بذلك لأن سقي المشروب اخر عمله الذي يختم به وظيفته
الثالث المشرف
وهو الذي يتولى أمر المطبخ ويقف على مشارفة الأطبخة في خدمة إستادار الصحبة الآتي ذكره ومعناه ظاهر
الضرب الثاني ما لفظه عجمي وهو لقب واحد
وهو الأوجاقي وهو لقب على الذي يتولى ركوب الخيول للتسيير والرياضة ولم أقف على معناه
الصنف الثاني المركبة وهي ثلاثة أضرب
الضرب الأول ما تمحض تركيبه من اللفظ العربي وفيه سبعة ألقاب
الأول ملك الأمراء
وهو من الألقاب التي اصطلح عليها لكفال الممالك من نواب السلطنة كأكابر النواب بالممالك الشامية ومن في معناهم
وذلك أنه قام فيهم مقام الملك في التصرف والتنفيذ والأمراء في خدمته كخدمة السلطان
وأكثر ما يخاطب به النواب في المكاتبات وذلك مختص بغير المخاطبات السلطانية أما السلطان فلا يخاطب عنه أحد منهم بذلك
الثاني رأس نوبة
وهو لقب على الذي يتحدث على مماليك السلطان أو الأمير وتنفيذ أمره فيهم ويجمع على رؤوس نوب
والمراد بالرأس هنا الأعلى (5/427)
أخذا من رأس الإنسان لأنه أعلاه
والنوبة واحدة النوب وهي المرة بعد الأخرى والعامة تقول لأعلاهم في خدمة السلطان رأس نوبة النوب وهو خطأ لأن المقصود علو صاحب النوبة لا النوبة نفسها والصواب فيه أن يقال رأس رؤوس النوب أي أعلاهم
الثالث أمير مجلس وهو لقب على من يتولى أمر مجلس السلطان أو الأمير في الترتيب وغيره ويجمع على أمراء ومعناه ظاهر والأحسن فيه أن يقال أمير المجلس بتعريف المضاف إليه وتكون الألف واللام فيه للعهد الذهني إما مجلس السلطان أو غيره
الرابع أمير سلاح
وهو لقب على الذي يتولى أمر سلاح السلطان أو الأمير
ويجمع على أمراء سلاح والسلاح الة القتال
قال الجوهري وهو مذكر ويجوز تأنيثه
الخامس مقدم المماليك
وهو لقب على الذي يتولى أمر المماليك للسلطان أو الأمير من الخدام الخصيان المعروفين الان بالطواشية
ومقامه فيهم نحو مقام رأس النوبة ولفظ المقدم والمماليك معروف
السادس أمير علم
وهو لقب على الذي يتولى أمر الأعلام السلطانية والطبلخاناه وما يجري مجرى ذلك
والعلم في اللغة يطلق بإزاء معان أحدها الراية وهو المراد هنا
السابع نقيب الجيش
وهو الذي يتكفل بإحضار من يطلبه السلطان من الأمراء وأجناد الحلقة ونحوهم والنقيب في اللغة العريف الذي هو ضمين القوم وفي التنزيل حكاية عن بني إسرائيل ( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) ويقال (5/428)
نقب على قومه ينقب نقبا مثل كتب يكتب كتبا
والجيش العسكر ويجمع على جيوش
أما بالممالك الشامية فإنه يقال في مثله نقيب النقباء
الضرب الثاني ما تمحض تركيبه من اللفظ العجمي
وقاعدة اللغات العجمية تقديم المضاف إليه على المضاف والصفة على الموصوف بخلاف اللغة العربية
ولهذا الضرب حالتان
الحالة الأولى أن تكون الإضافة إلى لفظ دار
وهي لفظة فارسية معناها ممسك فاعل من الإمساك
وكثير من كتاب الزمان أو أكثرهم بل كلهم يظنون أن لفظ دار في ذلك عربي بمعنى المحلة كدار السلطان أو الأمير ونحو ذلك وهو خطأ كما سيأتي بيانه في الكلام على إستدار وخزندار وغيرهما
والمضاف إلى لفظ دار من وظائف أرباب السيوف تسعة ألقاب
الأول الإستدار
بكسر الهمزة وهو لقب على الذي يتولى قبض مال السلطان أو الأمير وصرفه وتمتثل أوامره فيه
وهو مركب من لفظتين فارسيتين إحداهما إستذ بهمزة مكسورة وسين مهملة ساكنة بعدها تاء مثناة من فوق ثم ذال معجمة ساكنة ومعناها الأخذ
والثانية دار ومعناها الممسك كما تقدم فأدغمت الذال الأولى وهي المعجمة في الثانية وهي المهملة فصار إستدار والمعنى المتولي للأخذ سمي بذلك لما تقدم من أنه يتولى قبض المال
ويقال فيه أيضا ستدار بإسقاط الألف من أوله وكسر السين والمتشدقون من الكتاب (5/429)
يضمون الهمزة في أوله ويلحقون فيه ألفا بعد التاء فيقولون أستادار وربما قالوا أستاذ الدار بإدخال الألف واللام على لفظ الدار ظنا منهم أن المراد حقيقة الدار في اللفظ العربي وأن أستاذ بمعنى السيد أو الكبير ولذلك يقولون أستادار العالية او أستاذ الدار العالية وهو خطأ صريح لما تقدم بيانه
على أن العامة تنطق به على الصواب من كسر الهمزة وحذف الألف بعد التاء
ثم قد يزاد في هذا اللقب لفظ الصحبة فيصير إستدار الصحبة ويكون لقبا على متولي أمر المطبخ وكأنه لقب بذلك لملازمته الباب سفرا وحضرا
الثاني الجوكاندار
وهو لقب على الذي يحمل الجوكان مع السلطان في لعب الكرة ويجمع على جوكان دارية وهو مركب من لفظتين فارسيتين أيضا إحداهما جوكان وهو المحجن الذي تضرب به الكرة ويعبر عنه بالصولجان أيضا والثانية دار ومعناه ممسك كما تقدم
فيكون المعنى ممسك الجوكان والعامة تقول جكندار بحذف الواو بعد الجيم والألف بعد الكاف
الثالث الطبردار
وهو الذي يحمل الطبر حول السلطان عند ركوبه في المواكب وغيرها
وهو مركب من لفظين فارسيين أحدهما طبر ومعناه الفأس ولذلك يقولون في السكر الصلب الشديد الصلابة طبرزذ بمعنى يكسر بالفأس
والثاني دار معناه ممسك كما تقدم فيكون المعنى ممسك الطبر
الرابع السنجقدار
وهو الذي يحمل السنجق خلف السلطان
وهو مركب من لفظين أحدهما تركي وهو سنجق ومعناه الرمح وهو في لغتهم مصدر طعن فعبر به عن الرمح الذي يطعن به
والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم ويكون المعنى ممسك السنجق وهو الرمح
والمراد هنا العلم الذي هو الراية كما تقدم إلا أنه لما كانت الراية إنما تجعل في أعلى الرمح عبر بالرمح نفسه عنها (5/430)
الخامس البندقدار
وهو الذي يحمل جراوة البندق خلف السلطان أو الأمير
وهو مركب من لفظتين فارسيتين إحداهما بندق وإن كان الجوهري قد أطلق ذكره في الصحاح من غير تعرض لأنه معرب فقال والبندق الذي يرمى به
ثم هو منقول عن البندق الذي يؤكل وهو الجلوز بكسر الجيم والزاي المعجمة في اخره
فقد قال أبو حنيفة في كتاب النبات الجلوز عربي وهو البندق والبندق فارسي
اللفظة الثانية دار ومعناها ممسك كما تقدم ويكون المعنى ممسك البندق
السادس الجمدار
وهو الذي يتصدى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه
وأصله جاما دار فحذفت الألف بعد الجيم وبعد الميم استثقالا وقيل جمدار
وهو في الأصل مركب من لفظين فارسيين أحدهما جاما ومعناها الثوب
والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم فيكون المعنى ممسك الثوب
السابع البشمقدار
وهو الذي يحمل نعل السلطان أو الأمير وهو مركب من لفظين أحدهما من اللغة التركية وهو بشمق ومعناه النعل
والثاني من اللغة الفارسية وهو دار ومعناه ممسك على ما تقدم
ويكون المعنى ممسك النعل
على أن صاحب الأنوار الضوية في إظهار غلط الدرة المضية في اللغة التركية قد ذكر أن الصواب في النعل بصمق بالصاد المهملة بدل الشين المعجمة وحينئذ فيكون صوابه على ما ذكر بصمقدار
والمعروف في ألسنة الترك بالديار المصرية ما تقدم
الثامن المهمندار
وهو الذي يتصدى لتلقي الرسل والعربان الواردين على (5/431)
السلطان وينزلهم دار الضيافة ويتحدث في القيام بأمرهم
وهو مركب من لفظين فارسيين أحدهما مهمن بفتح الميمين ومعناه الضيف والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم ويكون معناه ممسك الضيف والمراد المتصدي لأمره
التاسع الزنان دار المعبر عنه بالزمام دار
وهو لقب على الذي يتحدث على باب ستارة السلطان أو الأمير من الخدام الخصيان
وهو مركب من لفظين فارسيين أحدهما زنان بفتح الزاي ونونين بينهما ألف ومعناه النساء
والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم فيكون معناه ممسك النساء بمعنى أنه الموكل بحفظ الحريم إلا أن العامة والخاصة قد قلبوا النونين فيه بميمين فعبروا عنه بالزمام دار كما تقدم ظنا أن الدار على معناها العربي والزمام بمعنى القائد أخذا من زمام البعير الذي يقاد به
الحالة الثانية أن تكون الإضافة إلى غير لفظ دار وفيها لقبان
الأول الجاشنكير
وهو الذي يتصدى لذوقان المأكول والمشروب قبل السلطان أو الأمير خوفا من أن يدس عليه فيه سم ونحوه
وهو مركب من لفظين فارسيين أحدهما جاشنا بجيم في أوله قريبة في اللفظ من الشين ومعناه الذوق ولذلك يقولون في الذي يذوق الطعام والشراب الشيشني
والثاني كير وهو بمعنى المتعاطي لذلك ويكون المعنى الذي يذوق
الثاني السراخور
وهو الذي يتحدث على علف الدواب من الخيل وغيرها
وهو مركب من لفظين فارسيين أحدهما سرا ومعناه الكبير
والثاني خور ومعناه العلف ويكون المعنى كبير العلف والمراد كبير الجماعة الذين يتولون (5/432)
علف الدواب
والعامة يقولون سراخوري بإثبات ياء النسب في اخره ولا وجه له
ومتشدقو الكتاب يبدلون الراء فيه لاما فيقولون سلاخوري وهو خطأ
الضرب الثالث ما تركب من لفظ عربي ولفظ عجمي وله حالتان
الحالة الأولى أن يصدر بلفظ أمير وهو لفظ عربي كما تقدم في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف وفيها أربعة ألقاب
الأول أميراخور
وهو الذي يتحدث على إصطبل السلطان أو الأمير ويتولى أمر ما فيه من الخيل والإبل وغيرهما مما هو داخل في حكم الإصطبلات وهو مركب من لفظين أحدهما عربي وهو أمير والثاني فارسي وهو اخور بهمزة مفتوحة ممدودة بعدها خاء معجمة ثم واو وراء مهملة ومعناه المعلف والمعنى أمير المعلف لأنه المتولي لأمر الدواب على ما تقدم وأهم أمورها المعلف
الثاني أمير جاندار
وهو لقب على الذي يستأذن على ألأمراء وغيرهم في أيام المواكب عند الجلوس بدار العدل
وهو مركب من ثلاثة ألفاظ أحدها عربي وهو أمير وقد تقدم معناه
والثاني جان بجيم وألف ونون ومعناه الروح بالفارسية والتركية جميعا
والثالث دار ومعناه ممسك كما تقدم فيكون المعنى الأمير الممسك للروح ولم يظهر لي وجه ذلك إلا أن يكون المراد أنه الحافظ لدم السلطان فلا يأذن عليه إلا لمن يأمن عاقبته
الثالث أميرشكار
وهو لقب على الذي يتحدث على الجوارح من الطيور (5/433)
وغيرها وسائر أمور الصيد
وهو مركب من لفظين أحدهما عربي وهو أمير والثاني فارسي وهو شكار بكسر الشين المعجمة وكاف وألف ثم راء مهملة في الاخر ومعناه الصيد فيكون المراد أمير الصيد
الرابع أميرطبر
وهو لقب على الذي يتحدث على الطبردارية الذين يحملون الأطبار حول السلطان في المواكب ونحوها
وهو مركب من لفظين أحدهما عربي وهو أمير والثاني طبر وهو بالفارسية الفأس كما تقدم في الكلام على الطبردار
الحالة الثانية أن لا يصدر اللقب بلفظ أمير وفيها خمسة ألقاب
الأول الدوادار
وهو لقب على الذي يحمل دواة السلطان او الأمير أو غيرهما ويتولى أمرها مع ما ينضم إلى ذلك من الأمور اللازمة لهذا المعنى من حكم وتنفيذ أمور وغير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال
وهو مركب من لفظين أحدهما عربي وهو الدواة والمراد التي يكتب منها
والثاني فارسي وهو دار ومعناه ممسك كما تقدم
ويكون المعنى ممسك الدواة وحذفت الهاء من اخر الدواة استثقالا
أما في اللغة العربية فإنه يقال لحامل الدواة داو على وزن قاض فتثبت الياء فيه مع الألف واللام فتقول جاء الداوي ورأيت الداوي ومررت بالداوي ويجوز حذفها كما في سائر الأسماء المنقوصة
الثاني السلاح دار
وهو لقب على الذي يحمل سلاح السلطان أو الأمير ويتولى أمر السلاح خاناه وما هو من توابع ذلك
وهو مركب من لفظين أحدهما عربي وهو السلاح وقد تقدم معناه في الكلام على أمير سلاح
والثاني فارسي وهو دار ومعناه ممسك كما تقدم ويكون المعنى ممسك السلاح (5/434)
الثالث الخزندار بكسر الخاء وفتح الزاي المعجمتين
وهو لقب على الذي يتحدث على خزانة السلطان أو الأمير أو غيرهما
وهو مركب من لفظين أحدهما عربي وهو خزانة وهي ما يخزن فيه المال
والثاني فارسي وهو دار ومعناه ممسك كما تقدم فحذفت الألف والهاء من خزانة استثقالا فصار خزندار ويكون المعنى ممسك الخزانة والمراد المتولي لأمرها ومتشدقو الكتاب يسقطون الألف والهاء من خزانة على ما تقدم ويلحقون بعد الخاء ألفا فينقلون لفظ خزانة إلى خازن فاعل من الخزن ويضيفونه إلى دار ظنا منهم أن الدار على معناها العربي كما تقدم في الإستدار والزنان دار وهو خطأ كما تقدم بيانه هناك
على أن العامة تنطق بحروفه على الصواب إلا أنهم يكسرون الزاي بعد الخاء والصواب فتحها
الرابع العلم دار
وهو لقب على الذي يحمل العلم مع السلطان في المواكب
وهو مركب من لفظين أحدهما عربي وهو العلم وقد تقدم أن معناه الراية
والثاني فارسي وهو دار ومعناه ممسك كما تقدم ويكون المعنى ممسك العلم
الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام وهي على خمسة أضرب
الضرب الأول ألقاب أرباب الوظائف من العلماء وفيه خمسة ألقاب
الأول الخطيب
وهو الذي يخطب الناس ويذكرهم في الجمع والأعياد (5/435)
ونحوهما
وقد كان ذلك في الزمن المتقدم مختصا بالخلفاء والأمراء بالنواحي على ما تقدم في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية
الثاني المقريء
وهو الذي يقريء القران العظيم وقد غلب اختصاصه في العرف على مشايخ القراءة من قراء السبعة المجيدين المتصدين لتعليم علم القراءة
الثالث المحدث
والمراد به من يتعاطى علم حديث النبي بطريق الرواية والدراية والعلم بأسماء الرجال وطرق الأحاديث والمعرفة بالأسانيد ونحو ذلك
الرابع المدرس
وهو الذي يتصدى لتدريس العلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه والنحو والتصريف ونحو ذلك
وهو مأخوذ من درست الكتاب دراسة إذا كررته للحفظ
الخامس المعيد
وهو ثاني رتبة المدرس فيما تقدم وأصل موضوعه أنه إذا ألقى المدرس الدرس وانصرف أعاد للطلبة ما ألقاه المدرس إليهم ليفهموه ويحسنوه
الضرب الثاني ألقاب الكتاب وهي نمطان
النمط الأول ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الإنشاء وفيه ثلاثة ألقاب
الأول كاتب السر
وهو صاحب ديوان الإنشاء وقد تقدم الكلام عليه مستوفى عند الكلام على الكتابة والكتاب في مقدمة الكتاب
الثاني كاتب الدست
وهو الذي يجلس مع كاتب السر بدار العدل أمام السلطان أو النائب بمملكة من الممالك ويوقع على القصص
وهم جماعة وقد تقدم الكلام عليهم في المقدمة أيضا (5/436)
الثالث كاتب الدرج
وهو الذي يكتب المكاتبات والولايات وغيرها في الغالب وربما شاركه في ذلك كتاب الدست ويعبر الان عنه بالموقع وقد تقدم الكلام عليه هناك أيضا
الضرب الثالث ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الأموال ونحوها وفيه تسعة ألقاب
الأول الوزير إذا كان من أرباب الأقلام وقد تقدم الكلام عليه في ألقاب أرباب السيوف في الصنف الأول
الثاني الناظر
وهو من ينظر في الأموال وينفذ تصرفاتها ويرفع إليه حسابها لينظر فيه ويتأمله فيمضي ما يمضي ويرد ما يرد
وهو مأخوذ إما من النظر الذي هو رأي العين لأنه يدير نظره في أمور ما ينظر فيه وإما من النظر الذي هو بمعنى الفكر لأنه يفكر فيما فيه المصلحة من ذلك
ثم هو يختلف باختلاف ما يضاف إليه ك ناظر الجيش وهو الذي يتحدث في أمر الجيوش وضبطها
أو ناظر الخاص وهو الذي ينظر في خاص أموال السلطان
أو ناظر الدواوين وهو الذي يعبر عنه بناظر الدولة ويشارك الوزير في التصرف
أو ناظر النظار بدمشق وهو الذي يقوم بها مقام الوزير بالديار المصرية
أو ناظر المملكة بحلب أو طرابلس أو حماة ونحوها
أو ناظر أوقاف أو جهات بر وما يجري مجرى ذلك
الثالث صاحب الديوان
وكانوا في الزمن الأول يعبرون عنه بمتولي الديوان وهو ثاني رتبة الناظر في المراجعة
وله أمور تخصه كترتيب الدرج ونحو ذلك
الرابع الشاهد
وهو الذي يشهد بمتعلقات الديوان نفيا وإثباتا
الخامس المستوفي
وهو الذي يضبط الديوان وينبه على ما فيه مصلحته (5/437)
من استخرج أمواله ونحو ذلك
ولعظم موقعه أشار إليه الحريري في مقاماته بقوله منهم المستوفي الذي هو قطب الديوان إلى اخره
ثم في بعض المباشرات قد ينقسم إلى مستوفي أصل ومستوفي مباشرة ولكل منهما أعمال تخصه
السادس العامل
وهو الذي ينظم الحسبانات ويكتبها
وقد كان هذا اللقب في الأصل إنما يقع على الأمير المتولي العمل ثم نقله العرف إلى هذا الكاتب وخصه به دون غيره
السابع الماسح
وهو الذي يتصدى لقياس أرض الزراعة وهو فاعل من مسح الأرض يمسحها مساحة إذا ذرعها
الثامن المعين
وهو الذي يتصدى للكتابة إعانة لأحد من المباشرين المذكورين ومعناه واشتقاقه ظاهر
التاسع الصيرفي
وهو الذي يتولى قبض الأموال وصرفها
وهو مأخوذ من الصرف وهو صرف الذهب والفضة في الميزان
وكان يقال له فيما تقدم الجهبذ
الضرب الرابع ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصناعات وفيه خمسة ألقاب
الأول مهندس العمائر
وهو الذي يتولى ترتيب العمائر وتقديرها ويحكم على أرباب صناعاتها
والهندسة علم معروف فيه كتب مفردة بالتصنيف
الثاني رئيس الأطباء
وهو الذي يحكم على طائفة الأطباء ويأذن لهم في (5/438)
التطبيب ونحو ذلك
وسيأتي الكلام على ضبط ذلك ومعناه في الكلام على الرئيس في الألقاب المفردة في حرف الراء فيما بعد إن شاء الله تعالى
الثالث رئيس الكحالين
وحكمه في الكلام على طائفة الكحالين حكم رئيس الأطباء في طائفة الأطباء
الرابع رئيس الجرائحية
وحكمه في الكلام على طائفة الجرائحية والمجبرين كالرئيسين المتقدمين
الخامس رئيس الحراقة
وهو الذي يحكم على رجال الحراقة السلطانية ويتولى أمرها
وكان في الزمن المتقدم يقال له رئيس الخلافة جريا على ما كان الأمر عليه في الخلافة الفاطمية بالديار المصرية
الضرب الخامس ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم وهم طائفتان
الطائفة الأولى الأعوان وهم نمطان
النمط الأول ما تمحضت ألفاظه عربية وفيه ثلاثة ألقاب
الأول مقدم الدولة
وهو الذي يتحدث على الأعوان والمتصرفين لخدمة الوزير
والمراد المقدم على الدولة والدولة لفظ قد خصه العرف بمتعلقات الوزارة
كما يقال لناظر الدواوين ناظر الدولة على ما تقدم ذكره
الثاني مقدم الخاص
وهو المتحدث على الأعوان والمتصرفين بديوان (5/439)
الخاص المختص بالسلطان كمقدم الدولة بالنسبة إلى أعوان الوزارة
الثالث مقدم التركمان ويكون بالبلاد الشامية والحلبية متحدثا على طوائف التركمان الذين يقدم عليهم
النمط الثاني ما تمحض لفظه عجميا وفيه لقب واحد
وهو البرددار
وهو الذي يكون في خدمة مباشري الديوان في الجملة متحدثا على أعوانه والمتصرفين فيه كما في مقدم الدولة والخاص المقدم ذكرهما
وأصله فردادار بفاء في أوله وهو مركب من لفظين فارسيين أحدهما فردا ومعناه الستارة
والثاني دار ومعناه ممسك والمراد ممسك الستارة وكأنه في أول الوضع كان يقف بباب الستارة ثم نقل إلى الديوان
الطائفة الثانية أرباب الخدم وهم نمطان
النمط الأول ما يضاف إلى لفظ الدار كما تقدم في أرباب السيوف وهي سبعة ألقاب
الأول الشربدار
وهو لقب على الذي يتصدى للخدمة بالشراب خاناه التي هي أحد البيوت
وهو مركب من لفظين أحدهما شراب وهو ما يشرب من ماء وغيره فحذفوا الألف فيه استثقالا
والثاني دار ومعناه ممسك على ما تقدم والمعنى ممسك الشراب
الثاني الطست دار
وهو لقب على بعض رجال الطشت خاناه
وهو مركب (5/440)
من لفظين أحدهما طست بفتح الطاء وإسكان السين المهملة في اللغة العربية وهو الذي يغسل فيه ويجمع على طسوس بسينين من غير تاء ويقال فيه أيضا طس بإسقاط التاء إلا أن العامة أبدلوا السين المهملة بشين معجمة
والثاني دار ومعناه ممسك على ما تقدم فيكون معناه ممسك الطست
الثالث البازدار
وهو الذي يحمل الطيور الجوارح المعدة للصيد على يده
وخص بإضافته إلى الباز الذي هو أحد أنواع الجوارح دون غيره لأنه هو المتعارف بين الملوك في الزمن القديم على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
الرابع الحوندار
وهو الذي يتصدى لخدمة طيور الصيد من الكراكي والبلشونات ونحوها ويحملها إلى موضع تعليم الجوارح
وأصله حيوان دار أطلق الحيوان في عرفهم على هذا النوع من الطيور كما أطلق على من يتعانى معامل الفروج الحيواني
الخامس المرقدار
وهو الذي يتصدى لخدمة ما يحوز المطبخ وحفظه
سمي بذلك لكثرة معاطاته لمرق الطعام عند رفع الخوان ونحو ذلك
السادس المحفدار بكسر الميم
وهو الذي يتصدى لخدمة المحفة
وهو مركب من لفظين
أحدهما محفة فحذفت التاء منها استثقالا والثاني دار ومعناه ممسك على ما تقدم فيكون بمعنى ممسك المحفة
النمط الثاني ما لا يتقيد بالإضافة إلى دار ولا غيرها وفيه خمسة ألقاب
الأول المهتار
وهو لقب واقع على كبير كل طائفة من غلمان البيوت كمهتار الشراب خاناه ومهتار الطست خاناه ومهتار الركاب خاناه
ومه بكسر الميم معناه بالفارسية الكبير وتار بمعنى أفعل التفضيل فيكون معنى المهتار الأكبر (5/441)
الثاني البابا
وهو لقب لجميع رجال الطست خاناه ممن يتعاطى الغسل والصقل وغير ذلك
وهو لفظ رومي ومعناه أبو الاباء على ما سيأتي بيانه في لقب الباب في الكلام على ألقاب أهل الكفر
وكأنه لقب بذلك لأنه لما تعاطى ما فيه ترفيه مخدومه من تنظيف قماشه وتحسين هيئته أشبه الأب الشفيق فلقب بذلك
الثالث الرختوان
وهو لقب لبعض رجال الطست خاناه يتعاطى القماش
والرخت بالفارسية اسم للقماش والواو والألف والنون بمعنى ياء النسب ومعناه المتولي لأمر القماش
الرابع الخوان سلار
وهو لقب مختص بكبير رجال المطبخ السلطاني القائم مقام المهتار في غير المطبخ من البيوت
وهو مركب من لفظين أحدهما خوان وهو الذي يؤكل عليه
قال الجوهري وهو معرب
والثاني سلار وهي فارسية ومعناها المقدم وكأنه يقول مقدم الخوان
والعامة تقول إخوان سلار بألف في أوله وهو لحن
الخامس المهمرد
وهو الذي يتصدى لحفظ قماش الجمال أو قماش الإصطبل والسقائين ونحو ذلك
ومعناه باللغة الفارسية الرجل الكبير فمه اسم للكبير ومرد اسم للرجل
السادس الغلام
وهو الذي يتصدى لخدمة الخيل ويجمع على غلمان وغلمة بكسر الغين وسكون اللام
وهو في أصل اللغة مخصوص بالصبي الصغير والمملوك ثم غلب على هذا النوع من أرباب الخدم وكأنهم سموه بذلك لصغره في النفوس
وربما أطلق على غيره من رجال الطست خاناه ونحوهم (5/442)
القسم الثاني من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر والمشهور منهم طائفتان
الطائفة الأولى النصارى والمشهور من ألقاب أرباب وظائفهم ثمانية ألقاب
الأول الباب بباءين موحدتين مفخمتين في اللفظ
وهو لقب على القائم بأمور دين النصارى الملكانية بمدينة رومية
وما ذكره في التثقيف من أنه عندهم بمثابة القان عند التتار فخطأ ظاهر لأن الباب قائم في النصارى مقام الخليفة بل به عندهم يناط التحليل والتحريم وإليه مرجعهم في أمر دياناتهم بخلاف القان فإن أمره قاصر على أمر الملك وأصله البابا بزيادة ألف في اخره والكتاب يثبتونها في بعض المواضع ويحذفونها في بعض وربما قيل فيه البابه بابدال الألف هاء
وهي لفظة رومية معناها أبو الاباء
وأول ما وضع هذا اللقب عندهم على بطرك الإسكندرية الاتي ذكره فيما بعد وذلك أن صاحب كل وظيفة من وظائفهم الاتي ذكرها كان يخاطب من فوقه منهم بالأب فالتبس ذلك عليهم فاخترعوا لبطرك الإسكندرية البابا دفعا للاشتراك في اسم الباب وجعلوه أبا للكل ثم رأوا أن بطرك رومية أحق بهذا اللقب لأنه صاحب كرسي بطرس كبير الحواريين ورسول المسيح عليه السلام إلى رومية وبطرك الإسكندرية صاحب كرسي مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواري المقدم ذكره فنقلوا اسم البابا إلى بطرك رومية وأبقوا اسم البطرك على بطرك الإسكندرية
الثاني البطرك بباء موحدة مفتوحة ثم طاء مهملة ساكنة وبعدها راء مهملة مفتوحة ثم كاف في الاخر
وهو لقب على القائم بأمور دين النصرانية
وكراسي البطاركة عندهم أربعة كرسي برومية وهو مقر الباب المقدم ذكره وكرسي بأنطاكية من بلاد العواصم وكرسي بالقدس وكرسي بالإسكندرية وقد (5/443)
غلب الان بالديار المصرية على رئيس النصارى اليعقوبية بالديار المصرية وهو المعبر عنه في الزمن القديم ببطرك الإسكندرية ومقره الان بالكنيسة المعلقة بالفسطاط على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
وأصله البطريرك بزيادة ياء مثناة تحت مفتوحة بعدها راء ساكنة وهو لفظ رومي معناه ورأيت في ترسل العلاء بن موصلايا كاتب القائم بأمر الله العباسي في تقليد أنشأه الفطرك بإبدال الباء الموحدة فاء
وقد تقدم أن هذا البطرك هو الذي كان يدعى أولا بالبابا ثم نقل ذلك إلى بابا رومية على أن بطرك الإسكندرية لم يكن في الزمن المتقدم مختصا ببطرك اليعقوبية بل كان تارة يكون يعقوبيا وتارة يكون ملكانيا وإنما حدث اختصاصه باليعقوبية في الدولة الإسلامية على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى
الثالث الأسقف بضم الهمزة والقاف
وهو عندهم عبارة عن نائب البطرك
الرابع المطران بكسر الميم
وهو عبارة عن القاضي الذي يفصل الخصومات بينهم
الخامس القسيس بكسر القاف
وهو القاريء الذي يقرأ عليهم الإنجيل والمزامير وغيرها
السادس الجاتليق بجيم بعدها ألف ثم تاء مثناة فوق ولام ثم ياء مثناة تحت وقاف في الاخر
وهو عندهم عبارة عن صاحب الصلاة (5/444)
السابع الشماس بشين معجمة في الأول وسين مهملة في الاخر وميم مشددة
وهو عبارة عندهم عن قيم الكنيسة
الثامن الراهب
وهو عبارة عن الذي حبس نفسه على العبادة في الخلوة
الطائفة الثانية اليهود والمشهور من ألقاب أرباب وظائفهم ثلاثة ألقاب
الأول الرئيس
وهو القائم فيهم مقام البطرك في النصارى وقد تقدم الكلام على لفظ الرئيس وأنه يقال بالهمز وبتشديد الياء
الثاني الحزان بحاء مهملة وزاي معجمة مشددة وبعد الألف نون
وهو فيهم بمثابة الخطيب يصعد المنبر ويعظهم
الثالث الشليحصبور بكسر الشين المعجمة واللام وفتح الياء المثناة تحت وبعدها حاء مهملة ساكنة ثم صاد مهملة مفتوحة وباء موحدة مشددة مضمومة بعدها راء مهملة
وهو الإمام الذي يصلي بهم
الجملة الثانية في ذكر الألقاب المرتبة على الأصول العظام من ألقاب أرباب الوظائف المتقدمة وهي نوعان
