبتُّ ساهرةً للنَّجمِ أرقبهُ حتَّى أتَى دونَ غورِ النَّجمِ أستارُ(550/1)
23. لمْ ترهُ جارةٌ يمشِي بساحتهَا لريبةٍ حينَ يخلِي بيتهُ الجارُ
24. ولا تراهُ وما في البيتِ يأكلهُ لكنَّهُ بارزٌ بالصَّحنِ مهمارُ
25. ومطعمُ القومِ شحماً عندَ مسغبهمْ وَفي الجدوبِ كريمُ الجدِّ ميسارُ
26. قدْ كانَ خالصتي منْ كلِّ ذي نسبٍ فقدْ أصيبَ فما للعيشِ أوطارُ
27. مثلَ الرُّدينيِّ لمْ تنفدْ شبيبتهُ كأنَّهُ تحتَ طيِّ البردِ أسوارُ
28. جهمُ المحيَّا تضيءُ اللَّيل صورتهُ آباؤهُ منْ طوالِ السَّمكِ أحرارُ
29. مورَّثُ المجدِ ميمونٌ نقيبتهُ ضخمُ الدَّسيعةِ في العزَّاءِ مغوارُ
30. فرعٌ لفرعٍ كريمٍ غيرِ مؤتشبٍ جلدُ المريرةِ عندَ الجمعِ فخَّارُ
31. في جوفِ لحدٍ مقيمٌ قدْ تضمَّنهُ في رمسهِ مقمطرَّاتٌ وَأحجارُ
32. طلقُ اليدينِ لفعلِ الخيرِ ذو فجرٍ ضخمُ الدَّسيعةِ بالخيراتِ أمَّارُ
33. ليبكهِ مقترٌ أفنى حريبتهُ دهرٌ وَحالفهُ بؤسٌ وَإقتارُ
34. ورفقةٌ حارَ حاديهمْ بمهلكةٍ كأنَّ ظلمتَها في الطّخيةِ القارُ
35. لا يمنعُ القومَ إنْ سألوهُ خلعتهُ وَلاَ يجاوزهُ باللَّيلِ مرَّارُ(550/2)
قِراءَةٌ في بُردة ِالإمام ِالبُوصيريّ
معانيها ،وظروف إنشادها، وشخصية مبدعها
دراسة وتحليل
إعداد
صبيحة بنت عبد الغني ... ... ... حليمة بنت عبد الله
إبراهيم أحمد الفارسي
إشراف
الأستاذ الدكتور/ أحمد محمّد حسين حسوبة
الأستاذ بكلية التربية
الجامعة اللإسلامية العالمية ماليزيا
1425 هـ /2004م
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى رب العالمي الذي أظهر من العدم الموجودات ، وأرسل سيّدنا محمّداً سيّداً للكائنات ، فألَهَمَ بخُلُقِهِ الكريمِ الشّعراءَ والكُتّابَ وغيرَهم لمدحه، وتعظيمه، والتغني بسيرته العطرة أبد الحياة والممات، فعليه وعلى آله وصحبه من اللّه تبارك وتعالى أشرف الصلوات والتسليمات وأذكى التحيات وأتم البركات . وبعد .....
لم يحظَ نصٌّ شعريّ، أو نثريّ في تاريخ الأدب العرييّ على مرّ عصوره الممتدة من العهد الجاهليّ، وحتى العصر الحديث بالاهتمام على جميع المستويات : الرّسمي، والشّعبي، والأكاديميّ، بمثل ما حظيت به بُردة الإمام البوصيري،حيثُ بها تغنّى المنشدون، وعارضها الشعراء،وتفنن في شرحها الكُتّاب،وتبارى الخطاطون في كتابتها بجميع الخطوط ، والقُصاص في روايتها ، والطلاب والباحثون تسابقوا لدراستها، وكذا لم تسلمْ من نقد النقاد، وتقوّل المعرضين والمنكرين ، ولكنها مازالت بسحرها تستولي على القلوب والأفئدة وتخلبُ لبَّ العارفين وأهل الوجد والذوق ، ومن هنا جاء اهتمامنا بهذا النص الشعريّ لتقديمه لكم ، وَهَا نحن في هذه الدراسة العجلى نحاول قِراءَةَ بُردة ِالإمام ِالبُوصيري وبيان بعض معانيها ،وظروف إنشادها، وشخصية مبدعها، في دراسة موجزة يشرف عليها أستاذنا الدكتور/ أحمد حسوبة ، ويقدّمها الطلاب : صبيحة بنت عبد الغني، وحليمة بنت عبد الله، وإبراهيم الفارسي.
وتأتي هذه الدراسة المتواضعة في ثلاثة أقسام :(551/1)
القسم الأول سوف يتناول الشّاعر وحياته ، وقد أعدته الأخت الفضلى حليمة بنت عبد الله مع شرح نموذج من أشعاره في التحذير من هوى النفس .
والقسم الثاني سوف يتناول ظروف إنشاد وإنشاء هذه القصيدة, ومناسبتها، وشرح بعض الأبيات التي تتناول النسيب النبوي، وقد أعدته الأخت الفضلى صبيحة بنت عبد الغني.
والقسم الثالث سوف يتناول بالتحليل شخصية مبدعها وظروف عصره وملامح الأدب فيه، وما دار حول البردة من جدل عقدي، وشعر المديح، وقد أعده إبراهيم الفارسي.
وكان المنهج الذي اتبعته الدراسة هو المنهج التحليليّ الوصفي . والهدف الذي ترمي إليه هذه الدراسة؛ هو تأسيس رؤية معرفيّة واضحة كاشفة حول هذه القصيدة، وما أثارته في النفوس من كوامن الوجد ، وما أثارته من جدل عقدي مع الاستفادة من تطبيق منهج التحليل النقديّ والعلمي بموضوعية, والتعامل النقدي الواعي مع معطيات التراث الإسلامي شعراً، ونثراً لأقامة علاقة وثيقة بين الأمة وتراثها، ولتحقيق التكامل بين الدراسات المتخصصة و القيم الإسلاميّة لقبول الجيّد منه ورفض غير ذلك .
وأخيراً نتمنّى أن نوفق في عرض صورة طيّبة عن الإمام البوصيري وقصيدته، وأن تنال هذه الدراسة المبسطة الرضا والقبول وبالّله التوفيق والهداية .
القسم الأول
عن الشاعر وحياته
من إعداد : حليمة بنت عبد الله
القسم الأول: عن الشاعر وحياته
من إعداد : حليمة بنت عبد الله
سوف نتناول في هذه النبذة الآتي:
1. من هو الإمام البوصيري ؟
2. كيف كانت نشأته؟
3. نموذج من أشعاره الأخرى؟
4. ماذا قال عنه الآخرون
5. متى توفي الإمام البوصيري؟
( أ ) حول سيرة الإمام البوصيري
أولاً : اسمه
- هو محمد بن سعيد بن حماد بن تحسن بن أبي سرور بن حيان بن عبدالله بن ملاك الصنهاجي، البوصيري المصري المكني بأبي عبدالله، والملقب بشرف الدين.
ثانياً : نشْأتِه وثقافتِه(551/2)
ولد يوم الثلاثاء سنة 208 بقرية دلاص ،وكانت أمه من دلاص وأبوه من بوصير، ولذلك، اشتهر بالبوصيري نسبة لمكان ولادته.
- لقد نشأ في أسرة فقيرة، لذلك اضطر إلى السعي لطلب الرزق منذ صغره.
- وكان البوصيري يجيد فن الخط، فزاول كتابة الألواح التي توضع على شواهد القبور، ولموهبته الشعرية مدح الوزراء والأمراء بأشعاره وذلك في مرحلة متقدمة من حياته ونال من عطاياهم.(1)
- بدأ حياته كما كان يبدؤها معاصروه بحفظ القرآن، فقد افتتح كتّابا لتعليم الصبيان القرآن، ثم درس العلوم الدينية عندما رحل إلى القاهرة، وكان تعلمه في مسجد الشيخ عبد الظاهر.
- وقد عرضت عليه وظيفة الحسبة، وهذه الوظيفة لا تسند إلا لمن ألم بمبادئ الفقه.
- واشتعل كاتباً ببلبيس ( محافظة الشرقية / مصر) فينبغي أن يكون قد ألم بالأعمال الحسابية.
- مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصائد كثيرة من أشهرها قصيدة (البردة)، التي عارض فيها قصيدة كعب بن زهير :
(بانتْ سُعادُ فقلبي اليومَ متبولُ ... مُتيمٌ إثرها، لْم يُفدَ مكبُولُ).
- كانت صوفياً تلقى ذلك عن أبي العباس المرسي الذي خلف أبا الحسن الشاذلي في طريقته، وقد درس التصوف وآدابه وأسراره على شيخه أبي العباس الذي كانت تربطه به علاقة الحب.
ثالثاً : وفاته
- قال المقريزي في ترجمته للبوصيري في المقفى : ومات في سنة خمس وتسعين وستمائة بالمارستان " المستشفى" المنصوري من القاهرة.
- وذكر الزركلي في الأعلام : أنه توفي بالإسكندرية. وكذلك كان الخلاف في سنة الوفاة.
- فقال المقريزي سنة 695 ه، وذكر الزركلي أنها سنة 696 ه، وقيل: سنة 694 ه.
( ب ) دراسة النص وتحليله
النص المختار:
التحذير من هوى النفس
13فَإِنَّ أمَّارَتِي بالسُّوءِ ما اتَّعَظَت ... مِن جهلِهَا بنذير الشَّيْبِ والهِرَمِ
__________
(1) . البردة ، د أحمد عبد التواب عوض ، دار الفضيلة ، القاهرة ، 1996م، ص10(551/3)
14ولا أعَدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى ... ضَيفٍ أَلَمَّ برأسي غيرَ مُحتشِمِ
15لو كنتُ أعلمُ أنِّي ما أُوَقِّرُهُ ... كتمتُ سِرَّا بَدَا لي منه بالكَتَمِ
16مَن لي بِرَدِّ جِمَاح مِن غَوَايتِهَا ... كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخيلِ بالُّلُجُمِ
17فلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْرَ شهوَتهَ ... إِنَّ الطعامَ يُقوِّي شهوةَ النَّهِمِ
18والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى ... حُبِّ الرّضَاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِمِ
19فاصْرِف هواها وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ ... إِنَّ الهوى ما تَوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ
20وراعِهَا وهْيَ في الأعمال سائِمَةٌ ... وإِنْ هِيَ استَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِمِ
21كَم حسَّنَتْ لَذَّةً للمرءِ قاتِلَةً ... مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
22واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ ... فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
أولاً : معاني المفردات :
1 ) اتعظت : اعتبرت وتعلمت ... ... ... الْهِرَم: كِبر السِّن.
2) قِرَى : طعام يقدم إكراماً للضيف. ... ...
15) كتمتُ : أخفيتُ ... ... ... ... الكَتَم : نبات مثل الحناء.
16) جِمَاح الخيل : عدم خضوعه ... ... اللجم : جمع لجام وهو ما يقاد به الفرس .
17) تَرُم : تطلب ... ... ... ... النَّهِم : شديد الجوع، حريص على الأكل.
18) شَبَّ : نشأ وكبر
19 ) تُوَلِّيَهُ : يكون ولياً عليك ... ... ... يُصْم : يقتل ... يَصم: يُصيب
20 ) سائمة : ترعى الكلأ وهو نبات صحراوي ... لا تُسم: لا تدعها ترعى
21)الدسائس: الفتن والمكائد ... /المَخْمَصَة : شدة الجوع / التُّخَم :فساد الطعام في المعدة.
ثانياً: شرح إجمالي للأبيات(551/4)
13ـ 16 يحذر الإمام البوصيري في هذا الفصل من النفس الأمارة بالسوء وأنها من جهلها لا تتعظ بنذير الشيب والكبر، وكان الواجب عليها أن تعتبر، فما أعدت هذه النفس، من جميل الفعال، وكريم الخصال، ما يتناسب مع الضيف الذي ألمّ بالرأس ، وهو غير خفي ألا وهو الشيب، وكان المناسب أنْ تزدادَ تقرّباً، وطاعةً، وعبادةً!! ولو كنت أعلم أني لن أنزل هذا الشيب منزلته التي يستحقها من حسن الفعال لعمدت إلى إخفائه بالأصباغ كالحناء، فمن يساعدني على رد نفسي عن غوايتها كما يكبح اللجام جماح الخيل.(1)
17ـ ثم يلفت نظر كل إنسان إلى حقيقة مهمة وهي أن كسر شهوة النفس لا يكون بالإفراط في المعاصي، فكما أن الطعام يقوي شهوة النهم، فإن فعل المعاصي يزيد في شهوة النفس الأمارة بالسوء.(2)
18- ثم يشبه النفس بالطفل، فكما أن الطفل إذا تركته أمه ويكبر ويشيب على حب الرضاع، أما إذا فطمته ومنعته من الرضاع فإنه ينفطم ويمتنع، فكذلك النفس من تركها تُعبُّ من الشهوات تزداد في تغيانها. ومن كبح جماحها ومنعها عن المعاصي امتنعت وأنابت إلى ربها سبحانه وتعالى.(3)
19_ ويأمر الإنسان أن يجتهد في أن يصرف هوى النفس، وأن يحذر من استيلائها عليه؛ لأن هوى النفس إذا استولى على الإنسان يقتله أو يعيبه على الأقل.
20- 21 ويوجه إلى ما ينبغي على الإنسان من ملاحظة النفس وهي في أعمالها كالأنعام التي ترعى في كلأ مباح، وإن استحلت المرعى فلا تتركها ترعى وتفعل ما تشاء. فطالما حسّنت النفس متعة للإنسان هي في حقيقتها قاتلة له، ولم يدرِ المسكين أن السم مخبأ في شهوته التي يراها كأنها دسم وشيء ثمين.
__________
(1) بردة المديح المباركة ، د. أحمد عمر هاشم ، دار المقطم ، القاهرة 1995م، ص 65
(2) بردة المديح المباركة ، د. أحمد عمر هاشم ، دار المقطم ، القاهرة 1995م، ص 66
(3) بردة المديح المباركة ، د. أحمد عمر هاشم ، دار المقطم ، القاهرة 1995م، ص66(551/5)
22- ويحذّر من فتن الجوع والشبع، فلا يكون الجوع سبباً في القنوط، ولا يكون الشبع سبباً في البطر، فرُبَّ جوع شديد يورث القنوط، يكون شراً من شبع مفرط. وكلا الأمرين: شدة الجوع، وكثرة الشبع تصرف الإنسان عن العبادة والطاعة.
القسم الثاني
ظروف إنشاد وإنشاء هذه القصيدة
ومناسبتها
إعداد : صبيحة بنت عبد الغني
القسم الثاني :
ظروف إنشاد وإنشاء هذه القصيدة, ومناسبتها
إعداد: صبيحة بنت عبد الغني
تمهيد
ما المقصود بالمدح والرثاء ؟ المدح هو : ما يقال أثناء حياة الشخص،والرثاء:ما يقال بعد الوفاة.
لماذا تعد هذه القصيدة ((البردة)) مدحًا وليس رثاءً؟
لأن الرثاء يظهر التحزن والتفجع (البكاء على الميت).ولأن المدح يظهر محاسن الدين ، والثناء على شمائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويقصد به التقرّب إلى الله تعالى. والشّاعر قد مدح الرّسول - صلى الله عليه وسلم - ،وهو يرى أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - موصول الحياة وأنه يخاطبه كأنه حي يرزق . وهذا فيه تقدير عظيم واحترام للرّسول - صلى الله عليه وسلم - (1).
أولاً : تسمية القصيدة بالبُردة
هناك عدة أقوال لتسميتها ((البردة)) منها:-
1- قيل: إنه سماها ((البردة)) كُنية له، لاشتمالها على مناقب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،وبهذا قد قصد المعنى المجازي(2)،مثلا ًكما في قوله:
حَاكَ مِنْ صُنْعَةِ الْقَرِيْضِ بُرُوْدًا ... ... لَكَ لَمْ تُحَكْ وَشِيْهًا صَنْعَاءُ
2- قيل: كأنه شبه نفسه بكعب بن زهير ، ولكعب قصيدة (البردة) والتي مطلعها
(بانتْ سُعادُ فقلبي اليومَ متبولُ ... مُتيمٌ إثرها، لْم يُفدَ مكبُولُ).
حيث أراد البوصيري أن تكون له قصيدة تحمل اسم قصيدة كعب وذلك من باب التبرك بها.
3- قيل: للبردة اسم آخر وهو ((البرأة)) = الشفاء،
__________
(1) البردة ، د أحمد عبد التواب عوض ، دار الفضيلة ، القاهرة ، 1996م، ص16
(2) البردة ، د أحمد عبد التواب عوض ، دار الفضيلة ، القاهرة ، 1996م، ص14(551/6)
- مرض البوصيري مرضاً شديداً - قد أصابه الشلل،
-ثم دعا الله وتوسل أن يشفيه،
- رأى أحسن طريقة أن يمدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقصيدة يذكر فيها محاسن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
-فأنشأ هذه القصيدة،
-نام، ثم رأى فى المنام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح بيده المباركة على وجهه.
-ألقى عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - البردة فى المنام،
-فقام سليماً ومعافًى وشُفي من مرضه.
-لم يعرف أحد هذه القصيدة.
-مشى فى الشارع،فقابل رجلًا مسكيناً ،ثم سأله :أين القصيدة التي مدحت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
-فقال :أيتها؟ثم قال :التي أنشأتها في مرضك،وذكر أولها ،وقال :والله لقد سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1)
ثانياً : أقسام قصيدة البردة
تشمل أقسام قصيدة البردة عشرة أجزاء رئيسة، وقد قسمها الدارسون إلى فصول أساسية تتناول ما يلي من موضوعات :
... 1 - النّسيب النبويّ ... ... ... 1-12
2- التحذير من هوى النفس ... ... 13-28
3- مدح الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ... ... 29-58
4- مولده - صلى الله عليه وسلم - ... ... ... ... 59-72
5- معجزاته - صلى الله عليه وسلم - ... ... ... ... 73-88
6- القرآن الكريم ... ... ... 89-105
7- الإسراء والمعراج ... ... ... 105-118
8- جهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وغرواته ... ... 119-140
9- التوسل والتشفع ... ... ... 141-152
10- المناجاة والتضرع ... ... 153-161
وعدد أبيات البردة مائة واثنان وستون بيتاً , قد زاد بعضهم بعض الأبيات في المقدمة وفي الخاتمة.
* * *
ثالثاً : تحليل وشرح الفصل الأول من البردة
النسيب النبوي و الغزل وشكوى الغرام
1.أمِنْ تَذَكِّرِ جيرانٍ بذي سَلَمِ ... مَزَجْتَ دَمعاً جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ
2.أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقاءِ كاظِمَةٍ ... وأومَضَ البرقُ في الظَّلماءِ مِن اِضَمِ
__________
(1) هذا النص لم تثبت نسبته إلى البوصيري نفسه،(551/7)
3.فما لِعَينيك إِنْ قُلتَ اكْفُفَا هَمَتَا ... وما لقلبِكَ إِنْ قلتَ استَفِقْ يَهِمِ
4.أيحَسب الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِمٌ ... ما بينَ منسَجِمٍ منه ومُضْطَرِمِ
5.ولولا الهوى لم تُرِقْ دمعاً على طَلِلِ ... ولا أَرِقْتَ لِذِكْرِ البانِ والعَلَمِ
6.فكيفَ تُنْكِرُ حباً بعدما شَهِدَت ... به عليك عُدولُ الدمعِ والسَّقَمِ
7.وأثبَتَ الوَجْدُ خَطَّي عَبْرَةٍ وضَنَى ... مثلَ البَهَارِ على خَدَّيك والعَنَمِ
8.نَعَم سرى طيفُ مَن أهوى فأَرَّقَنِي ... والحُبُّ يعتَرِضُ اللذاتِ بالأَلَمِ
9. يا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعذرَةً ... مِنِّي إِليك ولَو أنْصَفْتَ لَم تَلُمِ
11.عَدَتْكَ حالي لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ ... عن الوُشاةِ ولا دائي بمُنحَسِمِ
12.مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَستُ أسمَعُهُ ... إِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُذَّالِ في صَمَمِ
13.اِنِّي اتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّيْبِ فِي عَذَلِي ... والشَّيْبُ أبعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ
[ أ ] معاني المفردات:
1- ... ذو سلم:موضع بين مكة والمدينة – المقلة:العين سوادها وبياضها.
2- ... كاظمة: اسم طريق إلى مكة _ إضم: واد أسفل المدينة.
3- ... همتا:همت العين انحدر دمعها على الخد _ يهم:هام على وجهه لم يدرِ أين هو.
5- ... البان:نوع من الشجر والمراد به موضع بالحجاز .
6- ... العلم: اسم جبل والمراد موضع بالحجاز.
7- ... الوجد: الحزن _ البهار ورد أصفر طيب الرائحة _ العنم: ورد أحمر.
8- ... أرقني: أسهرني. لم يمكنه من النوم والراحة.
9- ... الهوى العذري: الحب العفيف ، نسبة إلى بني عذرة وهي قبيلة عرفت بالعفاف.
[ ب ] المعنى العام(551/8)
1-2 استهل الإمام البوصيرى (بردته) على عادة الشّعراء بالغزل وشكوى الغرام، فيقول:أبسبب تذكر جيران بذي سلم انسكبَ دمع العيون جارياً من مقلة بدم ، أم بسبب هبوب الريح من طريق مكة، أو لمعان البرق من وادٍ أسفل المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام؟(1)
3-6 وها هما عيناه تهميان بالدموع والقلب يهيم في المحبوب ، فليس الحب منكتماً ولاخفياً، فلولاه ما أراق الدموع على الآثار، ولا أرق لذكر المعالم من الأشجار والجبال، ولم يعد ممكناً إنكار هذا الحب ،أو إخفاؤه بعد أن شهدتْ به هذه الدموع وهذا الهزال والضعف .
7-9 وأثبت الحزن والوجد الدليل على ذلك بالبكاء والهزال، يتبدى هذا كالورد الأصفر على خديه والورد الأحمر، ثم يعلن أن خيال من يحب سرى وجاءه ليلا فأرّقَه، وللحب اعتراضه للذات بالألم. ثم يخاطب لائمه فى الهوى العفيف قائلا: لو أنصفت
ما لمتني ، أي لو كنت عادلا لما ألقيت اللوم عليّ لحبي للرسول - صلى الله عليه وسلم -
10- 12 ثم يدعو لصاحبه :لا أراك الله ما أنا فيه، فليس سرّي مستترا عن الوشاة المفسدين ولقد أخلصتَ فى نصحكِ لى ولكنى لا استجيب له، لأن المحب لا يسمع كلام اللائمين. وحتى الشيب الذي هو أبعد ما يكون عن التهم ، فإنى أتهم نصحه لى وأظنه غير مخلص فيما وجهه إليّ من لوم، ولعل المعالم والآثار التي نوّه بها فى هذا الاستهلال من نحو "ذي سلمٍ " وهي مكان بين مكة والمدينة المنورة و "كاظمة" طريق إلى مكة و"إضم" وادٍ أسفل المدينة المنورة ، وهي تشير إلى أن رائد المحبين "البوصيري" طريقه هي : محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (2)
القسم الثالث:
شخصية مبدعها وظروف عصره
وملامح الأدب فيه، وما دار حول البردة وشعر المديح
إعداد: إبراهيم أحمد الفارسي
__________
(1) بردة المديح المباركة ، د. أحمد عمر هاشم ، دار المقطم ، القاهرة 1995م، ص64
(2) بردة المديح المباركة ، د. أحمد عمر هاشم ، دار المقطم ، القاهرة 1995م، ص65(551/9)
القسم الثالث :
شخصية مبدعها، وظروف عصره وملامح الأدب فيه،
وما دار حول البردة وشعر المديح
أعده إبراهيم الفارسي.
أولاً : مفتتح الكلام
إنّ الشّعر باعتباره إبداعاً،فإنه ينطلق من التجربة الذاتيّة والشّخصيّة للشّاعر الأديب، ولا يكون الشعر الحقيقي إلا صادراً من الوجدان ومفضياً إليه سواء تناول الشّاعر فيه موضوعات عامة أو موضوعات خاصة فكل ما يقوله الشاعر لابدَّ أنْ يكونَ مرتبطاً بذات الشاعر.
والمديح النبوي فن ازدهر في الشعر العربي منذ الأعشى، وكعب بن زهير، وحسان بن ثابت، ويعدُّ في طليعة الشعر الإسلامي وزاد الإقبال عليه في العصر المملوكي، وفيه نجد صورة للدعوة الإسلامية وتزكيتها و الاهتمام برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وخلقه العظيم، وبيان معجزاته.
... ولقد ارتبط المديح بالتصوف والروحانيات والوجدانيات ، وذلك لأن للصوفية وعيهم المتميّز، ولهم أيضاً وسائل تعبيريّة خاصّة، وأفكار وموضوعات حساسة في العقيدة ، مما أثار عليهم حفيظة بعض رجال الدين فاعترضوا على ما عبر عنه شعراء الصوفية ، والبوصيري منهم.
ثانياً : شخصية الإمام البوصيري
( أ ) ثقافته وصفاته
لقد كان للنشأة التي عاشها الإمام البوصيري أثرها الكبير في شخصيته، فهو قد حفظ القرآن الكريم، ودرس العلوم الدينية، واللغوية والسيرة النبوية وتنقل دارساً ومدرساً في المساجد ، وتتلمذ على شيوخ الصوفية الأجلاء، حيث درس التصوف وآدابه وأسراره ، وتلقى ذلك عن أبي العباس المرسي تلميذ أبي الحسن الشاذلي وكان محباً لشيخه وظهر ذلك في شعره.(551/10)
وهو أحد العارفين بالله تعالى المحبين لرسول الله كان جيّاش العاطفة في محبتة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ،(1)صادق الإيمان، قوي اليقين؛ فهو الفنان الشاعر الأديب الصوفي الذي تغنى بجمال النبي وبحبه في خشوع وتوسل . وفضلاً عن هذا كله فقد تعمّق في دراسة مؤلفات اليهود والنصارى وكتبهم المقدسة للرد على إنكارهم النبوة وبيان فساد معتقدهم. ومع هذا برع في كتابة الخطوط العربية. وتلقى عنه العلم أبو حيان الأندلسي ( ت 725) وعز الدين بن جماعة ( ت 735) وكان ينشد أشعاره ومدائحه على الحاضرين في المجالس .
( ب ) موضوعات شعره
ينقسم شعر البوصيري إلى قسمين هما :
1- الشّعر الاجتماعي والمديح والهجاء وشكوى الحال وأمور الحياة .
2- شعر المدائح النبوية حيث أجادها وبرع فيها بلا منازع.
وكان شعره فيهما قوياً رصيناً يميل فيه إلى تقليد القدماء ، وتُعدُّ البُردة أشهر مدائحه وله أيضاً في المديح القصيدة المضرية:
يارب صلّ على المختار من مضر ... والأنبياء وجميع الرسل ماذكروا
و القصيدة المحمدية:
محمد أشرف الأعراب والعجم ... محمد خير من يمشي على قدم
والهمزية:
كيف ترقى رُقيك الأنبياءُ ... يا سماءً ما طاولتها سماءُ
لم يساوك في علاك وقد حا ل سنا فيك دونهم وسناءُ
وللبوصيري أشعار في أغراض أخري بجانب المديح فله في هجاء المعاندين والكفار، وله مديح في الحكام والسلاطين والأمراء والوزراء . وله قصائد شارك فيها في المناسبات المختلفة في عصره، ولقد أشاد به وأثنى على شعره وشاعريته كثير من العلماء والأدباء،كابن تغري بردي و ابن العماد، وغيرهم من النقاد قديما وحديثاً، ولم يسلمْ مِن نقدِ بعضهم لشعره وفّه .
