بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الشعر يعبر عن شعور الإنسان اتجاه ما يحسُّ به ويراه ، وقد رافق رحلة الإنسان الحياتية .
ففيه الشعر الرفيع الراقي ، وفيه الشعر الساقط ،فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً" أخرجه البخارى(6145)
وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر ، وأثنى على من أجاد فيه ،فعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِى الصَّلْتِ شَيْئًا ». قُلْتُ نَعَمْ قَالَ « هِيهِ ». فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ.صحيح مسلم (6022 )
وقد استمع الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض أشعار الجاهلية ،فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ : جَالَسْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ ، فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ سَاكِتٌ ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 97) (5781) صحيح
وأول من انتقد الشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَشْعَرُ بَيْتٍ قَالَتْهُ الْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ : [من أشعار لبيد بن ربيعة - البحر الطويل] أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلٌ ، وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ. صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 100) (5784) صحيح
وأول من بين أهمية الشعر ودوره في تحريك الهمم والحرب النفسية رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فعَنِ الْبَرَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ : إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَكَ مَا هَاجَيْتَهُمْ. صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 96) (7146) صحيح
وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ : إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ ، وَعَنْ رَسُولِهِ. صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 97) (7147) صحيح
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قَدْ أُنْزِلَ فِي الشِّعْرِ مَا قَدْ أُنْزِلَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَكَأَنَّمَا تَرْمُونَهُمْ نَضْحَ النَّبْلِ. صحيح ابن حبان - (ج 13 / ص 102) (5786) صحيح
وفي هذه الموسوعة كثير من الشعر الإسلامي الرفيع عبر العصور المختلفة ، وفيه قليل من شعر الجاهلية ، ففيه الحكمة والأمثال ، وبيان حقيقة الحياة والموت ، والزهد ، والحث على طاعة الله ورسوله ، وفيه الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر مناقبه وفضائله ، والكلام عن حقيقة هذا الدين .
وأصلها من موقع شبكة نور الإسلام ، بالإضافة إلى كثير من القصائد التي جعتها عبر سنين خلت لي ،من هنا وهناك، وفيها بعض دواوين الشعر.
وهي مرتبة إما على الموضوع ، أو باسم القصيدة نفسها ألف بائيا .أو الشاعر .
مما يسهل الرجوع لها ، وقد نافت هذه القصائد على الألف ، ما بين قصيدة طويلة جدا إلى مقطوعة صغيرة .
قال الشاعر :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ---فطاب من طيب تلك القاع والأكمُ
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه------- فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ
أخوك عيسى دعا ميْتاً فقام له------ وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
ما مر ذكركم إلا وألزمني ------ نثر الدموع ونظم المدح في كلم
ويقول شاعر آخر :
يموت المسلمون ولا نبالي ... ونهرف بالمكارم والخصال
ونحيا العمر أوتارًا وقصفًا ... ونحيا العمر في قيل وقال
وننسى أخوة في الله ذرت ... بهم كف الزمان على الرمال
تمزقهم نيوب الجوع حتى ... يكاد الشيخ يعثر بالعيال
يشدون البطون على خواء ... ويقتسمون أرغفة الخيال
وناموا في العراء بلا غطاء ... وساروا في العراء بلا نعال
يسيل لعابهم لهفًا وتذوى ... عيونهم على جمر السؤال
وليت جراحهم في الجسم لكن ... جراح النفس أقتل للرجال
يمدون الحبال وليت شعري ... أنقطع أم سنمسك بالحبال
نسينا: واتقوا يومًا ثقيلاً ... به النيران تقذف كالجبال
وهناك بعض القصائد قد تكررت ، لأنها تشمل موضوعات شتى ، ونحو ذلك .
ويجب أن ننتبه إلى بعض شطحات الشعراء ، فكل منا يؤخذ من قوله ويردُّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا وأسأل الله تعالى رب العرش العظيم أن ينفع بها جامعها ، وقارئها وناشرها والدال عليها في الدارين .
جمعها وأعدها
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 2 رمضان 1429 هـ الموافق 2/9/2008 م(1/1)
آل البيت والصحابة
قال الشاعر:
إني أُحب أبا حفص وشيعته كما أحب عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيت عليا قدوة علماً وما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة ساداتى ومعتقدي فهل علي بهذا القول من عار
******************
وقال آخر:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن انزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له
******************
وقال آخر:
بلغ الأشواق والحب الصحابة سادة القوم وأرباب النجابه
هم حماة الدين أبطال الردى بل غيوث البذل بل آساد غابه
حبهم دين ومن يبغضهم ربنا في نار الآخرة أذابه
ذب عن أعراضهم إن كنت من ضربهم لا تعتدي كل ذبابه
وأطلب الآثار منهم إنهم علماء الدين فتواهم إصابه
******************
قال الشاعر يمدح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم :
وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشقوا
أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظلة والروح تختطف
وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف
******************
وقال آخر:
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النازلات وأجملوا
******************
وقال آخر:-
ومن عجب أني أحن إليهم وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
******************
وقال آخر:
أنا مسلم وأقولها مِلء الورى وعقيدتي نور الحياة وسؤددي
سلمان فيها مثل عمر لا ترى جنساً على جنس يفوق بمحتدي
وبلال بالإيمان يشمخ عزة ويدق تيجان العنيد الملحد
وخبيب أخمد في القنا أنفاسه لكن صوت الحق ليس بمُخْمدِ
ورمى صهيب بكل مال للعدا ولغير ربح عقيدة لم يقصد
إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرة أقوى وألف مهند
****************(1/1)
ومن أشعار بعض الصحابة ما روي أن أبا بكر قال لما قُتل أمية بن خلف وقد كان يَسُومُ بلالاً سوء العذاب بمكة فيخرجه إلى الرَّمْضاء، فيلقي عليه الصخرة العظيمة ليفارقَ دينَ الإسلام فيعصمه اللّه من ذلك:
هَنئياً زادك الرحمنُ خيراً فقد أدركْت، ثأرك يا بلالُ
فلا نِكْسا وُجِدْتَ ولا جباناً غداة تنوشُكَ الأسَل الطوالُ
إذا هاب الرّجال ثبتَّ حتى تخلِط أنْتَ ما هابَ الرّجالُ
على مضض الكُلُوم بمشرفيٍّ جَلاَ أطرافَ مَتْنَيْهِ الصِّقَالُ
*****************
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم فتح مكة:
ألم تر أن اللَّهَ أظهر دِينَهُ على كل دينٍ قبل ذلك حائدِ
وأمكنه من أهل مكة بعدما تدَاعَوْا إلى أمرٍ من الغي فاسدِ
غداةَ أجَالَ الخيلَ في عَرَصاتها مسوَمةً بين الزبير وخالد
فأمسى رسولُ الله قد عَزَّ نَصْرُهُ وأمْسى عدَاه مِنْ قتيل وشارِد
يريد الزبير بن العوام حَوَارِيّ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، وخالِدَ ابن الوليد سيفَ الله تعالى في الأرض.
*****************
لما قتل أبو لُؤُلُؤَة غلامُ المغيرةِ بن شُعْبَة، قالت زوجه عاتِكة بنت زيد بن عمرو ابن نفَيل ترثيه:
عَيْنُ جُودي بِعَبْرَةٍ ونَحِيبِ لا تملي على الأمين النجِيب
فجَعَتْني المنونُ بالفارسِ الْمُعـ ـلَم يوم الهياج والتثويبِ
عصْمَةُ الناس والمعينُ على الدَهـ ـر وغيثُ المحروم والمحروبِ
قل لأهْلِ الضراءِ والبُؤس موتوا قد سقته المنُونُ كأسَ شعَوبِ
وقالت أيضاً ترثيه:
وفَجعني فيْرُوز لا دَرَّ درُه بأبيضَ تالٍ لِلْكِتابِ مُنِيبِ
رؤوف على الأدنى غليظ على العِدَا أخي ثقة في النائبات نجيبِ
متى ما يَقُلْ لا يكذب القولَ فِعلُه سريع إلى الخيرات غير قَطوبِ(1/2)
وعاتكة هذه، هي أخت سعيد بن زيد، أحدِ العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، بالجنَّة، وكانت تحت عبد اللّه بن أبي بكر، فأصابه سهْمٌ في غَزوَة الطائف فمات منه، فتزوجها عمر، رضي اللّه عنه، فقُتِل عنها، فتزوجها الزبير ابن العوام فقُتِلَ عنها، فكان علي، رضي الله عنه يقول: من أحبَّ الشهادة الحاضرة فليتزوج بعاتِكة.
*****************
يروى أن علياً رضي الله عنه قال بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها:
أرى عِلَلَ الدنيا عليَّ كثيرةً وصاحِبُها حتى المماتِ عليلُ
لكل اجتماع من خليلين فُرْقَةٌ وإن الذي دُون المماتِ قليل
وإنْ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليل على ألاَ يدومَ خَليلُ
*****************
وحجَ هشام بن عبد الملك، أو الوليد أخوه، فطافَ بالبيتِ وأرادَ استلامَ الْحَجَر فلم يقدر، فنُصِب له مِنبَرٌ فجلس عليه، فبينا هو كذلك إذْ أَقْبَلَ عليُ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في إزارِ ورِدَاء، وكان أحسنَ الناس وَجْهاً، وأعطرهم رائحة، وأكثرَهم خشوعاً، وبين عينيه سَجادة، كأنها رُكبة عنز، وطاف بالبيت، وأتى ليَسْتَلم الحجرَ، فتنحّى له الناسُ هيبة وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً؛ فقال رجلٌ من أهل الشام: مَن الَّذي أكرمه الناس هذا الإكرام، وأعظموه هذا الإعظام؟ فقال هشام: لا أعْرفه، لئلا يَعْظُمَ في صدور أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً:
هذا ابنُ خير عبادِ الله كلهِمُ هذا النقيُّ التقيُ الطاهرُ العَلَمُ
هذا الذي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وطأتُه والبيتُ يعرفُه والحل والحَرَمُ
إذا رأتْه قريشٌ قال قائلُها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرَمُ
يكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ راحتهِ رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم
*****************
مُشتقَّة من رسول اللّه نَبْعَتُهُ طابتْ عناصِرُه والخِيم والشِّيَم
يُنْمَى إلى ذِرْوة العزّ التي قصُرت عن نَيْلها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ
*****************(1/3)
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهِلَهُ بجدِّه أنبياءُ اللّه قد خُتِموا
اللَّهُ فضّله قِدْماً وشرّفَهُ جرى بذَاك له في لَوْحهِ القَلَمُ
مَنْ جدُهُ دانَ فَضْلُ الأنبياء لهُ وفَضْلُ أمّته دانَتْ له الأُمَمُ
عَمَ البريّةَ بالإحسان فانقشعتْ عنها الغيابةُ والإملاقُ والظُلمُ
*****************
ويقول الشيخ عائض القرني :
هم صفوة الأقوام فاعرف قدرهم وعلى هداهم يا موفق فاهتدِ
واحفظ وصية أحمد في صحبه واقطع لأجلهم لسان المفسدِ
عرضي لعرضهموا الفداء وإنهم أزكى وأطهر من غمام أبردِ
فالله زكاهم وشرّف قدرهم وأحلهم بالدين أعلى مقعدِ
شهدوا نزول الوحي بل كانوا له نعم الحماة من البغيض الملحدِ
بذلوا النفوس وأرخصوا أموالهم في نصرة الإسلام دون ترددِ
ما سبهم إلا حقيرٌ تافهٌ ذلٌ يشوههم بحقدٍ أسودِ
لغبارُ أقدام الصحابة في الردى أغلى وأعلى من جبين الأبعدِ
ما نال أصحابَ الرسول سوى امرءٍ تمت خسارته لسوء المقصدِ
*****************(1/4)
آلام
يقول الشاعر:
أطفال يافا يصرخون وما لهم عمرو ولا سعد ولا خطابُ
يا رب يا رحمن فانصر أمة قد أُغلقت من دونها أبوابُ
*****************
يقول الشاعر:
نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقُصّر
وليمون يافا يبس في حقوله وهل شجر في قبضة الظلم يُثمر
رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهَى وتأمر
رفاقك في الأغوار شدُّوا سروجهم وجندك في حطين صلوا وكبّروا
تناديك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبر
ويبكيك صفصاف الشّام ووردها ويبكيك زهر الغَوطتين وتدمر
تعال إلينا فالمروءات أَطرقت وموطن آبائي زجاج مكسّر
هُزمنا وما زلنا شتاتُ قبائل تعيش على الحقد الدفين وتزأر
يُحاصرنا كالموت بليون كافر ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر
*****************
وقال الدكتور عبدالرحمن العشماوي:
يا ويحنا ماذا أصاب رجالنا أو مالنا سعد ولا مقداد ؟
نامت ليالي الغافلين و ليلنا أرق يذيب قلوبنا وسهاد
سلت سيوف المعتدين و عربدت وسيوفنا ضاقت بها الأغماد
هذا هو الأقصى يلوك جراحه والمسلمون جموعهم آحاد
دمع اليتامى فيه شاهد ذلة وسواد أعينهن فيه حداد
أواه يا أبتي على أمجادنا يختال فوق رفاتها الجلاد
أجدادنا كتبوا مآثر عزها فمحا مآثر عزها الأحفاد
يا ليل أمتنا الطويل متى نرى فجراً تغرد فوقه الأمجاد
ومتى نرى بوابة مفتوحة للحق تقصر عندها الآماد
أنا يا أبي طفل ولكن همتي فجر به يحلو لي استشهاد
لا تخش يا أبتي علي فربما قامت على عزم الصغير بلاد
ولربما مات القوي بسيفه وقضى على مال الغني كساد
*****************
يقول الشاعر عن الأندلس:
يا من ينوح فؤادي خلف موكبه ومن ترفرف روحي حول مغناه
ماذا تركت بقلبي بعدما نسجت كف الخريف له حرى بلاياه
هلا ذكرت زمانًا ظل يسعدنا نقضى حياة المنى فِي ظل دنياه
تسعى إلينا الأماني في ظلاله وتستخف بنا أحلام دنياه
ما زلت أذكره في كل آونة رغم الصدود وأنت اليوم تنساه
*****************
وقال آخر:(2/1)
وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال
منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال
*****************
وقال محمود غنيم:
إني تذكرت والذكرى مؤرقة مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
ويح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتوارى في زواياه
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يحكمنا شعب ملكناه
كنا أسوداً ملوك الأرض ترهبنا والآن أصبح فأر الدار نخشاه
يا من رأى عمر تكسوه بردته والزيت ادم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من بأسه وملوك الروم تخشاه
استرشد الغرب في الماضي فأرشده ونحن كان لنا ماض نسيناه
إنا مشينا وراء الغرب نقتبس من ضيائه فأصابتنا شظاياه
بالله سل خلف بحر الروم عن عرب بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا
وانزل دمشق وخاطب صخر مسجدها عمن بناه لعل الصخر ينعاه
وطف ببغداد وابحث في مقابرها عل امرءاً من بني العباس تلقاه
أين الرشيد وقد طاف الغمام به فحين جاوز بغداد تحداه
هذي معالم خرس كل واحدة منهن قامت خطيباً فاغراً فاه
الله يشهد ما قلبت سيرتهم يوماً وأخطأ دمع العين مجراه
*****************
وقال آخر:
فلسطين ضاعت يوم ضاعت عقيدة وبات فساد الحال أقبح مقتنى
أيجحد دين العرب سؤدداً وينقض ما شاد النبي وما بنى ؟؟
ليرضى علينا الغرب حينا ويحتفي بنا الشرق أحيانا ... ونفقد ذاتنا
و ما زادنا هذا التذبذب عزّة ولكن حصدنا دونه الشوك والعنا
*****************
وقال آخر:
ما هم بأمة أحمد لا والذي فطر السماءا
ما هم بأمة خير خلق الله بدعا و انتهاءا
ما هم بأمة سيدي حاشا.. فليسوا الاكفياءا
ما هم بأمة على الأفلاك قد ركزوا اللواءا
من حطّم الأصنام من أرسى العدالة والاخاءا
من قال أن الله ربُ ّ الناس خالقهم سواءا
لا فضل إلا للصلاح فلا انتساب و لا ادعاءا
*****************
وقال آخر:
أما فلسطين فسيل دمائها لم ينقطع وعيونها لم ترقد(2/2)
اللاجئون وهذه أكواخهم كالعار عن أنظارنا لم يبعد
في كل كوخ لوعة ومناحة من طفلة تبكي وشيخ مقعد
ويتيمة تلوي إليك بجيدها تشكو الهوان بحسرة وتنهّد
وكريمة لعب اليهود بطهرها وبها تمتع رائح أو معتد
*****************
وقال الدكتور : عبد الرحمن العشماوي يصف العيد مع الاحتلال :
أقبلت يا عيد والأحزان أحزان وفي ضمير القوافي ثار بركان
أقبلت يا عيد والرمضاء تلفحني وقد شكت من غبار الدرب أجفان
أقبلت يا عيد هذي أرض حسرتنا تموج موجاً وأرض الإنس قيعان
أقبلت يا عيد والظلماء كاشفة عن رأسها وفؤاد البدر حيران
من أين والمسجد الأقصى محطمة آماله وفؤاده القدس ولهان
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي دروبنا جدر قامت وكثبان
*****************
وقال آخر:
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق خجلاً من أمسك المنصرم
أين دنياك التي أوحت إلى وترى كل يتيم النغم ؟
كم تخطيت على أصدائه ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديت كأني ساحب مئزري فوق جباه الأنجم
*****************
وقال آخر:
سأكتب شعري الباكي بدمع القلب لا الحبر
أسطّره على كبدي وأترك دفتر الشعر
جراح أحبتي في الأرض تبعث عاصف الفكر
فيا لله هل يبقى هنا صبر لذي صبر؟!
أحقاًّ أن سيف الحِقد تُشهره يد الكفر؟!
وأن دماء إخواني على طرقاتهم تجري؟!
أحقاًّ أن آلافاً تشرّدهم يد الفقر؟!
وأن الطفل لا يدري عن الأم ولا تدري؟!
أحقاًّ أن مسلمة بها كبراءة الزهر
تبيت عفيفة والليل يهتك سترة الطهر؟!
أحقاًّ قصة الإحراق والتجويع والكسر؟!
أحقاًّ قصة التمثيل في الوجه وفي الظهر؟!
أحقاًّ أن رأس المرء يُجعل لعبة تجري؟!
أحقاًّ أن عينيه تُقلع دونما أمر؟!
أحقاًّ ذلكم حقاًّ فما للقلب كالصخر؟!
لئن ماتوا فقد ماتت قلوب الناس في الصدر!!
*****************
وقال عمر أبو ريشة:
أمتي كم غصة دامية خنقت نجوى علاك في فمي
ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم(2/3)
كيف أغضيت على الذل ولم ولم تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنت إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو دم
اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دم اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها تتفانى في خسيس المغنم
*****************
وقال أيضاً:
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما كان في الحكم عبيد الدرهم
*****************
وقال آخر:
غبْ يا هلالْ..
إني أخاف عليك من قهر الرجالْ
قِف من وراء الغيم
لا تنشر ضياءك فوق أعناق التلالْ
غِبْ يا هلالْ..
إني لأخشى أن يُصيبك
- حين تلمحنا- الخَبَالْ
أنا - يا هلالْ
أنا طفلةٌ عربيةٌ فارقت أسرتنا الكريمةْ
لي قصةٌ
دمويةُ الأحداث باكية أليمةْْ
أنا - يا هلالْ
أنا من ضحايا الاحتلالْ
أنا من وُلدت
وفي فمي ثَدْيُ الهزيمةْ
شاهدتُ يومًا عند منزِلِنا كتيبةْ
في يومِها
كان الظلامُ مكدسًا
من حول قريتنا الحبيبةْ
في يومِها
ساق الجنودُ أبي
وفي عينيه أنهارٌ حبيسةْ
وتجمعت تلك الذئابُ الغُبْرُ
في طلب الفريسَةْ
ورأيت جنديًا يحاصر جسم والدتي
بنظرته المريبةْ
ما زلت أسمع - يا هلالْ-
ما زلت أسمع صوت أمِّي
وهْي تسْتجدي العروبةْ
ما زلت أبصر نصل خنجرها الكريمْ
صانتْ به الشرفَ العظيم
مسكينةٌ أمِّي
فقد ماتتْ
وما عَلِمَتْ بموْتتها العروبةْ
إني لأعجب يا هلال
يترنَّح المذياعُ من طرب!!
وينتعش القدحْ!!
وتهيج موسيقى المرحْ!!
والمطربون يرددون على مسامعنا
ترانيم الفرحْ!!
وبرامج التلفاز تعرضُ لوحة للتهنئةْ
"عيدٌ سعيدٌ يا صغارْ"..!!
غِبْ يا هلالْ
لا تأتِ بالعيد السعيد
مع الأنينْ
أنا لا أريد العيد مقطوعَ الوتينْ
أتظنُ أن العيدَ في حلوى
وأثواب جديدةْ؟!
أتظنُ أنَّ العيد تهنئةٌ
تُسطَّر في جريدةْ؟
غِبْ يا هلالْ
واطلعْ علينا حين يبتسم الزمنْ(2/4)
وتموت نيران الفتنْ
اطلع علينا
حين يُورق بابتسامتنا المساءْ
ويذوب في طرقاتنا ثلج الشتاءْ
اطلعْ علينا بالشذا
بالعز بالنصر المبينْ
اطلعْ علينا بالتئام الشمل
بين المسلمينْ
هذا هو العيدُ السعيدْ
وسواهُ
ليس لنا بِعيدْ
غِبْ يا هلالْ
*****************
وقال آخر:
لك في البرية حكمة ومشيئة أعيت مذاهبها أولي الألباب
إن شئت أجريت الصحاري أنهراً أو شئت فالأمواج فيض سراب
ماذا دهى الإسلام في أبنائه حتى انطووا في محنة وعذاب
فغناهُمُ فقر ودولة مجدهم في الأرض نهب ثعالب وذئاب
*****************(2/5)
أهل مصر
يقول حافظ إبراهيم:
أهلاً بنابتة البلاد ومرحباً جدَّدتم العهد الذي قد أخلقا
لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم فلربَّ مغلوبٍ هوى ثمَّ ارتقى
مَدَّتْ له الآمال من أفلاكها خيطَ الرجاء إلى العلا فتسلَّقا
فتجشَّموا للمجد كلَّ عظيمة إني رأيت المجد صعب المرتقى
من رام وصل الشمس حاكَ خيوطها سبباً إلى آماله وتعلقا
عارٌ على ابن النيلِ سبَّاق الورى - مهما تقلَّبَ دهره – أن يُسبقا
******************
يقول حافظ إبراهيم:
وكم ذا بمصرَ من المضحكات كما قال فيها أبو الطيِّبِ
أمورٌ تمرُّ، وعيشٌ يمرُّ ونحن من اللهو في ملعب
وشعبٌ يفرُّ من الصالحات فرار السليم من الأجربِ
وصحْفٌ تَطِنُّ طنين الذبابِ وأُخرى تُشَنُّ على الأقرب
******************(3/1)
إكرام الضيف
يقول المتنبي:
إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدروا أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ(4/1)
الأخلاق
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
بحر الحياة خضم ثائر الحمم أبحرت فيه بلا خوف ولا سأم
أهيم في البحر والأمواج تلطمني أصارع الموج بالأخلاق والقيم
أغوص في البحر والحيتان ترقبني فأتقيها بتقوى خالق الأمم
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
أنا اللبيب إذا ما انتابني قلق ذكرت ربي والأذكار من شيمي
إذا أصبت بضراء صبرت لها وإن يسرا فإني شاكر النعم
لم أخشى يوما من الدنيا مولية وما فرحت بها فالحال للعدم
ما كنت والوغد إذ أبدى مساوئه إلا كما البدر للسارين في الظلم
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
و ليس من خلقي قهر اليتيم و لا نهر الضعيف ولا التشكيك في الذمم
************************(5/1)
الأخوة
قال الشاعر:
تكثّر من الإخوان ما استطعت فإنّهم بطونٌ إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيراً ألف خلًّ وصاحبٍ وإن عدواً واحداً لكثير
*****************
وأنشد الإمام أحمد بن يحيى ثعلب رحمه الله:
من عفّ خفّ على الصديق لقاؤه وأخو الحوائج وجهه مبذول
وأخوك مَنْ وفَّرْتَ ما في كيسه فإذا استعنت به فأنت ثقيل
*****************
وقال آخر:
تجنب صديق السوء واصرم حباله وإن لم تجد عنه محيصا فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه تنل منه صفو الود ما لم تماره
*****************
وقال الخوارزمي:
لا تصحب الكسلان في حاجاته كم صالحٍ بفساد آخر يفسد
عدوي البليد إلى الجليد سريعةٌ والجمر يوضع في الرماد فيخمد
*****************
وقال صالح بن جناح :
وصاحب إذا صاحبت حراً مبرّزاً يزين ويزرى بالفتى قرناؤه
*****************
وقال منصور بن محمد الكريزي:
أغمض عيني عن صديقي كأنني لديه بما يأتي من القبح جاهل
وما بي جهل غير أن خليقتي تطيق احتمال الكره فيما أحاول
متى ما يريني مفصل فقطعته بقيت ومالي في نهوضي مفاصل
ولكن أداريه وإن صح شدني فإن هو أعيا كان فيه تحامل
*****************
قال الشاعر:
إذَا مَا حَالَ عَهْدُ أَخِيك يَوْمًا وَحَادَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ
فَلاَ تَعْجَلْ بِلَوْمِك وَاسْتَدِمْهُ فَإِنَّ أَخَا الْحِفَاظِ الْمُسْتَدِيمُ
فَإِنْ تَكُ زَلَّةٌ مِنْهُ وَالا فَلاَ تَبْعُدْ عَنْ الْخُلُقِ الْكَرِيمِ
*****************
قال علي رضي الله عنه :
فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه
وللشيء من الشيء مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب دليل حين يلقاه
*****************
وقال آخر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكلّ قرينٍ بالمقارن مقتدى
*****************
وقال آخر:
إذا ما بدت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالاً لزلته عذراً(6/1)
أحب الفتى ينفي الفواحشَ سمعُه كأن به عن كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا باسط أذى ولا مانع خيرٍ ، ولا قائل هجرا
*****************
وقال آخر:
وما بقيت من اللذات إلا محادثة الرجال ذوى العقول
وقد كنا نعد هم قليلاً فقد صاروا أقل من القليل
*****************
بلوت الناس قرناً بعد قرنٍ فلم أر غير قيل وقال
ولم أر في الخطوب أشد وقعاً وأمضي من معاداة الرجال
وذقت مرارة الأشياء طراً فما شيء أمر من السؤال
*****************
وقال آخر:
وكنت إذا الصديق أراد غيظي وشرقني على ظمأٍ بريقي
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي مخافة أن أعيش بلا صديق
*****************
وقال آخر:
إذا لم أجد خلاً تقياً يؤانسني فوحدتي خيرٌ وأشهى من غويٌ أعاشره
وأجلس وحدي للعبادة آمناً أقرَّ لعيني من جلتيسٌ أحاذره
*****************
وقال آخر:
إن أخا الصدق من يسعي معك ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك
وليس أخي من ودني بلسانه ولكن أخي من ودني وهو غائب
ومن ماله مالي إذا كنت معدما ومالي له إن أعوزته النوائب
*****************
وقال أبو تمام:
من لي بإنسان إذا أغضبته وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه وبقلبه ولعله أدري به
*****************
وقال آخر:
فإذا ظفرتَ بذي الوفـ ــاء فحُط رحلكَ في رِحابهْ
فأخوك مَن إن غاب عنـ ـك رعى ودادك في غيابهْ
وإذا أصابك ما يسوءُ رأى مصابكَ من مصابهْ
ونراه يَيْجَعُ إن شكوتَ كأن ما بك بعض ما بهْ
*****************
قال عبدالله بن المبارك:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا حياء وعفاف وكرم
قوله للشيء: لا، إن قلت لا وإذا قلت: نعم قال: نعم
*****************
وقال آخر:
أنت في الناس تقاس بالذي اخترت خليلاً
فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكراً جميلاً
*****************
وقال آخر:
ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب(6/2)
*****************
وقال آخر
إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه مقارف ذنبٍ مرةً ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه
*****************
وقال آخر:
نافس ، إذا نافست في حكمة آخ ، إذا آخيت ، أهل التقى
ما خير من لا يرتجي نفعه يوماً ، ولا يؤمن منه الأذى
*****************
وقال آخر:
ومن يكن الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلاب
*****************
وقال آخر:
ما كثر الأصحاب حين تعدهم لكنهم في النائبات قليل
*****************
وقال آخر:
خليلي جربت الزمان وأهله فما نالني منهم سوى الهم والعنا
وعاشرت أبناء الزمان فلم أجد خليلا يوفي بالعهود ولا أنا
*****************
وقال آخر:
إذا كنت في قومٍ فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي
*****************
وقال آخر:
واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً إن القرين إلى المقارن يُنسب
*****************
وقال آخر:
مجالسة السفيه سفاه رأيٍ ومن عقلٍ مجالسة الحكيم
فإنك والقرين معاً سواءٌ كما قُدَّ الأديمُ من الأديمِ
*****************
وقال الشافعي:
إذا المرء لم يرعاك إلا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةً فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
*****************
وقال آخر:
مرض الحبيب فزرته فمرضت من خوفي عليه
وأتى الحبيب يزورني فشفيت من نظري إليه
*****************
وقال آخر:(6/3)
أبى الإسلام لا أبَ لي سِوَاهُ إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
*****************
وقال آخر:
وما المرء إلا بإخوانه كما يقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعة ولا خير في الساعد الأجذم
*****************
وقال آخر:
ومن عجب أني أحن إليهم وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
*****************
قال مجنون بني عامر :
أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
*****************
وقال آخر:-
والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وأنت مني قلبي ووسواسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رأيت خيالاً منك في الكاس
*****************
وقال آخر:
والله لو أحرقوني في الهوى حمماً ما اخترت غيركمو في الكون إنسانا
منكم دوائي ودائي صرت عبدكمو أرى بلاءكمو في الجسم إحسانا
*****************
وقال آخر:
أخوك أخوك من يدنو وترجو مودته وإن دعي استجابا
إذا حاربت حارب من تعادي وزاد سلاحه منك اقترابا
*****************
وقال آخر:
إذا كان حب الهائمين من الورى بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا
فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي سرى قلبُه شوقاً إلى العالم الأعلى
*****************
وقال آخر:
إن يفترق ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسبُ، يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد
*****************
وقال آخر:
الحب ليس رواية شرقية بأريجها يتزوّج الأبطالُ
الحب مبدأ دعوة قدسية فيها من النور العظيم جلالُ
*****************
وقال آخر:-
كم من أخ لك لم يلده أبوكا وأخُ أبوه أبوك قد يجفوكا
صاف الكرام إذا أردت إخاءهم وأعلم بأن أخا الحفاظ أخوكا
كم إخوة لك لم يلدك أبوهم وكأنما آباءهم ولدوكا
لو كنت تحملهم على مكروهة تخشى الحتوف بها لما خذلوكا
وأقارب لو أبصروك معلقاً بنياط قلبك ثم ما نصروكا(6/4)
الناس ما استغنيت كنت أخاً لهم وإذا افتقرت إليهم فضحوكا
*****************
وقال آخر:
وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
*****************
وقال آخر:
نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم اغلي ما لدينا
نلام على محبتكم ويكفي لنا شرف نلام وما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلي الناس بالدنيا و إنا لعمر الله بعدك ما سلينا
*****************
وقال آخر:
فإن كانت الأجسام منا تباعدت فإن المدى بين القلوب قريب
*****************
وقال آخر:
خليلي إن الحب صعب مراسه وإن عزيز القوم فيه يهان
*****************
وقال منصور بن محمد الكريزي :
إذا أنت عاديت امرءاً بعد خلة فدع في غدٍ للعود والصلح موضعا
فإنك إن نابذت من زل زلة ظللت وحيداً لم تجد لك مفزعا
*****************
وقال آخر:
تبسم الثغر عن أوصافكم فغدا من طيب ذكركم نشراً فأحيانا
فمن هناك عشقناكم ولم نركم والأذن تعشق قبل العين أحيانا
*****************
وقال آخر:
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
*****************
وقال آخر:
والله ما لمحت عيني منازلكم إلا توقد جمر الشوق في خلدي
ولا تذكرت مغناكم وأرضكموا إلا كأن فؤادي طار من جسدي
*****************
وقال آخر:
لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ولكن إخوان الثقات الذخائر
*****************
وقال آخر:
بنتُم وبنّا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسّينا
********************
يقول المتنبي:
فليت هوى الأحبة كان عدلاً فحمل كل قلبٍ ما أطاقا
**********************
ويقول أيضاً:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
**********************
ويقول أيضاً:
كفى بك داءً أن يكون الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
**********************(6/5)
ويقول أيضاً:
أما في هذه الدنيا كريم تزول به عن النفس الهموم
***********************
ويقول أيضاً:
أما تغلط الأيام في بأن أرى صديقاً تباعد أو عدواً تقرب
***********************(6/6)
الأدب
يقول الشاعر:
ليس البلية في أيامنا عجبا بل السلامة فيها أعجب العجب
ليس الجمال بأثواب تزيننا إن الجمال جمال العقل والأدب
ليس اليتم الذي مات والده إن اليتم يتم العلم والأدب
******************
قال صفي الدين الحلي:
لئن ثلمتْ حدّي صُروفُ النّوائبِ فقدَ أخلصتْ سبَكي بنارِ التَداربِ
وفي الأدبِ الباقي، الذي قد وهبنَني عَزاءٌ مِنَ الأموالِ عن كلِّ ذاهبِ
فكَم غايَة ٍ أدركتها غير جاهدٍ وكَم رتبة ٍ قد نلْتُها غيرَ طالبِ
********************************(7/1)
الأستاذ
يقول إبراهيم طوقان
شوقي يقول - وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجلاً من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد ( يقلقني ) الأمير بقوله كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرب التعليم شوقي ساعة لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمةً وكآبةً مرآي ( الدفاتر ) بكرةً وأصيلا
مئةُ على مئةٍ إذا هي صلحت وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أن في التصليح نفعاً يرتجى وأبيك لم أك بالعيون بخيلا
لكن أصلح غلطةً نحويةً مثلاً واتخذ الكتاب دليلا
وأكاد أبعث سيبويه من البلى وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى ( حماراً ) بعد ذلك كله رفع المضاف إليه والمفعولا
لا تعجبوا إن صحت يوماً صيحة ووقعت ما بين الصفوف قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته إن المعلم لا يعيش طويلا
************************(8/1)
الأسرى
يقول أبو الأصبغ عيسى بن الحسن:
ليت شعري كيف البلاد وكيف الإنس والوحش والسما والماء
طال عهدي عن كل ذلك وليلي ونهاري في مقلتي سواء
ليس حظي من البسيطة إلا قدر قبر صبيحة أو مساء
******************
يقول ابن حزم:
مسهد القلب في خديه أدمعه قد طالما شرقت بالوجد أضلعه
يأوي إلى زفرات لو يباشرها قاسي الحديد فواقا ذاب أجمعه
يشكو إلى القيد ما يلقاه من ألم فبالأنين لدى شكواه يرجعه
يا هاجعا والرزايا لا تؤرقه قل كيف يهجع من في الكبل مهجه
******************
يقول الشاعر:
قيدي أما تعلمني مسلما أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شراب لك واللحم قد أكلته لا تهشم الأعظما
******************
مختارات من قصيدة ملحمة الابتلاء- الملحمة النونية
ملحمة ألفت داخل السجن الحربي في القاهرة عام 1955م وهي تحكي قصة سجين قضى نحو عشرين شهراً في السجن الحربي ... إنها تصوير بسيط لبعض ما قاساه المسلمون الذين عذبوا في هذا السجن الرهيب.
شعر الدكتور: يوسف القرضاوي
ثار القريض بخاطري فدعوني أفضي لكم بفجائعي وشجوني
فالشعر دمعي حين يعصرني الأسى والشعر عودي يوم عزف لحوني
كم قال صحبي أين غر قصائدي تشجي القلوب بلحنها المحزون
وتخلّد الذكرى الأليمة للورى تتلى على الأجيال بعد قرون
ما حيلتي والشعر فيض خواطرٍ ما دمت أبغيه ولا يبغيني ؟
واليوم عاودني الملاك فهزني طرباً إلى الإنشاد والتلحين
ألهمتها عصماء تنبع من دمي ويمدها قلبي وماء عيوني
نونية والنون تحلو في فمي أبداً فكدت يقال لي ذو النونِ
صورت فيها ما استطعت بريشتي وتركت للأيام ما يعييني
أحداث عهد عصابة حكموا بني مصرَ بلا خلقٍ ولا قانون
أنست مظالمهم مظالم من خلوا حتى ترحمنا على نيرون
حسبوا الزمان أصمّ أعمى عنهم قد نوّموه بخطبةٍ وطنين
ويراعة التاريخ تسخر منهمُ وتقوم بالتسجيل والتدوين
وكفى بربك للخليقة محصياً في لوحه وكتابه المكنون(9/1)
يا سائلي عن قصتي اسمع إنها قصص من الأهوال ذات شجون
أمسك بقلبك أن يطير مفزعاً وتولّ عن دنياك حتى حين
فالهول عاتٍ والحقائق مرةٌ تسمو على التصوير والتبيين
والخطب ليس بخطب مصر وحدها بل خطب هذا المشرق المسكين
في ليلة ليلاء من نوفمبرٍ فزعت من نومي لصوت رنين
فإذا كلاب الصيد تهجم بغتةً وتحوطني عن شمألٍ ويمين
فتخطفوني من ذوي وأقبلوا فرحاً بصيدٍ للطغاة سمين
وعزلت عن بصر الحياة وسمعها وقذفت في قفص العذاب الهون
في ساحة (الحربي) حسبك باسمه من باعث للرعب قد طرحوني
ما كدت أدخل بابه حتى رأت عيناي ما لم تحتسبه ظنوني
في كل شبر للعذاب مناظرٌ يندى لها -والله - كل جبين
فترى العساكر والكلاب معدة للنهش طوع القائد المفتون
هذي تعض بنابها وزميلها يعدو عليك بسوطه المسنون
ومضت علي دقائقٌ وكأنها مما لقيت بهن بضع سنين
يا ليت شعري ما دهانِ؟ وما جرى؟ لا زلت حياً أم لقيت منوني؟
عجباً أسجن ذاك أم هو غابةٌ برزت كواسرها جياع بطون ؟
أأرى بناءً أم أرى شقي رحى جبارة للمؤمنين طحونِ؟
واهاً أفي حلم أنا أم يقظةً أم تلك دار خيالة وفتون ؟
لا لا أشك هي الحقيقة حية أأشك في ذاتي وعين يقيني ؟
هذي مقدمة الكتاب فكيف ما تحوي الفصول السود من مضمون ؟
هذا هو (الحربي) معقل ثورة تدعو إلى التحرير والتكوين
فيه زبانية أعدوا للأذى وتخصصوا في فنه الملعون
متبلدون عقولهم بأكفهم وأكفهم للشر ذات حنين
لا فرق بينهمو وبين سياطهم كل أداة في يدي مأفون
يتلقفون القادمين كأنهم عثروا على كنزٍ لديك ثمين
بالرجل بالكرباج باليد بالعصا وبكل أسلوبٍ خسيسٍ دونِ
لا يقدرون مفكراً ولو أنه في عقل سقراط وأفلاطون
لا يعبئون بصالحٍ ولو أنه في زهد عيسى أو تقى هارون
لا يرحمون الشيخ وهو محطمٌ والظهر منه تراه كالعرجون
لا يشفقون على المريض وطالما زادوا أذاه بقسوةٍ وجنون
كم عالمٍ ذي هيبة وعمامةٍ وطئوا عمامته بكل مجون
لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها لكنها هانت هوان الدين(9/2)
وكبيرِ قومٍ زينته لحيةٌ أغرتهمو بالسبِّ والتلعين
قالوا له :انتفها -بكل وقاحةٍ لم يعبأوا بسنينه الستين
فإذا تقاعس أو أبى يا ويله مما يلاقي من أذىً وفتون
أترى أولئك ينتمون لآدمٍ أم هم ملاعينٌ بنو ملعون ؟
تالله أين الآدمية منهمو من مثل محمودٍ ومن ياسين
من جودة أو من دياب ومصطفى وحمادةٍ وعطية وأمين
لا تحسبوهم مسلمين من اسمهم لا دين فيهم غير سبّ الدين
لا دين يردع لا ضمير محاسبٌ لا خوف شعبٍٍ لا حمى قانون
من ظن قانوناً هناك فإنما قانوننا هو حمزة البسيوني
جلاد ثورتهم وسوط عذابهم سموه زوراً قائداً لسجون
وجه عبوس قمطرير حاقدُ مستكبر القسمات والعرنين
في خده شجٌ ترى من خلفه نفساً معقدةً وقلب لعين
متعطشٍ للسوءِ في الدم والغٍ في الشرّ منقوعٍ به معجونِ
هذا هو الحربي معقل ثورة تدعو إلى التطوير والتحسين
هو صورة صغرى استعيرت من لظى في ضيقها وعذابها الملعون
هو مصنع للهول كم أهدى لنا صوراً تذكرنا بيوم الدين
هو فتنة في الدين لولا نفحةٌ من فيض إيمانٍ وبرد يقين
قل للعواذل إن رميتم مصرنا بتخلف التصنيع والتعدين
مصر الحديثة قد علت وتقدمت في صنعة التعذيب والتقرين
وتفننت - كي لا يمل معذَّبٌ في العرض والإخراج والتلوين
أرأيت بالإنسان يُنفخ بطنه حتى يُرى في هيئة البالون ؟
أسمعت بالإنسان يُضغط رأسُه بالطوق حتى ينتهي لجنون ؟
أسمعت بالإنسان يُشعل جسمُه ناراً وقد صبغوه بالفزلين ؟
أسمعت ما يلقى البرئ ويصطلي حتى يقول: أنا المسئُ خذوني
أسمعت بالآهات تخترق الدجى رباه عدلك .. إنهم قتلوني
إن كنت لم تسمع فسل عمّا جرى مثلي ولا ينبيك مثل سجين
واسأل ثرى الحربي أو جدرانه كم من كسير فيه أو مطعون
وسل السياط السود كم شربت دماً حتى غدت حمراً بلا تلوين
وسل (العروسة) قبحت من عاهرٍ كم من جريحٍ عندها وطعين
كم فتية زفوا إليها عنوة سقطوا من التعذيب والتوهين
واسأل (زنازين) الجليد تجبك عن فن العذاب وصنعة التلقين(9/3)
بالنار أو بالزمهرير فتلك في حينٍ وهذا الزمهرير بحين
يُلقى الفتى فيها ليالي عارياً أو شبه عارٍ في شتا كانون
وهناك يملي الاعتراف كما اشتهوا أو لا فويل مخالفٍ وحرون
وسل (المقطم) وهو أعدل شاهدٍ كم من شهيدٍ في التلال دفين
قتلته طغمة مصر أبشع قتلةٍ لا بالرصاص ولا القنا المسنون
بل علقوه كالذبيحة هيئت للقطع والتمزيق بالسكين
وتهجدوا فيه ليالي كلها جلدٌ وهم في الجلد أهل فنون
فإذا السياط عجزن عن إنطاقه فالكي بالنيران خير ضمين
ومضت ليالٍ والعذاب مسجّرٌ لفتى بأيدي المجرمين رهين
لم يعبؤوا بجراحه وصديدها لم يسمعوا لتأوهٍ وحنين
قالوا اعترف أو مت فأنت مخيّرٌ فأبى الفتى إلا اختيار منون
وجرى الدم الدفاق يسطر في الثرى يا إخوتي استشهدت فاحتسبوني
لا تحزنوا إني لربي ذاهبٌ أحيا حياة الحر لا المسجونِ
وامضوا على درب الهدى لا تيأسوا فاليأس أصل الضعف والتهوين
قل للذي جعل الكنانة كلها سجناً وبات الشعب شر سجين
يا أيها المغرور في سلطانه أمن النضار خلقت أم من طين ؟
يا من أسأت لكل من قد أحسنوا لك دائنين فكنت شر مدين
يا ذئب غدرٍ نصبوه راعياً والذئب لم يك ساعة بأمين
يا من زرعت الشر لن تجني سوى شرٍ وحقدٍ في الصدور دفين
سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت دول أولات عساكر وحصون
ستهب عاصفةٌ تدك بناءه دكاً وركن الظلم غير ركين
ماذا كسبت وقد بذلت من القوى والمال بالآلاف والمليون ؟
أرهقت أعصاب البلاد ومالها ورجالها في الهدم لا التكوين
وأدرت معركة تأجج نارها مع غير (جون بولٍ) ولا كوهين
هل عدت إلا بالهزيمة مرّةٍ وربحت غير خسارة المغبون ؟
وحفرت في كل القلوب مغاوراً تهوي بها سفلاً إلى سجّين
وبنيت من أشلائنا وعظامنا جسراً به نرقى لعليين
وصنعت باليد نعش عهدك طائعاً ودققت إسفيناً إلى إسفين
وظننت دعوتنا تموت بضربةٍ خابت ظنونك فهي شر ظنون
بليت سياطك والعزائم لم تزل منّا كحدّ الصارم المسنون(9/4)
إنا لعمري إن صمتنا برهةً فالنار في البركان ذات كمون
تالله ما الطغيان يهزم دعوةً يوماً وفي التاريخ برُّ يميني
ضع في يدي ّ القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكّين
لن تستطيع حصار فكري ساعةً أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يديْ ربّي .. وربّي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي وأموت مبتسماً ليحيا ديني
*****************(9/5)
الأمة الإسلامية
يقول الشاعر محمود محسن عبيد:
أنَا ابْنُ العُرُوبَةِ رَمْزُ الفِدَاءِ يَدِي حُرَّة ٌجَبْهَتِي فِي السَّمَاءِ
مِنَ (الشِّعب) عمِّي مِنَ (القدس) أُمّي وفي (مصْر) بَيْتي وَََزَرْعي وَمَائي
عَشِقْتُ الحَيَاةَََ طَليقا كَأنِّي مِنَ الطَّيرِ أَهْفُو إِلَى كُلِّ نَائي
وَإِنْ جَاءَ غَازٍ بِلادِي فَإنِّي لِنَصْري أُضَحِّي بِكُلِّ الدِّمَاءِ
فَقَلبِي جَرِيءٌ وَسَيْفِي مُضِيءٌ يُعِيدُ السَّعَادَةَ بَعْدَ الشَّقَاءِ
************************
يقول الشاعر محمود غنيم في الأمة الإسلامية:
هي العروبة لفظ إن نطقت به فالشرق، والضاد، والإسلام معناه
استرشد الغربُ بالماضي، فأرشده ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه
إنا مشَيْنا وَرَاءَ الغرب نقبس من ضيائه فأصابتنا شظاياه
بالله، سل خلف بحر الروم عن عرَبٍ بالأمس كانوا هنا، واليوم قد تاهوا!
فإن تراءتْ لك الحمراء عن كَثَب فسائل الصرحَ: أين العز والجاه؟
وانزلْ دمشق، وسائل صخر مسجدها عمن بناه، لعل الصخر ينعاه
وطُف ببغداد وابحث في مقابرها علَّ أمرءاً من بني العباس تلقاه
هذى معالم خرسٌ كلُّ واحدة منهنَّ قامت خطيباً فاغراً فاه
الله يعلم ما قلَّبتُ سيرتَهُم ْيوماً وأخطأ دمعُ العين مجراه
أين الرشيد وقد طاف الغمام به فحين جاوز بغداداً تحداه؟
ملْكٌ كملك بنى «التاميز» ما غَرَبت شمسُ عليه، ولا برقُ تخطاه
ماضٍ نعيش على أنقاضه أمَم ٌ ونستمدُّ القوى من وحى ذكراه
*****************(10/1)
الإحسان إلى الآخرين
يقول الشاعر:
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما ..
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً؟ أو من يثيبُ البلبل المترنما
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
وإن أتاني من يرجو مساعدتي أعطيه دونما من ولا ندم
************************
يقول ايليا أبو ماضي:
فاعمل لإسعاد السِّوى وهنائهم إن شئت تسعد في الحياة وتنعما
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
************************(11/1)
الإنفاق
قال ربيعه الرقي:
شتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتمِ
فهمُّ الفتى الأزدي إتلاف ماله وهمُّ الفتى القيسيّ جمع الدراهمِ
فلا يحسب القيسي أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم
******************
وقال شمس الدين البديوي:
إذا المرء وافى منزلاً منك قاصداً قراك وأرمته لديك المسالك
فكن باسماً في وجهه متهللاً وقل مرحباً أهلاً ويوم مبارك
وقدم له ما تستطيع من القرى عجولاً ولا تبخل بما هو هالك
فقد قيل بيت سالف متقدم تداوله زيد وعمرو ومالك
بشاشة وجه المرء خير من القرى فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك
******************
وقال آخر:
الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عاريّة والعمْر رحالُ
المال كالماء إِنْ تحبس سواقِيَه يأسن وإن يجرِ يعذب منه سلسالُ
******************
وقال الشافعي:
يا لهف نفسي على مال أفرقه على المقلَّين من أهل المروءات
إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
*****************
وقال أيضاً:
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
******************
ومن الأسخياء من تَسْمُو به الحال، فيرى أن الفضل والمنَّة إنما هي لمن جاء يستجديه ويسأله؛ حيث أحسن الظنَّ به، وتكرَّم عليه؛ فهذا من غرائب السخاء، وينسب لابن عباس _رضي الله عنهما_ أنه قال:
إذا طارِقَاتُ الهمِّ ضَاجعت الفتى وأعْمل فكرَ الليلِ والليلُ عاكرُ
وباكرني في حاجة لم يجدْ بها سواي ولا مِنْ نكبة الدهرِ ناصرُ
فَرَجتُ بمالي همَّهُ من مقامه وزايله همٌّ طروقٌ مسامرُ
وكان له فضل عليَّ بظنه بي الخير إني للذي ظنَّ شاكرُ
******************
وقال آخر:
أخو البشر محمود على كلّ حالةٍ ولن يعدم البغضاء من كان عابساً
ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ولم أر مثل الجود للعرض حارساً
******************
وقال آخر:
إذا حال حول لم تجد في دياره من المال إلا ذكره وجمائله(12/1)
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت نائله
تعود بسط الكف حتى لو أنه أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه لجاد بها فليتق الله سائله
******************
وقال آخر:
أبيت خميص البطن عريان طاويا وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي
وامنحه فرشي وافترش الثرى واجعل ستر الليل من دونه لبسي
******************
وقال آخر:
وعد من الرحمن فضلاً ونعمة عليك إذا ما جاء للخير طالب
ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغباً فإنك لا تدرى متى أنت راغب
******************
ويقول حاتم الطائي:
أماوي إن المال غاد ورائح ويبقي من المال الأحاديث والذكر
وقد علم الأقوام لو أن حاتماً أراد ثراء المال كان له وفر
******************
وقال آخر:
كريم كريم الأمهات مهذب تدفق يمناه الندى وشمائله
هو البحر من أي الجهات أتيته فلجته المعروف والجود ساحلة
جواد بسيط الكف حتى لو أنه دعاها لقبض لم تجبه أنامله
************************
يقول أبو النواس:
فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يسير الجود حيث يسير
************************
يقول المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
******************(12/2)
الإنفاق
قال ربيعه الرقي:
شتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتمِ
فهمُّ الفتى الأزدي إتلاف ماله وهمُّ الفتى القيسيّ جمع الدراهمِ
فلا يحسب القيسي أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
******************
وقال شمس الدين البديوي
إذا المرء وافى منزلا منك قاصدا ... قراك وأرمته لديك المسالك )
( فكن باسما في وجهه متهللا ... وقل مرحبا أهلا ويوم مبارك )
( وقدم له ما تستطيع من القرى ... عجولا ولا تبخل بما هو هالك )
( فقد قيل بيت سالف متقدم ... تداوله زيد وعمرو ومالك )
( بشاشة وجه المرء خير من القرى ... فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك )
******************
وقال آخر:-
الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عاريّة والعمْر رحالُ
المال كالماء إِنْ تحبس سواقِيَه يأسن وإن يجرِ يعذب منه سلسالُ
******************
وقال الشافعي:-
على المقلَّين من أهل المروءات ... يا لهف نفسي على مال أفرقه
ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات ... إن اعتذاري إلى من جاء يسألني
*****************
وقال أيضاً
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
******************
ومن الأسخياء من تَسْمُو به الحال، فيرى أن الفضل والمنَّة إنما هي لمن جاء يستجديه ويسأله؛ حيث أحسن الظنَّ به، وتكرَّم عليه؛ فهذا من غرائب السخاء.
ينسب لابن عباس _رضي الله عنهما_ أنه قال:
إذا طارِقَاتُ الهمِّ ضَاجعت الفتى *** وأعْمل فكرَ الليلِ والليلُ عاكرُ
وباكرني في حاجة لم يجدْ بها *** سواي ولا مِنْ نكبة الدهرِ ناصرُ
فَرَجتُ بمالي همَّهُ من مقامه *** وزايله همٌّ طروقٌ مسامرُ
وكان له فضل عليَّ بظنه *** بي الخير إني للذي ظنَّ شاكرُ
******************
وقال آخر:-
أخو البشر محمود على كلّ حالةٍ ... ... ولن يعدم البغضاء من كان عابساً
ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ... ... ولم أر مثل الجود للعرض حارساً
******************
وقال آخر:-(13/1)
إذا حال حول لم تجد في دياره ... من المال إلا ذكرة وجمائله )
( تراه إذا ما جئته متهللا ... تأنك تعطيه الذي انت نائله )
( تعود بسط الكف حتى لو أنه ... أراد انقباضا لم تطعه أنامله )
( فلو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله )
******************
وقال أحدهم :
أبيت خميص البطن عريان طاويا وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي
وامنحه فرشي وافترش الثرى واجعل ستر الليل من دونه لبسي
******************
وعد من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك إذا ما جاء للخير طالب )
( ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغبا ... فإنك لا تدرى متى انت راغب )
******************
ويقول حاتم الطائي:
( أماوي إن المال غاد ورائح ... ويبقي من المال الأحاديث والذكر )
وقد علم الأقوام لو أن حاتما ... أراد ثراء المال كان له وفر )
******************
وقال آخر:-
كريم كريم الأمهات مهذب ... تدفق يمناه الندى وشمائله )
( هو البحر من أى الجهات أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحلة )
( جواد بسيط الكف حتى لو أنه ... دعاها لقبض لم تجبه أنامله(13/2)
الإيمان
يقول أحمد بن علي بن حسين بن مشرف الوهيبي التميمي. فقيه مالكي، كثير النظم، سلفي العقيدة، من أهل الأحساء بنجد
إيماننا قول وقصد وعمل إن وافق الشرع به نيل الأمل
والزيد والنقصان للإيمان يعرض بالطاعة والعصيان
اعلم بأن الدين مبني على خمس دعائم كما قد نقلا
وهي الشهادتان والصلاة والحج والصيام والزكاة
فشرحه عقيدة الجنان والنطق والخدمة بالأركان
ثم إذا نظرت بالإمعان وجدته حقيقة الإيمان
وفسر الإيمان خير مرسل بأنه الإيمان بالله العلي
وبالملائكة العلا ورسله والبعث والمقدور أيضا كله
************************(14/1)
الابتسامة
يقول المتنبي:
بأدنى ابتسام منك تحيا الجوارح وتقوى من القلب الضعيف الجوانح(15/1)
الاختلاط
يا قومِ لا تُفنوا الفضيلة واحذروا من كل من يدعو إلى الإضلالِ
يا قومِ شاع دعاةٌ شرٍ بيننا ينوون خلط نسائنا برجالٍ
يا قومِ ما في الاختلاط سوى الأذى وبقاؤنا في أرذل الأحوالِ
ثم انظروا يا قومِ فيمن حولنا ممن أطاعوا دعوة الإضلالِ
لما تخالط بالرجالِ نساؤهم ذهبت كرامتهم كطيف خيالِ
شاع الفساد بأرضهم وتخالطت أنسابهم وبقوا بأرذل حالِ
يا قومِ قد أبديت نُصحي فاحذروا من كل من يدعو إلى الإضلالِ
************************(16/1)
الاستشارة
يقول الشاعر:
إذا الأمر أشكل إنفاذه ولم تر منه سبيلاً فسيحا
فشاور بأمرك في سترةٍ أخاك اللبيب المحبّ النّصيحا
فربّما فرّج النّاصحون وأبدوا من الرّأى رأياً صحيحا
ولا يلبث المستشير الرّجال إذا هو شاور أن يستريحا
****************
وقال آخر:
أطع الحليم إذا الحليم عصاكا إن الحليم إذا عصاك هداكا
وإذا أستشارك من تود فقل له أطع الحليم إذا الحليم نهاكا
ولئن أبيت لتأتين خلافه أربا يحوطك أو يكون هلاكا
وأعلم بأنك لن تسود ولن ترى سبل الرشاد إذا أطعت هواكا
****************
وقال آخر:
الهم ما لم تمضه لسبيله سقم القلوب وآفة الأبدان
ومعول الرجل الموفق رأيه عند اعتراض طوارق الأحزان
وإذا الحوادث سددت أسبابه كان التبصر أنجد الأعوان
وإذا أضل سبيله تدبيره طلب الهدى بتشاور الإخوان
****************
وقال آخر:
إنَّ الَّلبِيب إذا تفرّق أمره فتق الأمور مناظراً ومشاورا
أخو الجهالة يستبدّ برأيه فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
****************
قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن يترددا
******************
فأضاف إليه آخر:
وإن كنت ذا عزم فانفذه عاجلاً فإن فساد العزم أن يتقيدا
******************
وقال آخر:
إذا بلغ الرأيُ المَشُورَةَ فاستَعِنْ برأي نصيحٍ أو مشورةِ حازمِ
ولا تحسَبِ الشُّورى عليك غَضاضةً فإنّ الخوَافِي قوة للقوادمِ
وما خيرُ كَفٍّ أمسكَ الغُل أُخْتَها وما خيرُ سيفٍ لم يُؤَيَّدْ بقائمِ
************************
يقول ابن المقري
عقلُ الفتى ليس يُغني عن مشاورة كعفةِ الخود لا تُغني عن الرَّجلِ
إن المشاورَ إما صائبٌ غرضاً أو مخطيءٌ غيرَ منسوبٍ إلى الخَطَلِ
************************
يقول ابن المقري
لا تحقِرِ الرأيَ يأتيكَ الحقيرُ بهِ فالنَّحل وهو ذُبابٌ طائرُ العسل
************************(17/1)
البحر
يقول ابن الرومي:
وأما بلاءُ البحر عندي فإنه طواني على روع مع الروح واقب
ولو ثاب عقلي لم أدعْ ذكرَ بعضهِ ولكنه من هولِهِ غيرُ ثائب
وَلِمَ لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرة ً لوافيتُ منه القعرَ أولَ راسبِ
ولم أتعلم قط من ذي سباحة ٍ سوى الغوص، والمضعوف غيرُ مغالِبِ
فأيسر إشفاقي من الماء أنني أمرّ به في الكوز مرَّ المجانب
وأخشى الردى منه على كل شارب فكيف بأمنه على نفس راكب
أظلّ إذا هزته ريح ولألأت له الشمسُ أمواجاً طِوالَ الغواربِ
كأني أرى فيهنّ فُرسانَ بُهمة يليحون نحوي بالسيوف القواضب
************************(18/1)
البخل والبخلاء
يقول الشاعر:
وهبني جمعت المال ثم خزنته وحانت وفاتي هل أزداد به عمرا
إذا خزن المال البخيل فإنه سيورثه غماً ويعقبه وزراً
******************
وقال آخر:
ذريني وإتلافي لمالي فإنني أحب من ألأخلاق ما هو أجمل
وإن أحق الناس باللوم شاعر يلوم على البخل الرجال ويبخل ******************
وقال آخر:
يفنى البخيل بجمع المال مدته وللحوادث وللوراث ما يدع ُ
كدودة القز ما تبنيه يهدمها وغيرها بالذي تبنيه ينتفعُ
******************
وقال الشاعر يخاطب بخيل:
لو أن دارك أنبتت لك واحتشت إبراً يضيق بها فناء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرةً ليخيط قد قميصه لم تفعل
******************
وقال آخر:
بخيل يرى في الجود عاراً وإنما يرى المرء عاراً أن يضن ويبخلا
إذ المرء أثرى ثم لم يرج نفعه صديق فلاقته المنية أولا
******************
وقال آخر:
وآمرةٍ بالبخل قلت لها اقصري فليس إليه ما حييت سبيل
أرى الناس إخوان الكريم وما أرى بخيلاً له في العالمين خليل
******************
وقال ربعي الهمداني:
جمعت صنوف المال من كل وجهة وما نلتها إلا بكف كريم
وإني لأرجو أن أموت وتنقضي حياتي وما عندي يد للئيم
******************
وقالوا في البخلاء :
قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم واستوثقوا من رتاج الباب والدار
قوم إذا استنبح الضيفان كلبهم قالوا لأمهم بولي على النار
فتمنع البول شحاً أن تجود به وما تبول لهم إلا بمقدار
والخبز كالعنبر الهندي عندهم والقمح خمسون إردباً بدينار
******************
وقال آخر:
لا تبخلن بدنيا وهى مقبلة فليس ينقصها التبذير والسرف
فإن تولت فأحرى أن تجود بها فليس تبقي ولكن شكرها خلف
******************
وقال آخر:
تراهم خشية الأضياف خرساً يقيمون الصلاة بلا أذان
******************
وقال آخر وقد بات عند بخيل:
فبتنا كأنا بينهم أهل مأتم على ميت مستودع بطن ملحد
يحدث بعضنا بعضاً بمصابه ويأمر بعضنا بعضاً بالتجلد(19/1)
******************
وقال آخر:
لكل هم من الهموم سعه والبخل واللؤم لا فلاح معه
قد يجمع المال غير آكله ويأكل المال غير من جمعه
أقبل من الدهر ما أتاك به من قر عيناً بعيشه نفعه
*****************
وقال آخر:
وجيرة لا ترى في الناس مثلهم يكون لهم عيد وإفطار
أن يوقدوا يوسعونا من دخانهم وليس يبلغنا ما تطبخ النار
******************
وقال آخر:
بني كعب أعينا أخاكما على دهره إن الكريم معين
ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه مخافة أن يرجى النداء حزين
إذا جئته في حاجة سد بابه فلم تلقه إلا وأنت كمين
******************
وقال آخر:
لو عبر البحر بأمواجه في ليلة مظلمة باردة
وكفه مملوءة خردلاً ما سقطت من كفه واحدة
******************
وقال آخر:
يا قائماً في داره قاعداً من غير معنى لا ولا فائدة
قد مات أضيافك من جوعهم فاقرأ عليهم سورة المائدة
******************
وقال آخر:
نوالك دونه شوك القتاد وخبزك كالثريا في البعاد
فلو أبصرت ضيفا في منام لحرمت الرقاد إلى العباد
******************
يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن يكُ ذا فضلٍ فيبخل بفضلِهِ على قومه يُستغنَ عنه ويذمم
******************
أبو الشمقمق:
إنَّ رياحَ اللؤمِ منْ شحه لا يَطمَعُ الخنزيرُ في سَلْحِهِ
كفاهُ قفلٌ ضلَّ مفتاحهُ قد يَئِسَ الحَدَّادُ مِنْ فَتْحِهِ
**********************
ويقول أيضاً:
هيهاتَ تَضْرِبُ في حديدٍ باردٍ إنْ كنتَ تطمعُ في نوالِ سعيدِ
والله لو مَلَكَ البِحَارَ بِأَسْرِها وأتاهُ سلمٌ في زمانِ مدودِ
يَبْغِيهِ منها شَرْبَة ً لطَهُورِهِ لأبى وقالَ تيممنْ بصعيدِ
********************************
ويقول أيضاً:
الصِّدْقُ في أفْوَاهِهِمْ عَلْقَمٌ والإفكُ مثلُ العسلِ الماذي
وكلهمْ في بخلهمْ صادقٌ وفي النَّدَى لَيْسَ بأُسْتَاذِ
********************************(19/2)
البذل
قال ربيعه الرقي:
شتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتمِ
فهمُّ الفتى الأزدي إتلاف ماله وهمُّ الفتى القيسيّ جمع الدراهمِ
فلا يحسب القيسي أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم
******************
وقال شمس الدين البديوي:
إذا المرء وافى منزلاً منك قاصداً قراك وأرمته لديك المسالك
فكن باسما في وجهه متهللاً وقل مرحباً أهلاً ويوم مبارك
وقدم له ما تستطيع من القرى عجولاً ولا تبخل بما هو هالك
فقد قيل بيت سالف متقدم تداوله زيد وعمرو ومالك
بشاشة وجه المرء خير من القرى فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك
******************
وقال آخر:
الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عاريّة والعمْر رحالُ
المال كالماء إِنْ تحبس سواقِيَه يأسن وإن يجرِ يعذب منه سلسالُ
******************
وقال الشافعي:
يا لهف نفسي على مال أفرقه على المقلَّين من أهل المروءات
إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
*****************
وقال أيضاً
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
******************
ومن الأسخياء من تَسْمُو به الحال، فيرى أن الفضل والمنَّة إنما هي لمن جاء يستجديه ويسأله؛ حيث أحسن الظنَّ به، وتكرَّم عليه؛ فهذا من غرائب السخاء، ينسب لابن عباس _رضي الله عنهما_ أنه قال:
إذا طارِقَاتُ الهمِّ ضَاجعت الفتى وأعْمل فكرَ الليلِ والليلُ عاكرُ
وباكرني في حاجة لم يجدْ بها سواي ولا مِنْ نكبة الدهرِ ناصرُ
فَرَجتُ بمالي همَّهُ من مقامه وزايله همٌّ طروقٌ مسامرُ
وكان له فضل عليَّ بظنه بي الخير إني للذي ظنَّ شاكرُ
******************
وقال آخر:
أخو البشر محمود على كلّ حالةٍ ولن يعدم البغضاء من كان عابساً
ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ولم أر مثل الجود للعرض حارساً
******************
وقال آخر:
إذا حال حول لم تجد في دياره من المال إلا ذكره وجمائله(20/1)
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت نائله
تعود بسط الكف حتى لو أنه أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه لجاد بها فليتق الله سائله
******************
وقال أحدهم:
أبيت خميص البطن عريان طاويا وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي
وامنحه فرشي وافترش الثرى واجعل ستر الليل من دونه لبسي
******************
وعد من الرحمن فضلاً ونعمةً عليك إذا ما جاء للخير طالب
ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغباً فإنك لا تدرى متى أنت راغب
******************
ويقول حاتم الطائي:
أماوي إن المال غاد ورائح ويبقي من المال الأحاديث والذكر
وقد علم الأقوام لو أن حاتما أراد ثراء المال كان له وفر
******************
وقال آخر:
كريم كريم الأمهات مهذب تدفق يمناه الندى وشمائله
هو البحر من أى الجهات أتيته فلجته المعروف والجود ساحلة
جواد بسيط الكف حتى لو أنه دعاها لقبض لم تجبه أنامله
******************(20/2)
البرد
يقول أبو تمام في برد خراسان:
أما ترى الأرض غضبى والحصى قلِقاً والأفق بالحَرجَفِ النَّكباءِ يقتتلُ
من يزعم الصيف لم تذهب بشاشته فغيرَ ذلك أمسى يزعم الجبل
غدا له ُ مِغفَرٌ في رأسه يَقَقٌ لا تهتك البيضُ فودَيْهِ ولا الأسلُ
إذا خُراسان عن صنبيرها كشرَت كانت قياداً لنا أنيابه العُضَلُ
يمُسي و يضحي مُقيماً في مَباءَته وبأسُهُ في كُلى الأقوام مرتَحِلُ(21/1)
البكاء من خشية الله
قال الشاعر:
نوح الحمام على الغصون شجاني ورأى العذول صبابتي فبكاني
إن الحمام ينوح من خوف النوى وأنا أنوح مخافة الرحمن
*****************
قال رجل لابن المبارك: صف لي الوالهين بالله فقال: هم كما أقول لك:
مستوفدين على رحل كأنهم ركب يريدون أن يمضوا وينتقلوا
عفّت جوارحهم عن كل فاحشة فالصّدق مذهبهم والخوف والوجل
*****************
وقال آخر:
خف الله وارجوه لكلِّ عظيمةٍ ولا تطع النَّفس الّلجوج فتندما
وكن بين هاتين من الخوف والرَّجا وأبشر بعفو الله إن كنت مسلما
*****************
وسئل عبدالله بن المبارك عن صفة الخائفين فقال:
إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود أنين منه تنفرج الضلوع
وخرس بالنهار لطول صمت عليهم من سكينتهم خشوع
******************
قال الشاعر:
أنام على سهو وتبكي الحمائم وليس لها جرم ومني الجرائم
كذبت لعمرو الله لو كنت عاقلاً لما سبقتني بالبكاء الحمائم
*****************
وقال آخر:
فاز من سبح والناس هجوع
يدفن الرغبة ما بين الضلوع
و يغشيه سكون وخشوع
ذاكراً لله والدمع هموع
سوف يغدو ذلك الدمع شموع
*****************
وقال آخر:
عد إلى الله بقلب خاشع
وادعه ليلاً بطرف دامع
يتولاك بعفو واسع
*****************(22/1)
البكاء
يقول العباس بن الأخنف:
يا أيها الرجل المعذب نفسه أقصر فإن شفاءك الإقصار
نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً يعينك دمعها المدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها أرأيت عيناً للبكاء تعار؟
************************
يقول كعب اللامي:
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل(23/1)
التأمل والتفكر
قال الشاعر:
اقرأ التأريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
وتأمل كيف أفنى ملكهم من على الملك تولَّى وقهر
*****************
وقال آخر:
من لم يرى هذا الوجود بقلبه خسر الجمال ولم ترى عيناه
فافتح كتاب الكون تقرأ قصة هل في الوجود حقيقة إلا هو
*****************
وقال آخر:
انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة
ابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة؟!
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
وانظر إلى الشمس التي جذوتها مستعرة
فيها ضياء وبها حرارة منتشرة
ابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الشررة؟!
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
*****************
وقال آخر:
الشمس والبدر من آيات قدرته والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجده والموج كبره والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصم قدسه والنحل يهتف له حمداً في خلاياه
والناس يعصونه جهراً فيسترهم والعبد ينسى وربي ليس ينساه
*****************
وقال آخر:
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم ؟! وذكرهم في الورى ظلم وطغيان
هل أبقى الموت ذا عز لعزته أو نجا منه بالسلطان إنسان
لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان
*****************
وقال آخر:
لله في الآفاق آيات لعل أقلَّها هو ما إليه هداكا
ولعلّ ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيرًا لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداك ؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاك؟
قل للصحيح مات لا من علة من يا صحيح بالمنايا دهاك ؟
بل سل الأعمى خطى وسط الزحام بلا صدام من يا أعمى يقود خطاك؟
بل سل البصير كان يحذر حفرةً فهوى بها من ذا الذي أهواك ؟
وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع ولا مرعى من ذا الذي يرعاك ؟
وسل الوليد أجهش بالبكاء لدى الولادة من الذي أبكاك ؟(24/1)
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك ؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاك ؟
بل سائل اللبن الْمُصَفَّى كان بين دم وفرث ما الذي صفَّاك؟!
وإذا رأيت الْحي يَخرج من حَنَايا ميتٍ فاسأله من أحياك؟!!
قل للهواء تَحسه الأيدي ويخفى عن عيون الناس من أخفاك؟!
قل للنبات يَجفُّ بعد تعهُّدٍ ورعاية من بالجفاف رَمَاك؟!!
وإذا رأيت النَّبت في الصحراء يربو وحده فاسأله من أَرْبَاكَ؟!!
وإذا رأيت البدر يسري ناشرًا أنواره فاسأله من أسْرَاك؟!
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كل شيء ما الذي أدناك؟!
قل للمرير من الثمار من الذي بالمرِّ من دون الثمار غذاك؟!
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نَخل شقَّ نواك؟!
وإذا رأيت النار شبَّ لَهيبها فاسأل لهيب النار من أوراك؟!
وإذا ترى الجبل الأشَمَّ مناطحًا قِمم السَّحاب فسَلْه من أرساك
وإذا ترى صخرًا تفجر بالْمياه فسله من بالماء شقَّ صَفَاك؟!!
وإذا رأيت النهر بالعذب الزُّلال جرى فسَلْه من الذي أجراك؟!
وإذا رأيت البحر بالملح الأُجاج طغى فسَلْه من الذي أطغاك؟!!
وإذا رأيت الليل يغشى داجيًا فاسأله من يا ليل حاك دُجاك؟!
وإذا رأيت الصُّبح يسفر ضاحيًا فاسأله من يا صبح صاغ ضُحَاك
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي بالله جل جلاله أغراكا؟
سيجيب ما في الكون من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا
ربِّ لك الحمد العظيم لذاتك حمدًا وليس لواحد إلاَّكا
*****************
وقال آخر:
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
*****************
وقال آخر:
والمرء مثل هلالٍ عند طلعته يبدو ضئيلاً لطيفاً ثم يتسق
يزداد حتى إذا ما تم أعقبه كر الجديدين نقصاً ثم ينمحق
كان الشباب رداءً قد بهجت به فقد تطاير منه للبلى خرق
وبات منشمراً يحدو المشيب به كالليل ينهض في أعجازه الفلق(24/2)
عجبتُ والدهر لا تفنى عجائبه للراكنين إلى الدنيا وقد صدقوا
وطال ما نغصوا بالفجع ضاحية وطال بالفجع والتنغيص ما طرقوا
دار تغر بها الآمال مهلكة وذو التجارب فيها خائف فرق
يا للرجال لمخدوع بزخرفها بعد البيان ومغرور بها يثق
أقول والنفس تدعوني لباطلها أين الملوك ملوك الناس والسوق
أين الذين إلى لذاتها ركنوا قد كان فيها لهم عيش ومرتفق
أمست مساكنهم قفراً معطلة كأنهم لم يكونوا قبلها خلقوا
يا أهل لذات دار لا بقاء لها إن اغتراراً بظل زائل حمق
*****************
وقال آخر:
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر يعلو فوقه جيف وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوما لا عداد لها وليس يكسف إلا الشمس والقمر
****************
وقال آخر:
فلم أر كالأيام للمرء واعظا ولا كصروف الدهر للمرء هاديا
*****************
وقال آخر:
قد يجمع المال غير آكله ويأكل المال غير من جمعه
*****************
وقال آخر:
لا ترقدن لعينك السهر وانظر إلى ما تصنع العبرُ
انظر إلى عبر مصرفة ما دام يمكن طرفك النظرُ
فإذا جهلت ولم تجد أحداً فسل الزمان فعنده الخبرُ
فإذا نظرت تريد معتبراً فانظر إليك ففيك معتبرُ
أنت الذي تنعاه خلقته ينعاه منه الشعر والبشرُ
يا من يؤمل أنت منتظر أملاً يطول ولست تنتظرُ
ماذا تقول وأنت في غصصٍ ماذا تقول وذوقك المدرُ
ماذا تقول وقد لحقت بما يجري عليه الريح والمطرُ
كم قد عفتْ عين لها أثر درستْ ويُدرس بعدها الأثرُ
*****************
وقال آخر:
دع الدور و اطلب فسيح البراري و انظر إلى صفحات الجمال
على حافة الماء دون ملال تأمل ترقق ماء زلال
وحدق إلى نرجس ذي دلال وقبِّل عيوناً له كاللآلي
*****************
وقال آخر:
أما والله لو علم الأنام لما خلقوا لما هجعوا وناموا
لقد خلقوا ليوم لو رأته عيون قلوبهم ساحوا وهاموا
ممات ثم حشر ثم نشر وتوبيخ وأهوالٌ عظام(24/3)
ليوم الحشر قد عملت أناس فصلوا من مخافته وصاموا
ونحن إذا أمرنا أو نهينا كأهل الكهف أيقاظ نيام
*****************
وقال آخر:
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم محاها مجال الريح بعدك والقطر
على ذاك مروا أجمعون وهكذا يمرون حتى يستردهم الحشر
فحتام لا تصحو وقد قرب المدى وحتام لا ينجاب عن قلبك السكر
بل سوف تصحو حين ينكشف الغطا وتذكر قولي حين لا ينفع الذكر
*****************
وقال عبد الوهاب عزام:
لست أخلو لغفلة و سكون وفرار من الورى و ارتياح
إنما خلوتي لفكر و ذكر فهي زادي وعُدّتي لكفاحي
*****************
وقال آخر:
كل صفو إلى كَدَر كل أمنٍ إلى حَذر
ومصير الشباب للموت فيه أو الكَبِر
أيها الآمل الذي تاه في لُجّة الغَرَر
أين من كان قبلنا دَرَسَ الشخصُ والأثر
سيردُ المعارَ من عمرُه كله خَطر
ربّ أني ذخرت عندك أرجوك مُدّخر
إنني مؤمن بما بين الوحي في السوَر
واعترافي بترك نفعي وإيثاري الضَرر
رب فاغفر لي الخطيئة يا خَيرَ من غَفَر
*****************
وقال آخر:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا فجائعه تبقى ولذاته تفنى
إذا أمكنت فيه مسرة ساعة تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعات في المعاد وموقف نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على هم وإثم وحسرة وفات الذي كنا نلذ به عنا
كأن الذي كنا نسر بكونه إذا حققته النفس لفظ بلا معنى
*****************
وقال آخر:
كفى زاجراً للمرء أيام دهره تروح له بالواعظات وتغتدي
*****************
وقال آخر:
نزهة الْمؤمن الفكر لذة الْمؤمن العبَر
نحمد الله وحده نَحن كل على خطر
رُبَّ لاه و عمره قد تقَضَّى و ما شعر
ربَّ عيش قد كان فوق المنى مورق الزهر
فِي خرير من العيون و ظلّ من الشجر
وسرور من النبات و طيب من الثمر
غيَّرته و أهله سرعة الدهر بالغيَر
نَحمد الله وحده إن فِي ذا لَمعتبر
إن في ذا لعبرة للبيب إن اعتبَر
*****************(24/4)
وقال آخر:
سل الواحة الخضراء والماء جاريا وهذه الصحاري والجبال الرواسي
سل الروض مزدانًا سل الزهر والندى سل الليل والإصباح والطيْر شاديا
وسل هذه الأنسام والأرض والسما وسل كل شيءٍ تسمع الحمد ساريا
فلو جم هذا الليل وامتد سرمدًا فمن غير ربِّي يرجع الصبح ثانيا؟!
*****************
وقال آخر:
وحدثتك الليالي أن شيمتها تفريق ما جمعته فاسمع الخبرا
وكن على حذر منها فقد نصحت وانظر إليها تر الآيات والعبرا
فهل رأيت جديداً لم يعد خلقاً وهل سمعت بصفو لم يعد كدرا
*****************
وقال آخر:
سل الأيام ما فعلت بكسرى وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهم للموت طراً فلم تدع الحليم ولا السفيها
دنت نحو الدني بسهم خطب فأصمته وواجهت الوجيها
أما لو بيعت الدنيا بفلس أنفت لعاقل أن يشتريها
*****************(24/5)
التبرج
يقول الشاعر:
إياك إياك الخداع بقولهم سمراء يا ذات الجمال تقدمي
إن الذين تبرءوا عن دينهم فهم يبيعون العفاف بدرهم
حلل التبرج إن أردت رخيصة أما العفاف فدونه سفك الدم
بنت الجزيرة ما أرى لك شيمة هذا التبرج يا فتاة تكلمي
حسناء يا ذات الدلال فإنني أخشى عليك من الخبيث المجرم
لا تعرضي هذا الجمال على الورى إلا لزوج أو قريب محرم
لا ترسلي الشعر الحرير مرجلاً فالناس حولك كالذئاب الحوم(25/1)
التجارب
يقول ابن المقري:
ولا يغرَّنكَ ودٌ من أخي أملٍ حتى تُجرِّبهُ في غَيبةِ الأمل
إذا العدوُّ أحاجتهُ الأِخا عِلًلٌ عادت عداوته عندَ انقضاء العِلَلِ(26/1)
التربية الإسلامية
يقول أحمد شوقي:
من لي بتربية البنات فإنها في الشّرق علّة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراق
الأم روضٌ إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق
****************
يقول محمد صيام:
يا أخت أنت رعاك الله عدّتنا لخلق جيل قويّ غير مشبوه
فلقّني طفلك الإسلام فهو له كالمنهل العذب ما ينفكّ يرويه
وأبعديه عن الشيطان يفتنه بجنده الكثر في الدنيا ويغويه
وسلّحيه بما في الدين من أدب ومن محبّته البيضاء فاسقيه
ونشئيه على هدى الكتاب ومن آياته الغرّ يا أختاه غذّيه
****************
وقال آخر:
خير ما ورَّث الرّجال بنيهم أدبٌ صالحٌ وحسن الثّناء
هو خيرٌ من الدََّنانير والأو ـراق في يوم شدَّةٍ أو رخاء
تلك تفنى والدِّين والأدب الصَّـ ـالح لا تفنيان حتَّى البقاء
إن تأدَّبت يا بنيّ صغيراً كنت يوماً تعدّ في الكبراء
وإذا ما أضعت نفسك ألفيت كبيراً في زمرة الغوغاء
****************
وقال آخر:
إذا نكبات الدَّهر لم تعظ الفتى عن الجهل يوماً لم تعظه أنامله
ومن لم يؤدّبه أبوه وأمّه تؤدِّبه روعات الرَّدى وزلازله
فدع عنك ما لا تستطيع ولا تطع هواك ولا يذهب بحقّك باطله
****************
وقال سابق البربريّ:
قد ينفع الأدب الأحداث في مهلٍ وليس ينفع بعد الكبرة الأدب
إنَّ الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت ولن تلين إذا قوّمتها الخشب
****************
وقال آخر:
مشى الطاووس يوماً باختيالٍ فقلد مشيته بنوه
قال : علام تختالون ؟ قالوا: لقد بدأت ونحن مقلدوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان قد عَوَّده أبوه
****************
وقال آخر:
ليس اليتيم من انتهى أبواه وخلفاه فى هم الحياة ذليلاً
إن اليتيم هو الذي ترى له أم تخلت وأبا مشغولاً
****************
وقال آخر:
إنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبَّت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمضِ
****************
وقال آخر:(27/1)
والبيت لا يُبتنى إلا له عُمُدُ ولا عماد إذا لم ترسَ أوتادُ
****************
وقال آخر:
عود بنيك على الآداب في الصغر كيما تقر بهم عيناك في الكبر
فإنما مثل الآداب تجمعها في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر
هي الكنوز التي تنمو ذخائرها ولا يخاف عليها حادث العبر
****************(27/2)
التعاون
يقول الشاعر:
النمل تبنى قراها في تماسكها والنحل تجنى رحيق الشهد أعوانا(28/1)
التغير
قال الشاعر:
يقولون الزمان به فساد وهم فسدوا وما فسد الزمان
*****************
وقال آخر:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
******************(29/1)
التقوى
يقول الشاعر:
لا تقل أصلي وفصلي يا فتى إنما أصل الفتى ما قد حصل
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل
****************
وقال ابن المعتز:
خلّ الذنوبَ صغيرها وكبيرها فهو التُّقى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرةً إن الجبال من الحصى
****************
وقال آخر:
من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
من استجار بغير الله في فزع فإن ناصره عجز وخذلان
فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
****************
وقال آخر:
من عامل الله بتقواه وكان في الخلوات يخشاه
سقاه كأس من لذيذ المنى يغنيه عن لذات دنياه
****************
وقال آخر:
عليك بتقوى الله في كل أمره تجد غُبَّه يوم الحساب المطوَّلِ
ألا إن تقوى الله خير مغبةٍ وأفضل زاد الظاعن المترحَّلِ
****************
وقال آخر:
تزود من التقوى فإنك راحل وسارع إلى الخيرات فيمن يسارعُ
فما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوماً أن تُرد الودائع
****************
وقال آخر:
ولست أرى السعادة جمع مال ٍ ولكن التقي هو السعيد ُ
وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد
****************
وقال آخر:
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم تُرصد كما كان أرصدا
****************
وقال آخر:
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكاً وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد قُبضت أرواحهم ليلة القدر
وكم من صحيحٍ مات من غير علَّةٍ وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر
****************
وقال آخر:
تجهز إلى الأجداث ويحك والرمس جهازاً من التقوى لا طول ما حبس
فإنك ما تدري إذا كنت مصبحاً بأحسن ما ترجو لعلك لا تمسي
سأتعب نفسي أو أصادف راحة فإن هوان النفس أكرم للنفس(30/1)
وازهد في الدنيا فإن مقيمها كظاعنها ما أشبه اليوم بالأمس
****************(30/2)
التكافل الاجتماعي
يقول أبو العلاء:
ياقوتُ ما أنتَ يا قوتٌ ولا ذهبُ فكيف تُعجِزُ أقواماً مساكينا
واحسبُ الناس لو اعطوا زكاتهُمُ لما رأيت بني الإعدام شاكِينا
فإن تعِشْ تبصر الباكين قد ضحكوا والضاحكينَ لِفُرطِ الجهل باكينا
لا يتركن قليلَ الخير يفعلُه من نالَ في الأرض تأييداً وتمكينا(31/1)
التمني
يقول المتنبي:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن(32/1)
التهجد
قال الشاعر:
قلت يا ليل هل بجوفك سرُّ عامر بالحديث والأسرارِ
قال: لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحارِ
*****************
سئل عبدالله بن المبارك عن صفة الخائفين فقال:
إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود أنين منه تنفرج الضلوع
وخرس بالنهار لطول صمت عليهم من سكينتهم خشوع
*****************
وقال آخر:
يا أيها الراقد كم ترقد قم يا حبيبي قد دنا الموعد
وخذ من الليل ولو ساعة تحظى إذا ما هجع الرقد
من نام حتى ينقضي ليله لم يبلغ المنزل لو يجهد
قل لذوي الألباب أهل التقى قنطرة الحشر لكم موعد
*****************
وقال آخر:
يا رجال الليل جدوا رب صوت لا يرد
ما يقوم الليل إلا من له عزم وجِدُّ
*****************
وقال آخر:
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا ( الله أكبر ) في شوق وفي جذل
أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم : ربنا جئناك طائعة نفوسنا ، وعصينا خادع الأمل
إذا سجى الليل قاموه و أعينهم من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرجال فلا يلهيهم لعب عن الصلاة ، ولا أكذوبة الكسل
****************
وقال عبد الوهاب عزام:
قلت لليل : كم بصدرك سر أنبئني ما أروع الأسرار ؟
قال : ما ضاء في ظلامي سر كدموع المنيب في الأسحار
*****************
وقال آخر:
تتجافى جنوبهم عن المضاجع
كلهم مابين خائف متهجد وطامع
تركوا لذة الكرى للعيون الهواجع
وأستهلّت عيونهم فائضات المدامع
ودعوا يا ربنا يا جميل الصنائع
*****************
وقال آخر:
يا مطولاً بالقيام مستلذاً بالمنام
قم فقد فاتك يا مغبون أرباح الكرام
وخلوا دونك بالمو لى وفازوا بالمرام
وكذا تسبقك القو م إلى دار السلام
*****************
وقال آخر:
يا راقداً والجليل يحفظه من كل سوء يكون في الظلم
كيف تنام العيون عن ملك يأتيك منه فوائد النعم
*****************(33/1)
يقول شاعر السند محمد إقبال:
نائح والليل ساج سادل يهجع الناس ودمعي هاطل
تصطلي روحي بحزن وألم ورد ( يا قوم ) أنسي في الظلم
*****************
وقال آخر:
أنا كالشمع دموعي غسلي في ظلام الليل أذكي شعلي
محفل الناس بنوري يشرق أنشر النور ونفسي أحرق
*****************
وقال وليد الأعظمي:
يا ليل قيامك مدرسة فيها القرآن يدرسني
معنى الإخلاص فألزمه نهجاً بالجنة يجلسني
ويبصرني كيف الدنيا بالأمل الكاذب تغمسني
مثل الحرباء تلونها بالإثم تحاول تطمسني
فأباعدها وأعاندها و أراقبها تتهجسني
فأشد القلب بخالقه والذكر الدائم يحرسني
*****************
وقال آخر:
أألهتك اللذائذ والأماني عن البيض الأوانس في الجنانِ
تعيش مخلَّداً لا موت فيها وتلهو في الجنان مع الحِسانِ
تنبه من منامك إنَّ خيراً من النوم التهجد بالقرآن ِ
*****************
وقال آخر:
امنع جفونك أن تذوق مناما وذر الدموع على الخدود سجاما
وأعلم بأنك ميَّتٌ ومحاسب يا من على سخط الجليل أقاما
لله قومٌ أخلصوا في حبه فرضي بهم واختصهم خُداما
قومٌ إذا جنَّ الظلام عليهم باتوا هنالك سُجداً وقياما
****************(33/2)
التواضع
قال الشاعر:
تواضع لرب العرش علّك تُرفعُ فما خاب عبدٌ للمهيمن يخضعُ
وداوِ بذكر الله قلبك إنه لأشفى دواءٍ للقلب وأنفعُ
*****************
وقال آخر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يرفع نفسه إلى طبقات الجو وهو وضيعُ
*****************
وقال آخر:
تواضع إذا ما نلت في الناس رفعةً فإن رفيع القوم من يتواضع
*****************
وقال آخر:
ولا تمشِ فوق الأرض إلا تواضعاً فكم تحتها قومٌ هُمُوا منك أرفعُ
وإن كنت في عزٍ رفيعٍ ومنعةٍ فكم مات من قومٍ هُمُوا منك أمنعُ
*****************(34/1)
التوبة
قال الشاعر:
شكوت إلى إلهي سوء حالي فقد فاقت مصيباتي احتمالي
فقلتُ وقد دنا فجرٌ جديدٌ : ألا رفقاً إلهي ذا الجلالِ
فمرَّ بخاطري شيءٌ يقولُ : ألم تذكر ذنوباً كالجبالِ
فكم يومٍ عصيتَ الله جهراً، بإتيان المحرَّم لم تُبالِ
وترجو بعدها عيشاً هنيئاً بلا تَوبٍ ولا تغييرِ حالِ
****************
وقال عبدالله بن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وهل بدل الدين غير الملوك وأحبار سوءٍ ورهبانها
****************
وقال آخر:
وانته من رقدة الغفلة فالعمر قليل
واطّرح سوف وحتى فهما داء دخيل
****************
وقال آخر:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وذلك أن حفظ العلم فضل وفضل الله لا يؤتى لعاصي
****************
وقال علي بن أبي طالب:
إذا كنت في نعمةٍ فأرعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بتقوى الإله فإن الإله سريع النقم
فإن تعط نفسك آمالها فعند مناها يحل النقم
فأين القرون ومن حولهم تفانوا جميعاً وربي الحكم
****************
وقال آخر:
فكم من معصية قد كنت نسيتها ذكرك الله إياها
وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها
****************
وقال آخر:
فَتُب لله حقاً ثُمَّ أقبِل بُعيد التّوب والدّمع المسالِ
ستلقى الله توّاباً رحيماً مجيباً للدعاءِ وللسؤالِ
فيا ربّي أنَبْتُ إليك طَوعاً تقبّل تَوبتي والطف بحالي
فَعهداً أن أُلازمَ كُلَّ وقتٍ دُروبَ الخير، غيرك لا أوالي
فثبِّتني على التَّقوى فإنِّي لأرجو مِنكَ حُسناً في المآلِ
****************
وقال آخر:
بادر شبابك أن تهرما وصحة جسمك أن تسقما
وأيام عيشك قبل الممات فما قصر من عاش أن يسلما
ووقت فراغك بادر به ليالي شغلك في بعض ما
فقدر فكل امرئٍ قادم على علم ما كان قد قدما
****************
وقال آخر:
توضأ بماء التوبة اليوم نادمًا به ترى أبواب الجنان الثماني(35/1)
****************
وقال آخر:
إلهي لست للفردوس أهلاً ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي توبةً واغفر ذنوبي فإنك غافر الذنب العظيم
****************
وقال آخر:
ذنوبي وإن فكرت فيها عظيمة ورحمة ربي من ذنوبي أوسع
وما طمعي في صالح قد عملته ولكنني في رحمة الله أطمع
****************
وقال آخر:
إلهي أنت ذو فضل ومنّ وإني ذو الخطايا فاعف عني
فظني فيك يا ربي جميل فحقق يا إلهي فيك ظني
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني
****************
وقال آخر:
قل للذي ألف الذنوب وأجرما وغَدَ على زلاَّته متندما
لا تيأسنَّ واطلب كريماً دائما يُولي الجميل تفضُّلاً وتكرما
يا معشر العاصين جودٌ واسع عند الإله لمن يتوب ويندما
يا أيها العبد المسيء إلى متى تُفني زمانك في عسى ولربما
بادر إلى مولاك يا من عمره قد ضاع في عصيانه وتصرَّما
واسأله توفيقاً وعفوا ثم قل يا رب بصَّرني وزل عني العمى
****************
وقال آخر:
فقد روى الثقات عن خير الملا بأنه عز وجل وعلا
في ثلث الليل الأخير ينزل يقول هل من تائب فيُقبِل
هل من مسيء طالب للمغفرة يجد كريمًا قابلاً للمعذرة
يَمُنُّ بالخيرات والفضائل ويستر العيب ويعطي السائل
****************
وقال آخر:
إن كنت تغدو في الذنوب جليدا وتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه وأفاض من نعم عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا في بطن أمك مضغة ووليدا
لو شاء أن تصلى جهنم خالدا ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيدا
****************
وقال آخر:
يا نفس توبي قبل أن لا تستطيعي أن تتوبي
واستغفري لذنوبك الرحمن غفار الذنوب
إن المنايا كالرياح عليك دائمة الهبوب
****************
وقال آخر:
الهي أنت الذي تهب الكثير وتجبر القلب الكسير وتغفر الزلات
وتقول هل من تائبٍ مستغفرٍ أو سائل ٍأقضي له الحاجات
****************
وقال آخر:
يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف(35/2)
أبشر بقول الله في تنزيله إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
****************
وقال آخر:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فمن الذي يدعو إليه المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل ظني ثم أني مسلم
****************
وقال محمود الوراق:
قدم لنفسك توبةً مرجوةً قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها علق النفوس فإنها ذخر وغنم للمنيب المحسن
****************
وقال آخر:
يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليلُ
فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويلُ
فلتنزلن بمنزل ينسى الخليلَ به الخليلُ
وليركبن عليك فيه من الثَّرَى حمل ثقيلُ
قرن الفناء بنا جميعاً فلا يبقى العزيز ولا الذليلُ
****************
وقال آخر:
أيا عبدُ كَمْ يراك الله عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا
أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصِيَا
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عُرْياناً ولو كان كاسيا
ولو أن الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً وباقيا
ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب كما هيا
****************
وقال آخر:
أسيء فيجزي بالإساءة إفضالا واعصي فيوليني براً وإمهالا
فحتى متى أجفوه وهو يبرني وأبعد عنه وهو يبذل إيصالا
****************
وقال آخر:
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا و اذكر ذنوبك وأبكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب
الليل فاعلم و النهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب
****************
وقال آخر:
أبت نفسي أن تتوب فما احتيالي إذا برز العباد لذي الجلال
وقاموا من قبورهم سكارى وبرزوا كأمثال الجبال
وقد نصب الصراط لكي يجوزوا فمنهم من يكب على الشمال(35/3)
يقول له المهيمن يا وليَ غفرت لك الذنوب فلا تبالى
****************
إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان منى
فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضل ومنِّ
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعفو عني
****************
وجد على قبر عبدالله بن المبارك مكتوباً:
الموت بحر طافح موجه يذهب فيه حبله السابح
يا نفس إني قائل فاسمعي مقالة من مشفق ناصح
لا ينفع الإنسان في قبره إلا التقى والعمل الصالح
ولا ينال الفوز من دهره إلا فتاً ميزانه راجح
****************
وقال آخر:
إلى كم أقول ولا أفعلُ وكم ذا أحوم ولا أنزِلُ
وأزجر عيني فلا ترعوي وأنصح نفسي فلا تَقبلُ
وكم ذا تعلّل لي ، ويحَها بِعَلَّ وسوف وكم تمطل ؟
وكم ذا أُؤمل طول البقا وأغفل والموت لا يغفلُ ؟
وفي كل يوم يُنادي بنا منادي الرحيل: ألا فارحلوا
كأن بي وشيكاً إلى مصرعي يُساق بنعشي ولا أُمهلُ
****************
عزى الإمام الشافعي صديقاً له فقال:
إنا نعزيك لا أنا على ثقة من الحياة ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد ميته ولا المعزي ولو عاشا إلى حين
****************
وقال آخر:
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعصي الهوى فالهوى ما زال فتّانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطاً وتُلحق أُخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس ما لي وللأموال أتركها خلفي وأخرج من دنياي عريانا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومن كانت تخرّ له الأذقان إذعانا
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلوا مدائن كان العز مفرشها واستفرشوا حفراً غُبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ورافلاً في ثياب الغيّ نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعبٍ يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:(35/4)
نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لاَ تَنْقَضِي
تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ وَتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِيَ
****************
وقال آخر:
أنا إن بكيت فلن ألام على البكا فلطالما استغرقت في العصيان ِ
يا رب إن لم ترضى إلا ذا تُقى من للمسيء المذنب الحيرانِ
****************
وقال آخر:
أيا هذا الذي قد غره الأمل ودون ما يأمل التنغيص والأجل
حتوفها رصد وعيشها نكد وصفوها كدر وملكها دول
تظل تفزع بالروعات ساكنها فما يسوغ له عيش ولا جذل
كأنه للمنايا والردى غرض تظل فيه سهام الدهر تنتصل
والنفس هاربة والموت يتبعها وكل عثرة رجل عندها جلل
والمرء يسعى بما يسعى لوارثه والقبر وارث ما يسعى له الرجل
****************
يقول أبو نواس:
أيا من ليس لي منه مجيرُ بعفوك من عذابك أستجيرُ
أنا العبد المقر بكل ذنبٍ وأنت السيد المولى الغفورُ
فإن عذبتني فبسوء فِعْلي وإن تغفر فأنت به جديرُ
أفر إليك منك..و أين إلا إليك يفر منك المستجير
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
إني لأرجو من الغفار مغفرة أنجو بها في مقام حالك الظلم
************************
يقول الشاعر محمود أبو النجاة:
يا سادة الحقل للإسلام قاعدة إذا رعينا حقوق الله يرعانا
شتّان ما بين تشريع السماء لنا وبين تشريع أهل الأرض شتّانا
روّضوا على منهج القرآن أنفسكم يمدد لكم ربّكم عزا و سلطانا
************************
وقال آخر:
يا أيها الناس فلتنجوا بأنفسكم ولا تكونوا كمن ضلّت مساعيه
*****************
قال الشيخ محمد صيام:
عودوا إلى الله ينقذكم برحمته من الشقاء الذي بتنا نعانيه
ولتستقوا من كتاب الله منهجكم فليس في الأرض منهاج يدانيه
******************
يقول عمر الخيام:
يا عالم الأسرار علمَ اليقينْ يا كاشف الضّرَ عن البائسينْ
يا قابل الأعذار فئنا إلى ظلّك فأقبل توبةَ التائبينْ
******************(35/5)
التوحيد
قال الشاعر:
فيا عباد المسيح لنا سؤال نريد جوابه ممن وعاه
إذا مات الإلهُ بصنع قوم أماتوه فهل هذا إله ؟!
ويا عجب لقبر ضم رباً وأعجب منه بطن قد حواه
أقام هناك تسعاً من شهور لدى الظلمات من حيض غزاه
وشق الفرج مولداً صغيراً ضعيفاً فاتحاً للثدي فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي بلازم ذاك فهل هذا إله ؟!
تعالى الله عن إفك النصارى سيسألوا كلهم عما افتراه
*****************
وقال آخر:
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
لو كان ربا كان يمنع نفسه فلا خير في ربٍ نأته المطالب
برئت من الأصنام في الأرض كلها و آمنت بالله الذي هو غالب(36/1)
الجار
ولقد كان العرب يتمدحون بكف الأذى عن الجار، قال هُدْبَةُ بنُ الخَشْرم:
ولا نَخْذِلُ المولى ولا نرفع العصا *** عليه ولا نزجي إلى الجار عقربا
****************
وقال لبيد:
وإن هوانَ الجارِ للجار مؤلمٌ *** وفاقرةٌ تأوي إليها الفواقر
***************
وقال عنترة:
وإني لأحمي الجارَ من كل ذلّة *** وأفرحُ بالضيف المقيم وأَبْهَجُ
****************
وقالت الخنساءُ تمدح أخاها بحمايته جارَه:
وجارُكَ مَحْفُوظٌ منيعٌ بنجوة *** من الضيم لا يُؤذى ولا يتذللُ(37/1)
الجدال
يقول المتنبي
وهل يصح في الأفهام شيءُ إذا احتاج النهار إلى دليل(38/1)
الجماعة
يقول الشاعر
النمل تبنى قراها في تماسكها والنحل تجنى رحيق الشهد أعوانا
********************************(39/1)
الجنة
يا حبذا الجنة واقترابها
طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
كافرة بعيدة أنسابها
على إن لاقيتها ضرابها
*****************
ويقول ابن القيم في وصف الجنة:-
ياخاطب الحور الحسان وطالبا لوصالهن بجنة الحيوان *
لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت * بذلت ما تحوي من الأئمان
أو كنت تعرف أين مسكنها جعلت * السعي منك لها على الأجفان أسرع وحث السير جهدك إنما * مسراك هذا ساعة لزمان
فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل * مهرها ما دمت ذا إمكان واجعل صيامك دون لقياها ويو * م الوصل يوم الفطر من رمضان واجعل نعوت جمالها الحادي وسر * نحو الحبيب ولست بالمتواني
واسمع إذن أوصافها ووصالها * واجعل حديثك ربة الإحسان
يا من يطوف بكعبة الحسن التي * حفت بذاك الحجر والأركان
ويظل يسعى دائما حول الصفا * ومحسر مسعاه كل أوان
ويروم قربان الوصال على منى * والخيف يحجبه عن القربان
فلذا تراه محرما أبدا ومو * ضع حلة منه فليس بدان
يبغي التمتع مفردا عن حبه * متجردا يبغي شفيع قران
ويظل بالجمرات يرمي قلبه * هذي مناسكه بكل زمان
الكراهة قد قضوا مناسكهم وقد * حثوا ركائبهم إلى الأوطان
وحدت بهم همم لهم وعزائم * نحو المنازل ربة الإحسان
رفعت لهم في السير أعلام الوصا * ل فشمروا يا خيبة الكسلان
ورأوا على بعد خياما مشرفا * ت مشرقات النور والبرهان
فتيمموا تلك الخيام فآنسوا * فيهن أقمارا بلا نقصان
من قاصرات الطرف لا تبغي سوى * محبوبها من سائر الشبان
قصرت عليه طرفها من حسنه * والطرف منه مطلق بأمان
ويحار منه الطرف في الحسن الذي * فالطرف كالحيران
ويقول لما أن يشاهد حسنها * سبحان معطي الحسن والإحسان
والطرف يشرب من كؤوس جمالها * فتراه مثل الشارب النشوان
كملت خلائقها وأكمل حسنها * كالبدر ليل الست بعد ثمان
والشمس تجري في محاسن وجهها * والليل تحت ذوائب الأغصان
فيظل يععجب وهو موضع ذاك من * ليل وشمس كيف يجتمعان(40/1)
ويقول سبحان الذي ذا صنعه * سبحان متقن صنعة الإنسان
لا الليل يدرك شمسها فتغيب عند * مجيئه حتى الصباح الثاني
والشمس لا تأتي بطرد الليل بل * يتصاحبان كلاهما أخوان
وكلاهما مرآة صاحبه إذا * ما شاء يبصر وجهه يريان
فيرى محاسن وجهه في وجهها * وترى محاسنها به بعيان
حمر الخدود ثغورهن لآلئ * سود العيون فواتر الأجفان
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها * فيضيء سقف القصر بالجدران
ريانة الأعطاف من ماء الشبا * ب فغصنها بالماء ذو جريان
لما جرى ماء النعيم بغصنها * حمل الثمار كثيرة الألوان
فالورد والتفاح والرمان في * غصن تعالى غارس البستان
والقد منها كالقضيب اللدن في * حسن القوام كأوسط القضبان
في مغرس كالعاج تحسب أنه * عالي النقا أو واحد الكثبان
لا الظهر يلحقه وليس ثديها * بلواحق للبطن أو بدوان
*****************
لكنهن كواعب ونواهد * فثديهن كأحسن الرمان
والجيد ذو طول وحسن في بيا * ض واعتدال ليس ذا نكران
يشكو الحلي بعاده فله مدى السأيام ! * وسواس من الهجران والمعصمان فإن تشأ شبههما * بسبيكتين عليهما كفان
كالزبد لينا في نعومة ملمس * أصداف در دورت بوزان
والصدر متسع على بطن لها * والخصر منهما مغرم بثمان
وعليه أحسن سرة هي زينة * للبطن قد غارت من الأعكان
حق من العاج استدار وحشوه * حبات مسك جل ذو الإتقان
وإذا نزلت رأيت أمرا هائلا * ما للصفات عليه من سلطان
لا الحيض يغشاه ولا بول ولا * شيء من الآفات في النسوان
فخذان قد حفا به حرسا له * فجنابه في عزة وصبيان
قاما بخدمته هو السلطان بينهما * وحق طاعة السلطان
وهو المطاع إذا هو استدعى الحبيب * أتاه طوعا وهو غير جبان
وجماعها فهو الشفاء لصبها * فالصب منه ليس بالضجران
وإذا أتاها عادت الحسناء بكرا * مثل ما كانت مدى الأزمان
وهو الشهي ألذ شيء هكذا * قال الرسول لمن له أذنان
يا رب غفرا قد طغت أقلامنا * يا رب معذرة من الطغيان
أقدامها من فضة قد ركبت * من فوقها ساقان ملتفان(40/2)
والساق مثل العاج ملموم به * كراهة العظام تناله العينان
والريح مسك والجسوم نواعم * واللون كالياقوت والمرجان
وكلامها يسبي العقول بنغمة * زادت على الأوتار والعيدان
وهي العروب بشكلها وبدلها * وتحبب للزوج كل أوان
فاجمع قواك لما هنا وغض من * ك الطرف واصبر ساعة لزمان
ما هاهنا والله ما يسوى قلا * مة ظفر واحدة من النسوان
ونصيفها خير من الدنيا وما * فيها إذا كانت من الأثمان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن * تفعل رجعت بذلة وهوان
وإذا بدت في حلة من لبسها * وتمايلت كتمايل النشوان
تهتز كالغصن الرطيب وحمله * ورد وتفاح على رمان
وتبخترت في مشيها ويحق ذا * ك لمثلها في جنة الرضوان
*****************
ووصائف من خلفها وأمامها * وعلى شمائلها وعن أيمان
كالبدر ليلة تمه قد حف في * غسق الدجى بكواكب الميزان
فلسانه وفؤاده والطرف في * دهش وإعجاب وفي سبحان
تستنطق الأفواه بالتسبيح إذ * تبدو فسبحان العظيم الشان
والقلب قبل زفافها في عرسه * والعرس إثر العرس متصلان
حتى إذا واجهته تقابلا * أرأيت إذ يتقابل القمران
فسل المتيم الشياطين يحل الصبر عن * ضم وتقبيل وعن فلتان
حمار المتيم أين خلف صبره * في أي واد أم بأي مكان
حمار المتيم كيف حالته وقد * ملئت له الأذنان والعينان
من منطق رقت حواشيه ووج * ه كم به للشمس من جريان
حمار المتيم كيف عيشته إذا * وهما على فرشيهما خلوان
يتساقطان لآلئا منثورة * من بين منظوم كنظم جمان
حمار المتيم كيف مجلسه مع ال * محبوب في روح وفي ريحان
وتدور كاسات الرحيق عليهما * بأكف أقمار من الولدان
يتنازعان الكأس هذا مرة * والخود أخرى ثم يتكئان
فيضمها وتضمه أرأيت مع * شوقين بعد البعد يلتقيان
غاب الرقيب وغاب كل منكد * وهما بثوب الوصل مشتملان
أتراهما ضجرين من ذا العيش لا * وحياة ربك ما هما ضجران
يا عاشقا هانت عليه نفسه * إذ باعها غبنا بكل هوان
أترى يليق بعاقل بيع الذي * يبقى وهذا وصفه بالفاني(40/3)
*****************
وقل آخر:-
لا تأسفن على الدنيا وما فيها فالموت لاشك يفنينا ويفنيها
وأعمل لدار البقاء رضوان خازنها والجار أحمد والجبار بانيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها
يامن يشتري الفردوس يعمرها بركعة في ظلام الليل يحييها
*****************(40/4)
الجهاد
:
كتب عبد الله بن المبارك وكان يرابط في ثغر من ثغور المسلمين إلى الفضيل بن عياض يقول:-
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم، ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادقٌ... لا يكذب
لا يستوي وغبار أهل الله في أنف امرىء ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب
*****************
وقال آخر:-
لا خيرَ في حقٍّ إذا لم تَحْمِه *** حِلقُ الحديدِ وألسنُ النيرانِِ
*****************
وقال الشاعر:-
وكان أبو محجن الثقفي قد حبس وقُيّد في القصر، فأتى سلمى بنت خَصفة امرأة سعد، فقال لها: هل لك إلى خير؟! قالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عنّي وتعيرينني البلقاء ـ وهو فرس سعد ـ فللَّه عليّ إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في قيدي، وإن أُصِبت فما أكثر من أن أفلت، فقالت: ما أنا وذاك، فقال حزينًا على نفسه والأبطال في حلبة القادسية وهو مقيّد:
كفى حُزنًا أن تُرد الخيل بالقنا وأُترك مشدودًا عليَّ وثاقيا
إذا قُمت عنّاني الحديد وغُلقت مصاريع دونِي قد تصمّ المناديا
وقد كنت ذا مالٍ كثيرٍ وإخوة فقد تركونِي واحدًا لا أخا لِيا
وقد شق جسمي أنني كلَّ شارفٍ أعالِج كبلاً مصمتًا قد برانيا
فللَّه درّي يوم أُتركَ موثقًا ويذهل عنّي أُسرتي ورجاليا
حبست عن الحرب العوان وقد بدت أعمال غيْري يوم ذاك العواليا
وللَّه عهد لا أخيس بعهده لئن فُرّجت أن لا أزور الحوانيا
فسمعت سلمى زوجة سعد بن أبي وقاص منه وهو يردد هذه الأبيات فقالت: إني استخرت الله، ورضيت بعهدك، فأطلقته(41/1)
قال سعد بعد أن راه في المعركة ابلى بلاء حسنا لولا أني تركت أبا محجن في القيود لقلت: إنها بعض شمائل أبي محجن، فقالت: والله، إنه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا، فقصت عليه قصته. فدعا به، فحلّ قيوده، وقال: لا نجلدك على الخمر أبدا، قال أبو محجن: وأنا ـ والله ـ لا أشربها أبدًا.
*****************
وقال آخر:
يا بني قومنا سراعاً إلى الله فقد فاز من يموت شهيدا
سارعوا سارعوا إلى جنة قد فاز من جاءها شهيداً سعيدا
والبسوا حلة من الكفن الغا لي وبيعوا الحياة بيعاً مجيدا
*****************
وإلى كل مجاهد يجاهد لإعلاء كلمة الله ، إلى المرابطين على ثغور الإسلام ، إلى كل داعية يدعو إلى الله سبحانه وتعالى . نهديه هذه القصيدة للشهيد سيد قطب - نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكيه على الله- :
أخي أنت حرٌّ وراء السدود ..... أخي أنت حرٌّ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما .... فماذا يضيرك كيد العبيد؟!!
أخي:ستُبيد جيوش الظلام .... ويُشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها .... ترى الفجر يرمقنا من بعيد
أخي: قد أصابك سهم ذليل .... وغدرا رماك ذراع كليل
ستُبتَر يوماً فصبرٌ جميل .... ولم يدمَ بعدُ عرين الأسود
أخي: قد سرت من يديك الدماء .... أبت أن تُشلَّ بقيد الإماء
سترفع قربانها للسماء ...... مخضبة بوسام الخلود
أخي هل تُراك سئمت الكفاح ؟ .... وألقيتَ عن كاهليك السلاح
فمن للضحايا يواسي الجراح ؟..... ويرفع راياتها من جديد
أخي: إنني اليوم صلب المراس ... أدكُّ صخور الجبال الرواسي
غدا سأشيحُ بفأسي الخلاص ... رؤوس الأفاعي إلى أن تبيد
أخي: إن ذرفت عليَّ الدموع ... وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع ... وسيروا بها نحو مجد تليد
أخي: إنْ نمتْ نلقَ أحبابنا .... فروضات ربي اُعدَّت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا ... فطوبى لنا في ديار الخلود
أخي إنني ما سئمتُ الكفاح ... ولا أنا ألقيتُ عني السلاح(41/2)
فإنْ انا متُّ فإني شهيد ..... وأنت ستمضي بنصر مجيد
ساثار ولكن لرب ودين ... وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام ... وإما إلى الله في الخالدين .
قد اختارنا الله في دعوته .... وإنا سنمضي على سنته
فمنا الذين قضوا نحبهم .... ومنا الحفيظ على ذمته
أخي: فامضِ لاتلتقت للوراء ... طريقك قد خضبته الدماء
ولا تلتفت هنا أو هناك .... ولا تتطلع لغير السماء
*******************
يقول قطري بن الفجاءة
أبا خالد انفر فلست بخالد وما جعل الرحمن عذرا لقاعد
أتزعم أن الخارجي على الهدى وأنت مقيم بين لص وجاحد؟(41/3)
الجهل
يقول المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقلِهِ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
ومن البليّة عذل من لا يرعوي عن جهلِهِ , وخطاب من لا يفهمِ
******************
يقول المتنبي:
أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
******************
يقول المتنبي:
وجاهل مده في جهله ضحكي حتى أتته يد فراسة وفم
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
*********************
يقول أبو العلاء المعري:
ولما رأيتُ الجهلَ في الناس فاشياً تجاهلتُ حتى ظُنَ أني جاَهِلُ
فوا عجباً كم يدعي الفضل نَاقِصٌ ووا أسفاً كم يُظهرُ النقصَ فاضل
************************
يقول المتنبي:
وكم عائبٍ قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
**********************
ويقول أيضاً
وهل يصح في الأفهام شيءُ إذا احتاج النهار إلى دليل
*********************
ويقول أيضاً
ومن يك ذا فم مرٍ مريضٍ يجد مراً به الماء الزلالا
********************************(42/1)
الحج
قال ابن القيم رحمه الله يصف حال الحجيج في بيت الله الحرام:
فلله كم من عبرة مهراقة وأخرى على آثارها لا تقدم
وقد شرقت عين المحب بدمعها فينظر من بين الدموع ويسحمُ
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمته ومغفرة ممن يجود ويكرم
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم
ويدنو به الجبار جل جلاله يباهي بهم أملاكه فهو أكرم
يقول عبادي قد أتوني محبةً وإني بهم بر أجود وأكرم
فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم وأعطيهم ما أملوه وأنعم
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر الله الذنوب ويرحم
فكم من عتيق فيه كمُّل عتقه وآخر يستسعي وربك أكرم
*****************
ويتمنى الشاعر لو كان ممن حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فيقول:-
أحبتي عاد ذهني إلى زمنٍ معظمٍ في سويدا القلب مستطر
كأنني برسول الله مرتدياً ملابس الطهر بين الناس كالقمر
نور وعن جانبيه من صحابته فيالقٌ وألوف الناس بالأثر
ساروا برفقة أزكى مهجةٍ درجت وخير مشتملٍ ثوباً ومؤتزر
ملبياً رافعاً كفيه في وجل لله في ثوبِ أوّابٍ ومفتقر
مُرنماً بجلال الحق تغلبه دموعه مثل وابل العارض المطر
يمضي ينادي خذو عني مناسككم لعل هذا ختام العهد والعمُر
وقام في عرفات الله ممتطياً قصواءه يا له من موقف نضِر
تأمل الموقف الأسمى فما نظرت عيناه إلا لأمواج من البشر
فينحني شاكراً لله منّتَه وفضله من تمام الدين والظفر
يشدو بخطبته العصماء زاكيةً كالشهد كالسلسبيل العذب كالدرر
مجلياً روعة الإسلام في جملٍ من رائع من بديع القول مختصر
داعٍ إلى العدل والتقوى وأن بها تفاضل الناس لا بالجنس والصور
مبيناً أن للإنسان حرمته ممرغاً سيّء العادات بالمدر
يا ليتني كنت بين القوم إذ حضروا مُمَتَّعُ القلب والأسماع والبصر
وأنبري لرسول الله ألثُمُهُ على جبينٍ نقي طاهر عطر
أقبِّل الكف كف الجود كم بذلت سحّاء بالخير مثل السلسل الهدر
ألوذ بالرّحل أمشي في معيته وأرتوي من رسول الله بالنظر(43/1)
أُسّر بالمشي وإن طال المسير بنا وما انقضى من لقاء المصطفى وطري
أما الرداء الذي حج الحبيب به يا ليته كفن لي في دجى الحُفر
يا غافلاً من مزاياه وروعتها يَمّم إلى كتُبِ التاريخ والسير
يا رب لا تحرمنا من شفاعته وحوضه العذب يوم الموقف العَسِرِ
*****************
وقال أبي بكر محمد بن محمد بن عبد الله بن رشد البغدادي في ذكر البيت والطواف :-
ففي ربعهم لله بيت مبارك إليه قلوب الخلق تهوى وتهواه
يطوف به الجاني فيغفر ذنبه ويسقط عنه جرمه وخطاياه
فكم لذة كم فرحة لطوافه فلله ما أحلى الطواف وأهناه
نطوف كأنا في الجنان نطوفها ولا هم لا غم فذاك نفيناه
فواشوقنا نحو الطواف وطيبه فذلك شوق لا يعبر معناه
فمن لم يذقه لم يذق قط لذة فذقه تذق يا صاح ما قد أذقناه
فوالله ما ننسى الحمى فقلوبنا هناك تركناها فيا كيف ننساه
ترى رجعة هل عودة لطوافنا وذاك الحمى قبل المنية نغشاه
*****************
وقال أيضاً في رؤية البيت :
وما زال وفد الله يقصد مكة إلى أن بدا البيت العتيق وركناه
فضجت ضيوف الله بالذكر والدعا وكبرت الحجاج حين رأيناه
وقد كادت الأرواح تزهق فرحة لما نحن من عظم السرور وجدناه
تصافحنا الأملاك من كان راكبا وتعتنق الماشي إذا تتلقاه
****************
وقال أيضاً :
فمن كان بالمال المحرم حجه فعن حجه والله ما كان أغناه
إذا هو لبى الله كان جوابه من الله لا لبيك حج رددناه
كذلك جاءنا في الحديث مسطراً ففي الحج أجر وافر قد سمعناه
****************
وقال آخر:
إليك إلهي قد أتيت مُلَبيا فبارك إلهي حجتي ودعائيا
قصدتك مضطراً وجئتك باكيا وحاشاك ربي أن ترد بكائيا
كفاني فخراً أنني لك عابد فيا فرحتي إن صرت عبداً مواليا
إلهي فأنت الله لا شيء مثله فأفعم فؤادي حكمة ومعانيا
أتيت بلا زاد ، وجودك مطعمي وما خاب من يهفو لجودك ساعيا
إليك إلهي قد حضرت مؤملاً خلاص فؤادي من ذنوبي ملبيا(43/2)
وكيف يرى الإنسان في الأرض متعة وقد أصبح القدس الشريف ملاهيا
يجوس به الأنذال من كل جانب وقد كان للأطهار قدساً وناديا
معالم إسراء ، ومهبط حكمة وروضة قرآن تعطر واديا
****************
وذكروا في التاريخ العربي ان البرعي في حجه الأخير أخذ محمولا على جمل فلما قطع الصحراء مع الحج الشامي وأصبح على بعد خمسين ميلاً من المدينة هب النسيم رطباً عليلاً معطراً برائحة الأماكن المقدسة فازداد شوقه للوصول لكن المرض أعاقه عن المأمول فأنشأ قصيدة لفظ مع آخر بيت منها نفسه الأخير .. يقول فيها:
يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي
سرتم وسار دليلكم يا وحشتي الشوق أقلقني وصوت الحادي
وحرمتموا جفني المنام ببعدكم يا ساكنين المنحنى والوادي
ويلوح لي مابين زمزم والصفا عند المقام سمعت صوت منادي
ويقول لي يا نائما جد السُرى عرفات تجلو كل قلب صادي
من نال من عرفات نظرة ساعة نال السرور ونال كل مرادي
تالله ما أحلى المبيت على منى في ليل عيد أبرك الأعيادي
ضحوا ضحاياهم ثم سال دماؤها وأنا المتيم قد نحرت فؤادي
لبسوا ثياب البيض شارات اللقاء وأنا الملوع قد لبست سوادي
يا رب أنت وصلتهم صلني بهم فبحقهم يا رب فُك قيادي
فإذا وصلتم سالمين فبلغوا مني السلام أُهيل ذاك الوادي
قولوا لهم عبد الرحيم متيم ومفارق الأحباب والأولاد
صلى عليك الله يا علم الهدى ما سار ركب أو ترنم حادي
*****************(43/3)
الحجاب
يقول الشاعر:
إياك إياك الخداع بقولهم حسناء يا ذات الجمال تقدمي
إن الذين تبرءوا عن دينهم فهم يبيعون العفاف بدرهم
حلل التبرج إن أردت رخيصة أما العفاف فدونه سفك الدم
بنت الجزيرة ما أرى لك شيمة هذا التبرج يا فتاة تكلمي
حسناء يا ذات الدلال فإنني أخشى عليك من الخبيث المجرم
لا تعرضي هذا الجمال على الورى إلا لزوج أو قريب محرم
لا ترسلي الشعر الحرير مرجلاً فالناس حولك كالذئاب الحوم(44/1)
الحسد
كتب ابن المبارك إلى علي بن بسر المروزي هذه الأبيات:
كل العداوة قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك من حسد
فإن في القلب منها عقدة عقدت وليس يفتحها راق إلى الأبد
إلا الإله فإن يرحم تحلّ به وإن أباه فلا ترجوه من أحد
****************
وقال البحتري:
ولَنْ تَسْتَبِينَ الدهرَ مَوْضعَ نِعْمَةٍ إذَا أنْتَ لم تُدْلَلْ عليها بحَاسِدِ
****************
وقال آخر:
إن يحسدوني فإني غيرُ لائمِهِمْ قَبْلي من الناس أهْلِ الفضلِ قد حُسِدوا
فدام لي ولَهُمْ ما بي وما بهمُ وماتَ أكثرُنا غَيْظاً بما يَجِدُ
أنا الذي يَجِدُوني في صدورِهمُ لا أرْتَقي صَدَراً عنها ولا أَرِدُ
****************
وقال آخر:
هم يحسدوني على موتي فوا حزني حتى على الموت لا أخلو من الحسد
****************
وقال آخر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
****************
وقال آخر:
أيا حاسداً لي على نعمتي أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني وسد عليك وجوه الطلب
****************
وقال الشاعر:
يا طالب العيش في أمن وفي دعة رغداً بلا قتر صفواً بلا رنق
خلص فؤادك من غل ومن حسد فالغل في القلب مثل الغل في العنق
****************
وقال آخر:
اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
****************
وقال نصار بن سيار:
إني نشأت وحسادي ذوو عدد يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن يحسدوني على ما بي لما بهم فمثل ما بي مما يجلب الحسدا
****************
وقال آخر:
وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار في جزل العصا ما كان يُعرف طيب ريح العود
لولا التخوُّف للعواقب لم يزل للحاسد النُّعمى على المحسود
****************
يقول المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم(45/1)
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس القلم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم
******************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
أما الحسود فإني لا أجالسه شر العباد خبيث النفس والشيم
************************(45/2)
الحظ السيئ
يقول الشاعر:
إن حظي كدقيق بين شوك نثروه قالوا لحفاة قوم يوم ريح إجمعوه
صعب الأمر عليهم قال قوم أتركوه إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه ؟
************************
يقول الشاعر:
لو ركبت البحار صارت فجاجاً لا ترى في متونها أمواجا
ولو أني وضعتُ ياقوتة ً حمراءَ في راحتي لصارتْ زجاجا
ولو أني وردتُ عذباً فراتاً عادَ لا شكَّ فيه مِلْحاً أُجاجَا(46/1)
الحكمة
قال الشاعر:
ألم تر أن العقل زين لأهله ولكن تمام العقل في طول التجارب
*****************
وقال آخر:
إذا طال عمر المرء في غير آفة أفادت له الأيام في كرها عقلا
*****************
وقال آخر:
إذا لم يكن للمرء عقل فإنه وإن كان ذا بيت على الناس هين
ومن كان ذا عقل أجل لعقله وأفضل عقل من يتدين
*****************
وقال الشاعر:
إني لآمن من عدو عاقل وأخاف خلا يعتريه جنون
فالعقل فن واحد وطريقه أدرى فأرصد و الجنون فنون
*****************
النابغة الشيباني
فأَحْكَمُ أَلْبابِ الرجالِ ذَوو التقى وكل امرئٍ لا يتقي الله أحمق
********************************(47/1)
الحلف الكاذب
يقول المتنبي:
وفي اليمين على ما أنت واعده ما دل أنك في الميعاد متهم(48/1)
الحلم
قال أبو العتاهية :
فيا ربّ هب لي منك حلماً فإنني أرى الحلم لم يندم عليه حليم
ويا رب هب لي منك عزماً على التقي أقيم به ما عشت حيث أقيم
ألا إنّ تقوى الله أكرم نسبةٍ تسامى بها عند الفخار كريم
****************
وقال الخريمي :
أرى الحلم في بعض المواطن ذلّةً وفي بعضها عزّاً يسودّ فاعله
****************
وقال صالح بن جناح:
إذا كنت بين الجهل والحلم قاعدا وخيرت أني شئت فالحلم أفضل
ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ولم يرض منك الحلم فالجهل أمثل
****************
وقال آخر:
ألم تر أن الحلم زينٌ مسود لصاحبه والجهل للمرء شائنُ
فكن دافناً للجهل بالحلم تسترح من الجهل إن الحلم للجهل دافنُ
****************
وقال محمود الوراق:
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن عظمت منه علي الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فاعرف قدره وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته نفسي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا تفضلت إن الحر بالفضل حاكم
****************
وقال آخر:
التيه مفسدة للدين منقصة للعقل مهتكة للعرض فانتبه
لا تشرهن فإن الذل في الشره والعز في الحلم لا في البطش والسفه
****************
وقال الشافعي رحمه الله :
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهةً فأزيد حلماً كعودٍ زاده الإحراق طيبا
****************
وقال آخر:
وجهل رددناه بفضل حلومنا ولو أننا شئنا رددناه بالجهل
****************
وقال آخر:
إذ سبني نذلٌ تزايدتُ رفعةً وما العيبُ إلا أن أكونَ مساببُه
ولو لم تكن نفسي عليَ عزيزةً لمكنتُها من كلِ نذلٍ تحاربُه
****************
وقال آخر:
قل ما بدا لك من صدق ومن كذب حلمي أصم وأذني غير صماء
****************
قال آخر:
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه وإن خليته كمدا يموت
****************
وقال آخر:(49/1)
وإذا بغى باغ عليك بجهله فاقتله بالمعروف لا بالمنكر
****************
قال آخر:
واصفح عن سباب الناس حِلماً وشرُّ الناس من يهوي السبابا
ومن هاب الرجال تهيبوه ومن حقَّر الرجال فلن يُهابا
****************
وقال الشافعي:
لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيّي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه كما إن قد حشا قلبي محبات
الناس داء ،وداء الناس قربهم وفي اعتزالهم قطع المودات
****************
وقال آخر:
احفظ لسانك إن لقيت مشاتماً لا تجرين مع اللئيم إذا جرى
من يشترى عرض اللئيم بعرضه يحوي الندامة حين يقبض ما اشترى
****************
وقال آخر:
ألا إن حلم المرء أكبر نسبةٍ يسامي بها عند الفخار كريمُ
فيا رب هب لي منك حِلماً أرى الحِلم لم يندم عليه حليمُ
***************
قال الحكيم العربي:
والحلمُ أعظمُ ناصرٍ تَدْعُونه فالزمْهُ يَكْفِكَ قلةَ الأنصار
******************
يقول صفي الدين الحلّي:
لا يَحسُنُ الحلم إلا في مواطنِهِ ولا يليق الوفاء إلا لمن شكرا
******************(49/2)
الحياء
قال حبيب بن أوس :
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا واللّه ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقى اللحاء
*****************
وقال أبو دلف العجلى:
إذا لم تصن عرضاً ولم تخش خالقاً ولم ترع مخلوقاً فما شئت فاصنع
*****************
وقال صالح بن جناح:
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
*****************
وقال أمية بن أبي الصّلت في ابن جدعان التيمى :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء
كريمٌ لا يغيّره صباحٌ عن الفعل الجميل ولا مساء
إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء
*****************
وقال آخر:
إذا رزق الفتي وجهاً وقاحاً تقلب في الأمور كما يشاء
ولم يك للدواء ولا لشيء يعالجه به فيه غناء
فما لك في معاتبة الذي لا حياء لوجهه إلا العناء
*****************
وقال آخر:
ورُب قبيحةٍ ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الداء لها ولكن إذا ذهب الحياء فلا دواء
*****************
وقال آخر:
هب البعث لم تأتنا رسله وحاطمة النار لم تضرم
أليس من الواجب المستحق حياء العباد من المنعم
***************************
وقال صفي الدين الحلي:
لَئِنْ لم أُبَرْقِعْ بالحَيا وجهَ عِفّتي فلا أشبهتهُ راحتي في التّكَرّمِ
ولا كنتُ ممّن يكسرُ الجَفنَ في الوَغى إذا أنا لم أغضضهُ عن رأي محرمِ
********************************(50/1)
الحياة
يقول الشاعر:
وما الحياة بأنفاس نرددها إن الحياة حياة العلم والعمل
********************************
يقول ابن دريد:
لَيْسَ السَّلِيمُ سَلِيمَ أَفْعَى حَرَّة ٍ لكنْ سليمَ المقلة ِ النَّجلاءِ
نظرتْ ولا وسنٌ يخالطُ عينها نظرَ المريضِ بسورة ِ الإغفاءِ
********************************(51/1)
الخداع
وقال آخر:
والناس قد نبذوا الحفاظ , فمطلق ينسى الذي يولي, وعاف يندم
لا يخدعنّك من عدوّ دمعةً وارحم شبابك من عدوٍ تُرحَمِ
ومن البليّة عذل من لا يرعوي عن جهلِهِ , وخطاب من لا يفهمِ
ومن العداوة ما ينالك نفعُهُ ومن الصداقة ما يضر ويؤلمُ
والذل يظهر في الذليل مودةً وأود منه لمن يود الأرقم
******************(52/1)
الخطبة والزواج
وقال آخر:
إذا تزوجت فكن حاذقاً وأسأل عن الغصن وعن منبته
****************
وقال آخر:
وأول خبث المرء خُبث تُرابه وأول خبث القوم خبث المناكح
****************
وقال آخر:
صفات من يُستحبُّ الشرع خطبتها جَلَوتها لأولي الأباب مختصراً
صبيَّةٌ ذات دينٍ زانه أدبٌ بكرٌ ولو حكت في نفسها القمرا
غريبةٌ لم تكن من أهل خاطبها تلك الصفات التي أجلو لمن نظرا
****************(53/1)
الخوف من الله
قال الشاعر:
نوح الحمام على الغصون شجاني ورأى العذول صبابتي فبكاني
إن الحمام ينوح من خوف النوى وأنا أنوح مخافة الرحمن
*****************
وقال رجل لابن المبارك: صف لي الوالهين بالله فقال: هم كما أقول لك:
مستوفدين على رحل كأنهم ركب يريدون أن يمضوا وينتقلوا
عفّت جوارحهم عن كل فاحشة فالصّدق مذهبهم والخوف والوجل
*****************
وقال آخر:
خف الله وارجوه لكلِّ عظيمةٍ ولا تطع النَّفس الّلجوج فتندما
وكن بين هاتين من الخوف والرَّجا وأبشر بعفو الله إن كنت مسلما
*****************
وسئل عبدالله بن المبارك عن صفة الخائفين فقال:
إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود أنين منه تنفرج الضلوع
وخرس بالنهار لطول صمت عليهم من سكينتهم خشوع
*****************
قال الشاعر:
أنام على سهو و تبكي الحمائم وليس لها جرم ومني الجرائم
كذبت لعمرو الله لو كنت عاقلاً لما سبقتني بالبكاء الحمائم
*****************
وقال آخر:
فاز من سبح والناس هجوع
يدفن الرغبة ما بين الضلوع
و يغشيه سكون وخشوع
ذاكراً لله والدمع هموع
سوف يغدو ذلك الدمع شموع
*****************
وقال آخر:
عد إلى الله بقلب خاشع
وادعه ليلاً بطرف دامع
يتولاك بعفو واسع
*****************(54/1)
الدعاء والذل لله :
أنشد عبد الله بن محمد بن يوسف رحمه الله لنفسه:
أسير الخطايا عند بابك واقف على وجلٍ ممَّا به أنت عارف
يخاف ذنوباً لم يغب عنك غيبها ويرجوك فيها فهو راجٍ وخائف
فمن ذا الّذي يرجو سواك ويتَّقي ومالك من فصل القضاء مخالف
فيا سيّدي لا تخزني في صحيفتي إذا نشرت يوم الحساب الصَّحائف
وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما يصدُّ ذوو ودِّي ويجفو المؤالف
لئن ضاق عنِّي عفوك الواسع الَّذي أرجِّى لإسرافي فإنِّي لتالف
*****************
وقال آخر:
واحسرتي ، واشِقوتي من يوم نشر كتابيه
وأطولَ حُزني إن أكن أوتيته بشماليه
وإذا سُئلت عن الخَطأ ماذا يكون جوابيه ؟
و احَرَّ قلبي أن يكونَ مع القلوب القاسية
كلا ولا قدمت لي عملاً ليوم حسابية
بل إنني لشقاوتي وقساوتي وعذابيه
بارزت بالزلات في أيام دهرٍ خالية
من ليس يخفى عنه من قُبح المعاصي خافية
*****************
وقال آخر:
وإني لأدعو اللهَ والأمرُ ضيّقٌ عليَّ فما ينفك أن يتفرّجا
وربَّ فتىً ضاقتْ عليه وجوهُهُ أصاب له في دعوة الله مَخْرَجا
*****************
وقال آخر:
يا مالكي يا خالقي يا رازقي يا من إليه تحركي وسكوني
إني ضعيف عن عذابك سيدي ومقصر عن حمل قبيح ذنوبي
*****************
وقال الشيخِ المَكُّوديَّ:
إذا عرضت لي في زمانيَ حاجةٌ وقد أشكلت فيها عليَّ المقاصدُ
وقفت بباب الله وقفةَ ضارعٍ وقلت: إلهي إنني لك قاصدُ
ولست تراني واقفاً عند باب مَنْ يقول فتاهُ: سيديْ اليومَ راقدُ
*****************
وقال آخر:
اطلب ولا تضجر من مطلب فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا
*****************
وقال أحدهم في وصف دعوة المظلوم:
وربَّ ظلومٍ قد كُفِيتُ بحربهِ فَأَوقعَه المقدورُ أيَّ وقوعِ
فَما كان ليْ الإسلامُ إلا تَعَبُّداً وأدعيةً لا تُتَّقى بدروعِ
وحسبك أن ينجو الظلومُ وَخَلْفَهُ سهامُ دعاءٍ من قِسِيِّ ركوعِ(55/1)
مُرَيَّشةً بالهدب من كل ساهرٍ ومنهلةً أطرافها بدموعِ
*****************
وقال آخر:
أيا من ليس لي منه مجيرُ بعفوك من عذابك أستجيرُ
أنا العبد المقر بكل ذنبٍ وأنت السيد المولى الغفورُ
فإن عذبتني فبسوء فعلي وإن تغفر فأنت به جديرُ
أفر إليك منك وأين إلا يفر إليك منك المستجيرُ
*****************
وقال آخر:
يا عظيم الجلال أنت ملاذي حين أحيى وغايتي لمعادي
بك أرجو النجاة من كل كرب فارحم اليوم عبرتي وسهادي
لست أدري ماذا تحاول نفسي من فساد يا منقذي من فسادي
*****************
وقال آخر:
إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني
ومالي حيلة إلا رجائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في الخطايا وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في جرمي عليها قرعت أناملي غيظاً بسني
يظن الناس بي خيراً وإني أشر الناس إن لم تعف عني
****************
وأنشد أعرابي:
أيا مالك لا تسأل الناس والتمس بكفيك فضل الله فالله أوسع
ولو تسأل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
*****************
وقال آخر:
وإذا شكوت إلى العباد فإنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
*****************
وقال آخر:
الهي فاز من ناداك ربي أتاه الخير حقاً والقبول
الهي قلت أدعوني أُجبكم فهاك العبد يدعو يا وكيل
*****************
وقال آخر:
لقد مددت يدي بالذل مُفتقراً إليك يا خير من مُدت إليه يدي
فلا تردنها يا رب خائبةً فبحر جودك يروي كل من يرد
*****************
وقال آخر:
من لاذ بالله نجا فيمن نجا من كل ما يخشى ونال ما رجا
سبحان من نهفوا ويعفوا دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله من العطا لذي الخطا
*****************
وقال الأصمعي بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة إذ رأيت شاباً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول:
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت يا حي يا قيوم لم تنم(55/2)
أدعوك ربي حزيناً هائماً قلقاً فارحم بكائي بحق البيت والحرم
إن كان جودك لا يرجوه ذو سفه فمن يجود على العاصين بالكرم
ثم بكى بكاء شديداً وأنشد يقول
ألا أيها المقصود في كل حاجتي شكوت إليك الضر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي فغفر لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
أتيت بأعمال قباح رديئة وما في الورى عبد جنى كجنايتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنى فأين رجائي ثم أين مخافتي
ثم سقط على الأرض مغشياً عليه فدنوت منه فإذا هو زين العابدين ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين:
*****************
وقال آخر:
إن الملوك إذا شابت عبيدهمو في رقهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار
*****************
وقال آخر:
إذا أذن الله في حاجة أتاك النجاح على رسله
فلا تسأل الناس من فضلهم ولكن سل الله من فضله
*****************
وقال محمود الوراق:
شاد الملوك قصورهم وتحصنوا من كل طالب حاجة أو راغب
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن يا ذا الضراعة طالباً من طالب
*****************
وقال آخر:
وإذا رُميت من الزمان بشدة وأصابك الأمر الأشق الأصعب
فأضرع لربك إنه أدنى لمن يدعوه من حبل الوريد وأقربُ
*****************
وقال آخر:
بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر ضعيفاً يحتمي بحماكا
إني ضعيف استعين على قوى ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوبٌ مالها من غافر إلا كا
أنا كنت يا ربي أسير غشاوةٍ رانت على قلبي فضل سناكا
واليوم يا ربي مسحت غشاوتي وبدأت بالقلب البصير أراكا
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً للتوب قلب تائبٌ ناجاكا
أترده وترد صادق توبتي حاشاكا ترفض تائباً حاشاكا
يا رب جئتك نادماً أبكي على ما قدمتهُ يداي لا أتباكا
أخشى من العرض الرهيب عليك ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
يا ربِ عدت إلى رحابك تائباً مستسلماً مستمسكاً بعراكا
مالي وما للأغنياء وأنت يا رب الغني ولا يحد غناكا(55/3)
ومالي وما للأقوياء وأنت يا ربي ورب الناس ما أقواكا
مالي وأبواب الملوك وأنت من خلق الملوك وقسم الأملاكا
إني أويت لكل مأوى في الحياة فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهداً فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي ما خاب يوماً من دعا ورجاك
*****************
يقول الشاعر:
إذا احتجب الناس عن سائل فما دون سائل ربي حجاب
يعود بفضل على من رجاه وراجيه في كل حين يجاب
*****************(55/4)
الدعوة
قال الأصمعي:
النصح أرخص ما باع الرجال فلا تردد على ناصح نصحا ولا تلم
إن النصائح لا تخفى مناهلها على الرجال ذوي الألباب والفهم
******************
وقال آخر:
تغمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا ارضي استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
******************
وقال عائض القرني:
أيا داعياً لله هاك وصيتي عليك بتقوى الله يا صاح أولا
وكن طلباً للعلم في كل ساعة حريصاً عليه مجملاً ومفصلا
وبالحكمة أنصح لا تكن ذا شراسة غليظاً وفظاً صاخباً متعجلا
وكن طيباً كالنحل يخرج طيباً وتخرج شهداً صافياً ومعسلا
ولا تك نذلاً كالذباب مجثماً علي كل جرح للمحاسن مغفلا
وغض عن الزلات واستر معائباً وسامح عن التقصير وأعف تفضلا
رحيماً قريباً خاشعاً ذا عزيمة قوياً حليماً صامتاً متهللا
تقياً عفيفاً خاشعاًُ ذا عزيمة قوياً بأمر الله للناس موئلا
ولا تنه عن شي وتأتيه ظالماً فتستوجب المقت المعجل والقلا
وتابع رسول الله في كل خلة فسنته أغلي وأحلي وأنبلا
*****************
وقال آخر:
فكم من عدو معلن لك نصحه علانية والغش تحت الأضالع
وكم من صديق مرشد قد عصيته فكنت له في الرشد غير مطاوع
وما الأمر إلا بالعواقب إنها سيبدو عليها كل سر وذائع
*****************
وقال آخر:
إذا نصحت لذي عجب لترشده فلم يطعك فلا تنصح له أبدا
فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته ولا يجيب إلى إرشاده أحدا
وما عليك وإن غاو غوى حقباً إن لم يكن لك قربى أو يكن ولدا
*****************(56/1)
الدنيا
يقول الشاعر:
بكيتُ على الشباب بدمع عيني فما نفع البكاءُ ولا النَّحيبُ
فيا أسفاً أسفتُ على شبابٍ نعاه الشيبُ والرأس الخضيبُ
عَريتُ من الشباب وكان غضاً كما يَعْرَى من الورق القضيبُ
ألا ليت الشبابَ يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ
*****************
وقال آخر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبدٍ آثر الله ربه وجاد بدنياه لما يتوقع
*****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
خَلِّ دُنْيَاك إنَّهَا يَعْقُبُ الْخَيْرَ شَرُّهَا
هِيَ أُمٌّ تَعُقُّ مِنْ نَسْلِهَا مَنْ يَبَرُّهَا
كُلُّ نَفْسٍ فَإِنَّهَا تَبْتَغِي مَا يَسُرُّهَا
وَالْمَنَايَا تَسُوقُهَا والأماني تَغُرُّهَا
فَإِذَا اسْتَحْلَتْ الْجَنَى أَعْقَبَ الْحُلْوَ مُرُّهَا
يَسْتَوِي فِي ضَرِيحِهِ عَبْدُ أَرْضٍ وَحُرُّهَا
*****************
وقال آخر:
ما دار دنيا للمقيم بدار وبها النفوس فريسة الأقدار
ما بين ليل عاكف ونهاره نفسان مرتشفان للأعمار
طول الحياة إذا مضى كقصيرها واليسر للإنسان كالإعسار
والعيش يعقب بالمرارة حلوه والصفو فيه مخلف الأكدار
وكأنما تقضي بنيات الردى لفنائنا وطراً من الأوطار
ويروقنا زهر الأماني نضرة هدم الأماني عادة المقدار
والمرء كالطيف المطيف وعمره كالنوم بين الفجر والأسحار
خطب تضاءلت الخطوب لهوله أخطاره تعلو على الأخطار
تلقى الصوارم والرماح لهوله ونلوذ من حرب إلى استشعار
إن الذين بنوا مشيداً وانثنوا يسعون سعي الفاتك الجبار
سلبوا النضارة والنعيم فأصبحوا متوسدين وسائد الأحجار
تركوا ديارهم على أعدائهم وتوسدوا مدراً بغير دثار
خلط الحمام قويهم بضعيفهم وغنيهم ساوى بذي الإقتار
*****************
وقال آخر:
ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة وإن أقبلت كانت كثيراً همومها
*****************
وقال آخر:(57/1)
أرى طالب الدنيا وإن طال عمره ونال من الدنيا سروراً وأنعما
كبان بنى بنيانه فأقامه فلما استوى ما قد بناه تهدما
*****************
وقال آخر:
أنت في دار شتات فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيومٍ صمته عن شهواتك
وليكن فطرك عند الله في يوم وفاتك
*****************
وقال آخر:
غَرسَ الزهدُ بقلبي شجرة بعد أن نقّى بجهدٍ حَجَرَه
وسَقاها إثرَ ما أَودَعها كَبِدَ الأرضِ بدمعٍ فَجَّرّه
ومتى أبصرَ طيراً مُفسداً حائماً حول حِماها زَجَرَه
نمتُ في ظلٍ ظليلٍ تحتَها رَوّح القلبُ ونَحى ضَجَره
تم بايعت إلهي وكذا بيعة الرضوان تحت الشجرة
*****************
وقال آخر:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة جوع
أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع
*****************
وقال آخر:
ميزت بين جمالها وفعالها فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا فكأنما حلفت أن لا تفي
*****************
قال الثعلبي:
تنح عن الدنيا فلا تخطبنها ولا تخطبن قتالة من تناكح
فليس يفي مرجوها بمخوفها ومكروهها بما تأملت راجح
لقد قال فيها الواصفون فأكثروا وعندي لها وصف لعمري صالح
سلاف قصاراها زعاف ومركب شهي إذا استذللته فهو جامح
وشخص جميل يؤثر الناس حسنه ولكن له أسرار سوء قبائح
*****************
وقال آخر:
تعجب من صبري على ألوانها في وصلها طوراً وفي هجرانها
ورهاء من كلفها وثيقة كلّفها ما ليس من أديانها
تسلط البلوى على عشاقها تسلُّط الحِنثِ على أيمانها
الود في القلب ودعوى ودِّها لا يتعدى طرفَيْ لسانها
فكما أعطتك في محبة زيادةً فاقطع على نقصانها
وقفتُ أسترجع يومَ بينها قلباً شجاعاً طاح في أظعانها
ولم يكن مني إلا ضلّة نِشدانُ شيءٍ وهو في ضمانها
*****************
وقال آخر:
وغاية هذي الدار لذة ساعة ويعقبها الأحزان والهم والندم
وهاتيك دار الأمن والعز والتقى ورحمة رب الناس والجود والكرم
*****************
وقال آخر:(57/2)
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم إني النذير فلا يغرركم أحد
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته إلا الإله ويردى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً ذخائره والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
*****************
وقال آخر:
لا تركننّ إلى القصور الفاخرة واذكر عظامك حين تمسي ناخِرة
وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل يا رب إنّ العيشَ عيشُ الآخرة
*****************
وقال آخر:
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران
*****************
وقال حاتم الطائي:
لعمرك ما يغني الثَّراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصَّدر
أماويّ إنَّ المال غادٍ ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذِّكر
*****************
وقال آخر:
إنما الدنيا بلاء ليس للدينا ثبوتُ
إنما الدنيا كبيتٍ نسجته العنكبوتُ
إنما يكفيك منها أيها الراغب قوتُ
*****************
وقال آخر:
ما أنت إلا كزرع عند خُضرته بكلِ شيء من الآفات مقصودُ
فإن سَلِمتَ من الآفات أجمعها فأنت عند كمال الأمر محصودُ
*****************
وقال آخر:
أيا من عاش في الدنيا طويلا وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى وجمع من حرام أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفوا أليس مصير ذلك للزوال
*****************
وقال آخر:
حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
فإذا أردت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار
فالعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت منقادة بأزمة المقدار
فاقضوا مآربكم عجالى إنما أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عواري
*****************
وقال آخر:
هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى انتقال
وما دنياك إلا مثل فيء أظلك ثم آذن بالزوال
*****************(57/3)
وقال آخر:
تروح لنا الدنيا بغير الذي غدت وتحدث من بعد الأمور أمورُ
وتجري الليالي باجتماع وفرقة وتطلع فيها أنجم وتغورُ
وتطمع أن يبقى السرور لأهله وهذا محال أن يدوم سرورُ
*****************
وقال آخر:
يا خاطب الدنيا إلى نفسها تنح عن خطبتها تسلم
إن التي تخطب غدارة قريبة العرس من المأتم
*****************
وقيل أيضا :
يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
أفنى القرون التي كانت منعمة كر الجديدين إقبالا وإدبارا
كم قد أبادت صروف الدهر من ملك قد كان في الدهر نفاعاً وضرارا
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها يمسي ويصبح في دنياه سفارا
هلا تركت من الدنيا معانقة حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها فينبغي لك أن لا تأمن النارا
*****************
وقال آخر:
من مال إلى الدنيا وصبا قد أمعن في الفاني طلبا
خذ ما يبقى كيلا تشقى واتبع حقاً ودع اللعبا
وذر الدنيا فلكم قتلتْ مكراً بسهام هوى وصبا
برت ورعت فإذا اجتمعت خدعت حتى قطعت إربا
يا عاشقها كم قد نصبت لهلاكك فاحذرها سببا
يا آمنها كم قد سلبت ولداً براً وأماً وأبا
*****************
وقال آخر:
كم ثغر ملتثم ثلمت قد كان لراشفه ضربا
فسقته المر لدى جدث وكذاك الدهر إذا ضربا
وأتت قصراً يحوي نصراً فغدا وقصاراه خربا
ومليكاً في صولة دولته أضحى في الحفرة مغتربا
عرج بأمدار على الآثار وسل طللاً أمسى شجبا
ينبيك بأنهم رحلوا وثوى من بعدهم الغربا
*****************
وقال أيضاً:
فتأمل عاقبة الدنيا فلعلك تصبح مجتنبا
وتدبر ما صنعت فلقد أبدت بصنايعها عجبا
ينساك الأهل إذا رجعوا عن قبرك لا تسمع كذبا
تركوك أسيراً إذ ذهبوا بتراب ضريحك محتجبا
وغدوا فرحين بما أخذوا وغدوت باثمك محتقبا
*****************
وقال آخر:
يا محب الدنيا الغرور اغترارا راكباً في طلابها الأخطارا
يبتغي وصلها فتأبى عليه وترى أنسه فتبدي نفارا(57/4)
خابَ من يبتغي الوصال لديها جارةٌ لم تزل تسيء الجوارا
كم محبٍّ أرته أنساً فلما حاول الزور صيرته ازورارا
شيب حلو اللذات منها بمر إن حلت مرة أمرت مرارا
في اكتساب الحلال منها حساب واكتساب الحرام يصلي النارا
ولباغي الأوطار منها عناءٌ سوف يقضي وما قضى الأوطارا
*****************
وقال أيضاً:
كل لذاتها منغصة العيش وأرباحها تعود خسارا
وليالي الهموم فيها طوال وليالي السرور تمضي قصارا
وإذا ما سقت خمور الأماني صيرت بعدها المنايا خمارا
كم مليك مسلط ذللته بعد عز فما أطاق انتصارا
ونعيم قد أعقبته ببوس ومغان قد غادرتها قفارا
*****************
وقال أبو نواس:
ألا كلُّ حي هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق
فقل لغريب الدار إنك راحلُ إلى منزل نأى المحل سحيق
وما تعدم الدنيا الدنية أهلها شواظ حريق أو دخان حريق
تجرع فيها هالكاً فقد هالك وتشجى فريقاً منهم بفريق
فلا تحسب الدنيا إذا ما سكنتها قراراً فما دنياك غير طريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
عليك بدار لا يزال ظلالها ولا يتأذى أهلها بمضيق
فما يبلغ الراضي رضاه ببلغة ولا ينفع الصادي صداه بريق
*****************
وقال آخر:
أيها المستعير منها متاعاً عن قليل تسترجع المستعارا
عد عن وصل من يعيرك ما يفنى ويبقى إثماً ويكسب عارا
قد أرتك الأمثال في سالف الد هر وما قدراتك فيك اعتبارا
وجدير بالعذر من قدم الأ عذار فيما جناه والإنذارا
فتعوض منها بخلة صدق والتمس غير هذه الدار دارا
والبدار البدار بالعمل الصا لح ما دمت تستطيع البدارا
*****************
وقال آخر:
ذهب العمر وفات يا أسير الشهوات
ومضى وقتك في لهو وسهو وسبات
بينما أنت على غيك حتى قيل مات
*****************
يقول الفرزدق:
لا تعجب بدنيا أنت تاركها كم نالها من ملوك ثم قد ذهبوا
******************
يقول محمد البغدادي:
يا جامع المال في الدنيا لوارثِهِ هل أنت بالمال بعد الموت تنتفعُ(57/5)
******************
يقول أبو البقاء الرندي:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد ولا يدوم على حالٍ لها شان
يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ
وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان
أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
وأين ما حازه قارون من ذهب وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟
************************
يقول الشاعر:
ليس حي يبقى وإن بلغ الكبرة إلا مصيره لزوال
كلُّ ثاوٍ يَثْوي لحينِ المنايا كجزورٍ حبستها بعقال
إن تمت أنفس الأنام فإن الله يبقى وصالحَ الأعمالِ
كلُّ ساعٍ سعى لِيُدْرِكَ شيْئاً سَوْفَ يأتي بِسَعْيهِ ذا الجَلالِ
فَهُمُ بينَ فائِزٍ نالَ خَيْراً وشقي أصابه بنكال
****************
يقول صالح بن عبد القدوس:
وغُرورُ دنياكَ التي تَسعى لها دارٌ حقيقتها مَتاعٌ يذهب
وكذلكَ الأيامُ في غصّاتها مضضٌ يذلُ له الأعز الأنجب
تُبّا لدار ٍ لا يدوم نعيمها ومشيدها عما قليل ٍ يخرب
وجميعُ ما حَصلته وجمعتهُ حقاً يقيناً بعدَ موتكَ يُنهب
**********************
يقول الشاعر:
ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها
************************
لصالح بن عبد القدوس:
يا نفس ويحك ما الذي يرضيك في دنيا العفَنْ
**********************(57/6)
الذل
يقول المتنبي
من يهن يسهل الهوان عليه مالجرح ٍ بميت ٍ إيلام(58/1)
الذنوب
قال ابن المعتز :
خلى الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
ولا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
******************
وقال عبدالله بن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب ويتبعها الذلّ إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وهل بدلّ الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا ولم تغل في البيع أثمانها
لقد رتع القوم في جيفة يبين لذي العقل إنتانها
******************
وقال آخر:
تفنى اللذاذة ممن نال لذتها من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتها لا خير في لذة من بعدها النار
******************
وقال آخر:
قد سودت وجهي المعاصي وأثقلت ظهري الذنوب
وأورثني ذكرها سقاماً وليس لي في الورى طبيبُ
يا شؤم نفسي غداة عرضي إذا أحاطت بي الكروب
والداعي لما دعاني باسمي أنت تقرأ وما يجيب
هذا كتاب الذنوب فاقرأ فعندها تظهر العيوب
******************
وقال آخر
أتفرح بالذنوب وبالمعاصي وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي
وتأتي الذنب عمداً لا تبالي ورب العالمين عليك حاصي
*****************
وقال آخر:
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي درك الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدما منها إلى الدنيا بذنب واحد
******************(59/1)
الربيع
يقول البحتري
أتاك الربيع يختال ضاحكا من الحسن حتى أن يتكلما
وقد نبه الفيروز في غسق الدجى أوائل ورد كن بالأمس نوما
فمن شجر رد الربيع لباسه عليه كما نشرت وشيا منمنما
************************
بديع الزمان الهمذاني
برق الربيع لنا برونق مائه فانظر لروعة أرضه وسمائهِ
فالترب بين ممسك ومعنبر من نوره بل مائه وروائه
والماء بين مُصندل ومكفر من حسن كدرته ولون صفائه
والطير مثل المحسنات صوادح مثل المغنّي شادياً بغنائه
********************************(60/1)
يقول الشاعر:-
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو إليه المجرم
****************
وقال آخر:-
حاسبت نفسي لم أجد لي
صالحاً إلا رجاءي رحمة الرحمن
ووزنت أعمالي فلم أجد
في الأمر إلا خفة الميزان
****************
وقال آخر:-
قصدت باب الرجاء والناس قد رقدوا وبتُّ أشكوا الى مولاي ما أجدُ
فقلت يا أملي في كل نائبةٍ ومن عليه لكشف الضر أعتمدُ
أشكو اليك أموراً انت تعلمها ما لي على حِملها صبرٌ ولا جلدُ
لقد مددت يدي بالذل مُفتقراً إليك ياخير من مُدت اليه يدي
فلا تدنها يارب خائبةً فبحر جودك يروي بحر كل من ير
****************
يقول الشافعي:-
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجاءي نحو عفوك ربي سلما
تعاضمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك اعضما
فما زلت ذا عفوعن الذنب
لم تزل تجود وتعفومنَة وتكرما
****************(61/1)
الرحم
قال بعضهم
( وإذا رزقت من النوافل ثروة ... فامنح عشيرتك الأداني فضلها )
( واعلم بأنك لم تسود فيهم ... حتى ترى دمث الخلائق سهلها )
*****************
وقال آخر:-
وحَسْبُكَ من ذلٍّ وسوءِ صنيعةٍ *** مناواةُ ذي القربى وإن قيل: قاطعُ
ولكنْ أواسيه وأنسى عيوبَه *** لِتُرْجِعَهُ يوماً إليَّ الرواجعُ
ولا يستوي في الحكِم عبدانِ: *** واصلٌ وعبدٌ لأرحامِ القرابةِ قاطعُ
****************
وقال المقنع الكندي :
وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمِّي لَمُختلفٌ جِدّا
إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندهم *** قدحت لهم في كلِّ مكرمةٍ زندا
وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهُمْ *** وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
ولا أَحْمِل الحقدَ القديمَ عليهمُ *** وليس رئيسُ القومِ مَنْ يَحْمِلُ الحقدا
وأعطيهمُ مالي إذا كنت واجداً *** وإن قلّ مالي لم أكَلّفْهمُ رِفْدا
*****************
وقال آخر:-
رَأَيْت صَلاَحَ الْمَرْءِ يُصْلِحُ أَهْلَهُ وَيُعْدِيهِمْ عِنْدَ الْفَسَادِ إذَا فَسَدْ
يُعَظَّمُ فِي الدُّنْيَا بِفَضْلِ صَلاَحِهِ وَيُحْفَظُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الاهْلِ وَالْوَلَدْ
*****************
وقال آخر:-
مَنْ كان يَحْلُم أن يسودَ عشيرةً *** فعليه بالتقوى ولينِ الجانب
ويغضَّ طرفاً عن مساوي من أسا *** منهم ويحلم عند جهل الصاحب(62/1)
الرزق والحركة
قال ابن أبي الدنيا:
ومن ظنّ أنَّ الرِّزق يأتي بحيلةٍ فقد كذَّبته نفسه وهو آثم
يفوت الغنى من لا ينام عن السُّرى وآخر يأتي رزقه وهو نائم
فما الفقر في ضعف احتيالٍ ولا الغنى بكدٍّ وللأرزاق في النَّاس قاسم
سأصبر إن دهرٌ أناخ بكلكلٍ وأرضى بحكم الله ما الله حاكم
لقد عشت في ضيقٍ من الدَّهر مدَّةً وفي سعةٍ والعرض منِّي سالم
*****************
مما يروي لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيه نظر:
لو كان صخرةٍ في البحر راسيةٍ صمَّاء ملمومةٍ ملسٍ نواحيها
رزقٌ لعبدٍ يراه الله لانفلقت حتَّى يؤدَّي إليه كلُّ ما فيها
أو كان تحت طباق السَّبع مطلبها لسهَّل الله في المرقى مراقيها
حتَّى تؤدَّي الَّذي في الَّلوح خطّ له إن هي أتته وإلاَّ سوف يأتيها
*****************
وأنشد ابن الأعرابي:
الحمد لله ليس الرِّزق بالطَّلب ولا العطايا لذي عقلٍ ولا أدب
إن قدّر الله شيئاً أنت طالبه يوماً وجدت إليه أقرب السبب
وإن أبى الله ما تهوى فلا طلبٌ يجدي عليك ولو حاولت من كثب
وقد أقول لنفسي وهي ضيِّقةٌ وقد أناخ عليها الدَّهر بالعجب
صبراً على ضيقة الأيَّام إنّ لها فتحاً وما الصَّبر إلاّ عند ذي الأدب
سيفتح الله أبواب العطاء بما فيه لنفسك راحاتٌ من التّعب
ولو يكون كلامي حين أنشره من الُّلجين لكان الصَّمت من ذهب
****************
وقال آخر:
كم من قويٍّ قويٍ في تقلُّبه مهذّب الرأي عنه الرِّزق منحرف
وكم ضعيفٍ ضعيف الرأي تبصره كأنه من خليج البحر يغترف
*****************
وقال آخر:
لاَ تَطْلُبَنَّ مَعِيشَةً بِتَذَلُّلٍ فَلَيَأْتِيَنَّكَ رِزْقُك الْمَقْدُورُ
وَاعْلَمْ بِأَنَّك آخِذٌ كُلَّ الَّذِي لَك فِي الْكِتَابِ مُقَدَّرٌ مَسْطُورُ
*****************
وقال آخر:
توكَّل على الرَّحمن في كلِّ حاجةٍ ولا تؤثرنّ العجز يوماً على الطّلب
ألم تر أن الله قال لمريم إليك فهزِّي الجذع يسَّاقط الرُّطب(63/1)
ولو شاء أن تجنيه من غير هزِّها جنته ولكن كلُّ شيءٍ له سبب
*****************
وقال آخر:
ما يغلق الله باب الرِّزق عن أحدٍ إلاَّ سيفتح دون الباب أبوابا
*****************
وقال آخر:
الرّزق يأتي قدراً على مهل والمرء مطبوعٌ على حبّ العجل
*****************
وقال آخر:
يا راكب الهول والآفات والهلكة لا تعجلنَّ فليس الرِّزق بالحركة
من غير ربَّك في السَّبع العلى ملكاً ومن أدار على أرجائها فلكه
أما ترى البحر والصَّيَّاد تضربه أمواجه ونجوم الَّليل مشتبكة
يجرّ أذياله والموج يلطمه وعقله بين عينه كلكل السَّمكة
حتَّى إذا راح مسروراً بها فرحاً والحوت قد شكّ سفُّود الرَّدى حنكة
أتى إليك به رزقاً بلا تعبٍ فصرت تملك منه مثل ما ملكه
لطفاً من الله يعطي ذا بحيلته هذا يصيد وهذا يأكل السَّمكة
*****************
وقال آخر:
لا تخضعنَّّ لمخلوق على طمع فإن ذاك مضرّ منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه فإنما هي بين الكاف والنون
ألا ترى: كلّ من ترجو وتأمله من البريّة مسكين بن مسكين
****************
وقال آخر:
إني رأيتك قاعداً مستقبلي فعلمت أنك للهموم قرين
هون عليك وكن بربك واثقاً فأخو التوكل شأنه التهوين
طرح الآذى عن نفسه في رزقه لما تيقن أنه مضمون
*****************
وقال آخر:
توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنت بأن الله لاشك رازقي
وما يك من رزقٍ فليس يفوتني ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيءٍ تذهب النفس حسرةً وقد قسَّم الرحمن رزق الخلائق
************************
يقول الشاعر:
ورزق أتاك ولم تأته ولا أرق العين منه الطلاب
************************
يقول أبو العتاهية:
إنّ في الصّبرِ وَالقُنوعِ غنى الدّهرِ حِرْصُ الحريصِ فقرٌ مُقيمُ
إنمَا الناسُ كالبهائِمِ في الرزقِ سَواءٌ جَهولُهمْ وَالعليمُ
ليسُ حزمُ الفتى يجرُّ لهُ الرزْقَ ولا عاجزاً يُعدُّ العديمُ(63/2)
************************(63/3)
الرضا
قال الشافعي:
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلداً وشيمتك السماحة والوفاء
****************
وقال آخر:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصَّدق ما يعتاده من توهُّم
****************
وقال آخر:
وإن امرء قد جرب الدهر لم يخف تقلب عصريه لغير لبيب
وما الدهر والأيام إلا كما ترى رزية مال أو فراق حبيب
****************
وقال آخر:
يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ أبشر بخير ٍ فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه لا تيأسن فإن الصانع الله
الله يُحدث بعد العسر ميسرةً لا تجزعنَّ فإن المانع الله
إذا ابتليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته فما ترى حيلة فيما قضى الله
والله مالك غير الله من أحدٍ فحسبك الله في كلٍ لك الله
****************
وقال آخر:
سبحان من قسم الحظوظ فلا اعتراض ولا ملامة
أعمى وأعشى وبصير ورزقاء اليمامة
****************
وقال آخر:
ما مسني قدرٌ بكرهٍ أو رضا إلا اهتديت به إليك طريقا
أمضى القضاء على الرضا منّي به إني عرفتك في البلاء رفيقا
****************
وقال آخر:
جُبلت على كدرٍ وأنت تُريدها صفواً من الأقذاء والأكدارِ
ومكلّف الأيام ضد طباعها مُتطلبٌ في الماء جذوة نار ِ
****************
وقال آخر:
كُن عن همومك مُعرضاً وكِل الأمور إلى القضا
وانعم بطول سلامة تُسليك عمّا قد مضا
فلربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا
ولرب أمر مسخط لك في عواقبه رضا
الله يفعل ما يشاء فلا تكن مُتعرضا
****************
وقال آخر:
قد جرت الأقلام في ذي الورى بالختم من أمر الحكيم العليم
فمن سعيد و شقي و من مكثر من المال وعار عديم
ومن عزيز رأسه في السها ومن ذليل وجهه في التخوم
ومن صحيح شيدت أركانه وآخر واهي المباني سقيم
كل على منهاجه سالك ذلك تقدير العزيز العليم
****************
وقال آخر:(64/1)
رضيت بما قسمَ الله لي وفوّضتُ أمري إلى خالقي
كما أحسن الله فيما مضى كذلك يُحسن فيما بَقِي
****************(64/2)
الزكاة
يقول أبو العلاء:
ياقوتُ ما أنتَ يا قوتٌ ولا ذهبُ فكيف تُعجِزُ أقواماً مساكينا
واحسبُ الناس لو اعطوا زكاتهُمُ لما رأيت بني الإعدام شاكِينا
فإن تعِشْ تبصر الباكين قد ضحكوا والضاحكينَ لِفُرطِ الجهل باكينا
لا يتركن قليلَ الخير يفعلُه من نالَ في الأرض تأييداً وتمكينا(65/1)
الزنا
قال الشافعي:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حراً من سلالة ماجد ما كنت هتاكاً لحرمة مسلم
من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
من يزن في قوم بألفي درهم يزن في أهل بيته ولو بالدرهم(66/1)
الزهد
قال الشاعر:
بكيتُ على الشباب بدمع عيني فما نفع البكاءُ ولا النَّحيبُ
فيا أسفاً أسفتُ على شبابٍ نعاه الشيبُ والرأس الخضيبُ
عَريتُ من الشباب وكان غضاً كما يَعْرَى من الورق القضيبُ
ألا ليت الشبابَ يعود يوما فأخبره بما فعل المشيبُ
*****************
وقال آخر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبدٍ آثر الله ربه وجاد بدنياه لما يتوقع
*****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بكيتُ على الشباب بدمع عيني فما نفع البكاءُ ولا النَّحيبُ
فيا أسفاً أسفتُ على شبابٍ نعاه الشيبُ والرأس الخضيبُ
عَريتُ من الشباب وكان غضاً كما يَعْرَى من الورق القضيبُ
ألا ليت الشبابَ يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ
*****************
وقال آخر:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبدٍ آثر الله ربه وجاد بدنياه لما يتوقع
*****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
خَلِّ دُنْيَاك إنَّهَا يَعْقُبُ الْخَيْرَ شَرُّهَا
هِيَ أُمٌّ تَعُقُّ مِنْ نَسْلِهَا مَنْ يَبَرُّهَا
كُلُّ نَفْسٍ فَإِنَّهَا تَبْتَغِي مَا يَسُرُّهَا
وَالْمَنَايَا تَسُوقُهَا والأماني تَغُرُّهَا
فَإِذَا اسْتَحْلَتْ الْجَنَى أَعْقَبَ الْحُلْوَ مُرُّهَا
يَسْتَوِي فِي ضَرِيحِهِ عَبْدُ أَرْضٍ وَحُرُّهَا
*****************
وقال آخر:
ما دار دنيا للمقيم بدار وبها النفوس فريسة الأقدار
ما بين ليل عاكف ونهاره نفسان مرتشفان للأعمار
طول الحياة إذا مضى كقصيرها واليسر للإنسان كالإعسار
والعيش يعقب بالمرارة حلوه والصفو فيه مخلف الأكدار
وكأنما تقضي بنيات الردى لفنائنا وطراً من الأوطار
ويروقنا زهر الأماني نضرة هدم الأماني عادة المقدار
والمرء كالطيف المطيف وعمره كالنوم بين الفجر والأسحار
خطب تضاءلت الخطوب لهوله أخطاره تعلو على الأخطار
تلقى الصوارم والرماح لهوله ونلوذ من حرب إلى استشعار(67/1)
إن الذين بنوا مشيداً وانثنوا يسعون سعي الفاتك الجبار
سلبوا النضارة والنعيم فأصبحوا متوسدين وسائد الأحجار
تركوا ديارهم على أعدائهم وتوسدوا مدراً بغير دثار
خلط الحمام قويهم بضعيفهم وغنيهم ساوى بذي الإقتار
*****************
وقال آخر:
ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة وإن أقبلت كانت كثيراً همومها
*****************
وقال آخر:
أرى طالب الدنيا وإن طال عمره ونال من الدنيا سروراً وأنعما
كبان بنى بنيانه فأقامه فلما استوى ما قد بناه تهدما
*****************
وقال آخر:
أنت في دار شتات فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيومٍ صمته عن شهواتك
وليكن فطرك عند الله في يوم وفاتك
*****************
وقال آخر:
غَرسَ الزهدُ بقلبي شجرة بعد أن نقّى بجهدٍ حَجَرَه
وسَقاها إثرَ ما أَودَعها كَبِدَ الأرضِ بدمعٍ فَجَّرّه
ومتى أبصرَ طيراً مُفسداً حائماً حول حِماها زَجَرَه
نمتُ في ظلٍ ظليلٍ تحتَها رَوّح القلبُ ونَحى ضَجَره
تم بايعت إلهي وكذا بيعة الرضوان تحت الشجرة
*****************
وقال آخر:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة جوع
أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع
*****************
وقال آخر:
ميزت بين جمالها وفعالها فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا فكأنما حلفت أن لا تفي
*****************
قال الثعلبي:
تنح عن الدنيا فلا تخطبنها ولا تخطبن قتالة من تناكح
فليس يفي مرجوها بمخوفها ومكروهها بما تأملت راجح
لقد قال فيها الواصفون فأكثروا وعندي لها وصف لعمري صالح
سلاف قصاراها زعاف ومركب شهي إذا استذللته فهو جامح
وشخص جميل يؤثر الناس حسنه ولكن له أسرار سوء قبائح
*****************
وقال آخر:
تعجب من صبري على ألوانها في وصلها طوراً وفي هجرانها
ورهاء من كلفها وثيقة كلّفها ما ليس من أديانها
تسلط البلوى على عشاقها تسلُّط الحِنثِ على أيمانها(67/2)
الود في القلب ودعوى ودِّها لا يتعدى طرفَيْ لسانها
فكما أعطتك في محبة زيادةً فاقطع على نقصانها
وقفتُ أسترجع يومَ بينها قلباً شجاعاً طاح في أظعانها
ولم يكن مني إلا ضلّة نِشدانُ شيءٍ وهو في ضمانها
*****************
وقال آخر:
وغاية هذي الدار لذة ساعة ويعقبها الأحزان والهم والندم
وهاتيك دار الأمن والعز والتقى ورحمة رب الناس والجود والكرم
*****************
وقال آخر:
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم إني النذير فلا يغرركم أحد
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته إلا الإله ويردى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوماً ذخائره والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
*****************
وقال آخر:
لا تركننّ إلى القصور الفاخرة واذكر عظامك حين تمسي ناخِرة
وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل يا رب إنّ العيشَ عيشُ الآخرة
*****************
وقال آخر:
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران
*****************
وقال حاتم الطائي:
لعمرك ما يغني الثَّراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصَّدر
أماويّ إنَّ المال غادٍ ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذِّكر
*****************
وقال آخر:
إنما الدنيا بلاء ليس للدينا ثبوتُ
إنما الدنيا كبيتٍ نسجته العنكبوتُ
إنما يكفيك منها أيها الراغب قوتُ
*****************
وقال آخر:
ما أنت إلا كزرع عند خُضرته بكلِ شيء من الآفات مقصودُ
فإن سَلِمتَ من الآفات أجمعها فأنت عند كمال الأمر محصودُ
*****************
وقال آخر:
أيا من عاش في الدنيا طويلا وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى وجمع من حرام أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفوا أليس مصير ذلك للزوال
*****************
وقال آخر:
حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار(67/3)
فإذا أردت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار
فالعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت منقادة بأزمة المقدار
فاقضوا مآربكم عجالى إنما أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عواري
*****************
وقال آخر:
هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى انتقال
وما دنياك إلا مثل فيء أظلك ثم آذن بالزوال
*****************
وقال آخر:
تروح لنا الدنيا بغير الذي غدت وتحدث من بعد الأمور أمورُ
وتجري الليالي باجتماع وفرقة وتطلع فيها أنجم وتغورُ
وتطمع أن يبقى السرور لأهله وهذا محال أن يدوم سرورُ
*****************
وقال آخر:
يا خاطب الدنيا إلى نفسها تنح عن خطبتها تسلم
إن التي تخطب غدارة قريبة العرس من المأتم
*****************
وقيل أيضاً :
يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
أفنى القرون التي كانت منعمة كر الجديدين إقبالا وإدبارا
كم قد أبادت صروف الدهر من ملك قد كان في الدهر نفاعاً وضرارا
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها يمسي ويصبح في دنياه سفارا
هلا تركت من الدنيا معانقة حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها فينبغي لك أن لا تأمن النارا
*****************
وقال آخر:
من مال إلى الدنيا وصبا قد أمعن في الفاني طلبا
خذ ما يبقى كيلا تشقى واتبع حقاً ودع اللعبا
وذر الدنيا فلكم قتلتْ مكراً بسهام هوى وصبا
برت ورعت فإذا اجتمعت خدعت حتى قطعت إربا
يا عاشقها كم قد نصبت لهلاكك فاحذرها سببا
يا آمنها كم قد سلبت ولداً براً وأماً وأبا
*****************
وقال آخر:
كم ثغر ملتثم ثلمت قد كان لراشفه ضربا
فسقته المر لدى جدث وكذاك الدهر إذا ضربا
وأتت قصراً يحوي نصراً فغدا وقصاراه خربا
ومليكاً في صولة دولته أضحى في الحفرة مغتربا
عرج بأمدار على الآثار وسل طللاً أمسى شجبا
ينبيك بأنهم رحلوا وثوى من بعدهم الغربا(67/4)
*****************
وقال أيضاً:
فتأمل عاقبة الدنيا فلعلك تصبح مجتنبا
وتدبر ما صنعت فلقد أبدت بصنايعها عجبا
ينساك الأهل إذا رجعوا عن قبرك لا تسمع كذبا
تركوك أسيراً إذ ذهبوا بتراب ضريحك محتجبا
وغدوا فرحين بما أخذوا وغدوت باثمك محتقبا
*****************
وقال آخر:
يا محب الدنيا الغرور اغترارا راكباً في طلابها الأخطارا
يبتغي وصلها فتأبى عليه وترى أنسه فتبدي نفارا
خابَ من يبتغي الوصال لديها جارةٌ لم تزل تسيء الجوارا
كم محبٍّ أرته أنساً فلما حاول الزور صيرته ازورارا
شيب حلو اللذات منها بمر إن حلت مرة أمرت مرارا
في اكتساب الحلال منها حساب واكتساب الحرام يصلي النارا
ولباغي الأوطار منها عناءٌ سوف يقضي وما قضى الأوطارا
*****************
وقال أيضاً:
كل لذاتها منغصة العيش وأرباحها تعود خسارا
وليالي الهموم فيها طوال وليالي السرور تمضي قصارا
وإذا ما سقت خمور الأماني صيرت بعدها المنايا خمارا
كم مليك مسلط ذللته بعد عز فما أطاق انتصارا
ونعيم قد أعقبته ببوس ومغان قد غادرتها قفارا
*****************
وقال أبو نواس:
ألا كلُّ حي هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق
فقل لغريب الدار إنك راحلُ إلى منزل نأى المحل سحيق
وما تعدم الدنيا الدنية أهلها شواظ حريق أو دخان حريق
تجرع فيها هالكاً فقد هالك وتشجى فريقاً منهم بفريق
فلا تحسب الدنيا إذا ما سكنتها قراراً فما دنياك غير طريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
عليك بدار لا يزال ظلالها ولا يتأذى أهلها بمضيق
فما يبلغ الراضي رضاه ببلغة ولا ينفع الصادي صداه بريق
*****************
وقال آخر:
أيها المستعير منها متاعاً عن قليل تسترجع المستعارا
عد عن وصل من يعيرك ما يفنى ويبقى إثماً ويكسب عارا
قد أرتك الأمثال في سالف الد هر وما قدراتك فيك اعتبارا
وجدير بالعذر من قدم الأ عذار فيما جناه والإنذارا
فتعوض منها بخلة صدق والتمس غير هذه الدار دارا(67/5)
والبدار البدار بالعمل الصا لح ما دمت تستطيع البدارا
*****************
وقال آخر:
ذهب العمر وفات يا أسير الشهوات
ومضى وقتك في لهو وسهو وسبات
بينما أنت على غيك حتى قيل مات
*****************
يقول الفرزدق:
لا تعجب بدنيا أنت تاركها كم نالها من ملوك ثم قد ذهبوا
******************
يقول محمد البغدادي:
يا جامع المال في الدنيا لوارثِهِ هل أنت بالمال بعد الموت تنتفعُ
******************
يقول أبو البقاء الرندي:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد ولا يدوم على حالٍ لها شان
يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ
وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان
أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
وأين ما حازه قارون من ذهب وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟
************************
يقول الشاعر:
ليس حي يبقى وإن بلغ الكبرة إلا مصيره لزوال
كلُّ ثاوٍ يَثْوي لحينِ المنايا كجزورٍ حبستها بعقال
إن تمت أنفس الأنام فإن الله يبقى وصالحَ الأعمالِ
كلُّ ساعٍ سعى لِيُدْرِكَ شيْئاً سَوْفَ يأتي بِسَعْيهِ ذا الجَلالِ
فَهُمُ بينَ فائِزٍ نالَ خَيْراً وشقي أصابه بنكال
****************
يقول صالح بن عبد القدوس:
وغُرورُ دنياكَ التي تَسعى لها دارٌ حقيقتها مَتاعٌ يذهب
وكذلكَ الأيامُ في غصّاتها مضضٌ يذلُ له الأعز الأنجب
تُبّا لدار ٍ لا يدوم نعيمها ومشيدها عما قليل ٍ يخرب
وجميعُ ما حَصلته وجمعتهُ حقاً يقيناً بعدَ موتكَ يُنهب
***********************
يقول الشاعر:
ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها
**********************
يقول صالح بن عبد القدوس:
يا نفس ويحك ما الذي يرضيك في دنيا العفَنْ(67/6)
*************************(67/7)
الزواج والخطبة
قال الشاعر:
إذا تزوجت فكن حاذقاً وأسأل عن الغصن وعن منبته
****************
وقال آخر:
وأول خبث المرء خُبث تُرابه وأول خبث القوم خبث المناكح
****************
وقال آخر:
صفات من يُستحبُّ الشرع خطبتها جَلَوتها لأولي الألباب مختصراً
صبيَّةٌ ذات دينٍ زانه أدبٌ بكرٌ ولو حكت في نفسها القمرا
غريبةٌ لم تكن من أهل خاطبها تلك الصفات التي أجلو لمن نظرا
****************(68/1)
السجن
يقول أبو الأصبغ عيسى بن الحسن:
ليت شعري كيف البلاد وكيف الإنس والوحش والسما والماء
طال عهدي عن كل ذلك وليلي ونهاري في مقلتي سواء
ليس حظي من البسيطة إلا قدر قبر صبيحة أو مساء
******************
يقول ابن حزم:
مسهد القلب في خديه أدمعه قد طالما شرقت بالوجد أضلعه
يأوي إلى زفرات لو يباشرها قاسي الحديد فواقا ذاب أجمعه
يشكو إلى القيد ما يلقاه من ألم فبالأنين لدى شكواه يرجعه
يا هاجعاً والرزايا لا تؤرقه قل كيف يهجع من في الكبل مهجه
******************
يقول الشاعر:
قيدي أما تعلمني مسلماً أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شراب لك واللحم قد أكلته لا تهشم الأعظما
******************(69/1)
السر
قال الشافعي:
إذا المرء أفشى سره بلسانه ولام به غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه فعذر الّذي يستودع السّرّ أضيق
****************
قال الأصمعي:أنشدنى أعرابي:
لا أكتم الأسرار لكن أبثّها ولا أدع الأسرار تقتلني غمّا
وإنّ سخيف الرّأى من بات ليله حريباً بكتمان كأنّ به حمّى
وفي بثّك الأسرار للقلب راحةٌ وتكشف بالإفشاء عن قلبك الهمّا
****************
وقال آخر:
إذا ما ضاق صدرك عن حديثٍ فأفشته الرّجال فمن تلوم
إذا عاتبت من أفشى حديثي وسرّى عنده فأنا الظّلوم
****************
وقال آخر:
إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّها فسرّك عند النّاس أفشى وأضيع
****************
وقال آخر:
ضع السِّرَّ في صمَّاء ليست بصخرةٍ صلودٍ كما عاينت من سائر الصَّخر
ولكنَّها قلب امرئٍ حفيظةٍ يرى ضيعة الأسرار شراً من الشَّرِّ
يموت وما ماتت كرائم فعله فيبلى وما يبلى ثناه على الدَّهر
****************
وقال كعب بن سعد الغنوي:
ولست بمبد للرجال سريرتي ولا أنا عن أسرارهم بسئول
****************
وقال أبو مسلم صاحب الدولة:
أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت عنه ملوك بني مروان إذ جهدوا
ما زلت أسعى عليم في ديارهم والقوم في غفلة بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا من نومة لم ينمها قبلهم أحد
ومن رعا غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد
****************
وقال آخر:
ومستودعي سراً تبوأت كتمه فأودعته صدري فصار له قبرا
****************
وقال شمس الدين البدوي:
إني كتمت حديث ليلى لم أبح يوماً بظاهره ولا بخفيه
وحفظت عهد ودادها متمسكاً في حبها برشاده أو غيه
ولها سرائر في الضمير طويتها نسي الضمير بأنها في طيه
****************
وقال آخر:
وما السر في صدري كثاوٍ بقبره لأني أرى المقبور ينتظر النشرا
ولكنني أنساه حتى كأنني بما كان منه لم أحط ساعة خبرا
ولو جاز كتم السر بيني وبينه عن السر والأحشاء لم تعلم السرا
****************(70/1)
وقال آخر:
إذا ما المرء أخطأه ثلاث فبعه ولو بكف من رماد
سلامة صدره والصدق منه وكتمان السرائر في الفؤاد
****************
قال آخر:
ومستودعي سراً كتمت مكانه عن الحس خوفا أن ينم به الحس
وخففت عنه من هوى النفس شهوة فأودعته من حيث لا يبلغ الحس
****************
وقال جعفر بن عثمان:
يا ذا الذي أودعني سره لا ترج أن تسمعه مني
لم أجره قط علي فكرتي كأنه لم يجر في أذني
****************
وقال آخر:
لا يكتم السر إلا من له شرف والسر عند كرام الناس مكتوم
السر عندي في بيت له غلق ضلت مفاتيحه والباب مختوم
****************
وقال المتنبي:
وللسر مني موضع لا يناله نديم ولا يفضي إليه شراب
****************(70/2)
السعي للشر
يقول ابن الرومي:
لي ابن عم يجر الشر مجتهداً إلي قدماً ولا يصلي له نارا
يجني فاصلي بما يجني فيخذلني وكلما كان زنداً كنت مسعارا(71/1)
السعي للمكارم
يقول المرقش الأكبر:
إن تبتدر غاية يوما لمكرمة تلق السوابق منا والمصلينا
إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا و لو نسام بها في الأمن أغلينا
******************
يقول المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس القلم
******************
يقول المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
******************
تقول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
إذا القوم مدوا بأيديهم إلى المجد مد إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهم من المجد ثم مضى مصعدا
ترى الحمد يهوى إلى بيته يري أفضل الكسب أن تحمدا
******************(72/1)
السفر
قال الشافعي:
ما في المقام لذي عقل وذي أدب من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وانْصَبْ فإن لذيذ العيش في النَّصب
إني رأيت ركود الماء يفسده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الغاب ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة لملَّها الناس من عجم ومن عرب
والتِّبرُ كالتُّرب مُلقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرّب هذا عَزّ مطلبه وإن تغرب ذاك عزّ كالذهب
***************
وقال الشافعي:
سأضرب في طول البلاد وعرضها أنال مرادي أو أموت غريبا
فإن تلفت نفسي فلله درها وإن سلمت كان الرجوع قريبا
***************
وقال أيضاً:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّجُ هم، واكتساب معيشة وعلم وآداب، وصحبة ماجد
***************
وقال آخر:
ليس ارتحالُكَ تَرْتَادُ الغِنَى سفراً بَلِ المُقَامُ على خَسْفٍ هو السفرُ
***************
وقال المتنبي:
إذا تَرَحَلْتَ عن قوم وقد قَدرُوا ألاَ تُفارِقَهُمْ فالرَاحِلونَ هُمُ
***************
وقال آخر:
ارحل بنفسك من أرض تضام بها ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في موطنه وفي التغرب محمول على العنق
والكحل نوع من الأحجار تنظره في أرضه وهو مرمى على الطرق
لما تغرب حاز الفضل أجمعه فصار يحمل بين الجفن والحدق
***************(73/1)
السفور
يقول الشاعر:
فتاة اليوم ضيعت الصوابا وألقت عن مفاتنها الحجابا
فلن تخشى حياءً من رقيب ولم تخشى من الله الحسابا
بربك هل سألت العقل يوما ً أهذا طبع من رام الصوابا
أهذا طبع طالبة لعلم إلى الإسلام تنتسب انتسابا
ما كان التقدم صبغ وجه وما كان السفور إليه باباً
شباب اليوم يا أختي ذئاب وطبع الحمل أن يخشى الذئابا(74/1)
السمع
وقال آخر:
وسمعك صن عن سماع القبيح كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيح شريك لقائله فانتبه(75/1)
الشباب ودوره
يقول الشاعر:
شباب الحق للإسلام عودوا فأنتم مجده وبكم يسود
وأنتم سرّ نهضته قديماً وأنتم فجره الباهي الجديد
****************
وقال آخر:
شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا
إذا شهدوا الوغى كانوا حماة يدكون المعاقل والحصونا
وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا
شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا
وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صيغة لحونا
ولم يتشدقوا بقشور علم ولم يتقلبوا في الملحدينا
ولم يتبجحوا في كل أمر خطير كي يقال مثقفونا
كذلك أخر الإسلام قومي شباباً مخلصاً حراً أمينا
وعلمه الكرامة كيف تبنى فيأبى أن يذل وأن يهونا
*****************(76/1)
الشبع
قال الشاعر:
ثلاثٌ مُهلكات للأنام وداعية الصحيح إلى السقام
دوام منامة ٍ ودوام وطءٍ وإدخال الطعام على الطعام ِ
*****************
وقال آخر:
يُميت الطعام القلب إن زاد كثرةً كزرع ٍ إذا بالماء قد زاد سقيُه
وإن لبيبا يرتضي نقص عقله يأكل لقيمات ٍقد ضلَّ سعيه(77/1)
الشجاعة
يقول قطري بن الفجاءة :
أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعى
فإنك لو سألت بقاء يوم على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع
ولا ثوب البقاء بثوب عزّ فيطوي عن أخي الخنع اليراع
سبيل الموت غاية كلّ حيّ وداعيه لأهل الأرض داعي
ومن لم يعتبط يهرم ويسقم وتسلمه المنون إلى انقطاع
****************
وقال أعشى همدان :
أبلغ يزيد بني شيبان مالكه أنّ الكتائب لا يهزمن بالكتب
إنّ الوعيد بظهر الغيب معجزةٌ فإن أردت قتال القوم فاقترب
****************
وقال أبو تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب
****************
وقال أبو الطيب المتنبي:
وإذا ما خَلاَ الْجَبانُ بأَرْضٍ طَلَبَ الطعْنَ وَحْدَه والنّزالاَ
*****************
يقول الشاعر النابغة الذبياني في وصف شجاعة الغساسنة:
فهم يتسابقون المنية بينهم بأيديهم بيض رقاق المضارب
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
*******************(78/1)
الشعر الجيد
يقول المتنبي:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا(79/1)
الشعر
قال دعبل الخزاعي:
يموت رديء الشعر من قبل أهله وجيّده يبقى وإن مات قائله(80/1)
الشعور
يقول إيليا أبو ماضي:
فاعمل لإسعاد السِّوى وهنائهم إن شئت تسعد في الحياة وتنعما
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا لولا الشعور الناس كانوا كالدمى(81/1)
الشكر
يقول محمود الوراق:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا مس بالسراء عم سرورها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
فما منهما إلا له فيه نعمة تضيق بها الأوهام والسر والجهر
******************
وقال أبو العتاهية:
أحمد اللَهِ فَهوَ ألهمني الحمـ ـدَ على الحمد والمزيدُ لَدَيْه
كم زمانٍ بَكَيْتُ فيه فلمَّا صِرْتُ في غيره بكيتُ عليهِ
******************
وقال آخر:
وما مرَّ يوم أرتجي فيه راحة فأفْقدُهُ إلاّ بكيتُ على أمسِ
*****************
وقال آخر:
ولو أن لي في كل منبت شعرةٍ لساناً يطيل الشكر كنت مقصرا
******************
وقال آخر:
والناس في هذه الدنيا على رُتبٍ هذا يُحطُّ وذا يعلو فيرتفع
فأخلِصِ الشكرَ فيما قد حبيتَ به وآثرِ الصبرَ كلٌّ سوف ينقطع
******************
وقال آخر:
لأشكرن لك معروفاً هممت به فإن همك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر فالشر بالقدر المحتوم مصروف
******************
وقال آخر:
سأشكر لا أني أجازيك منعما بشكري ولكن كي يزاد لك الشكر
واذكر أياماً لدي اصطنعتها وآخر ما يبقى على الشاكر الذكر
******************
وقال آخر:
إذا المرء لم يشكر قليلاً أصابه فليس له عند الكثير شكور
.ومن يشكر المخلوق يشكر لربه ومن يكفر المخلوق فهو كفور
******************
وقال آخر:
حافظ على الشكر كي تستجزل القسما من ضيع الشكر لم يستكمل النعما
الشكر لله كنزٌ لا نفاد له من يلزم الشكر لم يكسب به ندما
******************
وقال آخر:
أوليتني نعماً أبوح بشكرها وكفيتني كل الأمور بأسرها
فلأشكرنك ما حييت وإن أمت فلتشكرنك أعظمي في قبرها
******************
وقال آخر:
أيا رب قد أحسنت عوداً وبدأةً إلي فلم ينهض بإحسانك الشكر
فمن كان ذا عذر لديك وحجة فعذري إقراري بأن ليس لي عذر
******************
وقال محمود الوراق:(82/1)
إلهي لك الحمد الذي أنت أهله على نعم ما كنت قط لها أهلا
إن زدت تقصيراً تزدني تفضلا كأني بالتقصير أستوجب الفضلا
******************
وقال آخر:
الشكر أفضل ما حاولت ملتمسا به الزيادة عند الله والناس
******************
وقال آخر:
ومن يسدِ معروفًا إليك فكن له شكورًا يكن معروفه غيرَ ضائع
ولا تبخلنّ بالشكر والقَرض فاجزه تكن خير مصنوع إليه وصانع
******************
وقال ابن عباس:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي لساني وسمعي منهما نور
فهمي ذكي وقلبي غير ذي غفل وفي فمي صارم كالسيف مشهور
******************(82/2)
الشهادة
هذه قصيدة "الشهيد " نظمها الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود حوالي عام 1939 (أي قبل استشهاده بقرابة 10 سنوات)
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما مات يغيظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى
وما العيش لا عشت إن لم أكن مخوف الجناب حرام الحمى
إذا قلت أصغى لي العالمون ودوى مقالي بين الورى
لعمرك إني أرى مصرعي ولكن أشد إليه الخطى
أرى مقتلي دون حقي السليب ودون بلادي هي المبتغى
يلذ لأذني سماع الصليل ويهيج نفسي مسيل الدما
وجسم تجندل فوق الهضاب تناوشه جارحات الفلا
فمنه نصيب لأسد السماء ومنه نصيب لأسد الثرى
كسا دمه الأرض بالأرجوان وأثقل بالعطر ريح الصبى
وعفر منه بهي الجبين ولكن عفاراً يزيد البها
وبان على شفتيه ابتسام معانيه هزء بهذي الدنا
ونام ليحلم حلم الخلود ويهنئ فيه بأحلى الرؤى
لعمرك هذا ممات الرجال ومن رام موتاً شريفاً فذا
فكيف اصطباري لكيد الحقود وكيف احتمالي لسوم الأذى
بقلبي سأرمي وجوه العدا وقلبي حديد وناري لظى
وأحمي حياضي بحد الحسام فيعلم قومي بأني الفتى
******************(83/1)
الشورى
يقول الشاعر:
إذا الأمر أشكل إنفاذه ولم تر منه سبيلاً فسيحا
فشاور بأمرك في سترةٍ أخاك اللبيب المحبّ النّصيحا
فربّما فرّج النّاصحون وأبدوا من الرّأى رأياً صحيحا
ولا يلبث المستشير الرّجال إذا هو شاور أن يستريحا
****************
وقال آخر:
أطع الحليم إذا الحليم عصاكا إن الحليم إذا عصاك هداكا
وإذا أستشارك من تود فقل له أطع الحليم إذا الحليم نهاكا
ولئن أبيت لتأتين خلافه أربا يحوطك أو يكون هلاكا
وأعلم بأنك لن تسود ولن ترى سبل الرشاد إذا أطعت هواكا
****************
وقال آخر:
الهم ما لم تمضه لسبيله سقم القلوب وآفة الأبدان
ومعول الرجل الموفق رأيه عند اعتراض طوارق الأحزان
وإذا الحوادث سددت أسبابه كان التبصر أنجد الأعوان
وإذا أضل سبيله تدبيره طلب الهدى بتشاور الإخوان
****************
وقال آخر:
إنَّ الَّلبِيب إذا تفرّق أمره فتق الأمور مناظراً ومشاورا
أخو الجهالة يستبدّ برأيه فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
****************
قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن يترددا
******************
فأضاف إليه آخر:
وإن كنت ذا عزم فانفذه عاجلاً فإن فساد العزم أن يتقيدا
******************
وقال آخر:
إذا بلغ الرأيُ المَشُورَةَ فاستَعِنْ برأي نصيحٍ أو مشورةِ حازمِ
ولا تحسَبِ الشُّورى عليك غَضاضةً فإنّ الخوَافِي قوة للقوادمِ
وما خيرُ كَفٍّ أمسكَ الغُل أُخْتَها وما خيرُ سيفٍ لم يُؤَيَّدْ بقائمِ
************************
يقول ابن المقري:
عقلُ الفتى ليس يُغني عن مشاورة كعفةِ الخود لا تُغني عن الرَّجلِ
إن المشاورَ إما صائبٌ غرضاً أو مخطيءٌ غيرَ منسوبٍ إلى الخَطَلِ
************************
يقول ابن المقري:
لا تحقِرِ الرأيَ يأتيكَ الحقيرُ بهِ فالنَّحل وهو ذُبابٌ طائرُ العسل
************************(84/1)
الصالحين
قال الشاعر:
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا ( الله أكبر ) في شوق وفي جذل
أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم : ربنا جئناك طائعة نفوسنا ، وعصينا خادع الأمل
إذا سجى الليل قاموه و أعينهم من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرجال فلا يلهيهم لعب عن الصلاة، ولا أكذوبة الكسل
*****************
وقال ابن القيم في وصفه لهم :
يحيون ليلهم بطاعة ربهم بتلاوة ، وتضرع و سؤال
وعيونهم تجري بفيض دموعهم مثل انهمال الوابل الهطال
في الليل رهبان ، وعند جهادهم لعدوهم من أشجع الأبطال
بوجوههم أثر السجود لربهم وبها أشعة نوره المتلالي
*****************
وقال آخر يصف المؤمن:
واضح المنهج يسعى دون غش أو نفاقِ
راضي النفس، كبير القلب، يدعو للوفاقِ
قلبه المؤمن بالخالق مشدودَ الوثاقِ
نبضه الذاكر يمتد إلى السبع الطباقِ
*****************
ولسان كل واحد منهم يقول:
أنا لست إلاّ مؤمناً بالله في سري وجهري
أنا نبضة في صدر هذا الكون كيف يضيق صدري؟
أنا نطفة أصبحت إنساناً فكيف جهلت قدري؟
ولم الترفع عن تراب منه يكون قبري
إني لأعجب للفتى في لهوه، أو ليس يدري؟
أن الحياة قصيرة، والعمر كالأحلام يسري
*****************
وقال آخر:
أولئك قوم شيّد الله فخرهم فما فوقه فخر وإن عظم الفخر
*****************(85/1)
الصبر وانتظار الفرج
يقول الشاعر:
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر نفعاً وما أجدى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت فموصول بها فرج قريب
*****************
وقال بشار بن برد:
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
*****************
وقال آخر:
أيا صاحبي إن رمت أن تكسب العلا وترقى إلى العلياء غير مزاحم
عليك بحسن الصبر في كل حالة فما صابر فيما يروم بنادم
*****************
وقال آخر:
إذا المرء لم يتركْ طعاماً يُحِبُّهُ ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيث يمما
فيوشك أن تلقى له الدهرَ سُبَّةً إذا ذُكِرَتْ أمثالهُا تملأ الفما
*****************
وقال آخر:
ومَنْ هجر اللذات نال المنى ومن أكبَّ على اللذات عضَّ على اليد
*****************
وقال آخر:
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمر نجا
من صدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا
*****************
وقال آخر:
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
*****************
وقال آخر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان
*****************
وقال آخر:
ولا تجزع إذا أعسرت يوماً فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تظنن بربك ظن سوء فإن الله أولى بالجميل
وإن العسر يتبعه يسار وقول الله أصدق كل قيل
فلو أن العقول تسوق رزقاً لكان المال عند ذوي العقول
*****************
وقال آخر:
استعمل الصبر تجني بعده العسلا ولازم الباب حتى تبلغ الأملا
لا ومرغ الخد في أعتابه سحراً واحمل لمرضاته في الحب كل بلا
فما يفوز بوصل يا أخي سوى صب لثقل الهوى والوجد قد حملا
هذا الحبيب ينادى في الدجى سحراً فانهض وكن رجلاً بالسعي قد وصلا
*****************
وقال آخر:
إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر(86/1)
وقل من جد في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
*****************
وقال ابن نباتة:
صبراً على نوب الزمان وإن أبي القلب الجريح
فلكل شيء آخر إما جميل أو قبيح
*****************
وقال آخر:
فالصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
*****************
وقال آخر:
وكل شيء ينتهي إلى مدى والشيء يرجى كشفه إذا انتهى
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف رمى
كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى
*****************
وقال آخر:
فصبر جميل إن في اليأس راحة إذا الغيث لم يمطر بلادك ماطره
*****************
وقال آخر:
قد يدرك المتأني نجح حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
*****************
وقال آخر:
إذا ثارت خطوب الدهر يوماً عليك فكن لها ثبت الجنان
*****************
وقال إبراهيم بن العباس:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
*****************
وقال آخر:
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى
كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى
*****************
ويروى أن رجلا ركب البحر فكسر به فوقع في جزيرة من جزائر البحر فمكث فيها ثلاثا لا يرى أحداً ولا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا فيئس من الحياة فتمثل:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب
فأجابه مجيب يقول:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب
فنظر فإذا سفينة في البحر فلوح لهم فأتوه فحملوه وأصاب معهم خيراً ورجع إلى أهله سالما
*****************
ويروى لأبي محجن الثقفي:
عسى فرجٌ يأتي به الله إنَّه له كلَّ يومٍ في خليقته أمر
عسى ما ترى ألاَّ يدوم وأن ترى له فرجاً ممَّا ألحّ به الدَّهر
إذا اشتدَّ عسرٌ فارج يسراً فإنَّه قضى الله أنَّ العسر يتبعه اليسر
*****************
وقال منصور الفقيه:
إذا الحادثات بلغن المدى وكادت لهنَّ تذوب المهج(86/2)
وحلّ البلاء وقلّ الوفا فعند التَّناهي يكون الفرج
*****************
وقال آخر:
صبراً جميلاً على ما ناب من حدث والصبر ينفع أحياناً إذا صبروا
الصبر أفضل شيء تستعين به على الزمان إذا ما مسك الضرر
*****************
وقال آخر:
تعز بحسن الصبر عن كل هالك ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم
إذا أنت لم تسل اصطبارا وخشية سلوت على الأيام مثل البهائم
وليس يذود النفس عن شهواتها من الناس إلا كل ماضي العزائم
*****************
وقال آخر:
فلا تجزع إذا حملت هماً يقطع النفسا
فأقرب ما يكون المرء من فرج إذا يئسا
*****************
وقال آخر:
كن عن همومك معرضاً وكل الأمور إلى القضا
وابشر بخيرٍ عاجلٍ تنسى به ما قد مضى
فلربَّ أمرٍ مسخطٍ لك في عواقبه الرِّضا
*****************
وقال آخر:
صبرت ومن يصبر يجد غب صبره ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم
ومن لا يطب نفساً ويستبق صاحباً ويغفر لأهل الود يضرم ويصرم
*****************
وقال آخر:
وكم من ليلة بت في كربة يكاد الرضيع لها يشيب
فما أصبح الصبح إلا أتى من الله نصرٌ وفتح ٌ قريب
*****************
وقال آخر:
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البالي
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغيّر الله من حال إلى حالِ
*****************
وقال آخر:
كن لما لا ترجو من الأمر أرجى منك يوماً لما له أنت راج
إنَّ موسى مضى ليطلب ناراً من ضياء رآه والَّليل داج
فأتى أهله وقد كلَّم الل ـه وناجاه وهو خير مناج
وكذا الأمر كلَّما ضاق بالنَّا س أتى الله فيه ساعةً بالانفراج
*****************
وقال آخر:
لا تعجلن فربما عجل الفتى فيما يضره
فالعيش أحلاه يعو د على حلاوته بمره
ولربما كره الفتى أمراً عواقبه تسره
*****************
وقال أحمد بن محمود، وقيل إنها لأحمد بن صالح:
إذا اشتملت على النَّاس الخطوب وضاق لما به الصَّدر الرَّحيب
وأوطنت المكاره واطمأنَّت وأرست في أماكنها الخطوب(86/3)
ولم تر لانفراج الضِّيق وجهاً وقد أعيى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ يمنّ به الَّلطيف المستجيب
وكلُّ الحادثات إذا تناهت فموصولٌ بها الفرج القريب
ومولانا الإله فخير مولى له إحسانه ولنا الذُّنوب
*****************
وقال آخر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ
*****************
وقال آخر:
فإذا أتتك مصيبة فاصبر لها عظمت مصيبة مبتلىً لا يصبر
*****************
وقال أبو العتاهية:
النَّاس في الدِّين والدُّنيا ذوو درجٍ والمال ما بين موقوفٍ ومختلج
من ضاق عنك فأرض الله واسعةٌ في كلّ وجه مضيقٍ وجه منفرج
قد يدرك الرَّاقد الهادي برقدته وقد يخيب أبو الرَّوحات والدُّلج
خير المذاهب في الحاجات أنجحها وأضيق الأمر أدناه من الفرج
*****************
وقال آخر:
سأصبر للزَّمان وإن رماني بأحداثٍ تضيق بها الصُّدور
وأعلم أنَّ بعد العسر يسراً يدور به القضاء المستدير
*****************
وقال آخر:
سيفتح باب إذا سد باب نعم وتهون الأمور الصعاب
ويتسع العيش من بعد ما تضيق المذاهب فيها الرحاب
مع الهم يسران هون عليك فلا الهم يجدي ولا الاكتئاب
فكم ضقت ذرعاً بما هبته فلم ير من ذاك قدر يهاب
وكم برد خفته من سحاب فعوفيت وانجاب عنك السحاب
ورزق أتاك ولم تأته ولا أرق العين منه الطلاب
وناء عن الأهل من بعدما علاه من الموج طام عباب
إذا احتجب الناس عن سائل فما دون سائل ربي حجاب
يعود بفضل على من رجاه وراجيه في كل حين يجاب
فلا تاس يوما على فائت وعندك منه رضاء واحتساب
فلا بد من كون ما خط في كتابك, تحبى به أو تصاب
فمن حائل دون ما في الكتاب ومن مرسل ما أباه الكتاب
إذا لم تكن تاركاً زينة إذا المرء جاء بها يستراب
تقع في مواقع تردى بها وتهوي إليك السهام الصياب
تبين زمانك ذا واقتصد فإن زمانك هذا عذاب
واقفل عتاباً فما فيه من يعاتب حين يحق العتاب
مضى الناس طراً وبادوا سوى أراذل عنهم تجل الكلاب(86/4)
يلاقيك بالبشر دهماؤهم وتسليم من رق منهم سباب
فأحسن وما الحر مستحسن صيان لهم عنهم واجتناب
فدع ما هويت فان الهوى يقود النفوس إلى ما يعاب
وميز كلامك قبل الكلام فان لكل كلام جواب
فرب كلام يمص الحشا وفيه من المزح ما يستطاب
****************
وقال محمود الوراق:
تعز بحسن الصبر عن كل هالك ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم
إذا أنت لم تسل اصطباراً وحسبة سلوت على الأيام مثل البهائم
وليس يذود النفس عن شهواتها من الناس إلا كل ماضي العزائم
*****************
قال أبو العتاهية:
اصبر لكل مصيبةٍ وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد
أو ما ترى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبةٍ? هذا قبيل لست فيه بأوحد
وإذا أتتك مصيبة تشجي بها فاذكر مصابك بالنبي محمد
*****************
وقال آخر:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها؟
*****************
وقال آخر:
ومن عاش في الدنيا فلا بد أن يرى من العيش ما يصفو وما يتكدر
*****************
وقال محمود الوراق:
إني رأيت الصبر خير معول في النائبات لمن أراد معولا
ورأيت أسباب القناعة أكدت بعرى الغنى فجعلتها لي معقلا
فإذا نبا بي منزل جاوزته وجعلت منه غيره لي منزلا
وإذا غلا شيء علي تركته فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
*****************
وقال آخر:
إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة فافرغ لها صبرا ووسع لها صدرا
فإن تصاريف الزمان عجيبة فيوماً ترى يسراً ويوماً ترى عسرا
*****************
وقال آخر:
أما والذي لا يعلم الغيب غيره ومن ليس في كل الأمور له كفو
لئن كان بدء الصبر مراً مذاقه ... لقد يجتني من بعده الثمر الحلو
*****************
وقال آخر:
عسي فرج يكون عسي نعلل نفسنا بعسى
فلا تجزع إذا قابلـ ـت هماً يقطع النفسا
فأقرب ما يكون المر ء من فرج إذا يئسا
****************
يقول أبو فراس الحمداني:
صاحبٌ لمَّا أساءَ أتبعَ الدَّلوَ الرشاءَ(86/5)
ربَّ داءٍ لا أرى منهُ سوى الصبرِ شفاءَ
أحمدُ اللهَ على ما سرَّ منْ أمري وساءَ
************************
يقول ابن عبد ربه الأندلسي:
ما أقربَ اليأسَ منْ رجائي وَأبعدَ الصَّبرَ منْ بُكائي!