النوع الأول ألقاب الخلفاء المرتبة على لقب الخليفة وهي صنفان
الصنف الأول ما جرى منها مجرى العموم وهو لقبان
الأول أمير المؤمنين
وهو لقب عام للخلفاء
وأول من لقب به منهم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في أثناء خلافته وكانوا قبل ذلك يدعون أبا بكر الصديق رضي الله عنه بخليفة رسول الله ثم دعوا عمر بعده لابتداء خلافته بخليفة خليفة رسول الله (5/445)
واختلف في أصل تلقيبه بأمير المؤمنين فروى أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب بسنده إلى أبي وبرة أن أصل تلقيبه بذلك أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجلدان في الشراب أربعين قال فبعثني خالد إلى عمر في خلافته أسأله عن الجلد في الشراب فجئته فقلت يا أمير المؤمنين إن خالدا بعثني إليك قال فيم قلت إن الناس قد تخافوا العقوبة وانهمكوا في الخمر فما ترى في ذلك فقال عمر لمن حوله ما ترون في ذلك فقال علي نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة فقبل ذلك عمر فكان أبو وبرة ثم علي بن أبي طالب أول من لقبه بذلك
وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن أصل ذلك أن عمر رضي الله عنه بعث إلى عامله بالعراق أن يرسل إليه رجلين عارفين بأمور العراق يسألهما عما يريد فأنفذ إليه لبيد بن ربيعة وعدي بن هشام فلما وصلا المدينة دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص فقالا له استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال لهما عمرو أنتما أصبتما اسمه ثم دخل على عمر فقال السلام على أمير المؤمنين فقال ما بدا لك يا ابن العاص لتخرجن من هذا القول فقص عليه القصة فأقره على ذلك فكان ذلك أول تلقيبه بأمير المؤمنين ثم استقر ذلك لقبا على كل من ولي الخلافة بعده أو ادعاها خلا خلفاء بني أمية بالأندلس فإنهم كانوا يخاطبون بالإمارة فقط إلى أن ولي منهم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن وهو الثالث عشر من خلفائهم إلى زماننا
الثاني عبد الله ووليه
وهو لقب عام للخلفاء أيضا إذ يكتب في نعت الخليفة في المكاتبات ونحوها من عبد الله ووليه أبي فلان فلان أمير المؤمنين (5/446)
فأما عبد الله فأول من تلقب به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا فكان يكتب في مكاتباته من عبد الله عمر ولزم ذلك من بعده من الخلفاء حتى إن المأمون كان اسمه عبد الله فكان يكتب من عبد الله عبد الله بن هارون مكررا لعبد الله على الاسم الخاص واللقب العام وأما إردافها بقوله ووليه فأحدث بعد ذلك
الصنف الثاني ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة
والمتلقبون بألقاب الخلافة خمس طوائف
الطائفة الأولى خلفاء بني العباس
قد تقدم في الجملة الثانية من الطرف الأول من هذا الفصل في الكلام على أصل وضع الألقاب والنعوت أن خلفاء بني أمية لم يتلقب أحد منهم بألقاب الخلافة وأن ذلك ابتديء بابتداء الدولة العباسية فتلقب إبراهيم بن محمد حين أخذت له البيعة ب الإمام وأن الخلف وقع في لقب السفاح فقيل القائم وقيل المهتدي وقيل المرتضي ثم تلقب أخوه بعده ب المنصور واستقرت الألقاب جارية على خلفائهم كذلك إلى أن ولي الخلافة أبو إسحاق إبراهيم بن الرشيد بعد أخيه المأمون فتلقب ب المعتصم بالله فكان أول من أضيف في لقبه من الخلفاء اسم الله
وجرى الأمر على ذلك فيمن بعده من الخلفاء ك الواثق بالله والمتوكل على الله والطائع لله والقائم بأمر الله والناصر لدين الله وما أشبه ذلك من الألقاب المتقدمة في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية
وكان من عادتهم أنه لا يتلقب خليفة بلقب خليفة قبله إلى أن صارت الخلافة إلى الديار المصرية فترادفوا على الألقاب السابقة واستعملوا ألقاب من سلف من الخلفاء على ما تقدمت الإشارة إليه في الكلام على ترتيب الخلفاء إلى أن تلقب (5/447)
أمير المؤمنين محمد بن ابي بكر خليفة العصر ب المتوكل على الله وهو من أوائل ألقاب الخلافة العباسية
الطائفة الثانية خلفاء بني أمية بالأندلس حين غلب بنو العباس على الأمر بالعراق وانتزعوا الخلافة منهم
وأول من ولي الخلافة منهم بالأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان المعروف بالداخل لدخوله الأندلس في سنة تسع وثلاثين ومائة على ما سيأتي ذكره في مكاتبة صاحب الأندلس
ولم يتلقب بلقب من ألقاب الخلافة جريا على قاعدتهم الأولى في الخلافة
وجرى على ذلك من بعده من خلفائهم إلى أن ولي منهم عبد الرحمن بن محمد المعروف ب المقبول فتلقب ب الناصر بعد أن مضى من خلافته تسع وعشرون سنة وتبعه من بعده منهم على ذلك إلى أن ولي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن الناصر عبد الرحمن المقدم ذكره فتلقب ب المرتضي بالله وهو أول من أضيف في لقبه بالخلافة منهم اسم الله مضاهاة لبني العباس وذلك في حدود الأربعمائة وبقي الأمر على ذلك في خلفائهم إلى أن كان اخرهم هشام ابن محمد فتلقب ب المعتمد بالله وانقرضت خلافتهم من الأندلس بعد ذلك بانقراضه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة
الطائفة الثالثة الخلفاء الفاطميون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية
وأول ناجم نجم منهم ببلاد الغرب أبو محمد عبيد الله في سنة ست وتسعين ومائتين من الهجرة وتلقب ب المهدي ثم تلقب بنوه من بعده بألقاب الخلافة المضاف فيها اسم الله ك القائم بأمر الله والمنصور بالله إلى أن كان منهم المعز لدين الله أبو تميم معد وهو الذي انتزع الديار المصرية من أيدي الأخشيدية وصار إليها في سنة تسع وخمسين وثلثمائة
وتداول خلفاؤهم بها مثل (5/448)
هذه الألقاب إلى أن كان اخرهم العاضد لدين الله عبد الله وانقرضت خلافتهم بالدولة الأيوبية على ما تقدم ذكره في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية
الطائفة الرابعة الخلفاء الموحدون الذين ملوك أفريقية بتونس الان من بقاياهم
وأولهم في التلقيب بألقاب الخلافة إمامهم محمد بن تومرت البربري القائم ببلاد الغرب في اعقاب الفاطيين المتقدم ذكرهم تلقب ب المهدي وال الأمر من جماعته إلى الشيخ أبي حفص أحد أصحابه ومن عقبه ملوك تونس المتقدم ذكرهم فلم يتلقب أحد منهم بألقاب الخلافة إلى أن ولي منهم أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى فتلقب ب المستنصر بالله وتبعه من بعده من ملوكها على التلقيب بألقاب الخلافة إلى زماننا ولذلك قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف في الكلام على مكاتبة صاحب تونس لا يدعي إلا الخلافة وشبهتهم في ذلك أنهم يدعون انتسابهم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو من صميم قريش
الطائفة الخامسة جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة
كملوك الطوائف القائمين بالأندلس بعد انقراض الدولة الأموية منها من بني عباد وبني هود وغيرهم حيث كانوا يلقبون ب المعتمد وغيره (5/449)
النوع الثاني ألقاب الملوك المختصة بالملك وهي صنفان
الصنف الأول الألقاب العامة وهي التي تقع بالعموم على ملوك ممالك مخصوصة تصدق على كل واحد منهم وهي ضربان
الضرب الأول الألقاب القديمة والمشهور منها ألقاب ست طوائف
الطائفة الأولى التبابعة ملوك اليمن
كان يقال لكل منهم تبع قال السهيلي في الروض الأنف سموا بذلك لأن الناس يتبعونهم ووافقه الزمخشري على ذلك
وقال ابن سيده في المحكم سموا بذلك لأنهم يتبع بعضهم بعضا
قال المسعودي في مروج الذهب ولم يكونوا ليسموا أحدا منهم تبعا حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت
وقيل حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس أما إذا لم يكن كذلك فإنما يسمى ملكا
وأول من لقب منهم بذلك الحارث بن ذي شمر وهو الرائش
ولم يزل هذا اللقب واقعا على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة اليمن
الطائفة الثانية ملوك الفرس وهم على أربع طبقات
الطبقة الأولى القيشدادية كان يقال لكل من ملك منهم قيشداد ومعناه سيرة العدل وأولهم كيومرث والفرس كلهم مطبقون على أنه مبدأ نسل البشر وكأنهم يريدون به ادم عليه السلام
وحكى الغزالي في نصيحة الملوك أن كيومرث ابن ادم لصلبه وأن (5/450)
ادم عهد إلى شيث بأمر الدين وإلى كيومرث بأمر الملك وبعضهم يقول إنه كامر ابن يافث بن نوح عليه السلام
الطبقة الثانية الكيانية
سموا بذلك لأن في أول اسم كل واحد منهم لفظ كي وأولهم كيقباذ
الطبقة الثالثة الأشغانية
كان يقال لكل منهم أشغان
قال المسعودي بالغين المعمجمة ويقال بالكاف
الطبقة الرابعة الأكاسرة كان يقال لكل منهم كسرى بكسر الكاف وفتحها وربما قيل فيهم الساسانية نسبة إلى جدهم ساسان بن أردشير بن كي بهمن
وأولهم أردشير بن بابك واخرهم يزدجرد الذي انقرض ملكهم بانتزاع المسلمين الملك من يديه في خلافة عثمان رضي الله عنه
الطائفة الثالثة ملوك مصر من بعد الطوفان من القبط
كان كل من ملكها منهم يسمى فرعون قال إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب العجائب والقبط تزعم أن الفراعنة من ملكها من العمالقة دون القبط كالوليد بن دومغ ونحوه
ويقال إن أول من تسمى بهذا الاسم منهم فرعان اخر ملوكها قبل الطوفان ثم تسمى من بعده ب فرعون قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه ولم أدر لأي معنى سمي بذلك
والمذكور في القرآن منهم هو الذي بعث موسى عليه السلام في زمانه (5/451)
الطائفة الرابعة ملوك الروم وهم طبقتان
الطبقة الأولى منهما ليس لهم لقب يعم كل ملك بل لكل ملك منهم اسم يخصه
الطبقة الثانية القياصرة
كان يقال لكل من ملك منهم قيصر وأصل هذه اللفظة ف اللغة الرومية جاشر بجيم وشين معجمة فعربتها العرب قيصر ولها في لغتهم معنيان أحدهما الشعر والثاني الشيء المشقوق
واختلف في أول من تلقب بهذا اللقب منهم فقيل أغانيوش أول ملوك الطبقة الثانية منهم
سمي بذلك لأن أمه ماتت وهو حمل في بطنها فشق جوفها وأخرج فأطلق عليه هذا اللفظ أخذا من معنى الشق ثم صار علما على كل من ملكهم بعده وقيل أول من لقب بذلك يوليوش الذي ملك بعد أغانيوش المذكور وقيل أول من لقب به أغشطش واختلف في سبب تسميته بذلك فقيل لأن أمه ماتت وهو في جوفها فشق عنه وأخرج كما تقدم القول في أغانيوش وقيل لأنه ولد وله شعر تام فلقب بذلك أخذا من معنى الشعر كما تقدم
ولم يزل هذا اللقب جاريا على ملوكهم إلى أن كان منهم هرقل الذي كتب إليه النبي
وزعم القاضي شهاب الدين بن فضل الله في كتابه التعريف في الكلام على مكاتبة الأدفونش أن هرقل لم يكن الملك نفسه وإنما كان متسلم الشأم لقيصر وقيصر بالقسطنطينية لم يرم وإنما كتب النبي إلى هرقل لقربه من جزيرة العرب وبقي هذا اللقب عليهم بعد الإسلام إلى أن كان اخر من تلقب به منهم إستيراق قيصر ملك القسطنطينية في خلافة المأمون بن الرشيد (5/452)
الطائفة الخامسة ملوك الكنعانيين بالشأم
كان كل من ملك منهم لقب بجالوت إلى أن كان اخرهم جالوت الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله ( وقتل داود جالوت )
الطائفة السادسة ملوك الحبشة
كان كل من ملك منهم يلقب ب النجاشي ولم يزل ذلك لقبا على ملوكهم إلى أن كان منهم النجاشي الذي كتب إليه النبي وصلى عليه النبي بعد موته وهو الذي هاجر إليه من هاجر من الصحابة رضوان الله عليهم الهجرة الأولى واسمه صحمة ويقال أصحمة ومعناه بالعربية عطية
الضرب الثاني الألقاب المستحدثة والمشهور منها ألقاب ست طوائف
الطائفة الأولى ملوك فرغانة
كان كل من ملك منهم يلقب الأخشيد ولذلك لقب الراضي بالله العباسي محمد بن طغج صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية ب الأخشيد لأنه كان فرغانيا (5/453)
الطائفة الثانية ملوك أشروسنة
كان كل من ملكها يقال له الأفشين
قال في ذخيرة الكتاب وبه لقب المعتصم بالله حيدر بن كاووس ب الأفشين لأنه أشروسني
الطائفة الثالثة ملوك الجلالقة من الفرنج
الذين قاعدة ملكهم طليطلة وبرشلونة من الأندلس يقال لكل من ملك منهم أدفونش بدال مهملة ثم فاء بعدها واو ثم نون مفتوحة وشين معجمة في اخره
وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى زماننا وهو الذي تسميه العامة الفنش
الطائفة الرابعة ملوك فرنسة ويقال فرنجة بالجيم
وهو ملك الأرض الكبيرة بظاهر الأندلس يقال لكل من ملكها ريد أفرنس ومعنى ريد بلغتهم الملك والأفرنس اسم للجنس الذين يملك عليهم
والمعنى ملك الأفرنس
وهو الذي تسميه العامة الفرنسيس وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى الان
الطائفة الخامسة ملوك البندقية من بلاد الفرنج
كل من ملك منهم يسمونه دوك بالكاف المشوبة بالجيم فيقال دوك البندقية
وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى اخر وقت (5/454)
الطائفة السادسة ملوك الحبشة في زماننا
كل من ملك منهم يقال له حطي بفتح الحاء المهملة وكسر الطاء المهملة المشددة
وهذا اللقب يذكر في مكاتباتهم عن الأبواب السلطانية على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
الصنف الثاني من النوع الثاني الألقاب الخاصة
وهي التي يخص كل ملك من ملوك الإسلام منها بلقب وهو المعبر عنه عند الكتاب باللقب الملوكي
ويختلف الحال فيه باختلاف البلاد والزمان
فأما بلاد المشرق فأول افتتاح تلقيب ملوكهم بالإضافة إلى الدولة وكان أول من تلقب منهم بذلك بنو حمدان ملوك حلب فتلقب أبو محمد الحسن بن حمدان في أيام المتقي لله ناصر الدولة وتلقب أخوه أبو الحسن علي سيف الدولة وعلى ذلك جرى الحال في ملوك بني بويه على ما تقدم ذكره في الكلام على أصول الألقاب وتوالى ذلك فيهم إلى انقراض دولتهم
ثم وقع التلقيب بالسلطان فيما بعدهم من الدول كدولة وبني سبكتكين وبنى ساسان وبني سلجوق إلى أن غلبت التتار على بلاد المشرق فجرت ملوكهم في التلقيب بألقاب على عادة ملوكهم (5/455)
وأما بلاد المغرب فأوائل ملوكهم على عموم ملوكهم لجميعها وخصوصه ببعضها ما بين مدع للخلافة كبني أمية بالأندلس وأتباع المهدي بن تومرت فيدور أمر أحدهم بين التلقيب بألقاب الخلافة والاقتصار على اسمه أو كنيته وما بين غير مدع للخلافة فيقتصر على اسمه أو كنيته فقط إلى أن غلب يوسف بن تاشفين في أوائل دولة المرابطين من الملثمين من البربر على بلاد المغرب والأندلس ودان بطاعة الخلافة العباسية ببغداد فتلقب ب أمير المسلمين خضوعا عن أن يتلقب ب أمير المؤمنين الذي هو من خصائص الخلافة وتبعه على ذلك من جاء بعده من ملوك الغرب من البربر فتلقب به بنو مرين ملوك فاس وبنو عبد الواد ملوك تلمسان وبقي الأمر على ذلك إلى أن ملك فاس وما معها من بلاد المغرب أبو عنان من أحفاد السلطان أبي الحسن فتلقب ب أمير المؤمنين وصارت مكاتباته ترد إلى الديار المصرية بذلك وتبعه من بعده من ملوكهم على ذلك
وأما ملوك تونس من بقايا الموحدين فلم يزالوا يلقبون بألقاب الخلافة على ما سبق ذكره في الكلام على ألقاب الخلفاء
وأما الديار المصرية فمضى الأمر فيها على نواب الخلفاء من حين الفتح الإسلامي وإلى انقراض الدولة الأخشيدية ولم يتلقب أحد منهم بلقب من الألقاب الملوكية
ثم كانت دولة الفاطميين فتلقبوا بألقاب الخلفاء على ما مر ذكره
ولم يتلقب أحد من وزرائهم أرباب السيوف لابتداء أمرهم بالألقاب الملوكية إلى أن ولي الوزارة المستنصر بدر الجمالي وعظم أمر الوزارة وصارت قائمة مقام السلطنة الان فتلقب ب أمير الجيوش وتلقب ابنه في وزارته بعده (5/456)
ب الأفضل وتلقب ابن السلار بعد ذلك ب العادل وتلقب ابن البطائحي وزير الامر ب المأمون ثم وزر بعد ذلك الحافظ بهرام الأرمني النصراني فتلقب ب تاج الدولة ثم وزر بعده وزير اسمه رضوان فلقبه ب الملك الأفضل قال المؤيد صاحب حماة وهو أول من لقب من وزرائهم بالملك وجرى الأمر على ذلك في وزارتهم حتى كان منهم الملك الصالح طلائع بن رزيك وزير الفائز ثم العاضد ثم وزر للعاضد أخرا أسد الدين شيركوه عم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولقب ب الملك المنصور ثم وزر له بعده ابن أخيه صلاح الدين فلقب ب الملك الناصر ثم استقل بالملك بعد ذلك وبقي في السلطنة على لقبه الأول
وتداول ملوك الدولة الأيوبية بعده مثل هذه الألقاب كالملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين والملك العادل أبي بكر بن أيوب والملك الكامل محمد ابنه والأفضل صاحب دمشق والمعظم صاحب الكرك وغيرهم إلى حين انقراض دولتهم ودخول الدولة التركية
فتلقب أيبك التركماني أول ملوكهم ب الملك المعز واستمر التلقيب مثل ذلك في الدولة التركية إلى أن صارت المملكة اخرا إلى الظاهر برقوق ثم ابنه الناصر فرج وهم على ذلك
وعلى نحو ذلك ملوك البلاد المجاورة لهذه المملكة كماردين وحصن كيفا ونحوهما (5/457)
الجملة الثالثة في الألقاب المفرعة على الأسماء على ما استقر عليه الحال من التلقيب بالإضافة إلى الدين وهي على أربعة أنواع
النوع الأول ألقاب أرباب السيوف وهم صنفان
الصنف الأول ألقاب الجند من الترك ومن في معناهم
واعلم أن الغالب في ألقاب الترك من الجند التلقيب ب سيف الدين لما فيه من مناسبة حالهم وانتسابهم إلى القوة والشدة كيلبغا ومنكلي بغا وبي خجا وأسنا وتغري بردي وتغري برمش ونحو ذلك
وقد يخرج ذلك في بعض الأسماء فيلقب بألقاب خاصة كما يلقبون طيبغا والطنبغا وقرابغا علاء الدين وأيدمر وبيدمر عز الدين ولاجين حسام الدين وأرسلان بهاء الدين وأقوش جمال الدين وسنجر علم الدين ونحو ذلك
وفي المولدين يقولون في لقب محمد ناصر الدين ولقب أبي بكر سيف الدين ولقب عمر ركن الدين ولقب علي علاء الدين ولقب إبراهيم صارم الدين ولقب إسماعيل تاج الدين ولقب حسن وحسين حسام الدين ولقب خالد شجاع الدين ونحو ذلك
الصنف الثاني ألقاب الخدام الخصيان المعبر عنهم الان بالطواشية وفي زمن الفاطميين بالأستاذين
ولهم ألقاب تخصهم فيقولون في هلال ومرجان زين الدين وفي دينار عز الدين وفي بشير سعد الدين وفي شاهين فارس الدين وفي جوهر صفي الدين وفي مثقال سابق الدين وفي عنبر شجاع الدين وفي لؤلؤ (5/458)
بدر الدين وفي صواب شمس الدين وفي محسن جمال الدين ونحو ذلك
النوع الثاني ألقاب أرباب الأقلام وهي على صنفين
الصنف الأول ألقاب القضاة والعلماء
قد كان في الزمن الأول لغالب أسمائهم ألقاب لا يتعدونها كقولهم في محمد شمس الدين وفي أحمد شهاب الدين وفي أبي بكر زين الدين وفي عمر سراج الدين وفي عثمان فخر الدين وفي علي نور الدين وفي يوسف جمال الدين وفي عبد الرحمن زين الدين وفي إبراهيم برهان الدين ونحو ذلك
ثم ترك أعيانهم ذلك لابتذاله بكثرة الاستعمال وعدلوا إلى ألقاب أخر ابتدعوها على حسب أغراضهم فقالوا في محمد بدر الدين وصدر الدين وعز الدين ونحوها وفي أحمد بهاء الدين وصدر الدين وصلاح الدين وفي علي تقي الدين وفي عبد الرحمن جلال الدين ونحو ذلك ولم يتوقفوا في ذلك على لقب مخصوص بل صاروا يقصدون المخالفة لما عليه جادة من تقدمهم في ذلك
الصنف الثاني ألقاب الكتاب من القبط
ولهم القاب تخصهم أيضا فيقولون في عبد الله شمس الدين وفي عبد الرازق تاج الدين وربما قالوا سعد الدين وفي إبراهيم علم الدين وفي ماجد مجد الدين وفي وهبة تقي الدين ونحو ذلك (5/459)
النوع الثالث ألقاب عامة الناس من التجار والغلمان السلطانية ونحوهم
وهم على سنن الفقهاء في ألقابهم وربما مال من هو منهم في الخدم السلطانية إلى التلقيب بألقاب الجند
النوع الرابع ألقاب أهل الذمة من الكتاب والصيارف ومن في معناهم من اليهود والنصارى
وقد اصطلحوا على ألقاب يتلقبون بها غالبها مصدرة بالشيخ ثم منهم من يجري على الرسم الأول في التلقيب بالإضافة إلى الدولة فيتلقب بولي الدولة ونحوه ومنهم من يحذف المضاف إليه في الجملة ويعرف اللقب بالألف واللام فيقولون الشيخ الشمسي والشيخ الصفي والشيخ الموفق وما أشبه ذلك
فإذا أسلم أحدهم أسقطت الألف واللام من أول لقبه ذلك وأضيف إلى لفظ الدين
فيقال في الشيخ الشمسي شمس الدين وفي الصفي صفي الدين وفي ولي الدولة ولي الدين وما أشبه ذلك
وربما كان لقب الذمي ليس له موافقة في شيء مما يضاف إلى الدين من ألقاب المسلمين فيراعى فيه إذا أسلم أقرب الألقاب إليه مثل أن يقال في الشيخ السعيد مثلا إذا أسلم سعد الدين ونحو ذلك
الجملة الرابعة في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتاب ثم انتهائها إلى غاية التعظيم ومجاوزتها الحد في التكثير
أما أصل وضعها ثم انتهاؤها إلى غاية التعظيم فإن ألقاب الخلافة في ابتداء الأمر على جلالة قدرها وعظم شأنها كانت في المكاتبات الصادرة عن ديوان الخلافة وإليه والولايات الناشئة عنه عبد الله ووليه الإمام الفلاني أمير المؤمنين ولم يزل الأمر على هذا الحد في الألقاب إلى أن استولى بنو بويه من (5/460)
الديلم على الأمر وغلبوا على الخلفاء واستبدوا عليهم احتجبت الخلفاء ولم يبق إليهم فيما يكتب عنهم غالبا سوى الولايات وفوض الأمر في غالب المكاتبات إلى وزرائهم وصارت الحال إذا اقتضت ذكر الخليفة كني عنه ب المواقف المقدسة والمقامات الشريفة والسرة النبوية والدار العزيزة والمحل الممجد يعنون بالمواقف الأماكن التي يقف فيها الخليفة وكذلك المقامات وبالسرة الأنماط التي يجلس عليها الخليفة وبالدار دار الخلافة وبالمحل محل الخليفة
قال في ذخيرة الكتاب وليت شعري أي شيء قصد من كنى عن أمير المؤمنين بهذه الكنايات وبدل نعوته وصفاته المعظمة المكرمة بهذه الألفاظ المحقرات وإذا استجيز ذلك ورضي به وأغضي عنه كان لاخر أن يقول المجالس الطاهرة والمقاعد المقدسة والمراكب المعظمة والأسرة الممجدة وما يجري هذا المجرى مما ينبو عنه السمع وينكره لاستحداثه واستجداده
على أنه لو توالى على الأسماع كتوالي تلك الألفاظ لم تنكره بعد إذ لا فرق
قال ولم يستسنه النبي ولا اختاره لنفسه ولا استحدثه الخلفاء من بعده
فما وجه العمل بموضعه والاقتفاء لأثره وكيف يجوز أن يكنى عن الجمادات بما يكنى به عن الإنسان الحي الناطق الكامل الصفات
ولما انتهى الحال بالخلفاء إلى التعظيم بهذه الألقاب والنعوت المستعارة تداعى الأمر إلى تعظيم الملوك والوزراء بالتلقيب ب المجلس العالي والحضرة السامية وما أشبه ذلك
قال وهذا مما لم يكن في زمان ولا جرى في وقت ولا كتب به النبي ولا استعمله الخلفاء بعده
ثم تزايد الحال في ذلك إلى أن كنوا بالمقام والمقر والجناب والمجلس ونحو ذلك على ما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى
وأما مجاوزتها الحد في الكثرة فقد تقدم أن اللقب الواحد كان يلقب به الشخص دون تعدد ألقاب إلى أن وافت أيام القادر بالله والتلقيب بالإضافة إلى (5/461)
الدولة فزيد في لقب عضد الدولة بن بويه تاج الملة فكان يقال عضد الدولة وتاج الملة وكان أول من زيد في لقبه على الإفراد وأن ابنه بهاء الدولة زيد في لقبه في الأيام القادرية أيضا نظام الدين فكان يقال بهاء الدولة ونظام الدين ويقال إنه زاده من بعد بهاء الدولة لفظ في الأمة فكان يقال بهاء الدولة في الأمة ونظام الدين ثم لقب محمود بن سبكتكين في الأيام القادرية أيضا يمين الدولة وأمين الملة وكهف الإسلام والمسلمين ولي أمير المؤمنين وتزايد الأمر بعد ذلك في تكثير الألقاب حتى جاوز الحد وبلغ النهاية وصارت الكتاب في كل زمن يقترحون ألقابا زيادة على ما سبق إلى أن صارت من الكثرة في زماننا على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى فيما بعد
الجملة الخامسة في بيان الألقاب الأصول وذكر معانيها واشتقاقها وهي صنفان
الصنف الأول ما يقع في المكاتبات والولايات وهي ثمانية ألقاب
الأول الجانب
وهو من ألقاب ولاة العهد بالخلافة ومن في معناهم كإمام الزيدية باليمن في مكاتبته عن الأبواب السلطانية
وربما وقع في الخطاب في أثناء المكاتبة فيقال الجانب الأعلى والجانب الشريف العالي والجانب الكريم العالي والجانب العالي مجردا عنهما رتبة بعد رتبة
ثم الجانب في أصل اللغة اسم للناحية والمراد الناحية التي صاحب اللقب فيها كني بها عنه تعظيما له من أن يتفوه بذكره وكذا في غيره مما يجري هذا المجري من الألقاب المكتتبة كالمقام والمقر ونحوهما (5/462)
الثاني المقام بفتح الميم
وهو من الألقاب الخاصة بالملوك
وأصل المقام في اللغة أسم لموضع القيام أخذا من قام يقوم مقاما
وقد ورد في التنزيل بمعنى موضع القيام في قوله تعالى ( فيه ايات بينات مقام إبراهيم ) يريد موضع قدميه في الصخرة التي كان يقوم عليها البيت ثم توسع فيه فأطلق على ما هو أعم من موضع القيام من محلة الرجل أو مدينته ونحو ذلك ومن ثم قال الزمخشري في الكلام على قوله تعالى ( إن المتقين في مقام أمين ) إنه خاص استعمل في معنى العموم يعني أنه يستعمل في موضع الإقامة في الجملة
أما المقام بالضم فاسم لموضع الإقامة أخذا من أقام يقيم إذ الفعل متى جاوز الثلاثة فالموضع منه مضموم كقولهم في المكان الذي يدحرج فيه مدحرج كما نبه عليه الجوهري وغيره
وقد قريء قوله تعالى ( يأهل يثرب لا مقام لكم ) بالفتح والضم جميعا على المعنيين
قال الجوهري وقد يكون المقام بالفتح بمعنى الإقامة والمقام بالضم بمعنى موضع القيام
وجعل من الثاني قوله تعالى ( حسنت مستقرا ومقاما ) أي موضعا
وبالجملة فالذي يستعمله الكتاب في المقام الفتح خاصة يكنون بذلك عن السلطان تعظيما له عن التفوه باسمه
قال المقر الشهابي بن فضل الله في عرف التعريف ويقال فيه المقام الأشرف والمقام الشريف العالي وربما قيل فيه المقام العالي ولم يتعرض لذكر المقام الكريم ولو عمل عليه تأسيا بلفظ القرآن الكريم حيث قال تعالى ( ومقام كريم ) لكان حسنا
الثالث المقر بفتح الميم والقاف
قال في عرف التعريف ويختص بكبار الأمراء وأعيان الوزراء وكتاب السر ومن يجري مجراهم كناظر (5/463)
