ومشهورته وما بقي مثل هذه الأيام المباركة والأوقات السعيدة ولم يبق سوى انتهاز الفرص واغتنام أوقات السعادة وهو الحاضر والنائب عنا في كل ما يحصل من المصالح العائد نفعها على البلاد والعباد
والمبادرة إلى عملها من غير معاودة الآراء الشريفة في كل قضية تتفق له فإن المسافة بيننا وبينه بعيدة وتضيع المصلحة في وصول الخطاب وعود الجواب
وقد فوضنا إليه الرأي في ذلك والعمل بما تقتضيه المصلحة الحاضرة في جليل الأمور ودقيقها فيكون ذلك على خاطره الكريم ويعمل بمقتضاه
وقد أعدنا مملوكه بهذا الجواب فيحيط علمه بذلك
وهذه نسخة مكاتبة في معنى الرضا عن ابن دلغادر التركماني وغير ذلك وتبدي لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمة وردت على يد فلان الدين فلان مملوكه فوقفنا عليها وعلمنا ما تضمنته
فأما ما ذكره في معنى ابن دلغادر وتكرار كتبه بالتصريح والترامي عليه في سؤال الصدقات الشريفة في الرضا والعفو عنه فقد علمنا ذلك والذي نعرف به المقر الكريم أنا كنا رسمنا بأن لا يكتب له جواب ورد كتابه وقاصده ولما تكرر استشفاعه بالمقر الكريم ودخل دخول الحريم وعرفنا أنه ضاقت عليه الأرض برحبها وأخلص في الندم عطفت عليه الصدقات الشريفة بالحنو والعفو كرامة (7/230)
للمقر الكريم وإعلاء لشأنه ورفعا لمكانته ومكانه
ورسمنا للمقر الكريم أن يكاتب المذكور بهذا المعنى ويلتزم على نفسه العفو الشريف والصفح المنيف وإيصال أنواع الخير وفوق ما في خاطره من الأمان على نفسه وماله وغير ذلك
والذي نعرفه أنه كان جرى على اللسان الشريف الحلف أنه لا بد من حضوره إلى الأبواب الشريفة ودوس البساط الشريف ولا بد من تحقيق ذلك لحصول البر والخلاص من الحلف الشريف وقيام الناموس عند القريب والبعيد ليعلموا أن سلطاننا غالب على من تمرد ومراحمنا شاملة لمن يلتجيء إلى حرم عفونا الشريف وأنه قريب منه
وأما ما ذكره في معنى كشف الصفقة الفلانية ووقوع الاختيار على فلان الدين فلان وما عرضه على الآراء الشريفة من تقريره في ذلك وبروز المراسيم الشريفة بكتابة مرسومه وتقرير غيره فقد علمنا ذلك ورسمنا بتقريره وكتبنا مرسومه الشريف وجهزناه على يد فلان العائد بهذا الجواب الشريف
وأما ما ذكره من جهة الزاوية المستجدة بشقحب وتجهيز قائمة متضمنة بما تدعو الضرورة إليه من تقرير السماط وأرباب الوظائف وما عرضه على الآراء الشريفة من كتابة مرسوم شريف مربع على حكمها أو بما تقتضيه الآراء الشريفة من زيادة أو نقص فقد علمنا ذلك ورسمنا به حسب ما اقتضته الآراء الشريفة من استقرار فلان الدين فلان في الولاية في الثغر المذكور فقد علمنا ذلك ورسمنا به وكتبنا مرسومه الشريف وجهزناه على يد العائد بهذا الجواب (7/231)
الشريف
فالمقر الكريم يوصيه بحسن السيرة وترك ما كان عليه
وأما ما ذكره من جهة خفارة الجهة الفلانية وما عرضه على الآراء الشريفة من إمضاء القائمة المجهزة بأسماء من قرره في الخفر المذكور فقد علمنا ذلك ورسمنا بإمضائه حسب ما قصده المقر الكريم
وأما ما ذكره من جهة فلان المعتقل بقلعة دمشق ووقوف أولاده وعياله وشكواهم حالهم بعد كشف ما نقل عنه وعدم صحته وما عرضه على الآراء الشريفة من الإفراج عنه فقد علمنا ذلك ورسمنا به فيتقدم أمر المقر الكريم بالإفراج عنه
وأما ما ذكره في معنى ما ورد به كتاب النائب بالرحبة المحروسة من الأخبار والمتجددات فقد علمنا وصار على خواطرنا الشريفة
وأما ما ذكره من وصول قاصدي حاكم الدربند وحاكم القنيطرة بما على أيديهما وتجهيز ما ورد معهما من الكتب واستئذان الآراء الشريفة على ما نعتمده في أمرهما وفيمن يحضر بعدهما فقد علمنا ذلك وكتبنا الجواب عن ذلك وجهزناه قرين هذا الجواب الشريف فيتقدم بإعادتهما إلى مرسلهما
وكذلك يفعل في كل من حضر من تلك النواحي إلا في مهم شريف على عوائد هممه
وقد أعدنا مملوكه إليه بهذا الجواب الشريف فيحيط علم المقر الكريم بذلك (7/232)
مكاتبة أخرى من هذا النمط في معنى أمور مختلفة
وتبدي لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمة وردت على يد المجلس السامي الأميري فلان
فوقفنا عليها وعلمنا ما تضمنته على الصورة التي شرحها
فأما ما أشار إليه من وصوله إلى دمشق المحروسة عائدا من الأغوار السعيدة وأنه وجدها وسائر أعمالها وضواحيها والسواحل والمواني في حرز الأمن والسلامة فقد علمنا ذلك وحمدنا الله تعالى وشكرناه على ذلك
وأما ما أشار إليه من أنه جهز من متحصل دار الضرب السعيدة بدمشق المحروسة كذا وكذا مثقالا بمقتضى رسالة وما قصد من إعادة رجعة شريفة بذلك فقد علمناه ووصل المبلغ المذكور وكتب به رجعة شريفة على العادة في مثل ذلك وجهزت على يد فلان المشار إليه فيكون ذلك على خاطره الكريم
وأما ما ذكره من أمر النحاس وقلته من عدم وصول شيء منه وأنه لم يوجد منه بعد الجهد سوى سوى مبلغ عشرين قنطارا عند الفرنج وأمر الفلوس العتق وبقائها وكثرة الفلوس الجدد وقلة وجود الدرهم والدينار وتوقف المعايش بسبب ذلك وما عرضه على الآراء الشريفة إن اقتضت الآراء الشريفة إبطال دار (7/233)
الضرب نحو شهرين إلى أن يحضر نحاس يستعمل وتخف الفلوس ويستصرف ما في أيدي الناس فقد علمنا ذلك وأجبنا سؤاله فيه
ومرسومنا أن يعمل فيه بما تكون به المصلحة عامة للرعية وتبطيل دار الضرب مدة يراها المقر الكريم
وأما ما أشار إليه من أمر الأمير فلان وما قصده من حسن النظر الشريف في حاله وما شرحه من ذلك فقد علمناه على الصورة التي شرحها وصار ذلك على الخواطر الشريفة
وأما ما أشار إليه من أمر فلان وما اتفق من الكشف عليه حسب ما اقتضته المراسيم الشريفة وما ادعى عليه من كذا وكذا وما كتب عليه من المحاضر وتجهيزها إلى الأبواب الشريفة وتجهيز المشار إليه إلى الأبواب الشريفة صحبة البريدي المجهز في طلبه في أثناء ذلك فقد علمنا ذلك على الصورة التي شرحها وأحاطت العلوم الشريفة به جملة وتفصيلا وبما اشتملت عليه المحاضر المذكورة وبقي ذلك على الخواطر الشريفة واقتضت الآراء الشريفة إعادته ومن معه للخلاص من شكاته عند المقر الكريم وقد أعدناهم صحبة من يحضر بهم إلى المقر الكريم ليكشف عليه وتنظم المحاضر وتجهز
وأما ما أشار إليه من تجهيز وتعريف الحسبة بالأسعار عن البر الفلاني على العادة في ذلك إلى الأبواب الشريفة فقد علمنا ذلك ووصل ما جهزه من ذلك وأحاطت العلوم الشريفة بما اشتمل عليه وشكرنا همة المقر الكريم وسعيد تقدماته وجميل اعتماداته
وقد أعدنا الأمير فلانا بالجواب الشريف فيحيط علمه بذلك
قلت وعلى ذلك يقاس ما يكتب به إلى سائر النواب بالشام والديار المصرية (7/234)
فمن دونهم ممن جرت العادة بمكاتبته من الأبواب السلطانية في الابتداء والجواب
المأخذ الثاني في معرفة أوضاع هذه المكاتبات
أول ما يجب من ذلك معرفة قطع الورق الذي يكتب فيه
وقد سبق في المقالة الثالثة في الكلام على قطع الورق بيان مقادير قطعه وأن من جملتها قطع العادة وهو القطع الصغير
وفي هذا القطع تكتب عامة المكاتبات المتقدمة مما يكتب به لأرباب السيوف والأقلام بمصر والشام على اختلاف مقاديرهم وتباين مراتبهم في الرفعة والضعة خلا ما تقدم ذكره من أنه كتب إلى والدة السلطان الأشرف شعبان بن حسين في قطع الشامي الكامل
وقد تقدم هناك أن الكتابة في قطع العادة جملة تكون بقلم الرقاع
فتكون كتابة جميع هذه المكاتبات به
ثم أول ما يكتب الكاتب في المكاتبة التعريف بالمكتوب إليه وهو أن يكتب في رأس الدرج من وجه الوصل من أوله من الجانب الأيمن إلى فلان
ويكتب على سمته في الجانب الأيسر بسبب كذا وكذا
ويكتب في وسطهما على سمتهما التعريف بالعلامة التي تكتب
فإن كانت العلامة الاسم كتب الاسم الشريف
وإن كانت بالأخوة كتب أخوه
وإن كانت بالوالدية كتب والده
ثم يقلب الدرج فيكتب على ظاهره عنوان المكاتبة في أسفل ما كتب عليه في رأس الورق باطنا من أول عرض الدرج إلى آخر ألقاب المكتوب إليه
ويقلب الدعاء المبتدأ به في المكاتبة فيدعو به في آخر الألقاب
ثم يخلي بياضا ويكتب تعريف المكتوب إليه من نيابة سلطنة أو ولاية أو اسم أو غير ذلك وتكون الأسطر متقاربة متلاصقة
فإن كان المكتوب إليه النائب الكافل مثلا كتب في العنوان المقر الكريم العالي الأميري الكبيري إلى آخر ألقابه
فإذا انتهى إلى آخر الألقاب كتب أعز الله تعالى أنصاره
ثم يترك بياضا ويكتب كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى بحيث ينتهي آخر كتابه ذلك إلى آخر السطر (7/235)
وإن كان المكتوب إليه كافل السلطنة بالشام كتب المقر الكريم إلى آخر الألقاب أعز الله تعالى أنصاره ثم يترك البياض المذكور ثم يكتب كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس
وإن كان المكتوب إليه نائب السلطنة بحلب كتب الجناب الكريم إلى آخر ألقابه أعز الله تعالى نصرته ثم يترك بياضا ويكتب نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة
وإن كان المكتوب إليه نائب الإسكندرية أو نائب طرابلس أو نائب حماة أو نائب صفد كتب الجناب العالي إلى آخر ألقابهم ضاعف الله تعالى نعمته ثم يترك بياضا ويكتب نائب السلطنة الشريفة بثغر الإسكندرية المحروس أو نائب السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة أو نائب السلطنة الشريفة بحماة المحروسة أو نائب السلطنة الشريفة بصفد المحروسة
وكذا في البواقي بحسب تعريف كل من المكتوب إليهم على ما مر ذكره في مواضعه
ثم إذا كتب العنوان فإن كان المكتوب إليه ممن يكتب له المقر الكريم أو الجناب العالي أو المجلس العالي مع الدعاء ترك من أعلى الدرج ثلاثة أوصال بياضا بالوصل المكتوب في ظاهره العنوان ثم تكتب البسملة في رأس الوصل الرابع بهامش من الجانب الأيمن
وإن كان المكتوب إليه ممن يكتب له المجلس العالي مع صدرت فما دون ذلك ترك في أعلى الدرج وصلان بياضا فقط
وتكتب البسملة في رأس الوصل الثالث ثم يكتب سطران من أول المكاتبة تحت البسملة على سمتها ملاصقا لها ثم يخلى بيت العلامة بياضا ويكتب السطر الثاني على رأس إصبع (7/236)
أو نحوه من أسفل ذلك الوصل ثم يكتب السطر الثالث في الوصل الذي يليه على بعد ثلاثة أصابع معترضات من السطر الثاني ويؤتى على ذلك إلى آخر المكاتبة
وقد كانت أوصال الورق في الزمن المتقدم طويلة فكان يكتب في كل وصل ثلاثة أسطر وبين كل سطرين أكثر من عرض ثلاثة أصابع
أما الآن فقصرت الأوصال وصار كل وصل لا يسع في الغالب أكثر من سطرين
فإذا انتهى إلى آخر المكاتبة أخلى بياضا يسيرا ثم كتب في وسط الوصل إن شاء الله تعالى ثم يكتب كتب في كذا من شهر كذا في سطر وتحته سنة كذا وكذا في سطر تحته بينهما قدر إصبعين ثم يكتب المستند بعد تقدير إصبعين
فإن كان بتلقي كاتب السر كتب حسب المرسوم الشريف
وعلى ذلك يجري الحكم في جميع ما يكتب في البريد وهو المختص بالأمور السلطانية
وإن كان من دار العدل بتلقي كاتب السر أو أحد من كتاب الدست كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته من دار العدل الشريف في سطر آخر
وإن كان بقصة مشمولة بخط السلطان كتب حسب الخط الشريف بمقتضى أعلى ذلك
وإن كان بخط النائب الكافل كتب بالإشارة العالية الأميرية العالمية الفلانية في سطر وتحته في سطر آخر كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى
وإن كان بأمر الوزير كتب بالإشارة العالية الأميرية الوزيرية الفلانية في سطر وتحته في سطر آخر مدبر الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى
وإن كان الوزير صاحب قلم كتب بالإشارة العالية الوزيرية الصاحبية الفلانية مدبر الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى سطرين على نحو ما تقدم
وإن كان برسالة الدوادار فإن كان مقدم ألف كتب برسالة الجناب العالي الأميري الكبيري الفلاني في سطر وفي سطر آخر تحته الدوادار الناصري أو الظاهري ونحو ذلك ضاعف الله (7/237)
تعالى نعمته
وإن كان طبلخاناه كتب بدل الجناب المجلس ويدعو له أدام الله تعالى نعمته
وإن كان بأمر الإستادار كتب بالإشارة العالية الأميرية الفلانية إستادار الفلانية أعلاها الله تعالى
وإن كان من ديوان الجيوش المنصورة كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته من ديوان الجيوش المنصورة في سطر آخر
وإن كان من ديوان الخواص الشريفة كتب حسب المرسوم الشريف من ديوان الخواص الشريفة على ما تقدم
وإن كان من الدولة الشريفة بأن يكون بخط ناظر الدواوين وهو قليل كتب حسب المرسوم الشريف من الدولة الشريفة على نحو ما تقدم
وقد تقدم الكلام على المستندات في الجملة في مقدمة الكتاب عند الكلام على ديوان الإنشاء
المقصد الثاني في المكاتبات العامة إلى أهل هذه المملكة وهي المطلقات
قال في التعريف وأقسامها لا تخرج عن ثمانية أقسام إلى الوجه القبلي وإلى الوجه البحري وإلى عامة الديار المصرية وإلى بعض البلاد الشامية وإلى البلاد المصرية والشامية وإلى الممالك الإسلامية وما جاورها وإلى بعض أولياء الدولة كالأمراء بدمشق أو حلب وإلى قبائل العرب أو التركمان أو الأكراد أو بعضهم
قلت والقاعدة في المطلقات أنه إذا اجتمع في المطلق كبار وصغار يغلب حكم الأكبر منهم على الأصغر تعظيما لأمر الأكابر
فإن كان في المطلق من الألقاب ما تختص به الأكابر دون غيرهم استوفى للكبير ما يختص به من الألقاب وأتي بالقدر المشترك فيه بعد ذلك
ثم المطلقات منها ما يختم
قال في التعريف وهو ما كان لبعض أولياء (7/238)
الدولة إذا كان في سر يكتم ولا يراد إظهاره إلا عند الوقوف عليه فيختم على عادة الكتب
وهذا يكون عنوانه بظاهره كما في غيره من المكاتبات المفردة
ومنها ما لا يختم وهو سائر المطلقات
قال في التعريف وعنوانها مخالف لعنوان الكتب المفردة للآحاد فإن تلك في ظاهر الورق وهذه في باطن الورق فوق وصلين أو ثلاثة فوق البسملة
ويقال فيها مثال شريف مطلق إلى الولاة والنواب أو غير ذلك من نحو ما في الصدر فيضمن العنوان ملخص ما فيه
ثم يقال على ما شرح فيه أو حسب ما شرح فيه
ومن قاعدتها أن يصرح بذكر المكتوب إليهم في المطلق بخلاف غيرها من المكاتبات المفردة
قال في التعريف ثم بعد التعريف في المطلقات الدعاء ثم الإفضاء إلى الكلام وفي آخرها يتعين أن يقال فليعلموا ذلك ويعتمدوه
وحاصل مرجوعها إلى ثلاثة أضرب
الضرب الأول المطلقات المكبرة
قال في التعريف وهي ما يكتب إلى سائر النواب بالممالك الشريفة خلا سيس فإنها مستجدة غير أنه إن رسم بإضافته إليهم فيحتاج إلى تحرير الحال في أمره هل يكتب له بعد نائب طرابلس أو بعد نائب صفد ولا يمكن أن يكون بعد مقدم العسكر بغزة ولا نائب الكرك لأن رتبته في المكاتبة أعلى منهما
فإنها نظير مكاتبة نائب طرابلس وحماة وصفد
قلت هذا على ما كان الأمر استقر عليه من كونها نيابة في أول الأمر أما بعد استقرارها تقدمة عسكر فإنه يكون بعد مقدم العسكر بغزة لأن كلا منهما مقدم عسكر ومقدم العسكر بغزة أقدم من مقدم العسكر بسيس
وأيضا فإن غزة (7/239)
مضافة إلى دمشق وسيس مضافة إلى حلب ودمشق أكبر من حلب
قال في التثقيف وصورة هذا المطلق أن يكتب في الطرة مثال شريف مطلق إلى الجنابين الكريمين العاليين الأميريين الكافليين الفلانيين نائبي السلطنة الشريفة بالشام وحلب المحروستين أعز الله تعالى نصرتهما وإلى الجنابات العالية الأميرية الفلانية أو الفلاني والفلاني على الترتيب
ثم يقال نواب السلطنة الشريفة بطرابلس وصفد وحماة المحروسات
وإلى الجناب العالي والمجلس العالي الأميري الأميريين الفلانيين أو الفلاني والفلاني مقدم العسكر المنصور بغزة المحروسة ونائب السلطنة الشريفة بالكرك المحروس أدام الله تعالى نعمتهما بما رسم لهم به أن يتقدم أمرهم الكريم بكذا وكذا ويشرح ما رسم به إلى آخره
ثم يخلي بياضا يسيرا
ثم يكتب على ما شرح فيه ويترك ثلاثة أوصال بياضا بالوصل الذي تكتب فيه الطرة
ثم تكتب البسملة في أعلى الوصل الرابع
ثم يكتب قبل آخره بإصبعين ما صورته أعز الله تعالى نصرة الجنابين الكريمين وضاعف وأدام نعمة الجناب العالي والمجلس العالي الأميرية الكبيرية العالية العادلية المؤيدية الزعيمية الغوثية الغياثية المثاغرية المرابطية المشيدية الظهيرية الكافلية الفلانية أو الفلاني والفلاني إلى آخرهم أعزاء الإسلام والمسلمين سادات الأمراء في العالمين أنصار الغزاة والمجاهدين زعماء الجيوش مقدمي العساكر ممهدي الدول مشيدي الممالك عمادات الملة أعوان الأمة ظهيري الملوك والسلاطين سيوف أمير المؤمنين نواب السلطنة الشريفة بالشام وحلب وطرابلس وحماة وصفد المحروسات ومقدم العسكر المنصور بغزة المحروسة ونائب السلطنة الشريفة بالكرك المحروس ثم الدعاء لهم بصيغة الجمع
ثم يقال صدرت هذه المكاتبة إلى الجنابين (7/240)
الكريمين والجنايات العالية والمجلس العالي تهدي إليهم من السلام كذا وتوضح لعلمهم الكريم كذا وكذا فيحيط علمهم الكريم بذلك والله تعالى يؤيدهم بمنه وكرمه
وتكمل بالمشيئة وما بعدها
والعلامة أخوهم
قال في التثقيف وإن أضيف إليهم نائب سيس في الطرة والصدر حسب ما تقدم ذكره
قال في التثقيف ومما ينبه عليه أنه قد يكتب تارة إلى بعض هؤلاء النواب ويختصر البعض بحسب ما تدعوا الحاجة إليه فيكتب كذلك ويختصر منه من رسم باختصار ويذكر كل واحد منهم في محله ومرتبته على الصورة المتقدمة من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقص
ثم قال وهذا هو الذي لم يزل الحال مستقرا عليه حين كانت مكاتبة نائب الشام الجناب الكريم نظير نائب حلب
أما الآن حيث استقرت مكاتبته المقر الكريم
فإنه لا يليق أن يكتب لغيره بألقابه الخاصة به
وإن اختصرت الألقاب الخاصة به كان فيه نقص لرتبته فيلزم من ذلك أن يكتب إليه على انفراده ويكتب المطلق لمن رسم به ممن عداه من النواب المذكورين
قلت وقد رأيت في بعض الدساتير كتابة المطلق الشامل لكافل الشام وغيره من النواب بعد استقرار مكاتبة نائب الشام بالمقر الكريم على صورتين
الصورة الأولى أن تستوفى ألقاب المقر الكريم بدعائه ويؤتى بألقابه الخاصة به ثم يعطف عليه الجناب الكريم والجنابات العالية والمجلس العالي بالألقاب المشتركة ويميز ما يمكن تمييزه منها ويكمل على نحو ما تقدم وذلك بأن يكتب في الطرة مثال شريف مطلق إلى كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس أعز الله تعالى أنصاره ونواب السلطنة الشريفة بحلب (7/241)
وطرابلس وحماة وصفد ضاعف الله تعالى نعمتهم ومقدم العسكر المنصور بغزة وسيس المحروستين أدام الله تعالى نعمتهما بما رسم لهم به إلى آخره
ثم يخلي ثلاثة أوصال على ما تقدم ويكتب تلو البسملة في أول الوصل الرابع أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري العابدي الناسكي الأتابكي ونصرة الجناب الكريم وضاعف وأدام نعمة الجنابات والمجالس العالية الأميرية الكبيرية العالمية العادلية المثاغرية المرابطية العونية الذخرية الغياثية الممهدية المشيدية المقدمية الظهيرية الكافلية الفلاني والفلاني إلى آخرهم معز وعز الإسلام والمسلمين سيدي الأمراء في العالمين ناصر ونصرة الغزاة والمجاهدين زعماء الجيوش أتابك ومقدمي العساكر ممهدي الدول مشيدي الممالك أعوان الأمة كهوف الملة ظهراء الملوك والسلاطين عضد وسيوف أمير المؤمنين كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس ونواب السلطنة الشريفة بحلب وطرابلس وحماة ومقدم العسكر بغزة وسيس ونائب السلطنة الشريفة بالكرك المحروس ولا زال إلى آخره
أصدرناها إلى المقر والجناب الكريم والجنابات والمجالس العالية تهدي إليهم من السلام كذا ومن الثناء كذا وتبدي لعلمهم الكريم كذا وكذا
ومرسومنا للمقر والجناب الكريم والجنابات والمجالس العالية أن يتقدموا بكذا وكذا فيحيط علمهم بذلك
الصورة الثانية أن تكتب الطرة على ما تقدم ثم تكتب ألقاب المقر إلى آخرها
ثم يقال وتبدي لعلمه الكريم وعلم الجناب الكريم والجنابات العالية والمجلس العالي الأميرية الكبيرية إلى آخر الألقاب أن الأمر كذا وكذا
ومرسومنا للمقر والجناب الكريمين والجنابات العالية والمجلس العالي أن يتقدموا بكذا وكذا فيحيط علمهم بذلك والعلامة في هذا المطلق أخوهم اعتبارا بالعلامة إلى كافل الشام ونائب السلطنة بحلب (7/242)
الضرب الثاني المطلقات المصغرة
وقد ذكر لها في التعريف قواعد كلية وأشار إلى اختلاف مقاصدها في ضمن الكلام الجملي فقال وفي كلها يكتب مثالنا هذا إلى كل واقف عليه من المجالس السامية الأمراء الأجلاء الأكابر والمجاهدين المؤيدين الأنصار الغزاة الأنجاد الأمجاد أمجاد الإسلام أشراف الأمراء أعوان الدولة عدد الملوك والسلاطين الولاة والنواب والشادين والمتصرفين بالوجه الفلاني أو بالديار المصرية أو بالبلاد الشامية أو بالبلاد الفلانية أو بالديار المصرية والبلاد الشامية وسائر الممالك الإسلامية
قال وقد يزاد في هذا لمقتضيه والثغور والحصون والأطراف المحروسة
قال فإذا كان إلى الممالك الإسلامية قيل بالديار المصرية والبلاد الشامية وسائر الممالك المحروسة وما جاورها من البلاد الشرقية والممالك القانية
وقد تكون إلى جهة الروم
فيقال وما جاورها من البلاد الرومية وما يليها
ثم عقب ذلك بأن قال فأما إذا كان إلى بعض أولياء الدولة نظر فإن كان إلى عامة أمراء دمشق قيل صدرت هذه المكاتبة إلى المجالس العالية الأمراء
وبقية الألقاب من نسبة ما يكتب للمجلس العالي
فإذا انتهى إلى أعضاد الملوك والسلاطين أو عضد الملوك والسلاطين ويجوز إطلاق هذا الأفراد على الجمع قال جماعة الأمراء مقدمي الألوف وأمراء الطبلخاناه وسائر مجالس الأمراء أمراء العشرات ومقدمي الحلقة المنصورة
وإن كان يكتب إلى حلب أو غيرها من (7/243)
الممالك فبالسامية
وإن كان لأمراء العربان أو التركمان أو الأكراد كتب على عادة المطلقات بالسامية وكتب بعد عدد الملوك والسلاطين الجماعة الفلانية أو غير ذلك مما يقتضي التعريف بمن كتب إليه
أما في التثقيف فقد رتب المطلقات المصغرة على ستة أصناف
الصنف الأول المطلقات إلى جميع نواب القلاع بالمملكة الشامية أو بالمملكة الحلبية
وصورة ما يكتب إليهم في الطرة مثال شريف مطلق إلى المجالس العالية والسامية الأميرية ومجالس الأمراء النواب بالقلاع الفلانية المحروسة أدام الله تعالى نعمتهم بما رسم لهم به من كذا وكذا إلى آخره
ثم يقال على ما شرح فيه ثم يخلى وصلان بياضا بوصل الطرة ثم تكتب البسملة في أعلى الوصل الثالث ثم يكتب بعد البسملة صدرت هذه المكاتبة إلى المجالس العالية والسامية الأميرية وبقية ألقابهم
ومجالس الأمراء الأجلاء الأكابر المجاهدين المؤيدين الأنصار أمجاد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء في العالمين أنصار الغزاة والمجاهدين مقدمي العساكر كهوف الملة أعوان الأمة ظهيري الملوك والسلاطين النواب بالقلاع المنصورة بالمملكة الفلانية المحروسة
والدعاء إلى آخره موضحة لعلمهم كذا وكذا
ومرسومنا للمجالس العالية والسامية ومجالس الأمراء أن يتقدموا بكذا وكذا فيحيط علمهم بذلك
والله تعالى يؤيدهم بمنه وكرمه
والعلامة والدهم (7/244)
الصنف الثاني المطلقات إلى أصاغر نواب القلاع ممن يكتب إليه بالسامي بالياء أو بالسامي بغير ياء أو بمجلس الأمير
وصورة ما يكتب إليهم في الطرة مثال شريف مطلق إلى المجالس السامية ومجالس الأمراء النواب بالقلاع الفلانية أو بولاية فلانة وفلانة أدام الله تعالى علوهم بما رسم لهم به نظير ما تقدم
وبعد البسملة مثالنا هذا إلى كل واقف عليه من المجالس السامية ومجالس الأمراء الأجلاء الأكابر الغزاة المجاهدين المؤيدين الأنصار أمجاد الإسلام أشراف الأمراء زيون المجاهدين عمد الموك والسلاطين أو عدد الملوك والسلاطين النواب بالقلاع الفلانية المحروسة حسب ما كتب في الطرة والدعاء يتضمن إعلامهم أن الأمر كذا وكذا ومرسومنا للمجالس السامية ومجالس الأمراء أن يتقدموا بكذا وكذا فليعلموا ذلك ويعتمدوه ويعملوا بحسبه والله الموفق بمنه وكرمه والعلامة الاسم الشريف
الصنف الثالث المطلقات إلى عربان الطاعة بالممالك الشامية
والأمر فيه كما في الصنف الذي قبله
قال في التثقيف فإن كان المطلق إل طائفة من العربان ممن له عادة بمكاتبة جليلة بأن تكون العلامة والده أو نحو ذلك كآل مهنا وآل فضل وآل علي وآل مرا ونحوهم فإنه تكون صورة ما يكتب في الطرة مثال شريف مطلق إلى جماعة العربان آل فلان إلى آخره
وفي الصدر بعد البسملة مثالنا هذا إلى كل واقف عليه من المجالس السامية ومجالس الأمراء وبقية الألقاب الكشاف والولاة والنواب بالوجهين (7/245)
القبلي والبحري
ثم الدعاء
ثم يقال يتضمن إعلامهم كذا وكذا
ثم البقية من نسبة ما تقدم
قال في التثقيف وغالبا يفرد الوجه القبلي بمطلق شريف والوجه البحري بمطلق شريف
قال وقد تضاف إلى الوجه البحري الثغور
فيقال الكشاف والولاة والنواب بالوجه البحري والثغور المحروسة
قال وإضافة الثغور لا تقع إلا نادرا لا سيما وقد صار ثغر الإسكندرية نيابة لا ولاية
ثم قال وفي هذا الوقت قد يتعذر إضافة نائب الوجه القبلي مع الولاة في المطلق لارتفاع مكاتبته عنهم بدرجات فيفرد بمثال شريف ويكتب المطلق إلى بقية الكشاف والولاة
ثم قال هذا الذي يظهر
قلت ويمكن أن يجمع معهم بأن يكتب أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي إلى آخره
ثم يقال صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي إلى آخره وتوضح لعلمه الكريم وعلم المجالس السامية ومجالس الأمراء إلى آخر ألقابهم الولاة بالوجه القبلي أن الأمر كذا وكذا ويكمل على ما تقدم
قال في التثقيف ومما جرت العادة به أن يكتب مطلق شريف إلى الأمراء بالمملكة الطرابلسية أو الحموية أو الصفدية وغيرها عند ولاية نائب السلطنة بتلك المملكة بإعلامهم بذلك فيكتب على هذا الحكم ولكنه بعنوان بغير طرة
قال وصورته في الصدر بعد البسملة مثالنا هذا إلى كل واقف عليه من المجالس السامية ومجالس الأمراء الأجلاء الأكابر إلى آخر الألقاب والدعاء يتضمن إعلامهم كذا وكذا إلى آخره كما تقدم ولكنه لا يصرح بذكر الولاة والنواب كما يصرح بذكر من يكتب إليه المطلق في غير هذه الحالة
والعنوان المجالس السامية ومجالس الأمراء الأجلاء الأكابر إلى آخر الألقاب والنعوت جميعها والدعاء والتعريف أمراء الطبلخانات والعشرات بطرابلس المحروسة أو بحماة أو بصفد أو بغزة
قال أما مملكتا الشام وحلب فإنه (7/246)
لم تجر العادة بكتابة مطلق بولاية نائبهما بل يكتب إلى أمير حاجب بتلك المملكة بإعلامه بذلك
وأما الكرك فإنه يكتب إلى والي القلعة به بمثل ذلك
وكذلك يكتب إلى الحاجب بالإسكندرية مثل ذلك
وهذان شيئان يجب التنبه لهما
أحدهما كل ما كان من ألقاب المطلقات بصيغة الجمع وهو كأعضاد فإنه يجوز فيه الإفراد فيقال فيه عضد وهذا مما نبه عليه في التعريف في الكلام على المطلقات
الثاني قال في التثقيف فإن قلت لأي شيء تذكر أسماء الولاة والنواب والعربان وغيرهم في الصدر بعد تمام النعوت وقبل الدعاء ولا تكتب في صدر المطلقات إلى الأمراء المتقدمة الذكر عند ولاية النائب بها أو غيره فالجواب أن ذلك في صدر المثال الشريف هو التعريف الذي من عادته أن يكون في العنوان ولا يستغنى عنه فهو قائم مقامه حيث لا عنوان لذلك المطلق إنما هو بطرة لا غير ولها عنوانات والتعريف مذكور فيها فلا حاجة إلى ذكره في الصدر
ثم قال ومن الجماعة من ينازع في ذلك ويدعي أن ذلك في الطرة كاف ومغن عن ذكره في الصدر وقائم مقام التعريف في العنوان
ثم قال وهو خطأ وليس بشيء
والأصح ما قلناه
الصنف الرابع قال في التثقيف إذا كان المطلق في أمر يتعلق بالديار المصرية والبلاد الشامية تكون صورته إلى الكشاف والولاة والنواب (7/247)
والشادين والمتصرفين بالطرقات المصرية والبلاد الشامية
وإن كان يتعلق بالبلاد الشامية خاصة اختصر منه ذكر الطرقات المصرية
الصنف الخامس ذكر في التعريف أنه يقال في آخر المطلقات بعد فليعلموا ذلك ويعتمدوه بعد الخط الشريف
قال في التثقيف ولعل هذا كان في الزمن الذي كان هو مباشرا فيه أما الآن فإنه لم تجر بذلك عادة ولم يكتب ذلك في مطلق شريف مكبر ولا غيره أصلا
الصنف السادس ذكر في التثقيف أنه رأى بخط القاضي ناصر الدين ابن النشائي أنه كتب مطلقا إلى المجاهدين بمصياف يعني الفداوية صورته يعلم كل واقف على مثالنا هذا من المقدمين الأجلاء الغزاة المجاهدين المؤيدين الأنصار الأتابك فلان والأتابك فلان جماعة المجاهدين ثم الدعاء
الضرب الثاني من المطلقات البرالغ
بالباء الموحدة والراء المهملة والألف واللام والغين المعجمة جمع برلغ وهي لفظة تركية معناها المرسوم وعليها جرى عرف كتاب بلاد الشرق وقل أن (7/248)
تكتب بالديار المصرية ولذلك لم يتعرض لها في التعريف ولا في التثقيف وهذه صورة برلغ شريف رأيتها في تذكرة المقر الشهابي بن فضل الله في الجزء السادس والأربعين منها بخط أخيه المقر العلائي بن فضل الله رحمهما الله تعالى كتب في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون
في عاشر شهر رجب الفرد سنة تسع وعشرين وسبعمائة لتمربغا الرسول الواصل إلى الديار المصرية عن القان أبي سعيد صاحب مملكة إيران بالإكرام والمسامحة بما يلزمه
وصورته في أول الدرج
مثال شريف مطلق إلى كافة من يصل إليه ويقف عليه للمجلس السامي الأميري السيفي تمربغا الرسول بالطرخانية وتمكين أصحابه من التردد إلى الممالك الشريفة الإسلامية وإكرام حاشيتهم وتسهيل مطلبهم ومسامحتهم في البيع والشراء بما طلب من الحقوق على اختلافها وتحذير من سمع هذه المراسيم المطاعة ثم أقدم على خلافها
وبعد البسملة الحمد لله الذي بسط أيدينا الشريفة بالجود ونصب أبوابنا الشريفة كعبة تهوي إليها أفئدة الوفود وأطاب مناهلها لكافة الأمم لتنتابها في الصدور والورود
نحمده على نعمه التي كم بلغت راجيا ما يرجون ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبيض بها الوجوه ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ندب إلى مكارم الأخلاق بقوله ( إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ) صلى الله عليه صلاة تزيد من يقرن الثناء بها تكريما ثم على آله وصحبه وسلم تسليما
وبعد فإنه لما حضر المجلس السامي الأميري الاسفهسلاري السيفي مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء المقدمين ناصح الدولتين ثقة المملكتين فخر الخواص المقربين عضد الملوك والسلاطين تمربغا الرسول أنجح الله تعالى مساعيه وأوجب الرعاية لمن يراعيه إلى أبوابنا (7/249)
الشريفة ونور ولائه يسعى بين يديه وإخلاص نيته يظهر عليه بلغ إلينا ما أرسل فيه عن الحضرة الشريفة العالية السلطانية العالمية العادلية الشاهنشاهية القانية الأوحدية الولدية العزيزية المعظمية الملكية العلائية أبي سعيد بهادر خان زيدت عظمته وظهر لنا من كمال صفاته ما رمى البدر التمام بنقصه ومن حسن تأتيه في خدمة من أرسله ما يعرف به أنه أرسل حكيما ولم يوصه وعرض على نظرنا الشريف البرلغ الشريف المكتتب له عن الحضرة الشريفة السلطان الأعظم الولد العزيز المعظم الملك بوسعيد أعز الله تعالى شأنه بالطرخانية وما نبه عليه من مكانته العلية ورفه مطالبه من تأكيد الوصية ثم رغب إلينا في الكتابة على حكمه إلى كافة الممالك وأن يسطر له منها صحائف حسنات تقضي بها الملوك وترضى بها الملائك فأجرته مراحمنا الشريفة على كرمها المعتاد وأجارته نعمنا الجزيلة وجاورته حيث سار من الأرض أو أقام من البلاد وأجابت صدقاتنا الشريفة بتحقيق المأمول وأكرمت كتابه بما يستحق أن يكرم به كتاب الرسول
ومرسومنا إلى كل واقف عليه من النواب والولاة والشادين والمتصرفين والمباشرين والمتحدثين وبقية الحكام أجمعين إلى كافة الممالك (7/250)
الشريفة الإسلامية شرقا وغربا وبعدا وقربا أيدهم الله بالتوفيق ويسر لهم الطريق وجعل حسن تلقيهم الوفود يأتي بهم من كل فج عميق أن يجري الأمير الكبير المقرب تمربغا الرسول على ما ألفه في أبوابنا الشريفة من كرم إكرامه وفارقنا عليه من توقير جانبه وتوفير احترامه ويفسح لكل من يصل من جهته في التردد إلى هذه الممالك الشريفة والتردي بملابس النعم المطيفة وأن تضاعف له الإعانة والعناية والمراعاة والرعاية ولا يطلب أحد منهم في البيع والشراء والأخذ والعطاء بشيء من المقررات الديوانية والموجبات السلطانية ولا يؤخذ منهم عليها شيء سواء كان قليلا أو كثيرا جليلا أو حقيرا ولا يتأول عليهم أحد في هذا المرسوم الشريف ولا يتعدى حكمه في تصرف ولا تصريف بل يقف كل واقف عليه عنده ويعمل به في اليوم وما بعده ويلحظ منه على من خالفه سيفا مسلولا وعلى من تجاوز حده فنحن نحذر وننذر من سطواتنا الشريفة من سمعه ثم زاغ قلبه عنه أو من بلغه من لا يفهم مضمونه ثم لا يسأل عما هو فرب حامل كلام إلى من هو أوعى منه فلتكن عيونهم له مراعية ومسامعهم منصتة إلى سماعه بأذن واعية والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى وشرفه
المقصد الثالث من المكاتبات في أوراق الجواز وبطائق الحمام وفيه جملتان
الجملة الأولى في أوراق الجواز
وهي المعبر عنه في زماننا بأوراق الطريق
قال في التثقيف تكون ورقة الطريق في ثلاثة أوصال في قطع العادة يكتب في أعلاها سطر واحد صورته ورقة طريق على يد فلان بن فلان الفلاني لا غير
ثم يخلى بيت العلامة تقدير شبر ويكتب في بقية ذلك الوصل قبل الوصل الثاني بأربعة أصابع مطبوقة بغير بسملة رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني أعلاه الله تعالى وشرفه وأنفذه وصرفه أن يمكن فلان الفلاني
وتذكر ألقابه إن (7/251)
كان أميرا أو متعمما كبيرا أو ممن له قدر أو له ألقاب معهودة أو غير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال من التوجه إلى جهة قصده والعود
ويحمل على فرس واحد أو أكثر من خيل البريد المنصور من مركز إلى مركز على العادة متوجها وعائدا فإن كان متميز المقدار كتب ويعامل بالإكرام أو والاحترام والرعاية الوافرة الأقسام فليعتمد ذلك ويعمل بحسبه من غير عدول عنه بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى اعلاه
قال وما تقدم من كتابة أنه يمكن من التوجه والعود هو فيما إذا كان عائدا ورسم بتمكينه من العود وإلا فيكتب أن يمكن من التوجه إلى جهة قصده
فإن كان قد حضر إلى الأبواب وهو عائد فالأحسن أن يكتب فيه أن يمكن من العود إلى جهة قصده
وكذا ويعامل بالإكرام والاحترام لا يكتب إلا لأمير أو ذي قدر كبير
فإن كان غيره كتب بد له مع الوصية به ورعايته ونحو ذلك
وإن رسم له بنفقة كتب بعد ذكر خيل البريد ويصرف له من النفقة في كل يوم كذا وكذا درهما خلا الأماكن المرسوم بإبطالها
وذلك أن الطرقات أماكن لا يصرف فيها شيء الآن فيحتاج إلى أن تستثنى وكانت قبل ذلك تعين وهي بلبيس وطفيس وأربد وغيرها
ثم كثرت عن التعداد فصار يكتب كذلك
ثم قال ومما ينبه عليه أن صاحب ورقة الطريق إن كان من مماليك النواب أو رسل أحد من أكابر البلاد ذكر فيه بعد ذكر ما يليق به من الألقاب فلان مملوك فلان أو رسول فلان
وتذكر ألقاب مخدومه التي كوتب بها اختصارا
وإلا تذكر نعوته على يد من رسم بنفيه (7/252)
كتب أن يمكن الأمير فلان الدين فلان من التوجه صحبة فلان البريدي بالأبواب الشريفة أو أحد النقباء بالباب الشريف ليوصله إلى المكان الفلاني ويحمل على كذا وكذا فرسا من خيل البريد المنصور إن كان قد رسم له بشيء من خيل البريد ويحمل البريدي على كذا من خيل البريد المنصور أو ويحمل النقيب على فرس واحد من خيل الكراء من ولاية إلى ولاية على العادة في ذلك ويمكن البريدي إن كان بريديا أو النقيب إن كان نقيبا من العود إلى الباب الشريف
ثم يكمل بنسبة ما تقدم
وإذا فرغ من صورته كتب بعد ذلك إن شاء الله تعالى ثم التاريخ والمستند على العادة
قال في التثقيف والمستند في أوراق الطريق أحد ثلاثة أمور إما خط كاتب السر وهو الغالب
أو رسالة الدوادار وهو كثير أيضا
أو إشارة نائب السلطان إن كان ثم نائب وهو نادر
فإن كان بخط كاتب السر كتب على الهامش من الجانب الأيمن سطر واحد يكون آخره يقابل السطر الأول الذي هو رسم بالأمر الشريف وهو حسب المرسوم الشريف
وكذا إن كان بإشارة النائب كتب سطران على الهامش المذكور آخرهما أيضا يقابل أول السطر الأول بالإشارة العالية كما تقدم في الكلام على المستندات في المقالة الثانية
قال وفي هاتين لا يكتب في ذيلهما بعد التاريخ سوى الحسبلة لا غير
وإن كان برسالة الدوادار كتب على الهامش حسب المرسوم الشريف فقط وكتب تحت (7/253)
التاريخ سطران هما رسالة المجلس العالي الأميري الفلاني فلان الدوادار المنصوري أدام الله تعالى نعمته ثم الحسبلة
الجملة الثانية في نسخ البطائق وهي على ضربين
الضرب الأول أن تكون البطاقة بعلامة شريفة
قال وفي التثقيف وتكون نحو ثلثي وصل من ورق البطائق
قال وصورتها أن يكتب في رأس الورق المذكور في الوسط سواء الاسم الشريف وتحته ملصقا به من غير بياض سطر واحد كامل من يمين الورق بغير هامش بما يأتي ذكره
ثم يخلى بيت العلامة تقدير أربعة أصابع مطبوقة ثم تكتب تتمة الكلام أسطرا متلاصقة بنسبة الأول بغير هامش أصلا إلى آخره
والذي يكتب من يمين الورق الله الهادي
سرح الطائر الميمون ورفيقه هداهما الله تعالى في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من سنة كذا وكذا إلى المجلس الكريم أو السامي الأمير فلان والي فلانة أو نحو ذلك يعلمه أن الأمر كذا وكذا
ومرسومنا له أن يتقدم بكذا وكذا
فليعلم ذلك ويعتمده والله الموفق بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى حسبنا الله ونعم الوكيل
والمستند لها حسب المرسوم الشريف
الضرب الثاني أن تكون بغير علامة
وصورتها أن يكتب في رأس الورقة في الوسط موضع الاسم الله الهادي بكرمه والأسطر متلاصقة بغير هامش ولا يخلى فيها بيت علامة
وصورة ما (7/254)
يكتب فيها المرسوم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني أعلاه الله تعالى وصرفه أن يسرح هذا الطائر الميمون ورفيقه هداهما الله تعالى في وقت كذا وكذا
ويكمل على حسب ما تقدم والله الموفق حسب المرسوم الشريف إن شاء الله تعالى
قال في التثقيف وقد يقتضي الحال نقلها من مكان إلى مكان آخر مثل أن تنقل من بلبيس إلى قطيا فيكتب بعد ذكر المرسوم به ويتقدم بنقل هذه البطاقة إلى فلان الفلاني ليعتمد مضمونها ويعمل بحسبها
فإن كانت منقولة إلى مكان ثالث كتب بعد ذلك ثم ينقلها إلى فلان ليعتمد مضمونها أيضا ويعمل بمقتضاها فيعلم ذلك ويعتمده
والتتمة حسب ما تقدم
الطرف الثالث في المكاتبات إلى عظماء ملوك الإسلام ومن انطوت عليه ممالكهم ممن دونهم من الملوك والحكام المنفردين ببعض البلدان والأمراء والوزراء وسائر من ضمه نطاق كل مملكة من تلك الممالك ممن جرت العادة بمكاتبته عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ممن هو مستمر المكاتبة أو زالت مكاتبته بزواله ليقاس عليه من لعله يظهر مظهره
واعلم أن كتاب الديار المصرية يراعون في المكاتبة إلى كل مملكة صورة المكاتبة الواردة عن تلك المملكة في غالب حالها في الابتداء والخطاب والاختتام وغير ذلك
وفيه أربعة مقاصد (7/255)
المقصد الأول في المكاتبات إلى عظماء ملوك الشرق ومن انطوت عليه كل مملكة من ممالكهم ممن جرت العادة بمكاتبته وفيه أربعة مهايع
المهيع الأول في المكاتبة إلى الملوك والحكام ومن جرى مجراهم بمملكة إيران وهي مملكة الأكاسرة الصائرة إلى بيت هولاكو من بني جنكزخان
وقد تقدم في المقالة الثالثة في الكلام على المسالك والممالك ذكر حدود هذه المملكة وقواعدها ومدنها وإلى من تنسب ومن ملكها جاهلية وإسلاما إلى زماننا
والمقصود هنا ذكر المكاتبات فقط ويشتمل المقصود منها على ثلاث جمل
الجملة الأولى في رسم المكاتبة إلى قانها الأعظم الجامع لحدودها على ما كان الأمر عليه من مبدإ ملك بيت هولاكو وإلى آخر دولة أبي سعيد وله حالتان
الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في رسم المكاتبة في أوائل الدولة التركية والعداوة بعد قائمة بين ملوك الديار المصرية وبين ملوكها
وفيه أسلوبان
الأسلوب الأول أن يكتب تحت البسملة من الجانب الأيمن بقوة الله تعالى ويكون بقوة الله سطرا وتعالى سطرا ثم يكتب من الجانب الأيسر بإقبال دولة السلطان الملك الفلاني
ويكون بإقبال دولة سطرا وباقي الكلام سطرا ثانيا
ثم يكتب تحت ذلك كلام فلان سطرا ثانيا إلى السلطان فلان سطرا ثالثا
ثم يؤتى ببعدية وخطبة ويؤتى بالمقصود (7/256)
وطريقهم فيه على التكلم عن لسان صاحب مصر بنون الجمع والخطاب لسلطان إيران بميم الجمع الغائب مضاهاة لمكاتبتهم الواردة عنهم في جميع ذلك
وهذه نسخة كتاب كتب به عن السلطان الملك المنصور قلاوون صاحب الديار المصرية في جواب كتاب ورد عن السلطان أحمد القان بإيران في زمانه
يذكر فيه أنه أسلم إذ كان أول من أسلم من ملوكهم ويذكر فيه أن أخاه الكبير كان قد عزم على دخول ممالك الديار المصرية قبل موته وأنه منع ذلك وأنه لا يحب المسارعة إلى القتال وأن المشير بذلك الشيخ عبد الرحمن أحد صلحاء بلادهم وأنه حرم على عساكره الغارات على البلاد وتعرض فيه إلى أمر الجواسيس وأشار إلى أن الاتفاق فيه صلاح العالم وأشار إلى أشياء حملها لرسله يذكرونها مشافهة ووقع الجواب عن جميع ذلك على ما (7/257)
سيأتي ذكره في الكتب الواردة على الديار المصرية
وكتب بخط ناصر الدين شافع ابن علي بن عباس أحد كتاب الإنشاء في رمضان سنة إحدى وثمانين وستمائة
والتكلم بنون الجمع والخطاب بالجمع الغائب كما تقدم في الأسلوب الأول وهي
بسم الله الرحمن الرحيم
بقوة الله تعالى بإقبال دولة السلطان الملك المنصور كلام قلاوون إلى السلطان أحمد أما بعد حمد الله الذي أوضح بنا ولنا الحق منهاجا وجاء فجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا والصلاة على سيدنا ونبينا محمد الذي فضله الله على كل نبي نجى به أمته وعلى كل نبي ناجا صلاة تنير مادجا فقد وصل الكتاب الكريم المتلقى بالتكريم المشتمل على النبإ العظيم من دخوله (7/258)
في الدين وخروجه عمن سلف من العشيرة الأقربين ولما فتح هذا الكتاب بهذا الخبر العلم المعلم والحديث الذي صحح عند أهل الإسلام إسلامه وأصح الحديث ما روي عن مسلم توجهت الوجوه بالدعاء إلى الله سبحانه في أن يثبته على ذلك بالقول الثابت وأن ينبت حب حب هذا الدين في قلبه كما أنبت أحسن النبت من أخشن المنابت وحصل التأمل للفصل المبتدإ بذكره من حديث إخلاصه في أول عنفوان الصبا إلى الإقرار بالوحدانية ودخوله في الملة المحمدية بالقول والعمل والنية فالحمد لله على أن شرح صدره للإسلام وألهمه شريف هذا الإلهام فحمدنا الله على أن جعلنا من السابقين إلى هذا المقال والمقام وثبت أقدامنا في كل موقف اجتهاد وجهاد تتزلزل دونه الأقدام
وأما إفضاء النوبة في الملك وميراثه بعد والده وأخيه الكبير إليه وإفاضة جلابيب هذه النعمة العظيمة عليه وتوقله للأسرة التي طهرها الله بإيمانه وأظهرها بسلطانه فلقد أورثها الله من اصطفاه من عباده وصدق المبشرات من كرامة أولياء الله وعباده
وأما حكاية الإخوان والأمراء الكبار ومقدمي العساكر وزعماء البلاد في مجمع فوريلياي الذي ينقدح فيه زند الآراء وأن كلمتهم اتفقت على ما سبقت به كلمة أخيه الكبير في إنفاذ العساكر إلى هذا الجانب وأنه قد فكر فيما اجتمعت عليه آراؤهم وانتهت إليه أهواؤهم فوجده مخالفا لما في ضميره إذ قصده الصلاح ورأيه الإصلاح وأنه أطفأ تلك النائرة وسكن تلك الثائرة فهذا فعل (7/259)
الملك المتقي المشفق من قومه على من بقي المفكر في العواقب بالرأي الثاقب وإلا فلو تركوا وآراءهم حتى تحملهم الغرة لكانت تكون هذه هي الكرة لكن هو كمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فلم يوافق قول من ضل ولا فعل من غوى
وأما القول منه إنه لا يحب المسارعة إلى المقارعة إلا بعد إيضاح المحجة وتركيب الحجة فبانتظامه في سلك الإيمان صارت حجتنا وحجته متركبة على من غدت طواغيته عن سلوك هذه المحجة متنكبة فإن الله سبحانه وتعالى والناس كافة قد علموا أن قيامنا إنما هو لنصرة هذه الملة وجهادنا واجتهادنا إنما هو الله وحيث قد دخل معنا في الدين هذا الدخول فقد ذهبت الأحقاد وزالت الذحول وبارتفاع المنافرة تحصل المظافرة فالإيمان كالبنيان يشد بعضه ببعض ومن أقام مناره فله أهل بأهل في كل مكان وجيران بجيران بكل أرض
وأما ترتيب هذه الفوائد الجمة على إذكار شيخ الإسلام قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن أعاد الله تعالى من بركاته فلم ير لولي قبله كرامة كهذه الكرامة والرجاء ببركته وبركة الصالحين أن تصبح كل دار إسلام دار إقامة حتى تتم شرائط الإيمان ويعود شمل الإسلام مجتمعا كأحسن ما كان ولا ينكر لمن بكرامته ابتداء هذا التمكين في الوجود أن كل حق ببركته إلى نصابه يعود
وأما إنفاذ أقضى القضاة الملة والدين والأتابك بهاء الدين الموثوق بنقلهما في إبلاغ رسائل هذه البلاغة فقد حضروا وأعادا كل قول حسن من أحوال أحواله وخطرات خاطره ومسطرات ناظره ومن كل ما يشكر (7/260)
ويحمد ويعنعن حديثهما فيه عن مسند أحمد
وأما الإشارة إلى أن النفوس إن كانت تتطلع في إقامة دليل تستحكم به دواعي الود الجميل فلينظر إلى ما ظهر من مآثره من موارد الأمر ومصادره من العدل والإحسان بالقلب واللسان والتقدم بإصلاح الأوقات فهذه صفات من يريد لملكه الدوام فلما ملك عدل ولم يلتفت إلى لؤم من عدا ولا لوم من عذل
على أنها وإن كانت من الأفعال الحسنة والمثوبات التي تستنطق بالدعاء الألسنة فهي واجبات تؤدي وهو أكبر من أنه يؤخر غيره أو عليه يقتصر أوله يدخر إنما يفتخر الملك العظيم بأن يعطي ممالك وأقاليم وحصون أو يبذل في تشييد ملكه أعز مصون
وأما تحريمه على العساكر والقراغولات والشحاني بالأطراف التعرض إلى أحد بالأذى وتحتيم إصفاء موارد الواردين والصادرين من شوائب القذى فمن حين بلغنا تقدمه بذلك تقدمنا أيضا بمثله إلى سائر النواب بالرحبة وحلب وعينتاب وتقدمنا إلى مقدم العساكر بأطراف تلك الممالك بمثل ذلك وإذا اتحد الإيمان وانعقدت الأيمان تحتم إحكام هذه الأحكام وترتب عليه جميع الأحكام (7/261)
وأما الجاسوس الفقير الذي أمسك وأطلق وأن بسبب من تزيا من الجواسيس بزي الفقراء قتل جماعة من الفقراء الصلحاء رجما بالظن فهذا باب من ذلك الجانب ستروه وإلى الاطلاع على الأمور صوروه فظفر النواب منهم بجماعة فرفع عنهم السيف ولم يكشف ما غطته خرقة الفقر ولا كيف
وأما الإشارة إلى أن في اتفاق الكلمة يكون صلاح العالم وينتظم شمل بني آدم فلا راد لمن طرق باب الاتحاد ومن جنح للسلم فما جار ولا حاد ومن ثنى عنانه عن المكافحة كمن يريد المصافحة للمصالحة والصلح وإن كان سيد الأحكام فلا بد من أمور تبنى عليها قواعده وتعلم من مدلولها فوائده فإن الأمور المسطورة في كتابه عن كليات لازمة ينعم بها كل معنى معلوم إن تهيأ صلح أو لم وثم أمور لا بد أن تحكم وفي سلكها عقود العهود تنظم قد تحملها لسان المشافهة التي إذا أوردت أقبلت من معنى دخوله في الدين وانتظام عقده بسلك المؤمنين وما بسطه من عدل وإحسان وسيرة مشهورة بكل لسان فالمنة لله في ذلك فلا يشيبها منه بامتنان وقد أنزل الله تعالى على (7/262)
رسوله حق من امتن بإسلامه ( قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان )
ومن المشافهة أنه قد أعطاه الله من العطاء ما أغناه به عن امتداد الطرف إلى ما في يد غيره من أرض ومال فإن حصلت الرغبة في الاتفاق على ذلك فالأمن حاصل فالجواب أن ثم أمورا متى حصلت عليها الموافقة تمت المصاحبة والمصادقة ورأى الله تعالى والناس كيف يكون إذلال معادينا وإعزاز مصافينا فكم من صاحب وجد حيث لا يوجد الأب والأخ والقرابة وما تم أمر الدين المحمدي واستحكم في صدر الإسلام إلا بمظافرة الصحابة فإن كانت له رغبة مصروفة إلى الاتحاد وحسن الوداد وجميل الاعتضاد وكبت الأعداء والأضداد والاستناد إلى من يشتد به الأزر عند الاستناد فقد فهم المراد
ومن المشافهة إذا كانت رغبتنا غير ممتدة إلى ما في يده من أرض ومال فلا حاجة إلى إنفاذ المغيرين الذين يؤذون المسلمين بغير فائدة تعود فالجواب أنه لو كف كف العدوان من هنالك وخلي لملوك المسلمين ما لهم من ممالك سكنت الدهماء وحقنت الدماء وما أحقه بأن لا ينهى عن خلق ويأتي مثله ولا يأمر بشيء وينسى فعله وقنغرطاب بالروم الآن وبين بلاد في أيديكم خراجها يجبى إليكم فقد سفك فيها وفتك وسبى وهتك وباع الأحرار وأبى إلا التمادي على ذلك والإصرار (7/263)
ومن المشافهة أنه إن حصل التصميم على أن لا تبطل هذه الإغارات ولا يقتصر عن هذه الإثارات فتعين مكانا يكون فيه اللقاء ويعطي الله النصر لمن يشاء فالجواب عن ذلك أن الأماكن التي اتفق فيها ملتقى الجمعين مرة ومرة ومرة قد عاف مواردها من سلف من أولئك القوم وخاف أن يعاودها فيعاوده مصرع ذلك اليوم ووقت اللقاء علمه عند الله لا يقدر وما النصر إلا من عند الله لمن أقدر لا لمن قدر وما نحن ممن ينتظر فلته ولا ممن له إلى غير ذلك لفته وما أمر ساعة النصر إلا كالساعة التي لا تأتي إلا بغتة والله تعالى الموفق لما فيه صلاح هذه الأمة والقادر على إتمام كل خير ونعمه إن شاء الله تعالى
مستهل شهر رمضان المعظم قدره سنة إحدى وثمانين وستمائة
الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه
حسبنا الله ونعم الوكيل
الأسلوب الثاني أن يكتب تحت البسملة على حيال وسطها بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية
ويكون بقوة الله تعالى سطرا
وميامين الملة المحمدية سطرا ثانيا
ثم يؤتى ببعدية وخطبة مختصرة ثم يكتب سطران ببياض من الجانبين فيهما بإقبال دولة السلطان الملك وباقي الكلام في السطر الثاني
ثم يقال فليعلم السلطان فلان
ويؤتى على المقصود إلى آخره
وهذه نسخة كتاب من إنشاء القاضي علاء الدين علي بن فتح الدين محمد ابن محيي الدين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية في (7/264)
جواب كتاب ورد عن السلطان محمود غازان القان بمملكة إيران يذكر فيه أن جماعة من عساكر البلاد الشامية أغاروا على ماردين وأن الحمية اقتضت الركوب في مقابلة ذلك
وذكر أنه قدم الرسل بالإنذار
ويذكر فيه أنهم صبروا على تماديهم في غيهم ويذكر فيه نصرته على العساكر الإسلامية في المرة السابقة
ويذكر فيه أنه أقام بأطراف البلاد
ولم يدخلها خوف التخريب والفساد
ويذكر فيه جمع العساكر وتهيئة المجانيق وغير ذلك من آلة القتال
ويذكر أنه إذا لم تجر موجبات الصلح كانت دماء المسلمين مطلولة ويذكر إرسال رسله بكتابه ويلتمس التحف والهدايا مما كتب به عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في المحرم سنة إحدى وسبعمائة وهي
بسم الله الرحمن الرحيم بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية
أما بعد حمد الله الذي جعلنا من السابقين الأولين الهادين المهتدين التابعين لسنة سيد ا لمرسلين بإحسان إلى يوم الدين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين فضل الله من سبق منهم إلى الإيمان في كتابه المكنون
فقال سبحانه وتعالى ( والسابقون السابقون أولئك المقربون )
بإقبال دولة السلطان الملك الناصر كلام محمد بن قلاوون (7/265)
فليعلم السلطان المعظم محمود غازان أن كتابه ورد فقابلناه بما يليق بمثلنا لمثله من الإكرام ورعينا له حق القصد فتلقيناه منا بسلام وتأملناه تأمل المتفهم لدقائقه المستكشف عن حقائقه فألفيناه قد تضمن مؤاخذات بأمورهم بالمؤاخذة عليها أحرى معتذرا في التعدي بما جعله ذنوبا لبعض طالب بها الكل والله تعالى يقول ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )
أما حديث من أغار على ماردين من رجالة بلادنا المتطرفة وما نسبوه إليهم من الأمور البديعة والآثام الشنيعة وقولهم إنهم أنفوا من تهجمهم وغاروا من تقحمهم واقتضت الحمية ركوبهم في مقابلة ذلك فقد تلمحنا هذه الصورة التي أقاموها عذرا في العدوان وجعلوها سببا إلى ما ارتكبوه من طغيان والجواب عن ذلك أن الغارات من الطرفين ولم يحصل من المهادنة والموادعة مايكف يدنا الممتدة ولا يفتر هممها المستعدة وقد كان آباؤهم وأجدادكم على ما علمتم من الكفر والشقاق وعدم المصافاة للإسلام والوفاق ولم يزل ملك ماردين ورعيته منفذين ما يصدر من الأذى للبلاد والعباد عنهم متولين كبر نكرهم والله تعالى يقول ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )
وحيث جعلتم هذا ذنبا للحمية الجاهلية وحاملا على الانتصار الذي زعمتم أن همتكم به ملية فقد كان هذا القصد الذي ادعيتموه يتم بالانتقام من أهل تلك الأطراف التي أوجب ذلك فعلها والاقتصار على أخذ الثار ممن ثار اتباعا لقوله تعالى ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) لا أن تقصدوا الإسلام بالجموع الملفقة على اختلاف الأديان وتطأوا البقاع الطاهرة بعبدة الصلبان وتنتهكوا حرمة البيت المقدس الذي هو ثاني بيت (7/266)
الله الحرام وشقيق مسجد رسول الله احتجتم بأن زمام تلك الغارة بيدنا وسبب تعديهم من سنتنا فقد أوضحنا الجواب عن ذلك وأن عدم الصلح والموادعة أوجب سلوك هذه المسالك
وأما ما ادعوه من سلوك سنن المرسلين واقتفاء آثار المتقدمين في إنفاذ الرسل أولا فقد تلمحنا هذه الصورة وفهمنا ما أوردوه من الآيات المسطورة والجواب عن ذلك أن هؤلاء الرسل ما وصلوا إلينا إلا وقد دنت الخيام من الخيام وناضلت السهام السهام وشارف القوم ولم يبق للقاء إلا يوم أو بعض يوم وأشرعت الأسنة من الجانبين ورأى كل خصمه رأي العين وما نحن ممن لاحت له رغبة راغب فتشاغل عنها ولا ممن يسالم فيقابل ذلك بجفوة النفار والله تعالى يقول ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها )
كيف والكتاب بعنوانه وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول ما أضمر إنسان شيئا إلا ظهر في صفحات وجهه وفلتات لسانه
ولو كان حضور هؤلاء الرسل والسيوف وادعة في أغمادها والأسنة مستكنة في أعوادها والسهام غير مفوقة والأعنة غير مطلقة لسمعنا خطابهم وأعدنا جوابهم
وأما ما أطلقوا به لسان قلمهم وأبدوه من غليظ كلمهم في قولهم فصبرنا على تماديكم في غيكم وإخلادكم إلى بغيكم فأي صبر ممن أرسل عنانه إلى المكافحة قبل إرسال رسل المصالحة وجاس خلال الديار قبل ما زعمه من الإعذار والإنذار وإذا فكروا في هذه الأسباب ونظروا ما صدر عنهم من خطاب علموا العذر في تأخير الجواب وما يتذكر إلا أولوا الألباب
وأما ما تبجحوا به مما اعتقدوه من نصرة وظنوه من أن الله جعل لهم على حزبه الغالب في كل كرة الكرة فلو تأملوا ما ظنوه ربحا لوجدوه هو الخسران المبين ولو أنعموا النظر في ذلك لما كانوا به مفتخرين ولتحققوا أن الذي اتفق (7/267)
لهم كان غرما لا غنما وتدبروا معنى قوله تعالى ( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما )
ولم يخف عنهم ما نالته السيوف الإسلامية منهم وقد رأوا عزم من حضر من عساكرنا التي لو كانت مجتمعة عند اللقاء ما ظهر خبر عنهم فإنا كنا في مفتتح ملكنا ومبتدإ أمرنا حللنا بالشام للنظر في أمور البلاد والعباد فلما تحققنا خبركم وقفونا أثركم بادرنا نقد أديم الأرض سيرا وأسرعنا لندفع عن المسلمين ضررا وضيرا ونؤدي من الجهاد السنة والفرض ونعمل بقوله تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض )
فاتفق اللقاء بمن حضر من عساكرنا المنصورة وثوقا بقوله تعالى ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة )
وإلا فأكابركم يعلمون وقائع الجيوش الإسلامية التي كم وطئت موطئا يغيظ الكفار فكتب لها عمل صالح وسارت في سبيل الله ففتح عليها أبواب المناجح وتعددت أيام نصرتها التي لو دققتم الفكر فيها لأزالت ما حصل عندكم من لبس ولما قدرتم أن تنكروها وفي تعب من ينكر ضوء الشمس وما زال الله نعم المولى ونعم النصير وإذا راجعتموهم قصوا عليكم نبأ الاستظهار ( ولا ينبئك مثل خبير ) وما زالت تتفق الوقائع بين الملوك والحروب وتجري المواقف التي هي بتقدير الله فلا فخر فيها للغالب ولا عار على المغلوب وكم من ملك استظهر عليه ثم نصر وعاوده التأييد فجبر بعدما كسر خصوصا ملوك هذا الدين فإن الله تعالى تكفل لهم بحسن العقبى فقال تعالى ( والعاقبة للمتقين )
وأما إقامتهم الحجة علينا ونسبتهم التفريط إلينا في كوننا لم نسير إليهم رسولا عندما حلوا بدمشق فنحن عندما وصلنا إلى الديار المصرية لم نزد على أن (7/268)
اعتدينا وجمعنا جيوشنا من كل مكان وبذلنا في الاستعداد غاية الجهد والإمكان وأنفقنا جزيل الأموال في العساكر والجحافل ووثقنا بحسن الخلف لقوله تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل )
ولما خرجنا من الديار المصرية بلغنا خروج الملك من البلاد لأمر حال بينه وبين المراد فتوقفنا عن المسير توقف من أغنى رعبه عن حث الركاب وتثبتنا تثبت الراسيات ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب )
وبعثنا طائفة من العساكر لمقاتلة من أقام بالبلاد فما لاح لنا منهم بارق ولا ظهر وتقدمت فتخطفت من حمله على التأخر الغرر ووصلت إلى الفرات فما وقفت للقوم على أثر
وأما قولهم إننا ألقينا في قلوب العساكر والعوام أنهم فيما بعد يتلقونا على حلب أو الفرات وأنهم جمعوا العساكر ورحلوا إلى الفرات وإلى حلب مرتقبين فالجواب عن ذلك أنهم من حين بلغنا حركتهم جزمنا وعلى لقائهم عزمنا وخرجنا وخرج أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ابن عم سيدنا رسول الله الطاعة على كل مسلم المفترض المبايعة والمتابعة على كل منازع ومسلم طائعين لله ولرسوله في أداء مفترض الجهاد باذلين في القيام بما أمرنا الله تعالى غاية الاجتهاد عالمين بأنه لا يتم أمر دين ولا دنيا إلا بمشايعته ومن والاه فقد حفظه الله تعالى وتولاه ومن عانده أو عاند من أقامه فقد أذله الله فحين وصلنا إلى البلاد الشامية تقدمت عساكرنا تملأ السهل والجبل وتبلغ بقوة الله تعالى في النصر الرجاء والأمل ووصلت أوائلها إلى أطراف حماة وتلك النواحي فلم يقدم أحد منهم عليها ولا جسر أن يمد حتى ولا الطرف إليها فلم نزل مقيمين حتى بلغنا رجوع الملك إلى البلاد وإخلافه موعد اللقاء والله لا يخلف الميعاد فعدنا لاستعداد جيوشنا التي لم تزل تندفع في طاعتنا اندفاع السيل (7/269)
عاملين بقوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل )
وأما ما جعلوه عذرا في الإقامة بأطراف البلاد وعدم الإقدام عليها وأنهم لو فعلوا ذلك ودخلوا بجيوشهم ربما أخرب البلاد مرورها وبإقامتهم فسدت أمورها فقد فهم هذا المقصود ومتى ألفت العباد والبلاد منهم هذا الإشفاق ومتى اتصفت جيوشهم بهذه الأخلاق وها آثارهم موجودة على ملك آل سلجوق وما تعرضوا لدار ولا جار ولا عفوا أثرا من الاثار ولا حصل لمسلم منهم ضرر ولا أوذي في ورد ولا صدر وكان أحدهم يشتري قوته بدرهمه وديناره ويأبى أن تمتد إلى أحد من المسلمين يد إضراره هذه سنة أهل الإسلام وفعل من يريد لملكه الدوام
وأما ما أرعدوا به وأبرقوا وأرسلوا به عنان قلمهم وأطلقوا وما أبدوا من الاهتمام بجمع عساكرهم وتهيئة المجانيق إلى غير ذلك مما ذكره من التهويل فالله تعالى يقول ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )
وأما قولهم وإلا فدماء المسلمين مطلولة فما كان أغناهم عن هذا الخطاب وأولاهم بأن لا يصدر إليهم عن ذلك جواب ومن قصد الصلح والإصلاح كيف يقول هذا القول الذي عليه فيه من جهة الله تعالى ومن جهة رسوله أي جناح وكيف يضمر هذه النية ويتبجج بهذه الطوية ولم يخف مواقع زلل هذا القول وخلله والنبي ( نية المرء أبلغ من عمله ) وبأي طريق تهدر دماء المسلمين التي من تعرض إليها يكون الله له في الدنيا والآخرة مطالبا وغريما ومؤاخذا بقوله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) وإذا كان الأمر كذلك (7/270)
فالبشرى لأهل الإسلام بما نحن عليه من الهمم المصروفة إلى الاستعداد وجمع العساكر التي تكون لها الملائكة الكرام إن شاء الله تعالى من الأنجاد والاستكثار من الجيوش الإسلامية المتوفرة العدد المتكاثرة المدد الموعودة بالنصر الذي يحفها في الظعن والإقامة الواثقة به من قوله ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على عدوهم إلى يوم القيامة )
المبلغة في نصر دين الله آمالا المستعدة لإجابة داعي الله إذا قال ( انفروا خفافا وثقالا )
وأما رسلهم فلان وفلان فقد وصلوا إلينا ووفدوا علينا وأكرمنا وفادتهم وغزرنا لأجل مرسلهم من الإقبال مادتهم وسمعنا خطابهم وأعدنا عليهم جوابهم هذا مع كوننا لم يخف علينا انحطاط قدرهم ولا ضعف أمرهم وأنهم ما دفعوا لأفواه الخطوب إلا لما ارتكبوه من ذنوب وما كان ينبغي أن يرسل مثل هؤلاء لمثلنا من مثله ولا ينتدب لمثل هذا الأمر المهم إلا من يجمع على فصل خطابه وفضله
وأما ما التمسوه من الهدايا والتحف فلو قدموا من هداياهم حسنة لعوضناهم بأحسن منها ولو أتحفونا بتحفة لقابلناها بأجل عوض عنها
وقد كان عمهم الملك أحمد راسل والدنا الشهيد وناجى بالهدايا والتحف من مكان بعيد وتقرب إلى قلبه بحسن الخطاب فأحسن له الجواب وأتى البيوت من أبوابها بحسن الأدب وتمسك من الملاطفة بأقوى سبب
والآن فحيث انتهت الأجوبة إلى حدها وأدركت الأنفة من مقابلة ذلك الخطاب غاية قصدها فنقول إذا جنح الملك للسلم جنحنا لها وإذا دخل في الملة المحمدية ممتثلا ما أمر الله تعالى به مجتنبا ما عنه نهى وانتظم في سلك الإيمان وتمسك بموجباته تمسك المتشرف بدخوله فيه لا المنان وتجنب التشبه بمن قال (7/271)
الله تعالى في حقهم ( قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان )
وطابق فعله قوله ورفض الكفار الذين لا يحل له أن يتخذهم حوله وأرسل إلينا رسولا من جهته يرتل آيات الصلح ترتيلا ويروق خطابه وجوابه حتى يتلو كل أحد عند عوده ( يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا )
صارت حجتنا وحجته مركبة على من خالف ذلك وكلمتنا وكلمته قامعة أهل الشرك في سائر الممالك ومظافرتنا له تكسب الكافرين هوانا والشاهد لمصافاتنا مفاد قوله تعالى ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )
وينتظم إن شاء الله تعالى شمل المصالح أحسن انتظام ويحصل التمسك من الموادعة والمظافرة بعروة لا انفصال لها ولا انفصام وتستقر قواعد الصلح على ما يرضي الله تعالى ورسوله
الحالة الثانية ما كان عليه رسم المكاتبة في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون إلى أبي سعيد
بهادرخان بن خدابندا آخر ملوك بني هولاكو ملك إيران
قال في التعريف وهو كتاب يكتب في قطع البغدادي الكامل يبتدأ فيه بعد البسملة وسطر من الخطبة الغراء المكتتبة بالذهب المزمك بألقاب سلطاننا على عادة الطغراوات ثم تكمل الخطبة وتفتتح ببعدية إلى أن تساق الألقاب (7/272)
273 - وهي الحضرة الشريفة العالية السلطانية الأعظمية الشاهنشاهية الأوحدية الأخوية القانية الفلانية من غير أن يخلط فيها الملكية لهوانها عليهم وانحطاطها لديهم ثم يدعى له بالأدعية المعظمة المفخمة الملوكية من إعزاز السلطان ونصر الأعوان وخلود الأيام ونشر الأعلام وتأييد الجنود وتكثير الوفود
وغير ذلك مما يجري هذا المجرى
ثم يقال ما فيه التلويح والتصريح بدوام الوداد وصفاء الاعتقاد ووصف الأشواق وكثرة الأتواق وما هو من هذه النسبة
ثم يؤتى على المقاصد ويختم بدعاء جليل وتستعرض المراسيم والخدم ويوصف التطلع إليها ويظهر التهافت عليها
وهذا الكتاب تكتب جميع خطبته وطغراه وعنوانه بالذهب المزمك وكذلك كل ما وقع في أثنائه من اسم جليل وكل ذي شأن نبي من اسم لله تعالى أو لنبينا لأحد من الأنبياء أو الملائكة عليهم السلام أو ذكر دين الإسلام أو ذكر سلطاننا أو السلطان المكتوب إليه وما هو متعلق بهما
مثاله عندنا وعندكم ولنا ولكم وكتابنا وكتابكم
كل هذا يكتب بالذهب وما سواه يكتب بالسواد
فأما العنوان فهو بهذه الألقاب إلى أن ينتهي إلى اللقب الخاص ثم يدعى له بدعوة أو اثنتين نحو أعز الله سلطانها وأعلى شأنها أو نحو ذلك
ثم يسمى اسم السلطان المكتوب إليه ثم يقال خان كما كنا نكتب فنقول بوسعيد بهادرخان فقط
ويطمغ بالذهب بطمغات عليها ألقاب سلطاننا تكون على الأوصال يبدأ بالطمغة على اليمين في أول وصل ثم على اليسار في ثاني (7/273)
وصل ثم على هذا النمط إلى أن ينتهي في الآخر إلى اليمين
ولا يطمغ على الطرة البيضاء
والكاتب يخلي لمواضع الطمغة مواضع الكتابة تارة يمنة وتارة يسرة
وأوضح ذلك في التثقيف وبينه فقال والمكاتبة إليه في عرض البغدادي الكامل والطرة ثلاثة أوصال والبسملة ذهب مزمك بألفات طوال بالمسطرة بخط الذهب ثم الخطبة وأولها الحمد لله والسطر الذي يلي البسملة الشريفة وثانيه من أوائل الورق زائدان عن بقية السطور التي مر من أول السطر الثالث إلى آخر الكتاب
وبين هذين السطرين المذكورين وهو موضع بيت العلامة الشريفة طرة ذهب بالألقاب الشريفة ثم بعد هذين السطرين الملاصقين للطرة المذكورة بقية السطور بهامش جيد في يمين الورق على العادة
وجميع السطور مكملة إلى آخر الورق لا يخلى فيها للطمغة مكان
وبعد الخطبة مايناسب الابتداء إن كان أوالجواب إلى أن يتصل الكلام بالألقاب وهي الحضرة الشريفة العالية السلطانية الأعظمية العالمية العادلية الأكملية القانية الشاهنشاهية الولدية العزيزية الملكية الفلانية
ثم الدعاء
وفي أثناء خطابه الحضرة الشريفة تارة وتارة الحضرة العالية والدعاء في أوساطه نحو زيدت عظمته ودامت معدلته وأعلى الله مقامه وأعز الله شانه
والخطبة جميعها بالذهب المزمك
وبعدها بالأسود خلا ذكر الله تعالى أو رسوله ما أضيف إليهما أو ما يعظم ذكره كالحق والعدل وأمثالهما أو كل لقب أو نعت أو كلمة مضافة إلى المكتوب عنه أو المكتوب إليه أو ضمير فيهما فإنه بالذهب
والعنوان بألقابه كاملة وفي آخرها الدعاء له من غير توقف
قال وكان قد استقر من أمر العلامة الشريفة أن يكتب على جانب يمين السطرين الثاني والثالث وهو مما يلي بيت العلامة المشتاق محمد
ثم قال ورأيت بخط القاضي المرحوم ناصر الدين بن النشائي أن ذلك نظير الكتاب الوارد منه في رجب سنة تسع وعشرين وسبعمائة
ثم قال وقد ذكر في التعريف (7/274)
ثلاثة أمور زائدة التنبيه عليها
أحدها أنه يذكر تعريفه في العنوان
فيكتب بعد ذكر الاسم خان
فيقال بوسعيد بهادرخان
ثانيها أنه تستعمل الطمغات على الأوصال
ثالثها أنه لا يكتب في ألقابه الملكية
وذكر أنه لم يكتب لأحد بهذه المكاتبة بعد السلطان أبي سعيد خلا ما ذكر القاضي ناصر الدين بن الشنائي أنه كتب نظير ذلك بعد أبي سعيد لطغاي تمرخان
قال ولو كتب بالمغلية كتب في القطع المذكور
أما الملطفات ففي قطع الثلث
وهذه نسخة مكاتبة كتب بها المقر الشهابي بن فضل الله عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطان أبي سعيد بهادرخان المقدم ذكره وهي الحمد لله الذي جعلنا بنعمته إخوانا وجمعنا على طاعته أصولا لا تتفرق أغصانا نحمده على ما أولانا ونشكره على ما ولانا ونرغب إليه في مزيد ألطافه التي شملت أقصانا وأدنانا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة كالشمس لا تدع في الأرض مكانا ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي شيد بنا لشريعته أركانا وشد بعضنا ببعض لنكون كما شبهنا به بنانا أو بنيانا وعلى اله صلاة لا تتوانى وB أصحابه والتابعين لهم بإحسان وزادهم إحسانا وسلم تسليما كثيرا
وبعد فإن من أعظم المبهجات لدينا المنهجات لطريق السرور إلينا (7/275)
الملهجات بوصف أكرم وارد علينا هو الكتاب الشريف بل السحاب المطيف بل البحر الذي يقذف دررا ويقص عن السحاب أثرا ويرفع سررا ويطلع قمرا ويطول أوضاحا وغررا ويحدث عن العجائب خبرا بل ينشر الروض حبرا ويهب الرياح سحرا ويبرق ذهبه المموه آصالا وبكرا الصادر عن الحضرة الشريفة العالية السلطانية الأعظمية العالمية العادلية الشاهنشاهية الأخوية القانية زادها الله شرفا وأدام بها تحفا وصاغ بها لكل سمع شنفا وأيدها بزائد مزيده حتى تقول حسبي وكفى فإنه وصل صحبة المجلس السامي الأمير الكبير المقرب المجتبى المرتضى المختار شرف الدين مجد الإسلام زين الأنام جمال المقربين مرتضى الملوك والسلاطين الحاج أحمد الأشقر والشوق إليه شديد والتطلع إليه كمثل العيد فقربناه إلينا نجيا وتلقينا منه مهديا وكأن السماء ألقت منه حليا أو أقلت كوكبا دريا أو مدت من المجرة درجا وعطفت من مهندات البروق خلجا وقدت من سواد القلوب شطر كل سطر فيها وأغارت مقلة كل ريم قام بسواد ناظره يفديها وسرحنا منه الحدق في حدائق ونفحنا به للحقائب حقائق واستطلعنا به شموس الافتقاد واطلعنا منه على نفوس نفائس الوداد وصاف منا قلبا صاديا إلى ما يروق من أخباره وشوقا إلى ما يهب من نسيم دياره وتطلعنا إلى من يرد من رسله الكرام ويقص علينا ما لا يستقصى من مواقع الغمام وعلمنا منه ومما ذكره المقرب الحاج شرف الدين أحمد ما للحضرة الشريفة عليه من نعمة يلتحف بملابسها ويقتطف من مغارسها وتجري في السيف رونقا وتزين بالكواكب أفقا وتجر على الكثبان من الشموس رداء مخلقا
وأحضرنا الحاج شرف الدين أحمد بين أيدينا الشريفة وشملناه بحسن ملاحظتنا التي زادت تشريفه وكان حضوره وركابنا الشريف بهيجان الصيد المحمود ونحن نلهج بذكره عند انتهاز كل فرصة في الصيود وما (7/276)
حصلنا فيه على لذة ظفر إلا وتمنينا أن يكون له فيها مشاركة شهود أو أن يكون حاضرا يرى كيف يسهل الله لنا بلوغ كل مقصود وخرج معنا إلى المصايد وتفرج على الصائد ورأى ما حف بموكبنا المنصور من ذوات الوبر والجناح وما سخر لنا من جياد الخيول من الرياح فشاهد ما أوتينا من الملك السليماني في سرعة السير واختلاف ما جمع لنا من الإنس والوحش والطير واستغرقت أوقاتنا الشريفة في السؤال عن مزاجه الكريم وما هو عليه من السرور المستديم والتأييد الذي انقلب به أولياؤه بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم وتجددت المسرات بهذه البشائر المسرات وأضفنا هذه النعمة إلى ما نحمد الله عليه مما أيدنا به من النصر والظفر والتأييد والنعم التي توالت إلينا ونحن نرجو المزيد ونضاعف الحمد والشكر لله على هذه المواهب التي أطافت بنا بطاقاتها الثمينة وأنارت في آفاقنا أقمارها المبينة وشملت ملوك الإسلام نعمها من كل حانب وأشرقت شموسها حتى ملأت بأنوارها المشارق والمغارب
وأما ما أتحفت به من البلكات الشريفة فقد وصلت وتقبلت وقبلت وأكرمت لأن مهديها كريم وأعظمت لأنها تحفة من عظيم وأثنينا عليه بما طاب وشكر بحرنا الزاخر جود أخيه السحاب
وأما الإشارة العالية إلى تقاضي تجهيزه من الملاكمين والسوقات فقد رسمنا بالانتهاء إليه لأنه لا فرق بيننا وبين أخينا فيما يخص مراسمنا جميعا عليه وقد (7/277)
جهز من الملاكمين والطين المختوم ما أمكن الآن ومنه ما كنا رسمنا باستعماله من البلكات باسمه الشريف وتأخر فلما فرغ جهز معه وبعد هذا نجهز من يتوجه إلى حضرته العالية ليجدد عهدا ويؤدي إليه ودا وما يتأخر إلا ريثما تنجلي السحب المتوالية ويمكن التوصل سالما إلى حضرته العالية
وأما غير هذا فهو أن الحاج أحمد أحضر إلينا ورقة كريمة بل درة يتيمة بخط يد الحضرة الشريفة فأعجبنا بها ووجدناها في غاية الحسن التي لا يعد زهر الرياض لها مشبها وما رأينا مثل ما كتب فيها كأن السماء قد نظمت في سطورها النجوم الزهر من دراريها فأكرم بيد كتبت سطورا اعترف بها الرمح للقلم واستمد السحاب من طروسها الكرم وجرت بجامد ذهب وسائل دم وتنافست على إثباتها صحائفه وأقلامه ودويه والجو والبروق والديم وطلعت منها تباشير النجاح وتحاسد عليها مسلك الليل وكافور الصباح واتفقت على معنى واحد وقد تنوعت قسما وأشرقت فتمنت السماء أن تكون لها صحيفة والبرق قلما فأرخصت قدر ياقوت في التقليب وحسنت بمحاسنها هجران حبيب لقد أوتيت من الخط غاية الكمال وبسطت يد ابن هلال فيه عن فم ابن هلال فأما الولي فإنه من أوليائها وأنواؤه مما فاض من إنائها طالما حدق إليه أبو علي فاختطف برقه أباه مقله وفطن ابن أسد أنه لو أدركه أبوه لنسي شبله فسبحان من صرف في يمينه القلم بل الأقاليم ووهبه من أفضل كل شيء ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) (7/278)
وقد أعيد المقرب شرف الدين أحمد وحمل من المشافهات الشريفة ما تفض على أخينا عقوده وتفاض بروده والحضرة الشريفة لا نقطع أخبارها عنا التي تسر بأنبائه وتسير بنجوم سمائه لا زالت مناقبه مسموعة والقلوب على ما يجمع كلمة الإيمان مجموعة
إن شاء الله تعالى
تنبيه أما الملطفات التي كانت تكتب إلى هذا القان فقد ذكر في التثقيف أنها في قطع الثلث وكذا ما يكتب به بالمغلي فإنه يكون في القطع المذكور أيضا
الجملة الثانية في المكاتبات إلى من ملك توريز وبغداد بعد موت أبي سعيد
قد تقدم أنه ملك تورير وبغداد بعد السلطان أبي سعيد موسى خان ثم محمد بن عبدجي ثم الشيخ حسن الكبير ثم ابنه الشيخ أويس ثم ابنه حسن ثم أخوه أحمد
ومنه انتزعها تمرلنك
وذكر في التثقيف أنه ملك بعد أبي سعيد أرفاخان ثم موسى خان ثم طغاي تمرخان بعد أن ذكر أنه لم يكتب إلى أحد بعد أبي سعيد بالمكاتبة المتقدمة
ثم قال ورأيت بخط القاضي ناصر الدين بن النشائي أن مكاتبة طغاي تمرخان كانت نظير مكاتبة أبي سعيد
ثم قال وهذا يدل على أنه لم يكاتب بذلك بعد أبي سعيد غير طغاي تمرخان المذكور
قلت وقد وقفت على مكاتبة عن الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى (7/279)
موسى خان المقدم ذكره من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله فيما ذكره صاحب الدر الملتقط جوابا عن كتاب ورد منه يذكر فيه النصرة على عدو له والقائم بتدبير دولته يومئذ علي باشا
بدأ فيها بعد الافتتاح بآية من القرآن الكريم في معنى النصر بقوله إلى الحضرة الشريفة إلى آخر الألقاب المناسبة من أخيه ومحبه ثم خطبة بعد ذلك مفتتحة بالحمد لله
ثم وبعد فقد ورد الكتاب الشريف
والخطاب بالحضرة الشريفة
والاختتام بالدعاء
ولا خفاء في أن هذه نحو المكاتبة إلى أبي سعيد لكني لم أقف على مقدار قطع الورق فيها ولا صورة الكتاب
وهذه نسختها ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور )
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم )
إلى الحضرة الشريفة العالية السلطانية الأعظمية العالمية العادلية الأوحدية الشاهنشاهية القانية الأخوية الأخ العزيز الكبير المعظم موسى خان أعز الله سلطانه وثبت بسعادة ملكه أوطانه
من أخيه ومحبه المخلص في حبه الصادق المودة له في بعده وقربه
الحمد لله الذي أيد الإسلام بنصره وضيق على أعدائه مجال حصره وجدد بتأييده في زمانه ما تتحلى به أعطاف عصره
نحمده عن الدين الحنيف على نصرة أضاء لها الوجود بأسره وأوقعت كل خارجي على الدين والملك في قبضة أسره ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يخلص قائلها غاية اجتهاده (7/280)
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده وعلى أله وصحبه صلاة تستقل ببشائرها أعباء عباده وسلم تسيما كثيرا
وبعد فقد ورد الكتاب الشريف من الحضرة الشريفة العالية السلطانية القانية أخينا وولدنا العزيز المؤيد بالنصر على الأعداء والفتح الوجيز لا زالت دولته الشريفة دائمة الإقبال متزيدة تزيد الهلال على يد المجلسين الساميين الأميرين الكبيرين عضدي الملوك والسلاطين دلنجي وكراي أدام الله تعالى عزتهما بالبشائر بنصرة الإسلام وتأييد أخينا على عدوه الخارجي على الدين والملك
وحمدنا الله تعالى على هذه النصرة وتضاعفت بها المسرة ونحن كنا خارجين بجميع العساكر والجيوش المنصورة الإسلامية لنتساعد كلنا على نصرة الإسلام
وما تأخرنا إلا لما جاءت إلينا ممارى الأخبار وما كنا تحققناها ثم تحققنا بحمد الله تعالى هذه الأخبار وضربنا لها البشائر في سائر الأقطار وعرفنا بها عناية الله تعالى بأخذ المسلمين بنواصي الكفار وقيام الجناب الكريم العالي الأمير الكبير النوين العادل المعظم علي باشا أعز الله تعالى نصرته في إعادة الحق إلى أهله وصبره على ما سبق به كل أحد إلى جميل فعله واجتهاده في هذا الأمر الاجتهاد الذي ما كان يطلب إلا من مثله وكذلك الجنابات العالية الأمراء النوينات الأكابر زيدت سعادتهم فإنهم سارعوا إلى ما كان يجب ويتعين عليهم في خدمة سلطانه ومن هو أحق بهم وأولى من عظيم عظم قانهم وما من الأمير النوين العادل علي باشا وبقية الأمراء الأكابر إلا من قام بما كان عليه من العهود وبذل اجتهاده حتى حصل بحمد الله المقصود وما قصروا في قيامهم حتى تسلم المستحق حقه وميراثه وما هو أحق به وأولى
وهم جزاهم الله الخير (7/281)
قد عملوا ما يجب عليهم وبقي ما يجب على الحضرة الشريفة من الإحسان إليهم
وأما قول الحضرة الشريفة إنه مثل ولدنا فهو هكذا مثل الولد وأعز من الولد وكل أحد منا لأخيه في الاتفاق على المصالح الإسلامية عضد ويد وذخر وسند وقد سبق من تآلف القلوب ما اشتدت به الآن أواخيه وأضحى له منا شفقة الوالد على الولد وتوقير الأخ لأخيه وقد أعدنا رسله الكرام وحملناهم مشافهة ووصية للحضرة الشريفة في أمور تقتضيها مصلحته فإنه عندنا أعز من الولد
وما القصد إلا الاتفاق على مصالح الإسلام وما فيه نظام كلمة الوفاق والوئام فيديم المواصلة بكتبه وأخباره السارة والله تعالى يديم مساره ويضاعف مباره إن شاء الله تعالى
ولم أقف لهذه المكاتبة على قطع الورق والظاهر أنها في قطع النصف لما سيأتي أنه الذي عليه الحال في مكاتبة صاحب بغداد وتورير فيما بعد إن شاء الله تعالى
واعلم أن صاحب التثقيف قد ذكر أن المكاتبة إلى الشيخ أويس صاحب بغداد وتورير وابنه حسن بعده في ورق قطع النصف
ورسمها أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي الكبيري السلطاني العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المنصوري الملكي الفلاني بلقب السلطنة الفلاني بلقبه الخاص
والدعاء بما يناسبه أصدرناها إلى المقام الشريف تهدي وتبدي والقصد من المقام الشريف
ويختم بدعاء يناسب مثل أعز الله أنصاره ونحو ذلك
ومخاطبته بالمقام الشريف
والعنوان المقام الشريف إلى آخر الألقاب المذكورة
والدعاء أعز الله تعالى أنصاره
وتعريفه فلان بهادرخان مثل أن يقال الشيخ حسن (7/282)
بهادرخان
والعلامة إليه أخوه
قال في التثقيف وكان الشيخ أويس المذكور عند استقراره بتورير وبغداد يكتب له المقام العالي ثم كتب له بعد ذلك المقام الشريف
وهذه نسخة مكاتبة كتب بها إلى الشيخ أويس المقدم ذكره جوابا عن كتاب ورد منه من إنشاء القاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش حين كان يكتب إليه المقام العالي لابتداء أمره على ما تقدم وهي أعز الله تعالى أنصار المقام العالي إلى آخر ألقابه ولا زال الملك زاهرا زاهيا بشرف سلطانه والفلك يجري بإعزاز قدره وإحراز نصره مدى زمانه والفتك منه بالأعداء يسر الأولياء من أهل مودته وإخوانه وسلك جواهر عقد ولائه منظما من الإخلاص بجمانه ولا برح مؤيدا بأنصار الإسلام وأعوانه مجددا سعده الذي يبلغه جميل أوطاره في جميع أوطانه
أصدرناها إلى المقام العالي تصف ما لدينا من المحبة التي ظهر دليلها بواضح برهانه وتبث إلينا مكنون المودة التي تغنى عن صريح القول وتبيانه وتبدي لعلمه الكريم أن كتابه الكريم ورد على يد فلان رسوله فأقبلنا عليه وصرفنا وجه الكرامة إليه وعلمنا ما تضمنه من محبته وموالاته ومخالصته ومصافاته وما اشتمل عليه ضميره من صحيح الوداد وصريح الاتحاد وجميل الاعتقاد وجزيل المخالصة التي يتم بها الأمل والمراد
وأن المقام العالي جهز رسوله المشار إليه ليوضح إلينا ما هو عليه من ذلك وينهي إلينا أسباب الائتلاف التي عمرت أرجاء الجهتين هنا وهنالك ويبدي ما تحمله عنه من المشافهات وتفهمه من الرسائل والإشارات وقد أحطنا علما بذلك ووصل رسوله المذكور وتمثل (7/283)
بمواقف سلطاننا المنصور وشمله إقبالنا الشريف وإنعامنا المطيف وسمعنا جميع كلامه وما تحمله من المشافهة الكريمة من عالي مقامه وشكرنا محبة المقام العالي ووده الجميل وأثنينا على موالاته التي لا نميد عنها ولا نميل وابتهجنا بسلامة مقامه الجليل
وقد أعدنا فلانا رسوله المذكور بهذا الجواب الشريف إلى المقام العالي أعز الله أنصاره فيتحف بمكاتباته ومهماته والله تعالى يمده بالتأييد في حركاته وسكناته ويعز نصره ويزيد في حياته
أما المنفرد بتورير خاصة فقد ذكر في التثقيف أن المكاتبة إلى الأشرف ابن علاء الدين تمرتاش الذي كان قد وثب على تبريز خاصة فملكها في قطع الثلث بقلم التوقيعات ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري وبقية الألقاب والنعوت ومنها النويني
ثم الدعاء
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي وتوضح والعلامة أخوه
وتعريفه الأشرف بن تمرتاش
ثم ذكر أن أخي جق الذي وثب عليه وقتله واستولى على تبريز بعده استقرت مكاتبته كذلك وأنه كان يكتب في تعريفه أخي لا غير
ثم قال وقد ماتا وبطل ذلك
أبو بكر بن خواجا على شاه وزير صاحب تبريز الاسم والسامي وتعريفه أبو بكر ابن الخواجا المرحوم علي شاه
قال في التثقيف ولم أعلم وزر في زمن من من المتولين
عمر بك أحد أمراء الأشرف بن تمرتاش صاحب تبريز في قطع الثلث الدعاء والعالي والعلامة أخوه وتعريفه عمر بك
قال في التثقيف وهذا ممن بطل حكمه بزوال مخدومه (7/284)
الجملة الثالثة في رسم المكاتبة إلى من انطوت عليه مملكة إيران ممن جرت عادته بالمكاتبة عن الأبواب السلطانية في أيام السلطان أبي سعيد فمن بعده وهم ثمانية أصناف
الصنف الأول كفال المملكة بحضرة القان وهم على ضربين
الضرب الأول كفال المملكة بالحضرة في زمن القانات العظام كأبي سعيد ومن قبله من ملوكهم حين كانت المملكة على أتم الأبهة وأعلى الترتيب
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثالثة أن القائم بتدبير العسكر لهذه الدولة حين كانت قائمة على نمط القانية المتقدم إلى آخر زمن أبي سعيد أربعة أمراء يعبر عنهم بأمراء الألوس ويعبر عن أكبرهم ببكلاري بك بمعنى أمير الأمراء
وربما أطلق عليه أمير الألوس أيضا
والقائم بتدبير الأمور العامة هو الوزير
فأما الأمراء المذكورون فقد كان كل من الأمراء الأربعة والوزير يكاتب عن الأبواب الشريفة السلطانية
وقد ذكر في التعريف أن المكاتبة إلى بكلاري بك في قطع النصف أعز الله تعالى نصر المقر الكريم
وإلى الثلاثة الذين دونه في قطع الثلث أدام الله تعالى نصر الجناب الكريم
وأنه يقال لكل من الأربعة النويني
ثم قال ومثل هذا مكاتبة أرتنا بالروم وأمير (7/285)
التومان بديار بكر من سوناي وبنيه وكذلك سائر الأمراء النوينات وهم أمراء التوامين
والذي ذكره في التثقيف أن المكاتبة إلى الشيخ حسن الكبير أمير الألوس كانت على ما استقر عليه الحال إلى حين وفاته ببغداد في قطع الثلث بقلم التوقيعات أعز لله تعالى أنصار الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الزعيمي العوني الغياثي المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري النويني الفلاني عون الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين ممهد الدول عماد الملة عون الأمة كافي الدولة القانية كافل المملكة الشرقية آمر التوامين أمير الألوس ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
والدعاء أربع قرائن أو أكثر أصدرناها إلى الجناب الكريم وتبدي والقصد من الجناب الكريم
والعلامة أخوه
وتعريفه الشيخ حسن ألوس بك
قال في التثقيف ولما توفي الشيخ حسن المذكور إلى رحمة الله تعالى لم يقم غيره مكانه فيما أظن ولا كوتب أحد بعده بهذه المكاتبة
قال والنويني في ألقاب هؤلاء بدل الكافلي في ألقاب النواب يعني بالمملكة المصرية والشامية
ثم قال وهو نعت يستعمل دائما لأهل تلك البلاد ولا يستعمل الكافلي أصلا
وهذا عجيب منه فقد أثبت هو الكافلي في الألقاب التي أوردها في المكاتبة إلى الشيخ حسن الكبير
وأما الوزير بهذه المملكة فقد ذكر في التعريف أن رسم المكاتبة إليه (7/286)
في قطع الثلث ضاعف الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري الوزيري على عادة المكاتبات إلى الوزراء بألقاب الوزارة
قال فإن لم تكن له إمرة فيقال له الوزيري ولا يقال له الصاحبي لهوانها لديهم
ولم يتعرض في التثقيف إلى المكاتبة إلى وزير هذه المملكة ولا إلى الأمراء الثلاثة الباقين من أمراء الألوس بل عدل عن ذلك إلى المكاتبة إلى الوزير ببلاد أزبك
وسيأتي ذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى
قتل وقد محيت رسوم تلك المملكة وعفت آثارها بزوال ترتيب المملكة بموت السلطان أبي سعيد آخر ملوك بني جنكزخان بهذه المملكة
وإنما ذكرنا ذلك حفظا لما كان الأمر عليه لاحتمال طرو مثل ذلك فيما بعد فينسج ما يأتي على منوال ما مضى ويجري في المستقبل على منهاج الماضي فالأمور ترتفع ثم تنخفض وربما انخفضت ثم ارتفعت
والله تعالى يقول ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )
الضرب الثاني كفال المملكة بالحضرة بعد موت أبي سعيد
قد ذكر في التثقيف منهم جماعة منهم محمد الكازروني وزكريا وزيرا الشيخ أويس
وقد ذكر أن رسم المكاتبة إلى كل منهما في قطع العادة صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأجلي الكبيري الأوحدي المقدمي المنتخبي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الرؤساء أوحد الأعيان صفوة الملوك والسلاطين
ثم الدعاء
والعلامة الاسم الشريف وتعريفه فلان وزير الشيخ أويس بهادرخان (7/287)
ومنهم الطواشي مرجان نائب القان أويس ببغداد ولقبه أمين الدين بالس
ورسم المكاتبة إليه والده والسامي بالياء
وتعريفه خواجا مرجان
ومنهم محمد فلتان نائب الشيخ أويس أيضا
وذكر أن رسم المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى مرجان
والعلامة الاسم الشريف
وتعريفه فلتان نائب الشيخ أويس
قلت فإن اتفق أن أقيم لصاحب بغداد كأحمد بن أويس ومن في معناه مثل هؤلاء كانت المكاتبة إلى كل منهم نظير مثله من المذكورين بحسب ما يقتضيه الحال
الصنف الثاني ممن جرت العادة بمكاتبته بمملكة إيران عن الأبواب السلطانية صغار الملوك المنفردين ببعض البلدان والحكام بها ممن هو بمملكة إيران
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن مملكة إيران تشتمل على عدة من الأقاليم داخلة في حدودها منتظمة في سلكها
وقد ذكر في التعريف جملة من المكاتبات عن الأبواب السلطانية إلى بعض هؤلاء الملوك
وخالفه في التثقيف في بعض المواضع وزاد عليه عدة مكاتبات
وها أنا أذكر ما ذكراه من ذلك وأزيد ما اتفق زيادته مميزا لكل إقليم من أقاليم هذه المملكة بمن فيه من الملوك والحكام ومن جرى مجراهم
فممن جرت العادة بمكاتبته من الملوك والحكام بالجزيرة الفراتية مما بين دجلة والفرات من ديار بكر وربيعة ومضر وغيرها على ما تقدم ذكره في المسالك والممالك في المقالة الثالثة
صاحب ماردين وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة ذات قلعة (7/288)
حصينة بديار بكر من هذه الجزيرة وأنها بيد بقايا بني أرتق المستقلين بملكها من قديم الزمان وإلى الآن
ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في التعريف أعز الله تعالى نصرة المقر الكريم العالي الكبيري الملكي الفلاني الفلاني يعني باللقب الملوكي واللقب المضاف إلى الدين مثل الصالحي الشمسي وما أشبه ذلك ثم الدعاء قال في التثقيف ثم يقال أصدرناها إلى المقر الكريم وتبدي لعلمه الكريم
فيتقدم أمره الكريم
ويختم بما صورته فيحيط علمه الكريم بذلك
والدعاء
والعلامة أخوه
وتعريفه صاحب ماردين
وورقة قطع العادة
ثم قال ويتعين أن تكون ألقابه إلى آخر اللقب الملوكي سطرين سواء وأن يكون لقبه العادي كالفخري مثلا أول السطر الثالث
وقد ذكر في التعريف ثلاثة صدور لمكاتبة تتعلق بصاحبها في زمانه وهو الصالح شمس الدين صالح
أحدها ولا زال ملكا تاجه المدائح ومنهاجه المنائح وطريقته إذا وصفت قيل هذه طريقة الملك الصالح
أصدرناها إليه وشكرها تسوقه إليه حداة الركائب وتشوق منه إلى لقاء الحبائب وتثني على مكارمه التي كلما أقلعت منها سحائب أعقبت بسحائب وتوضح للعلم الكريم
الثاني ولا زالت شمسه في قبة فلكها وسماء ممالكه مملوءة حرسا شديدا وشهبا بملكها ونعمة تتعب البحار إذا وقفت في طريقها والغمائم إذا جازت في مسلكها
أصدرناها إليه والسلام متنوع على كرمه متضوع بأطيب من أنفاس (7/289)
المسالك في نعمه متسرع إليه تسرع مواهبه إلى وفود حرمه
وتوضح للعلم الكريم
الثالث ولا زالت العفاة تلتحف بنعمائه وتنتجع مساقط أنوائه وتستضيء منه بأشرق شمس طلعت من الملك سمائه أصدرناها وثناؤها يسابق عجلا ومدائحها تجيد مترويا ومرتجلا وشكرها لو رصع مع الجواهر لأقام عذر الياقوت إذا اكتسى خده الحمرة خجلا وتوضح للعلم الكريم
قلت وعلى نمط هذه الصدور يجري الكاتب فيما يكتبه إلى صاحبها مناسبا لحاله ولقبه بحسب ما يقتضيه الحال من المناسبات
وهذه نسخة كتاب كتب به إلى الملك الصالح شرف الدين محمود بن الصالح صالح جوابا عما ورد به كتابه من وفاة والده المنصور أحمد
نقلتها من مجموع بخط القاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش وهو أعز الله تعالى نصرة المقر الكريم إلى آخر ألقابه ولا زال الملك باقيا في بيته الكريم والفلك جاريا بإظهار شرفه العميم وأعظم له الأجر في أكرم ملك انتقل إلى جنات النعيم وهنأه بما أورثه من ذلك المحل الأسنى الذي هو الأولى فيه بالتقديم وضاعف لسلطانه الصالح علو جده بما منحه من ملكه الموروث عن المنصور أبيه والصالح جده وبما خصه من إقبالنا الشريف وإحساننا المستديم
أصدرناها معربة عن الود الثابت الصميم مهنئة له بقيامه بأمور مملكته التي تجملت بمحمود صفاته ومن سلف من أسلافه في الحديث والقديم مبدية لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمه ومخاطبته التي فضحت من الدر نظيمه وردت على أبوابنا الشريفة على يد فلان فأقبلنا عليها وألفتنا وجه الكرامة إليها وعلمنا ما ضمنته من استمساك المقر الكريم بأسباب الوداد وإقتفائه في ذلك سبيل الآباء والأجداد وما شرحه في معنى ما قدره الله تعالى من وفاة والده طاب ثراه مستمرا (7/290)
على الإخلاص في الطاعة الذي لم يكن شانه شين ولا اعتراه وأنه مضى إن شاء الله تعالى إلى الجنة وقد خلف من خلفه وارتضى بما نال من الرضا عما قدمه من العمل الصالح وأسلفه وما أبداه من أنه إن اقتضت مراسمنا الشريفة وآراؤنا العالية أن يقوم مقامه ويرعى في حقوقه ومصالح تلك المملكة ذمامه فنرسم بإجرائه على السنة المعتاده من إحسان بيتنا الشريف الذي بدأ به وأعاده وإلا فتبرز الأوامر الشريفة بمن يسد اختلالها ويسدد أحوالها ويشيد مبانيها ويصلح أعمالها ليقصد المقام الشريف بأبوابنا الشريفة سالكا سبيل الطاعة المبين منتظما في سلك أوليائنا المقربين إلى غير ذلك مما حمله لأستاد داره من مشافهته وجميل مقاصده ووافر محبته وطاعته وقد أحطنا علما بذلك وسمعنا المشافهة المذكورة وشكرنا محبته المأثورة وإخلاصه في الخدمة الشريفة وجميل الموالاة التي تمنحه تكريمه وتشريفه واستمساكه بسنة آبائه الكرام واجتهاده في المناصحة والطاعة التي لا تسامى من مثله ولا تسام ونحن نعرف المقر الكريم أن محله ومحل بيته الكريم لم يزل لدينا رفيعا مقداره عاليا مناره وأن مكانته من خواطرنا الشريفة متمكنة ومنزلته قد صحت أحاديثها المعنعنة وهو الأحق بمحل ملكه والأولى بأن يكون من نظام عقود ملوكه واسطة سلكه وقد اقتضت آراؤنا العالية أن يقوم مقام والده المرحوم ويحل محل هذه السلطنة ليعلو قدره بإقبالنا الشريف على زهر النجوم وليجلس بمكانه وليبسط المعدلة لتكون حلية زمانه وليستنصر على أعدائنا وأعدائه بأنصار الملك وأعوانه وليستقر على ما هو عليه من المحافظة على الوداد وليستمسك بعرى الإخلاص المبرإ من شوائب الانتقاد وليقتف في ذلك سبيل سلفه الكريم وليواصل بمكاتباته وأخباره على سننهم القويم وقد أعدنا إستاد داره بهذا الجواب الشريف إليه
واعلم أنه قد ذكر في التثقيف أن ممن يكتب إليه عن الأبواب السلطانية من أتباع صاحب ماردين نائبه وذكر أنه كان اسمه في زمنه بهادر
وأن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء وكذلك نائب الصالحية من عمل ماردين (7/291)
وأن رسم المكاتبة إليه الاسم ومجلس الأمير
فليجر الكاتب على سنن ذلك إن احتج إلى مكاتبتهما
صاحب حصن كيفا وهي مدينة من ديار بكر من بلاد الجزيرة بين دجلة والفرات
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك نقلا عن التعريف أن صاحبها من بقايا الملوك الأيوبية وممن تنظر إليه ملوك مصر بعين الإجلال لمكان ولائهم القديم لهم واستمرار الوداد الآن بينهم
ورسم المكاتبة إلى فيما ذكره في التعريف أدام الله نعمة المجلس العالي الملكي الفلاني باللقب الملوكي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي الأصيلي الفلاني باللقب المتعارف عز الإسلام والمسلمين بقية الملوك والسلاطين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين شرف الدول ذخر الممالك خليل أمير المؤمنين
وربما قيل عضد أمير المؤمنين إذا صغر
وذكر في التثقيف ما يخالف في بعض ذلك فقال إن مكاتبته أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي الفلاني باللقب الملوكي واللقب المتعارف
عز الإسلام والمسلمين زعيم جيوش الموحدين
ذخر الملة سليل الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
ثم الدعاء
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي
والعلامة أخوه وتعريفه صاحب حصن كيفا
قال والكتابة إليه في قطع العادة
قد ذكر في التعريف صدورا لمكاتبته
صدر واستعاد به من الدهر من عهود سلفه ما تسلف وحاز له من مواريث الملك أكثر مما خلى له أوله وما خلف وحط للرحال في حصن كيفا به على ملك أما المستجير به فيتحصن وأما فضله فلا يكيف وأعان السحاب الذي كل عن مجاراته ويجري هو ولا يتكلف
أصدرت هذه المكاتبة إليه ونوءها يصوب (7/292)
ولألاؤها تشق به الظلماء الجيوب وثناؤها على حسن بلائه في طاعة ربه يقول له صبرا صبرا كما تعودتم يا آل أيوب
صدر آخر وشد به بقية البيت وحيا طلله البالي وأحيا رسمه الميت وذكر به من زمان سلفه القديم ما لا يعرف فيه هيت وأبقى منه ملكا من بني أيوب لا يثني وعده اللي ولا يقال فيه ليت ونور الملك بغرته لا بما قرع السمع عن الشمع وورد المصابيح من الزيت وحفظ منه جوادا لو عينه أخوه السحاب على السبق لقال له هيهات كم خلفت مثلك خلفي وخليت
أصدرت هذه المكاتبة إليه أعز الله جانبه والتحيات موشحة بنطقها مصبحة لسجاياه الكريمة بخلقها ساحبة إليه ذيل خيلائها لأنها إذا اختالت به تختال وبسببه على السرور تحتال
ملوك كيلان قال في التعريف وهم جماعة كل منهم مستقل بنفسه منفرد بملكه على ضيق بلادهم وقرب مجاورة بعضهم من بعض
وقد تقدم الكلام على بلادهم في المسالك والممالك
قال في التعريف ورسلهم قليلة وكتبهم أقل من القليل
ورسم المكاتبة إلى كل منهم على ما ذكره في التعريف نحو ما يكتب إلى صاحب حصن كيفا
يعني يكتب لكل منهم أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الملكي الفلاني إلى آخر ما تقدم هناك
قال في التعريف إلا صاحب يومن فإنه يكتب له بالجناب
وهو مثلهم في بقية الألقاب
قال في (7/293)
التثقيف ولم أر لهم مكاتبة ولا كتب لهم في مدة مباشرتي بديوان الإنشاء الشريف شيء غير أني رأيت بخط المولى القاضي المرحوم زين الدين خضر أنه كتب أمثلة شريفة إلى جماعة منهم حرم الدين
بيومن ثم قال وهذا هو الذي ذكر القاضي شهاب الدين أن مكاتبته أعلى مكاتباتهم وأنه يكتب إليه الجناب
قال وما يبعد أن الجماعة الذين كتب إليهم على ما ذكر القاضي زين الدين المشار إليه هم من جملة ملوك كيلان
ثم عدد من كتب إليه منهم فقال وهم نوباذ شاه وسالوك ولده في قطع العادة
ورسم المكاتبة إليهما خلد الله تعالى سعادة الجنابين الكريمين العاليين الكبيريين العادليين المجاهديين المرابطيين الملكيين الشرفي والسيفي
والدعاء والعلامة أخوهما
والعنوان سطران
وتعريفهما نوباذ شاه وسالوك ولده صاحبا كوحسفا
ناصر الدين بهلوان وشرف الدين شرف الدولة صاحبا لاهجان مثل ذلك سواء
فلك الدين صاحب دشت كذلك
حسام الدين صاحب يومن كذلك
ثم قال نقلا عن ابن الزيني خضر أيضا وقيل إن حسام الدين هذا كان صاحب يومن وصاحبها الآن أخوه على ما ذكره محمود بن إبراهيم بن اسفندار الكيلاني حين كتب إليهم
قلت وهؤلاء هم ملوك كيلان وهذه مدنهم على ما تقدم في المسالك والممالك
والعجب كيف وقع الشك في ذلك من صاحب التثقيف حتى قال وما يبعد
وأما التسوية في الآخر بين صاحب يومن وغيره فيجوز أن قدره انحط بعد زمن صاحب التعريف أو جهل الكاتب الثاني مقداره (7/294)
صاحب هراة وهي مدينة من خراسان
قال في التعريف ولا يجري على الألسن الآن إلا صاحب هرى
قال وكان ملكها الملك غياث الدين
ولم أسمع أعجميا يقول إلا قياس الدين
وكان ملكا جليلا نبيلا مفخما معظما له مكانة عند الملوك الهولاكوهية ومنزلة رفيعة علية
وكان بينه وبين النوين جوبان مودة أكيدة وصداقة عظيمة فلما دارت به دوائر الزمان وأفضت به الحال إلى الهرب لجأ إلى صاحب هرى هذا على أنه يسهل له الوصول إلى صاحب الهند أو إلى ملك ما وراء النهر فأجابه وأنزله وبسط أمله وأسر له الخداع حتى اطمأن إليه فأصعده إلى قلعته ليضيفه فصعد ومعه ابنه جلوقان وهو ابنه من خوندة بنت السلطان خدابندا وجلوقان هذا هو الذي أجيب إلى تزويجه ببنت السلطان الملك الناصر وعلى هذا تمت قواعد الصلح
وبنى جوبان أمره على أنه بعد التزويج يأخذ له ملك بيت هولاكو بشبهة أنه ابن بنت خدابندا وأنه لم يبق بعد أبي سعيد من يرث الملك سواه
ثم يستضيف له ملك مصر والشام بشبهة أن بنت صاحب مصر هي التي ترث الملك من أبيها فحالت المنايا دون الأماني
وحال صعود جوبان وابنه جلوقان القلعة أمسكهما غياث الدين وخنقهما ليتخذ وجها بذلك عند أبي سعيد وبعث بذلك إلى أبي سعيد فشكر له إمساكهما وأنكر عليه التعجيل في قتلهما فاعتذر بأنني لو لم أقتلهما لم آمن استعداد من معهما لمحاصرتي فقبل عذره وطلب منه إبهام جوبان ليعرف أنه قد قتله وكان فيه زيادة سلعة ظاهرة يعرف بها فجهزه إليه فأكرم رسله وبعث إليه بالخلع وأمر بإصبع جوبان فطيف بها في الممالك
ثم سألت بغداد خاتون بنت (7/295)
جوبان امرأة أبي سعيد وكان شديد الكلف بها في نقل أجسادهما فنقلت فعقدت لهما المآتم ثم أمرت بحملهما إلى مكة المعظمة ثم إلى المدينة المشرفة ليدفنا في التربة الجوبانية التي كان جوبان أعدها لدفنه في حال حياته فمكنت من ذلك إلا من الدفن فإنهما دفنا بالبقيع
ثم حضر غياث الدين حضرة أبي سعيد فأكرم وأعطي العطايا السنية ثم لم يلبث أن مات وولي ابنه
قال ولم يكن صاحب هذه المملكة ممن يكاتب عن السلطان حتى كانت واقعة جوبان فكتب إليه
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف أعز الله تعالى نصر المقر الكريم العالي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي الملك الفلاني شرف الملوك والسلاطين خليل أمير المؤمنين
قال في التثقيف ولم أطلع على ما يكتب إليه سوى ما ذكره القاضي شهاب الدين بعد واقعة جوبان
قال والذي يظهر لي أنه لم يكاتب بعد ذلك هو ولا من قام مقامه لأنه لم تكن له مكاتبة مشهورة متداولة بين الموالي الجماعة ولا كتب إليه في مدة مباشرتي شيء
على أن القاضي شهاب الدين لم يذكر تعريفه (7/296)
الحكام بهذه المملكة من جرت العادة بمكاتبته من الحكام بالجزيرة الفراتية من هذه المملكة
الحاكم بشمشاط وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنها بلدة من ديار مضر بين آمد وخرت برت
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه السامي بالياء
والعلامة الاسم
وتعريفه الحاكم بشمشاط
الحاكم بميافارقين وقد تقدم في المسالك والممالك أنها قاعدة ديار بكر
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه السامي بغير ياء
والعلامة الاسم
وتعريفه الحاكم بميافارقين
الحاكم بجيزان وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار بكر قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه السامي بالياء
والعلامة الاسم
وتعريفه الحاكم بجيزان وهو معدود في التثقيف في جملة الأكراد
الحاكم بجزيرة ابن عمر وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة صغيرة على دجلة من غربيها
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه السامي بالياء
والعلامة له الاسم
وتعريفه الحاكم بجزيرة ابن عمر
وذكره في التثقيف في جملة الأكراد وقال كان بها عز الدين أحمد اليخشي
وذكر أن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
وتعريفه أحمد بن سيف الدين اليخشي الحاكم
واستقر بعد وفاته ولده عيسى وورد كتابه في صفر سنة أربع وستين وسبعمائة أخبر فيه بوفاة والده واستقراره مكانه
على أنه قد ذكر معبرا عنه بصاحب الجزيرة وسماه بكلمش
وذكر أن المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
الحاكم بسنجار وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار ربيعة
قال في التثقيف وكان قد كتب لشيخو الحاكم بها مرسوم شريف بأن يكون نائبا بها حسب سؤاله في سنة ثلاث وستين وسبعمائة
قال وكانت المكاتبة إليه أولا الاسم ومجلس الأمير وكتب له حينئذ السامي بغير ياء (7/297)
الحاكم بتل أعفر وقد تقدم في المسالك والممالك أنها قلعة بين سنجار والموصل
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه السامي بالياء
والعلامة له الاسم وتعريفه الحاكم بتل أعفر
الحاكم بالموصل وقد تقدم في المسالك والممالك أنها قاعدة بلاد الجزيرة كلها في القديم حيث كانت بيد الجرامقة
قال في التثقيف والمكاتبة إليه في قطع العادة الاسم وصدرت والسامي
وتعريفه الحاكم بالموصل
ورأيت في بعض الدساتير أن العلامة استقرت له والده عند استقراره نائب السلطنة بها
الحاكم بالحديثة وقد تقدم في المسالك والممالك أنها بلدة على الفرات
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء
وتعريفه الحاكم بالحديثة
وهي غير حديثة الموصل
وهي بلدة شرقي دجلة تعد في بلاد العراق
الحاكم بعانة وقد تقدم في المسالك والممالك أنها بلدة صغيرة على جزيرة في وسط الفرات
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء
وتعريفه الحاكم بعانة
ورأيت في بعض الدساتير أن المكاتبة إليه السامي بغير ياء
الحاكم بتكريت وفي التثقيف صاحب تكريت
وقد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة من آخر مدن الجزيرة بين دجلة والفرات
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه مثل الحاكم بالموصل فتكون في قطع العادة
والعلامة الاسم
وتعريفه الحاكم بتكريت
الحاكم بقلعة كشاف وقد تقدم في المسالك والممالك أنها في الجنوب (7/298)
عن الموصل بين الزاب والشط وأنه عدها في تقويم البلدان من بلاد الجزيرة مرة ومن عراق العجم أخرى
وأنه أوردها في التثقيف بإثبات الألف واللام
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه مثل حاكمي عانة والحديثة فتكون المكاتبة إليه السامي بالياء
ورأيت في بعض الدساتير أن المكاتبة إليه السامي بغير ياء
وتعريفه الحاكم بقلعة كشاف
الحاكم بإسعرد وهي سعرت
قد تقدم في المسالك والممالك أنها مدينة من ديار ربيعة
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه مجلس الأمير
وحينئذ فتكون في قطع العادة
والعلامة الاسم
وتعريفه الحاكم بإسعرد
صاحب حاني ويقال لها حنا
وهي مدينة من ديار بكر
وقد ذكر في التثقيف أن صاحبها تاج الدين
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
من جرت العادة بالمكاتبة إليه بالجانب المختص ببني جنكزخان من بلاد الروم من مارية وما معها
أرتنا الذي كان قائما بهذه البلاد عن بني هولاكو من التتر
ورسم المكاتبة إليه في قطع الثلث ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني الزعيمي الممهدي المشيدي الظهيري النويني الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
والدعاء والسلام
والعلامة أخوه
وذكر في التثقيف أنه كتب إلى ولده محمد بعده كذلك في قطع الورق (7/299)
والمكاتبة والعلامة
وأنه كتب إلى علي بك بن محمد المذكور بعده كذلك إلا في العلامة فإنه استقرت له والده وكتب تعريفه علي بك ابن أرتنا
من جرت العادة بمكاتبته من الحكام ببلاد العراق
الحاكم بهيت وعبر عنه في التعريف بصاحب هيت
وقد تقدم في المسالك والممالك أنها شمالي الفرات من أعمال بغداد
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء وتعريفه الحاكم بهيت
الحاكم بالقنيطرة وقد تقدم في المسالك والممالك أنها بلدة بالقرب من مرسى الحلة
قال في التثقيف والمكاتبة إليه السامي بالياء
والعلامة الاسم
وتعريفه الحاكم بالقنيطرة
ثم قال وآخر ما استقرت مكاتبته عليه السامي بغير ياء
وعبر عنه في موضع آخر بإبراهيم صاحب القنيطرة
وذكر أن المكاتبة إليه الاسم والسامي
وأن تعريفه اسمه خاصة
من جرت العادة بمكاتبته من الحكام ببلاد الجبل وهي عراق العجم
الحاكم بإربل وعبر عنه في التثقيف بصاحب إربل
قال في التثقيف كان بها الشريف علاء الدين علي الدلقندي ثم استقر بها الشريف يحيى ثم استقر بها علي ولده
قال والمستقر بها الآن على ما تحرر في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة أسد الدين أسد
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
وتعريفه الحاكم بإربل (7/300)
صاحب قاشان وسماها في التثقيف قيشان
ورسم المكاتبة إليه السامي بغير ياء
صاحب باب الحديد المعروفة عند الترك بتمر قابو
وهي باب الأبواب
قال في التثقيف كان بها كاووس وكتب إليه جواب في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وسبعمائة أويس في قطع الثلث والدعاء والعالي
وتعريفه اسمه لا غير
من جرت العادة بمكاتبته من الحكام ببلاد فارس
الحاكم بشيراز وقد تقدم في المسالك والممالك أنها قاعدة بلاد فارس
قال في التثقيف والمستقر بها على ما تحرر في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة شاه شجاع أخو شاه ولي
وذكر أنه لم يكتب إليه في مدة مباشرته من ديوان الإنشاء ولا وقف على مكاتبة إليه
ثم قال غير أنه يمكن أن تكون المكاتبة إليه نظير المكاتبة إلى الأشرف تمرتاش المستولي على تبريز فإنه قال إن شيراز قدر تبريز ونظيرها
فعلى هذا يكون رسم المكاتبة إليه في قطع الثلث ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري وبقية الألقاب والنعوت
ويكون فيها النويني كما في مكاتبة المستولي على تبريز
من جرت العادة بمكاتبته ببلاد كرمان
صاحب هرمز قد تقدم في المسالك والممالك أن قاعدة كرمان القديمة السيرجان وأن هرمز فرضة كرمان وأنها خربها التتر عند خروجهم على تلك البلاد بكثرة الغارات وانتقل معظم أهلها إلى جزيرة ببحيرة بحر فارس على القرب منها (7/301)
تسمى وزرون
وقد كتب إلى صاحبها عن سلطان العصر الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة مفاتحة في قطع
من جرت العادة بمكاتبته من بلاد أرمينية وأران وأذربيجان
النائب بخلاط من أرمينية قد تقدم في المسالك والممالك أنها كانت قاعدة بلاد الكرج
قال في التثقيف ويقال إن حاكمها من الأكراد واسمه أبو بكر ابن أحمد بن أزبك
ثم قال ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء فيكون في قطع العادة
وتعريفه النائب بخلاط
الحاكم بحصن أرزن وهي أرزن الروم
قال في التثقيف وهو على ما اتضح آخرا في رمضان سنة ست وسبعين وسبعمائة علاء الدين علي بن قرا
وردت مكاتبته أن صاحب حصن كيفا ابن خاله
ورسم المكاتبة إليه على ما في التثقيف مثل صاحب حصن كيفا من غير زيادة ولا نقص
على أنه في التعريف قد ذكر أن المكاتبة إليه السامي بالياء
قال في التثقيف والصحيح ما تقدم فإني كتبت إليه بهذه المكاتبة مرات وهو المتداول بين الموالي الجماعة إلى آخر وقت
وقد تقدم في المسالك والممالك أنها في آخر بلاد الروم من جهة الشرق
صاحب بدليس قد ذكر في التعريف أنه كان في زمانه الأمير شرف الدين أبو بكر
وقال إنه يتهم بمذهب النصيرية
ثم قال وبلده صغير ودجلة (7/302)
يسير وعمله ضيق
وهو طريق المارة وقصاد الأبواب السلطانية إلى الأردو إذا لم يكن بالعراق وله خدمة مشكورة
وعدة في التثقيف في جملة الأكراد
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري أسوة الأمراء
وذكر في التثقيف أنه كان بها ضياء الدين أبو الفوارس الروشكي أخو الغرس بالو وأن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء
وتعريفه صاحب بدليس
وأنه استقر بعده ولده الرحاح وكوتب بمثل ذلك سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
صاحب موقان وهي موغان
وسماها في التثقيف ميوغان
قال في التثقيف وكان بها محمد شاه بن أميرشاه وكتب إليه مستجدا في سنة سبع وستين وسبعمائة السامي بغير ياء
النائب بخرت بربت وهي حصن زياد
ذكره في التثقيف من جملة تركمان البلاد الشرقية وذكر أن اسمه يومئذ باليس وأن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء
وتعريفه اسمه ثم قال وهكذا كان يكتب إلى صاحب خرت برت قبله
ثم ذكر أنه رأى بخط القاضي شهاب الدين بن الصفدي أنه استقر بها علاء الدين بن خالد المليكشي بعد حسام الدين خربندة وأن مكاتبته السامي بالياء (7/303)
الصنف الثالث ممن يكاتب بهذه المملكة العربان وهم عبادة وخفاجة
وقد تقدم في الكلام على أنساب العرب أن نسبهما في عامر بن صعصعة من قيس عيلان
وأجل من يكتب إليه منهم رسمه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير
على أن صاحب التثقيف قد ذكر أنه لم يطلع على مكاتبة إليهم
الصنف الرابع ممن يكاتب بههذ المملكة التركمان
قال في التثقيف والأكابر في البلاد الشرقية الذين يكتب إليهم من هذه الطائفة مفردا قليل
أما بقيتهم من تركمان الطاعة الشريفة فقد يكتب إليهم عند المهمات مطلقات شريفة ثم ذكر جماعة ممن يكتب إليه على انفراد ولم يعين لأحد منهم بلدا ولا رياسة قوم معروفين
وها أنا أذكرهم على ما ذكرهم ليقاس عليهم لدى تحقق مقامهم
منهم مراد خواجا
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
وتعريفه اسمه
ومنهم باكيش الكبير ابن أخي توزطوغان
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
وتعريفه اسمه
ومنهم زين الملك توزطوغان
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
وتعريفه مقدم التركمان بالبلاد الشرقية
ومنهم علي بن إينال التركماني من الطائفة البوزقية
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء وتعريفه اسمه
ومنهم يعقوب بن علي شار
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي (7/304)
بالياء وتعريفه اسمه
قال في التثقيف وقد ذكر القاضي ناصر الدين بن النشائي أنه كتب إليه كذلك في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة
ومنهم سالم الدلكري ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء وتعريفه اسمه
واعلم أنه قد تقدم في الكلام على تركمان البلاد الشامية نقلا عن التثقيف أن من طوائف التركمان الذين هم تحت الطاعة من لم يكتب إليه بعد بل إذا كتب في مهم شريف كتب إلى كل طائفة منهم أو إلى سائر الطوائف مطلق شريف
وعد منهم طوائف
الأولى البوزقية جماعة ابن دلغادر وابن إينال المقدم ذكره
الثانية أولاد رمضان الأمرية
الثالثة الأوشرية تركمان حلب
الرابعة الدلكرية جماعة سالم الدلكري
الخامسة الخربندلية جماعة مصطفى
السادسة الأغاجرية
السابعة الورسق تركمان طرسوس
الثامنة القنقية
التاسعة البابندرية وهم النقيبية
العاشرة البكرلية أولاد طشحون
الحادية عشرة البياضية
ثم قال وثم جمائع كثيرة لا يمكن استيعابهم
قلت فإن كان من هذه الطوائف شيء بهذه البلاد فحكمه ما تقدم في الكلام على تركمان البلاد الشامية (7/305)
الصنف الخامس ممن يكاتب بهذه المملكة الأكراد
وقد تقدم الكلام على طوائفهم ومنازلهم من بلاد الجبال من عراق العجم
قال في التعريف وهم خلائق لا يحصون ولولا أن سيف الفتنة بينهم يستحصد قائمهم وينبه نائمهم لفاضوا على البلاد واستضافوا إليهم الطارف والتلاد ولكنهم رموا بشتات الرأي وتفرق الكلمة لا يزال بينهم سيف مسلول ودم مطلول وعقد نظام محلول وطرف باكية بالدماء مبلول
وهم على ضربين
الضرب الأول المنسوب منهم إلى بلاد ومقرات معروفة
قال في التعريف ولهم رأسان كل منهما رجل جليل ولكل منهما عدد غير قليل
أحدهما صاحب جولمرك من جبال الأكراد من عراق العجم
قال في التعريف وهو الكبير منهما الذي تتفق طوائف الأكراد مع اختلافها على تعظيمه والإشارة بأنه فيهم الملك المطاع والقائد المتبع
وهو صاحب مملكة متسعة ومدن وقلاع وحصون وله قبائل وعشائر وأنفار
قال وهم ينسبون إلى عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
ثم قال وكانت الإمرة قد انتهت فيهم إلى أسد الدين موسى بن مجلي بن موسى بن منكلان
وكان رجلا كريما عظيما نهابا وهابا تجله ملوك الممالك الجليلة وتعظمه حكام الأردو وصاحب مصر
وإشارته مقبولة عند الجميع
وإذا اقتتلت (7/306)
طائفتان من الأكراد فتقدم إليهما بالكف كفوا وسمعوا له سمع مراع لا سمع مطيع
وذكر أن القائم فيهم إذ ذاك من بنيه الملك عماد الدين مجلي وهو رجل يحب أهل العلم والفضل ويحل منهم عنده من أتاه أعظم محل
وقد مضى القول على ذلك مستوفى في الكلام على الأكراد عند ذكر عراق العجم من المسالك والممالك من المقالة الثانية
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري والألقاب التامة الكاملة
الثاني صاحب عقرشوش من بلاد الجزيرة
قال في التعريف وملوكها الآن من أولاد المبارزكك
قال وكان مبارز الدين كك هذا رجلا شجاعا كريما تغلب عليه غرائب من الهوس
فيدعي أنه ولي من الأولياء يقبل النذور
وكانت تنذر له النذور تقربا إليه فإذا أتاه النذر أضاف إليه مثله من ماله وتصدق بهما جميعا
قال وأهل هذا البيت يدعون عراقة الأصل في الإمرة وقدم السؤدد والحشمة
ويقولون إنهم عقدت لهم ألوية الإمارة وتسلموا أزمة هذه البلاد وتسنموا صهوات الصياصي بمناشير الخلفاء وأنهم كانوا لهم أهل وفاء
ولهم في هذا حكايات كثيرة وأخبار مأثورة وهم أهل تنعم ورفاهية ونعمة ظاهرة وبزة فاخرة وآدر مزخرفة ورياض مفوفة وخيول مسومة وجوارح معلمة وخدم وغلمان وجوار حسان ومعازف وقيان وسماط ممدود وخوان
قال وموقع بلادهم من أطراف بلادنا قريب والمدعو منهم من الرحبة وما جاورها يكاد يجيب
ثم قال وملوكنا تشكر لهم إخلاص نصيحة وصفاء سريرة صحيحة
وذكر أن القائم فيهم في زمانه شجاع الدين ابن الأمير نجم الدين خضر بن المبارزكك إلا أنه لم يبلغ مبلغ أبيه بل لا يقاربه ولا يدانيه على (7/307)
أنه قد ملك ملكه ونظم سلكه
وقد تقدم الكلام على ذلك أيضا في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف مثل صاحب جولمرك وهي أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري
وذكر في التثقيف أن المكاتبة كانت إلى خضر بن المبارزكك صدرت والعالي
والعلامة أخوه
وتعريفه خضر بن المبارزكك
مع عدم تعريجه على ما في التعريف جملة
وقد ذكر في التثقيف منهم جماعة سوى من تقدم ممن هم منهم بالجزيرة كالحاكم بجزيرة ابن عمر والحاكم بحاني وصاحب عقرشوش
ولم يذكر بلاد من ذكره منهم ممن يأتي ذكره منهم ومن كان بكل بلد منهم من أكابرهم وحكامهم ورسم المكاتبة إليهم على ما ذكره وهم قسمان
القسم الأول من علمت المكاتبة إليهم وهم
صاحب برخو وهو يومئذ أمير حسين بن الملك أسد
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء
صاحب البلهتية قال وكان بها شمس الدين بن البيليق ثم استقر بعده أخوه أحمد
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء أيضا
صاحب الدربنده وهو سيف الدين أصبر بن أزشير الحسيناني
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
وتعريفه أمير أزشير الحسيناني صاحب الدربنده
صاحب كرمليس وهو سحب مسعود
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء (7/308)
صاحب العمادية عماد الدين إسماعيل بن علي بن موسى
ورسم المكاتبة إليه السامي بغير ياء
وتعريفه صاحب قلعة العمادية
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنهم بالقرب من طائفة الجولمركية
قال في التثقيف وكان بها أولاد الحاجي بن عمر وردت مطالعته كذلك الحالجي بن عمر صاحب العمادية في سنة أربعين وسبعمائة
صاحب مازكرد حسن بن إسماعيل
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
صاحب رندشت بجبال همذان وشهرزور
وهو عبد الله بن حسام الدين رسلان
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
صاحب جرذقيل بهاء الدين عمر بن إبراهيم الهكاري
ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
صاحب سكراك كرجي بك
ورسم المكاتبة إليه مجلس الأمير
والعلامة الاسم
صاحب فيلبس سلطان شاه
ورسم المكاتبة إليه مجلس الأمير
والعلامة الاسم
صاحب شكوش أمير أحمد
ورسم المكاتبة إليه مجلس الأمير والعلامة الاسم
صاحب جرموك مجلس الأمير
والعلامة الاسم الشريف (7/309)
صاحب بهرمان عبد الصمد
ورسم المكاتبة إليه مجلس الأمير
والعلامة الاسم
صاحب حصن أران وهو حصن الملك شجاع الدين خضر بن عيسى الشهري
ورسم المكاتبة إليه مجلس الأمير والعلامة الاسم
القسم الثاني من ذكره في التثقيف ولم يذكر مكاتبته وقال إنه وقف عليه كذلك وهم صاحب خفتيان تاج الدين أخو باشاك
صاحب سوبخ أمير عيسى بن باشاك
صاحب أكريسنا ملك بن باشاك
صاحب يزاكرد بهاء الدين الزرزاري
صاحب زاب فخر الدين عثمان الزابي
صاحب البرسه شمس الدين بن بهاء الدين
صاحب الدربندات القرابلية علي بن كراقي تعريفه صاحب دربند القرابلي
صالح قلعة الجبلين حسام الدين بن تاج الدين العاملي
صاحب سيدكان أمير علي بن حسام الدين الزرزاري
صاحب هرور بهاء الدين حسن بن عماد الدين
صاحب رمادان أمير عبد الله الكركاني
صاحب الشعبانية حسام الدين أمير مري السبيني
صاحب نمرية بهاء الدين
صاحب سياح سنقر (7/310)
صاحب المحمدية الشيخ محمد
صاحب كزليك
الضرب الثاني من لم يصرح له بمكان
وقد ذكر في التثقيف منهم جماعة ممن كان في الزمن المتقدم وصرح بذكر المكاتبة إليهم فذكر منهم أبو بكر بن المبارزكك الاسم والسامي بغير ياء وتعريفه اسمه
مبارز الدين عبد العزيز أخوه مثله
علي وعمر ولدا ابن بروحى خليل بن بروحى
ورسم المكاتبة إلى كل منهما الاسم والسامي بغير ياء
خالد المليكشي كذلك
أولاده محمود وأحمد مجلس الأمير
بهاء الدين بن الغرس بالو الاسم والسامي بغير ياء
عبد الله الشهري الاسم والسامي بغير ياء
شجاع الدين خضر بن عيسى الشهري أخو عبد الله الشهري الاسم والسامي بغير ياء
مبارز بن عيسى بن حسن السلاري الاسم والسامي بغير ياء
قال في التثقيف ومكاتبته مستجدة في العشر الأول من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة
خضر بن محمد الهكاري الاسم والسامي بغير ياء
قال وهو مستجد (7/311)
المكاتبة أيضا في العشر الآخر من صفر سنة تسع وستين وسبعمائة
قلت فإن اتفق المكاتبة إلى أحد من هؤلاء المجهولي الكتابة أو غيرهم من الأكراد كتب له على قدر مقداره بالنسبة إلى من علمت المكاتبة إليه
قال في التعريف هنا ومما ينبه عليه أن طرق المارين ومسالك المسافرين من بلادنا إلى خراسان ومنها إلينا يظهر في بعض الأحيان أهل فساد يعمدون إلى عميد يقدمونه عليهم فيقطعون السبل ويخيفون الطرق وتطير سمعة عميدهم وتنتشر في قريبيهم وبعيدهم فيكاتب ذلك العميد من أبواب الملوك ويضطر إليه لفتح الطريق بالسلوك ويكون من غير بيت الإمرة وربما هوى نجمه فانقطع بانقطاع عمره اسمه مثل الجملوك الخارج بطريق خراسان والغرس بالو الخارج فيما يقارب بلاد شهرزور ومثل الخارجين على دربند القرابلي
قال وهؤلاء وأمثالهم يطلعون طلوع الكمأة لا أصل ممتد ولا فرع مشتد فهؤلاء لا يعرف لأحد منهم رتبة محفوظة ولا قانون في رسم المكاتبة معروف وإنما الشأن فيما يكتب إلى هؤلاء بحسب الاحتياج وقدر ما يعرف لهم من اشتداد الساعد وعدد المساعد
قال ولقد كتبنا إلى كل من الجملوك والغرس بالو بالسامي بالياء وجهزت إليهما الخلع وأتحفا بالتحف
الصنف السادس ممن يكاتب بمملكة إيران أرباب الأقلام
ذكر في التثقيف أنه كتب إلى مجد الدين أخي الوزير غياث الدين أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الصاحبي الأجلي الكبيري العالمي الكافلي الماجدي الزيني الأميري الأوحدي المعظمي الذخري المجاهدي
قال في التثقيف هذا ما وجدته بخط القاضي ناصر الدين بن النشائي ولم يذكر تعريفه ولا العلامة إليه
وكتب إلى علاء الدين صاحب الديوان مثله
والعلامة إليه أخوه
قال في التثقيف هكذا وجدته في خط ابن النشائي ولم يذكر تعريفه (7/312)
الوزير شمس الدين قال في التثقيف نقلت من خط القاضي شهاب الدين بن الخضر أن مكاتبته في قطع العادة الاسم والسامي الأميري الشريفي الحسيبي النسيبي
وبقية الألقاب
ولم يكتب له الصحابي ولا الوزيري
قال ولم يذكر شيئا غير هذا
ثم قال ولا أعلم لمن وزر المذكور ولا من أي بلاد الشرق
ضياء الدين صاحب الديوان المكاتبة إليه حسب ما نقله في التثقيف عن خط ابن الخضر أيضا الاسم والسامي الأمير الأجل
وذكر أنه كتب إليه على يد سراج الدين قاضي قيسارية
قال في التثقيف وعلى هذا أن ضياء الدين هذا من أهل المملكة الرومية
معين الدين صاحب الديوان مثله
الصنف السابع ممن يكاتب بمملكة إيران أكابر المشايخ والصلحاء
قد ذكر في التثقيف ممن كوتب من مشايخ هذه البلاد ثلاثة مشايخ
فنحن نذكرهم ليقاس عليهم ولئلا يهمل شيء مما أورده في التثقيف
الأول شمس الدين الطوطي
قال في التثقيف وهو فيما أظن ممن كان يكتب إليه قديما ولم يكتب إليه بعد ذلك
قال ورسم المكاتبة إليه حسب ما نقلته من خط القاضي ناصر الدين بن النشائي صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الشيخي الأجلي العالمي العاملي الكاملي الفاضلي الزاهدي الورعي العابدي الخاشعي الناسكي القدوي الأوحدي الفلاني مجد الإسلام صدر الأنام بقية السلف الكرام فخر العلماء أوحد الكبراء زين الزهاد عماد العباد قدوة المتورعين ذخر الدول ركن الملوك والسلاطين
والدعاء وتصف لعلمه المبارك
والعلامة الاسم
قال في التثقيف هذا صورة ما وجدته من غير زيادة
ولم يذكر تعريفه ولا محله من (7/313)
البلاد
قال وقد كتب في نعوته ركن الملوك والسلاطين
وهو غريب لأنه خلاف ما جرت به العادة
الثاني الشيخ غياث الكججي بتبريز
ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره المشار إليه أعاد الله تعالى من بركة المجلس السامي الشيخي
وبقية الألقاب الغياثي وتكملة النعوت بما يناسب
والعلامة الاسم وتعريفه محمد الكججاني
الثالث الشيخ حسن بن عبد القادر الجيلاني
وكان من المناصحين الذين يكتب إليهم قديما
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء
ثم قال ومن ألقابه الشيخ العالم العامل القدوة المرشد فلان الدين
قلت هذا ذهول منه وإلا فمقتضى هذه الألقاب المجردة عن الياء أن تكون الكتابة إليه السامي بغير ياء
الصنف الثامن ممن يكاتب بمملكة إيران النساء
وقد ذكر في التثقيف المكاتبة إلى أربع منهن
الأولى دل شاد زوج الشيخ حسن الكبير
كتب إليها في قطع العادة أدام الله تعالى صون الجهة المحجبة المصونة العصمية الخاتونية المعظمية سيدة الخواتين زينة نساء العالمين جميلة المحجبات جليلة المصونات قرينة نوين الملوك والسلاطين
والدعاء والعلامة أخوها
وتعريفها الخاتون المعظمة دل شاد
الثانية كلمش والدة بولاد مثلها غير أن العلامة الاسم وتعريفها اسمها المذكور (7/314)
الثالثة زوجة أملكان ابن الشيخ حسن الكبير على ما استقر عليه الحال عند ما كتب جوابها على يد رسولها في ذي القعدة سنة أربعين وسبعمائة مثل دلشاد والعلامة والدها
وتعريفها سلطان نختي
المهيع الثاني من المكاتبة إلى الملوك مملكة توران وهي مملكة الخاقانية
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية نقلا عن المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف أن هذه المملكة من نهر بلخ إلى مطلع الشمس على سمت الوسط فما أخذ عنها جنوبا كان بلاد السند ثم الهند وما أخذ عنها شمالا كان بلاد الخفجاج وهي طائفة القبجاق وبلاد الصقلب والجهاركس والروس والماجار وما جاورهم من طوائف الأمم المختلفة سكان الشمال
فيدخل في هذه المملكة ممالك كثيرة وبلاد واسعة وأعمال شاسعة وأمم مختلفة لا تكاد تحصى تشتمل على بلاد غزنة والباميان والغور وخوارزم ودشت القبجاق وما وراء النهر نحو بخارا وسمرقند والصغد والخوجند
وبلاد تركستان وأشروسنة وفرغانة
وبلاد صاغون وطراز وصريوم
وبلاد الخطا نحو بشمالق والمالق إلى قراقوم وما وراء ذلك من بلاد الصين وصين الصين فإنها كانت في القديم بيد فراسياب بن شنك بن رستم ابن ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليه السلام
وهو ملك الترك في زمان موسى عليه السلام على خلاف في نسبه سبق هناك
وأنها الآن بيد بني جنكزخان من مولد طوجي خان ابن جنكزخان (7/315)
ثم هذه المملكة بيد ثلاثة ملوك عظام من بني جنكزخان
الأول صاحب خوارزم ودشت القبجاق
وتعرف في القديم بمملكة صاحب السرير ثم عرفت في الدولة الجنكزخانية ببيت بركة نسبة إلى بركة بن طوجي خان بن جنكزخان
وقاعدتها مدينة السراي وهي مدينة على نهر إتل بناها بركة بن طوجي خان المقدم ذكره
وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في الكلام على المسالك والممالك
ثم فيها جملتان
الجملة الأولى في رسم المكاتبة إلى قانها القائم بها
قال في التعريف وكان صاحبها في الأيام الناصرية يعني محمد بن قلاوون أزبك خان
وقد خطب إليه السلطان فزوجه بنتا تقربا إليه
قال وما زال بين ملوك هذه المملكة وبين ملوكنا قديم اتحاد وصدق وداد من أول أيام الظاهر بيبرس وإلى آخر وقت
ثم قال والملك الآن فيهم في أولاد أزبك إما تني بك وإما جاني بك وأظنها في تني بك
وقد تقدم أن الملك بعد أزبك كان جاني بك لا تني بك على خلاف ما ظنه في التعريف
ورسم المكاتبة إلى قانها الجامع لحدودها قال في التعريف والأغلب أن يكتب إليه بالمغلي
وذلك مما كان يتولاه ايتمش المحمدي وطايربغا الناصري (7/316)
وإرغدلق الترجمان
ثم صار يتولاه قوصون الساقي
ورأيت في بعض الدساتير نقلا عن القاضي علاء الدين بن فضل الله أنه كتب له مسودة على أن تكتب له بالعربي ثم بطل وكتب بالمغلي
قال فإن كتب له بالعربي فرسم المكاتبة إليه ما يكتب إلى صاحب إيران
وقد تقدم نقلا عن التعريف أنه يكتب في قطع البغدادي الكامل يبتدأ فيه بعد البسملة وسطر من الخطبة المكتتبة بالذهب المزمك بألقاب سلطاننا على عادة الطغراوات ثم تكمل الخطبة ويفتتح ببعدية إلى أن تساق الألقاب وهي الحضرة الشريفة العالية السلطانية الأعظمية الشاهنشاهية الأوحدية الأخوية القانية
ولا يخلط فيها الملكة لهوانها عليهم
ثم يدعى له بالأدعية المعظمة المفخمة الملوكية من إعزاز السلطان ونصر الأعوان وخلود الأيام ورفع الأعلام وتأييد الجنود وتكثير البنود وما يجري هذا المجرى
ثم يؤتى بذكر دوام الوداد والشوق ثم يذكر القصد ثم يختم بدعاء جليل وتستعرض المراسيم ويوصف التطلع إليها والتهافت عليها
قال في التثقيف وكان يكتب إلى أزبك في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون في ورق عرض البغدادي الكامل
وبعد البسملة الشريفة سطران هكذا بقوة الله تعالى وميامن الملة المحمدية
ثم يخلى موضع بيت العلامة ثم تكتب الألقاب السلطانية وهي السلطان الأعظم وبقية الألقاب الشريفة على العادة حسب ما يأتي ذكره
ثم بعد الحمدلة وخطبة مختصرة جدا فقد صدرت هذه المكاتبة إلى الحضرة الشريفة العالية حضرة السلطان الكبير الأخ الشفيق العالم العادل القان الأعظم الأوحد شاهنشاه الملك أزبك إل خان سلطان الإسلام والمسلمين أوحد الملوك والسلاطين عمدة الملك سلطان المغل والقبجاق والترك جمال ملوك الزمان ركن بيت جنكزخان معز طغاج صاحب التخت (7/317)
والتاج عضد المتقين ذخر المؤمنين
والدعاء بما يناسبه
فإننا نخصه بالسلام واستعلام أخباره ونفاوض علمه الشريف
قال والكتابة بالذهب والأسود حسب ما تقدم في المكاتبة إلى أبي سعيد وكذا العنوان
ثم قال ولم يكاتب أحد بعده بنظير ذلك
وكان قد ورد على الأبواب الشريفة في سنة ست وخمسين وسبعمائة كتاب جاني بك ابن أزبك وكتب إليه الجواب الشريف بنظير الكتاب الوارد من عنده وهو في ورق دون البغدادي بثلاث أصابع مطبوقة والافتتاح بخطبة مناسبة مكتتبة بالذهب جميعا ثم أما بعد بالأسود خلا ما تقدم ذكره في مكاتبة أبي سعيد
والعنوان بالذهب
والذي كتب إليه من الألقاب الحضرة الشريفة العالية السلطانية الأعظمية العالمية العادلية الأكملية القانية الأخوية العزيزية الملكية الشرفية زيدت عظمتها
قال ولما كان في العشر الأخر من ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة رسم لي بالكتابة إلى القان محمد ببلاد أزبك وهو القائم مقام أزبك على ما قيل على يد رسل الأبواب الشريفة بالسلام والمودة واستعلام الأخبار ونحو ذلك فكتبت إليه في عرض البغدادي الكامل حسب ما رسم به بخطبة مختصرة بالذهب والبقية بالأسود والذهب على ما تقدم ذكر في مكاتبة القان أبي سعيد
وكتب له من الألقاب بعد المراجعة المقام العالي السلطاني الكبيري الملكي الأكرمي الأعدلي الشمسي شمس الدنيا والدين مؤيد الغزاة والمجاهدين قاتل الكفرة والمشركين ولي أمير المؤمنين خلدت سلطنته
والعنوان بالذهب بغير تعريف
وعلم له في بيت العلامة الشريفة بالمغرة العراقية المشتاق شعبان
وهذه نسخة ما كتب إليه بعد البسملة الشريفة
الحمد لله الذي وهبنا ملكا دانت له ملوك الأقطار وازدانت الأسرة والتيجان بما له من عظمة وفخار وأذعنت العظماء لعزة سلطانه الذي شمل الأولياء وقصم (7/318)
الأعداء ببره الجابر وقهره الجبار وقاد الجيوش إلى أن فتح الله على يديه الشريفتين معاقل الكفار بأمره الجاري على الرقاب وعسكره الجرار ومنحه خدمة الحرمين الشريفين اللذين لم يزل لهما منه الانتصاب وبهما له الانتصار
نحمده على أن جعل مملكتنا الشريفة هي محل الإمامة العباسية فلا جحود ولا إنكار ومرتبتنا المنيفة بما عهد به إلينا أمير المؤمنين إلى قيام الساعة علية المقدار ونشكره على أن أورثنا ملك أسلافنا الشهداء فأقر العيون وسر الأسرار وجعل السلطنة المعظمة في بيتنا المكرم تنتقل تنقل البدور في بروجها إلا أنها آمنة من السرار
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لم نزل قائمين بنصرتها قانتين بالإخلاص في كلمتها
لنعد بذلك من الأبرار ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المؤيد بملائكته المخصوص بنبوته ورسالته الذي عظم الله قدره على سائر الرسل كما جاءت النصوص والأخبار وعلى آله وصحبه أولي الفضل الدار صلاة دائمة باقية بدوام الليل والنهار وسلم
أما بعد فإن قلوب الأولياء وإن تناءت الأجسام متعارفة بالائتلاف متقاربة على بعد الديار حيث لا تناكر بينها ولا اختلاف لا سيما ملوك الإسلام الذين هم متحدون بالمصافة والاستسلام فإن سرائرهم لم تزل متداينة وضمائرهم متكافية هذا والمحبة لبيته الكريم قديمة والمودة بين الأسلاف لم تزل مستديمة فلم نكن ورثنا ذلك عن كلالة بل تبعنا فيه سبيل السلف الصالح على أحسن حالة لما هو محكم من عقود الاتحاد والولاء حيث المحبة في الآباء صلة في الأنباء وكان لنا مدة مديدة وقد تأخرت رسلنا عن حضرته ولم تصدر من جهتنا الشريفة كذلك ولا وردت رسل من جهته ولم يشغلنا عن ذلك إلا (7/319)
مواقعة الفرنج المخذولين أعداء الدين ومقارعتهم في سائر السواحل بشدة البأس والتمكين إلى أن أمكن الله عز و جل من نواصيهم وصياصيهم بنصر من عنده كما قال تعالى ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )
والآن فقد صدرت هذه المكاتبة إلى المقام العالي السلطاني وبقية الألقاب والنعوت إلى آخرها حسب ما تقدم ذكره تخص مقامه بسلام أرق من النسيم وألطف مزاجا من التسنيم وثناء قد ازرى نشره بالعبير وسرى بشره فغدت تتهلل به الأسارير
وتبدي لعلم المقام العالي زيدت معدلته أنه لما يبلغنا من عدل الحضرة الشريفة وإنصافة للرعايا وتأمين سبل الجور المخيفة وسلوكه سنن الإحسان وتأكد عقود المحبة على عادة من سلف في سالف الزمان قصدنا مفاتحته بهذه المكاتبة وأردنا بداءته بهذه المخاطبة ليعلم ما نحن عليه من صحيح الوداد وأكيد الاتحاد وجميل الاعتقاد وحسن الموالاة الخالصة من شوائب الانتقاد وجهزنا بها رسلنا فلان وفلان ومن معهما نستدعي وده ونستدني ولاءه الذي أحكم عقده لتأكد المصافاة بين هاتين الدولتين والمخالصة من كلتا الجهتين والموالاة بين المملكتين ويأمر المقام العالي لا زال عاليا بتردد التجار من تلكم الديار والمواصلة بالأخبار على حسب الاختيار ومتابعة الرسل والقصاد على أجمل وجه معتاد
وقد وجهنا إلى المقام العالي أعلى الله شأنه صحبة رسلنا المذكورين من الأقمشة السكندري وغيرها على سبيل الهدية والمواهب السنية ما تضمنته الورقة المجهزة طيها فليأمر المقام العالي دامت معدلته بتسليم ذلك ويتيقن وفور المحبة من سلطاننا المالك وتأكد أسباب المودة على أجمل المسالك والله تعالى يجمل ببقاء سلطانه ملك الممالك ويديم عدله المبسوط على الأولياء (7/320)
ويرمي ببأسه الأعداء في مهاوي المهالك ويخلد ملكه الذي تفتخر بالملك من مقامه العالي السرر والأرائك بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
واعلم أن صاحب التثقيف قد ذكر أن المكتوب إليه بهذه المكاتبة هو القائم مقام أزبك وأن اسمه محمد وأن المكاتبة إليه كانت في سنة ست وسبعين وسبعمائة
وقد تقدم ذكر من ولي هذه المملكة بعد أزبك ولم يكن فيهم من اسمه محمد
وقد كان القائم بهذه المملكة في سنة ست وسبعين المذكورة اسمه أرص وهو الذي انتزع المملكة من أيبك خان المقدم ذكره وأصله من خوارزم على ما مر ذكره في الكلام على المسالك والممالك فيحتمل أن يكون اسمه محمد وأرص لقب عليه كما كان خدابندا والد أبي سعيد من ملوك إيران اسمه محمد ولقبه خدابندا
والأمر في ذلك راجع إلى النقل والله سبحانه وتعالى أعلم
قلت وقد كتب في الدولة الناصرية فرج بن الظاهر برقوق للقان القائم بها في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة في قطع البغدادي الكامل من الورق المصري المعمول على هيئة البغدادي ابتديء فيه بعد خمسة أوصال بياض بالبسملة في أعلى الوصل السادس ببياض من جانبيها عرض إصبعين من كل جهة والسطر الثاني على سمته في آخر الوصل بخلو بياض من الجانبين بقدر السطر الأول والطغراة بينهما بألقاب سلطاننا على العادة مكتوبة بالذهب بالقلم المحقق مزمك بالسواد بأعلى الطغراة قدر عرض ثلاثة أصابع بياضا ومثل ذلك من أسفلها وباقي السطور بهامش من الجانب الأيمن على العادة وبين كل سطرين قدر نصف ذراع القماش القاهري والأسماء المعظمة من اسم الله (7/321)
تعالى ورسوله سلطاننا والسلطان المكتوب إليه والضمير العائد على واحد منهما بالذهب المزمك كما تقدم تقريره في الكلام على مكاتبة صاحب إيران في القديم
وهذه نسخة مما أنشأته كتبت بإشارة المقر العالي الفتحي صاحب ديوان الإنشاء الشريف وهي الحمد لله مؤيد سلطاننا الناصر بغزيز نصره ورافع قدر مقامنا الشريف بإعلاء مناره وإعظام ذكره ومشيد أركان ملكنا الشامخ بإسعاد جده العالي والله غالب على أمره
نحمده على ما جنب من مواقع الحرج وجعل أمور رعايانا بمعدلتنا الشريفة بعد الضيق إلى فرج ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتوارثها عظماء الملوك كابرا على كابر ويتناقلها منهم الخلف بعد السلف فيسندها الناصر عن الظاهر ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل نبي جمع بعموم دعوته مفترق الأمم ووفق بحنيفي ملته بين أقيال العرب وأساورة العجم آخى بينهم فسن المؤاخاة ونقى من نغل الضغائن صدورهم ففازوا بأكل المصافاة وأتم الموافاة صلاة تسير بفضلها الركائب وتترنم بذكرها الحداة فتعم نفحاتها المشارق والمغارب وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فإن الأرواح إذا تمازجت تناجت بالضمائر والقلوب إذا تآلفت اغتنت بشواهد الحال عن إبراز ما في السرائر والأجساد إذا تباعدت تعللت (7/322)
بالمكاتبات في بلوغ الأوطار والديار إذا تناءت اكتفت بالمراسلة عن تقارب الدار والمودة إذا وصفت لا يؤثر فيها البعاد والمحبة إذا صدقت لا تزال كل يوم في ازدياد والأذن تعشق قبل العين أحيانا والوصف يحرك من الشوق أغصانا وأفنانا
هذا وإن أحق ما اتخذته الملوك ذريعة لدواعي الابتهاج وأهم ما اهتم به متخت بتخت أو متوج بتاج إحياء مذاهب الملوك السالفة في الوداد واقتفاء آثارهم الجميلة في موارد المكاتبات على التنائي والبعاد ومن ثم صدرت هذه المكاتبة إلى المقام العالي السلطاني الكبيري الأخوي الفلاني ركن الملة الإسلامية عماد المملكة الجنكزخانية ذخيرة الدين خليل أمير المؤمنين زيدت عظمته ودامت معدلته تخصه بسلام تهب به الجنوب فتؤثر به في الشمال القبول وتخص به إلى السراي سراها ليكون لها ببيت بركة أشرف قدم وأكرم وصول وتمد على خوارزم والدشت فضل رواقه المديد وتنشر على مملكة السرير لواءه فيعم ما بين جيحون وطرنا ويشمل ما بين الخطا والباب الحديد
وتناجي علمه الشريف بأنه غير خاف عن شريف مقامه أن من سلف من ملوك مملكتنا العالية الذرى والمملكة القانية المرفوعة الذكر رفع نار القرى لم تزل ملوكهم مجتمعة مع تنائي الديار مؤتلفة على المحبة وإن شط المزار محافظين على تتابع الرسل وإن حال دونهم الصفاح مثابرين على توارد الكتب (7/323)
ولو على أجنحة الطير ومتون الرياح وقد مضت مدة مديدة لم يقدم علينا من المقام الشريف عظم الله تعالى شأنه رسول يطفيء لواعج الاشتياق ولا ورد عنه كتاب يتعلل المحب بتلقيه عن حقيقة التلاق بل سد باب المكاتبة حتى كأن المكاتبة لم تخلق وأغلق باب المراسلة وإن كان باب المحبة بحمد الله لم يغلق فطمح بخاطرنا الشريف طامح الشوق المتزايد وحملنا موصول المحبة المستغني بمواصلته الصلة والعائد أن نفاتح المقام العالي دامت معدلته بهذه المفاوضة لتجدد من العهود القديمة رسومها وتطلع من مشارق المخاطبة نجومها وتنسخ آية الهجران وتمحوها وتصقل مرآة المصافاة وتجلوها وتستجلب الأنس وإن صح الميثاق وتذكر الخواطر الوداد وإن ثبتت منه الأصول ورسخت الأعراق وتنوب عن نظرنا الشريف في مشاهدة محياه الكريم ومصافحة كفه التي حديث ودها قديم وتستطلع أخباره وتستعرض على تعاقب الأزمان أوطاره
وقد اخترنا لتبليغ رسالتها وأداء أمانتها المجلس السامي المقرب الأمين خواجا فلان أعزه الله تعالى وحملناه من السلام ما يهتدي بضوئه الساري ويفوق بعرفه العنبر الشحري والمسك الداري ليحكم بحسن السفارة من المخالصة مبانيها ويعقد منها بمتابعة الرسل والقصاد أواخيها وجهزنا صحبته كذا وكذا على سبيل الهدية المندوب بذلها وقبولها والحاكم بصحة عقد المحبة كثيرها وقليلها والله تعالى يزيد في ارتفاع قدره الخطير ويحوط به من ملكه الجنكزخاني ما يحقق أنه صاحب التاج والسرير (7/324)
الجملة الثالثة في رسم المكاتبة إلى من انطوت عليه هذه المملكة من الأتباع والحكام وهم على أصناف
الصنف الأول كفال المملكة
قد تقدم أن ترتيب هذه المملكة في أمراء الألوس والوزير نحو مملكة إيران وإن لم يكن لأمير الألوس ولوزير بهذه المملكة من نفاذ الأمر نظير ما هنالك
ومقتضى ذلك أن يكونا منحطين في الرتبة عن أمراء الألوس بإيران والوزير بها وهذه الرسوم التي وقعت في مكاتباتهم على ما أورده في التثقيف
وأمراء الألوس أربعة أكبرهم يسمى بكلاري بك بمعنى أمير الأمراء كما تقدم في مملكة إيران
فقد ذكر في التثقيف أنه كان منهم في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة قطلوبغا إيناق وأنه كتب إليه في عاشر جمادى الآخرة منها ما صورته ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني الزعيمي الممهدي المشيدي الظهيري النويني السيفي عز الإسلام والمسلمين سيف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
ثم الدعاء والعلامة أخوه وتعريفه قطلوبغا إيناق نائب القان جاني بك
ثم ذكر أن الأمر كان عند القان محمد بمثابة الأمير يلبغا العمري يعني (7/325)
الخاصكي بالأبواب السلطانية بالديار المصرية وأنه استحدثت المكاتبة إليه في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وأنه كتب إليه في قطع الثلث ما صورته أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي الذخري النصيري الهمامي المقدمي النويني السيفي عز الإسلام والمسلمين سيد في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر ذخر الدولة عضد الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين
والدعاء المناسب
والعلامة والده
وتعريفه مماي
وفي هذا نظر لأنه إذا كان بمثابة ما كان عليه يلبغا بالديار المصرية فمقتضاه أن يكون أكبر أمرائه
وإذا كان كذلك فكيف يكتب إليه دون أمراء الألوس فقد تقدم أنه يكتب إليهم ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي
الوزير بهذه المملكة
قد ذكر في التثقيف أن الوزير بها كان اسمه محمودا ولقبه حسام الدين وكان يعرف بمحمود الديوان
وذكر أن رسم المكاتبة إليه في قطع الثلث ما صورته أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الآمري الكبيري الذخري الأوحدي الأكملي المتصرفي العوني الوزيري الحسامي مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء والوزراء في العالمين جمال المتصرفين أوحد الأولياء المقربين ذخر الدولة مشير الملوك والسلاطين
ثم الدعاء والعلامة والده
وتعريفه خواجا محمود وزير المملكة القانية
قلت وقد علمت أن المكاتبة إلى أمراء الألوس والوزير بهذه المملكة دون المكاتبة إلى أمراء الألوس والوزير بمملكة إيران فقد تقدم أن المكاتبة إلى (7/326)
بكلاري بك أكبر أمراء الألوس بمملكة إيران أعز الله تعالى نصر المقر الكريم
وإلى الثلاثة الذين دونه أدام الله تعالى نصر الجناب الكريم ثم استقر أعز الله تعالى أنصار الجناب الكريم
وأن المكاتبة إلى الوزير ضاعف الله تعالى نعمة المجلس العالي
والمعنى في ذلك ما تقدم من أنه ليس لأمراء الألوس والوزير بهذه المملكة من التصرف ما لأمراء الألوس والوزير من التصرف بتلك المملكة
قجا علي بك بهذه المملكة
قال في التثقيف وهو ممن استحدثت المكاتبة إليه في سنة خمس وستين وسبعمائة
ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في التثقيف الاسم والسامي بالياء وتعريفه اسمه
الصنف الثاني الحكام بالبلاد بهذه المملكة
وها أنا أذكر من ذكر المكاتبة إليه منهم في التثقيف
الحاكم بالقرم وهو إقليم شمالي بحر نيطش
وقاعدته مدينة صلغات وهي مدينة على نصف يوم من البحر وقد غلب عليها اسم القرم
وقد ذكر في التثقيف أن الحاكم بها في سنة خمسين وسبعمائة كان اسمه زين الدين رمضان ثم استقر بعده علي بك ابن عيسى بن تلكتمر
وقد رأيت في بعض (7/327)
التواريخ أن الحاكم في حدود ست وسبعين وسبعمائة كان ماماي المقدم ذكره
وقد ذكر في التثقيف أن رسم المكاتبة إلى الحاكم بها في قطع العادة والعلامة أخوه وصدرت والعالي
والذي رأيته في دستور يعزى في الأصل للمقر العلائي بن فضل الله أنه يكتب إليه في قطع الثلث وأن المكاتبة إليه السامي بالياء ونعريفه الحاكم بالقرم
الحاكم بأوزاق وهي مدينة على بحر مانيطش المقدم ذكره في الكلام على المسالك والممالك
وهو المعروف الآن ببحر الأزق وهي عن القرم في جهة الجنوب والشرق وبينهما نحو خمس عشرة مرحلة
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إلى الحاكم بها مثل الحاكم بالقرم على السواء
والذي رأيته في الدستور المقدم ذكره أنه في قطع الثلث السامي بالياء كما في الحاكم بالقرم
الثاني من ملوك توران من بني جنكزخان صاحب ما وراء النهر
وقاعدة ملكه في القديم بخارا والآن سمرقند
ومن مضافاتها غزنة وما والاها من متاخم الهند
وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في الكلام على المسالك والممالك
وقد ذكر في التعريف أن آخر ما استقرت لترماشيرين وكان حسن الإسلام عادل السيرة طاهر الذيل مؤثرا للخير محبا لأهله مكرما لمن يرد من العلماء والصلحاء وطوائف الفقهاء والفقراء
قال وكتب إليه على رسم المكاتبة إلى صاحب إيران
وقد تقدم في الكلام على المكاتبة إلى صاحب إيران نقلا عن التعريف أنه يكتب إليه في قطع (7/328)
البغدادي الكامل يبتدأ فيه بعد البسملة وسطر من الخطبة الغراء المكتتبة بالذهب المزمك بألقاب سلطاننا على عادة الطغراوات ثم تكمل الخطبة ويفتتح ببعدية إلى أن تساق الألقاب وهي الحضرة العالية السلطانية الأعظمية الشاهنشاهية الأوحدية الأخوية القانية الفلانية
ولا يخلط بها الملكية لهوانها عليهم ثم يدعى له بالأدعية المفخمة الملوكية من إعزاز السلطان ونصر الأعوان وخلود الأيام ونشر الأعلام وتأييد الجنود وتكثير البنود وغير ذلك مما يجري هذا المجرى
ثم يقال ما فيه التصريح والتلويح بدوام الوداد وصفاء الاعتقاد ووصف الأشواق وكثرة الأتواق وما هو من هذه النسبة ثم يؤتى على المقاصد ويختم بدعاء جليل وتستعرض المراسيم والخدم ويوصف التطلع إليها ويظهر التهافت عليها وأنه تكتب جميع خطبة الكتاب وطغراه بالذهب المزمك وكذلك كل ما وقع في أثنائه من اسم جليل وكل ذي شأن نبيل من اسم الله تعالى أو لنبيه ذكر الإسلام أو ذكر سلطاننا أو السلطان المكتوب إليه أو ما هو متعلق بهما مثل لنا ولكم وكتابنا وكتابكم جميع ذلك يكتب بالذهب وما سواه بالسواد
وأن العنوان يكون بالألقاب إلى أن ينتهي إلى اللقب الخاص ثم يدعى له بدعوة أو اثنتين نحو أعز الله تعالى سلطانها وأعلى شانها ونحو ذلك
ثم يسمى اسم السلطان المكتوب إليه ثم يقال خان مثل أن يقال ترماشيرين خان ويطمغ بالذهب طمغات عليها ألقاب سلطاننا تكون على الأوصال يبدأ بالطمغة على اليمين في أول وصل وعلى اليسار في ثاني وصل ثم على هذا النمط إلى أن ينتهي في الآخر إلى اليمين ولا يطمغ على الطرة البيضاء
والكاتب يخلي لمواضع الطمغة مواضع الكتابة تارة يمنة وتارة يسرة إلى غير ذلك مما سبق القول عليه
قلت وآخر ما استقرت هذه الكلمة لتمرلنك وتمر اسمه الذي هو علم (7/329)
عليه ومعناه بالتركية حديد
ولنك لقب عليه ومعناه بالفارسية أعرج لأنه كان به عرج ظاهر ولذلك تسميه الترك تمر أقصق إذ أقصق عندهم بمعنى أعرج
وهو يتسمى في كتبه تيموركوركان
ومن هذه المملكة انساب على بلاد إيران حتى استولى على جميعها وسار إلى بلاد الهند فاستولى عليها ثم طاح إلى الشام في سنة ست وثمانمائة وعاث فسادا وخرب وأفسد ولقيه السلطان الملك الناصر فرج ابن الظاهر برقوق صاحب مصر والشام على دمشق وجرت بينهما مراسلة ثم طرأ للسلطان الملك الناصر ما أوجب عوده إلى مصر لأمر عرض له من جهة (7/330)
بعض أمرائه وبقى تمرلنك نازلا بالشام محاصرا لدمشق إلى أن خدع أهلها وفتحها صلحا ثم غدر بهم ونهبها وسبى حريمها ثم حرقها بعد ذلك بعد أن أسرف في القتل وأثخن في الجراح وأمعن في الأسر
وللمكاتبة إليه حالتان
الحالة الأولى حين كان السلطان الملك الناصر فرج عز نصره بالشام محاربا له وكتبه حينئذ ترد في القطع الصغير على ما سيأتي ذكره وكان يكتب إليه حينئذ في قطع
مما فات المؤلف رحمه الله تعالى
ما كتب عن مولانا الشهيد الملك الظاهر أبي سعيد برقوق تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه في جواب الأمير تمرلنك المدعو تيمور عن الكتب الواردة منه قبل ذلك من إنشاء المرحوم المقر البدري محمد ابن المرحوم المقر العلائي علي ابن المرحوم المقر المحيوي يحيى بن فضل الله العمري العدوي القرشي (7/331)
رحمهم الله تعالى في سنة ست وتسعين وسبعمائة عند سفر مولانا السلطان المشار إليه إلى حلب المحروسة لملتقى المذكور في قطع الثلث بغير علامة وسعة ما بين السطور قدر عرض الإصبعين
والطرة وصلان طولهما نحو الذراع الهاشمي وكان عنوان كتاب تمرلنك الذي ورد آخرا وهو الذي اقتضى الحركة الشريفة والجواب المشار إليه
( سلام وإهداء السلام من البعد ... دليل على حسن المودة والعهد ) فكتب العنوان الشريف
( طويل حياة المرء كاليوم في العد ... فخيرته أن لا يزيد عن الحد )
( فلا بد من نقص لكل زيادة ... لأن شديد البطش يقتص للعبد )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العالي الشان العظيم السلطان العميم الإحسان العليم بما (7/332)