( ج ) عصر البوصيري( العصر المملوكي )
لقد عاش البوصيري في العصر المملوكي وتأثر به كثيراً، حيث تميّز هذا العصر بعدة سمات منها :
أولاً :سمات الأدب وخصائصه في عهده
__________
(1) بردة المديح المباركة ، د. أحمد عمر هاشم ، دار المقطم ، القاهرة 1995م، ص7(551/11)
1- تغلُّب الصناعة اللفظية وشيوعها لدى جميع الشعراء والكتاب.
2- ازدهار فن المديح النبوي وتسابق شعراء العصر فيه.
3- انتشار الأغراض الأخرى : الوصف، والفخر، والحماسة .
4- نمو العصبيات مما ساعد على اتساع نطاق الهجاء.
5- ضعف الشعر عموماً وانتشار التلقيد للقدماء.
6- انشغال الشعراء في الوظائف الحكومية ( ديوان الإنشاء )
7- شيوع الجهل والفقر لدى عموم طبقات الشعب.
8- كثرة الفتن والتقلبات السياسية وتغيّر الحكام والأمراء.
ثانياً : الحركة العلمية في هذا العصر
لقد شهد هذا العصر كثيراً من ألوان النشاط العلمي والفني، حيث قد تميزت الحركة الثقافية والعلمية في هذا العصر بما يلي:
1- ظهور الموسوعات العلمية والمعاجم في جميع الفنون مثل:
·?لسان العرب ابن منظور ... اللغة العربية
·?صبح الأعشى للقلقشندي ... الأدب العربي
·?وفيات الأعيان للصفدي ... التاريخ
·?خطط المقريزي ... التاريخ
·?فتح البارئ ابن حجر العسقلاني ... علوم الحديث
·?تلخيص المفتاح الخطيب القزويني ... البلاغة
·?ألفية ابن مالك والكافية والشافية ... النحو
2- خمود الأدب العباسي في بغداد.
3- هجره العلماء والمفكرين إلى مصر.
4- نشأة المكتبات .
5- اهتمام الأمراء بإنشاء المدارس.
6- الاهتمام باللغة العربية والعلوم الشرعية .
7- ديوان الإنشاء والتنافس للعمل فيه .
8- الاهتمام بالتعليم والحياة الفكرية.
تعليق إجمالى
أوّلاً :آثار البردة في الفكرين الأدبيّ والدينيّ
·?لقد أسهمت البردة في خلق فن جديد في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث ظهر ما يسمّى بالبديعيات، وهي قصائد غرضها مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان من شروطها أن تكون قافيتها على حرف الميم وأن تحتوي على أكبر قدر من فن البديع والزخرفة اللفظية فتشمل جميع فنون البديع من جناس وسجع ولف ونشر وطباق ومقابلة وتوريه وترصيع وتصريع وبراعةاستهلال، وحسن مقطع،والتكرار واختيار الألفاظ القوية الجزلة.(551/12)
·?هاجم بعض الفقهاء قصيدة البردة من وجهة نظر عقائدية حيث اتهموا الإمام البوصيري بالغلو في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - واعتبروا أن بعض الأبيات فيها غلوٌ وشطحٌ صوفي وكانت أشد الأبيات غلواً من وجهة نظرهم ما يلي:
قوله:
يا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به ... سِوَاكَ عِندَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ
ولَن يَضِيقَ رسولَ اللهِ جاهُكَ بي ... إذا الكريمُ تَجَلَّى باسمِ مُنتَقِمِ
وقوله:
لا طيبَ يَعدِلُ تُرْبَا ضَمَّ أعظُمَهُ ... طوبى لمُنتَشِقٍ منه وملتَثِمِ
وقوله:
لو ناسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَمَاً ... أحيا اسمُهُ حين يُدعَى دارِسَ الرِّمَمِ
والذي يبدو لمن يتمّعن في هذه الأبيات أنها لا تدلّ على أي غلوٍ؛ فهي من باب شدة محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره ، والشعراء لهم أن يبالغوا إظهاراً للحب والولاء، ولا يعقل أنْ يمدح شاعر مسلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مؤمن موحد يحفظ القرأن ويتخلق بخلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي ذهنه وفكره أن يؤلهه ، وهو الذي يقول في القصيدة نفسها منكراً على النصارى إطراء سيدنا عيسى عليه السلام:
? دَع ما ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِمِ ... واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِمِ
ثانياً : تحليل أدبي عام للبردة
? أفكار القصيدة مستمدة من معارف الشّاعر ومن ثقافته وبيئته العربيّة والإسلامية وبعض الأفكار تقليدية كالغزل والوقوف على الأطلال.
? الموسيقى الداخلية والخارجية كانت ناجحة في دورها مما ساعد على تناغم الجمل والمفردات، وهي موسيقى هادئة توحي بمدى ما يفيض على قلبه من حب واحترام للرسول - صلى الله عليه وسلم -
? المفردات سهلة جداً ماعدا بعض الألفاظ الصعبة مثل : العنم، الكتم يصمي، يصم ، البهار ، مضطرم ، النهم ....(551/13)
? الأسلوب لقد نوّع البوصيري الأسلوب ما بين خبر وإنشاء، وتقديم وتأخير، وأكثر من الجمل الفعلية وابتعد عن الجمل الاعتراضية ، مطبقاً بمهارة عالية حُسْنَ تنوع الأسلوب الممتزج بالعاطفة الجيّاشةالمعبرة عن شدة الحّب والاحترام للرسول - صلى الله عليه وسلم - .
لقد امتاز البوصيري في مدائحه بقوة الأسلوب وحسن الصياغة، وجودة المعاني، وجمال التشبيهات، وروعة الصور(1)،انظر إلى قوله:
حَاكَ مِنْ صُنْعَةِ الْقَرِيْضِ بُرُوْدًا ... ... لَكَ لَمْ تُحَكْ وَشِيْهًا صَنْعَاءُ
الأفكار الصوفية التي تعبر عنها أبيات البردة
لقد عبّرت بعض أبيات البُردة عن بعض المعاني الصّوفيّة مثل :
1 ) إنّ الرّسول - صلى الله عليه وسلم - إنسان كامل بالمعني الصّوفي :
محمّدٌ سيّدُ الكونينِ والثقَلَيْنِ ... والفريقين مِن عُربٍ ومِن عَجَمِ
2) بيان حقيقة النّور المحمديّ الأزلي:
وكُلُّ آيٍ أتَى الرُّسْلُ الكِرَامُ بِهَا ... فإنما اتصَلَتْ مِن نورِهِ بِهِمِ
فإِنَّهُ شمسُ فَضْلٍ هُم كواكِبُهَا ... يُظهِرْنَ أنوارَهَا للنّاسِ في الظُّلَمِ
3) سيّدنا محمّد - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب الشّفاعة وسيّد الكونين :
هُو الحبيبُ الذي تُرجَى شفاعَتُهُ ... لكُلِّ هَوْلٍ مِن الأهوالِ مُقتَحَمِ
4 ) ما واكب مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من معجزات وخوارق :
أبانَ مولِدُهُ عن طِيبِ عنصُرِهِ ... يا طِيبَ مُبتَدَاٍ منه ومُختَتَمِ
5) معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - تأييد للدعوة الإسلاميّة:
جاءت لِدَعوَتِهِ الأشجارُ ساجِدَةً ... تمشِي إِليه على ساقٍ بلا قَدَمِ
__________
(1) البوصيري ، شاعر المدائح النبوية وعلمها ، د. على نجيب العطوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1995م،ص186(551/14)
6) الحقيقة الروحيّة المحمّديّة فهو - صلى الله عليه وسلم - حي لايموت ومِن حيثُ الحقيقة الجسمانيّة حادث يمكن أنّ يضمّ التّرب أعظمه(1):
لا طيبَ يَعدِلُ تُرْبَا ضَمَّ أعظُمَهُ ... طوبى لمُنتَشِقٍ منه وملتَثِمِ
7) تفوّق النبي - صلى الله عليه وسلم - على غيره من الخَلق والرّسل خَلْقاً، وخُلُقاً ،وعِلِماً، وكرماً:
فاقَ النَّبيينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ... ولم يُدَانُوهُ في عِلمٍ ولا كَرَمِ
وفي هذا يذكر د. محمد زغلول سلام : وظهرت الصّوفيّة ظهوراً قوياً في الجزء الأخير من البّردة حيث يتوسل بالرّسول - صلى الله عليه وسلم - (2)
يا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به ... سِوَاكَ عِندَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ
ولَن يَضِيقَ رسولَ اللهِ جاهُكَ بي ... إذا الكريمُ تَجَلَّى باسمِ مُنتَقِمِ
يا نَفْسُ لا تَقنَطِي مِن زَلَّةٍ عَظُمَتْ ... إِنَّ الكَبَائِرَ في الغُفرَانِ كالَّلمَمِ
لعَلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِمُهَا ... تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ
يا رَبِّ واجعَلْ رجائِي غيرَ مُنعَكِسٍ ... لَدَيْكَ واجعلْ حِسَابِي غيرَ مُنخَرِمِ
معارضات الشّعراء لقصيدةِ البُردةِ
يقول الدكتور أحمد عمر هاشم في ذلك :
__________
(1) الخطاب الشعري ، مجلة التراث العربي، دمشق ،العدد 89 ،س 33 ، مارس 2003م موقع المجلة على الإنترنيت.
(2) انظر : محمد زغلول سلام ، الأدب في العصر المملوكي ، ج 1، ص 273 .(551/15)
"وكانت أعظم قصائده، وأروع فرائده، درة الشّعر الفصيح بُردة المديح، التي لم يشبهها سابق، ولم يقترب منها لاحق، وكم قصائد أُلِّفتْ على غرارها ونهجت طريقها، ونسجت على منوالها ، ولكنها لم تصل إلى رتبة بردة البوصيري"(1)ومِن الجدير بالذّكر الإشارة إلى معارضات الشّعراء للبردة؛ فلقد عارضَ البُردة،وخمّسها،وشطّرها،وشرحها ،ونسج على منوالها الكثير من الشّعراء الذين جاءوا بعد البوصيريّ في العصور المختلفة حتى العصر الحديث اقتداءً به نظراً لسمو عاطفتها، وروعة معانيها؛ فهي بمثابة نغم علوي يشدو به المحبون الأتقياء تعبيراً عن شدة الحبّ للرّسول العظيم حيث بلغتْ تخميسات البُردة حوالي 92 تخميساً ،وَشُرِحَتْ أكثر من 20 شرحاً ولها عدة معارضات أشهرها معارضة أمير الشّعراء أحمد شوقي في " نهج البُردة" حيثُ قال :
? ريمٌ على القاع بين البان والعلَمِ ... أَحَلَّ سفْك دمي في الأشهرِ الحُرمِ
ومنها أيضاً معارضة البارودي في قصيدته :
·?يارائد البرق ييمم دارة العلَمِ ... واحد الركاب إلى حي بذي سَلَمِ
ومن تخميس البردة للشيخ شمس الدين محمد الفيومي حيث قال :
? مابالُ قلبكَ لا ينفكُّ ذا ألمِ ... مُذْ بانَ أهل الحِمَى والبانَ والعلمِ
·?وانهلَّ مدمعك القاني بِمُنسجمِ ... أمِنْ تَذَكِّرِ جيرانٍ بذي سَلَمِ
·?مزَجْتَ دَمعا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ
وهذا الاهتمام بالبردة يدلنا على أن البوصيريّ كان متفوقاً على غيره من الشّعراء من حيث الشّاعريّة والاستعداد الطبيعيّ لقول الشّعر فهو لديه طبع متدفق للإبداع الشّعريّ يتقن الصنعة والصناعة الشعريّة ليصل إلى أعلى درجات الإتقان والكمال مما حدا بالآخرين اتباعه وتقليده . .
ملامح تربوية من البردة
فلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْرَ شهوَتهَ ... اِنَّ الطعامَ يُقوِّي شهوةَ النَّهِمِ
__________
(1) بردة المديح المباركة ، د. أحمد عمر هاشم ، دار المقطم ، القاهرة 1995م، ص7(551/16)
والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى ... حُبِّ الرّضَاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِم
ِ
لقد فطن الإمام البوصيري إلى ملامح وأصول تربوية تتمثّّل في ضرورة ترويض وتهذيب النفس وتربيتها على الفضائل منذ الصغر وكسر شهوتها حيثُ في تشبيه رائع صوّر لنا أن النفس كالطفل تماماّ تحتاج إلى ترويض تربويّ وعناية كاملة منذ الصغر فالنفس مثل الطفل ، إن تتركه بدون رعاية وتوجيه صحيح ينشأ فاسداً فلابدّ من الرعاية والتوجيه والإرشاد وهذه حقيقة تربوية .
تم بحمد الله تعالى والله تعالى ولي الهدى والتوفيق
القسم الرابع
نص البردة للبوصيري كاملاً
قصيدةِ البُردةِ المباركةِ كاملةً
للإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري
أمِنْ تَذَكِّرِ جيرانٍ بذي سَلَمِ ... مَزَجْتَ دَمعا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ
أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقاءِ كاظِمَةٍ ... وأومَضَ البرقُ في الظَّلماءِ مِن اِضَمِ
فما لِعَينيك اِن قُلتَ اكْفُفَا هَمَتَا ... وما لقلبِكَ اِن قلتَ استَفِقْ يَهِمِ
أيحَسب الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِمٌ ... ما بينَ منسَجِمٍ منه ومُضْطَرِمِ
لولا الهوى لم تُرِقْ دمعا على طَلِلِ ... ولا أَرِقْتَ لِذِكْرِ البانِ والعَلَمِ
فكيفَ تُنْكِرُ حبا بعدما شَهِدَت ... به عليك عُدولُ الدمعِ والسَّقَمِ
وأثبَتَ الوَجْدُ خَطَّي عَبْرَةٍ وضَنَى ... مثلَ البَهَارِ على خَدَّيك والعَنَمِ
نَعَم سرى طيفُ مَن أهوى فأَرَّقَنِي ... والحُبُّ يعتَرِضُ اللذاتِ بالأَلَمِ
يا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعذرَةً ... مِنِّي اليك ولَو أنْصَفْتَ لَم تَلُمِ
عَدَتْكَ حالي لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ ... عن الوُشاةِ ولا دائي بمُنحَسِمِ
مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَستُ أسمَعُهُ ... اِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُذَّالِ في صَمَمِ
اِنِّي اتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّيْبِ فِي عَذَلِي ... والشَّيْبُ أبعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ
فانَّ أمَّارَتِي بالسوءِ ما اتَّعَظَت ... مِن جهلِهَا بنذير الشَّيْبِ والهَرَمِ(551/17)
ولا أعَدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى ... ضَيفٍ أَلَمَّ برأسي غيرَ مُحتشِمِ
لو كنتُ أعلمُ أنِّي ما أُوَقِّرُهُ ... كتمتُ سِرَّا بَدَا لي منه بالكَتَمِ
مَن لي بِرَدِّ جِمَاح مِن غَوَايتِهَا ... كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخيلِ بالُّلُجُمِ
فلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْرَ شهوَتهَا ... اِنَّ الطعامَ يُقوِّي شهوةَ النَّهِمِ
والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى ... حُبِّ الرّضَاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِمِ
فاصْرِف هواها وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ ... اِنَّ الهوى ما تَوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ
وراعِهَا وهْيَ في الأعمال سائِمَةٌ ... واِنْ هِيَ استَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِمِ
كَم حسَّنَتْ لَذَّةً للمرءِ قاتِلَةً ... مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ ... فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَدِ امْتَلأتْ ... مِن المَحَارِمِ والْزَمْ حِميَةَ َالنَّدَمِ
وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِمَا ... واِنْ هما مَحَّضَاكَ النُّصحَ فاتَّهِمِ
ولا تُطِعْ منهما خصمَا ولا حكَمَا ... فأنت تعرفُ كيدَ الخَصمِ والحَكَمِ
ظَلمتُ سُنَّةَ مَن أحيا الظلامَ الى ... أنِ اشتَكَتْ قدمَاهُ الضُّرَّ مِن وَرَمِ
وشَدَّ مِن سَغَبٍ أحشاءَهُ وطَوَى ... تحتَ الحجارةِ كَشْحَاَ ًمُتْرَفَ الأَدَمِ
وراوَدَتْهُ الجبالُ الشُّمُّ مِن ذَهَبٍ ... عن نفسِه فأراها أيَّمَا شَمَمِ
وأكَّدَت زُهدَهُ فيها ضرورَتُهُ ... اِنَّ الضرورةَ لا تعدُو على العِصَمِ
محمدٌّ سيدُ الكونينِ والثقَلَيْنِ ... والفريقين مِن عُربٍ ومِن عَجَمِ
نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلا أَحَدٌ ... أبَرُّ في قَولِ لا منه ولا نَعَمِ
هُو الحبيبُ الذي تُرجَى شفاعَتُهُ ... لكُلِّ هَوْلٍ مِن الأهوالِ مُقتَحَمِ
دَعَا الى اللهِ فالمُستَمسِكُون بِهِ ... مُستَمسِكُونَ بِحبلٍ غيرِ مُنفَصِمِ
فاقَ النَّبيينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ ... ولم يُدَانُوهُ في عِلمٍ ولا كَرَمِ(551/18)
وكُلُّهُم مِن رسولِ اللهِ مُلتَمِسٌ ... غَرْفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَاً مِنَ الدِّيَمِ
وواقِفُونَ لَدَيهِ عندَ حَدِّهِمِ ... مِن نُقطَةِ العلمِ أو مِن شَكْلَةِ الحِكَمِ
فَهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصورَتُهُ ... ثم اصطفاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَمِ
مُنَزَّهٌ عن شريكٍ في محاسِنِهِ ... فجَوهَرُ الحُسنِ فيه غيرُ منقَسِمِ
دَع ما ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِمِ ... واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِمِ
وانسُبْ الى ذاتِهِ ما شئتَ مِن شَرَفٍ ... وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَمِ
فَاِنَّ فَضلَ رسولِ اللهِ ليس له ... حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطِقٌ بِفَمِ
لو ناسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَمَاً ... أحيا اسمُهُ حين يُدعَى دارِسَ الرِّمَمِ
لم يمتَحِنَّا بما تَعيَا العقولُ به ... حِرصَاً علينا فلم نرتَبْ ولم نَهِمِ
أعيا الورى فَهْمُ معناهُ فليسَ يُرَى ... في القُرْبِ والبُعدِ فيه غيرُ مُنفَحِمِ
كالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُعُدٍ ... صغيرةً وتُكِلُّ الطَّرْفَ مِن أَمَمِ
وكيفَ يُدرِكُ في الدنيا حقيقَتَهُ ... قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوا عنه بالحُلُمِ
فمَبْلَغُ العِلمِ فيه أنه بَشَرٌ ... وأَنَّهُ خيرُ خلْقِ الله كُلِّهِمِ
وكُلُّ آيٍ أتَى الرُّسْلُ الكِرَامُ بِهَا ... فانما اتصَلَتْ مِن نورِهِ بِهِمِ
فاِنَّهُ شمسُ فَضْلٍ هُم كواكِبُهَا ... يُظهِرْنَ أنوارَهَا للناسِ في الظُّلَمِ
أكرِمْ بخَلْقِ نبيٍّ زانَهُ خُلُقٌ ... بالحُسنِ مشتَمِلٌ بالبِشْرِ مُتَّسِمِ
كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبدرِ في شَرَفٍ ... والبحرِ في كَرَمٍ والدهرِ في هِمَمِ
كأنَّهُ وهْوَ فَرْدٌ مِن جلالَتِهِ ... في عسكَرٍ حينَ تلقاهُ وفي حَشَمِ
كأنَّمَا اللؤلُؤُ المَكنُونُ في صَدَفٍ ... مِن مَعْدِنَيْ مَنْطِقٍ منه ومبتَسَمِ
لا طيبَ يَعدِلُ تُرْبَا ضَمَّ أعظُمَهُ ... طوبى لمُنتَشِقٍ منه وملتَثِمِ
أبانَ مولِدُهُ عن طِيبِ عنصُرِهِ ... يا طِيبَ مُبتَدَاٍ منه ومُختَتَمِ(551/19)
يَومٌ تَفَرَّسَ فيه الفُرسُ أنَّهُمُ ... قَد أُنذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ
وباتَ اِيوَانُ كِسرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ ... كَشَملِ أصحابِ كِسرَى غيرَ مُلتَئِمِ
والنارُ خامِدَةُ الأنفاسِ مِن أَسَفٍ ... عليه والنهرُ ساهي العَيْنِ مِن سَدَمِ
وساءَ ساوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَا ... وَرُدَّ وارِدُهَا بالغَيْظِ حينَ ظَمِي
كأَنَّ بالنارِ ما بالماءِ مِن بَلَلٍ ... حُزْنَاً وبالماءِ ما بالنار مِن ضَرَمِ
والجِنُّ تَهتِفُ والأنوارُ ساطِعَةٌ ... والحقُّ يظهَرُ مِن معنىً ومِن كَلِمِ
عَمُوا وصَمُّوا فاِعلانُ البشائِرِ لم ... تُسمَعْ وبارِقَةُ الاِنذارِ لم تُشَمِ
مِن بعدِ ما أخبَرَ الأقوامَ كاهِنُهُم ... بأنَّ دينَهُمُ المُعوَجَّ لم يَقُمِ
وبعد ما عاينُوا في الأُفقِِ مِن شُهُبٍ ... مُنقَضَّةٍ وَفقَ ما في الأرضِ مِن صَنَمِ
حتى غَدا عن طريقِ الوَحيِ مُنهَزِمٌ ... مِن الشياطينِ يقفُو اِثْرَ مُنهَزِمِ
كأنَّهُم هَرَبَا أبطالُ أبْرَهَةٍ ... أو عَسكَرٌ بالحَصَى مِن راحَتَيْهِ رُمِي
نَبْذَا به بَعدَ تسبيحٍ بِبَطنِهِمَا ... نَبْذَ المُسَبِّحِ مِن أحشاءِ ملتَقِمِ
جاءت لِدَعوَتِهِ الأشجارُ ساجِدَةً ... تمشِي اِليه على ساقٍ بلا قَدَمِ
كأنَّمَا سَطَرَتْ سطرا لِمَا كَتَبَتْ ... فُرُوعُهَا مِن بديعِ الخَطِّ في الَّلقَمِ
مثلَ الغمامَةِ أَنَّى سارَ سائِرَةً ... تَقِيهِ حَرَّ وَطِيسٍ للهَجِيرِ حَمِي
وما حوى الغارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ ... وكُلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي
فالصدقُ في الغارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَا ... وهُم يقولون ما بالغارِ مِن أَرِمِ
ظنُّوا الحمامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على ... خيرِ البَرِّيَّةِ لم تَنسُجْ ولم تَحُمِ
وِقَايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَاعَفَةٍ ... مِنَ الدُّرُوعِ وعن عالٍ مِنَ الأُطُمِ
ما سامَنِي الدَّهرُ ضيمَاً واستَجَرتُ بِهِ ... اِلا ونِلتُ جِوَارَاً منه لم يُضَمِ(551/20)
ولا التَمستُ غِنَى الدَّارَيْنِ مِن يَدِهِ ... اِلا استَلَمتُ النَّدَى مِن خيرِ مُستَلَمِ
لا تُنكِرِ الوَحْيَ مِن رُؤيَاهُ اِنَّ لَهُ ... قَلْبَاً اِذا نامَتِ العينانِ لم يَنَمِ
وذاكَ حينَ بُلُوغٍ مِن نُبُوَّتِهِ ... فليسَ يُنكَرُ فيهِ حالُ مُحتَلِمِ
تبارَكَ اللهُ ما وَحيٌ بمُكتَسَبٍ ... ولا نبيٌّ على غيبٍ بمُتَّهَمِ
كَم أبْرَأَتْ وَصِبَاً باللمسِ راحَتُهُ ... وأطلَقَتْ أَرِبَاً مِن رِبقَةِ اللمَمِ
وأَحْيت السَنَةَ الشَّهباءَ دَعوَتُهُ ... حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُمِ
بعارِضٍ جادَ أو خِلْتَ البِطَاحَ بها ... سَيْبٌ مِنَ اليمِّ أو سَيْلٌ مِنَ العَرِمِ
دَعنِي وَوَصفِيَ آياتٍ له ظهَرَتْ ... ظهُورَ نارِ القِرَى ليلا على عَلَمِ