الخاص وناظر الجيش وناظر الدولة وكتاب الدست ومن في معناهم
قال ولا يكتب لأحد من العلماء والقضاة وكأنه يريد العرف العام
والتحقيق في ذلك أن الحال فيه تختلف بحسب المكتوب عنه فلا يقال فيما يكتب عن السلطان إلا لأكابر الأمراء وبعض الملوك المكاتبين عن هذه المملكة كصاحب ماردين ونحوه
بل قد ذكر ابن شيث في معالم الكتابة أن المقر من أجل ألقاب السلطان
وقد رأيت ذلك في العهد المكتتب بالسلطنة للمنصور قلاوون من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر
أما عمن عدا السلطان كالنواب ونحوهم فإنه يكتب به لأكابر أرباب السيوف والأقلام من القضاة والعلماء والكتاب
على أن ابن شيث في معالم الكتابة قد جعله من الألقاب الملوكية كالمقام بل جعلهما على حد واحد في ذلك
قال في عرف التعريف ويقال فيه المقر الأشرف والمقر الشريف العالي والمقر الكريم العالي والمقر العالي مجردا عن ذلك
وأصله في اللغة لموضع الاستقرار والمراد الموضع الذي يستقر فيه صاحب ذلك اللقب
ولا يخفى أنه من الخاص الذي استعمل في العموم كما تقدم في لفظ المقام عن الزمخشري
إذ يجوز أن يقال فلان مقره محلة كذا وبلدة كذا كما يقال مقامه محلة كذا وبلد كذا
الرابع الجناب
وهو من ألقاب أرباب السيوف والأقلام جميعا فيما يكتب به عن السلطان وغيره من النواب ومن في معناهم
قال ف عرف التعريف وهو أعلى ما يكتب للقضاة والعلماء من الألقاب
قال ويكتب لمن لا يؤهل للمقر من الأمراء وغيرهم ممن يجري مجرى الوزراء ويزيد على ما قد ذكره أنه يكتب به لبعض الملوك المكاتبين عن الأبواب السلطانية
قال في عرف التعريف ويقال فيه الجناب الشريف العالي والجناب الكريم العالي والجناب العالي مجردا عنهما وأصل الجناب في اللغة الفناء أو ما قرب من محلة القوم ومنه قولهم لذنا بجناب فلان وفلان خصيب الجناب فيعبر عن الرجل بفنائه وما قرب من محلته تعظيما له ويجمع على أجنبة كمكان وأمكنة وعلى جنابات كجماد وجمادات (5/464)
الخامس المجلس
وهو من ألقاب أرباب السيوف والأقلام أيضا ممن لم يؤهل لرتبة الجناب وربما لقب به بعض الملوك في المكاتبات السلطانية
على أنه كان في الدولة الأيوبية لا يلقب به إلا الملوك ومن في معناهم
ومكاتبات القاضي الفاضل والعماد الأصفهاني وغيرهما من كتاب الدولة الأيوبية ومن عاصرها مشحونة بذلك حتى قال صاحب معالم الكتابة وقد كانوا لا يكتبون المجلس إلا للسلطان خاصة
قال ولم يكن السلطان يكاتب به أحدا من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره
ثم ذكر أنه كان يكتب به في زمانه إلى كبار الأمراء والوزراء وولاة العهد بالسلطنة
أما في زماننا فقد صار في أدنى الرتب وجعل الجناب والمقر فوقه على ما تقدم
ويقال فيه المجلس العالي والمجلس السامي رتبة بعد رتبة
ويقال في المجلس السامي السامي بالياء والسامي بغير ياء رتبة بعد رتبة
واعلم أن العالي والسامي اسمان منقوصان كالقاضي والوالي وقد تقرر في علم النحو أنه إذا دخلت الألف واللام على الاسم المنقوص جاز فيه إثبات الياء وحذفها فيقال القاض والقاضي ونحو ذلك وحينئذ فيجوز في العالي والسامي إثبات الياء وحذفها ولكن الكتاب لا يستعملونها إلا بالياء
فأما في العالي فيجوز أن تكون الياء التي تثبتها الكتاب في اخره هي الياء اللاحقة للاسم المنقوص على ما تقدم وتكون حينئذ ساكنة ويجوز أن تكون ياء النسب نسبة إلى العالي وتكون مشددة وكذلك في السامي بالياء
أما السامي بغير ياء فيجوز أن يكون المراد حذف ياء النسب لا الياء اللاحقة للاسم المنقوص لما تقدم من أن الكتاب لم يستعملوها إلا بإثبات الياء وحينئذ فتحذف الياء من الألقاب التي تنعت بها
ويحتمل أن يكون المراد حذف الياء اللاحقة للاسم المنقوص وهو بعيد
وأصل المجلس في اللغة لموضع الجلوس ويشار بذلك إلى الموضع الذي يجلس فيه تعظيما له على ما تقدم في غيره
ولا يخفى أنه ليس للمجلس ما (5/465)
للمقر والمقام من العموم حتى يعم ما فوق موضع الجلوس إذ لا يحسن أن يقال مجلس فلان محلة كذا ولا بلد كذا كما يحسن أن يقال مقره أو مقامه محلة كذا أو بلد كذا
السادس مجلس مجردا عن الألف واللام مضافا إلى ما بعده وله في الاصطلاح أربع حالات
الأولى أن يضاف إلى الأمير فيقال مجلس الأمير وهو مختص بأرباب السيوف على اختلاف أنواعهم من الترك والعرب وغيرهم
الثانية أن يضاف إلى القاضي فيقال مجلس القاضي وهو مختص بأرباب الأقلام من القضاة والعلماء والكتاب ومن في معناهم
الثالثة أن يضاف إلى الشيخ فيقال مجلس الشيخ ويختص ذلك بالصوفية وأهل الصلاح ومن في معناهم
الرابعة أن يضاف إلى الصدر فيقال مجلس الصدر وهو مختص بالتجار وأرباب الصنائع ومن في معناهم وربما كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وما قاربها لكتاب الدرج ومن في معناهم
والمراد بالصدر صدر المجلس الذي هو أعلى أماكنه وأرفعها والمضاف والمضاف إليه فيه كالمتعاكسين والتقدم صدر المجلس
السابع أن يقتصر على المضاف إليه من مجلس الأمير أو مجلس القاضي ومجلس الشيخ أو مجلس الصدر ويقال فيه الأمير الأجل والقاضي الأجل والشيخ الصالح والصدر الأجل
الثامن الحضرة والمراد بها حضرة صاحب اللقب
قال الجوهري حضرة الرجل قربه وفناؤه
قال ابن قتيبة في أدب الكاتب وتقال بفتح الحاء (5/466)
وكسرها وضمها وأكثر ما تستعمل في المكاتبات
وهي من الألقاب القديمة التي كانت تستعمل في مكاتبات الخلفاء وكان يقال فيها الحضرة العالية والحضرة السامية وتستعمل الان في المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى بعض الملوك
ويقال فيها الحضرة الشريفة العالية والحضرة الكريمة العالية والحضرة العلية بحسب ما تقتضيه الحال
قال ابن شيث في معالم الكتابة كانت مما يكتب بها لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم ولم يكن السلطان يكاتب بها أحدا من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره
وتستعمل أيضا في مكاتبات ملوك الكفر ويقال فيه بعد الدعاء للحضرة حضرة الملك الجليل ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه في موضعه وقد تستعمل في الولايات في نحو ما يكتب للبطرك
فيقال حضرة الشيخ أو حضرة البطرك ونحو ذلك
قلت وكثير من كتاب الزمان يظنون أن هذه الألقاب الأصول أو أكثرها أحدثها القاضي شهاب الدين بن فضل الله وليس كذلك بل المجلس مذكور في مكاتبات القاضي الفاضل ومن عاصره بكثرة بل لا تكاد مكاتبة من مكاتباته الملوكية تخلو عن ذلك
ومقتضى كلام ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب أنه أول ما ابتدع في أيام بني بويه ملوك الديلم والجناب موجود في مكاتبات القاضي الفاضل أيضا بقلة
وقد ذكره ابن شيث في مصطلح كتابة الدولة الأيوبية
والمقر موجود في كلام القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر
والمقام موجود في مكاتبات من قبل القاضي شهاب الدين المذكور نعم هذا الترتيب الخاص وهو جعل أعلاها المقام ثم المقر ثم الجناب ثم المجلس ثم مجلس الأمير أو القاضي أو الشيخ لم أره إلا في كلام المقر الشهابي المشار إليه ومتابعيه ولا أدري أهو المقترح لهذا أم سبقه إليه غيره وقد أولع الفضلاء بالسؤال عن وجه هذا الترتيب بل أخذوا في إنكاره على مرتبه من حيث إن هذه الألقاب متقاربة المعاني في اللغة فلا يتجه تقديم بعضها على بعض في الرتبة ولا يخفى أن واضع ذلك من المقر الشهابي أو غيره لم يضعه عن جهل على سبيل التشهي إذ لا يليق ذلك بمن عنده أدنى مسكة من العلم وقد ظهر لي عن ذلك (5/467)
أجوبة يستحسنها الذهن السليم إذا تلقيت بالإنصاف ولا بد من تقديم مقدمة على ذلك وهي أن تعلم أن الخطاب في المكاتبات والوصف في الولايات مبني على التفخيم والتعظيم على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ومن ثم أتي فيهما بالألقاب المؤدية إلى الرفعة كما تقدمت الإشارة إليه في أول الكلام على الألقاب ثم أثبتوا هذه الألقاب بمعنى الأماكن كناية عن أصحابها من باب مجاز المجاورة وجعلوها رتبة بعد رتبة بحسب ما تقتضيه معانيها اللائحة منها على ما سيأتي بيانه فجعلوا أدناها رتبة الأمير والقاضي والشيخ التي وقع فيها التصريح بذكر الشخص وجعلوا فوق تلك المجلس لتجرده عن الاضافة إلى ما هو في معنى القريب من التصريح وجعلوا فوق ذلك الجناب الذي هو الفناء من حيث أن فناء الرجل أوسع من مجلسه ضرورة بل ربما اشتمل على المجلس واستضافه إليه وجعلوا فوق ذلك المقر الذي هو موضع الاستقرار مع ما يقتضيه من شمول جميع المحلة أو البلد الذي هو مقيم فيه من حيث أنه يسوغ أن يقال مقره محلة كذا أوبلد كذا وتضمنت معنى القرار الذي هو ضد الزوال على ما قال تعالى ( وإن الاخرة هي دار القرار ) وجعلوا فوق ذلك المقام لاستعماله في المعنى العام الذي هو أعم من موضع القيام كما أشار إليه الزمخشري مع ما في معنى القيام من النهضة والشهامة الزائدة على معنى الاستقرار من حيث إن القعود دليل العجز والقصور
قال تعالى ( وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكون مع الخوالف ) وقال ( وقالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ) فكان المقام باعتبار ذلك أعلى من المقر ويوضح ما ذكرناه أنهم جعلوا المجلس أدنى المراتب والمقام أعلاها
أما تخصيصه خطاب الخليفة بالديوان فلبعد تعلقه مع كونه عنه تصدر المخاطبات وعليه ترد على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى (5/468)
الصنف الثاني من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات وفيه تسعة ألقاب
الأول الديوان
وقد تقدم الكلام على ضبطه ومعناه في الكلام على ترتيب ديوان الإنشاء في مقدمة الكتاب ويصدر بالدعاء له في المكاتبة إلى أبواب الخلافة المقدسة ويقال فيه الديوان العزيز على ما سيأتي في الكلام على المكاتبات فيما بعد إن شاء الله تعالى قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف
والمعني به ديوان الإنشاء إذ الكتب وأنواع المخاطبات إليه واردة وعنه صادرة
قال وسبب الخطاب بالديوان العزيز الخضعان عن خطاب الخليفة نفسه
ثم كتاب الزمان قد يستعملون ذلك في غير المكاتبات مثل أن يكتب عن السلطان منشور إقطاع للخليفة فيقال أن يجري في الديوان العزيز ونحو ذلك على ما سيأتي في الكلام على المناشير في موضعه إن شاء الله تعالى
الثاني الباسط وهو مما يستعمل في المكاتبات بالتقبيل على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
وأصله في اللغة فاعل من البسط والمراد بسط الكف بالبذل والعطاء
ومنه قوله تعالى ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) وهو من ألقاب اليد ويشترك فيه أرباب السيوف والأقلام وغيرهم
قال في عرف التعريف ويقال فيه الباسط الشريف العالي والباسط الكريم العالي
الثالث الباسطة بلفظ التأنيث
وهو بمعنى الباسط إلا أن الباسطة دون الباسط في الرتبة لميزة التذكير على التأنيث
الرابع اليد
وهي في معنى الباسطة إلا أنها دونها لفوات الوصف بالبسط فيها
قال في عرف التعريف ويقال فيها اليد الشريفة العالية واليد (5/469)
الكريمة العالية واليد العالية مجردة عنهما
الخامس الدار وهي معروفة
وتجمع على ادر وديار ودور والمراد دار المكتوب إليه تنزيها له عن التصريح بذكره كما في الجناب وغيره
وكانت مما يكتب به في الزمن القديم في ألقاب الخلفاء ويقال الدار العزيزة وما أشبه ذلك وربما كتب بها في القديم أيضا للخواتين من نساء الملوك وغيرهم وممن كتب به لهن العلاء بن موصلايا صاحب ديوان الإنشاء في أيام القائم العباسي وعلى ذلك الأمر في زماننا في الكتب الصادرة إليهن من الأبواب السلطانية وغيرها وإنما كتب إليهن بذلك إشارة إلى الصون لملازمتهن الدور وعدم البروز عنها
السادس الستارة وكتاب الزمان يستعملونها في نحو ما تستعمل فيه الدار ويكنون بها عن المرأة الجليلة القدر التي هي بصدد أن تنصب على بابها الستارة حجابا
السابع الجهة وهو مستعمل في معنى الدار والستارة من المكاتبات ويعنى بها المرأة الجليلة القدر
وهي في أصل اللغة اسم للناحية فكنوا بها عن المرأة الجليلة كما كنوا عن الرجل الجليل بالجناب
الثامن الباب
وهو من الألقاب المختصة بالعنوان في جليل المكاتبات وأصل الباب في اللغة لما يتوصل منه إلى المقصود ويجمع على أبواب كحال وأحوال وعلى بيبان كجار وجيران والمراد باب دار المكتوب إليه وكأنه أجل صاحب اللقب عن الوصول إليه والقرب منه لعلو مكانه ورفعة محله ويقال فيه الباب الشريف العالي والباب الكريم العالي والباب العالي مجردا عنهما واستعماله بلفظ الجمع على أبواب أعلى منه بلفظ الإفراد لما في معنى الجمع من الشرف أما الجمع على بيبان فلا يستعمله الكتاب أصلا
التاسع المخيم
وهو من الألقاب المختصة بالعنوان للمسافر والمراد المكان الذي تضرب فيه خيام المكتوب إليه أخذا من قولهم خيم بالمكان إذا أقام به أو خيمه إذا جعله كالخيمة والخيمة في أصل اللغة اسم لبيت تنشئه العرب من (5/470)
عيدان ثم توسع فيه فاستعمل فيما يتخذ من الجلود والقطن المنسوج ونحوه ويوصف بما يوصف به الباب من الشريف والكريم والعالي
قلت وقد يستعمل بعض هذه الألقاب كالدار والستارة والجهة في غير المكاتبات من الولايات وغيرها ولكن بقلة والغالب استعمالها في المكاتبات فلذلك خصصتها بها
الجملة السادسة في بيان الألقاب المفرعة على الأصول المتقدمة وفيها مهيعان
المهيع الأول في بيان أقسامها وهي على نوعين
النوع الأول المفردة وهي صنفان
الصنف الأول المجردة عن ياء النسب
كالسلطان والملك والأمير والقاضي والشيخ والصدر والأجل والكبير والعالم والعامل والأوحد والأكمل وما أشبه ذلك
الصنف الثاني الملحق بها ياء النسب
كالسلطاني والملكي والأميري والقضائي والقاضوي والشيخي والصدري والأجلي والكبيري والعالمي والعاملي والأوحدي والأكملي
ونحو ذلك (5/471)
ثم الألقاب الملحقة بها ياء النسب تارة يراد بالنسب فيها النسب الحقيقي على بابه كالقضائي لأنه منسوب إلى القضاء الذي هو موضوع الوظيفة التي مناطها فصل الحكومات الشرعية على ما تقدم وتارة يراد به المبالغة كالقاضوي فإنه منسوب إلى القاضي نفسه مبالغة
وفي معناه الأميري نسبة إلى الأمير والوزيري نسبة إلى الوزير والشيخي نسبة إلى الشيخ والكبيري نسبة إلى الكبير والعالمي نسبة إلى العالم وما أشبه ذلك
والأصل فيه أن عادة العرب أنهم إذا أرادوا المبالغة في وصف شيء أدخلوا عليه ياء النسب في اخره للمبالغة في وصفه فيقولون في الأحمر إذا قصدوا المبالغة في وصفه بالحمرة أحمري ونحو ذلك على ما هو مقرر في كتب النحو المبسوطة كالتسهيل ونحوه ثم منها ما يستعمل بالتجريد عن ياء النسب أو إثباتها كالعالم والعالمي ومنها ما يستعمل مجردا عنها فقط كالقطب والغوث من ألقاب الصوفية ومنها ما يستعمل بإثباتها فقط كالغياثي وبكل حال فالألقاب التي قد تثبت ياء النسب في اخرها وقد لا تثبت كالأمير والأميري إن كانت من ألقاب المجلس السامي بالياء فما فوقه من المجلس العالي والجناب العالي والمقر والمقام على مراتبها تثبت الياء في اخرها وإن كانت من ألقاب المجلس السامي بغير ياء فما دونه من مجلس الأمير ومجلس القاضي ومجلس الشيخ ومجلس الصدر والأمير والقاضي والشيخ والصدر لم تثبت الياء في اخرها
والألقاب المضافة إلى الدين مثل ناصر الدين وشمس الدين ونور الدين وعز الدين وولي الدين وسيف الدين وما أشبه ذلك إن كانت في ألقاب من تثبت الياء في ألقابه من المجلس السامي بالياء فما فوقه حذف المضاف إليه وأدخلت الألف واللام على المضاف وألحقت به ياء النسب فيقال في ناصر الدين الناصري وفي شمس الدين الشمسي وفي نور الدين النوري وفي عز الدين العزي وفي ولي الدين الولوي وفي سيف الدين السيفي وما أشبه ذلك (5/472)
النوع الثاني المركبة
وهي المعبر عنها بالنعوت
وأكثر ما يكون التركيب فيها بالإضافة ثم تارة تكون باضافة واحدة نحو ممهد الدول وتارة تكون باضافتين نحو سيد أمراء العالمين وتارة تكون بثلاث إضافات نحو حاكم أمور ولاة الزمان وربما زيد على ذلك وتارة تكون بوصف المضاف نحو بقية السلالة الطاهرة وتارة تكون بالعطف على المضاف إليه إما بعطف واحد نحو سيد الملوك والسلاطين وإما بأكثر نحو فاتح الممالك والأقاليم والأقطار وتارة تكون بجار ومجرور بعد المضاف إليه والجار والمجرور نحو سيد الأمراء الأشراف في العالمين
وقد يكون التركيب بغير الإضافة إما بالجار والمجرور نحو المجاهد في سبيل رب العالين وإما بغير ذلك مثل المعفي ال ساسان وغير ذلك مما يجري هذا المجرى
واعلم أنه إذا كان لقب الأصل مفردا نحو المقر والجناب جاءت ألقابه ونعوته مؤنثة مفردة فيقال المقر الشريف والجناب الشريف والمقر الكريم وفي نعوته سيد الأمراء في العالمين ونحو ذلك
ثم إن كان مذكرا جاء بصيغة التذكير كما تقدم في ألقاب المقر
وإذا كان لقب الأصل فيه مؤنثا كالجهة في ألقاب النساء أتت ألقابه ونعوته مؤنثة تبعا له فيقال في ألقاب الجهة الجهة الشريفة أو الجهة الكريمة العالية وفي النعوت سيدة الخواتين في العالمين ونحو ذلك
وإن كان اللقب في الأصل مجموعا نحو مجالس الأمراء كما يكتب (5/473)
في المطلقات جاءت الألقاب والنعوت مجموعة فيقال في الألقاب الأجلاء الأكابر وما أشبه ذلك
وفي النعوت إن كان ذلك اللقب اسم جنس نحو عضد الملوك والسلاطين أو مصدرا نحو عون الأمة جاز إبقاؤه على الإفراد كذلك لأن المصدر واسم الجنس لا يثنيان ولا يجمعان وإن لوحظ فيه معنى التعدد جاز الجمع فيقال أعوان الأمة وأعضاء الملوك والسلاطين ونحو ذلك وقد أشار إلى ذلك المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف في الكلام على كتابة المطلقات فقال ونحو عضد وأعضاد
تم الجزء الخامس يتلوه إن شاء الله الجزء السادس
وأوله
المهيع الثاني في ذكر الألقاب والنعوت المستعملة عند كتاب الزمان وبيان معانيها ومن يقع عليه كل واحد منها من أرباب السيوف وغيرهم وهي نوعان
والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين واله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل (5/474)
المهيع الثاني في ذكر الألقاب والنعوت المستعملة عند كتاب الزمان وبيان معانيها ومن يقع عليه كل واحد منها من أرباب السيوف وغيرهم وهي نوعان
النوع الأول الألقاب الإسلامية وهي صنفان
الصنف الأول المذكرة وهي ضربان
الضرب الأول الألقاب المفردة المختصة في اصطلاح الكتاب باسم الألقاب
وهذه جملة منها مرتبة على حروف المعجم ليسهل استخراجها حرف الألف
الأتابكي وهو من ألقاب أمير الجيوش ومن في معناه كالنائب (6/3)
الكافل ونحوه وهو بالأتابك أخص وقد تقدم معنى الأتابك في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف وأن أصله بالطاء فقلبت تاء في الاستعمال وأن معناه الأب الأمير وحينئذ فتكون النسبة فيه للمبالغة نعم إن نسب إليه غيره من أتباعه كانت النسبة إليه حقيقية على بابهما
الأتقى من ألقاب ملوك المغرب التي يكتب إليهم بها من الأبواب السلطانية مضاهاة لما يوجد في مكاتباتهم من الألقاب وهو أفعل التفضيل من التقوى
الأثير بالثاء المثلثة من ألقاب أرباب الأقلام من القضاة والعلماء والكتاب ونحوهم وربما استعمل في ألقاب الصلحاء أيضا وأصله في اللغة المخالص وحينئذ فيصلح أن يكون لقبا لكل من نسب إلى المخالصة من أرباب السيوف والأقلام جميعا والأثيري نسبة إليه للمبالغة
الأثيل بالمثلثة أيضا من ألقاب أرباب الأقلام كالأثير ومعناه في اللغة الأصيل ومنه قيل مجد مؤثل وأثيل أي أصيل وحينئذ فيصلح أن يكون لقبا لكل ذي أصالة من أرباب السيوف والأقلام والأثيلي نسبة إليه للمبالغة
الأجل يكون في الاصطلاح من ألقاب السلطان كما يقال السلطان السيد الأجل ويكون من ألقاب السامي بغير ياء فما دونه فيقال السامي الأمير الأجل ونحو ذلك وهو مما ينكر على كتاب الزمان لاستعماله في الأعلى والأدنى على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى على أن هذا اللقب في الدولة الفاطمية كان هو أعلى الألقاب وأرفعها قدرا حتى قال ابن شيث في معالم (6/4)
الكتابة إنه محظور على غير الوزير وقد كانت الوزارة في زمانهم بمثابة السلطنة في زماننا فتصرف فيه الكتاب حتى استعملوه في أدنى الرتب أيضا والأجلي نسبه إليه للمبالغة
الأخص من ألقاب أرباب السيوف والكتاب يستعملونه في أدنى الألقاب مما تسقط فيه ياء النسب من السامي بغير ياء فما دونه على أن معناه رفيع لأخذه من الخصوصية وهي الانفراد بالشيء وكان الأحق أن يكون مختصا بالألزام المقربين دون غيرهم والأخصي نسبه إليه للمبالغة
الأخوي من الألقاب المختصة في الغالب بالمكاتبات الإخوانية وربما وقعت في المكاتبات الملوكية إذا كان قدر الملكين المتكاتبين متقاربا وهو نسبه إلى الأخوة وكأنه جعله أخاه حقيقة
الأريب من ألقاب أرباب الأقلام وهو في اللغة العاقل ومنه قيل للدهاء إرب بكسر الهمزة وإسكان الراء لأن الدهاء من جملة العقل والأريبي نسبه إليه للمبالغة
الأرقى من ألقاب ملوك المغرب وهو مأخوذ من الرقي وهو الارتفاع والعلو في الدرج
الأزكى من ألقاب ملوك المغرب أيضا وهو مأخوذ من الزكاة وهي الزيادة كأنه نسبه إلى الزيادة في الرفعة ونحوها
الأسرى بالسين المهملة من ألقاب ملوك المغرب وهو مأخوذ من (6/5)
السرو وهو سخاء في مروءة ومنه قبل لمن اشتمل على ذلك سري وبه لقب من لقب سري الدين
الاسفهسلار بسينين مهملتين بينهما فاء ثم هاء من ألقاب أرباب السيوف وكان في الدولة الفاطمية لقبا على صاحب وظيفة تلي صاحب الباب على ما تقدم بيانه في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية في المقالة الثانية ومعناه مقدم العسكر وهو مركب من لفظين فارسي وتركي فأسفه بالفارسية بمعنى المقدم وسلار بالتركية بمعنى العسكر والعامة تقول لبعض من يقف بباب السلطان من الأعوان أسباسلار بالباء الموحدة وكأنهم راعوا فيه معنى المقدم في الجملة والباء تعاقب الفاء في اللغة الفارسية كثيرا ولذلك قالوا أصبهان وأصفهان بالباء والفاء جميعا والأسفهسلاري نسبة إليه للمبالغة وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في بعض دساتيره أن هذا اللقب يختص بأمراء الطبلخاناه على أنه قد ترك استعماله في زماننا وكأنهم كرهوا مشاركة بعض الأعوان فيه فأضربوا عنه لذلك أو لم يفهموا معناه فتركوه
الأسنى من ألقاب ملوك المغرب وهو مأخوذ من السناء بالمد وهو الرفعة ويجوز أن يكون من السنا بالقصر وهو الضياء
الأشرف من ألقاب المقام والمقر في مصطلح كتاب الزمان على ما (6/6)
تقدم ذكره وربما وقع أيضا في ألقاب ملوك المغرب وهو أفعل التفضيل من الشرف بمعنى العلو
الأصعد من ألقاب ملوك المغرب وهو أفعل التفضيل من الصعود ضد الهبوط
الأصيل من ألقاب أرباب الأقلام غالبا وربما وقع في ألقاب أرباب السيوف إذا كان لصاحب اللقب عراقة نسب وهو فعيل من الأصل بمعنى الحسب والأصيلي نسبة إليه للمبالغة قال في عرف التعريف ويختص بمن له ثلاثة في الرياسة ابن عن أب عن جد
الأضخم من ألقاب ملوك المغرب وهو مأخوذ من الضخامة والمراد بها هنا العظمة وهي في أصل اللغة الغلظ واستعملت في العظمة تجوزا
الأعز من ألقاب ملوك المغرب وقد يستعمل في ألقاب من لم يثبت فيه ياء النسب من السامي بغير ياء فما دونه كالأخص فيقال الأعز الأخص ونحو ذلك وهو أفعل التفضيل من العز
الأعظم من ألقاب السلطان يقال فيه السلطان الأعظم ويقع في ألقاب ملوك المغرب أيضا وهو افعل التفضيل من العظمة وهي الكبرياء
الأعلى من ألقاب ملوك المغرب وهو أفعل التفضيل من العلو وهو الارتفاع (6/7)
الأعلم من ألقاب ملوك المغرب وهو أفعل التفضيل من العلم الذي هو خلاف الجهل
الأفخم من ألقاب ملوك المغرب وهو أفعل التفضيل من الفخامة وهي العظمة والقوة
الأفضل من ألقاب السلطان ويستعمل في ألقاب ملوك المغرب أيضا وهو افعل التفضيل من الفضل بمعنى الزيادة والمراد الزيادة في الفضيلة
الأكمل من ألقاب السلطان أيضا ويستعمل في ألقاب ملوك المغرب وفي ألقاب من لم تثبت فيه ياء النسب من السامي بغير ياء فما دونه والأكملي نسبة إليه للمبالغة
الإمام من ألقاب الخلفاء كما يقال في المكاتبات عنهم من عبد الله ووليه الإمام الفلاني وقد تقدم أن أول من تلقب به إبراهيم بن محمد أول من بويع له بالخلافة من بني العباس ويقع أيضا في ألقاب أكابر العلماء وأصل الإمام في اللغة الذي يقتدى به ولذلك وقع على المجتهدين كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة وهم الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد والإمامي نسبة إليه للمبالغة
الأمجد من ألقاب ملوك المغرب وربما كتب به للتجار ونحوهم في ألقاب الصدر الأجل وهو أفعل التفضيل من المجد وهو الشرف أو الأصالة
الأميري من ألقاب أرباب السيوف قال في عرف التعريف ويكتب به لكبار . . . وإن كانوا من أرباب الأقلام وذكر في دستور (6/8)
له آخر أنه يكتب به لنقيب الأشراف ولا يكتب له القضائي أصلا وإن كان من أرباب الأقلام وقد تقدم لقب الأمير مجردا عن ياء النسب وأصله المأخوذ منه في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف فأغنى عن إعادته هنا واعلم أنهم لم يستعملوا فيه النسبة لنفس الإمرة فلم يقولوا في النسبة إليه الإمري كما قالوا في النسبة إلى القضاء القضائي
الأمين من ألقاب التجار الخواجكية وألقاب الخدام المعروفين في زماننا بالطواشية خصوا بذلك لائتمان التجار على الجواري والمماليك في حال جلبهم إلى الملوك وائتمان الخدام على الحريم والمماليك بأبواب الملوك وهو مأخوذ من الأمانة ضد الخيانة والأميني نسبة إليه للمبالغة
الأوحد يقع في الألقاب السلطانية ويكون من ألقاب أرباب الأقلام لمن لا تثبت الياء في ألقابه من السامي بغير ياء فما دونه وفيه ما تقدم في الكلام على الأجل من الاعتراض على الكتاب في جمعهم الأعلى والأدنى في لقب واحد والأوحدي نسبة إليه للمبالغة حرف الباء