يا مُذكيَ النارِ في فؤادي أنتَ دوائي وأنتَ دائي
************************
يقول أبو العتاهية:
إنّ في الصّبرِ وَالقُنوعِ غنى الدّهرِ حِرْصُ الحريصِ فقرٌ مُقيمُ
إنمَا الناسُ كالبهائِمِ في الرزقِ سَواءٌ جَهولُهمْ وَالعليمُ
ليسُ حزمُ الفتى يجرُّ لهُ الرزْقَ ولا عاجزاً يُعدُّ العديمُ
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
الصبر راحلتي والحلم منسأتي نهلت من ساحل المعروف والكرم
************************
يقول ابن المقري:
لا شيءَ أولىَ بصبرِ المرءِ في قدرٍ لابُدَّ منهُ وخطبٍ غيرِ منتقلِ
************************(86/6)
الصحابة وآل البيت
قال الشاعر:
إني أُحب أبا حفص وشيعته كما أحب عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيت عليا قدوة علماً وما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة ساداتى ومعتقدي فهل علي بهذا القول من عار
******************
وقال آخر:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن انزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له
******************
وقال آخر:
بلغ الأشواق والحب الصحابة سادة القوم وأرباب النجابه
هم حماة الدين أبطال الردى بل غيوث البذل بل آساد غابه
حبهم دين ومن يبغضهم ربنا في نار الآخرة أذابه
ذب عن أعراضهم إن كنت من ضربهم لا تعتدي كل ذبابه
وأطلب الآثار منهم إنهم علماء الدين فتواهم إصابه
******************
قال الشاعر يمدح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم :
وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشقوا
أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظلة والروح تختطف
وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف
******************
وقال آخر:
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النازلات وأجملوا
******************
وقال آخر:-
ومن عجب أني أحن إليهم وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
******************
وقال آخر:
أنا مسلم وأقولها مِلء الورى وعقيدتي نور الحياة وسؤددي
سلمان فيها مثل عمر لا ترى جنساً على جنس يفوق بمحتدي
وبلال بالإيمان يشمخ عزة ويدق تيجان العنيد الملحد
وخبيب أخمد في القنا أنفاسه لكن صوت الحق ليس بمُخْمدِ
ورمى صهيب بكل مال للعدا ولغير ربح عقيدة لم يقصد
إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرة أقوى وألف مهند
****************(87/1)
ومن أشعار بعض الصحابة ما روي أن أبا بكر قال لما قُتل أمية بن خلف وقد كان يَسُومُ بلالاً سوء العذاب بمكة فيخرجه إلى الرَّمْضاء، فيلقي عليه الصخرة العظيمة ليفارقَ دينَ الإسلام فيعصمه اللّه من ذلك:
هَنئياً زادك الرحمنُ خيراً فقد أدركْت، ثأرك يا بلالُ
فلا نِكْسا وُجِدْتَ ولا جباناً غداة تنوشُكَ الأسَل الطوالُ
إذا هاب الرّجال ثبتَّ حتى تخلِط أنْتَ ما هابَ الرّجالُ
على مضض الكُلُوم بمشرفيٍّ جَلاَ أطرافَ مَتْنَيْهِ الصِّقَالُ
*****************
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم فتح مكة:
ألم تر أن اللَّهَ أظهر دِينَهُ على كل دينٍ قبل ذلك حائدِ
وأمكنه من أهل مكة بعدما تدَاعَوْا إلى أمرٍ من الغي فاسدِ
غداةَ أجَالَ الخيلَ في عَرَصاتها مسوَمةً بين الزبير وخالد
فأمسى رسولُ الله قد عَزَّ نَصْرُهُ وأمْسى عدَاه مِنْ قتيل وشارِد
يريد الزبير بن العوام حَوَارِيّ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، وخالِدَ ابن الوليد سيفَ الله تعالى في الأرض.
*****************
لما قتل أبو لُؤُلُؤَة غلامُ المغيرةِ بن شُعْبَة، قالت زوجه عاتِكة بنت زيد بن عمرو ابن نفَيل ترثيه:
عَيْنُ جُودي بِعَبْرَةٍ ونَحِيبِ لا تملي على الأمين النجِيب
فجَعَتْني المنونُ بالفارسِ الْمُعـ ـلَم يوم الهياج والتثويبِ
عصْمَةُ الناس والمعينُ على الدَهـ ـر وغيثُ المحروم والمحروبِ
قل لأهْلِ الضراءِ والبُؤس موتوا قد سقته المنُونُ كأسَ شعَوبِ
وقالت أيضاً ترثيه:
وفَجعني فيْرُوز لا دَرَّ درُه بأبيضَ تالٍ لِلْكِتابِ مُنِيبِ
رؤوف على الأدنى غليظ على العِدَا أخي ثقة في النائبات نجيبِ
متى ما يَقُلْ لا يكذب القولَ فِعلُه سريع إلى الخيرات غير قَطوبِ(87/2)
وعاتكة هذه، هي أخت سعيد بن زيد، أحدِ العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، بالجنَّة، وكانت تحت عبد اللّه بن أبي بكر، فأصابه سهْمٌ في غَزوَة الطائف فمات منه، فتزوجها عمر، رضي اللّه عنه، فقُتِل عنها، فتزوجها الزبير ابن العوام فقُتِلَ عنها، فكان علي، رضي الله عنه يقول: من أحبَّ الشهادة الحاضرة فليتزوج بعاتِكة.
*****************
يروى أن علياً رضي الله عنه قال بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها:
أرى عِلَلَ الدنيا عليَّ كثيرةً وصاحِبُها حتى المماتِ عليلُ
لكل اجتماع من خليلين فُرْقَةٌ وإن الذي دُون المماتِ قليل
وإنْ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليل على ألاَ يدومَ خَليلُ
*****************
وحجَ هشام بن عبد الملك، أو الوليد أخوه، فطافَ بالبيتِ وأرادَ استلامَ الْحَجَر فلم يقدر، فنُصِب له مِنبَرٌ فجلس عليه، فبينا هو كذلك إذْ أَقْبَلَ عليُ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في إزارِ ورِدَاء، وكان أحسنَ الناس وَجْهاً، وأعطرهم رائحة، وأكثرَهم خشوعاً، وبين عينيه سَجادة، كأنها رُكبة عنز، وطاف بالبيت، وأتى ليَسْتَلم الحجرَ، فتنحّى له الناسُ هيبة وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً؛ فقال رجلٌ من أهل الشام: مَن الَّذي أكرمه الناس هذا الإكرام، وأعظموه هذا الإعظام؟ فقال هشام: لا أعْرفه، لئلا يَعْظُمَ في صدور أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً:
هذا ابنُ خير عبادِ الله كلهِمُ هذا النقيُّ التقيُ الطاهرُ العَلَمُ
هذا الذي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وطأتُه والبيتُ يعرفُه والحل والحَرَمُ
إذا رأتْه قريشٌ قال قائلُها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرَمُ
يكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ راحتهِ رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم
*****************
مُشتقَّة من رسول اللّه نَبْعَتُهُ طابتْ عناصِرُه والخِيم والشِّيَم
يُنْمَى إلى ذِرْوة العزّ التي قصُرت عن نَيْلها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ
*****************(87/3)
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهِلَهُ بجدِّه أنبياءُ اللّه قد خُتِموا
اللَّهُ فضّله قِدْماً وشرّفَهُ جرى بذَاك له في لَوْحهِ القَلَمُ
مَنْ جدُهُ دانَ فَضْلُ الأنبياء لهُ وفَضْلُ أمّته دانَتْ له الأُمَمُ
عَمَ البريّةَ بالإحسان فانقشعتْ عنها الغيابةُ والإملاقُ والظُلمُ
*****************
ويقول الشيخ عائض القرني :
هم صفوة الأقوام فاعرف قدرهم وعلى هداهم يا موفق فاهتدِ
واحفظ وصية أحمد في صحبه واقطع لأجلهم لسان المفسدِ
عرضي لعرضهموا الفداء وإنهم أزكى وأطهر من غمام أبردِ
فالله زكاهم وشرّف قدرهم وأحلهم بالدين أعلى مقعدِ
شهدوا نزول الوحي بل كانوا له نعم الحماة من البغيض الملحدِ
بذلوا النفوس وأرخصوا أموالهم في نصرة الإسلام دون ترددِ
ما سبهم إلا حقيرٌ تافهٌ ذلٌ يشوههم بحقدٍ أسودِ
لغبارُ أقدام الصحابة في الردى أغلى وأعلى من جبين الأبعدِ
ما نال أصحابَ الرسول سوى امرءٍ تمت خسارته لسوء المقصدِ
*****************(87/4)
الصحف والصحافة
يقول أحمد شوقي:
لكلِّ زمانٍ مضى آيةٌ وآيةُ هذا الزمانِ الصُّحُف
لسانُ البلادِ، ونبضُ العباد وكهفُ الحقوق وحربُ الجنَف
تسيرُ مسيرَ الضحى في البلاد إذا العلمُ مزَّق فيها السَّدف
وتمشى تُعلِّمُ في أُمةٍ كثيرةِ مَنْ لا يخُطُّ الألِف !
فيا فتيةَ الصحْف، صبراً إذا نبا الرزقُ فيها بكم واختلف
فإنُ السعادةَ غيرُ الظهور وغيرُ الثراءِ، وغيرُ الترف
ولكنها في نواحي الضمير إذا هو باللؤم لم يُكتنف
خذوا القصدَ، واقتنعوا بالكفاف وخلوا الفضولَ يغلْها السَّرف
وروموا النبوغَ ، فمن ناله تلقَّى من الحظَّ أسنى التحَف
وما الرزقُ مجتنِبٌ حِرْفَةً إذا الحظُّ لم يهجر المحترِف
إذا آختِ الجوهريَّ الحظوظ كفلنَ اليتيمَ له في الصَّدف
************************(88/1)
الصداقة والصحبة
قال الشاعر:
تكثّر من الإخوان ما استطعت أنّهم بطونٌ إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيراً ألف خلًّ وصاحبٍ وإن عدواً واحداً لكثير
فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطّعام أو الشراب
وإنّك قلّما استكثرت إلاّ وقعت على ذئابٍ في ثياب
فدع عنك الكثير فكم كثيرٍ يعاب وكم قليلٍ مستطاب
*****************
وأنشد الإمام أحمد بن يحيى رحمه الله:
من عفّ خفّ على الصديق لقاؤه وأخو الحوائج وجهه مبذول
وأخوك مَنْ وفَّرْتَ ما في كيسه فإذا استعنت به فأنت ثقيل
*****************
وقال آخر:
تجنب صديق السوء واصرم حباله وإن لم تجد عنه محيصاً فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه تنل منه صفو الود ما لم تماره
*****************
وقال الخوارزمي :
لا تصحب الكسلان في حاجاته كم صالحٍ بفساد آخر يفسد
عدوي البليد إلى الجليد سريعةٌ والجمر يوضع في الرماد فيخمد
*****************
وقال صالح بن جناح :
وصاحب إذا صاحبت حراً مبرّزا يزين ويزرى بالفتى قرناؤه
*****************
وقال منصور بن محمد الكريزي :
أغمض عيني عن صديقي كأنني لديه بما يأتي من القبح جاهل
وما بي جهل غير أن خليقتي تطيق احتمال الكره فيما أحاول
متى ما يريني مفصل فقطعته بقيت ومالي في نهوضي مفاصل
ولكن أداريه وإن صح شدني فإن هو أعيا كان فيه تحامل
*****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا مَا حَالَ عَهْدُ أَخِيك يَوْمًا وَحَادَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ
فَلاَ تَعْجَلْ بِلَوْمِك وَاسْتَدِمْهُ فَإِنَّ أَخَا الْحِفَاظِ الْمُسْتَدِيمُ
فَإِنْ تَكُ زَلَّةٌ مِنْهُ وَإلا فَلاَ تَبْعُدْ عَنْ الْخُلُقِ الْكَرِيمِ
*****************
قال علي رضي الله عنه :
فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه
و للشيء من الشيء مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب دليل حين يلقاه
*****************
وقال آخر:(89/1)
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكلّ قرينٍ بالمقارن مقتدى
*****************
وقال آخر:
إذا ما بدت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالاً لزلته عذراً
أحب الفتى ينفي الفواحشَ سمعُه كأن به عن كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا باسط أذى ولا مانع خيراً ، ولا قائل هجرا
*****************
وقال آخر:
وما بقيت من اللذات إلا محادثة الرجال ذوى العقول
وقد كنا نعدهم قليلاً فقد صاروا أقل من القليل
*****************
وقال آخر:
بلوت الناس قرناً بعد قرن فلم أر غير خيال وقال
ولم أر في الخطوب أشد وقعاً وأمضي من معاداة الرجال
وذقت مرارة الأشياء طراً فما شيء أمر من السؤال
*****************
وقال آخر:
وكنت إذا الصديق أراد غيظي وشرقني على ظمأٍ بريقي
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي مخافة أن أعيش بلا صديق
*****************
وقال آخر:
إذا لم أجد خلاً تقياً يؤانسني فوحدتي خيرٌ وأشهى من غويٌ أعاشره
وأجلس وحدي للعبادة آمناً أقرَّ لعيني من جليسٌ أحاذره
*****************
وقال آخر:
إذا ما أتت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
*****************
وقال آخر:
إن أخا الصدق من يسعي معك ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك
*****************
وقال آخر:
وليس أخي من ودني بلسانه ولكن أخي من ودني وهو غائب
ومن ماله مالي إذا كنت معدماً ومالي له إن أعوزته النوائب
*****************
وقال أبو تمام:
من لي بإنسان إذا أغضبته وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه وبقلبه ولعله أدري به
*****************
وقال آخر:
فإذا ظفرتَ بذي الوفـ ــاء فحُط رحلكَ في رِحابهْ
فأخوك مَن إن غاب عنـ ـك رعى ودادك في غيابهْ
وإذا أصابك ما يسوءُ رأى مصابكَ من مصابهْ
ونراه يَيْجَعُ إن شكوتَ كأن ما بك بعض ما بهْ
*****************
وقال عبدالله بن المبارك:(89/2)
وإذا صاحبت فاصحب ماجدا ذا حياء وعفاف وكرم
قوله للشيء: لا، إن قلت لا وإذا قلت: نعم قال: نعم
*****************
وقال آخر:
أنت في الناس تقاس بالذي اخترت خليلاً
فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكراً جميلاً
*****************
وقال آخر:
( ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب *****************
وقال آخر:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه مقارف ذنبٍ مرةً ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه
*****************
وقال آخر:
نافس، إذا نافست في حكمة آخ، إذا آخيت ، أهل التقى
ما خير من لا يرتجي نفعه يوماً، ولا يؤمن منه الأذى
*****************
وقال آخر:
ومن يكن الغراب له دليلا يمر به على جيف الكلاب
*****************
وقال آخر:
فما كثر الأصحاب حين نعدهم ولكنهم في النائبات قليل
*****************
وقال آخر:
خليلي جربت الزمان وأهله فما نالني منهم سوى الهم والعنا
وعاشرت أبناء الزمان فلم أجد خليلاً يوفي بالعهود ولا أنا
*****************
وقال آخر:
إذا كنت في قومٍ فاصحب خيارهم ولا تصحب الاردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي
*****************
وقال آخر:
واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً إن القرين إلى المقارن يُنسب
*****************
وقال آخر:
مجالسة السفيه سفاه رأيٍ ومن عقلٍ مجالسة الحكيم
فإنك والقرين معاً سواءٌ كما قُدَّ الأديمُ من الأديمِ
*****************
وقال الشافعي:
إذا المرء لم يرعاك إلا تكلفا فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في ود يجيء تكلفا(89/3)
ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
******************
يقول الشاعر:
مازح صديقك إن أراد مزاحا فإذا أباه فلا تزده جماحا
فلربما مزح الصديق بمزحةٍ كانت لبدء عداوةٍ مفتاحا
******************
يقول المتنبي:
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ
******************
يقول المتنبي:
وَحيدٌ مِنَ الخُلانِ في كُلِّ بَلدَةٍ إِذا عَظُمَ المَطلوبُ قَلَّ المُساعِدُ
******************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
أضاحك الصحب مسروراً برؤيتهم لا حبذا كل خل غير مبتسم
*********************
يقول المتنبي:
فليت هوى الأحبة كان عدلاً فحمل كل قلبٍ ما أطاقا
***********************
ويقول أيضاً:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
*************************
ويقول أيضاً:
كفى بك داءً أن يكون الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
************************
ويقول أيضاً:
أما في هذه الدنيا كريم تزول به عن النفس الهموم
****************************
ويقول أيضاً:
أما تغلط الأيام في بأن أرى صديقاً تباعد أو عدواً تقرب
**************************(89/4)
الصدق والكذب
وقال آخر:
لا يكذب المرء إلاّ من مهانته أو عادة السّوء أو من قلّة الأدب
لبعض جيفة كلبٍ خير رائحةٍ من كذبة المرء في جدٍ وفي لعب
*****************
وقال محمود الوراق:
الصدق منجاة لأربابه وقربة تدني من الرب
*****************
وقال آخر:
حسب الكذوب من البلية بعض ما يحكى عليه
فمتى سمعت بكذبة من غيره نسبت إليه
*****************
وقال آخر:
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى فقد عز في الدارين واستوجب الثنا
فإن خالف الإعلان سراً فما له على سعيه فضل سوى الكد والعنا
فما خالص الدينار في السوق نافق ومغشوشه المردود لا يقتضى المنا(90/1)
الصلاة
قال الشاعر:
خسر الذي ترك الصلاة وخابا وأبى معاداً صالحا ومآبا
إن كان يجحدها فحسبك أنه أضحى بربك كافراً مرتابا
أو كان يتركها لنوع تكاسل غطى على وجه الصواب حجابا
فالشافعي ومالك رأيا له إن لم يتب حد الحسام عقابا
والرأي عندي للإمام عذابه بجميع تأديب يراه صوابا(91/1)
الصمت
يقول زهير بن أبي سلمى:
وكائن ترى من صامتٍ لك معجبٍ زيادتهُ أو نقصه في التكلّمِ
لسان الفتى نصفٌ , ونصفٌ فؤاده فلم يبقَ إلا صورة اللحم والدمِ
******************
قال الشافعي:
وجدت سكوتي متجراً فلزمته إذا لم أجد ربحاً فلست بخاسر
وما الصمت إلا في الرجال متاجر وتاجره يعلو على كل تاجر
************************(92/1)
الصيف
قال العوني:
مضى الربيع وجاء الصيف يقدمه جيش من الحر يرمي الأرض بالشرر
كان بالجو ما بي من جوى وهوى ومن شحوب فلا يخلو من الكدر
************************(93/1)
الضرب
قال الشاعر:
رأيت رجالا يضربون نساءهم فشلت يميني يوم تضرب زينب
أأضربها من غير ذنب أتت به فما العدل مني ضرب من ليس يذنب
فزينب شمس والنساء كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
******************(94/1)
الضيف والضيافة
قال شمس الدين البديوي:
إذا المرء وافى منزلاً منك قاصداً قراك وأرمته لديك المسالك
فكن باسماً في وجهه متهللاً وقل مرحباً أهلاً ويومٌ مبارك
وقدم له ما تستطيع من القرى عجولاً ولا تبخل بما هو هالك
فقد قيل بيت سالف متقدمٌ تداوله زيد وعمرو ومالك
بشاشة وجه المرء خير من القرى فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك
******************
وقال آخر:
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل
******************
و قال سيف الدولة الحمداني:
منزلنا رحب لمن زاره نحن سواء فيه والطارق
وكل ما فيه حلال له إلا الذي حرمه الخالق
******************
قال عاصم بن وائل:
وإنا لنقري الضيف قبل نزوله ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك
******************
وقال بعض الكرام:
أضاحك ضيفي قبل أن أنزل رحله ويخصب عندي والمحل جذيب
وما الخصب للأضياف أن تكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب
******************
وقال آخر:
عودت نفسي إذا ما الضيف نبهني عقر العشار على عسر وإيسار
******************(95/1)
الطائرة
يقول أحمد شوقي
جل شأن الله هادى خلقه بهدي العلم ونور العلماء
زف من آياته الكبرى لنا طلبة طال بها عهد الرجاء
مركب لو سلف الدهر به كان إحدى معجزات القدماء
نصفه طير ونصف بشر يا لها إحدى أعاجيب القضاء
************************(96/1)
الطاعة
يقول محمود الوراق:
هاكّ الدَّليل لمن أرا د غنىً يدوم بغير مال
وأراد عزَّاً لم توطِّ ده العشائر بالقتال
ومهابةً من غير سلـ ـطانٍ وجاهاً في الرِّجال
فليعتصم بدخوله في عزِّ طاعة ذي الجلال
وخروجه من ذلة الـ ـعاصي له في كلِّ حال
******************
وقال آخر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه هذا محالٌ في القياس بديع
لو كان حبُّك صادقاً لأطعته إن المحبَّ لمن يحبُّ مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمةٍ منه وأنت لشكر ذاك مضيع
******************
وقال أبو العتاهية:
أراك امرءاً ترجو من الله عفوه وأنت على ما لا يحبُّ مقيم
فحتّى متى تعصي ويعفو إلى متى تبارك ربِّي إنَّه لرحيم
******************
وقال عبد الله بن المبارك:
أيضمن لي فتى ترك المعاصي وأرهنه الكفالة بالخلاص
أطاع الله قوم فاستراحوا ولم يتجرّعوا غضض المعاصي
******************(97/1)
الطبع يغلب على التطبع
يقول زهير بن أبي سلمى:
ومهما تكن عند امرءِ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ(98/1)
الطغاة
يقول الشاعر
ألا أيها الظالم المستبد حبيب الفناء عدو الحياة
سخرت بأنات شعب ضعيف وكفك مخضوبة من دماه
وعشت تدنس سحر الوجود و تبدر شوك الأسى في رباه
************************(99/1)
الظلم
يقول الشاعر:
إذا جار الوزير وكاتباه وقاضي الأرض أجحف في القضاءِ
فويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماءِ
****************
وقال أبو العتاهية:
ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غداً عند الإله من الظلوم
أما والله إنَّ الظُّلم شؤمٌ وما زال المسيء هو الظَّلوم
إلى دياَّن يوم الدّين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا غداً عند الإله من الملوم
*****************
ويقول الشافعي:
بلوت بني الدنيا فلم أر فيهم سوى من غدا والبخل ملء إهابه
فجردت من غمد القناعة صارما قطعت رجائي منهم بذبابه
فلا ذا يراني واقفاً في طريقه ولا ذا يراني قاعداً عند بابه
غني بلا مال عن الناس كلهم وليس الغني إلا عن الشيء لا به
إذا ما الظالم استحسن الظلم مذهباً ولج عتواً في قبيح اكتسابه
فكِلها إلى صرف الليالي فإنها ستدعي له ما لم يكن في حسابه
فكم رأينا ظالما متمرداً يرى النجم تحت ظل ركابه
فعما قليل وهو في غفلاته أناخت صروف الحادثات ببابه
فأصبح لا مال ولا جاه يرتجى ولا حسنات تلتقي في كتابه
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلا وصب عليه الله سوط عذابه
****************
وقال آخر:
فلا تأمنن الدهر حراً ظلمته فما ليل حر إن ظلمت بنائم
****************
وقال آخر:
لا تظلمن إذا كنت مقتدرا فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
****************
وقال آخر:
حتى متى لا نرى عدلاً نسر به ولا نرى لولاة الحق أعوانا
مستمسكين بحق قائمين به إذا تلون أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له وقائد ذي عمى يقتاد عميانا
****************
وقال محمود الوراق:
إني وَهَبْتُ لظالمي ظُلْمي وشكرْتُ ذَاكَ له على عِلْمِي
ورأيته أسْدَى إليَ يداً لَمَّا أبان بجَهْلِهِ حِلْمِي
رَجَعَتْ إساءتُهُ عليه، وَلِي فَضْل فعادَ مُضاعَفَ الْجُرْم
فكأنما الإحْسَانُ كان لهُ وأنا المسيءُ إليه في الزعْمِ(100/1)
ما زال يَظْلِمُني وأرحمهُ حتى رَثَيْتُ له من الظلم
******************
يقول المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم
******************(100/2)
العافية
قال منصور الفقيه:
رأيت البلاء كقطر السَّماء وما تنبت الأرض من نامية
فلا تسألنّ: إذا ما سألت إلهك شيئاً سوى العافية
*****************
وقال بشار بن برد:
إنِّي وإن كان جمع المال يعجبني فليس يعدل عندي صحَّة الجسد
في المال زينٌ وفي الأولاد مكرمةٌ والسُّقم ينسيك ذكر المال والولد
*****************
وقال آخر:
فإذا رأيت أخا البليّة فاستعذ بالله من شرِّ البلاء النَّازل
******************(101/1)
العبادة
يقول محمود الوراق:
هاكّ الدَّليل لمن أرا د غنىً يدوم بغير مال
وأراد عزَّاً لم توطِّـ ـده العشائر بالقتال
ومهابةً من غير سلـ ـانٍ وجاهاً في الرِّجال
فليعتصم بدخوله في عزِّ طاعة ذي الجلال
وخروجه من ذلة الـ ـعاصي له في كلِّ حال
******************
وقال آخر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه هذا محالٌ في القياس بديع
لو كان حبُّك صادقاً لأطعته إن المحبَّ لمن يحبُّ مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمةٍ منه وأنت لشكر ذاك مضيع
******************
وقال أبو العتاهية:
أراك امرءاً ترجو من الله عفوه وأنت على مالا يحبُّ مقيم
فحتّى متى تعصي ويعفو إلى متى تبارك ربِّي إنَّه لرحيم(102/1)
العرض والمال
وفيه يقول الشاعر:
أصون عرضي بمالي لا أدنِّسه لا بارك الله بعد العرض في المال
****************
وقال آخر:
إذا قلَّ مال المرء قلَّ صفاؤه وضاقت عليه أرضه وسماؤه
وأصبح لا يدري وإن كان حازماً أقدَّامه خيرٌ له أم وراؤه
إذا قلَّ مال المرء لم يرض عقله بنوه ولم يغضب له أولياؤه
فإن مات لم يفقد ولم يحزنوا له وإن عاش لم يسرر صديقاً بقاؤه
****************
وقال محمود الوراق:
أرى دهرنا فيه عجائب جمَّةٌ إذا استعرضت بالعقل ضلَّ لها العقل
أرى كلَّ ذي مالٍ يسود بماله وإن كان لا أصلٌ هناك ولا فصل
وآخر منسوباً إلى الرَّأي خاملاً وآخر مخبولاً له الجاه والنُّبل
وما الفضل في هذا الزمان لأهله ولكنَّ ذا المال الكثير له الفضل
فشرِّف ذوي الأموال حيث لقيتهم فقولهم قولٌ وفعلهم فعل
****************(103/1)
العزة
يقول محمد إقبال :
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز وكبروا في مسمع الكون العظيم وكبرا
كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا
لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا لم نخش يوماً غاشماً جبارا
*****************
وقال آخر:
نحن الذين ملأنا جونا كرماً وقد بعثنا على قرآننا أمما
والعالم الآخر المشبوه في ظلمٍ من يعبد الجنس أو من يعبد الصنما
*****************
وقال وليد الأعظمي:
قوم إذا داعي الجهاد دعاهم هبّوا إلى الداعي بغير توان
وبنعمة لإسلام عاشوا إخوة شركاء في الأفراح والأحزان
محرابهم بالليل معمور بهم يتضرّعون تضرّع الرهبان
وإذا انقضى الليل البهيم وجدتهم بنهارهم يا صاح كالفرسان
و هتافهم الله أكبر إنهم لم يهتفوا بحياة شخص فان
*****************
وقال آخر:
أتقول المسلمون انهزموا أمة المختار في حرز الصمد
إنما تلك مُسوخ ورثت نسبة الإسلام عن أم وجد
فإذا ذلت لباغٍ فكما يعبث الفأر بتمثال الأسد
*****************
وقال آخر:
أمَّة الصحراء يا شعب الخلود من سواكم حل أغلال الورى
أي داعٍ قبلكم في ذا الوجود صاح لا كسرى هنا لا قيصرا
هاتفاً في مسمع الكون العظيم ليس غير الله رباً للعباد
****************
وقال هاشم الرفاعي:
ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء فما نسى الزمان ولا نسينا
حملناها سيوفا لامعات غداة الروع تأبى أن تلينا
إذا خرجت من الأغماد يوماً رأيت الهول والفتح المبينا
وكنا حين يرمينا أناس نؤدبهم أباة قادرينا
وكنا حين يأخذنا ولي بطغيان ندوس له الجبينا
تفيض قلوبنا بالهدي بأساً فما نغضي عن الظلم الجفونا
وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر:أين المسلمونا ؟(104/1)
ترى هل يرجع الماضي ؟ فإني أذوب لذلك الماضي حنينا
بنينا حقبة في الأرض ملكاً يدعمه شباب طامحونا
*****************
وقال آخر:
من سواكم في قديم أو حديث أطلع القرآن صبحاً للرشاد
*****************(104/2)
العفة
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
عرضي عفيف عن الأدناس أحفظه لا يؤمن الذئب كي يرعى مع الغنم
أكف شري فلا أوذي به أحداً والخير أزجيه في قولي وفي قلمي
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
ولست أرجو سوى الرحمن مسألة ولن أمد يدي يوماً ولا قدمي
************************(105/1)
العفو
قال أبو العتاهية :
فيا ربّ هب لي منك حلماً فإنني أرى الحلم لم يندم عليه حليم
ويا رب هب لي منك عزماً على التقي أقيم به ما عشت حيث أقيم
ألا إنّ تقوى الله أكرم نسبةٍ تسامى بها عند الفخار كريم
****************
وقال الخريمي :
أرى الحلم في بعض المواطن ذلّةً وفي بعضها عزّاً يسودّ فاعله
****************
وقال صالح بن جناح:
إذا كنت بين الجهل والحلم قاعدا وخيرت أني شئت فالحلم أفضل
ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ولم يرض منك الحلم فالجهل أمثل
****************
وقال آخر:
ألم تر أن الحلم زينٌ مسود لصاحبه والجهل للمرء شائنُ
فكن دافناً للجهل بالحلم تسترح من الجهل إن الحلم للجهل دافنُ
****************
وقال محمود الوراق:
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن عظمت منه علي الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فاعرف قدره وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته نفسي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا تفضلت إن الحر بالفضل حاكم
****************
وقال آخر:
التيه مفسدة للدين منقصة للعقل مهتكة للعرض فانتبه
لا تشرهن فإن الذل في الشره والعز في الحلم لا في البطش والسفه
****************
وقال الشافعي رحمه الله :
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهةً فأزيد حلماً كعودٍ زاده الإحراق طيبا
****************
وقال آخر:
وجهل رددناه بفضل حلومنا ولو أننا شئنا رددناه بالجهل
****************
وقال آخر:
إذ سبني نذلٌ تزايدتُ رفعةً وما العيبُ إلا أن أكونَ مساببُه
ولو لم تكن نفسي عليَ عزيزةً لمكنتُها من كلِ نذلٍ تحاربُه
****************
وقال آخر:
قل ما بدا لك من صدق ومن كذب حلمي أصم وأذني غير صماء
****************
قال آخر:
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه وإن خليته كمدا يموت
****************
وقال آخر:(106/1)
وإذا بغى باغ عليك بجهله فاقتله بالمعروف لا بالمنكر
****************
قال آخر:
واصفح عن سباب الناس حِلماً وشرُّ الناس من يهوي السبابا
ومن هاب الرجال تهيبوه ومن حقَّر الرجال فلن يُهابا
****************
وقال الشافعي:
لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيّي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه كما إن قد حشا قلبي محبات
الناس داء ،وداء الناس قربهم وفي اعتزالهم قطع المودات
****************
وقال آخر:
احفظ لسانك إن لقيت مشاتماً لا تجرين مع اللئيم إذا جرى
من يشترى عرض اللئيم بعرضه يحوي الندامة حين يقبض ما اشترى
****************
وقال آخر:
ألا إن حلم المرء أكبر نسبةٍ يسامي بها عند الفخار كريمُ
فيا رب هب لي منك حِلماً أرى الحِلم لم يندم عليه حليمُ
***************
قال الحكيم العربي:
والحلمُ أعظمُ ناصرٍ تَدْعُونه فالزمْهُ يَكْفِكَ قلةَ الأنصار
******************
يقول صفي الدين الحلّي:
لا يَحسُنُ الحلم إلا في مواطنِهِ ولا يليق الوفاء إلا لمن شكرا
******************(106/2)
العقل والحكمة
قال الشاعر:
ألم تر أن العقل زين لأهله ولكن تمام العقل طول التجارب
*****************
وقال آخر:
إذا طال عمر المرء في غير آفة أفادت له الأيام في كرها عقلا
*****************
وقال آخر:
إذا لم يكن للمرء عقل فإنه وإن كان ذا بيت على الناس هين
ومن كان ذا عقل أجل لعقله وأفضل عقل من يتدين
*****************
وقال الشاعر:
إني لآمن من عدو عاقل وأخاف خلاً يعتريه جنون
فالعقل فن واحد وطريقه أدرى فأرصد والجنون فنون
*****************
يقول المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقلِهِ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
******************
يقول الشاعر:
ليس البلية في أيامنا عجباً بل السلامة فيها أعجب العجب
ليس الجمال بأثواب تزيننا إن الجمال جمال العقل والأدب
ليس اليتم الذي مات والده إن اليتم يتم العلم والأدب
******************
يقول الشاعر:
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
وكلما ازددت علماً زاد علمي بجهلي
******************
يقول جرير:
ولو وزنت حلوم بني نمير على الميزان ما وزنت ذبابا
************************(107/1)
العلم
يقول الشاعر:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم لم يبنى ملك على جهل و إقلال
******************
يقول الشاعر:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبئك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
******************
يقول أحمد شوقي:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
أعاهد العلم عمري غير منشغل بما وراءك يا دنيا من النعم
************************
يقول الشاعر:
وما الحياة بأنفاس نرددها إن الحياة حياة العلم والعمل
********************************
قال صفي الدين الحلي:
لئن ثلمتْ حدّي صُروفُ النّوائبِ فقدَ أخلصتْ سبَكي بنارِ التَداربِ
وفي الأدبِ الباقي، الذي قد وهبنَني عَزاءٌ مِنَ الأموالِ عن كلِّ ذاهبِ
فكَم غايَة ٍ أدركتها غير جاهدٍ وكَم رتبة ٍ قد نلْتُها غيرَ طالبِ
********************************(108/1)
العمر
قال الصلتان العبيدي:
أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي
إذا ليلة هرمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي
نروح و نغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي
************************
يقول طرفة بن العبد
أرى العمر ناقصاً كل ليلة وما تنقص الأيام والدهر ينفد
************************(109/1)
العمل
يقول الشاعر:
وما الحياة بأنفاس نرددها إن الحياة حياة العلم والعمل
********************************(110/1)
العودة إلى الله
يقول الشاعر:
شكوت إلى إلهي سوء حالي فقد فاقت مصيباتي احتمالي
فقلتُ وقد دنا فجرٌ جديدٌ : ألا رفقاً إلهي ذا الجلالِ
فمرَّ بخاطري شيءٌ يقولُ : ألم تذكر ذنوباً كالجبالِ
فكم يومٍ عصيتَ الله جهراً بإتيان المحرَّم لم تُبالِ
وترجو بعدها عيشاً هنيئاً بلا تَوبٍ ولا تغييرِ حالِ
****************
وقال عبد الله بن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وهل بدل الدين غير الملوك وأحبار سوءٍ ورهبانها
****************
وقال آخر:
انته من رقدة الغفلة فالعمر قليل
واطّرح سوف وحتى فهما داء دخيل
****************
وقال أيضاً:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وذلك أن حفظ العلم فضل وفضل الله لا يؤتى لعاصي
****************
قال علي بن أبي طالب:
إذا كنت في نعمةٍ فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بتقوى الإله فإن الإله سريع النقم
فإن تعط نفسك آمالها فعند مناها يحل النقم
فأين القرون ومن حولهم تفانوا جميعاً وربي الحكم
****************
وقال آخر:
فكم من معصية قد كنت نسيتها ذكرك الله إياها
وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها
****************
وقال آخر:
فَتُب لله حقاً ثُمَّ أقبِل بُعيد التّوب والدّمع المسالِ
ستلقى الله توّاباً رحيماً مجيباً للدعاءِ وللسؤالِ
فيا ربّي أنَبْتُ إليك طَوعاً تقبّل تَوبتي والطف بحالي
فَعهداً أن أُلازمَ كُلَّ وقتٍ دُروبَ الخير، غيرك لا أوالي
فثبِّتني على التَّقوى فإنِّي لأرجو مِنكَ حُسناً في المآلِ
****************
وقال آخر:
بادر شبابك أن تهرما وصحة جسمك أن تسقما
وأيام عيشك قبل الممات فما قصر من عاش أن يسلما
ووقت فراغك بادر به ليالي شغلك في بعض ما
فقدر فكل امرئٍ قادم على علم ما كان قد قدما
****************
وقال آخر:
توضأ بماء التوبة اليوم نادمًا به ترى أبواب الجنان الثماني(111/1)
****************
وقال آخر:
إلهي لست للفردوس أهلاً ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي توبةً واغفر ذنوبي فإنك غافر الذنب العظيم
****************
وقال آخر:
ذنوبي وإن فكرت فيها عظيمة ورحمة ربي من ذنوبي أوسع
وما طمعي في صالح قد عملته ولكنني في رحمة الله أطمع
****************
وقال آخر:
إلهي أنت ذو فضل ومنّ وإني ذو الخطايا فاعف عني
فظني فيك يا ربي جميل فحقق يا إلهي فيك ظني
يظن الناس بي خيراً وإني أشر الناس إن لم تعف عني
****************
وقال آخر:
قل للذي ألف الذنوب وأجرما وغَدَا على زلاَّته متندما
لا تيأسنَّ واطلب كريماً دائما يُولي الجميل تفضُّلاً وتكرما
يا معشر العاصين جودٌ واسع عند الإله لمن يتوب ويندما
يا أيها العبد المسيء إلى متى تُفني زمانك في عسى ولربما
بادر إلى مولاك يا من عمره قد ضاع في عصيانه وتصرَّما
واسأله توفيقاً وعفوا ثم قل يارب بصَّرني وزل عني العمى
****************
وقال آخر:
فقد روى الثقات عن خير الملا بأنه عز وجل وعلا
في ثلث الليل الأخير ينزل يقول هل من تائب فيُقبِل
هل من مسيء طالب للمغفرة يجد كريماً قابلاً للمعذرة
يَمُنُّ بالخيرات والفضائل ويستر العيب ويعطي السائل
****************
وقال آخر:
إن كنت تغدو في الذنوب جليدا وتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه وأفاض من نعم عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا في بطن أمك مضغة ووليدا
لو شاء أن تصلى جهنم خالداً ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيدا
****************
وقال آخر:
يا نفس توبي قبل أن لا تستطيعي أن تتوبي
واستغفري لذنوبك الرحمن غفار الذنوب
إن المنايا كالرياح عليك دائمة الهبوب
****************
وقال آخر:
الهي أنت الذي تهب الكثير وتجبر القلب الكسير وتغفر الزلات
وتقول هل من تائبٍ مستغفرٍ أو سائل ٍأقضي له الحاجات
****************
وقال آخر:
يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف(111/2)
أبشر بقول الله في تنزيله إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
****************
وقال محمود الوراق:
قدم لنفسك توبةً مرجوةً قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها علق النفوس فإنها ذخر وغنم للمنيب المحسن
****************
وقال آخر:
يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليلُ
فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويلُ
فلتنزلن بمنزل ينسى الخليلَ به الخليلُ
وليركبن عليك فيه من الثَّرَى حمل ثقيلُ
قرن الفناء بنا جميعا فلا يبقى العزيز ولا الذليلُ
****************
وقال آخر:
أيا عبدُ كَمْ يراك الله عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا
أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصِيَا
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عُرْياناً ولو كان كاسيا
ولو أن الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً وباقيا
ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب كما هيا
****************
وقال آخر:
أسيء فيجزي بالإساءة إفضالا وأعصي فيوليني براً وإمهالا
فحتى متى أجفوه وهو يبرني وأبعد عنه وهو يبذل إيصالا
****************
وقال آخر:
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وأبكها يا مذنب
لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب
وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب
الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب
****************
وقال آخر:
أبت نفسي أن تتوب فما احتيالي إذا برز العباد لذي الجلال
وقاموا من قبورهم سكارى وبرزوا كأمثال الجبال
وقد نصب الصراط لكي يجوزوا فمنهم من يكب على الشمال
يقول له المهيمن يا وليَ غفرت لك الذنوب فلا تبالى
****************
وقال آخر:
إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني
فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضل ومنِّ
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعفُ عني
****************
وجد على قبر عبدالله بن المبارك مكتوباً:(111/3)
الموت بحرٌ طافحٌ موجه يذهب فيه حبله السابح
يا نفس إني قائلٌ فاسمعي مقالةً من مشفقٍ ناصح
لا ينفع الإنسان في قبره إلا التقى والعمل الصالح
ولا ينال الفوز من دهره إلا فتىً ميزانه راجح
****************
وقال آخر:
إلى كم أقول ولا أفعلُ و كم ذا أحوم ولا أنزِلُ
وأزجر عيني فلا ترعوي وأنصح نفسي فلا تَقبلُ
و كم ذا تعلّل لي، ويحَها بِعَلَّ وسوف وكم تمطل ؟
وكم ذا أُؤمل طول البقا وأغفل والموت لا يغفلُ ؟
وفي كل يوم يُنادي بنا منادي الرحيل : ألا فارحلوا
كأن بي وشيكاً إلى مصرعي يُساق بنعشي ولا أُمهلُ
****************
عزى الإمام الشافعي صديقاً له فقال:
إنا نعزيك لا أنا على ثقة من الحياة ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد ميته ولا المعزي ولو عاشا إلى حين
****************
وقال آخر:
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعصي الهوى فالهوى ما زال فتّانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطاً وتُلحق أُخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس ما لي وللأموال أتركها خلفي وأخرج من دنياي عريانا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومن كانت تخرّ له الأذقان إذعانا
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلوا مدائن كان العز مفرشها واستفرشوا حفراً غُبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ورافلاً في ثياب الغيّ نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعبٍ يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لاَ تَنْقَضِي
تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ وَتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِيَ
****************
وقال آخر:-
أنا إن بكيت فلن ألام على البكا فلطالما استغرقت في العصيان ِ
يارب إن لم ترضى إلا ذا تُقى من للمسيء المذنب الحيرانِ
****************
وقال آخر:-(111/4)
أيا هذا الذي قد غره الأمل ودون ما يأمل التنغيص والأجل
حتوفها رصد وعيشها نكد وصفوها كدر وملكها دول
تظل تفزع بالروعات ساكنها فما يسوغ له عيش ولا جذل
كأنه للمنايا والردى غرض تظل فيه سهام الدهر تنتصل
والنفس هاربة والموت يتبعها وكل عثرة رجل عندها جلل
والمرء يسعى بما يسعى لوارثه والقبر وارث ما يسعى له الرجل
****************
يقول أبو نواس
أيا من ليس لي منه مجيرُ بعفوك من عذابك أستجيرُ
أنا العبد المقر بكل ذنبٍ وأنت السيد المولى الغفورُ
فإن عذبتني فبسوء فِعْلي وإن تغفر فأنت به جديرُ
أفر إليك منك..و أين إلا إليك يفر منك المستجير
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء
إني لأرجو من الغفار مغفرة أنجو بها في مقام حالك الظلم
************************(111/5)
العيد
وفي ختام رمضان واستقبال عيد الفطر:
من ذلك قول ابن الرومي:
ولما انقضى شهر الصيام بفضله تجلَّى هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ
كحاجبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه يشيرُ لنا بالرمز للأكْلِ والشُّرْبِ
****************
وقول ابن المعتز:
أهلاً بفِطْرٍ قد أضاء هلالُه فالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّرِ
وانظرْ إليه كزورقٍ من فِضَّةٍ قد أثقلتْهُ حمولةٌ من عَنْبَرِ
****************
ويستغل الشاعر محمد الأسمر فرصة العيد ليذكر بالخير و الحث على الصدقة فيه تخفيفًا من معاناة الفقراء والمعوزين في يوم العيد؛ فيقول:
هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أيامه موسم للبر تزرعه وعند ربي يخبي المرء ما زرعا
فتعهدوا الناس فيه:من أضر به ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا
وبددوا عن ذوي القربى شجونهم دعا الإله لهذا والرسول معا
واسوا البرايا وكونوا في دياجرهم بدراً رآه ظلام الليل فانقشعا
****************
وهذا الشاعر الجمبلاطي يستبشر خيراً بقدوم العيد، ويأمل أن يكون فرصة لمساعدة الفقراء والمكروبين حين يقول:
طاف البشير بنا مذ أقبل العيد فالبشر مرتقب والبذل محمود
يا عيد كل فقير هز راحته شوقاً وكل غني هزه الجود
****************
وللشاعر يحيى حسن توفيق قصيدة بعنوان «ليلة العيد» يستبشر في مطلعها بقوله:
بشائر العيد تترا غنية الصور وطابع البشر يكسو أوجه البشر
وموكب العيد يدنو صاخباً طرباً في عين وامقة أو قلب منتظر
يا ليلة العيد كم في العيد من عبر لمن أراد رشاد العقل والبشر
****************
والعيد ما هو إلا تعبير عن السعادة التي تغمر الصائمين بنعمة الله التي أنعمها عليهم باكتمال صيام الشهر الفضيل يقول محمد بن سعد المشعان:
والعيد أقبل مزهوًا بطلعته كأنه فارس في حلة رفلا
والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا
فليهنأ الصائم المنهي تعبده بمقدم العيد إن الصوم قد كملا(112/1)
****************
وما قيل في ذلك دالية المتنبي في وصف حاله بمصر والتي يقول في مطلعها:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ جِئْتَ يا عيدُ بما مضى أم بأمْرٍ فيكَ تجديدُ
أمّا الأحِبة فالبيداءُ دونَهم فليت دونك بيداً دونهم بيدُ
****************
وشكوى المعتمدُ بن عباد بعد زوال ملكه، وحبسه في (أغمات) وهو يرى بناته جائعات عاريات حافيات في يوم العيد فقال :
فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً وكان عيدك باللّذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بعيد العزّ ممتهنٌ يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَجٌ فعاد فطرك للأكباد تفطيرا
****************
ويبث الشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين شكوى أيام صباه الأولي في قصيدة قال فيها:
العيدُ أقبلَ تُسْعِدُ الأطفالَ ما حملتْ يداه
لُعَباً وأثواباً وأنغاماً تَضِجُّ بها الشِّفاه
وفتاكَ يبحثُ بينَ أسرابِ الطفولةِ عن (نِداه)
فيعودُ في أهدابه دَمْعٌ ، وفي شفتيه (آه)
****************
ويقول أيضاً:
هذا هو العيدُ ، أينَ الأهلُ والفرحُ
ضاقتْ بهِ النَّفْسُ ، أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟!
وأينَ أحبابُنا ضاعتْ ملامحُهم
مَنْ في البلاد بقي منهم ، ومن نزحوا؟!
****************
ويقول أيضاً:
يا عيدُ عرِّجْ فقد طالَ الظّما وجَفَتْ تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبا
يا عيدُ عُدنْا أعِدْنا للذي فرِحَتْ به الصغيراتُ من أحلامنا فخبا
مَنْ غيّبَ الضحكةَ البيضاءَ من غَدِنا مَنْ فَرَّ بالفرحِ السهرانِ مَنْ هَربَا
لم يبقَ من عيدنا إلا الذي تَرَكَتْ لنا يداهُ وما أعطى وما وَهَبا
من ذكرياتٍ أقَمنا العُمرَ نَعصِرُها فما شربنا ولا داعي المُنى شَرِبا
يا عيدُ هَلاّ تَذَكرتَ الذي أخَذَتْ منّا الليالي وما من كأسِنا انسَكَبا(112/2)
وهل تَذَكَّرتَ أطفالاً مباهِجُهُم يا عيدُ في صُبْحِكَ الآتي إذا اقتربا
هَلاّ تَذَكَّرتَ ليلَ الأَمسِ تملؤُهُ بِشْراً إذا جِئْتَ أينَ البِشْرُ؟..قد ذَهَبا
****************
أما الأهل في خارج السجن فلم يكن حالهم بأفضل من حال من بداخله حيث يصف الطاهر إبراهيم ذلك حين يقول:
يا رب هذا العيد وافى والنفوس بها شجون
لبس الصغار جديدهم فيه وهم يستبشرون
بجديد أحذية وأثواب لهم يتبخترون
ولذيذ حلوى العيد بالأيدي بها يتخاطفون
وهناك خلف الباب أطفال لنا يتساءلون
أمي صلاة العيد حانت أين والدنا الحنون؟
إنا توضأنا -كعادتنا - وعند الباب (أمي) واقفون
زفرت تئن وقد بدا في وجهها الألم الدفين
ورنت إليهم في أسى واغرورقت منها العيون
العيد ليس لكم أحبائي فوالدكم سجين
***************
ولقد وصف الشعراء مآسي الأمة وأحزانها خصوصًا كلما عاد العيد ومن ذلك قول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:
يقولونَ لي: عيدٌ سعيدٌ، وإنَّهُ ليومُ حسابٍ لو نحسُّ ونشعرُ
أعيدٌ سعيدٌ !! يا لها من سعادةٍ وأوطانُنا فيها الشقاءُ يزمجرُ
وقوله أيضاً:
يمرُّ علينا العيدُ مُرَّا مضرَّجاً بأكبادنا والقدسُ في الأسْرِ تصرخُ
عسى أنْ يعودَ العيدُ باللهِ عزّةً ونَصْراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَخُ
****************
وشكوى الشاعر عمر أبو الريشة :
يا عيدُ ما افْتَرَّ ثغْرُ المجدِ يا عيد فكيف تلقاكَ بالبِشْرِ الزغاريدُ؟
يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ لها على الرَّفْرَفِ العُلْوِيِّ تَعْييدُ؟
سينجلي لَيْلُنا عن فَجْرِ مُعْتَرَكٍ ونحنُ في فمه المشْبوبِ تَغْريدُ
****************
أما الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي فيقول في قصيدته (عندما يحزن العيد) راثيًا حال الأمة الإسلامية بما يشاهده من معاناتها:
أقبلت يا عيد والأحزان نائمة على فراشي وطرف الشوق سهران
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي قلوبنا من صنوف الهمِّ ألوان؟(112/3)
من أين نفرح والأحداث عاصفة وللدُّمى مقل ترنو وآذان؟
****************
ثم ينتقل إلى الجرح الذي لم يندمل، والذي يؤرق الأمة الإسلامية ألا وهو جراحات مقدساتها العظيمة التي سلبها عدوّها لما نام عنها راعيها من المسلمين فقال:
من أين والمسجد الأقصى محطمة آماله وفؤاد القدس ولها؟
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي دروبنا جدر قامت وكثبان؟
****************
وبعدها يشتاق قلب الشاعر إلى إخوانه وأحبائه وأهله إلى كل من لم يطعم الراحة والهناء تحت ظل الأمة الإسلامية ليواسيهم، ويواسي جراحات قلبه وآلام نفسه فيقول:
أصبحت في يوم عيدي والسؤال على ثغري يئن وفي الأحشاء نيران
أين الأحبة وارتد السؤال إلى صدري سهامًا لها في الطعن إمعان؟
****************
وعندما سُئل الشاعر محمد المشعانُ عن العيد ماذا يقول له ؟ أجاب سائله وهو يتحسر على ما آل إليه حال أمته الإسلامية من التفرق والخصام قائلاً:
ماذا تقول لهذا العيد يا شاعر؟ أقول: يا عيد ألق الرحل أو غادر
ما أنت يا عيد والأتراح جاثمة إلا سؤال سخيف مرَّ بالخاطر
ما أنت يا عيد والعربان قد ثكلوا جمالهم والمراعي وانتهى الماطر ؟
ما أنت يا عيد في قوم يمر بهم ركب الشعوب وهم في دهشة الحائر
****************
وتتفاعل الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان مع أخواتها اللاجئات الفلسطينيات بين الخيام لتصور مأساتهن وما يعانينه من آلام التشرد واللجوء في يوم العيد فتقول:
أختاه, هذا العيد رفَّ سناه في روح الوجودْ
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدْ
وأراك ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقيًّا
متهالكاً, يطوي وراء جموده ألماً عتيًّا
يرنو إلى اللاشيء.. منسرحاً مع الأفق البعيدْ
أختاه, مالك إن نظرت إلى جموع العابرينْ
ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفينْ
من كل راقصة الخطى كادت بنشوتها تطيرُ
العيد يضحك في محيّاها ويلتمع السرورُ
أطرقتِ واجمة كأنك صورة الألم الدفينْ?
****************(112/4)
وتذكر الشاعرة أخواتها بالعيد أيام الطفولة حيث المرح واللهو الطفولي في يافا وغيرها من مدن فلسطين التي استولى عليها المحتل الغاصب، وحرم أهلها من الابتسامة وفرحة العيد:
أترى ذكرتِ مباهج الأعياد في (يافا) الجميلهْ?
أهفت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفولهْ?
إذ أنت كالحسون تنطلقين في زهوٍ غريرِ
والعقدة الحمراء قد رفّتْ على الرأس الصغير
والشعر منسدلٌ على الكتفين, محلول الجديلهْ?
إذ أنت تنطلقين بين ملاعب البلد الحبيبِ
تتراكضين مع اللّدات بموكب فرح طروبِ
طوراً إلى أرجوحة نُصبت هناك على الرمالِ
طوراً إلى ظل المغارس في كنوز البرتقالِ
والعيد يملأ جوّكن بروحه المرح اللعوبِ?(112/5)
الغربة
يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن يغترب يحسب عدوّاً صديقه ومن لا يكرّم نفسه لا يُكرّمِ
******************
يقول الشاعر:
وكيف يذوق النوم من عدم الكرى ويسهر ليلا والأنام رقود
وقد كان ذا مال وأهل وعزة فأضحى غريب الدار وهو وحيد
له جمرة بين الضلوع وأنة وشوق شديد ما عليه مزيد
تولى عليه الوجد والوجد حاكم يبوح بما يلقاه وهو جليد
وحالته في الحب تخبر أنه حزين كئيب والدموع شهود
******************(113/1)
الغش
الغش والتدليس في البيع والشراء وأمور التجارة
يقول أبو العلاء المعري:
قد عمنا الغِشُ وأزرى بنا في زمنٍ أعوز فيه الخصوص
إن نُصِحَ السلطان في أمرِه رأي ذوي النصح مثل الشصوص
************************(114/1)
الغنى
يقول ابن نباتة
رأيت الغنى عند الأراذل محنةً على الناس مثل الفقر عند الأفاضلِ
******************(115/1)
الغيبة
قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
*****************
ولم يرخّص العلماء في شيءٍ من الغيبة سوى ستّة صُوَرٍ مستثناةٍ من التحريم للحاجة إليها في جلب المصالح ودرء المفاسد، وقد أحسَن من نظَمَها في قوله:
القدْحُ ليس بغيبة في ستة: متظلمٍ ومعرِّف ومحذر
ومجاهرٍ فسقًا ومستفتٍ ومَن طلب الإعانة في إزالة مُنكرٍ
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
لا أبغض الناس إلا عند معصية فإن تولت توارى البغض للعدم
إذا سمعت حديثا من رويبضة أظهرت أني مصاب الأذن بالصمم
ولست أصغى لنمام هوايته قطع الصلات وتفريق لذي الرحم
************************(116/1)
الفراغ والوقت
قال الشاعر:
اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ ذهبت نفسه العزيزة فلته
****************
وقال آخر:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
****************
وقال آخر:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني
****************
وقال آخر:
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوحْ
لست بالباقي وإن عمّرت كنوحْ
****************
وقال آخر:
أتسمع الطير أطال الصياح وقد بدا في الأفق نور الصباح
ما صاح إلا باكياً ليلةً ولّت من العمر السريع الرواح
****************
وقال آخر:
أذان المرء حين الطفل يأتي وتأخيرك الصلاة إلى الممات
دليلٌ على أن محياه يسيرٌ كما بين الأذان إلى الصلاة
****************
وقال آخر:
إنَّ الفراغ والشبابَ والجِده مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مَفسده
****************
وقال آخر:
يا أيها الغافل جد في الرحيل وأنت في لهو وزاد قليل
لو كنت تدري ما تلاقي غداً لذبت من فيض البكاء والعويل
فاخلص التوبة تحظى بها فما بقي في العمر إلا القليل
ولا تنم إن كنت ذا غبطة فإن قدامك نوم طويل(117/1)
الفراق والوداع
قال الشاعر:-
أحبابنا بنتم عن الدار فاشتكت لبعدكم آصالها وضحاها
وفارقتم الدار الأنيسة فاستوت رسوم مبانيها وفاح كلاها
كأنكم يوم الفراق رحلتم بنومي فعيني لا تصيب كراها
وكنت شحيحاً من دموعي بقطرة فقد صرت سمحاً بعدكم بدماها
يراني بساماً خليلي يظن بي سروراً وأحشائي السقام ملاها
وكم ضحكه في القلب منها حرارة يشب لظاها لو كشفت غطاها
رعى الله أياماً بطيب حديثكم تقضت وحياها الحيا وسقاها
فما قلت إيها بعدها لمسامر من الناس إلا قال قلبي آها
******************
وقال آخر:
ولا تحرمونى نظرة من جمالكم فلن تجدوا عبدا ذليلا لكم مثلي
فوالله ما يهوى فؤادي سواكم ولو رشقوه بالأسنة والنبل
******************
وقال آخر:
بكت عيني غداة البين حزناً والأخرى بالبكا بخلت علينا
فجازيت التي جادت بدمع بأن أقررتها بالوصل عينا
وجازيت التي بخلت بدمعٍ بأن غمّضتها يوم التقينا
******************
وقال آخر:
أقول له حين ودَّعته وكلٌّ بعشرته مبلس
لئن رجعت عنك أجسامنا لقد سافرت معك الأنفس
******************
وقال آخر:
أحجَّاج بيت الله في أيِّ هودجٍ وفي أيِّ خدرٍ من خدوركم قلبي
أأبقى نحيل الجسم في أرض غربةٍ وحاديكم يحدو بقلبي مع الرَّكب
******************
وقال آخر:
ودعت قلبي حين ودعتهم وقلت يا قلبي عليك السلامُ
وصحتُ بالنوم انصرف راشداً فإن عيني بعدهم لا تنامُ
******************
يقول ابن زيدون:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
************************
يقول أبو صخر الهذلي:
صبرت فلما غال نفسي وشفها عجاريف نأي دونها غلب الصبر
إذا لم يكن بين الحبيبين ردة سوى ذكر شيء قد مضى درس الذكر
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر
************************
يقول المتنبي
فليت هوى الأحبة كان عدلاً فحمل كل قلب ما أطاقا(118/1)
**********************
ويقول أيضاً
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
*********************
ويقول أيضاً
كفى بك داءً أن يكون الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
*********************
ويقول أيضاً
أما في هذه الدنيا كريم تزول به عن النفس الهموم
*********************
ويقول أيضاً
أما تغلط الأيام في بأن أرى صديقاً تباعد أو عدواً تقرب
*********************(118/2)
الفرج
يقول الشاعر:
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر نفعاً وما أجدى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت فموصول بها فرج قريب
*****************
وقال بشار بن برد:
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
*****************
وقال آخر:
أيا صاحبي إن رمت أن تكسب العلا وترقى إلى العلياء غير مزاحم
عليك بحسن الصبر في كل حالة فما صابر فيما يروم بنادم
*****************
وقال آخر:
إذا المرء لم يتركْ طعاماً يُحِبُّهُ ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيث يمما
فيوشك أن تلقى له الدهرَ سُبَّةً إذا ذُكِرَتْ أمثالهُا تملأ الفما
*****************
وقال آخر:
ومَنْ هجر اللذات نال المنى ومن أكبَّ على اللذات عضَّ على اليد
*****************
وقال آخر:
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمر نجا
من صدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا
*****************
وقال آخر:
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
*****************
وقال آخر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان
*****************
وقال آخر:
ولا تجزع إذا أعسرت يوماً فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تظنن بربك ظن سوء فإن الله أولى بالجميل
وإن العسر يتبعه يسار وقول الله أصدق كل قيل
فلو أن العقول تسوق رزقاً لكان المال عند ذوي العقول
*****************
وقال آخر:
استعمل الصبر تجني بعده العسلا ولازم الباب حتى تبلغ الأملا
لا ومرغ الخد في أعتابه سحراً واحمل لمرضاته في الحب كل بلا
فما يفوز بوصل يا أخي سوى صب لثقل الهوى والوجد قد حملا
هذا الحبيب ينادى في الدجى سحراً فانهض وكن رجلاً بالسعي قد وصلا
*****************
وقال آخر:
إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر(119/1)
وقل من جد في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
*****************
وقال ابن نباتة:
صبراً على نوب الزمان وإن أبي القلب الجريح
فلكل شيء آخر إما جميل أو قبيح
*****************
وقال آخر:
فالصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
*****************
وقال آخر:
وكل شيء ينتهي إلى مدى والشيء يرجى كشفه إذا انتهى
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف رمى
كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى
*****************
وقال آخر:
فصبر جميل إن في اليأس راحة إذا الغيث لم يمطر بلادك ماطره
*****************
وقال آخر:
قد يدرك المتأني نجح حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
*****************
وقال آخر:
إذا ثارت خطوب الدهر يوماً عليك فكن لها ثبت الجنان
*****************
وقال إبراهيم بن العباس
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
*****************
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى
كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى
*****************
ويروى أن رجلا ركب البحر فكسر به فوقع في جزيرة من جزائر البحر فمكث فيها ثلاثا لا يرى أحداً ولا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا فيئس من الحياة فتمثل:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب
فأجابه مجيب يقول:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب
فنظر فإذا سفينة في البحر فلوح لهم فأتوه فحملوه وأصاب معهم خيراً ورجع إلى أهله سالما
*****************
ويروى لأبي محجن الثقفي:
عسى فرجٌ يأتي به الله إنَّه له كلَّ يومٍ في خليقته أمر
عسى ما ترى ألاَّ يدوم وأن ترى له فرجاً ممَّا ألحّ به الدَّهر
إذا اشتدَّ عسرٌ فارج يسراً فإنَّه قضى الله أنَّ العسر يتبعه اليسر
*****************
وقال منصور الفقيه:
إذا الحادثات بلغن المدى وكادت لهنَّ تذوب المهج(119/2)
وحلّ البلاء وقلّ الوفا فعند التَّناهي يكون الفرج
*****************
وقال آخر:
صبراً جميلاً على ما ناب من حدث والصبر ينفع أحياناً إذا صبروا
الصبر أفضل شيء تستعين به على الزمان إذا ما مسك الضرر
*****************
وقال آخر:
تعز بحسن الصبر عن كل هالك ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم
إذا أنت لم تسل اصطبارا وخشية سلوت على الأيام مثل البهائم
وليس يذود النفس عن شهواتها من الناس إلا كل ماضي العزائم
*****************
وقال آخر:
فلا تجزع إذا حملت هماً يقطع النفسا
فأقرب ما يكون المرء من فرج إذا يئسا
*****************
وقال آخر:
كن عن همومك معرضاً وكل الأمور إلى القضا
وابشر بخيرٍ عاجلٍ تنسى به ما قد مضى
فلربَّ أمرٍ مسخطٍ لك في عواقبه الرِّضا
*****************
وقال آخر:
صبرت ومن يصبر يجد غب صبره ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم
ومن لا يطب نفساً ويستبق صاحباً ويغفر لأهل الود يضرم ويصرم
*****************
وقال آخر:
وكم من ليلة بت في كربة يكاد الرضيع لها يشيب
فما أصبح الصبح إلا أتى من الله نصرٌ وفتح ٌ قريب
*****************
وقال آخر:
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البالي
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغيّر الله من حال إلى حالِ
*****************
وقال آخر:
كن لما لا ترجو من الأمر أرجى منك يوماً لما له أنت راج
إنَّ موسى مضى ليطلب ناراً من ضياء رآه والَّليل داج
فأتى أهله وقد كلَّم الل ـه وناجاه وهو خير مناج
وكذا الأمر كلَّما ضاق بالنَّا س أتى الله فيه ساعةً بالانفراج
*****************
وقال آخر:
لا تعجلن فربما عجل الفتى فيما يضره
فالعيش أحلاه يعو د على حلاوته بمره
ولربما كره الفتى أمراً عواقبه تسره
*****************
وقال أحمد بن محمود، وقيل إنها لأحمد بن صالح:
إذا اشتملت على النَّاس الخطوب وضاق لما به الصَّدر الرَّحيب
وأوطنت المكاره واطمأنَّت وأرست في أماكنها الخطوب(119/3)
ولم تر لانفراج الضِّيق وجهاً وقد أعيى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ يمنّ به الَّلطيف المستجيب
وكلُّ الحادثات إذا تناهت فموصولٌ بها الفرج القريب
ومولانا الإله فخير مولى له إحسانه ولنا الذُّنوب
*****************
وقال آخر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ
*****************
وقال آخر:
فإذا أتتك مصيبة فاصبر لها عظمت مصيبة مبتلىً لا يصبر
*****************
وقال أبو العتاهية:
النَّاس في الدِّين والدُّنيا ذوو درجٍ والمال ما بين موقوفٍ ومختلج
من ضاق عنك فأرض الله واسعةٌ في كلّ وجه مضيقٍ وجه منفرج
قد يدرك الرَّاقد الهادي برقدته وقد يخيب أبو الرَّوحات والدُّلج
خير المذاهب في الحاجات أنجحها وأضيق الأمر أدناه من الفرج
*****************
وقال آخر:
سأصبر للزَّمان وإن رماني بأحداثٍ تضيق بها الصُّدور
وأعلم أنَّ بعد العسر يسراً يدور به القضاء المستدير
*****************
وقال آخر:
سيفتح باب إذا سد باب نعم وتهون الأمور الصعاب
ويتسع العيش من بعد ما تضيق المذاهب فيها الرحاب
مع الهم يسران هون عليك فلا الهم يجدي ولا الاكتئاب
فكم ضقت ذرعاً بما هبته فلم ير من ذاك قدر يهاب
وكم برد خفته من سحاب فعوفيت وانجاب عنك السحاب
ورزق أتاك ولم تأته ولا أرق العين منه الطلاب
وناء عن الأهل من بعدما علاه من الموج طام عباب
إذا احتجب الناس عن سائل فما دون سائل ربي حجاب
يعود بفضل على من رجاه وراجيه في كل حين يجاب
فلا تاس يوما على فائت وعندك منه رضاء واحتساب
فلا بد من كون ما خط في كتابك, تحبى به أو تصاب
فمن حائل دون ما في الكتاب ومن مرسل ما أباه الكتاب
إذا لم تكن تاركاً زينة إذا المرء جاء بها يستراب
تقع في مواقع تردى بها وتهوي إليك السهام الصياب
تبين زمانك ذا واقتصد فإن زمانك هذا عذاب
واقفل عتاباً فما فيه من يعاتب حين يحق العتاب
مضى الناس طراً وبادوا سوى أراذل عنهم تجل الكلاب(119/4)
يلاقيك بالبشر دهماؤهم وتسليم من رق منهم سباب
فأحسن وما الحر مستحسن صيان لهم عنهم واجتناب
فدع ما هويت فان الهوى يقود النفوس إلى ما يعاب
وميز كلامك قبل الكلام فان لكل كلام جواب
فرب كلام يمص الحشا وفيه من المزح ما يستطاب
****************
وقال محمود الوراق:
تعز بحسن الصبر عن كل هالك ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم
إذا أنت لم تسل اصطباراً وحسبة سلوت على الأيام مثل البهائم
وليس يذود النفس عن شهواتها من الناس إلا كل ماضي العزائم
*****************
قال أبو العتاهية:
اصبر لكل مصيبةٍ وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد
أو ما ترى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبةٍ? هذا قبيل لست فيه بأوحد
وإذا أتتك مصيبة تشجي بها فاذكر مصابك بالنبي محمد
*****************
وقال آخر:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها؟
*****************
وقال آخر:
ومن عاش في الدنيا فلا بد أن يرى من العيش ما يصفو وما يتكدر
*****************
وقال محمود الوراق:
إني رأيت الصبر خير معول في النائبات لمن أراد معولا
ورأيت أسباب القناعة أكدت بعرى الغنى فجعلتها لي معقلا
فإذا نبا بي منزل جاوزته وجعلت منه غيره لي منزلا
وإذا غلا شيء علي تركته فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
*****************
وقال آخر:
إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة فافرغ لها صبرا ووسع لها صدرا
فإن تصاريف الزمان عجيبة فيوماً ترى يسراً ويوماً ترى عسرا
*****************
وقال آخر:
أما والذي لا يعلم الغيب غيره ومن ليس في كل الأمور له كفو
لئن كان بدء الصبر مراً مذاقه ... لقد يجتني من بعده الثمر الحلو
*****************
وقال آخر:
عسي فرج يكون عسي نعلل نفسنا بعسى
فلا تجزع إذا قابلـ ـت هماً يقطع النفسا
فأقرب ما يكون المر ء من فرج إذا يئسا
****************
يقول أبو فراس الحمداني:
صاحبٌ لمَّا أساءَ أتبعَ الدَّلوَ الرشاءَ(119/5)
ربَّ داءٍ لا أرى منهُ سوى الصبرِ شفاءَ
أحمدُ اللهَ على ما سرَّ منْ أمري وساءَ
************************
يقول ابن عبد ربه الأندلسي:
ما أقربَ اليأسَ منْ رجائي وَأبعدَ الصَّبرَ منْ بُكائي!
يا مُذكيَ النارِ في فؤادي أنتَ دوائي وأنتَ دائي
************************
يقول أبو العتاهية:
إنّ في الصّبرِ وَالقُنوعِ غنى الدّهرِ حِرْصُ الحريصِ فقرٌ مُقيمُ
إنمَا الناسُ كالبهائِمِ في الرزقِ سَواءٌ جَهولُهمْ وَالعليمُ
ليسُ حزمُ الفتى يجرُّ لهُ الرزْقَ ولا عاجزاً يُعدُّ العديمُ
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
الصبر راحلتي والحلم منسأتي نهلت من ساحل المعروف والكرم
************************
يقول ابن المقري:
لا شيءَ أولىَ بصبرِ المرءِ في قدرٍ لابُدَّ منهُ وخطبٍ غيرِ منتقلِ
************************(119/6)
الفقر
يقول ابن نباتة:
رأيت الغنى عند الأراذل محنةً على الناس مثل الفقر عند الأفاضلِ
******************
يقول حافظ إبراهيم:
أيُّها الرَّافلون في حلل الوشي يجُرُّونَ للذيولِ افتخَارا
إِنَّ فَوقَ العراءِ قَوماً جياعاً يتوارَوْنَ ذلَّةً وانكسارا
******************(120/1)
الفهم
يقول المتنبي:
وكم عائبٍ قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
********************************
ويقول أيضاً
وهل يصح في الأفهام شيءُ إذا احتاج النهار إلى دليل
********************************
ويقول أيضاً
ومن يك ذا فم مرٍ مريضٍ يجد مراً به الماء الزلالا
********************************(121/1)
القبر
قال الشاعر:
كل ابن أنثى لو تطاول عمره إلى الغاية القصوى فللقبر آيل
******************
وقال آخر:
غيرت موضع مرقدي يوما ففارقني السكون
قل لي فأول ليلتي في حفرتي أني أكون
******************
وقال آخر:
أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر
تفانوا جميعا وماتوا جميعا ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوْ أما لك في ما مضى معتبر
******************
وقال آخر:
والله لو عاش الفتى من عمره ألفاً من الأعوام مالك أمره
متنعماً فيها بكل نفيسة متنعماً فيها بنعمى عصره
لا يعتريه الهم طول حياته أبداً ولا تجري الهموم بباله
ما كان ذلك كله في أن يفي بمبيت أول ليلة في قبره
******************
وقال آخر:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا من أعالي عز معقلهم فأسكنوا حفرة يا بئس ما نزلوا
فإذا همو صارخ من بعد ما دفنوا أين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت محجبة وكان من دونها الأستار والكلل
فافصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا فأصبحوا بعد ذاك الأكل قد أكلوا
******************
وقال آخر:
يا كثير الرقاد والغفلات كثرة النوم تورث الحسرات
إن في القبر إذ نزلت إليه لرقاداً يطول بعد الممات
أأمنت الثبات من ملك الموت أم أنادي منادٍ بالبينات
******************
وقال آخر:
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعى لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع
******************
وقال أبو العتاهية:
سألت الدار تخبرني عن الأحباب ما فعلوا
فقالت لي أناخ القوم أياماً وقد رحلوا
قلت فأين أطلبهم؟ وأيّ منازلٍ نزلوا
فقالت بالقبور وقد لقوا والله ما فعلوا
أناسٌ غرّهم أملٌ فبادرهم به الأجل
فنوا وبقي على الأيام ما قالوا وما عملوا
وأثبت في صحائفهم قبيح الفعل والزلل(122/1)
فلا يستعتبون ولا لهم ملجأ ولا حيل
ندامى في قبورهم وما يغني وقد حصلوا
******************
وقال آخر:
خرجت من الدنيا وقامت قيامتي غداً يثقل الأشخاص حمل جنازتي
وتضحك أهلي حول قبري وصيروا خروجي وتعجيلي إليه كرامتي
كأنهم لم يعرفوا قط صورتي عليهم غداً يأتي كيومي وساعتي
******************
وقال آخر:
هب أنك قد ملكت الأرض ودان لك العبادُ فكان ماذا
أليس إذن مصيرك جوف قبر ويحثي التُرب هذا ثم هذا
******************
وقال آخر:
قف بالديار فهذه آثارهم تبكي الأحبة حسرة وتشوقا
كم قد وقفت بها أسائل أهلها عن حالها مترحما أو مشفقا
فأجابني داعي الهوى في رسمها فارقت من تهوى وعز الملتقى
******************
وقال آخر:
لاه بدنياه والأيام تنعاه والقبر غايته واللحد مثواه
يلهو ول كان يدري ما أعد له إذا لأحزنه ما كان ألهاه
أو ما جنت يده لو كنت تعرفه ويلاه مما جنت كفاه ويلاه
******************
وقال آخر:
وما هي إلا ليلة ثم يومها ويوم إلى يوم وشهر إلى شهر
مطايا يقربن الجديد إلى البلى ويدنين أشلاء الصحيح إلى القبر
ويتركن أزواج الغيور لغيره ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر
******************
وقال آخر:
قف بالقبور وقل على ساحاتها من منكم المغمور في ظلماتها
ومن المكرم منكم في قعرها قد ذاق برد الأمن من روعاتها
أما السكون لذي العيون فواحد لا يستبين الفضل في درجاتها
لو جاوبوك لأخبروك بألسن تصف الحقائق بعد من حالاتها
أما المطيع فنازل في روضة يفضي إلى ما شاء من دوحاتها
والمجرم الطاغي بها متقلب في حفرة يأوي إلى حياتها
وعقارب تسعى إليه فروحه في شدة التعذيب من لدغاتها
******************(122/2)
القدر
يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن يرقَ أسباب السماء بسلّمِ
******************
قال الشافعيً
يريد المرء أن يعطى مناه ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفادا
************************
يقول الشاعر:
سيفتح باب إذا سد باب نعم وتهون الأمور الصعاب
ويتسع العيش من بعد ما تضيق المذاهب فيها الرحاب
مع الهم يسران هون عليك فلا الهم يجدي ولا الاكتئاب
فكم ضقت ذرعاً بما هبته فلم ير من ذاك قدر يهاب
وكم برد خفته من سحاب فعوفيت وإنجاب عنك السحاب
ورزق أتاك ولم تأته ولا أرق العين منه الطلاب
وناء عن الأهل من بعدما علاه من الموج طام عباب
إذا احتجب الناس عن سائل فما دون سائل ربي حجاب
يعود بفضل على من رجاه وراجيه في كل حين يجاب
لا تأس يوماً على فائت وعندك منه رضا واحتساب
فلا بد من كون ما خط في كتابك , تحبى به أو تصاب
فمن حائل دون ما في الكتاب ومن مرسل ما أباه الكتاب
تقع في مواقع تردى بها وتهوي إليك السهام الصياب
تبين زمانك ذا واقتصد فان زمانك هذا عذاب
واقفل عتاباً فما فيه من يعاتب حين يحق العتاب
مضى الناس طرا وبادوا سوى أراذل عنهم تجل الكلاب
يلاقيك بالبشر دهماؤهم وتسليم من رق منهم سباب
فأحسن وما الحر مستحسن صيان لهم عنهم واجتناب
فدع ما هويت فان الهوى يقود النفوس إلى ما يعاب
وميز كلامك قبل الكلام فان لكل كلام جواب
فرب كلام يمص الحشا وفيه من المزح ما يستطاب
************************
يقول ابن المقري
لا تجزعنَّ لخَطبٍ ما به حِيَلٌ تُغني إلا فلا تَعْجَزْ عن الحيَلِ
************************
يقول ابن دريد:
لنْ تستطيعَ لأمرِ اللهِ تعقيبا فَاسْتَنْجِدِ الصَّبْرَ أَو فَاسْتَشْعِرِ الحُوبَا
وافْزَعْ إِلَى كَنَفِ التَّسْلِيمِ وَارْضَ بِمَا قَضَى المُهَيْمِنُ مَكْرُوهاً ومَحْبُوبَا(123/1)
إِنَّ العَزَاءَ إِذَا عَزَّتْهُ جَائِحَة ٌ ذَلَّتْ عَرِيكَتُهُ فَانْقَادَ مَجْنُوبَا
فإنْ قرنتْ إليهِ العزمَ أيَّدهُ حتَّى يعودَ لديهِ الحزنُ مغلوبا
*******************
ويقول أيضاً:
فَارْمِ الأَسَى بِالأُسَى يُطْفِي مَوَاقِعَهَا جمراً خلالَ ضلوعِ الصَّدرِ مشبوبا
منْ صاحبَ الدَّهرِ لمْ يعدمْ مجلجلة ً يظلُّ منها طوالَ العيشِ منكوبا
*******************(123/2)
القرآن
قال الشاعر:
نعم السمير كتاب الله إن له حلاوة هي أحلى من جنيك الضرب
به فنون المعاني قد جمعن فما تفتر من عجب إلا إلى عجب
أمر ونهي وأمثال وموعظة وحكمة أودعت في أفصح الكتب
لطائف يجتليها كل ذي بصر وروضة يجتنيها كل ذي أدب
*****************
وقال آخر:
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا كفى لمطايانا بنورك هاديا
*****************
وقال آخر:
ألفاظه كعقود الدر ساطعة وآيه لظلام الجهل أقمار
رقت معانيه إذ دقت لطائفه فأمعنت فيه ألباب وأفكار
كفى به لأولي الألباب تبصرة أن أنصفوا وبحكم العقل ما جاروا
به هدى الله أقواماً وأيدهم فأصبحوا وعلى المنهاج قد ساروا
*****************
وقال آخر:
سمعتك يا قرآن والليل واجم سريت تهز الكون سبحان من أسرى
فتحنا بك الدنيا فأشرق نورها وسرنا على الأفلاك نملؤها أجرا
*****************
وقال ابْنَ رَوَاحَةَ رضي الله عنه:
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ من الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْكَافِرِينَ الْمَضَاجِعُ
*****************
وقال آخر:
جميع الكتب يُدرك من قراها مِِِلالٌ أو فتورٌ أو سآمة
سِوى القرآن فافهم واستمع لي وقول المصطفى يا ذا الشهامة
*****************
وقال آخر:
أعد ذكر قال الله قال رسوله هما المسك ما كررته يتضوَّع
*****************(124/1)
القناعة
يقول الشافعي:
إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين فما يغني عن الموت الدواء
*****************
وقال الأضبط بن قريع:
اقنع من الدهر ما أتاك به من قر عيناً بعيشه نفعه
قد يجمع المال غير آكله ويأكل المال غير من جمعه
*****************
وقال عبد الله الصُّوري:
لمَّا رأيت النَّاس قد أصبحوا وهمَّة الإنسان ما يجمع
قنعت بالقوت فنلت المنى والفاضل العاقل من يقنع
ولم أنافس في طلاب الغنى علماً بأنَّ الحرص لا ينفع
****************
وقال آخر:
النفس تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غناً يطغيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها
****************
وقال آخر:
هي القناعة فالزمها تكن ملكا لو لم تكن لك إلا راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الطيب والكفن
*****************
وقال آخر:
تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حرير وذو نسب مفارشه التراب
*****************
وقال آخر:
ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له ولن ترى قانعاً ما عاش مفتقرا
والعرف من يأته تحمد عواقبه ما ضاع عرف وإن أوليته حجرا
*****************
وقال عبد الله بن المبارك:
لله درّ القنوع من خلق! كم من وضيع به ارتفعا؟!
يضيق الفتى بحاجته ومن تأسى بدونه اتسعا
*****************
وقال آخر:
اقنع بأيسر رزق أنت نائله واحذر ولا تتعرض للإرادات
فما صفا البحر إلا وهو منتقص ولا تعكر إلا في الزيادات
*****************
وقال الشافعي:
قنعت بالقوت من زماني وصنت نفسي عن الهوان
خوفا من الناس أن يقولوا فضل فلان على فلان
من كنت عن ماله غنياً فلا أبالي إذا جفاني
ومن رآني بعين نقص رأيته بالتي رآني
ومن رآني بعين تم رأيته كامل المعاني
*****************(125/1)
وها هي ميسون بنت بحدل الكلبيّة أم يزيد بن معاوية تنفر من قصور معاوية بن أبي سفيان ومن مظاهر الأبّهة فيها، وتحنّ إلى مسقط رأسها في البادية، وتنشد قائلة:
لبيت تخفق الأرواح فيه أحبّ إليّ من قصر منيف
ولبس عباءة وتقرّ عيني أحبّ إليّ من لبس الشفوف
وأكل كسيرة في كسر بيتي أحبّ إليّ من أكل الرغيف
وكلب ينبح الطراق دوني أحبّ إليّ من قط ألوف
وأصوات الرياح بكل فجّ أحبّ إليّ من نقر الدفوف
وخرق من بني عمي نحيف أحبّ إليّ من علج عليف
خشونة عيشتي في البدو أشهى إلى نفسي من العيش الظريف
فلما سمع معاوية الأبيات قال لها: ما رضيت ـ يا ابنة بحدل ـ حتى جعلتني علجًا عليفاً، وقال لها: كنت فبنت، فقالت: لا والله، ما سررنا إذا كنا، ولا أسفنا إذا بنّا.
*****************
وقال آخر:-
رغيف خبز يابس تأكله في عافية
وكوز ماء بارد تشربه من صافية
وغرفة ضيقة نفسك فيها راضية
ومصحف تدرسه مستندًا لسارية
*****************
وقال آخر:
يا جامعاً مانعاً والدهر يرمقه مقدراً أي باب منه يغلقه
مفكراً كيف تأتيه منيته أغادياً أم بها يسرى فتطرقه
جمعت مالاً فقل لي هل جمعت له يا جامع المال أياماً تفرقه
المال عندك مخزون لوارثه ما المال مالك إلا يوم تنفقه
أرفه ببال فتى يغدو على ثقة أن الذي قسم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصون ما يدنسه والوجه منه جديد ليس يخلقه
إن القناعة من يحلل بساحتها لم يبق في ظلها هم يؤرقه
*****************(125/2)
الكبر
قال الشاعر:
يا مظهر الكبر إعجاباً بصورته أبصر خلاءك إنّ المين تثريب
لو فكر النّاس فيما في بطونهم ما استشعر الكبر شبّانٌ ولا شيب
***************
وقال آخر:
قل لمن فاخر بالدنيا وحامى قتلت قبلك ساماً ثم حاما
ندفن الخِلَّ وما في دفننا بعده شك ولكن نتعامى
إن قدامك يوماً لو به هددت شمس الضحى عادت ظلاما
فانتبه من رقدة اللهو وقم وانف عن عين تماديك المناما
صاح صح بالقبر يخبرك بما قد حوى واقرأ على القوم السلاما
فالعظيم القدر لو شاهدته لم تجد في قبره إلا العظاما
****************
وقال أبو العتاهية:
يا عجباً للناس لو فكروا وحاسبوا أنفسهم أبصروا
وعبروا الدنيا إلى غيرها فإنما الدنيا لهم معبر
لا فخر إلا فخر أهل التقى غداً إذا ضمهم المحشر
ليعلمن الناس أن التقي والبر كانا خير ما يدخر
عجبت للإنسان في فخره وهو غداً في قبره يقبر
ما بال من أوله نطفة وجيفة آخره يفجر
أصبح لا يملك تقديم ما يرجو ولا تأخير ما يحذر
وأصبح الأمر إلى غيره في كل ما يقضي وما يقدر
************************
يقول أبو العتاهية:
فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَة فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ
لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضاء
وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ
************************
يقول المتنبي:
ولقد رأيت الضر أحسن منظراً وأهون من مرأى صغير به كبر
***********************(126/1)
الكتاب
يقول أحمد شوقي:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب
***********************(127/1)
الكذب والصدق
قال الشاعر:
لا يكذب المرء إلاّ من مهانته أو عادة السّوء أو من قلّة الأدب
لبعض جيفة كلبٍ خير رائحةٍ من كذبة المرء في جدٍ وفي لعب
*****************
وقال محمود الوراق:
الصدق منجاة لأربابه وقربة تدني من الرب
*****************
وقال آخر:
حسب الكذوب من البلية بعض ما يحكى عليه
فمتى سمعت بكذبة من غيره نسبت إليه
*****************
وقال آخر:
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى فقد عز في الدارين واستوجب الثنا
فإن خالف الإعلان سراً فما له على سعيه فضل سوى الكد والعنا
فما خالص الدينار في السوق نافق ومغشوشه المردود لا يقتضى المنا
*****************(128/1)
الكرم
قال ربيعه الرقي:
شتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتمِ
فهمُّ الفتى الأزدي إتلاف ماله وهمُّ الفتى القيسيّ جمع الدراهمِ
فلا يحسب القيسي أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم
******************
وقال شمس الدين البديوي:
إذا المرء وافى منزلاً منك قاصداً قراك وأرمته لديك المسالك
فكن باسماً في وجهه متهللاً وقل مرحباً أهلاً ويوم مبارك
وقدم له ما تستطيع من القرى عجولاً ولا تبخل بما هو هالك
فقد قيل بيت سالف متقدم تداوله زيد وعمرو ومالك
بشاشة وجه المرء خير من القرى فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك
******************
وقال آخر:
الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عاريّة والعمْر رحالُ
المال كالماء إِنْ تحبس سواقِيَه يأسن وإن يجرِ يعذب منه سلسالُ
******************
وقال الشافعي:
يا لهف نفسي على مال أفرقه على المقلَّين من أهل المروءات
إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
*****************
وقال أيضاً:
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
******************
ومن الأسخياء من تَسْمُو به الحال، فيرى أن الفضل والمنَّة إنما هي لمن جاء يستجديه ويسأله؛ حيث أحسن الظنَّ به، وتكرَّم عليه؛ فهذا من غرائب السخاء، وينسب لابن عباس _رضي الله عنهما_ أنه قال:
إذا طارِقَاتُ الهمِّ ضَاجعت الفتى وأعْمل فكرَ الليلِ والليلُ عاكرُ
وباكرني في حاجة لم يجدْ بها سواي ولا مِنْ نكبة الدهرِ ناصرُ
فَرَجتُ بمالي همَّهُ من مقامه وزايله همٌّ طروقٌ مسامرُ
وكان له فضل عليَّ بظنه بي الخير إني للذي ظنَّ شاكرُ
******************
وقال آخر:
أخو البشر محمود على كلّ حالةٍ ولن يعدم البغضاء من كان عابساً
ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ولم أر مثل الجود للعرض حارساً
******************
وقال آخر:
إذا حال حول لم تجد في دياره من المال إلا ذكره وجمائله(129/1)
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت نائله
تعود بسط الكف حتى لو أنه أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه لجاد بها فليتق الله سائله
******************
وقال آخر:
أبيت خميص البطن عريان طاويا وأوثر بالزاد الرفيق على نفسي
وامنحه فرشي وافترش الثرى واجعل ستر الليل من دونه لبسي
******************
وقال آخر:
وعد من الرحمن فضلاً ونعمة عليك إذا ما جاء للخير طالب
ولا تمنعن ذا حاجة جاء راغباً فإنك لا تدرى متى أنت راغب
******************
ويقول حاتم الطائي:
أماوي إن المال غاد ورائح ويبقي من المال الأحاديث والذكر
وقد علم الأقوام لو أن حاتماً أراد ثراء المال كان له وفر
******************
وقال آخر:
كريم كريم الأمهات مهذب تدفق يمناه الندى وشمائله
هو البحر من أي الجهات أتيته فلجته المعروف والجود ساحلة
جواد بسيط الكف حتى لو أنه دعاها لقبض لم تجبه أنامله
************************
يقول أبو النواس:
فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يسير الجود حيث يسير
************************
يقول المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
******************(129/2)
الكريم
يقول المتنبي
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
******************(130/1)
اللئيم
يقول المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
******************(131/1)
اللذة من الحرام تفنى
يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ، ويبقى الإثم والعار
******************(132/1)
اللسان
قال الشاعر:
ألم تر مفتاح الفؤاد لسانه ذا هو أبدى ما يقول من الفم
وكائن ترى من صاحبٍ لك معجبٍ زيادته أو نقصه في التّكلم
لسان الفتى نصفٌ و نصفٌ فؤاده فلم يبق إلا صورة اللّحم والدَّم
************************
وقال منصور الفقيه:
عليك السُّكوت فإن لم يكن من القول بدٌّ فقل أحسنه
فرَّبتما فارقت بالّذي تقول أماكنها الألسنة
************************
وأنشد ابن المبارك أخاً له كان يصحبه:
واغتنم ركعتين زلفى إلى اللـ ـه إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا ما هممت بالمنطق البا طل فاجعل مكانه تسبيحا
إنّ بعض السكوت خيرٌ من النطـ ـق وإن كنت بالكلام فصيحا
*****************
وفي ذم الجدال يقول ابن الرومي:
لذوي الجدال إذا غَدَوا لجدالهم حُجَجٌ تضلُّ عن الهدى وتَجُورُ
وُهُنٌ كآنيةِ الزُّجاج تَصَادمتْ فهوَت، وكلٌّ كاسرٌ مَكْسورُ
فالقاتِلُ المقتولُ ثَمَّ لِضَعْفه ولوهيِه، والآسرُ المَأْسُورُ
*****************
وقال آخر:
إذا ما ذكرت الناس فاترك عيوبهم فلا عيب إلا دون ما منك يذكر
فإن عبت قوما بالذي ليس فيهم فذلك عند الله والناس أكبر
وإن عبت قوماً بالذي فيك مثله فكيف يعيب العور من هو أعور
وكيف يعيب الناس من عيب نفسه أشد إذا عد العيوب وأنكر
متى تلتمس للناس عيباً تجد لهم عيوباً ولكن الذي فيك أكثر
فسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبك من عينيك أهدى وأبصر
*****************
وقال نصر بن أحمد:
لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل وكلّ امرئ ما بين فكَّيه مقتل
وكم فاتحٍ أبواب شرٍّ لنفسه إذا لم يكن قفلٌ على فيه مقفل
إذا ما لسان المرء أكثر هذره فذاك لسانٌ بالبلاء موكّل
إذا شئت أن تحيا سعيداً مسلَّماً فدبّر وميّز ما تقول وتفعل
*****************
وقال صالح بن جناح:
أقلل كلامك واستعذ من شرّه إنّ البلاء ببعضه مقرون
واحفظ لسانك واحتفظ من غيّه حتّى يكون كأنَّه مسجون
وكِّل فؤادك باللِّسان وقل له إنّ الكلام عليكما موزون(133/1)
فزناه وليك محكماً في قلّةٍ إنّ البلاغة في القليل تكون
*****************
وقال آخر:
عوّد لسانك قول الصِّدق تحظ به إنّ الِّلسان لما عوّدت معتاد
موكل بتقاضي ما سننت له فاختر لنفسك وانظر كيف ترتاد
*****************
وقال غيره:
يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه وليس يموت الرَّجل من عثرة الرِّجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه وعثرته بالرِّجل تبرا على مهل
*****************
وقال آخر:
والصمتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفُ وفيه أيضاً لصونِ العرض إصلاحُ
أما ترى الأسدَ تخشى وهي صامتةٌ والكلبُ يخزى لعمرُ اللهِ نباحُ
*****************
وقال المنتصر بن بلال الأنصاري:
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا فيهتك الناس ستراً من مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحداً عيباً بما فيكا
****************
وقال آخر:
كم من حسيب كريم كان ذا شرف قد شانه الكذب وسط الحي إن عمدا
وآخر كان صعلوكا فشرفه صدق الحديث وقول جانب الفندا
فصار هذا شريفاً فوق صاحبه وصار هذا وضيعاً تحته أبدا
*****************
وقال آخر:
الكذب مرديك وإن لم تخف والصدق منجيك على كل حال
فانطق بما شئت تجد غبه لم تبتخس وزنة مثقال
*****************
وقال آخر:
كذبت ومن يكذب فإن جزاءه إذا ما أتى بالصدق أن لا يصدقا
إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل لدى الناس كذابا وإن كان صادقا
ومن آفة الكذاب نسيان كذبه وتلقاه ذا فقه إذا كان حاذقا
*****************
وقال آخر:
الصدق يعقد فوق رأس حليفه بالصدق تاجا
والصدق يقدح زنده في كل ناحية سراجا
*****************
وقال المنتصر بن بلال:
تحدث بصدق إن تحدثت وليكن لكل حديث من حديثك حين
فما القول إلا كالثياب فبعضها عليك وبعض في التخوت مصون
*****************
وقال آخر:
أوجع من وخزة السنانِ لذي الحِجا: وخزة اللسانِ
*****************
وقال آخر:
رأيت لسان المرء آية عقله وعنوانه فانظر بماذا تعنون
ولا تنس إصلاح اللسان فإنه يخبر عما عنده ويبين(133/2)
ويعجبني زي الفتى وجماله فيسقط من عيني ساعة يلحن
*****************
وقال آخر:
إذا ما المرء أخطأه ثلاث فبعه ولو بكف من رماد
سلامة صدره والصدق منه وكتمان السرائر في الفؤاد
****************
وقال آخر:
تَحَفّط من لسانك ليس شيءٌ أحق بطول سجن من لسانِ
*****************
وقال آخر:-
إن اللسان إذا حَللتَ عِقاله ألقاك في شنعاءَ ليس تُقالُ
*****************
وقال آخر:
احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
*****************
وقال آخر:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلي إن البلاء موكل بالمنطق
*****************
وقال آخر:
إذا شئت أن تحيا سليماً من الاذى وحظك موفورٌ وعرضك صيَّنُ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عوراتٌ وللناس السنُ
وعينك إن أبدت إليك مساوئاً فصنها وقل يا عين للناس أعينُ
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ
*****************
وقال آخر:
حفظ اللسان عن القبيح أمانُ يزكو به الإسلام والإيمانُ
وإذا جِنايات الجوارح عُددت فأشدها يجني عليك لسانُ
من كف كف الناس عنه إلا الخنا فكما تدين تُدانُ
*****************
وقال آخر:
وزن الكلام إذا نطقت فإنما يبدي عقول ذوي العقول المنطق
*****************
وقال آخر:
وإن لسان المرء ما لم تكن له حصاة على عوراته لدليل
*****************
يقول طرفة بن العبد:
زن الكلام و لا تكن ثرثارة في كل ناد تخطب
******************
يقول الشاعر:
وميز كلامك قبل الكلام فإن لكل كلام جواب
فرب كلام يمص الحشا وفيه من المزح ما يستطاب
************************
يقول ابن المقري:
فكم ندمتُ على ما كنتُ قلتُ به وما ندمتُ على ما لم أكنْ أقل
وأضيقُ الأمرِ أمرٌ لمْ تجدْ معه فتىً يُعينُكَ أو يهديكَ للسبل
************************(133/3)
اللغة العربية
يقول حافظ إبراهيم:
وَسَعْتُ كِتَابُ اللهِ لَفْظَاً وَغَايَةً وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَ أعْجَز ُ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ
أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ فَهَلْ سَاءَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي
فَيَا وَيْحَكُمْ أَبْلَى و َتُبْلَى مَحَاسِنِي وَمِنْكُمْ وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أسَاتِي
فَلاَ تَكِلُونِي للزَّمَانِ فَإِنَّنِي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحِيْنَ وَفَاتِي
أَرَى لِرِجَالِ الغَرْبِ عِزّاً و َمِنْعَةً وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بِعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوا أَهْلَهُم ْ بِالمُعْجِزَاتِ تَفَنُّناً فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ ....بِالكَلِمَاتِ
أَيَطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ يُنَادِي بِوَأدِي فِي رَبِيْعِ حَيَاتِي
******************(134/1)
الله جل جلاله
الله جل جلاله
قال الشاعر:
يا ربي حمداً ليس غيرك يحمد يا من له كل الخلائق تصمدُ
أبواب كل ملكٍ قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ
******************
وقال آخر:
ومما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثُّريَّا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأَنْ أرسلت أحمدَ لي نبيا
****************
وقال آخر:
فلا العرش يحمله ولا الكرسي يسنده بل العرش وحملته والكرسي وعظمته
الكل محمول بلطف قدرته مقهور بجلال قبضته
******************
وقال آخر:
مع الله في سبحات الفكر مع الله في لمحات البصر
مع الله في مطمئن الكرى مع الله عند امتداد السهر
مع الله والقلب في نشوة مع الله والنفس تشكو الضجر
مع الله في أمسنا المنقضي مع الله في غدنا المنتظر
مع الله في عنفوان الصبا مع الله في الضعف عند الكبر
مع الله في الجد من أمرنا مع الله في جلسات السمر
مع الله في حب أهل التقى مع الله في كره من قد فجر
******************
وقال آخر:
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
******************
وقال آخر:
الحمد لله حمداً طاب وانتشرا على ترادف جود في الوجود سرى
الحمد لله حمداً سرمداً أبدا ما أضحك الغيث وجه الأرض حين جرى
حمداً كثيراً به أرقى لحضرته على منابر أنس أبلغ الوطرا
ثم الصلاة على ختم النبوة من إذا تقدم كان الأولون ورا
مع السلام الذي يهدى لحضرته يعم آلاً وصحباً سادة غررا
ونسأل الله توفيقاً لطاعته ورحمة لم نجد من بعدها كدرا
******************
وقال آخر:
سهر العيون لغير وجهك ضائع ورضي النفوس بغير حبك باطل
******************
وقال آخر:
لو لم ترد نيل ما أرجو واطلبه من جود كفك ما علمتني الطلبا
******************
وقال آخر:
أحسن الظن بمن قد عودك حسناً أمس وسوى أودك
إن رباً كان يكفيك الذي كان بالأمس سيكفيك غدك(135/1)
******************
وقال أبو العتاهية:
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
والله في كل تحريكةٍ وفي كل تسكينةٍ شاهد
وفي كل شيءٍ له آية تدل على أنه الواحد
******************
وقال أبو نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك
******************
وقال أبو محمد الأندلسي القحطاني:
إليك وإلا لا تشد الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائبُ
وفيك وإلا فالغرام مضيّع وعنك وإلا فالمحدث كاذبُ
******************
وقال عبدالله بن المبارك:
أيا رب ذا العرش أنت رحيم وأنت بما تخفي الصدور عليم
فيا رب هل لي منك حلماً فإنني أرى الحلم لم يندم عليه حليم
ويا رب هب لي منك عزماً على التقي أقيم به في الناس حيث أقيم
ألا إن تقوى الله أكرم نسبة يسامي بها عند الفخار كريم
إذا أنت نافست الرجال على التقى خرجت من الدنيا وأنت سليم
فحتى متى تعصي الإله؟ إلى متى؟تبارز ربي إنه لرحيم!
ولو قد توسّدت الثرى وافترشته صرعت ولا يلوي عليك حميم
******************
وقال آخر:
معشر الناس ما جننت ولكن أنا سكرانة وقلبي صاحي
لم غللتم يدي ولم آت ذنبا غير هتكي في حبه وافتضاحي
أنا مفتونة بحب حبيب لست أبغي عن بابه من براح
ما على من أحب مولى الموالى وارتضاه لنفسه من جناح
******************
وقال آخر:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن أمنن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تقنط عاصياً الفضل أجزل والمواهب أوسع
ثم الصلاة على النبي وآله خير الأنام ومن به يتشفع
******************
وقال آخر:(135/2)
يا خالق الخلق يارب العباد ومن قد قال في محكم التنزيل أدعوني
إني دعوتك مضطراً فخذ بيدي يا جاعل الأمر بين الكاف والنون
نجيت أيوب من بلواه حين دعا بصير أيوب يا ذا اللطف نجيني
وأطلق سراحي وامنن بالخلاص كما نجيت من ظلمات البحر ذا النون
******************
وقال بعضهم:
يا رب ما زال لطفٌ منك يشملني وقد تجدد بي ما أنت تعلمه
فاصرفه عني كما عودتني كرماً فمن سواك لهذا العبد يرحمه
******************
وقال آخر:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
******************
وقال آخر:
يا منزل الآيات والفرقان بيني وبينك حرمة القرآن
اشرح به صدري لمعرفة الهدى واعصم به قلبي من الشيطان
يسر به أمري وأقض مآربي وأجر به جسدي من النيران
واحطط به وزري وأخلص نيتي واشدد به أزري وأصلح شأني
واكشف به ضري وحقق توبتي واربح به بيعي بلا خسراني
طهر به قلبي وصف سريرتي أجمل به ذكري واعل مكاني
واقطع به طمعي وشرف همتي كثر به ورعي واحي جناني
أسهر به ليلي وأظم جوارحي أسبل بفيض دموعها أجفاني
أمزجه يا رب بلحمي مع دمي واغسل به قلبي من الأضغانِ
أنت الذي صورتني وخلقتني وهديتني لشرائع الإيمان
أنت الذي علمتني ورحمتني وجعلت صدري واعي القرآن
أنت الذي أطعمتني وسقيتني من غير كسب يد ولا دكان
وجبرتني وسترتني ونصرتني وغمرتني بالفضل والإحسان
أنت الذي آويتني وحبوتني وهديتني من حيرة الخذلان
وزرعت لي بين القلوب مودة والعطف منك برحمة وحنان
ونشرت لي في العالمين محاسناً وسترت عن أبصارهم عصياني
وجعلت ذكري في البرية شائعاً حتى جعلت جميعهم إخواني
والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام علي من يلقاني
ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ولبؤت بعد كرامة بهوان
لكن سترت معايبي ومثالبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني(135/3)
فلك المحامد والمدائح كلها بخواطري وجوارحي ولساني
******************
وقال آخر:
سبحان من لو سجدنا بالجباه له على لظى الجمر والمحمى من الأبرِ
لم نبلغ العشر من مقدار نعمته ولا العشير ولو عشر من العشرِ
******************
وقال آخر:
يا رب أول شيء قاله خلدي أني ذكرتك في سري وإعلاني
فوالذي قد هدى قلبي لطاعته لأُذهبن بوحي منك أحزاني
******************
وقال آخر:
مهما كتبنا في علاك قصائداً بالدمع خطت أو دم الأجفان
فلأنت أعظم من مديحي كله وأجل مما دار في الحسبان
******************
وقال آخر:
وكل اجتهاد في سواك مضيّع وكلّ كلام لا بذكرك آفات
وكل اشتغال لا بحبك باطل وكل سماع لا لقولك زلات
وكل وقوف لا لبابك خيبة وكل عكوف لا إليك جنايات
وكل اهتمام دون وصلك ضائع وكل اتجاه لا إليك ضلالات
وكل رجاء دون فضلك آيس وكل حديث عن سواك خطيئات
******************
وقال آخر:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرًا ثقالاً
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تَحمل عذبًا زلالاً
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الريح تصرف حالاً فحالاً
******************
وقال آخر:
إلهي وجاهي إليك اتجاهي وطيدًا مديدًا لترضى فأرضى
فأنت قوامي وأنت انسجامي مع الكون والأمر لولاك فوضى
******************
وقال آخر:
مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل فلن يخيب لنا في ربنا أمل
الله في كل خطب حسبنا وكفى إليه نرفع شكوانا ونبتهل
من ذا نلوذ به في كشف كربتنا ومن عليه سوى الرحمن نتكل
فافزع إلى الله واقرع باب رحمته فهو الرجاء لمن أعيت به السبل
******************
وقال آخر:
إذا كنت تغدو في الذنوب بعيداً وتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوه وأفاض من نعمه عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا في بطن أمك مضغة ووليدا
ولو شاء أن تصلى جهنم خالدا ما كان ألهم قلبك التوحيدا
******************
وقال آخر:
يا من تحل بذكره عقد النوائب والشدائد(135/4)
يا من إليه المشتكى وإليه أمر الخلق عائد
يا حي يا قيوم يا صمد تنزه عن مضادد
أنت الرقيب على العباد وأنت في الملكوت واحد
أنت المعز لمن أطاعك والمذل لكل جاحد
إني دعوتك والهموم جيوشها نحوي تطارد
فأفرج بحولك كربتي يا من له حسن العوائد
فخفي لطفك يستعان به على الزمن المعاند
أنت الميسر والمسبب والمسهل والمساعد
يسر لنا فرجاً قريباً يا إلهي لا تباعد
كن راحمي فلقد يئست من الأقارب والأباعد
ثم الصلاة على النبي وآله الغر الأماجد
وعلى الصحابة كلهم ما خر للرحمن ساجد
******************
وقال آخر:
على شفرات السيف مزقت مهجتي لترضى وإن ترضى عليّ كفاني
فلو كتبتْ منّا الدماء رسالةً لخطَّت بحب الله كل جناني
******************
وقال آخر:
كل ما ترتقي إليه بوهم من جلال وقدرة وسناء
فالذي أبدع البرية أعلى منه سبحان مبدع الأشياء
******************
وقال آخر:
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر أنا جائع أنا ضائع أنا عارِ
هي ستة وأنا الضمين لنصفها فكن الضمين لنصفها يا بارِ
مدحي لغيرك لهب نار خضتها فأجر عبيدك من لهيب النارِ
******************
وقال آخر:
ما زلت أُعرف بالإساءة دائماً ويكون منك العفو والغفران
لم تنتقصني إن أسأت وزدتني حتى كأن إساءتي إحسان
منك التفضل والتكرم والرضا أنت الإله المنعم المنّان
******************
وقال الشاعر:
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في نحرها والمخ من تلك العظام النحل
ويرى خرير الدم في أوداجها متنقلا من مفصل في مفصل
ويرى وصول إذا الجنين ببطنها في ظلمة الأحشا بغير تمقل
ويرى مكان الوطء من أقدامها في سيرها وحثيثها المستعجل
ويرى ويسمع حس ما هو دونها في قاع بحر مظلم متهول
امنن علي بتوبة تمحو بها ما كان مني في الزمان الأول
******************
وقال آخر:
يا من ألوذ به فيما أؤمله وأستعيذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره(135/5)
******************
وقال آخر:
سبحان من يعفو ونهفو دائمًا ولا يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخَطَا
*****************
وقال آخر:
وهو العلي فكل أنواع العلو له ثابتة بلا نكران
وهو العظيم بكل معنىً يوجب التعظيم لا يحصيه من إنسان
وهو الجليل فكل أوصاف الجلال له محققةٌ بلا بطلان
******************
وقال آخر:
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه
كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطئ عصيناه
ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله
*****************(135/6)
الليل
يقول امرؤ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف إعجاز وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كأن نجومه بأمراس كتان إلى صم جندل
************************(136/1)
الماء
قال أحمد شوقي يصف النيل:
من أي عهد في القرى تتدفق وبأي كف في المدائن تغدق ؟
ومن السماء نزلت أم فجرت من الجنان جداولاً تترقرق
وبأي نول أنت ناسج بردة للضفتين جديدها لا يخلق
************************(137/1)
المال
يقول الشاعر:
أصون عرضي بمالي لا أدنِّسه لا بارك الله بعد العرض في المال
****************
وقال آخر:
إذا قلَّ مال المرء قلَّ صفاؤه وضاقت عليه أرضه وسماؤه
وأصبح لا يدري وإن كان حازماً أقدَّامه خيرٌ له أم وراؤه
إذا قلَّ مال المرء لم يرض عقله بنوه ولم يغضب له أولياؤه
فإن مات لم يفقد ولم يحزنوا له وإن عاش لم يسرر صديقاً بقاؤه
****************
وقال محمود الوراق:
أرى دهرنا فيه عجائب جمَّةٌ إذا استعرضت بالعقل ضلَّ لها العقل
أرى كلَّ ذي مالٍ يسود بماله وإن كان لا أصلٌ هناك ولا فصل
وآخر منسوباً إلى الرَّأي خاملاً وآخر مخبولاً له الجاه والنُّبل
وما الفضل في هذا الزمان لأهله ولكنَّ ذا المال الكثير له الفضل
فشرِّف ذوي الأموال حيث لقيتهم فقولهم قولٌ وفعلهم فعل
****************(138/1)
المجد
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء
المجد تطلبه نفسي فتبلغه ولست أرضى سوى التحليق في القمم
************************(139/1)
المحاسبة
يقول الشاعر:
حاسبت نفسي لم أجد لي صالحاً إلا رجائي رحمة الرحمن
ووزنت أعمالي فلم أجد في الأمر إلا خفة الميزان
****************
وهذا عبدا لله بن رواحه لما قتل جعفر بن أبي طالب في معركة مؤتة قام بن رواحه وأخذ القيادة ولم يكن قد ذاق طعاماً قبل ذلك ثم تقدم وقاتل فأصيبت إصبعية فارتجز وجعل يقول:
هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لاقيت
يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد لقيت إن تفعلي فعلهما هديت
وإن تأخرت فقد شقيت
ثم قال يا نفس إلى أي شيء تتشوقين إلى فلانة فهي طالقة ثلاثة إلى فلان وفلان العبيد هم أحرار لوجه الله إلى البيت الفلاني هو لله ولرسوله
يا نفس مالك تكرهين الجنة أقسمت بالله لتنزلنه
طائعة أو لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنة
هل أنت إلا نطفة في شنة قد أجلب الناس وشدوا الرنة
****************
وقال آخر:
أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته المنايا أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزيناً على زلاته قلقاً كئيبا
أنا المضطر أرجو منك عفواً ومن يرجو رضاك فلن يخيبا
فيا أسفى على عمر تقضى ولم أ كسب به إلا الذنوبا
ويا حزناه من حشري ونشري بيوم يجعل الولدان شيبا
فيا من مد في كسب الخطايا خطاه أما آن الأوان أن تتوبا
****************(140/1)
المراقبة
يقول الشاعر:
هب أن نظرتك التي أرسلتها عادت إليك مع الهوى بغزال
******************
وقال آخر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
******************
وقال آخر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
******************
وقال عبدالله بن المبارك:
حسبي بعلمي إن نفع ما الذل إلا في الطمع
من راقب الله رجع عن سوء ما صنع
ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع
********************
النابغة الشيباني
إنَّ مَنْ يركَبُ الفواحشَ سِرّاً حين يخلو بسوءة ٍ غير خال
كَيْفَ يَخْلو وعندَهُ كاتِباهُ شاهدَيْهِ ورَبُّهُ ذو المِحالِ
********************(141/1)
المرض
يقول المتنبي:
ومن يكن ذا فم مرٍ مريضٍ يجد مراً به الماء الزلالا
************************
يقول ابن الرومي:
لقد قل بين المهد واللحد لبثه فلم ينس عهد المهد أو ضم في اللحد
ألح عليه النزف حتى أحاله إلى صفرة الجادي عن حمرة الورد
وظل على الأيدي تساقط نفسه ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
************************(142/1)
المسارعة في الخيرات
قال الشاعر:
إن لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لِحَىٍّ وطناً
جعلوها لُجَّة واتخذوا صالح الأعمال فيها سُفْنا
****************
وقال آخر:
الأمرُ جدُ وهو غيرُ مزاح فأعمل لنفسك صالحاً يا صاح
كيف البقاءُ مع اختلافِ طبائعٍ وكرور ليلٍ دائمٍ وصباح
تجري بنا الدنيا على خطرٍ كما تجري عليه سفينةُ الملاح
تجري بنا في لجِ بحرٍ ماله من ساحلٍ أبداً ولا ضحضاح
****************
وقال آخر:
يا ابن سبعين وعشر وثمان كاملات
غرضاً للموت مشغولاً ببث القنوات
وَيْكَ لا تعلم ما تُلقى به بعد الممات
من صغارٍ موبقات وكبارٍ مهلكات
يا بن من قد مات من آبائه والأمهات
هل ترى من خالد من بين أهل الشهوات
إن من يبتاع بالدين خسيس الشهوات
لغبي الرأي محفوف بطول الحسرات
****************
وقال آخر:-
ركضاً الى الله بغير زاد
إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد
وكل زادٍ عرضة للنفاد ِ
غير التقى والبر والرشاد
****************
وقال آخر:
وسل من ربك التوفيق فيها وأخلص في السؤال إذا سألتا
وناد إذا سجدت له اعترافاً بما نادى ذو النون ابن متى
ولازم بابه قرعاً عساه سيفتح بابه لك إن قرعتا
وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتُذكر في السماء إذا ذكرتا
ولا تقل الصبا فيه امتهال واذكر كم صغير قد دفنتا
****************
وقال آخر:
يا ساهياً يا غافلاً عما يراد له حان الرحيل فما أعددت من زاد
تظن أنك تبقى سرمدا أبداً هيهات أنت غداً فيمن غدا غادي
مالي سوى أنني أرجو الإله لما أهمني فهو أرجو يوم ميعاد
****************
وقال آخر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها فلا تدري السكون متى يكون
وإن درت نياقك فاحتلبها فلا تدري الفصيل لم يكون
****************
وقال آخر:-
يا من يعد غداً لتوبته أعلى يقين من بلوغ غد
المرء في زلل على أمل ومنية الإنسان بالرصد(143/1)
أيام عمرك كلها عدد ولعل يومك آخر العدد
****************
وقال آخر:
وكل امرىء يوماً سيعرف سعيه إذا حصلت عند الإله الحصائل
****************
وقال آخر:
أترجُ أن تكونَ وأنت شيخٌ كما قد كنتَ أيامَ الشبابِ
لقد خدعتك نفسُك ليسَ ثوبٌ دريس كالجديدِ من الثيابِ
****************
وقال آخر:
يا غادياً في غفلة ورائحا إلى متى تستحسن القبائحا
وكم إلى كم لا تخاف موقفا يستنطق اللهُ به الجوارحا
يا عجباً منك وأنت مبصر كيف تجنبت الطريقَ الواضحا
كيف تكون حين تقرأ في غد صحيفة قد حوت الفضائحا
وكيف ترضى أن تكون خاسراً يوم يفوز من يكون رابحا
****************
وقال آخر:
لعمرك ما الأيام إلا معارة فما استطعت من معروفها فتزود
****************
وقال آخر:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
****************
وقال آخر:-
نخطو وما خطونا إلا إلى الأجل وننقضي وكأن العمر لم يطل
والعيش يوذِننا بالموت أوله ونحن نرغب في الأيام والدول
يأتي الحمام فينسى المرء منيته ونستقر وقد أمسكن بالطول
****************
وقال آخر:
أعماركم تمضى بسوف وربما لا تغنمون سوى عسى ولعلما
****************
وقال آخر:
فاقضوا مشاربكم عجالى إنما عماركم سِفْر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تُسْترد فإنهن عوارِ
****************
وقال آخر:-
ستندم أن رحلت بغير زاد وتشقى إذ يناديك المنادي
فما لك ليس يعمل فيك وعظ ولا زجر كأنك من جمادي
فتب عما جنيت وأنت حي وكن متيقظاً قبل الرقاد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد
****************
وقال آخر:
مضى امسك الماضي عليك معدلاً وأعقبه يوم عليك جديد
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فبادر بإحسان وأنت حميد
ولا تبق فعل الصالحات إلى غد لعل غداً يأتي وأنت فقيد
****************
وقال آخر:
قم يا حبيبي قد دنا الموعد
وخذ من الليل وساعاته
حظاً إذا ما هجع الرقد
من نام حتى ينقضي ليله(143/2)
لم يبلغ المنزل أو يجهد
قل لذوي الألباب أهل التقى
قنطرة الأرض لكم موعد
****************
وقال آخر:
مضى أمسك الماضي شهيداً معدلاً واتبعه يوم عليك شهيد
فإن تك بالأمس اقترفت إساءة فبادر بإحسان وأنت حميد
ولا تبق فعل الصالحات إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيد
إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت حميمك فاعلم أنها ستعود
****************
وقال آخر:
أيا من يَدَّعِ الفهم
تعب الذنب والذنب
أما بان لك العيب؟
**
إلى كم يا أخي الوهم
وتخطئ الخطأ الجم
أما أنذرك الشيب
وما في نصحه ريب
**
أما أسمعك الصوت
أما تخشى من الفَوْت
فكم تسير في الهوى
كأني بك تنحط
وقد أسلمك الرهط
**
هناك الجسم ممدود
إلى أن ينخر العود
فزود نفسك الخير
وهيأ مركب السير
بذا أوصيك يا صاح
فطوبى لفتىً راح
**
أما نادى بك الموت
فتحتاط وتهتم
وتختال من الزهو
إلى اللحد وتنغط
إلى أضيق من سم
ليستأكله الدود
فيمسى العظم قد رم
**
ودع ما يعقب الضير
وخاف من لجة اليم
وقد بحتك من باح
بقرآن الرب يهتم
وبآداب محمد يأتم
****************
وقال آخر:
أهل القبور أحبتِي بعد الجذالة والسرور
بعد الغَضارة والنضارة والتنعّم والحُبور
بعد الحِسان المؤنسات وبعد ربّات الخدور
أصبحتم تحت الثرى بين الصفائح والصخور
****************
وقال المتنبي:
إلى كم ذا التواني في التواني؟ وكم هذا التمادي في التمادي؟
وما ماضي الشباب بمستردٍّ ولا يومٌ يمر بمستعاد
متى لحظتْ بياض الشيب عيني فقد وجدته منها في السواد
متى ما ازددت من بعد التناهي فقد وقع انتفاضي في ازدياد
****************
وقال عبد الله بن المعتز:
نسير إلى الآجال في كل ساعة فأيامنا تطوى وهن مراحل
ولم أر مثل الموت حتى كأنه إذا ما تخطته الأماني باطل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا فيكف به والشيب في الرأس شاعل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى فعمرك أيام تعد قلائل
****************
وقال آخر:(143/3)
من كان يعلم أن الموت يدركه والقبر مسكنه والبعث يخرجه
وأنه بين جنات مزخرفة يوم القيامة أو نار ستنضجه
فكل شيء سوى التقوى به سمج ومن أقام عليه منه أسمجه
ترى الذي اتخذ الدنيا له وطناً لم يدر أن المنايا سوف تزعجه
****************
وقال آخر:
فأحسن إن أوتيت جاهاً فإنه سحابة صيفٍ عن قليلٍ تنقشع ُ
وكن شافعاً ما كنت في الدهر قادراً وخير زمانِِ المرء ما فيه يشفع ُ
****************
وقال آخر:
يا غافلاً عن ساعة مقرونة بنوادب وصوارخ وثواكل
قدِّم لنفسك قبل موتك صالحًا فالموت أسرع من نزول الهاطل
حتّام سمعُك لا يعي لمذكر وصميم قلبك لا يلين لعاذل
تبغي من الدنيا الكثيرَ وإنما يكفيك من دنياك زاد الراحل
آي الكتاب تهزُّ سمعك دائمًا وتصم عنها معرضًا كالغافل
كم للإله عليك من نعم ترى ومواهب وفوائد وفواضل
كم قد أنالك من موانح طوله فاسأله عفوًا فهو غوث السائل
***************
وقال آخر:
يا متعب الجسم كم تشقى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران
****************
وقال الشريف الرضي:
تفوز بنا المنون وتستبد ويأخذنا الزمان ولا يَرُد
وانظر ماضياً في أثر ماضٍ لقد أيقنتُ أن الأمر جد
رويداً بالفرار من المنايا فليس يفوتها الساري المُجِدُّ
فأين ملوكنا الماضون قِدماً أعدوا للنوائب واستعدوا
أعارهم الزمانُ نعيم عيش فيا سرعان ما استلبوا وردوا
هم فرطٌ لنا في كل يوم نمدهمُ وإن لم يستمدو
****************
وقال آخر:
فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عن قليل ستندم
أَفِقْ قد دنا الموت الذي ليس بعده سوى جنة أو حر نار تَضَّرم
وتشهد أعضاء المسيء بما جنى كذاك على فِيهِ المهيمن يختم
فحيَّ على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيَّم
وحيَّ على روضاتها وخيامها وحيَّ على عيشٍ بها ليس يُسْأَم
****************(143/4)
المشورة
يقول الشاعر:
إذا الأمر أشكل إنفاذه ولم تر منه سبيلاً فسيحا
فشاور بأمرك في سترةٍ أخاك اللبيب المحبّ النّصيحا
فربّما فرّج النّاصحون وأبدوا من الرّأى رأياً صحيحا
ولا يلبث المستشير الرّجال إذا هو شاور أن يستريحا
****************
وقال آخر:
أطع الحليم إذا الحليم عصاكا ... إن الحليم إذا عصاك هداكا
وإذا أستشارك من تود فقل له أطع الحليم إذا الحليم نهاكا
ولئن أبيت لتأتين خلافه أربا يحوطك أو يكون هلاكا
وأعلم بأنك لن تسود ولن ترى سبل الرشاد إذا أطعت هواكا
****************
وقال آخر:-
الهم ما لم تمضه لسبيله سقم القلوب وآفة الأبدان
ومعول الرجل الموفق رأيه عند اعتراض طوارق الأحزان
وإذا الحوادث سددت أسبابه كان التبصر أنجد الأعوان
وإذا أضل سبيله تدبيره طلب الهدى بتشاور الإخوان
****************
وقال آخر:
إنَّ الَّلبِيب إذا تفرّق أمره فتق الأمور مناظراً ومشاورا
أخو الجهالة يستبدّ برأيه فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن يترددا
******************
فأضاف إليه آخر:
وإن كنت ذا عزم فانفذه عاجلاً فإن فساد العزم أن يتقيدا
******************
وقال آخر:
إذا بلغ الرأيُ المَشُورَةَ فاستَعِنْ برأي نصيحٍ أو مشورةِ حازمِ
ولا تحسَبِ الشُّورى عليك غَضاضةً فإنّ الخوَافِي قوة للقوادمِ
وما خيرُ كَفٍّ أمسكَ الغُل أُخْتَها وما خيرُ سيفٍ لم يُؤَيَّدْ بقائمِ
************************
يقول ابن المقري:
عقلُ الفتى ليس يُغني عن مشاورة كعفةِ الخود لا تُغني عن الرَّجلِ
إن المشاورَ إما صائبٌ غرضاً أو مخطيءٌ غيرَ منسوبٍ إلى الخَطَلِ
************************
يقول ابن المقري:
لا تحقِرِ الرأيَ يأتيكَ الحقيرُ بهِ فالنَّحل وهو ذُبابٌ طائرُ العسل
************************(144/1)
المعلم
يقول إبراهيم طوقان
شوقي يقول - وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفه التبجيلأ
اقعد فديتك هل يكون مبجلا ً من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد ( يقلقني ) الأمير بقوله كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرب التعليم شوقي ساعة لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمة وكآبة مرآي ( الدفاتر ) بكرة وأصيلا
مئة على مئة إذا هي صلحت وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أن في التصليح نفعاً يرتجى وأبيك لم أك بالعيون بخيلا
لكن أصلح غلطةً نحويةً مثلاً واتخذ الكتاب دليلا
وأكاد أبعث سيبويه من البلى وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى ( حماراً ) بعد ذلك كله رفع المضاف إليه والمفعولا
لا تعجبوا إن صحت يوماً صيحة ووقعت ما بين الصفوف قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته إن المعلم لا يعيش طويلا
************************(145/1)
المنجمين والمشعوذين
يقول أبو العلاء المعري:
لقد بكرت في خُفها وإزارها لتسأل بالأمرِ الغريرَ المُنجما
وما عنده علمٌ فيخبرها به ولا هو من أهل الحِجاَ فيرجما
يقول غداً أو بعده وقعُ ديمة يكون غياثاً ان تجودَ وتَسجُما
ويوهِهمُ جُهالَ المحلة أنه يظلُ لأسرار الغيوب مُترجما
************************
ويقول أبو العلاء:
سألت منجمها عن الطفل الذي في المهد كم هو عائشٌ من دهره
فأجابها مائة ليأخذ درهماً وأتى الحِمامُ وليدها في شهره
************************(146/1)
المنية
يقول أبو ذؤيب الهذلي:
أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع؟
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
تركوا هواى و أعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع
************************(147/1)
الموت
قال الشاعر:
حتى سليمان ما تم الخلود له والريح تخدمه والبدو والحضر
دانت له الأرض والأجناد تحرسه فزاره الموت لا عين ولا أثر
****************
وقال آخر:
أبداً تصرُّ على الذنوب ولا تعي وتكثر العصيان منك وتدَّعي
أبداً ولا تبكي كأنك خالدٌ وأراك بين مودِّعٍ ومشيِّعِ
******************
وقال أبو العتاهية:
لِدوا للموت وابنوا للخراب فكلكم يصير إلى تباب
لمن نبني ونحن إلى ترابٍ نصير كما خلقنا للتراب
ألا يا موت لم تقبل فداءً أتيت فما تحيف ولا تحابي
كأنك قد هجمت على مشيبي كما هجم المشيب على شبابي
******************
وقال آخر:
فكم من صحيحٍ بات للموت آمناً أتته المنايا بغتةً بعد ما هجع
فلم يستطع إذ جاءه الموت بغتةً فراراً ولا منه بحيلةٍ امتنع
ولا يترك الموت الغنى لماله ولا معدماً في المال ذا حاجةٍ يدع
******************
وقال آخر:
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً ونرجوا نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب
ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب
******************
وقال أبو العتاهية:
لا تَأْمَنِ الموتَ في طَرْف وفي نَفَس ولو تَمَنَعْتَ بالحُجَّابِ والحَرَسِ
فما تزالُ سِهَامُ الموتِ نافذةً في جَنبِ مُدَّرعٍ منّا ومُتَّرسِ
ما بالُ دينكَ تَرْضَى أن تُدَنِّسَهُ وثوبُك الدهر مَغسولٌ من الدَّنَسِ
ترجو النَجاةَ ولم تَسْلُكْ مسَالِكَها إن السفينةَ لا تجرِي على يَبَس
******************
وقال آخر:
الموت لاشك آتٍ فاستعد له إن اللبيب بذكر الموت مشغول
فكيف يلهو بعيشٍ أو يلذ به من التراب عليه عينيه مجعول
******************
و أنشدوا :
أذكر الموت و لا أرهبه إن قلبي لغليظ كالحجر
أطلب الدنيا كأني خالدٌ وورائي الموت يقفو بالأثر
وكفى بالموت فاعلم واعظاً لمن الموت عليه قد قدر
والمنايا حوله ترصده ليس ينجي المرء منهن المفر
******************
و قال آخر:(148/1)
بينا الفتى مرح الخطى
فرح بما يسعى له
إذ قيل : قد مرض الفتى
إذ قيل : بات بليلة ما نامها
إذ قيل : أصبح مثخناً ما يرتجى
إذ قيل : أصبح شاخصاً وموجها ومعللاً
إذ قيل : أصبح قد قضى
******************
وقال آخر:
يا مغرماً بوصال عيشٍ ناعم ستصد عنه طائعاً أو كارها
إن المنية تزعج الأحرار عن أوطانهم والطير عن أوكارها
******************
وقال آخر:
تيَّقظ للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد
يسرُّك أن تكون رفيق قوم لهم زادٌ وأنت بغير زاد
******************
وقال آخر:
ولدتك إذ ولدتك أمك باكياً والقوم حولك يضحكون سروراً
فاعمل ليوم أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً
******************
وقال آخر:
يا ابن آدم لا تغررك عافية عليك شاملة فالعمر معدود
ما أنت إلا كزرع عند خضرته بكل شيء من الأوقات مقصود
فإن سلمت من الآفات أجمعها فأنت عند كمال الأمر محصود
******************
وقال آخر:
أرى المرء يبكي للذي مات قبله وموت الذي يبكي عليه قريب
وما الموت إلا في كتابٍ مؤجل إلى ساعةٍ يُدعى لها فيُجيب
******************
وقال آخر:
الليل مهما طال فلا بُد من طلوع الفجر
والعمر مهما طال فلا بد من دخول القبر
******************
وقال آخر:
الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الموت ما الدار
الدار دار نعيم إن عملت بما بما يرضي الإله وإن فرطت فالنار
******************
وقال آخر:
إذا الرجال ولدت أولادها وبليت من كبر أجسادها
وأصبحت أمراضها تعتادها تلك زروع قد دنا حصادها
******************
وقال آخر:
أين المفر من القضا ء مشرقًا ومغربا
انظر ترى لك مذهبًا أو ملجأً أو مهربا
سلّم لأمر الله وارض به وكن مترقبا
فلقد نعاك الشيب يوم رأيت رأسك أشيبا
******************
وكان عمر بن الخطاب يتمثل:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويودي المال والولد
لم تغن عن هرمزٍ يوماً خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا(148/2)
ولا سليمان إذ تجري الرياح له والإنس والجن فيما بينها ترد
أين الملوك التي كانت لعزتها من كل أوبٍ إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذبٍ لابد من ورده يوماً كما وردوا
******************
وقال آخر:
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شانُ
******************
وقال آخر:
إذا تم أمر بدا نقصه ترقب زوالاً إذا قيل تم
******************
وقال آخر:
وبينما المرءُ أمسى ناعماً جذلاً في أهله معجباً بالعيش ذا أنَقِ
غِرّاً ، أتيح له من حَينِهِ عَرَضِ فَمَا تَلبّثَ حتى مات كالصَّعِقِ
ثمتَ أضحى ضحى من غِبَّ ثالثة مُقنّعاً غير ذي روحٍ ولا رَمَقِ
يُبكي عليه و أَدنوهُ لمُظلِمَةٍ تعلى جوانبها بالترب والفِلَقِ
فما تَزَوَّدَ مما كان يَجمعُهُ إلا حَنوطاً وما واراهُ مِن خِرَقِ
و غيرُ نفحَةِ أعوادٍ تشَبُّ له وقلَّ ذلك من زادٍ لمُنطِلقِ
******************
وقال آخر:
وكأن بالداعِ قد يبكي عليه قربوهُ
و كأن القوم قد قاموا فقالوا : أدركوهُ
سائلوه ، كلموهُ حرّكوه ، لقنوهُ
حرِّفوه ، وجِّهوهُ مدِّدوه ، غمضوهُ
عجَّلوه لرحيلٍ عجّلوا لا تحبسوهُ
ارفعوه ، غسلوهُ كفِّنوه ، حنّطوهُ
فإذا ما لُفَّ في الأكفـ ـان قالوا : فاحملوهُ
أخرجوه فوق أعـ ـواد المنايا شيّعوهُ
فإذا صلوا عليه قيـ ـل : هاتوا واقبروهُ
فإذا ما استودعوه الأرض رهناً تركوهُ
خلفوه تحت رمسٍ أو قروهُ ، أثقلوهُ
أَبعدوهُ ، أَسحَقوه أوحَدوه ، افردوهُ
ودّعوه ، فارقوه اسلَموه ، خلَّفوه
وانثنوا عنه وخلّـ ـوه كأن لم يعرفوهُ
******************
وقال آخر:
أين الذي الهرمان من بنيانه ما قومه ما يومه ما المصرع
تتخلف الآثار عن سكانها حينا ويدركها الفناء فتصرع
******************
وقال آخر:
للموت فينا سهام وهي صائبة من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
******************(148/3)
وقال آخر:
فلا تنس يوماً تسجَّى على سريرك فوق رقاب النَفَر
******************
وقال أبو البقاء الرندي:
أترجو البقاء وهذا محال ولله عز وجل البقاء
فلو كان للفضل يبقى كريم لما مات من خلقه الأنبياء
تموت النفوس وتبقى الشخوص وعند الحساب يكون الجزاء
******************
وقال لبيد:
المرء يأمل أن يعيـ ـش وطول عيشٍ قد يضره
تفني بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره
وتخونه الأيام حتى لا يرى شيئاً يسره
******************
وقال آخر:
كأنك بالمضي إلى سبيلك وقد جد المجهز في رحيلك
وجيء بغاسل فاستعجلوه بقولهم له أفرغ من غسيلك
ولم تحمل سوى كفن وقطن إليهم من كثيرك أو قليلك
وقد مد الرجال إليك نعشاً فأنت عليه ممدود بطولك
وَصَلوا ثم إنهم تداعوا لحملك في بكورك أو أصيلك
ولما أسلموك نزلت قبرك ومن لك بالسلامة في نزولك
أعانك يوم تدخله رحيم روؤف بالعباد على دخولك
فسوف تجاور الموتى طويلاً فدعني من قصيرك أو طويلك
أخي إني نصحتك فاستمع لي وبالله استعنت على قبولك
ألست ترى المنايا كل يوم تصيبك في أخيك وفي خليلك
******************
وقال أبو العتاهية:
إنَّ الطَّبيب بطبِّه ودوائه لا يستطيع دفاع مكروهٍ أتى
ما للطَّبيب يموت بالدَّاء الذي قد كان يبرئ مثله فيما مضى
******************
وقال آخر:
كم من عليلٍ قد تخطَّاه الرَّدى فنجا ومات طبيبه والعوَّد
******************
وقال آخر:
هلك المداوي والمداوى والذي جلب الدواء وباعه والمشتري
******************
وقال آخر:
كل باك فسَيُبكَى كل مَذْكور سَيُنْسَى
وكل ناعٍ فَسَيُنعَى ليس غيرُ الله يبقى
من علا فالله أعلى
******************
وقال آخر:
مشيناها خُطا كُتبت علينا ومن كُنبت عليه خُطاً مشاها
ومن كانت منيته بأرضٍ فليس يموت في أرضٍ سواها
******************
وقال آخر:
ضعوا خدي على لحدي ضعوه ومِن عَفْر التراب فوسٍّدوه
وشُقوا عنه أكفاناً رقاقاً وفي الرمْس البعيد فغيّبوه(148/4)
فلو أبصرتموهُ إذا تقضت صبيحة ثالثٍ : أنكرتموه
وقد مالت نواظرُ مقلتيه على وَجَناته ، فرفضتموه
******************
وقال أخر:
وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل
******************
وقال آخر:
أشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك
******************
يقول أبو نواس:
أين من كان قبلكم من ذوي البأس والخطر؟
سائلوا عنهم المدا ئن، واستخبروا الخبر
سبقونا إلى الرحيـ ـل، وإنا على الأثر
من مضى عبرة لنا وغدا نحن معتبر
إن للموت أخذة تسبق اللمح بالبصر
قد نقلتم من القصـ ـر إلى ظلمة الحفر
رحم الله مسلماً ذكر الله فازدجر
رحم الله مسلماً سمع الوعظ فانتهر
رحم الله مسلماً خاف واستشعر الحذر
******************
يقول أبو نواس:
لدواعي الخير والشـ ــر دنو ونزوح
سيصير المرء يوماً جسداً ما فيه روح
بين عيني كل حي علم الموت يلوح
كلنا في غفلة والـ ـموت يغدو ويروح
نح على نفسك يا مسـ ـكين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عمـ ـرت ما عمر نوح
******************
يقول الشاعر:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العمل
******************
يقول زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله:
لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّامِ واليَمَنِ إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ
إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتِهِ على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ
سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَني وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والموتُ يَطلُبُني
وَلي بَقايا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها الله يَعْلَمُها في السِّرِ والعَلَنِ
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني وقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُرُّ ساعاتُ أَيَّامي بِلا نَدَمٍ ولا بُكاءٍ وَلا خَوْفٍ ولا حَزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُني(148/5)
يَا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ يَا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني
دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُها وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيرِ وَالحَزَنِ
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحَاً عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُني
وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَيْ يُعالِجَني وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هذا اليومَ يَنْفَعُني
واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ
واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها وصَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ
وَقامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَلٍ نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتيني يُغَسِّلُني
وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً حُراً أَرِيباً لَبِيباً عَارِفاً فَطِنِ
فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني مِنَ الثِّيابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني
وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً وَصَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني
وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ
وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لها وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني
وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً عَلى رَحِيلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُني
وَحَمَّلوني على الأْكتافِ أَربَعَةٌ مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا خَلْفَ الإِمَامِ فَصَلَّى ثمّ وَدَّعَني
صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لها ولا سُجودَ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُني
وَأَنْزَلوني إلى قَبري على مَهَلٍ وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهم يُلَحِّدُني
وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني(148/6)
فَقامَ مُحتَرِماً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَني
وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هناك ولا أَبٌ شَفيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني
فَرِيدٌ وَحِيدُ القبرِ، يا أَسَفاً عَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُني
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني
مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ ما أَقولُ لهم قَدْ هَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني
وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهِمُ مَالِي سِوَاكَ إِلهي مَنْ يُخَلِّصُنِي
فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يا أَمَلي فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهَنِ
تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني
واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لها بَدَلي وَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَنِ
وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَها وَصَارَ مَالي لهم حِلاً بِلا ثَمَنِ
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيا وَزِينَتُها وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَن
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَن
خُذِ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
يَا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَن
يَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ
ثمَّ الصلاةُ على الْمُختارِ سَيِّدِنا مَا وَصَّا البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ
والحمدُ لله مُمْسِينَا وَمُصْبِحِنَا بِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْسانِ وَالمِنَنِ
******************
يقول أبو ذؤيب الهذلي:(148/7)
أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع؟
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
تركوا هواي وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع
************************(148/8)
النار
وقال آخر:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني أشد من القبر التهاباً وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائدٌ عنيفٌ وسوَّاقٌ يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يُساق إلى نار الجحيم مسربلاً سرابيل قطران لباساً مُحرقا
إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم يذوبون من حر الصديد تمزَّقا
****************
وقال آخر:
لو أبصرت عيناك أهل الشقا سِيقوا إلى النار قد أُحرقوا
يصلونها حين عصوا ربهم وخالفوا الرسل وما صدَّقوا
تقول أُخراهم لأولاهم في لجج المُهل وقد أُغرقوا
وقيل للنيران أن أحرقي وقيل للخُزان أن أطبقوا
****************
وقال آخر:
إذا برزت ليوم العرض نار لها الناس الوقود مع الحجارة
يفر المرء حقاً من أخيه ويُنكر في المعاد من استزاره
فلا الخل الحميم يُغيث خلاً ولا الجار المجير يُجير جاره
إذا جاء الجليل لفصل حكمٍٍ ونُشرت الصحائف مستطارة
فيفتضح المسيء بقبح فعله ومن يك مُحسناً فله البشارة
****************
وقال آخر:
لو يعلم الخلق ما يراد بهم وأيما مورد غداً يردوا
ما استعذبوا لذة الحياة ولا طاب لهم عيشهم ولا رقدوا
خوفاً من العرض والصراط على نار تلظي وحرها يقد(149/1)
النبي صلى الله عليه وسلم
يقول الشاعر:
لو أن أنفاس العباد قصائد فلت بمدحك في جلال علاكا
ما أدركت ما تستحق وقصّرت عن مجدك الأسما وحن سناكا
******************
وقال آخر:
صلى عليك الله يا علم الهدى واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لك الأرواح من أشواقها وازينت بحديثك الأقلامُ
******************
وقال الشاعر :
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
******************
وقال آخر:
لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر
******************
وقال آخر:
أنت الذي من نورك البدر اكتسى والشمس مشرقة بنور بهاكا
أنت الذي لما رفعت إلى السما بك قد سمت وتزينت لسراكا
أنت الذي ناداك ربك مرحباً ولقد دعاك لقربه وحباكا
******************
قالت فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة أبيها المصطفى:
اغبرَّ آفاقُ السماءِ، وكُوِّرَتْ شمسُ النهار، وأَظْلَم العصرانِ
فالأرضُ من بعد النبي كئيبةٌ أسفاً عليه كثيرةُ الرجَفَان
فَليَبْكِهِ شَرْقُ البلاد وغَرْبُها وليبكه مُضَرٌ وكل يَمَانِ
وليبكه الطور المعظم جَوُهُ والبيتُ ذو الأسْتَار والأَركانِ
يا خاتم الرسل المبارك ضوءُهُ صلَى عليك منزِّلُ الفُرقان
******************
وقال آخر:
بالشرق أو بالغرب لست بمقتدي أنا قدوتي ما عشت شرع محمد
حاشاي يثنيني سراب خادع ومعي كتاب الله يسطع في يدي
******************
وقال آخر:
ولقيت في حبك ما لم يلقه في حب ليلى قيسها المجنون
لكنني لم أتبع وحش الفلا كفعال قيس والجنون فنون
******************
وقال آخر:
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الكرماء
وإذا عفوت فقادراً ومقدراً لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبة للحق لا ضغن ولا بغضاء
وإذا رضيت فذاك في مرضاته ورضى الكثير تحلم ورياء(150/1)
وإذا خطبت فللمنابر هزة ترعو النديَّ وللقلوب بكاء
******************
ومن أجمل ما قيل في الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ما ذكره صاحب كتاب نزهة لمجالس ومنتخب النفائس
يا نفس نلت المنى فاستبشري رسلي هذا الحبيب وهذا سيد الرسل
هذا الذي ملأت قلبي محبته هذا الذي سهرت من أجله مقلي
هذا الذي كنت أهواه وفزت به يا فرحتي انفصلي يا فرحتي اتصلي
هذا الذي الخلق من أشواقه هجروا للأهل والصحب والأبناء والطلل
هذا الذي للهدى والدين أرشدنا لملة شرعها يسمو على الملل
هذا الذي انشق إكراما له قمر لما أشار له في محفل حفل
هذا الذي رد عيناً بعدما قلعت وريقه قد شفى الإمام علي
هذا الذي بن مشى في الرمل لا أثرٌ يرى له ويرى في الصخر والجبل
هذا الذي حن جذع عند فرقته له أنين شبيه الوالد الثكل
هذا الذي جاء بئراً وهي مالحةً ومج فيها فعاد الماء كالعسل
هذا الذي فار ماء من أصابعه مثل الزلازل حكى الأنهار في السبل
هذا الذي إن دعا جاءت له شجر تجر أصلاً لها سعياً على عجل
هذا الذي سبح الحصى براحته والضب كلمه جهراً مع الحمل
هذا الذي شد من جوعه حجراً أكرم بمولى غداً بالزهد مشتمل
هذا الذي راودته الشم من ذهب فردها وإلى الدنيا فلم يمل
هذا الذي في مقام العرض شافعنا إذا استغثنا به من شدة الوجل
هنا الذي روضة ما بين منبره وقبره من رياض الخلد لم تزل
يا سيد الخلق يا من حاز مرتبة عليا وقد جل عن شبه وعن مثل
يا درة الأنبياء يا روضة العلا يا ملجأ الغربا يا سيد الرسل
العبد عبد الرحمن جليل أتى إليك وهو من الأوزار في خجل
يرجو بمدحته غفران زلته مع الرضا وحلول الخلد والحلل
صلى عليك إله العرش خالقنا في الليل والصبح والأبكار والأصل
واخصص أبا بكر ثم ألحق به عمراً كذلك عثمان ذا النورين ثم علي
والآل والصحب والأتباع أجمعهم أولي النهى والفخار السادة النجل
والسابقين إلى الإسلام قاطبة والتابعين بإحسان وكل ولى
******************
وقال آخر:(150/2)
أثني على منْ أتدري منْ أبجلةُ؟ أما علمتَ بمنْ أهديتُه كلمي
أبهى منْ البدرِ في ليلِ التمامِ وقلْ أسخى منْ البحرِ بلْ أرسى منْ العلمِ
أصفى منْ الشمسِ في نطقٍ وموعظةٍ أمضى منْ السيفِ في حكم وفي حكمِ
أغرَّ تشرقُ منْ عينيهِ ملحمةٌ منْ الضياءِ لتجلو الظلمَ والظلمِ
في همةٍ عصفتْ كالدهرِ واتقدتْ كمْ مزقتْ منْ أبي جهلٍ ومنْ صنمِ
محررُ العقلِ باني المجدِ باعثنا منْ رقدةٍ في دثارِ الشركِ واللممِ
بنورِ هديكَ كحلنا محاجرَنا لما كتبنا حروفاً صغتُها بدم
منْ نحنُ قبلكَ إلا نقطةٌ غرقتْ في اليمِ بلْ دمعةٌ خرساءُ في القدمِ
إنْ كانَ أحببتُ بعدَ اللهِ مثلكَ في بدوٍ وحضرٍ ومنْ عربٍ ومن عجمِ
فلا اشتفى ناظري منْ منظرٍ حسنٍ ولا تفوهَ بالقولِ السديدِ فمي
******************
وقال آخر:
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدّل حالها
كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسّرت أعلامها
لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
******************
وقال آخر:
هل تطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأجداث أحياه
من وحد العرب حتى صار واترهم إذا رأى ولد الموتور آخاه
وكيف ساس رعاة الشاة مملكة ما ساسها قيصر من قبل أو شاه
ورحب الناس بالإسلام حين رأوا أن الإخاء وأن العدل مغزاه
******************
وقال آخر:
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج و لم تحم
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيب تلك القاع والأكمُ
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ
قحطان عدنان حازوا منك عزّتهم بك التشرف للتاريخ لا بهمِ
******************
وقال آخر:
قد فقت يا طه جميع الأنبياء نورا فسبحان الذي سواكا
والله يا ياسين مثلك لم يكن في العالمين وحق من نباكا(150/3)
ماذا يقول المادحون وما عسى أن يجمع الكتاب من معناكا
فاجعل قراي شفاعة لي في غدٍ فعسى أرى في الحشر تحت لواكا
صلى عليك الله يا خير الورى ما حن مشتاق إلي مثواكا
وعلى صحابتك الكرام جميعهم والتابعين وكل من والاكا
******************
يقول :أحمد شوقي في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام
وُلد الهدى، فالكائناتُ ضياءُ وفمُ الزّمان تبسُّمٌ وثناءُ
الرُّوحُ والملأُ الملائكُ حَولَهُ للدِّين والدنيا به بُشراءُ
والوحيُ يقطرُ سلسلاً من سلسلٍ واللوحُ والقلمُ البديعُ رُواءُ
يا خير من جاءَ الوجودَ تحية من مُرسلينَ إلى الهدى بك جاؤوا
بيت النبيين الذي لا يلتقي إلا الحنائف فيه والحنفاءُ
خيرُ الأبوةِ حازهم لكَ آدمٌ دونَ الأنامِ واحرزتْ حوَّاءُ
وبدا مًحيَّاك الذي قسماتُه حقّ وغرَّتُه هُدىً وحياءُ
وعليه من نورِ النبوَّةِ رونقٌ ومن الخليل وهديِه سيماءُ
الحقُّ عالي الركن فيه مظفَّر في الملكِ لا يعلو عليه لواءُ
ذُعرت عروشُ الظالمين فزلزلت وعلتْ على تيجانهم أصداءُ
نِعمَ اليتيمُ بدت مخايلُ فضله واليُتمُ رزقٌ بعضُه وذكاءُ
بسوى الأمانة في الصبا والصدقِ لم يعرفه أهلُ الصدقِ والأمناءُ
يا مَنْ له الأخلاقُ ما تهوى العلا منها وما يتعشَّقُ الكبراءُ
زانتك في الخلقِ العظيم شمائلٌ يُغرى بهنَّ ويولعُ الكرماءُ
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ
وإذا عفوت فقادراً ومقدّراً لا يستهين بعفوك الجُهلاءُ
وإذا رحمت فأنت أمٌّ أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرُّحماءُ
وإذا غضبت فإنما هي غضبةٌ في الحقّ لا ضغنٌ ولا بغضاءُ
وإذا رضيت فذاك في مرضاته ورضى الكثير تحلمٌ ورياءُ
وإذا خطبت فللمنابر هزةٌ تعرو النَّديَّ وللقلوب بكاءُ
وإذا قضيت فلا ارتياب كأنّما جاء الخصوم من السماء قضاءُ
وإذا أجرت فأنت بيت الله لم يدخل عليه المستجير عداءُ
وإذا صحبت رأى الوفاء مجسماً في بردك الأصحابُ والخلطاءُ(150/4)
وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمةٌ ووفاءُ
وتمدُّ حلمكَ للسفيهِ مُدارياً حتى يضيق بعرضك السفهاءُ
يأيها الأمِّي حسبكَ رتبةً في العلم أن دانت بك العلماءُ
الذكرُ آية ربكَ الكبرى التي فيها لباغي المعجزات غناءُ
صدرُ البيانِ له إذا التقت اللُّغى وتقدّم البلغاءُ والفصحاءُ
أزرى بمنطق أهله وبيانهم وحيٌ يقصرُ دونه البلغاءُ
في بحره للسابحين به على أدب الحياة وعلمها إرساءُ
بك يا ابن عبد الله قامتْ سَمْحَةٌ بالحقِّ من مللِ الهدى غراءُ
لما دعوتَ الناسَ لبىَ عاقلٌ وأصمَّ منك الجاهلين نداءُ
أبوا الخروج إليك من أوهامهم والناسُ في أوهامهم سجناءُ
ومن العقول جداولٌ وجلامدٌ ومن النفوس حرائرٌ وإماءُ
فرسمتَ بعدَك للعبادِ حكومةً لا سوقةٌ فيها ولا أمراءُ
الله فوق الخلق فيها وحده والناسُ تحت لوائها أكفاءُ
والدِّينُ يسرٌ والخلافةُ بيعةٌ والأمرُ شورى والحقوقُ قضاءُ
الحربُ في حقٍّ لديك شريعةٌ ومن السُّمومِ الناقعاتِ دواءُ
والبِرُّ عندك ذمةٌ وفريضةٌ لا منَّةٌ ممنونةٌ وجباءُ
جاءت فوحدت الزكاةٌ سبيله حتى التقى الكرماءُ والبخلاءُ
أنصفتَ أهلَ الفقر من أهل الغنى فالكلُّ في حقِّ الحياة سواءُ
الخيلُ تأبى غير أحمد حامياً وبها إذا ذكر اسمه خيلاءُ
شيخُ الفوارس يعلمون مكانه إن هيجت آسادها الهيجاءُ
وإذا تصدى للظبي فمهندٌ أو للرّماح فصعدةٌ سمراءُ
وإذا رمى عن قوسه فيمينه قدرٌ وما ترمي اليمينُ قضاءُ
من كل داعي الحق همَّةُ سيفه فلسيفه في الراسيات مضاءُ
ساقي الجريح ومطعمُ الأسرى ومن أمنت سنابكَ خيلهِ الأشلاءُ
إن الشجاعة في الرجال غلاظة ما لم تزنها رأفةٌ وسخاءُ
والحرب من شرف الشعوب فإن بغوا فالمجد مما يدعون براءُ
والحربُ يبعثها القويُّ تجبُّراً وينوءُ تحت بلائها الضعفاءُ
كم من غزاةٍ للرسول كريمةٍ فيها رضىً للحقِّ أو إعلاءُ
كانت لجند الله فيها شدةٌ في إثرها للعالمين رخاءُ(150/5)
ضربوا الضلالة ضربةً ذهبت بها فعلى الجهالة والضلال عفاءُ
دعموا على الحرب السلام وطالما حقنت دماءً في الزمان دماءُ
الحقُّ عرضُ الله كلُّ أبيةٍ بين النفوس حمىً له ووقاءُ
هل كان حول محمدٍ من قومه إلا صبيٌّ واحد ونساءُ؟
فدعا فلبى في القبائل عصبةٌ مستضعفون قلائلٌ أنضاءُ
ردوا ببأس العزم عنه من الأذى ما لا تردُّ الصخرةُ الصمّاءُ
والحقُّ والإيمان إن صبَّا على برد ففيه كتيبةٌ خرساءُ
نسفوا بناء الشرك، فهو خرائبٌ واستأصلوا الأصنام فهي هباءُ
يمشون تغضي الأرضُ منهم هيبةً وبهم حيالَ نعيمها إغضاءُ
حتى إذا فتحت لهم أطرافها لم يطغهم ترفٌ ولا نعماءُ
يا من له عزُّ الشفاعة وحدهُ وهو المنزهُ ما له شفعاءُ
عرش القيامة أنت تحت لوائه والحوضُ أنتَ حيالهُ السَّقاءُ
تروي وتسقي الصالحين ثوابهم والصالحات ذخائرٌ وجزاءُ
ألمثل هذا ذقت في الدنيا الطوى وانشقَّ من خلقٍ عليك رداءُ؟
لي في مديحك يا رسولُ عرائسٌ تيمنَ فيك وشاقهنَّ جلاءُ
هنَّ الحسانُ فإن قبلت تكرماً فمهورهنَّ شفاعةٌ حسناءُ
أنت الذي نظمَ البريَّةَ دينُهُ ماذا يقول وينظم الشعراءُ؟
المصلحون أصابعٌ جمعت يداً هي أنت بل أنت اليدُ البيضاءُ
ما جئتُ بابكَ مادحاً بل داعياً ومن المديح تضرُّعٌ ودعاءُ
أدعوك عن قومي الضعاف لأزمةٍ في مثلها يلقى عليك رجاءُ
أدرى رسول الله أن نفوسهم ثقةٌ ولا جمع القلوب صفاءُ
رقدوا، وغرهم نعيمٌ باطلٌ ونعيمُ قومٍ في القُيود بلاءُ
ظلمُوا شريعتك التي نلنا بها ما لم ينل في رومة الفقهاءُ
مشتِ الحضارة في سناها واهتدى في الدِّين والدُّنيا بها السعداءُ
صلى عليك الله ما صحب الدُّجى حادٍ وحنَّت بالفلا وجناءُ
واستقبل الرضوان في غرفاتهم بجنان عدنٍ آلك السُّمحاءُ
******************
يقول كعب بن زهير:
إن الرسول لنور يستضاء به مهند سيوف الله مسلول
******************
يقول أحمد محرم:
مشي النبي يحف النصر موكبه مشيعاً بجلال الله مكتنفا(150/6)
أضحي أسامة من بين الصحاب له ردفاً فكان أعز الناس مرتدفا
العاكفون على الأصنام أضحكهم أن الهوان على أصنامهم عكفا
كانوا يظنون ألا يستباح لها حمى فلا شمماً أبدت ولا أنفا
************************
يقول الدكتور يوسف القرضاوي:
هو الرسول فكن في الشعر حساناً وصغ من القلب في ذكراه ألحانا
ذكرى النبي الذي أحيا الهدى وكسا بالعلم والنور شعبًا كان عريانا
أطلَّ فجر هداه والدجى عممُ بات الأنام وظلوا فيه عميانا
هذا يصور تمثالاً ويعبده وذاك يعبد أحبارًا وكهَّانا
************************(150/7)
النساء
دخل أعرابي على الحجاج فسمعه يقول: لا تكتمل النعمة على المرء حتى ينكح أربع نسوة يجتمعن عنده، فانصرف الأعرابي فباع متاع بيته، وتزوج أربع نسوة، فلم توافقه منهن واحدة، خرجت واحدة حمقاء رعناء، والثانية متبرجة، والثالثة فارك أو قال فروك، والرابعة مذكرة، فدخل على الحجاج فقال: أصلح الله الأمير، سمعت منك كلاماً أردت أن تتم لي به قرة عين؛ فبعت جميع ما أملك، حتى تزوجت أربع نسوةٍ، فلم توافقني منهن واحدة، وقد قلت فيهن شعراً، فاسمع مني، قال: قُل. فقال:
تزوجتُ أبغي قُرّةَ العينِ أربَعاً فيا ليتَ أنّى لم أكن أتزوَّجُ
ويا ليتني أَعْمَى أصمُّ ولم أكُنْ تزوجتُ بل يا ليت أنى مُخَدَّجُ
فواحدةٌ ما تعرفُ الله ربَّها ولا ما التُّقَى تدري وَلا ما التَّحرُّج
وثانيةٌ ما إن تقرَّ ببيتها مذكّرة مشهورة تتبرَّجُ
وثالثة حمقاءُ رَعْنَاء سخيفةٌ فكل الذي تأتي من الأمر أعوجُ
ورابعة مفروكةٌ ذاتُ شِرَّةٍ فليستْ بها نفسي مَدَى الدهر تُبْهَجُ
فهنَّ طلاقٌ كلُّهُن بوائنُ ثلاثاً ثلاثاً فاسْهَدُوا لا تلجلجوا
فضحك الحجاج حتى كاد يسقط من سريره، ثم قال له: كم مهورهنّ? قال: أربعة آلاف درهم. فأمر له بثمانية آلاف درهم.