فالدُّرُ يزدادُ حُسناً وَهْوَ مُنتَظِمُ ... وليس يَنقُصُ قَدرَاً غيرَ مُنتَظِمِ
فمَا تَطَاوُلُ آمالِ المدِيحِ الى ... ما فيه مِن كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ
آياتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَةٌ ... قديمَةٌ صِفَةُ الموصوفِ بالقِدَمِ
لم تَقتَرِن بزمانٍ وَهْيَ تُخبِرُنا ... عَنِ المَعَادِ وعَن عادٍ وعَن اِرَمِ
دامَتْ لدينا ففاقَتْ كُلَّ مُعجِزَةٍ ... مِنَ النَّبيينَ اِذ جاءَتْ ولَم تَدُمِ
مُحَكَّمَاتٌ فما تُبقِينَ مِن شُبَهٍ ... لذي شِقَاقٍ وما تَبغِينَ مِن حِكَمِ
ما حُورِبَت قَطُّ الا عادَ مِن حَرَبٍ ... أَعدَى الأعادِي اليها مُلقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بلاغَتُهَا دَعوى مُعارِضِهَا ... رَدَّ الغَيُورِ يَدَ الجانِي عَن الحُرَمِ
لها مَعَانٍ كَموْجِ البحرِ في مَدَدٍ ... وفَوقَ جَوهَرِهِ في الحُسنِ والقِيَمِ
فَمَا تُعَدُّ ولا تُحصَى عجائِبُهَا ... ولا تُسَامُ على الاِكثارِ بالسَّأَمِ
قَرَّتْ بَها عينُ قارِيها فقُلتُ له ... لقد ظَفِرتَ بحَبْلِ الله فاعتَصِمِ
كأنَّها الحوضُ تَبيَضُّ الوُجُوهُ بِهِ ... مِنَ العُصَاةِ وقَد جاؤُوهُ كالحُمَمِ
وكالصِّراطِ وكالميزانِ مَعدَلَةً ... فالقِسطُ مِن غيرِهَا في الناسِ لم يَقُمِ(551/21)
لا تَعجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُهَا ... تجاهُلا وَهْوَ عينُ الحاذِقِ الفَهِمِ
قد تُنكِرُ العينُ ضَوْءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ ... ويُنكِرُ الفَمَ طعمَ الماءِ مِن سَقَمِ
يا خيرَ مَن يَمَّمَ العافُونَ ساحَتَهُ ... سعيَا وفَوقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
ومَن هُوَ الآيةُ الكُبرَى لمُعتَبِرٍ ... ومَن هُوَ النِّعمَةُ العُظمَى لِمُغتَنِمِ
سَرَيتَ مِن حَرَمٍ ليلا الى حَرَمِ ... كما سَرَى البَدرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
وبِتَّ ترقَى الى أن نِلتَ مَنزِلَةً ... مِن قابَ قوسَيْنِ لم تُدرَكْ ولَم تُرَمِ
وقَدَّمَتْكَ جميعُ الأنبياءِ بها ... والرُّسْلِ تقديمَ مخدومٍ على خَدَمِ
وأنتَ تَختَرِقُ السبعَ الطِّبَاقَ بهم ... في مَوكِبٍ كُنتَ فيه صاحِبَ العَلَمِ
حتى اذا لم تدَعْ شَأْوَاً لمُستَبِقٍ ... مِنَ الدُّنُوِّ ولا مَرقَىً لمُستَنِمِ
خَفَضْتَ كُلَّ مَقَامٍ بالاضافَةِ اِذ ... نُودِيتَ بالرَّفعِ مثلَ المُفرَدِ العَلَمِ
كيما تَفُوزَ بِوَصْلٍ أيِّ مُستَتِرِ ... عَنِ العُيون وسِرٍّ أيِّ مُكتَتِمِ
فَحُزتَ كُلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشتَرَكٍ ... وجُزْتَ كُلَّ مَقَامٍ غيرَ مُزدَحَمِ
وجَلَّ مِقدَارُ ما وُلِّيتَ مِن رُتَبٍ ... وعَزَّ اِدراكُ ما أُولِيتَ مِن نِعَمِ
بُشرَى لنا مَعشَرَ الاسلامِ اِنَّ لنا ... مِنَ العِنَايَةِ رُكنَاً غيرَ منهَدِمِ
لمَّا دَعَى اللهُ داعينا لطاعَتِهِ ... بأكرمِ الرُّسْلِ كُنَّا أكرَمَ الأُمَمِ
راعَتْ قلوبَ العِدَا أنباءُ بِعثَتِهِ ... كَنَبأَةٍ أَجْفَلَتْ غُفْلا مِنَ الغَنَمِ
ما زالَ يلقاهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ ... حتى حَكَوْا بالقَنَا لَحمَا على وَضَمِ
وَدُّوا الفِرَارَ فكادُوا يَغبِطُونَ به ... أشلاءَ شالَتْ مَعَ العُقبَانِ والرَّخَمِ
تَمضِي الليالي ولا يَدرُونَ عِدَّتَهَا ... ما لم تَكُن مِن ليالِي الأُشهُرِ الحُرُمِ
كأنَّمَا الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ ساحَتَهُم ... بكُلِّ قَرْمٍ الى لَحمِ العِدَا قَرِمِ(551/22)
يَجُرُّ بحرَ خميسٍ فَوقَ سابِحَةٍ ... يرمي بمَوجٍ من الأبطالِ ملتَطِمِ
مِن كُلِّ منتَدِبٍ لله مُحتَسِبٍ ... يَسطُو بمُستَأصِلٍ للكُفرِ مُصطَلِمِ
حتى غَدَتْ مِلَّةُ الاسلامِ وَهْيَ بهم ... مِن بَعدِ غُربَتِهَا موصولَةَ الرَّحِمِ
مَكفولَةً أبدَاً منهم بِخَيرِ أَبٍ ... وخيرِ بَعلٍ فلم تَيْتَمْ ولم تَئِمِ
هُمُ الجبالُ فَسَلْ عنهُم مُصَادِمَهُم ... ماذا لَقِي منهم في كُلِّ مُصطَدَمِ
وَسَلْ حُنَيْنَاً وَسَلْ بَدْرَاً وَسَلْ أُحُدَا ... فُصولُ حَتْفٍ لَهم أدهى مِنَ الوَخَمِ
المُصدِرِي البِيضِ حُمرَاً بعد ما وَرَدَتْ ... مِنَ العِدَا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِن الِّلمَمِ
والكاتِبينَ بِسُمرِ الخَطِّ ما تَرَكَتْ ... أقلامُهُمْ حَرْفَ جِسمٍ غيرَ مُنعَجِمِ
شاكِي السلاحِ لهم سِيمَى تُمَيِّزُهُم ... والوَرْدُ يمتازُ بالسِّيمَى عَنِ السَّلَمِ
تُهدِي اليكَ رياحُ النَّصرِ نَشْرَهُمُ ... فتَحسِبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كُلَّ كَمِي
كأنَّهُم في ظُهورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُبَاً ... مِن شَدَّةِ الحَزْمِ لا مِن شدَّةِ الحُزُمِ
طارَتْ قلوبُ العِدَا مِن بأسِهِم فَرَقَاً ... فما تُفَرِّقُ بين البَهْمِ والبُهَمِ
ومَن تَكُن برسولِ اللهِ نُصرَتُهُ ... اِن تَلْقَهُ الأُسْدُ في آجامِهَا تَجِمِ
ولَن تَرى مِن وَلِيٍّ غيرَ منتَصِرٍ ... بِهِ ولا مِن عَدُوٍّ غيرَ مُنعَجِمِ
أَحَلَّ أُمَّتَهُ في حِرْزِ مِلَّتِهِ ... كالليْثِ حَلَّ مَعَ الأشبالِ فِي أَجَمِ
كَم جَدَّلَتْ كَلِمَاتُ الله مِن جَدَلٍ ... فيه وكم خَصَمَ البُرهانُ مِن خَصِمِ
كفاكَ بالعلمِ في الأُمِّيِّ مُعجَزَةً ... في الجاهليةِ والتأديبَ في اليُتُمِ
خَدَمْتُهُ بمديحٍ أستَقِيلِ بِهِ ... ذُنوبَ عُمْر مَضَى في الشِّعرِ والخِدَمِ
اِذ قَلَّدَانِيَ ما تُخشَى عواقِبُهُ ... كأنني بِهِمَا هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ
أَطَعتُ غَيَّ الصِّبَا في الحالَتَيْنِ وما ... حَصَلتُ الا على الآثامِ والنَّدَمِ(551/23)
فيا خَسَارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِهَا ... لَم تَشتَرِ الدِّينَ بالدنيا ولم تَسُمِ
ومَن يَبِعْ آجِلا منه بعاجِلِهِ ... بِينَ له الغَبْنُ في بَيْعٍ وفي سَلَمِ
اِنْ آتِ ذَنْبَاً فما عَهدِي بمُنتَقِضٍ ... مِنَ النَّبِيِّ ولا حَبلِي بمُنصَرِمِ
فاِنَّ لي ذِمَّةً منه بتَسمِيَتِي ... مُحمَّدَاً وهُوَ أوفَى الخلقِ بالذِّمَمِ
اِنْ لم يكُن في مَعَادِي آخِذَاً بِيَدِي ... فَضْلا والا فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ
حاشاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ ... أو يَرجِعَ الجارُ منه غيرَ مُحتَرَمِ
ومُنذُ أَلزَمْتُ أفكَارِي مَدَائِحَهُ ... وجَدْتُهُ لخَلاصِي خيرَ مُلتَزِمِ
ولَن يَفُوتَ الغِنَى منه يَدَاً تَرِبَتْ ... اِنَّ الحَيَا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأَكَمِ
ولَم أُرِدْ زَهرَةَ الدنيا التي اقتَطَفَتْ ... يَدَا زُهَيْرٍ بما أثنَى على هَرِمِ
يا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به ... سِوَاكَ عِندَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ
ولَن يَضِيقَ رسولَ اللهِ جاهُكَ بي ... اذا الكريمُ تَجَلَّى باسمِ مُنتَقِمِ
يا نَفْسُ لا تَقنَطِي مِن زَلَّةٍ عَظُمَتْ ... اِنَّ الكَبَائِرَ في الغُفرَانِ كالَّلمَمِ
لعَلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِمُهَا ... تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ
يا رَبِّ واجعَلْ رجائِي غيرَ مُنعَكِسٍ ... لَدَيْكَ واجعلْ حِسَابِي غيرَ مُنخَرِمِ
والطُفْ بعَبدِكَ في الدَّارَينِ اِنَّ لَهُ ... صَبرَاً مَتَى تَدعُهُ الأهوالُ ينهَزِمِ
وائذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ منك دائِمَةٍ ... على النبِيِّ بِمُنْهَلٍّ ومُنسَجِم
ما رَنَّحَتْ عَذَبَاتِ البَانِ رَيحُ صَبَا ... وأَطرَبَ العِيسَ حادِي العِيسِ بالنَّغَمِ
ثُمَّ الرِّضَا عَن أبي بَكرٍ وعَن عُمَرَ ... وعَن عَلِيٍّ وعَن عثمانَ ذِي الكَرَمِ
والآلِ والصَّحبِ ثُمَّ التَّابِعِينَ فَهُمْ ... أهلُ التُّقَى والنَّقَى والحِلْمِ والكَرَمِ
أهم المصادر والمراجع(551/24)
1. البردة للبوصيري قدّم لها وعلّق عليها: أحمد عبد التواب عوض، دار الفضيلة، القاهرة 1996م
2. بردة المديح المباركة، شرح الدكتور أحمد عمر هاشم، دار المقطم للنشر والتوزيع القاهرة، 1995م
3. البوصيري شاعر المدائج النبويّة وعلمها، د. على نجيب عطوي، دار الكتب العلمية، بيروت،1995م
4. مجلة التراث العربي، دمشق ،العدد 89، س 33، مارس 2003م موقع المجلة على الإنترنيت.
5.محمد زغلول سلام ، الأدب في العصر المملوكي، ج 1، ص 273 .
6. خط سير الأدب . عبد العزير قليقلة، القاهرة.(551/25)
قراءة متأنية في سجل التطرف
---
صبح تنفس بالضياء وأشرقا ... والصحوة الكبرى تهز البيرقا
وشبيبة الإسلام هذا فيلق ... في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا
وقوافل الإيمان تتخذ المدى ... دربا وتصنع للمحيط الزورقا
وحروف شعري لا تمل توثبا ... فوق الشفاه وغيب شعري أبرقا
وأنا أقول وقد شرقت بأدمعي ... فرحا وحق لمن بكى أن يشرقا
ما أمر هذي الصحوة الكبرى ... سوى وعد من الله الجليل تحققا
هي نخلة طاب الثرى فنما ... لها جذع قوي في التراب وأعذقا
هي في رياض قلوبنا زيتونة ... في جذعها غصن الكرامة أورقا
فجر تدفق من سيحبس نوره ... أرني يدا سدت علينا المشرقا
يا نهر صحوتنا رأيتك صافيا ... وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى
ورأيت حولك جيلنا الحر الذي ... فتح المدى بوابة وتألقا
قالوا تطرف جيلنا لما سما ... قدرا وأعطى للبطولة موثقا
ورموه بالإرهاب حين أبى الخنى ... ومضى على درب الكرامة وارتقا
أوكان إرهابا جهاد نبينا ... أم كان حقا بالكتاب مصدقا
أتطرف إيماننا بالله في عصر ... تطرف في الهوى وتزندقا
إن التطرف ما نرى من غفلة ... ملك العدو بها الزمام وأطبقا
إن التطرف ما نرى من ظالم ... أودى بأحلام الشعوب وأرهقا
لما رأى جريان صحوتنا طغى ... وأباح أرواح الشباب وأزهقا
ما زال ينسج كل يوم قصة ... تروى وقولا في الدعاة ملفقا
إن التطرف أن يسافر مسلم ... في لهوه سفرا طويلا مرهقا
إن التطرف أن نرى من قومنا ... من صانع الكفر اللئيم وأبرقا
إن التطرف أن نبادل كافرا ... حبا ونمنحه الولاء محققا
إن التطرف أن نذم محمدا ... والمقتدين به ونمدح عفلقا
إن التطرف أن نؤمن بطرسا ... وهو الذي من كأسه والده استقى
إن التطرف وصمة في وجه من ... جعلوا صليبهم الرصاص المحرقا
إن التطرف في اليهود سجية ... شربوا به كأس العداء معتقا
إن التطرف أن يظل رصاصنا ... متلعثما ورصاصهم متفيهقا
يا من تسائلني وفي أجفانها ... فيض من الدمع الغزير ترقرقا
وتقول لي رفقا بنفسك إننا ... نحتاج منك الآن أن تترفقا
أوما ترى أهل الضلالة أصبحوا ... يتعقبون شبابنا المتألقا(552/1)
لا تجزعي إن الفؤاد قد امتطى ... ظهر اليقين وفي معارجه ارتقى
غذيت قلبي بالكتاب وآيه ... وجعلت لي في كل حق منطقا
ووطئت أوهامي فما أسكنتها ... عقلي وجاوزت الفضاء محلقا
أنا لا أخدر أمتي بقصائد تبني ... على هام الرياح خورنقا
يسمو بشعري حين أنشد صدقه ... أخلق بمن عشق الهدى أن يصدقا
أوغلت في حزني وأوغل في دمي ... حزني وعصفور القصيدة زقزقا
أنا يا قصيدة ما كتبتك عابثا ... كلا ولا سطرت فيك تملقا
عيني وعينك يا قصيدة أنورا ... دمعا وشعرا والفؤاد تحرقا
قالوا قسوت ورب قسوة عاشق ... حفظت لمن يهوى المكان الأعمقا
بعض الرؤوس تظل خاضعة فما ... تصحو وما تهتز حتى تطرقا
خوان أمته الذي يشدو لها ... بالزيف والتضليل حتى تغرقا
خوان أمته الذي يرمي لها ... حبلا من الأوهام حتى تشنقا
كالذئب من يرمي إليك بنظرة ... مسمومة مهما بدى متأنقا
شتان بين فتى تشرب قلبه ... بيقينه ومن ادعى وتشدقا
شتان بين النهر يعذب ماؤه ... والبحر بالملح الأجاج تمذقا
إني لأعجب للفتي متطاولا ... متباهيا بضلاله متحذلقا
سلك العباد دروبهم وهو الذي ... ما زال حيران الفؤاد معلقا
الشمس في كبد السماء ولم يزل ... في الشك في وضح النهار مطوقا
النهر يجري في القلوب وماؤه ... يزداد في حبل الوريد تدفقا
وأخو الضلالة ما يزال مكابرا ... يطوي على الأحقاد صدرا ضيقا
يا جيل صحوتنا أعيذك أن أرى ... في الصف من بعد الإخاء تمزقا
لك من كتاب الله فجر صادق ... فاتبع هداه ودعك ممن فرقا
لك في رسولك قدوة فهو الذي ... بالصدق والخلق الرفيع تخلقا
يا جيل صحوتنا ستبقى شامخا ... ولسوف تبقى بالتزامك أسمقا
سترى رؤى بدر تلوح فرحة ... بيمينها ولسوف تبصر خندقا
سترى طريقك مستقيما واضحا ... وترى سواك مغربا ومشرقا
فتحتك لك البوابة الكبرى فما ... نخشى وإن طال المدى أن تغلقا
إن طال درب السالكين إلى العلا ... فعلى ضفاف المكرمات الملتقى
وهناك يظهر حين ينقشع الدجا ... من كان خوانا وكان المشفقا(552/2)
قرآن الفجر
15 /01 /2006 م 04:28 مساء
للأستاذ :خير الدين وانلي رحمه الله
الكاتب: فسطاط المسلمين
القراءات: 159
التعليقات: 0
المشاركات: 167
التسجيل: 05 /03 /2005 م
قُمْ صَلِّ فَجْرَكَ إن اللهَ رحمنُ والفجرُ قرآنهُ نورٌ وبرهانُ
واضرعْ إلى اللهِ في ذلٍّ ومَسْكَنةِ كي يغفرَ الذنبَ إن اللهَ حنّانُ
وقلْ أتيتُكَ يا مولايَ في ضَعَةٍّ فهل أعودُ وللآثامِ غُفْرانُ
أنتَ الكريمُ وبحرُ الجودِ زاخرةٌ أمواجُه وسحابُ الفضلِ تَهْتانُ
يا ربِّ فاقبلْ صَلاتي واعفُ عن خَطَئي لأنني يا عظيمَ الشأنِ إنسانُ
تشدُّني الشهواتُ العارماتُ إلى شِراكِها وهَوى الإنسانِ فَتّانُ
والمالُ يُغري وذاتُ الحُسْنِ مائلةٌ مُميلَةٌ ووراءَ الجفْنِ شيطانُ
يا ربِّ أَبطأَ بي إثمي فخُذْ بيدي إليكَ والنفسُ قد حفَتْها أدرانُ
ما للمسيءِ سوى الرُّجعى لخالقِهِ يسوقُه ندمٌ يَحدوهُ إيمانُ
فقمْ أخي فصلاةُ الفجرِ خالصةً للهِ تَمحو الخطايا وهو منّانُ(553/1)
أولاً: التعريف بالناظم.
قال أحمد بن القاضي المكناسي في جذوة الاقتباس في ذكر من حلّ من الأعلام مدينة فاس (2/453) ما نصه:
((عبدالعزيز بن عبدالواحد اللمطي المكناسي الميموني الفقيه المؤلف، ألف ألفيته في النحو ضاهى بها ألفية ابن مالك في النحو، وله تقاييد على مختصر خليل، وهو من أهل مدينة فاس، ونزل المدينة المشرفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
توفي بها قرب الثمانين وثمانمئة)).
ثانياً: طبعاتها: طبعة هذه المنظومة مفردة بتحقيق وتعليق الأستاذ عبدالله ولد إسلم ولد فتى، عام1418هـ.
ثالثاً: شروحها:
(1) سلم الأنوار شرح قرة الأبصار، لـ:محمد بن إياه.
(2) بغية الأبرار من شرح قرة الأبصار، لـ: محمد الحسن الخديم.
(3) مرتع الأبرار في التعليق على قرة الأبصار، لـ: غالي محمد الأمين الشنقيطي.
قرة الأبصار في سيرة المشفع المختار
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
الحمدُ للهِ الذي بأحمدا ... 1 ... هدى إلى أقومِ نَهْجٍ مَنْ هَدَى
حمداً جديداً دائِمَ البقاءِ ... 2 ... مكافئاً ترادُفَ الآلاءِ
ثم الصلاةُ والسلامُ تَتْرَى ... 3 ... على أجَلِّ المرسلينَ قَدْرَا
وآلهِ وصَحْبِهِ ومَنْ سَلَكْ ... 4 ... سبيلَهم مادارَ نَجْمٌ في فَلَكْ
وبَعْدُ فاعْلَمْ أنَّ خيرَ ما اقتفَى ... 5 ... ذو همةٍ سيرةُ خيرِ مقتفَى
وها أنا أذكر في هذا الرجزْ ... 6 ... من ذاك ما فيه سِدادٌ من عَوَزْ
لمبتغي التحصيلِ من أُوِلي الهدَى ... 7 ... عسى بنفعهم به أَنْ أُرْشَدا
سميته بقرة الأبصارِ ... 8 ... في سيرة المشفع المختارِ
مُرتباً له على الأبوابِ ... 9 ... مقرباً مقاصدَ الطلابِ
ومِنْ مُمِدِّ الكون في إنعامهِ ... 10 ... استوهبُ العَوْنَ على إتمامهِ
والنفعَ للراوي وللمرويِّ ... 11 ... عنه بجاه المصطفى النبيِّ(1)
عليه أزكى صلوات البارِي ... 12 ... وآله وصحبه الأبرارِ
__________
(1) أصلحته بقولي: والنفع للراوي وللمروي عنه بحب المصطفى النبي، لأن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز.(554/1)
بيان نسبة النبي المصطفى ... 13 ... صلى عليه ربنا وشرفا
ونسبُ المختارِ محفوظٌ إلى ... 14 ... عدنانَ بالإجماعِ عند الفضَلا
وها أنا أشير لاسم كُلِّ ... 15 ... منهم بحرفٍ منه مستقلِّ
مَعٍ شَهٍ عَقٍ كَمٍ كُلْغَفَمِنْ(1) ... 16 ... كَخْمٍ أمن مَعٍ إلى هنا زُكِنْ
وشيبةٌ إذ بير زمزمَ حفرْ ... 17 ... همةْ بمنعه قريشٌ فنذرْ
إن جاءه من البنينَ عشرهْ ... 18 ... يحمونه من البغاة الفجرهْ
لينحرن واحداً تقربا ... 19 ... به فلما رام نحره أبى
منه قريشٌ فمضى لخيبرا ... 20 ... مستأمراً كاهنها فأمرا
إن استهم عليه والإبالِ ... 21 ... فإن عليه خرجت في الحالِ
فزد عليها عشرة واقترعا ... 22 ... حتى إذا السهمُ عليها وقعا
فانحر فإن ربه قد رضيا ... 23 ... بأنها له فداءٌ فعيا
ففعل الذي به قد أُمِرا ... 24 ... حتى انتهت لمائة فنحرا
من بعد ضَرْبها ثلاثاً وهْي لا ... 25 ... تعدو العشار الكُومَ فيما نُقِلا(2)
وكان والد النبي المفتدى ... 26 ... بمائة فداؤه من الردى
وكان ذاك سنةً في أمته ... 27 ... عن نفس كل مؤمن في فديته
والخلف في ثاني الذبيحين وردُ ... 28 ... فجلهم إسحاقُ وهْوَ المُعْتَمَدْ
وقال قومٌ هو إسماعيلُ ... 29 ... وكلُّ قول فله دليلُ
ثالثها الوقف عن الزجاج ... 30 ... فاسلك سبيلاً غيرَ ذي اعوجاج
بيان مولد النبي المجتبى ... 31 ... صلى عليه الله ما هبَّ الصَّبا
وحملةْ آمنة الزُّهرية ... 32 ... طوبى لها بأكمل البرية
في رجب الفرد بدار وهبِ ... 33 ... والدِها وقيل بل في الشِّعْبِ
وكان مولد النبي الهادي ... 34 ... صلى عليه خالقُ العباد
عامَ قدوم الفيل للأقوام ... 35 ... بإثر خمسين من الأيام
في يوم الاثنين من الشهر الأغر ... 36 ... في ثالث الشهر أو الثاني عشر
أو لثمان من ربيع الأول ... 37 ... موافق النيسان عند الأُوَّل
__________
(1) م محمد/ع عبدالله/ش شيبة(عبدالمطلب)/هـ هاشم/ع عبدمناف/ق قصي/ك كلاب/م مرة/ك كعب/ل لؤي/غ غالب/ف فهر/م مالك/ن النضر/ ك كنانة/خ خزيمة/م مدركة/أ إلياس/م مضر/ن نزار/م معد/ع عدنان.
(2) العشار: جمع عشراء، وهي التي على حملها عشرة أشهر أو ثمانية، والكوم: جمع كوماء، وهي عظيمة السنام.(554/2)
في عام (جفظ)(1)من سني الإسكندر ... 36 ... بطالع الجدي وكان المشتري
883
مع زحلٍ في وسط السماء ... 37 ... تقارنا بالعقربِ الغراء
فغاضتِ المياهُ والنيرانُ ... 38 ... قد خمدتْ وانصدعَ الإيوانُ
وخرسَ الملوكُ والأصنامُ ... 39 ... تناكست فما لها قيامُ
بيان موت والد المختار ... 40 ... وكم له كان من الاظئار
ومات عبدالله وهو حَمْلُ ... 41 ... وكم حوت من شرف هُذيلُ(2)
لما غدت بنتهم السعديةْ ... 42 ... من أمهات أشرف البريه
وكم رأت له من الآيات ... 43 ... حليمةٌ منها درور الشاة
وشُقَّ صدر أكرم الأنامِ ... 44 ... وهْو ابنُ عامين وسُدْسِ عامِ(3)
وشُقَّ للبعث وللإسراء ... 45 ... أيضاً كما قد جاءَ في الأنباء
وكم حوت ثويبةٌ من بركهْ ... 46 ... لما غدت ظئراً له وبركه
إذ حَضَنَتْهُ ثُمَّ بعد الأمِّ ... 47 ... غدا كفيلَ الجد ثم العم
وخلفتْهُ أمُّه ابنَ أربعِ ... 48 ... سنينَ والجدُّ ابنَ ضعفها فعِي(4)
ثم إلى الشام مع العم ارتحلْ ... 49 ... والعمرُ في ثالثةِ العشر دخلْ
فردَّه خوفاً منَ اليهودِ ... 50 ... عليه أهلِ المكرِ والجحودِ
وعاد مع ميسرةٍ للشام ... 51 ... وهْو منَ الرحمنِ في إكرامِ
تُظِلُّهُ الأملاكُ في المسيرِ ... 52 ... حين اشتدادِ الحرِّ في الهجيرِ
وإذ إلى مكة عادَ وافتتحْ ... 53 ... ستاً وعشرينَ من العمر نكحْ
خديجةً من بعد أربعينا ... 54 ... مضتْ لها من عمرها سنينا
خيرَُ نساء الناسِ أجمعينا ... 55 ... وقد أقامت معه عشرينا
وأربعاً ورُزقَ البنينا ... 56 ... منها سوى أحدهم يقينا
ثم ابنَ خمسٍ وثلاثين حضرْ ... 57 ... بناءَ بيت الله إذ بنا الحجرْ
بيدهِ الكريمةِ الزكيهْ ... 58 ... صلى عليه بارئ البريهْ
__________
(1) حساب الجمل هنا وفق الترتيب المغربي.
(2) صححه في سلم الأنوار بقوله: ومات عبدالله وهو كامن * وكم حوت من شرف هوازن.
وصححه في بغية الأبرار بقوله: ومات عبدالله قبل المولد * وكم حوت هوازنٌ من سؤدد.
(3) سدس عام أي شهرين، وأصلحه في بغية الأبرار بقوله:
وشق صدر أكرم الأنام * وكان ذا في رابع الأعوام.