البارع من ألقاب أرباب الأقلام وهو فاعل من البراعة وهي النهضة بالشيء والتقدم فيه والبارعي نسبة إليه للمبالغة
البليغ من ألقاب أرباب الأقلام وأحسن ما يقع في ألقاب ذوي البلاغة من الكتاب ونحوهم وهو فعيل من البلاغة وهي تأدية كنه المراد بإيجاز لا يخل وإطناب لا يمل والبليغي نسبة إليه للمبالغة (6/9)
حرف التاء
التقي من ألقاب ملوك المغرب يقال التقي الزكي ونحو ذلك وربما استعمل بالديار المصرية في ألقاب أرباب الأقلام وأهل الصلاح وهو مأخوذ من التقوى كما تقدم في الأتقى حرف الجيم
الجليل من ألقاب من يكتب له الحاج كمقدمي الدولة ونحوهم ويقال فيه الحاج الجليل ونحو ذلك والجليل في أصل اللغة العظيم وكان مقتضى الوضع أن يكون لأعلى من هذه الرتبة حرف الحاء المهملة
الحاج من ألقاب مقدمي الدولة ومهتارية البيوت ومن في معناهم وإن لم يكن قد حج وإن كان موضوع الحاج في العرف العام إنما هو لمن حج البيت وإنما اصطلح لهم على ذلك حتى صار كالعلم عليهم
الحافظ من ألقاب المحدثين وأصله من الحفظ ضد النسيان واختص بالمحدثين لاحتياجهم إلى كثرة الحفظ لمتون الأحاديث وأسماء الرجال ونحو ذلك والحافظي نسبة إليه للمبالغة
الحافل من ألقاب ملوك المغرب ومعناه الكثير الجمع أخذا من قولهم واد حافل إذا كثر سيله
الحاكم من ألقاب القضاة قال أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب وأصله من الحكمة بفتح الكاف وهي حديدة مستديرة في اللجام (6/10)
تمنع الدابة من الجري والشباب سمي بذلك لأنه يرد الناس عن الظلم وأكثر ما يستعمله كتاب الزمان في عنوان المكاتبات في تعريف المكتوب إليهم وفي أثنائها في وصف المكتوب بسببه والحاكمي نسبة إليه للمبالغة
الحائز من ألقاب ملوك المغرب وهو فاعل من الحيازة وهي الحياطة والمراد الحائز للملك أو الحائز للفضائل ونحو ذلك
الحبر من ألقاب أكابر العلماء وهو بفتح الحاء وكسرها لغتان والذي اختاره ابن قتيبة في أدب الكاتب الكسر وبه سمي الحبر الذي يكتب به ولكن الجاري على السنة الناس الفتح والحبري نسبة إليه للمبالغة
الحجي بضم الحاء وكسر الجيم المشددة وفي الآخر ياء النسب من ألقاب أكابر القضاة والعلماء وهو منسوب إلى الحجة بحذف تاء التأنيث منه على قاعدة النسب كما تحذف من طلحة ونحوه على ما هو مقرر في علم النحو وبعض جهلة الكتاب يثبت فيه تاء التأنيث مع النسب فيقول الحجتي وهو خطأ ثم النسبة فيه حقيقية لأن المنسوب إليه وهو الحجة غير من له اللقب ويجوز أن تكون للمبالغة بأن يجعل صاحب اللقب هو نفس الحجة تجوزا وهو أبلغ
الحسيب من ألقاب الشرفاء من ولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من فاطمة رضي الله عنها أخذا من الحسب وهو ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه على ما ذكره جماعة من أهل اللغة ولذلك اختص في الاصطلاح بالشرفاء إذ كان آباؤهم أعظم الناس مفاخر لكن قد ذكر ابن السكيت في إصلاح (6/11)
المنطق أن الحسب يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف وعلى هذا فلا يختص هذا اللقب بذوي الأنساب التي فيها عراقة والحسيبي نسبة إليه للمبالغة حرف الخاء المعجمه
الخاشع من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وربما استعمل في العلماء بل ربما استعمل في أرباب السيوف إذا كان المكتوب له متصفا بذلك بل ربما استعمل في ألقاب بطاركة النصارى من الباب وغيره على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى والخاشع في اللغة الخاضع والمتذلل والخاشعي نسبة إليه للمبالغة
الخواجا من ألقاب أكابر التجار الأعاجم من الفرس ونحوهم وهو لفظ فارسي ومعناه السيد والخواجكي بزيادة كاف نسبة إليه للمبالغة وكأن الكاف في لغتهم تدخل مع ياء النسب
الخير بفتح الخاء وتشديد الياء المثناة تحت من ألقاب أهل الدين والصلاح وهو في أصل اللغة خلاف الشرير ثم غلب استعماله فيمن غلب عليه الخير والخيري نسبة إليه للمبالغة وقل أن يستعمله الكتاب إلا بإثبات الياء في آخره حرف الذال المعجمة
الذخر بضم الذال وإسكان الخاء من ألقاب أرباب السيوف وربما أطلق على غيرهم وأصله في اللغة لما يذخر من النفائس وهو مصدر ذخرت الشيء أذخره وكثيرا ما يغلط فيه فيجعل بالدال المهملة وممن وقع له الوهم في ذلك الشيخ جمال الدين الإسنوي في طبقات الفقهاء فأورد صاحب (6/12)
الذخائر في الدال المهملة والذخري نسبة إليه للمبالغة وأكثر ما يستعمله الكتاب كذلك حرف الراء المهملة
الرباني من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وربما لقب به العالم فيقال العالم الرباني قال الجوهري وهو المنألة والعارف بالله تعالى قال تعالى ( كونوا ربانيين )
الرحلة بضم الراء من ألقاب أكابر العلماء والمحدثين والرحلة في اللغة ما يرحل إليه لقب بذلك لأنه في حيز أن يرحل إليه للأخذ عنه أما الرحلة بالكسر فالارتحال والرحلي بالضم أيضا نسبة إليه للمبالغة
الرئيس بالهمزة على وزن فعيل من ألقاب علية الناس وأشرافهم ويقال فيه ريس على وزن قيم قاله الجوهري وأصله من الرياسة وهي رفعة القدر وعلو الرتبة والرئيسي نسبة إليه للمبالغة وغالب ما يستعمله الكتاب كذلك وهو من ألقاب أرباب الأقلام من العلماء والكتاب حرف الزاي
الزاهد من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وهو في اللغة خلاف الراغب والمراد هنا من اعرض عن الدنيا فلم يلتفت إليها والزاهدي نسبة إليه للمبالغة (6/13)
الزعيمي من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ومن في معناهم وهو نسبة إلى الزعيم بمعنى السيد والكافل وكأنه بولايته على القوم سادهم أو كفلهم وتولاهم ولم يستعملوا فيه الزعيم بغير ياء لأنه إذا كان مختصا بكبار أرباب السيوف دون أدانيهم وجب إثبات الياء للمبالغة
الزكي من ألقاب المتدينين من أرباب الأقلام وغيرهم يقال التقي الزكي ونحو ذلك وهو في أصل اللغة بمعنى الزاكي وهو الزائد وقد تقدم مثله في الأزكى في حرف الألف حرف السين المهملة
السالك من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وهو فاعل من السلوك والمراد سلوك سبيل الرشاد الموصل إلى الله تعالى والسالكي نسبة إليه للمبالغة
السامي من ألقاب المجلس وقد تقدمت الإشارة إليه في الكلام على الألقاب الأصول وأنه ينقسم إلى السامي بالياء والسامي بغير ياء فليراجع منه
السفيري قال في عرف التعريف وهو من الألقاب الخاصة بالدوادار (6/14)
على أني قد رأيته في بعض الدساتير الشامية قد كتب به لبعض التجار الخواجكية لسفارتهم بين الملوك وترددهم في الممالك لجلب المماليك والجواري ونحو ذلك وهو منسوب إلى السفير وهو الرسول والمصلح بين القوم نسبة مبالغة ولم يستعمله الكتاب مجردا عن الياء لأنه إذا كان خاصا بهذين ورتبتهما عليه لا يليق بها حذف الياء لم يناسب استعماله مجردا عنها
السلطاني من ألقاب الملوك فيثبت في ألقاب المقام الشريف ونحوه فيقال المقام الشريف العالي السلطاني ونحو ذلك وهو منسوب إلى السلطان وقد تقدم الكلام عليه في الكلام على أرباب الوظائف
السيد من الألقاب السلطانية يقال السلطان السيد الأجل ونحو ذلك ويقع في اللغة على المالك والزعيم ونحوهما والسيدي نسبة إليه للمبالغة وهو من الألقاب الخاصة بالجناب الشريف فما فوقه قال في عرف التعريف ولا يكتب به عن السلطان لأحد حرف الشين المعجمة
الشاهنشاه من الألقاب الملوكية المختصة بالسلطان وأكابر الملوك وهو لفظ فارسي معناه بالعربية ملك الأملاك وقد ورد النهي عن التسمي به وفي الحديث أنه قال إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك لا ملك الأملاك إلا الله قال سفيان بن عيينة معناه شاهنشاه ولذلك يحذفه المتدينون من الكتاب من الألقاب السلطانية وقد أشار إلى ذلك في التثقيف في مكاتبة صاحب المغرب (6/15)
واعلم أنه كان قد وقع في تلقيب الملوك بهذا اللقب نزاع بين العلماء في سلطنة السلطان ( ( جلال الدولة ) ) السلجوقي في سنة تسع وعشرين وأربعمائة كما حكاه ابن الأثير في تاريخه ( ( الكامل ) ) وذلك أن السلطان جلال الدولة كان قد سأل أمير المؤمنين ( القائم بأمر الله ) الخليفة يومئذ في أن يخاطب بملك الملوك فامتنع فكتب فتوى للفقهاء في ذلك فكتب القاضي أبو الطيب الطبري والقاضي أبو عبد الله الصيمري والقاضي ابن البيضاوي وأبو القاسم الكرخي بجوازه ومنع منه أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي وجرى بينه وبين من أفتى بجوازه مراجعات وخطب لجلال الدولة ب ( ( ملك الملوك ) ) وكان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة وكان يتردد إلى دار المملكة كل يوم فلما أفتى في ذلك بالمنع انقطع ولزم بيته خائفا " وأقام منقطعا " من شهر رمضان إلى يوم النحر فاستدعاه جلال الدولة فحضر خائفا " فأدخله عليه وحده وقال له قد علم كل أحد أنك من أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا وقد خالفتهم فيما خالف هواي ولم تفعل ذلك إلا لعدم المحاباة منك واتباع الحق وقد بان لي موضعك من الدين ومكانك من العلم وجعلت جزاء ذلك إكرامك بأن أدخلتك إلي وحدك وجعلت إذن الحاضرين إليك ليتحققوا عودي إلى ما تحب فشكره ودعا له وأذن لكل من حضر للخدمة بالانصراف (6/16)
الشريف من ألقاب المقر والجناب من حيث إنه يقال المقر الشريف والجناب الشريف وذكر في عرف التعريف أنه مختص بالأشراف أبناء فاطمة من علي رضي الله عنهما وكأنه يريد في الألقاب المطلقة التي لا تلي المقر والجناب وهو فعيل من الشرف وهو العلو والرفعة قال ابن السكيت ولا يكون إلا لمن له أباء يتقدمونه في الشرف بخلاف الحسيب ومن هنا جعله الكتاب أعلى رتبة من الكريم لاشتماله على قدر زائد لا يعتبر في الكريم من عراقة الأصل وشرف المحتد والشريفي نسبة إليه للمبالغة
الشهير من ألقاب ملوك المغرب ومعناه المشهور الظاهر والمراد هنا من أشتهر علو قدره ورفعته
الشيخ من ألقاب العلماء والصلحاء وأصله في اللغة الطاعن في السن ولقب به أهل العلم والصلاح توقيرا لهم كما يوقر الشيخ الكبير والشيخي نسبة إليه للمبالغة حرف الصاد المهملة
الصاحب من ألقاب الوزراء قال في عرف التعريف وهو مختص بأرباب الأقلام منهم دون أرباب السيوف . وهو في أصل اللغة اسم للصديق وأول من لقب به من الوزراء كافي الكفاة إسماعيل بن عباد وذلك (6/17)
أنه كان يصحب الأستاذ ابن العميد فكان يقال له بذلك صاحب ابن العميد ثم غلب عليه حتى استعمل فيه بالألف واللام ثم صار لقبا على كل من ولي الوزارة بعده على أن كتاب الإنشاء بالممالك الشامية يلقبون العلماء من قضاة القضاة ومن في معناهم بذلك وهم على ذلك إلى الآن بخلاف كتاب الديار المصرية فإنهم يقصرونه على الوزراء دون غيرهم كما تقدمت الإشارة إليه والصاحبي نسبة إليه للمبالغة وهو المستعمل عند كتاب الإنشاء وبغير الياء في العرف العام
الصالح من ألقاب أهل الصلاح والصوفية يقال الشيخ الصالح ونحو ذلك وهو مأخوذ من الصلاح ضد الفساد ولم يستعملوه بإثبات ياء النسب فلم يقولوا الصالحي وكأنهم تركوا ذلك خوفا من الالتباس بالنسبة إلى البلد المعروف أو غيره
الصدر من ألقاب التجار ونحوهم والمراد من يكون صدرا في المجالس وصدر كل شيء في اللغة أوله وعبر عن صدر المجلس بأوله لأنه في الحقيقة أول المجلس وكل جانب من جانبيه تلو له والصدري نسبة إليه للمبالغة (6/18)
حرف الطاء
الطاهر من ألقاب ملوك المغرب والمراد المتنزه عن الأدناس حرف الظاء
الظهيري من ألقاب كبار أرباب السيوف كأعيان الأمراء من نواب السلطنة وغيرهم وهو نسبة إلى الظهير بمعنى العون للمبالغة ومنه قوله تعالى ( لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب لاختصاص المظاهرة بأكابر أرباب السيوف وهو بغير الياء لا يقع إلا على الأدوان منهم حرف العين
العابد من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وهو فاعل من العبادة وهي الطاعة وربما استعمل في أرباب السيوف والأقلام أيضا لاتصاف متصف منهم بذلك أو وقوعه أولا على متصف به منهم ثم لزومه من بعده من أهل تلك المرتبة كما في نائب الشام حيث كتب لبيدمر الخوارزمي في نيابته بذلك ثم لزم من بعده من نواب الشام والنائب الكافل على ما سيأتي ذكره في المكاتبات إن شاء الله تعالى
العادل من ألقاب السلطان وهو خلاف الجائر وذلك أعلى ما وصف به الملك ونحوه من ولاة الأمور لأن العدل به تقع عمارة الممالك والعادلي نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف من النواب ونحوهم (6/19)
العارف من ألقاب أكابر أهل الصلاح وهو خلاف الجاهل ومنهم من يفرق بينه وبين العالم بأن المعرفة قد يتقدمها جهل والعلم لا يتقدمه جهل ولذلك لم يطلق اسم العارف على الباري سبحانه وتعالى بخلاف العالم فإنه يطلق عليه والعارفي نسبة إليه للمبالغة
العاضد من ألقاب ملوك المغرب وهو في أصل اللغة اسم للمعين يقال عضدته أعضده إذا أعنته
العالم من ألقاب السلطان وهو خلاف الجاهل ثم هو في الحقيقة إنما هو من ألقاب العلماء إلا أنهم نعتوا به الملوك تعظيما إذ العلم كل أحد يزاحم على الاتصاف به والعالمي نسبة إليه للمبالغة وهو من الألقاب المشتركة في الاصطلاح بين أرباب السيوف والأقلام وإن كان المختص بها في الحقيقة العلماء
العالي من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف والأقلام ويوصف به المقام والمقر والجناب والمجلس في إحدى حالتيه وهو من العلاء بالمد وهو الشرف يقال علي بكسر اللام يعلى بفتحها إذا شرف ومنه قيل في علي ونحوه علاء الدين ويحتمل أن يكون من العلو في المكان يقال فيه علا بفتح اللام يعلو علوا وسيأتي معنى الفرق بينه وبين السامي وإن كان بمعناه في اللغة
العامل من ألقاب أهل الصلاح والمراد المجد في العمل المجتهد في العبادة والعاملي نسبة إليه للمبالغة وهو من الألقاب المشتركة بين أرباب السيوف والأقلام كالعالمي
العريق من ألقاب ذوي الأصالة وأكثر ما يقع على أرباب الأقلام والمراد من له عراقة في كرم الأصل والعريقي نسبة إليه للمبالغة العزيز من ألقاب ديوان الخلافة يقال فيه الديوان العزيز على (6/20)
ما سيأتي بيانه في المكاتبة إلى أبواب الخلافة وربما استعملوه في الولد فقالوا الولد العزيز ولم يستعملوه مضافا إلى النسب
العضد من ألقاب أرباب السيوف وهو في الأصل اسم للساعد وهو ما بين المرفق والكتف واستعمل في المعين والمساعد لقيامه في المساعدة مقام العضد الحقيقي من الإنسان ثم الأفصح فيه فتح العين مع ضم الضاد ويجوز فيه كسر الضاد وإسكانها مع الفتح أيضا وضم العين مع إسكان الضاد والعضدي نسبة إليه للمبالغة
العوني من الألقاب المختصة بأكابر أرباب السيوف وهو نسبة إلى العون وهو الظهير على الأمر المعاون عليه ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب لوقوع العون على الواحد من أعوان صاحب الشرطة ونحوه
العلامة بالتشديد من ألقاب أكابر العلماء قال الجوهري وهو العالم للغاية وقل أن يستعملوه إلا في ألقاب المكتوب بسببه ونحو ذلك وحذف الهاء منه لغة وليست بمستعملة بين الكتاب أصلا والعلامي نسبة إلى العلام أو العلامة للمبالغة قال في عرف التعريف ويختص بالمفتي حرف الغين المعجمة
الغازي من ألقاب أرباب السيوف وهو من الأسماء المنقوصة كالقاضي ونحوه وقل أن يستعمل إلا في ألقاب السامي بغير ياء فما دونه
الغوث بالثاء المثلثة من ألقاب الصوفية وهو عندهم لقب على القطب الذي هو رأس الأولياء وأصله في اللغة من قول الرجل واغوثاه وقل أن تستعمله الكتاب بل لم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب أصلا
الغياثي من ألقاب أرباب السيوف وأكثر ما يستعمل في الملوك وهو في اللغة الاسم من استغاثني فأغثته وأصله الغواثي بالواو فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها (6/21)
حرف الفاء
الفاتح من ألقاب ملوك المغرب وهو فاعل من الفتح بمعنى النصر والمراد فتح الأمصار وتملكها
الفاضل من ألقاب أرباب الأقلام وأكثر ما يقع في ألقاب العلماء وربما وقع في ألقاب الكتاب وهو خلاف الناقص والمراد زائد الفضل وبه لقب القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني الكاتب المشهور والفاضلي نسبة إليه للمبالغة
الفائز من ألقاب ملوك المغرب وهو فاعل من الفوز بمعنى النجاة أو الظفر وقد يشاحح في التلقيب به فإن الفوز يطلق على الهلاك أيضا على ما هو مقرر في كتب اللغة ومثل ذلك يجب اجتنابه لما فيه من الاشتراك بين المحمود والمذموم إلا أنه غلب استعماله في النجاة حتى إنه لم يرد في القرآن إلا بمعناها ولذلك عول الكتاب على استعماله
الفقيه من ألقاب العلماء وهو اسم فاعل من فقه بضم القاف إذا صار الفقه له سجية ككرم إذا صار الكرم له سجية قال المسيلي في شرح مختصر ابن الحاجب وإنما يقع على المجتهد دون المقلد أما إطلاقه على فقهاء المكاتب ونحوهم فعلى سبيل المجاز على أن الكتاب بالديار المصرية لم يستعملوا هذا اللقب إلا في القليل النادر بل كثير من جهلة الكتاب وغيرهم (6/22)
يستصغرون التلقيب به ويعدونه نقصا وإنما يعظم به جد التعظيم أهل المغرب والفقيهي نسبة إليه للمبالغة وهو مستعمل في ألقاب العلماء
الفريدي من ألقاب أكابر العلماء وهو نسبة إلى الفريد بمعنى المنفرد للمبالغة والمراد المنفرد بما لم يشاركه فيه غيره ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب حرف القاف
القاضوي من ألقاب أرباب الأقلام وهو نسبة إلى القاضي للمبالغة ثم في الحقيقة كان يجب أن يختص بالقضاة الذين هم حكام الشريعة دون غيرهم إلا أنه توسع فيه حتى استعمل في غيرهم من ألقاب أرباب الأقلام
القدوة بكسر القاف وضمها لغة من ألقاب العلماء والصلحاء وهو بمعنى الأسوة يقال فلان قدوة يقتدى به والقدوي نسبة إليه للمبالغة وحذفت منه تاء التأنيث المبدلة من الهاء على قاعدة النسب عند النحاة وكثير من جهلة الكتاب يثبتون فيه تاء التأنيث مع النسب فيقولون القدوتي وهو خطأ كما تقدم في الكلام على الحجة في حرف الحاء
القضاميري من الألقاب التي يستعملها بعض الكتاب في ألقاب من اجتمع له رياسة السيف والقلم وهو نسبة إلى القضاء والأمير تشبيها بمذهب من يرى النسبة إلى المضاف والمضاف إليه جميعا فيقول في النسبة إلى عبد شمس عبشمي وإلى عبد الدار عبدري ونحو ذلك وهو مذهب مرجوح على ما تقدم بيانه في المقالة الأولى في الكلام على النحو والأحسن فيه النسبة إلى كل منهما على انفراده فيقال القضائي الأميري أو الأميري القضائي وعلى العمل به فاللائق بعلو الرتبة أن يقال القاضميري ليكون مركبا من القاضوي والأميري إذ كان القاضوي في المعنى أبلغ من القضائي لما في القاضوي من المبالغة على ما تقدم بيانه (6/23)
القضائي من ألقاب أرباب الأقلام وهو نسبة إلى القضاء فلا مبالغة فيه
القطب من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وهو عندهم عبارة عن رأس الأولياء الذي عليه مدارهم كما تقدم في الغوث وقل أن يستعمله الكتاب ولم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب فيما وقفت عليه أصلا والقطب في أصل اللغة كوكب بين الجدي والفرقدين يدور عليه الفلك فيما قاله الجوهري والتحقيق أنه نقطة متوهمة بالقرب من هذا الكوكب على ما هو مقرر في علم الهيئة ولذلك قيل لسيد القوم الذي عليه مدار أمرهم قطب بني فلان ومن هنا عبروا عن مدار الأولياء بالقطب وقل أن يستعمله الكتاب ولم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب فيما وقفت عليه
القوامي بفتح القاف من ألقاب أرباب السيوف وهو نسبة إلى القوام وهو العدل ومنه قوله تعالى ( وكان بين ذلك قواما ) ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب حرف الكاف
الكافل من الألقاب المختصة بنائب السلطنة بالحضرة يقال فيه النائب الكافل ونحو ذلك والكافل في اللغة الذي يكفل الإنسان ويعوله ومنه قوله تعالى ( وكفلها زكريا ) ولقب بذلك لأنه يكفل الرعية ويعولهم والكافلي نسبة إليه للمبالغة قال في عرف التعريف وهو مختص بنائب سلطان أو وزير كبير وذكر في دستور آخر أنه لا يكتب به لغيرهما
الكبير من الألقاب المشتركة بين أرباب السيوف والأقلام وهو في الأصل لخلاف الصغير والمراد هنا الرفيع الرتبة والكبيري نسبة إليه للمبالغة (6/24)
الكريم من ألقاب المقر والجناب ويشترك فيه أرباب السيوف والأقلام والكريم خلاف اللئيم فيما يقتضيه كلام الجوهري حيث قال الكرم نقيض اللؤم وحينئذ فيكون المراد بالكريم الخالص من اللؤم ومن ثم جعل دون الشريف في الرتبة إذ في الشرف قدر زائد على ذلك وهو اعتبار ثبوت رفعة القدر بل اعتبار ذلك في آبائه أيضا كما قاله ابن السكيت على ما تقدم ذكره في الكلام على لقب الشريف ويوضح ذلك أن الفقهاء قالوا يستحب في الزوجة أن تكون نسيبة فحمله بعضهم على الصحيحة النسب احترازا بذلك عن بنت الزنا وحمله آخرون على العراقة في النسب والأول في معنى الكرم الذي لم يعتبر فيه سوى خلوصه من اللؤم والثاني بمعنى الشريف الذي اعتبر فيه قدر زائد ثم هو فعيل من كرم بضم الراء إذا صار الكرم له سجية كما تقدم في الفقيه
الكفيلي من ألقاب أكابر نواب السلطنة وهو أعلى من الكافل لأن صيغة فعيل أبلغ من صيغة فاعل على ما هو مقرر في علم النحو والتصريف حرف اللام
اللبيب من ألقاب أرباب الأقلام وهو فعيل من اللب وهو العقل واللبيبي نسبة إليه للمبالغة
اللوذعي بالذال المعجمة من ألقاب أرباب الأقلام وهو الذكي القلب حرف الميم
الماجد من ألقاب أرباب الأقلام غالبا وربما أطلق على غيرهم وهو مختص بذوي الأصالة فقد قال ابن السكيت إن المجد لا يكون إلا بالآباء والماجدي نسبة إليه للمبالغة
المالكي من الألقاب المختصة بأكابر أرباب السيوف والأقلام قال (6/25)
في عرف التعريف ولا يكتب به عن السلطان لأحد وهو نسبة إلى المالك الذي هو خلاف المملوك للمبالغة ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب
المثاغر بالثاء المثلثة من ألقاب السلطان والمراد القائم بسد الثغور وهي البلاد التي في نحر العدو أخذا من الثغر وهو السن لأنه كالباب على الحلق الذي يمتنع الوصول إليه إلا منه والمثاغري نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم
المتصرفي من ألقاب الوزراء ومن في معناهم والمراد من ينفذ تصرفه في الأمور ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب
المجاهد من الألقاب السلطانية والمراد المجاهد في سبيل الله تعالى وربما استعمل في ألقاب السامي من غير ياء فما دونه كما تقدم في الغازي والمجاهدي نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم
المجتهد من ألقاب العلماء والمراد به في الأصل من يستنبط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وقل أن يستعمله الكتاب والمجتهدي نسبة إليه للمبالغة وأكثر استعماله كذلك
المحترم من ألقاب العامة ممن يلقب بالصدر الأجل فيقال الصدر الأجل الكبير المحترم ونحو ذلك
المحقق من ألقاب العلماء وربما استعمل في ألقاب الصوفية والمراد أنه يأتي بالأشياء على حقائقها لحدة ذهنه وصحة حدسه والمحققي نسبة إليه للمبالغة
المختار من ألقاب أرباب السيوف غالبا ويختص بالسامي بغير ياء (6/26)
فما دونه وهو اسم مفعول من الاختيار بمعنى أن الملوك وأرباب الأمور يختارونه على أن اسم الفاعل منه أيضا المختار كلفظ المفعول على السواء وإنما ترشد إليه القرائن
المخدوم من الألقاب المختصة بالمكاتبات والمراد من هو في رتبة أن يكون مخدوما لعلو رتبته وسمو محله والمخدومي نسبة إليه للمبالغة قال في عرف التعريف ولا يكتب به عن السلطان لأحد المدبري من ألقاب الوزراء ومن في معناهم ككتاب السر ونحوهم وهو نسبة إلى المدبر بكسر الباء الموحدة وهو الذي ينظر في الأمر وما تؤول إليه عاقبته ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب
المدقق من ألقاب العلماء وهو الذي ينعم النظر في المسائل ويدققه والمدققي نسبة إليه للمبالغة
المرابط من الألقاب السلطانية وهو مفاعل من الرباط وهو ملازمة ثغر العدو والمرابطي نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم
المربي من ألقاب الصوفية والمراد من يربي المريدين ويسلكهم ويعرفهم الطريق إلى الله تعالى
المرتضى من ألقاب أرباب السيوف والأقلام ويختص بالسامي بغير ياء فما دونه والمراد من يرضاه ولاة الأمور ويختارونه
المرشد من ألقاب ملوك المغرب وربما استعمل في ألقاب الصوفية والمراد من يرشد الناس إلى الحق ويهديهم السبيل والمرشدي نسبة إليه للمبالغة (6/27)
المسددي من ألقاب أرباب السيوف وألقاب الوزراء ومن في معناهم وهو بفتح الدال المشددة نسبة إلى المسدد وهو اسم مفعول من السداد بالفتح وهو الصواب والقصد من القول والعمل ويجوز أن يكون بالكسر على أنه اسم فاعل منه بمعنى أنه يسدد غيره ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب
المسلك بتشديد اللام المكسورة من ألقاب الصوفية وهو اسم فاعل من تسليك الطريق وهو تعريفها والمراد تعريف المريدين الطريق إلى الله تعالى وأصل التسليك إدخال الشيء في الشيء ومنه قيل للخيط سلك لقب بذلك لإدخاله المريدين في الطريق والمسلكي نسبة إليه للمبالغة
المشيدي بتشديد الياء المكسورة من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم وهو نسبة إلى المشيد فاعل من التشييد وهو رفع البناء ومنه قوله تعالى ( وقصر مشيد ) أي مرتفع والمراد أنه يشيد قواعد المملكة ويرفعها ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب إذ لا يليق بالأدنين