****************
قال الأصمعي:قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق لذة العيش، فتزوج امرأتين ثم ندم، فقال:
تزوجتُ اثنتين لفرطِ جَهْلي بما يَشْقَى به زوجُ اثنتين
فقلتُ أصِيرُ بينهما خروفاً أنَّعم بين أَكرمِ نعجتينِ
فصرتُ كنعجةٍ تُمْسِى وتُضْحِى تَرَدَّدُ بين أخبثِ ذئبتينِ
رضى هَذِى يهيّجُ سُخطْ هذى فما أعْرَى من إحدى السّخْطتينِ
وأَلْقَى في المعيشة كلَّ بُوسٍ كذاك المرءُ بين الضّرَّتينِ
لَهذِى ليلةُ ولتلك أُخرْى عِتابٌ دائمٌ في الليلتينِ
****************(151/1)
ضرب عبد الملك بن مروان بعثاً إلى اليمن، فأقاموا سنين، جنى إذا كان ذات ليلة وهو بدمشق، قال: والله لأعسن الليلة مدينة دمشق، ولأسمعن ما يقول الناس في البعث الذي غربت فيه رجالهم، وغرمت فيه أموالهم. فبينما هو في بعض أزقتها إذا هو بصوت امرأة قائمة تصلي، فتسمع إليها، فلما انصرفت إلى مضجعها قالت: اللهم يا غليظ الحجب، ويا منزل الكتب، ويا معطي الرغب، ويا مؤدي الغرب. أسألك أن ترد غائبي، فتكشف به همي، وتصفي به لذتي، وتقر به عيني، وأسألك أن تحكم بيني وبين عبد الملك بن مروان الذي فعل بي هذا، فقد صير الرجل نازحاً عن وطنه، والمرأة مقلقةً على فراشها، ثم أنشأت تقول:
تطاول هذا اللّيلُ فالعينُ تدمَعُ وأَرّقني حُزْنِي وقلبِيَ مُوجَعُ
فبتّ أقاسي الليلَ أرعَى نجومَهُ وباتَ فؤادي هامداً يتفزّعُ
إذا غابَ منها كوكبٌ في مغيِبهِ لمحتُ بعيني آخراً حين يطلعُ
إذا ما تذكرتُ الذي كان بينَنَا وجدتُ فؤادي للهَوَى يتقطّعُ
وكلُّ حبيبٍ ذاكرٌ لحبيبِهِ يرَجِّى لِقاهُ كلّ يومٍ ويطمعُ
فذا العرشِ فُرج ما ترى من صَبابتي فأنت الذي ترعى أموري وتسمعُ
دعوتُك في السّراءِ وَالضُّرِّ دعوةً على غُلة بين الشراشيف تلْذَعُ
فقال عبد الملك لحاجبه: تعرف لمن هذا المنزل? قال: نعم، هذا منزل زيد بن سنان. قال: فما المرأة منه? قال: زوجته. فلما أصبح سأل كم تصبر المرأة عن زوجها? قالوا: ستة أشهر. فأمر ألا يمكث العسكر أكثر من ثلاثة أشهر.
****************
وقال آخر:
عجوز تُرَجّى أن تكونَ صبيهً وقد شابَ منها الرأسُ واحدودب الظهر
تَدُسُّ إلى العطار ميرةَ أَهلِهَا وَهَلْ يصلح العطارُ ما أفسد الدهر?
****************
يقول منصور الفقيه:
أحبّ البنات ،فحبّ البنات فرضٌ على كلّ نفسٍ كريمه
لأن شعيباً لأجل البنات أخدمه الله موسى كليمه
*****************
ولأبي محمد الحسن بن عبيدة الريحاني :
حبذا من نعمة الله البنات الصالحات
هن للنسل وللأنس وهن الشجرات(151/2)
وبالإحسان إليهنّ تكون البركات
إنّما الأهلون أرضون لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها وعلى الله النّبات
*****************
كان لأبي حمزة الأعرابيّ زوجتان فولدت إحداهما ابنة ،فعزّ عليه ،واجتنبها وصار في بيت ضرتها إلى جنبها فأحست به يوماً في بيت صاحبتها ،فجعلت ترقّص ابنتها الطفلة وتقول :
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظلّ في البيت الذي يلينا
غضبان ألاّ نلد البنينا تالله ما ذلك في أيدينا
بل نحن كالأرض لزارعينا ننبت بما قد زرعوه فينا
وإنما نأخذ ما أعطينا
فعرف أبو حمزة قبح ما فعل ، وراجع امرأته.
*****************
مر شاعر بنسوة فأنشد يقول :
إن النساء شياطينٌ خلقن لنا نعوذ بالله من شر الشياطين
فأجابته واحدة منهن قائلة :
إن النّساءَ رياحينٌ خلقنَ لَكم وكلكم يَشتهى شمَّ الرَّيَاحِينِ
*****************
قال الشافعي:
أكثر الناس في النساء وقالوا إن حب النساء جهد البلاء
ليس حب النساء جهدا ولكن قرب من لا تحب جهد البلاء
****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
أَرَى صَاحِبَ النِّسْوَانِ يَحْسَبُ أَنَّهَا سُوءٌ وَبَوْنٌ بَيْنَهُنَّ بَعِيدُ
فَمِنْهُنَّ جَنَّاتٌ يَفِيءُ ظِلاَلُهَا وَمِنْهُنَّ نِيرَانٌ لَهُنَّ وَقُودُ
****************
وقال آخر:
إنَّ النِّسَاءَ كَأَشْجَارٍ نَبَتْنَ مَعًا مِنْهُنَّ مُرٌّ وَبَعْضُ الْمَرِّ مَأْكُولُ
إنَّ النِّسَاءَ وَلَوْ صُوِّرْنَ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِنَّ مِنْ هَفَوَاتِ الْجَهْلِ تَخْيِيلُ
إنَّ النِّسَاءَ مَتَى يُنْهَيْنَ عَنْ خُلُق فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لاَ بُدَّ مَفْعُولُ
وَمَا وَعَدْنَك مِنْ شَرٍّ وَفَيْنَ بِهِ وَمَا وَعَدْنَك مِنْ خَيْرٍ فَمَمْطُولُ
****************
وقال آخر:
ونحن بَنْو الدُّنْيَا وهنّ بَنَاتُها وعيشُ بنى الدُّنيا لقاءُ بَناتِها
*****************
وقال آخر:
هي الضلع العوجاء لست تُقيمها ألا إن تقويم الضلوع انكسارها(151/3)
فيجمعن ضعفاً واقتداراً على الفتى أليس عجيباً ضعفها واقتدارها
*****************
وقالت امرأة تمدح البنات:
وما علي أن تكون جارية
تغسل رأسي وتكون الفالية
وترفع الساقط من خمارية
حتى إذا ما بلغت ثمانية
أزرتها بنقبة يمانية
أنكحتها مروان أو معاوية
أصهار صدق ومهور غالية
*****************
يقول الشاعر:
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء
فاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء
*****************(151/4)
النصر
قال أبو محمد المقدسي:
أخي إننا ما أسأنا الظنون بوعد الإله القوي المتين
وما زادنا القيد إلا ثباتاً وما زادنا السجن إلا يقين
وما زاد تعذيب إخواننا وقتل الدعاة ولو بالمئين
سوى رفع راية إيماننا وإظهار توحيد حق ودين
سنسقي غراسك توحيدنا ببذل الدماء وقطع الوتين
ونُعلي لواءك إسلامنا بهام الرجال وصبر متين
لتظهر رغم أنوف الطغاة وتعلو وتُنشر في العالمين
ولن ننثني عن جهاد الطغاة ولن ننحرف عن سبيل الأمين
فما دام نور الإله المبين يشع بأفئدة المؤمنين
فلن نخذل الحق مهما لقينا ولن نضعفنّ ولن نستكين
ولن ننحرف عن طريق الكفاح ولن نتضرّر بالمرجفين
سنمضي على الدرب رغم الجراح ورغم الدماء ورغم الأنين
لنا أسوةٌ في رجالٍ مضوا على الدرب كانوا به شامخين
فهذا بلالٌ مضى للجنان ولم ينحرف خشية المشركين
وذاك صهيبٌ أخو المتقين يبيع الحياة ليربح دين
ومصعب يترك عيش النعيم ويأبى يظل مع المترفين
يعيش لينصر ديناً عظيماً ويمضي شهيداً مع الخالدين
مئات ألوف من الصادقين قضوا في ثباتٍ مضوا في يقين
فريق قضى وفريق مقيم وما بدّلوا بل بقوا ثابتين
ونحن على إثرهم سائرون بعون الإله لنصرة دين
فهذي الطريق طريق الأباة وهذي معالم دين متين
ومن رام حقاً دخول الجنان وشاء العناق لحورٍ وعين
فلا بد من تبعات الطريق ولابد من بذل مهرٍ ثمين
*****************
وقال آخر:
ولأن عرف التاريخ أوساً وخزرجا فلله أوس قادمون وخزرجَ
وإن كنوز الغيب تخفي طلائع حرة رغم المكائد تخرجَ
صبح تنفس بالضياء وأشرقا وهذه الصحوة الكبرى تهز البيرقا
وشبيبة الإسلام هذا فيلق في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا
وقوافل الإيمان تتحدى المدى ضرباً وتصنع للمحيط الزورقا
وما أمر هذه الصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا
هي نخلة طاب الثرى فنمى لها جذع طويل في التراب وأغذقا
هي في رياض قلوبنا زيتونة في جزعها غصن الكرامة أورقا(152/1)
فجر تدفق من سيحبس نوره ؟! أرني يداً سدت علينا المشرقا
***************(152/2)
النصيحة
قال الأصمعي:
النصح أرخص ما باع الرجال فلا تردد على ناصحٍ نصحاً ولا تلم
إن النصائح لا تخفى مناهلها على الرجال ذوي الألباب والفهم
******************
وقال الشافعي:
تغمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة
فان النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا ارضي استماعه
فان خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
******************
وقال عائض القرني :
أيا داعيا لله هاك وصيتي عليك بتقوى الله يا صاح أولا
وكن طلباً للعلم في كل ساعة حريصاً عليه مجملاً ومفصلا
وبالحكمة أنصح لا تكن ذا شراسة غليظاً وفظاً صاخباً متعجلا
عليك بأمر الرفق فهو محبب وكن لا لاهياً ذاكراً متبلا
وكن طيباً كالنحل يخرج طيباً وتخرج شهداً صافياً ومعسلا
ولا تك نذلاً كالذباب مجثماً علي كل جرح للمحاسن مغفلا
وغض عن الزلات واستر معائباً وسامح عن التقصير وأعف تفضلا
رحيماً قريباً خاشعاً ذا عزيمة قوياً حليماً صامتاً متهللا
تقياً عفيفاً خاشعاًُ ذا عزيمة قوياً بأمر الله للناس موئلا
ولا تنه عن شي وتأتيه ظالماً فتستوجب المقت المعجل والقلا
وتابع رسول الله في كل خلة فسنته أغلي وأحلي وأنبلا
*****************
وقال آخر:
فكم من عدو معلن لك نصحه علانية والغش تحت الأضالع
وكم من صديق مرشد قد عصيته فكنت له في الرشد غير مطاوع
وما الأمر إلا بالعواقب إنها سيبدو عليها كل سر وذائع
*****************
وقال آخر:
إذا نصحت لذي عجب لترشده فلم يطعك فلا تنصح له أبدا
فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته ولا يجيب إلى إرشاده أحدا
وما عليك وإن غاو غوى حقباً إن لم يكن لك قربى أو يكن ولدا
************************(153/1)
النفاق
قال الشاعر:
إنما المكر الخديعة في النار وهما من خصال أهل النفاقِ
*****************
وقال آخر:
يلقاك يُقسم أنه بك واثقٌ وإذا توارى عنك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
*****************
وقال آخر:
ملكٌ كريمُ في مظهره شيطانٌ رجيم في مخبره
*****************
وقال آخر:
قل للذي لست أدري من تلونه أنا صح أم على غش يناجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً يد تشح وأخرى منك تأسوني
تغتابني عند أقوام وتمدحني في آخرين وكل عنك يأتيني
هذان شيئان قد نافيت بينهما فأكفف لسانك عن شتمي وتزييني
*****************
وقال آخر:
ويوم كأخلاق الملوك تلوناً فصحو وتغييم وطل وابل
أشبهه إياك من صفاته دنو وإعراض ومنع ونائل
*****************
يقول أحمد شوقي:
كان لسلطانٍ نديمٌ وافِ يعيدُ ما قال بلا اختلافِ
وقد يزيدُ في الثَّنا عليهِ إذا رأى شيئاً حلا لديه
وكان مولاه يرى، ويعلمُ ويسمعُ التَّمليقَ، لكنْ يكتمُ
فجلسا يوماً على الخوانِ وجيءَ في الأكل بباذنجانِ
فأكل السلطانُ منه ما أكلْ وقال : هذا في المذاق كالعسلْ
قال النديمُ: صدقَ السلطانُ لا يستوي شهدٌ وباذنجانُ
هذا الذي غنى به الرئيسُ وقال فيه الشِّعرَ جالينوسُ
يذهبُ ألفَ علِّةٍ وعلَّهْ ويبردُ الصَّدرَ، ويشفي الغلُّهْ
قال: ولكنْ عنده مرارة وما حمدتُ مرَّةً آثارهْ
قال: نعم، مرُّ، وهذا عيبُه مذْ كنتُ يا مولاي لا أحبُّه
هذا الذي مات به، بقراطُ وسُمَّ في الكأسِ به سقراطُ
فالتفتَ السلطانُ فيمنْ حولَهُ وقال: كيف تجدون قولَهُ ؟
قال النديمُ: يا مليكَ الناسِ عذراً، فما في فعلتي من باسِ
جعلتُ كيْ أنادمَ السلطانا ولم أنادمْ قطُّ باذنجانا
*****************
يقول أبو العلاء:
قد مزجوا بالنفاق فامتزجوا والتبسوا العيان واشتبهوا
وما لأقوالهم اذا كُشفت حقائق بل جميعها شُبه
قد ذهبت عَادُهُمُ وجُرهُمُها وهم على ما عهدت ما انتبهوا
************************(154/1)
يقول أحمد مطر:
للقاتل المأجور وجه أسود يخفي مئات الأوجه الصفراء
************************(154/2)
النفوس
يقول الشاعر:
ففي قمع أهواء النفوس اعتزازها وفي نيلها ما تشتهي ذلُّ سرمدِ
فلا تشتغل إلا بما يكسب العلا ولا ترضَ للنفس النفيسة بالرَّدِي
****************
وقال آخر:-
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمْه ينفطمِ
فجاهد النفس والشيطان واعصهما وإن هما محَّضاك النصح فاتهمِ
****************
وقال آخر:
يا ويح نفسي من تتابع حوبتي لو قد دعاني للحساب حسيبي
فاستيقظي يا نفس ويحك واحذري حذراً يهيج عبرتي ونحيبي
واستدركي ما فات منك وسابقي سطوات موت للنفوس طلوب
وابكي بكاء المستغيث وأعولي إعوال عان في الوثاق غريب
هذا الشباب قد اعتللت بلهوه أفليس ذا يا نفس حين مشيبي
هذا رقيب ليس عني غافلاً يحصي علي ولو غفلت ذنوبي
أوليس من جهل بأني نائم نوم السفيه وما ينام رقيبي
***************
وقال آخر:
يا نفس كم تبيتين من مرة وكم تقولين ولا تفعلين
وكم تنادي فلا تسمعي وكم تقالين فلا ترجعين
حتى متى يا نفس حتى متى يراك مولاك مع الغافلين
فاستغفري الله لما قد مضى ثم أستحي من خالق العالمين
***************
وقال آخر:
وَلِلنُّفُوسِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَجَلٍ مِنْ الْمَنِيَّةِ آمَالٌ تُقَوِّيهَا
فَالْمَرْءُ يَبْسُطُهَا وَالدَّهْرُ يَقْبِضُهَا وَالنَّفْسُ تَنْشُرُهَا وَالْمَوْتُ يَطْوِيهَا
***************
وقال آخر:
والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتها وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تقنع
***************
وقال آخر:
ومَنْ يطعمُ النفسَ ما تشتهي كمن يُطْعِمُ النارَ جزلَ الحطبْ
******************
يقول البوصيري:
يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها وَدَها مُسوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ اللَمَمِ
هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها وَالنَفسُ إِن يَدعُها داعي الصِبا تَهِمِ
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ(155/1)
تَطغى إِذا مُكِّنَت مِن لَذَّةٍ وَهَوىً طَغيَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ
******************
يقول البوصيري:
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلةً من حيث لم يدرِ أن السم في الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت من المحارم والزم حمية الندمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
******************(155/2)
النميمة
من نم في الناس لم تؤمن عقاربه على الصديق ولم تؤمن أفاعيه
كالسيل بالليل لا يدرى به أحد من أين جاء ولا من أين يأيته
الويل للعهد منه كيف ينقضه والويل للود منه كيف يفنيه
*****************
وقال آخر:
يسعى عليك كما يسعى إليك فلا تأمن غوائل ذي وجهين كياد
*****************
وقال آخر:
تنحّ عن النميمة واجتنبها فإن النم يُحبطُ كلَّ أجرٍ
يُثير أخو النميمةِ كلّ شر ويكشف للخلائق كل سرٍ
ويقتل نفسه وسواه ظلماً وليس النمُّ من أفعال حر
****************
وقال آخر:
ولا تقل الصبا فيه مجال وفكركم صبي قد دفنتا
تفر من الهجير وتتقيه فهلاَّ من جهنم قد فررتا
****************
وقال آخر:
وصاحب النمِّ كالداء العياء إذا ما ارفض في الجلد هاهنا وهنا
يبدي ويخبر عن عورات صاحبه وما يرى عنده من صالحٍ دفنا
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء
لا أبغض الناس إلا عند معصية فإن تولت توارى البغض للعدم
إذا سمعت حديثا من رويبضة أظهرت أني مصاب الأذن بالصمم
ولست أصغى لنمام هوايته قطع الصلات وتفريق لذي الرحم
************************(156/1)
الهدية
قال الشاعر:
هدايا الناس بعضهم لبعض تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في الضمير هوى وودًا وتلبسهم إذا حضروا جمالا
***************(157/1)
الهم
يقول أبي فراس الحمداني:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتا لو تشعرين بحالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى ولا خطرت منك الهموم ببالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقاسمك الهموم تعالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة ويسكت محزون ويندب سالي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة ولكن دمعي في الحوادث غالي
************************
يقول النابغة الذبياني:
كليني لهم يا أميمة ناصب و ليل أقاسيه بطئ الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقض وليس الذي يرعى النجوم بايب
************************(158/1)
الهمة
يقول الشاعر:
لا تحقرنَّ صغير الجسم تحسبه بالجسم يبلغ آفاقاً وأمجادا
لكنها همم تسمو بصاحبها وهمتي ذكرت بي الدهر أحفادا
******************
وقال آخر:
لا يدرك المجد إلا سيد فطن بما يشق على السادات فعال
لولا المشقة سادَ الناس كلهمو الجود يفقر والإقدام قتال
******************
وقال آخر:
وكُلُّ شَجاعةٍ في المرء تُغنِي ولا مِثلَ الشّجاعة في الحَكِيمِ
وكم من عائِبٍ قَولاً صَحيحًا وآفَتهُ مِنَ الفَهمِ السّقِيمِ
ولكِنْ تَأخذُ الآذان منهُ على قَدَرِ القَرائِحِ والعُلُومِ
******************
وقال آخر:
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
******************
وقال آخر:
موت التقي حياة لا نفاد لها قد مات قوم وهم في الناس أحياء
******************
وقال آخر:
تأخرتُ أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
وليس على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما
******************
وقال آخر:
قل للذي بصروف الدهر عيّرنا هل حارب الدهرُ إلا من له خطرُ
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف وتستقر بأقصى قعره دررُ
وفي السماء نجوم لا عداد لها وليس يكسف إلا الشمس والقمر
******************
وقال آخر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كاملُ
******************
وقال آخر:
سأترك ماءكم من غير ورد وذاك لكثرة الوراد فيه
إذا سقط الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرتجع الكريم خميص بطن ولا يرضى مساهمة السفيه
******************
وقال آخر:
دعنا نسافر في دروب آبائنا ولنا من الهمم العظيمة زاد
ميعادنا النصر المبين فإن يكن موت فعند إلهنا الميعاد
دعنا نمت حتى ننال شهادة فالموت في درب الهدى ميلاد
******************
وقالت امرأة تزوجت الحجاج:
وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت فحلاً فلله درها وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل(159/1)
******************
وقال آخر:
فحيهلا إن كنت ذا همة فقد حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ودعه فإن العزم يكفيك حاملا
******************
وقال محمد إقبال:
وخل الهوينا للضعيف ولا تكن نؤوماً فإن الحزم ليس بنائم
همم الأحرار تحيي الرمما نفخة الأبرار تحيي الأمما
******************
وقال عبد الوهاب عزام:
قلت للصقر وهو في الجو عال: اهبط الأرض فالهواء جديب
قال لي الصقر: في جناحي وعزمي وعنان السماء مرعى خصيب
******************
وقال وليد الأعظمي:
قد نهضنا للمعالي ومضى عنا الجمود
ورسمناها خطى للعز والنصر تقود
فتقدم يا أخا الإسلام قد سار الجنود
ومضوا للمجد إن المجد بالعزم يعود
******************
وقال آخر:
خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا
فاني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا
*****************
وقال آخر:
في ضميري دائماً صوت النبي آمراً : جاهد وكابد واتعب
صائحاً : غالب وطالب وادأب صارخاً : كن أبداً حراً أبي
*****************
وقال آخر:
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
*****************
وقال آخر:
علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتى علي قدر الكرم المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
*****************
وقال آخر:
إذا غامرت في شرف مرومٍ فلا تقنع بما دون النجوم
*****************
وقال آخر:
قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
*****************
وقال آخر:
فلا تحسبوا أن المعالي رخيصة ولا أن إدراك العلى هين سهل
فما كل من يسعى إلى المجد ناله ولا كل من يهوى العلا نفسه تعلو
*****************
وقال آخر:
فكن رجلاً رجله في الثرى وهامة همته في الثريا
*****************
وقال آخر:
لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ بل فاسقني بالعز كأس الحنظلِ
*****************
وقال آخر:
اطلب ولا تضجر من مطلبٍ فآفة الطالب أن يضجرا(159/2)
****************
وقال آخر:
أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا
****************
وقال آخر:
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ
****************
وقال آخر:
ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محببُ
****************
وقال آخر:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابرِ
***************
وقال المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
***************
وقال آخر:
تراه من الذكاء نحيل جسمٍ عليه من توقده دليلُ
إذا كان الفتى ضخم المعالي فليس يضيره الجسم النحيلُ
***************(159/3)
الهوان
يقول المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح ٍ بميت ٍ إيلام(160/1)
الهوى
يقول الشاعر:
فدع ما هويت فان الهوى يقود النفوس إلى ما يعاب
**********************
يقول ابن سهل الأندلسي:
سل في الظلام أخاك البدر عن سهري تدرى النجوم كما يدرى الورى خبري
أبيت أهتف بالشكوى وأشرب من دمعي وأنشق ريا ذكرك العطر
**********************(161/1)
الوحدة
يقول الشاعر:-
حرموا هداية دينهم وعقولهم هذا وربك غاية الخسران
تركوا هداية ربهم، فإذا بهم غرقى من الآراء في طوفان
وتفرقوا شيعاً بها نهجهم من أجلها صاروا إلى شنآن
****************
وقال ابن المبارك:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا
****************
وقال آخر:
وفي كثرة الأيدي عن الظلم زاجر إذا حضرت أيدي الرجال بمشهد
****************
وقال آخر يوصي أبناءه عند وفاته:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
****************
وقال آخر:
ألم تر أن جمع القوم يخشى وأن حريم واحدهم مباح
****************
وقال آخر:
كل يرى رأياً وينصر قوله وله يعادي سائر الإخوان
ولو أنهم عند التنازع وفقوا لتحاكموا لله دون توان
ولأصبحوا بعد الخصام أحبة غيظ العدا ومذلة الشيطان
****************
وقال آخر:
حبذا العيش حين قومي جميعاً لم تفرق أمورها الأهواء
******************(162/1)
الوداع والفراق
قال الشاعر:
أحبابنا بنتم عن الدار فاشتكت لبعدكم آصالها وضحاها
وفارقتم الدار الأنيسة فاستوت رسوم مبانيها وفاح كلاها
كأنكم يوم الفراق رحلتم بنومي فعيني لا تصيب كراها
وكنت شحيحاً من دموعي بقطرة فقد صرت سمحاً بعدكم بدماها
يراني بساماً خليلي يظن بي سروراً وأحشائي السقام ملاها
وكم ضحكه في القلب منها حرارة يشب لظاها لو كشفت غطاها
رعى الله أياماً بطيب حديثكم تقضت وحياها الحيا وسقاها
فما قلت إيها بعدها لمسامر من الناس إلا قال قلبي آها
******************
وقال آخر:
ولا تحرمونى نظرة من جمالكم فلن تجدوا عبدا ذليلا لكم مثلي
فوالله ما يهوى فؤادي سواكم ولو رشقوه بالأسنة والنبل
******************
وقال آخر:
بكت عيني غداة البين حزناً والأخرى بالبكا بخلت علينا
فجازيت التي جادت بدمع بأن أقررتها بالوصل عينا
وجازيت التي بخلت بدمعٍ بأن غمّضتها يوم التقينا
******************
وقال آخر:
أقول له حين ودَّعته وكلٌّ بعشرته مبلس
لئن رجعت عنك أجسامنا لقد سافرت معك الأنفس
******************
وقال آخر:
أحجَّاج بيت الله في أيِّ هودجٍ وفي أيِّ خدرٍ من خدوركم قلبي
أأبقى نحيل الجسم في أرض غربةٍ وحاديكم يحدو بقلبي مع الرَّكب
******************
وقال آخر:
ودعت قلبي حين ودعتهم وقلت يا قلبي عليك السلامُ
وصحتُ بالنوم انصرف راشداً فإن عيني بعدهم لا تنامُ
******************
يقول ابن زيدون:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
************************
يقول أبو صخر الهذلي:
صبرت فلما غال نفسي وشفها عجاريف نأي دونها غلب الصبر
إذا لم يكن بين الحبيبين ردة سوى ذكر شيء قد مضى درس الذكر
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر
************************
يقول المتنبي:
فليت هوى الأحبة كان عدلاً فحمل كل قلب ما أطاقا(163/1)
**********************
ويقول أيضاً:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
*********************
ويقول أيضاً:
كفى بك داءً أن يكون الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
*********************
ويقول أيضاً:
أما في هذه الدنيا كريم تزول به عن النفس الهموم
*********************
ويقول أيضاً:
أما تغلط الأيام في بأن أرى صديقاً تباعد أو عدواً تقرب
*********************(163/2)
الوطن
يقول أحمد شوقي:
ويا وطني لقيتك بعد يأس كأني قد لقيت بك الشبابا
************************
يقول ابن الرومي
ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا
************************(164/1)
الوفاء
يقول الشاعر:
إذا قلت في شئٍ نعم فأتمّه فإنّ نعم دين على الحرّ واجب
وإلا فقل لا واسترح وأرح بها لئلا يقول النّاس إنّك كاذب
******************
وقال آخر :
إنّ الكريم إذا حباك بموعدٍ أعطاكه سلساً بغير مطال
******************
وقال آخر:
لا كلف الله نفسا فوق طاقتها ولا تجود يد إلا بما تجد
فلا تعد عدة إلا وفيت بها واحذر خلاف مقال للذي تعد
****************
وقال صالح اللخمي:
لئن جمع الآفات فالبخل شرها وشر من البخل المواعيد والمطل
ولا خير في وعد إذا كان كاذباً ولا خير في قول إذا لم يكن فعل
****************
وقال الشاعر
تعجيل وعد المرء أكرومة تنشر عنه أطيب الذكر
والحر لا يمطل معروفه ولا يليق المطل بالحر
****************
وقال آخر:
ولقد وعدت وأنت أكرم واعد لا خير في وعد بغير تمام
أنعم علي بما وعدت تكرما فالمطل يذهب بهجة الإنعام
****************
وقال آخر:
وميعاد الكريم عليه دين فلا تزد الكريم على السلام
يذكره سلامك ما عليه ويغنيك السلام عن الكلام
****************
وقال آخر:
شكاك لساني ثم أمسكت نصفه فنصف لساني بامتداحك ينطق
فإن لم تنجز ما وعدت تركتني وباقي لساني بالمذمة مطلق
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء
أوفي بوعدي صديقي لست أخلفه ولست أنقض عهداً خط بالقلم
************************(165/1)
الوقت والفراغ
قال الشاعر:
اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ ذهبت نفسه العزيزة فلته
****************
وقال آخر:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
****************
وقال آخر:
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوحْ
لست بالباقي وإن عمّرت كنوحْ
****************
وقال آخر:
أتسمع الطير أطال الصياح وقد بدا في الأفق نور الصباح
ما صاح إلا باكياً ليلةً ولّت من العمر السريع الرواح
****************
وقال آخر:
أذان المرء حين الطفل يأتي وتأخيرك الصلاة إلى الممات
دليلٌ على أن محياه يسيرٌ كما بين الأذان إلى الصلاة
****************
وقال آخر:
إنَّ الفراغ والشبابَ والجِده مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مَفسده
****************
وقال آخر:
يا أيها الغافل جد في الرحيل وأنت في لهو وزاد قليل
لو كنت تدري ما تلاقي غداً لذبت من فيض البكاء والعويل
فاخلص التوبة تحظى بها فما بقي في العمر إلا القليل
ولا تنم إن كنت ذا غبطة فإن قدامك نوم طويل
************************
يقول أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق و ثواني
******************(166/1)
اليتيم
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
و ليس من خلقي قهر اليتيم ولا نهر الضعيف ولا التشكيك في الذمم
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء
ولست أرجو سوى الرحمن مسألة ولن أمد يدي يوماً ولا قدمي
************************(167/1)
اليرقان
يقول أبو العلاء محمد بن إبراهيم السروي:
واكتب أسامي مشبهية بالعين في دفتر الحماقة
وأي حسن يرى لطرف مع يرقان يحل ماقة
كراثة ركبت عليها صفرة بيض على رقاقه
************************(168/1)
اليسر بعد العسر
يقول الشاعر:
أيها الدهر الكئيب تبسم إن بعد العسر الشديد يسرا
وترنم فالنصر آت قريباً يصرع الخير في الوجود الشرا
سيسود الخلاص كل قبيل ويعم السلام برا وبحرا
ويطل الربيع يرقص بشراً و تفوح الرياض طيباً وعطرا
************************
يقول الشاعر:
سيفتح باب إذا سد باب نعم وتهون الأمور الصعاب
ويتسع العيش من بعد ما تضيق المذاهب فيها الرحاب
مع الهم يسران هون عليك فلا الهم يجدي ولا الاكتئاب
فكم ضقت ذرعاً بما هبته فلم ير من ذاك قدر يهاب
وكم برد خفته من سحاب فعوفيت وإنجاب عنك السحاب
ورزق أتاك ولم تأته ولا أرق العين منه الطلاب
وناء عن الأهل من بعدما علاه من الموج طام عباب
إذا احتجب الناس عن سائل فما دون سائل ربي حجاب
يعود بفضل على من رجاه وراجيه في كل حين يجاب
فلا تاس يوما على فائت وعندك منه رضاء واحتساب
فلا بد من كون ما خط في كتابك , تحبى به أو تصاب
فمن حائل دون ما في الكتاب ومن مرسل ما أباه الكتاب
تقع في مواقع تردى بها وتهوي إليك السهام الصياب
تبين زمانك ذا واقتصد فان زمانك هذا عذاب
واقفل عتاباً فما فيه من يعاتب حين يحق العتاب
مضى الناس طراً وبادوا سوى أراذل عنهم تجل الكلاب
يلاقيك بالبشر دهاماؤهم وتسليم من رق منهم سباب
فأحسن وما الحر مستحسن صيان لهم عنهم واجتناب
فدع ما هويت فان الهوى يقود النفوس إلى ما يعاب
وميز كلامك قبل الكلام فإن لكل كلام جواب
فرب كلام يمص الحشا وفيه من المزح ما يستطاب
************************
يقول الشاعر:
وَلا بُدَّ لِلَّيْلِ أنْ يَنْجَلِي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أن ينكسر
************************
يقول الشاعر:
إذا ابتليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
********************************(169/1)
اليوم الآخر
يقول الشاعر:
مثل وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيراناَ
النار تلهب من غيظٍ ومن حنقٍ على العصاةِ ورب العرش غَضباناَ
اقرأ كتابك يا عبدُ على مَهَل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءته إقرار من عرف الأشياء عرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتى وامضوا بعبدٍ عصا للنار عطشانا
المشركون غداً في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكانا
****************
وقال آخر:
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور
إذا كورت شمس النهار وأُدْنِيَت حتى على رأس العباد تسير
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور
وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير
وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت وتقول للأفلاك أين نسير
وإذا الجليل طوى السماء بيمينه طَىَّ السجل كتابه المنشور
وإذا الصحائف نشرت وتطايرت وتهتكت للعالمين ستور
وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى القصاص وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور
وإذا الجحيم تسعرت نيرانها ولها على أهل الذنوب زفير
وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتى على طول البلاء صبور
****************
وقال آخر:
غداً توفى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساءوا فبئس ما صنعوا(170/1)
بر الوالدين :
قال أمية بن أبي الصلت ،وهو قد عتب على ابنه :
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعلّ بما أسعى عليك وتنهل
إذا ليلةٌ جاءتك بالشكو لم أكن بشكواك إلاّ ساهراً أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الرّدى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجل
فلما بلغت السنّ والغاية التي إليها مدى ما كنت قبل أؤمل
جعلت جزائي غلظةً وفظاظةً كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حقّ الْجوار ولَم تكن عليّ بِمالي دونَ مالِكَ تبخل
****************
وقال آخر:
إن للوالدين حقٌ علينا بعد حق الإله في الاحترامِ
أوجدانا وربيانا صغاراً فاستحقا نهاية الإكرام
****************
وقال آخر:
لأمك حق لو علمت كبير كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي لَها من جواها أنَّةٌ وزفير
وفِي الوضع لو تدري عليك مشقة فكم غُصصٍ منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها ومن ثديها شُربٌ لديك نَمِير
وكم مرّة جاعت وأعطتك قوتَها حُنُوًّا وإشفاقًا وأنت صغير
فضيّعتها لَما أسنّت جهالة وطال عليك الأمر وهو قصير
فدونك فارغب فِي عميم دعائها فأنت لِما تدعو إليه فقير
****************
ذُكِر أن شابًا اسمه مُنازِل كان مُكبًّا على اللهو واللعب لا يفيق عنه، وكان له والدٌ صاحب دين، كثيراً ما يعظ هذا الابن ويقول له: يا بني، احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألَحّ عليه زاد في العقوق، ولما كان يوم من الأيام ألَحّ على ابنه بالنصح على عادته، فمدّ الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله مجتهدًا ليأتينّ بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:
يا مَن إليه أتى الحجّاج قد قطعوا عَرضَ المَهامِهِ من قُربٍ ومن بُعدِ(171/1)
إنِّي أتيتك يا مَن لا يُخيِّبُ مَن يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمَد
هذا مُنازِلُ لا يرتدُّ من عَقَقِي فخذ بحقّيَ يا رحمن من ولدي
وشُلَّ منه بحولٍ منك جانبه يا من تقدَّس لم يولَد ولم يلِد
فقيل: إنه ما استتمّ كلامه حتى يبس شِقُّ ولده الأيمن، نعوذ بالله من العقوق.
****************(171/2)
بغض المعاصي
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
لا أبغض الناس إلا عند معصية فإن تولت توارى البغض للعدم
إذا سمعت حديثاً من رويبضة أظهرت أني مصاب الأذن بالصمم
ولست أصغى لنمام هوايته قطع الصلات وتفريق لذي الرحم(172/1)
تحية
يقول أحمد شوقي:
قف حي شبان الحمى قبل الرحيل بقافية
عودتهم أمثالها في الصالحات الباقية
من كل ذات إشارة ليست عليهم بخافية
قل يا شباب نصيحة مما يزود غالية(173/1)
ترك الذنوب
قال ابن المعتز:
خلى الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
******************
وقال عبدالله بن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يتبع الذلّ إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وهل بدلّ الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا ولم تغل في البيع أثمانها
لقد رتع القوم في جيفة يبين لذي العقل إنتانها
******************
وقال آخر:
تفنى اللذاذة ممن نال لذتها من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتها لا خير في لذة من بعدها النار
******************
وقال آخر:
قد سودت وجهي المعاصي وأثقلت ظهري الذنوب
وأورثني ذكرها سقاماً وليس لي في الورى طبيبُ
يا شؤم نفسي غداة عرضي إذا أحاطت بي الكروب
والداعي لما دعاني باسمي أنت تقرأ وما يجيب
هذا كتاب الذنوب فاقرأ فعندها تظهر العيوب
******************
وقال آخر:
أتفرح بالذنوب وبالمعاصي وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي
وتأتي الذنب عمداً لا تبالي ورب العالمين عليك حاصي
*****************
وقال آخر:
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي درك الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدماً منها إلى الدنيا بذنب واحد
******************(174/1)
تقلب الدنيا
يقول أبو العتاهية:
كُلُّ حيٍّ كِتابهُ معلومُ لا شقَاءٌ، وَلا نَعيمٌ يَدومُ
يُحسَدُ المَرْءُ في النّعيمِ صَباحاً، ثمَّ يُمسي وعيشهُ مذمومُ
************************
يقول أبو العتاهية:
ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ
ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدة ٍ ويومُ سُرورٍ مرَّة ً ورخاء(175/1)
ثناء
النابغة الذبياني:
فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
************************
جاء أحد الأعراب يمدح أحد الخلفاء و كان من أهل البادية فقال له:
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو ما عددناك دلواً من كبار الدلى كثير الذنوب
************************
وقال الفرزدق مادحا - في مكة المكرّمة - الإمام زين العابدين علي ابن الحسين
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
************************(176/1)
حب الصحابة وآل البيت
قال الشاعر:
إني أُحب أبا حفص وشيعته كما أحب عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيت عليا قدوة علماً وما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة ساداتي ومعتقدي فهل علي بهذا القول من عار
******************
وقال آخر:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن انزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له
******************
وقال آخر:
بلغ الأشواق والحب الصحابة سادة القوم وأرباب النجابه
هم حماة الدين أبطال الردى بل غيوث البذل بل آساد غابه
حبهم دين ومن يبغضهم ربنا في نار الآخرة أذابه
ذب عن أعراضهم إن كنت من ضربهم لا تعتدي كل ذبابه
وأطلب الآثار منهم إنهم علماء الدين فتواهم إصابه
******************
قال الشاعر يمدح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم :
وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشقوا
أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظلة والروح تختطف
وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف
******************
وقال آخر:
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النازلات وأجملوا
******************
وقال آخر:
ومن عجب أني أحن إليهم وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
******************
وقال آخر:
أنا مسلم وأقولها مِلء الورى وعقيدتي نور الحياة وسؤددي
سلمان فيها مثل عمر لا ترى جنساً على جنس يفوق بمحتدي
وبلال بالإيمان يشمخ عزة ويدق تيجان العنيد الملحد
وخبيب أخمد في القنا أنفاسه لكن صوت الحق ليس بمُخْمدِ
ورمى صهيب بكل مال للعدا ولغير ربح عقيدة لم يقصد
إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرة أقوى وألف مهند
****************(177/1)
ومن أشعار بعض الصحابة ما روي أن أبا بكر قال لما قُتل أمية بن خلف وقد كان يَسُومُ بلالاً سوء العذاب بمكة فيخرجه إلى الرَّمْضاء، فيلقي عليه الصخرة العظيمة ليفارقَ دينَ الإسلام فيعصمه اللّه من ذلك:
هَنئياً زادك الرحمنُ خيراً فقد أدركْت، ثأرك يا بلالُ
فلا نِكْسا وُجِدْتَ ولا جباناً غداة تنوشُكَ الأسَل الطوالُ
إذا هاب الرّجال ثبتَّ حتى تخلِط أنْتَ ما هابَ الرّجالُ
على مضض الكُلُوم بمشرفيٍّ جَلاَ أطرافَ مَتْنَيْهِ الصِّقَالُ
*****************
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم فتح مكة:
ألم تر أن اللَّهَ أظهر دِينَهُ على كل دينٍ قبل ذلك حائدِ
وأمكنه من أهل مكة بعدما تدَاعَوْا إلى أمرٍ من الغي فاسدِ
غداةَ أجَالَ الخيلَ في عَرَصاتها مسوَمةً بين الزبير وخالد
فأمسى رسولُ الله قد عَزَّ نَصْرُهُ وأمْسى عدَاه مِنْ قتيل وشارِد
يريد الزبير بن العوام حَوَارِيّ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، وخالِدَ ابن الوليد سيفَ الله تعالى في الأرض.
*****************
لما قتل أبو لُؤُلُؤَة غلامُ المغيرةِ بن شُعْبَة، قالت زوجه عاتِكة بنت زيد بن عمرو ابن نفَيل ترثيه:
عَيْنُ جُودي بِعَبْرَةٍ ونَحِيبِ لا تملي على الأمين النجِيب
فجَعَتْني المنونُ بالفارسِ الْمُعـ ـلَم يوم الهياج والتثويبِ
عصْمَةُ الناس والمعينُ على الدَهـ ـر وغيثُ المحروم والمحروبِ
قل لأهْلِ الضراءِ والبُؤس موتوا قد سقته المنُونُ كأسَ شعَوبِ
*****************
وقالت أيضاً ترثيه:
وفَجعني فيْرُوز لا دَرَّ درُه بأبيضَ تالٍ لِلْكِتابِ مُنِيبِ
رؤوف على الأدنى غليظ على العِدَا أخي ثقة في النائبات نجيبِ
متى ما يَقُلْ لا يكذب القولَ فِعلُه سريع إلى الخيرات غير قَطوبِ(177/2)
وعاتكة هذه، هي أخت سعيد بن زيد، أحدِ العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، بالجنَّة، وكانت تحت عبد اللّه بن أبي بكر، فأصابه سهْمٌ في غَزوَة الطائف فمات منه، فتزوجها عمر، رضي اللّه عنه، فقُتِل عنها، فتزوجها الزبير ابن العوام فقُتِلَ عنها، فكان علي، رضي الله عنه يقول: من أحبَّ الشهادة الحاضرة فليتزوج بعاتِكة.
*****************
يروى أن علياً رضي الله عنه قال بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها:
أرى عِلَلَ الدنيا عليَّ كثيرةً وصاحِبُها حتى المماتِ عليلُ
لكل اجتماع من خليلين فُرْقَةٌ وإن الذي دُون المماتِ قليل
وإنْ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليل على ألاَ يدومَ خَليلُ
*****************
وحجَ هشام بن عبد الملك، أو الوليد أخوه، فطافَ بالبيتِ وأرادَ استلامَ الْحَجَر فلم يقدر، فنُصِب له مِنبَرٌ فجلس عليه، فبينا هو كذلك إذْ أَقْبَلَ عليُ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في إزارِ ورِدَاء، وكان أحسنَ الناس وَجْهاً، وأعطرهم رائحة، وأكثرَهم خشوعاً، وبين عينيه سَجادة، كأنها رُكبة عنز، وطاف بالبيت، وأتى ليَسْتَلم الحجرَ، فتنحّى له الناسُ هيبة وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً؛ فقال رجلٌ من أهل الشام: مَن الَّذي أكرمه الناس هذا الإكرام، وأعظموه هذا الإعظام؟ فقال هشام: لا أعْرفه، لئلا يَعْظُمَ في صدور أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً:
هذا ابنُ خير عبادِ الله كلهِمُ هذا النقيُّ التقيُ الطاهرُ العَلَمُ
هذا الذي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وطأتُه والبيتُ يعرفُه والحل والحَرَمُ
إذا رأتْه قريشٌ قال قائلُها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرَمُ
يكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ راحتهِ رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم
*****************
مُشتقَّة من رسول اللّه نَبْعَتُهُ طابتْ عناصِرُه والخِيم والشِّيَم
يُنْمَى إلى ذِرْوة العزّ التي قصُرت عن نَيْلها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ
*****************(177/3)
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهِلَهُ بجدِّه أنبياءُ اللّه قد خُتِموا
اللَّهُ فضّله قِدْماً وشرّفَهُ جرى بذَاك له في لَوْحهِ القَلَمُ
مَنْ جدُهُ دانَ فَضْلُ الأنبياء لهُ وفَضْلُ أمّته دانَتْ له الأُمَمُ
عَمَ البريّةَ بالإحسان فانقشعتْ عنها الغيابةُ والإملاقُ والظُلمُ
*****************
ويقول الشيخ عائض القرني :
هم صفوة الأقوام فاعرف قدرهم وعلى هداهم يا موفق فاهتدِ
واحفظ وصية أحمد في صحبه واقطع لأجلهم لسان المفسدِ
عرضي لعرضهموا الفداء وإنهم أزكى وأطهر من غمام أبردِ
فالله زكاهم وشرّف قدرهم وأحلهم بالدين أعلى مقعدِ
شهدوا نزول الوحي بل كانوا له نعم الحماة من البغيض الملحدِ
بذلوا النفوس وأرخصوا أموالهم في نصرة الإسلام دون ترددِ
ما سبهم إلا حقيرٌ تافهٌ نذلٌ يشوههم بحقدٍ أسودِ
لغبارُ أقدام الصحابة في الردى أغلى وأعلى من جبين الأبعدِ
ما نال أصحابَ الرسول سوى امرءٍ تمت خسارته لسوء المقصدِ
******************(177/4)
حب القوم
يقول عنترة بن شداد:
سكت فغر أعدائي السكوت وظنوني لأهلي قد نسيت
وإن دارت بهم خيل الأعادي ونادوني أجبت متى دعيت(178/1)
حب النبي صلى الله عليه وسلم
يقول الشاعر:
أتحب أعداء الحبيب وتدعى حباً له ، ما ذاك في الإمكان
وكذا تعادى جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان ؟!
إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصانِ
فلئن ادعيت له المحبة مع خلاف ما يحب فأنت ذو بهتان
*****************
وقال آخر:
من يَدَّعِ حُبَّ النبي ولم يفد من هديه فسفاهةُُ وهراءُ
فالحب أول شرطه وفروضه إن كان صادقاً طاعةُُ ووفاءُ(179/1)
حسن الخلق
قال الشاعر:
ليس الجمال بمئزرٍ فاعلم وإن رُدّيت بُرْدا
إن الجمال مآثرٌ ومناقبٌ أورثن حمدا
****************
وقال يعقوب الخريمي:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمحلُّ جذيب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنَّما وجه الكريم خصيب
****************
وقال آخر:
لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
****************
وقال آخر:
ولم أر كالمعروف أمَّا مذاقه فحلوٌ وأمَّا وجهه فجميل
****************
وقال آخر:
إذا صاحبت قوماً أهل فضل فكن لهموا كذي الرحم الشفيق
ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق
****************
وقال آخر:
من يزرع الخير يحصد ما يسرُّ به وزارع الشَّرِّ منكوسٌ على الرَّأس
****************
وقال الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
****************
وقال ابن دريد:
وما هذه الأيَّام معارةٌ فما استطعت من معروفها فتزوَّد
فإنَّك لا تدري بأيَّة بلدةٍ تموت ولا ما يحدث الله في غد
****************
قال الشافعي -رحمه الله- :
المرءُ إن كان مؤمناً ورِعاً أشغله عن عيوب الورى ورعُهْ
كما السقيمِ العليلِ أشغله عن وجع الناس كلِّهم وجعُهْ
****************
وقال المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت الَّلئيم تمرَّدا
****************
وقال أبو العتاهية :
عامل الناس بوجهٍ طليق والق من تلقى ببشر رفيق
فإذا أنت جميل الثنا وإذا أنت كثير الصّديق
****************
وقال الحسن:
وإني لألقي المرء أعلم أنه عدو وفي أحشائه الضغن كامن
فأمنحه بشراً فيرجع قلبه سليماً وقد ماتت لديه الضغائن
****************
وقال آخر:
لا تحسبن العلم ينفع وحده مل لم يتوج ربُّه بخلاق
فإذا رزقت خليقة ًمحمودة ً فقد اصطفاك مُقسم الأرزاق
****************
وقال آخر:
لا تسأل الناس ما مالي وكثرته وسائل الناس ما جودي وما خلقي(180/1)
أعطي الحسام غداة الروع حصته وعامل الرمح أرويه من العلق
وأطعن الطعنة النجلاء عن عرض وأكتم السر فيه ضربة العنق
****************
وقال ابن وكيع :
لاق بالبشر من لقيت من النا س وعاشر بأحسن الإنصاف
لا تخالف وإن أتوا بخلافٍ تستدم ودهم بترك الخلاف
وإذا خفت فرط غيظك فانهض مسرعاً عنهم إلى الانصراف
إنما الناس إن تأملت داءٌ ماله غير أن تداويه شافي
****************
وقال آخر:
الق بالبشر من لقيت من الناس جميعاً ولاقهم بالطلاقة
تجن منهم جني ثمار فخذها طيباً طعمه لذيذ المذاقة
****************
وقال حبيب الطائي :
إذا جاريت في خلق دنيّا فأنت ومن تجاريه سواء
****************
وقال المرّار بن سعيد :
إذا شئت يوماً أن تسود قبيلة فبالحلم سد لا بالسّفاهة والشّتم
****************
وقال آخر:
إن المكارم أخلاق مطهرة فالعقل أولها والدين ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والعرف ساديها
والبر سابعها والصبر ثامنها والشكر تاسعها واللين عاشيها
والعين تعلم من عيني محدثها إن كان من حزبها أو من أعاديها
والنفس تعلم أني لا أصدقها ولست أرشد إلا حين أعصيها
****************
وقال آخر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
****************
وقال آخر:
إذا لم تتسع أخلاق قومٍ تضيق بهم فسيحات البلاد ِ
إذا المرء لم يُخلق لبيباً فليس اللبُّ عن قِدم الولادِ
****************
وقال آخر:
وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا
وليس بعامرٍ بنيان قومٍ إذا أخلاقهم كانت خرابا
****************
وقال آخر:
فتى مثل صفو الماء أما لقاؤه فبشر وأما وعده فجميل
يسرك مراءه ويشرق وجهه إذا اعتل مذموم الفعال بخيل
عييٌ عن الفحشاء أما لسانه فعف وأما طرفه فكليل
****************
يقول إيليا أبو ماضي:
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما(180/2)
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً؟ أو من يثيبُ البلبل المترنما
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
بحر الحياة خضم ثائر الحمم أبحرت فيه بلا خوف ولا سأم
أهيم في البحر والأمواج تلطمني أصارع الموج بالأخلاق والقيم
أغوص في البحر والحيتان ترقبني فأتقيها بتقوى خالق الأمم
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
أنا اللبيب إذا ما انتابني قلق ذكرت ربي والأذكار من شيمي
إذا أصبت بضراء صبرت لها وإن يسرا فإني شاكر النعم
لم أخشى يوما من الدنيا مولية و ما فرحت بها فالحال للعدم
ما كنت والوغد إذ أبدى مساوئه إلا كما البدر للسارين في الظلم
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
و ليس من خلقي قهر اليتيم و لا نهر الضعيف ولا التشكيك في الذمم
************************(180/3)
حفظ السمع
يقول الشاعر:
وسمعك صن عن سماع القبيح كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيح شريك لقائله فانتبه(181/1)
حفظ اللسان
قال الشاعر:
ألم تر مفتاح الفؤاد لسانه ذا هو أبدى ما يقول من الفم
وكائن ترى من صاحبٍ لك معجبٍ زيادته أو نقصه في التّكلم
لسان الفتى نصفٌ و نصفٌ فؤاده فلم يبق إلا صورة اللّحم والدَّم
************************
وقال منصور الفقيه:
عليك السُّكوت فإن لم يكن من القول بدٌّ فقل أحسنه
فرَّبتما فارقت بالّذي تقول أماكنها الألسنة
************************
وأنشد ابن المبارك أخاً له كان يصحبه:
واغتنم ركعتين زلفى إلى اللـ ـه إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا ما هممت بالمنطق البا طل فاجعل مكانه تسبيحا
إنّ بعض السكوت خيرٌ من النطـ ـق وإن كنت بالكلام فصيحا
*****************
وفي ذم الجدال يقول ابن الرومي:
لذوي الجدال إذا غَدَوا لجدالهم حُجَجٌ تضلُّ عن الهدى وتَجُورُ
وُهُنٌ كآنيةِ الزُّجاج تَصَادمتْ فهوَت، وكلٌّ كاسرٌ مَكْسورُ
فالقاتِلُ المقتولُ ثَمَّ لِضَعْفه ولوهيِه، والآسرُ المَأْسُورُ
*****************
وقال آخر:
إذا ما ذكرت الناس فاترك عيوبهم فلا عيب إلا دون ما منك يذكر
فإن عبت قوما بالذي ليس فيهم فذلك عند الله والناس أكبر
وإن عبت قوماً بالذي فيك مثله فكيف يعيب العور من هو أعور
وكيف يعيب الناس من عيب نفسه أشد إذا عد العيوب وأنكر
متى تلتمس للناس عيباً تجد لهم عيوباً ولكن الذي فيك أكثر
فسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبك من عينيك أهدى وأبصر
*****************
وقال نصر بن أحمد:
لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل وكلّ امرئ ما بين فكَّيه مقتل
وكم فاتحٍ أبواب شرٍّ لنفسه إذا لم يكن قفلٌ على فيه مقفل
إذا ما لسان المرء أكثر هذره فذاك لسانٌ بالبلاء موكّل
إذا شئت أن تحيا سعيداً مسلَّماً فدبّر وميّز ما تقول وتفعل
*****************
وقال صالح بن جناح:
أقلل كلامك واستعذ من شرّه إنّ البلاء ببعضه مقرون
واحفظ لسانك واحتفظ من غيّه حتّى يكون كأنَّه مسجون
وكِّل فؤادك باللِّسان وقل له إنّ الكلام عليكما موزون(182/1)
فزناه وليك محكماً في قلّةٍ إنّ البلاغة في القليل تكون
*****************
وقال آخر:
عوّد لسانك قول الصِّدق تحظ به إنّ الِّلسان لما عوّدت معتاد
موكل بتقاضي ما سننت له فاختر لنفسك وانظر كيف ترتاد
*****************
وقال غيره:
يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه وليس يموت الرَّجل من عثرة الرِّجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه وعثرته بالرِّجل تبرا على مهل
*****************
وقال آخر:
والصمتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفُ وفيه أيضاً لصونِ العرض إصلاحُ
أما ترى الأسدَ تخشى وهي صامتةٌ والكلبُ يخزى لعمرُ اللهِ نباحُ
*****************
وقال المنتصر بن بلال الأنصاري:
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا فيهتك الناس ستراً من مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحداً عيباً بما فيكا
****************
وقال آخر:
كم من حسيب كريم كان ذا شرف قد شانه الكذب وسط الحي إن عمدا
وآخر كان صعلوكا فشرفه صدق الحديث وقول جانب الفندا
فصار هذا شريفاً فوق صاحبه وصار هذا وضيعاً تحته أبدا
*****************
وقال آخر:
الكذب مرديك وإن لم تخف والصدق منجيك على كل حال
فانطق بما شئت تجد غبه لم تبتخس وزنة مثقال
*****************
وقال آخر:
كذبت ومن يكذب فإن جزاءه إذا ما أتى بالصدق أن لا يصدقا
إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل لدى الناس كذابا وإن كان صادقا
ومن آفة الكذاب نسيان كذبه وتلقاه ذا فقه إذا كان حاذقا
*****************
وقال آخر:
الصدق يعقد فوق رأس حليفه بالصدق تاجا
والصدق يقدح زنده في كل ناحية سراجا
*****************
وقال المنتصر بن بلال:
تحدث بصدق إن تحدثت وليكن لكل حديث من حديثك حين
فما القول إلا كالثياب فبعضها عليك وبعض في التخوت مصون
*****************
وقال آخر:
أوجع من وخزة السنانِ لذي الحِجا: وخزة اللسانِ
*****************
وقال آخر:
رأيت لسان المرء آية عقله وعنوانه فانظر بماذا تعنون
ولا تنس إصلاح اللسان فإنه يخبر عما عنده ويبين(182/2)
ويعجبني زي الفتى وجماله فيسقط من عيني ساعة يلحن
*****************
وقال آخر:
إذا ما المرء أخطأه ثلاث فبعه ولو بكف من رماد
سلامة صدره والصدق منه وكتمان السرائر في الفؤاد
****************
وقال آخر:
تَحَفّط من لسانك ليس شيءٌ أحق بطول سجن من لسانِ
*****************
وقال آخر:
إن اللسان إذا حَللتَ عِقاله ألقاك في شنعاءَ ليس تُقالُ
*****************
وقال آخر:
احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان
*****************
وقال آخر:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلي إن البلاء موكل بالمنطق
*****************
وقال آخر:
إذا شئت أن تحيا سليماً من الاذى وحظك موفورٌ وعرضك صيَّنُ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عوراتٌ وللناس السنُ
وعينك إن أبدت إليك مساوئاً فصنها وقل يا عين للناس أعينُ
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ
*****************
وقال آخر:
حفظ اللسان عن القبيح أمانُ يزكو به الإسلام والإيمانُ
وإذا جِنايات الجوارح عُددت فأشدها يجني عليك لسانُ
من كف كف الناس عنه إلا الخنا فكما تدين تُدانُ
*****************
وقال آخر:
وزن الكلام إذا نطقت فإنما يبدي عقول ذوي العقول المنطق
*****************
وقال آخر:
وإن لسان المرء ما لم تكن له حصاة على عوراته لدليل
*****************
يقول طرفة بن العبد:
زن الكلام و لا تكن ثرثارة في كل ناد تخطب
******************
يقول الشاعر:
وميز كلامك قبل الكلام فإن لكل كلام جواب
فرب كلام يمص الحشاء وفيه من المزح ما يستطاب
************************
يقول ابن المقري:
فكم ندمتُ على ما كنتُ قلتُ به وما ندمتُ على ما لم أكنْ أقل
وأضيقُ الأمرِ أمرٌ لمْ تجدْ معه فتىً يُعينُكَ أو يهديكَ للسبل
************************(182/3)
حفظ كرامة النفس
يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن يغترب يحسب عدوّاً صديقه ومن لا يكرّم نفسه لا يُكرّمِ
ومهما تكن عند امرءِ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ
******************(183/1)
حمزة بن عبد المطلب
يقول كعب بن مالك:
بكت عيني و حق لها بكاها و ما يغني البكاء و لا العويل
على أسد الإله غداة قالوا أحمزة ذاكم الرجل القتيل ؟
أصيب المسلمون به جميعاً هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت وأنت الماجد البر الوصول(184/1)
حوار بين الأستاذ و التلميذ
يقول أبو جندل العباس
كان مدرساً رأى تلميذه شارد الذهن فنبهه بقوله:
أَسْرِجْ شُمُوْخَكَ يَا بَطَلْ وَدَعِ المَهَازِلَ وَالْغَزَلْ
وَانْسَ الْهُمُوْمَ فَإِنَّهَا دَاءُ الأَحَاجِيْ وَالمُقَلْ
ثُمَّ اهْجُرِ الْعِشْقَ الَّذِيْ سَلَبَ الْفُؤَادَ عَلَى عَجَلْ
وَدِّعْ سُعَادَ فَمالها خَطَفَتْ لُبَابَكَ فَارْتَحَلْ
وَاسْمَعْ لِشَرْحِ الدَّرْسِ لا تَرْحَلْ بَعِيْداً بِالأَمَلْ
فرد عليه التلميذ قائلاً:
عُذْرَاً مُعَلِّمَنَا فَإِنّيْ لا عَشِقْتُ وَلا خَجِلْ
إِنَّ الهُمُوْمَ لَهَا اضْطِرَامٌ في الْحَشَا وَبِهَا اشْتَعَلْ
إَنِّيْ سَمِعْتُ الشَّرْحَ لكِنْ أُمَّتِي سُلِبَتْ: أَجَلّ
سُلِبَتْ كَرَامَتُهَا وَقَوْ مِي صَفَّقُوا لِلْكُفْرِ، بَلْ
نَامُوا عَلَى عَتَبَاتِهِ يَشْكُونَ وَيْلاتِ الدُّوَلْ
أَمُعَلِّمِي أَيْنَ الرِّجَالُ وَأَيْنَ فَارِسُهُمْ وَهَلْ
مِنْ قَائِدٍ يُدْمِي سُيُوفَ البَغْيِ شَاطَرَهَا الْخَطَلْ
************************(185/1)
خوض المنايا
يقول المتنبي:
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول(186/1)
ذكر الله
يقول الشاعر:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم فنترك الذكر أحياناً فننتكسُ
*****************
وقال آخر:
وكن ذاكراً لله في كل حالةٍ فليس لذكر الله وقتٌ مُقيدُ
فذكر اله العرش سراً ومعلنا يُزيل الداء والهم عنك ويطردُ
ويجلب للخيرات دنيا وآجلا وإن يأتك الوسواس يوماً يشردُ
فقد أخبر المختار يوماً لصحبه بأن كثير الذكر في السبق المفردُ
*****************
وقال آخر:
حنين قلوب العارفين إلى الذكر وتذكارهم وقت المناجاة للسر
أديرت كؤوس للمنايا عليهم فأغفوا عن الدنيا كإغفاء ذي الشكر
همومهم جوالة بمعسكر به أهل ود الله كالأنجم الزهر
فأجسامهم في الأرض قتلى بحبه وأرواحهم في الحجب نحو العلا تسري
فما عرسوا إلا بقرب حبيبهم وما عرجوا من مس بؤس ولا ضر
***************(187/1)
ذم الحرص
قال الشاعر:
لا تحمدنَّ أخا حرصٍ على سعةٍ وانظر إليه بعين الماقت القالي
إنّ الحريص لمشغول بشوقته عن السُّرور بما يحوي من المال
***************
وقال محمود الوراق:
علام يشقى الحريص في طلب الرِّز ق بطول الرَّواح والدَّلج
يا قارع الباب ربّ مجتهدٍ قد أدمن القرع ثم لم يلج
وربّ مستولجٍ على مهلٍ لم يشق من قرعه ولم يهج
فاطوا على الهمِّ كشح مصطبرٍ فآخر الهمِّ أول الفرج
***************
وكان المأمون يعجبه قول أبي العتاهية:
تعالى الله يا سلم بن عمرٍو أذلَّ الحرص أعناق الرِّجال
***************
وقال أبو الفتح الملقب بكشاجم:
بالحرص في الرِّزق ذّل الفتى وفي القنوع الشَّرف الشَّامخ
***************
وقال آخر:
نعى نفسي إليّ من الَّليالي تصرُّفهنَّ حالاً بعد حال
فما لي لست مشغولاً بنفسي ومالي لا أخاف الموت مالي
لقد أيقنت أنِّي غير باقٍ ولكنِّي أراني لا أبالي
تعالى الله يا سلم بن عمرٍو أذلّ الحرص أعناق الرِّجال
هب الدُّنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذاك إلى زوال
فما ترجو بشيءٍ ليس يبقى وشيكاً ما تغيِّره الَّليالي
*****************
وقال ابن الرومي:
لعمرُك ما الدُّنيا بدارِ إقامةٍ إذا زال عن عَيْنِ البصيرِ غِطاؤها
وكيف بقاءُ الناسِ فيها وإنما يُنال بأسْبَاب الفَنَاء بقاؤها؟
*****************
وقال الشاعر:
قد شاب رأسي ورأس الدهر لم يشب إن الحريص على الدنيا لفي تعب
*****************
وقال محمد بن نصر المديني:
يا كثير الحرص مشغولاً بدنيا ليس تبقى
ما رأيت الحرص أدنى من حريص قط رزقا
لا ولكن في قضاء الله أن يعيا ويشقى
تعرف الحق ولكن لا ترى للحق حقا
*****************
وقال الشاعر:
وذي حرص تراه يلم وفراً لوارثه ويدفع عن حماه
ككلب الصيد يمسك وهو طاوٍ فريسته ليأكلها سواه
*****************
وقال الشاعر:
إذا ما نازعتك النفس حرصاً فأمسكها عن الشهوات أمسك
ولا تحرص ليوم أنت فيه وعد فرزق يومك رزق أمسك(188/1)
*****************
وقال آخر:
حتى متى أنا في حل وترحال وطول سعي وإدبار وإقبال
ونازح الدار لا أنفك مغترباً عن الأحبة لا يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها لا يخطر الموت من حرصي على بالي
ولو قنعت أتاني الرزق في دعه إن القنوع الغني لا كثرة المال
*****************
وقال آخر:
يفنى الحريص بجمع المال مدته وللحوادث ما يبقى وما يدع
كدودة القز ما تبنيه يهلكها وغيرها بالذي تبنيه ينتفع
****************
وقال آخر:
أراك يزيدك الإثراء حرصاً على الدنيا كأنك لا تموت
فهل لك غاية إن صرت يوماً إليها قلت حسبي قد رضيت
*****************(188/2)
ذم الشبع
وقال آخر:
ثلاثٌ مُهلكات للأنام وداعية الصحيح إلى السقام
دوام منامة ٍ ودوام وطءٍ وإدخال الطعام على الطعام ِ
*****************
وقال آخر:
يُميت الطعام القلب إن زاد كثرةً كزرع ٍ إذا بالماء قد زاد سقيُه
وإن لبيبا يرتضي نقص عقله يأكل لقيمات ٍقد ضلَّ سعيه(189/1)
ذم النوم
يقول عمر الخيام:
فما أطاَل النّوم عمراً ولا قصَّر في الأعمارِ طول السهَر(190/1)
ذم سؤال المخلوق
قال الشاعر:
لا تسألن من ابن آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
*****************
وقال آخر:
لا تحسبن الموت موت البلى إنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا أخف من ذاك لذل السؤال
*****************
وقال آخر:
لا تسألن إلى صديق حاجة فيحول عنك كما الزمان يحول
واستغن بالشيء القليل فانه ما صان عرضك لا يقال قليل
من عف خف على الصديق لقاؤه وأخو الحوائج وجهه مملول
وأخوك من وفرت ما في كفه ومتى علقت به فأنت ثقيل
*****************
يقول أبو العتاهية:
من أرادَ الغِنَى فلا يسأل النَّاسَ فإنّ السّؤالَ ذُلّ وَلُومُ
إنّ في الصّبرِ وَالقُنوعِ غنى الدّهرِ حِرْصُ الحريصِ فقرٌ مُقيمُ
إنمَا الناسُ كالبهائِمِ في الرزقِ سَواءٌ جَهولُهمْ وَالعليمُ
ليسُ حزمُ الفتى يجرُّ لهُ الرزْقَ ولا عاجزاً يُعدُّ العديمُ
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
ولست أرجو سوى الرحمن مسألة و لن أمد يدي يوما و لا قدمي
************************
يقول المتنبي:
لا تشتكي للناس جرحاً أنت صاحبه لا يشعرن بالجرح إلا من به ألم
************************(191/1)
ذم من يضرب النساء
قال الشاعر:
رأيت رجالا يضربون نساءهم فشلت يميني يوم تضرب زينب
أأضربها من غير ذنب أتت به فما العدل مني ضرب من ليس يذنب
فزينب شمس والنساء كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب(192/1)
ذو الوجهين
قال الشاعر:
إنما المكر والخديعة في النار وهما من خصال أهل النفاقِ
*****************
وقال آخر:
يلقاك يُقسم أنه بك واثقٌ وإذا توارى عنك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
*****************
وقال آخر:
ملكٌ كريمُ في مظهره شيطانٌ رجيم في مخبره
*****************
وقال آخر:
قل للذي لست أدري من تلونه أناصح أم على غش يناجيني
إني لأكثر مما سمتني عجباً يد تشح وأخرى منك تأسوني
تغتابني عند أقوام وتمدحني في آخرين وكل عنك يأتيني
هذان شيئان قد نافيت بينهما فأكفف لسانك عن شتمي وتزييني
*****************
وقال آخر:
ويوم كأخلاق الملوك تلونا فصحو وتغييم وطل وابل
أشبهه إياك من صفاته دنو وإعراض ومنع ونائل
*****************(193/1)
رثاء الابن
يقول ابن الرومي
بكاؤكما يَشفي وإن كان لا يُجدي فجودا فقد أودى نظيرُكُما عندي
بُنيَّ الذي أهدَتهُ كفّاي للثرى فيا عزة المُهدَى ويا حسرة المَهدي
على حينَ شِمتُ الخير من لمحاتِهِ وآنستُ من أفعاله آية الرشد
طواه الردى عني فَأضحى مزاره بعيداً على قربٍ قريباً على بعد
************************
يقول ابن الرومي أيضا
وإني وإن مُتِّعتُ بابنيَّ بعده لَذاكِرُهُ ما حنّتِ النِّيَبُ في نجد
وأولادنا مثل الجوارح أيها فقدناه كان الفاجعَ البَيِّنَ الفَقد
لكلٌّ مكانٌ لا يَسُدُّ اختلالَهُ مكانُ أخيه في جَزوعٍ ولا جَلد
هل العينُ بعد السمع تكفي مكانَهُ أم السمعُ بعد العين يهدي كما تَهدي؟
لعمري: لقد حالت بيَ الحالُ بعده فياليت شعري كيف حالت به بَعدي؟
ثكِلتُ سروري كلّه إذ ثَكلتٍه وأصبحتُ في لذات عيشي أخا زهد
أريحانةَ العينين والأنف والحشا ألا ليت شعري هل تغيرتَ عن عهدي
سأسقيك ماء العين ما أسعَدَت به وإن كانت السُّقيا من الدمع لا تُجدي
************************(194/1)
رثاء
للخنساء ترثي أخاها صخرا
أعيني جودا و لا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجرئ الجميل ألا تبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد ساد عشيرته أمردا
************************
تقول الخنساء أيضا
قذى بعينيك أم بالعين عوار أم خلت من أهلها الدار
و إن صخراً لمولانا و سيدنا و إن صخرا إذا نشتو لنحار
و إن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم قي رأسه نار
************************
قال كعب بن مالك يرثي حمزة بن عبد المطلب
بكت عيني و حق به بكاها و ما يغني البكاء و لا العويل
على أسد الاله غداة قالوا أحمزة ذاكم الرجل القتيل ؟
أصيب المسلمون به جميعاً هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت وأنت الماجد البر الوصول
************************
يقول الدكتور القرضاوي يرثي حسن البنا
نمْ في جوارِ زعيمِكَ الهادي فمَا شَيَّدتَ يا "بَنَّاءُ" لمْ يتهدَّمِ
سيظلُّ حبُّكَ في القلوبِ مُسطَّرًا وَسَناكَ في الألبابِ واسمُكَ في الفَمِ
************************(195/1)
رفض الذل
يقول عمرو بن مكثوم
بأي مشيئة عمرو بن هند تطيع الوشاة و تزدرينا
تهددنا و توعدنا ؟ رويدا متى كنا لأمك مقتوينا
فإن قناتنا يا عمرو أعيت على الأعداء قبلك أن تلينا
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً َبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِيْنَا
مَلأْنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا وَظَهرَ البَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِيْنَا
إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجِديْنَا(196/1)
رمضان وفراقه
يقول الشاعر:
فيا عين جودي بالدمع من أسف على فراق ليالي ذات أنوارِ
على ليالي لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزارِ
ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلى ومنا القانط القاري
فابكوا على ما مضى في الشهر و اغتنموا ما قد بقى إخواني من فضل أعماري
******************
يقول الشاعر: يس الفيل
يصف حبه لشهر رمضان
أنا فيك .. من ولهي أكاد أذوب ولديك طيش عن عماه يتوب
أهواك .. لا سفه يدور بلهفتي أبدا .. ولا أنا عن سناك أغيب
إني إلى ملأ الهداية أنتمي وتفيض منك على هداي طيوب
لله صومي فيك يرفعني مدى عن كل ما يصم التقى ويعيب
إن جف حلقي أو تضورت الخطى من جوعها.. وبها استبد شحوب
أدمنت صبري، واستعنت بخالقي هو لم يزل ممن يحب قريب
فإذا بإيماني يقود مطيتي لذرا .. بها لا تستقيم عيوب
وإذا بأنداء الصفاء تلفني وإذا بصومي للجراح طبيب
دُر بي كما تهوى فأنت حبيب أو نحّني.. فأنا الهوى المشبوب
ثقة الجوارح أنها بك تحتمي إن حاصرتها في الوهاد ذنوب
تحياك .. إما جئت .. صدق محبة على هداك من الضياع تؤوب
وإذا رحلت وأنت أكرم راحل فشذا يقينك أنت .. ليس يغيب
إن الخطى بك تستجير فكن لها سندا إذا عصفت بهن خطوب
رمضان يا نغم الهداية لم تزل تفديك منا أنفس وقلوب
طف بالهدى واغمر بفيضك ساحة عطشى لعل قوى الضلال تثوب
وأعد بني زمني لدوحتك التي بالطهر تنضح، أيها المطلوب
ها نحن طول العام في غفواتنا نمضي.. ولكن خطونا مقلوب
شهواتنا خيل بغير قلادة أنى تكرّ .. فعدوها مرغوب
حتى إذا جنحت لأرض خطيئة ورست.. نطقنا: إنه المكتوب
أو ليس عارا أن نؤكد أننا خير الخلائق .. والرداء ثقوب؟
أو ليس يخجلنا عناد خيولنا وهي الفخارُ يصونه التهذيب؟
إني لأعجب من نعاس أحبتي عاما ولو أن الزمان عجيب
لكنها همم السمو تقلصت وبها التوت خلف التلال دروب
رمضان يا أملا لكل مؤمل القول فيك و إن أطلت يطيبُ
لو لم تكن .. أترى تعود سفائن والموج في إبعادهن دؤوب(197/1)
العام يمضي والرياح تردنا والشط ممن يسبحون قريب
حتى إذا ما رف طيرك وانتشت بك في المرافئ أنفس وقلوب
عدنا وعاد بك الترفع.. ما علا صوت بنا للمكرمات يهيب
فلتنطلق فوق المآذن دعوة لله أن لا تستجيب كروب
وكن الملاذ لأمة بك تحتمي إن حاصرتها في الدروب حروب
******************(197/2)
سؤال المخلوق
قال الشاعر:
لا تسألن من ابن آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
*****************
وقال آخر:
لا تحسبن الموت موت البلى إنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا أخف من ذاك لذل السؤال
*****************
وقال آخر:
لا تسألن إلى صديق حاجة فيحول عنك كما الزمان يحول
واستغن بالشيء القليل فانه ما صان عرضك لا يقال قليل
من عف خف على الصديق لقاؤه وأخو الحوائج وجهه مملول
وأخوك من وفرت ما في كفه ومتى علقت به فأنت ثقيل
*****************
يقول أبو العتاهية:
من أرادَ الغِنَى فلا يسأل النَّاسَ فإنّ السّؤالَ ذُلّ وَلُومُ
إنّ في الصّبرِ وَالقُنوعِ غنى الدّهرِ حِرْصُ الحريصِ فقرٌ مُقيمُ
إنمَا الناسُ كالبهائِمِ في الرزقِ سَواءٌ جَهولُهمْ وَالعليمُ
ليسُ حزمُ الفتى يجرُّ لهُ الرزْقَ ولا عاجزاً يُعدُّ العديمُ
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
ولست أرجو سوى الرحمن مسألة و لن أمد يدي يوما و لا قدمي
************************
يقول المتنبي:
لا تشتكي للناس جرحاً أنت صاحبه لا يشعرن بالجرح إلا من به ألم
************************(198/1)
سوء الظن
يقول المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
***********************
ويقول أيضاً:
ومن يك ذا فم مرٍ مريضٍ يجد مراً به الماء الزلالا
************************(199/1)
شر البلاد
يقول المتنبي:
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ(200/1)
شر الناس
يقول الشاعر:
إن شر النفوس في الأرض نفس تتوفى قبل الرحيل رحيلا
تبصر الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوق الندى إكليلا(201/1)
شرود الذهن
يقول أبو جندل العباس وكان مدرساً فرأى تلميذه شارد الذهن فنبهه بقوله:
أَسْرِجْ شُمُوْخَكَ يَا بَطَلْ وَدَعِ المَهَازِلَ وَالْغَزَلْ
وَانْسَ الْهُمُوْمَ فَإِنَّهَا دَاءُ الأَحَاجِيْ وَالمُقَلْ
ثُمَّ اهْجُرِ الْعِشْقَ الَّذِيْ سَلَبَ الْفُؤَادَ عَلَى عَجَلْ
وَدِّعْ سُعَادَ فَمالها خَطَفَتْ لُبَابَكَ فَارْتَحَلْ
وَاسْمَعْ لِشَرْحِ الدَّرْسِ لا تَرْحَلْ بَعِيْداً بِالأَمَلْ
فرد عليه التلميذ قائلاً:
عُذْرَاً مُعَلِّمَنَا فَإِنّيْ لا عَشِقْتُ وَلا خَجِلْ
إِنَّ الهُمُوْمَ لَهَا اضْطِرَامٌ في الْحَشَا وَبِهَا اشْتَعَلْ
إَنِّيْ سَمِعْتُ الشَّرْحَ لـ كِنْ أُمَّتِي سُلِبَتْ: أَجَلّ
سُلِبَتْ كَرَامَتُهَا وَقَوْ مِي صَفَّقُوا لِلْكُفْرِ، بَلْ
نَامُوا عَلَى عَتَبَاتِهِ يَشْكُونَ وَيْلاتِ الدُّوَلْ
أَمُعَلِّمِي أَيْنَ الرِّجَالُ وَأَيْنَ فَارِسُهُمْ وَهَلْ
مِنْ قَائِدٍ يُدْمِي سُيُوفَ البَغْيِ شَاطَرَهَا الْخَطَلْ
************************(202/1)
شماتة الأعداء
يقول المهلبي:
كل المصائبِ قد تمرّ على الفتى فتهون، غيرَ شماتة الأعداءِ(203/1)
شيب الرأس
يقول أبو العتاهية:
لاحَ شيبُ الرأسِ منِّي فاتَّضحْ بَعدَ لَهْوٍ وشَباب ومَرَحْ
فَلَهَوْنَا وفَرِحْنَا، ثمّ لَمْ يَدَعِ المَوْتُ لذي اللّبّ فرَحْ
يا بَنِي آدَمَ صُونُوا دينَكُمْ يَنْبَغي للّينِ أنْ لا يُطّرَحْ
واحمدوا اللهَ الذِي أكرَمَكُمْ بنذيرٍ قامَ فيكُمْ فنصَحْ
بخطيبٍ فتحَ اللهُ بهِ كُلَّ خيرٍ نلتُمُوهُ وشرَحْ(204/1)
صحبة الأراذل
يقول المتنبي:
وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ
******************
يقول عبد الجبار الأزدي الصقلي:
إلى متى منكمُ هجري وإقصائي وليتني وجدتُ أحِبّائِي كأعْدائِي
هُمْ أظمئوني إلى ماءِ اللّمى ظمأً ترحلَ الريّ بي منهُ عنِ الماء
وخالفونيَ فيما كنتُ آملهُ منهمْ ورب دواءٍ عادَ كالداءِ
أعيا عليّ، وعذري لا خفاءَ به رياضة ُ الصعب من أخلاقٍ عذراء
وكل جَدبٍ له الأنواءُ ماحية ٌ وجدبُ جسمي لا تمحوه أنوائي
************************(205/1)
صحبة الجاهل
يقول المتنبي:
ومن العداوة ما ينالك نفعُهُ ومن الصداقة ما يضر ويؤلمُ
******************(206/1)
صلة الرحم
قال الشاعر:
وإذا رزقت من النوافل ثروة فامنح عشيرتك الأداني فضلها
واعلم بأنك لم تسود فيهم حتى ترى دمث الخلائق سهلها
*****************
وقال آخر:
وحَسْبُكَ من ذلٍّ وسوءِ صنيعةٍ مناواةُ ذي القربى وإن قيل: قاطعُ
ولكنْ أواسيه وأنسى عيوبَه لِتُرْجِعَهُ يوماً إليَّ الرواجعُ
ولا يستوي في الحكِم عبدانِ: واصلٌ وعبدٌ لأرحامِ القرابةِ قاطعُ
****************
وقال المقنع الكندي:
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمِّي لَمُختلفٌ جِدّا
إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندهم قدحت لهم في كلِّ مكرمةٍ زندا
وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهُمْ وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
ولا أَحْمِل الحقدَ القديمَ عليهمُ وليس رئيسُ القومِ مَنْ يَحْمِلُ الحقدا
وأعطيهمُ مالي إذا كنت واجداً وإن قلّ مالي لم أكَلّفْهمُ رِفْدا
*****************
وقال آخر:
رَأَيْت صَلاَحَ الْمَرْءِ يُصْلِحُ أَهْلَهُ وَيُعْدِيهِمْ عِنْدَ الْفَسَادِ إذَا فَسَدْ
يُعَظَّمُ فِي الدُّنْيَا بِفَضْلِ صَلاَحِهِ وَيُحْفَظُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الأهل وَالْوَلَدْ
*****************
وقال آخر:
مَنْ كان يَحْلُم أن يسودَ عشيرةً فعليه بالتقوى ولينِ الجانب
ويغضَّ طرفاً عن مساوي من أساء منهم ويحلم عند جهل الصاحب
*****************(207/1)
طاعة الوالدين
قال أمية بن أبي الصلت ،وهو قد عتب على ابنه :
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعلّ بما أسعى عليك وتنهل
إذا ليلةٌ جاءتك بالشكو لم أكن بشكواك إلاّ ساهراً أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الرّدى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجل
فلما بلغت السنّ والغاية التي إليها مدى ما كنت قبل أؤمل
جعلت جزائي غلظةً وفظاظةً كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي فعلت كما الجار المجاور يفعل
فأوليتني حقّ الْجوار ولَم تكن عليّ بِمالي دونَ مالِكَ تبخل
****************
وقال آخر:
إن للوالدين حقٌ علينا بعد حق الإله في الاحترامِ
أوجدانا وربيانا صغاراً فاستحقا نهاية الإكرام
****************
وقال آخر:
لأمك حق لو علمت كبير كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي لَها من جواها أنَّةٌ وزفير
وفِي الوضع لو تدري عليك مشقة فكم غُصصٍ منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها ومن ثديها شُربٌ لديك نَمِير
وكم مرّة جاعت وأعطتك قوتَها حُنُوًّا وإشفاقًا وأنت صغير
فضيّعتها لَما أسنّت جهالة وطال عليك الأمر وهو قصير
فدونك فارغب فِي عميم دعائها فأنت لِما تدعو إليه فقير
****************
ذُكِر أن شابًا اسمه مُنازِل كان مُكبًّا على اللهو واللعب لا يفيق عنه، وكان له والدٌ صاحب دين، كثيراً ما يعظ هذا الابن ويقول له: يا بني، احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألَحّ عليه زاد في العقوق، ولما كان يوم من الأيام ألَحّ على ابنه بالنصح على عادته، فمدّ الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله مجتهدًا ليأتينّ بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:
يا مَن إليه أتى الحجّاج قد قطعوا عَرضَ المَهامِهِ من قُربٍ ومن بُعدِ(208/1)
إنِّي أتيتك يا مَن لا يُخيِّبُ مَن يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمَد
هذا مُنازِلُ لا يرتدُّ من عَقَقِي فخذ بحقّيَ يا رحمن من ولدي
وشُلَّ منه بحولٍ منك جانبه يا من تقدَّس لم يولَد ولم يلِد
فقيل: إنه ما استتمّ كلامه حتى يبس شِقُّ ولده الأيمن، نعوذ بالله من العقوق.
****************(208/2)
طلب العلم
قال الشاعر:
مللت كل جليس كنت آلفه إلا الكتاب فلا يعدله إنسانُ
عاشرته فأَراني كل مكرمة له عليَّ رعاه الله إحسانُ
*****************
وقال آخر:
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الأنام كتابُ
*****************
وقال أبي إسحاق الألبيري يوصي ابنه بطلب العلم:
تفت فؤادك الأيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق ألا يا صاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عروساً ذات خدر أبتَّ طلاقها الأكياس بتا
تنام الدهر ويحك في غطيط بها حتى إذا مت انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع وحتى متى لا ترعوي عنها وحتى
أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماما مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من غشاها ويهديك الطرق إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجاً ويكسوك الجمال إذا عريتا
ينالك نفعه ما دمت حياً ويبقى ذكره لك إن ذهبتا
هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مقاتل من أردتا
وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفا شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعماً لآثرت التعلم واجتهدتا
*****************
وقال آخر:
يكفيك أن رفيق العلم منزله بين السماكين مرفوعاً على زحل
تهفو له الشمس والجوزاء تحسده يبيت فوق حشايا الجد في قلل
استشهد الله أهل العلم فضلهم على جميع البرايا من بني الدول
وميز الله حتى في البهائم ما منها يعلم في صيد وذي جهل
والهدهد اجتث بلقيساً وهدهدها بالعلم جاء سليماناً على عجل
ذو العلم حي ولو ذابت حشاشته له الجلالة عن حاف ومنتعل
حتى الملائكة الأبرار تذكره والنمل يدعو له في السهل والجبل
مداده كرم جاد الشهيد به في حومة الهول بين البيض والأسل
أقلامه تعمر الدنيا إذا نطقت ألواحه صحف الرضوان والأمل
كلامه درر أحكامه عبر أفعاله أثر لله من حلل
يقضي ويمضي وكل الناس تقبله في ساعة الجد أو في ساعة الهزل(209/1)
والله لو وزنوا الدنيا بزخرفها ما عادلت كلمة من لفظه الجزل
أو قدموها قناطيراً مقنطرة ما وازنت حرف علم صافي النهل
مات الملوك وأهل العلم ذكرهمو كالمسك في الناس نداً عشرق جزل
لو أن عبداً حقير الأصل ممتهناً أصك مفتولة أذناه كالثعل
ممزق الثوب عار الظهر مشفرة كمشفر الضب والكفان في شلل
أثط أفطس قد طالت ضفائره طعامه من رخيص البقل والدقل
وعنده من علوم الوحي لانصدعت له القلوب وصار الكون في جزل
ووقرته ملوك الأرض وارتجفت له المنابر في عز وفي جلل
وقربت نعله الأشراف وافتخرت به المدائن من سهل ومن جبل
*****************
وقال أبو الفتح الملقب بكشاجم:
لا تمنع العلم أمرأً والعلمُ يمنعُ جانبَهْ
أمّا الغبي فليس يفـ ـهم لطْفَهُ وغَرائبهْ
وتكون حاضرةُ الفوا ئد عنده كالغائبهْ
وأخو الحصافة مُسْتَحِق أَن ينالَ مَطَالبهْ
فبحقَه أعطيتهُ مِنْ فَضْلِ علمك وَاجِبَهْ
*****************
وقال آخر:
قل للذي غَرَّتهُ عِزَّةُ مُلْكِه حتى أخَل بطاعةِ النصحاءِ
شرفُ الملوكِ بعلمهم وبرأيهم وكذاك أوْجُ الشمسِ في الجوزاء
*****************
وقال أبو الفتح البستي:
إذا أقسم الأبطالُ يوماً بسيفهم وعدّوه ممّا يُكْسِبُ المجدَ والكرمْ
كفى قَلَمُ الكتاب مَجْداً ورفعةً مدَى الدَّهرِ أنّ اللَه أقْسَم بالقَلَمْ
*****************
وقال آخر:
العلم أشرف مطلوب وطالبه لله أكرم من يمشي على قدم
فقدِّس العلم واعرف قدر حرمته في القول والفعل والآدابَ فالتزم
يا طالب العلم لا تبغِ به بدلاً فقد ظفرت ورب اللَّوح والقلم
واجهد بعزم قوي لا انثناء له لو يعلم المرء قدر العلم لم ينمِ
والنية اجعل لوجه الله خالصة إن البناء بدون الأصل لم يقمِ
*****************
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا لَمْ يُذَاكِرْ ذُو الْعُلُومِ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ عِلْمًا نَسِيَ مَا تَعَلَّمَا
فَكَمْ جَامِعٍ لِلْكُتُبِ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ يَزِيدُ مَعَ الأيام فِي جَمْعِهِ عَمَى(209/2)
*****************
وقال آخر:
ومن لم يذُقْ مر التعلم ساعة تجرَّع ذُل الجهل طول حياته
*****************
وقال آخر:
وَفِي الْجَهْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ مَوْتٌ لأهْلِهِ فَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَإِنْ امْرَأً لَمْ يَحْيَ بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
*****************
وقال آخر:
قوموا اقرعوا بالعلم أبواب العلا لا تقصروا عن همة القرَّاع
واستعذبوا شوك المنايا في اجتنى ورد الأماني رائق الإيناع
وتعلموا فالعلم معراج العلا ومفاتح الإخصاب والإمراع
وإذا علمتم فاعملوا فالعلم لا يجدي بلا عمل بحسن زمام
*****************
هو العلم كما يقول أبي إسحاق الألبيري
فواظبه وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا
وإن أعطيت فيه طويل باعٍ وقال الناس إنك قد علمتا
فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ : علمتَ فما عملتا
فرأس العلم تقوى الله حقا وليس بأن يقال لقد رأستا
وأفضل ثوبك الإحسان لكن نرى ثوب الإساءة قد لبستا
*****************
ويقول أيضاً:
إذا ما لم يفدك العلم خيراً فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجني من ثمار العجز جهلاً وتصغر في العيون إذا كبرتا
وتُفقد إن جهلت وأنت باق وتوجد إن علمت ولو فُقدتا
وتذكر قولتي لك بعد حين إذا حقاً بها يوما عملتا
وإن أهملتها ونبذت نصحاً وملت إلى حطام قد جمعتا
فسوف تعض من ندم عليها وما تغني الندامة إن ندمتا
*****************
وقال آخر:
لنا جلساءٌ ما نملّ حديثهم ألّباء مأمونون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى وعقلاً وتأديباً ورأياً مسدّدا
بلا فتنةٍ تخشى ولا سوء عشرةٍ ولا نتّقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أمواتٌ فلست بكاذبٍ وإن قلت أحياءٌ فلست مفنّدا
*****************
وقال أبي محمد الأندلسي القحطاني
كن طالباً للعلم واعمل صالحا فهما إلى سبل الهدى سببان
لا تتبع علم النجوم فإنه متعلق بزخارف الكهان(209/3)
علم النجوم وعلم شرع محمد في قلب عبد ليس يجتمعان
*****************
وقال آخر:
العلم زين للرجال مروءةٌ والعلم أنفع من كنوز الجوهر
أأخي إن من الرجال بهيمةً في صورة الرجل السميع المبصر
فطن لكلّ مصيبة في ماله وإذا يصاب بدينه لم يشعر
*****************
وقال عبد الله بن المبارك:
العلم كنز وذخره لا تعادله نعم القرين إذا ما عاقل صحبا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه لا تعدلن به داراً ولا ذهبا
اشدد يديك به تحمد مغبته به تنال الغنى والدين والحسبا
قد يجمع المرء مالاً ثم يسلبه عما قليل فيلقى الذل والحربا
*****************
وقال عبدالله بن المبارك أيضاً:
تعلّم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإنّ كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفّت عليه المحافل
*****************
وقال آخر:
الْعِلْمُ نورٌ وَفِي الأجْوَاءِ مُنْتَشِرُ وَالْفَخْرُ بِالْعِلْمِ لا بِالْمَالِ نَفْتَخِرُ
هُوَ الضِّيَاءُ وَأَهْلُ الْعِلْمِ نُوْرُ هُدًى هُمُ النُّجُوْمُ وفي أَنْفَاسهِمْ دُرَرُ
*****************
وقال آخر:
لو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهونوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما
*****************
وقال آخر:
العلم أنفس شيء أنت داخره
من يدرس العلم لم تدرس مفاخره
أقبل على العلم واستقبل مقاصده
فأول العلم إقبال وآخره
*****************
وقال آخر:
إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى وسيرته عدلاً وأخلاقه حسنا
فبشره أن الله أولاه فتنة تغشيه حرماناً وتوسعه حزنا
*****************
وقال آخر:
تعلم إذا ما كنت لست بعالم فما العلم إلا عند أهل التعلم
تعلم فإن العلم أزين للفتى من الحلة الحسناء عند التكلم
*****************
وقال آخر:
لا تدخر غير العلوم فإنها نعم الذخائر
فالمرء لو ربح البقاء مع الجهالة كان خاسر
*****************
ويقول الشافعي:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان(209/4)
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
*****************
وقال آخر:
كن عالما وارض بصف النعال ولا تكن صدرا بغير الكمال
فإن تصدرت بلا آلة صيرت ذاك الصدر صف النعال(209/5)
طلب المعالي
يقول المتنبي
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
******************
يقول المتنبي
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
******************
يقول المتنبي
وَحيدٌ مِنَ الخُلّانِ في كُلِّ بَلدَةٍ إِذا عَظُمَ المَطلوبُ قَلَّ المُساعِدُ
******************
يقول المتنبي
تريدين لُقيان المعالي رخيصة ً ولا بد دون الشهد ِ من إبر النحل
******************
يقول حافظ إبراهيم
لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم فلربَّ مغلوبٍ هوى ثمَّ ارتقى
مَدَّتْ له الآمال من أفلاكها خيطَ الرجاء إلى العلا فتسلَّقا
فتجشَّموا للمجد كلَّ عظيمة إني رأيت المجد صعب المرتقى
من رام وصل الشمس حاكَ خيوطها سبباً إلى آماله وتعلقا
******************
يقول الشاعر:
إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى وخلعت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
******************
يقول المتنبي
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
********************************
صفي الدين الحلي
سمَتْ بي إلى العَلياء نَفسٌ أبيّة ٌ تَرى أقبحَ الأشياءِ أخذَ المواهبِ
********************************(210/1)
عائشة بنت الصديق
عائشة ابنة الصديق أم المؤمنين
يقول أبي عمران موسى بن محمد بن عبدالله الواعظ الأندلسي – رحمه الله - :
ما شَانُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَشَانِي هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّانِي
إِنِّي أَقُولُ مُبَيِّناً عَنْ فَضْلِه ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَانِي
يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكانُ مَكانِي
إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعانِي
وَسَبَقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِلِ كُلِّه فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَانُ عِنَانِي
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبِي فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمانُ زَمانِي
زَوْجِي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ اللهُ زَوَّجَنِي بِهِ وحَبَانِي
وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِصُورَتِي فَأَحَبَّنِي المُخْتَارُ حِينَ رَآنِي
أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ وضَجِيعُهُ في مَنْزِلِي قَمَرانِ
وتَكَلَّمَ اللهُ العَظيمُ بِحُجَّتِي وَبَرَاءَتِي في مُحْكَمِ القُرآنِ
واللهُ خَفَّرَنِي وعَظَّمَ حُرْمَتِي وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بَرَّانِي
واللهُ في القُرْآنِ قَدْ لَعَنَ الذي بَعْدَ البَرَاءَةِ بِالقَبِيحِ رَمَانِي
واللهُ وَبَّخَ مَنْ أَرادَ تَنَقُّصِي إفْكاً وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِي
إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإزارِ بَرِيئَةٌ ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي
واللهُ أَحْصَنَنِي بخاتَمِ رُسْلِهِ وأَذَلَّ أَهْلَ الإفْكِ والبُهتَانِ
وسَمِعْتُ وَحْيَ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِن جِبْرَئِيلَ ونُورُهُ يَغْشانِي
أَوْحَى إلَيْهِ وَكُنْتُ تَحْتَ ثِيابِهِ فَحَنا عليَّ بِثَوْبِهِ خَبَّاني
مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْبَتِي ومُحَمَّدٌ في حِجْرِهِ رَبَّاني؟
وأَخَذْتُ عن أَبَوَيَّ دِينَ مُحَمَّدٍ وَهُما على الإسْلامِ مُصْطَحِبانِ(211/1)
وأبي أَقامَ الدِّينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ فالنَّصْلُ نَصْلِي والسِّنانُ سِنانِي
والفَخْرُ فَخْرِي والخِلاَفَةُ في أبِي حَسْبِي بِهَذا مَفْخَراً وكَفانِي
وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِبِ أَحْمَدٍ وحَبِيبِهِ في السِّرِّ والإعلانِ
نَصَرَ النَّبيَّ بمالِهِ وفَعالِهِ وخُرُوجِهِ مَعَهُ مِن الأَوْطانِ
****************(211/2)
عمر بن الخطاب
شعر الأستاذ : خير الدين وانلي رحمه الله تعالى
عمرُ الفاروقُ ثاني الخلفاءْ مُلْهَمُ الأُمةِ فخرُ الأَولياء
فاتحُ ((القدْسِ )) وماحي ((قيصر)) قاهرُ الفرسِ وحامي الأَبرياء
هزَّتِ الدِّرةُ أَركانَ الغِوى فهَوى الطاغوتُ بعدَ الكبرياء
إِنَّ سيفَ الحقِّ سيفٌ صارمٌ وهو أَمْضى في أَيادي الأَقوياء
***
يا أَبا العدْلِ ويا فخْرَ الحِمى صنتَ بالعدلِ حقوقَ الضعفاء
أنتَ للإسلامِ درعٌ سابغٌ حُزْتَ بالإسلامِ عزَّ الأنبياء
فارتمتْ فوقَ الثَّرى في ذِلَّةٍ كلُّ أصنامِ الهوَى والأَغبياء
وامَّحى الإشراكُ وانزاحَ الغِوى فالهُدى يَغْمُرُ أَرضَ الأَتقياء
***
نَمْ قَريرَ العينِ يا فاروقَنا حلَّ عدلُ الدينِ في دانٍ وناء
دولةُ الحقِّ استقرتْ وانتهى ظلْمُ طاغوتٍ وعسْفُ الأَسْرياء
لم يعدْ ثَمَّةَ حقدٌ عارمٌ بين ذي فقْرٍ وبينَ الأغنياء
فجميعُ الناسِ في بَحبوحةٍ وغِنى النفْسِ أسَاسٌ في الغَناء
****
نعمةُ الإسلامِ حَلَّتْ أَرضَنا فصراطُ اللهِ شرعُ الأسوياء
شرعة الرحمن للارض الهدى ليسَ منْ هَدْيٍ سوى هَدْيِ السماء
نفذَّتْهُ عصبةٌ مختارةٌ كأبي حفصٍ زعيمِ الأوفياء
فإذا الدنْيا سلامٌ رافلٌ بنعيمِ الحبِّ زاهٍ بالإِخاء
******
يا شهيدَ الحقِّ والعدْلِ ويا مُلْهَمَ الخيرِ ويا رمزَ الفداء
قَبْلَكَ الإِسلاُم في البلوى وفي دعوةِ الأفرادِ سرّاً في الخَفاء
بعدَكَ الإسلامُ في عزَّتِه يتّحدّى كلَّ كفْرٍ في إباء
هجرةٌ منكَ أَتتْ جهراً ولمْ تأتِ من غيرك إِلا في اختفاء
****
كان جمعُ الآي من قرآنِنا بعضَ ما خصَّك ربّي منْ عطاء
لكَ في الأَسرى ببدرٍ خطةٌ خصَّها الملى بمدْحٍ واصْطفاء
واحتجابٌ لنساءِ المصطفى فكرةٌ جالتْ فخُصَّتْ بالبَقاء
فأبو حفصٍ أَبو بَجْدَتِها وإلهُ العرشِ عونُ الأَصفياء
****
يا أنيسَ المصطفى في حجرةٍ أنتَ كالصدّيق بعدَ الأنبياء
كنتَ في الدنيا رفيقَ المُجتَبى تبذلُ الغاليَ تَسخو في العطاء(212/1)
نمْ قريراً في جوارٍ طيبٍ نعمَ جارُ المصطفَينْ الكرماء
دُمْ معَ الصدّيقِ جارَ المُصطفى في نعيمِ الخلدِ في دارِ الهناء(212/2)
عمل الخير
يقول الشاعر:
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً؟ أو من يثيبُ البلبل المترنما
************************
يقول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيهُ لا يذهبُ العرفُ بين الله والناس
********************************(213/1)
عمل المعروف في غير أهله
يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن يجعل المعروف في غير أهلهِ يكن حمده ذمّاً عليه ويندمِ
******************
يقول المتنبي:
ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا مضر ٌكوضع السيف في موضع الندى
******************
يقول صفي الدين الحلّي:
لا يَحسُنُ الحلم إلا في مواطنِهِ ولا يليق الوفاء إلا لمن شكرا
******************(214/1)
عين الصقر
قال عامر علي العامر:
بيضاءُ حَلَّتْ في الفؤادِ صِفاتُها وَشَدَتْ على غصنِ الهوى أَصْواتُها
وَقَضَتْ على جَلَدي بِعَيْنَيْ جُؤْذُرٍ وَرَوَتْ ذُبولَ سعادَتي بَسَماتُها
تَرْنو بِعَيْنِ الصقرِ كي تَنْقَضَّ في وَضْعٍ.. أَنا فيهِ الفَريسَةُ ذاتُها
لَمّا رَنَتْ زادَ الْتِصاقي بِالهوى وَتَمَنَّعَتْ وَقَضَتْ بِذا عاداتُها
********************************(215/1)
عيوب نفسك
يقول الشاعر
عجبت من الإنسان ينسى عيوبه و يذكر عيبا في أخيه قد اختفى
و لو كان ذا عقل لما عاب غيره و فيه عيوب لو راها بها اكتفى
******************(216/1)
غض البصر
قال الشاعر:
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشررِ
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وترِ؟
والعبد مادام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوفاً على الخطرِ
يُسِر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضررِ
****************
وقال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتبعك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
****************
وقال الشاعر:
يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له طوقه إنه يأتيك بالعطب
*****************
قال الشاعر:
ألم تر أن العين للقلب رائد؟ فما تألف العينان فالقلب آلف
*****************
وقال آخر:
وأنا الذي اجتلب المنيةَ طرفُهُ فَمَنِ المطالبُ والقتيلُ القاتلُ
*****************
وقال آخر:
مرآةُ قلبِكَ لا تُريكَ صلاحَهُ والنَّفسُ فيها دائماً تتنفسُ
*****************
يقول ابن دريد
لَيْسَ السَّلِيمُ سَلِيمَ أَفْعَى حَرَّة ٍ لكنْ سليمَ المقلة ِ النَّجلاءِ
نظرتْ ولا وسنٌ يخالطُ عينها نظرَ المريضِ بسورة ِ الإغفاءِ
*****************(217/1)
فاطمة رضي الله عنها
قال الشاعر:
هي بنت مَنْ هي أم مَنْ من ذا يساوي في الأنام علاها
أما أبوها فهو أشرف مرسلٍ جبريل بالتوحيد قد ربّاها
وعليُّ زوجٌ لا تسلْ عنه سوى سيفٌ غدا بيمينه تيَّاها
*********************(218/1)
فقد البصر
يقول المتنبي:
قد كنت أشفق من دمعي على بصري فاليوم كل عزيز بعدكم هانا
********************************(219/1)
فقد العلماء
يقول ابن دريد:
إنَّ البليَّة َ لا وفرٌ تزعزعه ُ أَيْدِي الحَوَادِثِ تَشْتِيتاً وتَشْذِيبَا
وَلاَ تَفَرُّقُ أُلاَّفٍ يَفُوتُ بِهِمْ بينٌ يغادرُ حبلَ الوصلِ مقضوبا
لَكِنَّ فُقْدَانَ مَنْ أَضْحَى بِمَصْرَعِه ِ نُورُ الهُدَى وبَهَاءُ العِلْمِ مَسْلُوبَا
********************************
ويقول أيضاً
أَوْدَى أَبُو جَعْفَرٍ والعِلْمَ فَاصْطَحَبَا أَعْظِمْ بِذَا صَاحِباً إِذْ ذَاكَ مَصْحُوبَا
إِنَّ المَنِيَّة َ لَمْ تُتْلِفْ بِهِ رَجُلاً بَلْ أَتْلَفَتْ عَلَماً لِلدِّينِ مَنْصُوبَا
أَهْدَى الرَّدَى لِلثَّرَى إِذْ نَالَ مُهْجَتَه نجماً على منْ يعادي الحقَّ مصبوبا
كانَ الزَّمانُ بهِ تصفو مشاربهُ فالآنَ أصبحَ بالتَّكديرِ مقطوبا
********************************(220/1)
فلسطين
يقول ثروت سليم:
إلى المجاهدين الصامدين في فلسطين رغم آلامِ الجراح والحصار
نَادَيْتَ لم يسمعْ نِداَءكَ داعي قد زادني وجعَاً على أوجاعي
ناديتَ قابيلاً ولكَّنَ الذي ناديتَ أصبحَ ثُعْلُبَا وأفاعي
ناديتَ لكن الجراحَ كثيرةٌ والأخوةُ الأعداءُ مثل قِطَاعِ
فوقَ العيونِ غِشَاوَةٌ وقلوبُهم غُلْفٌ وليسَ هناكَ قلبٌ واعِ
ناديتَهُنَّ اليومَ أو ناديتهُم لا فرقَ بينَ ربيعةٍ ورُبَاعِ
فسيوفُهُم خَشَبٌ ولكِنْ أجمعوُا للشجبِ والتنديدِ بالإجماعِ
دَعْنََا نولوِلُ كالنساء فربما أصواتُنَا تحظَى ببعضِ سَمَاعِ
ما قيمةُ الإنسانِ دُونَ كرامةٍ ما الشَمسُ دونَ حرارةٍ وشُعَاعِ
ما لَوْعَةُ العُشَّاقِ دونَ تباعُدٍ ما لهفةُ المُُشْتَاقِ دونَ ودَاعِ
ما قيمةُ الوطنِ الذي من أجلِهِ دافعتَ دونَ شكيمةٍ ودفاعِ
ناديتَ فاَصْمِدْ أيُهَا القلبُ الذي عانقتَ شعباً داخلَ الأضلاعِ
واصْمدْ فأنتَ مُحَاصر لكنهم أسرَى ببعضِ مواقعي وقِلَاعي
واصبرْ على كيدِ اليهودِ فإنهُم لمََمٌ وأشبَاحٌ وسَقْطُ مَتاعِ
واصبرْ فأنتَ الرمزُ رغم نُبَاحِهِم وهُمُ القطيعُ وأنتَ أنتَ الراعي
واصبرْ فرُبَ الأرضُ تَحْبُلُ سيِّدي وتعودُ نخوتنا ويَدْعُ الدَاعي(221/1)
قتال ذات البين
تقول جليلة بعد طردها من مأتم زوجها كليب:
يا ابنة الأقوام إن شئت فلا تعجلي باللوم حتى تسألي
فإذا أنت تبينت الذي يوجب اللوم فلومي واعذلي
إن تكن أخت امرئ ليمت على شفق منها عليه فافعلي
فعل جساس على وجدي به قاصم ظهري ومدن أجلي
هدم البيت الذي استحدثنه وانثنى في هدم بيتي الأول
إنني قاتلة مقتولة فلعل الله أن يرتاح لي
************************(222/1)
قيام الليل
قال الشاعر:
قلت يا ليل هل بجوفك سرُّ عامر بالحديث والأسرارِ
قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحارِ
*****************
وسئل عبدالله بن المبارك عن صفة الخائفين فقال:
إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود أنين منه تنفرج الضلوع
وخرس بالنهار لطول صمت عليهم من سكينتهم خشوع
*****************
وقال آخر:
يا أيها الراقد كم ترقد قم يا حبيبي قد دنا الموعد
وخذ من الليل ولو ساعة تحظى إذا ما هجع الرقد
من نام حتى ينقضي ليله لم يبلغ المنزل لو يجهد
قل لذوي الألباب أهل التقى قنطرة الحشر لكم موعد
*****************
وقال آخر:
يا رجال الليل جدوا رب صوت لا يرد
ما يقوم الليل إلا من له عزم وجِدُّ
*****************
وقال آخر:
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا ( الله أكبر ) في شوق وفي جذل
أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم : ربنا جئناك طائعة نفوسنا ، وعصينا خادع الأمل
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرجال فلا يلهيهم لعب عن الصلاة ، ولا أكذوبة الكسل
****************
وقال عبد الوهاب عزام:
قلت لليل : كم بصدرك سر أنبئني ما أروع الأسرار ؟
قال : ما ضاء في ظلامي سر كدموع المنيب في الأسحار
****************
وقال آخر:-
تتجافى جنوبهم عن المضاجع
كلهم مابين خائف متهجد وطامع
تركوا لذة الكرى للعيون الهواجع
وأستهلّت عيونهم فائضات المدامع
ودعوا يا ربنا يا جميل الصنائع
*****************
وقال آخر:
يا مطولاً بالقيام مستلذاً بالمنام
قم فقد فاتك يا مغبون أرباح الكرام
وخلوا دونك بالمو لى وفازوا بالمرام
وكذا تسبقك القو م إلى دار السلام
*****************
وقال آخر:
يا راقداً والجليل يحفظه من كل سوء يكون في الظلم
كيف تنام العيون عن ملك يأتيك منه فوائد النعم
*****************(223/1)
وقال محمد إقبال:
نائح والليل ساج سادل يهجع الناس و دمعي هاطل
تصطلي روحي بحزن وألم ورد ( يا قوم ) أنسي في الظلم
*****************
وقال آخر:
أنا كالشمع دموعي غسلي في ظلام الليل أذكي شعلي
محفل الناس بنوري يشرق أنشر النور و نفسي أحرق
*****************
وقال وليد الاعظمي:
يا ليل قيامك مدرسة فيها القرآن يدرسني
معنى الإخلاص فألزمه نهجاً بالجنة يجلسني
ويبصرني كيف الدنيا بالأمل الكاذب تغمسني
مثل الحرباء تلونها بالإثم تحاول تطمسنى
فأباعدها و أعاندها وأراقبها تتهجسني
فأشد القلب بخالقه والذكر الدائم يحرسني
*****************
وقال آخر:
أألهتك اللذائذ والأماني عن البيض الأوانس في الجنانِ
تعيش مخلَّداً لا موت فيها وتلهو في الجنان مع الحِسانِ
تنبه من منامك إنَّ خيراً من النوم التهجد بالقرآن ِ
*****************
وقال آخر:
امنع جفونك أن تذوق مناماً وذر الدموع على الخدود سجاما
وأعلم بأنك ميَّتٌ ومحاسب يا من على سخط الجليل أقاما
لله قومٌ أخلصوا في حبه فرضي بهم واختصهم خُداما
قومٌ إذا جنَّ الظلام عليهم باتوا هنالك سُجداً وقياما
****************(223/2)
كتمان السر
قال الشافعي:
إذا المرء أفشى سره بلسانه ولام به غيره فهو أحمق
فعدر الّذى يستودع السّرّ أضيق إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه
****************
قال الأصمعي:أنشدنى أعرابي:
لا أكتم الأسرار لكن أبثّها ولا أدع الأسرار تقتلني غمّا
وإنّ سخيف الرّأى من بات ليله حريباً بكتمان كأنّ به حمّى
وفي بثّك الأسرار للقلب راحةٌ وتكشف بالإفشاء عن قلبك الهمّا
****************
وقال آخر:
إذا ما ضاق صدرك عن حديثٍ فأفشته الرّجال فمن تلوم
إذا عاتبت من أفشى حديثى وسرّى عنده فأنا الظّلوم
****************
وقال آخر:
إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّها فسرّك عند النّاس أفشى وأضيع
****************
وقال آخر
ضع السِّرَّ في صمَّاء ليست بصخرةٍ صلودٍ كما عاينت من سائر الصَّخر
ولكنَّها قلب امرئٍ حفيظةٍ يرى ضيعة الأسرار شراً من الشَّرِّ
يموت وما ماتت كرائم فعله فيبلى وما يبلى ثناه على الدَّهر
****************
وقال كعب بن سعد الغنوي:
ولست بمبد للرجال سريرتي ولا أنا عن أسرارهم بسئول
****************
وقال أبو مسلم صاحب الدولة:
أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت عنه ملوك بني مروان إذ جهدوا
ما زلت أسعى عليم في ديارهم والقوم في غفلة بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا من نومة لم ينمها قبلهم أحد
ومن رعا غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد
****************
وقال آخر:
ومستودعي سراً تبوأت كتمه فأودعته صدري فصار له قبرا
****************
وقال شمس الدين البدوي:
إني كتمت حديث ليلى لم أبح يوما بظاهره ولا بخفيه
وحفظت عهد ودادها متمسكاً في حبها برشاده أو غيه
ولها سرائر في الضمير طويتها نسي الضمير بأنها في طيه
****************
وقال آخر:
وما السر في صدري كثاوٍ بقبره لأني أرى المقبور ينتظر النشرا
ولكنني أنساه حتى كأنني بما كان منه لم أحط ساعة خبرا
ولو جاز كتم السر بيني وبينه عن السر والأحشاء لم تعلم السرا
****************(224/1)
وقال آخر:
إذا ما المرء أخطأه ثلاث فبعه ولو بكف من رماد
سلامة صدره والصدق منه وكتمان السرائر في الفؤاد
****************
قال آخر:
ومستودعي سراً كتمت مكانه عن الحس خوفا أن ينم به الحس
وخففت عنه من هوى النفس شهوة فأودعته من حيث لا يبلغ الحس
****************
وقال جعفر بن عثمان:
يا ذا الذي أودعني سره لا ترج أن تسمعه مني
لم أجره قط علي فكرتي كأنه لم يجر في أذني
****************
وقال آخر:
لا يكتم السر إلا من له شرف والسر عند كرام الناس مكتوم
السر عندي في بيت له غلق ضلت مفاتيحه والباب مختوم
****************
وقال المتنبي:
وللسر مني موضع لا يناله نديم ولا يفضي إليه شراب(224/2)
كشف الرأس
يقول ابن نباتة
فاياكم أن تكشفوا عن رءوسكم ألا إن مغناطيسهن الذوائب
************************(225/1)
كف الشر
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء
عرضي عفيف عن الأدناس أحفظه لا يؤمن الذئب كي يرعى مع الغنم
أكف شري فلا أوذي به أحدا والخير أزجيه في قولي وفي قلمي
************************(226/1)
لا تحزن على ما فاتَ
يقول ابن المقري:
لا تجزعنَّ على ما فاتَ حيثُ مضى ولا على فَوْتِ أمرٍ حيثُ لمْ تنل
************************(227/1)
لا تطلب جزاء من الناس
يقول الشاعر:
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً؟ أو من يثيبُ البلبل المترنما
************************
يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:
وإن أتاني من يرجو مساعدتي أعطيه دونما من ولا ندم
************************(228/1)
مآسي
يقول الشاعر:
أطفال يافا يصرخون وما لهم عمرو ولا سعد ولا خطابُ
يا رب يا رحمن فانصر أمة قد أُغلقت من دونها أبوابُ
*****************
يقول الشاعر:
نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقُصّر
وليمون يافا يبس في حقوله وهل شجر في قبضة الظلم يُثمر
رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهَى وتأمر
رفاقك في الأغوار شدُّوا سروجهم وجندك في حطين صلوا وكبّروا
تناديك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبر
ويبكيك صفصاف الشّام ووردها ويبكيك زهر الغَوطتين وتدمر
تعال إلينا فالمروءات أَطرقت وموطن آبائي زجاج مكسّر
هُزمنا وما زلنا شتاتُ قبائل تعيش على الحقد الدفين وتزأر
يُحاصرنا كالموت بليون كافر ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر
*****************
وقال الدكتور عبدالرحمن العشماوي:
يا ويحنا ماذا أصاب رجالنا أو مالنا سعد ولا مقداد ؟
نامت ليالي الغافلين و ليلنا أرق يذيب قلوبنا وسهاد
سلت سيوف المعتدين و عربدت وسيوفنا ضاقت بها الأغماد
هذا هو الأقصى يلوك جراحه والمسلمون جموعهم آحاد
دمع اليتامى فيه شاهد ذلة وسواد أعينهن فيه حداد
أواه يا أبتي على أمجادنا يختال فوق رفاتها الجلاد
أجدادنا كتبوا مآثر عزها فمحا مآثر عزها الأحفاد
يا ليل أمتنا الطويل متى نرى فجراً تغرد فوقه الأمجاد
ومتى نرى بوابة مفتوحة للحق تقصر عندها الآماد
أنا يا أبي طفل ولكن همتي فجر به يحلو لي استشهاد
لا تخش يا أبتي علي فربما قامت على عزم الصغير بلاد
ولربما مات القوي بسيفه وقضى على مال الغني كساد
*****************
يقول الشاعر عن الأندلس:
يا من ينوح فؤادي خلف موكبه ومن ترفرف روحي حول مغناه
ماذا تركت بقلبي بعدما نسجت كف الخريف له حرى بلاياه
هلا ذكرت زمانًا ظل يسعدنا نقضى حياة المنى فِي ظل دنياه
تسعى إلينا الأماني في ظلاله وتستخف بنا أحلام دنياه
ما زلت أذكره في كل آونة رغم الصدود وأنت اليوم تنساه
*****************
وقال آخر:(229/1)
وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال
منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال
*****************
وقال محمود غنيم:
إني تذكرت والذكرى مؤرقة مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
ويح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتوارى في زواياه
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يحكمنا شعب ملكناه
كنا أسوداً ملوك الأرض ترهبنا والآن أصبح فأر الدار نخشاه
يا من رأى عمر تكسوه بردته والزيت ادم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من بأسه وملوك الروم تخشاه
استرشد الغرب في الماضي فأرشده ونحن كان لنا ماض نسيناه
إنا مشينا وراء الغرب نقتبس من ضيائه فأصابتنا شظاياه
بالله سل خلف بحر الروم عن عرب بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا
وانزل دمشق وخاطب صخر مسجدها عمن بناه لعل الصخر ينعاه
وطف ببغداد وابحث في مقابرها عل امرءاً من بني العباس تلقاه
أين الرشيد وقد طاف الغمام به فحين جاوز بغداد تحداه
هذي معالم خرس كل واحدة منهن قامت خطيباً فاغراً فاه
الله يشهد ما قلبت سيرتهم يوماً وأخطأ دمع العين مجراه
*****************
وقال آخر:
فلسطين ضاعت يوم ضاعت عقيدة وبات فساد الحال أقبح مقتنى
أيجحد دين العرب سؤدداً وينقض ما شاد النبي وما بنى ؟؟
ليرضى علينا الغرب حينا ويحتفي بنا الشرق أحيانا ... ونفقد ذاتنا
و ما زادنا هذا التذبذب عزّة ولكن حصدنا دونه الشوك والعنا
*****************
وقال آخر:
ما هم بأمة أحمد لا والذي فطر السماءا
ما هم بأمة خير خلق الله بدعا و انتهاءا
ما هم بأمة سيدي حاشا.. فليسوا الاكفياءا
ما هم بأمة على الأفلاك قد ركزوا اللواءا
من حطّم الأصنام من أرسى العدالة والاخاءا
من قال أن الله ربُ ّ الناس خالقهم سواءا
لا فضل إلا للصلاح فلا انتساب و لا ادعاءا
*****************
وقال آخر:
أما فلسطين فسيل دمائها لم ينقطع وعيونها لم ترقد(229/2)
اللاجئون وهذه أكواخهم كالعار عن أنظارنا لم يبعد
في كل كوخ لوعة ومناحة من طفلة تبكي وشيخ مقعد
ويتيمة تلوي إليك بجيدها تشكو الهوان بحسرة وتنهّد
وكريمة لعب اليهود بطهرها وبها تمتع رائح أو معتد
*****************
وقال الدكتور : عبد الرحمن العشماوي يصف العيد مع الاحتلال :-
أقبلت يا عيد والأحزان أحزان وفي ضمير القوافي ثار بركان
أقبلت يا عيد والرمضاء تلفحني وقد شكت من غبار الدرب أجفان
أقبلت يا عيد هذي أرض حسرتنا تموج موجاً وأرض الإنس قيعان
أقبلت يا عيد والظلماء كاشفة عن رأسها وفؤاد البدر حيران
من أين والمسجد الأقصى محطمة آماله وفؤاده القدس ولهان
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي دروبنا جدر قامت وكثبان
*****************
وقال آخر:
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق خجلاً من أمسك المنصرم
أين دنياك التي أوحت إلى وترى كل يتيم النغم ؟
كم تخطيت على أصدائه ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديت كأني ساحب مئزري فوق جباه الأنجم
*****************
وقال آخر:
سأكتب شعري الباكي بدمع القلب لا الحبر
أسطّره على كبدي وأترك دفتر الشعر
جراح أحبتي في الأرض تبعث عاصف الفكر
فيا لله هل يبقى هنا صبر لذي صبر؟!
أحقاًّ أن سيف الحِقد تُشهره يد الكفر؟!
وأن دماء إخواني على طرقاتهم تجري؟!
أحقاًّ أن آلافاً تشرّدهم يد الفقر؟!
وأن الطفل لا يدري عن الأم ولا تدري؟!
أحقاًّ أن مسلمة بها كبراءة الزهر
تبيت عفيفة والليل يهتك سترة الطهر؟!
أحقاًّ قصة الإحراق والتجويع والكسر؟!
أحقاًّ قصة التمثيل في الوجه وفي الظهر؟!
أحقاًّ أن رأس المرء يُجعل لعبة تجري؟!
أحقاًّ أن عينيه تُقلع دونما أمر؟!
أحقاًّ ذلكم حقاًّ فما للقلب كالصخر؟!
لئن ماتوا فقد ماتت قلوب الناس في الصدر!!
*****************
وقال عمر أبو ريشة:
أمتي كم غصة دامية خنقت نجوى علاك في فمي
ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم(229/3)
كيف أغضيت على الذل ولم ولم تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنت إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو دم
اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دم اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها تتفانى في خسيس المغنم
*****************
وقال أيضاً
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما كان في الحكم عبيد الدرهم
*****************
وقال آخر:-
غبْ يا هلالْ..
إني أخاف عليك من قهر الرجالْ
قِف من وراء الغيم
لا تنشر ضياءك فوق أعناق التلالْ
غِبْ يا هلالْ..
إني لأخشى أن يُصيبك
- حين تلمحنا- الخَبَالْ
أنا - يا هلالْ
أنا طفلةٌ عربيةٌ فارقت أسرتنا الكريمةْ
لي قصةٌ
دمويةُ الأحداث باكية أليمةْْ
أنا - يا هلالْ
أنا من ضحايا الاحتلالْ
أنا من وُلدت
وفي فمي ثَدْيُ الهزيمةْ
شاهدتُ يومًا عند منزِلِنا كتيبةْ
في يومِها
كان الظلامُ مكدسًا
من حول قريتنا الحبيبةْ
في يومِها
ساق الجنودُ أبي
وفي عينيه أنهارٌ حبيسةْ
وتجمعت تلك الذئابُ الغُبْرُ
في طلب الفريسَةْ
ورأيت جنديًا يحاصر جسم والدتي
بنظرته المريبةْ
ما زلت أسمع - يا هلالْ-
ما زلت أسمع صوت أمِّي
وهْي تسْتجدي العروبةْ
ما زلت أبصر نصل خنجرها الكريمْ
صانتْ به الشرفَ العظيم
مسكينةٌ أمِّي
فقد ماتتْ
وما عَلِمَتْ بموْتتها العروبةْ
إني لأعجب يا هلال
يترنَّح المذياعُ من طرب!!
وينتعش القدحْ!!
وتهيج موسيقى المرحْ!!
والمطربون يرددون على مسامعنا
ترانيم الفرحْ!!
وبرامج التلفاز تعرضُ لوحة للتهنئةْ
"عيدٌ سعيدٌ يا صغارْ"..!!
غِبْ يا هلالْ
لا تأتِ بالعيد السعيد
مع الأنينْ
أنا لا أريد العيد مقطوعَ الوتينْ
أتظنُ أن العيدَ في حلوى
وأثواب جديدةْ؟!
أتظنُ أنَّ العيد تهنئةٌ
تُسطَّر في جريدةْ؟
غِبْ يا هلالْ
واطلعْ علينا حين يبتسم الزمنْ(229/4)
وتموت نيران الفتنْ
اطلع علينا
حين يُورق بابتسامتنا المساءْ
ويذوب في طرقاتنا ثلج الشتاءْ
اطلعْ علينا بالشذا
بالعز بالنصر المبينْ
اطلعْ علينا بالتئام الشمل
بين المسلمينْ
هذا هو العيدُ السعيدْ
وسواهُ
ليس لنا بِعيدْ
غِبْ يا هلالْ
*****************
وقال آخر:
لك في البرية حكمة ومشيئة أعيت مذاهبها أولي الألباب
إن شئت أجريت الصحاري أنهراً أو شئت فالأمواج فيض سراب
ماذا دهى الإسلام في أبنائه حتى انطووا في محنة وعذاب
فغناهُمُ فقر ودولة مجدهم في الأرض نهب ثعالب وذئاب
*****************(229/5)
محبة الصحابة وآل البيت
قال الشاعر:
إني أُحب أبا حفص وشيعته كما أحب عتيقاً صاحب الغار
وقد رضيت عليا قدوة علماً وما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة ساداتي ومعتقدي ِِ فهل علي بهذا القول من عار
******************
وقال آخر:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن انزله
يكفيكم من عظيم الفخر إنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له
******************
وقال آخر:
بلغ الأشواق والحب الصحابة سادة القوم وأرباب النجابة
هم حماة الدين أبطال الردى بل غيوث البذل بل أساد غابه
حبهم دين ومن يبغضهم ربنا في نار الآخرة أذابه
ذب عن أعراضهم إن كنت من ضربهم لا تعتدي كل ذبابه
وأطلب الآثار منهم إنهم علماء الدين فتواهم إصابة
******************
قال الشاعر يمدح أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم :
وقاتلت معنا الأملاك في أحد تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشقوا
أملاك ربي بماء المزن قد غسلوا جثمان حنظله والروح تختطف
وكلم الله من أوس شهيدهم من غير ترجمة زيحت له السجف
******************
وقال آخر:
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النازلات وأجملوا
******************
وقال آخر:
ومن عجب أني أحن إليهم وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتقاهم قلبي وهم بين أضلعي
******************
وقال آخر:
أنا مسلم وأقولها مِلء الورى وعقيدتي نور الحياة وسؤددي
سلمان فيها مثل عمر لا ترى جنساً على جنس يفوق بمحتدي
وبلال بالإيمان يشمخ عزة ويدق تيجان العنيد الملحد
وخبيب أخمد في القنا أنفاسه لكن صوت الحق ليس بمُخْمدِ
ورمى صهيب بكل مال للعدا ولغير ربح عقيدة لم يقصد
إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرة أقوى وألف مهند
****************(230/1)
ومن أشعار بعض الصحابة ما روي أن أبا بكر قال لما قُتل أمية بن خلف وقد كان يَسُومُ بلالاً سوء العذاب بمكة فيخرجه إلى الرَّمْضاء، فيلقي عليه الصخرة العظيمة ليفارقَ دينَ الإسلام فيعصمه اللّه من ذلك:
هنيئاً زادك الرحمنُ خيراً فقد أدركْت، ثأرك يا بلالُ
فلا نِكْساً وُجِدْتَ ولا جباناً غداة تنوشُكَ الأسَل الطوالُ
إذا هاب الرّجال ثبتَّ حتى تخلِط أنْتَ ما هابَ الرّجالُ
على مضض الكُلُوم بمشرفيٍّ جَلاَ أطرافَ مَتْنَيْهِ الصِّقَالُ
*****************
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم فتح مكة:
ألم تر أن اللَّهَ أظهر دِينَهُ على كل دينٍ قبل ذلك حائدِ
وأمكنه من أهل مكة بعدما تدَاعَوْا إلى أمرٍ من الغي فاسدِ
غداةَ أجَالَ الخيلَ في عَرَصاتها مسوَمةً بين الزبير وخالد
فأمسى رسولُ الله قد عَزَّ نَصْرُهُ وأمْسى عدَاه مِنْ قتيل وشارِد
يريد الزبير بن العوام حَوَارِيّ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، وخالِدَ ابن الوليد سيفَ الله تعالى في الأرض.
*****************
لما قتل أبو لُؤُلُؤَة غلامُ المغيرةِ بن شُعْبَة، قالت زوجه عاتِكة بنت زيد بن عمرو ابن نفَيل ترثيه:
عَيْنُ جُودي بِعَبْرَةٍ ونَحِيبِ لا تملي على الأمين النجِيب
فجَعَتْني المنونُ بالفارسِ الْمُعـ ـلَم يوم الهياج والتثويبِ
عصْمَةُ الناس والمعينُ على الدَهـ ـر وغيثُ المحروم والمحروبِ
قل لأهْلِ الضراءِ والبُؤس موتوا قد سقته المنُونُ كأسَ شعَوبِ
*****************
وقالت أيضاً ترثيه:
وفَجعني فيْرُوز لا دَرَّ درُه بأبيضَ تالٍ لِلْكِتابِ مُنِيبِ
رؤوف على الأدنى غليظ على العِدَا أخي ثقة في النائبات نجيبِ
متى ما يَقُلْ لا يكذب القولَ فِعلُه سريع إلى الخيرات غير قَطوبِ(230/2)
وعاتكة هذه، هي أخت سعيد بن زيد، أحدِ العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، بالجنَّة، وكانت تحت عبد اللّه بن أبي بكر، فأصابه سهْمٌ في غَزوَة الطائف فمات منه، فتزوجها عمر، رضي اللّه عنه، فقُتِل عنها، فتزوجها الزبير ابن العوام فقُتِلَ عنها، فكان علي، رضي الله عنه يقول: من أحبَّ الشهادة الحاضرة فليتزوج بعاتِكة.
*****************
يروى أن علياً رضي الله عنه قال بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها:
أرى عِلَلَ الدنيا عليَّ كثيرةً وصاحِبُها حتى المماتِ عليلُ
لكل اجتماع من خليلين فُرْقَةٌ وإن الذي دُون المماتِ قليل
وإنْ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليل على ألاَ يدومَ خَليلُ
*****************
وحجَ هشام بن عبد الملك، أو الوليد أخوه، فطافَ بالبيتِ وأرادَ استلامَ الْحَجَر فلم يقدر، فنُصِب له مِنبَرٌ فجلس عليه، فبينا هو كذلك إذْ أَقْبَلَ عليُ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في إزارِ ورِدَاء، وكان أحسنَ الناس وَجْهاً، وأعطرهم رائحة، وأكثرَهم خشوعاً، وبين عينيه سَجادة، كأنها رُكبة عنز، وطاف بالبيت، وأتى ليَسْتَلم الحجرَ، فتنحّى له الناسُ هيبة وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً؛ فقال رجلٌ من أهل الشام: مَن الَّذي أكرمه الناس هذا الإكرام، وأعظموه هذا الإعظام؟ فقال هشام: لا أعْرفه، لئلا يَعْظُمَ في صدور أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً:
هذا ابنُ خير عبادِ الله كلهِمُ هذا النقيُّ التقيُ الطاهرُ العَلَمُ
هذا الذي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وطأتُه والبيتُ يعرفُه والحل والحَرَمُ
إذا رأتْه قريشٌ قال قائلُها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرَمُ
يكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ راحتهِ رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم
*****************
مُشتقَّة من رسول اللّه نَبْعَتُهُ طابتْ عناصِرُه والخِيم والشِّيَم
يُنْمَى إلى ذِرْوة العزّ التي قصُرت عن نَيْلها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ
*****************(230/3)
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهِلَهُ بجدِّه أنبياءُ اللّه قد خُتِموا
اللَّهُ فضّله قِدْماً وشرّفَهُ جرى بذَاك له في لَوْحهِ القَلَمُ
مَنْ جدُهُ دانَ فَضْلُ الأنبياء لهُ وفَضْلُ أمّته دانَتْ له الأُمَمُ
عَمَ البريّةَ بالإحسان فانقشعتْ عنها الغيابةُ والإملاقُ والظُلمُ
*****************
ويقول الشيخ عائض القرني :
هم صفوة الأقوام فاعرف قدرهم وعلى هداهم يا موفق فاهتدِ
واحفظ وصية أحمد في صحبه واقطع لأجلهم لسان المفسدِ
عرضي لعرضهموا الفداء وإنهم أزكى وأطهر من غمام أبردِ
فالله زكاهم وشرّف قدرهم وأحلهم بالدين أعلى مقعدِ
شهدوا نزول الوحي بل كانوا له نعم الحماة من البغيض الملحدِ
بذلوا النفوس وأرخصوا أموالهم في نصرة الإسلام دون ترددِ
ما سبهم إلا حقيرٌ تافهٌ ذلٌ يشوههم بحقدٍ أسودِ
لغبارُ أقدام الصحابة في الردى أغلى وأعلى من جبين الأبعدِ
ما نال أصحابَ الرسول سوى امرءٍ تمت خسارته لسوء المقصدِ(230/4)
محبة الله
قال أبو تراب النخشبى في علامات المحبة:
لا تخدعن فللحبيب دلائل ولديه من تحف الحبيب وسائل
منها تنعمه بمر بلائه وسروره في كل ما هو فاعل
فالمنع منه عطية مقبولة والفقر إكرام وبر عاجل
ومن الدلائل أى ترى من عزمه طوع الحبيب وإن ألح العاذل
ومن الدلائل أن يرى متبسما والقلب فيه من الحبيب بلابل
ومن الدلائل أن يرى متفهما لكلام من يحظى لديه السائل
ومن الدلائل أن يرى متقشفا متحفظا من كل ما هو قائل
****************
وقال يحيى بن معاذ:
ومن الدلائل أن تراه مشمرا في خرقتين على شطوط الساحل
ومن الدلائل حزنه ونحيبه جوف الظلام فما له من عاذل
ومن الدلائل أن تراه مسافرا نحو الجهاد وكل فعل فاضل
ومن الدلائل زهده فيما يرى من دار ذل والنعيم الزائل
ومن الدلائل أن تراه باكيا أن قد رآه على قبيح فعائل
ومن االدلائل أن تراه مسلما كل الأمور إلى المليك العادل
ومن الدلائل أن تراه راضيا مليكه في كل حكم نازل ومن
الدلائل ضحكه بين الورى والقلب محزون كقلب الثاكل.
****************(231/1)
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
قال الشاعر:
أتحب أعداء الحبيب وتدعى حباً له ، ما ذاك في الإمكان
وكذا تعادى جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان ؟!
إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصانِ
فلئن ادعيت له المحبة مع خلاف ما يحب فأنت ذو بهتان
*****************
وقال آخر:
من يَدَّعِ حُبَّ النبي ولم يفد من هديه فسفاهةُُ وهراءُ
فالحب أول شرطه وفروضه إن كان صادقاً طاعةُُ ووفاءُ
*****************(232/1)
محمد رسول الله
يقول الشاعر:
لو أن أنفاس العباد قصائد فلت بمدحك في جلال علاكا
ما أدركت ما تستحق وقصّرت عن مجدك الأسما وحن سناكا
******************
وقال آخر:
صلى عليك الله يا علم الهدى واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لك الأرواح من أشواقها وازينت بحديثك الأقلامُ
******************
وقال الشاعر :
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
******************
وقال آخر:
لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر
******************
وقال آخر:
أنت الذي من نورك البدر اكتسى والشمس مشرقة بنور بهاكا
أنت الذي لما رفعت إلى السما بك قد سمت وتزينت لسراكا
أنت الذي ناداك ربك مرحباً ولقد دعاك لقربه وحباكا
******************
قالت فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة أبيها المصطفى:
اغبرَّ آفاقُ السماءِ، وكُوِّرَتْ شمسُ النهار، وأَظْلَم العصرانِ
فالأرضُ من بعد النبي كئيبةٌ أسفاً عليه كثيرةُ الرجَفَان
فَليَبْكِهِ شَرْقُ البلاد وغَرْبُها وليبكه مُضَرٌ وكل يَمَانِ
وليبكه الطور المعظم جَوُهُ والبيتُ ذو الأسْتَار والأَركانِ
يا خاتم الرسل المبارك ضوءُهُ صلَى عليك منزِّلُ الفُرقان
******************
وقال آخر:
بالشرق أو بالغرب لست بمقتدي أنا قدوتي ما عشت شرع محمد
حاشاي يثنيني سراب خادع ومعي كتاب الله يسطع في يدي
******************
وقال آخر:
ولقيت في حبك ما لم يلقه في حب ليلى قيسها المجنون
لكنني لم أتبع وحش الفلا كفعال قيس والجنون فنون
******************
وقال آخر:
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الكرماء
وإذا عفوت فقادراً ومقدراً لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبة للحق لا ضغن ولا بغضاء
وإذا رضيت فذاك في مرضاته ورضى الكثير تحلم ورياء
وإذا خطبت فللمنابر هزة ترعو النديَّ وللقلوب بكاء(233/1)
******************
ومن أجمل ما قيل في الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ما ذكره صاحب كتاب نزهة لمجالس ومنتخب النفائس
يا نفس نلت المنى فاستبشري رسلي هذا الحبيب وهذا سيد الرسل
هذا الذي ملأت قلبي محبته هذا الذي سهرت من أجله مقلي
هذا الذي كنت أهواه وفزت به يا فرحتي انفصلي يا فرحتي اتصلي
هذا الذي الخلق من أشواقه هجروا للأهل والصحب والأبناء والطلل
هذا الذي للهدى والدين أرشدنا لملة شرعها يسمو على الملل
هذا الذي انشق إكراما له قمر لما أشار له في محفل حفل
هذا الذي رد عيناً بعدما قلعت وريقه قد شفى الإمام علي
هذا الذي بن مشى في الرمل لا أثرٌ يرى له ويرى في الصخر والجبل
هذا الذي حن جذع عند فرقته له أنين شبيه الوالد الثكل
هذا الذي جاء بئراً وهي مالحةً ومج فيها فعاد الماء كالعسل
هذا الذي فار ماء من أصابعه مثل الزلازل حكى الأنهار في السبل
هذا الذي إن دعا جاءت له شجر تجر أصلاً لها سعياً على عجل
هذا الذي سبح الحصى براحته والضب كلمه جهراً مع الحمل
هذا الذي شد من جوعه حجراً أكرم بمولى غداً بالزهد مشتمل
هذا الذي راودته الشم من ذهب فردها وإلى الدنيا فلم يمل
هذا الذي في مقام العرض شافعنا إذا استغثنا به من شدة الوجل
هنا الذي روضة ما بين منبره وقبره من رياض الخلد لم تزل
يا سيد الخلق يا من حاز مرتبة عليا وقد جل عن شبه وعن مثل
يا درة الأنبياء يا روضة العلا يا ملجأ الغربا يا سيد الرسل
العبد عبد الرحمن جليل أتى إليك وهو من الأوزار في خجل
يرجو بمدحته غفران زلته مع الرضا وحلول الخلد والحلل
صلى عليك إله العرش خالقنا في الليل والصبح والأبكار والأصل
واخصص أبا بكر ثم ألحق به عمراً كذلك عثمان ذا النورين ثم علي
والآل والصحب والأتباع أجمعهم أولي النهى والفخار السادة النجل
والسابقين إلى الإسلام قاطبة والتابعين بإحسان وكل ولى
******************
وقال آخر:
أثني على منْ أتدري منْ أبجلةُ؟ أما علمتَ بمنْ أهديتُه كلمي(233/2)
أبهى منْ البدرِ في ليلِ التمامِ وقلْ أسخى منْ البحرِ بلْ أرسى منْ العلمِ
أصفى منْ الشمسِ في نطقٍ وموعظةٍ أمضى منْ السيفِ في حكم وفي حكمِ
أغرَّ تشرقُ منْ عينيهِ ملحمةٌ منْ الضياءِ لتجلو الظلمَ والظلمِ
في همةٍ عصفتْ كالدهرِ واتقدتْ كمْ مزقتْ منْ أبي جهلٍ ومنْ صنمِ
محررُ العقلِ باني المجدِ باعثنا منْ رقدةٍ في دثارِ الشركِ واللممِ
بنورِ هديكَ كحلنا محاجرَنا لما كتبنا حروفاً صغتُها بدم
منْ نحنُ قبلكَ إلا نقطةٌ غرقتْ في اليمِ بلْ دمعةٌ خرساءُ في القدمِ
إنْ كانَ أحببتُ بعدَ اللهِ مثلكَ في بدوٍ وحضرٍ ومنْ عربٍ ومن عجمِ
فلا اشتفى ناظري منْ منظرٍ حسنٍ ولا تفوهَ بالقولِ السديدِ فمي
******************
وقال آخر:
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدّل حالها
كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسّرت أعلامها
لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
******************
وقال آخر:
هل تطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأجداث أحياه
من وحد العرب حتى صار واترهم إذا رأى ولد الموتور آخاه
وكيف ساس رعاة الشاة مملكة ما ساسها قيصر من قبل أو شاه
ورحب الناس بالإسلام حين رأوا أن الإخاء وأن العدل مغزاه
******************
وقال آخر:
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج و لم تحم
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيب تلك القاع والأكمُ
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ
قحطان عدنان حازوا منك عزّتهم بك التشرف للتاريخ لا بهمِ
******************
وقال آخر:
قد فقت يا طه جميع الأنبياء نورا فسبحان الذي سواكا
والله يا ياسين مثلك لم يكن في العالمين وحق من نباكا
ماذا يقول المادحون وما عسى أن يجمع الكتاب من معناكا(233/3)
فاجعل قراي شفاعة لي في غدٍ فعسى أرى في الحشر تحت لواكا
صلى عليك الله يا خير الورى ما حن مشتاق إلي مثواكا
وعلى صحابتك الكرام جميعهم والتابعين وكل من والاكا(233/4)
مداراة السفهاء
يقول زهير بن أبي سلمى:
ومن لم يصانع في أمورٍ كثيرةٍ يُضَرّس بأنيابٍ ويوطأ بمنسم
ومن يجعل المعروف من دون عرضهِ يفره , ومن لا يتقي الشتم يُشتمِ
******************(234/1)
مدح
النابغة الذبياني:
فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
************************
جاء أحد الأعراب يمدح أحد الخلفاء و كان من أهل البادية فقال له:
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو ما عددناك دلواً من كبار الدلى كثير الذنوب
************************
و قال الفرزدق مادحا - في مكة المكرّمة - الإمام زين العابدين علي ابن الحسين
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
************************(235/1)
مصر
يقول أحمد شوقي
أحبُّك مصر من أعماق قلبي وحبُّك في صميم القلب نامي
سيجمعُني بك التاريخُ يومًا إذا ظهر الكرامُ على اللئام
لأجلك رحتُ بالدنيا شقيًّا أصدُّ الوجهَ والدنيا أمامي
وأنظر جَنَّةً جمعتْ ذِئابًا فيصرُفُني الإباءُ عن الزحام
************************
يقول أيضاً في أيام صباه بمصر:
اذكرا لي الصِّبا وأيام أُنْسي وسلا مصر هل سلا القلب عنها
أو أسي جرحه الزمان المؤسي كلما مرت الليالي عليها
************************
يقول أيضاً:
يا أرض سيناء عانقي حرية جاءتك من أبنائك الأحرار
المارد المصري هب مزمجراً مستهزئاً بالموت والأخطار
أرأيت كيف يصب غضبه بلا رفق و يلقي الموت باستبشار
************************(236/1)
مناجاة
يقول أبو الهدى الصيادي:
ضارعت زفرة الذنوب بكائي يا لسقمي ويا لطول عنائي
سهم الشيب لمتي ببياض وخدودي بدمعة حمراء
صيرتني الأيام يا نعم قوساً والليالي قد قومت عوجائي
وأحبائي الذين عليهم طويت يوماً أزمعوا أحشائي
نال مني فراقهم ما أرادت لفؤادي ولوعتي أعدائي
وزمان صعب العراك تساوى فيه بين الطغاة والكرماء
مفعم بالهموم تلهب فيه زفرة النار في لفيف الماء
************************
يقول أبو محمد الأندلسي:
يا منزل الآيات والفرقان بيني وبينك حرمة القرآن
اشرح به صدري لمعرفة الهدى واعصم به قلبي من الشيطان
يسر به أمري وأقض مآربي وأجر به جسدي من النيران
واحطط به وزري وأخلص نيتي واشدد به أزري وأصلح شاني
واكشف به ضري وحقق توبتي وأربح به بيعي بلا خسراني
طهر به قلبي وصف سريرتي أجمل به ذكري واعل مكاني
************************
يقول د. عبد المعطي الدالاتي
كلُّ يومٍ لم أَذُبْ فيه نشيداً ليسَ عمري
كلُّ شعرٍ لم أمُتْ فيه شهيداً ليس شعري
كلُّ فكرٍ لم يكنْ فيه شعورٌ كيف يُغري!
**
يا إلهي باسمكَ الأعلى يناجي كلُّ حُرِّ
كلُّ قلبٍ لك يشدو بابتهالٍ ...كلُّ ثغرِ
حبُّكَ اللهمّ يسري في حنايا كلِّ صدرِ
نحوكَ الأكوانُ ولَّتْ وجهَها في كلِّ أمرِ
**
كلُّ جهدي ليس يُجدي إنْ أكنْ يا ربِّ وَحدي
كلُّ أفراحِ حياتي ..كلُّ أحزاني وسُهْدي
وسكوني وشجوني واضطرابي حين بُعدي
وصلاتي وحياتي ومَماتي يوم لحْدي
**
كلُّ لحنٍ قد توارى في فؤادي ..كلُّ وجدِ
كُلُّ فكرٍ..كُلُّ شعرٍ..كلُّ بَوْح ٍ كانَ عندي
كلُّ هذا - يا إلهي- ساجدٌ مُذ قلتَ :عبدي
********************************
ويقول أيضاً:
لكَ أسلمتُ كِياني لكَ أخلصتُ هوايا
باسمكَ اللهمّ يشدو خافقي بين الحنايا
باسمكَ اللهمّ رفّتْ بابتهالاتي رُؤايا
ساجداتٍ ..حامداتٍ عائداتٍ بالهدايا
أنتَ أجزلتَ عطائي يوم قدَّرتَ العطايا
أنت قدّرتَ هُدايَ بعدَ أنْ حارتْ خُطايا(237/1)
أنتَ رحمنٌ رحيمٌ أنت غفّارُ الخطايا
********************************(237/2)
وحدة الصف
يقول الشاعر:
النمل تبنى قراها في تماسكها والنحل تجنى رحيق الشهد أعوانا(238/1)
وصف الهلال وسط الظلام
يقول ابن المعتز:
انظر إليه كزورق من فضة قد أثقلته حمولة من عنبر(239/1)
وصف رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
يقول حسان بن ثابت:
نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً يلوح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا ناراً وبشر جنة وعلمنا الإسلام ، فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي بذلك ما عمرت في الناس أشهد
************************(240/1)
ابتسم
لإيليا أبو ماضي
قال : "السماء كئيبة" وتجهما***قلتُ:ابتسم يكفي التجهم في السما!
قال: الصبا ولّى! فقلت له: ابتسم*** لن يُرجع الأسفُ الصبا المتصرما
قال:التي كانت سمائي في الهوى*** صارت لنفسي في الغرام جهنما
خانت عهودي بعدما ملّكتُها ***قلبي فكيف أطيق أن أتبسما
قلت: ابتسم واطرب فلو قارنتها ***قضّيت عمرك كله متألما
قال: التجارة في صراع هائل ***مثلُ المسافرِ كاد يقتله الظما
أو غادة مسلولة محتاجة ***لدمٍ وتنفث كلما لهثت دما
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها ***وشفائها فإذا ابتسمت فربما ...
أيكون غيرك مجرماً وتبيت في ***وجلٍ كأنك أنت صرت المجرما
قال:العدىحولي علت صيحاتهم***أأُسرُّ والأعداء حولي في الحمى؟
قلت: ابتسم لم يطلبوك بذمهم ***لو لم تكن منهم أجلَّ وأعظما!
قال: المواسم قد بدت أعلامها ***وتعرّضتْ لي في الملابس والدُّمى
وعليَّ للأحباب فرضٌ لازمٌ ***لكنّ كفي ليس تملك درهما
قلت:ابتسم يكفيك أنك لم تزل ***حياً ولست من الأحبة معدما
قال: الليالي جرّعتني علقماً ***قلت:ابتسم ولئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما*** طرح الكآبة جانباً وترنما
أتراك تغنم بالتبرم درهما *** أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما؟
ياصاح!لاخطرعلىشفتيك أن *** تتثلما والوجهِ أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى *** متلاطم ولذا نحب الأنجما!
قال:البشاشة ليس تُسعد كائناً *** يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما
قلت:ابتسم مادام بينك والردى *** شبر فإنك بعدُ لن تتبسما(241/1)
أبكي وماذا تنفع العبرات
--------------------------------------------------------------------------------
أبكي ، وماذا تنفَع العَبَراتُ وجميعُ أهلي بالقذائف ماتوا؟
ماتوا،وجيشُ المعتدين،قلوبُهم صخرٌ ، فلا نبْضٌ ولا خَلَََجاتُ
تحت الرُّكام ، أَنينُهم وصُراخُهم كم مزَّقتْ وجدانيَ الصَّرخاتُ
أبكي ، وأشلاءُ الأحبّةِ خيّبَتْ ظنَّ الرَّجاءِ ، وزاغَت النظراتُ
ياليلة القَصْف الرَّهيب،تحطَّمتْ فيكِ المبادئُ ، واستبدَّ غُزَاةُ
وحشيةٌ ، لو أَنَّ هولاكو رأى لتصعّدت من قلبه الزَّفراتُ
بتْنا على لَهَب المواجع والأسى والمعتدونَ على الأسرَّةِ باتوا
أطفالُهم يستمتعون بأمنهم وصغارُنا فوقَ الرَّصيفِ عُراةُ
فَزَعُ الصِّغار يزيد من إحساسنا بالظلم ، إنَّ الظالمينَ قُساَةُ
ماذا يفيد الدَّمْعُ ، والدَّمُ هَهُناَ يجري،ودِجْلَةُ يشتكي وفُراتُ؟!
ماذا ، وبغدادُ المفاخر أصبحتْ عطْشَى ، تُلمِّظ قلبها الحسراتُ؟
بغدادُ ، يا بغدادُ ما التَفَتَ المدى إلا وعندكِ تُورق اللَّفتاتُ
بغدادُ ماابتسمتْ رؤى تاريخنا إلاً وعندكِ تُشرق البَسَماتُ
صوت المآذِن فيكِ يرفعنا إلى قمم تشيِّدها لنا الصَّلواتُ
أوَّاه يا بغدادَ أَقفرتِ الرُّبى ورمَى شموخَ الرَّافدين جُناةُ
لغةُ الحضارةِ أصبحتْ في عصرنا قَصْفاً ، تموت على صداه لُغات
لغةُ تصوغ القاذفاتُ حروفَها وبعنْفها تتحدَّث العَرَباتُ
أو هكذا ،تلقى العدالةُ حَتْفَها في عصرنا،وتُكحَّمُ الشَّهَواتُ!
ماذا يفيد الدَّمْعُ يا بغدادَنا وخَطاكِ في درب الرَّدىعثرات
ماذا يفيد الدَّمْعُ يا محبوبةً تبكي على أشلائها الحُرُماتُ
ماذا ، وألفُ قذَيفةٍ وقذيفةٍ في عَرْضها تتنافسُ القنواتُ؟
ماذا ، وأبناء العُروبةِ نظْرةٌ وهَجَتْ،وعقلٌ تائهٌ وسُكاتُ؟
أبناءَ أمتنا الكرامَ ، إلى متى يقضي على عَزْمِ الأبي سُباَتِ؟
الأمرُ أَكْبَرُ ،والحقيقةُ مُرَّةٌ وبنو العروبةِ فُرْقَةٌ وشَتات(242/1)
وعلى ثغور البائسين تساؤُلٌ مُرُّ المَذاقِ ، تُميتُه البَغَتاتُ
أين الجيوشُ اليَعْرُبيَّةُ،هل قَضَتْ نَحْباً،فلا جندٌ ولا أَدَواتُ؟!
هذا التساؤل ، لا جواب لمثله فبمثله تتلعْثَمُ الكلماتُ
لو كان للعَرَبِ الكرام كرامةٌ ما سرّبَتْ سُفُنَ العدوِّ قَناَتُه
الأمر أكبرُ يا رجالُ، وإِنَّما ذهبتْ بوعي الأُمَّة الصَّدَماتُ
الأمرُ أمرُ الكفر أعلن حربَه فمتى تَهُزُّ الغافلين عِظَاتُ؟!
كفرٌ وإسلامٌ ، وليلُ حضارةٍ غربيَّةٍ، تَشْقَى بها الظُّلُماتُ
يا ماردَ الغرب الذي لعبتْ كأس الغُرور ، وسيّرتْه طُغاةُ
نزواتُ قومٍ،قادت الأعمى إلى لهبٍ ، كذلك تَقْتُلُ النَّزَواتُ
أبناءَ أمتنا الكرَامَ،إلىَ مَتى تَمتَدُّ فيكم هذه السَّكَراتُ ؟!
ماذا أقول لكم؟،وليس أمامنا إلا دخانُ الغدر والهَجَماتُ ؟!
هذا العراقُ مضرَّجٌ بدمائه قد سُوِّدَتْ بجراحه الصَّفحاتُ
وهناكَ في الأقصَى يَدٌ مصبوغةٌ بدمٍ ، وجيشٌ غاصبٌ وبُغاةُ
ماذا أقول لكم؟ ودُور إِبائكم لا ساحةٌ فيها ولا شُرُفاتُ؟
ماذا أقول لكم؟وبَرْقُ سيوفكم يخبو، فلا خَيْلٌ ولاَ صَهَواتٌ ؟
قصَّتْ ضفائرَها المروءَةُ حينما جمد الإباءُ وماتت النَّخَواتُ
بكت الفضيلةُ قبل أنْ نبكي لها أسفاً ، وأدْمتْ قلبَها الشَّهَواتُ
عُذراً ، إذا أقسمْتُ أنَّ الرِّيحَ قد هَبَّتْ بما لا تفهم النَّعَراتُ
لن يدفَعَ الطُّغيانَ إلا دينُنا وعزيمةٌ تُرْعى بها الحُرُمات
إني لأُبصر فجر نَصْرٍ حاسمٍ ستزفُّه الأنفالُ والحجْرات
بقلم: عبدالرحمن العشماوي(242/2)
ابن الرومي يرثي البصرة
ذاد عن مقلتي لذيذ المنام
شغلها عنه بالدموع السجام
أي نوم من بعد ما حل بالبصـ
ـــرة من تلكم الهنات العظام
أي نوم من بعد ما انتهك الزنـ
ـج جهاراً محارم الإسلام
إنّ هذا من الأمور لأمر
كاد ألا يقوم في الأوهام
لرأينا مستيقظين أموراً
حسبنا أن تكون رؤيا منام
أقدم الخائن اللعين عليها
وعلى الله أيما إقدام
وتسمى بغير حقٍ إماما
لا هدى الله سعيه من إمام
لهف نفسي عليكِ أيتها البصـ
ـرة لهفاً كمثل لهب الضرام
لهف نفسي عليك يا معدن الخيـ
ـرات لهفاً يعضني إبهامي
لهف نفسي يا قبة الإسـ
ـلام لهفاً يطول منه غرامي
لهف نفسي عليك يا فرضة البلـ
ـدان لهفا يبقى على الأعوام
لهف نفسي لجمعك المتفاني
لهف نفسي لعزك المستضام
بينما أهلها بأحسن حال
إذ رماهم عبيدهم باصطلام
دخلوها كأنهم قطع الليـ
ـل إذا راح مدلهم الظلام
طلعوا بالمهندات جهراً فألقت
حملها الحاملات قبل التمام
وحقيق بأن يراع أناس
غومضوا من عدوهم باقتحام
أي هول رأوا بهم أي هول
حق منه تشيب رأس الغلام
إذ رموهم بنارهم من يمين
وشمال وخلفهم وأمام
كم أغصوا من شارب بشراب
كم أغصوا من طاعمٍ بطعام
كم ضنين بنفسه رام منجى
فتلقوا جبينه بالحسام
كم أخ قد رأى أخاه صريعا
ترب الخد بين صرعى كرام
كم أب قد رأى عزيز بنيه
وهو يعلى بصارم صمصام
كم مفدى في أهله أسلموه
حين لم يحمه هنالك حامي
كم رضيع هناك قد فطموه
بشبا السيف قبل حين الفطام
كم فتاة بخاتم الله بكر
فضحوها جهراً بغير اكتتام
كم فتاة مصونة قد سبوها
بارزاً وجهها بغير لثام
صبحوهم فكابد القوم منهم
طول يوم كأنه ألف عام
ألف ألف في ساعة قتلوهم
ثم ساقوا السباء كالأغنام
من رآهنّ في المساق سبايا
داميات الوجوه للأقدام
من رآهنّ في المقاسم وسط الز
نج يقسمن بينهم بالسهام
من رآهنّ يتخذن إماء
بعد ملك الإماء والخدّام
ما تذكرت ما أتى الزنج إلا
أضرم القلب أيما إضرام
ما تذكرت ما أتى الزنج إلا(243/1)
أوجعتني مرارة الإرغام
رب بيع هناك قد أرخصوه
طال ما قد غلا على السوّام
رب بيت هناك قد أخرجوه
كان مأوى الضعاف والأيتام
رب قصر هناك قد دخلوه
كان من قبل ذاك صعب المرام
رب ذي نعمة هناك ومال
تركوه محالف الإعدام
رب قوم باتوا بأجمع شمل
تركوا شملهم بغير نظام
عرّجا صاحبي بالبصرة الزهـ
ـراء تعريج مدنف ذي سقام
فاسألاها ولا جواب لديها
لسؤال ومن لها بالكلام
أين ضوضاء ذلك الخلق فيها
أين أسواقها ذوات الرخام
أين فلك فيها وفلك إليها
منشآت في البحر كالأعلام
أين تلك القصور والدور فيها
أين ذاك البنيان ذو الإحكام
بدلت تلكم القصور تلالا
من رماد ومن تراب ركام
سلط البثق والحريق عليهم
فتداعت أركانها بانهدام
وخلت من حلولها فهي قفر
لا ترى العين بين تلك الآكام
غير أيد وأرجل بائنات
نبذت بينهن أفلاق هام
ووجوه قد رملتها دماء
بأبي تلكم الوجوه الدوامي
وطئت بالهوان والذل قسرا
بعد طول التبجيل والإعظام
فتراها تسفي الرياح عليها
جاريات بهبوة وقتام
خاشعات كلها باكيات
باديات الثغور لا لابتسام
بل ألما بساحة المسجد الجا
مع إن كنتما ذوي إلمام
فاسألاه ولا جواب لديه
أين عباده الطوال القيام
أين عماره الألى عمروه
دهرهم في تلاوة وصيام
أين فتيانه الحسان وجوها
أين أشياخه أولو الأحلام
أي خطب وأي رزء جليل
نالنا في أولئك الأعمام
كم خذلنا من ناسك ذي اجتهاد
وفقيه في دينه علام
واندامي على التخلف عنهم
وقليل عنهم غناء ندامي
واحيائي منهم إذا ما التقينا
وهم عند حاكم الحكام
أي عذر لنا وأي جواب
حين ندعى على رؤوس الأنام
يا عبادي أما غضبتم لوجهي
ذي الجلال العظيم والإكرام
أخذلتم إخوانكم وقعدتم
عنهم ويحكم قعود اللئام
كيف لم تعطفوا على أخوات
في حبال العبيد من آل حام
لم تغاروا لغيرتي فتركتم
حرماتي لمن أحل حرامي
إنّ من لم يغر على حرماتي
غير كفء لقاصرات الخيام
كيف ترضى الحوراء بالمرء بعلا
وهو من دون حرمة لا يحامي
واحيائي من النبي إذا ما(243/2)
لامني فيهم أشد الملام
وانقطاعي إذا هم خاصموني
وتولى النبي عنهم خصامي
مثلوا قوله لكم أيها النا
س إذا لامكم مع اللوام
أمتي أين كنتم إذ دعتني
حرة من كرائم الأقوام
صرخت يا محمداه فهلا
قام فيها رعاة حقي مقامي
لم أجبها إذ كنت ميتا فلولا
كان حي أجابها عن عظامي
بأبي تلكم العظام عظاما
وسقتها السماء صوب الغمام
وعليها من المليك صلاة
وسلام مؤكد بسلام
انفروا أيها الكرام خفافا
وثقالا إلى العبيد الطغام
أبرموا أمرهم وأنتم نيام
سوءة سوءة لنوم النيام
صدّقوا ظن إخوة أملوكم
ورجوكم لنبوة الأيام
أدركوا ثأرهم فذاك لديهم
مثل رد الأرواح في الأجسام
لم تقروا العيون منهم بنصر
فأقروا عيونهم بانتقام
أنقذوا سبيهم وقلَّ لهم ذا
ك حفاظاً ورعية للذمام
عارهم لازم لكم أيها النا
س لأن الأديان كالأرحام
إن قعدتم عن اللعين فأنتم
شركاء اللعين في الآثام
بادروه قبل الروية بالعز
م وقبل الإسراج بالإلجام
من غدا سرجه على ظهر طرف
فحرام عليه شد الحزام
لا تطيلوا المقام عن جنة الخلـ
ـد فأنتم في غير دار مقام
فاشتروا الباقيات بالعرض الأد
نى وبيعوا انقطاعه بالدوام(243/3)
أبو تمام وعروبة اليوم
لعبدالله البردّوني
1. ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذب وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
2. بيض الصفائح أهدى حين تحملها أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب
3. وأقبح النصر نصر الأقوياء بلا فهم سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا
4. أدهى من الجهل علم يطمئن إلى أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
5. قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا
6. ماذا جرى يا أبا تمام تسألني عفواً سأروي ولا تسأل وما السبب
7. يدمي السؤال حياءً حين نسأله كيف احتفت بالعدى حيفا أو النقب
8. من ذا يلبي أما إصرار معتصم كلا وأخزى من الأفشين ما صلبوا
9. اليوم عادت علوج الروم فاتحة وموطن العَرَب المسلوب والسلب
10. ماذا فعلنا غضبنا كالرجال ولم نصدق وقد صدق التنجيم والكتب
11. فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الحطب
12. وقاتلت دوننا الأبواق صامدة أما الرجال فماتوا ثَمّ أو هربوا
13. حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا وإن تصدى له المستعمر انسحبوا
14. هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم ويدّعون وثوباً قبل أن يثبوا
15. الحاكمون و واشنطن حكومتهم واللامعون وما شعّوا ولا غربوا
16. القاتلون نبوغ الشعب ترضيةً للمعتدين وما أجدتهم القرب
17. لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم هوى إلى بابك الخرمي ينتسب
18. ماذا ترى يا أبا تمام هل كذبت أحسابنا أو تناسى عرقه الذهب
19. عروبة اليوم أخرى لا ينم على وجودها اسم ولا لون ولا لقب
20. تسعون ألفاً لعمورية اتقدوا وللمنجم قالوا إننا الشهب
21. قيل انتظار قطاف الكرم ما انتظروا نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا
22. واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب
23. تنسى الرؤوس العوالي نار نخوتها إذا امتطاها إلى أسياده الذنب
24. حبيبُ وافيتُ من صنعاء يحملني نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب
25. ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي مليحة عاشقاها السل والجرب(244/1)
26. ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن ولم يمت في حشاها العشق والطرب
27. كانت تراقب صبح البعث فانبعثت في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب
28. لكنها رغم بخل الغيث ما برحت حبلى وفي بطنها قحطان أو كرب
29. وفي أسى مقلتيها يغتلي يمن ثان كحلم الصبا ينأى ويقترب
30. حبيب تسأل عن حالي وكيف أنا شبابة في شفاه الريح تنتحب
31. كانت بلادك رحلاً ظهر ناجية أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
32. أرعيت كل جديب لحم راحلة كانت رعته وماء الروض ينسكب
33. ورحت من سفر مضن إلى سفر أضنى لأن طريق الراحة التعب
34. لكن أنا راحل في غير ما سفر رحلي دمي وطريقي الجمر والحطب
35. إذا امتطيت ركاباً للنوى فأنا في داخلي أمتطي ناري وأغترب
36. قبري ومأساة ميلادي على كتفي وحولي العدم المنفوخ والصخب
37. حبيب هذا صداك اليوم أنشده لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب
38. ماذا أتعجب من شيبي على صغري إني ولدت عجوزاً كيف تعتجب
39. واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني والأربعون على خديّ تلتهب
40. كذا إذا ابيض إيناع الحياة على وجه الأديب أضاء الفكر والأدب
41. وأنت من شبت قبل الأربعين على نار الحماسة تجلوها وتنتخب
42. وتجتدي كل لص مترف هبة وأنت تعطيه شعراً فوق ما يهب
43. شرقتَ غربتَ من والٍ إلى ملك يحثك الفقر أو يقتادك الطلب
44. طوفت حتى وصلت الموصل انطفأت فيك الأماني ولم يشبع لها أرب
45. لكن موت المجيد الفذ يبدأه ولادة من صباها ترضع الحقب
46. حبيب مازال في عينيك أسئلة تبدو وتنسى حكاياها فتنتقب
47. وما تزال بحلقي ألف مبكيةٍ من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
48. يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا ونحن من دمنا نحسو ونحتلب
49. سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا يوماً ستحبل من إرعادنا السحب
50. ألا ترى يا أبا تمام بارقنا (إن السماء ترجى حين تحتجب)(244/2)
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني
لباب الآداب لأسامة بن منقذ - (ج 1 / ص 105)
وقال أيضاً يعتذر إلى النعمان :
أتاني ... أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي أهتم منها وأنصبُ
فَبِتُّ كَأَنَّ العَائِداتِ فَرَشْنَنِي ... هَراساً به يُعْلَى فِراشِي ويُقْشَبُ
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً ... وليس وراء الله للمرء مذهبُ
لئن كنت قد بلغت عني خيانةً ... لمبلغك الواشي أغش وأكذبُ
ولكنني كنت امرءًا لي جانبٌ ... من الأرض فيه مسترادٌ ومطلبُ
ملوكٌ وإخوانٌ إذا ما أتيتهم ... أحكم في أموالهم وأقرَّبُ
كفعلك في قومٍ أراك اصطنعتهم ... فلم ترهم في مثل ذلك أذنبوا
فلا تتركني بالوعيد كأنني ... لدى الناس مطليٌ به القار أجربُ
ألم ترَ أنَّ اللهَ أعطاكَ سورةً ... ترى كلَّ ملكٍ دونها يتذبذبُ
لأنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ ... إذا طلعت لم يبدُ منهنَ كوكبُ
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمه ... على شعثٍ، أي الرجال المهذبُ
فإن أكُ مظلوماً فعبدٌ ظلمته ... وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتبُ(245/1)
أتصحو بل فؤادكَ غيرُ صاح
لجرير في مدح عبدالملك بن مروان
أتصحو بل فؤادكَ غيرُ صاح
عشيةَ همَّ صحبكَ بالرواحِ
تقولُ العاذلاتُ علاك شيبٌ
أهذا الشيبُ يمنعني مراحي
يكلفني فؤادي من هواهُ
ظعائنَ يجتزعن على رماح
ظعائنَ لمْ يدنَّ معَ النصارى
و لا يدرينَ ما سمكُ القراحِ
فبعضُ الماءِ ماء ربابِ مزنٍ
و بعض الماءِ منْ سبخٍ ملاحِ
سيكفيكَ العواذلَ أرجيٌّ
هجانُ اللونِ كالفرَدِ اللياح
يعز على الطريق بمنكبيهِ
كما ابتركَ الخليعُ على القداحِ
تعزتْ أمُّ حزرةَ ثمَّ قالتْ
رأيتُ الموردينَ ذوي لقاحِ
تعللُ وهيَ ساغبةٌ بنيها
بأنفاسٍ منَ الشمِ القراحِ
سأمتاحُ البحورَ فجنبيني
أذاةَ اللومِ و انتظري امتياحي
ثقي باللهِ ليسَ له شريكُ
ومن عندِ الخليفةِ بالنجاحِ
أغثني يا فداكَ أبي وأمي
بسيبٍ منكَ إنكَ ذو ارتياح
فإنَّي قدْ رأيتُ على حقا
زيارتي الخليفةَ و امتداحي
سأشكرُ أنْ رددتَ عليَّ ريشي
وأثبتَّ القوادمَ في جناحي
ألستمْ خيرَ منْ ركبَ المطايا
وأندى العالمينَ بطونَ راحِ
و قومٍ قدْ سموتَ لهمْ فدانوا
بدُهمٍ في ململمةٍ رَداحِ
أبحتَ حمى تهامةَ بعدَ نجدٍ
وما شيءٌ حميتَ بمستباحِ
لكمْ شم الجبالِ منَ الرواسي
وأعظمُ سيلِ معتلجِ البطاحِ
دعوتَ الملحدينَ أبا خبيبٍ
جماحاً هلْ شفيتَ منَ الجماحِ
فقدْ وجدوا الخليفةَ هبرزياً
ألفَّ العيصِ ليسَ منَ النواحي
فما شجراتُ عيصكَ في قريشٍ
بعشّاتِ الفروعِ و لا ضواحي
رأى الناسُ البصيرةَ فاستقاموا
وبينت المراضِ منَ الصحاحِ(246/1)
أتعرفُ رسماً كاطِّرادِ المذاهبِ
أمالي المرزوقي - (ج 1 / ص 51)
وقال قيس بن الخطيم:
أتعرفُ رسماً كاطِّرادِ المذاهبِ ... لعمرةَ وحشاً غيرَ موقفِ راكبِ
ديارُ التي كادتْ ونحنُ على مِنى ... تحلُّ بنا لولا نجاءُ الرَّكائبِ
تبدَّتْ لنا كالشَّمسِ تحتَ غمامةٍ ... بدا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجبِ
ولم أرَها إلاَّ ثلاثاً على مِنى ... وعهدي بها عذراءَ ذاتَ ذوائبِ
ومثلكِ قد أصبيتُ ليستْ بكنَّةٍ ... ولا جارةٍ ولا حليلةِ صاحبِ
دعوتُ بني عوفٍ لحقْنِ دمائهمْ ... فلما أبَوا سامحتُ في حربِ حاطبِ
وكنتُ أمرأ لا أبعثُ الحربَ ظالماً ... فلمَّا أبَوا أشعلتُها كلَّ جانبِ
أربتُ بدفعِ الحربِ حتَّى رأيتُها ... عد الدفعِ لا تزدادُ غيرَ تقاربِ
فإذْ لم يكنْ من غايةِ الموتِ مدفعٌ ... فأهلاً بها إذا لم تزلْ في المراحبِ
فلمَّا رأيتُ الحربَ حرباً تجرَّدتْ ... لبستُ مع البردينِ ثوبَ المحاربِ
مضاعفةً يغشى الأناملَ فضلُها ... كأنَّ قتيريْها عيونُ الجنادبِ
أتتْ عصبٌ مِ الكاهنينِ ومالكٍ ... وثعلبةَ الأثرينَ رهطِ ابنِ غالبِ
رجالٌ متى يدعوا إلى الرَّوعِ يُرقلوا ... إليهِ كإرقالِ الجِمالِ المصاعبِ
إذا فزعوا مدُّوا إلى الرَّوعِ صارخاً ... كموجِ الآتيِّ المزبدِ المتراكبِ
ترى قصدَ المرَّانِ تهوي كأنَّها ... تذرُّعُ خرصانٍ بأيدي الشَّواطبِ
صحبْنا بها الآطامَ حولَ مزاحمٍ ... قوانسُ أُولى بيضِنا كالكوكبِ
لوَ انَّكَ تُلقي حنظلاً فوقَ بيضِنا ... تدحرجَ عن ذي سامهِ المتقاربِ
إذا ما فررْنا كانَ أسْوا فرارنا ... صدودُ الخدودِ وازورارَ المناكبِ
إذا قصرتْ أسيافَنا كانَ وصلُها ... خُطانا إلى أعدائنا بالتَّقاربِ
أُجالدهمْ يومَ الحديقةِ حاسراً ... كأنَّ يدِي بالسَّيفِ مخراقُ لاعبِ
ويومَ بعاثٍ أسلمتْنا سيوفُنا ... إلى نسبٍ في جذمِ غسَّانَ ثاقبِ
يعرِّينَ بيضاً حين نلقى عدوَّنا ... ويغمدنَ حمراً ناحلاتِ المضاربِ(247/1)
أطاعتْ بنا بنو عوفٍ أميراً نهاهمُ ... عن السِّلمِ حتَّى كانَ أوَّلَ واجبِ
عجبتُ لعوفٍ إذ تقولُ نساؤهمْ ... ويرمينَ دفعاً ليتَنا لم نحاربِ
صحبناهمُ شهباءَ يبرقُ بيضُها ... تبينُ خلاخيلَ النِّساءِ الهواربِ
أصابتْ سراةً مِ الأغرِّ سيوفُنا ... وغودرَ أولادُ الإماءِ الحواطبِ
ومنَّا الذي آلى ثلاثينَ ليلةً ... عن الخمرِ حتَّى زاركمْ بالكتائبِ
رضيتُ لهم ألاّ يريمونَ قعرَها ... إلى عازبِ الأموالِ إلاَّ بصاحبِ
فلولا ذُرى الآطامِ قد تعلمونهُ ... وتركُ الفضا شوركتمُ في الكواعبِ
فلا تمنعوا منَّا مكاناً نريدهُ ... لكم محرزاً إلاَّ ظهورَ المشاربِ
فهلاَّ لدى الحربِ العوانِ صبرتمُ ... لوقعتِنا والبأسُ صعبُ المراكبِ
ظآرناكمُ بالبيضِ حتَّى لأنتمُ ... أذلُّ من السُّقبانِ بينَ الحلائبِ
ولمَّا هبطنا الحرثَ قالَ أميرُنا ... حرامٌ علينا الخمرُ ما لمْ نضاربِ
فسامحهُ منَّا رجالٌ أعزَّةٌ ... فما برحوا حتَّى أُحلَّت لشاربِ
فليتَ سويداً راءَ منْ خرَّ منكمُ ... ومنْ فرَّ إذ يحدونهمْ كالجلائبِ
فأبْنا إلى أبنائنا ونسائنا ... وما منْ تركنا في بعاثٍ بآئبِ
وغيِّبتْ عن يومٍ كفتْني عشيرتي ... ويوم بعاثٍ كانَ يومَ التَّغالبِ(247/2)
أتعرفين جريمتي
.
(من عتمة السجن بل من نور إيماني)(1)ومن فؤادي بل من نزف شرياني
أخط دعوتي بدمي على ورق (أعددته في غد الأيام أكفاني)
أتعرفين جريمتي يا أم أو تهمي تلك التي من أجلها زجوا بجثماني
ومزقوا جسدي من بعد ما يئسوا عن دحر دعوتي أو من نزع إيماني
لأنني عشت لا أرضى بطاغية ولا أذل لطاغوت وخوان
لأنني لم أرتض صمتا يخلصني من بطش جلادهم أو ظلم سجان
جريمتي أنني لا زلت أعلنها براءتي من كفرهم جهرا بأوطاني
فلا تقولي أضعت العمر في محن فإنها منح من فضل رحمن
ولا تقولي صغارك لست ترحمهم فالله يرحمهم والله يرعاني
فقرّ عينا ولا تبكي على محني إني رضيت بعيش العز ديداني
(زنزانتي خير من صاحبت في زمن) الحاكمون به عبدوا كأوثان
وإن أودعها يوما وأهجرها فبندقيتي يا أم : الصاحب الثاني
أبو محمد
سجن البلقاء –1418هـ
__________
(1) مطلع هذه القصيدة مقتبس من أبيات لصديقنا في السجن الشاعر أيمن العتوم(248/1)
إجلس يا رامي
العشماوي
ا رامي إجلس يا ولدي وتجنَّب قصفهم الدَّامي
يا رامي اجلس من خلفي وتترس منهم بعظامي
اجلس يا ولدي من خلفي لا تنهض فالموت أمامي
طلقات رصاص يا ويحي إلصق في ظهري يا رامي
طلقات رصاص يا ويحي ادخل في جسمي يا رامي
احذر فالأرض بما صنعوا تتزلزل تحت الأقدام
طلقات رصاص يا أبتي أُسكت يا ولدي يا رامي
أفديك بروحي يا أبتي أُسكت يا ولدي يا رامي
أحميك بجسمي يا أبتي أسكت فالله هو الحامي
احذر يا ولدي قد فتحوا رشاش الحقد المتنامي
طلقات رصاص صرخات ترسم خارطة الآلام
طلقات رصاص وسكون يتحدَّث عن موت غُلام
طلقات رصاص ما بالي لا أسمع صوتك يا رامي
يا فرحة عمري يا ولدي يا سرّ صفائي يا رامي
ما بالُ يديك قد ارتختا ما بالك تجمد يا رامي
قل لي يا ولدي حدثني بالغ في شتمي وخصامي
لكن يا ولدي لا تسكت لا تقتل زهرة أحلامي
أنفاسك يا رامي سكنت سكنت أنفاسك يا رامي
هل مات حبيبي هل طويت صفحته قبل الإتمام
يا أهل النَّخوة من قومي من يمن العرب إلى الشامِ
يا أهل صلاة وخشوع يا أهل لباس الإحرام
يا كلّ أب يرحم ابناً يا كلّ رجال الإسلام
يا أهل الأبواق أجيبوا يا أهل السَّبق الإعلامي
يا هيئة أمم مقعدة تشكو آلاف الأورامِ
يا مجلس خوف أحسبه أصبح مأجور الأقلامِ
يا أهل العولمة الكبرى يا أخلص جندالحاخامِ
يا من سطرتم مأساتي ورفعتم شأن الأقزامِ
يا أهل النّخوة في الدنيا أولستم أنصار سلام ؟
أسلام أن تسرق أرضي أن يقتل في حضني رامي ؟
ما بالي يتلاشى صوتي لم أبصر جبهة مقدامِ
طلقات رصاص أشلاءٌ نارٌ كالحة الإضرامِ
طلقات رصاص صُبُّوها إن شئتم في قلبي الدامي
صبُّوها في هامة رأسي وجميع عروقي وعظامي
فالآن تساوت في نظري أوصاف ضياءٍ و ظلامِ
والآن تشابه في سمعي صوت الرشاش وأنغامي
والآن سيمكث في قلبي لن يرحل من قلبي رامي
لن أنسى نظرته العطشى لن أنسى مبسمه الدّامي
لن أنسى الخوف يعلّقه بذراعي اليمنى وحزامي(249/1)
حاولت استجداء الباغي وبعثت نداء استرحام
لكنِّ نداءاتي اصطدمت بجمود قلوب الأصنام
هل قتلوا رامي ؟ ما قتلوا فحبيبي مصدر إلهامي
مازال حبيبي يتبعني ويسير ورائي و أمامي
سأجهز إخوته حتى يتألَّق فجرُ الإسلام(249/2)
أحتاجُ لنورٍ من عينيكَ
أحتاجُ لنورٍ من عينيكَ يضيءُ لنا
عتمَ الطرقات
فأنا في الليلِ أخافُ المشيَ بلا ضوءٍ
أخشى الظلماتْ
فالليلُ طويل ٌفي وطني
والموتُ يعربدُ بالمحنِ
والدربُ مليءٌ بالحفراتْ
أحتاجُكَ صدراً يًُشعرُني بالدِّفءِ
في عصفِ البردِ
بعبيرِ التربةِ والوردِ
بالأمنِ في زمنِ الويلاتْ
فأنا أنثى أشكو ضعفي
منْ كثرةِ أوهامِ الخوفِ
عيناي تغشَّاها الرَّمد ُ
وشبابي أضناهُ الكَمدُ
وجناحي مقصوصُ الريشات
أحتاجُكَ نوراً ترويني من حبٍّ لا يفنى أبداً
من حزنِ الزَّمنِ تداويني
وتعلمني كيفَ المفتونُ بمن يهوى
يبقى الأقوى
يتخيَّلُ أشياءً أحلى
من دمعةِ قهرٍ أو حُرقاتْ
يتعلَّمُ كيفَ يخيطُُ الليلَ عباءاتٍ للحورياتْ
ويصيغُ البدرَ قلاداتٍ
لتزيِّنَ جيدَ الشَّرقيةْ
ببلادِ القتلِ المنسيةْ
في سجنٍ يصخبُ بالأنَّاتْ
أحتاجُكَ ظهراً يسندُني
أحتاجُك فكراً وتراثاً
أحتاجك ديناً وسلاماً
ياأجمل وطنٍ في الدنيا
لاتهربْ من دفء حناني
أنتَ المحتاجُ لأحضاني
ولحبِّي في كلِّ الحالاتْ
أقسمتُ بربِِّي الرَّحمنِ
من أوحى النَّصَ القرآني
سأظلُُّ أجاهدُ بالكلماتْ
لتعودَ الشَّمسُ العربيةْ
تهدي للنَّاسِ الحريةْ
بالصبحِِ الدُّريِّ البسمات(250/1)
احترامي.. للحرامي
---
احترامي.. للحرامي!!