كان وما يكون في كل زمان ومكان تاهت في ميادين فلوات معرفته سوابق جياد الأفهام وتدكدكت لهيبة جلاله جبال العقول والأوهام حبيب الرحمن وسيد الأكوان وصاحب المعجزات والبرهان المبعوث إلى الخلق أجمعين من الإنس والجان والمنعوت بالفضل العميم والخلق العظيم في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وعلى آله وصحبه الغر الكرام الحسان وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا ما تعاقب الحدثان
وبعد فقد وصل إلى أبوابنا الشريفة العالية كل ما جهزته أولا وآخرا يا أمير تيمور من كتاب وأحاطت علومنا الشريفة بما فيها من كلام وخطاب وقصد وعتاب وإرعاد وإرغاب وإرعاب
فأما ما ذكرته في أول كتبك من ألقابنا الشريفة بالتعظيم والتبجيل والتفخيم فقد علمناه وعرفناه ولكن وجدنا الكلمتين اللتين في الطمغات آخر الكتب وهما راستي رستي منافيتين لذلك التعظيم وهذا غير مستقيم لأنه متناقض غير متناسب فعجبنا من هذا التناقض الواضح والتخالف الفاضح وفي المثل السائر أصلح وقابل وأفسد وقابل
وأما إرسالك السيف والتركاش لنا فقد تعجبنا منه إلى الغاية وأنكرناه إلى النهاية لأنك لم تزل في كتبك كلها تستشهد بتاريخ جنكزخان وأخباره وأحواله وتقتدي به في أقواله وأفعاله وما سمعنا في التواريخ ولا أتفق قط من جنكزخان ولا ممن تقدمه وتأخره من ملوك مملكته في زمن من الأزمان أنه أهدى إلى خادم الحرمين الشريفين سيفا ولا تركاشا ما اختلف في ذلك اثنان
فإرسالهما منك إلينا هل هو من باب المحبة أو لا وإن كان تخويفا فنحن ما نخاف من سيفك وتركاشك بعناية الله العظيم الأعلى (7/333)
( السيف والرمح والنشاب قد علمت ... منا الحروب فسلها فهي تنبيكا )
( إذا التقينا تجد هذا مشاهدة ... في الحرب فاثبت فأمر الله آتيكا )
( بخدمة الحرمين الله شرفنا ... فضلا وملكنا الأمصار تمليكا )
( وبالجميل وحلو النصر عودنا ... خذ التواريخ واقرأها تلبيكا )
( والأنبياء لنا الركن الشديد فكم ... بجاههم من عدو راح مفلوكا )
( ومن يكن ربه الفتاح ناصره ... ممن يخاف وهذا القول يكفيكا ) وقد أجبناك عن السيف والتركاش فيما مضى قبل هذا الوقت وتقدم فاعرف ذلك واعلم
وأما ما ذكرته من قولك إنك فتحت معنا باب المحبة والوداد والصحبة والاتحاد لا باب المخاصمة والمشاورة والعناد فقد علمنا ذلك وفهمناه
والذي نعرفك به أن الذي وقع منك بخلاف ما قلت لأنك لو كنت صادقا في قولك كنت لما حضر إليك شكرا أحمد وأرغون السلامي اللذان هما من بعض ممالكينا ومن جملة رعايانا أمسكتهما وجهزتهما إلينا بعد أن قيدتهما فما فعلت ذلك بل عملت بالضد منه لأنك آويتهما وحميتهما وعظمتهما وأكرمتهما وجعلتهما من خواصك وأحبابك وأوليائك وأصحابك
وأيضا توجه إليه صولة بن حيار الذي هو قطعة هجان من هجانتنا فأكرمته وألبسته التاج وعظمته وبعثت معه خلعة إلى نعير (7/334)
المذكور وإلى غيره من عربانه ووعدته بالتقدمة والإمارة بالتصريح العظيم لا بالتلويح والإشارة وكتبت إليه كتابا ما تركت فيه ولا خليت وأظهرت كل ما كان عندك وما أبقيت فجهزه إلينا وقريء على مسامعنا الشريفة كلمة كلمة وعرفنا واضح معناه ومبهمه وها نحن نشرحه لك لتعلم وتتحقق أنه وصل إلينا واطلعنا عليه وما خفي أمره علينا
وهذا نصه
دام دولته
الأمير الكبير المعظم أمير نعير أدام الله دولته شمسا
نعرض لعلو علومه المحروسة أنه قد اتصل بنا طردك عن الشام ومعاملتهم معك غير الواجب
حال وقوفك على هذا المثال تسرع في الوصول إلينا بحيث نعطيك ما أعطي المرحوم عمك أمير سليمان طاب ثراه ونجعلك مقدم العساكر المنصورة وبهذا برز الحكم المطاع من الحضرة العالية ففي عزم العساكر والجيوش المعظمة الوصول إلى أطراف البلاد شرقا وغربا وروميا من سائر النواحي والأمصار والبلاد والأقطار وإن أبطأ ركابك عن الوصول فنحن واصلون إليكم في طريقنا إلى مصر وغيره ولا يبقى لطاعتك مزية ولا منة فيكون ذلك على الخاطر المبارك
فينبغي أن لا يكون جواب الكتاب إلا قدوم الركاب ففيه لكم الفوائد العظيمة والعطايا الجسيمة ومع ذلك إصابة الرأي منكم تغني عن تأكيد الوصية إليكم ومهما عرض من المهام يقضى حسب المراد ومنهج السداد والله الموفق
وبحاشية الكتاب المذكور ما نصه وقد كتبنا إلى السلطان أحمد أن يصل إلينا فانظر كيف كان عاقبة أمره فينبغي أن تتوجه أو يتوجه بعض أولادك إلينا لأجل مصالحك كافة
فيا أمير تيمور لو كنت صادقا وكلامك بالحق ناطقا ما وقع منك مثل هذا ولا صدر ولا اتفق بل ولا ببالك خطر ولكن كل ما يكون في خاطر الإنسان يظهر من الكلام الذي يخرج من فيه وكل وعاء ما ينضح إلا بما فيه (7/335)
( يا فاعلا بالضد من قوله ... فعل الفتى دال على باطنه )
( والمرء مجزي بأعماله ... إذا أظهرت ما كان في كامنه ) وأما طلبك منا السلطان أحمد الحلايري غير مرة فقد علمناه
ولكن عرفنا يا أمير تيمور إيش عمل بك حتى حلفت له عدة مرار بأيمان الله تعالى العظيمة وأعطيته العهود والمواثيق بأنك ما تتعرض إليه ولا إلى مملكته ولا توفيه ولا تشوش عليه حتى اطمأن بأيمانك وركن إليك وأحسن ظنه فيك ووثق بك واعتمد عليك فخنته وغدرته وأتيته بغتة على حين غفلة وبدرته وأخذت مملكته وبلاده وأمواله وأولاده
وأعظم من ذلك أنك أخذت أيضا حريمه وهن في عقد نكاحه وعصمته وأعطيتهن لغيره وقد نطق الكتاب والسنة بتحريم ذلك وعظم ذنب فاعله وقبيح جرمه ففي أي مذهب من المذاهب يحل لك أخذ حريم المسلمين وإعطاؤهن لغير أزواجهن من المفسدين الظالمين وهن في عصمة أزواجهن وعقد نكاحهن إن هذا لهو البلاء المبين وكيف تدعي أنك مسلم وتفعل هذه الفعال عرفنا في أي مذهب لك هذا حلال فأعمالك هذه كلها منافية لدعواك بل منافية لدين الإسلام وشرع سيدنا محمد
قال الله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) وقال ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) وقال ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) وقال عز و جل ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) وقد بين لنا الخير والشر والحلال والحرام وأهلها فقال ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) وقال تعالى ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) (7/336)
وقال تعالى ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) وقال رسول الله ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )
وقال ( المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه )
ففي أي مذهب من دين الإسلام تستحل هذه المحرمات العظيمة والمنكرات القبيحة الشنيعة الجسيمة التي يهتز لها العرش ويغضب الله عز و جل لها ورسله والملائكة والناس أجمعون وما كفى ما فعلت من القان أحمد المشار إليه حتى تطلبه منا
اعلم أن القان أحمد المشار إليه قد استجار بنا وقصدنا وصار ضيفنا وقد ورد من قصدنا وجب حقه علينا
وقال تعالى لسيد الخلق أجمعين في حق الكفار الذين هم أنحس الناس ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) فكيف بالمسلمين إذا استجاروا بالمسلمين وكيف بالملوك أبناء ملوك المسلمين الذين لأسلافهم الكرام معنا ومع ملوك الإسلام خدام الحرمين الشريفين صحبة ومحبة وأخوة في الله تعالى ولو لم يكن ذلك كيف يجوز في شرع المروءة والنخوة الوفاء أن نسلم ضيفنا ونزيلنا والمستجير بنا خصوصا وجنسنا جركس جنس ملوك الإسلام السالفين خدام (7/337)
الحرمين الشريفين الذين اتفق لهم مع التتار ما تشهد به التواريخ ومن عادتنا وشأننا وطباع جنسنا أننا لا نسلم ضيفنا ولا نزيلنا ولا من استجار بنا لأحد
وإن كنت ما تصدق ذلك فعندك من هم من جنسنا سلهم يعرفوك فنحن لا يضام لنا نزيل ونقري الضيف ونعامله بالجميل وهذه جبلتنا الغريزية وعادة أصلنا الأصيل فإرسال القان أحمد إليك أمر مستحيل
( إنا ذوو الفضل الغزير الوارف ... أبوابنا هي ملجأ للخائف ) نقري الضيوف ولا يضام نزيلنا ... شيم ورثنا فضلها عن سالف ) وكليمة تكفي الذي هو عاقل ... والرمز تصريحا غدا للعارف ) وقولك إن العادة كانت جارية بين من سلف من ملوك الإسلام وملوك التتار أنه من هرب من جهة إلى أخرى يمسكه الملك الذي يهرب إليه ويقيده ويجهزه إلى الملك الذي هرب من عنده وأن دمرداش بن جوبان لما هرب في الزمن الماضي من ملكه وجاء إلى سلطان مملكتنا المعظمة المشرفة أمسكه وقيده وأرسله إليه فقد علمناه وليس هذا الذي قلته وحكيته بصحيح لأن الذي وقع واتفق بخلافه وهو أن أميرا من أمراء السلطان الملك الناصر كان يسمى قراسنقر هرب من عنده وراح إلى أبي سعيد فقطع رأسه وجهزه إلى الملك الناصر
وأما دمرداش المذكور فالملك الناصر ما أرسله إلى أبي سعيد مثل ما قلت وما مات دمرداش المذكور إلا في مصر المحروسة فليكن ذلك في علمك ثابتا وعلى كل حال فكلامك حجة عليك لا لك لأنك قد آويت شكرا أحمد وأرغون السلامي وأكرمتهما وقربتهما وكذلك كل من حضر إليك من مماليكنا ورعايانا وخدمنا من أهل مملكتنا فلو أمسكتهم وقيدتهم وجهزتهم إلينا كنت تكون صادقا في قولك وكنت إذا طلبت منا أحدا ما تلام على طلبه فكيف وأنت البادي والمعتدي فهذا الكلام كله شاهد عليك لا لك (7/338)
وأما قولك إن صاحب تكريت كان حراميا قاطع طريق ففعلت معه ما فعلت مقابلة له على نجسه وحرامه وقطعه الطرقات فقد علمناه وسلمنا لك هذا الأمر بيض الله وجهك وما قصرت فيه فحبذا ما عملت ونعم ما فعلت في حقه من إعطائه جزاءه
أفأهل بغداد كانوا حرامية قطاع طريق حتى فعلت بهم ما فعلت وقتلت منهم من التجار خاصة ثمانمائة نفس في المصادرة بالعقوبة والعذاب
ففي أي مذهب يجوز هذا وهل يحل لمن يدعي الإسلام أن يعمل بخلق الله تعالى الذين أمر بالشفقة عليهم والإحسان إليهم ونشر العدل فيهم هذه الفعال وقد تعجبنا منك يا أمير تيمور إلى الغاية كيف تدعي أنك عادل وتعمل بأهل بغداد المسلمين الموحدين وبغيرهم من المسلمين هذه العمائل أما تعلم أن الشفقة على خلق الله تعظيم لأمر الله وأن الله رحيم يحب من عباده الرحماء وأن الظلم حرام في جميع الملل قال رسول الله ( إن الله تعالى يقول يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )
وقال ( لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن )
وورد ( إن فاتني ظلم ظالم فأنا الظالم ) وحسب الظالمين رب العالمين الذي قال في حقهم ( ألا لعنة الله على الظالمين ) وقال ( إنه لا يفلح الظالمون )
والباغي له مصرع
ولما جاء هولاكو ومنكوتمر وغازان وقصدوا ملوك الإسلام خدام الحرمين الشريفين الذين كانوا من جنسنا كما ذكرنا لك أعلاه اتفق لهم ما اتفق مما هو مشروح في التواريخ ومعلوم عند الناس فمهما أخذه أولئك تأخذه إذا جئت
وأما قولك في كتبك إنه إن لم نجهز إليك السلطان أحمد الحلايري مقيدا تجيء في أول فصل الربيع إذا نزلت الشمس برج الحمل أو لما تنزل الميزان وإن جهزناه إليك مقيدا تتأكد المحبة والصحبة بيننا وبينك فقد علمناه والذي (7/339)
نعرفك به هو أننا كنا نتوقع أنك تجيء قبل هذا الوقت فقد أبطأت كثيرا وملوك الإسلام خدام الحرمين الشريفين الذين كانوا قبلنا ما تصالحوا مع مثل هولاكو وغيره إلا حتى تزاوروا وتقابلوا واجتمعوا ونحن أيضا كذلك ما نصطلح إلا بعد أن نتزاور ونتقابل ونجتمع
وأنت طلبت أحمد الحلايري وها نحن واصلون إليك به نطلب منك أن تشفعنا فيه وتهبنا ذنبه الذي صدر منه وندخل عليك بسببه ونسأل إحسانك أن تعين لنا موضعا نلتقي معك فيه حتى نأتيك بأحمد الحلايري المذكور فيه ونشفع فيه عندك
فعين لنا الموضع المذكور على حسب ما تختار إما من ذاك الجانب من الفرات أو من هذا الجانب
وأي موضع عينته وسميته لنا جئناك بالمشار إليه فيه وندخل عليك في أمره ونستوهب ذنبه منك
وأما ما ذكرته من أمر الرسول فقد علمناه
والذي نعرفك به هو أن الرسول المذكور كان يكتب المنازل منزلة منزلة إلى بلادنا المحروسة واطلع عليه في ذلك جماعة من جهتنا ولما وصل إلى الرحبة المحروسة قال للنائب بها بس الأرض للأمير تيمور واقرأ الخطبة باسمه
فلو كان رسول مصلحا ما كان كتب المنازل ولا أكثر فضوله وتحدث بما لا ينبغي له وتكلم فيما لا يعنيه وتعدى طوره لأنه لا ينبغي للرسول أن يكون إلا أعمى أخرس غزير العقل ثقيل الرأس كما قال بعضهم
( إذا قصدت الملوك فالبس ... من التقى والعفاف ملبس )
( أدخل إذا ما دخلت أعمى ... واخرج إذا ما خرجت أخرس ) وكيف يمكن نائبنا الذي هو من جملة مماليكنا وجبل لحمه ودمه على أنعمنا وصدقاتنا وغذي وربي بلبان فضلنا وجودنا أن يبوس الأرض لغيرنا أو يخطب باسم غيرنا وكيف يترك اسم خادم الحرمين الشريفين أستاذه ويذكر اسم غيره
فقد تكررت منك الفعال القبيحة الموجبة لما يقدره الله تعالى ونحن نقسم بالله تعالى لولا قلت لنعير تعال حتى أعملك مقدم العساكر ونمشي على الشام ومصر وقربت مماليكنا وآويتهم وبدأت بهذا كله وحصل منك التعدي ما (7/340)
كان يتفق لرسلك ما اتفق
ولكن الجزاء من جنس العمل والخير بالخير والبادي أكرم والشر بالشر والبادي أظلم
وأيضا كل وقت تسأل عن ممالكنا المصونة وكثرة عساكرنا المنصورة من قلتها
فلو كنت طالبا المحبة والصحبة والمصادقة ما وقع منك هذا
وأما قولك إن هولاكو أخذ من كل مائة رجل رجلين وجاء بهم وأنت قد جئت بالرجلين وبالمائة واعتمادك على كثرة عسكرك على قولك فقد علمناه وإن كان اعتمادك على كثرة عسكرك فاعتمادنا نحن على الله تعالى واستمدادنا من الحرمين الشريفين ومددنا ممن بهما من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والصحابة والصالحين رضي الله عنهم
فإذا تلاقينا يكون ما يقدره الله تعالى ويعطي الله النصر لمن يشاء وتعلم ذاك الوقت لمن العاقبة ويظهر فعل الرب القادر تعالى وعوائده الجميلة بنا التي لا شك عندنا فيها ولا ريب وقط ملوك التتار ما انتصروا على ملوك الإسلام بل ملوك الإسلام خدام الحرمين الشريفين هم المؤيدون المنصورون المظفرون بعون الله تعالى وببركة سيدنا محمد من الله الكريم بالفضل والإحسان والغنائم والفتوحات لأنهم أهل الكتاب والسنة والعدل والخير والخوف من الله تعالى لا يقعون في محارمه ولا يقدمون على ارتكاب ما ينهى عنه فهم المؤمنون المتقون
وقال الله تعالى ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) وقال تعالى ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ) وقال ( والعاقبة للتقوى ) وقال تعالى ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) وسوف ينجز الله تعالى وعده لأنه لا يخلف الميعاد (7/341)
وأما ما ذكرته من أمر قرا يوسف وبير حسن وغيرهما وأن في معاشهم زغلا وأنهم مفسدون
وجعلك لكل واحد منهم ذنبا وأنك أنت العادل الخير المفلح والناس كلهم مناحيس وأنت الصالح والله يعلم المفسد من المصلح فقد علمناه
والذي نعرفك به هو أن النور لا يجتمع مع الظلام ولا اليقظة والمنام ولا الخير والشر في حيز واحد لأنها متضادة ليس بينها اتفاق ولا التئام وفعل المرء دال على نيته وطويته قال الله تعالى ( قل كل يعمل على شاكلته ) وقال ( وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات ) وقال ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وشتان ما بين أهل الخير والفساد وأهل العدل وأهل البغي والعناد فالخير هو المتقي ومن يرتكب ما حرم الله ويعتقد أنه على الحق فهو الشقي
( إذا المرء لم يعرف قبيح خطيته ... ولا الذنب منه مع عظيم بليته )
( فذلك عين الجهل منه مع الخطأ ... وسوف يرى عقباه عند منيته )
( وليس يجازى المرء إلا بفعله ... وما يرجع الصياد إلا بنيته )
وأما قولك إن نعير العرب أرسل بالخفية يطلب السلطان أحمد وأننا نرسم لنوابنا أن يحترزوا من توجهه إليه ولا يمكنوه من ذلك فإنه إن اتفق توجهه إليه يكن ذلك سببا لخراب الديار فقد علمناه
والذي نعرفك به هو أننا نتحقق أن ما يحصل خراب الديار والدمار ومحو الآثار إلا لمن يسعى ويتكلم بخراب الديار ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله )
وستعلم ديار من تخرب وعمر من يذهب وعلى من تكون دائرة السوء دائرة وسطوات المنايا قاهرة ( وسيعلم (7/342)
الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وها نحن واصلون بجيوش وجنود وعساكر مؤيدة من السباع أسبع لا تروى أسلحتهم من دماء البغاة ولا تشبع والجواب ما ترى لا ما تسمع
( قل للذي في الورى أضحى يعادينا ... احذر فأمرك رب العرش يكفينا )
( ما زال يمنحنا فضلا ويكلؤنا ... وفي العدا بعظيم النصر يشفينا )
( أقامنا رحمة للناس أجمعهم ... ولم يزل من جزيل الجود يعطينا )
( بالعز والنصر والتأييد عودنا ... وزادنا في مديد الأرض تمكينا )
( وللجميل وفعل الخير وفقنا ... شكر له ستره الأعلى يغطينا )
( قد أسكن الرحمة الحسنى التي أمنت ... بها الأنام بأقصى ملكنا فينا )
( فكلما بالدعاء المرتضى نطقت ... لنا الرعايا أجاب الكون آمينا )
( الله حافظنا الله ناصرنا ... من ذا يعاندنا من ذا يقاوينا )
والله الموفق بفضله العميم والهادي إلى الصراط المستقيم بمنه وكرمه وجوده ونعمه إن شاء الله تعالى
كتب في من جمادى الأولى سنة ست وتسعين وسبعمائة
الحالة الثانية حين عاد السلطان من الشأم إلى الديار المصرية وخرب هو دمشق وحرقها ثم انتقل عنها وترددت رسله بطلب أطلمش أحد أمرائه الذي كان قد أسر في أيام السلطان الملك الظاهر برقوق
وفي هذه الحالة كان يكتب له في قطع الثلثين والعنوان بقلم جليل الثلث بحل الذهب سطران مضمونهما المقام الشريف العالي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي المظفري الملجئي الملاذي الوالدي القطبي نصرة الدين ملجأ القاصدين ملاذ العائذين قطب الإسلام والمسلمين دامت (7/343)
معدلته تيمور كوركان
والبسملة في أول الوصل والخطبة جميعها بالذهب وكذلك البعدية وما يتعلق بالمكتوب إليه على عادة القانات والعلامة بجليل الثلث بحل الذهب بالهامش ما صورته المشتاق فرج بن برقوق إلا أنه اختلف مكانها في المكاتبات على ما سيأتي ذكره
إلا أن افتتاح المكاتبة إليه في هذه الحالة كان على ضربين بحسب ما اقتضاه الحال
الضرب الأول الافتتاح بأما بعد وذلك عند أول عقد الصلح
وهذه نسخة مكاتبة كتبت إليه جوابا عما ورد منه بطلب أطلمش المذكور والتماس الصلح جهزت صحبة الأمير شهاب الدين أحمد بن غلبك والأمير قاني بيه صحبة رسوله خواجا مسعود الكججاني رسوله الوارد بكتابه في جمادى الأولى سنة خمس وثمانمائة
وعلم له فيها في الهامش بين السطرين الثاني والثالث بقلم جليل الثلث بحل الذهب المشتاق فرج بن برقوق على ما تقدم ذكره والورق قطع الثلثين وهي
أما بعد حمد الله الذي جعل الأرواح أجنادا مجندة ووصل أسباب الرشد والفلاح بمن افتتح باب الإصلاح ولم يخلف موعده وكفل لمن توكل عليه في أموره النجاح يومه وغده
والشهادة له بأنه الله القاهر فوق عباده بقدرته المؤيدة أشرف نبي طيب الله عنصره ومحتده وأصلح ببعض نسله الشريف بين فئتين عظيمتين بلغ كل منهما من الخير مقصده
وعلى آله الطاهرين وذريته الظاهرين بالمصالح المرشدة وأصحابه الذين كانت غالب قضاياهم صلحا بين الناس ورسلهم بالاتفاق مرددة ومن عدم الشقاق غير مترددة صلاة وسلاما نصل بهما حبل البنوة بالأبوة المتجددة ونخمد بهما نار الحرب المتوقدة (7/344)
فقد أصدرنا هذه المفاوضة إلى المقام الشريف العالي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي المظفري الملجئي الملاذي الوالدي القطبي نصرة الدين ملجأ القاصدين ملاذ العائذين قطب الإسلام والمسلمين تيموركوركان دامت معدلته
تهدي إليه سلاما تتلى سوره وآياته وثناء تتوالى غدواته وروحاته ولا تتناهى غاياته وتبدي لشريف علمه أن مفاوضته العالية التي وردت أولا وآخرا تضمنت رموزها باطنا وظاهرا تجهيز الأمير أطلمش لزم المقام الشريف إلى حضرته العلية لتنحسم مادة الحركات وتسكن القلوب والخواطر في سائر الجهات وتتحد المملكتان في الصداقة والوفاء والمحبة والصفاء على الصورة التي شرحها وبين مناهجها ووضحها خصوصا ما أشار إليه من أن لجواب الكتاب حقا لا يضيع فوقفنا عليها وقوف إجلال وفهمنا ما تضمنته على التفصيل والإجمال
والذي نبديه إلى علومه الشريفة أن سبب تأخير أطلمش أنه قدم المقام الشريف إلى حدود الممالك الشامية وتوجهنا من الديار المصرية عرض لنا ما أوجب العود إليها سريعا وكان الحزم فيما فعلناه بمشيئة الله تعالى
ثم تحققنا من المفاوضة الواردة على يد سودون وسودون والنمر والحاج بيسق أحد أمراء أخورية قسمه بالله الطالب الغالب المدرك المهلك الحي الذي لا ينام ولا يموت أنه إن جهز إليه أطلمش المشار إليه رجع المقام الشريف إلى بلاده وأنه متوقع حضوره إليه بقارة أو سلمية أو حمص أو حماة
فأخذنا في تجهيزه (7/345)
إلى حضرته الشريفة على أجمل ما يكون
فبينا نحن على ذلك إذ وردت علينا الأخبار بما اتفق لدمشق وأهلها من أنواع العذاب وتخريب قلعتها وديارها وإحراق جامعها الذي هو الجامع الفرد في الممالك الإسلامية وغيره من المساجد والمدارس والمعاهد والمعابد
فلما تواترت هذه الأخبار وتحققت هذه المضار لمحنا من عدم ترحلكم عن دمشق وهي عامرة نقض ما تقرر وعدم التفاتكم إلى الأمير أطلمش المذكور وتجهيزه
فلما وردت مفاوضته الشريفة المجهزة إلى صاحب ماردين أرسلها إلينا وهي الواصلة على يد المجلس السامي الشيخي الكبيري العالمي الناسكي الحسيبي النسيبي الشرفي عبد المؤمن شيخ الجبال ابن ولي الله إمام العارفين عبد القادر الكيلاني أعاد الله تعالى من بركاته والصدر الأجل فخر الدين التاجر السفار المؤرخة بثاني عشر ذي القعدة الحرام من سنة أربع وثمانمائة المتضمنة وصول المقام الشريف إلى أرزنكان وكماخ قاصدا للبلاد الرومية والقصد فيها تجهيز الأمير أطلمش وأن يفتح باب المصالحة ويسلك طريق المصادقة رعاية لصلاح المملكتين ونظرا إلى إصلاح ذات البين وأنه لا مطمع إلا في صحة المودة وإرسال أطلمش صحبة شخص من مقربي حضرتنا الشريفة لينظر ما يصدر بعد وصولهما من تمهيد قواعد المجاملة وتشييد مباني المحبة
وأن المقام الشريف زيدت عظمته أقسم بالله الذي هو في السماء إله وفي الأرض إله أن يكون في هذه الحياة محبا لمن يحبنا مبغضا (7/346)
لمن يبغضنا وأنا نتلفظ بحضور الأمير أطلمش كما تلفظتم
فعند ذلك اجتمعنا مع مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله أدام الله تعالى أيامه والشيخ الإمام الفرد شيخ الإسلام سراج الملة والدين عمر البلقيني أعاد الله تعالى من بركته وقضاة القضاة ومشايخ العلم والصلاح وأركان الدولة الشريفة وقرئت المفاوضة بحضورهم
فلما سمعوا ما تضمنته من عظيم القسم والحلف بباريء النسم وعلموا أن جل القصد فيها تطلع المقام الشريف إلى تجهيز الأمير أطلمش المذكور فاجتمعت الآراء على إرساله إلى حضرته الشريفة صحبة من اقتضته الآراء الشريفة
ثم وردت بعد ذلك المفاوضة من المقام الشريف زيدت عظمته على يد شخص من أهل أزمير مؤرخة بثاني عشر شهر صفر المبارك سنة تاريخه متضمنة ما حصل من النصر على ابن عثمان والظفر به والاستيلاء على غالب قلاعه
وزبدة الكلام فيها الإسراع بتجهيز أطلمش المذكور ليجتمع شمله بأولاده بالحضرة الشريفة
ثم بعد ذلك وردت علينا مفاوضة شريفة على يد المجلس السامي الشيخي الكبيري الأوحدي العارفي السالكي المقربي مسعود الكججاني رسول المقام الشريف
وصحبته المجلس السامي الشيخي الكبيري العالمي العاملي الأمامي القدوي الشمسي شيخ القراء إمام أئمة الكبراء محمد بن الجزري أدام الله النفع به
مؤرخة بغرة ربيع الأول سنة تاريخه متضمنة معنى الكتابين المجهزين من ماردين (7/347)
وأزمير
وجل القصد فيها تجهيز الأمير أطلمش لتحصل طمأنينة قلوب العالمين وإخماد باب الفتن وأن العمدة على المشافهة التي تحملها الخواجا نظام الدين مسعود المشار إليه وأن قوله قول المقام الشريف
ومهما عقد الصلح عليه والتزم به كان من رأي المقام الشريف وشوره لا يخرج عنه ولا يميل إلى غيره بقول ولا فعل
فلما أحضرناه وأصغينا إلى ما تحمله من المشافهة فإذا هي مشتملة على خالص المحبة وأن يكون المقام الشريف والدنا عوضا عمن قدس الله تربه وأن نجهز الأمير أطلمش إليه وتكون عمدتنا بعد الله عز و جل عليه فقابلنا ذلك بالقبول والاستبشار ومحونا آية ليل الجفاء وأثبتنا آية نهار الوفاء في الإعلان والإسرار وقبلنا أبوته الكريمة على مدى الأزمان وتوالي الأعصار وشاهد الخواجا مسعود حال أطلمش وعلم اهتمامنا بتجهيزه قبل وصوله بمدة اعتمادا على أليته السابقة ووثوقا بما صرح به من الاتحاد والمصادقة وعقدنا الصلح مع الشيخ نظام الدين مسعود المذكور بطريق الوكالة الشرعية عن المقام الشريف وحلفنا نظير ما حلف عليه بموافقة مولانا أمير المؤمنين أدام الله أيامه على ذلك بمحضر من شيخ الإسلام وقضاة القضاة ومشايخ العلم والصلاح وأركان الدولة الكبار مع حضور الأمير أطلمش لزم المقام الشريف وشهادة من يضع خطه على نسخ الصلح التي كتبت وجهزنا منها نسختين مثبوتتين إلى حضرته (7/348)
الشريفة قرين هذا الجواب الشريف لتحيط العلوم الشريفة بمضمونها وبأحدها خطنا الشريف لتخلد بخزانته الشريفة والأخرى يشملها بخطه الشريف وتعاد إلينا صحبة رسولنا المجلس العالي الأميري الكبيري المجاهدي المؤيدي المقربي الأعزي الأخصي الأصيلي الشهابي أحمد بن أغلبك الناصري مقربنا ومقرب والدنا الشهيد أدام الله تعالى نعمته وجهزنا صحبته المجلس السامي الأمير الأجل الكبير المقرب المرتضى الأخص الأكمل سيف الدين قاني باي الخاصكي الناصري أدام الله سعادته المتوجهين بهذا الجواب الشريف المجهزين صحبة الأمير أطلمش وبقية قصاد المقام الشريف ورسله
ومما نبديه لعلومه الشريفة أنه مما تضمنه الملخص الشريف المجهز عطف الكتاب الواصل على يد الشيخ مسعود الكججاني مضاعفة الوصية بأولاد الشيخ شمس الدين الجزري ورعاية أحوالهم وتعلقاتهم
وقد قابلنا ذلك بالإقبال والقبول وقررنا لهم بالأبواب الشريفة
ونحن بشهادة الله وكفى به شهيدا قد أخلصنا النية للمقام الشريف وعاهدنا الله عز و جل في التعاضد والتناصر والاجتهاد في عمل المصالح للعباد والبلاد وعدم التقاصر والعمل بما فيه بياض الوجه عند الله في الدنيا والآخرة وإجراء الأمور على السداد
بتوفيق الله عز و جل وطلبا لرحمته الباطنة والظاهرة
ثم استقبل لسان الحال ينشدنا
( يا أول الصفو هذا آخر الكدر ... ) فيكون ذلك في علومه الشريفة والله تعالى يديم عوارفه الوريفة بمنه وكرمه
والمستند حسب المرسوم الشريف (7/349)
الضرب الثاني ما صار إليه الأمر بعد وصول أطلمش إليه
وهذه نسخة جواب والعنوان سطران بقلم الثلث بماء الذهب ما صورته المقام الشريف العالي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي المظفري الملجئي الملاذي الوالدي القطبي نصرة الدين ملجأ القاصدين ملاذ العائذين قطب الإسلام والمسلمين تيموركوركان زيدت عظمته
والطرة ثلاثة أوصال والبسملة الشريفة في أول الوصل الرابع
ثم الحمد لله وتتمة الخطبة بالذهب وبيت العلامة عرض أربعة أصابع مضمومة وما يليها من الأسطر سعة ثلاثة أصابع والعلامة الشريفة بين السطر العاشر والحادي عشر من سطور الكتابة موافقا لانتهاء الخطبة عند أما بعد فقد صدرت هذه المفاوضة
والعلامة الشريفة بجليل الثلث بماء الذهب المشتاق فرج بن برقوق
وهامش الكتاب أربعة أصابع مطبوقة والخطبة وما يليها من البعدية وألقاب المقام القطبي المركبة والمفردة الجميع بالذهب
ومضمونه بعد البسملة الحمد لله الذي شيد قواعد الإصلاح ومهد مواطن الرشد والنجاح وجعل أذان المؤمن يجيب داعي الفلاح
نحمده على أن ألف بين القلوب بلطيف الارتياح ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله زم نفوس المؤمنين بحبل التقوى من حمية الجماح ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي وضح من نور رسالته فجر الإيمان ولاح ونفح من نور معجزاته زهر الدين الحنيفي وفاح صلى الله عليه وعلى آله الذين شدوا ظهور كلمهم من الصدق بأتقن وشاح وعلى صحابته الذين بينوا من عهودهم بفقههم في الدين الواجب والمندوب والمحظور والمباح وسلم تسليما كثيرا (7/350)
أما بعد فقد صدرت هذه المفاوضة إلى المقام الشريف العالي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي المظفري الملجئي الملاذي الوالدي القطبي نصرة الدين ملجإ القاصدين ملاذ العائذين قطب الإسلام والمسلمين
( ملك يفوق الخلق طرا هيبة ... فبه نهاية غاية التأميل ) تيموركوركان زيدت عظمته ودامت معدلته ولا زالت رايات نصره خافقة البنود وآيات فضله متلوة في التهائم والنجود وسحب فضائله هامية بالكرم والجود ومهابة سطوته تملأ الوجود تهدي إليه من السلام ما حلا في حالتي الصدور والورود ومن الإخلاص ما صفا وضفت منه البرود
وتبدي لعلمه الشريف أن مفاوضته الشريفة وردت علينا جوابا عما كتبناه إلى حضرته الشريفة على يد المجلس العالي الأميري الشهابي أحمد بن غلبك وسيف الدين قاني بيه الناصري المجهزين صحبة المجلس العالي الأميري الجلالي أطلمش لزم المقام الشريف بوصول الأمير جلال الدين أطلمش إلى حضرته الشريفة طيبا مبديا بين يديه ما حملناه من رسائل الأشواق مبينا ما هو اللائق بخلاله الحسنة عن حضرتنا ما دبج به الأوراق شاكرا لإنعاماتنا إلتي هي في الحقيقة من شيم فضلكم الخفاق مثبتا منه ومن فحوى الخطاب في نظم الكتاب صدق المقال وصحة العهد ورسوخ الميثاق وأنه قد ثبت بما بث من غرائب المعاني حصول الأماني وسرى بعد ما يكون من هدايا التهاني وأن الذي اتفق الآن هو المطلوب والمكتوب به إلى والدنا الشهيد الطاهر أولا هو المرغوب وخلافه كان موجبا لنقل الحركات الشريفة إلى جهة البلاد وما اتفق فيه للعباد ولكن كل بقضاء وقدر
ولما حصل قبول الإشارة بتجهيز الرسل والأمير أطلمش صارت القلوب متفقة والعيون قارة وصفت موارد الصفاء وضفت برود الوفاء (7/351)
وقطعت حبال المنافاة والجفاء
وأن المقام الشريف كان أقسم في كتبه قسما وأعاده ثم فصل مجمله وأفاده وهو والله الطالب الغالب المدرك المهلك الحي الذي لا ينام ولا يموت من يومه هذا لا يخالف ما صدر من عقد الصلح المسطور ولا يرجع عن حكمه للعهد المزبور ويحب من يحبنا ويبغض من يبغضنا ويكون سلما لمسالمينا حربا لمحاربينا ومتى استنصرنا به على أحد من مخالفينا أمدنا بما شئنا من العساكر وأنه أمر ما ناله أحد من الناس غيرنا وإنه لو كان القسم على الوجه الذي ذكره مصرحا مذكورا في لفظ الكتاب وعبارة الخطاب لكان أوضح والتبيين أملح وأنه حيث كان بأطراف ممالكه المجاورة لممالكه أحد من المفسدين يجهزه إلينا مقيدا وحيث كان أحد من المفسدين بممالكنا المجاورة للمالكه يعرفنا به لنجهزه إليه لاتفاق الكلمتين واتحاد المملكتين وطمأنينة لقلوب الرعايا والسالكين من الجهتين وما تفضل به من سؤال المقام الشريف الله عز و جل زيادة أسباب دولتنا ونمو إيالتنا وأن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
وأنا سنرى ما يصنعه المقام الشريف من الفضل المنيف ومن تلافي الأمور ما يظهر للخاصة والجمهور مما يزيد بدرنا نموا وقدرنا بين الملوك سموا لأنه لنا أكفى كفيل وأشفق من الولد والصاحب والخليل وإن من علامة الصفا إظهار ما خفى وهو أن في أطراف ممالكنا الآن بلادا كانت داخلة في ممالكه وهي أبلستين وملطية وكركر وكختا وقلعة الروم والبيرة وأنه كان حمل معناها على لسان المجلس السامي النظامي مسعود الكججاني أولا المجهز المجهز الآن صحبة الأمير شهاب الدين بن غلبك وسيف الدين قاني بيه وأن القصد أن نأمر من بها من النواب أن تسلمها لنوابه والمعول في انتظام الأمور على ما تحمله المشار إليه وعول عليه وأنه شاكر لمرافقنا موافق لموافقنا وأنه يصغى إلى ما نبديه ونتحف به ونهديه على الصورة التي أبداها والتحية التي بكريم الشيم أهداها فقد علمنا ذلك (7/352)
جملة وتفصيلا وشكرنا حسن صنيعه إقامة ورحيلا وتضاعف سرورنا بوصول الأمير أطلمش إلى الحضرة الشريفة
ووصل إلينا الأمير شهاب الدين بن غلبك وسيف الدين قاني بيه مرتلين من ذكر محاسنكم ترتيلا وعرضا ما تفضلتم به في حقنا إكراما وتوقيرا وتبجيلا وأنهيا بين أيدينا ما عوملا به من الفضل الذي ما عليه مزيد والبر الذي تعجز الفصحاء أن تبديء بعض محاسنه أو تعيد وأنهما كانا كل يوم من توفر الفضل في يوم عيد وحصل لهما من الإقبال ما لا يحصى بالحصر والتحديد فحمدنا للمقام الشريف الوالدي حسن هذا الفضل العام وشكرنا جميل تفضله الذي أخجل الغمام وتزايد شوقنا وحبنا حيث زمزمت ألفاظ المفاوضة الشريفة إلى ذلك المقام
( ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد ) وهذا هو اللائق بالخلال الشريفة والمؤمل في جلال صفاته المنيفة ووصل الخواجا نظام الدين صحبتهما مبديا عن جنابكم من رسائل المحبة والصفاء والمودة والوفاء ما يعجز عن وصفه الناظم والناثر مظهرا من حسن المودة وغزير المعرفة ما يفخر به الموالي والمؤاثر سالكا من تأكيد أسباب الصلح ما تتجمل به مفارق المفاخر معتذرا عما تقدم فما قدر ربما يكون سببا لإصلاح الآخر متكفلا عن صفاء طويتكم لنا بما يسر السرائر فضاعفنا إكرامه ورادفنا إنعامه ووفرنا من العز أقسامه وأنزلناه منزلا يليق به ووصلنا كل خير بسببه وما هو إلا مستحق لكل ما يراد به من فيض فضل وفضل
وأما ما أشار إليه من إعادة القسم تأكيدا للصلح وتوضيحا للنجح ولو كان القسم الذي أقسمنا به مصرحا لكان أولى فقد علمنا ذلك وكتبنا ألفاظ القسم في كتاب الصلح مصرحة وأعدناه إلى حضرته ليقرأ على مسامعه الشريفة ويشمله (7/353)
الخط الشريف ويعاد إلينا ونحن نكرر القسم بباريء النسم الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب المدرك المهلك الحي الذي لا ينام ولا يموت أنا من يومنا هذا لا نخالف ما انتظم من عقد الصلح المسطور إلى يوم البعث والنشور ولا تحل عراه الوثيقة المشار إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ونكون حربا لمن حاربه وسلما لمن سالمه ومبغضين لمبغضيه ومحبين لمحبيه ومن أشار بإشاره أو شن على أحد من رعاياه غاره رادفنا إسعافه وضاعفنا استظهاره وأخلصنا القول والعمل في مصافاة المقام الشريف لأن الصلح بحمد الله قد تم وكمل فيكون ذلك في شريف علمه
وأما ما أشار إليه من أمر القرى التي قصد تسليمها لنوابه وأنها داخلة في حدود مملكته كأبلستين وملطية وكركر وكختا وقلعة الروم والبيرة فقد علمنا ذلك
ونحن نبدي إلى علومه الشريفة أن هذه البلاد لا يحصل لنا منها خراج ولا ينال ملكنا ونوابنا منها في كل وقت إلا الانزعاج وإذا جهزنا إليها أحدا من النواب نتكفل له غالبا بالخيل والرجل والركاب وبضواحيها من سراق التركمان وقطاع الطريق من العربان ما لا يخفى عن مقامه
ولو كانت دمشق أو حلب أو أكبر من ذلك مماله عن الطلب ما توقفنا فيها عن قبول إشارته لتأكيد المحبة واتحاد الكلمتين من الجانبين في أعلى رتبة غير أن لتسليمها من الوهن لمملكتنا منافاة لما تفضل به المقام الشريف من سؤال الله تعالى في زيادة سلطنتنا
خصوصا وقد وعد المقام الشريف الوالدي بما سنرى وسوف تظهر نتيجته مما يتفضل به بين الورى وأن الذي سمح لنا به من الاستظهار ما ناله أحد من الناس وما حصل لنا بما أبداه الخواجا مسعود بين أمراء دولتنا من المشافهة عن مقامه الشريف من قوة الجاش والإيناس ونحن نترقب بيمن حركاته وسديد إشاراته زيادة الخير في النفس والملك والمال ونتوقع من جميل كفالته السعادة الأبدية في الحال والمآل فيكون ذلك في شريف علمه (7/354)
وقد جهزنا بهذه المفاوضة المجلس العالي الأميري الكبيري الأعزي الأخصي المقربي المؤتمني الأوحدي النصيري مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء الخواص في العالمين منتخب الملوك والسلاطين منكلي بغا الناصري أمير حاجب أدام الله تعالى سعده وأنجح قصده وعلى يده من الهدية المصرية ما تهيأ تجهيزه بمقتضى القائمة الملصقة بذيلها وأعدنا المجلس العالي النظامي مسعودا ومن معه إلى المقام الشريف متحملين من رسائل الأشواق والاتحاد ما لا يقع عليه الحصر والتعداد وما أخرنا الخواجا نظام الدين مسعودا هذه المدة بالباب الشريف إلا لأمر عرض من قضية السلطان أحمد بن أويس وهربه من بغداد إلى حلب وجهزنا من الباب الشريف من يحضره إلى دمشق ليحصل منه الأرب ثم بعد ذلك بأيام ورد الخبر من كافل الشام المحروس بوصول قرا يوسف بن قرا محمد إلى دمشق في نفر قليل
فجهزنا أحد الأمراء إلى كافل الشام بمثال شريف يتضمن القبض على السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف المذكورين وإيداعهما الاعتقال بقلعة دمشق المحروسة وفاء للعهد وتأكيدا
وحملنا الأمير سيف الدين منكلي بغا المذكور مشافهة في معناهما
والقصد من جميل محبته وجزيل أبوته قبول المجهز من ذلك وبسط العذر فيه إذا وصل إلى حضرته هنالك لأن الديار المصرية وأعمالها حل بها من المحل لعدم طلوع النيل في هذه السنة ما لا يحصر ولا يحصى ولا سمع بمثله
وشمول نسخة الصلح المعادة بالخط الشريف ومضاعفة إكرام حاملها الأمير منكلي بغا بالبر الوريف والإصغاء إلى ما تحمله من المشافهة في معنى أحمد بن أويس وقرا يوسف والله تعالى يشيد بتمهيده قواعد الدين الحنيف بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى (7/355)
الثالث من ملوك توران من بني جنكزخان القان الكبير صاحب التخت وهو صاحب الصين والخطا
قال في التعريف وهو أكبر الثلاثة ووارث تخت جنكزخان
قال ولم يكن يكاتب لترفعه وإبائه وطيرانه بسمعة آبائه ثم تواترت الآن الأخبار بأنه قد أسلم ودان دين الإسلام ورقم كلمة التوحيد على ذوائب الأعلام
قال وإن صح ذلك وهو المؤمل فقد ملأت الأمة المحمدية الخافقين وعمت المشرق والمغرب وامتدت بين ضفتي المحيط
ثم قال فإن صح إسلامه وقدرت المكاتبة إليه تكون المكاتبة إليه كالمكاتبة إلى صاحب إيران ومن في معناه من سائر القانات المقدم ذكرهم أو أجل من ذلك
قلت ولم يتعرض إلى المكاتبة إليه على تقدير بقائه على الكفر ويشبه أن تكون المكاتبة إليه على ذلك وشدة سطوته فيعطى من قطع الورق بقدر رتبته
ثم يجوز أن تبتدأ المكاتبة إليه كصاحب القسطنطينية ومن في معناه مع مراعاة معتقده في ديانته بالنسبة إلى كما يرعى مثل ذلك في المكاتبة إلى ملوك النصرانية والوقوف في الخطاب وما ينخرط في سلكه عند الحد اللائق به
والأمر في ذلك موكول إلى اجتهاد الكاتب ونظره (7/356)
المهيع الثالث في المكاتبات إلى من بجزيرة العرب مما هو خارج عن مضافات الديار المصرية وفيه جملتان
الجملة الأولى في المكاتبات إلى ملوك اليمن وهم فرقتان
الفرقة الأولى أئمة الزيدية
قال المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف وهو من بقايا الحسنيين القائمين بآمل الشط من بلاد طبرستان وقد كان سلفهم جاذب الدولة العباسية حتى كاد يطيح رداءها ويشمت بها أعداءها
وهذه البقية الآن بصنعاء وبلاد حضرموت وما والاها من بلاد اليمن
قال والإمامة الآن فيهم في بني المطهر وتقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك أن أول من قام من هذه الأئمة باليمن الإمام يحيى الهادي بن الحسين الزاهد بن أبي محمد القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسين المثنى بن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي (7/357)
الله عنه في سنة ثمان وثمانين ومائتين في خلافة المعتضد وأنه كان فقيها عالما مجتهدا في الأحكام حتى قال فيه ابن حزم إنه لم يبعد عن الجماعة في الفقه كل البعد
ثم ولي بعده ابنه محمد المرتضى وتمت له البيعة فاضطرب الناس عليه واضطر إلى تجريد السيف فجرده ومات سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته وولي بعده أخوه أحمد الناصر ثم أخوه القاسم المختار ثم الحسين المنتجب
واطرد أمرهم بصنعاء إلى أن غلب عليهم السليمانيون أمراء مكة عند خروجهم منها فاستقرت بأيديهم إلى أن ملك اليمن من جهة الساحل أحمد الموطيء بن الحسين المنتجب المقدم ذكره وذلك في أيام سيف الإسلام ابن أيوب سنة خمس وأربعين وستمائة
وبقي أمر الزيدية هناك في عقبه
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله أن الإمامة في زمانه في الدولة الناصرية ابن قلاوون كانت في حمزة وذكر في مسالك الأبصار أن يحيى بن حمزة ولي بعد أبيه وكان في زمن المؤيد داود بن يوسف صاحب اليمن
وذكر قاضي القضاة ابن خلدون أن الإمام قبل الثمانين والسبعمائة كان علي بن محمد من أعقابهم وتوفي قبل الثمانين
وولي ابنه صلاح وتابعه الزيدية وكان بعضهم ينكر إمامته لعدم استكمال الشروط فيه فيقول أنا لكم ما شئتم إمام أو سلطان
ثم مات سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وقام بعده ابنه نجاح فامتنع الزيدية من بيعته فقال أنا محتسب لله تعالى
قال في التعريف وأمراء (7/358)
مكة تسر طاعته ولا تفارق جماعته
قال ويكون بين هذا الإمام وبين الملك الرسولي باليمن مهادنات ومفاسخات تارة وتارة
قال وهذا الإمام وكل من كان قبله على طريقة ما غيروها
وهي إمارة أعرابية لا كبر في صدورها ولا شمم في عرانينها وهم على مسكة من التقوى وترد بشعار الزهد يجلس في ندي قومه كواحد منهم ويتحدث فيهم ويحكم بينهم سواء عنده المشروف والشريف والقوي والضعيف وربما اشترى سلعته بيده ومشى في أسواق بلده لا يغلظ الحجاب ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجاب يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع ولا تكثر غير مشبع هكذا هو وكل من سلف قبله مع عدل شامل وفضل كامل
قال في مسالك الأبصار ولشيعة هذا الإمام فيه حسن الاعتقاد حتى إنهم يستشفون بدعائه ويمرون يده على مرضاهم ويستسقون به المطر إذا أجدبوا ويبالغون في ذلك كل المبالغة
ثم قال ولا يكبر لإمام هذه سيرته في التواضع لله وحسن المعاملة لخلقه وهو من ذلك الأصل الطاهر والعنصر الطيب أن يجاب دعاؤه ويتقبل منه
قال وزي هذا الإمام وأتباعه زي العرب في لباسهم والعمامة والحنك وينادى عندهم بالأذان حي على خير العمل
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف أدام الله تعالى أو ضاعف الله تعالى نعمة أو جلال الجانب الكريم العالي السيدي الإمامي الشريفي النسيبي الحسيبي العلامي سليل الأطهار جلال الإسلام شرف الأنام بقية البيت النبوي فخر النسب العلوي مؤيد أمور الدين خليفة الأئمة رأس العلياء صالح الأولياء علم الهداة زعيم المؤمنين ذخر المسلمين منجد الملوك والسلاطين
ولا زال زمانه مربعا وغيله مسبعا وقراه مشبعا وكرمه لفيض نداه منبعا وهداه حيث أم بالصفوف متبعا وملكه المجتمع باليمن لو أدركه (7/359)
سيف بن ذي يزن لم يكن إلا لديه منتضى وتبع لم يكن له إلا تبعا
ولا فتئت معاقد شرفه بالجوزاء وعقائد حبه تعد لحسن الجزاء ومعاهد وطنه آهلة بكثرة الأعزاء ومياسم أهل ولائه تعز إليه بالاعتزاء ومباسم ثغور أودائه ضاحكة السيوف في وجوه الأرزاء هذه النجوى إلى روضه الممرع وإلا فما تزم الركائب وإلى حوضه المترع وإلا فما الحاجة إلى السحائب وإلى حماه المخصب وإلا ففيم يسري الرائد وإلى مرماه المطنب فوق السماء وإلا إلى أين يريد الصاعد تسري ولها من هادي وجهه دليل وفي نادي كرمه مقيل وإلى بادي حرمه وما فيه للعاكف وإلى عالي ضرمه ما لا ينكره العارف وفي آثار قدمه ما يحكم به كل عائف وفي بدار خدمه ما يذر عداه كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف
مبدية وأول ما تبدأ بسلام يقدمه على قول كيت وكيت وثناء ولا مثل (7/360)
قوله ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت )
صدر آخر ولا عطل محراب هو إمامه ولا بطل عمل هو تمامه ولا جف ثرى بنات هو غمامه ولا خف وقار امريء بيده المصرفة زمامه ولا ارتد مضرب سيف رؤوس أعاديه كمامه ولا ارتأى في حصول الخيرة له من كان إلى كنفه انضمامه
وأطال الله باع عليائه وأطاب بأنبائه سماع أوليائه وأدام إجماع السرور عليه ومصافاته لأصفيائه وتراميه إليه
صدرت بها الركائب إليه مخفة وسرت بها النجائب لتقف عليه والقلوب بها محفة وأهوت لديه يشمخ بها لوصولها إليه الكبر وطوت إليه البيد طي الشقة تقيسها المطايا بالأذرع والثريا بالشبر تأتي بالعجب إذ تجلب إليه المسك الأذفر وتجلو له الصباح وما لاح والليل وما أسفر وتحل في مقر إمامته وتحلي العاطل بما نثره من الطل صوب غمامته موصلة لعلمه ما لا يقطع ومضوعة عنده من عنبر الشحر ما يستبضع ومعلمة له كيت وكيت
قلت هذا ما أصله في التعريف وحاصله أنه يأتي بالصدر المقدم ذكره إلى قوله منجد الملوك والسلاطين ثم يأتي بالدعاء المناسب ثم يقول هذه النجوى إلى آخره مبدية لعلمه أو معلمة أو صدرت بها الركائب ونحو ذلك
ثم لم يتعرض في التعريف لقطع الورق الذي يكتب إليه فيه ولا للعلامة له ولا لعنوان كتابه ولا لتعريفه ونبه على ذلك في التثقيف وأنه (7/361)
أهمل ذلك ثم لم ينبه هو عليه
وقد رأيت في دستور منسوب للمقر العلائي بن فضل الله بيان ما أهملاه من ذلك فقال والخطاب له بمولانا الإمام والطلب منه والمسؤول وختم الكتاب بالإنهاء والعنوان بالألقاب والدعاء المقدم ذكره والعلامة الخادم
وقد ذكر في التعريف أنه وصل إلى الديار المصرية في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون سقى الله عهده رسول من هذا الإمام ابن مطهر إمام الزيدية من صنعاء بكتاب منه يقتضي الاستدعاء
أطال فيه الشكوى من صاحب اليمن وعدد قبائحه ونشر على عيون الناس فضائحه واستنصر بمدد يأتي تحت الأعلام المنصورة لإجلائه عن دياره وإجرائه مجرى الذين ظلموا في تعجيل دماره وقال إنه إذا حضرت الجيوش المؤيدة قام معها وقاد إليها الأشراف والعرب أجمعها ثم إذا استنقذ منه ما بيده أنعم عليه ببعضه وأعطي منه ما هو إلى جانب أرضه
ثم قال فكتبت إليه مؤذنا بالإجابة مؤديا إليه ما يقتضي إعجابه وضمن الجواب أنه لا رغبة لنا في السلب وأن النصرة تكون لله خالصة وله كل البلاد لا قدر ما طلب
وهذه نسخته ضاعف الله تعالى جلال الجانب بالألقاب والنعوت وأعز جانبه عزا تعقد فواضله بنواصي الخيل وصياصي المعاقل التي لم يطلع على مثلها سهيل وأقاصي الشرف الذي طلع منه في الطوق وتمسك سواه بالذيل وقدمه للمتقين إماما وجعله للمستقين غماما وشرفه على المرتقين في علا النسب العلوي ونوره وصوره تماما ومن على اليمن بيمنه وأعلم بصنعاء حسن صنيعه وبحضرموت (7/362)
حضور موت أعدائه وبعدن أنها مقدمة لجنات عدنه ولا زالت الافاق تؤمل من فيضه سحابا دانيا وتتهلل إذا شامت له برقا يمانيا وتتنقل في رتب محامده ولا تبلغ من المجد ما كان بانيا
هذه النجوى وكفى بها فيما يقدم بين يديها ويقوم ولا يقوم من كل غالي الثمن ما عليها تطوي المراحل وتجوب البر والبلد الماحل وتثب إليه البحار وتقذف منها العنبر إلى الساحل وترسي به سفنها وتحط إليه بل تخط لديه مدنها وتؤذن علمه سره الله بما لم يحل إليه من نظر ولم يخل منه من سبب ألف به النوم أو نفر ورود وارد رسوله فقال يا بشراي ولم يقل هذا غلام ووصوله بالسلامة والسلام وما تضمنه ما استصحب منه من صحيفة كلها كرم وأخبار صحيحة كلها مما لو قذف به الماء لاضطرم ذكر فيها أمر المتغلب العادي والصاحب الذي يفعل فعل الأعادي والجار الذي جار والظالم البادي وما مد الأيدي إليه من النهاب وما اختطف به القلوب من الإرهاب وتحدث عن أخباره وعندنا علمه وأخبر عن أفعاله مما له أجر الصبر عليه وعليه ظلمه وقص رسوله القصص وزاد الشجى وضيق مجال الغصص وأطار من وكر هذا العدوان طائرا كأنما كان في صدره وحرك منه لأمر كان يتجرع له كأس صبره وقد أسمع الداعي وأسرع الساعي وبلغ الأمانة حاملها وأوصل الكلمة قائلها ومرحبا مرحبا بداعي القيام من قبله وأهلا أهلا بما بلغ على ألسنة رسله وهلم هلم إلى قلع هذه الشجرة التي لم ينجب ظن غارسها وقطع هذه الصخرة التي لم تنصب إلا مزلقة لدائسها والتعاضد التعاضد لما هتف به هاتفه الصارخ وسمعه حتى الرمح الأصم والسيف المتصاوخ فليأخذ لهذا الأمر الأهبة وليشد عليه فقد (7/363)
آنت الوثبة فقد سطرت وقد نهض إلى الخيل ملجمها وبادر وضع السهام في الكنائن مزحمها وكأنه بأول الأعنة وآذان الجياد تفوق بين شطري وجهها الأسنة وكأنه برسوله القائد وفي أعقابه الجيش المطل والألوية وكل بطل باسل يبتدر الوغى ولا يستذل ولا أرب لنا في استزادة بلاد وسع الله لنا نطاقها وكثر بنا مواد أموالها وقدر على أيدينا إنفاقها وإنما القصد كله والأرب جميعه كشف تلك الكرب وتدارك ذلك الذماء الذي أوشك أو كرب وإن قدر فتوح وتيسر ما طرف سوانا إلىه طموح كان هو أحق بسقبه لأنه جار الدار والأول الذي كان له البدار ويقل له لعظيم شرفه ما نسمح به وإن جل وما نهبه منه وإن عظم شأن كل تبع وهو ببعضه ما استقل وكأنه والخيل قد وافته تجد في الإحضار وتسرع إليه وتكفيه مؤونة الانتظار إن شاء الله تعالى
الفرقة الثانية أولاد رسول
وهم المعروفون بملوك اليمن عند الإطلاق ومقر مملكتهم حصن تعز
ورسول هذا الذي كان ينسب إليه ملوك هذا النسب من اليمن هو رسول أمير أخور الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب
قال في التعريف ولما بعث الملك الكامل ولده الملك المسعود أطسز وهو الذي تسميه العامة أقسيس بعث معه رسولا أميراخور في جملة من بعثه معه
قال ثم تنقلت الأحوال حتى استقل رسول بملك اليمن وصار الملك في عقبه إلى الآن
والذي ذكره المؤيد (7/364)
صاحب حماة وقاضي القضاة ولي الدين بن خلدون في تاريخيهما وهو الصواب أن أول من ملك اليمن على بن رسول ثم ابنه المنصور عمر ثم ابنه المظفر يوسف ثم ابنه الأشرف عمر ثم أخوه المؤيد هزبر الدين داود ثم ابنه المجاهد سيف الدين علي وهو الذي قال المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف إنه كان في زمنه ثم المنصور أيوب ثم المجاهد علي المقدم ذكره ثانيا ثم ابنه الأفضل سيف الدين عباس
وهو الذي قال في التثقيف إنه كان في زمنه في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين ثم ابنه المنصور محمد ثم أخوه الأشرف إسماعيل وهو الذي كان في الدولة الظاهرية برقوق
ثم ابنه الملك الناصر أحمد وهو القائم بها الآن
واعلم أن المكاتبات بين صاحب مصر وصاحب اليمن من حين استقرت مملكة اليمن مع بني أيوب ملوك مصر وصارت المملكتان كالمملكة الواحدة ثم تواصلت المكاتبات بين ملوكهما وتأكدت المودة إلى زماننا هذا خلا ما وقع في خلال ذلك من حصول تباين وقع بين أهل المملكتين في بعض الأزمان وهو على ضربين
الضرب الأول ما كان الأمر عليه في الدولة الأيوبية وهو أن تفتتح المكاتبة بلفظ أصدرناها
وهذه نسخة كتاب عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام إلى أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن يستقدمه إليه معاونا له على قتال (7/365)
الفرنج ويخبره بما وقع له من الفتوحات في سنة أربع وثمانين وخمسمائة
وهي أصدرنا هذه المكاتبة إلى المجلس ومما تجدد بحضرتنا فتوح كوكب وهي كرسي الإستبارية ودار كفرهم ومستقر صاحب أمرهم وموضع سلاحهم وذخرهم وكان بمجمع الطرق قاعدا ولملتقى السبل راصدا فتعلقت بفتحه بلاد الفتح واستوطنت وسلكت الطرق فيها وأمنت وعمرت بلادها وسكنت ولم يبق في هذا الجانب إلا صور ولولا أن البحر ينجدها والمراكب تردها لكان قيادها قد أمكن وجماحها قد أذعن وما هم بحمد الله في حصن يحميهم بل في سجن يحويهم بل هم أسارى وإن كانوا طلقاء وأموات وإن كانوا أحياء قال الله عز و جل ( فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم غدا ) ولكل امريء أجل لا بد أن يصدقه غائبه وأمل لا بد أن يكذبه خائبه
وكان نزولنا على كوكب بعد أن فتحنا صفد بلد الديوية ومعقلهم ومشتغلهم وعملهم ومحلهم الأحصن ومنزلهم وبعد أن فتحنا الكرك وحصونه والمجلس السيفي أسماه الله أعلم بما كان على الإسلام من مؤونته المثقلة وقضيته المشكلة وعلته المعضلة وأن الفرنج لعنهم الله كانوا يقعدون منه مقاعد للسمع ويتبوأون منه مواضع للنفع ويحولون بين قات وراكبها فيذللون الأرض بما كان منه ثقلا على مناكبها
والآن ما أمن بلاد الهرمين بأشد من بلاد الحرمين فكلها كان مشتركا في نصرة المسلمين بهذه القلعة التي كانت ترامي ولا ترام وتسامي ولا تسام وطالما استفرغنا عليها بيوت الأموال وأنفقنا فيها أعمار الرجال وقرعنا الحديد بالحديد إلى أن ضجت النصال من النصال والله المشكور على ما انطوى من كلمة الكفر وانتشر من كلمة (7/366)
الإسلام
وإن بلاد الشام اليوم لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما فادخلوها بسلام وكان نزولنا على كوكب والشتاء في كوكبه وقد طلع بيمن الأنواء في موكبه والثلوج تنشر على البلاد ملاءها الفضيض وتكسو الجبال عمائمها البيض والأودية قد عجت بمائها وفاضت عند امتلائها وشمخت أنوفها سيولا فخرقت الأرض وبلغت الجبال طولا والأوحال قد اعتقلت الطرقات ومشى المطلق فيها مشية الأسير في الحلقات فتجشمنا العناء نحن ورجال العساكر وكاثرنا العدو والزمان وقد يحرز الحظ المكاثر وعلم الله النية فأنجدنا بفضلها وضمير الأمانة فأعان على حملها ونزلنا من رؤوس الجبال بمنازل كان الاستقرار عليها أصعب من نقلها والوقوف بساحتها أهون من نقلها ( وأما بنعمة ربك فحدث )
والحمد لله الذي ألهمنا بنعمته الحديث ونصر بسيف الإسلام الذي هو سيفه وسيف الإسلام الذي هو أخونا الطيب على الخبيث فمدح السيف ينقسم على حديه ومدح الكريم يتعدى إلى يديه والآن فالمجلس أسماه الله يعلم أن الفرنج لا يسلون عما فتحنا ولا يصبرون على ما جرحنا فإنهم خذلهم الله أمم لا تحصى وجيوش لا تستقصى ووراءهم من ملوك البحر من يأخذ كل سفينة غصبا ويطمع في كل مدينة كسبا ويد الله فوق أيديهم والله محيط بأقربيهم وأبعديهم و ( سيجعل الله بعد عسر يسرا )
( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا )
وما هم إلا كلاب قد تعاوت وشياطين قد تغاوت
وإن لم يقذفوا من كل جانب دحورا ويتبعوا بكل شهاب ثاقب مدحورا استأسدوا واستكلبوا وتألبوا وجلبو وأجلبوا وحاربوا وخربوا وكانوا لباطلهم الداحض أنصر منا لحقنا (7/367)
الناهض وفي ضلالهم الفاضح أبصر منا لهدانا الواضح والله در جرير حيث يقول
( إن الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللئيمة للئام نصور ) فالبدار إلى النجدة البدار والمسارعة إلى الجنة فإنها لن تنال إلا بإيقاد نار الحرب على أهل النار والهمة الهمة فإن البحار لا تلقى إلا بالبحار والملوك الكبار لا يقف في وجوهها إلا الملوك الكبار
( وما هي إلا نهضة تورث العلا ... ليومك ما حنت روازم نيب ) ونحن في هذه السنة إن شاء الله تعالى ننزل على أنطاكية وينزل ولدنا الملك المظفر أظفره الله على طرابلس ويستقر الركاب العادلي أعلاه الله بمصر فإنها مذكورة عند العدو خذله الله بأنها تطرق وأن الطلب على الشام ومصر تفرق ولا غنى عن أن يكون المجلس السيفي أسماه الله بحرا في بلاد الساحل يزخر سلاحا ويجرد سيفا يكون على ما فتحناه قفلا ولما لم يفتح بعد مفتاحا فإنه ليس لأحد ما للأخ من سمعة لها في كل مسمع سمعه وفي كل روع روعه وفي كل محضر محضر وفي كل مسجد منبر وفي كل مشهد مخبر فما يدعى العظيم إلا للعظيم ولا يرجى لموقف الصبر الكريم إلا الكريم والأقدار ماضية وبمشيئة الله جارية فإن يشإ الله ينصر على العدو المضعف بالعدد الأضعف ويوصل إلى الجوهر الأعلى بالعرض الأدنى فإنا لا نرتاب بأن الله ما فتح علينا هذه الفتوح ليغلقها ولا جمع علينا هذه الأمة ليفرقها وأن العدو إن خرج من داره بطرا ودخل إلى دارنا كان فيها جزرا وما بقي إن شاء الله تعالى إلا أموال تساق إلى ناهبها ورقاب تقاد إلى ضاربها وأسلحة تحمل إلى كاسبها وإنما نؤثر أن لا تنطوي صحائف الحمد خالية من اسمه ومواقف الرشد خاوية من عزمه ونؤثر أن يساهم آل أيوب في ميراثهم منه مواقع الصبر ومطالع النصر فوالله إنا على أن نعطيه عطايا الآخرة الفاخرة أشد منا حرصا على أن نعطيه عطايا الدنيا القاصرة وإنا لا يسرنا أن ينقضي عمره في قتال غير الكافر ونزال غير (7/368)
الكفء المناظر ولا شك أن سيفه لو اتصل بلسان ناطق وفم لقال ما دمت هناك فلست ثم وما هو محمول على خطة يخافها ولا متكلف قضية بحكمنا يعافها والذي بيده لا نستكثره بل نستقصره عن حقه ونستصغره وما ناولناه لفتح أرضه السلاح ولا أعرناه لملك مركزه النجاح إلا على سخاء من النفس به وبأمثاله على علم منا أنه لا يقعد عنا إذا قامت الحرب بنفسه وماله فلا نكن به ظنا أحسن منه فعلا ولا نرضى وقد جعلنا الله أهلا أن لا نراه لنصرنا أهلا وليستشر أهل الرشاد فإنهم لا يألونه حقا واستنهاضا وليعص أهل الغواية فإنهم إنما يتغالبون به لمصالحهم أغراضا ومن بيته يظعن وإلى بيته يقفل وهو يجيبنا جواب مثله لمثلنا وينوي في هذه الزيارة جمع شمل الإسلام قبل نية جمع شملنا ولا تقعد به في الله نهضة قائم ولا تخذله عزمة عازم ولا يستفت فيها فوت طالب ولا تأخذه في الله لومة لائم فإنما هي سفرة قاصدة وزجرة واحدة فإذا هو قد بيض الصحيفة والوجه والذكر والسمعة ودان الله أحسن دين ولا حرج عليه إن فاء إلى أرضه بالرجعة وليتدبر ما كتبناه وليتفهم ما أردناه وليقدم الاستخارة فإنها سراج الاستنارة وليغضب لله ولرسوله ولدينه ولأخيه فإنها مكان الاستغضاب والاستثارة
وليحضر حتى يشاهد أولاد أخيه يستشعرون لفرقته غما وقد عاشوا ما عاشوا لا يعرفون أن لهم مع عمهم عما والله سبحانه يلهمه توفيقا ويسلك به إليه طريقا وينجدنا به سيفا لرقبة الكفر ممزقا ولدمه مريقا ويجعله في مضمار الطاعات سابقا لا مسبوقا
إن شاء الله تعالى
الضرب الثاني من المكاتبات إلى صاحب اليمن ما الأمر عليه من ابتداء الدولة التركية وهلم جرا إلى زماننا وهو على ثلاثة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ أدام الله تعالى نعمة أيام المقام العالي
وهذه نسخة كتاب كتب عن الملك الناصر محمد بن قلاوون جواب كتاب (7/369)
ورد من صاحب اليمن في مقابلة البشرى بدخول العساكر المنصورة إلى بلاد الأرمن وطلب سلامش نائب التتار بالروم الدخول في الطاعة وذكر أن نائبا كان لأبيه في قلعة طمع وعصى عليه فظفر به فبشر بذلك ويحرضه على الجهاد وإنفاذ الأموال ويهدده ويوجه به قصاده إليه
من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله وهي أدام الله تعالى نعمة أيام المقام العالي وأنهضه بفرض الجهاد الذي بمثله ينتهج وأيقظه لمتعين الغزو الذي ما له تدرك الرتب وترتفع الدرج وأشهده في سبيل الله مواقف النصر التي إذا أودعنا نشر بشرها الطروس عبقت بما فيها من الأرج وأراه مشاهد فتوحنا التي إذا حدثت الأحلام عن عجائبها حدثت عن البحر ولا حرج وصان مجده عن إضاعة الوقت في غير حديث الجهاد الذي هو أولى ما بذلت له الذخائر وابتذلت فيه المهج
صدرت هذه المكاتبة تخصه بتحية تتضوع نشرا وتتحفه عن متجددات الظفر بشرا يملأ الوجود مسرة وبشرى وتقص عليه من متجددات فتح يأتي على ما أتعبت فيه الأفكار قرائحها من مشتهى التهاني فلا يدع له ذكرا وتتلو على من ظن بعد ما سمع من البلاغ بلاغ العدا أن إزالة وال عن مركزه فتح كبير لقد جئت شيئا نكرا
وتوضح لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمة وردت مقصورة على نبإ لا يعتد بذكره محصورة على خبر لا ينبغي لمثل مجده أن يمره على فكره مطلقة (7/370)
عنان القلم فيما كان ينبغي طي خبره وتعفي أثره وإخفاء سببه وتركه نسينا منسيا فضلا عن التبجح بذكره والتهنئة به إذ في ذلك مقابلة البحر بالثماد والروح بالجماد والشمس بالذبال والهدى بالضلال فلم يكمل له في ذلك المراد وأتى بما قالت له التهاني نحن في واد وأنت في واد وقابلناها مع ذلك بالقبول الذي اجتلى غررها وأحمدت لديه وردها وصدرها فأحطنا علما بما تضمنته من الأحوال التي أبداها والمتجددات التي عظم موقع نشرها عنده فأهداها
وأما ما ذكره من أمر القلعة التي كان النائب بها لوالده شخصا اعتمد عليه وولاه مستحفظا ظنه مع تغاير الأحوال مؤتمنا على ما في يديه وأن ذلك الشخص بعد انتقال والده رحمه الله طمع فيما استودع فجحد الوديعة والموادعة ورام المنازعة والمقاطعة وخالف وحالف وقارب العصيان وقارف وأنه في هذا الوقت قلع ذلك النائب من تلك القلعة المغتصبة وأراح من همه الناصب وأفكاره ووصبه إلى غير ذلك مما أورده على وجه البشرى لهذا السبب الضعيف وأبرزه في معرض التهنئة من هذا الأمر الطفيف وأراد أن يتكثر فيه بما لا مدخل له في كثرة وقله فذكر بروزه بجمعه إلى شخص واحد في قبالة ما اتصل به من نبإ كل موطن برز فيه الإسلام كله إلى الشرك كله وظاهر الأمر أن ذلك الشخص ما عصى بالمكان الذي كان فيه إلا لما رأى بالمملكة اليمنية من اضطراب الأحوال وأسباب الاختلاف والاختلال والوهن الذي حسن له الاحتراز والاختزال والخلوة التي حملته على أن طلب الطعن وحده والنزال وامتداد الأيدي العادية بكل جهة إلى ما يليها وضياع رعايا كل ناحية بالاشتغال عن افتقاد أحوال من يباشرها وانتقاد تصرف من يليها فهو الذي أوجب طمعه وقوى ضلعه وحمله من مركب العناد وأراه نظراءه بتلك الجهة ممن سلك الفساد (7/371)
وهذا الأمر ما خفي علينا خبره ولا توارى عنا ورده ولا صدره فإن أخبار مملكة اليمن ما زالت متواصلة إلينا بما هي عليه من اضطراب واف واختلاف غير خاف وهيج لا يرجع الأمر فيه إلى كاف كاف وما أخرنا لحق جيوشنا المنصورة وعساكرنا التي ممالك العدا بمهابتها محصورة عن الوصول إلى المملكة اليمنية لتقويم أودها وتمكين شدها وإقامة أمر الملك فيها وحسم مادة الفساد عن نواحيها وتطمين البلاد وإنامة الرعايا من الأمن في أوطإ مهاد والاحتراز على الخزائن والأموال وصونها عن الإنفاق في غير جند الله الذين منعوا دعوة الشرك أن تقام وكلمة الكفر أن تقال إلا لأن عساكرنا كانت الآن في الممالك والأقاليم التي بيد الكفر من التتار المخذولين ومن يقول بقولهم من أعداء الدين تقتل وتأسر وتلقى الجيوش الكافرة فتكسب وتكسر وتصحبهم حيث حلوا طلائع رعبها وتصبحهم منها أين طلوا ريح عاد التي تدمر كل شيء بأمر ربها
وما سطرنا هذه المكاتبة إلا وجيوشنا المنصورة قد وطئت عقر بلادهم فأذلتها وأذالتها وغيرت أحوالها وحالتها وقاسمتهم شر قسمة فلها منها الحصون والمصون والجنات الوارفة الغصون ولهم منها الخراب والتباب والدارس الذي لا يحصل بكف دارس بيته إلا التراب وها هي قادمة إلينا يقدمها النصر ويتقدمها من أسر العدا وغنائمهم ما يربي عن الحصر وما بينها وبين ركوب هذا البحر لملك تمهده وعدل تجدده وبغاة تكف غربها ورعاة تؤمن بالمهابة سربها وتصفي من أكدار الفتن شربها وخزائن لها عن غير الإنفاق في سبيل الله تصونها إلا بمقدار ما تستقر بها المنازل استقرار ا لسنة بالجفون لا النوم وأضرمت نواحيها واستاقت أهلها ومواشيها وجعلت (7/372)
قصورها صعيدا وزرعها حصيدا وعقائلها إماء ومعاقلها هباء وابتذلت مصونها الذي جعله الله لها أثقالا واختارت من حصونها لملكنا ما كانت سيوفنا له مفاتح فلما فتح عدن له أقفالا واقتلعت من القلاع التي كانت بيد الكفر كل معقل أشب وحصن شابت نواصي الليل وهو لم يشب قد صفح بالصفاح وشرف بأسنة الرماح واستدار بقنة قلة ينهب الترقي إليها هوج الرياح فطهرته من النجس وعوضته بصوت الأذان عن صوت الجرس وأخرست الناقوس بسورة الفتح الذي عوذته نوب الدهر بآيات الحرس مع ما أضيف إلى تلك القلاع من بلاد وتلاد وأغوار ونجاد وجنات وعيون وأموال ارتجع بها ما كان للإسلام في ذمة الكفر من بقايا الديون
وكل تلك الغنائم منحناها جيوشنا المنصورة وأبحناها وقويناهم على أمثالها من الفتوح برفع العوائق التي أزلناها بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وأزحناها وما وصل الآن قصاده إلى أبوابنا العالية إلا والبشائر تنطق بألسنة التهاني وتخفق بمجددات هذه الفتوح في الأقاصي من ممالكنا والأداني وقد شاهدوا ذلك وشهدوه ورأوا ما رأى غيرهم من نوادر الفتوح التي أربت على ما ألفوه من قبل وعهدوه
هذا وما وضعت الحرب إلى الآن أوزارها ولا خمدت نار الوغى التي أعدت جيوشنا المنصورة للأعداء أوارها وما يمضي وقت إلا والبشائر متواردة علينا بفتح جديد ونصر له في كل يوم مخلق تخلق وفي كل بر بريد
وقصارى أمر العدو الآن أنهم ليس لهم بلد إلا وقد أخنى عليه الذي أخنى على لبد ولا دار إلا وقد أضحت كدار مية التي أقوت وطال (7/373)
عليها سالف الأمد ولا جيش إلا وقد فر وأين يفر وهو يطوي في قبضتنا المراحل ولا طرائد بحر إلا وهي مطرودة في اللجج لتيقنهم أن العطب لا السلامة في الساحل
فمن أجل ذلك رأينا أن اشتغال جيش الإسلام بجانب الكفر هو المهم المقدم على ما سواه والغرض الذي نيتنا فيه إنقاذ أهل الإسلام من كلمة الكفر وتحكمه ولكل امرىء ما نواه ورأينا أن أمر هذه الجهة ما يفوت بمشيئة الله وعونه وتمكينه وإذا كان الله قد أقام بقدرته منا ملكا لنصرة دينه فإن اليمن وغيره في يمينه وهي محسوبة من أعداد ممالكنا المحروسة ومعدودة من أقسام بلادنا التي هي بوفود الفتوح مأنوسة ولا بد من النظر في أمرها وإعمال الفكر في إزاحة ضرها وتجريد العساكر المنصورة إليها وإقدام الجيوش التي عادتها الإقدام في الوغى عليها ليكون العمل في أمرها بما يرضي الله ورسوله ويبلغ من كان بتلك الجهات يروم الجهاد ولا يطيقه سوله فإن المملكة المذكورة توالت عليها المدد ومضى عليها الأبد وهمة من فيها إلى اللهو مصروفه وعلى اللذات موقوفة وأحكام الجهاد عندهم مرفوضة حتى كأن الجهاد لم يبلغهم وغره حلمه ولا أحاطت أفكارهم بشيء من علمه بل كأنه على غيرهم وجب وكأن ما أعد الله من الأجر عليه إنما أريد به الذين يكنزون الذهب وتمادت الأيام وليس في نكاية أعداء الله منهم مصيب وتفرقت الأموال وما لجند الله فيما احتووا عليه من ذلك سهم ولا نصيب وأي عذر عند الله لمن جعله مؤتمنا على ماله فلم يكن له في (7/374)
سبيل الله إنفاق وأي حجة لمن لم يقف موقف جهاد وقد قال رسول الله ( من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق )
والآن فإن الله سبحانه وتعالى قد أقامنا لنصرة الإسلام ورفع كلمة الإيمان وتمهيد البلاد وإجراء الأحوال في القريب منها والبعيد على ما يرضي الله تعالى ويرضي رسوله السداد وأهم الأمور عندنا أمر الغزاة والمجاهدين الذين ما منهم إلا ممسك بعنان فرسه مكتحل بسهاد حرسه لا يأمن العدو مهاجمة خيله في سراه ولا مفاجأة خياله في كراه حصنه ظهر حصانه وجوابه على لسان سنانه كلما سمع هيعة أو وقعة طار على متن فرسه يلتمس الموت والقتل في مظانه وهؤلاء هم جيوشنا الذين دوخوا البلاد وأذلوا أهل العناد وطهروا السواحل وأجروا في كل مواطن من أنهار الدماء ما يروي البلد الماحل وهزموا جيوش التتار وهم في أعداد الكواكب وحصدوهم بسيوفهم عرورة وهم في نحو المائة ألف راكب حتى إن ملوك التتار الآن ليتمنون إرضاءنا وإغضاءنا ويستدعون ويدعون للآباد ولاءنا ويطلبون المسالمة منا ويودون نسمة قبول تصدر إليهم عنا والطويل العمر منهم وممن والاهم هو الذي يهرب من بين يدي جيوشنا المنصورة ليسلم بنفسه وإن أسلم ما يعز عليه من ماله وولده وعرسه
فمثل هؤلاء الذين يستحقون أموال الممالك الإسلامية ليستعينوا بها في جهازهم لجهادهم وينفقوها في إعدادهم لأعدائهم ويصرفوها في ذبهم عن دين ربهم
وهذه المملكة اليمنية قد اجتمع فيها من الأموال ما يربي عن الحصر والحد ويزيد على الإحصاء والعد لا ينفق منها شيء في الجهاد ولا يعد منها مصروف إلا بما لا تحمد عاقبته في المعاد قد صد عنها جند الله الذين ينفقونها سرا وجهرا ويستنزلون بها أرواح أعداء الله على حكم سيوفهم قسرا وقهرا (7/375)
وأبيحت لمن تأبى الجهاد جانبا ورضي باللهو صاحبا واقتنى السلاح لغير يوم الباس واعتنى بارتباط الجياد بطرا ورئاء الناس
وكان كتابنا قد تقدم في أمر المجاهدين وما يحتاجونه من الإعانة بما يحمل إليهم من الأموال بالمملكة اليمنية ليصرف ذلك في حقه ويصل إلى مستحقه ويكون قد أعد منها للإنفاق في سبيل الله جانب بحيث لا يضاع ووصل إلى مجاهدي الأمة نصيب من مال الله الذي هو في يد من ولاه شيئا من أمور عباده على حكم الإيداع ويدخل ذلك في زمرة الذين يكنزون الذهب والفضة لا ينفقونها فحصلت المكابرة في الجواب عن ذلك وأي عذر في المكابرة عن مثل هذا الأمر وشغل الوقت بذكره ونحن عندنا في كل وقت من البشائر بمواهب الفتح وغرائب المنح ومتجددات الظفر والنصر ومتحليات التأييد التي قسمت أعداء الله بين الحصد والحصر ما يهب نشره هبوب الريح في البر والبحار ويود الدهر لو رقمه بذهب الأصيل على صفحات النهار وكل ذلك في أشد أعداء الله تعالى من التتار الذين عرف عددهم وجلدهم والفرنج الذين طال وكثر في عداوة الإسلام أبدهم ومددهم والأرمن الذين هم أكثر الطائفتين في الظاهر وفاقا وأشد الفئتين في الباطن نفرا ونفاقا وهم لهؤلاء مادة تمر وتمير وتغريهم وتغرهم فتصير بهم من نار الحرب المضرسة لسيوفنا إلى جهنم وبئس المصير وأي شيء من ذلك يذكر عند مواقف جيوشنا المنصورة وظفر عساكرنا المؤيدة لو كان حصل عنده الفكر الصائب ما وردت مكاتبته إلا وهي مقترنة بما يرضي الله ورسوله وأهل الإسلام من إمداد الغزاة بالأموال وإعانتهم على الكلف التي كلما أعد لها مال بدت حال يلائمها الإنفاق في سبيل الله ويسألونك عن الجبال وها هي قادمة إلينا يقدمها النصر ويتقدمها من أسرى العدا وغنائمهم ما يربي عن الحصر وما (7/376)
بينها وبين ركوب ثبج هذا البحر لملك تمهده وعدل تجدده وبغاة تكف غربها ورعايا تؤمن بالمهابة سربها وتصفي من أكدار الفتن شربها وأموال تصونها وخزائن ينزه عن غير الإنفاق في سبيل الله مصونها إلا بمقدار ما تستقر بها المنازل استقرار السنة بالجفون لا النوم وتأخذ أهبة لذلك المهم في يوم أو بعض يوم
أللهم إلا أن تلبي دعوة الجهاد من تلك الجهة بألسنة النفير وتعبى صفوف الجلاد في الجواري التي تكاد بأجنحة القلوع تطير أو تنوب عنها خزائن الأموال التي تنفق في سبيل الله تعالى أو تقوم مقامها النفقات التي تصرف إلى جنود الله التي تنفر في سبيل الله تعالى خفافا وثقالا ليكون قد استدر ببركة ذلك الطل أخلاف الوابل وأنفق ما اختزنه في سبيل الله الذي مثل ما ينفق فيه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل وتستعد الجيوش المنصورة إلى طود يصون برأيه ملكه ويصول ويستطيل على الوجود ولو أن البر سيوف والبحر نصول والله تعالى يرشده إلى ما هو أقرب للتقوى ويمسكه من طاعته بالسبيل الأقوم والسبب الأقوى إن شاء الله تعالى
الأسلوب الثاني وهو المذكور في التعريف
أن تفتتح المكاتبة بلفظ أعز الله تعالى جانب المقام العالي إلى آخر الألقاب ثم الدعاء مثل ولا زال يحسن ولاية حسبه وينهض بجناح نسبه ويصون ملكه بعدله أكثر من قضبه ويثبت في اليمن اليمن في حالة إقامته ومنقلبه (7/377)
أصدرناها إلى مقامه موشجة المعاطف بحلية شاكرة علا عليه ذاكرة من محامده ما يتكثر السحاب بوليه مبدية لعلمه الكريم كيت وكيت
وهذه أدعية وصدور تناسب كل سلطان بها ولا زال به تعز تعز وتفوز ببره زبيد ويخرج من عدن عدن فضله المديد وتمتلي بوفود البر والبحر هذا تطير به المراكب وهذه الركائب كلاهما من مكان بعيد ولا برحت به آهلة الأوطان مشتقة صفات قطره اليمني من الأيمان يمان محجوبا بالجلالة أو محجوجا لما ينسب إليه من أحد الأركان
أصدرناها والسلام يباري ما تنبت أرضه من نباتها الطيب ويجاري بالثناء ما ينهل في أكنافه الجنوبية من سحابها الصيب وتسري إليه بتحياتنا الشريفة على قادمة كل نسيم وفي طي كل عام له وقوف على ربعه وتسليم وتوضح لعلمه الكريم
دعاء وصدر يختص بالمجاهد علي وهو ولا زال أفضل متوج في يمنه وأعلى علي إذا قيس بابن ذي يزنه وأشجع من حمى بعهوده ما لا تقدر السيوف على حمايته من وطنه ولا انفك الملك المجاهد من عرضه المصون وسيف الدين الذي يقوم في المفروض من مراضي الله بالمسنون وأبا الحسن لما يحسن في فطنته الحسنى أو فطرته من الظنون والعلي قدرا إذا أخذت الملوك مراتبها وحدقت إليه العيون
صدرت هذه المفاوضة إلى حضرته وسلامها يتفاوح لديها ويصافح غمائمه في يديها وتجري سفائن إخلاصه حتى تقف عليها وتسري بتحياتنا محلقة بالبشرى في صباح كل يوم يقرب من الوصول إليها وتبدي لعلمه الكريم
قلت ولم أقف على صورة مكاتبة مفتتحه بلفظ أعز الله تعالى جانب (7/378)
المقام كتب بها إلى بعض ملوك اليمن في زمن من الأزمان فأوردها استشهادا لهذا الأسلوب
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ أعز الله تعالى نصرة المقام العالي
وهذه نسخة كتاب كتب به إلى صاحب اليمن أيضا عن السلطان الملك المنصور قلاوون مبشرا بفتوح صافيتا من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله وهو أعز الله تعالى نصرة المقام العالي المولوي السلطاني الملكي المظفري الشمسي وأشركه في كل بشرى تشد الرحال لاستماعها وتحل الحبى لاستطلاعها وتتهافت التواريخ والسير على استرفاعها وتتنافس الأقلام والسيوف على الأفهام بأجناسها وأنواعها ولا خلا موقف جهاد من اسمه ولا مصرف أجر من قسمه ولا غرض هناء من سهمه ولا أفق ابتهاج من بزوغ شمسه وطلوع نجمه
سطر المملوك هذه البشرى والسيف والقلم يستمدان هذا من دم وهذا من نقس ويمضيان هذا في رأس وهذا في طرس ويتجاوبان هذا بالصليل وهذا بالصرير ويتناوبان هذا يستميل وهذا يستمير وكل منهما ينافس الآخر على المشافهة بخبر هذا الفتح الذي ما سمت إليه همم الملوك الأوائل ولا وسمت به سيرهم التي بدت أجيادها من حلاه عواطل ولا دار (7/379)
في خلد أن مثله يتهيأ في المدد الطويلة ولا تشكل في ذهن أنه سيدرك بحول ولا حيلة وهو النصر المرتب على حركتنا التي طوى الله لركابنا فيها المراحل وألقى بدرر عساكرنا في بحر الحديد المالح إلى الساحل وهجومنا على البلاد الفرنجية وهي طرابلس وصافيتا وأنطرسوس ومرقية والمرقب كما يهجم الغيث ومصادمتنا صدورها كما يصدم الليث وسلوكنا منها حيث لم يبق حيث وما جرى في هذه الوجهة من إغارات أحسنت متقلب الأعنة ومتعلق السيوف ومخترق الأسنة وما تهيأ منها من فتوح صافيتا التي هم أم البلاد ومنتجع الحاضر والباد وكونها قدمت نفسها في جملة ما يقرى به الضيف وقالت هذا فتوح حضر على هذا الفتوح لهذا السيف وتلطفت في مسح أطراف الأمان وطلبت شكرا ومنا شكران وأحضرت إلينا من أهلها الوقت وهدت السيوف في أعناقهم فتشبهت بها الأغلال وأنفت أيمان أهل الإيمان من مصافحتهم لأنهم أصحاب الشمال فأطلقهم سيفنا وأمله يمتد إلى من هو أعز منهم مالا وأكثر احتفالا وأبز مآلا وأهز سيوفا قصارا ورماحا طوالا واستطار منها شرار نار الحرب الموقدة إلى غيرها من القلاع واستطال إلى سواها من الحصون منهم الباع فلا حصن إلا وافترت ثنيته عن نصر مسهل وفتح معجل ومؤجل
فمن ذلك حصن الأكراد الذي تاه بعطفه على الممالك والحصون وشمخ بأنفه عن أن تمتد إلى مثله يد الحرب الزبون وغدا جاذبا بضبع الشام وآخذا بمخانق بلاد الإسلام وشللا في يد البلاد وشجا في صدر العباد تنقض من عشه صقور الأعداء الكاسرة وترتاع من سطوتها قلوب الجيوش الطائرة وتربض بأرباضه آساد تحمي تلك الآجام وتفوق من قسيه سهام تصمي مفوقات السهام تعطيه الملوك الجزية عن يد وهم صاغرون ويصطفي كرام أموالهم وهم (7/380)
صابرون لا مصابرون كم شكت منه حماة تثني بنكرها قلة الإنصاف وكم خافته معرة وما من معرة خاف ما زالت أيدي الممالك تمتد إلى الله بالدعاء عليه تشكو من جور جواره تلك الحصون والصياصي وتبكي بمدمع نهرها من تأثير آثاره مع عصيانها وناهيك بمدمع العاصي حتى نبه الله ألحاظ سيوف الإسلام من جفونها ووفى النصرة ما وجب من ديونها وذاك بأنا قصدنا فسيح ربعه ونزلنا ونازلنا محمي صقعه وختمنا بنصالنا على قلبه وسمعه وله مدن حوله خمس هو كالراحة وهي كالأنامل وتكاد بروجه ترى كالمطايا المقطرة وهي منها بمنزلة الزوامل ما خيمنا به حتى استبحنا محمى تلك المدائن المكني عنها بالأرباض وأسحنا بساحاتها بحرا من الحديد ما اندفع حتى فاض وأخذنا الثقوب في أسوار لا تنقض ولا ينقض بنيانها المرصوص ولا تقرأ المعاول ما لخواتم أبراجها من نقوش الفصوص ونصبنا عليها عدة مجانيق حملت في شواهق الجبال على رؤوس الأبطال فتغيظت السمهرية أن الذي تقوم به هذه تلك به لا تقوم وأن ما منها إلا له من الأيدي والرؤوس مقام معلوم وصار يرمي بها كل كمي مختلس وأروع منتهس وكل ليث غابة يحميها وتحميه
فشكرا لأسود حتى غاباتها تفترس إلى أن جثت أسوارها على الركب وكانت سهام مجانيقها تميل من العجب فصارت تميد من العجب وكانت تطلب فصارت تهرب من الطلب واشتد الأمر على الكفار فقاتلوا قتالا أقض مضاجع الأسلحة وأطار حجارة مجانيقهم بغير أجنحة وأشجى بشجو النصول المترنمة على غصون السهام المترنحة هذا وأهل الإيمان يتلقون ذلك كله بصبر يستطعمون منه شهدا وإقدام يتلقى صدى الحديد بأكباد ما زالت إلى موارده قصدا يقتحمون نار الحرب التي كلما أوقدوها أطفأها الله وقال يا نار كوني بردا والبلاد الفرنجية قد غضت منها الأبصار وخشعت القلوب (7/381)
واعتقد كل منها في نفسه أنه بعد هذا الحصن المطلوب فهذه تود لو أكنتها البحار تحت جناح أمواجها وهذه لو أسبلت الرياح العواصف عليها ذيول عجاجها وهذه لو اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار وهذه لو خسف بها الثرى وعفت منها الآثار وذلك لما بلغهم وشاهدوه من ويل حل بأهل هذا الحصن المنيع ومن فتك أمحل ربعه المريع وضيق مجاله الوسيع وقراع أضجر الحديد من الحديد والأبطال لم تضجر ونضال أسهر كل جفن حتى جفون السيوف لأنا عودناها مثل جفوننا أن تسهر فكم شكت النقوب من مناكبهم زحاما والشرفات من ترقبهم التزاما والرقاب من سيوفهم اقتساما وكم حمدت التجارب من رأيهم شيخا وحمد الإقدام من ثبوتهم غلاما قد دوخوا البلاد فلا موطن إلا لهم به معركة وأرملوا الحلائل فلا مشرك إلا وقد أرمل من مشركة وأزعجوا الكفر فلا قلب إلا به منهم خوف ولا سمع إلا لهم به حركة وملأوا الأرض كثرة وكيف لا يكثر الله جمعا للإسلام جعل الله فيه بركة
وكتابنا هذا والمولى بحمد الله أحق من هنيء بهذا الفتح الذي تثني على كتاب بشائره الحقائب وتجري إلى سماع أخباره الركائب وتتزاحم على المسير تحت البرد الواصلة به متون الصبا وظهور الجنائب وإذا ذكرت ملاحمه قال كل هذا كتاب أم كتيبة تلوح وإذا شوهدت حمرة طرسه قيل وهذا ما صبغته في اليد المعلمة عليه دم الكفر المسفوح وينعم أعز الله نصره بالإعلان بهذا النبإ الحسن الذي تستروح إليه الأسماع وتسر بالإفهام به أخوات هذا الحصن من مدنه ومن قلاعه العظيمة الامتناع فإنه ما برح الأخ يفرح بأخيه وإذا كان الهناء عظيما اشترك كل شيء فيه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة كتاب آخر إلى صاحب اليمن من هذا الأسلوب كتب به (7/382)
الفاضل محيي الدين بن عبد الظاهر أيضا عن الملك المنصور قلاوون جواب تعزية أرسلها إليه في ولده الملك الصالح في ورق أزرق وكانت العادة أن تكون في ورق أصفر
ونصها بعد البسملة
أعز الله تعالى نصرة المقام إلى آخر الألقاب وأحسن بتسليته الصبر على كل فادح والأجر على كل مصاب قرح القرائح وجرح الجوانح وأوفد من تعازيه كل مسكن طاحت به من تلقاء صنعاء اليمن الطوائح وكتب له جزاء التصبر عن جار من دمع طافح على جار لسويداء القلب صالح
المملوك يخدم خدمة لا يذود المواصلة بها حادث ولا يؤخرها عن وقتها أمر كارث ولا ينقضها عن تحسينها وترتيبها بواعث الاختلاف ولا اختلاف البواعث ويطلع العلم الكريم على ورود مثال كريم لولا زرقة طرسه وزرقة لبسه لقال ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم )
تتضمن ما كان حدث من رزء تلافى الله بتناسيه وتوافى بعود الصبر فتولى التسليم تليين تقاسيه وتمرين قاسيه فشكرنا الله تعالى على ما أعطى وحمدناه على ما أخذ وما قلنا هذا جزع قد انتبه إلا وقلنا هذا تثبت قد انتبذ ولا توهمنا أن فلذة كبد قد اختطفت إلا وشاهدنا حولنا من ذريتنا والحمد لله فلذ وأحسنا الاحتساب ودخلت الملائكة علينا من كل باب ووفانا الله عز و جل أجر الصابرين بغير حساب ولنا والشكر لله صبر جميل لا نأسف معه على فائت ولا نأسى على مفقود وإذا علم الله سبحانه حسن الاستنابة إلى قضائه والاستكانة إلى عطائه عوض كل يوم ما يقول المبشر به هذا مولى مولود
وليست الإبل بأغلظ أكبادا ممن له قلب لا يبالي بالصدمات كثرت أو قلت ولا بالتباريح حقرت أو جلت ولا بالأزمات إن هي توالت أو تولت ولا بالجفون إن ألقت بما فيها من الدموع والهجوع وتخلت ويخاف من الدهر من لا حلب أشطره ويأسف على الفائت من لا بات بنبإ الخطوب الخطرة على أن الفادح (7/383)
بموت الولد الملك الصالح رضي الله عنه وإن كان منكيا والنافح بشجوه وإن كان مبكيا والنائح بذلك الأسف وإن كان لنار الأسف مذكيا فإن وراء ذلك من تثبيت الله عز و جل ما ينسفه نسفا ومن إلهامه الصبر ما يجدد لتمزيق القلوب أحسن ما به ترفى
وبكتاب الله تعالى وبسنة رسوله حسن اقتداء يضرب عن كل رثاء صفحا وما كنا مع ذلك والمنة لله نصغي لمن يؤنب ويؤبن أذنا ولا نعيرها لمن يلحا إذ الولد الذاهب في رضوان الله تعالى سالكا طريقا لا عوج فيها ولا أمتا وانتقل سارا بارا صالحا صالحا وما هكذا كل الموتى نعيا ونعتا ولئن كان نفعنا في الدنيا فها نحن بالصدقات والترحم عليه ننفعه وإذا كان الولد عمل أبيه وقد رفع الله تعالى روح ولدنا إلى أعلى عليين تحقق أنه العمل الصالح يرفعه وفيما نحن بصدده من اشتغال بالحروب ما يهون ما يهول من الكروب وفيما نحن عاكفون عليه من مكافحات الأعداء ما بين المرء وقلبه يحول بل عن تخيل أسف في الخاطر يجول
( إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأهون ما تمر به الوحول ) فلنا بحمد الله تعالى ذرية درية وعقود والشكر لله كلها درية
( إذا سيد منهم خلا قام سيد ... قؤول لما قال الكرام فعول ) ما منهم إلا من نظر سعده ومن سعده ينتظر ومن يحسن أن يكون المبتدأ وأن يسد حاله بكفالته وكفايته مسد الخبر والشمس طلعة إن غيب القمر لا سيما من الذي يراد هو صلاحه أعرف ومن إذا قيل لبناء ملك هذا عليه قد وهى قيل هذا خير منه من أعلى بناء سعد أشرف
وعلى كل حال لا عدم إحسان العمل الذي يتنوع في بره ويعاجل قضاء الحقوق فيساعف مرسومه في توصيله طاعة بحره وبره وله الشكر على مساهمة المولى في الفرح والترح ومشاركته في (7/384)
الهناء إذا سنح وفي الدمع إذا سفح وما مثل مكارم المولى من يعزب ذلك عن علمها ولا يعزى إلى غير حكمها وحلمها وهو أعزه الله ذو التجارب التي مخضت له من هذه وهذه الزبدة وعرضت عليه منها الهضبة والوهدة
والرغبة إلى الله تعالى أن يجعل المصيبة للرزايا خاتمة كما لم يجعلها للظهور قاصمة وأن يجعلها بعد حمل هذا الهم وفصاله على عليه فاطمة وأن يحبب إلينا كل ما يلهي عن الأموال والأولاد من غزو وجهاد وأن يخولنا فليس يحد لدينا على مفقود تأدبا مع الله عز و جل غير السيوف فإنما تعرف بالحداد وأن لا تقصف رماحنا إلا في فود أو فؤاد ولا تحول سروج خيلنا إلا من ظهر جواد في السرايا إلى ظهر جواد وأن لا تشق لدينا إلا أكباد الناد ولا تجز غير شعور ملوك التتار تتوج بها رؤوس الرماح ويصعد بها على قمم الصعاد والله تعالى يشكر للمولى سعي مراثيه التي لولا لطف الله بما صبرنا به لأقامت الجنائز واستخفت النحائز ولأهوت بالنفوس في استعمال الجائز من الأسف وغير الجائز ولا شغل الله لب المولى بفادحه ولا خاطره بسانحة من الحزن أو بارحه ولا أسمعه لغير المسرات من هواتف الإبهاج صادحه إن شاء الله تعالى
الأسلوب الرابع أن تفتتح المكاتبة بلفظ أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي وعليها كان الأمر في أول الدولة التركية
وهذه نسخة كتاب من ذلك كتب بها عن الملك المظفر قطز وصاحب (7/385)
اليمن يومئذ المنصور بالبشارة بهزيمة التتار
وأظنها من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وهي أعز الله تعالى أنصار المقر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري وأعلى مناره وضاعف اقتداره تعلمه أنه لما كان النصف من شهر رجب الفرد فتح الله تعالى بنصر المسلمين على أعداء الدين
( من كل من لولا تسعر بأسه ... لاخضر جودا في يديه الأسمر ) فصدرت هذه التهنئة إليه رواية للصدق عن اليوم المحجل الأغر
( يوم غدا بالنقع فيه يهتدي ... من ضل فيه بأنجم المران ) ففي أذن الدهر من وقعه صمم وفي عرنين البدر من نقعه شمم ترفعه رواة الأسل عن الأسنة ويسنده مجر العوالي عن مجر الأعنة أما النصر الذي شهد الضرب بصحته والطعن بنصيحته فهو أن التتر خذلهم الله تعالى استطالوا على الأيام وخاضوا بلاد الشام واستنجدوا بقبائلهم على الإسلام
( سعى الطمع المردي بهم لحتوفهم ... ومن يمسكن ذيل المطامع يعطب ) فاعتاضوا عن الصحة بالمرض وعن الجوهر بالعرض وقد أرخت الغفلة زمامهم وقاد الشيطان خطامهم وعاد كيدهم في نحورهم ( ورد الله الذين (7/386)
كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا )
( رامو الأمور فمذ لاحت عواقبها ... بضد ما أملوا في الورد والصدر )
( ظلوا حيارى وكأس الموت دائرة ... عليهم شرعا في الورد والصدر )
( وأضعف الرعب أيديهم فطعنهم ... بالسمهرية مثل الوخز بالإبر ) ( لا جرم أنهم لسن الندم قارعون وعلى مقابلة إحساننا بالإساءة نادمون
( تدرعوا بدروع البغي سابغة ... والمرء يحصد من دنياه ما زرعا )
فأقلعت بهم طرائق الضلال وسارت مراكب أمانيهم في بحار الآمال فتلك آمال خائبة ومراكب للظنون عاطبة وأقلعوا في البحر بمراكبه والبر بمواكبه وساروا وللشيطان فيهم وساوس تغرهم أمنية الظنون الحوادس فما وسوس الشيطان كفرا إلا وأحرقه الإيمان بكوكب هذا وعساكر المسلمين مستوطنة في مواطنها جاذية عقبانها في وكور ظباها رابضة آسادها في غيل أقناها وما تزلزل لمؤمن قدم إلا وقدم إيمانه راسخة ولا ثبتت لأحد حجة إلا وكانت الجمعة لها ناسخة ولا عقد ت برجمة ناقوس إلا وحلها الأذان ولا نطق كتاب إلا وأخرسه القرآن ولم تزل أخبار المسلمين تنتقل إلى الكفار وأخبار الكفار تنتقل إلى المسلمين إلى أن خلط الصباح فضته بذهب (7/387)
الأصيل وصار اليوم كأمس ونسخت آية الليل بسورة الشمس واكتحلت الأعين بمرود السبات وخاف كل من المسلمين إصدار البيات
( ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم )
إلى أن تراءت العين بالعين واضطرم نار الحرب بين الفريقين فلم تر إلا ضربا يجعل البرق نضوا ويترك في بطن كل من المشركين شلوا حتى صارت المفاوز دلاصا ومراتع الظبا للظبا عراصا واقتنصت آساد المسلمين المشركين اقتناصا ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مناصا فلا روضة إلا درع ولا جدول إلا حسام ولا غمامة إلا نقع ولا وبل إلا سهام ولا مدام إلا دماء ولا نغم إلا صهيل ولا معربد إلا قاتل ولا سكران إلا قتيل حتى صار كافور الدين شقيقا وتلون الحصباء من الدماء عقيقا وضرب النقع في السماء طريقا وازدحمت الجنائب في الفضاء فجعلته مضيقا وقتل من المشركين كل جبار عنيد ذلك بما قدمت أيديهم ( وما ربك بظلام للعبيد )
قلت وهذه النسخة تلقفتها من أفواه بعض الناس ذكر أنه وجدها في بعض المجاميع فحفظها منه وهي في غاية من البلاغة إلا أنها لا تخلو من تغيير وقع في بعض أماكنها ولعله من الناقل لها من حيث إنه ليس من أهل هذه الصناعة
ولم يسعني ترك إيرادها لما فيها من المحاسن ولانفرادها بأسلوب من الأساليب التي (7/388)
كتب بها إلى ملوك اليمن فأوردتها على ما هي عليه وجزى الله خيرا من ظفر لها بنسخة صحيحة فقابلها عليها وصححها وأصلح ما فيها
الأسلوب الخامس وهو ما جرى عليه في التثقيف أن تفتتح المكاتبة بلفظ أعز الله تعالى أنصار المقام العالي
صدره على ما ذكره في التثقيف أعز الله تعالى أنصار المقام العالي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني مثل أن يقال الأفضلي السيفي ثم الدعاء ثم يقال أصدرناها وتبدي لعلمه الكريم كذا وكذا
قال في التثقيف والمكاتبة إليه في قطع النصف والطلب منه والقصد من المقام العالي وخاتمة الكتاب بالدعاء والعلامة أخوه وتعريفه صاحب اليمن
وفي دستور المقر الشهابي بن فضل الله أن خطابه يكون بالمقام العالي
وهذه نسخة كتاب إليه ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في تذكرته أنه أنشأها جوابا عن هديته ولم يكتب بها إليه وهو يومئذ الملك المجاهد سيف الدين علي بن داود
أعز الله تعالى أنصار المقام العالي ولا زالت مكارمه تخص من كل نوع بأحسنه وتتحف بأزيده وأزينه وتجلب كل غريب الديار من وطنه وتمنح من السوابق بما تمتد المجرة في رسنه ومن المحاسن بما يملي على علي (7/389)
أوصاف حسنه ويعرب عن الفرس والسيف والرمح بأطيب لحن في نصبه وجره ورفعه
صدرت إلى المقام العالي أعز الله جانبه تصل بوداده وتصف حبا علق بفؤاده وتعرض ببرحاء يمنية أحلام الكرى طمعا أن يرى طيفه في رقاده
وتبدي أن كتابه الكريم ورد جالبا لدر مننه جالبا لليمن من يمنه نافحا بالطيب من عدنه ناقدا من قوة السيوف بما لا يدعيه ابن ذي يزنه فتؤمل ما حوى من كرم لا يجارى ونعم تملأ البر برا والبحار بحارا وأبدع في الهبة التي قدر مهديها وقدر فيها من التحف ما لا يوجد إلا فيها وجاء بكل ما يستعين به المرابط وتهتز به الخزائن والمرابط وتفتخر من الرماح بكل معتدل قاسط وبما يردي العدا من أسنته بكل نجم هابط
كم لها من فعل جميل لا يشارك وكم قال طعين إن لها كعبا مدورا وما قدر الطاعن أن يقول إلا أنها كعب مبارك
ومن السيوف بما لا يطبع النهر في نصله ولا يطمع البرق في مناضلة مثله ولا يطمح الهلال أن يستقيم على شكله كم أخمدت أنفاسا ولها التهاب ولمعت من نواحي الغمود كما نصلت أنمل من خضاب
ومن الخيل بما ترقص في أعنتها وتفتخر على البدور بأنها تدوس على أهلتها من كل أشهب يحسن ابتدارا ويحسب قمرا قد تكمل إبدارا ويطلع في كل ناحية نهارا جهارا
وأدهم قد غصب الظلام واستدارت غرته فأسفر وجهه تحت برقع من لثام
وأحوى أخضر الجلدة من بيت للعرب قد حوى من الروض ما سلب
وكميت ينضو النقع وهو سبوق وتقدم في ميادينه (7/390)
فجاء مضمخا بالخلوق
وأشقر قد كشف البرق عذاره وأطار الركض منه شراره ومعها كل فيل كأنه غمام تبدى أو ملك مفدى بخرطوم يرتد كالصولجان ويمتد كالأفعوان ويهول منظره كأنه من تمام الخلق بنيان ويتحرك فتحسبه كم راقصة تشير به إلى الندمان تقشعر منها الجلود وتقتل نفسها بنيران الحقد محافظة على عهود الهنود كم أحسنت بخراطيمها لها من صدورها الضيقة مخرجا وأضاءت فروجها بين أنيابها طرة صبح تحت أذيال الدجى وزرافة لها إنافة كأنها شفق بينه نجوم أو بروق تكللت بقطر الغيوم لها في المدخل على القلوب حذاقة وولوج من باب ودخول من طاقة
وحمارة وحشية جاءت بوصف الربيع في اعتدال الليل والنهار وجمعت الهالات والأقمار ودلت على أصل كريم تفتحت في فروعه الأزهار وحكت بخطوطها الدوح مما تراكم ظله فأظلم وانفرج فأنار
ونمر يؤلف على نفاره ويسبح ليله في أنهار نهاره يتدفق في مثل أنبوب القناة المضطمر ويصدق من شبه ركود الربا على الرمال بقطعة من جلدة النمر
وقط الزباد الذي لا تحكيه الأسود في صورها ولا تسمح غزلان المسك بما يخزنه من عرفه الطيب في سررها كم تنقل في بيوت وطابت موطنا ومشى من دار أصحابه فقالوا ربنا عجل لنا قطنا وكذلك من الطيب ما يطيب وما يزور بنفحه الحبيب قد بعث أكبره وأفاد أكثره واستخدم المتنعمون به صندله وكافوره وعنبره
وغير هذه الأنواع مما جاد بإرساله وأتى من كل بديع به وبأمثاله فقوبلت بالقبول هذه التحف وأكرمت إكرام من لها عرف وبها اعترف وحمد سحابه الذي تسرعت مواطره وبعثت من طرفها بالروض وما تنوء عنه أزاهره وشرعت بما اتصلت بمصر أوائله وباليمن أواخره والله تعالى يشكر هممه التي تعالت وشيمه العلوية التي لأجلها المحامد قد توالت
وقد جهزنا له (7/391)
من التحف المنعم بها ما أمكن تعجيل حلمه وجرت عوائد ملوك الأقاليم بالتشريف من خزائننا العالية بمثله وحملنا رسله من السلام ما تعبق به الفجاج وتعذب به البحار وهي ملح أجاج
والمراد منه أن يواصل بمكاتباته التي تتناوب الصدور وتنوب عن لمحة البدور وتؤوب بما تقدم به من السرور والله تعالى يديم لسلطانه التأييد ولملكه التأبيد ولاقتداره ما به تعز تعز وتميد زبيد
إن شاء الله تعالى
فائدة المكاتبة إلى صاحب اليمن عن ولي العهد بالسلطنة كالمكاتبة إليه عن السلطان نفسه في جميع المكاتبة على السواء
وعلى ذلك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن الأشرف خليل ابن قلاوون قرين كتاب أبيه المنصور قلاوون إلى صاحب اليمن بالبشرى بفتح طرابلس
وهذه نسخته أعز الله تعالى نصرة المقام وأوفد عليه كل بشرى أحسن من أختها وكل تهنئة لا يجليها إلا هو لوقتها وكل مبهجة يعجز البنان والبيان عن ثبتها ونعتها وتتبلج فتود الدرر والدراري لو رقت هذه إلى ترقيها وسمت هذه إلى سمتها
وصبحه منها بكل هاتفة أسمع من هواتف الحمائم وبكل عارفة أسرع من عوارف الزهر عند عزائم النسائم وبكل عاطفة أعنة الإتحاف بالإيجاف الذي شكرت الصفاح منه أعظم قادر والصحائف أكرم قادم والغزو الذي لا يخص تهامة ببشراه بل جميع النجود والتهائم وذوي الصوارم والصرائم وأولي القوى والقوائم وكل ثغر عن ابتهاج الإسلام باسم وكل بربر بتوصيل ما ترتب عليه من ملاحم (7/392)
وكل بحر عذب يمون كل غاز لا يحبس عن جهاد الكفار في عقر الدار الشكائم وكل بحر ملح كم تغيظ من مجاورة أخيه لأهل الشرك ومشاركتهم فيه فراح وموجه المتلاطم
المملوك يخدم خدمة يقتفي فيها أثر والده ويجري في تجميلها على أجمل عوائده ويستفتح فيها استفتاحا تحف به من هنا ومن هنا تحف محامده ويصف ولاء قد جعله الله أجمل عقوده وأكمل عقائده ويشفعها بإخلاص قد جعله ميله أحسن وسائله وقلبه أزين وسائده ويطلع علمه على أن من سجايا المتعرضين إلى الإعلان بشكر الله تعالى في كل ما يعرض للمسلمين من نصر ويفترض لهم من أجر غزوكم قعد عنه ملك فيما مضى من عصر أن يقدروا هذه النعمة حق قدرها من التحدث بنعمتها والتنبيه بسماع نغمتها وإرسال أعنة الأقلام بها في ميادين الطروس وإدارة حرباء وصف حر حرب إلى مواجهة خير الشموس
ولما كانت غزوات مولانا السلطان ملك البسيطة الوالد خلد الله سلطانه قد أصبحت ذكرى للبشر ومواقفه للنصركم جاءت هي والقدر على قدر وقد صارت سيرها وسيرها هذه شدو في الأسمار وهذه جادة تستطيب منها حسن الحدو السفار فكم قاتلت من يليها من الكفار وكم جعلت من يواليها وهو منصورها منصورا بالمهاجرين والأنصار
ولما أذل الله ببأسها طوائف التتار في أقاصي بلاد العجم وجعل حظ قلوبهم الوجع من الخوف ونصيب وجوههم الوجم وأخلى الله من نسورهم الأوكار ومن أسودهم الأجم وقصرت بهم هممهم حتى صاروا يخافون الصبح إذا هجم والظن إذا رجم وصارت رؤية الدماء تفزعهم فلو احتاج أحدهم لتنقيص دم لمرض لأجنح من خوفه وما احتجم
وأباد الله الأرمن فحل بالنبيل منهم الويل وما شمر أحد من الجنود الإسلامية عن ساعد إلا وشمر هو من الذل الذيل ولا أثارت الجياد من الخيل عثيرا منعقدا إلا وظنوه مساء قد أقبل أو ليل وانتهت نوبة (7/393)
القتل بهم والإسار إلى التكفور ليفون ملك الأرمن الذي كان يحمي سرحهم ويمرد صرحهم ويستنطق هتف التتار ويسترجع صدحهم وتعتز طرابلس الشام بأنه خال ابرنسها الكافر ولسان شورته السفير ووجه تدبيره السافر
وطالما غر وأغرى وأجر وأجرى وضر وأضرى فلما توكل مولانا السلطان وعزم فتوكل وتحقق أن البلاء به قد نزل وما تشكك أن ذلك في ذهن القدر قد تصور وتشكل وأن يومه في الفتك سيكون أعظم من أمنيته وأعظم منهما معاداة غده وأن نصر الله لن يخلفه صادق وعده أكل يده ندامة على ما فرط في جنب الله وساق الحتف لنفسه بيده فعمر الله بروحه الخبيثة الدرك الأسفل من النار وسقاه الحتف كأسا بعد كأس لم يكن لهما غير الملك من خمار
وكانت طرابلس هي ضالة الإسلام الشريدة وإحدى آبقاته من الأعوام العديدة وكلما مرت شمخت بأنفها وتأنقت في تحسين منازه منازهها وتزيين ريحانها وعصفها ومرت وهي لا تغازل ملكا بطرفها وكلما تقادم عهدها تكثرت بالأفواج والأمواج من بين يديها ومن خلفها
إذ البحر لها جلباب والسحاب لها خمار وليس لها من البر إلا بمقدار ساحة الباب من الدار كأنها في سيف ذلك البحر جبل قد انحط أو ميل استواء قد خرج عن الخط وما قصد أحد شطها بنكاية إلا شط واشتط
قدر الله تعالى أن صرف مولانا السلطان إليها العنان وسبق جيشه إليها كل خبر وليس الخبر كالعيان وجاءها بنفسه النفيسة والسعادة قد حرسته عيونها وتلك المخاوف كلها أمان وقد اتخذ من إقدامه عليها خير حبائل ومن مفاجأته لها أمد عنان وفي خدمته جنود لا تستبعد مفازه وكم راحت (7/394)
وغدت وفي نفسها للأعداء حزازه فامتطوا بخيولهم من جبال لبنان تيجانا لها صاغتها الثلوج ومعارج لا مرافق بها غير الرياح الهوج وانحطت تلك الجيوش من تلك الجنادل انحطاط الأجادل واندفعوا في تلك الأوعار واندفاع الأوعال ولم يحفل أحد منهم بسرب لاصق ولا جبل شاهق فقال أهذا منخفض أو عال وشرعوا في التحصيل لما يوهي ذلك التحصين وابتنى كل سورا أمام أسوارها من التدبير الحسن والرأي الرصين فما لبثوا إلا بمقدار ما قيل لهم دونكم والاختطاب ونقل المجانيق على الخيل وعلى الرقاب حتى جروها بأسرع من جر النفس وأجروها على الأرض سفائن وكم قالوا السفينة لا تجري على يبس وفي الحال نقلت إليها فرأوا من متوقلها من يمشي بها على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ووجهت سهامها وجوهها إلى منافذها فما شوهدت منها عين إلا وكان قدامها منها إصبع وألقيت العداوة بين الحجارة من المجانيق والحجارة من الأسوار فكم ثقبت ونقبت عن فلذة كبدها عن وأوقدت نيران المكايد ثم فكم حولها من صافن ومن صافر وكم رمتهم بشرر كالقصر فوقع الحافر كما يقال على الحافر وما برحت سوق أهل الإيمان في نفاق على أهل النفاق وأكابرهم تساق أرواحهم الخبيثة إلى الساق
وكان أهل عكا قد أنجدوهم من البحر بكل بر ورموا الإسلام بكل شرر وبكل شر فصار السهم الذي يخرج بها لا يخرج إلا مقترنا بسهام وشرفات ذلك الثغر كالثنايا ولكنها لكثرة من بها لا تفتر عن ابتسام
وما زالت جنود الإسلام كذلك ومولانا السلطان لا ترى جماعة مقدمة ولا متقدمة إلا وهو يرى بين أولئك
واستمر ذلك من مستهل ربيع الأول إلى رابع ربيع الآخر فزحف إليها في بكرة ذلك النهار وهو الثلاثاء زحفا يقتحم كل هضبة ووهدة وكل صلبة وصلدة حتى أنجز الله وعده وفتحها المسلمون مجازا وفي (7/395)
الحقيقة فتحها وحده وطلعت سناجق الإسلام الصفر على أسوارها ودخلت عليهم من أقطارها وجاست الكسابة إلى ديارها فاحتازها مولانا السلطان لنفسه ملكا وما كان يكون له في فتحها شريك وقد نفى عنها شركا وكلما قيل هذه طرابلس فتحت قال النصر لمن قتل فيها من النجد الواصلة وأكثر عكا وأهل عكا وأعاد الله تعالى بها قوة الكفر أنكاثا فكان أخذها من مائة سنة وثمانين سنة في يوم ثلاثا واستردت في يوم الثلاثا
ولما عمت هذه البشائر وكل بها مولانا السلطان إلى من يستجلي حسان هذه العرائس ويستحلي نفيس هذه النفائس
سير مولانا السلطان إلى المولى كل بشرى تقعقع بها البريد لتتلى بأمره على كل من ألقى السمع وهو شهيد وكما عم السرور بذلك كل قريب قصد أن يعم الهناء كل بعيد
وأصدر المملوك هذه الخدمة يتجرب بين يديه نجواها ويتوثب بعد هذه الفاتحة المباركة لكل سانحة يحسن لدى المولى مستقرها ومثواها لا برح المقام العالي يستبشر لكماة الإسلام بكل فضل وبكل نعمى ويفرح بسرح الكفر إذا انتهك وبسفح الملك إذا يحمى وبسمع الشرك إذا يصم وبقلبه إذا يصمى والله الموفق
الجملة الثانية في المكاتبات إلى عرب البحرين ومن انضاف إليهم
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أن بلاد البحرين لم تزل بيد العرب وأنها صارت الآن بيد بني عقيل بضم العين من بني عامر بن صعصعة من هوازن من قيس عيلان من العدنانية
قال في التعريف ومنهم قوم يصلون إلى باب السلطان وصول التجار يجلبون جياد الخيل وكرام المهاري واللؤلؤ وأمتعة من أمتعة العراق والهند ويرجعون بأنواع الحباء والإنعام والقماش والسكر وغير ذلك ويكتب لهم بالمسامحة فيردون (7/396)
ويصدرون
قال وبلادهم بلاد زرع وضرع وبر وبحر ولهم متاجر مربحة وواصلهم إلى الهند لا ينقطع وبلادهم ما بين العراق والحجاز ولهم قصور مبنية وآطام علية وريف غير متسع إلى ما لهم من النعم والماشية والحاشية والغاشية إلا أن الكلمة قد صارت بينهم شتى والجماعة متفرقة
وقد سبق الكلام على بلادهم مستوفى في المقالة الثانية عن الكلام على المسالك والممالك
قال في التعريف ورسم المكاتبة إلى كبرائهم السامي بالياء
والعلامة الشريفة أخوه ثم ما دون ذلك لمن دونهم
واعلم أنه في التثقيف قد جمع بين عرب البحرين وعرب البصرة وما والى ذلك وجعل المكاتبة إليهم على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى من يكتب إليه السامي بالياء والعلامة الاسم وذكر أن بها يكاتب أميرهم وسماه حينئذ صدقة بن إبراهيم بن أبي دلف وأن تعريفه فلان بن فلان
وذكر في رتبته في المكاتبة يومئذ محمد بن مانع وأخوه حسين بن مانع وعلي بن منصور
المرتبة الثانية من يكتب إليه السامي بغير ياء والعلامة الاسم
وذكر منهم بدران بن مانع رومي بن أبي دلف زين بن قاسم يوسف بن قاسم سعيد بن معدي راشد بن مانع عيسى بن عرفة ظالم بن مجاشع إسماعيل ابن صواري كلبي بن ماجد بن بدران مانع بن علي مانع بن بدران
المرتبة الثالثة من يكتب إليه مجلس الأمير والعلامة الاسم
وعد منهم جماعة وهم عظيم بن حسن بن مانع موسى بن أبي الحسن سعد بن مغامس زيد بن مانع هلال بن يحيى معمر بن مانع محمد بن خليفة
قلت وحاصل ما ذكره في التعريف والتثقيف أن جملة المكاتبة إليهم لا تجاوز المراتب الثلاث المذكورة والكاتب يستخبر أخبارهم في المقدار وينزل كل واحد منهم على قدر مرتبته من ذلك كما في الأسماء المتقدمة الذكر (7/397)
المهيع الرابع في المكاتبة إلى صاحب الهند والسند
وقد ذكر في التعريف أن صاحبه في زمانه كان اسمه أبا المجاهد محمد بن طغلقشاه
ثم قال وهو أعظم ملوك الأرض شرقا وغربا وجنوبا وشمالا وبرا وبحرا وسهلا وقفرا وأن سمته في بلاده الإسكندر الثاني ثم قال وتالله إنه يستحق أن يسمى بذلك ويوسم به لاتساع بلاده وكثرة أعداده وغزر أمداده وشرف منابت أرضه ووفور معادنه وما تنبته أرضه ويخرجه بحره
ويجبى إليه ويرد من التجار عليه
وأهل بلاده أمم لا تحصى وطوائف لا تعد
ثم حكى عن قوم ثقات منهم قاضي القضاة سراج الدين الهندي الحنفي وهو يومئذ مدرس البيدمرية بالقاهرة والتاج البزي والشيخ مبارك الأنبايتي أن عسكر (7/398)
هذا السلطان نحو التسعمائة ألف فارس وعنده زهاء ألفي فيل يقاتل عليها وخلق من العبيد تقاتل رجاله مع سعة الملك والحال وكثرة الدخل والمال وشرف النفس والإباء مع الاتضاع للعلماء والصلحاء وكثرة الإنفاق وعميم الإطلاق ومعاملة الله تعالى بالصدقة وإخراج الكفاية للمرتزقة بمرتبات دائمة وإدرارات متصلة بعد أن حكى عن رسوليه دميرخوان وافتخار ما قال إنه لو سكنت النفوس إلى براءتهما من التعصب فيه لحكى منه العجائب وحدث عنه بالغرائب ثم ذكر أنه أرسل مرة مالا برسم الحرمين وبيت المقدس وهدية للسلطان تزيد على ألف ألف دينار فقطع عليها الطريق باليمن وقتل محضرها بأيدي مماليك صاحب اليمن لأمر بيت بليل ثم قتل قاتلوه وأخذ أهل اليمن المال وأكلوه وكتب عن السلطان إلى صاحب اليمن في هذا كتاب منه وقد عددت عليه فعلته وقيل فيه وفعل ما لا يليق وأمسى وهو يعد من الملوك فأصبح يعد من قطاع الطريق
وقد سبق في الكلام على المسالك والممالك من عظيم هذه المملكة وعظم قدر رجالها ما فيه كفاية عن الإعادة
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار المقدم ذكرهم في هيئة الكتاب وما يكتب به والطغراة والخطبة
وألقابه المقام الأشرف العالي المؤلوي السلطاني الأعظمي الشاهنشاهي العالمي المجاهدي المرابطي المثاغري المظفري المؤيدي المنصوري إسكندر الزمان سلطان الأوان منبع الكرم والإحسان المعفي على ملوك آل ساسان وبقايا أفراسياب وخاقان ملك البسيطة سلطان الإسلام غياث الأنام أوحد الملوك والسلاطين ويدعى له
قال ولم يكتب إليه في ذلك الوقت لقب ينسب إلى الخلافة نحو خليل أمير المؤمنين وما يجري هذا المجرى إذ كان قد بلغنا أنه يربأ بنفسه إلى أن يدعي الخلافة ويرى له فضل الإنافة (7/399)
قلت مقتضى ما ذكره في التعريف حيث قال إن رسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار في هيئة الكتاب وما يكتب به والطغراة والخطبة أن المكاتبة إليه تفتتح بخطبة مبتدأة بالحمد لله كما تقدم في افتتاح المكاتبات إلى القانات
والذي ذكره في التثقيف أن المكاتبة إليه تكون في قطع البغدادي الكامل بالذهب والأسود كما جرت العادة به يعني في كتب القانات إلا أنه جعل رسم المكاتبة إليه أعز الله تعالى أنصار المقام العالي السلطاني العالمي العادلي الملكي الفلاني
ثم قال وهذه الألقاب سطران كاملان وبينهما بيت العلامة على العادة وبعد السطرين المذكورين في الجانب الأيمن من غير بياض أبو المجاهد محمد ابن السلطان طغلقشاه زيدت عظمته
ولا يذكر لقبه
والدعاء والعلامة أخوه
وتعريفه صاحب الهند
وقد رأيت تصويره في بعض الدساتير على هذه الصورة
( أعز الله تعالى أنصار المقام العالي ... ) بيت العلامة السلطاني العالمي العادلي الملكي الفلاني قال في التعريف والعنوان جميعه بالذهب وهو سطران وتعريفه صاحب الهند
وبقية الكتاب بالسواد والذهب أسوة القانات وبه يشعر كلام التعريف فيما تقدم
وهذا دعاء معطوف وصدر يليق به ذكره في التعريف وهو ولا زال سلطانه للأعداء مبيرا وزمانه بما يقضي به من خلود ملكه خبيرا وشأنه وإن عظم يتدفق بحرا ويرسي ثبيرا ومكانه وإن جل أن يجلببه مسكي الليل يملأ الأرجاء أرجا والوجود عبيرا وإمكانه يستكين له الإسكندر خاضعا وإن جاز نعيما جما وملكا كبيرا ولا برحت الملوك بولائه تتشرف وبآلائه (7/400)
تتعرف وبما تطبع مهابته من البيض ببيض الهند في المهج تتصرف
المملوك يخدم بدعاء يحلق إلى أفقه ويحل العلياء والمجرة في طرقه ويهدي منه ما يعتدل به التاج فوق مفرقه ويعتد له النجم ولا يثنيه إلا وسادة تحت مرفقه ويسمو إلى مقام جلاله ولا يسأم من دعاء الخير ولا يمل له إذا ملت النجوم عن السير ولا يزال يصف ملكه المحمدي بأكثر مما وصف به الملك السليماني وقد قال وأوتينا من كل شيء وعلمنا منطق الطير
قلت وهذا الدعاء المعطوف مما يؤكد ابتداء المكاتبة بالدعاء خلافا لما تقدم أنه مقتضى تصوير كلامه في التعريف
واعلم أن في هذه المكاتبة على ما ذكره في التعريف شيئين قد خالف فيهما قاعدة المكاتبات عن الأبواب السلطانية
أحدهما إتيانه في التعريف في ألقابه بالمولوي
والثاني قوله في الصدر المتقدم الذكر المملوك يخدم
فقد ذكر صاحب التعريف في كتابه عرف التعريف أن السلطان لا يكتب عنه في العلامة المملوك وإنما خالف القاعدة في ذلك هنا تعظيما لمقام المكتوب إليه وإعلاء لرتبته حيث قال في أول كلامه إنه أعظم ملوك الأرض على ما تقدم ذكره فعبر عن مقامه بما يليق به وخاطبه بما يليق بخطابه كما تقدم أنه كان يكتب إلى أبواب الخلافة المملوك أو الخادم ينتهب ثرى الأعتاب أو يقبل الأرض ونحو ذلك تعظيما لمحل الخلافة لا سيما وقد تقدم أن صاحب الهند حينئذ كان يدعي الخلافة إلا أن (7/401)
نظام هذا الملك قد أختل ونقص عما كان بموت السلطان محمد بن طغلقشاه حين توفي واستقر مكانه ابن خالته فيروزشاه
ولعل المكاتبة التي ذكرها في التثقيف إنما رتبت على حكم ما كان في أيامه بعد ذكر المكاتبة المذكورة بعد أن ذكر أن محمد بن طغلقشاه مات وقام فيروزشاه مقامه إلا أنه مثل المكاتبة المذكورة بمحمد بن طغلقشاه فاقتضى أن يكون هو المعني بالمكاتبة
ثم تفرقت المملكة بعد ذلك في سلطانين فيما أخبرني به بعض أهل الهند ثم تزايد نقصها بعد أن غزاها تمرلنك وغلب (7/402)
عليها ثم نزح عنها
وبكل حال فلا ينبغي أن يقصر بصاحب الهند عن رتبة القانات
ولم أقف على نص مكاتبة كتب بها إلى صاحب الهند فأذكرها
المقصد الثاني من المصطلح المستقر عليه الحال من المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في المكاتبات إلى ملوك الغرب وفيه أربع جمل
الجملة الأولى في المكاتبات إلى صاحب أفريقية وهو صاحب تونس وتنضم إليها بجاية وقسنطينة تارة وتنفرد عنها أخرى
وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك نقلا عن التعريف أن حد هذه المملكة غربا من جزائر بني مزغنان إلى عقبة برقة الفارقة بين طرابلس وبين برقة وهي نهاية الحد الشرقي ومن الشام البحر ومن الجنوب آخر بلاد الجريد والأرض السواخة إلى ما يقال إنه موقع المدينة (7/403)
المسماة بمدينة النحاس
ثم قال وهو أجل ملوك الغرب مطلقا
وقد تقدم هناك أيضا ذكر حال مملكتها ومن ملكها جاهلية وإسلاما وأنها كانت قبل الإسلام بيد البربر حين كان معهم جميع المغرب ثم انتزعها منهم الروم والفرنج إلى أن انتهت حال الفتح الإسلامي إلى جرجيس ملك الفرنج في جملة ممالك المغرب ودار ملكه يومئذ سبيطلة إلى أن فتحت في خلافة عثمان رضي الله عنه على يد عبد الله بن أبي سرح وتوالت عليها نواب الخلفاء وصارت دار المملكة بها القيروان حتى صارت منهم إلى بني الأغلب ثم إلى العبيديين بني عبيد الله المهدي ثم الموحدين أصحاب المهدي بن تومرت وهي بأيديهم إلى الآن وهي مستقرة الآن بيد الحفصيين منهم وهم يدعون النسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقولون أبو حفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانود بن علي بن أحمد بن والال بن إدريس بن خالد بن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتن بن محمد بن نجية بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
وباعتبار ذلك القائمون بها من بني أبي حفص يدعون الخلافة ويدعى القائم منهم في (7/404)
بلاد بأمير المؤمنين وربما كاتبه بها بعض ملوك المغرب
قال في التعريف ومن أهل النسب من ينكر ذلك ويجعلهم تارة بنسب إلى عدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب دون بني عمر
ومنهم من ينسبهم إلى هنتاتة من قبائل البربر بالمغرب وهي قبيلة عظيمة مشهورة
وهي الآن إلى حدود الثمانمائة بيد السلطان أبي فارس عزوز وقد دوخ البلاد وأظهر العدل ورفع منار الإسلام
وقد ذكر في التعريف أن السلطان بها في زمانه كان المتوكل على الله أبو يحيى أبو بكر
ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في التعريف أن يكتب بعد البسملة
أما بعد حمد الله بخطبة مختصرة في مقتضى الحال ثم يقول فهذه المفاوضة أو النجوى أو المذاكرة أو المطارحة أو ما يجري مجرى ذلك تهدي من طيب السلام ومن هذا ومثله إلى الحضرة الشريفة العلية السنية السرية العالمية العادلية الكاملية الأوحدية حضرة الإمارة العدوية ومكان الإمامة القرشية وبقية السلالة الطاهرة الزكية حضرة أمير المسلمين وزعيم الموحدين والقائم في مصالح الدنيا والدين السلطان السيد الكبير المجاهد المؤيد المرابط المثاغر المظفر المنصور المتوكل على ربه والمجاهد في حبه والمناضل عن الإسلام بذبه فلان ويدعى له بما يناسب مختصرا ثم يذكر ما يليق بكرم الجدود
صدر آخر من التعريف أيضا (7/405)
صدرت إليه تهدي إليه من أطيب السلام ما ترق في جانبه الغربي أصائله ويروق فيما ينصب لديه من أنهار النهار جداوله ويحمله لكل غاد ورائح وتجري به السفن كالمدن والركائب الطلائح وتخص ذلك المقر منه بثناء يعز لأن ينيب لبعده الدار ويستطلع ليل العراق به من فرق أفريقية النهار وتحامي مصر عن جارتها الممنعة وتفخر بجاريتها الشمس التي لا ترى في أفقها إلا مبرقعة
ولم يذكر في التعريف قطع الورق ولا العنوان والخاتمة والعلامة وما في معنى ذلك
والذي ذكره في التثقيف أن رسم المكاتبة إليه في قطع الثلث بقلم التوقيعات نظير ما كتب به لصاحب فاس وهو أن يكتب بعد البسملة بحيث يكون تحتها سواء في الجانب الأيمن من غير بياض ما مثاله عبد الله ووليه ثم يخلى مقدار بيت العلامة ثم تكتب الألقاب الشريفة من أول السطر مسامتا للبسملة
وهي السلطان الأعظم المالك الملك الفلاني السيد الأجل العالم العادل المؤيد المجاهد المرابط المثاغر المظفر الشاهنشاه وهذه تختصر غالبا ناصر الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين منصف المظلومين من الظالمين وارث الملك سلطان العرب والعجم والترك فاتح الأقطار مانح الممالك والأقاليم والأمصار إسكندر الزمان مولي الإحسان جامع كلمة الإيمان مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان ملك البحرين مسلك سبيل القبلتين خادم الحرمين الشريفين ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه سلطان البسيطة مؤمن الأرض المحيطة سيد الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو فلان فلان ابن الملك الفلاني فلان الدين والدنيا ويرفع في نسبه إلى منتهاه خلد الله سلطانه ونصر جيوشه وأعوانه
ويجتهد أن يكون وأعوانه آخر السطر أو قريبا (7/406)
من آخره قال والواجب بدل ولي أمير المؤمنين قسيم أمير المؤمنين ثم يقول يخص الحضرة العالية السنية الشريفة الميمونة المنصورة المصونة حضرة الأمير العالم العادل العابد المؤيد الأوحد فلان ذخر الإسلام والمسلمين عدة الدنيا والدين ناصر الغزاة والمجاهدين سيف جماعة الشاكرين صلاح الدول والدعاء بإهداء السلام والشكر
ثم بعد حمد الله بخطبة مختصرة جدا فإنا نوضح لعلمه الكريم وتعريفه صاحب تونس
قلت وخطابه بالإخاء
وهذه نسخة كتاب كتب بها عن الظاهر برقوق من إنشاء علاء الدين وهي بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله ووليه
السلطان الأعظم المالك الملك الظاهر الأجل العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر سيف الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين منصف المظلومين من الظالمين قامع الخوارج والمتمردين وارث الملك ملك ملوك العرب والعجم والترك مبيد الطغاة والبغاة والكفار مملك الممالك والأقاليم والأمصار إسكندر الزمان ناشر لواء العدل والإحسان مليك أصحاب المنابر والأسرة والتخوت والتيجان مالك البحرين صاحب سبل القبلتين خادم الحرمين الشريفين ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه سلطان البسيطة مؤمن الأرض المحيطة سيد الملوك والسلاطين قسيم أمير المؤمنين أبي سعيد برقوق خلد الله سلطانه ونصر جنوده وأعوانه وأفاض على العباد والبلاد جوده وإحسانه تحية تتأرج نفحا وتتبلج صبحا وتطوي بعرفها نشر الخزامى وتعيد ميت الأشواق حيا إذا ما (7/407)
تخص الحضرة العلية السنية السرية المظفرة الميمونة المنصورة المصونة حضرة الأمير العالم العادل المجاهد المؤيد الأوحد ذخر الإسلام والمسلمين عدة الدنيا والدين قدوة الموحدين ناصر الغزاة والمجاهدين سيف جماعة الشاكرين صلاح الدول المتوكل على الله أحمد ابن مولانا الأمير أبي عبد الله محمد ابن مولانا أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر ابن الأمراء الراشدين أعز الله دولته وأذل عداته وأنجز من صعود أوليائه وسعود آلائه صادق عداته
بعد حمد الله جامع الشمل بعد تفريقه راتق خلل الملك عند تمزيقه والشهادة بأن لا إله إلا هو مبيد الباطل بحق سره وسر تحقيقه سيدنا محمد عبده ورسوله موضح سبيل التوكل على الله وطريقه
وإهداء سلام ما الزهر بأعبق من فتيقه وثناء ما الروض بأعطر من خلوقه فإننا نوضح لعلمه الكريم أن كتابه الكريم ورد ورود السنة على الجفن الساهر أو المزنة على الروض الزاهر أو الزلال على الأوام أو البرء على السقام فمددنا إليه يد القبول وارتحنا له ارتياح الشمائل إلى الشمول وملنا إلى مفاكهته ميل الغصون إلى الرياح وامتزجنا بمصافاته امتزاج الماء بالراح وفضضنا ختامه عن فضي كلامه وذهبنا إلى ذهبي نثاره ونظامه وتأملناه تأملا كل نظر عبده وخادمه ووقفنا عليه وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه ونظمنا جواهر اعتباره في قلائد الأفكار وصبونا إلى اختباره كما صبت النفوس إلى الادكار وفتحنا له جهد الطاقة بابا من المحبة لم يغلق ونقسم بمن خلق الإنسان من علق أنها بغير قلوبنا لم تعلق فإذا سطوره جنود مصطفة أو قيان بها الحسان محتفة وإذا رقمه طراز حلة أو عقد شده البنان وحله وإذا لفظه قد رق وراق ومر بالأسماع فملأ (7/408)
بحلاوته الأوراق وإذا معناه ألطف من النسيم الساري وأعذب مذاقا من الماء الجاري وإذا سجعه يفوق سجع الحمائم ويزري بالروض الضاحك لبكاء الغمائم وإذا سلامه قد حيته الأزاهر وطوى بعرفه نشر الروض الزاهر وإذا هناؤه قد ملك عنان التهاني واستمطر عنان الأمان من سماء الأماني فعبر لنا لفظ عبيره عن معنى المحبة وقرب شاسع الذكر وإن بعد المدى بين الأحبة وأقام شاهد الإخاء على دعوى الإخلاص فقبلناه ونادى مطيع المودة فاستجبنا له ولبيناه سقيا له من كتاب غذي بلبان الفصاحة وجرى جواد التماحه من مضمار الملاحة لا عيب فيه سوى بلاغة فيه ولا نقص يعتريه سوى كمال باريه لعمري لقد فاق الأواخر والأوائل فما أجدر كلامه بقول القائل
( وكلام كدمع صب غريب ... رق حتى الهواء يكثف عنده )
( راق لفظا ورق معنى فأضحى ... كل سحر من البلاغة عبده ) لله دره من كتاب حلب در الأفراح وجدد من أثواب المسرة ما كان قد أخلقته يد الأتراح فهمنا معناه فهمنا وشرحنا متن فحواه فانشرحنا وعلمنا ما اتصل بسماعكم من خبرنا العجيب وحديث أمرنا القديم الغريب الذي أظهر فينا الله أسرارا وكتب لنا منه عناية كبت بها أشرارا جل جلاله خافض رافع معل بحكمته واضع سبحانه أوجد بعد العدم وأنسى ثم أنشأ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشا كسر وجبر وقرن المبتدأ بالخبر وهب ما كان سلب وجعل لصبرنا حسن المنقلب أعادنا إلى الملك مع كثرة الأعداء وقلة الأنصار وأظهرنا بعد الخفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار وأبرز إبريزنا بعد السبك خالصا يروق الناظر ويفوق برونقه وجه الروض الناضر فاعلموا أن لله في ذلك سرا خفيا لم يزل ببركة رسوله حفيا قمتم لنا فيه بواجب الهنا وأحاط بنا طولكم الطويل من هاهنا وهاهنا فاستجلينا من كتابكم عرائس بشراه وحمدنا عند صباح طرسه ليل مسراه وشكرنا له هذه الأيادي التي تقصر عنها الأيدي المتطاولة وثنينا إليكم عنان الثناء الذي فاق بمخايله الروض الأريض وخمائله (7/409)
ولما تمثل إلينا رسولكم المكرم وصاحبكم الكامل المعظم ذو الأصل الطاهر والنسب الباهر والرأي السديد والبأس الشديد فلان لا زال علي مقامه حسنا وجفن علمه لا يبعث الجهل عليه وسنا فأبدى إلينا ما في وطابه وأثلج الصدور بحكمه فضله وفصل خطابه وأخذ يجاذبنا عنكم أطراف الأحاديث الطيبة ويرسل علينا من سماء محبتكم مزنها الصيبة وأطربنا بسماع أخباركم ونصر أعوانكم وأنصاركم ونبه على ما أودعه كتابكم وتضمنه من النصرة خطابكم ودوس جنودكم جزيرة غودش وعودهم بالمن والمنح وتلاوتهم عند الانتصار ( إذا جاء نصر الله والفتح ) وقفولهم متفيئين من الجهاد بظله فرحين بما آتاهم الله من فضله بعد أن نعقت منهم على الكفار الغربان واقتنصت الرجال آجالهم اقتناص العقبان وجاءتهم كالجبال الرواسي وظفرت بهم أظافير الرماة ومخالب المراسي وغنت عليهم أوتار القسي فأرقصت رؤوسهم على الضرب وسقتهم كؤوس الردى مترعة ونعم هذا الشرب لأولئك الشرب وأعادت المسلمين بالغنائم إلى الأوطان بعد نيل الأوطار وبشرت الخواطر بما أقر العيون من النجاح والنجاة من الأخطار هذا والعدو الملقي السلم عند الجهاد جيء بهم مقرنين في الأصفاد يا لها غزاة أشرق نورها كالغزالة وأشرق يوم إسلامها على ليل الكفر فأزاله وتولد منها الجهاد فلا يرى بعدها إن شاء الله عقيما وتلا لسان الشوق إليه ( يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما )
لا زالت رقاب الأعداء لأسيافكم قرابا وغزواتكم الصالحة تنيلكم من الله أجرا وثوابا
ولما عرضت علينا من جودكم عند العشي الصافنات الجياد وحلينا منها بقلائد منها الأجياد نقسم لقد حيرتنا ألوانها إذ خيرتنا (7/410)
فمن أشهب كأن الشهب له قنيصه أو الصباح ألبسه قميصه أو كأنما قلب من اللجين في قالب البياض وسقي سواد أحداقه أقداح الرباحة من غير حياض
ومن أدهم كأن النقس لمسه في مداده أو الطرف أمد طرفه بسواده أو كأنما تقمص إهاب الليل لما طلع عليه فجر غرته فولى مشمر الذيل
ومن احمر كأنما صيغ من الذهب أو كون من النار واللهب أو كأن الشفق ألقى عليه قميصه ثم أشفق أو الشقيق أجرى عليه دمعه دما وجيبه شقق
ومن أشقر كأنما ألبس ثوب الأصيل وبشر السرية يمن طلعته بالنصر والتحصيل أو كأن النضار كساه حلة العشاق وقد ادرعوا بأسواق المحبة مطارف الأشواق
ومن أخضر كأنما تلفع من الروض الأريض بأوراقه أو صبغ بالعذار المخضر وقد شقت عليه مرائر عشاقه أو كأنما الزمرد تلوينه أو من شارب الشادن تكوينه كل بطرف منها يسبق الطرف ويروق الناظر بالحسن الناضر والظرف تقام به حجة الإعراض وهو باعتراف ممتطيه قادرملي وينصب إلى الإدراك حسن السير كجلمود صخر حطه السيل من علي فأسرجنا لها جود القبول وامتطينا منها صهوة كل مأمول وأعددناها مراكب للمواكب ولليل المهمات الواقعة بدورا وكواكب وأطلقنا أعنة شكرها في ميادين المحامد وطفقنا نرجع ذكرها بين شاكر وحامد (7/411)
مكاتبة وزير تونس
رأيت في الدستور المنسوب لمقر العلائي بن فضل الله أنه كتب إلى أبي عبد الله بن بعلاص
صدرت هذه المكاتبة إلى الشيخي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الأكملي الأرشدي الأمجدي الأثيري البليغي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الفضلاء زين العلماء نجل الأكابر أوحد الأعيان بركة الدولة صفوة الملوك والسلاطين ويدعى له بما يناسبه
وتوضح لعلمه المبارك كيت وكيت ولم يذكر قطع الورق ولا العلامة ولا التعريف
والذي يظهر أن قطع الورق العادة والعلامة أخوه
والتعريف وزير تونس
الجملة الثانية في مكاتبة صاحب الغرب الأوسط وهو صاحب تلمسان
وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك الكلام على هذه المملكة ومن ملكها جاهلية وإسلاما وهي الآن بيد بني عبد الواد من زناتة من قبائل البربر والقائم بها الآن منهم إلى حدود الثمانمائة من الهجرة هو السلطان أبو زيان ابن السلطان أبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى ابن يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمد بن ركدار بن (7/412)
تيدوكس بن طاع الله بن علي بن القاسم بن عبد الواد
قلت وذكر هذه المملكة في مسالك الأبصار مضافة إلى مملكة فاس لانضمامها حينئذ إليها في مملكة السلطان أبي الحسن المريني صاحب فاس في زمانه ولذلك لم يذكر لصاحبها مكاتبة في التعريف
على أني رأيت من صاحبها موسى بن يغمراسن مكاتبة إلى الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر
وسيأتي إيرادها في جملة المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة
وذكر صاحب التثقيف أن صاحبها في زمانه في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين أي سلطانها يومئذ أبو حفص عمر بن أبي عمران موسى وأن المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى صاحب تونس المقدم ذكره على السواء
وذكر أنه كتب ذلك إليه ورأى جماعة كتاب الإنشاء يكتبونه وكذلك رأيته في الدستور المنسوب إلى المقر العلائي بن فضل الله ولم أظفر بصورة مكاتبة فأذكرها
الجملة الثالثة في المكاتبة إلى صاحب الغرب الأقصى
وهو صاحب فاس وتعرف مملكته ببر العدوة
وقد تقدم الكلام على مملكتها وأحوالها ومن ملكها جاهلية وإسلاما في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك وأنها الآن بيد بني عبد الحق من بني مرين من زناتة من قبائل البربر وأنها الآن بيد السلطان أبي فارس عثمان ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي ابن السلطان أبي سعيد عثمان ابن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن محمد بن ورصيص بن فكوس بن كوماط بن مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن وحريج بن قاتن بن (7/413)
بدر بن نجفت بن عبد الله بن ورتبيص بن المعز بن إبراهيم بن رجيك بن واشين بن بصلتن بن شرا بن أكيا بن ورشيك بن أديدت بن جانا وهو زناتة
وقد ذكر في التعريف أن السلطنة فيهم في زمانه في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون صاحب مصر كانت في السلطان أبي الحسن علي بن عثمان المقدم ذكره
ثم قال وورث هذا السلطان ملك العزفيين بسبتة وملك بني عبد الواد بتلمسان وأطاعه ملك الأندلس ودان له ملك أفريقية وعرض عليه ابنته فتزوجها فساقها إليه سوق الأمة
ثم قال وبنو مرين رجال الوغى وناسها وأبطال الحرب وأحلاسها وهم يفخرون بغزارة علمه وفضل تقواه
قال وهو اليوم ملك ملوك الغرب وموقد نار الحرب
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف بعد البسملة من السلطان الأعظم الملك الفلاني إلى آخر الألقاب المذكورة في المكاتبة لصاحب تونس إلى قوله ونصر جيوشه وجنوده وأعوانه
ثم يقول تحية يفتتح بها الخطاب ويقدم منها ما زكا وطاب وتقال هنا سجعات مختصرة نحو أربع أو خمس يخص بها الحضرة الشريفة العلية الطاهرة الزكية حضرة المقام العالي السلطان السيد الأجل العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الأسرى الأسنى الزكي الأتقى المجاهد في الله المؤيد على أعداء الله أمير المسلمين قائد الموحدين مجهز الغزاة والمجاهدين مجند الجنود عاقد البنود ماليء صدور البراري والبحار مزعزع أسرة الكفار مؤيد السنة معز الملة شرف الملوك والسلاطين بقية السلف الكريم والحسب الصميم ربيب الملك القديم أبي (7/414)
فلان فلان بن فلان
ويرفع نسبه إلى عبد الحق وهو أول نسبه
ويقال في كل منهم أمير المسلمين أبي فلان فلان ثم يدعى له نحو أعز الله أنصاره أو سلطانه أو غير ذلك من الأدعية الملوكية بدعاء مطول مفخم
ثم يقال أما بعد حمد الله ويخطب خطبة مختصرة
ثم يقال أصدرت إليه وسيرت لتعرض عليه لتهدي إليه من السلام كذا وكذا
ثم يقال ومما تبديه كذا وكذا
صدر يليق بهذه المكاتبة تهدي إليه من السلام ما يطلع عليه نهاره المشرق من مشرقه ويحييه به الهلال الطالع من جانبه الغربي على أفقه وتصف شوقا أقام بين جفنيه والكرى الحرب وودادا يملأ برسله كل بحر ويأتي بكل ضرب وثناء يستروح بنسيمه وإن كان لا يستروح إلا بما يهب من الغرب مقدمة شكرا لما يبهر من عزماته التي أعزت الدين وغزت الملحدين وحلقت على من جاورها من الكفار تحليق صقور الرجال على مسفة الغربان وتقيم عند الشجاع عذر الجبان وتبين آثارها في أعناق الأعداء وللسيوف آثار بيان وإن كان فعله أكثر مما طارت به الأخبار وطافت به مخلقات البشائر في الأقطار وسار به الحجيج تعرف آثاره عرفات وصارت تستعلم أخباره وتندب قبل زمانه ما فات
والذي ذكره في التثقيف أنه كان السلطان في زمانه في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون عبد العزيز بن أبي الحسن علي المقدم ذكره وذكر أن المكاتبة إليه في قطع النصف وأنه يكتب تحت البسملة في الجانب الأيمن من غير بياض ما مثاله عبد الله ووليه ثم يخلى ببيت العلامة ثم تكتب الألقاب السلطانية في أول السطر مسامتا للبسملة السلطان الأعظم الملك الفلاني إلى آخر الألقاب السلطانية المذكورة في المكاتبة إلى صاحب تونس إلى قوله ونصر جيوشه وأعوانه
ثم يقول تخص المقام العالي السلطان الملك الأجل الكبير المجاهد المعاضد المرابط المثاغر المكرم (7/415)
المعظم المظفر الموقر المؤيد المسدد الأسعد الأصعد الأرشد الأنجد الأوحد الأمجد البهي الزكي السني السري فلان أمير المسلمين ابن أبي فلان فلان إلى عبد الحق المريني
والدعاء بما يناسب ذلك المقام ثم أما بعد حمد الله بخطبة لطيفة فإنا نفاوض علمه الكريم ونحو ذلك
وأكثر مخاطبته بالإخاء وتختم بالدعاء والعلامة أخوه وتعريفه ملك الغرب
وفي الدستور العلائي أن الطلب منه بالمستمد ويختم باستعراض الحوائج والخدم مكملا بالدعاء
وهذه نسخة كتاب من الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطان أبي الحسن المريني في جواب كتاب ورد عليه منه وهي عبد الله ووليه السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين مؤمن أولياء الله المؤمنين ظل الله الممدود وميسر السبل للوفود حامي القبلتين بحسامه من أهل الجحود وخادم الحرمين الشريفين متبعا للسنة الإبراهيمية في تطهير بيت الله للطائفين والعاكفين والركع السجود والقائم بمصالح أشرف روضة وطيبه يعطر طيبها في الوجود ولي أمير المؤمنين جمع الله به كلمة الإسلام بعد الافتراق وقمع برعبه أهل العناد والشقاق وأوزعه شكر نعم الله التي ألفت على ولائه قلوب ملوك الآفاق وأمتعه بها منحة صيرت له الملك بالإرث والاستحقاق وسيرت كواكب مناقبه فلها بالمغارب إضاءة وبالمشارق إشراق
ابن السلطان السعيد الشهيد الملك المنصور سيف الدنيا والدين سقى الله عهده عهاد الرحمة ذوات إغراق وأبقى مجده بمحمده الذي للأمة المحمدية على تعظيمه إجماع وعلى تقديمه اتفاق يخص المقام العالي الملك الأجل الكبير المجير العاضد المثاغر المظاهر الفائز الحائز المنصور المأثور الفاتح الصالح الأمكن الأصون الأشرف الأعرف الكريم المعظم أبا الحسن عليا أمير المسلمين ابن السلطان السعيد الحميد الطاهر الفاخر الماهد الزاهد الأورع الأروع أمير المسلمين أبي سعيد عثمان ابن السلطان السعيد الرشيد (7/416)
السابق الوامق الجامع الصادع أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق ناظم مفرق الفخار وهازم فرق الفجار والملازم لإحياء سنة الجهاد المتروكة في الأقطار حتى يجمع في ملكه أطراف الغرب الأقصى للاستيلاء والاستظهار ويخضع لفتكه كل متكبر جبار ويرصع في سلكه ما تأبى وصعب من تلك الديار ويرفع لنسكه أعمالا من الجهاد والاجتهاد تسر الحفظة الأبرار يظهر فيها لبركة الاسم العلوي من نشر الهدى وقهر العدا أوضح الأدلة وأبين الآثار ويؤثر سلطاننا المحمدي من علي عزمه وحمي حزمه بأعز الأعوان والأنصار فتظفر دار الإسلام من قومه بمهاجرين من أبناء البلاد يقر لهم بأم القرى قرار ويسير سواهم للبيت ذي الحجر والحجر والباب والميزاب والملتزم والجدار والأستار بسلام مشرق الغرر مونق الحبر وثناء مع رياه لا يعبأ بالعبير مع نشره ولا يعتبر ووداد مخفي الخبر واعتداد يطول منه ألسنة الشكر عن إحصائه واستقصائه قصر وإيراد لمفاخره التي سارت بها الأخبار والسير واعتقاد لمآثره التي سبق عثمانها إلى إحراز مزايا الفضل وجاء عليها على الأثر
أما بعد حمد الله الذي أمر أولياءه المؤمنين بالمعاونة والمظافرة ونهى عباده الصالحين عن المباينة والمنافرة ورعى لحجاج بيته حرمة القصد وكتب لهم أجر المهاجرة ودعا إلى حرمه من أهله من خدمه فأجابه بالتلبية وأثابه وآجره
والشهادة له بالوحدانية التي تسعد بمصاحبة المصابرة وتصعد إلى الدرجات الفاخرة سيدنا محمد ذي المناقب الباهرة والمواهب الزاخرة والمراتب التي منها النبوة والرسالة في الدنيا والوسيلة والشفاعة في الآخرة وعلى آله وصحبه الذين أفنى الله الشرك بصوارمهم الحاصدة وأدنى القتل بعزائمهم الحاضرة صلاة إلى مظان الرضوان متواترة ما ربحت وفود مكة البركة الوافرة ووضحت لقاصدي الكعبة البيت الحرام أوجه القبول سافرة (7/417)
فإنه ورد أورد الله تعالى البشرى على سمعه وأيد اهتمامه بتأليف شمل السعد وجمعه من جانبه المكرم ومعهده وربعه كتاب كريم نسبه فخيم أدبه علي منصبه ملي إذا أخلف السحاب بما يهبه سري سرت إلى بيت الله وحرم رسوله القريب قربه على يد رسوله الشيخ الأمين الأزكى الأروع الأتقى الخطيب البليغ المدرس المفيد أبي إسحاق ابن الشيخ الصالح أبي زيد عبد الرحمن بن أبي يحيى نفع الله به وحاجبه الكبير المختار المرتضى الأعز أبي زيان عريف ابن الشيخ المرحوم أبي زكريا أيده الله تعالى وكاتبه الأمجد الأسعد أبي الفضل ابن الفقيه المكرم أبي عبد الله بن أبي مدين وفقه الله تعالى وسدده ومن معهم من الخاصة والزعماء والفرسان الماثلين في خدمة الجهة المصونة بلغها الله أربها وقبل قربها الواصلة بركبكم المبارك الرواح والمغذى المعان على إكمال فرض الحج المؤدى المرحولين بحمد العقبى كما حمد المبدا ففضضنا ختامه الذكي وأفضنا في حديث شكره الزكي وعرضنا منه بحضرتنا روضا يانع الروض به محكي وحضضنا نوابنا على إعانة خاصة وفده وعامتهم على قضاء النسك بذلك الحرم المكي وتلمحنا فصوله الميمونة فإذا هي مقصورات على مثوبات محضة ورغبات تؤدي من الحج فرضه وهبات يعامل بها من يضاعف أجره ويوفيه قرضه وقربات يحمد فاعلها يوم قيام الأشهاد نشره وحشره وعرضه
فأما ما ذكره من ورود الكتابين الواصلين إلى حضرته صحبة الشيخين الأجلين أبي محمد عبد الله بن صالح والحاج محمد بن أبي لمحان وأنه أمضى حكمهما وأجرى رسمهما فقد آثرنا للأجر حوزه واخترنا بالشكر فوزه وقصدنا بهما تجديد جلباب الوداد وتأكيد أسباب الولاء على البعاد وإلا فمع وجود إنصافه الحقوق من غاصبها تستعاد والوثوق بنصره للمظلوم وقهره للظالم لا يختلف فيه اعتقاد وقد شكرنا لكم ذلك الاحتفال وآثرنا حمدكم في المحافل والمحال
وأما ما نعته مما أشرتم إليه مما يتعين له التقديم ويستحق توفية حقه من (7/418)
تكريم التكريم وهو تجهيز ركبكم المحروس في السرى والمقام في خدمة من يقوم مقام الوالدة المرحومة في الاحترام سقى الله صوب الرحمة صفيحها ورقى إلى الغرفات روحها ومعها وجوه دولتكم الغر وأعيان مملكتكم من سراة بني مرين الذين تبهج مرائيهم وتسر وما نبهتم عليه من ارتفاع شأنهم واجتماع فرسانهم واستيداع أمانتنا نفائس أنفسهم وأديانهم فقد استقبلناهم على بعد بالإكرام وأحللناهم من القرب في أعلى مقام وصرفنا إلى تلقائهم وجه الإقبال والاهتمام وعرفنا حقهم أهل الإسلام ونشرنا لهم بفنائنا الأعلام ويسرنا لهم باعتنائنا كل مرام وأمرنا بتسهيل طريقهم وتوصيل البر لفريقهم وأسدلنا الخلع على جميعهم واحتفلنا بهم في قدومهم ومقامهم وتشييعهم وأجزلنا لهم أقسام الإنعام في توجيههم وكذلك يكون في رجوعهم وعرضوا بين أيدينا ما أصحبتهم من الطرف والهدايا التي لا تحملها ظهور البحار فكيف ظهور المطايا من عقود منظمة وبرود مسهمة ومطارف معلمه ولطائف بالإمكان والإتقان معلمه وصنائع محكمة وبدائع للأفهام مفحمة وذخائر معظمة وضرائر للشموس في الكون والسمة وبواتر تفرق بين الهام والأجسام والهام ملحمة وأخاير بمقدار مهديها في الجلال مفهمة وخيول مسومة بالأهلة مسرجة وبالنجوم ملجمة معودة نزال الأبطال معلمة ذوات صدور مبقورة وأكفال مسلمة تسحب من الحرير أذيالا وتصحب من الوشي سربالا وتميس بحللها وحلاها عجبا واختيالا ويقيس مشبهها سرعتها بالبرق فلا يتغالى عاتيات الأجسام عاليات كالآكام لفحولها صهيل يذعر الأسود ولسنابكها وقع يفطر الجلمود أتعبت الرواض وركبت منها صهوة كل بحر سابح حيث لجج الموت تخاض وقرنت مرابطها بحماية جواهر النفوس من الأعراض وجنيبة تجر من ذيولها كل فضاض وحسبت لاختلاف شياتها كأنها قطع الرياض من شهب كأنما ارتدت الأقاح (7/419)
أو غدت رافلة في حلل الإصباح ودهم نفضت عليها الليالي صبغها فلا براح وربما أغفلت من ذلك غرر وأوضاح وكمت كأنها فتح صلب البطاح تطير إلى الظفر بجناح وحمر كأنها خلقت للنجاح وأطلقت أعنتها فقالت ألسنة أسنتها للطرائد لا براح وخضر كأنها البزاة الموشاة الوشاح أو مشيب في الشباب قد لاح وشقر تكبو في طلبها الرياح وتخبو نار البرق إذا أمسى بسنا سنابكها اقتداح
ووراءها البغال التي تحمل الأثقال ولا تزل في الأوحال بحال وعليها الزناريات الموشعة وحليها الجلال الملمعة وهي تمشي رويدا وتبدي قوة وأيدا كأن قلامتها قناه عيدا وهي وافرة الأمداد فاخرة على الجياد باهرة العدد متكاثرة الأعداد راسخات القوائم كأنها أطواد شامخات الرؤوس حاليات الأجياد باذخات الأكفال غلاظ شداد وسارت لها إلى رحابنا انقياد وصارت من محل إسعاد إلى مواطن إصعاد فتقبلنا أجناسها وأنواعها وتأملنا غرائبها وإبداعها وجعلنا يوما أو بعض يوم في حواصلنا إيداعها ثم استصفينا منها نفائس آثرنا إليها إرجاعها وفرقنا في أوليائنا اجتماعها وقسمنا مشاعها وغنمنا لما أفاء الله صفاياها ومرباعها فتوالت لكل ولي منها منح وسارت إلى كل صفي منها ملح وقالت الألسنة وطالت في وصف ما عليه به فتح فاستبان (7/420)
ووضح وكان لأهل الإيمان بنعته أعظم هناء وأكبر فرح
وسطرناها وركبكم المبارك قد رامت السرى نجائبهم وأمت أم القرى ركائبهم يسايرهم الأمن ويصاحبهم ويظاهرهم اليمن ويواظبهم فقد أعدت لهم المير في جميع المنازل وشدت لهم الهجان البوازل وأترعت لهم الموارد والمناهل وأمرعت لهم بالميرة القفار والمراحل ووكلت بهم الحفظة في المخاوف ونصبت لهم الأدلة في المجاهل وجرد معهم الفرسان وجدد لهم الإحسان وأكد لهم حقان حق مرسلهم وحق الإيمان وقلد درك حياطتهم أمرا العربان وشوهد من تعظيمنا لهم ما يحسدهم عليه ملوك الزمان بكل مكان وكتبنا على أيديهم إلى أمراء الأشراف بالنهوض في خدمتهم والوقوف وأن يحيط بهم كل مقدم طائفة ويطوف يتسلمهم زعيم من زعيم إلى أن تحط رحالهم بالحطيم ويحل كل منهم بالمقام ويقيم وتكمل مناسكهم بشهود الموقف العظيم
وكذلك كتبنا إلى أمراء المدينة المشرفة أن تتلقى بالقبول الحسن مصحفه وتحله بين الروضة والمنبر وتجله فقد ربح سعي كاتبه وبر وكتبت له بعدد حروفه أجور توفر ويمكن من يرق لتلاوته في الآصال والبكر ويهيمن على ذلك فإنه من بيت هم الملاك الأعلى وعندهم وفيهم جاءت الآيات والسور
وعما قليل يتم حجهم واعتمارهم ويؤم طيبة الطيبة العاطرة زوارهم فيكرم جوارهم ويعظم فخارهم وتنعم بإشراق تلك الأنوار بصائرهم وأبصارهم وتفوح أرواح نجد من ثيابهم وتلوح أنوار القبول على شيبهم وشبابهم ثم يعودون إليها فنعيد لهم الصلات ونفيد كلا منهم ديم النعم المرسلات ثم يصدرون إن شاء الله إليكم ركائبهم بالمنائح مثقلات ومطالبهم بالمناجح مكملات ويظفرون من الله في الدارين بقسم النعم المجزلات حتى يلقوا (7/421)
برحابكم عصا التسيار ويصونوا حر وجوههم بالصبر على حر الهجير من لفح النار ويدخروا بما أنفقوا عند الله من درهم ودينار أجرا جما وما عند الله خير للأبرار والله تعالى يقربه من تلك المواطن ويدنيه منها بالظاهر وإن كان يسري إليها بالباطن ويسهل له ذلل الحرم وإن كان قد أعان القاطن والقادم حتى تحل ركائبه بين المروتين وتجيز ويكون له بذلك على ملوك الغرب تمييز وما ذلك على الله بعزيز
لا زالت مقبولة على المدى هداياه مجبولة على الندى سجاياه مدلولة على الهدى قضاياه منصورة على العدا سراياه مبرورة أبدا تحاياه
والسلام الأتم الذي يعبق رياه والثناء الأعم المشرق محياه عليكم ورحمة الله وبركاته والخير يكون إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب الكتاب الوارد على الملك الناصر محمد بن قلاوون من ابن أبي الحسن علي المريني صاحب فاس المغرب بالبشارة بفتح بجاية والانتصار على تلمسان
واستفتاحه بعد البسملة بقوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم )
ثم المكاتبة المعهودة من ألقاب الملكين والدعاء
والصدر (7/422)
قهر الله ببأسه من ناواه من أئمة الكفر وطغاته ونصره على من لاواه من حزب الشيطان وحماته
ونشر أعلامه بالظفر بمن خالفه من عداة الله وعداته
وأجراه من بلوغ الوطر في سكونه وحركاته على أجمل أوضاعه وأكمل عاداته ويسر له بدوام سعوده فتح ما استغلق من معاقل الحائدين عن مرضاته
ولا زالت ركائب البشائر عنه تسري وإليه من تلقائنا تسير ومصير الظفر حيث يصير ويدور الفلك المستدير بسعده الأثيل الأثير وينور الحلك بضوء جبينه الذي يهتدي به الضال ويلجأ إليه المستجير وتغور أعين العدا إن عاينوا جحفله الجرار وناهدوا جيشه المبير
بتحية تحكي اللطائم عرفها الشميم وتود الكمائم لو تفتقت عن مثل مالها من نضارة أو تسنيم ويود عقد الجوزاء لو انتظم في عقدها النضيد النظيم
وكيف لا وهي تحية صادرة عن مقام شريف إلى روضة غناء تزري بالنبت العميم واردة من محل عظيم على محيا وسيم منطوية على الأرض من سلامة ولملوك الإسلام من سلام سليم وطرفة نشرها كالمسك الذي ينبغي أن يختتم به هذا الكتاب وثناء يستفز الألباب ويستقر في حبات قلوب الأحباب ويستدر أخلاف الودين المتحابين في الله فلا غرو أن دخلت عليهم ملائكة النصر من كل باب
يتسابقان إلى ذلك المجد الأسنى في أسعد مضمار ويتساوقان بحياز قصبات السبق إلى تلك العصبة المشرقة الأنوار ويزداد فيهما بالوفود عليه طيبا ويغدو عود الود بهما رطيبا حيث الربع مريع والمهيع منيع والعز مجدد والقدر مطيع وسحب الكرم ثرة ورياض الفضل مخضرة وعساكر النصر تحل نحوه من المجرة حيث تستعر الحرب ويستحر الضرب وتشرق شموس المشرفيات لامعة (7/423)
أما بعد حمد الله مظهر دينه على كل دين ومطهر أرجاء البسيطة من الماردين المارقين ومجرد سيف النصر على الجاحدين الحائدين وموهن كيد الكافرين ومجزل أجر الصابرين ومنجز وعد من بشرهم في كتابه المبين بقوله ( بل الله مولاكم وهو خير الناصرين )
الذي عصم حمى الإسلام بكل ملك قاهر وفصم عرى الشرك بكل سلطان غدا على عدو الله وعدوه بالحق ظاهر وقصم كل فاجر بمهابة أئمة الهدى الذين ما منهم إلا من هو للمحاسن ناظم ولقم العدا ناثر ناشر علم الإيمان بحماة الأمصار وناصر علم الإسلام بملوك الأقطار وجاعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى لا جرم أن لهم النار جامع قلوب أهل الإيمان على إعلاء علم الدين الحنيف وإن بعدت بينهم شقة النوى وشط المزار
سيدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين ونقمة على الكفار ونصره بالرعب مسيرة شهر وبالملائكة الكرام في إيراد كل أمر وإصدار وألان ببأسه صلب الصلبوت وأهان بالتنكيس عبدة الأصنام وسدنة النار وأيده بآل وأصهار وأصحاب وأنصار وجنود تهون النقع المثار وأتباع ما أظلم خطب إلا أجالوا سيوفهم فبدا نجم الظفر في سماء الإيمان وأنار وأمة ظاهرة على من ناواها ظافرة بمن عاداها ما تعاقب الليل والنهار صلاة وتسليما يدومان بدوام العشي والإبكار
فقد ورد علينا كتاب مختوم بالتكريم محتوم بالتبجيل والتقديم محتو على وصف فضل الله العميم ونصره العظيم ومنه الجسيم فأكرمنا نزله ونشرنا حلله وتفهمنا تفاصيله وجمله فتيمنا بوصوله وتأملنا مخايل النصر العزيز من فصوله ووجدناه قد اشتمل من سعادة مرسله على أنواع ومن وصف تعداد نصرته على عون الله ومن يعن الله فهو المنصور المطاع (7/424)
فأما ما ذكره المقام العالي من أمر الوالدة المقدس صفيحها
المغمور بالرحمة ضريحها وما كانت عزمت عليه من قصد مبرور وتجارة لن تبور وأم إلى البيت الآمن والحرم المعمور وما فاجأها من الأجل وعاجلها من أمر الله عز و جل فالمقام أجزل الله ثوابه يتحقق أن النية في الأجور أبلغ من العمل وأنه من أجاب داعي الحمام فلا تقصير في فعله ولا خلل والله نسأل أن يكتب لها ما نؤته من خير وأن يطيف روحها الزكية ببيته المعمور في جنات عدن كما أطاف أرواح الشهداء في حواصل ذلك الطير
وكنا نود أن لو قدمت ليتلقاها منا زائد الإكرام ويوافي مضاربها وافد الاحتفال والاهتمام ونستجلب دعواتها الخالصة الصالحة وتظفر هي من مشاهدة الحرم المعظم والمثوى المكرم والبيت المقدس بالصفقة الرابحة
على أنه من ورد من تلقائكم قابلناه من جميل الوفادة بما به يليق وتقدمنا بمعاملته بما هو به حقيق ويسرنا له السبيل وهديناه الطريق وأبلغناه في حرز السلامة مع ركبنا الشريف أمله من قضاء المناسك والتطواف بالبيت العتيق
وأما ما أشار إليه من أمر من كان بتلمسان وأنه ممن لا يعرف مواقع الإحسان وما وصفه المقام العالي من أحوال ليس الخبر فيها كالعيان وأنه اعتدى على من يتاخمه من الملوك وخرج عن القصد فيما اعتمده من ذلك السلوك حتى أن ملك تونس أرسل إلى المقام ابنه ووزيره وسأله أن يكون ظهيره على الحق ونصيره وأن المقام العالي أرسل إلى ذلك الشخص منكرا اعتماده طالبا إصلاحه لا إفساده راجيا أن يكون ممن تنفعه الذكرى ظانا أنه ممن يأبى أن يقال له ( لقد جئت شيئا نكرا ) وأنه بعد ذلك تمادى على غيه وأراد أن يذوق طعم الموت في حيه وأبى الظالم إلا نفورا وذكر الممالك عنه أنه قتل أباه بعد أن آتاه الله به نعمة وملكا كبيرا
وأن المقام العالي أتاه نبأ عن أخيه المقيم (7/425)
بسجلماسة وخبر صدق أوجب أن يعامل بما يليق بجميل السياسة وحريز الحراسة فجند المقام له جنودا وعقد بنودا وأضرى أسودا أوهنت كيده وأذهبت أيده وعاجلت صيده وأذالت باسه وأزالت عنه سيما الملك ونزعت لباسه
وأنه في غضون ذلك أتاه سلطان الأندلس يستصرخ به على عدو الله وعدو المؤمنين ويستعديه على الكفرة المعتدين وأن المقام لبى دعوته مسرعا وأكرم نزله ممرعا ووعده الجميل وحقق له التأميل
وأن صاحب تلمسان لما غره الإمهال وظن هذه المهام توجب للمقام بعض اشتغال أعمل أطماعه في التجري على بعض ممالكه المحروسة ومد وسار إلى محل هو بينهما كالحد
وأن المقام عند ذلك صرف إليه وجه العزم وأخذ في حفظ شأنه بما لأعلام النصر من نصب وما للاعتداء من رفع وما للاهتمام من جزم
وأنه لم يقدر عليه إلا بعد أن حذره من أليم العقاب حلولا وتمسك فيه بقوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ولما لم ينفعه الإنذار وأبى إلا المداومة والإصرار أرسل إليه المقام العالي من جيشه الخضم وعسكره الذي طالما تعضده ملائكة السماء وإلى أعداده تنضم كل باسل يقوم مقام الكتيبة وكل مشاهد يشاهد منه في العرين كل غريبة وكل ضرغام تعرف العدا مواقع ضربه لكنها تجهل نده أو ضريبه فأذاقوه كأس الحمام صرفا ولم يبتغوا عن حماه بدون نفسه عدلا ولا (7/426)
صرفا إلى أن أخذوه في جماعة من بني أبيه وشرذمة قليلة ممن كانت تخالصه في الشدائد وتوافيه وأن المقام العالي بعد ذلك سير مطارف العدل في الرعية وأقر أحوالهم في عدم التعرض إلى الأموال والذرية على ما هو المسنون في قتال البغاة من الأمور الشرعية
وفهمنا جميع ما شرحه في هذا الفصل وما أخبر به من هذا الظفر الذي ابيض به وجه الفتح وإن كان قد احمر به صدر النصل والله تعالى يزيد ملكه رقيا ويجزيه لقبول النعم لقيا ويجعله دائما كوصفه مظفرا وكاسمه عليا
وأن المقام العالي لما فرغ وجهه من هذه الوجهة وحاز هذا الملك الذي لم يحز آباؤه كنهه عاد إلى المهم الذي قدم فيه سلطان الأندلس لأنه أبدى ما المسلمون فيه من محاورة الأذى ومجاورة العدا وقرب المسافة بين هذين العدوين كالشجا وفي عيونهم كالقذى
وأنه ثوى به من الطغاة من أسدل على المسلمين أردية الردى وأنه على جانب البحر المعروف بالزقاق وبه قطان يمنعون الإرفاد والإرفاق ويصدون عن السبيل من قصد سلوكه من الرفاق
وأن البر أيضا مملوء منهم بصقور صائده وعلوج مكايده وكفار معانده وفجار على السوء متعاضده والبحر مشحون بغربان طائرة بأجنحة القلوع طاردة صادرة بالموت وارده جارية في فلك البحر كالأعلام إلا أنها بالإعلام بالخبر شاهده تتخطف كل آدم وقاصد وتقعد لأهل الإيمان بالمراصد وتدني الموت الأحمر ممن ركب البحر الأخضر وتمنع السالك إلا أن يكون من أهل الضلال الحالك من بني الأصفر
وأن المقام العالي عند ذلك قام الله وغار وأنجد جنوده في طلب الثار من أهل النار وأغار وأنجد قاصد حرمه ببعوث كرمه وأعار وأرسل عقبان فرسانه محلقة إلى ذلك الجبل الشامخ الذرى وأطار إلى أن أحاطت بهم جنوده إحاطة الآساد بالفرائس لا إحاطة الهالات بالأقمار فما منهم إلا من أعمل على العدا (7/427)
رحى المنون وأدار وسار وناعي البين يقدمه إلى أين سار وقدم عليهم ولده الميمون النقيبة الممنوح غربه من مواقع النصر بكل غريبة الجاري على سنن آبائه الكرام المظفر أنى سرى الممدوح حيث أقام
وأنه مزق جموعهم الكثيفة وهدم معاقلهم المنيفة واستدنى منهم القاصي واستنزل العاصي وأخذ بالأقدام والنواصي وأحل العذاب والنكال بمن يستحقه من أهل الإلحاد والمعاصي وقرن بين الأرواح والآجال وأذكرهم بهذا النصر أيام ابن نصر وأعاد وأثبت لهذا الجبل حقيقة اسم المدح واستقر في صحائف فعله المقام إلى آخر هذا المنح
وعلمنا أيضا ما اعتمده الطاغي المغتال لعنه الله من الحضور بنفسه وجمعه الملحدين من أبناء خدمته والمارقين من جنسه
وأنه أعظم هذا الأمر وأكبر وأبدى الزفير لهذا المصاب وأظهر وأقسم بمعبوده المصور وصليبه المكسر أن لا يعود إلا بعد أن يظفر بما سلبه الحق إياه وتبصر فأبى الله والمؤمنون أن تكون النية إلا خائبة وقضت سعادة الإسلام أن تكون الأيام لما عقده من الطوية الردية ناكبة فلما طال عليه الأمد وحان الحين عاد صفر اليدين ولكن بخفي حنين ناكصا على عقبه خاسئا لسوء منقلبه وأسرع إلى مقر طاغوته (7/428)
سرى وسيرا ولو كان من ذوي الألباب لتعقل في أمر قول الله تعالى ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا )
وأن المقام العالي ألزمه بعد ذلك ما كان على أهل أغرناطة له في كل عام موظفا ووضع عنهم إصر ما برج كالأسر مجحفا
وهذه عزة إسلامية جدد الله على يد المقام بذلك القطر صدورها وسطر في صحائف حسناته أجورها وأبقى له مذخورها وأعدها له ليوم تجد فيه كل نفس ما عملت من خير محضرا إذا شاهدت عرضها ونشرها ومنة من الله أربت على العد وتجاوزت الحد ومزية لا تطمح الآمال إلى ميلها في جانبها ولا تمتد ورتب جد يلحق بها الولد الناجم في سماء المعالي رتب الكرام من أب له وجد والله يجعله مظفرا على العدا منصورا على من حاد عن سواء السبيل واعتدى مستحقا لمحاسن الأخبار على قرب المدة وبعد المدى
وقد كان أخونا أمير المسلمين وسلطان الموحدين والدك الشهيد قدس الله سره وبوأه دار النعيم وبها أقره في كل آونة يخبرنا بمثل هذا الفتح ويذكر لنا ما ناله من جزيل المنح فهذه شنشنة نعرفها من أخزم وسنة سلك فيها الشبل الصائد سنن ذلك الضيغم الأعظم ونحن نحمد الله الذي أقام المقام مقام (7/429)
أبيه لنصرة الإسلام وأبقى وصدق بما تنشئه من حسن أفعالك وسعيد آرائك أنك أبو الحسين وأن أباك أبو سعيد حقا
وحيث سلك المقام سنن والده الشهيد وأتحفنا من أنبائه بكل جديد وقص علينا أحاديث ذلك الجانب الغربي المشرق بأنواره ونص متجدداته مفصلة حتى صرنا كأنا مشاهدون لذلك النصر ومواقع آثاره فقضى الود أن نتحفه من أحاديث جيشنا الذي أشرقت لمعات سيوفه في الشرق الأعلى بما يشنف سمعه ويسر معشر الإسلام وجمعه وموطنه وربعه ليتحقق أن نعم الله لكل من قام بتشييد هذا الدين المحمدي عامة ومننه لديهم تامة وألطافه بهم حافة ومناصرته ليد سلطان الإسلام في أعناق العدا مطلقة ولأكف أهل الشرك كافة ( وأما بنعمة ربك فحدث )
فمما نبديه لعلمه ونهديه لسعيد فهمه أن من جملة من يحمل لأبوابنا الشريفة من ملوك الكفر القطيعة في كل عام ويرى أن ذلك من جملة الإفضال عليه والإنعام متملك سيس الذي هو في ملته من ساكني البر كالرئيس وبين بطارقته وطغاته كالكتد الأعظم أو كالقدس النفيس وعليه مع ذلك لأبوابنا الشريفة من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة ما لا يحيد عنه ولا يحيس ومرتب لا يقبل التنقيص ولا يسمح لخناقه بتنفيس تحمله نوابه إلى أبوابنا الشريفة عن يد وهم صاغرون ويقومون به على قدم العبودية وهم ضارعون
ولما كان في العام الماضي سوف ببعضه وأخر ودافع عند إبانه وقصر وسأل مراحمنا في تنقيص بعض ذلك المقرر وأرسل ضراعاته إلى نوابنا بالممالك (7/430)
الشامية في هذا المعنى وقدر في نفسه المراوغة وأسر خسرا في ارتعا والله أعلم بما قدر فاقتضت آراؤنا الشريفة أن نرسل إليه بعثا يذلل قياده وينكس صعاده ويخرب بلاده ويوطيء أطواده ويوهن عناده ويذهب فساده ويفرق أجناده ويمزق أنجاده ويقلل أعداده ويفلل جموعه ويدكدك ربوعه ويذري على ملكه دموعه ويدني خضوعه ويفصل تلك الأبدان التي هي للطغيان مجموعه فأنهضنا إليه من الأبطال كل باسل وأنهدنا إليه منهم كل ضرغام خادر يظن الجاهل أنه متكاسل وأشهدنا حربه كل مؤمن يرى الشهادة مغنما والتخلف مأثما والتباطؤ مغرما والعذر في هذا المهم أمر محرما ويعد الركوب إلى هذا السفر قربه والركون إلى وطنه غربه ويرغب فيما وعد الله به جيشه المنصور وحزبه ويربأ بنفسه أن يكون من الخالفين حبا لها وتكريما ويبادر إلى ما أمر به رغبة في قوله تعالى ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) على صافنات جياد ليس لها غير الطير في سرعة المرام أضداد وعاديات عاديات على أهل العناد وضابحات ذابحات لذوي الفساد ومغيرات طالما أسفر صبحها عن النجاح ومثيرات نقع يتبلج غيهبها عن تحقق النجاة وإزالة الجناح
وصواهل عراب كم للفضل بها من كمون وللموت اقتراب وأصائل خيل تخيل لراكبها أنها أجرى من الرياح وأسرى من الليل قد عقد الخير بنواصيها وعهد النصر من أعرافها وصياصيها وتسنم راكبوها لذروة العز من ظهورها واحتووا على الكبير الأعلى من نصرتها على العدا وظهورها بسيوف تبدد الأوهام وتزيل الإيهام وتقد الهام وتدني الموت الزؤام وتطهر بميامنها نجس الشرك ودنسه وتقرع أجسادهم فتغدو كلها عيونا ولكن بالدماء منجسه قد تسربل كل منهم من الإيمان درعا حصينا واتخذ لبسه جنة ولكن من الذهب (7/431)
والإستبرق ليكون لفضل الله مظهرا ولإحساننا مبينا واتخذ لسهام القسي ليوم اللقاء الألسن الحداد ومد يد المظاهرة ببيض قصار وسمر صعاد
فلما جاسوا خلال تلك الديار وماسوا يرفلون في حلل الإيمان التي تشفي صدور قوم مؤمنين وتغيظ الكفار لم يسلكوا شعبا إلا سلك شيطان الكفر شعبا سواه ولا وطئوا موطئا إلا وكل كافر يأباه ولا نالوا من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح كما وعدهم الله وما أتوا لهم على ضرع حافل إلا جف ولا مروا على زرع حاقل إلا أصبح هشيما تذروه الرياح أو حطيما تكفيه الكف ولا هشيم إلا حرقوه ولا جمع إلا فرقوه ولا قطيع شاء إلا قطعوه ومزقوه ولا ضائز إلا ضنوا عليه أن يدعوه لهم أو يطلقوه وما برحوا كذلك إلى أن نازلوا البلد المسمى بآياس فحصل لأهله من مسماه الاشتقاق الأصغر والاشتقاق الأكبر بقطع الأمل منه واتصال الإياس فناداهم من بذلك الحصن من أسارى المؤمنين
( يا رحمة الله حلي في منازلنا ... حسبي برائحة الفردوس من فيك ) (7/432)
ويا نصر الله أنشر بالظفر رايات مواجهنا ومنازلنا فطالما كنا نؤملك ونرتجيك ويا خيل الله اركبي ويا خيل الكفار اذهبي ويا جند إبليس ارهبي من جند الله الغالبين وإن وجدت مناصا فانفري وياما للإسلام من جنود وأنصار قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
وكانت موافاة عسكرنا المنصور إليهم عند الإسفار فلم يملكوا القرار ولا استطاعوا الفرار ولم يجدوا ملجأ من الله إلا إليه
وقال لا وزر وكيف به لمن يلبي الأوزار ورأوا ما أعددنا لحصارهم من مجانيق تقد الصخور وتدكدك القصور وتغيض بها مياه نفوس تلك الأجساد الخبيثة فلا يجتمعان إلى يوم البعث والنشور وأنا أمددنا جيوشنا بجاريات في بحر الفرات مشحونة بالأموال والأقوات والعدد والآلات وأرفدناهم من الذهب والفضة بالقناطير المقنطرات وأوفدنا عليهم من أنجادنا بالديار البكرية وأطراف البلاد الشامية جيوشا كالسحاب المتراكم وأطرنا عليهم عقبان اقتناص من عقبان التراكمين اعتادت صيد الأراقم وأسر الضراغم فلما تحققوا الدمار لم يلبثوا إلا كما وصف الله تعالى حال من أهلك من القوم الفاسقين ساعة من نهار
فعند الظهيرة حمي الوطيس ونكص عند إعلان الأذان على عقبه إبليس وشاهدوا الموت عيانا وتحققوا الذهاب أموالا وإخوانا وولدانا أذعنوا إلى السلم ونادوا الأمان الأمان يا أهل الإيمان والعلم والكف الكف يا جند الملك الموصوف عند الشقاق بالحزم وعند القدرة على العقاب بالحلم
وأرسل طاغيتهم الأكبر ليفون يقسم بصليبه إنا من القوم الذين يقومون بما عليهم من الجزية ويوفون ومن الرعية الذين يطيعون أمر ملكهم الأعظم وعن حمى الإسلام (7/433)
يكفون فعند ذلك رأى نوابنا بذلك العسكر أن تكف عنهم شقة الشقاق وتطوى ولانت قلوبهم لتذكار قوله تعالى ( وأن تعفوا أقرب للتقوى )
وطالعوا علومنا بما سأله القوم من الرحمة والرأفة وما ضرعوا إليهم فيه من الأمان والألفة وإعطاء ما كنا رسمنا به من تسليم قلاع معدوده وتسويغ أرض محدودة تستقر بيد نوابنا تقطع بالمناشير الشريفة لأهل الجهاد من أبوابنا مع استقرار ما رسمنا به من قطيعة وعقد الهدنة على أمور هي عندنا محببة ولديهم فظيعة
هذا بعد أن استولت عساكرنا على قلاع لهم وحصون ومحرز من أموالهم ومصون وطلعت أعلامنا المحمدية على قلعة آياس ونزل أهل الكفر على حكم أهل الإيمان وزال التحفظ والاحتراس وأعلن بالأذان في ذلك الصرح وظهرت كلمة الإيمان كما بدأت أول مرة وهذا يغني عن الشرح وعلت الملة الحنيفية بذلك القطر وقام أهلها وصالوا وغلت أيدي الكفار ولعنوا بما قالوا
وكان جيشنا قبل ذلك أخذ قلعة تسمى بكاورا واستنزلوا أهلها قسرا واستزالوهم عنها ما بين قتلى وأسرى وهي قلعة شامخة الذرى فسيحة العرا وثيقة العرا يكاد الطرف يرجع عنها خاسئا
ولما اتصل بأبوابنا هذا الخبر السار وشفع لنا من نرى قبول شفاعته في إجابة ما سأله هذا الشعب من إرجاء عذاب أهل الكفر إلى نار تلك الدار مننا عليهم بالأمان وقابلناهم بعد العدل بالإحسان وتقدم أمرنا إلى نوابنا بكف السيف وإغماده وإطفاء مسعر الحرب وإخماده وأن يجرى المن على مألوفه منا ومعتاده بعد تسليم تلك القلاع وهدم الأسوار التي كان بها لأهل الكفر الامتناع واستبقاء الرعية واستحياء الذرية وإجراء الهدنة المسؤولة على القواعد الشرعية وعاد عسكرنا منشور الذوئب مظفر الكتائب مؤيد المواكب مشحونا بغرائب الرغائب (7/434)
وعند وصولهم إلى أبوابنا فتحنا لهم أبواب العطاء الأوفر وبدلناهم بالتي هي أحسن وعوضناهم الذي هو أكثر وأفضنا عليهم من خلع القبول ما أنساهم مشقة ذلك السرى وشقة السير وتلا عليهم لسان الإنصاف ( ولباس التقوى ذلك خير )
وبعد ذلك ورد علينا كتاب بعض نوابنا بالأطراف من أولاد قرمان القائمين بمشارق ممالكنا على وجه الأمن وسعة الأمان بأنهم عند عودهم من سيس ونصرتهم على حرب إبليس استطردوا فأخذوا للكفر تسع قلاع ما برحت شديدة الامتناع لا تمتد إليها الأطماع فتكمل المأخوذ في هذه السفرة وما قبلها خمس عشرة قلعة وبدد الله شمل الكفر وفرق جمعه وآثرنا أن نعلم المقام العالي بلمحة مما لله لدينا من النعم ولبره من شارة يستدل بها على أثر أخلاف كالديم ونطلعه على درة من سحاب وغرفة من بحر عباب وطرفة نشرها كالمسك الذي ينبغي أن يختتم بها هذا الكتاب
ونحن نرغب إلى المقام أن يواصل بكتبه المفتتحة بالوداد المشتملة على النصرة على أهل العناد المشحونة بمواقع الفتح والظفر التي تتضاعف إن شاء الله وتزداد المحتوية على الطارف من الإخلاص والتلاد المتصل سببها بين الآباء الكرام ونجباء الأولاد والله تعالى يجعله دائما لثمرات النصر من الرماح يجتني ولوجوه الفتح من الصوارم يجتلي ويديم على الإسلام مزيد العز الذي يتجدد كل آونة من طلائع رايات محمد وبدائع آراء علي بمنه وكرمه (7/435)
وهذه نسخة كتاب جواب إلى صاحب فاس حيث ورد كتابه بالتعرض لوقعة تمرلنك من إنشاء مؤلفه كتب بذلك عن السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق وهو
عبد الله ووليه السلطان الأعظم إلى إخر ألقاب سلطاننا أجرى الله تعالى الأقدار برفعة قدره وأدار الأفلاك بتأييده ونصره وأذل رقاب الأعداء بسطوته وقهره وشحن الأقطار بسمعته وملأ الآفاق بذكره يخص المقام العالي إلى آخر الألقاب رفع الله تعالى له في ملكه الشامخ منارا وجعل النصر والظفر له شعارا وأحسن بحسن مواتاته إلا لأهل الكفر جوارا بسلام يفوق العبير عبيقه ويزري بفتيق المسك الداري فتيقه ويخجل الروض المنمنم إذا تزين بالبهار خلوقه وثناء تكل الألسنة البليغة عن وصفه ويعجز بناة المجد الأثيل عن حسن رصفه وتعترف الأزاهر بالقصور عن طيب أرجه ومسك عرفه وشكر يوالي الورد فيه الصدر ويحقق الخبر فيه الخبر ويشيع في الآفاق ذكره فتتخذه السمار حديث سمر
أما بعد حمد الله واصل أسباب المودة وحافظ نظامها ومؤكد علائق المحبة بشدة التئامها ورابط جأش المعاضدة باتحاد وتناسب مرامها ومجدد مسرات القلوب بتوالي أخبارها المبهجة عن عالي مقامها
سيدنا محمد أفضل نبي رعى الذمام على البعاد وأكرم رسول قرن صدق الإخاء منه بصحة الوداد صلاة تبلغ من رتبة الشرف منتهاها وتنطوي الشقة البعيدة دون بلوغ مداها فإن ورد علينا على يد رسولكم فلان كتاب كريم طاب وروده (7/436)
وتهللت بالبشر سعوده وشهد بصدق المحبة الصادقة شهوده وطلع من الجانب الغربي هلاله فلاحت بالمشرق بحسن التلقي سعوده فقر منه برؤيته الناظر وابتهج بموافاته الخاطر ولاحت من جوانبه لوائح البشر فأحسن تلقيه سلطاننا الناصر
وقابلناه من القبول بما كاد باطنه لكمال الموافاة يكون عنوانا للظاهر وفضضنا ختامه المصون عن بديع كلام مخترع وبنات فكر قبله لم تفترع وفصاحة قد أحكم اللسن مبانيها وبلاغة تناسبت ألفاظها فكانت قوالب لمعانيها وبراعة قد أحسنت البديهة ترتيبها فجاءت وتواليها تتبع هواديها وفهمنا ما أظهره من كوامن المحبة التي بلغت من القلب الشغاف وبوارح الشوق الذي عندنا من مثله أضعاف أضعاف وانتهينا إلى ما أشار إليه المقام العالي من التلويح إلى ما طرق أطراف ممالكنا الشريفة من طارق الاعتدا وما كان من الواقعة التي كان خبرها لفظاعته يكون كالمبتدا
ونحن نبدي لعلم المقام العالي ما يوضح له أن ما وقع من هذه القصة لم يكن عن سوء تدبير ونورد عليه من بيان السبب ما يحقق عنده أن ذلك لم يكن لعجز ولا تقصير بل لأمر قدر في الأزل ومقدور الله تعالى لا يدفع بالحيل
وذلك أنه لما اتصل بمسامعنا الشريفة قصد العدو إلى جهتنا وتجاوزه حد بلاده إلى أطراف مملكتنا بادرنا الحركة إليه في عسكر لجب وجيوش يضيق عن وسعها الفضاء الرحب من كل بطل عركته الحروب وثقفته الخطوب وحنكته التجارب وعجم عوده بكثرة المنازلات قراع الكتائب
قد امتطى طرفا عربي الأصل كريم الحسب خالص العتق صريح النسب يفوت الطرف مدى باعه المديد ويسبق حافره موقع بصره الحديد
ولبس درعا قد أحكم سردها وأبرم (7/437)
شدها وبالغت في السبوغ فاتصفت بصفات الكرام وضاقت عينها فمنعت شبحا حتى ذباب السهام
ووضع على رأسه بيضة يخطف الأبصار وميض برقها وتزلق السهام الراشقة صلابة طرقها وترفعها الأبطال على الرؤوس فلا ترى أنها قامت ببعض حقها
وتقلد سيفا يمضي على الرقاب نافذ حكمه ويقضي بانقضاء الأجل انقضاض نجمه لا ينبو عن ضريبة فيرد ولا يقف حده في القطع عند حد
واعتقل رمحا يجري الدماء سنانه بأنابيبه ويمد إلى الفارس باعه الطويل فيأخذ بتلابيبه وتتمسك المنايا بأسبابه فتتعلق منه بالأذيال وتضرس الحرب برزق أنيابه كأنها أنياب أغوال
وتنكب قوسا موعز الآجال هلال هلالها ومورد المنون إرسال نبالها ومدرك الثار رنة وترها وموقد نار الحرب قدح شررها قد اقترن بها سهام تسابق الريح في سرعتها وتعاجل الموت بصرعتها وتختطف العيون في ممرها وتختلس النفوس من مقرها تدخل هجما كل محتجب وتأتي الحذر من حيث لا يحتسب
وتناول عمودا يهجم على الأضالع بأضلاعه فيفدغها ويصافح الرؤوس بكفه الملتحمة الأصابع فيدمغها يقرب من الأجل كل بعيد ويخلق من العمر كل جديد ولا يقاومه في الدفاع بيضة وأنى تقاوم البيضة زبرة من حديد
وتحركنا من الديار المصرية في جيوش لا يأخذها حصر ولا يلحقها هصر ولا يظن بها على كثرة الأعداد كسر ولم نزل نحث السير ونسرع الحركة للقاء العدو إسراع الطير حتى وافينا دمشق المحروسة فنزلنا بظاهرها مستمطرين النصر في أوائل حركتنا وأواخرها وانضم إلينا من عساكر الشام وعربانها وتركمانها الزائدة على العد وعشرانها مالا ينقطع له مدد ولا يدخل تحت حصر (7/438)
ولا عدد
وأقبل القوم في لفيف كالجراد المنتشر وأمواج البحر التي لا تنحصر من أجناس مختلفة وجموع على تباين الأنواع مؤتلفة وتراءى الجمعان في أفسح مكان ورأى كل قبيل الآخر رأى العين وليس الخبر كالعيان واعتد الفريقان للنزال واحتفروا خنادق للاحتراس وتبوأنا مقاعد للقتال ولم يبق إلا المبارزة والتقاء الصفوف والمناجزة إذ ورد وارد من جهتهم بطلب الصلح والموادعة والجنوح إلى السلم وقطع المنازعة فأجبناهم بالإجابة ورأينا أن حقن الدماء من الجانبين من أتم مواقع الرأي إصابة وكتبنا إليهم في ضمن الجواب
( لما أتانا منكم قاصد ... يسأل في الصلح وكف القتال )
( قلنا له نعم الذي قلته ... والصلح خير وأجبنا السؤال )
فبينا نحن على ذلك واقفون من المواعدة على الموادعة على ما هنالك إذ بلغنا أن طائفة من الخونة الذين ضل سعيهم وعاد عليهم بالوبال ولله الحمد بغيهم توجهوا إلى الديار المصرية للاستيلاء على تخت ملكنا الشريف في الغيبة آملين ما لم يحصلوا منه إلى على الخيبة فلم يسع إلا الإسراع في طلبهم للقبض عليهم وإيقاع النكال بهم وجازيناهم بما يجازي به الملوك من رام مرامهم وظن العدو أن قصدنا الديار المصرية إنما كان لخوف أو فشل فأخذ في خداع أهل البلد حتى سلموه إليه وفعل فعلته التي فعل ليقضي الله أمرا كان مفعولا
ثم لم نزل ندأب في تحصين البلاد وترويج أعمالها وترتيب أمورها وتعديل أحوالها حائطين أقطارها المتسعة بجيوش لا يكل حدها ولا يعقب بالجزر مدها ليكونوا للبلاد أسوارا وللدولة القاهرة إن شاء الله تعالى أعوانا وأنصارا وأعاد الله تعالى المملكة إلى حالها المعروف وترتيبها المألوف فاستقرت بعد الاضطراب وتوطنت بعد الاغتراب
وفي خلال ذلك ترددت الرسل إلينا في عقد الصلح وإمضائه ودفن ما كان (7/439)
بين الفريقين من المباينة وإخفائه فلم يسعنا التلكؤ عن المصالحة بل سعينا سعيها والله تعالى يقول ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها )
فعقدنا لهم عقد الصلح وأمضيناه وأحكمنا قواعده توكلا على الله تعالى وأبرمناه وجهزنا إليهم نسخة منه طمغت بطمغة قانهم عليها وأعيدت إلينا بعد ذلك ليكون المرجع عند الاختلاف والعياذ بالله تعالى إليها ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما )
والله تعالى يجنب إخاءكم الكريم مواقع الغير ويقرن مودته الصادقة بصفاء لا يشوبه على ممر الزمان كدر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجملة الرابعة في مكاتبة ملك المسلمين بالأندلس
وهو صاحب غرناطة وقلعتها تسمى حمراء غرناطة
وقد تقدم في المقالة الثانية في المسالك والممالك ذكر هذه المملكة وأحوالها ومن ملكها جاهلية وإسلاما وأنها الآن بيد بني الأحمر
وقد ذكر في التعريف أنهم من ولد قيس ابن سعد بن عبادة سيد الخزرج الأنصاري صاحب رسول الله
وهي منهم الآن بيد السلطان محمد بن يوسف بن محمد المخلوع ابن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وقد أذل الله من يجاوره من نصارى الفرنج بسيفه وامتنع في أيامه ما كان يؤديه من قبله من أواخر ملوك الأندلس إلى ملك الفرنج من الإتاوة في كل سنة لاستقبال سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة وإلى آخر وقت
وقد ذكر في التعريف أن سلطانها كان في زمانه في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أبا الفضل يوسف ولعله يوسف بن إسماعيل المقدم (7/440)
ذكره
قال وهو شاب فاضل له يد في الموشحات
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف بعد البسملة أما بعد بخطبة مختصرة فهذه المفاوضة إلى الحضرة العلية السنية السرية العالمية العادلية المجاهدية المؤيدية المرابطية المثاغرية المظفرية المنصورية بقية شجرة الفخار وخالصلة سلف الأنصار المجاهد عن الدين والذاب عن حوزة المسلمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش خلاصة الخلافة المعظمة أثير الإمامة المكرمة ظهير أمير المؤمنين أبي فلان فلان
وهذا صدر لهذه المكاتبة ذكره في التعريف وهو
صدرت هذه المكاتبة إليه متكفلة بالنصر على بعد الدار
مجردة النصل إلا أنه الذي لا يؤخره البدار مسعدة بالهمم ولولا الاشتغال بجهاد أعداء الله فيمن قرب لما تقدمت سرعان الخيل ولا أقبلت إلا وفي أوائل طلائعها للأعداء الويل ولا كتبت إلا والعجاج يترب السطور والفجاج تقذف ما فيها على ظهور الصواهل إلى بطون البحور
مبدية ذكر ما عندنا بسببها لمجاورة الكفار ومحاورة السيوف التي لا تمل من النفار مع العلم بما لها في ذلك من فضيلة الجهاد ومزية الجلد على طول الجلاد ومصابرة السهر لأوقات منيمه ومكاثرة هذا العدو بالصبر ليكون لها غنيمه ونحن على إمدادها أيدها الله بالنصر وبالدعاء الذي هو أخف إليها من العساكر وأخفى مسيرا إذا قدر حقه الشاكر ثقة بأن الله سينصر حزبه الغالب ويكف عدوه المغالب ويصل بإمداد الملائكة لجنده ويأتي بالفتح أو بأمر من عنده لتجري ألطافه على ما عودت ويؤخذ الأعداء بالجريرة ولينصرن الله من ينصره وينظر إلى أهل هذه الجزيرة
والذي ذكره في التثقيف أن رسم المكاتبة إليه مثل صاحب تونس في القطع والخطابة والاختتام والعلامة والتعريف صاحب حمراء غرناطة (7/441)
وهذه نسخة جواب إلى صاحب حمراء غرناطة
وقد ورد كتابه في ورق أحمر يتضمن قيامه بأمر الجهاد في الكفار وما حصل من استيلاء بعض أقاربه على ملكه ونزعه منه وأنه استظهر بعد ذلك على المذكور وقتله وعاد إلى ملكه على عادته
في جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة وهي نخص الحضرة العلية حضرة الأمير فلان وألقابه جعل الله له النصر أين سار قرينا والظفر والاستظهار مصاحبا وخدينا وزاد في محله الأسنى تمكينا وتأمينا ومنح أفقه الغربي من أسرة وجهه المتلأليء الإشراق ومهابة بطشه الذي يورد العدا موارد الردى بالاتفاق تحسينا وتحصينا بإهداء السلام الذي يتأرج عرفا ويتبلج وصفا ويكاد يمازح النسيم لطفا وإبداء الشكر الذي جلله ملابس الإكرام وأضفى وأجمل منه نفائس عقد المودة التي أظهرها فلم تكن تخفى
ثم بعد حمد الله مؤكد أسباب علاه ومؤيد موجبات نصره وما النصر إلا من عند الله سيدنا محمد عبده ورسوله الذي أمده بملائكته المقربين ونصره بالرعب مسيرة شهر كما ورد بالنص والتعيين ورفع باسمه ألوية المؤمنين الموحدين وقمع ببأسه ثائرة البغاة والمتمردين وعلى آله وصحبه الذين لازموا التمسك بأسباب الدين وجاهدوا في إقامة منار الإسلام لما علموا مقدار أجرهم علم اليقين صلاة متوالية على ممر الأحقاب والسنين فإنا نوضح لعلمه الكريم أن كتابه ورد علينا مشتملا على المحاسن الغراء مغربا بل معربا لنا بحمرة لونه أن نسبته إلى الحمراء مشبها ورد الخدود والنقس فيه كالخال أو شقائق النعمان كما بدا روضه غب السحاب المتوال
فوقفنا على مضمونه جميعه وتلمحنا بديع معانيه من جميل توشيعه وترصيعه وعلمنا ما شرحه فيه من استمراره على عادة سلفه في القيام بأمر الجهاد وقطع دابر الكفرة ذوي الشقاق والعناد وتوطيد ما لديه من تلك البلاد وتطمين ما بها من العباد وما اتفق من قريبه في الصورة لا في المعنى وكيف أساء إليه فعلا وقد أحسن به ظنا وأنه رصد الغفلة من جنابه وأقدم على ما أقدم عليه من اقتراف البغي والتمسك بأسبابه ولم يزل يراعي غيبة الرقيب وهجوع السامر إلى أن تمكن من الاستيلاء على ذلك (7/442)
الملك الذي ظن أن أمره صائر لكنه مع كونه قد اقتحم في فعلته هذه الأهوال وتوهم أنه قد حصل بمكره على بلوغ بعض الآمال فإنه ما سلم ولله الحمد والمنة حتى ودع ولا أقبل سحاب استيلائه حتى أقشع بما قدره الله تعالى لحضرة الأمير من نصرته وعوده إلى محل أمره وإمرته
وأنه آثر اطلاع علومنا الشريفة على هذه الواقعة لما يعلم من تأكيد المودة التي غدت حمائهما على أفنان المحبة ساجعة وقد علمنا هذا الأمر وشكرنا جميل محبته التي لم ينسج على منوالها زيد ولا عمرو وابتهجنا بما يسره الله تعالى له من ذلك وانتهزنا فرص السرور بما منحه الله من ظفره المتقارب المتدارك وحمدنا الله تعالى على تأييد هذه العصابة الإسلامية وما من به من عود شمس هذا الأفق الغربي إلى مطالعها السنية ولا جرم أن كانت له النصرة والاستيلاء والقدرة لأن الله تعالى قد تكفل سبحانه لأوليائه بمزيد التكريم والتعزيز إذ قال عز و جل ( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ) ( إن الله لقوي عزيز )
وأما غير ذلك فقد وصل رسول الحضرة العلية إلينا وتمثل بمواقفنا المعظمة ومحال مملكتنا المكرمة وأقبلنا عليه وضاعفنا الإحسان إليه وأدى إلينا ما تحمله من المشافهة الكريمة ورسائل المحبة والمودة القديمة فرسمنا باجابة قصده وتوفير بره ورفده وقضاء شغله الذي حضر فيه وتسهيل مآربه بمزيد التنويل والتنويه ومسامحة الحضرة العلية بما يتعين على ما قيمته ألفا دينار مصرية حسب ما عينه رسوله المذكور ولو كان سألنا أضعاف ذلك لأجبنا سؤاله من غير ترو ولا فتور
وقد جهزنا إليه صحبته ما أنعمت به صدقاتنا الشريفة عليه من الدرياق ودهن البلسان فليتحقق ماله عندنا من المكانة والمحل الرفيع الشان وقد أعدنا رسوله المذكور إلى جهته الكريمة بهذا الجواب الشريف (7/443)
محترما مكرما مشمولا من إحساننا بالتليد والطريف فيحيط علما بذلك والله تعالى يمده بمزيد التأييد ويمنحه من جميل الإقبال وجزيل النوال ما يربي على الأمل ويزيد تم بحمد الله (7/444)
الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد وآله و صحبه
المقصد الثالث في المكاتبة إلى أهل الجانب الجنوبي ممن جرت العادة بالمكاتبة إليه من العرب والسودان وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في المكاتبة إلى من بهذا الجانب من العربان
وقد ذكر في التثقيف ممن كوتب منهم جماعة بالطرقات الموصلة من الديار المصرية إلى بلاد الحبشة وغيرها ثم قال ولعل هؤلاء أيضا من عربان الممالك المحروسة غير أنه لا إقطاعات لهم وعد منهم ثمانية أشخاص وذكر أنه كتب إلى كل منهم الاسم ومجلس الأمير
الأول سمرة بن كامل العامري
الثاني عباد بن قاسم
الثالث كمال بن سوار قال وهو مستحدث المكاتبة في العشر الأول من جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة (8/3)
الرابع جنيد شيخ الجوابرة من الهكارية بأبواب النوبة قال وهو مستحدث المكاتبة في سنة تسع وستين وسبعمائة
الخامس شريف شيخ النمانمة بأبواب النوبة أيضا ومكاتبته مستجدة حينئذ
السادس علي شيخ دغيم
السابع زامل الثاني
الثامن أبو مهنا العمراني
الجملة الثانية في المكاتبة إلى مسلمي ملوك السودان وهم أربعة ملوك
الأول ملك النوبة وهو صاحب مدينة دنقلة وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في الكلام على المقالة الثانية في المسالك والممالك قال في التعريف وهو رعية من رعايا صاحب مصر وعليه حمل مقرر يقوم به في كل سنة ويخطب ببلاده لخليفة العصر وصاحب مصر
5
- قلت هذا كان في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وهذه الإتاوة كانت مقررة عليهم من زمن الفتح في إمارة عمرو بن العاص رضي الله عنه ثم صارت تنقطع تارة وتحمل أخرى بحسب الطاعة والعصيان وهي الآن مملكة مستقلة بذاتها ولذلك أوردت مكاتبة صاحبها في جملة الملوك
ورسم المكاتبة إليه إن كان مسلما على ما ذكره في التعريف
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الجليل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد العضد مجد الإسلام زين الأنام فخر المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين
وذكر ذلك في التثقيف نقلا عنه ثم قال ولم أجد له مكاتبة متداولة بين الجماعة قال ولم يكتب له شيء في مدة مباشرتي بديوان الإنشاء ولم يزد على ذلك
ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته هذه المكاتبة أيضا وأنه يقال بعد عمدة الملوك والسلاطين أدام الله سعادته وبلغه في الدارين إرادته تتضمن إعلامه كيت وكيت فيتقدم بكذا وكذا فيحيط علمه بذلك ثم قال والمكاتبة إليه في قطع العادة والعلامة أخوه ولا يخفى أن العنوان بالألقاب ويظهر أن التعريف صاحب دنقلة (8/4)
قلت هذا كان في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وهذه الإتاوة كانت مقررة عليهم من زمن الفتح في إمارة عمرو بن العاص رضي الله عنه ثم صارت تنقطع تارة وتحمل أخرى بحسب الطاعة والعصيان وهي الآن مملكة مستقلة بذاتها ولذلك أوردت مكاتبة صاحبها في جملة الملوك
ورسم المكاتبة إليه إن كان مسلما على ما ذكره في التعريف
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الجليل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد العضد مجد الإسلام زين الأنام فخر المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين
وذكر ذلك في التثقيف نقلا عنه ثم قال ولم أجد له مكاتبة متداولة بين الجماعة قال ولم يكتب له شيء في مدة مباشرتي بديوان الإنشاء ولم يزد على ذلك
ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته هذه المكاتبة أيضا وأنه يقال بعد عمدة الملوك والسلاطين أدام الله سعادته وبلغه في الدارين إرادته تتضمن إعلامه كيت وكيت فيتقدم بكذا وكذا فيحيط علمه بذلك ثم قال والمكاتبة إليه في قطع العادة والعلامة أخوه ولا يخفى أن العنوان بالألقاب ويظهر أن التعريف صاحب دنقلة (8/5)
الثاني ملك البرنو قال في التعريف وبلاده تحد بلاد ملك التكرور من الشرق ثم يكون حدها من الشمال بلاد صاحب أفريقية ومن الجنوب الهمج وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك ولم يذكر هذه المملكة في مسالك الأبصار قلت وملكها يزعم أنه من ذرية سيف بن ذي يزن ملك اليمن على ما ورد به كتابه في أواخر المائة السابعة
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف
أدام الله تعالى نصر الجناب الكريم العالي الملك الجليل الكبير العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور عز الإسلام من نوع ألقاب ملك التكرور يعني شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين ظهير الإمام عضد أمير المؤمنين الملك فلان ويدعى له بما يناسبه وبعد إهداء السلام والتشوق هذه المفاوضة تبدي على ما سيأتي ذكره في مكاتبته
وهذا صدر يليق به ولا زالت همم سلطانه غير مقصرة ووفود حجه غير محصرة (8/6)
وسيفه في سواد من جاوره من أعدائه الكفار يقول ( وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا اية الليل وجعلنا اية النهار مبصرة ) صدرت ولها مثل مسكة أفقه عبق وعنبرة طينته سواد إلا أنه من السواد اليقق وشبيبة ملكه الذي يفديه سواد الحدق أوجبها ود أسكنه مسكنه من سويداء القلب لا يريم وأراه غرة الصباح الوضاح تحت طرة الليل البهيم وحكى ذلك عنه في التثقيف ولم يزد عليه
ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته في قطع الثلث والعلامة أخوه وتعريفه صاحب برنو
قلت ووصل من هذا الملك كتاب في الدولة الظاهرية برقوق يتشكى فيه من عرب جذام المجاورين له ويذكر أنهم أخذوا جماعة من أقاربه باعوهم في الأقطار وسأل الكشف عن خبرهم والمنع من بيعهم بمصر والشام وأرسل هدية صالحة من زئبق وغيره وكتب جوابه بخط زين الدين طاهر أحد كتاب الدست صدره أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي الملك الجليل العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور المتوكل فخر الدين أبي عمرو عثمان بن إدريس عز الإسلام شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين سيف الجلالة ظهير الإمامة
وبعث إليه به مع رسوله الوارد صحبة الحجيج فأعيد وقد كتب الجواب على ظهره بعد سنة أو سنتين
الثالث ملك الكانم قال في مسالك الأبصار وقاعدة الملك منها (8/7)
بلدة اسمها جيمي ومبدأ مملكته من جهة مصر بلدة اسمها زلا وآخرها طولا بلدة يقال لها كاكا وبينهما نحو ثلاثة أشهر قال وعسكرهم يتلثمون وملكهم على حقارة سلطانه وسوء بقعة مكانه في غاية لا تدرك من الكبرياء يمسح برأسه عنان السماء مع ضعف أجناد وقلة متحصل بلاد محجوب لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرة وعند العصر وفي سائر السنة لا يكلمه أحد ولو كان أميرا إلا من وراء حجاب
وقال في التعريف ملوكها من بيت قديم في الإسلام وجاء منهم من ادعى النسب العلوي في بني الحسن وهو يتمذهب بمذهب الشافعي ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف كرسم مكاتبة صاحب البرنو بدون الكريم وتبعه على ذلك في التثقيف ناقلا له عنه ثم قال ولم أطلع على مكاتبة له غير الذي قد ذكره
الرابع ملك مالي قال في مسالك الأبصار وهي في نهاية الغرب متصلة بالبحر المحيط وقاعدة الملك بها بنبي وهي أعظم ممالك السودان وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك ذكر أحوالها وما تيسر من ذكر ملوكها وأن مالي اسم للإقليم والتكرور مدينة من مدنه وكان ملكها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون منسا موسى ومعنى منسا السلطان
وقد ذكر في مسالك الأبصار انه وصل منه كتاب عن نفسه لنفسه فيه ناموسا وأنه وصل إلى الديار المصرية حاجا واجتمع بالسلطان الملك الناصر (8/8)
فقام له وتلقاه وأكرمه وأحسن نزله على ما هو مبسوط في موضعه
قال في التعريف وملك التكرور هذا يدعي نسبا إلى عبد الله بن صالح بن الحسن بن علي بن أبي طالب
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف أدام الله تعالى نصر المقر العالي السلطان الجليل الكبير العالم العادل المجاهد المؤيد الأوحد عز الإسلام شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين سيف الجلالة ظهير الإمامة عضد أمير المؤمنين الملك فلان ويدعى له بما يناسب وبعد إهداء السلام والتشوق هذه المفاوضة تبدي
قال ولا يعرض له ولا يقر بشيء من الألقاب الدالة على النسب العلوي
وهذا صدر لهذه المكاتبة ذكره في التعريف
ويسر له القيام بفرضه وأحسن له المعاملة في قرضه وكثر سواده الأعظم وجعلهم بيض الوجوه يوم عرضه ومتعه بملك يجد الحديد سجف سمائه والذهب نبات أرضه صدرت هذه المفاوضة وصدرها به مملو وشكرها عليه يحلو ومزايا حبه في القلوب سر كل فؤاد وسبب ما حلي به الطرف والقلب من السواد تنزل به سفنها المسيرة في البحر وترسى وتحل عند ملك ينقص به زائده وينسى موسى منسى وتقيم عليه والدهر لا يطرقه فيما ينوب والفكر لا يشوقه إلا إذا هبت صبا من أرضه أو جنوب
والمتداول بين جماعة كتاب الانشاء أن المكاتبة إليه أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي الملك الجليل العالم العادل المجاهد (8/9)
المؤيد المرابط المثاغر العابد الناسك الأوحد فلان ذخر الإسلام والمسلمين نصرة الغزاة والمجاهدين عون جيوش الموحدين ركن الأمة عماد الملة جمال الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين والدعاء
وذكر نحو ذلك في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله ثم قال ويقال صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي مملوءة الصدر بشكره باسمة الثغر برفعة قدره موضحة لعلمه الكريم كيت وكيت وذكر أن خطابه بالجناب الكريم والطلب والقصد والختم بالإحاطة وذكر هو وصاحب التثقيف أن المكاتبة إليه في قطع الثلث والعلامة أخوه وتعريفه صاحب مالي وغانة
الجملة الثالثة في المكاتبة إلى ملوك المسلمين بالحبشة
قد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك أن ببلاد الحبشة سبعة ملوك مسلمين لهم سبع ممالك كل مملكة منفردة بملك وبها الجوامع والمساجد ينادى فيها بالأذان وتقام بها الجمع والجماعات وهم مع ذلك تحت أمر صاحب أمحرا ملك ملوك الحبشة يختار لولاية ممالكهم من شاء توليته ولا يردون ويصدرون إلا عن أمره وهي مملكة أوفات والزيلع ومملكة دوارو ومملكة أرابيني ومملكة هدية ومملكة شرحا ومملكة بالي ومملكة دارة
وقد تقدم الكلام عليها وعلى أحوالها مستوفى عند الكلام عليها في المقالة الثانية قال في مسالك الأبصار وهذه الممالك تجاور ناصع وسواكن (8/10)
ودهلك وليس بها مملكة مشهورة
قال في التعريف ولم يرد من هذه الملوك السبعة كتاب ولا صدر إليهم خطاب قال فإن ورد منهم شيء فتجرى مكاتبتهم مثل مكاتبة صاحب الكانم والبرنو وقد تقدم أن رسم المكاتبة إليهما على ما ذكره في التعريف أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم وأعز الله تعالى جانب الجناب الكريم على ما كتب به القاضي زين الدين طاهر في جواب صاحب البرنو على ما هو مذكور في موضعه
المقصد الرابع في المكاتبة إلى أهل الجانب الشمالي وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في المكاتبات إلى أمراء الأتراك بالبلاد المعروفة ببلاد الروم المسماة الآن ببلاد الدروب
قال في التعريف وهي البلاد المنحصرة بين بحري القرم والخليج القسطنطيني تنتهي في شرقيها إلى بحر القرم المسمى بحر نيطش وفي الغرب إلى الخليج القسطنطيني وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينية وتنتهي جنوبا إلى بلاد الأرمن يحدها البحر الشامي قال وهذه البلاد بلاد متسعة وهي مفرقة لملوك مجتمعة ولكنه لا يطلق عليهم إلا اسم الإمارة ولا انتظام لكلمتهم ولا اجتماع لجملتهم ثم قال وأكبرهم صاحب كرميان وله بينهم وضع محفوظ ونظام مرعي (8/11)
أما ملوكنا فأجل من لديهم منهم جماعة بني قرمان لقرب ديارهم وتواصل أخبارهم ولنكاياتهم في متملك سيس وأهل بلاد الأرمن واجتياحهم لهم من ذلك الجانب مثل اجتياح عساكرنا لهم من هذا الجانب فمكاتبتنا إلى بني قرمان لا تكاد تنقطع وأما إلى البقية فأقل من القليل وأخفى من مرأى الضئيل ثم عد منهم ستة عشر أميرا وذكر رسم المكاتبة إلى كل واحد منهم
الأول صاحب كرميان قال في التعريف ولم يكتب إليه مدة مقامي بالأبواب السلطانية ويشبه أن تكون المكاتبة إليه بالمقر نظير صاحب ماردين لكن بأبسط ألقاب إذ هي أدعى لاستحسانهم لقلة معارفهم وعلى هذا التقدير يكون رسم المكاتبة إليه أعز الله تعالى نصر المقر الكريم العالي الملكي الأجلي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي (8/12)
المرابطي المثاغري المظفري المنصوري الفلاني عون الأنام شرف الملوك والسلاطين نصير الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر ظهير أمير المؤمنين
قال فإن لم يسمح له بكل هذه المخاطبة ولم يؤهل لنظير هذه المكاتبة كتبت إليه هذه الألقاب مع الجناب الكريم وخوطب بالإمارة إن لم يسمح له بالمخاطبة بالملك
قال في التثقيف ولعل مكاتبته بالجناب مع هذه الألقاب كما ذكر ومخاطبته بالإمارة أولى لأنه إذا كان بنو قرمان أجل لدى ملوكنا ومكاتباتهم بالدعاء والمجلس العالي فيتعين حيث هو أكبر منهم أن يكون هو أعلى منهم رتبة في المكاتبة بدرجتين وهي الجناب الكريم قال هذا هو الأولى عندي
قلت وهذا كله إنما كان قبل أن يعلو قدر ابن عثمان صاحب برسا الآتي ذكره ويرتفع قدره على من بتلك البلاد جملة أما بعد ارتفاعه وانحطاطهم دونه فينبغي أن ينظر في قدر المكتوب إليه ويكتب إليه بحسب ما تقتضيه الحال
الثاني صاحب طنغزلو قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي الأميري ولم يذكر العلامة إليه قال في التثقيف والذي وجدته مسطورا في مكاتبته الاسم والسامي بالياء
الثالث صاحب توازا قال في التعريف وهو في المكاتبة نظير صاحب طنغزلو ولم يزد على ذلك غير أنه ذكر أن اسمه في زمانه كان على أرينه وذكر في التثقيف أنه لم يقف له على رسم مكاتبة سوى ذلك
الرابع صاحب عيدلي قد ذكر في التعريف أن اسمه في زمانه دندار (8/13)
أخو يونس صاحب انطاليا وأنه نظير صاحب توازا في المكاتبة فتكون المكاتبة إليه صدرت والعالي قال في التثقيف ولم أقف على رسم مكاتبة إليه سوى ذلك إلا أنه ذكر بعد ذلك صاحب عدليو وقال إن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء وذكر أن المقر الشهابي بن فضل الله لم يتعرض إلى ذكره في التعريف ثم قال وقد تكون هي عيدلي المقدم ذكرها وإنما تكررت بتغيير الحروف قال ولم يتحرر هل هما اثنان أو واحد
الخامس صاحب كصطمونية وهي قسطمونية قال في التعريف وكانت آخر وقت لسليمان باشا وكان أميرا كبيرا كثير العدد موفور المدد ذا هيبة وتمنع ثم قال وورث ملكه ابنه ابراهيم شاه وكان عاقا لأبيه خارجا عن مراضيه وكان في حياته منفردا بمملكة سنوب قال وهي الآن داخلة في ملكه منخرطة في سلكه
وذكر أن رسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري بأكمل الألقاب وأتم ما يكتب في هذا الباب وذكر في التثقيف نقلا عن القاضي ناصر الدين بن النشائي وأمين الدين خضر مثل ذلك وأن العلامة إليه أخوه
السادس صاحب فاويا قال في التعريف وهو يعني في زمانه مراد الدين حمزة وهو ملك مضعوف ورجل بمجالس أنسه مشغوف قال ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري بالياء قال في التثقيف وهو غير بعيد (8/14)
السابع صاحب برسا وقد ذكر في التعريف أنه في زمانه أرخان بن عثمان ثم قال وهو نظير صاحب فاويا في المكاتبة فتكون مكاتبته السامي بالياء قال في التثقيف ولم أطلع على رسم للمكاتبة إليه غير ذلك إلا أنه ذكر في الفصل الأول من الباب الرابع في الكلام على مكاتبات الحكام أرخان بن عثمان وقال إن لقبه سيف الدين ثم قال ويقال إنه صاحب برسا وذكر أن رسم المكاتبة إليه في قطع العادة والدعاء والمجلس العالي والعلامة أخوه وتعريفه اسمه
قلت وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن الأمر قد آل في بني عثمان إلى أرخان بن عثمان جق ثم إلى ابنه مراد بك وأنه أتسع ملكه وجاوز في الفتح الخليج القسطنطيني حتى قارب خليج البنادقة ثم إلى ابنه أبي يزيد فزاد في الملك على ما كان بيد أبيه وتزوج في بني قرمان ودخل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته ولم يبق خارجا عن ملكه إلا سيواس فإنها كانت مع قاضيها إبراهيم المتغلب عليها ولم يزل كذلك حتى قصده تمرلنك وأسره ومات في يديه وملك بعده ابنه سليمان حلبي ثم مات وملك بعده أخوه محمد بن ابي يزيد بن مراد بك بن عثمان جق وهو القائم بها الى الآن وكانت المكاتبة قد استقرت إلى ابي يزيد في الايام الظاهرية برقوق
الثامن صاحب أكبرا قد ذكر في التعريف انه كان في زمانه دمر خان بن قراشي وذكر أن مكاتبته نظير مكاتبة صاحب برسا يعني السامي بالياء وذكر في التثقيف أنه لم يقف على سوى ذلك (8/15)
التاسع صاحب مرمرا وقد ذكر في التعريف انه في زمانه كان بخشي بن قراشي وقال إن رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي
قلت وقد تقدم في المسالك والممالك أن هذه البلدة كانت جزيرة بالخليج القسطنطيني بها مقطع رخام وأن النصارى غلبوا عليها
العاشر صاحب مغنيسيا ذكر في التعريف أن اسمه صاروخان وقال إن المكاتبة إليه السامي بالياء وذكر فيه التثقيف انها صارت بعده إلى ابنه إسحاق بن صاروخان وأنه كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة بالاسم والسامي بالياء
الحادي عشر صاحب نيف ذكر في التعريف أنه في زمانه كان علي باشا أخو صاروخان صاحب مغنيسيا المقدم ذكره وذكر أن رسم المكاتبة إليه مثل أخيه المذكور فتكون صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي
الثاني عشر صاحب بركي ذكر في التعريف انها في زمانه كانت بيد ابن ايدين ولم يصرح باسمه قال وإن المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي بالألقاب التامة وذكر في التثقيف أنه لم يقف له على مكاتبة غير ذلك
الثالث عشر صاحب فوكه ذكر في التعريف أنه كان في زمانه أرخان ابن منتشا وأن المكاتبة إليه نظير صاحب بركي فتكون الدعاء مع العالي بالالقاب التامة أيضا وذكر في التثقيف أنه لم يقف في مكاتبته على غير ذلك
الرابع عشر صاحب انطاليا ذكر في التعريف أنه كان في زمانه اسمه (8/16)
خضر بن يونس وقال ان رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة الى المجلس العالي وذكر في التثقيف ان خضر بن يونس المذكور كان يلقب سنان الدين وأنه استقر بعده دادي بك ثم استقر بها آخرا محمد المعروف بكاجوك وذكر أن المكاتبة إليه أخوه والدعاء والعالي ثم قال وهو الأصح لأنه آخر ما استقر عليه الحال في مكاتبته وكتب به إليه
الخامس عشر صاحب قراصار ذكر في التعريف أنه كان في زمانه اسمه زكريا وأن رسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي بلا ياء وذكر في التثفيف انه لم يطلع على مكاتبة إليه سوى ذلك وأنه لم يكتب إليه شيء في مدة مباشرته
السادس عشر صاحب أرمناك ذكر في التعريف أنها كانت في زمانه بيد ابن قرمان ولم يصرح باسمه وذكر في التثقيف أن اسمه علاء الدين سليمان قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي بأكمل الألقاب وأكبرها وأجمعها وأكثرها وذكر في التثقيف أن آخر من أستقر بها في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة علاء الدين علي بك بن قرمان ووافق على رسم المكاتبة المذكورة وقال إن العلامة إليه أخوه وتعريفه فلان بن قرمان
قال في التعريف ولإخوة صاحبها ابن قرمان المذكور رسوم في المكاتبات فأكبرهم قدرا وأفتكهم نابا وظفرا الأمير بهاء الدين موسى وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه حضر إلى الأبواب (8/17)
السلطانية وحج مع الركب الشريف ثم عاد إلى الابواب السلطانية وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة وأشرك في الرأي وسأل السلطان في كتابة منشور بما يفتحه من بلاد الأرمن فكتب له قال في التعريف واستقرت المكاتبة إليه مثل مكاتبة أخيه قال أما بقية بني قرمان فدونهما في المكاتبة
واعلم أن صاحب التثقيف قد زاد على ذلك من أمراء هذه البلاد ستة نفر
أحدهم الحاكم بالعلايا وذكر أنه كان اسمه حسام الدين محمود بن علاء الدين وأنه كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة أخوه والدعاء والعالي في قطع العادة
الثاني صاحب بلاط ورحر ذكر أنه كان بها أمير موسى بن إبراهيم بن منتشا وأن المكاتبة إليه في قطع العادة والده والدعاء والمجلس العالي
الثالث صاحب أكردور وهي أكردون ذكر أنه كان بها إلياس بن مصطفى من بني حميد وأن رسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال عندما كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة والده والسامي بالياء (8/18)
الرابع صاحب أيا سلوق ذكر أنه كان بها عيسى بن ايدين وأنه كتب إليه في شوال من السنة المذكورة أيضا
الخامس صاحب يلي شار ذكر أنه كان بها الأمير محمد ولم يذكر نسبته وقال إن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء
السادس الأمير ذروان بن كرمان بن منتشا ذكر أنه ممن استجدت مكاتبته في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة
وأعلم أنه قد زاد في التثقيف ذكر مكاتبة جماعة لم اتحقق هل هم من اهل هذه البلاد أم من غيرها
منهم صاحب قلعة الحنفاء ذكر انه كان اسمه سيف الدين قوجي وأن المكاتبة إليه في قطع الثلث والسامي بالياء ومنهم صاحب قلعة الجوز في قطع الثلث الاسم والسامي بالياء وتعريفه اسمه
ومنهم صاحب بكجرى استجدت الكتابة إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة وكتب إليه الاسم والسامي بغير ياء
ومنهم الحاكم بقلعة أبيض كتب إليه الاسم ومجلس الأمير
ومنهم الحاكم بقلعة نعمة كتب إليه الاسم ومجلس الامير أيضا
ومنهم الحاكم بقلعة أشنى وهي أشنو كتب إليه كذلك
على أنه قد ذكر منهم جماعة أيضا ليسوا من أهل هذه البلاد جملة منهم نائب خلاط وصاحب موغان وهي موقان والحاكم بإسعرد وهي سعرت وصاحب قيشان وهي قاشان
وقد تقدم أن خلاط من أرمينية وموقان من أرمينية وإسعرد من ديار ربيعة من الجزيرة الفراتية وقاشان من عراق العجم وبالجملة فقد خلط في التثقيف في البلدان تخليطا كثيرا وخلط بعض أقاليم البلاد ببعض (8/19)
قلت قد تقدم في صدر الكلام على المكاتبات ذكر أصول يعتمدها الكاتب في كتبه تعم الكتب السلطانية وغيرها وأنا أذكر هنا ما يختص منها بالكتب الصادرة عن السلطان على النمط الجاري عليه الاصطلاح الآن ليسهل القصد إليها لقربها ويحصل الغرض من ذلك بذكر تسعه أمور
أولها مقادير قطع الورق قد تقدم في الكلام على مقادير قطع الورق المستعملة في دواوين الإنشاء جملة والذي يختص منها بالكتب الصادرة عن السلطان أربعة مقادير
أحدها قطع البغدادي الكامل وقد مر أنه يكتب فيه للقانات
وثانيها قطع النصف وفيه يكتب إلى أكابر الملوك ممن دون القانات
وثالثها قطع الثلث وفيه يكتب إلى الرتبة الثانية من الملوك
ورابعها قطع العادة وفيه يكتب إلى أصاغر الملوك والولاة وغيرهم
الثاني العنوان قد تقدم في مقدمة الكتاب أن الذي كان يكتب عنوانات الكتب السلطانية في الزمن المتقدم هو صاحب ديوان الإنشاء دون غيره أما الآن فإن كاتب كل كتاب صار هو الذي يكتب عنوانه بنفسه
وقد جرت العادة في عامة الكتب السلطانية أن يكون المكتوب فيها هي ألقاب المكتوب إليه ونعوته التي في صدر المكاتبة في الباطن ثم يدعى للمكتوب إليه في آخر الألقاب بالدعوة التي صدر بها الدعاء في الصدر مثل أعز الله أنصاره أو ضاعف الله نعمته وما أشبه ذلك من الأدعية التي تفتتح بها المكاتبات فإن كان الكتاب مفتتحا بالحمدلة أو بلفظ من فلان كتب في العنوان الألقاب التي في صدر الكتاب بعد ذلك ثم بعد الدعاء يخلي بياضا قليلا ثم يذكر تعريف المكتوب إليه مثل صاحب فلانة ونحو ذلك مما تقدم ذكره من التعريفات وتكون كتابة العنوان بنظير قلم الباطن في الدقة والغلظ وتكون أسطره متصلة من أول عرض الدرج إلى آخره وأسطره متلاصقة متتالية (8/20)
الثالث الطرة التي يكتب فيها تعريف المكتوب إليه والعلامة التي يكتبها المكتوب عنه والسبب في كتابته
وقد جرت العادة في ذلك أنه يكتب في رأس الدرج في الجانب الأيمن إلى فلان وفي الجانب الأيسر بسبب كذا وكذا وفي الوسط العلامة التي يعلمها السلطان مثل أخوه أو والده أو اسمه لينظر عند علامة السلطان على الكتاب فيعلم حال الكتاب ويجرى الأمر في العلامة على هذا الرسم وتكون كتابتها بقلم الكتاب من ثلث أو رقاع أو غيرهما إلا أن يكون الكتاب بمختصر الطومار في قطع البغدادي فيكون ذلك بقلم الثلث وهذه الطرة تقطع بعد أن يعلم على الكتاب
الرابع البياض في أعلى الكتاب وقد جرت العادة في الكتب السلطانية أن العلامة إلى المكتوب إليه إن كانت أخوه أو والده ترك فيه ثلاثة أوصال بياضا بما فيه من وصل العنوان ثم تكتب البسملة في رأس الوصل الرابع وإن كانت العلامة إليه الاسم ترك وصلان بياضا فقط وكتبت البسملة في أول الوصل الثالث ثم يكتب السطر الأول من الكتاب على سمت البسملة ملاصقا لها ثم يخلى موضع العلامة بياضا ويكتب السطر الثاني على سمت الأول في أواخر ذلك الوصل على قدر إصبعين من آخره ثم يجعل بين كل سطرين أربعة أصابع مطبوقة إن كان القطع صغيرا وإن كان القطع كبيرا كان فيه قدر ربع ذراع أو نحوه بحسب المناسبة فإذا أنتهى إلى آخر الكتاب كتب إن شاء الله تعالى في (8/21)
الوسط على بعد قدر إصبعين من السطر الاخر ثم يكتب كتب في تاريخ كذا من شهر كذا سنة كذا وكذا ويكون إلى آخر ذكر الشهر سطر ومن أول سنة كذا إلى آخره سطر ثم يكتب المستند على نحو البعد المذكور فإن كان بتلقي كاتب السر خاصة كتب حسب المرسوم الشريف فقط وإن كان بتلقي كاتب السر وكتاب الدست من دار العدل كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته بقدر إصبع من دار العدل الشريف في سطر وإن كان برسالة الدوادار كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته بقدر إصبع برسالة الجناب العالي الأميري الفلاني الدوادار الفلاني بلقب السلطان ضاعف الله تعالى نعمته وإن كان من ديوان الخاص كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته من ديوان الخاص الشريف وإن كان بخط السلطان بأن كتب على القصة بالخط الشريف كتب حسب الخط الشريف في سطر واحد وإن كان بإشارة النائب الكافل كتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية في سطر وكتب تحته بقدر إصبع كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى وإن كان بإشارة أستاد الدار كتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية في سطر ثم يكتب تحته بقدر إصبع أستاد الدار العالية أعلاها الله تعالى على أنه قد تقدم في الألقاب أن كتابتهم أستاد الدار هو عرف جرى عليه (8/22)
اصطلاحهم وأن الصواب فيه إستدار بغير ألف بعد التاء وتكون كتابة المستند ببياض من جانبيه سواء كان سطرا واحدا أو سطرين ثم إذا فرغ من كتابة المستند كتب الحمدلة والصلاة على النبي في سطر كامل على بعد قدر إصبعين من المستند ثم يكتب الحسبلة على قدر إصبعين من سطر الحمدلة والتصلية
وقد تقدم في الكلام على الخواتم في المقالة الثالثة نقلا عن عبد الرحيم بن شيت أن موضعها من ثلث السطر الأخير من أوله إلى حين تنتهي كتابتها
الخامس قد ذكر ابن شيث في معالم الكتابة أنه لا يكتب في حواشي الكتب السلطانية لأنه في ذلك شحا بالورق وذلك مما لا يليق بالسلطان ولا خفاء في استقباح ذلك بل قد يستقبح ذلك في غير السلطان كما سيأتي ذكره في الإخوانيات
السادس العلامة السلطانية على المكتبوب في بيت العلامة من البياض السابق ذكره قد ذكر في التعريف أن أكبر من يكتب إليه من الأمراء ومماليك البيت الشريف فترجمته بالخط الشريف والده ومن دون ذلك الاسم الشريف أما الغرباء كملوك المسلمين والعربان وأكابر القضاة وأهل الصلاح والأكابر فترجمته بالخط الشريف أخوه ومن دون ذلك الاسم الشريف
والذي استقر عليه الحال آخرا في زماننا أن لأكابر الأمراء من النواب وغيرهم أخوه لرفعة مكان الأخ على الولد ولمن دونهم والده ولمن دون ذلك الاسم (8/23)
وباقي الحال على ما ذكره وقد سبقت ترجمة كل مكتوب إليه في الكلام على المكاتبة إليه
أما القانات الكبار فقد تقدم في الكلام على المكاتبة إليهم أنه تكتب لهم طغراة بالألقاب السلطانية في موضع العلامة وأما ملوك الكفر فسيأتي أنه تكتب طغراة بالألقاب السلطانية فوق البسملة
السابع طي الكتب السلطانية قد تقدم في صدر الكلام على المكاتبات نقلا عن ابن شيث من كتاب الدولة الأيوبية أن كتب بالسلطان يكون طيها في عرض أربعة أصابع وأن مقتضى ذلك أن كتب السلطان بالديار المصرية كانت تطوى على هذه الهيئة كما في كتب أهل المغرب الآن والذي استقر عليه الحال آخرا أنها يجعل طيها في صورة أنبوب القناة ولا تضغط في طيها لتكون نبيلة تعظيما لأمر السلطان وإجلالا لقدره
الثامن ختم الكتاب قد تقدم في الكلام على الخواتم واللواحق في المقالة الثالثة أن الكتب السلطانية كانت تختم بسحاءة ويطبع عليها بطين أحمر يوتى به من سيراف وتختم بخاتم كما تختم المغاربة الآن أما الآن فقد استقر الحال على أن الكتب تلصق بالنشا أو ما في معناه من الكثيراء ونحوها وقد سأل الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى الشهاب محمود رحمه الله حين بلغه وقوع بعض كتاب دمشق في حقه عمن غير طين الختم إلى النشا ولم (8/24)
أقف على زمان تغير ذلك ولا من غيره على أني حللت معظم اسؤولة هذه الرسالة في خلال هذا الكتاب مفرقة في مواضعها
التاسع أن الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية إن كانت إلى أحد من عظماء الملوك كالقانات ببلاد الشرق أو ملوك بلاد المغرب ونحوهم ممن يتعانى البلاغة في الكتب الصادرة عنه كتبت مسجوعة كلها وإن كانت إلى صغار الملوك والحكام كتبت غير مسجوعة وإن كانت إلى أحد من أهل المملكة فإن كانت في أمر بعد وقوعه كالكتابة بالبشارة بوفاء النيل أو جلوس السلطان على التخت لأول أمره أو برئه من المرض أو ولادة ولد له أو البشارة بفتح أو الإعلام بركوب الميدان أو الإنعام بخيل أو نحوها كتبت مسجوعة وإلا كتبت مرسلة غير مسجوعة
الطرف الثاني في المكاتبة عن ملوك الديار المصرية على المصطلح المستقر عليه الحال إلى ملوك الكفر
واعلم أن ملوك الكفر المكاتبين عن هذه المملكة جميعهم نصارى من الروم والفرنج والكرج والحبشة وغيرهم إذ كانوا هم المستولين على أكثر الممالك أما اليهود فإنهم لم يبق لهم مملكة معروفة بل هم تحت الذمة أين كانوا قال تعالى ( ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) قال في التعريف وجميع الكتب المكتوبة إلى ملوك الكفر لا يشملها الخط الشريف أصلا بل يكتب فوق البسملة في الكتاب بخط الكاتب عوض العلامة الشريفة أسطر قصيرة ببياض من الجانبين ما صورته
من السلطان الأعظم الملك الناصر مثلا العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الشاهنشاه فلان الدنيا والدين (8/25)
سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين وارث الملك ملك العرب والعجم والترك ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه إسكندر الزمان مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان واهب الأقاليم والأمصار مبيد الطغاة والكفار حامي الحرمين والقبلتين جامع كلمة الايمان ناشر لواء العدل والإحسان سيد ملوك الزمان إمام المتقين قسيم أمير المؤمنين أبي فلان ابن السلطان الشهيد الملك الفلاني فلان خلد الله سلطانه ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه
وأوضح ذلك في التثقيف فقال ويكون في الطرة بعد وصلين بياضا من أول الكتاب بهامش جيد من الجانبين يمنة ويسرة ويكونان في قدر بياضهما سواء تقدير أربعة أصابع فأكثر من كل جانب من الورق العريض وفي قطع العادة دون ذلك وتكون الأسطر متقاربة ما بينهما من البياض تقدير إبهام أو أزيد منه بشيء يسير وإذا انتهت الألقاب يترك بعدها وصلا أبيض ثم يكتب البسملة الشريفة وبعدها رسم المكاتبة للمكتوب إليه
الطرف الثالث في المكاتبة إلى من وراء بحر القرم بالجانب الشمالي منه
وهو صاحب البلغار والسرب وهي بلاد في نهاية الشمال متاخمة لصاحب السراي وقد ذكر في التعريف المكاتبة إليه في المكاتبة إلى جملة ملوك المسلمين وقال إن صاحبها يظهر الانقياد لصاحب السراي وإنه أرسل رسله تطلب له الألوية من الأبواب السلطانية فجهزت إليه مع ما جرت به العادة من السيف والتشريف والخيل المسرجة الملجمة وذكر أن رسم المكاتبة إليه على ما كتب إذ ذاك
أعز الله نصر الجناب الكريم العالي الملكي الأجلي الكبيري (8/26)
العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي سيف الإسلام والمسلمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر جمال الملوك والسلاطين ذخر أمير المؤمنين
ثم هذا الطرف يشتمل على أربعة مقاصد مشتملة على الجهات الأربع
المقصد الأول في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد الشرق وجملة من بها من ملوك النصارى المكاتبين عن هذه المملكة مملكتان
الأولى مملكة الكرج من النصارى الملكية قال في التعريف ويقال في المسلمين الكرد وفي النصارى الكرج قال وموقع هذه البلاد بين بلاد الروم وبين بلاد أرمينية وهي بلاد جليلة ومملكة مفخمة وكأنها مقتطعة من البلادين ولها ملك قائم وبها ملك دائم وأمها مدينة تفليس وسلطان بيت هولاكو بمملكة إيران يحكم عليها ويرالغه تصل إليها إلا أنه لا يطغى بها سيله ولا تجوس خلال ديارها للحرب المضرمة خيله وإنما له بها تومان اتخذه سدادا لثغرها وقياما بأمرها منزلهم فسيح بواديها أهل حل وترحال وتنقل من حال إلى حال قال وآخر من كان له في هذه البلاد سمعة وأقيلت به للمهابة صرعة الشيخ محمود بن جوبان وكان باسلا لا يطاق ورجلا مر المذاق ولما جرت الكائنة لأبيه لاذ بالسلطان أزبك قان ثم لم تطل له مدة ولا انفرجت له حلق شدة وأتاه أجله وما استطاع رده ثم قال وعسكر الكرج صليبة دين الصليب وأهل البأس والنجدة وهم للعساكر الهولاكوهية عتاد وذخر ولهم بهم وثوق وعليهم اعتماد ولا سيما لأولاد جوبان وبنيه وبقايا مخلفيه لسالف إحسان (8/27)
جوبان إليهم ويد مشكورة كانت له عندهم وكان صديقا لملكهم برطلما يغرس عنده الصنائع ويسترعيه الودائع فكان أخص خصيص به وأصدق صديق له يدعوه للمهم ويستصرخ به في الملم ويعده ردءا لعسكره ومزيلا لمنكره وعقب ذلك بأن قال وبرطلما المذكور عهدي به حي يرزق من أجل ملوك النصرانية وأعرق أنساب بني المعمودية وقد كان كاتب الأبواب السلطانية بسبب كنيسة المصلبة وأن ترفع عنها الأيدي المتغلبة فبرزت الأوامر المطاعة بإعادتها عليهم وكانت قد أخذت منهم وهي بظاهر القدس الشريف واتخذت مسجدا وعز هذا على طوائف العلماء والصلحاء وإن لم يعمل هذا سدى قيل إنه كان يحسن لجوبان قصد البلاد ويبذل له عليه الطارف والتلاد وذكر أن رسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى بهجة الحضرة العلية حضرة الملك الجليل الهمام الباسل الضرغام السميدع الكرار الغضنفر المتخت المتوج العالم في ملته العادل في رعيته بقية الملوك الأغريقية سلطان الكرج ذخر ملك البحار والخلج حامي حمى الفرسان وارث آبائه في الأسرة والتيجان سياج بلاد الروم وإيران سليل اليونان خلاصة ملوك السريان بقية أبناء التخوت والتيجان معز النصرانية مؤيد العيسوية مسيح الأبطال المسيحية معظم البيت المقدس بعقد النية عماد بني المعمودية ظهير الباب بابا رومية مواد المسلمين خالصة الاصدقاء المقربين صديق الملوك والسلاطين (8/28)
وهذا دعاء أورده في التعريف يليق به وهو وحمى ملكه بوده لا بجنده وبوفائه بعهده لا بجيشه ومد بنده وبما عندنا من سجايا الإحسان لا بما يظن أنه من عنده وبما في رأينا الموري لا بما يقدح النار من زنده وربما قيل مصافي المسلمين بدل مواد المسلمين
أما في التثقيف فقد ذكر أن للكرج ملكين أحدهما صاحب تفليس المقدم ذكره وذكر أنه كان أسمه إذ ذاك داود الثاني الحاكم بسخوم وأبخاس وهما مدينتان على جانب بحر القرم من الجانب الجنوبي كما تقدم ذكره في الكلام على المسالك والممالك في الجانب الشمالي وسمى صاحبها إذ ذاك ديادان قال ورسم المكاتبة إلى كل منهما في قطع النصف أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك الجليل المكرم الخطير الباسل الهمام المقدس الروحاني فلان عز الأمة المسيحية كنز الطائفة الصليبية فخر دين النصرانية ملك الجبال والكرج والجرجان صديق الملوك والسلاطين وتعريف كل منهما ملك الكرج
ثم قال وقد ذكر القاضي المرحوم شهاب الدين بن فضل الله في المكاتبة المذكورة من التغييرات ما لا حاجة إلى ذكره لأن ما ذكرته هو المستقر في المكاتبة إليه إلى آخر وقت
قلت وذلك لأنه في زمن المقر الشهابي بن فضل الله كان مرعي الجانب بممالأة التتر وانضمامه إلى جوبان كما تقدمت الإشارة إليه فكانت المكاتبة إليه إذ ذاك أعلى وأفخم فلما زالت دولة التتر من أيران وحمدت قسوتهم انحطت رتبة المكاتبة إلى ملك الكرج عن هذه الرتبة ثم قد تقدم في المسالك والممالك في (8/29)
الكلام على مدينة تفليس أنها من إقليم أران وأنها كانت قد فتحها المسلمون ثم غلب عليها الكرج وملكوها فلو عبر عن صاحبها بمتملك تفليس كما كان يعبر عن المستولي على سيس من الأرمن بمتملك سيس وعن المستولي على قبرس بمتملك قبرس على ما سيأتي ذكره على الأثر إن شاء الله تعالى
الثانية مملكة الأرمن وقاعدتها مدينة سيس قبل فتحها وقد سبق في الكلام على مدينة سيس عند ذكر مضافات حلب في الكلام على الممالك الشامية في المسالك والممالك ذكر حدود هذه البلاد وبيان أحوالها وأنها كانت تسمى في زمن الخلفاء بلاد الثغور والعواصم وأنها كانت بأيدي المسلمين وأهلها نصارى أرمن وعليهم جزية مقررة يؤدونها إلى الملوك إلى أن كانت طاعتهم آخرا لبقية الملوك السلاجقة ببلاد الروم والعمال والشحاني على بلادهم من جهة الملك السلجوقي حتى ضعفت تلك الدولة وسكنت شقاشق تلك الصولة وانتدب بعضهم لقتال بعض وصارت الكلمة شورى والرعية فوضى وشوامخ المعاقل مجالا للتخريب والبلاد المصونة قاصية من الغنم للذيب وطمع رئيس النصارى بهذه البلاد حينئذ فيها واستنسر بغاثه واشتد إنكاثه ورأى سواما لا ذائد عنه فساقه ومتاعا لا حامية له فملأ منه أوساقه فاستولى على هذه البلاد وتملكها وتحيف مواريث بني سلجوق واستهلكها وذكر في مسالك الأبصار أن كبيرهم كان يسمى قليج بن لاون
قال في التعريف وقد أخذ في أخريات الأيام الناصرية يعني محمد بن قلاوون بلاد ما وراء نهر جاهان وأمها آياس وكان قد أخذ بعض (8/30)
ذلك أيام الملك المنصور لاجين واستنيب به استدمر الكرجي ثم اعيدت إلى الأرمن بمواطأة أستدمر حين قتل لاجين وضعفت الدولة وذكر أنه قرر على الأرمن لملوك الديار المصرية قطيعة مقررة بلغت ألف ألف ومائتي ألف درهم مع أصناف ثم حط لهم منها ثم صاروا بعد ذلك بين طاعة وعصيان وذكر أنه كان لملوك البيت الهولاكوهي عليهم حكم قاهر وله فيهم أمر نافذ قبل ضعف شوكتهم ولين قسوتهم وخلو غابهم من قسورتهم ثم قال ولو تمكنوا من دمشق لمحوا آثارها وأنسوا أخبارها ثم أشار إلى أن ملكها يومئذ صاهر صاحب قبرس ليتقوى به وأنه مع ذلك أوصى سلطاننا صاحب مصر على ابنه بوصية أشهد عليها أهل مملكته وجعل ذلك وسيلة لبقاء دولته وكتب له تقليد عوضا عن أبيه وجهز إليه وألبس التشريف فلبس وقبل الأرض به وخدم قال في التعريف ومن ملك منهم سمي التكفور سمة جرت عليهم منذ كانوا وإلى الآن قال وملكهم ملك عريق من أبناء الملوك يزعم أن أصله من البيت القسطنطيني قال وعندي نظر في دعواهم ذلك إذ كان أهل ذلك البيت هم صليبة الروم ومعتقدهم معتقد الملكانية والبيت التكفوري أرمن (8/31)
ومعتقدهم معتقد اليعاقبة أو ما يقاربه وبين المعتقدين بعد عظيم وبون ناء وقد ذكر في التعريف أن اسمه ليفور بن أوشير وذكر أن رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر فلان بن فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين
وهذه أدعية ذكرها في التعريف تناسبه
وفقه الله تعالى لطاعة يكنفه ذمامها ويقيه مصارع السوء التزامها وتجري له بالسلامة في النفس والمال أحكامها
آخر ولا عدم من منننا الكرم الذي أجاره والأمن الذي أمن جاره والأمان الذي وسع عليه وجاره والعفو الذي وقاه في الدنيا قبل الآخرة نارا وقودها الناس والحجارة
آخر أبقاه الله لولاء يبديه وفرض من الخدمة يؤديه ودين في ذمته من الوظيفة يقوم به مع طرائف ما يهديه
آخر أراه الله ما يستدفع به من مواضي السيوف البلاء إذا نزل والسمهري الذي لا يرويه البحر إذا نهل والسيل الذي لا يقف في طريقه شيء ولا يمشي على مهل (8/32)
آخر صان الله تعالى بمصانعتة من أهل ملته كل قبيل وأمن الله بمداراته من خوف جيوشنا المنصورة كل سبيل وصد عنه بصدق صداقته بعث جنودنا الذي لا يرد وأوله بالفرات وآخره بالنيل
آخر ولا زال يتوقى بطاعته بوادر الأسنة وعوادي الخيل موشحة الأغنة وعيث الجيش حيث لا يبقى إلا أحد الأقسام الثلاثة القتل أو الأسر أو المنة
آخر جنب الله رأيه سوء التعكيس وشر ما يزين لمثله إبليس وأخذ جنائب قلاعه وأول تلك الجنائب سيس
والذي ذكره في التثقيف أنه كان اسمه كستندين بن هتيوم وأن رسم المكاتبة إليه على ما كان استقر عليه الحال إلى حين الفتوح في سنة ست وسبعين وسبعمائة في قطع العادة صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعظم المعزز الهمام الباسل فلان بن فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته تعلمه كذا وكذا وتعريفه متملك سيس قال وكتبت أنا والجماعة إليه بهذه المكاتبة مرات
قلت وقد بطلت هذه المكاتبة بفتح سيس حين فتحها قشتمر المنصوري نائب حلب في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين في التاريخ المقدم ذكره واستقرت نيابة في رتبة نيابة طرابلس وما في معناها ثم استقرت تقدمة عسكر في مضافات حلب على ما تقدم ذكره في المسالك والممالك هناك وإنما كان يقال له متملك سيس دون ملك سيس لما تقدم من أنها كانت أولا بيد المسلمين ثم وثب عليها رئيس الأرمن المقدم ذكره فملكها من أيدي المسلمين ولله الحمد في إعادتها إلى يد المسلمين واستقرارها في جملة الممالك الإسلامية (8/33)
المقصد الثاني في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد المغرب من جزيرة الاندلس وما والاها مما هو شمالي الأندلس من الأرض الكبيرة
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك من المقالة الثانية أن المسلمين كانوا قد افتتحوا جزيرة الأندلس في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنها أقامت بأيدي المسلمين إلى رأس الستمائة من الهجرة ولم يبق منها بيد المسلمين إلا غرناطة وما معها من شرق الأندلس عرض ثلاثة أيام في طول عشرة أيام وباقي الجزيرة على سعتها بيد أهل الكفر من نصارى الفرنج وأن المستولي على ذلك منهم أربعة ملوك
الأول صاحب طليطلة وما معها ولقبه الأذفونش سمة على كل من ملك منهم وعامة المغاربة يسمونه الفنش وله مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طليطلة وقشتالة وإشبيلية وبلنسية وقرطاجنة وجيان وجليقية وسائر أعمالها
الثاني صاحب أشبونة وما معها وتسمى البرتغال ومملكته صغيرة واقعة في الجانب الغربي عرضا له تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس
الثالث صاحب برشلونه وأرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة (8/34)
الرابع صاحب بيرة وهي بين عمالات قشتالة وعمالات برشلونة وقاعدته مدينة ينبلونة ويقال لملكها ملك البشكنس ووراء هؤلاء بالأرض الكبيرة صاحب إفرنسة التي هي أصل مملكة الفرنج كما تقدم في الكلام على المسالك والممالك وملكها يقال له الريد إفرنس قال في التعريف وهو الملك الكبير المطاع وإنما الأذفونش هو صاحب السطوة وذكره أشهر في المغرب لقربه منهم وبعد الريد إفرنس
والمكاتب منهم ملكان
الأول الأذفونش المبدأ بذكره قال في التعريف وبيده جمهور الأندلس وبسيوفه فنيت جحاججها الشمس وهو وارث ملك لذريق ولذريق هذا الذي أشار إليه في التعريف هو الذي انتزعها المسلمون من يده حين الفتح في صدر الإسلام قال صاحب التعريف وحدثني رسول الأذفونش بتعريف ترجمان موثوق به من أهل العدالة يسمى صلاح الدين الترجمان الناصري أن الأذفونش من ولد هرقل المفتتح منه الشام وأن الكتاب الشريف النبوي الوارد على هرقل متوارث عندهم مصون يلف بالديباج والأطلس ويدخر أكثر من ادخار الجواهر والأعلاق وهو إلى الآن عندهم لا يخرج ولا يسمح بإخراجه ينظر فيه بعين الإجلال ويكرمونه غاية الكرامة بوصية توارثها منهم كابر عن كابر وخلف عن سلف
قال وكان الأذفونش ممن قوي طمعه في بلاد مصر والشام في أخرى ليالي (8/35)
الأيام الفاطمية ثم قال ومكاتباته متواصلة والرسل بيننا وبينه ما تنقطع على سوء مقاصده وخبث سره وعلانيته أهدى مرة إلى السلطان سيفا طويلا وثوبا بندقيا وطارقة طويلة دقيقة تشبه النعش وفي هذا ما لا يخفى من استفتاح باب الشر والتصريح المعروف بالكناية فكان الجواب أن أرسل إليه حبل أسود وحجر أي إنه كلب إن ربط بالحبل وإلا رمي بالحجر
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه أطال الله بقاء الحضرة السامية حضرة الملك الجليل الهمام الأسد الباسل الضرغام الغضنفر بقية سلف قيصر حامي حماة بني الأصفر الممنع السلوك وارث لذريق وذراري الملوك فارس البر والبحر ملك طليطلة وما يليها بطل النصرانية عماد بني المعمودية حامل راية المسيحية وارث التيجان شبيه مريحنا المعمدان محب المسلمين صديق الملوك والسلاطين الأذفنش سرقلان
دعاء وصدر يليقان به
وكفاه شر نفسه وجناه ثمر غرسه ووقاه فعل يوم يجر عليه مثل أمسه وأراه مقدار النعمة بالبحر الذي تمنع بسوره وتوقى بترسه أصدرناها إليه وجند الله لا يمنعهم مانع ولا يضر بهم في الله ما هو جامع ولا يبالون أكتائب يخلفونها أم كتبا وجداول تعرض لهم أم بحار لا تقطعها إلا وثبا (8/36)
آخر ووقاه بتوفيقه تلاف المهج وكفاه بأس كل أسد لم يهج وحماه من شر فتنة لا يبل البحر الذي تحصن به ما يعقده غبارها من الرهج
أصدرناها إليه وأسنتنا لا ترد عن نحر وأعنتنا لا تصد بسور ولو ضرب من وراء البحر
قلت وينبغي أن تكون في قطع النصف
الثاني صاحب برجلونة ووهم في التثقيف فجعله هو الأذفونش المقدم ذكره وقال إنه يلقب أتفونش دون حاكم ثم قال وهم طائفة الكيتلان ورسم المكاتبة إليه في قطع النصف بقلم الثلث الكبير أدام الله تعالى بهجة الحضرة الموقرة الملك الجليل المكرم المبجل الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام الريد أرغون فلان نصير النصرانية فخر الامة العيسوية ذخر الملة المسيحية حامي الثغور متملك السواحل والبحور عماد المعمودية ظهير بابا رومية ملاذ الفرسان جمال التخوت والتيجان صديق الملوك والسلاطين صاحب برجلونة
قال في التعريف أما الريد فرنس فلم يرد له إلا رسول واحد أبرق وأرعد وجاء يطلب بيت المقدس على أنه يفتح له ساحل قيسارية أو (8/37)
عسقلان ويكون للإسلام بهما ولاة مع ولاته والبلاد مناصفة ومساجد المسلمين قائمة وإدارات قومتها دارة على أنه يبذل مائتي ألف دينار تعجل وتحمل في كل سنة نظير دخل نصف البلاد التي يتسلمها على معدل ثلاث سنين ويطرف في كل سنة بغرائب التحف والهدايا وحسن هذا كتاب من كتبه القبط كانوا صاروا رؤوسا في الدولة بعمائم بيض وسرائر سود وهم أعداء زرق يجرعون الموت الأحمر وعملوا على تمشية هذا القصد وإن سرى في البدن هذا السم وتطلب له الدرياق فعز وقالوا هذا مال جليل معجل ثم ماذا عسى أن يكون منهم وهم نفطة في بحر وحصاة في دهناء
قال وبلغ هذا أبي رحمه الله فآلى أن يجاهر في هذا ويجاهد بما أمكنه ويدافع بمهما قدر عليه ولولا لاوى السلطان على رأيه إن أصغى إلى أولئك الأفكة وقال لي تقوم معي وتتكلم ولو خضبت منا ثيابنا بالدم وراسلنا قاضي القضاة القزويني الخطيب فأجاب وأجاد الاستعداد فلما بكرنا إلى الخدمة وحضرنا بين يدي السلطان بدار العدل حضرت الرسل وكان بعض أولئك الكتبة حاضرا فاستعد لأن يتكلم وكذلك استعدينا نحن فما استتم كلامهم حتى غضب السلطان وحمي غضبه وكاد يتضرم عليهم حطبه ويتعجل لهم عطبه وأسكت ذلك المنافق بخزيته وسكتنا نحن اكتفاء بما بلغه السلطان مما رده بخيبته فصد ذلك الشيطان وكفى الله المؤمنين القتال وردت (8/38)
على راميها النصال وكان الذي قاله السلطان والكم أنتم عرفتم ما لقيتم نوبة دمياط من عسكر الملك الصالح وكانوا جماعة أكراد ملفقة مجمعة وما كان بعد هؤلاء الترك وما كان يشغلنا عنكم إلا قتال التتر ونحن اليوم بحمد الله تعالى صلح نحن وإياهم من جنس واحد ما يتخلى بعضه عن بعض وما كنا نريد إلا الابتداء فأما الآن فتحصلوا وتعالوا وإن لم تجوا فنحن نجيكم ولو أننا نخوض البحر بالخيل والكم صارت لكم ألسنة تذكرون بها القدس والله ما ينال أحد منكم منه ترابة إلا ما تسفيه الرياح عليه وهو مصلوب وصرخ فيهم صرخة زعزعت قواهم وردهم أقبح رد ولم يقرأ لهم كتابا ولا رد عليهم سوى هذا جوابا
قلت فإن اتفق أن يكتب إلى الريد إفرنس المذكور فتكون المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى الأذفونش أو أجل من ذلك
واعلم أن الريد فرنس هو الذي قصد الديار المصرية بمواطأة الأذفونش صاحب طليطلة المقدم ذكره وملكوا دمياط وكانت الواقعة بينهم في الدولة الأيوبية في أيام الصالح أيوب وأخذ الريد فرنس وأمسك وحبس بالدار التي كان ينزلها فخر الدين بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء بالمنصورة ورسم عليه الطواشي صبيح ثم نفس عنه وأطلق لأمر قرر عليه وقال في ذلك جمال الدين بن مطروح أبياته المشهورة وهي سريع (8/39)
( قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصوح )
( أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب أن الزمر يا طبل ريح )
( وكل أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضريح )
( خمسين ألفا لا ترى منهم ... غير قتيل أو اسير جريح )
( وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح )
( اجرك الله على ما جرى ... أفنيت عباد يسوع المسيح )
( فقل لهم إن اضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لقصد صحيح )
( دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشي صبيح )
المقصد الثالث في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الجنوبي
والمكاتب بهذا الجانب منهم ملكان (8/40)
الأول صاحب أمحرا ملك ملوك الحبشة ولقبه عندهم حطي بفتح الحاء وكسر الطاء المشددة المهملتين سمة على كل من ملك عليهم منهم
قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه نصراني يعقوبي يحكم على تسعة وتسعين ملكا منهم سبعة مسلمون وهم صاحب وفات وصاحب دوارو وصاحب أرابيني وصاحب شرحا وصاحب هدية وصاحب بالي وصاحب دارة وأنه لولا أن معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصح تعمد معمودي إلا باتصال من البطريرك وأن كرسي البطريرك كنيسة الإسكندرية فيحتاج إلى أخذ مطران بعد مطران من عنده لشمخ بأنفه عن المكاتبة لكنه مضطر إلى ذلك
قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه
أطال الله بقاء الحضرة العالية الملك الجليل الهمام الضرغام الأسد الغضنفر الخطير الباسل السميدع العالم في ملته العادل في مملكته المنصف لرعيته المستمع لما يجب في أقضيته عز الملة النصرانية ناصر الملة المسيحية ركن الأمة العيسوية عماد بني المعمودية حافظ البلاد الجنوبية متبع الحواريين والأحبار الربانيين والبطاركة القدسين معظم كنيسة صهيون أوحد ملوك اليعقوبية صديق الملوك والسلاطين ويدعى له دعاء مفخما يليق به ولا يعلم له
وهذا دعاء وصدر يليقان به ذكرهما في التعريف (8/41)
وأظهر فضله على من يدانيه من كل ملك هو بالتاج معتصب ولكف اللجاج بالعدل منتصب ولقطع حجاج كل معاند بالحق معتصر أو للحق مغتصب
صدرت هذه المفاوضة إلى حضرته العلية ومن حضرة القدس مسراها ومن أسرة الملك القديم سراها وعلى صفاء تلك السريرة الصافية ترد وإن لم يكن بها غليل وإلى ذلك الصديق الصدوق المسيحي تصل وإن لم تكن بعثت إلا من تلقاء الخليل
ولم يذكر القطع الذي يكتب إليه فيه أما في التثقيف فإنه ذكر أنه يكتب إليه في قطع الثلث بقلم التوقيعات ما نصه
أطال الله بقاء الملك الجليل المكرم الخطير الأسد الضرغام الهمام الباسل فلان بن فلان العالم في ملته العادل في مملكته حطي ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان نجاشي عصره سند الملة المسيحية عضد دين النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه صاحب الحبشة
قال فإن كانت المكاتبة جوابا صدر الكتاب إليه بما صورته ورد كتاب الملك الجليل ويذكر بقية المكاتبة ثم قال وهذه المكاتبة هي التي استقر عليها الحال عندما كتب جوابه في التاسع من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
وهذه نسخة جواب كتاب ورد عن صاحب الحبشة من سلطنة الملك (8/42)
المظفر صاحب اليمن على الملك الظاهر بيبرس رحمه الله بطلب مطران يقيمه لهم البطرك مما كتب به القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله وهي
ورد كتاب الملك الجليل الهمام العادل في ملته حطي ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان الحاكم على ما لهم من البلدان نجاشي عصره صديق الملوك والسلاطين سلطان الأمحرا حرس الله نفسه وبنى على الخير أسه فوقفنا عليه وفهمنا ما تضمنه فأما طلب المطران فلم يحضر من جهة الملك أحد حتى كنا نعرف الغرض المطلوب وإنما كتاب السلطان الملك المظفر صاحب اليمن ورد مضمونه أنه وصل من جهة الملك كتاب وقاصد وأنه أقام عنده حتى يسير إليه الجواب وأما ما ذكره من كثرة عساكره وأن من جملتها مائة ألف فارس مسلمين فالله تعالى يكثر في عساكر الإسلام وأما وخم بلاده فالآجال مقدرة من الله تعالى ولا يموت أحد إلا بأجله ومن فرغ أجله مات
واعلم أن العادة جرت أنه كلما كتب إليه كتاب عن الأبواب السلطانية كتب (8/43)
قرينه كتاب عن البطريرك قال في التعريف ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة وإذا كتب كتابا فأتى ذلك الكتاب أول مملكته خرج عميد تلك الارض فحمل الكتاب على رأس علم ولا يزال يحمله بيده حتى يخرجه من أرضه وأرباب الديانة في تلك الأرض كالقسوس والشمامسة حوله مشاة بالأدخنة فإذا خرجوا من حد أرضهم تلقاهم من يليهم أبدا كذلك في كل أرض بعد أرض حتى يصلوا إلى أمحرا فيخرج صاحبها بنفسه ويفعل مثل ذلك الفعل الأول إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبي الملك ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي ولا قليل ولا كثير حتى ينادى للكتاب ويجتمع له يوم الأحد في الكنيسة ويقرأ والملك واقف ثم لا يجلس مجلسه حتى ينفذ ما أمره به
الثاني صاحب دنقلة قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن دنقلة هي قاعدة مملكة النوبة وأنها كانت في الأصل يكون ملكها من نصارى النوبة ومعتقدهم معتقد اليعاقبة وأنه ربما غلب عليها بعض المسلمين من العرب فملكها وقد تقدم ذكر المكاتبة إلى صاحبها إذا كان مسلما أما إذا كان نصرانيا فقد ذكر في التثقيف أن المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى النائب الجليل المبجل الموقر الأسد الباسل فلان مجد الملة المسيحية كبير الطائفة الصليبية غرس الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه النائب بدنقلة
المقصد الرابع في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الشمالي من الروم والفرنجة على اختلاف أجناسهم وجميعهم معتقدهم معتقد الملكانية
وجملة ما ذكر من المكاتبات في التعريف والتثقيف اثنتا عشرة مكاتبة (8/44)
الأولى مكاتبة الباب وهو بطريرك الملكية القائم عندهم مقام الخليفة والعجب من جعله في التثقيف بمنزلة القان عند التتار والقان إنما هو بمنزلة ملكهم الأكبر والباب ليس من هذا القبيل بل إليه أمر الديانة حتى في التحليل والتحريم
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البطاركة أنهم كانوا يسمون القسيس ونحوه أبا ويسمون البطريرك أبا فأحبوا أن يأتوا على البطريرك بسمة له تميزه عن غيره من الآباء فاختاروا له لفظ الباب وأنه يقال فيه الباب والبابا ومعناه أبو الآباء ثم لما غلب الروم على المملكة وعلت كلمتهم على اليعاقبة خصوا اسم الباب ببطريركهم فصار ذلك علما عليه ومقره مدينة رومية على ما تقدم هناك ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة السامية الباب الجليل القديس الروحاني الخاشع العامل باب رومية عظيم الملة المسيحية قدوة الطائفة العيسوية مملك ملوك النصرانية حافظ الجسور والخلجان ملاذ البطاركة والأساقفة والقسوس والرهبان تالي الإنجيل معرف طائفته التحريم والتحليل صديق الملوك والسلاطين والدعاء وصدرت هذه المكاتبة
قال في التثقيف هذا ما وجدته مسطورا ولم يكتب إليه شيء في مدة مباشرتي ولا أدري في أي شيء كان يكتب إليه ولا عرفت تعريفه ولم يتعرض له المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف جملة ورأيت في بعض الدساتير أنه لم يكتب إليه إلا مرة واحدة وأن الكتابة إليه في قطع النصف مع المكاتبة المتقدمة
الثانية المكاتبة إلى ملك الروم صاحب القسطنطينية قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنها صارت آخرا إلى بني الأشكري فصار الأشكري (8/45)
سمة لهم ملكا بعد ملك قال في التعريف وقد كان قبل غلبة الفرنج ملكا جليلا يرجع إليه من عباد الصليب سائر الملوك ويفتقر إليه منهم الغني والصعلوك وكتب التواريخ مشحونة بأخباره وذكر وقائعه وآثاره وأول من ألبس هامته الذلة وأصار جمعه إلى القلة هارون الرشيد حين أغزاه أبوه المهدي إياه فأزال الشمم من أنفه وثنى جامح عطفه فأما غزوات مسلمة بن عبد الملك ويزيد بن معاوية فإنها لم تبلغ فيه حد النكاية ولا أعظمت له الشكاية قال وهذا الملك الآن كان السلطان أزبك قد كاد يبتز تاجه ويعقم نتاجه ويخل من جانب البحر المغلق رتاجه فاحتاج إلى مداراته وبذل له نفائس المال وصحب أيامه على مضض الاحتمال وكانت له عليه قطيعة مقررة وجملة مال مقدرة ثم عميت علينا بعده منهم الأخبار وتولى بالدنيا الإدبار
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة العالية المكرمة حضرة الملك الجليل الخطير الهمام الأسد الغضنفر الباسل الضرغام المعرق الأصيل الممجد الأثير الأثيل البلالاوس الريدأرغون ضابط الممالك الرومية جامع البلاد الساحلية وارث القياصرة القدماء محيي طرق الفلاسفة والحكماء العالم بأمور دينه العادل في ممالكة معز النصرانية مؤيد المسيحية أوحد العيسوية مخول التخوت والتيجان حامي البحار والخلجان آخر ملوك اليونان ملك ملوك السريان عماد بني المعمودية رضي الباب بابا رومية ثقة الأصدقاء صديق المسلمين أسوة الملوك والسلاطين ثم يكتب اسمه هنا ويدعى له ولم يذكر قطع الورق الذي يكتب إليه فيه
وهذا دعاء وصدر يليقان به أوردهما في التعريف
وجعل له من السلامة يدا لا تزعزعه من أوطانه ولا تنزعه من سلطانه (8/46)
ولا توجب له إلا استقرارا لتيجانه واستمرارا بملكه على ما دارت على حصونه مناطق خلجانه ولا برحت ثمار الود تدنو من أفنائه ومواثيق العهد تبويء له ما يسر به من إشادة معالم سلفه وشد بناء يونانه أصدرناها وشكره كجاره البحر لا يوقف له على آخر ولا يوصف مثل عقده الفاخر ولا يكاثر إلا قيل أين هذا القليل من هذا الزاخر
آخر له ونظم سلكه وحمى بحسن تأتيه ملكه وكفى محبه هلكه وأجرى بوده ركائبه وفلكه ووقاه كذب الكاذب وكف إفكه وأشهد على وده الليل والنهار وما جن كافور هذا كافوره ولا مسك هذا مسكه
قلت هذا الدعاء والصدر وإن أورده في التعريف في جملة الأدعية له والصدور فإنه منحط الرتبة عن المكاتبة السابقة اللهم إلا أن يخص هذا بحالة منابذة أو تهديد ونحو ذلك
وذكر في التثقيف أن الذي استقر عليه الحال في المكاتبة إليه أنه يكتب إليه في قطع النصف ما نصه ضاعف الله تعالى بهجة حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الأسد الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام فلان العالم في ملته العدل في أهل مملكته عز الأمة المسيحية كبير الطائفة الصليبية جمال بني المعمودية صمصام الملوك اليونانية حسام المملكة الماكصونية مالك اليرغلية والاملاحية صاحب أمصار الروس والعلان معز اعتقاد الكرج والسريان وارث الأسرة والتيجان الحاكم على (8/47)
الثغور والبحور والخلجان الضوقس الأنجالوس الكمنينوس البالالوغس صديق الملوك والسلاطين ثم الدعاء صدرت هذه المكاتبة إلى حضرته تشكر موالاته ومن هذه المادة وتوضح لعلمه السعيد
ورأيت في بعض الدساتير أنه يختمها بقوله فيحيط بذلك علما والله تعالى يديم بهجته
قال في التثقيف وتعريفه ضابط مملكة الروم وذكر أن هذه المكاتبة هي المتداولة بديوان الإنشاء بين كتابه وأنه هو كتب بها إليه ولم يتعرض لإيراد المكاتبة التي ذكرها في التعريف بل أحال في معرفتها لمن أرادها على النظر فيه
الثالثة المكاتبة إلى حكام جنوة وهم جماعة متفاوتو المراتب وهم البودشطا والكبطان والمشايخ ورسم المكاتبة إليهم على ما ذكره في التثقيف في قطع الثلث
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة البودشطا والكبطان الجليلين المكرمين الموقرين المبجلين الخطيرين فلان وفلان والمشايخ الأكابر المحترمين أصحاب الرأي والمشورة الكمنون بجنوة أمجاد الأمة المسيحية أكابر دين النصرانية أصدقاء الملوك والسلاطين ألهمهم الله تعالى رشدهم وقرن بالخير قصدهم وجعل النصيحة عندهم تتضمن إعلامهم كذا وكذا وتعريفهم الحكام بجنوة
قال في التثقيف والذي استقر عليه الحال آخرا في مفتتح سنة سبع وستين وسبعمائة إبطال المكاتبة إلى البودشطا والكبطان بحكم أنهما أبطلا واستقر ت مكاتبة الدوج مكانهما بما نصه (8/48)
صدرت هذه المكاتبة إلى الدوج الجليل المكرم المبجل الموقر الخطير فلان والمشايخ والباقي على ما تقدم ذكره قلت هكذا هو في التثقيف بدال وواو وجيم والمعروف إبدال الجيم في آخره كافا على ما سيأتي ذكره في الكلام على صاحب البندقية على الأثر
واعلم أنه قد ذكر في التثقيف أنه كان لصاحب جنوة مقدم على الشواني بقبرس وقيل إنه كان بالماغوصة وأنه كتب إليه في رمضان جوابا عما ورد عنه في قطع العادة ما نصه
وردت مكاتبة المحتشم الجليل المبجل الموقر الأسد الباسل فلان مجد الملة المسيحية كبير الطائفة الصليبية غرس الملوك والسلاطين ثم الدعاء وتعريفه مقدم الشواني الجنوية بقبرس
الرابعة المكاتبة إلى صاحب النبدقية قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال عندما كتب إليه جوابه في شهر رجب سنة سبع وستين وسبعمائة وهو يومئذ مركر يادو في قطع الثلث
وردت مكاتبة حضرة الدوج الجليل المكرم الخطير الباسل الموقر المفخم مركريادو فخر الملة المسيحية جمال الطائفة الصليبية دوج البندقية والمانسية دوج كرال دين بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه صاحب البندقية ثم ذكر بعد ذلك نقلا عن خط القاضي ناصر الدين بن النشائي أنه كتب في الجواب إلى دوك البنادقة
وردت مطالعة الدوك الجليل المكرم المبجل الموقر البطل الهمام الضرغام الغضنفر الخطير مجد الملة النصرانية فخر الأمة العيسوية عماد بني المعمودية معز بابا رومية صديق الملوك والسلاطين دوك البنادقة وديارقة والروسا والإصطنبولية ثم قال ولم يذكر تعريفه ولا قطع الورق الذي يكتب إليه فيه ثم نقل عنه أيضا أن المكاتبة إلى دوك البندقية هذه المكاتبة إلى حضرة المحتشم الجليل المبجل الموقر المكرم المفخم الباسل (8/49)
الضرغام فلان عز الأمة المسيحية جمال الطائفة العيسوية ذخر الملة الصليبية صديق الملوك والسلاطين ثم قال هكذا رأيته من غير ذكر تعريفه ولا القطع الذي يكتب إليه فيه قال وما يبعد أنه غير الأول ولم يزد على ذلك
قلت ومقتضى ما ذكره من جميع ذلك أن الدوك غير الملك نفسه على ان المكاتبة الأولى والثانية في الجواب متقاربتان أما المكاتبة الثالثة فمنحطة عن الأولتين على أنه قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البندقية نقلا عن ابن سعيد أن ملك البنادقة يقال له الدوك بضم الدال المهملة وواو وكاف في الآخر وهذا مما يحتاج إلى تحرير فإن كان الدوك هو الملك فتكون المكاتبة إليه اختلفت باختلاف الحال أو باختلاف غرض الكتاب أو عدم اطلاعهم على حقيقة الأقدار والوقوف مع ما يلقى إليهم من المزاحمة في كل وقت وهو الظاهر
الخامسة المكاتبة إلى صاحب سنوب من سواحل بلاد الروم قبل أن تفتح ويستولي عليها التركمان قال في التعريف وهي على ضفة الخليج القسطنطيني وملكها رومي من بيت الملك القديم من أقارب صاحب القسطنطينية قال ويقال إن أباه أعرق من آبائه في السلطان قال ولكن ليس (8/50)
ملكه بكبير ولا عدده بكثير ويكون بينه وبين أمراء الأتراك حروب يكون في أكثرها المغلوب
وذكر أن رسم المكاتبة إليه مثل متملك سيس فتكون على ما ذكره في مكاتبة متملك سيس
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين
وهذا دعاء يليق به ذكره في التعريف
وكفاه شر ما ينوب وروح خاطره في الشمال بريا ما يهب من الجنوب ووقاه سوء فعل يورث الندم وأول ما يقرع السن سنوب
السادسة المكاتبة إلى صاحب البلغار والسرب قد تقدم في الكلام على المكاتبات إلى ملوك الإسلام بالجانب الشمالي نقلا عن التعريف ما يقتضي أن ملكها مسلم وذكرت مكاتبته الإسلامية هناك وعلى ذلك اقتصر في التعريف وتقدم النقل عن مسالك الأبصار انها صارت إلى ملوك النصرانية وعليه اقتصر في التثقيف وهو المراد هنا
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف نقلا عن ابن النشائي في قطع الثلث ما نصه (8/51)
أطال الله تعالى بقاء حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الهمام الضرغام الباسل الدوقس الانجالوس الكمنينوس فلان عماد النصرانية مالك السرب والبلغار فخر الأمة العيسوية ذخر الملة المسيحية فارس البحور حامي الحصون والثغور والدعاء اصدرنا هذه المكاتبة وتعريفه صاحب البلغار
واعلم أنه في التثقيف بعد أن أورد المكاتبة المتقدمة لصاحب السرب والبلغار نقلا عن ابن النشائي ذكر نقلا عنه ايضا أن المكاتبة إلى صاحب السرب في قطع الثلث نظير متملك سيس فتكون المكاتبة إليه على ما تقدم أنه الذي استقر عليه الحال في المكاتبة لمتملك سيس
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعزز الهمام الباسل فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته تعلمه كذا وكذا وتعريفه صاحب السرب
ثم قال ولم أدر هل يجتمعان لشخص واحد تارة فيكون بهما اثنان تارة وواحد تارة أم لا ثم قال على انه لو كان الأمر كذلك لكان يتعين أن يذكر مكاتبة صاحب البلغار وحده مفردا كما ذكر مكاتبة صاحب السرب وحده مفردا
قلت كلا الأمرين محتمل فيجوز انهما كانا مجتمعين لواحد وأنه كتب تعريفه بالإضافة إلى أحدهما استغناء به عن الاخر أو انه كتب إلى صاحب السرب بمفرده ولم يحط رتبته في قطع الورق عن رتبة من اجتمعا له ولا يلزم من ذلك أنه كان يكتب لصاحب البلغار بمفرده لاحتمال انه لم يكتب إليه شيء حينئذ وبالجملة فهذا أمر راجع إلى النقل
السابعة المكاتبة إلى ملك رودس قال في التعريف وهي جزيرة تقابل شطوط البلاد الرومية قال وأهلها في البحر حرامية إذا ظفروا بالمسلم (8/52)
أخذوا ماله وأحيوه وباعوه أو أستخدموه وإذا ظفروا بالفرنجي أخذوا ماله وقتلوه
ورسم المكاتبة إليه مثل متملك سيس إلا أنه لا يقال فيه معز بابا رومية وتختصر بعض القابه لأنه دونه وحينئذ فيتجه أن تكون المكاتبة إليه
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل السميدع فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية صديق الملوك والسلاطين أو نحو ذلك على أنه في التعريف لم يذكر في المكاتبة إلى متملك سيس معز بابا رومية فلم يكن ليحتاج أن يقول إلا أنه لا يقال فيه معز بابا رومية
وهذا دعاء يليق به ذكره في التعريف وهو
قدم الله له الأعذار وكفاه قوامع الإنذار وحذره عاقبة البغي قبل أن لا ينفع الحذار
آخر فك الله من وثاقه كل مأسور وأقال كل غراب له من الرجوع وجناحه مكسور وعصمه بالتوبة مما اقترف لا بالبحر ولو أنه سبعة أبحر وسور مدينته ولو أنه مائة سور
الثامنة المكاتبة إلى صاحب جزيرة المصطكى قال في التعريف وهي جزيرة صغيرة لا تبعد مدى من الإسكندرية وصاحبها صغير لا في مال ولا في رجال وجزيرته ذات قحط لا يطر شاربها بزرع ولا يدر حالبها بضرع إلا أنها تنبت هذه الشجرة فتحمل منها وتجلب وترسى السفن عليها بسببها وتطلب قال وفي ملكها خدمة لرسلنا إذا ركبوا ثبج البحر وتجهيز لهم إلى حيث (8/53)
أرادوا وتنجيز لهم إذا توجهوا وإذا عادوا ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف كالمكاتبة إلى صاحب جزيرة رودس المتقدمة الذكر آنفا وهي
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل إلى آخر ما تقدم
وهذه أدعية تليق به ذكرها في التعريف دعاء من ذلك وفقه الله لطاعته وانهضه من الولاء بقدر طاقته
آخر أطاب الله قلبه وأدام إلينا قربه
آخر لا زال إلى الطاعة يبادر وعلى الخدمة انهض قادر ومكانه تزم إليه ركائب السفن بكل وارد وصادر
التاسعة المكاتبة إلى متملك قبرس وإنما قيل له متملك قبرس لأنها كانت قد فتحها المسلمون ثم تغلب عليها النصارى وملكوها فقيل لمن غلب عليها متملك ولم يقل له ملك وذكر في التثقيف عن القاضي ناصر الدين بن النشائي أن المكاتبة إليه مثل متملك سيس ولم يزد على ذلك وحينئذ فتكون المكاتبة إليه مثل ما استقر عليه الحال في المكاتبة إلى متملك سيس في قطع العادة
صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعزز الهمام الباسل فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته وتعريفه متملك قبرس
قال صاحب التثقيف ولم أقف على مكاتبة إليه ابتداء ولا جوابا سوى ذلك إلا أنه كتب إليه عن الأمير الجاي اليوسفي عند وقوع الصلح في سنة اثنتين وستين وسبعمائة يعني عندما كان الجاي أتابك العساكر المنصورة
العاشرة المكاتبة إلى ملك مونفراد ذكر في التثقيف أنه كان بها ابن (8/54)
ملك إصطنبول وأنه كتب إليه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
أصدرناها إلى حضرة الملك الجليل المكرم البطل الهمام الأسد الضرغام فلان مجد النصرانية فخر العيسوية عماد بني المعمودية جمال الطائفتين الرومية والفرنجية ملك مونفراد وارث التاج معز الباب أدام الله بقاه وحفظه ووقاه وأورثه من أبيه تخته وتاجه وولاه تتضمن إعلامه كذا وكذا ثم قال هذا ما وجدته مسطورا في رسم المكاتبة المذكورة ولم يكتب إليه شيء في مدة مباشرتي ولم أدر ما تعريفه ولا في أي قطع يكتب إليه قال والذي يظهر أنه يكتب إليه في قطع العادة وأن يكون تعريفه ملك مونفراد
الحادية عشرة المكاتبة إلى صاحبة نابل وقد ذكر في التثقيف أنه كان اسم صاحبتها جوانا وأنه كتب إليها في أواخر سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ما صورته
صدرت هذه المكاتبة إلى الملكة الجليلة المكرمة المبجلة الموقرة المفخمة المعززة فلانة العالمة في ملتها العادلة في مملكتها كبيرة دين النصرانية بصيرة الأمة العيسوية حامية الثغور صديقة الملوك والسلاطين ثم الدعاء تتضمن إعلامها وتعريفها صاحبة نابل ولم يذكر قطع الورق لمكاتبتها ولا خفاء أنه يكتب إليها في قطع العادة لصغر مقامها
قلت فإن ولي مملكتها رجل فينبغي أن يكتب إليه بهذه المكاتبة على التذكير أو أعلى من ذلك لميزة الرجال على النساء وهؤلاء جملة من تعرض إلى مكاتبته في التعريف والتثقيف من ملوك الكفر فإن اتفقت المكاتبة إلى أحد سواهم فليقس على من هو مثله منهم ثم قد ذكر في التثقيف القنصل بكفا وذكر أنها جارية في حكم جنوة وأنه لم يكتب إليه شيء عن المواقف الشريفة ولا خفاء في ذلك فإن مقام القنصل دون أن يكاتب عن الأبواب السلطانية (8/55)
الفصل الخامس
من الباب الثاني من المقالة الرابعة في الكتب الواردة على الأبواب الشريفة السلطانية بالديار المصرية ممن جرت العادة بمكاتبته إليها من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك المكاتبة عن هذه المملكة وهي نوعان
النوع الاول المكاتبات الواردة عن ملوك المسلمين وهي على قسمين
القسم الأول في الكتب الواردة عن أهل هذه المملكة بالديار المصرية والبلاد الشامية ممن يؤهل للمكاتبة إلى الأبواب السلطانية من النواب وغيرهم من الأمراء وأرباب الأقلام من الوزراء والعلماء ومن في معناهم وهم على ضربين
الضرب الأول في المطالعات الواردة عن أكابر أهل الدولة بالديار المصرية والبلاد الشامية من النواب ومن في معناهم
قد جرت عادة من يكتب إلى الأبواب السلطانية من أهل هذه المرتبة أن يكتب جميعهم كتبهم في قطع العادة فإن كان بالديار المصرية فمن الورق البلدي وإن كان بالبلاد الشامية فمن الورق الشامي وجميع ذلك في الورق الأبيض إلا نائب الشام ونائب الكرك فإنهما قد جرت العادة فيهما بأنهما بكتبان إلى الأبواب السلطانية في الورق الأحمر الشامي شيء اختصا به دون سائر أهل المملكة (8/56)
ثم قد ذكر في عرف التعريف أن الملوك لا يكتب إليهم إلا يقبل الأرض وينهي ويختم بما صورته طالع المملوك بذلك وللابراء العالية مزيد العلو أو أنهى المملوك ذلك وللآراء العالية مزيد العلو والعنوان الملكي الفلاني مطالعة المملوك فلان وحينئذ فالذي جرت به العادة في ذلك أن يبتديء الكاتب فيكتب فهرست الكتاب في رأس لدرج من جهة وجهه في عرض إصبع في الجانب الأيمن إلى الأبواب الشريفة وفي الجانب الأيسر بسبب كذا وكذا ثم يقلب الدرج ويكتب في ظاهرة بعد ترك ما كتب الفهرست في باطنه العنوان فيكتب الملكي الفلاني في أول العنوان ومطالعة المملوك فلان في آخره ثم بعد ذلك يقلب الدرج ويترك وصلا أبيض ويكتب البسملة في رأس الوصل الثاني بعد خلو هامش من الجانب الأيمن ثم يكتب تحت البسملة ملاصقا لها ما صورته الملكي الفلاني بحيث يكون آخر الملكي الفلاني مسامتا لجلالة البسملة بلقب السلطان كأنه ينسب نفسه إلى سلطانه ثم يكتب صورة المكاتبة على سمت البسملة في سطر ملاصق للملكي الفلاني يقبل الأرض ويني كذا وكذا فإن كان ابتداء كتب وينهي أن الأمر كذا وكذا ويأتي بمقاصد المكاتبة فإن كانت فصلا واحدا ذكره وختم الكتاب بآخر كلامه وإن كان الكتاب مشتملا على فصول أتى بالفصل الأول إلى آخره ثم يخلى بياضا قدر خمسة أسطر ثم يسرد الفصول بعد ذلك فصلا فصلا يخلي بين كل فصلين قدر خمسة أسطر ايضا ويقول في اول كل فصل المملوك ينهي كذا وكذا وإذا أتى على ذكر السلطان قال خلد الله سلطانه أو خلد الله ظله أو أتى على ذكر المرسوم الشريف قال شرفه الله وعظمه ونحو ذلك وإذا سأل في أمر قال والمملوك يعرض على الآراء الشريفة كذا وكذا أو إن اقتضت الآراء الشريفة كذا فلها مزيد العلو ولا يقال يسأل الصدقات الشريفة إلا في أمر جليل أو شيء مهم والعرض أبلغ في الأدب ولا يلقب أحدا بالجناب والمجلس ومجلس الأمير وإذا ذكر كبيرا في الدولة كالنائب الكافل ونائب الشام أو نائب حلب أو أمير كبير قال إن مملوك مولانا السطان خلد الله ملكه الأمير فلان الدين فلان (8/57)
الناصري مثلا كافل الممالك الشريفة أو نائب السلطنة الشريفة بالمملكة الشامية المحروسة أو كافل المملكة الشامية المحروسة أو نائبب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة أو الأمير فلان الدين فلان الناصري مثلا أو القاضي فلان الدين او ناظر الجيوش المنصورة بالأبواب الشريفة وما يجري هذا المجرى ولا يدعى في المطالعة لأحد وإذا انتهت الفصول إلى آخرها قال وقد جهز المملوك بمطالعته هذه مملوكه فلانا السيفي مثلا الماثل بها وإن كان ثم مشافهة قال وقد حمله مشافهة يسأل المسامع الشريفة سماعها إن اقتضت ذلك أو ينهيها إلى المسامع الشريفة إذا رسم له بإنهائها طالع بذلك أو أنهى ذلك
ثم قد جرت عادة النواب بالبلاد الشامية أن يقدموا في صدر المكاتبة ما اشتمل على أخبار البلاد الشرقية من مملكة إيران المجاورة لأواخر هذه المملكة من تجدد أمر أو حركة عدو أو حكاية حال مهمة من أحوال تلك البلاد مثل أن يقال في أول المكاتبة وينهي أن قصاده عادوا من البلاد الشرقية مخبرين بكذا وكذا ويشرح الحال التي أخبر بها قصاده
وإن كان الخبر نقلا عن نائب من نواب الأطراف كالرها ونحوها قال إن مطالعة نائب فلانة وردت بكذا وكذا ويذكر ما تضمنته ملخصا وإن كانت المطالعة جواب مثال شريف ورد فقط قال وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريدي بالأبواب الشريفة يتضمن ما اقتضته المراسيم الشريفة أو ما اقتضته الآراء الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها من كذا وكذا ويذكر نص المثال الشريف حرفا حرفا ثم يقال وتفهم المملوك ما رسم له به وقابل المراسيم الشريفة زاد الله تعالى (8/58)
شرفها بتكرار تقبيل الأرض والامتثال وتقدم بكذا إن كان الأمر مما نفذ أو والذي ينهيه المملوك كذا وكذا إن كان الأمر قد توقف
ثم إن كان النائب عظيم القدر كنائب السلطنة الشريفة بالشام أو حلب جعل بعد ما بين كل سطرين تقدير رأس إصبع وإن كان دون ذلك جعل ما بينهما أقل من ذلك حتى ينتهي في أقل الرتب إلى ملاصقة السطور بعضها ببعض
وإن كانت المطالعة في أمر مهم كاستقرار نائب أو بشارة بفتح أو نحو ذلك أتى بجميع الكتاب مسجعا وإلا فلا
وهذه نسخة مطالعة عن نائب الشام ابتداء
يقبل الأرض وينهي أنه ورد على المملوك مكاتبة نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة يذكر فيها أن قصاده عادوا من جهة بلاد الشرق وأخبروا أن العدو المخذول فلانا قد خرج عليه عدو من ورائه وقصد بلاده فكر راجعا إليه بعد أن كان قاصدا هذه الجهة وأحب المملوك إحاطة الخواطر الشريفة بذلك
المملوك ينهي أن مطالعة نائب الرحبة المحروسة وردت على المملوك يخبر فيها أن فلانا التركماني قد عاد إلى الطاعة الشريفة ولاذ بمراحم الأبواب العالية وأنه ما كان حمله على ما وقع منه من عدم المقابلة إلا الخوف من السطوات الشريفة وأنه يسأل كتابة أمان شريف له ولجماعته ومن يليه بأن يكونوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وسائرذات يدهم وأنه إذا وصل إليه الأمان قصد الأبواب السلطانية وتمثل بالمواقف الشريفة وامتثل ما تبرز به الأوامر المطاعة في أمره وأمر جماعته والمملوك ينظر ما يرد به الجواب الشريف في أمره لكاتب نائب الرحبة المحروسة بما يعتمده في أمره
المملوك ينهي أنه قد بلغ المملوك أن البحر مشغول بمراكب الفرنج ولم يعلم إلى أي مكان يقصدون وقد أخذ المملوك في الاحتراز على السواحل (8/59)
المذكورة بإقامة المركزين وأمرهم بالاحتراز والاحتفاظ وقد عرض المملوك ذلك على الآراء العالية ليكون ذلك على الخواطر الشريفة ويكاتب به النواب بالبلاد المجاورة للبحر
المملوك ينهي أن الأمير فلانا الفلاني أحد أمراء الطبلخاناه بدمشق المحروسة قد توفي إلى رحمة الله تعالى والمملوك يسأل الصدقات الشريفة في استقرار إمرته باسم مملوك مولانا السلطان عز نصره ولد المملوك فلان إعانة له على الخدمة الشريفة وجبرا لخاطر المملوك فإن حسن ذلك بالآراء الشريفة وإلا فللرأي العالي مزيد العلو
المملوك ينهي أن الأمير فلان الدين فلانا أمير حاجب بالشام المحروس كان قد برزت المراسيم الشريفة باستقراره في نيابة صفد المحروسة وقد توجه إلى محل نيابته والمملوك يعرض على الآراء الشريفة إن حسن بالرأي الشريف أن يستقر في الوظيفة المذكورة الأمير فلان الدين فلان أحد الأمراء الطبلخاناه بدمشق المحروسة فإنه كفء لذلك أو يستقر من تبرز به الآراء الشريفة
المملوك ينهي أن فلانا أحد رجال الحلقة المنصورة بدمشق المحروسة قد درج بالوفاة وقد كتب المملوك مربعة باسم فلان الدين فلان باستقراره على إقطاعه وجهزها إلى الأبواب الشريفة لتعرض على الآراء العالية فإن حسن بالرأي الشريف إمضاؤها وإلا فيستقر على إقطاعه من تبرز المراسيم الشريفة باستقراره وقد جهز المملوك هذه المطالعة على يد مملوكه فلان إلى الأبواب الشريفة
طالع بذلك إن شاء الله تعالى ثم يكمل (8/60)
وهذه نسخة مطالعة عن نائب الشام أيضا في جواب مكاتبة شريفة وردت عليه وهي
يقبل الأرض وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريدي بالأبواب الشريفة يتضمن أن المرسوم الشريف اقتضى الاجتهاد والاهتمام في حفظ السواحل والمواني وإقامة الأيزاك والأبدال في أوقاتها على العادة وإلزام أربابها بمواضبتها وإلزام المنورين بالديدبانات والمناظر والمناور في الأماكن المعروفة وتعهد أحوالها وتفقدها وتقويم أحوالها بحيث تقوم أحوالها على أحسن العوائد وأكملها ولا يقع على أحد درك بسببها وأن المملوك يتقدم باعتماد ما اقتضاه المرسوم الشريف من ذلك مع مضاعفة الاحتفال بذلك والمبادرة إليه فوقف المملوك على المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه وتفهم ما رسم له به وقابل المراسيم الشريفة زاد الله تعالى شرفها بالامتثال وتقدم باعتماد ما اقتضته المراسيم الشريفة من ذلك وأخذ في حفظ السواحل والمواني وإقامة الأيزاك والأبدال وإلزام أربابها بمواظبتها وإلزام المنورين بالديدبانات والمناظر فقامت الأحوال على أحسن العوائد وجرت على أكمل القواعد ولم يكن عند المملوك غفلة عما هو بصدده من ذلك وقد اعاد المملوك فلان الدين فلانا البريدي المذكور بهذه المطالعة ليحصل الوقوف عليها طالع بذلك
وهذه نسخة مطالعة تشتمل على ابتداء وجواب يقبل الأرض وينهي أنه قد (8/61)
حضر رسول من القان فلان بالمملكة الفلانية وقصده التوجه إلى الأبواب الشريفة والمملوك يعرض على الآراء العالية أمره فإن أذن له في التوجه إلى أبوابه الشريفة جهزه المملوك إليها على العادة
المملوك ينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان المسفر من الأبواب الشريفة يتضمن طلب فلان الفلاني وحمله إلى الأبواب الشريفة محتفظا به فبادر المملوك ما برزت به المراسيم الشريفة بالامتثال وتقدم بطلب فلان المذكور وسلمه إلى فلان الدين المسفر المذكور وبعث معه من يحتفظ به في الطريق إلى حين وصوله إلى الأبواب الشريفة
صورة وضع المطالعة من نواب السلطنة ومن في معناهم إلى الأبواب الشريفة
الجانب الأيمن الأيسر
إلى الأبواب الشريفة بسبب كذا
العنوان
الملكي الفلاني المملوك
الصدر فلان
بسم الله الرحمن الرحيم
الملكي الظاهري مثلا
يقبل الأرض وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريدي ويكمل عليه إلى آخره
الضرب الثاني من المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل المملكة
المطالعات الواردة من الولاة ومن في معناهم (8/62)
القسم الثاني في الكتب الواردة على الأبواب السلطانية عن أهل الممالك الإسلامية المكاتبة عن هذه المملكة وحالها مختلف باختلاف حال مصطلح أهل البلاد وحال المكتوب عنه في رفعة القدر وفائدة معرفة ذلك أنه إذا عرف الكاتب مصطلح كل مملكة في الكتابة ظهر له ما هو وارد عن ملكها حقيقة وما هو مفتعل عليه ولا يخفى ما في ذلك من كبير الفائدة وعظيم النفع وارتفاع قدر الكاتب عند ملكه بإظهار الزيف بمحك المعرفة
ومن غريب ما وقع في هذا المعنى أنه ورد رسول من الشرق في الأيام الظاهرية الشهيدية برقوق سقى الله تعالى عهده وأظهر لأهل الطرقات أنه رسول من عند طقتمش صاحب بلاد أزبك ورفعت بطاقته بالقلعة المحروسة بذلك فامر السلطان النائب الكافل وأكابر الأمراء بالخروج لملاقاته على القرب من القاهرة فخرجوا وتلقوه بالتعظيم على انه رسول طقتمش خان المقدم ذكره وأنزل بالميدان الكبير تعظيما لأمره فلما عرض كتابه نظر فيه المقر البدري بن فضل الله تغمده الله تعالى برحمته وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء الشريف فوجده غير جار على مصطلح كتب القانات في الورق والكتابة فاستفسر الرسول المذكور عن ذلك ونوقش في قضيته فأخبر أنه عن الحاكم بالقرم من اتباع طقتمش خان فأنكر عليه ذلك وحط رتبته عند السلطان وأهل دولته عما كان عليه وعلا بذلك مقدار المقر البدري بن فضل الله المشار إليه عند السلطان وشكر له ما كان من ذلك
ويشتمل على أربعة مقاصد
المقصد الأول في الكتب الواردة عن أهل الشرق وفيه أطراف
الطرف الأول الكتب الواردة عن القانات العظام من بني جنكز خان ولها حالان
الحال الأولى ما كان الأمر عليه قبل دخولهم في دين الإسلام (8/63)
وكان الأمر يجرى في كتابتهم مجرى المخاشنة والتصريح بالعداوة ولم أقف على مقادير قطع ورق كتبهم يومئذ ولا ترتيب كتابتها
وهذه نسخة كتاب كتب به هولاكو بن طوجي بن جنكز خان المنتزع العراق من أيدي الخلفاء العباسيين كتب به إلى الملك المظفر قطز في سنة ثمان وخمسين وستمائة وهو
من ملك الملوك شرقا وغربا القان الأعظم
باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء
يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتمتعون بأنعامه ويقتلون من كان سلطانه بعد ذلك
يعلم الملك المظفر وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال أننا جند الله في ارضه خلقنا من سخطه وسلطنا على من أحل عليه غضبه فسلموا إلينا أموركم تسلموا قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا وقد عرفتم أننا خربنا البلاد وقتلنا العباد فلكم منا الهرب ولنا خلفكم الطلب (8/64)
فما لكم من سيوفنا خلاص خيولنا سوابق وسيوفنا قواطع وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال ومن طلب حربنا ندم ومن قصد أماننا سلم فإن أنتم لشرطنا وأوامرنا أطعتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا فقد اعذر من أنذر وقد ثبت عندكم أننا كفرة وثبت عندنا أنكم الفجرة فأسرعوا إلينا بالجواب قبل أن تضرم الحرب نارها وترميكم بشرارها فلا يبقى لكم جاه ولا عز ولا يعصمكم منا جبل ولا حرز فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى
الحال الثانية ما كان الأمر عليه بعد دخولهم في دين الإسلام مع قيام العداوة بين الدولتين
وكان من عادتهم في الكتابة أن يكتب بعد البسملة بقوة الله تعالى ثم يكتب بعد ذلك بإقبال قان فرمان فلان يعني كلام فلان
ولهم في ذلك طريقتان
أحداهما أن يكتب بسم الله سطرا ويكتب الرحمن الرحيم سطرا تحتها ويكتب بقوة الله سطرا وتعالى سطرا آخر تحته ثم يكتب تحت ذلك في الوسط بهامش من الجانبين بإقبال قان سطرا وتحته فرمان فلان باسم السلطان المكتوب عنه سطرا آخر
والطريقة الثانية أن تكتب البسملة جميعها سطرا واحدا ثم يكتب تحت وسط البسملة بقوة الله تعالى سطرا وميامين الملة المحمدية سطرا آخر ثم يكتب تحت ذلك سطرا آخر بزيادة يسيرة من الجانبين فرمان السلطان فلان يعني كلام السلطان فلان
ولم أقف على قطع الورق الذي كتب فيه حينئذ والظاهر أنه في البغدادي (8/65)
الكامل تعظيما لشأن المكتوب عنه عندهم وبالجملة فإن الظاهر أن الكتب الواردة عنهم على نمط الكتب الواردة من هذه المملكة إليهم جريا على قاعدة كتاب هذه المملكة من أن الغالب مضاهاتهم لأكابر الملوك في كتبهم في الهيئة والترتيب شرقا وغربا
وهذه نسخة كتاب على الطريقة الأولى ورد عن السلطان أحمد صاحب مملكة إيران من بني هولاكو المقدم ذكره وهو أول من أسلم منهم كتب به إلى الملك المنصور قلاوون صاحب الديار المصرية تغمده الله تعالى برضوانه ورد مؤرخا بأوسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة ورأيت في بعض الدساتير أنه من إنشاء الفخر بن عيسى الموصلي وورد بخطه وهو
بسم الله الله
الرحمن الرحيم تعالى
بإقبال قان
فرمان أحمد
إلى سلطان مصر أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى بسابق عنايته ونور هدايته قد كان أرشدنا في عنفوان الصبا وريعان الحداثة إلى الإقرار بربوبيته والاعتراف بواحدانيته والشهادة لمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام بصدق نبوته وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده وبريته ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) فلم نزل نميل إلى إعلاء كلمة الدين وإصلاح أمور الإسلام والمسلمين إلى أن أفضى إلينا بعد أبينا الجليل وأخينا الكبير نوبة (8/66)
الملك فأضفى علينا من جلابيب الطافة ولطائفه ما حقق به آمالنا في جزيل الائه وعوارفه وجلى هذه المملكة علينا وأهدى عقيلتها إلينا فاجتمع عندنا في قوريليان المبارك وهو المجتمع الذي تقدح فيه الآراء جميع الإخوان والأولاد والأمراء الكبار ومقدمو العساكر وزعماء البلاد واتفقت كلمتهم على تنفيذ ما سبق به حكم أخينا الكبير في إنفاذ الجم الغفير من عساكرنا التي ضاقت الأرض برحبها من كثرتها وامتلأت الأرض رعبا من عظيم صولتها وشديد بطشتها إلى تلك الجهة بهمة تخضع لها صم الأطواد وعزمة تلين لها الصم الصلاد ففكرنا فيما تمخضت زبد عزائمهم عنه واجتمعت اهواوهم عليه فوجدناه مخالفا لما كان في ضميرنا من اقتفاء الخير العام الذي هو عبارة عن تقوية شعار الإسلام وأن لا يصدر عن أوامرنا ما أمكننا إلا ما يوجب حقن الدماء وتسكين الدهماء وتجري به في الأقطار رخاء نسائم الأمن والأمان ويستريح به المسلمون في سائر الأمصار في مهاد الشفقة والإحسان تعظيما لأمر الله وشفقة على خلق الله فألهمنا الله تعالى إطفاء تلك النائرة وتسكين الفتن الثائرة وإعلام من أشار بذلك الرأي بما ارشدنا الله إليه من تقديم ما يرجى به شفاء مزاج العالم من الأدواء وتأخير ما يجب أن يكون آخر الدواء وأننا لا نحب المسارعة إلى هز النصال للنضال إلا بعد إيضاح المحجة ولا نبادر لها إلا بعد تبيين الحق وتركيب الحجة وقوى عزمنا على ما رأيناه من دواعي الصلاح وتنفيذ ما ظهر لنا به وجه النجاح إذ كان الشيخ قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن الذي هو نعم العون لنا في امور الدين فأرسلناه رحمة من الله لمن لبى دعاه ونقمة على من أعرض عنه وعصاه وأنفذنا أقضى القضاة قطب الملة والدين والأتابك بهاء الدين اللذين هما من ثقات هذه الدولة الزاهرة ليعرفوهم طريقتنا ويتحقق (8/67)
عندهم ما تنطوي عليه لعموم المسلمين جميل نيتنا وبينا لهم أنا من الله تعالى على بصيرة وأن الإسلام يجب ما قبله وأنه تعالى القى في قلوبنا أن نتبع الحق وأهله ونشاهد أن عظيم نعمة الله للكافة بما دعانا إليه من تقديم أسباب الإحسان أن لا يحرموها بالنظر إلى سائر الأحوال فكل يوم هو في شان فإن تطلعت نفوسهم إلى دليل تستحكم بسببه دواعي الاعتماد وحجة يثقون بها من بلوغ المراد فلينظروا إلى ما ظهر من أمرنا مما أشتهر خبره وعم أثره فإنا ابتدأنا بتوفيق الله بإعلاء أعلام الدين وإظهاره في إيراه كل أمر وإصداره تقديما لناموس الشرع المحمدي على مقتضى قانون العدل الاحمدي إجلالا وتعظيما وأدخلنا السرور على قلوب الجمهور وعفونا عن كل من اجترح سيئة واقترف وقابلناه بالصفح وقلنا عفا الله عما سلف وتقدمنا بإصلاح امور أوقاف المسلمين من المساجد والمشاهد والمدارس وعمارة بقاع الدين والربط الدوارس وإيصال حاصلها بموجب عوائدها القائمة إلى مستحقيها بشروط واقفيها ومنعنا أن يلتمس شيء مما استحدث عليها وأن لا يغير أحد شيئا مما قرر أولا وأمرنا بتعظيم أمر الحجاج وتجهيز وفدها وتأمين سبلها وتسيير قوافلها وإنا أطلقنا سبيل التجار المترددين إلى تلك البلاد ليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم وحرمنا على العساكر والقراغولات والشحاني في الأطراف التعرض لهم في مصادرهم ومواردهم وقد كان قراغول صادف جاسوسا في زي الفقراء كان سبيله أن يهلك فلم نهرق دمه لحرمة ما حرمه الله تعالى واعدناه إليهم ولا يخفى عنهم ما كان في إنفاذ الجواسيس من الضرر العام للمسلمين فإن عساكرنا طالما رأوهم في زي الفقراء والنساك وأهل الصلاح فساءت ظنونهم في تلك الطوائف فقتلوا منهم من قتلوا وفعلوا بهم ما فعلوا وارتفعت الحاجة (8/68)
بحمد الله إلى ذلك بما صدر إذننا به من فتح الطريق وتردد التجار فإذا أمعنوا الفكر في هذه الأمور وأمثالها لا يخفى عنهم أنها أخلاق جبلية طبيعية وعن شوائب التكلف والتصنع عرية وإذا كانت الحال على ذلك فقد ارتفعت دواعي المضرة التي كانت موجبة للمخالفة فإنها إن كانت طريقا للذب والذود عن حوزة الإسلام فقد ظهر بفضل الله تعالى في دولتنا النور المبين وإن كانت لما سبق من الأسباب فمن يتحرى الآن طريق الصواب فإن له عندنا لزلفى وحسن مآب وقد رفعنا الحجاب وأتينا بفصل الخطاب وعرفناهم طريقتنا وما عزمنا بنية خالصة لله تعالى على استئنافها وحرمنا على جميع العساكر العمل بخلافها لنرضي الله والرسول ويلوح على صفحاتها آثار الإقبال والقبول وتستريح من اختلاف الكلمة هذه الأمة وتنجلي بنور الائتلاف ظلمة الاختلاف والغمة ويشكر سابغ ظلها البوادي والحواضر وتقر القلوب التي بلغت من الجهل الحناجر ويعفى عن سالف الجرائر فإن وفق الله سلطان مصر إلى ما فيه صلاح العالم وانتظام أمور بني أدم فقد وجب عليه التمسك بالعروة الوثقى وسلوك الطريقة المثلى بفتح أبواب الطاعة والاتحاد وبذل الإخلاص بحيث تعمر تلك الممالك وتيك البلاد وتسكن الفتنة الثائرة وتغمد السيوف الباترة وتحل العامة أرض الهوينى وروض الهدون وتخلص رقاب المسلمين من أغلال الذل والهون وإن غلب سوء الظن بما تفضل به واهب الرحمة ومنع معرفة هذه النعمة فقد شكر الله مساعينا وأبلى عذرنا ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) والله تعالى المرفق للرشاد والسداد وهو المهيمن على البلاد والعباد إن شاء الله تعالى (8/69)
وهذه نسخة كتاب على الطريقة الثانية كتب به عن السلطان محمود غازان صاحب إيران أيضا إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية وما معها من البلاد الشامية وهي
بسم الله الرحمن الرحيم بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية فرمان السلطان محمود غازان
ليعلم السلطان الملك الناصر أنه في العام الماضي بعض عساكرهم المفسدة دخلوا أطراف بلادنا وأفسدوا فيها لعناد الله وعنادنا كماردين ونواحيها وجاهروا الله بالمعاصي فيمن ظفروا به من أهليها وأقدموا على أمور بديعة وارتكبوا آثاما شنيعة من محاربة الله وخرق ناموس الشريعة فأنفنا من تهجمهم وغرنا من تقحمهم وأخذتنا الحمية الإسلامية فجذبتنا إلى دخول بلادهم ومقابلتهم على فسادهم فركبنا بمن كان لدينا من العساكر وتوجهنا بمن اتفق منهم أنه حاضر وقبل وقوع الفعل منا واشتهار الفتك عنا سلكنا سنن سيد المرسلين واقتفينا آثار المتقدمين واقتدينا بقول الله ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وأنفذنا صحبة يعقوب السكرجي جماعة من القضاة والأئمة الثقات وقلنا ( هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة ) فقابلتم ذلك بالإصرار وحكمتم عليكم وعلى المسلمين بالإضرار وخالفتم سنن الملوك في حسن السلوك وصبرنا على تماديكم في غيكم وخلودكم إلى بغيكم إلى أن نصرنا الله وأراكم في أنفسكم قضاه (8/70)
( أفامنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله ) وظننا أنهم حيث تحققوا كنه الحال وآل بهم الأمر إلى ما آل أنهم تداركوا الفارط من أمرهم ورتقوا ما فتقوا بغدرهم ووجه إلينا وجه عذرهم فإنهم ربما سيروا إلينا حال دخولهم إلى الديار المصرية رسلا لإصلاح تلك القضية فبقينا بدمشق غير مثحثحين وتثبطنا تثبط المتمكنين فصدهم عن السعي في صلاح حالهم التواني وعلقوا نفوسهم عن اليقين بالأماني ثم بلغنا بعد عودنا إلى بلادنا أنهم ألقوا في قلوب العساكر والعوام وراموا جبر ما أوهنوا من الإسلام أنهم فيما بعد يلقوننا على حلب والفراه وأن عزمهم مصر على ذلك لا سواه فجمعنا العساكر وتوجهنا للقاهم ووصلنا الفرات مرتقبين ثبوت دعواهم وقلنا لعل وعساهم فما لمع لهم بارق ولا ذر شارق فقدمنا إلى أطراف حلب وعجبنا من تبطيهم غاية العجب وفكرنا في أنه متى تقدمنا بعساكرنا الباهرة وجموعنا العظيمة القاهرة ربما أخرب البلاد مرورها وبإقامتهم فيها فسدت أمورها وعم الضرر العباد والخراب البلاد فعدنا بقيا عليها ونظرة لطف من الله إليها وها نحن الآن مهتمون بجمع العساكر المنصورة ومشحذون غرار عزائمنا المشهورة ومشتغلون بصنع المجانيق وآلات الحصار وعازمون بعد الإنذار ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وقد سيرنا حاملي هذا الكتاب الأمير الكبير ناصر الدين علي خواجا والإمام العالم ملك القضاة جمال الدين موسى بن يوسف وقد حملناهما كلاما شافهناهما به (8/71)
فلتثقوا بما تقدمنا به إليهما فإنهما من الأعيان المعتمد عليهما في الديوان كما قال الله تعالى ( فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) فلتعدوا لنا الهدايا والتحف فما بعد الإنذار من عاذر وإن لم تتداركوا الأرض فدماء المسلمين وأموالهم مطلولة بتدبيرهم ومطلوبة عند الله في طول تقصيرهم
فليمعن السلطان لرعيته النظر في أمره فقد قال من ولاه الله أمرا من أمور هذه الأمة فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم احتجب دون حاجته وخلته وفقره وقد أعذر من أنذر وأنصف من حذر والسلام على من اتبع الهدى في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة سبعمائة بجبال الأكراد والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى وآله وصحبه وعترته الطاهرين
قلت وقد تقدم جواب هذين الكتابين في الكلام على المكاتبات إلى القانات ببلاد الشرق من بني جنكز خان فلينظر هناك
الطرف الثاني في المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل الشرق من الملوك والحكام بالبلاد أتباع القانات ومن في معناهم
الطرف الثالث في رسم المكاتبات الواردة عن صاحب اليمن إلى هذه المملكة
وعادة مكاتبته أن يحذو حذو الديار المصرية فيما يكتب إليه عنها فيبتديء المكاتبة بلفظ أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي المولوي (8/72)
السلطاني الفلاني بلقب السلطنة ثم يقول أصدرها من مكان كذا ويذكر المقصد ويختم بالدعاء ونحوه ويكتبون في قطع الشامي الكامل بقلم الثلث
وهذه نسخة كتاب عن الملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن إلى الملك الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية في شهور سنة ثمان وتسعين وسبعمائة على يد القاضي برهان الدين المحلي تاجر الخاص والطواشي افتخار الدين فاخر دوادار الملك الأشرف صاحب اليمن المذكور وهو
أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الظاهري وزاده في البسطة والقدرة وضاعف له مواد الاستظهار والنظر العزيز وجعل الظفر مقرونا براياته أينما يممت ما بينهما تمييز ومحبوبا إلى عساكره المنصورة حيث توجهت وفتح ببركة أيامه كل مقفل ممتنع بأمر وجيز ولا زال ممتثل الأوامر والمراسم رافلا في أردان العز والمكارم ممدودا على الأمة منه ظل المراحم بمنه وكرمه
أصدرها إليه من زبدة زبيد المحروسة معربة عن صدق ولائه متمسكة بوثيق أسباب آلائه ناشرة طيب ثنائه مترجمة ناظمة لمنثور الكتاب الكريم الظاهري الوارد على يد المجلس العالي البرهاني بتاريخ ذي الحجة عظم الله بركاتها سنة سبع وتسعين وسبعمائة أحسن الله خاتمتها فتلقيناه باليدين (8/73)
ووضعناه على الرأس والعين واستدللنا به على شريف همته وصفاء مودته وتأكيد أخوته وسألنا الله تعالى أن يمتعنا ببقاء دولته القاهرة وينشر في المشارق والمغارب أقلامه الزاهرة ففضضنا ختامه فوجدنا فيه من نشر السلم الأريج أذكاه ومن أنوار ما مجه القلم الشريف ما يخجل منه نوار الربيع وبهاه فانشرحت به الصدور وتزايد به السرور وقرت به الأعين وكثر التهجد به لما استعذبته الألسن وامتثلنا المرسوم الشريف في تعظيم المجلس العالي ذي الجلالتين برهان الدين إبراهيم بن عمر المحلي ومراعاته في جميع اموره وسرعة تجهيزه على أنا نجله ونبجله ونوجب حقه ولا نجهله فهو عندنا كما كان في عهد الوالد المرحوم الملك الأفضل بل أمكن وأفضل فهو لدينا المكين الأمين وجهزنا له المتجر السعيد الظاهري وبرزت مراسمنا إلى النواب بثغر عدن المحروس أن لا يعترض في عشور ونول وحملناه على ظهور مراكبنا عزيزا مكرما وعرفناه أن لا يصرف على الحمل السعيد ولا الدرهم الفرد وذلك قليل منا لاجل غلمان بابكم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه وجهزنا الهدية السعيدة المباركة المتقبلة صحبته هو والأمير الأجل الكبير الافتخاري افتخار الدين فاخر الدوادار وصارت بأيديهما بأوراق مفصلة للمقام الشريف والأمراء الأجلاء الكبراء وصحبتهما نفر من المعلمين البازدارية برسم حمل الطيور للصيد السعيد والمهتارية للصافنات الجياد على أنا لو أهدينا إلى جلال المقام الشريف الظاهري أعز الله انصاره بمقدار همته الشريفة العالية ورتبته المنيفة السامية لاستصغرت الأفلاك الدائرة والشهب السائرة واستقلت السبعة الأقاليم تحفه والارض وما أقلته طرفه ولم نرض أن نبعث إليه الأنام مماليك وخولا ونجبي إليه ثمرات كل شيء قبلا ولو رام محب المقام هذه القضية لقصر عنه حوله ولم يصل إليه طوله ولكنه يرجع إلى المشهور بين الجمهور فوجدنا العمل يقوم مقام الاعتقاد وليس على المستمر على الطاعة سوى الاجتهاد والمخلص في (8/74)
الولاء محمول على قدرته لا على ما أراد فوثق بهذه القضية وأنفذ إلى المقام الشريف على يد موصلها هذه الهدية راغبا إلى إنعامه في بسط عذره وحمله على شروط المحبة طول دهره وتصريفه بين أوامره الممتثلة ومراسيمه المتقبلة والمسؤول الإتحاف بالمهمات والمراسيم الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها
ونوضح لعلمه الكريم ما أفاء الله به علينا من النصر الذي خفقت بنوده وأشرقت سعوده وبرقت سيوفه في رقاب المارقين واطردت في راياته المآرب فتناولها باليمين ( نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) وفتح القلاع والمصانع والاستيلاء على المرابع والمزارع واستئصالنا شأفة المارقين واسترجاع حصن قاف المحروس بعد طول مكثه تحت يد العرب فكم من كمي مقتول وأسير مكبول وحصان ترك سبيلها ورب حصان كثر عليه عويلها فخربنا المعاقل وأطلقنا العقائل وأوطناهم الحميم ( وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكميم ) وغير ذلك مما أرسلنا على يد المجلس البرهاني والأمير افتخار الدين فاخر الدوادار لقضاء بعض الحوائج الطارئة من الديار المصرية ألف وأربعمائة وسبعون قطعة من أصناف البهار وسبع قطع حرير والمستمد من إحسان المقام الشريف العالي بروز أمره الأشرف العزيز النافذ المطاع انفذه الله تعالى شرقا وغربا وأمضاه بعدا وقربا في قضاء حوائجهما وسرعة تجهيزهما وقفولهما إلى يمن اليمن وعز تعز قريبا
وبعد فإن الجلالة والاحترام بهما دوام الموالاة وتوفير الحرمات بل هي أعظم الكرامات والمسؤول من المقام الشريف الظاهري أعز الله تعالى انصاره وضاعف اقتداره بروز أمره الأشرف إلى النواب بمصر المحروسة وثغر (8/75)
الإسكندرية والشام بالجلالة والاحترام لكافة غلماننا الواردين إلى الديار المصرية ومن انتسب إلينا من تاجر وغيره مسافرا كان أو مقيما وأن يعار في مهماته جلالة تفيأ ظلالها ويشمله إقبالها كما سبق للوالد المرحوم المقدس الملك المجاهد تغشاه الله برحمته بل نرجو فوق ذلك مظهرا إن شاء الله فثم خطوط ناصريه من السلطان حسن والملك الصالح لخدامنا القدماء لما أرسلوا إلى الاسكندرية ودمشق كتب لهم مربعات ومثالات شريفة ولا غرو أن يبدي المستعطي ما في ضميره إلى المعطي والاشتهار بما بيننا وبين المقام الشريف من الاخوة الممهدة والمصافاة المؤكدة والمودات المحكمة والأسباب الثابتة أوجب ذلك وحسن الظن الجميل نطق به لسان الحال في هذا الاسترسال ولم يخف عن المقام الشريف أن لله عوارف يجذب بها القلوب إليه ولطائف خفية يستدل بها المحب عليه وتعاطي كأس الوداد يدل على حسن الاعتقاد ولذلك نطق اللسان وكتب البنان بما افترض على عباده الرحمن فقال في محكم كتابه المبين ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) ومحب المقام الشريف يقدم الكتاب ويسأل الجواب بالإذن الشريف ليعتمد بعد الله عليه في حج البيت الحرام عند تيسير الله تعالى لذلك فقد حسن ظنه بذلك وركن إليه لقضاء الفرض والتبرك بالمشاعر العظام فلا زالت أيام المقام الشريف على منابر الدنيا تتلى وآيات الشكر لله سبحانه على استقراره في الملك العقيم تملى جميع هذا الخطاب مقدمة الإيجاب بالإذن بالحج وتسفير المحمل في كل عام إلى بيت الله الحرام فحاج اليمن تعذرت عليه الطرقات ولم يطق حمل النفقات ونرجو من الله تعالى أن يفتح ببركة أيامه الشريفة وشمول الفكر الشريف بحل عقدة هذه الاسباب إنه هو الكريم الوهاب بمنه وكرمه
وأما ما نعتقده من أمانه المجلس البرهاني فإنها متينة وشواهدها من أقواله (8/76)
وأفعاله مبينة خصوصا في المقام الشريف واستمالته للقلوب بالعبارات اللطيفة فقد نظم معاقد الائتلاف وتزايد بشرحه الانس في محاورته والاختلاف ولولا المهم الشريف لاستوقفناه عندنا عاما كاملا من بعد هذا التاريخ ليملي علينا آيات المقام الشريف شرفه الله تعالى وعظمه وعلى لسانه ما يبديه في المواقف الشريفة شفاها إن شاء الله تعالى
في سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة أحسن الله تعالى ختامها والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا
قلت أما إمام الزيدية باليمن فلم أقف له على مكاتبة وإن كان المقر الشهابي ابن فضل الله قد أشار في كتابه التعريف إلى أنه ورد عنه مكاتبة الى الابواب السلطانية الناصرية محمد بن قلاوون يستجيشه على صاحب اليمن والغالب على الظن أن مكاتبته أعرابية كما أن إمارته أعرابية إذ لا اعتناء لأهل البادية وعربان الوادي بفن الإنشاء جملة وإنما يكتب عنهم بحسب ما يقتضيه حالهم على أن فيما يأتون به مقنعا من الفصاحة والبلاغة بكل حال إذ عنهم قد علم اللسان وعليهم فيه يعول
الطرف الرابع في الكتب الواردة إلى الابواب السلطانية عن ملوك الهند
قد تقدم أن المكاتبة إلى صاحب الهند تشبه المكاتبة إلى القانات العظام بإيران وتوران وتقدم أن الكتب الواردة عن القانات المذكورين تكون في معنى الكتب الصادرة إليهم في قطع الورق والترتيب من حيث إن الغالب جريان العادة (8/77)
في الأجوبة بأن تكون على نمط الكتب الواردة وحينئذ فيكون مقتضى ذلك أن الكتب الواردة من صاحب الهند في هيئة الكتب الصادرة إليه في قطع الورق وغيره فتكون في البغدادي الكامل بقلم مختصر الطومار بالطغراء والخطبة المكتتبتين بالذهب إلى ما يجري مجرى ذلك مما تقدم ذكره في المكاتبات إلى القانات
قلت ولم أقف على صورة مكاتبة من ذلك ولا على نسخة شيء ورد لكن قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية عند ذكر مملكة الهند أن من جملة ممالك الهند مملكة تعرف بالسيلان وقد رأيت في تذكرة محمد بن مكرم التي جمعها في وقائع ديوان الإنشاء بالديار المصرية أنه في سنة اثنتين وثمانين وستمائة وصل كتاب من صاحب السيلان هذه في صفيحة ذهب رقيقة عرض ثلاثة أصابع في طول نصف ذراع وحوله مدورة حلقة داخلها شبيه بالخوص أخضر عليه كتابة تشبه الخط الرومي أو القبطي فطلب من يقرأه فلم يوجد فسئل الرسل عما هو مكتوب فيها فقيل إنه سير رسوله رومان ورفيقه وقصد أن يسير معهما الهدية الى الباب الشريف فقيل له ما لهم طريق فقال لهم سافروا إلى هرمز فحضروا إليها وذكروا أن مضمون الكتاب السلام والدعاء للسلطان وأن بلاد السيلان مصر وبلاد مصر السيلان وأنه ترك صحبة صاحب اليمن مرة واحدة وتعلق بمحبة مولانا السلطان خلد الله (8/78)
ملكه وسأل أن يحضر رسول من عند مولانا السلطان إلى عنده صحبة رسله ورسول آخر إلى عدن ينتظر حضورهم من تلك الجهة على تلك الطريق وأن عنده الجواهر واللاليء والفيلة والقماش الكثير من البز وغيره وكذلك البقم والقرفة وجميع ما يطلب الكارم وأن عنده في كل سنة عشرين مركبا يسيرها إليه فيطلق مولانا السلطان التجار إلى البلاد وأن رسول صاحب اليمن حضر في هذه السنة يتسلم التقادم والفيلة حتى يسافروا إلى اليمن فرده ولم يعطه شيئا وأنه يعبي التقادم والفيلة إلى أبواب مولانا السلطان وأن بمملكة سيلان سبعا وعشرين قلعة وبها معادن الجوهر والياقوت ومغاص اللؤلؤ ولم يزد على ذلك ورأيت في كتاب الذيل على تاريخ ابن الأثير نحو ذلك وفيه ذكر البلاد التي مرت عليها رسل صاحب السيلان في طرقها
المقصد الثاني في المكاتبات الواردة عن ملوك الغرب
والعادة الجارية في الكتب الواردة عنهم أن تكون على نمط واحد في الورق مع تقارب الحال في الترتيب وتكون كتبهم في طومار واحد في عرض نحو شبرين في طول نحو ثلاثة أشبار والبسملة بعد بياض نحو شبر وثلاثة أصابع مطبوقة من أعلى الطومار وعرض سبعة أصابع مطبوقة عن يمين البسملة والسطور منحطة الأوائل مرتفعة الأواخر حتى يصير البياض الذي في أعلاها في آخر سطر البسملة قدر شبر فقط وبين كل سطرين قدر عرض إصبع ونصف إصبع وكل سطر ينقص عن الذي فوقه قليلا من جهة اليمين على التدريج حتى يكون السطر الآخر قطعة لطيفة في زاوية الطومار التي على اليسار من أسفل ثم يكتب بحاشية الطومار من أسفله آخذا من آخر السطر الأخير ويكون بين ذلك وبين الكتابة الأصلية قدر رأس خنصر ويبتديء السطر الأول منها بقطعة لطيفة منحطة الأول مرتفعة الآخر ثم السطر الثاني قطعة أطول من ذلك ولا يزال كذلك حتى يكمل السطر فيكتب أسطرا كاملة إلا أنه في أول كل سطر ينقصه قليلا عن الذي (8/79)
قبله حتى يكون السطر الأخير قدر الأنملة في زاوية الطومار من جهة البسملة ويكون بين كتابة الأصل وبين كتابة الحاشية قدر إصبعين بياضا إلى سمت البسملة أسطرا متضايقة حتى ينتهي إلى آخر الكلام ويكتب في آخره بقلم الثلث وكتب في التاريخ المؤرخ ويزاد فيه هاء مشقوقة راجعة إلى الخلف وفيه جمل
الجملة الاولى في المكاتبة الواردة عن صاحب تونس
وعادة مكاتبته أن تفتتح بلفظ من عبد الله الفلاني بلقب الخلافة الخاص به أمير المؤمنين ابن فلان ويقال في كل من آبائه أمير المؤمنين إن كان قد ولي الخلافة ويدعى له إلى أخينا فلان ويؤتى بالسلام والتحية ثم يتخلص بالبعدية إلى المقصد ويختم الكتاب
وهذه نسخة كتاب عن المتوكل على الله احمد بن ابي عبد الله بن أبي بكر إلى السلطان الملك الظاهر برقوق صاحب مصر جوابا عن كتابه إليه وهو
من عبد الله المتوكل على الله أمير المؤمنين أحمد ابن مولانا الأمير أبي عبد الله ابن مولانا أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر ابن الأمراء الراشدين أعلى الله به كلمة الإسلام وضاعف نوافل سيفه من عبدة الأصنام وغض عن جانب عزه عيون حوادث الأيام
إلى أخينا الذي لم نزل نشاهد من إخائه الكريم في ذات الرب الرحيم (8/80)
قبلة صفاء لم تغيرها يد بعاد ولا انتزاح ونثابر من حفظ عهده والقيام بحق وده على ما يؤكد معرفة الخلوص من لدن تعارف الأرواح ونبادر لما يبعث القلوب على الائتلاف والأمن بفضل الله من عوائق الاختلاف وإن شحطت الدار وتناءت الصور والأشباح ونعترف بما له من مزيد الإعظام بمجاورة البيت الحرام والقيام بما هنالك من مطالع الوحي الكريم ومشاعر الصلاح ونجتلي من أنوائه الكريمة الشريفة ومطالعه العالية المنيفة وجوه البشائر رائقة الغرر والاوضاح ونستهدي ما يسرنا من أنبائه ممن يرد من تلقائه حتى من أنوار الصباح وسفراء الرياح ونبتهل إلى الله بالدعاء أن يخبرنا عنه ويطلعنا منه على ما يقر عيون الفوز ويشرح صدور النجاح السلطان الجليل الطاهر الملك الأعظم الظاهر جمال الدين والدنيا مؤيد كلمة الله العليا سيف الملة المرهوب المضاء بيد القضاء وركنها الباسق العلاء في أوج عزها المنداح للفضاء المشهود له من لدن حل التمائم ولوث العمائم بالشهامة التي ترعب الأسد في أجمها وتستخدم له سائر الأمم تركها وعربها وعجمها المختار للقيام بحقه بين عباده في أرضه وبلاده الفائز من جوار بيت الله ومقام خليله ومشرع الحجيج إليه وتيسير سبيله بما أحرز له سعادة الدارين وعز المقامين كوكب السعد الذي شقيت به أعداوه وبدر الدين الذي استضاءت به انحاؤه ميزان العدل لإنصاف الحقوق وشمس الهداية النيرة الغروب والفروق أبي سعيد برقوق وصل الله له رتبة راقية يتبوأ محلها ونعمة باقية يتفيأ ظلها وعزة واقية تسم وجوه أعدائه خسفها وذلها بمنه وكرمه
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد حمد الله ناظم الشمل وقد راب نثره وشتاته وجابر الصدع وقد اتسعت عن الجبر جهاته وراد الأمر وقد أعيا ذهابه وفواته وواصل الحبل وقد استولى انقطاعه وانبتاته العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة مما تكنه أرضه (8/81)
وسمواته الذي قرن بالعسر يسرا وجعل لكل شيء قدرا فلا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا يكون في ملكه إلا ما تنفذه أحكامه وإراداته
والصلاة والسلام الأكملين على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي صدعت بالحق آياته وقامت بحجة دعواه معجزاته ونطقت بأنه رسول الله على لسان وحيه الصادق الأمين كلماته المبعوث بالملة السمحة ومن أزكاها حج بيت الله المقدسة أركانه وحجراته المعظمة عند الله حرماته المغفورة لمن سبقت له الحسنى بحجه سيئاته وعلى آله وأصحابه الذين قضوا رضي الله عنهم وهم أولياء دينه الكريم وولاته وأنصار حزبه المفلح وحماته وليوث دفاعه في صدور الأعداء وكماته والرضا عن الإمام المهدي القائم بهذه الدعوة الموحدية قيام من خلصت لله نياته وصدقت في ذاته دعواته وصممت لإظهار دينه القويم عزماته وصلة الدعاء لهذا المقام الأحمدي المتوكل الفاروقي بنصر تمضي به في صدو أعدائه شباته وعز يطرد به استقلاله وثباته وسعد تطيب به أيامه المتصله وأوقاته وتطول به حياته
فإننا كتبنا لسلطانكم كتب الله لكم من إسعاده ما يتكفل بعزه ونصره ويتضمن إطالة زمنه المبارك وعصره ويقوم بحفظ قطره الشريف ومصره من حضرتنا العلية تونس كلأها الله تعالى ووجوه نصر الله العزيز لدينا وضاحة الأسرة متبلجة الصور وآيات فتحه المبين ولله المنة محكمة السور وأحاديث الشكر على نعمه سبحانه مسلسلة الخبر وبشرنا بما من الله به عليكم قد عمل بمقتضاه من تحت إيالتنا الكريمة من البشر وإلى هذا فموجبه إليكم بعد تقريب حب شرعت في ملة الوفاء قواعده وقبل في عقد الصفاء شاهده واستقل بصلة الخلوص عائده وثبت في مرسوم الصداقة الصادقة زائده إعلامكم أنا علم الله من حين اتصل بنا خبركم الذي جره القدر المقدور وجرى به في أم الكتاب (8/82)
الحكم المسطور لم نزل نتوجه إلى الله تعالى في مظان قبول الدعاء ورفع النداء بأن يجبركم بفضله من حيث صدع ويصلكم بخيره إثر ما قطع ويعطيكم من نعمته أضعاف ما منع إلى أن دارك الله بلطفه وأجاب وتأذن بفضله في قبول الدعاء بظهر الغيب وهو مستجاب فرد عليكم ملككم وصرف إليكم ملككم فأخذ القوس باريها وفوق السهم مقرطسها وراميها وانفذ القضايا حكمها ومفتيها وإذا كان العويل يفضي إلى النجدة والبلا يقضي بالجدة والفرج يدافع في صدر الشدة فلا جرم غفر الله للأيام ما اقترفت لما انابت واعترفت وهل هو إلا التمحيص الإلهي أراكم الله من باطن الضراء سراءكم وأجزل من جانب الغماء نعماءكم والتبر بعد السبك يروق النواظر خلاصة نضاره والبدر بعد السرار تتألق أشعه أنواره
ولما جاءنا بنصركم البشير وطلع من ثنية الهناء بأكمام السرور إلينا يشير هززنا له أعطاف الارتياح وتلقينا منه وارد التهاني والأفراح وحمدنا الله لكم على ما من به من الفوز والنجاح ورأينا أن تهنئتكم به من فروضنا المؤكدة وعهودنا المجددة وأنه لا يقوم به عنا هنالكم ويؤدي ما يجب منه بين يدي كرسي جلالكم إلا من له من ديار الملوك قرب الأدب والسلوك فاقتضى نظرنا الجميل أن عينا له شيخ دولتنا المستشار وعلمها الذي في مهماتها إليه يشار فلان
وقد كان منذ أعوام يتطارح علينا في أن نخلي للحج سبيله ونبلغه من ذلك مأموله ويد الضنة لا تسمح به طرفة عين ونفس الاغتباط لا تجيب فيه دواعي البين إلى أن تعين من تهنئتكم الكريمة ما عينه وسهل شأنه علينا وهونه فوجهناه والله تعالى يسعد وجهته ويجعل حجته لقبول الأعمال حجته وحملناه من أمانه الحب ما يلقي إليكم ومن حديث الشوق ما يقص أخباره عليكم ومن طيب الثناء ما يفض ختامه بين يديكم وأصحبناه برسم إصطبلاتكم الشريفة ما (8/83)
يسر الحب سبيلها وأوضح الخلوص دليلها ورجونا من فضلكم على نزارتها قبولها إذ لو كانت الملوك تهادى على قدر جلالها لما اتسعت لذلك خزائن أموالها لكنها عنوان الحب السليم حسب ما اقتضاه الحديث النبوي الكريم
وفي أثناء شروعنا في ذلك وسلوكنا منه أيمن المسالك وصل إلينا كتابكم الكريم تعرف النواظر في وجوه بشائره نضرة النعيم فاطلعنا منه على ما راق العيون وصفا ونعتا وعبر للخلوص سبيلا لا ترى القلوب فيها عوجا ولا أمتا ولله هو من كتاب كتب من البيان كتائب واستأثر بفلك الإجادة فأحرز به سعادة الكاتب فقسما بالقلم وما سطر ! والحبر وما حبر ! لو رآه عبد الحميد لتركه غير حميد أو بصر به لبيد لأعاده في مقام بليد ولو قص على قس إياد فصاحته لنزله عن منبر خطابته بعكاظ أو سحب على سحبان وائل ذيل بلاغته لأراه كيف يتولد السحر الحلال بين المعاني الرائقة والألفاظ
ولما استقرينا من فحواه وخطابه الكريم ونجواه تشوقكم لأخبار جهادنا وسروركم بما يسنيه الله من ذلك ببلادنا رأينا أن نتحف أسماعكم منه بما قرت به (8/84)
أعين الإسلام وأثلج صدور الليالي والأيام وذلك أنا من حين صدر من عدو الملة في الجزيرة ما صدر حسب ما جره محتوم القدر لم نزل نبيح لأساطيلنا المنصورة حرمه وحماه ونطرق طروق الغارة الشعواء بلاده وقراه ونكتسح بأيدي الاستلاب ما جمعت بها يداه إلى أن ذاقوا من ذلك وبال أمرهم وتعرفوا عاقبة مكرهم
وكان من جزائرهم المعترضة شجا في حلوق الخطار ومتجشمي الأخطار وركاب البحار من الحجاج والتجار جزيرة غودش وبها من أعداء الله جم كثير وجمع كبير فأرسلنا عليهم من أسطولنا المنصور غربانا نعقت عليهم بالمنون وعرفت المسلمين بركة هذا الطائر الميمون وشحناها عددا وعددا واستمددنا لها من الله ملائكة سمائه مددا فسارت تحت أجنحة النجاح إليها وتحوم إلى أن رمت مخالب مراسيها عليها فلما نزلوا بساحتها وكبروا تكبيرة الإسلام لإباحتها بهت الذي كفر وود الفرار والحين يناديه أين المفر فلما قضى السيف منهم أوطاره وشفى الدين من دمائهم أواره وشكر الله من المسلمين أنصاره عمدوا إلى ما تخطاه السيف من والد وولد ومن أخلد إلى الأرض من رجالهم عن المدافعة فلم يعترضه بالقتل منهم أحد فجمعوا منه عددا ينيف بعد الأربعمائة على الأربعين وجاؤوا بهم في الأصفاد مقرنين وامتلأت بغنائمهم والحمد لله أيدي المسلمين وانقلبوا فرحين بما آتاهم الله مستبشرين إلى أن دخلوا حضرتنا العلية بسلام آمنين
فعرفناكم بهذا الفتح لتأخذوا بحظكم من شكر الله عليه وتتوجهوا في مثله بصالح أدعيتكم إليه وهو سبحانه وتعالى يطلعنا ويطلعكم على ما يسر النفوس ويهنيها ويجلو وجوه البشائر ويبديها بمنه وكرمه والسلام العطر المحيا الجميل المحيا عائد علكيم ورحمة الله وبركاته
الجملة الثانية في المكاتبات الواردة عن صاحب تلمسان من بني عبد الواد
ورسم مكاتبته فيما وقفت عليه في المكاتبة الواردة على صاحب (8/85)
الديار المصرية أن يبتدأ الكتاب بقوله إلى الحضرة الفلانية حضرة فلان بالألقاب المعظمة المفخمة ثم يدعى له بما يناسب الحال ويؤتى بخطبة ثم بالسلام ويقع الخطاب في أثناء الكتاب بالإخاء بلفظ الجمع ويختم بالدعاء المناسب
كما كتب عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراسن إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة
إلى الحضرة العالية السامية السنية الماجدة المحسنة الفاضلة المؤيدة المظفرة المنصورة المالكة حضرة السلطان الملك الجليل الفاضل المؤيد المنصور المظفر المعظم ناصر الإسلام ومذل عبدة الأصنام الذي أيده الله بالبراهين القاطعة والأنوار المنيرة الساطعة الأعلى الأوحد الأكمل الأرفع الأمجد الأسمى الأسرى ذي المجد الظاهر والشرف الباهر الملاك الناصر ابن السلطان الملك الجليل العادل الفاضل المؤيد المظفر الأعلى الأوحد الأكمل الأرفع الأمجد الأسنى الأسمى ناصر الإسلام والمسلمين ومعلي كلمة الموحدين المقدس المرحوم ذي المجد المشهور والفخر المنشور والذكر المذخور الملك المنصور أدام الله علو قدره في الدنيا والآخرة وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة وجعل وجوه محاسنهم في صفحات الدهر سارة سافرة وصفقة أعدائهم خائبة خاسرة
وبعد حمد الله الذي أظهر الأمر العلي الناصري وأيده وبسط في قول الحق وفعله لسانه ويده وسدد نحو الصواب منحاه كله ومقصده والصلاة التامة المباركة على سيدنا محمد رسوله المصطفى الذي خصه الله بعموم الدعوة (8/86)
وافرده وقرن ذكره بذكره فأبقاه أبد الدهر وخلده والرضا عن آله الكرام وصحابته الأعلام الذين حفظوا بالتوقير والتعزير مغيبه ومشهده وكانوا عند استلال السيوف ومجال الحتوف عدده المظفر وعدده والدعاء لذلكم المقام الشريف بسعد يطيل في شرف الدين والدنيا مدده وأمده
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته من أخيكم البر بكم الحريص على تصافيكم عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراس وإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم أنجح المقاصد وأرجحها وأثبتها عزا وأوضحها من حصن تلمسان حرسها الله تعالى ولا ناشيء بفضل الله تعالى إلا ما عود من بشائر تحث جيادها ومسار يتطاول إلى المزيد اعتيادها وإلى هذا أعلى الله كلمتكم وأمتع المسلمين بطول بقائكم فإنا نعرفكم بوصول كتابكم الخطير الأثير فتلقيناه بما يجب من التكريم والتعظيم وتتبعنا فصوله واستوعبنا فروعه وأصوله وتحققنا مقتضاه ومحصوله وعلمنا ما انطوى عليه من المنن والإفضال واشتمل عليه من التفصيل والإجمال ومن اعظم ذلك إذنكم لنا في اداء فرض الحج المبرور وزيارة سيد البشر الشفيع في المحشر الذي وجبت له نبوته ومثنى الغيب عليه منسدل وآدم صلوات الله عليه في طينته منجدل وعلم الله أننا لم تزل آمالنا متعلقة بتلكم المشاعر الكريمة وقلوبنا متشوقة إلى تلكم المشاهد العظيمة فلنا في ذلك نيات صادقة التحويم وعزمات داعية التصميم وكان بودنا لو ساعدنا المقدار وجرى الأمر على ما نحبه من ذلك ونختار أن نمتع برؤية المواطن التي تقر أبصارا ويتشفى بها إيرادا وإصدارا ولعل الله تعالى ينفعنا بخالص نياتنا وصادق طوياتنا بمنه وكرمه
وقد وجب شكركم علينا من كل الجهات واتصلت المحبة والمودة طول الحياة غير أن في قلوبنا شيئا من ميلكم إلى غيرنا واستئناسكم ونحن والحمد لله أعلم الناس بما يجب من حقوق ذلكم المقام الشريف ولنا القدرة على القيام بواجبكم والوفاء بكريم حقكم وليس بيننا وبين بلادكم من يخشى والحمد لله من كيده ولا يبالى بهزله ولا جده وقد توجه إلى بابكم الشريف قرابتنا الشيخ (8/87)
الصالح الحسيب الأورع الأكمل الزاهد أبو زكريا يحيى ابن الشيخ الصالح المرابط المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن جرار الوادي وهو من أهل الدين والخير وقد شافهناه بما يلقيه إلى ذلكم المقام الشريف من تقرير الود والإخاء والمحبة والصفاء مما يعجز عنه الكتاب فالمقام الشريف يثق إلى قوله ويعامله بما يليق ببيته ودينه وغرضنا أن تعرفوه بجميع ما يصلح لذلكم المقام الشريف مما في بلادنا ويصلكم إن شاء الله في أقرب الأوقات على أحسن الحالات ولكم بذلك علينا المنة العظمى والمزية القصوى والله تعالى يبقي ذلكم المقام الشريف محروس المذاهب مشكور المناقب إن شاء الله تعالى
الجملة الثالثة في المكاتبات الواردة عن صاحب فاس إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية
وعادة كتبهم أن تفتتح بلفظ من عبد الله فلان أمير المسلمين وأول من كتب منهم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين حين استولى على المغرب قبل بني مرين خضوعا أن يتلقب بأمير المؤمنين مضاهاة للخلفاء وهو
من عبد الله علي أمير المسلمين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين ومالك العدوتين أبي سعيد ابن مولانا أمير (8/88)
المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين وسلطان العدوتين القائم لله بإعلاء دين الحق أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق منح الله التأييد مقامه وفسح لفتح معاقل الكفر وكسر جحافل الصفر أيامه
إلى السلطان الجليل الكبير الشهير العادل الفاضل الكامل الحافل الملك الناصر المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الأسعد الأصعد الأرقى الأوقى ناصر الدنيا والدين وقامع البغاة والمعتدين مفيد الأوطار مبيد الكفار هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار ماليء صدور البراري والبحار حامي القبلتين خديم الحرمين غيث العفاة عون العناة مصرف الكتائب مشرف المواكب ناصر الإسلام ناشر الأعلام فخر الأنام ذخر الأيام قائد الجنود عاقد البنود حافظ الثغور حامي الجمهور نظام المصالح بقية السلف الصالح ظهير الخلافة وعضدها ولي الإمامة وسندها عاضد كلمة الموحدين ولي أمير المؤمنين أبي المعالي محمد بن السلطان الكبير الجليل الشهير الشهيد الخطير العادل الفاضل الكامل الحافظ الحافل المؤيد المظفر المعظم المبجل المكبر الموقر المعزز المجاهد المرابط المثاغر الأوحد سيف الدين قلاوون أدام الله فضل عزمه الماضي بتأييده وأدار الأفلاك بتشييد ملكه الشامخ وتمهيده وطهر أرجاءه من أرجاس المنافقين وأدناس المارقين بما يريق عليها من دمائهم فما كل متطهر يجزيء عنه غسل مائه أو تيمم صعيده
سلام كريم طيب عميم أرج الشميم متضوع النسيم تستمد الشمس (8/89)
باهر سناه ويستعير المسك عاطر شذاه يخص إخاءكم العلي ووفاءكم الوفي ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي أيد المؤمنين على عدوهم فأصبحوا ظاهرين وعرف الإسلام وأهله من السر العجيب والصنع الغريب ما فيه عبرة للسامعين والناظرين حكمة عجزت عن فهم سرها المكتوم وقصرت عن كنهها المختوم الباب عبيده القاصرين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أرشد به الحائدين الحائرين وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله برغم الجاحدين الكافرين وعلى آله وصحبه الذين هاجروا إليه وبلادهم هجروا والذين آووا من أوى إليهم ونصروا والذين جاهدوا في الله فصبروا ففازوا بذكر المهاجرين والأنصار وأجر المجاهدين الصابرين وصلة الدعاء لحزب الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بفضل لا يزالون معه لأعدائهم قاهرين وسعد لا ينفكون له بآمالهم ظافرين ونصر من عند الله وما النصر إلا من عند الله وهو خير الناصرين
فإنا كتبنا لكم كتب الله لكم مجدا مديد الظلال وعضدا حديد الإلال وسعدا جديد السربال من منصورة تلمسان حرسها الله تعالى والصنائع الربانية تكيف العجائب وتعرف العوارف الرغائب وتشنف الاسماع بما تسمعها من إجزال المنوح والمواهب وتفوف الرقاع بما تودعها من أحاديث الفتوح الغرائب والحمد لله على ما يسر من المآرب وسهل من المواهب وإخاؤكم الصادق مبرور الجوانب مأثور المناقب مشرق الكواكب مغدق السحائب نامي المراتب سامي المراقب والله تعالى يبقيه في ذاته ويقيه من صرف الدهر وأذاته وإلى هذا وصل الله لكم سعدا جديدا وجدا سعيدا ومجدا حميدا (8/90)
وحمدا مجيدا فقد وصل كتابكم الأثير المزري بالمسك النثير فاجتلينا منه روضة جادها البيان فأمرعها ورادها البنان فوشعها واجتنينا من غصون سطوره ثمرات وداد ما أينعها إنباء عما تلقاه الإخاء الكريم من قبل الشيخ الأجل أبي عبد الله محمد بن الجراح مما عنا تحمل وفي إلفائه وأدائه بحضرتكم الكريمة احسن وأجمل وهو ما كان عليه عزم مولاتنا الوالدة ألحقها الله تعالى رضوانه وبوأها جنانه من حج البيت المحرم وزيارة القبر المعظم المكرم والصلاة بالمسجد الحرام ومسجد النبي وثالثها في شد الرحال للمسجد الأقصى ونعم المغتنم وقضاء النسك بتلك المناسك والمشاهد والتبرك بتلك المعالم المنيفة والمعاهد وما وصف مع ذلك بهذا الجانب الغربي ورصف من أمر قتالنا لكل مارق أبي وكافر حربي وما منحنا الله من نصر لقلوب أهل الإيمان مبهج ولصدور عبدة الصلبان محرج وأن الإخاء الكريم حصل له بذلك أبهى ابتهاج وحل منه محل القبول الذي انتهج له من اقتفى سبيل القصد انهى انتهاج فعقد العزم على تلقي الوافد من تلقائنا والوارد رجاء أداء فرض الحج من أرجائنا بتسهيل سبيله وتيسير آرتحاله الى بيت الله ورسوله وأنه متى وقع الشعور بمقدم المولاة رحمها الله تعالى على بلاده وقربها من جهاته المجودة من جود جوده بعهاده يقدم للخروج من يتلقى ركابها ويعتمد بالبر والتكريم جنابها حتى تحمد وجهتها الشريفة بجميل نظره وإيابها وقام عنا بما نوده من برها وساهم فيما تقدمه إلى الله عز و جل من صالح أجرها وقد قابلنا هذا الفضل من الشكر بأجزله ومن البر بأحفاه وأحفله وحصل لدينا بإزائه سليم وده وكريم إخائه من تخليص ولائه وتمحيص صفائه منا ما يزال عهده الأنيق في نهائه وعقده الوثيق في ازدياده ونمائه وغصنه الوريق في رونق غلوائه ولئن كانت المولاة الوالدة قدس الله روحها وبرد ضريحها قد وافت بما قدمت عند الله من صالح (8/91)
العمل وماتت على ما أبرمته في قصد البيت الشريف في نية وأمل إذ كانت رحمة الله تعالى عليها قد تأهبت لذلك واعتدت لسلوك تلك المسالك وأداء ما فرض الله من السعاية والمناسك وعلى الله إجزال ثوابها وعنده نحتسب ما ألم فآلم من مصابها فإن لدينا ممن يمت بحرمة المحرم إلينا ويلزم بحق التربية علينا من يقوم عندنا مقامها ويروم من ذلك المقصد الشريف مرامها وسنوردها إن شاء الله تعالى على تلكم البقاع ونوردها من تلكم الأقطار والأصقاع ما يجمل بحسن نظركم مورده ومصدره ويطابق في جميل اعتنائكم وحفيل احتفالكم خبره ومخبره بفضل الله وعونه
وأما تشوق ذلكم الإخاء لمواصلة الكتب بسار الأنباء فإن من أقربها عهدا وأعذبها حديثا يهادى ويهدى ما كان من امر العاق قاتل ابيه الحال من إقليم تلمسان وممالكها بالمحل النبيه وذلك أن أسلافه بني زيان كانوا قد استولوا على هذه المملكة في سالف الزمان ولم يزل بينهم وبين اسلافي المحتوين على ملك المغرب الأقصى وقائع توردهم الحمام وتذيقهم الموت الزؤام فيدعون المنازعة ويعودون للموادعة ثم لم يلبثوا أن ينكثوا ولم يصبروا أن يغدروا إلى أن كان من حصار عمنا المقدس المرحوم أبي يعقوب قدس الله تربته إياهم فأكثر موتهم وكدر محياهم وتمادى بهم الحصار تسع سنين وما كانوا غير شرذمة قليلين وهنالكم اتصلت بينكما المراسلة وحصلت الصداقة والمواصلة ثم حم موته وتم فوته رحمة الله تؤمه ورضوانه يشمله ويعمه فنفس خناقهم وعاد إلى الإبدار محاقهم وصرف القائم بعده عنهم الحين عما كان هو رحمه الله قد طوعه من بلاد مغراوة وتحين فاتسعت عليهم المسالك وملكوا ما لم يكن فيه لأوائلهم طمع من الممالك لكن هذا الخائن وعمه كانا ممن أسأرته الفتن وعم (8/92)
به فيها غوامر المحن فسلكا مسلك اسلافهما في إذاعة المهادنة والروغان عن الإعلان بالمفاتنة
ولما سول الشيطان لهذا العاق قتل والده والاستيلاء على طارفه وتالده لم يقدم عملا على إشخاص إرساله بحضرة مولانا المقدس أبي سعيد قدس الله مثواه وجعل الجنة مأواه في السلم راغبا وللحكم بموادعته طالبا فاقتضى النظر المصلحي حينئذ موافقته في غرضه وإن كان باطنه على مرضه فقوي أمره وضري ضره وشري شره ووقد تحت الرماد جمره وسرى إلى بلاد جيرانه الموحدين داؤه وطال عليهم تضييقه واعتداؤه واستشعر ضعفهم عن مدافعته ووهنهم عن مقاومته ومنازعته فبغى وطغى ولم يدر أن من فوقه سقب السماء رغا وباطن جماعة من عرب أفريقية المفسدين وجروه بحبل الأطماع إليها وأقام على بجاية عشرين سنة يشد على بجاية الحصار ويشن على أحوازتونس الغار حتى كان من هزيمة جيشه لصاحبها ما كان بممالأة منهم ومن غيرهم من وراتيه كابن اللحياني وابن الشهيد وابن عمران فأدى ذلك صاحبها السلطان أبا يحيى أعزه الله تعالى أن بعث إلينا وزيره في طلب النصرة رسولا وأوفد علينا أعز ولده ابا زكريا في إذهاب المضرة عنه دخيلا فخاطبنا إذ ذاك هذا الخائن العاق مبصرين وبقوله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) مذكرين فما زادته الموعظة إلا أشرا ولا أفادته التذكرة إلا (8/93)
بطرا وحين ذكر فلم تنفعه الذكرى وفكر فلم يتيسر لليسرى امتثلنا فيه أمر الله تعالى المرتب على قوله ( فإن بغت أحداهما على الاخرى ) فأزمعنا قدعه وأجمعنا رده وردعه وفي أثناء ذلكم وصل إلينا أيضا سلطان الأندلس مستغيثا على النصارى اعداء الله جيرانه على طاغيتهم المصر على عداوته وعداوتهم فجهزنا معه ولدنا عبد الواحد في أربعة آلاف من الأبطال وأمددناهم بما كفاهم من الطعام والعدة والمال فأجاز من سبتة إلى الخضراء عجلا ولم يقدم على منازلة جبل الفتح عملا وكان هذا الجبل الخطير شأنه منذ استولى عليه العدو قصمه الله في سنة تسع وستين شجا في لهوات أهل العدوتين وغصة لنفوس الساكنين بالجهتين لإطلاله عليهما وإرساله جوارح جواريه إليهما تحطف من رام العبور ببحر الزقاق وما يقرب الملجأ إلى هذا المعقل المستقر من اللحاق فكم أرمل وأيتم وأثكل وأيم فأحاطت به العاديات السوابح برا وبحرا وأذاقت من به من أهماج الأعلاج شرا وحصرا إلى أن أسلموا للمسلمين قهرا وقسرا ومنح الله حزبه المؤمنين فتحا ونصرا وسمع الطاغية الغادر إجابة الله تعالى بأمره فطار بما قدر عليه من حشوده وجنوده إلى إغاثته ونصره فوصله بعد ثمانية أيام من تسليمه للإسلام فنزل بخيله ورجله إزاءه واقسم بمعبوده لا يبرح فناءه حتى يعيد إليه دينه أو يلقى منونه دونه فأكذب الله زعمه وأوهن عزمه وأحنث يمينه واقلع بعد شهرين وأيام مدلجا واسرع العود إلى مستقره واسأله كيف نجا وكان ذلك سبب إنابته للسلم وانقياده وإجابته لترك ما كان له على أصحاب غرناطة من معتاده وكانوا يعطونه ما ينيف على الأربعين ألفا من (8/94)
الذهب في العام ضريبة ألزمهم الطاغية أداءها في عقد مصالحته أي إلزام فسمناه تركها وإسقاطها وألزمناه فيما عقدناه له من السلم أن يدع اشتراطها والحمد لله الذي اعز بنا دين الإسلام وأذل رقاب عبدة الأصنام وقد اعتنينا بتحصين حصن هذا الجبل تتميما لها وتكميلا وابتدأنا من تحصين أسواره وأبراجه بما يغدو على جبينه تاجا وإكليلا وكنا في هذه المدة التي جرت بها هذه الأحوال وعرت فيها هذه الأهواء والأهوال منازلين أخانا الممتنع بسجلماسة من بعض بلاد القبلة ومحاولين من إزاحة ضره والإراحة من شره ما فيه الصلاح والفلاح على التفصيل والجملة لعثايته في الفساد ودعايته إلى العناد ومعاضدته صاحب تلمسان ومساعدته على البغي والعدوان فسهل الله افتتاحها وعجل من صنائعه الجميلة منها مباحها وذلك بعد تسليم جبل الفتح بثلاثة أشهر ونصف ويسر الله تعالى في ذلك من بدائع الصنائع ما يقصر عنه كل نعت ووصف وفي خلال تلكم المنازلة وحال تلكم المحاولة لاحت للخائن التلمساني فرصة جرع منها غصة إذ ظن أنا عنه مشغولون وفي أمر ما عرض من سجلماسة وجبل الفتح معتملون فخرج من بلده على حين غفلة بالعزيمة والجد إلى حصن ما وريرت الذي هو بين بلاده وبلادنا كالحد فوجد هنالك ولدنا الأسعد تاشفين في ثلة من بني مرين آساد العرين فلما نذروا به ثاروا إليه مسرعين فنكص على عقبه ولم ير له جنة أوقى من هربه وعاد لذلك ثانية فلم تكن عساكرنا عن طرده وانية بل ردته في الحافرة وأنشدته بلسان حالها الساخرة سريع
( إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضره ) (8/95)
ولما فرغنا والحمد لله من تلكم الشواغل وأرغنا من الخائن التلمساني ترك ما هو فيه من إثارة الفتن واغل فأعرض وأشاح وما لاحت عليه مخيلة فلاح نهدنا نحو أرضه لنجزيه بقرضه بجيوش يضيق عنها فسيح كل مدى وخيول تذر الأكم للحوافر سجدا تنقض على الأقران أمثال الأجادل وتقض الجنادل من حوافرها بأصلب من الجنادل فكلفنا بتسلم منازله منزلا فمنزلا وتسنم معاقله معقلا فمعقلا وجل رعاياه تقر بفضلها وتفر من جوره إلى عدلنا ومن تمسك منهم بحبله او سلك من الغي في سبله قاده السيف برغمه واستنزله على حكمه والعفو مع ذلك يؤمهم والإحسان يشملهم ويعمهم حتى لم يبق إلا معقله الأشب ومنزلة الذي رأى أنه عن عين الشوائب محتجب قد شمخ أنفا حميا وصافح كفا للثريا ولم يرض لهامته عمائم إلا الغمائم ولا لأنامل شرفاته خواتم إلا النجوم العواتم فنزلنا بساحه وأقبلنا على كفاحه وجعلنا نقذفهم من حجارة المجانيق بأمثال النيق ومن كيزان النفظ الموقدة بأمثال الشهب المرصدة ومن السهام العقارة بأمثال العقارب الجرارة حتى غدت جدرانهم مهدومة وجسومهم مكلومة وثغور شرفاتهم في أفواه أبراجهم مهتومة وظلت الفعلة تشيد إزاء أبراجهم أبراجا وتمهد منها لتسوير أسوارهم أدراجا وللمعاول في اسافلها إعوال وللعواسل على أعاليها أعمال وللأشقياء مع ذلك شدة وجلد وعدة وعدد وحدة ولدد يقاتلون حمية وينازلون بنفوس أبية وحجارة المجانيق تشدخ هامهم وبنات الكنائن تزلزل أقدامهم وهم في مثل ذلك لازمون إقدامهم إلى أن اشتدت أزمتهم فلم يجدوا لها من فارج وأحاطت بهم الأوجال من خارج وهدمت أبراجهم الشواهق وردمت حفائرهم والخنادق وأخذت الكماة في العروج إلى البروج والحماة في السباق إلى الانفاق والرماة في النضال بالنضال فمن مرتق سلما غير متق مؤلما ومشتغل بالنقب غير (8/96)
محتفل بشابور الحجارة المنصب وأفرج المضيق وانتهج الطريق واقتحمته أطلاب الأبطال وولجته أقيال القبائل وولى الأشقياء الأدبار وعاذوا بالفرار وبدت عليهم علامات الأدبار وسابقوا إلى الأبواب فكان مجيئهم من أقوى الأسباب وقتل منهم الزحام من أسأره الهدم والحسام فتملكنا ما دارت عليه الأسوار الخارجة كفرار السبع والملعب وجميع الجنان والعروش التي ما آنفك الشقي يجتهد في عمارتها ويتعب وأعلنا بالنداء أن كل من جاءنا هاربا ووصل إلينا تائبا منحناه العفو ومحونا عنه الهفو وأوردناه من إحساننا الصفو فتبادروا عند ذلك يتساقطون من الأسوار تساقط جنيات الثمار فرادى ومثنى آئبين إلى الحسنى فيسعهم الصفح ويحسبهم المن والمنح
ولما رأى الخائن قلة من بقي معه وشاهد تفرق من ذلك الموقف جمعه أمر بسراح من في قبضته وسجنه واعتقدهم عونا له فكانوا أعون شيء على وهيه ووهنه واعتمد الناس في بقية يومهم السور تتوسع انقابه وتتخرق أبوابه إلى أن جنهم الليل وحاق منهم بالأعداء الويل ولزم كل مركزه ولم يكن الليل ليحجبه من عمله ولا يحجزه وبات الفرار إلينا يهربون ومن كل نفق يتسربون فلما ارتفع الضياء ومتع الضحاء أمرنا ولدينا يعقوب وعبد الواحد ووزيرنا القاعد له بالمراصد بأن زحفوا إليها مع أطلابنا تحت راياتنا المنصورة عليها فرجفت قلوبهم ووجبت جنوبهم ولم يكن إلا كلا حتى امتطيت تلك الصهوة وتسنمت فيها الذروة وتسلمت بيد العنوة وفصمت عراها عروة عروة وأنزلوا من صياصيهم وتمكنت يد القهر من نواصيهم وحقت عليهم كلمة العذاب من معاصيهم وفر الشقي إلى فناء داره في نفر من ذويه وأنصاره وفيهم ولداه مسعود وعثمان ووزيره موسى بن علي معينه على البغي والعصيان وعبد الحق بن (8/97)
عثمان الخائن الغادر وابن أخيه العامل بعمله ثابت بن عامر فتكنفهم هنالك أولياء دولتنا العلية فأوردوهم ويوسف ولد الشقي السالب حياض المنية ونبذت بالعراء أجسامهم وتقدمنا للحين بأن يمد على الرعية ظل التأمين ويوطأ لهم كنف التهدئة والتسكين ويوطد لهم مهاد العافية وتكف عنهم الأكف العادية حتى لا تمتد إليهم كف منتهب ولا يلتفت نحوهم طرف مستلب ومن انتهب شيئا أمر برده وصد عن قصده وكمل لنا والحمد لله بالاستيلاء على هذا القطر جميع البلاد الداخلة في ولاية بني عبد الواد ونسخت منها دولتهم ومحيت من صحيفتها دعوتهم وعوض الرعايا من خوفهم أمنا ومن شؤمهم يمنا وشملتهم كلمتنا الراقية المنصورة بكلمة الله الباقية وفي ذلك معتبر لأهل اليقين والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتعين
والحمد لله على هذه النعمة التي أفاضت على النعم جلالا والصنيعة التي بهرت الصنائع جمالا وأضفت على المسلمين من الصلاح والعافية سربالا وقد رأينا من حق هذا الإنعام الجسيم والصنع الرائق الوسيم أن نتبع العفو بعد المقدرة بالإحسان لمن أسلف لنا غمطه أو شكره فمننا على قبائل بني عبد الواد وأضفينا عليهم صنوف الملابس نساء ورجالا وأوسعنا لهم في العطاء مجالا وأفعمنا لهم من الحباء سجالا وأقطعنا لهم من بلاد المغرب حاطها الله تعالى ما هو خير من بلادهم وحبوناهم منها بما كفل بإحساب مرادهم وإخصاب مرادهم وخلطناهم بقبائل بني مرين وحطناهم باتحاد الكلمة من تقول المتقولين وتزوير المزورين وأعددنا منهم لأوان الجهاد أوفر عدد وأعتدنا من فرسانهم ورجالهم لطعان الأعادي أكبر مدد وأزيل عن الرعايا بهذه البلاد الشرقية إصرهم وأزيح عنهم بتوخي العدل فيهم جورهم ووزرهم وخففنا عنهم ما آد (8/98)
من المغارم وهاد من المكارم فانشرحت صدورهم وصلحت أمورهم
والحمد لله الذي ثل محال الباغين ومجالهم وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم وأخذهم بما احتقبوا من المآثم واكتسبوا من الجرائم واستحلوا من المحارم وأباحوا من المسكرات وأذاعوا من المنكرات وطالما أصبح ربعهم معدن الفسوق وموطن العقوق ومقطن إضاعة الحقوق لا سيما في أيام المسرور بهناته المغرور بما سول له الشيطان وأملى له من ترهاته المشهور بقتل أبيه المأثور من مثالبه ومعايبه بما لم يأت الدهر له بشبيه ولقد طبقت الآفاق معاصيه وبلغت أخبار خيانته من بأطراف المعمور وأقاصيه ولكن الله تعالى أملى له ليكثر مآثمه حتى إذا شاء أخذه أخذ القرى وهي ظالمة
والحمد لله الذي طهر بأيدينا هذه الأرجاء من أرجاسه ورحض عنها بأيدينا أوضار أدناسه وأنجاسه وأتاح لأهلها بهلاك هذا المريد المراد وأراح منه ومن شيعته البلاد والعباد ولو لم يكن إلا ما نال الحجاج من تعنيه وتعديه وطال عليهم من تعرضه لهم وتصديه حتى حجز عن الحجاز الشريف قصاده وحجر بقطع السبيل عن بيت الله الحرام من أراده فكم سلب الحجاج وسد عليهم المسالك والفجاج وفرق فريقهم وعوق طريقهم والآن بحمد الله حقت الحقائق وارتفعت العوائق وصح العليل ووضح السبيل وتسهل المرام وتيسر القصد إلى البيت الحرام مكان ترده الزوار عليكم أرسالا ووفود الأبرار للسلم خفافا وثقالا يأتون من كل فج عميق ويقضون ما يقضون من مناسكهم آمنين في مسالكهم إلى البيت العتيق وهكذا أيضا خلا وجهنا لجهاد الروم ولإعداد من يغزونهم في عقر دارهم للقصد المروم وأن نجدد من هذا العمل بجزيرة الأندلس حماها الله تعالى ما لسلفنا بها سلف ونبدد من شمل عباد الصليب ما لخلفهم بفضل الله تعالى خير خلف فعمل الجهاد بهذه البلاد هو (8/99)
الفضيلة التي لنا الله سبحانه ذخرها والحسنة التي في صحائف أعمالنا سطرها وبجيوشنا المنصورة عز دين الإسلام بهذا المغرب الغريب وبسيوفنا المشكورة والله المشكور ذل بها الصليب أوزعنا الله تعالى شكر آلائه وأمتعنا بتواتر نعمائه بمنه وفضله
وأنهينا لعلمكم الكريم هذه الأنباء السارة والآلاء الدارة لما ذكرتم من تشوفكم لاستطلاعها وسطرتم من تشوقكم لاستماعها ولعلمنا أنكم تسرون بقطع دابر الباغين وتستبشرون بحسم أدواء الطاغين وتوثرون الإخبار بائتلاف الكلمة على أعداء الله الكافرين إيثار الحامدين لفعل الله تعالى في إظهار دينه الشاكرين لا زلتم تشرع نحوكم البشائر وتفرع بذكركم المنابر وترفع لاجتلاء آثار أمركم الستائر واستجلاء أخبار سيركم الباهرة النواظر وتجمع لسجاياكم السنية العلاء ومزاياكم العلية السناء ثواقب المناقب وقول خير المفاخر إن شاء الله والسلام الأتم الأضوع الأنم يخص إخاءكم الأوفى ورحمة الله وبركاته
قلت جواب هذا الكتاب تقدم في الكلام على المكاتبات عن الأبواب السلطانية في المكاتبات إلى الملوك
وهذه نسخة كتاب ورد من أبي الحسن المريني صحبة الهدايا والحرة الحاجة في شهر رمضان المعظم سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ونصه بعد البسملة
من عبد الله علي أمير المسلمين ناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين مالك العدوتين ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين وسلطان العدوتين أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين وسلطان العدوتين (8/100)
أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ملك البرين وسلطان العدوتين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق منح الله التأييد مقامه وفسح لفتح معاقل الكفر وكسر جحافل الصفر أيامه
إلى السلطان الجليل الكبير الشهير العادل الفاضل الكامل الكافل الملك الناصر المجاهد المرابط المؤيد المنصور الأسعد الأصعد الأرقى الأوقى الأمجد الأنجد الأفخم الأضخم الأوحد الأوفى ناصر الدين عاضد كلمة المسلمين محيي العدل في العالمين فاتح الأمصار حائز ملك الأقطار مفيد الأوطار مبيد الكفار هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار خادم الحرمين غيث العفاة مصرف الكتائب مشرف المواكب ناصر الإسلام ناشر الأعلام فخر الأنام ذخر الأيام قائد الجنود عاقد البنود حافظ الثغور حائط الجمهور حامي كلمة الموحدين أبي المعالي محمد ابن السلطان الجليل الكبير الشهير الشهيد الخطير العادل الفاضل الكافل الكامل الحافظ الحافل المؤيد المكرم المبجل المكبر الموقر المعزر المعزز المجاهد المرابط المثاغر الأوحد الأسعد الأصعد الأوفى الأفخم الأضخم المقدس المرحوم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قسيم امير المؤمنين أبقى الله ملكه موصول الصولة والاقتدار محمي الحوزة حاميا للديار حميد المآثر المأثورة والآثار عزيز الاولياء في كل موطن والانصار
سلام كريم زاك عميم تشرق إشراق النهار صفحاته وتعبق عن شذا الروض المعطار نفحاته يخص إخاءكم العلي ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي وسع العباد منا جسيما وفضلا جزيلا وألهمهم الرشاد بأن أبدى لهم من آثار قدرته على مقدار وحدته برهانا واضحا ودليلا (8/101)
وألزم أمة الإسلام حج بيته الحرام من استطاع إليه سبيلا وجعل تعظيم شعائره من تقوى القلوب ومثابات محط الأوزار والذنوب فما اجزل نعمته منيلا وأجمل رحمة ربه مقيلا والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد المصطفى من أفضل العرب فصيلة في أكمل بقاع الأرض فضيلة وأكرمها جملة وتفصيلا المجتبى لختم الرسالة وحسم أدواء الضلالة فأحسب الله به النبوة تتميما والرسالة تكميلا المخصوص بالحوض المورود والمقام المحمود يوم يقول الظالم ( يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ) المبوإ من دار هجرته ومقر نصرته محلا ما بين بيته ومنبره فيه روضة من رياض الجنة لم يزل بها نزيلا والرضا عن آله الأبرار وأصحابه الأخيار الذين فضلتهم سابقة السعادة تفضيلا وأهلتهم العناية بأمر الدين إلى أن يوسعوا الأحكام برهانا ودليلا فإنا نحيط علم الإخاء الأعز ما كان من عزم مولاتنا الوالدة قدس الله روحها ونور ضريحها على أداء فريضة الحج الواجبة وتوفية مناسكه اللازبة فاعترض الحمام دون ذلك المرام وعاق القدر عن بلوغ ذلك الوطر فطوي كتابها وعجل إلى مقر الرحمة بفضل الله مآبها وعلى الله أجرها وعنده يحتسب ذخرها وإن لدينا من نوجب إعظامها ونقيمها بحكم البر مقامها وعزمها إلى ما أملته مصروف وأملها إلى ما كانت أمته موقوف وهي محل والدتنا المكرمة المبرورة الأثيرة الموقرة المبجلة المفضلة المعززة المعزرة المعظمة المطهرة أسنى الله مكانتها وسنى من هذا القصد الشريف لبانتها وقد شيعناها إلى حج بيت الله الحرام والمثول بحول الله تعالى ما بين زمزم والمقام والفوز من السلام على ضريح الرسالة ومثابة الجلالة بنيل السول والمرام لتظفر بأملها المرغوب وتنفر بعد أداء فرضها لأكرم الوجوب (8/102)
وحين شخص لذلكم الغرض الكريم موكبها وخلص إلى قصد الحرم العظيم مذهبها والكرامة تلحفها والسلامة إن شاء الله تكنفها أصحبناها من حور دولتنا وأحظيائها ووجوه دعوتنا العلية وأوليائها من أخترناه لهذه الوجهة الحميدة الأثر والرحلة السعيدة الورد إن شاء الله تعالى والصدر من أعيان بني مرين أعزهم الله تعالى والعرب وأولاد المشايخ أولي الديانة والتقوى المالئين دلاء القرب إلى عقد الكرب وكل من له أثرة مشهورة وشهرة بالمزايا الراجحة والسجايا الصالحة مأثورة وقصدهم من أداء فرض الحج قصدها ووردهم إن شاء الله تعالى من منهل بركاته الجمة وردها وهكذا سيرنا من تحف هذه البلاد إليكم ما تيسر في الوقت تسييره وإن تعذر في كثير مما قصدناه ولهذا الغرض أردناه تيسيره لطول المغيب عن الحضرة والشغل بتمهيد البلاد التي فتحها الله علينا في هذه السفرة وعينا لإيرادها لديكم وإيفادها عليكم أبا إسحاق ابن الشيخ أبي زكريا يحيى بن عثمان السويدي وأمير الركب الحسن بن عمران وغيرهم كتب الله سلامتهم ويمن ظعنهم وإقامتهم ومقام ذلك الإخاء الكريم يسني لهم من اليسرى والتسهيل القصد والسول ويأمر نواب ماله من الممالك وقوام ما بها من المسالك لتكمل العناية بهم في الممر والقفول ومعظم قصدنا من هذه الوجهة المباركة إيصال المصحف العزيز الذي خططناه بيدنا وجعلناه ذخيرة يومنا لغدنا إلى مسجد سيدنا ومولانا وعصمة ديننا ودنيانا محمد رسول الله بطيبة زادها الله تشريفا وأبقى على الأيام فخرها منيفا رغبة في الثواب وحرصا على الفوز بحظ من أجر التلاوة فيه يوم المآب
وقد عينا بيد محل الوالدة المذكورة فيه كرم الله جبهتها ويمن وجهتها (8/103)
من المال ما يشترى به في تلكم البلاد المحوطة من المستغلات ما يكون وقفا على القرأة فيه مؤبدا عليهم وعلى غيرهم من المالكية فوائده ومجانيه والإخاء الكريم يتلقى من الرسل المذكورين ما إليهم في هذه الأغراض ألقيناه ويأمر بإحضارهم لأدائهم بالمشافهة ما لديهم أوعيناه ويوعز بإعانتهم على هذا الغرض المطلوب وييسر لهم أسباب التوصل إلى الأمل والمرغوب وشأنه العون على الأعمال الصالحة ولا سيما ما كان من أمثال هذا إلى مثل هذه السبل الواضحة وشكر بادراتكم موطد الأساس مطرد القياس متجدد مع اللحظات والأنفاس والله يصل للإخاء العلي نضرة أيامه ويوالي نصرة أعلامه ويبقي الثغور القصية والسبل السرية منوطة بنقضه وإبرامه محوطة بمعاضدة أسيافه وأقلامه والسلام الكريم العميم يخص إخاءكم الأعز ورحمة الله وبركاته وكتب في يوم الخميس المبارك الخامس والعشرين من ربيع الأول عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة
وهذه نسخة كتاب عن السلطان عثمان بن أبي العباس المريني في العشر الأوسط من شعبان سنة أربع وثمانمائة وهو
من عبد الله ووليه عثمان أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين سلطان الإسلام والمسلمين ناشر بساط العدل في العالمين المقتدي بآثار آبائه الكرام المقتفي سننهم الحميدة في نصرة الإسلام المعمل نفسه العزيزة في التهمم بما قلده الله من أمور عباده وحياطة ثغوره وبلاده سيف الله المسلول على أعدائه المنتشر عدله على أقطار المعمور وأنحائه ظل الله تعالى في أرضه القائم بسنته وفرضه عماد الدنيا والدين علم الأئمة المهتدين ابن (8/104)
مولانا السلطان المظفرالقان الخليفة الإمام ملك الملوك الاعلام فاتح البلدان والاقطار ممهد الأقاليم والامصار جامع اشتات المحامد ملجأ الصادر والوارد الملك الجواد الذي حلت محبته في الصدور محل الارواح في الاجساد أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي العباس ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سالم ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي الحسن ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق وصل الله تعالى أسباب تأييده وعضده وقضى باتصال عرف تجديد سعده وأناله من جميل صنعه ما يتكفل بتيسير أمره وبلوغ قصده
إلى محل أخينا الذي نؤثر حق إخائه الكريم ونثني على سلطانه السعيد ثناء الولي الحميم ونشكر ماله فينا من الحب السليم والود الثابت المقيم السلطان الجليل الماجد الأصيل الأعز الخطير المثيل الشهير الأمجد الأرفع الهمام الأمنع السري الأرضى المجاهد الأمضى الأوحد الأسنى المكين الأحمى خديم الحرمين الشريفين حائز الفخرين المنيفين ناصر الدنيا والدين محيي العدل في العالمين الأجد الأود المكين الأخلص الأفضل الأكمل أبي السعادات فرج أبن السلطان الجليل الأعز المثيل الخطير الأصيل الأرفع الأمجد الشهير الهمام الأوحد الأسمى الأسرى الأرضى المجاهد الأمضى خديم الحرمين الشريفين حائز الفخرين المنيفين الأفضل الأكمل المبرور المقدم المرحوم أبي سعيد برقوق بن أنص وصل الله تعالى لسلطانه المؤيد جدا لا يعجم عوده وعزا لا يميل عموده (8/105)
ونصرا يملأ قطره بما بغص به حسوده وعضدا يأخذ بزمام أمله السني فيسوقه ويقوده
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله على سبوغ نعمائه وترادف لطفه وآلائه الذي عرفنا من ولائكم الكريم ما سرنا من اطراد اعتنائه وأبهج النفوس والأسماع من صفاء ولائه ومواصلة صفائه والصلاة والسلام الأكملين على سيدنا ومولانا محمد خاتم رسله وأنبيائه ومبلغ رسالاته وأنبائه صاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء المعقود فأكرم بمقامه وحوضه ولوائه والرضا عن آله وصحبه وأوليائه الذين هم للدين بدور أهتدائه ونجوم اقتدائه وصلة الدعاء لمقامكم الكريم بدوام عزه واعتلائه واقتبال النصر المبالغ في احتفاله واحتفائه وحياطة أنحائه وأرجائه وتأييد عزماته وآرائه
فإنا كتبنا إليكم كتب الله لكم سعدا سافرا وعزما ظافرا من حضرتنا العلية بالمدينة البيضاء كلأها الله تعالى وحرسها ونعم الله سبحانه لدينا واكفة السجال وولاؤه جل جلاله سابغ الأذيال وخلافتكم التي نرعى بعين البر جوانبها ونقتفي في كل منقبة كريمة سيرها الحميدة ومذاهبها وإلى هذا وصل الله سعدكم ووالى عضدكم وكتابنا هذا يقرر لكم من ودادنا ما شاع وذاع ويؤكد من إخلاصنا إليكم ما تتحدث به السمار فتوعيه جميع الأسماع وقد كان انتهى إلينا حركة عدو الله وعدو الإسلام الباغي بالاجتراء على عباده سبحانه بالبؤس والانتقام الآخذ فيهم بالعيث والفساد الساعي بجهده في تهديم الحصون وتخريب البلاد وتعرفنا أنه كان يعلق أمله الخائب بالوصول إلى أطراف بلادكم المصرية وانتهاز الفرصة على حين غفلة من خلافتكم العلية والحمد لله الذي كفى بفضله شره ودفع نقمته وضره وانصرف ناكصا على عقبه خائبا من نيل أربه ولقد كنا حين سمعنا بسوء رأيه الذي غلبه الله عليه وما أضمر لخلق الله من الشر الذي يجده في أخراه ظله يسعى بين يديه عزمنا على أن نمدكم من عساكرنا المظفرة بما يضيق (8/106)
عنه الفضا ونجهز لجهتكم من أساطيلنا المنصورة ما يحمد في إمداد المناصرة ويرتضى فالحمد لله على أن كفى المؤمنين القتال وأذهب عنهم الأوجال ويسر لهم الأعمال وهيأ لخلافتكم السنية وللمسلمين هناء يتضمن السلامة لكم ولهم على تعاقب الأعوام والسنين
وبحسب مالنا فيكم من الود الذي أسست المصافاة بنيانه والحب الذي أوضح الإخلاص برهانه وقع تخيرنا فيمن يتوجه من بابنا الكريم لتفصيل مجمله وتقرير ما لدينا فيه على أتم وجه الاعتقاد وأكمله على الشيخ الأجل الشريف المبارك الأصيل الأسنى الحظي الأعز الحاج المبرور الأمين الأحفل الأفضل الأكمل أبي عبد الله محمد ابن الشيخ الأجل الأعز الأسنى الأوجه الأنوه الأرفع الأمجد الآثر الأزهى الشريف الأصيل المعظم المثيل الأشهر الأخطر الأمثل الأجمل الأفضل الأكمل المرضي المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسني العراقي وصل الله تعالى سعادته وأحمد على حضرتكم السنية وفادته حسب ما يفي بشرح ما حملناه نقله ويكمل بإيضاحه لديكم يقظته ونبله إن شاء الله تعالى وهو سبحانه وتعالى يديم سعادتكم ويحفظ مجادتكم ويسني من كل خير إرادتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجملة الرابعة في عادة الكتب الواردة عن صاحب الأندلس
والرسم في ذلك أن يكتب الأبواب الشريفة ويصفها ثم يقول أبواب السلطان الفلاني ويصفه ويذكر ألقابه ثم يدعو له ثم يقول سلام كريم ويصفه من فلان ويذكر السلطان المكتوب عنه ثم يقول أما بعد حمد الله ويأتي خطبة في المعنى تشتمل على التحميد والتصلية على (8/107)
النبي والرضا عن الصحابة رضي الله عنهم ثم يقول فإنا كتبنا إليكم ويأتي على ما يناسب المقام ثم ينخرط في سلك المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء
وهذه نسخة كتاب كتب به عن أمير المسلمين السلطان أبي عبد الله محمد ابن أبي الحجاج يوسف بن نصر بن الأحمر صاحب غرناطه من الاندلس إلى السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون إنشاء الوزير أبي عبد الله بن الخطيب صاحب ديوان إنشائه يشير فيه إلى حادثة الفرنج بالإسكندرية الواقعة في سنة سبع وستين وسبعمائة إلا أنه وهم في لقبه الملوكي فلقبه المنصور وهي
الأبواب الشريفة التي تعنو لعزة قدرها الأبواب وتعتزي إلى نسب عدلها الحكمة والصواب وتناديها الأقطار البعيدة مفتخرة بولائها واصلة السبب (8/108)
بعلائها فيصدر بما يشفي الجوى منها الجواب فإذا حسن مناب عن أئمة الهدى وسباق المدى كان منها عن عمومة النبوة النواب وإذا ضفت على العفاة بغيرها أثواب الصلات ضفت منها على الكعبة المقدسة الأثواب أبواب السلطان الكبير الجليل الشهير الطاهر الظاهر الأوحد الأسعد الأصعد الأمجد الأعلى العادل العالم العامل الكامل الفاضل الكافل سلطان الإسلام والمسلمين رافع ظلال العدل على العالمين جمال الإسلام علم الأعلام فخر الليالي والأيام ملك البرين والبحرين إمام الحرمين مؤمل الامصار والاقطار وعاصب تاج الفخار هازم الفرنج والترك والتتار الملك المنصور أبي الفتوح شعبان ابن الامير الرفيع المجادة الكريم النبوة والولادة الطاهر الظاهر الكبير الشهير المعظم الممجد الأسمى الموقر الأعلى فخر الملة سيف الأمة تاج الإمارة عز الإسلام جمال الأيام قمر الميادين أسد أجمة لدين سمام الطغاة والمعتدين المقدس المظفر الأمير أبي علي حسين ابن السلطان الكبير الشهير ملك الإسلام والمسلمين والد السلاطين سيف خلافة الله في العالمين ولي أمير المؤمنين وظهير الدين سلطان الحج والجهاد وكاسي الحرم الأمين قامع المعتدين قاهر الخوارج والمتمردين ناصر السنة محيي الملة ملك البرين والبحرين مقيم رسوم الحرمين الشريفين العادل العالم الطاهر الظاهر الأسعد (8/109)
الأصعد الأوحد الأعلى المنصور المؤيد المعان المرفع المعظم المبجل المؤمل المجاهد المرابط الغازي أبي عبدالله محمد بن قلاوون الصالحي أبقاه الله وفلق الصباح يشهد بكماله وخدمة الحرمين الشريفين طراز مذهب على حلة أعماله ومسورات الإسلام آمنة على طول الأيام من إهماله ولا زال ركنا للدين الحنيف تتزاحم على مستلمه الشريف شفاه أماله
سلام كريم بر عميم كما استودعت الرياض أسرارها صدر النسيم وأرسلت مطالع الفجر أنهارها من بحر الصباح الوسيم يسري من الطيب والحمد المطيل المطيب في الصوان الكريم ويقف موقف الأدب والفهامة بما استحفظ من الامانة إلى محل الإمامة وقوف الحفيظ العليم يعتمد مشارع تلك الابواب الشارعة الى الفضل العميم المقابلة لذمام وسائل الإسلام بالصدر المشروح والبر الممنوح والقلب السليم من معظم سلطانه ومجل شانه المفتخر بالانتظام في سلك خلصانه أمير المسلمين بالأندلس عبد الله الغني بالله محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر بلغه الله من رضاه أقصى سؤله وأعانه على جهاد عدو الله وعدو رسوله
أما بعد حمد الله جاعل قلادة الإسلام على الدوام آمنة من الانخرام (8/110)
والانتثار مفصلة النظام بخرز المآثر العظام والآثار معرف أهلها في حزن البسيطة وسهلها عوارف الصنع المثار وإقالة العثار القوي العزيز الذي لا يغالب قدره بالاحتشاد والاستكثار ولا يبدل غيبه المحجوب بعد ما عين حكمه الوجوب في خزائن الاستئثار حتى تظهر خبيئة عنايته بأوليائه المعترفين بآلائه بادية للأبصار فيما قرب وبعد من الأعصار ورحمته عند الاستغاثة به والانتصار في مختلف الأقطار والامصار الولي الذي لا تكدر هبات فضله شروط الاعتصار ولا تشين خطب حمده ضرائر الاقتصار والاختصار
والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله نخبة الأكوان وسر الدهور والأزمان وفائدة الأدوار نور الله المتميز باختصاصه واستصفائه واستخلاصه قبل خلق الظلمات والأنوار ورحمته الوارفة الشاملة الهامية الهاملة على الهضاب والوهاد والنجاد والأغوار أقرب عوالم الشهادة والخلق إلى حضرة الحق على تعدد الرتب وتفاضل الأطوار منقذ الناس من البوار ومبوئهم من جوار الله خير الجوار نبي الرحمة والجهاد والغوار المنصور على الأحزاب عندما استداروا بمثوى نبوته على الأطم والأسوار دور السوار الواعد عن ربه بظهور دينه الحق على الأديان فمهما أوقدوا نار الحرب تكفل الله لهم بإطفاء النار وإخماد الأوار
والرضا عن آله وأصحابه حماة الذمار ومقتحمي الغمار وباذلي كرائم (8/111)
الأموال من دونه ونفائس الاعمار القائمين في سماء ملته للاهتداء بسننهم والاقتداء بسننهم مقام النجوم الهادية والاقمار ما صقلت مداوس النسيم سيوف الانهار وخجل الورد من تبسم البهار وغازلت عيون زهر المجرة عيون الازهار وطرد أدهم الليل أشهب النهار
والدعاء لتلك الأبواب المتعددة الحجاب المعودة باجتلاء غرر الفتوح والمطالع المشيدة المصانع على العز الممنوح والأواوين المؤيدة الدواوين بالملائكة والروح بإعلاء المظاهر والصروح وإنارة الله تعالى بأهلة تلك السروج ساحات تلك السروح ولا زالت اقلام بشائرها تأتي على سورة الفتح بأكمل الشروح
فإنا كتبناه لمثابتكم السلطانية دار العز الأحمى والملك الأشرف الأسمى والصيت البعيد المرمى كتب الله لها من عنايته وقد فعل أوفر مقاسم النعمى وجعل غيث نوالها الأهمى وحظ جلالها من الله الأنمى ودامت كواكب سعودها تمزق جلابيب الظلما وأخبار بأسها وجودها وسعادة وجودها تهديها على البعد ركائب الدأما وترفرف برياح ارتياحها أجنحة بنات الما من منزلنا المحبور بسعادة سلطانكم المنصور وخزي عدوه المدحور بحمراء غرناطة دار ملك الجهاد بجزيرة ثغر الأندلس والى الله عنها الدفاع وأنار بمشكاة نوره الذي وعد بإتمامه الأعلام منها والايفاع ووصل لها بشرف مخاطبتكم الارتفاع والانتفاع حتى تشفع بتهانيكم الأوتار وتوتر الأشفاع وآلاء الله لدينا بنعمة دين الاسلام علينا قد أخجلت اللسان الشكور وإن استنفدت الرواح والبكور والثقة بالله في هذا الثغر الغريب قد كثرت العدد المنزور والحق (8/112)
الصريح قد كافح الزور والتوطين على الشهادة قد شرح الصدور واقتطع في الجنة المنازل والدور والمعرفة بمقام تلك الأبواب الشريفة عقيدة لا تبدل وأدواح علائها حمائم الحمد بها تتهدل ومحافل ثنائها تتراكم في سمائها الألوة والمندل والحال ما علمتم بحر زاخر الامواج وعدو وافر الأفواج وحرم لولا اتقاء الله مقتحم السياج وجياد ضمرتها مصابرة الهياج وداء على الايام متوقع الاهتياج وعدد إلى الإصراخ والإنجاد عظيم الاحتياج فالنفوس إلى الله تجهز وتسلم والصبيان في المكاتب تدرب على مواقف الشهادة وتعلم والألسنة بغير شعار الإسلام لا تنبس غالبا ولا تتكلم إلا أن عادة الخبير اللطيف تخفيف الذعر المطيف ونصر النزر الضعيف على عدد التضعيف والحال تزجى بين الحرب والسلم والمكالمة والكلم وتأميل الجبر وارتقاب عاقبة الصبر على حماة الدبر
وإلى هذا فإننا اتصل بنا ما رامت الروم من المكيدة التي كان دفاع الله من دونها سدا والملائكة جندا والعصمة سورا والروح الأمين مددا منصورا وأنها استنفدت الوسع في احتشادها حتى ضاقت اللجج عن أعوادها وبلغت المجهود في استنفادها حتى غص كافر البحر بكفارها يصيح بهم التأليب (8/113)
و يذمرهم الصليب وقد سول لهم الشيطان كياد ثغر الإسكندرية شجا صدورهم ومرمى آمال غرورهم ومحوم قديمهم ومتعلل غريمهم ليهتموا ثغر الإسلام بصدمتها ويقودوا جنائب الساحل في رمتها ويرفعوا عن دينهم المعرة ويتلقفوا في القدس كرة الكرة ويقلصوا ما امتد من ظلال الإسلام ويشيموا سيوف التغلب على الشام ويحولوا بين المسلمين وبين محط أوزارهم وحجهم ومزارهم وبيت ربهم الذي يقصدونه من كل فج عميق ويركبون إليه نهج كل طريق وقبر نبيهم الذي يطفئون بزيارته من الشوق كل حريق ويكحلون الجفون بمشاهدة آثاره عن بكاء وشهيق وشوق بذلك الحبيب خليق ويقطعوا حبل المسلمين حتى لا يتأتى بلوغ فرق ولا غرض تشريق والله من ورائهم محيط وبدمائهم مشيط وبعباده بصير ولدينه الحق ولي ونصير ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) فما هو إلا أن صمأ جرادهم وخلص إليها مرادهم وفاض عليها بحرهم وعظم من المحاولة أمرهم حتى اشترك الشرك بعض أسوارها ونال النهب مستطرف ديارها وظنت أنها الوهية التي لا ترفع والمصيبة التي غلتها لا تنقع واشتعل الباس وذعر الناس وأرى الشدة من تدارك بالفرج وأعاد إلى السعة من الحرج وأنشأ ريح النصر عاطرة الأرج ونصر حزب الإسلام من (8/114)
لا غالب لمن ينصره وحصر العدو من كان العدو يحصره وظهر الحق على الباطل والحالي بزينة الله على العاطل فخرج العدو الخاسر عما حازه والسيوف ترهقه حيث تلفيه والسهام تثبته وتنفيه وغرماء كرة الإسلام تستقضي منه دينها وتستوفيه والخزي قد جلل سباله الصهب وحناء الدماء قد خضبت مشيخته الشهب والغلب قد أخضع رقابه الغلب فكم من غريق أردته دروعه لما حشي بالروع روعه وطعين نظمت بالسمهري ضلوعه فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين و ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) فأي رحمة منشورة ضفت على الإسلام ظلالها وخطة نعمة اتسع نطاقها ورحب مجالها ومجلى صنيعة راق عيون المؤمنين جمالها فاهتزت بها الأرض وربت وبشكر الله جل جلاله أعربت واستبشرت النفوس وذهب البوس وضفا بمنة الله اللبوس وظهرت عناية الله بمقامكم وإقالة عثرة الإسلام في أيامكم فما كان الله سبحانه ليضيع لكم خدمة الحرمين وإنها للوسيلة الكبرى والذريعة إلى سعادة الدنيا والأخرى وهي عهدة الله التي يصونها من كل اهتضام وقلادته التي ما كان يتركها بغير نظام وكان من لطائف هذا الفتح الذي أجزل البشرى وأوسع أعلام الإسلام نشرا وروده بعد أن شفيت العلة ونصرت الملة وبعد أن جفا الدهر وتجافى وعادى ثم صافى وهجر ووافى وأمرض ثم عافى فلو ورد مقدمه قبل تاليه ونقده متأخرا عن كاليه أو كانت أواخره بعيدا ما بينها وبين أواليه (8/115)
لأوحشت الظنون وساءت وبلغت الهموم من النفوس ما شاءت فإن الإسلام كالجسد يتداعى كله لتألم بعضه ويتساهم إخوانه في بسطه وقبضه وسماوه مرتبطة بأرضه ونفله متعلق بفرضه فالحمد لله الذي خفف الاثقال والهم حال الضر الانتقال وسوغ في الشكر المقال ورار وأقال وجمع بين أيقاظ القلوب وإنالة المطلوب وإن وجد العدو طعم الإسلام مرافما ذاقه وعوده صلبا فما أطاقه ورفع عن طريق بيت الله ما عاقه وقاد إليكم في بيوتكم فضل الجهاد وساقه ورد المكر السييء على العدو وأحاقه فما كانت هذه المكيدة إلا داهية للكفر طارقة ونكثة لعصب التثليث عارقة ومعجزة من آثار النبي الشريف لهذا الدين المنيف خارقة واستأصلت للعدو المال وقطعت الآمال وأوهنت اليمين والشمال فبادرنا عند تعرف الخبر المختال من أثواب المسرة في أبهى الحبر المهدي أعظم العبر إلى تهنئتكم تطير بنا أجنحة الارتياح مبارية للرياح وتستفزنا دواعي الأفراح بحسب الود الصراح وكيف لا يسر اليسار بيمينه والوجه بجبينه والمسلم بدينه وخاطبناكم مهنئين ولولا العوائق التي لا تبرح والموانع التي وضحت حتى لا تشرح ومكايدة هذا لعدو الذي يأسو به الدهر ويجرح لم نجتز بإعلام القلم عن إعمال القدم حتى نتشرف بالورود على تلك المثابة الشريفة ونمتاز بزيارة الأبواب المنيفة فيقضى الفرض تحت رعيها وبركة سعيها لكن المرء جنيب أمله ونية المؤمن أبلغ من (8/116)
عمله فهنيئا بما خولكم الله من ظفر شهدت برضى الله مراسمه وافترت عن ثغور العناية الربانية مباسمه وتوفرت لديكم مواهبه ومقاسمه ويهنيء البيت المقدس مكان فضل الله ومنه وسلامة مجنه ويهنيء الإسلام عصمة ثغره المؤشر وطهارة كتابه المنشر وجمال عنوانه وقفل صوانه وباب إيوانه مرفأ الفسطاط ومركز لواء الرباط ومحط رحال الاغتباط ومتخير الإسكندر عند البناء والاختطاط ومما زادنا بجحا بهذا الفتح وسرورا زائدا بهذا المنح ما تحققنا أنه يثير من شفقة المسلمين لهذا القطر الذي لا يزال يطرقه ما طرق الإسكندرية على مر الايام وتجلب عليه برا وبحرا عبدة الأصنام بحيث البر موصول والكفر بكثرة العدد يصول ونيران الجوار مترائية للعيان والفراسخ القليلة متوسطة بين مختلف النحل والأديان والعدد لا ينسب والصريح إلا من عند الله لا يحسب فتنجدنا بالدعاء ألسنة فضلائه وتسهمنا خواطر صالحيه وأوليائه والله لا يقطع عن الجميع عوائد آلائه ويعرفنا بركة أنبيائه وينصرنا في أرضه بملائكة سمائه
وقد كان اتصل بنا في هذه الأيام الفارطة الذخر الذي ملأ اليد استكثارا والخلد اعتدادا واستظهارا والهمم فخارا واضاء القطر أنوارا جوابكم الكريم يشم من نفحاته شذا الإذخر والجليل وتلتمس من خلال حافاته (8/117)
بركات الخليل وتقرى الوجوه به آثار المعاهد وتلتمح من ثنايا وفادته بوارق الفوائد فأكرم به من وافد مخطوب وزائر مرقوب صدعنا به في حفل الجهاد انتحاء وافتخارا ثم صناه في كرائم الخزائن اقتناء للخلف وادخارا وجعلنا قراه شكرا معطارا وثناء يبقى في الخافقين مطارا ودعاء يعلي الله به لمقامكم السني في أوليائه مقدارا ويجهز به لملككم كما فعل انصارا ويثيبكم الجنة التي لا يرضى السعداء بغيرها قرارا والله تعالى يجعل لأفلاك الهناء على مخاطبة مقامكم الرفيع العلاء مدارا ويقيم الشكر الزم الوظائف لحقكم ابتدارا والثناء أولى ما تحلى به مجدكم شعارا ويبقيكم للإسلام ركنا شديدا وظلا مديدا وسماء مدرارا ما استأنفت البدور إبدارا وعاقب الليل نهارا والسلام
المقصد الثالث في رسم المكاتبات الواردة عن ملوك السودان وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في المكاتبات إلى صاحب مالي
وهو المستولي على التكرور وغانة وغيرهما وهي أعظم ممالك السودان المسلمين مملكة ولم أقف لأحد منهم على صورة مكاتبة إلى الأبواب السلطانية إلا أن المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه مسالك الأبصار عند الكلام على هذه المملكة تعرض لذكر سلطانها في زمان الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو منسى موسى وذكر أنه ورد منه كتاب يمسك لنفسه فيه ناموسا ولم يورد نسخته (8/118)
الطرف الثاني في المكاتبات الصادرة عن صاحب البرنو
ورسم مكاتبته أن يكتب في ورق مربع بخط كخط المغاربة فإن فضل من المكاتبة شيء كتب بظاهرها وتفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد ثم يتخلص إلى المقصد ببعدية ويأتي على المقصد إلى آخره ورأيته قد ختم مكاتبته إلى الأبواب السلطانية بقوله والسلام على من أتبع الهدى وكأن ذلك جهل من الكاتب بمقاصد صناعة الإنشاء إذ لا يهتدون إلى حقائقها
وهذه نسخة كتاب ورد على الملك الظاهر ابي سعيد برقوق ووصل في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة صحبة ابن عمه مع هدية بعث بها إلى السلطان بسبب ما يذكر فيه من أمر عرب جذام المجاورة لهم وهي في ورق مربع السطر إلى جانب السطر بخط مغربي وليس له هامش في أعلاه ولا جانبه وتتمة الكتاب في ظهره من ذيل الكتاب وهو
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
الحمد لله الذي جعل الخط تراسلا بين الأباعد وترجمانا بين الأقارب ومصافحة بين الأحباب ومؤنسا بين العلماء وموحشا بين الجهال ولولا ذلك لبطلت الكلمات وفسدت الحاجات وصلوات الله على نبينا المصطفى ورسولنا المرتضى الذي أغلق الله به باب النبوة وختم وجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ما ناحت الورق وما عاقب (8/119)
الشروق الأصيل ثم بعد ذلك ابو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم آجمعين
من المتوكل على الله تعالى الملك الأجل سيف الإسلام وربيع الأيتام الملك المقدام القائم بأمر الرحمن المستنصر بالله المنصور في كل حين وأوان ودهر وزمان الملك العادل الزاهد التقي النقي الأنجد الأمجد الغشمشم فخر الدين زين الإسلام قطب الجلالة سلالة الكرماء كهف الصدور مصباح الظلام ابي عمرو عثمان الملك ابن إدريس الحاج امير المؤمنين المرحوم كرم الله ضريحه وادام ذرية هذا بملكه هذا اللفظ وارد على لسان كاتبنا لآلنا ولا فخر إلى ملك المصر الجليل ارض الله المباركة أم الدنيا
سلام عليكم أعطر من المسك الأذفر وأعذب من ماء الغمام واليم زاد الله ملككم وسلطانكم والسلام على جلسائكم وفقهائكم وعلمائكم الذين يدرسون القرآن والعلوم وجماعتكم وأهل طاعتكم أجمعين
وبعد ذاك فإنا قد أرسلنا إليكم رسولنا وهو ابن عمي اسمه إدريس بن محمد من أجل الجائحة التي وجدناها وملوكنا فإن الأعراب الذين يسمون جذاما وغيرهم قد سبوا أحرارنا من النساء والصبيان وضعفاء الرجال وقرابتنا وغيرهم من المسلمين ومنهم من يشركون بالله يمارقون للدين فغاروا على المسلمين فقتلوهم قتلا شديدا لفتنة وقعت بيننا وبين أعدائنا فبسبب تلك الفتنة قد قتلوا ملكنا عمرو بن إدريس الشهيد وهو أخونا ابن أبينا إدريس الحاج بن (8/120)
إبراهيم الحاج ونحن بنو سيف بن ذي يزن والد قبيلتنا العربي القرشي كذا ضبطناه عن شيوخنا وهؤلاء الأعراب قد أفسدوا أرضنا كلها في بلد برنو كافة حتى الآن وسبوا أحرارنا وقرابتنا من المسلمين ويبيعونهم لجلاب مصر والشام وغيرهم ويختدمون ببعضهم فإن حكم مصر قد جعله الله في ايديكم من البحر إلى اسوان فإنهم قد اتخذوا متجرا فتبعثوا الرسل إلى جميع أرضكم وامرائكم ووزرائكم وقضاتكم وحكامكم وعلمائكم وصواحب أسواقكم ينظرون ويبحثون ويكشفون فإذا وجدوهم فلينزعوهم من أيديهم وليبتلوهم فإن قالوا نحن أحرار ونحن مسلمون فصدقوهم ولا تكذبوهم فإذا تبين ذلك لكم فأطلقوهم وردوهم إلى حريتهم وإسلامهم فإن بعض الأعراب يفسدون في ارضنا ولا يصلحون فإنهم الجاهلون كتاب الله وسنة رسولنا فإنهم يزينون الباطل فاتقوا الله واخشوه ولا تخذلوهم يسترقوا ويباعوا قال الله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) وقال الله تعالى لنبيه عليه السلام ( فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم ) وقال الله تعالى ( ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) وكان عليه السلام يقول السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم وقال المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا إلى يوم القيامة وقال المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه إلى آخره وفي الحكمه ومن الفرائض الأمر بالمعروف على كل من بسطت يده في الارض أراد به السلاطين وعلى من تصل يده إلى ذلك اراد بذلك القضاة والحكام والأمراء فإن لم يقدر فبلسانه أراد بذلك الفقهاء والعلماء وإن لم يقدر فبقلبه أراد بذلك عامة المسلمين أطال الله بقاءكم في أرضكم فازجروا الأعراب المفسدين عن (8/121)
دعرهم قال الله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) وقال عليه السلام كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وقال في الحكمة لولا السلطان لأكل بعضهم بعضا وقال تعالى لنبيه داود عليه السلام ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) والسلام على من اتبع الهدى ولم يؤرخ
الطرف الثالث في المكاتبات الصادرة عن ملك الكانم ولم أقف له على مكاتبة إلا أنه يشبه أن تكون المكاتبة عنه نظير المكاتبة عن صاحب البرنو فإنه على قرب من مملكته والله أعلم
المقصد الرابع في الكتب الواردة من الجانب الشمالي وهي بلاد الروم
قد تقدم ذكر المكاتبة إلى أمرائها وأن كبيرهم الذي صار أمرهم إليه وأنقادوا إلى طاعته الآن هو ابن عثمان صاحب برسا (8/122)
النوع الثاني من المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة الكتب الواردة عن ملوك الكفار وهي على أربعة اضرب
الضرب الأول الكتب الواردة عن ملوك الكرج
الضرب الثاني الكتب الواردة عن ملوك الحبشة
والعادة فيها أن ترد في قطع باللسان ولم اظفر بصورة مكاتبة في هذا المعنى إلا مكاتبة واحدة وردت على الملك الظاهر بيبرس ضمن كتاب إلى صاحب اليمن وصاحب اليمن أرسله إلى هنا فيما وقفت عليه في بعض المصنفات وهو
أقل المماليك يقبل الأرض وينهي بين يدي السلطان الملك الظاهر خلد الله ملكه أن رسولا وصل إلي من والي قوص بسبب الراهب الذي جاءنا فنحن ما جاءنا مطران مولانا السلطان ونحن عبيده فيرسم مولانا السلطان للبطريرك أن يجهز لنا مطرانا يكون رجلا جيدا عالما لا يجني ذهبا ولا فضة ويرسله إلى مدينة عوان واقل المماليك يسير إلى نواب مولانا الملك المظفر صاحب اليمن ما يلزمه وهو يسيره إلى نواب مولانا السلطان وما كان (8/123)
سبب تأخير الرسل عن الحضور إلى ما بين يدي مولانا السلطان إلا أنني كنت في سكار والملك داود قد توفي وقد ملك موضعه ولده وعندي في عسكري مائة الف فارس مسلمين وأما النصارى فكثير لا يحصون والكل غلمانك وتحت امرك والمطران الكبير يدعو لك والخلق كلهم يقولون آمين وكل من يصل من المسلمين إلى بلادنا نكون له أقل المماليك ونحفظهم ونسفرهم كما يحبون ويختارون وأما الرسول الذي سفروه فهو مريض وبلادنا وخمة أي من مرض لا يقدر احد يدخل إليه وأي من شم رائحته فيمرض فيموت ونحن نحفظ كل من يأتي من بلاد المسلمين فسيروا مطرانا يحفظهم
قلت وقد تقدم الجواب عن هذا الكتاب من كلام القاضي محيي الدين ابن عبد الظاهر في الكلام على الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى أهل الجانب الجنوبي من أهل الكفر ولكن الكتاب المذكور يخالف ما تقدم هناك من أدعائه العظمة وأنه لولا اضطراره إلى أخذ المطران من بطريرك الديار المصرية لكان يشمخ بنفسه عن المكاتبة ولعل ذلك كان في الزمن المتقدم
الضرب الثالث الكتب الواردة عن ملوك الروم ورأس الكل صاحب القسطنطينية
وقد وقفت على كتاب ورد منه في السابع والعشرين من صفر سنة أربع عشرة وثمانمائة في درج ورق فرنجي في نحو عشرين وصلا قطع النصف والبياض في اعلاه وصل واحد وفي اسفله وصلان وله هامش عن يمينه وهامش عن يساره كل منهما تقدير إصبعين ومقدار ما بين السطور متفاوت فأعلاه بين كل سطرين أربعة اصابع مطبوقة ثم بعد تقدير ثلث الكتاب بين كل سطرين قدر ثلاثة اصابع ثم بعد ذلك بين كل سطرين قدر إصبعين ثم بعد ذلك بين كل سطرين قدر ثلاثة أصابع إلى آخر الكتاب والقلم في غاية الدقة بقلم الرقاع (8/124)
الدقيق وفي آخره ثلاثة اسطر وقطعة بالحمرة بقلم اجل من الأول قليلا
وهذه نسخة كتاب معربة بترجمة بطرك الملكانية بحضور سيف الدين سيف الترجمان وهي
المعظم الممجد المبجل الضابط السلطان الكبير سلطان مصر ودمشق وحلب وغيرها الملك الناصر فرج ابن السلطان الكبير المرحوم الظاهر برقوق المحبوب إلي العزيز أكثر من أولاد مملكتي
يحيط علمه أنني ومملكتي طيبون بنعمة الله تعالى وكذلك تكون إن شاء الله تعالى سلطنتك الممجدة طيبة في خير وأن المحبة والمودة لم تزل بين والدك المرحوم وبين والدي إلى آخر وقت ونحن بحمد الله قد تزايدت محبتنا على ذلك وتكاثرت وتتوكد ايضا المحبة بيننا وبين سلطنتك المعظمة إلى الأبد فإن ذلك واجب وتتردد رسلكم بكتبكم إلينا وكذلك رسلنا بكتبنا إلى ملككم وكان قصدنا أن نجهز إليكم رسولا لكن الفتن في بلادنا وما بلغنا من سفر مولانا السلطان من تخت مملكته ولم نعرف إلى أي مكان توجه أوجب تاخير ذلك وأن حامل هذا الكتاب المتوجه به إلى السلطان المعظم المسمى سورمش التاجر من اسطنبول هو من جهتنا وله عادة بالتردد إلى مملكتكم المعظمة ونحن نعلم ان سلطنتك تحب الطيور الكواهي فجهزنا لكم صحبة المذكور خمس كواهي وبازدار ليكون نظركم الشريف عليهم وكذلك على البطاركة (8/125)
والنصارى والكنائس على حكم معدلة السلطان ومحبته والوصية بهم ومعاونتهم ورعايتهم وإجراؤهم على جاري عوائدهم من غير تشويش على ما ألفوه من إنصافكم أولا وآخرا لأجل محبتكم لنا ومحبتنا واستمرار العناية بهم مع أن البطاركة عرفونا ان مولانا السلطان يبرز مرسومه بمراعاتهم والإحسان إليهم ولم يزالوا داعين له شاكرين من معدلته ونضاعف شكرنا من إحسانكم على ذلك وتكونوا إن شاء الله تعالى طيبين والمحبة متزايدة في أيامكم وايامنا ومهما كان لمولانا السلطان بمملكتنا من أطواع فيرسم يعرفنا بها ونبادر بذلك
والذي بآخره بالحمرة علامة الملك مضمونها مانويك المسيحي بنعمة الله ضابط مملكة الروم البلالوغس
الضرب الرابع الكتب الواردة من جهة ملوك الفرنج بالاندلس والجهات الشمالية وما والى ذلك
والعادة فيها أن تكتب باللسان الفرنجي وعادة الكتب الواردة عنهم جملة أن تكتب في فرخة ورق فرنجي مربعة على نحو مقدار الفرخة البلدي أو دونها بأسطر متقاربة باللسان الفرنجي وقلمه ثم يطوى طيا مسطحا ويعنون في وسطه ويطوى من جهتي الأول والآخر حتى يصير العنوان ظاهرا من الطي ثم يخرز ويختم بسحاءة ويختم عليه بطمغة في شمع أحمر على نحو ما تقدم في الكتب الواردة عن ملوك الغرب فإذا ورد على الأبواب السلطانية فك ختمه وترجم بترجمة الترجمان بالأبواب السلطانية وكتب تعريبه في ورقة مفردة وألصقت به بعد كتابة الجواب من التعريب على ما تقدم ذكره في مقدمة الكتاب
وهذه نسخة كتاب وارد من دوج البنادقة ميكائيل على يد قاصده نقولا البندقي في سادس عشر صفر المبارك سنة أربع عشرة وثمانمائة ترجمة شمس (8/126)
الدين سنقر وسيف الدين سودون التراجمة بالأبواب الشريفة في فرخة ورق فرنجي مربعة متقاربة السطور وهو
السلطان المعظم ملك الملوك فرج الله ناصر الملة الإسلامية خلد الله سلطانه
يقبل الأرض بين يديه نقولا دوج البنادقة ويسأل الله أن يزيد عظمته لأنه ناصر الحق ومويده وموئل الممالك الإسلامية كلها وينهي ما عنده من الشوق والمحبة لمولانا السلطان وانه لم تزل أكابر التجار والمحتشمين والمترددين من الفرنج إلى الممالك الإسلامية شاكرين من عدل مولانا السطان وعلو مجده وتزايد الدعاء ببقاء دولته وقد رغب التجار بالترداد إلى مملكته الشريفة بواسطة ذلك ولأجل الصلح المتصل الآن بيننا والمحبة
وأما غير ذلك فإنه بلغنا ما اتفق في العام الماضي من حبس العنز في ثغر دمياط المحروس وأن مولانا السلطان مسك قنصل البنادقة والمحتشمين من التجار بثغر الإسكندرية المحروس وزنجرهم بالحديد وأحضرهم إلى القاهرة وحصلت لهم البهدلة بين جنوسهم والضرر والقهر الزائد وكسر حرمتنا بين أهل طائفتنا فإن الذي فعل مع المذكورين إنما فعل معنا وتعجبنا من ذلك لأن طائفتنا لم يكن لهم ذنب وهذا مع كثرة عدل مولانا السلطان في مملكته ومحبتنا له ومناداتنا في جميع مملكتنا بكثرة عدله وبمحبته لطائفتنا وإقباله عليهم وقولنا لجميع نوابنا إنهم يكرمون من يجدونه من مملكة مولانا السلطان ويراعونه ويحسنون إليه والمسؤول من إحسانه الوصية بالقنصل والتجار وغيرهم من البنادقة ومراعاتهم وإكرامهم والإقبال عليهم والنظر في أمورهم إذا حصل ما يشبه هذا الأمر ومنع من يشاكلهم لتحصل بذلك الطمانينة للتجار ويترددوا إلى مملكته (8/127)
وهذه نسخة كتاب ورد من كبطان الماغوصة والمستشارين بها في ثامن عشر صفر المبارك سنة اربع عشرة وثمانمائة ترجمة شمس الدين سنقر وسيف الدين سودون الترجمانين بالأبواب الشريفة وهو
الملك المعظم ملك الملوك صاحب مصر المحروسة الملك الناصر عظم الله شأنه
يقبل الأرض بين اياديه الكبطان والمستشارون وينهون أنهم آناء الليل داعون بطول بقائه مجتهدون في استمرار الصلح والمودة التي لا يشوبها كدر بين القومون وبين مولانا السلطان وأن في هذا الوقت ثم حرامية غراب يتحرمون باطراف هذه البلاد والمين الإسلامية ونحن لم نزل نشحطهم بالمراكب والأغربة ونمنعهم من ذلك جهدنا وقدرتنا حتى إن أحدا صار لا يجسر على الدخول إلى مينا الماغوصة جملة كافية مع أننا كنا خلصنا في المدة الماضية من الحرامية المذكورين خمسة وعشرين نفرا من المسلمين وأكرمناهم وأطلقنا سبيلهم وعزمنا أن نجهزهم إلى دمياط أو إلى ثغر الإسكندرية
وأما غير ذلك فقد بلغنا أن برطلما أوسق للمواقف الشريفة صابونا في مراكبه وكان قصده أن يهرب بذلك فللحال عمرنا مركبا كبيرا وأخذنا برطلما المذكور بالمحاربة وأحضرناه إلى الماغوصة وعهدنا بطروق المركب إلى شخص يسمى أرمان سليوريون وهو رجل مشكور السيرة وقلنا له إنه يتوجه إلى خازن الصابون المذكور ويستشيره إن كان يوسق شيئا من الأصناف لمولانا السلطان ويجهزه إلى أي مكان أختاره ليسلمه ليد من تبرز له المراسيم الشريفة بتسليمه فليفعل وهذا القول كله يكون دليلا عند مولانا السلطان على صدق (8/128)
الولاء والتمسك بالصلح والمسؤول من الصدقات الشريفة الإقبال على التجار الجنوية الذين عند مملكته وكف أسباب الضرر عنهم وينشر معدلته عليهم والله تعالى يديم بقاءه بمنه وكرمه (8/129)
الفصل السادس
من الباب الثاني من المقالة الرابعة في رسوم المكاتبات الإخوانيات وهي جمع إخوانية نسبة إلى الإخوان جمع أخ والمراد المكاتبات الدائرة بين الأصدقاء وفيه طرفان
الطرف الأول في رسوم إخوانيات السلف من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وهي في الغالب لا تخرج عن ضربين
الضرب الأول أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه
وكان رسمهم فيه أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان سلام عليك إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو فلما كانت خلافة الرشيد وأمر أن يزاد هنا في السلطانيات وأسأله أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله كما تقدم في موضعه جرى الكتاب في الإخوانيات على ذلك ايضا وكان الخطاب يجري بينهم في ذلك بأنا وأنت ولي ولك وعندي وعندك وما أشبه ذلك من الفاظ الخطاب وكانت خاتمه الكتب عندهم بالسلام
الضرب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه تفخيما لأمره وتعظيما لشأنه
وكان رسمهم في ذلك أن يفتتحوا المكاتبة بلفظ إلى فلان من فلان سلام (8/130)
عليك فإني أحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو وباقي الكتاب على ما تقدم في الضرب الأول في الخطاب والختام وغيرهما
الطرف الثاني في رسوم الإخوانيات المحدثة بعد السلف وفيه ثلاثة مقاصد
المقصد الأول في رسوم إخوانيات أهل المشرق وفيه أربعة مهايع
المهيع الأول في صدور الابتداآت وهي على اساليب
الاسلوب الأول ان تفتتح المكاتبة بالدعاء وعليه اقتصر ابو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب وكان على رأس الثلثمائة في خلافة الراضي وقد تقدم في الكلام على مقدمات المكاتبات نقلا عن مواد البيان أن الادعية كانت في الزمن الأول تستعمل فيما يتعلق بامر الدين مثل قولك أكرمه اله وحفظه الله ووفقه وحاطه وما أشبه ذلك فعدل عنها قصدا للإجلال والإعظام إلى الدعاء بإطالة البقاء وإدامة العز وإسباغ النعمة ونحو ذلك مما يتنافس فيه أبناء الدنيا جريا على عادة الفرس ثم رتبوا الدعاء على مراتب فجعلوا اعلاها الدعاء بإطالة البقاء ثم بإطالة العمر ثم بالمد في العمر وكذلك سائر المكاتبات على ما تقدم بيانه هناك (8/131)
ثم هو على ستة أضرب
الضرب الأول المكاتبة من المرؤوس إلى الرئيس وهو على صنفين
الصنف الأول المكاتبة إلى الامراء
قد ذكر النحاس أنه يقال في افتتاح مكاتباتهم أطال الله بقاء الأمير فإذا اردت أجل ذلك كله كتبت أطال الله بقاء الأمير في أعز العز وأدوم الكرامة والسرور والغبطة وأتم عليه نعمه في علو الدرجة وشرف من الفضيلة وتتابع من الفائدة ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة وبلغ بالأمير أفضل ما تجري إليه همته وتسمو إليه أمنيته أو بلغ بالأمير أفضل شرف العاجل والآجل وأجزل له ثواب الآخرة
ثم قال ومن الدعاء له أطال الله بقاء الأمير في عز قاهر وكرامة دائمة ونعمة سابغة وزاد في إحسانه إليه والفضيلة لديه ولا أخلى مكانه منه
قال ومنه أطال الله بقاء الأمير وأدام عزه وتأييده وعلوه وتمكينه وكبت عدوه
ثم ذكر أدعية أخرى للأمراء عن الفضل بن سهل منها أطال الله بقاء (8/132)
الأمير ومكن له في البسطة وتزايد النعمة وزاده من الكرامة والفضيلة والمواهب الجليلة في أعز عز وأدوم سلامة وأسبل عافية ومنها أطال الله بقاء الأمير وأدام له الكرامة مرغوبا إليه وزاد في إحسانه لديه وأتم نعمته عليه ووصل له خير العاجل بجزيل الآجل
الصنف الثاني المكاتبة إلى القضاة
وقد قال النحاس إنه يدعى للقاضي بمثل ما يدعى به للأمير غير أنه يجعل مكان الأمير القاضي إلا أن الفضل بن سهل قال يدعى لقاضي القضاة أطال الله بقاء القاضي وأدام عزه وكرامته ونعمته وسلامته وأحسن من كل جميل زيادته وألبسه عفوه وعافيته وإنه يدعى له أيضا أطال الله بقاء القاضي في عز وسعادة وأدام كرامته وأحسن زيادته وأتم نعمته عليه في أسبغ عافية وأشمل سلامة قال وقال غير الفضل إن الكفء يكاتب كفأه ومن كان خارجا من نعمته أدام الله بقاءك أيها القاضي
الضرب الثاني المكاتبة من الرئيس إلى المرؤوس كالمكاتبة عن الوزير وقاضي القضاة وغيرهما والخطاب في جميعها بالكاف
قال النحاس وهي على مراتب أعلاها في حق المكتوب إليه أطال الله بقاءك وأدام عزك وأكرمك وأتم نعمته عليك وإحسانه إليك وعندك ودونه أطال الله بقاءك وأعزك وأكرمك وأتم نعمته عليك وعندك ودونه أدام الله عزك وأطال بقاءك وأدام كرامتك وأتم نعمته عليك وأدامها لك ودونه أعزك الله ومد في عمرك وأتم نعمته عليك وما بعده على توالي الدعاء الذي تقدم ودونه أكرمك الله وأبقاك وأتم نعمته عليك وأدامها لك ودونه أن (8/133)
تسقط وأدامها لك ودونه أبقاك الله وحفظك وأتم نعمته عليك وأدامها لك ودونه أن تسقط وأدامها لك ودونه حفظك الله وأبقاك وأمتع بك ودونه عافانا الله وإياك من السوء
قال في صناعة الكتاب هذا إذا جرى الأمر على نسبته ولم تتغير الرسوم وإلا فقد يعرض أن يكون في الدولة من هو مقدم على الوزير أو مساوى به فتتغير المكاتبة فقد كان عبد الله بن سليمان يعني وزير المعتضد يكاتب أبا الجيش يعني خمارويه بن أحمد بن طولون أطال الله يا أخي بقاك إلى آخر الصدر للمصاهرة التي كانت بين أبي الجيش وبين المعتضد ولأن المعتضد كناه ثم قال فإن كان الرئيس غير الوزير فربما زاد في مكاتبته زيادة لمن له محل فيزيده ويكاتبه بزيادة التأييد ودوام العز قال ويدعى للفقهاء أدام الله بقاءك في طاعته وسلامته وكفايته وأعلى جدك وصان قدرك وكان لك ومعك حيث لا تكون لنفسك أو أدام الله بقاءك في أسر عيش وأنعم بال وخصك بالتوفيق لما يحب ويرضى وحباك برشده وقطع بينك وبين معاصيه أو أطال الله بقاءك بما أطال به بقاء المطيعين وأعطاك من العطاء ما أعطى الصالحين أو أكرمك الله بطاعته وتولاك بحفظه وأسعدك بعونه وأيدك بنصره وجمع لك خير الدنيا والآخرة برحمته إنه سميع قريب أو تولاك من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وكان لك من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم أو أكرم الله عن النار وجهك وزين بالتقوى تجملك أو أكرمك الله بكرامة تكون لك في الدنيا عزا وفي الآخرة من النار حرزا
الضرب الثالث المكاتبة إلى النظراء والمخاطبة فيه بالكاف
قال في صناعة الكتاب وأعلى ما يكتب في ذلك يعني بالنسبة إلى (8/134)
المكتوب إليه يا سيدي أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك إلى آخر الصدر ودونه أطال الله يا سيدي بقاءك ودونه يا سيدي وأخي أطال الله بقاءك ودونه أدام الله يا أخي بقاءك
الضرب الرابع المكاتبة إلى الأبناء والخطاب فيه بالكاف
قال في صناعة الكتاب يكتب الرجل إلى آبنه بأبي أنت أو فداك أبوك أو مات قبلك أو أسأل الله عز و جل حفظك وحياطتك ورعايتك أو أرشدك الله أمرك أو أحسن البلاغ بك أو بلغ الله بك أفضل الأمل وأتم السرور بك وجعلك خلفا صالحا وبقية زاكية
الضرب الخامس المكاتبة إلى الفتيان والخطاب فيه بالكاف
قال النحاس يدعى لهم صرف الله السوء عنك وعن حظي منك أو أطال الله بقاء النعمة عليك وعلي فيك أو جعلت أنا وطارفي وتالدي فداك أو ملاني الله إخاءك وأدام بقاءك أو أستودع الله عز و جل ما وهب لي من خلتك ومنحني من أخوتك وأعزني به من مودتك أو حاط الله حظي منك وأحسن المدافعة عنك أو ببقائك متعت وفقدك منعت أو نفسي تفديك والله يبقيك ويقيني الأسواء فيك أو ملاني الله النعمة ببقائك وهنأني ما منحني من إخائك أو أبقى الله النعمة لي ببقائها لك وبلغتها بك أو وفر الله حظي منك كما وفر من المكارم حظك أو ملاني الله ببقاك كما منحني إخاك أو دافع الله لي وللمكارم عن حوبائك وأمتعني ببقائك وجمع أملي فيك بجمعه المكارم لك أو زادك الله من النعم حسب تزيدك في البر لإخوانك وبلغ بك أملهم كما بلغ بهم آمالهم فيك (8/135)
الضرب السادس المكاتبة إلى النساء
قد ذكر النحاس أنهن يكاتبن على نظير ما تقدم من مكاتبة الرئيس والمرؤوس والنظير غير أنه قد وقع في الاصطلاح من بعضهم أنه لا يقال في مكاتبتهن وكرامتك ولا وأتم نعمته عليك ولكن وأتم نعمته لديك ولا فضله عندك ولا سعادتك ولا فعلت ولا أن تفعلي ولكن يقال إن رأيت أن تمني بذلك مننت به وما أشبه ذلك وقد تقدم في الكلام على مقدمات المكاتبات بيان كراهتهن لذلك
قلت ثم راعى الكتاب في تعظيم المكتوب إليه أن عدلوا عن خطابه بالكاف عن نظير خطاب المواجهة إلى معنى الغيبة فقالوا له وإليه وعنده ونحو ذلك وخصوا الخطاب بالكاف بأدنى المراتب في حق المكتوب إليه على أنه قد تقدم من كلام النحاس إنكار ذلك على من اعتمده محتجا عليه بأنه لا أعظم من الله تعالى مع أنه يقال في الدعاء يا الله ونحو ذلك
وقد ذكر ابن حاجب النعمان في كتابه ذخيرة الكتاب أدعية مرتبة على (8/136)
الغيبة وقال أعلاها أطال الله بقاءه وأدام تمكينه وارتقاءه ورفعته وسناءه وكبت عدوه ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده وعلاه وتمهيده وكبت عداه ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده وحرس حوباءه ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده ونعماه ودونه أطال الله بقاه وأدام نعماه ودونه أطال الله بقاه وأدام عزه ودونه أطال الله بقاه وأدام توفيقه وتسديده ودونه أطال الله بقاه وأدام سداده وإرشاده ودونه أطال الله بقاه وأدام حراسته ودونه أدام الله تأييده ودونه أدام الله توفيقه ودونه أدام الله عزه وسناءه ودونه أدام الله عزه ودونه أدام الله حراسته ودونه أدام الله كرامته ودونه أدام الله سلامته ودونه أدام الله رعايته ودونه أدام الله كفايته ودونه أبقاه الله ودونه حفظه الله ودونه أعزه الله ودونه أيده الله ودونه حرسه الله ودونه أكرمه الله ودونه وفقه الله ودونه سلمه الله ودونه رعاه الله ودونه عافاه الله وعلى معنى الغيبة يقال في الدعاء أطال الله بقاء الأمير أو بقاء القاضي أو بقاء سيدي أو بقاء مولاي وما أشبه ذلك في كل رتبة بحسبها
واعلم ان الذاهبين من الكتاب إلى إجراء المخاطبة في المكاتبة على معنى الغيبة كما هو طريقة ابن حاجب النعمان وغيره يعبرون عن المكتوب إليه بلقبه الخاص كالوزير والأمير والحاجب والقاضي وما أشبه ذلك وذكره بالسيادة وما في معناها مفضلين لفظ الجمع كسيدنا ومولانا على لفظ الإفراد كسيدي ومولاي وينعتون المكتوب إليه بالجليل أو الحاجب الجليل ويجعلون الإفراد دون ذلك في الرتبة فيقولون سيدي أو مولاي الأمير الجليل أو الحاجب الجليل ونحو ذلك ثم توسعوا في ذلك فجعلوا الدعاء متوسطا كلام الصدر على القرب من الابتداء مقدمين بعض كلام الصدر عليه ومؤخرين بعضه عنه مثل أن يقال في المكاتبة بشكر إذا كان الشكر أطال الله بقاء سيدنا (8/137)
الأمير فلان ترجمان النية ولسان الطوية وشاهد الإخلاص وعنوان الاختصاص وسببا إلى الزيادة وطريقا إلى السعادة وكانت معارفه قد أحاطت بمعادنه واستولت على محاسنه فألسن آثارها مع الصمت أفصح من لسانه وبيانها مع الجحود ابلغ من بيانه ونحو ذلك ثم أحدثوا أصطلاحا أخر اضافوه إلى الاصطلاح الأول فقدموا على الدعاء لفظ كتابنا أو لفظ كتابي رتبة دون رتبة مثل أن كتبوا كتابنا أطال الله بقاء الأمير ونحن على أفضل ما عودنا الله من انتظام الأمور وسدادها واستقامتها بحضرتنا واطرادها أو كتابي أطال الله بقاء مولاي الحاجب عن سلامة ينغصها فقدك وينتقصها فراقك وما يجري مجرى ذلك وربما ابتدأوا لفظ كتابنا أو كتابي بلفظ كتبت بصيغة الفعل وربما ابتداوا بلفظ أنا ونحوه ثم خرج بهم الاختيار إلى مصطلحات اصطلحوا عليها مع بقاء بعض المصطلح القديم فخاطبوا بالحضرة تارة وبالخدمة تارة وبالمجلس أخرى فكتبوا كتابي أطال الله بقاء حضرة سيدنا الوزير أو سيدنا الأمير ونحو ذلك أو أسعد الله الحضرة أو أسعد الله الخدمة أو ضاعف الله جلال الخدمة أو أعز الله أنصار الخدمة وربما كتبوا صدرت هذه الخدمة إلى فلان وقد يكتبون صدرت هذه الجملة إلى غير ذلك من تفنناتهم التي لا يسع استيعابها ولا يمكن اجتماع متفرقها
قلت وبالجملة فضبط صدور الإخوانيات وابتداءاتها على هذا المصطلح غير ممكن لاختلاف مذاهبهم في ذلك والذي تحصل لي من كلام النحاس وابن حاجب النعمان وترسل أبي إسحاق الصابي والعلاء بن موصلايا وأبي (8/138)
الفرج الببغاء وغيرهم من الكتاب المجيدين أن الغالب في المكاتبات الدائرة بين أعيان الدول على سبعة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء
كما كتب أبو إسحاق الصابي إلى الصاحب إسماعيل بن عباد بالشكر والتشوق أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل في سلامة دنيا ودين ونفاذ أمر وتمكين وتمام عز وتأييد وثبات وطأة وتمهيد وعلو قدر وسلطان وتعاظم خطر وشان وتولاه في نفسه وأوليائه بأحسن ما عرف وألف من نعم دارة الحلب متفرعة الشعب محمية الجهات والجوانب محجوبة عن النوائب والشوائب وأراه في حساد فضائله وكفار فواضله ما عوده فيهم من شقاء جدودهم وفلول حدودهم وحلول النكال بهم وإثبات العصمة منهم وجعل حكمه قطبا لمدار الأفلاك ونهجا لمجاري الأقدار فلا ينزل منها محبوب مطلوب إلا توجه إليه ونحاه ولا محذور إلا أعرض عنه وتحاماه ثم كان برؤوس معانديه حلوله (8/139)
وبرقابهم أحاطته وفوق ظهورهم محمله وعلى صدورهم مجثمه أمرا جزما قضاه الله له وخصه به وأعطته الأيام عليه عهد أمانها وأمرت له به عقد ضمانها عاطفة عليه بطاعتها ومواتاتها مغضية له عن نوائبها ونبواتها وحقيق عليه جل اسمه أن يفعل ذلك به ويسمع هذا الدعاء فيه إذ كان مرفوعا إليه في أوفر عباده فضلا وأغمرهم نيلا وأجزلهم أدبا وأكثرهم حسبا وأعملهم بطاعته وأولاهم بإحسانه ومعونته
كتبت هذا الكتاب أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل ثم انخرط في سلك مقصده إلى آخر
الأسلوب الثاني أن يتوسط الدعاء صدر الكتاب بعد الابتداء بكلام مناسب للحال
كما كتب أبو إسحاق الصابي أيضا عن بعض الأمراء إلى أمير آخر مبشرا بفتح
ومن أعظم النعم أطال الله بقاء مولانا الأمير الجليل خطرا وأحسنها أثرا نعمة سكنت ثورة وأطفأت فورة وعادت على الناس بجميل الصنع وجليل النفع ونظام الأمور وصلاح الجمهور فتلك التي يجب أن يكون الشكر عليها مترادفا والاعتداد بها متضاعفا بحسب ما أزالت من المضرة وجددت من المسرة وأماطت من المحذور ونشرت من المأمول وحقيق على الناس أن يعرفوا حقها ويوفوها من حمد الله قسطها ويتنجزوه وعده الحق في أدائها وإطالة الإمتاع بها والحمد لله على أن جعلنا ممن يعرف ذلك ويهتدي إليه ويعتقده وينطوي عليه ويؤدي فرض الاجتهاد في الاستدامة والاستزادة منه وأن خصنا من هذه النعم بذوات الفضل السابغ والظل الماتع الجامعة لكبت العدو ومساءته وابتهاج الولي ومسرته وهو المسؤول جل اسمه وعز ذكره أن لا يسلبنا ما ألبسناه من سرابيلها وأجرناه من فضل ذيولها وعودناه من جلالة أقدارها وتعاظم أخطارها ولا يعدمنا معونة منه على بلوغ أقصى الوسع (8/140)
في الاعتداد بها ومنتهى الطوق في البشر لها بمنه وطوله وقوته وحوله
وقد عرف مولانا الأمير فلان ما كان من كذا وكذا ثم أتى على ذكر الفتح إلى آخره
الأسلوب الثالث
أن يفتتح الكتاب بلفظ كتابي كما كتب الصابي عن الوزير أبي عبد الله الحسن بن سعدان إلى فخر الدولة بن بويه في بشارة فتح
كتابي أطال الله بقاء مولانا الأمير الجليل فخر الدولة ومولانا الملك السيد صمصام الدولة وشمس الملة جار على افضل حال جمع الله بينهما في تمام عز ونصر ونفاذ أمر ونهي وعلو كلمة ورأي وسبوغ موهبة ونعمة وشكر الله يستزيد من فضله ويستدر المادة من طوله وأنا جار فيما أحمله من اعباء خدمتهما وأتولاه من تعاظم شؤونهما على أجمل ما عود الله وزراء هذه المملكة المناصحين لها وأوليائها المحامين عنها من هداية إلى مراشد الأمور وتوفيق لصواب التدبير والحمد لله رب العالمين وقد كان كذا وكذا
الاسلوب الرابع
أن يفتتح الكتاب بلفظ كتبت كما كتب الصابي إلى صاحب الجيش في تعزية
كتبت أطال الله بقاء سيدنا صاحب الجيش والعين عبرى والكبد حرى والصبر مسلوب والعزاء مغلوب بالفجيعة في سيدي فلان نضر الله (8/141)
وجهه وكرم منقلبه التي هدت الجلد وفتت في العضد وبسطت عذر الجزوع وهجنت حلم الحليم فإنا لله وإنا إليه راجعون وإلى أمره صائرون وعند الله نحتسبه غصنا ذوى وشهابا خبا وعلق مضنة علقت به ايدي النوائب وتخيرته سهام المصائب وقارنت بين قلوب الأباعد والأقارب والخواص والعوام في التألم لفقده والاستيحاش لمصرعه والكآبة لوقوع المحذور به وعز علي أن يجرى لساني بهذا القول ويدي بهذا الخط إلى آخر المكاتبة
الأسلوب الخامس
أن يفتتح الكتاب بالخطاب كما كتب صاحب ديوان الإنشاء في زمن المسترشد عن نفسه إلى شجاع الدولة وزير دمشق بعد هلاك زنكي بن اقسنقر
أيها السيد الرئيس المحامي عن سربه والذي قصر إلا في المعالي رب ناء بجسمه وهو دان بقلبه وغريب إذا نسبت وأمير على دمشق مطاع في صحبه وله بالعراق إخوان من حزبه إلى آخر المكاتبة
الأسلوب السادس
أن تفتتح المكاتبة بلفظ أنا كما كتب الصابي عن نفسه إلى الاثير أبي الحسن يهنئه بعيد (8/142)
أنا أطال الله بقاء سيدنا الاستاذ الأثير أحاول الخدمة له والقربة منه منذ وصلت إلى العسكر المنصور فيعترض دون ذلك عوارض يجري بها المقدور إلى الحين الموقت المسطور وقد علم مني وشهر عني كذا وكذا إلى آخر الكتاب
الاسلوب السابع
أن تفتتح المكاتبة بلفظ صدرت أو اصدرت كما كتب صاحب ديوان الإنشاء في زمن المسترشد عن نفسه إلى أبي الفرج سعد بن محمد تشوقا
صدرت هذه الجملة إلى فلان ولواعج الأشواق إليه متضاعفة مترادفة واستمرار الصبر على البعد عنه قد رث قواه ووهن عراه وأعوزنا وجد أنه إذ عنت ذكراه وإن كان ذكره سمير الخاطر وتجاه الناظر والغريم الملازم الذي يستحق غالبه اللبيب الحازم إلى آخر الكتاب
المهيع الثاني في الأجوبة على هذا المصطلح وهي على ضربين
الضرب الأول
أن يفتتح الجواب بما يفتتح به الابتداء ثم يقع التعرض بعد ذلك لوصول الكتاب والجواب عنه إما ملاصقا لأول الابتداء وإما بعد كلام طويل
فأما ما هو متصل بأول الابتداء فكما كتب الصابي
كتابي ووصل كتاب مولاي وفهمته وجل عندي قدره وموقعه وسكنت إلى ما دل عليه من سلامته وسألت الله أن يسبغ عليه ظلها ويمليه نعمه كلها فأما ما ذكره من كذا وكذا إلى آخر الكتاب
وأما ما هو بعد كلام طويل فكما كتب الصابي ايضا عن نفسه إلى الصاحب (8/143)
ابن عباد
كتابي أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة وليس من جارحة إلا ناطقة بشكره وحمده ولا في الدهر جراحة إلا عافية بفضله ورفده وأنا مستمر له على دعاء إن خلوت من أن يكون عائدا لصلاحي ورائشا لجناحي لألتزمنه عن الأحرار العائشين في نداه المستظلين بذراه فكيف وأنا أول ساهر في مرابعة ووارد لشرائعه وأحوالي جارية على استقامة أقوى أسبابها تصرف الأيام على آرائه واتباعها إيثاره في أوليائه وأعدائه والحمد لله رب العالمين قضاء لحقه واقتضاء لمزيده واستدامة للنعمة عنده التي استحصفت في أيدينا سعتها وسالت علينا شعابها وغمرتنا سجالها وتفيأت لنا ظلالها وما يزال بين رغبة مولانا الصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله علوه وكبت عدوه في عبده ورغبة عبده إليه سر مكنون في الصدور ومستور تحت الضلوع فهما يتناجيان به على بعد الدار ويلتقيان عليه بالافكار فإن تطلع من حجاب القلوب وشذ من ظهور الغيوب فإن ظهوره يكون من جهته في نفحات الإنعام ومن جهتي في ثمرات الكلام وقد وصل كتابه المخطوط بكرمه لا بقلمه إلى صنيعته الماثل بين يديه بهممه لا بقدمه فلم يستطع ان ينهض من الفكر إلا بقدر ما يبريء ساحته من الكفر ويبلغه إلى آخر الاجتهاد والعذر وأسأل الله أن يطيل بقاءه للإفضال المأخوذ منه والفضل المأخوذ عنه والعلم الذي يزخر به بحره والفخر الذي يسحب له ذيله والعز الذي ضرب عليه رواقه والسلطان الذي ألقي إليه استحقاقه والأمر والنهي اللذين يحويهما تراثا واكتسابا إذا حواهما غيره غلولا واغتصابا بمنه وطوله وقد كان كذا وكذا (8/144)
الضرب الثاني
أن يفتتح الجواب بلفظ ورد أو وصل ونحوهما
كما كتب الصابي عن الوزير ابي عبد الله بن سعدان في جواب كتاب ورد عليه وصل كتابك أطال الله بقاءك وفهمته وأدى فلان ما تحمله عنك ووعيته وأزددت به بصيرة في سدادك ومعرفتك وفضلك وحصافتك واجتماع الأدوات الجميلة فيك الداعية إلى إعلاء محلك وحميد حالك والثقة بك والاستنامة إليك وأنهيت ذلك إلى الملك فلان فأصغى إليه مستمعا وأوجب لك به حقا متضاعفا وأمرني بكذا وكذا إلى آخر مراده
وكما كتب أبو الفرج الببغاء في جواب كتاب
ورد كتابك مشافها من البر ومؤديا من الفضل ومتحملا من المنن ما تجاوز الإنصاف إلى الإسراف وقرن الإكرام بالإنعام ولم أدر أي المنح به أشكر ولا بأي العوارف له أعترف أبما تحمله من جميل نيته أم ما أدى من جليل مخاطبته أم ما ناجتني به فوائد ملاطفته أم ما اعتمدني من حلاوة مفاوضته إلى غير ذلك من الوصول إلى النعمة التي لا أطاولها بشكر ولا أقاومها بمنة اعتداد وهو ابتداؤه إياي من المكاتبة بما أحرز به على عادته قصب السبق وزاد على الرغبة مبرهنا وبصادق الود مخبرا وإلى البسط دليلا وعلى مستأنف الخدمة بالمواصلة باعثا ووجدته ايده الله قد فعل كذا وكذا
المهيع الثالث في خواتم الإخوانيات على هذا المصطلح
وأعلم أنه لم يكن لهم ضابط للاختتامات ولا ما يقتضي ملازمة اختتام معين لصدر معين بل ذلك موكول إلى رأي الكاتب لا يراعي فيه غير علو الرتبة (8/145)
وهبوطها حيث تفاوتتب رتب الاختتامات عندهم
ثم الاختتامات لديهم على أنواع شتى
منها الاختتام باستماحة الرأي وهو على مراتب أعلاها ولمولانا علو الرأي في ذلك كما كتب الصابي في خاتمة كتاب ولمولانا علو الرأي في تشريف خادمه بالقبول والتقدم بإعلامه بالوصول واستخدامه بما يتعلق بآرابه وأوطاره ومن نظائر ذلك وأشكاله إن شاء الله تعالى
ودون ذلك الاختتام بلفظ فإن رأى كذا وكذا فعل كما كتب الصابي في خاتمة كتاب بشارة بفتح فإن رأي سيدي أن يعرفني موقع هذه البشرى منه ومقابلتها بالشكر الواجب عليها ويتقدم بإشاعتها في نواحيه وأعماله ليكبت الله به عدوه وعدونا ويكاتبني بما أتطلعه من احواله وأخباره واتعمد إسعافه به من مآربه وأوطاره فإني أعتده شريكا لنا مساهما وخليطا مفاوضا فعل إن شاء الله تعالى
ودونه فرأيك في كذا وكذا كما كتب أبو الفرج الببغاء في خاتمة كتاب في الحث على مواصلة الكتب فرأيك في إيناسنا بكتبك متضمنة نؤثره من انبساطك ونعلمه من أخبارك موفقا إن شاء الله تعالى
وقد تقدم في الكلام على أصول المكاتبات لأي معنى كان فرأيك دون فإن رأيت
وذكر ابن حاجب النعمان أن أعلى المراتب وللآراء العالية فضل السمو ومزيد القدرة ودونه ولرأي المجلس الفلاني فضله وسموه ودونه ولرأي الحضرة الفلانية فضله ودونه ورأي حضرة مولانا أسمى ودونه ورأي حضرة مولاي العالي ودونه ورأيه موفقا ودونه ورأيه السديد ودونه ورأيه الأرشد (8/146)
ودونه والموثر كذا ودونه فأحب أن يفعل كذا ودونه ويجب أن يفعل كذا ودونه فافعل كذا من غير مخالفة ودونه وأحذر المخالفة
ومنها الاختتام بالدعاء كما كتب الصابي خاتمة كتاب وأسأل الله أن يطيل بقاءه ويصل إخاءه ويحفظه بعيدا وقريبا ويرعاه غائبا وحاضرا
ومنها الاختتام بطلب مواصلة الكتب كما كتب الصابي في خاتمة كتاب وأنا أسأله أن يواصلني بكتبه مضمنة أخباره الطيبة وأمره الممتثل وأوطاره ومهماته معتمدا بذلك إن شاء الله تعالى
ومنها الاختتام بترك التكليف بالمكاتبة في غير الضروري كما كتب الصابي في آخر مكاتبة وما أطالب سيدي بالمكاتبة إلا عند الحاجة العارضة فإنه يفيدني بها جميلا أشكره ويستفيد مني سعيا يحمده فأما ما عدا ذلك مما يشغل أوقات راحته ويسد فرج خلوته فإنني أستعفي منها استعفاء المتقرب إليه المؤثر لما خف عليه وله فيما سألت فضل النظر فيه والإسعاف به إن شاء الله تعالى
ومنها الاختتام بالتحذير من المخالفة كما كتب الصابي في خاتمة الكتاب إلى جماعة بتحصيل قوم وليكتب كل واحد منهم بخبر من عسى أن يظفر به من هؤلاء أو يقف على موضعه أو ينتهي إليه شيء من خبره وليحذر من التقصير في ذلك إلى غير ذلك من الاختتامات التي لا تحصى كثرة
وقد ذهب كثير من الكتاب إلى عدم تفضيل بعض الاختتامات على بعض على أن ابن حاجب النعمان قد قال في ذخيرة الكتاب إن أعلى ذلك بالنسبة إلى المكتوب إليه وللآراء الفلانية فضل السمو ومزيد القدرة ودونه ولرأي المجلس الفلاني فضله وسموه ودونه ولرأي الحضرة الفلانية فضله (8/147)
ودونه ورأي حضرة سيدنا أسمى ودونه ورأي حضرة مولاي العالي ودونه ورأية موفقا ودونه ورأيه السديد ودونه ورأيه الأرشد ودونه والموثر كذا ودونه فأحب كذا ودونه ويجب أن يفعل كذا ودونه وسبيله أن يعتمد كذا ودونه فافعل كذا ودونه ودونه فافعل كذا من غير مخالفة ودونه وآحذر المخالفة
المهيع الرابع في عنوانات الكتب على هذا المصطلح وفيها أربعة أحوال
الحالة الأولى أن يكون العنوان من الرئيس إلى المرؤوس قد ذكر في صناعة الكتاب أن العنوانات من الوزير والقاضي وغيرهما من الرؤساء على تسع مراتب
الأولى أن يكتب في الجانب الأيمن لأبي فلان أطال الله بقاءه وأعزه وفي الجانب الأيسر من فلان بن فلان باسم الوزير واسم أبيه إن لم يكنه الإمام فإن كناه كتب من أبي فلان والقاضي في معنى ذلك
الثانية أن يكتب في الجانب الأيمن لأبي فلان أطال الله بقاءه فقط ويكتب الاسم ولا يكتب وأعزه
الثالثة أن يكتب في الدعاء للمكتوب إليه أدام الله عزه
الرابعة أن يكتب أعزه الله
الخامسة أن يكتب أكرمه الله وأدام كرامته
السادسة أن يكتب أكرمه الله وفي ذلك يكتب اسم الوزير في الجانب الايسر (8/148)
السابعة أن يكتب أبقاه الله ولا يذكر اسم الوزير في هذه المرتبة وما بعدها
الثامنة أن يكتب حفظه الله ولا يكتب اسم الوزير
التاسعة أن يكتب عافاه الله وعلى نحو ذلك جرى ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب فقال إنه يبدأ في الجانب الأيمن بذكر المكتوب إليه ونعوته وكنيته واسمه واسم أبيه ونسبه المشهور من ناحيته أو قبيلته أو بلده ثم يذكر المكتوب عنه في الجانب الأيسر باسمه واسم أبيه فإن كان الكتاب عن الوزير ذكر كنيته في الجانب الأيسر إن كان الإمام أمره أن يكاتب متكنيا أو متلقبا
وقد سبق في الكلام على أصول المكاتبات في أول الباب الثاني من هذه المقالة أن من السلف من كره لأبي فلان وقال الصواب أن يكتب إلى أبي فلان قال في صناعة الكتاب ويكتب لأبي الحسن فإن أعدت الكنية في الناحية الأخرى رفعت فقلت أبو الحسن علي بن فلان على المبتدإ والخبر أو على إضمار مبتدإ وإن شئت خفضت على البدل فإن لم تعد الكنية كان الخفض أحسن فقلت لأبي الحسن ثم قال وإن كتبت إلى رجلين كنية كل منهما أبو الحسن كتبت لأبوي الحسن إذا لم يكن لهما ولد يقال له الحسن فإن كان لكل منهما ولد يقال له الحسن جاز أن يكتب لأبوي الحسنين قال والاختيار أن يكتب لأبوي الحسن أيضا لأن المعنى للذين يقال لكل واحد منهما أبو الحسن ويجوز أن يكتب إلى الرجلين اللذين يكنيان بأبي الحسن لأبي الحسن بفتح الباء وكسر الياء على لغة من قال جاءني أبك والأصل فيه لأبين الحسن سقطت النون للإضافة ويكتب في الجميع لأبي الحسن بكسر الباء الأصل لأبين بكسرها أيضا سقطت النون للإضافة على لغة من قال جاءني أبوك يعني بضم الواو (8/149)
ويجوز أن يكتب لرجل كنيته أبو الحسن لأبا الحسن على لغة القصر كما يقال لفتى الحسن
قال في ذخيرة الكتاب وإن كان الكتاب إلى اثنين وكنايتهما مختلفة كأبي جعفر وأبي منصور وأبي بكر كتبت آباء جعفر ومنصور وبكر وإن كانت كنايتهم متفقة مثل أن تكون كنية كل منهم أبو جعفر كتبت آباء جعفر
الحالة الثانية أن يكون العنوان من المرؤوس إلى الرئيس قد ذكر النحاس عن الفضل بن سهل أنه إذا خوطب الكفء بجعلني الله فداءك بالصدر الكامل فأحسن دعائه للعنوان أعزه الله وأطال بقاءه وذكر أنه إذا كوتب بأعزه الله فأجمل العنوان مد الله في عمره قال في صناعة الكتاب ولا يتكنى الرجل في كتبه إلا أن تكون كنيته أشهر من اسمه فيتكنى على نظيره ويتسمى لمن فوقه ثم يلحق المعروف أبا فلان أو المعروف بأبي فلان قال ويكتب من أخيه إن كانت الحال بينهما توجب ذلك
الحالة الثالثة أن يكون العنوان من الرجل إلى ابنه ومن في معناه قد ذكر النحاس أنه يعنون إليه من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان ثم قال وكذا كبير الإخوة والرجل إلى أهل بيته
الحالة الرابعة أن يكون المكتوب إليه امرأة قال في صناعة الكتاب إن كان المكتوب إليه أم الخليفة كتب للسيدة أم فلان أمير المؤمنين وإن كانت امرأة الخليفة وكان ابنها معهودا اليه بالخلافة كتب للسيدة أم فلان ولي عهد المسلمين وإن كانت امرأة رجل جليل كتب للحرة أم فلان ولا يكتب اسمها ويدعو لها بالدعاء الذي يكون خطابها به (8/150)
هذا ما كان الحال عليه في زمن النحاس في خلافة الراضي وما حولها
وقد ذكر ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب أن الحال تغير عن ذلك عند تغير المكاتبات إلى المجلس العالي والحضرة السامية وما يجري مجرى ذلك ثم قال فعلى هذا إذا كتب إلى المكتوب إليه بالمجلس العالي أو السامي ونعوته فيجب أن يكني عن نفسه بالمملوك أو مملوكه أو العبد أو الخادم وإذا كتب الحضرة السامية أو العالية ونعوتها فيجب أن يكني عن نفسه الخادم أو خادمها أو عبدها وإذا كتب حضرة سيدنا ونعوتها فيجب أن يكنى عن نفسه خادمها أو خادمه وعبدها أو عبده وإذا كتب حضرة مولانا ونعوته فيجوز أن يكني عن نفسه ما شاء من ذلك قال وفي الكتابة إلى النظير لا ضابط لعنوانه كما لا ضابط لمكاتبته بل له أن يكني عن نفسه بما شاء مما تقدم ذكره
ثم قال وإن كانت المكاتبة من الرئيس إلى المرؤوس فيجب أن يكني حضرة الفلاني بغير مولاي ودونه الفلاني بغير حضرة وكنيته ونعوته واسمه واسم أبيه ويكني عن نفسه ما يختار أن يكتبه الرئيس إلى المرؤوس مما هو معروف مشهور ويزيد في اسمه واسم أبيه ألفا ولاما إن كانا مما يجوز أن يزاد فيهما وإذا كتب المرؤوس إلى الرئيس وكنى عن نفسه بما كنى فيجب أن يحذف من اسمه واسم أبيه الألف واللام قال وللرئيس أن يكتب عن نفسه بما شاء من الكنايات التي تليق بمنصبه واسمه واسم أبيه ونعته المقترن بأمير المؤمنين مثل ناصر أمير المؤمنين وحسام أمير المؤمنين وما أشبه ذلك
المقصد الثاني في رسوم إخوانيات أهل المغرب
وعادتهم فيها أن يكون الخطاب فيها خطاب المواجهة مثل أنت وأنا ولك وعندي وعندك وربما خاطبوا الواحد بميم الجمع تعظيما للمكتوب إليه كما يعبر عن المتكلم الواحد بنون الجمع تعظيما له قال ابن شيث في (8/151)
معالم الكتابة ولا يعرف ذلك لغيرهم وربما وقع الخطاب عندهم على الغيبة أيضا وفيه جملتان
الجملة الأولى في مفتتحات المكاتبات على اصطلاحهم وفيها مهيعان
المهيع الأول في ابتداء المكاتبات وهي على طرق
منها أن تفتتح المكاتبة بالدعاء إما بطول البقاء كما كتب عبد الله بن طاهر أطال الله بقاء سيدي الأعلى ومفزعي في الجلى متممة عليه النعم ميسرة لديه الهمم أقول بدءا أيدك الله لقد أعشى الناظرين سناك كما أعيا الطالبين مسعاك ولئن فت الجميع لقد أبدعت الصنيع فلا غاية لمجد إلا وأنت آتيها لا ذروة لعز إلا ومن ظباك بانيها لك الهدى والناس ضلال وفي يديك الضوء والكل أغفال وإن الأمر كذا وكذا
وكما كتب أبو المطرف بن عميرة أطال الله بقاء الاخ السري الكريم الحري بالتقديم والتغظيم أوحد فرسان الإحسان وواحد عقبان البيان ولا زال قلمه جالي بدائع السحر جالب بضائع الشحر مغبوط السبق عند كلال جياد (8/152)
الكلام مبسوط الرزق في حال إملاق الأقلام إن ذكرت أبقاك الله البلاغة فمن على موردها يساجلك أو قيل في شريعتها بنيت على خمس فإنما هي أناملك صفوها متفجر من معينك وشاؤها لا مطمع فيه لغير يمينك وشأوها تستوفيه في هيئة متمهل وجناها ترعاه بعزة أخي مهلهل فقد صرت أمام أمتها لا بل إمام أئمتها والراضع لرسلهابل الواضع لأصلها فهنيئا لها أن كنت سابق غايتها وسائق رايتها وبشرى لمهرق وشته يراعتك ومشته براعتك لقد أوتي من الحسن ما تشتريه القلوب بحباتها وتشتهيه النفوس أكثر من حياتها وإن الأمر كذا وكذا
وإما بالبقاء المجرد
كما كتب أبو محمد بن عبد البر إلى بعض ارباب الأقلام
أبقى الله الشيخ في عزة تالدة طارفة وسعادة لا تزال طارقة بكل عارفة ولا زال قاصده مخيما من رفده بروض ناضر ومحوما من مجده على مسرة سمع وقرة ناظر والأمر كذا وكذا
وإما بالدعاء للحضرة
كما كتب أبو زيد الفازازي
أبقى الله حضرة السيد ناضرة أدواح السعد عاطرة أفواح المجد ساكبة أنواع الجد صائبة سهام الجد ولا زالت مغشية الجناب بوفد الحمد موشية (8/153)
الإهاب بسودد الحفد الظل إذا رحب ازدحم عليه الضاحون والورد إذ عذب ازدلف إليه الممتاحون وظل الحضرة المكرمة كثيف الأفياء ووردها مغن عن وسائط الأرشية والدلاء فلا غرو أن تضرب إليها أكباد الإبل وتغص بالوفود عليها أفواه السبل والله تعالى يعين الحضرة المكرمة على الايادي تسوغها والآمال تبلغها بمنه وإن الأمر كذا وكذا
وإما بالدعاء للمحل
كما كتب أبو المطرف بن عميرة في صدر شفاعة
ابقى الله المحل الأعلى حرما يتحاماه الأنام وعلما تتضاءل له الأعلام ولا زالت آراؤه الناجحة تستمدها العقول والأفهام ومساعيه الصالحة يشكرها الله والاسلام إن مجدا سامى الكواكب بمثواه وسارى الغر السواكب في جدواه لداع إلى استلام كفه العلية والاستهام على وصفه الذي له حقيقة الأولية وكيف لا وقد أجار من الدهر المخيف وصار قبلة كل داخل تحت التكليف يعيد متى أخطأها صلاة الأمل ويرى الاجتهاد في طلبها من راحة العمل وإن الأمر كذا وكذا إلى غير ذلك من أنواع الدعاء
ومنها أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابي كما كتب أبو المطرف بن عميرة إلى بعض العلماء
كتابي إلى سيدي حفظه الله مقيما وسائرا وأبقاه لغرر البيان ساحرا وعن وجه الإحسان سافرا ولا زالت آدابه تشرق وتروق ساهرا ومحاسنه كالشمس إذا لم يلق نورها ساترا من فلانة والود روضة مطلولة ورحم موصولة خلص من القلب إلى حبته واختص منه بما ليس لأحد من أحبته وأثار شوقا على قدره وهوى ثوى في صدره وأسفا على عهد أصبو إلى ذكره فات ورد الفائت يعسر وقصر وأيام السرور تقصر كأنما كان قراءة سطر أو إغفاءة فجر أو زيارة مجتاز أو عبارة ذي إيجاز فمن لنا بذلك الأرج الذكي والأريحي يرتاح لما يخترع أو يحكي ومتى نفوز بمن ينحت من صخر ويزري بأبي صخر ويغرف (8/154)
من بحر ويجري مع أبي بحر ويجمع إسناده بين الجامع والمسند وينشد من بدائع حفظه ما يؤثر يد المسند شجرة علم تؤتى كل حين أكلها ومزنة فضل تجود ما نخشى بخلها وضالة أدب يقل لها أن يجعل القارت جعلها فات عنا فأتعب وعنى فهل معين على دواء إن نحن لسعنا أو سبيل إلى ما يفيدنا من الكلام فنحن في حروف تجيء بغير معنى وإن الأمر كذا وكذا
ومنها أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتبت
كما كتب أبو زيد الفازازي
كتبت كتب الله للأخ الأبر الأوفى والفاضل الذي آثار مآثره لا تخفى مجدا هامي الربابة سامي الرابة وذاكرا منتحلا بالإطالة والاطابة وقرن أعماله بالقبول ودعواته بالاستجابة من مكان كذا ولا جديد بيمن الله تعالى إلا صنعه الجميل ولطفه العريض الطويل والحمد لله رب العالمين حمدا يؤمن آلاءه من التغيير والتبديل والأمر على كذا وكذا
ومنها أن تفتتح المكاتبة بكناية عن المكتوب إليه من لقب ونحوه كما كتب أبو المطرف بن عميرة لبعض الرؤساء
الجناب الرياسي أدام الله اعتلاءه وحرس مجده وسناءه
صدرت هذه الخدمة إليه من فلانة ولا مزيد على ما يجب لجلاله من التعظيم ولفضله من التقديم ولآلائه من الشكر العميم وإن الأمر كذا وكذا
وكما كتب أبو بكر بن عيسى شافعا في أنصاري (8/155)
السيد العماد والماجد الجواد والملجأ المنيع المريع لمن يرتاع أو يرتاد أدام الله علاءه وضاعف عنده آلاءه بدر الجملة الشريفة وفرع الدوحة المنيفة من آل قيس الجود وقيل بني قيلة الباذلين الموجود أولئك الذين عز المهاجرون بإخائهم وسخائهم فلا غرو أن تكلف الألسنة بمدحه وتمد الأيدي إلى منحه ويصدر باسمه تاريخ الاجداد فهو أحق مفتتحه والأمر كذا وكذا
وكما كتب أبو المطرف بن عميرة عن الأمير أبي جميل زيان إلى الامير أبي زكريا بن إسحاق
الامير الأجل الهمام الأعلى حرس الله مقامه وأسعد ايامه وظاهر بالنصرة مضاءه واعتزامه راسخ شرف النجار ثابت أصل الفخار مستهل آلاء السحب الغزار والعيون إليه سامية والهمم إلى ما لديه مترامية والصدور بالأمل فيه تشرح والنفوس الحرة إلى استرقاقه تطمح ولا غرو والكرم من بعض شيمه والغنى من فضل ديمه أن يسيير إليه في البر والبحر كل ذي رغبة وتترامى نحوه ركائب الرجاء من كل تربة ومخاطبتنا هذه إلى مجلسه أيده الله عما نعلمه من كبير قدره ونوجبه لعالي أمره ونبيح به من طيب خبره وجميل ذكره والأمر كذا وكذا (8/156)
وكما كتب أبو الحسن بن شلبون
العماد المذخر والملاذ الذي بولائه أفخر جعل الله قدره عاليا ودهره بمحاسنه حاليا ولا زال للنعم قابلا وللأ سواء قاليا كتبت من مكان كذا والود حلية يتألق رونقها وشجرة لا يسقط ورقها وإنها مغروسة لا تقبل بذر العوادي ومحروسة لا يقع عليها من يقع في شجر الوادي والأمر كذا وكذا
وكما كتب أبو المطرف بن عميرة إلى بعض الفقهاء شافعا موصيا
المحل الأعلى ضاعف الله أنوار هدايته وأبقى على الجمع آثار عنايته مستودع الكمال ومشرع الآمال ومقعد أرباب السؤال ومصعد الصالح من الأعمال وإن فلانا من أمره كذا وكذا
وكما كتب ابن أبي الخصال
الشيخ الأجل أدام الله عزه ونعماه ووصل رفعته وعلاه بتقواه مجل قدركم وملتزم بركم وشكركم العارف بحقكم فلان فكتب يعظمكم كتب الله لكم خيرا مستمرا ورضا على ما ترضونه ثابتا مستقرا من مكان كذا على الرسم الملتزم من توفير علائك والشكر لآلائك والرب تعالى ينهض بحقكم اللازم الألزم ويصل حراسة مجدكم الأتلد الأقدم بمنه وفضله وإن الأمر كذا وكذا
وأعلم أنه ربما أتي بعد ذكر النعوت بالسلام ثم بحمد الله تعالى والصلاة (8/157)
على النبي وعلى آله ثم الرضا عن الخلفاء الماضين والخليفة القائم وعلى ذلك كانت طريقة كتاب دولة الموحدين أتباع المهدي بن تومرت كما كتب أبو محمد بن عبد البر
الشيخ الأجل أدام الله عزته ووصل كرامته ورفعته مجل قدره وملتزم بره وشكره المسرور بما يجريه إحسانه من طيب ذكره
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد حمد الله العظيم والصلاة على سيدنا محمد رسوله الكريم وعلى آله والرضا عن الإمام المعصوم مهديه وعن خلفائه الأئمة الراشدين والدعاء لسيدنا الخليفة الإمام أمير المؤمنين أبن الأئمة الخلفاء أمراء المؤمنين بالنصر الأعز والفتح الأتم الأوفى فكتب كتب الله لكم مجدا لا يهي شرفه وسعدا لا يني طرفه من فلانة حرسها الله ولا ناشيء عن الله تعالى وعميم لطفه إلا الخير الأكمل والصنع الأجمل والحمد لله رب العالمين كثيرا وإن الأمر كذا وكذا
قلت وعلى هذه الطريقة كانت كتابة أبي عبد الله بن الخطيب كاتب ابن الأحمر بالأندلس على القرب من زماننا
ومنها أن تفتتح المكاتبة بالخطاب إما مع حذف ياء النسب أو مع إثباتها أما مع حذفها فكما كتب أبو المطرف بن المثنى (8/158)
سيدي ومفخري وعصمتي ووزري وركني وعمادي وذخيرتي وعتادي أبقاك الله ناهجا سبل المكارم والمعالي موقى حوادث الأيام والليالي كتبي أعزك الله عن عهد حسن لك قد أحكمت معاقده وود محض فيك قد صفت موارده ونفس ترتاح لذكراك ولسان لاه بين محاسنك وعلاك قد انفسح في نشر فضائلك ميدانها وفاق في وصف فواضلك بيانها فهي تنظم عقود مجدك على أجياد شكرك وتحوك من برود تقريظك وثنائك خلعا لمجدك وسنائك وشيها الذكر الخطير وطرازها الترفيع والتوقير تكسر عصب عدن وتعفي على وشي اليمن وتطلع من رياض أخلاقك في منابت أعراقك ما يزري بنسيم المسك تضوع عرفه وانتشاره ويربي على حسن النجوم الزاهرة طوالع أزهاره وأنواره وأخلق بمن جمع الله العالم فيه وحرس معاهد البر بكريم مساعيه أن لا تعزى خلة نبيلة إلا إليه ولا تقصر منقبة جليلة إلا عليه ولا تؤثر مأثرة نفيسة إلا عنه ولا تقتبس سيرة جميلة إلا منه والله تقدس اسمه يحمي هذه الأوصاف البديعة والخلال الرفيعة من طوارق الدهر ونوازل الغير ويجعل عليها يده ويصرف عنها معرة كل خطب وشدة بحوله وطوله ويكون الأمر كذا وكذا
وأما مع إثبات ياء النسب فكما كتب أبو المطرف بن الدباغ إلى بعض الأدباء عند وروده إلى بلاده
يا مولاي وسيدي العظيم شأنه وأمره العالي صيته وذكره ومن أبقاه الله في عز لا تنفصم عراه وحرز لا يستباح حماه لم أزل أبقى الله سيدي ومولاي تسمو بي إلى الكتابة همة وتترامى بي إلى البلاغة عزمة حتى تذللت لي صعابها فامتطيت وتسهلت لي حزونها فارتقيت ولما رفعت لي عن غرائبها (8/159)
الأستار وعلمت من غوامضها الأسرار وفزت بالمعلى من سهامها والموفور من أقسامها جعلت بأي أئمتها أأتم وأهتدي وإلى أي رؤسائها أنتسب وأعتزي ناظرا في ذلك إلى شائع الأخبار ومتداول الآثار فوجدت الألسنة إذا تناولت صفة سواه تحلت بعض حلاه أو أرقته إلى رتبة من العلياء تمثلت به في الرفعة والسناء ثم تفرده أعزه الله دونها بالفهم المتين والعلم المشهور والحلم المتعارف والفضل المتواصف والرتبة السامية والجلالة المتناهية فكلما رأيت محاسن مجده تجلى وسور فضله تتلى هممت أن أطير إلى حضرته بجناح الارتياح وأركب إلى أفقه نوره الله أعناق الرياح والأيام تقطعني بمصائبها وتقيدني بأحداثها وبحوائبها حتى قضى الله أن يرد هذا الأفق فأفرخ الأمل بغير نصب وأنال البغية بغير طلب طويل
( وليس الذي يتبع الوبل رائدا ... كمن جاءه في داره رائد الوبل )
ومنها أن تفتتح المكاتبة بالتحية والسلام
كما كتب أبو المطرف بن عميرة
تخص الابن محبة ومقة والعباد اعتدادا بجانبه وثقة حفظ الله نجابته وجعل لداعي السيادة تلبيته وإجابته تحية الإجلال والتكرمة والمودة الخالصة المتحكمة ورحمة الله تعالى وبركاته من مكان كذا والود كلف والعهد بالصون من جميع جوانبه مكتنف وتلكم الذات السنية ذخيرة جليلة وأمل لا تخطيء منه مخيلة وهبة يكذب معها أن يقال الأيام بخيلة وكنا نظن أن (8/160)
بناء الكرم صم صداه ومربع الفضل عاصب برداه وغائب عن الرشد أداه ونقول ما كل من أقعدته العيلة عميلة ومتى يفطن عمير عمر وبحيلة فكفا بكفاتها وهل سوى قيس لرحى العجوز عدمت جداتها حتى تمثل هذا المجاهد من طرفيه المستقبل آثار سلفيه حفظ الله الألفاظ والألسنة وحملة الأقلام والأسنة
وكما كتب أبو زيد الفازازي
السلام الكريم العميم على الشيخ الذي أثبت على وده فلا أتحول وأطنب في حمده فلا أستعير ولا أتأول وأتعلل بذكره عند عدم مرآته ولأمر ما أتعلل فلان أدام الله رفعته وحرس من الأسواء مهجته كتب أخوكم البر بكم الشيق إليكم الشاكر لمحاسنكم المسرور بما سمعه من صلاح أحوالكم فلان ولا جديد بمن الله تعالى إلا الخير والحمد لله كثيرا والأمر كذا وكذا (8/161)
ومنها أن تفتتح المكاتبة بالكناية عن المكتوب عنه كما كتب ابن أبي الخصال إلى بعض الكتاب يسأله حاجة
معظم الشيخ الأجل أبي فلان ومجله المكبر له فلان أعلى الله قدركم وأوزع أولياءكم شكركم أياديكم أدام الله كرامتكم أوكف من الغمام ونعمكم ألزم للأعناق من أطواق الحمام وإن وليكم ومعظمكم يحتاج إلى كذا وكذا
ومنها أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان
كما كتب بعضهم من فلان إلى الشيخ الحافظ الأكرم أبي فلان أدام الله كرامته بتقواه فالكتاب إليكم كتب الله لكم أحوالا صالحة وخيرات عليكم غادية رائحة من موضع كذا والبركات متوافرة والخيرات متظاهرة والحمد لله تعالى وإن الأمر كذا وكذا
ومنها أن تفتتح المكاتبة بلفظ إلى فلان
كما كتب بعضهم إلى والده
إلى مولاي المعظم وأبي المتكفل بتعليمي وحسن أدبي أبقاه الله ناظرا إلي بعين رضاه وأعانني على الجري في بره على حكم الشرع القويم ومقتضاه من ابنك المعظم لك بل عبدك المتطلع إلى ما يصل من الأنباء الكريمة من عندك المواصل المسعى في شكرك وحمدك فلان بأبي كتبته كتب الله لكم ليانا من العيش وخفضا وجمع بعد الافتراق بعضا منا وبعضا ويسر لي بطوله ومنته أن يصفح عني وأن يرضى من موضع كذا ولا جديد إلا نعم من الله عز و جل تراوح وتغادي وتجري الخواتم منها على حكم المبادي وشوق إليكم يعمر أحناء ضلوعي وفؤادي ويحسم عني قطيعي دمعي الهتون وسهادي والله جل وعز ييسر انقضاب غربة النوى ويريح النفوس من محرق اللوعة ولا عج الجوى والأمر كذا وكذا (8/162)
المهيع الثاني في الأجوبة وهي على ما تقدم في أجوبة المشارقة من أنها على ضربين
الضرب الاول أن يفتتح الجواب بما بفتتح به الابتداء ثم يقع التعرض إلى وصول الكتاب وذكر الجواب عنه
كما كتب أبو عمرو الباجي
وعدك الكريم أدام الله عزك دين وقضاؤه شرف وزين ومثلك من تحلى بمحاسن الشيم وزاحم في السيادة بالمنكب العمم وحفظ العهد لما أضيع واشترى المجد بما بيع والتزم للوفاء شرطا لا يفسخ ورآه شرعا لا ينسخ ووصل كتابك العزيز في معنى كذا وكذا
الضرب الثاني أن يفتتح الجواب بورود الكتاب ووصوله ابتداء
كما كتب أبن أبي الخصال
ورد كتابك في أمر فلان يفرض الحمل عليه في النفوذ لوجهته والتقدم إلى رتبته وليس عندي إلا عون وإنجاد وطاعة وانقياد غير أن في الأمر كذا وكذا
الجملة الثانية في خواتم المكاتبات على اصطلاحهم وهي على أساليب
منها أن يختم الكتاب بالسلام المجرد عن الدعاء (8/163)
كما كتب أبو عمرو الباجي في خاتمة كتاب
وأقرأ عليك سيدي وأسنى عددي أجزل السلام وأحفله وأتمه وأكمله
ومنها أن يختم بالدعاء
كما كتب أبو المطرف بن الدباغ في خاتمة كتاب
والله لا يخلي مولاي من عبد يسترقه ومنعم نعيم عليه بما يستحقه وجميل يوليه وصنع يسديه بمنه وجميل صنعه
ومنها أن يختم بذكر التودد والمحبة
كما كتب أبو جعفر الكاتب في آخر كتاب
وإن لم يكن لي من الحق ما لا أتبسط به عليه فلي من الود ما أمت به إليه فحسبي به سلما إلى فضلك وذريعة إلى مجدك إن شاء الله تعالى والسلام
ومنها أن يختم باستماحة النظر في أمر المكتوب عنه
كما كتب أبو المطرف بن المثنى في خاتمة كتاب
ولك الطول العام والفضل الزاهر في اعتبار أمري وتحقيق خبري والسلام
إلى غير ذلك من الخواتم التي تستدعيها المكاتبة وتستوجبها المقاصد وفيما ذكر من الصدور والخواتم ابتداء وجوابا مقنع لمن تأمل والله المستعان في الأمر كله (8/164)
المقصد الثالث في الإخوانيات المستعملة بالديار المصرية وفيه ثلاثة مصطلحات
المصطلح الأول ما كان الأمر عليه في الدولة الطولونية وما قاربها مما جرى عليه ابن عبد كان وغيره وفيه ثلاثة مهايع
المهيع الاول في الصدور وهي على ضربين
الضرب الأول الابتداءات ولهم فيه أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء وعليه غالب كتابتهم وهي على أنماط
منها الدعاء بطول البقاء وما في معناه
كما كتب ابن عبد كان في صدر مكاتبة أطال الله بقاءك ففي إطالته حياة الأنام وأنس الأيام والليالي وأدام عزك ففي إدامته دوام الشرف ونحو المعالي وأتم نعمته عليك فإنها نعمة حلت محل الاستحقاق ونزلت منزلة الاستيجاب ووقفت على من لا تكره الآلاء مكانه ولا تنكر الفواضل محله
وكما كتب عمر الله بك الأزمنة والدهور وآنس ببقائك الأيام والشهور وأمتع بدوام عزك السعداء بحظهم منك (8/165)
ومنها الدعاء بداوم النعمة
كما كتب أسبغ الله عليك نعمه الراهنة بنعمة المستظفر وصانها لديك بإيزاع الشكر عليها فلم أر ولله الحمد نعمة قصدت مستقرها وتوخت وليها وتمنت كفؤها إلا نعمتك أكسبت أولياءها عزا ونضرة وملأت أعداءها ذلة وغضاضة وتمكنت بمحل الصيانة والرعاية وخيمت بمستقر الشكر والحمد
ومنها اطراح الدعاء بدوام النعمة لتقييدها بموجباتها منها
كما كتب قد كفى الله عز و جل مؤونة الدعاء لنعمتك بالنماء لأنها توخت لديك محلها فحلت بفنائك سارة مطمئنة قارة تستوثر مهادها قبلك وتستهنيء مواردها عندك ولم تزل تائقة إليك متطلعة نحوك بما استجمع لها فيك من لطيف السياسة وحسن الاحتمال لأعباء المغارم فهنأكها الله متصلة البقاء بطول مدة بقائك ومتحلية بحسن فنائك فلا زلت لعوارف النعم مستدعيا وللشكر بالزيادة فيها ممتريا وبدوام الحمد لردفها مستمريا
ومنها الدعاء بجعلت فداك
كما كتب جعلني الله فداك فإن في ذلك شرفا في العاجل وذخر العقبى في الآجل وخير تراث لمخلفي من بعدي دعاء أخلصته النية وصدقته الطوية
ومنها استكراه الدعاء بالتفدية
كما كتب إن قلت في كتبي إليك جعلني الله فداك فأكون قد بخستك حظ إحسانك إلي وحق مفترضك علي لأنها نفس لا توازن ساعة من يومك ولا توازي طرفة من دهرك وإنما يفدى مثلك بالأنفس التي هي أنفس من الدنيا وأعرض من أقطار الارض
ومنها تفدية النعمة إعظاما لها
كما كتب جعلني الله فداء نعمتك التي علت ذروة سنامها وفاضت درة سمائها فعمرت أقطار الآملين ونضرت جناب ناحية المعتمدين
ومنها الدعاء بصلاح الدنيا وغبطة الآخرة (8/166)
كما كتب أسعدك الله بعواقب قضائه وقدره ووهب لك الصلاح في دينك والسلامة في دنياك
ومنها الدعاء بكبت العدو
كما كتب مكن الله يدك من ناصية عدوك بالصولة عليه ومن زمام وليك بالإحسان إليه وبلغك من كلتا الحالتين ما ينمي على تأميلك ويوفي على تمنيك
ومنها الدعاء المشترك بين المكتوب عنه والمكتوب إليه
كما كتب أدام الله أنسي بحياتك وحرسني من الغير في نعمتك وأكرمني بصيانة أيامك ولياليك وأعزني بذل عدوك وقمع حاسديك
ومنها الدعاء بطيب الحياة
كما كتب عش أطيب الأعمار موقى من سوء الأقدار مبلغا نهاية الآمال مغبوطا في كل الأحوال لا ينقضي عنك حق عارفة حتى تجدد لك أخرى أجل منها ولا يمر بك يوم من الايام إلا كان مؤمنا على أمسه مقصرا عن فضلة غده
ومنها الدعاء باقتضاء العدل والإنصاف
كما كتب جعلك الله ممن ينظر بعين العدل وينطق بلسان القسط ويزن بقسطاس الحق ويكيل بمعيار الإنصاف
ومنها الدعاء بإنزاع الشكر
كما كتب وصل الله لك كل نعمة ينعمها عليك من الشكر بما يكون لحقها قاضيا وللمزيد إليها داعيا ومن الغير مؤمنا وللسلامة موجبا
ومنها الدعاء للحاج بالبلاغ (8/167)
كما كتب أوطاك الله في مسيرك أوثر المطايا وخولك فيما نويته اسبغ العطايا وأوردك الهداية إلى كريم المشاهدة وزكي المواقف وأولادها بالزلفة المقبولة والقربة المأمولة
ومنها الدعاء للمسافر
كما كتب جعلك الله في حفظه وكنفه وأحاطك بحيطته وجعل سفرك ايمن سفر عليك ورجع لك بدرك الحاجة وبلوغ الأمل ونجح الطلبة ونيل السؤل
ومنها الدعاء بالعافية من المرض
كما كتب مسح الله ما بك وعاد بالبر عليك وعجل الشفاء لك ومحص بلواك
ومنها الدعاء للولاة
كما كتب أجرى الله بالخير يدك وصما بالعز طرفك واوطأ كل مكرمة قدمك وأطال إلى كل غاية هممك وبلغك أقصى محبتك
ومنها الدعاء في الاضحية بقبول النسك
كما كتب جعلك الله بقبول النسيكة والقربان فائزا بالأجر والرضوان مخلصا لله بالايمان في السر والاعلان مؤديا لما افترض عليك شاكرا لإحسانه إليك
ومنها الدعاء بالهناء في الأعياد
كما كتب عرفك الله في هذا العيد المبارك من السلامة وعمومها والعافية وشمولها والعارفة وسبوغها والحياطة وكمالها والحماية وجمالها أفضل ما عرفك في ماضي أعيادك وسالف أعوامك
ومنها الدعاء بدفع النوائب
كما كتب كان الله جارك من فجائع الدهر ونوبه وولي إنعام النعمة فيما آتاك من فضله وتطول عليك من حسن الحياطة لما تولاك والذب عما افادك (8/168)
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابي أو كتبت
فأما كتابي فكما كتب ابن عبد كان كتابي إليك وأنا استعتب الأيام فيك وأصانع الزمان في تقريبك وربع الجوار الذي كنا نسكن تحت ظلاله ونتفيأ برونق جماله بأجل تحفة وأيسر ألفة وأعذب مشاهدة وأصدق مشافهة ولعل أن يرتاح فيشعب صدعا ويؤلف جمعا
وأما كتبت فكما كتب ابن عبد كان أيضا كتبت وأنا من حنين الصبابة إليك وإرزام الشوق نحوك وأليم التشويق إليك ولاعج اللوعة بك على ما أسأل الله أن يرحم ضعفي ويتصدق علي برؤيتك ويهب لي النظر إلى وجهك وجمال غرتك التي هي حليف الجذل ونزهة الأمل
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بالخطاب بأنا
كما كتب أنا من جملة صنائعك وحفظة ودائعك وشكرة إحسانك متى تصرفت في البلاد فأنا المعروف بمعروفك والعائش بجدواك وأنت منزع همتي وقرة عيني ومدار أملي ومحل رجائي
الضرب الثاني الأجوبة
وابتداؤها إما كما في الصدور الابتداآت كما تقدم ثم يقع التعرض لوصول الكتاب وإما بأن تصدر بوصوله وهو الأكثر
كما كتب ابن عبد كان وصل كتابك فدفع تباريح الشوق وقمع كآبة البين وأطفأ لهيب الحرقة وبرد حر الصبابة
وكما كتب وصل كتابك مشتملا من أنواع البر على ما يقصر في جنب أيسره أعظم الشكر (8/169)
وكما كتب وصل كتابك المصدر بجواهر لفظك وبدائع معانيك ومحاسن نظمك مستودعا ما لا يقدر على حمده وشكره إلا بالاعتراف بالعجز عنه وما أشبه ذلك
المهيع الثاني في خواتم الكتب
وكان اختتام المكاتبات عند أهل هذا المصطلح على ما تقدم في مكاتبات أهل المشرق من استماحة الرأي إما بلفظ فإن رأيت
كما كتب ابن عبد كان فإن رأيت أن تأتي فيه مؤتنفا ما لم تزل تأتيه سلفا فعلت
وإما بلفظ فرأيك
كما كتب فرأيك فيه بما أنت أهله فإن الرأي الذي أنت أهله فوق ما يلتمسه المسرف في همته والمتبسط في أمنيته
وكما كتب فرأيك في ذلك بما تقضي به الحق وتصل به الذمام وتحفظ به الحرمة وتصدق به الأمل وتقتعد به الصنيعة وتستوجب به الشكر
المهيع الثالث في عنوانات الكتب
ومصطلحهم فيه على نحو ما تقدم في مكاتبات أهل المشرق من كتابة إلى فلان من فلان أو من فلان إلى فلان
فأما ما يكتب إلى فلان من فلان فكما كتب ابن عبد كان للسيد الذي استعبد الأحرار بفضله
وكما كتب لمن قربه يمن وسعادة ونأيه نكد ومحنة
وأما ما يكتب من فلان فكما كتب من صريع الشوق إليه وأسير الرقبة عليه (8/170)
وكما كتب ممن لا يتمنى الخير إلا له إذ كان لا يناله إلا به
المصطلح الثاني من مصطلحات الديار المصرية ما كان عليه الحال في الدولة الأيوبية مما جرى عليه القاضي الفاضل ومن بعده وهو على قسمين
القسم الأول الابتداء وليس لمصطلحهم ضابط في الابتداء ولا في الترتيب في الرفعة والضعة بل افتتاحاتهم في ذلك متباينة
فمن ذلك الافتتاح بالدعاء وهو أكثر ما يقع في مكاتباتهم والغالب في ذلك الدعاء للمجلس كما كتب القاضي الفاضل إلى العماد الأصفهاني أدام الله ايام المجلس التي لحسنات المدل مديلة ولعثرات المقل مقيلة ولمعاطف العز مميلة ولمقاطف الفوز منيلة ولقداح الجدوى مجيلة ولا زالت الآراب بمكارمه باجخة والآراء بمراسمه ناجحة ومتاجر المفاخر بموالاته رابحة وأيدي الآمال لأياديه بمصافاته مصافحة وأرواح أوليائه بروح آلائه في مواطاة أعطياته عابقة فائحة وأدعية الداعين لأيامن أيامه المذعنين لعهود إنعامه طيبة صالحة
ومن ذلك افتتاح العماد الأصفهاني في اعتذار تأخر المكاتبات إن تأخرت مكاتباتي فإن العذر معلوم والأجر محتوم والقلم مصدود واللقم مسدود والبلد محصور (8/171)
إلى غير ذلك من اساليبهم المشهورة التي لا يسع استيعابها ولا حاجة إلى الإمعان في ذكرها
المصطلح الثالث من مصطلحات الديار المصرية في الإخوانيات ما جرى عليه الاصطلاح في الدولة التركية مما رتبه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي والمقر الشهابي بن فضل الله ومن جرى مجراهم من فضلاء الكتاب إلى زماننا مما هو دائر بين أعيان المملكة وأكابر أهل الدولة من نواب السلطنة وسائر الأمراء والوزراء ومن في معناهم من أعيان الكتاب ومن نهج نهجهم من أرباب الوظائف
وفيه مهيعان (8/172)
المهيع الأول في رتب المكاتبات المصطلح عليها
وقد اختلفت مقاصدهم في ترتيبها اختلافا متقاربا في الزيادة والنقص والتقديم والتأخير مع مراعاة أصول المراتب وها أنا أذكر ما أستقر عليه الحال من ذلك وأنبه على ما خالفه من ترتيبهم المتقدم الذكر لتحصل الإحاطة به ويعلم ما جرى عليه أهل كل عصر منهم مما لعل مختارا يختاره أو ينسج على منواله منبها على وهم من وهم في شيء من ذلك
واعلم أنهم قد بنوا هذا النوع من الإخوانيات على قاعدتين تتعين معرفتهما قبل الخوض في رتب المكاتبات
القاعدة الأولى فيما يتعلق بورق هذه المكاتبات
قد جرت العادة أن تكون جميع هذه المكاتبات من الأعلى إلى الأدنى ومن الأدنى إلى الأعلى ومن النظير إلى النظير في ورق قطع العادة دون ما فوقه من مقادير قطع الورق المتقدمة الذكر غير أن أعيان أهل الديار المصرية يكاتبون في الورق المصري وأعيان أهل الشأم يكاتبون في الورق الشامي لكثرة وجوده عندهم والمعنى في ذلك أن كتب السلطان الصادرة عنه إلى جميع أهل المملكة من النواب وغيرهم في هذا القطع فلا جائز أن تعلو مكاتبة أحد منهم على مكاتبة السلطان في ذلك
ثم قد اصطلحوا على أن يكون في أعلى المكاتبة عن كل أحد من أعيان الدولة قبل البسملة وصل واحد بياضا إذ كان أقل ما يجعل بياضا في كتب السلطان وصلين فاقتصروا على وصل واحد كي لا يساويه غيره في ذلك واصطلحوا أيضا على أن لا تنقص المكاتبات المذكورة عن ثلاثة أوصال الوصل الأبيض في أعلى المكاتبة على ما تقدم ووصلان مكتوبان إذ لو نقص عن ذلك لخرج الكتاب في القصر عن الحد فيزدرى أما لو دعت الضرورة إلى الزيادة على الثلاثة لزيادة الكلام فلا مانع منه واصطلحوا على أن يترك للكتاب حاشية بيضاء تكون بقدر ربع الدرح على ما تقدم ذكره في غير هذا الموضع (8/173)
القاعدة الثانية فيما يتعلق بخط هذه المكاتبات وكيفية أوضاعها
قد أصطلحوا على أن جميع هذه المكاتبات تكتب بقلم الرقاع على ما تقدم ذكره في الكلام على قطع الورق من أن لقطع العادة قلم الرقاع واصطلحوا أيضا على أن تكون كتابة البسملة في أول الوصل الثاني من المكاتبة وأن يكون تحت الجلالة من البسملة لقب المكتوب عنه المضاف إلى ملكه أو أميره فإن كان المكتوب عنه من اتباع السلطان كنواب السلطنة وغيرهم من الأمراء والوزراء ومن في معناهم من رؤساء الكتاب السلطانية كتب الملكي الفلاني بلقب ملكه السلطان مثل الملكي الظاهري ونحو ذلك كما في هذه الصورة
بسم الله الرحمن الرحيم الملكي الظاهري
وإن كان المكتوب عنه من أتباع الأمراء كإستدار أمير ونحوه انتسب في كتابته إلى لقب أميره الخاص مما يضاف في التلقيب إلى الدين فإن كان أميره لقبه سيف الدين مثلا كتب بدل الملكي الفلاني السيفي وإن كان لقب أميره ناصر الدين كتب الناصري وإن كان لقبه علاء الدين كتب العلائي ونحو ذلك وإذا كتب تحت الجلالة من البسملة الملكي الفلاني ونحو ذلك جعل ما قبله في السطر بياضا وما بعده بياضا ويكون ذلك قطعة من سطر مفردة بذاتها واصطلحوا على أنه كلما دق القلم وتقاربت الأسطر كان أعلى في رتبة المكتوب إليه وكلما غلظ القلم وتباعدت الأسطر كان أنزل في رتبة المكتوب إليه واصطلحوا على أن في الرتبة العلية من المكاتبات يكون السطر الأول من المكاتبة تلو الملكي الفلاني وما في معناه ملاصقا له وفيما دون ذلك من المكاتبات يترك بياض يسير ولا يكتب فيه شيء وكأن المكتوب عنه يقول للمكتوب إليه هذا محل العلامة ولكني قد تركت الكتابة فيه وكتبت بحاشية الكتاب تأدبا معك ورفعة (8/174)
لقدرك وفيما دون ذلك يترك بياض أوسع من ذلك ويكتب فيه المكتوب عنه علامته على ما سيأتي بيانه في مواضعه إن شاء الله تعالى واصطلحوا على أنه بعد انتهاء الكلام في المكاتبة يكتب إن شاء الله تعالى في خطه ثم يكتب التاريخ في سطرين اليوم والشهر في سطر والسنة في سطر ثم تكتب الحمدلة والصلاة على النبي في سطر ثم الحسبلة في سطر على ما تقدم بيانه في الكلام على الفواتح والخواتم في المقالة الثالثة
وليعلم أن هذه المكاتبات على قسمين
القسم الأول الابتداءات وهو على أربع درجات سبق توجيه ترتيبها في الكلام على اصول المكاتبات في أول هذه المقالة
الدرجة الأولى المكاتبة بتقبيل الأرض وهي أعلاها رتبة بالنسبة إلى المكتوب إليه
واعلم أن كثيرا من كتاب الزمان يظنون أن المكاتبة بيقبل الارض من مخترعات كتاب الدولة التركية بل بعضهم يظن انها من مخترعات المقر الشهابي بن فضل الله وليس كذلك بل المكاتبة بذلك كانت موجودة في أواخر الدولة العباسية ببغداد ثم سرت إلى الديار المصرية في أوائل الدولة الأيوبية فاستعملت بعض الاستعمال والمكاتبة بذلك موجودة في كلام القاضي الفاضل في بعض المكاتبات الملوكية ومن ذلك ما كتب به عن نفسه إلى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في صدر كتاب تهنئة بمولود
المملوك يقبل الأرض بالمقام العالي الناصري نضر الله الإسلام بمقامه وأهلك أعداء الحق بانتقامه ولا أعدم الأمة المحمدية عقد التزامه بكفالتها ومضاء اعتزامه ثم توسع فيه الكتاب بعد ذلك حتى كاتب به الآحاد بعضهم بعضا
وقد رتبوا المكاتبة بتقبيل الأرض في المصطلح المستقر عليه الحال على خمس مراتب (8/175)
المرتبة الأولى الإتيان بالإنهاء بعد يقبل الأرض من غير تعرض لذكر دعاء ولا ثناء مع مراعاة الاختصار وعدم السجع وتقارب السطور مثل أن يكتب بعد البسملة ولقب المكتوب عنه الذي تحت البسملة
يقبل الارض وينهي كيت وكيت وسؤال المملوك من الصدقات العميمة بروز الأوامر العالية بكيت وكيت أو والمملوك يعرض على الآراء العالية كيت وكيت ونحو ذلك ويختم الكتاب بقوله أنهى ذلك أو طالع بذلك وللآراء العالية مزيد العلو ويعبر عن المكتوب عنه في خلال المكاتبة بالمملوك ويختلف الحال في خطاب المكتوب إليه فإن كان من أرباب السيوف وهو نائب سلطنة خوطب بمولانا ملك الأمراء عز نصره أو أعز الله أنصاره وإن كان أميرا غير نائب سلطنة خوطب بمولانا المخدوم ونحو ذلك مما يقتضيه الحال وإن كان وزيرا رب سيف خوطب بمولانا الوزير وإن كان قاضيا خوطب بمولانا قاضي القضاة وإن كان عالما كبيرا خوطب بمولانا شيخ الإسلام وإن كان من مشايخ الصوفية خوطب بمولانا شيخ الشيوخ وعلى ذلك بحسب المراتب والوظائف على ما يقتضيه رأي الكاتب بما يناسب الحال
والعنوان في هذه المكاتبة الفلاني مطالعة المملوك فلان ويعبر عن ذلك بالفلاني بمطالعة وقد يعبر عن ذلك عن نفس المكاتبة وصورته أن يكتب في رأس ظاهر المكاتبة من الجانب الأيمن الفلاني باللقب الخاص بالمكتوب إليه كالسيفى والناصري والشمسي وما أشبه ذلك ويكون ذلك ممتدا إلى نحو ربع عرض الدرج وتحته فلان بما يقتضي تعريفه من وظيفة أو شهرة فإن كان نائب سلطنة كتب تحت الفلاني مولانا ملك الأمراء بالمكان الفلاني وإن كان وزيرا كتب مولانا الوزير بالمكان الفلاني وإن كان قاضي قضاة كتب مولانا قاضي القضاة بالمكان الفلاني ونحو ذلك ويعبر عن ذلك بالتعريف (8/176)
ويكتب في الجانب الأيسر من رأس ظاهر المكاتبة مقابل ما كتبه في الأولى ما صورته مطالعة المملوك فلان باسم المكتوب عنه ويكون لفظ المملوك تحت ذلك وفلان تحته عن بعد ثلاثة أسطر وتكون لطيفة القد غير ممشوقة على الضد من المكتوب إليه وهذا مثال عنوان إلى نائب سلطنة بالشام لقبه سيف الدين عمن اسمه يلبغا
السيفي
مولانا ملك الأمراء بالشام المحروس عز نصره
وعلى ذلك يقاس سائر العنوانات من هذه المرتبة والأصل في ذلك أن الحجاج بن يوسف كتب كتابا إلى عبد الملك بن مروان فكتب في عنوانه بقلم جليل لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين وفي الجانب الأيسر بقلم ضئيل من الحجاج بن يوسف كما حكاه أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب فتبعه الناس على ذلك في تعظيم اسم المكتوب إليه وتلطيف اسم المكتوب عنه والعلامة في هذه المكاتبة المملوك فلان باسم المكتوب عنه بقلم ضئيل بحاشية الكتاب سطرين المملوك سطر والاسم سطر تحته على هذه الصورة
ويكون ذلك مقابل يقبل ملاصقا له بحيث تكون جرة الكاف من المملوك تحت الياء من يقبل فكأنهم راعوا في ذلك صورة ما يكتب في القصص التي ترفع إلى الأكابر لاستماحة الحوائج ونحوها من حيث إنها يكتب فيها المملوك فلان يقبل الأرض وينهي كيت وكيت لما في ذلك من إظهار الخضوع والتواضع
المرتبة الثانية أن يأتي بعد يقبل الأرض بذكر الدعاء دون الثناء مع تقارب الأسطر أيضا واجتناب السجع وقد اصطلحوا في هذه المكاتبة على أن يكتبوا تحت البسملة مع لقب المكتوب عنه الذي هو الملكي الفلاني ونحوه لقب (8/177)
المكتوب إليه كالسيفي ونحوه على سمت الملكي الفلاني من الجهة اليمنى مع بياض بينهما بحيث يقع بعض اللقب في حاشية الكتاب وبعضه تحت أول البسملة على هذه الصورة
بسم الله الرحمن الرحيم
السيفي الظاهري
ثم يأتي بصورة المكاتبة بعد ذلك ويختلف الحال في هذه المكاتبة باختلاف حال المكتوب إليه فإن كان نائب سلطنة كتب يقبل الأرض وينهي بعد رفع الأدعية الصالحة أو بعد أبتهاله إلى الله تعالى بالأدعية الصالحة تقبلها الله تعالى من المملوك ومن كل داع مخلص ببقاء مولانا ملك الأمراء أو بدوام أيام مولانا ملك الأمراء وخلود سعادته ومزيد تأييده وعلو درجاته في الدنيا والآخرة بمحمد وآله أن الأمر كيت وكيت والمملوك يسأل الصدقات العميمة أو الصدقات الكريمة أعز الله تعالى أنصارها بروز الأوامر المطاعة بكيت وكيت ثم يقول والمملوك مملوك مولانا ملك الأمراء وعبد بابه ونشء إحسانه ويسأل تشريفه بمراسيمه وخدمه أو والمملوك يستعرض المراسيم الكريمة والخدم العالية ليبادر إلى امتثالها والفوز بقضائها أو والمملوك مملوك الأبواب العالية ونشوئها وغلامها ويسأل دوام النظر الكريم عليه في أحواله كلها ونحو ذلك مما يقتضيه الحال وقد جهز المملوك بهذه المكاتبة فلانا أو مملوكه فلانا فإن كان قد حمله كلام مشافهة قال وحمله من المشافهة ما يسأل الصدقة عليه بسماعه والإصغاء إليه ونحو ذلك ثم يقول طالع بذلك والرأي العالي أعلاه الله تعالى أعلى وإن كان المكتوب إليه أميرا غير نائب سلطنة كتب بدوام أيام مولانا المخدوم بدل مولانا ملك الأمراء وإن كان قاضيا كتب ببقاء مولانا قاضي القضاة أو بدوام أيام مولانا قاضي القضاة وإن كان من مشايخ الصوفية كتب ببقاء مولانا شيخ الشيوخ ونحو ذلك وباقي المكاتبة على ما (8/178)
تقدم بحسب ما يقتضيه الحال والعنوان في هذه المكاتبة الأبواب الفلانية مطالعة المملوك فلان ويعبر عن ذلك بالأبواب بمطالعة ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال المكتوب إليه فإن كان المكتوب إليه نائب سلطنة كتب الأبواب الكريمة العالية المولوية الأميرية الكبيرية المالكية المخدومية الكافلية بلقبه الخاص كالسيفية ونحوها أعلاها الله تعالى فلان الفلاني باسمه وشهرته وإن كان المكتوب إليه أميرا غير نائب سلطنة أسقط منه الكافلية وإن كان وزيرا رب سيف كتب بعد الأميرية الوزيرية وإن كان وزيرا رب قلم اسقط الأميرية وكتب قبل الفلانية الصاحبية وإن كان من رؤساء الكتاب ممن في معنى الوزاء ككاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش ونحوهم أبدل لفظ الأميرية والوزيرية بالقاضوية وإن كان قاضي حكم أتى مع القاضوية قبل الفلانية بالحاكمية وإن كان من مشايخ الصوفية أبدل القاضوية بالشيخية ونحو ذلك
وصورته أن يكتب الألقاب من أول عرض الدرج سطرا إلى آخر المالكية ويخلي بياضا في آخر السطر بقدر ربع الدرج ثم يكتب المخدومية الفلانية في أول السطر الثاني ملاصقا للأول ثم يخلي بياضا يسيرا ثم يكتب أعلاها الله تعالى ثم يخلي بياضا يسيرا ثم يكتب فلان الفلاني تحت آخر السطر الأول ثم يكتب في آخر الدرج من الجهة اليسرى بعد خلو بياض مطالعة المملوك فلان ثلاثة أسطر على ما تقدم في العنونة بالفلاني بمطالعة كما في هذه الصورة
الأبواب الكريمة العالية المولوية الأميرية الكبيرية المالكية مطالعة
المخدومية السيفية أعلاها الله تعالى أمر دوادار الظاهري المملوك
فلان
والعلامة المملوك فلان بقلم ضئيل مسامت يقبل كما في المكاتبة قبلها (8/179)
قال في التثقيف وبهذه المكاتبة يكتب عن أكابر أمراء الديار المصرية إلى نائب الشام وحلب فيما أظن
قال وكذلك كان يكتب المقر العلائي بن فضل الله كاتب السر الشريف إلى المشار إليه يعني نائب حلب إلا أنه كان يكتب له العلامة اسفل الكتاب دون أعلاه
قلت وعلى هذا يكون للعلامة في هذه المكاتبة رتبتان إن عظمه كتب له العلامة على سمت يقبل وإلا ففي أسفل الكتاب ومن ثم ذكرت قول صاحب التثقيف هنا وإن كان محله رتب المتكاتبين على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
المرتبة الثالثة أن لا يكتب في أول المكاتبة عن يمين أسفل البسملة الفلاني ويأتي بذكر الدعاء والثناء مسجوعا مثل أن يكتب بعد البسملة ولقب المكتوب عنه الذي هو الملكي الفلاني يقبل الأرض وينهي بعد رفع دعائه وإخلاصه في محبته وولائه واعترافه بإحسان مولانا وجزيل آلائه أن الأمر كيت وكيت والمملوك يسأل إحسان مولانا أو صدقات مولانا أو إحسان المخدوم أو صدقاته في كيت وكيت ثم يقول والمملوك فهو مملوك مولانا ومحبه والداعي لإحسانه ويسأل تشريفه بمراسيمه وخدمه وقد جهز المملوك بهذه العبودية فلانا أو مملوكه فلانا وحمله من الدعاء والولاء ما ينهيه من لسانه ويعرب عنه ببيانه أو وقد حمله المملوك ما يقوم عنه به في إنهائه من رصف الأدعية ووصف الأثنية والمملوك يسأل الإصغاء إليه والتشريف بالمراسيم العالية والخدم الكريمة ليفوز بإقبالها ويبادر إلى امتثالها طالع بذلك أو أنهى ذلك أو والمملوك يستعرض المراسيم العالية والخدم الكريمة المتوالية ليتشرف بقضائها ويتشوف إلى إمضائها (8/180)
صدر آخر وينهي بعد رفع الأدعية وبث المحامد والأثنية والموالاة التي يحمل منها عالي الألوية أن الأمر كيت
آخر وينهي بعد رفع دعائه الذي لا يفتر لسانه عن رفعه ولا يخفى إن شاء الله إبان نفعه وابتهاله الذي يرفع السحب وشوقه الذي يهدي النجب أن الأمر كيت وكيت
آخر وينهي بعد دعائه المقبول وشوقه الذي لا يحول عنه ولا يزول وسلامه الذي يعجز عن شرحه القلم ويضعف عن حمله الرسول
آخر وينهي بعد دعاء يرفعه بالغدو والآصال وولاء لا يتغير ما دامت الأيام والليال وثناء أطيب من عرف الروض إذا مر عليه نسيم الشمال أن الأمر كيت وكيت
آخر وينهي بعد رفع الدعاء ونصب لواء الولاء وجر ذيول الفخر بالانتساب إلى عبودية مولانا والاعتزاء أن الأمر كيت وكيت
آخر وينهي بعد دعائه المرفوع وثنائه الذي هو كالمسك يضوع وشكره الذي يسمع منه ويسمع أطيب مسموع ان الأمر كيت وكيت
والعنوان لهذه المكاتبة الأبواب الفلانية بغير مطالعة ويختلف الحال فيه فإن كان المكتوب إليه من ارباب السيوف وهو نائب سلطنة كتب الأبواب الكريمة العالية المولوية الأميرية الكبيرية السيدية المالكية المخدومية الكافلية الفلانية أعلاها الله تعالى ثم يقال نائب السلطنة الشريفة المحروسة أو كافل المملكة الفلانية المحروسة وباقي عنوانات ارباب الوظائف من أرباب السيوف والأقلام على ما تقدم في العنونة بالأبواب بمطالعة
وصورة وضعه أن يكتب الأبواب الكريمة إلى آخر الكافلية مثلا سطرا واحدا من أول عرض الدرج إلى آخره ثم يكتب الفلانية أعلاها الله تعالى في أول السطر الثاني ملاصقا له ثم يترك بياضا قدر رأس إبهام ثم يكتب في آخر (8/181)
السطر الثاني كافل الممالك الشريفة الفلانية المحروسة كما في هذه الصورة
الأبواب الكريمة العالية المولوية الأميرية الكبيرية السيدية المالكية المخدومية الكافلية السيفية أعلاها الله تعالى كافل الممالك الشريفة بالشام المحروس
والعلامة في ذيل الكتاب مقابل تحت البسملة بقلم الرقاع المملوك فلان وكأنهم لما انحطت رتبة المكتوب إليه عن أن تكتب العلامة إليه على سمت يقبل ليكون في معنى القصة كما تقدم أخذ المكتوب عنه في التنازل إلى آخر المكاتبة تواضعا للمكتوب إليه وتأدبا معه
قال في التثقيف وبذلك كان يكتب عن الامير يلبغا العمري يعني الخاصكي وهو أتابك العساكر المنصورة بالديار المصرية إلى نائبي الشام وحلب
قال وكذلك كتب بعده إلى المذكورين الأمير منكلي بغا والأمير الجاي ونواب السلطنة بالديار المصرية
المرتبة الرابعة أن يأتي بصدر المكاتبة على ما تقدم في المكاتبة قبلها من الابتداء بيقبل الأرض وينهي بعد رفع دعائه وما في معناه على ما تقدم من غير فرق ولا يختلف الحال في الصدر ولا في متن الكتاب والعنوان الباب الكريم ولا يكون إلا بغير مطالعة فإن كان المكتوب إليه من ارباب السيوف كتب الباب الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي المالكي المخدومي الفلاني اعلاه الله تعالى فلان الفلاني باسم المكتوب إليه وإن كان من أرباب الأقلام أو غيرهم فعلى ما تقدم في الأبواب بمطالعة من إبدال الأميري بالقضائي أو الشيخي وزيادة قاضي الحكم الحاكمي قبل الفلاني
وصورة وضعه الباب الكريم بالألقاب المتقدمة إلى آخر المالكي سطرا واحدا من أول عرض الدرج إلى آخره ثم يكتب المخدومي الفلاني أعلاه الله تعالى في أول السطر الثاني ويترك بياضا ثم يكتب فلان الفلاني باسم المكتوب إليه أو شهرته كما في هذه الصوره (8/182)
الباب الكريم العالي المولوي الاميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي المالكي المخدومي السيفي أعلاه الله تعالى بهادر أمير أخور الأشرفي
تنبيه كل ما كان العنوان فيه الباب الكريم كان العنوان فيه للمسافر المخيم بدل الباب وباقي الألقاب على حالها كما نبه عليه في التثقيف وغيره والعلامة في آخر المكاتبة مقابل حسبي الله إذ لما كانت العلامة في اسفل الكتاب مقابل تحت الحسبلة كانت العلامة فيما فوق ذلك انزل في رتبة المكتوب إليه وأعلى في رتبة المكتوب عنه
المرتبة الخامسة يقبل الارض بالمقر الشريف والرسم فيه أن يترك بعد البسملة وما تحتها من الملكي الفلاني قدر سطر أو سطرين بياضا ثم يكتب يقبل الأرض بالمقر الشريف ويختلف الحال فيه فإن كان المكتوب إليه من ارباب السيوف كتب يقبل الأرض بالمقر الشريف العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الذخري الظهيري المسندي الزعيمي المالكي المخدومي الفلاني أعز الله تعالى أنصاره وأعلى مناره وضاعف مباره وينهي بعد وصف محبته وبث اثنيته كيت وكيت والمسؤول من إحسانه كيت وكيت وربما كتب والمملوك يسأل كيت وكيت كما في المكاتبات السابقة أو والمملوك يسأل تشريفه بمراسمه وخدمه والله تعالى يديم عليه سوابغ نعمه
دعاء آخر لهذه المكاتبة أعز الله تعالى أنصاره وأدام انتصاره وجعل على غايات النجوم اقتصاره وينهي
آخر لا زالت الرقاب لمهابته خاضعة والركاب به فوق النجوم واضعة وأجنة السيوف بمضاربه من ماء الأعداء راضعة وينهي
آخر لا زالت أعلامه مشرفة وأقلامه مصرفة وأيامه بطيب ثنائه بين الخافقين معرفة (8/183)
آخر لا زالت الدنيا ببقائه مجملة والعلياء لارتقائه مؤملة والنعم على اختلافها جواهر مكملة وينهي
قلت وربما اتي بصورة الإنهاء مسجوعة أيضا مثل أن يكتب وينهي بعد تعبده بولائه وقيامه بحقوق آلائه أو وينهي بعد دعاء يقوم بوظائفه وولاء يتردى بمطارفه أو وينهي بعد رفع أدعيته وقطع العمر في موالاته وعبوديته ونحو ذلك وعلى ذلك جرى في عرف التعريف إلا أن الغالب في كتابة أهل الزمان إهماله والعنوان إن قصد تعظيمه الباب العالي بألقاب الباب الكريم في المكاتبة قبلها إلا أنه يحذف منها الكريم وإن لم يقصد تعظيمة فالمقر الشريف بالألقاب التي في صدر الكتاب وصورة وضعه في الباب العالي على ما تقدم في الباب الكريم أن يأتي به في سطرين كاملين من اول عرض الدرج إلى آخره كما في هذه الصورة
المقر الشريف العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الذخري الظهيري المسندي الزعيمي المالكي المخدومي السيفي أعز الله تعالى انصاره أمير حاجب بالشام المحروس
والعلامة في هذه المكاتبة المملوك فلان بقلم الرقاع بأسافل الكتاب مقابل إن شاء الله تعالى
واعلم أن هذه المراتب الخمس هي الدائرة في المكاتبات بين كتاب زماننا بمملكة الديار المصرية وما جرى على نهجها والمعنى في ترتيبها على هذا الترتيب أنه في المرتبة الأولى منها حذف الدعاء والثناء المقتضيان للدالة من المكتوب عنه على المكتوب إليه واقتصر على اليسير من الكلام دون الكثير الذي فيه سآمة المكتوب إليه واضجاره عند قراءة الكتاب وعنونت بالفلاني كالسيفي ونحوه من حيث إنه لقب مؤد إلى رفعة وأتي فيه بمطالعة المملوك فلان إشارة إلى التصريح بالرق والعبودية من المكتوب عنه للمكتوب إليه مع إقامته في مقام الرفعة بذكر لقبه المؤدي إلى رفعة قدره وفي المرتبة الثانية أتي فيها بالفلاني داخل المكاتبة دون العنوان فكانت أنزل مما قبلها من حيث إن العنوان ظاهر وباطن (8/184)
المكاتبة خفي والظاهر المؤدي إلى الرفعة أعلى من الخفي من ذلك وأتي بالدعاء فكانت أنزل رتبة من التي قبلها لما تقدم من أن الدعاء فيه معنى الدالة واجتنب فيه السجع من حيث إن في الإتيان به تفاصحا على المكتوب إليه وعنون بالأبواب إشارة إلى شرف محل المكتوب إليه من حيث الإشعار بأن له ابوابا يوقف عليها وجعلت دون المرتبة الثانية من حيث إن العنونة في المرتبة الأولى باللقب المؤدي إلى الرفعة مع دلالته على الذات وفي الثانية عنون بالأبواب الموصلة إلى محل الشخص ولا يخفى أن ما دل على نفس الشخص أعلى مما هو موصل إلى محله وأتي فيها بمطالعة المملوك فلان إشارة الى التصريح للمكتوب إليه بالرق والعبودية كما تقدم في المرتبة الأولى وفي المرتبة الثالثة حذف منها الفلاني المؤدي إلى الرفعة من داخل المكاتبة فكانت أنزل من التي قبلها فأتي فيها بذلك وأتي بالدعاء مسجوعا فكان أنزل مما قبله لما في السجع من التفاصح على المكتوب إليه واسقط من عنوانه مطالعة المملوك فلان فكان أنزل من حيث إنه لم يقع فيه تصريح برق وعبودية كما في المرتبة الأولى والثانية وفي المرتبة الرابعة بقي الصدر على حاله وعنون فيها بالباب بلفظ الإفراد فكانت أنزل مما قبلها من حيث إن الإفراد دون الجمع بدليل أنه بعض من أبعاضه وفي المرتبة الخامسة قيل يقبل الأرض بالمقر يعني مقر المكتوب إليه فكانت انزل مما قبلها من حيث إشعار ذلك بالقرب من محله بخلاف يقبل مطلق الأرض فإنه لا ينحصر في ذلك ثم إن عنونت بالباب العالي مجردا عن الكريم كانت أنزل مما عنون فيه بالكريم لما جرى عليه الاصطلاح من رفعة رتبة الكريم العالي على العالي المجرد عن الكريم على ما تقدم في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة وإن عنونت بالمقر الشريف فهي على انحطاط الرتبة عما قبلها من حيث (8/185)
إشعاره بقرب المحل من المكتوب إليه على أن في عنونة هذه المكاتبة بالمقر الشريف نظرا فإن أعلى مراتب الابتداء في المكاتبة بالدعاء هي الدعاء للمقر الشريف وهو بعد تقبيل الباسط والباسطة واليد على ما سيأتي ذكره في الدرجة الثالثة فيما بعد إن شاء الله تعالى
فربما التبس عنوان هذه بعنوان تلك قبل فضها والوقوف على صدرها هل هو مفتتح بيقبل الأرض بالمقر أو بالدعاء للمقر إلا أن كتاب الزمان قد رفضوا المكاتبة بالدعاء للمقر الشريف واقتصروا على الدعاء للمقر الكريم إذ كان هو أعلى ما يكتب به عن السلطان لأكابر أمراء المملكة على ما تقدم ذكره في الكلام على مكاتبات السلطان إلى أهل المملكة في المقالة الرابعة
قلت وفي الدساتير المؤلفة في الإخوانيات في الدولة التركية في الزمن السابق ما يخالف بعض هذا الترتيب فجعل في عرف التعريف أعلى المراتب يقبل الأرض وينهي كيت وكيت والعنوان الفلاني بمطالعة على ما تقدم ذكره في الترتيب السابق ودونه الصدر بعينه والعنوان الأبواب بمطالعة ودونه كذلك والعنوان الأبواب بغير مطالعة ودونه يقبل الأرض بالمقر الشريف والعنوان إما الباب العالي أو المقر الشريف
وفي دستور يعزى لبعض بني الأثير أن أعلى المراتب يقبل الارض وينهي كيت وكيت على ما تقدم ودوه يقبل الارض ويدعو مثل يقبل الأرض وينهي بعد رفع دعائه الذي لا يفتر لسانه عن رفعه ولا يخفى إن شاء الله إبان نفعه ودونه يقبل الأرض ويدعو لها مثل يقبل الأرض حماها الله تعالى من غير الزمان وأكتنفها بالأمان من صروف الحدثان ولا زالت محط وفود الجدا وكعبة قصاد الندا وينهي كيت وكيت ودونه يقبل الأرض ويصفها مثل أن (8/186)
يكتب يقبل الأرض التي هي ملجأ العفاه وملثم الشفاه ومحل الكرم الذي لا يخيب من اقتفاه ومقصد الراجي الذي إذا عول عليه كفاه وينهي كيت وكيت ودونه يقبل الأرض ويدعو لها مثل أن يكتب يقبل الارض لا زالت محروسة الرحاب هامية السحاب فسيحة الجناب لمن أناب وينهي كيت وكيت
وجرى في التثقيف على الترتيب المتقدم في المرتبة الاولى والثانية والثالثة والرابعة على ما تقدم في المراتب الخمس السابقة وجعل المرتبة الخامسة يقبل الأرض مع وصفها على ما تقدم في الدستور المنسوب لبعض بني الأثير مع العنونة بالباب العالي وجعل يقبل الأرض بالمقر الشريف مرتبة سادسة مع العنونة بالباب العالي أو المقر الشريف
وفي غير هذه الدساتير ما يخالف بعض ذلك في الترتيب والتقديم والتأخير وفي بعض الدساتير بعد تقبيل الأرض تقبيل العتبات مثل أن يكتب يقبل العتبات الكريمة لا برحت مطلع السعود ومنبع الجود ومهيعا للمقام المحمود أو يقبل العتبات الكريمة لا زالت الأفلاك تتمنى أنها بها تحف وأنها لنجومها إليها بحوض الوالدين تزف أو يقبل العتبات الكريمة لا زالت الآمال بها مطيفة والسعود لها حليفة وسعادتها لاستخدام كل ذي إلمام مضيفة
ولا يخفى أن بعض هذه الاختيارات غير محكم الأساس ولا موضوع على اصل يقتضي صحة الترتيب فيه بل الكثير من ذلك راجع إلى التشهي كلما تقدم متقدم في دولة من الدول أحب أن يؤثر مخالفة غيره ويجعل له شيئا يحدثه لينسب إليه ولا يبالي وافق في ذلك غرضا صحيحا أم لا وقل من يصيب الغرض في ذلك (8/187)
على أن تقديم بعض هذه المراتب على بعض في العلو والهبوط إنما هو من جهة استحسانه لو تكلف المتكلف تأخير ما تقدم فيها أو تقديم ما أخر لأمكنه ذلك
الدرجة الثانية المكاتبة بتقبيل اليد وقد رتبوا ذلك على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى يقبل الباسط الشريف وهي الأعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه والرسم فيها أن يترك الكاتب تحت الملكي الفلاني بعد البسملة قدر سطرين بياضا كما في المسألة قبلها ويختلف الحال في ذلك فإن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف كتب يقبل الباسط الشريف العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي السيدي المالكي المخدومي المحسني الفلاني لا زالت ساحته مقبلة وسماحته مؤملة وينهي بعد وصف خدمه وثبوت قيامه فيها على قدمه أن الأمر كيت وكيت والمسؤول من إحسانه كيت وكيت والله تعالى يحرسه بمنه وكرمه
دعاء آخر يليق بهذه المكاتبة يقال بعد تكملة الألقاب لا زالت نعمه باسطة وأيامه لعقود الأيام واسطة وينهي كيت وكيت
آخر لا زال جناح كرمه مبسوطا وجناب حرمه من المخاوف محوطا وينهي كيت وكيت
آخر لا زال يصرف الأعنة والأسنة ويقلد أعناق أعدائه كل أجل وأعناق أودائه كل منة وينهي
آخر لا زالت حمائل السيوف تتسابق إلى بنانه وأعقاب الرماح تأوي إلى أنامله ليمكنها من قلوب أعداء الله يوم طعانه ومتون الخيل متحصنة بعزائمه فيقوى جنانها بجنانه (8/188)
آخر لا زالت رحى حروبه على أعدائه تدار وأسنة رماحه تنادي الأعداء البدار البدار وجنوده تقاتل سفرة الوجوه إذا قاتل الأعداء في قرى محصنة أو من وراء جدار
آخر لا زالت أعلام النصر مقعودة بأعلامه وجواري اليم السعيد معدودة من خدامه وسطور البأس والكرم مثبتة إما بأقلام الخط من رماحه وإما برماح الخط من أقلامه
آخر لا زالت الأعنة والأسنة طوع يمينه وشماله والامال والاحوال تحت ظلال كرمه وكرم ظلاله والسيوف والاقلام هذه جارية بعوائد بأسه وهذه جارية بعوائد نواله
آخر ولا زالت وجوه النضر تتراءى في مرآة صفاحه وثمار النصر تجتنى من أغصان رماحه ولا برح السيف والقلم يتباريان في ضر الأعداء ببأسه ونفع الأولياء بسماحه وإن كان المكتوب إليه وزيرا رب سيف كتب بعد الأميري الوزيري وإن كان وزيرا رب قلم كتب قبل الفلاني ايضا الصاحبي وإن كان من أعيان الكتاب ككاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش وناظر الدولة وكتاب الدست ونحوهم كتب بدل الاميري القضائي ثم يكتب للجميع بعد الوزيري أو القضائي العالمي العادلي الممهدي المشيدي المالكي المخدومي المحسني الفلاني اسبغ الله تعالى ظلاله ومدها وشيد به مباني الملك وشدها ووهب الأيام منه هبة لا تستطيع الليالي ردها وينهي كيت وكيت
دعاء آخر يليق بهذه المكاتبة يقال بعد تكملة الألقاب ولا زالت اقلامه تروع الأسد في أجامها وتزيد على الغيوث في انسجامها وتعلم الرماح الإقدام إذا نكصت لإحجامها وينهي
آخر ولا زالت الدول مشيدة بتصريفه مجددة لتشريفه مؤيدة بين صرير القلم وصريفه (8/189)
آخر ولا زالت أقلامه تهزأ بالغيوث الهامية وأنعامه تفوق على البحار الطامية وموارد إحسانه تأوي إليها الوفود الظامية
آخر وأدام القصد لبابه ونزول الآمال برحابه وصعودها إلى سحابه
آخر لا زال فسيحا للمقاصد جنابه مجربا للمناجح بابه صريحا في ابتغاء خير الدنيا والاخرة طلابه وإن كان من القضاة الحكام كتب يقبل الباسط الشريف العالي المولوي القضائي العالمي الإمامي العلامي السيدي المالكي المخدومي المحسني الحاكمي الفلاني أعز الله تعالى أحكامه وجمل به الدهر وحكامه وثبت به الأمر وزاد إحكامه وينهي كيت وكيت
دعاء آخر يناسبه يقال بعد تكملة الألقاب أعز الله تعالى أحكامه وأنفذها وتدارك به الأمة وأنقذها وأسعف به الملة الإسلامية واسعدها وينهي
آخر نضر الله الدين بنوره وسقى الغمام باقي سوره وحمى حمى الشرع الشريف بما ضرب عليه من سوره
آخر وجمل الدهر بمناقبه وزين سماء العلم بكواكبه ولا زال الزمان يقول لمنصب الشرع الشريف بشخصه ورأيه عز يدوم وإقبال لصاحبه
آخر وأمضى بيده سيوف الشرع التي هي اقلامه وأعلى طروس العدل والحق فإنها أعلامه ولا زالت يد القصد مشيرة إليه ولا ينعقد إلا على ثنائه خنصر ولا ينجلي إلا بهداه إبهام
آخر وسدد سهام الحق باقضيته وشيد اركان الشرع بأبنيته وايد الإسلام بأقلام سجلاته القائمة للنصر مقام الويته وإن كان المكتوب إليه من مشايخ الصوفية كتب يقبل الباسط الشريف العالي المولوي الشيخي الإمامي العالمي العاملي الخاشعي الناسكي السيدي المالكي المخدومي المحسني الفلاني لا زال يقاتل بسلاحه ويقابل فساد الدهر بصلاحه ويجلو دجى الظلماء بصباحه وينهي (8/190)
آخر ونفع ببركاته في الروحات والغدوات وجمل ببقائه المحافل والملوات وبسط في صالح الدول يده إما في مباشرته بصالح التدبير وإما في انقطاعه بصالح الدعوات
والعنوان في هذه المكاتبة الباسط الشريف بالألقاب التي في صدر المكاتبة على السواء والدعاء له بأول سجعة من دعاء الصدر أو نحوها بحسب حال المكتوب إليه مثل أن يكتب لمن هو من أرباب السيوف أعز الله تعالى نصره أو عز نصره ولمن هو من رؤساء الكتاب أسبغ الله ظلاله ولمن هو قاضي حكم أعز الله أحكامه ولمن هو من مشايخ الصوفية أعاد الله من بركاته
وصورة وضعه في الورق أن تكتب الألقاب والدعاء والتعريف في سطرين كاملين من اول عرض الورق إلى اخره إلا أنه يفصل بين الالقاب والدعاء ببياض لطيف وبين الدعاء والتعريف ببياض لطيف كما في هذه الصورة
الباسط الشريف العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي السيدي المالكي المخدومي المحسني الفلاني اعز الله انصاره امير حاجب بحلب المحروسة
وقد ذكر في عرف التعريف أنه إن قصد تعظيمه عنونه بالمقر الشريف بالألقاب المتقدمة على السواء ولا تخفى صورة وضعه بعدما تقدم والعلامة المملوك فلان بقلم الرقاع مقابل إن شاء الله كالمكاتبة بالمقر الشريف المتقدمة