(4) كفله أربع سنين، ومات عنه وهو ابن ثمان سنين.(554/3)
بيانُ مبعث النبي الهادي ... 59 ... صلى عليه خالق العباد
وجاءَه جبريلُ في غار حِرا ... 60 ... من بعد أربعين عاماً غَبرا
في يوم الاثنين بسورة العلقْ ... 61 ... صلى عليه الله فالِقُ الفلقْ
فقامَ يدعو الإنسَ والجن إلى ... 62 ... توحيد رب العالمين مُرْسَلا
مؤيداً منه بما أعيا البشر ... 63 ... إحصاؤه من معجزات كالمطر
نفعاً وكثرة وكالسراج ... 64 ... نوراً ورفعةً مع ابتهاج
ومع ذا حاصَرَهُ الفجَّار ... 65 ... كما أتتْ بذلك الأخبارُ
وكان قادراً على التدمير ... 66 ... لو شاءَ لكن جاد بالتأخير
حتى هدى الله به من شاء ... 67 ... منهم ومن أصلابهم أبناء
ثم أعزَّ دينه ونصره ... 68 ... وأيَّد الحق به وأظهره
وأبطلَ الباطل والأعداء ... 69 ... كبتاً وخزيا لهمُ جزاء
وأَمَدُ الحصارِ في الشِّعبِ على ... 70 ... حولين أرْبا لا ثلاثاً وصلا(1)
وعندما انقضى الحصارُ عمرُهْ ... 71 ... ستاً وأربعين كان قدرُهْ
وبعد ما أكمل خمسين سنهْ ... 72 ... جنُّ نَصِيبين أتته مُذْعِنَهْ
وبعد واحد معَ الخمسينا ... 73 ... وأشهرٍ مضتْ له يقينا
شرَّفَهُ الرحمن بالإسراء ... 74 ... وبعروجه إلى السماء
حتى أراه أكبرَ الآيات ... 75 ... وعاد بعد الفرض للصلاة
صلى عليه ربنا وسلما ... 76 ... وآله وصحبه وكرما
بيان هجرة النبي المختار ... 77 ... والغزو والحج والاعتمار
وهاجر المختار لما أن وصلْ ... 78 ... خمسينَ مع ثلاثةٍ حتى نزلْ
بطيبة الغراء حيث أُمِرا ... 79 ... ثم بها أقام حتى احْتُضِرا
فيها فكانت أشرفَ البقاع ... 80 ... أما ضريحه فبالإجماع
ومدة اللبث بها في العِدَّهْ ... 81 ... عشرُ سنين يالها من مُدَّهْ
لقد غزا عشرين بعد خمس ... 82 ... فيها وفي سبع بغير لَبْس
قاتلَ بدرٍ أحدٍ والخندقِ ... 83 ... بني قريظةَ بني المصطلقِ
وغزوةِ الطائف مع حنين ... 84 ... وضعفها البعوثُ دون مين
وقيل في النضير مع وادي القرى ... 85 ... قاتلَ والغابةُ أيضاً ذكرا
وحج حجتين ثم الفرضا ... 86 ... واعتمر الأربع قالوا أيضا
وقال مالك ثلاثاً اعتمر ... 87 ... وحج مفرداً فحقق الخبر
__________
(1) أصلحه في بغية الأبرار بقوله:
وأمد الحصار في الشعب إلى * حولين والأقوى ثلاثاً وصلا.(554/4)
وكلهن كن في ذي القِعْده ... 88 ... على الذي صححه من عدده
بيان أزواج النبي المصطفى ... 89 ... صلى عليه ربنا وشرفا
وعدةُ الأزواج باتفاق ... 90 ... (أيٌ) أتى وجاء في البواقي
11
خلفٌ تركنا ذكره فالمتفقْ ... 91 ... عليه أولاهن ذكرها سبق
بنتُ خويلد التي قد صَدَّقَتْ ... 92 ... قبل النساءِ بالنبي فارتقت
وما تزوج عليها أحدا ... 93 ... حياتَها من النساء أبدا
ثم تزوج ابنةَ الصديق ... 94 ... وعمرُها ستٌّ على التحقيق
بالبلد الحرام قبل الهجره ... 95 ... بسنتين عند أهل الخبره
ثم بنا بها بعيد ما ارتحل ... 96 ... لطيبة وعمرها تسعاً وصل
ومات عنها وهي بنت (حيِّ) ... 97 ... صلى عليه رب كل شيِّ
18
ولم يكن تزوج المختار ... 98 ... بكراً سواها فلها الفخار
وكم حوت في مدة يسيرة ... 99 ... من العلوم الجمة الغزيرة
وبالبقيع دفنت في (حنِّ) ... 100 ... ليلاً وسودةُ سمت في السن
58
فوهبت ليلتها لها لكي ... 101 ... تحشر في أزواجه بنت لؤي
وبعد موت زوجها السكران ... 102 ... تزوجت خيرَ بني عدنان
صلى عليه ربنا وسلما ... 103 ... وآله وصحبه وكرما
وهاجرا في الدين هجرتين ... 104 ... جزاهما الرحمن جنتين
وعام (ند) أو في خلافة عمر ... 105 ... توفيت بطيبةٍ فاقفُ الأثر(1)
وحفصةٌ تزوجت خير البشر ... 106 ... بعد خنيس ثم لما أن صدر
طلاقها منه بردها أمر ... 107 ... وموتها عام الجماعة ذكر
وزينبٌ أمُّ المساكين قتل ... 108 ... بأحد عنها ابن جحش فَقُبِلْ
تزوجت خيرَ نبي وثوت ... 109 ... شهرين أو ثلاثة ثم توت
ولم يمت حياتَه من النسا ... 110 ... إلا خديجةٌ وذي فاقتبسا
وبنت جحش بنتُ عمة الرسول ... 111 ... زوجها الرحمن بارئُ العقول
خيرَ نبي إذ قضى منها الوطر ... 112 ... زيدٌ وماتت في خلافة عمر
إذ فُتِحَتْ مصرُ وكانت أطولا ... 113 ... نسائِه يداً كما قد نقلا
وهندُ وهي كما لها من فضل ... 114 ... تزوجت من بعد موت البعل
خيرَ الورى وفي خلافة يزيد ... 115 ... في عام ستين قضت بلا مزيد
وبالبقيع دفنت وهاجرا ... 116 ... ثنتين في أول من قد هاجرا
__________
(1) أصلحه في بغية الأبرار بقوله:
54 ... والموتُ آخرَ خلافة عمر * بطيبةٍ أو عام(ندٍّ) استمر.(554/5)
ومن نساء المصطفى جويريه ... 117 ... توفيت في عام(نو) لتدريه
56
وقد سباها في غزاة المصطلق ... 118 ... من بعلها مسافعٍ بالمندلق
ودفع النجوم لابن قيس ... 119 ... عنها فما أبركها من عرس
إذ أرسل الناسُ السبايا طرا ... 120 ... لما غدا المصطلقي صهرا
للمصطفى عليه من رب الأنام ... 121 ... وآله أزكى الصلاة والسلام
ورملةٌ بنت أبي سفيانا ... 122 ... تزوجت خير الورى وكانا
وليُّها خالداً أو عثمانا ... 123 ... عند النجاشيِّ كما أتانا
فسلم المهرَ إليها أجمعا ... 124 ... من الدنانير مآتٍ أربعا
وعام سبع أهديت لأحمدا ... وموتها في عام (مد) قد بدا
44
وكم حوت من شرف صفيه ... 125 ... لما غدت لأكرم البريه
زوجا وكانت سُبيت في خيبرا ... 126 ... فاختارَها لنفسه خير الورى
وعتقها مهراً لها حقا جَعَلْ ... 127 ... وعام خمسين بها الموت نزل
وعام سبع بعد فتح خيبرا ... 128 ... ميمونةٌ نكحها معتمرا
وبعد عوده بها كان البنا ... 129 ... بسَرِفٍ وكان ذاك مدفِنا
لها وكانت آخرَ النساء ... 130 ... تزوجاً له بلا امتراء
عليه أزكى صلوات ربه ... 131 ... والآل والأزواج ثم صحبه
وعام خمسين وواحد نزل ... بها الحِمام عندما حان الأجل
ومهرُ كلٍّ كان خمسماية ... 132 ... من الدراهم سوى صفية
ورملةٍ فإنه تقدما ... 133 ... بيانُ ما أصدق كلا منهما
بيان أولاد النبي أحمدا ... 134 ... صلى عليه ربنا ومجدا
أبناؤه أربعة فيما ورد ... 135 ... على اختلاف جاء في هذا العدد
فالقاسمُ الذي به قد كُنِّيا ... 136 ... وبعد عبدالله أيضاً دُعيا
بالطيب الطاهر فاللفظان ... 137 ... ترادفا وقبل بل غيران
ورابع البنين إبراهيمُ ... 138 ... عليهم الرضوان والتسليمُ
ميلادُه بطيبة المرضيه ... 139 ... وأمُّه ماريةُ القبطيه
كانت لخير مرسل سرية ... 140 ... صلى عليه خالقُ البريه
وكلهمْ قبل البلوغ ماتوا ... 141 ... حياتَه كما روى الثقات
أما بناتُه فأربعٌ بلا ... 142 ... خلفٍ وفي الكبرى خلافٌ نقلا
أصحُّه زينب ثم اختلفوا ... 143 ... فيها معَ القاسم فيما وصفوا
فقال قومٌ هي منه أكبرُ ... 144 ... وقال قومٌ آخرون أصغر
ورُتَبُ الثلاث في الميلاد ... 145 ... (رأفٌ) وأسلمنا بلا عناد(554/6)
وفي ثلاثين لعام الفيل ... 146 ... قد ولدت زينب للرسول
وابنَ الربيع انكحت فلما ... 147 ... أرسل خيرُ مرسل ألمَّا
به قريشٌ في فراق زينبا ... 148 ... فلم يجبهم للفراق بل أبى
وأسلمت وهاجرت وهاجرا ... 149 ... من بعدها فردَّها خيرُ الورى
إليه بالعقد الذي قد سبقا ... 150 ... على الأصح لا بثان لحقا
وولدت أمامة عليا ... 151 ... له ومات عام(ح) وفيا
8
وأنكحت رقية عتيبه ... 152 ... وأم كلثوم أخاه عتبه
فطلقاهما معاً إذ نزلا ... 153 ... تبت فتبا لهما إذ فعلا
ثم تزوج ابن عفان الرضى ... 154 ... رقية أتت بنجل فقضى
وهو عام ست بعد موت الأم ... 155 ... في سنة اثنين بغير وهم
وأنكح الأخرى بدون مين ... 156 ... ومن هنا لقب ذا النورين
ولم تلد له وعام تسع ... 157 ... توفيت كما أتى في السمع
وبنت خير المرسلين الصغرى ... 158 ... اسما نساء العالمين قدرا
مولدُها في عام (آم) كانا ... 159 ... من مقدم الفيل ولما بانا
41
لها من الأعوام خمسةَ عشر ... 160 ... زوجها حيدرةً خيرُ البشر
فولدت له من الأولاد ... 161 ... بنتين وابنين بلا عناد
الحسن الحسين ثم زينب ... 162 ... وأم كلثوم إليهم تنسب
وولدت رقية ومحسنا ... 163 ... أيضاً وماتا في الصبا ودفنا
ثم ابن جعفر بنا بزينب ... 164 ... وولدت له عليا وحُبي
بأختها الفاروق حتى ولدت ... 165 ... زيدا له وبعده تزوجت
محمد بن جعفر وإذ مضى ... 166 ... تزوجت عوناً أخاه وقضى
فنكحت أخاه عبدالله ... 167 ... وعنده ماتت بلا اشتباه
مع ابنها زيد بوقت واحد ... 168 ... وكان فيه سنن للناقد
وبعد موت المصطفى بأشهر ... 169 ... ثلاثة أو ستة في الأشهر
توفيت بنت الحبيب المجتبا ... 170 ... فاطمة أم الكرام النجبا
بيان أعمام النبي المصطفى ... 171 ... وذكر عماتِ الحبيب المقتفى
أعمامُه اثنان وعشرةٌ تُعَدْ(1) ... 172 ... وقيل تسعةٌ وعشرةٌ وَرَدْ
الحارثُ الزبيرُ والمُقَوِّمُ(2) ... 173 ... وعبدُ كعبةٍ ضرارٌ قُثَمُ
كذا المغيرةُ مع الغَيْدَاقِ ... 174 ... لم يدركوا الإسلام باتفاق(3)
وحمزةُ العباسُ عند العلما ... 175 ... قد أدركا البعثة ثم أسلما
__________
(1) وهو الأشهر.
(2) يجوز في الواو الكسر والفتح.
(3) الذين تقدم ذكرهم.(554/7)
لكن أبو طالبَ مَعْ أبي لَهَبْ ... 176 ... قد أدركا البعثَ وما نالا الأربْ
عمَّاتُه(1)صفيةُ المَبَرَّهْ ... 177 ... أميمةٌ عاتكةٌ وبرَّهْ
وهكذا أمُّ حكيمٍ أروى ... 178 ... وعنهمُ إسلام الأولى يُرْوَى
بيانُ ماله من الموالي ... 179 ... والخدم الأحرار باحتفال
زيدٌ أسامةُ ابنُه ثوبانُ ... 180 ... أَنَسَةٌ فضالةٌ شُقرانُ
ثم رباحٌ ويسارٌ واردُ ... 181 ... طَهْمَانُ مأبورٌ عبيدٌ واقدُ
وأبواهما ورافعٌ هشامْ ... 182 ... حنينُ أحمرُ سليمٌ ذو اهتمامْ
كِرْكِرَةُ النوبيُّ زيدٌ أسلمُ ... 183 ... سفينةٌ أنجشةٌ ومِدعمُ
أبو لبابةَ أبو هندَ أبو ... 184 ... ضمرةَ والإماءُ حين تحسبُ
ماريةٌ سَلْمَى وأمُّ رافعِ(2) ... 185 ... بركةٌ كانت لخير شافعِ
حاضنةً ميمونةٌ ريحانهْ ... 186 ... خَضِرَةٌ رضوى فعو حُسبانهْ
وكان من خُدَّامه الأحرارِ ... 187 ... أنسٌ بن مالكِ الأنصاري
ثم ابنُ مسعودٍ بلالٌ وأبو ... 188 ... ذرٍّ ربيعةَ بن كعبٍ حسبوا
وعقبةُ بنُ عامرٍ وسعدُ ... 189 ... ذو مِخْمَرٍ أسماءُ ثم هندُ
بيان حراس النبي المصطفى ... 190 ... صلى عليه ربنا وشرفا
حرسَه في يوم بدر سعدُ ... 191 ... فتى معاذٍ وامرآن بعدُ
في أحدٍ محمدٌ ذكوانُ ... 192 ... عليهما الرحمةُ والرضوانُ
والحارسُ الزبيرُ يومَ الخندقِ ... 193 ... وابنُ أبي وقاصَ خيرَ مشفقِ
ثم أبو أيوبَ وابن بشرِ ... 194 ... في خيبرَ المشهود دون نكرِ
قد حرسوه ثم في وادي القُرى ... 195 ... كان بلالٌ حارساً بلا امترا
وترك الحُرَّاسَ لما أُخبرا ... 196 ... بعصمة الله له خيرُ الورى
وكان حادياً له البراءُ ... 197 ... أنجشةٌ جاءت بذا الأنباءُ
صلى عليه ربنا وسلما ... 198 ... والآل والأصحاب خير من سما
بيان رسل المصطفى لمن ملك ... 199 ... صلى عليه الله ما دار الفلك
إلى النجاشيِّ النبيُّ أرسلا ... 200 ... عمراً فبجَّل الكتابَ وتلا
ومات مُسلماً وصلى المصطفى ... 201 ... عليه معْ أصحابه أولي الصفا
ودحيةً إلى هرقلٍ أرسلا ... 202 ... فشحَّ ثم ابنَ حذافةٍ إلى
__________
(1) ست بلا خلاف.
(2) قال في بغية الأبرار: صوابه: مارية سلمى أي أم رافع....(554/8)
كسرى فمزَّقَ الكتابَ مُزِّقا ... 203 ... وحاطبا إلى المقوقس ارتقا
فقاربَ الإسلام حتى أهْدى ... 204 ... جاريتين دلدلاً وعبدا
ثم إلى من ملكا عمانا ... 205 ... عمراً فأسلما له ودانا
ولليمامة سَلِيطاً أرسلا ... 206 ... فلم يفز صاحبُها إذ سألا
من النبي جعلَ بعض الأمر لهْ ... 207 ... ثم إلى البلقا شجاعاً أرسله
وأرسلَ العلا إلى البحرين ... 208 ... فأسلم المنذرُ دون مين
والأشعريَّ ومعاذاً لليمنْ ... 209 ... فأسلموا دون قتال وفتنْ
بيان من كان من الكتاب له ... 210 ... صلى عليه ربنا وفضله
زيدٌ أبيٌّ والزبيرُ والعلا ... 211 ... والخالدان الخلفاءُ الفضلا
وثابتٌ وعامرٌ وعمرُو ... 212 ... عمارُ سلمانٌ بلالُ الصدرُ
وابنُ أبي سفيانَ معْ أبانِ ... 213 ... وابنُ الربيع فاستمع بياني
ثم ابنُ مسعود أخو الودادِ ... 214 ... وحمزةٌ منهمْ معَ المقدادِ
وكان ممن يضربُ الأعناقا ... 215 ... بين يديه إن رأى شقاقا
عليُّ والزبيرُ وابنُ مسلمهْ ... 216 ... وعاصمُ بنُ ثابتٍ لِتعلمهْ
ثم ابنُ سفيانَ مع المقدادِ ... 217 ... أصحاب ما اختار من العبادِ
بيان من يقطع بالجنان ... 217 ... لهم ومن أذّن للعدنان
يقطع بالجنة والإكرام ... 218 ... لعشرة للخلفا الأعلام
وللزبير وابن عوف وسعيدْ ... 219 ... وعامر سعدٍ وطلحةَ السعيدْ
وعمرٌو أوسٌ وبلالٌ سعدُ ... 220 ... زيادٌ المؤذنونَ عُدُّوا
رضوان ربنا عليهم طرا ... 221 ... ومن تلا منهاجهم وبرَّا
ذكر دوابه عليه أفضلُ ... 222 ... صلاة ربي دائماً وأكملُ
له من الخيل العتاق عشَرَهْ ... 223 ... أو سبعةٌ كما حكاه المهَرَهْ
أولها السكبُ المحجلُ الأغرْ ... 224 ... الطلقُ ذو السبق الذي به اشتهرْ
أول ما غزا عليه المجتبا ... 225 ... بأحدٍ فلم يزل مهذَّبا
والوردُ والمرتجزُ الذي شَهدْ ... 226 ... له به خزيمةٌ حين جُحِدْ
والطِّرفُ واللحيفُ والمُلاوِحْ ... 227 ... والضَرسُ واللِزازُ ذاك السابحْ
ثم البغالُ كلها مرويهْ ... 228 ... فضةُ والدُلدُلُ والإيليهْ
ثم حمارٌ اسمُه يعفورُ ... 229 ... والناقةُ القصوى فقطْ مأثورُ
وهي التي امتطى بلا امتراء ... 230 ... نبيُّنا في الهجرة الغرَّاء(554/9)
وكان لا يحملُه إن نزلا ... 231 ... عليه وحيٌ غيرُها ونُقِلا
أن اسمَها الجدعاءُ والعضباءُ ... 232 ... فقد ترادفتْ لها الأسماء
ومائةٌ كانت له من الغنمْ ... 233 ... ومعها عشرون لَقحة تُلمْ
وكان يختصُّ بشرب شاةِ(1) ... 234 ... تدعى بغيثةَ لدى الرواةِ
وديكُه الأبيضُ جاء في الخبرْ ... 235 ... ولم يجىءْ فيه اقتناؤُه البقرْ
بيان ماله من السلاح ... 236 ... صلى عليه واهب الفلاح
له من الأسيافِ تسعةٌ فقطْ ... 237 ... اسماؤُها مرويةٌ عن من فرطْ
منها الذي أصابه من بدرِ ... 238 ... وكان يُدعى ذا الفقار فادرِ
ومثلُه القَلْعِيُّ والبتَّارُ ... 239 ... والحتفُ قد جاءت به الأخبارُ
كذلك المِخْذَمُ والقضيبُ ... 240 ... والعضبُ والرَّسوبُ يالبيبُ
وكان عنده من الرماح ... 241 ... أربعةٌ تُعدُّ للكفاحِ
ومثلُها قِسِيُّه في العدِّ ... 242 ... والتُّرسُ والجعبةُ فيما أبدِي
وأدرعٌ كانت له بهيَّهْ ... 243 ... أسماؤها فضةُ والسغديهْ(2)
ثالثُها ذاتَ الفضول تُدعى ... 244 ... كانت له يوم حنين درعا
ومِغفرٌ يدعى السبوغ كان لهْ ... 245 ... ونحوه مِنطقة مجمَّلهْ
ورايةٌ سوداء بالعقابِ ... 246 ... تدعى هداك الله للصوابِ
وكان أيضاً عنده لواءُ ... 247 ... أبيض قد فشتْ بذا الأنباءُ
بيان ماله من الثياب ... 248 ... ومن أثاث فاستمع خطابي
كان له من الثيابِ اثنا عشرْ ... 249 ... على الذي نقله أهلُ السيرْ
منها قميصان له شِعارُ ... 250 ... ثم كساءان له دثارُ
وجبتان وإزارٌ وثيابْ ... 251 ... أربعةٌ ثم العمامةُ السحابْ
أعني التي وهبَهَا عليَّا ... 252 ... فلا تكن بعلمها غبيا
ثم قلانسُ صغارٌ لاطيَهْ ... 253 ... وهي ثلاث فاغتنم بيانيهْ
والمشطُ من عاج له والمُكحُلَهْ ... 254 ... مرآتُه المِقراضُ والسواكُ لهْ
ثم فراشُ أُدُمٍ قد حُشِيا ... 255 ... بالليفِ ثم قدحانِ فعيا
فواحدٌ بفضةٍ مُضببُ ... 256 ... والتورُ من حجارةٍ ومخضبُ
ومن زجاج قدحٌ ومُغتسلْ ... 257 ... له من الصفر وقصعةٌ تُملْ
__________
(1) أصلحه أباه بقوله: كانت منائح له كشاة... الخ، لأن من عادته صلى الله عليه وسلم الإيثار لا الاستئثار.
(2) بإهمال العين وإعجامها.(554/10)
والصاعُ والسريرُ ثم الُمدُّ ... 258 ... وخاتمٌ من فضة يُعَدُّ
وكان قد أهدى له خفينِ ... 259 ... أصحمةٌ أيضاً بدون مينِ
وكان ثوبان له للجُمعهْ ... 260 ... غيرُ ثيابِ لُبسه المرتفعهْ
وكان منديلٌ له ليمسحا ... 261 ... به على الوجه المنير الأصبحا
صلى عليه ربنا وسلما ... 262 ... وآله وصحبه وكرَّما
بيان بعض معجزات المصطفى ... 263 ... صلى عليه ربنا وشرفا
منها القرآنُ المعجزُ الذي بهرْ ... 264 ... إعجازُه كلَّ العقول وقهرْ
فلم يجىءْ بمثله ولن يجي ... 265 ... إنسٌ ولا جنٌ وكمْ من مُزْعجِ
لهمْ مقرِّع على الإتيانِ ... 266 ... به وهم فرسانُ هذا الشانِ
قد امتطوا منه جوادَ السبْقِ ... 267 ... واحرزوا عنانَه في النطقِ
بل أخرسوا وهمْ ألدُّ اللددِ ... 268 ... إلا عن الدعوى ومحض الجحدِ
فعند ذاك أمرَ القرآنُ ... 269 ... أن تُضربَ الأعناقُ والبنانُ
لله ما حواه من عجائبِ ... 270 ... جلت عن الحصر ومن غرائبِ
لو لم يجئ بآية سواه ... 271 ... صلى عليه ربنا كفاه
لكنه أتى بما أعيى البشرْ ... 272 ... من معجزات بينات كالقمرْ
وغسلِ قلبه وشقِّ الصدرِ ... 273 ... وحشوهِ بسرٍّ أيِّ سِرِّ
وجيءَ بالبراق للإسراءِ ... 274 ... به إلى الأقصى من السماءِ
بل لم يزلْ يرقى إلى أن نالا ... 275 ... منزلةً جلت فلن تُنالا
حباهُ ذو العزة بالمقامِ ... 276 ... فيها وبالرؤيةِ والكلامِ
وفرضَ الخمسينَ ثم خَفَّفَا ... 277 ... عنا به لخمسةٍ وضعَّفا
ثوابَها إذ كثَّر الأمدادا ... 278 ... تفضُّلاً وقللَ الأعدادا
وأمَّ خيرُ مرسلٍ للرُّسْلِ ... 279 ... وعاد من بعد انقضاء الليلِ
فأخبر الناسَ بما قد أطلعْ ... 280 ... عليه في مسراه لمَّا أن رجعْ
فمن سعيدٍ مؤمن بما ذَكَرْ ... 281 ... ومِنْ شقي خاسر به كَفَرْ
والشمسُ بالصَّهباء للمُختارِ ... 282 ... رُدَّتْ ويومَ العير في الأخبارِ
وإذ أتى الفُجَّارُ نحوَ البابِ ... 283 ... لقتلِه فقام بالترابِ
وذرَّهُ على رؤوسِ القومِ ... 284 ... فسقطت أذقانهم بالنومِ
وقال شاهتِ الوجوه ودعا ... 285 ... فمن أجابه ببدر صُرِعا
وفي حنينٍ إذ رمى الأقواما ... 286 ... بقَبضةٍ فانهزموا انهزاما(554/11)
وفي حمام الغار والعناكبِ ... 287 ... حاكتْ وباضتْ أبدعُ العجائبِ
وإذ رأى سراقةُ الهلاكا ... 288 ... بك استغاثَ فنجا هُناكا
ودرَّتِ الألبانُ إذ مسحتا ... 289 ... على ضروع من شياهٍ شتى
كشاةِ عبدالله والمقدادِ ... 290 ... وأمِّ معبد من الأفرادِ
وكم من الأعيان قلبُها انجلى ... 291 ... بلمْس يمناك بمشهدِ الملا
كآيةِ العرجون إذ أضاءَ ... 292 ... لولدِ النعمان في سوداءَ
مطيرةٍ عشوا إلى أن ولجا ... 293 ... فضربَ الشيطانَ حتى خرجا
وإذ دفعت لابن جحش بأحدْ ... 294 ... عسيب نخل فغدا سيفاً يجدْ
والجذلَ لابن محصن ببدرِ ... 295 ... دفعته فعاد سيفاً يفري
ولم يزل لديه حتى استشهدا ... 296 ... عونا به يضرب أعناقَ العدا
والماءَ قد زودت قوماً رفدا ... 297 ... فعاد أيضاً لبنا وزُبدا
وأخبرتك الشاةُ بعد الشيِّ ... 298 ... بأنها سُمَّتْ فداك حييِّ
والطفلُ في المهد بتصديقك يا ... 299 ... أزكى الورى قد فاهَ فيما رُويا
وكم جماداتٍ وعجماواتِ ... 300 ... فاهت بتصديقك في آياتِ
وقبضةُ التمر التي قد أطعما ... 301 ... منها جميعَ الجيش وهْي نحوُ ما
كانت بل أربى منه بل قد أنفقا ... 302 ... من ذلك التمر ابنُ صخر أوسُقا
ولم يزل لديه حتى نهبا ... 303 ... مقتلَ ذي النورين فيما نُهبا
وكم من القليل قد كثرتا ... 304 ... زكم من الأموات قد أحييتا
وكم من الأشجار قد دعوتا ... 305 ... أتت مطيعة لما أمرتا
والجذعُ قد حنَّ حنين الثكلى ... 306 ... إليك حتى نال منك وصْلا
لو لم ينلْه لم يزل كئيبا ... 307 ... عليك ما لاح سناً غريبا
وكم عمى وعمهٍ أذهبتا ... 308 ... عن أعين وعن قلوب حتى
أدركتِ الأبصارُ والبصائرُ ... 309 ... ما لم تكن تظنه الضمائرُ
وكم من الأدواء قد أبرأتا ... 310 ... في الحال بالراحة إذ لمستا
بل فار منها الماءُ لما ضمئوا ... 311 ... حتى ارتوى الأصحابُ بل توضئوا
ومطروا سبتاً إذ استسقيتا ... 312 ... بها وأقلعتْ إذا استصحيتا
ومن عليه أو له دعوتا ... 313 ... أصاب في الحالين ما سألتا
وكم من الغيوبِ قد نبأتا ... 314 ... به فلم تعدُ الذي ذكرتا(554/12)
فكلُّ ذي علم وذي عرفان ... 315 ... منك استمده سوى الرحمن(1)
هذا وكم من آية لا تحصى ... 316 ... عداً مُنحتها ولا تستقصى
فالحمدُ لله الذي أعطاكا ... 317 ... مالم ينله أحدٌ سواكا
ذكر وفاته صلاة ربه ... 318 ... عليه ثم آله وصحبه
توفي المختارُ عامَ (أيِّ) ... 319 ... وعمرُه (صجٌّ) على المرضيِّ
11 ... 63
وقتَ الضحى في مثل يومَ وُلِدَا ... 320 ... فيه عليه الله صلى أبدا
وخُيِّرَ المختارُ في البقاءِ ... 321 ... في هذه الدار وفي اللقاءِ
لربه فاختار أن يلقاهُ ... 322 ... صلى عليه الله ما أرقاهُ
ومدَّةُ السقم (يدٌ) وقد دُفِنْ ... 323 ... ليلةَ الاربعاءِ خيرُ من أُمِنْ
14
ودُهِشَ الأصحابُ إذ مات النبي ... 324 ... ولم يكن أثبتُ فيهم من أبي
بكر وعمِّه الرضى العباسِ ... 325 ... فخطب الصديقُ خيرُ الناسِ
وثبت القومَ وجاء الخضِرُ ... 326 ... معزياً لهمْ على ما أَثروا
وغُسِّلَ المختارُ في الثيابِ ... 327 ... ووليَ الغسلَ من الأصحابِ
عليُّ والعباسُ ثم ابناهُ ... 328 ... قُثَمُ والفضلُ ومولياهُ
شُقرانُ مع أسامةٍ وذُكرا ... 329 ... أنَّ ابنَ خَوْلِيٍّ معهم قد حضرا
وكفن المختار في أثوابِ ... 330 ... ثلاثةٍ بيض بلا ارتيابِ
دون عمامة ولا قميص ... 331 ... ولا خياطة على المنصوص
بل جُعلت لفائفاً وأُدرجا ... 332 ... فيها عليه الله صلى مُدرجا
وفُرِشَتْ للمصطفى في القبر ... 333 ... قطيفةٌ حمراءُ دون نُكر
وكان في طيبة حافران ... 334 ... ذو الشق واللحد فجاء الثاني
وألحدَ القبرَ له وأطبقا ... 335 ... عليه تسع لبنات مطبقا
في بيت عائشةَ والصديقُ ... 336 ... يليه ثم حولَه الفاروقُ
صلى عليه ربنا وسلما ... 337 ... والآل والأصحاب أنجم السما
قد تم نظم قرة الأبصار ... 338 ... بحول هاد ماجد غفار
في غرة الشهر الأغر مولد ... 339 ... اسمى الورى نبينا محمد
بطيبة الغراء دار المصطفى ... 340 ... صلى عليه ربنا وشرفا
__________
(1) قال في بغية الأبرار (ص129): (سوى الرحمن) لا حاجة لهذا الاستثناء لأنه تعالى لا يوصف علمه بأنه مستمد لقدمه؛ فالصواب حذفه ويقول مثلا: فكل ذي علم وذي عرفان* منك استمده مدى الأزمان.(554/13)
وآله وصحبه ومن تلا ... 341 ... منهاجه من الأنام مسجلا(554/14)
قسوة
لحمد الحجي رحمه الله
1. تَجنَّ عليَّ بالِغْ في التجنِّي فمن ألم الجوى استوحيت فني
2. ومس بالقد منتشيًا كغصنٍ جميلٍ في اعتدال أو تثنّي
3. وأسمعْني حديثك إن روحي يمور به صدى صوت المغني
4. كأن الله أولاك افتتانًا فمازَجَ فاكَ بالوتر المرِنِّ
5. أكاد إذا سمعتُ النطق منه يضيع الفكر والوجدان مني
6. فهيا ارسِلْ شعاع اللحظ إني من الطرْف الجميل أصوغ لحني
7. أصوغ مناغيًا للناي لحنًا شَرودًا رائعًا في كل أذن
8. تهش له مسامع من أناجي ويرضاه أبو مَيٍّ ومَعْن
9. فتًى كمُلَتْ خلائقه وفاقت جميع الناس من جنس ولون
10. فلا تبخل عليَّ بحسن صوت يُميت تعاستي ويقرُّ عيني
11. فأسمعني لحون الطير تشدو وجاذِبْني الترَّنم والتغنِّي
12. ولا تبخل عليَّ بسحر قولٍ حلاوته تزيل الهمَّ عني
13. وينفح بالشذا نفسي وقلبي كأني في ذرى جنات عدن
14. ويحييني لأني في مماتٍ وفي قيدٍ وفي إظلام سجن
15. فكم من ليلةٍ أرسلتُ شعرًا يمنِّي النفس لو نفع التمني
16. ألا ياليت من أهوى قريب يخفف وطء آلامي وحزني
17. ويغمرني بفيض النور منه ويُبْدِلني رؤى خوفي بأمن
18. ويجعل وحشتي أنسًا وبرّاً ويتركني أنام بملء جفني(555/1)
قصائد حسان بن ثابت
حسان بن ثابت بن المنذر من بني مالك بن النجار الخزرجي الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد عام 60 قبل الهجرة وتوفي عام 54هـ.