صاحب المجد العصامي..
صبر مع حنكة وحيطة..
وابتدا بسرقة بسيطة..
وبعدها سرقة بسيطة..
وبعدها تَعدى محيطه..
وصار في الصف الأمامي..!
احترامي.. للحرامي..!!
---
احترامي.. للحرامي..
صاحب المجد العصامي..
صاحب النفس العفيفة..
صاحب اليد النظيفة..
جاب هالثروة المخيفة..
من معاشه في الوظيفة..
وصار في الصف الأمامي..
احترامي.. للحرامي..!!
---
احترامي.. للحرامي..
صاحب المجد العصامي..
يولي تطبيق النظام..
أولوية واهتمام..
ما يقرب للحرام..
إلا في جنح الظلام..
صار في الصف الأمامي
احترامي.. للحرامي..!!
---
احترامي.. للحرامي..
صاحب المجد العصامي..
يسرق بهمة دؤوبة..
يكدح ويملي جيوبه..
يعرق ويرجي المثوبة..
ما يخاف من العقوبة..
صار في الصف الأمامي..
احترامي.. للحرامي..!!
---
احترامي.. للحرامي..
صاحب المجد العصامي..
صار يحكي في الفضا..
عن نزاهة ما مضى..
وكيف آمن بالقضا..
وغير حقه ما ارتضى..
صار في الصف الأمامي..
احترامي.. للحرامي..
---
احترامي للنكوص..
عن قوانين ونصوص..
احترامي للفساد..
وأكل أموال العباد..
والجشع والازدياد..
والتحول في البلاد..
من عمومي للخصوص..
احترامي للصوص..!!(251/1)
احل الكفر بالإسلام ضيماً
---
أَحَلَّ الْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ ضَيْمًا ... يَقُولُ بِهِ عَلَى الدِّينِ النَّحِيبُ
فَحَقٌّ ضَائِعٌ وَحِمًى مُبَاحٌ ... وَسَيْفٌ قَاطِعٌ وَدَمٌ صَبِيبُ
وَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ أَضْحَى سَلِيبًا ... وَمُسْلِمَةٍ لَهَا حَرَمٌ سَلِيبُ
وَكَمْ مِنْ مَسْجِدٍ جَعَلُوهُ دِيرًا ... عَلَى مِحْرَابِهِ نُصِبَ الصَّلِيبُ
دَمُ الْخِنْزِيرِ فِيهِ لَهُمْ خُلُوفٌ ... وَتَحْرِيقُ الْمَصَاحِفِ فِيهِ طِيبُ
أُمُورٌ لَوْ تَأَمَّلَهُنَّ طِفْلٌ ... لَطَفِلَ فِي عَوَارِضِهِ الْمَشِيبُ
أَتُسْبَى الْمُسْلِمَاتُ بِكُلِّ ثَغْرٍ ... وَعَيْشُ الْمُسْلِمِينَ إِذًا يَطِيبُ
أَمَا لِلَّهِ وَالْإِسْلَامِ حَقٌّ ... يُدَافِعُ عَنْهُ شُبَّانٌ وَشِيبُ
فَقُلْ لِذَوِي الْكَرَامَةِ حَيْثُ كَانُوا ... أَجِيبُوا اللَّهَ وَيْحَكُمُوا أَجِيبُوا(252/1)
أحنُّ إلى نجد ومن حلَّ في نجد
من عيون الشعر العربي
القصيدة الأولى
جمعها : د. صالح السعدون
الشاعر الحافظ أبي الربيع الكلاعي
هو شاعر أندلسي توفي رحمه الله مجاهداً ضد النصارى وعمره سبعون سنة كان حافظاً للحديث له العديد من المؤلفات والمصنفات في الحديث والأدب والتاريخ والشعر , وتوفي رحمه الله شهيداً بمعركة أنيجة (أنيشة) في 20 ذي الحجة من عام 634هـ , وهذه القصيدة كتبها إلى الأديب الشهير أبي بحر صفوان بن إدريس المرسي عقب انفصاله من بلنسية سنة 587هـ:
أحنُّ إلى نجد ومن حلَّ في نجد
وماذا الذي يغني حنيني أو يُجدي
وقد أوطنوها وادِ عينَ وخلّفوا
محبَّهمُ رهن الصبابة والوجد
تبيَّن بالبين اشتياقي إليهم ُ
ووجدي فساوى ما أُجِنُّ الذي أبدي
وضاقت عليَّ الأرض حتى كأنها
وشاحٌ بخَصْرٍ أو سوار على زند
إلى الله أشكو ما ألاقي من الجوى
وبعض الذي لاقيته من جوى يُردي
فراق أخلاء وصدُّ أحبَّة
كأنَّ صروف الدهر كانت على وعد
فياسرحَتَيْ نجدٍ , نداء متيم
له أبداً شوق إلى سرحتي نجد
ظمئتُ فهل طلٌّ يُبَرِّد لوعتي
ضحيت فهل ظلٌّ يسكِّن من وجدي
ويا زمناً قد بان غير مذمَّم
لعلَّ لأنس قد تصرَّم من رَدّ
لياليَ نجني الأنس من شجر المنى
ونقطف زهر الوصل من شجر الصدّ
وسقيا لإخوان بأكناف حاجر
كرام السجايا لا يحولون عن عهد
وكم لي بنجد من سريّ ممجَّد
ولا كابن إدريس أخي البشر والمجد
أخو همّة كالزهر في بعد نيلها
وذو خُلُقٍ كالزهر غِبَّ الحيا العِد
تجمعت الأضداد فيه حميدة
وذو خلق سبط ومن حسب جعد
أيا راحلاً أودى بصبري رحيلُه
وفلل من عزمي وثلَّم من حدي
أتعلم ما يلقى الفؤاد لبُعدكم
ألا مذ نأيتم ما يُعيد ولا يُبدي
فياليت شعري هل تعود لنا المنى
وعيش نَمْنَمْتَ حاشيتي بُرد
عسى الله أن يدني السرور بقربكم
فيبدو ,ومناَّ الشمل منتظم العقد(253/1)
أخي جاوز الظالمون المدى ... ... فحقَّ الجهادُ ، وحقَّ الفِدا
أنتركهُمْ يغصبونَ العُروبة َ ... ... مجد الأبوَّةِ و السؤددا ؟
وليسوا بِغَيْرِ صليلِ السيوف ... ... يُجيبونَ صوتًا لنا أو صدى
فجرِّدْ حسامَكَ من غمدِهِ ... ... فليس لهُ ، بعدُ ، أن يُغمدا
أخي ، أيها العربيُّ الأبيُ ... ... أرى اليوم موعدنا لا الغدا
أخي ، أقبل الشرقُ في أمةٍ ... ... تردُّ الضلال وتُحيي الهُدى
أخي ،إنّ في القدسِ أختًا لنا ... ... أعدَّ لها الذابحون المُدى
صبرنا على غدْرِهم قادرينا ... ... و كنا لَهُمْ قدرًا مُرصدًا
طلعْنا عليهم طلوع المنونِ ... ... فطاروا هباءً،وصاروا سُدى
أخي ، قُمْ إلى قبلة المشرقيْن ... ... لنحمي الكنيسة و المسجدا
أخي ، قُمْ إليها نشقُّ الغمار ... ... دمًا قانيًا و لظى مرعدا
أخي ، ظمئتْ للقتال السيوفُ ... ... فأوردْ شَباها الدم المُصعدا
أخي،إن جرى في ثراها دمي ... ... وشبَّ الضرام بها موقدا
ففتِّشْ على مهجة حُرَّة ... ... أبَتْ أن يَمُرَّ عليها العِدا
وَخُذْ راية الحق من قبضة ... ... جلاها الوَغَى، و نماها النَّدى
وقبِّل شهيدًا على أرضها ... ... دعا باسمها الله و استشهدا
فلسطينُ يفدي حِماكِ الشبابُ ... ... وجلّ الفدائي و المُفتدى
فلسطين تحميكِ منا الصدورُ فإمًا الحياة و إما الرَّدى ...(254/1)
أخي أنت حر بتلك القيود
---
أخي أنت حرٌ وراء السدود
أخي أنت حرٌ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما
فماذا يضيرك كيد العبيد
أخي ستبيد جيوش الظلام
ويشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها
ترى الفجر يرمقنا من بعيد
أخي قد أصابك سهم ذليل
وغدرا رماك ذراعٌ كليل
ستُبترُ يوما فصبر جميل
ولم يَدْمَ بعدُ عرينُ الأسود
أخي قد سرت من يديك الدماء
أبت أن تُشلّ بقيد الإماء
سترفعُ قُربانها للسماء
مخضبة بدماء الخلود
أخي هل تُراك سئمت الكفاح
وألقيت عن كاهليك السلاح
فمن للضحأيا يواسي الجراح
ويرفع راياتها من جديد
أخي هل سمعت أنين التراب
تدُكّ حَصاه جيوشُ الخراب
تُمَزقُ أحشاءه بالحراب
وتصفعهُ وهو صلب عنيد
أخي إنني اليوم صلب المراس
أدُك صخور الجبال الرواس
غدا سأشيح بفأس الخلاص
رءوس الأفاعي إلى أن تبيد
أخي إن ذرفت علىّ الدموع
وبللّت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع
وسيروا بها نحو مجد تليد
أخي إن نمُتْ نلقَ أحبابنا
فروْضاتُ ربي أعدت لنا
وأطيارُها رفرفت حولنا
فطوبى لنا في ديار الخلود
أخي إنني ما سئمت الكفاح
ولا أنا أقيت عني السلاح
وإن طوقتني جيوشُ الظلام
فإني على ثقة ... بالصباح
وإني على ثقة من طريقي
إلى الله رب السنا والشروق
فإن عافني السَّوقُ أو عَقّنِي
فإني أمين لعهدي الوثيق
أخي أخذوك على إثرنا
وفوج على إثر فجرٍ جديد
فإن أنا مُتّ فإني شهيد
وأنت ستمضي بنصر مجيد
قد اختارنا الله في دعوته
وإنا سنمضي على سُنته
فمنا الذين قضوا نحبهم
ومنا الحفيظ على ذِمته
أخي فامض لا تلتفت للوراء
طريقك قد خضبته الدماء
ولا تلتفت ههنا أو هناك
ولا تتطلع لغير السماء
فلسنا بطير مهيض الجناح
ولن نستذل .. ولن نستباح
وإني لأسمع صوت الدماء
قويا ينادي الكفاحَ الكفاح
سأثأرُ لكن لربٍ ودين
وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام
وإما إلى الله في الخالدين(255/1)
إذا استبطأتم الفرج فنقول لكم :
أخي إننا ما أسأنا الظنون بوعد الإله القوي المتين
وما زادنا القيد إلا ثباتاً وما زادنا السجن إلا يقين
وما زاد تعذيب إخواننا وقتل الدعاة ولو بالمئين
سوى رفع راية إيماننا وإظهار توحيد حق ودين
سنسقي غراسك توحيدنا ببذل الدماء وقطع الوتين
ونُعلي لواءك إسلامنا بهام الرجال وصبر متين
لتظهر رغم أنوف الطغاة وتعلو وتُنشر في العالمين
ولن ننثني عن جهاد الطغاة ولن ننحرف عن سبيل الأمين
فمادام نور الإله المبين يشع بأفئدة المؤمنين
فلن نخذل الحق مهما لقينا ولن نضعفنّ ولن نستكين
ولن ننحرف عن طريق الكفاح ولن نتضرّر بالمرجفين
سنمضي على الدرب رغم الجراح ورغم الدماء ورغم الأنين
لنا أسوةٌ في رجالٍ مضوا على الدرب كانوا به شامخين
فهذا بلالٌ مضى للجنان ولم ينحرف خشية المشركين
وذاك صهيبٌ أخو المتقين يبيع الحياة ليربح دين
ومصعب يترك عيش النعيم ويأبى يظل مع المترفين
يعيش لينصر ديناً عظيماً ويمضي شهيداً مع الخالدين
مئات ألوف من الصادقين قضوا في ثباتٍ مضوا في يقين
فريق قضى وفريق مقيم وما بدّلوا بل بقوا ثابتين
ونحن على إثرهم سائرون بعون الإله لنصرة دين
فهذي الطريق طريق الأباة وهذي معالم دين متين
ومن رام حقاً دخول الجنان وشاء العناق لحورٍ وعين
فلا بد من تبعات الطريق ولابد من بذل مهرٍ ثمين
أبو محمد المقدسي
صفر 1417(256/1)
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
أبو القاسم الشابي
1. إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة ... فلا بدَّ أن يسجيبَ القدرْ
2. ولا بد لليل أن ينجلي ... ولا بد للقيد أن ينكسر
3. وفي ليلة ٍ من ليالي الخريفِ ... ويدفنها السيّلُ، أنَّى عَبَرْ
4. ومن لم يعانقه شوقُ الحياة ... تبخَّرَ في جوِّها، واندثر
5.ْ فويلٌ لمن لم تَشقُهُ الحياة ُ ... منْ لعنة ِ العَدَمِ المنتصرْ!
6. كذلك قالتْ ليَ الكائناتُ ... وحدَّثَنِي رُوحُهَا المُستَتِرْ
7. وَدَمْدَمَتِ الرِّيحُ بين الفِجاجِ ... وفوقَ الجبالِ وَتَحْتَ الشَّجرْ:
8. إذا ما طَمحْتُ إلى غَاية ٍ ... ركبت المنى ، ونسيتُ الحذر
9. وجاء الرَّبيعُ، بأنغامِهِ، ... ولا كبة اللَّهَب المستعرْ
10 .وَمَنْ لا يحبُّ صُعُودَ الجبالِ ... يَعِشْ أبَدَ الدَّهْرِ بينَ الحُفَرْ
11. فَعَجَّتْ بقلبي دماءُ الشَّبابِ ... وضجَّت بصدري رياحٌ أُخَرْ..
12. ويفنى الجميعُ كحلْمٍ بديعٍ، تألّقَ في مهجة ٍ واندَثَرْ
13. ويفنى الجميعُ كحلْمٍ بديعٍ، تألّقَ في مهجة ٍ واندَثَرْ(257/1)
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
السموأل
? إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ ... فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
? وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها ... فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ
? تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا ... فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
? وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا ... شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ
? وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا ... عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
? لَنا جَبَلٌ يَحتَلُّهُ مَن نُجيرُهُ ... مَنيعٌ يَرُدُّ الطَرفَ وَهُوَ كَليلُ
? رَسا أَصلُهُ تَحتَ الثَرى وَسَما بِهِ ... إِلى النَجمِ فَرعٌ لا يُنالُ طَويلُ
? هُوَ الأَبلَقُ الفَردُ الَّذي شاعَ ذِكرُهُ ... يَعِزُّ عَلى مَن رامَهُ وَيَطولُ
? وَإِنّا لَقَومٌ لا نَرى القَتلَ سُبَّةً ... إِذا ما رَأَتهُ عامِرٌ وَسَلولُ
? يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا ... وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ
? وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ ... وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كانَ قَتيلُ
? تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ نُفوسُنا وَلَيسَت عَلى غَيرِ الظُباتِ تَسيلُ
? صَفَونا فَلَم نَكدُر وَأَخلَصَ سِرَّنا ... إِناثٌ أَطابَت حَملَنا وَفُحولُ
? عَلَونا إِلى خَيرِ الظُهورِ وَحَطَّنا ... لِوَقتٍ إِلى خَيرِ البُطونِ نُزولُ
? فَنَحنُ كَماءِ المُزنِ ما في نِصابِنا ... كَهامٌ وَلا فينا يُعَدُّ بَخيلُ
? وَنُنكِرُ إِن شِئنا عَلى الناسِ قَولَهُم ... وَلا يُنكِرونَ القَولَ حينَ نَقولُ
? إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ ... قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
? وَما أُخمِدَت نارٌ لَنا دونَ طارِقٍ ... وَلا ذَمَّنا في النازِلينَ نَزيلُ
? وَأَيّامُنا مَشهورَةٌ في عَدُوِّنا ... لَها غُرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ
? وَأَسيافُنا في كُلِّ شَرقٍ وَمَغرِبٍ ... بِها مِن قِراعِ الدارِعينَ فُلولُ(258/1)
? مُعَوَّدَةٌ أَلّا تُسَلَّ نِصالُها ... فَتُغمَدَ حَتّى يُستَباحَ قَبيلُ
? سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ ... فَلَيسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهولُ
? فَإِنَّ بَني الرَيّانِ قَطبٌ لِقَومِهِم ... تَدورُ رَحاهُم حَولَهُم وَتَجولُ(258/2)
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى وحظك موفورا وعرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة امريء فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك أن أبدت إليك معايبا فصنها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسن(259/1)
إذا غامرت في شرف مروم
قال المتنبي
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
ستَبكي شَجوهَا فَرَسي ومُهري صَفائحُ دَمْعُها ماءُ الجُسُومِ
قُرِينَ النّارَ ثمّ نَشَأنَ فيهَا كمَا نَشأ العَذارَى في النّعيمِ
وفارَقْنَ الصّياقِلَ مُخْلَصاتٍ وأيْديهَا كَثيراتُ الكُلُومِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكلّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغني ولا مِثلَ الشّجاعَةِ في الحَكيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ(260/1)
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومٍ
للمتنبي
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومٍ
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ
كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ
ستبكي شجوها فرسي ومُهري
صفائح دمعها ماء الجسومِ
قرين النارَ ثم نشأنَ فيها
كما نشأ العذارى في النعيمِ
وفارقن الصياقل مخلصاتٍ
وأيديها كثيراتُ الكلومِ
يرى الجبناءُ أن العجزَ عقلٌ
وتلك خديعة الطبع اللئيم
وكلّ شجاعةٍ في المرء تغني
ولا مثلَ الشجاعة في الحكيمِ
وكم من عائب قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السقيمِ
ولكن تأخذ الآذان منه
على قدر القرائح والعلوم(261/1)
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،
تراجم شعراء موقع أدب - (ج 18 / ص 310)
العصر العباسي >> أبو فراس الحمداني >> أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،
رقم القصيدة : 18261
------------------
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ، أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ، ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ، إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني أرى أنَّ داراً ، استِ من أهلها ، قفرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها، فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ
تسائلني: " منْ أنتَ ؟ " ، وهي عليمة ٌ ، وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى : قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
فقلتُ لها: " لو شئتِ لمْ تتعنتي ، وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا! فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،(262/1)
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛ وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ، إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها، لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ
تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما تنادي طلا ـ، بالوادِ ، أعجزهُ الحضرُ
فلا تنكريني ، يابنة َ العمِّ ، إنهُ ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ
ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ
وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ
و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ
فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ
وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ، وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ
وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ طلعتُ عليها بالردى ، أنا والفجرُ
و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ
وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ ، ولا وعرُ
وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ و رحتُ ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ
و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى و لا باتَ يثنيني عن الكرمِ
و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟ إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ
أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى ، ولا فرسي مهرٌ ، ولا ربهُ غمرُ !
و لكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ !
وقالَ أصيحابي: " الفرارُ أوالردى ؟ " فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ(262/2)
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني، وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ
يقولونَ لي: " بعتَ السلامة َ بالردى " فَقُلْتُ: أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ
و هلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً ، إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه، فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ
و لا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ كما ردها ، يوماً بسوءتهِ " عمرو"
يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنما عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ
و قائم سيفي ، فيهمُ ، اندقَّ نصلهُ وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ، " وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ "
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه و تلكَ القنا ، والبيضُ والضمرُ الشقرُ
وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ
ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ؛ وما كانَ يغلو التبرُ ، لو نفقَ الصفرُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا، لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا، و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ
أعزُّ بني الدنيا ، وأعلى ذوي العلا ، وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ(262/3)
أَرونا بطشكم هيَّا ، أرونا
أَرونا بطشكم هيَّا ، أرونا **** وطيشوا ، واملؤوا منا السجونا
وآذونا بكل قوىً لديكم **** وزيدونا فإنّا صابرونا
على درب الجهاد لنا ثباتٌ **** بحمد الله مُنجي المؤمنينا
سنمضي رغم ضيق الحال حتى **** يَمِيزَ اللهُ منا الصادقينا
ألا مَنْ مُبْلغٌ عنّا طغاة ً ؟ **** على أرض الجزيرة حاكمينا
بأنّ سيوفنا متعطشاتٌ **** ولن يُغمدنَ حتى يرتوينَ
وكنا قد كففناها بحلمٍ **** فصامت عن دمائكم سنينا
فأما إذ أبيتمْ غيرَ جهلٍ **** فنحن لها ولكنْ عاقلينا
ونحن لها بعزم ٍ واقتدار **** وإصرار ٍفكونوا جاهزينا
فكونوا جاهزين لكربِ يوم ٍ **** به نجتاحكم مُستأصلين
ليعلمَ كلُّ جبار ٍ عنيدٍ **** بأنَّ عنادنا أوفى متونا
وأن جهادنا في الله ماض **** إلى يوم القيامة ظاهرينا
وليس يصُّدنا خذلانُ غِرٍّ **** ولا إرجافُ مَنْ يهوى الركونا
ولا فكر (الحوالي) الغث ، كلا **** ولا أنصاره المستسلمينا
سنرمي دولة الطاغوت رمياً **** يُخَيِّبُ مِنْ مُرَجِّيها الظنونا
وينسفُ من عروش الكفر عرشا **** (سَلولياً) نُحوسيا خَؤونا
وكنا قد قصدنا الروس قبلا ً **** وكانوا قوة ً متمكنينا
فكِدْناهم بحول الله كيدا **** فصاروا قلة ً متناحرينا
وأبقى الله منهم شرذمات **** وفي الشيشان ردعُ البائسينا
وثَنَّينا بأمريكا فقمنا **** لها بالعزم لا نخشى المنونا
لنا من جندها في كلِّ يوم ٍ **** مصارعُ مثل ما للغابرينا
ومرّغنا كرامتها مراراً **** وبالمرصاد نُصليها الطعونا
ففي (الصومال) لما عاندتنا **** طردناها وكنا الظافرينا
وفي (الخبر) اتخذناها مجالا **** لتجربةٍ تُعلِّم ناشئينا
وفي (كول ٍ) جعلنا البحر نارا **** وفي( تنزانيا) و(بأرض كينا)
وفي (منهاتن) دسنا عُلاها **** ودكّينا المعاقل والحصونا
وفي (الأفغان) سُمْناها المآسي **** وأحكمنا (العراق) لها كمينا
وفي(شرق الرياض) وفي (العليا) **** أذقناها العذاب مكررينا(263/1)
وما زلنا نقارعها سجالا **** نعالج حَيْنها حِينا ً فحينا
وفي الأقصى لنا يومٌ قريبٌ **** بنصر الله حقاً واثقينا
فصرخات الأرامل واليتامى **** تحّرك في جوانحنا الشجونا
وتعطيل الشريعة في البرايا **** يحرّضنا لخلع الحاكمينا
ولن ننسى دم (البتار) كلا **** ولو نسي الزمان فما نسينا
ومن في ( المسجد الجوفي ) تبقى **** له الذكرى تغذينا الحنينا(263/2)
أرَى النّفسَ لَجّتْ في رَجاءٍ مُكذِّبِ
لبيد ربن ربيعة العامري
1
أرَى النّفسَ لَجّتْ في رَجاءٍ مُكذِّبِ *** وَقَد جَرَّبتْ لَوْ تَقْتَدي بالمُجَرَّبِ
2
وكائِنْ رَأيْتُ مِنْ مُلوكٍ وسُوقةٍ *** وَصاحَبْتُ مِن وَفدٍ كرامٍ ومَوكِبِ
3
وسانَيْتُ مِن ذي بَهْجَةٍ ورَقَيْتُهُ *** عَلَيْهِ السُّمُوطُ عابِسٍ مُتغَضِّبِ
4
وفارَقْتُهُ والوُدُّ بَيني وبَينَهُ *** بحُسْنِ الثَّنَاء مِنْ وَرَاءِ المُغَيَّبِ
5
وَأبَّنْتُ مِنْ فَقْدِ ابنِ عَمٍّ وخُلَّةٍ *** وفارَقتُ مِن عَمٍّ كريمٍ ومِن أبِ
6
فَبانُوا ولمْ يُحْدِثْ عليَّ سَبيلُهُمْ *** سِوَى أمَلي فيما أمامي ومَرْغَبي
7
فَأيَّ أوَانٍ لا تَجِئْني مَنِيَّتي *** بقَصْدٍ مِنَ المَعْرُوفِ لا أتَعَجَّبِ
8
فلَسْتُ بركْنٍ مِنْ أبَانٍ وصاحَةٍ *** وَلا الخالداتِ مِنْ سُوَاجٍ وغُرَّبِ
9
قَضَيْتُ لُباناتٍ وسَلَّيْتُ حاجَةً *** ونَفْسُ الفتى رَهْنٌ بقَمرَةِ مُؤرِبِ
10
وفتيانِ صِدْقٍ قد غَدَوْتُ عَلَيْهِمُ *** بِلا دَخِنٍ وَلا رَجيعٍ مُجَنَّبِ
11
بِمُجْتَزَفٍ جَوْنٍ كَأنَّ خَفَاءَهُ *** قَرَا حَبَشِيٍّ في السَّرَوْمَطِ مُحْقَبِ
12
إذا أرْسَلَتْ كَفُّ الوَليدِ كِعامَهُ *** يَمُجُّ سُلافًا مِنْ رَحيقٍ مُعَطَّبِ
13
فمَهْما نَغِضْ مِنْهُ فإنَّ ضَمَانَهُ *** على طَيّبِ الأرْدانِ غَيرِ مُسَبَّبِ
14
جَميلِ الأُسَى فِيما أتَى الدَّهرُ دونَهُ *** كريمِ الثَّنا حُلْوُ الشَّمائلِ مُعجِبِ
15
تَرَاهُ رَخيَّ البَالِ إنْ تَلْقَ تَلْقَهُ *** كريمًا وَما يَذْهَبْ بهِ الدَّهرُ يَذهبِ
16
يُثَبِّي ثَنَاءً مِنْ كَريمٍ وقَوْلُهُ *** ألا انْعَمْ على حُسنِ التحيّةِ واشرَبِ
17
لَدُنْ أنْ دَعا ديكُ الصَّباحِ بسُحرَةٍ *** إلى قَدْرِ وِرْدِ الخامِسِ المُتَأوِّبِ
18
مِن المُسْبِلينَ الرَّيْطَ لَذٍّ كأنَّمَا *** تشَرَّبَ ضاحي جلدِه لَوْنَ مُذْهَبِ
19(264/1)
وعانٍ فكَكْتُ الكَبلَ عنه وسُدفةٍ *** سَرَيْتُ وأصحابي هَدَيتُ بكوكبِ
20
سَرَيتُ بهِمْ حتّى تَغَيَّبَ نَجمُهُمْ *** وقال النَّعُوسُ : نَوَّرَ الصُّبحُ فاذهبِ
21
فلَمْ أُسْدِ ما أرْعَى وتَبْلٍ رَدَدْتُهُ *** وأنجَحْتُ بَعدَ اللّهِ مِن خيرِ مَطْلَبِ
22
وَدَعوَةِ مَرْهُوبٍ أجَبتُ وطَعْنَةٍ *** رَفَعْتُ بها أصواتَ نَوْحٍ مُسَلَّبِ
23
وغَيْثٍ بِدَكْداكٍ يَزينُ وهادَهُ *** نَبَاتٌ كَوَشْيِ العَبقَريِّ المُخَلَّبِ
24
أرَبَّتْ عَلَيْهِ كُلُّ وطفاءَ جَوْنَةٍ *** هَتُوفٍ متى يُنزِفْ لها الوَبلُ تسكُبِ
25
بذي بَهْجَةٍ كَنَّ المَقانِبُ صَوْبَهُ *** وزَيَّنَهُ أطْرَافُ نَبْتٍ مُشَرَّبِ
26
جَلاهُ طُلُوعُ الشّمْسِ لَمَّا هَبَطْتُهُ *** وأشرَفتُ مِن قُضفانِهِ فوْقَ مَرْقَبِ
27
وصُحْمٍ صِيامٍ بَينَ صَمْدٍ ورَجْلةٍ *** وبَيضٍ تُؤَامٍ بينَ مَيْثٍ ومِذنَبِ
28
بَسَرْتُ نَداهُ لم تَسَرَّبْ وُحُوشُهُ *** بغَرْبٍ كجِذعِ الهاجريِّ المُشذَّبِ
29
بمُطَّرِدٍ جَلْسٍ عَلَتْهُ طَريقَةٌ *** لسَمْكِ عِظامٍ عُرِّضَتْ لمْ تُنَصَّبِ
30
إذا ما نَأى مِنِّي بَرَاحٌ نَفَضْتُهُ *** وإنْ يدنُ مني الغَيبُ أُلجِمْ فأركَبِ
31
رَفيعُ اللَّبَانِ مُطْمَئِنًّا عِذارُهُ *** على خدِّ مَنحوضِ الغَرارَينِ صُلَّبِ
32
فلَمّا تَغَشَّى كُلَّ ثَغْرٍ ظَلامُهُ *** وألْقَتْ يَدًا في كافِرٍ مُسْيَ مَغرِبِ
33
تَجَافَيْتُ عَنْهُ واتَّقاني عِنَانُهُ *** بشدٍّ منَ التّقريبِ عَجْلانَ مُلهَبِ
34
رِضاكَ فإنْ تَضْرِبْ إذا مارَ عِطْفُهُ *** يَزِدْكَ وإنْ تَقْنَعْ بذلكَ يَدْأبِ
35
هَوِيَّ غُدافٍ هَيَّجَتْهُ جَنُوبُهُ *** حَثيثٍ إلى أذراءٍ طَلْحٍ وتَنْضُبِ
36
فأصْبَحَ يُذْريني إذا ما احتَثَثْتُهُ *** بأزْواجِ مَعْلُولٍ مِنَ الدَّلوِ مُعشِبِ
37
وَيَوْمٍ هَوَادي أمْرِهِ لِشَمَالِهِ *** يُهَتِّكُ أخْطالَ الطِّرافِ المُطَنَّبِ
38(264/2)
يُنيخُ المَخاضَ البُرْكَ والشَّمسُ حيَّةٌ *** إذا ذُكِّيَتْ نِيرانُها لَمْ تَلَهَّبِ
39
ذَعَرْتُ قِلاصَ الثّلجِ تَحتَ ظِلالِهِ *** بمَثْنَى الأيادي والمنيحِ المُعَقَّبِ
40
وناجِيَةٍ أنْعَلْتُها وابْتَذَلْتُها *** إذا ما اسْجَهَرَّ الآلُ في كلّ سَبسَبِ
41
فَكَلَّفْتُها وَهْمًا فآبَتْ رَكِيَّةً *** طَلِيحًا كألْواحِ الغَبيطِ المُذَأْأَبِ
42
متى ما أشأ أسْمَعْ عِرارًا بِقَفْرَةٍ *** تُجِيبُ زِمارًا كاليَراعِ المُثَقَّبِ
43
وخصْمٍ قِيامٍ بالعَراءِ كأنَّهُمْ *** قُرُومٌ غَيَارَى كُلَّ أزْهَرَ مُصْعَبِ
44
عَلا المِسكَ والدّيباجَ فَوْقَ نحُورِهمْ *** فَراشُ المَسيحِ كالجُمانِ المُثَقَّبِ
45
نَشِينُ صِحَاحَ البِيدِ كُلَّ عَشِيَّةٍ *** بِعُوجِ السّراء عِندَ بابٍ مُحَجَّبِ
46
شَهِدتُ فلَمْ تَنْجَحْ كَواذِبُ قوْلهمْ *** لَدَيَّ ولمْ أحفِلْ ثَنا كلِّ مِشْغَبِ
47
وأصْدَرْتُهُمْ شَتّى كأنَّ قِسِيَّهُمْ *** قُرُونُ صِوَارٍ سَاقِطٍ مُتَلَغِّبِ
48
فإن يُسهِلوا فالسَّهلُ حظّي وَطُرْقتي *** وإنْ يُحزِنوا أركبْ بهم كلَّ مرْكَبِ(264/3)
أزف الرحيل فيا فؤاد كفاني
أزف الرحيل فيا فؤاد كفاني ألماً فإنّ الحزن ماأبقـ ــــاني
أزف الرحيل فلا أراني صابراً أبداً ولاصوت الفراق دعانيإنّي
لأمسك في العيوان سواجماً أتجرّع الزفر ات في كتماني
إنّي لأقرأ في وجوه أحبتي فيض الأسى ولواعج الحرمان
إنّي لأسمع في الضلوع قصيدة سيذيب رجع دويها وجدا ني
إنّي لأهرب من سؤال محدّثي عن رحلة مجهو لة العنوان
ويهزّني صوتٌ يحرقُ مُهجتي ويعيدني قسراً إلى أحزا ني
من ذا سيذكُرُ صادق الحب الذي في صمته صخبٌ من الثوران
من ذا سيذكُرُ خالص العهد الذي فاح الشذى من عاطر الريحان
أنقول يوماً سوف يُذكر دمعنا لا فالحـ ياة كثيرة الشـ طآن
ستدوم ذكرانا ويبقى رسمها بين الضلوع على مدى الأزمان
هذا هو القلب الحزين ببعدكـ ـــم يخفي حكاية حبه بتفاني
بستانُ قلبي.. قد توارى في فمي حرفي، ولكن في الجنان الموعد
نتذاكرُ الزمنَ الخصيبَ لجمعنا متقابلـ ـين على الأرائك نقعد
يا من تسائلني عن الشوق الذي روّى الفؤاد طغى وفيه يعربد
أنا لا أملُ روى الحديث فخافقي متعلِّقٌ بكتاب ربِّي موجـ ـد
كم أثلجت آياته حَرُّ الأسى فهي الظلال، الطارفُ المتجدد
كم سلّتِ المختار من آلامه كم صافحت كفّ الصعاب تجاهِد
كم غسلت ذنب المسيئ تلاوةٌ كم أسرجت للعقل فكراً يوقد
كم كفكفت دمعُ الرزايا توبةٌ بحروفِ تبرٍ في الكتاب تجوَّد
فظلالُ ربِّي هذا وعدٌ يقصد
أنشدتُ أبياتي فأنشد في الدُّنا أملاً جديدا ً طامحاً يتوقَّـ دُ
بحروفِ تبرٍ في الكتاب تجوَّد فظلالُ ربِّي هذا وعدٌ يقصد
أنشدتُ أبياتي فأنشد في الدُّنا أملاً جديدا ً طامحاً يتوقَّـ دُ(265/1)
استقبال رمضان
شعر الأستاذ : خير الدين وانلي رحمه الله تعالى
رمضانُ أقبلَ يا أُولي الألبابِ فاستَقْبلوه بعدَ طولِ غيابِ
عامٌ مضى من عمْرِنا في غفْلةٍ فَتَنَبَّهوا فالعمرُ ظلُّ سَحابِ
وتَهيّؤوا لِتَصَبُّرٍ ومشقَّةٍ فأجورُ من صَبَروا بغير حسابِ
اللهُ يَجزي الصائمينَ لأنهم مِنْ أَجلِهِ سَخِروا بكلِّ صعابِ
لا يَدخلُ الريَّانَ إلا صائمٌ أَكْرِمْ ببابِ الصْومِ في الأبوابِ
وَوَقاهم المَولى بحرِّ نَهارِهم ريحَ السَّمومِ وشرَّ كلِّ عذابِ
وسُقوا رحيقَ السَّلْسبيلِ مزاجُهُ مِنْ زنجبيلٍ فاقَ كلَّ شَرابِ
هذا جزاءُ الصائمينَ لربِّهم سَعِدوا بخيرِ كرامةٍ وجَنابِ
الصومُ جُنَّةُ صائمٍ من مَأْثَمٍ يَنْهى عن الفحشاء والأوشابِ
الصومُ تصفيدُ الغرائزِ جملةً وتحررٌ من رِبْقةٍ برقابِ
ما صامَ مَنْ لم يَرْعَ حقَّ مجاورٍ وأُخُوَّةٍ وقرابةٍ وصحابِ
ما صامَ مَنْ أكَلَ اللحومَ بِغيبَةٍ أو قالَ شراً أو سَعَى لخرابِ
ما صامَ مَنْ أدّى شهادةَ كاذبٍ وأَخَلَّ بالأَخلاقِ والآدابِ
الصومُ مدرسةُ التعفُّف ِوالتُّقى وتقاربِ البُعَداءِ والأغرابِ
الصومُ رابطةُ الإخاءِ قويةً وحبالُ وُدِّ الأهْلِ والأصحابِ
الصومُ درسٌ في التساوي حافلٌ بالجودِ والإيثارِ والتَّرحْابِ
شهرُ العزيمة والتصبُّرِ والإبا وصفاءِ روحٍ واحتمالِ صعابِ
كَمْ مِنْ صيامٍ ما جَنَى أصَحابُه غيرَ الظَّما والجوعِ والأتعابِ
ما كلُّ مَنْ تَرَك الطعامَ بصائمٍ وكذاك تاركُ شهوةٍ وشرابِ
الصومُ أسمى غايةٍ لم يَرْتَقِ لعُلاهُ مثلُ الرسْلِ والأصحابِ
صامَ النبيُّ وصحْبُهُ فتبرّؤوا عَنْ أن يَشيبوا صومَهم بالعابِ
قومٌ همُ الأملاكُ أو أشباهُها تَمشي وتأْكلُ دُثِّرَتْ بثيابِ
صَقَلَ الصيامُ نفوسَهم وقلوبَهم فَغَدَوا حديثَ الدَّهرِ والأحقابِ
صاموا عن الدنيا وإغْراءاتِها صاموا عن الشَّهَواتِ والآرابِ
سارَ الغزاةُ إلى الأعادي صُوَّماً فَتَحوا بشهْرِ الصْومِ كُلَّ رحابِ(266/1)
مَلكوا ولكن ما سَهَوا عن صومِهم وقيامِهم لتلاوةٍ وكتابِ
هم في الضُّحى آسادُ هيجاءٍ لهم قَصْفُ الرعودِ و بارقاتُ حرابِ
لكنَّهم عند الدُّجى رهبانُه يَبكونَ يَنْتَحِبونَ في المحرابِ
أكرمْ بهمْ في الصائمينَ ومرحباً بقدومِ شهرِ الصِّيدِ و الأنجابِ(266/2)
أسد الرافدين أبو أنس الشامي
[الكاتب: لقمان البغدادي]
بِاللهِ يا مَن قد تمُرُّ بِحُفرَةٍ ... ... فَتَرى بِها شَخصَ الإِباءِ مُوَسَّدا
أَبْلِغ أَبا أنسِ الشهيد تَحيّةً ... ... وَقُلِ السَلامُ عَلَيكَ يا عَلَم الهُدى
يا أَيُّها الشَيخُ الجَليلُ تَرَكتَ لي ... ... عَيناً مُسَهَّدَةً وَجَفناً أَرمَدا
وَلظىً تُؤَجَّجُ في حشايَ تَأَسُّفاً ... ... وَيَزيدُها ماءُ الدُموعِ تَوَقُّدا
فَيَلومُني العُذّالُ فيكَ لأَنَّني ... ... مِن بَعدِ فَقدِكَ ما عَرَفتُ تَجَلُّدا
وَتَقولُ؛ " هذا الدَربُ دَربُ رِجالِنا ... ... فَاِصبِر فأيَّ مُهَنَّدِ لن يُغمَدا ؟
إن كُنتَ لن تَقوى على لأواءِهِ ... ... فَاسلُك سَبيلَ القاعِدينَ مُعَبَّدا
وَليَهنِ أرضَ الرافِدَينِ وَأَهلَها ... ... مَجداً بِأَقحَافِ الجَماجِمِ شُيِّدا "
أَوَلَستُ أُعذَر في بُكائي قائِداً ... ... مِن بعدهِ الإِسلامُ عادَ كَما بَدَا (1)
أَوَلَستُ أُعذَر في بُكائي صارِماً ... ... عَضباً (2) على التَثليثِ كان مُجَرَّدا
دُقَّت رِقاب الخائِنِينَ بِحَدِّهِ ... ... وَأَقامَ عُبّادَ الصَليبِ وَأَقعَدا
لَو سالَ ما سَفَكَ الجِهادُ مِن الدِما ... ... مُذ سَلَّهُ لَرَأَيتَ بَحراً مُزبِدا
أَو زادَ نُبلُ المَرءِ مِن أَيّامِهِ ... ... لَبقَى على طولِ الزَّمانِ مُخَلَّدا
ولكم تَمَنَّت أَن تَكونَ فَوارِسٌ ... ... مِن أُسدِ " قاعِدَةِ الجِهادِ " لَهُ الفِدا
مَن إن رَأَيتَ النّورَ.. نور جَبِينِهِ ... ... فَلَقَد رَأَيتَ الكَوْكَبَ المُتَوقِّدا
وَإِذا تَكلَّمَ في المَجالِسِ قُلتَ ذا ... ... ورِثَ النبيَّ الهاشميَّ مُحَمَّدا
أوّاهُ في بَغدَادَ كَم مِن بقعةٍ ... ... نُصبَ الصَليبُ بِها وَكانَت مَسجِدا
كَم غادَةٍ عَبَثَ العُلوجُ بِعَرضِها ... ... وَمُوَحَّدٍ بـ "أبي غريب" مُصَفَّدا
نَشَدوكَ بِالإِسلامِ فَكَّ إِسارِهم ... ... فَهَبَبتَ في خَيرِ البَرِيَّةِ (3) مُنجِدا
فَلَرُبَّ كَفّارٍ عَنيدٍ مُلحِدٍ ... ... لَمّا رَآكَ بِمُقلَتَيهِ تَشَهَّدا(267/1)
وَلَرُبَّ مُعتَلٍ الحِجَا لم تأْتِهِ ... ... إلاّ ظُباةَ (4) المَشرِفِيَّةِ عُوّدا
وَعَزيز قَومٍ مُترَفٍ أَرهَقَتهُ ... ... ذُلا وَكانَ الطاغِيَ المُتَمَرِّدا
وَمدجّجونَ بقَضِّهِم وقَضيضهِم ... ... لمَّا هَزَزتَ الرُّمحَ خرُّوا سُجَّدا
للهِ دَرُّكَ يا أخا المَجدِ الَّذي ... ... نالَ المكارمَ والعُلا والسؤدَدَا
لَن يَهنَأَ الأَعْلاَجُ في أَرضٍ وَقَد ... ... أَبقى بِها الرَحمَنُ صِنوَكَ "أَحمَدا" (5)
فَلَسَوفَ نَمنَعُ ما منَعتَ مِن الحِمَى ... ... وَلَسَوفَ نَرمي مَن رَمَيتَ مِن العِدا
فَبِمِثلِ فِعلِكَ يُرْتَجى نَيلِ العُلا ... ... وَبِمِثلِ شَخصَكَ لا الخَوالِفَ يُقتَدى
صَلّى عَلَيكَ اللهُ (6) في ملكوتهِ ... ... ما طارَ طَيرٌ أو تَرَنَّمَ مُنِشِدا
1) أي غريباً، قال صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)، رواه مسلم.
2) العَضْبُ: السيف القاطع.
3) سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من خير الناس؟ فقال: (مؤمن يجاهد بنفسه وماله)، متفق عليه.
4) الظُّبَةُ: حَدُّ السَّيْف في طَرَفه.
5) الشيخ أحمد الخلايلة؛ أبو مصعب الزرقاوي.
6) قال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: "اللهم صل عليهم")، متفق عليه، قال الصنعاني: (اُستدل بالحديث على جواز الصلاة على غير الأنبياء) (سبل السلام: ج2/ ص260).(267/2)
اسمعيني يابُنية .. صرخة النفس الأبية
اسمعيني العزشدوا يُطرب النفس الشجية
أنابالإيمان يُمنى في دمي نارالحمية
وارفٌ قلبي وروحي بالهدى روحٌ ندية
في ثيابِ الطهرتزهو بسمة الحب النقية
ماشجاني ناعقٌ لم يُبقِ للطهربقية
ماشجاني ماأراه من لحومٍ عربية
تقتل الطهرجهارا وترى السترقضية
لؤلؤ القاع أنا لست على الشط رمية
اسمعيني لست أرضى العيش عيش الهمجية
سابقي خيل الأماني واركبي أغلى مطية
زادُكِ الإيمات تمضين بقصدٍ وروية
لاتبالي بالدعاوى والأباطيل الدعية
ليس فخراً أن تكوني مثلماكانوا غبية
أنتِ أعلى أنتِ أغلى أنتِ أنقى يابُنية
اسمعينيي أنني من كنت أرجوهاأبية
واسمعيني عندها... أهديكِ إعجابي تحية(268/1)
أشجان المقل
أروى سليم السوادي
champion002@hotmail.com
قلبي ثاو يتلقلق ...حزني ماضٍ يتألق ...
أشجاني تعزف ألحاني ..تسمو ..حتى تتفتق ii...
دمعاتي ..كشِفار السيف ...تمزقني ..وترمّق ii..
الماضي ..يملأُني من ذكراه ..يحاصرني ..ويُضيّق ...
المستقبل ..أيضا ًيفزعني ..فأعيش كأنّي لا أنطق ...
الدنيا ..غابة إجرام ..المجرم فيها يرتع ..يتمطّق ii..
الحاضر ..أجفل من مستقبل أيامي ..مجروحاً ..ملتاعاً ..يقلق ii..
الحب الجاري في أعماقي ..أمسى يتوقف ..ويُأرّق ii...
وحياة الناس بلا وجلٍ ..تمضي مسرعةً لا ترفِق ii...
هِممٌ ..بدأت تنحط وتهوي ..ما عادت تسمُق ii...
أيام ..تلو الأخرى ..تتقدم ..تضع وترفع ..تقتل أو تسحَق ii...
عيشة حيرةٍ ..حزنٌ ..همٌ ..وضياعات بأساها تَشرَق ii...
أنوار بصّت من علياء الدنيا ..إيمان كنسيم اللّيل ..يُعانق ii..
أرواحٌ خاويةٌ ..جوفاء ..من الحب السامي والأصدق ii...
من حب الله ..الأكبر ..الضارب بجذور الأمل ..من الإسلام الأسبق ...
صوت من أعماق البشريّة ..يتصاعد ..يتفجر ..يتحرّق ii..
ينسكبُ صداه على قلبي ..كالماء البارد ..يتدفّق ..
الماضي قد مات ..الحاضر والمستقبل ..بيد الله ..فلا تأبَق ii...
ارجع للمولى ..ادعوه ..أذعن للرب وسلّم ..لا تحمُق ii...
فالدنيا ..رحلة سفر ..طالت أو قصُرت ..فستمضي ..وتفرِّق ..
والعاقل ..من فعل الخير ..من ترك الأثر الأبقى ..والأعمق ...(269/1)
أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
لنزار قبّاني
فرشت فوق ثراكِ الطاهر الهُدُبا
فيا دمشقُ لماذا نبدأ العتبا؟
حبيبتي أنت فاستلقي كأغنيةٍ
على ذراعي ولا تستوضحي السببا
أنت النساء جميعاً ما من امرأةٍ
أحببتُ بعدك إلا خلتها كذبا
يا شام إنّ جراحي لا ضفاف لها
فمسّحي عن جبيني الحزن والتعبا
وأرجعيني إلى أسوار مدرستي
وأرجعي الحبرَ والطبشورَ والكُتُبا
تلك الزواريب كم كنزٍ طمرتُ بها
وكم تركت عليها ذكرياتِ صبا
وكم رسمتُ على حيطانها صُوراً
وكم كسرتُ على أدراجها لُعبا
أتيت من رحم الأحزان يا وطني
أُقبّلُ الأرض والأبواب والشُهُبا
حُبي هنا وحبيباتي وُلِدْنَ هنا
فمن يعيد ليَ العمر الذي ذهبا
أنا قبيلة عُشّاقٍ بكاملها
ومن دموعي سقيت البحر والسحبا
فكل صفصافةٍ حوّلتها امرأةً
وكل مئذنةٍ رصّعتها ذهبا
هذي البساتين كانت بين أمتعتي
لمّا ارتحلت عن الفيحاء مغتربا
فلا قميص من القمصان ألبسه
إلا وجدت على خيطانه عنبا
كم مبحرٍ وهموم البرّ تسكنه
وهاربٍ من قضاء الحبّ ما هربا
يا شام أين هما عينا معاويةٍ
وأين مَن زحموا بالمنكب الشُهُبا
فلا خيولُ بني حمدان راقصةٌ
زَهواً ولا المتنبي مالئٌ حلبا
وقبرُ خالدَ في حمصٍ نُلامسه
فيرجف القبرُ ن زوّاره غضبا
يا رُبّ حيٍّ رخام القبر مسكنه
وربّ ميْتٍ على أقدامه انتصبا
يا ابن الوليد ألا سيفٌ تُؤجّره
فكلّ أسيافنا قد أصبحت خشبا
دمشق يا كنز أحلامي ومَروحتي
أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
أدمتْ سياطُ حزيرانٍ ظهورهم
فأدمنوها وباسوا كفّ من ضربا
وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا
متى البنادق كانت تسكن الكتبا
سقوا فلسطين أحلاماً ملوّنةً
وأطعموها سخيف القول والخُطبا
عاشوا على هامش الأحداث ما انتفضوا
للأرض منهوبةً والعرض مُغتصبا
وخلّفوا القدس فوق الوحل عاريةً
تُبيح عزة نهديها لمن رغبا
هل من فلسطينَ مكتوبٌ يطمئنني
عمّن كتبتُ إليه وهو ما كتبا(270/1)
وعن بساتين ليمونٍ وعن حُلُمٍ
يزداد عني ابتعاداً كلّما اقتربا
أيا فلسطين من يُهديكِ زَنبقةً
ومن يعيد لك البيت الذي خُربا
تلفّتي تجدينا في مباذلنا
مَن يعبد الجنس أو من يعبد الذهبا
فواحدٌ أعمت النُعمى بصيرته
فللخنى والغواني كلُّ ما وهبا
وواحدٌ ببحار النفط مُغتسلٌ
قد ضاق بالخيش ثوباً فارتدى القصبا
وواحدٌ نرجسيٌّ في سريرته
وواحدٌ من دم الأحرار قد شربا
إن كان مَن ذبحوا التاريخ هم نسبي
على العصور فإني أرفض النسبا
يا شامُ يا شامُ ما في جعبتي طربُ
أستغفر الشعر أن يَستجدي الطربا
ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي
حوافرُ الخيل داست عندنا الأدبا
وحاصرتنا وآذتنا فلا قلمٌ
قال الحقيقة إلا اغتيل أو صُلبا
يا مَن يُعاتب مذبوحاً على دمه
ونَزْفِ شريانه ما أسهل العتبا
مَن جرّب الكيّ لا ينسى مواجعه
ومَن رأى السُّمَّ لا يشقى كمن شرِبا
حبلُ الفجيعة مُلتفٌ على عنقي
مَن ذا يُعاتب مشنوقاً إذا اضطربا
الشعرُ ليس حماماتٍ نُطيّرها
نحو السماء ولا ناياً وريح صَبا
لكنّه غضبُ طالت أظافره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا(270/2)
أصالةُ الرأي صانتني عن الخطلِ
للطغرائي المتوفي (514هـ - وقيل 515هـ ) وهو العميد مؤيّد الدين ، أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الأصبهاني
أصالةُ الرأي صانتني عن الخطلِ وحليةُ الفضلِ زانتني لدى العَطَلِ
مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَرعٌ والشمسُ رَأدَ الضحى كالشمس في الطفلِ
فيم الإقامةُ بالزوراءِ لا سَكنِي بها ولا ناقتي فيها ولا جملي
ناءٍ عن الأهلِ صِفر الكف مُنفردٌ كالسيفِ عُرِّي مَتناه عن الخلل
فلا صديقَ إليه مشتكى حَزَني ولا أنيسَ إليه مُنتهى جذلي
طال اغترابي حتى حَنَّ راحلتي وَرَحْلُها وَقَرَا العَسَّالةَ الذُّبُلِ
وضج من لغبٍ نضوى وعج لما ألقى ركابي ، ولج الركب في عَذلي
أريدُ بسطةَ كفٍ أستعين بها على قضاء حقوقٍ للعلى قِبَلي
والدهر يعكس آمالي ويُقنعني من الغنيمة بعد الكدِّ بالقفلِ
وذي شِطاطٍ كصدر الرمحِ معتقل بمثله غيرُ هيَّابٍ ولا وكلِ
حلو الفُكاهةِ مرُّ الجدِّ قد مزجت بشدةِ البأسِ منه رقَّةُ الغَزَلِ
طردتُ سرح الكرى عن ورد مقلته والليل أغرى سوام النوم بالمقلِ
والركب ميل على الأكوار من طربٍ صاح ، وآخر من خمر الكرى ثملِ
فقلتُ : أدعوك للجلَّى لتنصرني وأنت تخذلني في الحادث الجللِ
تنامُ عيني وعين النجم ساهرةٌ وتستحيل وصبغ الليل لم يحُلِ
فهل تعينُ على غيٍ همتُ به والغي يزجر أحياناً عن الفشلِ
إني أريدُ طروقَ الحي من إضمٍ وقد حماهُ رماةٌ من بني ثُعلِ
يحمون بالبيض والسمر الِّلدان به سودُ الغدائرِ حمرُ الحلي والحللِ
فسر بنا في ذِمام الليل معتسِفاً فنفخةُ الطيبِ تهدينا إلى الحللِ
فالحبُّ حيث العدا والأسدُ رابضةٌ حول الكِناس لها غابٌ من الأسلِ
تؤم ناشئة بالجزم قد سُقيت نِصالها بمياه الغُنْج والكَحَلِ
قد زاد طيبُ أحاديثِ الكرام بها مابالكرائم من جبن ومن بخلِ
تبيتُ نار الهوى منهن في كبدِ حرَّى ونار القرى منهم على القُللِ(271/1)
يَقْتُلْنَ أنضاءَ حُبِّ لا حِراك بهم وينحرون كِرام الخيل والإبلِ
يُشفى لديغُ العوالي في بيُوتِهمُ بِنَهلةٍ من غدير الخمر والعسلِ
لعل إلمامةً بالجزع ثانيةٌ يدِبُّ منها نسيمُ البُرْءِ في عللي
لا أكرهُ الطعنة النجلاء قد شفِعت برشقةٍ من نبال الأعين النُّجلِ
ولا أهاب الصفاح البيض تُسعدني باللمح من خلل الأستار والكللِ
حبُّ السلامةِ يثني هم صاحبهِ عن المعالي ويغري المرء بالكسلِ
فإن جنحتَ إليه فاتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في الجوِّ فاعتزلِ
ودع غمار العُلا للمقدمين على ركوبها واقتنعْ منهن بالبللِ
يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مسكنهُ والعِزُّ عند رسيم الأينق الذّلُلِ
فادرأ بها في نحور البيد جافِلةً معارضات مثاني اللُّجم بالجدلِ
إن العلا حدثتني وهي صادقةٌ فيما تُحدثُ أن العز في النقلِ
لو أن في شرف المأوى بلوغَ منىً لم تبرح الشمسُ يوماً دارة الحملِ
أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمعاً والحظُ عني بالجهالِ في شُغلِ
لعله إن بدا فضلي ونَقْصهمُ لِعينه نام عنهم أو تنبه لي
أعللُ النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل
لم أرتضِ العيشَ والأيام مقبلةٌ فكيف أرضى وقد ولت على عجلِ
غالى بنفسي عِرْفاني بقينتها فصنتها عن رخيص القدْرِ مبتذَلِ
وعادة السيف أن يزهى بجوهرهِ وليس يعملُ إلا في يديْ بطلِ
ماكنتُ أوثرُ أن يمتد بي زمني حتى أرى دولة الأوغاد والسفلِ
تقدمتني أناسٌ كان شوطُهمُ وراءَ خطوي لو أمشي على مهلِ
هذاء جزاء امرىءٍ أقرانهُ درجوا من قبلهِ فتمنى فسحةَ الأجَلِ
فإن علاني من دوني فلا عَجبٌ لي أسوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحلِ
فاصبر لها غير محتالٍ ولا ضَجِرِ في حادث الدهر ما يُغني عن الحِيلِ
أعدى عدوك من وثِقتْ به فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ
فإنما رُجل الدنيا وواحدها من لايعولُ في الدنيا على رجلِ
وحُسن ظنك بالأيام معجزَةٌ فَظنَّ شراً وكن منها على وجَلِ(271/2)
غاض الوفاءُ وفاض الغدر وانفرجت مسافة الخُلفِ بين القوْل والعملِ
وشان صدقكَ عند الناس كذبهم وهلْ يُطابق مِعْوجٌ بمعتدلِ
إن كان ينجع شيءٌ في ثباتهمُ على العهود فسبق السيف للعذلِ
يا وراداً سُؤر عيش كلُّه كدرٌ أنفقت صفوك في أيامك الأول
فيم اقتحامك لجَّ البحر تركبهُ وأنت تكفيك منهُ مصة الوشلِ
مُلكُ القناعةِ لا يُخشى عليه ولا يُحتاجُ فيه إلى الأنصار والخَولِ
ترجو البقاء بدارٍ لاثبات بها فهل سمعت بظلٍ غير منتقلِ
ويا خبيراً على الإسرار مطلعاً اصمتْ ففي الصمت منجاةٌ من الزلل
قد رشحوك لأمرٍ إن فطٍنتَ له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ(271/3)
أصحاب النار
شعر الأستاذ : خير الدين وانلي رحمه الله تعالى
أَصْحاب النّارِ الكُفارُ والمُشْرِكُ ثُمَّ الفُجّارُ
مَنْ كَذَّبَ إِنْذَارَ الرُّسُل وَكَلامَ اللهِ مِنَ الأَزَلِ
مَنْ كَذَّبَ يَوْماً بالقَدرِ وَبِملائِكَةٍ أَوْ بِالنُّذُرِ
مَنْ شَكَّكَ بِاليَوْمِ الآخِرْ وَالمُجْرِمُ والغَاوي الغَادِرْ
وَكَذا الدَّهْرِيُّ وَمَنْ عَادىَ رَبَّاً وَرَسولاً أَوْحَادا
والطَّاغي الفاسقُ والضالُّ والمُسْرِفُ والباغي الغالُّ
والزّاني السِّكِّيرُ الآثِمْ وَمُريدُ العاجِلَةِ الظَّالِمْ
والشَّارِبُ سُمّاً والغاِفْل عِنْ ذِكْرِ المَوْلى والقاتِلْ
والشَّاهِدُ زوراً والخائِنْ وَالكَاتِمُ عِلْمَاً والماجِنْ
والمُتْرَفُ وَالعاصي السَّارِقْ وَمُطَفِّفُ كَيْلاً والآبِقْ
مُؤْذي الجيرانِ المَكَّارُ وَبَذيءُ القَوْلِ الجَبّارُ
والآكِلُ حَقّاً بِالبَاطِلْ والكانِزُ مَالاً والباخِلْ
والسَّاعي في هَدْم المَسْجِدْ والقاسي القَلْبِ المُسْتَبْعَدْ
أَهْلُ الأَهْواءِ وَمَنْ عَبَدوا صَنَماً وَلِرَبٍّ ما سجَدَوا
والظّالِمُ نَفْسا واليائِسْ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّي والماكِسْ
والمَرْأَةُ واصِلَةُ الشَّعْرِ والنَّواحاتُ عَلَى القَبْرِ
والحالِفُ كِذْباً والآمِنْ مِنْ مَكْرِ الموْلى والفَاتِن
وَخَطِيبُ السّوءِ كَذا الزّاني والناهِشُ لَحْمَ الإِخْوانِ
وَعَليمُ لِسانٍ والمانِعْ فَضْلاً مِنْ مَاءٍ وَالخانِعْ
والمُعْرِضُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ والناقِضُ عَهْداً واللاّهي
ومُراءٍ دَيَّوثٌ ساحِرْ وَمُحِبُّ مَديحٍ والماكِرْ
والقَاذِفُ ذاتَ الإِحْصانِ وَرِجالُ شِبْهُ النِّسْوانِ
والآكِلُ مالاً بالباطل لِيَتِيمٍ والمُربي السّافِلْ
والمرتَدْونَ عَنِ الدِّينِ والآكِلُ مالَ المِسْكينِ
والذّابِحُ لَكِنْ للِّصنَم والقاطِعُ مِن سُدْرِ الْحَرَمِ
والمُفْسِدُ في الأَرْضِ القاطِعْ رَحِماً والنَّمامُ الخادِعْ(272/1)
والأَفْاكونَ وَمَنْ جادَلْ بِالباطِلِ أوْ عَنْهُ ناضَلْ
والمُغْتَرّونَ بِدُنْيَاهُمْ والمَنَّانُونَ عَطايَاهُم
والمُؤْذي أَهْلَ الإِيمانِ ومُؤَوِّلُ آيِ القُرآنِ
وَالآتي المَرْأَةَ في الدُّبْرِ وَكَذا اللُّوطِيُّ أخَوا النُّكْرِ
أْهَلُ التَّثْليثِ وَمَن قَتَلوا أَهْلَ الإِصْلاحِ وَمَنْ عَدَلوا
وَإِمامٌ ضَلَّلَ أَتْباعا والشّاري الخَمْرَ ومَنْ بَاعا
مَنْ صَدَّ النَّاسَ عَنِ الدينِ وَتَعالى فَوْقَ المِسْكينِ
مَنْ لَمْ يَسْتَنْزِهْ مِنْ بَوْلِ وَمُنافِقُ فِعْلٍ أَوْ قَوْلِ
مَنْ يَأْكُلُ في صَحْنِ الذَّهَبِ والمُنْتَسِبونَ لِغَيْرِ أَبِ
مَنْ سَبَّ صَحابَةَ أَحْمَدِنا أَوْ عادى أَهْلَ وَلايَتِنا
أَوْ آذى رُسْلَ الرحْمنِ وَأَطاعَ جُنودَ الشَّيْطانِ
مَنْ عَقَّ أَباهُ أَوِ الأُمَّا أَوْ غَيَّرَ مِنْ أَرْضٍ تَخْما
أَوْ قامَرَ أَوْ لَعَنَ الخَلْقا وَتَجَسَّسَ أو جافَى الصِّدْقا
وَمُحَلِّلُ زَوْجاً والهارِبْ مِنْ زَحْفٍ أَوْ عَنْهُ ناكِبْ
وَالمُسْبِلُ ثَوْباً والحاكِمْ بِخِلافِ المُنْزَلِ والظَّالِمْ
مَنْ شابَهَ أَهْلَ التَّوْراةِ وَذَوي الإِنْجيلِ بعاداتِ
مَنْ آوىَ المُحْدِثَ أَوْ ضَلَّلْ أَعْمى أَوْ أَعْرَضَ عَنْ مُنْزَلْ
وَتَوَلَّى أَهْلَ الكُفْرانِ أَوْ مَزَّقَ جَمْعَ الإِيمانِ
وَالكاسِيَةُ كالعُرْيانَةْ وَالزَّوَّاراتُ الجَبَّانَةْ
وَالواشِمَةُ أَوْ مَنْ يَسْأَلْ باللهِ المالَ وَمَنْ يَبْخَلْ
وَأَبو جَهْلٍ وَأَبو لَهَبِ وَخَليلَتُه أُمُّ الحَطَبِ
إِبْليسُ وَفِرْعَونُ الأَكْبَرْ وَالآلُ وَكُلُّ مَنِ اسْتكْبَرْ
وَمُصَدِّقُ ضَرّابِ النَّجْمِ أَوْ صاحبِ رَمْلٍ أَوْ سَهْمِ
وَالآتي البَهْمَةَ والجاني وَالسَّالِكُ دَرْبَ العُدْوانِ
وَصَلاةَ الجُمْعَةِ مَنْ عَطَّلَ وَصَلاةَ جَماعَتِهِ أَهْمَلْ
وَعَلى مَوْلاه مَنْ كَذَّبْ أَوْ عاداهُ أَوْ لَمْ يَرْهَبْ(272/2)
وَالآكِلُ وَالمُعْطيِ الرِّشْوَةْ وَعَلى الضُّعفاءِ لَهُ سَطْوَةْ
ذو الوَجْهَيْنِ أَوْ مَنْ أَغْضَبْ مَوْلاهُ وَذا روحٍ عَذَّبْ
وَالآخِذُ أَجْرَ التَّعْليمِ في قُرْآنٍ ذي تَكْرِيمِ
مُتَبرِّجَةٌ أَوْ مَنْ أَخَّرْ صَلَواتٍ أَوْ فيها قَصَّرْ
مَنْ يَشْهَدُ أَهْلُ الإِسْلامِ بالشَّرِ لَهُ وَالآثامِ
عَبْدُ اللهِ وَأبو طالِبْ وَالمُطَّلِبُ الجَدُّ الحادِبْ
وَمُضَرٌ – إِمّا قَد أَوْصى - بالوارِثِ في شَيْءٍ مُوصَى
وَزكاةً يَمْنَعُ عَنْ غارِمْ وَالراكِنُ يَوْماً للظالِمْ
وَقُضاةُ الباطِلِ والجَهْلِ وَمُعاوِنُ حُكّامِ البُطْلِ
*****
النّارُ زَبائِنُها أَكْثَرْ مِمّا عَدَّدْنا أَوْ أَغْزَرْ
فَجَهَنَّمُ تَفْتَأُ تَسْتَكْثِرْ وَبِأهْلِ الباطِلِ تَسْتَأْثِرْ
وَتَوَدُّ مَزيداً مِنْ حَطَبِ مِمَّنْ ذَبَحوا حَوْلَ النُّصُبِ
أَوْ مِنْ عاص أو من فاجر أَوْ مِنْ مُرْتَدٍّ أَوْ كافِرْ
يَضَعُ الجَبّارُ بِهَا القَدمَا فَتَقُول قَطٍ لَنْ أَحْتَدمِا
*****
ربّاهُ أَجِرْنا مِنْ نارِ في الأُخْرى في تِلْكَ الدَّارِ
وَاحْفَظْنَا مِنْ شَرِّ النَّفْسِ وَمِنَ الوَسْواسِ أَبي الهَمْسِ
وَأَنِلْنا مِنْكَ الرِّضْوانا يا مَنْ كَرَّمْتَ الإِنْسانا
كَيْ يَعْبُدَ رَباً يَرْعاه وَيُكَفِّرُ عَنْهُ خَطاياهُ
مَوْلايَ تَقَبَّلْ طاعَتَنا وَاحْفَظْ مِنْ سوءٍ أُمَّتَنا
لِتَعودَ مَناراً للأُمَمِ وَتُزَلْزِلَ أَرْكانَ الصَّنَمِ
وَيَعُمَّ الدنيا الإِسْلامُ وَتُنَفَّذَ فيها الأَحْكامُ
وَيَسود سَلاَمُ الأَبْرارِ وَالعدلُ بِكُلِّ الأَقْطارِ
لا يُخْلَفُ وَعْدُ الرَّحْمنِ في نَصْرِ جيُوشِ الإِيمانِ
وَالوَعْدُ كتابٌ مُسْتَطَرُ وَالله عزيز مُقْتَدِرُ(272/3)
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا
الأغاني - (ج 1 / ص 113)
وقال العرجي في حبسه:
صوت
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
وصبرٍ عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنتها بنحري
أجرر في الجوامع كل يومٍ ... فيا لله مظلمتي وصبري
كأني لم أكن فيهم وسيطاً ... ولم تك نسبتي في آل عمرو
يقول وقد تزايد ضوع نشر
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة ٍ وسداد ثغر
مصرية تبدي التصامم ان روت
لفظاً لأن اللفظ منها سكر
يحلو اذا هي كررته وحسبكم
بالسكر المصري حين يكرر
سقى الغيث قبراً حله النجم والندى
وفضل النهى والعلم والفضل والنثر
كأن نبي العلياء يوم وفاته
نجومُ سماء خرّ من بينها البدر(273/1)
أضْحَى التّنائي بَديلاً مِنْ تَدانِينَا،
ابن زيدون
1. أضْحَى التّنائي بَديلاً مِنْ تَدانِينَا، ... وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا
2. ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ، صَبّحَنا ... حَيْنٌ، فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا
3. مَنْ مبلغُ الملبسِينا، بانتزاحِهمُ، ... حُزْناً، معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا
4. غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا ... بِأنْ نَغَصَّ، فَقالَ الدّهرًُ آمينَا
5. فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا؛ ... وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا
6. وَقَدْ نَكُونُ، وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا، ... فاليومَ نحنُ، ومَا يُرْجى تَلاقينَا
7. يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِبْ أعاديَكم، ... هَلْ نَالَ حَظّاً منَ العُتبَى أعادينَا
8. لم نعتقدْ بعدكمْ إلاّ الوفاء لكُمْ ... رَأياً، ولَمْ نَتَقلّدْ غَيرَهُ دِينَا
9. ما حقّنا أن تُقِرّوا عينَ ذي حَسَدٍ ... بِنا، ولا أن تَسُرّوا كاشِحاً فِينَا
10. كُنّا نرَى اليَأسَ تُسْلِينا عَوَارِضُه، ... وَقَدْ يَئِسْنَا فَمَا لليأسِ يُغْرِينَا
11. بِنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا ... شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا
12. نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا، ... يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا
13. حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَدَتْ ... سُوداً، وكانتْ بكُمْ بِيضاً لَيَالِينَا
14. إذْ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تألُّفِنا؛ ... وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا
15. وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية ً ... قِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا
16. ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما ... كُنْتُمْ لأروَاحِنَا إلاّ رَياحينَا
17. لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛ ... أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!
18. وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً ... مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا(274/1)
19. يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَ وَاسقِ به مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالوُدَّ يَسقينَا
20. وَاسألْ هُنالِكَ: هَلْ عَنّى تَذكُّرُنا ... إلفاً، تذكُّرُهُ أمسَى يعنّينَا؟
21. وَيَا نسيمَ الصَّبَا بلّغْ تحيّتَنَا ... مَنْ لَوْ على البُعْدِ حَيّا كان يحيِينا
22. فهلْ أرى الدّهرَ يقضينا مساعفَة ً ... مِنْهُ، وإنْ لم يكُنْ غبّاً تقاضِينَا
23. رَبيبُ مُلكٍ، كَأنّ اللَّهَ أنْشَأهُ ... مِسكاً، وَقَدّرَ إنشاءَ الوَرَى طِينَا
24. أوْ صَاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً، وَتَوجهُ ... مِنْ نَاصِعِ التّبرِ إبْداعاً وتَحسِينَا
25. إذَا تَأوّدَ آدَتْهُ، رَفاهِيّة ً، ... تُومُ العُقُودِ، وَأدمتَهُ البُرَى لِينَا
26. كانتْ لَهُ الشّمسُ ظئراً في أكِلّته، ... بَلْ ما تَجَلّى لها إلاّ أحايِينَا
27. كأنّما أثبتَتْ، في صَحنِ وجنتِهِ، ... زُهْرُ الكَوَاكِبِ تَعوِيذاً وَتَزَيِينَا
28. ما ضَرّ أنْ لمْ نَكُنْ أكفاءه شرَفاً، ... وَفي المَوَدّة ِ كافٍ مِنْ تَكَافِينَا؟
29. يا رَوْضَة ً طالَما أجْنَتْ لَوَاحِظَنَا ... وَرْداً، جَلاهُ الصِّبا غضّاً، وَنَسْرِينَا
30. ويَا حياة ً تملّيْنَا، بزهرَتِهَا، ... مُنى ً ضروبَاً، ولذّاتٍ أفانينَا
31. ويَا نعِيماً خطرْنَا، مِنْ غَضارَتِهِ، ... في وَشْيِ نُعْمَى ، سحَبنا ذَيلَه حينَا
32. لَسنا نُسَمّيكِ إجْلالاً وَتَكْرِمَة ً؛ ... وَقَدْرُكِ المُعْتَلي عَنْ ذاك يُغْنِينَا
33. إذا انفرَدَتِ وما شُورِكتِ في صِفَة ٍ، ... فحسبُنا الوَصْفُ إيضَاحاً وتبْيينَا
34. يا جنّة َ الخلدِ أُبدِلنا، بسدرَتِها ... والكوثرِ العذبِ، زقّوماً وغسلينَا
35. كأنّنَا لم نبِتْ، والوصلُ ثالثُنَا، ... وَالسّعدُ قَدْ غَضَّ من أجفانِ وَاشينَا
36. إنْ كان قد عزّ في الدّنيا اللّقاءُ بكمْ ... في مَوْقِفِ الحَشرِ نَلقاكُمْ وَتَلْقُونَا
37. سِرّانِ في خاطِرِ الظّلماءِ يَكتُمُنا، ... حتى يكادَ لسانُ الصّبحِ يفشينَا(274/2)
38. لا غَرْوَ في أنْ ذكرْنا الحزْنَ حينَ نهتْ عنهُ النُّهَى ، وَتركْنا الصّبْرَ ناسِينَا
39. إنّا قرَأنا الأسَى ، يوْمَ النّوى ، سُورَاً ... مَكتوبَة ً، وَأخَذْنَا الصّبرَ يكفينا
40. أمّا هواكِ، فلمْ نعدِلْ بمَنْهَلِهِ ... شُرْباً وَإنْ كانَ يُرْوِينَا فيُظمِينَا
41. لمْ نَجْفُ أفقَ جمالٍ أنتِ كوكبُهُ ... سالِينَ عنهُ، وَلم نهجُرْهُ قالِينَا
42. وَلا اخْتِياراً تَجَنّبْناهُ عَنْ كَثَبٍ، ... لكنْ عَدَتْنَا، على كُرْهٍ، عَوَادِينَا
43. نأسَى عَليكِ إذا حُثّتْ، مُشَعْشَعَة ً، ... فِينا الشَّمُولُ، وغنَّانَا مُغنّينَا
44. لا أكْؤسُ الرّاحِ تُبدي من شمائِلِنَا ... سِيّما ارْتياحٍ، وَلا الأوْتارُ تُلْهِينَا
45. دومي على العهدِ، ما دُمنا، مُحافِظة ً، فالحرُّ مَنْ دانَ إنْصافاً كما دينَا
46. فَما استعضْنا خَليلاً منكِ يحبسُنا ... وَلا استفدْنا حبِيباً عنكِ يثنينَا
47. وَلَوْ صبَا نحوَنَا، من عُلوِ مطلعه، ... بدرُ الدُّجى لم يكنْ حاشاكِ يصبِينَا
48. أبْكي وَفاءً، وَإنْ لم تَبْذُلي صِلَة ً، ... فَالطّيفُ يُقْنِعُنَا، وَالذّكرُ يَكفِينَا
49. وَفي الجَوَابِ مَتَاعٌ، إنْ شَفَعتِ بهِ ... بيضَ الأيادي، التي ما زِلتِ تُولينَا
50. إليكِ منّا سَلامُ اللَّهِ ما بَقِيَتْ ... صَبَابَة ٌ بِكِ نُخْفِيهَا، فَتَخْفِينَا(274/3)
إضرام الكانون على أهل الحداثة والقانون
نظمها: ع س م ر
قد مجدوا قانونَهم ***** واستهزؤوا بالشرْعةِ
ثم اعتزَوْا من كيدهمْ ***** زورا لأهل القبلةِ
قد أعلنوا حربا على ***** شرع الهدى والرحمةِ
راموا العُلى في حربهِ ***** فليبشروا بالذلةِ
قد ألّهوا نابليو ***** ن اذ حَكّموا في الأمةِ
يا حمقهم قد أشركوا ***** علجا برب العزةِ
جانْ جاكُ روسو عندهم ***** حَبر متين الفُتيةِ
أقوالُه قرآنهمْ ***** أفعالُه كالسنةِ
استشنعوا شرعا أتى ***** من ربنا ذي القوةِ
واستحسنوا قانون مَن ***** قهرا بُليْ بالضرطةِ
قالوا: الكتاب المرتضى ***** أزرى بقدر المرأةِ
إذ صانها في بيتها ***** هيا اخرجي للبارةِ
هيا اخلعي صاحوا بها ***** جلبابك المُزَّمِّتِ
ولتلبسي تنورة ***** زورا سَمَوْا بالكسوةِ
سَمْتَ الرميساء اهجري ***** أو عائشٍ أو خولةِ
واستملحي ابْرِجِيتَ(1) أو ***** مَرلينَ (2) خيرَ القدوةِ
ولتنتقي الأسماء من ***** أفلامنا الورديةِ
دِينَا ولِينَا دعْكِ من ***** عيوش أو فَطّومَةِ
يا حسرتي يا حسرتي ***** يا لهفتي يا لهفتي
كيف ارتضت مسحورة ***** سمتَ البغايا أمتي
ولتنزعي ستر الحيا ***** ولتأذني في رقصةِ
ولتَأمني ذئبَ الخنا ***** في حفظ عرض النعجةِ
مأسورةً لا تقعدي ***** في محبس الزوجيةِ
لُمّي عشيقا في المسا ***** يُنسي عشيق الغُدوةِ
ولتطرحي أكبادكِ ***** ولتهرعي للورشةِ
المجدُ في صنع الحذا ***** لا في بناء الأسرةِ
لا ضير في أن تؤمني ***** بالنار أو بالجنةِ
ما أتعس الدنيا بلا ***** وهْم ولا أسطورةِ
لكنما الشرعَ انبذي ***** ولّى زمان الناقةِ
مهلا لعمري أنتمُ ***** نوقٌ بدتْ في كسوةِ
من زاد زوجا ثانيهْ ***** مستهديا بالآية
سموه وحشا ساديا ***** واستسخروا بالسنةِ
من للعشيقات اقتنَى ***** مستهترا بالملةِ
قالوا رقيقٌ طبعهُ ***** مستلطفٌ ذو حظوةِ
قالوا الزنا مستملَح ***** أفعالُ جنسٍ حرةِ(275/1)
سحقا لها حريةً ***** أودت بعرضِ الأمةِ
أهل الشذوذ عندهم ***** أهل النهى والفطرةِ
والرب قالوا ظالم ***** في رجم أهل القريةِ
والخمر يشفي روحهم ***** قالوا فما من علةِ
يا خيبة الروح التي ***** قد طببت في الحانةِ
عش بالربا لا تخش من ***** تهديدِ تلك الآيةِ
في الاقتصاد الحر لا ***** تؤمن سوى بالبُرْصَةِ
لا تحسبنْهم أبدعوا ***** ما ليس في أوربّةِ
بل هم عبيد أُبرزوا ***** في لِبسة الحريةِ
أعلاجُ في أفكارهمْ ***** والنطق بالعرْبية
أجسامُهم أجسامُنا ***** بالروح الافرنجية
لن يهدؤوا أو يطفؤوا ***** في النفس نور العفةِ
أو يفتحوا ماخورة ***** في قلب كل الصبيةِ
أو يزرعوه مرقصا ***** يغتال طهر الحارةِ
أو ناديا ماسونيا ***** يُردي عقول النسوةِ
أو يفتحوا حزبا لهم ***** دكانَ فكر باهتِ
مأوى وجوه أفلستْ ***** مهزولةٍ منطوحةِ
جحرا ثعالٌ(5) باسطٌ ***** فيه شراك الخُدعةِ
عنوانه برنامج ***** للعدل والحريةِ
بالانتخاب الحر قد ***** نادوا لنيل السلطةِ
لكن إذا ما أخفقوا ***** نادَوا على دبابةِ
أو ينفثوا سم الخنا ***** بالصوت بل بالصورةِ
سموه فنا فاحذرَ ان ***** تغتر بالتسمية
أو ينشروا أضغانهم ***** باسم البحوث الحرةِ
أو ينحروا طهر الحيا ***** في مسرح أو قصةِ
فليخنسوا من نحلة ***** وليخسؤوا من زمرةِ
قوم كجُعْل لا يَرى ***** شغلا سوى بالبعرةِ
يا قومنا أنتم وإن ***** طال المدى للحفرةِ
قولوا فهل قانونكم ***** يغني بدار الوحشةِ
لو أنهم قد آمنوا ***** بالعرض يوم الحسرةِ
ما استكبروا بل سَلّموا ***** تسليمَ عبد مُخبتِ
قد صح في قرآننا ***** ثم الحديث المثبَتِ
النور آت ساطع ***** يُعمي خُفَاش الظُلمةِ
فلينفقوا أموالهم ***** وليُجلبوا في عُدةِ
ضدا عليهم راجع ***** ما دبروا بالحسرةِ
(1) (2) بريجيت باردو ومارلين مونرو ممثلتان معروفتان بالغواية والفجور، لهما أحوال مشهورة.
(3) ثعال مرخم ثعالة، علم جنس الثعلب.(275/2)
أطلق لها السيف لا خوف ولا وجل
أطلق لها السيف لا خوف ولا وجل ... ... أطلق لها السيف وليشهد لها زحل
أطلق لها السيف قد جاش العدو لها ... ... فليس يثنيه إلا العاقل البطل
أسرج لها الخيل ولتطلق أعنتها ... ... كما تشاء ففي أعرافها الأمل
دع الصواعق تدوي في الدجى حمما ... ... حتى يبان الهدى والظلم ينخذل
واشرق بوجه الدياجي كلما عتمت ... ... مشاعلا حيث يعشى الخائر الخطل
واقدح زنادك وابق النار لاهبةً ... ... يخافها الخاسئ المستعبد النذل
أطلق لها السيف جرده باركه ... ... ما فاز بالحق إلا الحازم الرجل
واعدد لها علما في كل سارية ... ... وادع إلى الله أن الجرح يندمل(276/1)
أعاذِلَ قُومي فاعذُلي الآنَ أوْ ذَري
لبيد ربن ربيعة العامري
1
أعاذِلَ قُومي فاعذُلي الآنَ أوْ ذَري *** فلَستُ وإنْ أقصرْتِ عنّي بمُقْصِرِ
2
أعَاذِلَ لا وَاللّهِ ما مِنْ سَلامَةٍ *** وَلَوْ أشفقتْ نَفْسُ الشّحيحِ المُثمِّرِ
3
أقي العِرْضَ بالمَالِ التِّلادِ وأشْتَري *** بهِ الحَمدَ إنَّ الطّالبَ الحمدَ مُشترِي
4
وكَمْ مُشترٍ من مالِهِ حُسنَ صِيِتهِ *** لأيّامِهِ في كُلِّ مَبْدًى ومَحْضَرِ
5
أُباهي بهِ الأكْفاءَ في كلِّ مَوْطِنٍ *** وأقضي فُرُوضَ الصَّالحينَ وَأقْتَرِي
6
فإمّا تَرَيْني اليَوْمَ عِندَكَ سالِمًا *** فَلستُ بأحيْا مِنْ كِلابٍ وجَعْفَرِ
7
وَلا مِنْ أبي جَزْءٍ وجارَيْ حَمُومَةٍ *** قَتيلِهِمَا والشّارِبِ المُتَقَطِّرِ
8
وَلا الأحْوَصَينِ في لَيالٍ تَتابَعَا *** وَلا صاحبِ البرَّاضِ غَيرِ المُغَمَّرِ
9
وَلا مِنْ رَبيعِ المُقْتِرينَ رُزِئتُهُ *** بذي عَلَقٍ فاقْنَيْ حَيَاءَكِ واصْبِري
10
وقَيسِ بنِ جَزْءٍ يوْمَ نادى صِحابَهُ *** فَعَاجُوا عَلَيهِ مِن سَوَاهِمَ ضُمَّرِ
11
طَوَتْهُ المَنَايَا فوْقَ جَرْدَاءَ شَطْبَةٍ *** تَدِفُّ دَفيفَ الرَّائحِ المُتَمَطِّرِ
12
فباتَ وَأسْرَى القَوْمُ آخِرَ لَيلِهِمْ *** وما كانَ وَقّافًا بِدارِ مُعَصَّرِ
13
وبالفُورَةِ الحَرَّابُ ذو الفَضْلِ عامِرٌ *** فَنِعْمَ ضِياءُ الطّارِقِ المُتَنَوِّرِ
14
ونِعْمَ مُنَاخُ الجارِ حَلَّ بِبَيْتِهِ *** إذا ما الكَعَابُ أصْبَحَتْ لم تَسَتَّرِ
15
ومَنْ كانَ أهلَ الجودِ والحزْمِ والندى *** عُبَيْدَةُ والحامي لَدَى كلِّ محْجَرِ
16
وَسَلْمَى وسَلمَى أهلُ جودٍ ونائلٍ *** متى يَدْعُ مَوْلاَهُ إلى النّصرِ يُنْصَرِ
17
وبَيْتُ طُفَيْلٍ بالجُنَيْنَةِ ثاوِيًا *** وبَيتُ سُهَيْلٍ قد علِمتِ بصَوْءَرِ
18
فلَمْ أرَ يَوْمًا كانَ أكْثَرَ باكِيًا *** وحَسْناءَ قامتْ عن طِرافٍ مُجَوَّرِ
19(277/1)
تَبُلُّ خُمُوشَ الوَجهِ كلُّ كريمَةٍ *** عَوانٍ وبِكْرٍ تَحْتَ قَرٍّ مُخَدَّرِ
20
وبالجَرِّ مِنْ شَرْقيِّ حَرْسٍ مُحارِبٌ *** شُجاعٌ وذو عَقْدٍ منَ القَوْمِ مُحتَرِ
21
شهابُ حُروُبٍ لا تَزالُ جِيادُهُ *** عَصائبَ رهْوًا كالقَطا المُتَبَكِّرِ
22
وصاحِبُ مَلْحُوبٍ فُجِعْنَا بيَوْمِهِ *** وعِنْدَ الرِّداعِ بَيتُ آخرَ كَوْثَرِ
23
أُولئِكَ فابكي لا أبَا لَكِ وانْدُبي *** أبَا حازِمٍ في كُلِّ يَوْمٍ مُذَكَّرِ
24
فشَيَّعَهُمْ حَمْدٌ وزانَتْ قُبورَهُمْ *** سَرَارَةُ رَيحانٍ بقاعٍ مُنَوِّرِ
25
وَشُمْطَ بني ماءِ السّماءِ ومُرْدَهُمْ *** فهَل بَعْدَهُمْ مِنْ خالدٍ أوْ مُعَمَّرِ
26
وَمَنْ فادَ مِن إخوانِهِمْ وبَنيهِمُ *** كُهُولٌ وشُبّانٌ كَجِنَّةِ عَبقَرِ
27
مَضَوْا سَلَفًا قَصْدُ السّبيلِ عَلَيهِمُ *** بَهيٌّ مِنَ السُّلاَّفِ لَيسَ بحَيْدَرِ
28
فكائِنْ رَأيْتُ مِنْ بَهاءٍ ومَنْظَرٍ *** وَمِفْتَحِ قَيْدٍ لِلأسِيرِ المُكَفَّرِ
29
وكائِنْ رأيْتُ مِنْ مُلُوكٍ وسُوقَةٍ *** وراحِلَةٍ شُدَّتْ برَحْلٍ مُحَبَّرِ
30
وأفنى بَناتُ الدَّهرِ أرْبابَ ناعِطٍ *** بمُسْتَمَعٍ دونَ السّماء ومَنْظَرِ
31
وبالحارِثِ الحَرَّابِ فَجَّعْنَ قَوْمَهُ *** ولَوْ هاجَهُمْ جاؤوا بنَصْرٍ مُؤزَّرِ
32
وأهلَكْنَ يَوْمًا رَبَّ كِنْدَةَ وابنَهُ *** وربَّ مَعَدٍّ بينَ خَبْتٍ وعَرْعَرِ
33
وأعوَصْنَ بالدُّوميّ من رَأسِ حِصْنِهِ *** وأنْزَلْنَ بالأسبابِ ربَّ المُشَقَّرِ
34
وأخلَفْنَ قُسًّا لَيْتَني ولَوَ انَّني *** وأعْيا على لُقْمَانَ حُكْمُ التّدَبُّرِ
35
فإنْ تَسألِينا فيمَ نَحْنُ فإنّنَا *** عَصافيرُ مِنْ هذا الأنامِ المُسَحَّرِ
36
نَحُلُّ بِلادًا كُلُّهَا حُلَّ قَبْلَنَا *** ونَرْجُو الفَلاحَ بَعْدَ عَادٍ وحِمْيرِ
37
وَإنّا وإخْوانًا لَنا قَدْ تَتَابَعُوا *** لكَالمُغْتَدي والرَّائِحِ المُتَهَجِّرِ
38(277/2)
هَلِ النّفْسُ إلاَّ مُتعَةٌ مُستَعارةٌ *** تُعَارُ فَتأتي رَبَّها فَرْطَ أشهُرِ(277/3)
أعباد المسيح لنا سؤال؟
[الكاتب؛ ابن القيم]
أَعُبّاد المسيح لنا سؤالٌ نريدُ جوابه ممّن وّعاهُ
إذا مات الإله بصنع قومٍ أماتوه فما هذا الإله؟
وهل أرضاه ما نالوه منه؟ فبشراهم إذا نالوا رضاهُ
وإن سخط الذي فعلوه فيه فقّوتهم إذا أوهت قواه
وهل بقي الوجود بالا إله سميع يستجيب لمن دعاه؟
وهل خلت الطباق السبع لما ثوى تحت التراب وقد علاه؟
وهل خلت العوالم من إلهٍ يدبرها وقد سمرت يداه؟
وكيف تخلت الأملاك عنه بنصرهم وقد سمعوا بكاه؟
وكيف أطاقت الخشبات حمل الأله الحق شد على قفاهُ
وكيف دنا الحديد إليه حتى يخالطه ويلحقه أذاه؟
وكيف تمكنت أيدي عداه وطالت حيث قد صفعوا قفاه؟
وهل عاد المسيح إلى حياة أم المحيي له رب سواه
ويا عجباً لقبر ضم ربا وأعجب منه بطن قد حواهُ
أقام هناك تسعاً من شهورٍ لدى الظلمات من حيض غذاه
وشق الفرج مولوداً صغيراً ضعيفاً فاتحاً للثدي فاهُ
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي بلازم ذاك هل هذا إلهُ؟
تعالى الله عن إفك النصارى سيسأل كلهم عما افتراه
أعباد الصليب بأيّ معنىً يُعظّم، أو يقبح من رماهُ
وهل تقضي العقول بغير كسر وإحراق له ولمن بغاه
إذا ركب الإله !! عليه كرهاً وقد شدت بتسمير يداه
فذاك المركب الملعون حقاً فدسه لا تبسه إذ تراه
يهان عليه رب الخلق طراً وتعبده؟ فإنك من عداه
فإن عظمته من أجل أن قد حوى رب العباد وقد علاه
فهلا للقبور سجدت طراً لضم القبر ربك في حشاه؟
فياعبد المسيح أفق فهذا بدايته وهذا منتهاه(278/1)
اعتزلْ ذكرَ الأغاني
اعتزلْ ذكرَ الأغاني والغزلْ وقلِ الفصلَ وجانبْ مَنْ هزلْ
ودعِ الذكرى لأيامِ الصِّبا فلأيامِ الصِّبا نجمٌ أفلْ
إنَّ أحلى عيشةٍ قضيتُها ذهبتْ لذاتُها والإثمُ حلْ
واتركِ الغادةَ لا تحفلْ بها تُمْسِ في عزٍّ وتُرْفَعْ وتُجَلْ
والهَ عنْ آلةِ لهوٍ أطربَتْ وعنِ الأمردِ مرتجِّ الكفلْ
إن تبدّى تنكسفْ شمسُ الضّحى وإذا ما ماسَ يزري بالأسلْ
زادَ إنْ قسناهُ بالبدرِ سنا وعدلناهُ بغصنٍ فاعتدلْ
وافتكرْ في منتهى حسنِ الذي أنتَ تهواهُ تجدْ أمراً جلَلْ
واتّقِ اللهَ فتقوى اللهِ ما جاوزَتْ قلبَ امرئٍ إلاّ وصلْ
ليسَ مَنْ يقطعُ طرقاً بطلاً - 10 - إنما مَنْ يتّقِ اللهَ بطلْ
واهجرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتىً كيفَ يسعى في جنونٍ مَنْ عقلْ
صدِّقِ الشرعَ ولا تركنْ إلى رجلٍ يرصدُ بالليلِ زحلْ
حارتِ الأفكارُ في قدرةِ مَنْ قدْ هدانا سبلاً عزَّ وجلْ
كتبَ الموتَ على الخلقِ فكمْ فلَّ مِنْ جَمْعٍ وأفنى منْ دُولْ
أينَ نمرودُ وكنعانُ ومَنْ ملكَ الأمرَ وولّى وعزَلْ
أينَ عادٌ أينَ فرعونُ ومَنْ رفعَ الأهرامَ مَنْ يسمعْ يخلْ
أينَ مَنْ سادوا وشادوا وبنوا هلكَ الكلُّ ولمْ تغنِ القللْ
أينَ أربابُ الحجا أهلُ النّهى أينَ أهلُ العلمِ والقومُ الأُوَلْ
سيعيدُ اللهُ كلاًّ منهمُ وسيجزي فاعلاً ما قدْ فعلْ
أيْ بنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ – 20 -حكماً خُصَّتْ بها خيرُ المللْ
اطلبِ العلمَ ولا تكسلْ فما أبعدَ الخيرَ على أهلِ الكسلْ
واحتفلْ للفقهِ في الدينِ ولا تشتغلْ عنهُ بمالٍ أوْ خَوَلْ
واهجرِ النومَ وحصِّلْهُ فَمَنْ يعرفِ المطلوبَ يحقرْ ما بذلْ
لا تقلْ قدْ ذهبَتْ أربابُهُ كلُّ مَنْ سارَ على الدربِ وصلْ
في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى وجمالُ العلمِ يا صاحِ العملْ
جمِّلِ المنطقَ بالنَّحوِ فَمَنْ يُحرمِ الإعرابَ في النطقِ اختبلْ
وانظمِ الشعرَ ولازمْ مذهبي فاطراحُ الرفدِ في الدنيا أقلْ(279/1)
فهْوَ عنوانٌ على الفضلِ وما أحسنَ الشعرَ إذا لمْ يُبتذلْ
ماتَ أهلُ الجودِ لم يبقَ سوى مُقرفٍ أوْ مَنْ على الأصلِ اتكلْ
أنا لا أختارُ تقبيلَ يدٍ-30- قطعُها أجملُ مِنْ تلكَ القبلْ
إنْ تُجِزْني عنْ مديحي صرتُ في رقِّها أوْ لا فيكفيني الخجلْ
أعذبُ الألفاظِ قولي لكَ خذْ وأمرُّ القولِ قولي بِلَعَلْ
مُلْكُ كسرى عنهُ تغني كِسرةٌ وعنْ البحرِ ارتشافٌ بالوشلْ
اعتبرْ نحنُ قَسَمْنا بينَهُمْ تلقَهُ حقاً وبالحقِّ نَزَلْ
ليسَ ما يحوي الفتى عَنْ عزمِهِ لا ولا ما فاتَ يوماً بالكسلْ
واتركِ الدنيا فمِنْ عاداتِها تخفضُ العالي وتعلي مَنْ سَفلْ
عيشةُ الزاهدِ في تحصيلِها عيشةُُ الجاهِدِ بلْ هذا أزلْ
كم جهولٍ وهْوَ مثرٍ مكثرٌ وحكيمٍ ماتَ منها بالعللْ
كم شجاعٍ لم ينلْ منها غنى وجبانٍ نالَ غاياتِ الأملْ
فاتركِ الحيلةَ فيها واتّئدْ –40- إنما الحيلةُ في تركِ الحيلْ
أيُّ كفٍّ لمْ تنلْ منها المنى فبلاها اللهُ منهُ بالشللْ
لا تقلْ أصلي وفصلي أبدا إنما أصلُ الفتى ما قدْ حصلْ
قدْ يسودُ المرءُ منْ غيرِ أبٍ وبحسنِ السبكِ قَدْ يُنْفى الزغلْ
وكذا الوردُ منَ الشوكِ وما ينبتُ النرجسُ إلا منْ بصلْ
معَ أني أحمَدُ اللهَ على نسبي إذْ بأبي بكرِ اتصلْ
قيمةُ الإنسانِ ما يحسِنُهُ أكثرَ الإنسانُ منهُ أوْ أقلْ
واكتمِ الأمرينِ فقراً وغنىً واكسبِ الفلسَ وحاسبْ مَنْ بَطَلْ
وادّرعْ جداً وكداً واجتنبْ صحبةَ الحمقى وأربابِ البخلْ
بينَ تبذيرٍ وبخلٍ رتبةً فكلا هذينِ إنْ زادَ قتلْ
لا تخضْ في سبِّ ساداتٍ مضَوا –50- إنهمْ ليسوا بأهلٍ للزللْ
وتغافلْ عنْ أمورٍ إنَّهُ لمْ يفزْ بالرفدِ إلاّ مَنْ غفلْ
ليسَ يخلو المرُْ عنْ ضدٍّ وإنْ حاولَ العزلةَ في رأسِ جبلْ
غبْ عنِ النمّامِ واهجرْهُ فما بلَّغَ المكروهَ إلاّ مَنْ نقلْ
دارِ جارَ الدارِ إنْ جارَ وإنْ لمْ تجدْ صبراً فما أحلى النقلْ(279/2)
جانبِ السلطانَ واحذرْ بطشَهُ لا تخاصمْ مَنْ إذا قالَ فعلْ
لا تلِ الحكمَ وإنْ همْ سألوا رغبةً فيكَ وخالفْ مَنْ عذَلْ
إنَّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمَنْ وليَ الأحكامَ ؛ هذا إنْ عدلْ
فهْوَ كالمحبوسِ عنْ لذّاتِهِ وكلا كفَّيْهِ في الحشرِ تُغَلْ
إنما النقصُ والاستثقالُ في لفظةِ القاضي لوعظٍ ومثلْ
لا توازى لذَةُ الحكمِ بما-60- ذاقَها المرءُ إذا المرْء انعزلْ
والولاياتُ وإنْ طابتْ لمَنْ ذاقَها فالسمُّ في ذاكَ العسلْ
نَصَبُ المنصبِ أوهى جَلَدي وعنائي منْ مداراةِ السفلْ
قصِّرِ الآمالَ في الدنيا تفزْ فدليلُ العقلِ تقصيرُ الأملْ
إنَّ مَنْ يطلبهُ الموتُ على غرّةٍ منهُ جديرٌ بالوجلْ
غِبْ وزُرْ غِبّاً تزدْ حباً فَمَنْ أكثرَ التردادَ أضناهُ المللْ
خذْ بنصلِ السيفِ واتركْ غِمْدَهُ واعتبرْ فضلَ الفتى دونَ الحللْ
حبُّكَ الأوطانَ عجزٌ ظاهرٌ فاغتربْ تلْقَ عنِ الأهلِ بدلْ
فبمكثِ الماءِ يبقى آسناً وسُرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ
أيها العائبُ قولي عـ بثاً إنَّ طيبَ الوردِ مؤذٍ بالجُعَلْ
عدِّ عَنْ أسهمِ لفظي واستترْ –70- لا يصيبنَّكَ سهمٌ مِنْ ثُعَلْ
لا يغرنَّكَ لينٌ مِنتْ فتى إنَّ للحيّاتِ لينٌ يُعتزَلْ
أنا مثلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ ومتى سُخِّنَ آذى وقتلْ
أنا كالخيروزِ صعبٌ كسرُهُ وهْوَ لدْنٌ كيفما شئتَ انفتلْ
غيرَ أني في زمانٍ مَنْ يكنْ فيهِ ذا مالٍ هوَ المولى الأجلْ
واجبٌ عندَ الورى إكرامُهُ وقليلُ المالِ فيهمْ يُستقلْ
كلُّ أهلِ العصرِ غمرٌ وأنا منهمُ فاتركْ تفاصيلَ الجملْ
******************(279/3)
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة
وقول جميل بثينة يقطر روعة ويسيل :
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة * * * وقد عشت دهرا لا أعدّ اللياليا
ألم تعلمي يا عذبة الماء أنني * * * أظلّ إذا لم أُسقَ ماءك صاديا
وودت على حبّي الحياة لو انّها * * * يزاد لها في عمرها من حياتيا
فما زادني الواشون إلا صبابة * * * ولا زادني النّاهون إلا تماديا
وقالوا به داء عياء أصابه * * * وقد علمت نفسي مكان دوائيا
هي السّحر إلا أنّ السّحر رقية * * * وإنّي لا ألفي لها الدّهر راقيا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها * * * وأشبهه أو كان منه مدانيا(280/1)
إعصار كاترينا الماضي ؟! هذا لعمري للأنام دليل !!
بسم الله الرحمن الرحيم
أعزائي أعضاء منتدى رواء الغالي :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فها أنا ذا أحببت أن أضع بين أيديكم قصيدة من بواكير إنتاجي , حيث خرجت من حس الشاعر رغماً عنه , خرجت حينما خالطت نفسي الفرحة والعظمة معاً , فرحة بحلول ذلك الإعصار المسمى بـ ( كاترينا ) في الولايات المتحدة الأمريكية , رأس الكفر والظلال , والتي تعزي تلك الظاهرة إلى غضب الطبيعة , خسئت والله من عالمة ؟!
وطمعاً في التأمل في عظمة الله عز وجل , فلم يكن ذلك الإعصار مدوياً للأمريكان فقط , ولكنه يحمل رسالة من شأنها أن تقوي الإيمان فيمن لا إيمان فيه , وأن تخلق الإسلام فيمن بحث عن طريق سواه , وأن تثبت المؤمن لئلا ينحني في تيارات الزيف والظلال
لن أطيل عليكم , أترككم مع القصيدة
هذا لعمري للأنام دليل ؟!
صرخت قلوبُ حين جاء عويلُ ........... وشموخ أبنية الرخام تميلُ
فتكلمت لغة القصيد لعاقلٍ ............ يصغي النصيحة والتقيُّ قليلُ
فالخطب جمُ والمداد سينتهي ............ والوجه مختلف الصفات عليلُ
بالأمس لاقينا عجائب قدرةٍ ............. في أبحر الطغيان دب هويلُ
فتحركت أفواه فلسفةِ الهوى ............ سخفاً وفي أقوالهم تعليلُ
فتقول ثارت في الطبيعة غضبةٌ ............ فبإثرها دنيا النعيم تزولُ
ما إن تهادت وارتضت عادت لنا .......... لجمالها تلك الجموع تسيلُ
أو ما تقول اليوم في (كترينةٍ) .............. أين البليغ وأيما تأويلُ؟!
جندُ من الرحمن سارت عزةً ............... في دولة (العظماء) هلّ نزيل
قد حطمت جدرانها وتشردتْ ............ جثث الضحايا.. فالمصاب جليلُ
وتيتم الأولاد وافتقد الضنا .............. ودخان ألهبة الحريق يطولُ
والمبصر الحيران قال مكفكفا: ............ كيف الخلاص وذا الطريق ضليلُ؟(281/1)
عجز القوي لإثرها وتقوست ............ تلك العجائز واستفاق شليلُ
وتصاعدت صرخاتهن وترجمتْ: ............ ترجو النجاة، وما لهن سبيلُ
فيقول ناجٍ: أرضنا كانت هنا ............ واليوم أرض صابها تحويلُ
ويقول راءٍ: أين قوات الحمى ........... في الجو ترقى للدفاع تصولُ؟!
كيف القوي يموت في عرصاتها ........... بل ينحني لهويلها ويميلُ؟!
والمرء منا والشريعة عندنا ........... تحكي بذاك الأمر وهي تقولُ:
سبحانه حط اللقاء بأمره ........... لا.. ليس عند وقوعه تبديلُ
أمر يراه المسلمون مواعظاً .......... والغرب أدهشهم وفاق قليلُ
والآن قلي في حوادث عصرنا ..........من معجزات تبتدي وتزولُ
فالغيم بلل في الأراضي بقعةً ........... والأرض تهوي والرياح تجولُ
فالله حق، والسلام لدينهِ ............ والمصطفى للمعرضين رسولُ
هذا الذي قرته قوة خالقٍ .......... هذا لعمري للأنام دليلٌ(281/2)
أغالب فيك الشوق و الشوق أغلب
للمتنبي
أغالب فيك الشوق و الشوق أغلب ... و أعجب من ذا الهجر و الوصل أعجب
أما تغلط الأيام في بأن أرى ... بغيضاً تنائي أو حبيباً تقرب
و لله سيري ما أقل تئيةً ... عشية شرقيي الحدالى و غرب
عشية أحفى الناس بي من جفوته ... و أهدى الطريقين التي أتجنب
و كم لظلام الليل عندك من يدٍ ... تخبر أن المانوية تكذب
و قاك ردى الأعداء تسري إليهم ... و زارك فيك ذو الدلال المحجب
و يومٍ كليل العاشقين كمنته ... أراقب فيه الشمس أيان تغرب
و عيني إلى أذني أغر كأنه ... من الليل باقٍ بين عينيه كوكب
له فضلةٌ عن جسمه في إرهابه ... تجيئ على صدرٍ رحيبٍ و تذهب
شققت به الظلماء أدني عنانه ... فيطغى و أرخيه مراراً فيلعب
و أصرع أي الوحش قفيته به ... و أنزل عنه مثله حين أركب
و ما الخيل إلا كالصديق قليلةٌ ... و إن كثرت في عين من لا يجرب
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... و أعضائها فالحسن عنك مغيب
لحا الله ذي الدنيا مناخاً لراكبٍ ... فكل بعيد الهم فيها معذب
ألا ليت شعري هل أقول قصيدة ... فلا أشتكي فيها و لا أتعتب
و بي ما يذود الشعر عني أقله ... و لكن قلبي يا بنة القوم قلب
و أخلاق كافورٍ إذا شئت مدحه ... و إن لم أشأ تملي علي فأكتب
إذا ترك الإنسان أهلاً وراءه ... و يمم كافوراً فما يتغرب
فتى يملأ الأفعال رأياً و حكمةً ... و نادرةً أحيان يرضى و يغضب
إذا ضربت في الحرب بالسيف كفه ... تبينت أن السيف بالكف يضرب
تزيد عطاياه على اللبث كثرةً ... و تلبث أمواه السحاب فتنضب
أبا المسك هل في الكأس فضلٌ أناله ... فإني أغني منذ حينٍ و تشرب
وهبت على مقدار كفي زماننا ... و نفسي على مقدار كفيك تطلب
إذا لم تنط بي ضيعةً أو ولايةً ... فجودك يكسوني و سفلك يسلب
يضاحك في ذا العيد كل حبيبه ... حذائي و أبكي من أحب و أندب
أحن إلى أهلي و أهوى لقاءهم ... و أين من المشتاق عنقاء مغرب(282/1)
فإن لم يكن إلا أبو المسك أوهم ... فإنك أحلى في فؤادي و أعذب
و كل امرئٍ يولي الجميل محبب ... و كل مكانٍ ينبت العز طيب
يريد بك الحساد ما الله دافعٌ ... و سمر العوالي و الحديد المذرب
و دون الذي يبغون ما لو تخلصوا ... إلى الموت منه عشت و الطفل أشيب
إذا طلبوا جدواك أعطوا و حكموا ... و إن طلبوا الفضل الذي فيك خيبوا
و لو جاز أن يحووا علاك وهبتها ... و لكن من الأشياء ما ليس يوهب
و أظلم أهل الأرض من بات حاسداً ... لمن بات في نعمائه يتقلب
و أنت الذي ربيت ذا الملك مرضعاً ... و ليس له أمٌ سواك و لا أب
و كنت له ليت العرين لشبله ... و ما لك إلا الهندواني مخلب
لقيت القنا عنه بنفسٍ كريمةٍ ... إلى الموت في الهيجا من العار تهرب
و قد يترك النفس التي لا تهابه ... و يخترم النفس التي تتهيب
و ما عدم اللاقوك بأساً و شدةً ... و لكن من لاقوا أشد و أنجب
ثناهم و برق البيض في البيض صادقٌ ... عليهم و برق البيض في البيض خلب
سللت سيوفاً علمت كل خاطبٍ ... على كل عودٍ كيف يدعو و يخطب
و يغنيك عما ينسب الناس أنه ... إليك تناهى المكرمات و تنسب
و أي قبيلٍ يستحقك قدره ... معد بن عدنانٍ فداك و يعرب
و ما طربي لما رأيتك بدعةً ... لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب
و تعذلني فيك القوافي و همتي ... كأني بمدحٍ قبل مدحك مذنب
و لكنه طال الطريق و لم أزل ... أفتش عن هذا الكلام و ينهب
فشرق حتى ليس للشرق مشرقٌ ... و غرب حتى ليس للغرب مغرب
إذا قلته لم يمتنع من وصوله ... جدارٌ معلًى أو خباءٌ مطنب(282/2)
أفاطم لو شهدتِ ببطن خبتٍ
قصيدة لعمرو ابن معد يكرب الزبيدي
أفاطم لو شهدتِ ببطن خبتٍ ******** وقد لاقى الهزبرُ أخاك بشرا
إذاً لرأيتِ ليثاً أمّ ليثاً ****** هزبراً أغلباً لاقى هزبرا
تبهنس إذا تقاعس منه مهري ******* محاذرةً ، فقلت عقرت مهرا
أنلْ قدميّ ظهر الأرض إني ******* رأيتُ الأرض أثبت منك ظهرا
فحين نزلت مدّ إليّ طرفاً ******* يُخال الموتُ يلمع منه شزرا
وقلتُ له وقد أبدى نصالاً ****** محددة ووجها مكفهرا
تدل بمخلب و بحد ناب ******* وبللحظات تحسبهن جمرا
وفي يمناي ماضي الحد أبقى ******* بمضربه قراعُ الحرب أثرا
ألم يبلغكَ مافعلتْ ظباه ******* بكاظمةٍ غداة لقيتُ عمرا
وقلبي مثلُ قلبك ليس يخشى ******* مصاولةً فكيف يخاف ذُعرا
نصحتك فالتمس يا ليث غيري ****** طعاماً إن لحمي كان مرّا
فلمّا ظنّ أن النصحَ غشٌ ****** فخالفني كأني قلتُ هُجرا
خطا وخطوتُ من أسدين راما ******* مراما كان إذ طلباه وعرا
يكفكف غيلة إحدى يديه ******* ويبسطُ للوثوب إليّ أخرى
هززتُ له الحسامَ فخلتُ أني ****** شققت به من الظلماءِ فجرا
وأطلقتُ المهندَ من يميني ****** فقدّ له من الأضلاع عشرا
فخرّ مضرجاً بدمٍ كأني ****** هدمتُ به بناء مشمخِرا
فقلتُ له يعزُّ عليّ أني ****** قتلتُ مماثلي جلداً وقهرا
ولكن رمتَ أمراً لم يرمهُ ****** سواك فلم أطق ياليث صبرا
تحاولُ أن تعلمني فراراً ****** لعمرُ أبيك قد حاولت نُكرا
فأن تك قد قتلت فليس عارا ****** فقد لاقيت ذا طرفين حُرا(283/1)
الباحة 11/12/1408هـ
لشاعرنا الدكتور : عبد الرحمن العشماوي
أقبلت ياعيد والاحزان أحزان ... * ... وفي ضمير القوافي ثار بركان
أقبلت ياعيد والرمضاء تلفحني ... * ... وقد شكت من غبار الدرب أجفان
أقبلت ياعيد هذي أرض حسرتنا ... * ... تموج موجا وأرض الانس قيعان
أقبلت ياعيد والظلماء كاشفة ... * ... عن رأسها وفؤاد البدر حيران
أقبلت ياعيد أجري اللحن في شفتي ... * ... رطبا فيغبطني أهل وإخوان
أقبلت ياعيد والاحزان نائمة ... * ... على فراشي وطرف الشوق سهران
من أين والمسجد الاقصى محطمة ... * ... آماله وفؤاده القدس ولهان
من أين نفرح ياعيد الجراح وفي ... * ... دروبنا جدر قامت وكثبان
أصبحت في يوم عيدي والسؤال على ... * ... ثغري يئن وفي الاحشاء نيران
أين الاحبة لا نجوى معطرة ... * ... بالذكريات ولاشيح وريحان
أين الاحبة لابدر يلوح لنا ... * ... ولانجوم بها الظلماء تزدان
أين الاحبة لابحر ولاجزر ... * ... تبدو ولاسفن تجري وشطآن
أين الاحبة وارتد السؤال إلى ... * ... صدري سهاما لها الطعن إمعان(284/1)
أقذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ
أمالي المرزوقي - (ج 1 / ص 50)
وقالت الخنساء بنت عمرو ترثي أخاها صخراً
أقذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ ... لا بلْ بكيتَ لمن أقوتْ لهُ الدَّارُ
تبكي لصخرٍ هي العبرَى وقد عبرتْ ... ودونهُ من ترابِ الأرضِ أستارُ
كأنَّ عيني لذكراهُ إذا خطرتْ ... فيضٌ يسيلُ على الخدَّينِ مدرارُ
تبكي خناسُ على صخرٍ وحقَّ لها ... أودى بهِ الدَّهرُ إنَّ الدَّهرَ عثّارُ
في جوفِ رمسٍ مقيماً قد تضمَّنه ... في قبرهِ مقمطرَّاتٌ وأحجارُ
يا صخرُ ورَّادُ ماءٍ لقد تناذرهُ ... أهلُ المواردِ ما في وردهِ عارُ
مشيَ السَّبنتى إلى هيجاءَ معضلةٍ ... لهُ سلاحانِ أنيابٌ وأظفارُ
مثلَ الرُّدينيّ لم تدنسْ شبيبتهُ ... كأنَّهُ تحتَ طيِّ البُردِ أسوارُ
جهمُ المحيَّا تضيءُ اللَّيلَ صورتهُ ... آباؤهُ من طوالِ السَّمكِ أحرارُ
رحبُ اليدينِ بفعلِ الخيرِ ذو فجرٍ ... ضخمُ الدَّسيعةِ بالخيراتِ أمَّارُ
جلدٌ مخيلٌ وهوبٌ بارعٌ يسرٌ ... وفي الحروبِ إذا لاقيتَ مسعارُ
حامي الحقيقةَ مهديُّ الطريقة ... ممحوضُ الخليقة نفَّاعٌ وضرَّارُ
حوَّاطُ قاصيةٍ قوَّالُ عاصيةٍ ... جزَّارُ قاصيةٍ للجيشِ جرَّارُ
فلتبكِ ناعيةٌ بالفجعِ داعيةٌ ... في يومِ واعيةٍ ما فيهِ إسرارُ
فعَّالُ ساميةٍ ورَّادُ طاميةٍ ... للمجدِ ناميةٍ تعنيهِ أسفارُ
حلوٌ حلاوتهُ فصلٌ مقالتهُ ... ماضٍ مريرتهُ في الهيجِ مغوارُ
فليبكِه مقترٌ وافى حريبتهُ ... دهرٌ وحالفهُ بؤسٌ وإقتارُ
أو رفقةٌ حارَ حاديهمْ بمظلمةٍ ... كأنَّ ظلمتَها في الطِّخيةِ القارُ
لم ترهْ جارةٌ يمشي بساحتِها ... لريبةٍ حينَ يُخلي بيتهُ الجارُ
ولا تراهُ لما في البيتِ يأكلهُ ... لكنَّه بارزٌ في الصُّبحِ مهمارُ
وإنَّ صخراً لمولانا وسيِّدُنا ... وإنَّ صخراً إذا نشْتو لنحَّارُ
وإنَّ صخراً لتأتمُّ الهداةُ بهِ ... كأنَّهُ علمٌ في رأسهِ نارُ(285/1)
فقلت لمَّا رأيتُ الدَّهرَ ليسَ له ... معاتبٌ دائبٌ يُسدي ونيّارُ
لقد نعى ابنُ نهيكٍ أخا ثقةٍ ... كانتْ ترجَّمُ عنهُ قبلُ أخبارُ
فبتُّ ساهرةً للنَّجمِ أرقبهُ ... حتَّى أتى دونَ غورِ النَّجمِ أستارُ
فما عجولٌ لذي بوٍّ تطيفُ به ... قد ساعدتَها على التَّحنانِ أظآرُ
أودى بهُ الدَّهرُ عنها فهيَ مزرمةٌ ... لها حنينانِ إصغارٌ وإكبارُ
ترتعُ ما غفلتْ حتَّى إذا ادَّكرتْ ... فإنَّما هي إقبالٌ وإدبارُ
يوماً بأوجعَ منِّي يومَ فارقَني ... صخرٌ وللدَّهرِ إحلاءٌ وإمرارُ
لا بدَّ من ميتةٍ في صرفِها غيرٌ ... والدَّهرُ في صرْفه حولٌ وأطوارُ(285/2)
أقَنَاعَة ً، مِنْ بَعدِ طُولِ جَفاءِ،
أبو فراس الحمداني
أقَنَاعَة ً، مِنْ بَعدِ طُولِ جَفاءِ، ... بدنوِّ طيفٍ منْ حبيبِ ناءِ!
بأبي وأمي شادنٌ قلنا لهُ : ... نَفْدِيكَ بِالأمّاتِ وَالآباءِ
رشأ إذا لحظَ العفيفَ بنظرة ٍ ... كانتْ لهُ سبباً إلى الفحشاءِ
وَجَنَاتُهُ تَجْني عَلى عُشّاقِهِ ... ببديعِ ما فيها من اللألآءِ
بِيضٌ عَلَتها حُمْرَة ٌ فَتَوَرّدَتْ ... مثلَ المدامِ خلطتها بالماءِ
فكأنما برزتْ لنا بغلالة ٍ ... بَيْضَاءَ تَحْتَ غِلالَة ٍ حَمْرَاءِ
كيفَ اتقاءُ لحاظهِ ؛ وعيوننا ... طُرُقٌ لأسْهُمِهَا إلى الأحْشاءِ؟
صَبَغَ الحَيَا خَدّيْهِ لَوْنَ مدامعي ... فكأنهُ يبكي بمثلِ بكائي
كيفَ اتقاءُ جآذرٍ يرميننا ... بظُبى الصّوَارِمِ من عيونِ ظِباءِ؟
يا ربِّ تلكَ المقلة ِ النجلاءِ ، ... حاشاكَ ممَّا ضمنتْ أحشائي؟
جازيتني بعداً بقربي في الهوى ... وَمَنَحْتَني غَدْراً بِحُسْنِ وَفائي
جَادتْ عِرَاصكِ يا شآمُ سَحَابَة ٌ ... عَرّاضة ٌ مِنْ أصْدَقِ الأنْواءِ!
بَلَدُ المَجَانَة ِ وَالخَلاعَة ِ وَالصِّبَا ... وَمَحَلُّ كُلِّ فُتُوّة ٍ وَفَتَاءِ
أنْوَاعُ زَهْرٍ وَالتِفَافُ حَدَائِقِ ... وَصَفَاءُ مَاءٍ وَاعْتِدالُ هَوَاءِ
وَخَرَائِدٌ مِثْلُ الدُّمَى يَسْقِينَنَا ... كَأسَيْنِ مِنْ لَحْظٍ وَمن صَهْبَاءِ
وَإذا أدَرْنَ على النَّدامَى كَأسَهَا ... غَنّيْنَنَا شِعْرَ ابنِ أوْسِ الطّائي
فارقتُ ، حينَ شخصتُ عنها ، لذتي ... وتركتُ أحوالَ السرورِ ورائي
و نزلتُ منْ بلدِ " الجزيرة ِ " منزلاً ... خلواً من الخلطاءِ والندماءِ
فَيُمِرُّ عِنْدي كُلُّ طَعْمٍ طَيّبٍ ... من رِيْقِهَا وَيَضِيقُ كُلُّ فَضَاءِ
ألشّامُ لا بَلَدُ الجَزيرة ِ لَذّتي ... و " قويق " لا ماءُ " الفراتِ " منائي
وَأبِيتُ مُرْتَهَنَ الفُؤادِ بِمَنبجَ السّـ ... ـوداءِ لا " بالرقة ِ " البيضاءِ
منْ مبلغُ الندماءِ : أني بعدهمْ ... أُمْسِي نَديمَ كوَاكِبِ الجَوْزَاءِ؟(286/1)
ولَقد رَعَيْتُ فليتَ شِعرِي من رَعى ... منكمْ على بعدِ الديارِ إخائي؟
فحمَ الغبيُّ وقلتُ غيرَ ملجلجٍ: ... إنّي لَمُشْتَاقٌ إلى العَلْيَاءِ
وَصِناعَتي ضَرْبُ السّيُوفِ وَإنّني ... مُتَعَرّضٌ في الشّعْرِ بِالشّعَرَاءِ
و اللهُ يجمعنا بعزٍ دائمٍ ... و سلامة ٍ موصولة ٍ ببقاءِ(286/2)
أقولُ ماذا يا ضُحَى يا غُرُوب؟
للبردوني ..
أقولُ ماذا يا ضُحَى يا غُرُوب؟
في القلبِ شَوْقٌ غيرُ ما في القُلُوب
في القلب غيرُ البُغْضِ، غيرُ الهوى
فكيف أحكِي يا ضجيجَ الدروب
ويا ثياباً ماشياتٍ على
مَشَاجِبٍ تَفتَرُّ فيها النُّدوب
ويا رصيفاً يحفرُ الصبرُ في لَوْحَيْهِ
تواريخَ الأسى والشُّحوب
ويا قُصُوراً يرتديها الخَنَى
وترتدي وجهَ النبيِّ الكذوب
ويا جُذوعاً لا يُنادي بها
إلاّ ثُقُوبٌ طَالباتٍ ثُقُوب
يا باعةَ التجميلِ هذي الحُلَى
تَهْدِي إلى ما تحتِها من عُيوب
* * *
أقولُ ماذا يا نَسِيمَ الصَّبَا
أقولُ ماذا يا رياحَ الجَنوب
الحرفُ يَحسو قَيئَهُ في فَمِي
والصمتُ أقسى من حسابِ الذُّنوب
وهذه الأحلامُ تُغْوِي كما
تُراوغُ الأعمى عجوزٌ لَعُوب
فعَلِّمِيني الحَرْقَ يا كَهْرُبَا
أو عَلِّمِيني يا رياحَ الهُبوب
أو مُدَّ لي يا بَرْقُ أفقاً سوى
هذا وبحراً غير ذاك الغَضُوب
أو حاولي يا سُحْبُ أن تُطفئي
قلبي عَسَى عَنْ قلبِهِ أنْ يَتُوب
* * *
من أغسقَ الأيامَ يا ريحُ هل
تدري الثريا أيَّ مَسْرَىً تَجُوب
كُلُّ المَدَى أيْدٍ ذُبابيةٌ
صفائحٌ مَكْسُوَّةٌ بالقُطُوب
حوائطٌ تَغدو وتَسري كما
تأتي على ريحِ الجفافِ السُّهوب
وقُبُّراتٌ حُوَّمٌ تَجتبي
سنابلاً يَحْوِينَ غيرَ الحُبوب
يا كُلَّ مِنْقارٍ تَنَاسى الطَّوى
لا تُزْعجِ القَحْطَ الأَكُولَ الشَّروب
* * *
أقول ماذا علّ قلبَ الثرى أظمى
إلى غيرِ السحابِ السَّكوب
هل في الربى يا شمسُ غيرُ الربى
هل للكُوَى معنىً خَبِيءُ الجيوب
والسفحُ هل فيهِ سواهُ وهل
في الورد غير اللون غير الطيوب
والشمسُ هل في طَيِّها غيرُها
سترحلُ الأولى وأخرى تَؤوب
يا شمسُ هل يدري الدُّجى والضُّحَى
مَنْ علَّمَ المنشودَ فَنَّ الهروب
كلٌّ لهُ مأساتُهُ لا أرى
فَرْقَاً ولكنَّ المآسي ضُرُوب
هل يَسْمعِ الإسفلتُ أوجاعَهُ
أو هل يَرَى سِرَّ الزحامِ الدؤوب
وهل يحس المُرْسِدِيس الذي يُزْجِي(287/1)
لأَضْنَى اللحم أقوى النيوب
هل للمواني أمنياتٌ تَرَى
تلك الوجوه الباديات اللغوب
هل تنطوي الشطآن تسعى إلى
مراكبِ العانين وقتَ الركوب
لكلِّ طَافٍ بَاطِنٌ رَاسِبٌ
سيرسب الطافي ويطفو الرسوب
* * *
يا كُلَّ آتٍ ما أَتَى مَرّةً
خُذْني وأرضِعني جديدَ الوثوب
وأحفرْ طريقاً ما رآه الذي
عن كُلِّ مَدْعُوٍّ وداعٍ يَنوب
في القلبِ شيءٌ ما لهُ سابقٌ
وفيهِ أخفى من نوايا الغيوب
فيه أمانٍ غيرُ كُلّ ا لمُنَى
فيه شُعُوبٌ غير هذي الشُّعُوب
لِمْ لاَ يذوب القلبُ مما بهِ
كم ذابَ لكنْ فيه ما لا يَذُوب
رَصَاصَةٌ تُعْنَى بإسكاتِهِ
ما أسكتتْ ما فيه حَتَّى الحُروب
يَهْتَزُّ للنيرانِ تَجْتاحه
مُرَدِّداً : كُلَّ كَريمٍ طَرُوب(287/2)
أقيموا بني أمي ، صدورَ مَطِيكم
للشنفرى المتوفي نحو 70 قبل الهجرة وهو ثابت بن أوس الأزدي الملقب بالشنفرى ، نشأ بين بني سلامان من بني فهم الذين أسروه وهو صغير ، فلما عرف بالقصة حلف أن يقتل منهم مائة رجل ، وقد تمكن من قتل تسعة وتسعين منهم ، وأما المائة فقيل إنه رفس جمجمة الشنفرى بعد موته فكانت سبباً في موته . وهو - أي الشنفرى - من أشهر عدَّائي الصعاليك كتأبط شراً وعمرو بن براقة ، ومن أشهرهم جرأة وقد عاش في البراري والجبال .
أقيموا بني أمي ، صدورَ مَطِيكم فإني ، إلى قومٍ سِواكم لأميلُ !
فقد حمت الحاجاتُ ، والليلُ مقمرٌ وشُدت ، لِطياتٍ ، مطايا وأرحُلُ؛
وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ
لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ
ولي ، دونكم ، أهلونَ : سِيْدٌ عَمَلَّسٌ وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ
هم الأهلُ . لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ لديهم ، ولا الجاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ
وكلٌّ أبيٌّ ، باسلٌ . غير أنني إذا عرضت أولى الطرائدِ أبسلُ
وإن مدتْ الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم ، إذ أجْشَعُ القومِ أعجل
وماذاك إلا بَسْطَةٌ عن تفضلٍ عَلَيهِم ، وكان الأفضلَ المتفضِّلُ
وإني كفاني فَقْدُ من ليس جازياً بِحُسنى ، ولا في قربه مُتَعَلَّلُ
ثلاثةُ أصحابٍ : فؤادٌ مشيعٌ ، وأبيضُ إصليتٌ ، وصفراءُ عيطلُ
هَتوفٌ ، من المُلْسِ المُتُونِ ، يزينها رصائعُ قد نيطت إليها ، ومِحْمَلُ
إذا زلّ عنها السهمُ ، حَنَّتْ كأنها مُرَزَّأةٌ ، ثكلى ، ترِنُ وتُعْوِلُ
ولستُ بمهيافِ ، يُعَشِّى سَوامهُ مُجَدَعَةً سُقبانها ، وهي بُهَّلُ
ولا جبأ أكهى مُرِبِّ بعرسِهِ يُطالعها في شأنه كيف يفعلُ
ولا خَرِقٍ هَيْقٍ ، كأن فُؤَادهُ يَظَلُّ به الكَّاءُ يعلو ويَسْفُلُ ،
ولا خالفِ داريَّةٍ ، مُتغَزِّلٍ ، يروحُ ويغدو ، داهناً ، يتكحلُ(288/1)
ولستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دُونَ خَيرهِ ألفَّ ، إذا ما رُعَته اهتاجَ ، أعزلُ
ولستُ بمحيار الظَّلامِ ، إذا انتحت هدى الهوجلِ العسيفِ يهماءُ هوجَلُ
إذا الأمعزُ الصَّوَّان لاقى مناسمي تطاير منه قادحٌ ومُفَلَّلُ
أُدِيمُ مِطالَ الجوعِ حتى أُمِيتهُ ، وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحاً ، فأذهَلُ
وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى لهُ عَليَّ ، من الطَّوْلِ ، امرُؤ مُتطوِّلُ
ولولا اجتناب الذأم ، لم يُلْفَ مَشربٌ يُعاش به ، إلا لديِّ ، ومأكلُ
ولكنَّ نفساً مُرةً لا تقيمُ بي على الضيم ، إلا ريثما أتحولُ
وأطوِي على الخُمص الحوايا ، كما انطوتْ خُيُوطَةُ ماريّ تُغارُ وتفتلُ
وأغدو على القوتِ الزهيدِ كما غدا أزلُّ تهاداه التَّنائِفُ ، أطحلُ
غدا طَاوياً ، يعارضُ الرِّيحَ ، هافياً يخُوتُ بأذناب الشِّعَاب ، ويعْسِلُ
فلمَّا لواهُ القُوتُ من حيث أمَّهُ دعا ؛ فأجابته نظائرُ نُحَّلُ
مُهَلْهَلَةٌ ، شِيبُ الوجوهِ ، كأنها قِداحٌ بكفيَّ ياسِرٍ ، تتَقَلْقَلُ
أو الخَشْرَمُ المبعوثُ حثحَثَ دَبْرَهُ مَحَابيضُ أرداهُنَّ سَامٍ مُعَسِّلُ ؛
مُهَرَّتَةٌ ، فُوهٌ ، كأن شُدُوقها شُقُوقُ العِصِيِّ ، كالحاتٌ وَبُسَّلُ
فَضَجَّ ، وضَجَّتْ ، بِالبَرَاحِ ، كأنَّها وإياهُ ، نوْحٌ فوقَ علياء ، ثُكَّلُ ؛
وأغضى وأغضتْ ، واتسى واتَّستْ بهِ مَرَاميلُ عَزَّاها ، وعَزَّتهُ مُرْمِلُ
شَكا وشكَتْ ، ثم ارعوى بعدُ وارعوت ولَلصَّبرُ ، إن لم ينفع الشكوُ أجملُ!
وَفَاءَ وفاءتْ بادِراتٍ ، وكُلُّها ، على نَكَظٍ مِمَّا يُكاتِمُ ، مُجْمِلُ
وتشربُ أسآرِي القطا الكُدْرُ ؛ بعدما سرت قرباً ، أحناؤها تتصلصلُ
هَمَمْتُ وَهَمَّتْ ، وابتدرنا ، وأسْدَلَتْ وَشَمَّرَ مِني فَارِطٌ مُتَمَهِّلُ
فَوَلَّيْتُ عنها ، وهي تكبو لِعَقْرهِ يُباشرُهُ منها ذُقونٌ وحَوْصَلُ
كأن وغاها ، حجرتيهِ وحولهُ أضاميمُ من سَفْرِ القبائلِ ، نُزَّلُ ،(288/2)
توافينَ مِن شَتَّى إليهِ ، فضَمَّها كما ضَمَّ أذواد الأصاريم مَنْهَل
فَعَبَّتْ غشاشاً ، ثُمَّ مَرَّتْ كأنها ، مع الصُّبْحِ ، ركبٌ ، من أُحَاظة مُجْفِلُ
وآلف وجه الأرض عند افتراشها بأهْدَأ تُنبيه سَناسِنُ قُحَّلُ ؛
وأعدلُ مَنحوضاً كأن فصُوصَهُ كِعَابٌ دحاها لاعبٌ ، فهي مُثَّلُ
فإن تبتئس بالشنفرى أم قسطلِ لما اغتبطتْ بالشنفرى قبلُ ، أطولُ !
طَرِيدُ جِناياتٍ تياسرنَ لَحْمَهُ ، عَقِيرَتُهُ في أيِّها حُمَّ أولُ ،
تنامُ إذا ما نام ، يقظى عُيُونُها ، حِثاثاً إلى مكروههِ تَتَغَلْغَلُ
وإلفُ همومٍ ما تزال تَعُودهُ عِياداً ، كحمى الرَّبعِ ، أوهي أثقلُ
إذا وردتْ أصدرتُها ، ثُمَّ إنها تثوبُ ، فتأتي مِن تُحَيْتُ ومن عَلُ
فإما تريني كابنة الرَّمْلِ ، ضاحياً على رقةٍ ، أحفى ، ولا أتنعلُ
فأني لمولى الصبر ، أجتابُ بَزَّه على مِثل قلب السَّمْع ، والحزم أنعلُ
وأُعدمُ أحْياناً ، وأُغنى ، وإنما ينالُ الغِنى ذو البُعْدَةِ المتبَذِّلُ
فلا جَزَعٌ من خِلةٍ مُتكشِّفٌ ولا مَرِحٌ تحت الغِنى أتخيلُ
ولا تزدهي الأجهال حِلمي ، ولا أُرى سؤولاً بأعقاب الأقاويلِ أُنمِلُ
وليلةِ نحسٍ ، يصطلي القوس ربها وأقطعهُ اللاتي بها يتنبلُ
دعستُ على غطْشٍ وبغشٍ ، وصحبتي سُعارٌ ، وإرزيزٌ ، وَوَجْرٌ ، وأفكُلُ
فأيَّمتُ نِسواناً ، وأيتمتُ وِلْدَةً وعُدْتُ كما أبْدَأتُ ، والليل أليَلُ
وأصبح ، عني ، بالغُميصاءِ ، جالساً فريقان : مسؤولٌ ، وآخرُ يسألُ
فقالوا : لقد هَرَّتْ بِليلٍ كِلابُنا فقلنا : أذِئبٌ عسَّ ؟ أم عسَّ فُرعُلُ
فلمْ تَكُ إلا نبأةٌ ، ثم هوَّمَتْ فقلنا قطاةٌ رِيعَ ، أم ريعَ أجْدَلُ
فإن يَكُ من جنٍّ ، لأبرحَ طَارقاً وإن يَكُ إنساً ، مَاكها الإنسُ تَفعَلُ
ويومٍ من الشِّعرى ، يذوبُ لُعابهُ ، أفاعيه ، في رمضائهِ ، تتملْمَلُ
نَصَبْتُ له وجهي ، ولاكنَّ دُونَهُ ولا ستر إلا الأتحميُّ المُرَعْبَلُ(288/3)
وضافٍ ، إذا هبتْ له الريحُ ، طيَّرتْ لبائدَ عن أعطافهِ ما ترجَّلُ
بعيدٍ بمسِّ الدِّهنِ والفَلْى عُهْدُهُ له عَبَسٌ ، عافٍ من الغسْل مُحْوَلُ
وخَرقٍ كظهر الترسِ ، قَفْرٍ قطعتهُ بِعَامِلتين ، ظهرهُ ليس يعملُ
وألحقتُ أولاهُ بأخراه ، مُوفياً على قُنَّةٍ ، أُقعي مِراراً وأمثُلُ
تَرُودُ الأراوي الصحمُ حولي ، كأنَّها عَذارى عليهنَّ الملاءُ المُذَيَّلُ
ويركُدْنَ بالآصالٍ حولي ، كأنني مِن العُصْمِ ، أدفى ينتحي الكيحَ أعقلُ(288/4)
ألا تَسْألانِ المَرْءَ ماذا يُحَاوِلُ
لبيد ربن ربيعة العامري
العصر ... مخضرم
عدد الأبيات ... 52
البحر ... طويل
الروي ... لام
الغرض ... رثاء
مصدر القصيدة ... الديوان (254-266)، بتحقيق إحسان عباس، نشر وزارة الإعلام، الكويت 1984م
1
ألا تَسْألانِ المَرْءَ ماذا يُحَاوِلُ *** أنَحْبٌ فيُقضَى أمْ ضَلالٌ وباطِلُ
2
حَبَائِلُهُ مَبْثُوثَةٌ بِسبَيلِهِ *** ويَفْنى إذاما أخطأتْهُ الحَبَائِلُ
3
إذا المَرْءُ أسْرَى لَيلَةً ظَنَّ أنَّهُ *** قَضَى عَمَلاً والمَرْءُ ما عاشَ عامِلُ
4
فَقُولا لَهُ إنْ كانَ يَقْسِمُ أمْرَهُ *** ألَمّا يَعِظْكَ الدَّهرُ أُمُّكَ هابلُ
5
فتَعْلَمَ أنْ لا أنتَ مُدْرِكُ ما مضَى *** وَلا أنتَ ممّا تَحذَرُ النّفسُ وَائِلُ
6
فإنْ أنتَ لم تَصْدُقْكَ نَفسُكَ فانتسبْ *** لَعَلَّكَ تهديكَ القُرُونُ الأوائِلُ
7
فإنْ لم تَجِدْ مِنْ دونِ عَدْنانَ باقيًا *** ودونَ مَعَدٍّ فَلْتَزَعْكَ العَوَاذِلُ
8
أرَى النَاسَ لاَ يَدرُونَ ما قَدرُ أمرِهمْ *** بلى: كلُّ ذي لُبٍّ إلى اللّهِ وَاسِلُ
9
ألا كُلُّ شيءٍ ما خَلا اللّهُ باطِلُ *** وكلُّ نَعيمٍ لا مَحَالَةَ زائِلُ
10
وكلُّ أُنَاسٍ سوْفَ تَدخُلُ بَينَهُمْ *** دُوَيْهِيَةٌ تَصفَرُّ مِنها الأنَامِلُ
11
وكلُّ امرئٍ يَوْمًا سَيَعْلَمُ سَعْيَهُ *** إذا كُشِّفَتْ عندَ الإلَهِ المَحاصِلُ
12
ليَبْكِ على النّعْمانِ شَرْبٌ وقَيْنَةٌ *** ومُخْتَبِطاتٌ كالسَّعالي أرامِلُ
13
لهُ المُلْكُ في ضاحي مَعَدٍّ وأسلَمَتْ *** إلَيهِ العِبادُ كُلُّها ما يُحاوِلُ
14
إذا مَسَّ أسْآرَ الطُّيُورِ صَفَتْ لَهُ *** مُشَعْشَعَةٌ مِمّا تُعَتِّقُ بابِلُ
15
عتيقُ سُلافاتٍ سَبَتْها سَفِينَةٌ *** تَكُرُّ عَلَيْها بالمزاجِ النَّياطِلُ
16
بأشْهَبَ مِنْ أبكارِ مُزْنِ سَحابَةٍ *** وَأرْيِ دَبُورٍ شَارَهُ النّحْلَ عاسِلُ
17(289/1)
تَكُرُّ عَلَيْهِ لا يُصَرِّدُ شُرْبَهُ *** إذاما انتَشَى لم تحْتَضِرْهُ العَوَاذِلُ
18
على ما تُرِيهِ الخمرُ إذْ جاشَ بحْرُهُ *** وَأوْشَمَ جُودٌ مِنْ نَداهُ وَوَابِلُ
19
فَيَوْمًا عُنَاةٌ في الحَديدِ يَفُكُّهُمْ *** ويَوْمًا جِيادٌ مُلْجَماتٌ قَوافِلُ
20
عَلَيْهِنَّ وِلْدانُ الرِّهانِ كأنَّهَا *** سَعَالٍ وعِقْبانٌ عَلَيهْا الرَّحائِلُ
21
إذا وَضَعُوا ألْبَادَها عَنْ مُتُونِهَا *** وَقَدْ نَضَحَتْ أعطافُها والكَواهِلُ
22
يُلاقُونَ مِنْها فَرْطَ حَدٍّ وجُرْأةٍ *** إذا لم تُقَوِّمْ دَرْأهُنَّ المَسَاحِلُ
23
ويَوْمًا مِنَ الدُّهْمِ الرِّغابِ كأنّها *** أشَاءٌ دَنا قِنْوَانُهُ أوْ مَجادِلُ
24
لهَا حَجَلٌ قَد قَرَّعَتْ مِن رُؤُوسِهِ *** لهَا فَوْقَهُ مِمّا تحَلَّبُ وَاشِلُ
25
بذي حُسَمٍ قد عُرِّيَتْ ويَزينُهَا *** دِمَاثُ فُلَيْجٍ رَهْوُها فالمَحافِلُ
26
وأسرَعَ فيها قَبلَ ذَلِكَ حِقْبَةً *** رُكَاحٌ فجَنْبَا نُقْدَةٍ فالمَغَاسِلُ
27
فإنَّ امرأً يَرْجُو الفَلاَحَ وَقَد رَأى *** سَوَامًا وَحَيًّا بالأُفاقَةِ جاهِلُ
28
غَداةَ غَدَوْا مِنْهَا وآزَرَ سَرْبَهُمْ *** مَواكِبُ تُحْدى بالغَبيطِ وجامِلُ
29
وَيَوْمَ أجازَتْ قُلَّةَ الحَزْنِ منْهُمُ *** مَواكِبُ تَعْلُو ذا حُسًى وقَنابِلُ
30
على الصَّرصَرَانِيَاتِ في كلَّ رِحْلةٍ *** وسُوُقٌ عِدالٌ لَيسَ فيهنَّ مائِلُ
31
تُساقُ وأطْفالُ المُصِيفِ كَأنّها *** حَوَانٍ على أطْلائِهِنَّ مَطافِلُ
32
حَقَائِبُهُمْ راحٌ عَتيقٌ ودَرْمَكٌ *** وَرَيْطٌ وَفاثُورِيَّةٌ وَسَلاسِلُ
33
وَما نِسَجَتْ أسْرَاد داود وابْنِهِ *** مضاعفَةٌ مِنْ نَسْجِهِ إذْ يُقابِلُ
34
وكانَتْ تُراثًا منْهُما لِمُحَرِّقٍ *** طَحُونٌ كأنَّ البَيْضَ فيها الأعابِلُ
35
إذاما اجْتَلاها مأزِقٌ وتَزَايَلَتْ *** وَأحْكَمَ أضْغَانَ القَتيرِ الغَلائِلُ
36(289/2)
أوَتْ للشِّياحِ واهتَدَى لصَليلِها *** كَتائِبُ خُضْرٌ ليسَ فيهِنَّ ناكِلُ
37
كأرْكانِ سَلْمَى إذْ بَدَتْ وكأنّها *** ذُرَى أجَإٍ إذْ لاحَ فيها مُواسِلُ
38
وبِيضٍ تَرَبَّتْهَا الهَوَادِجُ حِقْبَةً *** سَرَائِرُها والمُسْمِعاتُ الرَّوافِلُ
39
تَرُوحُ إذا رَاحَ الشَّرُوبُ كأنّها *** ظِباءُ شَقيقٍ لَيسَ فيهِنَّ عاطِلُ
40
يُجاوِبنَ بُحًّا قد أُعيدَتْ وَأسمحَتْ *** إذا احتَثَّ بالشِّرْعِ الدِّقاقِ الأناملُ
41
يُقَوِّمُ أُولاهُمْ إذا اعوَجَّ سِرْبُهُمْ *** مَوَاكِبُ وابنُ المُنذرِينَ الحُلاحِلُ
42
تَظَلُّ رَواياهُمْ تَبَرَّضْنَ مَنْعِجًا *** وَلَوْ وَرَدَتْهُ وَهْوَ رَيّانُ سائِلُ
43
فَلا قَصَبُ البَطحاءِ نَهْنَهَ وِرْدَهُمْ *** بِرِيٍّ وَلا العادِيُّ مِنْهُ العُدامِلُ
44
ومَا كادَ غُلاَّنُ الشُّرَيْفِ يَسَعْنَهُمْ *** بحَلّةِ يَوْمٍ والشُّرُوجُ القَوَابِلُ
45
ومُصْعَدُهمْ كيْ يَقْطعوا بطنَ مَنعِج *** فضاقَتْ بِهِمْ ذَرْعًا خزَازٌ وعاقِلُ
46
فبادُوا فَما أمسَى على الأَرضِ مِنهُمُ *** لعَمْرُكَ إلاّ أنْ يُخَبَّرَ سَائِلُ
47
كأنْ لم يكُنْ بالشِّرْعِ منهُمْ طلائِعٌ *** فلَمْ تَرْعَ سَحًّا في الرَّبيعِ القَنابِلُ
48
وبالرَّسِّ أوْصالٌ كأنَّ زُهاءَها *** ذِوَى الضَّمْرِ لمّا زالَ عَنها القبَائِلُ
49
وَغَسّانُ ذَلّتْ يَوْمَ جِلَّقَ ذِلَّةً *** بسَيِّدِها والأرْيَحِيُّ المُنازِلُ
50
رَعى خَرَزاتِ المُلْكِ عشرينَ حِجَّةً *** وعشرينَ حتى فادَ والشَّيبُ شامِلُ
51
وأمْسَى كأحْلامِ النِّيامِ نَعِيمُهُمْ *** وَأيُّ نَعِيمٍ خِلْتَهُ لا يُزَايِلُ
52
تَرُدُّ عَلَيْهِمْ لَيْلَةٌ أهْلَكَتْهُمُ *** وعامٌ وعامٌ يَتْبَعُ العامَ قَابِلُ(289/3)
إلا الرسول
غيرَ الحقيقةِ لا أقول*********** قد خابَ مَن شَتَمَ الرسول
شُتِمَ النَّبيُّ مُحمدٌ ************مِن كافرٍ وقِحٍ جَهول
تَباً لقومٍ سُذَّجٍ *************قد أحدثوا أمراً مَهول
خاضوا بِعِرضٍ طاهرٍ********** سُفهاءَ ليس لهم عُقول
قد صَوَّروه بمنظرٍ*********** صوراً أراها بلا أُصُول
شُلَّت يمينُ الراسمينَ*********** المارِقِينَ همُ الذُّيول
قالوا لنا حُريةٌ **************والغربُ قد دقَّ الطُّبُول
رباه زَلزلهم*************** ولا تُبقي لهم أبداً فُلُول
يا ويحهم يا ويلهم*********** يومَ التَّفرقِ والذُّهُول
فهُمُ البُغاةُ الحاقدونَ************ من الحُثالةِ والسُّفُول
وتراهُمُ في غَيهم ***********أحفادَ قَيصَرَ والمغُول
هل تَعلمُونَ بأنهم ***********لا يملكونَ سِوى العُجول؟
لا تشتروا أجبانهم*********** واستبدلوها بِالبُقُول
وعصيرُهم وحليبُهم*********** هذا الطَّعامُ من الفُضُول
بل قَاطِعوا إِنتاجَهم*********** نَصراً وحُباً للرسول
إنَّا لَنَطْلُبُ نَصْرَه ***********دوماً بأوقاتِ النُّزول
فالله مُنتقمٌ له ***********والظُّلمُ أبداً لن يطول
فكفاه شرَّ الهازئين*********** العابثينَ ذَوي الغُلُول
ذاك النَّبيُّ المُصْطَفى *********المُتواضِعُ السَّهلُ الوَصُول
الطَّاهِرُ المُتطهِّرُ ***********عنه المَكَارِمُ لا تَزُول
كَرَماً يَجُودُ بِفَضلِه*********** كالسُّحْبِ مِغداقٌٌ هَطُول
يا مُسلمون لِتدفعُوا********** ولتحفظوا عِرضَ الرسول
وامضُوا لنُصْرَةِ دِينِكم ***********وشِعَارُكم إلاَّ الرسول
وأقولُ قَولةَ صادقٍ ***********واللهُ يَشْهَدُ ما أقُول
رُوحي فِداءُ مُحمدٍ ***********واللهَ أسألُه القَبول
شعر : محمد بن حسن النعمي
الاثنين 6 / 2 / 1427هـ(290/1)
ألاَ حَيِّ لُبْنَى اليَوْمَ إنْ كُنْتَ غادِيا
قيس لبنى
ألاَ حَيِّ لُبْنَى اليَوْمَ إنْ كُنْتَ غادِيا وألمِمْ بِها مِن قَبلِ أنْ لا تَلاقِيا
وَأَهْدِ لها مِنْكَ النَّصْيحَة َ إنّها قَليلٌ ولا تَخْشَ الوُشَاة َ الأدانيا
وقُلْ إنَّني والرَّاقصات إلى مِنى ً بأجبُلِ جَمْعِ ينتظِرنَ المُناديا
أصُونكِ عن بعض الأمور مَضَنَّة ً وأَخْشَى عليكِ الكاشِحِينَ الأعادِيا
تَسَاقَطُ نَفْسِي حِينَ ألْقَاكِ أنْفُساً يَرِدْنَ فما يَصدُرنَ إلاّ صوادِيا
فإنْ أحْيَ أوْ أهْلِكْ فَلَسْتُ بِزَائِلٍ لكم حافِظاً ما بَلَّ رِيقي لسانِيا
أقُولُ إذا نَفْسِي مِنَ الوَجْدِ أصْعَدَتْ بها زَفرَة ٌ تَعتادُني هيَ ما هيا
وَبَيْنَ الحَشَا والنحْرِ مِنّي حَرَارَة ٌ وَلَوْعَة ُ وَجْدٍ تَتْرُكُ القَلْبَ ساهِيَا
أَلاَ لَيْتَ لُبْنَى لم تَكُنْ لي خُلَّة ً ولم تَرَنِي لُبْنَى وَلَمْ أدْرِ ما هِيَا
سلي النّاسَ هَلْ خَبَّرْتُ سِرَّكِ منهم أخا ثِقَة ٍ أو ظاهر الغِشِّ باديا
وأخرُجُ من بين البيوتِ لَعَلَّني أُحَدِّثَ عنكِ النَّفسَ في السِّرِّ خاليا
يقول لي الواشون لَمَّا تظاهَروا عَلَيْكِ وَأضْحَى الحَبْلُ لِلْبَيْنِ وَاهِيَا
لعمري لقَبل اليوم حُمِّلت ما تَرى وأُنذِرتَ مِن لُبنى الذي كنتَ لاقِيا
خَلِيلَيَّ مالي قَدْ بَلِيتُ ولاَ أرَى لُبنى على الهجرانِ إلاَّ كما هيا
ألا يا غُرَابَ البَيْنِ ما لَكَ كُلَّما ذكرتُ لُبينى طِرتَ لِي عَن شِماليا
أعِنْدَكَ عِلْمُ الغَيْبِ أم لَسْتَ مُخْبِري عَنِ الحَيِّ إلاَّ بالذي قد بَدا ليا
فَلاَ حَمَلَتْ رِجْلاَكَ عُشّاً لِبَيْضَة ٍ ولا زالَ عَظمٌ مِنْ جناحِكَ واهيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسْمَاءِ ما وَافَقَ اسْمَهَا وأشبَهه أو كان مِنهُ مُدانِيا
وَمَا ذُكِرَتْ عِنْدِي لها منْ سَمِيَّة ٍ مِنَ النَّاسِ إلاّ بَلَّ دَمْعِي رِدَائِيَا(291/1)
جزِعْتُ عليها لو أرى لي مَجزعاً وأفْنَيْتُ دَمْعَ العَيْنِ لو كَانَ فَانِيا
حَيَاتَكَ لا تُغْلَبْ عليها فإنَّهُ كَفَى بالذي تَلْقَى لِنَفْسِكَ ناهِيَا
أشَوقاً وَلَمّا تَمْضِ لي غَيْرُ لَيْلَة ٍ روُيَدَ الهوى حتَّى يَغُبَّ لياليا
تَمُرُّ اللَّيالي والشُّهُورُ ولا أرَى وَلُوعي بها يَزْدَادُ إلاّ تَمَادِيَا
وقَدْ يَجمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيْنِ بَعدَما يَظُنَّان كُلَّ الظَّنِّ أنْ لا تلاقيا
فَما عَن نوالٍ مِن لُبنى زيارتي ولا قِلَّة ُ الإلمام أن كُنتُ قاليا
ولَكِنَّها صَدَّتْ وحُمِّلْتُ مِنْ هوًى لها ما يَئُودُ الشَّامخاتِ الرَّواسيا
وإني لاستغشي وما بين نعسة لعلّ خيالاً منكِ يلقى خياليا
==============
تذكرتُ ليلى والسنين الخواليا ( المؤنسة )
قيس بن الملوح (مجنون ليلى)
تذكرت ليلى والسنين الخواليا وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا
ويوم كظل الرمح قصرت ظله بليلى فلهاني وما كنت لاهيا
بثمدين لاحت نار ليلى وصحبتي بذات الغضى تزجي المطي النواجيا
فقال بصير القوم وألمحت كوكبا بدا في سواد الليل فرداً يمانيا
فقلت له بل نار ليلى توقدت بعليا تسامى ضوؤها فبدا ليا
فليت ركاب القوم لم تقطع الغضى وليت الغضى ماشى الركاب لياليا
فياليل كم من حاجةٍ لي مهممةٍ إذا جئتكم بالليل لم أدر ماهيا
خليلي إن لا تبكياني ألتمس خليلاً إذا أنزفت دمعي بكى ليا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ان لا تلاقيا
لحى الله أقواماً يقولون إننا وجدنا طوال الدهر للحب شافيا
ولم ينسني ليلى أفتقار ولا غنى ولا توبة حتى أحتضنت السواريا
ولا نسوة صبغن كيداء جلعداً لتشبه ليلى ثم عرضناها ليا
خليلي لا والله لا أملك الذي قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا
قضاها لغيري وابتلاني بحبها فهلاِِ بشئٍ غير ليلى ابتلانيا
وخبرتماني أن تيماء منزلاً لليلى إذا ماالصيف ألقى المراسيا
فهذه شهور الصيف عنا قد انقضت فما للنوى ترمي بليلى المراميا(291/2)
فلو أن واشٍ باليمامة داره وداري بأعلى حضرموت أهتدى ليا
وماذا لهم لا أحسن الله حالهم من الحظ في تصريم ليلى حباليا
وقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل بي النقض والإبرام حتى علانيا
فيا رب سوِِ الحب بيني وبينها يكون كفافاً لا عليا ولا ليا
فما طلع النجم الذي يهتدى به ولا الصبح الا هيجا ذكرها ليا
ولا سرت ميلاً من دمشق ولا بدا سهيلٍ لأهل الشام إلأ بدا ليا
ولا سُميت عندي لها من سميةٍ من الناس إلا بل دمعي ردائيا
ولا هبت الريح الجنوب لأرضها من الليل إلا بت للريحِ حانيا
فأن تمنعوا ليلى وتحموا بلادها علي فلن تحمواعلي القوافيا
فأشهد عند الله أني أُحبهاُ فهذا لها عندي فما عندها ليا
قضى الله بالمعروف منها لغيرنا وبالشوق مني والغرامِ قضى ليا
وأن الذي أملتُ يأم مالك أشاب فويدي واستهان فواديا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة وقد عشت دهراً لا اعد اللياليا
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالليل خاليا
أراني إذا صليت يممت نحوها بوجهي وأن كان المصلي ورائيا
ومابي إشراك ولكن حبها وعظم الجوى اعيا الطبيب المداويا
احب من الأسماء ما وافق اسمها أو أشبهه أو كان منه مدانيا
خليلي ليلى أكبر الحاجِ والمُنى فمن لي بليلى أو فمن ذا لها بيا
لعمري لقد أبكيتني ياحمامة العقيق وأبكيت العيون البواكيا
لعمري لقد أبكيتني ياحمامة العقيق وأبكيت العيون البواكيا
خليلي ما أرجوا من العيش بعدما أرى حاجتي تشرى ولا تشترى ليا
فيا رب إذ صيرت ليلى هي المنى فزني بعبينها كما زنتها ليا
وتُجرِم ليلى ثم تعزم أنني سلوت ولا يخفى على الناس ما بيا
و إلا فبغضها إلي وأهلها فإني بليلى قد لقيت الدواهيا
فلم أرى مثلينا خليلي صبابةً أشد على رغم الأعادي تصافيا
خليلي أن ضنوا بليلى فقربا لي النعس والأكفان واستغفرا ليا
خليلي أن ضنوا بليلى فقربا لي النعس والأكفان واستغفرا ليا
خليلان لا نرجوا القاء ولا نرى خليلين لا يرجوان التلاقيا(291/3)
ألا في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعلُ
لأبي العلاء المعري
ألا في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعلُ ***** عَفافٌ وإقْدامٌ وحَزْمٌ ونائِلُ
أعندي وقد مارسْتُ كلّ خَفِيّةٍ ***** يُصَدَّقُ واشٍ أو يُخَيَّبُ سائل؟
أقَلُّ صُدودي أنّني لكَ مُبْغِضٌ ***** وأيْسَرُ هَجْري أنني عنكَ راحل
إذا هَبّتِ النكْباءُ بيْني وبينَكُمْ ***** فأهْوَنُ شيْءٍ ما تَقولُ العَواذِل
تُعَدّ ذُنوبي عندَ قَوْمٍ كثِيرَةً ***** ولا ذَنْبَ لي إلا العُلى والفواضِل
كأنّي إذا طُلْتُ الزّمانَ وأهْلَهُ ***** رَجَعْتُ وعِنْدي للأنامِ طَوائل
وقد سارَ ذكْري في البلادِ فمَن لهمْ ***** بإخفاءِ شمسٍ ضَوْؤها مُتكامل؟
يُهِمّ الليالي بعضُ ما أنا مُضْمِرٌ ***** ويُثْقِلُ رَضْوَى دونَ ما أنا حامِل
وإني وإن كنْتُ الأخيرَ زمانُهُ ***** لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائل
وأغدو ولو أنّ الصّباحَ صارِمٌ ***** وأسْرِي ولو أنّ الظّلامَ جَحافل
وإني جَوادٌلم يُحَلّ لِجامُهُ ***** ونِضْوٌ يَمانٍ أغْفَلَتْهُ الصّياقل
وإنْ كان في لُبسِ الفتى شرَفٌ له ***** فما السيْفُ إلاّ غِمْدُه والحمائل
ولي مَنطقٌ لم يرْضَ لي كُنْهَ مَنزلي ***** على أنّني بين السّماكينِ نازِل
لَدى موْطِنٍ يَشتاقُه كلُّ سيّدٍ ***** ويَقْصُرُ عن إدراكه المُتناوِل
ولما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً ***** تجاهلْتُ حتى ظُنّ أنّيَ جاهل
فوا عَجَبا! كم يدّعي الفضْلَ نَاقصٌ ***** ووا أسَفا! كم يُظهِرُ النّقصَ فاضل
وكيف تَنامُ الطيرُ في وُكُناتِها ***** وقد نُصِبتْ للفَرْقَدَينِ الحَبائل؟
يُنافسُ يوْمي فيّ أمسي تَشرّفاً ***** وتَحسدُ أسْحاري عليّ الأصائل
وطال اعتِرافي بالزمانِ وصَرفِه ***** فلَستُ أُبالي مَنْ تَغُولُ الغَوائل
فلو بانَ عَضُدي ما تأسّفَ مَنكِبي ***** ولو ماتَ زَنْي ما بَكَتْه الأنامل
إذا وَصَفَ الطائيَّ بالبُخلِ مادِرٌ ***** وعَيّرَ قُسّاً بالفَهاهةِ باقِل(292/1)
وقال السُّهى للشمس أنْتِ خَفيّةٌ ***** وقال الدجى يا صُبْحُ لوْنُكَ حائل
وطاوَلَتِ الأرضُ السّماءَ سَفاهَةً ***** وفاخَرَتِ الشُّهْبَ الحَصَى والجَناد
فيا موْتُ زُرْ! إنّ الحياةَ ذَميمَةٌ ***** ويا نَفْسُ جِدّي! إنّ دهرَكِ هازِل
وقد أغْتَدي والليلُ يَبكي تأسّفاً ***** على نفْسهِ والنّجْمُ في الغرْبِ مائل
بِريحٍ أُعيرَتْ حافِراً من زَبَرْجَدٍ ***** لها التّبرُ جِسْمٌ واللُّجَينُ خَلاخل
كأنّ الصَّبا ألْقَتْ إليّ عِنانَها ***** تَخُبّ بسَرْجي مَرّةً وتُناقِل
إذا اشتاقَتِ الخيلُ المَناهلَ أعرَضَتْ ***** عنِ الماء فاشتاقتْ إليها المناهل
وليْلانِ حالٍ بالكواكبِ جَوْزُه ***** وآخرُ من حَلْيِ الكواكبِ عاطل
كأنّ دُجاهُ الهجْرُ والصّبْحُ موْعدٌ ***** بوَصْلٍ وضَوْءُ الفجرِ حِبٌّ مُماطل
قطَعْتُ به بحْراً يَعُبّ عُبابُه ***** وليس له إلا التبَلّجَ ساحل
ويُؤنِسُني في قلْبِ كلّ مَخوفَةٍ ***** حلِيفُ سُرًى لم تَصْحُ منه الشمائل
من الزّنْجِ كَهلٌ شابَ مفرِقُ رأسِه ***** وأُوثِقَ حتى نَهْضُه مُتثاقِل
كأنّ الثرَيّا والصّباحُ يرُوعُها ***** أخُو سَقْطةٍ أو ظالعٌ مُتحامل
إذا أنْتَ أُعطِيتَ السعادة لم تُبَلْ ***** وإنْ نظرَتْ شَزْراً إليكَ القبائل
تَقَتْكَ على أكتافِ أبطالها القَنا ***** وهابَتْكَ في أغمادهِنّ المَناصِل
وإنْ سدّدَ الأعداءُ نحوَكَ أسْهُماً ***** نكَصْنَ على أفْواقِهِنّ المَعابل
تَحامى الرّزايا كلَّ خُفّ ومَنْسِمٍ ***** وتَلْقى رَداهُنّ الذُّرَى والكواهِل
وتَرْجِعُ أعقابُ الرّماحِ سَليمَةً ***** وقد حُطِمتْ في الدارعينَ العَوامل
فإن كنْتَ تَبْغي العِزّ فابْغِ تَوَسّطاً ***** فعندَ التّناهي يَقْصُرُ المُتطاوِل
تَوَقّى البُدورُ النقصَ وهْيَ أهِلّةٌ***** ويُدْرِكُها النّقْصَانُ وهْيَ كوامل(292/2)
ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ
جميل بثينة
ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ ودهراً تولى، يا بثينَ، يعودُ
فنبقى كما كنا نكونُ، وأنتمُ قريبٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ
وما أنسَ، الأشياءِ لا أنسَ قولها وقد قربتْ نضوي، أمصرَ تريدُ
ولا قولها: لولا العيونُ التي ترى لزرتكَ فاعذرني فدتكَ جدودُ
خليلي، ما ألقى من الوجدِ باطنٌ ودمعي بما أخفيَ، الغداةَ، شهيدُ
ألا قد أرى، واللهِ أنْ ربّ عبرةٍ إذا الدارُ شطتْ بيننا، ستزيدُ
إذا قلتُ: ما ربي يا بثينةُ قاتلي منَ الحبّ، قالت: ثابتٌ، ويزيدُ
وإن قلتُ: رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ تولتْ وقالتْ: ذاكَ منكَ بعيدُ
فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالباً ولا حبها فيما يبيدُ يبيدُ
جزتكَ الجواري، يا بثينَ، سلامةً إذا ما خليلٌ بانَ وهوَ حميدُ
وقلتُ لها، بيني وبينكِ، فاعلمي منَ اللهِ ميثاقٌ لهُ وعهودٌ
وقد كانَ حبيكمْ طريفاً وتالداً وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ
وإنّ عروضَ الوصلِ بيني وبينها وإنْ سهلتهُ بالمنى، لكؤودُ
وأفنيتُ عمري بانتظاري وعدها وأبليتُ فيها الدهرَ وهوَ جديدُ
فليتَ وشاةَ الناسِ، بيني وبينها يدوفُ لهمُ سماً طماطمُ سودُ
وليتهمُ، في كلّ ممسىً وشارقٍ تضاعفُ أكبالُ لهم وقيودُ
ويحسبُ نسوانٌ منَ الجهلِ أنني إذا جئتُ، إياهنَّ كنتُ أريدُ
فأقسمُ طرفي بينهنّ فيستوي وفي الصدرِ بونٌ بينهنّ بعيدُ
ألا ليتَ شعري، هلَ أبيتنّ ليلةً بوادي القرى؟ إني إذنْ لسعيدُ
وهل أهبطنَ أرضاً تظلُّ رياحها لها بالثنايا القاوياتِ وئيدِ
وهل ألقينْ سعدى من الدهرِ مرةً وما رثَ منْ حبلِ الصفاءِ جديدُ
وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرقٍ وقد تدركُ الحاجاتُ وهي بعيدُ
وهل أزجرنْ حرفاً علاةً شملةً بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ
على ظهرِ مرهوبٍ، كأنّ نشوزةً إذا جازَ هلاكُ الطريقِ، رقودُ
سبتني بعيني جؤذرٍ وسطَ ربربٍ وصدرٌ كفاثورِ اللجينَ جيدُ
تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها مباهيةٌ، طيَّ الوشاحِ، ميودُ(293/1)
إذا جئتها يوماً من الدهرِ زائراً تعرضَ منفوضُ اليدينِ، صدودُ
يصدُّ ويغضي عنَ هوايَ، ويجتبي ذنوباً عليها، إنهُ لعنودُ
فأصرمها خوفاً، كأني مجانبُ ويغفلُ عن مرةً فنعودُ
ومن يعطَ في لدنيا قريناً كمثلها فذلكَ في عيشِ الحياةِ رشيدُ
يموتُ الهوى مني إذا ما لقيتها ويحيا، إذا فرقتها، فيعودُ
يقولون: جاهدْ، يا جميلُ، بغزوةٍ وأيّ جهادٍ، غيرهنّ، أريدُ
لكلّ حديثِ بينهنّ بشاشةُ وكلُّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ
واحسنُ أيامي وأبهجُ عيشتي إذا هيجَ بي يوماً وهنّ قعودُ
تذكرتُ ليلى، فالفؤادُ عميدُ وشطتْ نواها، فالمزارُ بعيدُ
علقتُ الهوى منها وليداً، فلم يزلْ إلى اليومِ ينمي حبه ويزيدُ
فما ذكرَ الحلانُ إلاّ ذكرتها ولا البخلُ إلاّ قلتُ سوفَ تجودُ
إذا فكرتْ قالت: قد أدركتُ ودهُ وما ضرني بخلي، فكيفَ أجودُ
فلو تكشفُ الأحشاءُ صودفَ تحتها لبثنةَ حبُ طارفٌ وتليدُ
ألمْ تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني أضاحكُ ذكراكم وأنتِ صلودُ
فهلْ ألقينْ فرداً بثينةَ ليلةً تجودُ لنا منْ ودها وتجودُ
ومن كانَ في حبي بثينةَ يمترى فبرقاءُ ذي ضالٍ عليّ شهيدُ(293/2)
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا ( معلقة )
عمرو بن كلثوم
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا وَلاَ تُبْقِي خُمُوْرَ الأَنْدَرِيْنَا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَا إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَا
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ إِذَا مَا ذَاقَهَا حَتَّى يَلِيْنَا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ عَلَيْهِ لِمَالِهِ فِيْهَا مُهِيْنَا
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَا
وَمَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ أُمَّ عَمْرٍو بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَا
وَكَأْسٍ قَدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَكٍّ وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَا
وَإِنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَايَا مُقَدَّرَةً لَنَا وَمُقَدِّرِيْنَا
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنَا نُخَبِّرْكِ اليَقِيْنَ وَتُخْبِرِيْنَا
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِيْنَا
بِيَوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْناً أَقَرَّ بِهِ مَوَالِيْكِ العُيُوْنَا
وَأنَّ غَداً وَأنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ وَبَعْدَ غَدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَا
تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَلاَءٍ وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَا
ذِرَاعِي عَيْطَلٍ أَدَمَاءَ بِكْرٍ هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَا
وثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصاً حَصَاناً مِنْ أُكُفِّ اللاَمِسِيْنَا
ومَتْنَى لَدِنَةٍ سَمَقَتْ وطَالَتْ رَوَادِفُهَا تَنوءُ بِمَا وَلِيْنَا
وَمأْكَمَةً يَضِيقُ البَابُ عَنْهَا وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَا
وسَارِيَتِي بَلَنْطٍ أَو رُخَامٍ يَرِنُّ خَشَاشُ حَلِيهِمَا رَنِيْنَا
فَمَا وَجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقبٍ أَضَلَّتْهُ فَرَجَّعتِ الحَنِيْنَا
ولاَ شَمْطَاءُ لَم يَتْرُك شَقَاهَا لَها مِن تِسْعَةٍ إلاَّ جَنِيْنَا(294/1)
تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّا رَأَيْتُ حُمُوْلَهَا أصُلاً حُدِيْنَا
فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِيْنَا
أَبَا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِيْنَا
بِأَنَّا نُوْرِدُ الرَّايَاتِ بِيْضاً وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَا
وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍ عَصَيْنَا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَا
وَسَيِّدِ مَعْشَرٍ قَدْ تَوَّجُوْهُ بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِيْنَا
تَرَكْنَ الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُوْنَا
وَأَنْزَلْنَا البُيُوْتَ بِذِي طُلُوْحٍ إِلَى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوْعِدِيْنَا
وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّا وَشَذَّبْنَا قَتَادَةَ مَنْ يَلِيْنَا
مَتَى نَنْقُلْ إِلَى قَوْمٍ رَحَانَا يَكُوْنُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِيْنَا
يَكُوْنُ ثِقَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ وَلُهْوَتُهَا قُضَاعَةَ أَجْمَعِيْنَا
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّا فَأَعْجَلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُوْنَا
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُوْنَا
نَعُمُّ أُنَاسَنَا وَنَعِفُّ عَنْهُمْ وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُوْنَا
نُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوْفِ إِذَا غُشِيْنَا
بِسُمْرٍ مِنْ قَنَا الخَطِّيِّ لُدْنٍ ذَوَابِلَ أَوْ بِبِيْضٍ يَخْتَلِيْنَا
كَأَنَّ جَمَاجِمَ الأَبْطَالِ فِيْهَا وُسُوْقٌ بِالأَمَاعِزِ يَرْتَمِيْنَا
نَشُقُّ بِهَا رُؤُوْسَ القَوْمِ شَقًّا وَنَخْتَلِبُ الرِّقَابَ فَتَخْتَلِيْنَا
وَإِنَّ الضِّغْنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَبْدُو عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِيْنَا
وَرِثْنَا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ نُطَاعِنُ دُوْنَهُ حَتَّى يَبِيْنَا(294/2)
وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّتْ عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِيْنَا
نَجُذُّ رُؤُوْسَهُمْ فِي غَيْرِ بِرٍّ فَمَا يَدْرُوْنَ مَاذَا يَتَّقُوْنَا
كَأَنَّ سُيُوْفَنَا منَّا ومنْهُم مَخَارِيْقٌ بِأَيْدِي لاَعِبِيْنَا
كَأَنَّ ثِيَابَنَا مِنَّا وَمِنْهُمْ خُضِبْنَ بِأُرْجُوَانِ أَوْ طُلِيْنَا
إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسْنَافِ حَيٌّ مِنَ الهَوْلِ المُشَبَّهِ أَنْ يَكُوْنَا
نَصَبْنَا مِثْلَ رَهْوَةِ ذَاتَ حَدٍّ مُحَافَظَةً وَكُنَّا السَّابِقِيْنَا
بِشُبَّانٍ يَرَوْنَ القَتْلَ مَجْداً وَشِيْبٍ فِي الحُرُوْبِ مُجَرَّبِيْنَا
حُدَيَّا النَّاسِ كُلِّهِمُ جَمِيْعاً مُقَارَعَةً بَنِيْهِمْ عَنْ بَنِيْنَا
فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنَا عَلَيْهِمْ فَتُصْبِحُ خَيْلُنَا عُصَباً ثُبِيْنَا
وَأَمَّا يَوْمَ لاَ نَخْشَى عَلَيْهِمْ فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّبِيْنَا
بِرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشْمٍ بِنْ بَكْرٍ نَدُقُّ بِهِ السُّهُوْلَةَ وَالحُزُوْنَا
أَلاَ لاَ يَعْلَمُ الأَقْوَامُ أَنَّا تَضَعْضَعْنَا وَأَنَّا قَدْ وَنِيْنَا
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَا
بِاَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرُو بْنَ هِنْدٍ نَكُوْنُ لِقَيْلِكُمْ فِيْهَا قَطِيْنَا
بِأَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ تُطِيْعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِيْنَا
تَهَدَّدُنَا وَتُوْعِدُنَا رُوَيْداً مَتَى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِيْنَا
فَإِنَّ قَنَاتَنَا يَا عَمْرُو أَعْيَتْ عَلى الأَعْدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِيْنَا
إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةً زَبُوْنَا
عَشَوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّت تَشُجُّ قَفَا المُثَقِّفِ وَالجَبِيْنَا
فَهَلْ حُدِّثْتَ فِي جُشَمٍ بِنْ بَكْرٍ بِنَقْصٍ فِي خُطُوْبِ الأَوَّلِيْنَا(294/3)
وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْفٍ أَبَاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَا
وَرَثْتُ مُهَلْهِلاً وَالخَيْرَ مِنْهُ زُهَيْراً نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِيْنَا
وَعَتَّاباً وَكُلْثُوْماً جَمِيْعاً بِهِمْ نِلْنَا تُرَاثَ الأَكْرَمِيْنَا
وَذَا البُرَةِ الذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلتَجِينَا
وَمِنَّا قَبْلَهُ السَّاعِي كُلَيْبٌ فَأَيُّ المَجْدِ إِلاَّ قَدْ وَلِيْنَا
مَتَى نَعْقِد قَرِيْنَتَنَا بِحَبْلٍ تَجُذَّ الحَبْلَ أَوْ تَقْصِ القَرِيْنَا
وَنُوْجَدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَاراً وَأَوْفَاهُمْ إِذَا عَقَدُوا يَمِيْنَا
وَنَحْنُ غَدَاةَ أَوْقِدَ فِي خَزَازَى رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِيْنَا
وَنَحْنُ الحَابِسُوْنَ بِذِي أَرَاطَى تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُوْرُ الدَّرِيْنَا
وَنَحْنُ الحَاكِمُوْنَ إِذَا أُطِعْنَا وَنَحْنُ العَازِمُوْنَ إِذَا عُصِيْنَا
وَنَحْنُ التَّارِكُوْنَ لِمَا سَخِطْنَا وَنَحْنُ الآخِذُوْنَ لِمَا رَضِيْنَا
وَكُنَّا الأَيْمَنِيْنَ إِذَا التَقَيْنَا وَكَانَ الأَيْسَرِيْنَ بَنُو أَبَيْنَا
فَصَالُوا صَوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْهِمْ وَصُلْنَا صَوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْنَا
فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا وَأُبْنَا بِالمُلُوْكِ مُصَفَّدِيْنَا
إِلَيْكُمْ يَا بَنِي بَكْرٍ إِلَيْكُمْ أَلَمَّا تَعْرِفُوا مِنَّا اليَقِيْنَا
أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنَّا وَمِنْكُمْ كَتَائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرْتَمِيْنَا
عَلَيْنَا البَيْضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِي وَأسْيَافٌ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِيْنَا
عَلَيْنَا كُلُّ سَابِغَةٍ دِلاَصٍ تَرَى فَوْقَ النِّطَاقِ لَهَا غُضُوْنَا
إِذَا وَضِعَتْ عَنِ الأَبْطَالِ يَوْماً رَأَيْتَ لَهَا جُلُوْدَ القَوْمِ جُوْنَا
كَأَنَّ غُضُوْنَهُنَّ مُتُوْنُ غُدْرٍ تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَا(294/4)
وَتَحْمِلُنَا غَدَاةَ الرَّوْعِ جُرْدٌ عُرِفْنَ لَنَا نَقَائِذَ وَافْتُلِيْنَا
وَرَدْنَ دَوَارِعاً وَخَرَجْنَ شُعْثاً كَأَمْثَالِ الرِّصَائِعِ قَدْ بَلَيْنَا
وَرِثْنَاهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ وَنُوْرِثُهَا إِذَا مُتْنَا بَنِيْنَا
عَلَى آثَارِنَا بِيْضٌ حِسَانٌ نُحَاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهُوْنَا
أَخَذْنَ عَلَى بُعُوْلَتِهِنَّ عَهْداً إِذَا لاَقَوْا كَتَائِبَ مُعْلِمِيْنَا
لَيَسْتَلِبُنَّ أَفْرَاساً وَبِيْضاً وَأَسْرَى فِي الحَدِيْدِ مُقَرَّنِيْنَا
تَرَانَا بَارِزِيْنَ وَكُلُّ حَيٍّ قَدْ اتَّخَذُوا مَخَافَتَنَا قَرِيْناً
إِذَا مَا رُحْنَ يَمْشِيْنَ الهُوَيْنَا كَمَا اضْطَرَبَتْ مُتُوْنُ الشَّارِبِيْنَا
يَقُتْنَ جِيَادَنَا وَيَقُلْنَ لَسْتُمْ بُعُوْلَتَنَا إِذَا لَمْ تَمْنَعُوْنَا
ظَعَائِنَ مِنْ بَنِي جُشَمِ بِنْ بِكْرٍ خَلَطْنَ بِمِيْسَمٍ حَسَباً وَدِيْنَا
وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلُ ضَرْبٍ تَرَى مِنْهُ السَّوَاعِدَ كَالقُلِيْنَا
كَأَنَّا وَالسُّيُوْفُ مُسَلَّلاَتٌ وَلَدْنَا النَّاسَ طُرّاً أَجْمَعِيْنَا
يُدَهْدِهنَ الرُّؤُوسِ كَمَا تُدَهْدَي حَزَاوِرَةٌ بِأَبطَحِهَا الكُرِيْنَا
وَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ مِنْ مَعَدٍّ إِذَا قُبَبٌ بِأَبطَحِهَا بُنِيْنَا
بِأَنَّا المُطْعِمُوْنَ إِذَا قَدَرْنَا وَأَنَّا المُهْلِكُوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَا
وَأَنَّا المَانِعُوْنَ لِمَا أَرَدْنَا وَأَنَّا النَّازِلُوْنَ بِحَيْثُ شِيْنَا
وَأَنَّا التَارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَا وَأَنَّا الآخِذُوْنَ إِذَا رَضِيْنَا
وَأَنَّا العَاصِمُوْنَ إِذَا أُطِعْنَا وَأَنَّا العَازِمُوْنَ إِذَا عُصِيْنَا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْواً وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَا
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَنَّا وَدُعْمِيَّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُوْنَا(294/5)
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِيْنَا
مَلأْنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا وَظَهرَ البَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِيْنَا
إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجِديْنَا(294/6)
ألا يا صبا نجد لقد هجت من نجد
قصيدة يزيد بن الطثرية
ألا يا صبا نجد لقد هجت من نجد........فهيج لي مسراك وجدا على وجد
أإن هتفت ورقاء في رونق الضحى..........على فنن غض النبات من الرند
بكيت كما يبكي الحزين صبابة................وذبت من الحزن المبرح والجهد
ألا هل من البين المفرق من بد................وهل لليال قد تسلفن من رد
وهل مثل أيامي بنعف سويقة....................رواجع أيام كما كن بالسعد
وهل أخواي اليوم إن قلت عرجا........على الأثل من ودان والمشرب البرد
مقيمان حتى يقضيا لي لبانة ...........فيستوجبا أجري ويستكملا حمدي
وإلا فروحا والسلام عليكما ..................فما لكما غيي وما لكما رشدي
وما بيدي اليوم حبلي الذي .......................أنازع من إرخائه لا ولا شد
ولكن بكفي أم عمرو فليتها................إذا وليت رهنا تلي الرهن بالقصد
و يا ليت شعري ما الذي تحدثن لي .....سوى غربة بعد المشقة و البعد
نوى أم عمرو حيث تقترب النوى...........بها ثم يخلو الكاشحون بها بعدي
أتصرمني عند الذين هم العدا.............لتشمتهم بي أم تدوم على الود
وظني بها والله أن لن يضيرني ..............وشاة لديها لا يضيرونها عندي
وقد زعموا أن المحب إذا دنا ..............يمل وأن النأي يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ..............على أن قرب الدار خير من البعد
هواي بهذا الغور غور تهامة ...........وليس بهذا الجلس من مستوى نجد
فوالله رب البيت لا تجدينني ............. تطلبت قطع الحبل منك على عمد
ولا أشتري أمرا يكون قطيعة .................لما بيننا حتى أغيب في لحدي
فمن حبها أحببت من ليس عنده ...............يد بيد تجزي ولا منة عندي
ألا ربما أهدى لي الشوق والجوى.......على النأي منها ذكرة قلما تجدي
تذكرت ذات الخال من فرط حبها .....ضحى و القلاص اليعملات بها تخدي(295/1)
فما ملكت عيناي حين ذكرتها ..........دموعهما حتى انحدرن على خدي
فأنبني صحبي وقالوا أمن هوى............بكيت ولو كانوا هم وجدوا وجدي
وقالوا لقد كنا نعدك مرة ......................جليدا وما هذا بفعل فتى جلد
ألا لا تلوماني فلست وإن نأت ..................بمنصرم عنها هواي ولا ودي
ألم تعلما أن الرعابيب لم تزل ...................مفاتين قبلي للكهول وللمرد
فإن أغو لا تكتب عليكم غوايتي .......أجل لا وإن أرشد فليس لكم رشدي
وإن لذات الخال يا صاح زلفة ......................ومنزلة ما نالها أحد عندي(295/2)
الأرجوزة
ذات الأمثال
للشاعر العباسي
أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم رحمه الله
المتوفى سنة ش211هـ
إخراج وتعليق
أبي يعلى البيضاوي
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أنعمت فزد
الحمد لله, والصلاة
والسلام على رسول الله القائل : (( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا ))(1)
أما بعد : فهذه درة ثامنة من سلسلة (( كشف خبايا الزوايا من تراث السلف, وكنوز الخلف)), وهي قصيدة من بحر الرجز لشاعر الزهد والحكمة أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم , الشاعر العباسي المشهور المتوفى سنة 211هـ
وهذه القصيدة الجميلة الرائعة المليئة بالحكم , والكلمات البليغة أثبت نسبتها لأبي العتاهية أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))(4\40) , فقال : :
وهذه ((الأرجوزة)) من بدائع أبي العتاهية , ويقال: إن له فيها أربعة آلاف مَثَل اهـ
ثم أورد منه (23) بيتا, وقال : وهي طويلة جدا وإنما ذكرت هذا القدر منها حسب ما استاق الكلام من صفتها اهـ
وكذا أوردها (محسن الأمين) في كتابه ((معادن الجواهر))(ص 434) , ونسبها لابن دريد
وقد قمت باستخراج ((القصيدة)) من ((الموسوعة الشعرية)) للمجمع الثقافي, ومن ((ديوان)) أبي العتاهية المطبوع في دار الأرقم بيروت 1417هـ (ص370), وقابلت بينها, وذكرت الزيادات و الفروق , ورقمت الأبيات , وشرحت ما غمض من الألفاظ والمفردات شرحا ميسرا مبسطا, وترجمت لشاعرنا المجُِيد ترجمة مختصرة, كل ذلك نفعا وحبا لطلبة العلم الشريف , كثر الله منهم , وأعانهم على حسن تحصيله , وخلوص النية في طلبه
والله سبحانه وتعالى المسؤول بفضله أن ينفع بها, ويجعل ما قمت به خالصا لوجهه الكريم, وأن يغفر لي ولوالدي آمين والحمد لله رب العالمين, و صلى الله على نبينا محمد, و على آله وصحبه أجمعين
ترجمة أبي العتاهية
__________
(1) - حديث صحيح أخرجه مالك (1820), والبخاري (5767), وأبو داود (5009), والترمذي (2160) عن ابن عمر.(296/1)
أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي بالولاء الكوفي, الشاعر المشهور مولى عنزة مولده بعين التمر بليدة بالحجاز قرب المدينة
وأكثر الناس ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة, وكان يقول بالوعيد, وتحريم المكاسب, ويتشيع على مذهب الزيدية, وكان مجيدا, وهو من مقدمي المولدين, ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس
أعطاه المهدي سبعين ألفا وخلع عليه, ولما ترك الشعر حبسه في سجن الجرائم, وحبس معه بعض أصحاب زيد الهاشمي, حبس ليدل عليه فأبى فضربت عنقه, وقيل لأبي العتاهية إن قلت الشعر وإلا فعلنا بك مثله, فقاله فاطلقوه
ويقال إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال: عذب الماء فطابا , ثم قال : أجيزوا فترددوا , ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته, وقرب مأخذه حى طلع أبو العتاهية, فقالوا : هذا , قال: وفيم أنتم .؟ , قالوا : قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه, قال : وما الذي قال ؟ قالوا: عذب الماء فطابا , فقال أبو العتاهية:
.................*** حبذا الماء شرابا
ويقال: أطبع الناس بالشعر بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية
وحدث خليل بن أسد الفرشجاني قال : أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا, فقال : زعم الناس أني زنديق, والله ما ديني إلا التوحيد, فقلنا : فقل شيئا نتحدث به عنك , فقال :
( ألا إننا كلنا بائد *** وأي بني آدم خالد )
( وبدؤهم كان من ربهم *** ولك إلى ربهم عائد )
( فيا عجبا كيف يعصي الإله *** أم كيف يجحده الجاحد )
( وفي كل شيء له شاهد *** يدل على أنه واحد )
قال المسعودي : ولم لم يكن لابي العتاهية إلا هذه الابيات التي أبان فيها صدق ال×اء ومحض الوفاء لكان مبرزا على غيره ممن كان في عصره اهـ والابيات المذكورة هي :
إن أخاك الصدق من كان معك *** ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك *** شتت فيه شمله ليجمعك(296/2)
وكان من أبخل الناس مع يساره , وكثرة ما جمع من الأموال, وأبو العتاهية لقب غلب عليه , لأنه كان يحب الشهوة والمجون, فكنى بذلك لعتوه
نص
الأرجوزة ذات الأمثال
1. الحَمدُ لِلَّهِ عَلى تَقديرِهِ ... *** ... وَحُسنِ ما صَرَفَ مِن أُمورِهِ
2. الحَمدُ لِلَّهِ بِحُسنِ صُنعِهِ ... *** ... شُكراً عَلى إِعطائِهِ وَمنْعِهِ
3. يَخيرُ لِلعَبدِ وَإِن لَم يَشكُرُه ... *** ... وَيَستُرُ الجَهلَ عَلى مَن يُظهِرُه
4. خَوَّفَ مَن يَجهَلُ مِن عِقابِهِ ... *** ... وَأَطمَعَ العامِلَ في ثَوابِهِ
5. وَأَنجَدَ الحُجَّةَ بِالإِرسالِ ... *** ... إِلَيهِمُ في الأَزمُنِ الخَوالي(1)
6. نََسْتََعصِمُ اللَهَ فَخَيرُ عاصم ... *** ... قَد يُسعِدُ المَظلومَ ظُلمُ الظالِم
7. فَضَّلَنا بِالعَقلِ وَالتَدبيرِ ... *** ... وَعِلمِ ما يَأتي مِنَ الأُمورِ
8. يا خَيرَ مَن يُدعى لَدى الشَدائِدِ ... *** ... وَمَن لَهُ الشُكرُ مَعَ المَحامِدِ
9. أَنتَ إِلَهي وَبِكَ التَوفيقُ ... *** ... وَالوَعدُ يُبدي نورَهُ التَحقيقُ
10. حَسبُكَ مِمّا تَبتَغيهِ القوتُ ... *** ... ما أَكثَرَ القوتَ لِمَن يَموتُ
11. إِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكا ... *** ... فَكُلُّ ما في الأَرضِ لا يُغنيكا
12. الفَقرُ فيما جاوَزَ الكَفافا ... *** ... مَن عَرَفَ اللَهَ رَجا وَخافا
13. إِنَّ القَليلِ بِالقَليلِ يَكثُرُ ... *** ... إِنَّ الصَفاءَ بِالقَذى لَيَكدُر(2)
14. يا رُبَّ مَن أَسخَطَنا بِجَهدِهِ ... *** ... قَد سَرَّنا اللَهُ بَغَيرِ حَمدِهِ
15. مَن لَم يَصِل فَاِرضَ إِذا جَفاكَا ... *** ... لا تَقطَعَنَّ لِلهَوى أَخاكا
16. العَنْزُ لاَ يَسْمَنُ ِإلَّا بعَِلَفْ ... *** ... لا يَسْمَنُ العنزُ بقِوَْلٍ بِلَطَفْ
17. اللَهُ حَسبي في جَميعِ أَمري ... *** ... بِهِ غَنائي وَإِلَيهِ فَقري
__________
(1) - أنجد الشيء : ارتفع, ونَجُدَ الأمر يَنْجُدُ نجودا : وَضَحَ واستبان
(2) - القذى : ما يقع في العين وما ترمى به(296/3)
18. لَن تُصلِحَ الناسَ وَأَنتَ فاسِدُ ... *** ... هَيهاتَ ما أَبعَدَ ما تُكابِدُ(1)
19. التَركُ لِلدُنيا النَجاةُ مِنها ... *** ... لَم تَرَ أَنهى لَكَ مِنها عَنها
20. لِكُلِّ ما يُؤذي وَإِن قَلَّ أَلَم ... *** ... ما أَطوَلَ اللَيلَ عَلى مَن لَم يَنَم
21. مَن لاحَ في عارِضِهِ القَتيرُ ... *** ... فَقَد أَتاهُ بِالبَلى النَذير(2)
22. إِنْ اخْتَفَى مَا فِي الزَمَانِ الآتِي ... *** ... فَقِسْ عَلَى المَاضِي مِنَ الأَوْقَاتِ
23. مَن جَعَلَ النَمّامَ عَيناً هَلَكا ... *** ... مُبلِغُكَ الشَرَّ كَباغيهِ لَكا(3)
24. يُغنيكَ عَن قولِ قَبيحٍ تَركُهُ ... *** ... [ قَد يوهِنُ ] الرَأيَ الأَصيلَ شَكُّهُ(4)
25. لِكُلِّ قَلبٍ أَمَلٌ يُقَلِّبُه ... *** ... يَصدُقُهُ طَوراً وَطَوراً يَكذِبُه
26. المَكرُ وَالخِبُّ أَداةُ الغادِرِ ... *** ... وَالكَذِبُ المَحضُ سِلاحُ الفاجِر(5)
27. لَم يَصْفُ لِلمَرءِ صَديقٌ يَمذُقُه ... *** ... لَيسَ صَديقُ المَرءِ مَن لا يَصدُقُه(6)
28. مَعروفُ مَن مَنَّ بِهِ خِداجُ ... *** ... ما طابَ عَذبٌ شابَهَ عَجاج ُ(7)
29. سَامِحْ إذاُسمت ولا تخش الغبن ... *** ... لَم يَغْلُ شَيْ ءٌ هُوَ مَوْجُودُ الثَّمَنْ(8)
__________
(1) - مكابدة الأمر مقاساة مشقته
(2) - القتير: الشيب
(3) - العين من الكلمات المشتركة المعني وهي هنا : الجاسوس
(4) - في ((الأغاني)) [ يرتهن ]
(5) - الخَبُّ: الخَدَّاع
(6) - المماذقة في الود ضد المخالصة , ومذق الود: لم يخلصه
(7) - الخِدَاجُ: إلقَاءُ النَّاقَةِ وَلَدَها قَبْلَ تَمامِ الأَيَّامِ، والفِعْلُ: كَنَصَرَ وضَرَبَ، وهي خادجٌ، ـ والولَدُ: خَدِيجٌ. ـ والنَّاقَةُ: جاءَتْ بِوَلَدٍ ناقِصٍ، وإنْ كانَتْ أيامُهُ تامَّةً، فهي مُخْدِجٌ، ـ و "صَلاَتُهُ خِدَاجٌ " ، أي: نُقْصانٌ.ـ ورَجُلٌ مُخْدَجٌ اليَدِ: ناقِصُها.