المرتبة الثانية يقبل الباسطة الشريفة والرسم فيها أن يترك تحت الملكي الفلاني قدر سطرين بياضا كما في المكاتبة قبلها ثم يكتب يقبل الباسطة الشريفة بالتأنيث ويجري الحال في ذلك كما في الباسط فإن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف كتب يقبل الباسطة الشريفة العالية (8/191)
المولوية الأميرية الكبيرية العالمية العادلية المؤيدية الذخرية المالكية المحسنية الفلانية لا زالت سحائبها مستهلة ومواهبها للبحار مستقلة وينهي كيت وكيت والمستمد من محبته كيت وكيت وربما قيل والمسؤول والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
دعاء آخر يليق بذلك لا زالت سيولها تملأ الرحاب وسيوفها تسرع السل إلى الرقاب
آخر لا زالت خناصر الحمد على فضل بنانها معقودة ومآثر البأس والكرم لها ومنها شاهدة ومشهودة وبواتر السيوف مسيرة القصد إلى مناصرة اقلامها المنضودة
آخر ضاعف الله تعالى مواد نعمها وجواد كرمها واتصال الآمال بمساقط ديمها
آخر لا زالت الآمال لائذة بكرمها عائذة بحرمها مستنجدة على جدب الأيام بسقي ديمها
آخر لا زالت لرسوم الكرم مقيمة ولصنائع المعروف مديمة ولأيادي الإحسان متابعة إذا قصرت عن البروق ديمة وإن كان المكتوب إليه من رؤوس الكتاب كتب بدل الأميري القضائي والباقي على ما تقدم ثم يدعى له بما يناسبه
دعاء يناسب ذلك لا زالت السيوف خاضعة لاقلامها والنجوم خاشعة لكلامها والجبال متواضعة لإعلاء أعلامها
آخر لا زالت موالاتها فريضة وأجنحة أعدائها مهيضة ومقل الأسنة إذا خاصمتها ألسنة أقلامها غضيضة
آخر اسبغ الله ظلها وهنأ بها أمة قرب مبعث زمانها وأظلها وهدى الآمال وقد حيرها الحرمان واضلها (8/192)
آخر لا زال قلمها مفتاح الرزق لطالبه والجاه لكاسبه والنصر لمستنيب كتبها عن كتائبه
آخر لا زال رفدها المطلوب وسعدها المكتوب وقلمها المخاطب في مصالح الدول والمخطوب
آخر بسط الله ظلها ولا قلصها وزادها من فضله ولا نقصها ولا جرع كبد حاسدها الظامية إلا غصصها
آخر ولا زال عميما إنعامها قديما وحديثا ديمها وإكرامها قاضية بسعدها النجوم التي هي خدامها
آخر لا زالت بسيطا ظلها مديدا فضلها سريعا إلى داعي الندى والردى قلمها في المهمات ونصلها وإن كان من قضاة الحكم زاد مع القاضوي قبل الفلاني الحاكمي ودعا يما يناسب
دعاء أعز الله شانها واذل من شانها وأغص بادمع اعدائها الضريحة شانها
دعاء آخر يليق بذلك ولا زالت الآمال إليها وافدة والصلات عائدة ومعاني الفضل عن أخبار معنها زائدة
آخر لا زالت خناصر الحمد معقودة على فضل بنانها وفصل بيانها وعوائد الفضل والكرم شاهدة بالحسنين من فضلها وامتنانها وإن كان من مشايخ الصوفية ابدل القضائية بالشيخية واسقط العادلية والحاكمية ودعا له نحو قوله ومتع الإسلام ببقيته الصالحة وبيض صحائف أعماله التي لأيدي الملائكة الكرام مصافحة (8/193)
آخر لا اخلى الله من بركاته خلواته واعاد من نوامي دعواته وسوامي درجاته وتوجهاته ونحو ذلك
والعنوان الألقاب التي في صدر المكاتبة والدعاء بالسجعة الأولى من الدعاء باطنه أو نحوها
وصورة وضعه أن تكتب الألقاب والدعاء والتعريف في سطرين كما تقدم في الباسط كما في هذه الصورة
الباسطة الشريفة العالية المولوية الاميرية الكبيرية العالمية العادلية الذخرية السندية الكاملية المحسنية أعز الله تعالى أنصارها أمير حاجب بحماة المحروسة
والعلامة المملوك فلان بقلم الرقاع في أول الوصل الثالث على القرب من اللصاق
المرتبة الثالثة يقبل اليد الشريفة بألقاب الباسطة المتقدمة ثم اليد الكريمة ثم اليد العالية مع حذف الكريمة رتبة بعد رتبة والألقاب بحالها ويدعى له ثم يقال والمستمد من محبته كيت وكيت والله تعالى يؤيده والحال في اختلاف بعض القابها بالنسبة إلى أرباب السيوف وغيرهم على ما تقدم في الباسطة
وهذه أدعية لأرباب السيوف في هذه المكاتبة
دعاء من ذلك يقال بعد استكمال الألقاب لا زالت مقبلة البنان مؤملة الإحسان مفضلة على أنواء السحب بكل لسان وينهي
آخر لا زالت ترد بالسيف صدور الكتائب وترد الظماة منها موارد السحائب وتحدث عن البحر وكم في البحر من العجائب
آخر لا زالت بربها مأمونة وبذبها ممنونة وأيامها تصبح الأعداء باسنتها الزرق المسنونة (8/194)
آخر لا اخلى الله من ودها ولا قطع وظائف حمدها ولا قضى مغيبها إلا جعل لها ذكرى بعدها
آخر لا زالت مصالحها تظفر بالمنى وتحصل على الغنى وتطلق لسانه بعاطر الثنا
آخر لا زالت لتقليد المنن سابقة في الجود العذل مقسمة في مكارم التكريم باطنها للندى وظاهرها للقبل
وهذه أدعية تناسب أرباب الأقلام
يقال بعد استيفاء الألقاب لا زالت مستهلة بالندا مستقلة بكبت العدا مطلة على النجوم على بعد ما بينهما من المدى
آخر لا برحت مفاخرها مفصلة ومحبتها في الخواطر ممثلة والكواكب تود لو فارقت فلكها وأصبحت لديها مسبلة
آخر لا زالت لصحائف الإحسان مسطرة ولقلوب الأعداء مفطرة ولصنائع المعروف إذا أمسكت الانواء ممطرة
آخر أعلى الله تعالى شانها وضاعف إحسانها
والعنوان اليد الشريفة أو اليد الكريمة أو اليد العالية بالالقاب التي في صدر الكتاب من غير زيادة ولا نقص والدعاء باول سجعة من المدعو به في صدر الكتاب أو نحوها والتعريف بعد ذلك
وصورة وضعه في الكتابة أن يكتب سطران على ما تقدم في الباسط والباسطة كما في هذه الصورة
اليد الشريفة العالية المولوية الأميرية والكبيرية العالمية العادلية الذخرية المالكية المحسنية الفلانية أعلى الله تعالى شأنها نائب ملطية المحروسة (8/195)
والعلامة المملوك فلان بقلم التوقيعات في آخر الوصل الثاني من الكتاب على القرب من موضع لصاقه
واعلم انه ربما وصف التقبيل في هذه المراتب بعد الدعاء بالاوصاف الدالة على زيادة التأدب ورفعة قدر المكتوب إليه وعلى ذلك جرى في عرف التعريف وقد يستعمله بعض كتاب الزمان وذلك مثل أن يقول في تقبيل الباسط بعد استعمال الدعاء تقبيلا يحوم على مناهله ويحلق نسر السماء على منازله أو يقول تقبيل محب أخلص ولاءه ومحص الصدق وفاءه أو تقبيلا يواليه وينظم لآليه أو تقبيلا يواصل به الخدم ويود لو سعى لأدائه على الرأس إن لم تسعف القدم أو تقبيلا لا يروى الكرم إلا عنه ولا تستفاد المكارم إلا منه أو تقبيل وارد على ذلك الزلال رائد في ذلك الروض الممتد الظلال أو تقبيل مسارع إليها مزاحم عليها
وربما أتى في الإنهاء بما يلائم المقام مثل ان يقول وينهي بعد وصف خدمه وتمنيه لو وقف في صف خدمه وما أشبه ذلك
قلت وفي بعض الدساتير بعد تقبيل اليد العالية يقبل يد الجناب الكريم العالي الاميري الكبيري العالمي المؤيدي النصيري الزعيمي الفلاني وبعد ذلك يخدم الجناب الكريم بنحو هذه الألقاب وفي التثقيف يقبل يد الجناب العالي ويخدم الجناب العالي بدون الكريم ثم يقال بعد ذلك ويبدي لعلمه كيت وكيت والقصد من محبته كيت وكيت فيحيط علما بذلك وبعض الكتاب يستعمل ذلك إلى الآن وهو ذهول إذ سيأتي في (8/196)
أول الدرجة الثالثة أن أعلى المراتب المفتتحة بالدعاء الدعاء للمقر الشريف على المصطلح الأول وللمقر الكريم عل ما استقر عليه الحال الآن وإذا كان كذلك فكيف يتأتى أن تكون مرتبة من مراتب الجناب الكريم أو الجناب العالي قبل المقر الشريف أو المقر الكريم
الدرجة الثالثة المكاتبة بالدعاء
وقد رتبوا المكاتبة بالدعاء على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى الدعاء للمقر والرسم فيه أن يترك بعد الملكي الفلاني قدر عرض ثلاثة اصابع بياضا ثم يؤتى بصدر المكاتبة على سمت البسملة
ويختلف الحال في ذلك فإن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف كتب أعز الله تعالى انصار المقر الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي العوني النصيري الفلاني ثم يدعى له بما يناسب نحو ولا زالت جيوشه جائلة وجنوده بين الأعداء وبين مطالبها حائلة واولياؤه على صهوات خيلها لديه قائله اصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه من السلام أطيبه ومن الثناء أطنبه وتبدي لعلمه الكريم أن الامر كيت وكيت والقصد من اهتمامه كيت وكيت فيحيط علمه بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
وهذه أدعية تناسب ذلك
دعاء يليق بذلك يقال بعد تكملة الألقاب وأيد عزائمه ونصرها وأعلى أعلامه ونشرها ودقق في مقاتل الأعداء حيث تزور الأسنة نظرها وينهي (8/197)
آخر ولا برحت الآمال بكرمه تعترف وبوارق صوارمه لأبصار الآعداء تختطف
آخر وأعلى قدره وانفذ امره اصدرناها
وإن كان من رؤساء الكتاب كتب بسط الله ظل المقر أو اسبغ الله ظلال المقر الكريم العالي القضائي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي السيدي السندي المالكي المخدومي المحسني الفلاني وباقي المكاتبة كما في أرباب السيوف
وهذه أدعية تناسب ذلك
دعاء يليق به ولا زالت الأمور إليه مفوضة ومضارب العز إلا عنه مقوضة وصحائف الحسنات بتسويده على أثناء الدهر مبيضة أصدرناها
آخر وصرف لسان قلمه وشرف مكان قدمه وعرف من كان يناويه انه اصبح لا يعد من خدمه
قلت وقد ذكر في عرف التعريف أن القضاة والحكام لا مدخل لهم في المكاتبة بالمقر وعلى ذلك جرى في مشايخ الصوفية على انه قد كوتب بذلك وقد رأيت المكاتبة بذلك في بعض الدساتير وحينئذ فيكتب أعز الله تعالى أحكام المقر العالي القضائي الكبيري العالمي العلامي الإمامي المالكي المحسني الحاكمي الفلاني ويدعى له بما يناسب مثل وجدد له إقبالا وبلغه من الدارين أمالا وأحسن إليه مبدأ ومآلا ونحو ذلك والباقي على نحو ما تقدم
وهذه أدعية تناسب ذلك
لا برحت الشريعة محوطة بأقلامه مضبوطة بأحكامه منوطة بما يشيد (8/198)
مبانيها ومثانيها من أحكامه مؤرخة ايام سعودها بايامه
آخر حرس الله بأحكامه سرح المدى ولا برحت فتاويه بها يقتدى ويظهر على المناوين والمبتدعين من تجريدها مهندا مهندا
آخر لا برحت أنوار فتاويه لامعة وسيوف أقلامها بها قاطعة وحدودها إلى موارد أحكام الشريعة المحمدية شارعة
والعنوان لهذه المكاتبة المقر الكريم بنظير ما في الصدر والدعاء بأول سجعة في الصدر من الدعاء
وصورة وضعه في الورق أن يكتب في سطرين الألقاب والدعاء والتعريف كما في هذه الصورة
المقر الكريم العالي الاميري الكبيري العالمي العادلي العوني النصيري الفلاني اعز الله تعالى انصاره فلان الفلاني
والعلامة المملوك فلان بقلم الثلث مقابل السطر الثاني من المكاتبة
المرتبة الثانية الدعاء للجناب وهو على ثلاث طبقات
الطبقة الاولى اعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم والرسم فيه ان يترك تحت الملكي الناصري عرض ثلاثة اصابع بياضا كما في المسألة قبلها
ثم إن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف كتب اعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي العوني الذخري العضدي الفلاني ويدعى له نحو وأعلى قدره وانفذ أمره صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما رائقا وثناء عابقا وتوضح لعلمه الكريم كيت وكيت والقصد من اهتمامه كيت وكيت فيحيط علمه بذلك والله تعالى يحرسه بمنه وكرمه (8/199)
وهذه أدعية تناسب ذلك
دعاء منه ولا زالت عزائمه تعير السيوف المضاء وتعلم السهام النفوذ في القضاء
آخر ولا زال جنابه مرتعا وسحابه مربعا ورعبه لا يدع من قلوب الأعداء موضعا
آخر ولا زالت عزائمه تباري السيوف وتشق الصفوف وتجاري الى مقاتل الأعداء الحتوف صدرت
وإن كان من الكتاب كتب أدام الله تعالى جلال الجناب الكريم العالي القضائي الكبيري الصدري الرئيسي العوني الغيابي الملاذي الفلاني ويدعى له بما يناسبه والباقي من نسبة أرباب السيوف
دعاء يناسبه وحرس سماءه التي تغنى عن المصابيح ونعماءه التي هي للنعم مفاتيح
آخر وبلغه اشرف الرتب وملأ به قلوب الأعداء غاية الرهب وشكر ندى قلمه الذي لم يدع للغمام إلا فضل ما وهب صدرت
وإن كان قاضيا كتب أعز الله تعالى أحكام الجناب الكريم العالي القضائي الإمامي العالمي العلامي الأوحدي الفلاني ويدعو له نحو ونور بعلمه البصائر وسر بحكمه السرائر وجعل فيض يمه مما لا تودع درره إلا في الضمائر والباقي من نسبة ما تقدم
وإن كان من مشايخ الصوفية كتب أعاد الله تعالى من بركات الجناب الكريم العالي الشيخي الإمامي العالمي العاملي الورعي الزاهدي الفلاني ويدعى له نحو ولا زال يقاتل بسلاحه ويقابل فساد الدهر بصلاحه وتجلى دجى الظلماء بصباحه صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما يزدان بعرض بخدمته ويزداد نضرة بنظرته (8/200)
والعنوان لكل منهم بألقاب الصدر والدعاء بأول سجعة من دعائه أو نحو ذلك
وصورة وضعه أن يكتب في سطرين ألقابه ودعاءه وتعريفه كما في هذه الصورة
الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي النصيري الفلاني اعز الله تعالى نصرته فلان الفلاني
والعلامة المملوك فلان بقلم الثلث مقابل السطر الثاني كما في المكاتبة التي قبلها
الطبقة الثانية من المرتبة الثانية ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي والرسم فيه أن يترك تحت الملكي الفلاني قدر أربعة أصابع بياضا ثم يختلف الحال في ذلك فإن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف كتب ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني النصيري الذخري الفلاني ثم يدعى له نحو ونصره في جلاده وايده في مواقف جهاده صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما يشوق وثناء يروق وتوضح لعلمه كيت وكيت فالجناب العالي يتقدم بكيت وكيت فيحيط علمه بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
دعاء آخر يناسب هذه المكاتبة يقال بعد استيفاء الالقاب ولا زال عزنه مؤيدا وعزه مؤبدا واجتهاده وجهاده هذا يسر الأولياء وهذا يسوء العدا صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تخصه بالسلام والثناء الوافر الأقسام وتوضح لعلمه كيت وكيت
آخر ولا زالت آراؤه كواكب يهتدى بلوامعها وتقرأ سورة النصر في جوامعها وتسير كالسحب فترمي الأعداء بصواعقها وتأتي الأولياء بهوامعها
وإن كان من الكتاب كتب ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي (8/201)
القضائي الكبيري الصدري الرئيسي القوامي النظامي الفلاني ثم يدعى له نحو ولا زال يرجى لكل جليل ويؤمل لكل جميل ويؤهل لكل منتهى تقصر دونه أصابع النيل صدرت هذه المكاتبة والباقي على ما تقدم في أرباب السيوف
وإن كان من القضاة كتب ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي القضائي العالمي الفاضلي الأوحدي الصدري الرئيسي الفلاني ويدعى له نحو ودفع عنه الأباطيل وأرشد بهداه من الأضاليل
وإن كان من مشايخ الصوفية كتب أعاد الله تعالى من بركة الجناب العالي الشيخي الإمامي العالمي الكاملي الورعي الزاهدي ويدعى له نحو ولا زال تكشف به اللأواء وتطب به الأدواء صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما وتفض عن مثل المسك ختاما وتوضح لعلمه
دعاء آخر نفع الله بدعواته التي لا حاجب لها عن الإجابة ولا عارض يمنعها عن الإصابة وامتع ببركاته التي هي أمن للناس ومثابة صدرت
والعنوان الألقاب التي في صدر المكاتبة والدعاء ضاعف الله تعالى نعمته ثم التعريف
وصورة وضعه في الورق أن يكتب في سطرين ألقابه ودعاؤه وتعريفه كما في هذه الصورة
الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني النصيري الذخري الفلاني ضاعف الله تعالى نعمته فلان الفلاني
والعلامة المملوك فلان بقلم الثلث الثقيل مقابل السطر الأول من المكاتبة (8/202)
الطبقة الثالثة أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي وما في معنى ذلك والرسم فيه أن يترك تحت الملكي الفلاني بحيث يبقى من الوصل الذي فيه البسملة ما يسع سطرين فقط ثم يختلف الحال فيه فإن كان المكتوب إليه من ارباب السيوف كتب أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي العوني النصيري الذخري الفلاني ويدعى له نحو وأيد عزمه وأظهره وكبت عدوه وقهره صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما طيبا وثناء مطنبا وتوضح لعلمه كيت وكيت فالجناب العالي يتقدم بكيت وكيت فيحيط علمه بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
دعاء آخر يناسبه وموه بجهاده كل سنان ونبه بجلاده جفن كل سيف وسنان صدرت هذه المكاتبة تحييه بسلام يطيب وثناء يهتز غصنه الرطيب وتوضح لعلمه
وإن كان من الكتاب كتب أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي القضائي والألقاب من نسبة ما تقدم في ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي والدعاء نحو ولا زال قلمه لأبواب الأرزاق فاتحا ونجم رفده لأنواء الفضل مانحا صدرت
وإن كان من القضاة كتب أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي والألقاب من نسبة ما تقدم في ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي والدعاء نحو ولا أخلى الله أفق الفضل من كوكبه ولا مجال الجدال من مركبه صدرت
وإن كان من مشايخ الصوفية كتب أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي الشيخي وبقية الألقاب من نسبة ما تقدم مع ضاعف الله تعالى نعمة الجناب (8/203)
والدعاء نحو نفع الله ببركات خلواته التي كم انجلت عن الرشاد وبان في مرآتها نور الهدى للعباد وأنارت إنارة الشمس لا إنارة الزناد
والعنوان بنظير الألقاب التي في صدر المكاتبة والدعاء أدام الله تعالى نعمته
وصورة وضعه في الورق ان يكتب في سطرين الألقاب والدعاء والتعريف كما في هذه الصورة
الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي العوني النصيري الذخري الفلاني أدام الله نعمته فلان الفلاني
والعلامة المملوك فلان تحت البسملة بقلم مختصر الطومار
المرتبة الثالثة الدعاء للمجلس ويختص بالمجلس العالي والبياض فيه تحت الملكي الفلاني بحيث يبقى من الوصل قدر سطرين كما تقدم في الجناب العالي ويختلف الحال فيه فإن كان من ارباب السيوف كتب أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي الذخري العوني الفلاني ويدعى له نحو وايد عزمه ووفر من الخيرات قسمه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه سلاما وتوفر له من الخير أقساما وتوضح لعلمه المبارك كيت وكيت فالمجلس يتقدم بكيت وكيت فيحيط بذلك علما والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
وهذه أدعية تليق بهذه المكاتبة
دعاء من ذلك ولا زال مشكور الاهتمام موصوف المحاسن وصف البدر التمام معروفا بجميل الأثر مثل ما تعرف مواقع الغمام صدرت هذه المكاتبة إلى (8/204)
المجلس العالي تهدي إليه سلاما وتسدد لرأيه الصائب سهاما وتوضح لعلمه الكريم
آخر ولا زال سيفا يدفع بحده ويجري ماء النصر من فرنده ويتنوع به الظفر فيقتل بتجريده ويخاف وهو في غمده
وإن كان من الكتاب كتب أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي القضائي الأجلي الكبيري الرئيسي الماجدي الأوحدي الأثيري الفلاني ويدعى له نحو وسدد رأيه ووفقه وصدق فيه الظن وحققه وجمع له شمل السعادة ثم لا فرقه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تشكر مساعيه واهتمامه الذي بان طرف النجم وهو يراعيه وتوضح لعلمه الكريم
آخر ولا نزع عنه ثوب سعادة ولا غير منه جميل عادة ولا عرف سوى بابه الذي لو كان له الحق في جبهة الأسد لاستعاده صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه السلام والثناء الذي تنطق به السنة الاقلام وتوضح لعلمه
وإن كان من القضاة كتب أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي القضائي الكبيري العالمي العاملي الفاضلي الأوحدي الفلاني ويدعى له نحو ولا برحت طلبته مفيدة المطالب مورية الهدى في الغياهب قائمة أقلام هدايتها في ليالي الحيرة مقام الكواكب
آخر ولا برحت الدنيا ممطورة بغمامه محبورة بدخولها تحت ذمامه
وإن كان من مشايخ الصوفية كتب أدام الله تعالى بركة المجلس العالي الشيخي الإمامي العالمي العاملي العابدي الورعي الزاهدي (8/205)
الأوحدي الفلاني ويدعى له نحو ولا زال نوره يسعى بين يديه ويدعى باسمه إليه
آخر أعاد الله من بركاته على الراعي والرعية وجعل خلواته خلوات كل نفس راضية مرضية والباقي على ما تقدم
والعنوان الألقاب التي في الصدر والدعاء أدام الله تعالى نعمته ثم التعريف
وصورة وضعه في الورق أن تكتب ألقابه والدعاء والتعريف كما في هذه الصورة
المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي الذخري العوني الفلاني أدام الله تعالى نعمته فلان الفلاني
والعلامة المملوك فلان بقلم مختصر الطومار تحت الملكي الفلاني على ما تقدم في المكاتبة قبلها
واعلم أن ترتيب هذه الدرجة على هذه المراتب من الدعاء بأعز الله تعالى أنصار المقر الكريم ثم أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم ثم ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي ثم أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي ثم أدام الله نعمة المجلس العالي هو المستقر عليه الحال بين كتاب الزمان بالديار المصرية وجعل في عرف التعريف أعلى المراتب في الدعاء أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم ثم أعز الله تعالى نصرة المقر الكريم ثم أعز الله تعالى نصر المقر الكريم ثم أدام الله تعالى نصرة الجناب الشريف ثم أدام الله نصرة الجناب الكريم ثم ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي وحرس الله تعالى نعمة الجناب العالي مع اختصار الألقاب وحذف بعضها ثم أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي وعلى كثير من ذلك كان الحال جاريا إلى آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين ثم أخذ (8/206)
الناس في التغيير إلى أن صار الأمر على ما هو عليه الآن
قلت وكانوا في الزمن السالف في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وما والاها لا يأتون مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي والجناب الشريف بأصدرناها ولا بصدرت هذه المكاتبة كما هو الآن بل بعد الدعاء يقولون مع أعز الله تعالى أنصار المقر الشريف المملوك يقبل الباسطة ثم يأتي بالإنهاء بعد ذلك مثل أن يقول المملوك يقبل الباسطة الكريمة التي هي معدن السماح وموطن ما يوهن العدا من صدور الصفاح وينهي أو يقول يقبل الباسطة الكريمة ويرتع منها في كل ديمة وينهي أو والمملوك يقبل اليد الشريفة ويلجأ إلى ظلالها الوريفة وينهي ومع الجناب الشريف لفظ المملوك يخدم ثم يقول ويبدي مثل أن يكتب المملوك يخدم بأثنيته ويفض عقود الشكر على أنديته ويبدي لعلمه الكريم أو المملوك يخدم بأثنيته التي تزيد الطيب طيبا وتسري سرى السحب فلا تدع في الأرض جريبا ويبدي لعلمه الكريم وربما أعاض ذلك بقوله صدرت هذه الخدمة مثل أن يقول صدرت هذه الخدمة وسلامها يتضوع وثناؤها السافر لا يتبرقع
الدرجة الرابعة الابتداء بصيغ مخترعة من صدور مكاتبات الأدعية
اعلم أن صدور المكاتبات المفتتحة بالأدعية يقال فيها بعد الدعاء المعطوف أصدرناها أو صدرت هذه المكاتبة ثم يقال وتبدي لعلمه أو وتوضح لعلمه ومن أجل ذلك جعلت هذه الدرجة دون درجة الافتتاح بالدعاء لأن هذه فرع من فروع تلك وحينئذ فيكون الصدر مشتملا بعد الدعاء على ثلاثة أشياء
أحدها افتتاح صدور المكاتبة بقوله أصدرناها أو صدرت (8/207)
والثاني الإشارة إلى المكاتبة بقوله هذه المكاتبة
والثالث الإعلام بما صدرت بسببه المكاتبة فانتظم من ذلك ثلاث مراتب
المرتبة الأولى الافتتاح بصدور المكاتبة وفيها طبقتان
الطبقة الأولى صدرت والعالي وهي أن تفتتح المكاتبة بأن يقال صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي ويختلف الحال فيها
فإن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف كتب صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي الأميري الكبيري المجاهدي المؤيدي الذخري الأوحدي الفلاني ويدعى له نحو أدام الله تعالى نعمته ووفر من الخير قسمته تتضمن إعلامه كيت وكيت فالمجلس العالي يتقدم بكيت وكيت فيعلم ذلك ويعتمده والله الموفق
وإن كان من الكتاب كتب صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي القضائي الكبيري الرئيسي الكاملي الماجدي الأثيري الأوحدي الفلاني ويدعى له نحو حرس الله مجده وأنجح قصده والباقي على ما تقدم
وإن كان من القضاة كتب صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي القضائي الأجلي الإمامي الصدري الفقيهي الكاملي الفاضلي الفلاني ويدعى له نحو أيد الله أحكامه ووفر من الخير أقسامه والباقي على ما تقدم
وإن كان من مشايخ الصوفية كتب صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي الشيخي الإمامي العالمي العاملي الزاهدي العابدي الورعي الأوحدي ويدعى له نحو أعاد الله من بركته ونفع المسلمين بصالح أدعيته والباقي على ما تقدم
والعنوان بالألقاب التي في الصدر وأول سجعة من الدعاء فيه وتكون الألقاب والدعاء والتعريف في سطرين كما في هذه الصورة (8/208)
المجلس العالي الأميري الكبيري المجاهدي المؤيدي الذخري الأوحدي الفلاني الله رفعتهفلان الفلاني
والعلامة المملوك فلان تحت الملكي الفلاني بقلم مختصر الطومار الثقيل وربما جعل بعضهم العلامة أخوه
الطبقة الثانية صدرت والسامي وهي ان تفتتح المكاتبة بأن يقال صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي والبياض فيها تحت الملكي الفلاني كما في المكاتبة التي قبلها بحيث لا يبقى من الوصل إلا ما يسع سطرين فقط على ما تقدم
ثم إن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف كتب صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري الكبيري المجاهدي العضدي الذخري الأوحدي الفلاني ويدعى له نحو أدام الله سعده وأنجح قصده ثم يقال تتضمن إعلامه كيت وكيت فالمجلس السامي يتقدم بكيت وكيت فيعلم ذلك ويعتمده ويبادر إليه والله الموفق
وإن كان من الكتاب كتب صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي القضائي الأجلي الكبيري الزيني الماجدي الأثيري الأوحدي الفلاني ويدعى له نحو ضاعف الله تعالى إقباله أو أدام الله سعادته وبلغه إرادته والباقي على ما تقدم
وإن كان من القضاة كتب صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي القضائي الصدري الفقيهي الإمامي العالمي الفاضلي الكاملي الأوحدي فلان الدين والباقي من نسبة ما تقدم
وإن كان من مشايخ الصوفية كتب صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الشيخي العالمي العاملي الورعي الزاهدي الأوحدي الفلاني ويدعى له نحو لا أخلاه الله من أنسه ولا أبعده من حضرة قدسه والباقي على نحو ما تقدم
والعنوان الألقاب التي في صدر المكاتبة بالسجعة الأولى مما فيه من الدعاء والتعريف (8/209)
وصورة وضعه في الورق أن يكتب في سطرين كما في هذه الصورة
المجلس السامي الاميري الكبيري المجاهدي العضدي الذخري الأوحدي الفلاني الله سعده الفلاني والعلامة أخوه فلان تحت الملكي الفلاني بقلم مختصر الطومار الثقيل
المرتبة الثانية الافتتاح بالإشارة إلى المكاتبة وهي أن يكتب هذه المكاتبة إلى المجلس السامي بغير ياء في القابه ويعبر عنه بالسامي بغير ياء والبياض فيها تحت الملكي الفلاني متسع أيضا بحيث لا يبقى من الوصل إلا ما يسع سطرين فقط
ثم إن كان المكتوب إليه من أرباب السيوف كتب هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير الأجل الكبير المجاهد المؤيد الأوحد الذخر فلان الدين ويدعى له نحو أدام الله إقباله وبلغه آماله أو أنجح الله قصده وأعذب ورده تعلمه كيت وكيت فالمجلس يتقدم بكيت وكيت فيعلم ذلك ويعتمده ويبادر إليه والله الموفق
وإن كان من الكتاب كتب هذه المكاتبة إلى المجلس السامي القاضي الأجل الكبير الصدر الرئيس الأوحد ويدعى له نحو أدام الله سعادته وبلغه من الخير إرادته تعلمه كيت وكيت والباقي على ما تقدم
وإن كان من القضاة كتب هذه المكاتبة إلى المجلس السامي القاضي الأجل الكبير العالم الفاضل الكامل الأوحد فلان الدين والباقي من نسبة ما تقدم
وإن كان من مشايخ الصوفية كتب هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الشيخ الصالح الورع الزاهد فلان الدين نفع الله تعالى ببركته ولا أخلى مجالس الذكر من محاسن سمته وسمته والباقي من نسبة ما تقدم
والعنوان الألقاب التي في صدر الكتاب وأول سجعة من الدعاء الذي فيه وتعريفه ويكون في سطرين كما في هذه الصورة (8/210)
المجلس السامي الأمير الأجل الكبير المجاهد المؤيد الأوحد الذخر فلان الدين الله إقباله الفلاني
المرتبة الثالثة الافتتاح بالإعلام بالقصد وهو أن يكتب يعلم فلان وقد تقدم في الكلام على مقدمة المكاتبات من هذه المقالة أن الصواب فيها ليعلم بإثبات لام الأمر في أوله فحذف كتاب الزمان منها اللام اللازم إثباتها وأجروها مجرى الخبر والرسم فيه أن يترك تحت الملكي الفلاني بياض بحيث لا يبقى من الوصل إلا ما يسع سطرين كما في المكاتبة قبلها وما قبل ذلك
ثم إن كان المكتوب له من أرباب السيوف كتب يعلم الأمير الأجل الكبير المؤيد الذخر المرتضى المختار فلان الدين ويدعى له نحو أدام الله عزه ووفر من الخير كنزه كيت وكيت فمجلس الامير يتقدم بكيت وكيت فيعلم ذلك ويعتمده ويبادر إليه والله الموفق بمنه وكرمه
وإن كان من الكتاب كتب يعلم مجلس القاضي الأجل الكبير العالم الفاضل الكامل الأوحد فلان الدين كيت وكيت والباقي من نسبة ما تقدم
وإن كان من القضاة كتب يعلم مجلس القاضي الأجل الكبير العالم الفاضل الكامل الأوحد فلان الدين كيت وكيت والباقي من نسبة ما تقدم
وإن كان من مشايخ الصوفية كتب يعلم مجلس الشيخ الصالح الورع الزاهد الأوحد الكامل فلان الدين كيت وكيت والباقي من نسبة ما تقدم
والعنوان لهذه المكاتبة الألقاب التي في الصدر والدعاء بأول سجعة مما فيه من الدعاء والتعريف
وصورة وضعه في الورق أن يكتب ذلك في سطرين كما في هذه الصورة (8/211)
المجلس الأمير الأجل الكبير المؤيد الذخر المرتضى المختار فلان الدين الله عزه الفلاني
والعلامة تحت البسملة الاسم بقلم مختصر الطومار الثقيل
قلت ومما يجب التنبيه عليه أن الألقاب المذكورة في صدور المكاتبات وعنواناتها ليست موقوفا عندها بل لكل واحد فيها اختيار من تقديم وتاخير وتبديل لقب بلقب وزيادة ونقص إلا أن الزيادة والنقص يكونان على المقاربة مثل زيادة لقب ولقبين وثلاثة ونقصها على أنهم في الزمن السابق كانوا يتعاطون في الإخوانيات الألقاب المركبة في الصدور والعنوانات فيما يبدأ فيه بالدعاء وما بعد ذلك إلى اخر المراتب كما هو في السلطانيات
فإن كان من ارباب السيوف قيل مع الدعاء للمقر الشريف لأرباب السيوف بعد استيفاء الألقاب المفردة عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين زعيم الجيوش مقدم العساكر عون الامة غياث الملة ممهد الدول مشيد الممالك ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين ومع الدعاء للمقر الكريم عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين عماد الدولة عون الأمة ذخر الملة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين وعلى ذلك إلى آخر كل مرتبة بحسبها
وإن كان من رؤساء الكتاب قيل جلال الإسلام والمسلمين سيد الكبراء في العالمين رئيس الأصحاب قوام الأمة نظام الملة مدبر الدولة ذخر الممالك ظهير الملوك والسلاطين وكذلك إلى آخر المراتب كل مرتبة بحسبها وكذلك القول في القضاة ومشايخ الصوفية كل أحد منهم بما يناسبه من الألقاب لوظيفته ورتبته ثم اقتصروا بعد ذلك على استعمال اللقب المضاف إلى الملوك والسلاطين مثل ظهير الملوك والسلاطين ونحو ذلك فحذف كتاب الزمان هذه الألقاب المركبة جملة أختصارا وهو مستحسن لما في ذلك من ميل النفوس إلى (8/212)
الاختصار ولتخالف المكاتبات الصادرة عن السلطان فتكون مختصة بالألقاب المركبة دون غيرها
القسم الثاني من المكاتبات الإخوانيات الدائرة بين أعيان المملكة وأكابر أهل الدولة الأجوبة وهي على ضربين
الضرب الأول ما يفتتح من ذلك بما تفتتح به الابتداءات المتقدمة الذكر
والرسم فيها أن يكتب صدر الكتاب كما يكتب ان لو كان ابتداء ثم يذكر ورود الكتاب المجاوب عنه ويؤتى بالجواب عما تضمنه وهو على اربع مراتب
المرتبة الأولى وهي أعلاها في تعظيم الكتاب الوارد أن يعبر عنه بالمثال وذلك مع الابتداء بلفظ يقبل الأرض وينهي كيت وكيت وصورته أن يقول بعد كمال الصدر ورود المثال الكريم العالي أعلاه الله تعالى على المملوك على يد فلان ويذكر ما يليق به من المجلس العالي أو المجلس السامي أو غيرهما ثم يقول فقبل المملوك لوروده الأرض وأدى من واجبه الفرض وتضاعف دعاء المملوك لتأهيله لغلمانية الأبواب الكريمة وابتهج بوروده وحمد الله وشكره على ما دل عليه من عافية مولانا ملك الأمراء أعز الله أنصاره إن كان المثال قد ورد من نائب سلطنة أو من عافية مولانا قاضي القضاة إن كان قاضيا أو من عافية المخدوم وصحة مزاجه المحروس وقابل المملوك المراسيم الكريمة بالامتثال ففهم ما رسم له به من كيت وكيت والمملوك لم يكن عنده غفلة ولا إهمال فيما رسم له به وإن كان ثم فصول كثيرة قال فأما ما رسم له به من كيت وكيت فقد امتثله المملوك ويجاوب عنه ثم يقول وأما ما رسم له به من كيت وكيت فالأمر فيه كيت وكيت حتى يأتي على آخر الفصول فإذا انتهى إلى (8/213)
آخرها قال وسؤاله من الصدقات العميمة إمداده بمراسيمه الكريمة وخدمه ليفوز بقضائها ويبادر إلى امتثالها والمملوك مملوكه وعبد بابه الشريف
المرتبة الثانية أن يعبر عن الكتاب الوارد بالمثال العالي بدون الكريم وذلك مع الابتداء بلفظ يقبل الأرض وينهي بعد ابتهاله إلى الله تعالى والابتداء بيقبل الأرض بعد رفع دعائه ويقبل الأرض بالمقر الشريف ويقبل الباسط الشريف فأما مع يقبل الأرض بعد ابتهاله فالأمر على ما تقدم في جواب المكاتبة قبلها إلا أنه يقتصر على المثال العالي دون الكريم كما تقدمت الاشارة إليه وأما مع يقبل الأرض بعد رفع دعائه فإنه يقول بعد تكملة الصدر ورود المثال العالي اعلاه الله تعالى على يد فلان فقبله حين قابله ووقف على ما تضمنه من كيت وكيت وفرح بما دل عليه من عافية المخدوم وحمد الله تعالى وشكره على ذلك وفهم ما اشار إليه من كيت وكيت ويجاوب عنه ثم يقول والمملوك يسأل إحسان المخدوم بتشريف المملوك بمهماته ومراسيمه ليفوز بقضائها فإن المملوك وقف المالك طالع بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه أو نحو ذلك وأما مع يقبل الأرض بالمقر الشريف ويقبل الباسط الشريف فإنه يقال ورود المثال العالي ايضا وربما قيل ورود مثاله العالي وقد يقال المشرف الكريم العالي على ما تقتضيه رتبة المكتوب إليه ويرتضيه المكتوب عنه والباقي على نحو ما تقدم
المرتبة الثالثة أن يعبر عن الكتاب الوارد بالمشرفة على التأنيث وذلك مع يقبل الباسطة ويقبل اليد ويختلف الحال في ذلك بحسب المراتب فيقال يقبل الباسطة وينهي ورود المشرفة الكريمة ومع اليد الشريفة والكريمة والعالية وفي معنى ذلك يخدم إذا كتب بها وكذلك أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم وإن كان المكتوب عنه يكني عن نفسه بنون الجمع المقتضية للتعظيم ثم يقول في كل منها فقبلها المملوك حين قابلها ووقف على ما تضمنته من محبته ومودته وفهم ما شرحه من أمر كيت وكيت ويجارب عنه ثم يقول والمستمد من محبته تشريف المملوك بمراسيمه ومشرفاته وخدمه ليفوز بقضائها ويبادر (8/214)
إلى امتثالها فإن المملوك ما عنده فيما غفلة يقتضيه رأيه العالي والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
المرتبة الرابعة أن يعبر عن الكتاب الوارد بالمكاتبة وذلك مع الابتداء بالدعاء بلفظ ضاعف الله نعمة الجناب العالي وأدام الله تعالى نعمة المجلس العالي وصدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي أو المجلس السامي أو هذه المكاتبة إلى المجلس السامي أو يعلم مجلس فيقال وتوضح لعلمه أو موضحة لعلمه أو تتضمن إعلامه أو تعلمه أو يعلم على حسب المراتب المتقدمة ورود مكاتبته فوقفنا عليها وأحطنا علما بما تضمنته من كيت وكيت ويجاوب عنه ثم يقول فيتقدم الجناب أو المجلس أو مجلس الأمير ونحو ذلك مما يقتضيه الحال بإعلامنا بأخباره وضروراته وحوائجه
واعلم أن لكاتب السر أجوبة لنواب السلطنة وغيرهم ممن ترد عليه مكاتباتهم بطلب الملاحظة عند عرض مكاتباتهم على الحضرة السلطانية وتحسين السفارة في ذلك ويقع الخطاب في جواب كل منهم على حسب رتبته
ففي جواب نائب السلطان بالشام المحروس يكتب ما صورته وينهي بعد رفع أدعيته الصالحة تقبلها الله تعالى من المملوك ومن كل داع مخلص بدوام ايام مولانا ملك الأمراء أعز الله تعالى أنصاره وخلود سعادته عليه أن المثال الكريم ورد على المملوك على يد فلان فنهض له المملوك وأجمل في تلقيه السلوك وفضه عن صدقات عميمة وتفضلات جسيمة وفرح بما دل عليه من سلامة مولانا ملك الأمراء أعز الله أنصاره وعافيته وصحة مزاجه المحروس وتضاعف سرور المملوك بذلك وتزايد ابتهاجه به وسأل الله تعالى أن يديم حياة مولانا ملك الأمراء أعز الله انصاره ويبقيه وانتهى إلى ما تضمنته الإشارة في معنى تجهيز المشار إليه إلى خدمة الأبواب الشريفة بما على يده من المكاتبة الكريمة وما رسم به من القيام في خدمتها وعرضها بين يدي المواقف الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها وقابل المملوك الإشارة الكريمة بالامتثال بالسمع والطاعة وبادر إلى ما رسم به وقد عرض المملوك المكاتبة الكريمة على المسامع (8/215)
الشريفة وكتب الجواب الشريف عن ذلك بما ستحيط به العلوم الكريمة وعاد بذلك إلى خدمة مولانا ملك الأمراء أعز الله أنصاره والمملوك مملوك مولانا ملك الأمراء عز نصره ومحبه القديم والمعترف بإحسانه وصدقاته ويسأل تشريفه بالمهمات والخدم أنهى ذلك إن شاء الله تعالى
وفي جواب بقية النواب بالممالك الشامية كنواب السلطنة بحماة وطرابلس وصفد والكرك ومقدم العسكر بغزة يكتب وينهي بعد رفع دعائه وإخلاصه في محبته وولائه واعترافه بإحسان مولانا وآلائه أن المثال العالي أعلاه الله تعالى ورد على المملوك على يد فلان فقبله المملوك وأحسن في تلقيه السلوك وفرح بما دل عليه من عافية مولانا وسلامته وصحة مزاجه المحروس وحمد الله تعالى على ذلك وانتهى إلى ما أشار إليه من تجهيز المطالعة الكريمة إلى الأبواب الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها وفهم المملوك ذلك وامتثل ما اشار إليه بالسمع والطاعة ووقف في خدمتها عند العرض على المسامع الشريفة وأحاطت العلوم الشريفة بمضمونها وكتب الجواب الشريف عن ذلك بما سيحيط به علم مولانا وقد عاد فلان بالجواب الشريف وبهذه الخدمة وحمله المملوك من السلام والشوق والدعاء والولاء وتقبيل الأرض ما يبديه لمسامع مولانا والمملوك يسأل إحسانه الإصغاء إلى ذلك والتشريف بمراسيمه وخدمه ليبادر إلى قبولها والله تعالى يؤيده ويحرسه بمنه وكرمه
وعلى قياس ذلك في غير هذه من المكاتبات بحسب ما تقتضيه رتبة كل واحد من أصحابها
الضرب الثاني من الأجوبة ما يفتتح بورود المكاتبة مصدرا بلفظ وردت أو وصلت أو وقفت على المكاتبة وما أشبه ذلك
مثل أن يكتب ورد المثال الكريم الفلاني وذكر سلامته أحلى من ذكر الأوائل وقد تطرز منه طرازا أشرف من طراز الغلائل وما سكن القلب إلى شيء (8/216)
كسكونه إليه ولا رأى واردا أكرم منه عليه فقابل نعمة قدومه بدوام شكرها وطوى صحائف الآمال إلا من نشرها وإذا كان وجه الأيام مقطبا استغنى ببشر وجهه الميمون عن بشرها فإن حسن في رأيه الإجراء على عوائد إحسانه من التشريف بمراسيمه وخدمه والمواصلة بها نالت النفس من ورودها نهاية أربها
قلت أما الأجوبة المطلقة وهي الدائرة بين الأصدقاء والأصحاب من أفاضل الكتاب وعيون أهل الأدب ممن له ملكة في الإنشاء وقوة في النظم والنثر فإنها لا تتوقف على ابتداء مخصوص ابتداء ولا جوابا بل قد تكون مبتدأة بما تقدم من الابتداءات وقد تكون بغير ذلك من الافتتاحات التي يختارها صاحب الرسالة بل أكثرها مفتتح بالشعر المناسب للحال المكتوب فيها بل ربما اقتصر فيها على الشعر خاصة دون النثر
المهيع الثاني في بيان رتب المكتوب عنهم والمكتوب إليهم من أعيان الدولة بمملكة الديار المصرية وما يستحقه كل منهم من رتب المكاتبات السابقة على ما الحال مستقر عليه في زماننا
اعلم أن المكتوب عنهم من أعيان الدولة على طبقات لكل منهم مكاتبات بصدر يختص به إلى من فوق رتبته أو مساو له في الرتبة أو دونه فيها مرتبة على ترتيب المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى أهل الدولة
الطبقة الأولى من المكتوب عنهم من يكتب إليه عن السلطان اعز الله تعالى انصار المقر الكريم ككافل السلطنة وهو نائب السلطان بالحضرة وأتابك العساكر ونائب السلطنة بالشام والمكتوب إليهم عن هذه الطبقة على مراتب (8/217)
المرتبة الأولى من يكتب له عن هذه الطبقة الفلاني بمطالعة وممن يكتب إليه بذلك عن نائب الشام فيما رأيته أتابك العساكر بالأبواب الشريفة وكان ما كتب له المخدومي الأتابكي فلان الفلاني باللقب المضاف إلى لقب السلطان أتابك العساكر المنصورة
المرتبة الثانية من يكتب إليه الأبواب بمطالعة وممن يكتب إليه بذلك عن النائب الكافل بالحضرة والأتابك نائب السلطنة بالشام فقد قال في التثقيف إن بهذه المكاتبة يكتب عن أكابر أمراء الديار المصرية إلى نائب الشام وحلب فيما أظن وممن يكتب إليه بذلك عن نائب الشام الدوادار وأميراخور ومقدموا الألوف بالديار المصرية وأكابر الأمراء مقدمي الألوف بالشام وكافل المملكة الشريفة الحلبية
المرتبة الثالثة من يكتب له عن هذه الطبقة الأبواب بغير مطالعة وبذلك يكتب عن كافل السلطنة بالحضرة إلى نائب السلطنة بحلب وقد ذكر في التثقيف أنه كان يكتب بذلك عن الأمير يلبغا العمري يعني الخاصكي وهو أتابك الديار المصرية إلى نائب الشام ايضا ثم قال وكذلك كتب بعده إلى نائبي (8/218)
وحلب الأمير منكلي بغا والأمير الجاي ونواب السلطنة بالديار المصرية وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى كل من قضاة القضاة الأربعة بالديار المصرية وكذلك الوزير وكاتب السر بها
المرتبة الرابعة من يكتب له عن هذه الطبقة الباب الكريم والباب العالي أما الباب الكريم فإنه يكتب بذلك عن النائب الكافل والأتابك وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى الامراء الطبلخاناه بالديار المصرية وإستادار الأملاك الشريفة وناظر الجيوش المنصورة بالأبواب السلطانية وناظر الخواص وناظر الدولة وحاجب الحجاب بالشام وقاضي القضاة الشافعي بالشام وكاتب السر به ونائب السلطنة بطرابلس نائب السلطنة بحماة ونائب السلطنة بصفد ونائب السلطنة بالكرك
أما من يكتب له عن نائب الشام الباب العالي بدون الكريم فمقدم العسكر المنصور بغزة والقضاة الثلاثة بالشام ما خلا الشافعي المقدم ذكره والوزير بالشام
المرتبة الخامسة من يكتب إليه عن هذه الطبقة يقبل الأرض بالمقر الشريف وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك إلى نائب طرابلس ونائب (8/219)
حماة ونائب صفد ونائب الإسكندرية وأمراء الألوف بالديار المصرية وبه يكتب عن نائب الشام
المرتبة السادسة من يكتب إليه عن هذه الطبقة الباسط الشريف وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك إلى مقدم العسكر بغزة ومقدم العسكر بسيس ونائب السلطنة بالكرك وحاجب الحجاب بالشام وحاجب الحجاب بحلب
السابعة من يكتب له عن هذه الطبقة الباسطة الشريفة وممن يكتب له بذلك عن نائب الشام قاضي القضاة الشافعي بحلب
المرتبة الثامنة من يكتب له عن هذه الطبقة اليد الشريفة أو اليد الكريمة أو اليد العالية وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك إلى نائبي الوجه القبلي والوجه البحري بالديار المصرية ونائب القدس ونائب حمص ونائب الرحبة ونائب البيرة ونائب قلعة المسلمين ونائب ملطية ونائب دبركي ونائب الأبلستين ونائب طرسوس ونائب أذنه ونائب بهسنا وأمراء الألوف بالشام وحلب
وبذلك يكتب أيضا عن نائب الشام إلى أمراء العشرات بالديار المصرية (8/220)
وقضاة العسكر بها وحاجب الحجاب بحلب والقضاة الثلاثة الحنفي والمالكي والحنبلي بها
المرتبة التاسعة من يكتب له عن هذه الطبقة اعز الله تعالى أنصار المقر الكريم وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى كاشف الصفقة القبلية وإلى الأمراء مقدمي الألوف بالشام وناظر الجيش به وأمير آل فضل ونائب حمص وكاتب السر بحلب ونائب المملونائب دوركي ونائب درندة
المرتبة العاشرة من يكتب له عن هذه الطبقة أعز الله تعالى نصرة المقر الكريم وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى نائب قلعة دمشق والحاجب الثاني بها ووكيل بيت المال بها ومقدمي الألوف بحلب ونائب الجبش بها ونائب الرحبة ونائب الأبلستين ونائب ملطية ونائب قلعة المسلمين ونائب بهسنا ونائب البيرة ونائب جعبر ونائب الرها ونائب حسبان
المرتبة الحادية عشرة من يكتب له عن هذه الطبقة أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى أمراء الطبلخاناه بالشام ونائب القدس ونائب بعلبك ومتولي صيدا وأمراء الطبلخاناه بحلب ووكيل بيت المال بها والمحتسب بها وناظر خاص البريد بها وأمير حاجب بصفد
المرتبة الثانية عشرة من يكتب إليه عن هذه الطبقة ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى والي قطيا وربما زيد فيه الكريم (8/221)
المرتبة الثالثة عشرة من يكتب إليه عن هذه الطبقة أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى أمراء العشرات بمصر وأمراء العشرينات بالشام والمحتسب بها والحاجب الكبير بغزة ومقدم عرب بني عقبة وأكابر عرب آل فضل وأمير عرب آل علي وأمير آل موسى ونائب مصياف ومتولي بيروت
المرتبة الرابعة عشرة من يكتب إليه عن هذه الطبقة المجلس العالي مع الدعاء وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى العشرات بدمشق ووالي المدينة ووالي البر بها والحاجب الثاني بغزة وأمير آل مرا ومقدم عرب جرم ومقدم بني مهدي وأمراء العشرينات بحلب
المرتبة الخامسة عشرة من يكتب إليه عن هذه الطبقة صدرت والعالي وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك إلى كاشف الوجه البحري من الديار المصرية وكاشف الفيوم والبهنساوية ووالي أسوان وكشاف الجسور من أمراء الطبلخاناه بالوجهين القبلي والبحري بالديار المصرية ونائب قلعة حلب ونائب آياس ونائب جعبر ونائب درندة وحاجب الحجاب بطرابلس وحاجب الحجاب بحماة وحاجب الحجاب بصفد وبذلك يكتب أيضا عن نائب الشام إلى أجناد الحلقة بمصر والحاجب (8/222)
الكبير بحمص وأمراء العشرات بحلب
المرتبة السادسة عشرة من يكتب إليه عن هذه الطبقة صدرت والسامي وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك إلى والي قوص ووالي منفلوط ووالي الأشمونين ووالي البهنسا ووالي منوف ووالي الغربية ووالي الشرقية ووالي قطيا ونائب مصياف ونائب بعلبك ونائب قلعة صفد ونائب عينتاب والحاجب الكبير بغزة وبذلك يكتب أيضا عن نائب الشام إلى مقدم الحلقة بالشام وأعيان الجند بها ومقدم بني مهدي ومتولي الصلت وعجلون ومتولي صرخد والحاجب الصغير بحمص ووالي تدمر ومقدم إقليم الخروب بصيدا ومقدم إقليم النعاج ووالي البقاعين ووالي بلنياس
المرتبة السابعة عشرة من يكتب إليه عن هذه الطبقة هذه المكاتبة وبذلك يكتب عن النائب الكافل والأتابك إلى والي الجيزية ووالي إطفيح ووالي قليوب ووالي أشموم الرمان بالديار المصرية وبذلك يكتب أيضا إلى نائب الكختا ونائب كركر ونائب حجر شغلان ونائب سرفندكار ونائب القصير ونائب بغراس ونائب الراوندان ونائب الشغر وبكاس ونائب الرها ونائب الدربساك ونائب شيزر بالمملكة الحلبية وإلى نائب اللاذقية ونائب صهيون ونائب حصن الأكراد ونائب حمص ونائب المرقب ونائب بلاطنس ونائب الكهف ونائب القدموس ونائب الخوابي ونائب العليقة ونائب (8/223)
المينقة من أعمال طرابلس ونائب شقيف تيرون من معاملة صفد وبذلك يكتب أيضا عن نائب الشام إلى صغار الأجناد بمصر وإلى كاشف الرملة ومتولي حسبان وحامي الخربة
المرتبة الثامنة عشرة من يكتب إليه عن هذه الطبقة يعلم وبذلك يكتب عن نائب الشام إلى صغار الاجناد بالشام
واعلم أن وراء ما تقدم من المكاتبات عن نائب الشام مكاتبات أخرى إلى من هو خارج عن المملكة وهم على مراتب
المرتبة الأولى من يكتب له عنه يقبل الأرض صاحب بغداد كما كان يكتب للقان احمد بن أويس كان يكتب إليه في ورق قطع نصف الحموي بقلم الثلث الصغير يقبل الأرض لدى الحضرة الشريفة العالية المولوية السلطانية العالمية العادلية المؤيدية المالكية القانية ولا زالت عزماتها مؤيدة وآراؤها مسددة وينهى إلى العلم الكريم صاحب السراي ودشت القبجاق مثله بأبسط ألقاب
المرتبة الثانية من يكتب إليه أعز الله تعالى انصار المقر الشريف ابن السلطان احمد بن اويس المذكور وورقه نظير ورق والده وقلمه نظير قلمه صاحب هراة مثله
المرتبة الثالثة من يكتب إليه اعز الله انصار المقر الكريم صاحب ماردين اعز الله تعالى انصار المقر الكريم العالي المولوي الكبيري (8/224)
العادلي السلطاني الملكي الفلاني ورفع مقداره وأجزل مباره المملوك يجدد الخدمة العالية ويصف أشواقه المتوالية وينهي لعلمه الكريم صاحب برصا من بلاد الروم وهو ابن عثمان والرسم فيه على ما كان يكتب لأبي يزيد بن مراد بك بن عثمان أعز الله تعالى انصار المقر الكريم العالي المولوي الكبيري العالمي العادلي العوني الغياثي الممهدي المشيدي الزعيمي الغازي المجاهدي المثاغري المرابطي العابدي الناسكي الزاهدي المقدمي الأتابكي المحسني الظهيري الملكي الفلاني معز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين مبيد المشركين قامع أعداء الدين مقتلع الحصون من الكافرين عون الأمة عماد الملة ذخر الدولة ظهير الملوك والسلاطين حاكم البلاد الرومية صاحب برصا وقيسرية سيف أمير المؤمنين قهر الله أعداء الدين الحنيفي بعزائمه وسطواته وجعله مؤيدا في حركاته وسكناته وأيده في جهاده واجتهاده بالنصر الذي لا يفارق ألوية أعلامه وراياته ولا زالت رعاياه محبورة وعساكره منصورة هؤلاء بجوده وهباته وهؤلاء بوجوده وحياته المملوك يقبل اليد التي لا زال القصد بها يزيد وبحر البر من أناملها مديد ونوالها يناله الوافدين حيث أموه من قريب وبعيد ويصف صفاء محبة يتضاعف نماؤها كل يوم جديد وتترادف تحيات أشواقها بالموالاة والتحميد ويتؤامر بهادي رسائلها بصدق المودة الدائمة على التأبيد ويبدي إلى العلم الكريم
قلت كذا رأيته في دستور بخط القاضي ناصر الدين بن أبي الطيب كاتب سر الشأم كان وفيه اضطراب وتخليط من نعته في ألقابه بقوله الملكي الفلاني وقوله سيد الأمراء في العالمين حيث وصفه أولا بأوصاف الملوك ثم وصفه (8/225)
بأوصاف الأمراء إلى غير ذلك من الخبط الذي لا يخفى على متأمل
المرتبة الرابعة أعز الله انصار المقر العالي وزير صاحب بغداد وورقه في قطع الحموي بقلم الثلث الخفيف قاضي بغداد مثله سواء صاحب لارندا من بلاد الروم بمملكة بني قرمان ويقال في ألقابه الأصيلي نوين التوامين مجهز المقانب ذخر القانات صاحب سيواس من البلاد الرومية أيضا صاحب آياس لوق من البلاد الرومية صاحب جولمرك من بلاد الأكراد
المرتبة الخامسة الجناب الكريم صاحب حصن كيفا من بلاد الجزيرة ويقال فيه الملكي الفلاني مقدم التركمان البياضية
المرتبة السادسة الجناب العالي صاحب أرزنجان صاحب جزيرة ابن عمر من بلاد الجزيرة صاحب انطاليا من بلاد الروم ابن الشيخ عبد القادر الكيلاني شيخ الجبال
المرتبة السابعة المجلس العالي صاحب ميافارقين من بلاد الجزيرة صاحب أكل من الجزيرة ايضا صاحب أرقنين صاحب قلعة الجوز صاحب (8/226)
جرموك صاحب أماسيا من بلاد الروم نائب ماردين خادم صاحب ماردين صاحب بطنان صاحب سنجار من بلاد الجزيرة صاحب حاسك صاحب أزبك صاحب الموصل صاحب سنوب صاحب بوشاظ صاحب الدربند صاحب عين دارا صاحب الحمة صاحب خلاط صاحب طلان صاحب تاخ صاحب جمشكزاك نائب كربزاك صاحب القنطرة نائب خرت برت صاحب البارعية صاحب حران صاحب العمادية صاحب حاني نائب مازكرد نائب صالحية ماردين أمير التركمان الشهرية صاحب أشنه
الطبقة الثانية ممن يكتب عنهم من أعيان الدولة بالديار المصرية من يكتب إليه عن السلطان أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم وهو نائب السلطنة بحلب
والكتابة عنه على مراتب (8/227)
المرتبة الأولى الفلاني بمطالعة وهو النائب الكافل بالحضرة السلطانية وأتابك العساكر المنصورة
المرتبة الثانية الأبواب بمطالعة وهو نائب السلطنة بالشام والأمير الدوادار بالأبواب السلطانية وأستاد الدار بها وأكابر الأمراء المقدمين الخاصكية
المرتبة الثالثة الأبواب بغير مطالعة وبذلك يكتب إلى نائب الشام
المرتبة الرابعة الباب الكريم وبذلك يكتب إلى نائب السلطنة بطرابلس ونائب السلطنة بحماة ونائب السلطنة بصفد وكذلك يكتب به إلى الطبقة الثانية من الأمراء المقدمين بالحضرة ممن دون الخاصكية وفي معنى ذلك الوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش ومن في معناهم
المرتبة الخامسة يقبل الأرض بالمقر الشريف وبذلك يكتب إلى حاجب الحجاب بالشأم
المرتبة السادسة يقبل الباسطة وبذلك يكتب إلى الحاجب الثاني بالشأم وحاجب الحجاب بحلب وحاجب الحجاب بحماة وحاجب الحجاب بطرابلس وقاضي القضاة الشافعي بحلب وكاتب السر بها
المرتبة السابعة يقبل اليد الشريفة وبذلك يكتب إلى نائب البيرة (8/228)
ونائب ملطية ونائب قلعة المسلمين ونائب جعبر ونائب الرها ونائب الأبلستين ونائب حمص وأمراء الطبلخاناه بدمشق
المرتبة الثامنة أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم وبذلك يكتب إلى نائب طرسوس ونائب الرحبة والحاجب الثاني بطرابلس ومقدمي الألوف بها والقضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي بحلب إلا أنه يقال أعز الله تعالى أحكام المقر
المرتبة التاسعة أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم العالي وبذلك يكتب إلى نائب بهسنى ونائب الرحبة وأكابر الطبلخاناه بالشام ومن تولى الإمرة من عرب آل فضل ثم عزل وقضاة العساكر المنصورة بحلب وناظر المملكة بها وأمير آل علي
المرتبة العاشرة أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم وبذلك يكتب إلى أعيان أمراء الطبلخاناه بحلب والحاجب الثالث والرابع بها وأكابر أولاد أمراء عرب آل فضل
المرتبة الحادية عشرة ضاعف الله تعالى نعمه الجناب العالي وما في معناه مما يكتب به إلى أرباب الأقلام وغيرهم وبذلك يكتب إلى نائب شيزر (8/229)
وأمراء الطبلخاناه بحلب غير الأعيان وناظر الأملاك الشريفة بحلب وناظر خاص البريد وموقعي الدست بها
المرتبة الثانية عشرة صدرت والعالي وبذلك يكتب إلى نائب عينتاب ونائب الراوندان ونائب الكختا ونائب كركر ونائب بغراس ونائب الدربساك ونائب الشغر وبكاس ونائب القصير وأمراء العشرينات بحلب وأعيان العشرات بها
المرتبة الثالثة عشرة صدرت والسامي وبذلك يكتب إلى مقدمي الحلقة بحلب ومقدمي البريدية بها وأعيانهم
المرتبة الرابعة عشرة السامي بغير ياء وبذلك يكتب إلى والي سرمين ووالي الباب ووالي غزاز ووالي أنطاكية ووالي حارم ووالي كفر (8/230)
طاب ووالي الجبول ووالي منبج ووالي تل باشر وأجناد الحلقة بحلب وصغار البريدية بها وعداد التركمان وعداد الأكراد
واعلم أن وراء ما تقدم من المكاتبات الصادرة عن نائب حلب مكاتبات أخرى إلى من هو خارج عن المملكة كما تقدم في المكاتبات الصادرة عن نائب الشام وهي على مراتب
المرتبة الأولى المكاتبة بيقبل الارض القان صاحب بغداد كما كان يكتب إلى القان أويس وابنه أحمد يقبل الارض بالمقام الشريف العالي المولوي السلطاني الأعظمي الأوحدي الملاذي العطوفي المحسني القاني الملكي الفلاني الجلالي أعلى الله تعالى شانه وأعز سلطانه وأمكن من رقاب الأعداء مكانه ولا زال لواؤه يتأزر بالنصر ويرتدي وفناؤه يروح إليه العز ويغتدي وعزمه يثقف صرف الزمان فلا يعتاد أن يعتدي ولا برح محمودا في موقف النصر موقفه ماضيا في هامات أعدائه مرهفه وينهي بعد أدعية رفعها إلى مواطن الإجابة ( فتقبلها ربها بقبول حسن ) وموالاة شفعها بالإخلاص فعجز عن وصفها ذوو البلاغة واللسن وأثنية جمعها فلذت بها الأسماع لذاذة الأعين الساهرة بالوسن أن الأمر كيت وكيت
المرتبة الثانية من يكتب له أعز الله تعالى انصار المقر الشريف صاحب ماردين والرسم ان يكتب إليه اعز الله تعالى انصار المقر الشريف العالي المولوي الكبيري العالمي العادلي السلطاني الملكي الفلاني ويدعى له نحو لا زالت ايامه مسعودة وأبوابه مقصودة وألوية النصر بنواصي خيله معقودة المملوك يقبل اليد الشريفة ويقوم من الخدمة باكمل وظيفة (8/231)
وينهي لعلمه الكريم بعد السلام الزكي والثناء المسكي كيت وكيت فيحيط بذلك علمه الكريم ويتحف بالمشرفات على عادة فضله العميم
المرتبة الثالثة أعز الله تعالى انصار المقر الكريم وبذلك يكتب إلى ابن قرمان نائب السلطنة بالبلاد القرمانية حاكم جولمرك صاحب برصا وهو ابن عثمان صاحب اياس لوق
المرتبة الرابعة المقر العالي وبذلك يكتب إلى صاحب حصن كيفا والوزير بالممالك القانية وقاضيها
المرتبة الخامسة أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم وبذلك يكتب إلى صاحب أنطاليا من بلاد الروم
المرتبة السادسة ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي وبذلك يكتب إلى نائب كربزاك وحاكم جمشكزاك وحاكم سيواس وحاكم أماسيا وحاكم سنوب والحاكم بخرت برت
المرتبة السابعة أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي وبذلك يكتب إلى نائب صاحب ماردين ونائب الصالحية وبعض خدام صاحب ماردين
المرتبة الثامنة صدرت والعالي وبذلك يكتب إلى حاكم حران ونائب ما زكرد وحاكم قلعة الجوز
الطبقة الثالثة ممن يكتب عنه من أعيان الدولة بمملكة الديار المصرية من يكتب إليه عن السلطان ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي كوزير (8/232)
المملكة بالديار المصرية وناظر الخاص على ما استقر عليه الحال آخرا وارباب الوظائف من الأمراء المقدمين بها كأمير سلاح وأمير مجلس وأميرأخور والدوادار وإستادار وحاجب الحجاب ونائب الإسكندرية وكذلك نواب السلطنة بطرابلس وحماة وصفد من الممالك الشامية
والمكتوب إليهم عن هذه الطبقة على تسع مراتب
المرتبة الأولى الفلاني بمطالعة وهم النائب الكافل وأتابك العساكر ونائب الشأم
المرتبة الثانية الأبواب بمطالعة وبذلك يكتب إلى نائب حلب
المرتبة الثالثة الأبواب بغير مطالعة وبذلك يكتب إلى نائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد ونائب الكرك وأمير سلاح وغيره من سائر من في هذه الطبقة
المرتبة الرابعة الباب الكريم وبذلك يكتب إلى نائبي الوجهين القبلي والبحري بالديار المصرية ومقدمي العسكر بغزة وسيس والأمراء المقدمين المتوجهين من الأبواب السلطانية لكشف الجسور والمساحة وقبض الغلال
المرتبة الخامسة يقبل الأرض بالمقر الشريف إن قصد تعظيمه أو الباسط الشريف إن لم يقصد وبذلك يكتب إلى
المرتبة السادسة يقبل اليد العالية وبذلك يكتب إلى أمراء الطبلخاناه المتوجهين من الأبواب السلطانية لكشف الجسور والمساحة والقبض وربما انحطت رتبة أحد هؤلاء فكتب إليه أعز الله تعالى أنصار المقر (8/233)
الكريم أو نصرة الجناب الكريم أو ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي
المرتبة السابعة ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي وبذلك يكتب إلى كاشف الوجه البحري وكاشف الفيوم والبهنساوية
المرتبة الثامنة أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي وبذلك يكتب إلى الولاة الطبلخاناه بالوجهين القبلي والبحري بالديار المصرية كقوص والمحلة وغيرهما وربما كتب صدرت والعالي لأحدهم المرتبة التاسعة صدرت والسامي وبذلك يكتب إلى ولاة العشرات بالوجهين القبلي والبحري بالديار المصرية
الطبقة الرابعة ممن يكتب عنه من أعيان الدولة بمملكة الديار المصرية من يكتب إليه عن السلطان أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي ككاتب السر وناظر الجيش وكذلك الحجاب الطبلخاناه بالديار المصرية وعلى ذلك كان ناظر الخاص في الزمن المتقدم فلما جمع للصاحب شمس الدين المقسي بين الوزارة ونظر الخاص كان يكتب عنه بما يكتب به عن الوزراء كما تقدم فلما انفصل الخاص عن الوزارة روعي في الخاص ذلك القدر فكتب عن ناظر الخاص كما كتب عن الوزير والأمر على ذلك إلى الآن
والمكاتبات الصادرة عن هذه الطبقة على مراتب
المرتبة الأولى الفلاني بمطالعة وبذلك يكتب إلى النائب الكافل والأتابك ونائب الشام وألحقوا بهذه الرتبة نائب حلب فكتبوا إليه الفلاني
المرتبة الثانية الأبواب بمطالعة وبذلك يكتب عن هذه الطبقة إلى نواب السلطنة بطرابلس وحماة وصفد وثغر الإسكندرية (8/234)
المرتبة الثالثة الأبواب بغير مطالعة وبذلك يكتب إلى نائبي الوجهين القبلي والبحري بالديار المصرية ومقدمي العسكر بغزة وسيس وربما كتب إلى أحدهم الباب الكريم
المرتبة الرابعة الباسط الشريف وبذلك يكتب إلى نائب الكرك
المرتبة الخامسة يقبل الباسطة وبذلك يكتب إلى نائب القدس الشريف ونائب الرحبة وكاشف الوجه البحري وكاشف الفيوم بالديار المصرية
المرتبة السادسة يقبل اليد العالية وبذلك يكتب إلى الولاة الطبلخاناه بالوجهين القبلي والبحري بالديار المصرية
المرتبة السابعة يخدم الجناب العالي وبذلك يكتب إلى الولاة العشرات الوجهين القبلي والبحري ايضا
قلت وعلى هذه الطبقات الأربع يقاس من دونهم ممن يكتب إليه عن السلطان صدرت والعالي كنائبي القدس والرحبة ومن يكتب له صدرت والسامي كالكاشف بالوجه البحري وكاشف الفيوم ومن يكتب له هذه المكاتبة كالولاة الطبلخاناه بالوجهين القبلي والبحري ومن يكتب له يعلم كالولاة العشرات بالوجهين أيضا على أن الغالب في مثل هؤلاء أن تكون الكتابة عنهم لأعيان الدولة الفلاني بمطالعة وفيمن هو مثلهم أو دونهم يقاس على ما تقدم
وأعلم أن هذه المراتب المضمنة للطبقات ليست على سبيل اللزوم في الوقوف عند حدها بحيث لا يجوز تجاوزها بزيادة ولا التأخر عنها بنقص بل هي على سبيل التقريب والأمر في زيادة رتبة المكتوب إليه زيادة لا تخرجه عن حده في المقدار موكول إلى أختيار الكاتب يزيد في ذلك وينقص بحسب ما يقتضيه الحال من رفعة قدر المكتوب إليه لمزيد رفعته عن نوعه أو محاباته لاستمالته إلى القصد المطلوب منه أو الغض منه بحطيطة رتبته أو نحو ذلك (8/235)
الفصل السابع
من الباب الثاني من المقالة الرابعة في مقاصد المكاتبات وهي الأمور التي تكتب المكاتبات بسببها
وهي الجزء الأعظم من صناعة الترسل وعليها مدار صنعة الكتابة إذ الولايات من مقاصد المكاتبات وهي أهم ما تضلع به الكاتب وألزم ما مهر فيه وهي قسمان
القسم الاول مقاصد المكاتبات السلطانيات وهي على نوعين
النوع الأول ما يكتب عن الخلفاء والملوك وهو على ثلاثة اضرب
الضرب الأول ما يكتب عن الخلفاء والملوك ومن ضاهاهم
مما هو مستعمل الآن مما كان عليه الحال في الزمن القديم مما يقل ويكثر ويتكرر تداوله في الكتابة وسائر المكاتبات في الحوادث المألوفة التي يكثر تداولها وتتكرر الكتابة فيها بتكرر وقائعها وما رسم الكتابة به باق إلى زماننا وإن تغير مصطلح الابتداء والخطاب وغيرهما من رسوم المكاتبات وهو على أصناف (8/236)
الصنف الأول الكتب بانتقال الخلافة إلى الخليفة
قال في مواد البيان جرت العادة أن تنفذ الكتب إلى ولاة الأعمال في مثل هذه الحالة متضمنة ما جرى عليه الأمر بالحضرة من انقياد الأولياء والرعايا إلى الطاعة ودخولهم في البيعة بصدور منشرحة وحض من بالأعمال من رجال السلطان ورعيته على الدخول فيما دخل فيه أمثالهم وإعطاء الرعايا على ذلك صفقة أيمانهم
وقد كان الرسم فيها أن تصدر بحمد الله تعالى على عوارفه التي لم تزل تكشف الخطب وترأب الشعب وتدفع المهم وترفع الملم وتجبر الوهن وتسبغ الأمن والصلاة على سيدنا محمد وذكر خصائصه ومناقبه وتشريف الله تعالى له بإقرار الإمامة في اقاربه وتخصيصها ببني عمه الذين هم أحق الناس به وما أمر به الله تعالى رسوله من طلب مودتهم من الأمة بقوله جل من قائل ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) وما أشار إليه من بقاء الخلافة فيهم بقوله لعمه العباس ألا أبشرك يا عم بي ختمت النبوة وبولدك تختم الخلافة وما يجري مجرى ذلك ثم يتلو ذلك بالإفصاح عن شرف الخلافة وفضلها والإبانة عن رفيع مكانها ومحلها وأنها ظل الله الممدود وحبله المشدود ومساك الدين ونظامه وملاك الحق وقوامه وامتنان الله تعالى عل العباد بأن جعل فيهم أئمة يقسطون العدل عليهم ويقيمون الحدود فيهم ويقومون أديانهم ويهذبون إيمانهم ويرهفون بصائرهم ويهدون حائرهم ويكفون ظلومهم وينصفون مظلومهم ويجمعون كلمتهم ويحمون (8/237)
ذمارهم ويحوطون ديارهم وما يجري مجرى ذلك ثم يذكر ما أوجبه الله تعالى على أهل الإسلام للإمام من الطاعة وحسن التباعة أيام حياته والانقياد لأمره في طاعة من ينص عليه في القيام مقامه بعد وفاته ليتصل حبل الإمامة بينهم ويمتد ظل الخلافة عليهم فإن كان قد تلقى الخلافة بعهد عن خليفة قد مات من أب أو غيره أتى بمقدمة في ذكر الموت وأن الله تعالى سوى فيه بين بريته وجعل في تطرقه إلى رسوله أسوة لخليقته وتفرد بالبقاء وامتنع عن الفناء ثم يقال وإن الله تعالى لما اختار لعبده ووليه فلان النقلة إلى دار كرامته والحلول بفناء طاعته وأعانه على سياسة بريته وأنهضه بما حمله وأيده فيما كفله من الذب عن المسلمين والمراماة عن الدين والعمل بكتابه وسنته في القول والفعل واستشعار خيفته ومراقبته في السر والجهر وما يليق بهذا استخلص عبده ووليه فلانا الإمام الفلاني لخلافته وأهمى سماء الرحمة بإمامته وأحل عزيز النصر بولايته وألقى في نفيس رأيه النص عليه والتفويض إليه لما علم سبحانه في ذلك من شمول المصلحة للعباد وعموم الأمنة للبلاد فأمضى قدس الله روحه ما ألهمه وكمله قبل خروجه من دار الدنيا وتممه عالما بفضل اختياره وأنه لم يمل به الهوى في إيثاره فقام أمير المؤمنين الإمام الفلاني مقامه وحفظ نظامه وسد ثلمته وعفى رزيته وأقر الله تعالى الإمامة به في نصابها ومقرها وزاد باستخلافه في صيت الخلافة وقدرها
وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى أن يخص وليه السعيد بقربه بأفضل صلواته وأشرف تحياته ويحسن جزاءه في سعيه في صلاح العباد وسداد البلاد وأن يلهم أمير المؤمنين الصبر على تجرع الرزية فيه ويجزيه أفضل ما جزى به صابرا محتسبا وأن يجبر كسره في فقده ويوفقه لجميل العزاء من بعده ويسدده في مصادره وموارده ويهديه لما يرضيه في جميع مقاصده ويعينه على تأليف الأهواء وجمع الآراء ونظم الشمل وكف القتل وإرخاء الظل (8/238)
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد اجتمع من بحضرته من ذوي جهته وامراء دولته وكافة جنده وجماعة حوزته على بيعته وإعطائه صفقة أيمانهم على طاعته ومشايعته عن صدور مخلصه نقية وسرائر صافية سليمة وعقائد مشتملة على الوفاء بما عقدوا عليه وانقادوا مختارين إليه وشملتهم بذلك الرحمة وضفت عليهم النعمة فما برحوا الرزية حتى فرحوا بالعطية ولا وجموا للمصيبة حتى بسموا للرغيبة ولا أظلموا لفقد الماضي حتى أضاء الوجود بالآتي
فلله الحمد على هذه النعمة التي جبرت الوهن وحققت في فضله المن حمدا يستدر أخلاف فضله ويستدعي سابغ طوله وصلى الله على محمد وآله وأمير المؤمنين يراك من أهل مخالصته والمتحققين بطاعته وهو يأمرك أن تأخذ البيعة له على نفسك وعلى جميع أوليائه المقيمين قبلك وكافة رعاياه الذين هم في عملك وتشعرهم بما عنده للمسارعين لطاعته المبادرين إلى اتباعه من تيسير الإنصاف والعدل وإفاضة الإحسان والفضل وما لمن نكب عن الطريقة المثلى وحاد عن الأولى من الكف الرادع والأدب الوازع ويتوسع في هذا المعنى توسعا يشرح صدور أهل السلامة المستمرين على نهج الاستقامة ويردع أهل الفساد ويغض من نواظر ذوي العناد ويحلي الكتاب بآيات من القران الكريم تحسن استعارتها في باب العزاء ويليق ذكرهافي باب الإشادة الخلافة والخلفاء فإن كان الكتاب مما يقرأ بالحضرة قال في موضع وكتاب أمير المؤمنين إليك وأنتم معاشر أقارب أمير المؤمنين من إخوته وبني عمه وخواص الدولة وأمرائها وأجنادها وكتابها وقضاتها وكافة رعيتها ومن اشتمل عليه ظل مملكتها أحق من حافظ على عوارف أمير المؤمنين وأعتد بلطائفه وقام بشكر نعمته وسارع إلى اتباعه واعتصم بحبل دعوته فأجمعوا على متابعته وإعطائه صفقة ايمانكم على مبايعته ليجمع الله على التأليف كلمتكم ويحمي بالتآزر بيضتكم ويتبع ذلك من وعد أهل الطاعة بما يضاعف جدودهم ومن وعيد أهل المعصية بما يصفر خدودهم على نسق ما سبق في الترتيب (8/239)
وهذه نسخة كتاب في المعنى كتب به عن الآمر بأحكام الله تعالى عند استقراره في الخلافة بعد أبيه المستعلي بالله والدولة مشتملة على وزير من إنشاء ابن الصيرفي وهي
الحمد لله المتوحد بالبقاء القاضي على عباده بالفناء الذي تمجد بالأزلية والقدم وتفرد بالوجود وتنزه عن العدم وجعل الموت حتما مقضيا على جميع الأمم
يحمده أمير المؤمنين على ما خصه به من الإمامة التي قمصه سربالها وورثه فخرها وجمالها حمد شاكر على جزيل العطية صابر على جليل الرزية مسلم إليه في الحكم والقضية ويسأله أن يصلي على جده محمد الذي ثبتت حجته ووضحت محجته وعلت كلمته وأنافت على درج الأنبياء درجته صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي جعل (8/240)
الله الإمامة كلمة في عقبه باقية وحبه جنة يوم الفزع الأكبر واقية وعلى الائمة من ذريتهما الطاهرين صلاة دائمة إلى يوم الدين
وإن الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين قدس الله روحه وصلى عليه كان من أوليائه الذين اصطفاهم لخلافته في الارض وجعل إليهم أزمة البسط والقبض وقام بما حمله من أوق الإمامة ولم يزل عاملا بمرضاة الله إلى أن نقله إلى دار المقامة فإنا لله وإنا إليه راجعون رضا بقضائه وصبرا على بلائه وإلى الله يرغب أمير المؤمنين في إلهامه حسن الصبر على هذا المصاب وإجزال حظه عليه من الأجر والثواب وإمداده في خلافته بمواد الإرشاد والصواب بكرمه
وكتاب امير المؤمنين يوم كذا من الشهر الفلاني من سنة كذا بعد ان جلس للحاضرين بحضرته من الامراء عمومته وأوليائه وخدم دولته وسائر أجناده وعبيد مملكته وعامة شيعته وأصناف رعيته وأنوار الخلافة عليه مشرقة وأغصان الامامة مثمرة مورقة والسيد الأجل الأفضل الذي أمده الله في نصرة الدولة العلوية بالتأييد والاظهار وأبان به برهان الامامة الآمرية فوضحت أنوارها للبصائر والابصار وشهر له من المناقب ماسار مسير الشمس في جميع الأقطار يتولى الأمر بحضرته تولي الكافل الزعيم ويباشر النظر في بيعته مباشرة القسيم الحميم والناس داخلون في البيعة بانشراح صدور واظهار ابتهاج وسرور يعطون صفقة أيمانهم ويعلمون ما لهم من الحظ في طاعة امام زمانهم قد تحققوا شمول السعد وعموم الرشاد وتيقنوا الخيرة لهم قي العا جلة والمعاد وأمير المؤمنين يعزيك ومن قبلك من أولياء دولته وسائر رعيته عن المصيبة قي الامام (8/241)
المستعلي بالله صلى الله عليه التي قطعت من النفوس أملها وأسكنت الألباب جزعا وولها ويهنيك وإياهم بمتجدد دولته التي تهلل لها وجه الزمان واستهلت بها سحائب الفضل والإحسان وأمير المؤمنين يحمد الله الذي أقر الحق في منصبه وأفرده بما كان والده الإمام المستعلي بالله أفرد به
فاعلم ما أعلمك أمير المؤمنين من هذا الخطب الجسيم والنبأ العظيم واشكر الله على ما جدده لك ولكافة المسلمين من النعمة بإمامة أمير المؤمنين التي أوفت بإساءة الزمان وجنايته وشفت من داء كلمه ونكايته وتقدم إلى الدعاء قبلك بأخذ البيعة على نفسك وعلى كافة من في ولايتك واستحمد إلى أمير المؤمنين أنت وهم بالإخلاص في طاعته والاجتهاد في مناصحته والتمسك بعصم مشايعته لتنالوا في العاجلة خطا جسيما وتحرزوا في الآجلة أجرا كريما ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما )
وطالع بالكائن منك بعد قراءة كتاب أمير المؤمنين على الحاضرين قبلك وإذاعته في الواردين عليك والمستوطنين عملك ليحمدوا الله على ما أنالهم بخلافة أمير المؤمنين من جميل الصنع العائد على العباد وصلاح البلاد وكتب في اليوم المذكور
وهذه نسخة كتاب عن الآمر بأحكام الله المقدم ذكره كتب به إلى ولاة الأطراف بعد قراءة عهده مهنئا بخلافته وتجديد ولايته من إنشاء ابن الصيرفي ايضا وهي
أما بعد فالحمد لله مولي المنائح من نعمه ومجزل العطايا من مواهبه وقسمه ومعود الصنع الجميل من لطفه وكرمه الذي له الحكم الظاهر عدله ولديه الطول الفائض فضله وعنده مفاتح الغيب وإليه يرجع الأمر كله (8/242)
يحمده أمير المؤمنين على ما أفرده به من سني المواهب ونظمه له من عقود المناقب ونقله إليه من تراث آبائه الكرام الذين جلا ضياؤهم ظلام الغياهب وتزينت بهم الأرض تزين السماء الدنيا بزينة الكواكب ويسأله أن يصلي على جده محمد الذي نشر الله به الرحمة وكشف الغمة وانقذ الامة صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والمذكور في زبر الأولين وعلى الصفوة من ذريتهما الهداة الراشدين صلاة باقية إلى يوم الدين
وإن النعم تتفاضل أقدارها بحسب مواقعها وتتفاوت أخطارها بقدر مواضعها ومن ألطفها مكانا واشرفها محلا وشانا وأولاها بأن تستنطق به الأقلام وأحقها بأن يتناقل ذكرها الخاص والعام ما خص الله به امير المؤمنين من المنن الظاهرة وتولاه من المنح المتظاهرة واصاره إليه من الخلافة في ارضه واستخلفه عليه من القيام بسنن دينه وفرضه واسترعاه إياه من حياطة بلاده وأوجبه من طاعته على كافة خلقه وعباده وذخره لدولته من كفيله وخليله ومقيم أدلة حقه وموضح سبيله السيد الأجل الأفضل الذي ارتضاه الله للذب عن الاسلام وانتضاه لنصرة إمام بعد إمام وشهر مناقبه في كل موقف ومقام وخصه بفضائل لم تر مجتمعة لملك من ملوك الإسلام لا جرم أن أمير المؤمنين قد أحله منه محل الروح من الجسد والوالد من الولد وفوض الأمور إليه تفويض معول على يمن نقيبته معتمد مبالغ في حسن الاختيار للأمة مجتهد والله تعالى يمتع أمير المؤمنين ببقائه الكافل ببلوغ الأمل ويجازيه عن تشييد مملكته أحسن ما جزى به مخلصا جمع في الإيمان بين القول والعمل بكرمه
ولما وقف أمير المؤمنين بما طالعه به السيد الأجل الأفضل عند مثوله بحضرته وإنهائه أمور دولته وأحوال مملكته على امرك الذي استحمده في الخدمة واستحققت به إفاضة الإحسان وإسباغ النعمة وأن لك في الدولتين (8/243)
المستنصرية والمستعلية من الخدم المشكورة والمساعي المبرورة ما يدل على مناصحتك وإخلاصك ويبعث على اصطناعك واستخلاصك أمر بكتب هذا السجل لك مؤكدا لأواخيك ومعربا عن رأيه الجميل فيك ومجددا من ولايتك ومجريا لك فيها على مستمر رسمك ومستقر عادتك فقابل نعمة أمير المؤمنين من الإخلاص في طاعته بما يرتبطها ووفها من حق الاجتهاد ما يقرها عنك ويثبطها واجعل تقوى الله تعالى عمادك واطو عليها طويتك واعتقادك ومكن في نفوس الأولياء جميل رأي أمير المؤمنين فيهم وإحماده لمواقفهم في الخدمة ومساعيهم وحقق عند كافة المستقرين لديك والواردين عليك ما يكنفون به من الأمر الشامل ويغمرون به من حسن النظر المتواصل وأجر على العادة المألوفة في إفاضة العدل والإنصاف وتنكب سبيل الجور والإجحاف ومهد السبل قبلك وأحم من أسباب الفساد ولايتك وعملك واخصص متولي الحكم والدعوة الهادية ثبتها الله تعالى بالإعزاز والرعاية ووفر حظهم من الملاحظة والعناية وخذ المستخدم في الخطبة العلوية بإقامتها في أوقاتها على أفضل قوانينها وواجباتها معلنا فيها بذكر أمير المؤمنين الذي يتوج فروق المنابر ويشنف أسماع البوادي والحواضر وتوفر على ما ثمر الأموال وأنماها وغزرها ورخاها وقضى بوفورها وحصولها ودعا إلى درورها ومواصلة حمولها وانظر في أمر الرجال المستخدمين معك نظرا يؤدي إلى مصلحتهم فاعلم هذا من أمير المؤمنين واغتبط بما أصاره الله إليه اغتباط أمثالك من المخلصين واعتقد طاعته اعتقاد من يجاريك من أهل اليقين واعمل بوصاياه ومراشده تحظ في الدنيا والدين وطالع بالكائن منك بعد قراءة هذا السجل على كافة الناس أجمعين وكتب في كذا وكذا (8/244)
وأعلم أن العادة جارية بينهم أنه إذا كتب كتاب عن الخليفة بانتقال الخلافة إليه يكتب ملطف عن الوزير يلف كتاب الخليفة ضمنه ويوجه به إلى حيث المقصد
وهذه نسخة ملطف في هذا المعنى كتب به عن وزير في الدولة الفاطمية ليلف كتاب الخليفة طيه وهو
ينطوي هذا الأمر الوارد على الأمير على كتاب مولانا وسيدنا الإمام الفلاني لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين أو أبنائه المنتظرين إن كان لا ولد له بما أصاره إليه من شرف الإمامة وبوأه إياه من مقام العظمة والكرامة إثر انتقال الإمام فلان أمير المؤمنين قدس الله روحه إلى جوار ربه فاعتمد العمل بمضمونه في أخذ البيعة على نفسك ومن يليك وتلاوته على رؤوس الأشهاد وإذاعة مكنونه في الحاضر والباد على الرسم المعتاد فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
قلت وهذا المعنى في الكتابة بانتقال الخلافة إلى الخليفة جار في زماننا بانتقال السلطنة إلى السلطان ويعبر عن ذلك بجلوسه على تخت الملك والأمر على ما تقدم في الخلافة من التعزية بالماضي والتهنئة بالمستقر ونحو ذلك مما يجري مجراه
وهذه نسخة مكاتبة بالبشارة بجلوس الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على التخت في شهر رجب الفرد سنة اثنتين وخمسين (8/245)
وسبعمائة بعد خلع أخيه الملك الناصر حسن وصورتها بعد الصدر والألقاب
وأورد عليه من البشائر اسنى البشر واسمعه من التهاني ما انتشى حديثه بين البرايا وانتشر وحفظ عليه وعلى الامة ما أراد لهم من الخير وولى عليهم خيارهم وجعل مليكم صالح البشر
صدرت هذه المكاتبة إلى فلان ونصربها مقدما بالظفر وذكرها قد ملأ الأقطار فجمع عليه كل قلب كان قد نفر تهدي إليه سلاما عن وجه الشكر سفر وثناء يحصل منه على النصيب الأوفر وتوضح لعلمه أن الجنابات العالية الأمراء الأكابر أمراء الدولة الشريفة ضاعف الله نعمتهم كانوا قد عظموا أخانا الناصر وحكموه ومشوا إلى خدمته على أحسن سنن وما أبقوا في خدمته ممكنا من التعظيم والإجلال والتحكيم وامتثال الأمر في كل جليل وحقير فلم يرع لهم ذلك ولا التفت إلى ما لهم عليه من حقوق الخدمة واتفق مع الصبيان وأراد القبض على الأمراء وإمساك الجنابات العالية الأمراء الأكابر والإيقاع بهم فلما تحققوا منه ذلك اجتمعت الأمراء واتفقت الكلمة على خلعه من الملك الشريف وإقامتنا فخلع المشار إليه وكان جلوسنا على تخت الملك الشريف وكرسي السلطنة المعظمة في يوم الاثنين المبارك بحضور الإمام المعتضد بالله أمير المؤمنين أبي الفتح ابي بكر ابن الإمام المرحوم أمير المؤمنين أبي الربيع سليمان المستكفي بالله ومبايعته لنا وحضور المجالس العالية قضاة القضاة بالأبواب (8/246)
الشريفة أعز الله تعالى أحكامهم وحلف لنا أمراء الدولة الشريفة على جاري العادة في ذلك وضربت عند ذلك البشائر وشهد هذا الهناء كل باد وحاضر وتشنفت الأسماع وقرت العيون واستقرت الخواطر وابتهجت بذلك الأمم وتباشرت بهذا السعد الذي كتب لنا من القدم واصبح كل من أنصار دولتنا الشريفة مبتهلا بالدعاء مبتهجا
فليأخذ المقر حظه من هذه التهنية وليذع خبرها لتكون المسار معيدة ومبدية ويتحقق ماله عندنا من المكانة والمحل الذي زان بالإقبال الشريف زمانه ويتقدم أمره الكريم بتهنئة المجالس العالية والسامية ومجالس الامراء بالمملكة الفلانية ويتقدم أيضا بضرب البشائر وبالزينة على العادة
وقد تجهز إلى الجناب العالي نسخة يمين شريفة يحلف عليها ويكتب خطه ويجهزها إلينا صحبة المجلس السامي الأمير الأجل الكبير العضد الذخري النصيري الأوحدي عضد الملوك والسلاطين يلبغا الحموي الصالحي أدام الله علوه المتوجه بهذا المثال الشريف وقد جهزنا نسخة يمين شريفة ليحلف عليها لنا الأمراء بطرابلس ويكتبوا خطوطهم ويجهزها إلينا على العادة صحبة المشار إليه
وقد جهزنا للجناب العالي صحبة المشار إليه تشريفا شريفا كاملا فيتقدم الجناب العالي بتسلمه منه ولبسه ويتحقق ماله عندنا من المكانة والمنزلة ويعيد الأمير سيف الدين يلبغا المشار إليه إلى الباب الشريف فيحيط علمه بذلك
الصنف الثاني من الكتب السلطانية الكتب في الدعاء إلى الدين وهو من أهم المهمات
قال في مواد البيان أشرف ما ينشئه الكاتب الدعاء إلى دين الإسلام (8/247)
الذي أظهره الله تعالى على كل دين وأعزه على كره المشركين واستجرار مخالفيه إليه واجتذاب الخارجين عن دائرته إلى الدخول فيه عملا بما كان عليه رسول الله والخلفاء من بعده لأنه قوام الملك ونظام السلطان اللذان لا يصحان إلا به
قال والكاتب يحتاج في إنشاء هذه الكتب إلى علم التوحيد وبراهينه وشرع الرسول خاصه وعامه ومعجزاته وآيات نبوته ليتوسع في الإبانة من ظهور حجته ووضوح محجته
ثم قال والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله الذي اختار دين الإسلام فأعلاه وأظهره وقدسه وطهره وجعله سبيلا إلى رضاه وكرامته وطريقا إلى الزلفى في جنته وشفيعا لا يقبل عمل عامل إلا به وبابا لا يصل واصل إلا منه فلا تغفر السيئات إلا لمن اعتصم بحبله ولا تتقبل الحسنات إلا من أهله وشكره تعالى على الهداية إليه والتوفيق عليه وذيادته عن مجاهل الضلالة بما أوضحه من برهانه ونوره من تبيانه وتمجيده من تعظيم آياته وباهر معجزاته وحكيم صنعته وبديع فطرته وتنزيهه عما لا يليق بسلطانه ولا تجوز إضافته إلى عظيم شانه وتسبيحه عما يصفه به الملحدون ويختلقه الجاحدون والصلاة على رسوله محمد والإفصاح عن دلائل نبوته وبراهين رسالته وما خصه الله تعالى به من إعلاء ذكره وإمداده بالمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة
ثم يتبع ذلك بالدعاء إلى الدين والحض عليه وإيضاح ما في التمسك به من الرشاد في داري المبدإ والمعاد والتبشير بما وعد الله به المستجيبين له والداخلين فيه من تمحيص السيئات ومضاعفة الحسنات وعز الدنيا وفوز الآخرة والإنذار بما أوعد الله به الناكبين عن سبيله العادلين عن دليله من الإذلال في هذه الدار والتخليد بعد العرض عليه في النار وتصريف المخالفين بين الرغبة والرهبة في العاجل والمغبة
قال وينبغي أن يتأنى الكاتب فيما يورده من هذه الأغراض ليقع في (8/248)
المواقع اللائقة به ويجلو الحجج في أحسن المعاريض ويفصح عنها بأقرب الألفاظ من النفوس فإنه إذا وفق لذلك ناب كتابه مناب الجيوش والأجناد وأقر السيوف في الأغماد ثم قال ومن صدقت في هذا الفن رغبته أيد الله تعالى غريزته وعضد بديهته ورويته
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية قد بطل في زماننا فلم يعهد أن ملكا من الملوك كتب إلى بلاد الكفر بالدعاية إلى الدين إذ مثل ذلك إنما يصدر مع الغلبة والقوة والقهر كما كان الخلفاء في الزمن المتقدم والكفر مقهور معهم مذلول لديهم أما الآن فلولا ما أخبر به بقوله ونصرت بالرعب مسيرة شهر وفي رواية ونصرت أمتي لاجتاح أهل الكفر الإسلام ولكن الله وعد دينه أن لا يخذل
الصنف الثالث من الكتب السلطانية الكتب بالحث على الجهاد
قال في مواد البيان كما أن الدين ينتظم بالدعاء إليه والترغيب فيه كذلك ينتظم يصيانة حوزته وما دخل في مملكته وكف أعدائه عن تنقص أطرافه والتغلب على بلاده ولهذا فرض الله تعالى الجهاد وأوجبه وأكد الأمر فيه وشدده والسلطان يحتاج عند الحوادث التي تحدث من تطرق المخالفين إلى بعض الثغور أو شن الغارة على أهل الإسلام أن يدعو إلى الجهاد ومقارعة الأعداء وصون حريم الملة وحفظ نظام الدولة
ثم ذكر أن الرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على جميل صنعه على إعزاز الكلمة وإسباغ النعمة باظهار هذه الملة وما وعد الله به من نصر أوليائه وخذلان أعدائه وأدالة الموحدين وإذالة الملحدين والصلاة على رسوله وعلى آله وذكر طرف من مواقفه في الجهاد ومقارعته لشيع الإلحاد وتأييد الله تعالى أنصاره على أهل العناد ثم يذكر الحادثة بنصها ويشرح القصة على فصها ويندب من جاوره وداناه من أهل الملة أجمعين (8/249)
ويخاطبهم بما يرهف عزائمهم في نصرة الدين وكافة المسلمين واتباع سبيل السلف الصالحين الذين خصهم الله تعالى بصدق الضمائر ونفاذ البصائر وصحة الدين ووثاقة اليقين فلم يكونوا ليروموا مراما إلا سهل لهم ما توعر ويسر عليهم ما تعسر وسما بهم إلى ما هو أقصى منه مرمى وأبعد مدى رغبة فيما رغبهم فيه من نصرته وتعرضا لما عرضهم له من جزيل مثوبته وأن يحضهم على التمسك بعزائم الدين والعمل على بصائر المخلصين وافتراض ما فرض الله عليهم من جهاد أعدائه وتنجيز ما وعدهم به من الإظفار بهم والإظهار عليهم وأن يجاهدوا مستنصرين ويؤدوا الحق محتسبين ويقدموا رسلا لا ناكصين ولا شاكين ولا مرتابين متبعين الحق حيث يمم وقصد ومضاربين دونه من صد عنه وعند ويبالغ في تنخية أهل البسالة والنجدة والبأس والشدة ويبعثهم على نصر حقهم وطاعة خالقهم والفوز بدرك الثواب والرضوان وتنور البصائر في الايمان وفضيله الأنف من الضيم والبعد من الذيم إلى غير هذا مما يعدل الأرواح والمهج والإقدام على مصارع التلف فإن الملوك الماضين لعلمهم بأن الناس إنما يجودون بذلك للفوائد التي توجبه كانوا يبذلون لمن يدعونه إلى المكافحة ويعرضونه للمذابحة الرغائب التي تهون عليهم إلقاء نفوسهم في المهالك تارة ويذكرونهم الأحقاد والضغائن ويخوفونهم من الوقوع في المذلة أخرى
ثم قال وينبغي للكاتب أن يقدم في هذه الكتب مقدمات يرتبها على ترتيب يهز الأريحيات ويشحذ العزائم ليجمع بين خدمة سلطانه والفوز بنصيب من الأجر
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانيات مستمر الحكم إلى زماننا فما زالت الملوك يكتبون إلى ما يليهم بالحث على الجهاد والقيام بأوامره والحض على ملاقاة العدو والأخذ بنصرة الدين وقد تقدم في الكلام على (8/250)
مقدمات المكاتبات في اول هذه المقالة أن الشيخ شهاب الدين محمودا الحلبي ذكر في حسن التوسل إنه إذا كتب عن الملك في أوقات حركات العدو إلى أهل الثغور يعلمهم بالحركة للقاء عدوهم أنه يبسط القول في وصف العزائم وقوة الهمم وشدة الحمية للدين وكثرة العساكر والجيوش وسرعة الحركة وطي المراحل ومعاجلة العدو وتخيل أسباب النصر والوثوق بعوائد الله في الظفر وتقوية القلوب منهم وبسط آمالهم وحثهم على التيقظ وحضهم على حفظ ما بايديهم من ذلك وما أشبهه وأنه يبرز ذلك في أبين كلام وأجله وأمكنه وأقربه من القوة والبسالة وأبعده من اللين والرقة ويبالغ في وصف الإنابة إلى الله تعالى واستنزال نصره وتأييده والرجوع إليه في تثبيت الأقدام والاعتصام به في الصبر والاستعانة به على العدو والرغبة إليه في خذلانهم وزلزلة أقدامهم وجعل الدائرة عليهم دون التصريح بسؤال بطلان حركتهم ورجاء تأخيرهم وانتظار العرضيات في تخلفهم لما في ذلك من إيهام الضعف عن لقائهم واستشعار الوهن والخوف منهم وأن زيادة البسط ونقصها في ذلك بحسب المكتوب إليه
وهذه نسخة مكاتبة من ذلك عن السلطان إلى بعض نواب الثغور من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي أوردها في حسن التوسل وهي
أصدرناها ومنادي النصر قد أعلن بياخيل الله اركبي ويا ملائكة الرحمن اصحبي ويا وفود الظفر والتأييد اقربي والعزائم قد ركضت على سوابق الركض إلى العدا والهمم قد نهضت إلى عدو الإسلام فلو كان في مطلع الشمس لاستقربت ما بينها وبينه من المدى والسيوف قد أنفت من الغمود فكادت تنفر من قربها والأسنة قد ظمئت إلى موارد القلوب فتشوفت إلى الازنواء من قلبها والكماة قد زأرت كالليوث إذا دنت فرائسها والجياد قد مرحت لما عودتها من (8/251)
الانتعال بجماجم الأبطال فوارسها والجيوش قد كاثرت النجوم اعدادها وسار بها للهجوم على اعداء الله من الملائكة الكرام أمدادها والنفوس قد اضرمت الحمية للدين نار غضبها وعداها حر الاشفاق على ثغور المسلمين عن برد الثغور وطيب شنبها والنصر قد أشرقت في الوجود دلائلة والتأييد قد ظهرت على الوجوه مخايله وحسن اليقين بالله في إعزاز دينه قد أنبأت بحسن المآل أوائله والألسن باستنزال نصر الله لهجة والأرجاء بأرواح القبول ارجة والقلوب بعوائد لطف الله بهذه الامة مبتهجة والحماة وما منهم إلا من استظهر بإمكان قوته وقوة إمكانه والأبطال وليس فيهم من يسأل عن عدد عدوه بل عن مكانه والنيات على طلب عدو الله حيث كان مجتمعة والخواطر مطمئنة بكونها مع الله بصدقها ومن كان مع الله كان الله معه وما بقي إلا طي المراحل والنزول على أطراف الثغور نزول الغيث على البلد الماحل والإحاطة بعدو الله من كل جانب وإنزال نفوسهم على حكم الأمرين الأخرين من عذاب واصب وهم ناصب وإحالة وجودهم إلى العدم وإجالة السيوف التي إن انكرتها أعناقهم فما بالعهد من قدم واصطلامهم على ما بايدي العصابة المؤيدة بنصر الله في حربها وابتلاؤهم من حملاتها بريح عاد التي تدمر كل شيء بأمر ربها فليكن مترقبا طلوع طلائعها عليه متيقنا من كرم الله استئصال عدوه الذي إن فر أدركته من ورائه وإن ثبت أخذته من بين يديه وليجتهد في حفظ ما قبله من الأطراف وضمها وجمع سوائم الرعايا من الأماكن المخوفة ولمها وإصلاح ما يحتاج إلى أصلاحه من مسالك الأرباض المتطرفة ورمها فإن الاحتياط على كل حال من آكد المصالح الإسلامية وأهمها فكأنه بالعدو وقد زال طمعه وزاد ظلعه وذم عقبى مسيره وتحقق سوء منقلبه ومصيره وتبرأ منه الشيطان الذي دلاه بغروره واصبح لحمة موزعا بين ذئاب الفلا وضباعها وبين عقبان الجو ونسوره ثقة من وعد الله وتمسكا منه باليقين وتحققا أن الله ينصر من ينصره والعاقبة للمتقين (8/252)
وهذه نسخة مرسوم كريم في المعنى بل هو أصرح في ذلك مما قبله كتب به عند ظهور الفرنج اللوسارية والشوال بالبحر من إنشاء الشيخ بدر الدين بن حبيب الحلبي وهو وإن لم يكن عن السلطان فإنه في معناه لقيام النائب بالمملكة قيام السلطان الذي استنابه وهو
المرسوم بالأمر العالي أعلاه الله تعالى لا زالت مراسمه النافذة تبلغ أهل العصابة المحمدية غاية الآمال وأوامره المطاعة تقضي بكسر اللوسارية وشين الشوال أن تتقدم العساكر المنصورة بالمملكة الطرابلسية أيد الله تعالى عزائمهم القاهرة وأذل بسيوفهم الطائفة الكافرة بارتداء ملابس الجهاد والتحلي بمرارة الصبر على اجتلاء الجلاد وأن يجيبوا داعي الدين ويكفوا أيدي المعتدين ويفوقوا سهامهم ويجعلوا التقوى أمامهم ويشرعوا رماحهم ويحملوا سلاحهم ويومضوا بروق السيوف ويرسلوا نبال الحتوف ويهدموا بنيان الكفار ويطلعوا أهلة القسي بمد الاوتار ويهضموا جانب أهل العناد ويقابلوا البحر بملء بحر من الجياد ويناظروا أمواجه بأمواج النصال ويقاتلوا الفرقة الفرنجية اشد القتال ولا يهملوهم بالنهار ولا بالليل ويعدوا لهم ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل وينوروا بمصابيح الرباط في سبيل الله ظلام الدجنة وأن يصابروا ويصبروا فإذا استنفروا فلينفروا ويبالغوا في الغدو والرواح ليبلغوا الرعية من الأمن أمانيها فقد قال لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ويعتمدوا على القريب المجيب ويجتهدوا في كسر اصلاب أهل الصليب وينافسوا في أمر الآخرة ويدعوا الدنيا ويقاتلوا لتكون كلمة الله هي (8/253)
العليا ويشهدوا المواقف ويبذلوا التالد والطارف وليبرز الفارس والراجل ويظهر الرامح والنابل فإن الجهاد سطوة الله تعالى على ذوي الفساد ونقمته القائمة على أهل الشرك والعناد وهو من الفروض الواجبة التي لم تزل سهام أصحابة صائبة فواظبوا على فعله ولا تذهبوا عن مذاهبه وسبله وأطلبوا أعداء الله برا وبحرا وقسموا بينهم الفتكات قتلا واسرا وفاجئوهم بمكروه الحرب وناجوهم برسائل الطعن والضرب وخذوا من الكفار باليمين وجدوا في تحصيل الربح الثمين ولازموا النزول بساحل البحر لمنازلة الطغاة والمشركين ( يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) وسابقوا الأعنة وهزوا أعطاف الاسنة وشمروا عن ساق العزائم ولا تاخذكم في الله لومة لائم واتخذوا الخيام مساكن واجعلوا ظهور الخيل لكم مواطن وانصبوا الالوية والاعلام واطفئوا جمرة الشرذمة الغائظة للإسلام ولا تخشوا من جمعهم الآئل إلى التفريق وحشدهم الذي هو عما قليل إن شاء الله تعالى غريق ولا تعبأوا بسفنهم البحرية فإن سفنكم الخيل المخلوقة من الرياح ولا تنظروا إلى مجاديفهم الخشبية فإن مجاديفكم السيوف والرماح فاقلعوا قلوعهم وشتتوا جموعهم وأذهبوا الجنف والحيف وخاطبوهم بألسنة السيف وأوقدوا في قلوبهم بالتحصين والاحتراز نارا وأدعوا الله أن لا يذر على الأرض من الكافرين ديارا ونكسوا صليبهم المنصوب وبادروا إلى حرب حزبهم المغلوب وارفعوا باليقين شك هذه المحنة وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة واهجروا في ذات الله طيب المنام وانقلوا الأقدام إلى الاقدام واكشفوا عنكم أستار الملال والملام واهتموا بما يعلي كلمة الاسلام والسلام فليرفعنكم الله إلى منازل العز والتمييز ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) (8/254)
الصنف الرابع من الكتب السلطانية الكتب في الحث على لزوم الطاعة وذم الخلاف
قال في مواد البيان طاعة السلطان والانقياد إليه والرجوع إلى رأيه والاعتماد عليه أبدى الاسباب في استمرار الاتساق والاستتباب وهي فرض أوجبه الله تعالى فقال ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ولا تصح مملكة ولا تدوم دولة إلا بأمرين أحدهما عدل السلطان والآخر طاعة الرعية له فمتى ارتفع أحدهما فسد السائس والمسوس ولم تزل ملوك الأزمنة يقدمون إلى الرعايا لزوم الطاعة والاعتصام بحبل الشريعة والنهي عن مفارقة الجماعة
قال والرسم فيها أن تفتتح بالحمد لله على النعم في تأليف قلوب أهل الدين وجمع كلمة الموحدين ورعاية أهوائهم إلى الاتفاق وصيانة عصاهم عن الانشقاق والصلاة على رسوله والتنبيه على فضائل الطاعة فإنها العروة الوثقى والمعقل الذ لا يرقى والحصن الحصين والكنف الامين والحمى الامنع والمرقب الارفع وأن من حافظ عليها فاز وسلم وربح وغنم ومن فارقها خسر وخاب ونكب عن سبيل الصواب وإيضاح ما في سبيل الطاعة من اتفاق الكلمة وانتظام شمل الأمة وشمول الخيرات وعموم البركات وعمارة البلاد وصلاح العباد وما في المشاققة من الفساد العام العائد بانتثار النظام وانبتات الحبل وتفرق الشمل واجتثاث الأصل وطموس الديار وصيال الأشرار وانقماع الاخيار وتوالي الفتن التي لا تصيب الظالم خاصة دون العادل ولا المشاقق دون الموافق وحلول النوائب المزيلة للنعم وإتباع ذلك بما يجب من إعذار وأنذار وترهيب وترغيب وتذكير وتبصير ووعظ وتخويف وبعث العلماء الحصفاء على ردع الجهلاء السخفاء وتنبيه أهل (8/255)
السلامة والصلاح على كف ذوي العيث والطلاح إلى نحو هذا مما يجاريه وأن يبالغ فيما يورده من هذه المعاني فإن هذه الكتب إذا كانت بليغة مستوفاة جيدة العبارة أخذت بمجامع القلوب وأغنت عن الكتائب في إدراك المطلوب
وهذه مكاتبات في معنى ذلك أوردها أبو الحسين بن سعد في ترسله وهي
أما بعد فإن الله افترض الطاعة وأوجبها وأمر بها ورغب فيها وجعلها عصمة من كل فتنة وضياء من كل شبهة وسلامة من كل هلكة وسببا للظفر بخير الدنيا والآخرة من أراد الله به خيرا وفقه لها وألزمه المحافظة عليها والاعتصام بحبلها فتعجل عزها وشرفها وسعتها وامنها واستحق السعادة في الدار الأخرة الآخرة بها والمثوبة عليها
آخر وقد علمتم ما جعل الله في الطاعة ولزومها والمحافظة عليها من العز والمنعة والأيد والقوة والفوز بخير الدنيا والآخرة وما في خلافها من صنوف المخاوف وأنواع المتالف
آخر وقد كانت الطاعة أنافت بك على كل ظليل وافضت بك إلى لين مهاد عند إقضاض المضاجع وصفاء المشارب عند تكدر المناهل واتصال أمنة عند حدوث المخاوف حتى فعلت كذا وكذا
آخر فلم يمرق من طاعته مازق ولا فارقها مفارق إلا صرع الله خده وأتعس جده وخضد شوكته وأكذب ظنه وأمنيته وجعله لسيوف الله غرضا ولأوليائه غنيمة (8/256)
آخر والطاعة هي العروة الوثقى والطريقة المثلى والغنيمة لاهلها في الاخرى والأولى
عبد الحميد فإن الفتنة تتشوف لأهلها بآنق منظر وازين ملبس تجر لهم أذيالها وتعدهم تتابع لذاتها حتى ترمي بهم في حومات أمواجها مسلمة لهم تعدهم الكذب وتمنيهم الخدع فإذا لزمهم عضاضها ونفر بهم شماسها وتخلت عنهم خاذلة لهم وتبرأت منهم معرضة قد سلبوا أجمل لباس دينهم واستنزلوا عن أحصن معاقل دنياهم من الغناء البهي منظره الجميل أثره حتى تطرحهم في فضائح أعمالهم والايجاف في التعب وسوء المنقلب فمن آثر دينه على دنياه تمسك بطاعة ولاته وتحرز بالدخول في الجماعة تاركا لأثقل الأمرين وأوبل الحالين
ابن عبد كان في ذم الخلاف وإن فلانا كان عبدا من عبيدنا اعتوره إنعامنا ونوه به إكرامنا وشرفه ولاؤنا وحسن عنده بلاؤنا وابتنينا له الأموال وأسنينا له الاعمال وأوطأنا عقبه الرجال فلم تقع النعم منه عند شاكر ولا الصنيعة عند محتمل فلما رفع الله بمكاننا خسيسته وبلغه من شرف الذكر ونباهة القدر وانبساط يده ما كانت همته تعجز عنه وآماله تقصر دونه أضراه ذلك وأبطره وأطغاه وأكفره فاختال زاهيا واستكبر عاليا وغدر باغيا وشاق عاصيا وأوضع في الفتنة لنا حربا ولأعدائنا حزبا ولمن انحرف عنا يدا ولمن مال إلينا ضدا من غير سبب أوجبه ولا أمر دعاه إليه فكان كما قال الله عز و جل في كتابه ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وكقوله ( ولو بسط الله (8/257)
الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) فلما ورده الخبر بما هيأ الله لنا من الرجوع إلى الفسطاط على الحال السارة لأوليائنا الغائظة لأعدائنا سقط في يده وفكر في غليظ جرمه وخيانته فأداه الخوف الذي استشعره والإشفاق الذي خامره إلى أن ركب عظيما من الأمور وكاشف بالعصبية والغرور مكاتفا اعداء ومواليا ذوي العداوة والشنارة ونرجو بحول الله وقوته وإرادته ومشيئته وما لم يزل الله تقدس اسمه يجريه عندنا من جميل عاداته فيمن سفه الحق وزاغ عن القصد أن يبسل هذا الخائن بخبائث أعماله ويسلمه لقبائح أفعاله وأن يصرعه بأسوا مصارع أمثاله فإن أحدا لم يحمد النعمة إلا استدعى النقمة ولم يذع الشكر ويستعمل الكفر إلا كانت العثرة منه قريبة والبلايا محيطة قولا لا يبدل رسمه ولا يحول
من كتاب موسى بن عيسى
أما بعد فإن أمرا لو خلص من فلتات الخطاء وخطوات الملا بفضيلة رأي ولطافة بصر بالأمور كنت أحجى بذلك دون أهل زمانك للذي جرت لك عليه تصاريف التبع وتعرضت لك به وجوه العبر ولما استقبلت من موارد امور نفسك وتعقبت من مصادر أمور غيرك ولكن الله إذا أراد أمرا جعل له من قضائه سببا ومن مقاديره عللا فمن مقادير علل البلاء تضييع المعرفة وإلغاء ما تفيده (8/258)
التجربة ومن أسباب السلامة الانتباه بالعبر والاستدلال بما كان على ما يكون وأنت امرؤ جرت لك وعليك انحاء من النعم وانحاء من الحجج عرفت بها ما لك وعليك فإن تاخذ بها عرفت كيف تسلك مسالكه وإن تدع الأخذ بذلك تدعه على علم وقد رايت الذي انقادت لك به النعمة ووهبت لك به العافية فيما الهمك الله من طاعة ولا ة أمورك والصبر لها على مواطن الحق التي رفع الله بها ذكرك وأحسن عليها عقباك وذخرك فلم تمض بك في طاعتهم رتبة إلا قربك الله بها في الخير عقبه ولا تبذل من نفسك نصحا إلا أوجب لك به نجحا ولم تفتأ تواتر ذلك من مناصحتك وحسن طاعتك حتى طلت بها على من طاولك وفضلت بها من فاضلك وجربت ممدودا عنانك إلى قصوى غايات أملك فأصبحت قريع المسلمين بعد خليفة الله أمير المؤمنين وخيرته من خلقه بعد ذوي الفضل من أهل بيته حتى مالك من رجلات العرب نظير في منزلة ولا نديد في حال ولا رتبة بل هم فيك رجلان إما راهب منك وإما راغب فيك
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستمر الكتابة إلى زماننا فما زالت الملوك يكتبون إلى من يتخيلون منه خلع الطاعة من النواب ومن في معناهم وبجنونهم على لزوم الطاعة ويحذرونهم المخالفة والخروج عن الجماعة
ومن ذلك ما كتب به الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي إلى متملك سيس عند كسرة التتار بعد قيامه معهم في المصاف ومساعدته إياهم وهو
بصره الله برشده وأراه مواقع غيه في الإصرار على مخالفته ونقض عهده وأسلاه بسلامة نفسه عمن روعته السيوف الإسلامية بفقده
صدرت نعرفه أنه قد تحقق ما كان من امر العدو الذي دلاه بغروره وحمله (8/259)
التمسك بخداعه على مجانبة الصواب في أموره وأنهم استنجدوا بكل طائفة وأقدموا على البلاد الإسلامية بنفوس طامعة وقلوب خائفة وذلك بعد أن أقاموا مدة يشترون المخادعة بالموادعة ويسرون المصارمة في المسالمة ويظهرون في الظاهر أمورا ويدبرون في الباطن أمورا ويعدون كل طائفة من أعداء الدين ويمنونهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا وكنا بمكرهم عالمين وعلى معاجلتهم عاملين وحين تبين مرادهم وتكمل احتشادهم استدرجناهم إلى مصارعهم واستجررناهم ليقربوا في القتل من مضاجعهم ويبعدوا في الهرب عن مواضعهم وصدمناهم بقوة الله صدمة لم يكن لهم بها قبل وحملنا عليهم حملة ألجأهم طوفانها إلى ذلك الجبل وهل يعصم من أمر الله جبل فحصرناهم في ذلك الفضاء المتسع وضايقناهم كما قد رؤي ومزقناهم كما قد سمع وأنزلناهم على حكم السيف الذي نهل من دمائهم حتى روي وأكل من لحومهم حتى شبع وتبعتهم جيوشنا المنصورة تتخظفهمم رماحها وتتلقفهم صفاحها ويبددهم في الفلوات رعبها ويفرقهم في القفار طعنها المتدارك وضربها ويقتل من فات السيوف منهم العطش والجوع ويخيل للحي منهم أن موضعه كالدنيا التي ليس للميت إليها رجوع ولعله قد رأى من ذلك فوق ما وصف عيانا وتحقق من كل ما جرى ما لا يحتاج أن نزيده به علما ولا نقيم عليه برهانا
وقد علم أن أمر هذا العدو المخذول ما زال معنا على هذه الوتيرة وأنهم ما أقدموا إلا ونصرنا الله عليهم في مواطن كثيرة وما ساقتهم الأطماع في وقت ما إلا إلى حتوفهم ولا عاد منهم قط في وقعة آحاد تخبر عن مصارع ألوفهم ولقد أضاع الحزم من حيث لم يستدم نعمة الله عليه بطاعتنا التي كان في مهاد أمنها ووهاد يمنها وحماية عفوها وبرد رأفتها التي كدرها بالمخالفة بعد صفوها يصون رعاياه بالطاعة عن القتل والإسار ويحمي أهل ملته بالحذر عن (8/260)
الحركات التي ما نهضوا إليها إلا وجروا ذيول الخسار ولقد عرض نفسه وأصحابه لسيوفنا التي كان من سطواتها في أمان ووثق بما ضمن له التتار من نصره وقد رأى ما آل إليه أمر ذلك الضمان وجر لنفسه بموالاة التتار عناء كان عنه في غنى وأوقع روحه بمظافرة المغل في حومة السيوف التي تخطفت أولياءه من هنا ومن هنا واقتحم بنفسه موارد هلاك سلبت رداء الأمن عن منكبيه واغتر هو وقومه بما زين لهم الشيطان من غروره ( فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه ) وما هو والوقوف في هذه المواطن التي تتزلزل فيها أقدام الملوك الأكاسرة وأنى لضعاف النقاد قدرة على الثبات لوثبات الأسود الضارية والليوث الكاسرة لقد اعترض بين السهم والهدف بنحره وتعرض للوقوف بين ناب الأسد وظفره وهو يعلم أننا مع ذلك نرعى له حقوق طاعة أسلافه التي ماتوا عليها ونحفظ له خدمة آبائه التي بذلوا نفوسهم ونفائسهم في التوصل إليها ونجريه وأهل بلاده مجرى أهل ذمتنا الذين لا نؤيسهم من عفونا ما استقاموا ونسلك فيهم حكم من في أطراف البلاد من رعايانا الذين هم في قبضتنا نزحوا أو أقاموا ونحن نتحقق أنه ما بقي ينسى ملازمة ربقة الحتف خناقه ولا يرجع يورد نفسه في موارد الهلاك وهل يرجع إلى الموت من ذاقه فيستدرك باب الإنابة قبل أن يغلق دونه ويصون نفسه وأهله قبل أن تبتذل السيوف الإسلامية مصونه ويبادر إلى الطاعة قبل أن يبذلها فلا تقبل ويتمسك بأذيال العفو قبل أن ترفع دونه فلا تسبل ويعجل بحمل أموال القطيعة وإلا كان أهله وأولاده في جملة ما يحمل منها إلينا ويسلم مفاتح ما عدا عليه من فتوحنا وإلا فهو يعلم أنها وجميع ما تأخر من بلاده بين يدينا ويكون هو السبب في تمزق شمله وتفرق أهله وقلع بيته من أصله وهدم كنائسه وابتذال نفسه ونفائسه واسترقاق حرمه واستخدام أولاده قبل خدمه واستقلاع قلاعه وإحراق ربوعه ورباعه وتعجيل رؤية ما وعد به قبل (8/261)
سماعه ومن لغاز أن يجاب إلى مثل ذلك أو يسمح له مع الأمن من سيوفنا ببعض ما في يده من الممالك لينتفع بما أبقت جيوشنا المؤيدة في يده من الخيل والخول ويعيش في الأمن ببعض ما نسمح له به ومن للعور بالحول والسيوف الآن مصغية إلى جوابه لتكف إن أبصر سبيل الرشاد أو تتعوض برؤوس حماته وكماته عن الإغماد إن أصر على العناد والخير يكون إن شاء الله تعالى
الصنف الخامس من الكتب السلطانية الكتب إلى من نكث العهد من المخالفين
قال في مواد البيان إذا نقض معاهد عهده أو نفض من شروط الهدنة يده فالرسم أن يصدر ما يكاتب به بالحمد لله تعالى على موهبته في إظهار الدين وإعزاز المسلمين وما تكفله من النصر على الباغين ووعد به أهل العدل من الإدالة والتمكين والصلاة على سيدنا محمد النبي وعلى آله أجمعين وإيراد طرف من معجزاته وفضائله وآياته ومناقبه التي تنخرط في هذا النظام وتليق بهذا النمط من الكلام ثم يتبع ذلك بمقدمة تدل على متانة البصائر في الدين ووثاقة العقائد في إذالة المحادين ومضاء العزائم في مجاهدة المعتدين والاستطالة على المعاندين مع ما تضمنه الله تعالى من نصره وإظفاره ووعد به من تأييده وإقراره وسهله من إهواء الأهوية إليه وجمع الكلمة عليه بما خوله من بأس وشدة وعديد وعدة وما يليق بذلك مما يعرب به عن علو السلطان ووفور الإخوان واتساع القوة والأيد وصدق العزم والجد ثم يذكر الحال التي انعقدت الهدنة عليها وأن الإجابة إليها لم تقع قصورا عن غزوهم في عقر دارهم وتشريدهم بالغارات المبثوثة برا وبحرا عن قرارهم وإنما قبولا لمساءلتهم وامتثالا لأمر الله تعالى في مسالمتهم ويأخذ في تعديد الوقائع التي أوقعها أهل الإسلام بهم والمشاهد التي نصر الله تعالى فيها عليهم والمعاقل المنتزعة من أيديهم وأن تلك العزائم مضطرمة متوقدة وتلك السيوف مشحذة مهندة وأن الله تعالى قد أباح حرم من نقض عهده ونفض من الذمام يده وأن كتائب الله موجفة وراء هذا الكتاب في جيش يلحق الخبت بالهضاب (8/262)
ما لم يكن منهم مبادرة إلى الإقلاع والإنابة ومكاتبة في الصفح والاستتابة وأنه قد قدم الأعذار وبدأ قبل الإقدام بالإنذار وما يقتضيه الحال من هذا ومثله
قال فإن كان الكتاب جوابا عن كتاب ورد أجيب بما ينقضه وبني الأمر فيه على ما يبسط الهيبة ويدعو إلى النزول على أحكام الطاعة ويختلف الحال في ذلك باختلاف الأمور الحادثة والأسباب العارضة فينبغي للكاتب أن يحتاط فيما يطلق به قلمه من هذه المعاني الخطيرة لأنها مزاحمة بالدول والملك وحجج تحصل من كل دولة عند الآخرين ودرك ما يقع فيها عائد عليه ومنسوب إليه
وهذه نسخة كتاب كتب به عن الحافظ لدين الله الخليفة الفاطمي بالديار المصرية إلى بهرام النصراني الأرمني الذي كان استوزره ثم خرج عليه رضوان بن ولخشي ارتغاما للدين لتحكم نصراني في أهل الملة وولي (8/263)
الوزارة مكانه ففر هاربا إلى الشام ناقضا للعهد وكتب إلى الحافظ يطلب أهله وجماعته من الأرمن الذين كانوا معه في جملة جند الديار المصرية مظهرا للطاعة والرغبة إلى التخلي عن الدنيا والانقطاع في بعض الديرة للتعبد مكرا وخديعة فكتب له بذلك جوابا عن كتابه الوارد منه ونص ما كتب إليه
عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الوارد منك أيها الامير المقدم المؤيد المنصور عز الخلافة وشمسها تاج المملكة ونظامها فخر الأمراء شيخ الدولة وعمادها ذو المجدين مصطفى أمير المؤمنين ووقف على جميعه واستولى بحكمه على مضمونه
فأما ما وسعت القول فيه وبسطته وتفسحت فيما أوردته منه وذكرته مما فحواه ومحصوله ما أنت عليه من الطاعة والولاء والمشايعة والاعتراف بنعم الدولة عليك والإقرار بإحسانها إليك فلعمر أمير المؤمنين إن هذا الذي يليق بك ويحسن منك ويحسن أن يرد عنك ويجب أن يعرف لك وقد كانت الدولة أسلفتك من حسن الظن قديما ونقلتك في درجة التنويه حديثا حتى رفعتك إلى أعلى المراتب وبلغتك ما لم تسم إليه همة طالب وأوطأت الرجال عقبك وجعلت جميع أهل الدولة تبعك مما أغنى اعترافك به عن الإطالة بشرحه والإطناب في ذكره
وأما ما ذكرته مما كان أمير المؤمنين أعطاك التوثقة عليه فأجابك منه إلى ما رغبت فيه فاستقر بينه وبينك في معناه ما اطمأننت إليه فلم يزل أمير المؤمنين على الوفاء باطنا وظاهرا ونية وعلانية واعتقاده أن لا يرجع عنه ولا يغير ما أحكمه منه وإنما حال بينه وبين هذا المراد أن كافة المسلمين في البعد والقرب (8/264)
غضبوا لملتهم وامتعضوا مما لم تجربه عادة في شريعتهم ونفرت نفوسهم مما يعتقدون أن الصبر عليه قادح في دينهم ومضاعف لآلامهم وأنه ذنب لا يغفر ووزر لا يتجاوز ولا يصفح عنه حتى إن أهل المشرق أخذوا في ذلك وأعطوا وعزموا على ما اتفقوا عليه مما صرفه الله وكفى مؤونته والاشتغال به
وأما ما التمسته من تسيير من بالباب من طائفتك إليك فهذا أمر لا يسوغ ولا يمكن فعله ولو جاز أن يؤمر به لمنع المسلمون منه فلم يفسحوا فيه والآن فلن يخلو حالك من أحد قسمين إما أن تكون متعلقا بأمور الدنيا وغير منفصل عنها فأمير المؤمنين يخيرك في ولاية أحد ثلاثة مواضع إما قوص أو إخميم أو أسيوط فأيها اخترت ولاك إياه ورد أمره والنظر فيه إليك على أن تقتصر من الذين معك على خمسين أو ستين فارسا وتسير الباقين إلى الباب ليجروا على عاداتهم ورسومهم في واجباتهم وإقطاعاتهم إذ كانوا عبيد الدولة ومتقلبين في فضلها وأكثرهم متولدون في ظلها وإما أن تكون على القضية التي ما زلت تذكر رغبتك فيها وإيثارك لها من التخلي عن الدنيا ولزوم أحد الديرة والانقطاع إلى العبادة فإن كنت مقيما على ذلك فتخير ضيعة من أي الضياع شئت يكون فيها دير تقيم فيه وتنقطع إليه فتعين الضيعة ليجعلها أمير المؤمنين تسويغا لك موبدا وإقطاعا دائما مخلدا وتجري مجرى الملك ويكتب لك بذلك ما جرت العادة بمثله ما تطمئن إليه وتستحكم ثقتك به وإن أبيت القسمين المذكورين ولم يرضك الأول منهما ولا رغبت في الثاني فتحقق أن المسلمين بأجمعهم وكافتهم وأسرهم وكل من يقول بالشهادتين من قاص ودان وقريب وبعيد وكبير وصغير ينفرون إليك ويتفقون على القصد لك ولا يختلفون في التوجه نحوك وهو عمل ديني لا يريثه أمر دنيوي فتأمل ما تضمنته هذه الإجابة من الأقسام وطالع بما عندك في ذلك
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية لا وجود له في زماننا لعدم وقوع الهدن المترتب عليها هذا الصنف من المكاتبات فإن احتيج إلى ذلك مشاه الكاتب على القاعدة القديمة المتقدمة (8/265)
الصنف السادس من الكتب السلطانية الكتب إلى من خلع الطاعة
قال في مواد البيان وهذه الكتب تختلف رسومها بحسب اختلاف أقدار المكاتبين وأحوالهم في الخروج عن الطاعة قال وجمع أوضاعها كلها في قانون كلي عسير المرام إلا أننا نرسم فيها رسوما يمكن الزيادة فيها والنقص منها ثم قال والعادة أن تنفذ هذه الكتب إلى من ترجى إنابته وتؤمل مراجعته فأما من وقع الإياس من استصلاحه ودعت الضرورة إلى كفاحه فلا حاجة إلى معاتبته ولا وجه لمكاتبته
قال والرسم فيها أن تفتتح بالتحميد المناسب لمعنى الكتاب والصلاة على النبي بما يدعو إلى إيناسه ويزيل أسباب استيحاشه ويعود بثبات جاشه ويبعثه على مراجعة فكره ومعاودة النظر في أمره ويذكره ما أسدي من العوارف إليه وأفيض من النعم عليه وأنه لا ينفر سربها بجحدها وكفرها ويوحش ربعها بإهمال حمدها وشكرها ويربطها بحسن الطاعة ويسترهنها بالتأدب في التباعة ولا يجر الوبال إلى نفسه بالخروج عن العصمة في عاجل ذميم الوصمة وفي آجل أليم النقمة ويبصره بعاقبته ومن يليه من ذوي الجند بما يقتضي رب الإنعام لديهم وإقرار الفضل عليهم وأن يسلبهم ملبس الظل الظليل وأن يعطلهم من حلي الرأي الجميل ويتدرع في أثناء ذلك بشعار النفاق ويتسم بميسم الشقاق ويتعجل إزعاجه من داره وبعده من قراره وهدم ما شيده الإخلاص من ذكره وتقويض ما رفعته الطاعة من قدره ويعود بعد أن كان مجاهدا عن الحوزة مجاهدا بمحتدها وبعد أن كان مراميا عن السدة مرميا بيدها ويضيع ما أسدي إليه وأفيض من الإحسان عليه وما ذهب من اليقين في تدريجه إلى مراقي السيادة ومن الرغائب في إلحاقه بأهل السعادة ولا يغتر بمن يزين له عاجل الآجل ويتقرب إليه بخدع الباطل ويجعل أقوالهم دبر سمعه ويبعد أشخاصهم عن نظره ناظرا في عاقبته وحارسا مهجته وراغبا في حقن دمه وصيانة حرمه وليرجع إلى الفناء الذي لم يزل يحرزه والكنف الذي لم يزل (8/266)
يعزه ولا يجعل مسالمه بالعنود منازعا ومواصله بالجحود مقاطعا وواهبه بالكفر سالبا ومطلع النعمة بضياعه حقها مغربا وقد بقي في الحبل ممسك وفي الأمر مستدرك لأن يهب من رقدته ويستبدل من لقاء أمير المؤمنين بلقاء حضرته ثم يقول فإن كان ما جناه قد هد سربه وكدر شربه وأحس في نفسه سوء الظن وأخافه بعد الأمن فليبعث رسوله يستوثق ويعاقد ويتوكد ويعاهد فإذا عاد إليه بما يملأ فؤاده أمنا ويكون عليه حصنا سارع إلى امتثال المراسم وجرى في الطاعة على سننه المتقادم ولا يستمر على المدافعة والمطاولة ويقتصر على المغايظة والمماطلة
ثم يقال بعد هذا وقد قدم أمير المؤمنين كتابه هذا إليك نائبا عنه في استصلاحك وقائدا يقودك إلى طريق نجاحك قبل تجريد مواضيه وإلحاق مستأنفه في الحرب بماضيه وخيوله تجاذب الأعنة وذوابله مشرعة الأسنة ولم يبق إلا قصدك في عقر دارك التي بوأكها وانتزاع نعمته التي أعطاكها لتذوق مرارة المخالفة وتزنها بحلاوة الموافقة فكن على نفسك لنفسك حاكما ولا تكن لها ظالما ونحو ذلك مما يليق به
وإن كانت المكاتبة إلى رجل قد سبقت له سابقة بخلع الطاعة ثم سأل الإقالة فأقيل بعد مشارفة الإحاطة به والنكاية فيه ثم راجع العصيان فالرسم أن تفتتح بحمد الله جاعل العاقبة للمتقين والعدوان على الظالمين والعزة لحزبه والذلة لحربه والإظهار لأهل طاعته والخسار لأهل معصيته ودائرة السوء على الخالعين طاعة خلفائه القائمين بحجته ثم يقال أمير المؤمنين على ما يراك تتخوله به من تصديق آماله وتوفيق أفعاله وتسديد مراميه وهداية مساعيه وإجابة دعوته وتحقيق رغبته بإدالة مواليه وإذالة معاديه ومعونته على ما ولاه وتمكينه ممن ناواه ويسأله الصلاة على سيدنا محمد نبيه
ثم يؤتى بمقدمة تدل على جميل عاقبه الطاعة وذميم مغبة المعصية يبسط (8/267)
القول عليها ويتوسع فيها لتكون فراشا لما يتلوها ثم يقال بعدها وإنما يحمل ذلك أهل الغرارة الذين لم يلوكوا شكائم التجارب ولم يمارسوا ضرائم النوائب وأنت فقد تذوقت من كراهة المعصية ومرارتها وعذوبة الطاعة وحلاوتها ما يرجو امير المؤمنين ان يكون قد وعظك وأدبك وقومك وهذبك وكشف لك عن عاقبتهما وعرفك بغايتهما فدعتك الطاعة إليها بما أسبغته عليك من لباس شرفها ومجدها واستخدمته لك من أنصار إقبالها وسعدها ونهتك المعصية عنها بما بلوته من نوائبها وصنائعها وجربته من مرمض مراميها ومواقعها لأنها أقلت عددك ومزقت مطرفك ومتلدك حتى تداركك من عطف أمير المؤمنين ما أنبتك بعد الحصد وراشك بعد الحص وانتهى إلى امير المؤمنين انك حنيت الى اتباع الضلالة الذين غروك وملت الى اشياع الذين استهووك فأصغيت الى اقوالهم التي ظاهرها نصح وباطنها غش وآرائهم التي مواردها صلاح ومصادرها فساد وملت إلى معاودة الشقاق والارتكاس في العصيان ومقابلة النعمى بالكفران فقدم كتابه إليك مذكرا ومنحك خطابه معذرا منذرا ليعرفك حظك ويهديك رشدك ويدلك على الأحسن لك في مبدئك وعاقبتك ويحذرك من مراجعة ما قارفته وأن تنزل عن المنزلة التي رقاك إليها وتجدب رباعك من النعمة التي أرتعك فيها وتتخلى عن مرابع الدعة التي أوردك عليها فانظر لنفسك حسنا وكن إليها محسنا وانتفع بمراشد أمير المؤمنين ولا تفسدن بخلافك عن أمره نصيبك من الدنيا والدين فارجع إليه مسترغما فإنه يقتدي بالله في الرحمة للمحسنين ما دام مؤثرا لرب لنعمة لديك وإقرارها عليك فاعلم هذا وأعمل به إن شاء الله تعالى
قال وإن كانت المكاتبة إلى رعية قد خرجت عن الطاعة كتب إليها بما مثاله
أما بعد وفقكم الله لطاعته وعصمكم من معصيته فإن الشيطان يدلي الإنسان بغروره ويقيم له الضلال في صورة الهدى ببهتانه وزوره مستخفا لطائشي الألباب ومستزلا للأقدام عن موقف الصواب محسنا بكيده (8/268)
لاعتقاد الأباطيل مزينا بغيه اتباع الأضاليل صارفا بمكره عن سواء السبيل مصورا للحق في صورة المين مغطيا على القلوب بشغاف الرين والحازم اليقظ من تحرز من أشراكه وحبائله وتحفظ من مخايله وغوائله واتهم هواجس فكره واستراب بوساوس صدره وعرض ما يعرض له على عقله وكرر فيه النظر متحرزا من مكر الشيطان وختله فإن ألفاه عادلا عن الهوى مائلا إلى التقوى بريئا من خدع الشيطان آمنا من عوادي الافتتان أمضاه واثقا بسلامة مغبته وعاقبته وشمول الأمن في أولاه وأخراه
وانتهى إلى أمير المؤمنين أن الشيطان المريد استخف احلام جماعة من جهالكم واستولى على أفهام عدة من أراذلكم وحسن لهم شق عصا الإسلام ومعصببة الإمام ومفارقة الجماعة والانسلاخ من الطاعة التي فرضها الله تعالى على الجمهور وجعلها نظام الأمور فقال جل قائلا ( يأيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وأختيار الفرقة التي نهى الله عنها فقال ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) ومجانبة الألفة التي عدها في جلائل نعمه فقال ممتنا بها على عباده ( وأذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) وسول لهم التعري من آداب الدين والمجاهرة بالخلاف على امير المؤمنين فنبذوا ما بأيديهم من بيعته وسلبوا من ظل دعوته وركبوا من ذلك أوعر المراكب وسلكوا أخشن المسارب وسعوا في البلاد بالفساد وقاموا في وجه الحق بالعناد واستخفوا بحمل الآثام وبسطوا أيديهم إلى الدماء الحرام وشنوا (8/269)
الغارات على أهل الإسلام
وقد علمتم أن من أقدم على تأثير مثل هذه الآثار فقد استنزل في هذه الدار سخط الجبار وتبوأ في الآخرة مقعده من النار وجرى على غير الواجب في إقامة الفروض والصلوات وتأدية العبادات والزكوات وعقد العقود والمناكحات لأن هذه الأحوال إنما ترضى وترفع وتجاب وتسمع إذا تولاها أمير المؤمنين أو من يستخلفه من صلحاء المسلمين فأما إذا استبددتم فيها بأنفسكم وأقتديتم في تأديتها بناكب عن سبيله مجانب لدليله فقد تسكعتم في الضلالة وتطابقتم على الجهالة وكل راض منكم بذلك عاص لله ورسوله وللإمام
ولما اطلع أمير المؤمنين على ما ذهبتم إليه بسوء الاختيار وركبتموه من مراكب الاغترار لم ير أن يلغيكم ويهجركم ويغفلكم ولا يبصركم فقدم مكاتبتكم معذرا منذرا ومخوفا محذرا وبدأكم بوعظه مشفقا عليكم من زلة القدم وموقف الندم وجاذبا لكم عن مضال الغواية إلى مراشد الهداية وافتتحكم باللفظ الأحسن والقول الألين وهداكم إلى السبيل الأوضح والمتجر الأربح واختار أن يهديكم الله تعالى إلى طريق الرشاد ويدلكم على مقاصد السداد ويعيدكم إلى الأولى ويبعثكم على الطريقة المثلى وأن تعرفوا الحق فتعتصموا في أيديكم من بيعته وتقوموا بما فرض عليكم من طاعته وترجعوا إلى إجماع المسلمين وما اتفقت عليه كلمة إخوانكم في الدين وتتبعوا مذاهب أهل السلامة وأولي الاستقامة فإن وقع ما القاه إليكم الموقع الذي قدره فيكم وسألتم الإقالة فالتوبة تنفعكم والعفو يسعكم وإن تماديتم في غيكم وباطلكم وغروركم وجهلكم تقدمت إليكم جيوش أمير المؤمنين مقومة ومن عصاتكم منتقمة وذلك مقام لا يتميز فيه البريء من السقيم ولا الجاهل من العليم ألا تسمعون الله تعالى يقول ( وأتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة ) وأي فتنة أشد من طاعة الشيطان ومعصية السلطان وشق العصا (8/270)
وإراقة الدما وإثارة الدهما فاتقوا الله وأرجعوا وتأملوا وراجعوا وتبصروا واستبصروا وقد أوضح لكم أمير المؤمنين المحجة وبدأكم بالحجة فأوجدوه السبيل إلى ما ينويه لكم ولكافة أهل الإسلام من حقن الدماء وصيانة الحريم وتحصين الأموال وشمول الأمن والأمان وأجيبوا عن كتابه هذا بما يوفقكم الله تعالى إليه من إجابة دعائه والعمل برأيه إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة ما كتب به عبد الحميد إلى بعض من خرج عن الطاعة وهو
أما بعد بلغني كتابك تذكر أنك تحمل المرد على الجرد فسترد عليك جنود الله المقربون وأولياؤه الغالبون ويرد عليك مع ذلك حزبه المنصور من الكهول على الفحول كأنها الوعول تخوض الوحول طوال السبال تختضب بالجربال رجال هم الرجال بين رامح وناشب ليس معهم إلا كلب محارب ولا ينكلون عن الأصحاب قد ضروا بضرب الهام واعتادوا الكر والإقدام ليسوا بذوي هينة ولا إحجام يقضون بالسيوف ويخالطون الزحوف في أعنتهم الحتوف يزأرون زئير الأسود ويثبون وثوب الفهود ليس فيهم إلا شاك محتبك في الحرب مجرب قد شرب على ناجذ الحرب وأكل ذو شقشقة وكلكل كأنما أشرب وجهه نقيع الحناء قد رئم الحرب ورضعها وغذته وألفها فهي أمه وهو أبنها يسكن إليها ويأنس بقربها فهو بطلبها أرب وعلى أهلها حرب لا يروعه ما يروع ولا يزيغه ما يزيغ الغمر الجبان حين (8/271)
يشتد الوغى وتخطر القنا وتقلص الشفاه وتسفر الكماه فعند ذلك تسلمك المرد وتكشف عن الجرد فتأهب لذلك أهبتك واخطب له خطبتك من المساكين والحوكة ثم كيدوني جميعا فلا تنظرون فما أسرنا إكثارك الجموع وحشدك الخيول فإنك لا تكثف جمعا ولا تسرب خيلا إلا وثقنا بأن سيمدنا الله من ملائكته ويزيدنا من نصره بما قد جرت به سنته وسلفت به عادته ونحن نجري من ذلك على نقمات من الله ونكال وسطوات مهلكة فرأيتم ذلك في المنازل وعرفتموه في المواطن التي يجمعها الحق والباطل فأبشر منا بما ساءك ضجرا ومشاك تقاد كما يقاد الجمل المخشوش
ومن أحسن الكتب المكتتبة في هذا الباب ما كتب به قوام الدين يحيى بن زيادة وزير أمير المؤمنين الناصر لدين الله الخليفة ببغداد إلى طغرل مقطع البصرة بأمر الخليفة له في ذلك وقد بلغه أنه نزح عنها قاصدا بعض الأطراف مفارقا لطاعة الخليفة عندما طلب من ديوانه شيء من المال فأوجب ذلك أنثناءه عن عزمه وتوجهه إلى بغداد داخلا تحت الطاعة ومقابلته بالصفح وتلقيه بالقبول وهذه نسخته
أصدرت هذه الخدمة إلى الجناب الكريم الأميري الاسفهسلاري (8/272)
الأجلي الكبيري السيدي العمادي الركني الظهيري المحترمي العزي الجمالي أمير الجيوش أطال الله بقاءه وأدام علوه ونعمته وأنا أوقع الأقوال المتواترة والأموال المتناصرة مستغربا لها متعجبا منها كأني أسمعها في المنام وتخاطبني بها أضغاث أحلام فلولا أن الأيام صحائف العجائب ولا يأنس بمتجدداتها إلا من حنكته التجارب لم أصدق هذه الحركة المباركة التي وقعت منه بسعادته فإني ما أراها إلا عثرة من جواد وعورة على كماله وإلا فمن أين يدخل الزلل على ذلك الرأي السديد والعقل الراجح والفكر الصائب الذي يعلم الآراء كيف تنير ويعرف النجوم كيف تسير ويهدي غيره في المشكلات إلى صواب التدبير والفائت لا كلام فيه غير أن العقل يقضي باستدراك الممكن وتلافيه بالانحراف عن الهوى إلى الرأي الصادق والرجوع عن تأويل النفس إلى مراجعة الفكر الناضج فالعود إلى الحق أولى من التمادي على الباطل وأحب أن تسمع ما أقول بأذن واعية وقلب حاضر وحوشي أن تستدفعه الكواذب عن تدبر الحقائق وعرفان النصائح فإن من القول ما برهانه لا يحتاج إلى شاهد من غيره
قبل كل شيء ما الذي أحوج إلى هذه الحال القبيحة السمعة وركوب الخطر في هذه الحركة واحتمال هذه المشاق والانزعاج من غير أن تدعو إليه حاجة هل هو إلا شيء جرت العادة بمثله وبمطالبة ديوانه بما كان يندفع الامر ببعضه كما جرت عادة الدواوين وخدم السلاطين ثم إنه عمد أدام الله نعمته بأول خاطره وباديء رأيه في هذه العجلة من غير تثبت ولا روية لم لا راجع فكرة الكريم ويقول لنفسه إلى أين امضي ولمن اخدم وعلى أي باب اقف وتحت أي لواء اسير وبأي غبار اكتحل وفضل من أطلب وعلى حكم من انزل بعد أن ربيت في عرصة الخلافة ودار النبوة وحضن المملكة أنشأني نعيمها صغيرا وقدمني كبيرا وكنت مأمورا فجعلني أميرا وطار صيتي في الدنيا ولم أكن شيئا مذكورا فأنا خير من ملك أقصده وأمثل من كل من أرجوه وأستنجده أفأنزل من السماء إلى الحضيض وأهدم ما بنى الإنعام عندي في الزمن الطويل العريض هذا هو المكروه الأعظم الذي تعوذ منه رسول الله (8/273)
حين قال اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور ومن يكون حضين خلافة كيف يرضى أن يكون تابع إمارة ولو لم يكن ما هجم عليه إلا هذا لكفى ثم لم لا يلتفت في هذه الحال التي هو عليها التي صحبته بوفائها ويسمع خطابها بلسان حالها ثم تقول له يا عماد الدين أما هذه خيام الإنعام عليك أما هذه الخيل المسوفة تحتك أما هذه ملابسه الفاخرة مفاضة عليك أما هذه مماليكه حافة بك أليس الاصطناع رفع قدرك إلى المنزلة التي ثقل عليك بعض الانحطاط عنها ووهب لك الهمة التي أبيت الضيم بها فحوشيت أن تكون ممن تواترت عليه النعم فملها وتكاثرت عليه فضعف عن حملها فياليت شعري ماذا يكون جوابها والله إنني أقول له بسعادته ولا أعقب ولو أنه قد تحقق والعياذ بالله وقوع كل محذور وحلول كل مكروه لم يكن في هذه الحركة معذورا فكيف بظن مرجم وقول مسوف متوهم ورأي فطير غير مختمر ولقد كان استسلامه لمالك الرق صلوات الله عليه وسلامه أحسن في الدنيا وأحمد في العقبى واقعا ذلك من أحواله حيث وقع والآن فالوقت ضاق في إصدار هذه المكاتبة عن استقصاء العتاب والمحاققة وإيراد كل ما تلزم به الحجة لكني أقول على سبيل الجملة
إنني أخاف على سديد ذلك الرأي إجابة داعي الهوى فإن اللجاج من أوسع مداخل الشيطان على الانسان وحوشي كماله من هذا القسم
والثاني استشعاره بسعادته من بادرته واستيحاشه من عجلته وهذا أيضا من أدق مكايد النفس الأمارة بالسوء فإنها تومن من المخوف وتخوف من المأمون وتسحر العقل بالتحير والشك فلا تصح له عزيمة ولا تصفو له فكرة وهذا النوع إذا عرض في الصدر يجب دفعه بالنظر إلى الحق وشجاعة القلب والإخلاد إلى مناظرة النفس فإن الإنسان ليس بمعصوم والزلل في الرأي ليس من أوصاف الجماد بل من الاوصاف اللازمة للبشرية وليس الكمال لأحد إلا للواحد الصمد فإذا عرض له بسعادته هذا الاستشعار فيدفعه عن نفسه فليس سلطان الوسواس الخناس إلا في صدور الناس فلهذا لا ينبغي لمذنب أن (8/274)
يقنط ولا لمسيء أن يستوحش لا سيما إذا أتبع الذنب بالاستقالة والاستغفار والاعتذار والإقلاع وعلى الخصوص إذا كانت الخيانة عند من لا يتعاظمه عفوها ولا يضيق حلمه عنها فإن كل كبيرة توجب المخافة تغرق في بحر عفو الخلافة فيجب أن يقرر بسعادته ذلك في نفسه ويخرج سوء الظن والاستشعار من خياله فإن مثله من خلصان المماليك لا يسمح به ولا يشغب عليه عند هفوة بادرة
والثالث الانقباض والحياء فإنه ربما يقول في نفسه بأي وجه ألقى مولاي وبأي عين أبصر مواطن الدار العزيزة رباني وأنشاني وهذا أيضا لا يصلح خطوره بباله في هذا المقام فإنه من ضعف النحيزة والميل مع خوادع الطبع عن نصائح العقل والشرع فإن الحياء إتباع زلة القدم بالندم والاعتذار لا التهوك في اللجاج والإصرار فقد قال بعض الملوك لخصيص من خواصه عصاه في شيء من أمره بأي عين تلقاني وقد عصيت أمري فقال بالعين التي ألقى بها ربي في الصلوات الخمس وهو سبحانه يراني على فواضح المعاصي وقد أثنى الله سبحانه على من أذنب ثم تاب وشرد عن طاعته ثم أناب وبحمد الله تعالى ما جرى ما يقتضي فرط الاستشعار هل هو إلا عبد خاف بادرة مولاه فتنحى من مكانه إلى أن يعطف عليه برحمته وليس هذا ببديع ولا من الصفح ببعيد على أنه بسعادته لو أنصف من نفسه لما استشعر فكم أخرجت الخزائن الشريفة عليه من الأموال حتى نبت عرقه وأورق غصنه وكبر شأنه وجميع ضمان البصرة عشر معشار ذلك
والرابع إصغاؤه والعياذ بالله إلى قول من لا ينصحه ويغويه ولا يرشده ويتقرب إليه بمتابعة هواه وهذا ما لا يخفى عن لمحة الناقث ولا يحتاج الإعراض عنه إلى باعث فقديما قيل صديقك من نهاك وعدوك من أغراك (8/275)
والله تعالى يوفقه لتحقيقه النظر في هذه الاقسام الاربعة التي أحذرها عليه وأحذره منها وييسره لليسرى
وبعد ذلك فأنا انصفه من نفسي وأقول الحق إن نفسا رباها خليفة الله في أرضه صلوات الله عليه وسلامه بإنعامه وأعلى همتها باختصاصه وشرفها بنسب عبوديته لا تحتمل الهوان ولا تقر على الابتذال فغالب ظني أن نفوره بسعادته إنما هو من ديوان الزمام المعمور والآن فأنا وهو بسعادته عبدان ولكني انفرد عنه بالسن والتجريب وطريقتي هو بسعادته يعرفها وإنني لا أدخر عن أحد نصحا فالصواب أن يقبل قولي ويتحقق صحة مقصدي في نصيحته ومقصده فإني أوجب ذلك له على نفسي وأراه من واجبات خدم مالك الرق صلوات الله عليه وسلامه أيضا
وقد علم الله تعالى أني قد أوضحت من عذره وأحسنت المناب عنه بسعادته مالو حضره وتولاه بنفسه لما زاد عليه ورأيت الإنعام يستغني عن كل شرط ولا يحتاج إليه وتقررت قاعدته بسعادته أن لا يكون له مع ديوان الزمام المعمور حديث ولا مع غيره مممن لا يعرف حقه ولا يكون من الاحترام واجبه فإن أمر أن أتولى وساطته فأنا أعتمد ذلك في مراضيه وتمشية أمره أكثر مما في نفسه وإن أختار بسعادته أن يكون غيري وسيطه وسفيره فيعين من يختاره ليكون حديثه معه وقد أسلفت من وظائف إحسان المناب أنني تنجزت له بسعادته أمانا متوجا بالقلم الأشرف المقدس على نفسه الكريمة وماله وأولاده والأمان المذكور طي كتابي هذا مقرونا بخاتم أمان ثان فيجب أن يكون هو بسعادته جواب ذلك إذ لا يجوز ان يكون الجواب إلا هو بنفسه الكريمة فلا يشعر به أحد إلا وهو مقابل التاج الشريف ملقيا نفسه بين يدي مالكها الذي هو أرحم لها وألطف بها وأشفق عليها منها تاليا ما حكاه القرآن المجيد عن يونس عليه السلام إذ نادى وهو مكظوم ( سبحانك إني كنت من الظالمين ) فإنه يرى (8/276)
بمشيئة الله تعالى وتوفيقه كل ما يحب ويأمن كل ما يحذر وأنا استسرع وصوله عن استعراض مهماته ولرأيه كرمه إن شاء الله تعالى
قلت فإن اتفقت المكاتبة في معنى ذلك في زماننا راعى الكاتب فيه صورة الحال وجرى في ذلك على ما يلائم حاله ويناسب ما هو فيه مع النظر في كلام من سبقه إلى شيء من ذلك والنسج على منوال المجيد والاقتداء بالمحسن في ايراده وإصداره
الصنف السابع الكتب في الفتوحات والظفر بأعداء الدولة وأعداء الملة واسترجاع المعاقل والحصون والاستيلاء على المدن
وأصلها من فتح الأقفال ودخول الأبواب كأن المدينة أو الحصن كان مقفلا ممتنعا بالأغلاق على قاصده حتى يفتح له فيدخل
قال في مواد البيان وهو من أعظم المكاتبات خطرا وأجلها قدرا لاشتمال أغراضها على إنجاز وعد الله تعالى الذي وعد به أهل الطاعة في إظهار دينهم على كل دين وتوفير حظهم من التأييد والتمكين وما يمر فيها من الأساليب المختلفة التي يشتمل هذا القانون عليها
قال والكاتب يحتاج إلى تصريف فكره فيها وتهذيب معانيها لانها تتلى من فوق المنابر على أسماع السامعين وتجعل نصب عيون المتصفحين
ثم قال والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله العفو الحليم الغفور الرحيم العليم الحكيم ذي البرهان المبين والفضل الجسيم والقوة المتين والعقاب الأليم مبيد الظالمين ومبير القاسطين ومؤيد العادلين وجاعل العاقبة للمتقين المملي إمهالا وإنذارا والمعاقب تنبيها وإذكارا الذي لا ينجي منه مهرب ولا يبعد عليه مطلب وكيف يعتصم منه وهو أقرب من حبل الوريد وله على كل لافظ رقيب وعتيد والصلاة على رسوله الأمين الذي ختم به النبيين (8/277)
وفضله على المرسلين وايده بأوليائه التائبين الذين قاموا في نصرته وإعزاز رايته المقام الذي فازوا فيه بالخصل فاستولوا به على قصبات الفضل فشركهم معه في الوصف والثناء فقال جل قائلا ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )
ثم يؤتى بمقدمة تشتمل على التحدث بنعمة الله في شحذ العزائم لنصرته وتثبيت الأقدام في لقاء عدوه ومجاهدته وإنجازه وعده في الإعزاز والإظهار والظفر والإظفار والاستبشار بموقع النعمة في الفتح الجليل والإشادة بإبقاء هذا الأثر الجميل ثم يفيض بما جرت به العادة في مقاربة العدو ومداناته وبث الطلائع لتنفيذ السرايا في مبادي ملاقاته وما أفضى إليه الأمر في التقابل والمواثبة والتواشج في المطاعنة والمضاربة وذكر مواقف الشجعان في الكفاح والمجاهدة والذب والمجالدة وثبوت الأقدام والجود بالنفوس واشتداد الأيدي وقوة الشكائم واستصحاب العزائم وتفخيم أمر العدو بوصفه بكثرة الرجال والأجناد والقوة والاستعداد لأن توقع الظفر بمن هذه صفته أعظم خطرا وأوقع في النفوس أثرا
ثم يذكر ما جال بين الفريفين من قراع ومصاع ومضاربة ودفاع ومصاولة ومناضلة ومناهدة ومكافحة وحماية ومنافحة وثبات ومصاففة ومقاومة ومواقفة ومخادعة ومطامعة وينعت المواكب والكتائب والخيول والأسلحة والجرحى والمجدلين والأسرى والمقتلين واستعمال التشبيهات الفائقة والاستعارات الرائقة وإرداف المعاني في الإبانة عن لمعان أسنة الذوابل وبريق صفحات المناصل وإعمال المقاصل في القمم وظهور نجوم السيوف من ليل الحرب في دياجي الظلم وينعت الدماء المنبعثة من الجراح على متون الرماح والصفاح (8/278)
ويذكر ما أظهره الله تعالى من تكامل النصر ودلائل الظفر وما انجلت عنه الحرب من قتل وأسر من اسر وهزيمة من هزم وما فاز به الرجال من الأسلاب والأموال والدواب والرجال وما جرت عليه الحال من انفلال العدو عند المقاتلة أو أسر العدو إن أسر أو أعتصامه بمعقل لا يحصنه أو أمتناعه بحيث يحتاج إلى منازلته باستنزاله قسرا أو حيازة المعقل الذي كان بيده وما اعتمد فيه من حسن السيرة وتخفيف الوطأة عن الرعية وحسم أسباب الفتنة أو رغبته في المسالمة وسؤاله في المهادنة لخوف أظله وهلع احتله وما تردد من رسائل وتقرر من شروط وعقود وإنفاذ الأمر في ذلك كما أوجبه الحزم واقتضاه صواب الرأي
وإن كان السلم قد وقع والتنازع قد ارتفع ذكر اتفاق الحزبين واتحاد الكلمة وشمول النعمة
وإن كان لم يجبه إلى المهادنة حذرا من المكر والمخادعة ذكر ما مر في ذلك من رأي وتدبير وتسديد وتقرير
وإن كان طلب المهادنة ليجد فسحة المهل فيكثر عدده ويجم عدده وتتم حيلته فاطلع منه على ذلك فبادره مفللا لكيده ومكره مذيقا له وبال أمره شرح الحال على نصها وما انتهى إليه آخرها
قال وقد يقع من هذه الأمور ما لا يحتسب وسبيل جميعه هذا السبيل
ثم قال ويختم الكتاب بحمد الله القاضي لأوليائه بالإدالة ولأعدائه بالإذالة الذي يستدرج بحلمه إمهالا ولا يلقى العادل عن حكمه إهمالا والصلاة على رسوله وعلى آله
وقد تقدم في الكلام على مقدمة المكاتبات في أوائل المقالة الرابعة من الكتاب أن هذه الكتب مما يجب بسطها والإطناب فيها وأن ما وقع في كتاب (8/279)
المهلب بن أبي صفرة من كتابه إلى الحجاج في فتح الأزارقة من الخوارج على عظم الفتح وبعد صيته على سبيل الإيجاز والاختصار حيث قال فيه
أما بعد فالحمد لله الذي لا تنقطع مواد نعمه عن خلقه حتى تنقطع منهم مواد الشكر وإنا وعدونا كنا على حال يسرنا منهم أكثر مما يسوءنا ويسوءهم منا أكثر مما يسرهم ولم يزل الله جل ثناؤه يزيدنا وينقصهم ويعزنا ويذلهم ويؤيدنا ويخذلهم ويمحصنا ويمحقهم حتى بلغ الكتاب أجله ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) فإنما سلك فيه سبيل الإيجاز لكونه من التابع إلى المتبوع إذ الحجاج كان هو القائم بأمر العراق وما والاه لعبد الملك بن مروان على شدة سطوته وما كان عليه من قوة الشكيمة وشدة البأس مع كون الأدب في مكاتبة المرؤوس الرئيس الإتيان بقليل اللفظ الدال على المقصد حتى لا يكون فيه شغل للرئيس بطول الكلام وبسط القول على ما تقدم بيانه في موضعه
وأعلم أن الكتابة في فتوحات بلاد الكفر ومعاقلهم والاستيلاء على بلاد البغاة تكاد أن تكون في الكتابة على نسق واحد إلا أن مجال الكاتب في فتوحات بلاد الكفر أوسع من حيث عزة الإسلام على الكفر وظهور دينه على سائر الأديان (8/280)
وهذه نسخة كتاب بفتح فتحه الخليفة وعاد منه وهي
الحمد لله مديل الحق ومنيره ومذل الباطل ومبيره مؤيد الإسلام بباهر الإعجاز ومتمم وعده في الإظهار بوشيك الإنجاز وأخمد كل دين وأعلاه ورفض كل شرع واجتباه وجعله نوره اللامع وظله الماتع وابتعث به السراج المنير والبشير النذير فأوضح مناهجه وبين مدارجه وأنار أعلامه وفصل أحكامه وسن حلاله وحرامه وبين خاصه وعامه ودعا الى الله بإذنه وحض على التمسك بعصم دينه وشمر في نصره مجاهدا من ند عن سبيله وعند عن دليله حتى قصد الأنصاب والأصنام وأبطل الميسر والأزلام وكشف غيابات الإظلام وانتعلت خيل الله بقبائل الهام
يحمده امير المؤمنين ان جعله من ولاة أمره ووفقه لاتباع سنة رسوله واقتفاء أثره واعانه على تمكين الدين وتوهين المشركين وشفاء صدور المؤمنين وأنهضه بالمراماة عن الملة والمحاماة عن الحوزة وإعزاز أهل الايمان وإذلال حزب الكفران ويسأله الصلاة على خيرته المجتبى وصفوته المنتصى محمد أفضل من ذب وكافح وجاهد ونافح وحمى الذمار وغزا الكفار صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (8/281)
سيفه القاطع ومجنه المدافع وسهمه الصارد وناصره المعاضد فارس الوقائع ومفرق الجمائع مبيد الأقران ومبدد الشجعان وعلى الطهرة من عترته أئمة الأزمان وخالصة الله من الإنس والجان
وإن أولى النعم بان يرفل في لباسها ويتوصل بالشكر إلى إيناسها ويتهادى طيب خبرها ويتفاوض بحسن أثرها نعمة الله تعالى في التوفيق لمجاهدة أهل الإلحاد والشرك وغزو أولي الباطل والإفك والهجوم عليهم في عقر دارهم واجتثات اصلهم والجد في دمارهم واستنزالهم من معاقلهم وتشريدهم عن منازلهم وتغميض نواظرهم الشوس وإلباسهم لباس البوس لما في ذلك من ظهور التوحيد وعزه وخمود الإلحاد وعره وعلو ملة المسلمين وانخفاض دولة المشركين ووضوح محجة الحق وحجته وصدوع برهانه وآيته
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد انكفأ عن ديار الفلانيين المشركين إلى دست خلافته ومقر إمامته بعد أن غزاهم برا وبحرا وشردهم سهلا ووعرا وجرعهم من عواقب كفرهم مرا وفرق جمائعهم التي تطبق سهوب الفضاء خيلا ورجلا وتضيق بها المهامه حزنا وسهلا ومزق كتائبهم التي تلحق الوهاد (8/282)
بالنجاد وتختطف الأبصار ببوارق الأغماد وتجعل رعود سنابكها في السماء وسبى الذراري والأطفال واسر البطاريق والأقبال وأفتتح المعاقل والأعمال وحاز الأسلاب والأموال واستولى من الحصون على حصن كذا وحصن كذا ومحا منها رسوم الشرك وعفاها وأثبت سنن التوحيد بها وامضاها وغنم أولياء أمير المؤمنين ومتطوعة المسلمين من الغنائم ما اقر العيون وحقق الظنون وانفصلوا وقد زادت بصائرهم نفاذا في الدين وسرائرهم إخلاصا في طاعة امير المؤمنين بما أولاهم الله من النصر والإظفار والإعزاز والإظهار ووضح للمشركين بما أنزل الله عليهم من الخذلان وأنالهم إياه من الهوان أنهم على مضلة من الغي والعمى ومنحاة من الرشد والهدى فضرعوا إلى أمير المؤمنين في السلم والموادعة وتحملوا بذلا بذلوه تفاديا من الكفاح والمقارعة فأجابهم إلى ذلك متوكلا على الله تعالى وامتثالا لقوله إذ يقول ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) وعاقد طاغيتهم على كتاب هدنة كتبه له وأقره في يده حجة بمضمونه
أشعرك أمير المؤمنين ذلك لتاخذ من هذه النعمة بنصيب مثلك من المخلصين وتعرف موقع ما تفضل الله تعالى به على الإسلام والمسلمين فيحسن ظنك وتقر عينك وتشكر الله تعالى شكر المستمد من فضله المعتد بطوله وتتلو كتاب أمير المؤمنين على كافة من قبلك من المسلمين ليعلموا ما تولاهم الله به من نصره وتمكينه وإذلال عدوهم وتوهينه فاعلم ذلك واعمل به إن شاء الله تعالى (8/283)
ثم الفتوح إما فتح لبعض بلاد الكفر وإما فتح لما استولى عليه البغاة من المسلمين
فأما فتح بلاد الكفار فكان سبيلهم فيه أن يصدر الكتاب بحمد الله تعالى على علو دين الإسلام ورفعته وإظهاره على كل دين ثم على بعث النبي بالهداية إلى الدين القويم والصراط المستقيم ويذكر ما كان من امره من جهاد الكفار ثم على إقامة الخلفاء في الأرض حفظا للرعية وحياطة للبرية وصونا للبيضة ويخص خليفة زمانه من ذلك بما فيه تفضيله ورفعة شأنه ثم يؤخذ في تعظيم شأن العدو وتهويل أمره وكثرة عدده ووفور مدده ثم في وصف جيوش المسلمين بالقوة والاستعداد والاشتداد في الله تعالى والقيام في نصرة دينه ثم تذكر الملحمة وما كان من الوقيعة والتحام القتال وما انجلت عنه الملحمة من النصرة على عدو الدين وخذلانه والإمكان منه وقتل من قتل منهم وأسر من أسر وتفريق شملهم وانتظام كلمة الإسلام وطماعيتهم بهلاك عدوهم وما في معنى ذلك
وهذه نسخة كتاب كتب به إلى الديوان العزيز أيام الناصر لدين الله عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بفتح القدس الشريف وإنقاذه من يد الكفر في آخر شعبان سنة ثلاث وثمانين وخمسائة من إنشاء القاضي الفاضل وهو
أدام الله أيام الديوان العزيز النبوي الناصري ولا زال مظفر الجد بكل (8/284)
جاحد غني التوفيق عن رأي كل رائد موقوف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد مستيقظ النصر والسيف في جفنه راقد وارد الجود والسحاب على الأرض غير وارد متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلا بشكر واحد ماضي حكم العدل بعزم لا يمضي إلا بنبل غوي وريش راشد ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء إلى المرابع وأنوارا إلى المساجد وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلا إلى المراقب وخيالا إلى المراقد
كتب الخادم هذه الخدمة تلو ما صدر عنه مما كان يجري مجرى التباشير لصبح هذه الخدمة والعنوان لكتاب وصف هذه النعمة فإنها بحر للأقلام فيه سبح طويل ولطف تحمل الشكر فيه عبء ثقيل وبشرى للخواطر في شرحها مآرب ويسرى للأسرار في إظهارها مسارب ولله في إعادة شكره رضا وللنعمة الراهنة به دوام لا يقال معه هذا مضى وقد صارت امور الإسلام إلى أحسن مصايرها واستتبت عقائد أهله على أبين بصائرها وتقلص ظل رجاء الكافر المبسوط وصدق الله أهل دينه فلما وقع الشرط حصل المشروط وكان الدين غريبا فهو الآن في وطنه والفوز معروضا فقد بذلت الانفس في ثمنه وأمر أمر الحق وكان مستضعفا وأهل ربعه وكان قد عيف حين (8/285)
عفا وجاء امر الله وأنوف أهل الشرك راغمة فأدلجت السيوف إلى الآجال وهي نائمة وصدق وعد الله في إظهار دينه على كل دين واستطارت له أنوار أبانت أن الصباح عندها حيان الحين واسترد المسلمون تراثا كان عنهم آبقا وظفروا يقظة بما لم يصدقوا انهم يظفرون به طيفا على النأي طارقا واستقرت على الأعلى أقدامهم وخفقت على الأقصى أعلامهم وتلاقت على الصخرة قبلهم وشفيت بها وإن كانت صخرة كما تشفى بالماء غللهم
ولما قدم الدين عليها عرف منها سويداء قلبه وهنأ كفؤها الحجر الأسود ببت عصمتها من الكافر بحربه وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه العظمى ولا يقاسي تلك البؤسى إلا رجاء هذه النعمى ولا يناجز من يستمطله في حربه ولا يعاتب بأطراف القنا من يتمادى في عتبه إلا لتكون الكلمة مجموعة والدعوة إلى سامعها مرفوعة فتكون كلمة الله هي العليا وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدنيا وكانت الألسنة ربما سلقته فانضج قلوبها بالاحتقار وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار ومن طلب خطيرا خاطر ومن رام صفقة رابحة تجاسر ومن سما لأن يجلي غمرة غامر وإلا فإن القعود يلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فتعضها ويضعف بأيديها مهز القوائم فتقضها هذا إلى كون القعود لا يقضي فرض الله (8/286)
في الجهاد ولا يرعى به حق الله في العباد ولا يوفى به واجب التقليد الذي تطوقه الخادم من أئمة قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وخلفاء الله كانوا في مثل هذا اليوم لله يسألون لا جرم أنهم أورثوا سرهم وسريرهم خلفهم الأطهر ونجلهم الأكبر وبقيتهم الشريفة وطلعتهم المنيفة وعنوان صحيفة فضلهم لا عدم سواد العلم وبياض الصحيفة فما غابوا لما حضر ولا غضوا لما نظر بل وصلهم الأجر لما كان به موصولا وشاطروه العمل لما كان عنه منقولا ومنه مقبولا وخلص إليهم إلى المضاجع ما أطمأنت به جنوبها وإلى الصحائف ما عبقت به جيوبها وفاز منها بذكر لا يزال الليل به سميرا والنهار به بصيرا والشرق يهتدي بأنواره بل إن أبدى نورا من ذاته هتف به الغرب بأنواره فإنه نور لا تكنه أغساق السدف وذكر لا تواريه أوراق الصحف
وكتاب الخادم هذا وقد أظفر الله بالعدو الذي تشظت قناته شفقا وطارت فرقه فرقا وفل سيفه فصار عصا وصدعت حصاته وكان الأكثر عددا وحصا وكلت حملاته وكانت قدرة الله تصرف فيه العيان بالعنان عقوبة من الله ليس لصاحب يد بها يدان وعثرت قدمه وكانت الأرض لها حليفة وغضت (8/287)
عينه وكانت عيون السيوف دونها كسيفة ونام جفن سيفه وكانت يقظته تريق نطف الكرى من الجفون وجدعت انوف رماحه وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة بالمنون وأضحت الأرض المقدسة الطاهرة وكانت الطامث والرب المعبود الواحد وكان عندهم الثالث فبيوت الشرك مهدومة ونيوب الكفر مهتومة وطوائفه المحامية مجتمعة على تسليم البلاد الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة لبذل المطامع الوافية لا يرون في ماء الحديد لهم عصرة ولا في فناء الأفنية لهم نصرة وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وبدل الله مكان السيئة الحسنة ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشأمة إلى أيدي أصحاب الميمنة
وقد كان الخادم لقيهم اللقاة الأولى فأمده الله بمداركته وانجده بملائكته فكسرهم كسرة ما بعدها جبر وصرعهم صرعة لا ينتعش بعدها بمشيئة الله كفر وأسر منهم من اسرت به السلاسل وقتل منهم من فتكت به المناصل وأجلت المعركة عن صرعى من الخيل والسلاح والكفار وعن اصناف يخيل بأنه قتلهم بالسيوف الأفلاق والرماح الأكسار فنيلوا بثأر من السلاح ونالوه أيضا بثار (8/288)
فكم أهلة سيوف تقارض الضراب بها حتى صارت كالعراجين وكم أنجم أسنة تبادلت الطعان حتى صارت كالمطاعين وكم فارسية ركض عليها فارسها الشهم إلى أجل فاختلسه وفغرت تلك القوس فاها فإذا فوها قد نهش القرن على بعد المسافة فافترسه وكان اليوم مشهودا وكانت الملائكة شهودا وكان الكفر مفقودا والإسلام مولودا وجعل الله ضلوع الكفار لنار جهنم وقودا واسر الملك وبيده أوثق وثائقه وآكد وصله بالدين وعلائقه وهو صليب الصلبوت وقائد أهل الجبروت وما دهموا قط بأمر إلا وقام بين دهمائهم يبسط لهم باعه ويحرضهم وكان مد اليدين في هذه الدفعة وداعة لا جرم أنهم يتهافت على ناره فراشهم ويجتمع في ظل ظلامه خشاشهم ويقاتلون تحت ذلك الصليب اصلب قتال واصدقه ويرونه ميثاقا يبنون عليه اشد عقد وأوثقه ويعدونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه (8/289)
وفي هذا اليوم اسرت سراتهم وذهبت دهاتهم ولم يفلت منهم معروف إلا القومص وكان لعنه الله مليا يوم الظفر بالقتال ومليا يوم الخذلان بالأحتيال فنجا ولكن كيف وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرمح أو جناح السيف ثم أخذه الله تعالى بعد ايام بيده وأهلكه لموعده فكان لعدتهم فذالك وانتقل من ملك الموت إلى مالك
وبعد الكسرة مر الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغا البيضاء صنعا الخافقة هي وقلوب أعدائها الغالبة هي وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها البشر وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر فافتتح بلد كذا وكذا وهذه كلها أمصار ومدن وقد تسمى البلاد بلادا وهي مزارع وفدن وكل هذه ذوات معاقل ومعاقر وبحار وجزائر وجوامع ومنائر وجموع وعساكر يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا ويحط من منائر جوامعها صلبانا ويرفع أذانا ويبدل المذابح منابر والكنائس مساجد ويبويء بعد أهل الصلبان أهل القرآن للذب عن دين الله مقاعد ويقر عينه وعيون أهل الإسلام أن تعلق النصر منه ومن عسكره بجار ومجرور وأن ظفر (8/290)