وهو شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، واللسان المبين للدعوة الإسلامية، الذي خلّد مواقفها في غرر شعره، وأبلى بلاءً حميداً في المنافحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهجاء أعدائه، حتى كانوا يستجيرون بالرسول عليه الصلاة والسلام من وقع هجائه ومضاء لسانه، وكان حسان أيضاً شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر أهل اليمن في الإسلام.
وقد انبرى حسان منذ هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة للدفاع عن الإسلام وهجاء أعدائه، خاصة أولئك الشعراء من قريش الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما اشتد هجاؤهم للرسول صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« مايمنع القوم الذين نصروا رسول الله بأسيافهم أن ينصروه بألسنتهم ؟» فقال حسان: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كيف تهجوهم وأنا منهم ؟» فقال حسان: يارسول الله لأسلنك منهم كما تُسلّ الشعرة من العجين، فسُرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم به، وأكرمه ودعا له: أن يؤيده الله بروح القدس، ووعده الجنة جزاء منافحته عنه، ونصب له منبراً في المسجد الشريف ليلقي من فوقه شعره .
وقد سجلت كتب الأدب والتاريخ الكثير من الأشعار التي ألقاها حسان في مسجد سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهي في هجاء الكفار ومعارضتهم، أو في مدح المسلمين ورثاء شهدائهم وأمواتهم.
فمن الأشعار التي يهجو بها شعراء المشركين قوله من قصيدة ينافح بها عن النبي صلى الله عليه وسلم ويهجو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب الذي هجا الرسول صلى الله عليه وسلم:
ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء
بأن سيوفنا تركتك عبداً وعبد الدار سادتها الإماء(556/1)
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولستَ له بكفءٍ فشركما لخيركما الفداء
هجوت مباركاً برّاً حنيفاً أمين الله شيمته الوفاء
فمن يهجورسول الله منكم ويمدحه وينصُره سواء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
لساني صارم لاعيب فيه وبحري لاتكدره الدلاء
وكانت وفود القبائل تَقْدَم على الرسول صلى الله عليه وسلم للمفاخرة فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يستعين بشاعره حسان للرد عليهم ومفاخرتهم، وكانت الروح الإيمانية والبراعة الشعرية عند حسان مدعاة لاعتناق بعض القبائل الإسلام، فقد اعتلى حسان المنبر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم انتصاره الأدبي العظيم على شعراء بني تميم في وفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفدوا عليه بعد فتح مكة ليفاخروه، وفيهم ساداتهم البارزون، ونخبة من خطبائهم وشعرائهم، أمثال الأقرع بن حابس، والزَّبْرِقان بن بدر، وعُطارد بن حاجب، وقيس بن عاصم، فألقوا خطبهم وقصائدهم، فانتدب النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت للرد على شاعرهم الزِّبْرقان بن بدر، فنقض قصيدته بالقصيدة العينية التي يقول فيها:
إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنةً للناس تُتّبع
يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
قومٌ إذا حاربوا ضروا عدوّهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة إن الخلائق_فاعلم_ شرُّها البدع
إن كان في الناس سبّاقون بعدهم فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
ولايضنون عن مولى بفضلهم ولايصيبهم في مطمع طبع
لايجهلون وإن حاولت جهلهم في فضل أحلامهم عن ذاك مُتسع
أعفّةٌ ذكرت في الوحي عفتهم لايطمعون ولايرديهم الطمع
كم من صديق لهم نالوا كرامته ومن عدوٍ عليهم جاهد جدعوا
أعطوا نبي الهدى والبر طاعتهم فما ونى نصرهم عنه ومانزعوا
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم إذا تفرقت الأهواء والشيّع(556/2)
فلما سمع القوم ماقاله حسان، قال الأقرع بن حابس: إن هذ الرجل لمؤتى له، والله لخطيبه أخطب من خطيبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتنا، ثم أقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه وأسلموا.
المديح عند حسان:
كان حسان ينظر في مديحه للرسول صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه رضي الله عنهم، من الزاوية الدينية، لا من الزاوية القبلية،لذلك جاءت مدائحه صادقة، ونابعة من قلبه وعقله، وهذه أبيات يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أَغرّ عليه للنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن: أشهد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل، والأوثانُ في الأرض تعبد
فأمسى سراجاً مستنيراًوهادياً يلوح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا ناراً وبشّر جنةً وعلمنا الإسلام فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي بذلك ماعمّرت في الناس أشهد
ومن قوله يمدحه عليه الصلاة والسلام:
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خُلِقْتَ مبرءاً من كل عيب كأنك قد خُلِقْتَ كما تشاء
الرثاء عند حسان:
وقف حسان جانباً كبيراً من شعره على الرثاء، يبكي به من سقط شهيداً من المسلمين في الميادين، ومن تخترمه المنية من رجالهم البارزين، موظفاً قصائده المعاني الدينية، والقيم الإسلامية، ويعدد فيها مناقب المرثي في نصرة الدين والذود عن الإسلام.
قال يرثي حمزة بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد الشهداء الذي استشهد في معركة أحد سنة ثلاث للهجرة.
دع عنك داراً عفا رسمها وابك على حمزة ذي النائل
أبيض في الذروة من هاشم لم يَمْرِ دون الحق بالباطل
أظلمتِ الأرضُ لفقدانه واسودّ نور القمر الناصل
صلى عليك الله في جنة عالية مكرمة الداخل(556/3)
وقال أيضاً يرثي أصحاب بئر معونة في السنة الرابعة للهجرة، الذين غدر بهم عامر بن الطفيل، وجماعة من بني سليم، وقتلوهم جميعاً، وكانوا زهاء سبعين رجلاً من خيار الصحابة قال:
على قتلى معونة فاستهلي بدمع العين سحاً غير نزر
على خيل الرسول غداة لاقوا مناياهم ولاقتهم بقدر
أصابهم الفناء بحبل قوم تخوّن عقد حبلهم بغدر
كما قال يرثي زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحة رضي الله عنهم الذين سقطوا شهداء في معركة مؤتة من أرض البلقاء في الشام، في السنة التاسعة للهجرة:
تأوبني ليل بيثرب أعسرٌ وهَمٌّ إذا مانوّم الناس مسهر
لذكرى حبيب هيجت ثم عبرة سفوحاً وأسباب البكاء التذكر
بلى إنّ فقدان الحبيب بليةُ وكم من كريم يبتلى ثم يصبر
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيدٌ وعبدالله حين تتابعوا جميعاً وأسباب المنية تخطر
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
وتجلى رثاء حسان عندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى في السنة الحادية عشرة للهجرة فقال يرثيه:
بطيبة رسم للرسول ومعهد منيرٌ وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولاتنمحي الآيات من دار حرمة بها منبر الهادي الذي كان يصعد
بها حجرات كان ينزل وسطها من الله نور يستضاء ويوقد
معالم لم تطمس على العهد آيها أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده وقبراً به واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت عيون ومثلاها من الجفن تسعد
فبوركت ياقبر الرسول وبوركت بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحدٌ منك ضمن طيباً عليه بناء من صفيح منضد
لقد غيبوا حلماً وعلماً ورحمة عشية علوه الثرى لايوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السموات يومه ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
ومافقد الماضون مثل محمد ولامثله حتى القيامة يفقد(556/4)
ورثاه أيضاً بقصائد متعددة كلها تترجم حزنه الشديد وأسفه البالغ.
وظل حسان بن ثابت رضي الله عنه ينشد الشعر في المسجد النبوي بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم، روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب مرّ بحسان وهو ينشد الشعر فلحظ إليه _ أي نظر إليه شزراً_ فأجابه حسان: كنت أنشد الشعر وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « أجب عني، اللهم أيده بروح القدس» قال: اللهم نعم .
===============(556/5)
الامام علي بن أبي طالب
كم من خسيسٍ وضيعِ ليس له
في العِزّ بيتٌ ولا يَنْمي إلى نَسَبِ
قد صار بالأدب المحمودِ ذا شَرَفٍ
عالٍ وذا حسبٍ مَحْضٍ وذا نَشَبِ
يُعْلي التأدُّبُ أقواماً ويَرْفَعُهم
حتى يساووا ذوي العلياءِ في الرتبِ
الامام علي بن أبي طالب
تَغَرَّب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمسُ فوائدِ
تفرُّج همٍّ واكتسابُ معيشةٍ
وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
فإن قيلَ في الأسفار هَمٌّ وكربةٌ
وتشتيتُ شملٍ وارتكابُ الشدائدِ
فموتُ الفتى خيرٌ له من حياته
بدارِ هَوانٍ بين واشٍ وحاسدِ
ابن الرومي
كفى حَزَناً أَنّ الشبابَ مُعَجَّلٌ
قصيرُ الليالي والمشيبُ مخلَّدُ
وعَزَّاكَ عن ليلِ الشباب معاشِرٌ
فقالوا: نهارُ الشيب أهدى وأرشدُ
فقلتُ: نهار المرء أهدى لسعيه
ولكنَّ ظِلَّ الليل أندى وأبردُ
محارُ الفتى شيخوخةٌ أو مَنِيّةٌ
ومرجوعُ وَهَّاج المصابيح رِمْدِدُ
أبو تمام
تعوّد بسطَ الكف حتى لو انه
ثناها لقبضٍ لم تُطعه أنامِلُه
تراه إذا ما جئتَه متهَللاً
كأنكَ تعطيه الذي أنت سائله
هو البحرُ من أي النواحي أتيتَه
فلجّته المعروف والجود ساحِلُه
ولو لم يكن في كفه غيرُ روحه
لجاد بها فليتق اللهَ سائله
أبو طالب
واللهِ لن يَصِلوا إليكَ بجمعهم
حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينا
فامضِ لأِمرِكَ قد زعمتُك ناصحي
فلقد صَدَقتَ وكنتَ ثَمَّ أمينا
وعَرَضْتَ ديناً قد عَرَفتُ بأنّه
من خيرِ أديانِ البرِيةِ دينا
لولا المَلامة أو حِذار مَسَبَّةٍ
لَوَجدتني سمحاً بذاك يقينا
أبو القاسم الشابي
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلا بُدّ أن يَستجيبَ القَدَر
ولا بد للّيل أن ينجلي
ولا بُدّ للقيدِ أن ينكسر
ومن لم يعانِقْه شوق الحياةِ
تَبَخَّر في جَوِّها واندثر
كذلك قالت لي الكائناتُ
وحَدَّثَني روحُها المُستَتِر
ودمدمةُ الريحِ بين الفِجاجِ
وفوق الجبالِ وتحت الشجرْ
إذا ما طَمَحْتُ إلى غايةٍ
لبستُ المُنَى وخلعتُ الحَذَر(557/1)
ولم أَتَخوَّف وعورَ الشِّعاب
ولا كبَّة اللَّهبِ المُسْتَعِر
ومن لا يُحِبُّ صعودَ الجبال
يَعِشْ أبدَ الدهر بين الحُفَر
أبو العتاهية
إن الشبابَ والفراغَ والجدهْ
مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مَفْسَدَه
يُغنيكَ عن كل قبيحٍ تَرْكُهُ
يَرتهن الرأيَ الأصيلَ شكُّهُ
ما تَطلعُ الشمسُ ولا تَغيبُ
إلا لأمرٍ شأنُه عجيبُ
لكل شيئٍ معدنٌ وجوهرٌ
وأوسطٌٌ وأصغرٌ وأكبرٌ
وكل شيئٍ لاحِقٌ بجوهرهِ
أصغرُه متّصلٌ بأكبرِهْ
الخيرُ والشرُّ هما أزواجُ
لذا نِتاجٌ ولذا نِتاجُ
والخيرُ والشرُّ إذا ما عُدّا
بونهما بونٌ بعيدٌ جدا
عَجِبْتُ حتى غَمَّني السكوتُ
صِرتُ كأني حائرٌ مبهوتُ
كذا قضى اللهُ فكيف أصنعُ
الصمتُ إن ضاق الكلامُ أوسعُ
أبو العتاهية
إذا المرءُ لم يُعْتق المالِ من نفسَه
تَمَلَّكه المالُ الذي هو مالِكُهْ
ألا إنّما مالي الذي أنا مُنْفِقٌ
وليس لي المالُ الذي أنا تارِكُهْ
أبو فراس الحمداني
ونحن أناسٌ لا توسطَ بيننا
لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر
تَهونُ علينا في المعالي نفوسُنا
ومن يَخْطُب الحسناءَ لم يُغْلِها المهر
أَعَزُّ بني الدنيا وأعلى ذوي العلا
وأكرمُ مَن فوقَ التراب ولا فخر
أبوالقاسم السهيلي
يا من يرى ما في الضمير ويسمعُ
أنت المُعِدُّ لكلّ ما يتوقَّعُ
يا من يُرجَّي للشدائد كلِّها
يا من إليه المشْتَكَي والمفْزعُ
يا من خزائن رزقه في قول كُنْ
أَمْنُنْ فإن الخيرَ عندك أجمعُ
ما لي سوى فقري إليك وسيلةٌ
فبالافتِقارِ إليكَ فقري أدْفعُ
ما لي سوى قَرعي لبابك حيلةٌ
فَلَئِن رُدِدْتُ فأيَّ بابٍ أقرعُ
ومَن الذي أدعو وأهتِف بإسمه
إن كان فضلُك عن فقيرِك يُمْنَعُ
حاشا لفضلك أن تُقَنِّطَ عاصياً
الفضلُ أَجْزلُ والمواهب أوْسَعُ
أبو محجن الثقفي
لقد عَلِمت ثقيفٌ غيرَ فخرٍ
بأنَّا نحن أكرمُهم سيوفا
وأكرمُهم دروعاً سابغاتٍ
وأصبرُهم إذا كرهوا الوقوفا
وليلةَ قادسٍ لم يشعروا بي
ولم أُشْعِر بِمَخْرَجيَ الزُّحوفا(557/2)
وأنَّا وَفْدُهم في كل يومٍٍ
فإن عَتَبوا فَسَلْ بهِمُ عريفا
فإِن أُحْبَسْ فذلكمو بلائي
وإِن أُتْرك أَذَقْتُهُم الحتوفا
أبو العيناء
مَن كان يَمْلِك درهمين تعلَّمت
شَفتاه أنواعَ الكلام فقالا
وتقدَّم الفصحاءُ فاستمعوا له
ورأيتَه بين الوَرَى مختالا
لولا دراهمُه التي في كيسه
لرأيتَه شرَّ البرية حالا
إن الغَنِىَّ إذا تكلم كاذِباً
قالوا صَدقتَ وما نَطَقتَ مُحالا
وإذا الفقيرُ أصاب قالوا لم يُصِب
وكذبتَ يا هذا وقُلتَ ضلالا
إن الدراهمَ في المواطنِ كلِّها
تكسو الرجالَ مهابةً وجلالا
فهي اللسانُ لمن أراد فصاحةً
وهي السلاحُ لمن أراد قتالا
أسامة بن مرشد
وما أشكو تلوُّن أهلِ وُدي
ولو أجدت شَكِيَّتُهم شَكوْتُ
مَلِلتُ عِتابَهم ويئستُ منهم
فما أرجوهُم فيمن رَجَوت
إذا جرحت مساويهم فؤادي
صبرتُ على الإساءةِ وانطويتُ
ورحتُ عليهمُ طَلْقَ المحيّا
كأني ما سمعتُ ولا رأيتُ
تَجَنَّوا لي ذنوباً ما جَنَتها
يداي ولا أمَرتُ ولا نهيتُ
ولا والله ما أضمرتُ غدراً
كما قد أظهروه ولا نويتُ
ويومُ الحشر موعدُنا وتبدو
صحيفةُ ما جَنَوه وما جَنَيْتُ
اسماعيل صبري
أقصِر فؤادي فما الذكرى بنافعةٍ
ولا بشافعةٍ في ردِّ ما كانا
سلا الفؤادُ الذي شاطرتَه زَمناً
حَمْلَ الصّبابةِ فاخفِق وَحْدك الآنا
هَلاّ أَخَذْتَ لهذا اليوم أُهبَتَهُ
مِن قَبلِ أن تُصبحَ الأشواقُ أحزانا
لهفي عليكَ قضيت العُمرَ مُقْتَحِماً
في الوصل ناراً وفي الهِجران نيرانا
امرؤ القيس
وقد أغتدى والطيرُ في وُكُناتِها
بِمُنْجَرِدٍ قَيدِ الأوابد هَيكَلِ
كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عن حالِ مَتْنِهِ
كما زَلَّتِ الصفواءُ بالمُتَنَزِّلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً
كجُلمودِ صخرٍ حَطَّهُ السيلُ مِن عَلِ
على الذَّبلِ جَيَّاشٍ كأنَّ اهتزامَه
إذا جاشَ فيه حَمْيُهُ غَلْيُ مِرْجَلِ
مِسَحٍّ إذا ما السابحاتُ على الوَنَى
أَثَرْنَ الغُبارَ بالكَديدِ المُرَكَّلِ(557/3)
يَزِلُّ الغُلامُ الخفُّ عن صَهَواتِهِ
ويُلْوي بأثوابِ العَنيفِ المُثَقَّل
دَريرٍ كَخُذروفِ الوليدِ أمَرَّه
تتابُعُ كَفَّيهِ بخيطٍ مُوَصَّلِ
له أيْطَلا ظبيٍ وساقا نَعامةٍ
وإرخاءُ سِرحانٍ وتَقريبُ تَنْفُلِ
ضَليعٍ إذا استدبرته سدَّ فَرْجَه
بضافٍ فُوَيْقَ الأرضِ لَيسَ بِأَعزلِ
كأنَّ على المَتْنينِ منهُ إذا انتحى
مَداكَ عَروسٍ أة صَلايَةَ حَنْظَلِ
كأنَّ دِماءَ الهادياتِ بنحرِه
عُصارَةُ حِنّاءٍ بِشَيْبٍ مُرَجَّلِ
امرئ القيس
وليل كموجِ البحرِ أَرخى سدولَه
عليَّ بأنواعِ الهموم ليبتلي
فقلتُ له لمّا تمطّى بصُلْبه
وأردفَ أَعجازاً وناءَ بكلكلِ
ألا أيّها الليلُ الطويلُ أَلا انجلي
بِصُبْحٍ وما الإصباحُ منكَ بأمثلِ
فيالَكَ من ليلٍ كأن نجومه
بِكُلِّ مُغارِ الفتل شُدَّت بيذْبُلِ
كأنَّ الثريا عُلِّقَت في مَصامِها
بأمراسِ كَتّانٍ إلى صُمِّ جَندلِ
الحصين بن الحمام المري
فلستُ مبتاع الحياةِ بذِلةٍ
ولا مُرْتَقٍ من خَشْيةِ الموتِ سُلَّما
ولما رأيت الوُدِّ ليس بنافعي
عَمَدت إلى الأمرِ الذي كان أَحزما
تأخَّرتُ أَستبقي الحياةَ فلم أجد
لنفسي حياةً مِثلَ أن أَتقدَّما
فلسْنا على الأعقاب تَدْمَى كُلومُنا
ولكن على أقدامِنا تقطُر الدِّما
الخنساء
وقائلةٍ والنعشُ قد فات خَطْوَها
لِتُدْرِكَه يا لَهفَ نفسي على صَخْرِ
ألا ثَكِلَت أمُّ الذين غَدَوا به
إلى القبرِ ماذا يحملون إلى القبرِ
وماذا يُواري القبرُ تحت تُرابِهِ
من الجود يا بؤسَ الحوادث والدَّهْرِ
فشأنُ المنايا إذ أصابَكَ رَيْبُها
لَتَغْدو على الفِتيانِ بعدك أو تَسْري
دريد بن الصمة
نصَحْتُ لِعارضٍ وأصحابِ عارِضٍ
ورَهْط بني السوداءِ والقومُ شُهَّدي
أمَرْتُهم أَمري بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى
فلم يستبينوا الرشدَ إلاَّ ضُحى الغَدِ
فلمّا عَصَوْني كنتُ منهم وقد أرَى
غَوايَتَهم أو أنني غيرُ مُهتدِ
وَهَل أنا إلاَّ مِن غَزِيَّةَ إن غَوَتْ(557/4)
غَوَيْت وإِن تَرْشُد غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
شمس المعالي قابوس
قل للذي بصروفِ الدهرِ عَيَّرَنا
هل حارب الدَّهرُ إِلاَّ مَن له خَطَرُ
أما ترى البحرَ تعلو فوقه جِيَفٌ
ويستقر بأقصى قعرِه الدُّرَرُ
فإن تكن نَشِبت أيدي الزمان بنا
ونالنا من تمادي بؤسه الضررُ
ففي السماء نجومٌ ما لها عددٌ
وليس يُكْسَفُ إلاَّ الشمسُ والقمرُ
الشيخ السابوري
لصمتُ للمرء حليفُ السِّلمِ
وشاهِدٌ له بفضلِ الحُكم
وحارسٌ من زَلَلِ اللسانِ
في القولِ إِنْ عَيَّ عن البيانِ
فَعُذْ بِهِ مُعْتَصِماً من الخطا
أو سَقَطٍ يَفْرُطُ فيما فَرَطا
صالح بن عبدالقدوس
وإنَّ عناءً أن تُعَلِّمَ جالاً
فَيَحْسَبَ جهْلاً أنَّه منك أعلمُ
متى يَبْلُغُ البُنيانُ يوماً تمامَه
إذا كنتَ تبنيه وغيرُك يَهْدِمُ ؟
متى ينتهي عن سَيِّئٍ من أَتى به
إذا لم يكن منه عليه تَنَدُّمُ ؟
طرفة بن العبد
أرى الموتَ يعتام الكرامَ ويصطفي
عقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدِّدِ
أرى العيشَ كنزاً ناقصاً كلَّ ليلةٍ
وما تَنْقُص الأيامُ والدهرُ يَنْفَدِ
لَعَمْرُكَ إن الموتَ ما أَخطأ الفتى
لكالطِّوَلِ المرْخَي وثِنْياه باليدِ
العباس بن الأحنف
بكيتُ على سِرْبِ القطا إذ مَرَرْنَ بي
فقلتُ ومثلي بالبكاءِ جديرُ
أَسِرب القطا هل مَن يُعير جناحَه
لَعلّي إلى مَن قد هويتُ أطيرُ
فجاوَبَنْني مِنْ فَوقِ غُصنِ أراكةٍ
ألا كُلُّنا يا مُستعيرُ مُعيرُ
وأيُّ قطاةٍ لم تُعِركَ جناحَها
فعاشت ببؤسٍ والجناحُ كسيرُ
هَرِمُ بن غنامٍ السَّلولي
إذا قلتَ في شيئٍ "نعم" فأَتِمَّهُ
فإنّ "نعم" دَينٌ على الحُرِّ واجِبُ
وإلاّ فقُل "لا" واسْتَرِح وأَرِح بها
لكيلا يقولَ الناسُ إنكَ كاذِبُ
منصور النميري
ما تنقضي حَسرةٌ مني ولا جزَعُ
إذا ذكرتُ شباباً ليس يرتجع
بانَ الشبابُ وفاتتني بلذته
صروفُ دهرٍ وأيامٌ لها خدع
ما كنتُ أوفي شبابي كُنَهَ قيمته
حتى انقضى فإذا الدنيا له تَبَعُ
معن بن زائدة(557/5)
إِني حُسِدْتُ فزاد اللهُ في حَسدِي
لا عاش مَن عاش يوماً غيرَ محسودِ
ما يُحْسَدُ المرءُ إلاّ مِن فضائِله
بالعِلمِ والظُّرفِ أو بالباسِ والجودِ
المقنع الكندي
يعاتِبُني في الدَيْن قومي وإنما
دُيوني في أشياءَ تُكْسِبُهم حمدا
أسُدّ به ما قد أخلُّوا وضيّعوا
ثُغُورَ حقوقٍ ما أطاقوا لها سَدّا
وإنّ الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لَمُخْتَلِفٌ جدا
فإن أكَلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهم
وإن هَدَموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
وإنْ ضَيّعوا غيْبي حَفَظْتُ غيوبَهم
وإن هَوُوا غَيّي هَويت لهم رشدا
وإن زَجروا طيراً بنحسٍ تمرُّ بي
زَجَرتُ لهم طيراً تمرُّ بهم سَعْدا
ولا أحْمِل الحِقدَ القديمَ عليهمُ
وليس رئيسُ القومِ مَن يحمل الحِقدا
لهم جُلُّ مالي إن تتابع لي غِنىً
وإن قلَّ مالي لم أُكَلِّفْهُمُ رِفْدا
وإِني لَعَبْدُ الضيفِ ما دام نازلاً
وما شيمةٌ لي غيرَها تُشبِه العَبدا
مروان بن أبي حفصة
ولمَّا وَقفنا للوداع ودمعُها
ودَمعي يَفيضان الصبابةَ والوَجْدا
بكت لؤلؤاً ففاضت مدامعي
عَقيقاً فصار الكُلُّ في جيدِها عِقدا
محمد بن وهيب
لَئِن كنتُ محتاجاً إلى الحلم إنني
إلى الجهل في بعض الأحايين أحوجُ
ولي فَرسٌ للحلم بالحِلم مُلْجَمٌ
ولي فرسٌ للجهل بالجهلِ مُسْرَجُ
فمن رام تقويمي فإني مقوَّم
ومن رام تعويجي فإني مُعوَّجُ
وما كنتُ أرضى الجهل خِدْناً وصاحباً
ولكنني أرضى به حين أُحْرَجُ
ألا رُبَّما ضاق الفضاءُ بأهله
وأمكَن من بين الأسنة مخرج
وإن قال بعض الناس: فيه سماجةٌ
فقد صدقوا، والذلُّ بالحرّ أسمج
أبو علي محمد بن محمد الأنباري
إذا ما ألمَّت شدةٌ فاصطبر لها
فخيرُ سلاحِ المرءِ في الشِّدَّةِ الصَّبْرُ
وإنّي لأَستحي من اللهِ أن أُرَى
إلى غيره أشكو وإن مَسَّني الضُرُّ
عسى فَرَجٌ يأتي به الدهرُ حازماً
صَبوراً فإن الخيرَ مِفْتاحُه الصبرُ
فكم من هُمومٍ بعد طولٍ تكشَّفت
وآخرُ معسور الأمور له يُسْرُ
المتنبي(557/6)
ذا الفضلُ لم يَرْفَعْكَ عن شكرِ ناقصٍ
على هِبَةٍ فالفضلُ فيمن له الشكرُ
ومَن يُنْفِق الساعاتِ في جمع ماله
مخافةَ فقرٍ فالذي فعل الفقرُ
ليلى الأخيلية
لعمرُكَ ما بالموتِ عارٌ على الفتى
إذا لم تُصِبْه في الحياةِ المعايرُ
وما أَحَدٌ حياًّ وإن كان سالماً
بأَخْلَدَ مِمَّن غيَّبتْه المقابرُ
ومَن كان مما يُحدِث الدهرُ جازِعاً
فلابُدَّ يوماً أن يُرَى وهو صابرُ
وليس لذي عيشٍ من الموتِ مَذْهَبٌ
وليس على الأيامِ والدهرِ غابرُ
علي بن الخليل
لا أظلِمُ الليلَ ولا أدَّعي
أن نجومَ الليلِ ليست تزول
ليلي كما شاءت قصيرٌ إذا
جادت و إن ضنَّت فليلي طويل
صالح بن عبدالقدوس
دَعْ عنكَ ما قد فاتَ في زَمَنِ الصِّبا
واذْكر ذُنوبَك وابْكِها يا مُذْنِبُ
واحْذَر من المظلومِ سَهماً صائباً
واعْلَم بِأَنَّ دُعاءَه لا يُحْجَبُ
واحذَر مُؤاخاةَ اللئيم فإِنّه
يُعدي كما يُعدي الصّحيح الأجربُ
إنّ القلوبَ إذا تنافر وِدُّها
شِبهُ الزجاجةِ كسرُها لا يُشْعَبُ
واحذَر عدوَّك إذ تراه باسماً
فالليث يبدو نابُه إذ يَغضبُ
يُعطيكَ من طرفِ اللسانِ حلاوةً
ويروغُ منكَ كما يَروغُ الثَّعلَبُ
الطغرائي
جامِل عَدوَّك ما استطعتَ فإنه
بالرِّفقِ يُطْمَع في صلاح الفاسدِ
واحذَر حَسودَك ما استطعتَ فإنه
إنْ نِمتَ عنه فليس عنك براقِدِ
إنَّ الحسودَ وإن أَراك تَوَدُّداً
منه، أضرُّ من العدوّ الحاقِدِ
ولربما رَضى العدوُّ إذا رأى
منكَ الجميلَ فصار غيرَ معاندِ
ورِضا الحَسودِ زوالُ نعمتكَ التي
أُوتيتَها من طارفٍ أو تالدِ
فاصْبِر على غَيْظِ الحسودِ فنارُه
تَرمي حشاه بالعَذابِ الخالدِ
أوَما رأيتَ النارَ تأكلُ نَفسَها
حتى تعودَ الى الرَّمادِ الهامدِ
تَضْفو على المحسودِ نعمةُ ربه
ويَذوب مِن كَمَدٍ فؤادُ الحاسدِ
عنترة بن شداد العبسي
يَعيبون لوني بالسوادِ جَهالةً
ولولا سوادُ الليل ما طلع الفَجرُ
وإن كان لوني أسوداً فشمائلي(557/7)
بياضٌ ومن كَفَّيَّ يُسْتَنْزَل القَطْرُ
عنترة بن شداد العبسي
لقد هان عندي الدهر لما عرفته
وإني بما تأتي الملمات أخبرُ
وليس سباع البرِّ مثل ضباعه
ولا كل من خاض العجاجة عنترُ
سلي صرف هذا الدهر كم شنّ غارةً
ففرجتها والموتُ فيها مشمرُ
بصارم عزمٍ لوضربتُ بحدهِ
دجى الليل ولى وهو بالنجم يعثرُ
0@ابو فراس الحمداني
مصابي جليلٌ ، والعزاءُ جميلُ ،
وظني بأن الله سوفَ يُديلُ
جراحٌ ، تحاماها الأساةُ مخوفةٌ
وسُقمان : بادٍ ، منهما ، ودخيلُ
وأسرٌ أقاسيه ، وليلٌ نجومهُ،
أرى كلَّ شيءٍ ، غيرهن ، يزولُ
تطولُ بي الساعاتُ ، وهي قصيرةٌ
وفي كلِّ دهرٍ لا يسرك طولُ !