(8) - الغبن : من غبَنَهُ في البَيْعِ يَغْبِنُهُ غُبْناً ِ: خَدَعَهُ، فهو مَغْبُونٌ، والاسمُ: الغَبينَةُ.(296/4)
30. مَنْ عَاشَ لم يَخْلُ مِنْ الُمصِيبِة ... *** ... وَقَلَّ مَا يَنْفَكُّ عَنْ عَجِيبَة
31. َيا طَالِبَ الدُّنْيَا بِدُنْيَا الِهمَّة ... *** ... أَيْنَ طَلَبْتَ الَّلهَ كَانَ َثمَّة(1)
32. يُوسِعُ الضِّيقَ الرِّضَا بِالضِّيقِ ... *** ... وَإنَّمَا الرُّشْدُ مِنَ التَّوْفِيقِ
33. أَسْتودِعُ اللهَّ أمُورِي كلُهََّا ... *** ... إِنْ لم يكن رَبِّي لَهَا فمن لَهَا
34. ماَ أبَْعَدَ الشَّيْءَ إِذَا الشَيْءُ فُقِدْ ... *** ... مَا أَقْرَبَ الشَّيْ ءَ إِذَا الشَّيْ ءُ وُجِدْ
35. يَعِيشُ حَيٌّ بِتُرَاثِ مَيْتِ ... *** ... يَعْمُرُ بَيْتٌ بِخَرَابِ بَيْتِ(2)
36. صُلْحُ قَرِينِ السُّوءِ لِلْقَرِينِ ... *** ... كَمِثْلِ صُلْحِ اللَّحْمِ وَالسِّكِيِن
37. مَا عَيشُ مَن آفَتُهُ بَقاؤُهُ ... *** ... نَغَّصَ عَيشاً طَيِّباً فَناؤُه(3)
38. إِنّا لَنَفنى نَفَساً وَطَرفا ... *** ... [ لَم ](4)يَترُكِ المَوتُ لِإِلفٍ إِلفا(5)
39. وَلِلكَلامِ باطِنٌ وَظاهِرُ ... *** ... في ساعَةِ العَدلِ يَموتُ الفاجِرُ
40. عَلِمتَ يا مُجاشِعُ بنَ مَسعَدَة ... *** ... أَنَّ الشَبابَ وَالفَراغَ وَالجِدَة(6)
__________
(1) - الدنيالأولى الحياة الدنيا نقيض الآخرة, والدنيا الثانية بمعنى السفلى والدنيئة وهي صفة للهمة
(2) - التُّراث: ما يُخَلِّفه الرجُل لورَثَتِهِ، والتاء فيه بَدل من الواو
(3) - نغص نغصا : لم تتم له هنائته والنغص كدر العيش
(4) - في ((الأغاني)) [ لن ]
(5) - الإلف: الشخص الذي تألفه والجمع آلاف
(6) - الجدة والوجد والوجدان: الحصول على المال
قال الصولي: قال أحمد بن عبد الله: كان لمسعدة أربعة بنين: مجاشع، وهو الذي يقول فيه أبو العتاهية:
علمت يا مجاشع بن مسعده*** أن الشباب والفراغ والجده *** مفسدة للمرء أي مفسدة
وهو مسعدة بن سعد بن صول الصولي مولى خالد بن عبد الله القسري، كان كاتبا له, وكان أيضا من كتاب خالد بن برمك، ثم كتب بعده لأبي أيوب وزير المنصور على ديوان الرسائل, مات في سنة 214هـ, وابنه أبو الفضل عمرو بن مسعدة، من جلة كتاب المأمون و أهل الفضل والبراعة والشعر(296/5)
41. *مَفسَدَةٌ [ لِلمَرء ]ِ أَيُّ مَفسدَة(1)*
42. [ يا لِلشَبابِ المَرِح ] التَصابي(2) ... *** ... رَوائِحُ الجَنَّةِ في الشَباب(3)ِ
43. اصْحَبْ ذَوِي الفَضْلِ وأَهْلَ الدِّينِ ... *** ... فَالَمرْءُ مَنْسُوبٌ إِلَى القَرِينِ
44. إِيَّاكَ والغَيْبَة وَالنَّمِيمَة ... *** ... فَإِنَّهَا مَنْزِلة ذَمِيمَة(4)
45. لَا تهبن ِفي الأُمُورِ فرطَا ... *** ... لاَ تَسْأَلَن إِنْ سَأَلْتَ شَططاًَ(5)
46. * وَكُنْ مِنَ النَّاسَ جَمِيعاً وَسَطاً(6)*
__________
(1) - في ((الأغاني)) [ للعقل ] , قال أبو الفرج : ذكر سليمان بن أبي شيخ قال : قلت لأبي العتاهية : أي شعر قلته أجود , وأعجب إليك ؟ قال : قولي :
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للعقل أي مفسدة
وقولي ايضا :
إن الشباب حجة التصابي *** روائح الجنة في الشباب
(2) - في ((الأغاني)) : إن الشباب حجة التصابي ] والتصابي والصبا والصيوة : جهلة الفتوة واللهو من الغزل
(3) - قال أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))( ): أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاع قال: تذاكروا يوماً شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ؛ إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سماها "ذات الأمثال"؛ فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله:
يا للشباب المرح التصابي *** روائح الجنة في الشباب
فقال الجاحظ للمنشد: قف: ثمن قال: انظروا إلى قوله:
........................*** روائح الجنة في الشباب
فإن له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب، وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد التطويل وإدامة التفكير, وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه.
(4) - ذميمة أي مذمومة، فَعِيلة بمعنى مفعولة
(5) - الفرط : العجلة , وفرط في الأمر فرطا أي قصر فيه وضيعه حتى فات, والشطط مجاوزة الحدد في البيع والقدر يقال شططت وأشط و أشططت جرت عن الحق
(6) - الأبيات [43 و44 و45 و46 ] زيادة من ((الأغاني))(296/6)
47. لَيسَ عَلى ذي النُصحِ إِلّا الجَهدُ ... *** ... الشَيبُ زَرعٌ حانَ مِنهُ الحَصدُ
48. *الغَدرُ نَحسٌ وَالوَفاءُ سَعدُ*
49. هِيَ المَقاديرُ فَلُمني أَو فَذَر ... *** ... تَجري المَقاديرُ عَلى غَرزِ الإِبَر(1)
50. *إِن كُنتُ أَخطَأتُ فَما أَخطأ القَدَر*
51. إِنَّ الفَسادَ [ بَعدَهُ ] الصَلاحُ ... *** ... يا رُبَّ جِدٍّ جَرَّهُ المِزاحُ(2)
52. [ ما ] تَطلُعُ الشَمسُ وَلا تَغيبُ ... *** ... إِلّا لِأَمرٍ شَأنُهُ عَجيبُ(3)
53. لِكُلِّ شَيءٍ مَعدِنٌ وَجَوهَرُ ... *** ... وَأَوسَطٌ وَأَصغَرٌ وَأَكبَرُ
54. وَكُلُّ شَيءٍ لاحِقٌ بِجَوهَرِه ... *** ... أَصغَرُهُ مُتَّصِلٌ بِأَكبَرِه
55. مَن لَكَ بِالمَحضِ وَكُلٌّ مُمتَزِج ... *** ... وَساوِسٍ في الصَدرِ [ مِنكَ ] تَعتَلِج(4)
56. مَنْ لَكَ بِالمَحْضِ وَلَيْسَ مَحْضُ ... *** ... َيخْبُثُ بَعْضٌ وَيَطِيبُ بَعْضُ
57. لِكُلِّ إِنسانٍ طَبيعَتانِ ... *** ... خَيرٌ وَشَرٌّ وَهُما ضِدّانِ
58. إِنَّكَ لَو تَستَنشِقُ الشَحيحا ... *** ... وَجَدتَهُ أَخبَثَ شَيءٍ رِيحاً
59. عَجِبتُ لَمّا [ ضَبَّني ] السُكوتُ ... *** ... حَتّى كَأَنّي حائِرٌ مَبهوتُ(5)
60. كَذا قَضى اللَهُ فَكَيفَ أَصنَعُ ... *** ... وَالصَمتُ إِن ضاقَ الكَلامُ أَوسَعُ
61. نَعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَيطانِ ... *** ... ما أَولَعَ الشَيطانَ بِالإِنسانِ
62. خَيرُ الأُمورِ خَيرُها عَواقِبا ... *** ... مَن يُرِدِ اللَهُ يَجِد مَذاهِبا
63. الجودُ مِمّا يُثبِتُ المَحَبَّةَ ... *** ... وَالبُخلُ مِمّا يُثبِتُ المَسَبَّه(6)
__________
(1) - غرز الإبرة غرزا أدخلها وكل ما سمر في شيء فقد غرز زغُرِّز
(2) - في ((الأغاني)) [ ضده ]
(3) - في ((الأغاني)) [ لا ]
(4) - المحض : الخالص من كل شيء, وتعتلج : أي تتعارك وتتصارع, في ((الأغاني)) [ منه ]
(5) - أضب على الشيء وضب : سكت عليه, وأمسك عن الحديث , وأضب إذا تكلم وأفاض في الحديث فهو من الأضداد
(6) - المسبة والسبة : العار(296/7)
64. لِكُلِّ شَيءٍ أَجَلٌ مَكتوبُ ... *** ... وَطالِبُ الرِزقِ بِهِ مَطلوبُ
65. لِكُلِّ شَيءٍ سَبَبٌ وَعاقِبَه ... *** ... وَكُلُّها آتِيَةٌ وَذاهِبَة
66. يا عَجَباً مِمَّن يُحِبُّ الدُنيا ... *** ... وَلَيسَ لِلدُنيا عَلَيهِ بُقيا(1)
67. الصِدقُ وَالبِرُّ هُما الوِقاءُ ... *** ... يَومَ تَقومُ الأَرضُ وَالسَماءُ
68. وَكُلُّ قَرنٍ فَلَهُ زَمانُ ... *** ... وَلَم يَدُم مُلكٌ وَلا سُلطانُ
69. ما أَسرَعَ المَوتَ وَإِن طالَ العُمُر ... *** ... وَرُبَّما كانَ قَليلاً فَكدُر
70. مَسَرَّةُ الدُنيا إِلى تَنغيصِ ... *** ... وَرُبَّما أَكَدت يَدُ الحَريص(2)
71. ما هِيَ إِلّا دُوَلٌ بَعدَ دُوَل ... *** ... تَجري بِأَسبابٍ تَأَتّى وَعِلَل
72. ما قَلَبَ القَلبَ كَتَقليبِ الأَمَل ... *** ... لِلقَلبِ وَالآمالِ حَلٌّ وَرَحَل(3)
73. وَكُلُّ خَيرٍ تَبَعٌ لِلعَقلِ ... *** ... وَكُلُّ شَرٍّ تَبَعٌ لِلجَهلِ
74. لِكُلِّ نَفسٍ هِمَمٌ وَنَجوى ... *** ... لا كَرَمٌ يُعرَفُ إِلّا التَقوى
75. لِيَجهَدِ المَرءُ فَما يَعدو القَدَر ... *** ... وَرُبَّما قادَ إِلى الحَيْنِ الحََذَر(4)
76. ما صاحِبُ الدُنيا بِمُستَريحٍ ... *** ... وَالداءُ داءُ النَهِم الشَحيح(5)
77. لَم نَرَ شَيئاً يَعدِلُ السَلامَه ... *** ... لا خَيرَ فيما يُعقِبُ النَدامَه
78. بِحَسبِكَ اللَهُ فَما يَقضي يَكُن ... *** ... وَما يُهَوِّنهُ مِنَ الأَمرِ يَهُن
__________
(1) - البُقْيَا : الإبقاء ومعنى أن الدنيا لا تبقي عليه أي لا ترحمه ولا تشفق عليه
(2) - الكَدُّ: الإتعاب، يُقال: كَدّ يَكُدّ في عَمَله كَدّاً، إذا اسْتَعْجل وتَعِب. ومنه الحديث : «لَيْسَ من كَدِّك ولا كَدِّ أبيك» أي ليس حاصِلاً بِسَعْيِك وتَعَبِك
(3) - حل بالمكان أي نزل به
(4) - الحَيْنُ: الهلاكُ، والمِحْنَةَُ.
(5) - النَّهَمُ، والنَّهامَةُ، وهو إفْراطُ الشَّهْوَةِ في الطعامِ، وأن لا تَمْتَلِئ عَيْنُ الآكِلِ ولا يَشْبَعَ، نَهِمَ، فَهو نَهِمٌ ونَهِيمٌ ومَنْهُومٌ.(296/8)
79. كَم مِن نَقِيِّ الثَوبِ ذي قَلبٍ دَنِس ... *** ... الُموحِشُ الباطِلِ وَالحَقُّ أَنِس(1)
80. تَحَرَّ فيما تَطلُبُ البَلاغا ... *** ... وَاِغتَنِمِ الصِحَّةَ وَالفَراغا(2)
81. المَرءُ يَبغي كُلَّ مَن يَبغيهِ ... *** ... وَكُلُّ ذي رِزقٍ سَيَستَوفيهِ
82. في كُلِّ شَيءٍ عَجَبٌ مِنَ العَجَب ... *** ... وَكُلُّ شَيءٍ فَبِوَقتٍ وَسَبَب
83. الحَقُّ ما كانَ أَحَقُّ ما اِتُّبِع ... *** ... وَرُبَّما لَجَّ لَجوجٌ فَرَجَع(3)
84. الأَمرُ قَد يَحدُثُ بَعدَ الأَمرِ ... *** ... كُلُّ اِمرِئٍ يَجري وَلَيسَ يَدري
85. دُنيايَ يا دُنيايَ غُرّي غَيري ... *** ... إِنّي مِنَ اللَهَ بِكُلِّ خَيرِ
86. لِكُلِّ نَفسٍ صِبغَةٌ وَشيمَه ... *** ... وَلَن تَرى... عَزيمَه
87. لا تَترُكِ المَعروفَ حَيثُ كُنتا ... *** ... وَاِعزِم عَلى الخَيرِ وَإِن جَبُنتا
88. الحَمدُ لِلَّهِ كَثيراً شُكرا ... *** ... اللَهُ أَعلى وَأَعَزُّ أَمرا
89. لاَبُدَّ ِممَّا لَيْسَ مِنْهُ بُدُّ ... *** ... والغَيُّ لاَ يَنْزِلُ حَيْثُ الرُّشْدُ
90. ما شاءَ رَبّي أَن يَكونَ كانا ... *** ... وَالمَرءُ يُردي نَفسَهُ أَحيانا(4)
91. كُلُّ اِجتِماعٍ فَإِلى اِفتِراقِ ... *** ... وَالدَهرُ ذو فَتحٍ وَذو إِغلاقِ
92. كُلٌّ يُناغي نَفسَهُ بِهاجِسِ ... *** ... [ تَعلُّقٌ ] مِن عُلَقِ الوَساوِس ِ(5)
93. نَستَوفِقُ اللَهَ لِما نُحِبُّ ... *** ... ما أَقبَحَ الشَيخَ الكَبيرَ يَصبو(6)
94. في كُلِّ رَأسٍ نَزوَةٌ وَطَربَة ... *** ... رُبَّ رِضىً أَفضَلُ مِنهُ غَضبَة(7)
__________
(1) - الدَّنَسُ: الوسخُ. وقد تَدَنَّس الثَّوبُ: اتَّسخ.
(2) - البَلاغُ : الكِفايَة
(3) - لج في الأمر لجاجة ولجاجا فهو لجوج تمادى فيه وأبى أن ينصرف عنه
(4) - يردي : يهلك
(5) - المناغاة المغازلة , تكليمك الصبي بما يهوى من الكلام, والمرأة تناغي الصبي أي تكلمه بما يعجبه ويسره, والهاجس : الخاطر, في ((الموسوعة)) [ تقلق ]
(6) - يقال صبى وتصابي إذا مال إلي الجهل والفتوة
(7) - النزوة : التفلت والسَوْرِة(296/9)
95. *كَم غَضبَةٍ طابَت بِها المَغَبَّة *(1)
96. يا عاشِقَ الدُنيا تَسَلَّ عَنها ... *** ... وَيلي عَلى الدُنيا وَوَيلي مِنها(2)
97. ما أَسرَعَ الساعاتِ في الأَيّامِ ... *** ... وَأَسرَعَ الأَيّامَ في الأَعوامِ
98. لِلمَوتِ بي جِدٌّ وَأَيُّ جِدِّ ... *** ... وَلَستُ لِلمَوتِ بِمُستَعِدِّ
99. هَل أُذُنٌ تَسمَعُ ما تسمع ... *** ... قَوارِعُ الدَهرِ الَّتي تُقَرِّع ُ(3)
100. ما طابَ فَرعٌ لاَ يَطيبُ أَصلُهُ ... *** ... اِحذَر مُؤاخاةَ اللَئيمِ فِعلُهُ
101. اِنظُر إِذا آخَيتَ مَن تُؤاخي ... *** ... ما كُلُّ مَن آخَيتَ بِالمُؤاخي
102. الحَمدُ لِلَّهِ الكَثيرِ خَيرُهُ ... *** ... لَم يَسَعِ الخَلقَ جَميعاً غَيرُهُ
103. مَن يَشتَكِ الدَهرَ يَطُل في الشَكوى ... *** ... الدَهرُ ما لَيسَ عَلَيهِ عَدوى(4)
104. لَم نَرَ مَن دامَ لَهُ سُرورُ ... *** ... وَصاحِبُ الدُنيا بِها مَغرورُ
105. نَعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَقاءِ ... *** ... ما أَطمَعَ الإِنسانَ في البَقاءِ
106. لَم يَخلُ مِن حُسنِ يَدٍ مَكانُهُ ... *** ... وَالمَرءُ لَم يُسلِمَهُ إِحسانُهُ(5)
107. مَن يَأمَنُ المَوتَ وَلَيسَ يُؤْمَنُ ... *** ... نَحنُ لَهُ في كُلِّ يَومٍ نُؤذَنُ(6)
108. يا رُبَّ ذي خَوفٍ أَتى مِن مَأمَنِه ... *** ... كَم مُبتَلىً مِن يَأسِهِ بِأَمَنِه
109. اِستَغنِ بِاللَهِ تَكُن غَنِيّاً ... *** ... اِرضَ عَنِ اللَهِ تَعِش رَضِيّا
__________
(1) - المَغَبَّةِ، بالفَتْحِ والغِبُّ، بالكسر: عاقِبَةُ الشَّيْء
(2) -تسل من السلو : وهو نسيان الشيء والذهول عنه
(3) - جمع قارعة وهي الداهية
(4) - العدوى : طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك, والعدوى النصرة والمعونة ومنه :استعداه : نصره وأعانه
(5) - يسلمه :أسلم فلان فُلاناً إذا ألْقاه إلى التهلَكة ولم يَحْمه من عدُوِّه ومنه الحديث : «المُسْلم أهو المسلم لا يظلِمُه ولا يُسلمه».
(6) - من أذِنَ بالشيء، إِذْناً، بالكسر ويُحَرَّكُ، وأذاناً وأذانَةً: عَلِمَ به.(296/10)
110. يا رَبِّ إِنّا بِكَ يا عَظيمُ ... *** ... إِنَّكَ أَنتَ الواسِعُ الحَكيمُ
111. يَكونُ ما لا بُدَّ أَن يَكونا ... *** ... وَكُلُّ راجٍ رَجَّمَ الظُنونا(1)
112. سُبحانَ مَن لا يَنقَضي عَجَائِبُه ... *** ... سُبحانَ مَن لا يَخيبُ طالِبُه
113. لَم يَعدَمِ اللَهُ وَلِلَّهِ القِدَم ... *** ... وَالسابِقُ اللَهُ إِلى كُلِّ كَرَم
114. ما كُلُّ شَيءٍ يُبتَغى يُنالُ ... *** ... وَطَالِبُ الحَقِّ لَهُ مَقالُ
115. أَفَلحَ مَن كانَ لَهُ تَفَكُّرُ ... *** ... ما كُلُّ ذي عَيشٍ يَرى ما يُبصِرُ
116. وَكُلُّ نَفسٍ فَلَها تَعَلُّلُ ... *** ... وَإِنَّما النَفسُ عَلى ما تُحمَل(2)
117. وَعادَةُ الشَرِّ فَشَرُّ عادَة ... *** ... وَالمَرءُ بَينَ النَقصِ وَالزِيادَة
118. لِكُلِّ ناعٍ ذاتَ يَومٍ ناعِ ... *** ... وَإِنَّما النَعيُ بِقَدرِ الناعي(3)
119. *وَكُلُّ نَفسٍ فَلَها دَواعِ *
120. ما أَكرَهَ الإِنسانَ لِلتَفَضُّلِ ... *** ... وَإِنَّما الفَضلُ لِكُلِّ مُفضِلِ
121. رَبِّ لَكَ الحَمدُ وَأَنتَ أَهلُهُ ... *** ... مَن لَزِمَ التَقوى أَنارَ عَقلُهُ
122. ما غايَةُ المُؤمِنِ إِلّا الجَنَّه ... *** ... تَبارَكَ اللَهُ العَظيمُ المِنَّه(4)
123. يا عَجَباً لِلَّيلِ وَالنَهارِ ... *** ... لا بَل لِساعاتِهِما القِصارِ
124. ما أَطحَنَ الأَيّامَ لِلقُرونِ ... *** ... كَم لِاِمرِئٍ مِن مَأمَنٍ خَؤونِ(5)
125. يا رُبَّ حُلوٍ سَيَعودُ سُمّا ... *** ... وَرُبَّ حَمدٍ سَيَعودُ ذَمّا
126. وَرُبَّ سِلمٍ سَيَعودُ حَربا ... *** ... وَرُبَّ إِحسانٍ يَعودُ ذَنبا
127. المَوتُ لا يُفلِتُ حَيٌّ مِنهُ ... *** ... كَم ذائِقٍ لِلمَوتِ لاهٍ عَنهُ
__________
(1) - الرجم القول بالظن والحدس والقذف بالغيب والظن وكلام مرجم غير يقين ولا ثابت
(2) - تعلل بالأمر واعتل : تشاغل
(3) - النعي : خبر الموت , والناعي : الذي يأتي به
(4) - عاية كل شيء منتهاه , المنة : الإحسان والنعمة
(5) - الخؤون : أي خائن : وهوالذي يؤتمن فلا ينصح(296/11)
128. ما أَسرَعَ البَغيَ لِكُلِّ باغِ ... *** ... وَرُبَّ ذي بَغيٍ مِنَ الفَراغِ
129. لِكُلِّ جَنبٍ ذاتَ يَومٍ مَصْرَعْ ... *** ... وَالحَقُّ ذو نورٍ عَلَيهِ يَسطَعْ
130. لا تَطلُبُ المَعروفَ إِلّا مِن أَخِ ... *** ... يَسومُكَ الوِدَّ بِهِ سَومَ السَخي
131. *الزُهدُ في الدُنيا هُوَ العَيشُ الرَخي*
132. يا رُبَّ شُؤمٍ صارَ لِلبَخيلِ ... *** ... أَكْرِم بِأَهلِ العِلمِ بِالجَميلِ
133. مَن كانَ في الدُنيا لَهُ زَهادَة ... *** ... فَعِندَها طابَت لَهُ العِبادَة
134. أَصلِح وَمَن يُصلِح فَماذا يَربَحْ ... *** ... وَالشَيءُ لا يَصلُحُ إِن لَم يُصلَحْ
135. كُلُّ جَديدٍ سَيَعودُ مُخلِقاً ... *** ... وَمَن أَصابَ مَرَفِقا
136. ما اِنتَفَعَ المَرءُ بِمِثلِ عَقلِه ... *** ... وَخَيرُ ذُخرِ المَرءِ حَسنُ فِعلِه(1)
137. لَم يَزَلِ اللَهُ عَلَينا مُنعِما ... *** ... وَمَن طَغى عاشَ فَقيراً مُعدَما
138. اليُبسُ وَالبَأسِ لِأَهلِ الباسِ ... *** ... وَسادَةُ الناسِ خِيارُ الناسِ
139. أَيُّ بِناءٍ لَيسَ لِلخَرابِ ... *** ... وَأَيُّ آتٍ لَيسَ لِلذَهابِ
140. كَأَنَّ شَيئاً لَم يَكُن إِذا اِنقَضى ... *** ... وَما مَضى مِمّا مَضى فَقَد مَضى
141. ما أَزيَنَ العَقلَ لِكُلِّ عاقِلِ ... *** ... ما أَشيَنَ الجَهلَ لِكُلِّ جاهِلِ(2)
142. بُؤسى لِمَن قالَ بِما لا يَعلَمُ ... *** ... وَصاحِبُ الحَقِّ فَلَيسَ يَندَمُ
143. الخَيرُ أَهلٌ أَن يُحِبَّ أَهلُهُ ... *** ... وَالحَقُّ ذو خِفٍّ ثَقيلٍ حَملُهُ
144. *وَالحَينُ خَتّالٌ لَطيفٌ خَتلُهُ*(3)
145. أَينَ يَفِرُّ المَرءُ أَينَ أَينا ... *** ... كُلُّ جَميعٍ سَيُلاقي بَينا(4)
__________
(1) - ذخر الشيء ذخرا واذخره اذخارا : اختاره, وقيل اتخذه
(2) - الشين : العيب والقبح ضد الزين
(3) - الختل : التخادع عن غفلة و والمخاتلة : مشي اصياد قليلا قليلا في خفية لئلا يسمع الصيد حسه, كل خدع خاتل وختول
(4) - جميع يمعنى مجتمع , البَيْن : الفراق والتشتت(296/12)
146. إِلَيكِ يا دُنيا إِلَيكِ عَنّي ... *** ... ماذا تُريدينَ تَخَلّي مِنّي
147. يا دارُ دارَ الهَمِّ وَالمَعاصي ... *** ... هَل فيكِ لي بابٌ إِلى الخَلاصِ
148. نَطلُبُ أَن نَبقى وَلَيسَ نَبقى ... *** ... كُلٌّ سَيَلقى اللَهَ حَقّا حَقّا
149. لِكُلِّ عَينٍ عِبرَةٌ فيما تَرى ... *** ... وَالحَقُّ مَحفوفٌ بِأَعلامِ الهُدى(1)
150. *يَقبَلُهُ العَقلُ وَيَنفيهِ الهَوى*
151. كَم بارَكَ اللَهُ لِقَلبي فَاِتَّسَع ... *** ... وَاللَهُ إِن بارَكَ في شَيءٍ نَفَع
152. لا تُتبِعِ المَعروفَ مِنكَ مِنّا ... *** ... أُخِيَّ أَحسِن بِأَخيكَ الظَنّا(2)
153. سُبحانَكَ اللَهُمَّ سَلِّم سَلِّمِ ... *** ... وَتَمِّمِ النُعمى عَلَينا تَمِّمِ
154. طوبى لِمَن صَحَّت بَناتُ حِسِّهِ ... *** ... وَمَن كَفاهُ اللَهُ شَرَّ نَفسِهِ
155. كَم دَولَةٍ سَوفَ يَكونُ غَيرُها ... *** ... وَسَوفَ يَفنى شَرُّها وَخَيرُها
156. يا عَجَباً لِلدَهرِ في تَقَلُّبِه ... *** ... المَرءُ مُذ كانَ عَلى تَوَثُّبِه
157. ما أَعظَمَ الحُجَّةَ إِن عَقَلنا ... *** ... ما يَغفُلُ المَوتُ وَإِن غفَلنا
158. اِعتَبِرِ اليَومَ بِأَمسِ الذاهِبِ ... *** ... وَاِعجَب فَما تَنفَكُّ مِن عَجائِبِ
159. تَرى الأُمورَ ....... ... *** ... وَاللَهُ في كُلِّ الأُمورِ يَقضي
160. تَبارَكَ اللَهُ ........ ... *** ... يا صاحِبَ التَسويفِ ماذا تَنتَظِر
161. مَن قَنِعَ........... ... *** ... وَالمَوتُ ما أَسرَعَهُ وَأَوحى
162. يا رَبِّ إِنّي بِكَ أَنتَ رَبّي ... *** ... وَمِنكَ إِحسانٌ وَمِنّي ذَنبي
163. أَستَغفِرُ اللَهَ فَنِعمَ القادِرُ ... *** ... اللَهُ لي مِن شَرِّ ما أُحاذِرُ
__________
(1) - محفوف :من أحف بالشيء أحاط به وأحدق به واستدار
(2) المن الإعتداد بالإحسان, والمَنَّانُ الذي لا يُعْطِي شيئاً إلاَّ مَنَّه. واعْتَدَّ به على مَن أعطاهُ، وهو مَذمُومٌ لأن المِنَّةَ تُفْسِدُ الصَّنِيعَة(296/13)
164. حَتّى مَتى المُذنِبُ لا يَتوبُ ... *** ... أَما تَرى ما تَصنَعُ الخُطوبُ(1)
165. ما المُلكُ إِلّا الجاهُ عِندَ اللَهِ ... *** ... الجاهُ عِندَ اللَهِ خَيرُ جاهِ
166. كأسَ اِمرُؤٌ مُنتَظِرٌ لِلمَوتِ ... *** ... وَكأسَ مَن بادَرَ قَبلَ الفَوتِ
167. سَبيلُ مَن ماتَ هُوَ السَبيلُ ... *** ... بَقاؤنا مِن بَعدِهِم قَليلُ
168. قَد يَضحَكُ القَلبُ بِعَينٍ تَبكي ... *** ... وَالأَخذُ قَد يَجري بِمَعنى التَركِ
169. ما هِيَ إِلّا الحادِثاتُ حَتّى ... *** ... تَترُكَ أَهلَ الأَرضِ بَتّا بَتّا(2)
170. لا بُدَّ لا بُدَّ مِنَ الحَوادِثِ ... *** ... تَمُرُّ تَطوي حادِثاً بِحادِثِ
171. لا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ أَهْلِ الآخَِرةْ ... *** ... إِنَّا لنَعَمْىَ وَالعُيُونُ نَاظِرَةْ
172. المَوتُ حَقٌّ لَيسَ فيهِ شَكٌّ ... *** ... تَفنى المُلوكُ وَيَبيدُ المُلكُ
173. اللَهُ رَبّي وَهوَ المَليكُ ... *** ... لَيسَ لَهُ في مُلكِهِ شَريكُ
174. اللَهُ يَفنينا وَلَيسَ يَفنى ... *** ... لَهُ الجَلالُ وَالصِفاتُ الحُسنى
175. اللَهُ مَولانا وَنِعمَ المَولى ... *** ... فَقُل لِمَن يَعصيهِ أَولى أَولى
176. ما هُوَ إِلّا عَفوُهُ وَحِلمُهُ ... *** ... سُبحانَ مَن لا حُكمَ إِلّا حُكمُهُ
177. نَتائِجُ الأَحوالِ مِن لا وَنَعَم ... *** ... وَالنَفسُ مِن بَينِ صُموتٍ وَعَدَم
178. يَذهَبُ شَيءٌ وَيَجيءُ شَيُّ ... *** ... ما هُوَ إِلّا رَشَدٌ وَغَيُّ
179. وَإِنَّما العِلمُ بِعَينٍ وَأَثَر ... *** ... وَإِنَّما التَعليمُ عِلمٌ وَخَبَر
180. نَحنُ مِنَ الدُنيا عَلى وِفازِ ... *** ... طوبى لِمَن أَسرَعَ في الجِهازِ(3)
181. وَكُلُّ مَأخوذٍ فَسَوفَ يُترَكُ ... *** ... وَالمُلكُ لا يَبقى وَلا المُمَلَّكُ
__________
(1) - جمع خَطْبُ: وهو الشأنُ، والأَمْرُ صَغُرَ أو عظُمَ،
(2) - البَتُّ: القَطْعُ
(3) - الوَفْزُ والوَفَز: العَجَلة والجمْع: أوْفاز. يُقال: نَحن على أوْفَاز: أي على سَفَرٍ قَدْ أشْخَصْنا, وجهاز المسافر ما يحتاج غليه في سفره(296/14)
182. أَتَت مُلوكٌ وَمَضَت مُلوكُ ... *** ... غَرَّتهُمُ الآمالُ وَالشُكوكُ
183. المَلِكُ الحَيُّ هُوَ المُميتُ ... *** ... لَهُ الجَميعُ وَلَهُ الشَتيتُ
184. في كُلِّ شَيءٍ عِبرَةٌ مِنَ العِبرِ ... *** ... وَكُلُّ شَيءٍ بِقَضاءٍ وَقَدَر
185. رَبّي إِلَيهِ تُرجَعُ الأُمورُ ... *** ... أَستَغفِرُ اللَهَ هُوَ الغَفورُ
186. عَمِلتُ سوءً وَظَلَمتُ نَفسي ... *** ... وَخِبتُ يَومي وَأَضَعتُ أَمسي
187. وَلي غَدٌ يُؤخَذُ مِنّي لَهُما ... *** ... هُما الدَليلانِ عَلى ذاكَ هُما
188. يا عَجَباً مِن ظُلمِ الذُنوبِ ... *** ... إِنَّ لَها رَيناً عَلى القُلوبِ(1)
189. اللَهُ فَعّالٌ لِما يَشاءُ ... *** ... غَداً غَداً يَنكَشِفُ الغِطاءُ
190. *كَم شِدَّةٍ مِن بَعدِها رَخاءُ*
191. إِنَّ الشَقِيَّ لِلشَقِيُّ الخائِنُ ... *** ... وَكُلُّنا عَمّا نَراهُ بائِنُ(2)
192. كُلٌّ سَيَفنى عاجِلاً وَشيكا ... *** ... تَرحَلُ عَن تَيّا وَتَنأى تيكا
193. *ناهيكَ مِمّا سَتَرى ناهيكا*
194. وَكُلُّ شَيءٍ مُقبِلٌ مُوَلِّ ... *** ... وَكُلُّ ذي شَيءٍ لَهُ مُخَلِّ
195. رَضيتُ بِاللَهِ وَبِالقَضاء ... *** ... ما أَكرَمَ الصَبرَ عَلى البَلاءِ
196. نَلعَبُ وَالدَهرُ بِنا سَريعُ ... *** ... وَالمَوتُ بينا دائِبٌ ذَريعُ(3)
197. *كُلُّ بَني الدُنيا لَها صَريعُ(4)*
198. أَلا اِنتَبِه ثُمَّ اِنتَبِه يا ناعِسُ ... *** ... أُخَيَّ لا تَلعَب بِكَ الوَساوِسُ
199. دُنيايَ يا دُنيايَ يا دارَ الفِتَن ... *** ... يا دارُ يا دارَ الهُمومُ وَالحَزَنَ
200. يا غَيرَ الدَهرِ وَيا صَرفَ الزَمَن ... *** ... إِن أَنا لَم أَبكِ عَلى نَفسي فَمَن
__________
(1) - الرَّيْنُ: الطَّبَعُ، والدَّنَسُ.
(2) - أي مفارق ومنفصل
(3) - السريع الكثير وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - :«كان ذَرِيعَ المَشْي» أي سَريعَ المشْيِ واسِع الخَطْو, ومنه الحديث: «فأكلَ أكْلاً ذَرِيعاً» أي سريعا كَثيرا
(4) - الصريع : المطروح على الأرض والمجنون(296/15)
201. لِكُلِّ هَمٍّ فَرَجٌ مِنَ الفَرَجِ ... *** ... تَثَقَّفَ الحَقُّ فَما فيهِ عِوَج(1)
202. يا عَجَباً ما أَسرَعَ الأَيّاما ... *** ... عَجِبتُ لِلنائِمِ كَيفَ ناما
203. يا عَجَباً كُلٌّ لَهُ تَصريفُ ... *** ... صَرَّفَهُ المُصَرِّفُ اللَطيفُ
204. وَأَيُّ شَيءٍ لَيسَ فيهِ فِكرَة ... *** ... وَأَيُّ شَيءٍ لَيسَ فيهِ عِبرَة
205. نَرى اِفتِراقاً وَنَرى اِجتِماعا ... *** ... نَرى اِتِّصالاً وَنَرى اِنقِطاعا
206. المُؤمِنُ المُخلِصُ لا يَضيعُ ... *** ... وَحُكمَةُ اللَهِ لَهُ رَبيعُ(2)
207. حَتّى مَتى لا تَرعَوي حَتّى مَتى ... *** ... لَقَد عَصَيتَ اللَهَ كَهلاً وَفَتى(3)
208. ما أَقرَبَ النَقصَ مِنَ النَماءِ ... *** ... وَكُلُّ مَن تَمَّ إِلى فَناءِ
209. أَرى البِلى فينا لَطيفَ الفَحصِ ... *** ... بَينَ الزِياداتِ وَبَينَ النَقصِ(4)
210. إِن كُنتَ تَبغي أَن تَكونَ أَملَسا ... *** ... فَكُن مِنَ الدُنيا أَصَمَّ أَخرَسا
211. *وَأَرغَب إِلى اللَهِ عَسى اللَهُ عَسى*
212. يا ذا الَّذي اِستيقاظُهُ مُشتَبَهُ ... *** ... لا راقِدٌ أَنتَ وَلا مُستَنبِهُ
213. مَن آثَرَالمُلكَ عَلى الكَينونَة ... *** ... كانَ مِنَ المُلكِ عَلى بَينونَة
214. لِيَخشَ عَبدٌ دَعوَةَ المَظلومِ ... *** ... وَحِكمَةِ الحَيِّ بِها القَيّومِ
__________
(1) - ثَقَّفَه تَثْقيفاً: سَوَّاهُ.
(2) - الربيع : النَّهر الذي يَسْقي الزَّرع, ومنه الحديث : (( فعدَاَ إلى الربيع فتطَهَّر )), والربيع أيضا : الزمان المعروف في السنة, وفي حديث الدعاء : (( اللهم اجْعَل القُرآنَ ربِيع قَلْبي )) جَعَله ربِيعاً له لأنّ الإنْسَانَ يرتاح قلبُه في الرَّبيع من الأزْمَان ويميلُ إليه.
(3) - الكَهْل من الرِجال: مَن زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين,.وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين,. وقد اكْتَهل الرجل وكاهَل، إذا بَلَغ الكُهولة فصار كَهْلاً.
(4) - الفحص : شدة الطلب خلال كل شيء(296/16)
215. وَيحَكَ يا مُغتَصِبَ المِسكينِ ... *** ... وَيحَكَ مِن دَيّانِ يَومِ الدَينِ
216. الدينُ لِلَّهِ هُوَ الدَيّانُ ... *** ... وَحُجَّةُ اللَهِ هِيَ السُلطانُ
217. تُدانُ يَوماً ما كَما تَدينُ ... *** ... وَيحَكَ يا مِسكينُ يا مِسكينُ
218. لِمِثلِ هَذا فَلَيبكَ الباكي ... ** ... حَسبُكَ بِالبُيودِ مِن هَلاكِ(1)
219. لَيسَ الرِضى إِلّا لِكُلِّ راضِ ... *** ... وَكُلُّ أَمرِ اللَهِ فينا ماض
220. السُخطُ لا يَبرَحُ كُلَّ ساخِطِ ... *** ... أَيُّ هَوىً فيهِ سُقوطُ الساقِطِ
221. وَصِلِ اللَهَ عَلى ما تَهوى ... *** ... وَلازِمِ الرُشدَ لِكَي لا تَغوى
222. مَن ضاقَ حَلَّت نَفسُهُ في الضيقِ ... *** ... لَيسَ اِمرُؤٌ ضاقَ عَلى الطَريقِ
223. ما أَوسَعَ الدُنيا عَلى المُسامِحِ ... *** ... ما فازَ إِلّا كُلُّ عَبدٍ صالِحِ
224. عاقِبَةُ الصَبرِ لَها حَلَاوَة ... *** ... وَعادَةُ الشَرِّ لَها ضَراوَة
225. تَعَزَّ بِالصَبرِ عَلى ما تَكرَهُ ... *** ... وَلا تُخَلِّ النَفسَ حينَ تَشرَهُ(2)
226. النَفسُ إِن أَتبَعتَها هَواها ... *** ... فاغِرَةٌ نَحوَ هَواها فَاهَا
227. لا تَبغِ ما يَجزيكَ مِنهُ دونَهُ ... *** ... وَإِن رَأَيتَ الناسَ يَطلُبونَهُ
228. أَيُّ غِنىً لِلمَرءِ في القُنوعِ ... *** ... وَالمَرءُ ذو حِرصٍ وَذو وَلوعِ(3)
229. المَرءُ دُنياهُ لَهُ غَرّارَة ... *** ... وَالنَفسُ بِالسوءِ لَهُ أَمّارَة
230. ما النَفسُ إِلّا كَدرٌ وَصَفو ... *** ... طَعمٌ لَهُ مُرُّ حُلو وَطَعمٌ
231. لِكُلِّنا يا دارُ مِنكِ شَجْوُ ... *** ... وَبَعضُنا مِن شَجوِ بَعضٍ خِلْوُ
232. ما زالَتِ الدُنيا لَنا دارَ أَذى ... *** ... مَمزوجَةَ الصَفوِ بِأَلوانِ القَذى
233. الخَيرُ وَالشَرُّ بِها أَزواجُ ... *** ... لِذا نِتاجٌ وَلِذا نِتاجُ(4)
__________
(1) - البيود : الإنقطاع والذهاب
(2) - تعز : من العزاء والتعزية : وهو الصبروالتسلية بعد المصيبة
(3) - أولع يه ولوعا وإيلاعا : إذا لج
(4) - من نتجت الناقة إذا ولدت(296/17)
234. سُبحانَ رَبّي فالِقِ الإِصْبَاحِ ... *** ... ما أَطلَبَ المَساءَ لِلصَباحِ
235. إِنَّ الجَديدَينِ هُما هُما هُما ... *** ... هُما هُما دائِرَةٌ رَحاهُما(1)
236. يا دارُ الباطِلِ المُعَتَّقِ ... *** ... عَلِقتُ مِمَّن فيكَ كُلَّ مَعْلَقِ
237. لا عَيشَ إِلّا عَيشُ أَهلِ الحَقِّ ... *** ... دارُ خُلودٍ لِحِسابِ الحَقِّ
238. ما عَيشُ مَن ضَلَّ الرِضى بِعَيشِ ... *** ... الساخِطِ العَيشِ كَثيرُ الطَيشِ
239. جَدَّ بِنا الأَمرُ وَنَحنُ نَلعَبْ ... *** ... وَكُلُّ آتٍ فَكَذاكَ يَذهَبْ
240. يَنعى حَياةَ الحَيِّ مَوتُ المَيِّتِ ... *** ... يُسمِعُهُ النَعيَ بِصَوتٍ صَيِّتِ(2)
241. عَلَيكَ لِلناسِ بِنُصحِ الجَيبِ ... *** ... وَكُن مِنَ الناسِ أَمِينَ الغَيبِ
242. إِرضَ مِنَ الدُنيا بِما يَفوتُكا ... *** ... وَاِعلَم بِأَنَّ الرِزقَ لا يَفوتُكا
243. القوتُ مِن حِلٍّ كَثيرٌ طَيِّبُ ... *** ... وَالحظُ بِكرٌ تارَةً وَثَيِّبُ
244. أَصلُ الخَطايا خَطرَةٌ وَنَظرَةُ ... *** ... وَغَدرَةٌ ظاهِرَةٌ وَفَجرَةُ(3)
245. لِيَسلَمِ الناسُ جَميعاً مِنكا ... *** ... وَاِرضَ لَعَلَّ اللَهَ يَرضى عَنكا
246. تَبارَكَ اللَهُ وَجَلَّ اللَهُ ... *** ... أَعظَمُ ما فاهَت بِهِ الأَفواهُ
247. ما أَوسَعَ اللَهَ لكل خَلقِهِ ... *** ... كُلٌّ فَفي قَبضَتِهِ وَرِزقِهِ
248. *بِاللَهِ نَقوى لِأَداءِ حَقِّهِ*
249. كُلُّ اِمرِئٍ في شَأنِهِ يُرَقّع ... *** ... وَالرَقعُ لا يَبقى وَلا المُرَقِّع
250. ما أَشرَفَ الكَسبَ مِنَ الحَلالِ ... *** ... ما أَكرَمَ السَعِيَ عَلى العِيالِ
251. ما أَكذَبَ الآمالِ عِندَ الحَيْنِ ... *** ... وَالسَيرُ في إِصلاحِ ذاتِ البَينِ
252. آيُّ رَجاءٍ لَيسَ فيهِ خَوفُ ... *** ... وَرُبَّما خانَت عَسى وَسَوفُ
__________
(1) - الجديدان : هما الليل والنهار أو الغدوة والعشية وهما من الإثنين الذين لا يفردان من لفظهما
(2) - الصيت :شديد الصوتِ عاليَه
(3) - الخطرة : الوسوسة وفي حديث سجود السَّهُو : «حتى يَخْطِر الشيطان بين المرء وقَلْبه»(296/18)
253. ما هُوَ إِلّا الخَوفُ وَالرَجاءُ ... *** ... لا تَرجُ مَن لَيسَ لَهُ حَياءُ
254. يا عَينُ يا عَينُ أَما رَأَيتِ ... *** ... أَما رَأَيتِ قَطُّ قَبرَ مَيتِ
255. *يا عَينُ قَد نُكيتِ إِن بَكيتِ*
256. بَيتُ البِلى أَقصَرُ بَيتٍ سَمكا ... *** ... سُبحانَ مَن أَضحَكَنا وَأَبكى(1)
257. يا لِلبَلى يا لِلبَلى يا لِلبَلى ... *** ... إِنَّ البَلى يُسرِعُ تَغيّيرَ الحِلا(2)
258. لا بُدَّ يَوماً يُحصَدُ المَزروعُ ... *** ... وَكُلُّنا عَن نَفسِهِ مَخدوعُ
259. نَحنُ جَميعاً كُلُّنا عَبيدُ ... *** ... مَليكُنا مُقتَدِرٌ حَميدُ
260. لَنا مَليكٌ مُحسِنٌ إِلَينا ... *** ... مَن نَحنُ لَولا فَضلُهُ عَلَينا
261. أَكثَرُ ما نُعنى بِهِ وَلوعُ ... *** ... طوبى لِمَن كانَ لَهُ قُنوعُ
262. سُبحانُ مَن ذَلَّت لَهُ الأَشرافُ ... *** ... أَكرَمُ مَن يُرجى وَمَن يُخافُ
263. ما هُوَ إِلّا العَزمُ وَالتَوَكُّل ... *** ... البِرُّ يَعلو وَالفُجورُ يَسفُل
264. كَم مَرَّةٍ حَفَّت بِكَ المَكارِهُ ... *** ... خارَ لَكَ اللَهُ وَأَنتَ كارِهُ
265. عَجِبتُ لِلدَهرِ وَلِاِنقِلابِهِ ... *** ... ما لَكَ لا تُعنى بِما يُعنى بِهِ
266. إِذا جَعَلتَ الهَمَّ هَمّاً واحِدا ... *** ... نَعِمتَ بالاً وَغَنيتَ راشِدا
267. يا عَجَباً لِلنَفسِ ما أَشرَدَها ... *** ... ما أَقرَبَ النَفسَ وَما أَبعَدَها(3)
268. النَفسُ أَعدى لَكَ مِمّا تَحسِبُ ... *** ... حَسبُكَ مِن عِلمِكَ ما تُجَرِّبُ
269. يا عَجَباً يا عَجَباً يا عَجَبا ... *** ... يا عَجَباً لِمَن لَها وَلَعِبا
270. يا عَجَباً لِلطَرفِ كَيفَ يَطمَحُ ... *** ... يا عَجَباً لِلمَرءِ كَيفَ يَفرَحُ(4)
271. ما أَسرَعَ المَوتَ لِذي طَرفٍ طَمَح ... *** ... لَم يَترُكِ المَوتُ لِذي لُبِّ فَرَح
272. يا رَبِّ يا رَبِّ لَقَد أَنعَمتا ... *** ... يا رَبِّ ما أَحسَنَ ما عَلَّمتا
__________
(1) - السمك : السقف
(2) - الحلا جمع حلية : وهي الهيئة والصورة
(3) - الشرود : النفور
(4) - طمح بصره إلى الشيء : ارتفع(296/19)
273. يا رَبِّ أَسعِدني بِما عَلَّمتَني ... *** ... وَلا تُهنِيِّ بَعدَ إِذ أَكرَمتَني
274. دَع عَنكَ يا هَذا بُنَيّاتِ الطُرُق ... *** ... إِن لَم تَصُن وَجهَكَ يا هَذا خَلُق(1)
275. دَع عَنكَ ما لَيسَ بِهِ مُستَمتَعُ ... *** ... وَشَرُّ ما حاوَلتَ ما لا يَنفَعُ
276. وَخَيرُ أَيّامِكَ يَومُ تُنعِمُ ... *** ... وَشَرُّ أَيّامِكَ يَومُ تَظلِمُ
277. وَخَيرُ ما قُلتَ بِهِ ما يُعرَفُ ... *** ... وَشَرُّ مَن صاحَبتَ مَن لا يُنصِفُ
278. وَخَيرُ مَن قارَنتَ مَن لا يَخْرُقُ ... *** ... وَشَرُّ مَن خالَفتَ مَن لا يَرفُقُ
279. كُلٌّ إِذا ما مَسَّهُ الضُرُّ شَكا ... *** ... وَكُلُّ مَن أَبكَتهُ دُنياهُ بَكى
280. يا عَينُ ما لَكِ لا تَبكينا ... *** ... تَبَصَّري إِن كُنتِ تُبصِرينا
281. ما أَعجَبَ الأَمرَ لِمَن تَعَجَّبا ... *** ... ما أَسرَعَ القَلبَ إِذا تَقَلَّبا
282. يَحُلُّ قَلبُ المَرءِ حَيثُ مالُه ... *** ... ما كُلُّ مَن أَطمَعَني أَنالُه
283. قَدِّم لِما بَينَ يَدَيكَ قَدِّمِ ... *** ... أُفٍّ وَتُفٍّ لِعَبيدِ الدِرهَمِ
284. الصِدقُ وَالبِرُّ أَصَبنا تَوأَما ... *** ... وَالمُسلِمُ البَرُّ يَبَرُّ المُسلِما
285. لا سَعَةٌ أَوسَعَ مِن حُسنِ الخُلُق ... ** ... مَنِ اِعتَدى تاهَ وَمَن تاهَ حَمُق
286. ما كُلُّ مَعقودٍ لَهُ وَثيقَة ... *** ... وَالصِدقُ ما كانَت لَهُ حَقيقَة
287. في الغَيِّ خُسرانٌ وَفي الرُشْدِ دَرَك ... *** ... أَوسَعُ خَيرِ المَرءِ خَيرٌ مُشتَرَك
288. *ما زالَتِ الدُنيا سُكوناً وَحَرَك*
289. يا عَينُ أَبغي مِنكِ أَن تَجودي ... *** ... بِأَدمُعٍ تَنهَلُّ كَالفَريدِ(2)
290. *يَئِستُ في الدُنيا مِنَ الخُلودِ*
__________
(1) - بنيات الطريق : هي الطرق الصغار التي تشعب عن معظمه, ويقال للأكاذيب والأباطيل : أيضا ((بنيات الطرق)) وفلان يتشبت ببنيات الطريق أي بالأكاذيب وبما لا أصل له , وخلق : بَلِيَ
(2) - الفريد : الدر إذا نظم وفصل بغيره , والجوهرة النفيسة كأنها مفردة في نوعها(296/20)
291. يَحِقُّ لي يا عَينُ أَن بَكَيتُ ... *** ... أَبكي لِعِلمي بِالَّذي أَتَيتُ
292. أَنا المُسيءُ المُذنِبُ الخَطّاءُ ... *** ... في تَوبَتي عَن حَوبَتي إِبطاءُ
293. ما عِندَ يَومي ثِقَةٌ لي بِغَدِ ... *** ... لا بُدَّ مِن دارِ خُلودِ الأَبَدِ
294. يا حَزَني يا حَزَني يا حَزَني ... *** ... لا بُدَّ أَن يَترُكَ روحي بَدَني
295. يا غَدرَةَ الأَيّامِ ما لي وَلَكِ ... *** ... لَم تُبقِ لي شَيئاً وَلَم تَتَّرِكِ
296. قَرَّبَتِ الأَيّامِ مِنّي أَجَلي ... *** ... بَرَّحَتِ الأَيّامُ بي في عِلَلي
297. زادَتنِيَ الأَيّامُ في تَجريبي ... *** ... باعَدَتِ الأَيّامُ في تَقريبي
298. يا يَومُ يَومَ البَينِ وَالشُحوطِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ العودِ وَالحُنُوطِ(1)
299. يا يَومُ يَومَ العَلَزِ الشَديدِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ النَفَسِ البَعيد(2)ِ
300. يا يَومُ يَومَ الأَجَلِ المَعدودِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ المَنهَلِ المَورودِ(3)
301. يا يَومُ يَومَ السِدرِ وَالكافورِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ الكَفَنِ المَنشورِ(4)
302. يا يَومُ يَومَ الخَتمِ بِالوَفاةِ ... *** ... يا يَومُ يَومَ الهَجرِ لِلحُماةِ
303. يا يَومُ يَومَ المَيِّتِ المُسَجّى ... *** ... عَلى سَريرٍ لِلبَلى يُزَجّى(5)
304. يا يَومُ يَومَ الرَنَّةِ الطَويلَة ... *** ... يا يَومُ يَومَ العَجزِ عَن ذي الحيلَة(6)
305. يا يَومُ يَومَ لَيسَ عَنهُ مَدفَع ... *** ... يا يَومُ يَومَ النَفسِ حينَ تُرفَع
306. صارَ اِمرُؤٌ فيهِ إِلى ما فيهِ ... *** ... يُسْعِدُهُ ذَلِكَ أَو يُشقيهِ
307. *ما أَشغَلَ المَيِّتَ عَن باكيهِ*
__________
(1) - الشحوط : البعد , والحنوط : طيب يخلط للميت خاصة
(2) - العَلَزُ: خِفَّةٌ وهَلَعٌ يُصيب الإنْسان.
(3) - المنهل : المشرب
(4) - السدر :شجر النبق , واحدتها سدرة , و ورقه غسول يشبه شجر العناب
(5) - يزجى : أي يدفع دفعا رفيقا
(6) - الرَّنَّةُ: الصوتُ, رَنَّ يَرِنُّ رَنِيناً: صاحَ(296/21)
308. أَسلَمَ مَقبوراً مُشَيِّعُوهُ ... *** ... اِنصَرَفوا عَنهُ وَخَلَّفوهُ
309. ساعَةَ سَوَّوا تُربَهُ عَلَيهِ ... *** ... وَلَّوا وَلَم يَلتَفِتوا إِلَيهِ
310. سَيَضحَكُ الباكونَ بَعدَ المَيتِ ... *** ... لا بَل سَيَلهونَ بِلَو وَلَيتِ
311. إِنّا إِلى اللَهِ لَراجِعونا ... *** ... حَتّى مَتى نَحنُ مُضَيِّعونا
312. بَينا اِمرُؤٌ بَينَ يَدَيْكَ حَيّاً ... *** ... إِذ صِرتَ لا تُبْصِرُ مِنهُ شَيّا
313. أَعانَنا اللَهُ عَلى لِقائِهْ ... *** ... كَم مُخطِئٍ ذي عَجَبٍ بِرائِهْ
314. ما الناسُ إِلّا وارِدٌ وَصادِرْ ... *** ... الطَمْعُ لِلغالِبِ فَقرٌ حاضِرْ(1)
315. طوبى لِمَن يَقنَعُ ما أَغناهُ ... *** ... وَيحَ مَنِ اِستَعبَدَهُ هَواهُ
316. أُخَيَّ لا تَذهَب بِكَ المَذاهِبُ ... *** ... أَظَلَّكَ المَوتُ وَأَنتَ لاعِبُ
317. أُخَيَّ إِنَّ المَوتَ قَدْ أَظَلَّكا ... *** ... هَل لَكَ أَن تُعنى بِهِ لَعَلَّكا
318. اللَهُ رَبّي قُوَّتي وَحَوْليِ ... *** ... اللَهُ لي مِن يَومٍ كُلِّ هَولِ
319. يا رَبِّ سَلِّمنا وَسَلِّم مِنّا ... *** ... وَتُب عَلَينا وَتَجاوَز عَنّا
320. *يا رَبِّ إِنّا بِكَ حَيثُ كُنّا*
321. كَم فَلتَةٍ لي قَد وُقيتُ شَرَّها ... *** ... ما أَنفَعَ الدُنيا وَما أَضَرَّها(2)
322. إِنّا مِنَ الدُنيا لَفي طَريقِ ... *** ... إِلى الغَسَّاقِ أَو إِلى الرَحيقِ(3)
323. ما هِيَ إِلّا جَنَّةٌ وَنَارُ ... *** ... أَفلَحَ مَن كانَ لَهُ اِعْتِبَارُ
324. كاسَ اِمرُؤٌ مُتَّعِظٌ بِغَيرِهِ ... *** ... دَع شَرَّ ما تَأتي وَخُذ في خَيرِهِ
325. خَلا أَخٌ عَنكَ فَلا تُخَلِّهِ ... *** ... مَن لَكَ يَوماً بِأَخيكَ كُلِّهِ
__________
(1) - الصدر : الانصراف عن الورد وعن كل أمر, والورد ضده
(2) - الفلتة :كلُّ شيءٍ فُعل من غير رَوِيَّة، ولا إحكام
(3) - الغساق : بالتخفيف والتشديد: ما يَسِيل من صَديد أهل النار وغُسَالَتِهم. وقيل: ما يَسِيل من دُمُوعهم وقيل: هو الزَّمْهرير.(296/22)
326. مَن يَسأَلِ الناسَ يَهُن عَلَيهِمُ ... *** ... بُؤسى لِمَن حاجَتُهُ إِلَيهِمُ
327. تَرى مُجتَمِعاً لا يَفتَرِقْ ... *** ... وَكُلُّ ما زادَ فَلِلنَقصِ خُلِقْ
328. مَن يَسأَلِ الناسَ يُخَيِّبوهُ ... *** ... وَيُعرِضوا عَنهُ وَيُصغِروهُ
329. مَن صَنَعَ الناسَ تَكَنَّفوهُ ... *** ... وَاِقتَرَبوا مِنهُ وَكَرَّموهُ(1)
330. سُبحانَ مَن باعَدَ في تَقَدُّمِه ... *** ... نَعصيهِ في قَبضَتِهِ بِأَنعُمِه
331. كِلا الجَديدَينِ بِنا حَثيثُ ... *** ... مِنَ الخُطوبِ عَجِلٌ مَكيثُ(2)
332. طوبى لِمَن طابَ لَهُ الحَديثُ ... *** ... ما يَستَوي الطَيِّبُ وَالخَبيثُ
*انتهت الأرجوزة المسماة : ذات الأمثال للشاعر المجيدأبي العتاهية رحمه الله وأسأل الله أن ينفع بها قارئها*
*ومستمعها والناظر فيها , وانتهيت من تصفيفها وترتتيبها وشرح مفرداتها*
*في 24 من صفر 1426هـ من هجرة النبي المصطفى صلى الله *
*عليه وسلم , وذلك على يد أبي يعلى البيضاوي*
* عفا الله عنه , والحمد لله *
*رب العالمين*
* تم بحمد الله *
*
__________
(1) - تكننفوه : أحاصوا به
(2) - حثيث : : مسرع , والمكيت : المقيم الثابت(296/23)
الأرملة المرضعة - لمعروف الرصافي
لَقِيتُها لَيْتَنِي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَا
تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَا
أَثْوَابُهَا رَثَّةٌ والرِّجْلُ حَافِيَةٌ
وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا
وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَا
مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا
فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَا
المَوْتُ أَفْجَعَهَا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا
وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَا
فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَا
وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَا
كَرُّ الجَدِيدَيْنِ قَدْ أَبْلَى عَبَاءَتَهَا
فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وَانْشَقَّ أَعْلاَهَا
وَمَزَّقَ الدَّهْرُ ، وَيْلَ الدَّهْرِ، مِئْزَرَهَا
حَتَّى بَدَا مِنْ شُقُوقِ الثَّوْبِ جَنْبَاهَا
تَمْشِي بِأَطْمَارِهَا وَالبَرْدُ يَلْسَعُهَا
كَأَنَّهُ عَقْرَبٌ شَالَتْ زُبَانَاهَا
حَتَّى غَدَا جِسْمُهَا بِالبَرْدِ مُرْتَجِفَاً
كَالغُصْنِ في الرِّيحِ وَاصْطَكَّتْ ثَنَايَاهَا
تَمْشِي وَتَحْمِلُ بِاليُسْرَى وَلِيدَتَهَا
حَمْلاً عَلَى الصَّدْرِ مَدْعُومَاً بِيُمْنَاهَا
قَدْ قَمَّطَتْهَا بِأَهْدَامٍ مُمَزَّقَةٍ
في العَيْنِ مَنْشَرُهَا سَمْجٌ وَمَطْوَاهَا
مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُهَا
تَشْكُو إِلَى رَبِّهَا أوْصَابَ دُنْيَاهَا
تَقُولُ يَا رَبِّ، لا تَتْرُكْ بِلاَ لَبَنٍ
هَذِي الرَّضِيعَةَ وَارْحَمْنِي وَإيَاهَا
مَا تَصْنَعُ الأُمُّ في تَرْبِيبِ طِفْلَتِهَا
إِنْ مَسَّهَا الضُّرُّ حَتَّى جَفَّ ثَدْيَاهَا
يَا رَبِّ مَا حِيلَتِي فِيهَا وَقَدْ ذَبُلَتْ
كَزَهْرَةِ الرَّوْضِ فَقْدُ الغَيْثِ أَظْمَاهَا
مَا بَالُهَا وَهْيَ طُولَ اللَّيْلِ بَاكِيَةٌ
وَالأُمُّ سَاهِرَةٌ تَبْكِي لِمَبْكَاهَا(297/1)
يَكَادُ يَنْقَدُّ قَلْبِي حِينَ أَنْظُرُهَا
تَبْكِي وَتَفْتَحُ لِي مِنْ جُوعِهَا فَاهَا
وَيْلُمِّهَا طِفْلَةً بَاتَتْ مُرَوَّعَةً
وَبِتُّ مِنْ حَوْلِهَا في اللَّيْلِ أَرْعَاهَا
تَبْكِي لِتَشْكُوَ مِنْ دَاءٍ أَلَمَّ بِهَا
وَلَسْتُ أَفْهَمُ مِنْهَا كُنْهَ شَكْوَاهَا
قَدْ فَاتَهَا النُّطْقُ كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَا
وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيَّ السُّقْمِ آذَاهَا
وَيْحَ ابْنَتِي إِنَّ رَيْبَ الدَّهْرِ رَوَّعَها
بِالفَقْرِ وَاليُتْمِ ، آهَاً مِنْهُمَا آهَا
كَانَتْ مُصِيبَتُهَا بِالفَقْرِ وَاحَدَةً
وَمَوْتُ وَالِدِهَا بِاليُتْمِ ثَنَّاهَا
* * * *
هَذَا الذي في طَرِيقِي كُنْتُ أَسْمَعُهُ
مِنْهَا فَأَثَّرَ في نَفْسِي وَأَشْجَاهَا
حَتَّى دَنَوْتُ إلَيْهَا وَهْيَ مَاشِيَةٌ
وَأَدْمُعِي أَوْسَعَتْ في الخَدِّ مَجْرَاهَا
وَقُلْتُ : يَا أُخْتُ مَهْلاً إِنَّنِي رَجُلٌ
أُشَارِكُ النَّاسَ طُرَّاً في بَلاَيَاهَا
سَمِعْتُ يَا أُخْتُ شَكْوَى تَهْمِسِينَ بِهَا
في قَالَةٍ أَوْجَعَتْ قَلْبِي بِفَحْوَاهَا
هَلْ تَسْمَحُ الأُخْتُ لِي أَنِّي أُشَاطِرُهَا
مَا في يَدِي الآنَ أَسْتَرْضِي بِهِ اللهَ
ثُمَّ اجْتَذَبْتُ لَهَا مِنْ جَيْبِ مِلْحَفَتِي
دَرَاهِمَاً كُنْتُ أَسْتَبْقِي بَقَايَاهَا
وَقُلْتُ يَا أُخْتُ أَرْجُو مِنْكِ تَكْرِمَتِي
بِأَخْذِهَا دُونَ مَا مَنٍّ تَغَشَّاهَا
فَأَرْسَلَتْ نَظْرَةً رَعْشَاءَ رَاجِفَةً
تَرْمِي السِّهَامَ وَقَلْبِي مِنْ رَمَايَاهَا
وَأَخْرَجَتْ زَفَرَاتٍ مِنْ جَوَانِحِهَا
كَالنَّارِ تَصْعَدُ مِنْ أَعْمَاقِ أَحْشَاهَا
وَأَجْهَشَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَةٌ
وَاهَاً لِمِثْلِكَ مِنْ ذِي رِقَّةٍ وَاهَا
لَوْ عَمَّ في النَّاسِ حِسٌّ مِثْلُ حِسِّكَ لِي
مَا تَاهَ في فَلَوَاتِ الفَقْرِ مَنْ تَاهَا
أَوْ كَانَ في النَّاسِ إِنْصَافٌ وَمَرْحَمَةٌ(297/2)
لَمْ تَشْكُ أَرْمَلَةٌ ضَنْكَاً بِدُنْيَاهَا
* * * *
هَذِي حِكَايَةُ حَالٍ جِئْتُ أَذْكُرُهَا
وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَى الأَحْرَارَ فَحْوَاهَا
أَوْلَى الأَنَامِ بِعَطْفِ النَّاسِ أَرْمَلَةٌ
وَأَشْرَفُ النَّاسِ مَنْ بِالمَالِ وَاسَاهَا(297/3)
الإرهابي
---
لا تفزعي يا طفلتي من منظري ... أو تخجلي من هيئتي وثيابي
شيخ أنا يا طفلتي من يعرب ... عصف الزمان بسحنتي وشبابي
وأحالني شيخاً تغضن وجهه ... كث الشوارب أشعث الأهدابي
قد كنت في ماضي الزمان معززاً ... خبزي الكرامة والإباء شرابي
حرٌ أبيٌ لا تُمس كرامتي ... أسدٌ أُكشر في الوغى عن نابي
إن جارني أحد حفظت جواره ... وحفظت حق المستجير ببابي
وإذا أتاني الضيف قمت مرحباً ... أُسقيه ماء العز من أكوابي
وأغض طرفي عن محارم جارتي ... وأكف عن دنس الحرام إهابي
ونشرت بين الناس كل فضيلة ... نور الرسالة شع من محرابي
لكنهم وبرغم كل محاسني ... حكموا عليّ بأنني إرهابي !(298/1)
الأسير
إلهي قد بكيت دما عليهم .. و حزني قد غشى طرفي الكسير ..
أبيت وفي الفؤاد جراح أسرى .. تقض مضاجعي فأنا الأسير ..
يحاصرني شعور الذل مما .. أرى من حال أمتنا المرير ..
سجين يا إلهي بغير ذنب .. سوى الإسلام قام له نصير ..
إلهي يا عزيزا فوق قوم .. تمادوا بالإهانة والفجور ..
إلهي ضيق الدنيا عليهم .. و عذبهم بها وكذا القبور ..
فتمضي طرفة العين عذابا .. تحول وقت دنياهم دهور ..
فصبرا يا أسير فأنت حر .. إلى الأخرى بلا قيد تسير ..
فتنسى ليل مأساة طويل .. و أنات بكت منها الجسور ..
تذكر هذه الدنيا ستمضي .. و إن طال الزمان بها يسير ..(299/1)
الأم مدرسة إذا أعددتها
وقال حافظ إبراهيم :
1. والمال إن لم تدخره محصنا بالعلم كان نهاية الإملاق
2. والعلم إن لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الإخفاق
3. لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخلاق
4. من لي بتربية النساء فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق
5. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
6. الأم روض إن تعهده الحيا بالسري أورق أيما إيراق
7. اللأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
8. أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا بين الرجال يجلن في الأسواق
9. يدرجن حيث أرَدن لا من وازع يحذرن رقبته ولا من واقي
10. يفعلن أفعال الرجال لواهيا عن واجبات نواعس الأحداق
11. في دورهن شؤونهن كثيرة كشؤون رب السيف والمزراق
12. تتشكّل الأزمان في أدوارها دولا وهن على الجمود بواقي
13. فتوسطوا في الحالتيسن وأنصفوا فالشر في التّقييد والإطلاق
14. ربوا البنات على الفضيلة إنها في الموقفين لهن خير وثاق
15. وعليكم أن تستبين بناتكم نور الهدى وعلى الحياء الباقي(300/1)
البردة المباركة
للإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري
أمِنْ تَذَكِّرِ جيرانٍ بذي سَلَمِ
مَزَجْتَ دَمعا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ
أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقاءِ كاظِمَةٍ
وأومَضَ البرقُ في الظَّلماءِ مِن اِضَمِ
فما لِعَينيك اِن قُلتَ اكْفُفَا هَمَتَا
وما لقلبِكَ اِن قلتَ استَفِقْ يَهِمِ
أيحَسب الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِمٌ
ما بينَ منسَجِمٍ منه ومُضْطَرِمِ
لولا الهوى لم تُرِقْ دمعا على طَلِلِ
ولا أَرِقْتَ لِذِكْرِ البانِ والعَلَمِ
فكيفَ تُنْكِرُ حبا بعدما شَهِدَت
به عليك عُدولُ الدمعِ والسَّقَمِ
وأثبَتَ الوَجْدُ خَطَّي عَبْرَةٍ وضَنَى
مثلَ البَهَارِ على خَدَّيك والعَنَمِ
نَعَم سرى طيفُ مَن أهوى فأَرَّقَنِي
والحُبُّ يعتَرِضُ اللذاتِ بالأَلَمِ
يا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعذرَةً
مِنِّي اليك ولَو أنْصَفْتَ لَم تَلُمِ
عَدَتْكَ حالي لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ
عن الوُشاةِ ولا دائي بمُنحَسِمِ
مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَستُ أسمَعُهُ
اِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُذَّالِ في صَمَمِ
اِنِّي اتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّيْبِ فِي عَذَلِي
والشَّيْبُ أبعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ
فانَّ أمَّارَتِي بالسوءِ ما اتَّعَظَت
مِن جهلِهَا بنذير الشَّيْبِ والهَرَمِ
ولا أعَدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى
ضَيفٍ أَلَمَّ برأسي غيرَ مُحتشِمِ
لو كنتُ أعلمُ أنِّي ما أُوَقِّرُهُ
كتمتُ سِرَّا بَدَا لي منه بالكَتَمِ
مَن لي بِرَدِّ جِمَاح مِن غَوَايتِهَا
كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخيلِ بالُّلُجُمِ
فلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْرَ شهوَتهَا
اِنَّ الطعامَ يُقوِّي شهوةَ النَّهِمِ
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه يفتطم
فاصْرِف هواها وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ
اِنَّ الهوى ما تَوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ
وراعِهَا وهْيَ في الأعمال سائِمَةٌ
واِنْ هِيَ استَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِمِ(301/1)
كَم حسَّنَتْ لَذَّةً للمرءِ قاتِلَةً
مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ
فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَدِ امْتَلأتْ
مِن المَحَارِمِ والْزَمْ حِميَةَ َالنَّدَمِ
وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِمَا
واِنْ هما مَحَّضَاكَ النُّصحَ فاتَّهِمِ
ولا تُطِعْ منهما خصمَا ولا حكَمَا
فأنت تعرفُ كيدَ الخَصمِ والحَكَمِ
استغفر الله من قول بلا عمل
لقد نَسجت به نسلاً لذي عُقُمِ
أمرتك الخير لكن ما اتمرت به
وما استقمت فما قولي لك استقم
ولا تزودتُ قبل الموت نافلةً
ولم أصلي سوى فرضٍ ولم أصُم
وراوَدَتْهُ الجبالُ الشُّمُّ مِن ذَهَبٍ
عن نفسِه فأراها أيَّمَا شَمَمِ
وأكَّدَت زُهدَهُ فيها ضرورَتُهُ
اِنَّ الضرورةَ لا تعدُو على العِصَمِ
وكيف تدعو الى الدنيا ضرورة مَن
لولاه لم تُخرجُ الدنيا من العدم
محمدٌّ سيدُ الكونينِ والثقَلَيْنِ
والفريقين مِن عُربٍ ومِن عَجَمِ
نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلا أَحَدٌ
أبَرُّ في قَولِ لا منه ولا نَعَمِ
هُو الحبيبُ الذي تُرجَى شفاعَتُهُ
لكُلِّ هَوْلٍ مِن الأهوالِ مُقتَحَمِ
دَعَا الى اللهِ فالمُستَمسِكُون بِهِ
مُستَمسِكُونَ بِحبلٍ غيرِ مُنفَصِمِ
فاقَ النَّبيينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يُدَانُوهُ في عِلمٍ ولا كَرَمِ
فَهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصورَتُهُ
ثم اصطفاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَمِ
مُنَزَّهٌ عن شريكٍ في محاسِنِهِ
فجَوهَرُ الحُسنِ فيه غيرُ منقَسِمِ
دَع ما ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِمِ
واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِمِ
وانسُبْ الى ذاتِهِ ما شئتَ مِن شَرَفٍ
وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَمِ
فَاِنَّ فَضلَ رسولِ اللهِ ليس له
حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطِقٌ بِفَمِ
لم يمتَحِنَّا بما تَعيَا العقولُ به
حِرصَاً علينا فلم نرتَبْ ولم نَهِمِ(301/2)
أعيا الورى فَهْمُ معناهُ فليسَ يُرَى
في القُرْبِ والبُعدِ فيه غيرُ مُنفَحِمِ
كالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُعُدٍ
صغيرةً وتُكِلُّ الطَّرْفَ مِن أَمَمِ
وكيفَ يُدرِكُ في الدنيا حقيقَتَهُ
قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوا عنه بالحُلُمِ
فمَبْلَغُ العِلمِ فيه أنه بَشَرٌ
وأَنَّهُ خيرُ خلْقِ الله كُلِّهِمِ
أكرِمْ بخَلْقِ نبيٍّ زانَهُ خُلُقٌ
بالحُسنِ مشتَمِلٌ بالبِشْرِ مُتَّسِمِ
أبانَ مولِدُهُ عن طِيبِ عنصُرِهِ
يا طِيبَ مُبتَدَاٍ منه ومُختَتَمِ
يَومٌ تَفَرَّسَ فيه الفُرسُ أنَّهُمُ
قَد أُنذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ
وباتَ اِيوَانُ كِسرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ
كَشَملِ أصحابِ كِسرَى غيرَ مُلتَئِمِ
والنارُ خامِدَةُ الأنفاسِ مِن أَسَفٍ
عليه والنهرُ ساهي العَيْنِ مِن سَدَمِ
وساءَ ساوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَا
وَرُدَّ وارِدُهَا بالغَيْظِ حينَ ظَمِي
كأَنَّ بالنارِ ما بالماءِ مِن بَلَلٍ
حُزْنَاً وبالماءِ ما بالنار مِن ضَرَمِ
والجِنُّ تَهتِفُ والأنوارُ ساطِعَةٌ
والحقُّ يظهَرُ مِن معنىً ومِن كَلِمِ
مِن بعدِ ما أخبَرَ الأقوامَ كاهِنُهُم
بأنَّ دينَهُمُ المُعوَجَّ لم يَقُمِ
وبعد ما عاينُوا في الأُفقِِ مِن شُهُبٍ
مُنقَضَّةٍ وَفقَ ما في الأرضِ مِن صَنَمِ
حتى غَدا عن طريقِ الوَحيِ مُنهَزِمٌ
مِن الشياطينِ يقفُو اِثْرَ مُنهَزِمِ
كأنَّهُم هَرَبَا أبطالُ أبْرَهَةٍ
أو عَسكَرٍ بالحَصَى مِن راحَتَيْهِ رُمِي
نَبْذَا به بَعدَ تسبيحٍ بِبَطنِهِمَا
نَبْذَ المُسَبِّحِ مِن أحشاءِ ملتَقِمِ
جاءت لِدَعوَتِهِ الأشجارُ ساجِدَةً
تمشِي اِليه على ساقٍ بلا قَدَمِ
كأنَّمَا سَطَرَتْ سطرا لِمَا كَتَبَتْ
فُرُوعُهَا مِن بديعِ الخَطِّ بالَّلقَمِ
مثلَ الغمامَةِ أَنَّى سارَ سائِرَةً
تَقِيهِ حَرَّ وَطِيسٍ للهَجِيرِ حَمِي
وما حوى الغارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ
وكُلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي(301/3)
فالصدقُ في الغارِ والصدِّيقُ لم يَرِيا
وهُم يقولون ما بالغارِ مِن أَرِمِ
ظنُّوا الحمامَ وظنُّوا العنكبوتَ على
خيرِ البَرِّيَّةِ لم تَنسُجْ ولم تَحُمِ
وِقَايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَاعَفَةٍ
مِنَ الدُّرُوعِ وعن عالٍ مِنَ الأُطُمِ
لا تُنكِرِ الوَحْيَ مِن رُؤيَاهُ اِنَّ لَهُ
قَلْبَاً اِذا نامَتِ العينانِ لم يَنَمِ
فذاك حينَ بُلُوغٍ مِن نُبُوَّتِهِ
فليسَ يُنكَرُ فيهِ حالُ مُحتَلِمِ
تبارَكَ اللهُ ما وَحيٌ بمُكتَسَبٍ
ولا نبيٌّ على غيبٍ بمُتَّهَمِ
كَم أبْرَأَتْ وَصِبَاً باللمسِ راحَتُهُ
وأطلَقَتْ أَرِبَاً مِن رَبقَةِ اللمَمِ
وأَحْيت السَنَةَ الشَّهباءَ دَعوَتُهُ
حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُمِ
بعارِضٍ جادَ أو خِلْتَ البِطَاحَ بها
سَيْبٌ مِنَ اليمِّ أو سَيْلٌ مِنَ العَرِمِ
دَعنِي وَوَصفِيَ آياتٍ له ظهَرَتْ
ظهُورَ نارِ القِرَى ليلا على عَلَمِ
آياتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَةٌ
قديمَةٌ صِفَةُ الموصوفِ بالقِدَمِ
لم تَقتَرِن بزمانٍ وَهْيَ تُخبِرُنا
عَنِ المَعَادِ وعَن عادٍ وعَن اِرَمِ
دامَتْ لدينا ففاقَتْ كُلَّ مُعجِزَةٍ
مِنَ النَّبيينَ اِذ جاءَتْ ولَم تَدُمِ
ما حُورِبَت قَطُّ الا عادَ مِن حَرَبٍ
أَعدَى الأعادِي اليها مُلقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بلاغَتُهَا دَعوى مُعارِضِهَا
رَدَّ الغَيُورِ يَدَ الجانِي عَن الحُرَمِ
لها مَعَانٍ كَموْجِ البحرِ في مَدَدٍ
وفَوقَ جَوهَرِهِ في الحُسنِ والقِيَمِ
فَمَا تُعَدُّ ولا تُحصَى عجائِبُهَا
ولا تُسَامُ على الاِكثارِ بالسَّأَمِ
قَرَّتْ بَها عينُ قارِيها فقُلتُ له
لقد ظَفِرتَ بحَبْلِ الله فاعتَصِمِ
إن تتلها خيفةً من حرّ نار لظى
أطفأت نار لظى من وِردِها الشبِمِ
كأنَّها الحوضُ تَبيَضُّ الوُجُوهُ بِهِ
مِنَ العُصَاةِ وقَد جاؤُوهُ كالحُمَمِ
وكالصِّراطِ وكالميزانِ مَعدَلَةً
فالقِسطُ مِن غيرِهَا في الناسِ لم يَقُمِ(301/4)
لا تَعجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُهَا
تجاهُلا وَهْوَ عينُ الحاذِقِ الفَهِمِ
قد تُنكِرُ العينُ ضَوْءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ
ويُنكِرُ الفَمَ طعمَ الماءِ مِن سَقَمِ
يا خيرَ مَن يَمَّمَ العافُونَ ساحَتَهُ
سعيَا وفَوقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
ومَن هُوَ الآيةُ الكُبرَى لمُعتَبِرٍ
ومَن هُوَ النِّعمَةُ العُظمَى لِمُغتَنِمِ
سَرَيتَ مِن حَرَمٍ ليلا الى حَرَمِ
كما سَرَى البَدرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
وبِتَّ ترقَى الى أن نِلتَ مَنزِلَةً
مِن قابَ قوسَيْنِ لم تُدرَكْ ولَم تُرَمِ
وقَدَّمَتْكَ جميعُ الأنبياءِ بها
والرُّسْلِ تقديمَ مخدومٍ على خَدَمِ
وأنتَ تَختَرِقُ السبعَ الطِّبَاقَ بهم
في مَوكِبٍ كُنتَ فيه صاحِبَ العَلَمِ
حتى اذا لم تدَعْ شَأْوَاً لمُستَبِقٍ
مِنَ الدُّنُوِّ ولا مَرقَىً لمُستَنِمِ
خَفَضْتَ كُلَّ مَقَامٍ بالاضافَةِ اِذ
نُودِيتَ بالرَّفعِ مثلَ المُفرَدِ العَلَمِ
كيما تَفُوزَ بِوَصْلٍ أيِّ مُستَتِرِ
عَنِ العُيون وسِرٍّ أيِّ مُكتَتِمِ
فَحُزتَ كُلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشتَرَكٍ
وجُزْتَ كُلَّ مَقَامٍ غيرَ مُزدَحَمِ
وجَلَّ مِقدَارُ ما وُلِّيتَ مِن رُتَبٍ
وعَزَّ اِدراكُ ما أُولِيتَ مِن نِعَمِ
بُشرَى لنا مَعشَرَ الاسلامِ اِنَّ لنا
مِنَ العِنَايَةِ رُكنَاً غيرَ منهَدِمِ
لمَّا دَعَى اللهُ داعينا لطاعَتِهِ
بأكرمِ الرُّسْلِ كُنَّا أكرَمَ الأُمَمِ
راعَتْ قلوبَ العِدَا أنباءُ بِعثَتِهِ
كَنَبأَةٍ أَجْفَلَتْ غُفْلا مِنَ الغَنَمِ
ما زالَ يلقاهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ
حتى حَكَوْا بالقَنَا لَحمَا على وَضَمِ
وَدُّوا الفِرَارَ فكادُوا يَغبِطُونَ به
أشلاءَ شالَتْ مَعَ العُقبَانِ والرَّخَمِ
تَمضِي الليالي ولا يَدرُونَ عِدَّتَهَا
ما لم تَكُن مِن ليالِي الأُشهُرِ الحُرُمِ
كأنَّمَا الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ ساحَتَهُم
بكُلِّ قَرْمٍ الى لَحمِ العِدَا قَرِمِ
يَجُرُّ بحرَ خميسٍ فَوقَ سابِحَةٍ(301/5)
يرمي بمَوجٍ من الأبطالِ ملتَطِمِ
مِن كُلِّ منتَدِبٍ لله مُحتَسِبٍ
يَسطُو بمُستَأصِلٍ للكُفرِ مُصطَلِمِ
حتى غَدَتْ مِلَّةُ الاسلامِ وَهْيَ بهم
مِن بَعدِ غُربَتِهَا موصولَةَ الرَّحِمِ
مَكفولَةً أبدَاً منهم بِخَيرِ أَبٍ
وخيرِ بَعلٍ فلم تَيْتَمْ ولم تَئِمِ
هُمُ الجبالُ فَسَلْ عنهُم مُصَادِمَهُم
ماذا رأى منهم في كُلِّ مُصطَدَمِ
وَسَلْ حُنَيْنَاً وَسَلْ بَدْرَاً وَسَلْ أُحُدَا
فُصولُ حَتْفٍ لَهم أدهى مِنَ الوَخَمِ
المُصدِرِي البِيضِ حُمرَاً بعد ما وَرَدَتْ
مِنَ العِدَا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِن الِّلمَمِ
والكاتِبينَ بِسُمرِ الخَطِّ ما تَرَكَتْ
أقلامُهُمْ حَرْفَ جِسمٍ غيرَ مُنعَجِمِ
شاكِي السلاحِ لهم سِيمَى تُمَيِّزُهُم
والوَرْدُ يمتازُ بالسِّيمَى عَنِ السَّلَمِ
تُهدِي اليكَ رياحُ النَّصرِ نَشْرَهُمُ
فتَحسِبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كُلَّ كَمِي
كأنَّهُم في ظُهورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُبَاً
مِن شَدَّةِ الحَزْمِ لا مِن شدَّةِ الحُزُمِ
طارَتْ قلوبُ العِدَا مِن بأسِهِم فَرَقَاً
فما تُفَرِّقُ بين البَهْمِ والبُهَمِ
ومَن تَكُن برسولِ اللهِ نُصرَتُهُ
اِن تَلْقَهُ الأُسْدُ في آجامِهَا تَجِمِ
ولَن تَرى مِن وَلِيٍّ غيرَ منتَصِرٍ
بِهِ ولا مِن عَدُوٍّ غيرَ منقصم
أَحَلَّ أُمَّتَهُ في حِرْزِ مِلَّتِهِ
كالليْثِ حَلَّ مَعَ الأشبالِ فِي أَجَمِ
كَم جَدَّلَتْ كَلِمَاتُ الله مِن جَدَلٍ
فيه وكم خَصَمَ البُرهانُ مِن خَصِمِ
كفاكَ بالعلمِ في الأُمِّيِّ مُعجَزَةً
في الجاهليةِ والتأديبَ في اليُتُمِ
خَدَمْتُهُ بمديحٍ أستَقِيلِ بِهِ
ذُنوبَ عُمْر مَضَى في الشِّعرِ والخِدَمِ
اِذ قَلَّدَانِيَ ما تُخشَى عواقِبُهُ
كأنني بِهِمَا هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ
اِنْ آتِ ذَنْبَاً فما عَهدِي بمُنتَقِضٍ
مِنَ النَّبِيِّ ولا حَبلِي بمُنصَرِمِ
فاِنَّ لي ذِمَّةً منه بتَسمِيَتِي
مُحمَّدَاً وهُوَ أوفَى الخلقِ بالذِّمَمِ(301/6)
اِنْ لم يكُن في مَعَادِي آخِذَاً بِيَدِي
فَضْلا والا فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ
حاشاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ
أو يَرجِعَ الجارُ منه غيرَ مُحتَرَمِ
ومُنذُ أَلزَمْتُ أفكَارِي مَدَائِحَهُ
وجَدْتُهُ لخَلاصِي خيرَ مُلتَزِمِ
ولَن يَفُوتَ الغِنَى منه يَدَاً تَرِبَتْ
اِنَّ الحَيَا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأَكَمِ
ولَم أُرِدْ زَهرَةَ الدنيا التي اقتَطَفَتْ
يَدَا زُهَيْرٍ بما أثنَى على هَرِمِ
يا أكرَمَ لرسل ما لي مَن ألوذُ به
سِوَاكَ عِندَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ
ولَن يَضِيقَ رسولَ اللهِ جاهُكَ بي
اذا الكريمُ تَحلَّى بِاِسمِ مُنتَقِمِ
يا نَفْسُ لا تَقنَطِي مِن زَلَّةٍ عَظُمَتْ
اِنَّ الكَبَائِرَ في الغُفرَانِ كالَّلمَمِ
لعَلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِمُهَا
تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ
يا رَبِّ واجعَلْ رجائِي غيرَ مُنعَكِسٍ
لَدَيْكَ واجعلْ حِسَابِي غيرَ مُنخَرِمِ
والطُفْ بعَبدِكَ في الدَّارَينِ اِنَّ لَهُ
صَبرَاً مَتَى تَدعُهُ الأهوالُ ينهَزِمِ
وائذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ منك دائِمَةٍ
على النبِيِّ بِمُنْهَلٍّ ومُنسَجِم
ما رَنَّحَتْ عَذَبَاتِ البَانِ رَيحُ صَبَا
وأَطرَبَ العِيسَ حادِي العِيسِ بالنَّغَمِ
ثُمَّ الرِّضَا عَن أبي بَكرٍ وعَن عُمَرَ
وعَن عَلِيٍّ وعَن عثمانَ ذِي الكَرَمِ
والآلِ والصَّحبِ ثُمَّ التَّابِعِينَ فَهُمْ
أهلُ التُّقَى والنَّقَى والحِلْمِ والكَرَمِ
يا رب بالمصطفى بلّغ مقاصدنا
واغفر لنا يا واسع الكرم
واغفر إلهي لكل المسلمين بما
يتلون في المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته في طيبة حرمٌ
واسمه قسمٌ من أعظم القسَمِ
وهذه بردة المختار قد خُتمت
والحمد لله في بدءٍ وفي خَتَمِ
ابياتها قد أتت ستين مع مائة
فرِّج بها كَربتنا يا واسع الَكَرَمِ(301/7)
البردة للبوصيري
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
أمن تذكر جيرانٍ بذى سلم مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بدم
َمْ هبَّت الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمةٍ وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتا وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طللٍ ولا أرقت لذكر البانِ والعلمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شهدت به عليك عدول الدمع والسقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضنى مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني والحب يعترض اللذات بالألمِ
يا لائمي في الهوى العذري معذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ
عدتك حالي لا سري بمستتر عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتني النصح لكن لست أسمعهُ إن المحب عن العذال في صممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عذلي والشيب أبعد في نصح عن التهتمِ
في التحذير من هوى النفس
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى ضيف ألم برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أوقره كتمت سراً بدا لي منه بالكتمِ
من لي برِّ جماحٍ من غوايتها كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجُم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلة من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت من المحارم والزم حمية الندمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكم(302/1)
أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقُم
أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت به وما استقمت فما قولى لك استقمِ
ولا تزودت قبل الموت نافلةً ولم أصل سوى فرض ولم اصم
في مدح سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهبٍ عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته إن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
محمد سيد الكونين والثقليـ ن والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستسكون به مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي تـ ــــــم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهم واحكم بماشئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
لو ناسبت قدره آياته عظماً أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعيا العقول به حرصاً علينا فلم نرْتب ولم نهمِ
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى في القرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعُدٍ صغيرةً وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلمِ
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ وأنه خير خلق الله كلهمِ
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها فإنما اتصلت من نوره بهم(302/2)
فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبيّ زانه خلقٌ بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ والبحر في كرمٍ والدهر في همم
كانه وهو فردٌ من جلالته في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تُرباً ضم أعظمهُ طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ
في مولده عليه الصلاة والسلام
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
أبان موالده عن طيب عنصره يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها ورُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل حزناً وبالماء ما بالنار من ضرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم تسمع وبارقة الإنذار لم تُشَم
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ من الشياطين يقفو إثر منهزم
كأنهم هرباً أبطال أبرهةٍ أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمى
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقم
في معجزاته صلى الله عليه وسلم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة تمشى إليه على ساقٍ بلا قدم
كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت فروعها من بديع الخطِّ في اللقم
مثل الغمامة أنَّى سار سائرة تقيه حر وطيسٍ للهجير حَم
أقسمت بالقمر المنشق إن له من قلبه نسبةً مبرورة القسمِ
وما حوى الغار من خير ومن كرم وكل طرفٍ من الكفار عنه عم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما وهم يقولون ما بالغار من أرم(302/3)
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأطُم
ما سامنى الدهر ضيماً واستجرت به إلا ونلت جواراً منه لم يضم
ولا التمست غنى الدارين من يده إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له قلباً إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغٍ من نبوته فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهم
كم أبرأت وصباً باللمس راحته وأطلقت أرباً من ربقة اللمم
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوته حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العرمِ
في شرف القرآن ومدحه
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
دعني ووصفي آيات له ظهرت ظهور نار القرى ليلاً على علم
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ وليس ينقص قدراً غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيم
آيات حق من الرحمن محدثةٌ قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا عن المعادِ وعن عادٍ وعن إِرَم
دامت لدينا ففاقت كلَّ معجزةٍ من النبيين إذ جاءت ولم تدمِ
محكّماتٌ فما تبقين من شبهٍ لذى شقاقٍ وما تبغين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حَرَبٍ أعدى الأعادي إليها ملقي السلمِ
ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضها ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ وفوق جوهره في الحسن والقيمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبها ولا تسام على الإكثار بالسأمِ
قرَّتْ بها عين قاريها فقلت له لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفةً من حر نار لظى أطفأت حر لظى من وردها الشم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به من العصاة وقد جاؤوه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدلةً فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماءِ من سقم(302/4)
في إسرائه ومعراجه صلى الله عليه وسلم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
يا خير من يمم العافون ساحته سعياً وفوق متون الأينق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنم
سريت من حرمٍ ليلاً إلى حرمٍ كما سرى البدر في داجٍ من الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلةً من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها والرسل تقديم مخدومٍ على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم في مركب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ من الدنوِّ ولا مرقى لمستنم
خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ نوديت بالرفع مثل المفردِ العلم
كيما تفوز بوصلٍ أي مستترٍ عن العيون وسرٍ أي مكتتم
فحزت كل فخارٍ غير مشتركٍ وجزت كل مقامٍ غير مزدحم
وجل مقدار ما وليت من رتبٍ وعز إدراك ما أوليت من نعمِ
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
في جهاد النبي صلى الله عليه وسلم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
راعت قلوب العدا أنباء بعثته كنبأة أجفلت غفلا من الغنمِ
ما زال يلقاهمُ في كل معتركٍ حتى حكوا بالقنا لحماً على وضم
ودوا الفرار فكادوا يغبطون به أشلاءَ شالت مع العقبان والرخم
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُم
كأنما الدين ضيفٌ حل ساحتهم بكل قرمٍ إلى لحم العدا قرم
يجر بحر خميسٍ فوق سابحةٍ يرمى بموجٍ من الأبطال ملتطم
من كل منتدب لله محتسبٍ يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلمِ
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولةً أبداً منهم بخير أبٍ وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم ماذا رأى منهم في كل مصطدم
وسل حنيناً وسل بدراً وسل أُحداً فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمراً بعد ما وردت من العدا كل مسودٍ من اللممِ(302/5)
والكاتبين بسمر الخط ما تركت أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجمِ
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم والورد يمتاز بالسيما عن السلم
تهدى إليك رياح النصر نشرهم فتحسب الزهر في الأكمام كل كم
كأنهم في ظهور الخيل نبت رباً من شدة الحَزْمِ لا من شدة الحُزُم
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقاً فما تفرق بين الْبَهْمِ وألْبُهُمِ
ومن تكن برسول الله نصرته إن تلقه الأسد فى آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصرٍ به ولا من عدوّ غير منفصم
أحل أمته في حرز ملته كالليث حل مع الأشبال في أجم
كم جدلت كلمات الله من جدلٍ فيه وكم خصم البرهان من خصم
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً في الجاهلية والتأديب في اليتم
في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم
خدمته بمديحٍ استقيل به ذنوب عمرٍ مضى في الشعر والخدم
إذ قلداني ما تخشي عواقبه كأنَّني بهما هديٌ من النعم
أطعت غي الصبا في الحالتين وما حصلت إلا على الآثام والندم
فياخسارة نفسٍ في تجارتها لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
ومن يبع آجلاً منه بعاجلهِ يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سلمِ
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإن لي ذمةً منه بتسميتي محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدى فضلاً وإلا فقل يا زلة القدمِ
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه أو يرجع الجار منه غير محترمِ
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولن يفوت الغنى منه يداً تربت إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت يدا زهيرٍ بما أثنى على هرمِ
في المناجاة وعرض الحاجات
يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تحلَّى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم(302/6)
يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمت إن الكبائر في الغفران كاللمم
لعل رحمة ربي حين يقسمها تأتي على حسب العصيان في القسم
يارب واجعل رجائي غير منعكسٍ لديك واجعل حسابي غير منخرم
والطف بعبدك في الدارين إن له صبراً متى تدعه الأهوال ينهزم
وائذن لسحب صلاةٍ منك دائمةٍ على النبي بمنهلٍ ومنسجم
ما رنّحت عذبات البان ريح صبا وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمرٍ وعن عليٍ وعن عثمان ذي الكرم
والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهم أهل التقى والنقا والحلم والكرمِ
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهي لكل المسلمين بما يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته في طيبةٍ حرمٌ واسمُهُ قسمٌ من أعظم القسم
وهذه بُردةُ المُختار قد خُتمت والحمد لله في بدء وفي ختم
أبياتها قد أتت ستين مع مائةٍ فرِّج بها كربنا يا واسع الكرم(302/7)
الثريدة المناغية للعصيدة
لمحمد المختار السوسي
دراسة وتقديم
الدكتور المهدي بن محمد السعيدي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية - أكادير
مقدمة :
اعتبر القدماء الشرح من أنواع التأليف الهامة ، وعده ابن خلدون ثاني مقاصد التأليف السبعة ، فقال :
" وثانيها ، أن يقف على كلام الأولين وتآليفهم فيجدها مستغلقة على الأفهام ويفتح الله له في فهمها فيحرص على إبانة ذلك لغيره ممن عساه يستغلق عليه لتصل الفائدة لمستحقها .. " ([1])
وتبعا لذلك ظهرت مؤلفات كثيرة خاصة في الجانب العلمي المرتبط أساسا بعلوم اللغة والشريعة حيث يكون الشارح وسيطا بين النص والمتلقي . ويظهر أن سبب ازدهار التأليف في الشروح أمران :
· أولهما: خروج اللغة في تطورها عن الحد المتواضع عليه المضبوط في كتب اللغة والمعاجم ، عقب اتساع دولة الإسلام واختلاط العرب بالأمم الأعجمية ، فكان من الضروري العمل على تقريب الأدبين الجاهلي والأموي من الناس بتفسير الألفاظ وبيان المعاني والتعليق على الإشارات التاريخية ([2]) .
ثانيهما :منهج التعليم الذي اعتمد بشكل كلي على الشرح لتقريب المعارف للإفهام ،([3]) ولما كان أساس الأدب معرفة اللغة التي تحولت في وقت مبكر من ملكة طبيعية إلى ملكة صناعية تكتسب بالدرس والتحصيل ، انصرف العلماء إلى شرح الشعر الجاهلي الذي كان ديوان ألفاظ اللغة وسجل قواعدها وأساليبها ، وبمرور الزمن اتسع الاهتمام ليشمل الشعر عموما ([4]) .
وقد كانت للشرّاح مناهج مختلفة متنوعة خاصة من الذين استهدفوا بشروحهم فئات الطلبة والمتعلمين فكانت هناك شروح متفاوتة في التعمق ما بين كبير و أوسط و صغير وتحولت الشروح من نص وسيط هدفه فتح الأفهام إلى مجموع أدبي يجمع إلى التاريخ التراجم ويعرض إلى جانب المعارف الشرعية الحكايات الطريفة .. أي أنه أضحى مجالا لعرض المعارف واستثمار المحفوظ .(303/1)
على أن الشرّاح لم يتعرضوا للشعر أو النثر دون منهج مضبوط بل بدءوا بالانتقاء فليست كل الإبداعات صالحة لتبدل الجهود في توضيح ما غمض منها وتفسير ما في ثناياها من قضايا كما أن الشرح ليس نهائيا فيغني اجتهاد شارح ما عن إعادة النظر في النص ، بل هناك نصوص استقطبت الاهتمام ولفتت انتباه العلماء على مر العصور فتتابعت شروحها ، ولعل أجلى مثال لذلك ديوان المتنبي الذي كان أول شرّاحه معاصره ابن جني ، وآخرهم البرقوقي في أوائل القرن العشرين ([5]) الذي لم يجد غضاضة في مراجعة الشروح القديمة والاستدراك عليها ، قال في مقدمة شرحه :
" وَجَّهْتُ عَزيمتي إلى التوسع في هذا الشرح وجعله شرحاً وافياً من كل نواحيه، شرحاً أورد فيه جميع تفاسير الشرّاح ، وأقوال النقاد، وأستوعب مزايا كل الشروح ؛ وليس ذلك أثَرَةً مني واستبدادا بالمتنبي ... ولكنه حب الكمال ، وما يسمونه المثل الأعلى ... فلقد رأيت بعض الشرّاح قد اختصر الطريق ، واكتفى بتفسير الكلمات اللغوية ، وبعضهم قد جعل وَكْدَه الإعراب وما يتعلق بالأبيات من جهة النحو والتصريف ، وآخرين قصروا عنايتهم على إيراد السرقات والأشباه والنظائر . بَيْدَ أن هذه الأشباه - ومثلها الشواهد النحوية التي أوردها العُكْبَرِي ، ومن قبله الإمامان : أبو الفتح بن جني ، والواحدي تحتاج - هي الأخرى - إلى الشرح والتفسير ... ورأيت في بعض عبارات القدَامَى من الشراح غموضاً يجُمل أن يوضح أو يستبدل به غيره ، مما يوائم أذهان هذا الجيل" ([6])
وقد ظهر لبعض الدارسين أن مدار اختيار القصائد عند الشرّاح على معيارين اثنين:
· أولهما : التميز من ناحية المبدع أو الغرض مما يثير اهتمام الشارح .
· خصوبة الشعر المنتقى من حيث القضايا اللغوية والمسائل الأدبية والإشارات التاريخية أي أن يمكنه النص الشعري من إبراز ثقافته ومعارفه اللغوية والأدبية ([7]) .(303/2)
لقد راجت شروح الشعر لدى القدماء كالقصائد المفردة مثل بانت سعاد وبردة البوصيري وهمزيته ولامية العرب ولامية العجم والمختارات كالمعلقات والمفضليات والدواوين مثل ديوان أبي الطيب المتنبي ، وقد أحجم الأدباء المتأخرون عن شرح الشعر وانصرفوا عنه وقد ظن كثير منهم أنه منهج باطل وسوق بائر والظاهر أنهم فعلوا ذلك لضعف ثقافتهم وقلة معارفهم .
1 - قصيدة العصيدة :
كان السوسي متعدد الاهتمامات العلمية و الفكرية فهو وفقيه ومفسر وأديب وشاعر ومدرس ومؤرخ معني بالتاريخ العام ؛ تاريخ الثقافة والفكر والأدب ضمنها بنثره وشعره وقد خلف ديوانا ينيف على ثمانية آلاف بيت في أغراض وموضوعات شتى منها الاجتماعية كالمدح والاخوانيات من تحية وعتاب وتعزية وغير ذلك والذاتية كشعر التأمل وشعر الطبيعة وشعر المنفى والوطنيات في رثاء الشهداء والتنويه بمآثر الأمة والاعتزاز بالإسلام وباللغة العربية ... ([8]) .
وقد كانت للسوسي وقفات شعرية مع موضوع آخر من الشعر فيه طرافة وإبداع وفي عمقه معان إنسانية يكتشفها المتأمل ترتبط بحياته وتبرز مواقفه ومنهجه في التفكير ، ولعل القصيدة التي ندرسها اليوم من هذا النمط الذي نجد منه نماذج كثيرة في الشعر العربي قديمه وحديثه يدرجه المؤرخون للأدب في شعر الظرف والمداعبة ذلك هو الشعر الذي يتناول أنماط الأطعمة واصفا بين مدح وهجاء ، وقد حفلت به كتب التراث خاصة الجمهرات الأدبية مثل يتيمة الدهر للثعالبي ومروج الذهب للمسعودي والأغاني لأبي الفرج والعقد الفريد ونفح الطيب ...وغيرها ومن نماذج هذا الشعر قول السريّ الرفاء يداعب أحد أصدقائه ويصف جام فالوذج :
إذا شئت أن تجتاح حقا بباطل
وتغرق خصما كان غير غريق
فسائل أبا بكر تجد منه سالكا
إلى ظلمات الظلم كل طريق
ولاطفه بالشهد المخلق وجهه
وإن كان بالألطاف غير حقيق
بأحمر مبيضِّ الزجاج كأنه
رداء عروس مشرب بخلوق
له في الحشا برد الوصال وطيبه(303/3)
وإن كان يلقاه بلون حريق
كأن بياض اللوز في جنباته
كواكب لاحت في سماء عقيق([9])
وقد أدرج السوسي في المعسول بعض مقطعات من هذا النوع منها قطعة في وصف "أملو"([10]) نصها :
أملوا علينا من حديث " أملو"
إن حديث " أملو " لا يمل
تمزجه بالعسل المصفى
مع سفنج في الخوان صفا
تأخذ من هذا وذاك أخذه
طيبة تأتى بكل لذّه
ومن أتى إلغ ولم يبتلعِ
من هذه الأكلة لم يستمتعِ([11])
كما نظم السوسي قصيدة لم يعن فيها بوصف أكل الحواضر التي تفننت الأيدي الماهرة في تحضيرها حتى تكون لذيذة مستساغة ، وإنما انصرف إلى أكلة بدوية ساذجة بسيطة بساطة الحياة البدوية نفسها تلك هي العصيدة ،قال في الثريدة :" إذا كان هناك في الحضر من يستطيبون الفالوذج والبسطيلة وهما ما هما أناقة والتذاذ .. فإن عندي أنا أيها البدويَّ القحَّ عصيدة من الذرة البيضاء وهي أولى وأوفق بالأمزجة لسذاجتها ولكون لذتها طبيعية لم تدخلها يد الصنعة ومن قر عينا بعيشه نفعه:
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف " ([12])
والعصيدة من الأكل المعروفة بالمغرب منذ القديم وكانت طعام أهل البوادي البعيدين عن رفاغة العيش ورفاهية الحضارة ([13])، كما كانت من أطعمة أهل التصوف والزهد ([14]) ومن المناطق التي انتشر فيها تناولها منطقة سوس فقد ذكر الوزان أن السوسيين كانوا يأكلونها في قصعة وسطها حفرة تملأ بزيت الأركان ([15]) .
وكانت العصيدة مما يتخذ للعشاء في مسقط رأس السوسي قرية " إلغ " ، وصفها بقوله:
" إن العادة في العصيدة في إلغ أن تصنع من جريش الذرة البيضاء ؛ ويصب عليها حالة نضجها الحليب ثم تطبخ طبخا جيّدا بعدما تلت بالمعصد – وهو عود تلت به العصيدة في مطبخها لتا محكما حتى تغلظ ؛ ثم تغرف إلى الجفنة ؛ وتسنم فيها ويحفر في أعلاها حوض مستدير يملأ بالزبدة الدائبة حتى يطفح."([16])
وقد تصدى السوسي لوصف العصيدة لعدة أسباب نجملها فيما يلي :(303/4)
1- سبب مباشر ورد في مقدمة شرحه الموسوم الثريدة والذي يتضمن الإشارة إلى ظروف نظم القصيدة الذي كان إبان مسغبة 1356 وهو منفي إلى مسقط رأسه حيث قضى نحو تسع سنوات قال :" صدرت عن هذا العبد المتشبث بذيل الأدباء قصيدة في وصف العصيدة ولقولها سبب خاص وهو ذلك أنني كنت في عشية يوم من أيام رمضان 1356 هـ جالسا في الدار بإلغ مع الأخ سيدي بلقاسم بن محمد ([17]) من أبناء عمومتنا فعند الإفطار أتينا بعصيدة من ذرة بيضاء فاهتبلنا بها حين لم يتأت لنا سواها لعدم اللحم في الأسواق في تلك المسغبة الشديدة فتجاذبنا خصال هذا النوع من الأطعمة ، فقلت له إنني حين كنت بمراكش كنت كثيرا ما أتشهى العصيدة ، أفلا يحقّ عليّ الآن أن أشكر الله حين تهيأت لي اليوم.
ثم قلت له إن العصيدة من الذرة البيضاء نعمة ما مثلها نعمة ، وإن الالتفات إلى الإشادة بها دين القوافي فلنعالج ذلك ، ولنصف كيف تؤكل وصفا شعريا جذابا ، فافتتحنا القصيدة حتى وصلنا فيها بضعة عشر بيتا فراح إلى بيته ، فأكببت على الباقي فأتممتها زهاء سبعين بيتا ثم نقحتها وهذبتها على حسب وسعي ففي الغد حين رآها الفقيه سيدي بلقاسم أظهر عجبا زائدا ، وقال حقا إن هذه القصيدة أدت دين العصيدة على القوافي ."([18])
2- ارتباط السوسي بالبادية التي نشأ وتربى بها وبكل مظاهر الحياة فيها ، فكان يعتبر نفسه بدويا محافظا على سمة الحياة البدوية في شظف العيش وعدم الاهتبال بالرفاه ، وقد رُويَ أنه وهو وزير كانت العصيدة طعامه حتى نبز بها ، فذكر أنه في بعض اجتماعات الحكومة الأولى نوقشت الميزانية وضمنها أجور الوزراء وكانت في رأي السوسي مرتفعة فاقترح تخفيضها تخفيفا على مالية الحكومة الفتية، فتهانف بعض الحاضرين من أبناء الحواضر الناشئين في بحبوحة الحضارة قائلا : " ما لهذا البدوي وللمال إنما تكفيه العصيدة ."(303/5)
3- اعتزازه بتاريخ البادية وهذا ما دفعه لكتابته في وقت كان دور البادية يخفت وهي التي تمثل الأصالة والماضي الزاهر لتحتل الحواضر مكانها في الأهمية والريادة وهي التي تمثل الحضارة الغربية الجارفة التي تحاول ، في رأي السوسي إفساد كل شيء حتى ماضي الأمة ([19]) لقد كان السوسي مشغولا بالعلاقة بين الحضارة والبداوة فخصص لها فصلا في مذكرته التي سماها "الإلغيات " خلص فيه إلى أن الذي يربطه بالبادية هو ما تميزت به من حركة علمية وصوفية منذ فجر الإسلام بها إلى اليوم ، وكل ما يمت إلى تلك الحركة من مظاهر الصبر والعزم والاعتزاز بالعربية والإسلام ولعل أجلى تلك المظاهر طرق العيش والأحوال الاجتماعية ([20]) .
4- اهتمامه بتاريخ البادية وبجميع تجليات هذا التاريخ خاصة المرتبطة بالثقافة بمعناها العام أي أنماط العيش وطرق التفكير وأنواع الخطاب ، وقد رافق هذا الاهتمام السوسي في كل كتاباته خاصة في جمهرته " المعسول" التي افتتحها بالإشارة إلى جميع مظاهر الحياة في قريته " إلغ " فوصف البيئة الجغرافية والعادات والحفلات والحرف والأطعمة والفرش والألعاب ...ويندرج هذا ضمن مبحث علم الثقافة أو علم الإناسة ( الأنتروبولوجيا ) ([21]).
5- توسيع مجال القول الشعري وترويج سوق الأدب ، وقد كان للسوسي اطلاع واسع على الأدب العربي ، قرأ مصادره من جمهرات ودواوين ورأى الأدب العربي فيها محيطا بكل مظاهر الحياة ، ورأى الأدباء ظرفاء فكهين يطلقون القول في جوانب قلما يهتبل بها أمثالهم، فدعاه ذلك إلى مجاراتهم في الطيِّب من القول ، قال :(303/6)
" للأدباء مسابقات في ميادين شتى يطلقون فيها أفراسهم ويفجرون فيها قرائحهم ، قصد إطالة نفس الأدب في كل جهة ولإيجاد المتعة للنفس الأدبية أينما كانت متوجهة فلذلك كانت لهم الموائد الحافلة والمطاعم المتنوعة حلبات أنضوا في أوصافها المتنوعة قوافي، وأرسلوا فيها عيون الخيالات الشتى .فمن قرأ كتب الأدب للمتقدمين يجد في اليتيمة للثعالبي وفي مروج الذهب للمسعودي وفي غيرها قطعا أو قصائد كبيرة في وصف أنواع المأكولات أو المشروبات فذلك ما حدا بي إلى وصف العصيدة([22])
6- إبراز الأريحية التي كانت تميز الأدباء في سوس عن غيرهم من علماء المنطقة ، لقد كان لأدباء سوس وكلهم فقهاء عالمان ؛ عالم خاص بهم حين يتطارحون الشعر العربي ويتناظرون في الأدب العربي وعلومه بلسان عربي مبين في مجالس وأندية خاصة، وعالم عام ينفتح على المجتمع بواسطة الخطاب الفقهي ([23]). فتعاطي الأدب من هذه الناحية ضرب من المتعة ، قال السوسي :
" إن للأدب روحه وسيرته، وإن للأدباء أقوالا قد يروحون بها عن أنفسهم أحيانا من غير إخلال بشريعة المروءة ولا هتك لسَجف الوقار ، ونعوذ بالله ممن لم يرم في الأدب وأريحيته بسهم ولا مالت له إلى منازعه عين ، فيتجهّم حيث يذوب الأدباء أريحية ويعبس في المقام الذي يقطرون فيه بشاشة ، تخلقا بأخلاق الأجلاف ، وانتباذا عن طريقة الأدباء من أفاضل الأسلاف ، وميلا إلى النُسُكِ الأعجمي ، ونعوذ بالله من قوم خلقوا من الكثافة فلا تجد روح الأدب إليهم متسربا :
عجبا لقوم لم تكن مهجاتهم
لهوى ولا أجسادهم لنحول
دقت معاني الحب عن أذواقهم
فتأولوه أقبح التأويل " ([24])(303/7)
نظم السوسي قصيدة في سبعين بيتا وصف فيها العصيدة وصفا مطولا ملما بطريقة أكلها واصفا ذلك كله وصفا أدبيا ممتعا ، وقد نشر القصيدة كاملة في الجزء الأول من المعسول باعتبارها من أطعمة الإلغيين ([25])،وهناك خلاف بسيط بين قصيدة المعسول والقصيدة المتضمنة في الشرح الذي بين أيدينا ،وذلك ناتج عن إقدام السوسي على تنقيحها عندما عزم على نشرها، قال في المطلع :
لمن جفنة قد أقبلت تتألق
تلوح بلألاء العصيدة يبرق
مسنمة حتى كأن سنامها
شماريخ طود لم يكد يتسلق
وقد فغمت منها الخياشيم نكهة
تطيب بها كل النواحي وتعبق
أهذا أريج المسك أن نفح روضه
أزاهيرها تحت الصبا تتفتق
وعهدي بأنفي ليس يغلط شمّه
فيا طالما شم البعيد فيصدق
ألم ترها كالثغر أشنب باسما
متى جال فيها غرثان يشهق
لها قمة في وسطها حوض زبدة
(كجابية الشيخ العراقي تفهق)([26])
ثم وصف تشوف نفسه إليها ورجاءه أن يكون من تحط أمامه ليشبع منها نهمته، فقال :
فيا ليث شعري من تحط أمامه
فيوضع في الأطراف منها ويعنق
ويخبط فيها باليدين كأنما
تخبّطه وسط الدجنة أولق
يشن عليها غارة مشمعلة
بلقم أكول آمن ليس يرهق
فيأتي على تلك العصيدة كلها
إذ الجفنة الغراء جرداء سملق([27])
وبعد أن وضع الصحن بين يديه يقبل الشاعر على وصف إقباله عليه وإعداد نفسه لتناول محتواه ، فقال :
دلفت إليها والعيون كأنها
نطاق حوالي ركبتي تحملق
حللت لها طوقي وزحزحت معطفي
وألقيت عني ما به أتمنطق
فأغسل حتى مرفقي فربما
ستعمل أيضا معصماي ومرفق
وهل فاز في أشغاله غير حازم
يؤيده عزم إذا هم يصدق
وهل فاز باللذات إلا الذي إذا
تأتت له اللذات يفري ويخلق
وأدني إلي القعب يطفح رائبا
كغِرب مليء ماؤه يتدفق
وللمخض فيه نضرة وتلألؤ
كعضب على متنه لمع ورونق
وما أثرت فيه الوطاب ولا دنا
إلى أريه المبيض أرعن يمذق
ولا مخضته العانسات وقد بدا
لشامات زبد من عليه ترقرق(303/8)
وتعلوه أمثال القباب سميكة
زجاجية لماعة تتألق
فآخذ منه حسوة بعد حسوة
كم يحتسي الفحل الذي يترمق([28])
ويستمر السوسي على هذا النحو واصفا تناول العصيدة وصفا دقيقا مفصلا فيه من المغالاة ما يستطيبه الأدباء ، مثل قوله ([29]) :
وإني في أمثال هذا لباذل
جهود مجد في المهمات يصدق
فأجدح ما في حفرتي جدح عازم
وسبابتي في جانب الحوض تبثق
إلى أن يرى والزُبد يكسوه زرقة
كما بان طرف واسع الجفن أزرق
إذن يبتدي التجديف والكف ترتقي
وتهوي كخطف البرق في الجو يبرق
وقد رصصت فيها الأنامل كلها
فعادت كسطل ليس فيها تشقق
أمططها وأوسعها وهل
يبلغك السؤل الإناء المضيّق ؟
فتأتي وتمضي كالدلاء تواليا
وللسيل في وسط اللهاة تدفق
وللشدق صوت كلما صب وسطه
كما يجد المخنوق روحا فيصعق
فأبقى ولاء هكذا وأناملي
بمنحدر حينا وحينا تسلق
وما فتئت جدحا وحملا كأنها
عفاريت تزجي حملها وتخندق
وبطني ينادي هل هناك بقيّة
فما من معيّ منّي بذلك ضيق
وهل من مزيد فالعصيدة هذه
ألذ وأحلى من رحيق يروق
فكان جوابي في سيول كأنها
سيول الروابي والسحائب تغدق
ورائب قعبي فينة بعد فينة
يصب كما حل المزادة أخرق
ثم يختم السوسي القصيدة بحمد الله شاكرا نعمته ، قائلا:
فأعلن حمدا خالصا من طويتي
لمن كان يعطيني النعيم ويرزق
فإن يطعم الفالوذج الحلو فتية
وبسطيلة جمَّاعة ما يفرّق
فقد برئت من كل زور ولم يطف
على وجهها الوضاء طاه يزوق
فجاءت بما لم يأت فيما أتى بالـ
مقنع فيما قاله والمحلق
أدام لنا الله العصيدة ما غدت
مصارين بطن الجائعين تنقق
وما سالت الأرياق إن عنّ ذكرها
وطاف حواليها ثناء محلّق([30])
2 – الثريدة المناغية للعصيدة :(303/9)
من تآليف محمد المختار السوسي المخطوطة ([31])، وقفت عليه ضمن كناش تلميذه الأستاذ عمر المتوكل الساحلي ([32]) بمدينة تارودانت في 36 صفحة من القطع الصغير ؛ من الصفحة 65 إلى الصفحة98 ([33]) . نسخ الساحلي هذا التأليف من الأصل، الذي قال السوسي في ختامه :
" تمَّ في عشية الاثنين التاسع عشر من ذي الحجة 1358 بعدما كنت أكتب فيه ساعات قليلة في يويمات وأنا أراجع القاموس فكان ذلك سبب مكثي فيه هذه اليويمات ، كتبه العبد خديم الأدباء المختار لطف الله به. و نقله من خطه رضي الله عنه أدام الله النفع به أسير ذنبه الراجي عفو ربه عمر بن إبراهيم الساحلي أمنه الله من نوائب الأيام والليالي وختم له بالحسنى في 25 ربيع الثاني 1364" ([34])
أما سبب التأليف فذكر السوسي أن القصيدة نظمت سنة 1356 في شهر رمضان وأنه بدأ الشرح بعد ذلك بسنتين بعدما أخذ عنه تفسيرها مشافهة أحد الطلبة المجاورين لقريته قال عن ذلك:
"جلس إلى السيد محمد التناني المرابط في المدارس المجاورة لإلغ للأخذ عن الإلغيين فجرى ذكر القصيدة فأخذها عني تفسيرا لأبياتها ، فرأيت له همة وطموحا وعزما أكيدا إلى استشفاف معانيها كما أقصد يوم قلتها ، فثلج صدري أن اكتب على القصيدة تعليقا صغيرا جدا لا يتجاوز تفسير الكلمات ، وتفسير المعنى المراد ، ليكون لهذا التلميذ الطّلّعة دليلا خرّيتا إلى تفهم المعاني إجمالا وتفصيلا فباسم هذا التلميذ أقيد هذا التعليق وبهمّته الصادقة انبعثت لإنجازه نفعه الله به وأيده حتى ينال من العلم مراده ، وجائزتي عنده أن لا ينساني من صالح الدعاء "([35])
يظهر من هذا النص أن هدف الشرح تعليمي وأن السوسي لم يرم فيه إلى إبراز قوة عارضته في استحضار الشواهد واستثمار المعلومات ، بل إنه كان على عكس ذلك يتنكب ما يتداعى إلى خاطره عفوا رجاء إفادة من وضع الشرح لأجله ، وقد أشار إلى ذلك بقوله :(303/10)
" انتهى التعليق الوجيز الذي أنجز فيه ما كان مقصودا من تبيين الكلمات اللغوية والمعاني المقصودة في تراكيبها ، ويعلم الله كم أعاني حتى أمكن لي أن أوجز مثل هذا الإيجاز ، لأنني في كل بيت وعند كل معنى وإزاء كل لفظ لغوي أستحضر من الأبيات الفريدة ، والمقطعات المستحسنة ، والأمثال المستلطفة والحكايات المستطرفة للمعروفين بكثرة الأكل والأحاديث والآيات وغير ذلك ، ثم احمل نفسي حملا حتى أتخطّاها مرغمة لأن الأدبيات عند الأديب كالأزهار المونقة في أنظار عشاقها ، فتألف أيديهم اقتطافها كل ما أمكن اقتطافها أو شمّها على الأقل إن لم يمكن إلا شمّها ، فلهذا أحس من نفسي مضضا حين أحملها مرغمة عن التنكب مراعاة لحال من جعلت هذا التعليق باسمه ومراعاة كل مقام من أوجب الواجبات ... " ([36])
هكذا ألزم السوسي نفسه بالتخلي عن المنهج التفصيلي في شرح الشعر ذلك المنهج الذي سار عليه قبله كثير من الأدباء ويتجلى في الاهتمام بالشعر من نواح عديدة كاللغة والمعاني والأخبار والحكايات والسير والتواريخ والقضايا العلمية ، وأخذ بالمنهج الإجمالي الذي عد أول ما بدأت به شروح الشعر([37])، وهو في ذلك أشبه بعمل علماء الطبقة الرابعة خاصة ابن قتيبة والسكري والأحول ومن سار على منهجهم من صناع الشروح من الذين كان الشرح بين أيديهم وسيلة لخدمة النص بتوضيح غامضه وتقريب معناه ، لذلك اتسم شرحه بسمة شروح أولائك العلماء وهي الإيجاز والاختصار ([38]) ، قال الخطيب التبريزي مبرزا هذا الاتجاه في شرحه للمفضليات :
" الغرض من شرح هذه القصائد الإيجاز والاقتصار على ما يعرف به ما في الشعر من الغريب والمعاني ." ([39])(303/11)
وقد صدر السوسي عن هذا التصور حينما اختار عنوان الشرح " الثريدة المناغية للعصيدة " فسماه ثريدة تشبيها له بتلك الأكلة البسيطة ([40]) ، ووجه الشبه كون الشرح بسيطا مثلها لم يتسم بالغنى والتنوع وإنما اكتفى بمداعبة القصيدة مقتصرا على تفسير الغريب وإبراز المعنى دون التطرق للمباحث المنوعة والأدبيات الرائقة. وتبعا لذلك ركز السوسي على جانبين هما:
1) تفسير الغريب : أي المفردات قليلة الاستعمال التي لا يعرفها إلا ذوو البصر باللغة ، وقد اهتم بها علماء اللغة واستخرجوها من القرآن والحديث ([41]) . وكان عمل كثير منهم في الشروح الشعرية مقصورا على هذا الجانب ، وإن اختلفت طرق التفسير ما بين من يفسر اللفظ بلفظ مرادف أو من يفسره بالاستعمال متتبعا تطور اللفظة عبر الزمن أو من يقتصر في اللفظ على استعمال الشاعر وقد سار السوسي على هذا النهج منسجما مع الهدف الذي وضعه أولا في تبسيط المادة العلمية للطالب الذي ألف الشرح لأجله ؛وإن تفاوت اهتمامه بالكلمات فتارة يطيل وتارة يختصر فيبدأ بعرض بيت الشعر ثم يتبعه بالشرح منتقيا الألفاظ التي يراها غامضة لا يستطيع من ألف له الشرح فهمها مشيرا أحيانا إلى ما في استعمال الألفاظ من مجاز يخرجها من دائرة المعجم إلى مجال البلاغة مثل قوله في شرح لفظة " عبق " في البيت التالي :
"وقد فَعَمَت منها الخياشيم نكهة
تطيب بها كل النواحي وتعبق
فغمه الطيب كمنع فغما وفغوما :سد خياشيمه، والخياشيم جمع خيشوم وهو ما في أقصى أنفه، والنكهة بالفتح : ريح الفم خاصة والمقصود هنا مطلق الرائحة مجازا مرسلا. وعبق به الطيب كفرح عبقا وعبقانة وعباقية لزق به، ورجل عبق إذا تطيب بأدنى طيب لم يذهب عنه أياما. هذا نص كلامهم ويستعمل أيضا عبق بمعنى فاح وهو المقصود هنا فيكون فيه نوع من المجاز." ([42])(303/12)
2) شرح المعاني : أدرج الشراح تفسير المعاني ضمن أعمالهم وانصرفوا إلى العناية بشرح معاني الأبيات المفردة أو الجمع أحيانا بين بيتين أو أكثر وربما تركوا غيرها لأنها في نظرهم واضحة لا تحتاج إلى توضيح ، وقد تتبع السوسي أبيات قصيدته بيتا بيتا عارضا ما في كل منها من معاني فاصلا بين كل بيت وآخر بكلمة " ثم قال " وبين شرح الألفاظ وإبراز المعاني بكلمة " المعنى " . كما أنه ركز على تفسير المعنى لغاية إفهام المتعلم بتجميع معاني الكلمات الذي يأتي على شكل نثر للأبيات ، غير أنه يهتم أحيان بشرح الصور الشعرية التي ترد في القصيدة مبرزا ما فيها من دلالات كما في شرح البيت التالي :
ألم ترها كالثغر أفلج باسما
وللشنب البراق فيه تألق
يقول في شرح المعنى :
" إن تلك العصيدة هي عصيدة الذرة بلا شك ولا ريب، وآية ذلك أنها بيضاء لمّاعة تستنير عند رؤيتها كما تلمع أسنان الثغر الفلجاء عند تبسم جميل وضيء الوجه وقد تلألأت الأسنان بالشنب الذي تزداد به الأسنان بياضا. ولاسيما عندما تستدير بها الشفاه اللعساء وهي التي تميل إلى سمرة قليلا. ولا ينسين القارئ أن العصيدة التي توصف هنا هي المصنوعة من الذرة البيضاء لا الحمراء. والعصائد تختلف ألوانها بحسب ما تصنع منه. ولا يبيض منها بياضا ناصعا إلا ما يصنع من الذرة البيضاء بالنظر إلى الأنواع التي تؤخذ منها العصيدة في بلادنا هذه." ([43])
وقد يختلط تفسير المعنى عنده بالإشارة إلى دلالات الكلمات كقوله في شرح معنى "العانسات" في البيت التالي :
ولا مخضته العانسات وقد بدا
لشامات زبد عليه ترقرق([44])
قال في شرح اللفظة :(303/13)
" المرأة العانس التي بقيت في دار أهلها بلا تزوج زمنا كثيرا ، ولا ريب أن طول مكثها في دار أهلها مقبلة على مزاولة شؤونهم وحدها لتفرغهم لذلك.. أدعى لمعرفتها كيف يكون المخض فلا تبقي من الزبد في اللبن شيئا ، بخلاف من لم تكن في مثل لباقتها وحذقها فإنها قد تبقي بعد المخض كثيرا من بقايا الزبد ، والمقصود أن هذا اللبن لم تمخضه اللبقات الحاذقات بهذا العمل" ([45])
حاول السوسي أن يضل مخلصا للمنهج الإجمالي في شرح قصيدته بالاقتصار على شرح الألفاظ وتفسير المعاني والانصراف عن ما يثيره النص من قضايا تفصيلية ، غير أنه لم يستطع الوفاء بالتزامه ، فنجده يقتبس نصوصا لتوضيح ما ذهب إليه في تأليفه ، ومن هذه النصوص :
أ - الشعر : ويحضر في الشرح على صنفين : أولهما لغاية التوضيح بتفسير الشعر بشبيهه أو مرادفه وهو الذي يسميه النقاد بالوجوه والنظائر ([46]) حيث يعمد الشارح عندما يتعرض لبيت شعري إلى إيراد ما أمكنه من أبيات موافقة ،وتنطلق فكرة الشرح بالوجوه والنظائر من مسلمة نقدية بنيت عليها قضية السرقات ووقوع الحافر على الحافر ، ومفادها أن المعاني معروفة والفضل في السبك وطريقة التعبير وتبعا لذلك فالشاعر المتأخر لابد واقع حتى دون شعور منه على معاني طرقها المتقدمون ([47]). وفي هذا المستوى يحضر ذوق الشارح و يتداخل عمله في شرح النص بفكر الناقد الذي يعبر عن أفكار معياريّة ([48]) وقد سار السوسي على خطى سابقيه من الشراح فأدرج في شرح قصيدته أبياتا شعرية للمقنع الكندي والمتنبي وأبي نواس وابن هرمة وإبراهيم الظريف الصوابي وابن وهبون ورشيد اللبناني ومحمد بن الشيخ سيديا الصحراوي ، ومن نماذج إدراج الشعر مثالان اثنان هما :
الأول عند شرح البيت التالي من قصيدته :"
مكللة حتى كأن سنامها
شماريخ طود لم يكد يتسلق
قال في الشرح : " وجفنة مكللة إذا امتلأت جدا فعلا عليها ما امتلأت به قال المقنع :
وفي جفنة ما يغلق الباب دونها(303/14)
مكللة لحما مدفقة ثردا "([49])
· الثاني :
يشن عليها غارة مشمعلة
بلقم أكول آمن ليس يرهق
ورد بالشرح : " شن الماء على الشراب كعسل أو حليب مثلا : فرّقه عليه عند صبّه عليه ، وشنّ الغارة على الأعداء : فرّق الخيل حين طلعت عليهم فجاءتهم الخيل متفرقة ، قال :
يا ليث لي بهم قوما إذا ركبوا
شنوا الإغارة فرسانا وركبانا " ([50])
أما ثانيهما فللاستشهاد ، حيث يفسح الشارح المجال لحافظته ولخواطره المتواردة لتمده ببعض الأبيات المناسبة للمقام فيلحقها بالنص حتى دون تقديم كما نجد عند كتاب الرسائل ، ويظهر هذا المنحى في شرح قوله :"
أهذا أريج المسك أم نفح روضة
أزاهيرها تحت الصبا تتفتق
يقول في شرح المعنى مدرجا بيتين في الغزل :" إن هذه الرائحة الطيبة التي نشمّها وملأت أنوفنا رائحة المسك أم رائحة طيب الأزهار إذا مرت بها ريح الصبا وهي تتفتح تحت ذيل نسيمها؟ وهذا أيضا من تجاهل العارف والمقصود أن لطيب العصيدة الموصوفة شبهًا بطيب المسك وأزهار الرياض.
لولا التشبه كان يولف كلما
مد البليغ كلامه في وصفه
ما كان لي تشبيهها بالمسك أو
بالزهر أين قفا الفتى من أنفه " ([51])
ب - القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف : اعتاد الشراح إيراد آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة يستشهدون بها على شرح الألفاظ وتفسير المعاني والإشارة إلى الظواهر والقضايا التي يعالجها النص ، وقد أورد السوسي في شرحه آية واحدة وحديثا واحدا ، وردت الآية عند شرح البيت التالي:
وقد وسعت تلك المجالات فاغتدت
بسائط لكن ليس فيهن مورق(303/15)
وقد وردت الآية في سياق شرح دلالة وإبراز معنى التعبير الوارد في الشطر الثاني ، قال السوسي : " إنني حين أتجاوز حوض الزبدة يتسع من الجفنة الفارغ من العصيدة التي أتيت عليها حتى ليكون ذلك المتسع كأنه بسائط منفسحة من أرض بطحاء مستوية وقد جردت من الشجر فليس منها ما له ورق أي ليس فيها نابت أصلا مورق وغير مورق وعبّر عن ذلك بكونها ليس فيها مورق على حد " لا يسألون الناس إلحافا " ([52]) أي لا يسألونهم أصلا ." ([53])
أما الحديث النبوي فورد عند شرح معنى كلمة " الغرب " في البيت التالي :
وأُدني إليَّ القعب يطفح رائبا
كغَرْب مليء ماؤه متدفق([54])
قال في الشرح :" ... والغرب كفَلْس الدلو العظيمة ومنه في حديث الرؤيا المشهور: " فاستحالت غربا " ويفسر به أيضا الغرب في حديث الطائفة من أهل الغرب التي لا تزال على الحق لا يضرها من خالفها " ([55])
ج - الأمثال : أورد السوسي في شرحه أمثالا استشهد بها في سياق شرح الألفاظ، مثل مثلين أولهما " فلان يخلق ويفري" وثانيهما " ما كل من خلق يفري" ، وذلك عند قوله :
وهل فاز باللذات غير([56]) الذي
تأتت له اللذات يفري ويخلُق
تأتى الأمر يتأتى تيسر ،والفري: القطع . والخلق :تقدير الشيء كيف يكون قبل فريه ومن أمثال العرب ؛فلان يخلق ويفري أي يقدر الشيء ثم يتمه ،والأصل في هذا المعنى أن الذي يريد أن يقطع مثل النعال من جلد يقدرها أولا في الجلد ؛وذلك هو الخلْق ثم إذا قطع فقد فرى ،وقالوا أيضا ما كل من خلق يفري أي ما كل من قدّر أنه يفعل شيئا يتمه .
والمثل المشهور " اللهى تفتح اللهى " الوارد في شرح كلمة " اللهاة " من البيت التالي:
فتأتي وتمضي كالدلاء تواليا
وللسيل في وسط اللهاة تدفق
واللهاة بالفتح الحلق وتجمع باللهى بالفتح ومن أمثال العرب أن "اللُّهى تفتح اللِّهى " واللهى بالضم جمع لهوة أي عطية ، أي إن العطايا للناس تفتح أحلاقهم بالثناء ." ([57])
3 - استنتاجات :(303/16)
نخلص من كل ما مر أن قصيدة العصيدة وشرحها الموسوم " الثريدة المناغية للعصيدة " تبرز جوانب متنوعة من شخصية محمد المختار السوسي الفكرية والعلمية ، يمكن إجمالها في ما يلي:
^ الجانب الأدبي الأريحي ، ويتجلى في أن السوسي أريحي يحب الانطلاق في مجالات الأدب الفسيحة ؛ رغم أنه ينتمي إلى طائفة العلماء الذين كان كثير منهم ينظر إلى الأدب بعين الانتقاص ويعتبر التعرض لمثل هذه الموضوعات مما يزري بالمروءة ، وهذه الأريحية هي التي دفعت السوسي إلى نظم قصيدته في هذا الموضوع الطريف الذي لا يتناوله إلا من كان أريحيا ظريفا يعشق الأدب ويرى الاشتغال به خير ما يروح به عن نفسه جامعا بين الإمتاع والإفادة ، ([58]) وتستولي عليه الأريحية عندما يتعرض لشرح بعض الأبيات التي تصف كيفية تناول العصيدة فلا يملك نفسه من التعبير عن شعوره كما في قوله :
أخضخض فيها خضخضات بهمة
يكاد بها حرف الإناء يشَّقَق ([59])
قال في شرح معنى هذا البيت :" إنني بعد أن أصب اللبن أمعن في الجدح فأحرك ما في الحفرة مع العصيدة تحريكا شديدا وأنا مكب على العمل بكل قوتي باذل كل جهدي ، حتى يكاد جانب الجفنة الذي أجدح في جهته يتشقق يا سلام يا سلام.. ! ! ! " ( [60])
كما تبرز أريحيته في ما أورده في الشرح من مقطعات هزلية ساخرة كإدراج أبيات في هجاء أكول قال : " وصف الأكول النهم .. ميدان كان الشعراء قديما وحديثا قد وصفوه وصفا بليغا ولعل أبلغ ما نستحضره للمتأخرين قول محمد بن الشيخ سيديا الصحراوي ([61]) في حدَّاد أسود ورد عليهم يدَّعي الشرف النبوي ثم بان أنّه أَفِكَ فيما يقول . فقال فيه وكان اسم الحداد "نحن" :
ما هزَّ عِطْفَيْ كَمِيٍّ يوم هيجا
بين الأواني كذي النونين والحاء
فرد يقوم مقام الجمع وهو لذا
يدعى بمضمر جمع بين أسماء
تخال لقمته العظمى براحته
كراكر الإبل أو جماجم الشاء
يسطوا بأسلحة للأكل أربعة
يد وفم وبلعوم وأمعاء(303/17)
ما بين طلعتها فيها وغيبتها
في فيه إلا كلمح الطَّرف من راء
فتنهوي كدلوٍّ خان ماتحها
أشطانها فترامت بين أرجاء
فبان أن الذي يحويه من شرف
قد صح لكنه بالهاء لا الفاء ([62])
^ الجانب العلمي الذي يتجلى في دراية السوسي اللغوية ومعرفته العميقة للعربية ، وقد شهد له معاصروه بذلك ([63]) فلم يعتمد في شرح قصيدته إلا على مصدر واحد توفر له في منفاه هو القاموس المحيط ، وكان في أغلب الأحيان يستعين بذاكرته وتحصيله اللغوي لتفسير ما يعرض له من ألفاظ .
^ الجانب التربوي : قضى السوسي طرفا كبيرا من حياته في التدريس والتربية خاصة بمدينة مراكش التي أسس بها مدرسة في زاوية أبيه بحي الرميلة ، وفي عمله في الشرح تظهر شخصيته التربوية، حيث عمل على مراعاة مدارك الطالب الذي ألف لأجله مستنفذا جهده في تبسيط الشروح وتقريب المعاني للأذهان .
^ الجانب الفكري ، ويتجلى في اندراج القصيدة وشرحها ضمن اهتمام السوسي بالتاريخ بمفهومه العام المتضمن لتاريخ الأحداث والفكر والأدب مما يجعل كثيرا من كتاباته تندرج ضمن مبحث تاريخ الثقافة أو الأنتربولوجيا فقد اهتم السوسي في مؤلفاته وعلى رأسها المعسول بمختلف مظاهر الثقافة بشكل عام والثقافة عنده " هي كل ما تراكم في مجتمعه عبر العصور والحقب ، وعكس سلوك الجماعة الذي اكتسبته من الحياة ، وفي مجالاتها الواسعة من العلم والمعرفة ، ومن تجارب الآباء والأجداد وخبراتهم ، وانعكس السلوك في مجموعة من الرموز الفكرية والوسائل المادية المتأثرة بتلك المعارف والتجارب.." ([64]) .(303/18)
وقد دفع السوسي لوصف هذه الثقافة وتسجيل مظاهرها شعوره بأنها في طريقها للتحول والاختفاء ، قال عن ذلك :" التحول في الهيأة الاجتماعية في غالب الأزمنة يعهد منه أن يتتابع ببطء حتى لا يكاد يفطن له إلا الألمعيون ؛ حتى جاء هذا العصر عصر الذرة والصورايخ ؛ فإذا بها تكاد تتحول من حال إلى حال في طرفة عين خصوصا في بعض الأقطار كقطرنا هذا الذي هجم عليه هذا العصر المسرع هجوما مباغتا فإذا به بين عشية وضحاها كأنما انقلب رأسا على عقب."([65])
الثريدة المناغية للعصيدة
لمحمد المختار السوسي
" ملحوظة "
للأدباء مسابقات في ميادين شتى يطلقون فيها أفراسهم ويفجِّرون فيها قرائحهم . قصد إطالة نفس الأدب في كل جهة ولإيجاد المتعة للنفس الأدبية أينما كانت متوجهة فلذلك كانت لهم الموائد الحافلة والمطاعم المتنوعة حلبات أنضوا في أوصافها المتنوعة قوافي، وأرسلوا فيها عيون الخيالات الشتى فمن قرأ كتب الأدب للمتقدمين يجد في " اليتيمة" للثعالبي وفي " مروج الذهب" للمسعودي وفي غيرها قطعا أو قصائد كبيرة في وصف أنواع من المأكولات أو المشروبات . فذلك هو ما حدا بي الى وصف العصيدة بهذه القصيدة ، لعله يكون لها ذكر بين ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين خصوصا إن كانت من الذرة البيضاء الغريقة في الزبدة المصفاة .
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
الحمد لله الذي فنن لنا العلوم فجعلها طرائق قددا. ووضع علم الأدب على منصة لن يتزحزح عنها أبدا. والصلاة والسلام على الذي قال : " إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا" . وعلى آله الذين كان كل واحد منهم في حفظ الأشعار العربية بحرا. وعلى أزواجه خصوصا منهن عائشة التي كانت فيما رواه عروة بن الزبير أكثر الناس استحضارا للقوافي وعلى أصحابه الذين كان من عادتهم إن ملوا من مدارسة السنة والقرآن أن يميلوا من مدارسة أشعار العرب إلى المنهل الصافي.(303/19)
أما بعد ، فإن للأدب روحه وسيرته، وإن للأدباء أقوالا قد يروحون بها على أنفسهم أحيانا من غير إخلال بشريعة المروءة ولا هتك لسجف الوقار. ونعوذ بالله ممن لم يرم في الأدب وأريحيته بسهم ولا مالت له إلى منازعه عين. فيتجهم حيث يذوب الأدباء أريحية ،ويعبس ويبسر في المقام الذي يقطرون فيه بشاشة، تخلقا بأخلاق الأجلاف. وانتباذا عن طريقة الأدباء من أفاضل الأسلاف. وميلا إلى النسك الأعجمي. ونعوذ بالله من قوم خلقوا من الكثافة فلا تجد روح الأدب إليهم متسربا .
عجبا لقوم لم تكن مهجاتهم
لهوى ولا أجسادهم لنحول
دقت معاني الحب عن أذواقهم
فتأولوه أقبح التأويل
هذا فقد كانت صدرت عن هذا العبد المتشبث بذيل الأدباء. قصيدة في وصف أكل العصيدة. ولقولها سبب خاص وهو ذلك أنني كنت في عشية يوم من أيام رمضان1356 هـ جالسا في الدار بإلْغ ([66]) مع الأخ سيدي بلقاسم بن محمد ([67]) من أبناء عمومتنا ،فعند الإفطار أتينا بعصيدة من ذرة بيضاء فاهتبلنا بها حين لم يتأت لنا سواها لعدم اللحم في الأسواق في تلك المسغبة الشديدة. فتجاذبنا خصال هذا النوع من الأطعمة. فقلت له إنني حين كنت بمراكش كنت كثيرا ما أتشهى العصيدة ، أفلا يحق علي الآن أن أشكر الله حين تهيأت لي اليوم.
ثم قلت له إن العصيدة من الذرة البيضاء نعمة ما مثلها نعمة ،وإن الالتفات إلى الإشادة بها دين القوافي فلنعالج ذلك، ولنصف كيف تؤكل وصفا شعريا جذابا .فافتتحنا القصيدة حتى وصلنا فيها بضعة عشر بيتا فراح إلى داره ،فأكببت على الباقي فأتممتها زهاء سبعين بيتا. ثم نقحتها وهذبتها على حسب وسعي ففي الغد حين رآها الفقيه سيدي بلقاسم أظهر عجبا زائدا ، وقال حقا إن هذه القصيدة أدت دين العصيدة على القوافي. ثم أشهرناها للأدباء الإلغيين فزعموا أنها فريدة في بابها. إلا من لا يذوق الأدب فرأى أن هذا هو النهم بعينه. هذا ما كان منذ سنتين.(303/20)
ثم جلس إليَّ السيد محمد التناني المرابط في المدارس المجاورة لإلغ للأخذ عن الإلغيين ، فجرى ذكر القصيدة فأخذها عني تفسيرا لأبياتها . فرأيت له همة طموحا وعزما أكيدا إلى استشفاف معانيها كما أقصد يوم قلتها. فثلج صدري إلى أن أكتب على القصيدة تعليقا صغيرا جدا لا يتجاوز تفسير الكلمات، وتفسير المعنى المراد. ليكون لهذا التلميذ الطُلَّعة دليلا خِرِّيتا إلى تفهم المعاني إجمالا وتفصيلا، فباسم هذا التلميذ أقيّد هذا التعليق وبهمته الصادقة انبعثت لإنجازه. نفعه الله به وأيده حتى ينال من العلم مراده. وجائزتي عنده أن لا ينساني من صالح الدعاء. وأن يطلب الله أن لا يحرمني ما حييت من الانخراط في زمرة أهل العلم تعلما وتعليما ،وهذا أوان الشروع في المقصود، سدد الله الخطى، وجعل أفهامنا إلى المعاني العربية العليا أهدى من القطا. وليس عندي الآن من المراجع اللغوية إلا القاموس وحده. وإلا ما كنت أستحضره من أيام اشتغالنا بمزاولة العلوم.
القصيدة :
لمن جفنة قد أقبلت تتألق
تلوح بلألاء العصيدة يبرق
الجفنة كتمرة :القصعة جمعها جفان وجفنات .تألق البرق: لمع وظهر في الجو نوره الذي يمر بسرعة. ولاح يلوح: ظهر متلألئا لامعا ومنه لاح سهيل وهو نجم في السماء، إذا تلألأ. والآلاء:اللمعان ،ومنه تلألأ البرق وبرق الشيء برقا وبريقا وبرقانا: لمع.
{المعنى} لأي إنسان قصعة رأيتها مقبلة آتية ،وقد امتلأت بعصيدة بيضاء اللون للونها لمعان يظهر للعينين. وقد خرج الكلام مخرج التجاهل وذلك من مقاصد البلغاء في أمثال هذه المواقف . ثم قال:
مكللة ([68]) حتى كأن سنامها
شماريخ طود لم يكد يتسلق
والإكليل: التاج ،وكللت رأس إنسان إذا جعلت الإكليل على رأسه ، وروضة مكللة محفوفة بالنور والزهر، وجفنة مكللة إذا امتلأت جدا فعلا عليها ما امتلأت به قال المقنَّع:
وفي جفنة ما يغلق الباب دونها
مكللة لحما مدفقة ثردا(303/21)
ولفظ مكللة وصف لجفنة في البيت قبله. والسنام :ذروة الجمل، والشمراخ :رأس الجبل والطود الجبل ،وتسلق الجدار: تسوره أي علا فوقه، ولا يكون ذلك إلا بمشقة .
{المعنى } إن تلك الجفنة الموصوفة بكونها تتلألأ بما هي ممتلئة به ،قد عمرت جدا حتى كأن أعلاها يشبه أعلى جبل وعر عظيم يصعب على الإنسان أن يطلع عليه ،ولا شك أن العصيدة الموصوفة من شأنها عندنا أن تصبح متجمدة [69]فتحمل منها الجفنة ما حملت فيعلو سنامها بقدر اتساع الجفنة. ثم قال:
وقد فَعَمَت منها الخياشيم نكهة
تطيب بها كل النواحي وتعبق
فغمه الطيب كمنع فغما وفغوما :سد خياشيمه، والخياشيم جمع خيشوم وهو ما في أقصى أنفه، والنكهة بالفتح:ريح الفم خاصة والمقصود هنا مطلق الرائحة مجازا مرسلا. وعبق به الطيب كفرح عبقا وعبقانة وعباقية لزق به، ورجل عبق إذا تطيب بأدنى طيب لم يذهب عنه أياما. هذا نص كلامهم. ويستعمل أيضا عبق بمعنى فاح وهو المقصود هنا فيكون فيه نوع من المجاز .
{المعنى } إن تلك العصيدة التي رأيناها متلألئة من جفنتها وعالية السنام ،لها رائحة طيبة ملأت كل الأنوف وتطيبت بها جميع النواحي . ثم قال :
أهذا أريج المسك أم نفح روضة
أزاهيرها تحت الصبا تتفتق
أرِج المسك ،ومثله من كل طيب كفرح :إذا فاح طيبه بكثرة، والأرج والأريج والأريجة توهج ريح الطيب وكثرته .والأزاهير جمع الجمع ومفرده أزهار ومفرد هذا زهر. وتفتق الزهر تفتحه من كنه وكثيرا ما يتفتح في الصباح.
{المعنى} إن هذه الرائحة الطيبة التي نشمها وملأت أنوفنا رائحة المسك أم رائحة طيب الأزهار إذا مرت بها ريح الصبا وهي تتفتح تحت ذيل نسيمها ؟ وهذا أيضا من تجاهل العارف والمقصود أن لطيب العصيدة الموصوفة شبهًا بطيب المسك وأزهار الرياض.
لولا التشبه كان يولف كلما
مد البليغ كلامه في وصفه
ما كان لي تشبيهها بالمسك أو
بالزهر أين قفا الفتى من أنفه
ثم قال :
فهذي إذن من غير شك عصيدة(303/22)
من الذرة المعطار إن كن تنشق([70])
والذرة بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء المفتوحة كثُبَة ؛حب معروف وهذا النوع أنواع مختلف الألوان. والمعطار من أمثلة المبالغة في العطر. ونشق زيد الشيء كتعب وفرح: شمَّه.
{ المعنى } إن هذه العصيدة التي لها هذه الرائحة الطيبة حتى كأنها مسك أو أزهار تفوح عصيدة مصنوعة من الذرة ، لأنها هي المعتادة بمثل هذه الرائحة المتناهية في الطيب - على زعم القائل - ولا تكون سواها إن كنت ممن صحّت منهم حاسة الشم. والمخاطب جرّده القائل من نفسه فخاطبه،وإلا فإنه نفسه هو المقصود. ثم قال :
وعهدي بأنفي ليس يغلط شمه
فيا طالما شمّ البعيد فيصدق
شمّ بأنفه ،أصله شمم كفرح أو شمم كفتل شما وشميما وشمّيمى كحليفى ،والأنف يذكر ولا يؤنث كما في آخر المصباح.
{المعنى} إنها بلا شك عصيدة الذرة فإن حاسة الشم صحيحة. ويعرف كون العصيدة قريبة من قوله في البيت قبل هذا : فهذي إذن.. الخ من الإشارة للقريب. ثم قال :
ألم ترها كالثغر أفلج باسما
وللشنب البراق فيه تألق
الثغر بفتح الثاء المعجمة وسكون الغين: الأسنان التي تنفرج عنها الشفتان وأحسن ما يكون الثغر من جميل عند الابتسام. وتلك الحالة هي التي يقصدها الشعراء متى أطلقوا الثغر . والفلج بفتحتين: تباعد ما بين الأسنان تباعدا متناسبا، يقال فلج كفرح فهو أفلج كأحمر وأبيض. والشنب ماء ورقة وعذوبة في الأسنان . شنب كفرح فهو أشنب شنبا .والبرّاق فعال من البريق أي لمّاع كثير الاستنارة والتألق لمعان البرق ومثله وقد تقدمت الكلمة .
{(303/23)
المعنى} إن تلك العصيدة هي عصيدة الذرة بلا شك ولا ريب، وآية ذلك أنها بيضاء لمّاعة تستنير عند رؤيتها كما تلمع أسنان الثغر الفلجاء عند تبسم جميل وضيء الوجه وقد تلألأت الأسنان بالشنب الذي تزداد به الأسنان بياضا. ولاسيما عندما تستدير بها الشفاه اللعساء وهي التي تميل إلى سمرة قليلا. ولا ينسين القارئ أن العصيدة التي توصف هنا هي المصنوعة من الذرة البيضاء لا الحمراء. والعصائد تختلف ألوانها بحسب ما تصنع منه. ولا يبيض منها بياضا ناصعا إلا ما يصنع من الذرة البيضاء بالنظر إلى الأنواع التي تؤخذ منها العصيدة في بلادنا هذه. ثم قال :
تميس بلون الثلج أبيض ناصعا
متى جال فيها لحظ غرثان يشهق
ماس يميس كباع يبيع : تبختر في ثيابه وتمايل عند مشيته. والمقصود هنا تموّج البياض المتلألئ شبه البرقان الذي يتراءى للعين كأنه يتحرك من جانب إلى جانب بتبختر الماشي في حلة بيضاء. وأبيض ناصع :خالص البياض نصع كمنع نصاعة ونصوعا. ويستعمل مع كل لون وغيره ويقصد به أن يكون خالصا ونصع لونه اشتد بياضه، هذه عبارتهم. والغرثان كعطشان :الجائع غرث جاع يقال رجل غرثان وامرأة غرثى وشهق كمنع وضرب وسمع . شهيقا وشهاقا وتشهاقا بالفتح :تردد البكاء في صدره وشهيق الحمار نهاقه. والمقصود هنا به الصراخ وإرسال الصيحة التي تصدر بغتة من غير أن يستعد لها صاحبها كالتي يرسلها كل من يبغت بشيء لم يكن ينتظره. وقصد مثل هذا المعنى الخاص إزاء ذلك المعنى اللغوي الذي ذكروه مرتكز على المجاز.ويستعمل هذا المعنى كثيرا في هذه اللفظة في ألفاظ المعاصرين.
{المعنى } إن تلك العصيدة يتموج لونها الأبيض المشبه للثلج في صفاء البياض ومتى وقعت عليها عين جائع لا يملك نفسه حتى تنصدر منه بغتة صيحة عالية من شدة شرهه إليها. ولمّا يغلب عليه انجذابه إليها بما يغمره من حسنها ورونقها وبياضها الناصع الخالص. ثم قال:
لها قمّة في وسطها حوض زبدة(303/24)
"كجابيّة الشيخ العراقي تفهق"([71])
القمة: أعلى الرأس وأعلى كل شيء، جمعها قمم كسدرة وسدر والشطر الثاني مضمن وهو من قافية الأعشى المشهورة وأوله :"نفى الذم عن آل المحلق جفنة ". يصف آل المحلق ويمدح المحلق بضم الميم وفتح اللام وهو رجل من العرب أكرم الأعْشى فأصبح في عكاظ يشيد بمدحه في تلك القصيدة. والجابية حوض الماء ،والشيخ العراقي هو الرجل المسن من أهل العراق ،ولم يكن من أهل بادية العرب فإذا ساقه القدر إلى البادية وأراد أن يسقي إبله في الجوابي التي توجد عادة إزاء آبار البادية ، ينزع من البير بدلوه ويصب في الجابية، ولكنه لعدم مزاولته مثل ذلك في العراق الذي كان من أكثر البلاد ماءً ،تسقيه دجلة والفرات لا يدري المقدار الذي يملأ الجابية فلا يزال يصب فيها حتى يسيل الماء من جوانب الجابية . وفهق الإناء كفرح فهْقا وفهَقا امتلأ ويروى بيت الأعشى أيضا:" كجابية السيح العراقي تفهق". بلفظ السيح بالسين والحاء لا بالشين والخاء، والسيح الماء الجاري الظاهر ساح الماء يسيح جرى فيكون المعنى على هذا كجابية السيل العراقي الذي يتدفق على وجه الأرض من دجلة والفرات .
{المعنى} إن لتلك الجفنة المكللة بالعصيدة رأسا مشرفا عاليا ،يتوسطه من الزبدة المذابة حوض متسع يتدفق من جوانبه .وقد كانت العرب تعرف مثل هذه الحياض في أواسط الجفان كما ذكروه عن جفنة عبد الله بن جُدْعان ويقولون إن إنسانا غرق في حوضها .ثم قال:
فيا ليت شعري من تحط أمامه
فيوضع في الأطراف منها ويعنق
أوضعت الناقة ووضعت في سيرها: أسرعت والعنق بفتحتين : سير مسبطر للإبل ولكل دابة والإعناق الإسراع ومنه الحديث:"المؤذنون أطول إعناقا يوم القيامة" بكسر الهمز على ما في رواية. والمشهور فتحها جمع عُنُق.
{(303/25)
المعنى} إنني أتمنى لو عرفت لمن تكون له تلك الجفنة ،ومن هو الذي يحظى بها بين يديه فيأتي على ما فيها. وقد قيل لبعضهم كيف أنت وقصعة من ثريد، فقال: أخب فيها وأضع .أي أجري فيها يمينا ويسارا وأمام .وإلى جواب هذا الأكول النهم نظر القائل في شطره الثاني .وهذا البيت مؤسس على مفتتح القصيدة، حين تساءل القائل عن الإنسان الذي تكون له تلك الجفنة التي رآها مقبلة تأخذ بملاحظ العيون. فتتفتح لها الشهوات وتتحلب لها الأفواه ويدق لها قلب الجائع النهم دقات متوالية . ثم قال:
ويخبط فيها باليدين كأنما
تخبّطه وسط الدُّجُنّة أولق
الخبط الضرب الشديد خبط كضرب ويطلق أيضا على الوطء الشديد بالرجل. وخبطه الشيطان وتخبطه مسه بأذى. وذلك يظهر فيمن مس بجنة فيضرب بيديه إلى كل جهة بغير شعور. والدجنة الظلمة بضم الدال والجيم وتشديد النون المفتوحة، والأولق كالأحمر الجنون.
{المعنى } إنني أتمنى أن أعرف من هو الذي ستكون له هذه الجفنة ،فيقبل عليها بكلتا يديه أكلا لمًّا مكبا عليها كأنه مجنون غير واع ما يصنع ،فيضرب بكلتا يديه ضربا شديدا في كل جهة. ولاريب أن المضطر للعجلة في ظلمة يخبط خبط عشواء أي مثل الناقة العمياء. فكيف إذن يكون من جمع الظلمة وعدم الشعور فإن خبطه يكون أعظم وأشد. وهذه الحالة المتخيلة هي التي يلصقها القائل بالأكول النهم الذي يُعمل كلتا يديه ونعوذ بالله من استيلاء الشره. ومن استحواذ النهم. ثم قال:
يشـ، عليها غارة مشمعلة
بلقم أكول آمن ليس يرهق
شن الماء على الشراب كعسل أو حليب مثلا: فرقه عليه عند صبه عليه، وشن الغارة على الأعداء : فرَّق الخيل حين طلعت عليهم فجاءتهم الخيل متفرقة.قال:
يا ليت لي بهم قوما إذا ركبوا
شنوا الإغارة فرسانا وركبانا(303/26)
وأغار الإنسان على أعدائه إغارة وغارة دفع عليهم الخيل واشمعلت الغارة في العدو انتشرت وتفرقت واللقم بالفتح سرعة الأكل ولقمه أكله سريعا والأكول الكثير الأكل والرهق كالفرح العجلة وأرهقه أعجله.
{المعنى} إن ذلك الذي سيحظى بتلك الجفنة سيمعن فيها إمعانا شديدا. ويصنع بها صنع الأكول النهم الذي يسرع كثيرا في أكله، ثم لا يعجله معجل عن قضاء نهمته فيها . وهو آمن من أن يحول بينه وبينها حائل .والمتصف بهذه الأوصاف جدير بأن لا يبقى ولا يذر.
ثم قال :
فيأتي على تلك العصيدة كلها
إذا الجفنة الغناء جرداء سملق
روضة غناء كثيرة العشب روض أغن كثير الشجر . شبهت الجفنة المزدهرة بمافيها بروضة غناء كثيرة العشب أو بمحلّ كثير الأشجار وأرض جرداء ليس فيها شجر والسملق أرض مستوية ومثل ذلك تكون القصعة إن أكل ما فيها .
{المعنى} إنّ ذلك الأكول النهم المطمئن الآمن من كل ما يحول بينه وبين تلك القصعة ،يأتي على جميع العصيدة فتعود القصعة ملحوسة مقفرة الجوانب كأن لم يكن فيها قط طعام ،بعد أن كانت مكللة الجوانب مزدهرة بتلك العصيدة الجذابة الأخاذة بأرسن النهمين. ثم قال:
فيا فرحي إني سعيد فإنها
تحط أمامي فالرجاء مصدق
تعريف السعيد لكون ما تقدم يشعر بأن من ظفر بتلك الجفنة هو سعيد فلذلك جيء به معرفا هنا. وكذلك الرجاء لأن كل من رأى مثل تلك الجفنة يدور في نفسه رجاء أن تكون له ،فانتظم البيت مع ما قبله بتعريفهما .
{المعنى } إن فرحي لعظيم جدا لأنني كنت ذلك السعيد الذي حظي بتلك الجفنة المكللة، فهاهي ذي تحط بين يدي وتركت وإياها أصنع بها ما أشاء. فقد صدق ظني حين كنت أترجى أن تكون لي فقد حظيت وحدي بتلك النعمة العتيدة. ثم قال :
فيا طالما أجري أحاديثها وكم
أعرّض في نطقي بها وأرقق(303/27)
أجرى فلان الحديث حول شيء إذا أداره حوله وجعله موضوع كلامه . والتعريض بالشيء أثناء الحديث إذا وقع فيه الإيماء إليه من غير تصريح باسمه الخاص . والترقيق :التكنية عنه ،ومرمى معناه هو عين ما فسرنا به التعريض ومن ذلك المثل المشهور : " أعن الصبوح تُرققُ ".
{المعنى} إنني اليوم ظفرت بأعظم الأماني وهي العصيدة التي تفوق كل الأنعم العليا، فقد كنت إلى الظفر بها طلعة دائما حتى إنني كثيرا ما أصيرّها موضوع أحاديثي في المجالس فأصرح بها أحيانا سالكا المسلك الذي قال فيه الشاعر وهو أبو نواس:
فصرح بمن تهوى ودعني من الكنى
فلا خير في اللذات من دونها ستر
وحينا أكتفي بالإشارة إليها سالكا المسلك الذي قال فيه آخر :
أكني ببدر مشرف وبظبية
وأهل الحمى يدرون من كنت أقصد
ثم قال :
فإني لمنهوم إليها وللحشا
إلى سيلها مذ ([72]) أزمنات تشوق
النهم بفتحتين: إفراط الشهوة في الطعام يقال نهِم كفرح وعنى فهو نهم ونهيم ومنهوم والمقصود بالسيل ملتوت العصيدة باللبن ،وأزمنات جمع أزمنة جمع زمان فإنه جمع الجمع .
{المعنى} كيف لا يعظم فرحي حين ظفرت الآن بهذه المنية السَّنية ،فإنني إليها لفي أشواق شديدة منذ زمن طويل تتحلب إليها شفاهي ويقرقر إليها بطني . ثم قال :
فهاهي ذي عندي فيا بطن أبشرن
فعما قليل سيلها يتدفق
التدفق كثرة جريان الماء .
{المعنى } هذه منيتي قد حضرت وهذا الذي كنت أتطلع إليه دائما تيسر، فأبشر يا بطني وابتهج فإن ما تتشوق إليه منذ دهر طويل ستتملى منه وتدرك فيه ما تريد. ثم قال :
فلا كنت إن أبقيت منها بقية
أو أسأرت فيها فضلة حين ألعق ([73])
الإسئار الإبقاء وسؤر الأكل ما فضل عنه بعد أكله ولعق إصبعه لحسها .
{(303/28)
المعنى} إنني سأمعن اليوم في هذه النعمة التي ظفرت بها بعد أن تطلعت إليها من زمن طويل وسأكب عليها فلا أبقاني الله إن أبقيت منها في الإناء باقية أو أفضلت منها سؤرا، فلا ألعق أصابعي حتى أدر الجفنة قاعا صفصفا كأن لم تغن بالأمس. ثم قال:
فذي نهمتي جاشت أوارا تحرقا
أفي كل يوم نهمة تتحرق
الأوار كغراب :حر النار، والنهمة كالنهم وقد تقدم تفسيره .
{المعنى } إنني سآتي على كل ما في الجفنة لأن لهيب نهمي المتلظي قد تأجج، ومتى كان جوع الإنسان شديدا والطعام مثل هذا المشتاق إليه موجودا ،فكيف يفضل مما في الجفنة شيء .مع أن مثل هذه الدواعي التي يمرؤ بها الطعام لا توجد في كل وقت والدنيا فرص . ثم قال :
أفي كل يوم فرصة مثل هذه
أفي كل حين لي جُرَاز يُفْلِق
الجراز كغراب السيف القاطع ،وفلق الشيء يفلقه فلقا كضرب وفلق بالتضعيف إذا قسم أجزاءه.
{المعنى } هل يمكن أن توجد في كل وقت مثل هذه الفرصة التي يجب عليّ أن أنتهزها فأقضي لبانتي إلى منتهاها. وهل تكون لي في كل أجزاء عمري سِنّ أتوصل بها إلى مضغ مأكولي، فحين تأتت اليوم لي الفرصة وكانت لي سن بها أستطيب ما أتناوله فإنه يجب علي أن أفرغ وسعي وأعمل ما يجب في أمثال هذه الأحوال . ويقول المسنون: "إن لذة الطعام تذهب مع الأسنان ".ثم قال:
دلفت إليها والعيون كأنها
نطاق حَوَاليْ ركبتيَّ تحملق
دلف الشيخ يدلف كضرب دلْفا ودلِفا مشى مشي المقيّد وفوق الدبيب ،ويقال أيضا دلفت الكتيبة في الزحف إلى الأعداء أي تقدمت وذلك بعينه هو المقصود هنا وهو معنى حقيقي. والنطاق ككتاب الحزام الذي يشد به وسط الإنسان كالضمة وبه سميت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين حين قسمت حزامها فربطت جراب أبيها حين هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم. وحملق فلان إليك بعينه إذا فتحهما جدا إليك حتى يبدو ما احمرّ من جوانبهما .ويسمى ذلك المحمرّ الحملاق .
{(303/29)
المعنى} تقربت من تلك الجفنة زاحفا على ركبتي، والحالة هذه أن عيون من يرمقونني يتعجبون من كل جهة من فعلي حين أزدلف إليها بتلك الهيأة ،وهم يتبعون أبصارهم بإمعان شديد لسير ركبتيّ اللتين أتقدم بهما على تلك الكيفية. ثم قال:
حللت لها طوقي وزحزحت معطفي
وألقيت عني ما به أتمنطق
الطوق ما يستدير بالشيء، ومن هنا طوق العنق أي حليه والمقصود هنا ما يستدير بالعنق من القميص . والمعطف الرداء وتمنطق بالمنطقة أي احتزم بالحزام.
{ المعنى} إنني تهيأت لهذه الجفنة فأبعدت كل شاغل من كسوتي، وهيأت لهاتي لتسع لكل ما يدفعه إليها الفم. فأزلت عن عنقي كلما يشد عليه. كما هيأت بطني لمثل ذلك بزحزحة المنطقة أي الحزام عنه . ثم قال:
فأغسل حتى مرفقي فربما
ستعمل أيضا معصماي ومرفق
عبّر بأغسل بصيغة المضارع تشخيصا لذلك الفعل والمرفق بفتح الميم وكسر الفاء كمجلس وبالعكس كمنبر ملتقى العضد والذراع والمعصم كمنبر موضع السوار في اليد .
{المعنى } إنني أبعدت عني ما يحول بيني وبين مرادي مما حولي من كسوتي وما إليها ، كذلك تهيأت لحوض تلك الجفنة المكللة بغسل يديّ إلى المرفقين . وما غسلت إلى المرفقين إلا لأنني ربما أعملت أيضا جميع يدي إلى المرفق حين أمعن في ذلك الطّعام اللذيذ فأخب فيه وأضع وأضرب يمينا وشِمالا. ثم قال:
وهل فاز في أشغاله غير حازم
يؤيده عزم إذا هم يصدق
الحزم ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة ، والعزم إرادة فعل الشيء والقطع على ذلك والتصميم عليه بحيث لا يرتد عنه بأي سبب .
{المعنى } إنني حين نحّيت عني كل ما يشغلني أو يحول دون ما أنا مهتم به. وحين غسلت جميع اليد إلى المرفق احتياطا لعلني أتوقف على المعصم وما وراءه حين يجد الجد ويحمى الوطيس .إنني حين فعلت كل ذلك قد أخذت بالحزم ،ولا يفوز إلا الحازم العازم الصادق في همة الذي يتخذ العُدد قبل الإقدام ،ثم إذا أقدم لا يرتد وإن كان ما كان "المتنبي" :(303/30)
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول ولها المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة
نالت من العلياء كل أعز مكان([74])
وقال رشيد اللبناني والبيت الثاني لبعضهم:
إذا شئتُ أمرا لم أكن مترددا
وأقبح ما في المرء أن يترددا
أؤسس بالدرع المسرّة التي
تقيني المواضي ثم أقتحم العدا
ثم قال:
وهل فاز باللذات غير([75]) الذي إذا
تأتت له اللذات يفري ويخلُق
تأتى الأمر يتأتى تيسر ،والفري: القطع . والخلق :تقدير الشيء كيف يكون قبل فريه ،ومن أمثال العرب ؛فلان يخلق ويفري أي يقدر الشيء ثم يتمه ،والأصل في هذا المعنى أن الذي يريد أن يقطع مثل النعال من جلد يقدرها أولا في الجلد ؛وذلك هو الخلْق ثم إذا قطع فقد فرى ،وقالوا أيضا ما كل من خلق يفري أي ما كل من قدّر أنه يفعل شيئا يتمه .
{المعنى } إنني كنت بنيت أمري على الحزم في استيفاء هذه اللذة النادرة التي هيأتها لي الفرصة ،ولا يفوز باللذات إلا المقدمون الحازمون العازمون الذين متى تيسرت لهم فرصة أمعنوا فيها إمعانا في جسارة وفي بسالة قال سَلَم الخاسر:
من راقب الناس مات غما
وفاز باللذة الجسور
والأصل في بيت الأصل تأتت له اللذات يخلق ويفري ،ولكن وقع التقديم والتأخير لمكان القافية والواو لا تقتضي الترتيب وقد ارتكب ابن هرمة ذلك في قوله:
شديد التأني في الأمور مجرب
متى يعر أمر القوم يفري ويخلق
ثم قال:
فأنفض نفض المعجلين ولم([76]) يمل
إلى فوطة هم بتلك معلق
نفض اليد بعد الغسل تحريكها لينتثر ما يعلق بها من نقط الماء والمعجل الذي يحمله غيره على العجلة والإسراع. والفوطة هي المعروفة عندنا اليوم وهي عربية فصحى جمعها فوط والإشارة في تلك إلى الجفنة التي هي موضوع الكلام .
{(303/31)
المعنى } إنني حين أغسل يديّ متهيئا إلى الجفنة، أنفض يدي كما يفعله العجلان الذي لا يتسع وقته للفضول ،فلا ألتفت إلى الفوطة المعهودة أن يمسح بها الغاسل يده لأن همّتي متعلقة بتلك الجفنة وأنا جميعي منجذب حتى لا يستميل بصري دونها وأمر النهمين أعجل من ذلك. ثم قال:
وهل يذكر الإنسان أمثالها سوى
إذا لم يكن أمر حواليه مرهق
أرهقه الأمر أعجله وحمله على السرعة إلى الشيء فيحمله ذلك على تخطي غيره ،تقول أرهقت فلانا عن كذا إذا أعجلته عنه، وقد تقدم معنى الكلمة.