بكل سور ما كان يخاف زلزاله وزياله إلى يوم النفخ في الصور ولما لم يبق إلا القدس وقد اجتمع إليها كل شريد منهم وطريد واعتصم بمنعتها كل قريب منهم وبعيد وظنوا أنها من الله مانعتهم وأن كنيستها إلى الله شافعتهم فلما نازلها الخادم رأى بلدا كبلاد وجمعا كيوم التناد وعزائم قد تألبت وتألفت على الموت فنزلت بعرصته وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصته فزاول البلد من جانب فإذا أودية عميقة ولجج وعرة غريقة وسور قد انعطف عطف السوار وأبرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار فعدل إلى جهة أخرى كان للمطامع عليها معرج وللخيل فيها متولج فنزل عليها وأحاط بها وقرب منها وضرب خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه ويزاحمه السور بأكنافه وقابلها ثم قاتلها ونزلها ثم نازلها وبرز إليها ثم بارزها وحاجزها ثم ناجزها فضمها ضمة ارتقب بعدها الفتح وصدع أهلها فإذا هم لا يصبرون على عبودية الخد عن عتق الصفح فراسلوه ببذل قطيعة إلى مدة وقصدوا نظرة من شدة وانتظارا (8/291)
لنجدة فعرفهم الخادم في لحن القول وأجابهم بلسان الطول وقدم المنجنيقات التي تتولى عقوبات الحصون عصيها وحبالها وأوتر لهم قسيها التي تضرب فلا تفارقها سهامها ولا يفارق سهامها نصالها فصافحت السور بأكنافه فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك وقدم النصر نسرا من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الارض ويعلو علوه إلى السماك فشج مرادع ابراجها وأسمع صوت عجيجها صم أعلاجها ورفع مثار عجاجها فأخلى السور من السيارة والحرب من النظارة فأمكن النقاب أن يسفر للحرب النقاب وأن يعيد الحجر إلى سيرته الأولى من التراب فتقدم إلى الصخر فمضغ سرده بأنياب معوله وحل عقده بضربه الأخرق الدال على لطافة أنمله واسمع الصخرة الشريفة حنينه واستغاثته إلى أن كادت ترق لمقبله وتبرأ بعض الحجارة من بعض وأخذ الخراب عليها موثقا فلن تبرح الأرض وفتح في السور بابا سد من نجاتهم أبوابا وأخذ ينقب في حجره فقال عنده الكافر ( ياليتني كنت ترابا ) فحينئذ يئس الكفار من أصحاب الدور كما يئس الكفار من أصحاب القبور وجاء أمر الله وغرهم بالله الغرور (8/292)
وفي الحال خرج طاغية كفرهم وزمام أمرهم ابن بارزان سائلا ان يؤخذ البلد بالسلام لا بالعنوة وبالأمان لا بالسطوة والقى بيده الى التهلكة وعلاه ذل الملكة بعد عز المملكة وطرح جبينه في التراب وكان جبينا لا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح إليه طرق آمل طامح وقال ها هنا أسارى مؤمنون يتجاوزون الألوف وقد تعاقد الفرنج على أنهم إن هجمت عليهم الدار وحملت الحرب على ظهورهم الأوزار بديء بهم فعجلوا وثني بنساء الفرنج وأطفالهم فقتلوا ثم استقتلوا بعد ذلك فلم يقتل خصم إلا بعد أن ينتصف ولم يسل سيف من يد إلا بعد ان تنقطع أو ينقصف وأشار الأمراء بالأخذ بالميسور من البلد المأسور فإنه إن أخذ حربا فلا بد أن تقتحم الرجال الأنجاد وتبذل انفسها في آخر أمر قد نيل من أوله المراد وكانت الجراح في العساكر قد تقدم منها ما اعتقل الفتكات واعتاق الحركات فقبل منهم المبذول عن يد وهم ضاغرون وانصرف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون وملك الإسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان لا جرم أن الله أخرجهم منها وأهبطهم وأرضى أهل الحق (8/293)
واسخطهم فإنهم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح وأودعوا الكنائس بها وبيوت الديوية والاستبارية منها كل غريبة من الرخام الذي يطرد ماؤه ولا يطرد لألاؤه وقد لطف الحديد في تجزيعه وتفنن في توشيعه إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد كالذهب الذي فيه نعيم عتيد فما ترى إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق وعمدا كالأشجار لها من التنبيت أوراق
وأوعز الخادم برد الأقصى إلى عهده المعهود وأقام له من الأئمة من يوفيه ورده المورود وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع شهر شعبان فكادت السموات يتفطرن للسجوم لا للوجوم والكواكب منها ينتثرن للطرب لا للرجوم ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طرائقها مسدودة وظهرت قبور الأنبياء وكانت بالنجاسات مكدودة وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها وجهرت الألسنة بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها وجهر باسم امير المؤمنين في وطنه الأشرف من المنبر فرحب به ترحيب من بر بمن بر وخفق علماه في (8/294)
حفافيه فلو طار به سرورا لطار بجناحيه
وكتاب الخادم وهو مجد في استفتاح بقية الثغور واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب من الصدور فإن قوى العساكر قد استنفدت مواردها وأيام الشقاء قد مردت مواردها والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها فهي بلاد ترفد ولا تسترفد وتجم ولا تستنفد وينفق عليها ولا ينفق منها وتجهز الأساطيل لبحرها وتقام المرابط لبرها ويدأب في عمارة أسوارها ومرمات معاقلها وكل مشقة فهي بالإضافة إلى نعمة الفتح محتملة وأطماع الفرنج فيما بعد ذلك مذاهبها غير مرجئة ولا معتزلة فلن يدعوا دعوة يرجو الخادم من الله أنها لا تسمع ولن تزول أيديهم من أطواق البلاد حتى تقطع
وهذه البشائر لها تفاصيل لا تكاد من غير الالسنة تتشخص ولا بما سوى المشافهة تتلخص فلذلك نفذنا لسانا شارحا ومبشرا صادحا ينشر الخبر على سياقته ويعرض جيش المسرة من طليعته إلى ساقته (8/295)
قلت وقد وقفت على نسخة كتاب كتب به عن المكتفي بالله عندما بعث محمد بن سليمان الكاتب إلى الديار المصرية فانتزعها من يد بني طولون واستولى عليها للخليفة في نحو كراسة تاريخها سنة اثنتين وتسعين ومائتين أولها أما بعد فالحمد لله العلي الكبير العزيز القدير أضربت عن ذكرها لطولها
الصنف الثامن المكاتبة بالاعتذار عن السلطان في الهزيمة
قال في مواد البيان من اخلاق العامة تقبيح سيرة السلطان إذا زل في بعض آرائه والإزراء على تدبيره في جيش يجهزه فيكسر ونحو ذلك مما لا يسلم من مثله والإفاضة فيه والتشنيع به فيحتاج إلى مكاتبتهم بما يتلافى الوهن (8/296)
ويقيم العذر كما يكاتبهم بتفخيم المنح وتعظيم الفتوحات والتحدث بمواقع المواهب وشكر الله تعالى على إسباغ النعم والإظفار باعداء الدين والدولة ليقوي بذلك منتهم ويرهف بصائرهم ويستخلص طاعتهم ويملأ صدورهم رهبة قال وليست لهذه الكتب رسوم ينتظم كل ما وقع فيها لاختلاف ما يلام فيه ويعتذر
ثم قال ونحن نرسم في اصوله قولا وجيزا وهو أن يقتضب الكاتب له المعاذير التي تحسن أحدوثته وتستر زلته والحجج التي تعيد اللائم عاذرا والذام شاكرا وتوجب التقريظ من حيث يجب التانيب والإحماد من حيث يستحق التذنيب مثل أن يعتذر عن هزيمة جيش فيقول وقد علمتم أن الحرب سجال والدنيا دول تدال وقد تهب ريح النصر للقاسطين على المقسطين امتحانا من الله وبلوى ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى من غير ان يصرح بباطل ولا يطلق كذبا محضا ولا يختلق زورا يعلم الناس خلافه فتتضاعف الهجنة وتتكاثف المحنة فإنه لا شيء أقبح على السلطان وأقدح في جلالة الشان من أن يعثر في كتبه على إفك قد يعلمه بعض من يقف عليه بل ينبغي أن يعتمد في ذلك حسن التخلص والتورية عن الغرض واستعمال الألفاظ التي تدل على أطراف الحال ولا تفصح بحقائقها
وهذه نسخة كتاب من ذلك
الحمد لله الذي ساس الأمور بحكمته وأبان فيها مواقع قدرته وسلك فيها طريق مشيئته وصرفها على ما رآه عدلا بين العباد في أقسام نعمته ومحنته وأحوال بلواه وعافيته وجعل الأيام فيهم نوبا والأحوال بينهم عقبا فخص أولياءه وأهل طاعته بالنصر في المحاكمة والصلح عند المخاصمة والظهور على من شاقهم وعاداهم والقهر لمن ضادهم وناواهم إنجازا لما وعد به الصابرين المحتسبين وإعزازا للدين وانصاره من المؤمنين ولم يخل اعداءه من دولة أدالها لهم وجولة على الحق زادها في طغيانهم ووصل الإملاء لهم فيها بخذلانهم ليجب الثواب للمحسنين ويحق العذاب على الكافرين فقال (8/297)
في محكم كتابه وقد ظهر المشركون على المسلمين ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ) وقال ( ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) وناوب بين الفريقين في المصائب والمواهب والمسار والمضار ليشفي الله صدور المؤمنين وليمحص ما في قلوبهم ويوجب لهم إخلاص السرائر في طاعته والجهاد في سبيله والنصرة لرسوله والمراماة عن دينه والمدافعة عن حريمه ضعف الثواب وحسن المآب ويحل بالمشركين ما أعد لهم في دار الجزاء من أليم العذاب
وإذا كان الحال بين الفريقين المتلاقيين والفئتين المتجاورتين والحزبين المتحاكمين في تعاور الغلبة وتعاقب الدولة جاريا على تقدير الله ومتصرفا على حكمه ومستوسقا على ما سبق في علمه فليس يغني في ذلك زيادة عدد ولا اتصال مدد ولا قوة أيد ولا لطف كيد ولا اختيار وقت محمود للقتال ولا الانتخاب لأهل البسالة والنجدة من الرجال ولا يجب أن يستريث النصر من ابطأ عنه ويستشعر الجزع من نال خصمه منه بعد تحصيله السلامة في نفسه وقيام العذر له بعنايته وجده وقد جمع الله للأمير من المناقب التي ورثها عن آبائه وحازها في صدره والحيازة فيما بان من فضل بأسه وثبات جأشه وأصالة رأيه وصحة تدبيره وإيفائه الحرب شروطها والهيجاء حقوقها من الحزم والتؤدة والإقدام عند الفرصة والإصابة في التقدير والتعبير والاحتياط في سد مواقع الخلل والعورة وإعمال النظر والروية لولا اعتراض القضاء الذي هو مالك نواصي العباد وغير مدفوع بمحال ولا جلاد ولا قوة ولا عدة ولا عتاد ما أوفى حسنه على مزية الظفر وزاد عظمه في السناء والخطر إلى ما شمل عسكره في منقلبه بمراعاته لهم ومدافعته من ورائهم حتى توافى الجمع موفورين وآبوا سالمين غانمين وبالله الحول والقوة وعليه ضمان الإدالة على ما جرى به وعده (8/298)
الصادق وأخبر عنه كتابه الناطق وهو حسب أمير المؤمنين وكافيه وناصره وواليه ونعم الوكيل والظهير والمولى والنصير وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وآله الطيبين اجمعين وسلم تسليما
وفي مثله من إنشاء احمد بن سعيد
أحكام الله جل جلاله جارية على سبل جامعة لوجوه الحكمة منتظمة لأسباب الصلاح والمعدلة فمنها ما عرف الله أولياءه والمندوبين بطاعته والمجموعين بهدايته طريق المراد منه وسبب الداعي إليه والعلة فيما قضي من ذلك لحينه والصورة المقتضية له ومنها ما أستأثر بعلمه وطوى عن الخلق معرفة حاله فهو وإن اشكل عليهم موضع الحاجة إليه وموقع العائدة به ورؤي بهم اضطرابا في ظاهره عند تأملهم إياه بمقادير عقولهم ومبالغ افهامهم مبني على أوثق اساس الحكمة وأثبت أركان الصواب على الجملة وكيف لا يكون كذلك والله خالق الأشياء كلها وعالم بها قبل كونها في أحوال تكوينه إياها وبعده في منزع غاياتها ومقضي عواقبها فليس تخفى عليه خافية ولا تعزب عنه دانية ولا قاصية ولا يسقط عن معرفته فصل ما بين الخاطرين والوهمين في الخير والشر وما بين الجبلين والدربين في الوفور والغمور فكيف بما يبرزه الظهور ويخبر فيه عن موضع التدبير المحتاج فيه إلى إحكام الصنعة وإتقان التقدير ومن ظن أن شيئا من ذلك يخرج عن نهج الصواب ويخالف طريق الصلاح فقد ضل من حيث ضلل وغلط من حيث غلط واتصل سوء ظنه وفساد فكره بالزراية على فعل ربه تعالى عن قول المبطلين ورجم الشياطين
ثم إن لله جل جلاله عادة في الجيشين المتحاربين والحزبين (8/299)
المتحاكمين من عباده المؤمنين واضدادهم المفسدين الملحدين في المداولة بينهما والمعاقبة بين الفئتين منهما في العجز والظهور والوفاء والقصور والمعافاة والامتحان والنصر والخذلان والإعلاء لراية الحق في حال والإملاء للباطل في أخرى بتضمين الخيرة لأوليائه والدائرة على أعدائه عاجلا بالتمحيص لهؤلاء وبالمحق لأولئك بما يصل إليهم من مصيبته وينوبهم في حاضر الدنيا من رغبته ويحل العادين من المشركين دار الفاسقين ويجعل العاقبة للمتقين ومن سعد بقسم من التوفيق وحظ من فائدة الإرشاد فليس في هذه الحالة بزيادة أنصار وعدة وفضل عتاد وعدة وبسالة ونجدة وايد وقوة وسعة وبسطة ولا يعدو أن يسلم لله تعالى قاضيا له وعليه ويوفى بإحدى الحسنيين من علوه أو غلبة عدوه أو يتوكل عليه وهو حسبه منعما وممتحنا ومعافيا ومسلما ونعم الوكيل
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستعمل بين الكتاب دائر في مصطلحاتهم إلى الآن وللشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في ذلك تفننات كثيرة اورد بعضها في كتابه حسن التوسل
فمن ذلك ما انشأه فيمن هزم هو وجيشه يتضمن إقامة عذره ووصف اجتهاده ويحث على معاودة عدوه والطلب بثاره وهو
هذه المكاتبة إلى فلان لا زال مأمون الغرة مأمول الكرة مجتنيا حلو الظفر من أكمام تلك المرة المرة راجيا من عواقب الصبر أن يسفر له مساء تلك المساءة عن صبح المسرة واثقا من عوائد نصر الله بإعادته ومن معه في القوة و الاستظهار كما بدأهم أول مرة
أصدرناها وقد اتصل بنا نبأ ذلك المقام الذي أوضحت فيه السيوف عذرها (8/300)
وابدت به الكماة صبرها وأظهرت فيه الحماة من الوثبات والثبات ما يجب عليها وبذلت فيه الأبطال من الجلاد جهدها ولكن لم يكن الظفر إليها وكان عليهم الإقدام على غمرات المنون والاصطلاء بحمرات الحرب الزبون ولم يكن عليهم إتمام ما قدر أنه لا يكون فكابرت رقاب الأعداء في ذلك الموقف السيوف وكاثرت أعدادهم الحتوف وتدفقت بحارهم على جداول من معه ولولا حكم القدر لانتصفت تلك الاحاد من تلك الألوف فضاق بازدحام الصفوف على رجاله المجال وزاد العدد على الجلد فلم يفد له الإقدام على الأوجال مع قدوم الاجال وأملي للكافرين بما قدر لهم من الانظار وحصل لهم من الاستظهار وعوضوا بما لم يعرفوه من الإقدام عما ألفوه من الفرار ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) وقد ورد أنهم ينصرون كما ننصر وإذا كانت الحروب سجالا فلا ينسب إلى من كانت عليه وبالا إذا اجتهد ولم يساعده القدر أنه قصر مع أنه قد اشتهر بما فعله في مجاله من الذب عن رجاله وما أبداه في قتاله من الضرب الذي ما تروى فيه خصمه إلا بدره بارتجاله وأن الرماح التي امتدت إليه اخرس سيفه ألسنة اسنتها والجياد التي أقدمت عليه جعل طعنة أكفالها مكان أعنتها فأثبت في مستنقع الموت رجله ووقف وما في الموت شك لواقف ليحمي خيله ورجله حتى تحيز أصحابه إلى مأمنهم وأقام نفسه دونهم دريئة لمن بدر من سرعان القوم أو ظهر من مكمنهم وهذا هو الموقف الذي قام له مقام النصر إذ فاته النصراء وفاته النصر والمقام الذي اصيب فيه من اصحابه آحاد يدركهم أدنى العدد وفقد فيه من أعدائه مع ظهورهم ألوف لا يدركهم الحصر وكذا فليكن قلب الجيش كالقلب يقوى بقوته الجسد وإذا حق اللقاء فلا يفر عن كناسه إلا الظبي ولا يحمي عرينه إلا الأسد وما بقي إلا أن تعفو الكلوم وتثوب الحلوم وتندمل الجراح وتبرأ من فلول المضارب صدور الصفاح (8/301)
وتنهض لاقتضاء دين الدين من غرمائه المعتدين وتبادر الى استنجاز وعد الله بأن الله يمحص المؤمنين ويمحق الكافرين والليث إذا جرح كان اشد لثباته وأمد لوثباته والموتور لا يصطلى بناره والثائر لا يرهب الإقدام على المنون في طلب ثاره والدهر ذو دول والزمان متلون إن دجت عليكم منه بالقهر ليلة واحدة فقد اشرقت لكم منه بالنصر ليال أول فالمولى لا يلتفت الى ما فات ويقبل بفكره على تدبير ما هو آت ويعد للحرب عدته ويعجل أمد الاستظهار ومدته ولا يؤخر فرصة الإمكان ولا يعيد ذكر ما مضى فإنه دخل في خبر كان ولا يظهر بما جرى عجزا فإن العاجز من ظن أنه يصيب ولا يصاب ولا يتخذ غير ظهر حصانه حصنا فلا حرز أمنع من صهوة الجواد ولا سلم اسلم من الركاب وليعلم ان العاقبة للمتقين ويدرع جنة الصبر ليكون من النصر على ثقة ومن الظفر على يقين فإن الله مع الصابرين ومن كان الله معه كانت يده الطولى وإذا لقي عدو الله وعدوة فليصبر لحملته فإن الصبر عند الصدمة الأولى والله تعالى بكلؤه بعينه ويمده بعونه ويجعل الظفر بعدوه موقوفا على مطالبته له بدينه
ومن ذلك ما كتبه على لسان المهزوم يتضمن الاعتذار ويصف الاحتفال بأخذ الثار
هذه المكاتبة إلى فلان أتبع الله ما ساءه من امرنا مع العدو بما يسره وبلغه عنا من الانتصاف والانتصار ما يظهر من صدور الصفاح وألسنة الرماح سره واراه من عواقب صنعه الجميل بنا ما يتحقق به أن كسوف الشمس لا ينال طلعتها وأن سرار القمر لا يضره توضح لعلمه أنه ربما اتصل به خبر تلك الوقعة التي صدقنا فيها اللقاء وصدمنا العدو صدمة من لا يحب البقاء واريناه حربا لو أعانها التأييد فللت جموعه وأذقناه ضربا لو أن حكم النصر فيه إلى النصل أوجده (8/302)
مصارعه وأعدمه رجوعه وحين شرعت رياح النصر تهب وسحاب الدماء من مقاتلهم تصوب وتصب وكرعت الصفاح في موارد نحورهم وكشفت الرماح خبايا صدورهم وما بقي إلا أن تستكمل سيوفنا الري من دمائهم وتقف صفوفنا على ربوات أشلائهم وتقبض بالكف من صفحت الصفاح عن دمه وتكف بالقبض يد من ألبسته الجراح حلة عندمه أظهروا الخرع في عزائمهم وحكموا الطمع في غنائمهم فحصل لجندنا عجب أعجل سيوفنا أن تتم هدم بنائهم وطمع منع جيوشنا أن تكف عن النهب إلى أن تصير من ورائهم فاغتنم العدو تلك الغفلة التي ساقها المهلكان العجب والطمع وانتهز فرصة الإمكان التي أعانه عليها المطمعان إبداء الهلع وتخلية ما جمع فانتثر من جمعنا بعض ذلك العقد المنظم وانتقض من حزبنا ركن ذلك الصف الذي أخذ فيه الزحام بالكظم وثبت الخادم في طائفة من ذوي القوة في يقينهم وارباب البصائر في دينهم فكسرنا جفون السيوف وحطمنا صدور الرماح في صدور الصفوف وأرينا تلك الألوف كيف تعد الآحاد بالألوف وحلنا بين العدو وبين أصحابنا بضرب يكف اطماعهم ويرد سراعهم ويعمي ويصم عن الآثار والأخبار أبصارهم واسماعهم إلى أن نفسنا للمنهزم عن خناقه وايسنا طالبه عن لحاقه ورددناه عنه خائبا بعد أن كادت يده تعتلق بأطواقه وأحجم العدو مع ما يرى من قلتنا عن الإقدام علينا ورأى منا جدا كاد لولا كثرة جمعه يستسلم به إلينا وعادوا ولنا في قلوبهم رعب يثنيهم وهم الغالبون ويدركهم وهم الطالبون ويسلبهم رداء الأمن وهم السالبون وقد لم الخادم شعث رجاله وضم فرقهم بذخائر ماله (8/303)
وأمدهم بنفقات أصلحت أحوالهم وأطلقت في طلب عدو الله أقوالهم وسلاح جدد استطاعتهم وأعان شجاعتهم وخيول تكاد تسابقهم إلى طلب عدوهم وتحضهم على اخذ حظهم من اللقاء كانها تساهمهم في أجر رواحهم وغدوهم وقد نضوا رداء الإعجاب عن أكتافهم واعتصموا بعون الله وتأييده لا بقوة جلدهم ولا بحدة اسيافهم وسيعجلون العدو إن شاء الله تعالى عن اندمال جراحه ويتعجلون إليه بجيوش تسوء طلائعها في مسائه وتصبحه كتائبها في صباحه والله تعالى لا يكلنا إلى جلدنا ولا ينزع أعنة نصره من يدنا
الصنف التاسع المكاتبة بتوبيخ المهزوم وتقريعه والتهكم به
وهذا النوع من المكاتبات قليل الوقوع ولذلك لم يتعرض إليه في مواد البيان والذي ينبغي أن تبنى المكاتبة فيه عليه ذكر هزيمة المهزوم وما استولى عليه من الغلبة والقهر وصورة الحال في النصرة عليه والاستيلاء على بلاده وأمواله وسائر ذات يده واسر رجاله واسترقاق ذراريهم ونسائهم وما يجري مجرى ذلك مما فيه إيلام خاطره وتقطيع قلبه حسرات على ما ناله ونحو ذلك مما يدعو المكتوب إليه إلى الطاعة ويوجب الانقياد
وهذه نسخة كتاب من هذه النمط كتب به القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله إلى البولس بيمند ملك الفرنج المستولي على طرابلس من (8/304)
الشام وأنطاكية من بلاد العواصم حين غزاه الملك في طرابلس ثم قصد انطاكية فأخذها من عانه وهي
قد علم القومص الجليل المنتقلة مخاطبته بأخذ انطاكية منه من البولسية إلى القومصية ألهمه الله رشده وقرن بالخير قصده وجعل النصيحة محفوظة عنده ما كان من قصدنا طرابلس وغزونا له في عقر الدار وما شاهده بعد رحيلنا من إخراب العمائر وهدم الأعمار وكيف كنست تلك الكنائس من على بساط الأرض ودارت الدوائر على كل دائر وكيف جعلت تلك الجزائر من الأجساد على ساحل البحر كالجزائر وكيف قطرت الرجال واستخدمت الأولاد وتملكت الحرائر وكيف قطعت الأشجار ولم يترك إلا ما يصلح لأعواد المجانيق إن شاء الله تعالى والستائر وكيف نهبت لك ولرعيتك الأموال والحريم والأولاد والحواشي وكيف استغنى الفقير وتأهل العازب واستخدم الحريم وركب الماشي هذا وانت تنظر نظر المغشي عليه من الموت وإذا سمعت صوتا قلت فزعا علي هذا الصوت وكيف رحلنا عنك رحيل من يعود وأخرناك وما كان تأخيرك إلا لأجل معدود وكيف فارقنا بلادك وما بقيت فيها ماشية إلا وهي لدينا ماشية ولا جارية إلا وهي في ملكنا جارية ولا سارية إلا وهي بين أيدي المعاون سارية ولا زرع إلا وهو محصود ولا موجود إلا وهو منك مفقود وما منعت تلك المغاير التي هي في رؤوس الجبال الشاهقة ولا تلك الأوردية التي في التخوم مخترقة وللعقول خارقة وكيف سقنا عنك ولم يسبقنا إلى مدينتك أنطاكية خبر وكيف وصلنا إليها وأنت لا تصدق أننا نبعد عنك وإن بعدنا فسنعود على الأثر وها نحن نعلمك بما تم ونفهمك بالبلاء الذي عم
كان رحيلنا عنك من طرابلس يوم الأربعاء ونزولنا انطاكية في شهر (8/305)
رمضان وفي حال النزول خرجت عساكرك للمبارزة وتناصروا فما نصروا واسر من بينهم كد اسطل فسأل في مراجعة اصحابك فدخل إلى المدينة فخرج هو وجماعة من رهبانك وإن رأيهم في الخير مختلف وقولهم في الشر واحد فلما رأيناهم قد فات فيهم الفوت وأنهم قد قدر الله عليهم الموت رددناهم وقلنا نحن الساعة لكم نحاصر وهذا هو الأول في الإنذار والآخر فرجعوا به متشبهين بفعلك ومعتقدين انك تدركهم بخيلك ورجلك ففي بعض ساعة مرشان المرشان وداخل الرهب الرهبان ولان للبلاء القسطلان وجاءهم الموت من كل مكان وفتحناها بالسيف في الساعة الرابعة من يوم السبت رابع شهر رمضان وقتلنا كل من اخترته لحفظها والمحاماة عنها وما كان احد منهم إلا وعنده شيء من الدنيا فما بقي أحد منا إلا وعنده شيء منهم ومنها فلو رايت خيالتك وهي صرعى تحت أرجل الخيول وديارك والنهابة فيها تصول والكسابة فيها تجول وأموالك وهي توزن بالقنطار وإماءك وكل أربع منها تباع فتشترىمن مالك بدينار ولو رأيت كنائسك وصلبانها قد كسرت ونثرت وصحفها من الأناجيل المزورة قد نشرت وقبور البطارقة وقد تغيرت ولو رأيت عدوك المسلم وقد داس مكان القداس والمذبح وقد ذبح فيه الراهب والقسيس والشماس والبطارقة وقد دهموا بطارقة وابناء المملكة وقد دخلوا في المملكة ولو شاهدت النيران وهي في قصورك تخترق والقتلى بنار الدنيا قبل نار الآخرة تحترق وقصورك وأحوالها قد حالت وكنيسة بونصر وكنيسة القسيان وقد زلت كل منهما وزالت لكنت تقول يا ليتني كنت ترابا وياليتني لم أوت بهذا الخبر كتابا ولكانت نفسك تذهب من حسرتك ولكنت تطفيء تلك النيران بماء عبرتك ولو رأيت مغانيك وقد أقفرت ومراكبك وقد أخذت في السويدية بمراكبك لصارت شوانيك من شوانيك ولتيقنت أن الإله الذي أنطاك أنطاكية منك استرجعها (8/306)
والرب الذي أعطاك قلعتها منك قلعها ومن الأرض اقتعلها ولتعلم أنا قد أخذنا بحمد الله منك ما كنت أخذته من حصون الإسلام وهو دركوش وشقيف تل منس وشقيف كفردبين وجميع ما كان لك في بلاد انطاكية في هذه المدة إقامة وكونك ما كنت بها فيكون إما قتيلا وإما أسيرا وإما جريحا وإما كسيرا وسلامة النفس هي التي يفرح بها الحي إذا شاهد الأموات ولعل الله إنما أخرك لأن تستدرك من الطاعة والخدمة ما فات ولما لم يسلم أحد يخبرك بما جرى خبرناك ولما لم يقدر أحد أن يباشرك بالبشرى بسلامة نفسك وهلاك ما سواها باشرناك بهذه المفاوضة وبشرناك لتتحقق الأمر على ما جرى وبعد هذه المكاتبة لا ينبغي لك أن تكذب لنا خبرا كما أن بعيد هذه المخاطبة يجب أن لا تسأل عما جرى
وهذه نسخة في هذا المعنى من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي
هذه المكاتبة إلى فلان أقاله الله عثرة زلته وأقامه من حفرة ذلته وتجاوز له عن كبيرة فراره من جمع عدوه على قلته
بلغنا أمر الواقعة التي لقي فيها العدو بجمع قليل غناؤه ضعيف بناؤه كثيف في رأي العين جمعه خفيف في المعنى وقعه ونفعه اسرع في مفارقة المجال من الظل في الانتقال واشبه في مماثلة الوجود بالعدم من طيف (8/307)
الخيال يمشون إليه بقلب واجب ويهتدون من تخرصه برأي بينه وبين الصواب الف حاجب ويأتمون منه بمقدم برى الواحد من عدوه كالف ويتسرعون منه وراء مقدام يمشي إلى الزحف ولكن إلى خلف جناح جيشه مهيض وطرف سنانه غضيض وساقة عسكره طالعة وطلائعه كالنجوم ولكن في حال كونها راجعة تاسف السيوف بيمينه على ضارب وتأسى الجنائب حوله إذ تعد لمحارب فتعد لهارب وأنه حين وقعت العين على العين وأيقن عدوه لما رأى من عدده وعدده معاجلة الحين أعجل نصول العدا عن وصولها وترك غنيمة الظفر لعداه بعد أن أشرف على حصولها تناديه ألسنة أسنته الكرة الكرة فلا يلوي إلى ندائها وتشكو إليه سيوفه الظمأ وقد رأت موارد الوريد فيردها إلى الغمود بدائها فمنح عدوه مقاتل رجاله واباحهم كرائم مال جنده وماله وخلى لهم خزائن سلاحه التي أعدها لقتالهم فاصبحت معدة لقتاله فنجا منجى الحارث ابن هشام وآب بسلامة أعذب منها لو عقل شرب كأس الحمام واتسم بين أوليائه وأعدائه بسمة الفرار وكان يقال النار ولا العار فجمع له فراره من الزحف بين النار والعار وعاد بجمع موفور من الجراح موقر من الإثم والاجتراح لا علم بما جرى عند اسيافهم ولا شاهد بمشاهدتهم الوغى غير مواقع الظبا في أكتافهم فبأي جنان يطمع في معاودة عدوه من هذا قلبه وهؤلاء حزبه وذلك القتال قتاله وتلك الحرب حربه
وبعد فإن كانت له حمية فستظهر آثارها أو أريحية فستشب نارها أو أنفة فستحمله على غسل هذه الدنية وتبعثه على طلب غايتين إما شهادة مريحة أو (8/308)
حياة هنية والله تعالى يوقظ عزمه من سنته ويعجل له الانتصاف من عدوه قبل إكمال سنته
الصنف العاشر في المكاتبات بالتضييق على أهل الجرائم
قال في مواد البيان لم يزل السلطان يكتب إلى الولاة عندما ينتهي إليه من إقدام الرعايا على ارتكاب الجرائم واستباحة المحارم واقتراف المآثم كالزنا واللواط وشرب الخمر وقطع الطرق والغصب والتظالم وما يجري هذا المجرى بالتضييق عليهم وإقامة حدود الله تعالى فيهم
قال والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله الباديء بنعمته قبل افتراض طاعته الممتن بفضله قبل إيجاب شكره خالق الخلائق جودا وكرما وموسعهم منا ونعما الذي اختار دين الاسلام وطهره من الارجاس ونزهه عن الأدناس واختص به صفوته من الناس وابتعث به محمدا سيد المرسلين ( لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ) يحمده أمير المؤمنين أن فوض إليه إيالة خلقه وأقدره على القيام بخدمته ونصبه لإعزاز دينه والمحافظة على مفروضه ومسنونه وزيادة العباد عن محارمه التي نهى عن التعدي إليها وإقامة الحدود عليهم فيها ويسأله الصلاة على محمد
ثم يقال وإن أمير المؤمنين يرى أن من أعظم نعم الله تعالى عليه توفيقه لحفظ ما استحفظه من شريعته ورعاية ما استرعاه من بريته وتوفير القيام على من قلده النظر فيهم وأعتماد ما يعود بالصلاح في الدين والدنيا عليهم ومساواته بين قريبهم وبعيدهم في تفقده ومماثلته بين قاصيهم ودانيهم في تعهده فلا ينال القريب فقط نصيبا من رعايته ويعلم جاهلهم ويهدي حائرهم ويشحذ بصائرهم ويثقف مائدهم ويصلح فاسدهم ويتخولهم من مواعظه بما يبرد (8/309)
الغلل ويشفي العلل وينسخ الشك باليقين ويقبس مقابس النور المبين فمن أصغى إلى أرشاده سعد جده وورى زنده وأحمد يومه وغده ومن خالف عن أمره ضل مسعاه وخسر آخرته ودنياه ودعا إلى أتباع امر الله تعالى في تقويمه وإصلاحه والكف بإقامة الحدود عليه من جماحه
وانتهى إلى امير المؤمنين ما أقدم عليه الأحداث وأهل الدعارة قبلكم من احتقاب الآثام واستدماث مراكب الحرام والاستهتار بمحظور اللذات والإكباب على دنيء الشهوات التي تسلخ من الدين وتخرج عن دائرة المسلمين وتدفع عن تأدية العبادات وإقامة الصلوات وتنظم في سلك البهائم المرسلة والسوائم المهملة وتقصير مشايخهم وعلمائهم عن كفهم والأخذ على أكفهم وتعريفهم وجوه مراشدهم وتقويم أودهم فامتعض من ذلك وأشفق من نزول القوارع والمثلات وحلول البليات والآيات وارتجاع ما أودعكم الله تعالى من نعمته وانتزاع ما ألبسكم من رحمته وبادر بكتابه موقظا لغافلكم ومبصرا لذاهلكم وباعثا لكم على مراضيه الأولى ومعاودة الطريقة المثلى ومبادرة آجالكم بأعمالكم والأخذ لأخراكم من أولاكم ولسقمكم من صحتكم ولنومكم من يقظتكم عالمين بأن الدنيا لعب ولهو وان الآخرة هي دار القرار وأنكم فيها كسفر شارفوا المنزل فاجهدوا عباد الله واحتشدوا وأقلعوا وارجعوا وأسمعوا وعوا فكأنكم والله وقد توضحت خدعها وتصرم متاعها وجل متوقعها والسعيد من وثق بما قدم لنفسه بعد نفاد أيامه وورود حمامه والشقي من افرط وفرط وندم حيث لا مندم وأوعز إلى والي الحرب فلان بقراءة ما نص فيه عليكم واختبار سيركم بعد مروره على أسماعكم فمن رغب في التقوى وآثر الآخرة على الدنيا عرف ذلك وتوخاه بتكرمته وتخوله ومن أبى إلا غواية وضلالا وبطالة ومحالا أقام حد الله تعالى عليه غير مراقب فيه فرحم الله عبدا صان نفسه في هذه الدار عن العار وحماها في الاخرة من عذاب النار وأمير (8/310)
المؤمنين يرجو أن ينفعكم الله بهدايته ويشفي صدوركم بموعظته ويرشدكم إلى ما يفضي بكم إلى الكفاية والحماية فليعلم فلان بن فلان ذلك من أمير المؤمنين ورسمه وليعمل عليه بجملته إن شاء الله تعالى
الصنف الحادي عشر الكتب في النهي عن التنازع في الدين
قال في مواد البيان من أهم ما صرف إليه السلطان تفقده ووقف عليه تعهده أمر الرعايا في أعماله وتنفيذ الكتب إليهم بالنهي عن التنازع في الدين وحسم أسباب المجادلة والمراء والتحذير من اتباع البدع والأهواء والإخلاد إلى مضل النحل والآراء لأنه متى فسح لهم في هذا الباب صاروا شيعا متباينين وفرقا متحاربين وانشقت عصاهم وانقضت حيلهم وخرجوا عن أحكام أهل السلامة إلى احكام اهل الفتنة وعاد ضرر ذلك على الدين والسلطان ولهذا صرف إليه الساسة الحزمة من الملوك الاهتمام ولم يبخلوا بحسم مادته على تغاير الأيام
ثم قال والرسم فيها أن تصدر بحمد الله تعالى على نعمه في تاليف كلمة اهل الاسلام وما من به عليهم من الاتفاق والالتئام وشكره على موهبته في نزع الغل من صدورهم والتأليف بين قلوبهم وتصييرهم إخوانا متصافين وخلانا متوافين وعونهم بما وفقهم له من إظهارهم على من شق عصاهم وإقدارهم بما منحهم من الألفة على مراماة من راماهم والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله ثم يشفع هذا بأن أمير المؤمنين بما مكنه الله تعالى من مراضيه ووفقه له من القيام بفرضه والنهوض بحقوق طاعته والعمل بكتابه وسنته ورغبته في الخير العام وشمول الصلاح لكافة الأنام لا يزال يحض رعيته على ما يقضي بسداد دنياهم وحسن المنقلب في أخراهم ويرى أن أنفع ذلك عائدة وأجزله فائدة ما رفع عنهم أسباب التنافر ودعاهم إلى التعاضد والتظافر وحال بينهم وبين الخوض في محدث النحل والآراء والإصغاء إلى مضل البدع (8/311)
والأهواء التي تصد عن سنن الهدى وتلقي في مهاوي الردى وتدعو إلى شق العصا وتقضي بانتثار النظام واختلاف الأنام وانفصام عرى الإسلام وكفهم عن المماراة في الدين والإصغاء إلى سنة المضلين المعطلة للسنن القادحة للفتن الداعية إلى احتقاب الآثام وإراقة الدماء الحرام ونحو هذا مما يضاهيه
ثم يقول وانتهى إلى أمير المؤمنين التفاتكم عن معايشكم التي جعلها الله لدنياكم قواما وعبادتكم التي صيرها لآخرتكم نظاما وإقبالكم على المماراة والمنازعة والمناظرة والمجادلة إلى شكوك يقيمها من يرغب في الرياسة والتقدم ليفوز بخبيث المطعم الذي يعمي البصائر ويفسد السرائر ويقدح زند الضلال ويشب نار المحال والانتحال فامتعض أمير المؤمنين من ذلك وخاف عليكم أليم عاجلته وذميم آجلته وبادركم بكتابه هذا منبها لغافكم ومرشدا لجاهلكم وباعثا لكم على التشاغل بما أطاب أخباركم وحسن آثاركم من تلاوة كتاب الله الذي آثركم بتلاوته وزيارة بيوت عبادته والتأدب بأدب نبيه وعترته وأوعز إلى النائب في الحرب بتقويم من خرج عن أمره وتثقيف من أصر على غيه وأن يحسم الداء قبل استشرائه ويستدركه دوين استفحاله فاصغوا إلى زواجر أمير المؤمنين ومواعظه واقتدوا بهديه ومراشده لتفوزوا بطاعته وتسعدوا برضاه وتسلموا في الحاضر من مهانة أنتم بغيرها أولى إن سلكتم الطريقة المثلى وفي الغابر مما أعده الله لمن خالف عن أمره من العقاب في الدار الأخرى فاعلموا هذا واعلموا به إن شاء الله تعالى
قال وقد يكتب السلطان إلى الرعية بالنهي عن التفاخر بالبادية والتنازع في العصبية ثم قال والطريقة في هذا المعنى مشتقة من طريقة هذا الرسم
الصنف الثاني عشر المكاتبة بالأوامر والنواهي
قال في مواد البيان على هذه الكتب مدار اشغال السلطان في أعماله (8/312)
لأنها النافذة في تصريف الأمور وتنفيذ المراسيم ولاية وعمالة
قال وليس لهذا أمثلة فنوردها لكنه ينبغي للكاتب أن يؤكد القول بها فإن الأمر فيها والنهي وإن اختلف نظمهما نوع واحد لأن كل مأمور به منهي عن ضده وكل منهي عنه مأمور بضده فينبغي له ان يؤكد القول في امتثال ما أمر والعمل عليه والانفاذ له والانتهاء عما نهى عنه والحذر من الإلمام به ويجزم الأمر في العبارة عنهما جزما تاما لا يتمكن معه من الإخلال ببعضهما والنقص فيهما لهوى ويأتى من المبالغة بما يضيق العذر ومتى وقع تقصير أو تثاقل عما حدد فيهما فإنما يمثل ذلك بمثل جامعة مع تفنن المعاني التي يأمر بها وينهى عنها ثم قال والكاتب إذا عرف الترتيب الواقع في هذين الغرضين على طريق الإجمال أمكنه أن يبسطه إذا احتاج إلى التفصيل والبيان بمشيئة الله تعالى
واعلم أنه كان للخلفاء والملوك وولاة الأمور في قديم الزمان عناية بالكتابة إلى الرعايا بالأوامر والنواهي المتعلقة بالدين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يجري مجرى ذلك وإلى العمال بالوصية بالرعايا والاجتهاد فيما لديهم من جباية الخراج والاهتمام بأمر الدواوين وما أشبه ذلك
فأما الأوامر والنواهي المتعلقة بالدين فقد تقدم في الكلام على مصطلح أهل الغرب في أوائل هذه المقالة من إنشاء أبي زيد الفازازي ما أغنى ذكره هناك عن إعادته هنا أو ذكر غيره
وأما الأوامر والنواهي المتعلقة بأمور السلطنة فمن ذلك ما كتب به أبو عبد الله بن الجنان عن الأمير أبي عبد الله بن هود أحد ملوك الطوائف (8/313)
بالأندلس في الرفق بالرعية وهو
أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحق ورافعه ومولى متوالي الإنعام ومتتابعه والصلاة على سيدنا محمد رسوله مشفع الحشر وشافعه المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العلية ومنازعه والذابين عن حوزة الإسلام بمواضي الاعتزام وقواطعه والرضا عن الخليفة الإمام العباسي أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سمو مطالعه
فإنا كتبنا إليكم كتب الله لكم عزة قدحها بالثبوت فائز وسعادة قسطها للنماء حائز من فلانة وكلمة الحق منصورة اللواء منشورة الأضواء والتوكل على الله في الإعادة والإبداء والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء وحمد الله تعالى وشكره وصلتنا إلى نيل مزيد النعماء والآلآء ومكانتكم لدينا مكانة السني المناصب المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب المتحلي في الغناء والاكتفاء والخلوص والصفاء بأكرم السجيات والمناقب المعلوم ما لديه من المناصحة السالكة بأكرم السجيات في المناحي الحسان على المهيع الأوضح والسنن اللاحب
وقد وقفنا على كتابكم معلما بخبر فلانة وبما رأيتموه من المصلحة في تحصينها والاجتهاد في سبب تأمينها ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح (8/314)
وتتوخون ما تتوسمون فيه النجاح لكن أهم الأمور عندنا وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا الرفق بالرعية وحملها على قوانين الإحسان المرعية وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب أهل فلانة المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرفين فيهم ويتظلمون من متحيفيهم ومتعسفيهم وفي هذا ما لا يخفى عليكم ولا ترضون به لو أنتهى إليكم فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممن لا يحسن سياسة الأمور ولا يعلم طريق الرفق الحاوية لرفق الخاصة والجمهور أعاد التسكين تنفيرا والتيسير تعسيرا وتعلمون أنا لا نقدم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملا ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلا وأنتم أول وأولى من يعتقد فيه أنه يكمل هذا المقصد ويتحرى في مصالح الرعايا هذا السنن الأرشد وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم ويبسط أملهم وعرفناهم بأنكم لو علمتم ما هو جار عليهم من بعض الخدمة لأخذتم على يده وجازيتموه بسوء معتمده وأشعرناهم بأنا قد استوصيناكم بهم خيرا ونبهناكم على ما يدفع عنهم ضيما ويرفع ضيرا وأنتم إن شاء الله تستأنفون نظرا جميلا وتؤخرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السياسة سبيلا وتقدمون عليهم من تحسن فيهم سيرته وتكرم في تمشية الرفق علانيته وسريرته ومثلكم لا يؤكد عليه في مذهب تحسن عواقبه وغرض يوافقه القصد الاحتياطي ويصاحبه إن شاء الله تعالى
الصنف الثالث عشر المكاتبات عند حدوث الآيات السماويه
قال في مواد البيان جرت العادة أن يكتب السلطان إلى الرعايا عند حدوث الآيات المهولة التي يريد الله تعالى بها إرشاد عباده إلى الإقلاع عن معصيته والإقبال على طاعته كالرياح العواصف والزلازل والصواعق واحتباس القطر وخروجه في التسكاب عما جرت به العادة كتبا يضمنها من الوعظ الشافي الرقيق ما يأخذ بمجامع القلوب ويشعرها التقوى والرهبة ويبعث على المراقبة والنظر في العاقبة (8/315)
قال وينبغي للكاتب أن يتلطف في الموعظة ويبالغ في الذكرى التي تخطر الخواطر وتقدح الأنفس وتحرك العزائم نحو الإخلاص فإنه إذا أبرز هذه المعاني في صور تشعر الخيفة من غضب الله تعالى وعقابه وترغب في عفوه وثوابه نفع الله بذلك من رغب عن الهوى ورغب في التقوى بكتابه
قال والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على آلائه التي يفيضها ابتلاء واختبارا وآياته التي يرسلها تخويفا وإنذارا وموهبته في التوقيف بسابغ نعمته على طاعته والتحذير بدافع نقمته من معصيته والصلاة على رسوله الذي أنقذ بشفاعته وعصم من نزول القوارع بنبوته ثم يقدم مقدمة تتضمن أن الله تعالى يقدم الإعذار أمام سخطه وعذابه ويبدأ بالإنذار قبل غضبه وعقابه فمن استيقظ من سنته ونظر لعاقبته ونهض إلى طاعته وأقلع عن معصيته كشف الرين عن قلبه وضاعف أجره ومن أضرب عن موعظته وتعامى عن تبصيره وتذكيره أخذه على غرته وسلبه سربال نعمته
ثم يأخذ في حث الأمة على الفزع إلى الصلوات والمسارعة إلى بيوت العبادات والإكثار من التضرع والخشوع والاستكانة والخنوع بإذراء سحائب الدموع وإخلاص التوبة عن محتقب الآثام ومخترع الأوزار والتوسل إلى الله تعالى في قبول الإنابة بقلوب نقية وطويات على الطهارة مطوية وسرائر صريحة ونيات صحيحة يصدقها الندم على الماضي وعقد العزم على الإقلاع في الآتي والرغبة إليه في رفع سخطه وإنزال رحمته وما يجاري هذا
قلت وهذا الصنف من المكاتبات قد ترك في زماننا فلا عناية لأحد به أصلا وإن كان مما يجب الاهتمام به وتقديمه (8/316)
الصنف الرابع عشر المكاتبات في التنبيه على شرف مواسم العبادة وشريف الأزمنة
قال في مواد البيان إن الله وقت لعباده أوقاتا عظم شانها ورفع مكانها وأمرهم أن يتقربوا فيها إليه بتأدية ما فرضه عليهم لطفا بهم ورأفة وحنانا ورحمة
قال ولم يزل السلطان يكتب إلى عماله بتنبيه الرعايا عليها وتعريفهم فضل العبادة فيها ليستقبلوها بالإخبات والخشوع ويتلقوها بالتضرع والخضوع ويتوسلوا في قبول التوبات وغفران الخطيات حفظا لنظام الدين وتفقدا لمصالح المسلمين
قال وينبغي للكاتب أن يحسن التأتي في هذه الكتب ويذكر الناسي وينبه الغافل اللاهي والمهمل الساهي ويحرك النفوس نحو مصالحها ويبعثها على الأخذ بفاضل الأعمال وصالحها
قال والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على أن وهب لعباده أوقاتا يتقبل فيها قربهم وأعمالهم ويخفف بالإنابة إليه عند حلولها أوزارهم وأثقالهم فيغفر لمستغفرهم ويعفو عن مسيئهم ويتقبل التوبة عن تائبهم والصلاة على رسول الله وعلى آله ثم يقدم مقدمة مبنية على تعظيم هذه الأوقات والإنابة عما في قصرها على العبادات والمسابقة إلى الخيرات من عظيم الثواب ويشفع ببعث الولاة على أخذ الرعايا بالمحافظة على السنن وتعهد حق الله تعالى فيها والتوسع في توكيد الحجة ونفي الشبهة وإيراد المواعظ الرادعة والزواجر الوازعة التي تعود بشحذ البصائر وصفاء الضمائر والإتيان بحقوق هذه الأوقات وواجباتها والفوز بما يوفره من جزيل بركاتها والتوفر على حسن مجاورتها والتقرب إلى الله تعالى ببذل الصدقات والإقبال على الصلوات وزيارة (8/317)
بيوت العبادات ومذاكرة أهل الدين والسعي في مصالح المسلمين ونحو ذلك مما يناسبه
ثم قال فإن كان الكتاب مقصورا على الدعاء إلى الحج افتتح بالحمد لله على أن جعل لعباده حرما آمنا يمحص ذنوبهم بزيارته ويمحو آثامهم بحجه ووفادته ويلي ذلك ما يليق به من الحث على تأدية المناسك وتكميل الفرائض والسنن وزيارة قبر النبي وكذلك الحكم في سائر الأبواب الدينية
الصنف الخامس عشر المكاتبة بالسلامة في الركوب في المواسم والأعياد وما ينخرط في سلكها من المواكب الجامعة
قال في مواد البيان جرت العادة أن يكاتب السلطان عماله وولاته بسلامة المواسم الإسلامية كلها لأنها تشاهد لجميع أصناف الرعايا وذوي الآراء المختلفة والمذاهب المتباينة والقلوب المتعادية والمتصاحبة في أمر الدين والدنيا وكل متربص لفتنة ينتهز فرصتها فلا تكاد هذه المشاهد تخلو من ثورة وحدوث أحداث منكرة تفضي إلى الفتن التي لا ترفع فإذا أنعم الله تعالى بالسلامة منها وجب التحدث بنعمته والشكر لمشيئته وأن يكتب أمير المؤمنين بسلامة ما قبله إلى عماله لتسكن الكافة إلى ذلك ويشتركوا في حمد الله تعالى عليه
واعلم أن المواسم التي كان يعتاد الخلفاء الركوب فيها والكتابة بالسلامة منها هي عيد الفطر وعيد النحر وكان الخلفاء الفاطميون بالديار المصرية يعتادون مع ذلك الركوب في غرة السنة وفي أول رمضان وفي الجمعة الأولى والجمعة الثانية والجمعة الثالثة منه على ما تقدم ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية وكذلك عيد الغدير وهو عيد من أعياد الشيعة كما سيأتي ذكره ونحن نشير إلى ذكر مواكبها موكبا موكبا ونذكر ما جرت به العادة في الكتابة في البشارة بالسلامة في ركوب كل موكب منها
الأول البشارة بالسلامة في الركوب في غرة السنة وقد تقدم الكلام على (8/318)
صورة الموكب في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية بالديار المصرية في المقالة الثانية
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك أورده أبو الفضل الصوري في تذكرته وهي
الحمد لله الذي لم يزل يولي إحسانا وإنعاما وإذا أبلى عبيده عاما أجد لهم بفضله عاما فقد امدكم معاشر الخلفاء كرما ومنا وآتاكم من جوده أكثر مما يتمنى ومنحكم من عطائه ما يوفي على ما أردتموه ( وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه ) وقد استقبلتم هذه السنة السعيدة وإذا عملتم بالطاعة كنتم مستنجزين من ثواب الله الأغراض البعيدة
وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي غدت الجنة مدخرة لمن عمل بهداه لما سمعه ومهيأة لمن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه وبين بإرشاده ما تجري أمور السنين عليه في العدد والحساب ونسخ ما كانت الجاهلية تفعله فيه زيادة في الكفر وضلالا عن الصواب وعلى اخيه وابن عمه امير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي كمل الله الإسلام بإمامته وضاعف الأجر لأهل ولايته ومنح شيعته مقبول شفاعته وعلى الأئمة من ذريتهما خلفاء الله على خلقه والقائمين بواجب حقه والعاملين في سياسة الكافة بما يرضيه سبحانه ويضمن غفرانه ورضوانه وسلم عليهم أجمعين سلاما باقيا إلى يوم الدين
وإن أحق النعم بنشر الذكر وأوجبها للوصف وإعمال الفكر نعمة رفعت الشك وأزالت اللبس ووضح ضياؤها لأولي الألباب وضوح الشمس واشترك الناس فتضاعفت الفائدة لديهم وانتفعوا بذلك في تواريخهم ومعاملاتهم ومالهم وعليهم وتلك هي المعرفة باليوم الذي هو مطلع السنة وأولها ومبدؤها (8/319)
ومستقبلها وحقيقة ذلك ظهور إمام كل زمان وكان ظهور إمام زماننا مولانا وسيدنا الإمام فلان ليتساوى في الشرف برؤيته العامة والخاصة فيكون استقلال ركابه إشعارا بأن اليوم الذي تجلى فيه لأوليائه ولرعاياه المتفيئين ظل لوائه هو افتتاح السنة وأول محرمها وعليه المعتمد في عدد تام الشهور وناقصها من مفتتحها إلى مختتمها يوم كذا غرة المحرم من سنة كذا في عساكر لا يحصر عددها وقبائل لا ينقطع مددها وإذا اضطرمت نار الكفر والتهبت طفئت بأنوارهم وخبت وقد تقلدت هندية تروع إذا أشرقت وسكنت فما الظن إذا أصطحبت والأرض بمرورها عليها مبهجة مونقة وملائكة الله عز و جل حافة به محدقة فآذن بأن اليوم المذكور هو غرة السنة المعينة وأن اليوم الفلاني أمسه انسلاخ كذا سنة كذا المتقدمة لتستقيم أمورهم على أعدل نهوجهم وليحفظ نظام دينهم في صومهم وفطرهم وحجهم وكذلك اصدر هذا الكتاب ليتلوه الأمير على من يسكن عمله وجميع من قبله ويتماثلوا في معرفته ويحمل كل منهم الأمر عليه في معتقده وأسباب معاملاته ويشكروا الله على النعمة عليهم بهدايته وهو يعتمد ذلك ويطالع بكائنه فيه إن شاء الله تعالى وكتب في اليوم المذكور
الثاني البشارة بالسلامة في الركوب في أول شهر رمضان وهي على نحو مما تقدم في الركوب في غرة السنة
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهو
الحمد لله كاليء خلقه في اليقظة والمنام والكافل لهم بمضاعفة الأجر في شهر الصيام وصلى الله على سيدنا محمد الذي بعثه رحمة للأنام وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أخلص ولي وأشرف وصي وافضل إمام وعلى الأئمة من ذريتهما الداعين إلى دار السلام صلاة دائمة الاتصال مستمرة في الغدو والآصال (8/320)
وإن من المسرة التي تتهادى والنعمة الشاملة للخلق جميعا وفرادى ما من الله به من ظهور مولانا وسيدنا الإمام فلان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم كذا غرة شهر رمضان من سنة كذا إعلاما بأول الشهر وافتتاحه وأن الصيام الأول من فجره الأول قبل تنفس صباحه وتوجهه إلى ظاهر المعزية القاهرة المحروسة في عساكره المظفرة وجنوده وأوليائه وأنصاره وعبيده والمنة برؤيته قد تساوي فيها الكافة وملائكة الله مطيفة حافة وعوده إلى قصوره الزاهرة وقد شمل المستظلين بأفيائه بسعادتي الدنيا والآخرة
أصدر إليك هذا الأمر لتقف على الجملة وتشكر النعمة السابغة على أهل الملة وتتلوها على أهل عملك وتطالع بكائنك في ذلك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
الثالث الكتابة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الأولى من شهر رمضان
وهذه نسخة كتاب من ذلك من إنشاء ابن الصيرفي أيضا وهي
أفضل ما سير ذكره ووجب حمد الله تعالى عليه وشكره ما عاد على الشريعة بالجمال والبهجة وأضحى واصفه صحيح المقال صادق اللهجة فضاعف حسنه ومحص سيئه وجعل اسباب السعادة متسهلة متهيئة وذلك ما يسره الله تعالى من استقلال ركاب سيدنا ومولانا صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم الجمعة من شهر رمضان من سنة كذا مؤديا خطبتها وصلاتها وضامنا لامة ائتمت به خلاصها يوم الفزع الأكبر ونجاتها في وقار النبوة وسكينة الرسالة والهيبة المستولية على العظمة والجلالة والعساكر الجمة التي تقلق بمهابتها وتزعج وتظن لكثرتها واقفة والركاب يهملج ولما انتهى إليه خطب ووعظ ففتح أبواب التوبة وآب إلى الطاعات من لم يطمع منه بالأوبة وصلى صلاة تقبلها جل وعز بقبول حسن وقصر في وصفها ذوو الفصاحة واللسن وعاد إلى مستقر الخلافة ومثوى الرحمة والرافة وعين الله له (8/321)
ملاحظة وملائكته له حافظة أعلمت ذلك لتذيعه في أهل عملك وتطالع بكائنك
الرابع المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب الجمعة الثانية من شهر رمضان
قد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة بالديار المصرية في الدولة الفاطمية في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب في الجمعة الثانية من شهر رمضان إلى الجامع الانور وهو جامع باب البحر الذي عمره الحاكم بأمر الله وجدده الصاحب شمس الدين المقسي
وهذه نسخة كتاب في المعنى من إنشاء ابن الصيرفي أيضا وهي
لم يزل غامر كرم الله وفضله يفوق حاضره ما كان من قبله فنعمة الله تعالى سابغة ومننه متتابعة وملابسها ضافية ومغارسها نامية وسحائبها هامية وهو جل وعز يضاعفها على من صلى وصام ويواليها عند من تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصال لها ولا انفصام وتجدد من ذلك ما كان من بروز مولانا وسيدنا الإمام فلان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين يوم الجمعة من شهر رمضان من سنة كذا في شامخ عزه وباذخ مجده وتوجهه إلى الجامع الأنور المنسوب إلى مولانا الإمام الحاكم بأمر الله جده سلام الله عليه وصلواته وبركاته وتحياته وعساكره قد تجاوزت الحد وكثرت عن الإحصاء والعد فإذا تأملها الطرف انقلب عنها خاسئا وارتد
ولما وصل إلى الجامع المذكور خطب فأورد من القول أحسنه ووعظ فأسمع من الوعظ أوضحه وأبينه وصلى صلاة جهر بالقراءة فيها ورتلها وعاد إلى قصوره الشريفة وقد شملت البركات برؤيته ووفق من عمل بموعظته ونجا من اقتدى به في صلاته واستولى على السعد من جميع ارجائه وجهاته أعلمناك ذلك لتعرف قدر النعمة به فاشكر الله سبحانه بمقتضاه واعتمد تلاوة هذا الأمر على رؤوس الأشهاد فاعلم ذلك (8/322)
الخامس المكاتبة بالسلامة في الركوب في الجمعة الثالثة من شهر رمضان
قد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب في الجمعة الثالثة منه إلى الجامع العتيق بمصر فيخطب فيه ويعود إلى قصره
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهي
من عوائد الله سبحانه الإحسان إلى عبيده وتعويضهم للشكر عليه بنموه ومزيده والامتنان بتيسير عصيه وتعجيل قصيه وتقريب بعيده فهو لا يخليهم من نواجمه ولا يعفيهم من هواجمه
ولما أقبل هذا الشهر الشريف كان من عموم بركاته وشمول خيراته أن مولانا وسيدنا الإمام الفلاني صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين والى فيه بركاته وزكى أعمال المؤمنين في استماع اختطابه والائتمام بصلاته وفي هذا اليوم وهو يوم الجمعة من شهر رمضان أعمل ركابه إلى الجامع العتيق بمصر ليسهم لهذه المدينة من حظي الدنيا والآخرة مثل ما اسهمه وعجله لأهل المعزية القاهرة فكانت هيبته يعجز وصفها كل لسان وظهر عليه السلام في الرداءين السيف والطيلسان والجيوش قد انبسطت وانتشرت والنفوس قد ابتهجت واستبشرت والالسنة قد عكفت على الدعاء بتخليد ملكه وتوفرت وعند وصوله خطب فأحسن في الألفاظ والمعاني وحذر من تأخير التوبة (8/323)
والتضجيع فيها والتواني وصلى صلاة شرفها الله وفضلها ورضيها تبارك وتعالى وتقبلها وانكفأ عائدا إلى قصوره ومنازله المعظمة ضاعف الله له ثوابه وأجره وأوجب شكره ورفع ذكره ويجب أن تعتمد إذاعة ذلك ليبالغ الكافة في الاعتراف بالنعمة فيه ويواصلوا شكر الله تعالى عليه والمطالعة بما اعتمد فيه
السادس ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد الفطر
وقد تقدم في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب لصلاة عيد الفطر صبيحة العيد ويخرج من باب العيد من أبواب القصر ويتوجه إلى المصلى فيصلي ويخطب ثم يعود إلى قصوره ويكتب بذلك إلى أعمال المملكة تارة مع خلو الدولة عن وزير وتارة مع اشتمالها على وزير
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك مع خلو الدولة عن وزير من إنشاء ابن الصيرفي وهو
الحمد لله ناشر لوائه في الأقطار ومعوض المطيعين من جزائه ببلوغ الأوطار الذي نسخ الإفطار بالصيام ونسخ الصيام بالإفطار وكلف عباده ما يطيقونه ووعد عليه جزيل أجره وأسبغ من نعمه ما لا يطمع في القيام بواجب حمده عليه وشكره وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي أعلن بالايمان وباح وبين المحظور في الشريعة والمباح وأرشد إلى ما حرمه الإسلام وحلله ومهد سبل الهدى لمن أستغواه الشيطان وضلله وأوضح مراتب الأوقات ومنازلها وعرف تفاوت الأيام وتفاضلها وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي مضت في الله عزماته وبيضت وجه الدين الحنيف مواقفه ومقاماته (8/324)
وعلى الأئمة من ذريتهما الذين تكفلوا أمر الامة نصا وامتطوا على منارها فلم يألوا جهدا ولم يتركوا حرصا فالحاضر منهم يوفي على من كان من قبله وأحزاب الحق فرحون بما أتاهم الله من فضله وسلم عليهم أجمعين سلاما لا انقطاع لدوامه وشرفهم تشريفا لا انفصام لإبرامه وأسنى ومجد وتابع وجدد
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة كذا بعد أن وفى الصيام حقه وحاز أجر من جعل الله على خزائنه رزقه وبعد ان افطر بحضرته الأولياء من آله وأسرته والمقدمون من رؤساء دولته والمتميزون من أوليائه وشيعته وكان من نبإ هذا اليوم أن أمير المؤمنين لما ارتقب بروزه من قصوره وتجلى فأشرقت الأرض بنوره توجه إلى المصلى قاضيا لسنة العيد فكانت نعمة ظهوره بالنظر للحاضر وبالخبر للبعيد واستقل ركابه بالعساكر المنصورة التي أبدت منظرا مفتنا معجبا وجعلت أديم الأرض بالخيل والرجل محتجبا وذخرت الانتقام ممن شق العصا وتجاوزت في الكثرة عدد الرمل والحصا وزينت الفضاء بهيئتها وروعت الأعداء بهيبتها وجمعت بين الطاعة وشدة الباس وادرعت من التقوى أمنع جنة وأحصن لباس ولم يزل سائرا في السكينة والوقار ناظرا للدنيا بعين الاحتقار والثرى بالجباه والشفاه مصافح ملثوم فهما موسومتان به وهو بهما موسوم إلى أن وصل إلى مقر الصلاة ومحل المناجاة فصلى أتم صلاة وأكملها وأداها أحسن تأدية وأفضلها وأخلص في التكبير والتهليل إخلاص من لم يفت أمرا ويخشى الله ويتقيه ونصح في إرشاده ووعظه وأعرب ببديع معناه وفصيح لفظه وعاد إلى مثوى كرامته وفلك إمامته محمود المقام مشمولا بالتوفيق في النقض والإبرام أعلمك أمير المؤمنين ذلك لتذيعه فيمن قبلك وتشكروا الله على النعمة الشاملة لهم ولك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى وكتب في اليوم المذكور
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك والدولة مشتملة على وزير عن الحافظ (8/325)
لدين الله العلوي خليفة الديار المصرية في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وهي
الحمد لله الذي أعز الاسلام وشيد مناره وأيد اولياءه ونصر انصاره وأظهر في مواسمه قوته وأستظهاره وختم الشرائع بشرف أبدي فكان حظها منه إيثاره وحظ الإسلام استبداده به واستئثاره وصلى الله على جدنا محمد الذي كرمه باصطفائه وأسعد من حافظ على اتباع نهجه واقتفائه وبين بشرعه ما حلله وحرمه ودعا الامة بإرساله إلى دين قيم أعلى بناءه وأحكمه ووعدهم على مفروضه ومسنونه جزيل الاجر وأمر في اعتقاد خلافه بالدفع والمنع والزجر وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أول الائمة الخلفاء والمشتهرة فضائله اشتهارا ليس به من خفاء ومن حباه الله المحل الرفيع والمن الجزيل وخصه من الشرف بما جاء فيه من محكم التنزيل وعلى الأئمة من ذريتهما القائمنين بفرض الله والمؤدين لحقوقه والذين كفلت أمانتهم بانبساط نور الحق وانتشار لوائه وخفوقه وسلم وكرم ومجد وعظم
وكتاب أمير المؤمنين إليك يوم كذا عيد الفطر من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة الذي أمر الله فيه بما نهى عنه من قبله وضاعف الأجر بكرمه وفضله فرفع تكاليف الصوم وأوجب الإفطار في هذا اليوم وساوى في ذلك بين كل متهم ومنجد وأمر بني آدم فيه بأخذ الزينة عند كل مسجد وكان من خبره أن الفجر لما طلع مبشرا بالشمس ومؤذنا ببعثها من الرمس تتابعت الجيوش الموفورة والعساكر المنصورة إلى أبواب القصور الزاهرة توكفا لأنوار أمير المؤمنين وترقبا لظهوره قاضيا حق الدين فلما اسفر الصبح واضاء وملأت الخلائق الفضاء تجلى من افلاك إمامته وبرز فأغبط كل مؤمن بثباته على المشايعة وإقامته وكان ظاهرا وهو محتجب بالأنوار وممتنعا وهو منتهب (8/326)
بالأبصار والكافة يصافحون الأرض ويجتهدون في الدعاء بإخلاص نياتهم والعساكر المؤيدة لو انها عمت الارض بتطبيقها وساوت بين قريبها وسحيقها وصارت كالجبال الرواسي فيها لكانت قد تزلزلت ومادت بأهليها وهي مع تباين اجناسها وطوائفها متظافرة على معاندي الدولة ومخالفيها متلائمة على الولاء متمالئة على الاعداء تتلفت الى المجاهدة كأنها الاسود اقداما وباسا وكأنما فصلت جوامد الغدران سلاحا لها ولباسا والسيد الاجل الافضل التي عظمت به المواهب وجلت وذهبت بوزارته الغياهب وتجلت وتهلل بنظره وجه الملة وكان عابسا واعاد الدولة معصرا وقد كانت قبله عانسا وحسنت الدنيا بأيامه اذ ليس فيها من يضاهيه وانتظمت امورها على الارادة بصدورها عن اوامره ونواهيه ترتب المواكب بمهابته ويستغنى بتوغلها في القلوب عن ايمائه واشارته وكل طائفة مقبلة على شانها لازمة لمكانها متصرفة على تهذيبه وتقريره عاملة بآدابه فوقوفها بوقوفه ومسيرها بمسيره
وتوجه امير المؤمنين الى المصلى محفوفا بأنوار تجلي ما أنشأته سنابك الخيل وتمحو آية نقع قام مثارها مقام ظلام الليل وعليه من وقار الامامة وسكينة الخلافة ما خصه الله تعالى به دون البرية وحده لانه مما ورث امية رسول وآله وجده ولما انتهى اليه قصد المحراب وامه وادى الصلاة اكمل اداء واتمه ثم انتهى الى المنبر فعلاه ومجد الله تعالى وحمده على ما اولاه ووعظ وعظا خوف عاقبة المعاصي والذنوب وحل وكاء العيون وداوى مرض القلوب وامر بسلوك سبيل الطاعات وافعال البر وحث على التوفر عليها في الجهر والسر وعاد الى قصوره المكرمة ومواطنه المقدسة (8/327)
وقد بذل في نصحه لله ولرسوله وللمؤمنين جهده وفعل في الارشاد والهداية ما لا غاية بعده
انبأك امير المؤمنين خبر هذا اليوم لتشكر الله على النعمة فيه وتذيعه قبلك على الرسم فيما يجاربه فاعلم هذا واعمل به ان شاء الله تعالى
السابع ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد النحر
قد تقدم في الكلام على ترتيب دولة الفاطميين في المقالة الثانية ان الخليفة كان يركب لصلاة عيد النحر كما يركب لصلاة عيد الفطر تارة مع اشتمال الدولة على وزير وتارة مع عدم اشتمالها على وزير
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك من انشاء ابن الصيرفي وهي
اما بعد فالحمد لله الذي اعلى منار الملة وشرف مواسم اهل القبلة وكفل امير المؤمنين امر الايام كما كفله امر الانام فراى الناس من حسن سيرته ايقاظا ما لا يرونه مجازا في المنام وصلى الله على جدنا محمد نبيه الذي ارسله الى الناس كافة وجعل العصمة محيطة به حافة فأطلع في ظلام الشرك شمس التوحيد وبدره وآمن به من شرح الله للاسلام صدره وعصاه من تمرد فأثقل الوزر ظهره وبين عبادات كرم اجرها وعظم ثوابها والزم طاعات جعل الجنة للعاملين بها مفتحة ابوابها وعلى اخيه وابن عمه امير المؤمنين علي بن ابي طالب مظافره ومظاهره والمساوي في حكمه بين باطنه وظاهره ولم يزل حاملا على المحجة البيضاء جاعلا ذلك من قربه وذخائره قائما بحقوق الله جاهدا في تعظيم حرماته وشعائره وعلى الائمة من ذريتهما نجوم الارض وهداة اهلها والواجبة طاعتهم على من في وعرها وسهلها والذابين بالمشرفية عن حمى الشريعة والذين متابعتهم من اوجه ذريعة
وكتاب امير المؤمنين هذا اليك يوم كذا عيد النحر سنة كذا وكذا وهو يوم (8/328)
اظهر الله فيه قوة الدولة واقتدارها واوجب فيه رغبة ورهبة مسارعة النفوس المخالفة الى الطاعة وآبتدارها وذلك ان عساكر امير المؤمنين توجهت الى قصوره الزاهرة عند انفجار الفجر وحافظت على ما تحرزه من كريم الثواب وجزيل الاجر واستنزلت الرحمة برؤية امام الامة واعدت الاخلاص في خدمته من اوفى الحرمات وأقوى الأذمة وأقامت إلى أن برز أمير المؤمنين والأنوار الساطعة طوالعه ومهابته تمنع كل طرف من استقصاء تأمله وتدافعه وقصد المصلى في كتائب لجبة ومواكب للتعظيم مستوجبة وعزة تتبين في الشمائل والصفحات وقوة يشهد بطيب وصفها أرج النفحات قد غدت عددها محكمة وخيولها مطهمة وذوابلها إذا ظمئت كانت مقومة وإذا رويت عادت محطمة تتقلد صفائح متى انتضيت انصفت من الجائر الحائف ومتى اقتضبت عملا كان اقتضابها مبيضا للصحائف وفي ظلها معاقل للائذين وبحدها مصارع للمنابذين وهي للدماء هوارق وللهامات فوالق ولمستغلق البلاد مفاتح ولمستفتحها مغالق
ولما انتهى إلى المصلى قضى الصلاة أحسن قضاء وأداها أفضل تأدية واستنزل رحمة لم تزل بصلاته متمادية وانتهى إلى المنبر فرقيه وخطب خطبه من استخلفه الله فكان مراقبه ومتقيه ووعظ أبلغ وعظ وأبان عما للعامل بنصحه في الدنيا والآخرة من فائدة وحظ وعطف على الأضاحي المعدة له فنحرها جريا في الطاعات على فعلها المتهادي وأضحت تتوقع التكميل بإنجازه وعيده في الأعادي فالله يقضي بتصديقه ويمن بتخيله وتحقيقه وعاد إلى قصوره المكرمة مشكورا سعيه مضمونا نفعه مرضيا فعله مشمولا عبيده منه بما هو أهله أعلمك أمير المؤمنين ذلك فاعلم هذا واعمل به وكتب في اليوم المذكور
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك والدولة مشتملة على وزير من إنشاء ابن (8/329)
قادوس وهي
أما بعد فالحمد لله ماحي دنس الآثام بالحج إلى بيته الحرام وموجب الفوز في المعاد لمن عمل بمراشد أئمة الهدى الكرام ومضاعف الثواب لمن اجتهد فيما أمر الله به من التلبية والإحرام ومخول الغفران لمن كان بفرائض الحج ونوافله شديد الولوع والغرام وصلى الله على جدنا محمد الذي لبى وأحرم وبين ما أحل الله وحرم وعلى أخيه أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ضرب وكبر وحقر من طغى وتجبر وعلى الأئمة من ذريتهما أعلام الدين وحتوف المعتدين وسلم وكرم وشرف وعظم
وإن من الأيام التي كملت محاسنها وتمت وكثرت فضائلها وجمت ووجب تخليد عز صفاتها وتعين تسطير تأثيراتها يوم عيد النحر من سنة كذا وكان من قصصه أن الفجر لما سل حسامه وأبدى الصباح ابتسامه نهض عبيد الدولة في جموع الأولياء والأنصار واولي العزيمة والاستبصار ميممين القصور الزاهرة متبركين بأفنيتها ومستملين بسعادتها وتألفوا صفوقا تبهر النواظر ويخجل تألفها تألف زهر الروض الناضر مستصحبين فنونا من الأزياء تروق ومستتبعين اصنافا من الأسلحة يغض لمعها من لمع اللهب والبروق والأعلام خافقة والرايات بألسنة النصر على الإخلاص لإمام العصر متوافقة فاقاموا على تشوف لظهوره وتطلع للتبرك بلامع نوره
ولما بزغت شمس سعادته وجرت الأمور على إيثاره وإرادته وبدت أنوار الإمامة الجلية وظهرت طلعتها المعظمة البهية خر الأنام سجودا بالدعاء والتمجيد والاعتراف بأنهم العبيد بنو العبيد واستقل ركاب أمير المؤمنين ووزيره السيد الأجل الذي قام بنصر الله في إنجاد أوليائه وتكفل للإسلام برفع (8/330)
مناره ونشر لوائه وناضل عن حوزة الدين وجاهد وناصل أحزاب الكفار وناهد يقوم بأحكام الوزارة وتدبير الدولة تدبير أولي الإخلاص والطهارة ويتبع آراء أمير المؤمنين فيما تنفذ به أوامره ويعمل بأحكام الصواب فيما تقتضيه موارده ومصادره ويحسن السياسة والتدبير ويتوخى الإصابة في كل صغير من أمور الدولة العلوية وكبير ويخلص لله جل وعز ولإمامه ويكفكف من الأعداء ببذل الجهد في إعمال لهذمه وحسامه وسار أمير المؤمنين والعساكر متتابعة في أثره متوافقة على امتثال أمره قد رفعت السنابك من العجاج سحابا وخيلت جنن الجند للناظرين في البر عبابا والجياد المسومة تموج في أعنتها وتختال في مراكبها وأجلتها وتسرع فتكسب الرياح نشاطا وتفيد المتعرض لوصفها إفراطا وتهدي لمن يحاول مماثلتها غلوا واشتطاطا وأصوات مرتفعة بالتهليل وأصوات الحديد تسمع بشائر النصر بترجمة الصليل ويكاد يرعب الأرض تزلزل الصهيل وترض سنابكها الهضاب وتغدو صلابها كالكثيب المهيل
ولما انتهى ركاب أمير المؤمنين إلى المصلى والتوفيق يكتنفه والسعادة تصرفه قصد المحراب فأقام الصلاة ونحا المنبر فشرفه إذ علاه وأدى الصلاة على أكمل الأوضاع وأتمها وأجمع الأحوال لمراضي الله وأعمها وانثنى للبدن المعدة فنحر ما حضر تقربا لخالقه وأجرى القانون على حقائقه وعاد إلى قصوره الزاهرة وقد غفر الله بسعيه الذنوب وطهر برؤيته القلوب وبلغ الأمم من المراشد نهاية المطلوب
أعلمك أمير المؤمنين نبأ هذا اليوم الذي تشتمل المسار علىجميعه أولا وآخرا وباطنا وظاهرا لتذيع نبأه في عمل ولايتك وتشيع خبره في الرعايا على جاري عادتك فاعلم هذا واعمل به وطالع مجلس النظر السيدي الأجلي بما اعتمدته في ذلك إن شاء الله تعالى وكتب في اليوم المذكور (8/331)
قلت وهذا الصنف من المكاتبات قد رفض وترك استعماله بديوان الإنشاء في زماننا
الصنف السادس عشر المكاتبة بالبشارة بوفاء النيل والبشارة بالسلامة في الركوب لفتح الخليج
وهذه المكاتبة من خصائص الديار المصرية لا يشاركها فيها غيرها من الممالك ولم يزل القائمون بالأمر بالديار المصرية من قديم الزمان وهلم جرا يكتبون بالبشارة بذلك إلى ولاة الأعمال اهتماما بشأن النيل وإظهارا للسرور بوفائه الذي يترتب عليه الخصب المؤدي إلى العمارة وقوام المملكة وانتظام أمر الرعية وقد كان للخلفاء الفاطميين القائمين بأمر الديار المصرية بذلك كبير العناية ووافر الاهتمام وكانت عادتهم في ذلك أنهم يكتبون بالبشارة بوفاء النيل كتبا مفردة وبفتح الخليج وهو المعبر عنه في زماننا بالكسر كتبا مفردة ولعل فتح الخليج كان يتراخى في زمنهم عن يوم الوفاء فيفردون كل واحد منهما بكتب
فأما وفاء النيل المبارك فهذه نسخة كتاب بالبشارة به في الايام الفاطمية من إنشاء ابن قادوس وهي
النعم وإن كانت شاملة للأمم فإنها متفاضلة الأقدار والقيم فأولاها بشكر تنشر في الآفاق أعلامه واعتداد تحكم بإدراك الغايات أحكامه نعمة يشترك في النفع بها العباد وتبدو بركتها على الناطق والصامت الجماد وتلك النعمة النيل المصري الذي تبرز به الأرض الجرز في أحسن الملابس وتظهر حلل الرياض على القيعان والبسابس وترى الكنوز ظاهرة للعيان متبرجة بالجواهر واللجين والعقيان فسبحان من جعله سببا لإنشار الموات وتعالى من ضاعف به ضروب البركات ووفر به مواد الأرزاق والأقوات وهذا الأمر صادر إلى الامير وقد من الله جل وعلا بوفاء النيل المبارك وخلع على القاضي فلان بن أبي الرداد في يوم كذا وكذا وطاف بالخلع والتشريفات والمواهب المضاعفات بالقاهرة (8/332)
المحروسة ومصر على جاري عادته وقديم سيرته ونودي على الماء بوفائه ستة عشر ذراعا وإصبعا من سبعة عشر ذراعا واستبشر بالنعمة بذلك الخلائق وواصلوا بالشكر مواصلة لا تستوقفهم عنها العوائق وبدا من مسرات الامم وابتهاجهم ما يضمن لهم من الله المزيد وينيلهم المنال السعيد ويقضي لهم بالمآل الحميد وموصل هذا الأمر إليك فلان فاعتمد عند وصوله إليك إكرامه وإعزازه وإجمال تلقيه وإفضاله إلى ما جرت به عادة مثله من رجاء وتنويه واحتفاء وإكرام واعتناء ليعود شاكرا فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة أخرى من ذلك من إنشاء ابن الصيرفي وهي
أولى ما تحدث به ناقله وراويه وتعجل المسرة به حاضره ورائيه ما كانت الفائدة به شائعة لا تتحيز والنعمة به ذائعة لا يتخصص أحد بشمولها ولا يتميز إذ كان علة لتكاثر الأقوات وبها يكون التماثل في البقاء والتساوي في الحيات وذلك ما من الله تعالى به من وفاء النيل المبارك فإنه انتهى في يوم كذا في سنة كذا إلى ستة عشر ذراعا وزاد إصبعا من سبعة عشر ذراعا وقد سيرنا أيها الأمير فلانا بهذه البشرى إليك وخصصناه بالورود بها عليك فتلقها من الشكر بمستوجبها واستقبلها من الابتهاج والاغتباط بما يليق بها واجعل الرسوم التي جرت العادة بتوظيفها لفلان بن أبي الرداد محمولة من جهتك إلى حضرتنا لتولى إليه من جهتنا فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى وكتب في اليوم المذكور
وهذا الصنف من المكاتبات متداول بالديار المصرية إلى اخر وقت يكتب به في كل سنة عن الأبواب السلطانية إلى نواب السلطنة بالممالك الشامية عند وفاء النيل وتسير به البريدية وربما جبي للبريدي من الممالك شيء بسبب ذلك وإذا كانت الدولة عادلة ضمن الكتاب أنه لا يجبى للبريدي شيء بسبب ذلك
وهذه نسخة مثال شريف في معنى ذلك (8/333)
ولا زال يروى عنه وإليه حديث الوفاء والندا ويورد على سمعه الكريم نبأ الخصب الذي صفا موردا ويهنى بكل نعمة تكفلت للرعايا بمضاعفة الجود ومرادفة الجدا ويخص بكل منة عمت مواهبها الأنام فلن تنسى أحدا
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي وبحر كرمها لا ينتهي إلى مدى وبشر بشراها دائم أبدا تهدي إليه سلاما مؤكدا وثناء أضحى به الشكر مرددا وتوضح لعلمه الكريم أن الله تعالى قد أجرى على جميل عاداته وأراد بالأمة من الخير ما هو المألوف من إراداته ومنح مزيد النعم التي لم تزل تعهد من زياداته فأسدى معروفه المعروف إلى خلقه وايدهم بما يكون سببا لمادة عطائه ورزقه فبلغهم تأميلهم وأجرى نيلهم وزادهم بسطة في الأرض وملأ به الملا وطبق به البلاد طولها والعرض ونشر على الخافقين لواء خصبه وأتى بعسكرريه لقتل المحل وجدبه وبينما هو في القاع إذ بلغ بإذن ربه فجعل من الذهب لباسه وعطر بالشذا أنفاسه ولم يترك خلال قطر إلا جاءه فجاسه ونص السير فسير نص مجيئه في الأرض لما صحح بالوفاء قياسه وغازلته الشمس فكسته حمرة أصيلها لما غدت له بمشاهدتها ماسه ولم يكن في هذا العام إلا بمقدار ما قيل أقبل إذ قيل وفي ومد في الزيادة باعا وبسط ذراعا وأطلق بمواهب أصابعه كفا وعاجل إدراك الهرم في ابتداء أمره مطال شبابه ومر على الارض فحلا في الأفواه لما ساغ شكر سائغ شرابه واعتمد على نص الكتاب العزيز فكاد أن يدخل كل بيت من بابه
ولما كان يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا من شهور القبط بادرت إلى الوفاء شيمه وأغنت أمواجه عن منة السحب فذمت عندها ديمه وزار البلاد منه أجل ضيف فرشت له صفحة خدها للقرى فعمها كرمه وبلغ من الأذرع ستة عشر ذراعا ورفع لواءه بالمزيد ونشر وجاء للبشر بأنواع البشر فرسمنا بتعليق ستر مقياسه وتخليقه وتضويع أنفاسه وفي صبيحة اليوم المذكور كسر سد خليجه على العادة وبلغ الأنام أقصى الإرادة وتباشر بذلك العام والخاص وأعلنت الألسنة بحمد ربها بالإخلاص وسطرها وهو بفضل الله ورحمته متتابع المزيد (8/334)
بسيط بحره المديد متجدد النمو في كل يوم من أيام الزيادة جديد فالجناب العالي يأخذ من هذه البشرى بأوفر نصيب ويشكر نعمة الله على ما منح إن شاء الله هذا العام الخصيب ويذيع لها خبرا وذكرا ويضوع بطي هنائها نشرا ويتقدم بأن لا يجبى عن ذلك بشارة بالجملة الكافية لتغدو المنة تامة والمسرة وافية وقد جهزنا بهذه المكاتبة فلانا وكتبنا على يده أمثله شريفة الى نواب القلاع الفلانية جريا على العادة فيتقدم بتجهيزه بذلك على عادة همته فيحيط علمه بذلك
وهذه نسخة أخرى في معنى ذلك كتب بها في سابع عشر ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة وصورتها بعد الصدر
وبشره بأخصب عام وأخص مسرة هناؤها للوجود عام وأكمل نعمة تقابل العام من عيون الأرض بمزيد الإنعام
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه أتم سلام وأعم ثناء تام وتوضح لعلمه الكريم أن الله تعالى وله الحمد قد جرى في أمر النيل المبارك على عوائد ألطافه ومنح عباده وبلاده من مديد نعمه مزيد إسعافه وأورد الآمال من جوده منهلا عذبا وملأها به إقبالا وخصبا وأحيا به من موات الأرض فاهتزت وربت وأنبتت كل بهيج وأنجبت وأينعت الرياض فجرت فيها الروح ودبت وامتلأت الحياض ففاضت بالمياه وانصبت وطلع كالبدر في ازدياده وتوالى على مديد الأرض بأمداده إلى أن بلغ حده ووصل الفرج ومنع الشدة وفي يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا وكذا من شهور القبط وفاه الله ستة عشر ذراعا فاه فيها بالنجح وعم ثراه الأرض فأشرق بعد ليل الجدب بالرخاء أضوأ صبح وفي ذلك اليوم علق ستره وخلق مقياسه فاشتهر ذكره وكسر سده (8/335)
وتوالى مده ونجز من الخصب وعده وعلا الترع والجروف وقطع الطريق فأمن من الجدب المخوف وأقبل بوجهه الطلق المحيا وأسبل على الأرض لباس النفع فبدلها بعد الظمإ ريا فحمدنا الله تعالى على هذه النعم ورأينا أن يكون للجناب العالي أوفر نصيب من هذا الهناء الأعم وآثرنا إعلامه بذلك ليكون في شكر هذه النعمة أكبر مشارك فالجناب العالي يأخذ حظه من هذه البشرى ويتحقق ماله عندنا من المكانة التي خصته في كل مبهجة بالذكرى ويتقدم أمره الكريم بأن لا يجبى عن ذلك حق بشارة ولا يتعرض إلى أحد بخسارة وقد جهزنا بذلك فلانا
الصنف السابع عشر فيما يكتب في البشارة بركوب الميدان الكبير بخط اللوق عند وفاء النيل في كل سنة
وهو مما يتكرر في كل سنة عند ركوب الميدان ويكتب به إلى جميع النواب الأكابر والأصاغر وتجهز إلى أكابر النواب خيول صحبة المثال الشريف ويرسم لهم بالركوب في ميادين الممالك للعب الكرة تأسيا بالسلطان فيركبون ويلعبون الكرة والعادة في مثل ذلك أن تنشأ نسخة كتاب من ديوان الإنشاء الشريف ويكتب بها إلى جميع النيابات لا يختلف فيها سوى صدرها بحسب ما يقتضيه حال ذلك النائب
وهذه نسخة مثال شريف في معنى ذلك كتب به في ذي القعدة سنة ستين وسبعمائة لنائب طرابلس وصورته بعد الصدر
ولا زال تحمل إليه أنباء ما يبرد غلته من مضاعفة السرور وتبث له أقوال الهناء بما يجب علته من النصر الموفور ونخصه من إقبالنا الشريف بأكمل تكريم وأنم حبور
صدرت هذه المكاتبة تهدي إليه من السلام والثناء كذا كذا وتوضح لعلمه الكريم أننا نتحقق مضاء عزائمه حربا وسلما واعتلاء هممه التي تحرس بها (8/336)
الممالك وتحمى وأن صوافنه ترتبط لتركض وتحبس لتنهض فلذلك نعلمه من أنباء استظهارنا ما يبهج خاطره ويقر ناظره وهو أننا لما كان في يوم السبت المبارك خامس شوال توجه ركابنا الشريف إلى الميدان السعيد وفاض به جودنا فاخضرت مروجه وظهر به نيرنا الأعظم فأشرقت آفاقه وتشرفت بروجه وأقر العيون منير وجهنا المبارك وبهيجه وغدا كل ولي بموالاة إنعامنا مشمولا وبمنالات إكرامنا موصولا وركض الأولياء بين أيدينا جيادا ألفت نزالا وعرفت طرادا وانعطفت لينا وانقيادا وعدنا إلى مستقر ملكنا الشريف وقد جدد الله تعالى لنا إسعادا وأيد لعزمنا المعان مبدأ ومعادا وأثرنا إعلام الجناب العالي بهذه الوجهة الميمونة والحركة التي هي بالبركة مقرونة ليأخذ حظه من السرور بذلك والهنا ويتحقق من إقبالنا الشريف عليه ما يبلغ به المنى
وهذه نسخة مثال شريف في المعنى كتب به في العشرين من شعبان سنة أربع وخمسين وسبعمائة وصورته بعد الصدر
ولا زالت ميادين سعده لا تتناهى الى مدى وكرات كراته في رحاب النصر تلمع كنجم الهدى ومدور صوالجه كشواجر المران تحلو بتأييدها للأولياء وتغدو مريرة للعدا
صدرت هذه المكاتبة وظفرها لا يزال مؤيدا ونصرها لا برح مؤبدا تهدي إليه سلاما مؤكدا وثناء كنشر الأرض بالندى وتوضح لعلمه أننا لم نزل بحمد الله نتبع سنن سلفنا الشريف ونجري الأمور على عوائد جميلهم المنيف ونرى تمرين الأولياء على ممارسة الحروب ونؤثر إبقاء آثار الجهاد فيهم على أحسن أسلوب فلذلك لا نخل في كل عام بالتعاهد إلى الميدان السعيد والركوب إليه (8/337)
في أسعد طالع يبدي النصر ويعيد لما في ذلك من ابتهاج يتجدد وأسباب مسرة لكافة الأنام تتأكد ودعوات ألسنتها تتضاعف من الرعية وتتردد
ولما كان في يوم السبت المبارك سادس عشر شهر رجب الفرد ركبنا الى الميدان السعيد في اتم وقت اخذ من السعد بمجموعه وأظهر في أفق العساكر من وجهنا الشريف البدر عند طلوعه ولم نبرح يومنا المذكور في عطاء نجيده وإنعام نفيده وإطلاق نبدئه ونعيده والأولياء بين أيدينا الشريفة يمرحون وفي بحار كرمنا المنيف يسبحون وفي ميدان تأييدنا المطيف يسيحون والكرات كالشمس تجنح تارة وتغيب وتخشى من وقع الصوالجة فتقابلها بوجه مصفر مريب ثم عدنا الى القلعة المنصورة على أتم حال وأسعد طالع بلغ الانام الامان والآمال والعساكر بخدمتنا الشريفة محدقون ومماليكنا بعقود ولائنا مطوقون والرعايا قد ألبسها السرور أثوابا وفتح لها من الابتهاج أبوابا وقد آثرنا إعلام الجناب بذلك ليأخذ حظه من هذه المسرة والبشرى ويشترك هو والانام في هذه النعمة الكبرى ومرسومنا للجناب أن يتقدم بالركوب بمن عنده من الأمراء في ميدان طرابلس المحروسة ويلعب بالكرة على جاري العادة في ذلك ليساهم أولياء دولتنا القاهرة في ذلك ويسلك من طرقهم الجميلة أجمل المسالك
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية لم يزل مستعملا بديوان الإنشاء يكتب له كلما ركب السلطان إلى الميدان الصالحي بخط اللوق إلى أن عطل جيده من الركوب في أواخر الدولة الظاهرية برقوق واقتصر على لعب الكرة في الميدان الذي جرت به العادة فتركت المكاتبة بذلك من ديوان الإنشاء ورفض استعمالها
الصنف الثامن عشر المكاتبة بالبشارة بحج الخليفة
لما كانت الأسفار محل الأخطار وموقع الاختلاف وحدوث الفتن كانت الخلفاء يكتبون الكتب إلى عمالهم بالسلامة عند الإياب من السفر للحج وغيره (8/338)
والرسم فيها أن يذكر أن الحج من أجل العبادات وأن من النعمة أن يمن الله تعالى بقضاء المناسك والوقوف بالمشعر الحرام والطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة وما يجري مجرى ذلك من شعائر الحج ثم بعد بزيارة النبي واتفاق الكلمة في جميع هذه الأحوال على كثرة الخلائق ومزيد الجيوش والعساكر
وهذه نسخة كتاب بالسلامة من سفر الحج وهي
الحمد لله الذي جعل بيته مثابة للناس وأمنا وحرما من دخله كان آمنا الذي اختار دين الإسلام على الأديان وابتعث به صفوته من الإنس والجان محمدا أكرم بني معد بن عدنان
يحمده أمير المؤمنين أن أعانه على تأدية حقه ونصبه لكفالة خلقه ووفقه للعمل بما يرضيه ويدني إليه ويسأله أن يصلي على خير من غار وأنجد وصدر وورد وركع وسجد ووحد ومجد وصلى وعبد وحل وأحرم وحج الحرم وأتى المستجار والملتزم والحطيم وزمزم محمد سيد ولد آدم وعلى أخيه وأبن عمه مصباح الدلالة وحجاب الرسالة إمام الأمة وباب الحكمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ممزق الكتائب ومفرق المواكب ومحطم القواضب في القلل والمناكب وعلى الائمة من ذريتهما الهادين صلاة باقية في العالمين
وإن أولى النعم بأن يستعذب ذكرها ويستعطر نشرها وتتحدث بها الألسنة وتعد في مواهب الله الحسنة نعم الله تعالى في التوفيق لحج بيته الذي جعله مثابة لزائريه والإطافة بحرمه الذي يوجب المغفرة لقاصديه والنزول (8/339)
بأفنيته التي من يخدم بها فقد أنسلخ من السيئات وتلبس بالحسنات وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم النفر الاول وقد قضى بحمد الله تفثه ووفى نذره وتمم حجه وكمل طوافه وشهد منافعه وأدى مناسكه ووقف الموقف بين يدي ربه قانتا داعيا وراغبا راجيا وعرفه بعرفات إعلامه قبول سعيه وإجابة تلبيته وبلغه في منى أمانيه من رأفته وأراه من مخايل الرحمة ودلائل المغفرة ما تلألأت أنواره وتوضحت آثاره وأجراه على تفصيل العبارة في شمول السلامة لكل من حج بحجه ووقف موقفه من أوليائه وخاصته وعامته ورعيته وأنعم باتفاق كلمتهم واجتماع أهويتهم واكتناف الدعة والسكون لهم وزوال الاختلاف والمباينة بينهم
فإن أراد زيارة قبر النبي قال وهو يصدر بإذن الله تعالى عن موقفه هذا من البيت الحرام إلى زيارة قبر النبي عليه السلام
فإن أزمع الانكفاء إلى مقره قال
وأشعرك أمير المؤمنين ذلك وهو عائد بمشيئة الله تعالى إلى مقر خلافته في عز من قدرته وعلو من كلمته وامتداد من سلطانه وتضاعف من جنده وأعوانه لتأخذ بحظك من الابتهاج والجذل وتذيعه بين أهل العمل ليشاركك العامة في العلم بهذه النعمة فيخلصوا لله الشكر عليها ويرغبوا إليه في الزيادة منها إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة كتاب بسلامة الخليفة من سفر في الجملة
والرسم فيه أن تذكر نعمة الله تعالى بما منح أمير المؤمنين في سفره ذلك من بلوغ المآرب وتسهيل المقاصد وإدراك الأوطار وشمول النعمة في الذهاب والإياب وما يجري مجرى ذلك مما ينخرط في هذا السلك وهذه نسخته (8/340)
الحمد لله ذي الطول والإنعام والفضل والإكرام والمنن العظام والأيادي الجسام الذي أرعى أمير المؤمنين من حياطته عينا لا تنام واستخدم لحراسته والمراماة دونه الليالي والايام وقضى له بالتوفيق والسعادة في الظعن والمقام
يحمده أمير المؤمنين أن استخلصه لإمامة الأنام وعدق به أساليب النقض والابرام ويساله الصلاة على من اختصه بشرف المقام وابتعثه بدين الإسلام وجلا به حنادس الظلام محمد خاتم الانبياء الكرام وعلى أخيه وابن عمه الهمام الضرغام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكسر الأصنام وعلى الأئمة من ذريتهما أعلام الاحكام وأدلة الحلال والحرام
وإن أمير المؤمنين لا يزال يتحدث بنعم الله مستدرا لأخلافها منتصبا لقطافها ويفيض في ذكرها مستدعيا للزيادة بشكرها ويطلع خلصاءه على حسن آثارها لديه وسبوغ ملابسها عليه ليأخذوا بحظ من الغبطة والاستبشار ويسرحوا في مسارح المباهج والمسار وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك حين استقر ركابه بناحية كذا مبشرا لك بنعمة الله في حياطته وموهبته في سلامته وما أولاه من انارة الدليل وتسهيل السبيل وطي المجاهل وتقريب المنازل وإعذاب المناهل وإنالة الاوطار وتدميث الاوعار وبركة المتصرف وسعادة المنصرف ووصوله إلى مقصده قرير العين قليل الأين محفوظا ساريا وآئبا مكلوءا عائدا وذاهبا مشرد النصب مسرورا موفور النصيب محبورا في اجتماع من كلمة أوليائه على طاعته ونفوذ بصائرهم في نصر رايته وإعانته على ما استحفظه من عباده واسترعاه من بلاده ليأخذ بالحظ الأجزل من الابتهاج والجذل ويشكر الله تعالى على هذه النعمة المتجددة ويضيفها إلى سوالف نعمه التالدة ويذيعها بين رعيته وأنصار دعوته ليشتركوا في ارتشاف لعابها (8/341)
والتحاف أثوابها فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية قليل الوقوع فإن وقع مثله للكاتب في زماننا خرجه على نسبة الاسلوب المتقدم
الصنف التاسع عشر الكتابة بالإنعام بالتشاريف والخلع
وهذا الصنف مما أغفله صاحب مواد البيان ولا بد منه
والرسم فيه أن يكتب عن الخليفة أو السلطان إلى من أخلص في الطاعة أو ظهرت له آثار كفاية كفتح أو كسر عدو وما يجري مجرى ذلك
وهذه نسخة كتاب كتب به أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه قرين خلعة وفرسين بمركبين من ذهب وسيف وطوق وهي
من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملة مولى أمير المؤمنين (8/342)
سلام عليك فإن امير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمد عبده ورسوله
أما بعد أطال الله بقاءك فإن أمير المؤمنين وإن كان قد بؤاك المنزلة العليا وأنالك من أثرته الغاية القصوى وجعل لك ما كان لأبيك عضد الدولة وتاج الملة رحمة الله عليه من القدر والمحل والموضع الأرفع الأجل فإنه يوجب لك عند كل اثر يكون منك في الخدمة ومقام حمد تقومه في حماية البيضة إنعاما يظاهره وإكراما يتابعه ويواتره والله يزيدك من توفيقه وتسديده ويمدك بمعونته وتأييده ويخير لأمير المؤمنين فيما رأيه مستمر عليه من مزيدك وتمكينك والإبقاء بك وتعظيمك وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب
وقد عرفت أدام الله عزك ما كان من امر كردويه كافر نعمة أمير المؤمنين ونعمتك وجاحد صنيعته وصنيعتك في الوثبة التي وثبها والكبيرة التي ارتكبها وتقديره أن ينتهز الفرصة التي لم يمكنه الله منها بل كان من وراء ذلك دفعه ورده عنها ومعاجلتك إياه الحرب التي اصلاه الله نارها وقنعه عارها وشنارها حتى أنهزم والاوغاد الذين شركوه في إثارة الفتنة على اقبح أحوال الذلة والقلة بعد القتل الذريع والإثخان الوجيع فالحمد لله على هذه النعمة التي جل موقعها وبان على الخاصة والعامة أثرها ولزم أمير المؤمنين خصوصا والمسلمين عموما نشرها والحديث بها وهو المسؤول إقامتها وإدامتها برحمته (8/343)
وقد رأى أمير المؤمنين أن يجازيك عن هذا الفتح العظيم والمقام المجيد الكريم بخلع تامة ودابتين بمركبين من ذهب من مراكبه وسيف وطوق وسوار مرصع فتلق ذلك بشكر الله تعالى عليه والاعتداد بنعمته فيه والبس خلع أمير المؤمنين وتكرمته وسر من بابه على حملاته وأظهر ما حباك به لأهل حضرته ليعز الله بذلك وليه ووليك ويذل عدوه وعدوك أن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمته وبركاته وكتب فلان لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلثمائة أطال الله بقاءك وادام عزك وأجزل حفظك وحياطتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية باق على الاستعمال متى أنعم السلطان على نائب سلطنة أو أمير أو وزير أو غيره بخلعة بعث بها إليه وكتب قرينها مثال شريف بذكر ذلك إلا أنه أهمل في ذلك السجع والازدواج واقتصر فيه على الكلام المحلول كما في غيره من المكاتبات إلا في النادر المعتنى بشأنه
الصنف العشرون المكاتبة بالتنويه والتلقيب
قال في مواد البيان جرت عادة الخلفاء بالكتابة بالتلقيب لأن اللقب موهبة من مواهب الإمام أمضاها وأجازها فإذا جرت عليه كانت كغيرها من نعمه التي يمنحها على عبيده والكنية تكرمة يستعملها الناس فيما بينهم فليس حكمها كحكم اللقب (8/344)
قال والرسم في هذه الكتب أن تفتتح بحمد الله على نعمه السابغة الضافية ومواهبه الزاهية النامية وعوارفه التي جعلها جزاء للمحسنين وزيادة للشاكرين ونحو هذا مما يليق أن يفتتح به هذا الغرض والصلاة على سيدنا محمد ثم يقال
وإن أمير المؤمنين بما خوله الله تعالى من نعمه وبوأه من قسمه وخصه به من التمكين في أرضه والمعونة على القيام بفرضه يرى المن على خلصائه وإسباغ النعم على أوليائه واختصاصهم بالنصيب الأوفر من حبائه والإمالة بهم إلى المنازل الباذخة والرتب الشامخة وإن أحق من وفر قسمه من مواهبه وغزر سهمه من عطاياه ورغائبه من تميز بما تميزت به من إخلاص ومطاوعة وولاء ومشايعة وانقياد ومتابعة وصفاء عقيدة وسريرة وحسن مذهب وسيرة ولذلك رأى أمير المؤمنين ان ينعتك بكذا لاشتقاقه هذا النعت من سماتك واستنباطه إياه من صفاتك وشرفك من ملابسه بكذا وطوقك بطوق أو بعقد وقلدك بسيف من سيوفه وعقد لك لواء من الويته وحملك على كذا من خيله وكذا من مراكبه وبحسن الوصف في كل نوع من هذه الأنواع واشتقاق الألفاظ من معانيه يعرب عن قدر الموهبة فيه ثم يقال إبانة لك عن مكانك من حضرته وإثابة على تشميرك في خدمته فالبس تشريفه وتطوق وتقلد ما قلدك به واركب حمولاته وابرز للخاصة والعامة في ملابس نعمائه وأرفل في حلل آلائه وزين موكبك بلوائه وقل ( رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ) وأعني على ما يسترهنها لدي وخاطب أمير المؤمنين متلقبا بسمتك متنعتا بنعتك
وهذه نسخة مكاتبة إلى الأفضل بن ولخشي وزير الحافظ لدين الله (8/345)
الفاطمي أحد خلفاء الفاطميين بالديار المصرية حين قرر الحافظ نعوته السيد الأجل الأفضل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين وهي
أما بعد فالحمد لله الذي تفرد بالالهية وتوحد بالقدم والأزلية وأبدع من برأ وخلق وأنشأهم من غير مثال سبق واصطفى لتدبيرهم في ارضه من بعثه برسالته وجعل ما جاءوا به من الشرائع من أمارة لطفه بهم ودلالته وصلى الله على جدنا محمد رسوله الذي جعل رتبته أخيرا ونبوته أولى فكان أفضل من تقدمه نبيا وسبقه رسولا وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ذخره لخلافته وايده بوزارته مع كونه من منزلة الاصطفاء وتأييد الوحي الظاهر من غير خفاء بحيث لا يفتقر إلى وزير ولا يحتاج إلى ظهير وإنما جعل ذلك تعليما لمن يستخلفه في الارض من عباده وتمثيلا نص جل وعز إلى قصده واعتماده لما فيه من ضم النشر وصلاح البشر وشمول المنافع وعموم الخيرات التي أمن فيها من مدافع وعلى الأئمة من ذريتهما العاملين بمرضاته والمتقين له حق تقاته والكافلين لكل مؤمن بأمانه يوم الفزع الأكبر ونجاته وسلم عليهم أجمعين سلاما متصلا إلى يوم الدين
والحمد لله الذي جعل النعم التي أسبغها على أمير المؤمنين بحسب ما أختصه به من منزلته التي فضله بها على جميع العالمين فجعله خليفة في الأرض والشفيع لمن شايعه يوم الحساب والعرض وأجزل له من مننه ما لا يناهضه شكر إلا كان ظالعا ولا يقابله اعتداد إلا استولى عليه العجز فلم يكن بما يجب له طامعا وإن من أرفعها مكانا وأعظمها شانا وافخمها قدرا وأنبهها ذكرا وأعمها نفعا وأحسنها صنعا وأغزرها مادة وأثبتها قاعدة إذا غدت النعم شاردة نادة وأعودها فائدة على الخاص والعام وأضمنها للسعد المساعد والحظ الوافر التام ما كان من المنة الشامخة الذرى والمنحة الشاملة لجميع الورى والعارفة التي اعترف بها التوحيد والإسلام والموهبة التي إذا أنفق كل أحد عمره (8/346)
في وصفها وشكرها فما يعذل ولا يلام والآية التي أظهرها الله للملة الحنيفية على فترة من الرسل والمعجزة التي هدى أهله لها دون كافة الامة إلى اعدل السبل والبرهان الذي خص به أمير المؤمنين وأظهره في دولته والفضيلة التي أبانت مكانه من الله وكريم منزلته وذلك ما من الله به على الشريعة الهادية والكلمة الباقية والخلافة النبوية والإمامة الحافظية منك ايها السيد الأجل الأفضل ولقد طال قدرك في حلل الثناء وجل استحقاقك عن كل عوض وجزاء وغدت أوصافك مسألة اجتماع وائتلاف فلو كانت مقالة لم يقع بين أرباب الملل شيء من النتاقض فيها والاختلاف واين يبلغ أمد استيجابك من منتحيه أو يتسهل إدراك شأوه على طالبه ومبتغيه والايمان لو تجسم لكان على السعي على شكرك أعظم مثابر والإسلام لو أمكنه النطق لقام بالدعاء لك خطيبا على المنابر فأما الشرك فلو أبقيته حيا لتصدى وتعرض لكنك أنحيت عليه وأدلت التوحيد منه فانهد بناؤه بحمد الله وتقوض فكان لك في حق الله العضب الذي تقربت به إليه فأرضيته والعزم الذي صممت عليه في نصرة الحق فأمضيته والباطن الذي اطلع عليه منك فنصرك ولم ترق دما ولا روعت مسلما ولا أقلقت أحدا ولا أزعجته ولا عدلت عن منهج صواب لما انتهجته وذلك مما اشترك الكافة في معرفتة وتساووا في علم حقيقته مع ما كان من تسييرك العساكر المظفرة صحبة أخيك الأجل الأوحد أدام الله به الإمتاع وعضده وأحسن عنه الدفاع وأيده مما جرت الحال فيه بحسن سياستك وفضل سيادتك على أفضل ما عودك الله من بلوغ آمالك من غير أذى لحق أحدا من رجالك والأمر في ذلك أشهر من الإيضاح وأبين من ضياء فلق الصباح وهذا إذا تأمله أمير المؤمنين أوجب عليه أن يقابلك من إحسانه بغاية ما في إمكانه وأن يوليك من منته أقصى ما في استطاعته وقدرته ولم ير احضر من أن قرر نعوتك السيد الأجل الأفضل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين أبو الفتح رضوان الحافظي إذ لا أولى منك بكفالة قضاة دولته وإرشادهم وهداية دعاتها إلى ما فيه نجاة المستجيبين في معادهم وجدد لك ما (8/347)
كان قدمه من تكفيلك أمر مملكته وإعادة القول فيما اسلفه من رده إليك تدبير ما وراء سرير خلافته التذاذا بتكرار ذلك وترديده وابتهاجا بتطرية ذكره وتجديده فأمور الملة والدولة معدوقة بتدبيرك وأحوال الأداني والأقاصي موكولة إلى تقريرك وقد جمع لك أمير المؤمنين من استخدام الاقلام وجعل السيادة لك على سائر القضاة والدعاة والحكام وأسجل لك بالاختصاص بالمعالي والانفراد والتوحد بأنواع الرياسات والاستبداد ولك الإبرام والنقض والرفع والخفض والولاية والعزل والتقديم والتأخير والتنويه والتأمير فالمقدم من قدمته والمحمود من حمدته والمؤخر من أخرته والمذموم من ذممته فلا مخالفة لما أحببته ولا معدلة عما أردته ولا تجاوز لما حددته ولا خروج عما دبرته واين ذلك مما يضمره لك امير المؤمنين وينويه ويعتقده فيك فلا يزال مدى الدهر يعيده ويبديه ولو لم يكن من بركاتك على دولة أمير المؤمنين ويمن تدبيرك العائد على الإسلام والمسلمين إلا ان أول عسكر جهزته إلى جهاد الكفرة الملاعين وكان له النصر العزيز الذي تبلج فجره والفتح المبين الذي جل قدره وانتشر ذكره والظفر المبهج للدين العسكر المنصور على الطائفة الكافرة قتلا لأبطالها وأسرا لأعناق رجالها واخذا لقلاع الملسرة منها وأنه لم يفلت من جماعتها إلا من يخبر عنها ولو علم أمير المؤمنين تعظيما يخرج عما تضمنه هذا السجل لما اقتصر عليه إلا أنه عاجله ما يسره فجاهر لك بما هو مستقر لديه والله عز و جل يخدمك السعود ويخصك من مواهبه بما يتجاوز المعهود ويمدك بمواد التوفيق والتأييد ويقضي لك في كل أمورك بما لا موضع فيه للمزيد إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
قلت وهذا الصنف من الكتب السلطانية قد رفض وترك استعماله في (8/348)
زماننا فلا معول عليه أصلا
الصنف الحادي والعشرون المكاتبة بالإحماد والإذمام
قال في مواد البيان السلطان محتاج إلى مكاتبة من يقف منه على طاعة واجتهاد ومناصحة وإخلاص بالشكر والإحماد والبعث على الازدياد من المخالصة وحسن السعي في الخدمة وغيرها مما يرتبط به النعمة ويستوجب معه حفظ الرتبة ومكاتبة من يعثر منه على تقصير وتضجيع وتفريط وتضييع بالذم والتقريع والتأنيب لأنه لا يخلو أعوان السلطان من كفاة يستديم كفايتهم بتصويب مراميهم واستحسان مساعيهم وإحمادهم على تشميرهم وشرح صدورهم ببسط آمالهم والعدة برفع منازلهم ومحالهم وتمييزهم على نظرائهم وأشكالهم وتحذيرهم من التوبيخ وتقديم الأعذار والتخويف من سقوط المراتب وقبح المصاير والعواقب
قال وينبغي للكاتب ان ينتهي في خطاب من انتهى في الحالين إلى غايتيهما إلى المعاني الناجعة في الغرضين ويتوسط فيهما سيما التوسط الذي يقتضيه الحال المفاض فيها لأن في ذلك تقريرا للمحسن على إحسانه ونقلا للمسيء عن إساءته لأنه إذا علم الناهض أنه مثاب على نهضته والواني أنه معاقب على ونيته اجتهد هذا في الاستظهار بخدمته بما يزيد في رتبته وخاف هذا من حط منزلته وتغير حالته ثم قال والرسوم في هذه المكاتبات تختلف بحسب اختلاف أغراضها وتتشعب بتشعب معانيها والأمر في ذلك موكول إلى نظر الكاتب العارف الكامل ووضعه كل شيء في موضعه وترتيبه إياه في مرتبته
فأما المكاتبة بالإحماد فكما كتب عن صمصام الدولة بن عضد (8/349)
الدولة بن بويه إلى حاجب الحجاب ابي القاسم سعد بن محمد وهو مقيم بنصيبين على محاربة باد الكردي
كتابنا ووصل كتابك مؤرخا بيوم كذا تذكر فيه ما جرى عليه أمرك في الخدمة التي نيطت بكفايتك وغنائك ووكلت إلى تدبيرك ووفائك من رد باد الكردي عن الأعمال التي تطرقها وحدث نفسه بالتغلب عليها وتصرفك في ذلك على موجبات الأوقات والتردد بين أخينا وعدتنا أبي حرب زياد بن شهراكويه وبينك من المكاتبات وحسن بلائك في تحيفه ومقاماتك في حص جناحه وآثارك في الانقضاض على فريق بعد فريق من اصحابه وأضطرارك إياه بذلك وبضروب الرياضات التي استعملتها والسياسات التي سست أمره بها إلى أن نزل عن وعورة المعصية إلى سهولة الطاعة وانصرف عن مجاهل الغواية إلى معالم الهداية وتراجع عن السوم إلى الاقتصار وعن السرف إلى الاقتصاد وعن الإباء إلى الانقياد وعن الاعتياص إلى الإذعان وأن الأمر استقر على أن قبلت منه الإنابة وبذلت له فيما طلب الاستجابة واستعيد إلى الطاعة (8/350)
واستضيف إلى الجماعة وتصرف على أحكام الخدمة وجرى مجرى من تضمه الجملة وأخذت عليه بذلك العهود المستحكمة والايمان المغلظة وجددت له الولاية على الأعمال التي دخلت في تقليده وضربت عليها حدوده وفهمناه
وقد كانت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب زياد بن شهراكويه مولى أمير المؤمنين ترد علينا وتصل إلينه مشتملة على كتبك إليه ومطالعاتك إياه فنعرف من ذلك حسن أثرك وحزم رأيك وسداد قولك وصواب اعتمادك ووقوع مضاربك في مفاصلها وإصابة مراميك أغراضها وما عدوت في مذاهبك كلها ومتقلباتك بأسرها المطابقة لإيثارنا والموافقة لما أمرت به عنا ولا خلت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب من شكر لسعيك وإحماد لأثرك وثناء جميل عليك وتلويح وإفصاح بالمناصحة الحقيقة بك والموالاة اللازمة لك والوفاء الذي لا يستغرب من مثلك ولا يستكثر ممن حل في المعرفة محلك ولئن كنت قصدت في كل نهج استمررت عليه ومعدل عدلت إليه مكافحة هذا الرحل ومراغمته ومصابرته ومنازلته والتماس الظهور عليه في جميع ما تراجعتماه من قول وتنازعتماه من حد فقد اجتمع لك إلى احمادنا إياك وارتضائنا ما كان منك المنة عليه إذ سكنت جاشه وأزلت استيحاشه واستللته من دنس لباس المخالفة وكسوته حسن شعار الطاعة وأطلت يده بالولاية وبسطت لسانه بالحجة وأوفيت به على مراتب نظرائه ومنازل قرنائه حتى هابوه هيبة الولاة وارتفع بينهم عن مطارح العصاة
فالحمد لله على أن جعلك عندنا محمودا وعند أخينا وعدتنا أبي حرب مشكورا وعلى هذا الرجل مانا وفي إصلاح ما أصلحت من الأمر مثابا مأجورا وإياه نسأل أن يجري علينا عادته الجارية في إظهار آياتنا ونصرة أوليائنا والحكم لنا على أعدائنا وإنزالهم على إرادتنا طوعا أو كرها وسلما أو حربا فلا يخلو (8/351)
أحد منهم من أن تحيط لنا بعنقه ربقة أسر أو منة عفو إنه جل ثناؤه بذلك جدير وعليه قدير
ويجب أن تنفذ إلى حضرتنا الوثيقة المكتتبة على باد الكردي إن كنت لم تنفذها إلى أوان وصول هذا الكتاب لتكون في خزائننا محفوظة وفي دواويننا منسوخة وأن تتصرف في أمر رسله وفي بقية إن كانت بقيت من أمره على ما يرسمه لك عنا أخونا وعدتنا أبو حرب فرأيك في العمل على ذلك وعلى مطالعتنا بأخبارك وأحوالك وما يحتاج إلى علمه من جهتك موفقا إن شاء الله تعالى
وأما الإذمام فيختلف الحال فيه باختلاف الملوم فيه والمذموم بسببه فمن ذلك الذم على ترك الطاعة وشق العصا
كما كتب عمارة يصف شخصا بأنه لما ارتفع مكانه وعلا قدره بطر معيشته وخرج عن طاعة الخليفة وأن فلانا كان ممن عرفت حاله في غموض أمره وخمول ذكره وضيق معيشته وقلة عدده وناهضته ولا تجاوز حياته ما يقوله ولا يتعاطى ما وراء ذلك ولا يرومه ولا يمنيه نفسه ولا يدفع يد لامس عنه بقوة تنوء بملأ ولا عز يلجأ إليه فأنعم عليه أمير المؤمنين وأكرمه وشرفه وبلغ به الغاية التي لم يكن يرجوها ولا ترجى له وبسط له من الدنيا وآتاه من غضارتها ونعمتها وعزها وسلطانها ما لم يؤت أحدا من أهل زمانه فلما مكن الله له في الدنيا طغى وتجبر وعلا وتكبر وظن أن الذي كان فيه شيء قاده إلى نفسه بحوله وقوته تهويلا من الشيطان واستدراجا منه له
وكما كتب عبد الحميد في مثله (8/352)
أما بعد فقد بلغ أمير المؤمنين عنك أمر لم يحتمله لك إلا ما أحب من رب صنيعته قبلك واستتمام معروفه إليك وكان امير المؤمنين احق من اصلح ما فسد منك وإنك إن عدت لمثل مقالتك وما بلغ أمير المؤمنين عنك رأى في معاجلتك رأيه فإن النعمة إذا طالت بالعبد ممتدة أبطرته فأساء حمل الكرامة واستثقل العافية ونسب ما هو فيه إلى حيلته وحسن نبته ورهطه وعشيرته وإذا نزلت به الغير وانكشفت عماية العشى عنه ذل منقادا وندم حسيرا وتمكن منه عدوه قادرا عليه وقاهرا له ولو أراد أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك ومعاجلة إفسادك جمع بينه وبين من شهد فلتات خطئك وعظيم زلتك ولعمري لو حاول أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك في مجلسك وجحودك فضله عليك لردك إلى ما كنت عليه ولكنت مستحقا
وفي مثله
فإن صاحب البريد كتب إلي عن أصحابك بكذا فقلت إنهم لم يقدموا على ما أقدموا عليه حتى عجموك فعرفوا خور عودك وضعف مكسرك ومهانة نفسك وأنه لا غير عندك ولا نكير
ومن ذلك الذم على الخطأ كما كتب أحمد بن يوسف
كأن البخل والشؤم صارا معا في سهمه وكانا قبل ذلك في قسمه فحازهما لوارثه واستحق ما استملك منهما بالشفعة وأشهد على حيازتهما أهل الدين والأمانة حتى خلصا له من كل ممانع وسلما له من تبعة كل منازع فهو لا يصيب إلا مخطئا ولا يحسن إلا ناسيا ولا ينفق إلا كارها ولا ينصف إلا صاغرا (8/353)
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية لا يمتنع وقوعه في وقت من الأوقات فإن عرض له موجب راعى الكاتب فيه صورة الحال وكتب على ما يوجبه المقام وتقتضيه تلك الوقعة
الصنف الثاني والعشرون ما يكتب مع الإنعام لنواب السلطنة بالخيل والجوارح وغيرها من أنواع الإنعامات وهذا الصنف من المستعمل في زماننا كل وقت
فأما ما يكتب مع الإنعام بالخيل فقد جرت العادة أن السلطان ينعم بالخيل على نواب السلطنة بالشام ويكتب بذلك مثالات شريفة إليهم وربما أنعم بالخيل وكتب بها في غير ذلك
وهذه نسخة مثال شريف من ذلك
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب وخصه من النعم بما لا تحصى له آثار ولا يتعلق له بغبار ولا يوصف بحال واحدة لأنه إن جرى فبحر وإن وقف فنار
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بكل سلام لا تدرك لسوابقه غاية ولا تحصى له نهاية ولا يرد منه كل ما جاء وله في وجهه كفلق الصبح آية ولا يتقدم في ميدان إلا وقد حمل له في كل مكان راية وتوضح لعلمه الكريم أنه قد جهز له قرينها ما جرت به عادته من الحصن التي لا يدعي البرق أنه لها نظير ولا تجاري الرياح من سوابقها ما يطير كم لها في ميدان مجال وكم لها في رؤية دوية ارتجال وكم دعي الوغى بها على كل ضامر فأتت رجالا تقدح سنابكها نارا وتفيض جوانبها من الركض عقارا ويتكفل بديعها بكل مرام وتعطي ما في يديها لأنها من الكرام وقد تشرفت من نعمنا الشريفة بالسروج واللجم والعدة المكملة وتحلت من الذهب والفضة ما يغني بجملته المفصلة وأرسلناها إليه ترقص في أعنتها زهوا وتترك بطيب صهيلها كل بحر تخوضه إلى المنايا رهوا وتوجه بها فلان كالعرائس المجلوة في حللها والنجوم لولا ما تميزت به من حلي عطلها والسحاب إلا أنها لا تحتاج منة الرياح في تنقلها (8/354)
فليقابل هذه النعمة الشريفة بشكرها وليتسلم هذه الصدقات العميمة التي تعترف كل نعمة بقدرها وليحمد الله من تفقداتنا الشريفة على كرم فرس جاء وهو سابق وجود جواد لا يدور معه السحاب في طابق ويعتمدها لارتقاء كل صهوة منيفة وجهاد أعداء الله عليها بين أيدينا الشريفة ويعيد الواصل بها إلى خدمة أبوابنا العالية والله تعالى يديم عليه بنا النعم المتوالية إن شاء الله تعالى
آخر ولا زال إقبالنا يمده من الصافنات الجياد بما يباري الرياح ويتيمن بغررها الصباح ويطلق أعنتها في حلبة السباق فتسبق بركضها ذوات الجناح ولا برح إنعامنا يتحفه بكل طرف يبهج الطرف ويثلج الصدر بما استمد عليه من الملاحة التي تروق العين وتفوق الوصف ويفرده بما اجتمع فيه من الحسن واليمن إذ هو واحد كالألف تهدي إليه سلاما تعبق بطيب نشره أرجاءه وثناء يعرب عما في ضميره من علو قدره وسمو ذكره فيشرق سناؤه ويضاعف ثناؤه وتوضح لعلمه الكريم أنه غير خاف عنه ما يصل إلى أبوابنا الشريفة من الخيول البرقية في كل عام وما نخصه منها بكل ميمون الغرة مبارك الطلعة هنيء السير على الإنعام وقد أرسلنا إلى جنابه الكريم من ذلك سهمه وأضفنا إلى ذلك ما استصلحناه من الخيل العربية الغريبة والعتاق العجيبة العربية مما الخير مقعود بنواصيها فتزهق على صهواتها نفوس الأعداء وتستنزلها من صياصيها فيأخذ الجناب العالي ما يخصه من ذلك ويفرق الباقي على من رسمنا له به بيمن رأيه المبارك الذي لا يساهمه فيه أحد ولا يشارك ويجهز الخيل المخصوصة بفلان إليه والله تعالى يضاعف عز ظهورها عند امتطائها لديه
وأما ما يكتب مع الإنعام بالجوارح فمما يكتب مع إرسال سنقر (8/355)
وقد بعثنا إليه بسنقر كأنه ملك متوج ورزق مروج تجرأ على سفك الدماء وأبى أن يطلب رزقه إلا من السماء يود الكركي لو خلص من مخاليبه ويخاف أن يسلم من خرط الشبكة ويقع في كلاليبه يدرك الصيد ولا يؤجله ويرفع صدره ثم يومي إليه برأسه كأنه يستعجله قد جمع من المحاسن كل الصنوف وكتبت عليه أسطر تقرأ بما تقرى به الضيوف
ومما يكتب مع إرسال صقر
وقد وجهنا إليه بصقر لا تؤسى له من الصيد جراح ولا يدع من وحش يسرح ولا طائر يطير بجناح أينما توجه لايأت إلا بخير وحيثما أطلق كان حتف الوحش والطير يدع أقطار الفلاة مجزرة أو روضة بالدماء مزهرة يجد الى الطير في عنقه ويحلق إلى السماء فيرجع وطائره في عنقه تخافه العفر على نفوسها وتخضع له ولأمثاله فما تخرج إلا والطير على رؤوسها يزيد خبره في مظان الصيد على الخبر وتخرج الظباء وقد تسجت خوفا منه في ملاءة من العجاج مخيطة من قرونها بالإبر شديد الأيد قد بنى على الكسر حروف (8/356)
الصيد يحمد مقتنيه ايامه الغر ويقول له إذا تلفت إلى الصيد إن جلبت ضبعا فأنت حر لا يصحب مستصحبه معه إلا مزاده وأينما سار حامله وهو معه كان معه زاده
ومما يكتب مع إرسال شاهين
وقد وجه إليه بشاهين إذا حلق وراء الطير شاهت به الوجوه وشاهدت الآمال به ما ترجوه قد أصبح كل محلق الجناح رهين يده وكل سارب من الوحش طعام يومه أو غده لا يتعبه خلف الطريدة بعد المدى ولا يرده خوف مسافة ولا تقحم ردى ربية عام لم يمتع بطول ما دهر وممتدة منه في الطلق مثل ريح سليمان غدوها شهر ورواحها شهر
ومما يكتب مع إرسال كوهية
وقد جهزنا إليه كوهية هي بالمحاسن حرية ولكثرة الإقدام جرية يكل بها صاحبها أمر مطبخه ويمدها من الطير من ليس بمصرخه لا تعف عن دم ولا ترى أطرافها إلا مثمرة بعناب أو مخضبة بعندم قد أخلت من كل (8/357)
سانح ولبست زي الراهب المتعبد وفتكت بكل سائح
ومما يكتب مع سقاوة
وقد جهزنا إليه بسقاوة مخاليبها على الطير كالحديد أو أشد قساوة تسيل دماء الصيد كالمذانب وتكسو الأرض حبرا من رياش الحبارى وفراء من جلود الأرانب وجعلت في قبضة الكف ما كانت العين عليه تدور وتكفلت بكفاية المطبخ وملأن القدور
ومما يكتب مع إرسال باز
وقد بعثنا إليه بباز مهما لقي لقف ومهما خطا لديه خطف كأنما خط جوهره بقلم أو ريش عليه من الصباح والظلم قد أعد للطوارق وأدرأ بمثل الطوارق قد دحض حجج الحجل وكسرها حتى أبان عليها حمرة الخجل لا يسأل في الصيد عما نهب ولا تعرف له قيمة إلا أن له عينا من الذهب
ومما يكتب مع الفهد (8/358)
وقد أنعمنا عليه بفهد أهرت الشدق ظاهر الحذق بادي العبوس مدنر الملبوس شثن البراثن ذي أنياب كالمدى ومخالب كالمحاجن قد أخذ من الفلق والغسق إهابا وتقمص من نجل الحدق جلبابا يضرب المثل في سرعة وثوب الأجل به وبشبهه وتكاد الشمس مذلقبوها بالغزالة لا تطلع من الوجل على وجهه يسبق إلى الصيد مرامي طرفه ويفوت لحظ مرسله إليه فلا يستكمل النظر إلا وهو في كفه وتتقدمه الضواري إلى الوحش فإذا وثب له تعثرت من خلفه
وأما ما يكتب مع الإنعام بالسلاح
فمن ذلك وقد جهزنا إليه سيفا تلمع مخايل النصر من غمده وتشرق جواهر الفتح في فرنده وإذا سابق الأجل إلى قبض النفوس عرف الأجل قدره فوقف عند حده ومتى جرد على ملك من ملوك العدا وهت عزائمه وعجز جناح جيشه أن تنهض به قوادمه وعلم أنه سيفنا الذي على عاتق الملك الأعز نجاده وفي يد جبار السموات قائمة
الصنف الثالث والعشرون المكاتبة بالبشارة عن الخليفة بولد رزقه
والرسم فيها أن يذكر شرف الخلافة وعلو رتبتها ويشير إلى تخصيص الخلافة بمصيرها إليه دون سائر البرية وانتقالها إليه بالتوارث من آبائه الطاهرين كابرا عن كابر وبقائها في عقبه إلى الابد ثم يتخلص إلى ذكر النعمة على أمير المؤمنين التي أنعمها الله تعالى عليه وأن من أعظمها نعمة أن رزقه الله تعالى ولدا ويذكر اسمه وكنيته ويصفه بما يناسبه
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك وهي
الحمد لله مؤيد الإسلام بخلفائه الراشدين ومظهر الإيمان بأوليائه الهادين الذي جعل الإمامة كلمة باقية فيهم إلى يوم الدين وأقام منهم الحاضر المتبع (8/359)
والمرجو المتوقع وأطلع منهم في سماء الهداية شهبا لا يخبو منها شهاب حتى يتوقد شهاب وفتح بهم للإرشاد أبوابا لا يرتج منها باب حتى يفتح باب
يحمده أمير المؤمنين أن فوض إليه منازل آبائه ووفقه بانتقال ما ورثة من آبائه إلى أبنائه ويسأله أن يصلي على من كرمه بولادته وشرفه بالانتساب إلى شجرة سيدنا محمد خاتم رسله المترجم عن توحيده وعدله وعلى أخيه وابن عمه علي ابن ابي طالب قسيمه في فضله ووصيه على امته وأهله
وإن أولى النعم بأن يفاض في شكرها وتعطر المحافل بنشرها نعمة حاطت دعائم الدين وأمرت حبل المسلمين وتساوى في تناول قطافها الكافة وآذنت بشيوع الرحمة والرافة وأضحت بها النبوة مشرقة الأنوار والإمامة عالية المنار والخلافة مختالة المنبر والسرير رافلة في حلل الابتهاج والسرور
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد رزقه الله تعالى ولدا ذكرا مباركا رضيا سماه فلانا وكناه أبا فلان فجلا بنهار غرته الدامس وافتر بمقدمه العابس واخضر بيمن نقيبته اليابس ووثقت الآمال بسعادة مقدمه وتطلعت الأعناق إلى جوده وكرمه مبشرا لك بهذه النعمى الحسنة الأثر القليلة الخطر علما بمكانك من ولائه ومخالصته وسرورك بما يفيضه الله عليه من شآبيب نعمته لتأخذ من المسرة والجذل بحظ المولى المخلص والعبد المتخصص ولتشيع مضمون كتابه فيمن قبلك من الأولياء ليشاركونا في الشكر والثناء فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى
قلت وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستعمل في البشارة عن السلطان إذا حدث له ولد فيكتب بالبشارة به إلى نواب السلطنة وأهل المملكة (8/360)
الصنف الرابع والعشرون ما يكتب عن السلطان بالبشارة بعافيته من مرض
وهذه نسخة كتاب بعافية الملك الناصر محمد بن قلاوون من مرض إلى صاحب ماردين وهو
ولا زالت البشائر على سمعه الكريم متواترة والمسار إلى مقام ملكه سائرة والتهاني ببلوغ الأماني من كمال شفائنا تجعل ثغور الثغور باسمة ووجوه الدهور ناضرة ونعم الله تعالى مقابلة بالشكر الجزيل على أن أجد ملك الإسلام بافتقاده وأبقي للدين المحمدي ناصره أصدرناها إلى المقام العالي ومواردنا من الصحة حلوة في الأفواه وألسنتنا شاكرة لنعم الله وعافيتنا تجدد في كل جديد وصحتنا قد بلغت من المزيد ما نريد وقد البسنا الله تعالى من الشفاء ثوبا قشيبا ونصرنا نصرا عزيزا وفتح لنا فتحا مبينا تهدي إليه سلاما تتأرج به أرجاء ملكه وثناء تنتظم الأثنية في سلكه وتوضح لعلمه الكريم ما حصل من عافيتنا التي تضاعف بها فرح الإسلام والمسلمين ووجب الشكر عليهم والحمد لله رب العالمين
الضرب الثاني من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب عن السلطان في الجواب
وكل معنى من المعاني الوارد بها الكتاب إليه يستق جوابه منها وغالب ما يعتنى به من ذلك جواب ما يرد من المكاتبات بالتقادم والهدايا وما في معنى ذلك
وهذه أدعية من ذلك يستضاء بها في أوائل الأجوبة عن المعاني التي ترد فيها
جواب سلطاني عن وصول خيل ولا زال يتحف بكل صاهل في الجحفل (8/361)
جمال في المحفل وأجرد إذا أم غاية لمعت في أثره البروق تتطفل ومسوم يلتزم جلاله بمزيد جلاله وكيف لا وهي إذا أسدلت عليه يتكفل أصدرناها والعطر يضوع من سلامها والمسك يفوح من ختامها وآثار الندى تحكي آثار أقلامها
آخر في المعنى ولا زال محتفلا بالجياد وإرسالها ومهديا لركابنا الشريف السوابق التي إذا لم يسابقها شيء من الحيوان تجلت في مسابقة ظلالها وينتقي لمواكبنا الخيول التي إذا أصبحت في مدى أصبحت الرياح تتعلق بأذيالها أصدرناها
آخر في مثله ولا زال يهدي إلينا من الجياد بحرا ويقود من العراب ما تملأ غرته المواكب بشرا وإذا طلع في الكتيبة يزيدها عزا ونصرا من كل طرف تأصل حسنا وحسن إهابا وجل قدرا
آخر في مثله وأعلى له على صهوات العتاق مرتقى وخصه بكل جواد وهو منتقل إليه منتقى وأطلع عليه نواصي الصوافن التي عقد الخير بها عقدا موثقا أصدرناها ونور التحايا من أرجائها ينير ومفاخرها تشرف بها كل منبر وسرير وركائب أثنيتها تسير إلى مقامه فتطيب راحلة في ذلك المسير
آخر في مثله ولا زال يهدي من الجياد المسومة أصائلها ويتحف مما يحييه عند الوفادة عليه صاهلها ويقابل أكرم غرة الخير معقود بناصيتها واليمن يقابلها ويمتع بأعز جواد حلية الشفق دون إهابه إذ يماثلها وسرعة البرق خفته إذ يساجلها (8/362)
الضرب الثالث من الكتب السلطانية الكتب الصادرة عن نواب السلطنة الى النواب بسبب ما يرد عليهم من المثالات السلطانية
اعلم أنه قد جرت العادة بأنه إذا ورد على نائب السلطنة بالشام مثال شريف من الابواب السلطانية يأمرهم كتب نائب الشام الى نواب السلطنة بورود المثال الشريف مبشرا بذلك ويجهز إلى كل منهم مع المثال الوارد إلى كل نائب من نواب السلطان معنى المثال الوارد من الأبواب السلطانية بذلك إلا أنه يكون حاكيا لصورة المثال الوارد بذلك لا أنه مبتدئه ويشتمل ذلك على عدة أمور
فمن ذلك جلوس السلطان على تخت الملك فيخبر نائب الشام في الكتاب الصادر عنه إلى بعض النواب بان المثال الشريف ورد عليه بذلك وأنه ورد كتاب إلى المكتوب إليه فجهزه إليه
وهذه نسخة كتاب من ذلك كتب به عن نائب الشام الى بعض نوات السلطنة بالبشارة بسلطنة السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد ابن قلاوون وقد ورد على يد بعض الحجاب من إنشاء الشيخ جمال الدين بن (8/363)
نباتة في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وهي بعد الصدر
أمتعه الله من البشائر بما يتوضح على جبين الصباح بشره وبما يترجح على ميزان الكواكب قدره وبما ينفسح من أوقات أمن لا يختصم في ظلها زيد وعمرو حتى يقال ولا زيد النحو وعمره وينهي بعد دعاء يتبلج في الليل فجره وثناء يتأرج في طي النسيم نشره وولاء يتساوى في درجات الصفاء سره وجهره أن خير البشائر ما خص أولياء الدولة الشريفة وعم الرعايا وسما إلى ثغور الإسلام خبره الجلي فقال وافر أنا أبن جلا وطلاع الثنايا وقسمت مسرته على كافلي الممالك فقالت مملكة مولانا وافر لنا المرباع منها والصفايا وسلك المملوك من الإسراع بإشاعته الحق الواجب وجهز خدمته بين يدي المثال الشريف الذي سبق طائر يمنه ولكنه جاء في خدمته حاجب وهي البشرى الواردة في الامثلة الشريفة السلطانية المالكية الملكية الصالحية العماديه العريقة في نسب النصر بالأنساب الناصرية المنصورة أعلى الله تعالى أبدا على قواعد الملك عمادها وصرف بها الأعنة لما سر وصرفها عما وهي بجلوسه على كرسي المملكة الذي هو آية سعده الكبرى وتخت السلطنة الذي عاينه ملك الجود والعلم فقال السلام عليك بحرا وإجماع الأمة على أنه صالح المؤمنين وكفاة الحل والعقد على أنه سلطان الإسلام والمسلمين وأركان البيت الناصري على أنه عماده وعلى أنه سنده المكمل وإذا انقض بيت سناده فيا له جلوسا قامت فيه كواكب السعد مشدودة المناطق وياله إجماعا اتفق فيه حتى من تصميم السيوف وتعبير الأقلام كل صامت وناطق (8/364)
وياله بيت ملك أبى الله إلا أن يقيم وزنه أفضل الأفاعيل وياله ملكا قال الدهر الطويل انتظاره ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل ) ويا له أمرا بلغ خبره وخبره الأوطار والأوطان ونفذت برده المصرية على حين فترة تالية له السعود ( فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) وحشر الناس ضحى ليوم الزينة وجاءوا إليها مستبشرين من أدنى وأقصى كل من في المدينة وضربت البشائر ويا عجبا إنها تضرب ومكانتها من القلوب مكينة حتى إذا أخذت مصر حظها من الهناء قسمت على الأمصار وأضاء بارق نشرها من كل وجه فسمت بالشامات غرة الأبصار وركض بريد الخير بمبارك باب البريد ووصل نيل النيل إلى أنهار دمشق فبردى على الشكر ثابت ويزيد وبشر الإسلام من وجه الخلف الصالح بأكرم من بر واستفاض الاسم الشريف فلو كلف مشتاق فوق وسعه لسعى إليه المنبر
فالحمد لله على أن سر البيت الشريف الناصري بجمع شمله وعلى أن أتى الملك العقيم الصالح من أهله وقد جهز المملوك المثال الشريف المختص بمولانا ومولانا أولى من انتظمت لديه درر هذه الأخبار الثمينة وعظمت بناحيته شعائر هذه الدولة المكينة وكمل لخير حماه خير قرينة والله تعالى يعز الإسلام بعزمه ويمضي الآجال والأرزاق على يدي حربه وسلمه وينجز لرأيه ورايته النصر قبل أن يطوف الأولياء بعلمه وقبل أن يحيط الأذكياء بعلمه
ومن ذلك الكتابة بورود مثال شريف بعافية السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في خلافة الحاكم بأمر الله أحمد ابن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب (8/365)
أورد الله عليه من الهناء كل سري يسره وكل سني يقر أمام ناظره الكريم ويقره وكل وفي إذا طلع في آفاق حلب قيل لله دره ولا زالت البشائر تلقاه بكل وجه جميل وبكل جلي جليل وبكل خبر تصح الدنيا بصحته فليس بها غير النسيم عليل تقبيلا يزاحم عقود الثغور ويكاد يمنع ضم الشفتين للثم طول الابتسام للسرور وينهي بعد رفع اليد بدعائه وضم الجوانح على ولائه وجزم الهناء المشترك بمسرة مولانا وهنائه أن المثال الشريف زاده الله شرفا وزاد فضل سلطانه على العباد سرفا ورد بالبشارة العظمى والنعماء التي ماضاهتها الأيام قبل بنعمى والمسرة التي يأكل حديثها أحاديث المسرات أكلا لما ويحبها الإسلام والمسلمون حبا جما بسلامة جوهر الجسد الشريف من ذلك العرض وشفائه الذي في عيون الأعداء منه شفار تطعن وفي قلوبهم مرض وأن مادة الأدواء بحمد الله قد انحسمت والواردة من الافتقاد بالأجر والعافية قد ابتسمت وأن ظنون الإشفاق قد اضمحلت ونسمات الروض قد فدت الجسم الشريف فاعتلت وأخبار الهناء يعينها كل بريد نشوان من الفرح ينشد أسائلها أي المواطن حلت فيالها بشارة خصت الإسلام وعمت بنيه وسارت فوق الأرض وسرت تحتها أسلاف الملك ومبتنيه وشملت البلاد وعبادها والسلطنة وقد حجب الله عمادها عما دهى والملك السليماني وقد ثبت الله به على الدنيا من السماء خيمتها ومن الجبال أوتادها والطير وقد حملت ورقه أوراق السرور والوحش وقد قالت مهاه على عيني أتحمل ذلك السقام أو ذلك الفتور ( ذلك الفضل من الله وكفى (8/366)
بالله عليما ) والألطاف الراحم بها المؤمنين من خلقه ( وكان بالمؤمنين رحيما )
وكان ورود هذا المثال الشريف على يد فلان فياله من وارد لمشارع الأمن أورد ولروائع الناس عن القلوب حجب أورد وقد جهزه المملوك بالمثال الشريف المختص بمولانا وهذه الخدمة بعد أن ضربت البشائر مسوغة في كل ضرب من التهاني وزينت البلد زينة ما نظمت فيها غير العقود أيدي الغواني فيأخذ حظه من هذه البشرى ونصيبه من هذا الوجه الذي ملأ الوجود بشرا وشطره من الهناء المخصوص الذي تعجل منه المملوك شطرا والله تعالى يسره بكل خير تشرق زواهره وتعبق في كمائم الدروج أزاهره ويتألق على يد بريده من المخلقات كل كوكب صبح تملأ الدنيا بشائره
ومن ذلك المكاتبة بورود المثال الشريف بوفاء النيل
إذا ورد على نائب الشام بوفاء النيل المبارك كتب نائب الشام عن نفسه إلى نائب حلب وغيره من نواب السلطنة بالممالك الشامية بورود المثال الشريف عليه بذلك ويكتب عنه كما يكتب عن السلطان من السجع وإيراده مورد البشارة وإظهار الفرح والسرور بذلك لا يكاد يخالفه إلا في كونه واردا مورد الحكاية لمثال السلطان ومثال السلطان مخبر بذلك ابتداء
وهذه نسخة مثال كريم من ذلك عن نائب الشام من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباته كتب به لسنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وهي بعد الصدر
لا زالت مبشرة بكل مبهجة معطرة الأرجاء بكل سائرة أرجة ميسرة الأوقات بمقدمتي سماع وعيان كلاهما للمسار منتجة مستحضرة في معالي الكرم كل دقيقة تشهد بسطة النيل أنها أرفع منه درجة وينهي بعد دعاء ما الروض أعطر من شذاه ولا ماء النيل وإن كرم وفاء بأوفى من جداه أن المرسوم الشريف (8/367)
زاده الله تعالى شرفا ورد بوفاء النيل المبارك وحبذا هو من وفي موافي ومتغير المجرى وعيش البلاد به العيش الصافي وحسن الزيارة والرحيل ماضاهته الغيوث في ولافي ووارد من معبد بعيد وحميل لا جرم أن مده ثابت ويزيد وجائد إذا تتابع حيث تيار يقلد بره ودره من الأرض وساكنها كل جيد وإذا ذكر الخصب لمكان عيده المشهود ألقى السمع وهو شهيد وذلك في يوم كذا وأن البلاد جبرت بكسر خليجه واستقامت أحوالها بتفريجه وأثنت عليه بآلائه ووسمت لونه الأصهب على رغم الصهباء بأحسن أسمائه وخلق فملأت الدنيا بشائر مخلقه وعلق ستره المصري التبري فزكا على معلقه وحلق مسير تراعه على القرى فبات على الندا ضيف محلقه وحدث عن البحر ولا حرج وانعرج على البقاع يلوي معصمه فلله أوقات ذلك اللوى والمنعرج واستقرت الرعايا آمنين آملين وقطع دابر الجدب بسعود هذه الدولة القاهرة ( وقيل الحمد لله رب العالمين ) ورسم أن لا يجبى حق بشارة ولا تعبث يد التنقيص منها ليزداد الخبر نورا على نور ويكون في إيثاره وحسنه الخبر الحسن المأثور ووصل بهذا الخبر فلان وعلى يده مثال شريف يختص بمولانا وقد جهز به فيأخذ مولانا حظه من هذه البشرى ويوضح بها على كل الوجوه بشرا والله تعالى يملأ له بالمسرات صدرا ويضع بعدله عن الرعية إصرا ويسرهم في أيامه بكل وارد يقول الإحسان لمتحمله ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) إن شاء الله تعالى (8/368)
وهذه نسخة كتاب آخر في المعنى إلى بعض النواب من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا وهي بعد الصدر
وضاعف مواد نعمه ونعمائه ومسرته وهنائه وحفظ عليه ما وهبه من المناقب التي يروي النيل عن كرمه ووفائه وشرف السيوف لكونها من سمات كرمه والسيول لكونها من سمائه
المملوك يجدد الخدمة بنفحات سلامه وثنائه ويصف ولاء لو تجسم لاستمدت عين الشمس من سنائه وينهي أن المرسوم الشريف زاده الله تعالى شرفا ورد مبشرا بوفاء النيل المبارك في يوم كذا فياله ربيعا جاء في ربيع وحاملا في مفرده الفضل الجميع وداعيا بالخصب ينشد كل ثانية اثنين ريحانة الداعي السميع ومتغنيا على منصة المقياس عرسه يجلى عليه من شباكها الستر الرفيع وأنه أقبل والبلاد أشهى ما تكون للقياه واشوق ما ترى لمباشرة ريه ورياه وقد امتدت أيدي الجسور لفمه واستعدت شفاه الحروف اللعس للثمه فكرم عليها زائره وصحبها بالنجح ساريه وسائره ودارت على الجدب من خطوط الأمواج دوائره وعمت المنافع وتلقت عيون الفلا ناهلة بالأصابع وفاض البحر ببره ونشر رداءه على الارض وسيضوع روضها بنشره وخلق المقياس فيالك من قياس بشرى غير ممنوع وكسر الخليج فياله غصن قلم على النيل وطائر سجعه على الفرات مسموع ورسم أن لا يجبى حق بشارة ولا يدخل فيها النقيص لدار ولا التنغيص لدارة ووصل بهذا الأمر فلان وقد جهز بما على يده والله تعالى يمتع مولانا من اقسام المسار بصنوف ويدفع عن حصون الإسلام بيمنه أيدي الصروف وينفعها بظلاله التي آواها ملكه الكريم إلى جنة وكذلك الجنة تحت ظلال السيوف (8/369)
الضرب الرابع من المكاتبات السلطانية ما يكتب عن النواب والأتباع إلى الخليفة أو السلطان وفيه مهيعان
المهيع الأول في الأجوبة عن الكتب السلطانية السابقة في الضرب الأول
قد تقدم في الكلام على مقدمة المكاتبات في أول هذه المقالة ذكر الخلاف هل الكتب الابتدائية أعلى رتبة في الإتيان بها أم الجوابية وذكر الاحتجاج لكل من المذهبين وذكر التحقيق في ذلك فليراجع من موضعه هناك ونحن نذكر الكلام على أجوبة الكتب السابقة على الترتيب المتقدم جارين في ذلك على ما قرره في مواد البيان
فاما الجواب عن الكتاب الوارد بانتقال الخلافة إلى الخليفة فإن الكتاب إن كان متضمنا التعزية في سلفه والهناء بمتجدد النعمة عنده في انتقال الخلافة إليه فالرسم فيما يكاتب به عن الخليفة أن يبنى على الاستبشار بالنعمة في خلافته والمسارعة بإخلاص الضمير إلى الدخول في طاعته وبيعته وانفساح الآمال في دولته والشكر لله تعالى على جبر الوهن وعلو كلمة الإسلام والمسلمين بدعوته وتعزيته عن أبيه بما يوجبه محل المحنة ويقتضيه يعني إن كان الخليفة الميت أباه فالدعاء له بأن ينهضه الله تعالى بما حمله ويعينه على ما كفله ويقرن ملكه بالجد السعيد والخلود والتأييد وإدالة الأولياء وإذالة الأعداء ونحو هذا مما يجاريه
وإن كان الكتاب الوارد بانتقال الخلافة إليه عن ابيه ومن في معناه ممن يواليه في المحبة فإن الكاتب يحوم في الجواب على ما حصل بذلك من صلاح حال الأمة واستقامة أمر الرعيه بانتقال الخلافة إليه من غير أن يصرح بذم (8/370)
الذاهب قبله ولا يخفى أن الجواب عن ورود الكتاب بانتقال السلطنة إلى السلطان وجلوسه على تخت الملك في معنى الجواب في انتقال الخلافة إلى الخليفة لا يكاد يفرق بينهما على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالدعاء إلى الدين فإنما يتكلفها كتاب مخالفي الملة لأنها إنما تصدر إليهم قال في مواد البيان إلا أنه لا غنى لكتاب الإسلام عن علم ما يقع فيها لتتقدم عندهم المعرفة بما يجيب به المخالفون فيأخذوا عليهم بأطراف الحجة إذا كاتبوهم ابتداء أو جوابا
قال ولا تخلو أجوبة هذه الكتب من اربعة معان
أحدها إجابة الدعاء إلى الدين وقبول الإرشاد والهدى والنزوع عن الغي والإقبال على التبصرة والتذكرة بعقائد خالصة ونيات صريحة
والثاني الإصرار على ما هم متمسكون به وتمحل الشبهة في نصرته وادعاء الحق فيما يعتقدونه والمغالطة عن الإجابة إلى قبول ما دعوا إليه
والثالث بذل الجزية والمصالحة والجنوح إلى السلم والموادعة
والرابع إظهار الحمية والقيام في دفاع من يروم اقتسارهم على مفارقة شرائعهم وأديانهم وبذل الأنفس في مقارعته
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالحث على الجهاد فقد ذكر في مواد البيان أنها لا تخرج عن معنيين
أحدهما إجابة الصريخ والمبادرة إلى التشمير في الجهاد والقيام في معونة الأولياء على كفاح الأعداء
والثاني الاعتذار والتعلل والتثاقل
هذا إن كانت الكتب صادرة إلى القواد والمقدمين أما إذا كانت مقصورة (8/371)
على الاستنفار فلا جواب لها إلا النفور أو الإمساك قال في مواد البيان والطريق إلى إقامة العذر للمستصرخ في التأخر عن مستصرخه متى أراد الاعتذار عنه صعب على الكاتب ولا سيما إذا كانت الأعذار متكلفة غير صحيحة
قال وينبغي أن يتأتى لذلك ويحسن التلطف فيه ولا يعتل بكذب صراح ينكشف للمعتذر إليه
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالحث على لزوم الطاعة إذا وردت على النواب والولاة وامروا بقراءتها في أعمالهم على الرعايا فإنه يكون إما بانقياد الرعايا إلى ما دعوا إليه أو استدامتهم لمركب النفاق واستدعاء مادة لتقويمهم
وأما الجواب عن الكتب إلى من نكث عهده من المعاهدين فقد ذكر في مواد البيان أنها لا تخلو من أحد أربعة معان
أولها الاعتذار والاستقالة من مراجعة النكث والرغبة في الصفح عن النبوة والمسامحة بالهفوة
والثاني المغالطة والمراوغة واستعمال المداهنة والمخادعة
والثالث التجليح والمكاشفة
والرابع إيجاب الحجة على المجوب عنه في أنه المبتديء بفسخ ما عاقد عليه قال والكاتب إذا كان ماهرا كسا كل معنى من هذه المعاني الغرض اللائق به في الصناعة
وأما الجواب عن الكتب إلى من خلع الطاعة فقد قال في مواد البيان إنها تحتمل معنيين أحدهما الاعتذار والآخر الإصرار وكل واحد منهما محتاج إلى عبارة لائقة به ثم قال والكاتب إذا كان حاذقا عرف سبيل التخلص فيها بمشيئة الله تعالى
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالفتوح فإنها إن صدرت من السلطان إلى ولاته فينبغي أن يبني جوابها على الاستبشار بموقع النعم في الظفر بالعدو (8/372)
والجذل بمتجدد الفتح وان ذلك إنما تهيا بسعادته وعلو رأيه وانبساط هيبته وما عوده من إظهار أوليائه وخذلان أعدائه وأنهم قد اشاعوا هذا النبأ في الخاصة والعامة من رعاياه فابتهجوا به وشكروا الله تعالى عليه ودعوا له بصالح الدعاء وإن صدرت من ولاة الحرب إلى السلطان فينبغي أن يكون ما يجيبهم به مبنيا على حمد الله تعالى على عوارفه والرغبة في مضاعفة لطائفه وشكره على إنجاز وعده في الإظفار بأعداء الملة والدولة ونحو هذا ومخاطبة أهل الطاعة بما يرهف عزائمهم ويقوي شوكتهم وتقريظ والي الحرب ووصفه بما يشحذ بصيرته في الخدمة والثناء على الأجناد ووعدهم بجزيل الجزاء على الجهاد والإبلاء إلى غير هذا مما يقتضيه الحال ويوجبه تدبير الأمر الحاضر
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالاعتذار عن السلطان عندما يحصل له زلل في التدبير أو في الظفر بقبض الأعداء على جيش من جيوشه فإنما تقع الإجابة عنها إذا نفذت إلى أحد العمال خصوصا قال في مواد البيان وحينئذ فينبغي أن يكون الجواب عنها مبذيا على تقوية نفس السلطان وتوثيقه بالأدلة وأن ما ناله لا يتوجه كثيرا على ذوي الحرم إلا أن عواقب الفلج والظفر والإصابة في الرأي والتدبير تكون لهم ونحو هذا مما يجاريه ويليق به
قال أما إذا كانت المكاتبة في ذلك إلى الكافة ممهدة لعذر السلطان قاطعة قالة الرعية عنه فإنه لا جواب عنها لأنها إذا لم توجه إلى واحد بعينه لا تستدعي خطابا
وأما الجواب عن الكتب الواردة عن السلطان بالنهي عن التنازع في الدين إذا صدرت إلى العمال وامروا بقراءتها على الرعايا على منابر أعمالهم فإنه يبنى الأمر فيها على امتثال الأمر والمطالعة بارتسام القوم ما رسم لهم فيها أما إذا كانت صادرة لتقرأ على العامة ليبصروا ما فيها ويعملوا عليه فإنه لا جواب عنها (8/373)
لانها إنما تشتمل على مواعظ ومراشد تتخول بها الأئمة رعاياهم
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالأوامر والنواهي فقد ذكر في مواد البيان أن الكتاب الوارد في ذلك إن كان شيئا قد جزم المتبوع فيه الأمر وضيق على التابع في إيثاره سبيل المراجعة فيه فإن الجواب عنه سهل لأنه إنما يجيب بجواب جامع وهو وقوفه على ما أمر به وإنفاذه له وإن كان الوارد أمرا محتملا للمراجعة من حيث إن في إمضائه إذا أمضي إفسادا للعمل وإخلالا بأسباب الملك والسلطان فالجواب عنه شاق صعب لأنه ينبغي أن يبنى على تلطف شديد في الإبانة عما ينتجه ذلك المأمور به إذا أنفذ على وجهه من فتق وخلل ومورد المراجعة في ألفاظه لا يتبين فيه إزراء على رأي الرئيس ولا طعن في تدبيره بأن تكون ناطقة بان رأيه الأعلى وتدبيره الأصوب فيكون باطن الكلام توقيفا على الصواب وظاهره تصويبا وتقريظا لأن كثيرا من الرؤساء والملوك يعجبون بآرائهم وينزلون أنفسهم بحكم الرياسة في منزلة من لا يراجع ولا يعارض فيما يأمر به
قال وقد تأتي من كتب الأوامر كتب يأمر الرئيس فيها المرؤوس بشرح حال واقتصاص أمور ثم قال وأجوبة هذه الكتب يجب أن تكون مستقصية للمعنى المنشرح مستولية على حواشيه غير مخلة بشيء مما يحتاج إلى تعرفه منه
وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الإمام عند حدوث الآيات السماوية وهي مشتملة على مواعظ ومراشد يتخول بها الأئمة رعاياهم فإذا صدرت إلى العمال وأمروا بقراءتها على الرعايا فأجوبتها إنما تبنى على امتثال الأمر والمطالعة بارتسام القوم ما رسم لهم فيها أما إذا كانت صادرة لتقرأ على العامة ليتبصروا بما فيها ويعملوا عليه فإنه لا جواب عنها
وأما الجواب عن التنبيه على مواسم العبادة فإنه يصدر عمن ورد عنه إلى الامام بعد شهود ذلك الموسم والانفصال عنه على حال السلامة كما في صلاة (8/374)
العيد ونحوها قال في مواد البيان وأجوبتها تصدر إلى الخلفاء مقصورة على ذكر ما من الله تعالى به من قضاء الفريضة على حال الائتلاف والاتفاق وشمول الأمن والهدي والسكون وسبوغ النعمة على الكافة وأن ذلك بسعادة وعناية الله تعالى بدولته وبرعيته ونحوها مما يقتضيه المعنى
وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الإمام إلى ولاة أمره بالسلامة في ركوب أول العام وغرة رمضان والجمعة الأولى والثانية والثالثة منه وعيدي الفطر والاضحى وفتح الخليج بعد وفاء النيل فقد قال في مواد البيان إنه إن كان الكتاب عن السلامة في صلاة العيدين أو جمع رمضان فينبغي أن يكون مبنيا على ورود كتبه متضمنة ما أعان الله تعالى عليه امير المؤمنين من تأدية فريضته والجمع في صلاة عيد كذا برعيته وما البسه الله تعالى من الهدي والوقار وأفاضه عليه من البهاء والأنوار وبروزه في خاصته وعامته إلى مصلاه وسماع خطبته وعوده إلى قصره الزاهر وعليه تلألأ القبول لصلاته ودعائه مما أجراه الله تعالى فيه على عادة آلائه ووقف عليه وقابله بالشكر والإحماد والاعتراف والاعتداد وافتضه على رؤوس الأشهاد فأغرقوا في شكر الله تعالى على الموهبة في امير المؤمنين ورغبوا إليه في إطالة بقائه مراميا عن الإسلام والمسلمين ونحو هذا مما يجاريه
ثم قال فإذا نفذت هذه الكتب من العمال إلى أمير المؤمنين مبشرة باجتماع رعاياه لتأدية فريضتهم وعودهم إلى منازلهم سالمين فينبغي أن يكون الجواب عنها وصل كتابك متضمنا مالا يزال الله تعالى يوليه لأمير المؤمنين في رعيته وخاصته وعامته من اتفاق كلمتهم وائتلاف افئدتهم وسلامة كافتهم وما من الله به عليه وعليهم من اجتماعهم لتأدية فريضتهم وعودهم إلى منازلهم على السلامة من ضمائرهم والطهارة من سرائرهم فحمد أمير المؤمنين الله تعالى على ذلك وسأله مزيدهم منه وتوفيقهم لما يرضيه عنهم وشكر مسعاك في سياستهم وامتداد يدك في إيالتهم وهو يأمرك أن تجري على عادتك وتسير فيهم بجميل سيرتك وما يليق بهذا
ثم بنى على ذلك سائر كتب السلامة وقال ينبغي ان يستنبط من نفس كل (8/375)
كتاب منها المعنى الذي تجب الإجابة به مثل ان يكون الكتاب ورد من امير المؤمنين إلى أحد عماله مبشرا بسلامته من سفره فينبغي ان يبنى جوابه على ما صورته ورد كتاب امير المؤمنين مبشرا عبده بما هيأه الله تعالى له من السلامة ويمن الوجهة مع تقريب الشقة وإنالة المسار وتسهيل الأوطار وإدناء الدار فوقف العبد عليه وامتثل المرسوم في إطلاع الأولياء على ما نص فيه من هذه البشرى فعظمت المنحة لديهم وجلت النعمة عندهم وانشرحت صدورهم وانفسحت آمالهم ووفقوا بصنع الله تعالى لهم وارتفعت ايديهم إلى الله سبحانه بالرغبة في حياطة أمير المؤمنين قاطنا وظاعنا وحسن صحابته حالا وراحلا وجميل الخلافة على من خلفه من حامته وعامته واهل دعوته وخاصة دولته والله تعالى يجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء ويمده بطول البقاء وما ينتظم في سلك هذا الكلام ويضاهيه
قلت وقد تقدم في الكلام على المكاتبة السلطانية الابتدائية ان المكاتبة بالبشارة بالسلامة في ركوب العيدين وما في معناهما من قدوم السفر وغيره قد ترك استعماله بديوان الإنشاء في زماننا فإن قدر مثله في هذه الايام اجراه الكاتب على نحو مما تقدم على ما يقتضيه مصطلح الزمان في المكاتبات السلطانية
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالخلع وما في معنى ذلك فينبغي أن يكون مبنيا على تعظيم المنة والاعتراف بجزالة المنحة وجميل العطية وزائد الفضل وان ما اسدي إليه من ذلك تفضل عليه وتطول من غير استحقاق لذلك بل فائض فضل وجزيل امتنان وأنه عاجز عن شكر هذه النعمة والقيام بواجبها لا يستطيع لها مكافأة غير الرغبة إلى الله تعالى بالادعية لهذه الدولة وما يناسب ذلك من الكلام ويلائمه وأما الجواب عن الكتب بالتنويه والتلقيب إذا صدرت إلى نواب المملكة (8/376)
فالذي ذكره في مواد البيان أن المنوه به يجيب عما يصله من ذلك بوصول الكتاب إليه ووقوفه عليه ومعرفته بقدر العارفة مما تضمنته الرغبة إلى الله تعالى في إيزاعه الشكر ومعونته على مقابلة النعمة بالإخلاص والطاعة اما إذا كتبت بالتنويه والتلقيب لأحد من المقيمين بحضرة الخلافة فإنه لا جواب لها
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالإحماد والإذمام فيختلف الحال فيه فإن كان الكتاب الوارد بالإحماد والتقريظ فجوابه مقصور على الشكر الدال على وقوع ذلك الإحماد موقعه من المحمود ومطالبته لنفسه بالخروج من حقه باستفراغ الوسع في الأسباب الموجبة للزيادة منه وإن كان الكتاب بالأذمام فإن كان ذلك لموجدة بسبب أمر بلغه عنه من عدو أو حاسد نعمة أو منزلة هو مخصوص بها من رئيسه كان الجواب بالتنصل والمقابلة بما يبرئ ساحته ويدل على سلامة ناحيته وان يورد ذلك بصيغة تزيل عن النفس ما سبق إليها وتبعث على الرضا وكذلك في كل واقعة بحسبها مما يحصل به التنصل والاسترضاء ونحو ذلك
وأما الجواب عن الكتب الواردة مع الإنعام السلطاني فعلى نحو ما سبق في الخلع من تعظيم المنة والاعتراف بجزالة المنحة وجميل العطية وزيادة الفضل وما في معنى ذلك مما تقدم ذكره
وأما الجواب عن الكتب الواردة عن الخليفة أو السلطان بتجدد ولد فإنه يكون بإظهار السرور والاغتباط وزيادة الفرح والسرور بما من الله تعالى به من تكثير العدد وزيادة المدد والرغبة إلى الرغبة إلى الله تعالى في أن يوالي هذا المزيد ويضاعفه ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى
وأما الجواب عن الكتب الواردة بعافية الخليفة أو السلطان من مرض كان (8/377)
قد عرض له فطريقه حمد الله تعالى وشكره على ما من الله تعالى به من العافية وتفضل به من إزاحة المرض ووقاية المكروه وإظهار الفرح والسرور بذك وما ينخرط في هذا السلك
وأما الجواب عن الكتب الواردة بالتعزية بولد او قريب فإنه يظهر فيه الغم والحزن والكآبة وحمد الله تعالى على سلامة نفسه والرغبة إلى الله تعالى في الخلف عليه إن كان الميت ولدا مع الدعاء بطول البقاء وخلود الدولة وما يجري هذا المجرى
وهذه نسخ أجوبة عن مكاتبات سلطانية مما يكثر وقوعه ويتعدد تكراره يستضيء بها الكاتب في كتابة الأجوبة وينسج على منوالها
نسخة جواب عن كتاب وصل من الخليفة بانتقال الخلافة إليه كتب به إلى أمير الأمراء قرين خلعة وسيف وتاج وسوارين من إنشاء أبي الحسين بن سعد وهو
فإن كان سيدنا أمير المؤمنين بما أعلم من فضل مراعاته لأمور الدين وصدق عنايته بمصالح المسلمين وافيض له من مواهب الله عندهم وصنوف نعمه عليهم فيما هداه من طرق الرشاد وبصره إياه من مناهج الصواب وقرنه به من التوفيق في عزائمه والجد في مراسمه وتوعده فيه بالخيرات التامة والكفاية العامة في كل أمر يمضيه ورأى يرتئيه اعتمادا له بحسن المعونة على ما استرعاه ووصله بالمزيد فيما خوله وأعطاه وحراسة ما ساقه إليه من إرث النبوة وحمله إياه من ثقل الإمامة لما عرفه من نهوضه بالعبء وقيامه بالحق فيما ناطه وأسنده إليه وتامله ما تامله من حال عبده الذي لم (8/378)
يزل لطاعته معتقدا وبعصمة ولايته معتضدا ولوقت يبلغه منزلة الاحماد ويحوز له عائدة الاجتهاد فيما أرضاه مرتصدا ولسعيه ونيته وظاهره وطويته معتمدا ووجوده ايده الله في يسير ما امتحن به بلاءه وعرف فيه غناءه موضعا للصنيعة محتملا للعارفة مقرا بحق النعمة عارفا بقدر الموهبة وترقبه فرصة ينتهزها في إبداء عزمه وإمضاء رأيه وأنه واثق بالاستظهار بمكانه والإسهام له في عز سلطانه حتى اسفرت رويته واستقرت عزيمته فاختص عبده بجميل الأثر واصطفاه بلطيف الحظوة واعتمد عليه في إمارة الأمراء موفيا به على رتبة النظراء وكاسيا له حلة المجد والسناء ورد إليه تدبير الرجال وتقدير أمور العمال وشفع ذلك بالتكنية والتلقيب في مشاهد حفلته ومجالس خلوته وأكمل الصنع عنده بإلحاق عبده فيما قسم لكل واحد منهما من شريف حبائه وسني عطائه وتجاوز في التكرمة له إلى أعلى الأحوال وارفع الرتب والمحال فيما أمر أعلى الله أمره بحمله إليه من الخلعة التي يبقى شرف لباسها على الأيام ويخلد ذكرها على الدهور والأعوام والسيف الذي تفاءل لعبده فيه بما يرجو يمن مولاه وسعادة جده أن يحققه الله في الاعتماد به على أعدائه وغمده في نحور مشاقيه وغامصي نعمائه والتاج المرصع الذي نظم له جوامع الفخر والوشاح الموشى الذي وشحه حلية الجمال مدى الدهر والطوق الذي طوقه قلائد المجد والسوارين اللذين آذناه بقوة العضد وبسطة اليد واللواء المعقود به مفاتح العز في طاعته المرفوع به معالم النصر على شانيء دولته ووصل إلي وفهمته
وسيدنا أمير المؤمنين فيما أكرمه الله به من خلافته وأتمنه من الحكم على بريته ووكله إليه من حقوق الدين وحياطته كرم المسلمين وإحياء السير الرضية والسنن الحميدة وإماطة الأحكام الجائرة والمظالم الظاهرة وتقويم أود المملكة بعد تزعزع أركانها وتصدع بنيانها وإعزاز الأمة وإيناسها بعد أن اشتملت الذلة عليها وتمكنت الوحشة فيها وحكم اليأس في آمالها وغلب (8/379)
القنوط على أطماعها وتفاءل بما اعتمده له وفوضه الى نظره من الحلية بحقائقه والتوكيد بما لم تزل المخايل فيه لائحة والأمارات منه واضحة والشواهد به صادقة والدلائل عليه ناطقة حتى تدارك بنعمة الله الدين بعد ان طمس مناره وتعفت آثاره ودرست رسومه وغارت نجومه وأنحى الشيطان بجرانه واشرأب لتبديله بعدوانه وانتدب لنصرة الإسلام برأي يستغرق آراء الرجال وحلم يستخف رواسي الجبال وروية تستخرج كوامن الغيوب وتكشف عنها حنادس الشكوك وباع لما يمتد إليه بسيط وذراع لما ينتظم عليه رحيب وصدر يتسع لمعضلات الأمور ويشرق في مدلهمات الحوادث فشرد أعداء الله بعد أن اتصلت بهم مهلة الاغترار وتطاولت بهم مدة الإصرار ومد رواق الملك وضرب قبابه وثبت أواخيه واحصد أسبابه وقطع أطماع الملحدين وأبطل كيد الكافرين وفت في أعضاد المنابذين فتحصنت البيضة واجتمعت الكلمة واتفقت الأهواء المتفرقة وانتظمت الآراء المتشعبة وسكنت الدهماء المضطربة وقرت القلوب المنزعجة وصدقت خواطر الصدور المثلجة وظهر الحق ورسخ عموده وبهر جماله ونضر عوده ونشرت أعلامه وطلعت سعوده وعز أولياوه ونصرت جنوده وساخ بالباطل قدمه وانقطعت وصائله وعصمه وانبتت حباله ورممه وانحلت أسبابه وذممه حقيق بما بان من فضله واستفاض في الأمة من عدله وعم كافة الرعية من طوله ووصلت إلى الملي والذمي والداني والقاصي عائدة الخير في ايامه وفائدة الأمن بمملكته وسلطانه ومأمول لأفضل ما بدا لعبده من ثمرة اجتبائه واصطفائه وما تغمده به من النعم العظيمة والمواهب الجسيمة واسبغه عليه من العوارف السنية ورفعه إليه من المنازل العلية التي تقصر عنها همم ذوي الاقدار وتقف دونها آمال أولي الاخطار مقدما له على أهل السوابق من أنصار دولته واشياع دعوته
فلو ترادفت ألسن العباد أيد الله أمير المؤمنين على اختلاف لغاتهم (8/380)
وتباين طبقاتهم وتفاوت حالاتهم في مقابلة نعمة سيدنا التي اعشى العيون بهاؤها وتأدية حقوقه التي أعيا المجتهدين قضاؤها لكانت حيث انتهت وانى تصرفت على استفراغ القدرة واستنفاد الطاعة غير مقاربة حدا من حدودها ولا مؤدية فرضا من فروضها وإذا كان الأمر على ذلك أيد الله امير المؤمنين في فوت الإحسان مقادير الشكر وإيفائه على مبالغ الوسع فقصد عبده في جبر النقيصة وسد الخلة الازدياد في الطاعة والإخلاص في الموالاة والمشايعة وإدامة الابتهال إلى الله تعالى ورفع الرغبة في معونة عبد أمير المؤمنين على مجافاة بلائه والتفرد بجزائه وتجديد المسألة في إطالة بقائه في عز لا تبلى جدته وسلطان لا تنتهي مدته ومواد من مناسجه وموائده وروادف من عوائده متظاهرة لا ينقطع منها اول حتى يلحق تاليه ولا ينصرم سالفه حتى ينصرف آتيه ويكون المآل بعد استيفاء شروط الأمل وتقضي حدود المهل الى النعيم المقيم في جوار العزيز الكريم
ومن تمام إفضال سيدنا على عبده ونظام معروفه عنده بدؤه إياه بما يمتحن به خفة نهضته وسرعة حركته وقعوده لأمره بحد حديد وبعيش عتيد وصمده لما يحظيه لذلك مولاه ويحوز له حمده ورضاه بصدق بصيرة وخلوص سريرة واستسهال لكل خطة وتجشم لكل مشقة دنت المسافة أم شسعت قربت الطية أم نزحت وسيدنا أهل لا ستتمام يد ابتداها وإكمال عارفة أنشأها وكرامه ابتناها باستعمال عبده بأمره ونهيه واعتماده لمهماته بحضرته وفي أطراف مملكته إن شاء الله تعالى
قلت وهذه نسخة كتاب أنشأته ليكتب به إلى امير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس خليفة العصر عن نائب الغيبة بالديار المصرية حين (8/381)
وردت كتبه الشريفة من الشأم الى الديار المصرية بالقبض على الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالشأم واستبداده بالامر دون سلطان معه في اوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة مفتتحا له بيقبل الارض التي يكاتب بها الملوك وإن كان قد تقدم من كلام المقر الشهابي بن فضل الله ان المكاتبة الى أبواب الخلافة بالدعاء للديوان لا يختلف فيه ملك ولا سوقة وهو
يقبل الارض وينهي ورود المثال الأشرف الميمون طائره المرقوم على صفحات الأفلاك تهانيه المحمول على متن السحاب بشائره الشاهد بالفتح المبين أوائله وبالنصر العزيز أواخره متضمنا ما من اله تعالى به من جميل الصنع الذي وكفت بالخير سحائبه وخفي اللطف الذي بهرت العقول عجائبه بما منح الله تعالى به مولانا أمير المؤمنين مد الله تعالى على الاسلام وارف ظله وأنام الأنام بمد رواق الإمامة المعظمة في مهاد عدله ومكن له في الأرض كما مكن لآبائه الخلفاء الراشدين من قبله من جلوسه على سدة الخلافة المقدسة التي وصل منقطع حديثها بإسناده وحاز منها بأشرف مقعد تراث آبائه الكرام وأجداده وابتسم ثغر الخلافة بعباسه وتآنس منها جانب الدين بعد الاستيحاش بإيناسه فقبل المملوك له الارض خاضعا ولبى أوامره الشريفة ضارعا واجاب داعيه بالامتثال سامعا طائعا وسجد سجود الشكر لذلك فعرف بسيماه وانتسب إلى الولاء الشريف الإمامي انتسابا شاملا لا سمه ومعناه وأعلم من قبله من الأمراء والأجناد بذلك فقابلوه بالاستبشار طرا وتلقوها تلقيا يليق بمثلها وإن كان لا مثل لهذه البشرى وقرئت المطلقات الشريفة على المنابر فسكنت الدهماء وقرت وسرت الفاظها إلى الاسماع الشيقة فسرت وكررت ألفاظها العذبة مرارا فحلت لدى النفوس إذ مرت وارتفعت الأصوات بالدعاء بدوام هذه الدولة النبوية دواما لا يستشعر مستشعر خلافه فحقيق ظهور معجزة أكرم مرسل بعد الثمانمائة بقوله لعمه العباس ألا أبشرك يا عم بي ختمت النبوة وبولدك تختم الخلافة (8/382)
وهذه نسخة جواب عن نائب طرابلس عن مثال شريف ورد بوفاة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون واستقرار ولده السلطان الملك المنصور ابي بكر مكانه في الملك بعهد من ابيه من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري بعد التعزية بأبيه السلطان الملك الناصر وهي
وينهي ورود المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه يتضمن أمر المصاب الذي كادت لوقوعه الأرض تتزلزل بأهلها والعقول تتزيل عن محلها وبلغت القلوب الحناجر واستوحشت القصور وأستأنست المقابر وتصدعت له صدور السيوف ورؤوس المنابر وقصم الظهور وشيب السود من الشعور وجرع كؤوسه وصدع الحوزة المحروسة وذلك بما قدر الله تعالى من انتقال مولانا السلطان السعيد الشهيد والد مولانا السلطان خلد الله ملكه إلى رحمته ورضوانه فأجرى المملوك عوض الدموع دما وأقام الإسلام والمسلمون عليه مأتما وتغير البدر المنير لفقده فأمسى مظلما وندبه الإسلام في سائر محاريبه ومصلاه واسف عليه البيت الحرام وركناه ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )
لما دخل النبي المدينة أشرق منها ذلك اليوم كل شيء ويوم قبض أظلم منها كل شيء وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أثبت الناس يوم وفاته وهو الخليفة من بعده ومولانا السلطان الشهيد قدس الله روحه كان (8/383)
متشرفا باسم نبيه ومتبركا في ذريته الشريفة بذكر سميه ولو ذابت المهج أسفا عليه لما انصفت وقد اسفت عليه الأمم بأسرها وحق لها أن اسفت نبتت لحومنا من صدقاته وغمرت المملوك والممالك مجزلات هباته وما نقل من قصره إلا إلى جنات النعيم وما فارق ملكه إلا وبات في جوار الله الكريم وكان سلطاننا وهو اليوم عند الله سلطان فسقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان
وبحمد الله قد جبرت القلوب المنصدعة بجلوس مولانا السلطان خلد الله ملكه على تخت السلطنة المعظمة والله معه وما جلس على كرسي الملك إلا أهله ولا قام بأمر المسلمين إلا من علم فضله ومولانا السلطان وارث الملك الناصري المنصور حقا والقائم بشأن السلطنة غربا وشرقا وخلاصة هذا البيت الشريف زاده الله نصرا وأدام ملكه دواما مستمرا والعيون الباكية قد قرت الآن بهذه البشرى والقلوب الثاكلة قد ملئت بهجة ( إن مع العسر يسر ) واستقر الإسلام بعد قلقه ونام على جفنه بعد أرقه واستقبلت الأمة عاما جديدا وسلطانا منصورا سعيدا واستبشرت القبلتان وتناجى بالمسرة الثقلان والذين كفروا أمسوا خائبين والذين آمنوا اضحوا فرحين ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) ومولانا السلطان هو العريق في سلطنة الإسلام والإمام الأعظم ابن الإمام فخلد الله ملكه ما دامت الأيام وأحسن عزاءه في خير سلطان الأنام وابتهلت الألسنة بالترحم على مولانا السلطان الشهيد قدس الله روحه بدموع سائلة وقلوب موجوعة بجراحات النياحات ثم عوضوا بالمسرات الكاملة والدعاء مرفوع لمولانا السلطان خلد الله ملكه برا وبحرا والبلاد مطمئنة والعساكر على ما يجب من التمسك بالطاعة الشريفة والتشريف بإقبال دولة سلطانهم ووارث سلطانهم وكان المملوك يود لو شاهد مولانا السلطان خلد (8/384)
الله ملكه على ذلك السرير والمنبر وقبل الأرض بين يدي المواقف المعظمة والمقام الأكبر إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب عن ورود المثال الشريف بركوب السلطان بالميدان والإذن للنواب في لعب الكرة وهي
ينهي ورود المثال الشريف شرفه الله تعالى وعظمه يتضمن الصدقة التي أجرت أولياءها على أجمل عادة من الاحتفال والمراحم الشاملة التي وسعت لهم كرمها سافرة عن اوجه الإقبال والبشرى التي جمعت من أنواع المسرات ما بلغته الآمال وهو أن الركاب الشريف استقل إلى الميدان السعيد نهار السبت في كذا من شهر كذا في اسعد طالع وايمن وقت مطاوع وفي الخدمة الشريفة من الامراء كثرهم الله تعالى من جرت العادة بهم من كل كمي مقنع قد لبس من الطاعة بردا وبالإخلاص تدرع وامتطى من فائض الصدقات الشريفة صهوة سابق قد شمر للسبق ذيلا وفر كبرق لمع ليلا
وأن مولانا السلطان خلد الله ملكه طلع عليهم طلوع البدر عند الكمال وحوله المماليك الشريفة كالأنجم الزاهرة التي لا تعد ولا تشبه بمثال والجياد لا يرى لها أثر من الركض والكرة تتشرف بالصولجان كما تتشرف بالتقبيل الأرض وعاد الركاب الشريف زاده الله شرفا وعظمه إلى القلعة المنصورة إلى محل المملكة الشريفة وفي دست السلطنة المعظمة محفوفا من الله تعالى بلطفه ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه )
وما اقتضته الآراء الشريفة والمراحم المطيفة وأثرت به إعلام المملوك بذلك والمرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه أن يتقدم المملوك بالنزول إلى ميدان فلانة المحروسة ومعه مماليك مولانا السلطان خلد الله تعالى ملكه (8/385)
والامراء فقابل المملوك هذه الصدقات بتقبيل الأرض ورفع الدعوات وجمعوا بين الكرة والصولجان وحصل لهم من المسرات ما لا يحصره بيان وانبسطت نفوسهم إذ اصبحوا في أمن وأمان وابتهلوا إلى الله تعالى بدوام هذه الأيام التي نوعتهم بأنواع الاحسان وضجوا بالأدعية لمولانا السلطان خلد الله ملكه التي عمت مواهبه وفاق بمكارمه الماضين وأربى على سلفه الشريف بالعطاء والتمكين جعل الله أعداءه تحت قهره إلى يوم الدين إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب بوفاء النيل المبارك كتب به عن نائب طرابلس وهي
وينهي ورود المثال الشريف شرفه الله تعالى وعظمه الذي اشرقت أنوار تهانيه وتألقت بروق ألفاظه ومعانيه فبشرت بفيض فضل الرحمة وعموم الرعايا بتواتر عميم النعمة ووفاء النيل المبارك الذي ما برح في هذه الأيام الزاهرة يفي بعهده ويسل سيف الخصب من غمده ويقتل المحل بحمرة متنه وجوهر حده مهنئا للأولياء بهذه الدولة التي أصبحت قلوبهم مطمئنة بالأمن والرخاء مسرورة بما من الله به من ترادف الآلاء وعموم النعماء وحال ما ورد المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه بادر المملوك إلى أمتثال المرسوم الشريف بتقبيل الارض والسمع والطاعة وأخذ كل حظه من هذه البشرى التي عمت تهانيها برا وبحرا وجعلت أمور هذه الامة بيمن بركة هذه الايام الشريفة بعد عسر يسرا وقد عاد فلان البريدي ومن معه إلى الابواب الشريفة بالجواب الشريف طالع بذلك إن شاء الله تعالى
آخر في المعنى
وينهي ورود المثال الشريف زاده الله علوا وشرفا وبيض له في القيامة صحفا يتضمن أنواع الإنعام الجزيل وإبداء آثار السرور بما يسر الله من وفاء النيل فأشرقت أنوار تهانيه وتألقت بروق ألفاظه ومعانيه فبشر بفيض فصل (8/386)
الرحمة وعموم الرعايا بتواتر عموم النعمة إذ جاء محياه في هذا العام طلقا وسلك في عوائد البر والإحسان طرقا وأذن ببلوغ المرام والمراد وكسر سد خليجه جبرا للعباد والبلاد حيث ملأ الأرض ريا وأهدى من نفحات الأمن والمن ريا والمرسوم الشريف شرفه الله وعظمه بان لا يجبى على ذلك حق بشارة ولا يتعرض إلى أحد بخسارة فقابل المملوك المثال الشريف والمرسوم الشريف بتقبيل الأرض والسمع والطاعة وبادر المملوك إلى إذاعة هذه البشرى التي عمت تهانيها برا وبحرا وجعلت أمور هذه الأمة بيمن بركة هذه الأيام الشريفة بعد عسر يسرا واستنطق الألسنة بالدعاء لهذه الدولة القاهرة وجلا وتلا صور الهناء وسور الآلاء بهذه النعمة الوافية والمنة الوافرة وسأل الله تعالى أن يخلد ملك مولانا السلطان ويوالي أنباء البشائر في أيامه الشريفة مروية بالأسانيد الحسان وقد عاد فلان البريدي بالأبواب الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها بهذا الجواب الشريف وقد عاين ابتهال اهل هذه الملكة الفلانية بالدعاء بدوام هذه الايام الزاهرة السارة بهذه البشائر بخلوها من الكلف والخسارة طالع بذلك إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب عن مثال شريف بوصول فرس إنعام كتب به عن نائب طرابلس وهي
يقبل الأرض وينهي ورود المرسوم الشريف أعلاه الله تعالى وشرفه يتضمن ما اقتضته الآراء الشريفة من الخير التام والإنعام العام والصدقة الوافية الوافرة الأقسام التي ما برحت مماليك هذه الدولة الشريفة في إنعامها العميم تتقلب والخيل السوابق بسعادتها الأبدية تجلب ونجنب وتركب من تجهيز الحصان البرقي بسرجه ولجامه وعدته الكاملة وشمول المملوك بالصدقات التي ما برحت مترادفة متواصلة ولعبد هذا البيت الشريف شاملة وقبل المملوك الأرض وقبل حوافره واعتد بهذه النعمة الباطنة والظاهرة وأعده ليومي تجمل وجهاد ولقاء (8/387)
عدو وطراد والله تعالى يخلد هذه الصدقات الشريفة التي ما برحت تشمل القريب والبعيد والموالي من أولياء هذه الدولة الشريفة والعبيد طالع بذلك إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة جواب عن وصول خيل من الإنعام السلطاني من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
وينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها وتتخذ صهواتها حصونا يعتصم في الوغى بصياصيها
فمن أشهب غطاه النهار بحلته وأوطاه الليل على أهلته يتموج أديمه ريا ويتأرج ريا ويقول من استقبله في حلي لجامه هذا الفجر قد طلع بالثريا إن انفلت في المضايق انساب انسياب الأيم وإن انفرجت المسالك مر مرور الغيم كم ابصر فارسه يوما أبيض بطلعته وكم عاين طرف السنان مقاتل العدو في ظلام النقع بنور أشعته لا يستن داحس في مضماره ولا تطمع الغبراء في شق غباره ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره تسابق يداه مرامي طرفه ويدرك شوارد البروق ثانيا من عطفه
ومن أدهم حالك الأديم حالي الشكيم له مقلة غانية وسالفة ريم قد البسه الليل برده واطلع بين عينيه سعده يظن من نظر إلى سواد طرته وبياض حجوله وغرته أنه توهم النهار نهرا فخاضه وألقى بين عينيه نقطة من رشاش تلك المخاضة لين الأعطاف سريع الانعطاف يقبل كالليل ويمر كجلمود (8/388)
صخر حطه السيل يكاد يسبق ظله ومتى جارى السهم إلى غرض بلغه قبله
ومن اشقر وشاه البرق بلهبه وغشاه الأصيل بذهبه يتوجس ما لديه بدقيقتين وينفض وفرتيه عن عقيقتين وينزل عذار لجامه من سالفتيه على شقيقتين له من الراح لونها ومن الرياح لينها إن جرى فبرق خفق وإن اسرع فهلال على شفق لو أدرك أوائل حر بني وائل لم يكن للوجيه وجاهة ولا للنعامة نباهة ولكان ترك إغارة سكاب لؤما وتحريم بيعها سفاهة يركض ما وجد أرضا وإذا اعترض به راكبه بحرا وثب عرضا
ومن كميت نهد كأن راكبه في مهد عندمي الإهاب شمالي الذهاب يزل الغلام الخف عن صهواته وكأن نغم الغريض ومعبد في لهواته قصير المطا فسيح الخطا إن ركب لصيد قيد الأوابد وأعجل عن الوثوب الوحش اللوابد وإن جنب إلى حرب لم يزور من وقع القنا بلبانه ولم يشك لو علم الكلام بلسانه ولم ير دون بلوغ الغاية وهي ظفر راكبه ثانيا من عنانه وإن (8/389)
سار في سهل اختال بصاحبه كالثمل وإن أصعد في جبل طار في عقابه كالعقاب وانحط في مجاريه كالوعل متى ما ترق العين فيه تسهل ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره ما أنت هناك فتمهل
ومن حبشي اصفر يروق العين ويشوق القلب بمشابهته العين كأن الشمس القت عليه من أشعتها جلالا وكأنه نفر من الدجى فاعتنق منه عرفا واعتلق احجالا ذي كفل يزين سرجه وذيل يسد إذا استدبرته منه فرجه قد اطلعته الرياضة على مراد فارسه وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصيع قلائده وتوشيع ملابسه له من البرق خفة وطئه وخطفه ومن النسيم لين مروره ولطفه ومن الريح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه يطير بالغمز ويدرك بالرياضة مواقع الرمز ويعدو كألف الوصل في استغناء مثلها عن الهمز
ومن أخضر حكاه من الروض تفويفه ومن الوشي تقسيمه وتأليفه قد كساه النهار والليل حلتي وقار وسنا واجتمع فيه من السواد والبياض ضدان لما استجمعا حسنا ومنحه البازي حلة وشيه ونحلته الرياح ونسماتها قوة ركضه وخفة مشية يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله ولما لم يسابقه شيء من الخيل أغراه حب الظفر بمسابقة خياله كأنه تفاريق شيب في سواد عذار أو طلائع فجر خالط بياضه الدجى فما سجى ومازج ظلامه النهار فما أنار يختال لمشاركة اسم الجري بينه وبين الماء في السير كالسيل ويدل بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللوامع وبين البرقية من الخيل ويكذب المانوية (8/390)
لتولد اليمن فيه بين إضاءة النهار وظلمة الليل
ومن أبلق ظهره حرم وجريه ضرم إن قصد غاية فوجود الفضاء بينه وبينها عدم وإن صرف في حرب فعمله ما يشاء البنان والعنان وفعله ما تريد الكف والقدم قد طابق الحسن البديع بين ضدي لونه ودلت على اجتماع النقيضين علة كونه وأشبه زمن الربيع باعتدال الليل فيه والنهار وأخذ وصف حلتي الدجى في حالتي الإبدار والسرار لا تكل مناكبه ولا يضل في حجرات الجيوش راكبه ولا يحتاج ليله المشرق بمجاورة نهاره إلى ان تسترسل فيه كواكبه ولا يجاريه الخيال فضلا عن الخيل ولا يمل السرى إلا إذا مله مشبهاه النهار والليل ولا تتمسك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر فإن جهدت فبالذيل فهو الأبلق الفرد والجواد الذي لمحاربه العكس وله الطرد قد أغنته شهرة نوعه في جنسه عن الأوصاف وعدل بالرياح عن مباراته لسلوكها له في الاعتراف جادة الإنصاف
فترقى المملوك إلى رتب العز من ظهورها وأعدها لخطبة الجنان إذ الجهاد عليها من أنفس مهورها وكلف بركوبها فكلما أكمله عاد وكلما أمله شره إليه فلو أنه زيد الخيل لما زاد ورأى من آدابها ما دل على أنها من أكرم الأصائل وعلم أنها ليومي سلمه وحربه جنة الصائد وجنة الصائل وقابل إحسان مهديها بثنائه ودعائه وأعدها في الجهاد لمقارعة أعداء الله وأعدائه والله تعالى يشكر بره الذي أفرده في الندى بمذاهبه وجعل الصافنات الجياد من بعض مواهبه (8/391)
المهيع الثاني من مقاصد المكاتبات السلطانية ما يكتب به عن نواب السلطان والاتباع إلى السلطان ابتداء
وهو على أنواع كثيرة نذكر منها ما يستضيء به الكاتب في مثله
فمن ذلك ما يكتب عن نائب كل مملكة إذا وصل إلى محل ولايته
قد جرت العادة أن النائب إذا وصل الى مملكته ومقر ولايته كتب الى السلطان يخبره بذلك وبما المملكة عليه
وهذه نسخة مكاتبة من ذلك كتب بها عن نائب حلب في معنى ذلك وهي
يقبل الارض وينهى أن المملوك وصل الى المملكة الفلانية المحروسة وحل محلها المأنوسة التي شملته الصدقات الشريفة بكفالتها واهلته المراحم المنيفة لايالتها رافلا في حلل الانعام الشريف متفيئا ظل العز الوريف صحبة فلان مسفره ودخلها يوم كذا من شهر كذا لابسا تشريفه الشريف المنعم به عليه ماشيا لمحل الكرامة الذي سار إليه بحضور من جرت العادة بحضوره من قضاة القضاة والأمراء والحجاب والعساكر المنصورة والأصحاب على أجمل العوائد وأكمل القواعد وقبل الأرض بباب القلعة المنصورة ودخل دار العدل الشريف وقطوف الأماني له مهصورة وقريء بها بحضرة أولياء الدولة تقليده وعظم المراسم الشريفة تأييده وتصدى لما نصبته له المراسم الشريفة من إنصاف المظلوم وتنفيذ كل مهم شريف ومرسوم وتصفح أحوال المملكة وسلك كل أحد مسلكه واستجلبت الأدعية لمولانا السلطان واجتهد في حياطة البلاد ممن يمد إليه شيطان المفسدين بأشطان وانتظم له امر المملكة بالمهابة (8/392)
الشريفة أحسن انتظام وبلغ به كل ولي من قهر العدو غاية المرام وقد اعاد المملوك فلانا مسفره إلى خدمة الأبواب الشريفة مزاح الأعذار مبلغ الأوطار على العادة طالع بذلك ولا زال منه مزيد الشرف والعلو إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة كتاب في المعنى إلى الأبواب السلطانية عن نائب طرابلس وهي
يقبل الأرض وينهي أنه وصل إلى طرابلس المحروسة مغمورا بالصدقات الشريفة والإنعامات المطيفة صحبة مملوك مولانا السطان فلان خلد الله تعالى ملكه وألبس تشريفه الشريف وقريء تقليده الشريف بدار العدل وقبل الأرض مرارا على العادة وتقدم المملوك بالحلف الشريف على النسخة المجهزة صحبة المشار إليه من الأبواب الشريفة عظمها الله تعالى بحضور من جرت العادة بحضوره من قضاة القضاة والامراء وكتب خطه عليها وانتصب المملوك لخلاص الحقوق وإزالة المظالم ونشر لواء العدل الشريف لينتصف المشروف من الشريف وينزجر القوي عن الضعيف واتباع الحق في القضايا واستجلاب الأدعية بدوام هذه الدولة العادلة من الرعايا ورتب أمور الآزاك المنصورة على أكمل عادة وأجمل قاعدة وقد عاد فلان إلى الابواب الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها لينهي بين يدي الأيادي المعظمة ما عاينه من المملوك من إخلاصه في الطاعة الشريفة ومغالاته طالع بذلك إن شاء الله تعالى
ومن ذلك ما يكتب به في التهنئة بالخلافة
أما التهنئة بالخلافة فقد قال في مواد البيان من الأدب المستفيض ترفيه الخلفاء عن الهناء والعزاء إكبارا لهم وتعظيما إلا أننا رأينا ذوي الأخطار من القدماء قد شافهوهم بالعزاء مسلين وبالهناء داعين وربما دفع الكاتب إلى صحبة رئيس يقتضي محله أن يهنيء الخليفة بمتجدد النعم لديه ويعزيه لمتطرق النوائب إليه فاحتيج إلى أن يرسم في هناء الخلفاء وعزائهم ما يحتذى عليه (8/393)
عند الحاجة إلى استعمال مثله
وهذه نسخة تهنئة بالخلافة أوردها في مواد البيان وهي
أولى النعم خلد الله ملك مولانا أمير المؤمنين بأن تنطق بها ألسن الذاكرين يضوع عطرها وتتناقلها أفواه الشاكرين يفوح نشرها نعمة إيلائه في خلافته التي جعلها ذخرا للأنام وعصمة للإسلام وحاجزا بين الحلال والحرام وقواما للائتلاف والاتفاق وزماما عن الاختلاف والافتراق ونظاما لصلاح الخاصة والعامة وسبيلا إلى اجتماع الكلمة وسكون الأمة وسببا لحقن الدماء ودعة الدهماء ومجاهدة الأعداء وإقامة الصلوات وإيتاء الزكوات والعمل بالفرائض والسنن وحسم البدع والفتن وعدقها بالاخيار ورثة نبيه وعترته والأبرار الطهرة من أرومة رسوله وشجرته الذين نصبهم دعاة إلى طاعته وهداة لبريته وأعلاما لشريعته يأمرون بالمعروف ويأتمرون وينهون عن المنكر وينتهون ويقضون بالحق وبه يعدلون وكلما لحق منهم سلف بمقر أوليته أقام خلفا يختصه بانتخابه وتكرمته
والحمد لله الذي قصر خلافته على امير المؤمنين وآبائه وجعل منهم الماضي الذي كانت مفوضة إليه والآتي الذي أقرت عليه وأنجز لهم ما وعدهم من إبقاء الإمامة في عقبهم إلى يوم القيامة واستخلص لها في عصرنا هذا وليها الحامي لحقيقتها المرامي عن حوزتها المعز لكلمتها الرافع لرايتها المحدد لحدودها الحافظ لعقودها وسلم قوسا منه إلى باريها وناطها بكفئها وكافيها وأفضى إليه بشرف الولادة والابوة وميراث الإمامة والنبوة وألف به بين القلوب الآبية وجمع عليه النفوس النائية واتفقت الآراء بعد تباينها وتنافيها وتطابقت الأهواء على اختلافها وتعاديها واستدت ثلمة الدين بعد انثغارها واطمأنت الدهماء بعد نفارها حمدا يكون لنعمته كفاء ولموهبته جزاء
وخلافة الله وإن كانت الغاية التي لا تنزع الهمم إليها ولا تتطلع الأماني عليها لاختصاص الله بها صفوته من بريته وخالصته من أهل بيت نبيه وعترته فإن أمير المؤمنين يتعاظم عن تهنئته بوصولها إليه وسبوغ ملابسها عليه إذ لا (8/394)
يسوغ أن يهنأ بإدراك ما كتب الله له أن يدركه بأقلام الأقدار على صفحات الليل والنهار والعبد يسأل الله تعالى ضارعا إليه في إنهاض أمير المؤمنين بما حمله وكلفه وتوفيقه فيما كفله واستخلفه وأن يمكن له في الارض ويعلي يده بالبسط والقبض ويمده بعز السلطان وعلو الشان وظهور الأولياء وثبور الأعداء وإعزاز الدين وابتزاز الملحدين وتقوية يده في نصره الإسلام وسياسة الأنام ويعرف رعيته من يمن دولته وسعادة ولايته ما يجمعهم على الطاعة والموافقة ويعصمهم من المعصية والمفارقة ويوفقهم من الإخلاص في موالاته لما يوفر حظهم من مرضاته ويجعل ولايته هذه مقرونة بانفساح المدة والأجل وبلوغ المنى والأمل وصالح القول والعمل ويبلغه في مملكته ودولته أفضل ما بلغه خليفة من خلفائه ووليا من أوليائه
ومن ذلك ما يكتب في البشارة بالفتوح
قد جرت العادة أن السلطان إذا وجه جيشا لفتح قلعة أو قطر من الأقطار وحصل الفتح على يديه أن يكتب السلطان مبشرا بذلك الفتح منوها بقدره معظما لأمره وما كان فيه من عزيز النصر وقوة الظفر
فمن مكاتبة في البشارة بفتح حصن المرقب وهي
قد أسفر عن الفتح المبين صباحه والتأييد وقد طار به محلق التباشير فخفق في الخافقين جناحه والإسلام وقد وطيء هامة الكفر بمقدمه والدين وقد عز بفتكات سيفه المنصور فأنف أن يكون الشرك من خدمه والأفلاك وقد علمت أنه لهذا الفتح القريب كان اجتماع كواكبها والأملاك وقد نزلت لتشهد (8/395)
احمد النصرة البدرية في صفوفها ومواكبها وحصن المرقب وقد ألقت عليه الملة الإسلامية أشعة سعدها وانجزت له الايام من الشرف بها آماله بعد ما طال انتظاره لوعدها وأمنته الأقدار التي ذللته للإسلام أن تطاول إليه الحوادث من بعدها وقد أحاطت العلوم بأن هذا الحصن طالما شحت الأحلام أن تخيل فتحه لمن سلف من الأنام فما حدثت الملوك أنفسها بقصده إلا وثناها الخجل ولا خطبته ببذل النفائس والنفوس إلا وكانت من الحرمان على ثقة ومن معاجلة الأجل وقته على وجل وحوله من الجبال كل شامخ تتهيب عقاب الجو قطع عقابه وتقف الرياح خدما دون التوقل في هضابه وحوله من الاودية خنادق لا تعلم منها الشهور إلا بأنصافها ولا تعرف فيها الأهلة إلا بأوصافها وهو مع ذلك قد تقرط بالنجوم وتقرطق بالغيوم وسما فرعه إلى السماء ورسا أصله في التخوم تخال الشمس إذا علت أنها تتنقل في أبراجه ويظن من سما إلى السها أنه ذبالة في سراجه فكم من ذي جيوش قد مات بغصة وذي سطوات اعمل الحيل فلم يفز من نظره على البعد بفرصة لا يعلوه من مسمى الطير سوى نسر الفلك ومرزمه ولا يرمق متبرجات أبراجه غير عين شمسه والمقل التي تطرف من أنجمه وقد كان نصب عليه من المجانيق ما سهامه انفذ من سهام الجفون وخطراته أسرع من لحظات العيون لا يخاطب إلا بوساطة رسله بضمير الطلاب ولا يرى لسان سهمه إلا كما ترى خطفات البرق إذا تألق في علو السحاب فنزلت عليه الجيوش نزول القضاء وصدمته بهممها التي تستعير منها الصوارم سرعة المضاء وروعة الانتضاء فنظرت منه حصنا قد زرر عليه الجوجيب غمامه وافتر ثغره كلما جذب عنه البرق فاضل لثامه فتذللت صعابه وسهلت عقابه وركزت للجنوبات في سفحه وطالما رامت الطير أدناه فلم تقو عليه القوادم وكم همت العواصف بتسنم رباه فأصبحت مخلفة تبكي عليها الغمائم فضرب بينها وبين الحصن بسور باطنه فيه الرحمة (8/396)
وظاهره من قبله العذاب ونصبت فوقه من الأسنة ثغور براقة الثنايا ولكنها غير عذاب فعاد ذلك السفح مصفحا بصفاحها مشرقا بأعلام أسنة رماحها فأرسلت إلى أرجائها ما أربى على الغمائم وزاد في نفحه على التمائم طويل
( وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثت القتلى عليها تمائم )
ونصبت عليها المجانيق فلم ترع حق جنسها وسطت عليها فاصبح غدها في التحامل أبعد من أمسها واستنهضتها العدا فاعلمتهم أنها لا تطيق الدفاع عن غيرها بعد أن عجزت عن نفسها وبسطت أنفها أمارة على الإذعان ورفعت أصابعها إما إجابة أن تذل للتشهد وإما إنابة إلى طلب الأمان فخاف العدا من ظهور هذا الاستظهار وعلموا أن المجانيق فحول لا تثبت لها الإناث التي عريت من النفع بأيديهم فاستعانوا عليهن مع العدا بطول الجدار فعند ذلك غدت تكمن كمون الأساود وتثب وثوب الأسود وتباري بها الحصون السماء فكلما قذفت هذه بكواكبها النيرة قذف هذا بكواكبه السود ولم يكسر لهم منجنيق إلا ونصبوا آخر بمكانه ولا قطعت لأحد إصبع إلا وصل الآخر ببنانه فظلت تتحارب مثل الكماة وتتحامل تحامل الرماة حتى لقحت وفسحت للرضا مجالا ومالت وميل فيها وكذلك الحرب تكون سجالا
هذا والنقوب قد دبت في باطنه دبيب السقام وتمشت في مفاصله كما تتمشى في مفاصل شاربها المدام وحشت أضالعه نارا تشبه نار الهوى تحرق الأحشاء ولا يبدو لها ضرام قد داخلت مرسلة الوجل فتحققوا حلول الأجل وعلموا أن هذا الفتح الذي تمادت عليه الأيام قد جاء يسعى إلى ما بين يديه على عجل وأيقن الحصن بالانتظام في سلك الممالك الشريفة فكاد يرقصه بمن فيه فرط الجذل وزاد شوقه إلى التشريف ويا صبابة لوسمها واسمها مشتاق لكنهم أظهروا الجلد وأخفوا ضرام نار الجزع وكيف تخفى وقد وقد وتدفقت إليهم الجيوش فملأت الأفق وأحاطت بهم إحاطة الطوق (8/397)
بالعنق ونهضت إليهم مستمدة من عزمات سلطانها مستعدة لانتزاع أرواح العدا على يديها من أوطانها فانقطعت بهم الظنون ودارت عليهم رحى المنون وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها ( فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ) وحطت بساحتها عقبان تلك الأحجار فهدمت العمائر والأعمار وأجرت في أرجائها أنهار الدماء فهلكوا بالسيف والنبل والنار وتحكمت هذه الثلاثة في أهل التثليث فبدلوا بالخوف من أمنهم وهربوا منها إلى مخايل حصنهم
ولما ركب الأول للزحف في جيوشه التي كاثرت البحر بأمواجه تزلزل الحصن لشدة ركضه وتضعضع من خوف عصيانه فلحقت سماؤه بأرضه وتحللت قواعد ما شيد من أركانه فانحلت وألقت الارض ما فيها وتخلت ومشت النار من تحتهم وهم لا يشعرون ونفخ في الصور بل في السور فإذا هم قيام ينظرون وما كان إلا أن قابلت العساكر ذلك البرج حتى أهوى يلثم التراب وتأدب بآداب الطاعة فخر راكعا وأناب فهاجمتهم الجيوش مهاجمة الحتوف وأسرعت المضاء والانتضاء فلم تدر العدا أهم أم الذين في أيمانهم السيوف التي تسبق العذل وثبت منهم من لم يجد وراءه مجالا فلجأوا إلى الأمان وتمسك دنيء كفرهم بعزة الايمان وتشبثوا بساحل العفو حتى ظنوا أنهم أحيط بهم وجاءهم الموج من كل مكان وسألونا أن يكونوا لما من جملة الصنائع وتضرعوا في ان نجعل أرواحهم لسيوفنا من جملة الودائع فنتصدق عليهم بارواحهم كرما وظلوا على معنى الحديث النبوي يرون الممات يقظة والحياة حلما واطلقتهم اليد التي لا يخيب لديها الآمل واعتقتهم اليمنى التي فجاج الأرض في قبضتها فمتى تشاء تجمع عليهم الأنامل وخرجوا بنفوس قد تجردت حتى من الأجسام ومقل طلقت الكرا خوفا من الصوارم التي تسلها عليهم الأحلام وسطرت والمدينة قد تسنم أعلاها وشعار الايمان قد جردها من لباس الكفر وأعراها والأعلام قد (8/398)
سلكت إلى ذلك الحصن أعلى مرقى والسعادة قد بدلت بيعه مساجد ومحاريبه قبلة وكانت شرقا فاصبح يرفل في حلل الايمان واذعن بالطاعة فأخرس جرس الجرس به صوت الاذان إن شاء الله تعالى
ومن ذلك ما يكتب به في التعازي إلى الخلفاء
وقد تقدم في الكلام على التهنئة بولاية الخلافة أنه كما ينبغي أن لا يهنأ الخليفة بالخلافة إعظاما فكذلك ينبغي أن لا يعزى في مصابه إلا أنه ربما دعت ضرورة الكاتب إلى ذلك لإكرام بعض أخصاء الخليفة إياه بالكتابة بذلك إلى الخليفة ولا يخفى أن الحال في ذلك تختلف باختلاف المعزي من والد أو ولد أو غيرهما
وهذه نسخة مكاتبة في معنى ذلك ذكرها في مواد البيان وهي
أما بعد فإن الله تعالى جعل خلافته لخلقه قواما ولبريته نظاما وجعل له خلفاء يدخرهم لميراثها ويختصهم بتراثها فإذا انقضت مدة ماضيهم لما يريده الله من استدنائه إلى مقر خلصائه نقلها إلى نوره باصطناعه واصطفائه
والحمد لله الذي قصر خلافته على أمير المؤمنين وآبائه وجعل منهم زعيمهم الماضي الذي كانت بيديه مواريثها والآتي الذي صار إليه تراثها
والحمد لله الذي ختم لأمير المؤمنين المنتقل إلى دار الكرامة بأفضل الخاتمة وأحسن له الجزاء عن السعي في الأمة وأنعم باستخلاص أمير المؤمنين لإمامة خليقته وحياطة سريعته وحماية بلاده وسياسة عباده ولوراثة تراث آبائه وأجداده وجعل الماضي منهم مرضيا عنه والآتي مرضيا به واعتدت الرعية من عدل أمير المؤمنين ما جبر كسرها في خليفته وصبرها في رزيته وهو المسؤول أن يلهمه على المصيبة في سلفه الطاهر صبرا وعلى ما أخلفه عليه في تأهيله لخلافته التي لا كفاء لها شكرا بمنه وفضله إن شاء الله تعالى (8/399)
وهذه نسخة كتاب في التعزية ايضا وهي
إن الله خص أمير المؤمنين بما هو أهله من خلافته وعظم محله بما نصبه له من إمامة بريته وجعله عمادا لأهل الإسلام تجتمع عليه أهواؤهم وتسكن إليه أملاؤهم ويصلح به دينهم ودنياهم ويستقيم به أمر أولاهم وأخراهم فإذا أسبغ نعمة من نعمه عليه وظاهر موهبة من مواهبه لديه شركوه فيها ونهضوا معه على الشكر عليها وإذا ابتلاه ببلية وامتحن صبره برزية أخذوا بالنصيب العظيم من الحادث والحظ الجسيم من الكارث و ما أفردوه بثواب الله فيها وما جعله جزاء من الأجر عليها
وإن الله تعالى كان أعار امير المؤمنين من ولده فلان رضي الله عنه عارية من عواريه وبلغه من الاستمتاع بها ما احتسب من امانيه ثم استرجعها ليثقل بها ميزانه ويضاعف إحسانه ويجعلها له ذخرا ونورا يسعى بين يديه وأجرا فعظم بذلك المصاب على رعيته وكبر الرزء على أهل دعوته لما كانوا يرجونه من سكون القلوب ونقع الخطوب واستقرار قواعد الخلافة وشمول الرحمة والرافة وقد حصل أمير المؤمنين على نعم كثيرة من موهبته وثوابه في استعاذته وحصل كافة خاصته على القلق لفقده والأسى من بعده وقد جعله الله تعالى صلاح كل فساد وثقاف كل مياد ومهبط كل رحمة وطريق كل نعمة وهو خليق بأن يظهر من صبره ورضاه بقضاء الله وتسليمه لأمره ما يبعث على التأسي به والتأدب بأدبه والله تعالى يحسن لأمير المؤمنين الخلف ويعوضه أحسن العوض في المؤتنف ويوفر حظه من الثواب ويعظم له الأجر على المصاب ويريه في أوليائه وأحبابه أعظم محابه وغاية آرابه وينقل المنقول إلى إيوان الكرامة والاحتفاء بأفاضل الأجداد والآباء بفضله ورحمته إن شاء الله تعالى (8/400)
وهذه نسخة كتاب كتب به إلى الابواب السلطانية عند فتح آياس قاعدة بلاد الارمن وانتزاعها من أيديهم وهي
يقبل الأرض وينهي أن ليلة الانتظار أطلعت صباحها ومواعيد الآمال بعثت على يد الإقبال نجاحها والعساكر المنصورة جردت رابع ربيع الأول بمدينة آياس صفاحها وأوردت إلى الصدور رماحها فلم يكن إلا كلمح البصر ولسان صدق القتال قائل بأن الجيش الناصري قد انتصر وانقضى ذلك النهار بإيقاد نار حرب الحصار على أبراج واسوار أديرت على المينا كما أدير المعصم على السوار فما اشرق صباح الصفاح ولاح إلا والأعلام الناصرية على قلة القلعة مائسة الأعطاف من الارتياح معلنة ألسنتها بحي على الفلاح وحي على النجاح وعز الإسلام يقابل ذل الكفر بهذا النصر وهذا الافتتاح وجمع الأرمن الملا تفرق ما بين قتل وأسر وانتزاح ولعبت ايدي النيران في القلعة وجوانبها وتفرقت من الأسوار اعضاء مناكبها ونطق بالأقدار لسان النار هذي منازل أهل النار في النار
ثم انتقلت المحاصرة إلى قلعة البحر وضم الأرمن الملا إليها سيف القدرة والقهر وهذه القلعة عروس بكر في سماء العز شاهقة لم يسبق لأحد من الملوك الأوائل إلى خطبتها سابقة قد شمخت بأنفها ونأت بعطفها وتاهت على وامقها وغضت عين رامقها فهي في عقاب لوح الجو كالطائر وسورها البحر والحجر فلا يكاد يصل إلى وكرها الناظر وقد أوثقت بحلقات الحديد (8/401)
وقيدت كأنها عاصية تساق بالأصفاد إلى يوم الوعيد فارسل عليها المنجنيق عقابه وأعلق بها ظفره ونابه فكشف من شرفاتها شنب ثغرها وسقاها بأكف أسهمه كؤوس حجارة فتمايلت من شدة سكرها وفض من ابراجها الصناديق المقفلة وفصل من اسوارها الأعضاء المتصلة فتزلزل عمدها وزيل عن مكانه جلمدها وعلت الأيدي المرامية بها وغلت الايدي المحامية عنها واشتد مرضها من حرارة وهج الحصار وضعفت قوتها عن مقاومة تلك الأحجار ولم يبق على سورها من يفتح له جفنا وشن المنجنيق عليها غارته إلى أن صارت شنا فأرسل إليها من سماء غضبه رجوما ووالى ذلك عليها سبع ليال وثمانية أيام حسوما فبادرت إلى الطاعة واستسلمت وكرر نحوها ركوعه فسجدت وركبت الجيوش المنصورة عوض الصافنات اللجج وسمحت في سبيل الله عز و جل بالمهج فعند ذلك سارع أهلها إلى التعلق بأسباب الهرب وكان خراب قلعة المينا هذي لخراب قلعتهم من الجرب وأحرقوا كبدها من أيديهم بنار الغضب وانتزحوا منها ليلا وجروا من الهزيمة ذيلا وتسلمها المسلمون وتحسر عليها الحسرة الكبرى الكافرون وهدمت حجرا حجرا وصافحت بجبهتها وجه الثرى وأعدمت من الوجود عينا وأثرا فما أعجب هذا الفتوح وأغرب وما أحلى ذكره في الأفواه وما أعذب وما ألذ حديثه في الأسماع وما أطرب وما أسعد هذا الجيش الناصري وما أنجب بسيط
( بشراك بشراك هذا النصر والظفر ... هذا الفتوح الذي قد كان ينتظر )
( فتح مبين ونصر جل موقعه ... سارت به وله الأملاك والبشر )
( عجائب ظهرت في فتحه بهرت ... لم تأت أمثالها الأيام والسير )
( لو كان في زمن ماض به نزلت ... في وصف وقعته الآيات والسور ) (8/402)
( هذي أياس التي قد عز جانبها ... وعز خاطبها حتى أتى القدر )
( جاءت إليها جيوش كم بها أسد ... بيض الصفاح لها الأنياب والظفر )
( جيش لهام كبحر زاخر لجب ... إذا سرى لا يرى شمس ولا قمر )
( يسير بالنصر أنى سار متجها ... ما زال يقدمه التأييد والظفر )
( جيش له الله والأملاك ناصرة ... مليكه ناصر للدين منتصر )
( يوم الخميس رايت الخيل حاملة ... على رؤوس عداة هامها أكر )
( وقلعة البحر كانت آية لهم ... فعن يسير فاضحت للورى عبر )
( كانت بأفق سماء العز شاهقة ... أبراجها باسقات خرتها خطر )
( فركب المسلمون البحر باذلة ... أرواحها في سبيل الله تدخر )
( لم يبق منهم أمير لا ولا ملك ... يأوي مقرا إلى أن مدت الجسر )
( وعجل الله بالفتح المبين لهم ... هذا الفتوح الذي توفى له النذر )
( يرضى به الله والاسلام قاطبة ... وشاهد القول فيه العين والأثر ) (8/403)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
القسم الثاني من مقاصد المكاتبات الإخوانيات مما يكتب به الرئيس إلى المرؤوس والمرؤوس إلى الرئيس والنظير إلى النظير
قال في مواد البيان ولها موقع خطير من حيث تشترك الكافة في الحاجة إليها . قال والكاتب إذا كان ماهرا أغرب معانيها ولطف مبانيها وتسهل له فيها ما لا يكاد أن يتسهل في الكتب التي لها أمثلة ورسوم لا تتغير ولا تتجاوز وهي على سبعة عشر نوعا (9/3)
النوع الأول التهاني
قال في مواد البيان كتب التهاني من الكتب التي تظهر فيها مقادير أفهام الكتاب ومنازلهم من الصناعة ومواقعهم من البلاغة وهي من ضروب الكتابة الجليلة النفيسة لما في التهنئة البليغة من الإفصاح بقدر النعمة والإبانة عن موقع الموهبة وتضاعف السرور بالعطية وأغراضها ومعانيها متشعبة لا تقف عند حد وإنما نذكر منها الأصول التي تفرعت منها فروع رجعت إليها وحملت عليها
قال ويجب على الكاتب أن يراعي فيها مرتبة المكتوب إليه والمكتوب عنه في الرسالة اللائقة بهما مما لا يتسامح بمثله
ثم التهاني على أحد عشر ضربا
الضرب الأول التهنئة بالولايات وهي على تسعة أصناف
الصنف الأول التهنئة بولاية الوزارة
قد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب المملكة أن الوزارة كانت في الزمن المتقدم هي أرفع وظائف المملكة وأعلاها رتبة وأنها الرتبة الثانية بعد الخلافة وكانت في زمن الخلفاء تكاد أن تكون كالسلطنة الآن فهي من (9/4)
الأتباع ومن في معناهم على نحو ما كانت في الزمن المتقدم بين الرؤساء والأكابر ومن الرؤساء والأكابر بحسب ما تقتضيه رتبة المهنإ
وهذه نسخ تهان من ذلك على ما كان عليه الحال في الزمن القديم
تهنئة بوزارة من إنشاء أبي الحسين بن سعد كتب بها إلى الوزير محمد بن القاسم بن عبيد رحمه الله وهي
من كانت النعمة أيد الله الوزير نافرة عنه وبفنائه غريبة فهي تأوي من الوزير إلى مثوى معهود وكنف محمود وتجاور منه من يوفيها حقها ويقابلها بحسن الصحبة لها ويجري في الشكر لما يولاه والرعاية لما يسترعاه على شاكلة مضى عليها السلف من أهله ونشأ في مثلها الخلف مقتديا بالأول الآخر وبالماضي الغابر تشابها في كرم الأفعال ورعاية لحقوق الآمال واعتمادا للرأفة والرحمة وعموما بالإنصاف والمعدلة إلى ما خص الله به أهل البيت رضي الله عن الماضين منهم وأقام عز الباقين وحراستهم من العلم بالسياسة والدرابة بتدبير المملكة ورعاية الأمة والهداية فيهم لطرق الحيطة ونهج المصلحة
والحمد لله على ما خص به الوزير من فضله الذي رفع قدره فيه عن (9/5)
مساماة ومشاكلة المقادر والشبيه وجعله فيما حباه به نسيج وحده وقريع دهره وجمع له من مواهب الخير وخصائص الفضل ما أبان به موقعه في الدين وأعطاه معه الولاية من جميع المسلمين
والحمد لله حمدا مجددا على ما جدده له من رأي أمير المؤمنين واجتبائه ومحله من اختياره واصطفائه
والحمد لله على ما منحه من كرامته وجدد له من نعمته فيما أعاد إلى تدبيره من وزارته وأشركه فيه من أمانته احتياطا منه للمملكة ونظرا للخاصة والعامة فإن عائدة رأيه سوت بين الضعيف والقوي ووصلت إلى الداني والقصي وأعادت إلى الملك بهاءه وإلى الإسلام نوره وضياءه فاكتست الدنيا من الجدة بعد الإخلاق والنضارة بعد الإنهاج ما لم يكن يوجد مثله إلا بالوزير في شرف منصبه وكرم مركبه فهنأ الله الوزير ما آتاه وتابع له قسمه ووصل له ما جدد له بالسعادة وأمده فيه بالزيادة وأعطاه من كل مأمول أعظم حظ وأوفر نصيب وقسم تراخيا في مدة العمر وتناهيا في درجة العز واحتياطا بالموهبة في العاجلة وفوزا بالكرامة في الآجلة إنه فعال لما يشاء
تهنئة أخرى في مثل ذلك أوردها في ترسله وهي
التهنئة بالوزير للزمان وأهله بما جملهم به وجدد لهم من ميسم العز وسربلهم إياه من حلة الأمن بولايته والنعمة على أوليائه ورعاياه على حسب مواقعهم من مشاركته وحظوظهم من معدلته ظاهرة ولله على ذلك الحمد الفاضل والشكر الكامل وللوزير من هذه النعمة الجليلة والدولة السعيدة أهناها موقعا وأسراها ملبسا وأدومها مدة وأجملها نغية وأثراها مبوءا وأسلمها (9/6)
عقبى فتولاه الله بالمعونة والحراسة وأيده الله بالنصر والكفاية وأنهضه بما قلده واسترعاه وبلغه محابه ومناه وأرجو أن يكون موقعي من ثقة الوزير يلحقني عنده بمن مكنته الأيام من قضاء الحق في التلقي والإبعاد ويعوضني بتفضيله مما حرمته منها محل ذوي الإخلاص والاعتداد
تهنئة أخرى في مثل ذلك أوردها في ترسله أيضا وهي
وهذا أول يتلوه ما بعده بلا تناه ولا نقص بإذن الله ومشيئته بل يكون موصولا لا تبلغ منه غاية إلا شفعتها درجة ترقى تكنف ذلك كفاية من الله شاملة كاملة وغبطة في البدء والعاقبة بلا انقطاع ولا ارتجاع حتى يكون المنقلب منه بعد بلوغ العمر منتهاه إلى فوز برحمة الله ورضاه فهنيئا للوزير بما لا يقدر أحد أن يدعي فيه مساعفة المقدار ولا يناله بغير استحقاق إذ لا مثل ولا نظير للوزير فضلا ظاهرا وعلما على العلوم موفيا وسابقة في تقليب الخلافة ظهرا لبطن وحلب الدهر شطرا بعد شطر وجمعا من مال السلطان لما كان متفرقا وحفظا لما كان ضائعا وحماية لبيضة الملك وضبطا للثغور وتلقيا للخطوب بما يفل حدها ويطفيء نارها ولهبها ويقيم أودها وما وهب الله في رأيه من فتح البلاد المرتجة وقمع الأعداء المتغلبة وسكون الدهماء وشمول الأمن وعموم العدل والله يصل ذلك بأحسنه (9/7)
تهنئة أخرى في مثل ذلك من إنشاء علي بن خلف في مواد البيان وهي
أطال الله بقاء حضرة الوزارة السامية فارعة من المعالي أسمقها نجودا كارعة من المنن أعذبها ورودا ساحبة من الميامن أرقها برودا ممتعة بالنعم التي يرامي الشكر عن حوزتها ويحامي البشر عن حومتها مبلغة في أوليائها وأعدائها قاضية ما ترتمي إليه رحابها فلا ترى لها وليا إلا لاحب المذهب ثاقب الكوكب سامي الطرف حامي الأنف ولا عدوا إلا ضيق المطرح وعر المسرح صالد الزند مفلل الحد راغم العرنين متلولا للجبين ولا زالت أزمة الدنيا بيدها حتى تبلغ بآمالها منتهاها وتجري بأيامها إلى أقصى مداها فهي من أعظم النعم خطرا وأحسنها على الكافة أثرا واولاها بأن يفاض في شكرها وتتعطر الآفاق بذكرها ولسيدنا الوزير الأجل يراع يستيقظ في صلاحهم وهم هاجعون وينصب في الذب عنهم وهم وادعون وكل تدبيرهم فيه إلى مدبر يخاف الله ويتقيه ويعمل فيمن استرعاه بما يرتضيه ولا يمد يد الاقتدار عليهم متسلطا ولا يتبع دواعي الهوى فيهم متسقطا واضعا الأشياء في حقائقها سالكا بها أمثل طرائقها ملاينا من غير ضعف مخاشنا من غير عنف قريبا من غير صغر بعيدا من غير كبر مرغبا بلا إسراف مرهبا بإنصاف ناظرا إلى محقرات الأمور وأطرافها كما ينظر في معاظمها وأشرافها آخذا بوثائق الحزم متمسكا بعلائق العزم راميا بفكرته من وراء العواقب خاطما بآرائه أنوف المصاعب ناظما بإيالته عقود المصالح موطئا برياضته ظهور الجوامح إن ثقف ذا النبوة الفريدة والهفوة الوحيدة اقتصر على ما يوافقه الوالد الحدب من مقوم الأدب وإن قبض على المرتكس في غوايته المفلس في عنايته ضيق عليه مجال العفو وأحاق به أليم العذاب والسطو (9/8)
فقد سكنت الرعية في عدله وأوت حرما منيعا من ظله ووثقت أن الحق بنظره شامخ شاهق والباطل سائخ زاهق والإنصاف مبسوط منشور والإجحاف محطوط مبتور والشمل منظوم والشر مضموم فنطقت ألسنتها بإحماده واشتملت أفئدتها على وداده واتفقت أهواؤها على رياسته وتطابقت آراؤها المسابقة على دوام سيادته وعرف أمير المؤمنين عدق النظر في دولته وسلم أمور مملكته إلى النصيح المأمون والنجيح الميمون الذي وفقه الله تعالى لاختياره ويسره لاصطفائه وإيثاره وأنه قد ناط أموره بمن لم يستخف ثقيل حملها وينوء بباهظ ثقلها فتمتع بلذيذ الكرى وتودع بعد السير والسرى وألم من إلمام ملم معضل وحدوث حدث مشكل وهذه نعمة تعم الخاصة والعامة عموم الغيث إذا همع وتدفق وتشملهم شمول النهار إذا لمع وتألق وهم أولى بالتهنئة فيها وشكر الله تعالى عليها
وسيدنا الوزير حقيق بأن يهدى إليه الدعاء المرفوع والتضرع المسموع بأن ينهضه الله تعالى بما حمله ويعينه على ما كفله ويتولاه بتوفيق يثقب أنواره وتأييد يطبق غراره وتسديد يحسن آثاره وإجراء ما يتولاه على أوضح سبيل وأقصده وأرجح دليل وأرشده إذ لا يجوز أن يهنأ بماله عياؤه وكله ولمذعنيه صلاحه كله والعبد يسأل الله ضارعا لديه باسطا يده إليه في أن يقبل صالح أدعيته لحضرة الوزارة السامية وأن يجعل ما أحله في محله من رياستها وأوقعه في موقعه من سياستها دائبا لا ينتزع وخالدا لا يرتجع وأن يؤيدها فيه بما يقضي له بالإحراز والتخويل ويحميه من الابتزاز والتحويل إنه سميع الدعاء فعال لما يشاء إن شاء الله تعالى
الصنف الثاني التهنئة بكفالة السلطنة (9/9)
وهذه نسخة من ذلك كتب بها عن نائب الشام من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب
لا زال دائرا بهنائه الفلك منيرا بضياء عدله وبشره الحلك قريرا بحسن كفالته الملك شاهدا بفضل أسمائه وسماته الملك مقسوما بأمر الله نداه وبأسه ليحيا من حي ويهلك من هلك تقبيلا يشافه به التراب ويشاهد شرف مطلعه على السحاب وينهي قيامه على قدم ولاء ودعاء هذا ينزل القلب وهذا يصعد إلى الأفق ومقامه على بشرى وحمد منهما الأمن يحلى بوصفه النطق كما تحلى الأعطاف بالنطق وأنه ورد مثال شريف على يد فلان يتضمن البشارة العامة والمسرة التامة والنعمة التي يعوذ سنا جبينها من كل عين لامة وخبر الخير الذي حيت أزهاره المتضوعة ند مصر فأول ما بلغه منافس الشام شامة بأن المواقف الشريفة أعز الله تعالى سلطانها قد فوضت إلى مولانا كفالة الإسلام وبنيه وكفاية الملك بصالح مؤمنيه ونيابة السلطنة الشريفة وما نسقت وتدبير الممالك وما وسقت فيالها بشرى ابتسمت لها ثغور البشر ومسرة (9/10)
استجلى سناها من آمن وبهت الذي كفر وخبرا تلقت الأسماع بريده منشدة قل وأعد بأطيب الخبر هنالك أخذ المملوك حظه من خير بشرى ونصيبه من مسرة حمد بصباح طرسها المسرى وحمد الله تعالى على أن أقام لسلطان البسيطة من يبسط العدل والإحسان لمنابه ويقلد رعيته عقود النعم إذا تقلد ما وراء سريره وبابه ومن إذا كفل سيفه ممالك الإسلام وثقت بالمغنم والسلامة وإذا كتب قلمه قالت ولا سيما أخبار جند المسلمين هكذا تكون العلامة وجهز المملوك هذه الخدمة نائبة عنه في تقبيل الأرض وعرض الهناء بين يدي من يسر المملوك بولائه اليوم ويرجو أن يسر به يوم العرض ولو وصف المملوك ما عنده من السرور والشوق لضاق الورق عن تسطير الواجب منه وضاق الوقت عن أداء الفرض والله تعالى يجدد لمولانا ثمرات الفضل الواضح والرأي الرابح والقدر الذي هو على ميزان الكواكب راجح ويمتعنا كافة المماليك بدولة سلطانه الذي علم البيت الشريف أنه على الحقيقة الخلف الصالح
وهذه نسخة تهنئة لأمير جاندار بولاية إمرة من إنشاء الشيخ (9/11)
جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب
أعلى الله منارها ومنالها وخلد قبولها وإقبالها وأجزل من الغض الذي تناولته ثمرها وأسبغ به ظلالها ولا زال في سيفها وعصاها مآرب للملك وفي بأسها ونداها مواقع للنجاة والهلك ولا برحت القضب من سيوف وغصون هذه حاكمة بسعدها حكم الملك وهذه مسخرة في تجريدها تسخير الفلك تقبيل مخلص في ولائه ودعائه مهنإ القلب مسرور بما يتجدد من مسرات مولانا وهنائه وينهي أنه بلغه ما أفاضته الصدقات الشريفة على مولانا من المبرات وما جددت له من المسرات وأنها ضاعفت مزيد الإحسان إليه ودعته أمير جاندار ودت العصي النجومية لو قدمت نفسها بين يديه وأن المواقف الشريفة قرت به عينا وأقرت وأن الدولة القاهرة ألقت عصاها إليه واستقرت وكما سلمت إليه العصا في السلم سلمت إليه السيف في الحرب وكما قربته في مواقف العدل والإحسان قربته في مواقف الطعن والضرب فأخذ المملوك حظه من البشرى وأوجب على نفسه الفرح وسجد لله شكرا وود لو حضر يشافه بهذا الهناء الشامل ومثل قائما لديه بحق التهنئة القيام الحقيقي الكامل وحيث بعدت داره ونأت عن العيان أخباره فقد علم الله تعالى مواصلته بالأدعية الصالحة ليلا ونهارا والموالاة والمحبة التي يشهد بها الخاطر الكريم سرا وجهارا والله تعالى المسؤول أن يزيد مولانا من فضله ويسره بمتجددات الخير الذي هو من أهله ويمتعنا كافة المماليك بدوام سلطان هذه الدولة الذي شمل بظله وغني بنصره عن نصله إن شاء الله تعالى
الصنف الثالث التهنئة بالإمارة (9/12)
من كلام الأقدمين
تهنئة من ذلك أوردها أبو الحسين بن سعد في ترسله وهي
وهنأ الله الأمير مواهبه الهنية وعطاياه السوية وأدام تمكينه وقدرته وثبت وطأته وحرس ما خوله وجعل ما هيأ له من مؤتنف الكرامة أيمن الأمور فاتحة وأسعدها عاقبة ووصل أيامه بأجمل الولاية وأجل الكفاية حتى ينتهي من استيفاء سعادات الحظوظ وحوز القسم والآمال إلى الدرجة التي تليق بما أفرده الله به من الكمال وخصه به من الفضل في جميع الخصال ومن أفضل ما أعتد به من نعم الله علي بالأمير وبجميل رأيه ومحلي من طاعته وخدمته أني لا أخلو في كل وقت وحال من بهجة تتجدد لي ومسرة تصل إلي وتتوفر علي بما يسهله الأمير على يده من مستصعب الأمور ومستغلق الخطوب التي تبعد عمن يزاولها ويجعل الله بطوله وحوله للأمير القدرة عليها ويتوحد بالكفاية فيها فينمو بجميل تدبيره ولطيف نظره ويطرد بصاعد نجمه ويمن نقيبته وعز دولته وذلك من فضل الله ونعمته يؤتي فضله من يشاء وهو ذو الفضل العظيم
الصنف الرابع التهنئة بولاية الحجابة
وقد كان لها في الزمن القديم المحل الوافر في الدولة وعلو الرتبة فيها
من كلام الأقدمين
تهنئة من إنشاء أبي الحسين بن سعد كتب بها إلى أبي بكر بن ياقوت (9/13)
حين ولي الحجابة بعد نكبة أصابته وهي بعد الصدر
وقد كانت أنفسنا معشر عبيد سيدنا وحملة إنعامه ومؤملي أيامه في هذه الأحوال التي نفد سيدنا منها فيما ابتلاه صبره وأبان فيه قدره وزاد العارف بفضله نفوذا في البصيرة وأعاد ذوي الارتياب فيه إلى الثقة فاستوى المنازع والمسلم واستوى العالم والمعاند نعمة منه تعالى ذكره خصه بها وصانه عن مشاكله النظير ومزاحمة الأكفاء على سبيل من القلق والارتماض والسقوط والانخفاض جزعا من تلك الحال الغليظة وإشفاقا على تلك النفس النفيسة وخوفا على معالم البر والتقى وبقية العلم والحجا وتاريخ الكرم والندى أن يدرس منارها وتطمس آثارها ولولا ما من الله به من الخلاص منها وما منح بكرمه في عاقبتها لأوشكت أن تأتي عليها وتعجلها عن مواقيت آجالها لكنه عظمت آلاؤه وتقدست أسماؤه أتى بالأمن والفرج بعد استيلاء الكرب والوجل وانبتات أسباب الرجاء والأمل فعرف سيدنا موقع الخيرة فيما قضاه وميز له الخبيث من الطيب ممن عاداه وتولاه وجعل النعمة التي جددها له فيما رده أمير المؤمنين إلى تدبيره من أمر داره ومملكته وحراسة بيضة رعيته مشتركة النفع والفائدة مقسومة الخير والعائدة بين كافة الأمة فيما عم من المعدلة وشمل من المصلحة ولاح من تباشير الخير وأمارات البركة في استقامة أمور البلاد وصلاح أحوال العباد وأفرد الله سيدنا بحظ من الموهبة وفاني فيه على حظوظ الأولياء وزادني على سهام الشركاء وأنا أرغب إلى الله في إسعاد سيدنا بما جدده له وتعريفه بركة مفتتحه ويمن خاتمته والحمد لله في مبتداه والسلامة في عقباه وتبليغه من حظ مأمول وخير (9/14)
مطلوب وحال علية ورتبة سنية أفضل ما بلغ أحدا اختصه بفضله واصطفاه من خلقه إنه جواد ماجد فإن رأى سيدنا أن يتطول بإجراء عبده على كريم عادته في تشريفه بمكاتبته وتصريفه في أمره ونهيه محققا بذلك أمله وزائدا في نعمه عنده فعل إن شاء الله تعالى
تهنئة أخرى من ذلك من إنشاء علي بن خلف أوردها في مواد البيان وهي
إنما يهنأ بالولاية أطال الله بقاء الحاجب الجليل سيدي ومولاي من انبسطت إليها يده بعد انقباض وارتفع لها قدره من انخفاض وأوجدته الطريق إلى إحراز جزيل الأجر والجزاء واكتناز جميل البركة والثناء وأفضت به إلى اتساع السلطان وانتفاع الأعوان فأما من جعل الله يده الطولى وقدره الأعلى ورياسته حاصلة في نفسه وجوهره وسيادته مجتناة من سنخه وعنصره فالأولى إذا استكفي رغبة في إنصافه وعدله وحاجة إلى سداده وفضله وافتقارا إلى فضل سيرته واضطرارا إلى فاضل سياسته أن تهنأ الرعية بولايته وتسر الخاصة والعامة بما عدق من أمورها بكفايته وغير بدع ربط أمير المؤمنين بالحاجب الجليل أمر حجابته ونصبه الزحمة عن حضرته وجعله الوسيط والسفير بينه وبين خواص دولته وقد وثق بيمن نقيبته واطلع (9/15)
على خلوص نيته وسكن إلى صدق طاعته وعرف طهارة جيبه وسلامة غيبه وصدق لهجته وحصافة أمانته واعتماده للحق فيما يورد ويصدر وينهي ويجيب وابتلاه فعرف طيب طعمته وخفة وطأته ورأفته بالضعيف المهضوم وغلظته على العسوف الظلوم فرأى أن يحله محل من لا يغيب عما شهده ولا يرتاب بما سمعه على أنني المهنأ بكل نعمة يجددها الله لديه وسعادة يسبغها عليه ولو أنصفت لسلكت من الصواب سننا واعتقدت جميلا حسنا لاستشعاري بالأنفس من لبوس سيادته وتحلي بالأنصع من عقود رياسته وإذا كانت رعيته أجدر أن تهنأ بولايته وتعرف قدر مالها من الحظ في نظره فأنا أعدل من هنائه إلى الدعاء له بأن يبارك الله تعالى له فيما قلده ويوفقه فيما ولاه ويسدده ويلهمه ادخار الثواب والأجر واكتناز الحمد والشكر والهداية إلى سنن الاستقامة وما عاد بمحبة الخاصة والعامة وإنهاضه في خدمة أمير المؤمنين والعمل من طاعته بما يزلف في الدنيا والدين والله يستجيب في الحاجب الجليل هذا الدعاء ويسمعه ويتقبله ويرفعه إن شاء الله تعالى
الصنف الخامس التهنئة بولاية القضاء
التهنئة بذلك من كلام الأقدمين
تهنئة من ذلك من إنشاء علي بن خلف أوردها في مواد البيان وهي
أولى المنح أن يتفاوض شكرها والتحدث بها ويتقارض حمدها والقيام بواجبها نعمة شمل عطافها وعمت ألطافها واشترك الناس فيها اشتراك العموم وحلت منهم في النفع محل الغيث السجوم وهذه صورة النعمة في (9/16)
ولاية قاضي القضاة أطال الله بقاءه لما تتضمنه من إثبات العدل والإنصاف وانحسار الجور والإجحاف واعتلاء الحق وظهوره واختلاء الباطل وثبوره وعز المظلوم وإدالته وذل الظلوم وإذالته وتمكين المضعوف واقتداره وانخزال العسوف واقتساره وإن هنأته حرس الله علاه بموهبة أتى بارقها بجميل الثناء وجزيل الجزاء قد ناء من تحملها بباهظ الشيء ومتعبه وقام من سئلها بكل الأدب ومنصبه عدلت عن الأمثل وضللت عن الطريقة المثلى لكني أهنئه خصوصا بالمواهب المختصة به اختصاص أطواق الحمائم بأعناقها والمناقب المطيفة به إطافة كواكب السماء بنطاقها في أن ألف الله القلوب المتباينة على الإقرار بفضله وجمع الأفئدة المتنافية على الاعتراف بقصور كل محل عن محله وجعل كل نعمة تسبغ عليه ومنة تسدى إليه موافقة الآمال والأماني مفضية للبشائر والتهاني لأن من أحب الحق وآثره ولبس الصدق واستشعره ينطق بلسان الإرادة والاختيار ومن تركهما وقلاهما وخلعهما وألقاهما ينطق بلسان الافتقار والاضطرار والخصائص التي هو فيها نسيج وحده وعطر يومه وغده والمحاسن التي هي أناسي عيون الزمان ومصابيح أعيان الحسن والإحسان ثم أعود فأهنئه عموما بالنعم المشتركة الشمول الفضفاضة الذيول التي أقرت القضاء في نصابه وأعادت الحكم إلى وطنه بعد نجعته واغترابه وأعلتهما في الرتبة الفاضلة وقدعت بهما (9/17)
أنف الذروة العالية وأرفع يدي إلى الله تعالى داعيا في إمداد قاضي القضاة بتوفيق يسدد مراميه ويرشد مساعيه ويهذب آراءه ويصححها ويبلج أحكامه ويوضحها ويخلد عليه النعمة خلودها على الشاكرين ويبصره بحسن العقبى في الدنيا والدين وهو سبحانه يتقبل ذلك ويرفعه إن شاء الله تعالى
التهنئة بذلك من كلام أهل العصر
تهنئة من ذلك أوردها الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في كتابه زهر الربيع في الترسل البديع وهي
أنفذ الله تعالى أحكامه وشكر إحسانه وإنعامه وخلده ناصرا للشريعة المطهرة وأدامه وجدد سعده وأسعد أيامه وجعله المسترشد والمقتفي بأمر الله والراشد والمستنجد والمستنصر والناصر والعاضد والحاكم القائم بأمر الله من القضاة الثلاثة الواحد
المملوك يقبل اليد العالية تبركا بتقبيلها وأداء لواجب تعظيمها وتبجيلها ويهنىء المولى بما خصه الله تعالى من مضاعفة نفاذ كلمته ورفع منزلته وإمضاء أحكامه الشريفة وأقضيته وتقليده أمور الإسلام وتنفيذ أوامره في الخاص والعام ويهنىء بالمولى من ردت أموره إليه وعول في ملاحظة مصالحه عليه (9/18)
فإن مولانا ما زال بالعلم والعمل مشهورا وسعيه في الدنيا والآخرة سعيا مشكورا ويقظة مولانا جديرة بزيادة الاهتمام والاحتياط التام بملاحظة طلبة العلم والمشتغلين والفقهاء والمدرسين وسبر أحوال النواب وأن لا يكفيه الاعتماد على حسن البزة وطهارة الأثواب بل يمعن في الاطلاع على ما يعتمدونه النظر ويلاحظ كلا منهم إن غاب عن مجلسه أو حضر فمن رآه يهدي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم ولا يقرب إلا بالتي هي أحسن مال اليتيم فيحقق له من العناية أملا ولا يضيع أجر من أحسن عملا حرس الله المولى ومتع بحياته وأعاد على الكافة بركة صيامه المقبول وصلاته ونفع الإسلام بمستجاب دعواته إن شاء الله تعالى
الصنف السادس التهنئة بولاية الدعوة على مذهب الشيعة
وقد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية بالديار المصرية ذكر موضوعها وعلو رتبتها عندهم وإنما ذكرناها حفظا للأصل ولاحتمال وقوعها
تهنئة من ذلك من إنشاء علي بن خلف أوردها في مواد البيان وهي
أطال الله بقاء داعي الدعاة لصباح من الرحمة يبلجه وطريق من (9/19)
ثوب براعته فأصبح منظره وسيما واستنشق عرف نسيمه المبارك فطاب شميما وعلم المملوك منه شدة عتبه ومر التجني الذي ظهر من حلو لفظه وعذبه ولم يعرف لعتبه موجبا ولا لتغير مودته سببا فإنه ما حاد عن طريق ولائه ولا حال ولا زلت قدمه عنه ولا زال ولا ماد عن منهج المودة ولا مال وما فتيء لمحاسنه ناشرا ولإحسانه شاكرا فإن كان قد نقل عنه إلى مولانا شيء أزعجه وأخرجه عن عادة حلمه وأحرجه فإن الوشاة قد اختلقوا قولهم ونقلهم وقصدوا تشتيت المصاحبة شتت الله شملهم - طويل -
( وقد نقلوا عني الذي لم أفه به ... وما آفة الأخبار إلا رواتها )
آخر وردت المشرفة العالية أعلى الله نجم مرسلها وأسبغ أياديه وشكر جسيم تفضلها فابتهجت الأنفس بحلولها وحلل جمالها وعوملت بما يجب من إكرامها وإجلالها وفض ختامها ففاح منها أرج العبير والعنبر وتليت ألفاظها التي هي أبهى من الرياض وأحلى من السكر فأغنت كؤوس فصاحتها عن المدام وأزال ماؤها الزلال البارد حر الأوام وأعرب منشيها عما في ضميره من العتب والضيق الذي حصل في ذلك الصدر الرحب وهو يقسم بنعمته وبصادق محبته أنه لم يبد منه ما يوجب عليه عتبا ولا انثنى عن الثناء على محاسنه التي شغفته حبا فإن كان المولى قد توهم شيئا أحرجه وأقلقه وإلى أليم العتب شوقه فليزل ذلك الوهم من خاطره وليثق بما تحقق من موالاته في باطنه وظاهره ورأيه العالي
آخر أعز الله عزماته وشكر جسيم تفضلاته
ولا زالت نعمته باقية وقدمه إلى درج المعالي راقية وهمته إلى السمو على الكواكب سامية وسماء جوده على العفاة هامية وعزمته لثغور الإسلام حامية (9/20)
تعالى بإجابة داعيه ولا سيما داعي الدعاة فإنه جدير بأن يجاب الدعاء فيه إن شاء الله تعالى
قال في مواد البيان وإنما أوردت هذا المثال بهذه الألفاظ لأن ألفاظ هذا الداعي يجب أن تكون مشتقة من ألفاظ الدعوة مناسبة لمذهبها ولولا ذلك لأغنى عنه مثال تهنئة قاضي القضاة ومن تأملهما عرف ما بينهما من الفرقان
الصنف السابع التهنئة بالتقدمة على الرجال
رقعة من ذلك
من حل محل سيدي أطال الله بقاءه من السؤدد الناطق الشواهد المنتظم المعاقد المتضارع الطارف والتالد المنتقل في الولد عن الوالد والمجد الذي قصر عن مطاولته الطراز الأول وتطأطأ له الإنعام المخول وحاز ما حازه من شرف الرياسة وفضل السياسة والاستقلال بحقوق ما تولاه وتسديد ما نوله واستكفاه فتشوقت إليه أعالي الرتب وتشوقت إليه المنازل السنية من كثب خطبته العلا سائقه عنه مهرها وتطامنت له موطئة ظهرها فلم يكثر له أن يتقدم على أهل عصره فضلا عن قبيلته ويتأمر على جميع نوعه فضلا عن طائفته لأنه المقدم عليهم بالرتبة والطبع لا بالاصطلاح والوضع فشكر المملوك الله تعالى على بزوغ هلاله وإبراقه وطلوعه لميقات العز وتنفاقه وسأله أن يجعل ما أقر العيون من سيادته وحقق الظنون في سعادته خالدا راهنا ومقيما قاطنا وأن يزيده من السعادة ويرقيه كل يوم في درج السيادة لتكون هذه الرتبة على امتناع مرقبها وارتفاع مركبها أول درجة تخطاها ومنزلة فرعها وعلاها ثم لا يزال راقيا فيما يتلوها حتى يحتذي بكواكب الجوزاء ويطحو دارة على الحلفاء مهنأ غير منغص ومزيدا غير منقص والله تعالى يجيب هذه الأدعية الواقعة مواقعها والمستحقات الموضوعة مواضعها (9/21)
الصنف الثامن التهنئة بولاية الديوان
رقعة من ذلك
وينهي أن من حل محل مولانا أطال الله بقاءه رافلا في لبوس السعادة متحفلا بسلوس السيادة متنقلا في رتب المجد متوقلا إلى غدن الجد مستوليا على شعاب العلا متمكنا من رقاب الأعداء في الاستقلال والاضطلاع والمعرفة بحقوق الاصطفاء والاصطناع ورفعة مذهبه على الكفاية والغناء والنهوض بثقيل الأعباء خطبته التصرفات حاملة عنه صداقها وتشوفته الولايات مادة إليه أعناقها وقد اتصل بالمملوك ما جدده الله تعالى من سعادته وأنجزه من مواعيد سيادته التي كانت واضحة في مخايل فضله لائحة في دلائل نبله مكتوبة في صفحات الأقدار مرقومة بسواد الليل على بياض النهار فجذل المملوك بذلك جذل الحميم المشارك وسربه سرور الخليط المشابك وليس ذلك لأن الذي تولاه مولانا وجد فيه خللا فرقعه وخمولا فرفعه بل لأن الحق غالب الحظ فغلبه والواجب سالب الممكن (9/22)
فسلبه وأناخ ركاب الرياسة في المحل الخصب الذي يحمده ويرتضيه والله تعالى يتفضل على رعيته المتوطنين بفاضل سياسته من حبائه ولطفه ورأفته وعطفه بما يسبغ عليهم ظلال العدل ويقلص عنهم سدول الجور والحيف إن شاء الله تعالى
قلت وكتبت للمقر البدري محمود الكلستاني الشهير بالسراي مهنئا له باستقراره في كتابة السر الشريف بالديار المصرية في الدولة الظاهرية برقوق في سلطنته الأولى - بسيط -
( رفعت للمجد مذ وليت بنيانا ... وشدت للفضل بعد الوهن أركانا )
( وأصبح الملك في زهو ومالكه ... يميس عجبا وهنا التخت إيوانا )
( قدمت مصرا فأمست منك في فره ... تهز بالبشر من لقياك أردانا )
( وغودر النيل مذ وافيت مبتهجا ... وقد رمى الصد والإبعاد جيحانا ) (9/23)
( ألفاظك الغر صارت للورى مثلا ... وكتبك الزهر بعد اللثم تيجانا )
( تفوق قسا إذا تبدو فصاحتها ... وتفضح المصقع الملاق سحبانا )
( قد أفحمت في مجازات بلاغتها ... تركا وروما وبعد الفرس عربانا )
( كل الموالي إذا ولوا فلا أسف ... إذ أنت باق ويبقي الله مولانا )
( مولى به قد تشرفنا وجملنا ... بوجهه ولذكر القوم أنسانا )
الصنف التاسع التهنئة بولاية عمل
أبو الفرج الببغاء
عرف الله سيدي بركة هذا العمل الجليل بنبيل نظره الجميل وحميد أثره المحروس وتناصر سياسته الشريفة بسمة رياسته ووفق رعيته لشكر ما وليها من فائض عدله ومحمود فعله فالأعمال منه أيده الله تعالى بالتهنئة أولى وبالتطاول بما شملها من بركات تدبيره أحرى والله بكرمه يسمع فيه صالح الدعاء ويبلغه أبلغ مدد البقاء في أسبغ نعمة وأرفع منزلة وأصدق أمنية وأنجح طلبة بمنه
وله في مثله
لولا ما يشرك التهاني من بركات الدعاء الذي أرجو أن يسمع الله فيك صالحه ويجيب أحسنه لأجللناك عن التهنئة بمستجد الأعمال ومستحدث الولايات لقصورها عن استحقاقك وانحطاطها وإن جلت عن أيسر واجباتك وتعجلها بمأثور كفايتك وبركات نظرك ومواقع إنصافك فهنأك الله نعمة (9/24)
الفضل التي الولاية أصغر آلاتها والرياسة بعض صفاتها ولا أخلاك من موهبة مجددة ومنحة مؤبدة
وله في مثله
سيدي أيده الله أرفع قدرا وأنبه ذكرا وأعظم نبلا وأشهر فضلا من أن نهنئه بولاية وإن جل خطرها وعظم قدرها لأن الواجب تهنئة الأعمال بفائض عدله والرعية بمحمود فعله والأقاليم بآثار رياسته والولايات بسمات سياسته فعرفه الله يمن ما تولاه ورعاه في سائر ما استرعاه ولا أخلاه من التوفيق فيما يعانيه والتسديد فيما يبرمه ويمضيه الأجوبة عن التهاني بالولايات
قال في مواد البيان هذه الكتب إذا وردت وجب على المجيب أن يستنبط من كل كتاب منها المعنى الذي يجيب به قال والطريقة المستعملة فيها أن كتاب المجيب يجب أن يبنى على أن المهنيء قسيم في النعمة المتجددة وشريك في المنزلة المستحدثة وأن الحظ الأوفر فيما ناله المهنى للمهني وببركة دعائه وتوقعه لما يرد من حاجاته وتبعاته لينفذها نازلا على أخلص مخالصته وعاملا بشروط مودته ونحو هذا مما يضارعه فإن كان المجيب رئيسا أو مرؤوسا وجب أن يرتب الخطاب على ما تقتضيه رتبة كل واحد منهما
وهذا مثال من ذلك
زهر الربيع
وردت المشرفة الكريمة أتم الله على مرسلها نعمته وأعلى قدره ومنزلته وجعل جناح العدا مخفوضا وعيشه في دعة وخفض وقدره للتمييز مرفوعا وعدوه للتقصير في انحطاط وخفض فتلقاها باليمين وظنها الريح الجنوب لما تحملته من رقة الحنين وعلم ما أبداه فيها من تفضلاته واعترف بالتقصير عن مجاراته ومجازاته فشنف سمعه بألفاظ كأنهن اللؤلؤ والمرجان (9/25)
وبينت البون الذي بينه وبين غيره تلك الفصاحة والبيان وقابل أياديه بشكر لسانه وجازاه بحسن الدعاء عن إحسانه ولا يقوم بشكر فضله اللسان ولا الجثمان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان
فأما ما أشار إليه من الهناء بالمكان الذي تولاه وأبداه من المحبة التي أوجبت عليه أن يتوالاه فالله تعالى يعينه على ما هو بصدده ويجعل الحق والخير جاريين على لسانه ويده ويرزقه اتباع محكم كتابه وسنة رسوله ويحصل له من الرشد غاية سوله ومأموله فإن هذه الولاية صعبة المراس وجوادها كثير الشماس لكن ببركات المولى يحصل من الله الأرب ويسهل لأوليائه القصد والإسعاد والطلب أدام الله ظل المولى وأسعده وأوضح لديه طريق السعادة ومهده ومنحه من الألطاف الخفية أفضل ما عوده بمنه وكرمه
الضرب الثاني التهنئة بكرامة السلطان وأجوبتها
وفيه ثلاثة أصناف
الصنف الأول التهنئة بالإنعام والمزيد ولبس الخلع وغير ذلك
من كلام الأقدمين
وينهي أنه اتصل بالمملوك ما أهل مولانا السلطان مولانا له من المحل السني (9/26)
والمكان العلي الذي لم يزل موقوفا عليه متشوفا إليه نافرا عن كل خاطب سواه جامحا على كل راكب إلا إياه فأقر الله عين المملوك بذلك لصدق ظنه وعلم أن ما أصاره الله تعالى إليه من هذه المنزلة المنيفة والرتبة الشريفة مدرجة تفضي إلى مدارج ومعرجة تنتهي إلى معارج والله تعالى يزيد معاليه علوا ويضاعف محله سموا بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
ومنه وينهي أنه اتصل بالمملوك نبأ الموهبة المتجددة لديه والنعمة المسبغة عليه وما اختصه به مولانا السلطان من الاصطفاء والإيثار والاجتباء والاختيار وتقديمه للرتبة الأثيرة والإنافة إلى المنزلة الخطيرة فسر المملوك للرياسة إذ أحلها الله تعالى في محلها وأنزلها على أهلها ووصلها بكفئها وكافيها وسلم قوسها إلى راميها والله تعالى يجعل هذه الرتبة أول مرقاة من مراقي الآمال ومكين الرتب التي يفرعها من رتب الجلال إن شاء الله تعالى
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
أدام الله أنصاره وجعل التقوى شعاره وألبسه من المحامد أكرم حلة ونوله من المكارم أحمد خلة ولا زالت الخلع تتشرف إذا أفيضت عليه والمدائح تستطاب بذكره لا سيما إذا أنشدت بين يديه
الخادم ينهي إلى علم المولى أنه اتصل به خبر أهدى إليه سرورا ومنحه بهجة وحبورا وهو ما أنعم به المولى السلطان خلد الله سلطانه وضاعف إحسانه من تشريفه بخلعته وما أسبغه عليه من وارف ظله ووافر نعمته وأبداه من عنايته بالمولى ومحبته وقد حصل له من المسرة ما أجذله وبسط في مضاعفة سعد المولى أمله فإنه بلغه أن هذه الخلعة كالرياض في نضارتها وحسن بهجتها وأنها كلما برقت برق لها البصر وظنها لحسنها حديقة وقد (9/27)
حدق إليها النظر وقد جمعت ألوان الأزهار وأربى ناسجها في اللطف على نسمة الأسحار وأسكنت حبها حبات القلوب التي في الصدور وسمت عن المدح برائق المنظوم وفائق المنثور وأن ابن سليمان لو رآها لاعترف بأن في لبسها لكل فتى شرفا لا ريب فيه ونسب البيت المنسوب إليه إلى أعاديه وأنه لو نظر نضرة نضارها لما جعل لها في الحسن نظيرا ولو ألقاها على وجهه لارتد لوقته بصيرا فلذلك أصدر هذه الخدمة مهنية ومعربة عما حصل له من الفرح ومنبية ولجيد مدحه العاطل من مثل هذه الألفاظ محلية نوله الله في كل يوم مسرة وبشرى وأجرى له على الألسن حمدا وشكرا وجعله لكل خير أهلا وشكر له تفضلا شاملا وفضلا ومتعه من العافية بلباس لا يبلى إن شاء الله تعالى
الصنف الثاني التهنئة برضى السلطان بعد غضبه
فمن ذلك
وتنهي أنه اتصل بي ما جدده الله تعالى لمولاي أطال الله بقاءه من حسن عاطفة مولانا أمير المؤمنين خلد الله ملكه وانعطافه عليه بعد انصرافه وإعادته إلى رتبته التي نشزت عنه دلالا لا ملالا وهجرته هجر المستصلح المستعتب لا هجر القالي المتجنب وكيف تقلاه وهي لا تجد لها كفؤا سواه ولتوقع المملوك بما وقع من هذه الحال وعلمه أن عودها إليه كعودة المودع إلى مودعه لا عودة المنتجع إلى مربعه وأن الذي وقع من (9/28)
الانحراف إصلاح باديه تهذيب وتقويم وخافيه توقير وتعظيم لما في عتاب أمير المؤمنين من شرف الرتبة والدلالة على استقرار الأثرة والقربة وحلوله محل الصقال من أبيض النصال والثقاف من العسال ولا سيما ورياسته محفوظة وسيادته ملحوظة وهيبته في النفوس ماثلة وجلالته في القلوب حاصلة ولم ير المملوك أجل موهبة من الله سبحانه من شكر يسترهن هذه النعمة ويخلدها وحمد يرتبطها ويقيدها ورغبت إلى الله سبحانه أن يجعل هذا العز الحادث لابثا لا يتحول والسعد الطارف ماكثا لا يتنقل إن شاؤ الله تعالى
ومن ذلك
وينهي أن من عادة الزمان أن يكف سحابه ثم يكف ويرف نباته ثم يجف ويدر حلبه ثم ينقطع ويقبل خيره ثم يرتجع إلا أنه إذا سلب النعمة ممن يستوجب إمرارها عليه وانتزع الموهبة ممن يستحق استمرارها لديه كان كالغالط الذي يراجع نفسه فيندم على ما فرط ولا يلبث أن يستدرك الغلط معقبا نبوته بإنابته متعقبا هفوته باستقالته ماحيا إساءته برأب ما ثلم وأسو ما كلم وإصلاح ما أفسد وتأليف ما شرد فلا جرم أن النفوس بإقباله على من هذه صفته واثقة والآمال لانصرافه إلى من هذه صورته متحققة وإذا سلبها هرول في إيداعها لديه وأخذ في إفاضتها عليه وما زال المملوك مذ عامل الزمان مولانا بسوء أدبه ونأى عنه بجانبه وقبض بنانه وغير عليه سلطانه عارفا أن هذه الفعلة فلتة من فلتاته التي يتوقى شرها ولا يرجع إلى مثلها وأن الاستبصار يقوده إلى الاعتذار والاضطرار يحدوه على رد ما انتزعه بالإجبار لأنه لا يجد من يحل محل مولانا في ارتباطه بإيناسه وتعهده بسقي أغراسه وقيامه بشكره وتزكيته ببره متوقعا لأن تتيقظ عينه وينكشف رينه (9/29)
فيرى ما صنعت يداه ويبادر لاستقالة ما جناه حتى طرق البشير بما سهله الله تعالى من انحسار الكربة وعود مولانا إلى شرف الرتبة وصلاح ما فسد وعود السلطان أعز الله نصره إلى ما عهد وركوبه إلى حضرته وانقلابه عنه رافلا في تشريفه ومكرمته فكان معتقد المملوك فيه هلالا في السرار فأهل وجنينا في الحشا فاستهل فاستولى على المملوك من السرور ما عم جوارحه وعمر جوانحه وأطار بجناح المرح وألبس حلة الفرح إذ ما جدده الله تعالى له من السعادة يحل به في العموم محل الغيث السجوم لأنه حرس الله عزه لا يستأثر بعوارف الله عنده ولا يكز على عطاياه يده بل يمنح مما منح ويولي مما تولى ولا يضن بمال ولا جاه ولا يقعد عمن أمله ورجاه والله تعالى يجعل ذلك مما أقربه العيون وصدق فيه الظنون لا تخلقه الأيام ولا تبليه ولا تزويه الحوادث ولا تؤثر فيه إن شاء الله تعالى
الصنف الثالث التهنئة بالخلاص من الاعتقال
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
جدد الله سعده وضاعف جده وأنجح قصده وأعذب منهله وورده ولا انفكت الأيام زاهية ببقائه والأنفس مسرورة بارتقائه إلى رتب عليائه أصدرها تفصح عن شوق يعجز عن سوقه الجنان ويقصر عن طوله اللسان وسرور تزايد حتى أبكاه ولاعج بمشاهدة طلعته السعيدة أغراه وتهنيه بما جدد الله له بعد الاعتقال من الفرج والفرح ومن به بعد ضيق الخواطر من الابتهاج والمرح فهذه المسرة ماء زلال برد بها الأوام وإنعام عام حمد الله عليها الخاص والعام فالحمد لله الذي عوضه عن مأتم الحزن بما تم من السرور وعن الهم المانع عن الورود والصدور بانشراح الصدور فإن القلوب شعفها حبه وشغفها وضاعف لتعويفه أساها وأسفها بحيث اعترى المناطق قلق (9/30)
وعلاها اصفرار وعطلت يد كل غانية من الحلي فما ضمها قلب ولا سوار ولبس الخطباء حزنا وألبسته المحابر وكادت لغيبته وفقد اسمه تندبه الجوامع وتبكيه المنابر خلد الله سعادته وسهل له من خيري الدنيا والآخرة قصده وإرادته بمنه وكرمه الأجوبة عن التهنئة بكرامة السلطان ورضاه بعد غضبه
قال في مواد البيان يجب أن تكون أجوبة هذه الرقاع مودعة من الثناء على المهني لمحافظته على رسوم المودة وقيامه بشروط الخلة ما تقتضيه رتبته ورتبة المجيب وأنه مشارك له في متجدد النعمة مفاوض في حديث المسرة والتيمن بالدعاء ونحو هذا مما يحسن موقعه عند المبتديء بالهناء ويضعه بحيث وضع نفسه من الاختصاص بمن كاتبه
وهذا مثال من ذلك
زهر الربيع جواب هناء بخلعة
أدام الله علاءه وشكر آلاءه وضاعف سناءه وحمد مننه التي أثقلت لكل معتف ظهرا وخففت هما وأنالت لكل ولي نصيبا من عوارفها وقسما المملوك ينهي إلى العلم الكريم ورود المكاتبة التي كستها يده حلة جمال وألبستها ثوب إفضال وأعدتها بكرمها وحسنت وجهها بلسان قلمها فأمطرته سحاب جود أربى على السحاب الهتون وأوقفته منها على ألفاظ كأمثال اللؤلؤ المكنون فاجتنى ثمار الفضائل من أغصانها واجتلى عروس محاسنها وإحسانها وفهم ما أشار إليه من التهنئة بالخلعة التي أنعم المولى بها على (9/31)
خادمه وتصدق وحقق الأمل في مكارمه وصدق وإنعامه خلد الله دولته وأعز نصرته قد كثر حتى أخجله وميزه على كثير من مماليك بيته العالي وفضله وأناله من المنزلة ما سما بها على أمثاله ورقي بها بعد رقة حاله فالله يخلد سلطانه ويثبت بالسعادة أركانه وهذا بسعادة مولانا ومساعدته ومعاونته ومعاضدته فإنه كان السبب في الاتصال ببابه أولا وآخرا وممن أغاثه بذلك وأعانه عليه باطنا وظاهرا - بسيط -
( وكل خير توخاني الزمان به ... فأنت باعثه لي أو مسببه )
الضرب الثالث من التهاني التهنئة بالعود من الحج
وهذه نسخ من ذلك ينسج على منوالها
فمن ذلك
وينهي أنه طرق المملوك البشير بعود مولانا أطال الله بقاءه من مقام الطائفين إلى مقام المعتفين وأوبته من كعبة الإحرام إلى كعبة الإكرام وتنقله من موقف الحجاج إلى موقف المحتاج وحلوله بمنزله الذي هو قبلة ذوي الآمال ومحط الرحال بالسعي المشكور والحج المبرور والنسك المقبول والأجر المكتوب فحمدت الله تعالى على موهبته وسألته زيادته من مكرمته واستنجحت هذه المكاتبة أمام ما أرومه من مشاهدته وأرجوه من الاستسعاد بملاحظته وبرد أوار الشوق بمحاضرته ومجددا عهود التيمن بمباسمته فإن اقتضى رأيه العالي أن يعرف المملوك جملة من خبره في بدئه وعوده ومنقلبه ومتوجهه وما تفضل الله تعالى به من أمان سبيله وهداية دليله وتخفيف وعثاء سفره وتسهيل وطره لأسكن إلى ذلك إلى حين التمثل بنظره فله الفضل في ذلك والله تعالى يبلغه سوله ويوصله مراده ومأموله بمنه وكرمه
ومن ذلك (9/32)
وينهي أن مولانا لا يزال حاجا إلى الكعبة الحرم أو كعبة الكرم وطائفا بشعائر الوفود أو بشعائر الجود وواقفا بموقف الاستفتاح أو موقف السماح وناحر البدن بمنى أو ناثر البدر للمنى فلا يرتفع في حال من الأحوال بره ولا ينقطع عن الله تعالى ذكره ومن كان بهذه المثابة في إحراز الأجر والإنابة فهو حقيق أن تعمر بالتهنئة أوقاته وأزمانه كما عمرها سعيه وإحسانه وقد عرف المملوك انكفاءه أدام الله علوه عن مقام الطائفين والعاكفين إلى مقام القاصدين والمعتفين وعوده إلى منزله المعمور بعد قضائه فريضة السعي المشكور فعدلت في مخاطبته عن الهناء إلى الدعاء بأن يتقبل الله تعالى نسكه ويثقل ميزانه ويطلق في حلبة الخيرات عنانه ويحييه لأجر يحرزه وثواب يكنزه والله تعالى يجيب ذلك فيه ويريه في نفسه وأحبته ما يرتضيه
ومن ذلك
وتنهي أنه قد طرقني البشير بانكفاء مولانا إلى مقر علائه وانفصاله عن ملاذ النساك والعباد إلى معاذ الزوار والقصاد فعرفت أن ذلك النسيم العليل من تلقائه وذلك النور الصادع من آلائه وذلك الافترار من أسرته ومخايله وتلك العذوبة من شيمه وشمائله فكاد المملوك يطير لو طار قبلي غير ذي مطار فرحا وأخرق الأرض وأبلغ الجبال لو أمكن ذلك مرحا وانفتح قلبي حتى كادت مهجته تفيض سرورا وطاش حلمي حتى تفرق مجموعه بهجة وحبورا والله تعالى يجعل نعمه موصولة الحبل مجموعة الشمل بمنه وكرمه (9/33)
أبو الفرج الببغاء
جعل الله سعيك مشكورا وحجك مبرورا ونسكك مقبولا وأجرك مكتوبا وأجزل من المثوبة جزاءك ومن عاجل الأجر وآجله عطاءك وقرن بالطاعات عزماتك وبالسعي إلى الخير نهضاتك ووفقك من صالح الأعمال وزكي الأفعال لما يجمع كل خير الدارين ولما طرقتني البشارة بقدومك بدأت بإهداء الدعاء وتجديد الشكر لله تعالى والثناء واستنبت في ذلك المكاتبة امام ما أنا عازم عليه من المشافهة والمخاطبة ولن أتأخر عن حظي من المسير إليك للتيمن بالنظر إلى غرتك ومداواة ما عانيته من ألم الشوق بمشاهدتك
الضرب الرابع من التهاني التهنئة بالقدوم من السفر
من كلام المتقدمين
علي بن خلف
وينهي أنه اتصل بالمملوك خبر توجهه إلى الناحية الفلانية فعرف المملوك أنه قصدها ليخص قاطينها بنصيب من مواهبه ويفيض على ساكنيها سجالا من رغائبه ويسوي بينهم وبين من راشه بحبائه وجبره بنوافله وآلائه فسألت الله تعالى أن يطيل عمر المكارم بإطالة بقائه ويجمع شمل السؤدد بدوام علائه ثم اتصل بي عوده إلى مقره خفيف الحقائب من وفره ثقيلها من ثنائه وشكره فحمد المملوك الله تعالى على إسفار سفره عن بلوغ الأوطار وانحسار أمنيته عن أذيال المسار وما خصه به من السير الشحيح والسعي (9/34)
النجيح والسلامة المفرقة على الوجهة والمنقلب والمفتتح والمعتقب ولما عرض للمملوك ما قطعه عن مشافهته بالدعاء رفع يده إلى الله تعالى ضارعا لديه في أن يتولاه في هذا المقدم الميمون بالسعد المضمون وإنالة الأماني المقرة للعيون وأن يمنحه في الحل والترحال والقطن والانتقال توفيقا يقارن ويصاحب ويساير ويواكب وأن يجعل ما خوله من نعمه راهنا خالدا وما أولاه من مواهبه بادئا عائدا إن شاء الله تعالى
وله أيضا
وينهي أنه طلع عليه البشير طلوع القمر المنير مؤذنا بمقدم حضرته ومعلما بظهور طلعته وحلوله في معانه الذي هو معان الإقبال وعون الرجال وقرارة الأقيال ومحط الرحال وقبلة الجود ومعرس الوفود فسألت الله تعالى أن يبقيه جمالا للأيام وثمالا للأنام وعمادا للقصاد ومرادا للرواد والله تعالى لا يخليه في تصرفاته وجميع حركاته وسكناته من سعي سعيد وعيش رغيد بمنه وكرمه
أبو الفرج الببغاء
من كانت غيبة المكارم مقرونة بغيبته وأوبة النعم موصولة بأوبته سافرت الأنفس حيث كان إليه وقدمت الآمال عند قدومه عليه وما زالت الأنفس إلى الأمنية بقربه متطلعة ولورود السرور بوروده متوقعة إلى أن أنست (9/35)
بعد الوحشة بلقائه وتنسمت أرج منه ونعمائه فوصل الله قدومه من الكرامة بأضعاف ما قرن به مسيره من السلامة محروسا من طوارق الغير مبلغا أبعد العمر
وله في مثله
من كانت مادة سروره بمغيبه وحضوره لم يجد مع بعدك مؤنسا يسكن إليه ولا عوضا يعول في السلوة عليه وما زلت أيام غيبتك لا أوحش الله منك بالوحدة مستأنسا وبالشوق إليك مجالسا ألاقيك بالفكر وأشاهدك باتصال الذكر إلى أن من الله من أوبتك بما عظمت به النعمة وجلت لدي معه الموهبة فوصل الله بالسلامة نهضاتك وبالسعادة حركاتك وبالتوفيق آراءك وعزماتك وحرسني ببقائك وبقاء النعمة عندك وهنأني النعمة الجليلة بقربك
وله في مثله
من كنت نهاية امنيته وقطب مسرته كان من نفسه مستوحشا مع بعدك وبدهره مستأنسا مع قربك وما زلت معك بالنية مسافرا وبالشوق سائرا وبالفكر ملاقيا وبالأماني مناجيا إلى أن جمع الله شمل سروري بأوبتك وسكن نافر قلقي بعودتك على الحال السارة من كمال السلامة ووفور الكلفة فأسعدك الله بمقدمك سعادة تكون بها من الزمان محروسا وللإقبال مقابلا وبالأماني ظافرا ولا أوحش الله منك أوطان الفضل وعضد إخوانك ببقائك وبقاء النعمة عندك
وله في مثله
لو كان القلب يجد عنك منصرفا أو يرى منك في اكتساب المسرة خلفا لاستراح إليه من ألم بعدك واستنجده على مرارة فراقك لكنك أيدك الله جملة مسرته ونهاية أمنيته فليس تتوجه أمانيه إلا إليك ولا تقف آماله إلا عليك فالحمد لله الذي أقر بفيئتك أعين إخوانك وأودائك وافاك الله من السعادة في أوبتك أضعاف ما اكتنفك من الكفاية في ظعنك (9/36)
ابن أبي الخصال
سر الله مولاي ورئيسي ورب تشريفي وأنيسي بلقاء الأحباب واتصال الأسباب وأوبة الغياب ولا زالت الأيام تتصنع لإقباله وتقبله أوجه العز في اقتباله وتوفيه على رغم الحاسد حق جلاله
البشرى أدام الله اعتزازه بمقدم الوزير فلان قد أوضعت ركابها واتصل بالنفوس أعلاقها وأسبابها فهنيئا معشر الأولياء بسبوغ هذه النعمة الجليلة والمنحة الجزيلة ولا أستوفي شكر ما به أتى معظم قدره وملتزم بره من ثناء كعرف الطيب يهدى ومذهب في الإنهاض لا يقضى واجبه ولا يؤدى ولا زالت حياة مولاي تفدى وأفعال بره تتعدى وقد لثمت مواقع أنامله ودا ووردت من محاسن بيانه منهلا عذبا ووردا فأمتعني الله بحياته العزيزة الأيام الطيبة الإلمام الموصولة العهد والذمام وأقرأ على سيدي من سلامي ما يلثم يده ويقضى حق اليراع الذي أنشأ به البر وولده والسلام المعاد عليه وعلى جملته ورحمة الله وبركاته
الشيخ جمال الدين بن نباتة عن نائب الشام إلى القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر الشريف بالأبواب الشريفة بالديار (9/37)
المصرية عند عوده من الكرك إلى الديار المصرية في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة مهنئا له بعوده إلى منزله بالديار المصرية واستقراره وعوده إلى كتابة السر الشريف بالأبواب الشريفة السلطانية وهي
تقبل الباسطة الشريفة إلى آخر الألقاب لا زالت خناصر الحمد على فضل بنانها معقودة ومآثر البأس والكرم لها ومنها شاهدة ومشهودة وبواتر السيوف مسيرة القصد إلى مناظرة أقلامها المقصودة تقبيلا يود لو شافه بشفاهه مورد الجود من الأنامل وكاثر بثغره عند المثول للتقبيل ثغور الأماثل فكان يشافه بشوقه موردا كثير الزحام وكان يكاثر بعقد قبله على يد الفضل عقودا جزيلة الانتظام وكان يحاكم جور الضيم إلى من أبى الله لجار مشاهدته أن يضام وينهي ما وصل إليه وإلى الأولياء من السرور وما رفع بينهم وبين الابتهاج من الشرور وما طولع في أخبار المسرة من السطور بوصول مولانا ومن معه إلى مساكن العز ساكنين ودخولهم كدخول يوسف عليه السلام ومن معه إلى مصر آمنين واستقراره في أشرف مكان ومكانة واستنصار مصر بأقلامه على العادة فإن هذه سهام وهذه كنانة وإسفار غمام السفرة عن كوكب علا طالما حرس بيمينه أفق الملك وهداه وزانه وما كانت إلا غيبة أحمد الله عقباها وغيابة بعد من الله عز و جل وجلاها وفترة ثنى فترتها فتنفس خناق المنصب المشتاق لوجهه الكريم وهجرة صرف الله هجيرها فسقى طرس الإنشاء الذي ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم وما محاسن مولانا إلا زينة من زين الدنيا فعليها يتشاكس المتشاكسون وما مزاج كلماته إلا من تسنيم ( وفي (9/38)
ذلك فليتنافس المتنافسون )
فالحمد لله على أن أقر العيون بمعاودة ظله الوريف وعلى أن شفى الصدور بقربه وأولها صدر السر الشريف وعلى أن أجزل الهناء وقد شمل ظله وقد كمل بابن الفضل فضله وقد بهر سناؤه وسناه وقد تسعب القريب والبعيد فإن أجدى على مصر مورده فقد جادت على الشام سماه وقد أخذ المملوك حظه من هذه البشرى ووالى السجود لله شكرا وجهز خدمته هذه نائبة عنه في تقبيل بنان إن سماه مولى الكرم بحرا فقد سماه مربي الملك برا لا زالت الممالك متحفة بيمن مولانا ظاعنا ومقيما متصفة بحمده وحمد سلفه الكريم حديثا وقديما تالية على مهمات الملك بصحبة بيته الشريف ( وكان فضل الله عليك عظيما )
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في تهنئة بقدوم من سفر
أدام الله ظله ورفع محله وشكر إنعامه وفضله وأعز أنصاره وضاعف اقتداره ولا زال مؤيدا في حركاته مسددا في سائر فعلاته مصحوبا بالسلامة في المهامه والقفار مخصوصا من الله تعالى بالأعوان والأنصار
المملوك ينهي بعد تقبيل الأرض والقيام بما يجب من سننه والفرض علمه بحلول ركابه العالي بمغناه واستقرار خاطره الشريف في محله ومثواه وجمع الشمل بالأهل بعد طول الغيبة وبعد القفول والأوبة فتضاعف لذلك فرحه وسروره وزال عن قلبه قليل الهم وكثيره فالله يمنح المولى أطيب المنازل وأسر الرواحل ويجعل تجارة مجده رابحة وأوامر دوام عزه لائحة (9/39)
حتى تنشد نفسه الكريمة قول أبي الطيب - كامل -
( أنا من جميع الناس أطيب منزلأ ... وأسر راحلة وأربح متجرا )
لا زالت الأعين قريرة برؤيته وقلوب الإخوان قارة بمشاهدته والأوجه وسيمة والنعم الظاعنة مقيمة إن شاء الله تعالى أجوبة التهنئة بالقدوم من السفر
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع ينبغي أن تبنى على الاعتراف للمهنيء بحق تعهده وكرم تفقده وإطلاعه على الحال في السفر وما أفضت إليه من السلامة والتأسف على ما تقضى من الأيام في مباعدته والتخلف عن مباسمته وأنه لم يزل يدرع الإدلاج ويقطع الفجاج رغبة في القدوم إليه والوفادة عليه وبل الغلة برؤيته وترويح النفس بمحاضرته وما يليق بهذا النمط من الكلام
الضرب الخامس من التهانيء التهنئة بالشهور والمواسم والأعياد
وهي على ثمانية أصناف (9/40)
الصنف الأول التهنئة بأول العام وغرة السنة
من كلام المتقدمين
تهنئة من ذلك من إنشاء أبي مسلم محمد بن بحر
أسعد الله سيدي بعامه والفضل منه وما حوى من الأعياد والأيام الخطيرة وسائر شهوره وأيامه ومتصرف أحواله وبما يأتي ويكر عليه من زمانه سعادة تسوق إليه حظوظ الدين والدنيا كاملة وتجمع له فوائد الأمدين تامة وافية وترتهن إليه النعم فلا تزال لديه زائدة نامية وبلغه بها الأمل ومد له في البقاء إلى أنفس المهل
ولأبي الحسين بن سعد
عظم الله على مولاي بركة الشهر والسنة المتجددين ووهب له فيهما وفيما يتلوهما من أيام عمره وأزمان دهره سعادة تجمع له أشتات الحظوظ وتصل لديه مواد المزيد وتيسر له بلوغ الأمل في كل ما يطالع وينازع والأمن من كل ما يراقب ويحاذر
وله في مثله
عظم الله على سيدي بركة الشهر والسنة وأعاشه لأمثالهما مدة اختلاف الجديدين وتجاور الفرقدين ممتعا بالنعم السابغة والمواهب المترادفة والسعادة والغبطة والعز والمسرة
وله في معناه (9/41)
جدد الله لسيدي في الأيام الحاضرة والمستقبلة والأحوال الراهنة والمتنقلة حظوظا من السعادات وأقساما من الخيرات لا يحصى عددها ولا ينقضي مددها
وله في مثله
عظم الله على مولاي بركة الشهر والسنة المتجددين عليه وعرفه فيهما وفي الأيام بعدهما من حادث صنعه ولطيف كفايته ما تدوم فيه السعادة وتعظم به المنة وتحسن فيه العاقبة
وله في مثله
عظم الله على مولاي بركة هذا الشهر الماضي من أيامه وباقيها وهذه السنة وجعلها أيمن سنة حالت عليه وأسعدها
ومنه وينهي أن المملوك يهنيء غرة الأيام بغرة الأنام وصدر العام بصدر الكرام بل يهنيء الزمن كله نعم وأهله بالحضرة التي واست المعالي
الصنف الثاني التهنئة بشهر رمضان
من كلام المتقدمين
لأبي الحسين بن سعد
جمع الله لمولاي في هذا الشهر الشريف شروط آماله وأحكام أماليه في حاضر أمره وعاقبته وعاجل دنياه وآخرته وأبقاه لأمثاله بقاء لا يتناهى أمده في ظل عيش يرضاه ويحمده
وله في مثله
عرف الله سيدي بركة هذا الشهر الشريف وأعاشه لأمثاله ما كر الجديدان واختلف العصران ممتعا بسوابغ النعم محروسا من حوادث (9/42)
الغير وموفقا في شهره وأزمان دهره لأزكى الأعمال وأرضى الأحوال ومقبولا منه ما يؤديه من فرضه وينتقل به قربة إلى ربه
وله في مثله
عرفه الله بركة إهلاله وأبقاه طويلا لأمثاله موفقا فيه من عمل الخير ومراعاة الحق وتأدية الفرض والتنفل بالبر لما يرضيه ويستحق جزيل المثوبة عليه ممتعا بعده بسني المواهب وجسيم الفوائد مع اتصال مدة العمر واجتماع أمنيات الأمل
وله في مثله
عرف الله مولانا بركة هذا الشهر الشريف وأيامه وأعانك على صيامه وقيامه ووصل لك ما يزيد من فضله وإنعامه وتابع لك المزيد من منائحه وأنعامه وختم لك بالسعادة العظمى بعد الانتقال في الجاه والرياسة إلى أبعد المدى وفي العز والثروة إلى أقصى المنى
أبو الفرج الببغاء
جعل الله ما أظله من هذا الصيام مقرونا بأفضل قبول مؤذنا بإدراك البغية ونجح المأمول ووفقه فيه وفي سائر أيامه ومستأنف شهوره وأعوامه لأشرف الأعمال وأفضلها وأزكى الأفعال وأكملها ولا أخلاه من بر مرفوع ودعاء مسموع وسعي مشكور وأمر مبرور إلى أن يقطع في أجمل غبطة وأتم مسرة أمثاله
وله في مثله
عرفك الله بركة هذا الشهر المعظم قدره المشرف ذكره ووفقك فيه لصالح الأعمال وزكي الأفعال وقابل بالقبول صيامك وبتعظيم المثوبة تهجدك وقيامك ولا أخلاك في سائر ما يتبعه من الشهور ويليه من الأزمنة (9/43)
والدهور من أجر تذخره وأثر تشكره
قلت ومما كتبت به تهنئة بالصوم للمقر الأشرف الناصري محمد بن البارزي كاتب السر الشريف المؤيدي بالممالك الإسلامية في سنة ست عشرة وثمانمائة نظما - طويل -
( أيا كاتب السر الشريف ومن به ... تميس نواحي مصر تيها مع الشام )
( ومن جلت الجلى كتائب كتبه ... ومن ناب عن وقع السيوف بأقلام )
( تهن بهذا الصوم والعيد بعده ... ومن بعده بالعيد والعام فالعام )
( وترقى رقي الشمس في أوج سعدها ... وتبقى بقاء الدهر في فيض إنعام )
الصنف الثالث ما يصلح تهنئة لكل شهر من سائر الشهور
لأبي الحسين بن سعد
عظم الله بركة إهلاله وأعاشه لأمثاله أطول المدة ممتعا بأدوم النعمة ومشفعا بأفضل الأمل والأمنية
وله أسعد الله سيدي بانصرامه وإهلال ما بعده وأبقاه ما بقي الزمان ممتعا بالعز والنعمة محروسا من الآفات المخوفة والحوادث المحذورة
وله عظم الله على سيدي بركة الماضي والمستقبل من الأيام والشهور والأعوام والدهور ووصل لي السعادة باتصالها وجدد له النعمة بتجددها
وله عظم الله بركة انسلاخه وإهلال ما يتلوه مجددا لك بتجدده فوائد الخيرات وأقسام البركات تدوم فيها المدة وتطول بها النعمة (9/44)
وله أسعدك الله بإهلاله وأعاشك أبدا لأمثاله ممتعا بدوام العز والنعمة واجتماع أسباب الرخاء وشروط المحبة إنه جواد كريم
وله عظم الله على مولاي بركات هذا الشهر وما يتلوه وبلغه ما يحاوله وينحوه في مستأنف الشهور ومؤئنف الدهور مضاعفا له العز والتأييد وموصولا له أصل النعمة بحسن المزيد
وله عظم الله على مولاي بركة الشهر وأدام له سلامة الدهر موفورا من العز والسلطان غير مذعور بنوائب الزمان
وله عظم الله على سيدي بركة الأيام والشهور والسنين والأحقاب وجمع له المواهب كاملة والفوائد فاضلة دينا ودنيا وحاضرة وعقبى
وله عظم الله عليك بركته وعرفك يمنه وسعادته وجدد لك الخيرات تجديد الأوقات والساعات حتى تحوز منها أسنى الحظوظ وتبلغ مما تتمناه أقصى الغايات
الصنف الرابع التهنئة بعيد الفطر
من كلام المتقدمين
لأبي الحسين بن سعد
عظم الله على سيدي بركة هذا العيد وأعاشه لأمثاله من الأعياد المشهودة والأيام الجديدة في أهنإ عيش وأرغده وأطول مدى وأبعده
أبو الفرج الببغاء
أسعدك الله بهذا الفطر الجديد والعيد السعيد ووصل أيامك بعده بأكمل السعادات وأجمل البركات وجعل ما أسلفته من الدعاء مقبولا (9/45)
مسموعا ومن التهجد زاكيا مرفوعا ولا أخلاك من نعمة يحرس الشكر مدتها ولا يخلق الدهر جدتها
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
المولى أدام الله نعمه وحرس شيمه هو سيد الأفاضل ورئيس الأماثل وحسنة الزمان وليث الأقران وهو في الأنام كالأعياد في الأيام فإن الأنام ليل والمولى المصباح بل الصباح وسائر الأيام أجساد وسائر الأعياد هي الأرواح فإذا كان المولى قد زهي على أبناء جنسه ويوم العيد على غده وأمسه فقد صار كل منكما إلى صاحبه يتقرب ويلزم ويلزب وهو أحق الناس بأن يبهجه مقدمه وأن يهنى بيومه الذي هو مجمع السرور وموسمه
والخادم يهنيء المولى بهذا العيد واليوم السعيد فإنه وافى في أوان الربيع وزمانه ليباهي بغصن قده أغصان بانه ويستنشق في صدره وورده رائحة ريحانه وورده ويختال في رياضه وحدائقه ويلاحظ بهجة أزهاره وشقائقه والعيد والربيع ضيفان ومكارم المولى جديرة بإكرام الضيف والتمتع بالملاذ فيهما قبل رحيلهما وقدوم حر الصيف وأن يحسن وجه عيده بحلوله في مغناه ووجوده بما يوليه لعفاته من إنعامه وجوده لا زالت الأعياد تهنى ببقائه وألسنة الأيام تشكر سوابغ نعمائه وتحمد جزيل عطائه وتنطق بولائه وثنائه أبدا إن شاء الله تعالى
قلت ومما كتبت به مهنئا للمقر الأشرف الناصري محمد بن البارزي (9/46)
صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية في الدولة المؤيدية شيخ بعيد الفطر نظما بعد أن سألته حاجة فقضاها وأسنى لي الجائزة على نثر كتبته له - طويل -
( سألت نظام الملك كاتب سره ... إزالة ضنك أرهف الدهر حده )
( فمن بجاه زعزع الأرض وقعه ... وجاد بمال لا يرى الفقر بعده )
( وبالبارزي ازدان وصف مكارم ... فأشبه في فضل أباه وجده )
( فيهناه صوم ثم عيد مسرة ... وطالع إقبال يقارن سعده )
( ورفع دعاء لا يغب تتابعا ... وطيب ثناء خامر المسك نده )
الصنف الخامس التهنئة بعيد الأضحى
من كلام المتقدمين
أبوالحسين بن سعد
كتابي والنحر نحر الله أعداء مولاي وحساد نعمته وأمتعه بمواهبه عنده وبارك له في أعياده ومتجدد أيامه بركة تنتظم السعادات وتتضمن الخيرات متصلة غير منقطعة وراهنة غير فانية
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي - طويل -
( تهن فأيام السرور أواهل ... وكل مخوف عن جنابك راحل )
( ونجمك من فوق الكواكب طالع ... ونجم امرىء يشنا سموك آفل )
( ألا أيها المولى الذي عم جوده ... فدتك العوالي والجياد الصواهل )
( تمتع بعيد النحر وافاك خاضعا ... يحقق من دنياك ما أنت آمل ) (9/47)
( ودم كابت الأعداء وابق مخلدا ... على المال عال بالرعية عادل )
( لقد راق مدحي في معاليك مثل ما ... صفت منك اوصاف ورقت شمائل )
جعله الله أبرك الأعياد وأسعدها وأيمن الأيام وأمجدها وأجمل الأوقات وألذها وأرغدها ولا برح مسرورا مستبشرا منصورا على الأعداء مقتدرا مسعودا محمودا معانا بملائكة السماء معضودا مهنأ بالسعود الجديدة والجدود السعيدة والقوة والناصر والعمر الطويل الوافر - طويل -
( ولا زالت الأعياد لبسك بعده ... فتخلع مخروقا وتعطى مجددا )
( فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى ... كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا )
وأعاده على المولى في صحة دائمة وسلامة ملازمة وأصار عيده مطيعا لأوامره كسائر العبيد وعبيده في كل يوم من المسرة ببقائه لها كالعيد والأيام به ضاحكة المباسم والأعوام جميلة المواسم ومتعنا بدوام حياته واستجلاء جميل صفاته واستحلاء مدائحه بإنشاد عفاته وأراه نحر أعاديه بين يديه كأضاحيه وأصار الحج إلى بابه غافرا سيئات الإفلاس والإعدام ومبيحا لبس المخيط من أنعامه العام ألبسه الله من السعادة أجمل حلة ومنحه من المكارم أحسن خلة
الصنف السادس التهنئة بعيد الغدير من أعياد الشيعة
وكان لهم به اهتمام في الدولة الفاطمية بالديار المصرية والطريق في التهنئة به على نحو غيره من الأعياد
ما يصلح تهنئة لكل عيد
أبو الفرج الببغاء
لولا العادة المشهورة والسنة المأثورة بالإضافة في الدعاء والمشافهة بالتهنئة والثناء في مثل هذا اليوم الشريف قدره الرفيع ذكره لكان أيده الله (9/48)
دون رؤساء الدهر وملوك العصر يجل عن التهنئة إذ كانت سائر أيامه بما يودعها من أفعال الخير معظمة وبما يبثها من المحاسن مكرمة فبلغه الله أمثاله محروسا في نفسه ونعمته محفوظا في سلطانه ودولته موفيا على أبعد أمانيه مدركا غايتها فيما يؤمله ويرتجيه
وله في مثله
عرفك الله يمن هذا العيد وبركته وضاعف لك إقباله وسعادته وأحياك لأمثاله في أسبغ النعم وأكملها وأفسح المدد وأطولها وأشرف الرتب وأرفعها وأعز المنازل وأيفعها وحرس منحتك من المحذور ووقى نعمتك من عثرات الدهور
الصنف السابع التهنئة بالنيروز
وهو من اجل أعياد الفرس على ما تقدم ذكره في الكلام على أعياد الأمم في المقالة الأولى وكان للكتاب به اهتمام في أوائل الدولة العباسية بالعراق جريا على ما كان عليه الفرس من قديم الزمان
وفيه لأبي الحسين بن سعد
هذا يوم شرفته العجم ورعى ذمامه الكرم وهو من أسلاف سيدي ذوي النباهة واخلافه ذوي الطهارة بين منشىء رسمه ومؤدي حقه وكاس له بقبول انتسابه إليه جمالا يبقى على الأيام وحالا ينفق بها لدى الأنام فليس أحد أحق بالتهنئة به ممن سنه آباؤه وشيدته آلاؤه فصارت إلى أوليته نسبته وبكرم سجيته عصمته
وفيه له هذا أيد الله سيدي يوم عظمه السلف من العجم وسيدي وارث سنة الكرم وللسادة على العبيد في هذا اليوم رسم في الإلطاف (9/49)
وعليها لهم حق في القبول والإسعاف وقد بعثت بما حضر جاريا على سنة الخدمة وعادلا عن طريق الحشمة ومقتصرا على ما اتسعت له الحال وما يوجبه قدر سيدي من المبالغة في الاحتفال فإن رأى أن يشرف عبده بالاحتمال إليه وإجرائه مجرى الأنس عنده فعل إن شاء الله تعالى
وفيه للكرجي
هذا يوم تسموله العجم ويستعجم في العرب تشريفا له واعترافا بفضله واقتداء بأهله وأخذا بسنتهم فيه فليهن لإحراز الدولة في العز منزلا بحيث لا يرام ولا يضام ولا ترقى إليه الأماني ولا يطمع في مساواته المساوي وإنهم بعد تصرم الدولة على حميد آثارها وجميل الذكر فيها أعلام تضرب بهم الأمثال وتزهو بأيامهم الأيام وآثارهم تقتفى وأعيادهم تنتظر يتأهب لها قبل الأوان ويعرف فيها أثر الزمان وإنك منهم في الذروة السامية والرتبة العالية وبمحل لا عار معه على حرة في الخشوع لك والتعلق بحبلك وقد وجدت الأتباع عند ساداتها في مثل هذا اليوم على عادة في الإلطاف جسمتها وسيرت بها على أقوام منحتهم ظهور الدعوى فيها فأقبل قائلهم يقول لو كان باب الإهداء مفتوحا غير مسدود ومباحا غير ممنوع لأتحفت بالغراب الأعصم والكبريت الأحمر والأبلق العقوق وبيض الأنوق وقد بعثت بهدية لا ترد يعني الدعاء
وفيه من كان محلك من العز ونباهة الذكر وارتفاع الدرجة وعلو (9/50)
المنزلة وسعة البلد وبعد الأمد لم يتقرب متحل بالعلم والأدب إليه في يوم جديد إلا بصالح الدعاء وحسن الثناء
وفيه لو أخرنا هذا انتظارا لوجود ما تستحقه لانقضت أيامنا بل أعمارنا قبل أن نقضي حقا أو نؤدي عن أنفسنا فرضا لارتفاع قدرك عما تحويه أيدينا وعلو حالك عما تبلغه آمالنا وقد اقتديت بسنة الخدم والأولياء في الأعياد وأوضحت العذر في ترك الاجتهاد وبعثت في هذا اليوم الذي أسأل الله أن يعيده عليك ألف عام في نماء من العز وعلو من القدر وتمام من السرور ومزيد من النعمة
الصنف الثامن التهنئة بالمهرجان
وهو أحد أعياد الفرس على ما تقدم ذكره في المقالة الأولى في الكلام على أعياد الأمم وكان للكتاب من الاحتفال بالتهنئة به في أوائل الدولة العباسية مالهم بالنيروز
فيه لأبي الحسين بن سعد
لسيدي علي في الأعياد المشهورة والأيام الجديدة عادة اختزلني عن بعضها في هذا الفصل كلال الطبع عن البعض ووقوع الخطر بعرضه من الثناء نظما ونثرا ومن الإهداء عرضا وبرا دعاء تزيد قيمته على الأعلاق الثمينة وموقعه على الذخائر النفيسة ولطفه على التحف البديعة فأسعد الله سيدي بهذا اليوم سعادة تقيم ولا تريم وتزيد ولا تبيد وتتوطن ولا تظعن وتجمع حظوظا من الخيرات وفوائد من البركات يتصل سندها ولا ينتهي أمدها وأبقاه في أسبغ عز وأرفع رتبة وأرغد عيشة مكنوفا بحراسة تقيه وآله عوادي الزمان وتصرف عنهما طوارق الحدثان ما طرد الليل والنهار وطلع نجم وغار وعلى ذلك أيد الله سيدي فإن الحرص على إقامة الرسم والتطير (9/51)
من إضاعة الحق بعثاني على مراجعة القريحة واستكداد الروية فأسعفا بما قبلته الضرورة ولم أطع في إهدائه سلطان الحشمة وفضل سيدي يتسع لقبول الميسور وتحسين القبيح والله المعين على تأدية حقه والقيام بواجب فرضه
وله فيه أيضا إلى من منع أن تهدى إليه فيه هدية
لو كنت فتحت باب الإلطاف ونهجت إليه سبيلا لتنازع أولياؤك قصب السبق وتنافسوا في السرف فبان للمجتهد فضله والتمس العذر في التقصير ملتمسه وعمت المنحة كافتهم بما يظهر من مواقعهم وينكشف من أحوالهم لكنك حظرت ذلك حظرا استوى فيه الفريقان في الحكم وامتد فيه على ذوي الخلل الستر ولم تحظر الدعاء إذ حظرت الإهداء فأنا أهديه ضرورة واختيارا وإعلانا وإسرارا فأسعدك الله بهذا العيد الجديد الذي زاد بك في قدره وشرفه بأن جعلك من أربابه وولاة أمره
أبو الفرج الببغاء
هذا اليوم من غرر الدهور المشهورة وفضائل الأزمنة المذكورة معظم في العهد الكسروي مستظرف في العصر العربي باعث على عمارة المودات مخصوص بالانبساط في الملاطفات ولست استزيده أيده الله من بر يوليه ولا تطول إلي يسديه غير إدخالي في جملة من بسطته الأنسة وثقفته المحبة وتقربت منه بوكيد الخدمة في قبول ما إن شرف بقبوله كان كثيرا مع قلته جليلا مع نزارته فإن رأى أن يقوي منه ثقتي ويقابل بقبول ما أنفذته رغبتي فعل إن شاء الله تعالى
وله في مثله
قد أطعت في الانبساط إليك دواعي الثقة وسلكت في التحرم بك سبل (9/52)
الأنسة وتوصلت بملاطفتك إلى حسم مواد الحشمة فاستشهدت على ثقتي بك فيما أنفذته بمفارقة الحفلة وكلف المكاثرة فإن رأيت أن تكلني في تقبله إلى سعة أخلاقك وتسلك في ذلك أخصر طريق إلى ما أخطبه من مودتك وأزاحم عليه في إخائك فعلت إن شاء الله تعالى
وله في مثله
هذا اليوم أيد الله سيدي من أعياد المروة ومواسم الفتوة وأوطان السرور ومحاسن الأزمنة والدهور بلغة الله أمثاله في أنضر عيش وأسبغ سلامة وأبسط قدرة وأكمل مسرة وقد توثبت إلى الاقتداء فيه بأدبه والأخذ بمعرفة فروضه بمذهبه وأطعت في الانبساط إليه دواعي الثقة وأنفذت ما اعتمدت في قبوله على مكاني منه عائذا بالتقليل من كلف المكاثرة ومستثقل الكلفة فإن رأى أن يأتي فيما التمسته ما يناسب شرف طبعه وسعة أخلاقه فعل إن شاء الله تعالى
وله في مثله
لو كانت الملاطفات بحسب الرتب وقدر المنازل لما انبسطت قدرة ولا اتسع مكان لما يستحقه نبل محله وواجبات رياسته ولكنت من بين خدمه ضعيف المنة عن خدمته في هذا اليوم السعيد بلغه الله أمثاله في أفسح أجل وأنجح أمل بما يخدمه به ذوو الخدمات الوكيدة عنده المكينة لديه غير أني أثق منه أيده الله بحمل قليلي على علمه بإخلاصي في ولائه وانتسابي إلى جملته واختلاطي بأنسابه فإن رأى أن يجريني في قبول ذلك على سنة أمثاله من ذوي الجلالة عند أمثالي من الأولياء والحاشية فعل
وله في مثله
لو كانت الهدايا لا تتقبل ما لم تناسب في نفاسة القدر وجلالة الذكر (9/53)
محل من يتقرب بها إليه ومنزلة من أهداها إليه عليه لما سمت همة ولا اتسعت قدرة لما يستحقه أيده الله بأيسر واجباته وأصغر مفترضاته غير أن الأنسة بتفضله والاعتداد بسالف تطوله والتحقق بخدمته والانتساب إلى جملته بسطني إلى إنفاذ ما إن شرفني بقبوله كان مع قلته كثيرا ومع نزارته جليلا فإن رأى أن يقوي بذلك منه ثقتي ويحسم مادة احتشامي فعل أجوبة التهنئة بالمواسم والأعياد
قال في مواد البيان هذه الكتب والرقاع مضمونها الهناء بالموسم الجديد والدعاء للمهنإ فيه بتمليه قال وهذا المعنى مفاوض بين المهني والمهنى وينبغي أن تكون أجوبتها مشتقة منها ثم قال وقد يتصرف الكتاب فيها إذا كاتبوا الرؤساء تصرفا يخرج عن هذا الحكم
وهذه أمثلة من ذلك
أبو الفرج الببغاء
سمع الله دعاءك وبدأ في تقبل المسألة بك واجزل من أقسامه حظك وبلغك أمثاله في أفسح مدد البقاء وزاد فيما خولك من المواهب والنعماء ولا أخلاني من برك وأنهضني بواجباتك
وله في مثله
كل يوم أسعد فيه بمشاهدتك وأقطعه في ظل مودتك حقيق بالإحماد موف على محاسن الأعياد فسمع الله دعاءك وأطال ما شئت البقا بقاءك وجعل سائر أيامك مقرونة بالسعادات موصولة بتناصر البركات
من زهر الربيع
يخدم المجلس العالي جعل الله قدره على الأقدار ساميا وجزيل نواله (9/54)
على من هام به من العفاة هاميا ونصره نصرا عزيزا وأسكنه من حراسته حصنا حصينا وحرزا حريزا ولا زالت الأيام حالية الجيد بوجوده والأيدي تهش إلى تناول أياديه وجوده وأخبار المكارم عنه مروية وإليه معزوة وآيات فضله وفضائله بكل لسان متلوة
وينهي إلى علمه ورود مشرفته التي حلت الأسماع عندما حلت وسمت عن الرياض لما جليت عروس فضلها وجلت وزهت على زهورها برقم سطورها وطيب عرفها ونشرها بما فاح من طيها عند نشرها وفائق حسنها وبهجتها برائق براعة عبارتها ومعاملتها بما يجب من فروض إكرامها والسنن والمشي في تبجيلها على الطريق المألوف من موالاته والسنن وعلمه بما أشار إليه من الهناء بالعيد واليوم السعيد وقد تحقق بذلك إحسانه الذي ما برح متحققا بجميله وجزيله وشاكرا لكثيره وقليله وحصلت له البشرى والمسرة الكبرى ليس للعيد بمفرده ولا لهذا الهناء بمجرده بل لبقاء المولى ودوام سعادته وتخليد سيادته فإنه لكل إنسان عين ولكل عين إنسان وهو روح والأيام والأنام جثمان فالمملوك ببقائه كل يوم يتجدد له عيد جديد ويتضاعف له جد سعيد حرس الله شرفه الرفيع من الأذى وأراه في عين أعاديه جذعا ناتئا وسلم لحظه المحروس من القذى وأصار أيامه كلها أيام هناء وبداية سعادته بغير حد وانتهاء
الضرب السادس التهنئة بالزواج والتسري
من كلام المتقدمين
أبو الفرج الببغاء (9/55)
وصل الله هذا الاتصال السعيد والعقد الحميد بأحمد العواقب وأجمل المنح والمواهب وجعل شمل مسرتك به ملتئما وسبب أنسك بإقباله منتظما وعرفك به تعجل البركات وتناصر الخيرات ولا أخلاك فيه من التهاني بنجباء الأولاد وكبت بكثرة عددك سائر الحساد وهنأني النعمة الجليلة بإخائك وعضدني وسائر إخوانك ببقائك
وله في مثله
قرن الله بالخيرة ما عقدت وبالسعادة ما جددت وبجميل العاقبة ما أفدت وعرفك بركات هذا الاتصال ولا أخلاك فيه من مواد السعادة والإقبال وعضدك بالبررة من عقبك والسادة من ذريتك
وله في مثله
إني وإن كنت ملتحفا بلحف مودتك ومتمسكا بعصم أخوتك أولى بالتهنئة بما يحدث لك من ورود نعمة واتصال موهبة فإني ما أجد فرض الدعاء لك ساقطا ولا واجب الشكر لله تعالى على ما أولاني فيك زائلا فعرفك الله بركة هذا الاتصال الحميد والاقتران السعيد وجعله للسرور مكثرا وباليمن مبشرا وأحياك للتهاني بمثله في السادة من ولدك والنجباء من ذريتك
وله في مثله
وصل الله هذا الاتصال الميمون بأرجح البركات وأفضلها وأنجح الطلبات وأكملها واحمد بدأه وعقباه وبلغك الآمال في سائر ما تهواه وأحياك للتهاني بأمثاله في البررة من ولدك والنجباء من عقبك
من كلام المتأخرين
للشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
جعل الله الخيرة له فيما يذره ويأتيه والنجاح مقرونا بما يعيده من الأوامر (9/56)
ويبديه والألسنة شاكرة بما يوليه من الإنعام ويسديه صدرت هذه الخدمة معربة عن ثناء تأرج عرفه وولاء أعجز الألسنة شرحه ووصفه وتهنئة بهذه الوصلة المباركة جعلها الله للاتصال بالسعادة سببا ومحصلة من الخيرات مراما وافرا وأربا وعرفه بركة هذا العرس الذي أصبح الخير بفنائه معرسا ونور الشمس من ضياء بهجته مقتبسا فنحمد الله على هذه الوصلة سرا وجهرا ونشكره أن جعل بينه وبين السعد نسبا وصهرا منح الله المولى الرفاء والبنين والعمر الذي يفني الأيام والسنين ورزقه إسعافا دائما وإسعادا وأراه أولاد أولاده آباء بل أجدادا إن شاء الله تعالى أجوبة التهنئة بالزواج والتسري
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع يجب أن تكون شكرا للمهني على العناية والاهتمام ومشتملة على الإبانة عن موقع دعائه من التبرك والتيمن به إلا أن تكون البداية بمعنى يخرج عما هذا جوابه فينبغي أن يجاب عنه بما يقتضي الإجابة عن ذلك
الضرب السابع من التهاني التهنئة بالأولاد وهو على ثلاثة أصناف
الصنف الأول التهنئة بالبنين
مما أورده أبو الحسين بن سعد في ترسله
إنه ليس من نعم الله وفرائد قسمه وإن حسن موقعها ولطف محلها نعمة تعدل النعمة في الولد لنمائها في العدد وزيادتها في قوة العضد وما يتعجل من عظيم بهجتها ويرجى من باقي ذكرها في الخلوف والأعقاب ولاحق بركتها في الدعاء والاستغفار
ومنه إنه ليس من النعم نعمة تشبه النعمة في الولد لزيادتها في قوة العضد وحسن موقعها في الخلف والعقب واتصل بي خبر مولود فسرني ما (9/57)
وصل الله به من العارفة إليك وشركتك في جميل الموهبة فيه شركة من له مالك وعليه ما عليك وسألت الله أن يوزعك شكر النعمة ويؤنس بهذا المولود ربعك ويكثر به عددك ويعظم بركته ويمن طائره عليك ويزيد به في النعمة كذلك ويفعل الله ذلك بمنه وطوله
وفيه لأبي الحسين بن سعد إلى أبي مسلم بن بحر يهنئه بابن حدث له
فأما ما جدد الله من النعمة في القادم والموهوب لك ولدا وأنسا ولنا سندا وذخرا فقد جل قدر هذه الموهبة عن أن يحاط لها بوصف أو يوفى لها بشكر
وفيه لعلي بن خلف
وينهي أنه اتصل بالمملوك بزوغ نجم سعد في مشارق إقباله مؤذن باتساق سموه وجلاله فأحدث من الحلال والاستبشار بمقدمه والتبرك والتيمن بقدمه ما تلألأت على المملوك أنواره وحسنت عنده آثاره وسألت الله تعالى راغبا إليه في أن يعرفه سعادة مولده ويمن موفده ويجعله شادا لعضده وموريا لزنده ويشفعه والسادة السابقين بنجباء متلاحقين يتبلجون في نطاق سعادته ويتوسمون في آفاق سيادته ويصون سلكهم من الانفصام وشملهم من الانهدام ويبقيهم غررا في وجوه الأيام وأقمارا في صفحات الظلام بمنه وفضله إن شاء الله تعالى
وفيه له وينهي أن المملوك يشكر الله تعالى على ما أنزله عند مولانا من عوارفه واختصه به من لطائفه شكر من شاركه في النعمة المسبغة عليه وانتهى إلي خبر السند المتجدد لمولانا فطار المملوك بخوافي السرور (9/58)
ومقادمه وأخذ من الابتهاج بأوفى قسمه وسأل الله تعالى أن يبارك له في عطيته ويردفه بزيادته ويوفر عدده ويشد بصالح الولد عضده ويجنيه من هذا القادم ثمار المسرة ويري عينه منه أقر قره ويشفع المنحة في موهبته بإطالة مدته
وفيه وينهي أن أفضل النعم موقعا واشرفها خطرا وموضعا نعمة الله تعالى في الولد لزيادتها في العدد وقوة العضد وما يتعجل من عظم جمالها وزينتها ويرجى من حسن مآلها وعاقبتها في حفظ النسب والأصل وحسن الخلافة على الأهل وجميل الذكر والثناء ومتقبل الاستغفار والدعاء وقد اتصل بالمملوك بزوغ هلال سماء المجد ومتعلق الإقبال والسعد فأشرقت الأيام بإشراقه ووثقت الآمال باجتلائه واتساقه فقام المملوك عن مولانا بشكر هذه النعمة المتجددة والموهبة الراهنة الخالدة وهنأت نفسي بها وأخذت بحظي منها والله تعالى يعرفه يمن المولود من أطهر والدة وأطيب والد ويعمر به منزله ويؤنس ببقائه رحله ويبلغ محبيه من الآمال فيه ما بلغهم في الماجد أبيه إن شاء الله تعالى
وفيه وينهي أن نعم الله تعالى وإن كانت على مولانا متظاهرة ولديه متناصرة فقد كان المملوك يرغب إلى الله تعالى في أن يجمل الأيام من نسله بمن بحفظ عليها شرف أصله ويخلفه بعد العمر الطويل في نبله وكرم فعله ولما اتصل بالمملوك نبأ هذا الهلال البازغ في سمائه المقر لعيون أوليائه المخيب لظنون أعدائه حمدت الله تعالى على موهبته وسألته إقرار نعمته وأن يعرف مولانا بركة قدمه ويمن مقدمه ويوفر حظه من زيادته وسعادة وفادته وأن يجعله برا تقيا مباركا رضيا ويفسح في أجله ويبلغه فيه أمله إن شاء الله تعالى
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي - كامل (9/59)
( هنئت بالإسعاف والإسعاد ... ونفاذ أمر في العدا بنفاد )
( وبقيت ما بقي الزمان مهنأ ... ووقيت شر شماتة الحساد )
( يا مالك الرق الذي أضحى لنا ... من جوده الأطواق في الأجياد )
( خلدت في عيش هني أخضر ... يسطو ببيض ظبا وسمر صعاد )
( حتى يخاطبك الزمان مبشرا ... متعت بالإخوان والأولاد )
جدد الله في كل يوم له مسرة وبشرى وأطاب لعرفه عرفا ونشرا وشد له بولده السعيد الطلعة أزرا وأسرا وسرى به الهموم عن القلوب وأصارها لديه أسرى ورفع درجته إلى سماء المعالي ليقال سبحان الذي بعبده أسرى
المملوك يخدم المولى ويهنيه ويشكره ويطلعه على ما حصل له من الابتهاج للسبب الذي ينهيه ويذكره وهو أنه اتصل به قدوم المسافر بل إسفار البدر وظهور ميمون الغرة الذي جاء لأهله بأمان من صروف الدهر وهو الولد العزيز الموفق النجيب فلان أبقاه الله تعالى ليحيا مشكورا محمودا وأدام عزه وعلاه وأعلى نجمه وخلد شرفه وبهاه وضاعف سناءه وسناه وأرانا منه ما أرانا من السعادة في أبيه فسر وابتهج بهذه النعمة غاية السرور والابتهاج واتضح له في شكر إحسان المولى وحسن ولده كل طريق ومنهاج وسأل الله تعالى أن يطول له عمرا ويجعله لإسعاد والده وإسعافه ذخرا ليرتعا في رياض الدعة في صحة وسلامة ويجعلا في فناء العلا لهما دار إقامة ويبلغا من السعادة درجة لا تريم عالية ولا ترام وتخضع لهما الليالي والأيام ويرشقاهما بسهام الصروف ويطعناهما بأسنتها ويفهما دعاء الأيام لهما من صدورها ويسمعاه من ألسنتها مخاطبة لأبيه ومنشدة لسائر أهله ومحبيه - رجز -
( مد لك الله الحياة مدا ... حتى ترى نجلك هذا جدا )
الصنف الثاني التهنئة بالبنات
من كلام المتقدمين
أبو الحسين بن سعد (9/60)
النعمة نعمتان إحداهما تعجل الأنس والأخرى تدخر الأجر وعلى حسب ما تتلقى به من الشكر على ظاهر المحبوب والتسليم فيما يجري مجرى بعض المكروه يكون المتاع عاجلا والثواب آجلا وما قدمت القول إلا لما ظننته يعرض لك من الوجوم في هذه الموهبة في المولودة التي أرجو أن يعظم الله بركتها ويجعلها أيمن مولود في عصرها ودالة على سعادة أبيها وجدها ولئن كان في الطبع حب الذكور والشغف بالبنين فإن البنين من البنات وهن باليمن معروفات وبالبركات موصوفات وبالذكور في أثرهن مبشرات فهنأك الله النعمة فيها تهنئة لا تنقضي سعادتها ولا يعترض النقص والتقدير شيئا منها وأبقى هذه الصبية ممتعا أبوها بها ومنشأ له الحظ من حداثتها وبلغها أفضل مبالغ الصالحات القانتات من أمهاتها وجعل في مولدها أصدق دليل على طول عمر أبيها وسعادة جده وتضاعف نعم الله عنده إنه لطيف جواد
أبو مسلم محمد بن بحر
مرحبا ببكر النساء وبكر الأولاد وعقيلة الخباء والمأمولة للبركة والمشهورة باليمن وقد جربناه فوجدناه معهودا مسعودا والله يعرفك أضعاف ما عرف من قبلك ويبارك لك فيما رزقك ويثني لك بأخ للمولودة ويجعله رديفها وفي الخير قرينها وشريكها
علي بن خلف
وينهي أن المملوك اتصل به ارتماض مولانا بمقدم الكريمة الوافدة (9/61)
بطالع السعادة المتجددة فعجب المملوك من وقوع ذلك من مثل مولانا مع كمال نبله وشرف عقله وعلمه فإن الله تعالى جل اسمه يقول ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ) وإن ما جدده الله تعالى من مواهبه جدير أن يتلقى بالسرور والفرح لا بالاستياء والترح لا سيما والذكر إنما يتفضل على الأنثى بنجابته لا بحليته وصورته وقد يقع في الإناث من هو أشرف من الذكور طبعا وأجزل عائدة ونفعا وقد روي أن رسول الله قال : إذا رزق العبد الأنثى نادى مناد من السماء يا أهل الدار أبشروا بالرزق وإذا رزق نادى مناد من السماء يا أهل الدار أبشروا بالعز فليستقبل مولانا الرزق بالشكر فإن العز يتبعه ولا يعارض الله تعالى في إرادته ولا يستقل شيئا من هبته والله تعالى يعرفه يمن عهودها وسعادة قدومها وأن يسره بعدها بإخوة متتابعين متلاحقين يؤيدون أمره ويحيون بعد العمر الأطول ذكره
أبو الفرج الببغاء
لو كان الإنسان متصرفا في أمره بإرادته قادرا على إدراك مشيئته لبطلت دلائل القدرة واستحالت حقائق الصنعة ودرست معالم الآمال وتساوى الناس ببلوغ الأحوال غير أن الأمر لما كان بغير مشيئته مصنوعا وعلى ما عنه ظهر في الابتداء مطبوعا كان المخرج له إلى الوجود من العدم فيما ارتضاه له غير متهم ومولانا أيده الله مع كمال فضله وتناهي عقله وحدة فطنته وثاقب معرفته أجل من أن يجهل مواقع النعم الواردة من الله تعالى عليه أو يتسخط مواهبه الصادرة إليه فيرمقها بنواظر الكفر ويسلك بها غير مذاهب الشكر
وقد اتصل بالمملوك خبر المولودة كرم الله غرتها وأطال مدتها وعرف مولانا البركة بها وبلغه أمله فيها وما كان من تغيره عند اتضاح الخبر وإنكار (9/62)
ما اختاره له سابق القدر فعجب المملوك من ذلك واستنكره من مولانا وأنكره لضيق العذر في مثله عليه وقد علم مولانا أنهن أقرب إلى القلوب وأن الله تعالى بدأ بهن في الترتيب فقال جل من قائل ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ) وما سماه الله هبة فهو بالشكر أولى وبحسن التقبل أحرى ولكم نسب أفدن وشرف استحدثن من طرق الأصهار والاتصال بالأخيار والملتمس من الذكر نجابته لا صورته وولادته ولكم ذكر الأنثى أكرم منه طبعا واظهر منه نفعا فمولانا يصور الحال بصورتها ويجدد الشكر على ما وهب منها ويستأنف الاعتراف له تعالى بما هو الأشبه ببصيرته والأولى بمثله إن شاء الله تعالى
الصنف الثالث التهنئة بالتوءم
أحسن ما رأيت من ذلك قول بعض الشعراء مما كتب به إلى بعض أصحابه وقد ولد له ذكر وأنثى من جارية سوداء وهو قوله - طويل -
( وخصك رب العرش منها بتوءم ... ومن ظلمات البحر تستخرج الدرر )
( أضحى وارثا علم جابر ... فأعطاك من ألقابه الشمس والقمر ) الأجوبة عن التهنئة بالأولاد
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع يجب أن تبنى على شكر اهتمام المهنيء ورعايته والاعتداد بعنايته وأن الزيادة في تجدد المهنى به (9/63)
زيادة في عدده وأن نصيبه من تحرك السرور فيما يخلص إليه من المواهب كنصيبه لتناسبهما في الإخاء وتوافيهما في الصفاء وأن تراعى مع ذلك مرتبة المهني والمهنى ويبني الخطاب على ما يقتضيه كل منهما
وهذا مثال من ذلك
زهر الربيع
وينهي ورود الكتاب الذي تشرف المملوك بوروده وأشرقت الأيام بكمال سعوده وأرغم ببلاغته معطس مناويه وحسوده فشكر أيادي من أنعم بإرساله واكتسى بالوقوف عليه حلة من حلل فخره وجماله وبالغ في إكماله حتى وقف إجلالا له بين يديه ثم تلا آيات حسنه على أذنيه فوجده مشتملا على إحسان لم يسبقه إلى مثله أحد ومنن أودعها فيه فلا يحصيها حصر ولا عدد فهيج بوروده رسيس الأشواق وتقلد بإنعام مرسله كما قلدت الحمائم بالأطواق ووجد لوعة لا يحسن وصفها لسان اليراع في الأوراق وعلم ما أشار إليه المولى من التهنئة بالولد الجديد بل بأصغر الخدم والعبيد وما أبداه من الابتهاج لميلاده وأظهره من التفضل المعروف من آبائه الكرام وأجداده ولم لا يكون الأمر كذلك والوالد مملوكه وهو مملوك السادة الأجلاء أولاده حرس الله مجده ومتعه بثوب مكارمه وخفض قدر محاربه ورفع كلمة مسالمه ولا زال مماليكه تتزيد تزيد الأيام وسعادته باقية بقاء الأعوام وعين العناية تحرسه في حالتي السفر والمقام إن شاء الله تعالى
الضرب الثامن من التهاني التهنئة بالإبلال من المرض والعافية من السقم
فمن ذلك
وينهي أنه ما زالت أجسام أهل التصافي تشترك في الأسقام والعوافي كما تشترك أنفسهم في التخلص والتوافي ولما ألم بمولانا هذا الألم الذي تفضل الله تعالى بإماطته ومن فيه على السؤدد بحراسة مولانا وحياطته فرأيته (9/64)
حالا في جوارحي محرقا لجوانحي ممازجا لأعضائي متملكا لأنوائي ولئن كنت قد تحملت من ذلك عبا وارتقيت من تحمله مرتقى صعبا فلقد فخرت بمماسته وأحمدت طبعي على مشاكلته وشكرت الله تعالى إذ جعلني شعبة من سرحته وجبلة من طينته وعلى ما سر به من إقالته وإنعاشه ومصافاته وإبشاشه وسألت الله تعالى أن يبقيه نورا يوضح مغرب الدهر ومشرقه ودرا يرصع فود المجد ومفرقه ويحسن الدفاع عن حوبائه وهو سبحانه يجيب ذلك ويتقبله ويرفعه ويسمعه إن شاء الله تعالى
وله في مثله
المملوك يهنيء مولاه خاصة إذ جعله الله تعالى من صفوة أوليائه وخالصة أحبائه الذين يبتليهم اختبارا وينتابهم اختيارا ليجمع لهم بين تمحيص وزرهم ومضاعفة أجرهم والحض على طاعته والانصراف عن معصيته ويهنيء الكافة عامة بالموهبة في نوره المطلعة لأمل الإقبال المروية لماحل الآمال ثم أعطف على حمد الله على ما من به من إبلاله ويسره من استقلاله والرغبة إليه في أن يمنحه صحة تخلد وتقيم وعافية ترهن ولا تريم وأن يحميه من عوارض الأسقام ويصونه من حوادث الأيام بفضله وجوده إن شاء الله تعالى
أبو الفرج الببغاء
أفضل ما يفزع إليه العبد المخلص والمولى المتخصص فيما ينوب سيده ويهم ولي نعمته الدعاء المقترن بصدق النية وصفاء الطوية فالحمد لله الذي من بالصحة وتصدق بالإقالة وتدارك بجميل المدافعة وعم سائر خدمه أيده الله بالنعمة وأعاده إلى أجمل عاداته من السلامة والصحة فائزا بمدخر (9/65)
الأجر متعبدا بمستأنف الشكر فلا أخلاه الله من زيادة فيما يوليه ولا قصدنا بسماع سوء فيه وحرس من الغير مهجته ومن المحذور نعمته
وله في مثله
ما كنت أعلم أن عافيتي مقرونة بعافيتك ولا سلامتي مضافة لسلامتك إلى أن تحققت ذلك من مشاركتي إياك في حالتي الألم والصحة والمرض والمحنة فالحمد لله الذي شرف طبعي بمناسبتك وجمل خلقي بملاءمتك فيما ساء وسر وإياه تعالى أشكر على ما خصني به من كمال عافيتك وسبوغ سلامتك وسرعة إقالتك وبه جل اسمه أثق في مزيدك من تظاهر النعم وتوفر القسم
وله في مثله
ولولا أن متضمن كتابك قرن ذكر المرض الهاجم عليك بذكر ما وهبه الله لك من عود السلامة إليك لما اقتصر بي القلق على ما دون المسير نحوك والمبادرة لمشاهدتك غير أن السكون إلى ما أداه كتابك سابق الجزع والطمأنينة إلى ما وهبه الله من كفايتك حالت دون الهلع فالحمد لله الذي من بالإقالة وتصدق بالسلامة وعم بالكفاية وهو ولي حراستك وحراستي فيك
وله في مثله
سيدنا في سائر ما يذكره الله من هجوم ألم مؤذن بصحة واعتراض محنة مؤدية إلى منحه مرموق بالعافية محروس من الله جل اسمه بالحفظ والكلاءة فهو مع العلة فائز بذخائر الأجر ومع العافية موفق لاستزادة الشكر فالحمد لله الذي عقد الكرم ببقائه وشفى مرض الآمال بشفائه وكفاه اعتراض المخوف وعوارض الصروف
وله في مثله
ما انفرد جسمك بالعلة دون قلبي ولا اختصت نفسك حرسها الله تعالى بمعاناة المرض دون نفسي ولم أزل بالقلب تاليا وفي سائر ما شكوته (9/66)
بالنية مساويا إلى أن كشف الله الغمة وأقال العثرة ونفس الكربة ومن بالسلامة وتصدق بالكفاية وأوجب بالعافية علينا جميعا فروض الشكر بعد ما ادخره لك بالألم من كثرة الأجر فالحمد لله على ذلك حمدا يؤدي إلى حراسة ما خولك ويؤذن بالمزيد فيما منحك
ومن كلام المتأخرين
أعلى الله قدر الجناب الفلاني ولا زالت شموس أيامه لا تخاف كسوفا ولا أفولا وأقمار لياليه تغرس في قلوب اوليائه ومحبيه فروعا وأصولا
المملوك يخدم خدمة من تحمل جميلا ونال من تفضل الجناب الكريم جزيلا
وينهي ما حصل له من السرور بعافية مولانا فالشكر لله على ما جدد من النعمة التامة وسمح به من الكرامة العامة حين أعاد البدر إلى كماله والسرور إلى أتم أحواله وما كانت إلا غلطة من الدهر فاستدركها وصفقة خارجة عن يده فملكها فقرت بذلك العيون وتحققت في بلوغ الأمل الظنون وانجبر قلبه بعدما وهن وعاد جفنه بعد الأرق إلى الوسن وقال ( الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ) ولقد كان يتمنى المملوك لو فاز من الرؤية الشريفة بحظ السمع والبصر وتملى بمشاهدة وجهه الكريم فإن فيه البغية والوطر
والمملوك فما يعد نفسه إلا من المحبين الذين بذلوا نفوسهم لمحبته وأعدوها والله تعالى يسر الأولياء بتضاعف سعوده ويديم بهجة الأيام بميمون وجوده ويطيل في مدته ويحرسها من الغير ويحرس أحوال مزاجه الكريم على (9/67)
القانون المعتبر ويكفي أولياءه ومحبيه فيه كل مكروه وحذر إن شاء الله تعالى
من زهر الربيع - متقارب -
( ولما شكوت اشتكى كل ما ... على الأرض واهتز شرق وغرب )
( لأنك قلب لجسم الزمان ... وما صح جسم إذا اعتل قلب )
حرس الله جنابه وأسبل عليه رداء السعد وأثوابه ومتعه ببرود العافية وجلبابها وفتح له إلى نيل السعادة سائر أبوابها ومنحه الكفاية والأمن في سربه والعافية في جسمه من قلق كل مرض وكربه وجمع له بين الثواب والجر وجازاه بجزيل الغفران عن جميل الصبر
المملوك يبشر نفسه ومولاه بما من الله به من صحة مزاجه الكريم والإبلال من مرض كاد يدير كؤوس الحمام على كل صديق حميم ويحمد الله على عافيته حمدا جزيلا ويشكره عليها بكرة وأصيلا فإنه قد عوفي لعافيته المجد والكرم وزال عنه إلى أعدائه الألم فالمولى حفظ الله صحته من السقم وحماه من ألم ألم وجعل سعادته تتزايد على ممر الأنفاس وجسده سالما من الأذى كسلامة عرضه من الأدناس إن شاء الله تعالى
الشيخ جمال الدين بن نباتة
وقى الله من الأسواء شخصه الكريم وشمله النظيم وقلب محبه الذي هو في كل واد من أودية الإشفاق يهيم (9/68)
ولا زالت الصحة قرينه حتى لا يعتل في منازله غير مرور النسيم ويصف شوقا يزيد بالأنفاس وقدا ويجدد للأحشاء وجدا ويباشر القلب المغرم فيمد له من عذاب الانتظار مدا
وينهي أنه جهز هذه الخدمة نائبة عنه في استجلاء وجه أكرم الأحبة وتصافح اليد التي أقلام كتبها في شكوى البعاد أطبة مبدية إلى العلم الكريم أنه مع ما كان يكابده من الأشواق ويعالجه من خواطر الإشفاق بلغه ضعف الجسد الموقى وعارض الألم الذي استطار من جوانح المحبين برقا فلا يسأل الجناب الكريم عن قلب تألم وصدر صامت بالهموم ولكنه بجراح الأشجان تكلم ولسان أنشد - طويل -
( ألا ليتني حملت ما بك من ضنى ... على ان لي منه الأذى ولك الأجر )
ثم لطف الله تعالى وعجل خبر العافية المأمولة والصحة المقبلة عقيب الدعوات المقبولة فيا لها مسرة شملت ومبرة كملت وتهنئة جمعت قلوب الأوداء وجملت وأعضاء فدتها عيون المها فنقلت عنها صفات السقام وحملت وعافية حولت إلى قلوب الأعداء المرض وجوهر جسد طاهر زال عنه بأس العرض فهنيئا له بهذه الصحة المتوافرة الوافية والحمد لله ثم الحمد لله على أن جمع بين حصول الأجر ووصول العافية وعلى أن حفظ ذاته الكريمة وحفظها هو المقدمة الكافية الشافية - كامل -
( وتقاسم الناس المسرة بينهم ... قسما فكان اجلهم قسما أنا )
والله تعالى يسبغ عليه ظلال نعمه ويحفظه حيث كان في نفسه وأهله وخدمه وكما سر الأحباب بخبر عافيته كذلك يسرهم بعيان مقدمه (9/69)
أجوبة التهنئة بالإبلال من المرض والعافية
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع يجب أن تكون مبنية على وصف الألم وصورته وما تفضل الله تعالى به من إماطته وشكر المهني باهتمامه وعنايته
وهذه أمثلة من ذلك
من زهر الربيع
أدام الله نعمته وشكر منته وأدال دولته وأعلى قدره وكلمته وحتم على الألسنة شكره والقلوب محبته ولا زالت التهاني من جهته وافدة والبشائر واردة
وينهي ورود الكتاب الذي أعدته يد المعالي فعاد كريما وشاهد حسن منظره فصار وجهه وسيما وأنه وقف عليه وأحاط علما بكل ما أشار المولى إليه فذكره أنسا كان بخدمته لم ينسه وجدد له وجدا ما زال يجد في قلبه ونفسه عينه ونفسه ونشر من مآثره المأثورة وفضائله المرقومة في صفائح الصحائف المسطورة ما شنف به وشرف وشوق إلى لقائه وشوف وأقام البرهان على ذكي فطنته وزكي فطرته وعلم ما أنعم به وتفضل واحسن وتطول من تهنئة المملوك بالإبلال من مرضه والبرء من سقمه والتخلص من يدي وجعه وألمه وسر بورود كريم مشرفته أعظم من سروره بلباس ثوب عافيته وبدوام مجده وسعادته أكثر من صحة مزاجه واستقامته فإن مكارم المولى كالحدائق الناضرة ومنزلته أعز في القلوب من الأحداق الناظرة
فالحمد لله الذي من بالعافية من ذلك المرض والداء الذي ألم بعرضيه فاحتوى منهما على الجوهر والعرض وطال حتى أسأمة من نفسه وعواده وآيسه من (9/70)
الحياة لولا لطف الله والله لطيف بعباده وهذا ببركة المولى ودعائه الذي كان يرفعه والخواطر والأسماع مع بعد الشقة تشهد به وتسمعه جعل الله التهاني مع الأبد واردة منه وإليه وشكر إنعامه وأتم نعمته عليه إن شاء الله تعالى
قلت وكتبت للمقر العلائي علاء الدين الكركي وهو يومئذ كاتب السر الشريف في الدولة الظاهرية برقوق في سلطنته الثانية وقد برأ من مرض نظما - بسيط -
( أفديه من جسد قد صح من سقم ... فبات جوهره خال من العرض )
( فاستبشرت بعلي القوم شيعته ... ومات حاسده بالسقم والمرض )
الضرب التاسع التهنئة بقرب المزار
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
قرب الله مزاره وادنى جواره وأعان أعوانه ونصر أنصاره ولا زالت الأنفس لقربه مسرورة ورايات مجده في الملإ الأعلى واحزاب الإسلام بهيبته على أعداء الدين منصوره
المملوك يقبل الباسطة العالية بسط الله ظلها وشكر على الأولياء فضلها وينهي أنه اتصل به طيب أخباره وقرب مزاره فتضاعف شوقه وتزايد توقه وهيجت صبابته لاعجه وسهلت إلى نيل المسرة طرقه ومناهجه - وافر (9/71)
( وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار )
فالله يقرب من أمد التلاقي بعيدا ويجعل رداء الاجتماع بخدمته قشيبا جديدا
الضرب العاشر التهنئة بنزول المنازل المستجدة
فمن ذلك من إنشاء علي بن خلف
أشرف المنازل رقعة وأترفها بقعة وأرفعها رفعة ما اتخذه مولانا لنفسه موطنا وجعله بنزوله فيه حرما آمنا وصيره بمخصب مكارمه للعفاة مرادا ومقصدا وبمعذب نوافله للظماة مشرعا وموردا وللسؤدد بمجده معقلا وللرياسة بشرفه منزلا والله تعالى يجعل هذه الدار التي تديرها وحلها وحط بها رحله ونزلها مأهولة ببقائه آنسة بسبوغ نعمائه عامرة بسعادته مشيدة بتناصر عزه وزيادته لا تخطئها حوائم الآمال ولا تتخطاها ديم الإقبال ويعرفه من بركتها ويمن عتبتها ما يقضي بامتداد الأجل وانفساح الأمل وبلوغ الأماني واتصال التهاني بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
ومن ذلك
وينهي أنه قد اتصل بالمملوك تحول مولانا إلى المنزل المنشإ الجديد ذي الطالع السعيد والطائر الحميد فسألت الله تعالى أن يبوئه منه المبوأ الكريم ويمتعه فيه بالدعة والنعيم والنماء والمزيد والعيش الرغيد ويجعله واصلا لحبله مأهولا بأهله ويعرفه بركة عتبته ويمليه ببهائه ونضارته وحصل للمملوك السرور بأن بلغه الله الوطر في سكنى ما عمر وأناله الأمل والالتذاذ بخدمته والسرور بافتضاض عذرته إن شاء الله تعالى
ومن ذلك (9/72)
مولانا أمتع الله بوجوده غني عن الهناء بمنزل ينزله ومحل يحله إذ الله سبحانه وتعالى قد كثر أوطانه وآدره وبلغه في تمام عمارتها وانفساحها وطره وخصه بأفضلها معانا وأشرفها مكانا والمستوجب في الحقيقة للهناء هو الموضع الذي اختاره دارا وارتضاه مستقرا وعرف المملوك انتقاله لا زال يتنقل في بروج السعد ويأوي إلى ظل ظليل من المجد إلى الدار الفلانية لا زالت جامعة لشمله مأنوسة بأهله فعدل عن خدمته بالهناء إلى إخلاص الدعاء بأن يعرفه الله تعالى يمنها وبركتها ويريه إقبالها وسعادتها ويقرن تحوله إليها بأيمن طائر وأبرك طالع فإن للحركات أوقاتا محمودة ومذمومة فإذا اعتنى الله تعالى بعبد من عبيده وفرض له نصيبا من تأييده وفقه للحركة في الزمن السعيد والوقت الحميد لتكون مصايره مشاكلة لمباديه وأعجازه مشابهة لهواديه والله تعالى يجعل بابها محطا للقصاد ومناخا للوفاد ومزارا للعفاة وملاذا للعناة ويصل بها حبله وينشي بها طفله ويضاعف باستيطانها أنسه ويسر بتبوئها نفسه إن شاء الله تعالى
أبو الفرج الببغاء
أسعد المنازل وأشرف المواطن ما استوطنه أيده الله وتبواه وتخيره لنفسه وارتضاه فغدا بشخصه وطن الإقبال وبفائض كرمه حرم الآمال وبشرفه للسؤدد معقلا وبنبله للرياسة منزلا فعرفه الله يمن هذه الدار المعمورة بحلول البركات المحفوفة بتناصر السعادات وجعلها وكل ربع يقطنه ومحل يسكنه مبشرا بامتداد بقائه وآهلا بالزيادة في نعمائه
وله في مثله (9/73)
كل وطن يحله أيده الله ويقطنه ومحل يتخيره ويسكنه مقصود بالشكر والثناء آهل بالحمد والدعاء لا يتخطاه متوارد الآمال ولا تنقطع عنه مواد الإقبال ولذلك صار هذا المنزل السعيد من فضائل الأرض ومحاسنها ونجع الآمال ومعادنها فعرفه الله يمنه وبركته وإقباله وسعادته وقرن انتقاله إليه بأسبغ نعمة وأكمل سلامة وأبسط قدرة وأعلى رتبة
وله في مثله
عرفه الله من بركة هذا المنزل المورود والفناء المقصود ما يوفي على سالف ما أولاه من تكامل البركات وتناصر السعادات وجعل مستقره فيه مقرونا بنمو الحال وتتابع الإقبال في أفسح المدد وأطولها وأنجح المطالب وأفضلها وعمر أوطان المكارم بإقباله وعضد الأماني باتساع نعمائه أجوبة التهنئة بقرب المزار ونزول المنازل المستجدة
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع يجب أن تبنى على الاعتداد للمهني بتعهده والشكر له على تودده والابتهاج بهنائه والتبرك بدعائه وأن المستجد غير مباين لمنزله ولا خارج عن أحكام محله وأن تمام بركته أن يؤنس فيه بزيارته وما يشابه هذا
الضرب الحادي عشر نوادر التهاني وهي خمسة أصناف
الصنف الأول تهنئة الذمي بإسلامه
فمن ذلك ما أورده أبو الحسين بن سعد في ترسله وهو
وما زالت حالك ممثلة لنا جميل ما وهب الله فيك حتى كأنك لم تزل (9/74)
بالإسلام موسوما وإن كنت على غيره مقيما وقد كنا مؤملين لما صرت إليه ومشفقين لك مما كنت عليه حتى إذا كاد إشفاقنا يستعلي على رجائنا أتت السعادة فيك بما لم تزل الأنفس تعد منك ونسأل الله الذي نور لك في رأيك وأضاء لك سبيل رشدك أن يؤهلك لصالح الأعمال وأن يؤتيك في الدنيا حسنة ويقيك عذاب النار
ومن ذلك من كلام أبي العيناء
ولتهنئك نعمة الله عليك في أخوة المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان والحمد لله الذي فوز قدحك وأعلى كعبك وأنقذ من النار شلوك وخلصك من لبس الشك وحيرة الشرك فأصبحت قد استبدلت بالأديار المساجد وبالآحاد الجمع وبقبلة الشام البيت الحرام وبتحريف الإنجيل صحة التنزيل وبأوثان المشركين قبلة الموحدين وبحكم الأسقف رأس الملحدين حكم أمير المؤمنين وسيد المرسلين فهنأك الله ما أنعم به عليك وأحسن فيه إليك وذكرك شكره وزادك بالشكر من فضله أجوبة التهنئة بإسلام ذمي
قال في مواد البيان أجوبة هذه الرقاع ينبغي أن تكون مبنية على شكر المهنإ للمهنيء واعترافه بنعمة الله تعالى عنده وابتهاجه بممازجته في الدين الذي جعل الله أهله إخوانا متصافين وخلانا متوافين ومن عليهم به وبإماطة (9/75)
الحسائف من قلوبهم ونحو هذا
الصنف الثاني التهنئة بالختان وخروج اللحية
فمن ذلك تهنئة لأمير بختان ولدين له
فمن خصائص ما حباه الله بعد الذي قدم له في نفسه نفس الله مدتها ووسع له مهلتها وأفنى الأعداد دون فنائها والأعمار دون تصرمها وانتهائها من الفضائل المشهورة والمحاسن المذكورة والمناقب المأثورة وأقسام الفضل الذي ينقضي دون تصرم منازله وصف الواصف إذا أفرط وينتهي دون أيسرها أمل الآمل إذا اشتط ما وهب الله له من أولاد سادة فضلهم في الأخلاق والصور وأكملهم في الأجسام والمرر وقدمهم في العقول والأفهام والقرائح والألباب ولم يجعل للمعيب فيهم سيمة ولا للإناث بينهم شركة حتى يكون مسلما لهم قصب العلا والمفاخر وصدور الأسرة والمنابر من غير منازع ولا مقارع ولا مساهم ولا مقاسم وزادهم من النماء في النشء والبركة واليمن بما يؤذن الحاضر منه بالغابر ويدل البادي على الآخر وعدا من الله تعالى ذكره لهم بأوفى السعادات وأكمل الخيرات وأعلى الدرجات أرجو أن يجعل الله النجح قرينه والنجاة ذريعته وما أولاه فيهم في هذه الحال الحادثة التي يعدق الله بها أداء الفريضة وكمال الشريعة ويقع التطير بالختان الذي جعله الله من شروط الإيمان وفرضه على جميع الأديان من السلامة على عظم الخطر وشدة الغرر في إمضاء الحديد على أعضاء ناعمة وإيصال الألم إلى قلوب وادعة لم تقارع نصبا ولم تعان وصبا (9/76)
واجتمع فيه إلى رقة الصبا وضعف الأسر والقوى اعتياد الرحمة ومخالفة الترفه والتنقل بين الشهوات على أن كل واحد من الأميرين شهد المعركة أعزل حاسرا وباشر الحرب مغررا مخاطرا فثبت لوقع السلاح وصبر على ألم الجراح وأبلى بلاء الفارس المدجج والكمي المقنع ثم خرج خروج شبل الليث وفرخ العقاب كالقدح المعلى والشهاب الساطع والنجم الثاقب وكان فلان أكثرهما تغيرا في وجه قرنه وسطوة على منازله وكل قد حصل فوق الخصل وحوى فضيلة السبق واستحق اسم البأس والشدة وحلية البسالة والنجدة
ومن ذلك ما اورده أبو الحسين بن سعد في كتابه
الحمد لله الذي كساك باللحية حلة الوقار ورداك رداء ذي السمت من الأبرار والأخيار وصانك عن ميسم الصبا ومطامع أهل الهوى بما جللك من اللحية البهية وألبسك من لباس ذوي اللب والروية وألحقك في متصرفاته بمن يستقل بنفسه ساعيا ويستغني عمن صحبه حافظا وجعل ما جمل من صورتك وكمل من ادائك وآلتك قرنا لمن جاذبك وخصما لمن نازعك ونفى عنك ذلة الاحتقار من أهل المراتب والأخطار تستوي بهم في المجالس الحافلة وتجري مجراهم في المشاهد الجامعة مسموعا قولك إذا قلت ومصغى إليك إذا نطقت آمنا من انصراف الأبصار عنك لقرب ولادك ومن عدم الاستماع لحديثك لقلة الثقة بسدادك وجاريا مجرى كملة الرجال على الجملة إلى أن يكشف الله مخابرك بالمحنة وتعطى المهابة من الداعر العادي ومن السبع الضاري ولو كان عاريا من هذه الكسوة الشريفة والحلية الملحوظة لسيقت إلى الازدراء بالأعين والاستصغار بالقلوب والألسن أصناف الحيوان من البهيمة والإنسان ثم لا يحس من نفسه قوة على الدفع عنها ولا من صرعته ثباتا على يدها فيه وتلك نعمة من الله جل وعز حباك (9/77)
بمرتبتها في جمال غشاك وكمال أتاك فليصدق بها اعترافك وشكرك وليحسن ثناؤك ونشرك قضاء لحق الله عليك واستدرارا في المزيد من إحسانه إليك
الصنف الثالث التهنئة بالمرض
أبو الفرج الببغاء
في ذكر الله سيدي بهذا العارض أماطه الله وصرفه وجعل صحة الأبد خلفه ما دل على ملاحظته إياه بالعناية إيقاظا له من سنة الغفلة إذ كان تعالى لا يذكر بطروق الآلام وتنبيه العظات غير الصفوة من عباده الخيرة من أوليائه فهنأه الله الفوز بأجر ما يعانيه وحمل عنه بألطافه ثقل ما هو فيه وأعقب ما اختصه من ذخائر المثوبة والأجر بعافية تقتضيه ولا سلب الدنيا جمال بقائه ولا نقل ظله عن كافة خدمه وأوليائه
الصنف الرابع التهنئة بالصرف عن الولاية
أبو الفرج الببغاء
من حل محله أيده الله تعالى من رتب الرياسة والنبل كان معظما في حالتي الولاية والعزل لا يقدح في قدره تغير الأحوال ولا ينقله عن موضعه من الفضل تنقل الأعمال إذ كان استيحاشها للفائت من بركات نظره بحسب أنسها كان بما أفادته من محمود أثره فهنأه الله نعمة الكفاية وأوزعه شكر ما احتازه من النزاهة والصيانة ولا أخلاه من التوفيق في سائر متصرفاته والخيرة الضامنة لعواقب إراداته
وله في مثله
لو كان لمستحدث الأعمال ومستجد الولايات زيادة على ما اختصك به (9/78)
من كمال الفضل ومأثور النبل لحاذرنا انتقال ذلك بانتقال ما كنت تتولاه بمحمود كفايتك وتحوطه بنواظر نزاهتك وصيانتك غير أن الله تعالى جعلك بالفضل متقمصا وبالمحامد متخصصا فالأسف فيما تنظر فيه عليك لا منك والفائدة فيما تتقلده بك لا لك ولذلك كنت بالصرف مهنأ مسرورا كما كنت في الولاية محمودا مشكورا فلا أخلاك الله من تواصل آلائه وتظاهر نعمائه في سائر ما تبرمه وتمضيه وتعتمده وترتئيه
أبو الحسين بن سعد عمن تولى عملا إلى من صرف عنه
قد قلدت العمل بناحيتك فهنأك الله تجديد ولايتك وأنفذت خليفتي لخلافتك فلا تخله من تبصيرك وهدايتك إلى أن يمن الله بزيارتك
تهنئة بصرف عن ولاية
لو كانت رياسة سيدي مجنية من عروش الولايات وسيادته خارجة عن سانح التصرفات لأشفق أولياؤه من زوالهما بمزايلتهما وحذروا من انتقالهما بنقلهما لكن ما وسم به من الكمال وعلا به من رتب الجلال موجود في غريزته وجود الفرند في السيف المأثور واللألاء في النور وإذا تصرف أورد الله الرعية من مشارعها نطافا وأسبغ عليهم من ظلها عطافا وإذا انصرف فخير مسبل تقلص وعيش رائع تنغص والأسف على العمل السليب من حلل سياسته الفاضلة العاطل من حلى سيرته العادلة ولهذا أصبح أيده الله بالعزل مبتهجا مسرورا كما كان في الولاية محمودا مشكورا وانطلقت ألسنة أوليائه في هنائه بما وهبه الله من الرفاهية والدعة وحطه عنه من الأثقال المقلقة ولا سيما وقد علم الخاص والعام أن الأعمال إذا ردت إليه وعول فيها عليه تسلم المودع وديعته والناشد ضالته وإذا عدل فيها إلى غيره تناولها (9/79)
تناول الغاصب واستولى عليها استيلاء السالب فلا تزال نازعة إلى ربها متطلعة إلى خطبها حتى تعود إلى محلها وترجع إلى نصلها والله تعالى أسأل أن يقضي لمولانا ببلوغ الأوطار إن شاء الله تعالى أجوبة التهنئة بالصرف عن الولاية والخدمة
قال في مواد البيان يجب أن تكون أجوبتها مبنية على شكر الاهتمام والاعتداد بالمشاركة في الأحوال مع وقوع ما ورد من الخطاب الموقع اللطيف وما ينتظم في هذا السلك
جواب من ورد عليه كتاب من ولي مكانه في معنى ذلك
فمن ذلك
ما انصرفت عني نعمة أعديت إليك ولا خلوت من كرامة اشتملت عليك وإني لأجد صرفي بك ولاية ثانية وحلة من الوزر واقية لما آمله بمكانك من حميد العاقبة وحسن الخاتمة
الصنف الخامس تهنئة من تزوجت أمه بزواجها
قد تقدم في أول المقالة الأولى في حكاية حائك الكلام مع عمرو بن مسعدة وزير المأمون أنه قال يكتب إليه (9/80)
أما بعد فإن الأمور تجري على خلاف محاب المخلوقين والله يختار لعباده فخار الله لك في قبضها إليه فإن القبور أكرم الأكفاء والسلام
أبو الفرج الببغاء وقد أمره سيف الدولة بن حمدان بالكتابة في معنى ذلك امتحانا له
من سلك إليك أعزك الله سبيل الانبساط لم يستوعر مسلكا من المخاطبة فيما يحسن الانقباض عن ذكر مثله واتصل بي ما كان من خبر الواجبة الحق عليك المنسوبة بعد نسبتك إليها إليك وفر الله صيانتها في اختيارها ما لولا أن الأنفس تتناكره وشرع المروءة يحظره لكنت في مثله بالرضا أولى وبالاعتداد بما جدده الله في صيانتها أحرى فلا يسخطنك من ذلك ما رضيه وجوب الشرع وحسنه أدب الديانة ومباح الله أحق أن يتبع وإياك أن تكون ممن لما عدم اختياره تسخط اختيار القدر له والسلام (9/81)
النوع الثاني من مقاصد المكاتبات التعازي
قال في مواد البيان المكاتبة في التعزية بالأحداث العارضة في هذه الدنيا واسعة المجال لما تتضمنه من الإرشاد إلى الصبر والتسليم إلى الله جلت قدرته وتسلية المعزى عما يسلبه بمشاركة السابقين فيه ووعده بحسن العوض في الجزاء عنه إلى غير ذلك مما ينتظم في هذا المعنى قال والكاتب إذا كان جيد الغريزة حسن التأتي فيها بلغ المراد ثم قال وحكمها حكم التهاني من الرئيس إلى المرؤوس ومن المرؤوس إلى الرئيس ومن النظير إلى النظير
ثم التعزية على أضرب
النوع الأول التعزية بالابن
أبلغ ما كتب به في ذلك ما كتب به النبي إلى معاذ بن جبل معزيا له بابن له مات فيما ذكره أبو الحسين بن سعد في ترسله وأبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب وهو (9/82)
من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل
سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد فعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر ثم إن أنفسنا وأهلينا وموالينا من مواهب الله السنية وعوارفه المستودعة تمتع بها إلى أجل معدود وتقبض لوقت معلوم ثم افترض علينا الشكر إذا أعطى والصبر إذا ابتلى وكان ابنك من مواهب الله الهنية وعوارفه المستودعة متعك به في غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كثير الصلاة والرحمة والهدى إن صبرت واحتسبت فلا تجمعن عليك يا معاذ خصلتين أن يحبط جزعك صبرك فتندم على ما فاتك فلو قدمت على ثواب مصيبتك قد أطعت ربك وتنجزت موعوده عرفت أن المصيبة قد قصرت عنه واعلم أن الجزع لا يرد ميتا ولا يدفع حزنا فأحسن الجزاء وتنجز الموعود وليذهب أسفك ما هو نازل بك فكأن قد
من كلام المتأخرين
تعزية بولد من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب
واحسن عزاءه بأعز فقيد وأحب حبيب ووليد وعوض بجميل الصبر جوانحه التي سئلت عن الأسى فقالت ثابت ويزيد صدرت هذه المفاوضة (9/83)
تهدي إليه سلاما يعز عليه أن يتبع بالتعزية وثناء يشق عليه أن يطارح حمائم سجعه المطربة بحمائم الشجو المبكية المنكية وتوضح لعلمه ورود مكاتبته المؤلمة فوقفنا عليها إلا أن الدمعة ما وقفت وخواطر الإشفاق عليه وعلى من عنده طفت حرقها وما انطفت وعلمنا ما شرحه ولم يشرح الصدر على العادة من وفاة الولد فلان سقى الله عهده ولحده ونضر وجهه وتغمد بالرضوان خاله وخده وما بقي إلا التمسك بأسباب الصبر والتفويض إلى من له الأمر والدنيا طريق والآخرة دار ودهليزها القبر وللمرء من تثبته وازع والاجتماع بالأحبة الراحلين واقع إن لم يصيروا إلينا صرنا إليهم وإن لم يقدموا في الدار الفانية علينا قدمنا في الدار الباقية عليهم نسأل الله تعالى أن يجمعنا في مستقر رحمته ويحضرنا مع الأطفال أو مع المتطفلين ولائم جنته والله تعالى يدارك بالصبر الجميل قلبه ولا يجمع عليه فقد الثواب وفقد الأحبة
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
رزقه الله تعالى ثباتا على رزيته وصبرا وجعل له مع كل عسر يسرا وأبقاه مفدى بالأنفس والنفائس وكان له أعظم حافظ من نوب الدهر وأجل حارس
المملوك ينهي علمه بهذه النازلة التي فتتت القلوب والأكباد وكادت أن تفرق بين الأرواح والأجساد وأذالت ذخائر العيون وابتذلت من المدامع كل مصون وأذابت المهج تحرقا وتلهبا وجعلت كل قلب في ناري الأسى والأسف متقلبا وهي وفاة ولده الذي صغر سنه وتزايد لفقده هم المملوك وحزنه - طويل -
( ونجلك لا يبكي على قدر سنه ... ولكن على قدر المخيلة والأصل ) (9/84)
وكان الأمل يحدث بأنه يشد للمولى أزره ويشرح ببره صدره ويؤثل مجده ويبقي الذكر الجميل بعده ففقد من بين أترابه وذوى عندما أينع غصن شبابه وغيب منظره الوسيم في لحده وترابه وسيدنا يعلم أن الموت منهل لا بد من ورده وابن آدم زرع لا بد من حصده وأن المنية تشمل الصغير والكبير والجليل والحقير والغني والفقير فينبغي له استعمال صبره والاستبشار بمضاعفة أجره والله يمتعه بأهله وطول عمره
وله - كامل -
( لهفي وما لهفي عليك بنافع ... كلا ولا وجدي ولا حرقاتي )
( يا من قضى فقضى سروري بعده ... وتحدرت أسفا له عبراتي )
( عقد التجلد حلها فرط الأسى ... والقلب موقوف على الحسرات )
( لو كنت ممن يشترى أو يفتدى ... لفديت بالأرواح والمهجات )
( كنت المعد لنصرتي في شدتي ... فقضى الحمام بفرقة وشتات )
( والله لا أنسيت ندبك والبكا ... أبدا مدى الأنفاس واللحظات )
( ويسوءني أن عشت بعدك ساعة ... أسفا لفقدك ميتا وحياتي )
أعظم الله أجر مولانا ومنحه صبرا جميلا وأجرا جزيلا وثناء عريض الشقة لثباته على هذه الفادحة طويلا وجعل هذه الرزية خاتمة الرزايا وممحصة جميع الذنوب والخطايا ولا فجعه بعدها في قرة عين ولا أورد محبوبا شغف به قلبه الكريم منهل الحمام ولا سقاه كأس الحين (9/85)
المملوك يقبل البساط الذي ما فتيء لنشر المعدلة مبسوطا وكل امل ببره منوطا
وينهي إلى العلم الشريف علمه بهذه المصيبة التي أصابت فؤاد كل محب فأصمته وطرقت سمع كل ولي فأصمته وولجت كل قلب فأحرقته صبابة وحزنا ومرت على الصلد فصدعته ولو كان حزنا وهي وفاة فلان سقى الله عهده وأسكن الرحمة ثراه ولحده فشق أسفا على المفقود جيب كل جنان وطوى الأكباد على جراحها وحسر الأجساد على أرواحها - طويل -
( وما هي إلا نكبة أي نكبة ... أهاجت سعيرا في الحشا يتلهب )
( فلا جسم إلا بالتحرق ذائب ... ولا قلب إلا في الأسى يتقلب )
( بكى كل جفن مصرع السيف فاغتدت ... عيون عليه في الأباطح تسكب )
( لقد هال عذالي بكائي تعجبا ... وإن بكائي بعد فقده أعجب )
( فلورام قس وصف حزني ولوعتي ... لقصر في أوصافه حين يسهب )
( فوالله لا جفت جفوني من البكا ... وإن زاد عذالي العتاب وأطنبوا )
ولهذا أصدر المملوك هذه المطالعة يدعو لمولانا فيها ويعزيه ويندب فقيده بألسنة الأقلام ويبكيه ويبشره بما وعد الله الصابرين على مثل هذه الرزية ويسليه فيا لها نازلة فجعت بغصن رطيب وقمر يرفل من الشبيبة في ثوب قشيب وصدعت القلوب بفقد حبيب وأي حبيب - سريع -
( والموت نقاد على كفه ... جواهر يختار منها الجياد )
وبعد فللمملوك في هذه الرزية مشاركة كادت تباين بين روحه والجسد وهو المصيب لهذه المصيبة ما تجده الوالهة على فقد الولد لا يستقر به قرار ولا ينجيه من يد الحزن فرار دأبه البكاء والعويل وحزنه العريض الطويل فواضعفاه عن حمل هذا المصاب وواأسفاه على مسافر لا ينتظر له قدوم ولا إياب وواعجباه لضدين اجتمعا لوالده الكريم الجناب - طويل -
( تخون المنايا عهده في سليله ... وتنصره بين الفوارس والرجل ) (9/86)
وعلى كل حال فهو أجدر من استعان على هذه الحادثة بصبره وشرح لما قد قدر فسيح صدره وشكر الله على حلو القضاء ومره فما كان إلا أحد العمرين فقد فخلفه عمر وثاني القمرين أفل فقام مقامه هلال قدم من سفر وفي بقاء المولى ما يوجب التسليم للقدر والقضاء والشكر لله تعالى في حالتي الشدة والرخاء جعله الله في حرز لا يزال حريزا مكينا وحصن على ممر الأيام حصينا
وله أعظم الله أجره وأطال عمره وشرح صدره وأجزل صبره وسخر له دهره
المملوك ينهي أنه اتصل به خبر صدع قلبه وسرق رقاده ولبه وضاعف أسفه وكربه وهو موت فلان تغمده الله برحمته وأهمى عليه سحائب مغفرته وعامله بلطفه وجعل الخيرة له في حتفه فشق ذلك قلبه وعظم عليه وقارب لشديد حزنه أن يصل إلى ما وصل المرحوم إليه لكنه ثبت نفسه وثبطها ورفع يده بالدعاء للمولى وبسطها وسأل الله أن يطيل بقاءه ويحسن عزاءه ويحرسه من أزمات الزمان فإنه إذا سلم كان الناس في السلامة والأمان ويجعله عن كل فائت عوضا كما أصاره جوهرا وجعل غيره من الأنام عرضا ولقد جلت هذه الرزية على كل جناب ودخل حزنها إلى كل قلب من كل باب جعل الله أجره للمولى من أعظم الذخائر ومنحه الحياة الأبدية التي لا تنتهي إلى أمد ولا آخر إن شاء الله تعالى
الضرب الثاني التعزية بالبنت
من كلام المتقدمين
ابن أبي الخصال المغربي (9/87)
الشيخ فلان عزاه الله على احتسابه وجعل الثواب المرتقب أفضل اقتنائه واكتسابه معزيه عن فلذة كبده ومساهمه في أرقه وسهده والفات في عضد صبره الجميل وجلده فلان فإني كتبته كتب الله لكم خيرا يذهب جزعكم وحسن منجاكم بالتفدي الجميل ومنزعكم عندما وصلني وفاة ابنتكم المرحومة نفعها الله بإيمانها وتلقاها بروح الجنة وريحانها وهي أعزك الله وإن آلمك فقدها وأوجعك أن استأثر بها لحدها فليعزك عنها مصابنا بنبينا عليه السلام وعلمك بأنا جميعا بمدرجة الحمام أفتجد على الأرض خالدا وقديما ثكلنا وليدا نجيبا ووالدا فمن خلق للفناء واختلس بمر الساعات والآناء جدير أن يتعظ بنفسه ولا يحزن لذهاب من ذهب من ذوي أنسه فاحمد الله عز و جل إذ رجحت ميزانك وضمنت لك يوم المعاد جنانك والله عز و جل يرزقنا احتسابا جميلا وصبرا ويؤنسك وقد اختار لك الصهر قبرا ويعظم لك ثوابا جزيلا على مصابك وأجرا ويعم فقيدتك بالرحمى ويسكب على جدثها مزنها الأوكف الأهمى ويؤويك إلى كنفه الأعظم الأحمى بمنه ورحمته لا رب غيره والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
الضرب الثالث التعزية بالأب
من كلام المتقدمين
ابن أبي الخصال معزيا بوزير
يا سيدي وواحدي ومحل الابن المبرور والأخ المشكور عندي أعزك الله بالتقوى ورضاك بما قضى وأمدك بالنعمى وشملك بالحسنى كتبته أعزك الله وقد وصل كتابك الكريم بما نفذ به القدر الذي هو في العباد حتم وله في كل عنق ختم في الوزير الفقيه الشهيد أبيك كان رحمه الله وأكرم مثواه وجعل الحسنى التي أعدها لأوليائه مقره ومأواه فأسفت كل الأسف لفقدانه وقد كان عين زمانه وعمدة إخوانه تغمده الله بغفرانه ونقله (9/88)
إلى رضوانه وتلك أعزك الله غاية الأحياء وسبيل الأعداء والأحباء كان على ربنا جل وعلا حتما مقضيا ووعدا مأتيا والأسوة أعزك الله في غمره الفضفاض وبره الفياض وأنه ختم له بالخير والانقباض وكان آخر ذلك الحسب القديم والجيل الكريم وقد أمرك الخير فافعل ما أمرت به وكن كما ظنك وقدرك وتركك وإنك بفضل الله تسد مسده وتبلغ في كل فضيلة حضره السابق وشده وتعد للأيام في الجد والاعتزام ما أعده وإخوتك أعزك الله لك أظهار وأعضاد وفيهم غزو مضاد فاشتمل عليهم وارفق بهم فإنهم ينزلونك منزلة أبيهم وتجد أخلاقه وعونه فيهم وأما ما أعتقده من تكريمك وأراه من تفضيلك وتقديمك فشيء تشهد به نفسك ويدركه يقينك وحدسك أشد به اعتناء وأجمل له استواء وأوفى عنك رداءا وغناء جعلنا الله من المتحابين في خلاله والمتقلبين في ظلاله وأمننا من الزمان واختلاف أحواله بمنه والسلام