تناساني الأصحاب ، إلا عُصيبةً
ستلحق بالأخرى ، غدا وتحولُ!
ومن ذا الذي يبقى على العهد ؟
إنهم وإن كثُرتْ دعواهُمُ ، لقليلُ
0@المهلهل سالم يرثي اخاه كليب
دعوتكَ يا كليبُ فلم تجبني
وكيف يجيبني البلدُ القَفارُ
أجبني يا كُليبُ خلاك ذمٌ
ضنيناتُ النفوس لها مَزارُ
أجبني يا كُليبُ خلاك ذمٌ
لقد فُجِعتْ بفارسها نِزارُ
سقاك الغيثُ إنك كنت غيثاً
ويُسراً حين يُلتمسُ اليسارُ
أبت عيناي بعدك أن تَكُفا
كأن غضا القتادِ لها شِفارُ(557/8)
قصائد شعرية منوعة
أمية بن أبي الصلت توفي سنة 9 للهجرة
إلهُ العالمينَ وكُلِّ أرضٍ وربُ الراسياتِ من الجبالِ
بَنَاها وابتنى سَبعاً شِداداً بِلا عمدٍ يُرينَ ولا رجالِ
وسواها وزينها بِنورٍ من الشمس المضيئة iiوالهلالِ
ومن شُهُبٍ تلألأُ في دُجاها مَراميها أشَدُّ من النِّصالِ
وشَق الأرض فانبجستْ عيُوناً وأنهاراً من العَذْبِ الزلالِ
وبَاركَ في نواحيها وزَكّى بها ما كان من حَرْثٍ iiومالِ
فكُلُ معمرٍ لابد يوماً وذي دُنيا يصيرُ إلى زوالِ
ويفنى بعد جِدته ويبلى سوى الباقي المقدس ذي الجلالِ
وسِيقَ المجرمون وهم إلى ذات المقامعِ والنكالِ
فنادوا ويلَنا ويلاً طويلاً وعَجُّوا في سَلاسلها الطوالِ
فليسوا ميتين وكلهمُ بحر النار صالي
وحَلّ المتقون بدار وعيش ناعمٍ تحت الظلالِ
لهم ما يشتهون وما تمنوا من الأفراح فيها iiوالكمالِ
***************
لبشر بن أبي عوانة العبدي
*
أفاطم لو شهدتِ ببطن خبتٍ
وقد لاقى الهزبرُ أخاك بشرا
*
*
إذاً لرأيتِ ليثاً أمّ ليثاً
هزبراً أغلباً لاقى هزبرا
*
*
تبهنس إذا تقاعس منه مهري
محاذرةً ، فقلت عقرت مهرا
*
*
أنلْ قدميّ ظهر الأرض إني
رأيتُ الأرض أثبت منك ظهرا
*
*
فحين نزلت مدّ إليّ طرفاً
يُخال الموتُ يلمع منه شزرا
*
*
فقلتُ له وقد أبدى نصالاً
محددة ووجها مكفهرا
*
*
وفي يمناي ماضي الحد أبقى
بمضربه قراعُ الدهر أثرا
*
*
ألم يبلغكَ مافعلتْ ظباه
بكاظمةٍ غداة قتلتُ عمرا
*
*
وقلبي مثلُ قلبك ليس يخشى
مصاولةً فكيف يخاف ذُعرا
*
*
نصحتك فالتمس يا ليث غيري
طعاماً إن لحمي كان مرّا
*
*
فلمّا ظنّ أن النصحَ غشٌ
فخالفني كأني قلتُ هُجرا
*
*
خطا وخطوتُ من أسدْين راما
مراما كان إذ طلباه وعرا
*
*
يكفكف غيلة إحدى يديه
ويبسطُ للوثوب إليّ أخرى
*
*
هززتُ له الحسامَ فخلتُ أني
شققت به من الظلماءِ فجرا
*
*
وأطلقتُ المهندَ من يميني
فقدّ له من الأضلاع عشرا
*
*(558/1)
فخرّ مضرجاً بدمٍ كأني
هدمتُ به بناء مشمخِرا
*
*
فقلتُ له يعزُّ عليّ أني
قتلتُ مماثلي جلداً وقهرا
*
*
ولكن رمتَ أمراً لم يرمهُ
سواك فلم أطق ياليث صبرا
*
*
تحاولُ أن تعلمني فراراً
لعمرُ أبيك قد حاولت نُكرا
*
*
فلا تجزع فقد لا قيت حُراً
يُحاذِرُ أن يعاب فمتَّ حُرا
*
أفاطم لو شهدتِ ببطن خبتٍ
وقد لاقى الهزبرُ أخاك بشرا
*
*
إذاً لرأيتِ ليثاً أمّ ليثاً
هزبراً أغلباً لاقى هزبرا
*
*
تبهنس إذا تقاعس منه مهري
محاذرةً ، فقلت عقرت مهرا
*
*
أنلْ قدميّ ظهر الأرض إني
رأيتُ الأرض أثبت منك ظهرا
*
*
فحين نزلت مدّ إليّ طرفاً
يُخال الموتُ يلمع منه شزرا
*
*
فقلتُ له وقد أبدى نصالاً
محددة ووجها مكفهرا
*
*
وفي يمناي ماضي الحد أبقى
بمضربه قراعُ الدهر أثرا
*
*
ألم يبلغكَ مافعلتْ ظباه
بكاظمةٍ غداة قتلتُ عمرا
*
*
وقلبي مثلُ قلبك ليس يخشى
مصاولةً فكيف يخاف ذُعرا
*
*
نصحتك فالتمس يا ليث غيري
طعاماً إن لحمي كان مرّا
*
*
فلمّا ظنّ أن النصحَ غشٌ
فخالفني كأني قلتُ هُجرا
*
*
خطا وخطوتُ من أسدْين راما
مراما كان إذ طلباه وعرا
*
*
يكفكف غيلة إحدى يديه
ويبسطُ للوثوب إليّ أخرى
*
*
هززتُ له الحسامَ فخلتُ أني
شققت به من الظلماءِ فجرا
*
*
وأطلقتُ المهندَ من يميني
فقدّ له من الأضلاع عشرا
*
*
فخرّ مضرجاً بدمٍ كأني
هدمتُ به بناء مشمخِرا
*
*
فقلتُ له يعزُّ عليّ أني
قتلتُ مماثلي جلداً وقهرا
*
*
ولكن رمتَ أمراً لم يرمهُ
سواك فلم أطق ياليث صبرا
*
*
تحاولُ أن تعلمني فراراً
لعمرُ أبيك قد حاولت نُكرا
*
*
فلا تجزع فقد لا قيت حُراً
يُحاذِرُ أن يعاب فمتَّ حُرا
*****************
القصيدة لأبي العتاهية
إسماعيل بن القاسم بن سويد العَنَزي من قبيلة عنزة بالولاء
الدَّهْرُ ذو دُولٍ والموتُ ذو عِلَلٍ
ولم تزل عِبَرٌ فِيهنَّ مُعْتَبرٌ
يبكي ويضحكُ ذو نفسٍ مُصَرَّفَةٍ(558/2)
والمُبتلى فهوَ المهجور جانبهُ
والخَلْقُ مِنْ خَلْقِ ربي قد يُدَبِّرُهُ
طُوبى لعبدٍ لِمولاهُ إنابتهُ
يا بائع الدين بالدنيا وباطِلها
حتى متى أنت في لهوٍ وفي لعبِ
ما كلُ ما يتمنى المرءُ iiيدرِكهُ
إن المنى لَغُرورٌ ضِلةً وَهَوىً
تَغْتَرُّ لِلجهل بالدنيا وَزُخرفها
كأنَّ حَيًّا وقد طالتْ سلامتُهُ
والناسُ في رَقْدَةٍ عما يُرادُ iiبهم
أنصفْ هُدِيتَ إذا ما كنتَ iiمُنتصفاً
يارُبَّ يوْمٍ أتت بُشراهُ مُقْبِلةً
لا تحقرنَّ من المعروف iiأصغرهُ
وكُلُّ أمرٍ لهُ لابُدَّ iiعاقِبةٌ
تلهو وللموت مُمسانا ومُصبحنا
كم من فتىً قد دنت للموت رِحلتُهُ
ما أقرب الموتَ في الدنيا وأفظَعَهُ
كم نافسَ المرءُ في شيءٍ وكايدَ فِيـ
بينا الشفيقُ على إلْفٍ يُسّرُّ بهِ
يبكي عليه قليلاً ثم يخرجهُ
وكلُ ذِي أجلٍ يوماً سيبلغهُ
والمرءُ ذو أملٍ والناسُ أشباهُ
يجري بها قدرٌ والله أجراهُ
والله أضحكهُ والله أبكاهُ
والناسُ حيثُ يكونُ المالُ والجاهُ
كُلٌّ فمستعبدٌ والله مولاهُ
قد فاز عبدٌ مُنيبُ القلبِ أواهُ
ترضى بِدينك شيئاً ليس يَسْواهُ
والموتُ نحوك يهوي فاغراً فاهُ
رُبَّ امرىءٍ حَتفُهُ فيما ُ
لعل حتفَ امرىءٍ في الشيءِ iiيَهواهُ
إن الشقيَّ لَمَنْ غرته iiدنياهُ
قد صار في سكراتِ الموت تغشاهُ
ولِلحوادثِ تَحْريكٌ وإنباهُ
لا ترضَ لِلناس شيئاً لستَ ترضاهُ
ثم استحالت بصوتِ النَّعيِ iiبُشْراهُ
أحسنْ فعاقِبَةُ الإحسانِ حُسناهُ
وخيرُ أمركَ ما أحمدتَ عَقباهُ
من لم يُصبِّحْهُ وَجْهُ الموتِ مَسَّاهُ
وخيرُ زاد الفتى للموت تقواهُ
وما أمَرَّ جنى الدنيا وأحلاهُ
ــهِ الناسَ ثُم مضى عنهُ وخلاهُ
إذ صار أغمضهُ يوماً iiوسجاهُ
فَيُمْكِنُ الأرضَ مِنهُ ثم ينساهُ
وكُلُّ ذِي عملٍ يوماً سيلقاهُ
*****************
هذه القصيدة للشاعر محمد مهدي الجواهري
*
لفَ العباءةَ واستقلاَّ
بقطيعهَ عجلاً .. ومهلا
*
*
وانصاع يسحبُ خلفه
ركْباً يُعرِّس حيث حلاَّ
*(558/3)
*
يرمي بها جبلاً فتتـ
ـــبعُ خَطْوَهُ..ويحطُّ سهلاَّ
*
*
أبداً يقاسمها نصيـ
ــباَ من شَظيِف العيشِ سهلاَّ
*
*
يَصلى كما تَصلى الهجيرَ
ويستقي ثَمداً وضحلا
*
*
يومي فتفهم ما يريـ
ـدُ ويرتمي فتهُبُّ عجلى
*
*
وتكادُ (تُعرِبُ) بالثُغا
ء (هلاَ ) و (حيهلاَ ) وهلاَّ
*
*
يقفو بعين النسر تَرْ
قُبُ أجْدَلاً ذئباً أزلاَّ
*
*
ويحوطُ كالأسدِ اجتبى
أشباله .. جدياً وسَخلا
*
*
أوفى على روض الحيا
ةِ يجوبُهُ حقلاً فحقلا
*
***
***
*
ياراعي الأغنام : أنت
أعزُّ مملكةً وأعلى
*
*
لله ملْكُك ما أدقَّ
وما أرقَّ . . وما أجلاَّ
*
*
يرويكَ من رشفاتهِ
قمرُ السماء إذا أطلاَّ
*
*
ويَقِيكَ في وعْثِ السُرى
وَهَجُ المجرة أن تَضِلاَّ
*
*
وتَلُمُّ في الأسحار عنـ
ــقودَ النجومِ إذا تدلى
*
*
أبداً تَشيمُ الجوَّ تعـ
ـــرفُ عنده خِصباً ومَحلا
*
*
وتودُ لو حَنَتِ الفصو
لُ على الربيعِ فكُنَّ فصلا
*
*****************
هذه القصيدة للشاعر إيليا أبو ماضي
قصة الحرية ....
في حياة وردة ....
صاغها الشاعر كأروع ما يكون ....