المشيري من ألقاب الوزراء وأكابر الأمراء ومن ضاهاهم ممن يؤخذ رأيه في الأمور قال في عرف التعريف ولا يسمح به لأحد من أرباب السيوف ما لم يكن مقدم ألف وهو نسبة إلى المشير وهو الذي يؤخذ رأيه واختلف في أصله المأخوذ منه فقيل من شرت العسل إذا استخرجته من كوارة النحل لأن الرأي يستخرج من المشير وقيل من شرت الناقة إذا عرضتها على الحوض لأن المستشير يعرض ما عنده على المشير ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب لانحطاطه عن رتبة الأكابر
المظاهر من ألقاب ملوك المغرب ومعناه المعاون أخذا من المظاهرة وهي المعاونة (6/28)
المظفر من الألقاب السلطانية أخذا من الظفر وهو النصر والمظفري نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف
المعرق بضم الميم وإسكان العين وكسر الراء من ألقاب ملوك المغرب والمراد به من أعرق في الكرم على أن المعرق قد يطلق في اللغة على المعرق في اللؤم أيضا فهو من الأضداد ومثل ذلك يجتنب في التلقيب
المعزز بزاءين معجمتين الأولى منهما مشددة مفتوحة من ألقاب ملوك المغرب وهو اسم مفعول من العز خلاف الذل ومنه قراءة من قرأ ( ويعززوه ويوقروه ) بزاءين معجمتين
المعظم بفتح الظاء المشددة من ألقاب ملوك المغرب أيضا وهو اسم مفعول من العظمة وهي الجلالة وربما استعمل في ألقاب بعض ملوك الكفر على ما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى
المفخم بفتح الخاء المعجمة المشددة من ألقاب ملوك المغرب وهو مأخوذ من الفخامة وهي والضخامة
المفوه بفتح الواو المشددة من ألقاب البلغاء من الكتاب وغيرهم وهو البليغ اللسن والمفوهي نسبة إليه للمبالغة
المفيد من ألقاب العلماء وهو اسم فاعل من الإفادة وهي إنالة الشخص ما لم يكن حاصلا عنده والمفيدي نسبة إليه للمبالغة
المقدمي بفتح الدال المشددة من ألقاب أرباب السيوف ويختص بمقدمي الألوف من الأمراء والمراد أنه مقدم على مضاهيه من الأمراء والأجناد ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب (6/29)
المقرب بفتح الراء المشددة من ألقاب الخدام والخواجكية والمراد أنه مقرب عند الملوك ومن في معناهم وهو من القرب خلاف البعد والمقربي نسبة إليه للمبالغة
المكرم بفتح الراء المشددة من ألقاب ملوك المغرب وهو مفعل من الكرامة
الملكي بفتح اللام من ألقاب الملك وألقاب أتباعه المنسوبين إليه من الأمراء والوزراء ومن في معناهم وهو نسبة إلى الملك بكسر اللام وإنما فتحت لامه في النسب جريا على قاعدة النسب في نمر فإنه ينسب إليه نمري بفتح الميم على ما هو مقرر في علم النحو على أن كثيرا من كتاب الزمان يغلطون فيه فيكسرون لامه في النسب أيضا وهو خطأ ثم النسبة إن كانت في حق الملك نفسه كقولهم في ألقاب الملك الملكي فالنسبة فيه للمبالغة وإن كانت في حق أحد من أتباعه كقولهم في حق بعض الأمراء ونحوهم الملكي الفلاني فالنسبة فيه على حقيقة النسب
الممجد بفتح الجيم المشددة من ألقاب ملوك المغرب وهو مفعل من المجد وهو الشرف وقد تقدم في الكلام على الماجد عن ابن السكيت أنه يكون المجد للرجل وإن لم يتقدمه شرف آباء
الممهدي بكسر الهاء المشددة من ألقاب أكابر أرباب السيوف نسبة إلى الممهد وهو الذي يمهد الممالك ويدوخها والنسبة فيه للمبالغة ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب
المنتخب من ألقاب التجار الخواجكية وهو المختار والمنتخبي نسبة (6/30)
إليه للمبالغة
المنفذي بكسر الفاء المشددة وبالذال المعجمة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم نسبة إلى المنفذ وهو الذي له معرفة بتنفيذ الأمور ووضع الأشياء في مواضعها والنسبة فيه للمبالغة ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب
المنصفي من ألقاب الوزراء وولاة الأمور نسبة إلى المنصف وهو الذي ينصف المظلوم من الظالم والنسبة فيه للمبالغة ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب
المنصور من الألقاب السلطانية يقال منه المؤيد المنصور ونحو ذلك ومعناه ظاهر والمنصوري نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم
المؤتمن من ألقاب الخدام والتجار الخواجكية والمراد أن الخدام يؤتمنون على الحريم والمماليك في الحضر والتجار يؤتمنون على المماليك والجواري في السفر أو يؤتمنون على أخبار الممالك وأحوالها فلا يخبرون عن مملكة بمملكة أخرى إلا بما فيه السداد
المولى من ألقاب الكتاب وأكثر ما يجري ذلك في تعيين كاتب السر ونحوه فيقال المولى فلان الدين والمراد هنا السيد والمولوي نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف والأقلام قال في عرف التعريف ولا يكتب به عن السلطان لأحد على أن المولى لفظ مشترك يقع في اللغة على السيد كما تقدم ويعبر عنه بالمولى من أعلى ويقع على المملوك والعتيق ويعبر عنه بالمولى من أسفل ويقع على المنضم إلى القبيلة من غير أنفسها كما يقال في الإمام البخاري الجعفي مولاهم بمعنى أنه ليس (6/31)
من صلب القبيلة ويطلق على غير ذلك أيضا وإذا كان مشتركا بين المولى من أعلى والمولى من أسفل فكان الأحسن الإضراب عنه
المؤيد بفتح الياء المشددة من الألقاب السلطانية وبالكسر من ألقاب السامي بالياء فما دونه والمراد أنه يؤيد الملك وينصره وكلاهما مأخوذ من الأيد وهو القوة والمراد أن الله تعالى يؤيده ويقويه ومنه قولهم في الدعاء أيده الله تعالى أي قواه والمؤيدي بالفتح من الألقاب الملوكية نسبة إلى المؤيد بالفتح للمبالغة وبالكسر من ألقاب أكابر أرباب السيوف نسبة إلى المؤيد بالكسر للمبالغة الملاذي بالذال المعجمة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم من ولاة الأمور وهو منسوب إلى الملاذ بمعنى الملجإ نسبة مبالغة ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب حرف النون
الناسك من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح ومعناه العابد أخذا من النسك وهو العبادة والناسكي نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب الصلحاء أيضا وربما كتب به لأرباب السيوف والأقلام إذا كان فيهم من ينسب إلى الصلاح
النبوي من ألقاب ديوان الخلافة وما في معناه من متعلقاتها يقال فيه الديوان العزيز النبوي ونحو ذلك ويقع أيضا في ألقاب ولاة العهد بالخلافة وربما وقع في ألقاب الأشراف وهو نسبة إلى النبوة لانتساب الخلافة العباسية إلى العباس عم النبي وانتساب الأشراف إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها (6/32)
النسيب من ألقاب الشرفاء أبناء فاطمة من علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والمراد العريق في النسب لقبوا بذلك لأنهم أعرق الناس نسبا لانتسابهم إلى بنت رسول الله ومن خصائصه جواز نسبة أولاد بناته إليه بخلاف غيره على ما هو مقرر في كتب الفقه وقد أوضحت ذلك في كتابي المسمى بالغيوث الهوامع في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع في أوائل النكاح والنسبي نسبة إليه للمبالغة
النصير من ألقاب أرباب السيوف للمجلس السامي بالياء فمن دونه وهو بمعنى الناصر إلا أنه أبلغ منه لأن صيغة فعيل أبلغ من صيغة فاعل على ما تقدم والنصيري نسبة إليه للمبالغة في نصره
النظامي من ألقاب الوزراء ومن في معناهم وهو نسبة إلى النظام وهو صورة الاجتماع والالتئام ومنه نظم اللؤلؤ وغيره والمراد أنه يكون به انتظام الأمور وآلتئامها وحينئذ فيكون النسب فيه على حقيقته لأنه نسبة إلى غير صاحب اللقب ويجوز أن تكون النسبة فيه للمبالغة على معنى أن صاحب اللقب قد جعل عن النظام تجوزا ولم يستعملوه مجردا عن ياء النسب
النوين بضم النون وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر من ألقاب كفال الممالك بالممالك القانية كنائب السلطنة وأمراء (6/33)
الألوس والوزير ونحوهم فيما كان عليه مملكة إيران إلى آخر مملكة أبي سعيد والنويني نسبة إليه للمبالغة قال في التثقيف وهو بمثابة الكافلي في ألقاب النواب قال وهو نعت يستعمل دائما لأهل تلك البلاد ولا يستعملون الكافلي أصلا حرف الهاء
الهمام من ألقاب أرباب السيوف والمراد الشجاع والهمامي نسبة إليه للمبالغة حرف الواو الوالدي من ألقاب المسنين من الأكابر وهو نسبة إلى الوالد وكأنه جعله والدا له فتكون النسبة إليه على حقيقة النسب لأن النسبة فيه ليست إلى صاحب اللقب نفسه وربما قصد بذلك الوالد حقيقة وأكثر ما يقع هذا اللقب في المكاتبات
الورع من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وربما لقب به أرباب السيوف والأقلام أيضا إذا اتصفوا بذلك والمراد من يتنزه عن الوقوع في الشبهات وهو في اللغة التقي يقال منه ورع يرع بكسر الراء فيهما ورعا فهو ورع والورعي نسبة إليه للمبالغة
الوزيري من الألقاب الخاصة بالوزراء من أرباب السيوف والأقلام (6/34)
وهو نسبة إلى الوزير وقد تقدم معناه واشتقاقه في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف
الولدي من ألقاب الأحداث من الرؤساء وهو نسبة إلى الولد كأنه جعله ولدا له وربما وقع على الولد حقيقة وأكثر ما يقع في المكاتبات كما تقدم في الوالدي حرف اللام ألف
الألمعي من ألقاب الأذكياء قال الجوهري ومعناه الذكي المتوقد حرف الياء
اليميني من ألقاب الدوادار وكاتب السر والحاجب قال في عرف التعريف ولا يقال لغيرهم وهو نسبة إلى اليمين كأنه يمين السلطان الذي يتناول به الأشياء وإلا فمجلس كاتب السر بدار العدل عن يسار السلطان والدوادار والحاجب قائمان أمامه
الضرب الثاني المركبة المعبر عنها في اصطلاح الكتاب بالنعوت وهذه جملة منها مرتبة على حروف المعجم أيضا
حرف الألف
أتابك العساكر من نعوت الأمير الأتابك ومن في معناه كالنائب الكافل ومن في رتبته وذكر في عرف التعريف أنه مما يختص بالنائب الكافل وقد تقدم ذكر معنى الأتابك في الكلام على الألقاب الأصول والعساكر جمع عسكر وهو الجيش (6/35)
إسكندر الزمان من الألقاب السلطانية والمراد بالإسكندر هنا الإسكندر بن فيلبس اليوناني وهو الذي يؤرخ بظهوره على الفرس وغلبته إياهم عل ما سيأتي في الكلام على التاريخ في أواخر هذه المقالة
كان ملكا عظيما ملك الشأم وبيت المقدس والعراقين والسند والهند وبلاد الصين والتبت وخراسان وبلاد الترك وذلت له سائر الملوك وهاداه أهل الغرب والأندلس والسودان وهو الذي بنى مدينة الإسكندرية ويقال إنه ذو القرنين الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه والصحيح أن ذا القرنين ملك عظيم كان قبل الإسكندر بزمن طويل
أثير الإمام من ألقاب أرباب الأقلام غالبا وهو أثير بمعنى مأثور والمراد أن الإمام يؤثره على غيره فيقدمه عليه
إعتضاد صناديد الزمان من ألقاب أرباب السيوف وقد يكتب به لبعض الملوك والاعتضاد الاستعانة يقال اعتضدت بفلان إذا استعنت به والصناديد جمع صنديد وهو الشجاع
أكرم نجباء الأبناء في العالمين من ألقاب الرؤساء من أرباب الأقلام وأكرم أفعل التفضيل من الكرم خلاف اللؤم والنجباء جمع نجيب وهو الكريم
أجمل البلغاء في العالمين من ألقاب أرباب البلاغة من الكتاب وغيرهم ومعناه ظاهر
الذاب عن حوزة المؤمنين من ألقاب ملوك المغرب ويصلح لكل (6/36)
ملك مسلم يقوم بفرض الجهاد والذاب الدافع والحوزة بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة الناحية
القائم في مصالح المسلمين من ألقاب ملوك المغرب ذكر في التعريف أنه يكتب به إلى صاحب تونس ويصلح لكل متصف بذلك من ملوك الإسلام ومعناه ظاهر
المجاهد عن الدين من ألقاب ملوك المغرب ومعناه ظاهر أيضا
المعفي ملوك آل ساسان وبقايا فراسياب وخاقان من ألقاب عظماء ملوك الأعاجم وقد ذكره في التعريف في ألقاب صاحب الهند والمعفي بتشديد الفاء المسكورة الماحي للأثر يقال عفت الريح كذا بالتشديد إذا درسته ومحت أثره وشدد للمبالغة
وآل ساسان ملوك الأكاسرة وهم الطبقة الرابعة من ملوك الفرس الساسانية إلى أن غلبهم الإسلام وانتزع الملك من أيديهم ينسبون إلى جدهم ساسان وهو ساسان بن أردشير يهن بن كيبستاسف من ملوك الطبقة الثانية فيهم على ما سيأتي بيانه في الكلام على مكاتبة ملوك إيران في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
وفراسياب بفاء في أوله ثم سين مهملة بعدها ياء ثم ألف وباء موحدة ملك عظيم من ملوك الترك ويقال إن أصله من أبناء ملوك الفرس وهو فراسياب بن طوج بن أفريدون من الطبقة الأولى من ملوك الفرس وإن (6/37)
ابن عمه منوشهر غلب عليه بعد أن قتل أباه طوجا ففر إلى بلاد الترك وتزوج منهم وانتهت به الحال إلى أن ملكهم وعظم ملكه فيهم
وخاقان بخاء معجمة وقاف ونون ملك من ملوك الترك أيضا كان في زمن كسرى أنوشروان فيما يقتضيه كلام أبي هلال العسكري في كتابه الأوائل حيث ذكر أنه كان بينه وبينه حرب
المواقف المقدسة من ألقاب الخلفاء في مخاطباتهم في المكاتبات ونحوها والمراد الأماكن التي يقف فيها الخليفة كني بها عن الخليفة تنويها عن التصريح بذكره والمقدسة المطهرة والمراد طهارتها عن الأدناس المعوية
إمام الأئمة من ألقاب العلماء وربما قيل إمام الأئمة في العالمين
إمام البلغاء من ألقاب أهل البلاغة من الكتاب ومن في معناهم
إمام المتكلمين من ألقاب العلماء وهو بأهل المعقول أليق لإطلاق علم الكلام على أصول الدين وإنما سمي بذلك لأنه لما وقع القول بخلق القرآن في صدر الإسلام ممن وقع كثر الكلام والخوض في ذلك فأطلق على أصول الدين علم الكلام وبقي علما عليه
أوحد الأشراف من ألقاب الشرفاء وربما قيل أوحد الأشراف في العالمين أو أوحد الأشراف الطاهرين أو أوحد الأشراف الماجدين ونحو ذلك (6/38)
أوحد الأصحاب من ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم ككاتب السر ونحوه وإن كان الصاحب يختص بالوزير في عرف كتاب الديار المصرية على ما تقدم
أوحد الأكابر من ألقاب التجار الخواجكية وربما كتب به لغيرهم من الرؤساء وربما قيل أوحد الأكابر في العالمين
أوحد الأمة من ألقاب العلماء وربما أطلق على غيرهم
أوحد الأمناء في العالمين من ألقاب الكتاب والأمناء جمع أمين وهو خلاف الخائن
أوحد الأئمة العلماء في العالمين من ألقاب العلماء وربما اقتصر على أوحد العلماء
أوحد البلغاء من ألقاب أرباب الأقلام وربما قيل أوحد البلغاء في العالمين ونحو ذلك والبلغاء جمع بليغ وقد تقدم معناه
أوحد الرؤساء وربما قيل أوحد الرؤساء في العالمين أو أوحد الرؤساء في الأنام ونحو ذلك ومعناه ظاهر
أوحد الحفاظ من ألقاب المحدثين وربما قيل أوحد الحفاظ في العالمين ونحو ذلك
أوحد الخطباء في العالمين من ألقاب الخطباء
أوحد العلماء الأعلام من ألقاب العلماء وربما قيل أوحد العلماء في العالمين (6/39)
أوحد الفضلاء من الألقاب العلماء وربما استعمل في غيرهم من أرباب الأقلام وربما قيل أوحد الفضلاء المفيدين أو أوحد الفضلاء العارفين ونحو ذلك
أوحد الكبراء من ألقاب التجار الخواجكية ويجوز أن يستعمل في غيرهم
أوحد الكتاب من ألقاب الكتاب سواء كتاب الإنشاء وغيرهم
أوحد المتصرفين من ألقاب الوزراء ومن في معناهم
أوحد المجاهدين من ألقاب أرباب السيوف
أوحد المحققين من ألقاب العلماء
أوحد المتكلمين من ألقاب العلماء وهو بعلماء المعقول أنسب
أوحد المفيدين من ألقاب العلماء
أوحد الملوك والسلاطين من ألقاب السلطانية
أوحد الوعاظ من ألقاب أهل التذكير والوعظ
أوحد الوقت من ألقاب أرباب الأقلام وربما قيل أوحد الوقت والأوان والوقت معروف والأوان الحين ويجمع على آونة مثل زمان وأزمنة حرف الباء
بركة الأنام من ألقاب الصلحاء وقد تستعمل للعلماء أيضا
بركة الدولة من ألقاب الصلحاء أيضا وقد يقال بركة الدول عل الجمع وربما كتب به لأرباب الأقلام من العلماء وغيرهم والمراد بالدولة المملكة القائمة وأصلها من الدولة في الحرب وهي النصر والغلبة
بركة المسلمين من ألقاب الصلحاء وقد تستعمل لأهل العلم أيضا
بقية الأكابر من ألقاب بقايا البيوت الرئيسية من أهل الأقلام وغيرهم وربما قيل بقية الأكابر في العالمين (6/40)
بقية البيت النبوي من ألقاب الأشراف وبه يكتب إلى إمام الزيدية باليمن
بقية السلف من ألقاب العلماء والصلحاء وربما قيل بقية السلف الصالح أو بقية السلف الكرام والمراد بالسلف الآباء المتقدمون أخذا من قولهم سلف إذا مضى وربما أطلق على من تقدم في صدر الإسلام من الصحابة والتابعين
بقية السلالة الطاهرة من ألقاب الأشراف وقد يقال فيه بقية السلالة الطاهرة الزكية وربما أطلق على غيرهم وبذلك يكتب لصاحب تونس لادعائه أنه من نسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والسلالة في الأصل ما استل من الشيء والمراد هنا النطفة لأنها مستلة من الإنسان
بقية الملوك والسلاطين من ألقاب من له سلف من الملك كصاحب حصن كيفا من بقايا الملوك الأيوبية
بقية الأصحاب من ألقاب الوزراء أرباب الأقلام ومن في معناهم
بقية شجرة الفخار من ألقاب ذوي الأصالة العريقين في النسب وبه يكتب لابن الأحمر صاحب الأندلس
بهاء الأعيان من ألقاب أرباب الأقلام والبهاء الحسن والأعيان جمع (6/41)
عبين تجمع على أعين وعيون وأعيان والمراد هنا الخيار إذ عين كل شيء خياره
بهاء الأنام من ألقاب أرباب السيوف غالبا وربما أطلق على غيرهم والأنام الخلق
بهاء العصابة العلوية من ألقاب الأشراف وبه يكتب لأميري مكة والمدينة المشرفتين والعصابة بالكسر الجماعة من الناس وتجمع على عصائب والعلوية نسبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حرف التاء المثناة من فوق
تاج العلماء والحكام من ألقاب القضاة والتاج ما يوضع على الرأس وهو معروف
تاج الأمناء من ألقاب التجار الخواجكية ويصلح لكتاب الأموال أيضا
تاج المتصرفين من ألقاب الوزراء ومن في معناهم
تاج الفضلاء من ألقاب أرباب الأقلام ورأيت في بعض الدساتير الشامية تاج الفضلاء المنشئين وهو مناسب لمن هو في أول نشأته وابتداء رياسته وحداثة سنه
تاج الملة من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف والأقلام جميعا والملة في أصل اللغة الدين والشريعة والمراد هنا ملة الإسلام والألف واللام فيها للعهد الذهني حرف الثاء المثلثة
ثقة الدول من ألقاب التجار الخواجكية وربما قبل ثقة الدولتين والثقة في اللغة الأمين وخص ذلك بالتجار لترددهم في الممالك ويحسن أن (6/42)
يلقب به المترددون في الرسائل بين الملوك حرف الجيم
جامع كلمة الإيمان من الألقاب السلطانية جاع طرق الواصفين من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وربما قيل جامع الطرق ويصلح أن يكون من ألقاب العلماء أيضا
جمال الإسلام من ألقاب العلماء وربما قيل جمال الأكابر من ألقاب التجار الخواجكية وقد يستعمل لأرباب الأقلام والجمال في اللغة الحسن
جمال الذرية والمراد ذرية النبي لأن الذرية تشمل أولاد البنات وقد عد الله تعالى عيسى عليه السلام من ذرية إبراهيم عليه السلام وهو ابن بنته
جمال الصدور من ألقاب أرباب الأقلام والصدور جمع صدر والمراد صدور المجالس
جمال الأئمة من ألقاب العلماء وربما قيل جمال الأئمة العارفين
جمال البارعين من ألقاب أرباب الأقلام والبارعين جمع بارع وهو الناهض
جمال البلغاء من ألقاب كتاب الإنشاء ونحوهم
جمال الطائفة الهاشمية من ألقاب الشرفاء والطائفة في أصل اللغة (6/43)
اسم للقطعة من الشيء قال ابن عباس وتطلق على الواحد فما فوقه والهاشمية نسبة إلى هاشم وهو هاشم بن عبد مناف جد النبي
جمال العترة الطاهرة من ألقاب الشرفاء أيضا وربما أقتصر على جمال العترة فقط وعترة الرجل نسله وأهله الأدنون والمراد عترة النبي
جمال العصبة الفاطمية من ألقاب الشرفاء أيضا والعصبة بفتح العين والصاد واحدة العصبات وهي في أصل اللغة البنون والقرابة للأب قال الجوهري سموا عصبة لأنهم عصبوا بالشخص بمعنى أنهم أحاطوا به فالأم طرف والأب طرف والعم جانب والأخ جانب والمراد هنا أبناء فاطمة رضي الله عنها وهم أحد أفراد العصبة ولا يجوز أن يقال العصبة بضم العين وإسكان الصاد لأن المراد بذلك الرجال ما بين العشرة والأربعين كما قاله الجوهري وبنو فاطمة رضي الله عنها قد أربوا عن العدد في الشرق والغرب
جمال العلماء من ألقاب أهل العلم
جمال الفضلاء من ألقاب أرباب الأقلام من العلماء والكتاب وربما قيل جمال الفضلاء المفيدين ونحو ذلك ويختص حينئذ بالعلماء
جمال الكتاب من ألقاب كتاب الإنشاء وغيرهم من الكتاب
جمال المملكة من ألقاب الكتاب
جمال الورعين من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح
جمال أهل الإفتاء من ألقاب أكابر العلماء
جلال الإسلام من ألقاب أرباب الأقلام ويصلح أن يكون لقبا لبعض (6/44)
الملوك به يكتب لإمام الزيدية باليمن وربما قيل جلال الإسلام والمسلمين
جلال الأصحاب من ألقاب الوزراء ومن في معناهم
جلال الأكابر من ألقاب أرباب الأقلام وبه يكتب لناظر الخاص
جلال الحكام من ألقاب أكابر القضاة والجلال في اللغة والعظمة
جلال العترة الطاهرة من ألقاب الشرفاء وبه يكتب لأميري مكة والمدينة المشرفتين
جلال العلماء في العالمين من ألقاب أهل العلم وربما قيل جلال العلماء العالمين ونحو ذلك
جلال الكبراء من ألقاب أكابر أرباب الأقلام
جلال الأسرة الزاهرة من ألقاب الأشراف والأسرة بضم الهمزة الرهط والمراد رهط بني هاشم والزاخرة المضيئة وبه سمي الكوكب المعروف بالزهرة
جهبذ الحذاق من ألقاب الكتاب وربما قيل جهبذ الحذاق المتصرفين والجهبذ بفتح الجيم وإسكان الهاء وفتح الموحدة النقاد للذهب والفضة ولذلك يقال للصيرفي جهبذ والمراد هنا أنه ينقد الأمور فيستخرج جيدها من رديئها كما يفعل الصيرفي (6/45)
حرف الحاء المهملة
حاكم الحكام من ألقاب قضاة القضاة
حاكم أمور ولاة الزمان من ألقاب أرباب السيوف وربما كتب به لبعض الملوك
حافظ الأسرار من ألقاب كاتب السر
حجة الأمة من ألقاب قضاة القضاة وأكابر العلماء والحجة في اللغة البرهان ومنه قوله تعالى ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ) والأمة في أصل اللغة الجماعة والمراد هنا أمة النبي والمعنى أنه تقوم به الحجة لأهل الإسلام على غيرهم
حجة الأئمة من ألقاب أكابر العلماء والأئمة جمع إمام وقد تقدم أنه الذي يقتدى به
حجة البلغاء من ألقاب أرباب الأقلام وهو بالكتاب أمس
حجة العرب من ألقاب النحاة واللغويين ومن في معناهم كأنهم يحتجون به للغتهم
حجة المذاهب من ألقاب أكابر العلماء وربما قيل حجة المذهب إذا أريد مذهبه خاصة وهو دون الأول
حجة المفتين من ألقاب أكابر العلماء والمراد بالمفتين من هم أهل للفتوى في الأحكام الشرعية
حرز الإمام من ألقاب الوزراء ومن في معناهم من حفظة الأموال والحرز في اللغة الموضع الحصين والمراد بالإمام السلطان ومن في معناه
حسام أمير المؤمنين من ألقاب أرباب السيوف كنواب السلطنة (6/46)
ونحوهم والحسام من أسماء السيف سمي بذلك أخذا من الحسم وهو القطع
حسنة الأيام من الألقاب أكابر أرباب الأقلام من الوزراء والقضاة ومن في معناهم والحسنة خلاف السيئة والمراد أن الأيام أحسنت بالامتنان به وقد ذكر القاضي شهاب الدين بن فضل الله في بعض دساتيره أنه يصلح لكل من له سلف في الكتابة وهو بعيد المأخذ
حكم الملوك والسلاطين من ألقاب قضاة القضاة والحكم بمعنى الحاكم حرف الخاء المعجمة
خادم الحرمين الشريفين من ألقاب السلطانية والمراد حرم مكة المشرفة والمدينة النبوية الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام
خالصة الدولة من ألقاب الوزراء والخالصة في اللغة بمعنى الخاصة يقال هذا لي خالصة يعني خاصة ومنه قوله تعالى ( خالصة لك من دون المؤمنين ) وعليه حمل قوله تعالى ( وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي )
خالصة الملوك والسلاطين من ألقاب أرباب الأقلام قال في عرف (6/47)
التعريف وهو في حق من لم يكن حاكما في مقام حكم الملوك والسلاطين لمن هو حاكم
خالصة أمير المؤمنين من ألقاب أرباب الأقلام
خالصة الإمام من ألقاب الصوفية وربما جعل من ألقاب العلماء أيضا والمراد بالإمام الخليفة أو السلطان
خالصة سلف الأنصار من الألقاب التي يكتب بها لابن الأحمر صاحب الأندلس لأنه يذكر أنه من ذرية سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه ويصلح لكل من وافقه في ذلك وكان الأحسن أن يقال خلاصة بدل خالصة لما تقدم من أن المراد بالخالصة الخاصة والمراد بالأنصار أنصار النبي وهم الأوس والخزرج الذين هاجر إليهم النبي بالمدينة
خطيب الخطباء من ألقاب أكابر الخطباء وربما كتب به لقضاة القضاة إذا أضيف له خطابة جليلة كخطابة جامع القلعة بالديار المصرية وخطابة الجامع الأموي بدمشق
خلف الأولياء من ألقاب أولاد الصالحين
خليفة الأئمة من ألقاب الشيعة والمراد من يعتقدونه من الأئمة المعصومين كالإمامية ونحوهم وبه يكتب لإمام الزيدية باليمن
خليل أمير المؤمنين من ألقاب أولاد السلطان وربما كتب به لبعض الملوك والخليل بمعنى الصديق
خلاصة الخلافة المعظمة من ألقاب بعض الملوك والخلاصة الذي خلص من الثقل ونحوه ويقال فيه خلاص أيضا بغير هاء (6/48)
خلاصة سلف القوم من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح والقوم يختص في اللغة بالرجال دون النساء قال تعالى ( لا يسخر قوم من قوم ) ثم قال ( ولا نساء من نساء )
خيرة الإسلام من ألقاب أهل الصلاح فيما ذكره في عرف التعريف ويصلح لأهل العلم أيضا والخيرة الاسم من قولك اختار فلان فلانا والمراد أن الإسلام اختاره حرف الدال المهملة
دليل المريدين إلى أوضح الطرائق من ألقاب مشايخ الصوفية والمراد بالمريدين طلاب الطريق إلى الله تعالى
داعي الدعاة بالبراهين الظاهرة إلى استعلام الحقائق من ألقاب العلماء حرف الذال المعجمة
ذخر الإسلام والمسلمين من ألقاب الملوك وبه يكتب لصاحب تونس وملك التكرور والذخر في اللغة مصدر ذخرت الشيء أذخره بفتح الخاء إذا جعلته وخيرة
ذخر الأمة من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم
ذخر الدولة من ألقاب أرباب السيوف وقد يقع في ألقاب الصلحاء والعلماء