{المعنى } إنني حين أتخطى الفوطة وأنساها بعد الغسل معذور كل العذر، لأن الفوطة للغاسل إنما المسح بها من الكماليات فقط .والإنسان لا يرد باله إلى الكماليات إلا إذا اتسع له الوقت ولم يكن على عجلة إلى أمر لابد منه . ثم قال:
وأما إذا الإرهاق يغري([77]) فربما
تخطى الشجاع الدّرع إذ يتدلق
أغراه على الشيء حرشه إليه وحمله ونشطه إلى الإقدام عليه وتخطى فلان الشيء إذا تجاوزه بخطاه تاركا له وتدلق السيل اندفع .
{المعنى } إن العجلة إذا استولت على الإنسان بشيء اضطره إلى المضي بكل إسراع تنسيه كل شيء ،فلذلك أنا أنسى الفوطة بعد الغسل لانطلاق همي إلى الجفنة .أوَلا ترى الشجاع الباسل الذي يعرف كيف يدخل المعمعة بالاحتياط والحزم ،قد ينسى بالعجلة درعه التي لابد له منها حين يندفع بسرعة لإصراخ مستغيث ،وذلك أن المُقدِم يسمى شجاعا إلا إذا كان يأخذ بالحزم ومن الحزم عدم مفارقته لدرعه وإلا سمي متهورا. ومع هذا فإنه يعذر متى أعجله معجل عن درعه. وكذلك أنا أعذر حين أعجل عن المسح بالفوطة وبهذا البيت مبنى على قبله كبعض الأبيات المتقدمة حين يبنى معنى بعضها على ما قبل. ثم قال :
وأُدني إليَّ القعب يطفح رائبا
كغَرْب مليء ماؤه متدفق([78])(303/32)
الدنو بضمتين :القرب ودنا يدنو قرب وأدناه قرّبه ،والقعب كفلس القدح الضخم الجامي جمعه أقعب كأفلس وقِعاب كصحاب وقعبة كفردة ،وهو المعهود عند العرب للبن. وطفح الإناء بالماء كمنع امتلأ وارتفع والرائب هو اللبن الذي يمخض ويخرج زبده ويطلق أيضا على الحليب الخاثر الذي لم يمخض بعد والأول هو المقصود هنا بحسب ما سيأتي .والغرب كفَلْس الدلو العظيمة ومنه في حديث الرؤيا المشهور: " فاستحالت غربا " ويفسر به أيضا الغرب في حديث الطائفة من أهل الغرب التي لا تزال على الحق لا يضرها من خالفها. والمليء المملوء وهذا البيت مرتب على البيت فأغسل.. الخ .
{المعنى } إنني بعد أن أتهيأ للأكل بإزاحة ما يحول بيني وبين مرامي في الجفنة مما حولي من اللباس وبغسل اليد، أقرّب إليّ الإناء العظيم المتدفق باللبن حتى كأنه دلو عظيمة يتدفق ماؤها بكثرة امتلائها .وإنما عرف لفظ القعب لأنه معهود في العادة أن لا يؤتى بالعصيدة إلا ومعها إناء فيه اللبن وهذا هو الذي يقولون فيه المعهود الذِّهنيُّ. ثم قال:
وللمحض فيه نضرة وتلألؤ
كعضب على متنيه لمع ورونق
المحض من كل شيء على وزن سهل الخالص ويطلق اللفظ بلا تقييد على اللبن وقد محُض كسهُل والنضرة كتمرة بالضاد الساقطة الحسن. والتلألؤ :اللمعان وقد تقدمت اللفظة . والعضب كفلس السيف القاطع متى كان قاطعا باعتناء صاحبه بكثرة شحذه ،كان على العادة مصقولا لأن رب السيف يعهد منه الاعتناء بشحذه ،وللمح هذا المعنى عبّر بالعضب ولم يعبر بالسيف ،ومتن كل شيء ظهره وللسيف ظهران ولذلك ثني المتن . واللمع البريق والاستنارة بلون صقيل .ورونَق كل شيء حسنه ورونَق السيف والضحى ماؤه وحسنه، ويقصدون بالماء هنا ذلك الذي يأخذ بالبصر من الشيء الحسن ويتراءى للعين كأنه ماء يترقرق ويتحرك فافهم.
{(303/33)
المعنى } إنني أقرب إلى ذلك الإناء وقد علا ما فيه من اللبن حسن وبهجة ،من صفاء بياضه كأنه ظهر السيف الذي اعتني به فصقل فكان له لمعان يبهر وحسن يخلب وبهجة تستوقف الأبصار. ثم قال:
وما أثَّرَت فيه الوِطاب ولا دنا
إلى أرْيِهِ المُبْيّض أَرْعَنُ يمذُقُ
الوطب كفلس سقاء اللبن أي الجلد المعهود للبن جمعه أوطب كأفلس ،ووطاب كصِحاب وأوطاب كأقلام وجمع الجمع أواطب كأفاضل وأماثل. ودنا يدنو قرب والأرْي كفلس العسل والأرعن الأهوج في نطقه والأحمق المسترخي ، يقال رعن مثلثة العين رعونة ورعنا والمقصود به من له رعونة وحمق حتى يعمد إلى اللبن فيمزجه بالماء . والمذق خلط اللبن بالماء .
{المعنى } إن ذلك اللبن الصافي اللون لم يظهر منه أثر من رائحة الإناء الذي كان فيه فصفا ذوقه كما صفا لونه ، كما لم يطف حوله من يمزجه بالماء بل بقي على حالته الأصلية وهو مثل العسل الأبيض في المذاق واللون . ثم قال:
ولا مخضته العانسات وقد بدا
لشامات زبد من عليه ترقرق
مخض الحليب أخذ زبدته، ولا يكون ذلك إلا بعد خضخضته. والمرأة العانس التي بقيت في دار أهلها بلا تزوج زمنا كثيرا، ولا ريب أن طول مكثها في دار أهلها مقبلة على مزاولة شؤونهم وحدها لتفرغها لذلك من عدم تزوجها أدعى لمعرفتها كيف يكون المخض فلا تبقي من الزبد في اللبن شيئا ، بخلاف من لم تكن في مثل لباقتها وحذقها فإنها قد تبقي بعد المخض كثيرا من بقايا الزبد . والمقصود أن هذا اللبن لم تمخضه اللبقات الحاذقات بهذا العمل بل مخضته غيرهن ممن لم تكن لهن مرانة فبقي عليه كثير من بقايا الزبد والشامة أثر أسود في البدن مثل الخال على الخد مثلا والمقصود به هنا كل أثر على لون كان ، وهذا من المجاز المرسل من باب إطلاق المقيد في المطلق كما هو معلوم . من عليه من فوقه وعلى هنا اسمية . وترقْرقُ الماء تحركه بجريانه ، وترقرق كل شيء لماع إذا كان يؤتى للناظر إليه أنه يتحرك ويذهب ويجيء .
{(303/34)
المعنى } إن هذا اللبن الصافي الحلو الذي لم يتأثر بإنائه ولا خالطه ماء ،قد زينته في ذلك القعب الذي كان فيه بقايا قطع صغيرة من الزبدة تذهب وتجيء وتأتي عليه وعليها لمعان فيزداد بها وجه ذلك اللبن حسنا إلى حسن وما سبب وجود تلك البقايا من الزبد على ذلك اللبن إلا كونه ممخوضا بأيدي نساء غير حاذقات في جمع الزبد ولذلك غادرت ما غادرت مما نراه يلمع فوق لبن القعب . ثم قال:
وتعلوه أمثال القباب سميكة
زجاجية لمَّاعة تتألّق
القباب كصحاب جمع قبة والمقصود بها هنا ما يبنى على الأضرحة لأنها تكون بيضاء مسموكة مستديرة الأعالي . وسمك البناء ككتب رفعه والسميكة المسموكة أي المرفوعة ولمّاع فعال من أمثلة المبالغة من اللمعان وقد تقدم تفسيره كما تقدم تفسير التألق .
{المعنى} إن ذلك اللبن الصافي الحلو المزدان في إنائه ببقايا الزبدة الواضحة على وجهه المترقرقة عليه ، تتراءى فوقه أيضا فقاقيع كأنها قباب مبنية مرفوعة من الزجاج الصافي اللون الذي لا يحجب البصر عما في داخله ، ولها لمعان كثير وبرقان واستنارة كلما جال فيها البصر.
ثم قال:
فأجرع منه جرعة بعد جرعة ([79])
كما يحتسي الفحل الذي يترمَق
هذا البيت مرتب على البيت وأدني القعب ..الخ. الجرعة مثلث الجيم الحسوة من الماء يقال جرعت الماء كفرح ومنع والاحتساء شرب الماء شيئا فشيئا والحسوة القليل منه . والفحل الذكر من كل حيوان والمقصود هنا الجمل فإنه هو المعتاد منه مثل هذا الشرب الذي يذكره الشاعر . وترمق الشارب اللبن شربه قليلا قليلا والماء وغيره حساه حسوة بعد حسوة.
{المعنى } إنني بعدما أدنيَ إليّ ذلك القعب وقد تهيأت للجفنة ، أتناول من ذلك اللبن جرعات آخذها شيئا فشيئا ولاجتراعي صرت كما يكون للفحل من الإبل إذا كان يشرب من الماء شيئا فشيئا وما تصويتي بذلك إلا لألتذ بالسماع كما ألتذ بالذوق:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر
ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
ثم قال:(303/35)
وما القصد إلا أن أبل مصارني
وإلا فهمِّي ما إليها أحدّق
بللت الثوب بالماء إذا جعلته فيه ، والمصير كخفيف المِعْي واحد الأمعاء جمعه مصران ومصارين بمد الراء وإنما خفف هنا لجواز مثله في ضرورة الشعر بل يجوز العكس من أجلها فيمد ما لم يكن ممدودا كدراهم تقول دراهيم كما هو معلوم، والتحديق بالبصر الإمعان في النظر إلى شيء والشخوص إليه مع توسيع الجفن حتى يظهر غالب الحدقة .
{المعنى} إنني ما قصدت بتلك الجرعات المحتساة من ذلك اللبن إلا أن أليّن أحشائي ليتأتى لها أن تلقى الطعام الذي سيتدفق إليها بكثرة باتساع وبتفتح الشهوة، ولم يكن مقصودي أن أشرب لأن همتي مصروفة إلى تلك الجفنة ، ونفسي متجمعة كلها إلى ماتحتوي عليه من عصيدة زهراء تنسي كل شيء :
قواصد كافور تَوارِك غيره
ومن قصد البحر استقل السواقيا
ثم قال:
وأن تغتدي بَدْء الفتوح لِحملَة
ستُشئمُ فيها جائلاتي وتُعرق([80])
أشأم ذهب إلى جهة الشام ، وأعرق ذهب إلى جهة العراق يقال فلان ينجد ويتْهِم أي يتوجه إلى نجد وإلى تهامة ويشئم ويعرق أي يذهب إلى كل جهة ويجوس كل البلاد.
{المعنى} إن مقصود بتلك الجرعات أن أبل مصاريني قبل أن أدخل في المقصود، وأن أضرب بها فالا حسنا، فحريٌّ إن فزت في تلك الجرعات التي أهجم بها على قعب اللبن أن أفوز أيضا حين أتصدى للجفنة التي إليها يساق الحديث، حين أقبل فيها وأدبر وأتقلب يمينا وشمالا وتجول فيها أصابعي في كل صوب وناحيّة. ثم قال:
ومن فاز في بدءٍ فأجدر به إذا
تقدم أن يحظى بفوز يحقق
تقول العرب فلان جدير بكذا :قمن به بفتح الميم وكسرها ، وقمين به وحر به إذا كان له أهلا يستحقه ، وأجدر بفلان أن يفوز أي ما أولاه بذلك . وذلك تعجب من جدارته بالفوز . وحظي فلان بالشيء فاز به .
{(303/36)
المعنى} إن ما ضربته فالا قبل تقدمي إلى الجفنة من تلك الجرعات التي تناولتها بادئ بدءٍ إن فزت بالاستمتاع بها . فإنني حقيق أن أفوز ثانيا من تلك الجفنة المكللة ، لأن من فاز أولا جدير أن يفوز ثانيا فوزا محققا وسعود الدهور وحظواته سلسلات فمن وضع يده على حلقة منها فإنه أجدر الناس أن يضع ثانيا يده على أخرى:
رأيت السعود تنتحي كل ماجد
سليل جدود ماجدين أعاظم
فمن كان ذا جد مجيد فانه
جدير بمجد دائم السعد قائم
ثم قال:
فأعلن باسم الله أن حانت الوغى
ومن كان محفوفا به ليس يزلق
إعلان الشيء : إفشاؤه وإظهاره ، وحان الوقت وصل. والوغى بفتح الواو الصوت والجلبة أي كثرة الأصوات واختلاطها ، ولهذا تطلق الكلمة على معمعة الحرب لأنها موطن اختلاط أصوات المتحاربين حتى صارت الكلمة إذا أطلقت لا تنصرف إلا إلى الحرب وذلك هو المقصود هنا . شبه ما يكون من النَّهِم الأَكول الذي يخبط عند أكله باليد في كل جهة بالحرب ووجه الشبه ظاهر . وحف الحائط بالبستان إذا استدار به و البستان محفوف به والزلق معروف ولفظته عربية فصيحة وفعله من باب تعب .
{المعنى} الآن وقد هيأت كل شيء وقد ابتلت الأمعاء ،فوطئ الطريق لما سيتدفق من سيل الملتوت من عصيدة الجفنة ارفع صوتي باسم الله على ما هو معتاد أول الأكل لأن ما كان تحت خفارة الله لا يصيبه زلل ولا يعتوره زلق . وفي البيت إشعار بما سيظهر من الأكل النهم مما سيوصف في الأبيات الآتية من أكل غريب والتهام عجيب حتى كأنه سيل جارف عارم يجرف كل شئ . ثم قال:
فأحفر في حَرْف العصيدة حفرة
موسّعة كالحوض أوْ هي أعمق([81])
حرف كل شيْ كفلس جانبه وطرفه وشفيره وحدُّه وهي كلها بمعنى واحد جمعه حِرف كعنب وعمق البير حدها ومنتهاها من أسفل ، وهذا البير أعمق من تلك إذا كانت أطول منها وأبعد قعرا .
{(303/37)
المعنى} أول ما أصنعه بعد أن أتحصن باسم الله أنني أحفر كِفاحًا من أول وهلة حفرة في جانب الجفنة وأوسعها حتى تكون كحوض الماء أو تكون أعمق من الحوض ، وهذا مما يدل على شدة نهم هذا الأكول بهيئته للجدح بادئ ذي بدء . ولا يصنع ذلك إلا من كان يريد المبادرة الى ما يملأ البطن من ملتوت العصيدة ، وإلا فإن العادة جرت بأن يتناول الأكول أولا لقما يغمسها في الزبدة حتى يتأتى له محل يصب فيه اللبن هذا هو المعتاد عند الذين يتناولون بتؤدة، وأما صاحبنا فقد حدف الوسائط وألقى المقدمات واقتضب في قصيدة أكله فبادر الى المقصود توا والنهم يعمي ويصم قال سيدي إبراهيم الظريف الصوابي([82]) :
دعوني من التشبيب بالدار والحمى
وبالخد والثغر الذي يتبسم
فقصدي الأهم مدح أعظم سيِّد
يسود الورى،إن الأهم المقدم
أكون إذا وفيت حق مديحه
كمن قال في التشبيب ما كان يعلم
ثم قال:
وأجعل فيها يمنة ثم يسرة
سدودا صحاحا عاليات توثق
اليمنة بالفتح جهة اليمين واليسرة جهة اليسار والسُّد بفتح السين وضمها الحاجز بين شيئين وتوثيق البناء ومثله تمكينه وتوطيده وصحاح كجبال جمع صحيح .
{المعنى} إنني بعد أن أحفر تلك الحفرة العميقة في طرف الجفنة أضع لها عن يمين وشمال سدودا وحواجز تمنع من تسرب اللبن وهذه السدود أجعلها عالية وثيقة مكينة فكانت هذه الحفرة التي يحفرا موصوفة بكونها موسعة وبكونها عميقة وبكونها ذات سدود ثم هذه السدود أيضا تكون صحيحة وثيقة عالية ولعمري إن مثل هذا السد الهائل العجيب لو كان على وادي مأرب لما اندك بالسيل العرم المذكور في القرآن . ثم قال:
فأملأها محضا فأجدح مثل ما ([83])
يهيئ طينا مشمعل محذق(303/38)
تقدم أن المحض يطلق على اللبن الخالص ، والجدح تقول جدحت السويق كمنع إذا خلطته بالماء ومنه المثل الشهير " جدح جُوَيْنٌ من سويق غيره" وجوين اسم رجل . والمشمعل الرجل الخفيف الظريف ويطلق أيضا على الناقة النشيطة ، والمراد به المسرع في العمل لكونه من لازم الخفة والنشاط و المحذق المعلم أي الذي حذق الصنعة وعرف كيف يصنع .
{المعنى} إنني بعد أن أهيئ تلك الحفرة الواسعة العميقة التي لها سدود وثيقة من كل جهة أملأها باللبن فاقبل على مزج اللبن بالعصيدة كما يصنع عند خوض الطين من كان حاذقا بتلك الحرفة خفيفا نشيطا . ثم قال:
اخضخض فيها خضخضات بهمة
يكاد بها حرف الإناء يشَّقَق ([84])
الخضخضة تحريك الماء والسويق ونحوهما، والضمير فيها راجع إلى الحفرة والضمير في بها راجع إلى الهمة .
{المعنى} إنني بعد أن أصب اللبن أمعن في الجدح فأحرك ما في الحفرة مع العصيدة تحريكا شديدا وأنا مكب على العمل بكل قوتي باذل كل جهدي ، حتى يكاد جانب الجفنة الذي أجدح في جهته يتشقق يا سلام يا سلام..! ! ! ثم قال:
وإني في أمثال هذا لباذل
جهود مجد في المهمات يصدق
الجهود جمع جهد بمعنى الطاقة ، والمجد صاحب الجد أي الاجتهاد يقال جد فهو جاد وأجد فهو مجد .
{المعنى} إنني أبذل كل وسعي حين أجدح ، ومن طبيعتي أنني دائما أبذل جهدي وأستفرغ طاقتي في أمثال هذه المهمات كما يصنعه كل من كان الجد دائما عادته في كل المهمات فيصدق همه في كل حين ثم قال:
أكب وكفي في تلَوٍ وفي استوَا([85])
وسبابتي من جانب الحوض تبْثُق(303/39)
كببت فلانا على وجهه فأكب والإكباب أن يخر ويسقط على وجهه ، ويقال أيضا أَكبَّ فلان على العمل إذا أمعن فيه وجمع عليه همته وهذا هو المقصود هنا . ولويت الخيط ونحوه إذا عطفته ولويت يد الإنسان إذا أدرتها غير جهتها فتلوَّت أي انعطفت واستدارت ، والاستواء ضد الاعوجاج . وبثق الماء من الحوض ككتب بثقا كسر الذي يحجزه ويمنعه فينبثق ويسيل . والسبابة بفتح السين وتشديد الباء الإصبع التي تنفرد عن الأصابع وهي خمسة الإبهام والسبابة والوسطى والخنصر والبنصر.
{ المعنى} إنني أنحني على الجفنة أجدح العصيدة مع اللبن وكفي في حين الجدح تستقيم أحيانا وتنعطف أحيانا وتلك صفة الجادح للسويق ومثله، وبينما أجدح تكون إصبعي المسماة بالسبابة تفتح من حوض الزبدة الذائبة طريقا صغيرة تتسرب منها الزبدة إلى ما أجدحه ، وهذا أيضا مما يدل على أن هذا الأكول يريد أن يخرق العوائد في أكله ، لأن العادة أن الجادح يتناول بأصابعه من الزبدة فيضع على مجدوحه أو يتناول بقبضته بجمع أصابعه . وأما أن يفتح السُّد هكذا ويهتك الحرمات فلا يصنعه إلا من يريد أن يذر القصعة خاوية على عروشها. ثم قال:
إلى أن يُرى والزبد يكسوه زرقة
كما بان طَرْف واسع الجفن أزرق
والطِّرف كفلس العين والكلمة لا تثنى ولا تجمع . وبان أي ظهر وهو من باب باع والجفن ما يستدير بالعين من تلك الجلدة التي تعلق عليها .
{المعنى } إن سبابتي تتسبب في سيلان الزبدة من حوضها إلى ما في الحفرة التي يجدح فيها، فلا تزال تسيل حتى تعلو على بياض اللبن فيكتسي ما جدحته لون الزرقة فيشبه طرْفا أزرق اللون يستدير به جفن واسع . شبَّه ما في الحوض بالطرف وما يستدير به من جميع الجوانب بالجفن . ثم قال:
إذن يبتدي التجديف والكف ترتقي
وتهوي كخطف البرق في الجو يخفق([86])(303/40)
الجدف بالفتح فسكون الضرب باليدين وتحريك المجاديف جمع مجداف وهو العود الذي يتمشى به الزورق يعمد عليه النوتي باليدين فيسير به الزورق ، والتجديف المبالغة في ذلك والتفعيل من كل فعل ثلاثي نص النحويون على أنه قياسي متى أريد التكثير والمبالغة في الفعل . والمقصود هنا حركة اليدين عند الأكل لأن هذا الأكول يُعمل يديه معا كما يفعله الجادف بالزورق ، ويدل ذلك أيضا على الإسراع والهوي الانحدار تقول هوى الطائر يهوي إذا سف ضد علا وحلق . وخطف البرق إذا أومض في الجو ولمع بسرعة وخفق البرق معناه كذلك وبابه كضرب وفتل.
{المعنى } الآن وقد تيسر كل شئ وتهيأت العصيدة كما تقترح المنى يبتدئ العمل في الالتهام فاقبل بشدة نهم ، أتناول بكلتا يديّ كما يصنع الذي يجدف بالزورق ، فتظل اليدان في علو وانخفاض بين الفم والجفنة وهي في غاية الإسراع ، حتى لا يكاد البصر يثبت في روية اليدين إلا كلمح كما يلمح البرق الخافق في الجو خاطفا في غاية السرعة والكف المعرَّفة أريد بها ما هو أكثر من واحدة . ثم قال:
وقد رصصت فيها الأنامل كلها
فعادت كسطل ليس فيه([87]) تشقق
الترصيص ألزق البعض بالبعض وضمّه يقال رصَّه ورصّصه وعاد أي صار واستحال ، والسطل كفلس طسيسة لها عروة هكذا فسروه والمقصود به هنا ما يطلق عليه عندنا اليوم من الإناء الكبير الذي له نصاب ينقل به الماء ولهذا نعرف أن بين مقصودنا اليوم وبين مقصود العرب تقاربا لأننا كما نطلقه على الكبير كما أطلقه عليه الشاعر هنا نطلقه على الصغير ثم نفرق بينهما بآلة التصغير والكلمة كما ترى عربية فصحى فيدخل اللفظة عند الشاعر لمجاز المرسل .
{المعنى} إن الكف من كلتا اليدين اللتين أتناول بهما قد ضممتهما وألزقت أصابعهما حتى عادت كل واحدة مثل سطل كبير لا انشقاق فيه فلا يجد ما وضع فيه متسربا والضمير من فيها للكف وقد علمت أن المقصود بها أعم من واحدة وكذلك الضمير المستتر في عادت .
ثم قال:(303/41)
أمططها لكي([88]) أوسعها وهل
يبلغك السؤل الإناء المضيَّق
المط المدُّ يقال مد الدلو جذبها لتتسع والتمطيط المبالغة في ذلك ، والسؤل : الحاجة .
{المعنى} إن تلك الكف المرصّصة العميقة كالسطل الكبير أزيدها توسعة بتمديد جوانبها لتحمل كثيرا لأن الإناء المضيق لا يمكن أن يشفي الغليل ولا أن تدرك به الحاجة المتطلبة والنتائج على حسب المقدمات والمقاصد تدرك بقدر الوسائل وإنما تمتد الرجل على قدر الرداء. ثم قال:
فتأتي وتمضي كالدلاء تواليا
وللسيل في وسط اللهاة تدفق
الدلاء كصحاب جمع ، دلو والتوالي التتابع والضمير أن في تأتي وتمضي للكف من كل يد والمقصود بالسيل ملتوت العصيدة باللبن، واللهاة بالفتح الحلق وتجمع باللهى بالفتح ومن أمثال العرب أن "اللُّهى تفتح اللِّهى " واللهى بالضم جمع لهوة أي عطية ، أي إن العطايا للناس تفتح أحلاقهم بالثناء . قال ابن وهبون للمعتمد بن عباد حين كان أعجب بقول المتنبي المسمى أحمد بن الحسين:
إذا ظفرت منك العيون بنظرة
أثاب بها مُعْي المطي ورَازِمُه
فأقبل عليه ينشده ويكرره فقال له ابن وهبون :
لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما
تجيد العطايا واللهى تفتح اللهى
تنبأ عُجبا بالقريض ولو درى
بأنك تحكي شعره لتألها
وتدفق الماء تقدم تفسيره،
{(303/42)
المعنى} إن تينك اليدين اللتين أتناول بهما تأتيان إلى الفم وتمضيان عنه تختلفان علوا وانحدارا ما بين الفم والجفنة ، كما تكون الدلاء إن كانت تختلف إلى البير طلوعا ونزولا تطلع إحداهما في حين أن الأخرى هابطة وِلاءً ، فيتدفق بسببهما في وسط الحلق ما تصبانه في الفم . ومعنى الشطر الأول من هذا البيت كان تقدم في بيت : إذن يبتدئ التجديف ..الخ . ويحمل ما هناك على ذكر الإسراع في أخذ اللقم ويحمل ما هنا على تصوير ذلك تصويرا آخر ، بتشبيه([89]) اليدين اللتين تختلفان بين الفم والجفنة بالدلوين اللتين تختلفان في البير طلوعا وهبوطا على التوالي ويفرق أيضا بينهما بما رتبه الشاعر على ذلك في هذا البيت من تدفق السيل في وسط الحلق بهذا الفعل المتتابع المتسلسل . وإنما حاولنا الفرق بين معنى البيتين لئلا يرد علينا تكرار معنى واحد في موضوع واحد من غير أن يكون ما ذكر ثانيا أبلغ في الموضوع من الأول كما ينتقد على من يشبه محبوبه أولا بالشمس ثم شبهه ثانيا في الموضوع نفسه في ذلك المعنى نفسه بالفجر وهو انتقاد وجيه ولعل ما هنا مع ما ذكرناه يتفصَّى عن هذا الانتقاد. ثم قال:
وللشدق صوت كلّما صب وسطه
كما يجد المخنوق رَوْحا فيصعق
الشدق كحمل وفلس جانب الفم من باطن الخد وجمعه أشداق . والروح بالفتح الراحة، وصعق كفرح أرسل صيحة شديدة ومن ذلك لفظة الصاعقة .
{المعنى } إن لشدق فمي كلما صبت فيه إحدى الكفين ما حملت من ملتوت العصيدة صوتا شديدا كصوت من كان يخنق ثم يحس بانفراج من أصابع الذي يخنقه فيرسل بسرعة صيحة يستفرغ فيها جهده لعلها تأتيه بمن يغيثه ويفكه من خانقه . ثم قال:
إذا ارتفعت مدّت ذُنَابى كأنما
تمدَّد ذَيْل حين يُوضِع أبلَق(303/43)
الذنابى : الذنب والمقصود به ما يسيل من تحت الكف إذا طفحت بالمائع الذي يتدفق منها. وذيل الفرس ذنبه . والايضاع الجري وقد تقدم . والضمير في ارتفعت من الجفنة إلى الفم]عائد على اليد التي[ ([90]) ترسل وراءها من السائل منها ذنبا أبيض من ملتوت العصيدة باللبن كأنه ذنب الفرس الأبيض حين جريه فإنه يستطيل وراءه ، وهذه الأبيات تناول فيها الشاعر وصف الأكول النهم ، وهو ميدان كان الشعراء قديما وحديثا قد وصفوه وصفا بليغا ولعل أبلغ ما نستحضره للمتأخرين قول محمد بن الشيخ سيديا الصحراوي ([91]) في حدَّاد أسود ورد عليهم يدَّعي الشرف النبوي ثم بان أنّه أفك فيما يقول . فقال فيه وكان اسم الحداد "نحن" :
ما هزَّ عِطْفَيْ كَمِيٍّ يوم هيجا
بين الأواني كذي النونين والحاء
فرد يقوم مقام الجمع وهو لذا
يدعى بمضمر جمع بين أسماء
تخال لقمته العظمى براحته
كراكر الإبل أو جماجم الشاء
يسطوا بأسلحة للأكل أربعة
يد وفم وبلعوم وأمعاء
ما بين طلعتها فيها وغيبتها
في فيه إلا كلمح الطَّرف من راء
فتنهوي كدلوٍّ خان ماتحها
أشطانها فترامت بين أرجاء
فبان أن الذي يحويه من شرف
قد صح لكنه بالهاء لا الفاء
ولابن الرومي في هذا الموضوع ولغيره ما نتركه اختصارا. ثم قال:
فأجدح أيضا ثم أجدح ثالثا
بسرعة خفق القلب أيان يَفْرَقُ
الجدح تقدم تفسيره وكذلك الخفق ، وأيان يقصد به الزمان كما يقصد بأين المكان وفرَق فلان خاف والفرَق الخوف .
{المعنى} إنني بعدما ألتهم ما كنت جدحته أولا على تلك الصفة أجدح ثانيا فآتي عليه ثم ثالثا فأبقى هكذا وِلاءً وأنا أجدح فألتهم ثم أجدح فألتهم وذلك كله بسرعة فائقة كسرعة دقّات القلب حين يستحوذ عليه الخوف. ثم قال:
فأبقى وِلاءً هكذا وأناملي
بمنحدر حينا وحينا تَسَلَّق(303/44)
والى الشيء وِلاءً وموالاة تابعه أي يفعله أفعالا متتابعة . والمنحدر بصيغة اسم المفعول المكان المنحدر أي محل الانحدار. والتسلق الطلوع إلى فوق وقد تقدم تفسيره بالتسور أي الطلوع فوق السور.
{المعنى} إني لا أزال هكذا ألتهم فأجدح فألتهم فأجدح وهكذا دواليك ، في حين أن أصابعي تجذب العصيدة فتلقيها على اللبن الذي يصب في الحفرة ، فتجذبها حينا من أعالي الجفنة وحوالي الحوض وحينا تجذبها من الأسافل. ثم قال:
وما فتئت جدحا وحملا كأنها
عفاريت تزجي حملها إذ([92]) تُخَنْدِقُ
ما فتئ : مازال . والعفاريت جمع عفريت وهو النافذ في الأمر المبالغ فيه مع دهاء والمقصود به هنا الجِنَّة وقد غلبت هذه اللفظة عند إطلاقنا لها . وأزجى حمله ساقه ودفعه . والخندق الحفير العظيم وخندق حفر الخندق شبهت الأنامل بعفاريت الجن وتلك الحفرة الواسعة التي يجدح فيها بالخندق والجنة موصوفون بالخفة في أفعالهم وبان لهم من القدرة ما لايقدر عليه الآدميون .
{المعنى } إن تلك الأنامل لا تزال تجدح وتحفر يمنة ويسرة ثم ترفع بتلك السرعة الهائلة وهي شبيهة برجال الجن العفاريت في عملهم العظيم حين تفعل كل ذلك العجيب بسرعة مدهشة . ثم قال:
إلى أن أخوض الحوض ثم أجوزه
ولي بَعدُ إِغْذَاذٌ أَمَامُ ومُعْنَق
والحوض هو ما فيه الزبدة والإغذاذ الإسراع أغذ أسرع . والمعنق أي الاعناق مصدر ميمي من أعنق أي أسرع وقد تقدمت الكلمة .
{المعنى} إن كفي لا تزال في الجدح واللقم بكل سرعة مدهشة إلى أن أصل حوض الزبدة الذي يتوسط الجفنة ثم أتجاوزه إلى أمام وأنا لا أزال ملتهما جادحا ، وأفعالي أخيرا كأفعالي أولا "والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل ".ثم قال:
وبطني ينادي هل هناك بقيّة
فما من مِعىً مني بذلك ضيق
المِعَى جمعه أمعاء كضلع وأضلاع :تقدم أنها المصارين .
{(303/45)
المعنى} إنني حينما أتجاوز الحوض وأشرف على البقية الأخيرة مما في الجفنة لا يزال اتساع بطني كما هو ولما تمتلئ الأمعاء فكأنه يقول بلسان حاله زدني زدني إن كان هناك باق . فلا ضيق مني بل لا أزال أتسع لما سيرد إليَّ . ثم قال:
وهل من مزيد فالعصيدة هذه
ألذ وأحلى من رحيق يَُروَّق
الرحيق الخمر وترويق الخمر تصفيتها بعد عصرها واختمارها والرَّاوق ما تصفى به .
{المعنى } تقول البطن المتسعة النهمة ألا يزال هناك ما تزيدونه وتأتون به إليّ فإن هذه النعمة العتيدة لها لذة الخمر التي تصفى ويعتنى بها، فتصفيتها أدعى لازدياد لذّتها ولكون شاربها لا يروى منها .
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني
ولا تسقني بالأصغر المتثلم
آخر:
وال الكؤوس ملاءً
عشرا فعشرا فعشرا
حتى تراني سكرا
كمن يطائر طيرا
فمسبحي لا يواتي
إلا إذا كان بحرا
ثم قال:
فكان جوابي في سيول كأنها
سيول الروابي والسحائب تُغْدِق
الروابي جمع رابية الهضاب والأكم والأمكنة العليا ، والأرض إن لم تصل أن تكون جبالا . وأغدق المطر كثر وانهمر بشدة .
{المعنى} أن تلك البطن حين تطلبت مني لسان حالها أن أزيدها من ملتوت هذه العصيدة كان جوابي بما كنت أدفقه إليها من الحلق حتى كأنه سيول من الأعالي حين ترسل السحب الأمطار الكثيرة . ثم قال:
ورائبُ قَعْبِي فيْنة بعد فيْنةٍ
يُصَب كما حلَّ المزادة أخْرق
أفعل هذا فينة بعد فينة إن كنت أفعله أحيانا وأتركه أكثر من ذلك ، والمزادة راوية الماء وهذا هو المقصود هنا . والأخرق الذي لا يحسن العمل خرق الرجل فهو أخرق وخرقت المرأة فهي خرقاء ، ولذلك ربما يريد أن يحل راوية الماء ليأخذ منها ما يشاء من الماء وفي نيته أن يربطها ثانيا ولكنه لعدم معرفته كيف يزاولها وهي عامرة تتدفق عليه عند الحل فيغلبه ماؤها الكثير، وبهذا الماء الكثير الذي ينصب بكثرة جدا من الراوية شِبْه لبن القعب كلما أفرغ منه في الجفنة .
{(303/46)
المعنى} إنني حين كنت أحدج وألتهم يكون لرائب إناء اللبن كلما أصب منه أمامي في الجفنة صوت وتدفق كثير كما يكون من راوية الماء الممتلئة حين يزيل عنها الوكاء من ليس يعرف كيف يتمكن منها فتفلت منه فيندلق الماء بكثرة متناهيّة ، والمقصود أن هذا النهِم لا يصب أمامه من اللبن إلا الكثير بكل سرعة وذلك ما يدل على إسراعه في أمره لكثرة شرهه وعلى أنه في نهمة عظيمة لا يكتفي بالقليل . ثم قال:
وقد وسعت تلك المجالات فاغتدت
بسائط لكن ليس فيهن مورق
المجال محل الجولان والمقصود به مكان الجدح من الجفنة أمام الأكل والبسيط المنبسط من الأرض وأورقت الشجرة إذا كان لها ورق والضمير من فيهن للبسائط.
{المعنى} إنني حين أتجاوز حوض الزبدة يتسع من الجفنة الفارغ من العصيدة التي أتيت عليها حتى ليكون ذلك المتسع كأنه بسائط منفسحة من أرض بطحاء مستوية وقد جردت من الشجر فليس منها ما له ورق أي ليس فيها نابت أصلا مورق وغير مورق وعبّر عن ذلك بكونها ليس فيها مورق على حد " لا يسألون الناس إلحافا " ([93]) أي لا يسألونهم أصلا وعلى حد "على لاحب لا يهتدى بمناره " . ثم قال:
فتلتاح قبل الجدح والمحض مائح
وبعض لقيمات عليه تَفَرَّق([94])
كبحر شديد مزبد قد تشتَّت
زوارق شتى فوقه وهي تغرق([95])
إلتاح بان وظهر . والمحض اللبن وقد تقدم . واللقيمات جمع لقيمة مصغر لقمات والمقصود بها تلك البقايا التي تعلو اللبن أمام الأكل حين يصبه قبل الجدح من بقايا الملتوت المأكول قبله وتفرق أصله تتفرق وأزبد البحر هاج ورمى بزبد بفتحتين وهو ما يظهر أبيض على الماء عندما يتحرك تحركا شديدا . والزورق ما يركبه صيّادو الحوت في كل سواحل البحر أصغر من السفينة جدا . والشتَّى جمع شتيت أي متفرق تقول شتَّ الشيء فرَّقه والتشتت التفرق ومثل هذا التشبيه هو المسمى بالتشبيه المركب .
{(303/47)
المعنى} إن المكان الخالي من العصيدة في الجفنة وهو الذي يلي الآكل وقد اتسع لتوالي الجدحات عليه ، يظهر للرائي حين يصب فيه اللبن عندما أريد الجدح فيه أيضا وقد تموج فيه اللبن واضطربت فوقه بقايا لقم صغيرة من بقايا المجدوح المأكول قبل ، كأن ذلك اللبن في ذلك المكان المتسع بحر شديد هائج كثير الاضطراب وقد علاه زبد من شدة هيجانه وتتبدى من فوق عبابه أفلاك صغيرة منبتة في جميع أرجائه والغرق يكاد يلتهمها ولم يبق منه إلا أعاليها التي هي على وشك الغيبوبة في الماء . ثم قال:
وإني أوالي حملة بعد حملة
كما يغتدي في الزحف جيش مفرق
يغتدي : يصير . والزحف مصدر زحف الجيش إلى الأعداء إذا حمل عليه .
{المعنى} إني أقبل وأدبر في تلك الجفنة بالجدح والالتهام بسرعة كثيرة ، والحالة هذه أنني لا أزال أتابع أعمالي وآتي الجفنة من كل الجهة كما يطوف جيش تفرقت كتائبه العدوَّ إذا شن عليه غارة ملحاحا فتطلع عليه من كل جهة . ثم قال :
فتُنسَف هاتيك الجبال جميعها
وتُعلى صياصيها ويفتح مغلق
نسف البناء قلعه من أصله . والصياصي الحصون والمراد بالجبال وبالصياصي ما علا ذرى العصيدة المكللة بها الجفنة . وفتح المغلق كناية عن إدراك الممتنع كأن أواخر الجفنة كان يظن أنها تنغلق أمام الأكل وتمتنع منه بالشبع ولكن هذا الأكول النهم يأتي عليها كما أتى على ما أتى عليه أولا ، وهذا الفتح هنا غير الفتح في البيت الآتي كما لا يخفى . ثم قال:
إلى أن أرى الفتح المبين وإنني
على شبع والجوع خزيان يرمق
والمقصود بالفتح المبين هنا الإتيان على كل شيء والفتح في البيت قبله المقصود به المشارفة على الأواخر كما بيّناه ، وقوله على شبع دال على أنه متمكن في الشبع . وخزيان ذليل مشتهر بالفضيحة يقال خزي كرضى خزيا وخزى وقع في بلية وشهرة فذل بذلك . ورمق ببصره نظر والجملة الأخيرة من البيت المشهور :
فَخالطَ سهل الأرض لم يكدَحِ الصفا(303/48)
به كدْحة والموت خزيان ينظر([96])
{المعنى } إنني لا أزال ممعنا مكبا على ما في القصعة حتى آتي على كل ما فيها فحينئذ أستولي على لبانتي وأستوفي منْيتي فتمتلئ بطني امتلاءً عظيما فأعانق إذن الشبع وانتفض من معانقة السغب الذي لازمني نهمه من زمن طويل فتقر به عين الشبع ويخزى الجوع بعدما كان يظن أنه يستولي على زمني أبد الآبدين . ثم قال:
ولم يبق إلا جولة وحدها لكي
يلمم ما يبقى هنالك ملِعق
لمَّ الشيء جمعه ولممه مبالغة في ذلك والملعق آلة اللعق وهي السبابة كما هي العادة.
{ المعنى } الآن وقد بلغت منيتي لم يبق أمامي من العمل إلا أن تجول سبابتي في الجفنة فألحس كل ما يعلق بأطرافها ، وعادة بلادنا هذه الاعتناء بلحس الأواني غاية الاعتناء متى استتموا ما فيه وتلك من حسناتهم بخلاف غيرهم ممن وراء الأطلس وقد ورد عن الشارع الحث على ذلك . ثم قال:
فألحس كفي ثم أغسلها وقد
رسا بي في ([97])سيف الأمانيِّ زورق
لحس الإناء ولعقه مترادفان . ورسا الفلك في الساحل إذا ألقى فيه مراسيه أي كف عن السير وألقى رئيسه ما يعتاد أن يلقى في البحر فيقف بسببه . وسيف البحر ساحله والأماني جمع أمنية.
لا إنني بعد أن آكل ما في الجفنة وألعقها ألعق أصابعي وأغسل كفي وأنا بالغ كل الأماني ووصلت بي أفلاك السعد إلى ساحل ما أتمناه . ثم قال:
فأعلن حمدا خالصا من طويتي
لمن كان يعطيني النعيم ويرزق
طوية الإنسان ما يطويه من سريرته .
{(303/49)
المعنى} إنني بعدما أستوفي بعدما أستوفي مرادي في الجفنة وألحس كفي وأغسلها أرفع صوتي فأحمد حمدا ، ينبعث من أعماق قلبي ، الله الذي رزقني هذه النعمة الجليلة . وأطعمني هذا الطعام طيبا هنيئا مريئا . فهكذا ذكر أنه كما يفتتح بالبسملة يختتم بالحمدلة ، وهذا مما يدل على أن هذا الأكول وإن أخذته النهمة بأشطانها وسلسله الشره بأحابيله ، مهذب مربى لم يكن مثله ممن يشره وإنما ساقته الأقدار حتى سقط تحت أذيال الشره إلى هذه النعمة اللذيذة ، ثم لم يلبث بعد أن استوفى منها مرامه أن رجع إلى شنشنته :
إن التخلق يأتي دونه الخلق
وما أنا ممن يدخل العشق قلبه
ولكن من يبصر جفونك يعشق
ثم قال:
فإن يطعم الفالوذج الحلو فتية
وبسطيلةً جمَّاعةً ما يُفَرَّق
فإني بحمد الله عندي عصيدة
من الذرة الغراء أولى وأوفق
طعم الشيء أي ذاقه أو إزدرده وأساغه شرابا كان أو طعاما وهو من باب فرح قال تعالى في قصة طالوت : "ومن لم يطعمه " . والفالوذج ما يطلق عليه في الحواضر اليوم الحلواء الشبكية وهو أنواع ويقال أن أول ما كان يصنع فيه بلاد الأكاسرة وذلك مذكور في قصة ابن جدعان . والبسطيلة من الأطعمة الحضرية المغربية النفيسة ، وللأجانب باقتراحها على من يستضيفهم حكايات تدل على مقدار اهتبالهم بها اهتبالا غريبا وتجمع فيها عند طهيها أنواع من مستلذات الفواكه والحلويات واللحوم وهذا معنى ما في البيت. جماعة ما يفرق أي كثيرا ما تجمع ما كان معهودا أن يوكل على حدة فيوخذ متفرقا . والذرة الغراء هي البيضاء التي جعلت موضوع القصيدة . وأولى خبر لمبتدأ محذوف أي هي أولى وأوفق .
{(303/50)
المعنى } إذا كان هناك في الحضر من يستطيبون الفالوذج والبسطيلة وهما ما هما أناقة والتذاذا وجمعا لما كان معهودا أن يفرق عند أكله ، فإن عندي أنا أيها البدويّ القحّ عصيدة من الذرة البيضاء وهي أولى وأوفق بالأمزجة لسذاجتها ولكون لذتها طبيعية لم تدخلها يد الصنعة ومن قر عينا بعيشه نفعه:
نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
ثم قال:
وقد برئَت من كل زور ولم يطُف
على متنها ([98]) الوضاءِ طاهٍ يُزَوِّق
طاف الشيء يطوف دار حوله أوزاوله وعالجه وهذا هو المقصود هنا . ومتن كل شيء ظهره وقد تقدم . والوضاء كثير الإضاءة . والطاهي الطابخ طهي اللحم يطهاه وطهاه يطهوه طَهْوًا وطُهُوًا وطُهِيًا وطهاية عالجه بالطبخ ، والطاهي الطباخ وكل معالج للطعام . والتزويق معروف حتى في الشلحة وهي عربية فصحى : زيَّنه وحسَّنه .
{المعنى} إن هذه العصيدة أفضل وأعلى من البسطيلة ، وآية ذلك أنها بريئة من الزور الذي يعالج به الطَّباخ البسطيلة فيستعير حلاوتها من غيرها . كما أنه يعالج ظاهرها بتزويق وتزيين لعلها تكتسب بذلك زينة وأين هذه المعالجة بهذا التزوير والتزويق وإدخال التحسينات من هذه العصيدة التي بلغت النهاية في الحلاوة وحسن الذوق والغاية القصوى في الوضاءة فلا يحتاج وجهها المستنير إلى ما يستعير منه حسنا ففاقت البسطيلة من ذوقها العجيب ومن طلاوة محيَّاها الأبيض بنفسه من غير ذرور السكر كما يرى على وجه البسطيلة التي غدت كامرأة تستعير جمال وجهها مما تجعله عليها .
وما الحليُ إلا زينة لنقيصة
يُتَمِّم من حُسْن إذا الحس قصرا
وأما إذا كان الجمال موفَّرا
كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
ثم قال:
فجاءت بما لم يأت فيما أتى به الـ
ـمُقنَّع فيما قاله والمُحَلِّق
الضمير في جاءت إلى العصيدة والمقنع الكندي شاعر جاهلي كان قال من أول قصيدة:
يلومونني في الدَّين قومي وإنما
ديوني في أشياء تكسبهم حمدا(303/51)
أسد بها ما قد أخلوا وضيعوا
ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا
وفي فرس نجد عتيق جعلته
حجابا لبيتي ثم أخدمته عبدا
وفي جفنة لا يغلق الباب دونها
مكللة لحما مدفَّقة ثردا
وهذا البيت الرابع هو المقصود أي أن هذه العصيدة في جفنتها مكللة مدفقة أكثر مما وصف به الكندي جفنته والمحلق تقدم ذكره والمقصود ما كان الأعشى وصفه به في البيت الذي تقدم أيضا وهو:
نفى الذم عن آل المحلق جفنة
كجابية الشيخ العراقي تفهق
وهذا الوصف قد تقدم للجفنة في أول القصيدة وذكر هنا في نفس العصيدة ومآل المعنى واحد وزين هذا التكرار ذكر المحلق مع المقنع كما لايخفى عن ذي ذوق سليم .
{المعنى} إن هذه العصيدة حازت جفنتها من الأوصاف العليا مل لم تحزه كلتا جفنتي المقنع والمحلق من علوها وتدفقها حتى تطفح. ثم قال:
أدام لنا الله العصيدة ما غدت
مصارين بطن الجائعين تنقنق
المصارين تقدم أنها الأمعاء والنقنقة صوت الضفدع استعيرت لصوت البطن إن أثر فيها الجوع.
{المعنى } نطلب الله تعالى أن يديم لنا هذه النعمة المتناهية في اللذة والحلاوة وحسن الذوق وطراوة النظر ما دامت المصارين تصوت في بطن كل ذي جوع .
ثم قال:
وما سالت الأرياق إن عنَّ ذكرها
وفاح([99]) حواليها ثناء مخلق
الأرياق جمع ريق وهو اللعاب . وذلك أن الإنسان إذا كان يسمع ما يستثير شهوته ولم يكن من المهذبين الذين يملكون أنفسهم تسيل أرياقهم تلذذا وذلك هو معنى ما يوصف به من كان هذا وصفه تتحلب شفاهه وعنَّ ذكر الشيء يعن عرض وفاح الطيب يفوح إذا انتشر رائحته والثناء الذكر الحسن يقال أثنيت على فلان إذا مدحته وذكرته بالجميل والمخلق الذي فيه رائحة الخلوق وهو نوع من الطيب.
{المعنى } أدام الله لنا العصيدة ما تشتاق إليها البطون الجائعة ويسيل لعاب النهم متى جرى ذكرها ووصفت وصفا شيقا مثل ما وصفت به في هذه القصيدة .
خاتمة :(303/52)
انتهى التعليق الوجيز الذي أنجز فيه ما كان مقصودا من تبيين الكلمات اللغوية والمعاني المقصودة في تراكيبها ، ويعلم الله كم أعاني حتى أمكن لي أن أوجز مثل هذا الايجاز، لأنني في كل بيت وعند كل معنى وإزاء كل لفظ لغوي استحضر من الأبيات الفريدة ، والمقطعات المستحسنة ، والأمثال المستلطفة والحكايات المستطرفة للمعروفين بكثرة الأكل والأحاديث والآيات وغير ذلك ، ثم أحمل نفسي حملا حتى أتخطّاها مرغمة لأن الأدبيات عند الأديب كالأزهار المونقة في أنظار عشاقها فتألف أيديهم اقتطافها كلما أمكن اقتطافها أو شمها على الأقل إن لم يمكن إلا شمها ، فلهذا أحس من نفسي مضضا حين أحملها مرغمة عن التنكب مراعاة لحال من جعلت هذا التعليق باسمه ومراعاة كل مقام من أوجب الواجبات ولمراعاته أيضا يراني القارئ أبسط الكلام بسطا عند التفسير وأجعله مسهبا مهلهلا ، وإلا فإن الإشارة في غالب ذلك فيها كفاية كما أن مراعاته أيضا هي التي حملتني حتى لا أمتد إلى تبيين ما لا يزال الآن يقصر باعه دونه ولكن مع كل هذا قد يفرط مني بعض الشيء مما يخالف هذا المنهاج وذلك مني سبق قلم لا غير .
كان الأديب سيدي الحسن بن علي الإلغي ([100]) عازما على شرحها شرحا ملائما كان ذكر لي ذلك منذ سنتين ولم أدر هل أنجز فيه ما كان ذكره أو وقف قلمه دونه ([101]). وفي هذا التعليق على كل حال كفاية لهذه القصيدة وقد اخترت أن أسميه " الثريدة المناغية للعصيدة " نفع الله به الشادين وفتح به الباب للمبتدئين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه .
تم في عشيَّة الاثنين التاسع عشر من ذي الحجة 1358 هـ بعدما كنت أكتب فيه ساعات قليلة في يويمات وأنا أراجع القاموس ، فكان ذلك سبب مكثي فيه هذه اليوميات. كتبه العبد خديم الأدباء محمد المختار لطف الله به .(303/53)
ونقله من خطه رضي الله عنه وأدام النفع به أسير ذنبه الراجي عفو ربه عمر بن إبراهيم الساحلي([102]) أمنه الله من نوائب الأيام والليالي وختم له بالحسنى في 25 ربيع الثاني 1364 هجرية.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - المقدمة ، دار الفكر ط3، 1417-1996،ص :731.
[2] - فخر الدين قباوة – منهج التبريزي في شروحه والقيمة التاريخية للمفضليات ، دار الفكر دمشق سوريا ط2، 1997 ، ص:36 وما بعدها .
[3] - راجع أحمد جمال العمري – شروح الشعر الجاهلي نشأتها وتطورها ، دار المعارف مصر 1981 1/276 .
[4] - وناس بن مصباح – ملاحظات أولية حول الشروح الأدبية ، مجلة الثقافة التونسية ،تصدر عن وزارة الثقافة بتونس عدد41/1986،ص: 36 .
[5] - ظهرت الطبعة الأولى من شرح البرقوقي سنة 1930 والثانية بعدها بثمان سنوات .
[6] - يراجع شرح ديوان المتنبي ، عبد الرحمان البرقوقي دار الكتاب العربي بيروت لبنان 1400-1980 ،1/18 .
[7] - وناس بن مصباح – ملاحظات أولية حول الشروح الأدبية ، ص:39.
[8] - راجع : محمد خليل – محمد المختار السوسي حياته وشعره ، مطبعة بنميد الدار البيضاء 1984 ، ص:
[9] - الثعالبي - يتيمة الدهر ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد 2/181
[10] - أملو : اللوز المطحون بزيت الأركان وهو مما يتأدم به في سوس خاصة .
[11] - المعسول 1/46 -47 .
[12] - الثريدة المناغية للعصيدة ، ص: 27 .
[13] - الحسين فقادي – من مظاهر التغذية في تاريخ المغرب الوسيط ، مجلة أمل عدد16 سنة 1999 ، ص:37 .وذكر الدكتور بن عيسى باطاهر الأستاذ بجامعة الشارقة ، قبيل بدء الملتقى الدولي الثالث للأدب الإسلامي يوم الاثنين 15 يناير2001 أن الأكلة ذاتها معروفة في اليمن بالكيفية ذاتها وتسمى عندهم الجريش .
[(303/54)
14] - ابن الزيات – التشوف إلى رجال التصوف ، تحقيق أحمد التوفيق ، منشورات كلية الآداب الرباط 1404-1984 ، ص:145 وفيه إشارة إلى أن أبا محمد عبد الله الهيجي ( ت قبل 540 هـ ) من صلحاء أغمات وريكة كان قوته من عصيدة الشعير بدون ملح.
[15] - الحسن بن محمد الوزان – وصف إفريقيا ، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ، الرباط 1980 ، 1/197 .
[16] - المعسول 1/47-48 وراجع وصفا آخر للعصيدة عند بلدي السوسي صالح بن عبد الله الإلغي - المدرسة الأولى مطبعة النجاح الجديدة 1998الدار البيضاء ص:36-37 .
[17] - فقيه أديب شاعر راجع ترجمته بالمعسول 2/364.
[18] - الثريدة ، ص:3.
[19] -سوس العالمة ، ص :أ.
[20] - 2/100 .
[21] - الجزء الأول من ص : 25 إلى ص:62 .
[22] - الثريدة ، ص :1.
[23] - علي أومليل – المختار السوسي السلطة العلمية والسلطة السياسية ، ضمن الذاكرة المستعادة ، منشورات اتحاد كتاب المغرب 1984 ، ص: 13 . وراجع المهدي السعيدي – المدرسة الإلغية وإشعاعها الأدبي في سوس ،رسالة جامعية مرقونة بكلية الآداب بالرباط بإشراف الدكتور علال الغازي نوقشت 1995 ص :440.
[24]- الثريدة ، ص:2 .
[25] - المعسول 1/43.
[26] - الشطر الثاني للأعشى وأوله : نفى الذم عن آل المحلق جفنة ينظر ديوان الأعشىالكبير ميمون بن قيس ، شرح وتعليق محمد محمد حسين ، ط7 ،مؤسسة الرسالة ،بيروت لبنان ، 14031983 ، ص : 275 .
[27] - المعسول 1/48 .
[28] - المعسول1 /49
[29] - المصدر نفسه ، ص :51.
[30] - المعسول/52.
[31] - أشكر أستاذنا الكريم اليزيد الراضي الذي أعارني نسخته من كناش الساحلي المتضمن نص المخطوطة .
[32] - فقيه وشاعر ومقاوم أول مدير للمعهد الإسلامي بتارودانت تنظر ترجمته في المعسول 5/242.
[33] - تم اعتماد ترقيم الكناش في الإحالة على الثريدة في هذه الدراسة .
[34] - الثريدة ، ص :97.
[35] - الثريدة ، ص:67.
[(303/55)
36] -المصدر نفسه ، ص :97.
[37] - يراجع أحمد جمال العمري – شروح الشعر الجاهلي نشأتها وتطورها ، دار المعارف مصر 1981 1/194،274 .
[38] - فخر الدين قباوة ، منهج التبريزي في شروحه ، ص : 132 .
[39] - المرجع نفسه ، ص : 350 .
[40] - وهي مؤنث الثريد الأكلة المعروفة التي يهشم فيها الخبز ويصب عليه المرق.
[41] - راجع حول هذا الجانب : أحمد الشرقاوي إقبال – معجم المعاجم ، ص : 5.
[42] - الثريدة ، ص :68.
[43] - المصدر نفسه ، ص :69.
[44] - الثريدة ، ص :97.
[45] - المصدر نفسه .
[46] - راجع حول أصل مبحث النظائر : أحمد الشرقاوي إقبال – معجم المعاجم ، دار الغرب الإسلامي ط2،1993 ، ص:18
[47] - وناس بن مصباح ، ملاحظات أولية حول الشروح الدبية ، ص : 46 .
[48] - المرجع نفسه ، ص :46 .
[49] - الثريدة ، ص:68.
[50] - نفسه ، ص : 72 .
[51] - نفسه ، ص :68 -69 .
[52] - من الآية 273 من سورة البقرة .
[53] - الثريدة ، ص : 97 .
[54] -في المعسول1/49 "يتدفق" بدلا من" متدفق ".
[55] - المصدر السايق ، ص :78 .
[56] -في المصدر السابق "إلا "بدلا من "غير" .
[57] - المصدر السابق ، ص :87 .
[58] - الثريدة ، ص : 66 .
[59] - ورد هذا الشطر في المعسول1/51 كما يلي :" تكاد لديها جفنتي تتشقق".
[60] - المصدر السابق ، ص :84.
[61] - علامة وأديب صحراوي بارز أنظر التعريف به في المعسول3/26 .
[62] - المصدر السابق ، ص:88 -89 ، والمقصود أن المهجو لا ينتسب إلى الشرف ولكن إلى الشره .
[63] - أشار إلى ذلك محمد بن العباس القباج ، ينظر كتابه الأدب العربي في المغرب الأقصىط2 وزارة الشؤون الثقافية 2/ 63 .
[64] - مصطفى الشليح وآخرون – محمد المختار السوسي ، سلسلة أعلام المغرب 1996 ، ص: 164 .
[65] - المعسول 1/ أ .
[66]-مسقط رأس العلامة محمد المختار السوسي ، يقع على بعد حوالي 84 كلم شرقا من مدينة تزنيت .
[(303/56)
67] -محمد بن بلقاسم السليماني : ابن عمة العلامة محمد المختار السوسي فقيه مشارط أنظر التعريف به في المعسول2/364
[68] -وردت كلمة "مسنَّمة" بدلا من مكللة في قصيدة العصيدة المنشورة بالمعسول 1/48 .
[69] - "واما الفاسيون فعادتهم عيد الميلاد طبخها غير متجمدة " هامش المؤلف ،ص: 68.
[70] -ورد هذا البيت في المعسول 1/48 على الشكل التالي :
نعم إنها من غير شك عصيدة من الذرة المعطار إن كنت أنشق
[71] - الشطر الثاني من بيت للأعشى أوله : نفى الذم عن آل المحلق جفنة راجع ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس شرح وتعليق محمد محمد حسين ط7 ، مؤسسة الرسالة لبنان ، 1403-1983 ، ص :275 .
[72] -جاء في المعسول 1/49 "منذ "بدلا من" مذ"وهو كسر للوزن .
[73] -هذا البيت ساقط من القصيدة المثبتة في المعسول 1/48..
[74] - يراجع شرح ديوان المتنبي ، عبد الرحمان البرقوقي دار الكتاب العربي بيروت لبنان 1400-1980 ،4/307.
[75] -في المعسول 1/49 "إلا "بدلا من "غير" .
[76] -في المصدر نفسه "فلم "بدلا من "ولم" .
[77] -في المعسول1/50 " عنَّ "بدلا من" يغري" .
[78] -في المصدر نفسه "يتدفق" بدلا من" متدفق ".
[79] -في المعسول 1/50 جاء هذا الشطر كما يلي : " فآخذ منه حسوة بعد حسوة ".
[80] -في المصدر نفسه ورد هذا الشطر كما يلي :" تغرب فيها غارتي وتشرق".
[81]- في المعسول 1/50 " أو هو أضيق" .
[82] - إبراهيم بن محمد الظريفي التكوشتي الصوابي من علماء القرن الثاني عشر الهجري خريج تامكروت فقيه مؤلف
وأديب توفي في القاهرة عام1136 هـ . أنظر ترجمته في رجالات العلم العربي في سوس :62.
[83] - في المعسول 1/50 " كماء " بدلا من : "مثل ما "
[84] - ورد هذا الشطر في المصدر نفسه،ص :51 كما يلي :" تكاد لديها جفنتي تتشقق".
[85] - ورد في المصدر نفسه كما يلي :" فأجدح ما في حفرتي جدح عازم".
[86] -في المعسول1/51 "يبرق" بدلا من" يخفق ".
[(303/57)
87] - في المعسول1/51 "فيها "بدلا من "فيه" .
[88] -ورد في المصدر نفسه "حتى "بدلا من" لكي ".
[89] - في الأصل ، ص :87 فتشبيه والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه .
[90] -هناك ارتباك في العبارة هنا ولعل ما أثبتنا صحيح .
[91] - علامة وأديب صحراوي بارز أنظر التعريف به في المعسول3/26 .
[92] -في المعسول :"وتخندق "بدلا من "إذ تخندق".
[93] - من الآية 273 من سورة البقرة .
[94] - في المعسول1/51 " مائج" بدلا من "مائح".
[95] -في المصدر نفسه "تفرقت" بدلا من" تشتت" .
[96]-جاء في هامش مخطوط الثريدة المناغية للعصيدة ، ص :93 " وقبله :
فرشت لها صدري فزل عن الصفا به جؤجؤ عبلٌّ ومتن مخصَّر "
[97] -في المعسول1/52. " على سيف.." بدلا من" في سيف ".
[98] -في المعسول 1/52. "على وجهها" بدلا من" على متنها"
[99] -في المعسول1/52. " وطاف" بدلا من :"وفاح".
[100] - الحسن بن علي الإلغي: أستاذ وفقيه وأديب من الأسرة الصالحيَّة الإلغية أنظر ترجمته في المعسول 2/213 .
[101] - اقتصر شرح الحسن بن علي الإلغي على تفسير الكلمات وقد أثبته السوسي في كتابه مترعات الكؤوس في آثار طائفة من ادباء سوس ، مخطوطة مصورة خاصة ،ص : 358-366
[102] - عمر المتوكل الساحلي أستاذ أديب مؤلف مدير المعهد الإسلامي بتارودانت سابقا توفي صيف 2003، له كتاب المدارس العلمية العتيقة بسوس والمعهد الإسلامي بتارودانت في 4 أجزاء ، راجع ترجمته في المعسول5/242.(303/58)
الجاهضة لجنين الرافضة
ذهبت بعقلي غادة تتبسم وسبت فؤادي ضحكة تترنم
فبعينها وبرمشها وبجفنها وبثغرها وبحسنها تتحكم
ملكت حجاي فلم أجد في خاطري أن غيرها في الحسن خود تسهم
وبقيت مرتهناً بسجن جمالها ويعودني من ظلمها ما يؤلم
وذكت بزند الحسن نيران الهوى لهباً فلانت من لظاها الأعظم
يا هذه عفواً فنار قصيدتي في شأن غيرك بل بغيرك تضرم
لا تحسبي أبياتها موزونة بهواك حباً منسقات تنظم
لكنها فيمن طغى وبغى على صحب النبي برفضه يتجهم
أو ما علمت بأنه الوقح الذي أضحى على سلف الهدى يتهجم
أو ما علمت بزيغه وبجرمه فأنا الذي أنبيك عمّا يُبْرِمُ
حسنٌ1 ولا حسنُ الفعال مضمّخ بخبال علمانية يتحكم
متمعلمٌ متعلمِنن متملعنن جرو الروافض للجعار يعلَّم
الزائغ المرتاب في أقواله الساقط النذل البذيء المجرم
أمِن البواتر فاستطال ببغيه فأتى على أسس العقيدة يهدم
ورأى اغتصاص الأرض من أمثاله فبدا يُشرع ما يشاء ويحكم
ما كان يعرف ما الكلام وربما يأتي زمان فيه يحكي الأبكم
يا مُبلِغاً عني ابن فرحان ألا بالله بلغ ما أقول وأنظم
يا ساتراً وجهاً وكاشف أستِهِ ومزور الأسنان وهو الأثرم
أظننت أن الناس شبهك في الغبا حتى غدوت منافقاً تتمسلم
وزعمت عقلانية فكرية أنّى وأنت الأحمق المتمعلم
أوَ كنت في طيف وأنت محاضر فلقد تصحصح ما تكنُّ وتكتم
أنت الخبيث الرافضي بلا غِطا للرفض داعية دعيٌٌ مِنهم
أخِلافة الصديق ويحك فلتة بسياسة كانت تحاك وتبرم
وعليُّ كان منافس الصديق في شأن الخلافة راغِماً يترغم
وأخذت حُمقاً خُطبة الفاروق في فهم رديءٍ بالجهالة يوسم
وهي الشهادة للورى بفضيلة الصـ ديق وهو السابق المتقدم
وهو المُعَيَّنُ للخلافة كيف لا وهو الفضيلُ لدى النبيِّ المُكرمُ
حتى بدا ذا الأمرُ أمراً ظاهراً مُتَعَارفاً يُهدَى إليه ويُعلَم
من بعد ما قُبِضَ النبيُّ المصطفى قد بادروهُ فبايعوهُ وأسلموا(304/1)
دون انتظِارٍ أو تريُّثِ مُدَّةٍ لمشورةٍ ، نِعمَ البِِدارُ المحكم
فبِذاك كانت " فلتةً " أي " فجأةً " لا كالذي تدعوا إليهِ وتزعم
هذا وليس على أبي بكرٍ عدو ت فحسبُ بل في غيره تَتَرَجَّم
أنكرت صحبة مُسلِمي الفتح الأُلى شَهِد الرسول لهم بها فتكرَّمُوْا
وصِحابهُ أنصارُهُ ومهاجِرو هُ وما سِواهم فهو عبدٌ مُسلِم
وزعمت أنَّ بني أميَّة أثخنوا في جَورِهِم والجَورُ أصلٌ فيهِمُ
إيَّاكِ أعني واسمعي يا جارتي لُغَة الروافِضِ سِرُّها لا يُبهَم
لا لا تنافق يا منافقُ أنت مَن تعني معاويةَ الرِّضَى يا أجذم
إخسأ لُعِنتَ بما افتريت وإنّما سيَرُ الصحابةِ عن لِسانِك تَكرُمُ
فلقد جنيت على الأُلى ما تستوي بِغُبارِ نَعلِهِمُ ولستَ تُكرَّمُ
وهم الهداة هداهم رب الهدى المهتدون الصادقون القوَّمُ
أصفاهُم ربُّ العُلا لنبيِّهِ فصفوا بصحبتهم له وتنعموا
وحَمى الإلهُ بِهم حِمى توحيدهِ وبحبله اعتصموا ولم يتقسموا
باعوا نفوسَهُم له ونفيسَهم لمَّا اشتراها بالنفيسةِ مِنهُمُ
قد قدموا أرواحَهم لمليكِهِم لم يجزعوا كلاّ ولم يتظلموا
فتحوا البلاد ومصَّروا الأمصار إذ نشروا الهدى بين الأنام وعلموا
رحماء بينهُمُ أشِداءُ على ال كفَّارِ بل لأنوفهِمُ قد أرغموا
أثنى عليهم ربنا بكتابه فكفاهُمُ عِزَّاً بِذا يُعلِيهِمُ
بل ما كفتك على الصحابة جُرأةً بل قد جَرأت على الأُلى تبِعوهُمُ
أهل الرواية والدرايةِ والحِجى أهلِ الندى مَن للهُدى قد يمَّموا
سلفٌ لنا هم أهلُ سُنةِ أحمدٍ قد بلغوا الشرع الحنيف وترجموا
فجعلتَ كُتبَهُمُ حوت سَوءاتِهِم وفضائحاً لهم وظلماً فيهِمُ
سفهتهم يا نَعلُ مُنطوياً على حِقدٍ دفينٍ في حَشاك مُكَوَّمُ
وشتمتهم وسببتهم وبهتهم وحَقرتَهم ونسيت أنَّك مُجرِمُ
وجعلتهم سبَّابةً لعَّانةً بدَّاعة ظلالة لم يفهموا:
حُجَجَ الخُصومِ وقلتَ هُم أهلُ الفِرا لم يُدرِكوا معنى الكلامِ فيحكموا(304/2)
أعلى الَّلكائي وابن أحمدَ شيخِنا والأصبهاني وابن بَّطة تُقدِمُ ؟
أعلى ابن تيمية وأوزاعينا والبربهاري وابن قيِّم تَنقِمُ ؟
ما ذاك مِن عجبٍ بأن تشنأهُمُ فالجَعلُ في الأزهارِ لا يتنعم
فمن ارتضيتَ أيا كريه لِديننا ترجوا وراء سطورهِ ما يعصِمُ ؟
أهُم الزنادقة النماردة الألى ساووا لأديان السماء وعظَّموا ؟
أتُريد " قرضاويكم "2 أم " كوثري كم "3 أم الهاذي بما يُرضيكم :
" ذا غدة "4 أم تبتغي " منصوركم "5 ذاك الغويُّ الزائغ المُتحِطِمُ ؟
أم ترتضي " الحمد "6 اللعينَ وفِكرهُ وخليلهُ مَن " لِلبلاهةِ "7 يَرسُم ؟
بل قد رضيتَهُمُ لِعلمَانيِّةٍ أخَويَّةٍ فِكريَّةٍ تتأزمُ
أوما ارتضيت الجعد والجهم وغي لان وكنتَ لسانَ عذر عنهُمُ
وهمُ الملاحدة الذين بربِّهِم كفروا وللطاغوت دينك أسلموا
وهمُ الألى لصفات ربي عطلوا وهمُ الأولى بحلول ربي أحسموا
وهمُ الألى لعلوا ربي أنكروا ومضوا على ورد الرذالة يرقموا
فرفعتهم وخفضت قدر أولي النهى ومدحتهم وذممت مَن هُم أكرمُ
هذي لعمري قسمة ضيزى وهل عند الروافضِ قسط عدل يقسمُ
بل هم وربي القاسطون بقُسطهم وتهيأت للقاسطين جهنمُ
فلسوف تعلم يا ظلومُ بساعةٍ تفنى الملوك بها ويفنَ الدرهمُ
ما حالُ مَن سبَّ الصحابة واعتدى وجنى على أعراضهم ويشتِّمُ
يا ويل مَن صحبُ النبي خصومهُ ما جابه8 والله راضٍ عنهمُ
خابت ظنون الرافضية بابنها خالت بأن وليدها لا يُهزم
وأقولُ ما قال المُدافِع قبلنا مُستبدِلاً بالدالِ ميماً تُنظمُ
ماذا يضر السُّحب نبح الكلب أم ماذا يَضر الصحب هذا المجرمُ
وصلاة رب الخلق ما زار الكرى جفني وما سارت بليلٍ أنجمُ
وسلامه أيضاً على هادي الورى مَن للبريَّةِ مُرشِدٌ ومعلمُ
وعلى صحابته الكرامِ جميعهم والتابعين لهم على ما تنقمُ
--------------------------------------------------------------------------------(304/3)
1 - هو حسن فرحان المالكي علماني رافضي خبيث دعي على أهل السنة متستر بثيابهم ولكنه لم يحسن التستر فقد صرح بالطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتشكيك في بعضهم كما نفى الصحبة عما سوى المهاجرين والأنصار وله من الضلالات والأكاذيب والقدح المفرط في سلفنا الصالح مالا يتسع لذكره المقام فالله المستعان .
2 - هو يوسف القرضاوي .
3 - هو محمد زاهد الكوثري.
4 - هو عبد الفتاح أبو غدة .
5 - هو منصور النقيدان .
6 - هو الزنديق المنتن تركي الحمد المجترئ على رب العالمين .
7 - هو إبراهيم البليهي المنافح المخلص عن تركي الحمد وهو من دعاة التحرير.
8 - أي ما جوابه .(304/4)
الجندي الجريح
عدنان النحوي
---
اُتْرُكيهِ هُناكَ... ما زال فيهِ
رَمَقٌ خافِقٌ وهَمْسُ ضلوعِ
اُتْرُكيهِ... ! ولا تَهيلي عليهِ
كَومَةً من تُرابِهِ المفْجوعِ
لَمْ يَزَلْ سَيفُهُ الْمُدَلَّى على الأرْ
ضِ نَديَّاً مِن طَعنةٍ وَنَجيعِ
لَم تزلْ كفُّه تشُدّ ُ عليهِ
وصدى المكرُماتِ بينَ الدُّروعِ
لَم يَمُتْ قلبُه وما مات َ عزْمٌ
كانَ بِالأمسِ شُعلةً مِن خُشوعِِ
بينَ جَفنيه جَذْوَةٌ مِن يَقينٍ
وعلى ثغْرهِ ابْتسامُ الرَّبيعِ
وَمَحْياهُ مُلْهَمٌ قبَسُ الشَّو
قِ لِساحٍ وجَوْلةٍ وجُموعِ
وصَهيلُ الْخُيولِ في أُذُنَيْهِ
بينَ صِيدٍ هَوَتْ وَبينَ قَريعِ
مِنْ رُبا مكَّةٍ أطَلَّ فأَلْقى
خُطوَه في مَشارفٍ وَرُبوعِ
سَكَبَ الظِّلَّ في هَجيرِ الصَّحارى
وحناناً لِتائهٍ وَهلوعِ
فارس كان حومة ً من نِزالٍ
شَقَّ في الدَّهرِ ظُلمةً من هُجوعِ
يتخطَّى الذُّرى.. على كلِّ دربٍ
صيحةٌ مِنْ نِدائه ِ المرفوعِ
في رُبا الصِّينِ مِنْ مَآذنِها الخضْرِ ومن قلعةٍ وحُصنٍ مَنيعِ
وَمِنَ المغْرِبِ الْمُنَدَّى بِطيبٍ
وَمِنَ القدسِ نفحةٌ لِرُجوعِ
زَرَعَ الأرضَ كلَّها وَسَقاها
وَرواها هُدىً وحُسنَ صَنيعِ
وَطَوى لَفحةَ الهوانِ وندَّى
مِن فَياف ٍ مَفْجوعةٍ وَضُلوعِ
حَمَلَتْهُ القرونُ يَصْنَعُ أَمجا
داً وَيُعْلي مَجَنَّحاتِ الفُروعِ
حَمَل النُّورَ والضِّياءَ بِيُمْنا
هُ كِتاباً مِنْ آيةٍ وَبَديعِ
والنِّصالَ الحمراءَ تقطع أجْيا
فاً تَهاوَتْ من جاحِدٍ وَمَنوعِ
بينَ آمِنٍ لِخاشعٍ وأمانٍ
وطعَّانٍ لكافِرٍ وَجَزوعِ
إنَّه غرسةُ النُّبوَّةِ في الأرْ
ضِ وطيبٌ مِنْ عُودِها والجذوعِ
اُتْرُكيهِ هُنَيْهَةً... لا تَظُنِّي
أنَّها ضجْعةُ الوَداعِ الْمُريعِ
ما رَمَتْهُ الجِراحُ... ما خانَهُ السِّرْجُ.. وما ضلّ َ في هوىً وَوُقوعِ
بَلْ أحاطتْ بهِ الْمَقاديرٌ تَبلو
هُ على عِزَّةٍ وصَبْرٍ وَسيعِ
بينَ مَكْرٍ مُلَفَّعٍ مِنْ نِفاقٍ(305/1)
وَصريحٍ مِنَ العِداءِ وَضيعِ
أحدَقَتْ ظُلْمَةُ اللَّيالي وَشَقَّتْ
مِنْ جِبالٍ وفتَّحَتْ مِنْ صُدوعِ
وَمَضى ثابِتاً.. يمدُّ مَع َ اللَّيْلِ شُمُوعاً مَوْصُولةً بِشُموعِ
يَتَحَرَّى دُرُوبَه بين أشوا
كٍ تُدَمِّي وبينَ عَضَّةِ جوعِ
وَنِيابٍ مجنونةٍ و أَظافير َ تَلَوَّت على بَقايا صَريعِ
وتولَّى من الصِّحاب صِحابٌ
وضجيعٌ على حنايا ضَجيعِ
لا يُبالي بِمَنْ يُساقُ قَطيعاً
تائِهاً بينَ زَحمَةٍ مِنْ قَطيعِ
وهوَ كالطَّوْدِ في ميادينهِ الحُمْر قُروناً ممتدَّةَ الترويعِ
اُتْرُكيه هُنا... فهذي روابيهِ. . على لهفةٍ لها ونُزوع
كلَّما هَبَّتْ النَّسائمُ أَحْيَتْ
مِنْ جراحٍ وهَيَّجَتْ مِنْ دُموعِ
ينشرُ الدُّرَّ في مَرابِعِها الْخُضْر ِ وفي منْزِلٍ ووَادٍ بَديعِ
لا تُراعي.. فَسَوْفَ يَنْهَضُ لِلْمَيْدانِ نورُ الهُدى وَيُمْنُ الطُّلوعِ
يَسْتَعيدُ الأمْجادَ مِنْ رَوْنَقِ الأُفُقِ جُموعا ً مَتْبوعةً بِجُموع(305/2)
الجهاد في الشيشان
---
يا أيها الكفر أتيت متاعبا
أتظنها فوق السهول ملاعبا؟
أتظنها كالكوخ يسهل هضمها؟
قبُحت كفرا وافترقت مذاهبا
أتظن رمي المدفعية ناصرا؟
جُنت خطاك فقد أتيت عجائبا
وتظن أن الطائرات لها القرى
فتحيلها فوق البطاح خرائبا
فإذا دنوت إلى الخرائب مرة
صارت عليك ملاحما وكتائبا
شتان من ظن السلاح إلهه
ومن اهتدى فارجع إليهم تائبا
كم ذا وعدت المجرمين بقتلها
حتى قتلت وصرت وهما ذاهبا
ليس الشجاعة أن تدمر طفلهم
ليس الشجاعة أن تبيد الكاعبا
إن الشجاعة قد أرتك أوارها
إن الشجاعة قد أرتك مخالبا
وأرى النصارى كلها قد أجمعت
شرقا على أهل الهدى ومغاربا
كفر يعلمنا الغلو من الهدى
عجب يُطير في السهول عجائبا
نبض الهدى بعد الركود مشمرا
فبدا سيوفا في الدنا ومحاربا
هربت رؤوس الروس عن أكتافها
لما رأت في المسلمين قواضبا
وبدا زئير في الجهاد مؤدب
لما رأى قرب الثغور ثعالبا
أرعدت يا غيم الجهاد على الردى
فبقيت عطرا في الورى ومكاسبا
وبقيت تلقي للقلوب بشائرا
وتزيل عن هذي الحياة غياهبا
ثلج بياض النصر في أحداقه
وعلى الأعادي عابسا أو غاضبا
ثلج يريك الفأل في إقدامهم
وتراه من حب الجهاد محاربا
ماتت سيوف الروس في أغمادها
والغمد من هول الفجيعة ناعبا
وعلى الجبال وفي الجبال مسالح
ركبت إلى كل الثغور سحائبا
فأصاب بوتين التخبطُ حائرا
ضيعت - واأسفى - القوى والناخبا
يا أيها الجند تعالوا نلتقي
علي أغير في البلاد حقائبا
إن الجبال هي العدو فأمطروا
هذي الجبال قنابلا ومصائبا
حتى إذا طار العدو على الملا
جاء الضباب على الرجولة حاجبا
قال : الضباب هو العدو فأرسلوا
نارا على كل الملا وحواصبا
وأبيدوا أشباحا توالت وارتقت
وأبيدوا شمسا في السما وكواكبا
صارت شرايين بحارا في الدجى
ورأيت أسْدا فوقها وقواربا
ماذا أرى؟ جبلٌ يقيم بخاطري
وينادي نحوي ظلمة وسباسبا
قد فر يلسن قابرا آماله
لما رأى عند المنام عقاربا(306/1)
ورأى الشهور ظلامها ونهارها
سيفا على أيامه وعواقبا
من معلم الشيشان أني تائبٌ
فالقلب مني للكرملن آيبا
والجسم خوف الشامتين مقاتل
والعقل من شبح المجاهد هاربا
يا أيها الجيش أعيدوا نظرة
وخذوا من الغرب الرشا والراتبا
والغرب إن قال الحقيقة كاذب
كم ذا رأينا في السياسة كاذبا
أنظل نقتات الكلام من الذي
جعل الحياة مشاربا ومذاهبا
هذي فلسطين تئن وتشتكي
جعلت لكل القاطنين مراكبا
حب وحقد والحياة تدافع
إياكمُ قتل العلا والواجبا(306/2)
الحب الأمثل
الأستاذ الشاعر : خير الدين وانلي رحمه الله
حُبّي لربي ومَعْبودي هو الحُبُّ بهِ حَياتي وفيهِ يَخْفِقُ القلْبُ
الناسُ في حبِّهم أسرى غرائِزهم لكنْ حُبيَ ما مِنْ مثلِهِ حُبُّ
حبُّ البقاءِ وحبُّ الجِنْسِ غايتُهُمْ فنارُ شَهْوتِهمْ للجِنْسِ لا تَخْبو
كَمْ دَنَّسوا الحبَّ في الدنيا بمعصيةٍ ؟ وكم تَعامى عَنِ الخُلْقِ الفَتى الصَّبُّ
وكَمْ أحبّوا لدنيا أو لمصلحةٍ ؟ فعادَ حبُّهم بُغْضاً لمن حَبّوا
كَمْ ضَيّعوا واجِباً مِنْ أجلِ حبِّهِمُ ؟ كَمْ قَصْروا في حقوقٍ سَنَّها الربُّ ؟
لكنَّ حبيَ لا تَأتيه شائِبَةٌ من الشوائبِ أو يَنتابُه الرَّيْبُ
لأنَّ صاحبَه عبدٌ لسيِّدِه يُطيعُهُ في جميعِ الأمرِ لا يَنْبو
إني على الحبِّ يا مَوْلايَ ما طَلَعَتْ شَمْسٌ وما لَمعتْ في كونِنا شُهْبُ
فاقبلْ مُحبّاً أُوارُ الشَّوْقِ أرَّقَهُ والسُّهْدُ دَنَّفَهُ فارْحمْهُ يا رَبُّ(307/1)
الحبيبُ المُدلّل
د. مانع بن سعيد العتيبة
فرض الحبيبُ دلاله وتمنّعا وأبى بغير عذابنا أن يقنعا
ما حيلتي وأنا المكبّل بالهوى ناديته فأصر ألاّ يسمعا
وعجبتُ من قلبي يرقّ لظالمٍ ويطيق رغم إبائه أن يخضعا
فأجاب قلبي لا تلمني فالهوى قدَرٌ وليس بأمرنا أن يُرفعا
والظلم في شرع الحبيب عدالةٌ مهما جفا كنتُ المحبَّ المولعا
ولقد طربت لصوته ودلاله واحتلّت اللفتات مني الأضلعا
البدر من وجه الحبيب ضياؤه والعطر من ورد الخدود تضوّعا
والفجر يبزُغُ من بهاء جبينه والشمسُ ذابت في العيون لتسطعا
ياربّ هذا الكون أنت خلقته وكسوته حسناً فكنت المبدعا
وجعلته مَلِكاً لقلبي سيّداً لمّا على عرش الجمال تربّعا
سارت سفينة حُبنا في بحره والقلبُ كان شراعه فتلوّعا
لعبت بها ريح الهوى فتمايلت ميناؤها المنشودُ بات مُضيّعا
والموج تحت شراعها متلاطمٌ ما صان وُدَّ العاشقين وما رعا
يا موج رفقاً بالسفين وأهله ما كان ظنّي أن تكون مروِّعا
يا موج ناداني الهوى فأطعته فاهدأ وقل لسفينتي أن تسرعا
فالوصل غاية ما أريد ومطمعي ومُبرَّرٌ لك في الهوى أن تطمعا
يا صاحبي خُذ للحبيب رسالتي فعسى يرى بين السطور الأدمُعا
بلّغه أني في الغرام متيّمٌ والقلب من حرّ الفراق تَصدّعا
ما في النوى خيرٌ لنرضى بالنوى بل إنّ كلّ الخير أن نحيا معا(308/1)
الخطب الجلل
لأبي تمام في رثاء محمد بن حميد الطائي
كذا فليجلَّ الخطبُ وليفدح الأمرُ
فليسَ لعين لم يفضْ ماؤها عذرُ
توفيتِ الآمالُ بعدَ محمد
وأصبحَ في شغل عنِ السَفَرِ السَفْرُ
وما كانَ إلا مالَ من قلَّ مالهُ
وذخراً لمنْ أمسى وليسَ له ذخرُ
وما كانَ يدري مجتد جود كفهِ
إذا ما استهلتْ أنَّه خلقَ العسرُ
ألا في سبيلِ اللهِ منْ علطتْ له
فجاجُ سبيلِ اللهِ وانثغرَ الثغرُ
فتى كلما فاضتْ عيونُ قبيلةٍ
دماً ضحكتْ عنه الأحاديثُ والذكرُ
فتى ماتَ بين الضربِ والطعنِ ميتةً
تقومُ مقامَ النصرِ إذْ فاته النصرُ
وما ماتَ حتى ماتَ مضربُ سيفهِ
من الضربِ واعتلتْ عليه القنا السمرُ
وقد كانَ فوتُ الموتِ سهلاً فردَّهُ
إليه الحفاظُ المرُّ والخلقُ الوعرُ
ونفسٌ تعافُ العارَ حتى كأنَّه
هو الكفرُ يومَ الروعِ أوْ دونَه الكفرُ
فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجله
وقال لها منْ تحت أخمصكِ الحشرُ
غدا غدوةً والحمدُ نسجُ ردائهِ
فلم ينصرفْ إلا وأكفانُه الأجرُ
تردى ثيابَ الموتِ حمراً فما أتى
لها الليلُ إلا وهيَ من سندسٍ خضرُ
كأنَّ بني نبهانَ يومَ وفاتِه
نجومُ سماءٍ خرَّ منْ بينها البدرُ
يعزونَ عن ثاوٍ تُعزى بهِ العلى
ويبكي عليهِ الجودُ والبأسُ والشعرُ
وأنى لهمْ صبرٌ عليه وقد مضى
إلى الموتِ حتى استشهدوا هو والصبرُ
فتى كانَ عذبَ الروحِ لا من غضاضةٍ
ولكنَّ كبراً أنْ يقالَ به كبرُ
فتى سلبتهُ الخيلُ وهوَ حمى لها
وبزتهُ نارُ الحربِ وهوَ لها جمرُ
وقدْ كانتِ البيضُ المآثيرُ في الوغى
بواترَ فهيَ الآنَ من بعدهِ بترُ
أمنْ بعدِ طيِّ الحادثاتِ محمداً
يكونُ لأثوابِ الندى أبداً نشرُ
إذا شجراتُ العرفِ جذَّتْ أصولها
ففي أيِّ فرعٍ يوجدُ الورقُ النضرُ
لئن أبغضَ الدهرُ الخؤونُ لفقدهِ
لعهدي بهِ ممنْ يحبُّ له الدهرُ
لئنْ غدرتْ في الروعِ أيامُه بهِ
لما زالتِ الأيامُ شيمتها الغدرُ
لئن ألبستْ فيهِ المصيبةَ طيءٌ(309/1)
لما عريتْ منها تميمٌ ولا بكرُ
كذلك ما ننفكُّ نفقدُ هالكاً
يشاركُنا في فقدهِ البدوُ والحضرُ
سقى الغيثُ غيثاً وارتِ الأرضُ سخصه
وإنْ لم يكنْ فيهِ سحابٌ ولا قطرُ
وكيفَ احتمالي للسحابِ صنيعةً
بإسقائها قبراً وفي لحدِهِ البحرُ
مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضةٌ
غداةً ثوى إلا اشتهتْ أنَّها قبرُ
ثوى في الثرى منْ كانَ يحيا به الثرى
ويغمرُ صرفَ الدهرِ نائلُهُ الغمرُ
عليك سلامُ اللهِ وقفاً فإنني
رأيتُ الكريمَ الحرَّ ليسَ له عمرُ(309/2)
الدخول من بوابة الأحزان
---
جرح ٌ على جرحٍ تهز كياني ... وتمد لي لهبا من الأحزانِ
خط من الألم المبرّح ساخنٌ ... يسري من الأقصى إلى الشيشانِ
ويضم كوسوفا التي اكتملت بها ... مأساة هذا العصر في البلقانِ
ويضم باميرا التي شهدت بما ... شهد المدى من حسرة الأفغانِ
ويثير ألف قضية وقضية ... رحلت بأمتنا إلى الطوفانِ
ياصرخة الألم التي اشتعلت على ... شفة الجريح كألسن النيرانِ
ياأدمع الثكلى التي رسمت لنا ... في مقلتيها حسرة الوجدانِ
ياألف باكية وألف يتيمة ... يا ألف هاربة بلا عنوانِ
ياألف شيخ في انحناء ظهورهم ... خبر يحدثنا عن الطغيانِ
ياألف مئذنة توقف نبضها ... يا ألف محراب بلا أركانِ
ياألف طفل قارئ أمسوا بلا ... كتب ولا نُسخ من القرآنِ
ياألف مسلمة شربن تعاسة ... ولبسن ثوب مذلة وهوانِ
ياألف دار ما يزال ركامها ... يُلقي عن المأساة ألف بيانِ
ياألف ألف قذيفة روسية ... رسمت ملامح وحشة الإنسانِ
ياألف مؤتمر على أوراقها ... جثم انتهاك شريعة الرحمنِ
ماذا يقول الشعرُ ؟ كيف أصوغه ؟ ... أتصاغ شعرا ثورة البركانِ
أتصاغ شعرا أدمع تجري كما ... يجري لهيب النار في الأجفانِ
ماذا يقول الشعر ؟ دمع حروفه ... يجري كشلال على الأوزانِ
ويكاد يغرق كلما يلقاه من ... لفظ ومن معنى ومن ألحانِ
يا من تسائلني عن الريح التي ... هبت عواصفها على الأوطانِ
وعن الجحافل ما تريد جيوشها ... من هذه الغارات في الشيشان ِ
أو ما لهم دين يرقق أنفسا ... جُبلت على الإلحاد والكفرانِ
لا تسأليني عن ديانة أمة ... لم تبق للإنجيل فضل بيانِ
هي حرّفته لكي تنال مكانة ... مرموقة في دولة الرومانِ
ما دينهم إلا بقايا من سنا ... دين المسيح وظلمة اليونانِ
مزجت بأهواء الرجال وأصبحت ... دينا يحقق رغبة الرهبانِ
دينا تلبّس بالأساطير التي ... تمضي بصاحبها إلى الهذيانِ
أرأيت دينا صافيا يحي على ... أرجوحة صُنعت من الصلبانِ
أوَ بعد هذا تطلبين عدالةً ... ممن يشوّه صورة الأديانِ ؟
ما الروس إلا صورة من عُملة ... مشؤومة شُبكت على النكرانِ(310/1)
هم أول الوجهين والغرب الذي ... يستمريء التضليل وجه ثاني
آلاف قتلى المسلمين كأنما ... هم في حقول تجارب الفئرانِ !
والغرب يرسم كل يوم خطة ... لرعاية الحشرات والديدانِ !
إعلامه يقتات من أخبارنا ... ويبثها مصحوبة بأغاني !
يا غربُ، يا قلبا أمات شعوره ... لهب من الأحقاد والأضغانِ
ما بال مجلس خوفكم لا ينطوي ... إلا على التضليل والبهتانِ ؟
ما باله يلقى مآسي أمتي ... وجراحها بالصمت والخذلانِ ؟
أين القوانين التي برزت لنا ... في أرض تيمور وفي السودانِ ؟!
أوَ ليس في الشيشان جرح نازف ... أوَ ما لكم فيها شهود عيانِ ؟!
ما ذنب طفلٍ مُزّقت أعضائه ... وغدا قعيدا ما له قدمانِ ؟!
ما ذنب وجه يتيمة أضحى بلا ... ثغرٍ تصوغُ جماله الشفتانِ ؟!
ما ذنبها ؟! صارت بغير حقيبة ... وبلا يد يمنى ودون لسانِ ؟!
ما ذنب مسلمة تحطم قلبها ... لما رأت في الأفق ليل دخانِ ؟!
فقدت رفيق حياتها وصغارها ... في ليلة دموية العدوانِ
ما ذنبها ؟! فقدت منابع حبها ... وأمام عينيها قضى الأبَوَانِ
ما ذنب أم حينما انكشف الدجى ... وجدت بقايا مقلة وبنانِ ؟!
ورأت حذاءً واحداً وظفيرةً ... محروقةً ، ودماً على الجدرانِ
ويداً قد انفصلت عن الجسم الذي ... نسفته قنبلةُ العدو الجاني
وبقيةً من معصمِ الزّوجِ الذي ... ضم الصغار بلهفةٍ وحنانِ
ورأت شظايا من قذائف مجرمٍ ... شهدت بما اقترفته كفُّ حبنِ
يا غربُ ، إن مات الضمير فإنما ... موت الضمير علامة الخسرانِ
يا ألف مليون بكيتُ لأنني ... أبصرتكم في الأرض دون مكانِ
ولأنني أبصرتُ بعضَ رجالِكم ... يتلذذون بطاعة الشيطانِ
يتسلقون جدار كل إثارة ... ويحسِّنون قبائحَ العصيانِ
ولأنني أبصرتُ بعضَ نسائِكم ... يلقين شرعَ الله باستهجانِ
من حولهن النبع يصفو ماؤه ... وبه تتم سعادة الظمآنِ
وكؤوسَهن مليئةً بطحالب ... وعقولَهن سريعة الذّوَبانِ
ولأنني أبصرتُ ظبيتنا التي ... هربت ، تمد يدا إلى الثعبانِ
وتعيش وهم تحرر وهي التي ... وضعت يديها في يد السجانِ
ولأنني يا ألف مليونٍ أرى ... عين الشموخ بكت على الفرسانِ(310/2)
وبكت على صهوات خيل إبائنا ... لم تحمل الأبطال في الميدانِ
يا ألف مليون بكيتُ وإنما ... أبكي لأن ضياعكم أبكاني
ما ذا يقول الشعرُ في العصر الذي ... يقتات من ألمي ومن أشجاني ؟
يا ألف مليون حبال مشاعري ... موصولة بالخالق الديّانِ
أنا لست أيأسُ من مصائبنا التي ... تُذكي لهيبَ الحزن في وجداني
أنا ما يئستُ إذا بكيتُ لما أرى ... من وطأة الأحداث في الشيشانِ
فلربما كان الدخولُ إلى العلا ... والمجد من بوابة الأحزانِ(310/3)
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ
المتنبي
العصر ... عباسي
عدد الأبيات ... 49
البحر ... كامل
الروي ... نون
الغرض ... مدح
مصدر القصيدة ... التبيان (4/174-185)
المناسبة ... قال يمدح سيف الدولة عند منصرفه من بلاد الروم
1
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ *** هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
2
فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ *** بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ
3
وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ *** بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ
4
لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ *** أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ
5
وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَتْ *** أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرّانِ
6
لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ *** لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ
7
خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتّى ما دُرِي *** أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ
8
وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلا *** أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ
9
تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ وَعِندَهُ *** أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
10
وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ في الـ *** ـهَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ
11
قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد *** إِلّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ
12
كُلُّ اِبنِ سابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ *** في قَلبِ صاحِبِهِ عَلى الأَحزانِ
13
إِن خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بِآدابِ الوَغى *** فَدُعاؤُها يُغني عَنِ الأَرسانِ
14
في جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ *** فَكَأَنَّما يُبصِرنَ بِالآذانِ
15
يَرمي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ *** كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دانِ
16
فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ *** يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ
17
حَتّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحًا *** يَنشُرنَ فيهِ عَمائِمَ الفُرسانِ
18(311/1)
يَقمُصنَ في مِثلِ المُدى مِن بارِدٍ *** يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ
19
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ *** تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلتَقِيانِ
20
رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ *** وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ
21
فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ *** وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ
22
وَحَشاهُ عادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ *** عُقمَ البُطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ
23
تَأتي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها *** تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ
24
بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لِأَهلِهِ *** مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ
25
فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرى *** راعاكَ وَاِستَثنى بَني حَمدانِ
26
المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ *** ذِمَمَ الدُروعِ عَلى ذَوي التيجانِ
27
مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم *** مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشانِ
28
يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ *** أَجَلِ الظَليمِ وَرِبقَةِ السَرحانِ
29
خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً *** وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ
30
وَعَلى الدُروبِ وَفي الرُجوعِ غَضاضَةٌ *** وَالسَيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ
31
وَالطُرْقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا *** وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ
32
نَظَروا إِلى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما *** يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ
33
وَفَوارِسٍ يُحَيِ الحِمامُ نُفوسَها *** فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ
34
ما زِلتَ تَضرِبُهُمْ دِراكًا في الذُرى *** ضَربًا كَأَنَّ السَيفَ فيهِ اِثنانِ
35
خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما *** جاءَتْ إِلَيكَ جُسومُهُمْ بِأَمانِ
36
فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا *** يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ
37
يَغشاهُمُ مَطَرُ السَحابِ مُفَصَّلاً *** بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ وَسِنانِ
38(311/2)
حُرِموا الَّذي أَمِلوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ *** آمالَهُ مَن عادَ بِالحِرمانِ
39
وَإِذا الرِماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ *** شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ
40
هَيهاتَ عاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ *** كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العاني
41
وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمُ *** فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ
42
قَد سَوَّدَتْ شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُمْ *** فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ
43
وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَجيعُ القاني *** فَكَأَنَّهُ النارَنجُ في الأَغصانِ
44
إِنَّ السُيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُمْ *** كَقُلوبِهِنَّ إِذا اِلتَقى الجَمعانِ
45
تَلقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ *** مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ
46
رَفَعَتْ بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَتْ *** قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ
47
أَنسابُ فَخرِهِمُ إِلَيكَ وَإِنَّما *** أَنسابُ أَصلِهِمُ إِلى عَدنانِ
48
يا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ *** أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ
49
فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري *** وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني(311/3)
أنشد ابن أبي الدنيا:
ومن ظنّ أنَّ الرِّزق يأتي بحيلةٍ فقد كذَّبته نفسه وهو آثم
يفوت الغنى من لا ينام عن السُّرى وآخر يأتي رزقه وهو نائم
فما الفقر في ضعف احتيالٍ ولا الغنى بكدٍّ وللأرزاق في النَّاس قاسم
سأصبر إن دهرٌ أناخ بكلكلٍ وأرضى بحكم الله ما الله حاكم
لقد عشت في ضيقٍ من الدَّهر مدَّةً وفي سعةٍ والعرض منِّي سالم
*****************
ومما يروي لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيه نظر:
لو كان صخرةٍ في البحر راسيةٍ صمَّاء ملمومةٍ ملسٍ نواحيها
رزقٌ لعبدٍ يراه الله لانفلقت حتَّى يؤدَّي إليه كلُّ ما فيها
أو كان تحت طباق السَّبع مطلبها لسهَّل الله في المرقى مراقيها
حتَّى تؤدَّي الَّذي في الَّلوح خطّ له إن هي أتته وإلاَّ سوف يأتيها
*****************
وأنشد ابن الأعرابي:
الحمد لله ليس الرِّزق بالطَّلب ولا العطايا لذي عقلٍ ولا أدب
إن قدّر الله شيئاً أنت طالبه يوماً وجدت إليه أقرب السبب
وإن أبى الله ما تهوى فلا طلبٌ يجدي عليك ولو حاولت من كثب
وقد أقول لنفسي وهي ضيِّقةٌ وقد أناخ عليها الدَّهر بالعجب
صبراً على ضيقة الأيَّام إنّ لها فتحاً وما الصَّبر إلاّ عند ذي الأدب
سيفتح الله أبواب العطاء بما فيه لنفسك راحاتٌ من التّعب
ولو يكون كلامي حين أنشره من الُّلجين لكان الصَّمت من ذهب
****************
وقال آخر:
كم من قويٍّ قويٍ في تقلُّبه مهذّب الرأي عنه الرِّزق منحرف
وكم ضعيفٍ ضعيف الرأي تبصره كأنه من خليج البحر يغترف
*****************
وقال آخر:
لاَ تَطْلُبَنَّ مَعِيشَةً بِتَذَلُّلٍ فَلَيَأْتِيَنَّكَ رِزْقُك الْمَقْدُورُ
وَاعْلَمْ بِأَنَّك آخِذٌ كُلَّ الَّذِي لَك فِي الْكِتَابِ مُقَدَّرٌ مَسْطُورُ
*****************
وقال آخر:
توكَّل على الرَّحمن في كلِّ حاجةٍ ولا تؤثرنّ العجز يوماً على الطّلب
ألم تر أن الله قال لمريم إليك فهزِّي الجذع يسَّاقط الرُّطب(312/1)
ولو شاء أن تجنيه من غير هزِّها جنته ولكن كلُّ شيءٍ له سبب
*****************
وقال آخر:
ما يغلق الله باب الرِّزق عن أحدٍ إلاَّ سيفتح دون الباب أبوابا
*****************
وقال آخر:
الرّزق يأتي قدراً على مهل والمرء مطبوعٌ على حبّ العجل
*****************
وقال آخر:
يا راكب الهول والآفات والهلكة لا تعجلنَّ فليس الرِّزق بالحركة
من غير ربَّك في السَّبع العلى ملكاً ومن أدار على أرجائها فلكه
أما ترى البحر والصَّيَّاد تضربه أمواجه ونجوم الَّليل مشتبكة
يجرّ أذياله والموج يلطمه وعقله بين عينه كلكل السَّمكة
حتَّى إذا راح مسروراً بها فرحاً والحوت قد شكّ سفُّود الرَّدى حنكة
أتى إليك به رزقاً بلا تعبٍ فصرت تملك منه مثل ما ملكه
لطفاً من الله يعطي ذا بحيلته هذا يصيد وهذا يأكل السَّمكة
*****************
وقال آخر:-
لاتخضعنَّّ لمخلوق على طمع فإن ذاك مضرّ منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه فإنما هي بين الكاف والنون
ألا ترى: كلّ من ترجو وتأمله من البريّة مسكين بن مسكين
****************
وقال آخر:-
إني رأيتك قاعدا مستقبلي ... فعلمت أنك للهموم قرين )
( هون عليك وكن بربك واثقا ... فأخو التوكل شأنه التهوين )
( طرح الآذى عن نفسه في رزقه ... لما تيقن أنه مضمون
*****************
وقال آخر:-
توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنت بأن الله لاشك رازقي
وما يك من رزقٍ فليس يفوتني ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيءٍ تذهب النفس حسرةً وقد قسَّم الرحمن رزق الخلائق(312/2)
إلزم باب ربك ؛ واترك كل دون واسأله السلامة ؛ من دار الفتون
لا يضيق صدرك ؛ فالحادث يهون اللَه المقدر ؛ والعالم شؤون
لا تكثر لهمك ؛ ما قدر يكون
فكرك واختيارك دعهما وراك والتدبير أيضاً ؛ واشهد من رآك
مولاك المهيمن ؛ إنه يراك فوض له أمورك ؛ وأحسن الظنون
لا تكثر لهمك ؛ ما قدر يكون(313/1)
السيرة النبوية شعراً
تأليف السيد العلامة الفقيه محمد بن سالم بن حفيظ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) (آل عمران:164) ..
الحمد لله الذي أنارا ... ذا الكون بالنبي فاستنارا
أزاح كل ظلمات الباطل ... بنور طه خير كل كامل
وأوضح الطريق بالجمال ... من بعد أن كانوا على ضلال
أحمده حمداً كثيراً طيباً ... مباركاً فيه مريعاً صيباً
يملأ أرجاء السموات العلى ... والأرض حمداً دام ذاكراً في الملا
وبعد إن أشهد الله الأبر ... أن لا إله غيره بحراً وبر
وأنه رب جميع الخلق ... شهادة أشهدها بحق
وأن طه المصطفى رسوله ... وعبده حبيبه خليله
أرسله للعالمين رحمة ... أمته في الكون خير أمه
للمؤمنين بالرضى بشيراً ... للكافرين بلظى نذيراً
عليه أفضل الصلاة والسلام ... تغشاه كل لحظة على الدوام
ورضي عن أزواجه الجميع ... ما قرئ المولد في ربيع
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
وبعد هذا ذكر بعض ما ورد ... في مولد المختار مما يُعتمد
من الأحاديث أو الآثار ... مما رواها سادة الأخبار
وكلها عن كتبهم منقولة ... وهي لدى حُفَّاظهم مقبولة
كما أتى في مولد النِّحرير ... ابن كثير صاحب التفسير
قال الإمام ابن كثير ذو الوفا ... في ذكر نسبة النبي المصطفى
هو محمد بن عبد الله ... هذا ابن عبد المطلب ذي الجاه
وهو ابن هاشم تلا عبد مناف ... نجل قصي بن حكيم ذي العفاف
وهو ابن مرة بن كعب بن لؤي ... وهو ابن غالب بن فهر خير حي
وفهر بن مالك بن النضر ... نجل كنانة رئيس القُطر
نجل خزيمة تلاه مُدركة ... إلياس ثم مُضر قد أدركه
ابن نزار بن معد خير أب ... والجد عدنان له انتهى النسب
فهو أبو القاسم ذو المكارم ... نبينا الأمي خير آدم
مولده بمكة الأمينة ... وفاته بطيبة المدينة(314/1)
وجده عدنان من إسماعيل ... وهو الذبيح نجل مولانا الخليل
عليهم الصلاة والسلام ... وآلهم مادامت الأيام
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
وكان جد الطهر عبد المطلب ... سيد من إلى قريش ينتسب
كان رئيس قومه شيخ الحرم ... وقومه سادوا لعرب وعجم
وكان رب العرش قد أكرمه ... إلى مكان زمزم ألهمه
وذاك بعد طمّها من جرهم ... فصار موضع الندى لم يُعلم
مثدة خمسماية من السنين ... لا يعرف الأنام عنها ما يبين
حتى أري في نومه مكانها ... خاطبه هاتف من قد صانها
فقام للحفر فمنعته ... قريش مما رامه نهته
ولم يكن له من الأولاد ... سوى ابنه الحارث ذي العماد
فلم يبال بل تصدى وحفر ... واستخرج الذي بها من الدرر
فعرفت له قريش قدره ... وعظمت من بعد ذاك أمره
وكان قد نذر أن كمل له ... عشرة من الذكور الكمله
ليذبحن واحداً منهم فما ... عتم إلا وأتاه الكرما
وخرجت قرعة عبد الله ... فرام ذبحه لوجه الله
ثم افتداه وفداه بمائة ... من الإبل وذاك مقدار الدّية
وبعد ذا زوجه بآمنه ... ابنة وهب فاجتلت محاسنه
وحملت بعد دخوله بها ... بالمصطفى المختار خير عُربها
صلى عليه ربه وسلما ... وآله ماثج وابل السما
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
قال ابن إسحاق وكانت أمه ... آمنة تُخبر من يؤمُّه
بأنها قد أُوتيت في النوم ... من بعد حملها بخير القوم
قيل لها إنك قد حملت ... بالمصطفى من أهل كل بيت
رسول رب العالمين للبشر ... وسيد الأمة في بحر وبر
قولي إذا وضعته في الأرض ... قولاً لدى رب الأنام مرضي
هذا الفتى أُعيذه بالواحد ... رب الورى من شر كل حاسد
فإنه عبد الحميد الحامد ... حتى أراه قد أتى المشاهد
آية ذاك أنه يخرج نور ... مع وضعه ومنه تُبصر القصور
قصور بُصرى من بلاد الشام ... على الحبيب أفضل السلام
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
وقد أتى عن خالد بن معدان ... عن الصحابة الأئمة الحِسان
بأنهم قالوا لخير الخلق ... عن نفسك أخبرنا بقول الصدق
فقال دعوة أبي إبراهيم ... بَشَّر بي عيسى وقبله الكليم(314/2)
وقد أتى ذا عن أبي أمامة ... الباهلي فاستفد نظامه
وجاعن العرباض نجل ساريه ... السلمي الكلمات الآتية
عن الرسول الهاشمي قالا ... إني عند ربنا تعالى
خاتم رُسُله إلى بريته ... وآدمٌ مُجندل في طينته
رواهما ان حنبل في مسنده ... والبيهقي بهداهم اقتده
وقد روى الحاكم ثم البيهقي ... عن عمر رفعه إلى التقي
أنَّ أبانا آدماً قد سألا ... مولاه بالنبي حين أكلا
قال له كيف عرفته ولم ... أخلقهُ بعدُ قال يارب نعم
إنك لمَّا أن خلقتني وقد ... نفخت منك الروح في هذا الجسد
رأيت مكتوباً على قوائم ... عرشك اسم المصطفى من هاشم
أي لفظ لا إله إلا الله ... محمدٌ رسولُهُ الأوَّاهُ
فقلت لم يُضف إلى اسم الله ... إلاَّ أحبُّ خلقه ذو جاه
فقال ربُّهُ صدقت إنه ... أحب خلقي ولأعطينَّهُ
وإذ سألتني بحقه فقد ... غفرت للوالد هذا بالولد
به جميع القصد قد أعطيتُ ... لولا محمد لما خلقتُ
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
صفة مولده صلى الله عليه وسلم
لما أراد ربنا إبرازه ... إلى الوجود وقضى إعزازه
أبرزه اختاره ثم اجتباه ... ليهدي الخلق لتوحيد الإله
فوضعته الأم تلك الطاهرة ... في ليلة الإثنين نعم الزاهرة
وعن أبي قتادة الأنصاري ... عن الرسول المصطفى المختار
كما رواه مسلم أن النبي ... كما أتى يسأل بعض العرب
عن صوم الإثنين فقال يوم ... فيه وُلدت ولنعم الصوم
وفيه نبّئت وقد هاجرت ... فيه إلى طيبة قد أتيت
كما أتى عن ابن عباس التَّقي ... فيما رواه أحمد والبيهقي
ولا يشك أحد أنَّ الرسول ... ولد عام الفيل قاله الفُحولُ
وأنَّ بعثته لأربعينا ... عاما من الفيل فخُذ يقينا
كما أتى ذاك عن الحُزامي ... أعني به ابن المنذر إبراهام
وعن أبي العاص الإمام الثَّقفي ... عن أُمّهِ الحسَناء ذات الشرف
قالت شهدتُ وضع بنت وهب ... بالمصطفى أشرف من قد نبي
وقد تجلى النورُ في النواحي ... مع وضعه بهذه البطاح
وأنظرُ النجوم تدنو مني ... حتى أقول إندفعن عني
وقد روى ابنُ هانئ المخزومي ... عن أبيه المعمَّر المرحوم
مُحدثاً عن ليلة الميلاد ... وهي لنا من أفضل الأعياد(314/3)
ليلة مولد النبيِّ ارتجسا ... إيوان كسرى واللعين تعسا
وسقطت من قصره كذا كذا ... شُرافة وخاف من ذاك الأذى
بُحيرةٌ غاضت بأرض الفرس ... بساوة فأخذوا في الحدسِ
وخمدت نيرانُ فارسٍ وما ... قد خمدت من ألف عامٍ فاعلما
كذاك رؤيا الموبذان اشتهرت ... رؤيا بها كلُّ المجوس قهرت
حيث رآها إبلاً صِعابا ... تقود خيلاً سُوَّماً عِرابا
قد قطعت دَجلةَ ثُم انتشرت ... في أرضه فاهتال من رؤيا جرت
فأرسل النعمان من عبد المسيح ... نائب كسرى ساقهُ إلى سطيح
فعندما انتهى إليه ووقف ... عليه ناداه سطيح وكشف
فال ابتداءً إنَّ ذا عبدُ المسيح ... على بعيره لقد جاء يسيح
بعثه ملك أبناء ساسان ... يسأني عن ارتجاس الإيوان
وما رأوه من خمود النيران ... وهالهم من أجل رؤيا المؤبذان
قال إذا كثُرت التلاوة ... وقام يدعو صاحب الهراوه
وفاض بالما وادي السماوة ... ونشفت بحيرة لساوة
وخمدت نيران فارس فليس ... الشام شاماً لسطيح يا أُنيس
يملك منهمو عداد الشرفات ... وكل شئ هو آت فهو آت
فهذه الرؤيا تدير الدائرة ... على زوال سًلطة الأكاسرة
توحي إلى ممالك الإسلام ... ولانتشاره بأرض الشام
وحقق الله جميع ذلك ... وانتشر الّدين بفضل المالك
كما يقول المصطفى إذا هلك ... قيصر لا قيصر بعده ملك
كذاك كسرى ليس كسرى بعده ... ذاقوا بفضل الله كل شدَّه
وقال في الكنوز باسم الله ... لتُنفَقَنَّ في سبيل الله
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
وحاصلُ المقول أنَّ ليلة الـ ... ــــــمولد ليلةٌ بها نلنا الأمل
أكرم بها من ليلة عظيمة ... سعيدة خيراتها عميمة
طاهرة ظاهرة الأنوار ... عاطرةٌ جليلةُ المقدار
قد أبرز الجوهرة المكنونة ... ربي وتلك الدُّرة المصونة
أنوار طه لم تزل مُنتله ... في الساجدين نسبةً مُسلسله
من كل صلب صالح شريف ... لكل بطن طاهر عفيف
من آدم إلى أبيه المفتدى ... ما التقيا على سفاح أبدا
فأظهر الله له الأنوارا ... ما يبهر العقول والأبصارا
كما أتت بذلك الأخبارُ ... مما رواه السادةُ الأبرار
وولدتهُ أمهُ العفيفة ... آمنةٌ في الليلة الشريفة(314/4)
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
وُلد مختوناً بأيدي القدرة ... مكرماً أيضاً بقطع السرة
خرَّ إلى الأرض نظيفاً ساجداً ... معتمداً على يديه حامدا
مفتوح عينٍ شاخصاً ببصره ... إلى السما وأخبروا بخبره
أبا أبيه قال للبنين ... احتفظوا به من العيون
إني لأرجو أن يكون لابني ... شأن وأن يُصيب كلَّ حسن
وعقَّ عنه سابع الميلاد ... دعا قُريشاً رؤساء النادي
سمَّاهُ لمًّا حضروا محمَّداً ... قالوا لماذا قال حتَّى يُحمدا
يحمدُهُ أهل السما والأرض ... فحقَّق الله رجاهُ المرضي
شقَّ له من اسمه المُمَجَّد ... ذو العرش محمودٌ وذا مُحمَّد
وفي الصحيحين عن الزُّهري ... عن ابن مطعم عن النبيّ
يقولُ لي اسماً أنا مُحمَّدُ ... وحاشرٌ وعاقبٌ وأحمدُ
وأنا ربَّ العرشِ يمحو الكفر بي ... وخاتم للرُّسل مابعدي نبي
وصحَّ أيضاً عن أبي هريرة ... باسمي تسمَّوا وانتهوا عن كُنيتي
وقد روى ابن حنبل عن أنس ... جاء إلى الرسول روح القدُس
مُسلّماً على الرؤوف والرحيم ... مكنّياً لهُ أبا إبراهيم
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
ذِكرُ رضاعه صلى الله عليه وسلم
قد أرضعته أُمُّهُ الكريمه ... وبعدها ثُويبةُ الحكيمة
وهي التي قد بشرت أبا لهب ... بمولد رسول سيد العرب
وحين بشرته بالمحمود ... أعتقها بُشراً بذا المولود
ومن هنا خفَّف عنه الباري ... عذابه وهو من أهل النار
فإنَّ عبّاساً رأى أبا لهب ... بعد الممات في عذاب وتعب
قال له ماذا لقيت قال ... لم ألق خيراً بعدكم أو مالاً
بل لم أزل في شدّةٍ وخيبه ... لكن بعتقي أمتي ثويبه
سُقيتُ في هذي مشيراً حقاً ... لنقرة الإبهام فاغنم عتقاً
وفي رواية يُخفف عنّي ... من العذاب ليلة الإثنين
وحيثُ صحَّ ذا وكان كافراً ... فكيف بالمسلم يغدو شاكراً
طوبى لمن يفرحُ بالنَّبيّ ... يُدركُ كُلَّ مقصد سنيّ
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
إرضاع حليمة السعديَّة لهُ صلى الله عليه وسلم
وأرضعته البرَّةُ الكريمة ... ذاتُ الوفا السعديةُ الحليمة(314/5)
وكان من عادة أهل مكة ... أن يبعثوا الأولاد للبادية
لكي يعيشوا في الهوا النقيّ ... ويرجعوا بالجسد القويّ
قالت حليمةٌ فما منا امرأة ... من اللواتي جئن من تلك الفئة
إلا وقد جاؤوا إليها بالصّبيّ ... ولم تكن تدري بأنه نبيّ
قالت فتأباه النّسا لزيما ... لكونه في أهله يتيما
وحيث كان الغير لم يحصل لي ... أخذته وجئت نحو رحلي
فدرَّ ثدياي سريعاً باللَّبن ... له وللظئر وزالت المحن
قالت وقام صاحبي للناقة ... وجدها حافلة بالمنحة
فلم يزل يحلب حتى بتنا ... بخير ليلةٍ كما قد شئنا
وقال زوجي وهو يدعو مالكه ... لقد أخذنا نسمة مباركة
ثُمَّ ذهبنا للبلاد راجعين ... حقاً فصرنا للنساء سابقين
لما رأى رفاقها الأتانا ... قالوا لنا إنَّ لها لشانا
وقدموا أرض بني سعد وما ... أرضٌ تُرى أجدب منها في الحمى
ومع ذا غنمها تروح ... شبعى وكلها لها منوح
وغنم القوم جياعاً تُمسي ... وليس فيها لبن لنفس
حتى يقولون لمن يرعاها ... ويحكموا لم تُحسنوا مرعاها
أما تروا بنت أبي ذؤيب ... من أين ترعى ؟ ما لكم في ريب
فيسرحون حيث تسرح الغنم ... لكنها تعود بالجوع الأتم
ولم يزل رب الورى يريهم ... بركة الذي تربى فيهم
وتعرفونها دواما ... وأدركوا بسرِّه المراما
كان يشبُّ في الصبا شبابا ... جلداً قوياً ناهضاً مُصانا
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
وبينما الحبيب مع أخٍ لهُ ... من الرضاع والمراعي حولهُ
إذ جاء يشتدُّ أخوه ضمره ... بأبويه يستغيث مرَّه
قال لهم قد جاء رجلان ... من الثياب البيض يلبسان
فأضجعاه ثم شقا بطنه ... فامتحناه بذاك أيّ محنه
أتى إليه منهم مسرعا ... فوجداه قائماً مُنتقعاً
فاعتنقاهُ قائلين ما الخبر ... فقال خيرٌ لا تخافا أي شر
أتاني اثنان فأضجعاني ... والبطن شقَّاهُ وأودعاني
واستخرجاه شيئاً فطرحاه ... ولأما الشقَّ وأحكماهُ
وبعد ذاك أشفقا عليه ... من حادثٍ فأقبلا إليه
وأرجعاه مكةَ لأمِّهِ ... وأخبراه ماجرى لجسمه
فقالت الأم تخوَّفتم عليه ... وليس للشيطان مسلكٌ إليه
وإنهُ لكائنُ لإبني ... شأن عظيم في ربوع الكون(314/6)
فإنني حين حملتُ لم أجد ... لحملِهِ ثُقلاً كما النسا تجد
وإنني مع حملِهِ رأيتُ نور ... خرج منّي فأضاءت القصور
وفي صحيح مُسلم عن ثابتٍ ... عن أنس يُروي بنصٍّ ثابت
حادثُ شقّ الصَّدرِ مرتين ... إحداهما وهو ابن سنتين
وليلة الإسراء ثانياً وقع ... للمصطفى الهادي فجلَّ من رفع
كما أتى عن أنس وعن أبي ... ذرٍّ وجمعٍ في صحيح الكتب
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
وبالرضاع نالت القبيلة ... أعني بني سعدٍ ذُرى الفضيلة
حال الَّرضاع وكذاك بعدهُ ... قد أدركوا فضل النبيّ ووُدَّهُ
أما ترى يوم حنينٍ عندما ... كان النساءُ الذراري مغنما
فاسترحموهُ ذكَّروهُ بالرَّضاع ... فكان ذا لأسرهم خير دفاع
قام خطيبُهم زُهيرُ بنُ صُرَد ... قال رسول الله أنت المعتمد
مافي سباياكم سوى خالاتك ... وكافلاتِك ومُرضِعاتك
وبعده أنشده شعراً يقول ... أمنن علينا بالفكاك يا رسول
فلم يكن من الرسول إلا ... أن قال قول السادة الأجلا
ما كان لي ولبني هاشمكم ... فذاك الله تعالى ولكم
بالمنِّ هذا طابت النّفوس ... لأن حبّ المصطفى مغروس
في قلب كل مؤمن تقي ... وذاك داع لاقتفا النبيّ
خمسماية ألف ألف درهم ... وستةُ آلاف عدُّ النَّسم
كما رواه غير واحد من الأبـ ... ـــــــــطال أرباب العلوم والعمل
يا ربنا صل وسلم أبداً ... على النبي الهاشمي أحمدا
ذكرُ صفاته العظام الظاهره ... وذكرُ أخلاق الحبيب الطاهره
كان الرَّسول ربعةً من الرجال ... لا بالقصير لا ولا من الطوال
بياضُهُ مُشرَّبٌ بحمره ... وشعرهُ جعدٌ وليس وقرَه
بل ربما يضربُ فوق منكبيه ... وربما يبلُغ نصف أُذُنيه
قد جاوز الستين عاماً والشعر ... أسودُ ما للشيب فيه من أثر
وكان سهل الخدّ ضخم الرأس ... مُدَّور الوجه شديد البأس
وأدعج العينين والأهدابُ ... طويلةٌ في أنفِهِ أحديدابُ
ووجهه بدرٌ وكثُّ اللحية ... يمشي الهوينا وهي خير مشيه
إذا مشى كأنما ينحطُّ ... عن صيبٍ فاعجب له إذ يخطو
كأنما تُطوى له الأرض إذا ... مشى ولا يشكو لغوباً أو أذى
وخاتم الإنباء بين كتِفِه ... يلوح للناظر إن ينظر إليه(314/7)
في كتفيه وأعالي الصَّدر ... وفي الذراع شعرٌ كالدُّرِّ
وحسنُ الجسم طويلُ الزندين ... غليظُ إصبعٍ وشثنُ الكفين
كان سويَّ البطن والصدر معا ... قليل لحم العقبين أجمعا
يلبس ما يلقى من الثياب ... من غير ما كبر ولا إعجاب
فيلبس القميص بل والجبًّه ... يستعمل الِعمَّةَ ذاتِ العذبه
كذلك القباء والبرودا ... أو الراويلات والموجودا
لم يتكلف ملبساً أو مطعماً ... في شأنه ما لم يكن مُحرماً
وكان ذا شجاعة وذاك كرم ... لم تلق أسخى منه في كل الأمم
وليس أقوى منه قلباً في الذي ... يراه حقاً فاتبعه واحتذ
يقول صحبُهُ إذا اشتدَّ الخناق ... في الحرب نتقين علا الطباق
وحين ولّوا عنه مُدبرينا ... يوم حنين لم يُر حزينا
لم يبق عنده من الصحب سوى ... مائة شخص وهو مشدود القوى
عدوُّهُ في عددٍ من الألوف ... بعدَّةٍ من الرماح والسيوف
والمصطفى مازال ثابتاً على ... بغلته يهمزُها إلى العُلى
منوهاً باسمه الكريم ... لم يكترث بالعسكر اللكيم
قال أنا النبي حقاً لا كذب ... مصرحاً أنا ابن عبد المطلب
هذا دليلٌ لتمام الثقة ... بالله مع إيقانه بالنُّصرةِ
وأنَّ مولاهُ سيوفي وعده ... وأنهُ يُعزُّ حقاً جُنده
وتمَّ نصرُ الله للمختار ... واستاق أسراهم مع الذَّراري
" وفي السخا كأنه البحر زخر ... يُعطي مئيناً وألوفاً من حضر "
ما ردَّ سائلاً ولم يستكثر ... عطاءه من الجميل والبر
يؤثر غيره وإن تكن به ... خصاصةٌ محبَّةً لربهِ
تقول أم المؤمنين كانا ... خُلُقُهُ القرآن فاستبانا
بأنَّهُ أشرفُ خلقِ الله ... وأنهُ أفضلُ رُسل الله
وكلَّ مابه القرآن قد أمر ... قام به كما انتهى عما زجر
مبادراً للعمل المَرضيّ ... وأبعد الناس عن المنهيِّ
وقال عبدُ الله أعني ابن سلام ... حين رأى الرسول سيد الأنام
لما رأيت وجهه عرفتُ ... بأنه وجهٌ صدوقٌ ثبتُ
ليس بوجه رجلٍ كذَّاب ... ولا بهمَّاز ولا عيَّاب
سمعته يقولُ أفشوا السلام ... يا أيها الناس وأطعموا الطعام
وواصلوا أرحامكم وصلُّوا ... بالليل والناس نيامٌ غُفلُ
لتدخلوا الجنَّة بالسَّلامِ ... عليه منَّا أشرف السلام(314/8)
وكان صلى ربُّنا عليه ... يجودُ في المال بما لديه
مُتَّصفاً بكل وصفٍ أسمى ... إليه أنواعُ الكمال تُنمى
مُنذُ نشأ طفلاً إلى مماته ... متَّصاً بالحُسن في حالاته
الصدقُ والإخلاصُ والشجاعه ... والحلمُ والعفافُ بل والطاعه
والنصحُ والرأفةُ ثم الرحمة ... واللينُ والرفق بكل الأمَّه
والجود للأيتام والأرامل ... والفقرا والضُّعفا الأفاضل
يكفيه وصفُ ربِّه الكريم ... بأنَّه ذو خُلُقٍ عظيم
قد حاز هذا مع حُسن السمَّت ... والشَّكل والصُّورة بل والصوت
وحكمةٍ فائقة بديعة ... ونسبةٍ عريقةٍ رفيعة
في قومه الذي أعلى دارا ... وخيرُ أهل أرضنا قرارا
وفي صحيح مسلم عن واثله ... يروره عن ربِّ الصفات الكاملة
بأنَّ مولانا اصطفى من ولد الـ ... ــخليل إسماعيل مثل ما نقل
وأنه جل اصطفى كنانة ... من فرع إسماعيل ذي المكانة
ومن كنانة اصطفى قريشاً ... ومن قُريش اصطفى من أنشا
من هشم الثريد وهو هاشم ... وخير أهل الكون بدواً وحضر
وقد روى الحاكم في المستدرك ... عن الفتى نحواً من الذي حُكي
وزاد في المروي من غير افتخار ... فأنا ياقوم خيارٌ من خيار
فمن أحبَّ العُرب فبحبّي ... أحبّهم طوبى له بالقرب
ومن يكن أبغضهم بالعكس ... فلا تكن لحقِّهم ذا بخس
والناس أطوار وهم معادن ... والفضل في الأشخاص والأماكن
وفي الشهور واردٌ وفي القرون ... وحسبنا الله وما شاء يكون
وأفضل الصلاة والسلام ... على النبي سيد الأنام
والآل والصحب على الدوام ... والحمد لله على الختام
صلَّى الله على محمد ... صلى الله عليه وسلم
الدُّعاء
هذا وقد تم بحمد الله ... نظمي لميلاد رسول الله
مُلَّخصاً مما حكاه ابن كثير ... في ذكر مولد البشير النذير
ويحسن الختام بالدعاء ... لبارئ الأرض مع السماء
يا ربنا يا ربنا يا ربنا ... يا ربنا يا ربنا يا ذا السنا
ندعوك يامن لا سواه غافر ... بحرمة الهادي النبي الطاهر
محمد وآله وصحبه ... أن تكرم العبد بغفر ذنبه
وتصلح القلوب والقوالب ... وأن تجود رب بالمطالب
وأن تعافينا وتعفوا عنا ... وتختم العمر لنا بالحسنى(314/9)
وحب لنا رضاك ثم الجنَّه ... واجعل لنا من العذاب جُنَّه
وكن لنا يا ربنا معينا ... وأصلح الدنُّيا لنا والدّينا
ونور الأبصار والبصيرة ... يا ربنا وأصلح السريرة
وأصلح الأمة واستر واجبر ... وارحم وألّف القلوب وانصر
وأصلح الإخوان والأولادا ... والأهل والجيران والأحفادا
أقرَّ عين المصطفى بالكلِّ ... ووفق الكل لخير السبل
وفي الختام كلنا نستغفر ... وبك يا مولى الورى نستنصر
نستغفر الله وندعوه عسى ... يصفح عنا ما اقرفنا من أسى
يا رب عفواً ورضاً ورحمة ... هبنا وهب كل عصاة الأمة
وتب علينا توبة نصوحاً ... و زكنا بها قلباً وروحا
واجعل إلى رحمتتك انقلابنا ... و في رضاك سعينا ودأبنا
وفي مراقي المصطفى فرِّقنا ... ومن سُلاف حُبه فأسبقنا
واجعل على وفاتنا ... واعمر بأعمال التقى أوقاتنا
والطف بنا يا ربنا وعافنا ... وانظر إلينا واعف عن إسرافنا
وأظهر الدين وبين فضله ... واقمع أعاديه وسدد أهله
واجعله منصوراً على الأديان ... وعالياً في سائر البلدان
وكثر الدّاعين والأدلَّة ... والمرشدين لسلوك المله
وكن لهم واكلاً وصُنهم وأطل ... أعمارهم واردع بهم كلُّ مُضل
آمين آمين إلهي فاستجب ... واسمع وقل لي هاك عبد ما تحب
بحرمة الذَّات وسر الذكر ... وجاه طه مصطفاك الطُّهر
صلى عليه الله ما نور أضا ... في الكون وانهلت شآبيب الرضا
والآل والأصحاب أرباب النهى ... والحمد لله ابتداءً وانتها(314/10)
السيف أصدق أنباءً من الكتب 1
...
كان المعتصم قد سأل: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية؛ لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام وهي عين النصرانية، فسارع بتعبئة حملة وتجهيز جيش بكل ما يحتاجه،
وخرج إلى عمورية في (جمادى الأولي 223هـ= إبريل 838م) ولم تكن من عادة الحملات الكبرى الخروج في ذلك الوقت، غير أن الخليفة كان متلهفا للقاء،
ورفض قبول توقيت المنجّمين الذين تنبئوا بفشل الحملة إذا خرجت في هذا التوقيت، وهذا ما عبر عنه الشاعر الكبير "أبو تمام" في بائيته الخالدة التي اوردها الان
وأبو تمام هو حبيب بن اوس الطائي ولد فى قرية جاسم قرب دمشق عام 188هـ
السيف أصدق أنباءً من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعةً ...بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب
تخرصاً وأكاذيباً ملفقة ... ليست بنبعٍ إذا عدت ولا غرب
عجائباً زعموا الأيام مجفلةً ... عنهن في صفر الأصفار أو رجب
و خوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ ... إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
و صيروا الأبرج العليا مرتبة ... ما كان منقلباً أو غير منقلب
يقضون بالأمر عنها و هي غافلةٌ ... ما دار في فلكٍ و في قطب
لو بنيت قط أمراً قبل موقعه ... لم تخف ما حل بالأوثان و الصلب
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ... نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطب
فتح تفتح أبواب السماء له ... و تبرز الأرض في أثوابها القشب
يا يوم وقعة عمورية انصرفت ... عنك المنى حفلاً متسولة الحلب
أبقيت جد بني الإسلام في صعدٍ ... و المشركين و دار الشرك في صبب
أم لهم لو رجوا أن تفتدي جعلوا ... فداءها كل أمٍ برةٍ و أب
و برزة الوجه قد أعيت رياضتها ... كسرى وصدت صدوداً عن أبي كرب
بكرٌ فما اقترعتها كف حادثهٍ ... و لا ترقت إليها همة النوب(315/1)
من عهد إسكندرٍ أو قبل ذلك قد ..شابت نواصي الليالي و هي لم تشب
حتى إذا مخض الله السنين لها ... مخض البخيلة كانت زبدة الحقب
أتتهم الكربة السوداء سادرةً ... منها و كان اسمها فراجة الكرب
جرى لها الفأل برحاً يوم أنقرةٍ ... إذ غودرت وحشة الساحات و الرحب
لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الحرب
كم بين حيطانها من فارسٍ بطلٍ ... قاني الذوائب من آني دمٍ سرب
بسنة السيف ، و الحناء من دمه ... لا سنة الدين و الإسلام مختضب
لقد تركت أمير المؤمنين بها ... للنار يوماً ذليل الصخر و الخشب
غادرت فيها بهيم الليل و هو ضحى ... يشله وسطها صبحٌ من اللهب
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت ... عن لونها وكأن الشمس لم تغب
ضوءٌ من النار والظلماء عاكفةٌ ... وظلمةٌ من دخانٍ في ضحىً شحب
فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت ... والشمس واجةٌ من ذا ولم تجب
تصرح الدهر تصريح الغمام لها ... عن يوم هيجاء منها طاهرٍ جنب
لم تطلع الشمس فيه يوم ذاك على ... بانٍ بأهلٍ ولم تغرب على عزب
ما ربع مية معموراً يطيف به ... غيلان أبهى ربىً من ربعها الخرب
ولا الخدود وقد أدمين من خجلٍ ... أشهى إلى ناظري من خدها الترب
سماجةٌ غنيت منا العيون بها ... عن كل حسنٍ بدا أو منظرٍ عجب
وحسن منقلبٍ تبدو عواقبه ... جاءت بشاشته من سوء منقلب
لو يعلم الكفر كم من أعصرٍ كمنت ... له العواقب بين السمر والقضب
تدبير معتصمٍ بالله منتقمٍ ... لله مرتقبٍ في الله مرتغب
و مطعم النصر لم تكهم أسنته ... يوماً و لا حجبت عن روح محتجب
لم يغز قوماً و لم ينهد إلى بلدٍ ... إلا تقدمه جيشٌ من الرعب
لو لم يقد جحفلاً يوم الوغى لغدا ... من نفسه وحدها في جحفلٍ لجب
رمى بك الله برجيها فهدمها ... و لو رمى بك غير الله لم يصب
من بعد ما أشبوها واثقين بها ... و اللهم مفتاح باب المعقل الأشب
و قال ذو أمرهم : لا مرتعٌ صددٌ ... للسارحين و ليس الورد من كثب(315/2)
أمانياً سلبتهم نجح هاجسها ... ظبي السيوف و أطراف القنا السلب
إن الحمامين من بيضٍ و من سمرٍ ... دلوا الحياتين من ماءٍ و من عشب
لبيت صوتاً زبطرياً هرقت له ... كأس الكرى و رضاب الخرد العرب
عداك حر الثغور المستضامة عن ... برد الثغور و عن سلسالها الحصيب
أجبته معلناً بالسيف منصلتاً ... و لو أجبت بغير السيف لم تجب
حتى تركت عمود الشرك منقعراً ... ولم تعرج على الأوتاد و الطنب
لما رأى الحرب رأي العين توفلسٌ ... و الحرب مشتقة المعنى من الحرب
غدا يصرف بالأموال جريتها ... فعزه البحر ذو التيار و اللجب
هيهات زعزعت الأرض الوقور به ... عن غزو محتسبٍ لا غزو متكسب
لم ينفق الذهب المربي بكثرته ... على الحصى و به فقرٌ إلى الذهب
إن الأسود ، أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
ولى و قد ألجم الخطي منطقه ... بسكتةٍ تحتها الأحشاء في صخب
أحذى قرابينه صرف الردى و مضى ... يحثث أنجى مطاياه من الهرب
موكلاً بيفاع الأرض يشرفه ... من خفة الخوف لا من خفة الطرب
إن يعد من حرها عدو الظليم فقد ... أوسعت جاحمها من كثرة الحطب
تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت ... جلودهم قبل نضج التين و العنب
يا رب حوباء لما اجتث دابرهم ... طابت و لو ضمخت بالمسك لم تطب
و مغضبٍ رجعت بيض السيوف به ... حي الرضا من رداهم ميت الغضب
و الحرب قائمةٌ في مأزقٍ لججٍ ... تجثو الكماة به صغراً على الركب
كم نيل تحت سناها من سنا قمرٍ ... و تحت عارضها من عارضٍ شنب
كم كان في قطع أسباب الرقاب بها ... إلى المخدرة العذراء من سبب
كم أحرزت قضب الهندي مصلتةً ... تهتز من قضبٍ تهتز في كثب
بيضٌ إذا انتضيت من حجبها رجعت ... أحق بالبيض أتراباً من الحجب
خليفة الله جازى الله سعيك عن ... جرثومة الدين و الإسلام و الحسب
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها ... تنال إلا على جسرٍ من التعب
إن كان بين صروف الدهر من رحمٍ ... موصولةٍ أو ذمامٍ غير منقضب(315/3)
فبين أيامك اللاتي نصرت بها ... و بين أيام بدرٍ أقرب النسب
أبقت بني الأصفر الممراض كاسمهم ... صفر الوجوه وجلت أوجه العرب(315/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
السيف المسلول
على ضلالات عمرو خالد
الداعية الجهول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد :-
فهذه بعض مثالب عمرو خالد بذكر مصادرها نظمتها ليسهل نشرها علَّ الله أن ينفع بهذه الأبيات والله المستعان.
يامن يروم الفوز بالرضوان ... اسمع هديت لأحسن الإيمان
لما تخلى البعض عن علمائهم ... ورضوا سبيل الجهل والحرمان
قبلوا دعاة الشر قواداً لهم ... نحو الجنان وبر كل آمان
فغزتهم الشبهات حتى أوقعت ... تلك القلوب بحيرة الخذلان
هذا لان الجهل قد أرسى قوا ... عده وصال بتلكم الأذهان
أنى لهم درب النجاة وسيرهم ... في غير مايرضي عظيم الشان
يا معشر الأخوان هلا عودة ... للناصحين علىهدى العدنان
ودعوا ذوي التخليط والتخبيط والـ ... تلبيس والتضليل والهوكان
وعليكم التقوى سبيل ذوي النهى ... كيما تكونوا من ذوي الفرقان
والله ماقلت القصيدة شامتا ... لكن ليضهر ناشئ الإخوان
اعني به عمرو بن خالد ذلك الـ ... مفتي بلا علم ولابرهان
افتى ببيت المقدس الاقصى الذي ... هو ثالث الحرمين في الرضوان
ان قد بناه المجتبى داوود في ... ارض اليهود بسالف الازمان( 1)
فرحت بذي الفتوى اليهود لما رات ... فيها من التاييد والادهان
ولذاك بثتها بموقعها على ... مرءا ومسمع من له اذنان
مدحته ياقومي كذا الموساد اذ ... اعطاهم حججاً على العدوان
ويقول عن ابليس لم يكفر فما ... في الارض كفار بذا الهذيان( 2)
والله كفره وذم فعاله ... في بضع أيات من القران
اخشى على عمرو بن خالد ردة ... مما بذي الفتوى من الطغيان
فنواقض الاسلام فيها كفر من ... لا يرتضي تكفير ذي الكفران
لكننا بالجهل نعذره فما ... نرضى بتكفير بلا برهان
ويقول عمرو مشككاً في قدرة الـ ... قدوس باري كل ذي الأكوان (3)
صعب على الجبار تغيير لما ... في الناس من سير بذي الأزمان
سبحانك اللهم من ذا الوصف والـ ... تنقيص والإشراك والبهتان
ـ
ويقول في حمق وجهل فاضح ... مما يبين منهج الطيشان
انظر لنفسك غاية تمضي لها ... حتى ولو في مسلك البطلان( 4)(316/1)
أيقول هذا عاقل أو ناصح ... لا والذي برأ الورى وبراني
ودعا إلى شد الرحال زيارة ... لضريح خير النسل من عدنان( 5)
ورسولنا قد حذر العباد من ... ذا الفعل خوف الشرك بالرحمن
فلقد روى الشيخان عن سعد بما ... يشفي الصدور فحبذا الشيخان
ودعا الحجيج ليستغيثوا بالخليـ ... فة ثاني العمرين في الرجحان( 6)
شرك كبير ذي الفعال لأنها ... ظلم بحق الواحد الديان
أيقول هذا عابد وموحد ... كلا ومتقن خلقة الإنسان
ويبيح للناس الأغاني جملة ... حتى ولو مصحوبة العيدان( 7 )
ويرى اختلاط رجالهم بنسائهم(10) ... ويرى التبرج جائزاً لغواني
ولذا تراه يحاضر النسوان في ... ذاك السفور بحضرة الشبان
بمواعظ فيها التغنج إذ به ... فتن الشباب وسائر النسوان
حاشا ذوي الإيمان والتقوى فهم ... أهل البصيرة والهدى الرباني
وله أغان قد أبان بحبه ... لسماعها ممزوجة الألحان (8)
والله حرم ذلكم ورسوله ... صلى علية الله كل أوان
ولقد قرأت لعالم متبحر ... تلميذ شيخ الملة الحراني
حب الكتاب وحب الحان الغنا ... في قلب عبد ليس يجتمعان
وقرأت بيتاً اخراً من عالم ... يسمى الأديب الشاعر القحطاني
ان التقي لربه متنزه ... عن صوت الحان وسمع أغان
ويقول عمرو بالمحبه والولا ... ء لكل من يمشي على الكثبان (9)
فيخاطب الكفار ان الكره قد ... سلت سخائمه بلا نكران
أين البراء من الضلال وأهله ... أجهلت انه من عرى الإيمان
ويمثل الآيات في القران بالـ ... لقطات بئس ممثل القران(11)
فلعل عمراً قد تأثر من مشا ... هدة المسارح زاده الروحاني
ولذاك أفتى السائلين بأنه ... متعلق بمسارح (12) وأغاني
ويقول قول الملحدين بان ذا الـ ... قران مخلوق بغير تواني(13)
فلقد قرات لذلك النحرير من ... يسمى الفقيه الجهبذ القحطاني
من قال إن الله خالق قوله ... فقد استحل عبادة الأوثان
واذا سالت عن المزيد فشكله ... ينبيك عن جهل وعن نقصان
هو حالق ومكرفت ومبنطل ... انعم به من قدوة العميان
قد أسبل البنطال تحت الكعب والـ ... إسبال من سيما ذوي العصيان
يا معشر الإخوان أين عقولكم ... أتبجلون جويهلاً فتان(316/2)
يا معشر الإخوان إني ناصح ... والله يعلم مايكن جناني
هذا ولست مكفراً عمراً بما ... أوردته من قوله الشنئان
هذا القليل من الكثير نظمته ... عل الصواب يبين للحيران
والله أسأله الثبات على الهدى ... والفوز بالفردوس خير جنان
بقلم / أبي عاصم السلفي
15/ ربيع الثاني /1426هـ
1-في برنامجه على قناة اقرأ يوم الجمعة 10/5/2002 م 8 - نفس الشريط فقد صرح أنه تعجبه أغنية فايزة أحمد
2- في شريطه محاربة الشيطان الوجه الأول 9- في شريطه راحة قلوب الشباب الوجه الثاني
3- في بداية شريطه قيمة العلم 10- في اسطوانة فيديو سيدي بعنوان الحب بعد الدقيقة 28
4- في الوجه الأول من شريطه راحة قلوب الشباب 11- في شريطه خواطر قرانية من ياسين
5- في الوجه الأول من شريطه الحج والعمرة الجزء الأول 12 - ذكر عنه في شريط الصوارم الحداد الوجه الثاني
6- بداية الوجه الثاني من شريطه الحج والعمرة
7- ذكر عنه في شريط الصوارم الحداد الوجه الثاني 13- في شريطه خواطر قرانية من سورة ياسن
تنبيه :
اعلم أخي القارئ الكريم أن المراجع التي استفدت منها هي: ملزمة الأخ الفاضل/ خالد الأثري بعنوان(أقوال عمرو خالد في ميزان الكتاب والسنة) وشريط (مخالفات عمرو خالد لشريعة الإسلام بصوته )
وشريط ( الصوارم الحداد لقطع ضلالات عمرو خالد داعية الجهل والفساد) للشيخ الفاضل / يحيى الحجوري – حفظه الله تعالى-.(316/3)
الشهيد
سأحمل روحي على راحتي * * وألقي بها في مهاوي الردى
فإمّا حياة تسرّ الصديق * * * وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
ونفسُ الشريف لها غايتان * * * ورود المنايا ونيلُ المنى
وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن * مخوف الجناب حرام الحمى
إذا قلتُ أصغى لي العالمون * * * ودوّى مقالي بين الورى
لعمرك إنّي أرى مصرعي * * * ولكن أغذّ إليه الخطى
أرى مصرعي دون حقّي السليب ودون بلادي هو المبتغى
يلذّ لأذني سماع الصليل * * * ويبهجُ نفسي مسيل الدما
وجسمٌ تجدّل في الصحصحان * * * تناوشُهُ جارحاتُ الفلا
فمنه نصيبٌ لأسد السماء * * * ومنه نصيبٌ لأسد الشّرى
كسا دمه الأرض بالأرجوان * * * وأثقل بالعطر ريح الصّبا
وعفّر منه بهيّ الجبين * * * ولكن عُفاراً يزيد البها
وبان على شفتيه ابتسامٌ * * * معانيه هزءٌ بهذي الدّنا
ونام ليحلم َ حلم الخلود * * * ويهنأُ فيه بأحلى الرؤى
لعمرك هذا مماتُ الرجال * * * ومن رام موتاً شريفاً فذا
فكيف اصطباري لكيد الحقود * * * وكيف احتمالي لسوم الأذى
أخوفاً وعندي تهونُ الحياة * * * وذُلاّ وإنّي لربّ الإبا
بقلبي سأرمي وجوه العداة * * * فقلبي حديدٌ وناري لظى
وأحمي حياضي بحدّ الحسام * * * فيعلم قومي أنّي الفتى.
بقلم: عبدالرحيم محمود(317/1)
الشوق يحفزني
بقلم: محمد ضياء الدين الصابوني (شاعر طيبة)
الشوق يحفزني يثير عواطفي
والحب يسمو بي سمو الفرقد
انا والبعاد على خصام دائم
ومع اللقاء على كريم الموعد
اجد السعادة والنعيم بروضه
يا ليتني أحظى بقرب المسجد
إن طال هذا البعد فهو محرك
للشوق عن اعتابه لا تبعد
صفت الليالي بعد طول تجهم
يا نفس طيبي باللقاء وغردي
ها انت في روض الحبيب تادبي
وقفي خشوعا عند رؤية أحمد
ما الحب إلا نفحة قدسية
تغشاك في ذكر النبي محمد
في روضة المختار اكرم مرسل
تصفو النفوس فليس أي منكد
تسمو بها أروحنا وقلوبنا
وتروح في دنيا الجمال وتغتدي
الجذع حنّ, فأي قلب لم يذب
شوقا إلى ذاك الجمال الاحمدي؟
ويهيم في أعتابه متذللا
لجنابه في حرقة وتنهد
ومن الحجارة ما يذوب صبابة
ومن الحجارة ما يحنّ لاحمد
الله اكرمنا بحب المصطفى
فانهج شريعة أحمد وتزود
(إن الذين يبايعونك إنما)
قد بايعوا الرحمن دون تردد
صلى الله عليك يا علم الهدى
يا خير مبعوث وأكرم منجد(318/1)
الصائم
شعر الأستاذ : خير الدين وانلي رحمه الله تعالى
مَلَكٌ في زِيِّنا أمْ بَشَرٌ غَضَّ طرْفاً أمْ تُرى لا يُبصرُ؟
مالَهُ لا يأْكلُ الحَلوى ولا يَشربُ الماءَ كَدُرٍّ يَقْطرُ؟
مالَهُ يُكثرُ مِنْ إنفاقِهِ في سبيلِ اللهِ لا يَستكثرُ؟
مالَهُ أَعرضَ عن زينتِها واكتفَى بالنَّزْرِ أو ما يَستُرُ؟
مالَهُ لا يَشهدُ الزورَ ولا يَنْهشُ الأعراضَ ؟ بل يَسْتَنكرُ
أهْوَ منْ كوكَبِنا أمْ أَنَّه مِنْ نجومٍ قد طَوَتْها الأَعْصُرُ؟
غارقٌ في فكرِه مسترسلٌ يحمدُ الرحمنَ يَرجو يَشْكُرُ
إنهُ الصائمُ يَخشى محبِطاً لصيامٍ فهو دَوْماً يَحذَرُ
ويصلي الخَمسَ في مسجِدها أوَّلَ الوقْتِ ولا يَستأْخِرُ
يقرأُ القرآنَ يَبكي خاشِعاً ويقومُ الليلَ يَدعو يَجْأَرُ
متْقِنٌ في صنعِه مُستأْمَنٌ حافظٌ عَهْداً بهِ لا يَغْدِرُ
صادقٌ في قولِه في نصحِهِ آمرٌ بالخيْرِ فيهِ يَنْصُرُ
يحمدُ الموْلى على نَعْمائِهِ وعلى كلِّ البَلايا يَصبرُ
ليسَ مُغتاباً ولا مُستهزئاً ليسَ مَزْهُواً ولا يَستكبرُ
هكذا الصائمُ هذا شأنُهُ أينَ منهُ صومُ مَنْ لا يُبْصرُ؟(319/1)
الصارم المسلول لشاتمي الرسول
عمر طرافي البوسعادي / الجزائر
amartharrafi@yahoo.fr
رسول الله خير الخلق iiيلقى ... من الأعداء في الدنمرك iiنابا
وأمته الجريحة في iiشتات ... تراه على صحيفتهم سِبابا
فلا تقوى على التأديب iiثأرا ... سوى التنديد بالأقوال نابا وما عبنا
التجهم من حديث ... ولكن حبّذا الأقوى اقتضابا
تفطرت السماء وخرّ iiصخرُ ... وأرعدت الغيوم صدىً iiغضابا
وهمّ الأخشبان بدكّ iiقومٍ ... أساؤوا للحبيب هوىً iiكِذابا
فلو فعلوا الذي فعلوه iiقدْما ... وكان العهد في الماضي iiمهابا
رأيتَ الأسْدَ في البيداء هبّتْ ... تردّ العزّ للهادي iiغلابا
هنالكَ سهمُ حمزةَ صار iiبرقا ... وسيف ابن الوليد غدا iiلهابا
وثمة رمح وحشيٍّ iiقنيص ... لمن شتم الرسول عَدًا iiوعابا
أيغدو الوهن فينا اليوم iiيسري ... وقد أغثى بنا الوادي iiحبابا
فنلقى العجم في خترٍ و وَجرٍ ... أهانوا الدين والنسل iiالعرابا
وهمّوا بالرسول ولم iiينالوا ... سوى الآثام تمحقهم iiيبابا
ترى ماذا جنى المختار iiطه ... إزاء الناهشين له عقابا ii؟!
ألم يكُ في البرية خير iiإنسٍ ... رحيم عادل يتلو الكتابا ii؟
ويعفو في سماح عن أناسٍ ... له كانوا خصوما أو ذئابا ii!!
ويرفق بالأسارى ..لو iiسألتم ... هدى التاريخ تلقون iiالجوابا
هلموا للزمان سلوه iiحقا ... عن الأخلاق والتزموا الصوابا
شمائله الزكية قد تسامتْ ... إلى العلياء تخترق السحابا
وناطحت النجوم هدىً iiوصارتْ ... ثرياتٍ جميلاتٍ iiشهابا
وأخرجنا من الظلمات iiطرّا ... إلى الأنوار حيث الأنس iiطابا
كفاكِ صحيفة الدنمرك iiهزءًا ... وحسبكِ ما فتحتِ اليوم iiبابا
سننفذ منه في ألمٍ iiوحنقٍ ... ببركان سنسكبه iiانسكابا
أراكِ الآن في ضحكٍ iiوزهوٍ ... وقهقهة تنادين iiالشرابا
مهٍ " يولاندُ " ربّ البيت iiيصغي ... ويمهلُ ما اجترحتِ غداً iiحسابا
ستلقين الجزاء المرّ دهرا ... فتحترمي المآذن iiوالقبابا
كذاك القول للنرويج iiمثلٌ ... " مغازيناتُ " لم ترع iiالجنابا(320/1)
وأيمُ الله يأتي اليوم iiغرّ ... يعم الدين في الأرجا iiرحابا(320/2)
الصديق أبو بكر
أَتعبتَ بعدَك من للحُكْمِ قد جاؤوا *****كذاكَ أَتعبتِ النِّسْوانَ (( أَسماء ))
يا خيرَ أَصحاب رسْلِ الله قاطبةً ***** باهتْ بعائشةَ الحمراءِ حَوّاء
يا صاحبَ الغارِ هلْ في الغارِ ملتَجَأ ***** وفوقَه وقْعُ أَقدامٍ وأَصداء
يا ثاني اثْنينِ لا تحزَنْ فغارُكُما ***** تحفُّه نصرةُ المولى وآلاء
يا أَفضلَ الناسِ بعدَ الرسْلِ صَلِّ بهمْ ***** ما ضرَّ أَنك في الترتيلِ بَكّاء
فأَنتَ أَولُ صِدّيقٍ ومُتَّبِعٍ ***** وقفتَ كالطوِد لما كانَ إسراء
يا مَنْ بذلتَ جميعَ المالِ محتسِباً ***** يَهنيكَ في الخلْدِ إِكرامٌ و إِجْزاء
سبقتَ أقرانَك الأَصحابَ في كرمٍ ***** كما سبقتَ بعزمٍ فيه إِمضاء
فكنتَ أَشبهَ بالمعصومِ تخلُفُه ***** على صلاةٍ إذا نابتْهُ ضَرّاء
وأَنتَ أَولى بهذا الأَمر تحملُه ***** فأَنتَ مختارُه والحكْمُ أَعباء
يا مَنْ حَلبتَ شياهاً كنتَ تحلُبها ***** قبلَ الخلافةِ لم تَفقدْك عَمياء
ظنتْ مشاغلَ هذا الأمرِ صارفةً ***** ذا الأَمر عن شاتِها والشاةُ جرباء
لا تَقلقي فأميرُ القومٍ خادمُهم ***** ما غرَّه منصبٌ عالٍ وإِِِِِِِِِغراء
فالدينُ علَّمه نُصْحاً لأُمتهِ ***** والدينُ للفكرِ والأَخلاقِ إحْياء
والمصطفى تَمَّمَ الأخلاقَ كمّلَها ***** وصاحبُ الغارِ ما شانتْه نكراء
أكرمْ بغارٍ حَوى فضلاً ومكرُمةَ ***** لم تحوِ مثلَهما في الدهرِ غبرْاء
*****
وقفتَ في وجهِ رومانٍ ذوي طمع ***** ضاقتْ بأَطماعِهم بَترا وبَلْقاء
وكنتَ للفرْس مقراضاً ومطرقةً ***** فتلكَ أَفيالُهمِ أَعمى وعرْجاء
وردَّةُ العربْ ما بعثاً بحابسةٍ ***** فابعثْ ((أُسامةَ)) فالبيداءُ أَصداء
وقلْ لمن لانَ - والأَعرابُ مانعةٌ***** زكاتَها - ليس في الإسلامِ إِغضاء
تاللهِ لو مَنعوا حبْلاً لقاتلَهمْ ***** سَيفي وما غيرَه للشرِك محّاء
لا فرقَ بين زكاةِ المالِ تمنعُها ***** وجحْدِ ركْنٍ وللأَركانِ إِعلاء(321/1)
إن الزكاةَ من الأركانِ تاركُها ***** مهدِّمٌ دينَه والسيفُ بنّاء
شهادةُ اللفظِ لا تكفي فإن تُركتْ ***** أركانُها فهي عندَ اللهِ بَتْراء
ولا تصانُ دماءُ المرءِ قائِلها ***** ما لم تصدقْه أَفعالٌ وآراء
******
مضَى الخليفةُ يُزجي الجيشَ يدفعُه ***** في نحرِ مرتدُهم والجهلُ أَهواء
خاضتْ جيوشُ أَبي بكر معامِعَها ***** فقلَّ في الناسِ كُتّابٌ وقرّاء
فالحربُ قد أَرهقتْ قُرّاءنا بدداً ***** وجمعُ قرآنِنا فرضٌ وإِجراء
فليأمرِ الحاكمُ الصدّيقُ أَقرأَهم ***** بجمعِه وهو في القُرّاءِ جَوْزاء
وحولَه عصبةٌ من خيْرِ أُمتِنا ***** وكلُُّهم كاتبٌ للوحي قَرّاء
وتمَّ جمْعٌ كتابِ اللهِ في صُحُفٍ ***** تضمُّ آياتِه فالحربُ هَوجاء
وقرَّتِ العينُ مِنْ صدَّيقِنا وكذا ***** مِنْ مُلْهَمٍ رأيُهُ الفاروقُ وَضّاء
نعمَ الوزيرُ أَبو حفصٍ ففكرتُه ***** هي الصوابُ وبعضُ الفكرِ خطّاء
******
يا جارَ ((أحمدَ)) في روْضٍ به سعدتْ ***** بطاحُ ((طابَةَ)) فالروضاتُ غنّاء
لأنتَ أكرمُ جارٍ حلَّ ساحتَها ***** طابَ الجوارُ وطابَ الظلُّ والماء
كنتَ الرفيقَ لخيرِ الرسْلِ أَحمدِنا ***** إنْ مَسَّهُ الخيرُ أَو نابتْهُ بأساء
وأنتَ سلواهُ في قبْرٍ وصاحبهُ ***** في برزخٍ وبدار الخلدِ نعماء
ما فوقَ منزلةِ الصدّيقِ منزلةٌ ***** حاشا الَّنبيينَ فالصِّديقُ علياء
وقفتَ في وجهِ رومانٍ ذوي طمع ***** ضاقتْ بأَطماعِهم بَترا وبَلْقاء
وكنتَ للفرْس مقراضاً ومطرقةً ***** فتلكَ أَفيالُهمِ أَعمى وعرْجاء
وردَّةُ العربْ ما بعثاً بحابسةٍ ***** فابعثْ ((أُسامةَ)) فالبيداءُ أَصداء
وقلْ لمن لانَ - والأَعرابُ مانعةٌ***** زكاتَها - ليس في الإسلامِ إِغضاء
تاللهِ لو مَنعوا حبْلاً لقاتلَهمْ ***** سَيفي وما غيرَه للشرِك محّاء
لا فرقَ بين زكاةِ المالِ تمنعُها ***** وجحْدِ ركْنٍ وللأَركانِ إِعلاء(321/2)
إن الزكاةَ من الأركانِ تاركُها ***** مهدِّمٌ دينَه والسيفُ بنّاء
شهادةُ اللفظِ لا تكفي فإن تُركتْ ***** أركانُها فهي عندَ اللهِ بَتْراء
ولا تصانُ دماءُ المرءِ قائِلها ***** ما لم تصدقْه أَفعالٌ وآراء
للأستاذ خير الدين وانلي رحمه الله تعالى(321/3)
العملاق
---
تقدم! أيها الجبار ... لاتوجل ولا تجزع
وجاهد في سبيل الله ... حتى تبلغ المضجع
وحدق في ظلام الليـ ... ـل حتى تبصر المطلع
وقبل في جبين الشمـ ... ـس نصرا أخضرا أزمع
وطأ شوكا بأقدام ... كمرو للحصى يقرع
وادلج في طريق الفجر ... إن الليل قد أقلع
تسلق قمة الجوزا ... ء ، كالطربيد إذ فرقع
لتصعد خندق الماضي ... إلى مستقبل شعشع
ففوق النخلة الشما ... ء عذق أخضر أينع
وخلف الليلة السودا ... ء بدر ضاحك يلمع
وخلف الغيمة الشهبا ... ء غيث أخضر فارتع
أفق ياشعب! وانفض من ... منامك فارسا أروع
وألق لحافك المشدو ... د ناداك الضحى فاصدع
فهذا الغول وسط الدر ... ب أوهام فلا تفزع
وذاك الموج لن يطوي ... سوى ماش على أربع
لغير الله ياعملا ... فلا تذعن ولاتخضع
وأقدم مثل قنبلة ... إذا رخو الخطى تعتع
وغيم الوهم والأشباح ... باسم الله قد أقشع
وباسم الله واسم الله ... في حلك الوغى مدفع
وحد القلب مثل السيـ ... ـف في الأزمات كم قعقع
إذا برد الشتاء قسا ... بريح قارس زعزع
ففي جنبيك حر عزيـ ... ـمة للمصطلي يسطع
ومن يرق الجبال على ... حذاء الصبر لم يقنع
وتلك النخلة المعطا ... ء لولا الهز لم تنفع
وإن لم تحفر الصحرا ... ء فالآبار لن تنبع
فمن شق الصخور جلا ... دروبا بالمنى تزرع
ولولا الرعد ما ظهرت ... بروق في الدجى تلمع
فإن تركض الى دنيا ... من اللذات والمطمع
فخف بردا وخف حرا ... وغازل أصفرا يطمع
ولون وجهك المطبو ... ع إن الطبع لن يشفع
ودر كاللولب الذهبي ... كي تروى وكي تشبع
وكن إسفنجة تمتـ ... ـص كل شوائب المصنع
وإن تركض لآخرة ... فلا تركع ولا تظلع
فما للمجد إلا الصبـ ... ـر حتى تبلغ المصرع
عيون المجد والشهدا ... ء في الأزمات لاتدمع
أجل يا صخر يا جبا ... ر للأوثان لا تخشع
رعاك الله يامهرا ... جموحا دوخ البلقع
وفي مجد الجنان غدا ... لدى مولاك مستمتع
دماؤك سنبلت نصرا ... وأعلاما إذا ترفع
وأنت الحي لا ميت ... ينفق وسط مستنقع(322/1)
الغرب مقبرة العدالة
شعر.. للغرب
1. قالوا لنا الغرب قلت ... سياحة وصناعة ومظاهر تغرينا
2. لكنه خاو من الإيمان لا ... يرعى ضعيفا أو يسر حزينا
3. الغرب مقبرة المبادئ لم يزل ... يرمي بسهم المغريات الدينا
4. الغرب مقبرة العدالة كلما ...رفعت يدا أبدى لها السكينا
5. الغرب يحمل خنجرا ورصاصة .... فعلام يحمل قومنا الزيتونا
6. كفر وإسلام فأنى يلتقي ... هذا بذاك أيها اللاهونا
7. أنا لا ألوم الغرب في تخطيطه ... ولكن اللوم لوم المسلم المفتونا
8. وألوم أمتنا التي مشت ... على درب الخضوع ترافق التنينا
9. وألوم فينا نخوة لم تنتفض .... إلا لتضربنا على أيدينا
10. يا مجلس الأمن المخيف إلى متى ... تبقى لتجار الحروب رهينا
11. لعبت بك الدول الكبار ... فصرت في ميدانهن اللاعب الميمونا
12. يا مجلسا غدا في جسم عالمنا ... مرضا خفيا يشبه الطاعونا
13. شكرا لقد أبرزت وجه حضارة ... غربية لبس القناع سنينا
14. يا مجلس الأمن انتظر إسلامنا .... سيريك ميزان الهدى ويرينا
15. إن كنت في شك فسل فرعون ... عن غرقه وسل عن خسفه قارونا(323/1)
الفارس المصلوب
---
كفرت بكل من عذلوا ... وعن درب الفدا عدلوا
ومن لم يصبهم في العيش ... إلا النوم والكسل
ومن بنبيهم والنار تزح ... يكثر الجدل
ومن بالوهم -رغم التيه ... ظنوا أنهم وصلوا
وأكبرت الذين مضوا ... وعما شق ما سألوا
وعن غاياتهم ـ رغم اعتساف ... الدهر ـ ما نكلوا
ومن دمهم أضيئت في ... دياجي الحيرة الشعل
أيا مهرا يجيد العدو ... لم يشمت به الكلل
رأيتك صافيا والناس ... مغشوش ومنتحل
وزورق عزة رغم اشتداد ... الموج ينتقل
وسيفا مثل ضوء البرق ... يسطع حين ينتضل
واعصارا اذا ما هب ... ريع الحادث الجلل
لنا اسمح أن نقبل في ... يديك السيف يا بطل
كقول من أخي سفه ... توارى عنده الخجل
تخوض القدس في دمها ... وتنهش نحرها الذبل
ورجلك دون ساحتها ... بها قد ضلت السبل
وقلبك في هوى الغرباء ... متبول ومنشغل
فهل "كابول" علتها ... تهون أمامها العلل
وهل من ناقة فيها ... لنا ياشيخ أو جمل
أجبهم ـ يا رعاك الله ـ ... حتى يخرس الجدل
وقل يا أيها النقاد ... من لاموا ومن عذلوا
أنا مازال جرح "القدس" ... في جنبي يعتمل
ووقد مصابها كالنار ... في الأحشاء يشتعل
أنا ما خنت عهد الله ... لما خانت الدول
وفي ساحاتها جاهدت ... إذ جل الورى خذلوا
فلما غل كف الفدي ... وانقطعت بنا الحيل
ولم يبق الطغاة لنا ... طريقا نحوها يصل
ونحن بشرعنا "كابول" ... أخت القدس إن جهلوا
مضيت مجاهدا مع من ... بهم يتشرف المثل
بني الأفغان لا ميل ... اذا احتدمت ولا عزل
على نار الأسى شبوا ... وفوق جحيمها اكتهلوا
وكان الحزن يلبسهم ... وعنهم ليس ينفصل
فتلك ربوعهم بالدافق ... الموار تغتسل
وتحت صواعق الغارات ... بالنيران تشتعل
وتلك جماجم الأطفال ... تسحق وهي تبتهل
وأعراض النساء بها ... يعيث الملحد الثمل
فما ذل الإباء بهم ... وما بهم احتفى الفشل
ورأس الشعب مرتفع ... وموج البذل متصل
وفينا من يقول لهم ... عقيدتكم بها خلل
معاذ الله هذا الإفك ... مما ليس يحتمل
فيا أحبابنا الأفغان ... من ضحوا ومن بذلوا
لأنتم في الحياة شذى ... ونحن الثوم والبصل
ونحن عن الجهاد الحق ... ذاك العازف الوجل
ونحن الجبن والخذلان ... والتضليل والدجل(324/1)
خوالف أمتى مهلا ... بصيرتكم بها حول
فليس سوى عقيدتكم ... سرى بكيانها الشلل
جنود الروم نعرفها ... وإن ميدانها نقلوا
أيا من فكرهم قد زاغ ... عما بين الرسل
وفي أحكامهم جنفوا ... عن التقوى وما اعتدلوا
لهيب الشرك لايطفيه ... إلا الأحمر الهطل
وما سندت خطى التوحيد ... إلا البيض والأسل
أقول لكم وجنح الليل ... داج مطبق أزل
سأبقى في جبين الصبر ... وشما ليس ينفصل
أشرع هامتي للنار ... للأشواك أنتعل
أراقب هبة الايمان ... يحدوها الشذى الخضل
وكل قذيفة يشدو ... على أنغامها الأمل
تقول وربما قول ... تقر بطيبه المقل
لك البشرى ترجل عن ... جوادك أيها الرجل
فإن الاخوة الغياب ... للميدان قد وصلوا
ومن بوابة الأفغان ... للتاريخ قد دخلوا(324/2)
الفرزدق يمدح سعيد بن العاص
في ديوانه: 615، 618، و " طبقات ابن سلام ": 321، و " الأغاني " 21 / 321، و " معجم الأدباء " 7 / 258، و " نسب قريش ": 176، و " سيرة ابن هشام " 1 / 243، و " أنساب الأشراف " 4 / 438، و " أمالي المرتضى " 1 / 296، وابن عساكر 7 / 128 ب، و " خزانة الأدب " 3 / 74، و " تهذيب ابن عساكر " 6 / 136والإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 188)وسير أعلام النبلاء - (ج 3 / ص 445) وتاريخ الإسلام للذهبي - (ج 2 / ص 31) وجمهرة الأمثال - (ج 1 / ص 53)وطبقات فحول الشعراء - (ج 1 / ص 43)
والغر: جمع أغر: وهو الابيض الغرة، والجحاجح جمع جحجاح: السيد السمح الكريم، والحدثان: ما يحدث من نوائب الدهر، وعال: أثقل وفدح.
الأغاني - (ج 5 / ص 428)
دخل الفرزدق المدينة هارباً من زياد، وعليها سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس أميراً من قبل معاوية، فدخل على سعيد، ومثل بين يديه، وهو معتم، وفي مجلس سعيد الحطيئة وكعب بن جعيل التغلبي، وصاح الفرزدق: أصلح الله الأمير، أنا عائذ بالله وبك، أنا رجل من تميم، ثم أحد بني دارم، أنا الفرزدق بن غالب، قال: فأطرق سعيد ملياً، فلم يجبه، فقال الفرزدق: رجل لم يصب دماً حراماً، ولا مالاً حراماً، فقال سعيد: إن كنت كذلك فقد أمنت، فأنشده:
الحماسة البصرية - (ج 1 / ص 59)
قال الفرزدق وكان قد هرب من زياد إلى سعيد بن العاص. فمثل بين يديه وعنده الحطيئة وكعب بن جعيل، فاستجار به منه وأنشد.
أَرِقْتُ فلَمْ أَنَمْ لَيْلاً طَوِيلا ... أُراقِبُ هل أَرَى النَّسْرَيْن زالا
فقالَ لِيَ الذي يَعْنِيهِ شَأْنِي ... نَصِيحَةَ نُصْحِهِ سِرّاً وقَالا
عليكَ بَنِي أُمَيَّةَ فاسْتَجِرْهُمْ ... وخُذْ مِنْهُمْ لِما تَخْشَى حِبالا
حَلَفْتُ بمَنْ أَتَى كَنَفَيْ حِراءٍ ... ومَنْ وافَى بحَجَّتِهِ إِلالا
إِليكَ فَرَرْتُ مِنْكَ ومِن زِيادٍ ... ولَمْ أَحْسِبْ دَمِي لَكُما حَلالا(325/1)
ولكِنِّي هَجَوْتُ، وقَدْ هَجانِي ... مَعاشِرُ قد رَضَخْتُ لَهُمْ سِجالا
فإِنْ يَكُنِ الهِجاءُ أَباحَ قَتْلِي ... فَقَدْ قُلْنا لِشاعِرِهمْ وقَالا
تَرَى الغُرَّ الجَحاجِحَ مِن قُرَيشٍ ... إِذا ما الأَمْرُ في الحَدَثانِ غالا
قِياماً يَنْظُرُونَ إِلى سَعِيدٍ ... كَأَنَّهُمُ يَرَوْنَ بهِ الهِلالا
معجم الأدباء - (ج 2 / ص 496)
فقال الحطيئة هذا والله الشعر أيها الأميرلاما تعلل به منذ اليوم. فقال كعب بن جعيل: فضله على نفسك ولا تفضله على غيرك. فقال: بلى، والله أفضله على نفسى وعلى غيرى، أدركت من قبلك وسبقت من بعدك. ثم قال له الحطيئة: يا غلام، لئن بقيت لتبرزن علينا.
نهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 6 / ص 4)
وحكى الزبير بن بكار قال: لما عزل سعيد عن المدينة انصرف عن المسجد وحده، فتبعه رجل، فنظر إليه سعيد رضي الله عنه، وقال: ألك حاجة ! قال: لا، ولكني رأيتك وحدك، فوصلت جناحك. فقال له: وصلك الله يا ابن أخي، اطلب لي دواة وجلداً، وادع لي مولاي فلانا، فأتاه بذلك، فكتب له بعشرين ألف درهم، وقال: إذا جاءت غلتنا دفعنا ذلك إليك، فمات في تلك السنة، فأتى بالكتاب إلى ابنه عمرو، فأعطاه المال.(325/2)
القصيدة التي أبكت البنات
قالت وفي عينها من رمشها كحل .... قف وانتظرني فقد أودى بي الحول
أنا الغريبة يا عمري وكم نظرت ...... إليك عيني بقلب ملؤه الوجل
أنا المحبة والولهى على مضض....... فكن رحيما وقف يا أيها الرجل
لا تتركني فإني بنت مغرمة........ بحسن وجهك لما اختاره الخجل
صددت عني فكاد الصد يقتلني...... وغبت عني فكاد العقل يختبل
فكرت أنساك لكني كواهمة .... ظننت بأن قلوب الغيد تنتقل
فرحت أرسل طرفي في الوجوه فما .... علمت قلبي إلا فيك يشتغل
ينام كل الورى حولي ولا أحد ..... يدري بأن فؤادي منك يشتعل
فكن شفوقا وجد لي بالوصال فما ... أريد غيرك أنت الحب والأمل
جد لي ولا تك مغرورا فما أحد ..... رأى جمالي إلا إغتاله الغزل
ألا ترى قدي المياس لو نظرت ... إليه أجمل من في الأرض تختجل
ووجهي الشمس هل للشمس بارقة .... إذا شخصت إليها فهي ترتحل
***********
و هذا كلام الشاب لما كلمته الفتاة والرد الذي قاله وأبكا البنات
************
فقلت والحزن مرسوم على شفتي ..... وفي فؤادي من أقوالها دخل
أختاه لا تهتكي ستر الحياء ولا ..... تضيعي الدين بالدنيا كمن جهلوا
والله لو كنت من حور الجنان لما ..... نظرت نحوك مهما غرني الهدل
أختاه إني أخاف الله فاستتري ..... ولتعلمي أنني بالدين مشتمل
تمسكي بكتاب الله واعتصمي .... ولا تكوني كمن أغراهم الأجل
أختاه كوني كأسماء التي صبرت ..... وأم ياسر لما ضامها الجهل
كوني كفاطمة الزهراء مؤمنة ...... ولتعلمي أنها الدنيا لها بدل
كوني كزوجات خير الخلق كلهمو .... من علم الناس أن الآفة الزلل
من صانت العرض تحيا وهي شامخة ..... ومن أضاعته ماتت وهي تنتعل
كل الجراحات تشفى وهي نافذة ..... ونافذ العرض لا تجدي له الحيل
من أحصنت فرجها كانت مجاهدة ..... كمريم ابنت عمران التي سألوا
ومن أضاعته عاشت مثل جاهلة ....... تريد تسير من قد عاقه الشلل(326/1)
أختاه من كانت العلياء غايته ..... فليس ينظر إلا حيث تحتمل
أختاه من همه الدنيا سيخسرها ..... ومن إلى الله يسعى سوف يتصل
أختاه إنا إلى الرحمان مرجعنا .... وسوف نسأل عما خانة المقل
أختاه عودي إلى الرحمن واحتشمي ..... ولا يغرنك الإطراء والدجل
توبي إلى الله من ذنب وقعت به ..... وراجعي النفس إن الجرح يندمل(326/2)
القصيدة الدمشقية
نزار قباني
هذي دمشقُ.. وهذي الكأسُ والرّاحُ *** إنّي أحبُّ... وبعضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ.. لو شرحتمُ جسدي *** لسالَ منهُ عناقيدٌ.. وتفّاحُ
و لو فتحتُم شراييني بمديتكم *** سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ.. تشفي بعضَ من عشقوا *** وما لقلبي –إذا أحببتُ- جرّاحُ
مآذنُ الشّامِ تبكي إذ تعانقني *** و للمآذنِ.. كالأشجارِ.. أرواحُ
للياسمينِ حقوقٌ في منازلنا.. *** وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا *** فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ *** ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ و لماحُ
هنا جذوري.. هنا قلبي... هنا لغتي *** فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟
كم من دمشقيةٍ باعت أساورَها *** حتّى أغازلها... والشعرُ مفتاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتذراً *** فهل تسامحُ هيفاءٌ ..ووضّاحُ؟
خمسونَ عاماً.. وأجزائي مبعثرةٌ.. *** فوقَ المحيطِ.. وما في الأفقِ مصباحُ
تقاذفتني بحارٌ لا ضفافَ لها.. *** وطاردتني شياطينٌ وأشباحُ
أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي *** حتى يفتّحَ نوّارٌ... وقدّاحُ
ما للعروبةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟ *** أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟
والشعرُ.. ماذا سيبقى من أصالتهِ؟ *** إذا تولاهُ نصَّابٌ ... ومدّاحُ؟
وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟ *** وكلُّ ثانيةٍ يأتيك سفّاحُ؟
حملت شعري على ظهري فأتبِعني *** ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟(327/1)
القصيدة المحمدية للإمام البوصيري
محمد أشرف الأعراب والعجم
محمد خير من يمشي على قدم
محمد باسط المعروف جامعه
محمد صاحب الإحسان والكرم
محمد تاج رسل الله قاطبة
محمد صادق الأقوال والكلم
محمد ثابت الميثاق حافظه
محمد طيب الأخلاق والشيم
محمد رُوِيَت بالنور طينتُهُ
محمد لم يزل نوراً من القِدم
محمد حاكم بالعدل ذو شرفٍ
محمد معدن الأنعام والحكم
محمد خير خلق الله من مضر
محمد خير رسل الله كلهم
محمد دينه حق ندين به
محمد مجملاً حقاً على علم
محمد ذكره روح لأنفسنا
محمد شكره فرض على الأمم
محمد زينة الدنيا وبهجتها
محمد كاشف الغمات والظلم
محمد سيد طابت مناقبهُ
محمد صاغه الرحمن بالنعم
محمد صفوة الباري وخيرته
محمد طاهر من سائر التهم
محمد ضاحك للضيف مكرمه
محمد جاره والله لم يضم
محمد طابت الدنيا ببعثته
محمد جاء بالآيات والحكم
محمد يوم بعث الناس شافعنا
محمد نوره الهادي من الظلم
محمد قائم لله ذو همم
محمد خاتم للرسل كلهم(328/1)
القصيدة المضرية
في الصلاة على خير البرية للإمام البوصيري
يا رب صل على المختار من مضر ... والأنبياء وجميع الرسل ما ذكروا
وصل رب على الهادي وشيعته ... وصحبه من لطي الدين قد نشروا
وجاهدوا معه في الله واجتهدوا ... وهاجروا وله آووا وقد نصروا
وبينوا الفرض والمسنون واعتصبوا ... لله واعتصموا بالله فانتصروا
أزكى صلاة وأنماها وأشرفها ... يعطر الكون ريًّا نشرها العطرُ
معبوقة بعبيق المسك زاكيةً ... من طيبها أرج الرضوان ينتشر
عدَّ الحصى والثرى والرمل يتعبها ... نجمُ السما ونبات الأرض والمدر
وعدّ وزن مثاقيل الجبال كما ... يليه قطر جميع الماء والمطرُ
وعد ما حوت الأشجار من ورقٍ ... وكُلِّ حرفٍ غدا يُتلى ويستطر
والوحش والطير والأسماك مع نعم ... يليهم الجنُّ والأملاكُ والبشرُ
والذر والنمل مع جمع الحبوب كذا ... والشعروالصوفُ والأرياشُ والوبرُ
وما أحاط به العلمُ المُحيط وما ... جرى به القلمُ المأمورُ والقدرُ
وعدَّ نعمائك اللاتي مننت بها ... على الخلائقِ مذ كانوا ومذ حُشروا
وعدَّ مقدارهِ السامي الذي شرُفت ... به النبيون والأملاك وافتخروا
وعدَّ ما كان في الأكوانِ يا سندي ... وما يكون إلى أن تُبعثَ الصورُ
في كل طرفةَ عينٍ يطرفون بها ... أهل السماوات والأرضين أو يذروا
ملء السماوات والأرضين مع جبل ... الفرش والعرش والكرسي وما حصروا
ما أعدم الله موجوداً وأوجد معـ ... ـــــدوماً صلاةً دواماً ليس تنحصر
تستغرق العد مع جمع الدهور كما ... تُحيطُ بالحد لا تبقي ولا تذرُ
لا غايةً وانتهاءً يا عظيمُ لها ... ولا لها أمدٌ يُقضى فيُعتبرُ
وعدًّ أضعاف ما قد مر من عدد ... مع ضعف أضعافه يامن له القدرُ
كما تُحبُّ وترضى سيدي وكما ... أمرتنا أن نُصلِّي أنت مقتدرُ
مع السلام كما قد مر من عدد ... ربي وضاعفهما والفضل منتشرُ
وكل ذلك مضروبٌ بحقك في ... أنفاسِ خلقك إن قلوا وإن كثروا
يا رب واغفر لقاريها وسامعها ... والمسلمين جميعاً أينما حضرُوا
ووالدينا وأهلينا وجيرتنا ... وكلنا سيدي للعفو مفتقر(329/1)
وقد أتيت ذنوباً لا عداد لها ... لكن عفوك لا يُبقي ولا يَذرُ
والهم عن كل ما أبغيه أشغلني ... وقد أتى خاضعاً والقلبُ منكسرُ
أرجوك يارب في الدارين ترحمنا ... بجاه من في يديه سبح الحجرُ
يا رب أعظم لنا أجراً ومغفرةً ... فإن جودك بحر ليس ينحصرُ
واقضِ ديوناً لها الأخلاق ضائقةٌ ... وفرج الكرب عنا أنت مقتدرُ
وكن لطيفاً بنا في كل نازلةً ... لُطفاً جميلاً به الأهوال تنحسرُ
بالمصطفى المجتبى خير الأنام ومن ... جلالةً نزلت في مدحه السورُ
ثم الصلاةُ على المختار ما طلعت ... شمس النهار وما قد شعشع القمرُ
ثم الرضا عن أبي بكر خليفته ... من قامَ من بعدِهِ للدين ينتصرُ
وعن أبي حفصٍ الفاروقِ صاحِبِهِ ... من قولُهُ الفصلُ في أحكامِهِ عُمَرُ
وجُد لعثمان ذي النورين من كمُلت ... له المحاسنُ في الدارين والظَّفرُ
كذا عليٌّ مع ابنيه وأُمهما ... أهلُ العباءِ كما قد جاءنا الخبرُ
سعدٌ سعيدُ بن عوفٍ طلحةٌ وأبُو ... عبيدةٍ وزُبيرٌ سادةٌ غُرَرُ
وحمزةٌ وكذا العباسُ سيدُنا ... ونجلُهُ الحبرُ من زالت به الغيرُ
والآلُ والصحبُ والأتباعُ قاطبةً ... ماجن ليلُ الدياجي أو بدا السحرُ(329/2)
الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية
(نونية ابن القيم)
للإمام محمد بن أبي بكر ابن قَيِّم الجوزية (751)
قرأ النص وضبطه
وقابل بين نُسخه المخطوطة
حسن بن علي بن أحمد البار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد :
فإن كتب العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية - رحمه الله - تعد من الكتب العظيمة التي يتسابق طلاب العلم ، والعلماء إلى اقتنائها والإفادة منها ؛ لما فيها من دقيق النظر في نصوص الكتاب والسنة ، وحسن الاستنباط ، وبراعة التناول لما يعالجه فيها من القضايا .