رآها يحلُّ الفجرُ عقد جفونها
*
*
ويُلقي عليها تبرهُ فيذوبُ
وينفض عن أعطافها النورَ لؤلؤاً
*
*
من الطلِّ ما ضُمت عليه جيوبُ
فعالجها حتى استوت في يمينه
*
*
وعاد إلى مغناه وهو طروبُ
وشاء فأمست في الإناء سجينةً
*
*
لتشبع منها أعينٌ وقلوبُ
فليست تحيي الشمس عند شروقها
*
*
وليست تحيي الشمس حين تغيبُ
ومن عُصبت عيناه فالوقت كله
*
*
لديه وإن لاح الصباحُ غروبُ
لها الحجرة الحسناءُ في القصر إنما
*
*
أحب إليها روضةٌ وكثيبُ
وأجمل من نور المصابيح عندها
*
*
حُباحبُ تمضي في الدجى وتؤوبُ
وأحلى من السقف المزخرف بالدمى
*
*
فضاءٌ تشع الشهبُ فيه رحيبُ
تحنُ إلى مرأى الغدير وصوته
*
*
وتُحرم منه ، والغدير قريبُ
وكانت قليل الطل ينعش روحها
*
*
وكانت بميسور الشعاع تطيبُ(558/4)
تمشى الضنى فيها وأيار في الحمى
*
*
وجفت وسربال الربيع قشيبُ
إسارك يا أخت الرياحين مفجعٌ
*
*
وموتك يا بنت الربيع رهيبُ
********************
هذه القصيدة للشاعر محمد مهدي الجواهري
*
إذا خانتك موهبةٌ فحقُ
سبيل العيشِ وَعْرٌ لا يُشَقُ
*
*
وما سهلٌ حياةُأخي شعورٍ
من الوجدان ينبضُ فيه عرقُ
*
*
أحلَّتْهُ وداعته محيطاً
حمته جوارحٌ للصيد زُرقُ
*
*
تفيض وضاحةً والعيش غِشٌ
سلاحك فيه أن يعلوك رَنقُ
*
*
وتحملُ ما يجلُ من الرزايا
قُواك وقد تخورُ لما يَدِقُ
*
*
وقد تقسو ظروفٌ مُحوِجاتٌ
عليك وأنت وَهمُ بما ظنوا مُحِقُ
*
*
قليلٌ عاذروك على انقباضِ
أحب الناس عند الناس طَلْقُ
*
*
ووجهٌ تقطرُ الأحزان منه
على الخلطاء مَحمِلهُ يشِقٌ
*
*
شريكُكَ في مزاجك من تُصافي
له شِقٌ وطوعُ يديك شِقُ
*
*
وقبلاً قال ذا أدبٍ ظريفٍ
قِرى الأضياف قبل الزاد خُلقُ
*
*
وعذرُك أنت آلام ثِقالٌ
لهنَّ بعيشةِ الأدباء لَصْقُ
*
*
أحقُ الناس بالتلطيفِ يغدو
وكل حياته عَنَتٌ وزَهْقُ
*
*
تسير بك العواطفُ للمنايا
وعاطفةٌ تسوءُ الظُفرَ حُمْقُّ
*
*
وحتى في السكوتِ يُرادُ حزمٌ
وحتى في السلام يُراد حذقُ
*
*
يريد الناسُ أوضاعاً كثاراً
وفيك لما يُريد الناس خَرقُ
*
*
خضوع الفرد للطبقات فرضٌ
وقاسيةٌ عقوبةُ من يَعِقُ
*
*
نسيجٌ من روابطَ محكماتٍ
شذوذُ العبقرية فيه فَتْقُ
*
*
وعندكَ قوةُ التعبير عما
تُحسُّ وميزةُ الشُعراء نُطقُ
*
*
حياتك أن تقول ولو لهاثاً
وحُكمٌ بالسكوتِ عليك شَنقُ
*
*
فما تدري أتُطلق من عنان الـ
قريحةِ أم تُسِفُ فتُستَرق
*
*
غريبٌ عالم الشعراءِ تقسو
ظروفهم وألسنهم تَرِقُّ
*
*
كبعض الناس هم فإذا استُثِروا
فبينهم وبين الناس فرقُ
*
*
شذوذ الناس مُختلق ولكنْ
شذوذ الشاعر الفنان خَلْقُ
*
*
وإن تعجب فمن لَبِقٍ أريبٍ
عليه تساويا سَطْحٌ وعُمق
*
*
تضيق به المسالك وهو حُرٌّ(558/5)
ويُعوِزُهُ التقلب وهو ذَلْقُ
*
*
وسر الشاعرية في دماغٍ
ذكيٍ وهو في التدبير خَرْقُ
*
*
تخبط في بسائطهِ وحَلَّت
على يده من الأفكار غُلقُ
*
*
مشاهيرٌ وما طَلَبوا اشتهاراً
مشتْ بُردٌ بهم وأُثِيرَ برقُ
*
*
ومرموقون من بُعدٍ وقُربٍ
لهم أُفقٌ وللقمرين أُفْقُ
*
*****************
هذه القصيدة للشاعر ايليا أبي ماضي
السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحر ساجٍ صامتٌ فيه خشوع الزاهدين
لكنما عيناك باهتتان في الأفق البعيد
سلمى ...بماذا تفكرين؟
سلمى ...بماذا تحلمين؟
أرأيت أحلام الطفولة تختفي خلف التخوم؟
أم أبصرتْ عيناك أشباح الكهولة في الغيوم؟
أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجاني ولا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنما
أظلالها في ناظريك
تنم ، ياسلمى ، عليك
إني أراك كسائحٍ في القفر ضل عن الطريق
يرجو صديقاً في الفلاة ، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضوءها ، ويخاف تخدعهُ البروق
بلْ أنت أعظم حيرة من فارسٍ تحت القتام
لا يستطيع الانتصار
ولا يطيق الانكسار
هذي الهواجس لم تكن مرسومة في مقلتيك
فلقد رأيتك في الضحى ورأيته في وجنتيك
لكن وجدتُك في المساء وضعت رأسك في يديك
وجلست في عينيك ألغازٌ ، وفي النفس اكتئاب
مثل اكتئاب العاشقين
سلمى ...بماذا تفكرين
بالأرض كيف هوت عروش النور عن هضباتها؟
أم بالمروج الخُضرِ ساد الصمت في جنباتها؟
أم بالعصافير التي تعدو إلى وكناتها؟
أم بالمسا؟ إن المسا يخفي المدائن كالقرى
والكوخ كالقصر المكينْ
والشوكُ مثلُ الياسمين
لا فرق عند الليل بين النهر والمستنقع
يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجعِ
إن الجمالَ يغيبُ مثل القبح تحت البرقعِ
لكن لماذا تجزعين على النهار وللدجى
أحلامه ورغائبه
وسماؤُهُ وكواكبهْ؟
إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها
لم يسلب الزهر الأريج ولا المياه خريرها(558/6)
كلا ، ولا منعَ النسائم في الفضاءِ مسيرُهَا
ما زال في الوَرَقِ الحفيفُ وفي الصَّبَا أنفاسُها
والعندليب صداحُه
لا ظفرُهُ وجناحهُ
فاصغي إلى صوت الجداول جارياتٍ في السفوح
واستنشقي الأزهار في الجنات مادامت تفوح
وتمتعي بالشهب في الأفلاك مادامتْ تلوح
من قبل أن يأتي زمان كالضباب أو الدخان
لا تبصرين به الغدير
ولا يلذُّ لك الخريرْ
مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات
إن التأمل في الحياة يزيد إيمان الفتاة
فدعي الكآبة والأسى واسترجعي مرح الفتاةْ
قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهللاً
فيه البشاشة والبهاءْ
ليكن كذلك في المساءْ
*****************
هذه القصيدة قالها : المُهلهِل التغلبي يرثي أخاه كليباً
أهاج قذاء عينيَ الادكارُ ؟
هُدوءاً فالدموعُ لها انهمارُ
وصار الليل مشتملاً علينا
كأن الليلَ ليس له نهارُ
وبتُّ أراقبُ الجوزاء حتى
تقارب من أوائلها انحدارُ
أصرفُ مقلتي في إثرِ قومٍ
تباينت البلادُ بهم فغاروا
وأبكي والنجومُ مُطَلعات
كأن لم تحوها عني البحارُ
على من لو نُعيت وكان حياً
لقاد الخيلَ يحجبُها الغبارُ
***
***
دعوتكَ يا كليبُ فلم تجبني
وكيف يجيبني البلدُ القَفارُ
أجبني يا كُليبُ خلاك ذمٌ
ضنيناتُ النفوس لها مَزارُ
أجبني يا كُليبُ خلاك ذمٌ
لقد فُجِعتْ بفارسها نِزارُ
سقاك الغيثُ إنك كنت غيثاً
ويُسراً حين يُلتمسُ اليسارُ
أبت عيناي بعدك أن تَكُفا
كأن غضا القتادِ لها شِفارُ
وإنك كنت تحلمُ عن رجالٍ
وتعفو عنهُمُ ولك اقتدارُ
وتمنعُ أن يَمَسّهُمُ لسانٌ
مخافةَ من يجيرُ ولا يجارُ
وكنتُ أعُدُ قربي منك ربحاً
إذا ماعدتْ الربْحَ التِّجار
فلا تبعُد فكلٌ سوف يلقى
شعوباً يستدير بها المدارُ
يعيشُ المرءُ عند بني أبيه
ويوشك أن يصير بحيث صاروا
أرى طول الحياة وقد تولى
كما قد يُسْلب الشيء المعارُ
كأني إذ نعى الناعي كليباً
تطاير بين جنبي الشرار
فَدُرتُ وقد غشى بصري عليه(558/7)
كما دارت بشاربها العُقار
سألتُ الحي أين دفنتموهُ
فقالوا لي بأقصى الحي دارُ
فسرتُ إليه من بلدي حثيثاً
وطار النومُ وامتنع القرارُ
وحادت ناقتي عن ظلِ قبرٍ
ثوى فيه المكارمُ والفَخارُ
لدى أوطان أروع لم يَشِنهُ
ولم يحدث له في الناس عارُ
أتغدو يا كليبُ معي إذا ما
جبان القوم أنجاه الفِرارُ
أتغدو يا كليبُ معي إذا ما
حُلُوق القوم يشحذُها الشَّفارُ
أقولُ لتغلبٍ والعزُ فيها
أثيرُها لذلكم انتصارُ
تتابع أخوتي ومضَوا لأمرٍ
عليه تتابع القوم الحِسارُ
خُذِ العهد الأكيد عليَّ عُمري
بتركي كل ما حوت الديارُ
ولستُ بخالعٍ درعي وسيفي
إلى أن يخلع الليل النهارُ
*****************
هذه القصيدة للشاعر محمود سامي البارودي
*
رُدواعَليَّ الصِّبَا من عصري الخالي
وهل يعود سَوَادُ اللِّمَّةِ البالي؟
*
*
ماضٍ من العيش ما لاحت مخايِلُهُ
في صفحة الفكر إلا هاج بَلْبَالي؟
*
*
سَلَتْ قلوبٌ ، فَقَرتْ في مضاجِعِها
بعد الحنين وقلبي ليس بالسالي
*
*
لَمْ يَدْرِ من بات مسروراً بِلَذتِهِ
أني بنار الأسى من هجره صَالي
*
*
يا غاضبين علينا ! هل إلى عِدةٍ
بالوصل يَوْمٌ أُناغي فيه إقبالي
*
*
غبتم ، فأظلم يومي بعد فُرقَتِكم
وساء صُنعُ الليالي بعد إجمالي
*
*
قد كنت أحسبُني مِنكم على ثِقَةٍ
حتى مُنِيتُ بما لم يَجْرِ في بالي
*
*
لم أجنِ في الحُبِّ ذنباً أستحق به
عَتْباً ، ولكنها تحريفُ أقوالي
*
*
ومن أطاعَ رواةَ السُّوءِ - نَفَّرَهُ
عن الصديق سماعُ القيل والقالِ
*
*
أدهى المصائب غَدْرٌ قبلهُ ثِقَةٌ
وأقبح الظُّلم صدٌّ بعد إقبالِ
*
**********************
شعر محمود سامي البارودي
بادرِ الفُرصةَ ، واحذر فَوتها
فَبُلُوغُ العزِّ في نَيلِ الفُرص
واغتنم عُمْركَ إبانَ الصِبا
فهو إن زادَ مع الشيبِ نَقَصْ
إنما الدنيا خيالٌ عارضٌ
قلَّما يبقى ، وأخبارٌ تُقصْ
تارةً تَدْجو ، وطوراً تنجلي(558/8)
عادةُ الظِلِّ سجا ، ثمَّ قَلَصْ
فابتدر مسعاك ، واعلم أنَّ من
بادرَ الصيدَ مع الفجرِ قنص
لن ينال المرءُ بالعجز المنى
إنما الفوزُ لِمن همَّ فنص
يَكدحُ العاقلُ في مأمنهِ
فإذا ضاقَ به الأمرُ شَخَصْ
إن ذا الحاجةِ مالمْ يغتربْ
عَنْ حماهُ مثْلُ طَيْرٍ في قفصْ
وليكن سعيك مجداً كُلُّهُ
إن مرعى الشر مَكْرُوهٌ أَحَصْ
واتركِ الحِرصَ تعِشْ في راحةٍ
قَلَّما نالَ مُنَاهُ مَنْ حَرَصْ
قد يَضُرُّ الشيءُ ترجُو نَفعَهُ
رُبَّ ظَمْآنَ بِصَفوِ الماءِ غَصْ
مَيزِ الأشياء تعرفْ قَدرها
ليستِ الغُرَّةُ مِنْ جِنسِ البرصْ
واجتنبْ كُلَّ غَبِيٍ مَائِقٍ
فهو كَالعَيْرِ ، إذا جَدَّ قَمَصْ
إنما الجاهلُ في العين قذًى
حيثما كانَ ، وفب الصدرِ غَصَصْ
واحذرِ النمامَ تأمنْ كَيْدَهُ
فهو كالبُرغُوثِ إن دبَّ قرصْ
يَرْقُبُ الشَرَّ ، فإن لاحتْ لهُ
فُرْصَةٌ تَصْلُحُ لِلخَتْلِ فَرصْ
سَاكنُ الأطرافِ ، إلا أنهُ
إن رأى منَشبَ أُظْفُورٍ رَقَصْ
واختبر من شئت تَعْرِفهُ ، فما
يعرفُ الأخلاقَ إلا مَنْ فَحَصْ
هذهِ حِكمةُ كَهلٍ خابرٍ
فاقتنصها ، فهي نِعْمَ المُقْتَنَصْ
******************
شعر / علي بن جَبَلَةَ العَكوُّك
قيلت القصيدة في أميرة نجدية بارعة الجمال ، نذرت إلا تتزوج إلا فتى يُرضيها شِعره
هل بالطلولِ لِسائلٍ رَدُّ
أمْ هل لها بِتكَلُّمٍ عَهْدُ
دَرَسَ الجديدُ جَديدَ مَعْهَدِها
فَكَأنَّما هِيَ رَيْطَةٌ جَرْدُ
مِنْ طُولِ مَا تَبكي الغُيومُ على
عَرَصاتِها وَيُقَهْقِهُ الرَّعْدُ
فَوَقَفْتُ أسألها وليس بِها
إلا المها ونَقَانقٌ رُبْدُ
فَتَناثرتْ دُرَرُ الشُّؤونِ على
خدي كما يتناثرُ العِقْدُ
لَهفي على دَعْدٍ ، وما خُلِقَتْ
إلا لِطُولِ تَلَهُّفِي دَعْدُ
بيضاءُ قدْ لَبِسَ الأديمُ أديـ
ـــمَ الحُسنِ فهو لِجِلدها جِلدُ
وَيُزِينُ فوديها إذا حَسَرتْ
ضَافي الغَدَائرِ فَاحِمٌ جَعْدُ
فالوجه مثل الصبحِ مُبيضٌ(558/9)
والشَعْرُ مِثلُ الليلِ مُسْودُّ
ضِدانِ لما استُجْمِعا حَسُنا ،
والضِّدُّ يُظهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ!
وَجَبينها صَلْتٌ وَحَاجِبُها
شَخْتُ المَخَطِّ أزجُّ مُمْتَدُّ
فكأنها وسنى إذا نَظَرَتْ ،
أو مُدْنَفٌ لما يُفِقْ بَعْدُ
بِفُتورِ عَيْنٍ ما بِها رَمَدٌ ؛
وبِها تُداوى الأعينُ الرُمْدُ
وَتُريكَ عِرْنيناً به شَمَمٌ
أقنى وَخَداً لَوْنُهُ وَرْدُ
وَتُجِيلُ مِسْوَاك الأراكِ على
رَتْلٍ كأنَّ رُضَابَهُ شَهْدُ
والجِيدُ منها جِيدُ جازِئةٍ
تَعْطُو إذا ما طالها المَرْدُ
وكأنما سُقِيَتْ تَرائِبها
والنحرُ ماءَ الوردِ إذ تَبْدو
والمِعصمان فما يُرى لهما
مِنْ نِعْمَةٍ وَبَضَاضَةٍ زَنْدُ
ولها بَنانٌ لو أردْتَ له
عَقْداً بِكَفِّك أمْكَنَ العَقْدُ
وَبِصَدْرِها حُقّانِ خِلْتَهُما
كافورتينِ عَلاهُما نَدُّ
والبطنُ مَطويٌّ كما طُوِيتْ
بِيضُ الرِّياطِ يَزِينُها المَلْدُ
وبِخَصْرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ
فإذا تنوءُ يَكادُ يَنْقدُ
والتف فَخْذَاها وَفَوقَهُمَا
كَفَلٌ ، يُجاذِبُ خَصْرَها ، نَهْدُ
فَقِيامُها مَثْنى إذا نَهَضَتْ
مِنْ ثِقْلِهِ وَقُعُودُها فَرْدُ
ما شَانَها طُولٌ ولا قِصَرٌ
في خَلقِها فَقِوَامُها قَصْدُ
إن لم يكنْ وَصْلٌ لديكِ لنا
يشفي الصبابةَ فليكنْ وَعْدُ
قدْ كانَ أورقَ وَصْلُكُمْ زمناً
فذوى الوِصَالُ وأورقَ الصَّدُ
لله أشواقي إذا نَزَحتْ
دارٌ بِنا وَنأى بِكُمْ بُعْدُ
إن تُتْهِمي فَتِهامَةٌ وطني
أو تُنجِدي إن الهوى نَجْدُ
وزَعَمْتِ أنكَ تُضْمِرين لنا
وُدّاً ، فَهَلاَّ يَنْفَعُ الودُّ
وإذا المُحِبُّ شكا الصُّدُودَ ولم
يُعْطَفْ عليه فَقَتْلُهٌ عَمْدُ
****************
هذه القصيدة للشاعر أبي الطيب المتنبي
*
بِمَ التعللُ .... ؟! لا أهل ولا وطنُ
ولا نديمٌ ، ولا كأسٌ ، ولا سكنُ
*
*
أريدُ من زمني ذا أن يبلغني
ما ليس يَبْلُغُه من نفسه الزمنُ
*
*
لا تلقَ دهرك إلا غير مكترثٍ(558/10)
مادام يصحب فيه رٌوحَك البدنٌ
*
*
فما يُديم سُرورٌ ما سُرِرتَ به
ولا يرد عليك الفائت الحَزَنُ
*
*
مما أضر ( بأهل العشق ) أنهمُ
هووا وما عرفوا الدنيا ولا فَطَنُوا
*
*
تفنى عُيُنُهُمُ دمعاً ، وأنفسهم
في إثرِ كُلِّ قَبِيحٍ وجهُهُ حَسَنُ
*
*
تحملوا .... حَمَلَتْكُمْ كُلُّ ناجيةٍ
فكلُّ بَيْنٍ عليَّ اليومَ مؤتمنُ
*
*
ما في هوادجكم مِن مُهجتي عِوَضٌ
إن متُ شوقاً ، ولا فيها لها ثمنُ
*
*
يا من نُعِيتُ على بُعْدٍ بمجلسهِ
كُلٌّ بما زعم الناعون مُرتَهَنُ
*
*
كم قد قُتِلْتُ ، وكم قد مِتُ عِنْدَكُمُ
ثم انتفضت فزال القبرُ والكفنُ
*
***************
هذه القصيدة للشاعر معن بن أوس المزني
*
وذي رَحِمٍ قَلَّمتُ أظفارَ ضِغْنِه
بحلمي عنه وهو ليس له حِلم
*
*
يُحاولُ رَغمي لا يحاولُ غيره
وكالموت عندي أن يَحُلَّ به الرَّغْم
*
*
فإن أعْفُ عنه أُغضِ عَيْناً على قَذى
وليس له بالصفح عن ذنبه عِلم
*
*
وإن أنتصر منه أكُنْ مثل رائشٍ
سهامَ عَدُوٍ يُستهاض بها العَضم
*
*
صبرتُ على ماكان بينى وبينه
وما تستوي حربُ الأقارب والسلمُ
*
*
وبادرتُ منه النأيَ والمرءُ قادر
على سهمه مادام في كفهِ السهمُ
*
*
ويَشْتمُ عرضِي في المُغَيَّب جاهدا
وليس له عندي هوانٌ ولا شَتْمُ
*
*
إذا سمتُه وَصْلَ القرابة سامني
قطيعتها تلك السفاهةُ والإثمُ
*
*
وإن أدَعُهُ للنِّصف يأبَ ويَعصني
ويدعُو لحُكْم جائر غَيْرهُ الحكم
*
*
فلولا اتقاءُ الله والرحمِ التي
رِعايتُها حقٌ وتَعطيلُها ظُلمُ
*
*
إذاً لعلاهُ بارقي وخَطَمْتُهُ
بوسم شَنَارٍ لا يشاكهُه وَسمُ
*
*
ويسعى إذا أبني ليهدم صالحي
وليس الذي يبني كمن شأنه الهدمُ
*
*
يودُ لو أني مُعْدِمٌ ذو خَصَاصةٍ
وأكره جُهدي أن يُخالطه العُدْمُ
*
*
ويَعتَدُّ غُنْماً في الحوادث نَكبتي
وما إن له فيها سَنَاءٌ ولا غُنْمُ
*
*
فما زلت في ليني له وتعطفي(558/11)
عليه كما تحنو على الولد الأمُ
*
*
وخفضٍ له مني الجناح تألفاً
لتدنيه مني القرابةُ والرِّحْمُ
*
*
وقولي إذا أخشى عليه مصيبة
ألا اسلم فداك الخالُ ذو العَقْد والعَمُّ
*
*
وصبري على أشياءَ منه تُرِيبُني
وكظمي على غيظي وقد ينفع الكَظمُ
*
*
لأستل منه الضِّغن حتى استللتُه
وقد كان ذا ضِغْنٍ يضيقُ به الجِرْمُ
*
*
رأيتُ انْثلاماً بيننا فرقعته
برفقي وإحيائي وقد يُرقْعَ الثَلمُ
*
*
وأبرأتُ غِلَّ الصَّدْر منه تَوَسُّعاً
بحلمي كما يُشفى بالادْوِيَة الكَلْمُ
*
*
فداويته حتى ارْفَأَنَّ نِفاره
فَعُدنا كأنا لم يكن بيننا صَرْم
*
*
وأطفأَ نار الحرب بيني وبينه
فأصبح بعد الحرب وهو لنا سَلْمُ
*
******************
هذه القصيدة للشاعر عبدالرحمن العشماوي
هزي جذوعك يا غصون اللوز
في وطني الحبيب
فلربما صار البعيد لنا قريب
ولربما غنت عصافير الصفاء
وغرد القمري
وابتسم الكئيب
هزي غصونك
وانثري في الأرض لوزك يا جذوع
ودعي النسيم يثير أشجان الفروع
ودعي شموخك يا جذوع اللوز
يهزأُ بالخضوع
هزي غصونك
ربما سمع الزمان صدى الحفيف
ولربما وصل الفقير إلى رغيف
ولربما لثم الربيع فم الخريف
هزي غصونك
ربما بعث الصفاء إلى مشاعرنا
بريدَهْ
ولربما تتفيأ الكلمات في درب المنى
ظل القصيدة
أنا يا جذوع اللوزِ
أغنيةٌ على ثغر اليقين
أنا طفلة نظرت إلى الأفاق
رافعة الجبين
أنا من ربا المرزوق
تعرفني ربوع بني كبير
أملي يغرد يا جذوع اللوز
في قلبي الصغير
وأبي الحبيب يكادُ بي
من فرط لهفته يطير
أنا ياجذوع اللوز من صنعت لها المأساة
مركبةً صغيرة
أنا مَنْ قدحْتُ على مدى الأحلام
ذاكرة البصيرة
لأرى خيال أبي وكان رعيتي
وأنا الأميرة
كم كنت أمشط رأسهُ
وأجر أطراف العمامةْ
وأريه من فرحي رُباً خضراً
ومن أملي غمامةْ
كم كنت أصنع من تجهمه
إذا غضب، ابتسامهْ
أنا ياجذوع اللوز
بنت فقيد واجبه مساعد
أنا مَنْ تدانى الحزن من قلبي
وصبري عن حمى قلبي(558/12)
تباعدْ
أنا طفلة تُدعى عهود
أنا صرخةٌ للجرح
تلطم وجه من خان العهودْ
أنا بسمةٌ في ثغر هذا الكونِ
خالطها الألمْ
صوتي يردد في شمم
عفواً أبي الغالي ، إذا أسرجت
خيل الذكرياتْ
فهي التي تُدني إلى الأحياء
صورة من نأى عنهم
وماتْ
عفواً
إذا بلغت بي الكلماتُ حدَّ اليأس
واحترق الأملْ
فأنا أرى في وجه أحلامي خجلْ
وأنا أرددُ في وجلْ
يا ويل عباد الإمامة والإمامْ
أو ما يصونون الذِّمامْ
كم روعوا من طفلةٍ مثلي
وكم قتلوا غلامْ
ولكم جنوا باسم السلامِ
على قوانين السلامْ
ياويل عُبَّاد القبورْ
هُمْ في فؤاد الأمة الغراء آلامٌ
وفي وجه الكرامة كالبثور
هُمْ - يا أبي الغالي - قذىً في عين أمتنا
وضيقٌ في الصدور
يا ويل أرباب الفتنْ
كم أوقدوا ناراً وكم نسجوا كفنْ
كم أنبتوا شوكاً على طرقات أمتنا
وكم قطعوا فَنَنْ
كنا نظن بأنهم يدعون للإسلام حقاً يا أبي
فإذا بهم
يدعون للبغضاءِ فينا والإِحنْ
عفوا أبي الغالي
أراك تُشيح عني ناظريكْ
وأنا التي نثرتْ خُطاها في دروب الشوق
ساعيةً إليك
ألبستنا ثوب الوقار
ورفعتَ فوق رؤوسنا تاج افتخارْ
إني لأطرب حين أسمع من يقول
هذا شهيد أمانته
بذل الحياة صيانةً لكرامته
أواهُ لو أبصرتَ
زهوَ الدَّمع في أجفان غامدْ
ورأيت - يا أبتاه - كيف يكون
إحساس الأماجدْ
أواه لو أبصرت ما فعل الأسى
ببني كبير
كل القلوب بكتْ عليك
وأنت يا أبتي جدير
أنا يا أبي الغالي عهود
أنسيتَ يا أبتي عهود
أنا طفلةٌُ عزفتْ على أوتار بسمتها
ترانيم الفرح
رسمتْ جدائلُها لعين الشمس
خارطة المرَحْ
كم ليلةٍ أسرجتَ لي فيها قناديل ابتسامتك الحبيبهْ
فصفا فؤادي وانشرحْ
أختايَ يا أبتي وأمي الغاليهْ
يسألنَ عنك رحاب قريتنا
وصوت الساقيهْ
أرحلت يا أبتي الحبيب؟؟
كلُّ النجوم تسابقت نحوي
تزفُّ لي العزاءْ
والبدر مدَّ إليَّ كفاً من ضياءْ
والليل هزَّ ثيابه
فانهلَّ من أطرافها حزنُ المساء
تتساءل المرزوق يا أبتي الحبيب
ما بال عينِ الشمس ترمقنا(558/13)
بأجفان الغروبْ
وإلى متى تمتدُّ رحلتك الطويلةُ يا أبي
ومتى تؤوب؟؟
وإلى متى تجتثُّ فرحتنا
أعاصير الخطوب
هذا لسان الطَّلِّ يُنشِدُ للربا
لحن البكاءْ
هذي سواقي الماء في وديان قريتنا
على جنباتها انتحر الغُثاءْ
هذا المساءْ
يُفضي إلى آفاق قريتنا
بأسرار الشَّقاء
يتساءل الرمان يا أبتي
ودالية العنب
والخوخ والتفاح يسألُ
والرطبْ
وزهور وادينا تشارك في السؤالْ
ويضجُّ وادينا بأسئلةٍ
تنمُّ عن انفعالْ
ماذا أصاب حبيبنا الغالي مساعد
كيف غابْ؟
ومتى تحركت الذئابْ؟
ومتى اختفى صوتُ البلابلِ
وانتشى صوتُ الغراب؟
يا ويح قلبي من سؤالٍ
لا أطيق له جوابْ
ما زلتُ - يا أبتي - أصارع حسرتي
وأسد ساقية الدموعْ
أهوى رجوعك يا أبي الغالي
ولكنْ
لا رجوعْ
إن مُتَّ يا أبتي
وفارقت الوجودْ
فالموتُ فاتحة الخلودْ
ما مُتَّ في درب الخيانة والخنى
بل مت صوناً للعهود
يا حزنُ
لا تثبتْ على قدمٍ
ولا تهجر فؤادْ
فأنا أراك لفرحتي الكبرى امتدادْ
إن ماتَ - يا حزني - أبي
فالله حيٌّ لايموتْ
الله حيٌّ لايموتْ
******************
هذه القصيدة للشاعر محمد مهدي الجواهري
*
في ذمة الله ما ألقى وما أجدُ
أهذهِ صخرةٌ أم هذه كبدُ
*
*
قد يقتلُ الحزنُ مَنْ أحبابه بعُدوا
عنه فكيف بمَنْ أحبابُه فُقِدوا
*
*
تجري على رسلها الدنيا ويتبعها
رأيٌ بتعليلِ مجراها ومعتقدُ
*
*
أعيا الفلاسفةَ الأحرار جهلُهُم
ماذا يخبي لهم في دفَّتيه غدُ
*
***
***
*
حُييتِ ( أم فراتٍِ ) إن والدةً
بمثل ما أنجبتْ تُكنى بما تلدُ
*
*
تحيةً لم أجد من بَثِّ لاعجها
بُداً وإن قام سداً بيننا اللحدُ
*
*
بالروحِ رُدي عليها إنها صِلةٌ
بين المحبين ماذا ينفع الجسدُ
*
*
بكيتُ حتى بكى من ليس يعرفني
ونُحتُ حتى حكاني طائرٌ غردُ
*
*
كما تفجر عيناً ثرَّة حجرٌ
قاسٍ تفجر دمعاً قلبي الصلدُ
*
*
مدي إليَّ يداً تُمدَدْ إليكِ يدٌ
لا بد في العيش أو في الموت نتحدُ
*
*(558/14)
ناجيتُ قبرك أستوحي غياهبه
عن حال ضيفٍ عليه معجلاً يفدُ
*
*
ولفني شبحٌ ما كان أشبَهه
بجَعدِ شعركِ حول الوجه ينعقدُ
*
*
مُنىٍ وأتعسْ بها أن لا يكونَ على
توديعها وهي في تابوتها رصدُ
*
*
لعلني قارئ في حُرِّ صفحتها
أي العواطفِ والأهواء تحتشدُ
*
********************
للشاعر الأستاذ / سعد الشريف
تعالي إليَّ شعاع الشروق
رحلتِ فصرتُ سجيناً بداري
أنوءُ بحمل الفراق الذي
أطوفُ بأرجاء بيتي وحيداً
أبعد الحياة وصوت iiالربيع
وبعد النجومِ ونور iiالثريا
بدونك إني سلوتُ الأنام
فأنتِ الحبيبُ وأنتِ الفؤادُ
وأنتِ الزُلال وكوثرُ iiنفسي
أنام وطيفُكِ يجثو عليَّ
فأسألُ عنكِ زجاجَ المرايا
وأنظرُ في أحمر الشفتينِ
وأسألُ شعري ألا زلت تشكو
تعالِي إليَّ شعاعاً iiجميلاً
تعالي فما العمر إلا iiثواني
وعودي فبعدُكِ ضاع الطريق
وإن عُدتِ عُدتُ كطيرٍ طليق
تئن له الساجعات الحليق
فتَملؤُ نفسي بما لا أطيق
سكونٌ رهيبٌ وليلٌ iiسحيق
يسود الظلام ويخبو البريق
سئمتُ حروفي سئمتُ الصديق
وأنتِ الرجاءُ وأنتِ الرفيق
وأنتِ الزفيرُ وأنت الشهيق
وأرنو خيالَكِ أن أستفيق
وإسوارتيكِ وعقد iiالعقيق
وأسألُ هل لنواك يُطيق؟!