ذخر الغزاة والمجاهدين من ألقاب أرباب السيوف أيضا (6/49)
ذخر الطالبين من ألقاب الصلحاء والعلماء والمراد طالبو الوصول إلى الحق أو نحو ذلك ذخر المسلمين من ألقاب الملوك وبه يكتب لإمام الزيدية باليمن فيما ذكره في التعريف
ذخر الملة من ألقاب أرباب السيوف وقد تقدم معنى الملة
ذخر الممالك من ألقاب بعض الملوك وربما قيل ذخر المملكة
ذخر الموحدين من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه وجعله في عرف التعريف خاصا بالكافل دون غيره
ذخر أمير المؤمنين من ألقاب الملوك وهو دون خليل أمير المؤمنين حرف الراء المهلمة
رأس البلغاء من ألقاب أكابر كتاب الإنشاء ككاتب السر ومن يجري مجراه
رأس الصدور من ألقاب أكابر أرباب الأقلام في الجملة من أهل العلم والكتاب ومن يجري مجراهم والمراد رأس صدور المجالس
رأس العلياء من ألقاب أكابر أرباب الأقلام من العلماء والوزراء ومن في معناهم ويصلح لكل علي القدر في الجملة وبه يكتب إلى إمام الزيدية باليمن
رحلة الحفاظ من ألقاب المحدثين وقد تقدم أن الرحلة بضم الراء ما يرحل إليه والحفاظ جمع حافظ والمراد حفظ الحديث
رحلة القاصدين من ألقاب كبار أرباب الأقلام وهو بأهل الكرم والجود أخص والمراد من يقصد بالترحال إليه
رحلة المحصلين من ألقاب العلماء والمراد من يرحل إليه لتحصيل (6/50)
العلم بالأخذ عنه
رحلة الوقت من ألقاب العلماء والمراد من انفرد في الوقت بالرحيل إليه لأخذ العلم عنه
رضي الدولة من ألقاب الكتاب والمراد من يرضيه أعيان الدولة بالتقريب ثم الظاهر أنه بكسر الضاد بمعنى مرضي عند أعيان أهل الدولة ويجوز أن يكون بفتح الضاد على جعله هو نفس الرضا تجوزا
رضي أمير المؤمنين من ألقاب أرباب الأقلام والكلام فيه كالكلام في الذي قبله
ركن الإسلام والمسلمين من ألقاب أكابر أرباب السيوف وبه كان يكتب للنائب الكافل على ما هو مذكور في التعريف والركن واحد الأركان وهو معروف
ركن الأمة من ألقاب الملوك وبه يكتب لملك التكرور
ركن الملوك والسلاطين من الألقاب الملوكية وما في معنى ذلك من أرباب السيوف ونقل في التثقيف أنه كتب به لبعض مشايخ التصوف ثم أنكره وقال الأولى أن يكون بدله بركة الملوك والسلاطين وما ذكره واضح على أنه في عرف التعريف قد أورده في ألقاب الصلحاء وكأنهم راعوا في ذلك أنه ركن لهم من حيث البركة والدعاء إلا أن الأول أظهر
ركن الأولياء من ألقاب أهل الصلاح على أن المراد أولياء الله تعالى ويجوز أن يكون من ألقاب أرباب السيوف وأرباب الأقلام أيضا على معنى أن المراد أولياء الدولة (6/51)
رئيس الكبراء من ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم وأهل الشأم يستعملونه في أرباب الأقلام من قضاة القضاة ونحوهم وقد تقدم المراد بالصاحب في الكلام على الألقاب المفردة حرف الزاي المعجمة
زعيم الجنود من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل والزعيم الكفيل والمراد هنا التكفل بالجنود والقيام بأمرها ويجوز أن يكون بمعنى السيد يقال لسيد القوم زعيمهم والأول أليق بالمقام والجنود جمع جند وهم الأعوان على ما تقدم
زعيم الجيوش من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم والجيوش جمع جيش وهو العسكر
زعيم الموحدين من ألقاب صاحب تونس على تخصيص الموحدين والمراد بالموحدين فيه أتباع المهدي بن تومرت الذين من بقاياهم ملوك تونس كان المهدي المذكور قد سماهم الموحدين تعريضا بذم من كان قبله ببلاد المغرب ممن يدعي التجسيم على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبة صاحب تونس في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى ويجوز أن يراد بالموحدين هنا عامة أهل الإيمان ويكون المراد بالموحدين جميع المؤمنين ويصح وقوع هذا اللقب حينئذ على غير صاحب تونس من الملوك ونحوهم ولذلك يكتب به (6/52)
لملك التكرور على ما ذكره في التعريف
زعيم المؤمنين من الألقاب التي يكتب بها لإمام الزيدية باليمن ويصح وقوعه على غيره من ملوك المسلمين أيضا كما في زعيم الموحدين إذا جعل عاما في حق كل موحد على ما تقدم بيانه
زعيم جيوش الموحدين من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنائب السلطنة بحلب وبه يكتب لصاحب حصن كيفا فيما ذكره في التعريف
زين الإسلام والمسلمين من ألقاب أرباب الأقلام والزين في اللغة نقيض الشين
زين الأعيان من ألقاب أرباب الأقلام والأعيان جمع عين وقد تقدم الكلام عليه
زين الأكابر من ألقاب التجار الخواجكية ومن في معناهم
زين الأنام من ألقاب صغار أرباب السيوف وربما كتب به لغيرهم
زين الأئمة من ألقاب العلماء وربما قيل زين الأئمة العلماء
زين البلغاء من ألقاب الكتاب ونحوهم
زين الحكام من ألقاب القضاة
زين الذوائب الهاشمية من ألقاب الشرفاء والذوائب بالذال المعجمة جمع ذؤابة بالهمز وهي ما يرخى من الشعر قال الجوهري وكان الأصل ذائب لأن الألف التي في ذؤابة كالألف التي في رسالة حقها أن تبدل (6/53)
منها همزة في الجمع ولكنهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين الهمزتين فأبدلوا من الأولى واوا وإنما اختص هذا اللقب بالشرفاء لأنهم من صميم عرب الحجاز وعادة عرب الحجاز إرخاء الرجال الذوائب
زين الزهاد من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح
زين العباد من ألقاب أهل الصلاح أيضا
زين العترة الطاهرة من ألقاب الشرفاء وبه يكتب لأميري مكة والمدينة وقد تقدم معنى العترة
زين الكتاب من ألقاب كتاب الإنشاء وغيره
زين المجاهدين من ألقاب أرباب السيوف وربما قيل زين الأمراء المجاهدين وربما كتب به لبعض صغار الملوك كصاحب ذنقلة ونحوه
زين المنشئين رأيته في بعض الدساتير الشامية في ألقاب الكتاب ونحوهم وهو صالح لكل حدث مترق في العلو حرف السين المهملة
سداد الثغور من ألقاب الوزراء وهو بكسر السين وتخفيف الدال بعدها بمعنى أنه الذي تسد به الثغور أخذا من سداد القارورة وهو ما يسد به فمها ومنه قول الشاعر - وافر -
( أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر ) (6/54)
ويحكى أن المأمون نطق بمثل ذلك بفتح السين بحضرة النضر بن شميل فرده عليه فأمر له بثمانين ألف درهم فكان النضر يفتخر بذلك ويقول أخذت بإفادة حرف واحد ثمانين ألف درهم
سفير الأمة من ألقاب الدوادار وكاتب السر وقد تقدم معنى السفير
سفير الدولة من ألقاب المذكورين
سفير الممالك من ألقاب من تقدم وربما قيل سفير المملكة
سفير الملوك والسلاطين كذلك
سلطان الإسلام والمسلمين من الألقاب السلطانية
سلطان الأوان من الألقاب السلطانية الجليلة
سلطان البسيطة من الألقاب السلطانية والبسيطة الأرض أخذا من البسطة وهي السعة ومنه قيل تبسط فلان في البلاد إذا سار فيها طولا وعرضا
سلطان العرب والعجم والترك من الألقاب السلطانية أيضا وهو غير محرر الوضع لأن العجم في اللغة يقع على من عدا العرب في الجملة ولا يختص بالفرس على ما هو المعروف بين العامة وهو مقصودهم هنا فالترك من جملة العجم فكان يكفي أن يقال سلطان العرب والعجم وإنما حملهم على ذلك زيادة الإطراء والمدح
سليل الأطهار من ألقاب الشرفاء والسليل الولد والمراد بالأطهار المبرؤون عن الأءناس (6/55)
سليل الأكابر من ألقاب أولاد الأكابر والرؤساء
سليل الطيبين من ألقاب أرباب الأقلام من ذوي الأصالة
سليل الملوك والسلاطين من ألقاب أولاد الملوك ومن مضى له سلف في الملك
سيد الأمراء المقدمين من ألقاب الأمراء مقدمي الألوف في الرتبة المتوسطة
سيد الأمراء في العالمين من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم وربما كتب به لبعض الملوك عن الأبواب السلطانية
سيد الرؤساء في العالمين من ألقاب أكابر أصحاب الأقلام ككاتب السر ونحوه
سيد العلماء والحكام في العالمين من ألقاب القضاة
سيد الكبراء في العالمين من ألقاب أكابر أرباب الأقلام كناظر الخاص ونحوه
سيد الوزراء في العالمين من الألقاب الخاصة بالوزراء
سيد أمراء العالمين من ألقاب النواب المتوسطين
سيف الإسلام والمسلمين من ألقاب أرباب السيوف وربما كتب به لبعض الملوك
سيف الحق من ألقاب العلماء وأهل النظر
سيف الخلافة من الألقاب الملوكية وبه يكتب لملك التكرور
سيف المناظرين من ألقاب العلماء والمراد بالمناظرين أهل البحث والجدل أخذا من النظر وهو الفكر المؤدي إلى الدليل
سيف النظر بمعناه أيضا
سيف أمير المؤمنين من ألقاب أرباب السيوف كنواب السلطنة وهو في الرتبة المتوسطة (6/56)
سيف جماعة الشاكرين من الألقاب الخاصة بصاحب تونس وهذا اللقب رأيته واردا في التثقيف ولم أعرف له معنى وسألت قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون هل يعرف لذلك معنى فقال لا حرف الشين المعجمة
شرف الأصفياء المقربين من ألقاب كبار التجار الخواجكية
شرف الدول من ألقاب بعض الملوك ويصلح لغير الملوك أيضا
شرف الأمراء في العالمين من ألقاب أرباب السيوف وربما قيل شرف الأمراء الأشراف في العالمين إذا كان شريفا أو شرف الأمراء العربان في العالمين إذا كان غير أمير عرب وربما قيل شرف الأمراء المقدمين إذا كان مقدم ألف وقد يقتصر على شرف الأمراء فقط
شرف الرؤساء في العالمين من ألقاب أكابر أرباب الأقلام كوزير الشأم ونحوه وربما اقتصر على شرف الرؤساء ويكون من ألقاب التجار الخواجكية ونحوهم
شرف الصلحاء في العالمين من ألقاب أهل الصلاح
شرف العلماء العاملين من ألقاب أكابر العلماء كقضاة القضاة ونحوهم وربما قيل شرف العلماء في العالمين
شرف الكتاب في العالمين من الألقاب الكتابية
شرف الملوك والسلاطين من الألقاب الملوكية
شمس الأفق من ألقاب أكابر أرباب الأقلام وهو بالعلماء أليق لأن بهم يحصل النور كما يحصل بالشمس وهو ما يتخيل انطباق السماء على الأرض بالنظر في كل ناحية فيه وأصل الأفق الناحية ومنه قيل للنواحي آفاق وإنما (6/57)
خص الشمس هنا بالإضافة للأفق لأنها عند مطلعها تكون في النظر أعظم صورة
شمس الشريعة من ألقاب أكابر العلماء والمراد بالشريعة هنا شريعة الإسلام استعيرت الشمس لها لمشابهتها لها في النور
شمس العصر من ألقاب العلماء والصلحاء ونحوهم
شمس المذاهب من ألقاب العلماء الأكابر والمذاهب جمع مذهب وهو ما يذهب إليه المجتهد وأصله في اللغة لموضع الذهاب
شيخ المشايخ من ألقاب العلماء وأهل الصلاح وربما قيل شيخ شيوخ الإسلام
شيخ الملوك والسلاطين من ألقاب المسنين من الملوك وهذا اللقب رأيته في كتاب وقف عن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بعث به نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين يوسف
شيخ شيوخ العارفين من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح ومرادهم بالعارفين العارفون بالله تعالى حرف الصاد المهملة صالح الأولياء من ألقاب إمام الزيدية باليمن ويصلح لأهل الصلاح أيضا
صدر المدرسين من ألقاب العلماء
صدر مصر والشام من ألقاب أكابر العلماء كقضاة القضاة ونحوهم وإنما خص هذان القطران بالذكر لكثرة علمائهما وربما قيل صدر مصر والعراق والشام وربما اقتصر على صدر الشام فقط إذا كان برسم وظيفة في الشأم ونحو ذلك (6/58)
صفوة الدولة من ألقاب من في معنى الوزراء كناظر الخاص ونحوه
صفوة الصلحاء من ألقاب أهل الصلاح
صفوة الأتقياء من ألقاب الصلحاء أيضا
صفوة الملوك والسلاطين من ألقاب أرباب الأقلام كناظر الشام ونحوه وربما كتب به للتجار والخواجكية
صلاح الإسلام من ألقاب الصوفية والعلماء
صلاح الإسلام والمسلمين من ألقاب أكابر أرباب الأقلام كالوزراء ومن في معناهم
صلاح الدول من ألقاب بعض الملوك وبه يكتب لصاحب تونس ويصلح أيضا لأكابر أرباب الأقلام من الوزراء وغيرهم
صلاح الملة من ألقاب العلماء والصلحاء حرف الضاد المعجمة
ضياء الإسلام من ألقاب العلماء والصلحاء وربما قيل ضياء الإسلام والمسلمين والضياء خلاف الظلام وهو مخصوص بما كان مضيئا لذاته بخلاف النور فإنه يقع على ما هو مكتسب النور ولذلك قال تعالى ( جعل الشمس ضياء والقمر نورا ) فخص الضياء بالشمس لأن نورها لذاتها والنور بالقمر لأن نوره مكتسب من الشمس على ما هو مقرر في علم الهيئة
ضياء الأنام من ألقاب من تقدم ذكره (6/59)
حرف الطاء المهملة
طراز العصابة العلوية من ألقاب الأشراف كأميري مكة والمدينة المشرفتين والطراز في أصل اللغة علم الثوب قال الجوهري وهو فارسي معرب كأن صاحب اللقب جعل علما لتلك الطائفة كما جعل الطراز علما للثوب حرف الظاء المعجمة
ظل الله في أرضه من الألقاب السلطانية والظل ما يحصل عن الشاخص في ضوء الشمس والمراد أن الخلق يستظلون بالسلطان من حر الجور كما يستظل المستظل بظل الشجرة ونحوها من حر الشمس وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب أصل الظل الستر ومنه قولهم أنا في ظلك أي في سترك ثم اسم الظل مخصوص بما قبل الزوال أما بعد الزوال فإنه يسمى فيئا لأنه يرجع من جهة الغرب إلى جهة الشرق أخذا من قولهم فاء إذا رجع
ظهر الملوك والسلاطين من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة
ظهير أمير المؤمنين من ألقاب أرباب السيوف أيضا وربما كتب به لبعض الملوك كصاحب الأندلس ونحوه
ظهير الإمامة من ألقاب بعض الملوك وبه يكتب إلى صاحب التكرور (6/60)
حرف العين المهملة
عاقد البنود من ألقاب النائب الكافل ونحوه والعاقد فاعل من العقد نقيض الحل والبنود جمع بند بفتح الباء وإسكان النون وهو العلم الكبير قال الجوهري وهو فارسي معرب
عز الإسلام من ألقاب بعض الملوك وبه يكتب إلى ملك التكرور
عز الإسلام والمسلمين من ألقاب الرتبة الوسطى من نواب السلطنة ومن في معناهم وربما كتب به لبعض الملوك
عدة الدنيا والدين من ألقاب الملوك وبه يكتب لصاحب تونس والعدة بالضم في اللغة ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ونحو ذلك وهو المراد هنا وربما أطلق على نفس الاستعداد
عدة الملوك والسلاطين من ألقاب أصاغر أرباب السيوف
عضد الملوك والسلاطين من ألقاب متوسطي أرباب السيوف وقد تقدم أن أصل العضد لما بين الساعد والكتف
عضد أمير المؤمنين من ألقاب أكابر أرباب السيوف من نواب السلطنة وغيرهم وربما كتب به إلى بعض الملوك كملك التكرور
علم الدولة من ألقاب الأمراء والوزراء ومن في معناهم وقد تقدم معنى العلم ومعنى الدولة
علم الزهاد من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وقد تقدم أن المراد بالعلم الراية وبالزهد الإقلاع عن الدنيا
علم العلماء الأعلام من ألقاب أكابر أهل العلم وربما قيل علم (6/61)
المفسرين أو علم النحاة ونحو ذلك
علم الهداة من ألقاب إمام الزيدية باليمن ويصلح لأكابر العلماء والصلحاء والهداة جمع هاد وهو المرشد
علم الأعلام من ألقاب العلماء والصلحاء ويصلح لأرباب السيوف أيضا
عماد الحكام من ألقاب أكابر القضاة وربما قيل عماد الحكام البارعين أو عماد الحكام في العالمين ونحو ذلك وأصل العماد في اللغة الأبنية الرفيعة واحدها عمادة ومنه قيل فلان طويل العماد كأن بناءه بالارتفاع صار علما لزائريه
عماد العرب من ألقاب أكابر أمراء العربان كأمير آل فضل ونحوه
عماد الدولة من ألقاب الأمراء وأكابر الوزراء ونحوهم
عماد الملة كذلك
عماد المملكة نحوه وهو دونه في الرتبة
عماد المحدثين من ألقاب علماء الحديث النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام وبه يكتب لقضاة القضاة ومن في معناهم
عمدة الملوك والسلاطين من ألقاب صغار أرباب السيوف وهو دون عدة الملوك والسلاطين والعمدة في اللغة ما يعتمد عليه
عون العساكر من ألقاب ناظر الجيش ونحوه والعون في اللغة الظهير والمعاون
عون جيوش الموحدين من ألقاب بعض الملوك وبه يكتب لملك (6/62)
التكرور ويصلح لكبار أرباب السيوف من أهل المملكة أيضا
علاء الإسلام والمسلمين من ألقاب العلماء والصلحاء ويصلح لأرباب السيوف أيضا
والعلاء بالفتح والمد مصدر علا في الشرف ونحوه يعلى بفتح اللام
عين المملكة من ألقاب أرباب الأقلام ونحوهم
عين الأعيان نحوه حرف الغين المعجمة
غرة الزمان من ألقاب أرباب الأقلام والغرة في أصل اللغة بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم شبه بالغرة في وجه الفرس لظهورها وتحسين الفرس بها
غوث الأنام من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه وقد تقدم معنى الغوث
غياث الأنام من ألقاب أكابر الملوك كصاحب الهند ونحوه وقد تقدم معنى الغياث
غياث الأمة نحوه حرف الفاء
فاتح الأقطار من الألقاب السلطانية والفاتح فاعل من الفتح وهو معروف والأقطار جمع قطر وهو الناحية والجانب والمراد نواحي الممالك
فارس المسلمين من ألقاب أكابر أرباب السيوف ذكره ابن شيث من كتاب الدولة الأيوبية في معالم الكتابة (6/63)
فخر الأنام من ألقاب أرباب الأقلام ويجوز أن يكون من ألقاب أرباب السيوف أيضا
فخر الأسرة الزاهرة من ألقاب الشرفاء كأميري مكة والمدينة المشرفتين وأسرة الرجل بضم الهمزة رهطه
فخر الأعيان من ألقاب التجار الخواجكية ويصلح لغيرهم من الرؤساء أيضا
فخر الرؤساء من ألقاب التجار الخواجكية
فخر السلالة الزاهرة من ألقاب الأشراف كأميري مكة والمدينة المشرفتين والسلالة الزاهرة تقدم الكلام على معناها
فخر الصدور من ألقاب أرباب الأقلام وربما كتب به للتجار الخواجكية
فخر الصلحاء من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح
فخر العباد من ألقاب أهل الصلاح أيضا
فخر المجاهدين من ألقاب أرباب السيوف
فخر المحدثين من ألقاب أصحاب الحديث
فخر المدرسين من ألقاب العلماء وبه يكتب لقضاة القضاة ونحوهم
فخر المفيدين من ألقاب العلماء أيضا
فخر الملوك والسلاطين من ألقاب بعض الملوك
فخر الشجرة الزكية من ألقاب الشرفاء والمراد شجرة نسبهم الشريف
فخر النسب العلوي من ألقاب الشرفاء أيضا وبه يكتب لإمام الزيدية باليمن (6/64)
فرد السالكين من ألقاب أهل الصلاح
فرد الزمان من ألقاب العلماء والصلحاء
فرد الوجود من ألقاب العلماء وأهل الصلاح
فرع الشجرة الزكية من ألقاب الشرفاء حرف القاف
قامع البدعة من ألقاب أكابر العلماء وربما قيل قامع البدع وقد يقال قامع البدع ومخفي أهلها والقامع فاعل من قمعه إذا ضربه بالمقمعة وهي محجن من حديد يضرب به على رأس الفيل والبدعة واحدة البدع وهي خلاف السنة النبوية وما عليه الجماعة
قدوة الأولياء من ألقاب أهل الصلاح
قدوة البارعين من ألقاب أرباب الأقلام وهو بالكتاب أليق والبارع الماهر
قدوة البلغاء من ألقاب أرباب الأقلام وهو بكتاب الإنشاء ومن في معناهم أخص
قدوة الخلف من ألقاب العلماء وأهل الصلاح والخلف في اللغة الذي يجيء بعد غيره ويقوم مقامه والمراد خلف من سلف من علماء الأمة أو صالحيها
قدوة العباد من ألقاب أهل الصلاح وربما قيل قدوة العباد والزهاد أو نحو ذلك قدوة العلماء من ألقاب أكابر أهل العلم وربما قيل قدوة العلماء العالمين ونحو ذلك
قدوة الفرق من ألقاب العلماء والمراد فرق أهل الحق من أرباب المذاهب والعقائد الصحيحة والفرق جمع فرقة (6/65)
قدوة الفضلاء من ألقاب أكابر العلماء والفضلاء جمع فاضل وهو خلاف الناقص
قدوة الكتاب من ألقاب أكابر الكتاب كالوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم من كاتب السر ونحوه
قدوة المجتهدين من ألقاب كبار العلماء وقد تقدم في الألقاب أن الاجتهاد عبارة عن استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس
قدوة المحققين من ألقاب أكابر العلماء وقد تقدم معنى التحقيق
قدوة المسلكين من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح والمراد بالمسكلين المعرفون الطريق إلى الله تعالى كما تقدم بيانه
قدوة المشتغلين من ألقاب أهل العلم والمراد الاشتغال بالعلم
قدوة الموحدين من الألقاب الخاصة بصاحب تونس لوقوع الموحدين في اصطلاهم على أتباع المهدي بن تومرت وصاحب تونس الآن من بقاياهم كما تقدم
قسيم أمير المؤمنين من الألقاب السلطانية وهو فعيل بمعنى فاعل فيكون معناه يقاسم أمير المؤمنين والمراد مقاسمته الأمر
قطب الزهاد من ألقاب أهل الصلاح والقطب تقدم معناه
قطب الأولياء من ألقابهم أيضا والأولياء جمع ولي وهو خلاف العدو والمراد أولياء الله تعالى
قوام الأمة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم والقوام بالكسر نظام (6/66)
الشيء وعماده وملاكه يقال فلان قوام أهل بيته ومنه قوام الأمر بمعنى نظامه
قوام الجمهور قال في عرف التعريف هو من ألقاب الوزراء والجمهور من الناس جلهم أخذ من الجمهور وهي الرملة المجتمعة المشرفة على ما حولها
قوام الدولة من ألقاب الكتاب وهو بالكسر أيضا
قوام المصالح من ألقاب أكابر الكتاب من الوزراء ومن في معناهم وهو بالكسر أيضا والمصالح جمع مصلحة وهي خلاف المفسدة
قوام الإسلام من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح وهو بالكسر كالذي قبله حرف الكاف
كافل السلطنة من ألقاب كبار النواب كنائب دمشق وقد تقدم معنى الكافل في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف
كاف الممالك الإسلامية من ألقاب النائب الكافل وهو النائب بحضرة السلطان
كافي الدولة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم والكافي اسم فاعل من الكفاية
كنز التقى من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح والكنز في أصل اللغة المال المدفون استعير لصاحب اللقب لأنه كالشيء المكنوز لذلك الباب
كنز الطالبين من ألقاب العلماء
كنز العلماء من ألقاب أهل العلم وربما قيل كنز المفسرين أو كنز المتفقهين ونحو ذلك
كنز المسلكين من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح (6/67)
كهف الأسرة الزاهرة من ألقاب الشرفاء والكهف الملجأ ومنه قولهم فلان كهف والأصل في الكهف البيت المنقور في الجبل ويجمع على كهوف وقد تقدم الكلام على الأسرة والزاهرة
كهف الكتاب من ألقاب أكابر الكتاب كالوزير من أرباب الأقلام وكاتب السر ومن في معناهم
كهف الملة من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم
كوكب الأسرة الزاهرة من ألقاب الأشراف كأميري مكة والمدينة المشرفتين والكوكب واحد الكواكب وهو يقع على النجوم والشمس والقمر
كوكب الذرية من ألقاب الشرفاء أيضا والمراد الذرية العلوية حرف اللام
لسان الحقيقة من ألقاب الصوفية واللسان هنا جارحة الكلام والحقيقة خلاف المجاز وهي في الأصل عين الحق والمراد هنا معرفة الأمر على ما هو عليه
لسان الحفاظ من ألقاب المحدثين والوعاظ والمراد المتكلم عنهم يقال فلان لسان القوم إذا كان متكلما عنهم ويجوز أن يكون المراد اللسان الذي هو جارحة الكلام ويكون المعنى آلتهم للكلام كما أن اللسان آلة الكلام للمتكلم ويجوز أن يكون من اللسان بمعنى اللغة كما في قوله تعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) ويكون المعنى أنه المترجم عنهم والمتكلم بلغاتهم المختلفة
لسان الدولة من ألقاب كاتب السر ومن في معناه واللسان فيه يحتمل المعنيين (6/68)
لسان السلطنة من ألقاب كاتب السر
لسان المتكلمين من ألقاب العلماء والمتكلمون يجوز أن يراد بهم كل متكلم في الجملة تعميما للمدح ويجوز أن يراد العلماء بعلم الكلام وهو أصول الدين لأن أصحابه هم أرباب النظر الدقيق والبحث لدقة متعلقه وهو الظاهر
لسان الممالك من ألقاب كتاب السر والممالك جمع مملكة وهي موضع الملك والمعنى أنه يتكلم بلسان ملوك الممالك
لسان ملوك الأمصار من ألقاب كاتب السر حرف الميم
مالك زمام الأدب من ألقاب البلغاء من الكتاب ونحوهم ويصلح لكاتب السر ومن في معناه
مانح الممالك والأقاليم والأمصار من الألقاب السلطانية والمانح المعطي والممالك تقدم بيانها والأقاليم جمع إقليم وله معنيان أحدهما واحد الأقاليم السبعة التي تسميها الحكماء ممتدة في طول الأرض ما بين المغرب والمشرق والثاني الواحد من الأقاليم العرفية كمصر والشام والعراق وما أشبه ذلك وقد مر القول فيهما
متعمد المصالح من ألقاب الوزراء ومن في معناهم والمراد بالمتعمد المتقصد
مجد الإسلام من ألقاب صغار أرباب السيوف
مجد الإسلام والمسلمين من ألقاب متوسطيهم
مجد الأمراء من ألقاب أصاغر أرباب السيوف كأمراء العشرين ونحوهم (6/69)
مجد الرؤساء من ألقاب التجار الخواجكية
مجلي الغياهب من ألقاب أكابر العلماء والمجلي بالتشديد الكاشف يقال جلا الأمر إذا أوضحه وكشفة ومنه جلوت السيف ونحوه إذا كشفته من الصدإ والغياهب جمع غيهب وهو الظلمة الشديدة يقال فرس أدهم غيهب إذا اشتد سواده مجد الصدور من ألقاب التجار الخواجكية
مجمل الأمصار من ألقاب أكابر أرباب الأقلام والمجمل فاعل الجمال والأمصار جمع مصر وهو الإقليم
مجهد نفسه في رضا مولاه من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح والمراد به المعمل نفسه للغاية يقال اجهد جهدك في هذا الأمر أي أبلغ غايتك والمراد بالمولى هنا الخالق سبحانه وتعالى
محيي السنة من ألقاب العلماء والصلحاء
محيي العدل في العالمين من الألقاب السلطانية
مدبر الجيوش من ألقاب ناظر الجيش
مدبر الممالك من ألقاب الوزراء وربما قيل مدبر الدولة والمدبر فاعل التدبير وقد تقدم معناه في الكلام على المدبري في جملة الألقاب المفردة
مدبر أمور السلطنة من ألقاب الوزراء وكتاب السر وغيرهم
مذكر القلوب من ألقاب الخطباء والوعاظ والمذكر فاعل التذكير وهو الأخذ بالذكرى ومنه قوله تعالى ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )
مذل البدعة من ألقاب علماء السنة والمذل نقيض المعز
مذل حزب الشيطان من ألقاب العلماء والصلحاء والحزب الطائفة (6/70)
وحزب الرجل أصحابه
مربي المريدين من ألقاب الصلحاء
مرتب الجيوش من ألقاب ناظر الجيش
مرتضى الدولة من ألقاب الكتاب والمرتضى بمعنى المرضي المقبول
مرتضى الملوك والسلاطين من ألقاب أرباب السيوف والأقلام جميعا
مستخدم أرباب الطبل والعلم من ألقاب النائب الكافل ونحوه