الضرب الرابع التعزية بالأم
أبو محمد بن عبد البر المغربي - منسرح -
( ما مات من أنت بعده خلف ... والكل في البعض غير ممتنع )
كتب عبده القن من الأسى لأجله بعض ما يجن المنطوي على قلب تطمئن القلوب سلوا ولا يطمئن فلان بعد وصول كتابه الكريم بصدع يصمي القلوب ويقد أقوياء الجيوب ويترك الأحباب مصرعين على الجنوب فوقف العبد عليه مترقرق المدامع منحرق الأضالع رائيا سامعا سجا الأبصار وأسى (9/89)
المسامع فيا أسفي لخطب ضعضع ركن الجد وكان وثيقا وصوح روض الفضل وكان وريقا ونغص حسن الصبر ولم يزل صديقا وترك العبد خليقا بهذا القول ومثله معه حقيقا فآه لدين ومروءة فقدا في قرن وعلى صون وعفاف أدرجا في كفن وحصان رزان لا تعرف بوصمة ولا تزن لقد أصم بها الناعي وإن كان أسمع وأرق ما شاء الفؤاد وأراق المدمع ولم يبق قلبا للصبر إلا صدعه ولا أنفا للسلو إلا جدعه ولا بابا للتعزي إلا أرتجه ولا عقيما للتأسف إلا أنتجه ولو قبل في الموت فدا وصح أن يؤخذ فيه فداء لما خلص إليكم ولا ألم ولا عداكم في صروف المنايا المخيفة سلم لكن أبى الله إلا أن تعم الحرقة وتستولي على الوقت الفرقة
الضرب الخامس التعزية بالأخ
أبو محمد بن عبد البر
وكتبت والأنفس مرتمضة والعين غير مغتمضة والأنفاس تتصعد والأحزان تتأكد أسفا للمصاب الذي عم وغم وأسمع نعيه فأصم وقال للفرح كف من عنانك وللترح انتظر لأوانك بوفاة الفرد الذي في رأسه نور وسداد الآراء المختلفة وسداد الثغور والفذ الذي شهد الرجال بفضله وعقم النساء فما تجيء بمثله أبي فلان صنوكم السابق الذي لا يجارى والشارق الذي لا يسارى والغيث الذي عم المنيل والمستنيل والليث الذي ورد الفرات زئيره والنيل فإنا لله وإنا إليه راجعون تسليما للقدر وإن ساء وشمل المرؤوسين والرؤساء فياله مصابا ترك كل رأس أميما وأودع صميم كل فؤاد ثكلا صميما لقد أنصل السمر اللهاذم وأغمد البيض الصوارم وعطل الكتائب والمقانب وأوحش المفاوز والسباسب ولم يبق مشيد علا إلا (9/90)
هده ولا مديد ثناء إلا صده ولم لا وهو الشخص يموت بموته بشر كثير ويبكيه قلم وحسام ومنبر وسرير وعند الله نحتسبه جميعا ونوسعه بمحض الصفاء وصفو الثناء توديعا وتشييعا ونفارقه فراق الصدر خلده والمصاب جلده فواأسفي لرزئه ما أفظعه موقعا وواحربا ليومه ما أظلمه مطلعا وواحزنا لنعيه ما أشنعه مرأى ومسمعا فلئن جرت الدموع له دما وأضمرت الضلوع به مضطرما لما أدت حقه ولا كربت ولا دانت بعض الواجب فيه ولا اقتربت ولولا أن المنية منهل لا يحلأ وارده ومعلم يهدي إليه على أهدى سمت مباعدة لم يبق في أنس مطمع ولا لحزن مستدفع ولكان الثاكل غير ما ترى وتسمع وما أنتم أيها الشيخ المكرم ممن ينبه على ذخر من العمل الصالح يكتسبه وصبر في الرزء الفادح يحتسبه فصبرا فالمنون غاية الممسين والمصبحين والنبأ الذي يعلم ذوقا ولو بعد حين وهو تعالى المسؤول أن يرقع بمكانكم هذا الخرق المتسع ويصل بجنابكم ذلك الشمل المنصدع
ابن أبي الخصال
الشيخ فلان أبقاه الله يتلقى الأرزاء بحسن الصبر وجميل الاحتساب ويتقاضى بالتعزي مرتقب الأجر ومنتظر الثواب معزيه في أخيه الكريم علينا العظيم مصابه الفادح لدينا فلان فإني كتبته كتب الله لكم صبرا تجدون ذخره وأوجب لكم عزاء تحمدون يوم القيامة شأنه وأمره عندما وصل من وفاة الشيخ أبي فلان اخيكم رحمه الله تعالى ما كدر العيش ونغصه وجشم جرع الحمام المقطوعة وغصصه فإنا لله وإنا إليه راجعون استسلاما لقدره وقضائه وأخذا فيما يدني ويقرب من إرضائه وما نحن إلا بنو الأموات الذين درجوا وسنخرج من الدنيا كما قبلنا خرجوا جعلنا الله جميعا ممن ينظر لمعاده ويجعل التقوى خير ما أوعاه بجداده وسلك بنا نهج هدايته وطريق رشاده وهو جل وعلا يجزل لكم على مصابكم ثوابا عميما موفورا ويجعل فقيدكم بين (9/91)
أيديكم في يوم القيامة نورا ويلقيه في دار الفردوس ملكا كبيرا وحبورا ولولا كذا لسرت إليكم لأعزيكم شفاها وأحدثكم عن ضلوع أحرق هذا المصاب حشاها لكن امتثال أمره المطاع حمل على البدار إلى ما أمر به والإسراع والله عز و جل يديم لنا بكم الإمتاع بمنه وكرمه والسلام
الضرب السادس التعزية بالزوجة
من كلام المتقدمين
أبو محمد بن عبد البر
وقد تقرر عند ذوي الألباب وثبت ثبوتا لا يعلل بالارتياب أن الدنيا قنطرة دائرة ومعبرة إلى الآخرة وأن ساكنها وإن طال عمره وطار في الخافقين أمره لديغ سمها وصريع سهمها فما تضحك إلا لتبكي ولا تؤنس إلا لتنكي وقد نفذ القدر الذي ماله رد ولا منه بد بوفاة فلانه ألحقها الله رضوانه وأسكنها بفضله المرجو جنانه فإنا لله وإنا إليه راجعون تأسيا بالسلف الصالح وتسليا عن ماء الدمع السافح وزند القلب القادح وعند الله نحتسبها عقيلة معدومة المثيل مفقودة الدين والعفة في هذا الجيل متحلية من دعاء الفقراء وثناء الصلحاء بالغرة الشاذخة والتحجيل لقد ذهب لذهابها الرفق والحنان وعدم لعدمها الشيم البرة والأخلاق الحسان وإن فقدها لخرق لا يرقع وغلة لا تنقع وخطب لا يزال الدهر يتذكر فيصدع ولولا العلم بأن اللحاق بها امر كائن وأن المخلف في الدنيا لا محالة عنها بائن وأن التنقل للآخرة ما لا ننفك نسمعه ونعاين لما بقيت صبابه دمع إلا ارفضت ولا دعامة صبر إلا انقضت ولكان الحزن غير ما تسمع وترى والوجد فوق ما يجري وجرى لكن لا معنى لحزن لما يقع فيه الاشتراك ولا وجه لأسف على ما لا يصح فيه الاستدراك وما أنتم بحمد الله ممن يذكر بما هو فيه أذكر ولا ممن ينبه على ما هو بالتنبيه عليه أخلق وأجدر ولولا أن التعازي مما اطرد به العمل (9/92)
وسنه الصالحون الأول لما سلك سبيله معكم وأنتم ممن قدر الأمور قدرها وعلم أن الحياة ولو طالت فالموت أثرها وإذا لم يكن من الموت بد ولم يمنع منه صد ولا سد فالصبر خير من الجزع وأدل على كرم المنحى والمنزع وأحرى أن يكون الثواب جزيلا والجزاء حسنا جميلا والله يبقيكم أتم البقاء ويرقيكم أتم الارتقاء
ابن أبي الخصال
الشيخ الأجل فلان آنس الله وحشته وجدد على فقيدته رحمته معزيه عن أهله الهالكة وسكنه ومساهمه بأوجب حزن في القلوب وأسكنه فلان فإنا كتبناه عن دموع تصوب وتنسرب وضلوع تخفق من وجيبها وتضطرب وأنس يشرد منا ويحتجب بموت فلانة رحمها الله التي أودعت في جوانحنا من الثكل ما أودعت ورضت أكبادنا بمصابها وصدعت عزانا الله جميعا فيها وأولاها نعيما في الفردوس الأعلى وترفيها وأعقبنا من الوحشة أنسا وعمر بالرحمى جدثا مباركا ورمسا وجعلنا كلا ممن يردع عن الانحطاط إلى الدنيا نفسا بمنه وكرمه
من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
لما علم مملوك المجلس السامي أطال الله بقاءه وأعظم أجره وأحسن عزاءه وفاة السيدة المرحومة سقى الله عهدها عهدا يبل الثرى وجعل الرحمة لمن نزلت به لها القرى تألم لفقدها غاية الألم ووجد حرقة كسته ثوبي ضنى وسقم وحزنا لا يعبر عنه بعبارة بيانه ولا يستوعب وصفه بلسان قلمه وبنانه - وافر (9/93)
( ولو كان النساء كمن فقدنا ... لفضلت النساء على الرجال )
والمولى أولى من عزى نفسه واستحسن رداء الصبر ولبسه وعلم أن الموت غريم لا ينجي منه كثرة المطال ولا يدافع بالأطلاب والأبطال وأنه إذا طالب بذمه كان ألد الخصام وإذا حارب فعل بيده ما لا تفعله الكماة بحد الحسام
الضرب السابع التعازي المطلقة مما يصلح إيراده في كل صنف
من ذلك من ترسل أبي الحسين بن سعد
من صحب الأيام وتقلب في آنائها اعتورته أحداثها واختلفت عليه احكامها بين مسرة ومساءة يعتقبان وفرحة وترحة يتناوبان وكان فيما تأتيه من محبوبها على غير ثقة من دوامه واتصاله ولا أمن من تغيره وانتقاله حتى تعقب السلامة حسرة وتستحيل النعمة محنة والسعيد من وفق في كل حال لحظه وأعين على ما فيه سلامة دينه من الشكر على الموهبة والصبر على النازلة وتقديم حق الله تعالى في حال الغبطة والرزية ولم تكن بالفجيعة به مفردا عني وإن كان النسب يقربه منك والرحم تصله بك لما كنت أوجبه من حقه وأرعاه من مودته واختصه بالاعتداد فيه دون أداني أهلي والثقة من إخواني فمضى رحمه الله أقوى ما كان الأمل فيه وأكمل ما كان عليه في لبه وأدبه واجتماع فهمه وكمال هديه وانتظام أسباب الخير وأدوات الفضل فيه
ومنه لا ينكر للعبد أن يتناول مولاه عند وقوع المحنة في أهل خاصته وتخون ريب المنون من حاشيته بالتعزية عن مصيبته والإخبار عما يخصه من ألم فجيعته وعظم رزيته لاسيما إذا كان بحيث لا يرى شخصه في الباكين ولا تسمع صرخته بين المتفجعين ولو سعيت على حدقتي
ومن ذلك (9/94)
إن الله تعالى أمر أهل طاعته بتنزيل هذه الدنيا بمنزلتها من إهانته وسوى بين البر والفاجر في رغائبها ومصائبها ولم يجعل العطية دليلا على رضاه ولا الرزية دليلا على سخطه ولكنه ألزم كل واحد من أهل الرضا والسخط من نعمها بنصيب وسقاهم من حوادثها بذنوب ليبتلي أهل رضاه في أهون الدارين عليه ويحسن لهم الجزاء في أكرمهما لديه ولذلك حبب إليهم الزهادة في زهيد فائدتها وممنوح زهرتها وسماها لعبا ولهوا لئلا يعلقوا بحطامها وينغمسوا في آثامها وختمها بالموت الذي كتبه على خليقته وسوى بينهم في سكرته ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) ويقربهم بدار يفنى الموت ويبقون فيها بعده كما فنوا في هذه الدار وبقي الموت بعدهم فإن تأخر الأجل فإلى غاية وإن تطاول الأمد فإلى نهاية ولا بد أن يلحق التالي الماضي والآنف بالسالف وهذه حال نصب الأفكار وتلقاء الأبصار لا تحتاج أن يرتاض الصبر على آلامها والتحمل لمعضلات سهامها والجزع عند وقوعها قادح في البصائر والأفهام دال على الجهل بالليالي والأيام وقد طرق المملوك ناعي فلان فهد جلدي وفتت كبدي لا ارتياعا للحادثة لأنها لو لم تكن فيه لكانت في المملوك ولو لم تتطرق إليه لتطرقت إلى المدرك ولكن الأسف على عطل الزمان من حلية فضله وتعريه من حلة نبله وخلو عراصه من الأنس بمثله وما نال سيدي لفقده وتحمله من بعده وإلى الله تعالى يرغب المملوك أن يربط على قلبه بالصبر ويوفقه لتنجز ما وعد به الصابرين من الأجر إن شاء الله تعالى
علي بن خلف
رقعة ليس عند المصيبة أطال الله بقاء سيدي خير من التسليم إلى الله والرضا بقضائه والصبر على بلائه فإنه تعالى مدح الصابرين في كتابه ووعدهم بصلواته فقال جل قائلا ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا (9/95)
إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) وقال جل قائلا ( وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم ) ولم تزل الأولياء من القدماء يحضون على الصبر وهم لا يرجون عليه ثوابا وينهون عن الجزع ولا يخافون عليه عقابا ومن عرف الأيام وتداولها والأحوال وتحولها وسع صدره للنوائب وصبر على تجرع المصائب ومن اغتر بطول السلامة وطمع في الاستمرار والإقامة
رقعة وقد اتصل بالمملوك خبر الفجيعة بفلان فأفيضت المدامع وتضعضعت الأضالع وزفرت الأنفاس وهمدت الحواس وأذاب الطرف سواده على الوجنات بدلا من الأنفاس وخلعت القلوب سويداءها على الأجساد عوضا عن جلابيب الحداد وعضت الأنامل جزعا ومزقت الثياب تفجعا وتوجعا وكل هذا وإن فارق حميد التماسك ووافق ذميم التهالك غير موف بحق ذلك الدارج الذي بلغ المعالي وهو في مهده وشد دعائم الفضل ولم يبلغ أوان رشده وعلم سيدي أن غاية الجازع وإن صدعت المصيبة قلبه وأطاشت الفجيعة لبه الصبر والسلو وأن نهاية القلق وإن هجمت عليه الحرقة بما لا تتوفر عليه الأضالع ولا تتماسك معه المدامع القرار والهدو والله تعالى لا يريه بعد هذا الرزء رزءا بفنائه وينقل ذلك عنه إلى حاسديه وأعدائه
رقعة من علم أن الأقضية لا تخطيء سهامها والأقدار لا ترد أحكامها سلم الأمر في السراء والضراء ورضي بما مناه في البلاء والابتلاء ولا سيما (9/96)
في مصيبة الموت التي سوى بين الخليقة في تجريع صابها واقتحام عقابها وقد اتصل بالمملوك خبر الحادث الفاصم لعرى الجلد البارح في الجلد فاستحالت في عين المملوك الأحوال ومالت عنه الآمال ورأى السماء وقد تكدر جوها والشمس وقد تعكر ضوها والسحائب وقد أخلف نوها والنهار وقد اظلم والليل وقد ادلهم والنسيم وقد ركد والمعين وقد جمد والزمان وقد سهمت وجنته وسلبت حليته وأفرجت قبضته عن التماسك وقبضت على التهالك وعدلت عن التجلد إلى التبلد ثم أفاق من غمرة فجيعته وهبيب سنة رويته فسلم الله راضيا بأقضيته راغبا في مثوبته
أبو الفرج الببغاء
إذا كان أيده الله أهدى في النعم إلى سبل الشكر وأعرف في المحن بطرق الصبر فكيف نحاذر عليه من المصائب ونذكره التسليم لمحتوم النوائب والمصيبة بفلان أعظم من أن نهتدي فيها إلى سلوة غير مستفادة منه أو نقتدي في العزاء بغير ما نأخذه عنه إذ كانت قلوبنا تبع قلبه سره الله في طروق السراء والضراء وحالتي الشدة والرخاء وأحسن الله عن الفجيعة عزاءه وأجزل من المثوبة عطاءه ولا شغله عن حلاوة شكر النعم بمرارة الصبر على ورود المحن وجعل ما نقل الماضي إليه أنفع له ولسيدي من الجزع عليه
وله في مثله
اتصل بي خبر المصيبة فجدد الحسرة وسكب العبرة وأضرم الحرقة وضاعف اللوعة وكان الأسف عليه بقدر تشوف الآمال كانت إليه فإنا لله وإنا إليه راجعون أخذا بأمره وتسليما لحكمه ورضا بمواقع أقضيته (9/97)
وأحسن الله في العزاء هدايته وحرس من فتن المصائب بصيرته وحمل عن قلبه ما أظله من ثقل المصيبة وعظم الرزية
ولا أزال على جملة من القلق إلى أن يرد علي كتابه أيده الله بما أكون فيه بأدبه مقتديا وبهدايته إلى سبيل العزاء والصبر مهتديا فإن رأى إجرائي من تعريفه بذلك على مشكور العادة فعل إن شاء الله تعالى
وله في مثله
اشتراك القلوب فيما ألم بقلب سيدي بحسب تساويها في المسرة بما سره إذ كان لا يختص دون أوليائه بنعمة ولا ينفرد دون مؤمليه بحلول موهبة والمصيبة بفلان وإن جل موقعها وعظمت الفجيعة بها جلل مع سقوط الأقدار دونه وتجاوزها عنه ومسامحتها به فلا شغل الله قلبه بعدها بمرارة الصبر عما توجبه النعم من حلاوة الشكر ولا جاوره برزية في حميم ولا نعمة
وله في مثله
بصيرتك إلى العزاء تهديك واغتباطك بثواب الله يسليك وعلمك بقلة الغناء عن الجزع يثنيك وجمعنا بك في الصبر مقتدون ولرأيك في الرضا بما اختاره الله تعالى متبعون فحمل الله عن قلبك ثقل المصيبة وحرس يقينك من اعتراض الشبهة وأحسن إلى جميل الصبر هدايتك وتولى من فتن المحن رعايتك وجعل ما نقل الماضي إليه أنفع لك وله من الأسف عليه
وله في مثله
اتصل بي خبر المصيبة فأضرم الحسرة وسكب العبرة وقدح اللوعة وامترى الدمعة وكانت مشاركتي إياك في المصيبة به والفجيعة لفقده بحسب اختصاصي بمواهب الله عندك واغتباطي بمنحه لديك فإنا لله وإنا إليه (9/98)
راجعون تسليما لأمره وانقيادا لحكمه ورضا بمواقع أقداره وأحسن الله على العزاء توفيقك وإلى السلوة إرشادك ولا أخلاك فيما تطرقك به مصيبة من مصاحبة الصبر وفيما تفد به عليك نعمة من الاستزادة بالشكر وحرسك في نفسك وأحبتك وذوي عنايتك ونعمتك
وله في مثله
قدرك أكبر وبصيرتك أنور وثقتك بالله تعالى أعظم من اعتراض الشكوك عليك فيما يطرقك من عظاته بالحوادث وإن عظمت والمحن وإن جلت اختبارا بالمصائب لصبرك وبما يظاهره عليك من النعم لشكرك ومثلك أيدك الله من قابل الفجيعة بفلان إذ كانت من الواجب المحتوم بأحسن عزاء وأفضل تسليم غير مرتاب بما اختاره الله له ولك فيه فعظم الله به أجرك وحرسك وحرس فيك الأجوبة عن التعازي
قال في مواد البيان أجوبة التعازي يجب أن تبنى على وقوف المعزى على كتاب المعزي وأن إرشاده نقع غلته ووعظه نفع علته وتبصيره سكن أواره وتذكيره أخمد ناره وتنبيهه أيقظ منه بحسن العزاء غافلا وهدى إلى الصبر ذاهلا وحسن عنده الرزية بعد جهامتها ودمث نفسه للمصيبة بعد فدامتها فسلم لله تعالى متأدبا بأدبه وعمل بالحكم مقتديا بمذهبه وغالب الرزء بالعزم واخذ فيه بالحزم وسأل الله تعالى أن يحسن له العوض في رده ويجعله له خلفا ممن أصيب بفقده ونحو هذا مما ينخرط في سلكه
جواب عن تعزية من زهر الربيع
أعز الله سيدنا وأسعده وسهل له طريق المسرة ومهده وصان عن حوادث الأيام حجابه وعن طوارق الحدثان جنابه وجعله في حمى عن (9/99)
عوارض الغير والغرر وأصار أيامه محسنة لوجوه الأيام كالغرر
ورد الكتاب الذي أنعم بإرساله بل المشرف الذي كسته اليد العالية حلة من حلل جماله فوقف عليه وفهمه وتذكر به إحسانه الذي لاينساه وتفضله الذي لا يعرف سواه فأما التعزية بفلان فإنه رد بعذب لفظها قوته وبل بماء حسنها غلته وصبره على حادثته بفلان بعد أن عز عليه العزاء وأعوزه وطلب وعده من صبره فما أنجزه لأنه كان وجد لموت المذكور حزنا ما استطاع له تركا وفقد لموته خلا مثله يناح عليه ويبكى وفي بقاء مولانا مسرة تطرد كل حزن وفي بهاء طلعته عوض عن كل منظر حسن جعله الله ساميا على أترابه مقدما على أضرابه ما سمت الأسماء على الأفعال وتقدم الحال على الاستقبال
آخر ضاعف الله بقاءه وأطال عمره وشرح لإسداء المكارم صدره وأنفذ نهيه وأمره ولا زال إلى أوليائه محسنا وفضله يحصل لمحبيه غاية السول والمنى ورد مشرفه المعزي بوفاة فلان سقى الله عهده عهاد رضوانه وأسكنه في غرف غفرانه فجبر مصابا وفتح إلى الصبر أبوابا وهدى إلى طريق الخير وقال صوابا وسكن نفسه وذكره إحسانه الذي لم ينسه وأزال الوحشة وزاد أنسه بعد أن كان فقد المذكور قد هد ركنه وفت عضده وأوصله إلى أمد الحزن وضاعف على الأيام أمده وألبسه رداء الاكتئاب على تربه الذي أصبح تحت التراب وصديقه الموصوف بالصدق الذي فاق سناه ذلك الأفق جعله الله أصلا في تحصيل المسرة إذا ذوت الفروع وسيفا يقهر به وليه الحوادث التي تروع إن شاء الله تعالى
آخر جعل الله أجره عظيما كقدره والقلوب مجمعة على حبه كإجماع الألسنة على شكره
المملوك يعلمه بورود كتابه الكريم المعزي بفلان قدس الله روحه وأمطر سحائب الرحمة ضريحه عليه وعنده من شديد الحزن ما أعدمه لذيذ (9/100)
الوسن ومن زائد الاكتئاب ما كاد يحرمه التقمص بثوب الثواب بحيث إنه عوض بالزمن الأسود عن العيش الأخضر وذاق من موجب لبس الأبيض طعم الموت الأحمر وأنه ضمه إليه ضم المحبوب وابتهج به ابتهاج من ظفر بغاية السول والمطلوب فأغمدت الكآبة خوفا من قلمه سيفها وأزالت الدنيا الدنية عنه حيفها وعزى نفسه وسلاها وشغله إحسانه عن محاسن محا الموت سناها فرفض من توجعه ما فرضته حادثته وسلك منهجا غير المنهج الذي فتتت فيه حشاه ومهجته فالله تعالى يكفينا ما نحاذره في المجلس ويحرس سناه ويديم سعده وعلاه
النوع الثالث من مقاصد المكاتبات التهادي والملاطفة
قال في مواد البيان رقاع التهادي يجب أن تودع من الألفاظ المستحسنة ما يمهد لقبول الملاطفة والمبرة التي تتميز في المودة قال وينبغي أن يطرف الكاتب إذا كان مهديا أو مستهديا وقد جرت العادة أن تودع هذه الرقاع من أوصاف الشيء المهدى ما يحسنه في نفس المهدى إليه قال وينبغي لمن ذهب هذا المذهب أن لا يعتمد تفخيم هديته ولا الإشارة إلى جلالة خطرها فإن ذلك يخل بشروط المروءة ويتحاماه الكرماء
ثم هي على ثلاثة أضرب
الضرب الأول ما يكتب مع التقادم إلى الملوك من أهل مملكتهم إلى القائمين بإيصال التقدمة إلى الملك وكاتب السر ونحوهما
الشيخ جمال الدين بن نباتة إلى كاتب السر بالأبواب السلطانية (9/101)
صحبة تقدمة من نائب الشام إلى السلطان
لا زالت أقلامها لنتائج الفضل مقدمة ولمراكض الكرم والبأس جيادا مسومة ولكتائب الملك من كتبه أعلاما بشعارها العباسي معلمة وفي يد صاحبها من أصحاب الميمنة والذين كفروا بآيات الله ونعمها من أصحاب المشأمة تقبيل محب لا تفسخ عقود ولائه المحكمة ولا تنسخ إلا في الكتب عقود ثنائه المنظمة ولا تطوف الأشواق ببيت قلبه إلا وهي من ملابس السلوان المحرم محرمة
وينهي أنه قد اختار من عناية مولانا بمقاصده أحسن الخير وبورك له في قصدها ومن بورك له في شيء فليلزمه كما جاء الخبر وقد جهر فلانا إلى الأبواب الشريفة خلد الله سلطانها بتقدمته على العادة في كل سنة واتبع سفارة مولانا بين يدي المواقف الشريفة فاتبع من القول أحسنه وسأل حسن نظر مولانا الذي إذا لاحظ قصدا أعلنه وسعدا عينه وقد جهز المملوك برسم مولانا ما هو بمقتضى الورقة المجهزة عطفها المؤملة وإن كانت ورقة قطفها وسأل مقابلتها بالجبر الذي يحسب الأمل حسابه ويستفتح ببنان القلم بابه والإصغاء لما يملى من رسائل الشوق فإنها من رسائل إخوان الصفا المستطابة لا برح القاصدون مرحين بأيام مولانا وحق لهم أن يمرحوا تالين نسبة بيته ورحمى الله على يده ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )
وله إليه أيضا مع الجهاز الشريف السلطاني
أمتعها الله من خيري الدنيا والآخرة بكرم الأمرين وبشرف الذكرين وسرها بما يجهز في الثناء والثواب من الوفرين وأعلى منارها المحلق إلى السماء على وكر النسرين ولا زالت الآمال لا تبرح حتى تبلغ من تلك اليدين (9/102)
مجمع البحرين تقبيل مخلص في الولاء والدعاء مستشهد بالخواطر الكريمة على ثبوت الادعاء وارد لموارد النعم قبل صدور بل قبل ورود الرعاء
وينهي أنه ليس للمملوك فيما يؤوله ويتأمله ويفصله من عقود المطالب ويجمله غير إحسان مولانا الذي لا يمل على طول الإيناس والإلباس وعوارف بيته المستجدة تالية ( إن الله لذو فضل على الناس ) وقد جهز المملوك الولد فلانا بالجهاز المبارك إلى الأبواب الشريفة خلد الله سلطانها وملأ به جواهر حبات القلوب وريحانها وهو على قدرالمملوك ومقداره لا على قدر مراده واختياره ولو أن المراد مما يحمله العبد إلى سيده ويقدمه من سبد الحال ولبده على قدر المحمول إليه والمقدم بين يديه لضعفت قوى أكثر العبيد عن ذلك ويئس من الرضوان جهدهم المالك وإنما على العبيد أن تنصب على قدرتها الحال وعلى السادات أن تصرف بعوامل الخبر مستقبل الأفعال وعلم مولانا الكريم محيط بتنقل المملوك في هذه السنين من بلد إلى بلد ومن أمد كلفه إلى أمد وبما حصل في ذلك من التمحق في إقطاعات كاد أن يخني عليها الذي أخنى على لبد وكان المملوك يود لو كان هذا المحمول من الجهاز من جواهر النجوم المنثورة وأخبية السعود المأثورة وجميع ما زين للناس من الشهوات المذكورة أضعاف أضعافه الآن بل أضعاف أضعاف ما حمل الأولون من فلان وفلان كالحسن بن سهل مع الجهة المأمونية التي حلا ذكرها وابن طولون مع المعتضدية التي كاثر هذا الغيث قطرها (9/103)
والساماني وما أدراك والسلجوقي وما أسراك وجميع ما تضمنته التواريخ التي لو عاينت تاريخ هذه الدولة الشريفة عنت في الحال لمجده وكان كل مجلد منها يموت للهيبة في جلده لما خلدته أيامها الشريفة من أخبار حكمها وخيرها وكرمها وبرها وعطفها على مماليك بيتها الشريف تتقبل ميسورهم وتكمل سرورهم ويملأ بجيوش الانشراح صدورهم وتبلغهم من همم مطلوبهم وتقبل على زاهرات نجاياهم ورياحين قلوبهم - متقارب -
( ولو لم تطعه نيات القلوب ... لما قبل الله أعمالها )
والمملوك يسأل من إحسان مولانا الذي ألفه ومعروفه الذي عرفه ملاحظة الولد فلان بين يدي المواقف الشريفة خلد الله سلطانها وإقامة عذر المملوك بعبارته التي أحل الله سحرها وبيانها فما للمملوك في مقاصده مثل مودة مولانا الوافية المتوافية ومقدمة عبارته الكافية الشافية والله تعالى يعين على شكر مننه والقيام بفرائض حمده وسننه والنهوض بأوصاف أياديه التي يغرد بها قلم الكتاب كما يغرد القمري على فننه (9/104)
الضرب الثاني ما يكتب مع الهدية عند بعثها
وهو على عشرة أصناف
الصنف الأول ما يكتب مع إهداء الخيل
علي بن خلف في إهداء جواد أدهم أغر محجل
وقد خدم المملوك ركابه الأكرم بجواد أدهم مطهم قد سلب الليل غياهبه وكواكبه فاشتمل بأديمه وتحلى بنجومه وأطلع من غرته الساذجة قمرا متصلا بالمجرة وتحلى من رثمته بالثريا أو النثرة صافي القميص ممحوض الفصوص حديد الناظر صليب الحافر وثيق القصب نقي العصب قصير المطا جعد النسا كأنما انتعلت بالرياح الأربع أربعه وأصغى لاستراق السمع مسمعه إن ترك سار وإن غمز طار وإن ثني انحرف وإن استوقف وقف أديب نجيب متين صليب صبور شكور والله تعالى يجعل السعادة مطلع غرته والإقبال معقد ناصيته
من كلام المتأخرين
كتاب عن نائب الشام إلى الملك الصالح شمس الدين صاحب (9/105)
ماردين قرين خيل منعم بها إليه عن السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون من إنشاء الشيخ جمال الدين ابن نباتة وهو بعد الألقاب
وأجرى بالنصر جياده وبالظفر مراده وعلى عوائد السعد مطالع شمسه التي يسميها عرف المملكة بلاده ولا زالت منيرة بسعادة شمسه الأحلاك نظيمة بدر محامده الأسلاك ماثلة خيول سعده حتى حمر السوابق من البروق والشهب السوانح في الأفلاك
المملوك يقبل اليد التي إذا بسطت فلأن تجود وتستلم وإذا قبضت فعلى سيف أو قلم
وينهي بعد ولاء وثناء للإخلاص شارحين وفي الضمائر والآفاق سانحين واشتياق وعهد كانا أحق بالانتماء لاسمه ونعته وكان أبواهما صالحين أن المرسوم الشريف زاده الله تعالى شرفا ورد يتضمن تشريف مولانا على العادة وإعظامه واستقرار مكانته من الخواطر الشريفة في دار مقامه واستمرار (9/106)
كرامته من الآراء المعظمة ولا ينكر بين الصالح والصالح استمرار الكرامة وأن الصدقات الشريفة أنعمت على مولانا بثلاثة أرؤس من الخيل كثلاثة الراح إلا أن حبابها عرق سبقها وثلاثة الشجر كما قال الطائي تساوي شرف ثمرها وزهرها وعرفها ما منها إلا من تقصر الرياح أن تسلك فجه والبروق أن تتبع نهجه ومن تود الثريا أن تكون لجامه والهلال أن يكون سرجه ومن يتمطر كالغمام ويركض كالسيل ومن كملت حلاه ولبس حله الفخار فمشى على الحالتين في الحلتين مسبل الذيل ومن عقد بناصيته كل الخير وعقد له لواء الفخار على كل الخيل من كل خضراء معجبة فهي على المجاز حديقة وكل أحمر سابق فهو البرقي على الحقيقة وكل أصفر شفقي إلا أن الرياح من مجاراته على نفسها شفيقة وكيف لا يشبه بالشفق وهو من الأصائل وكيف لا يفتخر العسكري بهذه الخيل وخناصر عددها في الحسن أوائل قد صرفت وجوهها المقبلة لباب مولانا أحسن المصارف وكتبت عوارف الفضل في معارفه المسبلة فناهيك منها بكتاب عوارف المعارف ووصل لمولانا بذلك مثال شريف ورسم للمملوك بتجهيزها مع من يراه وقد جهز المملوك لخدمة مولانا الخيل المذكورة مع المثال الشريف صحبة فلان ومولانا أدرى بنفحات رياض الحمد بهذه الديم المطلة وبالتقبيل في الأرض التي هي سماء حوافر هذه الخيل التي هي أهلة وأولى أن يشرف المملوك بمهماته ويؤنس لحظه بطيف اليقظة من مشرفاته (9/107)
والله تعالى يجدد لمعاليه في كل قصد نجحا ويعلي لمجده في كل حال قدحا ويروع الأعداء من خطوات خيله في بلادهم بالمغيرات صبحا ومن خطرات ذكره في قلوبهم بالموريات قدحا
وفي معناه
يقبل الباسطة الشريفة أعلى الله شانها وجمل ببقائها زمانها وضاعف على الأولياء برها وإحسانها
وينهي أنه ابتاع جوادا أعجبه وطرفا انتخبه وقد قدمه لولي نعمته ومالك عهدته لأن الكرام لا تكون إلا عند سيد الكرام والذي يصلح للمولى على العبد حرام فالله تعالى يجعل التوفيق ضياء غرته واليمن معقد ناصيته والإقبال تحجيل أوظفته والسعادة موضع الجلوس من صهوته والمملوك يسال الإنعام بقبوله وأن يبلغه من ذلك غاية مأموله مضافا إلى ما سبق به سابق إحسانه العميم وفضله الجسيم والله تعالى يحرسه بعينه التي لا تنام آمين الأجوبة بوصول الخيل
جواب عن نائب الشام إلى أمير آخور بالأبواب الشريفة عن وصول خيل إليه من الإنعام الشريف من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو بعد الألقاب
لا زالت مبشرة بأعظم الخير وكرام الخيل ميسرة النعماء بسوابق السير (9/108)
كدوافق السيل مسفرة عن إيجاد سوابح إلا أنها في الفخار والشية ضافية الذيل سفيرة في الجواد بكل جواد تبتسم غرته ابتسام النهار ويدرك طلبه إدراك الليل تقبيلا يستبق استباق الجياد ويتسق على الدرج اتساق العقود على الأجياد
وينهي بعد ثناء وولاء هذا يهيم في كل واد وهذا يهيم بمثله كل واد ورود مشرفة مولانا الكريمة بما ملأ القلب مسرة والعين قرة ودرج عام الفيل من نجب الخيل السيارة مستهل وغرة فقابلها المملوك بتقبيله وقام لها على قدم تبجيله ثم قام إلى الخيل الشريفة المنعم بها عليه فقبل من حوافرها أهلة ثم من غررها نجوما وتأمل شياتها البرقية واستمطر من السعود غيوما فأذنت له من الإقبال أمد قاصيها وظل بمنزله الخير المعقود بنواصيها وتضاعفت أدعيته الصالحة لهذه الدولة القاهرة الصالحية زادها الله من فضله والوقت الذي ملأ الدنيا بسحاب جوده ورياح جياده ورياض عدله والملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ولولا شهود العهد الشهيدي لقال ولا لأحد من قبله وأعد المملوك هذه الثلاثة من الخيل ليفني عليها بالقتال أهل التعطيل والتثليث ويستخف بها آجال الأعداء بين يدي مالكه فإنها من ذوات العز والعزم الحثيث وما هي إلا كواكب سعد تمددها أسنتها الوقادة وزهرات حسن حيت بها على البعد سفارته المعتادة لا برح مولانا يقلد بعنايته وإعانته المنن الجسام وينصر بعزائمه القاطعة وكيف لا ينصر ويقطع وهو الحسام
وله في جواب وصول أكديش وباز وكوهية (9/109)
لا زال جزيلا سماحه جميلا من الحمد رباحه جليلا بره الذي يشهد به طائر الخير ويمنه وطائل الخيل ونجاحه هذه المفاوضة تهدي إليه سلاما يخفق جناحه وثناء تشرق غرره وأوضاحه وتوضح لعلمه الكريم ورود مكاتبته سريعة الاحتثاث طائرة بيمن طرسها وهديتها بأجنحة مثنى وثلاث فحصل الوقوف عليها وتجدد عهد الارتياح لديها وفهمنا ما لم نزل نفهمه من ود الجناب العالي وبره المتعالي ووفاء عهده الذي تتلقاه المحامد بأمالي المحب لا بأمالي القالي ووصل الأكديش الايكر ظاهرا حسنه وسافرا عن وفق المراد يمنه تتجمل به المواكب وتماشيه الرياح وبعضها من خلفه جنائب وكذلك وصل البازي والكوهية وكلاهما بديع الأوصاف سريع الاقتطاف لأزاهر الطير (9/110)
والاختطاف يسبق الطرف بجناحه اللموح ويستعجل من الأفق وارد الرزق الممنوح ويواصل الخير والمير إلى المطبخ فكأن حوائج كاش تغدو إليه وتروح لابرح إحسان الجناب العالي واصلا وذكره في ضمير الاعتداد حاصلا وحكم سماحته وشجاعته باستحقاق الثناء فاصلا
جواب بوصول جوارح
كتب به عن نائب الشام جوابا لمطالعة وردت على نائب الشام من الصالح صاحب ماردين من بقايا بني أرتق صحبة سناقر هدية للصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة
وأيد هممه السوابح ونعمه السوافح وشيمه التي تنتظم منها عليه درر المحامد والممادح وشكر هداياه التي منها جوارح طير تخفق لفرط استحسانها الجوارح ولا زال من أجنحة نصره حتى السماك الرامح ومن جنود سعده للأولياء سعد السعود وفي الأعداء سعد الذابح ومن جياد ركابه الشهب إلا أنها شهب الأفلاك السوابح ولا برح سلطان البسيطة مكافئا عمل قلبه الوفي ولا ينكر العمل بالقلوب بين الصالح والصالح
المملوك يقبل الأرض التي تستمد السحب من سمائها وتستعد منازل (9/111)
الأنجم للتعلم من أنوائها تقبيلا يودع ورق الرسائل أزاهره ويطلع في ليالي السطور زواهره ويدخر في أيدي الحروف إلى أن تصل إلى أجياد المنابر جواهره
وينهي بعد دعاء صالح إذ جدد تجدد وولاء ناجح إذا انعطف تأكد وثناء سانح إذا سرى لا يتوقف إلا أن نسيمه في الآفاق يتردد وارتياح لما يرد من أخبار دياره السارة إذا شافه سروره سمع الولي شهد وسمع الحاسد تشهد حيث يتلقى ببلاده النجح والمقاصد وصلات البر والعوائد ووفود الآمال من كل أوب فديار بكر ديار زيد وعمرو وخالد ورود المشرف الكريم بل الغيث السائر بخصب المقيم على يد فلان ونعم اليد العائلة لأيادي البر العميم ونعم المشرف الوارد عن مقر هذا للأمل كهف وهذا للتأميل رقيم ففضه المملوك عن علامة اسم لحسنها رسوم ولها رسوم واستجلى مواقع تلك الأنامل المضية وأقسم على فضلها بمواقع النجوم وانتهى إلى الإشارات العالية وعلم ما كان القلب يعلمه من ضمائر الود الحالية لا الخالية وقابل كل أمر حسن بما يجب من مذاهب الود المتوالية ووصلت السناقر المنير سنا فضلها المبير في معارك الصيد شبا نصلها القائمة في كواسر الطير مقام الملوك الأكاسرة إلا في حكمها وعدلها لا جرم أنها إذا دخلت آفاق طير أفسدتها وجعلت أعزة أهلها أذلة وإذا انقضت على سرب وحش جذبتها من دم الأوردة بأرسان حيث كستها من قوادم الأجنحة أجلة لا يسأل كاسرها في الطيور بأي ذنب قتلت ولا يحملها جانب الطير والوحش إذا عاندته فياعجبا لها (9/112)
على أيدي البشر كيف حملت تظل الصيد فلا عجب أن يفزع بها من ظله وتكتب علائم اليمن والظفر بما في لونها من شبه الخط وشكله نعم الجالبة للخير والمير والسائرة بما يخيف المتصيدات وكيف لا وعلى رؤوسها الطير أزاهر حسن لا بدع أن يكون لها كمائم وبوراق العزم لا جرم أن أجنحتها عمائم ونواقل البأس والكرم عن مرسلها فمهما جمعته الشجاعة فرقته المكارم استجلاها المملوك بعد ألفاظ المشرف الكريم فقال تلك الرياض وهذه السحب وتلك الأنوار الهادية وهذه في أفق مطارها الشهب وجهز المملوك المطالعة المحضرة للأبواب الشريفة أعلاها الله وشرفها على يد فلان المذكور فقوبل بالإكرام والكرم ومثل بالمواقف الشريفة مثولا رقى بهمته إلى الكواكب لا جرم وذكر بصالح بيت الارتقاء صالح بيت أرتق حتى أنشد - بسيط -
( فهل درى البيت أني بعد فرقته ... ما سرت من حرم إلا إلى حرم )
وقد عاد معلما من البشر بما يراه مولانا عليه معلما بما تقدم من نجوى الإنعام بين يديه حاملا من كرم وجاه يعدان للأولياء في يوم نزل وللأعداء في يوم نزال قائلا برجاء سعيه المؤمن يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ولن تزال والله تعالى يجري كرم مولانا على عوائد إسعاده ويحرس بعينه وملائكته نفاسه نفسه وبلاده ويدخله باسمه ومسماه لدى الدنيا والآخرة في الصالحين من عباده
وله جواب بوصول بازيين
ولا زالت بزاة كرمه على الحمد مطلة وسحائبه مستهلة وهممه مستقلة بأعباء المكارم وإن كانت لكثير ما يهديه مستقلة هذه المفاوضة تهدي إليه من السلام أجله وتوضح لعلمه الكريم وصول مكاتبته العالية فوقفنا عليها وعوذناها بكلمات الثناء التامة من خلفها ومن بين يديها وعلمنا ما لم نزل نعلمه من موالاته وآلائه المسند في الشكر عنها والمستند في الولاء إليها ووصل كلا (9/113)
البازيين الحسنين المحسنين كأنهما فرقدا سماء قد اجتمعا وقمرا حسن طلعا وعلى محاسن الصيد اطلعا يسران القلوب والأبصار ويحمل كل منهما على اليمين فيحصل به اليسار وما هما بأول إحسانه الأسنى وبره الأهنى وأياديه التي أبى الكرم إلا أن ترد مثنى مثنى وعلم اعتذاره عن الكوهية التي كان ادخرها فنفقت ولو أقيمت بها أسواق الصيد نفقت وأرسل بروايتها تحقيقا لدعوى المكارم التي من زمان تحققت والله تعالى يشكر بره ويملأ بذكره بحر الثناء وبره
وله جواب بوصول كوهيتين على يد شخص اسمه باشق
لا زالت المحامد من مصايد إنعامه وفوائد أيامه وثمرات البأس والكرم من قضب سيوفه وأقلامه تقبيل معترف بإحسانها مغترف من موارد امتنانها متحف منها بعالي تحف تدل على مكانها في الفضل وإمكانها
وينهي ورود مشرف مولانا الكريم على يد الولد باشق فياله باشق جاء بكوهيتين جميلتين وطار للسرعة وهو حامل منتين جليلتين وقد وصلتا وكلتاهما حسنة الخبر والخبر حميدة الورد والصدر يحسن مسرى كل منهما وسيره ويتجمل بهما باب الشكرخاناه وصدرها ويكثر خير المطبخ وميره فمد المملوك إليهما اليد المتحملة الحاملة وإلى المشرف الكريم اليد المتولية المتناولة وعلم ما تضمنه من الحسن والإحسان وذكر الموالاة التي يحكم بها القلب العالم قبل شهادة اللسان واعتذار مولانا عن تعذر وجود الشاهين وكل إحسان مولانا شهي كافي وكل موارد نعمه هني صافي وما فات مقصد وإنعام مولانا وراء طلبه وإن طال الأمد ولافر مطلوب حتى يأتي به سعد مولانا مقرونا في صفد والله تعالى يشكر عوائد فضله ولا يضحي الآمال الملتجئة إليه من ظله
جواب بوصول طيور من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة (9/114)
وشكر هداياه المتقبلة وسجاياه التي هي بأفواه المحامد مقبلة ولا زال بدر سعادته المأمولة وطائر هديته المتأملة
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه من السلام أتمه ومن الثناء أنمه وتوضح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الكريمة ومكارمه العميمة وطيور هديته التي كل منها في الحسن بدر تم وظهرت ظهور البدر لتمامه فأبت محاسنها أن تنكتم فحسن ورودها ورعي بفضل التلطف والتودد مقصودها وأقبلت تلك الطيور التمية تامة الإنعام دالة بيمن طائرها على بركة عامة وكيف لا وقد جاءت بيضاء عدد شهور العام والله تعالى يزيده من فضله ويجري الأقدار بالسعود الشاملة لجمعه الجامعة لشمله إن شاء الله تعالى
جواب في المعنى من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا
لا زالت الجوارح شاهدة ببره والجوانح حائمة الجناح على شريف ذكره والمحامد من مصايد أقلامه ورماحه في السلم والحرب فإما بقوادم سمره وإما بمناسر حمره تقبيلا يبعثه على أجنحة أوراق الرسائل ويتصيد به على البعد مشافهة تلك الأنامل الجلائل
وينهي بعد دعاء تحلق إلى السماء كلماته الحسنة وولاء وثناء هذا تخفق بتشوقه أجنحة القلوب وهذا تخفق بذكره أجنحة الألسنة أن كتاب مولانا ورد على المملوك فأورد عليه المسار وملأ يده بالمبار ومصايده بالمير ومنازله بالخير وآماله بأمالي الكرم لذي السرحات المنشرح بآية ( وعلمنا منطق الطير ) فقابله المملوك بتقبيله وواصل فضل الاعتداد بتفضيله وحصل من هداياها وهداها على جملة الإحسان وتفصيله وانتهى إلى الإشارات العالية التي زكت على العيان وتأمله وأربت على الجنان وتأميله
فأما الإنعام بالكوهيتين اللتين ما قذف البحر إلى الساحل أبهى من (9/115)
دررهما المكنونة وأزهر من وجوههما المباركة الميمونة فقد وصل كلا الطائرين بيمنه والسابقين بمنه والغائبين في جو السماء الآتيين من الصيود بأوفى من قطرات مونه واستقبل المملوك منهما وجوه المسار وحملت يمينه الثروة وحملت على اليسار وتناولت يده يدي إحسان يسر الناظرين والسامعين واستخدما للشكرخاناه ولحفظ مطبخ يملأ عيون المشبعين والجائعين وقال صنع الله لصناعتهما ائتيا بصيود السماء طوعا أو كرها ( قالتا أتينا طائعين ) قد كتبت باليمن في مطاوي ريشها أشباه الحروف وقضى الجود لتلك الأحرف أن تقري ما تقتري عواصي الطير له بطاقة تقيد السابح في طلقه ويعود مطلقها وقد ألزم نجاح الطير طائره في عنقه فشكر الله إحسان مولانا الذي ألحف الأمل جناحه والقصد نجاحه وبره الذي أحمد في سوانح الطير وبوارحه مساءه وصباحه وعلم ما أشار مولانا إليه في أمر فلان وأمره علم الله تعالى في الخاطر حاضر وما يؤخر شغله عن إهمال وعائب الإمهال غادر وما أشار إليه في أمر فلان أمير شكاره وأمير شكر المملوك وتقدم بخلاص حقه واستنزل بهديته قضاء الشغل من أفقه لا برح مولانا ممتثل الأوامر هامي سحب البر الهوامر مجددا في كل وقت نعمى مالئا بهداياه قلوب محبيه وبيوتهم شحما ولحما إن شاء الله تعالى
وله جواب في وصل طيور العقعق (9/116)
لا زالت متصلة منن إرفادها وإرفاقها نازلة على حكمها الأشياء حتى الطير العاقة من آفاقها خافقة أعلام نصرها بالأجنحة مؤمنة لظنون القاصدين من إخفاقها تقبيل مطلق لسان الحمد على عوائد إطلاقها مجتن لثمرات الإحسان من غصون أقلامها وغصون أوراقها
وينهي ورود مشرف مولانا العالي على يد الولد فلان فوقف المملوك عليه وعلم من جميل الاحتفال ما أشار إليه وأنه موقع على المقصود من طيور العقعق فأوقعها من مطارها واستنزلها من أوكار أفقها وأفق أوكارها وأرسلها قرين مشرفه الكريم وقلد عنق الأمل بعقدها النظيم ووصلت سبعة كعدد أيام الجمعة الكاملة والكواكب الماثلة والسموات لا جرم أن سحب يمنها هاملة حسنة الشكل الموصوف والوصف وإن كان مع عقوقه المألوف طائعة لأوامر توقيعه فما عق منها شيء غير تضعف اسمها المعروف لا برح إحسان مولانا متنوعا وبره الجزيل متبرعا وغصن قلمه بأنواع المكارم متفرعا
وله جواب بوصول تمات وإوز صيني وطلب إمرة عشرة
حمى الله تلك النعمة من الغير وأطلعها عليه بأيمن الغرر ولا برح طائر منه كوصفه أبيض الخبر والخبر هذه المفاوضة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما يشوق الصباح وثناء خفاق الجناح وتوضح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الكريمة جميلة الفوائد جليلة المصايد تمية البدور المتناولة من منال الفراقد فوقفنا بالأشواق عليها وعطفنا على العادة بتأكيد الولاء إليها ووصلت تلك التمات واضحة الأنوار لائحة كبياض النوار تامة تمام ميقات موسى عليه (9/117)
السلام إلا أنها لبياضها كأربعين نهار وكذلك البط الصيني كأيام الحج عشرة كاملة مفترضا على عشرتها ولاء القلوب المتأملة الآملة صينية مملوءة بمحاسن الألوان التي هي بغير مثل ماثلة وحصل الاعتداد ببره والازدياد لحمده وشكره وفهمنا ما ذكره من إمرة العشرة التي انحلت عن فلان وقد طالعنا بأمرها وعجلنا بذكرها ونرجو أن يعجل بأمانيها المتنظرة وأن يقابل بخوافق أعلامها خوافق بطه فتقابل عشرة بعشرة والله تعالى يعجل لمعاليه الصعود ويؤكد لمساعيه السعود إن شاء الله تعالى الأجوبة عن وصول الصيود ولحومها
جواب عن نائب الشام إلى نائب حلب بوصول لحم طير صيد قديد وصحبته بطيخ أخضر إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو بعد الألقاب
لا زالت تقتنص المحامد بعطاياه المكررة وأوابد الصيد برماياه المقررة ورقاب الإنس والوحش إما بسهام نعمه المتواترة وإما بسهام قسيه الموترة ولا برحت نفحات مكارمه تشهد أن المسك بعض دم الغزال وسرحات عزائمه تمتد في صيد الوحش لقرى نزيل أو في صيد الأعداء لتقرير نزال تقبيلا تتعطف أجياد الظباء لمحاولة عقوده وتزدحم أفواه الأولياء على مشافهة وروده
وينهي بعد ولاء تقوم الخواطر الكريمة في دعواه مقام شهوده وشوق لا تزال النسمات الشمالية قاضية باستمرار وفوده أن مشرف مولانا الكريم ورد (9/118)
على المملوك على يد فلان وصحبته الإنعام المتجدد وإن كان قديما في المعنى واللحم القديد وإن كان أطرى من الروض النضير حسنا والسمين المحبوب وإن كان كحال عداه الذين تقدد جسومهم في الحياة قبل الممات حزنا فقابل المملوك المشرف الكريم بتقبيل أحرفه والإنعام العميم بقبول مسعده ومسعفه وعانقهما بجوانح آماله وأخذ الكتاب والبر كما يقال بيمينه وشماله فيا لها من ظباء تعشق وإن بليت محاسنها وغزلان تغازل وإن بادت عيونها إلا أنه ما باد حب من يعاينها وصيود توصف وإن قصدتها قصد السهام بطعن ويتقى بقرونها القتال والقسي تالية ( كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) سلكت خيول مولانا لقنصها المصاعب واتخذها الآكلون سهلا وتصيدها من الفلاة واصطادها القاعدون من المقلى ووصل معه البطيخ الأخضر فشبهه بثمار الجنة المشبهون وقيل هكذا ترتيب مآكل الجنة لهم فيها فاكهة ولحم طير مما يشتهون لا زالت منن مولانا مشروحة مشروعة وثمرات نعمه من الدنيا كثمرات أهل الجنة غير مقطوعة ولا ممنوعة بمنه وكرمه أجوبة هدايا الفواكه وما في معناها
الشيخ جمال الدين بن نباتة
جواب وصول مشمش لؤلؤي ودغميشي من حماة
بسط الله ظلها ونداها وأطلع باليمن نجوم هديتها وهداها ولا زالت مواهب بحرها لؤلؤية وشواهد يمنها كوكبية وثمرات جودها فضية الأعيان ذهبية تقبيلا حلت مواقعه وجلت مطالعه
وينهي بعد ولاء وحمد هذا قد ثبتت في القلب شريعته وهذا قد عذبت في السمع مشارعه أن مشرفة مولانا الكريمة وردت على المملوك تتضمن الحسن والإحسان ويمين البر الشامل لكل إنسان وعهد المحبة التي حكمت (9/119)
فيه بعلمها القلوب فما تحتاج إلى بينة لسان فقابلها المملوك مقبلا واستجلى وجه الود والإحسان مقبلا ووصل المشمش الذي شفى لؤلؤية نظر الناظرين ونوعه الآخر الدغميشي الذي هو الشهد بحسنه ولا يدغمش باسمه على الحاضرين فتناول المملوك عوارف بره المعروف والمبتكر واستضاء نجومه المترددة منشدا قول المعري كم درن وكم يدرن هذه الأكر وقال شكر الله هذه المنن الحلوة الثمرات المتصلة الخطرات وهذه المجاني التي طابت أصولها وفروعها فلا أبعدهن الله من شجرات وحيا حماة وما جلبت وجنبات ذلك الوادي وما أنجبت وحدائق ذلك العاصي الذي أطاع ببركة مولانا فأنبت أحلى وأحل ما نبت وقد جهز المملوك هذه الخدمة منطوية على وظائف الحمد المستجادة ولطائف الحب المستفادة وحمد المنن التي لا تزال من مولانا عادة ومن المحبين شهادة لا برحت يد مولانا الكريمة إن بسطت فبعوائد إنعامها وإن قبضت فعلى سيوفها لمصالح الدول وأقلامها وإن زهت فروع المكارم تساقطت ثمرات برها من زهرات أكمامها
جواب بوصول مشمش وبطيخ حلبي من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة
وينهي بعد ولاء وثناء لهذا في الأسماع أزهى وأزهر ثمرة ولهذا في القلوب أرسى وأرسخ شجرة ورود المشرف الكريم على يد فلان بما ملأ السمع من أخبار مولانا المرتقبة سرورا والعين من آثار يده الكريمة نورا والفم من هدايا المشمش الحموي كؤوس لذة كان مزاجها كافورا فقبل المملوك أسطره مستحليا مواقع رشفاته وقابله بعوائد المحامد مستجليا عوائد افتقاداته وصلاته ومد يده وفكره فالتقط النجوم المشرقة من هداياه وكلماته وتقلد جواهر المبرات الحسنة المحسنة والثمرات التي جاءت بدرية القدوم وإن كانت نجومية الهيئات المكونة واستصوب نتائج الغيث فقال لعل هذه بنادق (9/120)
قوس السماء الملونة وصفا وطاب ظاهرها وقلبها وكذا تكون صفات ذوي القلوب المؤمنة والمؤمن حلوي لا جرم والحموي على عجمه الخراساني أولى بفصاحة الفخار والكرم لا زالت فعلات منن مولانا مستجادة ونعمه لا سيما المشمشية مستزادة وافتقاداته المشهورة لدى مماليكه ومحبيه منه عادة ومنهم شهادة وجاءت فاكهة البطيخ الحلبي وقد رضع حلب الغمام فأنجب واستوى باطنه وظاهره في الحسن فأعجب من حين أعشب واستطاب الذوق والشم مطعمه وأنفاسه ووصف بالرؤوس فضمه كل متلق وقبل راسه وقال نعم الهدية السرية والفاكهة التي طلعت حززها هلالية وثمرتها بدرية
جواب عن وصول بطيخ حلبي من إنشائه أيضا وهو بعد الألقاب
وشكر سجاياه التي علت وهداياه التي تكررت فحلت وافتقاداته التي طاب ظاهرها وباطنها فكأنها من أخلاقه الجميلة نقلت أصدرناها تهدي إليه سلاما يتقدم كهديته نسيمه العاطر وثناء ينتج أطايب الثمر مقدمات غيثه الماطر وتوضح لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمة وردت فحسنت بالود مشافهتها وأقرت في الأسماع فاكهتها ومفاكهتها ووصل البطيخ فلله در حلبه ودر جلبه لقد حسنت في ملاذ المطاعم طريقته المرضية ولقد أشبه القناديل بتكوينه وفتيلة عرقه فلا جرم أن قناديله عند الشكر مضية ولقد ملأ خبره وخبره عين البصر وأذن المصيخ ولقد خلق دواء للأجسام حتى صح قول الحلبيين للأرمد دواؤك البطيخ فشكر الله إحسان الجناب العالي وبره المتوالي وعلى الوالد والولد ومن عندهما سلام المحب المتغالي والله تعالى يحفظ عليهم من الفضل ما وهب ويرزقهم بغير حساب ويرزق الظن فيهم ما حسب إن شاء الله تعالى
وله أيضا جواب بوصول بطيخ حلبي وهو بعد الألقاب
وشكر إحسانه الذي حلا مذاقه وزكت أعراقه وحيا على البعد تحية طيبة نفحت بها أزهار الكتاب وأثمرت أوراقه هذه المفاوضة تهدي إليه سلاما طيبا كهديته وثناء زاكيا كطويته وتوضح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الجامعة (9/121)
حسن الأقوال والأفعال المطلعة بوارد غمامها أطيب الثمر في الحال فأحيت ولاء حاشى لوجوده من العدم وجددت عهد البشر وما بالعهد من قدم ووصل البطيخ الحلبي أصله الحموي فصله الدمشقي ضمه وشمه وأكله الفلكي ولا سيما من الأهلة المجتمعة شكله فكرم مطلعا وحسن من الأفواه موقعا وعم الحاضرين نوالا واشتملهم بعطف الإحسان اشتمالا وأخذ الغلام السكين - متقارب -
( فقطع بالبرق شمس الضحى ... وناول كل هلال هلالا )
لا بل أهلة كثر تعدادها وكرر تردادها ورصد قربها ولا نقول كما يقول أصحاب الهيئة أبعادها فشكر الله إحسان الجناب العالي حاضرا وغائبا وبره الذي يطلع كل وقت من هداياه وكتبه أهلة وكواكبا ومرباه الذي نقل عن ملوك كانت منازلهم للمحامد روضا وكانت أيديهم للكرم سحائبا إن شاء الله تعالى
وله جواب بوصول قصب سكر وأترج وقلقاس
لا زالت أوصاف شيمها تطرب كما يطرب القصب وألطاف كرمها مما يغذي الحسد وينعش الروح ويشفي الوصب وأصناف نعمها من الحلو إلى الحامض مما يعدي الأيدي المتناولة فهي على الأعداء تنتصب تقبيل محب حلت له المنن فتناولها ومواقع اللثم فعاج إليها وعاجلها
وينهي ورود مشرف مولانا الكريم على يد فلان يتضمن الحسن والإحسان والبر المأثور بكل فم المشكور بكل لسان فقابله المملوك بما يجب من الخدمة لمثله ولاقاه بعوائد تحمد عوائد فضله ووصل قرينه الإنعام (9/122)
الذي تنوع فنونا وأفنانا وملأ فم الشراب خاناه سكرا ويد المطبخ إحسانا وذكر نباته الطرابلسي عهود الديار المصرية وأوقات الأنس بخدمة مولانا السنية سقيا لها من أوقات وعهود وشكرا لجود مولانا الذي هو في كل واد موجود ولتدبيره الشمسي الذي أحيا الله به على عباده عناصر هذا الوجود ولا برحت مكارمه متنوعة ونعم أياديه متفرعة فمنها ما حلا فرعه فأصبح لكل حلو أصلا ومنها ما طاب ريحه وطعمه فكان للمؤمن مثلا ومنها ما لذ طعامه الشهي فما هو يهجر وإن كان مما يقلى
وله جواب بوصول باكورة خيار وملوخية
لا زالت تشرح بمكارمها الصدور وتفتح بركات الأعوام والشهور وتمنح من لطائف مننها كل جماعة السرور وتلمح في هداياها المستبقة إلى الأولياء خيار الأمور تقبيل محب لا تغير ولاءه الدهور ماش من طريق المصافاة والموافاة في نور على نور
وينهي ورود مشرفة مولانا على يد فلان تتضمن المعهود من ولائه وآلائه والمشهود المشهور من إحسان نداه قبل ندائه فقابلها المملوك مقابلة الشيق إلى قرب الديار الممضي في المحبة قلبه لمولاه قبل شرط الخيار ووصلت لطائف هديته الخضرة النضرة وطرائف الفضل الباكرة كمعاني اللفظ المبتكرة فتنجز المملوك الفاكهة قبل أوانها البديع ورصد من أفلاك العلب في ذي الحجة غرة ربيع وتفاءل بالهدية المجمعة الأحباب في أن يعود الشمل وهو جميع وقد عاد فلان حاملا من رسائل الشوق والشكر ما يؤديه بين أيدي مولانا الكريمة ويجدد بذكراه عهود الأنس القديمة لا برح مولانا سابق الكرم مخضر المرابع ببيض النعم
قلت وكتبت جوابا لبعض الأصحاب وقد أهدى لي سمكا - بسيط -
( أهدى لنا سمكا قد طاب مطعمه ... أكرم به سمكا لم يسكن البركا )
( لا شك أن له بالبحر شاكلة ... والبحر عادته أن يهدي السمكا ) (9/123)
الضرب الثاني من كتب التهادي الاستهداء
واعلم أن كل ما يكتب مع إهدائه قد يكتب مع استهدائه إلا أن الغالب مما جرت به عادة الكتاب في الاستهداء طلب الأشياء المستظرفة الخفيفة المنة دون ما يعظم خطره اللهم إلا أن يكون الاستهداء من الملوك ونحوهم فيطلب فيه ما جل وعظم
والذي جرت عادة الكتاب بالكتابة في استهدائه على أصناف
الصنف الأول آلات الكتابة من الأدوية والمداد والأقلام
مما تقدم ذكره في الإهداء
أبو الفرج الببغاء في استهداء دواة
أنفس الذخائر وأشرف الآمال ما كان للفضل نسبا وللصناعة والحظوة سببا وبالدوي تجتنى ثمرة الصناعة ويحتلب در الكتابة وقد أوحش المملوك الدهر مما كنت أقتنيه من نفائسها وضايقه في وجود الرضي على الحقيقة منها فإن رأى مولانا أن يميط ببعض ما يستخدمه من حاليها أو عاطلها سمة عطلة المملوك ويسمح بإهدائها إلى أهل تصريفه ويقابل بالنجح والتقبل رغبته فعل إن شاء الله تعالى
وله في استهداء مداد
التنافس أيدك الله في أدوات الكتابة والآت الصناعة بحسب التفاخر في ظهور النعمة والتخير لبيان الإمكان والقدرة وغإا فسائر الدوي سواء فيما تصدره الأقلام عنها وتستمده بطون الكتب منها وأولى آلاتها بأن تتوفر العناية (9/124)
عليه وينصرف التخير بالضرورة إليه المداد الذي هو ينبوع الآداب وعتاد الكتاب ومادة الأفهام وشرب الأقلام فجعلها الله بواجب القضية والحكم في حيز وصفه من الحمد والذم وما زلت لنفائس الأخلاق موطنا ولنجع الإخوان في المحل معدنا ولا معدل بي عن استماحة خزائنك عمرها الله الممكن من جيده فإن رأيت أن تستنقذ دواتي من خمول العطلة وتنزه قلمي عن ظمأ الغلة وتكشف عنها سمة النقصان والخلة فعلت إن شاء الله تعالى
علي بن خلف في مثله
أولى ما أنبسط في استهدائه وتسمح نفسي في استماحته واستجدائه ما كان ناقعا لغلة الأقلام مقيدا لشوارد الأفهام محبرا لبرود البيان حاليا في معارض الحسن والإحسان وكتبت هذه الشكوى أطال الله بقاء سيدي
الصنف الثاني الشراب
في استهداء مشروب
أبو الفرج الببغاء
أنا أيد الله سيدي ومن سامحني الدهر بزيارته من إخواني وأوليائه عضد الله جمعنا ببقائه وقوف بحيث يقف بنا اختياره من القبول والانبساط ويرتضيه لنا إيثاره من الهم والسرور لأن الأمر في ذلك مما يوليناه من المساعدة بالممكن من المشروب إليه والاعتماد دون كل أحد في اجتماع شمل المسرة لنا به عليه فإن رأى أن يكلني إلى أولى الظنين به وأحقهما بمأثور فتوته فعل
وله في مثله
ألطف المنن موضعا وأجلها من الأنفس موقعا ما عمر أوطان المسرة وطرد عوارض الهم والفكرة وجمع شمل المودة والألفة وأدى إلى اجتناء ثمرة (9/125)
اللذة وبذخائرك من المشروب مع هذه الأوصاف ما يسترق حر الشكر ويحرز قصب السبق إلى الثناء وجميل الذكر فإن رأيت أن تنجد بالممكن منه مروتي على قضاء حق من أوجب المنة علي بزيارتي فعلت
وله في مثله
من كان للفضل نسبا ولفلك الفتوة قطبا لم تفزع القلوب من الهم إلا إليه ولم تعول الأنفس في استماحة المسار إلا عليه وقد طرقني من إخواني من كان الدهر يماطلني بزيارته وينفس علي بقربه ومشاهدته فصادفني من المشروب معسرا ووجدت الانبساط في التماسه من غيرك علي متعذرا وإلى تفضلك تفزع مروءتي في الإسعاف منه بما يلم شعث الألفة ويجمع شمل المسرة ويجعلنا لك في رق الاعتداد بالمنة ويقضي عني بتفضلك حقوق المودة
علي بن خلف
قد انتظم لنا أطال الله بقاء سيدي مجلس واقف بين النشاط والفتور والكآبة والسرور لغروب نجوم الخمر عن سمائه وعطله من حلي نوره ولألائه وقد عولنا في إطلاقه إلى إحدى الجهتين عليه وجعلنا زمامه بيديه فإن رأى أن يروح أفكارنا بشيء من راحه المشابهة عبقا وعتقا لأخلاقه وأعراقه فعل إن شاء الله تعالى
وله في مثله
أفضل ما أهدى سيدي ما أهدى السرور إلى أحبته ونظم شمل المتحققين بخدمته وحسم عنهم هواجس الفكر وأعداهم على الدهر وقد جمعنا مجلس وهبناه للثناء عليه وزفت عرائس الخمر إليه فإن رأى إيثارنا بما (9/126)
يكمل نشاطنا ويتمم انبساطنا فليعقر همومنا بشيء من عقاره وينظم جمعنا في سلك أياديه ومباره إن شاء الله تعالى
النوع الرابع الشفاعات والعنايات
قال في مواد البيان وهذه الكتب إنما تصدر عن ذوي الرتب والأخطار والمنازل والأقدار الذين يتوسل بجاههم إلى نيل المطلوب ودرك الرغائب
قال والملتمس فيها ممن تنفذ إليه أحد ثلاثة أنواع إما بذل ماله ولا يبذل ماله إلا ذو مروءة يفرض على نفسه حقا فيه لقاصديه وإما بذل جاهه وفي بذل الجاه إراقة ماء الوجه والتعرض لموقف الرد وإما الاستنزال عن سخيمة وموجدة في النزول عنهما كف حد الغضب وغض طرف الحنق وهما صعبان إلا على من فضل حلمه ولطف فهمه
ثم قال والكاتب يحتاج إلى التلطف فيهما وإيداعهما من الخطاب ما يخرج به الشافع عن صورة المثقل على المشفوع إليه بما كلفه إياه ويؤدي إلى بلوغ غرض المشفوع له ونجاح مطلبه ثم أتبع ذلك أن قال وسبيل ما كان في استماحة المال أن يبنى على الإبانة عن موقع الإفضال وفضيلة النوال واغتنام فرص الاقتدار في معونة الأحرار وما جارى هذا وسبيل ما كان منهما في طلب الانتفاع بالجاه أن يبنى على هز الأريحية لاصطناع الصنائع وتحمل المشاق في تقليد المنن وادخار الفعل الحسن واغتنام الأجر والشكر وسبيل ما كان منهما في الاستنزال عن السخائم أن يبنى على الملاطفة والإشارة إلى فضيلة الحلم والصفح عن الخاطيء وما في ذلك من حسن السمعة في العاجلة ومتوفر المثوبة في الآجلة ونحو ذلك (9/127)
وذكر أن أحسن ما قصد في هذا الفن مسلك الإيجاز والاختصار وأن يسلك بن مسلك الرقاع القصار المجملة لا الكتب الطوال المفصلة وأن يرجع فيما يودعه إلى قدر الشافع والمشفوع فيه والكاتب إذا كان مرتضا ماهرا لم يضل عن تنزيل كل شيء في منزلته وترتيبه في مرتبته
قلت ومن أحسن ما يطابق هذا النوع ما رأيته في بعض المصنفات أن عمرو بن مسعدة وزير المأمون كتب إلى المأمون في رقعة
أما بعد فإن فلانا سألني أن أشفع له إلى أميرالمؤمنين فأخبرته أني لم أبلغ عند أمير المؤمنين مبلغ الشفاعة فلما وصلت الرقعة إلى المأمون وقع عليها بخطه قد فهمنا تصريحك به وتعريضك بنفسك واجبناك إليهما وأتحفناك بهما
من كلام المتقدمين
الحسن بن سهل
كتابي إليك كتاب معتن بمن كتب له واثق بمن كتب إليه ولن يضيع حامله بين عناية وثقة والسلام
أبو الحسين بن سعد
وقد توجه إليك فلان بقصد فيه مستجمع وأمل فيما قبلك منبسط وليس بعد إصابتك عنده موضعا وعندنا متجملا لليد الحسنة إلا افتراض ذلك منه ومنا في أمره على يسر في حاجته وتخفيف من مؤونته فإن رأيت أن تأتي في ذلك بما يشبه أمله وظنه وتوجب عليه الحق به ونشكر لك منه ما يبقى عندنا بأنك بحيث تأتي الفضل وتتوخى الصلة فعلت إن شاء الله تعالى
آخر معرفتي بأنك لا تتجاوز في العقوبة سبيلها من مواقع الأدب (9/128)
تحملني على مساءلتك ما أنت موجب له والذكرى تنفع المؤمنين ولولا ذلك لاستغنى صاحب كتابي عنه فإن كان ذنبه صغيرا فالصغير يخرجه من حبسه وإن كان كبيرا فالعفو يسعه وكتابي متقاض لك تقديم العفو على العقوبة والحسنة على السيئة والاستصلاح على القوة في التأديب
طفال بن شبة
واحق من يعطف على أهل البيوتات ويجود لهم بما يبقى ذكره ويحسن به ذخره مثلك وقد وجهت إليك فلانا وهو من ذوي قراباتي وذوي الهيئة من أسرتي وعرضته لمعروفك وأحببت أن تلبسه نعمتك وتصرفه إلي وقد أودعتني وإياه ما تجده باقيا على البشر الجميل في الغيب والحضر
ولغيره
وقد جعلك الله غياثا وجعل عندك لمؤمليك وراجي رفدك أبلغ ذريعة من كرمك وفضلك وقد أصبحت مفزع كل ذي هم وملجأ كل ذي أرب وموضع كل أمل وأصبحت ملتقى السبل ومجمع الأصناف المختلفة والطوائف المتصرفة
أبو مسلم محمد بن بحر
قد شهرتني باصطناعك حتى تكافأ في معرفة خبرها أهل بلدان المشرق والمغرب والذين عرفوني فصديقي منهم مغتبط بذلك لي وشريك في النعمة به علي وقوي الظهر بما منحنيه الله من رأيك وإذا نابت بعضهم نائبة يرجوك لكشفها ولم يكن له إليك طريق يدنيه ولا حرمة تقربه وتعطفك عليه سألني الشفاعة له إليك ففعلت ذلك مدلا بما أعتقده من الشكر على نعمتك عندي والإخلاص في طاعتك المفروضة علي واثقا بتسويغك إياي ما (9/129)
رقيت إليه من درجة الشافع لغيره والسائل في طريقه وذوي الحق عليه لتكون قد أكملت علي النعمة ووكدت لدي العارفة واستتممت عندي الصنيعة
أبو الخطاب بن الصابي
أبسط الشفاعة وجها وأقربها نجحا وأوقعها في القلوب وأسرعها إلى القبول ما وقع من أقسام ثلاثة من إدلال السائل بحسن الظن وارتياح المسؤول إلى فعل الخير واستحقاق المسؤول فيه لقضاء الحق فإذا اجتمع لها ذلك كانت الثقة بها زائدة والفتوة لها رائدة والفضل عليها قائما والنجح بها قادما وكان الشكر من أقل موجوداتها والمنة من أجل مذخوراتها
وله إن دل المملوك فبصدق المودة أو عول فعلى حسن النية أو استظهر فبقديم الحرمة أو استنصر فبكريم الرعاية ووراء ذلك همة من مولانا بعيدة المرامي طويلة المساعي شامخة الأنف سابقة الطرف توجد الآمال سراحا وتوسعها نجاحا وتأخذها خماصا وتردها بطانا وتوردها هزالا وتصدرها سمانا وثقة مني قد أحكم عقدها الزمان وأوثق شدها الامتحان فصارت لأعراض المملوك رائدة وفي قوة نفسه زائدة فالمملوك من اجتماع هذه الأقسام ووجوب ما تقتضيه من الأحكام بين ظن جميل لا مجال للشك عليه ويقين صحيح لا وصول للارتياب إليه
آخر ولئن كان المملوك أسرف في مجاري التثقيل على مولانا فإن المملوك لم يرد بعضا من دواعي الأمل فيه فإن المظنون من فتوة مولانا رائد الثقة بجميل نيته ولن يعدم النجاح من اعتمد على الفتوة والثقة
آخر وينهي أن المملوك إن أدل فبحق لدى مولانا أكده أو استرسل (9/130)
فبفضل منه عوده وبين الدالة من المملوك والعادة من مولانا موضع لنجاح الحاجة وبلوغ الإفادة وقد فعل المملوك ما تعلق به واثقا بالكرم من مولانا فليفعل مولانا ما يتعلق به محققا للأمل فيه
آخر وينهي أن المملوك إن انبسط فمدل بالحرمة الوكيدة ومعول على النية الكريمة أو انقبض فلهيبة الإقدام على مولانا ومراعاة التخفيف عنه ولفضله فيما بين ذلك مسلك وغلبة تسلط يدعوان إلى حسن الظن بمولانا ويوثقان من وجود النجاح لديه
آخر بذل الجاه في إعانة الضعيف وإغاثة الملهوف والترويح عن المضغوط والتفريج عن المكروب المكدود كبذل المال في إسعاف المعسر وإسعاد المقتر ومواساة المحروم والتعطف على المزحوم وما في الحالتين إلا ما الديانة له ضامنة والمروءة له قائمة والحق به مستوجب والأجر به مكتسب والصنيعة به معتقدة والمثوبة به مدخرة
آخر وينهي أن حرمة الجوار من أوجب الحرمات حقا وأحكمها عقدا وأخصها بالعناية وأحقها بالرعاية وما رعاها إلا ذو قدر عظيم وخلق كريم وأصل عريق وعهد وثيق وفلان ممن يضرب بدالتها ويمت بوسيلتها ويتخفر بذمتها ويتعلق بعصمتها ويعتدها وزرا مانعا وذخرا نافعا وعدة موجودة عند الحاجة وله أمر يذكره مشافهة فإن رأى مولانا أن يحقق من ظنه ما كان جميلا ويصدق من أمله ما كان فضل مولانا إليه سبيلا فهو المعهود من إحسانه والمؤمل من فضله
آخر من سافر إلى سيدي بأمله ورغبته ومت إلى حضرته بوفادته وهجرته فقد استغنى عن الشافع وكفي أمر الوسائل والذرائع وحامل كتابي هذا قد تجشم القدوم إليه وتمسك بذمام الوفادة عليه مع ما يتحقق به من (9/131)
حق المشاركة في الصناعة ويستوجبه بفضيلة الكفاية والأمانة وإنما أصدر المملوك هذه الخدمة عن يده ممهدة لأنسه ومقوية لنفسه وإذا مثل بحضرته ونظره بعين نباهته فقد غني عن الشفاعة وبلغ الإرادة
آخر وينهي أن ما يفرضه مولانا لمن أمه بالرجاء ومت له بإخلاص الحمد والثناء من إدرار أخلاف الإفضال وتحقيق الرغبات والآمال يغني قاصديه عن الشفاعات والوسائل ويكفي آمليه تحمل الذرائع والمسائل والواصل إليه بهذه الرقعة فلان ومولانا يعرف حقه على المملوك وماله من الموات لديه وقد توجه إلى حضرته راجيا أن يلحفه من ظل سعادته ما يتكفل بمصلحته ويقضي على الزمن بإعدائه ومعونته ومولانا أحق من تولاه بحسن خلافته فيه والتفضل على المملوك بتحقيق ما يرجيه
آخر في معتقل علم المملوك بأن مولانا لا يتعدى في العقاب موضع الإصلاح والتأديب ولا يتجاوز في الغضب موقع التقويم والتهذيب عملا بالعدل وتمسكا بالفضل يبعثه على تنبيهه لما أغفله وانقياده لما أصله وفلان قد تطاول اعتقاله فإن كان جرمه صغيرا فقد ظلم في القصاص وإن كان كبيرا فقد استحق الخلاص والمسؤول من إحسانه ان يعاود جميل عادته ويراجع كريم شيمته فيعمل في أمره بالعدل إذا لم يره أهلا للفضل وإن كانت حقوقه متأكدة وحرمته مؤكدة فلا يحسن أن يضاع ويخفر ولا ينبغي أن يجحد وينكر وهو حري أن يحقق الظن فيه ويقابل هذا السؤال بما يقتضيه
آخر على حسب أخطار الودائع يكون الإشفاق عليها والشكر ممن صرف رعايته إليها وقد كان المملوك أودع كنف مروءته وفناء همته فلان وهو درة المحاسن الفريدة ونادرة الدهر الشريدة والجامع لأسباب المحامد بفضائله ومناقبه والناظم لنثار المآثر بخلقه وأدبه مع ما خص به من المعرفة بقدر الصنيعة والتعويض بالشكر عن قليل العارفة والمملوك يرجو أن يكون مولانا قد أحسن خلافته فيه ونزله من حياطته وتوليه بما يوجبه مكانه من (9/132)
المملوك ويقتضيه متعوضا من شكر المملوك وشكره بما هو خليق أن يطوق أجياد معاليه وينتظم في سلك مساعيه
رقعة وينهي أن الأيام إذا قعدت بالكرام فأنزلتهم بعد السعة ضيقا أوجدتهم إلى التثقيل على من يمتون إليه بسالف الخدمة طريقا وممن تحداه الزمن بنكده وعوضه ببؤسه من رغده فلان وكان قد فزع إلى جماعة من الخلان واثقا منهم بالامتنان والإحسان فألفى وعدا جميلا ومطلا طويلا فعدل عنهم إلى سيدي وعزل عنهم إليه وتوجه إليه معتمدا بعد الله في مقصده عليه ثقة بفضل غيره وحسن أثره وتحمل عبودية المملوك هذه ذريعة تبسط له من مولانا محياه وتوصله إلى ما يرجوه من معروفه ونداه وما أولى مولانا بأن يحقق ظن المملوك وظنه ويجوز شكره وشكره إن شاء الله تعالى
رقعة وينهي أن رغبة سيدي في إسداء المعروف وغوث الملهوف تبعث على السفر إليه والتقدم بالرغبات عليه والله تعالى يواصل المنح لديه كما وصلها من يديه وقد سبقت له عوارف لا ينساها المملوك ولا يؤمل جزاءها إلا بمرفوع الدعاء وكريم الثناء حتى تقتضي ضرائرها وتستدعي نظائرها وحامل عبوديتي هذه فلان والمملوك يرضى لمولانا لسان شكره كما يرضاه لتحمل بره وقد ركض ظهر الأمل إلى حضرته ووثق ببلوغ الوطر من جهته وأن ينظم في سلك من أسبغت عليه عوارفه وعمته لطائفه وعزز ذلك باستصحاب كتاب المملوك إلى بابه وتقديمه ذريعة في التزام حقه وإيجابه
رقعة من كان سيدي شافعة انبسط في المنى ولم يرض بغير العلا (9/133)
وقد علم مولانا أن للشفاعة أحوالا ثلاثا حالا تخص الشافع وحالا تخص المستشفع وحالا تخص المشفوع إليه ولكل حد يجب الانتهاء إليه ولا يجوز التقصير فيه فعلى المستشفع ارتياد أخصب جناب وأسكب سحاب وقصد الجهة التي لا تصد عن البغية سائلا ولا ترد عن الأمل آملا وأن ينهض بالشكر على العارفة ويحدث بالنعم عنه في الأحوال الطارفة وعلى الشافع أن يهريق ماء وجهه في السؤال ويجرد رغبته في تسهيل المنال ويعتقد أن ذلك من الدين المقترض والدين المفترض ويتكفل بالقيام بما يستدعي منه من المكافاة ويلتمس من العوض والمجازاة وعلى المشفوع إليه أن يعلم أن الشافع والمستشفع ما قصداه إلا بعد الثقة بأحديته ولا اعتمداه إلا بعد السكون إلى أريحيته وأنه لا ينبغي أن يخسر متجرهما ولا يضيع سفرهما وقد اجتمعت هذه الأحوال الثلاث للرئيس المشفوع إليه ولسيدي الشافع ولخادمه المستشفع به ولم يبق إلا عزمة منه تهز أفنان الإقبال فتساقط أثمارها وتنشيء عوارض الآمال فيتهافت قطارها
أبو الفرج الببغاء
وموصل كتابي هذا غني عن شفاعتي له بما يمت من حرمات الرغبة إليك والوقوف دون كل مقصد عليك وبما يشفع ذلك من التقدم في الصناعة والتوصل بوجيه الكفاية وإنما زودته هذه الأحرف لأفتح له باب الأنسة وأسهل السبل إلى التعلق بالخلة وأدل بها على ما تكشف منه المطاولة والخيرة وأنت أيدك الله ولي التطول بالتقدم في إيناسه وبسطه في الخدمة بما يستزيد له محمود الأثر فيها من حسن النظر وجميل الرأي (9/134)
وله في مثله
وموصل كتابي فيما يؤمله منك ويبلغه بك متمسك من رجائك بأوكد ذمة ومن شفاعتي بأوجب حرمة ومهما مت به بعد ذلك من ظهور كفاية أو تقدم في صناعة كان غير ضائع عند رعايتك ولا مجهول مع تيقظ عنايتك وأرجو أن يحل من تقبلك بحيث أحله حسن النظر بتطولك
وله في مثله
وفي علمك ما آخذ به نفسي وأروض به أخلاقي من الانقباض عن التسرع إلى مسألة والاحتشام من الانبساط في حاجة ما دلك على موضع فلان ومكانه من إيثاري بواجبات حقوقه وسالف مواته ولذلك سمحت بالكتاب له إليك وفارقت رسمي بالتثقيل في قضاء حقه عليك وقد قصد نحوك بأمله واختارك لرجائه وقدر بك بلوغ البغية واختصر بشفاعتي إلى تفضلك السبيل إلى إدراك المحبة فإن رأيت أن تأتي في بابه ما يشبه فضلك ويناسب وكيد ثقته بك وأني أشركه في الشكر وأساهمه في الاعتداد فعلت
آخر - متقارب -
( رأيت المساكين قد أجمعوا ... على أنك الوزر المعتمد )
( فأنت لطفلهم والد ... وأنت لشيخهم كالولد )
السلام العميم ورحمة الله وبركاته على من جعله الله للمساكين ظلا يقيهم وطلا يسقيهم ونعمة تعمهم ورحمة تضمهم أبو فلان أبقاه الله في عزة تالدة طارفة وسعادة لا تزال طارقة بكل عارفة
من أقامه الله مقامك أيها الشيخ المبرور بالترفق بالفقراء والإحسان إلى (9/135)
الضعفاء لم يعدم مريضا يقصده في الشفاء ولا يعدم فيضا يعتمده للاكتفاء لا سيما إذا توسل وحده وتشفع بمن لا يضيع عمل عامل عنده ومتحملها فلان قص الفقر جناحه وأخنى عليه الدهر واجتاحه ولما رأى الفقراء ببركم مرتفقين وعلى شكركم متفقين أمكم حسن الظن بالمن ولم يقدم شفيعا دنيويا ولا طريقا واضحا سويا وأنتم أيها الشيخ الموقر تنزلونه منزلة سواه ممن ثوى مثواه ونوى فيكم من الأجر والشكر ما نواه إن شاء الله تعالى والسلام الكريم العميم يخص جنابكم ورحمة الله وبركاته - بسيط -
( فالله سبحانه يبقيك في دعة ... وحسن حال وتيسير وإقبال )
( مقدم المجد في عز وفي كرم ... مؤمل النفع من جاه ومن مال )
الشفاعات من كلام المتأخرين
الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي
شفاعة في استخدام كاتب درج
جعل الله تعالى دوره رحبة العراص وسعادته في الازدياد وأعاديه في الانتقاض والدعاء لإحسانه مقرونا بصدق النية والإخلاص - طويل (9/136)
( وهذا دعاء لو سكت كفيته ... فإني سألت الله فيك وقد فعل )
صدرت هذه الخدمة تستمطر سحاب كرمه وهامي ديمه وتسأل جميل شيمه في معنى مملوك المولى وداعيه والشاكر لأياديه والملازم على رواية أخبار فضائله وبثها ونشر تفضلاته ونثها فإنه من بيت كريم النجار زائد الفخار وله على مولانا حق خدمة وهو يمت بسالف معرفة ومحبة المملوك له شديدة والصحبة بينهما قديمة وشقة المودة جديدة ولولا ذلك ما ثقل على خدمته وتهجم على المولى بمكاتبته وقد توجه إلى بابه العالي مهاجرا وناداه لسان جوده فلباه وأجابه مبادرا وغرضه أن يكون كاتبا بين يديه ومملوكا تقع عين العناية عليه وهو من الكرام الكاتبين والراغبين في الانتظام في سلك خدمه والمؤثرين وصفاته بالجميل موصوفة وفصاحته معروفة وقلمه الذي يقلم ظفر المهمات ويكف كف الحدثان ولسانه الذي يغني بشباته عن حد السنان ورأيه المقدم في الهيجاء على شجاعة الشجعان فإذا أنعم المولى باستخدامه وتحقيق مرامه كان قد وضع الشيء في محله وصنع المعروف مع أهله وبيض وجه المملوك وشفاعته وصدق الأمل في إحسانه ومروءته ورأيه العالي إن شاء الله تعالى
وله شفاعة في استخدام جندي
لا زال بره مطلوبا وجوده مخطوبا وذكر إحسانه في الملإ الأعلى مكتوبا ولا برحت رياض جوده أزهر وأنضر من روض الربا ويده البيضاء ترقم له في سواد القلوب سطور حمد أحسن من نور تفتحه الصبا هذه الخدمة صدرت على يد فلان تهدي إلى المولى سلام المملوك وتحيته ودعاءه الصالح الذي أخلص فيه نيته وتشفع إليه في تنزيله في الحلقة المنصورة واستخدامه وترتيبه في سلك جيشه المؤيد وانتظامه فإنه من الأجناد الجياد وذوي الجلد على الجلاد وهو الغشمشم الذي لا يرد والشهم الذي لا يصد والباسل (9/137)
الذي لا تحصر بسالته بوصف ولا تحد والنقيب الميمون الغرة والنقيبة الموصوف في الهيجاء بحزم الكهول وجهل ذوي الشبيبة والمولى وإن كان بحمد الله غير محتاج إلى مساعد ولا مفتقر إلى معاضد فإن أسنته لا تحتجب عن روج محتجب ونفسه الشريفة تقوم وحدها يوم الكفاح مقام عسكر لجب وقلبه يغنيه عن الأطلاب والأبطال وجيوش سطوته لا تكلفه المقام في منازل النزال فإن المملوك يعلم أن نفسه الشريفة تهوى تزيد عسكره وجنده وترعى حرمة قاصده وقصده فلهذا توسل بشفع وتر الشافعة وتوصل إلى إزالة ضرع حاله بكثرة الضراعة فإذا أنعم بقبول شفاعة المملوك فيه وحقق له من العناية ما يؤمله ويرتجيه كان قد شد للمشار إليه ما أضعفته العطلة من منته وقلد المملوك جميل منته
شفاعة في رد معزول إلى ولايته
يقبل اليد العالية لا زالت مقبلة ولإسداء الخير إلى أهله مؤهلة وبأياديها على الكافة متفضلة
وينهي ملازمته على شكر مواهبه ونشر فضائله الجسيمة ومناقبه وحمده كريم شيمه والاعتذار من تثقيله على خدمة المولى بخدمه وسؤال إنعامه بوجوه مكاتبته ولسان قلمه وما ذاك إلا لما يتحققه من كريم نجاره وشدة تطلبه لإسداء العوارف وإيثاره والموجب لهذه الوسيلة وسؤال مكارمه واستمطار سحائب مراحمه ما بلغه من عزل مملوك المولى وعبده وواصف جميل أوصافه بلسان شكره وحمده فلان أفاض الله عليه إحسان المولى وإنعامه وخلد لنا وله دولته وأيامه فإنه صاحب المملوك وصديقه وشريكه في الدعاء لمولانا ورفيقه وهو من العدول الأمناء والثقات الاتقياء وهو قليل الجدة كثير العيال لا يجد حيلة إذا بطل بخلاف ما يحكى عن البطال وقد تشفع بالمملوك ومكاتبته في ملاحظة المولى له بعين عنايته والتقدم برده إلى جهة ولايته فلهذا كتب إليه وأكد في معناه السؤال وعلق بتحصيل أمله الآمال يعلم ذلك موفقا (9/138)
شفاعة في خلاص مسجون
فسح الله في مدته وسهل أداء ما يجب من شكر نعمته وألزم الألسنة بحمده والقلوب بمحبته وجعله مفرجا كل كرب ومسهلا من المقاصد كل صعب
وبعد فإن كافة الأمة قد تحققت رحمة قلب المولى ورأفته وتيقنت إحسانه ومروءته وأنه يؤثر إعانة كل عان وإغاثة كل ملهوف وأنه لا يمسك إلا بالإحسان ولا يسرح إلا بالمعروف بحيث سارت بحسن سيرته الركاب عوضا عن الركبان ودرأت مكارمه عن الأولياء نوب الزمان وعلا على حاتم فلو تشبه بكرمه لقلنا له مرعى ولا كالسعدان وللمملوك من إحسانه أوفر نصيب وهو يرفل من جوده في ثوب قشيب وقد اشتهر ما يعامل به من الإكرام وأن قسمه من العناية أوفر الأقسام وكان يعد من جملة العبيد فأصبح مضافا إلى الألزام وهذا مما يوجب على المملوك أن يبتهل إلى الله في تخليد دولته ويتضرع وعلى حلم مولانا أنه إذا شفع إليه في مذنب أن يشفع وهو يشفع إليه في مملوكه وعبده والملازم على رفع رايات مجده وتلاوة آيات حمده فلان رزقه الله رضا الخواطر الشريفة وأسبل عليه حلة عفوه المنيفة على الحلل بظلالها الكثيفة فإنه قد طالت مدة حبسه واعترف بأنه الجاني على نفسه والمعترف بذنبه كمن لا أذنب والمغترف من بحر جوده يروى دون أن يشرب (9/139)
والطالب لبره ينال سؤله والمطلب فإن حسن في رأيه العالي زاده الله علاء وضاعف له سناء المشي على منار جوده ومنهاجه وبروز أمره المطاع بإطلاقه وإخراجه اغتنم أجره وجبر كسره وربح في هذا الشهر المبارك دعاءه الصالح وشكره وكان قد أنعم على المملوك بقبول شفاعته إليه وفعل ما يوجب على كل مسلم الثناء عليه والله الموفق
شفاعة بسبب خلاص حق
يخدم المجلس السامي لافتيء بالتحيات مخدوما وحبل سعده مبروما ودر المدائح لجيد جوده منظوما وعدله بين الأخصام قاضيا فما يترك ظالما ولا مظلوما ولا زالت الآمال متعلقة بهمته منوطة بسعيد عزمته راجية خلاص كل حق ممن هو في جهته وتوضح لعلمه أن فلانا أدام الله سعادته وخلد سيادته ذكر أن له دينا في جهة غريم مماطل مدافع وخصم ممانع وقد جعل هذه الخدمة ذريعة إلى خلاص حقه وخالها إلى الوصول إلى عناية المولى أقرب طرقه وهو جدير بالتقدم بإحضار غريمه ومحاققته وأخذ ما للمملوك في ذمته وأن لا يفسح له في تأخيره ولا يسمح بقليل الصبر ولا كثيره فإنه يعلم أن المولى المشار إليه واجب الخدمة وافر الحرمة وقد تعلق أمله في خلاص حقه بالمولى ولا يجاوب عن هذه الخدمة بلو ولولا بل يبذل جهده ويطلق في تحصيل الغرض لسان الاجتهاد ويده ويعتمد من الاهتمام ما يليق بأمثاله ويبيض وجه الشافع وسؤاله موفقا شعر - طويل -
( ولو كان لي في حاجتي ألف شافع ... لما كان فيهم مثل جودك شافع )
شفاعة فيمن اسمه سراج الدين إلى من اسمه جمال الدين
الشيخ جمال الدين بن نباتة (9/140)
وينهي بعد ولاء يحكم على القلوب شافع جماله وثناء يجر على أكمام الزهر فضل أذياله أن العلوم الكريمة محيطة بإيجاب حق من هاجر إلى بابها وشكا غلة الفاقة إلى منهل منهل سحابها وأن الماثل بهذه الخدمة فلان ذكر احتياجه إلى عاطفة من عواطف مولانا التي شملت وعارفة من عوارفه التي لو استمدت من غررها الليالي لما أظلمت ولا ظلمت وأن بيده وظيفة شهادة بيت لحم بتواقيع شريفة نظرت في حاله ونشرت حال عياله وأطفاله وأن ثم من ينازعه في جهته المعتادة ويقصد نزعه والنزع عن تلك الشهادة المسطرة أخف من نزع الشهادة ومولانا أولى من رحم منه ضعفا واشتمل عليه عطفا ودارك بكرمه هذا السراج قبل أن يطفى ورعى سيرة مباشرته الحسنة الآثار واغتنم أدعيته وأدعية أولاده الذين هم كقطع الشطرنج صغار وكبار وكف يد التعرض إليه في أيام عدله فإنها أيام لا ضرر فيها ولا ضرار وعلى الجملة فقد تركته الأيام قطعة لحم فمباشرة بيت لحم أولى به ورجاله فرجانية وأخواتها أحق أن يتعلق سببها بأسبابه والله تعالى ينير بمنن مولانا أحوال المضرورين فإنها ظلام وينصرهم على حرب الأيام بسيوفه التي هي أقلام ويمتع بأيام عدله وإحسانه التي تتنافس فيها أعمار الرعايا فإنهم يتبعون أياما بأعوام
وله إلى شخص اسمه شمس الدين
وينهي بعد قيام بوظائف ثناء يتمسك بنفحاته المتوالية وولاء يتمسك بحباله المتينة وما كل شمس حبالها واهية أنه يرتاد الأوقات لخطاب مولانا بالأقلام حيث حبس البعد خطاب الكلام ويتخير حملة رسائل الشوق وإن أضعف عطف النسيم رسائل السلام ولما حضر من مكان كذا عارض هذه الخدمة فلان وذكر توجهه إلى حمى حماة المحروسة وقصد كتابا يكون في وحشة الاغتراب أنيسه فوافق ذلك غرض المملوك وسلك طريق مراده ولا (9/141)
ينكر من جهة هذا الرجل الصالح السلوك فأعلمته أن المكارم الحمادية لا تحتاج غير الحمد والأجر شافعا إليها والمنازل الشمسية لا تفتقر إلى دليل ينبه عليها وطالما جمعت لقاصدها الفعل والقول السخي وطالما قال يوسف رحمه الله أخو مولانا أبقاه الله للقاصد أنا يوسف وهذا أخي ولكن المملوك يذكر الخاطر الكريم بهذا القادم فإنه من أهله ويلقاه قبل ذلك بالبشر المنشد - طويل -
( أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... )
فإنه من أصحاب ولي لله طالما فاض ولي معروفه واستفاضت نسبته المرشدية فكان وليا مرشدا قامت صفته مقام موصوفه وإن آثار هذه البركات على هذا القادم لائحة وإن على يده تجارة ذكر وأجر وهي في سوق همم مولانا تجارة رابحة والله تعالى يجعل له في كل ثناء وثواب نصيبا ويديم قلمه الكريم مقصد رفد وجاه فطورا رشاء وطورا قليبا
وله عن نائب الشام إلى نائب حماة شفاعة في شخص اسمه شهاب الدين وهو بعد الألقاب
لا زالت الأقدار تسعده والملائكة تنجده ومواطن النصر تجرد حد بأسه ومواطن الحلم تغمده والجناة تلوذ بظله فأي جاني ذنب ما يعفو عنه وأي جاني بر ما يرق عليه ويرفده تقبيلا يترادف مدده ولا تنتهي في القرب والبعد مدده
وينهي بعد ولاء وثناء هذا لا يبلى جديده وهذا لا تخفى جدده وشوق وارتياح كلاهما يروى عن ابن شهاب توقده ويحمل على يد شهاب سنده أن العلوم الكريمة محيطة بمقدار الحلم وفضله والعفو ومحله والتجاوز عن هفوات المخطئين من القوم وطلب العفو من الله غدا بالعفو عن عباده اليوم (9/142)
قال الله تعالى ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) ولما سمع الصديق رضي الله عنه هذه الآية قال بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ثم عفا عمن نزلت بسببه ومملوك مولانا أعز الله أنصاره فلان قد اعترف بهفوة بدت منه وزلة نقلت عنه ما يسعها إلا عفو مولانا ومراحمه وقدم على المملوك فكأنه ما خرج عن ظل مولانا ولا فارقته معالمه وسأل سؤال مولانا أن يشمله بالعفو ويتجاوز له عن السهو ويرحم كبر سنه وكبيرة جهله ويرعى قدم هجرته لخدمة هذا الباب الذي نشأ عمرا طويلا في ظله أهلا لأن تشمله عواطف أهله وهو كما عرف المملوك واطلع عليه حيث كان في نيابة حماة مشكور السيرة بالاعتبار ناهض الخدمة بالاختبار ملازم لثرى الباب بعزم ما عليه غبار وله على المملوك بالأمس حق خدمة وباليوم حق سؤال يشفع بهما في القلوب وهي كبار والمسؤول من صدقات مولانا تجاوزه عن هفوته ورده إلى أمنه ووظيفته وإجراؤه على عادة إقطاعه وحاشاه في أيام مولانا أن يقطع بل حاشى المذكور أن لا يستخبر وأن لا يقطع واستقراره في مكان خدمته وإجابة سؤال المملوك في كل ما يتعلق بنجاح هجرته وعزمته لا برح مولانا مأمول المنن الغائبة والحاضرة والمقيمة والسائرة مأهول الخواطر برفع ذكره وقدره في الدنيا والآخرة
الشيخ جمال الدين بن نباتة
لا زالت المحامد بذكرها متوجة ومقدمات الفضل والفضائل من تلقاء شيمها منتجة ومطالع الكرم والإكرام هادية إلى حرمها من اتجه تقبيل مواظب على الدعاء يرفعه والولاء يجمعه والثناء يقول بضاع أرجه لا مما نضيعه بل مما نضوعه وينهي أن عارض هذه الخدمة على عارض كرم مولانا الممطر وبابه الذي هو لكبد الحاسد وفم الوارد مفطر فلان لقضاء تعلقات (9/143)
له أولها التعلق بحبل رجائه المحصد وانتمائه المرصد والتجمل بقصد باب مولانا الذي هو المهم المقدم على كل مقصد وهو من الفضلاء الذين يعرفهم انتقاد مولانا معرفة الخبير وله اتصال بالأكابر الذي سلم منهم زمام المفاخر كل كبير وقصد من المملوك هذه الخدمة لمولانا تؤنس اغترابه وتنشد المقر الذي ما قرع سن الندامة من قرع بابه - خفيف -
( يا غريب الصفات حق لمن كان ... غريبا أن يرحم الغرباء )
والمملوك يسأل من إحسان مولانا ملاحظة المذكور بعين عنايته التي ما أغفت عن القاصدين ولا غفلت وعواطفه التي طالما فتحت أبوابها فأثنت عليها الركائب التي قفلت والله تعالى يديم تقليد الأعناق بكلمه وبره ويمتع الممالك الساحلية بما قذف لها من درر بحره
النوع الخامس التشوق
قال في مواد البيان وينبغي للكاتب أن يجمع لها فكره ويظهر فيها صناعته ويأخذ في نظمها مأخذا من اللطافة والرقة يدل على تمازج الأرواح وأتلاف القلوب وما يجري هذا المجرى وأن يستخدم لها أعذب لفظ وألطف معنى ويذهب فيها مذهب الإيجاز والاختصار ويعدل عن سبل الإطناب والإكثار لئلا يستغرق جزءا كبيرا من الكتاب فيمل ويضجر وينتظم في سلك الملق والتكلف اللذين لا يعتادهما المتصافون من الأصدقاء
وهذه نسخ من ذلك
أبو الفرج الببغاء (9/144)
شوق المملوك إلى مولانا بحسب مكانه من تفضله وحظه من جميل نظره واختصاصه بإنعامه واغتباطه بشرف خدمته ومكانه من إيثاره والله يجمع للمملوك شمل السعادة بمشاهدة حضرته من الدهر بالنظر إلى غرته على الحال السارة فيه وبه
وله شوق المملوك إليه شوق الظمآن إلى القطر والساري إلى غرة الفجر
وله شوقي إليه شوق من لم يجد مع بعده عوضا عنه فتقوده الزيادة إلى الانصراف بالرغبة عنه
وله شوقي إليه شوق من فقد بالكره سكنه وفارق بالضرورة وطنه
وله لو كان ما يصدره من خطاب ويناجيه به من متضمن كتاب بقدر ما أعانيه من ألم الشوق إلى غرته ومضض الفائت من مشاهدته لما أحاطت بذكره بسطه لسان ولا ناب في إثباته استخدام بنان
وله أما الدهر فما يستحق من إبعاد المملوك عنه عتبا ولا يعد ما جناه من ذلك ذنبا إذ كان إنما نقل من حشمة المخاطبة إلى انبساط المكاتبة
وله وقدره أبقاه الله تعالى يرتفع عن ذكر الشوق إليه فالمملوك يعبر عنه بذكر الشوق إلى ما فارقه من تفضله وبعد عنه من أوطان تطوله
وله ولولا أن المملوك يخمد نار الاشتياق ويبرد أوار الفراق بالتخيل الممثل لمن نأت محلته والتفكر المصور لمن بعدت شقته لألهبت أنفاسه وأسعرت حواسه وهمت دموعه وأنقضت ضلوعه والله المحمود على ما وفق له من تمازج الأرواح عند تباين الأشباح
وله ولا بد أن يكف بالمكاتبات من غرب الاشتياق ويستعين بأنس (9/145)
المراسلات على وحشة الفراق فإنها ألسن ناطقة وعيون على البعد رامقة
وله عند المملوك لمولانا خيال مقيم لا يبرح ولا يريم يجلو عليه صورته ويطلع على عين فكرته طلعته إن سهر المملوك سامر معينا على السهاد أو رقد تصور معذبا طعم الرقاد لا يمطله بزيارته ولا يوحشه بغيبته كأنما تصور بصورته في الوفاء وتخلق بخلقه في المحافظة على الإخاء
وله إن تزايلت الأشباح فقد تواصلت الأرواح وإن نزحت الأشخاص وبعدت فقد دنت الأنفس وتقاربت فلا تمض الفرقة وتؤلم وتنغص النوى وتكلم وقد ينال بتناجي الضمائر وتحاور السرائر ما لا تصل إليه الإشارة ولا تدل عليه العبارة إذ الأنفس البسيطة أرق مسرى وأبعد من الألسنة مرمى
التشوق من كلام المتأخرين
نسخة كتاب من ذلك من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو بعد الصدر
لا زال الدهر يقضي خدمه ويمضي رأيه وسيفه وقلمه ويرضى الدول الشاكرة تقديمه فيها وقدمه ولا برحت الأقدار المعربة تجزم أمره وتكسر ضده وترفع علمه تقبيلا إذا لثم الترب التثمه وإذا أودع القلب في ذلك الترب ختمه
وينهي مواظبته على ولاء لا ينسخ البعد محكمه ودعاء يقابل النجوم ولا تنقطع من القبول إدراراته المنجمه
وينهي أنه سطرها عن شوق يعز عليه أن ينوب فيه سعي القلم عن سعي القدم وارتياح إلى القرب الذي بأنسه يؤنسه أنوارا على أعلى علم وتطلع لمعاودة الأخبار أوفى من تطلع العامري إلى معاودة أيام ذي سلم وتعلل بقول القائل - وافر -
( بعثت لكم سوادا في بياض ... لأنظركم بشيء مثل عيني )
وهيهات أين نظرات الحروف المرقومة من نظرات العيون الرامقة وأين (9/146)
منال السلو من شجو يقول - بسيط -
( أعيذها نظرات منك صادقة ... )
ما يحسب المملوك من النظر إلا ما يملأ العين من ذلك الوجه الكريم ولا يلبس من خلع الأيام ما إلا تخيط الأهداب على شبا ذلك القرب الرقيم وعلى ذلك فقد جهزها المملوك على يد فلان وحمله من رسائل الشوق ما يرجو أن ينهض فيه بأعباء الرساله ويسأل الإصغاء والملاحظة فيما توجه فيه وإن أدت الأمالي إلى الملالة والله تعالى المسؤول أن يبلغ في امتدادها مولانا الأمنية ويمتع الدول منه بهذه البقية النقية إن شاء الله تعالى
نسخة كتاب في المعنى عن نائب الشام إلى القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر بالأبواب السلطانية من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضا وهو بعد الألقاب
لا زال قلمها مفتاح الرزق لطالبه والجاه لكاسبه والظفر لمستنيب كتبها عن كتائبه والنجح لرائد مطالبة الدهر بعد المطال به ولا برح البأس والكرم يتحدثان عن بحرها ولا حرج عن عجائبه تقبيلا تغبطه في مرابعها ثغور الأزاهر لا بل تحسده في مطالعها ثغور الزواهر
وينهي بعد دعاء أحسنت فيه الألسنة وأخلصت الضمائر وولاء وثناء لهما مصاعد النجمين إلا أن هذا في القلوب واقع وهذا في الآفاق طائر أنه جهز هذه الخدمة معربة عن شوق يتجدد وارتياح لا يتعدى ولا يتعدد ساعية عنه بخطوات الأقلام أن منع الوقت خطوات الأقدام نائبه في تقبيل الأنامل التي تستسقى ديمها على القرب والبعد ولا كيد ولا كرامة للغمام وجهزها على يد فلان بعد أن حمله من رسائل الشوق ما إن حملنا من إحسانه لينضي عقود الأنجم لو تعددت ومفاتيح أبوابه لتنوء بالعصبة أولي القوة لو تجسدت وهو بين (9/147)
يديه يقدم نجواها ويستشهد بالخاطر الكريم قبل حضور دعواها والمسؤول إصغاء السمع الكريم إليه والملاحظة فيما توجه فيه متكلا على الله وعليه وإذا عاد مشمولا بعناية مولانا المعهودة مكفولا برعايته المقصورة على نجح الآمال الممدودة فلينعم على المملوك من المشرفات الكريمة بما يسكن على جور البعد خواطره الدهشة ويعينه على الوحشة التي حركها نحوه البعاد فهي الوحشة والله تعالى يشكر همم مولانا غائبا وحاضرا وشافعا لرسائل خدمه وناظرا ويخص بابه العلوي بسلام كسلام سقيط الطل عن ورق الغصن ناضرا
آخر من كلامه كتب به إلى بعض رؤساء مصر
وينهي أنه سطرها معربة عن شوق مقيم وعهد لا يبرح على صراطه المستقيم وارتياح لجنابه أو لكتابه ليتلو لإنصات شجوة ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ) متطلعا لما يرد من أخبار مولانا السارة البارة مرتقبا لأنبائه ارتقاب الزهيرة الفاغرة إلى ضرع الغمام الدارة ولو أن كل ما يتمنى المرء يدركه وكل ما يقترح على الدهر يملكه لغني بقرب المخاطبة عن بعد المكاتبة واستجلى كوكب الجمال المشرق وأقصر في ليالي الانتظار عن المراقبة وقد جهزها على يد فلان وحمله من رسائل الشوق أوفى وأوفر من رسائل الصفا وسأل الإصغاء والملاحظة من مولى كجاره النيل معروف المنافع والوفا ولآمال المملوك بمشرفاته وأوامره جمال حين يريح وحين يسرح وحين يقتصر على مقترحات الأيام حين يشرح فينعم مولانا بمواصلتها على هذه المقدمة ويجعل ذلك من إدرارات صلاته المنجمة والله تعالى لا يعدم المملوك في حال كرمه إما أن يفيض في القرب بحره وإما أن يبعث على البعد ديمه
وله إلى كاتب السر (9/148)
أعلى الله أمر قلمها على الأقلام وأدام بفيض أنامله عليه بسط كلمة الإسلام وراع بكتائب كتبه العدا إذا انتبهوا فإذا أغفوا سلت عليهم سيوفها الأحلام
ولا زالت تلك الأقلام العالية في تلك اليد الكريمة إن لم تكن من المنشئات فإنها من المنشآت في البحر كالأعلام تقبيل مواظب على دعاء يطلع طلوع طرة الصبح تحت ذلك الظلام وولاء إذا اعتبر الخاطر مسعاه وخدمته ( قال يا بشرى هذا غلام )
وينهي أنه جهز هذه الخدمة مقصورة على وصف الأشواق الممدودة وجوانح الشجو المعهودة وأنفاس التذكر التي لولا شرف مذكورها لم تكن عنده من الأنفاس المعدودة فيالها مقصورة على شوق ما فيها غير طيور الجوانح خفاقة الجناح سباقة الارتياح ويا لها أنفاس ذكر أغنت منادمتها عن كيس كأس واقتراح وقت راح ويا لها ورقة فازت بمشافهة لثم اليد الشريفة فكرمت وصفا ونأت عن فخار الروض عطفا واستطابت بشفاه السطور على تلك البنان رشفا - طويل -
( وسطرتها والجسم أنحل ما يرى ... فياليتني أصبحت في طيها حرفا )
واصلة إلى الباب الكريم بسلام وصل عبقه قبل ما وصلت واردة على يد فلان وقد حمل من رسائل الصفاء والود مثل ما حملت وحصلت على القرب ويا أسفي على ما حصل وحصلت والمملوك يسأل الإصغاء إليها وإليه بفضل النظر والسمع والإنعام على المحب المفارق بمشرفات تجلو عليه أيام جمع وتعينه على أوقات وحشة إذا وصفها المشتاقون وأقلامهم ولوا وأعينهم تفيض من الدمع لا برح ذكر مولانا عليا وبره بملء الآمال مليا ووصفه بالتقى وسحاب الجود على الحالين وليا - سريع (9/149)
( يا منية النفس ويا مالكي ... مذ غبت عني لم تنم مقلتي )
( إن بنت عن عيني برغمي فقد ... سكنت في قلبي وفي مهجتي )
لا أوحش الله من طلعته ولا أخلى من كريم مساعدته وجمع شمل الأنس بخدمته
المملوك يشكو من المولى فراقا أوجب له على نفسه فرقا وجيش صدود منحه من العزائم طوائف وفرقا وداء صبابة كلما ترجى الإفراق منه ازداد تلهبا وحرقا ووجوب قلب تحتم لغيبته ووجب ودمع عين يمحو مهما عبر عنه لسان قلمه أو كتب وقد أطال الهجر تألمه وعتبه وأطار سنته ولبه مذ وصل المولى غيره وقطع عنه كتبه والمولى يعلم أن المملوك لفظ والمولى معناه وسعده شخص وأنت وجهه الميمون ويمناه فيواتر إرسال مكاتباته ويتحف بمأثوره ولباناته ويعطر بذكره الجميل الأماكن ويشنف المسامع كما شرف بحلوله فيها الأضالع والله يديمه ويمده بالإسعاف والإسعاد وينصره على الأضداد والحساد - وافر -
( أقاسي من بعادك ما أقاسي ... وقلبك راحم وعلي قاسي )
( واحمل من نواك بضعف نفس ... عناء يعجز الشم الرواسي )
( وتبعدني وأمرك إن أتاني ... جعلت محله عيني وراسي )
قرب الله أوبته وعجل رؤيته وحرس نفسه من الغير والحادثات وصان حجابه المنيع عن الملمات المؤلمات وجمل الأيام بوجوده والأنام بجوده ولا زالت الدنيا به مجملة وأعناق أبنائها لمننه متحملة (9/150)
حذف (9/151)
( صدرت هذه الخدمة إلى خدمته متضمنة إهداء سلامه وشاكية لغيبته جور أيامه ومنهية شدة أشواقه التي أفنت بالصبابة قلبه وأذهبت حشاشته ولبه وهي في ذلك نائبه مناب سائر الخدم ومعبرة عن ألسنة الأقاليم بلسان القلم فإن الأعين متطلعة إلى رؤيته والقلوب متعطشة إلى قفوله ورجعته كما تتطلع إلى السماء عيون النرجس وتتعطش الرياض إلى الوابل الغدق بعد اليوم المحر المشمس فالمولى يجعل مواصلته بأخباره فرضا لازما ويمتنع من إغفاله كما يمتنع من لذة الطعام إذا كان صائما فإن المولى هو صورة الجود ومعناه وبيته الكريم فناء الخير ومغناه والناس ما لم يروك أشباه حرسه الله وتولاه وضاعف علاه والسلام - رجز -
( يا أجمل الناس سناء وسنا ... جفت جفوني لجفاك الوسنا )
( ثمار آلام إلام أجتني ... يا ليتني أعلم حظي ما جنا )
( وأنتم يا أهل بان لعلع ... مذ بنتم لم أر شيئا حسنا )
( أقمتم بمنحنى أضالعي ... وسرتم يا أهل وادي المنحنا )
( في بعدكم منيتي لا تبعدوا ... و قربكم غاية سؤلي والمنا )
خلد الله سعادته وبلغه من العلياء إرادته وأثل مجده وأدام سعده وأعذب منهله وورده
المملوك يتشوق إلى لقائه ويتشوف إلى أنبائه ويصف شديد أشواقه وصبابته وحنينه إلى مشاهدة المولى ومشافهته وما يجده لذلك من ألم في جوارحه الجريحة وسقم في جوانحه الصحيحة ويلتمس مواصلته بكتبه آناء الليل وأطراف النهار وأخباره السارة ليتضاعف له مزيد الاستبشار فإن القلب بنار الصبابة قد وقد وأما صبره على بعده فقد فقد ومتى ورد كتاب المولى شفي الغليل وأبل العليل ونجع طعم الحياة ونجح التأميل فليصير وتر (9/151)
مكاتباته شفعا ولا يجعل لوصلهن قطعا والله يمنح عيشه خفضا ومكانه رفعا والسلام
شعر في معنى التشوق بسيط
( قد كان لي شرف يصفو برؤيتكم ... فكدرته يد الأيام حين صفا )
غيره - طويل -
( كتبت للكتاب مجلد ... على أنه قبلي بلقياك يسعد )
النوع السادس في الاستزارة
قال في مواد البيان رقاع الاستزارة إنما تشتمل على وصف حالات الأنس ومجالس اللذات ومشاهد المسرات قال ويجب على الكاتب أن يودعها حلو الألفاظ ومؤنق المعاني وبارع التشبيهات ويبالغ في تشويق المستزار إلى الحضور ويتلطف فيه أحسن تلطف
وهذه نسخ من ذلك
علي بن خلف
رقعتي أطال الله بقاء سيدي ومجلسي بمن حله من خدمه ونزله من صنائع كرمه فلك مزين بأنجمه فإن رأى أن يطلع فيه بدرا بطلوعه وينقل قدمه إليهم ويكمل نقصهم بتمامه ويضيف ذلك إلى تليد إنعامه فعل إن شاء الله تعالى (9/152)
وله في مثله
قد انتظم لنا أطال الله بقاء سيدي مجلس رقت حواشيه وتبسمت راحه عن حبب كلآليء على ذهب وقامت فيه سوق السرور لا يكسدها إلا تخلفه عن الحضور فإن رأى أن يكمل جذلنا بإطلاع طلعته علينا ويصدق ظننا بنقل قدمه إلينا سر وأبهج وتمم من الإحسان ما أخدج إن شاء الله تعالى
وله هذا أطال الله بقاء مولانا يوم صفيق الظل رقيق غلالة الطل قد ترفعت شمسه ببرج أنسه وافتر جذلا عن مضاحك برقه وترنم طربا بزمجرة رعده ووشت مدارج نسيمه بأرج شميمه وقام على منابر السرور يخطب ابنه الكرم لابناء الكرام وينادي بأعلى صوته حي على المدام فقد وجب على كل موفق لاجتناء ثمار السرور والتحاف عطاف الحبور أن يلبي دعوته وينتهز فرصته ويعوضه من شمسه الآفلة براح لإظهار ما اختفى من شعاعها كافلة ويقفه على التملي بالكاس والندمان ويجعله سلكا ينتظم فيه الإخوان ورقعتي هذه صادرة إلى مولاي وقد تهيأ لنا مجلس من مجالس الأنس يبسط تجعد النفس فيه بغم ونغم ومزهر وزهر وخلان قد تراضعوا لبان العقار وتساهموا نقل الوقار وشجعوا في معارك الخمار وأدمنوا على المماساة والابتكار إلا أن هذا المجلس مع تمامه مخدج وعلى كماله مختلج لبعد مولاي الحال منه محل الواسطة من النظام والأرواح من الأجسام فإن رأى أن يكمل منه مل نقص ويميط عنه ما نغص فليجملنا بالمصير إلينا والطلوع (9/153)
علينا وإعفائنا من إضجار الانتظار معتدا بذلك في كريم الأيادي والمبار إن شاء الله تعالى
وله في مثله
هذا اليوم أطال الله سيدي يوم أعرس فيه الجو بالجارية البيضاء فخدرها وحجبها بسجف الغمام وسترها واختال اختيال المعرس في معرسه بمصندله وممسكه ومورسه واتخذ من ذهب البوارق نثارا واستنطق من زنار الرواعد أوتارا ودعا إلى حضور وليمته والسرور بمسرته فإن رأى أن يلبي طلب هذا اليوم الصفيق ويتمتع بعيشه الرافغ الرفيق فليطلع علينا طلعته التي تبهر القمر المزهر وتصدع الليل المعتكر لينهض غرة الإصباح بغرة الراح ويقطف ثمار الأنس والمحاضرة ويتملى بالسماع والمذاكرة ويأخذ بحظ من لذاذة الفيخة الشبيهة بشمائله ويعد ذلك من مباره وفواضله فعل إن شاء الله تعالى
وله في الاستزارة في بستان
كتبت أطال الله بقاء سيدي وقد غدوت في هذا اليوم إلى بستاني والطير في الأوكار والأنداء تهبط كالتيار والليل مشتمل على الصباح اشتمال الأدهم على الأوضاح عازما على مشارفته ومشارفة ما استمددت من عمارته لا للخلوة فيه بمعاطاة المدام ومؤانسة الندام فحين سرحت الطرف في ميادينه وجداوله وأقبلت على تصفح حلاه وحلله رأيت مناظرة تعتلق القلوب اعتلاق الأشراك وتعتاق المستوفز عن الحراك وتقيم قاعد المزاج والنشاط وتوقظ هاجد الفرح والانبساط فمن أشجار كالأوانس في ريحاني الملابس حالية من موشع الزهر والثمر بأنصع من الياقوت والجوهر كأنما تحفلت لاجتلاء (9/154)
عروس أو معاطاة كؤوس ما بين نخيل قد نشرت عذب السندس على ذراها وأطلعت طلعا كالخناجر غشيها صداها ونارنج يحمل أكبر العقيان أو وجنات القيان وأترج قد استعار ثمرة أشواق العشاق إذا صالت عليهم لا الفراق ومن ريضان زاهية بنشرها وقضبها مختالة في ملابس زهرها ونرجسها كعين محب حدق إلى الحبيب وثنى جيده خوف الرقيب إذا عبث به النسيم جمع بين كل قضيب وإلفه وسعى بالاعتناق من شوقه وكلفه ووردها كمداهن ياقوت فيها نضار وشقيقها كمدامات عقيق فيها صوار وبنفسجها فخذ تمضي فيه من القرص آثار أو جام لجين عليه من الندى نثار ومن أنهار قدت حافاتها قد الأديم وحدت على صراط مستقيم بجرة مسجورة كالسيوف المشهورة أو المهارق المنشورة إذا خمشها الهوى خلع عليها متون المبارد أو سلوخ الأساود يتخرق ذلك كله نسيم رقيق الغلائل حلو الشمائل يسعى بالنميم في المعاطس والشميم انصبت إلى مجلس فسيح البناء ضيق الأقناء موشى الجدران والسماء في صدره شاذروان يرمي بكسر البلور وفي وسطه نهر ينساب ماؤه انسياب الشجاع المذعور وتتوسطه بركة منمنمة ينصب الماء إليها بالدوالي إلى أربع شاذروانات ويخرج عنها من أربع فطيمات يحتفها كل شجر مثمر وروض مزهر فقلت هذا المراد الذي (9/155)
يحط به الرائد رحله ويوفد إليه أهله ويدعو إلى اختيار من يهب إلى السرور ويساعد على الحضور للمشاركة في التملي ببهجته والتمتع بنضرته فكان مولاي أول من جرى إليه ذكري ووقع عليه طرف فكري لأنه الساكن في فؤادي الحال في محل رقادي فإن رأى أراه الله ما يقر العين أن يكمل مسرتي بنقل قدمه إلي وإطلاع سعد طلعته علي ليتمم محاسن ما وصفته ويكمل الالتذاذ بما شرحته فعل إن شاء الله تعالى أجوبة رقاع الاستزارة
قال في مواد البيان لا يخلو المستزار من الإجابة إلى الحضور أو التثاقل عنه فإن حضر على الفور فلا جواب لما نفذ إليه وإن وعد الحضور وتلوم ليقضي شغلا ويحضر فينبغي أن يبني الجواب على سروره بما دعي إليه وحسن موقعه منه وأن تلومه للعائق الذي قطعه عن أن يكون جوابا عما ورد عليه وأن حضوره يشفع رقعته وإن أيس من الحضور وجب أن يبنى الجواب على ما يمهد عذره ويقرر في نفس مستزيره أنه لم يتأخر عن المساعدة على الأنس إلا لقواطع صدت عنه يعلم المعتذر إليه صحتها لينحرس ما بينهما من المودة فإن كثيرا ما تتفاسد الخلان من مثل هذه الأحوال
النوع السابع في اختطاب المودة وافتتاح المكاتبة
قال في مواد البيان الرقاع الدائرة بين الإخوان في اختطاب المعاشرة وانتماء المكاثرة وطلب الخلطة والمؤانسة يجب أن يقدر الخطاب فيها على أن يصل المرغوب في عشرته إلى الانخراط في سلك أحبائه والانحياز إلى أهل ولائه ويبعث على قصده في الالتحاق بوده ويدل على المماحصة والصفاء والمخالصة وما جرى هذا المجرى مما يتعامل به أخلاء الصدق ويجعلونه مهرا لما يلتمسونه من الممازجة ويرومونه من الاختلاط والمواشجة
قال وينبغي أن يذهب الكاتب في هذه الرقاع مذهبا لطيفا ويحسن (9/156)
التوصل إلى الإفصاح عن أغراضها ليأخذ بمجامع القلوب ويعين على نيل المطلوب
وهذه نسخ من ذلك
رقعة وينهي أن المملوك لم يزل مذ وقع طرفه على صورته وولج سمعه بعد شيمته يناجي نفسه بافتتاح مكاتبته ومراسلته واختطاب ممازجته ومواصلته رغبة في الاعتقاد بإخائه والارتشاف من مشارع صفائه والمقادير تطوي الطوية على ما فيها والعوائق تمطل النية بنجاز ما تنويه وتلويها إلى أن أذن الله تعالى بإعراض الأعراض وانقباض أسباب الانقباض فأظهر المملوك ما في القوة واثقا من مولانا بحسن المروة وأنه يوجب القبول بإجابته ويجيب إلى مساعدته ويرضى المملوك أهلا لاصطفائه ومحلا لإخائه عالما بإيجابه للحق والمعرفة بالسبق وأن تلقى هذه الرغبة بالقبول ويسلم إليها مفتاح المأمول
رقعة لو كانت المودة لا تحصل إلا عن ألفة تالدة ومواصلة سالفة لم يستطرف المرء صفيا ولم يستحدث وليا وما زال البعداء يتقاربون والمتناكرون يتعارفون ولما نمي إلى المملوك من أنباء مولانا ما تضوع عطره وطاب نشره سافر بالأمل إليه وقدم بالرغبة عليه طالبا الانخراط في سلك أوليائه والاختلاط بخاصته وخلصائه ومثل مولانا من أجاب السول وصدق المأمول والمملوك يرجو أن تكشف الأيام لمولانا منه عن خلة صادقة ومودة صحيحة لا تضيع معها إجابته ولا تخسر صفقته
رقعة وينهي أن المملوك ما زال مذ وقع طرفه على صورته البدرية وأحاط علما بخلائقه المرضية راغبا في مواشجته باعثا نفسه على اختطاب مودته وإكباره يقعده وإعظامه يبعده فلما تطاول يراع همته شجعت على إنفاذ عزمته فقدم مكاتبته أمام مشافهته فإن حظي بالإجابة وتنويل الطلبة فقد فاز قدحه وتبلج صبحه ونال مناه وبلغ رضاه وصادف هناه وديدا موثوقا (9/157)
بوده مسكونا إلى عقده وعهده يحمده عند الاختبار ويعرف به صحة رأيه عند الاختيار والمملوك يرجو أن يصح ما سأله وكفله إن شاء الله تعالى
رقعة وينهي أن من عمر الله تعالى بثنائه المحافل وعطر بأنبائه الفضائل وأقام من مساعيه الكرام خطيبا يخطب بسودده وفضله ويعرب عن شرف محتده وأصله تطلعت الآمال للانتظام في سلك أحبائه وتشوفت الهمم إلى الامتزاج بخلصائه وأوليائه لما يضفو على المعتصم بعرى مصافاته من لباس جماله ويحلي المعتزي إلى ولائه من خلى جلاله وأحق من أسعفه مولانا بالمودة إذا خطبها وأجابه إلى المصافاة إذا طلبها من بدأه بالرغبة ومت إليه بالمحبة لا لمرغب ولا مرهب واختاره لنفسه على علم بكماله ومعرفة بشرف خلاله
وما زال المملوك مذ أطلعه الله على ما خص به مولانا من المحاسن المتعذرة إلا لديه والفصائل الممتنعة إلا عليه يحوم على مسارع ممازجته ولا يردها ويروم مواقع مواشجته ولا يعتمدها إكبارا لقدره وإعظاما لخطره وخوفا من تصفحه ونقده وإبقاء على ماء وجهه من رده والمملوك وإن كان عالما بأن كرم مولانا يرقع الخلل وفضله يصدق الأمل فإنه لا يعدم مذ رغب في قرب مولانا ما لعله يجده فيه مما يخالف مذهبه وينافيه إذ كان لا يبلغ تضاهيه في التمام وتوافيه إلى أن أذن الله تعالى بأن أبلغ نفسه الأمنية وأظهر ما طويت عليه الطوية فكتب هذه الرقعة وجعلها فيما رامه من الاعتلاق بحبل مودته سفيرا وعلى ما التمسه من الانضمام إلى جملته ظهيرا وقدم بها عليه وظنه يترجح عن الإعراض إلى القبول ثقة بقرب نيل المأمول فإن رأى أن يجيبه إلى ما سأله ويسره بتنويل ما اقترحه فعل إن شاء الله تعالى (9/158)
اختطاب المودة ومفاتحة المكاتبة من كلام المتأخرين
الشيخ جمال الدين بن نباتة
وضاعف للمالك ببقائه الانتفاع وبارتقائه الارتفاع وسر بمحاسن نظره وخبره العيان والسماع
ولا زال للمحبين من وده عطف المتلطف وللأعداء من بأسه خطف الشجاع أصدرها المملوك منطوية على ما عهد من صدق المحبة ووفاء العهود المستتبة ودرر المحامد التي لا تسوى لديها درر العقود حبة مبدية لعلمه الكريم أن المودات إذا صفت والقلوب إذا تجندت وتعارفت حثت المحبين في البعاد على المفاتحة بكتبهم ورسائلهم والمخاطبة في ظلال الأوراق بألسنة أقلامهم من لهوات أناملهم إيثارا لتجديد الأنس وإن صح الميثاق وتذكارا لخواطر الود وإن رسخت منه الأصول ونمت الأعراق ولذلك فاتح بها مخاطبا وارتقب لمناديها بالأخبار السارة مجاوبا نائبة عنه في مشاهدة الوجه الكريم ومصافحة اليد في حديث برها القديم تستطلع أخباره وتستعرض أوطاره وتحيي بالسلام وجهه وعهده ودياره على يد فلان وقد حمل من المودات والمشافهات ما يعيده على السمع الكريم المنعم بإصغائه المصغي بنعمائه المتحف بالمهمات التي يحصل فوز القيام بها والمشرفات التي كل أسباب السرور متصل بسببها والله تعالى يبهج من تلقائه سمعا ونظرا ويبقي عيش حاسده هشيما وعيش محبيه نضرا ويديم رياض ذكره تالية على المسامع ( فأخرجنا منه خضرا ) أجوبةاختطاب المودة
قال في مواد البيان لا يخلو من يرام ذلك منه من أن يجيب أو يعتل (9/159)
فإن أجاب بنى الجواب على وقوع رغبة المختطب أحسن مواقعها وابتهاج المختطب بها ومعرفته بقدر ما رآه أهلا له ومسارعته إليه وإن اعتل بنى الجواب على أنه قد عرض له ما يقصر عنه ولا ترضى نفسه به وأن العذر ليس بعادة له في المزايلة وطريقة في الانفراد والمجانبة
النوع الثامن في خطبة النساء
قال في مواد البيان الرقاع في التماس الصهر والمواصلة يجب أن تكون مبنية على وصف المخطوب إليه بما يقتضي الرغبة ويدل الخاطب عن نفسه بما يؤدي إلى الكفاية والإسعاف بالطلبة
قال وينبغي للكاتب أن يودعها من ألفاظ المعاني المنتظمة في هذا الباب أوقعها في النفوس وأعودها بتقريب المرام وأدلها على صدق القول فيما تكفله من حسن معاشرة ولين معاملة وأن يذهب بها إلى الاختصار والإيجاز
وهذه نسخ من ذلك
مما أورده أبو الحسين بن سعد في ترسله
وأفضل تلك المواهب موقعا وألطفها وأحمدها عاقبة وأرهنها يدا ما يؤلف الله به القربات ويؤكد به الحرمات ويوجب به الصلات ويجدد به المكرمات ويحدث به الأنساب ويقوي به الأسباب ويكثر به من القلة ويجمع به من الفرقة ويؤنس به من الوحشة ويزاد به في الحقوق وجوبا وفي المودات ثبوتا ثم لا مثل لما كان لله طاعة ورضاء وبأمره أخذا واقتداء (9/160)
وبكتابه قدوة واحتذاء فالله نسأل الخيرة في قضائه والبركة فيما يقوم بناؤك عليه
ومنه تصل رحما وتعقد سببا وتحدث نسبا وتجدد وصلة وتؤكد ألفة
رقعة من خصه الله تعالى بما خص به سيدي من طهارة الأعراق والأنساب وشرف الأخلاق والآداب وأفرده باجتماع خلال الخير المتفرقة في الأنام وعطر بثنائه ملابس الأيام رغب الأحرار في مواصلته وهان عليهم بذل الوجه في اختطاب ممازجته والتماس مواشجته ومناسبته وجدير من رغب إليه وطلب ما لديه واختير للمشابكة في الولد واللحمة والمشاركة في المال والنعمة أن يجيب ولا يمنع ويصل ولا يقطع مصدقا لأمل من أفرده بارتياده وتوحده باعتماده عارفا حق ابتدائه بالثقة التي لا يجوز رد من اعتقدها ولا صد من حسن ظنها وقد علم الله تعالى أن مضى للمملوك مدة طويلة وهو يبحث متطلبا مربعا للتأهل مؤثرا لعمارة المنزل راغبا في سكن تطمئن النفس إليه وتعتمد في الفواتح والمصاير عليه وكلما عرض للمملوك بيت أباه أو ذكر له جناب قطع عنه رجاه لعدم بعض الشروط التي يريدها فيه وتعذرها عليه فلما قرع سمعه ذكر سيدي علم أنه الغاية التي لا مرقى بعدها والنهاية التي لا مطمح وراءها وأنه قد ظفر بالثقة ووصل إلى الأمنية ووجد من يجمع الخلال المرضية ويزيد ويحوز من الفضل الشأو البعيد وكتب المملوك هذه الرقعة خاطبا كريمته فلانة ليكون لها كالغمد الضامن للمهند والجلد الحافظ للمجلد ويكون لمولانا كالولد البر بأبيه ولأخيها كالصنو الشفيق على أخيه فإن رأى سيدي أن يتدبر ما كتبه المملوك ويتسمع من توكيد رقعته ويجيبه إلى ما سأله فله علو الرأي في ذلك إن شاء الله تعالى (9/161)
رقعة وينهي أن مولانا بما تمم الله من محاسنه ومناقبه جدير أن يلقى من خطب الاعتصام بعرى ممازجته وسعى في نيل علقه من مواشجته بالقبول القاضي بنيل المأمول ودرك الرغب والسول ولا سيما إذا كان عارفا من سمو خطره واعتلاء قدره ما يقضي عليه بخفض الجناح في معاشرته وغض الطرف في معاملته والوقوف دون درجة المساواة والمماثلة والتزحزح عن رتبة المباراة والمطاولة والانتظام في سلك الأتباع والحاشية والخدام والغاشية وكثيرا ما وجد المملوك البركة في مشاركة من هذه صفته أوفر منها في مشاركة النظراء وكانت العاقبة في مشابكة من هذه حاله أجمل منها في مشابكة الأكفاء الذين يصادفون في الحقوق شططا ولا يغضون عن يسير الواجبات تبسطا لأنهم يرون أن الوصلة ممن داناهم في الرتبة والمنزلة ليست عائدة عليهم بشرف ولا مظهرة لهم من خمول ولأن يستخلص مثل سيدي من الرؤساء مثل المملوك من الأولياء ويختصه بأثره الاجتباء والاصطفاء فيكون مفخره إليه منسوبا وما يرقيه الله تعالى إليه ببركته من درج الفضل في نفسه محسوبا أولى من طلب مماثل يناوىء بقدره ويطاول على أنه لو طلب ذلك لطلب معوزا ورام معجزا لما أفرده الله تعالى به من السيادة التي لا يترامى إلى منزلتها ولا يتسامى إلى مطاولتها وإذا كان النظير معدوما والكفؤ مفقودا ولو وجد لمال متسلطا ووقع سومه منبسطا ومولانا يطلب إليه ولا يطلب ويرغب فيما عنده ولا يرغب فقد سهلت السبيل إلى ما يرومه المملوك من جهته ويؤثره من مواصلته واتسع المجال فيما يقدم عليه من الرغبة في تقليده شرف مصاهرته وإضافته بذلك إلى بطانته وأهل خاصته ويخرجه على ما يخرج عليه الوالد ولده والسيد عبده وقد حمل المملوك موصل مطالعته هذه ما لم تسع إيداعه (9/162)
المكاتبة فإن رأى مولانا أن يصغي إليه ويجيب عبده بما يعتمده المملوك في ذلك فله الفضل إن شاء الله تعالى
رقعة وينهي أن لذوي المناجب الطيبة الأنساب والمناحت الزكية الأحساب والأخلاق الكريمة والآداب بين الأنام لسان صدق يخطب لهم بالمحاسن والمحامد ويعطر بثنائهم الصادر والوارد ويدعو القلوب إلى نيل علقه من ممازجتهم والتمسك بطرف من مواصلتهم وقد جمع الله لمولانا من كريم المتلد والمطرف وقديم وحديث الفضل والشرف ما تفرق في السيادات وتوزع على أهل الرياسات وجعله في طهارة المولد وطيبة المحتد واستكمال المآثر واستتمام المفاخر علما ظاهرا ونجما زاهرا فما من رئيس سوى مولانا تعجزه خلة من خلال الرياسة إلا وجدها لديه ولا نفيس تعوزه خصلة من خصال النفاسة إلا استماحها من يديه ولذلك امتدت الأعناق إلى التمسك بحبله وتطلعت الهمم إلى مواشجته في كريم أصله وصار مرغوبا إليه لا راغبا ومطلوبا لديه لا طالبا وهو جدير بما وهبه الله من هذا الفضل الذائع والنبل الشائع ان يجيب سائله ويصدق آمله ولا يتجهم في وجه قاصده ولا يرده عن مقصده ولا سيما إذا كان قد أسلفه الظن الجميل وبدأه بالثقة والتأميل وتعذر عليه قدر العارف بقدره العالم بخطره المرتضي بشرائطه النازل على حكمه المتدبر برأيه وقد علم الله تعالى أن المملوك مذ نشأ وصلح للتأهل مرغوب فيه مخطوب إليه من عدة جهات جليلة وجنبات رئيسة والمملوك صاد عن الإجابة صارف عن المطاوعة لشذوذ بعض الشروط التي يروم أن تكون مجتمعة في النسب الذي أعده شريكا في الولد والنشب ومفاوضا في الحال والسبب مرتاد من يقنع (9/163)
بالموافقة ويرتضي بالعشرة والمرافقة حتى أفضى في الانتقاد إلى مولانا فوجد المراد على اشتراط وألفى المقصود على اشتطاط فدعاه ذلك إلى التهجم بعد الإحجام وحمله على التجاسر والإقدام والتوسل إلى مولانا بما يتوسل به الأحرار إلى الأخيار وأمه بصادق الرغبة وصميم المحبة والانبساط في خطبة كريمته فلانة على أن يعاشرها بغاية الأنس ويصحبها صحبة الجسد للنفس ويعرف لها من قدر أبوتها وأمومتها ما تستحق برياستها وقد أصدر هذه الرقعة نائبة عنه في ذلك فإن رأى مولانا أن يتحفه بالقبول ويجعله أهلا لإجابة السول فله الفضل في ذلك إن شاء الله تعالى
ومن النادر الغريب ما ذكره الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في حسن التوسل في الكتابة إلى شخص في تزويج أمه وهو
هذه المكاتبة إلى فلان جعله الله ممن يؤثر دينه على الهوى وينوي بأفعاله الوقوف مع أحكام الله تعالى فإنما لكل امرىء ما نوى ويعلم أن الخير والخيرة فيما يسره الله من سنة نبيه وأن الشر والمكروه فيما طوى نعرض له بأمر لا حرج عليه في الإجابة إليه ولا خلل يلحقه به في المروءة وهل أخل بالمروءة من فعل ما حض الشرع المطهر عليه وأظهر الناس مروءة من أبلغ النفس في مصالح حرمه عذرها ووفى من حقوق أخصهن ببره كل ما علم أن فيه برها وإذا كانت المرأة عورة فإن كمال صونها فيما جعل الله فيه سترها وصلاح حالها فيما أصلح الله به في الحياة أمرها وإذا كانت النساء شقائق الرجال في باطن أمر البشرية وظاهره وكان الأولى تعجيل أسباب العصمة فلا فرق بين أول وقت الاحتياج إلى ذلك وآخره وما جدع الحلال أنف الغيرة إلا ليزول شمم الحمية وتنزل على حكم الله فيما شرع لعباده النفوس الأبية ويعلم أن الفضل في الانقياد لأمر الله لا في اتباع الهوى بعضل الولية وإذا كان بر الوالدة أتم وحقها أعم والنظر في صلاح حالها أهم (9/164)
تعينت الإجابة إلى ما يصلح به حالها ويسكن إليه بالها ويتوفر به مالها ويعمر به فناؤها ويحصل به عن تقلد المنن استغناؤها وتحمل به كلفة خدمها عنها وتدفع به ضرورات لا بد لذوات الحجاب والحجال منها ويصفو به ستر الإحصان والحصانة عليها ويظهر به سر ما أوجبه الله لها من تتبع مواقع الإحسان إليها
وقد تقدم من سادات السلف من تولى ذلك لوالدته بنفسه واعتده من أسباب بر يومه الذي قابل به ما أسلفته إليه في أمسه علما منهم أن استكمال البر مما يعلي قدر المرء ويغلي وقد أجاب زيد بن زين العابدين هشاما لما سأله لم زوجت أمك بعد أبيك فقال لتبشر بآخر مثلي لا سيما والراغب إلى المولى في ذلك ممن يرغب في قربه ويغبط على ما لديه من نعم ربه ويعظم لاجتماع دنياه ودينه ويكرم ليمن نقيبته وجود يمينه ويعلم أن العقيلة تحل منه في أمنع حرم وتستظل من ذراه بأضفى ستور الكرم مع ارتفاع حسبه واشتهار نسبه وعلو قدره في منصبه وحاله وسببه وأنه ممن يحسن أن يحل من المولى محل والده وأن يتجمل من ذريته بمن يكون في الملمات بنانا ليده وعضدا لساعده فإن المرء كثير بأخيه وإذا أطلق عليه بحكم المجاز لفظ العمومة فإن عم الرجل صنو أبيه وأنا أتوقع من المولى الجواب بما يجمع شمل التقى ويعلم به أنه تخير من البر أفضل ما ينتقى ويتحقق بفعله (9/165)
أن مثله لا يهمل واجبا ولأمر ما قال الأحنف وقد وصف بالأناة لكني أتعجل أن لا أرد كفؤا خاطبا
النوع التاسع في الاسترضاء والاستعطاف والاعتذار
قال في مواد البيان المكاتبة في استعطاف الرؤساء وملاطفة الكبراء تحتاج إلى حسن تأت لما تشتمل عليه من إيجاب حقوق الخدمة وما أسلفوه من مرعي الخدم وما يتبع هذا من التنصل والاعتذار الذي يسل السخائم من القلوب ويستنزل الأوغار من الصدور ويطلع الأنس وقد غرب ولها موقع في تأليف الكلام
قال وينبغي للكاتب أن يستعمل فيها فكره ويوفيها حقها من جودة الترتيب واستيفاء المعاني وأن يذهب إلى استعمال الألفاظ الجامعة لمعاني العذر الملوحة بالبراءة مما قرف به ولا يخرج لفظه مخرج من يقيم الحجة على براءة الساحة مما رمي به فإن ذلك مما يكرهه الرؤساء لأن عادتهم جارية بإيثار اعتراف الخدام لهم بالتقصير والتفريط والإخلال بالفروض ليكون لهم في العفو عند الإقرار عارفة توجب شكرا مستأنفا فأما إذا أقام التابع الحجة على براءته وسلامته مما رفع عنه فلا يوضع الإحسان إلا إليه في إقراره على منزلته والرضا عنه والاستعطاف بل ذلك أوجب له في منعه منه ظلم (9/166)
وهذه نسخ من ذلك
لأبي الحسين بن سعد
فإن رأيت أن تنظر في أمري نظرا يشبه أخلاقك المرضية ويكون لحسن ظني بك مصدقا ولعظيم أملي فيك محققا ولما لم تزل تعدنيه منجزا ولحق حرمتي بك وقديم اتصالي بأسبابك قاضيا فعلت إن شاء الله تعالى
ومنه لسليمان بن وهب
من انصرف في الاحتجاج إلى الإقرار بما يلزمه وإن لم يكن لازما فقد لطف الاستعطاف واستوجب المسامحة والإنصاف
ومنه وقد نالني من جفوة الأمير بعد الذي كنت أتعرف من بره وألطافه امر احلني محل المذنب في نفسي مع البراءة من الذنب وألزمني الإساءة مع الخروج من التقصير وزاده عندي عظما وشدة أني حاولت الخروج منه بالاعتذار فلم أجد لي إلى الأمير ذنبا أعتذر منه ولا علي فيما ألزمني من معتبته حجة أحاول دفعها والتخلص منها فأصبحت أعالج من ذلك داء قد خفي دواؤه وأحاول صلاح أمر لم أجن فساده فإن رأيت أن تفعل كذا وكذا فتصل قديم ما أصبح عندي من معروفك بحديثه فليس عندي في مطالبة حجة أنجح من التوجه إلى الأمير بنفسه والثقة عنده بفضله فإن كنت مذنبا عفا وإن كنت بريئا راجع
ومنه لأبي علي البصير (9/167)
وأنا أحد من أسكنته ظلك وأعلقته حبلك وحبوته بلطيف برك وخاص عنايتك وانتصف بك من الزمان واستغنى بإخائك عن الإخوان فهو لا يرغب إلا إليك ولا يعتمد إلا عليك ولا يستنجح طلبه إلا بك وقد كان فرط مني قول إن تأولته لي أراك أوجه عذري وقام عندك بحجتي فأغناني عن توكيد الأيمان على حسن نيتي وإن تأولته علي أحاق بي لائمتك وحبسني على أسوإ حال عندك وقد أتيتك معترفا بالزلة مستكينا للموجدة عائذا بالصفح والإقالة فإن رأيت أن تقر عينا قرت بنعمتك عندي ولا تسلبني منها ما ألبستني وأن تقتصر من عقوبتي على المكروه الذي نالني بسبب عتبك علي وتأمر بتعريفي رأيك بما يطأمن هلعي وتسكن إليه نفسي ويأمن به روعي فعلت إن شاء الله تعالى
ومنه لأبي الحسين بن أبي البغل
نبو الطرف من الوزير دليل على تغير الحال عنده والجفاء ممن عود الله البر منه شديد وقد استدللت بإزالة الوزير إياي النحل الذي كان نحلنيه بتطوله على ما سؤت له ظنا بنفسي وما أخاف عتبا لأني لم أجن ذنبا فإن رأى الوزير أن يقومني لنفسي ويدلني على ما يريده مني فعل إن شاء الله تعالى
ومنه لأبي الربيع (9/168)
أصدق المقال ما حققه الفعال وأفضل الخبر ما صدقه الأثر
ومنه لمولانا سيرة في الفضل والإحسان ما أملها آمل إلا جادت وسخت ومنحت وعوائد في العفو ما رجاها راج إلا صفحت وسمحت وأحق من تلقاه عند العثار بالإقالة والاغتفار ووقف به عند حد التقويم والإصلاح ولم يعرضه لنقيصة الإقصاء والاطراح من شفع الهفوة بالاعتذار وخطب التغمد بلسان الإقرار ودلت التجارب منه على حسم الأضرار وكان له من سالف الخدم وسائل وذرائع ومن صحيح الإخلاص ممهد وشافع فلا عجب أن المملوك يهفو فيعفو ويظلم فيكظم ويجهل فيحلم ويخطيء فيصيب ويدعو متنصلا فيجيب وقد جعل الله سهمه المعلى ويده الطولى وألهمه التفضل بالإنعام والتغميض عن زلات الكرام وقد حصل للمملوك في هذه النبوة من إزرائه على عقله وتقبيحه لفعله أعظم تجربة وأكبر مأدبة والمملوك يسأل إحسان سيدي أن يعيده إلى رضاه ولطفه ويؤنس منه مستوحش إقباله وعطفه ويصدق رجاءه فيه ويجزل ثواب وفادته عليه إن شاء الله تعالى
رقعة المملوك يخطب صفح سيده وإقالته بلسان الاغتفار ويستعيد ما عرف من رضاه وعاطفته بوسائل الاعتذار ليكون المتفضل في كل الحالات والمنعم من كل الجهات وقد عرف السهو النسيان المعترضين للإنسان وأنهما يحولان بينه وبين قلبه ويزوران عليه خطأه في صورة صوابه فيتورط في السقط غير عامد ويتهور في الغلط غير قاصد وقد قال الله تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) وما أولى مولانا بأن يحفظ على المملوك جميل آرائه ولا يسلبه ما شمله من ظل آلائه ولا يسمه بميسم العقوق فإنه يجد نفسه بخلاف ذلك في طاعته ومرتبتها بغير هذه الرتبة في خدمته
فصل وقد آوى سيدي المملوك من ظله وأعلقه من حبله وأسبغ عليه (9/169)
من فضله ما أنصفه به من الزمان وأغناه عن الإخوان ووقف رغباته عليه وصرف آماله إليه ونزله منزلة من لا يشك في اعتقاده ولا يستريب بوداده وكان المملوك أرسل لفظا على سبيل الإشفاق ذهب به الحاسد إلى غير معناه وخالف في تفسيره حقيقة مغزاه وأحاله عن بنيته وعرضه عليه على غير صورته ليوحش محل المملوك المأنوس من رعايته وينفر سربه المطمئن بملاحظته وعنايته وقد أرسل المملوك هذه العبودية سائلا في محو إظلام موجدته وأن يعيد المملوك إلى مكانه من حضرته إن شاء الله تعالى
لا أتوسل إليك إلا بك ولا آتيك إلا من بابك ولا أستشفع إليك بسواك ولا أكل رجعة هواك إلا إلى هواك ولا أنتظر إلا عطفتك التي لا تقودها زخارف الأموال ولا تعيدها شفاعات الرجال - طويل -
( إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعة ... فلا خير في ود يكون بشافع )
شعر في معنى ذلك - سريع -
( هبني تخطيت إلى زلة ... ولم أكن أذنبت فيما مضى )
( أليس لي من قبلها خدمة ... توجب لي منك سبيل الرضى )
غيره - وافر -
( وحقك ما هجرتك من ملال ... ولا أعرضت إلا خوف مقت )
( لأن طبائع الإنسان ليست ... على وفق الإرادة كل وقت )
اعتذار عن التأخر من ترسل أبي الحسين بن سعد
إن لم يكن في تأخري عنك عذر تقبله فاجعله ذنبا تغفره
علي بن خلف
الأعذار أطال الله بقاء سيدي تنأى على الامتناع وتضيق على الاتساع وذلك بحسب ما تصادفه من قبول ورد ومسامحة ونقد وأنا أحمد الله (9/170)
على أن جعل عذري إلى من يتمحل العذر للمعتذر ويصفح صفح المالك المقتدر كأنما ائتم بقول الشاعر - طويل -
( إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالا لزلته عذرا )
ولم يجعله إلى من يغلب هاجس الظنون على واضح الحجة ومعتل الشك على صحيح اليقين ونمي إلي أن غابطا لمكاني من حضرته حسدني على محلي من مودته وزور ما ينكشف عن الإفك والبهتان ودلس الكذب في صورة البرهان فلما جلاه في معارض زخارفه أظهر لسيدي عواره وأبدى لطرفه شواره فشل سمعه عن وعيه وطرف طرفه عن رعيه واستنم علائم شيمته في حسن الضن بأحبته فقدمت من الاعتذار ما يقدمه المذنب نزولا على طاعته وتأدبا في خدمته وشفعته من الشكر بما يقتضيه إحسانه ويوجبه
أبو الفرج الببغاء
أحق المعاذير بالتقبل وأولاها بسعة القلوب ما صدر عن استكانة الأقدار ودل على حسم مواد الأضرار وصفا من كدر الاحتجاجات وتنزه عن تمحل الشبهات ليخلص به ملك العفو وتتكامل نعمة التجاوز ولست أكره شرف تأديبه ونبل تثقيفه وتهذيبه ما لم يتجاوز في العقوبة والتقويم إلى مؤلم الإعراض ومضيض التنكر والانقباض ولا أخطب الإقالة من تفضله إلا بلسان الثقة وشافع الخدمة هاربا إلى سعة كرمه مما دفعتني المحبة إليه وأشفى بي عدم التوفيق عليه فإن رأى أن يكون عند أحسن ظني به الصفح كما هو عند أصدق أملي فيه بالإنعام فعل (9/171)
وله في مثله
ليس يخلو الإغراق في التنصل والمبالغة في الاعتذار من إقامة لحجة أو تمسك باعتراض شبهة وأنا أجل ما أخطبه من عظيم عفوه وأكبر ما أحاوله من نعمة تجاوزه عن المقابلة بعين الاعتراف بالزلل وبعد الاستحقاق من الصفح ما لم يوجب لي بسعة تأوله ويعد علي فيه بعادات تفضله لتصفو منه الأعضاء وتلزمني واجبات الشكر والثناء غير ممتنع مع ذلك من التبري إليه مما أنكره من تجاوز السهو إلى العمل والتوجه إلى ما فرط بالاختيار والقصد اللذين يغفر بتجنبهما مذموم الأفعال ويتغمد سيء الأعمال فإن رأى أن يحمل أمري فيما قصدتني الأيام بتوجه الظنون فيه على غير النية لا ظاهر الفعل إذ كانت صفات الإنسان بالأشهر من أخلاقه والأكثر من أفعاله ولا صفة لي أعرف بها وأنسب إليها غير الاعتراف بإنعامه والتطاول من اصطناعه آخذا من كل حال بالفضل ومشفعا بسطة الرياسة والنبل
وله في مثله
لست أخلو في المدة التي تجاوز الدهر لي عنها في خدمته من توصل بفرط الاجتهاد إلى ما وصل من رأيه إلى رتبة التقبل والإحماد وليس يحبط ما أتيته من مرضي الخدمة بالنية والعمد بما لعله فرط من غير مراد إذ كان أيده الله بفائض طوله ومأثور فضله آخذا من آداب الله بما أحاكمه منه ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ولو لا إيثاري مفترض الطاعة واستكانة الاعتداد وأن لا أخطب رضاه بلسان الاحتجاج ولا ألتمس عفوه بوجوب الاستحقاق لتسلم له صفات التفضل ولي موات الاعتراف بسالف التطول لبرهنت على سلامتي مما قصر علي بتوجه الظنون واعتراض الأوهام ولا أقول (9/172)
بشعث النية وفساد الرأي فإن رأى أن يحفظ ما ابتدأه مختارا من اصطناعي بما يصونه عن التنكر ويصون عادتي في شكر ذلك والاعتداد به عن الفتور والتغير فعل أجوبة الاسترضاء والاستعطاف
قال في مواد البيان لا يخلو المعتذر إليه من أمرين أحدهما أن يقبل العذر والآخر أن يستمر على الموجدة ويرفض ما يأتي به من حجة فإن كان قد قبل العذر وجب أن يبنى الجواب على وصول الكتاب والوقوف عليه والتقبل لما تضمنه وتبرئة المعتذر عن الحاجة إلى الاعتذار والانقياد إلى الاعتراف بالجرم والإقرار إكراما لخلته عن التهمة وللمودة عن الظنة فإن الأمر الذي أوجب العذر لو صدر منه لاقتضى وداده التأول له بأنه ما صدر إلا عن باطن سليم ومصلحة أوجبته قال وليس هذا المعنى هو الذي يجاب به من قبل عذره فقط لأنه يجوز أن يجيب بأنه قد قبل العذر وصفح عن الجرم على أن لا يعود إلى مثله وإن استمر على القصد بني الجواب على إبطال العذر ومعارضته بما يقتضيه والدلالة على خطأ المعتذر وأنه مما لا يسوغ الصفح عنه ولا يليق بالحزم إقالته
قال وهذان معنيان يحملان من العبارة ما لا يكاد ينحصر في قول مشروح مبسوط فضلا عن قول مجمل موجز إلا أن المتدرب بالصناعة إذا مرت به هذه الأصول أمكنه التفريع عليها
النوع العاشر في الشكوى أعاذنا الله تعالى منها
قال في مواد البيان رقاع الشكوى عصمنا الله من موجباتها يجب (9/173)
أن تكون مبنية من صفة الحال المشكية على ما يوجب المشاركة فيها ويقضي بالمساعدة إن استدعيت عليها من غير إغراق يفضي إلى تظليم الأقدار وإحباط الأجر وشكوى المبتلي بالخير والشر سبحانه وتعالى ويدل على التهالك بالجزع وضعف التماسك وقوه الهلع باستيلاء القنوط والإياس وأن يشفع الشكوى بذكر الثقة بالله سبحانه والتسليم إليه والرضا بأحكامه وتوقع الفرج من عنده وتلقي اختباره بالصبر كما تتلقى نعمه بالشكر ونحو هذا مما يليق به ويجري مجراه قال وقد يكتب الأتباع للرؤساء رقاعا بشكاية الأحوال ومساءلة النظر ثم ذكر أن سبيل هذه الرقاع أن يعدل بها عن التصريح بالشكوى إلى لفظ الشكر ومعناه وطلب الزيادة والإلحاق بالنظراء في الإحسان لما في إطلاق الشكاية والتصريح بها من التعريض بإخلال الرئيس بما يلزمه النظر فيه من أحوال خاصتهم وتعهد مرافقهم من الكفاية
وهذه نسخ من ذلك
رقعة شكوى هموم
كتب المملوك هذا الكتاب وهو رهين فكر وغم وقلق وهم وحليف جوى قد سكن القلب وخوف قد أطار اللب وبالله العياذ وهو الملاذ وبيده تحل العقدة وبأمره تزول الشدة وقد ألهم الله سبحانه المملوك صبرا يسر أمره وأملا في الفرج خفف ضره وليس بآئس من عطفته ولا قانط من نعمته
رقعة في معنى ذلك
كتب المملوك وهو شاك لتجاهل الأيام وقيذ من مواقع سهامها الرغيبة الكلام منهوم بهموم تضعف الجليد وتسوء الوديد وتسر الحسود لاق من قسوة الدهر وفظاظته ونبوة العيش ونفرته ما يرد الجفون عن (9/174)
الهجوع ويغرق العيون بالدموع ولله تعالى في عبادة أقضية يقضيها وأقدار يمضيها والله أسأل حسن العاقبة والختام وتمحيص الأوزار والآثام
رقعة كتب المملوك وجسمه صحيح وقلبه قريح وجنانه سليم وجنابه سقيم لما يتبادر إليه من نكايات تقدح وتقرح وحادثات تكلم وتجرح ونوب تهض وتهدم وترض وخطوب تخاطب شفاها وتوصل من اليد إلى اليد أذاها إلا أن الله يهب ريح المنح وقد تداكت المحن فينشفها ويشق عمود الفرح وقد ادلهمت فيكشفها وظن المملوك بالله تعالى جميل وله في صنعه ولطفه تأميل
رقعة وينهي أنه قد كتب هذه العبودية بيد قد أرعشتها الآلام يملي عليها قلب قد قلبته الأسقام فجسمه ناحل وجسده بعد النضرة قاحل وقواه قد وهنت وجلادته قد وهت وصبره قد تخلى واضطرب وتحمله قد نأى واقترب وعاد شبحا من الأشباح وهباء تذروه الرياح فلو اعتلق بشعرة لم تنصرم أو ولج خرت إبرة خياط لم تنفصم ولولا الثقة بالله وأنه يتبع السقم بالصحة ويشفع المحنة بالمنحة لذهب ما بقي من ذمائه وأطل على شفا شقائه والمملوك يستشرف منه تعالى لطفا يعيد الكليل حديدا والمخلق جديدا
رقعة وينهي أنه قد كتب هذه الرقعة وقد ساء أثر الأيام عليه وقبح صنعها لديه وابتلته بمؤلم البلوى وأنطقته بلسان الشكوى فهو محترق بنار الغيظ يدعو على نفسه بالفيط إن لم يكن فرج يفرج بين الأضداد ولطف يريح من هذا الجهاد وكلما طلب المزايلة عوق أو طلب الفكاك اعتلق فهو قاطن في صورة الظاعن وحال في حال الراحل والله يمن بالمخرج ويأتي بالفرج (9/175)
رقعة وقد سطر المملوك هذه العبودية وقد انجلت هذه النبوة عن البلاء والشقوة ونفاذ المال واستحالة الحال واستيلاء العدو واستعلاء السو وكذا الدهر خدوع غرور خؤون غدور إن وهب ارتجع وإن ألبس انتزع وإن أعطى أعطى قليلا وقلع وإن أحلى أمر وإن نفع ضر وإن أبرم نقض وإن رفع خفض وإن أقبل أعرض وإن وعد أمرض فنعمه مقرونة بالزوال ومنحه معرضة للانتقال وصفوه مشوب بالكدر وعيشه ممزوج بالغير ما أجن إلا أوجد خللا ولا أمن إلا أتبع الأمن جللا والمملوك يحمد الله تعالى على أن أوسعه في حال البلاء شكرا وفي حال الابتلاء صبرا أجوبة رقاع الشكوى
قال في مواد البيان يجب أن تبنى أجوبة هذه الرقاع على الارتماض في الحال المشكية والتوجع منها وبذل الوسع في المعونة عليها والمشاركة فيها وما يجري هذا المجرى مما يليق به
النوع الحادي عشر في استماحة الحوائج
قال في مواد البيان ورقاع الاستماحة يختار أن تكون مودعة من الألفاظ ما يحرك قوى السماح ويبعث دواعي الارتياح ويوجب حرمة الفضل المسهلة بذل المال الصعب بذله إلا على من وفر الله مروءته وأرخص عليه أثمان المحامد وإن غلت
قال وينبغي للكاتب أن يتلطف فيها التلطف الذي يعود بنجاح المرام ويؤمن من الحصول على إراقة ماء الوجه والخيبة بالرد عن البغية ويعدل عن التثقيل والإلحاف المضجرين ولا يضيق العذر على السماح إلا أن يتمكن للثقة به ويعلم المشاركة في الحال
وهذه نسخ من ذلك (9/176)
من كتاب أبي الحسين بن سعد
أفضل القول أصدقه وأهنى المعروف أعجله وأبلغ الشكر أظهره
ومنه إن حضرتك نية في قضاء حاجة فعجلها فإن أهنى المعروف ما عجل وأنكده ما تنازعته العلل واعترضته كثرة الاقتضاء
ومنه أنت أعزك الله واجد السبيل إلى اصطناع المعروف واكتساب الثواب وأنت أعرف بما في اسنتقاذ أسير من أسرى المسلمين من وارد الأسر وعرصة الكفر وانتياشه من الذلة والفاقه والبلاء والمشقة من جزيل ثواب الله وكريم جزائه وأجل من أن تخاطب في ذلك مخاطبة من يحتاج إلى زيادة في بصيرته وتقوية لنيته وبالله توفيقك وعونك
علي بن خلف
قد تمسك أملي بضمانك وتطلع رجائي إلى إحسانك وكفل لي النجاح مشهور كرمك ورغبتك في رب نعمك ولي من فضلك نسيب أعتزي إليه ومن شكري شفيع أعتمد عليه
وله المواعيد أطال الله بقاء مولاي غروس حلو ثمرها الإنجاز والتعجيل ومره المطل والتطويل وقد شام أملي من سحائب فضله حقيقا بأن ينهمر ويهمي وارتاد من روض نبله جديرا بأن يزيد وينمي فإن كانت هذه المخيلة صادقة فلتكن منه همة للرجاء محققة إن شاء الله تعالى
وله هممت أن أستصحب إلى مولاي ذريعة تحجب مطلي وتكون حجابا على وجهي في المطالعة بأربي فلاح لي من أساريره برق أوضح مقصدي ومن أخلاقه انبساط أمال تجعدي ولست مع معرفته بحق نعمة الله تعالى وحق مؤمله محتاجا عنده إلى ذريعة ولا مفتقرا إلى وسيلة
وله ولا يحملني مولاي على ظاهر تجملي وجميل توكلي على (9/177)
حال قد أحالتها العطلة وتخللتها الخلة وإنما أبقي بالتجمل على ديباجة همتي وأصون بالتخفيف عن الصديق مروتي ولولا أن الشكوى تخفف متحمل البلوى لأضربت عن مساءلته وأمسكت عن تذكيره ولكن لا بد للوصيب الشاكي من ذكر حاله للطبيب الشافي وقد كان برق لي من سحاب وعده ما هو جدير بالانهمار وأورق من نمائه ما هو حقيق بالإثمار فإن رأى أن يسم وجه التأميل بعد الإنجاز والتعجيل فعل
وله ما حامت آمالي أطال الله بقاءه إلا وقعت بحضرته ولا صعبت علي جوانب الرجاء إلا سهلت من جهته ولا كذبتني الظنون إلا صدقها بعلو همته فلذلك أعتلق في المهم بحبله وأعتصم في الملم بظله وقد عرض لي كذا وعليه فيه المعول وهو المرجو والمؤمل وما أولاه بالجري على عادته في ريش جناحي والمعونة على صلاحي
في طلب كسوة من كلام المتأخرين - طويل -
( ألا أيها المولى الذي نهر جوده ... يزيد وعاصي أمره الدهر ينقص )
( إليك اشتكائي من دمشق وبردها ... وما أنا فيه من أمور تنغص )
( وإني في عرس من البرد دائم ... تصفق أسناني وقلبي يرقص )
المملوك ينهي بعد الابتهال إلى الله تعالى في إدامة نعمته وإدالة دولته أنه ما ألف من إحسانه إلا أنه يضاعف رسم الإنعام ويواتر إرساله على ممر الأيام والأعوام وللمملوك في خزانته الشريفة في كل عام تشريف يفيضه على جسده ويسر به قلوب أوليائه ويفت أكباد حسده ويتقي به سورة الشتاء وقرة ويجعله قرة ويحمل به من الدعة وقره وقد درس رسمه وفقد من الديوان المعمور اسمه وهو يسأل بروز الأمر العالي بإجرائه على عادته المستمرة (9/178)
وقاعدته السالفة المستقرة بتشريفه بأخذ التشريف ولبسه ليدفع بذلك شدة البرد وأليم مسه ويتذكر بها في يومه ما يوجب حمد المولى وذم أمسه ورأيه العالي
وله في طلب ورق - سريع -
( يا أسمح الناس ويا من غدا ... جبينه يخجل ضوء الشفق )
( جودك بالورق عميم فلم ... أخرت يا مولاي بعث الورق )
وله في طلب رسم - مجزوء الرجز -
( رسمي مولاي غدا ... مؤخرا ولو حضر )
( ولو أراد سيدي ... إحضاره كان أمر )
( فقد مضى محرم ... وراحتي منه صفر )
وكتب كاتب إلى مخدومه وقد تأخر صرف معلومه - متقارب -
( وتعلم أني كثير العيال ... قليل الجراية والواجب )
( فلست على ظمإ قانعا ... بورد من الوشل الناضب )
( ولا شك في أنني هارب ... فقدر لنفسك في كاتب )
قلت وكتبت نظما لأمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس (9/179)
خليفة العصر أستميحه حاجة في مجلس كان فيه هو وولده يحيى وأخواه داود ويعقوب ما صورته - طويل -
( إذا رمت أن تحظى بنيل مآرب ... فبادر إلى العباس من آل عباس )
( إمام به ثغر الخلافة باسم ... وعرنينها يسمو على قمة الراس )
( أبى الفضل إلا أن يكون لأهله ... دواما وأن يدعى أبا الفضل في الناس )
( فللمستعين أقصد تجد خير منجد ... حريص على المعروف برا بإيناس )
( فيحيا له يحيى وداود صنوه ... ويعقوب أعضادا وحصنا من الباس )
وكتبت لقاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام عمر البلقيني أستميحه حاجة أيضا - طويل -
( أيا شيخ إسلام وقاضي قضاته ... ومن قد سما في الناس علما ومنصبا )
( لقد عم نوء منك كل مؤمل ... وحاشى لبرق شمت يظهر خلبا )
( أأحرم معروفا له كنت أرتجي ... ويحجب ذو بعد من القوم أقربا )
( وما زلت أرجو في زمانك رفعة ... ولكن جواد الحظ بالبعد قد كبا )
( ولن يستعيض الخفض بالرفع ماجد ... خصوصا ومن أخرت ما نال مطلبا )
( ولست ترى مني إليك وسيلة ... سواك وحسبي باعتلاك تقربا ) (9/180)
وكتبت لقاضي القضاة جمال الدين محمود القيسراني وهو يومئذ قاضي قضاة الحنفية وناظر الجيوش المنصورة أذكر بطالة عرضت لي من وظيفة مباشرة كانت بيدي - طويل -
( إلى الله أشكو من زماني بواره ... فأمسيت في الحرمان بي يضرب المثل )
( تماديت بطالا وأعوزت حيلة ... ولم يبرح البطال تعرف له الحيل )
( فلا ملتجى جاه ولا عز صاحب ... ولا مالك يحنو فيا قوم ما العمل )
( ولكن محمود العواقب أرتجي ... ومن يحمد العقبى على القصد قد حصل )
وكتبت للقاضي شمس الدين العمري كاتب الدست الشريف في حاجة نجرها - بسيط (9/181)
( إن لا أرى عمرا حتى ألم به ... ألفيت من نسله من كان لي عمرا )
( لم يغف عن حاجتي حتى أنبهه ... و كيف يغفو وفي المعروف كم سهرا )
( جعلته مبتدا في رفعه خبري ... وعادة المبتدا أن يرفع الخبرا ) أجوبة استماحة الحوائج
قال في مواد البيان لا يخلو المستماح والمكلف حاجة من أن يسعف أو يمنع فإن أسعف فقد غني عن الجواب وربما أجاب المسعف بجواب مبني على حسن موقع انبساط المستميح والاعتذار عن التقصير في حقه وإن كان قد بلغ به فوق ما يجب له تكرما وتفضلا وإن منع فربما أجاب بعذر في الوقت الحاضر أو عذر في المستأنف وربما أخل بالجواب تغافلا
وهذه نسخة جواب بالإسعاف بالمقصود كتب بها في جواب لكاتب السر عن نائب الشام في طلب إقطاع من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة إجابة للمطلوب وهي
لا زال قلمها يمد على الإسلام ظلا ظليلا ويستجد صنعا جميلا ويأخذ بأمر الله أعداء دينه اخذا وبيلا ويقوم باجتهاده في مصالح الملك النهار كله والليل إلا قليلا تقبيل مواظب على ولاء لا يجد له تبديلا وثناء لو سمعه المحب فشافه الأحباب إذا لاتخذوه خليلا (9/182)
وينهي ورود مشرفة مولانا القديم فضلها الكريم وصلها وأصلها فوقف المملوك عليها وأصغى بحملته إليها وعلم ما رسم به مولانا وأشار إليه تبيانا وكذلك بلغه مملوكه الولد فلان المشافهة الكريمة فحبذا من صاحب السر إسرارا وإعلانا وشكر لهما مشرفة ومشافهة أوردا الإحسان مثنى مثنى وسرا سمعه المملوك لفظا واستهداه معنى فما مننهما في الإحسان إلا زائدة ولا في الصلات إلا عائدة لا جرم أن المملوك أقبل على قبيلهما بسمعه وناظره وقلبه وخاطره وجملته وسائره وامتثل الإشارة العالية التي من حقها أن تقدم على كل مهم يرد عليه وأمر يتوجه إليه ويد الزمان مشكورة يأخذها منه بكلتا يديه وعين المملوك لوقته الإقطاع المطلوب وتقدم بكتابة مربعته حسب ما رسم من تجري السعادة من سطره تحت مكتوب وجهزها قرين هذه الخدمة ومن ذا يقارن سبق ذلك البر المديد وكيف توازي المربعة كتابا هو بالإحسان للعنق تقليد لا برحت مراسم مولانا معدودة من رسوم نعمه ومشرفاته محسوبة من تشريفاته التي يخلعها على أبناء محبيه وخدمه
النوع الثاني عشر في الشكر
قال في مواد البيان رقاع الشكر يجب أن تكون مودعة من الاعتراف بأقدار المواهب وكفاية الاستقلال والاستقلال بحقوق النعم والاضطلاع بحمل الأيادي والنهوض بأعباء الصنائع ما يشحذ الهمم في الزيادة منها ويوثق المصطنع بإفاضة الصنع ويعرب عن كريم سجية المحسن إليه
قال وينبغي للكاتب أن يفتن فيها ويقرب معانيها وينتحل لها من ألفاظ الشكر أنوطها بالقلوب لتستيقن نفس المتفضل أنه قد اجتنى ثمرة تفضله وحصل من الشكر على أضعاف ما بذله من ماله أو جاهه إلا أنه ينبغي (9/183)
أنها إذا كانت صادرة من الأتباع إلى رؤسائهم ومن يرجع إلى اختصاص وأثرة أن لا تبنى على الإغراق في الشكر لأن الإغراق في الشكر يحمل هذه الطبقة على التملق الذي لا يليق إلا بالأباعد الذين يقصدون الدلالة على استقلالهم بحقوق ما أسدي إليهم فأما من ضفا عليه من النعم ما يدفع الشك في اعترافه بالذل لديه فإنه يغنى عن المبالغة في الشكر والاعتداد ثم قال وإنما يجب أن يذهب فيما يكتب عن هؤلاء من هذا الفن مذهب الاختصار والإتيان بالألفاظ الوجيزة الجامعة لمعاني الشكر دون مذهب الغلو والإفراط وذو الطبع السليم والفكر المستقيم يكتفي بيسير التمثيل
وهذه نسخ من ذلك
أبو الفرج الببغاء في شكر تابع لمتبوع
أنا في شكره أيده الله مبرهن عن مواقع إحسانه إلي وتظاهر إنعامه علي لا مقدر أني مع البالغة والإسهاب والإطالة والإطناب أجازي عفو تفضله ولا أجامل أيسر تطوله وقد وسمني أيده الله من شرف اصطناعه بما بوأني به أرفع منازل خدمة وأتباعه وإلى الله أرغب في توفيقي من مقابلة ذلك بالاجتهاد في خدمته والمبالغة في طاعته لما أكون به للمزيد مستوجبا وللحظوة مستحقا
وله في شكر قريب
فرض الشكر أعزك الله لا يسقط بقرب الأنساب ولذلك لا أستجيز إغفال الواجب علي منه ولا أجد عدولا في التسامح فيه والإضراب عنه وإن كنت غنيا عن الإفاضة أعتقده من ذلك وأضمره وأبديه وأظهره بالمتعالم من خلوص النية وصحة الاعتقاد فلا أخلاك الله من جميل تسديه وتفضل توليه يمتري لك المزيد من سوابغ النعم وفوائد الشكر (9/184)
وله قد استنفذ مادة شكري ووسع اعتدادي ونشري تتابع تفضلك وتوالي تطولك ولست أقدر على النهوض بشكر منة حتى تطرقني منك منة ولا أحاول مجازاة نعمة حتى تفد علي منك نعمة فبأي عوارفك أعترف أم بأي أياديك بالثناء أنتصف فقد فزعت إلى الإقرار بالعجز عما يلزم من فروضك وواجبات حقوقك وانصرفت إلى سؤال الله جل اسمه بإيزاعي شكر ما وهب منك والتجاوز للمكارم والفضل عنك
وله وقد شكرت برك الجليل موقعه اللطيف موضعه الخفيف محمله العذب منهله وشافهتك من ذلك بما اتسعت له القدرة لا ما تقتضيه حقوق المنة
وله أنا في الشكر بين نعمة تنطقني وعجز عما يجب لك يخرسني ولست أفزع إلى غير تجاوزك ولا أعتمد على غير مسامحتك ولا أتطاول إلا بمكاني منك ولا أفاخر إلا بموقعي من إيثارك فالحمد لله الذي جعلني بولائك مشهورا وفي شكرك مقصورا
علي بن خلف
رقعة وينهي أن الله تعالى لما ألهم مولانا البر ألهم المملوك الشكر فهو لا يزال يوسع في البر ويزيد والمملوك لا يزال يبدي في الشكر ويعيد ولكن شتان بين فاعل وقائل ومعط وقابل وواهب وسائل ورافد وحامد وشاكر وشاكد والمملوك يحمد الله تعالى إذ جعل يده الطولى وحظه الأعلى
رقعة وصل بر مولانا وقد أحالت الخلة من المملوك حاله وأمالت آماله (9/185)
فلأمت ما صدعه الدهر من مروته وجددت ما اخلقه من فروته فكف المملوك يديه عن امتحان الخلان وقبض لسانه عن شكاية الزمان وأقر ماء وجهه في قرارته وحفظ على جاهه لباس وجاهته فيا له من بر وقع من الفقر موقع القطر من القفر ولم يتقدمه من قدامة الوعد ما يتقدم القطر من جهامة الرعد وكل معروف وإن فاضت ينابيعه وطالت فروعه قاصر عن الأمل في كرمه واقع دون غايات هممه كما أن الشكر ولو واكب النجم وساكب السجم قاصر عن مكافأه تفضله ومجازاة تطوله والمملوك يسأل الله تعالى الذي جعله قدوة الكرام وحسنة الأيام ورب الإنعام وواحد الأنام أن يلهم المملوك من حمده بقدر ما أسبغه عليه من رفده
رقعة شكر عند المملوك لسيدي أياد وصلت سابقة هواديها وظلت لاحقة تواليها فصارت صدورها نسبا أعتزي إليه وأعجازها سببا أعول في الملمات عليه
رقعة لولا أن الله تعالى جعل الشكر ثمرة البر والحمد جزاء الرفد وأراد إقرارهما على أهلهما من الغابرين وأن يجعل لهم منا لسان صدق في الآخرين لكان الذي غمر به مولانا من الإنعام يتحدث عنه تحدث الرياح بآثار الغمام ويكفى المملوك بالإشارة مؤونة العبارة والمملوك وإن رام تأدية ما يلزمه من شكره قاصر عن غاية بره ولو استخدم ألسنة الأقلام واستغرق أمدي النثار والنظام ومولانا جدير بقبول اليسير الذي لا تمكن الزيادة عليه والصفح عن التقصير الذي تقود الضرورة إليه إن شاء الله تعالى
رقعة لو أن هذه العارفة بكر عوارفه وباكورة لطائفه لعجزت عن شكرها وقصرت عن نشرها فكيف وقد سبقها قرائن ونظائر وتقدمها أتراب وضرائر مما أثقل من المملوك كاهله وبسط به يدي أمله فما يعدم شيئا (9/186)
فيرجيه ولا يفقده فيرغب فيه والذي تربه من المملوك جوارحه وتحويه جوانحه علمه بأنه لا يجاري أياديه ولا يجازي مساعيه والله تعالى يخصه من الفضائل بمثل ما تبرع به من الفواضل
رقعة ومثل مولانا من ذوي الشرف والسودد من حسن محضره وطاب محبره وكرم غيبه ومشهده وصح على تغاير الأحوال عقده ووده وقد اتصل بالمملوك ما أعاره له مولانا من أوصافه وجرى فيه على عادة فضله وإنصافه فطفق لفضله شاكرا ولطوله ناشرا وأضاف ذلك إلى توالد إحسانه ونظمه في عقد امتنانه
رقعة قد طوق مولانا مملوكه من فضله طوقا كأطواق الحمائم لا ينزع وألبسه بردا من بره لا يخلع وأولاه من مزيده ما قصرت الهمة عن تمنيه ولم تهتد القريحة إليه فتستدعيه ولو وجد المملوك جزاء على عارفته وكفاء لمثوبته غير الموالاة الصريحة وعقد الضمائر على المودة الصحيحة واللهج بالشكر في السر والجهر لرمى من وراء عنايته ولا استبعد طول شقته ولكن المملوك عادم لما يقابل به يده الغراء عاجز عما يقضي به حق موهبته الزهراء ما لم يحسن كرمه أمره ويقبل منه على التقصير شكره ويضف ذلك إلى لطائفه وينظمه في سلك عوارفه إن شاء الله تعالى
رقعة وإجتهاد المملوك في نشر أياديه وشكرها كاجتهاد مولانا في كتمانها وسترها فكلما أبديتها بالثناء أخفاها أو نشرتها بالإشادة طواها وهيهات أن يخفى عرف كعرف المسك نشرا ومن كالروضة نورا والغزالة نورا ولو كان المملوك والعياذ بالله ستر هذا العرف بكفر واغتمصه مانعا لشكر لنم عليه حسنه نموم الصباح وتوقد توقد المصباح فكيف وللمملوك مقول لا يسامي يعجم سواد الليالي بالإحماد ويرقم صفحات النهار بالاعتداد (9/187)
الأجوبة عن رقاع الشكر
قال في مواد البيان إن كانت هذه الرقاع من المرؤوسين إلى الرؤساء فلا جواب لها وإن كانت من النظير فالواجب أن يستعمل في اجوبتها مندوب التناصف والتفاوض جواب عن فعل المعروف والشكر عليه من كلام المتأخرين
من ذلك من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو بعد الصدر
خلد الله على الممالك نعمه وعلى المماليك ديمه وحرم ببقائه ذم الزمان وأوجب ذممه ولا برح نحو المحامد ينادي يوم الكرم مفرده ويوم الهياج علمه تقبيلا يسحب في الفخار بروده المعلمة ويتذكر بالقرب فلا يزال الشوق ينتجه حيث كلا التذكار والعهد مقدمه
وينهي ورود المثال العالي بما ملأ القلب خيرا واليد برا والسمع بشارة والوجه بشرا حتى تنافست الأعضاء على تقبيله والجوارح على تأميله فاليد تسابق إلى مننه بالامتداد والقلب يسابق إلى كرم عهده بالاعتداد والوجه يقلب ناظره في سماء مواقع القلم والسمع ينعم بما تقص عليه المسار من اخبار جيرة العلم حتى كاد المملوك يمحو بالتقبيل أسطره ويشتغل بذلك عن استجلاء ما ذكره المنعم لا عدم المملوك في مصر والشام تكرره وفهم ما أشار مولانا إليه من الفضل الذي مولانا أهله وكرم العهد الذي لا ينكر من مثله وأين مثله وقابل المملوك جميع ذلك بجهده من الأدعية الصالحة وبسماحة الحمد المتفاوحة والاعتداد بنعمة مولانا التي لولا موالاتها كل وقت لقيل فيها ما أشبه الليلة بالبارحة وتضاعف نهوض المملوك على قدم الموالاة التي يستشهد في دعواها بشهادة الخاطر الشريف ويتقدم بها تقدما تحت لواء (9/188)
الولاء وتأتي بقية الأولياء في اللفيف والله تعالى يوزع المملوك شكر هذه النعم المتصل مددها والمنن التي لا يعدمها ولا يعدها ويطيل بقاء مولانا لحمد يجتليه ويجتنيه وشرف دنيا واخرى يهدم وفره وعمره ويبتنيه
النوع الثالث عشر العتاب
قال في مواد البيان المكاتبة بالمعاتبة على التحول عن المودة والاستخفاف بحقوق الخلة من المكاتبات التي يجب أن تستوفى شروطها وتكمل أقسامها لأن ترخيص الصديق لصديقه في المقاطعة والمصارمة دال على ضعف الاعتقاد واستحالة الوداد
من كلام المتقدمين
إنني ما أحدثت نبوة إلا بعد أن أحدثت جفوة ولا أبديت هجرا إلا بعد أن أبديت غدرا ولا لويت وجها عن الصلة إلا بعد أن ثنيت عطفا إلى القطيعة والأول منا جان والثاني حان والمتقدم مؤثر والمتأخر مضطر وكم بين فعل المختار والمكره والمبتدع والمتبع
آخر إن أمسكت يا سيدي عن عتابك مرخيا من عنانك كنت بين قطع لحبلك ورضا بفعلك أو اقتصرت فيه على التلويح به لم يغن ذاك مع كثرة جموحك وشدة جنوحك وما ارتكبته من رائك واستخرجته من جفائك
رقعة عتاب لمولانا لدى المملوك عوارف لا يهتدي إلى معرفتها فيوفيها كنه المراد وأياد لا يبلغ ما تستحقه من الإحماد ولو عضدته خطباء إياد أجلها في نفسه خطرا وأحسنها عليه أثرا ما يفرضه له من بره وإكرامه وتعهده واهتمامه وقد غير مولانا عادته ونقض شيمته وبدل المملوك من الانعطاف بالإعراض ومن الانبساط بالانقباض وحمله من ذلك ما أوهى قوى صبره وأظلم بصائر فكره فإن يكن ذلك لخطإ واقعه المملوك ساهيا وجرم اجترمه لاهيا فمثل مولانا لا يطالب إلا بالقصد ولا يعاقب إلا على العمد إذ كان (9/189)
المملوك لا يعصم من زلل ولا يسلم من خلل اللهم إلا أن يكون مولانا أراد من المملوك تقويمه وتأديبه وإصلاحه وتهذيبه ليحسن أثره في خدمته ويسلك السبيل الواضح في تباعته فلا أعدم الله المملوك تثقيفه ولا سلبه تبصيره وتعريفه وإن كان ذلك لشك عرض من المملوك في وداده وارتياب خامر في حسن اعتقاده فأعيذه بالله من القطع بالشبهات والعمل بمنغل السعايات ومولانا خليق بأن يطلع من أنس المملوك ما غرب وينبط من سروره ما نضب ويعيده لرضاه ويجريه على ما أحمده منه وأرضاه
رقعة ليس المملوك يرفع مولانا في إعراضه إلا إلى فضله ولا يحاكمه على انقباضه إلا إلى عدله ولا يستعين إلا بما يستمليه من آدابه ولا يناظره إلا بما أخذه عنه من محافظته وإيجابه إذ كان المملوك مذ وصلته السعادة بحباله ناسجا على منواله متقبلا شرائف خلاله وما عهدته عمر الله معاهده وكبت حاسده يغضب تقليدا قبل الاختبار ويحوج البريء إلى موقف الاعتذار ولا سيما إذا كان المظنون به عالما بشروط الكرم عارفا بمواقع النعم لا ينسخ الشكر بالكفر ولا يتعوض عن الحمد بالجحد وقد عرف مولانا ثناء المملوك على تفضاله ووقف على بلائه لأعماله وهو وفي برب عوارفه وصنائعه وتثمير ما رهن لديه من ودائعه وتنزيه سمعه عن الإصغاء إلى ما يختلقه حاسد ويصوغه كائد وقد حكم المملوك على نفسه نقده الذي لا يبهرج عليه ولا يدلس وكشفه الذي لا يغطى عليه ولا يلبس فليحك أفعال المملوك على محك بصيرته وليجل في تأمل مقاصده طرف فكرته فإنه ممن لا تحيله الأحوال ولا تحوله ولا تغيره الغير ولا تبدله إن شاء الله تعالى (9/190)