تحنُ للمس يديها iiالرقيق
يضيءُ جوانبَ قلبي العتيق
وكوني إليَّ كثوبٍ iiلصيق
***********************
للشاعر / معروف الرصافي
سِرْ في حياتك سيرَ نابِهْ
ولُمِ الزمان ولا تُحابه
وإذا حللتَ بموطنٍ
فاجعل محلك في هضابه
واخترْ لنفسكَ منزلاً
تهفو النجومُ على قِبابه
ورُمِ العلاءَ مُخاطراً
فيما تُحاول مِن لُبابه
فالمجد ليس ينالهُ
إلا المُخاطرُ في طِلابه
وإذا يخاطبك اللئيـ
ــمُ فَصُمّ سَمعكَ عن خِطابه
وإذا انبرى لكَ شاتماً
فاربأ بنفسك عن جوابه
فالروضُ ليس يضيرهُ
ما قد يطنطن من ذُبابه
ولَرُب ذئبِ قد أتا
ك من ابن آدم في إهابه
ما امتاز قط عن ابن آ
وى شخصُهُ بسوى ثيابه(558/15)
وإذا ظفرتَ بذي الوفا
ء فحُطّ رحلكَ في رحاله
فأخوكَ مَنْ إن غاب عنْـ
ـك رعى وِدادك في غيابه
وإذا أصابكَ ما يسو
ءُ رأى مُصابكَ من مُصابه
وتراهُ ييجعُ إن شكوْ
تَ كأن مابكَ بعضُ مابه
************************
للشاعر/ صفي الدين الحلي وهو شاعر من العصر الأيوبي
لا يمتطي المجدَ من لم يركبِ الخطرا
**
**
ولا ينال العلا من قدَّم الحذَرَا
ومن أراد العلا عفواً بِلا تعبٍ
**
**
قضى ولم يقضِ من إدراكها وطرا
لابُدَّ للشهد من نحلٍ يُمَنِّعُهُ
**
**
لا يجتني النفع من لم يحمل الضررا
لا يُبلَغُ السُّؤْلُ إلا بعد مُؤلمةٍ
**
**
ولا يتم المنى إلا لمن صبرا
وأحزم الناس من لو مات من ظمأٍ
**
**
لايقربُ الوِردَ حتى يعرف الصَّدَرا
وأغزر الناس عقلاً من إذا نظرتْ
**
**
عيناه أمراً غدا بالغير معتبرا
فقد يُقال عِثارُ الرِّجل إن عَثَرتْ
**
**
ولا يقال عثارٌ الرأي إنْ عَثَرا
من دَبّر العيش بالآراء دام له
**
**
صفواً وجاء إليه الخّطْبُ مُعتذرا
يهونُ بالرأي ما يجري القضاء به
**
**
من أخطأ الرأيَ لا يستذنبُ القدرا
من فاته العز بالأقلام أدركه
**
**
بالبيض يقدحُ من أطرفها الشررا
بكل أبيضَ قد أجرى الفرِندُ به
**
**
ماء الردى فلو استقطرتهُ قَطرا
خاض العجَاجةَ عُرياناً فما انقشعتْ
**
**
حتى أتى بدم الأبطال مُؤتزرا
لا يَحسُنُ الحلمُ إلا في مواطنهِ
**
**
ولا يليق الوفا إلا لمن شكرا
******************
هذه القصيدة للشاعر عروة بن حزام بن مهاصر أحدبني ضبة بن عبد من بني عذرة
شاعر إسلامي مُقِل ، قال هذه القصيدة يشكو آلام الحب ولوعة الفراق
ويهجو عمه الذي اشْتط في طلب المهر منه
خليليَّ مِنْ عُليَا هِلال بن عامرٍ ،
بصنعاءَ عًوجا اليوم فانتظراني !
أفي كُلِّ يومٍ أنت رامٍ بِلادها
بعينينِ إنساناهُما غرقانِ ؟
ألا فاحملاني ، بارك الله فيكما
إلي حاضر الروحاء ثم دعاني
ألِما على عفراءَ إنكما غداً(558/16)
بشحط النوى والبين مُعترفانِ
أغركما مني قميصٌ _ لبسته _
جديدٌ وبُردا يمنةِ زهيانِ!
متى ترفعا عني القميص تبينا
بيَ الضر من عفراء ، يا فتيانِ
وتعترفا لحماً قليلاً وأعظماً
رِقاقاً وقلباً دائم الخفقان
على كبدي من حب عفراء قَرْحةٌ،
وعينايَ مِنْ وَجدٍ بها تكفانِ
يقولُ لي الأصحابُ إذ يعْذِلُونني :
أشواقُ عراقيٌ وأنتَ يماني؟
وليسَ يمانٍ للعراق بصاحبٍ
عسى في صُروف الدهر يلتقيان
تحملتُ من عفراء ما ليس لي به
ولا للجبال الراسيات ، يدان:
كأن قطاةً عُلِقتْ بجناحها
على كبدي من شدة الخفقانِ!
جَعَلتُ لِعرَّاف اليمامةِ حُكمه
وعرافِ نجدٍ إن هما شفياني
فقالا : ( نعم ، نشفي من الداء كُلِه)
وقاما مع العُوَّادِ يبتدرانِ
فما تركا من رقية يعلمانها
ولاشَرْبةٍ إلا وقد سقياني
وما شفيا الداء الذي بيَ كُله ،
ولاذَخَرا نُصحاُ ولا ألواني
فقالا : ( شفاك الله ، والله ، مالنا
بما ضُمنَتْ مِنك الضُّلوعُ يدانِ )
فياعمِّ ياذا الغدر ، لازلتَ مبتلىً
حَليفاً لِهمٍ لازمٍ وهوانِ
وإني لأهوى الحشر إن قيل إنني
وعفراءَ يوم الحشرِ مُلتقِيانِ!
ألا يا غُرابيْ دِمْنَةِ الدار ، بَيِّنا:
أبِِالهجر مِنْ عفراء تنتحيانِ؟
فإن كان حقاً ما تقولان فاذهبا
بلحمي إلى وكريكما فكلاني
أناسيةٌ عفراءُ ذكريَ بعدما
تركتُ لها ذِكراً بِكلِّ مكانِ ؟
تكنفني الواشون من كُلِّ جانبٍ،
ولو كان واشٍ واحدٌ لكفاني
ُيُكلفني عمي ثمانين ناقةً ،
وماليَ ، يا عفراءُ ، غيرُ ثمانِ
فياليت مَحيانا جميعاً ، وليتنا
إذا نحنُ مِتنا ضَمَّنا كفانِ
وياليت أنَّا الدهرَ في غيرِ رِيبةٍ
خَلِيّانِ نرعى البهمَ مُؤتلفانِ
فوالله ، ما حَدَّثْتُ سِركَ صاحباً
أخاً لي ، ولافاهتْ به الشفتانِ
تحملتُ زَفَراتِ الضحى فأطقتُها
وما لي بزفرات العشِيِّ يدانِ
**********************
قصيدة الأصمعي
هيج قلبي الثمل ........ صوت صفير البلبل(558/17)
من زهر لحظ المقل ........ الماء والزهر معا
وسيدي ومولى لي ........ وأنت يا سيد لي
غزيل عقيقلي ........ فكم فكم تيمني
من لثم ورد الخجل ........ قطفته من وجنةٍ
وقد غدا مهرول ........ فقال لا لا لا لا لا
من فعل هذا الرجل ........ والخوذ مالت طرباً
ولي ولي يا ويل لي ........ فولولت و ولولت
وبيني اللؤلؤ لي ........ فقلت لا تولولي
انهض وجد بالنقل ........ قالت له حين كذا
قهيوة كالعسل لي ........ وفتية سقونني
أزكى من القرنفل ........ شممتها بأنفي
بالزهر والسرور لي ........ في وسط بستان حلي
والطبل طبطب طب لي ........ والعود دن دن دنا لي
طب طبطب طبطب لي ........ طب طبطب طب طبطب
والرقص قد طاب لي ........ والسقف سق سق سق لي
على حمار أهزل ........ شوى شوى وشاهش
كمشية العرنجل ........ يمشي على ثلاثة
في السواق بالقلقلل ........ والناس ترجم جملي
خلفي ومن حويللي ........ والكل كعكع كعكع
من خشية مبجل ........ لكن مشيت هارباً
حمراء كالدم دملي ........ يأمر لي بخلعة
مبغدداً للذيل ........ أجر فيها ماشياً
من حي أرض الموصل ........ أنا الأديب الألمعي
يعجز عنها الأدب لي ........ نظمت قطعاً زخرفت
صوت صفير البلبل ........ أقول في مطلعها
******************
كتب هذه الدراسة الدكتور / محمد إبراهيم نصر
وقد وجدتها في كتابه من عيون الشعر ( اللاميات )
بين القصيدتين صلات مشتركة تدفع إلى إلقاء هذه الظلال بعيداً عن الغلو والإفراط كما ظهر ذلك في بعض الدراسات حتى فقدت طابع اليسر والسماحة .
البعد عن الأهل والإحساس بالغربة :
كلا الشاعرين بعيد عن أهله ، ناءٍ عن أصدقائه ، ولكن كلاً منهما يستقبل النأي والغربة استقبالاً مختلفاً تماماً .
فالشنفرى صلب الإرادة ، قوي النفس ، ماضي العزم ، يتخذ أهلاً له جدداً من الوحوش المفترسة ، فأصدقاؤه : الذئاب والنمور والضباع والحيات ، استمع إليه يقول :(558/18)
لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ
سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ
ولي ، دونكم ، أهلونَ : سِيْدٌ عَمَلَّسٌ
وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ
أما الطغرائي :
فرقيق الحاشية ، واهي العزم، فما إقامته ببغداد وليس له فيها صديق يشكو إليه حزنه ويزف إليه فرحه ، إلى دليل على ذلك ، ولذلك يقول :
فيم الإقامةُ بالزوراءِ لا سَكنِي
بها ولا ناقتي فيها ولا جملي
ناءٍ عن الأهلِ صِفر الكف مُنفردٌ
كالسيفِ عُرِّي مَتناه عن الخلل
فلا صديقَ إليه مشتكى حَزَني
ولا أنيسَ إليه مُنتهى جذلي
فتجد في حديثه رنة الأسى ، ونبرة الحزن ، وضعف النفس متمثلاً في قوله ناءٍ عن الأهل ، صفر الكف ، منفرد ، فلا صديق أبثه حزني ، ولا أنيس أخلو إليه من وحدتي ، فالرجل لايقوى على مثل هذه المواقف كما يقوى عليها الشنفرى الذي يقرر حقائق وَطَّن نفسه عليها
وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى
وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ
ثم يقسم على ذلك ويجد البديل عن الأهل في هذه الوحوش التي أنس إليها وأنست إليه .
والشنفرى :
يستعيض عن فقد من لم يجد فيهم خيراً وليس في صحبتهم نفع بثلاثة أصحاب ، هم قلبه الشجاع الجسور ، وسيفه الصقيل ، وقوسه الصفراء المتينة .
وإني كفاني فَقْدُ من ليس جازياً
بِحُسنى ، ولا في قربه مُتَعَلَّلُ
ثلاثةُ أصحابٍ : فؤادٌ مشيعٌ ،
وأبيضُ إصليتٌ ، وصفراءُ عيطلُ
أما الطغرائي :
فإنه يقصد من يعوضه عن الأهل والأصدقاء لأن له هدفاً هو بسطة الكف ، وسعة العيش ، يستعين به على ما يريده من الوصول إلى العلا والرفعة ، ولكن الدهر يعاكسه ، ويقف في طريقه ، فيرضى من الغنيمة بالإياب :
أريدُ بسطةَ كفٍ أستعين بها
على قضاء حقوقٍ للعلى قِبَلي
والدهر يعكس آمالي ويُقنعني
من الغنيمة بعد الكدِّ بالقفلِ
والشكوى ، والتودد ، ومحاولة الاستمالة للحصول على مطلوبه ، كل ذلك واضح في قوله :
فقلتُ : أدعوك للجلَّى لتنصرني(558/19)
وأنت تخذلني في الحادث الجللِ
وكل منهما يذكر المرأة في لاميته غير أن منهج كل واحد منهما مختلف عن الآخر ، فالشنفرى ليس رجلاً جباناً قعيد منزله ، لاجئاً عند زوجته يشاورها في كل الأمور بل هو شجاع تعلو نفسه عن الركون إلى المرأة ، ولايقصد إليها . فهو ليس رجلاً قليل الخير ، لايفارق داره ، يصبح ويمسي جالساً إلى النساء لمحادثتهن يدهن ويتكحل كأنه منهن :
ولستُ بمهيافِ ، يُعَشِّى سَوامهُ
مُجَدَعَةً سُقبانها ، وهي بُهَّلُ
ولا جبأ أكهى مُرِبِّ بعرسِهِ
يُطالعها في شأنه كيف يفعلُ
ولا خالفِ داريَّةٍ ، مُتغَزِّلٍ ،
يروحُ ويغدو ، داهناً ، يتكحلُ
أما الطغرائي :
فإن نفح الطيب المنبعث من المرأة يهديه في طريقه ، ويجذبه إليه فيدعو صاحبه أن يحث السير إليها ، وحب النساء يصمي قلبه ، وعيونهن النجلاوات ينفذن إلى شغاف نفسه ، فيقع أسيراً لهن
فسر بنا في ذِمام الليل معتسِفاً
فنفخةُ الطيبِ تهدينا إلى الحللِ
تبيتُ نار الهوى منهن في كبدِ
حرَّى ونار القرى منهم على القُللِ
يَقْتُلْنَ أنضاءَ حُبِّ لا حِراك بهم
وينحرون كِرام الخيل والإبلِ
لا أكرهُ الطعنة النجلاء قد شفِعت
برشقةٍ من نبال الأعين النُّجلِ
وكل منهما يدعو إلى المعالي ويتمرد على الذل ، فالشنفرى يرتكب الصعب من الأمور ، فيقاوم الجوع حتى ينساه ، ويذهل عنه ، ولو أدى به الحال إلى أن يستف التراب حتى لا يرى لأحدِ فضلاً عليه فنفسه مرة لا تقيم على الضيم ، ولا ترضى به مهما كانت الأمور :
أُدِيمُ مِطالَ الجوعِ حتى أُمِيتهُ ،
وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحاً ، فأذهَلُ
وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى لهُ
عَليَّ ، من الطَّوْلِ ، امرُؤ مُتطوِّلُ
ولكنَّ نفساً مُرةً لا تقيمُ بي
على الضيم ، إلا ريثما أتحولُ(558/20)
أما الطغرائي : فيرى أن حب السلامة يثني همم الضعفاء فيغريهم بالكسل والخمول ، ويدفعهم إلى تجنب المغامرات ، والبعد عن الأهوال ، والإنزواء عن الناس . وأما المعالي فإنها تدعو صاحبها إلى المغامرة وركوب الأخطار :
حبُّ السلامةِ يثني هم صاحبهِ
عن المعالي ويغري المرء بالكسلِ
فإن جنحتَ إليه فاتخذ نفقاً
في الأرض أو سلماً في الجوِّ فاعتزلِ
ودع غمار العُلا للمقدمين على
ركوبها واقتنعْ منهن بالبللِ
يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مسكنهُ
والعِزُّ عند رسيم الأينق الذّلُلِ
****
وكل منهما لا يرضى بالإقامة ولكن مطلب كلٍ منهما مختلف ، فالشنفرى طريد جنايات ارتكبها ، يتوقع أن تنقض عليه ، فهو هارب من وجه الساعين إلى دمه ، ينام بعيون يقظى ، فلا يضع جنبه على وجه الأرض حتى تعاوده الهموم من كل جانب ، وقد اعتاد هذه الهموم وألفها ، ولذلك يقول :
وآلف وجه الأرض عند افتراشها
بأهْدَأ تُنبيه سَناسِنُ قُحَّلُ ؛
طَرِيدُ جِناياتٍ تياسرنَ لَحْمَهُ ،
عَقِيرَتُهُ في أيِّها حُمَّ أولُ ،
تنامُ إذا ما نام ، يقظى عُيُونُها ،
حِثاثاً إلى مكروههِ تَتَغَلْغَلُ
وإلفُ همومٍ ما تزال تَعُودهُ
عِياداً ، كحمى الرَّبعِ ، أوهي أثقلُ
أما الطغرائي : فإنه لايرضى بالإقامة ، لأن نفسه تحدثه أن العز الذي يريده لا يتحقق بإقامته وإنما يتحقق بالتنقل والرحلة .
إن العلا حدثتني وهي صادقةٌ
فيما تُحدثُ أن العز في النقلِ
كما أنه يهدف إلى تحقيق آماله ، التي يتوقع حصولها يوماً بعد يوم :
أعللُ النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل
وكل منهما له في الحديث عن الصبر حِكمٌ تسير مع الزمن ، فالشنفرى مولى الصبر يلبس ملابسه على قلبِ مثل السِّمع ، والسِّمع هو الذئب الشجاع ، وينتعل الحزم :
فأني لمولى الصبر ، أجتابُ بَزَّه
على مِثل قلب السَّمْع ، والحزم أنعلُ
وهو لايجزع من الفقر ولا يفرح للغنى :
وأُعدمُ أحْياناً ، وأُغنى ، وإنما(558/21)
ينالُ الغِنى ذو البُعْدَةِ المتبَذِّلُ
فلا جَزَعٌ من خِلةٍ مُتكشِّفٌ
ولا مَرِحٌ تحت الغِنى أتخيلُ
لكن الطغرائي : يتبرم من إدبار الدنيا عنه ، وإقبالها على غيره ، ويشكو لأن أناساً أقل منه قد سبقوه ، وكان حظهم أعظم من حظه :
ماكنتُ أوثرُ أن يمتد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغاد والسفلِ
تقدمتني أناسٌ كان شوطُهمُ
وراءَ خطوي لو أمشي على مهلِ
وقد شاعت الحكمة وانتشرت في كلا القصيدتين ، حتى تغنى الناس بحكم كل منهما ومن حكم الطغرائي التي يرددها الناس على مرِّ الزمان قوله :
وإن علاني مَنْ دوني فلا عَجبٌ
لي أسوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحلِ
وقوله :
أعدى عدوك من وثِقتْ به
فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ
فإنما رُجل الدنيا وواحدها
من لايعولُ في الدنيا على رجلِ
وقوله :
وحُسن ظنك بالأيام معجزَةٌ
فَظنَّ شراً وكن منها على وجَلِ
****
غاض الوفاءُ وفاض الغدر وانفرجت
مسافة الخُلفِ بين القوْل والعملِ
****
وشان صدقكَ عند الناس كذبهم
وهلْ يُطابق مِعْوجٌ بمعتدلِ
****
فيم اقتحامك لجَّ البحر تركبهُ
وأنت تكفيك منهُ مصة الوشلِ
****
مُلكُ القناعةِ لا يُخشى عليه ولا
يُحتاجُ فيه إلى الأنصار والخَولِ
خلاصة :
والواقع أن الحكم المنتشرة في لامية الشنفرى منتظمة ضمن ذلك العقد الذي ينتظم قصيدته ، وضمن تجربته في الحياة ، إنها فرائد منها مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً قوياً محكماً .
أما فرائد الطغرائي ، فمتناثرة في قصيدته ، والرابط بينها ليس من الإحكام والقوة التي ظهرت في لامية الشنفرى فقد جاءت مرتبطة حيناً بتجاربه في الحياة ، ومرارة العيش التي يشكو منها ، وأحياناً يضعف ذلك الخيط الذي يربطها فيبدو واهياً ضعيفاً ، وتبدو متراصة بعضها بجوار بعض في معزل عن تلك التجارب .
*********************
( عِتابٌ .. ووفاء )
الدكتور / عبدالرحمن بن صالح العشماوي رويدكَ إنَّ الموجَ في البحرِ صاخبُ(558/22)
وبالله لا بالناس تُقضى المطالبُ أرى لكَ في شأني أموراً غريبةً
أقاومُ شكي عندها iiوأُغالِب أرى لك في وقت اللقاء بشاشةٌ
بها تبطلُ الدعوى وتصفو iiالمشاربُ ويسعدني منك ابتسامُ iiمودَّةٍ
وقولٌ جميلٌ لم تشبهُ الشوائبُ وتنصحني نُصح المحبِّ ، وإنما
بنُصح سليم القلب تُمحى المثالبُ ولكنني أشقى بأمركَ ، كلما
دعاني إلى نشر المبادئ واجبُ كأنك لم تلمس صفاءَ مشاعري
ولم تنقشع عن ناظريكَ الغياهبُ لماذا ... أشكُّ في سلامة مقصدي ؟
فيا ضيعة الدنيا إذا شكَّ صاحبُ وربِكَ ما أرسلْتُ شعري لِرِيبةٍ
ولا صَرَفتني عن همومي الرغائِبُ أصدُّ جيوش الوهم عني وفي يدي
حسامٌ - من الإيمان بالله - ضاربُ وما أنا ممن يُنْسَجُ الظنُّ حَولَهُ
على غير بابي تستقرُّ العناكبُ وما أنا ممن يسرِقُ المالُ لُبَهُ
ولا أنا ممن تستَبِيهِ المناصبُ أُسيِّرُ في درب الصلاح مواكبي
إذا طوحتْ بالسائرين المواكِبُ وأحملُ في كفي يراعاً أسلُّهُ
على كل فِكر ساقطٍ iiوأحاربُ ولولا اقتدائي بالرسول ونهجهِ
لسارتْ بشعري في الهجاء المراكبُ أخا الحق لا تفتحْ لِظنك iiمسلكاً
إليَّ فإني في رضى الله دائبُ وإني مُشيدٌ بالصوابِ إذا بدا
وإني لِمن لايُحسنُ الفعلَ عاتبُ وأغسلُ أخطائي بشلال توبتي
أتوب إلى ربي ، وما خاب تائبُ أخا الحق ما بيني وبينك فُرْقَةٌ
كلانا مُحبٌ للصلاح وراغبُ كلانا إلى دين المهيمن ننتمي
إذا ذهبتْ بالواهمين المذاهبُ عتابي على قدر الوفاء أبثُّهُ
وعندي لأصحاب الوفاءِ مراتبُ ولولا صفاء الودِ في النفس لم تجدْ
صديقاً - إذا جار الصديقُ- يعاتِبُ فَطَمْئِنْ على حالي فؤادكَ ، إنني
أُعادي على نهج الهدى وأصاحِبُ ولله وجداني ولله نبضُهُ
ومن أجلِهِ أرضى وفيهِ أُغاضِبُ أخا الحقِ - عفواً - إن شعري مُبَلِّغٌ
رسالةَ قلبي ، والقوافي iiرَكائبُ أسيِّرها في كلِّ أرضٍ فترتوي(558/23)
بها أنفسٌ عَطْشَى ، وتُجلى مواهِبُ بعثْتُ إليكَ الشعرَ يُشرِقُ لفظُهُ
وضوحاً ، فما في قاع شعري رواسِبُ أخا الحق .. يَفْنَى كلُّ شيءٍ وإنما
نُقَاسُ بما تُفضي إليه العواقِبُ يدومُ لنا إخلاصُنا ويقينُنا
وما دونَهُ في هذه الأرض iiذاهِبُ
******************
هذه القصيدة للشاعر أبي فراس الحارث بن أبي العلاء
سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني
أما لِجَميلٍ عِنْدكُنَّ ثَوابُ ولا لِمُسيءٍ عِنْدَكُنّ مَتَابُ
إذا الخِلُّ لَمْ يَهْجُركَ إلا مَلالةً فَلَيْسَ لهُ ، إلا الفِرَاقَ ، عِتابُ
إذا لم أجد من خُلَّةٍ ما أُرِيدُهُ فعندي لأُخْرى عَزْمَةٌ وَرِكابُ
وليس فِراقٌ ما استطعتُ فإن يَكُنْ فِراقٌ على حَالٍ فليس إيابُ
صَبورٌ ولو لم يبقَ مني بقيةٌ قَؤُولٌ وَلوْ أنَّ السيوفَ جَوابُ
وَقُورٌ وأحداثُ الزمانِ iiتَنوشني وَلِلموتِ حولي جِيئةٌ وَذَهَابُ
بِمنْ يَثِقُ الإنسانُ فيما يَنُوبهُ ومِنْ أينَ لِلحُرِّ الكَريم iiصِحابُ
وقدْ صَارَ هذا الناسُ إلا iiأقَلَّهُمْ ذِئابٌ على أجْسَادِهنَّ ثِيابُ
تَغَابيتُ عن قومٍ فَظَنوا غَباوةً بِمَفْرِقِ أغبانا حصًى iiوَتُرابُ!
ولو عَرفوني بَعْضَ مَعرِفَتي بِهمْ إذاً عَلِموا أني شَهِدتُ وغابوا
إلى الله أشكو أننا بِمنازلٍ تَحكَّمَ في آسادِهنّ كِلابُ
تَمُرُّ الليالي لَيْسَ لِلنَّقْعِ مَوْضِعٌ لَديَّ ولا لِلمُعْتَفِين جَنَابُ
ولا شُدَّ لي سَرْجٌ على مَتنِ سابحٍ ولا ضُرِبتْ لي بِالعراءِ قِبابُ
ولا بَرقتْ لي في اللقاءِ قواطعٌ ولا لمعتْ لي في الحروبِ حِرابُ
سَتَذكر أيامي نُميرٌ iiوَعَامرٌ وكعبٌ ، على عِلاتها ، وكِلابُ
أنا الجارُ لا زادي بَطِيءٌ iiعَليْهِمُ ولا دونَ مالي في الحَوادثِ بَابُ
ولا أطلبُ العَوراءَ مِنها أُصِيبها ولا عورتي لِلطالبينَ تُصابُ
بَني عَمِّنا ، ما يَفْعَلُ السيفُ في iiالوغى إذا قلَّ مِنْهُ مَضرِبٌ وَذُبابُ(558/24)
بَني عَمِّنا ، نحنُ السَّواعِدُ وَالظُّبَا وَيُوشِكُ يوماً أن يكونَ ضِرابُ
وما أدَّعِي ما يَعلَمُ الله غَيرهُ رِحَابٌ عَلِيٍّ لِلعُفاةِ iiرِحابُ
وأفعالهُ لِلراغبين كَرِيمةٌ وأموالهُ للطالبين نِهَابُ
ولكنْ نَبَا مِنهُ بِكَفِّيَ صَارمٌ وأظلمَ في عَيْنَيَّ مِنهُ شِهابُ
وأبطأَ عَنِّي والمنايا سريعةٌ وَلِلموتِ ظِفْرٌ قد أطلَّ ونابُ
فإن لم يَكنْ وِدٌ قَرِيبٌ تَعُدُّهُ ولا نَسَبٌ بين الرجَالِ قِرابُ
فأحوطُ للإسلام أنْ لا iiيُضِيعني ولي عَنْهُ فِيهِ حَوْطةٌ وَمَنابُ
ولكنني راضٍ على كلِّ iiحالةٍ لِنَعْلَمَ أيَّ الخُلَّتينِ سَرابُ
وما زِلتُ أرضى بالقليلِ iiمحبةً لَدَيْهِ ، ومادون الكثير iiحِجابُ
وأطلُبُ إبقاءً على الوُد أرضَهُ وذِكرى مِني في غيرها وطلابُ
كذاكَ الوِداد المحضُ لا يرتجى لهُ ثوابٌ ، ولا يُخشى عَليهِ عقابُ
وقدْ كُنتُ أخشى الهجرَ والشمْلُ جَامِعٌ وفي كُلِّ يَوْمٍ لُقْيَةٌ وخِطَابُ
فكيف وفيما بيننا مُلْكُ قَيْصَرٍ ولِلْبَحْرِ حولي زَخْرَةٌ وَعُبَابُ ii؟
أَمِنْ بَعْدِ بَذْلِ النفس فيما تُرِيدُهُ أثابُ بِمُرِّ العَتبِ حِينَ أُثابُ
فليتك تحلو والحياةُ مريرةٌ وليتك ترضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بيني وبينك عَامرٌ وبيني وبين العالمين خَرابُ
إذا صحَّ مِنكَ الوِدُّ فالكُلُّ هَيّنٌ وكُلُّ الذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ
********************
شعر الدكتور / عبدالرحمن بن صالح العشماوي
غِبْ يا هلالْ
إنِّي أخاف عليك من قهر الرِّجالْ
قِفْ من وراء الغيمِ
لا تنشر ضياءَك فوْق أعناق التِّلالْ
غِبْ يا هلالْ
إني لأخشى أنْ يُصيبَكَ
- حين تلمحنا - الخَبَالْ
أنا – يا هلالْ
أنا طفلةٌ عربيةٌ فارقتُ أسْرتنَا الكريمَةْ
لي قصةٌ
دمويَّةُ الأحداثِ باكيةٌ أليمة
أنا – يا هلالْ
أنا مِن ضَحايا الاحتلالْ
أنا مَنْ وُلِدْتُ
وفي فمِي ثَدْيُ الهزيمَهْ
شاهدتُ يوماً عنْدَ منزِلِنا كتيبَهْ
في يومِها(558/25)