مشيد الممالك من ألقاب الوزراء ومن في معناهم والمشيد فاعل التشييد وهو رفع البناء
مشير الدولة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم والمشير الذي يشير على غيره بالرأي
مشير السلطنة مثله
مشير الملوك والسلاطين مثله
مظهر أنباء الشريعة من ألقاب العلماء وهو بضم الميم وإسكان الظاء على أنه فاعل من الظهور والأنباء جمع نبأ وهو الخبر والمراد أنه يظهر أخبار الشريعة ويذيعها ويجوز أن يكون بفتح الميم على أنه هو نفس المظهر وهو أبلغ
معز الإسلام والمسلمين من ألقاب النائب الكافل ومن في معناه
معز السنة من ألقاب العلماء والسنة خلاف البدعة
معين الحق وناصره من ألقاب الحكام من أرباب السيوف وغيرهم
مفتي المسلمين من ألقاب العلماء
مفيد البلغاء من ألقاب أهل البلاغة من الكتاب وغيرهم (6/71)
مفيد الطالبين من ألقاب العلماء
مفيد المناحج من ألقاب الوزراء والمناحج جمع منجح أخذا من لنجاح وهو الظفر بالحوائج
مفيد أهل مصر والعراق يوالشام من ألقاب العلماء
مفيد كل غاد ورائح من ألقابهم أيضا
مقرب الحضرتين من ألقاب التجار الخواجكية إذا كان مترددا بين مملكتين
مقرب الدول من ألقاب التجار الخواجكية وهو أعم من الأول
ملجأ الفقراء والمساكين من ألقاب النائب الكافل ونائب الشأم على ما استقر عليه الحال آخرا
ملجأ المريدين من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح
ملك البحرين من الألقاب السلطانية والمراد بحر الروم وبحر القلزم لأنهما يتقاربان بين مصر والشام على القرب من العريش
ملك البلغاء من ألقاب أهل البلاغة من الكتاب وغيرهم
مملك الممالك والتخوت والتيجان من الألقاب السلطانية أيضا والمراد بالتخوت هنا تخوت الملك يريد أنه مملك الملوك من تحت يده
ممهد الدول من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم وربما كتب به لبعض الملوك أيضا وقد تقدم الكلام على التمهيد عند الكلام على الممهدي في جملة الألقاب المفردة
منبه الخواطر من ألقاب الخطباء والوعاظ والمنبه الموقظ والخواطر جمع خاطر
منجد الملوك والسلاطين من ألقاب النائب الكافل وبه يكتب لإمام الزيدية باليمن والمنجد المعين أخذا من قولهم استنجدني فلان فأنجدته أي استعان بي فأعنته (6/72)
منشي العلماء والمفتين من ألقاب أكابر العلماء
منصف المظلومين من الظالمين من الألقاب السلطانية
مورد الجود من ألقاب الكرماء
موصل السالكين من ألقاب الصوفية والصلحاء موضح الطريقة من ألقاب الصوفية والصلحاء أيضا وربما قيل موضح الطرائق وقد تقدم أن المراد الطريق إلى الله تعالى
مولى الإحسان من الألقاب السلطانية والمراد بالمولي المنيل مؤمن الأرض المحيطة من الألقاب السلطانية أيضا وكأنهم يريدون الأرض المحيطة لاتساعها ويكون المراد أرض المملكة وإلا فالأرض محوطة من حيث استدارة الماء عليها لا محيطة بغيرها
ملاذ الطالبين من ألقاب العلماء والصلحاء والمراد الملجأ
ملاذ العباد من ألقاب الصلحاء وفيه نظر لأن العباد لا يلوذون إلا بالله تعالى ولا يلجأون إلا إليه
ملاذ الكتاب من ألقاب أكابر الكتاب ككاتب السر ونحوه
مؤيد الحق من ألقاب أرباب السيوف وغيرهم والمؤيد المقوي أخذا من الأيد وهو القوة
مؤيد الملة من ألقاب العلماء
مؤيد أمور الدين كذلك وبه يكتب لإمام الزيدية باليمن حرف النون
ناصح الملوك والسلاطين من ألقاب التجار الخواجكية
ناصر السنة من ألقاب العلماء
ناصر الغزاة والمجاهدين من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه وربما كتب به لبعض الملوك كملك التكرور ونحوه (6/73)
ناصر الشريعة من ألقاب العلماء والشريعة ما شرعه الله تعالى من الدين يقال شرع لهم شرعا وأصله من الشريعة التي هي مورد الماء
ناشر لواء العدل والإحسان من الألقاب السلطانية
نجل السلطنة من ألقاب أولاد الملوك والمراد أنه ولد في السلطنة
نجل الأكابر من ألقاب ذوي الأصالة والنجل النسل يقال نجله أبوه إذا ولده
نسيب الإمام من ألقاب الشرفاء كأميري مكة والمدينة المشرفتين والنسيب القريب يقال فلان نسيب فلان أي قريبه وذلك أن مرجع بني العباس والعلويين إلى بني هاشم
نسيب أمير المؤمنين مثله
نصر الغزاة والمجاهدين من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنواب السلطنة ونحوهم وهو عندهم فوق ناصر الغزاة
نصير الغزاة والمجاهدين كذلك وهو عندهم دون الأول وفوق الثاني وفيه كلام يأتي ذكره
نظام الدولة من ألقاب أكابر أرباب السيوف والكتاب وقد تقدم الكلام على النظام في الألقاب المفردة
نظام الممالك من ألقاب الوزراء وكتاب السر ونحوهم
نظام المناجح من ألقابهم أيضا
نور الزهاد من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح (6/74)
حرف الهاء
همام الدولة من ألقاب أرباب السيوف وقد تقدم في الكلام على الألقاب المفردة أن الهمام بمعنى الشجاع حرف الواو
وارث الملك من الألقاب السلطانية
ولي أمير المؤمنين من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف الأقلام كالوزراء وقضاة القضاة وكاتب السر ومن في معناهم والولي في اللغة خلاف العدو حرف اللام ألف
لا بس ثوب الفخار من ألقاب أكابر أرباب الأقلام
لافت الغواة إلى طريق الرشاد من ألقاب الصلحاء والوعاظ واللافت الصارف يقال لفت وجهه عني إذا صرفه وأصل اللفت اللي والغواة جمع غاو وهو الضال يقال غوى يغوي غيا إذا ضل فهو غاو حرف الياء
يمين الملوك والسلاطين قال في عرف التعريف يختص بالدوادار وكاتب السر وقد تقدم الكلام على معنى ذلك في الكلام على اليميني في الألقاب المفردة وأن المراد يمين السلطان التي يتناول بها وإلا فمجلس كاتب السر عن يسار السلطان والدوادار واقف أمامه
يمين المملكة مثله
يمين الدولة كذلك (6/75)
الضرب الثاني من الألقاب المفردة المؤنثة ولتأنيثها سببان
السبب الأول الجمع
بأن يجمع شيء من الألقاب المذكرة المفردة أو المركبة فتنتقل من التذكير إلى التأنيث فإن الجموع كلها مؤنثة على ما هو مقرر في علم النحو ويتأتى ذلك في المطلقات مثل أن يجمع في صدر المطلق بين المقر الكريم والجناب الكريم والجناب العالي والمجلس العالي ثم يتبعها بالألقاب التي تليق بها مما يأتي ذكره فيأتي بتلك الألقاب مجموعة بلفظ التأنيث مفردة ومركبة مثل أن يكتب إلى المقر والجناب الكريمين والجنابات العالية والمجلس العالي الأميرية الكبيرية العالمية العادلية والمؤيدية الزعيمية العونية الغياثية المثاغرية المرابطية الممهدية المشيدية الظهيرية الكافلية الفلانية إعزاز الإسلام والمسلمين سادات الأمراء في العالمين أنصار الغزاة والمجاهدين زعماء الجيوش مقدمي العساكر ممهدي الدول مشيدي الممالك عمادات الملة أعوان الأمة ظهيري الملوك والسلاطين سيوف أمير المؤمنين ونحو ذلك
وأعلم أن هذه الألقاب كلها من جملة الألقاب المفردة والمركبة المتقدم ذكرها فيستغنى عن بيان مشكلها وتعريف أحوالها هنا اكتفاء بما تقدم إلا أن من الألقاب المجموعة ما يقوم لفظ الإفراد مقامه بأن يكون اللقب اسم جنس مثل عضد ومجد ونحو ذلك مما لا يجوز جمعه لأنه يقصد به الجنس فيجوز للكاتب حينئذ أن يأتي بذلك بلفظ الجمع ولفظ الإفراد الذي معناه الجمع وقد أشار إلى ذلك القاضي شهاب الدين بن فضل الله في التعريف في الكلام على المطلقات فقال عند ذكره اعتضاد الملوك والسلاطين ويجوز فيه اعضاد الملوك وعضد الملوك إطلاقا للإفراد على الجمع (6/76)
السبب الثاني تأنيث اللقب الأصل الذي تتفرع عليه الألقاب الفروع وله حالتان
الحالة الأولى أن يكون اللقب الأصل لمؤنث غير حقيقي كالحضرة واليد والباسطة فتأتي الألقاب المفرعة عليها مؤنثة بناء على أن الصفة تتبع الموصوف في تذكيره وتأنيثه على ما هو مقرر في علم النحو أما نعوت الحضرة فمثل أن يقال الحضرة الشريفة العلية السنية العالمية العاملية العادلية الأوحدية المؤيدية المجاهدية المرابطية المثاغرية المظفرية المنصورية وما أشبه ذلك وأما نعوت الباسطة فمثل أن يقال الباسطة الشريفة العالية المولوية الأميرية الكبيرية العالمية العادلية المؤيدية المحسنية السيدية المالكية الفلانية وفي معناها نعوت اليد وألقاب هذه الحالة كلها في معنى ما تقدم من الألقاب المذكرة لا تختلف الحال فيها إلا في التذكير والتأنيث وأنه ليس فيها ألقاب مركبة فيستغنى بما تقدم عن ذكر معانيها وأحوالها أيضا
الحالة الثانية أن يكون اللقب الأصل لمؤنث حقيقي كالدار والستارة والجهة إذا كنى بها عن المرأة في الكتابة إليها مثل أن يقال الدار الكريمة والستارة الرفيعة والجهة المصونة ونحو ذلك فتتبعها الألقاب المفرعة عليها أيضا في التأنيث إلا أن لها معاني تخصها وهي على ضربين مفردة ومركبة كما تقدم في المذكرة وإن لم تبلغ شأوها في الكثرة فأما المفردة فكالشريفة والكبرى والعالية والمعظمة والمكرمة والمحجبة والمصونة والخاتونية والخوند وربما قيل الوالدية إذا كانت والدة حقيقة أو في مقامها والولدية إذا كانت بنتا حقيقة أو قائمة مقامها والحاجية إذا كانت حاجة ونحو ذلك
ثم الألقاب المفردة تارة تكون مجردة عن ياء النسب كالألقاب المتقدم ذكرها وقد تلحقها ياء النسب للمبالغة في التعظيم فيما تدخل فيه ياء النسب في (6/77)
المذكر مثل أن يقال المعظمية والمكرمية والمحجبية وما أشبه ذلك وهذه الألقاب أكثرها منقول عن المذكر فيستغنى عن ذكر معانيها وأحوالها وفيها ألقاب لم يتقدم ذكر مثلها في المذكر كالمحجبية وهو مأخوذ من الحجاب كأنها محجوبة عن أن يراها الناس ومنها المصونة وهو مأخوذ من الصيانة وهي جعل الشيء في الصوان وقاية له عن مثل النظر والمس ونحو ذلك ومنها الخاتون وهو لفظ تركي معناه السيدة ومنها الخوند وهي لفظة عجمية بمعنى السيادة أيضا
وأما المركبة فمثل جلال النساء وسيدة الخواتين في العالمين وشرف الخواتين وجميلة المحجبات وجليلة المصونات وقرينة الملوك والسلاطين وسليلة الملوك والسلاطين إذا كانت بنتا لسلطان أو في معناها وكريمة الملوك والسلاطين إذا كانت أخت سلطان ومعاني هذه الألقاب ظاهرة معلومة
الصنف الثاني من الألقاب المفرعة على الأصول ألقاب من يكتب إليه من أهل الكفر مما اصطلح عليها لمكاتباتهم
واعلم أنه لم يكن ملك من ملوك الكفر ممن يكتب له عن الأبواب السلطانية غير النصارى لأنه لم يكن لغيرهم من أهل الملل بالقرب من هذه المملكة مملكة قائمة بل اليهود ليس لهم مملكة قائمة في قطر من الأقطار بعد غلبة الإسلام إنما يؤدون الجزية حيث حلوا إذ يقول تعالى في حقهم ( ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس )
ثم من يلقب من أهل الكفر في المكاتبات إن كان من متدينتهم كالباب (6/78)
والبطرك ناسبه من الألقاب ما فيه معنى التنسك والتعبد وإن كان من الملوك ناسبه ما فيه معنى الشجاعة والرياسة والقيام بأمر دينه وتحمله أعباء رعيته وما في معنى ذلك فقد ثبت في الصحيحين أن النبيكتب إلى هرقل من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم وفي كتب السيرة أنهكتب إلى كسرى من رسول الله إلى كسرى عظيم فارس وأنه كتب إلى المقوقس من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط فعبر عن كل من الملوك الثلاثة بعظيم قومه لمناسبة ذلك لهم
وبالجملة فالألقاب التي تكتب إليهم على ضربين
الضرب الأول الألقاب المذكرة وهي نمطان
النمط الأول المفردة
وأكثر ما تبنى على صفات الشجاعة وما في معناها وهذه جملة منها مرتبة على حروف المعجم أيضا مقفاة عليها حرف الألف
الأسد من الألقاب التي اصطلح عليها بمعنى الشجاعة وهو في الأصل للحيوان المفترس ثم استعمل في الرجل الشجاع مجازا لعلاقة ما بينهما من الشجاعة
الأصيل من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم أيضا وقد تقدم في الكلام على الألقاب الإسلامية نقلا عن عرف التعريف أنه يختص بكل من له ثلاثة آباء في الرياسة وحينئذ فيكون هنا مختصا بمن له ثلاثة آباء في الملك على أنهم الآن لا يقفون مع ذلك بل يراعون من له أدنى نسب
الانجالوس من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهي لفظة (6/79)
يونانية معناها الملك واحد الملائكة وإنما كتب إليهم بذلك مضاهاة للكتب الواردة عنهم ولعل الكاتب لم يعلم معنى ذلك وكذلك غيرها من الألفاظ التي في معناها حرف الباء
البالالوغس من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهي لفظة يونانية أصلها البالي لوغس ومعناها الكلمة القديمة حرف الجيم الجليل من الألقاب التي أصطلح عليها لملوكهم ومعنى الجليل في اللغة العظيم لكن قد استعمل في ألقابهم في المكاتبات لملوكهم فيقال الملك الجليل والمراد الجليل بالنسبة إلى ملوك الكفر وإلا فالكافر لا يوصف بالعظمة وكان الأحسن أن لا يكتب به إليهم لا سيما وهو اسم من أسمائه تعالى حرف الخاء المعجمة
الخاشع من الألقاب التي اصطلح عليها لمتدينتهم كالباب والبطرك وقد تقدم في الألقاب الإسلامية أنه يكون من ألقاب الصلحاء والصوفية وأن معنى الخاشع المتذلل
الخطير من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم والخطير في اللغة الكبير الجليل القدر ومنه قولهم أمر له خطر أي مقدار كبير حرف الدال المهملة الدوقس بضم الدال وكسر القاف من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وقد يقال الضوقس بالضاد بدل الدال وهي لفظة يونانية أصلها دقستين ومعناها المشكور (6/80)
حرف الراء المهملة
الروحاني من الألقاب التي اصطلح عليها للمتدينين منهم وهو بضم الراء نسبة إلى الروح التي بها مناط الحياة للمخلوقين ومنه نسب إلى الملائكة والجن روحاني وبالفتح نسبة إلى الروح بمعنى الرائحة والمعنى الأول أقرب إلى مراد الكتاب حرف السين
السميدع من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم قال الجوهري وهو بضم السين وقال في كفاية المتحفظ بفتحها ومعناه السيد وكأن المراد سيد قومه وزعيمهم حرف الضاد المعجمة
الضرغام من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهو من أسماء الأسد لقب به ملوكهم لما فيه من معنى الشجاعة حرف الغين المعجمة
الغضنفر بفتح الغين والضاد المعجمتين وسكون النون وفتح الفاء من أسماء الأسد اصطلح الكتاب على تلقيبهم بذلك لما فيه من معنى الشجاعة كالأسد والضرغام على انه قد يطلق في اللغة على الرجل الغليظ كما حكاه الجوهري ولا بأس باستعمال الألفاظ التي لها كامل ارله في المكاتبات إلى الكفار حرف القاف
القديس بكسر القاف من الألقاب التي اصطلح عليها لمتدينتهم من (6/81)
الباب والبطريرك ونحوهما وأصله من التقديس وهو التنزيه حرف الكاف
الكرار بتشديد الراء من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم والكرار صيغة مبالغة من الكر خلاف الفر والمراد أنه يرجع في المحاربة على قرنه المرة بعد المرة ولا ينهزم عنه
الكمينيوس من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهو لفظ رومي معناه . . . . . . حرف الميم
المتبتل من الألقاب التي اصطلح عليها لمتدينتهم ومعناه المنقطع عن الدنيا
المتخت بفتح الخاء المعجمة المشددة من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم والمراد أنه ممن يجلس مثله على تخت الملك لاستحقاقه له
المتوج بفتح الواو المشددة من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم والمراد أنه ممن يلبس التاج لاستحقاقه له
المحتشم من الألقاب التي اصطلح عليها لتجار الروم والفرنج والمراد بالمحتشم هنا الرئيس الذي له حشم وهو خوله وخدمه وأصل الحشمة في اللغة الغضب وسمي خول الرجل وخدمه حشما لأنهم يغضبون له وبعضهم يطلق المحتشم على المستحيي وعليه عرف العامة وهو المراد هنا وأنكره ابن قتيبة وغيره حتى قال النحاس إنه لا يعرف احتشم إلا بمعنى غضب وإن كان الجوهري قد حكاه (6/82)
المعزز من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهو اسم مفعول من العز خلاف الذل
الممجد من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهو مفعل من المجد وقد تقدم الكلام عليه في الألقاب الإسلامية حرف الهاء
الهمام من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وقد تقدم في الألقاب الإسلامية أن معناه الشجاع
النمط الثاني من الألقاب التي يكتب بها لملوك الكفر الألقاب المركبة
وهذه جملة منها مرتبة على حروف المعجم أيضا حرف الألف آخر ملوك اليونان من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهي تصلح لكل ملك ينتسب إلى اليونان أو قام مقامهم في الملك واليونان أمة معروفة مشهورة وكانت مملكتهم أولا في الجانب الشرقي من الخليج القسطنطيني المعروف الآن ببلاد الروم ثم ملكوا بعدها العراق والترك والهند وبلاد أرمينية والشام ومصر والإسكندرية ومنهم أكثر الحكماء والفلاسفة وكانت دولتهم من أعظم الدول واختلف في نسبهم فنقل ابن سعيد عن البيهقي وغيره من المحققين أنهم من ولد أفريقش بن يونان بن علجان بن يافث بن نوح عليه السلام والمنقول عن التوراة أن يونان هو ابن يافث لصلبه واسمه فيها يافان بفاء تقرب في اللفظ من الواو فعربت يونان (6/83)
وخالف كثير من المؤرخين فنسبوا يونان إلى عابر بن فالغ فجعله أخا لقحطان جد العرب العاربة وأنه خرج من اليمن مغاضبا لأخيه قحطان فنزل ما بين الأفرنجة والروم واختلط نسبه بنسبهم وقيل بل اليونان من جملة الروم من ولد صوفر بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام
أسوة الملوك والسلاطين من الألقاب التي اصطلح عليها ملوكهم والإسوة بكسر الهمزة وضمها بمعنى القدوة ومنه قولهم لي في فلان إسوة يعني قدوة وكأنهم جعلوه إسوة لملوك الكفر يقتدون به وإلا فلا يجوز إطلاق ذلك على الملوك من حيث هم لدخول ملوك الإسلام فيهم
العادل في ملته من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وقد تقدم معنى العادل والملة في الكلام على الألقاب الإسلامية
العادل في مملكته من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وقد تقدم معنى العادل والمملكة في الأصل موضع الملك ثم أطلقت على الرعية مجازا
الريد أرغون من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض لملوكهم ممن يملك البلاد المعروفة بأرغون وقد ذكر في الروض المعطار بلاد أرغون وقال هو اسم بلاد غرسيه بن شانجة تشتمل على بلاد ومنازل وأعمال ولم يذكر في أي حيز هي ولا في أي قطر وقد رأيت هذا اللقب في التعريف للمقر الشهابي بن فضل الله في ألقاب صاحب القسطنطينية وفي التثقيف (6/84)
لابن ناظر الجيش في ألقاب الأذفونش صاحب طليطلة من الأندلس ويحتاج إلى تحقيق من يملك هذه الطائفة منهما فيكتب به إليه والريد في لغتهم بمعنى الملك كما تقدم في الكلام على ريد أفرنس في ألقاب الملوك
المنصف لرعيته من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم والرعية من يسوسه الملك سموا بذلك تشبيها لهم بالغنم وله بالراعي
أوحد الملوك العيسوية من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم ويصلح للملكانية واليعقوبية جميعا لأنه لم يقيد بمذهب من مذاهب النصارى
أوحد ملوك اليعقوبية جميعا من الألقاب التي اصطلح عليها لملوك الحبشة لأن ملكها من طائفة اليعقوبية حرف الباء
بطل النصرانية من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهو صالح لكل واحد منهم ومعنى البطل في اللغة الشجاع سمي بذلك لأنه يبطل حركة قرنه
بقية أبناء التخوت والتيجان من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهي تصلح لكل منهم أيضا من الملكانية واليعاقبة جميعا
بقية الملوك الأغريقية من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض الملوك من بقايا طائفة الأغريقية من اليونان وهم طائفة من اليونان تنسب إلى أغريقش ابن يونان المقدم ذكره وهم اليونان الأول وقد ذكره في التعريف في ألقاب ملك الكرج ولعله اطلع على أنه من بقايا هذه الطائفة وهو مما يحتاج إلى تحرير
بقية سلف قيصر من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض ملوكهم ممن انتسب إلى القياصرة ملوك الروم أو قام مقامهم وقيصر اسم قديم لكل من ملك الروم وأصل هذه اللفظة في اللغة الرومية جاشر بجيم وشين معجمة فعربت (6/85)
قيصر ولها عندهم معنيان أحدهما الشيء المشقوق عنه والثاني الشعر واختلف في أول من لقب بذلك منهم فقيل أغانيوش قيصر أول الطبقة الثانية من ملوك الروم ماتت أمه وهو حمل فشق بطنها وأخرج فمسي بذلك لما فيه من الشق عليه وقيل يوليوش قيصر وهو الذي ملك بعد أغانيوش المقدم ذكره وقيل أغشطش قيصر وهو الذي ولد المسيح عليه السلام في زمانه فقد قيل إنه الذي ماتت أمه وهو حمل فشق جوفها وأخرج فسمي بذلك وقيل لأنه ولد وله شعر تام فسمي قيصر لوجود الشعر فيه حينئذ حرف الجيم
جامع البلاد الساحلية من الألقاب التي تصلح لكل ملك مملكة متسعة على ساحل البحر كصاحب القسطنطينية ونحوه حرف الحاء المهملة
حافظ البلاد الجنوبية من الألقاب التي اصطلح عليها لملك الحبشة من النصارى على أنه يصلح لغيره من ملوك السودان أيضا ممن أخذ في الجنوب من المسلمين وغيرهم
حامل راية المسيحية من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهي تصلح لكل ملك كبير من ملوك النصارى والمراد بالمسيحية الملة المسيحية فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه يريدون ملة المسيح وهو عيسى عليه السلام واختلف في سبب تسميته بالمسيح فقيل لأنه كان ممسوح القدمين بمعنى أنه لا أخمص له وقيل لأنه مسح الأرض بالسياحة وقيل غير ذلك أما تسمية الدجال بالمسيح فلأنه ممسوح العين لأنه أعور وقيل لأنه يمسح الأرض بالسير فيها
حامي البحار والخلجان من الألقاب التي تصلح لكل من مملكته منهم على البحر والبحار جمع بحر وأصله في اللغة الشق ومنه سميت البحيرة (6/86)
المذكورة في القرآن وهي الناقة التي تشق أذنها فلا تعارض والخلجان جمع خليج وهو الجدول الصغير والمراد ما يتشعب من البحر كخليج القسطنطينية وجون البنادقة ونحوهما
حامي حماة بني الأصفر من الألقاب التي تصلح لملوك الروم والفرنج بالممالك العظام كصاحب القسطنطينية وغيره والمراد ببني الأصفر الروم فإنهم من ولد صوفر بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام والمؤرخون يعبرون عن صوفر بالأصفر وإنما خصه بحماية الحماة تفخيما له فإنه إذا حمى الحماة كان بحماية غيرهم أجدر حرف الخاء المعجمة
خالصة الأصدقاء من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم والمراد بالخالصة هنا من ليس في صداقته شائبة
خلاصة ملوك السريان من الألقاب التي تصلح لكل من ينسب إلى بقايا السريانيين من الملوك والسريان أقدم الأمم في الخليقة وكانوا يدينون بدين الصابئة وينتسبون إلى صابيء بن إدريس عليه السلام قال ابن حزم ودينهم أقدم الأديان على وجه الأرض ومدار مذاهبهم على تعظيم الروحانيات والكواكب وكانت منازلهم أرض بابل من العراق قال المسعودي وهم أول (6/87)
ملوك الأرض بعد الطوفان حرف الذال المعجمة
ذخر ملوك البحار والخلج من الألقاب التي تصلح لكل ملك منهم على ساحل البحر وقد تقدم معنى الذخر والبحار والخلج هي الخلجان وقد تقدم معناها
ذخر الأمة النصرانية من الألقاب التي تصلح لجميع ملوك النصرانية من الملكانية واليعاقبة وقد تقدم معنى الذخر والأمة في الكلام على الألقاب الإسلامية حرف الراء المهملة
رضي الباب بابا رومية يجوز أن يكون بفتح الراء وكسر الضاد بمعنى مرضي الباب ويجوز أن يكون بكسر الراء وفتح الضاد بمعنى أنه يجعل نفس رضا الباب وهو أبلغ وهو من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وقد تقدم في الألقاب الأصول معنى البابا ورومية اسم لرومية التي بها الباب مقيم إضافة إليها لإقامته بها وقد مر القول عليها في الكلام على المسالك والممالك في القمالة الثانية وتأتي الإشارة إليها في الكلام على مكاتبة الباب في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
ركن الأمة العيسوية من الألقاب التي اصطلح عليها لكبار ملوكهم كملك الحبشة ونحوه ويصلح للملكانية واليعاقبة جميعا حرف الشين المعجمة
شبيه مريحنا المعمدان من الألقاب التي تصلح لكبار ملوكهم ومريحنا بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الياء المثناة تحت وبعدها حاء مهملة ونون ومعنى مر السيد ويحنا بلغتهم يحيى والمراد شبيه السيد يحيى والمعمدان بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة صفة عندهم ليحيى فهم يزعمون (6/88)
أن مريم عليها السلام خرجت بعيسى عليه السلام من الشأم إلى مصر وعادت به إلى الشأم وهو ابن اثنتي عشرة سنة فتلقاه يحيى عليه السلام وهو ابن خالته فغمسه في نهر الأردن وهو عندهم أصل ماء المعمودية الذي لا يصح عندهم تنصر نصراني إلا به فأطلقوا على يحيى عليه السلام المعمدان لمعنى ذلك وكأنه شبهه به من حيث إنه أصل المعمودية بزعمهم حرف الصاد المهملة
صديق الملوك والسلاطين من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم والمراد أن فيه صداقة وودا لملوك الإسلام وسلاطينهم حرف الضاد المعجمة ضابط الممالك الرومية من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينية وهو نظير حافظ البلاد الجنوبية لملك الحبشة حرف الظاء المعجمة
ظهير الباب بابا رومية من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وقد تقدم معنى الباب والبابا حرف العين المهملة
عز الملة النصرانية من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم
عماد بني المعمودية من الألقاب التي اصطلح عليها لكبار ملوكهم والعماد في اللغة الأبنية الرفيعة يذكر ويؤنث وقد مر بيان معنى المعمودية في حرف الشين حرف الفاء
فارس البر والبحر يصلح لمن يكون مجاورا للبر والبحر من الملوك كأصحاب الجزائر وقد يصلح لغيرهم أيضا (6/89)