وتأتي النونية لتحتل منها مكانة متميزة إذ إنها عمل ضخم عظيم من أعمال هذا العالم الجهبذ ، وقد حشاها علماً ، وضمّنها من المسائل والفوائد ، ومن الانتصار لأهل السنة والحديث ، ودقيق وجوه الرد على المبتدعة ما لم يرد مثله في كثير من كتب العقيدة مع جمال في الأسلوب ، وقوة في التعبير مع ما للشعر من وقعٍ حسن في نفوس مستمعيه ؛ كل ذلك وغيره من مزاياها جعل لها ذكراً وصيتا بين العلماء وطلبة العلم فمنهم المُكِبُّ على دراستها وتأمُّلها ، ومنهم من يتحفَّظُها ، ومنهم من يترنم بأبيات حفظها من هذه النونية ويكررها في دروسه وكتاباته وهكذا ، وحسبك من ذلك أن الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي كان قد قرأها كاملة على مؤلفها العلامة ابن القيم رحمهما الله(1).
__________
(1) 1 ذيل طبقات الحنابلة 2/448 .(330/1)
... وعلى ما لهذه النونية من المنزلة إلا أنها لم تلق إلى الآن من الخدمة ما يليق بمكانتها من جهة شرحها الشرح الوافي الذي يُخلي ساحة أهل السنة والحديث من حقها عليهم ، ومع أن الشيخين أحمد ابن عيسى ومحمد خليل هراس قد قاما ببعض الواجب في ذلك إلا أن الحاجة لا زالت قائمة إلى شرح يوفيها حقها ، ويوضح إشكالاتها ، ويفك معضلاتها . و من جهة أخرى لم تلق النونية كذلك ما يوفيها حقها من جهة إخراجها الإخراج اللائق بكتاب له مثل هذه الأهمية(1).
__________
(1) 2 سمعت من عدة من طلبة العلم عن قيام بعض الأفاضل من طلبة العلم بجامعة الإمام بتحقيق النونية في عدة رسائل علمية ، والحقيقة أن الظن حسن بمثل هذا العمل إلا أنه لم يثنني عما أنا بصدده لأمرين :
1- أن غالب الأعمال الأكاديمية لها خصوصية من جهة كونها مقدمة لغرض معين ، وكثيرا ما يراعى فيها ما لا يحتاج إلى كثير منه خصوصا بعد الانتهاء من الحصول على الدرجة العلمية ، ومع ذلك فقلما يُحذف ذلك عند الطباعة لسبب أو لآخر مما يترتب عليه أن تطبع النونية وحدها- والحالة هذه- في بضعة مجلدات ، مما يثقل كاهل الكتاب ، ويثقل قارئه ، ويثقل مقتنيه كذلك بغلاء الثمن وكثرة المجلدات . بينما يراد لهذا العمل أن يكون نسخة شبه مجردة من النونية للقارئ والمتحفظ والباحث يصل بها إلى غايته بأقصر طريق ممكن .
2- أن هذه الرسائل المنوه بها لا يدرى هل ستطبع أم لا؟ وإذا كانت ستطبع فهل سيطول أمد ذلك أم أنه سيكون قريبا؟ وعليه فالحاجة لا زالت ماسة لنسخة صحيحة من النونية إلى ذلك الأجل ، الأمر الذي أحسب أنه غير متيسر الآن .(330/2)
ومن هنا جاءتني دعوة كريمة من الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف المشرف على موقع الدرر السنية على شبكة الانترنت لضبط هذا النظم بالشكل وتصحيح طباعته وذلك لرغبته في إخراج النونية ضمن ما ينشر في موقعه من كتب نافعة مفيدة . ثم تطوّر الأمر بأن طلبتُ منه صورة للمخطوط فوافاني مشكوراً بصورتين لمخطوطين قديمين قريبي العهد من حياة المؤلف رحمه الله . فبذلت وسعي في قراءة النص وتفهّمه ومن ثم ضبطه بالشكل ، وبعد الفراغ من هذه العملية قمت بمقابلة المطبوع(1)بالمخطوطين المنوه بهما . وهذان المخطوطان هما :
__________
(1) كان أصل العمل والتصحيح ومقابلة المخطوطات على مطبوعة دار ابن خزيمة والتي قام بالعناية بها : عبد الله بن محمد العمير ، فله يدٌ وفضلٌ على هذا العمل. والحقيقة أنها خير نسخة مجردة للنونية ظهرت حتى الآن -بحسب اطلاعي- إلا أن عمله قد شابه كثير من القصور في الضبط والتصحيح فكثرت فيه الأخطاء بصورةٍ تعوق عن الاستفادة من الكتاب.(330/3)
أ- نسخة مصورة من مخطوطة محفوظة في (برلين) و صورتها في مكتبة جامعة الإمام برقم (7087) جاء على طرتها : ((هذا كتاب الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية تصنيف العلامة العمدة الفهّامة فريد عصره ووحيد دهره شمس الدين محمد ابن القيم الحنبلي رحمه الله تعالى)) . ويقع هذا المخطوط في 166 لوحة . جاء في آخرها : (( تمَّت الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية علقها لنفسه إسماعيل بن حاجي عفا الله عنه بمنِّه وكرمهِ(1). وكان الفراغ في مستهل ذي القعدة من سنة سبعين وسبعمائة . والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله وسلّم تسليما )). وجاء في آخرها الأبيات التالية في مدح ابن القيم والثناء عليه وعلى دعوته :
يا أيها الطالب سُبْلَ الهُدى ... إني لمن رام الهدى ناصحُ
لا ينفع المرء لدى عوده ... إلا التقى والعملُ الصالحُ
وَهْديُ خَيرِ المرسلين الهُدى ... وتاجرُ الأجر هو الرابحُ
وقد أتى بهديه مهتدياً ... بحزبه من جدُّه مانحُ
شمسُ الهدى والدينِ خيرُ التُّقى ... القيِّمُ ابنُ القيِّمِ السابحُ
لا زال في أعلى العُلا سالماً ... ... من كل شَيْنٍ شانهُ فاضِحُ
__________
(1) وناسخ هذه النسخة معروف ومترجم في الدرر الكامنة: 1/365 ، وفي إنباء الغمر : 1/404 كلاهما للحافظ ابن حجر العسقلاني، و في شذرات الذهب : 8/ 552 لابن العماد الحنبلي (ط الارناؤوط ) . قال ابن حجر في إنباء الغمر : (( إسماعيل بن حاجي الفروي شرف الدين الفقيه كان من العلماء الشافعية ببغداد ودرّس في الحاوي ثم قدم دمشق في حدود السبعين فأفاد بها في الجامع وغيره ، ودرّس بالمعينية وغيرها، وكان ديِّناً خيراً تصدَّق بما يملكه في مرض موته ومات في صفر)) . اهـ يعني سنة 792 . وقد جاءت نسبته في مطبوعة الدرر الكامنة : الأزدي ، وأما مطبوعة إنباء الغمر ففيها : الهروي ، والتصحيح من شذرات الذهب حيث ضبطه بالحروف وبين سبب النسبة فقال : (( بفتح الفاء وسكون الراء نسبة إلى فروة جده )) والله أعلم .(330/4)
فانتهز الفرصةَ منه فما ... جاء به غادٍ ولا رائح
أولئك القومُ لهم دعوةٌ ... من النبيِّ نورُها لائح
قد جددوا الدين وهم زمـ ... رةُ الحق فلا يغرركُمُ نابح
وعهدة النصح أزَلْنا فلا ... يُطالِبَنْ يوماً بها طامِح
وابنُ المغيثيِّ خديم الهُدى ... ها نصحه لذي الحِجى واضح
وهذه النسخة كما مر معنا كتبها الكاتب لنفسه فاعتنى بها ، وقابلها وصححها ، ففي هامشها تصحيحات كثيرة ، وفيها بعض التعليقات النافعة وبيان لبعض المبهمات ونحو ذلك . وهي نسخة مرقمة الأبيات، إذ كتب على رأس كل مائة بيتٍ منها رقمَهُ وهكذا ، واستمر ذلك إلى مائة و ثلاثة آلاف ثم ترك الترقيم بعد ذلك . و يلاحظ أن الورق شح على كاتبها ، ولذلك تجده ابتداءاً من اللوحة 120 يستخدم هوامش الورق في كتابة أبيات النونية فيها ، واستمر ذلك حتى آخر المخطوط.
ب- المجلد الخمسون من (كتاب الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري) لابن زكنون الحنبلي (علي بن حسين ابن عروة) ، وكان الفراغ من تتمة هذا المجلد يوم الخميس مستهل شهر صفر سنة ثمانٍ وعشرين وثمانمائة من الهجرة النبوية على يد أفقر عباد الله إلى رحمته ومغفرته ورضوانه : إبراهيم بن محمود ابن بدر الحنبلي(1).
__________
(1) 1 وهذا الناسخ أيضاً معروف بل إن السخاوي ذكر في ترجمته أنه رأى بعض مجلدات الكواكب الدرارى بخطه . وهو من العلماء الذين كان لهم نصيب من الذود عن السنة ، والقيام على أهل البدعة وتمام اسمه هو : إبراهيم بن محمد بن محمود ابن بدر الحنبلي الناجي ، ويعرف بالناجي لكونه كان فيما قيل حنبلياً ثم تشَّفع ، وربما قيل له : المحدث ، وذكر عنه السخاوي أنه كان من أهل القيام بالسنة والإنكار على أصحاب ابن عربي .
وابن بدر الناجي هو مؤلف كتاب(( عجالة الإملاء المتيسرة من التذنيب ، على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتاب الترغيب والترهيب)) قال عنه الألباني:(( وهو لعمرو الله - كتاب هام جداً ، دل على أن مؤلفه رحمه الله كان على قدرٍ عظيمٍ من العلمِ ، وجانب كبير من دقة الفهم جاء فيه بالعجب العجاب ...)) صحيح الترغيب : 1/90 . انظر ترجمته في : الضوء اللامع 1/661 ، شذرات الذهب : 9/550 ، السحب الوابلة: 1/66 ، الأعلام : 1/65 ، ومعجم المؤلفين : 1/69 .
وانظر تعليقا جيدا للشيخ بكر أبو زيد على تلقيبهم له بالناجي في كتاب التحولات المذهبية . انظر : النظائر :139-140 .(330/5)
ومن المعلوم أن (الكواكب الدراري) ضمَّنه مؤلفه الكثير من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وكتب تلميذه ابن القيم فكانت النونية شاغلة للمجلد الخمسين من الكواكب الدراري.
... وأصل هذه النسخة محفوظ في ظاهرية دمشق في المكتبة الأسدية ، وعنها صورة بجامعة الإمام برقم (2953) .
... وهذه النسخة هي في الغالب تابعة للنسخة السابقة، ولذلك فقد اتخذت النسخة (أ) أصلا ، وقابلتها بالنسخة (ب) ، ولم أذكر من الفروق بينهما إلا القليل مما أرى أن في إثباته فائدة ، أو ما بدا لي فيه رجحان ما في النسخة (ب) على النسخة (أ) الأصل ؛ فإني حينئذ أقدمه على ما في الأصل وأبيِّن ذلك . وفي أحوال قليلة أقدم ما في إحدى المطبوعات على ما في المخطوطين إذا اقتضت مناسبة ذلك ، وأبين ذلك في الهامش أيضا إن شاء الله(1).
... وربما لجأت إلى الاعتضاد بقرينة الوزن (وزن البيت) لأثبت ما أراه مناسباً في موضعه من ترجيح بين النسخ، أو اعتماد لضبط ومعنى دون معنىً آخر؛ إذ الأصل في أبيات القصيدة أن تكون موزونة ، وليس الحفاظ على وزنها من الانكسار بكبير شيء حتى يشق على الإمام ابن القيم العلامة المتفنن الذي أتى بهذا النظم البديع . وعليه فإن اعتبار أن الأصل في أبياتها كونها غير مختلة الوزن مما يساعد على تصحيح بعض ما يقع من خطأ من النساخ ونحوه ، على أني ألتزم أن أبيّن كل تصرُّف تصرفته في الكتاب من حذف وإضافة أو تصحيح و نحوه -إن كان مما يتعلق برسم الكلمات- في الهامش إن شاء الله تعالى .
... ويتلخص عملي في هذا النظم المبارك إضافة إلى ما أسلفته من مقابلة المخطوط بالمطبوع ، وشكل النص وضبطه في ما يلي :
__________
(1) 2 مما يجدر التنبيه عليه أنه بعد المقابلة بين المطبوع والمخطوطين تبين أنه في عدة مواضع من النونية خالف المخطوطان سائر المطبوعات ، فلعل سبب ذلك اعتمادالقائمين على طباعتها على نسخ خطية أخرى غير التي اعتمدتها ، أو أنهم نقل بعضهم عن بعض فاستمر الخطأ ، والله أعلم .(330/6)
1- كتابة الكلمات على قواعد الرسم الإملائي الحديث ، إلا أني راعيت في رسم الكلمات طريقة النطق بها عند قراءتها نظماً على وجه لا يختل به وزن البيت . وهذه هي طريقة علماء الرسم لما كتبوا المصاحف وشكلوها فإنهم راعوا في ذلك طريقة التلفظ بهذه الكلمات . وعليه فلربما تضمنت الكلمة همزة قطع ، فكتبتها بحذف الهمزة ، أو لربما همزت ما لا تهمزه العرب مثل : ابن ، أو اسم حتى يستقيم لقارئها أن يقرأ القصيدة بطريقة صحيحة .
وقد واجهتني مشكلة في رسم الكلمات تكمن في اضطراب منهج الناسخَيْن في كتابة قافية القصيدة فتارة يثبتون وصل البيت(1)بعد الرويِّ ، ووصل هذه القصيدة كما هو معلوم من فن القوافي هو الياء ، وتارة يحذفونه ، ولم أعلم لهم في ذلك منهجا مضطردا ، بل لربما حذفوا ياء أصلية من الكلمة في مثل هذه الكلمات : زاني ، عاني ، داني ؛ وربما ألحقوا الياء ببعض الكلمات التي يسبب إلحاقها بها لبساً في الفهم في مثل الكلمات : الإحسان ، الجثمان ، اللسان. ولما أن كان الأمر هكذا فإني رأيت أن أثبت الياء في ما كانت ياؤه أصلية من الكلمات ، أو إذا كانت هذه الياء ياء المتكلم ، أو ياء النسب(2)ولو أنه يسوغ حذف بعض هذه الياءات والتعويض عنها بتنوين العوض ؛ وحذفت الياء مما سوى ذلك لأن الوصل لا يلزم إثباته خطاً ، والله تعالى أعلم .
__________
(1) 1 الوصل هو :أحد أربعة أحرف الياء والواو والألف والهاء ، يكون أحدها آخر حرف من البيت في الشعر المطلق بعد روي القصيدة ،و ينفرد كل واحد منها بالقصيدة حتى تكمل . انظر :لزوم ما لايلزم للمعري :1/16 ، 21 العمدة لابن رشيق :1/249 ، كتاب القوافي لنشوان الحميري (مطبوع ضمن روائع التراث جمع وتحقيق :محمد عزير شمس) :186 .
(2) 2 انظر عن الياء المفردة وأقسامها : رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي :443 فما بعدها .(330/7)
2- استخدمت علامات الترقيم في مواضع كثيرة من النص . واستخدام علامات الترقيم مع الشعر يعد أمراً غير مألوف إلا أني رأيت الحاجة ماسة إليه في مواضع من هذا القصيد بيانا لبداية الكلام وانتهائه ، وفصلا لمعنىً عن آخر . وحقيقة لم أجد من تكلم عن علامات الترقيم في حالة استخدامها مع أبيات الشعر، وكيفية التعامل معها حينئذ ، ولكن الشعر كلام كغيره من الكلام إلا أنه كلام موزون ومقفى ، وهنا يكمن الفرق ، إذ إنَّ أبيات القصيدة يُشَكِّل كلُّ واحد منها وحدةً مستقلة ، وهذه الوحدة المستقلة كثيرا ما تستقل بالمعنى فتكون حينئذ غير محتاجة إلى أي علامة من علامات ربطها بما بعدها ، وعليه فإني في مثل هذه الحالة لا أضع شيئا من العلامات مكتفيا بدلالة نهاية البيت عن التدليل على ذلك بعلامات الترقيم " لأن علامات الترقيم لا تستقصى إلا عند اللبس "(1)، وفي أحيان أخرى كثيرة يحصل ما يسميه أهل القوافي بالتضمين ، والتضمين في علم القوافي هو أن تتعلق القافية أو لفظةٌ قبلَها بما بعدها(2)، فلا يتم المعنى إلا بعد بيتين أو ثلاثة أو غير ذلك ، وحينها أتعامل مع هذه المجموعة من الأبيات كمجموعة واحدة ، فإذا انتهت وضعت في آخرها العلامة المناسبة لها من فاصلة أو نقطة أو نحو ذلك.
__________
(1) 1 ذكره أبوعبد الرحمن ابن عقيل في المدخل عن نظرية المعرفة القسم الأول : 54 .
(2) 2 انظر: العمدة لابن رشيق: 1/ 273 ، وكتاب القوافي لنشوان الحميري(مطبوع ضمن روائع التراث جمع وتحقيق :محمد عزير شمس) : 213 . وهو غير التضمين عند البلاغيين .(330/8)
3- وضع أقواس لبداية ونهاية المقالات التي يحكيها المؤلف عن الطوائف والفرق المختلفة . وهذا أمر مهم للغاية في تقديري ؛ إذ بدونه يختلط الكلام على غير البصير بمذاهب الناس فلا يعرف حقه من باطله ، ويظن كلام المبتدعة كلاما لأهل السنة ، أو العكس . والنونية تضمنت العشرات من مقالات الطوائف المنحرفة عن جادة أهل السنة ، فكان في تمييز مقالاتهم مصلحة الحذر منها ، والتمييز بينها وبين الرد الذي يذكره ابن القيم عليها ، خصوصا وأن ابن القيم كان كثيرا ما يورد مقالاتهم على ألسنتهم هم ، ويذكر شبههم وشناعتهم على أهل الحق ، كل ذلك قبل أن يكر عليهم بالرد والتفنيد . وعليه فإني أضع لكل مقالة قوسين في أولها ، وآخرين في آخرها هكذا : (( )) ، فإن تضمنت المقالة أو النقل حكاية مقالة أخرى ، فإني حينئذ أحيط المقالة المضمنة في المقالة المذكورة بقوسين فقط ، أحدهما قبلها والآخر بعدها هكذا : ( ) .
4- وضعت خطوطا تحت بعض الكلمات المهمة مما يساعد على إبراز التقاسيم التي يذكرها المؤلف ، وبالتالي فهم الكلام ، وترابطه في الذهن .
5- علقت بعض التعليقات اليسيرة في قليل من المواضع قدرت أن التعليق فيها له أهمية في فهم الكلام ، أو تجلية غامض ، أو في بيان سبب اختيار وتقديم لفظ على آخر . والذي اعتبرته في الحاجة إلى فهم الكلام فهم عامة طلبة العلم إذ لا مدخل للعوام وأشباههم في هذه المسائل ، وحتى لا تكون تلك التعليقات شرحا آخر للكتاب غير الشروح التي كتبها عليه أهل العلم . وهذا أمر يختلف -على كل حال-باختلاف التقدير .
وبعد :(330/9)
فإن مثل هذا العمل في هذا الكتاب الذي لمّا تكتشف الكثير من كنوزه وخباياه يعتبر عملاً محفوفاً بالمخاطر ؛ فضبط الألفاظ بالشكل مبنيٌ على معرفة إعرابها ، ومعرفةُ إعرابها هو عِماد معاني الكلام ، ولربما - وكما هو معروف - تغير المعنى بالكلية بتغيُّر الاعراب ؛ ولذا فإني اجتهدت وسعي في تفهُّم كلام المؤلف ثم في ضبطه ، واخترت من المعاني -عند احتمال اللفظ لأكثر من معنى صحيح- ما رأيته أقرب وأسهل ، واستعنت على ذلك بالشروح المعروفة كشرح ابن عيسى وشرح الهراس ، والمواضع التي شرحها الشيخ ابن سعدي-رحمهم الله - واستفدت من هذه الشروح خصوصاً شرح الهراس . ولكني وقفت في بعض الأحيان دون معونةٍ من شارح ولا من غيره فاستعنت اللهَ وأثبتُّ ما بدا لي صوابه . ومن الله أستمد العون والتوفيق فهو المانح لكل خير.
وإن مما قوّى عزيمتي على الاستمرار في العمل -مع احتفافه بالمخاطر وكونه مظنة وقوع الخطأ - أن الكثير من كبار المحققين قد رُوجِعوا في كثيرٍ مما أثبتوه في كُتبِ الأئمة الأعلام التي حققوها فصارت هذه الكتب بعد النصح والمراجعة أقرب إلى الصورة الكاملة التي كتبها عليها مؤلفوها ، وإن أردت الأمثلة على ذلك فلن تعوزك في كتب علي جواد الطاهر ، وعبدالسلام هارون، وهلال ناجي ، والكثير من مقالات حمد الجاسر في مجلة العرب وغير ذلك كثير . وبالتالي فالعبرة بكثرة صواب الإنسان مقابل خطئه ، وليس في مقدور البشر -ولو حرصوا - ألا يخطئوا ؛ فإن الخطأ من الطباع الملازمة للبشر التي لا تنفك عنهم .(330/10)
... ولي عزاء -أيضا- في أن هذه النشرة الإلكترونية للكتاب يمكن تداولها وتصحيحها واستبدالها بأخرى بأيسر طريق ؛ ولذا فإني طامع في أن أجد من إخواني طلبة العلم ، ومن المعنيين بهذا الشأن ، ما يعينني على إصلاح ما ندَّ عني أو ما توهمّتُه فبان على خلاف ما ذهب وهلي إليه وإني شاكر لمن أحسن إليّ بشيء من ذلك إما على بريدي الإليكتروني أو على بريد الموقع حتى نصل بالكتاب إلى أكمل الصور الممكنة إن شاء الله .
والحمد لله رب العالمين .
حسن بن علي البار ... ...
albarhassan@hotmail.com
الظهران
في: 22/9/1424
ملاحظة : سيتم نشر النظم في موقع الدرر السنية - إن شاء الله - على هيئة مجموعات ، كل مجموعة منها تحوي قرابة ألف بيت من النونية ، وقد فضلت أن أرجيء كافة التعليقات والفروق بين النسخ إلى النشرة الأخيرة التامة بعد انتهاء العمل بتمامه ، والله ولي التوفيق .
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي شهدت بربوبيته جميع مخلوقاته، وأَقرت له بالعبودية جميع مصنوعاته، وَأَدَّت له الشهادةَ جميعُ الكائنات أنه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها من لطيف صُنعه وبديع آياته، وسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وَزِنَة عرشه ومداد كلماته، ولا إله إلا الله الأحد الصمد الذي لا شريك له في ربوبيته، ولا شبيه له في أفعاله ولا صفاته ولا في ذاته، والله أكبر عدد ما أَحاط به علمه وجرى به قلمُه ونفذ فيه حكمه من جميع برياته، ولا حول ولا قوة إلا بالله تَفْويضَ عبدٍ لا يملكُ لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بل هو بالله وإلى الله في مَبادئ أَمره ونهاياته.
وأَشهد أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا صاحبة ولا ولد له، ولا كُفء له، الذي هو كما أَثنى على نفسه وفوق ما يُثنى عليه أَحد من جميع برياته.(330/11)
وأشهد أَن محمداً عبدُه ورسولُه، وأَمينُه على وحيه، وَخِيرتُه من بريتهِ، وسفيره بينه وبين عباده، وحجتُه على خلقه، أَرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً . أَرسله على حين فترة من الرسل، وَطُموسٍ من السبل، ودُروسٍ من الكتب ، والكفرُ قد اضْطَرمت نارُه ، وتطايرت في الآفاق شرارُه ، وقد استوجب أَهل الأرض أَن يحل بهم العقاب، وقد نظر الجبار تبارك وتعالى إليهم فَمَقَتَهُم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أَهل الكتاب، وقد استند كل قوم إلى ظُلَم آرائهم، وحَكموا على الله سبحانه وتعالى بمقالاتهم الباطلة وأَهوائهم ؛ وليل الكفر مُدلَهِمٌّ ظلامُه ، شديدٌ قَتَامُه ؛ وسَبيلُ الحق عافية آثاره مطموسة أعلامه . فَفَلَقَ الله سبحانه بمحمد صلى الله عليه وسلم صُبْح الإيمان فأضاء حتى ملأ الآفاق نُوراً، وأَطلع به شمس الرسالة في حَنادِس الظُّلَم سراجاً منيراً ؛ فهدى الله به من الضلالة ، وعَلَّم به من الجهالة ، وبصرَّ به من العمى ، وأَرشد به من الغي ، وكَثَّر به بعد القلة ، وأَعزَّ به بعد الذلة ، وأغنى به بعد العَيْلَة، واستنقذ به من الهلكة، وفتح به أَعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً ؛ فَبلَّغ الرسالة، وَأَدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعَبَدَ اللهَ حتى أتاه اليقين من ربه. وشرح الله له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذِّلةَ والصغارَ على من خالفَ أَمره. وأقسم بحياته في كتابه المبين، وقرن اسمه باسمه فَإِذا ذُكِرَ ذكر معه كما في الخطب والتشهد والتأذين، فلا يصح لأحد خُطْبة ولا تشهد ولا أذان ولا صلاة حتى يشهد أَنه عبده ورسوله شهادة اليقين، فصلى الله وملائكتُه وأنبياؤُه ورسلُه وجميع خلقه عليه كما عَرَّفَنَا بالله وهَدانا إليه، وسلم تسليماً كثيراً.(330/12)
أما بعد: فإن الله جل ثناؤُه، وتقدست أَسماؤُه إذا أراد أن يكرم عبده بمعرفته، ويجمع قلبه على محبته شرح صدره لقَبول صفاته العلى وتلقيها من مِشْكَاةِ الوحي، فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول، وتلقاه بالرضى والتسليم، وأذعن له بالانقياد؛ فاستنار به قلبه واتسع له صدره وأَمتلأ به سروراً ومحبة، وعلم أَنه تعريفٌ من تعريفات الله تعالى تَعرَّفَ به إليه على لسان رسوله، فأَنزلَ تلك الصفة من قلبه منزلة الغذاء أَعظمَ ما كان إليه فاقة، ومنزلة الشفاء أَشدَّ ما كان إليه حاجة؛ فاشتد بها فرحه، وعظُم بها غناه، وقويت بها معرفته، واطمأنت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه؛ فجال من المعرفة في ميادينها، وأَسامَ عين بصيرته في رياضها وبساتينها؛ لتيقنه بأن شرف العلم تابعٌ لشرف معلومه، ولا معلوم أجل وأعظم ممن هذه صفتُه وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى؛ وأَن شرفه أَيضاً بحسب الحاجة إليه. وليست حاجة الأرواح قَطُّ إلى شيء أَعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها ومحبته وذكره، والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأَسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أَعرف وله أَطلب وإِليه أَقرب، وكلما كان لها أَنكر كَان بالله أَجهل وإِليه أَكره ومنه أَبعَد. والله يُنزل العبد من نفسه حيث ينزُله العبد من نفسه؛ فمن كان لذكر أَسمائه وصفاته مبغضاً وعنها نافراً ومنفِّراً فالله له أَشد بغضاً، وعنه أعظم إعراضاً، وله أَكبر مقتاً ؛ حتى تعودَ القلوب على قلبين:
قلب ذكرُ الصفات والأسماء قُوتُه وحياته، ونعيمه وقُرَّةُ عينه، لو فارقه ذكرها ومحبتها لاستغاث: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فلسان حاله يقول:
يُرَاد مِنَ القلبِ نسيانُكم وتَأْبى الطِّباعُ على النَّاقِلِ
ويقول:
وإذا تَقَاضَيت الفُؤاد تناسياً ... أَلفَيْت أَحْشَائي بِذاك شِحَاحا
ويقول:(330/13)
إذا مرضنا تَداوَينَا بذِكْرِكُمُ ... فنترك الذِّكرَ أحياناً فَنَنْتَكِسُ
ومن المُحال أن يَذكرَ القلبُ مَن هو محارِبٌ لصفاتِه، نافرٌ من سماعها، مُعْرِضٌ بكُلِّيَّته عنها، زاعمٌ أن السلامة في ذلك، كَلاَّ والله إن هو إلا الجهالة والخذلان والإعراض عن العزيز الرحيم، فليس القلب الصحيح قط إلى شيء أَشوق منه إلى معرفة ربه تعالى وصفاته وأَفعاله وأَسمائه، ولا أَفرح بشيء قَطُّ كفرحه بذلك. وكفى بالعبد خذلاناً أن يضرب على قلبه سُرَادق الإعراض عنها والنفرة والتنفير، والاشتغال بما لو كان حقاً لم ينفع إلا بعد معرفة الله تعالى، والإيمان به وبصفاته وأسمائه.(330/14)
والقلب الثاني: قلبٌ مضروبٌ بسياط الجهالة فهو عن معرفة ربه ومحبته مصدود، وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أنزلت عليه مسدود. قد قَمَّشَ شُبَهَاً من الكلام الباطل، وارتوى من ماء آجِنٍ غيرِ طائل، تَعَِج منه آياتُ الصفاتِ وأحاديثُها إلى الله عجيجاً، وتَضِج منه إلى منزلها ضجيجاً، مما يسومها تحريفاً وتعطيلاً، ويُولي معانيها تحريفاً وتبديلاً. قد أعد لدفعها أنواعاً من العُدد، وهيأ لردها ضروباً من القوانين، وإذا دُعي إلى تحكيمها أبى واستكبر وقال: تلك أدلة لفظية لا تفيد شيئاً من اليقين. قد أعد التأويل جُنة يتترس بها من مواقع سهام السنة والقرآن، وجعل إثبات صفات ذي الجلال تجسيماً وتشبيهاً تُصَدُّ به القلوب عن طريق العلم والإيمان. مُزْجى البضاعة من العلم النافع الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء، لكنه مليء بالشكوك والشبه والجدال والمراء. خلع عليه الكلام الباطل خِلعة الجهل والتجهيل، فهو يتعثر في أذيال التكفير لأهل الحديث، والتبديع لهم والتضليل. قد طَاف على أبواب الآراء والمذاهب يتكفف أربابها فانثنى بأخسِّ المواهب والمطالب، عدل عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية المراد وغاية الإحسان؛ فابتُلي بالوقوف على الأبواب السافلة المليئة بالخيبة والحرمان. قد لبس حُلةً منسوجة من الجهل والتقليد والشُّبَه والعناد، فإذا بُذلت له النصيحة ودعي إلى الحق { أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [البقرة:206]. فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان.(330/15)
والجهاد بالحجة والبيان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان؛ ولهذا أمر به تعالى في السور المكية حيث لا جهاد باليد إنذاراً وتعذيراً، فقال تعالى : { فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } [الفرقان:52] وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلَظ عليهم مع كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [التوبة : 73] فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبياء الله ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق، و (من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق).(330/16)
وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يرى عَساكَر الإيمان، وجنود السنة والقرآن، قد لَبِسوا للحرب لأمته، وأعدوا له عُدته، وأخذوا مَصافَّهم، ووقفوا مواقفهم، وقد حَمي الوطيس، ودارت رَحى الحرب، واشتد القتال، ونادت الأقران: نَزَال نَزَال، وهو في الملجأ والمغارات والمُدَّخَل مع الخوالف كَمِين، وإذا ساعد القدر وعزم على الخروج قعد فوق التل مع الناظرين، ينظر لمن الدائرة ليكون إليهم من المتحيزين، ثم يأتيهم وهو يُقسم بالله جهد أيمانه إني كنت معكم وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين. فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة أن لا يبيعها بأخس الأثمان، وأن لا يُعَرِّضها غداً بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان، وأن يثبت قدمه في صفوف أهل العلم والإيمان، وأن لا يتحيز إلى مقالة سوى ما جاء في السنة والقرآن، فكأَنْ قَدْ كُشف الغطاء وانجلى الغبار، وأبان عن وجوه أهل السنة مسفرة ضاحكة مستبشرة، وعن وجوه أهل البدعة عليها غبرة ترهقها قترة، { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران : 106] قال ابن عباس : (تبْيَضُّ وجوهُ أهل السنة، وتَسْوَدُّ وجوه أهل البدعة، والفرقة)! فوالله لمفارقة أهل الأهواء والبدع في هذه الدار أسهل من مرافقتهم إذا [قيل]: { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } [الصافات: 22] قال أمير المؤمنين عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، وبعده الإمام أحمد رحمه الله تعالى : (أزواجهم): أشباههم ونظراؤهم. وقد قال تعالى : { وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } [التكوير:7] فجعل صاحب الحق مع نظيره في درجته، وصاحب الباطل مع نظيره في درجته.(330/17)
هنالك والله يعض الظالم على يديه إذا حصلت له حقيقة ما كان في هذه الدار عليه، يقول : { يَا لَيْتَني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً } [الفرقان : 27-29].
فصل
وكان من قَدر الله وقضائه أن جمع مجلس المذاكرة بين مُثبت للصفات والعلو، ومُعطل لذلك، فاستطعم المعطلُ المُثْبِتَ الحديث استطعام غير جائع إليه، ولكن غرضه عَرض بضاعته عليه، فقال له: ما تقول في القرآن ومسألة الاستواء؟ فقال المثبت: نقول فيهما ما قاله ربنا تبارك وتعالى، وما قاله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ نَصِفُ الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل، بل نثبت له سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وننفي عنه النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقات؛ إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل : فـ (من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كَفر، وليس ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيها) فالمشبه يَعبد صنماً، والمعطل يَعبد عدماً، والموحد يعبد إلهاً واحداً صمداً { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [الشورى:11].(330/18)
والكلام في الصفات كالكلام في الذات، فكما أنا نثبت ذاتاً لا تُشبه الذوات، فكذا نقول في صفاته إنها لا تشبه الصفات، فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. فلا نُشَبِّهُ صفاتِ الله بصفات المخلوقين، ولا نُزيل عنه صفةً من صفاته لأجل شناعة المشنعين وتلقيب المفترين؛ كما أنا لا نبغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسمية الروافض لنا نواصب، ولا نُكَذِّب بقد الله تعالى ولا نجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية لنا مجبرة، ولا نجحد صفات ربنا تبارك وتعالى لتسمية الجهمية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية :
فإن كان تجسيماً ثُبوتُ صفاتِه ... تعالى فَإني اليوم عَبْدٌ مُجسِّم
ورضي الله عن الإمام الشافعي إذ يقول:
إن كان رَفْضاً حبُّ آل محمد ... فليشهدِ الثقلان أني رَافِضي
وقدس الله روح القائل وهوَ شيخ الإسلام ابن تيمية إذْ يقول:
إن كان نَصْبَاً حبُّ صحب محمد ... ... فليَشهد الثَّقلان أَنِّي نَاصِبي .
فصل
وأمَّا القرآن فَإني أقول: إنه كلام الله منزَّلٌ غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به صدقاً، وسمعه منه جبريل حقاً، وبلَّغَهُ محمداً صلى الله عليه وسلم وحياً، وإن (كهيعص) و (حم عسق) و (الر) و (ق) و (ن) عَيْنُ كلام الله حقيقة، وأن الله تكلم بالقرآن العربي الذي سمعه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن جميعه كلام الله وليس قَول البشر، ومن قال: إنه قول البشر فقد كَفر، والله يصليه سَقر. ومن قال: ليس لله بيننا في الأرض كلام، فقد جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله بعثه يبلغ عنه كلامه، والرسول إنما يبلغ كلام مرسله، فإذ انتفى كلام المرسل انتفت رسالة الرسول.(330/19)
ونقول: إن الله تعالى فوق سمواته، مُسْتَوٍ على عرشه، بَائنٌ من خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. وإنه تعالى إليه يصعد الكلم الطيب، وتعرج الملائكة والروح إليه. وإنه { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه } [السجدة: 5]. وإن المسيح رُفع بذاته إلى الله تعالى، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرج به إلى الله تعالى حقيقة. وإن أراوح المؤمنين تصعد إلى الله عز وجل عند الموافاة فتُعرض عليه وتقف بين يديه. وإنه تعالى هو القاهر فوق عباده وهو العلي الأعلى، وإن المؤمنين والملائكة المقربين يخافون ربهم من فوقهم، وإن أيدي السائلين تُرفع إليه وحوائجَهم تُعرض عليه، وإنه سبحانه هو العلي الأعلى بكل اعتبار.(330/20)
فلما سمع المعطل منه ذلك، أمسك ثم أسرها في نفسه، وخَلا بشياطينه وبني جنسه، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول وأصناف المكر والاحتيال، ورَاموا أمراً يستحمدون به إلى نظرائهم من أهل البدع والضلال، وعقدوا مجلساً بَيَّتوا في مساء ليلته ما لا يرضاه الله من القول ، { والله ُبِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [الأنفال: 47]، وأتوا في مجلسهم ذلك بما قَدروا عليه من الهذيان واللغط والتخليط. وراموا استدعاء المُثبِتِ إلى مجلسهم الذي عقدوه؛ ليجعلوا نزله عند قدومه عليهم ما لفَّقُوه من الكذب وتمموه، فحبس الله سبحانه عنه أيديهم وألسنتهم فلم يَتجاسروا عليه، ورد الله كيدهم في نحورهم فلم يَصِلوا بالسوء إليه، وخذلهم المطاعُ فمزق ما كتبوه من المحاضر، وقلب الله قلوب أوليائه وجنده عليهم من كل باد وحاضر، وأخرج الناس لهم من المخبآت كمائنها ومن الجَوائف والمُنَقِّلات دفائنها. وقَوَّى الله تعالى جأش المُثْبِت وثبَّت لسانه، وشيَّد بالسنة المحمدية بُنيانه، فسعى في عقد مجلس بينه وبين خصومه عند السلطان، وحكَّمَ على نفسه كُتُبَ شيوخ القوم السالفين وأئمتِهم المتقدمين، وأنه لا يستنصر من أهل مذهبه بكتاب ولا إنسان، وأنه جعل بينه وبينكم أقوال من قَلدتموه، ونصوص من على غيره من الأئمة قَدمتموه. وصرخ المثبت بذلك بين ظهرانيهم حتى بلّغه دَانِيهم لقَاصِيهم؛ فلم يذعنوا لذلك واستعفوا من عقده. فطالبهم المثبت بواحدة من خلال ثلاث:
1 - مناظرة في مجلس علمي شريطة العلم والإنصاف، تُحضر فيه النصوص النبوية، والآثار السلفية، وكُتب أئمتكم المتقدمين من أهل العلم والدين. فقيل لهم: لا مراكب لكم تُسابقون بها في هذا الميدان، وما لكم بمقاومة فرسانه يدان.
2 - فدعاهم إلى مكاتبةٍ بما يدعون إليه، فإن كان حقاً قبله وشكركم عليه، وإن كان غير ذلك سمعتم جواب المُثبِت وتبين لكم حقيقة ما لديه. فأبوا ذلك أشد الإباء واستعفوا غاية الاستعفاء.(330/21)
3 - فدعاهم إلى القيام بين الركن والمقام قِياماً في مواقف الابتهال حَاسري الرؤوس، يَسْأَل الله أن ينزل بأسه بأهل البدع والضلال، وظن المُثبِت - واللهِ - أن القوم يجيبونه إلى هذا، فَوطَّنَ نفسه عليه غاية التوطين، وبات يحاسب نفسه، وَيعرض ما يثبته وينفيه على كلام رب العالمين، وعلى سنة خاتم المرسلين، ويتجرد من كل هوى يخالف الوحي المبين، ويهوي بصاحبه إلى أسفل السافلين. فلم يجيبوا إلى ذلك أيضاً، وأتوا من الاعتذار بما دل على أن القوم ليسوا من أولي الأيدي والأبصار. فحينئذ شمَّر المثبت عن ساق عزمه، وعقد لله مجلساً بينه وبين خصمه، يَشهده القريب والبعيد، ويقف على مَضمونه الذكي والبليد. وجَعل عقد مجلس التحكيم بين المعطل الجاحد، والمثبت المَرمي بالتجسيم، وقد خاصم في هذا المجلس بالله، وحَاكم إليه، وبرئ إلى الله من كل هَوى وبدعة وضلالة وتَحَيُّزٍ إلى فئة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان أصحابه عليه.(330/22)
والله سبحانه المسؤول أن لا يكله إلى نفسه ولا إلى شيء مما لديه، وأن يوفقه في جميع حالاته لما يحبه ويرضاه فإن أزِمَّةَ الأمور بيديه، وهو يرغب إلى من يقف على هذه الحُكومة أن يقوم لله قيام متجرد عن هواه، قاصداً لِرضى مولاه، ثم يقرؤها متفكراً، ويعيدها ويبديها متدبراً، ثم يحكم فيها بما يُرضي الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يقابلها بالسب والشتم كَفِعل الجاهلين والمعاندين فإن رأى حقاً قبله وشكر عليه، وإن رأى [باطلاً رده على قائله وأهدى الصواب إليه، فإن الحق لله ورسوله، والقصدُ أن تكون كلمة الله هي العليا جهاداً في الله وفي سبيله، والله عند لسان كل قائل وقلبه، وهو المطَّلِع على نيته وكسبه، وما كان أهل التعطيل أولياءه، إنْ أولياؤه إلا المتقون المؤمنون المصدقون، { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة:105].
فصل
وهذه أمثال حِسانٌ مضروبةٌ للمعطل والمشبِّه والموحِّد، ذكرتها قبل الشروع في المقصود؛ فإن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل لتقريبها المعقول من المشهود، وقد قال تعالى وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين
{ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ } [العنكبوت : 43] وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلاً لم يفهمه يشتد بكاؤه ويقول : لستُ من العالمين. وسنفرد لها إن شاء الله كتاباً مستقلا متضمناً لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من كنوز العلم وحقائق الإيمان، وبالله المستعان وعليه التكلان.(330/23)
المثلُ الأول: ثياب المعطل ملطخة بعذرة التحريف وشرابه متغير بنجاسة التعطيل، وثياب المشبه متضمخة بدم التشبيه وشرابه متغير بدم التمثيل. والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن، يخرج شرابه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين.
المثلُ الثاني: شجرة المعطل مغروسة على شفا جرف هار، وشجرة المشبه قد اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. وشجرة الموحد { أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [إبراهيم: 24-25].
المثلُ الثالث: شجرة المعطل شجرة الزقوم فالحلوق السليمة لا تبلعها، وشجرة المشبه شجرة الحنظل فالنفوس المستقيمة لا تتبعها. وشجرة الموحد طُوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.
المثلُ الرابع: المعطل قد أعدَّ قلبُه لوقاية الحر والبرد بيتَ العنكبوت، والمشبه قد خُسف بعقله فهو يتجلجل في أرض التشبيه إلى البَهموت] وقلب الموحد يطوف حول العرش ناظر إلى الحي الذي لا يموت.
المثلُ الخامس: مصباح المعطل قد عَصَفَت عليه أهويةُ التعطيل فطَفِئَ وما أنار، ومصباح المشبه قد غرقت فتيلته في عَكَرِ التشبيه فلا تقتبس منه الأنوار. ومصباح الموحد { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } [النور: 35].
المثلُ السادس: قلب المعطل متعلق بالعدم فهو أحقر الحقير، وقلب المشبه عَابد الصنم الذي قد نحت بالتصوير والتقدير. والموحد قلبه متعبد لمن { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [الشورى : 11].(330/24)
المثلُ السابع: نقود المعطل كلها زُيوف فلا تروج علينا، وبضاعة المشبه كلها كَاسدة فلا تَنفق لدينا. وتجارة الموحد ينادى عليها يوم العرض على رؤوس الأشهاد { هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا } [يوسف:65].
المثلُ الثامن: المعطل كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد من ريحاً خبيثة، والمشبه كبائع الخمر إما أن يسكرك وإما أن ينجسك. والموحد كبائع المسك إما أن يحذيك، وإما أن يَبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة.
المثلُ التاسع: المعطل قد تخلف عن سفينة النجاة ولم يركبها فأدركه الطوفان، والمشبه قد انكسرت به في اللجة فهو يشاهد الغرق بالعيان. والموحد قد ركب سفينة نوح وقد صاح به الربان: { ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ$yg11چّgxC َ ومُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
المثلُ العاشر: مَنهل المعطل { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا } [النور: 39]. فرجع خاسئاً حسيراً، وَمشرب المشبه من ماء قد تغير طعمه ولونه وريحه بالنجاسة تغييراً. ومشرب الموحد { مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ، عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا } [الإنسان:5-6].
وقد سميتها : بـ (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية) وهذا حينُ الشروع في المحاكمة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو حسبي وإياه أسأل إنه قريب مجيب.
1 ... حُكْمُ المَحَّبةِ ثَابتُ الأرْكَانِ ... مَا للصُّدُودِ بفَسْخِ ذَاكَ يَدَانِ
2 ... أنَّى وَقَاضِي الحُسْنِ نفَّذَ حُكْمَها ... فَلِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ الخَصْمانِ
3 ... وَأتَت شُهُودُ الوَصْلِ تَشْهَدُ أنه ... حَقَّا جَرَى في مَجْلسِ الإِحسَانِ
4 ... فتأكَّدَ الحُكْمُ العزيزُ فَلَمْ يَجِدْ ... فَسْخُ الوُشَاةِ إلَيهِ مِنْ سُلطَانِ(330/25)
5 ... وَلأجْلِ ذَا : حُكْمُ الْعَذُولِ تَداعتْ الـ ... أركَاَنُ مِنْهُ، فَخَرَّ لِلأَرْكَانِ
6 ... وأتَى الوُشَاةُ فَصَادَفُوا الحُكْمَ الذِي ... حَكَمُوا به مُتَيَقَّنَ البُطْلانِ
7 ... ما صَادَفَ الحُكْمُ الَمحَلَّ وَلا هُوَ اسْـ ... ــتَوْفَى الشُروطَ فَصَارَ ذا بُطْلاَنِ
8 ... فَلِذَاكَ قَاضِي الحُسْنِ أَثْبَتَ مَحْضَرَاً ... بِفسَادِ حُكْمِ الهَجْرِ والسُّلوانِ
9 ... وَحكَى لَكَ الحُكْمَ المُحالَ وَنَقْضَهُ ... فاسمعْ إذاً يا مَنْ لَهُ أُذُنَانِ
10 ... حُكْمُ الوُشَاةِ بِغَيرِ مَا بُرْهَانِ ... إنَّ المحبَّةَ والصُدُودَ لِدَانِ
11 ... وَاللهِ ما هَذَا بِحُكْمٍ مُقْسِطٍ ... أيْنَ (الغَرامُ) و(صَدُّ ذِي هِجرَان)؟!
12 ... شَّتان بين الحالتَيْنِ فَإِنْ تُرِدْ ... جَمْعًا فما الضِّدَّانِ يَجْتَمعَانِ.
13 ... يَا وَالِهاً هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ ... إذْ بَاعَهَا غَبْناً بِكُلِّ هَوَان
14 ... أتَبِيعُ (مَنْ تَهْواهُ نَفْسُك) طَائِعاً ... بالصَّدِّ والتَّعْذيبِ والهِجْرَانِ؟
15 ... أَجَهلْتَ أوْصافَ المبِيْعِ وقَدْرَهُ ... أمْ كُنْتَ ذا جَهْلٍ بِذِي الأثْمانِ؟
16 ... وَاهاً لِقَلْبٍ لا يُفَارِقُ طَيرُه الـ ... أَغْصَانَ قَائِمةً عَلى الكُثْبَان
17 ... وَيَظَلُّ يَسْجَعُ فوقَهَا، وَلِغَيرِهِ ... مِنْهَا الثِّمَارُ وكُلُّ قِطْفٍ دَانِي،
18 ... ويبيتُ يَبْكِي والمُواصِلُ ضَاحِكٌ ... وَيَظَلُّ يشْكُو وهْو ذُو شُكْْرانِ
19 ... هَذا وَلَوْ أنَّ الجَمَالَ مُعلَّقٌ ... بالنَّجمِ هَمَّ إليِهِ بالطَّيرانِ.
20 ... للهِ زاَئِرَةً بِلَيلٍ لَمْ تَخَفْ ... عَسَسَ الأميرِ وَمَرْصَدَ السَّجَّانِ
21 ... قَطَعَتْ بِلادَ الشَّامِ ثُمَّ تَيمَّمَت ... مِنْ أرْضِ طَيْبَةَ مَطْلِعَ الإِيمان،
22 ... وأتَتْ على وادي العَقيقِ فجاوزتْ ... مِيقَاتَهُ حِلاًّ بلا نُكرانِ،
23 ... وَأتَتْ على وَادِي الأرَاكِ - وَلَمْ يَكُنْ ... قَصْداً لَها - فَأْلاً بِأنْ سَتَراني،
24 ... وَأتَتْ على عَرفَاتِ ثُمَّ مُحَسِّرٍ ... وَمِنىً فَكَمْ نَحَرَتْه من قُربَانِ،(330/26)
25 ... وَأتَتْ عَلى الجَمَراتِ ثُمَّ تَيمَّمَتْ ... ذاتَ السُّتُورِ وَرَبَّةَ الأرْكَانِ
26 ... هذَا وما طَافَت ولا اسْتَلمتْ ولا ... رَمَتِ الجمارَ ولا سَعتْ لِقِرَانِ،
27 ... وَرَقَتْ على أعلَى الصَّفا فَتَيمَّمَت ... دَاراً هنالِكَ لِلْمُحِبِّ العَانيِ
28 ... أتَرَى الدَّلِيلَ أعَارَهَا أثْوَابَهُ ... وَالرِّيحَ أعطَتْها مِنَ الخَفَقَانِ؟!ِ
29 ... واللهِ لَوْ أنَّ الدَّلِيلَ مَكَانَها ... ما كانَ ذلِك مِنهُ فيِ إمْكَانِ
30 ... هَذا وَلو سَارَتْ مَسِيرَ الريحِ مَا ... وصَلَتْ بِه لَيْلاً إلى نَعْمَانِ
31 ... سَارَت وكانَ دليلُها فيِ سَيْرِها ... سَعْدَ السُّعُودِ وَلَيْسَ بالدَّبَرَانِ
32 ... وَرَدَتْ جِفَارَ الدَّمْعِ وَهْيَ غَزِيرَةٌ ... فَلِذَاك مَا احْتاجَتْ وُرُودَ الضَّانِ
33 ... وَعَلتْ عَلى مَتْنِ الهَوَى وتزوَّدَت ... ذِكرَ الحبيبِ وَوَصْلَهُ المتَدانِي
34 ... وَعَدَتْ بِزَوْرَتِها فَأوفَتْ بِالذي ... وعَدَتْ وَكَانَ بمُلْتَقَى الأجفَانِ
35 ... لَمْ تَفْجَأِ المُشَتَاقَ إلا وَهْي دا ... خِلةَ السُّتُورِ بِغَيرِ مَا اسْتِئْذَانِ
36 ... قَالَتْ وَقَدْ كَشَفَتْ نِقَابَ الحُسْن: ما ... بالصَّبرِ لي عَنْ أنْ أرَاكَ يَدانِ
37 ... وَتَحدَّثَت عِندِي حَديثاً خِلتُه ... صِدْقاً، وَقَدْ كَذَبَتْ بِه العينَانِ
38 ... فَعجبْتُ مِنْهُ وقُلتُ من فَرحِي بِه ... طَمَعاً ولكنَّ المَنَامَ دَهَانيِ:
39 ... إنْ كُنْتِ كَاذبَةَ الذي حَدَّثْتنِي ... فَعلَيْكِ إِثْم الكَاذِبِ الفَتَّانِ
40 ... جَهْمِ بنِِ صفوانٍٍ وشِيعَتِهِ الأُلَى ... جَحَدُوا صِفَاتِ الخالِقِ الديَّانِ
41 ... بل عَطَّلوا مِنْهُ السَّمواتِ العُلَى ... والعَرْشَ أخْلَوهُ مِنَ الرحْمن
42 ... ونَفَوْا كَلامَ الرَّبِّ جَلَّ جَلاَلُهُ ... وَقَضَوْا لَهُ بالخَلْقِ والحَدَثَانِ
43 ... قَالوا: ((وليس لِرَبِّنَا سَمْعٌ وَ لاَ ... بَصَرٌ وَلاَ وَجْهٌ، فَكَيْفَ يدانِ؟
44 ... وكذاك لَيْسَ لربّنَا مِنْ قُدرةٍ ... وَإرَادَةٍ أوْ رحْمَةٍ وَحَنَانِ(330/27)
45 ... كلاَّ ولا وَصفٌ يقومُ به سِوَى ... ذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ بِغَيرِ مَعَان
46 ... وحياتُهُ هِيَ نفسُه، وكَلاََمُه ... هوَ غيرُهُ)) فاعْجَبْ لِذا البُهتَانِ!
47 ... وَكَذاكَ قَالُوا: ((مَا لَهُ مِنْ خَلْقِه ... أحَدٌ يَكُونُ خَليِلَهُ النَّفْسَانِي
48 ... وَخَليلُهُ المُحتَاجُ)) (عِنْدهُمُ) وفي ... ذَا الوصْفِ يدخُلُ عابدُو الأوثانِ
49 ... فَالْكُلُّ مُفْتَقِرٌ إليه لذاتِه ... في أسْرِ قَبضتِهِ ذَليلٌ عَانِي
50 ... وَلأجلِ ذا ضَحَّى بجعْدٍ خالدُ الـ ... ـقَسْرِىُّ يَومَ ذَبائحِ القُرْبَانِ
51 ... إذْ قَالَ: إبْرَاهِيمُ ليسَ خَليلَهُ ... كلا ولا مُوسى الكليمَ الداني
52 ... شكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صاحِبِ سُنَّةٍ ... للهِ درُّكَ مِنْ أخِي قُرْبَانِ
فَصْلٌ
53 ... وَالعبْدُ عندهُمُ: فَلَيْسَ بِفَاعلٍ ... بَلْ فعْلُهُ كَتَحرُّكِ الرَّجَفَانِ
54 ... وهبُوبِ ريحٍ أوْ تحرُّكِ نائمٍ ... وتحرُّكِ الأشْجَارِ للمَيَلاََنِ،
55 ... واللهُ يُصْليهِ على مَا لَيْس مِنْ ... أفْعالِه حَرَّ الحَمِيمِ الآنِي!!
56 ... لَكِنْ يُعاقِبُهُ عَلى أفعَالِهِ ... فيهِ - تعالَى اللهُ ذُو الإحسَانِ -!!
والظُّلمُ عِنَدَهُمُ: المحالُ لذاتِهِ. ... أنى يُنزَّهُ عَنْهُ ذُو السُّلطَانِ!
58 ... ويكونُ مَدْحاً ذَلِكَ التنزيهُ!! ما ... هَذا بِمَعْقولٍ لِذِي الأذْهَانِ
فَصْلٌ
59 ... وَكَذاكَ قالُوا: ((مَاله مِنْ حِكمَةٍ ... هي غَايَةٌ للأمْرِ والإتْقَانِ
60 ... ما ثَمَّ غيرُ مَشيئةٍ قد رَجَّحَتْ ... مِثْلاً على مِثْلٍ بِلاَ رُجْحَانِ
61 ... هَذا وَمَا تِلْكَ المَشِيئةُ وَصْفُهُ ... بَلْ ذَاتُه أوْ فِعْلُهُ قَوْلاَنِ،
62 ... وكلامُهُ مُذْ كَانَ غَيراً كَانَ مَخْـ ... ـلُوقاً لَهُ مِنْ جُمْلَةِ الأكْوَانِ))
63 ... قَالُوا: ((وإقْرَارُ العِبَادِ بِأنَّه ... خلاَّقُهُمْ هُوَ مُنْتهَى الإِيمَانِ
64 ... والناسُ في الإيمانِ شيٌ واحدٌ ... كالمِشْطِ عِنْدَ تَماثُلِ الأسْنَانِ)).
65 ... فاسْألْ أبا جَهلٍ وشيعتَهُ وَمَنْ ... وَالاهُمُ مِنْ عَابِدِي الأوثَانِ(330/28)
66 ... وسَلِ اليهُودَ وكُلَّ أقْلَفَ مُشرِكٍ ... -عَبَدَ المَسِيحَ- مُقَبِّلِ الصُّلبَانِ
وَاسْألْ ثَمُودَ وعادَ بل سَلْ قَبلَهُم ... أعْدَاءَ نُوحٍ أُمَّةَ الطُّوفَانِ
68 ... واسألْ أبَا الجنِّ اللعينَ: أتعرفُ الـ ... خلاَّقَ أمْ أصْبَحْتَ ذَا نُكْرَانِ؟
69 ... وَاسألْ شِرارَ الخلقِ أعني أُمةً ... لُوطِيَّةً همُ ناكِحُو الذُّكْرَانِ
70 ... وَاسأل كَذَاكَ إمَامَ كُلِّ مُعطِّلٍ ... فِرْعَونَ مَعْ قَارُونَ مَعْ هَامَانِ
71 ... هل كانَ فيهِمْ مُنكِرٌ للخالِقِ الرَّ ... بِّ العظيمِ مكوِّنِ الأكْوانِ؟
فَلْيُبْشرُوا ما فيهِمُ مِنْ كافِرٍ ... هُمْ عندَ جَهْمٍ كَامِلو الإِيمانِ
فَصْلٌ
وَقَضَى: ((بِأنَّ اللهَ كَانَ مُعطَّلاً ... والفِعْلَ مُمتنِعٌ بلا إمكَانِ
74 ... ثُمَّ اسْتَحالَ وَصَارَ مَقْدُوراً لَهُ ... مِنْ غَيْرِ أمْرٍ قَامَ بالدَّيَّانِ))
75 ... بَلْ حَالُهُ سُبْحَانَه في ذَاتِه ... قبْلَ الحُدوثِ وَبَعْدَهُ سِيَّانِ
76 ... وَقَضَى: ((بأنَّ النَّارَ لَمْ تُخْلَقْ ولا ... جَنَّاتِ عَدْنٍ بَلْ هُمَا عَدَمَانِ
77 ... فَإذا هُمَا خُلِقَا ليومِ مَعَادِنَا ... فَهُمَا عَلى الأوْقَاتِ فَانِيَتَانِ)).
78 ... وتَلَطَّفَ العَلاّفُ مِنْ أتَباعه ... فَأتى بِضُحْكَةِ جَاهِلٍ مَجَّانِ؛
79 ... قالَ: ((الفَنَاءُ يكونُ في الحركَاتِ لا ... في الذَّاتِ)) وَاعجَباً لِذَا الهذَيانِ!!
80 ... أيَصيرُ أهلُ الخُلدِ في جَنَّاتهمْ ... وجَحيمِهِمْ كحِجَارَةِ البُنْيَانِ؟!
81 ... ما حَالُ مَنْ قَدْ كَانَ يَغْشَى أهْلَه ... عِنْدَ انقضاء ِتحرُّكِ الحَيَوانِ؟!
82 ... وكذاكَ مَا حَالُ الذي رَفَعَتْ يدَا ... هُ أكْلَةً مِنْ صَحْفَةٍ وخِوَانِ
83 ... فَتَنَاهَتِ الحركَاتُ قَبْلَ وصوِلها ... لِلْفَمِّ عِنْدَ تفتُّح الأسْنَانِ؟!
وكذاكَ مَا حَالُ الذِي امتدَّتْ يَدٌ ... مِنْهُ إلى قِنوٍ مِنْ القِنْوانِ
85 ... فَتنَاهَتِ الحَركَاتُ قَبْلَ الأخْذِ هَلْ ... يَبْقَى كَذلِكَ سَائِرَ الأزْمَاَنِ؟!(330/29)
86 ... تَبّاً لَهاتِيكَ العُقُولِ فَإنها ... واللهِ قَدْ مُسِخَتْ على الأبْدَانِ
تَبّاً لمِنْ أضْحَى يُقَدِّمُهَا على الْـ ... آثارِ والأخْبَارِ والقُرآنِ
فَصْلٌ
88 ... وَقَضَى: ((بِأنَّ الله يَجْعَلُ خَلقَهُ ... عَدَماً ويقْلِبُه وُجُوداً ثَانِي.
89 ... العَرْشُ والكُرسِيُّ والأرواحُ والـ ... أمْلاكُ والأفْلاكُ والقَمَرَانِ
90 ... والأرضُ والبَحرُ المحيطُ وسائرُ الـ ... أكوَانِ مِنْ عَرَضٍ وَمِنْ جُثمَانِ
91 ... كُلٌ سَيُفْنِيهِ الفنَاءَ المَحْضَ لا ... يَبْقَى لَهُ أثَرٌ كَظِلٍّ فَانِي
92 ... ويُعِيدُ ذَا المَعدُومَ أيْضاً ثانياً ... مَحْضَ الوجودِ إعَادَةً بِزَمَانِ))
93 ... هَذا المعادُ وذَلِكَ المَبْدَا لَدَى ... جَهْمٍ وقدْ نَسَبُوه للقرآنِ.
94 ... هَذا الذِي قَادَ ابنَ سينَا والأُلَى ... قَالُوا مَقَالتَه إلى الكُفْرَانِ
95 ... لَمْ تَقْبَلِ الأذْهانُ ذَا وتوهَّمُوا ... أنَّ الرَّسُولَ عَنَاهُ بالإِيمانِ.
96 ... هَذا كِتابُ اللهِ أنَّى قَالَ ذَا ... أو عَبدُهُ المبْعُوث بالبُرهَانِ
97 ... أو صَحْبُه مِنْ بعدِه أو تَابِعٌ ... لَهمُ عَلى الإِيمانِ والإِحْسَانِ؟
بَلْ صَرَّحَ الوحْيُ المبينُ بأنهُ ... حقًّا مُغَيِّرُ هَذه الأكْوَانِ
99 ... فَيُبَدِّلُ اللهُ السَّمواتِ العُلَى ... والأرضَ أيْضاً ذَانِ تَبْديلانِ
100 ... وهَما كَتَبديلِ الجُلودِ لِسَاكِني النِّـ ... ــيرانِ عِندَ النُّضْجِ مِنْ نِيرَانِ،
101 ... وكَذَاكَ يَقْبِضُ أرضَهُ وَسَمَاءَهُ ... بِيدَيْهِ، مَا العَدَمَانِ مقبوضَانِ!
102 ... وتُحدِّثُ الأرْضُ التي كُنَّا بِهَا ... أخبَارَها في الحَشْرِ للرَّحمنِ
103 ... وتَظَلُّ تَشْهَدُ - وَهْيَ عَدْلٌ - بِالذِي ... مِنْ فَوقِهَا قَدْ أحْدَثَ الثَّقَلاَنِ
104 ... أفيشْهَدُ العَدَمُ الذِي هُوَ كاسْمِهِ ... (لاشيءَ) ؟! هذا لَيْسَ في الإِمكَانِ
105 ... لَكِنْ تُسَوَّى ثُمَّ تُبْسَطُ ثُمَّ تَشْـ ... ــهَدُ ثم تُبْدَل وَهْي ذَاتُ كِيانِ،
106 ... وتُمَدُّ أيضا مِثلَ مَدِّ أدِيمِنَا ... مِن غيرِ أوْدِيَةٍ ولا كُثْبَانِ،(330/30)
107 ... وَتقيءُ يَومَ العَرْضِ ذا أكَبادِهَا ... كَالأُسْطُوَانِ نَفائِسَ الأثْمَانِ
108 ... كُلٌ يَرَاهُ بِعَينْهِ وعِيَانِهِ ... مَا لاِمْرىءٍ بِالأخْذِ مِنْه يَدَانِ،
109 ... وَكَذَا الجبالُ تُفَتُّ فَتّاً مُحْكَماً ... فَتَعُودُ مِثْلَ الرَّمْلِ ذِي الكُثْبَانِ
110 ... وتَكُونُ كالعِهْنِ الَّذِي ألْوانُه ... وصِبَاغُهُ مِنْ سائِرِ الألْوَانِ،
111 ... وتُبَسُّ بَسَّاً مِثْلَ ذَاكَ فَتنثَني ... مِثْلَ الهَبَاءِ لِناظِر الإِنْسَانِ،
112 ... وَكَذا البِحَارُ فَإنَّهَا مسْجورَةٌ ... قَدْ فُجِّرَت تَفْجِيرَ ذِي سُلطَانِ،
113 ... وكذَلِك القَمَرَانِ يَأذَنُ رَبُّنَا ... لَهُمَا فيجتَمِعَانِ يَلتَقيَانِ
114 ... هَذِي مُكوَّرَةٌ وَهَذَا خَاسِفٌ ... وكِلاَهُمَا في النَّار مَطْروحانِ،
115 ... وَكَواكِبُ الأفلاَكِ تُنثَرُ كُلُّهَا ... كلآلِئٍ نُثِرتْ عَلَى مَيْدَانِ،
116 ... وَكَذا السَّمَاءُ تُشَقُّ شَقّاً ظَاهِراً ... وَتَمورُ أيْضاً أيَّمَا مَوَرَانِ
117 ... وتصيرُ بَعْدَ الانشِقَاقِ كَمِثْلِ هَـ ... ـــذَا المُهْلِ أو تَكُ وردةً كَدِهَانِ،
118 ... والعَرْشُ وَالْكُرسيُّ لا يُفْنيهماَ ... أيْضاً وإنَّهُمَا لَمخلُوقَانِ،
119 ... والحورُ لا تَفْنى، كَذلِكَ جَنَّةُ الْـ ... ـــمأوَى وَمَا فِيهَا مِنَ الوِلْدَانِ؛
120 ... ولأجلِ هَذَا قَالَ جَهْمٌ إنَّهَا ... عَدَمٌ وَلَمْ تُخْلَقْ إلَى ذَا الآنِ،
والأنْبِياءُ فَإنَّهُمْ - تَحتَ الثَّرَى - ... أجسَامُهُمْ حُفِظَتْ مِن الدِّيدَانِ
122 ... ما للْبِلى بلُحُومِهِمْ وجُسومِهِم ... - أبَداً وَهُمْ تَحتَ التُّرَابِ - يَدَانِ،
123 ... وَكَذاكَ عَجْبُ الظَّهْرِ لا يبْلَى، بَلَى ... مِنْهُ تُرَكَّبُ خِلْقَةُ الإنْسَانِ،
124 ... وكَذلِكَ الأرْوَاحُ لاَ تَبْلَى كَمَا ... تَبْلَى الجُسُومُ وَلاَ بِلَى اللُّحْمَانِ؛
125 ... وَلأجْلِ ذَلِكَ لم يُقِرَّ الجَهْمُ بالـ ... أرواحِ خَارجةً عَنِ الأبْدَانِ
126 ... لَكنَّهَا ((مِنْ بَعْضِ أعْرَاضٍ بهَا ... قَامَتْ)). وَذَا في غَايَةِ البُطْلاَنِ.(330/31)
127 ... فالشَّأنُ للأرواحِ بَعْدَ فِراقِهَا ... أبْدَانَنا وَاللهِ أعظَمُ شَانِ
128 ... إمَّا عَذَابٌ أو نَعِيمٌ دَائمٌ ... قَدْ نُعِّمَتْ بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ
129 ... وتصيرُ طيراً سارحاً مَعْ شَكْلِهَا ... تَجْني الثِّمارَ بِجَنَّةِ الحَيَوانِ
130 ... وَتَظَلُّ وَارِدَةً لأنهَارٍ بِها ... حَتَّى تَعُودَ لِذَلِكَ الجُثْمَانِ،
131 ... لَكِنَّ أرواحَ الذينَ استُشهدُوا ... في جَوْفِ طَيْرٍ أخْضَرٍ رَيَّان
132 ... فلهُمْ بذَاكَ مزيَّةٌ في عَيشِهِمْ ... ونَعِيمِهِمْ للرُّوحِ والأبْدَانِ
133 ... بَذَلُوا الجُسُومَ لربِّهِم فأعَاضَهُم ... أجْسَامَ تلكَ الطَّيرِ بالإِحسَانِ
134 ... وَلَها قنَادِيلٌ إليهَا تَنتَهِي ... مَأوىً لَهَا كَمَسَاكِنِ الإنْسَانِ؛
فالرُّوحُ بَعْدَ الموتِ أكمَلُ حَالَةً ... مِنْهَا بِهَذي الدَّارِ في جُثْمَانِ،
136 ... وَعذَابُ أشقَاهَا أشدُّ مِنَ الذِي ... قد عاينَتْ أبصَارُنا بِعيَانِ.
137 ... والقائِلُونَ بِأنَّهَا عَرَضٌ أبَوْا ... ذَا كُلَّهُ!! تَبَّاً لِذِي نُكْرانِ.
138 ... وإذَا أرَادَ اللهُ إخْرَاجَ الوَرَى ... بَعْدَ المَمَاتِ إلى المَعَادِ الثَّانيِ
139 ... ألقَى عَلَى الأرْضِ التي هُمْ تَحتَها ... - واللهُ مُقْتَدِرٌ وذُو سُلطَانِ-
140 ... مَطَراً غَليظاً أَبيَضَاً مُتَتَابِعاً ... عشْراً وَعشْراً بَعْدَهُ عَشْرَانِ؛
141 ... فَتَظَلُّ تَنبُتُ منهُ أَجْسَامُ الوَرَى ... وَلُحُومُهُمْ كَمَنابِتِ الرَّيْحَانِ،
142 ... حَتَّى إذَا مَا الأمُّ حَانَ وِلادُهَا ... وتمخَّضَتْ فَنِفَاسُهَا مُتَدَانِي
143 ... أوْحَى لَهَا ربُّ الوَرَى فَتَشقَّقَتْ ... فَبَدَا الجَنِينُ كَأكْمَلِ الشُّبَّانِ
144 ... وتخلَّت الأمُّ الوَلُودُ وأَخْرَجَتْ ... أثقَالَها أُنْثَى ومِنْ ذُكْرَانِ،
145 ... واللهُ يُنْشِىءُ خلْقَهُ في نَشْأةٍ ... أُخْرَى كَمَا قَدْ قَالَ في الفرقانِ.
146 ... هَذا الذِي جَاءَ الكتابُ وسنةُ الـ ... ــهَادِي بِه فاحْرِصْ عَلَى الإيمَانِ(330/32)
147 ... ما قَالَ إنَّ اللهَ يُعدِمُ خَلْقَهُ ... طُرًّاً كقولِ الجاهلِ الحَيْرَانِ
فَصْلٌ
148 ... وَقَضى: ((بِأنَّ الله لَيْسَ بفاعِلٍ ... فِعلاً يَقومُ بِه بِلاَ بُرْهَانِ
بَلْ فِعْلُه - المَفْعُولُ خَارِجَ ذَاتِهِ - ... كَالْوَصْفِ غَيرُ الذَّاتِ في الحُسبانِ))،
150 ... والجبرُ مذْهَبُهُ الذِي قرَّتْ بِهِ ... عَيْنُ العُصَاةِ وشيعةُ الشَّيطانِ
151 ... كانُوا عَلَى وَجَلٍ مِنَ العِصْيانِ إذْ ... هُوَ فِعْلُهُم والذَّنْبُ للإِنْسَانِ
152 ... واللَّومُ لا يعدُوهُ إذْ هُوَ فَاعِلٌ ... بإرادةٍ وبِقُدْرَةِ الحَيوَانِ،
153 ... فَأراحَهُمْ جَهْمٌ وَشِيعتُهُ مِنَ اللـ ... ــومِ العَنِيفِ وَما قَضوْا بأمَانِ،
154 ... لكنَّهم حَمَلوا ذُنُوبَهُمُ عَلى ... رَبِّ العبَادِ بعزَّةٍ وأمانِ
155 ... وتبرَّؤوا مِنْهَا وقالُوا: ((إنَّهَا ... أفعالُهُ ما حِيلةُ الإِنسَانِ؟
156 ... ما كَلَّفَ الجبارُ نَفْساً وُسْعَها ... أنَّى وقَدْ جُبِرتْ عَلَى العِصْيَانِ،
157 ... وَكَذا عَلَى الطَّاعَاتِ أيضاْ قَدْ غَدَتْ ... مَجْبُورةً فَلَهَا إذًا جَبْرَانِ
158 ... وَالعَبْدُ في التَّحْقيقِ شِبْهُ نَعَامَةٍ ... قَدْ كُلِّفتْ بالحَمْلِ والطَّيَرانِ
159 ... إذْ كَانَ صُورَتُها تَدُلُّ عَلَيهمَا ... هَذَا ولَيسَ لَهَا بِذَاكَ يَدَان))
160 ... فَلِذَاكَ قَالَ بأنَّ ((طَاعَاتِ الوَرَى ... وكذَاكَ ما فعلُوهُ مِنْ عِصْيَانِ
هِىَ عَيْنُ فِعْلِ الرَّبِّ لا أفْعَالُهُم)) ... فَيصِحُّ عَنْهُمْ عِنْدَ ذَا نَفيَانِ
162 ... نَفْيٌ لِقُدرتِهِم عَلَيْهَا أوَّلاً ... وصُدورِهَا مِنْهُمْ بِنَفْيٍ ثَانِي
163 ... فَيُقالُ: ما صَامُوا ولاَ صَلَّوا وَلاَ ... زَكَّوا ولا ذَبَحُوا مِنَ القُرْبَانِ
164 ... وَكَذاكَ مَا شَرِبُوا ومَا قَتَلوُا ومَا ... سَرَقُوا ولا فِيِهمْ غَوِيٌّ زانِي
165 ... وَكذَاكَ لَمْ يأتُوا اختياراً مِنْهُمُ ... بالكُفْر والإسلاَمِ والإِيمَانِ
166 ... إلا عَلَى وَجْهِ المَجَازِ لأنَّهَا ... قَامَتْ بِهِمْ كالطَّعْمِ والألْوَانِ!!(330/33)
167 ... جُبِرُوا عٍلَى ما شَاءَهُ خَلاّقُهمْ ... ما ثَمَّ: (ذُو عَوْنٍ) وَ(غَيْرُ مُعانِ)!!
168 ... الكُلُّ مَجْبُورٌ وغَيْرُ مُيَسَّرٍ ... كَالمَيْتِ أُدْرِجَ دَاخِلَ الأكْفَانِ!!
169 ... ((وكذَاكَ أفعالُ المُهَيمنِ لَمْ تَقُمْ ... أيضاً بِهِ)) خَوْفاً مِنَ الحَدَثَانِ.
170 ... فإذَا جَمَعْتَ مَقَالتَيْهِ أنْتَجَا ... كَذِباً وزُوراً واضِحَ البُهْتَانِ
171 ... إذْ لَيْسَتِ الأفْعالُ فِعْلَ إلهِنا ... والرَّبُّ لَيْسَ بِفَاعِلِ العِصْيَانِ
172 ... فإذَا انتَفَتْ صِفَةُ الإلهِ وَفِعْلُهُ ... وَكَلاَمُهُ وفَعائِلُ الإِنْسَانِ
173 ... فهُناكَ لا خَلْقٌ وَلا أمْرٌ وَلا ... وَحْيٌ ولاَ تَكْلِيفُ عَبدٍ فَانٍي.
174 ... وَقَضى عَلى أسمِائِهِ: بحُدُوِثِهَا ... وبِخَلْقهَا مِنْ جُمْلَةِ الأكوانِ.
175 ... فانظُرْ إلى تَعطيِلِه الأوصَافَ والـ ... أفعَالَ والأسْمَاءَ للرَّحمْنِ
176 ... مَاذَا الذِي في ضِمْنِ ذَا التعطِلِ مِنْ ... نَفيٍ ومِنْ جَحدٍ وَمِنْ كُفْرَانِ؟!
177 ... لَكِنَّه أبْدَى المَقَالَةَ هَكَذَا ... في قَالَبِ التنزيهِ للرَّحْمَنِ،
178 ... وأتى إلى الكُفْرِ العَظِيمِ فَصَاغَهُ ... عِجْلاً لِيَفْتِنَ أمَّةَ الثِّيرَانِ،
179 ... وكَسَاهُ أنْوَاعَ الجواهِرِ والحُلَى ... مِنْ لُؤلُؤٍ صَافٍ وَمِنْ عِقْيَانِ
180 ... فَرَآه ثيرانُ الوَرَى فَأصَابَهُمْ ... كَمُصَابِ إخْوَتِهِم قَديمَ زَمَانِ
181 ... (عِجلاَن قَدْ فَتَنَا العِبَادَ) بصوتِهِ ... إحْدَاهُمَا، وَبحَرِفِهِ ذَا الثَّانِي.
182 ... وَالنَّاسُ أكْثَرُهُم فَأهْلُ ظَوَاهِرٍ ... تَبْدُو لَهُمْ ليسُوا بأهْلِ مَعَاني
فَهُمُ القشُورُ وبِالقشُورِ قِوَامُهُمْ، ... وَاللُّبُّ حَظُّ خُلاَصَةِ الإنْسَانِ؛
184 ... وَلِذَا تَقَسَّمَتِ الطوَائِفُ قَولَهُ ... وتوارثُوه إ رْثَ ذِي السُّهْمَانِ
185 ... لَمْ يَنْجُ مِنْ أقوَالِه طُرّاً سِوَى ... أهْلِ الحَدِيثِ وَشِيعَةِ القرآنِ
186 ... فَتَبَرؤوا منهَا بَراءةَ حَيْدَرٍ ... وَبَراءةَ المولُودِ مِنْ عِمْرَانِ(330/34)
187 ... مِنْ كُلِّ شِيعيٍّ خَبِيثٍ وَصْفُهُ ... وَصْفُ اليهُودِ مُحَلِّلِي الحيتَانِ
فَصْلٌ
فيِ مُقَدِّمةٍ نَافِعَةٍ قَبْلَ الَّتْحكِيمِ
188 ... يَا أيُّهَا الرَّجُلُ المرِيدُ نَجَاتَهُ ... إسْمَعْ مَقَالَةَ نَاصِحٍ مِعْوَانِ:
189 ... كُنْ في أُمُورِكَ كُلِّها مُتمسِّكاً ... بالوحيِ لا بزخارِفِ الهَذَيَانِ
190 ... وانصُرْ كتابَ اللهِ والسُّنَنَ الَّتيِ ... جَاءَتْ عَنِ المبعُوثِ بالفُرقَانِ
191 ... واضْرِبْ بِسَيفِ الوحْيِ كُلَّ مُعَطِّلٍ ... ضَرْبَ المجاهِدِ فَوقَ كُلِّ بَنَانِ
192 ... وَاحْمِلْ بعزْمِ الصِّدْقِ حَمْلَةَ مُخْلِصٍ ... مُتَجَرِّدٍ للهِ غَيْرِ جَبَانِ
193 ... واثبُتْ بِصَبْرِكَ تَحْتَ ألْوِيَةِ الهُدَى ... فَإذَا أُصِبْتَ فَفِي رِضَا الرَّحمنِ
194 ... واجْعَل كِتَابَ اللهِ والسُّنَنَ الَّتِي ... ثَبَتَتْ سِلاَحَكَ ثُمَّ صِحْ بِجَنَانِ
195 ... مَنْ ذَا يُبَارِزْ فلْيقدِّمْ نَفْسَهُ ... أوْ مَنْ يسَابِقْ يَبْدُ في المَيْدَانِ؟
196 ... وَاصْدَعْ بِمَا قَالَ الرَّسُولُ ولا تَخَفْ ... مِنْ قِلَّةِ الأنْصَارِ والأعْوَانِ؛
197 ... فَاللهُ نَاصِرُ دِينِهِ وكتَابِهِ ... واللهُ كَافٍ عَبْدَهُ بأمَانِ
198 ... لا تَخْشَ مِن كَيْدِ العدُوِّ وَمكْرِهِمْ ... فَقِتَالُهُمْ بِالكِذْبِ والبُهْتَانِ
فُجنودُ أتْبَاع الرَّسُولِ مَلاَئِكٌ، ... وَجُنُودُهُمْ فَعَسَاكِرُ الشَّيْطَانِ
200 ... شَتَّانَ بينَ العسْكَرينِ فَمَنْ يَكُنْ ... مُتُحَيِّزاً فلينظُرِ الفِئَتَانِ،
201 ... واثبُتْ وقَاتِلْ تَحْتَ رايِاتِ الهُدى ... وَاصْبِرْ فَنَصْرُ اللهِ رَبِّكَ دَانِي
202 ... واذكُرْ مَقَاتِلَهُمْ لفُرْسَانِ الهُدَى ... للهِ درُّ مُقَاتِلِ الفُرْسَانِ
وادْرَأْ بِلَفْظِ النَّصِّ في نَحرِ العِدا ... وَارْجُمْهُمُ بِثَواقِبِ الشُّهْبَانِ
204 ... لا تَخْشَ كثرتَهُم؛ فَهُم هَمَجُ الوَرَى ... وَذُبَابُه،ُ أتَخَافُ مِنْ ذُبَّانِ؟!
205 ... وَاشْغَلْهُمُ عِنْدَ الجِدَالِ بِبَعْضِهِمْ ... بَعْضاً فَذَاكَ الحَزْمُ للفُرْسَانِ،(330/35)
206 ... وإذا هُمُ حَمَلُوا عَلَيكَ فلا تَكُنْ ... فَزِعاً لِحَمْلَتِهِمْ ولا بِجَبَانِ
207 ... واثبُت ولا تَحْمِلْ بِلا جُنْدٍ فَمَا ... هَذا بِمَحْمودٍ لَدَى الشُّجْعَانِ
208 ... فإذَا رَأيتَ عِصَابَةَ الإسْلاَمِ قَدْ ... واَفَتْ عَسَاكِرُهَا مَعَ السُّلْطَانِ
209 ... فَهُنَاكَ فَاخْتَرِقِ الصُّفُوفَ ولا تَكُنْ ... بِالعَاجِزِ الوَاني وَلاَ الفَزْعَانِ.
210 ... وَتَعَرَّ مِنْ ثوبَينِ مَنْ يَلْبَسْهمُا ... يَلْقَ الرَّدَى بِمَذَمَّةٍ وَهَوَانِ:
211 ... ثوبٍ مِنَ الجهْلِ المُرَكَّبِ، فَوقَهُ ... ثَوْبُ التّعَصُّبِ بِئْسَتِ الثَّوبَانِ،
212 ... وتَحلَّ بالإنْصَافِ أفْخَرَ حُلَّةٍ ... زِينَتْ بهَا الأعطافُ والكَتِفَانِ
واجعَلْ شِعَارَكَ خَشْيَةَ الرّحَمنِ مَعْ ... نُصْحِ الرّسُولِ فَحَبَّذَا الأمْرانِ
214 ... وَتَمَسَّكَنَّ بحبْلِهِ وَبِوَحْيِهِ ... وَتَوَكَّلََنَّ حَقيقَةَ التُّكْلاَنِ
215 ... فالحَقُّ وَصْفُ الرّبِّ وَهْوَ صِراطُهُ الـ ... ـهَادِي إليْهِ لصَاحِبِ الإيمَانِ
216 ... وهو الصِّراطُ عَلَيهِ رَبُّ العَرْشِ أيـ ... ـضاً، ذا وَذَا قَدْ جَاءَ في القرآنِ،
217 ... والحَقُّ مَنْصُورٌ ومُمتَحَنٌ فَلاَ ... تَعْجَبْ فَهَذِي سُنَّةُ الرَّحْمَنِ
218 ... وبِذَاكَ يُظْهِرُ حِزْبَه مِنْ حَرْبِهِ ... ولأجْلِ ذَاكَ النَّاسُ طَائِفَتَانِ
219 ... ولأجْلِ ذَاكَ: الحَرْبُ بَيْنَ الرُّسْلِ والْـ ... ـكُفَّارِ مُذْ قَامَ الوَرَى سِجْلاََنِ
220 ... لَكِنَّمَا العُقْبَى لأهْلِ الحَقِّ إنْ ... فَاتَتْ هُنَا كانَت لَدَى الدَّيَّانِ.
221 ... واجعَلْ لقلبِكَ هِجْرتَينِ وَلاَ تَنَمْ ... فهُمَا عَلَى كُلِّ امْرِئٍ فَرْضَانِ:
222 ... فالهِجْرةُ الأُولَى إلى الرَّحَمن بالـ ... إخْلاصِ فِي سِرٍّ وفى إعْلانِ
223 ... فالقصْدُ وَجْهُ الله في الأقْوَالِ والَ ... أعمالِ والطَّاعَاتِ والشُّكْرَانِ
224 ... فَبِذَاكَ يَنْجُو العبْدُ مِنْ إشراكِهِ ... وَيَصِيرُ حَقّاً عَابِدَ الرَّحْمنِ،(330/36)
225 ... وَالهِجْرةُ الأخْرَى إلى المبعوثِ بالـ ... ـحَقِّ المُبِين وَوَاضِحِ البُرْهَانِ؛
226 ... فَيَدُورُ مَعْ قَولِ الرّسُولِ وَفِعلِه ... نَفْياً وإثْبَاتاً بِلاََ رَوَغانِ
ِ
227 ... وُيحكِّمُ الوَحْىَ المُبينَ عَلى الذِي ... قَالَ الشُّيوخُ فَعِنْدَهُ حَكَمَانِ
228 ... لاَ يَحْكُمانِ بِبَاطِلٍ أبَداً وكُلُّ ... العَدْلِ قَدْ جَاءَتْ بِه الحَكَمَانِ؛
229 ... وَهُما: كتابُ اللهِ أعْدَلُ حَاكِمٍ ... فِيه الشِّفَا وهِدايةُ الحيرانِ،
230 ... والحَاكِمُ الثَّانيِ كَلامُ رَسُولِهِ ... مَا ثَمَّ غيرُهُمَا لِذِي إيمانِ.
231 ... فَإذَا دَعَوْكَ لغَيْرِ حُكمِهمَا فَلا ... سَمْعاً لِدَاعِي الكُفرِ والعِصْيانِ
232 ... قُلْ: لاَ كَرَامةَ لاَ، ولاَ نُعْمَى، وَلاَ ... طَوْعاً لِمَنْ يَدْعُو إلى طُغْيَانِ
233 ... وإذا دُعِيْتَ إلى الرَّسُولِ فقلْ لَهُم ... سَمعاً وَطَوعاً لستُ ذَا عِصْيانِ.
234 ... وإذا تَكاثَرَتِ الخُصومُ وَصيَّحُوا ... فَاثْبُتْ؛ فَصَيْحَتُهُمْ كَمِثلِ دُخَانِ
235 ... يَرْقَى إلى الأوجِ الرَّفِيعِ وَبعْدَه ... يَهوِي إلى قَعْرِ الحَضيِضِ الدَّاني.
236 ... هَذا وإنَّ قِتَالَ حِزْبِ اللهِ بالـ ... أعمالِ لا بكَتَائبِ الشُّجْعانِ
237 ... واللهِ مَا فَتَحُوا البِلادَ بِكَثْرةٍ ... أنَّى وأعْدَاهُمْ بِلاَ حُسْبَانِ
238 ... وَكَذاكَ ما فَتحُوا القُلُوبَ بِهذِهِ الـ ... آراءِ بلْ بالعِلْمِ والإيمَانِ.
239 ... وَشَجَاعَةُ الفُرْسَانِ نَفْسُ (الزُّهْدِ فيِ ... نَفْسٍ) وذَا مَحْذورُ كُلِّ جَبَانِ
240 ... وَشَجَاعَةُ الحُكَّامِ والعلماءِ زهـ ... ـدٌ في الثَّنَا مِنْ كلِّ ذِي بُطْلاَنِ
241 ... فَإذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِقَلْبٍ صَادِقٍ ... شُدَّتْ رَكائِبُهُ إلى الرَّحْمنِ.
242 ... وَاقْصِدْ إلى الأقرَانِ لاَ أطْرَافِهَا ... فالعِزُّ تَحْتَ مَقَاتِلِ الأقْرَانِ
243 ... وَاسْمعْ نصيحَةَ من لهُ خُبْرٌ بمَا ... عندَ الوَرَى مِنْ كَثْرةِ الجَوَلاَنِ:
244 ... مَا عِنْدَهُمْ وَاللهِ خَيْرٌ غَيرَُ مَا ... أخذُوهُ عَمَّنْ جَاءَ بالقُرْآنِ(330/37)
والكُلُّ بَعْدُ فَبِدْعةٌ أو فِريَةٌ ... أوْ بَحْثُ تَشْكِيكٍ وَرأيُ فُلانِ.
246 ... فاصْدَعْ بأمْرِ اللهِ لا تَخْشَ الوَرَى ... فيِ اللهِ وَاخْشَاهُ تَفُزْ بأمَان
247 ... وَاهْجُر وَلَوْ كُلَّ الوَرَى فيِ ذاتِهِ ... لاَ فيِ هَوَاك وَنَخْوةِ الشَّيْطَانِ
248 ... وَاصْبِرْ بِغَيْرِ تَسَخُّطٍ وشِكَايةٍ ... وَاصْفَحْ بِغَيرِ عتَابِ مَنْ هُوَ جَانِي
واهجُرهُمُ الهَجْرَ الجَمِيلَ بِلا أذىً ... إنْ لَمْ يَكنْ بُدٌّ مِنَ الهِجْرَانِ،
250 ... وانْظُر إلى الأقْدَارِ جَارِيَةً بِمَا ... قَدْ شَاءَ مِنْ غَيٍّ وَمِنْ إيمَانِ
251 ... وَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتينِ كِلاَهُمَا ... بالحَقِّ في ذَا الخَلْقِ نَاظِرَتَانِ؛
252 ... فانظُرْ بِعينِ الحُكمِ وَارحَمهُم بِهَا ... إذْ لا تُرَدُّ مَشِيئةُ الدَّيَّانِ،
253 ... وانظُرْ بِعَيْنِ الأمرِ واحْمِلْهُمْ عَلَى ... أحْكَامِهِ فَهُمَا إذاً نَظَرانِ.
254 ... وَاجْعَلْ لِوجْهكَ مُقْلَتَينِ كِلاَهُما ... مِنْ خَشْيِةِ الرَّحمنِ بَاكيَتَانِ
255 ... لَوْ شَاءَ رَبُّك كُنْتَ أيضاً مِثْلَهُمْ ... فَالقَلْبُ بَيْنَ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ.
وَاحْذَرْ كَمَائِنَ نَفْسِكَ اللاَّتي مَتَى ... خَرَجَتْ عَليكَ كُسِرتَ كَسْرَ مُهَانِ
257 ... وَإذَا انْتصَرْتَ لَهَا يكون كَمَنْ بَغَى ... طَفْيَ الدُّخَانِ بِمَوْقِدِ النِّيرَانِ.
258 ... واللهُ أخْبَرَ وَهْو أصدَقُ قَائِلٍ ... أنْ سَوْفَ يَنْصُرُ عَبْدَهُ بأمَانِ
259 ... مَنْ يَعْمَلِ السُّوأى سَيُجْزَى مِثْلَهَا ... أو يَعْمَلِ الحُسْنَىَ يَفُزْ بِجِنَانِ
260 ... هَذِي وَصَّيةُ نَاصِحٍ، وَلِنَفْسِهِ ... وَصَّى، وَبَعدُ لِسَائِرِ الإِخْوَانِ
...
... فَصْلٌ
وَهَذَا أوَّلُ عَقْدِ مَجْلسِ التَّحْكيِمِ
261 ... فاجْلِسْ إذًا فيِ مَجلِسِ الحَكَمَيْنِ للَّر ... حْمَنِ لا للنَّفْسِ والشَّيْطَانِ:
262 ... إحداهما النقلُ الصحيحُ وبعدَهُ الـ ... عَقْلُ الصَّريحُ وفِطرةُ الرَّحمنِ،
و(330/38)
واحْكُمْ إذاً فيِ رُفْقَةٍ قَدْ سَافَرُوا ... يَبْغُونَ فاطِرَ هَذِهِ الأكْوَانِ
264 ... فترافَقُوا فيِ سَيْرِهمْ وَتَفَارَقُوا ... عِنْدَ افتراقِ الطُّرْقِ بالحَيْرانِ
265 ... فأتَى فَرِيقٌ ثم قَالَ : ((وَجدْتُهُ ... (هَذَا الوجودَ) بِعَينِه وَعِيانِ
266 ... ما ثََمَّ موجودٌ سِوَاهُ وإنَّمَا ... غَلِطَ اللِّسَانُ فَقَالَ مَوجُودانِ
فهوَ السَّماءُ بعينِهَا ونجُومِهَا، ... وكذَلِكَ الأفْلاَكُ والقَمَرَانِ
268 ... وَهو الغَمَامُ بعيِنهِ والثَّلْجُ والـ ... أمْطَارُ مَعْ بَرَدٍ ومَعْ حُسْبانِ
269 ... وَهوَ الهَواءُ بعيِنهِ وَالمَاءُ والـ ... ـتُّرْبُ الثقِيلُ ونَفْسُ ذِي النِّيرانِ
ه
270 ... هَذِي بسائِطُهُ ومنه تركَّبتْ ... هَذِي المظاهِرُ مَا هُنَا شَيْئانِ.
وَهو الفقيرُ لَها لأجْلِ ظهُورِهِ ... فِيهَا كفقْرِ الرُّوحِ للأبْدَانِ
272 ... وَهي التي افْتَقَرَتْ إليه لأنَّه ... هو ذاتُهَا ووجودُهَا الحقَّانِي
273 ... وَتَظَلُّ تَلْبَسُه وتخلَعُه وذَا الـ ... إيجادُ والإعدامُ كُلَّ أوَانِ،
274 ... وَيظلُّ يَلْبسُهَا وَيخْلَعُهَا وَذَا ... حُكْمُ المَظَاهِر كَي يُرَى بِعِيَانِ.
275 ... وَتَكثُّر الموجودِ: كالأعضَاء في الـ ... ــمحسوس من بَشَرٍ وَمِنْ حَيَوَانِ،
276 ... أو كالقُوَى فِي النَّفسِ، ذَلِكَ واحدٌ ... مُتَكَثِّرُ قَامتْ بِهِ الأمْرَانِ
فَيَكُونُ كُلاً هَذِهِ أجْزَاؤه)) ... هذِي مقالَةُ مُدَّعِي العِرْفَانِ
278 ... أو أنها ((كَتَكْثُّرِ الأنواع فِي ... جِنْسٍ)) كَمَا قالَ الفريقُ الثانِي
279 ... فَيَكُونُ كُلِّيَّاً وجُزْئيَّاتُهُ ... هَذَا الوجودُ فهذِهِ قَولاَنِ
280 ... إحْداهُمَا نَصُّ الفُصُوصِ وَبَعْدَهُ ... قولُ ابنُ سَبْعِين، ومَا القَوْلاَنِ
281 ... عِنْدَ العفيفِ التِّلْمِسَانِيِّ - الذي ... هوَ غايةٌ فِي الكُفْرِ والبُهتَانِ-
282 ... ((إلا مِنَ الأغْلاَطِ في حِسٍّ وَفِي ... وَهْمٍ وتلكَ طَبيعَةُ الإنْسَانِ
283 ... وَالكُلُّ شَيْءٌ واحِدٌ فِي نَفْسِهِ ... مَا لِلتَعَدُّدِ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ(330/39)
284 ... فَالضَّيفُ والمأكُولُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ... والوَهْمُ يَحْسبُ هَا هُنَا شَيْئَانِ
285 ... وَكَذَلِكَ الموطُوءُ عَيْنُ الوَاطِ وَالْـ ... ـوَهْمُ البعيدُ يقُولُ ذَان اثْنَانِ)).
286 ... وَلَرُبَّمَا قَالاَ مَقَالَتَهُ كَمَا ... قَدْ قَالَ قَوْلَهُمَا بِلاَ فُرقَانِ.
287 ... وَأبَى سِوَاهُمْ ذَا وقالَ: ((مَظَاهِرٌ ... تَجْلُوهُ ذَاتُ توحُّدٍ ومَثَانِي
288 ... فالظاَّهِرُ المجْلوُّ شَيْءٌ وَاحِدٌ ... لَكِنْ مَظَاهِرُهُ بِلاَ حُسْبَانِ)).
289 ... هَذِي عِبارَاتٌ لَهُمْ مَضْمُونُهَا ... مَا ثَمَّ غَيرٌ قَطُّ فِي الأعْيَانِ
290 ... فَالقَومُ مَا صَانُوهُ عَنْ إنْسٍ وَلاَ ... جِنٍّ ولاَ شَجَرٍ وَلاَ حَيَوَانِ
291 ... كَلاَّ ولاَ عُلْوٍ وَلاَ سُفْلٍ وَلاَ ... وَادٍ وَلا جَبَلٍ وَلاَ كُثْبَانِ
كَلاَّ وَلا طَعْمٍ وَلاَ صَوْتٍ ... وَلا رِيحٍ وَلاَ لَونٍ مِنْ الألْوَانِ،
293 ... لَكِنَّهُ المطْعُومُ والمَلْمُوسُ والْـ ... ـمَشْمُومُ والمْسمُوعُ بالآذانِ،
294 ... وكذَاكَ قَالُوا إنَّهُ المْنكُوحُ والْـ ... ـمَذْبوحُ بَلْ عَينُ الغَوِيِّ الزَّانِي.
295 ... والكُفْرُ عِنْدَهُمُ هُدَىً وَلَو انَّهُ ... دِينُ المجُوسِ وعَابِدِي الأوْثَانِ؛
296 ... قَالوا: ((وَمَا عَبَدُوا سِوَاهُ وإنَّمَا ... ضَلُّوا بِمَا خَصُّوا مِنَ الأعيَانِ
297 ... وَلَوَ انَّهُمْ عَمُّوا وقالوا كلُّهَا ... معْبُودَةٌ مَا كَانَ مِنْ كُفْرَانِ
298 ... فالكُفْرُ سَتْرُ حَقِيقَةِ المعْبودِ بِالتَّـ ... ـخْصيصِ عِنْدَ مُحَقِّقٍ رَبَّانِي))
299 ... قَالُوا : ((وَلَمْ يَكُ كافِراً فِي قَولِهِ ... (أنَا رَبُّكُم) فِرْعَوْنُ ذُو الطُّغْيَانِ
300 ... بَلْ كَانَ حَقّاً قَولُه إذْ كَانَ عَيْـ ... ـنَ الحَقِّ مُضْطَلِعاً بهذَا الشَّانِ؛
301 ... وَلذَا غَدَا تَغْريِقُهُ في البَحرِ تَطْـ ... ـهِيراً مِنَ الأوْهَامِِ والحُسْبَانِ))
302 ... قَالُوا: ((وَلَمْ يَكُ مُنْكِراً مُوسَى لِمَا ... عَبَدُوهُ مِنْ عِجْلٍ لِذِي الخَوَرانِ(330/40)
303 ... إلاَّ عَلَى مَنْ كَانَ لَيْسَ بعابِدٍ ... مَعْهُمْ وأصْبَحَ ضَيِّقَ الأعْطَانِ؛
304 ... وَلذَاكَ جَرَّ بِلحْيِةِ الأخِ حَيْثُ لَمْ ... يَكُ وَاسِعاً فِي قَوْمِهِ لِبِطَانِ
305 ... بِلْ فَرَّق الإِنْكَارَ منْهُ بينَهُمْ ... لَمَّا سَرَى فِي وَهْمِهِ غَيْرَانِ))
وَلَقَد رَأى إبليسَ عارِفُهُمْ فَأهْوى ... بالسُّجُودِ هَوِيَّ ذِي خُضْعَانِ
307 ... قَالُوا لَهُ : مَاذَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: ((هَلْ ... غَيْرَ الإلَهِ؟! وأنتُمَا عُمْيَانِ
308 ... مَا ثَمَّ غَيرٌ لِلَّهِ فاسْجُدُوا إنْ شِئْتُمُ ... للشَّمْسِ والأصْنَامِ والشَّيطَانِ
309 ... فَالكُلُّ عَينُ اللهِ عِنْدَ مُحقِّقٍ ... وَالكُلُّ مَعْبُودٌ لِذي العِرفَانِ!!))
310 ... هَذَا هُوَ المعْبودُ عِنْدهُمُ فقُلْ ... سُبْحَانَكَ الّلَهُمَّ ذا السُّبْحَانِ
311 ... يَا أُمَّةً مَعْبُودُهَا مَوطُوؤُهَا ... أينَ الإلَهُ وثُغْرَةُ الطَّعَّانِ؟!
312 ... يَا أُمَّةً قَدْ صَارَ مِنْ كُفْرَانِهَا ... جُزْءٌ يَسيرٌ جُملَةَ الكُفْرَانِ!
فَصْلٌ
فِي قُدُومِ رَكْبٍ آخَر
313 ... وَأتَى فَرِيقٌ ثُمَّ قَالَ: ((وَجَدْتُهُ ... بالذَّاتِ مَوْجُوداً بِكُلِّ مَكَانِ
314 ... هُوَ كالهَواءِ بعيِنِهِ لا عيْنُهُ ... مَلأَ الخُلُوَّ ولا يُرَى بعِيَانِ))
315 ... والقَومُ ما صانُوهُ عنْ بئْرِ ولاَ ... قَبْرٍ ولاَ حُشٍّ ولا أعطَانِ
316 ... بَلْ مِنْهُمُ مَنْ قَدْ رَأى تَشْبِيهَهُ ... بالرُّوحِ دَاخِلَ هَذِهِ الأبْدَانِ!
317 ... مَا فِيهُمُ مَنْ قَالَ لَيْسَ بِدَاخِلٍ ... أو خَارجٍ عن جُملةِ الأكْوَانِ،
318 ... لَكِنَّهُمْ حَامُوا عَلَى هَذَا وَلَمْ ... يَتَجَاسَرُوا مِنْ عَسْكَرِ الإيمَانِ
319 ... وَعَليهمُ رَدَّ الأئِمةُ أحمَدٌ ... وَصِحابُهُ مِنْ كُلِّ ذِي عِرْفَانِ
320 ... فهُمُ الخُصُومُ لِكُلِّ صَاحِبِ سُنَّةٍ ... وهُمُ الخصُومُ لِمُنزِلِ القُرْآنِ
321 ... وَلَهُمْ مقَالاَتٌ ذَكَرْتُ أصُولَهَا ... لَمَّا ذَكَرْتُ الجَهْمَ فِي الأوْزَانِ
فَصْلٌ
في قُدُومِ رَكْبٍ آخَرَ(330/41)
322 ... وَأتَى فَرِيقٌ ثُمَّ قَارَبَ وَصْفُهُ ... هَذَا وَلَكِنْ جَدَّ في الكُفْرَانِ
فَأسَرَّ قَولَ مُعَطِّلٍ وَمُكَذِّبٍ ... في قَالَبِ التَّنْزيهِ للرَّحْمَنِ
324 ... إذْ قَالَ: ((لَيْسَ بداخِلٍ فِينَا وَلاَ ... هُوَ خَارجٌ عَنْ جُمْلَةِ الأكْوَانِ
325 ... بل قَالَ لَيسَ ببائِنٍ عَنْهَا وَلاَ ... فِيهَا ولا هُوَ عَيْنُهَا بِبَيانِ
326 ... كَلاَّ وَلاَ فَوقَ السَّمواتِ العُلَى ى ... والعَرْشِ مِنْ رَبٍّ وَلاَ رَحْمَنِ،
والعَرْشُ لَيْسَ عَلَيِه معبُودٌ سِوَى الْـ ... ـعَدَمِ الذي لاَ شِيءَ فيِ الأعْيَانِ
بَل حَظُّهُ مِنْ رَبِّهِ حَظُّ الثَّرَى ... مِنهُ، وحَظُّ قَوَاعِدِ البُنْيَانِ
329 ... لَوْ كَانَ فَوقَ العَرْشِ كَان كَهَذِهِ الـ ... أجْسَامِ)) سُبْحَانَ العظِيمِ الشَّانِ.
330 ... وَلَقَدْ وَجَدتُ لفاضِلٍ مِنْهُمْ مَقَا ... ماً قَامَهُ في النَّاسِ مُنْذُ زَمَانِ
331 ... ((قَالَ: اسمَعُوا يَا قَومُ إنَّ نبيَّكُمْ ... قَد قَالَ قَولاً وَاضِحَ البُرْهَانِ:
332 ... (لاَ تَحْكُمُوا بالفَضْلِ لي أصْلاً علَى ... ذِي النُونِ يُونُسَ ذَلِكَ الغَضْبَانِ)
هَذَا يَرُدُّ عَلَى المُجَسِّمِ قَوْلَهُ: ... اللهُ فَوقَ العَرْشِ والأكْوانِ
334 ... وَيَدُلُّ أنَّ إلَهَنَا سُبْحَانَهُ ... وبحَمْدِهِ يُلْقَى بِكُلِّ مَكَانِ))
335 ... قَالُوا لَهُ: بَيِّنْ لَنَا هَذَا، فَلَمْ ... يَفْعَلْ، فأعْطُوهُ مِنَ الأثْمَانِ
336 ... ألفَاً مِنَ الذَّهَبِ العَتِيقِ فَقَالَ في ... تِبْيَانِهِ فاسْمَعْ لِذَا التِّبْيَانِ:
337 ... ((قَدْ كَانَ يُونُسُ فيِ قَرَارِ الَبحْرِ تَحْـ ... ـتَ المَاءِ فيِ قَبْرٍ مِنَ الحِيتَانِ
338 ... ومحَمَّدٌ صَعِدَ السَّمَاءَ وَجَاوَزَ السَّـ ... ـبْعَ الطِّبَاقَ وَجَازَ كُلَّ عَنَانِ
339 ... وَكِلاَهُمَا في قُرْبِهِ مِنْ رَبِّهِ ... سُبْحَانَهُ إذْ ذَاكَ مُسْتَويَانِ
340 ... فَالعُلْوُ والسُّفْلُ اللَذانِ كِلاهُمَا ... فيِ بُعْدِه مِنْ ضِدَّهِ طَرَفَانِ(330/42)
341 ... إنْ يُنْسَبَا لِلَّهِ نُزِّه عَنْهُمَا ... بالاِخْتِصَاصِ، بَلَى هُمَا سِيَّانِ
342 ... في قُرْبِ مَنْ أضْحَى مُقِيماً فِيهِما ... مِنْ رَبِّهِ فَكِلاَهُمَا مِثْلاَنِ
343 ... فلأجْلِ هَذَا خَصَّ يُونُسَ دُونَهُمْ ... بالذِّكْرِ تَحْقِيقاً لهَذَا الشَّانِ))
344 ... فأتَى النِّثَارُ عَلَيْهِ مِنْ أصْحَابِهِ ... مِنْ كُلِّ نَاحِيةٍ بِلاَ حُسْبْانِ.
345 ... فاحْمَدْ إلهَكَ أيُّها السُّنِّيُّ إذْ ... عَافَاكَ مِنْ تَحْرِيفِ ذِي بُهْتَانِ،
346 ... واللهِ مَا يَرْضَى بِهَذَا خائِفٌ ... مِنْ رَبِّهِ أمسَى عَلَى الإِيمَانِ
347 ... هَذَا هُوَ الإلحَادُ حَقَّاً، بَلْ هُوَ التَّـ ... ـحْرِيفُ مَحْضاً أبرَدُ الهَذَيَانِ
348 ... واللهِ ما بُليَ المُجسِّمُ قطُّ ذِي الْـ ... ـبَلْوَى ولاَ أمْسَى بِذِي الخُذْلاَنِ
349 ... أمثَالُ ذَا التَّأويلِ أفْسَدَ هَذِهِ الـ ... أدْيَانَ حِينَ سَرَى إلَى الأدْيَانِ
350 ... وَاللهِ لولاَ اللهُ حَافِظُ دِينِهِ ... لتهدَّمتْ منْهُ قُوَى الأرْكَانِ
فَصْلٌ
فيِ قُدُومِ رَكْبٍ آخَرَ
351 ... وأتَى فَريقٌ ثمَّ قَارَبَ وَصْفُهُ ... هَذَا وَزَادَ عَلَيْهِ فيِ الميزَانِ
352 ... قَالَ :(( اسمَعُوا يَا قَومِ لا تُلهِيكُمُ ... هَذِي الأمَاني هُنَّ شَرُّ أمَانيِ
353 ... أتعبْتُ رَاحِلَتي وكُلَّ مَطِيَّتيِ ... وَبَذلْتُ مَجهُودِي وَقَدْ أعْيَانيِ
354 ... فَتَّشْتُ فَوقَ وَتحتَ ثُمَّ أمَامَنَا ... وَوَرَاءَ ثُمَّ يَسَارَ مَعْ أيْمَانِ
355 ... مَا دلَّنيِ أحَدٌ عَلَيْهِ هُنَاكُمُ ... كَلاَّ وَلاَ بَشرٌ إليْهِ هَدَاني
356 ... إلاَّ طَوَائِفُ بالحَدِيثِ تَمَسَّكَتْ ... تُعْزَى مَذَاهِبُهَا إلَى القُرآنِ
357 ... قَالُوا : (الَّذي تَبْغِيهِ فَوْقَ عِبَادِهِ ... فَوقَ السَّمَاءِ وَفَوقَ كُلِّ مَكَانِ
358 ... وهوَ الَّذِي حَقَّاً عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ... لكِنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى الأكْوانِ
و
359 ... وإليْهِ يَصْعَدُ كُلُّ قَولٍ طَيِّبٍ ... وإليِه يُرْفَعُ سَعْيُ ذِي الشُّكرَانِ(330/43)
360 ... والروحُ والأمْلاكُ مِنْهُ تَنَزَّلَتْ ... وإليِه تَعْرُجُ عِنْدَ كُلِّ أوَانِ
361 ... وإليْهِ أيدِي السَّائِلينَ تَوجَّهَتْ ... نَحْوَ العُلُوَّ بِفِطْرَةِ الرَّحْمَنِ
362 ... وإليهِ قَدْ عَرجَ الرسُولُ فقُدِّرَتْ ... مِنْ قُرْبِه مِنْ رَبِّهِ قَوْسَانِ
363 ... وإلَيهِ قَدْ رُفِعَ المسِيحُ حَقِيقَةً ... ولسَوفَ يَنْزِلُ كَيْ يُرَى بِعِيَانِ
وو
364 ... وإليْه تصْعَدُ رُوحُ كلِّ مُصَدِّقٍ ... عِنْدَ المَماتِ فَتَنْثَنيِ بأمَانِ
365 ... وإليْهِ آمالُ العِبَادِ توجَّهَتْ ... نَحْوَ العُلُوِّ بِلاَ تَواصي ثَانِي
366 ... بَلْ فِطرةُ اللهِ التي لَمْ يُفْطَرُوا ... إلاَّ عَلَيْهَا (الخلْقُ والثَّقَلاَنِ)
ونَظِيرُ هَذَا أنَّهُمْ فُطِروا عَلَى ... إقرَارِهِمْ لاَ شَكَّ بالدَّيَّانِ
368 ... لَكِنْ أُولُوا التعطِيلْ مِنْهُمْ أصْبَحُوا ... مَرْضَى بدَاءِ الجَهْلِ والخِذْلاَنِ).
369 ... فَسَألَتُ عَنهم رِفْقَتي وأحبتي ... أصْحَابَ جَهْمٍ حِزْبَ جِنْكسْخَانِ:
370 ... مَنْ هؤلاءِ وَمن يُقالُ لُهمْ؟ فقَدْ ... جَاُؤوا بِأمْرٍ مَالىءِ الآذَانِ
371 ... وَلَهُمْ عَلينَا صَوْلَةٌ مَا صَالَهَا ... ذُو بَاطِلٍ بَلْ صَاحِبُ البُرهَان
ِ
372 ... أوَ مَا سَمعْتُمْ قَولَهُم وَكَلاَمَهُم ... مِثْلَ الصواعِقِ لَيْسَ ذَا لِجَبَانِ
جاؤوكُمُ من فَوْقِكُمْ وَأتَيْتُمُ ... مِنْ تَحْتِهِمْ مَا أنْتُمُ سِيَّانِ
374 ... جَاؤُوكُمُ بالوَحْيِ لَكِنْ جِئتمُ ... بِنُحَاتَةِ الأفْكَارِ والأذْهَانِ.
375 ... قَالُوا : (مُشَبِّهَةٌ مَجسِّمَةٌ فَلا ... تَسْمَعْ مَقَالَ مُجَسِّمٍ حَيَوَانِ
اَ
376 ... والْعَنْهُمُ لَعْناًً كَثيراً وَاغْزُهُمْ ... بِعَسَاكِرِ التَّعْطِيلِ غَيرَ جَبَانِ
377 ... وَاحْكُمْ بسَفْكِ دِمَائِهِمْ وَبِحَبْسِهِمْ ... أوْ لاَ فَشَرِّدْهُمْ عَنِ الأوْطَانِ
378 ... حَذِّرْ صِحَابَكَ مِنْهُمُ فَهُمُ أضَلُّ ... مِنَ الَيهُودِ وعَابِدِي الصُّلْبَانِ
379 ... وَاحْذَرْ تُجَادِلَهُمْ بقَالَ اللهُ أوْ ... قَالَ الرسُولُ فَتَنثَنِي بِهَوَانِ(330/44)
380 ... أنَّى وَهُمْ أوْلَى بِهِ قَدْ أنْفَذُوا ... فِيهِ قُوَى الأذْهَانِ والأبْدَانِ.
381 ... فإذَا ابْتُلِيْتَ بِهمْ فَغَالِطهُمْ عَلَى التَّـ ... ـأويلِ لْلأخْبَارِ وَالقُرْآنِ،
382 ... وكذَاكَ غَالِطْهُمْ عَلَى التكذِيبِ للـ ... آحَادِ ذَانِ لِصحْبِنَا أصْلاَنِ
383 ... أوْصَى بِهَا أشْيَاخَنَا أشْيَاخُهُمْ ... فَاحْفَظْهُمَا بِيَدَيْكَ والأسْنَانِ.
384 ... وإذا اجْتَمعْتَ وهُمْ بمشْهَدِ مَجْلِسٍ ... فَابْدُرْ بإيرَادٍ وشَغْلِ زَمَانِ
385 ... لا يَمْلِكُوهُ عَلَيْكَ بالآثَارِ والـ ... أخْبَارِ والتفسِيرِ للفُرْقَانِ
386 ... فَتَصِيرَ إنْ وَافَقْتَ مِثْلَهُمُ، وإنْ ... عَارَضْتَ زِنْدِيقاً أخَا كُفْرَانِ
387 ... وإذا سَكَتَّ يُقَالُ هَذَا جَاهِلٌ ... فَابْدُرْ ولوْ بِالفَشْرِ والهذَيَانِ
388 ... هَذَا الَّذِي أوْصَى بِهِ أشْيَاخُنَا ... فِي سَاِلفِ الأوقَاتِ والأزْمَانِ)
389 ... فرجعْتُ مِنْ سَفَرِي وقلتُ لصَاحِبِي ... وَمَطِيَّتى قَدْ آذنتْ بِحِرَانِ:
390 ... عَطِّلْ رِكَابَكَ وَاسْترِحْ مِنْ سَيْرِهَا ... ما ثَمَّ شَيٌء غيرَ ذي الأكْوَانِ
لَو كَانَ للأكْوَانِ رَبٌّ خَالِقٌ ... كَانَ المُجَسِّمُ صَاحِبَ البُرْهَانِ
392 ... أو كَانَ رَبٌّ بائنٌ عَنْ ذِي الوَرَى ... كَانَ المُجَسِّمُ صَاحِبَ الإيمَانِ
393 ... وَلَكَانَ عِنْدَ النَّاسِ أولَى الخَلْقِ بالـ ... إسْلاَمِ والإِيمَانِ والإِحْسَانِ
394 ... وَلَكَانَ هَذَا الحِزْبُ فَوْقَ رؤوسِهِمْ ... لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيهِ اثْنَانِ.
395 ... فَدَعِ التَّكَالِيفَ اَّلتِي حُمِّلْتَهَا ... وَاخْلَعْ عِذَارَكَ وَارْمِ بالأرْسَانِ
396 ... مَا ثَمَّ فَوقَ العرشِ مِن رَبٍّ وَلَمْ ... يَتَكَلّمِ الرَّحَمنُ بالقُرْآنِ
397 ... لَو كَانَ فَوقَ العرشِ رَبٌّ نَاظِرٌ ... لزِمَ التحيُّزُ وافتقارُ مَكَانِ
398 ... لو كَانَ ذَا القُرْآنُ عَيْنَ كَلاَمِهِ ... حَرْفاً وَصَوْتاً كَانَ ذَا جُثْمَانِ
399 ... فإذَا انتَفَى هَذَا وَهَذا مَا اَّلذِي ... يَبْقَى عَلَى ذَا النَّفْي مِنْ إيمَانِ؛(330/45)
400 ... فَدَعِ الحَلاَلَ مَعَ الحرَامِ لأهْلِهِ ... فهُمَا السِّيَاجُ لَهُمْ عَلَى البُسْتَانِ
401 ... فاخرُقْهُ ثمَّ ادْخُلْ تَرَى فيِ ضِمْنِهِ ... قَدْ هُيِّئَتْ لَكَ سَائِرُ الألْوَانِ
402 ... وتَرَى بِهَا ما لاَ يَرَاهُ مُحَجَّبٌ ... مِنْ كُلِّ ما تَهْوَى بِهِ زَوْجَانِ،
403 ... واقْطَعْ عَلاَئِقَكَ الَّتيِ قَدْ قَيَّدَتْ ... هَذَا الوَرَى مِنْ سَالِفِ الأزْمَانِ
404 ... لِتَصِيرَ حُرًّا لَسْتَ تَحْتَ أوَامِرٍ ... كَلاَّ وَلاَ نَهْيٍ وَلاَ فُرْقَانِ
405 ... لَكِنْ جَعَلتَ حِجَابَ نَفْسِكَ إذْ تَرَى ... فَوْقَ السَّمَا للنَّاسِ مِنْ دَيَّانِ
406 ... لَوْ قُلْتَ: (مَا فَوْقَ السَّمَاءِ مُدَبِّرٌ ... وَالعَرْشَ تُخْلِيهِ مِنَ الرَّحْمَنِ
407 ... واللهُ لَيْسَ مُكَلِّماً لِعِبَادِهِ ... كَلاَّ وَلاَ مُتَكَلِّماً بِقُرَانِ
408 ... مَا قَالَ قَطُّ ولا يقولُ ولاَ لَهُ ... قَولٌ بَدَا مِنْهُ إلَى إنْسَانِ
409 ... لَحَلَلْتَ طِلَّسْمَهْ وَفُزْتَ بكَنْزِهِ ... وعَلِمتَ أنَّ النَّاسَ فِي هَذَيَانِ)
410 ... لَكِنْ زَعَمْتَ: بأنَّ ربَّكَ بَائِنٌ ... مِنْ خَلْقِهِ إذْ قُلْتَ مَوْجُودَانِ
411 ... وزَعَمْتَ أنَّ الله فَوْقَ العرْشِ، والـ ... ـكُرْسِيَّ حَقًّا فَوْقَهُ القَدَمَانِ
412 ... وَزَعَمْتَ أنَّ الله يَسْمَعُ خَلْقَهُ ... وَيَرَاهُمُ مِنْ فَوقِ سَبْعِ ثَمانِ
413 ... وَزَعَمْتَ أنَّ كلاَمَهُ مِنْهُ بَدَا ... وإلَيْهِ يَرْجِعُ آخرَ الأزْمَانِ
414 ... ووصَفَتَهُ بالسَّمْعِ والبْصَرِ الذِي ... لا يَنْبَغِي إلا لِذِي الجُثْمَانِ
415 ... ووصَفْتَهُ بِإرَادَةٍ وَبِقُدْرَةٍ ... وكَرَاهَةٍ ومحبَّةٍ وَحَنَانِ
416 ... وَزَعمت أنَّ الله يعْلَمُ كُلَّ مَا ... في الكَوْنِ مِنْ سِرٍّ وَمِنْ إعْلان
ِ
417 ... والعِلْمُ وصْفٌ زائِدٌ عَنْ ذَاتِهِ ... عَرَضٌ يَقُومُ بغَيْرِ ذِي جُثْمَانِ،
418 ... وَزَعَمْتَ أنَّ الله كلَّمَ عَبْدَهُ ... موسَى فَأسْمَعَهُ نِدَا الرَّحْمَنِ(330/46)
419 ... أفتسمَعُ الأُذُنانِ غيرَ الحرْفِ وَالصَّـ ... ـوتِ الَّذِي خُصَّتْ بِه الأُذُنانِ،
420 ... وكَذَا النِّدَاءُ فَإنَّهُ صَوْتٌ بِإجْـ ... ـمَاعِ النُّحَاةِ وَأهْلِ كُلِّ لِسَانِ
421 ... لَكِنَّهُ صَوتٌ رَفِيعٌ وَهْوَ ضِدٌ ... لِلْنِّجَاءِ كِلاَهُمَا صَوْتَان
ِ
422 ... فَزَعَمْتَ أنَّ الله نَادَاه وَنَا ... جَاهُ وَفيِ ذَا الزَّعْمِ مَحْذُورَانِ:
423 ... قُربُ المَكَانِ وَبُعْدُهُ، والصَّوتُ بَلْ ... نَوْعَاهُ مَحْذُورَانِ مُمْتَنِعَانِ،
424 ... وَزَعَمْتَ أنَّ مُحَمَّداً أسْرَى بِهِ ... لَيْلاً إلَيْهِ فَهْوَ مِنْهُ دَانِي
425 ... وَزَعَمْتَ أنَّ مُحَمَّداً يَومَ اللِّقَا ... يُدْنِيهِ رَبُّ العَرْشِ بِالرِّضْوَانِ
426 ... حَتَّى يُرَى المُخْتَارُ حَقّاً قَاعِداً ... مَعَهُ عَلَى العَرْش الرَّفِيعِ الشَّانِ،
427 ... وَزَعَمْتَ أنَّ لعرشِهِ أَطَّاً بِه ... كالرَّحْلِ أطَّ بِراكِبٍ عَجْلاَنِ
428 ... وَزَعَمْتَ أنَّ اللهَ أبْدَى بَعْضَهُ ... للطُّورِ حَتَّى عَادَ كَالكُثْبَانِ
429 ... لَمَّا تَجَلَّى يَومَ تَكْلِيمِ الرِّضَى ... موسَى الكلِيمِ مُكلِّمِ الرَّحمنِ،
430 ... وَزَعَمْتَ للمعْبُودِ وَجْهاً بَاقِياً ... وَلَهَ يَمِينٌ بَلْ زَعَمْتَ يَدَانِ
431 ... وَزَعَمْت أنَّ يَدَيْهِ للسَّبْعِ العُلَى ... والأرْضِ يَوْمَ الحشْرِ قَابِضَتَانِ
432 ... وَزَعَمْتَ أنَّ يمينَهُ مَلأى مِنَ الْـ ... خَيْرَاتِ مَا غَاضَتْ علَى الأزْمَانِ
433 ... وَزَعَمْتَ أنَّ العدْلَ في الأخْرَى بِهَا ... رَفْعٌ وَخَفْضٌ وَهْوَ بِالميزَانِ
434 ... وَزَعَمْتَ أنَّ الخَلْقَ طُرًّا عِنْدَهُ ... يَهْتَزُّ فَوقَ أصَابِعِ الرَّحْمنِ
435 ... وَزَعَمْتَ أيضاً أنَّ قَلْبَ العْبدِ مَا ... بَيْنَ اثْنَتَيْنِ مِنْ الأصَابعِ عَانِي
436 ... وَزَعَمْتَ أنَّ اللهَ يَضْحَكُ عِنْدَمَا ... يَتَقَابَلُ الصَّفَّانِ يَقْتتِلاَنِ
437 ... مِنْ عَبْده يَأتي فَيُبْدِي نَحْرَهُ ... لِعَدُوِّهِ طَلَباً لِنَيْلِ جِنَانِ(330/47)
438 ... وَكَذَاكَ يَضْحَكُ عِنْدَمَا يَثِبُ الفَتَى ... مِنْ فُرْشِهِ لِتِلاَوَةِ القُرْآنِ
439 ... وَكَذَاكَ يَضْحَكُ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ ... إذْ أجْدَبُوا وَالغَيْثُ مِنْهُمْ دَانِ،
440 ... وَزَعَمْتَ أنَّ اللهَ يَرضَى عَنْ أُوليِ الْـ ... ـحُسْنَى ويغضَبُ مِنْ أوليِ العِصْيَانِ
441 ... وَزَعَمْتَ أنَّ اللهَ يَسْمعُ صَوْتَهُ ... يَوْمَ المَعَادِ بَعِيْدُهُمْ والدَّانيِ
442 ... لَمَّا ينَادِيِهِمْ أنَا الدَّيَانُ لاَ ... ظُلْمٌ لَدَيَّ فَيَسْمَعُ الثَّقَلاَنِ،
443 ... وَزَعَمْتَ أنَّ الله يُشْرِقُ نُورُهُ ... فِي الأرْضِ يومَ الفَصْلِ والميزانِ
444 ... وَزَعَمْتَ أنَّ الله يَكْشِفُ سَاقَهُ ... فَيَخِرُّ ذَاكَ الجمْعُ للأذْقَانِ
445 ... وَزَعَمْتَ أنَّ اللهَ يَبْسُطُ كَفَّهُ ... لِمُسِيئِنَا لِيَتُوبَ مِنْ عِصْيَانِ
446 ... وَزَعَمْتَ أنَّ يَمِينَهُ تَطْوِي السَّمَا ... طَيَّ السِّجِلِّ عَلَى كِتَابِ بَيَانِ
447 ... وَزَعَمْتَ أنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِي الدُّجَى ... في ثُلْثِ لَيْلٍ آخِرٍ أوْ ثَانِي
فَيقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُجِيبَُهُ؟ ... فَأنَا القَرِيبُ أجِيبُ مِنْ نَادَانيِ،
449 ... وَزَعَمْتَ أنَّ لَهُ نُزُولاً ثَانِياً ... يَوْمَ القِيَامَةِ لِلقَضَاءِ الثَّانيِ
450 ... وَزَعَمْتَ أنَّ اللهَ يَبْدُو جَهْرَةً ... لِعِبَادِهِ حَتَّى يُرَى بِعِيَانِ
451 ... بَلْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَهُ وَيَرَوْنَهُ ... فَالمُقْلَتَانِ إليْهِ نَاظِرَتَانِ،
452 ... وَزَعَمْتَ أنَّ لربِّنَا قَدَماً وَأنَّ ... اللهَ وَاضِعُهَا عَلَى النِّيرَانِ
453 ... فَهُنَاكَ يَدْنُو بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِهَا ... وَتَقُولُ قَطْ قَطْ حَاجَتيِ وكَفَانيِ،
454 ... وَزَعَمْتَ أنَّ النَّاس يَوْمَ مَزيِدِهمْ ... كُلٌّ يُحَاضِرُ رَبَّهُ ويُدَانيِ
455 ... بالحَاءِ مَعْ صادٍ وجَا مَعْ ضَادِهَا ... وَجْهَانِ فِي ذَا اللَّفْظِ مَحْفوظَانِ
456 ... فِي التِّرْمِذِيِّ وَمُسْنَدٍ وسِوَاهُمَا ... مِنْ كُتْبِ تَجْسِيمٍ بِلاَ كِتْمانِ،(330/48)
457 ... وَوَصَفْتَهُ بِصِفَاتِ حَيٍّ فَاعِلٍ ... بالاِخْتِيَارِ وذَانِكَ الأصْلاَنِ
458 ... أَصْلا التَّفَرُّقِ بَيْنَ هَذا الخَلْقِ فِي الـ ... ـبَارِي فَكُنْ فيِ النَّفْيِ غَيْرَ جَبَانِ،
459 ... أوْ لاَ فَلاَ تَلْعَبْ بِدِينِكَ نَاقِضاً ... نَفْياً بإثْبَاتٍ بِلاَ فُرقَانِ؛
460 ... فَالنَّاسُ بَيْنَ مُعطِّلٍ أوْ مُثْبِتٍ ... أوْ ثَالِثٍ مُتنَاقِضٍ صَفَعَانِ
461 ... وَاللهَِ لَسْت بِرَابِعٍ لَهُمُ، بَلَى ... إمَّا حِمَاراً أوْ مِنْ الثِّيرَانِ.
462 ... فَاسْمَحْ بإنْكَار الجَمِيعِ وَلاَ تَكُنْ ... مُتَنَاقِضاً رَجُلاً لَهُ وَجْهَانِ
463 ... أوْ لاَ فَفَرِّقْ بَيْنَ مَا أثبتَّهُ ... وَنَفَيْتَهُ بِالنَّصِّ والبُرْهَانِ
464 ... فَالبَابُ بَابٌ وَاحِدٌ فِي النَّفْي والـ ... إثْبَاتِ فِي عَقْلٍ وَفي مِيزَانِ.
465 ... فَمَتَى أقرَّ بِبعْضِ ذَلكَ مُثْبِتٌ ... لَزِمَ الجَمِيعُ أو ائتِ بالفُرْقَانِ،
466 ... وَمَتَى نَفَى شَيئاً وأثْبتَ مِثلَهُ ... فمجسِّمٌ مُتَنَاقِضٌ دِيْصَانِ
467 ... فذَرُوا المِراءَ وَصَرِّحُوا بمذَاهِبِ الـ ... ـقُدَمَاءِ وانْسَلِخُوا مِنَ الإيمَانِ
468 ... أو قَاتِلُوا مَعْ إيمَّةِ التَّجْسيْمِ والتَّـ ... ـشْبِيهِ تحتَ لِوَاءِ ذِي القرْآنِ،
469 ... أوْ لاَ فَلاَ تَتَلاَعَبُوا بِعُقُولِكُمْ ... وَكِتَابِكُمْ وَبِسَائِرِ الأدْيَانِ؛
470 ... فَجَمِيعُهَا قَد صَرَّحَتْ بِصِفَاتِهِ ... وَكَلاَمِهِ وعُلُوِّهِ بِبَيَانِ
471 ... وَالنَّاسُ بَيْنَ مصَدِّقٍ أوْ جَاحِدٍ ... أوْ بَيْنَ ذَلِكَ أو شَبِيهُ أتَانِ.
472 ... فَاصْنَعْ مِنَ الَّتنزِيه تُرْساً مُحْكَماً ... وَانْفِ الجَمِيعَ بِصَنْعَةٍ وَبَيَانِ
473 ... وَكَذَاكَ لَقِّبْ مَذْهَبَ الإثْبَاتِ بالتَّـ ... ـجْسِيمِ ثُمَّ احْمِلْ عَلَى الأقْرَانِ
474 ... فَمَتَى سَمَحْتَ لَهُمْ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ ... حَمَلُوا عَلَيْكَ بِحَمْلَةِ الفُرْسَانِ
475 ... فَصُرِعْتَ صِرْعَةَ مَنْ غَدَا متلبِّطاً ... وَسْطَ العَرِينِ مُمزَّقَ اللُّحْمَانِ(330/49)
476 ... فَلِذَاكَ أنْكَرْنَا الجَمِيعَ مَخَافَةَ التَّـ ... ـجْسِيمِ إنْ صِرْنَا إلى القُرْآنِ
477 ... وَلِذَا خَلَعْنَا رِبْقَةَ الأدْيَانِ مِنْ ... أعْنَاقِنَا فِي سَالِفِ الأزْمَانِ،
478 ... وَلَنَا مُلُوكٌ قَاوَمُوا الرُّسُلَ الأُلَى ... جَاُؤوا بإثْبَاتِ الصِّفَاتِ: كَمَانِي
479 ... في آلِ فِرْعَونَ وَهَامَانَ وقَارُونَ ... ونُمْرُودَ وَجِنْكِسْخَانِ،
480 ... وَلَنَا الأئمَّةُ كالفلاَسِفَةِ الألَى ... لَمْ يَعْبَؤُوا أصْلاً بِذِي الأدْيَانِ
481 ... مِنْهُمْ: أرِسْطُو، ثُمَّ شِيعَتُهُ إلَى ... هَذَا الأوَانِ وَعِنْدَ كُلِّ أوَانِ
482 ... مَا فِيهُمُ مَنْ قَالَ: إنَّ الله فَوْ ... قَ العرْشِ خَارِجَ هَذِهِ الأكْوَانِ
483 ... كلاَّ وَلاَ قَالُوا بأنَّ إلهَنَا ... مُتَكَلِّمٌ بِالوَحْي والقُرْآن؛
ِ
484 ... وَلأجْلِ هَذَا رَدَّ فِرْعَونُ عَلَى ... مُوسَى ولَمْ يقْدِرْ عَلَى الإِيمانِ
485 ... إذْ قَالَ مُوسَى: رَبُّنا مُتَكَلِّمٌ ... فَوْقَ السَّمَاءِ وَإنَّهُ نَادَانيِ.
486 ... وَكَذَا ابْنُ سينَا لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ وَلاَ ... أتْبَاعُهُ بَلْ صَانَعُوا بِدِهَانِ
487 ... وَكَذَلِكَ الطُّوسِيُّ لَمَّا أنْ غَدَا ... ذَا قُدْرَةٍ لَمْ يَخْشَ مِنْ سُلْطَانِ
488 ... قَتلَ الخَلُيفَةَ والقُضَاةَ وحَامِلي الـ ... ـقُرآنِ والفُقَهاءَ في البُلْدَانِ؛
489 ... إذْ هُم مشَبِّهَةٌ مُجَسِّمَةٌ وَمَا ... دَانُوا بِدينِ أكَابِر اليُونَانِ.
490 ... وَلَنَا الملاَحِدَةُ الفُحُولُ أئِمَّةُ التَّـ ... ـعْطِيلِ وَالسِّكِّينِ آلُ سِنَانِ،
491 ... وَلَنَا تَصَانِيفٌ بِهَا غَاليْتُمُ ... مِثْلَ (الشِّفَا) وَ(رَسَائِل الإخْوَانِ)
492 ... وَكَذَا (الإَشارَاتُ) التي هِيِ عِنْدكُمْ ... قَدْ ضُمِّنَتْ لِقَوَاطِعِ البُرْهَانِ
493 ... قَدْ صَرَّحَتْ بالضِّدِّ مِمّا جَاءَ في التَّـ ... ـوْرَاةِ والإنْجِيلِ والفُرْقَانِ
494 ... هِي عِنْدَكُمْ مِثْلُ النُّصُوصِ وفَوْقَهَا ... في حُجَّةٍ قَطْعيَّةٍ وَبَيَانِ(330/50)
495 ... وَإَذا تَحَاكَمْنَا فَإنَّ إلَيْهِمُ ... يَقَعُ التَّحَاكُمُ لاَ إلى القُرْآنِ
496 ... إذْ قَدْ تَسَاعَدْنَا بِأنَّ نُصُوصَهُ ... لَفْظِيَّةٌ عُزِلَتْ عَن الإيقانِ؛
فلِذَاكَ حَكَّمْنَا عليْهِ وأنْتُمُ ... قَولَ المعَلِّمِ أولاً والثَّانيِ.
498 ... يَا وَيْحَ جَهْمٍ وابْنِ دِرْهَمَ والأُلَى ... قاَلُوا بِقَولِهِمَا مِنَ الخَوَرَانِ
499 ... بَقِيَتْ مِنَ التَّشْبِيِهِ فِيهِ بَقيَّةٌ ... نَقَضَتْ قَوَاعِدَهُ مِنَ الأرْكَانِ:
500 ... يَنْفِي الصِّفَاتِ مَخَافَةَ الَّتجْسِيمِ لاَ ... يَلْوِي عَلَى خَبرٍ وَلاَ قُرْآنِ
501 ... ويقُولُ: إنَّ الله يَسْمَعُ أوْ يَرَى ... وكَذَاكَ يَعْلَمُ سِرَّ كُلِّ جَنَانِ
502 ... ويقُولُ: إنَّ الله قَدْ شَاءَ الَّذِي ... هُوَ كَائِنٌ مِنْ هَذِهِ الأكْوَانِ
وَيقُولُ: إنَّ الفِعْلَ مقْدُورٌ لَهُ ... وَالكَوْنَ يَنْسِبُهُ إلىَ الحَدَثَانِ،
وَبِنفْيِه التَّجْسِيمَ يَصْرُخُ فِي الوَرَى!! ... وَاللهِ مَا هَذَانِ مُتَّفِقَانِ
505 ... لَكِنَّنَا قُلْنَا مُحالٌ كُلُّ ذا ... حَذَرًا مِنَ التَّجْسِيم والإمْكَانِ))
فَصْلٌ
فى قدوم ركب الإيمان وعسكر القرآن
506 ... وَأتَى فَريقٌ ثُمَّ قَالَ : ألاَ اسْمَعُوا ... قَدْ جئْتُكُمْ مِنْ مَطْلَِعِ الإيمَانِ
507 ... مِنْ أرْضِ طَيْبَةَ مِنْ مُهَاجَرِ أحْمَدٍ ... بِالحَقِّ والبُرْهَانِ والتِّبْيَانِ
508 ... سَافَرْتُ في طَلَبِ الإلَهِ فَدَلَّني الـ ... ـهَادِي عَلَيْهِ، ومُحْكَمُ القُرْآنِ
509 ... مَعْ فِطْرَةِ الرَّحْمَنِ جَلَّ جَلاَلُهُ ... وَصَرِيحِ عَقْلي فَاعْتَلَى ِبُنْيَانِي
510 ... فَتَوَافَقَ الوَحْيُ الصَّرِيحُ وَفِطْرَةُ الرَّ ... حْمنِ والمعقُولُ فِي إيمَانِ
511 ... شَهِدُوا بِأنَّ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ ... مُتَفَرِّدٌ بِالُملْكِ والسُّلْطَانِ
512 ... وَهُوَ الإلَهُ الحَقُّ لاَ مَعْبُودَ إلاَّ ... وَجْهُهُ الأعْلَى العَظِيمُ الشَّانِ
513 ... بَلْ كُلُّ مَعْبودٍ سِوَاهُ فَبَاطِلٌ ... مِنْ عَرْشِهِِ حَتَّى الحَضِيضِِ الدَّانيِ.(330/51)
514 ... وَعِبَادَةُ الرَّحْمنِ غَايةُ حُبِّهِ ... مَعْ ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ
515 ... فَعَليْهِمَا فَلَكُ العِبَادَةِ دَائِرٌ ... مَا دَارَ حَتَّى قَامَتِ القُطْبانِ
وَمدَارُهُ بالأمْر - أمْرِ رسُولِهِ - ... لاَ بِالهَوَى والنَّفْسِ والشَّيْطَانِ
517 ... فَقِيامُ دِينِ اللهِ بالإخْلاصِ وَالـ ... إحْسَانِ إنَّهُمَا لَهُ أصْلاَنِ
518 ... لَمْ يَنْجُ مِنْ غَضَبِ الإلهِ وَنَارِهِ ... إلاَ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الأصْلاَنِ،
519 ... وَالنَّاسُ بَعْدُ فَمُشْرِكٌ بإلهِه ... أوْ ذُو ابْتِدَاعٍ أوْ لَهُ الوَصْفَانِ.
520 ... واللهُ لاَ يَرْضَى بِكَثْرَةِ فِعْلنَا ... لَكِنْ بأحْسَنِهِ مَعَ الإيمَانِ
521 ... فالعَارِفُونَ مُرادُهُمْ إحسَانُهُ ... والجَاهِلُونَ عَمُوا عَنِ الإحْسَانِ.
522 ... وكَذَاكَ قَدْ شَهِدُوا بأنَّ اللهَ ذُو ... سَمْعٍ وَذُو بَصرٍ هُمَا صِفَتَانِ
523 ... وَهُوَ العليُّ يَرَى وَيْسمَعُ خَلْقَهُ ... مِنْ فَوْقِ عَرْشٍ فَوْقَ سِتِّ ثَمَانِ
524 ... فَيَرى دَبِيبَ الَّنمْل فِي غَسَقِ الدُّجَى ... وَيَرى كَذَاكَ تَقَلُّبَ الأجْفَانِ،
525 ... وَضَجَيَجُ أصْواتِ العِبَادِ بِسَمْعِهِ ... وَلَدَيْهِ لاَ تَتَشَابَهُ الصَّوْتَانِ،
526 ... وَهُوَ العَلِيمُ بِمَا يُوَسْوِسُ عَبْدُهُ ... فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نُطْقِ لسَانِ
527 ... بَلْ يَسْتَوِي فِي عِلْمِه الدَّاني مَعَ الـ ... ـقَاصِي وَذُو الإِسْرَارِ والإعْلانِ،
528 ... وَهُوَ العَلِيمُ بِمَا يَكُونُ غَداً، وَمَا ... قَدْ كَانَ، وَالمعْلُومُ في ذَا الآنِ
529 ... وبكُلِّ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ ... يَكُونُ موجُوداً لذِي الأعْيَانِ،
530 ... وَهُوَ القَدِيرُ فَكُلُّ شَيْءٍ فَهْوَ مَقْـ ... ـدُورٌ لَهُ طَوْعاً بِلاَ عِصْيَان
ِ
531 ... وَعُمُومُ قُدْرَتِهِ تَدُلُ بِأنَّهُ ... هوَ خَالِقُ الأفْعَالِ للحَيَوَانِ
هِيَ خَلْقُهُ حَقَّاً، وأفْعَالٌ لَهُمْ ... حَقّاً، وَلاَ يَتَنَاقَضُ الأمْرَانِ(330/52)
533 ... لَكنَّ أهْلَ الجَبْرِ والتَّكْذِيبِ بالـ ... أقْدَارِ مَا انْفَتَحتْ لُهمْ عَيْنَانِ
534 ... نَظَرُوا بِعَيْنَيْ أعْوَرٍ إذْ فَاتَهُمْ ... نَظَرَُ البَصِيرِ وَغَارَتِ العَيْنَانِ
535 ... فَحَقِيقَةُ القَدَرِ الَّذِي حَارَ الوَرَى ... في شَأنِهِ هوَ قُدْرَةُ الرَّحْمنِ
536 ... واسْتَحْسَنَ ابنُ عَقيِل ذَا مِنْ أحْمدٍ ... لًّما حَكَاهُ عَنِ الرِّضَى الرَّبَّانيِ
537 ... قَالَ: الإمَامُ شَفَا القُلُوبَ بلَفْظَةٍ ... ذَاتِ اخْتِصَارٍ وَهْيَ ذَاتُ بَيَانِ
فَصْلٌ
538 ... وَلَهُ الحَيَاةُ كَمَالهُا فِلأجْلِ ذَا ... مَا لِلمَمَاتِ عَلَيهِ مِنْ سُلْطَانِ
539 ... وَكَذَلِكَ القَيُّومُ مِنْ أوْصَافِهِ ... مَا لِلمَنَامِ لَدَيْهِ مِنْ غِشْيَانِ
540 ... وَكَذَاك أوْصَافُ الكَمَالِ جَمِيعُهَا ... ثبتَتْ لَهُ وَمَدَارُهَا الوَصْفَانِ،
541 ... فمُصَحّحُ الأوْصَافِ وَالأفْعَالِ وَالـ ... أسْمَاءِ حَقَّاً ذَانِكَ الوَصْفَانِ؛
542 ... ولأجْل ذَا جَاءَ الحَدِيثُ بِأنَّهُ ... في آيَةِ الكُرْسِيْ وَذِي عِمْرَانِ
543 ... اسْمُ الإلَهِ الأعظَمُ؛ اشتَمَلاَ عَلَى اسْـ ... ـمِ الحَيِّ والقَيّومِ مُقْتَرنَانِ
544 ... فالكُلُّ مرجِعُهَا إلَى الاِسْمَين يَدْ ... رِي ذاكَ ذُو بَصَرٍ بِهَذَا الشَّانِ،
وَلَهُ الإرَادَةُ وَالكَرَاهَةُ والرِّضَى ... وَلَهُ المَحَبَّةُ وهْوَ ذُو الإحْسَانِ.
546 ... وَلَهُ الكَمَالُ المُطْلَقُ العَارِي عَنِ التَّـ ... ـشْبِيهِ والتَّمْثِيِلِ بالإنْسَانِ
547 ... وَكَمَالُ مَنْ أعْطَى الكَمَالَ بِنَفْسِهِ ... أوْلَى وَأقْدَمُ وهْوَ أعظَمُ شَانِ
548 ... أيَكُونُ قَدْ أعْطَى الكَمَالَ وَمَا لهُ ... ذَاكَ الكَمَالُ أذَاكَ ذُو إمْكَانِ؟!
أيَكُونُ إنْسَانٌ سَمِيعٌ مُبصِرٌ ... مُتَكَلِّمٌ بمَشِيئةٍ وَبَيَانِ
550 ... وَلَهُ الحَيَاةُ وَقُدْرَةٌ وإرَادَةٌ ... والعِلْمُ بالكُلِّيِّ والأعْيَانِ
551 ... واللُه قَدْ أعْطَاهُ ذَاكَ = وَليسَ هَـ ... ـذَا وَصْفَهُ؟! فاعْجَبْ مِنَ البُهْتَانِ!(330/53)
552 ... بِخِلاَفِ نَوْمِ العَبْد ثُمَّ جِمَاعِهِ ... والأكْلِ مِنْهُ وَحَاجَةِ الأبْدَانِ
553 ... إذ تِلكَ ملْزُومَاتُ كَونِ العَبْدِ مُحْـ ... ـتَاجاً وَتِلْكَ لَوَازِمُ النُّقْصَانِ،
554 ... وكَذَا لَوَازِمُ كَوْنِهِ جَسَداً، نَعَمْ ... وَلَوَازِمُ الإحْدَاثِ والإمْكَانِ
555 ... يتقدَّسُ الرَّحْمنُ جَلَّ جَلالُهُ ... عَنْهَا وَعَنْ أعْضَاءِ ذِي جُثْمَانِ.
واللهُ رَبِّى لَمْ يَزَلْ متكلِّماً ... وَكَلامُهُ الَمسْمُوعُ بالآذَان
ِ
557 ... صِدْقاً وعَدْلاً أُحْكِمَتْ كَلِمَاتُهُ ... طَلَباً وإخبْاراً بِلاَ نُقْصَانِ،
558 ... وَرَسُولهُ قَدْ عَاَذَ بالكَلِمَاتِ مِنْ ... لَدْغٍ وَمِنْ عَيْنٍ ومِنْ شَيْطَان
ِ
559 ... أُيُعَاذُ بالمْخلُوقِ حَاشَاهُ مِنَ الإشْـ ... ـرَاكِ وَهْوَ مُعَلِّمُ الإيمَان
ِ
560 ... بَلْ عَاذَ بالكَلِمَاتِ وَهْيَ صِفَاتُهُ ... سُبْحانهُ لَيْسَتْ مِنَ الأكْوانِ،
561 ... وَكَذَلِكَ القُرْآنُ عَيْنُ كَلاَمِهِ الَمْسـ ... ـمُوعِ مِنْهُ حقِيقَةً بِبَيَان
562 ... هُوَ قَولُ رَبِّي كُلُّهُ لاَ بَعْضُهُ ... لَفْظاً وَمَعْنىً مَا هُمَا خَلْقَانِ
563 ... تَنْزيلُ رَبِّ العَالمِينَ وَقوْلُهُ ... - اللَّفْظُ وَالمعْنَى- بِلاَ رَوَغَانِ،
564 ... لَكِنَّ أصْوَاتَ الْعِبَادِ وَفِعْلَهُمْ ... كَمِدَادِهِمْ والرَّقِّ مَخْلوقَانِ
565 ... فالصَّوتُ للْقَارِي ولَكِنَّ الكَلاَ ... مَ كَلاَمُ رَبِّ العرْشِ ذِي الإحْسَانِ
هَذَا إذَا مَا كَانَ ثَمَّ وَسَاطَةٌ ... كَقِرَاءَةِ المخْلُوقِ ِللقُرآنِ
567 ... فإذَا انتفَتْ تِلْكَ الوَسَاطَةُ مِثْلَمَا ... قَدْ كلَّمَ الموْلُودَ مِنْ عِمْرَان
568 ... فهُنالِكَ المخْلُوقُ نَفْسُ السَّمْع لاَ ... شئٌ مِنَ المسْمُوعِ فَافْهَمْ ذان.
هَذِي مَقَالَةُ أحمدٍ وُمُحَمَّدٍ، ... وخُصُومُهُمْ مِنْ بَعْدُ طَائِفَتَان:
570 ... إحْدَاهُمَا زَعَمَتْ بِأنَّ كَلامَهُ ... خَلْقٌ لَهُ ألفَاظُهُ وَمَعَانِي
571 ... والآخَرُونَ أبَوْا وقالُوا شَطْرُهُ ... خَلْقٌ وَشَطْرٌ قَامَ بالرَّحْمنِ
(((330/54)
زعمُوا القُرَانَ عِبَارَةً وَحِكَايَةً ... - قُلْنَا كَمَا زَعَمُوهُ قُرْآنَانِ -
573 ... هَذَا اَّلذِي نَتْلُوهُ مْخُلُوقٌ كَمَا ... قَالَ الوَلِيدُ وَبَعْدَهُ الفِئتَانِ
574 ... والآخَرُ المْعنَى الَقَديمُ فقَائِمٌ ... بالنَّفْسِ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الدَّيَّانِ،
575 ... والأمرُ عَيْنُ النَّهْيِ واسْتِفْهَامُهُ ... هُوْ عَيْنُ إخْبَارٍ وَذُو وُحْدَانِ
576 ... وهُوَ الزَّبُورُ وَعَيْنُ تَوْرَاةٍ وإنْـ ... ـجِيلٍ وَعَيْنُ الذِّكْرِ والفُرْقَانِ
577 ... الكُلُّ معنىً وَاحِدٌ فِي نَفْسِهِ ... لاَ يَقْبَلُ التبْعِيضَ في الأذْهَانِ
578 ... مَا إنْ لَهُ كُلٌ وَلاَ بَعْضٌ وَلاَ ... حَرْفٌ وَلاَ عَرَبِيْ وَلاَ عِبْرَانيِ))
وَدَلِيلُهُمْ في ذَاكَ بَيْتٌ قَالَهُ ... فِيمَا يُقَالُ الأخْطَلُ النَّصرانيِ !
580 ... يَا َقْومُ قَد غَلِطَ النَّصَارَى قَبْلُ في ... مَعْنىَ الكَلاِمِ ومَا اهْتَدَوا لِبَيَانِ؛
581 ... وَلأجْل ذَا ظَنوا المسيِحَ إلَهَهُمْ ... إذْ قِيلَ كِلْمَةُ خَالِقٍ رَحْمنِ
ولأجْلِ ذَا جَعَلُوهُ نَاسُوتاً وَلاَ ... هُوتاً قَديِماً بَعْدُ مُتَّحِدَانِ،
583 ... وَنَظِيرُ هَذَا مَنْ يَقُولُ: ((كَلاَمُهُ ... مَعْنًى قَديمٌ غَيْرُ ذِي حَدَثَانِ
والشَّطْرُ مَخْلُوقٌ وَتِلْكَ حُرُوفُهُ ... نَاسُوتُهُ لِكنْ هُمَا غَيْرَانِ))
585 ... فَانْظُرْ إلَى ذَا الاتِّفَاقِ فَإنَّهُ ... عَجَبٌ وَطَالِعْ سُنَّةَ الرَّحْمنِ.
586 ... وتكَايَستْ أخْرَى وقَالَتْ: (( إنَّ ذَا ... َقولٌ مُحَالٌ وَهْوَ خَمسُ مَعَانِي
587 ... تِلْكَ التي ذُكِرَت، ومَعْنىً جَامِعٌ ... لجِميعِهَا كالأُسِّ للبُنْيَانِ
588 ... فَيَكُونُ (أنواعاً) -وعِنْدَ نَظِيرهِمْ ... (أوصَافَُهُ)-)) وهُمَا فمُتَّفِقَانِ:
589 ... ((إنَّ الذِي جَاءَ الرسُولُ بِهِ لَمَخْـ ... ـلُوقٌ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنَ الدَّيانِ))
590 ... والخُلْفُ بَيْنَهُمُ ((فقيل: مُحَمَّدٌ ... أنْشَاهُ تَعْبِيراً عَنِ القُرآنِ
591 ... والآخَرُونَ أبَوْا وَقَالُوا: إنَّمَا ... جِبْريلُ أنشَاهُ عَنِ المنَّانِ(330/55)
592 ... وتكَايَسَتْ أخْرَى وَقَالَتْ: إنَّهُ ... نَقْلٌ مِنَ اللَّوحِ الرَّفِيعِ الشَّانِ
593 ... فاللَّوحُ مَبْدَؤهُ، وربُّ اللَّوْحِ قَدْ ... أنْشَأْهُ خَلْقاً فِيه ذَا حَدَثَانِ))
594 ... هَذِي مقَالاَتٌ لَهُمْ فانظرْ تَرَى ... في كُتْبِهِمْ يَا مَنْ لَهُ عَيْنَانِ
595 ... لَكِنَّ أهْلَ الحَقِّ قَالُوا إنَّمَا ... جِبرِيلُ بلَّغَهُ عَنِ الرَّحْمَنِِ
596 ... ألقَاهُ مَسْمُوعاً لَهُ مِنْ رَبِّهِ ... للصَّادِقِ المَصْدُوقِ بالبُرهَانِ
فَصْلٌ
فيِ مجامع طُرُقِ أهل الأرض واختلافهم في القرآن
597 ... وَإذَا أرَدْتَ مَجَامِعَ الطُّرُقِ الَّتِي ... فِيهَا افتِرَاقُ النَّاسِ فِي القُرآنِ
598 ... فمَدارُهَا أصْلاَنِ قَامَ عَلَيْهِمَا ... هَذَا الخِلاَفُ هُمَا لَهُ رُكنَانِ:
599 ... هَلْ قولُهُ بمشِيَئةٍ أمْ لاَ؟ وَهَلْ ... في ذَاتِهِ أمْ خَارِجٌ؟ هَذَانِ
600 ... أصْلا اختِلافِ جَمِيْعِ أهْل الأرْضِ في الـ ... ـقُرْآنِ فَاطْلُبْ مُقْتَضَى البُرْهَانِ.
601 ... ثُمَّ الأُلَى قَالُوا بِغيرِ مَشِيئَةٍ ... وَإرَادَةٍ مِنْهُ فَطَائِفَتَانِ:
602 ... إحْدَاهُمَا جَعَلَتْهُ مَعْنًى قَائِماً ... بالنَّفْسِ، أوْ قَالُوا بِخَمْسِ مَعَانِي
603 ... وَاللُه أحْدَثَ هَذِهِ الألفَاظَ كَيْ ... تُبْدِيِه مَعْقُولاً إلَى الأذْهَانِ،
604 ... وَكَذَاكَ قَالُوا إنَّهَا لَيسَتْ هيَ الْـ ... ـقُرآنَ بَلْ مَخْلُوقَةٌ دَلَّتْ عَلى القُرْآنِ
605 ... ولربَّما سُمِّي بِهَا القُرْآنُ تَسْـ ... ـمِيَةَ المَجَازِ وذَاكَ وَضْعٌ ثَانِي.
606 ... وَكَذلِكَ اخْتَلَفُوا فقِيلَ: حِكَايَةٌٌ ... عَنْهُ، وقِيلَ: عِبَارَةٌ لِبَيَانِ؛
607 ... إذْ كَانَ مَا يُحْكَى كَمَحْكِيٍّ وَهَـ ... ـذَا اللَّفْظُ والمْعنَى فمخْتَلِفَانِ
608 ... ولذَا يُقَالُ حَكَى الحَدِيثَ بعَيْنِهِ ... إذْ كَانَ أوّلُهُ نَظِيرَ الثَّانيِ
فَلِذَاكَ قَالُوا لاَ نَقُولُ حِكَايَةٌ، ... وَنَقُولُ ذَاكَ عِبَارَةُ الفُرْقاَنِ،
ِ(330/56)
610 ... والآخَرُونَ يَرَوْنَ هَذَا البَحْثَ لَفْـ ... ـظِيّاً ومَا فِيهِ كَبِيرُ مَعَانِي
فَصْلٌ
فيِ مذْهَبِ الاقترانية
611 ... وَالفِرْقَةُ الأخرَى فَقَالَتْ: ((إنَّهُ ... لَفْظٌ وَمَعْنىً لَيْسَ ينْفَصِلانِ
612 ... وَاللَّفْظُ كالمعْنَى قَدِيمٌ قَائِمٌ ... بالنَّفْسِ لَيْسَ بقَابِلِ الحَدَثَانِ
613 ... فَالسَّينُ عِنْدَ البَاءِ لا مَسْبُوقَةٌ ... لَكِنْ هُمَا حَرْفَانِ مُقْتَرنَانِ))
614 ... والقَائِلُونَ بِذَا يقُولُوا: ((إنَّمَا ... تَرْتِيبُهَا بالسَّمْعِ بالآذَانِ
وَلَهَا اقْتِرَانٌ ثَابِتٌ لذَوَاتِهَا)) ... فاعْجَبْ لِذَا التَّخْلِيِطِ والهَذَيَانِ!
616 ... لَكِنَّ زَاغُوْانِيَّهُمْ قَدْ قَالَ: ((إنَّ ... ذَوَاتَهَا وَوُجُودَهَا غَيْرَانِ
فَتَرتَّبَتْ بِوْجُودِهَا لا ذَاتِهَا)) ... يَا لَلْعُقُولِ وَزَيْغَةِ الأذْهَانِ!
618 ... لَيْسَ الوُجُودُ سِوَى حَقِيقَتِهَا لِذِي الـ ... أذْهَانِ بَلْ في هَذهِ الأعْيَانِ
لَكِنْ إذَا أخَذَ الحقيقَةَ خَارجاً، ... وَوُجُودَهَا ذِهْناً: فمُخْتَلِفَانِ
620 ... وَالعَكْسُ أيضاً مِثْلُ ذَا فإذَا هُمَا ... اتَّحَدَا اعتبَاراً لمَ ْيَكُنْ شَيْئَانِ
621 ... وبِذَا يَزُولُ جَمِيعُ إشْكَالاتِهم ... فيِ ذَاتِهِ وَوُجُودِه الرَّحمنِ
فصلٌ
في مذاهب القائلين بأنه متعلق بالمشيئة والإرادة
622 ... وَالقَائِلُونَ بِأنَّهُ بِمَشِيئَةٍ ... وإرَادَةٍ أيضاً فَهُمْ صِنْفَانِ:
623 ... إحْدَاهمَا جَعَلَتُهُ خَارِجَ ذَاتِهِ ... كَمَشِيئَةٍ لِلْخَلْقِ والأكْوَانِ
624 ... قَالوا: وصَارَ كَلامَهُ بإضَافَة التَّـ ... ـشْرِيفِ مِثلَ البيتِ ذِي الأرْكَانِ
625 ... مَا قَالَ عندَهُمُ ولا هُوَ قائِلٌ ... والقَوْلُ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الدَّيَّانِ
626 ... فالقَوْلُ مَفْعُولٌ لَدَيهمْ قَائِمٌ ... بِالغَيْرِ كالأعْرَاضِ والألْوَانِ.
627 ... هَذِي مَقَالَةُ كُلِّ جَهْمِيٍّ وهُمْ ... فِيهَا الشُّيُوخُ مُعَلِّمو الصِّبيَانِ.(330/57)
لَكِنَّ أهْلَ الاِعتِزَال - قَدِيمَهُمْ- ... لَمْ يذهَبُوا ذَا المَذْهَبَ الشَّيْطانِيِ
629 ... وَهُم الأُلَى اعتزَلُوا عَنِ الحسَنِ الرِّ ... ضَى البَصْرِيِّ ذَاكَ العالِمُ الربَّاني،
630 ... وَكَذاكَ أتْبَاعٌ عَلَى مِنْهَاجِهْم ... مِنْ قَبْلِ جَهْمٍ صَاحِبِ الحَدَثَانِ،
631 ... لَكِنَّما متأخِّرُوهمْ بَعْدَ ذَا ... لكَ وافَقُوا جَهْماً عَلَى الكُفْرانِ
632 ... فَهُمُ بِذَا جَهْمِيَّةٌ أهْلُ اعتِزَا ... لٍ ثَوبُهُمْ أضْحَى لَه عَلَمَانِ
633 ... وَلَقَدْ تَقَلَّدَ كُفْرهُمْ خَمْسُونَ فِي ... عَشْرٍ مِنَ العُلَمَاءِ فِي البُلْدَانِ
634 ... وَاللاَّلَكَائِيُّ الإمامُ حَكَاهُ عَنْـ ... ـهُمْ بَلْ حَكَاهُ قَبْلَهُ الطَّبَرَانِيِ
فَصْلٌ
فِي مَذْهَبِ الكَرَّامِيَّةِ
635 ... وَالقَائِلونَ بِأنَّهُ بمشِيئَةٍ ... فِي ذاتِهِ أيضاً فَهُمْ نَوْعَانِ:
إحدَاهُمَا جَعَلَتْهُ مَبْدُوءاً بِهِ ... نَوْعاً، حِذَارَ تسلسُل الأعْيَانِ
فَيَسُدُّ ذَاكَ عَلَيْهمُ - فِيِ زَعْمِهمْ - ... إثبَاتَ خَالِقِ هَذِه الأكْوَانِ
638 ... فَلِذاكَ قَالُوا: ((إنَّهُ ذُو أوَّلٍ ... مَا لِلْفَنَاءِ عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَانِ
639 ... وَكَلاَمُهُ كَفِعَالِهِ وكِلاَهُمَا ... ذُو مَبْدأٍ بَلْ ليْسَ يَنتَهِيَانِ))
640 ... قَالُوا: ((وَلْم يُنْصِفْ خُصُومٌ جَعْجَعُوا ... وَأتَوْا بتَشْنِيعٍ بِلاَ بُرْهَانِ
قُلْنَا كَمَا قَالُوهُ في أفْعَالِهِ، ... بَلْ بَيْنَنَا بَوْنٌ مِنَ الفُرْقَانِ،
642 ... بَلْ نَحْنُ أسْعَدُ مِنْهُمُ بالحقِّ إذْ ... قُلْنَا هُمَا باللهِ قَائِمَتَانِ،
643 ... وَهُمُ فَقَالُوا: (لَمْ يَقُمْ باللهِ لاَ ... فِعْلٌ وَلاَ قَوْلٌ) فَتَعْطِيلاَنِ
644 ... لِفعَالِهِ وَمَقَالِه شَرٌّ وأبْـ ... ــطَلُ مِنْ حُلُولِ حَوَادِثٍ بِبَيَانِ.
645 ... تَعْطِيلُهُ عَنْ فِعْلِهِ وَكَلاَمِهِ ... شَرٌّ مِنَ التشْنِيعِ بِالهَذَيَانِ))
646 ... هَذِي مَقَالاتُ ابْنِ كرَّامٍ، وَمَا ... رَدُّوا عَلَيْهِ قَطُّ بالبُرهَانِ(330/58)
647 ... أنَّى ومَا قَدْ قَالَ أقْرَبُ مِنْهُمُ ... لِلْعَقْلِ وَالآثَارِ والقُرْآنِ
648 ... لَكِنَّهُمْ جَاؤُوا لَهُ بِجَعَاجِعٍ ... وَفَرَاقِعٍ وَقَرَاقِعٍ بِشِنَانِ
فَصْلٌ
فِي ذكر مَذْهَبِ أهْل الحَدِيثِ
649 ... وَالآخَرُونَ أولُوا الحَدِيثِ كأحْمَدٍ ... وَمُحَمَّدٍ وأئمةِ الإيمَانِ
650 ... قَالُوا بِأنَّ اللهَ حَقَّاً لَمْ يَزَلْ ... مُتَكَلِّماً بِمَشِيئَةٍ وَبَيَانِ
651 ... إنَّ الكَلاََمَ هُوَ الكَمَالُ فَكَيفَ يَخْـ ... ـلُو عَنْهُ فِي أزلٍ بِلاَ إمْكَانِ؟
وَيَصِيرُ فِيمَا لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّماً، ... مَاذَا اقْتَضَاهُ لَهُ مِنْ الإمْكَانِ؟!
653 ... وَتَعاقُبُ الكَلِمَاتِ أمرٌ ثَابِتٌ ... لِلذَّاتِ مِثْلُ تَعَاقُبِ الأزْمَانِ
654 ... وَاللهُ رَبُّ العرْشِ قَالَ حقِيقَةً ... ((حم~ )) مَعْ ((طَهَ)) بِغَيْرِ قِرَانِ
655 ... بِلْ أحرُفٌ مُترتِّبَاتٌ مِثْلَمَا ... قَدْ رُتِّبتْ فِي مَسْمَعِ الإنْسَانِ؛
656 ... وَقْتَانِ فِي وَقْتٍ مُحَالٌ، هَكَذَا ... حَرْفَانِ أيضاً يُوجَدَا فِي آنِ
657 ... مِنْ وَاحِدٍ مُتَكَلِّمٍ بَلْ يُوجَدَا ... بِالرَّسْمِ أوْ بَتَكَلُّمِ الرجُلاَنِ
658 ... هَذَا هُوَ المعْقُولُ أمَّا الاِقْتِرَا ... نُ فَلَيْسَ معْقُولاً لِذِي الأذْهَانِ.
659 ... وَكَذا كَلاَمٌ مِنْ سِوَى مُتَكلِّمٍ ... أيْضاً مُحَالٌ لَيْسَ فِي إمْكَانِ
660 ... إلاَّ لِمَنْ قَامَ الكَلامُ بِهِ فَذَا ... كَ كَلاَمُه المعقُولُ فِي الأذْهَانِ؛
661 ... أيكونُ حَيَّاً سَامِعاً أو مُبْصِراً ... مِنْ غَيْرِ مَا سَمْعٍ وغَيْرِ عِيَانِ
والسَّمْعُ والإِبْصَارُ قَامَ بِغَيرِهِ!! ... هَذَا المُحَالُ وَوَاضِحُ البُهْتَانِ،
663 ... وكَذَا مُريدٌ والإرَادَةُ لَمْ تَكُنْ ... وَصْفاً لَهُ! هَذَا مِنَ الهَذَيَانِ
664 ... وكَذَا قديِرٌ مَالَهُ مِنْ قُدْرَةٍ ... قَامَتْ بِهِ! مِنْ واضحِ البُطْلاَنِ.
665 ... واللهُ جَلَّ جَلاَلُهُ مُتَكَلِّمٌ ... بِالنَّقْلِ والمَعْقُولِ والبُرهَانِ(330/59)
666 ... قَدْ أجْمعَتْ رُسلُ الإلَهِ عَلَيْهِ لَمْ ... يُنْكِرْهُ مِنْ أتْبَاعِهِمْ رَجُلاَنِ
667 ... فَكَلاَمُهُ حَقَّاً يَقُومُ بِهِ وإلاَّ ... لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّماً بِقُرَانِ،
668 ... والله ُقَالَ، وقَائِلٌ، وَكَذَا يَقُو ... لُ الحَقَّ ، لَيْسَ كَلاَمُهُ بِالفَانِيِ
669 ... ويُكَلِّمُ الثقلَينِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ ... حَقاً فَيَسْمَعُ قَوْلَهُ الثَّقَلاَنِ
670 ... وكَذَا يُكَلِّمُ حِزْبَهُ فِي جَنَّة الـ ... ـحَيَوَانِ بِالتَّسْلِيمِ والرِّضْوَانِ
671 ... وَكَذَا يُكلِّمُ رُسْلَهُ يَومَ اللِّقَا ... حَقَّاً فَيَسْأَلُهُمْ عَنِ التِّبْيَانِ
672 ... ويُراجَعُ التَّكْلِيمَ جَلَّ جَلاَلُهُ ... وَقْتَ الجِدَالِ لَهُ مِنَ الإِنْسَانِ
673 ... ويُكَلِّمُ الكُفَّارَ في العَرَصَاتِ تَوْ ... بِيخاً وتَقْريِعاً بِلاَ غُفْرَانِ
674 ... ويُكَلِّمُ الكُفَّارَ أيضاً فِي الـ ... جَحِيمِ أنِ اخْسَؤُوا فِيهَا بِكُلِّ هَوَانِ
675 ... واللهُ قَدْ نَادَى الكَلِيمَ، وقَبْلَه ... سَمِعَ النِّدَا فِي الَجنَّةِ الأبَوَانِ،
676 ... وأتَى النِّدَا فِي تِسْعِ آياتٍ لَهُ ... وصْفاً فَرَاجِعْهَا مِنَ القُرْآنِ
677 ... وَكَذَا يُكلِّمُ جِبْرَئيلَ بأمْرهِ ... حَتَّى يُنَفِّذَهُ بِكُلِّ مَكَانِ.
678 ... واذكرْ حَدِيثاً فِي صَحيحِ مُحَمَّدٍ ... ذَاكَ البُخَارِيُّ العظيمُ الشانِ
679 ... فِيهِ نِدَاءُ اللهِ يَومَ مَعَادِنَا ... بالصَّوتِ يَبْلُغُ قَاصِياً والدَّانيِ
680 ... هَبْ أنَّ هَذَا اللَّفظَ لَيْسَ بِثَابِتٍ ... بَلْ ذِكْرُهُ مَعْ حَذْفِهِ سِيَّانِ
681 ... وَرَوَاهُ عِنْدَكُمُ البُخَارِىُّ المُجَسِّـ ... ـمُ بَلْ رَوَاهُ مُجَسِّمٌ فَوْقَانِي
682 ... أيصحُّ فِي عَقْلٍ وَفِي نَقْلٍ نِدَا ... ءٌ لَيْسَ مَسْمُوعاً لَنَا كأذَانِ!!
683 ... أمْ أجمَعَ العلمَاءُ وَالعُقَلاءُ مِنْ ... أهْلِ اللِّسَانِ وأهْلِ كُلِّ لِسَانِ
أنَّ النِّدا: الصَّوتُ الرَفِيعُ، وَضِدُّهُ: ... فَهْوَ النِّجَاءُ كِلاهُمَا صَوْتَانِ(330/60)
واللهُ مَوْصُوفٌ بِذَاكَ حقِيقَةً ... هَذَا الحَدِيثُ ومُحْكَمُ القُرآنِ.
686 ... واذْكُرْ حَدِيثاً لابنِ مسْعودٍ صَرِيـ ... ـحاً أنَّهُ ذُو أحْرُفٍ بِبَيانِ
687 ... الحَرْفُ مِنْهُ فِي الجَزَا عَشْرٌ مِنَ الـ ... ـحَسَنَاتِ مَا فِيِهنَّ مِنْ نُقْصَانِ،
688 ... وانظُرْ إلَى السُّوَرِ الَّتى افْتُتِحتْ بأحْـ ... ـرُفِهَا تَرى سِرًّا عَظِيمَ الشَّانِ
689 ... لَمْ يأتِ قَطُّ بسُورَةٍ إلا أتَى ... فِي إثْرِهَا خَبَرٌ عَنِ القُرْآنِ
690 ... إذْ كَانَ إخْبَاراً بِهِ عَنْهَا وَفِي ... هَذَا الشِّفَاءُ لِطَالِبِ الإيمَانِ
691 ... وَيَدُلُّ أنَّ كَلاَمَهُ هُوَ نَفْسُهَا ... لاَ غيْرُهَا والحَقُّ ذُو تبِْيَانِ
692 ... فَانْظُرْ إلى ((مَبْدَا الكِتَابِ)) وَبَعْدَهَا ((الـ ... أعْرَافِ)) ثُمَّ كَذَا إلى ((لُقْمَانِ))
693 ... مَعْ تِلْوِهَا أيْضاً وَمَعْ ((حَم~)) مَعْ ... ((يَس~)) وافْهَمْ مُقْتَضَى ((الفُرْقَانِ))
فَصْلٌ
فِي إلْزَامِهِمْ القَوْلَ بِنَفْيِ الرِّسَالَةِ إذَا انْتَفَتْ صِفَةُ الكَلاَمِ
694 ... واللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوصٍ آمِرٌ ... نَاهٍ مُنَبٍّ مُرْسِلٌ لِبَيَانِ
695 ... وَمُخَاطِبٌ ومُحَاسِبٌ ومُنَبِّىءٌ ... وَمحُدِّثٌ ومُخَبِّرٌ بالشَّانِ
696 ... ومُكَلِّمٌ مُتَكَلِّمٌ بَلْ قَائِلٌ ... وَمُحَذِّرٌ ومُبَشِّرٌ بأمَانِ
697 ... هَادٍ يقُولُ الحقَّ يُرْشِدُ خَلْقَهُ ... بِكَلاَمِهِ لِلْحَقِّ والإيمَانِ
698 ... فإذَا انتفَتْ صِفَةُ الكَلاََمِ فَكُلُّ هَـ ... ـذَا مُنْتَفٍ مُتَحَقِّقُ البُطْلاَنِ،
699 ... وإذَا انتفَتْ صِفَةُ الكَلامِ كَذَلِكَ الـ ... إرْسَالُ مَنْفِيٌّ بِلاَ فُرقَانِ؛
700 ... فَرِسَالَةُ المَبْعُوثِ تَبْلِيغُ كَلاَ ... مِ المُرْسِلِ الدَّاعِي بِلاَ نُقْصَانِ
701 ... وَحَقِيقَةُ الإرْسَالِ نَفْسُ خِطَابِهِ ... لِلمُرْسَلِينَ وَإنَّهُ نَوْعَانِ:
702 ... نَوْعٌ بِغَيْرِ وَسَاطَةٍ كَكَلاَمِهِ ... مُوسَى وَجِبْرِيلَ القريبَ الدَّانِي(330/61)
703 ... مِنْهُ إليهِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِهِ ... إذْ لاَ تَرَاهُ هَاهُنَا العَيْنَانِ،
704 ... وَالآخَرُ التَّكْلِيمُ مِنْهُ بالوَسَا ... طَةِ وَهْوَ أيْضاً عِنْدهُ ضَرْبَانِ
705 ... وَحْيٌ وإرْسَالٌ إلَيْهِ وذَاكَ فِي ((الشُّـ ... ـوْرَى)) أتَى فِي أحْسَنِ التِّبْيَانِ
فَصْلٌ
فِي إلِزَامِهِمُ التَّشْبِيه للرَّبِ بِالجَمَاد النَّاقِصِ إذا انتفَتْ صِفَةُ الكَلاَمِ
706 ... وإذَا انتَفَتْ صِفَةُ الكَلاَمِ فَضِدُّهَا ... خَرَسٌ وذَلِكَ غَايَةُ النُّقْصَانِ
707 ... فَلِئن زَعَمْتُم ((أنَّ ذَلِك في الذِي ... هُوَ قَابِلٌ مِن أمَّةِ الحَيَوَانِ
708 ... والرَّبُّ ليسَ بِقَابِلٍ صِفةَ الكَلاَ ... مِ فَنفْيُهَا مَا فِيهِ مِنْ نُقصَانِ))
709 ... فيُقَالُ: سَلْبُ كَلاَمِهِ -وقَبُولُه ... صِفَةَ الكَلاَمِ- أتَمُّ للنُّقْصَانِ؛
710 ... إذْ أخْرَسُ الإنسَانِ أكَمَلُ حَالَةً ... مِنْ ذَا الجَمَادِ بأوضَح البُرهَانِ
711 ... فَجَحدْتَ أوْصَافَ الكَمَالِ مَخَافَةَ التَّـ ... ـجْسِيمِ والتَّشبِيهِ بالإِنسانِ
712 ... ووَقعْتَ فِي تَشْبِيههِ بِالجَامدا ... تِ الناقِصَاتِ وذَا مِنَ الخِذْلاَنِ!!
اللهُ أَكَبرُ هُتِّكَتْ أسْتَارُكُمْ ... حَتَّى غَدَوْتُمْ ضُحْكَةَ الصِّبْيَانِ!!
فصلٌ
في إلزامهم بالقول بأن كلام الخلق ، حقَّه وباطلَه ، عينُ كلام الله سبحانه
714 ... أوَليْسَ قَدْ قَامَ الدَّليلُ بأنَّ أفْـ ... ـعَالَ العِبَادِ خَليقَةُ الرَّحمنِ
715 ... مِنْ ألفِ وَجْهٍ أوْ قَرِيبِ الألفِ يُحْـ ... ـصِيهَا الذِي يُعْنَى بِهَذَا الشَّانِ؛
716 ... فيكُونُ كلُّ كَلاَمِ هَذَا الخَلْقِ عَيْـ ... ـنَ كَلاَمِهِ!! سُبحَانَ ذِي السُّلْطَانِ؛
717 ... إذْ كَانَ مَنْسُوباً إليهِ كَلاَمُهُ ... خَلْقاً كبَيْتِ اللهِ ذِي الأرْكَانِ.
718 ... هَذَا ولاَزِمُ قَولِكُم قَدْ قَالَه ... ذُو الاِتحِّادِ مُصَرِّحاً بِبَيَانِ
719 ... حَذَرَ التَّنَاقُضِ - إذْ تَنَاقَضْتُمْ - وَلَـ ... كِن طَردُهُ فِي غَايَةِ الكُفْرَانِ(330/62)
720 ... فَلَئِنْ زَعَمْتُمْ أنَّ تَخْصِيصَ القُرا ... نِ كَبيتهِ وكِلاَهُمَا خَلْقَانِ
721 ... فَيُقَالُ: ذَا التَّخْصِيصُ لا ينْفِي العُمُو ... مَ ولا الخصوصَ كربِّ ذِي الأكْوَانِ،
722 ... ويُقَالُ: (رَبُّ العَرْشِ) أيضاً، هَكَذَا ... تَخْصِيصُهُ لإضَافَةِ القُرآنِ
723 ... لاَ يَمنَعُ التَّعْمِيمَ فِي البَاقِي وذَا ... فِي غَايَةِ الإيضَاحِ والتِّبْيَانِ
فصلٌ
في التفريق بين الخلق والأمر
724 ... ولَقد أتَى الفُرقَانُ بَيْنَ الخَلْقِ والْـ ... أمْرِ الصَّريحِ وذَاكَ فِي الفُرْقَانِ.
725 ... وَكِلاَهُمَا عِنْدَ الُمنَازِعِ وَاحِدٌ ... والكُلُّ خَلْقٌ مَا هُنَا شَيئَانِ!!
726 ... والعَطْفُ عندَهُمُ كعَطْفِ الفَرْدِ مِنْ ... نَوْعٍ عَلَيهِ وذَاكَ فِي القُرآنِ!!
فَيُقَالُ: هَذَا ذُو امتناعٍ ظَاهِرٍ، ... فِي آيةِ التَّفريقِ ذُو تبيانِ؛
728 ... فالله بَعْدَ الخَلْقِ أخبَرَ أنَها ... قَدْ سُخِّرَتْ بالأمرِ للجَرَيَانِ
729 ... وأبَانَ عَنْ تَسْخِيرِهَا سُبحَانَهُ ... بِالأمْرِ بَعْدَ الخَلْقِ بالتِّبيَانِ،
730 ... والأمْرُ إمَّا مَصْدَرٌ أو كَانَ مَفْـ ... ـعُولاً هُمَا فِي ذَاكَ مُستويَانِ
731 ... مَأمُورهُ هُوَ قَابِلٌ للأمْرِ، كـ (الـ ... مَصْنُوعِ قَابِلِ صَنْعةِ الرَّحْمَنِ)
732 ... فإذا انتفَى الأمرُ انتفىَ المأْمُورُ كالـ ... ـمَخْلُوقِ يُنفَى لانْتِفَا الحِدْثَانِ.
733 ... وانظُرْ إلى نَظْمِ السِّياقِ تَجِدْ بِهِ ... سِرّاً عَجِيباً وَاضِحَ البُرْهَانِ
ذَكَرَ الخُصُوصَ وَبَعْدَهُ مُتَقَدِّماً، ... والوصْفَ والتعمِيمَ في ذَا الثَّانيِ
735 ... فأتَى بِنَوعَيْ خلْقِه وَبِأمْرِهِ ... فِعْلاً وَوَصْفاً مُوجَزاً بِبَيَانِ
736 ... فَتَدبَّرِ القُرْآنَ إنْ رُمْتَ الُهدَى ... فَالعِلْمُ تَحْتَ تَدَبُّرِ القُرْآنِ
فصلٌ
في التفريق بين ما يضاف إلى الرب سبحانه وتعالى من الأوصاف والأعيانِ
737 ... وَالله أخْبَرَ فِي الكِتَابِ بأنَّهُ ... مِنْهُ. وَمجْرورٌ بِـ ((مِنْ)) نَوْعَانِ:(330/63)
738 ... عَيْنٌ، وَوَصْفٌ قَائِمٌ بالعَيْنِ، فَالْـ ... أعْيَانُ خَلْقُ الخَالِقِ الرَّحْمَنِ
739 ... والوَصْفُ بالمجرُورِ قَامَ لأنَّه ... أوْلَى بِهِ فِي عُرْفِ كُلِّ لِسَانِ.
740 ... ونَظِيْرُ ذَا أيضاً سَوَاءً: مَا يضَا ... فُ إليهِ مِنْ صِفَةٍ وَمِنْ أعْيَانِ؛
741 ... فَإضَافَةُ الأوصَافِ ثَابِتَةٌ لِمَنْ ... قَامَتْ بِهِ كإرادَةِ الرَّحمنِ،
742 ... وَإضافَة الأعيَانِ ثَابِتَةٌ لَهُ ... مُلْكاً وخَلْقاً مَا هُمَا سِيَّانِ
743 ... فانْظُرْ إلَى بَيتِ الإلهِ وعِلْمِهِ ... لَمَّا أُضِيفَا كَيْفَ يَفْتَرِقَانِ
744 ... وَكَلاَمُهُ كحَيَاتِهِ وكَعِلمِهِ ... فِي ذي الإضافَةِ إذْ هُمَا وَصْفَانِ
745 ... لَكِنَّ نَاقَتَهُ وَبَيتَ إلهِنَا ... فكعَبْدِهِ أيضاً هُمَا ذَاتَانِ
746 ... فَانْظُرْ إلَى الَجهْمِيَّ لَمَّا فَاتَهُ الْـ ... حَقُّ الُمبِينُ وَوَاضِحُ الفُرْقَانِ
كَانَ الجَميعُ لدَيْه بَاباً واحِداً! ... والصُّبْحُ لاَحَ لِمَنْ لَهُ عَيْنَانِ
فصلٌ
748 ... وأتَى ابنُ حزْمٍ بَعْدَ ذَاكَ فَقَالَ مَا ... لِلْنَّاسِ قُرْآنٌ وَلاَ إثْنَانِ
بَلْ أرْبَعٌ كُلٌّ يُسَمَّى بِالقُرْا ... نِ - وذَاكَ قَولٌ بَيِّنُ البُطْلاَنِ-:
750 ... ((هَذَا الذِي يُتْلَى، وآخَرُ ثَابِتٌ ... فِي الرَّسْمِ يُدْعَى الُمصْحَفَ العُثْمَانيِ،
751 ... والثَّالِثُ المحفوظُ بَيْنَ صُدُورِنَا ... هَذِي الثَّلاثُ خَلِيقَةُ الرَّحمنِ،
والرَّابعُ المعْنَى القَدِيمُ كعِلْمِهِ. ... كُلٌّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالقُرْآنِ)).
753 ... وأظنُّهُ قَدْ رَامَ شَيئاً لَمْ يَجِدْ ... عَنْهُ عِبَارَةَ نَاطِقٍ بِبَيَانِ:
754 ... إنَّ الُمعَيَّنَ ذُو مَرَاتِبَ أربَعٍ ... عُقِلتْ فَلاَ تَخْفَى عَلَى إنسَانِ:
755 ... فِي العيْنِ، ثُمَّ الذِّهْنِ، ثُمَّ اللَّفْظِ، ثُـ ... ـمَّ الرَّسْمِ حِينَ تَخُطُّهُ بِبَنَانِ
756 ... وَعَلَى الجمِيعِ الاِسْمُ يَصْدُقُ لَكِنِ الـ ... أوْلَى بِهِ الموْجُودُ فِي الأعْيَانِ،(330/64)
757 ... بِخِلاَفِ قَوْلِ ابْنِ الخَطِيْبِ فَإنَّهُ ... قَدْ قَالَ إنَّ الوَضْعَ لِلأذْهَانِ -
758 ... فَالشَّيءُ شَيءٌ وَاحِدٌ لاَ أربَعٌ ... فَدَهَى ابْنَ حَزْمٍ قِلَّةُ الفرْقََانِ.
759 ... والله أخْبَرَ أنَّهُ سُبحَانَهُ ... مُتَكَلِّمٌ بِالوَحْيِ والفُرقَانِ
760 ... وَكَذاكَ أخْبَرَنَا بِأنَّ كَلاَمَهُ ... بِصُدُورِ أهْلِ العِلْمِ والإيمانِ
761 ... وكذَاكَ أخَبرَ أنهُ المكُتوبُ فِي ... صُحُفٍ مُطَهَّرَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ
762 ... وكَذاكَ أخْبَرَ أنهُ المتْلُوُّ والـ ... مَقْروءُ عِنْدَ تِلاَوَةِ الإِنْسَانِ
763 ... والكُلُّ شَيءٌ وَاحِدُ لاَ أنَّهُ ... هُوَ أرْبَعٌ وثَلاَثةٌ واثْنَانِ.
764 ... وَتِلاَوَةُ القُرْآنِ أفعَالٌ لَنَا ... وكَذَا الكِتَابَةُ فَهْيَ خطُّ بَنَانِ،
765 ... لَكِنَّمَا المتْلُوُّ والمكُتوبُ والْـ ... مَحْفُوظُ قَوْلُ الواحِدِ الرَّحمنِ
766 ... والعبْدُ يقرَؤهُ بصَوْتٍ طَيِّبٍ ... وَبِضِدِّه فَهُمَا لَهُ صَوْتَانِ،
767 ... وكَذَاكَ يَكْتُبُهُ بِخَطٍّ جَيِّدٍ ... وَبِضِدِّه فَهُمَا لَهُ خَطَّانِ
768 ... أصْوَاتُنَا ومِدَادُنَا وأدَاتُنَا ... والرَّقُّ ثُمَّ كِتَابَةُ القُرْآنِ.
769 ... ولَقَدْ أتَى فِي نَظْمِهِ مَنْ قَالَ قَوْ ... لَ الحَقِّ فيه وَهْوَ غَيْرُ جَبَانِ:
((إنَّ الذِي هُوَ فِي المَصَاحِفِ مُثْبَتٌ ... بأنَامِل الأشْيَاخِ والشُّبَّانِ
هُوَ قَولُ رَبِّي آيُهُ وَحُرُوفُهُ، ... وَمِدَادُنَا والرَّقُّ مَخْلُوقَانِ))
772 ... فَشَفَى وَفَرَّقَ بَيْنَ مَتْلُوٍّ وَمَصْـ ... ـنُوعٍ وَذاكَ حَقِيقةُ العِرفَانِ
773 ... الكُلُّ مَخْلُوقٌ وَلَيْسَ كَلامُهُ الـ ... مَتْلُوُّ مَخْلُوقاً، هُنا شَيئَانِ.
774 ... فعلَيْكَ بالتَّفصِيلِ والتَّمييزِ فالـ ... إطْلاَقُ والإجمَالُ دُونَ بَيَانِ
775 ... قَدْ أفْسَدَا هَذَا الوُجُودَ وخَبَّطَا الـ ... أذْهَانَ والآراءَ كُلَّ زَمَانِ.
776 ... وَتِلاَوَةُ القُرْآن فِي تَعْرِيفِهَا ... بالَّلامِ قَدْ يُعنَى بِهَا شَيْئَانِ:(330/65)
777 ... يُعْنَى بِها المتْلُوُّ فَهْوَ كَلاَمُهُ ... هُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَذِي الأكْوَانِ،
778 ... وَيُرادُ أفْعَالُ العِبَادِ كصَوْتِهِمْ ... وأدَائِهمْ وكِلاَهُمَا خَلْقَانِ.
779 ... هَذَا الذي نَصَّتْ عَلَيِه أئمَّةُ الـ ... إسْلاَمِ أهْلُ العِلْمِ والعِرْفانِ،
780 ... وهُوَ الذِي قَصَدَ البُخَارِيُّ الرِّضَى ... لَكِن تَقَاصَرَ قَاصِرُ الأذْهَانِ
781 ... عَنْ فَهْمِهِ، كَتَقاصُر الأفْهَامِ عَنْ ... قَوْلِ الإمَامِ الأعظَمِ الشَّيْبَانِي
782 ... في اللَّفْظ لَمَّا أنْ نَفَى الضِّدَّيْن عَنْـ ... ـهُ واهْتَدَى للنَّفْي ذُو عِرْفَانِ؛
783 ... فاللَّفْظُ يَصْلُحُ: مَصْدَرَاً هو فِعْلُنَا ... كَتَلفُّظٍ بِتِلاوَةِ القُرآنِ،
784 ... وَكَذَاكَ يَصْلُحُ: نَفْسَ مَلْفوظٍ بِهِ ... وَهُوَ القُرَانُ فَذَانِ مُحْتَمَلانِ
785 ... فَلِذَاكَ أنْكَرَ أحْمَدُ الإطْلاَقَ فِي ... نَفْيٍ وإثْبَاتٍ بِلاَ فُرْقَانِ
فصلٌ
فِي مَقَالة الفَلاَسِفةِ والقَرَامِطَةِ فِي كَلاَمِ الرَّبِ جَلَّ جَلاَلُه
786 ... وأتَى ابنُ سِينَا القُرْمُطِيُّ مُصَانِعاً ... للمُسْلِمِينَ بإفْكِ ذِي بُهْتَانِ
787 ... فَرَآهُ ((فَيْضاً فَاضَ مِنْ عَقْلٍ هُوَ الْـ ... فَعَّالُ عِلَّةُ هَذِهِ الأكْوَانِ
788 ... حَتَّى تَلَقَّاهُ زَكِيٌّ فَاضِلٌ ... حَسَنُ التَّخَيُّل جَيِّدُ التِّبيَانِ
789 ... فأتَى بِهِ للعَالمينَ خَطَابَةً ... وَمَواعِظاً عَرِيَتْ عَنِ البُرْهَانِ
790 ... مَا صَرَّحتْ أخْبَارُهُ بالحَقِّ بَلْ ... رَمَزَتْ إلَيْهِ إشَارَةً لِمَعَانِي،
791 ... وخِطَابُ هَذَا الخَلْقِ والجُمْهُورِ بالْـ ... ـحقِّ الصَّريحِ فَغَيْرُ ذِي إمْكَانِ
792 ... لاَ يَقْبَلُونَ حَقَائِقَ المعْقُولِ إلاَّ ... فِي مِثَالِ الحِسِّ والأعْيَانِ،
793 ... وَمَشَارِبُ العُقَلاَءِ لاَ يَرِدُونَهَا ... إلاَّ إذَا وُضِعَتْ لَهُمْ بأوَانِي
794 ... مِنْ جِنْسِ مَا ألِفَتْ طِبَاعُهُمُ مِنَ الـ ... ـمَحْسُوسِ فِي ذَا العَالَمِ الجُثْمَانِ))(330/66)
795 ... فأتَوْا بِتَشْبِيهٍ، وتَمْثِيلٍ، وَتجْـ ... سِيمٍ، وتخْييلٍ إلَى الأذْهَانِ
796 ... ولِذَاكَ يَحْرُمُ عِنْدَهُمْ تَأوِيلُهُ ... لَكِنَّهُ حِلٌّ لِذِي العِرْفَانِ
797 ... فَإذَا تَأوَّلْنَاهُ كَانَ جِنَايَةً ... مِنَّا وَخرْقَ سِيَاجِ ذَا البُسْتَانِ.
798 ... لَكِنْ حَقِيقَةُ قَولِهِم: أنْ قَدْ أتَوْا ... بِالكِذْبِ فيه مَصَالِحُ الإنْسَانِ!!
799 ... وَالفَيْلَسُوفُ وذَا الرَّسُولُ لَدَيْهِمُ ... مُتَفَاوِتَانِ ومَا هُمَا عِدْلاَنِ؛
800 ... أمَّا الرَّسُولُ فَفَيلَسُوفُ عَوَامِّهِمْ ... والفَيْلسُوفُ نَبِيُّ ذِي البُرْهَانِ،
801 ... والحَقُّ عِنْدَهُمْ فَفِيمَا قَالَهُ ... أتْبَاعُ صَاحِبِ مَنطِقِ اليُونَانِ.
802 ... وَمَضَى عَلَى هَذِي المَقَالِةِ أمَّةٌ ... خَلْفَ ابْنِ سينَا فاغْتَذُوْا بِلِبَانِ؛
803 ... مِنْهُمْ نَصيرُ الكُفْرِ فِي أصْحَابِهِ ... النَّاصِرينَ لِمِلَّة الشَّيْطَانِ
804 ... فاسْأل بِهِمْ ذَا خِبْرَةٍ تَلْقَاهُمُ ... أعْدَاءَ كُلِّ مُوَحدٍ رَبَّانِيِ
واسْأل بِهِمْ ذَا خِبْرةٍ تَلْقَاهُمُ ... أَعْدَاءَ رُسْلِ الله والقُرآنِ،
806 ... صُوفِيُّهُمْ عَبَدَ الوُجُودَ المطْلَقَ الـ ... ـمَعْدُومَ عِنْدَ العَقْلِ فِي الأعْيَانِ،
807 ... أوْ مُلِحدٌ بِالاِتِّحَادِ يَدِينُ لاَ التَّـ ... ـوحِيدِ مُنْسَلِخٌ مِنَ الأدْيَانِ
808 ... مَعْبُودُهُ مَوطُوؤهُ فِيهِ يَرىَ ... وَصْفَ الجَمَالِ وَمَظْهَرَ الإحْسَانِ
809 ... الله أكْبَرُ كَمْ علَى ذَا المذْهَبِ الـ ... مَلْعُونِ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ شِيخَانِ؟!
810 ... يَبْغُونَ مِنْهُم دَعْوَةً ويقَبِّلُو ... نَ أيَادِياً مِنْهُمْ رَجَا الغُفْرَانِ
811 ... وَلَو انَّهُمْ عَرَفُوا حقِيقَةَ أمْرِهِمْ ... رَجَمُوهُمُ لاَ شَكَّ بالصَّوَّانِ.
812 ... فابْذُرْ لَهُمْ إن كُنتَ تَبْغي كَشْفَهُم ... وَافْرِشْ لَهمْ كَفَّاً مِنَ الأتْبَانِ
813 ... وَاظْهَرْ بِمَظْهَرِ قَابِلٍ مِنْهُم ولاَ ... تَظْهَر بِمظْهرِ صَاحِبِ النُّكْرَانِ(330/67)
وَانْظُرْ إِلَى أنْهَارِ كُفْرٍ فُجِّرَتْ، ... وَتَهِمُّ لَولا السَّيْفِ بِالجَرَيَانِ
فَصْلٌ
فِي مَقالاَتِ طَوائِفِ الاتحادية في كَلامِ الرَّب جَلَّ جَلاَلُه
815 ... وَأتَتْ طَوَائِفُ الاتِّحادِ بِمِلَّةٍ ... طَمَّتْ عَلَى مَا قَالَ كُلُّ لِسَانِ
816 ... قَالُوا : ((كَلاَمُ الله كُلُّ كَلامِ هَـ ... ذا الخَلْقِ مِنْ جِنٍّ وَمِنْ إنْسَانِ
817 ... نَظْماً وَنَثْراً زُورُهُ وَصَحِيحُهُ ... صِدْقاً وَكِذْبًا وَاضِحَ البُطْلاَنِ
818 ... فالسَّبُّ والشَّتْمُ القَبِيحُ وَقَذْفُهُمْ ... لِلْمُحْصَنَاتِ وَكُلُّ نَوْعِ أغَانِي
819 ... وَالنَّوحُ والتَّعْزِيمُ وَالسِّحْرُ المُبيـ ... ـنُ وسَائِرُ البُهْتَانِ والهَذَيَان
820 ... هُو عَيْنُ قَوْلِ الله جَلَّ جَلاَلُهُ ... وكَلاَمُهُ حَقَّاً بلاَ نُكْرَانِ))
821 ... هَذَا الذِي أدَّى إليْهِ أصْلُهُمْ ... وعَلَيْهِ قَامَ مُكَسَّحُ البُنْيَانِ؛
822 ... إذْ أصْلُهُمْ أنَّ الإلهَ حَقِيقَةً ... عَيْنُ الوُجُودِ وعَيْنُ ذِي الأكْوانِ
823 ... فَكَلاَمُهَا وَصِفاتُهَا هُوَ قَولُهُ ... وَصِفَاتُهُ مَا هَا هُنَا قَوْلاَنِ.
وكَذَاكَ قَالُوا إنَّهُ الموْصُوفُ بالضِّدَّ ... يْنِ مِنْ قُبْحٍ ومِنْ إحْسَانِ
825 ... وَكَذَاكَ قَدْ وَصَفُوهُ أيضاً بالكَمَا ... لِ وَضِدِّهِ مِنْ سَائِر النُّقْصَانِ.
826 ... هَذِي مَقَالاَتُ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا ... حُمِلَتْ إليكَ رَخِيصَةَ الأثمَانِ
827 ... وأظُنُّ لَوْ فَتَّشْتَ كُتْبَ النَّاسِ مَا ... ألْفَيتَهَا أبداً بذَا التِّبْيَانِ
828 ... زُفَّتْ إلَيْكَ فإنْ يَكُنْ لَكَ نَاظِرٌ ... أبصَرْتَ ذَاتَ الحُسنِ والإحسَانِ،
829 ... فَاعْطِفْ عَلَى الجَهمِيَّةِ المُغُلِ الأُلَى ... خَرَقُوا سِيَاجَ العَقْلِ والقُرْآن
830 ... شَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ واكسِرْهُمُ ... بَلْ نَادِ فِي نَادِيهُمُ بأذَانِ
831 ... أفسَدتُمُ المَعْقُولَ والمنقُولَ و والـ ... ـمَسْمُوعَ مِنْ لُغَةٍ بِكُلِّ لِسَانِ(330/68)
832 ... أيَصِحُّ وَصْفُ الشَّيءِ بالمشْتَقِّ للْـ ... ـمَسْلُوبِ مَعْنَاهُ لِذِي الأذْهَانِ؟!
833 ... أيَصِحُّ صَبَّارٌ ولاَ صَبْرَ لَهُ ... ويَصِحُّ شَكَّارٌ بلاَ شُكْرَانِ؟!
834 ... وَيَصِحُّ عَلاَّمٌ وَلاَ عِلْمَ لَهُ ... وَيَصِحُّ غَفَّارٌ بِلاَ غُفْرانِ؟!
835 ... ويُقَالُ هَذَا سَامِعٌ أو مُبْصِرٌ ... والسَّمْعُ والإبْصَارُ مَفْقُودَانِ؟!
836 ... هذا مُحالٌ في العقول وفي النُّقُولِ ... وفِي اللُّغَاتِ وغيْرُ ذِي إمْكَانِ.
فَلِئنْ زَعَمْتُمْ أنَّهُ مُتَكَلِّمٌ ... لَكِنْ بقَوْلٍ قَامَ بالإنْسَانِ
838 ... أوْ غَيْرِه؛ فيُقَالُ: هَذَا بَاطِلٌ ... وعَلَيْكُمُ فِي ذَاكَ مَحْذُورَانِ:
839 ... نَفْيُ اشتقَاقِ اللَّفْظِ للموجُودِ مَعْـ ... ـنَاهُ بِهِ، وثُبُوتُهُ للثَّانِيِ
أعْنِى الَّذِي مَا قامَ مَعْنَاهُ بِهِ!. ... قَلْبُ الحَقَائِقِ أقْبَحُ البُهْتَانِ.
841 ... ونَظيِرُ ذَا أَخَوَانِ هَذَا مُبْصرٌ ... وَأخُوهُ مَعْدَودٌ مِنَ العُمْيَانِ
842 ... سَمَّيْتُمُ الأعْمَى بَصيراً إذ أخو ... هُ مُبْصِراً وبِعكْسِهِ فِي الثَّانِيِ!
843 ... فَلَئِنْ زَعَمْتُمْ: ((أنَّ ذَلِك ثَابِتٌ ... فِي فَعْلِهِ كَالخَلْقِ للأَكْوَانِ
844 ... والفِعْلُ ليْسَ بِقَائِمٍ بِإِلَهنَا ... إذْ لاَ يَكُونُ مَحَلُّ ذِي حَدَثَانِ
ويَصَحُ أنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ خَالِقٌ، ... فَكَذلِكَ المُتَكَلِّمُ الوَحْدَانِ
846 ... هُوَ فَاعِلٌ لِكَلامِهِ وكِتَابِهِ ... لَيْسَ الكَلاَمُ لَهُ بوَصْفِ مَعَانِي،
847 ... وَمُخَالفُ المَعْقُولِ وَالمَنْقُولِ وَالْـ ... فِطْرَاتِ وَالمَسمُوعِ لِلإنْسَانِ
848 ... مَنْ قَالَ: (إنَّ كَلامَهُ سُبْحَانَهُ ... وصْفٌ قَديمٌ أحْرُفٌ ومعانِي
849 ... وَالسِّين عِند البَاءِ لَيسَتْ بَعْدَهَا ... لَكِنْ هُمَا حَرْفَانِ مُقْتَرِنَانِ)،
850 ... أوْ قَالَ: (إنَّ كَلاَمَهُ سُبحَانَهُ ... مَعْنَىً قَدِيمٌ قَامَ بِالرَّحْمَنِ
851 ... مَا إنْ لَهْ كُلٌّ ولاَ بَعْضٌ ولاَ الـ ... عَرَبِي حَقِيقَتُهُ وَلاَ العِبْرَانِي(330/69)
852 ... والأمْرُ عَيْنُ النَّهْيِ، وَاسْتفْهَامُهُ ... هُوَ عَيْنُ إخْبَارٍ بِلاَ فُرْقَانِ،
853 ... وكَلاَمُهُ كَحَيَاتِه مَا ذَاكَ مَقْـ ... دُوراً لهُ بَلْ لاَزِمُ الرَّحْمَنِ)
854 ... هَذَا الذِي قَدْ خَالَفَ المَعْقُولَ وَالـ ... مَنْقُولَ وَالفِطْرَاتِ لِلإنْسَانِ.
855 ... أمَّا الذِي قَدْ قَالَ: إنَّ كَلاَمَهُ ... ذُو أحْرُفٍ قَدْ رُتِّبَتْ بِبَيَانِ
856 ... وكَلاَمَهُ بمَشيئةٍ وإرَادَةٍ ... كَالفِعْلِ مِنْهُ كِلاَهُمَا سِيَّانِ
857 ... فَهْوَ الذِي قَدْ قَالَ قَولاً يَعْلَمُ الـ ... عُقَلاَءُ صِحَّتَهُ بِلاَ نُكْرَانِ،
فَلأِيِّ شَيْءٍ كَانَ مَا قَدْ قُلْتُمُ ... أوْلَى وأَقْرَبَ مِنْهُ لِلبُرْهَانِ؟
وَلأِيِّ شَيْءٍ دَائِماً كَفَّرْتُمُ ... أصْحَابَ هَذَا القَوْلِ بِالعُدْوَانِ؟
860 ... فَدَعُوا الدَّعَاوى وَابْحَثُوا مَعَنَا بِتَحْـ ... قِيقٍ وَإَنْصَافٍ بِلاَ عُدْوَانِ
861 ... وَارْفُوا مَذَاهِبَكُمْ وسُدُّوا خَرْقَهَا ... إنْ كَانَ ذَاكَ الرَّفْوُ في الإمْكَانِ))
862 ... فَاحْكُمْ هدَاكَ الله بَيْنَهُمُ فَقَدْ ... أدْلَوْا إلَيْكَ بِحُجَّةِ وَبَيَانِ
863 ... لاَ تَنْصُرَنَّ سِوَى الحَدِيثِ وَأهْلِهِ ... هُمْ عَسْكَرُ القُرْآنِ والإيَمانِ
864 ... وَتَحَيَّزَنَّ إلَيْهمُ لاَ غَيْرِهم ... لَتَكُونَ مَنْصُوراً لَدَى الرَّحْمَنِ
865 ... فَتَقُولَ: هَذَا القَدْرُ قَدْ أعْيَا عَلَى ... أهْلِ الكَلاَم وَقَادَهُ أصْلاَنِ:
866 ... إحْدَاهُمَا هَلْ فِعْلُهُ مَفْعُولُهُ ... أوْ غَيْرُه فَهُمَا لَهُمْ قَوْلاَنِ:
والقَائِلُونَ بِأنَّهُ هُوَ عَيْنُهُ: ... فَرُّوا مِنَ الأوْصَافِ بالحَدَثَانِ
868 ... لَكِنْ حَقِيقَةُ قَولِهِمْ وَصَرِيحُهُ ... تَعْطِيلُ خَالِقِ هَذِه الأكْوَانِ
869 ... عَنْ فِعْلِهِ إذْ فِعْلُهُ مَفْعُولُهُ ... لَكِنَّهُ مَا قَامَ بالرَّحْمَنِ
870 ... فَعَلَى الحَقِيقَةِ مَا لَهُ فِعْلٌ إذْ الـ ... مَفْعُولُ مُنْفَصِلٌ عَنِ الدَّيَّانِ،(330/70)
وَالقَائِلُونَ بِأنهُ غَيْرٌ لَهُ: ... مُتَنَازِعُونَ وَهُمْ فَطَائِفَتَانِ:
872 ... إحْدَاهُمَا قَالَتْ قَدِيمٌ قَائِمٌ ... بِالذَّاتِ وَهوَ كَقُدْرَةِ المَنَّانِ
873 ... سَمَّوهُ تَكْويناً قَدِيماً - قَالهُ ... أتْبَاعُ شَيْخِ العَالَمِ النُّعْمَانِ -
874 ... وَخُصُومُهُمْ لَمْ يُنْصِفُوا فِي رَدِّهِ ... بَلْ كَابَرُوهُمْ مَا أتَوا بِبَيانِ،
875 ... وَالآخَرُونَ رَأوُه أمْراً حَادِثاً ... بِالذَّاتِ قَامَ، وَإنَّهُمْ نَوْعَانِ:
876 ... إحْدَاهُمَا جَعَلْتهُ مُفْتَتَحاً بِهِ ... حَذَرَ التَسَلْسُلِ لَيْسَ ذَا إمْكَانِ
هَذَا الذِي قَالَتْهُ كَرَّامِيَّةٌ ... فَفِعَالُهُ وَكلاَمُهُ سِيَّانِ،
والآخَرُونَ أوْلُو الحَدِيثَ كَأحْمَدٍ ... ذَاكَ الرِّضَى ابْنُ حَنْبَلِ الشَّيْبَانِي
879 ... قَدْ قَالَ: إنَّ الله حَقَّاً لَمْ يَزَلْ ... مُتَكَلِّماً إنْ شَاءَ ذُو إحْسَانِ
880 ... جَعَلَ الكَلاَمَ صِفَاتِ فِعْلٍ قَائِمٍ ... بِالذَّاتِ لَمْ يُفْقَدْ مِنَ الرَّحْمَنِ،
881 ... وكَذاكَ نَصَّ عَلَى دَوَامِ الفِعْلِ بَالـ ... إحْسَانِ أيْضاً فِي مَكَانٍ ثَانِي،
882 ... وكَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَاجِعْ قَوْلَهُ ... لَمَّا أجَابَ مَسَائِلَ القُرْآن،
883 ... وكَذَاكَ جَعْفَرٌ الإمَامُ الصَّادِقُ الـ ... مَقْبُولُ عِنْدَ الخَلْقِ ذو العِرْفَانِ
884 ... قَدْ قَالَ: لَمْ يَزَل المُهَيْمِنُ مُحْسِناً ... بَرَّاً جَوَاداً عِنْدَ كُلِّ أوَانِ،
885 ... وكَذَا الإمَامُ الدَّارِمِيُّ فَإنَّهُ ... قَدْ قَالَ مَا فِيهِ هُدَى الحَيْرَانِ
886 ... قَالَ: الحَيَاةُ مَعَ الفِعَالِ كِلاَهُمَا ... مُتَلازِمَانِ فَلَيْسَ يَفْتَرقَانِ
887 ... صَدَقَ الإمَامُ فَكُلُّ حَيٍّ فَهْوَ فَعَّا ... لٌ وَذَا فِي غَايَةِ التِّبْيَانِ
إلاَّ إذَا مَا كَانَ ثَمَّ مَوَانِعٌ ... مِنْ آفَةٍ أوْ قَاسِرِ الحَيَوَانِ،
889 ... والرَّبُّ لَيْسَ لِفِعْلِهِ مِنْ مَانِعٍ ... مَا شَاءَ كَانَ بِقُدْرَةِ الدَّيَّانِ(330/71)
890 ... ومَشِيئَةُ الرَّحْمَنِ لاَزِمَةٌ لَهُ ... وكَذَاكَ قُدْرَةُ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ،
891 ... هَذَا وقَد فَطَرَ الإِلَهُ عَبادَهُ ... أنَّ المُهَيْمِنَ دَائِمُ الإحْسَانِ
أوَلَسْتَ تَسْمَعُ قَوْلَ كُلِّ مُوَحِّدٍ : ... يَا دَائِمَ المَعْرُوفِ والسُّلْطَانِ
893 ... وَقِدِيمَ الاِحْسَانِ الكَثِيِرِ، وَدَائِمَ الـ ... جُودِ العَظِيمِ، وَصَاحبَ الغُفْرَانِ
-مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ- فِطْرَةً ... فُطِرُوا عَلَيْهَا لاَ تَوَاصٍ ثَانِي
895 ... أوَلَيْسَ فِعْلُ الرَّبِّ تَابِعَ وَصْفِه ... وَكَمَالِهِ أفَذَاكَ ذُو حَدَثَانِ؟!
وَكَمَالُهُ سَبَبَ الفِعَالِ؟، وَخَلْقُهُ ... أفْعَالَهُم سَبَبَ الكَمَالِ الثَّانِيِ؟!
897 ... أَوَ مَا فِعالُ الرَّبِّ عَيْنُ كَمَالِهِ ... أفَذَاك مُمْتَنعٌ عَلَى المَنَّانِ
898 ... أزَلاً إلَى أنْ صَارَ فِيمَا لَمْ يَزَلْ ... مُتَمَكِّناً وَالفِعْلُ ذُو إمْكَانِ؟!
899 ... تَالله قَدْ ضَلَّتْ عُقُولُ القَوْمِ إذْ ... قَالُوا بِهَذَا القَوْلِ ذِي البُطْلاَنِ
900 ... مَاذَا الذِي أضْحَى لَهُ مُتَجَدِّداً ... حَتَّى تَمكَّنَ؟! فَانْطِقُوا بِبَيانِ.
901 ... والرَّبُّ لّيْسَ مُعَطَّلاً عَنْ فِعْلِهِ ... بَلْ كُلَّ يَوْمٍ رَبُّنَا فِي شَانِ،
902 ... والأمْرُ والتَّكوِينُ وَصْفُ كَمَالِهِ ... مَا فَقْدُ ذَا ووجُودُهُ سِيَّانِ.
903 ... وَتَخَلُّفُ التَّأثِيرِ بَعْدَ تَمَامِ مُوْ ... جِبِهِ مُحَالٌ لَيْسَ فِي الإِمْكَانِ.
904 ... واللهُ رَبِي لَمْ يَزَلْ ذَا قُدْرَةٍ ... وَمَشِيئَةٍ ويَلِيهُمَا وصْفَانِ:
905 ... (العِلْمُ) مَعَ وَصْفِ (الحَيَاةِ) وَهَذِهِ ... أَوصَافُ ذَاتِ الخَالِقِ المَنَّانِ
906 ... وبِهَا تَمَامُ الفِعْل لَيْسَ بِدُونِهَا ... فِعْلٌ يَتِمُّ بِوَاضِحِ البُرْهَانِ
907 ... فَلأِيِّ شَيْءٍ قَدْ تَأَخَّرَ فِعْلُهُ ... مَعَ مُوجِبٍ قَدْ تَمَّ بِالأركَانِ؟
908 ... مَا كَانَ مُمْتَنِعاً عَلَيْهِ الفِعْلُ بَلْ ... مَا زَالَ فِعْلُ الله ذَا إمْكَانِ،(330/72)
909 ... وَاللهُ عَابَ المُشْرِكِينَ بِأنَّهُمْ ... عَبَدُوا الحِجَارَةَ فِي رِضَى الشَّيْطَانِ
910 ... وَنَعى عَلِيْهِمْ كَوْنَهَا لَيْسَتْ بِخَا ... لِقَةٍ وَلَيْسَتْ ذَاتَ نُطْقِ بَيَانِ،
فَأَبَانَ أَنَّ الفِعْلَ والتَّكْلِيمَ مِنْ ... أوْثَانِهِمْ لاَ شَكَّ مَفْقُودَانِ
912 ... فَإذَا هُمَا فُقِدَا فَمَا مَسْلُوبُهَا ... بِإلَه حَقٍّ وَهْوَ ذُو بُطْلاَنِ
913 ... وَاللهُ فَهْوَ إلَهُ حَقٍّ دَائِماً ... أفَعَنْهُ ذَا الوَصْفَانِ مَسْلُوبَانِ
أزلاً -وَلَيْسَ لِفَقْدِهَا مِنْ غَايةٍ-؟! ... هَذَا المُحَالُ وَأعْظَمُ البُطْلاَنِ.
915 ... إنْ كَانَ رَبُّ الْعَرْشِ حَقَّاً لَمِ يَزَلْ ... أبَداً إلَهَ الْحَقِّ ذَا سُلْطَانِ
916 ... فَكَذَاكَ أيْضاً لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّماً ... بَلْ فَاعِلاً مَا شَاءَ ذَا إحْسَانِ.
917 ... وَاللهِ مَا فِي العَقْلِ مَا يَقْضِي لِذَا ... بِالرَّدِّ وَالإبْطَالِ والنُّكْرَانِ،
918 ... بَلْ لَيْسَ فِي المَعْقُولِ غَيْرُ ثُبُوتِهِ ... لِلْخَالِقِ الأزَلِيِّ ذِي الإحْسَانِ.
919 ... هَذَا وَمَا دُونَ الْمهَيْمِنِ حَادِثٌ ... لَيْسَ القَدِيمُ سِوَاهُ في الأكْوَانِ
920 ... وَاللهُ سَابِقُ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِهِ ... مَا رَبُّنَا وَالخَلْقُ مُقْتَرِنَانِ
921 ... وَاللهُ كَانَ وَلَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَهُ ... سُبْحَانَهُ جَلَّ الْعظِيمُ الشَّانِ،
لَسْنَا نَقُولُ كَمَا يَقُولُ المُلْحِدُ الزِّ ... نْدِيقُ صَاحِبُ مَنْطِقِ اليُونَانِ
923 ... بِدَوَامِ هَذَا العَالَمِ الَمشْهُودِ وَالْـ ... أرْوَاحِ فِي أزَلٍ وَلَيْسَ بِفَانِي
924 ... هذي مَقَالاتُ المَلاحِدةِ الأُلى ... كَفَرُوا بِخَالِقِ هَذه الأكْوانِ.
925 ... وأتَى ابنُ سِينَا بَعدَ ذَاكَ مصَانِعاً ... للمُسْلِمينَ فَقَالَ بالإمْكَانِ
926 ... لَكِنَّهُ الأزليْ فليسَ بمُحْدَثٍ ... ما كَانَ معدُوماً ولا هُوَ فَانِي
927 ... وأتى بصُلْحٍ بَين طَائِفَتَيْنِ بَيْـ ... ـنَهُمَا الحروبُ وما هُمَا سِلْمَانِ،(330/73)
928 ... أنَّى يكون المسلمون وشيعةُ الـ ... ـيونان صُلحاً قَطُّ فِي الإيمانِ
929 ... والسيْفُ بين الأنبياءِ وَبَيْنَهمْ ... والحَرْبُ بَينَهُمَا فَحَرْبُ عَوَانِ!
930 ... وكَذَا أتى الطُّوسِيُّ بالحَرْبِ الصَّريـ ... ـح بِصَارِمٍ منْهُ وَسَلِّ لِسَانِ
وَأتَى إلَى الإسْلام يَهْدِمُ أصْلَهُ ... مِنْ أُسِّهِ وَقَوَاعِدِ البُنْيَانِ؛
932 ... عَمَرَ المَدَارِسَ لِلْفَلاسِفَةِ الأُلَى ... كَفَرُوا بِدِينِ الله والقُرْآنِ،
933 ... وَأتَى إِلَى أوْقَافِ أهْلِ الدِّينِ يَنْـ ... ـقُلُهَا إلَيْهمْ فِعْلَ ذِي أضْغَانِ،
934 ... وَأرَادَ تَحْوِيلَ (الإشَارَاتِ) الِتي ... هِيَ لابْنِ سِينَا مَوضِعَ الفُرْقَانِ،
935 ... وَأَرَادَ تَحْوِيلَ الشَّرِيعَةِ بِالنَّوَا ... مِيسِ الِتي كَانَتْ لدى اليُونَانِ
936 ... لَكِنَّهُ عَلِمَ اللَّعِينُ بِأنَّ هَا ... ذَا لَيْسَ فِي الَمْقدُورِ والإِمْكَانِ
937 ... إلاَّ إِذَا قَتَلَ الخَلِيفَةَ وَالقَضَا ... ةَ وسَائِرَ الفُقَهَاءِ فِي البُلْدَانِ
938 ... فَسَعَى لِذَاكَ - وَسَاعَدَ الْمَقْدُورُ بِالْـ ... أمْرِ الذِي هُوَ حِكْمَةُ الرَّحْمَنِ-
939 ... فَأشَارَ أنَّ يَضَعَ التَتَارُ سُيُوفَهُمْ ... فِي عَسْكَرِ الإِيمَانِ والقُرآنِ
940 ... لكِنَّهُمْ يُبْقُونَ أهْلَ صَنَائِعِ الدُّ ... نْيَا لأجْلِ مَصَالِحِ الأبْدَانِ
941 ... فَغَدَا عَلَى سَيْفِ التَّتَارِ: الألْف فِي ... مِثْلٍ لَها مَضروبةً بِوِزانِ
942 ... وكَذَا ثَمَانِ مِئينِهَا فِي ألْفِها ... مَضْرُوبَةً بالعَدِّ والحُسْبَانِ
943 ... حَتَّى بَكَى الإسْلامَ أعْدَاهُ اليَهُو ... دُ كَذَا المَجُوسُ وعَابِدُ الصُّلْبَانِ
944 ... فَشَفَى الْلعِينُ النَّفْسَ مِنَ حَزْبِ الرَّسُو ... لِ وَعَسْكَرِ الإيمَانِ والقُرْآنِ
945 ... وَبِوُدِّهِ لَوْ كَانَ فِي أحُدٍ وقَدْ ... شَهِدَ الوَقِيعَةَ مَعْ أبِي سُفْيَانِ
لأقَرَّ أعْيُنَهُمْ وأوْفَى نَذْرَهُ، ... أوْ أنْ يُرَى مُتَمَزِّقَ اللُّحْمَانِ.(330/74)
947 ... وشَوَاهِدُ الإحْدَاثِ ظَاهِرَةٌ عَلَى ... ذَا العَالَم المَخْلُوقِ بِالبُرْهَانِ
948 ... وَأدِلَّةُ التَّوْحِيدِ تَشْهَدُ كُلُّهَا ... بِحُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى الرَّحْمَنِ،
949 ... لَوْ كَانَ غَيْرَ الله جَلَّ جَلاَلُهُ ... مَعَهُ قَدِيماً كَانَ رَبَّاً ثَانِي
950 ... إذْ كَانَ عَنْ رَبِّ العُلَى مُسْتَغْنيِاً ... فَيَكُونُ حِينَئذٍ لَنَا رَبَّانِ،
951 ... وَالرَّبُّ بِاسْتِقْلاَلِهِ مُتَوَحِّدٌ ... أفَمُمْكِنٌ أنْ يَسْتَقِلَّ اثْنَانِ؟!
952 ... لَوْ كَانَ ذَاكَ تَنَافِياً وتَسَاقُطاً ... فَإذَاً هُمَا عَدَمَانِ مُمْتَنِعَانِ.
953 ... والقَهْرُ والتَّوحِيدُ يَشْهَدُ مِنْهُمَا ... كُلٌّ لِصَاحِبِهِ هُمَا عِدْلاَنِ
954 ... ولِذَلِكَ اقْتَرَنَا جَمِيعاً فِي صِفَا ... تِ الله فَانْظُرْ ذَاكَ فِي القُرآنِ
955 ... فَالوَاحِدُ القَهَّارُ حَقَّا لَيْسَ فِي الْـ ... إمْكَانِ أنْ تَحْظَى بِهِ ذَاتَانِ
فَصْلٌ
فِي اعْتِراضِهِم عَلَى القَول بِدوام فَاعِلِيِةِ الرَّبِّ تَعَالَى وكَلاَمِهِ
والانْفِصَال عَنْهُ
فَلئِنْ زَعَمْتُمْ أنْ ذَاكَ تَسَلْسُلٌ ... قُلْنَا صَدَقْتُمْ وَهْو ذُو إمْكَانِ
957 ... كَتَسَلْسُلِ التَّأْثير فِي مُسْتَقْبَلٍ ... هَلْ بَيْنَ ذَيِنكَ قَطُّ مِنْ فُرْقَانِ؟!
958 ... والله مَا افْتَرَقَا لِذَي عَقْلٍ وَلاَ ... نَقْلٍ وَلاَ نَظَرٍ وَلاَ بُرْهَانِ
959 ... فِي سلبِ إمْكانٍ ولا فِي ضِدِّه ... هَذِى العُقولُ ونحن ذُو أذْهَانِ
960 ... فليَأتِ بالفُرقانِ من هو فارقٌ ... فرقاً يَبِينُ لصالحِ الأذْهانِ.
961 ... وكذَاكَ سَوَّى الجهْمُ بَينَهما كَذَا الْـ ... علاَّفُ فِي الإنْكارِ والبُطلانِ
ولأجْلِ ذَا حَكَمَا بِحكْمٍ باطِلٍ ... قَطْعَاً عَلَى الجَنَّاتِ والنيرَانِ؛
963 ... فَالجَهْمُ أفنَى الذَّاتَ والعلافُ لِلْـ ... ـحَرَكَاتِ أفْنَى قالَهُ الثورَانِ.
وأبُو علِيٍّ وابْنُهُ والأشْعَرِيُّ ... وبَعْدَهُ ابنُ الطيِّبِ الرَّبَّانِي(330/75)
965 ... وجَميعُ أرْبَابِ الكَلاَمِ البَاطِلِ الْـ ... ـمَذْمُومِ عِنْدَ أئِمةِ الإيمَانِ
966 ... فَرَقُوا وقَالُوا: ((ذَاكَ فِيمَا لَمْ يَزَلْ ... حَقٌّ، وفِي أزَلٍ بِلاَ إمْكَانِ
قَالوا لأجْلِ تناقُضِ الأَزَلِيِّ والـ ... إِحْداثِ: مَا هَذانِ يَجْتَمِعانِ
968 ... لَكِن دَوَامُ الفِعْل فِي مُستْقبلٍ ... مَا فيهِ محْذُورٌ مِنَ النُّكْرَانِ!!))
969 ... فَانْظُر إلَى التَّلْبِيسِ فِي ذَا الفَرْقِ تَرْ ... وِيجاً عَلَى العُوْرَانِِ والعُميَانِ!!
970 ... مَا قَالَ ذُو عَقْلٍ بِأن الفَردَ ذُو ... أزَلٍ لِذِي ذِهْنٍ وَلاَ أعيَانِ
971 ... بَلْ كُلُّ فَردٍ فَهوَ مَسبُوقٌ بِفَرْ ... دٍ قَبْلَهُ أبداً بِلاَ حُسْبَانِ،
972 ... ونَظِيرُ هَذَا كُلُّ فَردٍ فَهوَ مَلْـ ... ـحُوقٌ بِفَرْدٍ بَعْدَه حُكْمَانِ
973 ... للنَّوعِ وَالآحَادِ: مَسْبوقٌ وَمَلْـ ... ـحُوقٌ وَكُلٌّ فَهْوَ مِنْهَا فَانِي،
974 ... وَالنَّوع لاَ يَفْنَى أخِيراً، فهو لاَ ... يَفْنَى كَذلِكَ أَوَّلاً بِبَيانِ،
975 ... وتَعَاقُبُ الآنَاتِ أمْرٌ ثَابِتٌ ... فِي الذِّهن، وَهوَ كَذاكَ فِي الأعْياَنِ.
976 ... فَإذَا أبَيْتُمْ ذَا وَقُلْتُمْ أوَّلُ الْـ ... آنَاتِ مُفْتَتحٌ بلاَ نُكْرَانِ
977 ... مَا كَانَ ذَاكَ الآنُ مَسْبُوقاً يُرَى ... إلاَّ بِسَلْبِ وُجُودِهِ الحَقَّانِي.
978 ... فَيُقَالُ: مَا تعنُون بالآنَاتِ، هَلْ ... تَعْنُونَ مُدةَ هذِهِ الأزْمَانِ
979 ... مِن حِينِ إحْداثِ السَّمَواتِ العُلَى ... وَالأرْضِ وَالأفْلاَكِ وَالقمَرانِ؟
980 ... وَنَظُنُّكُمْ تَعْنُونَ ذَاكَ، وَلَمْ يَكنْ ... مِنْ قَبْلِهَا شَيْء مِنَ الأكْوانِ
981 ... هَلْ جَاءَكُمْ فِي ذَاكَ مِنْ أثَرٍ وَمِن ... نَصٍّ وَمِن نَظَرٍ وَمِن بُرْهَانِ؟!
982 ... هَذَا الكِتَابُ وهَذِهِ الآثَارُ والْـ ... ـمَعْقُولُ فِي الفطْرَاتِ والأذْهَانِ،
983 ... إنَّا نُحَاكِمُكُمْ إلَى مَا شِئْتُمُ ... مِنْهَا فَحُكْمُ الحَقِّ ذو تِبْيَانِ(330/76)
984 ... أوْ لَيْسَ خَلْقُ الكونِ فِي الأيَّامِ كَا ... نَ وذَاكَ مَأخُوذٌ مِنَ القُرْآنِ؟!
985 ... أوْ لَيْسَ ذَلكُمُ الزَّمَانُ بِمُدَّةٍ ... كَحُدُوثِ شَيْءٍ وَهوَ عَيْنُ زَمَانِ؟!
986 ... فَحَقِيقَةُ الأزْمَانِ نِسْبةُ حَادِثٍ ... لِسِوَاهُ تِلْكَ حَقِيقَةُ الأزْمَانِ.
987 ... وَاذْكُر حَدِيثَ السَّبْقِ للْتَّقْدِيرِ وَالتَـ ... ـوْقِيتِ قَبْلَ جَمِيعِ ذِي الأعْيَانِ
988 ... خَمْسِينَ ألْفاً مِن سِنيِنٍ عَدَّهَا الْـ ... ـمُخْتَارُ سَابِقَةً لِذِي الأكْوْان،
َ
989 ... هَذَا وَعَرْشُ الرَّبِّ فَوْقَ المَاءِ مِنْ ... قَبْلِ السِّنِينَ بِمُدَّةٍ وَزَمَانِ،
990 ... وَالنَّاسُ مُختلفُونَ فِي القَلَمِ الذِي ... كُتِبَ القَضَاءُ بِهِ مِنَ الدَّيَّانِ
991 ... هلْ كَانَ قبل العرشِ أو هُو بعدَه؟ ... قولاَن عِند أبِي العَلاَ الهَمَذَانِي.
992 ... وَالحقُّ أنَ العرْشَ قبلُ لأنَّه ... قَبْلَ الكِتَابَة كَانَ ذَا أرْكَانِ،
993 ... وَكِتابةُ القَلمِ الشَّريفِ تَعَقَّبَتْ ... إيجَادَهُ مِن غَير فَصْل زَمَانِ
994 ... لمَّا برَاهُ الله قَالَ : اكتب كَذا ... فَغَدَا بِأمْرِ الله ذَا جَرَيَانِ
995 ... فجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ أبَداً إلِى ... يَوْمِ المعَادِ بِقُدْرَةِ الرَّحْمَنِ
996 ... أفَكَان ربُّ العَرْشِ جَلَّ جَلاَلُه ... مِن قَبْلُ ذَا عَجْزٍ وذَا نُقْصَانِ؟!
997 ... أمْ لَمْ يَزَل ذَا قُدرةٍ والفِعْلُ مَقْـ ... ـدُورٌ لَهُ أبداً وذُو إمْكانِ؟.
فَلَئِنْ سَألْتَ وَقُلْتَ: مَا هَذَا الذِي ... أدَّاهُمُ لخِلاَفِ ذَا التِّبْيَانِ؟
999 ... وَلأِيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقُولُوا إنَّهُ ... سُبْحَانَهُ هُوَ دَائِمُ الإحْسَانِ؟
1000 ... فَاعْلَمْ بأنَّ القومَ لمَّا أسَّسُوا ... أصْلَ الكَلاَمِ عَمُوا عَنِ القُرآنِ
1001 ... وَعَنِ الحَدِيثِ وَمُقْتَضَى المَعْقُولِ بَلْ ... عَن فِطْرةِ الرَّحمن والبُرْهَانِ
1002 ... وبَنَوا قَواعِدَهُم عليهِ فَقَادَهُم ... - قسْراً- إلَى التعْطِيلِ وَالبُطْلاَنِ :(330/77)
1003 ... نَفْيُ القِيامِ لِكُلِّ أمْرٍ حَادثٍ ... بِالرَّبِّ خَوفَ تسلسُلِ الأعْيَانِ
1004 ... فَيَسُدُّ ذَاكَ عليهِمُ فِي زَعْمِهِم ... إثْبَاتَ صَانِعِ هَذِهِ الأكْوانِ؛
1005 ... إذْ أثْبَتُوهُ بِكَونِ ذِي الأجْسَادِ حَا ... دِثَةً فلاَ تَنْفَكُّ عَن حَدَثَانِ
1006 ... فإذَا تسَلْسَلْت الحَوادِثُ لَم يَكنْ ... لِحُدُوثِها إذ ذَاكَ مِن بُرهَانِ!!
1007 ... فَلأجْلِ ذَا قَالوا: ((التسلسُلُ بَاطِلٌ ... والجسمُ لا يخلو عن الحَدَثانِ
1008 ... فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ حُدُوثُ الجِسْمِ مِن ... هَذَا الدَّليلِ بِواضحِ البُرهَانِ)).
1009 ... هَذِي نِهَايَاتٌ لأَقْدَامِ الوَرَى ... فِي ذَا المَقَامِ الضَّيِّقِ الأعْطَانِ
1010 ... فَمَنِ الذِي يأتِي بِفَتْحٍ بَيِّنٍ ... يُنْجِي الوَرَى مِن غَمْرةِ الحَيْرَانِ ؟
1011 ... فَاللهُ يَجْزِيهِ الذِي هُو أهلُهُ ... مِن جَنَّةِ المَأوَى مَعَ الرِّضْوَانِ(330/78)
الكلب واللحم الإسلامي(قصيدة معارضة لقصيدة العشماوي
كُلْ مِنْ الجثَّةِ فالأمَّةُ تُؤْكَلْ (من روائع العشماوي)
د عبدالرحمن العشماوي
( صورة لجثة أحد قتلى المسلمين في الفلوجة أيام حصارها )
كُلْ مِنْ الجثَّةِ فالأمَّةُ تُؤْكَلْ
إنها فُرصةُ عمرٍ لا تُؤجَّلْ
أمتي، مليارُها ما زال يشكو
غفلةً عن عِزَّةِ المجد المؤَثَّلْ
لم تزلْ ترنو إلى الإصلاحِ، لكنْ
سلكتْ درباً إلى الإِفسادِ أَوْصَلْ
كُلْ مِنْ الجثَّةِ لحماً بالمآسي
وبجور المعتدي الباغي مُتبَّلْ
كُلْ، وكُلْ - يا كَلْبُ - من لحمِ قتيلٍ
أرضُه بالغارة الشَّعواءِ تُقْتَلْ
جثَّةٌ جهَّزَها رشّاشُ باغٍ
وشواها, وإلى نابِكَ أَرْسَلْ
كُلْ مِنْ الجثَّةِ فالظَالِمُ أعطى
لكَ حقَّ الأَكْل والنَّهْشِ وحلَّلْ
لا تَخَفْ، أنتَ أقَلُّ القومِ جُرْماً
أنتَ لم تفعَلْ كما الظالمُ يَفْعَلْ
أنتَ لستَ الآكِلَ الأوَّلَ منها
فرئيسُ الفِرْقةِ الرَّعْناءِ أوَّلْ
أتعبت الأرضَ صراعاً وخلافاً
وحروباً، حقدُه فيها تأصَّلْ
أشعل الحقدَ الصليبيَّ، فلما
أبصر النَّارَ، انتشى عُنْفاً وأَشْعَلْ
هكذا الإصلاحُ في منطقِ باغٍ
كلَّما بَانَ لَهُ الحقُّ تأوَّلْ
سمع المصلحُ بالظلم، فألقى
كلَّ ما في يده اليُسْرَى وعجَّلْ
أرسل الأسطول في الجوِّ، وأجرى
في مياه البحر أسطولاً وحوَّلْ
هَمُّه أنْ يرفع الظُّلْمَ بظلمٍ
ويُلاقي معول الهدمِ بِمِعْوَلْ
همُّه أنْ يمنح الأمنَ عراقاً
فأتى بالقوَّة العُظْمى وجَلْجَلْ
جاء بالأمنِ، ولكنْ في الشَّظايا
والصواريخ وفي الغازِ المُخَرْدَلْ
أَمْنُه يقتُل أطفالاً صغاراً
ونساءً، فهي شيءٌ لا يُعَلَّلْ
صورةٌ للأمنِ لا يُبدعُ فيها
بعد شارون - سوى الرَّاعي المؤَهَّلْ
صورةٌ شَوْهاء للأمنِ رأينا
وجهَها الكالحَ في شَعْبٍ يُقَتَّلْ
يَهْدِمُ المسجدَ والدارَ، ويرضَى
حينما يُبصر بيتاً يتزلزلْ
صورةٌ شَوْهاء لا ينفع فيها
بُوْقُ إعلامٍ، ولا عُذْرٌ مُهَلْهَلْ(331/1)
صورةٌ للأمنِ يا ضيعةَ أمنٍ
عند قومٍ حقدهم فيهم تَغَلْغَلْ
لو سألنا عنه بغدادَ، لقالت
في دَمِ الفلُّوجةِ القولُ المفصلْ
قصَّةٌ يا كَلْبُ، لو يسمع عنها
جَبْلٌ صَلْبٌ عظيمٌ ما تحمَّلْ
قصَّةٌ تبدأ من آخر سطرٍ
كتبته الرِّيحُ في صَفْحةِ جَنْدَلْ
نقل البركانُ منها كلماتٍ
لم تكن، لولا فَمُ البُرْكانِ تُنْقَلْ
أيُّها الآكِلُ من لحم قتيلٍ
ودَّع الأوهامَ، والعَصْرَ المُضَلَّلْ
أنتَ يا كَلْبُ مثالٌ لوفاءٍ
فلماذا طَبْعُكَ - اليومَ - تحوَّلْ
هل رأيتَ الآكلَ الغاشِمَ يَسْطو
فتمثَّلْتَ به فيمن تمثَّلْ؟؟
إنها جُثةُ مَيْتٍ ليس فيها
غير سُمّ يقتل الجاني وحنظَلْ
إنَّها جُثَّةُ إنسانٍ، فهلاَّ
كنتَ يا كَلْبُ من المحتلِّ أَفْضَلْ
د. محمد حمد خليص الحربي
وصلتني قصيدة الأخ الدكتور / عبدالرحمن العشماوي والتي اسماها ( الكلب والجثه ) http://www.awda-dawa.com/pages.php?ID=381فأثارت الشجون وتحركت المشاعر وجادت القريحة بالأبيات التاليه
كل من الجثّة فاللحم معطر **** في ثري بغداد وفي الفلوجة يقتل
هاك أهلي كلهم فا الأكل يؤكل **** كلهم واهنأ بأمي و تعجل
لحمها طيب فقد عاشت عقودا **** في ذرى الإسلام والطيب مؤصل
دوك ابني وابنتي كلهم **** كلهم أحياء فاللحم مبهر ومتبّّل
كل من اللحم وانهش بهناء **** فبني قومي في تيه مهلهل
إن تشأ يا كلب نطبخهم لك **** نطبخهم! أو تريد الشوي أفضل؟
أنت ياكلب تحكّمت البرايا **** فقتلت الأهل والأبطال تقتل
جئت في ترسانة كره غازيا **** لتدك الأرض في فعل يزلزل
جئت في إمرة اسرائيل طوعا **** خارقا كل القوانين تولول
جئت في حرب ضروس **** مظهر الناب وللأكل مؤمل
جئت من ارضك تكسب خزيا **** مع جنود أعقل مافيهم أهبل
جئت غرا في دماء القوم تلهو **** أنت كالمسعور في القوم تغلغل
عابثا في أمة الإسلام ترعب **** صبية أو نسوة وكذا بالشيخ تفعل
مرعبا او مرهبا كل الضحايا **** في ظلام الليل للعدوان مدخل(331/2)
كيف لا تطمع في قوم كرام **** وهم شعب عزيز وكريم ومبجل
كيف لا تطمع في كنز عظيم **** ظاهرا جاهز كالنهر ينهل
لا تماطل لا تغالط لا تكابر **** ليس فينا من بأهدافك يجهل
كلما غالط إعلام بأمر **** جائت الصورة للأخبار تنقل
انهش اللحم ولا تأكل ثريدا **** فلذيذ اللحم للعظماء يرسل
مد يمناك ولا تخجل تفضل **** كل من حولك ناموا فتفضل(331/3)
وهذه أبيات قُرأت عليّ في السجن وهي للشاعر / ماجد المجالي وعنوانها:
( اللزومية التيسية المعمعية )
نحن مَعْ دوماً ، ودومًا نحن مَعْ كُلّما أقبل تيسٌ صاح مَعْ
قلت : مَعْ من ؟ قال : مَعْ كل ما نقصد خير المجتمَعْ
نحن معْ رمزٌ بهِ وحدتنا فرّقَ الشعب لدينا أو جمَعْ
أشعلوا أوطاننا سيجارةً اشغلوا المختار في جمع القُمَعْ
فاحفظوها ردّدوها دائماً نحن مَعْ مَعْ نحن مَعْ مَعْ نحن مَعْ
( انتهت )
فأضفت عليها قائلا :
شرعُهم دستورُ كفرٍ قد رَقَعْ صَدِأَ القانونُ فيه أم لَمَعْ
نهجهم يا قوم ديمقراطية هَدّمَ الدينَ تُراهُ أو قَمَعْ
كسبُهم من دمّ شعبٍ قد خَنَعْ قَنَعَ الشعبُ سواءً أم دَمَعْ
طأطؤا الرأسَ لطاغوتٍ لُكَعْ مَسَحَ الرأسَ تراه أم هَمَعْ
هتف الشعبُ لكفرٍ:نحن مَعْ سمّعَ الآذانَ جهراً أو شَمعْ
ركِبَ التيسُ على أكتافهم رَكَعَ الشعبُ وصاحَ التيسُ: مَعْ
( فاحفظوها رددوها دائما نحن مَعْ مَعْ ،نحن مَعْ مَعْ ،نحن مَعْ )
أبو محمد – سجن سواقة – شوال 1417 هـ(332/1)
ألم الفراق
لأبي تمام
ما اليَومُ أَوَّلُ تَوديعٍ وَلا الثاني *** البَينُ أَكثَرُ مِن شَوقي وَأَحزاني
دَعِ الفِراقَ فَإِنَّ الدَهرَ ساعَدَهُ *** فَصارَ أَملَكَ مِن روحي بِجُثماني
خَليفَةُ الخِضرِ مَن يَربَع عَلى وَطَنٍ *** في بَلدَةٍ فَظُهورُ العيسِ أَوطاني
بِالشامِ أَهلي وَبَغدادُ الهَوى *** وَأَنا بِالرَقَّتَينِ وَبِالفُسطاطِ إِخواني
وَما أَظُنُّ النَوى تَرضى بِما صَنَعَت *** حَتّى تُطَوِّحَ بي أَقصى خُراسانِ
خَلَّفتُ بِالأُفُقِ الغَربِيِّ لي سَكَناً *** قَد كانَ عَيشي بِهِ حُلواً بِحُلوانِ
غُصنٌ مِنَ البانِ مُهتَزٌّ عَلى قَمَرٍ *** يَهتَزُّ مِثلَ اِهتِزازِ الغُصنِ في البانِ
أَفنَيتُ مِن بَعدِهِ فَيضَ الدُموعِ كَما *** أَفنَيتُ في هَجرِهِ صَبري وَسُلواني
وَلَيسَ يَعرِفُ كُنهَ الوَصلِ صاحِبُهُ *** حَتّى يُغادى بِنَأيٍ أَو بِهِجرانِ
إِساءَةَ الحادِثاتِ اِستَبطِني نَفَقاً *** فَقَد أَظَلَّكَ إِحسانُ اِبنِ حَسّانِ
أَمسَكتُ مِنهُ بِوُدٍّ شَدَّ لي عُقَداً *** كَأَنَّما الدَهرُ في كَفّي بِها عانِ
إِذا نَوى الدَهرُ أَن يودي بِتالِدِهِ *** لَم يَستَعِن غَيرَ كَفَّيهِ بِأَعوانِ
لَو أَنَّ إِجماعَنا في فَضلِ سُؤدُدِهِ *** في الدينِ لَم يَختَلِف في الأُمَّةِ اِثنانِ(333/1)
ألَمْ تُلْمِمْ على الدِّمَنِ الخَوالي
لبيد ربن ربيعة العامري
1
ألَمْ تُلْمِمْ على الدِّمَنِ الخَوالي *** لسَلْمَى بالمَذانِبِ فالقُفالِ
2
فجَنْبَيْ صَوْأرٍ فنِعافِ قَوٍّ *** خَوَالِدَ ما تَحَدَّثُ بالزَّوَالِ
3
تَحَمَّلَ أهْلُها إلاَّ عِرارًا *** وعَزْفًا بَعدَ أحْياءٍ حِلالِ
4
وخَيْطًا مِن خَوَاضِبَ مُؤلِفَاتٍ *** كأنَّ رِئَالَها أُرْقُ الإفَالِ
5
تَحَمَّلَ أهْلُها وَأجَدَّ فيها *** نِعاجُ الصَّيْفِ أخبِيَةَ الظِّلالِ
6
وَقَفْتُ بهنَّ حتى قالَ صَحبي: *** جَزِعْتَ وَلَيسَ ذلِكَ بالنَّوَالِ
7
كأنَّ دُمُوعَهُ غَرْبَا سُنَاةٍ *** يُحِيلُونَ السِّجالَ على السِّجالِ
8
إذا أرْوَوْا بِها زَرْعًا وقَضْبًا *** أمالُوها على خُورٍ طِوالِ
9
تَمَنَّى أنْ تُلاقيَ آلَ سَلْمَى *** بخَطْمَةَ والمُنى طُرُقُ الضَّلالِ
10
وَهَلْ يَشتاقُ مِثْلُكَ مِن دِيارٍ *** دوارِسَ بَينَ تُخْتِمَ والخِلالِ
11
وكنتُ إذا الهُمُومُ تَحَضَّرَتْني *** وضَنَّتْ خُلَّةٌ بَعْدَ الوِصَالِ
12
صَرَمْتُ حِبالَها وصَدَدْتُ عَنْها *** بناجِيَةٍ تَجِلُّ عنِ الكَلالِ
13
عُذافِرَةٌ تَقَمَّصُ بالرُّدافَى *** تَخَوَّنَهَا نُزُولي وارْتِحَالي
14
كعَقْرِ الهَاجرِيِّ إذا ابتَنَاهُ *** بأشْبَاهٍ حُذِينَ على مِثَالِ
15
كأخْنَسَ نَاشِطٍ جادَتْ علَيهِ *** ببُرْقَةِ وَاحِفٍ إحدَى اللّيالي
16
أضَلَّ صِوَارَهُ وتَضَيَّفَتْهُ *** نَطُوفٌ أمرُها بيَدِ الشَّمَالِ
17
فَبَاتَ كأنّهُ قاضي نُذُورٍ *** يَلُوذُ بغَرْقَدٍ خَضِلٍ وضَالِ
18
إذا وَكَفَ الغُصُونُ على قَرَاهُ *** أدارَ الرَّوْقَ حالاً بَعدَ حالِ
19
جُنُوحَ الهالكيّ على يَدَيْهِ *** مُكِبًّا يَجْتَلي نُقَبَ النِّصَالِ
20
فَباكَرَهُ معَ الإشْراقِ غُضْفٌ *** ضَواريها تَخُبُّ مَعَ الرِّجالِ
21
فَجالَ وَلمْ يَجُلْ جُبنًا ولكن *** تَعَرُّضَ ذي الحَفيظَةِ للقتالِ
22(334/1)
فَغادَرَ مُلْحَمًا وعَدَلْنَ عَنْهُ *** وَقد خَضَبَ الفرائصَ مِن طِحَالِ
23
يَشُكُ صِفاحَها بالرَّوْقِ شَزْرًا *** كَما خَرَجَ السِّرَادُ منَ النِّقالِ
24
وَوَلَّى تَحْسُرُ الغَمَراتُ عَنْهُ *** كَما مَرَّ المُراهِنُ ذو الجِلالِ
25
وَوَلَّى عامِدًا لِطِياتِ فَلْجٍ *** يُرَاوِحُ بَينَ صَوْنٍ وابْتِذالِ
26
تَشُقُّ خَمائِلَ الدَّهْنَا يَداهُ *** كمَا لَعِبَ المُقامِرُ بالفِيَالِ
27
وأصْبَحَ يَقتري الحَوْمانَ فَرْدًا *** كنَصْلِ السَّيفِ حُودثَ بالصقَالِ
28
أذَلِكَ أمْ عراقيٌّ شَتِيمٌ *** أرَنَّ على نَحائِصَ كالمَقَالي
29
نَفَى جِحْشَانَها بجِمَادِ قَوٍّ *** خَليطٌ ما يُلامُ على الزِّيَالِ
30
وأمْكَنَها مِنَ الصُّلْبَيْنِ حتى *** تَبَيَّنَتِ المِخاضُ مِنَ الحِيالِ
31
شُهُورَ الصَّيْفِ واعتَذَرَتْ علَيه *** نِطافُ الشَّيِّطَينِ مِنَ السِّمالِ
32
وَذَكَّرَها مَنَاهِلَ آجِناتٍ *** بحَاجَةَ لا تُنَزَّحُ بالدَّوالي
33
وأقْبَلَها النِّجَادَ وشَيَّعَتْهَا *** هَوادِيها كأنْضِيَةِ المُغَالي
34
لِوِرْدٍ تَقْلِصُ الغِيطَانُ عَنْهُ *** يَبُذُّ مَفازَةَ الخِمسِ الكَمالِ
35
يُجِدُّ سَحِيلَهُ ويُتِيرُ فيهِ *** ويُتْبِعُها خِنَافًا في زِمَالِ
36
كأنَّ سَحيلَهُ شكْوَى رَئِيسٍ *** يُحاذِرُ مِن سَرايا واغْتِيالِ
37
تَبَكِّيَ شارِبٍ أسْرَتْ عَلَيْهِ *** عَتيقُ البابِلِيَّةِ في القِلالِ
38
تَذَكَّرَ شَجْوَهُ وتَقاذَفَتْهُ *** مُشَعْشَعَةٌ بمَغْرُوضٍ زُلالِ
39
إذا اجْتَمَعَتْ وأحوَذَ جانِبَيْها *** وأوْرَدَها على عُوجٍ طِوَالِ
40
رَفَعْنَ سُرَادِقًا في يَوْمِ رِيحٍ *** يُصَفِّقُ بَينَ مَيْلٍ واعتِدالِ
41
فأوْرَدَها العِراكَ وَلم يَذُدْها *** ولم يُشْفِقْ على نَغَصِ الدِّخالِ
42
يُفَرِّجُ بالسَّنابِكِ عن شَريبٍ *** يَرُوعُ قُلوبَ أجوافٍ غِلالِ
43(334/2)
يُرَجِّعُ في الصُّوَى بمُهَضَّماتٍ *** يَجُبْنَ الصَّدرَ مِن قَصَبِ العَوالي
44
أصَاحِ تَرَى بَريقًا هَبَّ وَهْنًا *** كمصْباحِ الشَّعيلَةِ في الذُّبالِ
45
أرِقْتُ لَهُ وأنجَدَ بَعدَ هَدْءٍ *** وأصحابي على شُعَبِ الرِّحالِ
46
يُضيءُ رَبابُهُ في المُزْنِ حُبْشًا *** قِيَامًا بالحِرابِ وبالإلالِ
47
كأنَّ مُصَفَّحاتٍ في ذُرَاهُ *** وأنْواحًا عَلَيْهِنَّ المآلي
48
فأفْرعَ في الرُّبابِ يَقُودُ بُلْقًا *** مُجَوَّفَةً تَذُبُّ عنِ السِّخالِ
49
وأصبَحَ راسِيًا برُضامِ دَهْرٍ *** وسالَ بهِ الخَمائِلُ في الرِّمالِ
50
وحَطَّ وُحُوشَ صاحَةَ مِن ذُراها *** كأنَّ وُعُولَها رُمْكُ الجِمَالِ
51
على الأعراضِ أيْمَنُ جانِبَيْهِ *** وأيْسَرَهُ على كُورَيْ أُثَالِ
52
وأرْدَفَ مُزْنَهُ المِلْحَينِ وَبْلاً *** سَريعًا صَوْبُهُ سَرِبَ العزالي
53
فَباتَ السّيلُ يَركَبُ جانِبَيْهِ *** مِنَ البقّارِ كالعَمِدِ الثَّفَالِ
54
أقُوُلُ وصَوْبُهُ مِنِّي بَعيدٌ *** يَحُطُّ الشَّثَّ مِن قُلَلِ الجِبالِ
55
سَقَى قَوْمي بني مَجْدٍ وأسقَى *** نُمَيرًا والقَبائلَ مِنْ هِلالِ
56
رَعَوْهُ مَرْبَعًا وَتصَيَّفُوهُ *** بِلا وَبإٍ سُمَيَّ ولا وَبالِ
57
هُمُ قوْمي وقد أنكَرْتُ مِنْهُمْ *** شَمَائِلَ بُدِّلُوها مِن شِمَالي
58
يُغارُ على البَرِيِّ بغَيرِ ظُلْمٍ *** ويُفْضَحُ ذو الأمانَةِ والدَّلالِ
59
وأسْرَعَ في الفَوَاحشِ كلُّ طِمْلٍ *** يَجرُّ المُخزِياتِ وَلا يُبَالي
60
أطَعْتُمْ أمْرَهُ فَتَبِعْتُمُوهُ *** ويأتي الغَيَّ مُنْقَطِعَ العِقَالِ(334/3)
المعلّقات العشر
التعريف المختصر الكامل للمعلقات من كافة الجوانب
كان فيما اُثر من أشعار العرب ، ونقل إلينا من تراثهم الأدبي الحافل بضع قصائد من مطوّلات الشعر العربي ، وكانت من أدقّه معنى ، وأبعده خيالاً ، وأبرعه وزناً ، وأصدقه تصويراً للحياة ، التي كان يعيشها العرب في عصرهم قبل الإسلام ، ولهذا كلّه ولغيره عدّها النقّاد والرواة قديماً قمّة الشعر العربي وقد سمّيت بالمطوّلات ، وأمّا تسميتها المشهورة فهي المعلّقات . نتناول نبذةً عنها وعن أصحابها وبعض الأوجه الفنّية فيها :
فالمعلّقات لغةً من العِلْق : وهو المال الذي يكرم عليك ، تضنّ به ، تقول : هذا عِلْقُ مضنَّة . وما عليه علقةٌ إذا لم يكن عليه ثياب فيها خير1 ، والعِلْقُ هو النفيس من كلّ شيء ، وفي حديث حذيفة : «فما بال هؤلاء الّذين يسرقون أعلاقنا» أي نفائس أموالنا2 . والعَلَق هو كلّ ما عُلِّق3 .
وأمّا المعنى الاصطلاحي فالمعلّقات : قصائد جاهليّة بلغ عددها السبع أو العشر ـ على قول ـ برزت فيها خصائص الشعر الجاهلي بوضوح ، حتّى عدّت أفضل ما بلغنا عن الجاهليّين من آثار أدبية4 .
والناظر إلى المعنيين اللغوي والاصطلاحي يجد العلاقة واضحة بينهما ، فهي قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة ، بلغت الذّروة في اللغة ، وفي الخيال والفكر ، وفي الموسيقى وفي نضج التجربة ، وأصالة التعبير ، ولم يصل الشعر العربي الى ما وصل إليه في عصر المعلّقات من غزل امرئ القيس ، وحماس المهلهل ، وفخر ابن كلثوم ، إلاّ بعد أن مرّ بأدوار ومراحل إعداد وتكوين طويلة .
وفي سبب تسميتها بالمعلّقات هناك أقوال منها :(335/1)
لأنّهم استحسنوها وكتبوها بماء الذهب وعلّقوها على الكعبة ، وهذا ما ذهب إليه ابن عبد ربّه في العقد الفريد ، وابن رشيق وابن خلدون وغيرهم ، يقول صاحب العقد الفريد : «وقد بلغ من كلف العرب به (أي الشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيّرتها من الشعر القديم ، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة ، وعلّقتها بين أستار الكعبة ، فمنه يقال : مذهّبة امرئ القيس ، ومذهّبة زهير ، والمذهّبات سبع ، وقد يقال : المعلّقات ، قال بعض المحدّثين قصيدة له ويشبّهها ببعض هذه القصائد التي ذكرت :
برزةٌ تذكَرُ في الحسـ ـنِ من الشعر المعلّقْ
كلّ حرف نادر منـ ـها له وجهٌ معشّق5
أو لأنّ المراد منها المسمّطات والمقلّدات ، فإنّ من جاء بعدهم من الشعراء قلّدهم في طريقتهم ، وهو رأي الدكتور شوقي ضيف وبعض آخر6 . أو أن الملك إذا ما استحسنها أمر بتعليقها في خزانته .
هل علّقت على الكعبة؟
سؤال طالما دار حوله الجدل والبحث ، فبعض يثبت التعليق لهذه القصائد على ستار الكعبة ، ويدافع عنه ، بل ويسخّف أقوال معارضيه ، وبعض آخر ينكر الإثبات ، ويفنّد أدلّته ، فيما توقف آخرون فلم تقنعهم أدلّة الإثبات ولا أدلّة النفي ، ولم يعطوا رأياً في ذلك .
المثبتون للتعليق وأدلّتهم :
لقد وقف المثبتون موقفاً قويّاً ودافعوا بشكل أو بآخر عن موقفهم في صحّة التعليق ، فكتبُ التاريخ حفلت بنصوص عديدة تؤيّد صحّة التعليق ، ففي العقد الفريد7 ذهب ابن عبد ربّه ومثله ابن رشيق والسيوطي8وياقوت الحموي9وابن الكلبي10وابن خلدون11 ، وغيرهم إلى أنّ المعلّقات سمّيت بذلك; لأنّها كتبت في القباطي بماء الذهب وعلّقت على أستار الكعبة ، وذكر ابن الكلبي : أنّ أوّل ما علّق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركان الكعبة أيّام الموسم حتّى نظر إليه ثمّ اُحدر ، فعلّقت الشعراء ذلك بعده .(335/2)
وأمّا الاُدباء المحدّثون فكان لهم دور في إثبات التعليق ، وعلى سبيل المثال نذكر منهم جرجي زيدان حيث يقول :
«وإنّما استأنف إنكار ذلك بعض المستشرقين من الإفرنج ، ووافقهم بعض كتّابنا رغبة في الجديد من كلّ شيء ، وأيّ غرابة في تعليقها وتعظيمها بعدما علمنا من تأثير الشعر في نفوس العرب؟! وأمّا الحجّة التي أراد النحّاس أن يضعّف بها القول فغير وجيهة; لأنّه قال : إنّ حمّاداً لمّا رأى زهد الناس في الشعر جمع هذه السبع وحضّهم عليها وقال لهم : هذه هي المشهورات»12 ، وبعد ذلك أيّد كلامه ومذهبه في صحّة التعليق بما ذكره ابن الأنباري إذ يقول : «وهو ـ أي حمّاد ـ الذي جمع السبع الطوال ، هكذا ذكره أبو جعفر النحاس ، ولم يثبت ما ذكره الناس من أنّها كانت معلّقة على الكعبة»13 .
وقد استفاد جرجي زيدان من عبارة ابن الأنباري : «ما ذكره الناس» ، فهو أي ابن الأنباري يتعجّب من مخالفة النحاس لما ذكره الناس ، وهم الأكثرية من أنّها علقت في الكعبة .
النافون للتعليق :
ولعلّ أوّلهم والذي يعدُّ المؤسّس لهذا المذهب ـ كما ذكرنا ـ هو أبو جعفر النحّاس ، حيث ذكر أنّ حمّاداً الراوية هو الذي جمع السبع الطوال ، ولم يثبت من أنّها كانت معلّقة على الكعبة ، نقل ذلك عنه ابن الأنباري14 . فكانت هذه الفكرة أساساً لنفي التعليق :
كارل بروكلمان حيث ذكر أنّها من جمع حمّاد ، وقد سمّاها بالسموط والمعلّقات للدلالة على نفاسة ما اختاره ، ورفض القول : إنّها سمّيت بالمعلّقات لتعليقها على الكعبة ، لأن هذا التعليل إنّما نشأ من التفسير الظاهر للتسمية وليس سبباً لها ، وهو ما يذهب إليه نولدكه15.
وعلى هذا سار الدكتور شوقي ضيف مضيفاً إليه أنّه لا يوجد لدينا دليل مادّي على أنّ الجاهليين اتّخذوا الكتابة وسيلة لحفظ أشعارهم ، فالعربية كانت لغة مسموعة لا مكتوبة . ألا ترى شاعرهم حيث يقول :
فلأهدينّ مع الرياح قصيدة منّي مغلغلة إلى القعقاعِ(335/3)
ترد المياه فما تزال غريبةً في القوم بين تمثّل وسماعِ؟16
ودليله الآخر على نفي التعليق هو أنّ القرآن الكريم ـ على قداسته ـ لم يجمع في مصحف واحد إلاّ بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) (طبعاً هذا على مذهبه) ، وكذلك الحديث الشريف . لم يدوّن إلاّ بعد مرور فترة طويلة من الزمان (لأسباب لا تخفى على من سبر كتب التأريخ وأهمّها نهي الخليفة الثاني عن تدوينه) ومن باب أولى ألاّ تكتب القصائد السبع ولا تعلّق17 .
وممّن ردّ الفكرة ـ فكرة التعليق ـ الشيخ مصطفى صادق الرافعي ، وذهب إلى أنّها من الأخبار الموضوعة التي خفي أصلها حتّى وثق بها المتأخّرون18 .
ومنهم الدكتور جواد علي ، فقد رفض فكرة التعليق لاُمور منها :
1 ـ أنّه حينما أمر النبي بتحطيم الأصنام والأوثان التي في الكعبة وطمس الصور ، لم يذكر وجود معلقة أو جزء معلّقة أو بيت شعر فيها .
2 ـ عدم وجود خبر يشير إلى تعليقها على الكعبة حينما أعادوا بناءَها من جديد .
3 ـ لم يشر أحد من أهل الأخبار الّذين ذكروا الحريق الذي أصاب مكّة ، والّذي أدّى إلى إعادة بنائها لم يشيروا إلى احتراق المعلّقات في هذا الحريق .
4 ـ عدم وجود من ذكر المعلّقات من حملة الشعر من الصحابة والتابعين ولا غيرهم .
ولهذا كلّه لم يستبعد الدكتور جواد علي أن تكون المعلّقات من صنع حمّاد19 ، هذا عمدة ما ذكره المانعون للتعليق .
بعد استعراضنا لأدلة الفريقين ، اتّضح أنّ عمدة دليل النافين هو ما ذكره ابن النحاس حيث ادعى انّ حماداً هو الذي جمع السبع الطوال .(335/4)
وجواب ذلك أن جمع حماد لها ليس دليلا على عدم وجودها سابقاً ، وإلاّ انسحب الكلام على الدواوين التي جمعها أبو عمرو بن العلاء والمفضّل وغيرهما ، ولا أحد يقول في دواوينهم ما قيل في المعلقات . ثم إنّ حماداً لم يكن السبّاق الى جمعها فقد عاش في العصر العباسي ، والتاريخ ينقل لنا عن عبد الملك أنَّه عُني بجمع هذه القصائد (المعلقات) وطرح شعراء أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة20 .
وأيضاً قول الفرزدق يدلنا على وجود صحف مكتوبة في الجاهلية :
أوصى عشية حين فارق رهطه عند الشهادة في الصحيفة دعفلُ
أنّ ابن ضبّة كان خيرٌ والداً وأتمّ في حسب الكرام وأفضلُ
كما عدّد الفرزدق في هذه القصيدة اسماء شعراء الجاهلية ، ويفهم من بعض الأبيات أنّه كانت بين يديه مجموعات شعرية لشعراء جاهليين أو نسخ من دواوينهم بدليل قوله :
والجعفري وكان بشرٌ قبله لي من قصائده الكتاب المجملُ
وبعد ابيات يقول :
دفعوا إليَّ كتابهنّ وصيّةً فورثتهنّ كأنّهنّ الجندلُ21
كما روي أن النابغة وغيره من الشعراء كانوا يكتبون قصائدهم ويرسلونها الى بلاد المناذرة معتذرين عاتبين ، وقد دفن النعمان تلك الأشعار في قصره الأبيض ، حتّى كان من أمر المختار بن أبي عبيد واخراجه لها بعد أن قيل له : إنّ تحت القصر كنزاً22 .
كما أن هناك شواهد أخرى تؤيّد أن التعليق على الكعبة وغيرها ـ كالخزائن والسقوف والجدران لأجل محدود أو غير محدود ـ كان أمراً مألوفاً عند العرب ، فالتاريخ ينقل لنا أنّ كتاباً كتبه أبو قيس بن عبدمناف بن زهرة في حلف خزاعة لعبد المطّلب ، وعلّق هذا الكتاب على الكعبة23 . كما أنّ ابن هشام يذكر أنّ قريشاً كتبت صحيفة عندما اجتمعت على بني هاشم وبني المطّلب وعلّقوها في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم24 .
ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواه البغدادي في خزائنه25 من قول معاوية : قصيدة عمرو بن كلثوم وقصيدة الحارث بن حِلزه من مفاخر العرب كانتا معلّقتين بالكعبة دهراً26 .(335/5)
هذا من جملة النقل ، كما أنّه ليس هناك مانع عقلي أو فنّي من أن العرب قد علّقوا أشعاراً هي أنفس ما لديهم ، وأسمى ما وصلت إليه لغتهم; وهي لغة الفصاحة والبلاغة والشعر والأدب ، ولم تصل العربية في زمان إلى مستوى كما وصلت إليه في عصرهم . ومن جهة اُخرى كان للشاعر المقام السامي عند العرب الجاهليين فهو الناطق الرسمي باسم القبيلة وهو لسانها والمقدّم فيها ، وبهم وبشعرهم تفتخر القبائل ، ووجود شاعر مفلّق في قبيلة يعدُّ مدعاة لعزّها وتميّزها بين القبائل ، ولا تعجب من حمّاد حينما يضمّ قصيدة الحارث بن حلزّة إلى مجموعته ، إذ إنّ حمّاداً كان مولى لقبيلة بكر بن وائل ، وقصيدة الحارث تشيد بمجد بكر سادة حمّاد27 ، وذلك لأنّ حمّاداً يعرف قيمة القصيدة وما يلازمها لرفعة من قيلت فيه بين القبائل .
فإذا كان للشعر تلك القيمة العالية ، وإذا كان للشاعر تلك المنزلة السامية في نفوس العرب ، فما المانع من أن تعلّق قصائد هي عصارة ما قيل في تلك الفترة الذهبية للشعر؟
ثمّ إنّه ذكرنا فيما تقدّم أنّ عدداً لا يستهان به من المؤرّخين والمحقّقين قد اتفقوا على التعليق .
فقبول فكرة التعليق قد يكون مقبولا ، وأنّ المعلّقات لنفاستها قد علّقت على الكعبة بعدما قرئت على لجنة التحكيم السنوية ، التي تتّخذ من عكاظ محلاً لها ، فهناك يأتي الشعراء بما جادت به قريحتهم خلال سنة ، ويقرأونها أمام الملإ ولجنة التحكيم التي عدُّوا منها النابغة الذبياني ليعطوا رأيهم في القصيدة ، فإذا لاقت قبولهم واستحسانهم طارت في الآفاق ، وتناقلتها الألسن ، وعلّقت على جدران الكعبة أقدس مكان عند العرب ، وإن لم يستجيدوها خمل ذكرها ، وخفي بريقها ، حتّى ينساها الناس وكأنّها لم تكن شيئاً مذكوراً .
موضوع شعر المعلّقات(335/6)
لو رجعنا إلى القصائد الجاهلية الطوال والمعلّقات منها على الأخصّ رأينا أنّ الشعراء يسيرون فيها على نهج مخصوص; يبدأون عادة بذكر الأطلال ، وقد بدأ عمرو بن كلثوم مثلاً بوصف الخمر ، ثمّ بدأ بذكر الحبيبة ، ثمّ ينتقل أحدهم إلى وصف الراحلة ، ثمّ إلى الطريق التي يسلكها ، بعدئذ يخلص إلى المديح أو الفخر (إذا كان الفخر مقصوداً كما عند عنترة) وقد يعود الشاعر إلى الحبيبة ثمّ إلى الخمر ، وبعدئذ ينتهي بالحماسة (أو الفخر) أو بذكر شيء من الحِكَم (كما عند زهير) أو من الوصف كما عند امرئ القيس .
ويجدر بالملاحظة أنّ في القصيدة الجاهلية أغراضاً متعدّدة; واحد منها مقصود لذاته (كالغزل عند امرئ القيس ، الحماسة عند عنترة ، والمديح عند زهير . .) ،
عدد القصائد المعلّقات
لقد اُختلف في عدد القصائد التي تعدّ من المعلّقات ، فبعد أن اتّفقوا على خمس منها; هي معلّقات : امرئ القيس ، وزهير ، ولبيد ، وطرفة ، وعمرو بن كلثوم . اختلفوا في البقيّة ، فمنهم من يعدّ بينها معلّقة عنترة والحارث بن حلزة ، ومنهم من يدخل فيها قصيدتي النابغة والأعشى ، ومنهم من جعل فيها قصيدة عبيد بن الأبرص ، فتكون المعلّقات عندئذ عشراً .
نماذج مختارة من القصائد المعلّقة مع شرح حال شعرائها
أربع من هذه القصائد اخترناها من بين القصائد السبع أو العشر مع اشارة لما كتبه بعض الكتاب والأدباء عن جوانبها الفنية.. لتكون محور مقالتنا هذه :
امرؤ القيس
اسمه : امرؤ القيس ، خندج ، عدي ، مليكة ، لكنّه عرف واشتهر بالاسم الأوّل ، وهو آخر اُمراء اُسرة كندة اليمنيّة .
أبوه : حجر بن الحارث ، آخر ملوك تلك الاُسرة ، التي كانت تبسط نفوذها وسيطرتها على منطقة نجد من منتصف القرن الخامس الميلادي حتى منتصف السادس .
اُمّه : فاطمة بنت ربيعة اُخت كليب زعيم قبيلة ربيعة من تغلب ، واُخت المهلهل بطل حرب البسوس ، وصاحب أوّل قصيدة عربية تبلغ الثلاثين بيتاً .
نبذة من حياته :(335/7)
قال ابن قتيبة : هو من أهل نجد من الطبقة الاُولى28 . كان يعدّ من عشّاق العرب ، وكان يشبّب بنساء منهنّ فاطمة بنت العبيد العنزية التي يقول لها في معلّقته :
أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلّل
وقد طرده أبو ه على أثر ذلك . وظل امرؤ القيس سادراً في لهوه إلى أن بلغه مقتل أبيه وهو بدمّون فقال : ضيّعني صغيراً ، وحمّلني دمه كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكرَ غداً ، اليوم خمرٌ وغداً أمرٌ ، ثمّ آلى أن لا يأكل لحماً ولا يشرب خمراً حتّى يثأر لأبيه29 .
إلى هنا تنتهي الفترة الاُولى من حياة امرئ القيس وحياة المجون والفسوق والانحراف ، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته ، وهي فترة طلب الثأر من قَتَلة أبيه ، ويتجلّى ذلك من شعره ، الّذي قاله في تلك الفترة ، الّتي يعتبرها الناقدون مرحلة الجدّ من حياة الشاعر ، حيكت حولها كثير من الأساطير ، التي اُضيفت فيما بعد إلى حياته . وسببها يعود إلى النحل والانتحال الذي حصل في زمان حمّاد الراوية ، وخلف الأحمر ومن حذا حذوهم . حيث أضافوا إلى حياتهم ما لم يدلّ عليه دليل عقلي وجعلوها أشبه بالأسطورة . ولكن لا يعني ذلك أنّ كلّ ما قيل حول مرحلة امرئ القيس الثانية هو اُسطورة .(335/8)
والمهم أنّه قد خرج إلى طلب الثأر من بني أسد قتلة أبيه ، وذلك بجمع السلاح وإعداد الناس وتهيئتهم للمسير معه ، وبلغ به ذلك المسير إلى ملك الروم حيث أكرمه لما كان يسمع من أخبار شعره وصار نديمه ، واستمدّه للثأر من القتلة فوعده ذلك ، ثمّ بعث معه جيشاً فيهم أبناء ملوك الروم ، فلمّا فصل قيل لقيصر : إنّك أمددت بأبناء ملوك أرضك رجلاً من العرب وهم أهل غدر ، فإذا استمكن ممّا أراد وقهر بهم عدوّه غزاك . فبعث إليه قيصر مع رجل من العرب كان معه يقال له الطمّاح ، بحلّة منسوجة بالذهب مسمومة ، وكتب إليه : إنّي قد بعثت إليك بحلّتي الّتي كنت ألبسها يوم الزينة ليُعرف فضلك عندي ، فإذا وصلت إليك فالبسها على الُيمن والبركة ، واكتب إليّ من كلّ منزل بخبرك ، فلمّا وصلت إليه الحلّة اشتدّ سروره بها ولبسها ، فأسرع فيه السمّ وتنفّط جلده ، والعرب تدعوه : ذا القروح لذلك ، ولقوله :
وبُدِّلْتُ قرحاً دامياً بعد صحّة فيالك نُعمى قد تحوّلُ أبؤسا
ولمّا صار إلى مدينة بالروم تُدعى : أنقرة ثقل فأقام بها حتّى مات ، وقبره هناك .
وآخر شعره :
ربّ خطبة مسحنفَرهْ وطعنة مثعنجرهْ
وجعبة متحيّرهْ تدفنُ غداً بأنقرةْ
ورأى قبراً لامرأة من بنات ملوك العرب هلكت بأنقره فسأل عنها فاخبر ، فقال :
أجارتنا إنّ المزار قريبُ وإنّي مقيم ما أقام عسيبُ
أجارتَنا إنّا غريبانِ هاهنا وكلّ غريب للغريب نسيبُ30
وقد عدَّ الدكتور جواد علي والدكتور شوقي ضيف وبروكلمان وآخرون بعض ما ورد في قصّة امرئ القيس وطرده ، والحكايات التي حيكت بعد وصوله إلى قيصر ودفنه بأنقرة إلى جانب قبر ابنة بعض ملوك الروم ، وسبب موته بالحلة المسمومة ، وتسميته ذا القروح من الأساطير .
قالوا فيه :
1 ـ النبيّ(صلى الله عليه وآله) : ذاك رجل مذكور في الدنيا ، شريف فيها منسيّ في الآخرة خامل فيها ، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار31 .(335/9)
2 ـ الإمام علي(عليه السلام) : سُئل من أشعر الشعراء؟ فقال :
إنّ القوم لم يَجروا في حَلبة تُعرفُ الغايةُ عند قصبتها ، فإنْ كان ولابُدّ فالملكُ الضِّلِّيلُ32 . يريد امرأ القيس .
3 ـ الفرزدق سئل من أشعر الناس؟ قال : ذو القروح .
4 ـ يونس بن حبيب : إنّ علماء البصرة كانوا يقدّمون امرأ القيس .
5 ـ لبيد بن ربيعة : أشعر الناس ذو القروح .
6 ـ أبو عبيدة معمّر بن المثنّى : هو أوّل من فتح الشعر ووقف واستوقف وبكى في الدمن ووصف ما فيها . . .33
معلّقة امرئ القيس
البحر : الطويل . عدد أبياتها : 78 بيتاً منها : 9 : في ذكرى الحبيبة . 21 : في بعض مواقف له . 13 : في وصف المرأة . 5 : في وصف الليل . 18 : في السحاب والبرق والمطر وآثاره . والبقية في اُمور مختلفة .
استهلّ امرؤ القيس معلّقته بقوله :
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزِلِ بِسِقْط اللِّوَى بين الدَّخُوْلِ فَحَوْمَلِ
فتوضِحَ فالمقراة لم يعفُ رسمُها لما نسجتها من جنوب وَشَمْأَلِ
وقد عدّ القدماء هذا المطلع من مبتكراته ، إذ وقف واستوقف وبكى وأبكى وذكر الحبيب والمنزل ، ثمّ انتقل إلى رواية بعض ذكرياته السعيدة بقوله :
ألا ربّ يوم لَكَ منهُنَّ صالحٌ ولاسيّما يومٌ بدراة جُلجُلِ
ويومَ عقرت للعِذارى مطيّتي فيا عجباً من رحلِها المتحمّلِ
فضلّ العذارى يرتمينَ بلحمها وشحم كهذّاب الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
وحيث إنّ تذكّر الماضي السعيد قد أرّق ليالي الشاعر ، وحرمه الراحة والهدوء; لذا فقد شعر بوطأة الليل; ذلك أنّ الهموم تصل إلى أوجها في الليل ، فما أقسى الليل على المهموم! إنّه يقضّ مضجعهُ ، ويُطير النوم من عينيه ، ويلفّه في ظلام حالك ، ويأخذه في دوامة تقلّبه هنا وهناك لا يعرف أين هو ، ولا كيف يسير ولا ماذا يفعل ، ويلقي عليه بأحماله ، ويقف كأنّه لا يتحرّك . . يقول :
وليل كموج البحرِ أرخى سدوله عليّ بأنواع الهمومِ ليبتلي(335/10)
فقُلْتُ لَهُ لمّا تمطّى بصلبِهِ وأردف أعجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ
ألا أيّها الليلُ الطويل ألا انجلي بصبح وما الأصْبَاحُ منكَ بِأمْثَلِ
وتعدّ هذه الأبيات من أروع ما قاله في الوصف ، ومبعث روعتها تصويره وحشيّة الليل بأمواج البحر وهي تطوي ما يصادفها; لتختبر ما عند الشاعر من الصبر والجزع .
فأنت أمام وصف وجداني فيه من الرقّة والعاطفة النابضة ، وقد استحالت سدول الليل فيه إلى سدول همّ ، وامتزج ليل النفس بليل الطبيعة ، وانتقل الليل من الطبيعة إلى النفس ، وانتقلت النفس إلى ظلمة الطبيعة .
فالصورة في شعره تجسيد للشعور في مادّة حسّية مستقاة من البيئة الجاهلية .
ثمّ يخرج منه إلى وصف فرسه وصيده ولذّاته فيه ، وكأنّه يريد أن يضع بين يدي صاحبته فروسيته وشجاعته ومهارته في ركوب الخيل واصطياد الوحش يقول :
وقد أَغتدي والطير في وُكُناتِها بِمُنْجرد قيدِ الأوابدِ هيكلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِل مُدْبر معاً كجُلْمُودِ صَخْر حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
وهو وصف رائع لفرسه الأشقر ، فقد صوّر سرعته تصويراً بديعاً ، وبدأ فجعله قيداً لأوابد الوحش إذا انطلقت في الصحراء فإنّها لا تستطيع إفلاتاً منه كأنّه قيد يأخذ بأرجلها .
وهو لشدّة حركته وسرعته يخيّل إليك كأنّه يفرّ ويكرّ في الوقت نفسه ، وكأنّه يقبل ويدبر في آن واحد ، وكأنّه جلمود صخر يهوى به السيل من ذورة جبل عال .
ثمّ يستطرد في ذكر صيده وطهي الطهاة له وسط الصحراء قائلاً :
فظلّ طهاةُ اللحمِ ما بين منضج صفيف شواء أو قدير معجّلِ
وينتقل بعد ذلك إلى وصف الأمطار والسيول ، التي ألمّت بمنازل قومه بني أسد بالقرب من تيماء في شمالي الحجاز ، يقول :
أحارِ ترى برقاً كأنّ وميضَهُ ... كلمعِ اليدين في حبيٍّ مكَلّلِ
يضيءُ سناهُ أو مصابيحُ راهب ... أهانَ السَّليطَ في الذُّبالِ المفتّلِ
قعدتُ له وصحبتي بين حامِر ... وبين إكام بُعْدَ ما متأمّلِ(335/11)
وأضحى يسحُّ الماء عن كلِّ فيقة ... يكبُّ على الأذهان دوحَ الكَنهْبَلِ
وتيماءَ لم يترك بها جذعَ نخلة ... ولا اُطماً إلاّ مشيداً بِجَنْدَلِ
استهلّ هذه القطعة بوصف وميض البرق وتألّقه في سحاب متراكم ، وشبّه هذا التألّق واللمعان بحركة اليدين إذا اُشير بهما ، أو كأنّه مصابيح راهب يتوهّج ضوؤها بما يمدّها من زيت كثير .
ويصف كيف جلس هو وأصحابه يتأمّلونه بين جامر وإكام ، والسحاب يسحّ سحّاً ، حتّى لتقتلع سيوله كلّ ما في طريقها من أشجار العِضاه العظيمة ، وتلك تيماء لم تترك بها نخلاً ولا بيتاً ، إلاّ ما شيّد بالصخر ، فقد اجتثّت كلّ ما مرّت به ، وأتت عليه من قواعده واُصوله .
لبيد بن ربيعة
هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة . . الكلابي
قال المرزباني : كان فارساً شجاعاً سخيّاً ، قال الشعر في الجاهلية دهراً34 .
قال أكثر أهل الأخبار : إنّه كان شريفاً في الجاهلية والإسلام ، وكان قد نذر أن لا تهبّ الصبا إلاّ نحر وأطعم ، ثمّ نزل الكوفة ، وكان المغيرة بن شعبة إذا هبّت الصبا يقول : أعينوا أبا عقيل على مروءته35 .
وحكى الرياشي : لمّا اشتدّ الجدب على مضر بدعوة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وفد عليه وفد قيس وفيهم لبيد فأنشد :
أتيناك يا خير البريّة كلّها لترحمنا ممّا لقينا من الأزلِ
أتيناك والعذراء تدمى لبانها وقد ذهلت أمّ الصبيّ عن الطفلِ
فإن تدعُ بالسقيا وبالعفو ترسل الـ ـسّماءَ لنا والأمر يبقى على الأَصْلِ
وهو من الشعراء ، الّذين ترفعوا عن مدح الناس لنيل جوائزهم وصِلاتهم ، كما أنّه كان من الشعراء المتقدّمين في الشعر .
وأمّا أبوه فقد عرف بربيعة المقترين لسخائه ، وقد قُتل والده وهو صغير السّنّ ، فتكفّل أعمامهُ تربيتَه .(335/12)
ويرى بروكلمان احتمال مجيء لبيد إلى هذه الدنيا في حوالى سنة 560م . أمّا وفاته فكانت سنة 40هـ . وقيل : 41هـ . لمّا دخل معاوية الكوفة بعد أن صالح الإمام الحسن بن علي ونزل النخيلة ، وقيل : إنّه مات بالكوفة أيّام الوليد بن عقبة في خلافة عثمان ، كما ورد أنّه توفّي سنة نيف وستين36 .
قالوا فيه :
1 ـ النبي(صلى الله عليه وآله) : أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل37
وروى أنّ لبيداً أنشد النبي(صلى الله عليه وآله) قوله :
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطلُ
فقال له : صدقت .
فقال :
وكلّ نعيم لا محالة زائلُ
فقال له : كذبت ، نعيم الآخرة لا يزول38 .
2 ـ المرزباني : إنّ الفرزدق سمع رجلاً ينشد قول لبيد :
وجلا السيوف من الطلولِ كأنّها زبر تجدّ متونَها أقلامُها
فنزل عن بغلته وسجد ، فقيل له : ما هذا؟ فقال : أنا أعرف سجدة الشعر كما يعرفون سجدة القرآن39 .
القول في إسلامه
وأمّا إسلامه فقد أجمعت الرواة على إقبال لبيد على الإسلام من كلّ قلبه ، وعلى تمسّكه بدينه تمسّكاً شديداً ، ولا سيما حينما يشعر بتأثير وطأة الشيخوخة عليه ، وبقرب دنوّ أجله; ويظهر أنّ شيخوخته قد أبعدته عن المساهمة في الأحداث السياسية التي وقعت في أيّامه ، فابتعد عن السياسة ، وابتعد عن الخوض في الأحداث ، ولهذا لا نجد في شعره شيئاً ، ولا فيما روي عنه من أخبار أنّه تحزّب لأحد أو خاصم أحداً .
وروي أنّ لبيداً ترك الشعر وانصرف عنه ، فلمّا كتب عمر إلى عامله المغيرة ابن شعبة على الكوفة يقول له : استنشد من قبلك من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام . أرسل إلى لبيد ، فقال : أرجزاً تُريد أم قصيداً؟ فقال :
أنشدني ما قلته في الإسلام ، فكتب سورة البقرة في صحيفة ثمّ أتى بها ، وقال : أَبدلني الله هذا في الإسلام مكان الشعر . فكتب المغيرة بذلك إلى عمر فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد40 .(335/13)
وجعله في اُسد الغابة من المؤلّفة قلوبهم وممّن حسن إسلامه41 ، وكان عمره مائة وخمساً وخمسين سنة ، منها خمس وأربعون في الإسلام وتسعون في الجاهلية42 .
مختارات من شعره
له قصيدة في رثاء النعمان بن المنذر ، تعرّض فيها للموت ولزوال النعيم ولعدم دوام الدنيا لأحد ، مطلعها :
ألا تسألان المرء ماذا يحاولُ أنحب فيقضى أم ضلالٌ وباطلٌ؟
وقد ذكر فيها الله جلّ جلاله بقوله :
أرى الناس لا يدرون ما قدرُ أمرِهمُ ... بلى : كلّ ذي لبّ إلى الله واسلُ
ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلُ ... وكلّ نعيم لا محالة زائلُ
وكلُّ اُناس سوف تدخلُ بينهم ... دويهيّةٌ تصفرّ منها الأناملُ
وكلّ امرئ يوماً سيعلمُ سعيه ... إذا كشّفت عند الإله المحاصلُ43
معلّقة لبيد بن ربيعة
البحر : الكامل . عدد الأبيات : 89 موزّعة فيما يلي : 11 في ديار الحبيبة . 10 في رحلة الحبيبة وبعدها وأثره . 33 في الناقة . 21 في الفخر الشخصي . 14 في الفخر القبلي .
يبدأ الشاعر معلقته ببكاء الأطلال ووصفها ، وكيف أنّ الديار قد درست معالمها حتّى عادت لا ترى فقد هجرت ، وأصبحت لا يدخلها أحدٌ لخرابها :
عفت الديار محلّها فمقامها بمنىً تأبّد غولها فرجامها
رزقت مرابيع النجوم وصابها ودقَ الرواعد جودها فرهامها
ثمّ عاد بمخيلته شريط الذكريات ، ذكريات فراق الأحبّة فيتحدّث عن الظعائن الجميلات الرشيقات ، وعن هوادجهنّ المكسوّة بالقماش والستائر :
مشاقتك ظعن الحيّ يوم تحمّلوا فتكنّسوا قطناً تصرّ خيامها
من كلِّ محفوف يظلّ عصيّه روح عليه كلّةٌ وقرامها
ويرى أن يقطع أمله منها ويترك رجاءه فيها ما دامت نوار قد تغيّر وصلها :
ما قطع لبانه من تعرّض وصله ولشرّ واصل خلّة صرّامها
ثمّ يأخذ في وصف ناقته بألفاظ غريبة وتعابير بدوية متينة ، فهو يشبهها بالغمامة الحمراء تدفعها رياح الجنوب فيقول :
فلها هبابٌ في الزمامِ كأنّها صهباء خفّ مع الجنوب حمامُها
واُخرى يشبّهها بالبقرة الوحشيّة قائلاً :(335/14)
خنساءُ ضيّعتِ الغريرَ فلم ترِمْ عُرْضَ الشّقائقِ طوفها وبُغامُها
لمعفّر قَهْد تنازعَ شلوهُ غبسٌ كواسبُ ، لا يُمَنّ طعامُها
وعلى الرغم من تعرّضه لوصف الناقة فلم تفته الحكمة :
صادفْنَ منها غرّة فأصبنها إنّ المنايا لا تطيش سهامها
ويقول :
لتذودهنّ وأيقنت إن لم تَزُدْ أن قد أحمّ من الحتوفِ حمامها
فهو مؤمن بقضاء الله ، قانع بما قسم له وكتب عليه ، راض بذلك ، ويدعو النّاس إلى الرضا :
فاقنع بما كتب المليكُ فإنّما قسم الخلائق بيننا علاّمها
ثمّ ينتقل لبيد للفخر بفروسيّته ، وكونه يحمي قومه في موضع المحنة والخوف ، يرقب لهم عند ثغور الأعداء وهو بكامل عدّته متأهّباً للنزال ، حتّى إذا أجنّه الظلام نزل من مرقبه إلى السهل ، وامتطى جواده القوي السريع :
ولقد حميت الحيّ تحمل مثكتي ... فرطٌ وشاحي إذ غدوت لجامها
فعلوت مرتقباً على ذي هبوة ... حرج إلى أعلامهنّ قَتَامُها
حتّى إذا ألقت يداً في كافر ... وأجنّ عورات الثغور ظلامها
أسهلت وانتصبتْ كجذعِ منيفة ... جرداءَ يَحْصَرُ دونَها جرّامُها
ولبيد خير شاعر برّ قومه ، فهو يحبّهم ويؤثرهم ويشيد بمآثرهم ويسجّل مكرماتهم ، ويفخر بأيّامهم وأحسابهم ، فسجّل في معلّقته فضائل قومه ، وافتخر بأهله وخصّهم بأجود الثناء :
إنّا إذا التقت المجامعُ لم يزل ... منّا لزازُ عظيمة جشّامُّها
من معشر سنّت لهم آباؤهم ... ولكلّ قوم سنّةٌ وإمُامها
لا يطبعون ولا يبور فعالُهم ... إذ لا يميل مع الهوى أحلامُها
وهم السعاةُ إذا العشيرة اُفظِعَتْ ... وهُمُ فوارسها وهم حكّامُها
وهُمُ ربيعٌ للمجاور فيهمُ ... والمرملاتِ إذا تطاولَ عامُها
وهُمُ العشيرةُ أن يُبَطّئ حاسدٌ ... أو أن يميلَ مع العدى لوّامُها
زهير بن أبي سلمى
هو زهير بن أبي سلمى ـ واسم أبي سلمى : ربيعة بن رباح المزني من مزينة ابن أد بن طايخة .
كانت محلّتهم في بلاد غطفان ، فظنّ الناس أنّه من غطفان ، وهو ما ذهب إليه ابن قتيبة أيضاً .(335/15)
وهو أحد الشعراء الثلاثة الفحول المقدّمين على سائر الشعراء بالاتّفاق ، وإنّما الخلاف في تقديم أحدهم على الآخر ، وهم : امرؤ القيس وزهير والنابغة . ويقال : إنّه لم يتصل الشعر في ولد أحد من الفحول في الجاهلية ما اتصل في ولد زهير ، وكان والد زهير شاعراً ، واُخته سلمى شاعرة ، واُخته الخنساء شاعرة ، وابناه كعب ومجبر شاعرين ، وكان خال زهير أسعد بن الغدير شاعراً ، والغدير اُمّه وبها عرف ، وكان أخوه بشامة بن الغدير شاعراً كثير الشعر .
ويظهر من شعر ينسب إليه أنّه عاش طويلا إذ يقول متأفّفاً من هذه الحياة ومشقّاتها حتّى سئم منها :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
قالوا فيه :
1 ـ الحطيئة اُستاذ زهير : سئل عنه فقال : ما رأيت مثله في تكفِّيه على أكتاف القوافي ، وأخذه بأعنّتها حيث شاء ، من اختلاف معانيها امتداحاً وذمّاً44 .
2 ـ ابن الاعرابي : كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره45 .
3 ـ قدامة بن موسى ـ وكان عالماً بالشعر ـ : كان يقدّم زهيراً .
4 ـ عكرمة بن جرير : قلت لأبي : مَن أشعر الناس؟ قال : أجاهليةٌ أم إسلامية؟ فقلت : جاهلية ، قال : زهير46 .
مميّزات شعره :
امتاز زهير بمدحيّاته ، وحكميّاته ، وبلاغته ، وكان لشعره تأثير كبير في نفوس العرب . وكان أبوه مقرّباً من اُمراء ذبيان ، وخصوصاً هرم بن سنان والحارث ابن عوف ، وأوّل قصيدة نظمها في مدحهما على أثر مكرمة أتياها . معلّقته المشهورة .
ويؤخذ من بعض أقواله أنّه كان مؤمناً بالبعث كقوله :
يؤخَّر فيودَع في كتاب فيدَّخَرْ ليومِ الحسابِ أو يعجّلْ فينتقمِ
وممّا يدلّ على تعقّله وحنكته وسعة صدره حِكمه في معلّقته ، وقد جمع خلاصة التقاضي في بيت واحد :
وإنّ الحقّ مقطعه ثلاث : يمينٌ أو نفارٌ أو جلاءُ
معلّقة زهير بن أبي سلمى(335/16)
البحر : الطويل . عدد الأبيات : 59 موزّعة فيما يلي : 6 في الأطلال . 9 في الأظعان . 10 في مدح الساعين بالسلام . 21 في الحديث إلى المتحاربين . 13 في الحكم .
يبدأ الشاعر معلّقته بالحديث عمّا صارت إليه ديار الحبيبة ، فقد هجرها عشرين عاماً ، فأصبحت دمناً بالية ، وآثارها خافتة ، ومعالمها متغيّرة ، فلمّا تأكّد منها هتف محيّياً ودعا لها بالنعيم :
أمن اُمّ أوفى دِمنةٌ لم تَكَلَّمِ بحَوْمانَةِ الدّرّاجِ فالمتثَلَّمِ
وقفتُ بها من بعدِ عشرينَ حجّةً فَلاَْياً عرفتُ الدار بعد توهُّمِ
فلمّا عرفتُ الدار قلت لربعها ألا أنعم صباحاً أيّها الربع وأسلمِ
ثمّ عاد بالذاكرة إلى الوراء يسترجع ساعة الفراق ، ويصف النساء اللاتي ارتحلن عنها ، فيتبعهنّ ببصره كئيباً حزيناً ، ويصف الطريق الّتي سلكنها ، والهوادج التي كنّ فيهاو . . . :
بكرن بكوراً واستحرنَ بسحره ... فهنّ ووادي الرسّ كاليدِ للفمِ
جعلن القنان عن يمين وحزنه ... وكم بالقنان من محلّ ومحرمِ
فلمّا وردنَ الماء زرقاً جمامه ... وضعْنَ عِصِيَّ الحاضرِ المتخيَّمِ
وفيهنّ ملهى للّطيف ومنظر ... أنيق لعين الناظر المتوسّمِ
وكأنّه حينما وصل إلى هذا المنظر الجميل الفتّان سبح به خاطره إلى جمال الخلق وروعة السلوك ، وحبّ الخير والتضحية في سبيل الأمن والاستقرار ، فشرع يتحدّث عن الساعين في الخير ، المحبّين للسلام ، الداعين إلى الإخاء والصفاء ، فأشاد بشخصين عظيمين هما هرم والحارث ، وذلك لموقفهما النبيل في إطفاء نار الحرب بين عبس وذبيان ، وتحمّلهما ديات القتلى من مالهما وقد بلغت ثلاثة آلاف بعير ، قال :
سعى ساعياً غيظ من مرّة بعدما ... تبزّل ما بين العشيرة بالدمِ
فأقسمت بالبيت الّذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهمِ
يميناً لنعم السّيّدان وُجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرمِ
تداركتما عبساً وذبيان بعدما ... تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشمِ(335/17)
وقد قلتما : إن ندرك السلم واسعاً ... بمال ومعروف من القول نسلمِ
فأصبحتما منها على خير موطن ... بعيدين فيها من عقوق ومأثمِ
ثمّ وجّه الكلام إلى الأحلاف المتحاربين قائلاً :
هل أقسمتم أن تفعلوا ما لاينبغي؟ لا تظهروا الصلح ، وفي نيّتكم الغدر; لأنّ الله سيدخره لكم ويحاسبكم عليه ، إن عاجلاً أو آجلاً ، يقول :
ألا أبلغ الأحلاف عنّي رسالة وذبيان هل أقسمتم كلّ مقسمِ
فلا تكتمنّ الله ما في صدوركم ليخفى ومهما يكتم اللهُ يعلمِ
يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر ليوم الحساب أو يعجّل فينقمِ
ثمّ انتقل من هذا المجال مجال النصح والتوجيه وتأكيد السلام إلى مجال الحكمة الإنسانية العامة ، حكمة الرجل المجرّب للحياة ، الذي ذاقها وخبرها وعاش في خضمّها ، ثمّ امتدّ به العمر فزهدها وانصرف عنها ، قال :
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومِهِ يُسْتَغْن عنهُ ويذمَمِ
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يُهَدَّمْ ، ومن لا يظلم الناسَ يُظْلَمِ
ومن لا يصانع في اُمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسمِ
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يَفُرْهُ ومن لا يتّقِ الشّتم يُشتَمِ
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناسِ تُعلَمِ
سئمتَ تكاليفَ الحياةِ ومن يعش ... ثمانين حولاً لا أبا لك يسأمِ
وأعلمُ ما في اليومِ والأمسِ قبلهُ ... ولكنّني من علم ما في غد عمِ
رأيتُ المنايا خبط عشواءَ من تُصب ... تمتْهُ ومن تُخطئ يعمّر فيهرمِ
ويختمها بتأكيد معروف الممدوحين عليه فيقول :
سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتمُ ومن يكثر التسآلَ يوماً سيحرمِ
عنترة بن شدّاد العبسي(335/18)
هو عنترة بن عمرو بن شدّاد بن عمرو... بن عبسي بن بغيض47، وأمّا شدّاد فجدّه لأبيه في رواية لابن الكلبي، غلب على اسم أبيه فنسب إليه، وقال غيره: شدّاد عمّه، وكان عنترة نشأ في حجره فنسب إليه دون أبيه، وكان يلقّب بـ (عنترة الفلحاء) لتشقّق شفتيه. وانّما ادّعاه أبوه بعد الكبر، وذلك لأنّه كان لأمة سوداء يقال لها زبيبة، وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من اُمّه استعبده.
وكان سبب ادّعاء أبي عنترة إيّاه أنّ بعض أحياء العرب أغاروا على قوم من بني عبس، فتبعهم العبسيّون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم، وعنترة فيهم، فقال له أبوه أو عمّه في رواية اُخرى: كرّ يا عنترة، فقال عنترة: العبد لا يحسِن الكرّ، إنّما يحسن الحلاب والصرّ، فقال: كرّ وأنت حرّ، فكرّ وقاتل يومئذ حتّى استنقذ ما بأيدي عدوّهم من الغنيمة، فادّعاه أبوه بعد ذلك، وألحق به نسبه48.
كان شاعرنا من أشدّ أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده، وكان لا يقول من الشعر إلاّ البيتين والثلاثة حتّى سابّه رجل بني عبس فذكر سواده وسواد اُمّه وسواد اُخوته، وعيّره بذلك، فقال عنترة قصيدته المعلّقة التي تسمّى بالمذهّبة وكانت من أجود شعره: هل غادر الشعراء من متردّمِ49 .
وكان قدشهد حرب داحس والغبراء فحسن فيها بلاؤه وحمد مشاهده.
أحبّ ابنة عمّه عبلة حبّاً شديداً، ولكنّ عمّه منعه من التزويج بها. وقد ذكرها في شعره مراراً وذكر بطولاتها أمامها، وفي معلّقته نماذج من ذلك.
وقد ذكر الأعلم الشنتمري في اختياراته من أشعار الشعراء الستة الجاهليين ص461 أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) حينما أنشد هذا البيت :
ولقد ابيتُ على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المأكلِ
قال(صلى الله عليه وآله): ما وصف لي أعرابي قط، فأحببتُ أن أراه إلاّ عنترة .
نماذج من شعره:
بكرت تخوّفني الحتوف كأنّني ... أصبحتُ عن عرضِ الحتوفِ بمعزلِ
فأجبتها إنّ المنيّة منهلٌ ... لابدّ أن اُسقى بذاك المنهلِ(335/19)
فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي ... أنّي امرؤٌ سأموتُ إن لم اُقتلِ
ومن إفراطه:
وأنا المنيّة في المواطن كلّها والطعنُ منّي سابقُ الآجالِ
وله شعر يفخر فيه بأخواله من السودان:
إنّي لتعرف في الحروب مواطني في آل عبس مشهدي وفعالي
منهم أبي حقّاً فهم لي والدٌ والاُمّ من حام فهم أخوالي50
قال الدكتور جواد علي: اِن صحّ هذا الشعر هو لعنترة دلّ على وقوف الجاهليين على اسم «حام» الوارد في التوراة على أنّه جدّ السودان، ولابدّ أن تكون التسمية قد وردت إلى الجاهليين عن طريق أهل الكتاب51.
وقد اختلف في موته، فذكر ابن حزم52 انّه قتله الأسد الرهيص حيّان بن عمرو بن عَميرة بن ثعلبة بن غياث بن ملقط. وقيل: إنّه كان قد أغار على بني نبهان فرماه وزر بن جابر بن سدوس بن أصمع النبهاني فقطع مطاه، فتحامل بالرميّة حتّى أتى أهله فمات53.
معلّقة عنترة العبسي
البحر: الكامل. عدد الأبيات : 80 بيتاً. 5 في الأطلال. 4 في بعد الحبيبة وأثره. 3 في موكب الرحلة. 9 في وصف الحبيبة. 13 في الناقة. 46 في الفخر الشخصي . . .
يبدأ عنترة معلّقته بالسؤال عن المعنى الذي يمكن أن يأتي به ولم يسبقه به أحد الشعراء من قبل، ثمّ شرع في الكلام فقال: إنّه عرف الدار وتأكّد منها بعد فترة من الشكّ والظنّ فوقف فيها بناقته الضخمة ليؤدّي حقّها ـ وقد رحلت عنها عبلة وصارت بعيدة عنه ـ فحيّا الطلل الّذي قدم العهد به وطال...
فيقول:
هل غادر الشعراء من متردّمِ ... أم هل عرفت الدار بعد توهُّمِ
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي ... وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
فوقفت فيها ناقتي وكأنّها ... فدن لأقضي حاجة المتلوّمِ
حُيّيتَ من طللِ تقادمَ عهدهُ ... أقوى وأقفر بعد اُمّ الهيثمِ
ولقد نزلت فلا تظنّي غيره ... منّي بمنزلةِ المحبّ المكرمِ
إن كنت أزمعت الفراق فإنّما ... زمّت ركابكمُ بليل مظلمِ
ما راعني إلاّ حمولة أهلها ... وسط الديار تسفّ حبّ الخمخَمِ
ثمّ سرد طرفاً من أسباب هيامه، فقال:(335/20)
إنّها ملكت شغاف قلبه بفم جميل، أبيض الأسنان طيّب الرائحة، يفوح العطر من عوارضه:
إذ تستبيك بذي غروب واضح عذب مقبّله لذيذ المطعمِ
ثمّ قارن بين حاله وحالها; فهي تعيش منعّمة، وهو يعيش محارباً، وتمنّى أن توصله إليها ناقة قويّة لا تحمل ولا ترضع وتضرب الآثار بأخفافها فتكسرها... فقال:
تمسي وتصبح فوق ظهر حشيّة ... وأبيت فوق سراة أدهم ملجمِ
وحشيتي سرج على عبل الشوى ... نهد مراكله نبيل المحزمِ
هل تبلغنّي دارها شدنيّة ... لعنت بمحروم الشرابِ مصوّمِ
ثمّ يتجّه بالحديث إلى الحبيبة يسرد أخلاقه وسجاياه قائلاً:
إن ترخي قناع وجهك دوني فإنّي خبير ماهر بمعاملة الفرسان اللابسين الدروع، وأنا كريم الخلق لين الجانب إلاّ إذا ظُلمت فعند ذلك يكون ردّي عنيفاً مرّاً:
إن تغدفي دوني القناع فإنّني ... طبّ بأخذ الفارس المستلئم
أثني عليّ بما علمت فإنّني ... سهل مخالقتي إذا لم اُظلمِ
فإذا ظُلمت فإنّ ظلمي باسل ... مرّ مذاقته كطعم العلقمِ
ثمّ يستمرّ البطل في وصف بطولته لحبيبته، فيحثّها أن تسأل عنه فرسان الوغى الّذين شهدوه في معترك الوغى وساحات القتال ليخبروها بأنّ لعنترة من الشجاعة ما تجعله لا يهاب الموت بل يقحم فرسه في لبّة المعركة، ويقاتل، وبعد الحرب ـ وكعادة الجيش المنتصر ـ فإنّ أفراده ينشغلون بجمع الغنائم، امّا هو فيده عفيفة عن أخذ الغنائم، فقتاله لا للغنيمة وإنّما لهدف أبعد وهو أن يكسب لقومه شرف الانتصار.
ويستمرّ في مدح نفسه فيذكر في شعره معان نبيلة، وهي معان ارتفعت عنده إلى أروع صورة للنبل الخلقي حتّى لنراه يرقّ لأقرانه الّذين يسفك دماءهم، يقول وقد أخذه التأثّر والانفعال الشديد لبطشه بأحدهم:
فشككت بالرمح الطويل ثيابَهُ ليس الكريم على القنا بمحرّمِ
فهو يرفع من قدر خصمه، فيدعوه كريماً، ويقول إنّه مات ميتة الأبطال الشرفاء في ساحة القتال.(335/21)
وكان يجيش بنفسه إحساس عميق نحو فرسه الّذي يعايشه ويعاشره حين تنال منه سيوف أعدائه ورماحهم، يقول مصوّراً آلامه وجروحه الجسديّة وقروحه النفسية:
فأزورّ من وَقْعِ القَنا بِلبَانهِ وشكا إليّ بعبرة وتَحَمْحُمِ
لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى ولكان لو عَلِمَ الكلامَ مكلِّمي
وكأنّما فرسه بضعة من نفسه.
ثمّ يختم قصيدته بأنّه يعرف كيف يسوس أمره ويصرف شؤونه، فعقله لا يغرب عنه، ورأيه محكم، وعزيمته صادقة، ولا يخشى الموت إلاّ قبل أن يقتصّ من غريمه:
ذلّل ركابي، حيث شئت مشايعي ... لبّي وأحفره بأمر مبرمِ
ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن ... للحرب دائرةٌ على ابني ضمضمِ
الشاتمَي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرَينِ إذا لم ألقِهِما دمي
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباعِ وكلّ نسر قشعمِ
الهوامش :
(1) العين للفراهيدي 1/162 تحقيق د . مهدي المخزومي و د . ابراهيم السامرائي ، ط لبنان 1988 .
(2) لسان العرب لابن منظور 9/362 . دار إحياء التراث العربي ـ ط1 بيروت 1988 .
(3) المصدر السابق ص359 .
(4) المعجم الأدبي د . جبّور عبدالنور ص257 ط دار العلم للملايين .
(5) العقد الفريد لابن عبد ربّه 6/118 ط دار الكتب العلمية بيروت ـ تح : د . عبدالمجيد الترحيني ـط1ـ 1404هـ . وانظر خزانة الأدب للحموي 1/61 ومقدّمة ابن خلدون : 511 وتاريخ آداب العربية لمصطفى صادق الرافعي 1833 .
(6) تاريخ الأدب العربي ـ العصر الجاهلي للدكتور شوقي ضيف : ص140 .
(7) العقد الفريد 6 : 119 .
(8) المزهر 2/480 وعبارته هي عين عبارة العمدة .
(9) خزانة الأدب 1 / 61.
(10) كما ذكره الرافعي في تأريخ آداب العربية 3/183 وغيره .
(11) المقدّمة : 511 .
(12) تأريخ آداب اللغة العربية 1/95 . ط دار مكتبة الحياة ـ بيروت .
(13) المصدر السابق .
(14) تاريخ آداب اللغة العربية ، جرجي زيدان 1/95 ط دار مكتبة الحياة ـ بيروت .
((335/22)
15) تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان 1/67 ترجمة د . عبدالحكيم النجّار .
(16) تاريخ الأدب العربي ـ العصر الجاهلي ص140 .
(17) المصدر السابق ص142 .
(18) تاريخ آداب العرب 3/183 .
(19) المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/516 وما بعدها .
(20) خزانة الأدب 1/124 .
(21) النقائض لأبي عبيدة 1/189 .
(22) الخصاص لابن جني 1/392 ـ 393 ، ولمزيد من التفصيل عليك بكتاب مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التأريخية للدكتور ناصر الدين الأسد ص134 وما بعدها . ط . دار الجيل بيروت ، وانظر أيضاً فصل الكتابة عند العرب قبل الإسلام من مكاتيب الرسول ج1 للشيخ الأحمدي الميانجي .
(23) ديوان حسّان بن ثابت ـ مخطوط بمكتبة أحمد الثالث ورقة 15 ـ 16 عند مصادر الشعر الجاهلي لناصر الدين الاسد .
(24) سيرة ابن هشام 1/375 ـ 376 .
(25) خزانة الأدب 3/162 .
(26) خزانة الأدب 3/162 .
(27) اُنظر تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان 1/67 .
(28) الشعر والشعراء ص27 ط ليدن 1902 .
(29) المصدر السابق : ص39 .
(30) الشعر والشعراء ص45 ـ 47 ، وعسيب : جبل هناك .
(31) الشعر والشعراء .
(32) نهج البلاغة ص556 حكمة 456 للدكتور صبحي الصالح .
(33) الشعر والشعراء ص52 .
(34) الاصابة في تمييز الصحابة 6 : 4 . ط دار الكتب العلمية ـ بيروت .
(35) اُسد الغابة 4 : 261 والإصابة 6 : 5 .
(36) المفصل 9 : 546 ـ 547 .
(37) الإصابة 6 : 5 .
(38) خزانة الأدب 2 : 252 ، تحقيق عبدالسلام هارون .
(39) الاصابة 6 : 5 .
(40) المفصل 9 : 553 .
(41) اُسد الغابة 6 : 262 .
(42) الإصابة 6 : 4 .
(43) المفصّل 9 : 550 ـ 551 .
(44) المفصّل 9 : 544 .
(45) شرح الشواهد للسيوطي 1 : 133 .
(46) الشعر والشعراء : 57 .
(47) الشعر والشعراء ص130.
(48) المفصل 9 : 558 .
(49) الشعر والشعراء ص131 ـ 132.
(50) الشعر والشعراء ص133 ـ 134.
(51) المفصّل 9/560.
(52) جمهرة أنساب العرب ص400.
((335/23)
53) المفصل 9: 561 عن أسماء المغتالين ص120 مخطوط
المصدر :
شبكة مشكاة الإسلامية
***********************
معلقة امرئ القيس
قَفَاَ نَبْكِ مِنْ ذِكُرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ ... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْ مَلِ ... 1
فَتُوِضحَ فَاْلِمقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا ... لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ ... 2
تَرى بَعَرَ الآرْآمِ فِي عَرَضَاتِها ... وقِيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ ... 3
كَأَنِّي غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا ... لَدَى سَمُراتِ الَحْيِّ نَاقِف حَنْظَلِ ... 4
وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ ... يقُولُونَ: لا تَهلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ ... 5
وإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهْراقَةٌ ... فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ ... 6
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحَوْ يرِثِ قَبْلَها ... وَجَارَتِها أُمِّ الرِّبابِ بِمَأْسَلِ ... 7
إِذَا قَامَتا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا ... نَسِيمَ الْصِّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا الْقَرَنْفُلِ ... 8
فَفَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً ... عَلى الْنَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي محْمَليِ ... 9
أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ ... وَلا سِيمَّا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ ... 10
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيِّتي ... فَيَا عَجَباً مِنْ كُورِهَا الُمتَحَمَّلِ ... 11
فَظَلَّ الْعَذَارَى يَرْتِمَينَ بِلَحْمِهَا ... وَشَحْمٍ كهُدَّابِ الدِّمَقْسِ الُمَفَّتلِ ... 12
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرِ خَدْرَ عُنَيْزَةٍ ... فَقَالَتْ لَكَ الْوَيْلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلي ... 13
تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الْغَبِيط بِنَامَعاً ... عَقَرْتَ بَعيري يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْزِلِ ... 14
فَقُلْتُ لَهَا سِيري وأرْخِي زِمَامَهُ ... وَلا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ اُلْمعَلَّلِ ... 15
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فَأَلهيْتُهَا عَنْ ذِي تَمائِمَ مُحْوِلِ ... 16(335/24)
إِذا ما بَكى مَنْ خَلْفِها انْصَرَفَتْ لهُ ... بِشِقٍّ وَتحْتي شِقّها لم يُحَوَّلِ ... 17
وَيَوْماً على ظَهْرِ الْكَثيبِ تَعَذَّرَتْ ... عَليَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ ... 18
أَفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلّلِ ... وَإِن كنتِ قد أَزْمعْتِ صَرْمي فأَجْمِلي ... 19
أغَرَّكِ منِّي أن حبَّكِ قاتِلي ... وَأَنَّكِ مهما تأْمري الْقلبَ يَفْعَلِ ... 20
وَإِنْ تَكُ قد ساء تك مِني خَليقةٌ ... فسُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ ... 21
وَما ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتضرِبي ... بِسَهْمَيْكِ في أَعْشارِ قلْبٍ مُقَتَّلِ ... 22
وَبَيْضةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِباؤُها ... تَمتَّعْتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعجَلِ ... 23
تجاوَزتُ أَحْراساً إِلَيْها وَمَعْشراً ... علّي حِراصاً لَوْ يسرُّونَ مقتَلي ... 24
إِذا ما الثّرَيَّا في السَّماءِ تَعَرَّضَتْ ... تَعَرُّضَ أَثْناءِ الْوِشاحِ الُمفَصَّلِ ... 25
فجِئْتُ وقد نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثيابَها ... لدى السّترِ إِلا لِبْسَةَ الُمتَفَضِّلِ ... 26
فقالتْ: يَمينَ اللهِ مالكَ حِيلَةٌ ... وَما إِنْ أَرى عنكَ الغَوايةَ تَنْجلي ... 27
خَرَجْتُ بها أَمْشي تَجُرِّ وَراءنَا ... على أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ ... 28
فلمَّا أَجَزْنا ساحَة الحيّ وَانْتَحَى ... بنا بطنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ ... 29
هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رأْسِهاَ فَتمايَلَتْ ... علّي هضِيمَ الْكَشْحِ رَيَّا الْمَخْلخَلِ ... 30
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضاءُ غيرُ مُفاضَةٍ ... ترائبُها مَصْقولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ ... 31
كَبَكْرِ الُمقاناةِ البَياضَ بَصُفْرَةٍ ... غذاها نَميرُ الماءِ غيرُ الُمحَلّلِ ... 32
تصُدّ وَتُبْدي عن أَسيلٍ وَتَتَّقي ... بناظرَةٍ من وَحشِ وَجْرَةَ مُطَفِلِ ... 33
وجِيدٍ كجِيدِ الرّئْمِ ليْسَ بفاحشٍ ... إِذا هيَ نَصَّتْهُ وَلا بمُعَطَّلِ ... 34
وَفَرْعٍ يَزينُ اَلمتنَ أَسْودَ فاحِمٍ ... أَثِيثٍ كَقِنْوِ النّخلةِ الُمتَعَثْكِل ... 35
غدائِرُه مُسْتَشْزِراتٌ إِلى العُلا ... تَضِلّ العِقاصُ في مُثَنَّى وَمُرْسَلِ ... 36(335/25)
وكَشْحٍ لطيفٍ كالجديل مُخَصَّرٍ ... وَسآَقٍ كاْنبوبِ السَّقيّ الُمذَلَّلِ ... 37
وتضحي فتيتُ المِسكِ فوقَ فراشها ... نؤُومَ الضُّحى لم تَنْتُطِقْ عن تفضُّل ... 38
وَتَعْطو برَخْصٍ غيرِ شَئْن كأنهُ ... أَساريعُ ظْبيٍ أوْ مساويكُ إِسْحِلِ ... 39
تُضيءُ الظَّلامَ بالعِشاءِ كأَنَّها ... مَنارَةُ مُمْسَى راهِبٍ مُتَبَتِّلِ ... 40
إِلى مِثْلِها يَرْنو الَحليمُ صَبابَةَ ... إِذا ما اسبَكَرَّتْ بينَ درْعٍ ومجْوَلِ ... 41
تَسَلَّتْ عَماياتُ الرِّجالِ عَنِ الصِّسبا ... وليسَ فُؤَادي عن هواكِ بُمنْسَلِ ... 42
أَلا رُبَّ خصْمٍ فيكِ أَلْوَى رَدَدْتُه ... نصيحٍ على تَعذا لهِ غيرِ مُؤتَلِ ... 43
وَليلٍ كمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدو لَهُ ... عليَّ بأَنْواعِ الُهمُومِ ليبْتَلي ... 44
فَقلْتُ لَهُ لَّما تَمَطَّى بصُلْبِهِ ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَناءَ بكَلْكَلِ ... 45
أَلا أَيُّها الَّليْلُ الطَّويلُ أَلا انْجَلي ... بصُبْحٍ وما الإِصْباحُ مِنكَ بأَمْثَل ... 46
فيا لكَ مِن لَيْلٍ كأَنَّ نُجومَهُ ... بأَمْراسِ كتَّانٍ إِلى صُمِّ جندَلِ ... 47
وَقِرْبَةِ أَقْوامٍ جَعَلْتُ عِصَامَها ... على كاهِلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّل ... 48
وَوَادٍ كجَوْفِ الْعَيرِ قَفْرٍ قطعْتُهُ ... بهِ الذئبُ يَعوي كالَخليعِ الُمعَيَّلِ ... 49
فقُلتُ لهُ لما عَوى: إِنَّ شأْنَنا ... قليلُ ألْغِنى إِنْ كنتَ لَّما تَموَّلِ ... 50
كِلانا إِذا ما نالَ شَيْئاً أَفاتَهُ ... وَمَنْ يْحترِث حَرْثي وحَرْثَك يهزِل ... 51
وَقَدْ أَغْتَدي والطَّيُر في وُكُناتِها ... بُمنْجَرِدٍ قَيْدِ الاوابِدِ هيْكلِ ... 52
مِكَر مِفَرِّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً ... كجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيْل من عَلِ ... 53
كُمَيْتٍ يَزِل الّلبْدُ عن حالِ مَتْنِهِ ... كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالُمَتَنِّزلِ ... 54
على الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كَأَنَّ اهتزامَهُ ... إِذا جاشَ فيهِ حميُهُ غَليُ مِرْجَلِ ... 55
مِسَحِّ إِذا ما السَّابحاتُ على الوَنَى ... أَثَرْنَ الْغُبارَ بالكَديدِ المرَكلِ ... 56(335/26)
يَزِلّ الْغُلامَ الخِفُّ عَنْ صَهَواتِهِ ... وَيُلْوي بأَثَوابِ الْعَنيفِ الُمثَقَّلِ ... 57
دَريرٍ كَخُذْروفِ الْوَليدِ أمَرَّهُ ... تَتابُعُ كفّيْهِ بخيْطٍ مُوَصَّلِ ... 58
لَهُ أَيْطَلا ظَبْي وسَاقا نَعامةٍ ... وَإِرْخاءُ سِرحانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ ... 59
ضليعٍ إِذا استَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ ... بضاف فُوَيْقَ الأَرْض ليس بأَعزَلِ ... 60
كأنَّ على الَمتْنَينِ منهُ إِذا انْتَحَى ... مَدَاكَ عَروسٍ أَوْ صَلايَةَ حنظلِ ... 61
كأنَّ دِماءَ الهادِياتِ بِنَحْرِهِ ... عُصارَةُ حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ ... 62
فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنَّ نِعاجَهُ ... عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيّلِ ... 63
فأَدْبَرْنَ كالجِزْعِ المَفصَّل بَيْنَهُ ... بِجِيدِ مُعَمِّ في الْعَشيرةِ مُخْوَلِ ... 64
فأَلحَقَنا بالهادِياتِ ودُونَهُ ... جَواحِرُها في صَرَّةٍ لم تُزَيَّلِ ... 65
فَعادى عِداءً بَيْنَ ثوْرٍ وَنَعْجَةٍ ... درَاكاً وَلَمْ يَنْضَحْ بِماءٍ فَيُغْسَلِ ... 66
فظَلَّ طُهاةُ اللّحْم من بَيْنِ مُنْضجِ ... صَفِيفَ شِواءٍ أَوْ قَدِيرٍ مُعَجَّلِ ... 67
وَرُحْنَا يَكادُ الطّرْفُ يَقْصُر دُونَهُ ... مَتَى مَا تَرَقَّ الْعَيْنُ فيهِ تَسَفّلِ ... 68
فَبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلِجامُهُ ... وباتَ بِعَيْني قائِماً غَيْرَ مُرْسَلِ ... 69
أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضَهُ ... كَلمْعِ الْيَدَيْنِ فِي حَبيِّ مُكلّلِ ... 70
يضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيحُ راهِبٍ ... أَمَالَ السَّلِيطَ بالذُّبَالِ الُمُفَتَّلِ ... 71
قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتي بَيْنَ ضَارِجٍ ... وَبَيْنَ الْعُذَيْبِ بَعْدَ مَا مُتَأَمَّلي ... 72
على قَطَن بالشَّيْم أيْمنُ صَوْتهِ ... وَأَيْسَرُهُ على الْسِّتَارِ فَيُذْبُلِ ... 73
فَأَضْحَى يَسُحُّ الْماءَ حوْلَ كُتَفْيَهٍ ... يَكُبُّ على الأذْقانِ دَوْجَ الكَنَهْبَلِ ... 74
وَمَرَّ على الْقَنّانِ مِنْ نَفَيَانِهِ ... فَأَنْزَلَ منْه العُصْمَ من كلّ منزِلِ ... 75(335/27)
وَتَيْماءَ لَمْ يَتْرُكْ بها جِذْعَ نَخْلَةٍ ... وَلا أُطُماً إِلا مَشِيداً بِجَنْدَلِ ... 76
كَأَنَّ ثَبيراً فِي عَرانِينِ وَبْلهِ ... كَبيرُ أْنَاسٍ فِي بِجَاد مُزَمَّلِ ... 77
كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ الُمجَيْمِرِ غُدْوَةً ... من السَّيْلِ وَالأَغْثَاءِ فَلْكَهُ مِغْزلِ ... 78
وَألْقَى بصَحراءِ الْغَبيطِ بَعاعَهُ ... نزُولَ اليماني ذي العِيابِ المحمَّلِ ... 79
كَأَنَّ مَكاكّي الجِواءِ غُدَيَّةً ... صُبِحْنَ سُلافاً من رَحيقٍ مُفَلْفَلِ ... 80
كانَّ الْسِّباعَ فِيهِ غَرْقَى عَشِيَّةً ... بِأَرْجَائِهِ الْقُصْوَى أَنَابِيشُ عُنْصُلِ ... 81
*********************
معلقة الأعشى
1. ... ودع هريرة إن الركب مرتحل . .. و هل تطيق وداعاً أيها الرجل
2. ... غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
3. ... كأن مشيتها من بيت جارتها .. . مر السحابة لا ريثٌ و لا عجل
4. ... تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت . .. كما استعان بريحٍ عشرقٌ زجل
5. ... ليست كمن يكره الجيران طلعتها .. . و لا تراها لسر الجار تختتل
6. ... يكاد يصرعها لولا تشددها ... إذا تقوم إلى جاراتها الكسل
7. ... إذا تلاعب قرناً ساعةً فترت ... و ارتج منها ذنوب المتن و الكفل
8. ... صفر الوشاح و ملء الدرع بهكنةٌ . .. إذا تأتى يكاد الخصر ينخزل
9. ... نعم الضجيع غداة الدجن يصرعها . .. للذة المرء لا جافٍ و لا تفل
10. ... هركولةٌ ، فنقٌ ، درمٌ مرافقها . .. كأن أخمصها بالشوك ينتعل
11. ... إذا تقوم يضوع المسك أصورةً .. . و الزنبق الورد من أردانها شمل
12. ... ما روضةٌ من رياض الحزن معشبةٌ .. خضراء جاد عليها مسبلٌ هطل
13. ... يضاحك الشمس منها كوكبٌ شرقٌ .. . مؤزرٌ بعميم النبت مكتهل
14. ... يوماً بأطيب منها نشر رائحةٍ .. . و لا بأحسن منها إذ دنا الأصل
15. ... علقتها عرضاً و علقت رجلاً .. . غيري و علق أخرى غيرها الرجل
16. ... و علقته فتاة ما يحاولها .. . و من بني عمها ميت بها وهل(335/28)
17. ... و علقتني أخيرى ما تلائمني .. . فاجتمع الحب ، حبٌ كله تبل
18. ... فكلنا مغرمٌ يهذي بصاحبه . .. ناءٍ و دانٍ و مخبولٌ و مختبل
19. ... صدت هريرة عنا ما تكلمنا ... جهلاً بأم خليدٍ حبل من تصل
20. ... أ أن رأت رجلاً أعشى أضر به .. . ريب المنون و دهرٌ مفندٌ خبل
21. ... قالت هريرة لما جئت طالبها .. . ويلي عليك و ويلي منك يا رجل
22. ... إما ترينا حفاةً لانعال لنا . .. إنا كذلك ما نحفى و ننتعل
23. ... و قد أخالس رب البيت غفلته . .. و قد يحاذر مني ثم ما يئل
24. ... وقد أقود الصبا يوماً فيتبعني . .. وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل
25. ... وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني . .. شاوٍ مشلٌ شلولٌ شلشلٌ شول
26. ... في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا . .. أن هالكٌ كل من يحفى و ينتعل
27. ... نازعتهم قضب الريحان متكئاً .. . و قهوةً مزةً راووقها خضل
28. ... لا يستفيقون منها و هي راهنةٌ .. . إلا بهات و إن علوا و إن نهلوا
29. ... يسعى بها ذو زجاجاتٍ له نطفٌ . .. مقلصٌ أسفل السربال معتمل
30. ... و مستجيبٍ تخال الصنج يسمعه . .. إذا ترجع فيه القينة الفضل
31. ... الساحبات ذيول الريط آونةً .. . و الرافعات على أعجازها العجل
32. ... من كل ذلك يومٌ قد لهوت به . . و في التجارب طول اللهو و الغزل
33. ... و بلدةٍ مثل ظهر الترس موحشةٍ ... للجن بالليل في حافاتها زجل
34. ... لا يتنمى لها بالقيظ يركبها . .. إلا الذين لهم فيها أتوا مهل
35. ... جاوزتها بطليحٍ جسرةٍ سرحٍ . في مرفقيها ـ إذا استعرضتها ـ فتل
36. ... بل هل ترى عارضاً قد بت أرمقه . .. كأنما البرق في حافاته شعل
37. ... له ردافٌ و جوزٌ مفأمٌ عملٌ . .. منطقٌ بسجال الماء متصل
38. ... لم يلهني اللهو عنه حين أرقبه ... و لا اللذاذة في كأس و لا شغل
39. ... فقلت للشرب في درنا و قد ثملوا شيموا و كيف يشيم الشارب الثمل
40. ... قالوا نمارٌ ، فبطن الخال جادهما . .. فالعسجديةٌ فالأبلاء فالرجل
41. ... فالسفح يجري فخنزيرٌ فبرقته . .. حتى تدافع منه الربو فالحبل(335/29)
42. ... حتى تحمل منه الماء تكلفةً .. . روض القطا فكثيب الغينة السهل
43. ... يسقي دياراً لها قد أصبحت غرضاً . ً تجانف عنها القود و الرسل
44. ... أبلغ يزيد بني شيبان مألكةً .. . أبا ثبيتٍ أما تنفك تأتكل
45. ... ألست منتهياً عن نحت أثلتنا .. . و لست ضائرها ما أطت الإبل
46. ... كناطح صخرةً يوماً ليوهنها ... فلم يضرها و أوهن قرنه الوعل
47. ... تغري بنا رهط مسعودٍ و إخوته ... يوم للقاء فتردي ثم تعتزل
48. ... تلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا ... أرماحنا ثم تلقاهم و تعتزل
49. ... لا تقعدن وقد أكلتها خطباً ... تعوذ من شرها يوماً و تبتهل
50. ... سائل بني أسدٍ عنا فقد علموا . .. أن سوف يأتيك من أبنائنا شكل
51. ... و اسأل قشيراً و عبد الله كلهم . .. و اسأل ربيعة عنا كيف نفتعل
52. ... إنا نقاتلهم حتى نقتلهم ... عند اللقاء و إن جاروا و إن جهلوا
53. ... قد كان في آل كهفٍ إن هم احتربوا . .. و الجاشرية من يسعى و ينتضل
54. ... لئن قتلتم عميداً لم يكن صدداً .. . لنقتلن مثله منكم فنمتثل
55. ... لئن منيت بنا عن غب معركةٍ . .. لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل
56. ... لا تنتهون و لن ينهى ذوي شططٍ . .. كالطعن يذهب فيه الزيت و الفتل
57. ... حتى يظل عميد القوم مرتفقاً . .. يدفع بالراح عنه نسوةٌ عجل
58. ... أصابه هندوانٌي فأقصده ... أو ذابلٌ من رماح الخط معتدل
59. ... كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم ... إنا لأمثالكم يا قومنا قتل
60. ... نحن الفوارس يوم الحنو ضاحيةً ... جنبي فطيمة لا ميلٌ و لا عزل
61. ... قالوا الطعان فقلنا تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشرٌ نزل
62 0 قد نخضب العير في مكنون فائله ... و قد يشيط على أرماحنا البطل
****************
معلقة الحارث بن حلزة اليشكري
آذَنَتْنا ببَيْنهِا أَسْمَاءُ ... ربَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ اُلْثَّوَاءُ ... 1
بَعْدَ عَهْدٍ لَنَا بِبُرْقَةِ شَمّا ... ءَ فَأَدْنَى دِيَارِهَا اٌلْخَلْصاءُ ... 2
فَالُمحَيَّاةُ فالصِّفاحُ فَأَعْنا ... قُ فِتَاقٍ فَعادِبٌ فَالْوَفَاءُ ... 3(335/30)
فَرِياضُ اُلْقَطَا فأوْدِيَةُ الشُّرْ ... بُبِ فالشُّعْبَتَانِ فالأَبْلاءُ ... 4
لا أرى مَنْ عَهِدْتُ فيهَا فأبكي اٌلْـ ... ـيَوْمَ دَلْهاً وَمَا يُحِيرُ اُلْبُكَاء ... 5
وَبِعَيْنَيْكَ أَوْقَدَتْ هِنْدٌ اُلْنَّا ... رَ أَخِيراً تُلْوِي بِها اُلْعَلْيَاءُ ... 6
فَتَنَوَّرْتُ نَارَهَا مِنْ بَعيدٍ ... بِخَزَازَى هَيْهاتَ منْكَ الصَّلاءُ ... 7
أوْقَدَتْها بَينَ اُلْعَقِيقِ فَشَخْصَيْـ ... نِ بِعُودٍ كما يَلُوحُ الضٍّيَاءُ ... 8
غَيْرَ أَنّي قَدْ أَسْتَعِينُ على اٌلَهْمٍّ ... إذا خَفَّ بالثَّوِيٍّ النٍّجاءُ ... 9
بِزَفُوفٍ كَأُنَّهَا هقْلَةٌ أُمُّ ... رئَالٍ دوِّيَّةٌ سَقْفاءُ ... 10
آنَسَتْ نَبْأَةَ وَأفزَعَها الْقُـ ... ـّناصُ عَصْراً وقَدْدَنَا الإِمْساءُ ... 11
فَتَرَى خَلْفَهَا مِنَ الرَّجْعِ وَالْوَ ... قْعِ مَنِيناً كأَنَّهُ إِهْبَاءُ ... 12
وَطِراقاً مِنْ خَلْفِهِنَّ طِراقٌ ... سَاقِطَاتٌ أَلْوَتْ بها الصَّحْراءُ ... 13
أَتَلَهَّى بها الَهوَاجِرَ إِذْ كُلَّ ابْـ ... ـنِ هَمٍّ بَلِيَّةٌ عَمْياءُ ... 14
وَأَتَانَا مِنَ الْحَوَادِثِ وَالأَنْبَا ... ءٍ خَطْبٌ نُعْنَى بِهِ وَنسَاءُ ... 15
إِنَّ إِخْوَانَنَا الأَرَاقِمَ يَغْلُو ... نً عَلَيْنا، في قِيلِهِمْ إِحْفاَءُ ... 16
يَخْلِطُونَ الْبَرِيءَ مِنَّا بذِي الذَّنْـ ... ـبِ وَلا يَنْفَعُ الْخَليَّ الْخَلاءُ ... 17
زَعَمَوا أَنَّ كُلَّ مَنْ ضَرَبَ الْعَيْـ ... ـرَ مُوَالٍ لَنَا وَأَنَّا الْوَلاءُ ... 18
أجْمَعُوا أمْرَهُمْ عِشَاءَ فلَمَّا ... أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لُهمْ ضَوْضَاءُ ... 19
مِنْ مُنادٍ وَمِنْ مُجِيبٍ وَمِنْ تَصْـ ... ـهالِ خَيْلٍ خِلالَ ذاكَ رُغَاءُ ... 20
أَيُّهَا النَّاطِقُ الُمرَقِّشُ عَنَّا ... عِنْدَ عَمْرٍو وَهَلْ لِذَاكَ بَقَاءُ ... 21
لا تَخَلْنَا على غَرَاتِكَ إنَّا ... قَبْلُ ما قَدْ وَشَى بِنَا الأعْدَاءُ ... 22
فَبَقِينا على الشَّنَاءَةِ تَنْمِيـ ... ـنا حُصُونٌ وَعِزَّةٌ قَعْساءُ ... 23(335/31)
قَبَلَ ما الْيَوْمِ بَيَّضَتْ بعُيُونِ النـ ... ـاسِ فيهَا تَغَيُّظٌ وَإِبَاءُ ... 24
وَكأَنَّ الَمنُونَ تَرْدِي بنَا أَرْ ... عَنَ جوْناً يَنْجَابُ عَنْهُ الْعَماءُ ... 25
مُكْفَهِرّاً على الَحوَادِثِ لا تَرْ ... تُوهُ للدَّهْرِ مُؤَيَّدٌ صَمَّاءُ ... 26
أَيُّما خُطَّةٍ أَرَدْتُمْ فَأَدُّوهَ ... ـا إِلَيْنَا تُشْفَى بها الأمْلاءُ ... 27
إِنْ نَبَشْتُمْ ما بَيْنَ مِلْحَةَ فَالصَّا ... قِبِ فِيهِ الأَمْوَاتُ وَالأحْياءُ ... 28
أَوْ نَقَشْتُمْ فالنَّقْشُ يجْشَمُهُ النَّا ... سُ وَفِيهِ الإِسْقَامُ وَالإِبْرَاءُ ... 29
أَوْسَكَتُّمْ عَنَّا فكُنَّا كَمنْ أَغْـ ... ـَمضَ عَيْناً في جَفْنِهَا الأَقذَاءُ ... 30
أَوْ مَنَعْتُمْ مَا تُسْأَلُونَ فَمنْ حُدِّ ... ئْتُمُوهُ لَهْ عَلَيْنَا الْعَلاءُ ... 31
هَلْ عَلِمْتُمُ أَيّامَ يُنتَهَبُ الْنا ... سُ غِوَاراً لِكُلِّ حَيِّ عُوَاءُ ... 32
إِذْ رَفَعْنَا الجِمالَ مِنْ سَعَفِ البَحْـ ... ـرَينِ سَيْراً حتَّى نَهاهَا الحِساءُ ... 33
ثم مِلْنا على تَميمٍ فأَحرَمْـ ... ـنا وَفِينا بَنَاتُ قَوْمِ إِمَاءُ ... 34
لا يُقيمُ الْعزِيزُ بالبَلَدِ السَّهْـ ... ـلِ وَلا يَنْفَعُ الذَّلِيلَ النَّجَاءُ ... 35
لَيْسَ يُنْجِي الّذِي يُوَائِلُ مِنا ... رَأُسُ طَوْدٍ وَحَرًَّةٌ رَجْلاءُ ... 36
فَملَكْنا بذلكَ النّاس حتّى ... مَلَكَ المنْذِرُ بنُ ماءِ السَّماءُ ... 37
مَلِكٌ أَضْرَعَ الْبَرِيَّةَ لا يُو ... جَدُ فِيها لِما لَدَيْهِ كِفَاءُ ... 38
فاْترُكوا الطَّيْخَ والتعاشِي وَإِمَّا ... تَتَعَاشَوْا فَفي التَّعاشِي الدَّاءُ ... 39
وَاذكُرُوا حِلْفَ ذي الَمجازِ وما قدِّ ... مَ فيهِ الْعُهُودُ وَالْكُفَلاءُ ... 40
حَذَرَ الَجوْرِ وَالْتَّعَدِّي وَهَلْ يَنْـ ... ـقُضُ ما في الَمَهارِقِ الأَهوَاءُ ... 41
وَاعْلَمُوا أَنَّنا وَإِيَّاكُمْ فِيـ ... ـمَا اشْتَرَطْنا يَوْمَ اخْتَلَفْنا سَوَاءُ ... 42
عَنَناً باطِلاً وَظُلْماً كما تُعْـ ... ـتَرُ عَنْ حُجْرَةِ الرَّبيضِ الْظِّباءُ ... 43(335/32)
أَعَلَيْنا جُناحُ كِنْدَةَ أَنْ يَغْـ ... ـنَمَ غازِيهِمُ وَمِنَّا الجَزَاءُ ... 44
أَمْ عَلَيْنا جَرَّى إِيَادٍ كما نِيـ ... ـطَ بِجَوْزِ الُمحَمَّلِ الأَعبَاءُ ... 45
أَمْ عَلَيْنا جَرَّى قُضاعَةَ أَمْ لَيْـ ... ـسَ عَلَيْنا فيما جَنَوْا أَنْدَاءُ ... 46
أَمْ جَنَايَا بَني عَتيقٍ فَإنَّا ... مِنْكُمُ إِنْ غَدَرْتُمْ بُرَآءُ ... 47
وَثَماُنون مِنْ تَمِيمٍ بِأَيْدِيـ ... ـهِمْ رِمَاحٌ صُدُورُهُنَّ الْقَضاءُ ... 48
ثمَّ جَاؤوا يَسْتَرْجعُونَ فَلَمْ تَرْ ... جِعْ لَهُمْ شَامَةٌ وَلا زَهْرَاءُ ... 49
لَيْسَ مِنَّا الُمَضَّربُونَ وضلا قَيْـ ... ـسٌ وَلا جَنْدَلٌ وَلا الحَذَّاءُ ... 50
تَرَكُوهُمْ مُلَحَّبِينَ وآبُوا ... بِنهَابٍ يَصُمُّ مِنْها الحُدَاءُ ... 51
أمْ عَلَيْنا جَرَّى حَنيفَةَ أَمْ مَا ... جَمَّعَتْ مِنْ مُحارِبٍ غَبْرَاءُ ... 52
لَمْ يُحِلوا بَني رِزَاحٍ بِبَرْقَا ... ءِ نِطاعٍ لَهُمْ عَلَيْهمْ دُعَاءُ ... 53
ثُمَّ فَاؤوا مِنْهُمْ بِقَاصَمةِ الظَّهْـ ... ـرِ وَلا يَبْرُدُ الْغَلِيلَ الَماءُ ... 54
مَا أَصَابُوا مِنْ تَغْلِبِّي فَمطُلو ... لٌ عَلَيْهِ إِذا أُصِيب الْعَفَاءُ ... 55
كَتَكاليفِ قَوْمِنا إِذْ غَزَا الُمْنـ ... ـذِ رُهَلْ نَحْنُ لاْ بنِ هِندٍ رِعَاءُ ... 56
إِذْ أَحَلَّ الْعَلْيَاءَ قُبَّةَ مَيْسُو ... نَ فَأدْنَى دِيَارِها الْعوصَاءُ ... 57
فَتَأَوَّتْ لَهُ قَرَاضِبَةٌ مِنْ ... كُلِّ حَيِّ كَأَنهُمْ أَلْقَاءُ ... 58
فَهدَاهُمْ بالأَسْوَدَيْن وَأَمْرُ اللّـ ... ـهِ بِلْغٌ تَشْقَى بِهِ الأَشْقيَاءُ ... 59
إذْ تَمَّنوْنَهُمْ غُرُوراً فَسَاقَتْـ ... ـهُمْ إِلَيْكُمْ أُمْنِيَّة أَشْراءُ ... 60
لَمْ يَغُرُّوكُمُ غُرُوراً وَلكِنْ ... رَفَعَ الآلُ شَخْصَهُم وَالْضَّحَاءُ ... 61
أَيُّها الناطِقُ الُمَبلِّغُ عَنا ... عندَ عَمْرٍو وَهَلْ لذَاكَ انْتِهَاءُ ... 62
إِنّ عَمراً لَنا لَدَيْهِ خِلالٌ ... غَيْر شَكِّ في كُلِّهنَّ البَلاء ... 63
مَلِكٌ مُقْسِطٌ وَأَفْضَلُ مَنْ يَمْ ... ـشي وَمِنْ دُونِ مَا لَدَيْهِ الثَّنَاءُ ... 64(335/33)
إِرَمِيٌّ بِمثْلِهِ جَالَتِ الْخَيْـ ... ـلُ وَتَأْبَى لَخصْمِهَا الإِجْلاءُ ... 65
مَنْ لَناِ عِندهُ مِنَ الَخْيْرِ آيا ... تٌ ثلاثٌ في كِّلهِنَّ الْقَضَاءُ ... 66
آيَةٌ شَارِقُ الْشَّقِيقَةِ إِذْ جَا ... ءَتْ مَعَدٌّ لِكُلِّ حَيِّ لِوَاءٌ ... 67
حَوْلَ قَيْسٍ مُسْتَلْئِمِين بَكَبْشٍ ... قَرَظِي كَأَنّهُ عَبْلاءُ ... 68
وصَيتٍ مِن الْعواتِكِ لا تَنـ ... ـهَاهُ إِلا مُبْيَضَّةُ رَعْلاءُ ... 69
فَرَددْنَاهُمُ بطعْنٍ كما يَخْـ ... ـرُجُ مِنْ خُرْبَةِ الَمزادِ الَماءُ ... 70
وحَمَلْنَاهُمُ على حَزْمِ ثَهْلا ... نَ شِلالاً وَدُمِّيَ الأَنْسَاءُ ... 71
وجَبَهْناهُمُ بطعْنٍ كما تُنْـ ... ـهَزُ في جَمَّةِ الطّوِيِّ الدِّلاءُ ... 72
وفَعلْنا بِهِمْ كما عَلَمِ اللهُ ... ومَا إِنْ للحَائِنينَ دِمَاءُ ... 73
ثُمَّ حُجْراً أَعْني ابنَ أُمِّ قَطامٍ ... ولَهُ فَارِسِيَّةٌ خَضْرَاءُ ... 74
أَسَدٌ في اللِّقاءِ وَرْدٌ هَمُوسٌ ... ورِبيعٌ إِنْ شَمَّرَتْ غَبْرَاءُ ... 75
وفَكَكْناُ غُلَّ امرِىءِ القيسِ عنْـ ... ـهُ بَعْدَما طَالَ حَبْسُهُ والْعناءُ ... 76
وأَقَدْنَاهُ رَبَّ غَسَّانَ بالُمنْـ ... ـذِرِ كَرْهاً إِذْا لا تُكالُ الدِّماءُ ... 77
وأَتَيْناهُمُ بِتِسْعَةِ أَمْلا ... كٍ كِرَامٍ أَسْلابُهُم أَغْلاءُ ... 78
ومَعَ الجَوْنِ جَوْنِ آلِ بَني الأَوْ ... سِ عَنُودٌ كأَنّها دَفُوَاءُ ... 79
مَا جَزٍعُنا تَحْتَ الْعُجاجَةِ إِذا وّلـ ... ـوا شِلالاً وَإِذْ تَلظَّى الصَّلاءُ ... 80
وَولَدْنا عَمْرو بنَ أُمِّ أُنَاسٍ ... مِنْ قَريبٍ لَما أَتَانا الحِبِاءُ ... 81
مثْلُها تُخْرِجُ النصيحةُ للقَوْ ... مِ فَلاةٌ مِنْ دُونِها أَفْلاءُ ... 82
ثُمَّ خَيْلٌ مِنْ بَعدِ ذاكَ الْغَلاّ ... قِ لا رأْفَةٌ وَلا إِبْقاءُ ... 83
وَهو الرَّبُّ والشَّهِيدُ على يَوْ ... مِ الِحيَارَينِ وَالْبلاء بَلاءُ ... 84
*****************
معلقة النابغة الذبياني
يا دارَ مَيّةَ بالعَليْاءِ فالسَّنَد ... أقْوَتْ وطَالَ عليها سالفُ الأبَدِ ... 1(335/34)
وقفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائِلُها ... عَيَّتْ جَوابًا وما بالرَّبعِ مِن أحَدِ ... 2
إلاّ الأواريَّ لأيًا ما أُبَيّنُهَا ... والنُّؤيُ كالحَوْضِ بالمَظلومَةِ الجَلَدِ ... 3
رُدَّتْ عليَهِ أقاصيهِ ، ولَبَّدَهُ ... ضَرْبُ الوليدةِ بالمِسْحاة ِ في الثَّأَدِ ... 4
خلَّتْ سَبيلَ أتيٍّ كانَ يَحبسُهُ ... ورَفَّعتْهُ إلى السَّجْفينِ فالنَّضَدِ ... 5
أمسَتْ خَلاءً وأمسَى أهلُها احْتمَلُوا ... أخْنَى عَليها الذي أخْنَى على لُبَدِ ... 6
فعَدِّ عَمَّا ترَى إذْ لا ارتِجاعَ لهُ ... وانْمِ القُتُودَ على عَيْرانةٍ أُجُدِ ... 7
مَقْذوفةٍ بدَخيس النَّحْضِ بازِلُها ... له صَريفٌ صَريفَ القَعْوِ بالمَسَدِ ... 8
كأنَّ رَحْلي وقد زالَ النّهارُ بنا ... يَومَ الجَليلِ على مُستأنِسٍ وحَدِ ... 9
مِن وَحشِ وَجرةَ مَوشيٍّ أكارِِعهُ ... طَاوِي المَصيرِ كَسِيفِ الصَّيقَلِ الفَرَدِ ... 10
سَرتْ عليه مِن الجَوزاءِ سَاريةٌ ... تُزجي الشَّمالُ عليهِ جامِدَ البَرَدِ ... 11
فَارتاعَ مِن صَوتِ كلابٍ فباتَ لهُ ... طَوْعَ الشَّوامتِ مِن خَوْفٍ ومِن صَرَدِ ... 12
وكانَ ضُمْرانُ مِنهُ حيثُ يُوزِعُهُ ... طَعنَ المُعارِكِ عند المَحجَرِ النَّجُدِ ... 13
شكَّ الفَريصةَ بالمِدْرَى فأنفَذَها ... طَعنَ المُبَيطِرِ إذ يَشفي مِن العَضَدِ ... 14
كأنّهُ خارجًا من جَنبِ صَفْحَتَهِ ... سَفُّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عِندَ مُفْتَأدِ ... 15
فظَلَّ يَعجَمُ أعلَى الرَّوْقِ مُنقبضًا ... في حَالكِ اللَّوْنِ صدقٍ غَيرِ ذي أوَدِ ... 16
لمَّا رأى واشقٌ إقعاصَ صاحبِهِ ... ولا سَبيلَ إلى عَقلٍ ولا قَوَدِ ... 17
قالتْ له النفسُ : إنِّي لا أرَى طَمعًا ... وإنَّ مَوْلاكَ لم يَسْلمْ ولم يَصِدِ ... 18
فَتلكَ تُبلِغُني النُّعمانَ أنَّ لهُ ... فضلاً على النَّاسِ في الأدنَى وفي البَعَدِ ... 19
ولا أرَى فاعِلاً في النَّاسِ يُشبِهُهُ ... ولا أُحاشِي مِن الأقْوَامِ من أحَدِ ... 20
إلاّ سُليمانَ إذ قالَ الإلهُ لهُ ... قًُمْ في البريَّةِ فاحْدُدْها عنِ الفَنَدِ ... 21(335/35)
وخيِّسِ الجِنَّ إنّي قد أَذِنْتُ لهمْ ... يَبْنُونَ تَدْمُرَ بالصُّفَّاحِ والعَمَدِ ... 22
فمَنْ أطاعَكََ فانفَعْهُ بطاعتهِ ... كما أطاعَكَ وادْلُلْهُ على الرَّشَّدِ ... 23
ومنْ عَصاكَ فعاقِبْهُ مُعاقَبَةً ... تَنْهَى الظَّلومَ ولا تَقعُدْ على ضَمَدِ ... 24
إلاّ لِمثْلِك َ، أوْ مَنْ أنتَ سَابِقُهُ ... سبقَ الجوادِ إذا اسْتَولَى على الأمَدِ ... 25
أعطَى لفارِهَةٍ حُلوٍ توابِعُها ... منَ المَواهِبِ لا تُعْطَى على نَكَدِ ... 26
الواهِبُ المائَةَ المعْكاءَ زيَّنَها ... سَعْدانُ توضِحُ في أوْبارِها اللِّبَدِ ... 27
والراكضَاتِ ذُيولَ الرَّيْطِ فَنَّقَها ... بَرْدُ الهَواجرِ كالغزلانِ بالجَردِ ... 28
والخَيلَ تَمزَغُ غربًا في أعِنَّتِها ... كالطَّيرِ تَنجو من الشُّؤْبوبِ ذي البَرَدِ ... 29
والأُدمُ قدْ خُيِّسَتْ فُتلاً مَرافِقُها ... مَشدودَةً برِحَالِ الحِيِرة ِ الجُدَدِ ... 30
واحْكمْ كَحُكمِ فَتاة ِ الحيِّ إذْ نَظَرتْ ... إلى حَمامِ شِراعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ ... 31
يَحفُّهُ جانبًا نيقٍ وتُتْبِعُهُ ... مِثلَ الزُّجاجَةِ لم تَكْحلْ من الرَّمَدِ ... 32
قالتْ ألا لَيْتَما هذا الحَمامُ لنا ... إلى حَمامَتِنا ونِصفُهُ فَقَدِ ... 33
فَحسَّبُوهُ فألْفَوْهُ كما حَسَبَتْ ... تِسعًا وتِسعينَ لم تَنقُصْ ولم تَزِدِ ... 34
فَكمَّلتْ مائةً فيها حَمامتُها ... وأسْرَعتْ حِسْبةً في ذلكَ العَدَدِ ... 35
فلا لَعَمْرُ الذي مَسَّحتُ كَعبتَهُ ... وما هُريقَ على الأنْصابِ من جَسَدِ ... 36
والمؤمنِ العائِذاتِ الطّيرَ تمسَحُها ... رُكْبانَ مكَّة َ بينَ الغَيْلِ والسَّعَدِ ... 37
ما إنْ أتيتُ بشَيءٍ أنتَ تَكْرهُهُ ... إذًا فلا رَفَعَتْ سَوْطي إليَّ يَدِي ... 38
إلاّ مقالة َ أقوامٍ شَقيتُ بها ... كانَتْ مقالَتُهُمْ قَرْعًا على الكَبِدِ ... 39
إذًا فَعاقبني ربِّي مُعاقبةً ... قَرَّتْ بها عَينُ منْ يأتيكَ بالفَنَدِ ... 40
هذا لأبرأَ مِنْ قَوْلٍ قُذِفْتُ بِهِ ... طَارَتْ نَوافِذُهُ حَرًّا على كَبِدي ... 41(335/36)
أُنْبِئْتُ أنَّ أبا قابوسَ أوْعَدَني ... ولا قَرارَ على زَأْرٍ منَ الأسَدِ ... 42
مَهْلاً فِداءٌ لك الأقوامِ كُلّهُمُ ... وما أُثَمِّرُ من مالٍ ومنْ وَلَدِ ... 43
لا تَقْذِفْني بِرُكْنٍ لا كَفاءَ لهُ ... وإنْ تَأثَّفَكَ الأعداءُ بالرَّفَدِ ... 44
فما الفُراتُ إذا هَبَّ الرِّياحُ لهُ ... تَرمي أواذيُّهُ العبْرَينِ بالزَّبَدِ ... 45
يَمُدُّهُ كلُّ وادٍ مُتْرَعٍ لَجِبٍ ... فيهِ رِكامٌ من اليَنْبوتِ والخَضَدِ ... 46
يظَلُّ مِن خَوفِهِ المَلاَّحُ مُعتَصِمًا ... بالخَيْزرانَةِ بَعدَ الأيْنِ والنَّجَدِ ... 47
يومًا بِأجْوَدَ منهُ سَيْبَ نافِلَةٍ ... ولا يَحُولُ عَطاءُ اليومِ دونَ غَدِ ... 48
هذا الثَّناءُ فإنْ تَسمَعْ به حَسَنًا ... فلم أُعرِّض أبَيتَ اللّعنَ بالصَّفَدِ ... 49
ها إنَّ ذي عِذرَة ٌ إلاَّ تكُنْ نَفَعَتْ ... فإنَّ صاحبَها مُشاركُ النَّكَدِ ... 50
**********************
معلقة زهير بن أبي سلمة
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَي دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ ... بِحَوْمَانَةِ الدَّرَّاجِ فَالُمتَثَلّمِ ... 1
وَدَارٌ لها بالرَّقْمتَيْنِ كأَنَّهَا ... مَرَاجِيعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمِ ... 2
بِهَا الْعَيْنُ وَالأَرْآمُ يْمَشِينَ خِلْفَةً ... وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ ... 3
وَقَفْتُ بِهَا من بعْدَ عِشْرِينَ حِجَّةً ... فَلأْياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ ... 4
أَثَافِي سُفْعًا فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ ... وَنُؤْياً كَجِذْمِ الْحوْضِ لم يتَثَلَّمِ ... 5
فَلَمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَا ... أَلا أنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَمِ ... 6
تَبَصَّر خَلِيلي هَلْ تَرَى من ظَعائِنٍ ... تَحَمَّلْنَ بالعَلْيَاءِ من فَوْقِ جُرْثُمِ ... 7
جَعَلْنَ الْقنانَ عَنْ يَمينٍ وَحَزْنَهُ ... وكَمْ بِالقنانِ مِن مُحِلِّ وَمُحْرِمِ ... 8
عَلَوْنَ بأَنْماطٍ عِتَاقٍ وَكِلَّةٍ ... ورَادٍ حَوَاشِيهَا مُشَاكهةَ الدَّمِ ... 9(335/37)
وَوَرَّكْنَ فِي الْسُّوبانِ يَعْلُونَ مَتْنَهُ ... عَلَيْهِنَّ دَلُّ النَّاعِمِ المتَنَعِّمِ ... 10
بَكًرْنَ بُكُوراً وَاسْتَحَزْنَ بِسُحْرةٍ ... فَهُنَّ وَوَادِى الرَّسِّ كاليَدِ لِلْفَمِ ... 11
وَفيهِنَّ مَلْهَىً لَّلطِيفِ وَمَنْظَرٌ ... أَنِيقٌ لِعَيْنِ الْنَّاظِرِ الُمتَرَسِّمِ ... 12
كَأَنَّ فتَاتَ الْعِهْنِ في كلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ بهِ حَبُّ الْفَنَا لم يحَطمِ ... 13
فَلَمَّا وَرَدْنَ الَماءَ زُرْقاً جِمَامُهُ ... وَضَعْنَ عِصِيّ الْحَاضِرِ الُمتَخَيِّمِ ... 14
ظَهَرْنَ مِنَ السُّوبانِ ثُمَّ جَزْعْنَهُ ... على كلِّ قَيْنيِّ قَشِيبٍ وَمُفْأَمِ ... 15
فَأَقْسَمْتُ بالبَيْتِ الّذِي طافَ حوْلَهُ ... رِجالُ بَنَوْهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرْهُمِ ... 16
يَميناً لَنِعْمَ الْسَّيِّدانِ وُجِدْتَما ... على كلِّ حالٍ من سَحيلٍ وَمُبْرَمِ ... 17
تَدَارَ كُتما عَبْساً وَذُبْيَانَ بَعْدمَا ... تَفَانَوْا وَدُّقوا بَيْنَهُمْ عِطْر مَنْشِمِ ... 18
وقَدْ قُلْتُما: إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ واسِعاً ... بمالٍ ومَعْروفٍ من الْقَوْلِ نَسْلَمِ ... 19
فَأَصْبَحْتُما منها على خَيرِ مَوْطِنٍ ... بَعِيدَيْن فيها مِنْ عُقُوقٍ ومَأْثَمِ ... 20
عَظِيمْينِ فِي عُلْيَا مَعدِّ هُديِتُما ... ومَنْ يَسْتَبِحْ كنزاً من الَمجدِ يَعْظُمِ ... 21
تُعَفَّى الكُلُومُ بالِمئينَ فأصْبَحَتْ ... يُنَجِّمُهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِمُجْرِمِ ... 22
يُنَجِّمُهَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرامَةً ... وَلم يُهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَمِ ... 23
فأصْبَحَ يَجَرِي فيهمُ منِ تلادِكُمْ ... مَغَانمُ شَىَّ مِنْ إِفَالٍ مُزَنّمِ ... 24
أَلا أَبْلِغِ الأَحْلافَ عني رِسَالَةً ... وَذُبيَانَ هل أَقْسَمْتُم كلَّ مُقْسَمِ ... 25
فَلا تَكْتُمُنَّ اللهَ ما في نُفُوسِكمْ ... لِيَخْفَى ومَهْما يُكْتمِ اللهُ يَعْلَمِ ... 26
يُؤَخَّرْ فيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ ... لِيَوْمِ الحِسابِ أَوْ يُعَجَّلْ فيُنْقَمِ ... 27(335/38)
وَمَا الحَرْبُ إِلا ما عَلِمْتُم وَذُقْتُمُ ... ومَا ُهَو عَنْهَا بالحَديثِ الُمرَجَّمِ ... 28
مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةً ... وَتَضْرَ إِذا ضَرَّيْتُمُوها فَتَضْرَم ... 29
فَتَعْرُكُكْم عرْكَ الرّحى بثِقالها ... وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ ... 30
فَتُنْتِجْ لَكُمْ غلْمانَ أَشأَمَ كّلهمْ ... كأَحْمَرِ عادٍ ثمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ ... 31
فتُغْلِلْ لكُمْ مَا لا تُغِلُّ لأهْلِهَا ... قُرًى بالعرَاقِ من قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ ... 32
لَعَمْرِي لَنِعْمَ الحَيِّ جَرَّ عليهِمُ ... بمالا يُؤاتِيهمْ حَصينُ بنُ ضَمضمِ ... 33
وكانَ طوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنّةِ ... فَلا هُوَ أَبْداها ولَمْ يَتَقَدَّمِ ... 34
وقَالَ سأقْضِي حاجتي ثُمَّ أَتَّقِي ... عَدُوِّي بأَلْفٍ مِنْ وَرَائِيَ مُلَجَمِ ... 35
فَشَدَّ فَلَمْ يُفْزِعْ بُيُوتاً كثيرةً ... لدى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَها أَمُّ قَشْعَمِ ... 36
لدى أَسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ ... لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ ... 37
جَرِيءِ مَتى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظْلمِهِ ... سَريعاً، وَإِلا يُبْدَ بالظلمِ يَظْلِمِ ... 38
دعوا ظِمأَهْم حتَّى إِذا تَم أوْرَدُوا ... غِماراً تَفَرَّى بالسِّلاحِ وبالدَّمِ ... 39
فَقَضَّوا مَنايا بَيْنَهُم ثمَّ أَصْدَروا ... إِلى كلإِ مُسْتَوْبِلٍ مُتَوَخِّمِ ... 40
لَعَمرُكَ ما جَرَّتْ عَلَيْهِمْ رِمَاحُهمْ ... دَمَ ابْنِ نَهِيكٍ أَوْ قَتِيلِ الُمثَلّمِ ... 41
وَلا شَاركَتْ في الَموْتِ فِي دَمِ نَوْفَل ... وَلا وَهَبِ مِنْها وَلا ابنِ الُمَخَّزمِ ... 42
فكُلاَّ أَرَاهُمْ أَصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ ... صَحِيحاتِ مالٍ طالِعاتٍ بِمَخْرِمِ ... 43
لِحَيِّ حِلالٍ يَعصِمُ الْنَّاسَ أَمْرُهُمْ ... إِذَا طَرَقَتْ إِحْدى اللَّيالي بُمعْظَمِ ... 44
كِرامٍ فَلاذُو الضِّغْنِ يُدْرِكُ تَبْلَهُ ... وَلا الَجارِمُ الجَاني عَلَيْهم بُمسْلَمِ ... 45
سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ ... ثَمانِينَ حَولاً لا أَبا لَكِ يَسأمِ ... 46(335/39)
وَأَعْلَمُ مَا فِي الْيَوْمِ وَالأَمْسِ قَبْلَهُ ... وَلكِنَّني عن عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ ... 47
رَأَيْتُ الَمنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَن تُصِبْ ... تُمِتْهُ وَمِنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ ... 48
وَمَنْ لم يُصانِعْ في أْمُورٍ كَثِيرَةٍ ... يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمِ ... 49
وَمَنْ يَجْعلِ المعْروفَ مِن دُونِ عِرْضِهِ ... يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ ... 50
وَمَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بفَضلِهِ ... على قَوْمِهِ يُسْتَعْنَ عنْهُ وَيُذْمَمِ ... 51
وَمَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ وَمن يُهدَ قلبُهُ ... إِلى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لا يَتَجَمْجمِ ... 52
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الَمنَايَا يَنَلْنَهُ ... وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ ... 53
وَمَنْ يَجْعَلِ الَمعْرُوفَ في غَيْرِ أَهْلِهِ ... يَكُنْ حَمْدُهُ ذَمّاً عَلَيْهِ وَيَنْدَمِ ... 54
وَمَن يَعْضِ أَطْرَافَ الزِّجاج فإِنَّهُ ... يُطيعُ الْعَواِلي رُكِّبَتْ كلَّ لَهْذَمِ ... 55
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاِحهِ ... يُهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظلمِ الْنّاسَ يُظَلمِ ... 56
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عدُوَّا صَدِيقَهُ ... وَمَنْ لَمْ يُكَرِّمْ نَفْسَهُ لم يكَرَّمِ ... 57
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِىءِ مِنْ خْلِيقَةٍ ... وَإِنْ خَالَها تَخْفَى على النّاسِ تُعْلَمِ ... 58
وكائنْ تَرَى من صامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ ... زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلّمِ ... 59
لسانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فؤَادُهُ ... فلَمْ يَبْقَ إِلا صورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ ... 60
وَإِنَّ سَفَاهَ الْشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ ... وَإِنَّ الْفَتَى بَعْدَ الْسَّفَاهَةِ يَحْلُمِ ... 61
سأَلْنا فَأَعْطَيْتُمْ وَعُدْنَا فَعُدْتُمْ ... وَمَنْ أَكْثَرَ التّسآلَ يَوماً سَيُحْرَمِ ... 62
******************
معلقة طرفة بن العبد
لخِولة أَطْلالٌ بِيَرْقَةِ ثَهْمَدِ ... تَلُوحُ كَبَاقي الْوَشْمِ في طَاهِرِ الْيَدِ ... 1(335/40)
وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مطِيَّهُمْ ... يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسَىً وَتَجَلَّدِ ... 2
كأنَّ حُدُوجَ الَمْالِكِيَّةِ غُدْوَةً ... خَلا يا سَفِين بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ ... 3
عَدُو لِيَّةٌ أَوْ مِنْ سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ ... يَجُوز بُهَا الْمّلاحُ طَوراً وَيَهْتَدِي ... 4
يَشُقُّ حَبَابَ الَماءِ حَيْزُ ومُها بها ... كما قَسَمَ التِّرْبَ الْمَفايِلُ باليَدِ ... 5
وفِي الَحيِّ أَخْوَى يَنْفُضُ المرْ دَشادِنٌ ... مُظَاهِرِ سُمْطَيْ لُؤْلؤٍ وَزَبَرْجَدِ ... 6
خَذُولٌ تُراعي رَبْرَباً بِخَميلَةٍ ... تَنَاوَلُ أَطْرَافَ الَبريرِ وَتَرْتَدِي ... 7
وَتَبْسِمُ عَنْ أَلْمى كأَنَّ مُنَوّراً ... تَخَلَّلَ حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٍ لَهُ نَدِ ... 8
سَقَتْهُ إِيَاُة الشَّمْس إِلا لِثَاتِهِ ... أُسِفّ وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمدِ ... 9
وَوَجْهٌ كأنَّ الشَّمْسَ أَلفَتْ رِداءَهَا ... عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ ... 10
وَإِني لاُ مْضِي الَهمَّ عِنْدَ احْتِضَارِهِ ... بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي ... 11
أَمونٍ كأَلْوَاحِ الإِرانِ نَصَأتُها ... على لاحِبٍ كأَنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ ... 12
جَمَاِليَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدي كَأنَّها ... سَفَنجَةٌ تَبْري لأَزْعَرَ أَرْبَدِ ... 13
تُبارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبَعَتْ ... وَظيفاً وَظيفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّرِ ... 14
تَرَبَّعَتِ الْقُفّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي ... حَدَائِقَ مَوْليَّ الاسِرَّةِ أَغْيَدِ ... 15
تَرِيعُ إِلىَ صَوْتِ الُمهِيبِ وَتَتَّقي ... بذي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ ... 16
كَأنَّ جنَاحَيْ مَضْرَ حيِّ تَكَنَّفَا ... حِفا فيهِ شُكّا في العَسِيبِ بِمسْرَدِ ... 17
فَطَوْراً بهِ خَلْفَ الزّميلِ وَتَارَةً ... على حَشَفٍ كالشَّنّ ذاوٍ مُجَدَّدِ ... 18
لها فَخِذَانِ أُكمِلَ النَّحْضُ فيهما ... كأنّهما بابا مُنيفٍ مُمَرَّدِ ... 19
وَطَيِّ مُحالٍ كالَحنيّ خُلُوفُهُ ... وَأجْرِنَةٌ لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ ... 20(335/41)