فخر الملة المسيحية من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وتصلح للملكانية واليعاقبة منهم حرف الميم
متبع الحواريين والأحبار الربانيين والبطاركة القديسين من ألقاب عظماء ملوكهم والمراد بالحورايين أصحاب عيسى عليه السلام الذي بعثهم إلى أقطار الأرض للبشارة به وللدعاية إلى الله تعالى وعنهم أخبر تعالى بقوله ( قال الحواريون نحن أنصار الله ) وهم اثنا عشر نفسا أسماؤهم يونانية
أحدهم بطرس ويقال له شمعون الصفا وهو الذي بشر بالقدس وأنطاكية وما حولها
والثاني أندراوس وهو الذي بشر ببلاد الحبشة والسودان
والثالث يعقوب بن زيري وهو الذي بشر بمدينة
والرابع يوحنا الإنجيلي وهو الذي بشر ببلاد أفسس وما معها
والخامس فيلبس ولم أقف على موضع بشارته
والسادس برتلوما وهو الذي بشر في الواحات والبربر
والسابع توما ويعرف بتوما الرسول وهو الذي بشر في السند والهند
والثامن متى وهو الذي بشر بأرض فلسطين وصور وصيدا ومصر وقرطاجنة من بلاد المغرب (6/90)
والتاسع يعقوب بن حلفا وهو ممن بشر ببلاد الهند أيضا
والعاشر سمعان ويقال شمعون الصفا وهو الذي بشر بشمشاط وحلب ومنبج وبزنطية وهي القسطنطينية
والحادي عشر بولس ويقال له تداوس وهو الذي بشر بدمشق وبالقدس أيضا وبلاد الروم والجزائر ورومية
والثاني عشر يهوذا الأسخريوطي وهو الذي خرج عن طاعة المسيح ودل عليه اليهود ليقتلوه فألقى الله تعالى شبه المسيح عليه فأمسكه اليهود وقتلوه وصلبوه ورفع الله تعالى المسيح إليه وليس هذا من المراد بالحورايين هنا لأنه قد خرج عن دائرتهم فلفظ الحواريين مأخوذ من الحور وهو شدة البياض سموا بذلك لصفاتهم وتفانيهم في اتباع المسيح عن الدخل وقيل لأنهم كانوا في الأول قصارين يبيضون الثياب
والأحبار جمع حبر بفتح الحاء وكسرها وهو العالم
والربانيون جمع رباني وقد تقدم معناه في الألقاب الإسلامية
والبطاركة جمع بطرك وقد تقدم الكلام عليه في الألقاب الأصول وأن أصله بطريرك وأنه يقال فيه فطرك بالفاء بدل الباء وكان لهم خمسة كراسي كرسي برومية وهو الذي قعد فيه الباب وكرسي بالإسكندرية وهو الذي استقر لبطرك اليعقوبية الآن وكرسي ببزنطية وهي القسطنطينية وكرسي بأنطاكية وكان فيه بطرك النسطورية وكرسي بالقدس وهو أصغرها عندهم
محي طرق الفلاسفة والحكماء من الألقاب التي اصطلح عليها (6/91)
لصاحب القسطنطينية لأن مملكته منبع حكماء اليونان وفلاسفتهم والفلاسفة جمع فيلسوف بكسر الفاء وهي لفظ يوناني مركب من مضاف ومضاف إليه معناه محب الحكمة فلفظ فيل بمعنى محب وسوف بمعنى الحكمة وهم يطلقون الفلسفة على من يحيط بالعلوم الرياضية وهي الهيئة والهندسة والحساب واللحون وغيرها والحكماء جمع حكيم وهو من يحسن دقائق الصناعات ويتقنها أو من يتعاطى الحكمة وهي معرفة أفضل الأشياء وأفضل العلوم وأول ما صارت الحكمة فيهم في زمن بختنصر ثم اشتهرت فيهم بعد ذلك ولذلك عبر بالفلاسفة القدماء إشارة إلى أول زمن الحكماء
مخول التخوت والتيجان من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينية لعظم مملكته في القديم والحديث والمخول المملك والتخوت جمع تخت وهو كرسي الملك الذي يجلس عليه الملك في مجلسه العام والتيجان جمع تاج وهو الذي يوضع على رأس الملك إذا جلس على تخته والمعنى أنه يعطي الملوك الممالك من تحت يده لسعة ممكلته وعظمتها وقد كانت القسطنطينية قبل غلبة الفرنج وقوة شوكتهم ملكا عظيما
مسيح الأبطال المسيحية من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم كصاحب القسطنطينية أضاف المسيح إلى الأبطال ثم وصفها به جميعا له بين رتبتي الشجاعة والتدين بدينه
مصافي المسلمين من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم (6/92)
والمصافي مفاعل من الصفاء والمراد أنه صافي النية للمسلمين والمسلمون صافو النية له
معز النصرانية من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم والمراد بالنصرانية ملة النصرانية حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه والنصرانية في الأصل منسوبة إلى الناصرة وهي القرية التي نزلها المسيح وأمه عليهما السلام من بلاد القدس عند عودهما إلى مصر وقيل مأخوذة من قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام ( من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله )
معظم البيت المقدس من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وربما زيد فيها فقيل معظم البيت المقدس بعقد النية لموافقة الروي في السجعة التي تقارنها ويصلح لكل ملك من ملوكهم لأن جميعهم يعتقدون تعظيم البيت المقدس والبيت المقدس معروف والتقديس التنزيه والتطهير
معظم كنيسة صهيون من الألقاب المختصة بملك الحبشة لأنه يعقوبي وكنيسة صهيون بالإسكندرية وهي كنيسة بطرك اليعاقبة الآن ومعتقدهم أنه لا يصح ولاية ملك منهم إلا باتصال من هذا البطرك على أنه في ابتداء البطركية في زمن الحواريين لم يكن بكرسي الإسكندرية أحد من الحواريين إنما كان بها مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواري صاحب كرسي رومية والنصارى يومئذ على طريقة واحدة قبل ظهور الملكية واليعقوبية فلما افترق دين النصرانية إلى الملكانية واليعاقبة وغيرهم كانت بطركية الإسكندرية يتداولها الملكية واليعقوبية تارة وتارة بحسب انتحال الملوك والميل إلى كل من المذهبين ثم استقرت آخرا في بطرك اليعاقبة إلى زماننا وتبعه ملوك الحبشة لانتحالهم مذهب اليعاقبة كما تبع الروم والفرنجة الباب (6/93)
برومية لانتحالهم مذهب الملكانية وسيأتي الكلام على طرف من ذلك في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة إن شاء الله تعالى
ملك ملوك السريان من الألقاب التي اصطلاح عليها لصاحب القسطنطينية لعظمته عندهم وقد تقدم ذكر السريان فيما قبل
مواد المسلمين من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهو بتشديد الدال أخذا من المودة
مؤيد المسيحية من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم والمؤيد المقوي والمراد بالمسيحية الملة المسيحية كما تقدم بيانه وربما قيل مؤيد العيسوية والأمر فيهما كذلك حرف النون
ناصر الملة المسيحية من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم وقد تقدم معنى هذه الألقاب في مواضعها حرف الواو
وارث التيجان من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وقد تقدم معنى التيجان والمراد أنه انتقل إليه الملك وراثة من آبائه
وارث آبائه في الأسرة والتيجان من الألقاب التي اصطلح عليها لمن يكون عريقا في الملك وهو قريب من اللقب الذي قبله
وارث القياصرة العظماء من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينية التي هي قاعدة القياصرة وقد تقدم أول من سمي قيصر فيما سلف من الألقاب (6/94)
الضرب الثاني من ألقاب أهل الكفر الألقاب المؤنثة بأن يكون اللقب الأصل مؤنثا فتتبعه الألقاب الفروع في التأنيث ولها حالتان
الحالة الأولى أن يكون اللقب الأصل لمؤنث غير حقيقي كالحضرة مثلا فترد ألقابه مؤنثة وفي الغالب إنما يقع التأنيث في اللقب الأول ثم ينتقل إلى الألقاب المذكرة مثل أن يقال الحضرة العالية أو السامية أو العلية حضرة الملك الجليل ويؤتى بما يناسبه من الألقاب بعد ذلك وربما أتى للحضرة بلقبين فأكثر طلبا للتفخيم ثم يعدل إلى الألقاب المذكرة مثل الحضرة العالية المكرمة ثم يقال حضرة الملك الجليل وما أشبه ذلك
الحالة الثانية أن يكون اللقب الأصل لمؤنث حقيقي بأن يكون لامرأة كما إذا كانت ملكة في بعض ممالكهم على قاعدة الأعاجم في إسناد الملك إلى بنات الملوك فيؤتى بألقابها المفردة والمركبة مؤنثة فيكتب مثلا الملكة الجليلة المكرمة المبجلة الموقرة المفخمة المعززة فلانة العادلة في مملكتها كبيرة دين النصرانية نصرة الأمة العيسوية حامية الثغور صديقة الملوك والسلاطين وما أشبه ذلك ومعاني هذا الألقاب معلومة مما تقدم
قلت قد أتيت من ألقاب أهل الإسلام وألقاب أهل الكفر المفردة والمركبة على ما تضمنه التعريف بالمصطلح الشريف للمقر الشهابي بن فضل الله وعرف التعريف في الإخوانيات له وتثقيف التعريف للقاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش إلا ما شرد عنه القلم مع ما ضممته إلى ذلك مما وجدته في غيرها من الدساتير المجموعة في السلطانيات والإخوانيات المصرية والشامية جاريا على عرفهم مما استعمله أهل الزمان ومن قاربه والكاتب الماهر إذا فهم أصلها وعرف طرقها اخترع ما شاء من الألقاب والنعوت والضابط في وضع الألقاب أن يراعى فيها أحوال المكتوب له فيؤتي منها بما يناسب حاله في الوظيفة والرياسة وسائر أوصاف المدح اللائقة به فيؤتى لصاحب السيف (6/95)
بالألقاب المقتضية للشجاعة والبسالة مثل المجاهدي والمثاغري والمرابطي وما أشبه ذلك وربما أضيف له بعض بالألقاب المقتضية للعلم والصلاح كالعالمي والعاملي ونحو ذلك لاشتراك الناس في المدح بمثل ذلك ويؤتى للعالم والقاضي ونحوهما بالألقاب المقتضية للعلم كالعالمي والمحققي ونحو ذلك وربما أضيف إليها الألقاب المقتضية للصلاح لتمدح العلماء به ويؤتى للصوفية وأهل الصلاح الألقاب المقتضية للصلاح والتعبد كالعابدي والزاهدي ونحوهما ويؤتى لكتاب الإنشاء الألقاب المقتضية للبلاغة كالبليغ والمفوهي ونحهما ويؤتى للنساء الألقاب المقتضية للصيانة والعفة كالمصونة والمحجبة وما أشبههما ويؤتى لأهل الكفر من الملوك ونحوهم بما لا حرج فيه على الكاتب كالشجاعة وما في معناها والتقدم على ملوك طائفته وأهل ملته وما في معنى ذلك فإن اجتمع في شخص واحد أوصاف متعددة من الممادح جمعت له على أن أكثر ما يستعمله الكتاب من الألقاب غير موجودة في صاحبها وإنما هي ألقاب حفظوها لرتب معينة لا يسعهم الإخلال بشيء منها وإن كانت كذبا محضا و ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) وقد كان في القديم قاعدة مستقرة وهو أنه لا يلقب أحد بلقب ولا يكنى بكنية إلا أن يكون الخليفة هو الذي يلقب بذلك أو يكنى
الجملة السابعة في تفاوت الألقاب في المراتب وهي قسمان
القسم الأول ما يقع التفاوت فيه بالصعود والهبوط وهو نوعان
النوع الأول ما يقع التفاوت فيه بحسب القلة والكثرة وله حالتان
الحالة الأولى أن يكون المكتوب إليه من أتباع المكتوب عنه كنواب (6/96)
السلطنة فيما يكتب عن الأبواب السلطانية من مكاتبات وولايات فزيادة الألقاب وكثرتها في هذه الحالة علو وشرف في حق المكتوب إليه لأنها من باب المدح والإطراء ولا شك أن كثرة المدح من المتبوع للتابع أعلى من قلته ولذلك تقع الإطالة في ألقاب كبار النواب والاختصار في صغارهم وتأتي في غاية الاختصار في نحو ولاة النواحي ومن في معناهم
الحالة الثانية أن يكون المكتوب له أجنبيا عن المكتوب عنه كالملوك الذين تكتب إليهم المكاتبات عن السلطان فقلة الألقاب في حقه أرفع لأن الإكثار من ذلك يرى أنه من باب الملق المذموم بين الأكابر في المكاتبات فوجب تجنبه كما يجب تجنب المدح وكثرة الدعاء ولذلك يقع الاختصار في الألقاب فيما يكتب لهم عن السلطان إجلالا لقدرهم عن رتبة رعاياه الذين يكثر من ألقابهم
النوع الثاني ما يقع فيه التفاوت في العلو والهبوط بحسب ما يقتضيه جوهر اللفظ أو ما وقع الاصطلاح عليه وهو صنفان
الصنف الأول الألقاب المفردة وهي على أربعة أنماط
النمط الأول التوابع
وهي التي تلي الألقاب الأصول كالتي تلي المقام والمقر والجناب والمجلس فيلي المقام لفظ الأشراف ولفظ الشريف ولفظ العالي فالمقام يقال فيه المقام الأشرف العالي والمقام الشريف العالي والمقام العالي ويلي المقر لفظ الأشراف ولفظ الشريف ولفظ الكريم ولفظ العالي فيقال المقر الأشرف العالي والمقر الشريف العالي والمقر الكريم العالي والمقر العالي (6/97)
ويلي الجناب لفظ الكريم ولفظ العالي فيقال الجناب الكريم العالي والجناب العالي ويلي المجلس لفظ العالي والسامي فيقال المجلس العالي والمجلس السامي والألفاظ التي تتبع وهي الأشراف والشريف والكريم والعالي والسامي بعضها أرفع من بعض على الترتيب فالأشرف أرفع من الشريف لأن أشرف أفعل تفضيل يقتضي الترجيح على غيره كما هو مقرر في علم النحو والشريف أرفع رتبة من الكريم لما تقدم عن ابن السكيت أن الكرم يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء شرفاء والشرف لا يكون إلا لمن له آباء شرفاء ومقتضى ذلك ترجيح الشريف على الكريم لاقتضائه الفضل في نفس الشخص وفي آبائه بخلاف الكرم ولذلك اختير الشرف لأبناء فاطمة رضي الله عنها دون الكرم والكريم أرفع رتبة من العالي لأن الكريم يحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف اللؤم ويحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف البخل وكلاهما مقطوع بأنه صفة مدح وإن الأقرب إلى مراد الكتاب المعنى الأول والعالي يحتمل أن يكون من علي بكسر اللام يعلى بفتحها علاء بفتح العين والمد إذا شرف ويحتمل أن يكون من علا يعلو علوا إذا ارتفع في المكان وليس العلو في المكان مما يدل على صفة المدح إلا أن يستعار للارتفاع في الشرف فيكون صفة مدح حينئذ على سبيل المجاز وإن كان مراد الكتاب هو المعنى الأول وما كان مقطوعا فيه بالمدح من الجانبين أعلى مما يكون مقطوعا فيه بالمدح من جانب دون جانب وقد اصطلحوا على أن جعلوا العالي أرفع من السامي وهو مما أنكر على واضعه إذ لا فرق بينهما من حيث المعنى لأن السمو بمعنى العلو والذي يظهر أن الواضع لم يجهل ذلك ولعله إنما جعل العالي أرفع رتبة من السامي وإن كان بمعناه لأن العالي لفظ واضح المعنى يفهمه الخاص والعام فيكون المدح به أعم باعتبار من يفهمه بخلاف السامي فإنه لا يفهم معنى العلو منه إلا الخاصة فيكون المدح به أخص لاقتصار الخاصة على معرفته دون العامة (6/98)
النمط الثاني ما يقع التفاوت فيه بحسب لحوق ياء النسب وتجرده منه
قد تقدم أن الألقاب المفردة منها ما تلحق به ياء النسب ومنها ما يتجرد عنها وأن الذي تلحقه ياء النسب منها ما هو منسوب إلى شيء خرج عن صاحب اللقب كالقضائي فإنه منسوب إلى القضاء الذي هو نفس الوظيفة فيكون النسب فيه على بابه ومنه ما هو منسوب إلى صاحب اللقب نفسه كالأميري فإنه نسبة إلى الأمير وهو عين صاحب اللقب فدخلت فيه ياء النسب للمبالغة كما في قولهم لشديد الحمرة أحمري على ما تقدم بيانه
وبالجملة فقط اصطلحوا على أن يكون ما لحقت به ياء النسب أرفع رتبة مما تجرد عنها سواء منسوبا إلى نفس صاحب اللقب أو غيره فيجعلون الأميري أعلى رتبة من الأمير والقضائي أرفع رتبة من القاضي ثم يجعلون المنسوب إلى نفس صاحب اللقب أرفع رتبة من المنسوب إلى شيء خارج عنه ومن أجل ذلك جعلوا القاضوي أرفع رتبة من القضائي أما كون ما لحقت به ياء النسب رفع رتبة من المجرد عنها فظاهر لأن المبالغة تقتضي الرفعة ضرورة وأما كون المنسوب إلى شيء آخر غير المنسوب إليه يقتضي الرفعة وإن لم يكن فيه مبالغة فللإلحاق بما فيه المبالغة استطرادا لئلا يلتبس الحال في النسبتين على الضعيف الفهم فلا يفرق بين ما هو منسوب إلى هذا وبين ما هو منسوب إلى ذاك على أنهم لم يقفوا مع الحكم في كون ما دخلت عليه ياء النسب أرفع مما لم تدخل عليه فقد استعملوا الأجل ونحوه في الألقاب السلطانية التي هي أعلى الألقاب فقالوا السلطان الأجل العالم العادل إلى آخر ألقابه المفردة من غير إلحاق ياء النسب بها ثم استعملوا مثل ذلك في ألقاب السامي بغير ياء فما دونه مما هو أدنى الألقاب رتبة وكأنهم اكتفوا بمكانة (6/99)
السلطان من الرفعة عن المبالغة في ألقابه بإلحاق ياء النسب من حيث إن المعرف لا يحتاج إلى تعريف
النمط الثالث ما يقع التفاوت فيه بصيغة مبالغة غير ياء النسب
فيكون أرفع رتبة لمعنى المبالغة كما في الكفيلي فإنه أرفع رتبة من الكافلي لأن صيغة فعيل أبلغ في المعنى من صيغة فاعل من حيث أن فعيلا لا يصاغ إلا من فعل بضم العين إذا صار ذلك الفعل له سجية كما يقال كرم فهو كريم وعظم فهو عظيم وحلم فهو حليم بخلاف فاعل ومن أجل ذلك كان لفظ فقيه أبلغ من لفظ فاقه لأن فاقه يصاغ من فقه بكسر القاف إذا فهم ومن فقه بفتحها إذا سبق غيره إلى الفهم وفقيه إنما يصاغ من فقه بضمها إذا صار الفقه له سجية كما مر القول عليه في الكلام على الفقيه والفقيهي في الألقاب الإسلامية المفردة
النمط الرابع ما يقع فيه التفاوت بحسب ما في ذلك اللقب من اقتضاء التشريف لعلو متعلقه ورفعته
كالممهدي والمشيدي فإن المراد ممهد الدول ومشيد الممالك على ما مر في الألقاب المركبة فإن من ينتهي في الرتبة إلى تمهيد الدول وتشييد الممالك فلا نزاع في أنه من علو الرتبة بالمكان الأرفع وكذلك ما يجري هذا المجرى كالمدبري بالنسبة إلى الوزراء ومن في معناهم والمحققي بالنسبة إلى العلماء والأصيلي بالنسبة إلى العريق في كرم الأصل ونحو ذلك (6/100)
الصنف الثاني الألقاب المركبة وهي على ضربين
الضرب الأول ما يترتب بعضه على بعض لقبا بعد لقب وله اعتباران
الاعتبار الأول أن يشترك في رعاية الترتيب أرباب السيوف الأقلام وغيرهم وهو على ثلاثة أنماط
النمط الأول ما يضاف إلى الإسلام وله ثلاثة أحوال
الحال الأول أن يكون ذلك في ألقاب أرباب السيوف وقد اصطلح المقر الشهابي بن فضل الله على أن جعل أعلاها ركن الإسلام والمسلمين فذكر ذلك في المكاتبة إلى النائب الكافل ومكاتبته يومئذ بالجناب الكريم ثم أبدل الكتاب ذلك بعده بمعز الإسلام والمسلمين وجعلوه مع المكاتبة إليه بالمقر الكريم على ما استقر عليه الحال آخرا في المكاتبة إلى النائب الكافل ونائب الشام وجعلوا دون ذلك عز الإسلام والمسلمين فأورده مع الجناب الكريم والجناب العالي على ما استقر عليه مصطلحهم في السلطانيات وجعل في عرف التعريف في الإخوانيات عز الإسلام والمسلمين أعلى الألقاب فأورده في ألقاب المقر الشريف ثم طرده فيما بعد ذلك من المقر الكريم والمقر العالي ولم يعده إلى ما بعد ثم جعل دونه مجد الإسلام والمسلمين فأودره مع المجلس العالي مطلقا مع الدعاء وصدرت ثم جعل دون ذلك مجد الإسلام فقط من غير عطف المسلمين عليه فأورده في المجلس السامي بالياء والسامي بغير ولم ياء ولم يعده إلى مجلس الأمير بل أعاضه بمجد الأمراء على ما سيأتي ذكره وتابعه على ذلك في التثقيف (6/101)
الحال الثاني أن يكون ذلك في ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم ككاتب السر وناظر الجيش وناظر الخاص فمن دونهم من الكتاب
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في بعض دساتيره السامية أن أعلاها لهم ركن الإسلام والمسلمين وجعل في عرف التعريف أعلاها للوزراء صلاح الإسلام والمسلمين ولمن في معنى الوزراء عز الإسلام والمسلمين أو جلال الإسلام والمسلمين وأورد ذلك مع المقر الشريف وما بعده من المقر الكريم والمقر العالي والجناب الشريف والجناب الكريم وجعل دون ذلك مجد الإسلام مجردا عن عطف المسلمين عليه فأورده مع المجلس العالي والمجلس السامي
أما تخصيص صلاح الإسلام والمسلمين بالوزراء وعز الإسلام والمسلمين وجلال الإسلام والمسلمين بمن في معناهم فلأن الصلاح فيه معنى السداد والقصد والعز والجلال فيهما معنى العظمة والهيبة ولا شك أن وظيفة الوزراء التي مناطها تدبير الملك بالصلاح أجدر على أنه إذا حصل الصلاح تبعته العظمة والهيبة ضرورة وأما كون جلال الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام فلأمرين أحدهما أن الجلال بمعنى العظمة والمجد بمعنى الشرف والعظمة أبلغ من الشرف لما في العظمة من نفاذ الكلمة والثاني أن الإضافة في جلال الإسلام والمسلمين في المعنى إلى شيئين وفي مجد الإسلام إلى أحدهما
الحال الثالث أن يكون في ألقاب القضاة والعلماء وقد جعل في عرف التعريف أعلاها حجة الإسلام أو ضياء الإسلام فأوردهما مع الجناب الشريف الذي هو عنده أعلى الرتب لهذه الطائفة وجعل دون ذلك بهاء الإسلام فأورده مع الجناب الكريم وجعل دونه مجد الإسلام فأودره مع المجلس العالي والسامي بالياء وبغير ياء
أما كون حجة الإسلام وضياء الإسلام أعلى رتبة من مجد الإسلام فلأن (6/102)
الحجة في اللغة بمعنى البرهان وهو الدليل القاطع وبه تتقرر فواعد الإسلام ومبانيه والضياء في أصل اللغة خلاف الظلمة ثم استعير للهداية وما في معناها ولا شك أن الوصف بهذين الأمرين أبلغ من الوصف بالمجد الذي هو بمعنى الشرف
الحال الرابع أن يكون في ألقاب الصلحاء وقد جعل في عرف التعريف أعلاها صلاح الإسلام وأورده مع الحضرة ومع الجناب الشريف والجناب الكريم وجعل دونه جلال الإسلام وأورده مع الجناب العالي ودونه ضياء الإسلام وأورده مع المجلس العالي وجعل دونه جلال الإسلام فأورده مع المجلس السامي بالياء فما دونه
أما كون صلاح الإسلام والمسلمين أعلى من جلال الإسلام والمسلمين فقد تقدم بيانه وأما كون جلال الإسلام والمسلمين أعلى من ضياء الإسلام والمسلمين فلأن الجلال معناه العظمة وهي أعلى من الضياء على ما فيه من التعسف
النمط الثاني من الألقاب المركبة ما يضاف إلى الأمراء والوزراء ونحوهم من أرباب المراتب السنية وهو على الأحوال الأربعة المتقدمة الذكر فيما يضاف إلى الإسلام
الحال الأول أن يكون في ألقاب أرباب السيوف قد جعل في عرف التعريف أعلاها سيد الأمراء في العالمين وأورده مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي وجعل دونه سيد الأمراء المقدمين وأورده مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي ودونه شرف الأمراء المقدمين وأورده مع المجلس العالي والدعاء دونه شرف الأمراء في الأنام وأورده مع السامي بالياء ودونه زين الأمراء المجاهدين وأورده مع (6/103)
السامي بغير ياء ودونه مجد الأمراء وأورده مع مجلس الأمير
والذي في التثقيف بعد سيد الأمراء في العالمين سيد أمراء العالمين وأورده مع الجناب العالي ودونه شرف الأمراء في العالمين وأورده مع المجلس العالي والدعاء ودونه شرف الأمراء المقدمين وأورده مع صدرت والعالي ودونه شرف الأمراء فقط وأورده مع السامي بالياء ودونه فخر الأمراء وأورده مع السامي بغير ياء ودونه مجد الأمراء وأورده مع مجلس الأمير ولا يخفى ما بينهما من الاختلاف ولا مشاحة في الاصطلاح بعد فهم المعنى ولا نزاع في أن الترتيب الذي في التثقيف أحسن وإذا تأملت ذلك المعنى وعرضته على ما تقدم من التوجيه في النمط الأول ظهر لك حقيقة ذلك
الحال الثاني أن يكون في ألقاب الوزراء ومن في معناهم فقد ذكر في عرف التعريف أن أعلاها للوزراء سيد الوزراء في العالمين ولمن في معناهم من كاتب السر ونحوه سيد الكبراء في العالمين وأورده ذلك مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي والجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه لمن دون هؤلاء من الكتاب فخر الأنام وأورده في المجلس العالي والدعاء مع ما بعده
الحال الثالث أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء
وقد جعل في عرف التعريف أعلاها شرف الأنام وأورده مع الجناب الشريف الذي جعله أعلى المكاتبات لهم ومع الجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه فخر الأنام فأورده مع المجلس العالي بالدعاء ودونه بهاء الأنام وأورده مع صدرت والعالي ومع السامي بالياء والسامي بغير باء
الحال الرابع أن يكون من ألقاب الصلحاء وقد جعل في عرف التعريف أعلاها خالصة الأنام وأورده مع الحضرة الشريفة التي جعلها أكبر رتبهم ومع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه (6/104)
شرف الأنام وأورده مع المجلس العالي ودونه زين الأنام وأورده مع السامي مع بالياء وبغير ياء
النمط الثالث من الألقاب المركبة ما يضاف إلى الملوك والسلاطين وهو على الأحوال الأربعة المتقدمة الذكر
الحال الأول أن يكون من ألقاب أرباب السيوف وقد ذكر في عرف التعريف أن أعلاها ظهير الملوك والسلاطين وأورده مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي والجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه عضد الملوك والسلاطين وأورده مع المجلس العالي والمجلس السامي بالياء ودونه عمدة الملوك والسلاطين وجعله مع مجلس الأمير والذي في التثقيف إيراد ظهير الملوك والسلاطين مع المقر الكريم وما بعده إلى آخر المجلس العالي وجعل عضد الملوك والسلاطين مع السامي بالياء وعمدة الملوك والسلاطين مع السامي بغير ياء وعدة الملوك والسلاطين مع مجلس الأمير
والحاصل أنه في التثقيف زاد رتبتين في ظهير الملوك والسلاطين فجعله في المجلس السامي مع الدعاء ومع صدرت على أن التحقيق أن عضد الملوك والسلاطين أعلى في الحقيقة من ظهير الملوك والسلاطين لأن العضد عضو من أعضاء الإنسان وهو ما بين المرفق والكتف والظهير خارج عنه وما كان من نفس الإنسان كيف يجعل ما هو خارج عنه أرفع منه بالنسبة إلى ذلك الشخص
الحال الثاني أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم وقد جعل في عرف التعريف أعلاها ظهير الملوك والسلاطين أيضا وأورده مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي والجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه صفوة الملوك والسلاطين وأورده مع (6/105)
المجلس العالي فما دونه
الحال الثالث أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء وقد جعل في عرف التعريف أعلاها للقضاة حكم الملوك والسلاطين ولغيرهم من العلماء خالصة الملوك والسلاطين وهو عنده للجناب الشريف فما فوقه ودونه بركة الملوك والسلاطين وأورده مع الجناب الكريم والجناب العالي والمجلس العالي مع الدعاء وجعل دونه صفوة الملوك والسلاطين وأورده في صدرت والعالي فما دون ذلك
الحال الرابع أن يكون في ألقاب الصلحاء ولم يزد في عرف التعريف على أنه يكتب لهم بركة الملوك والسلاطين وحينئذ فيقتصر عليها لجمعيهم ممن يستحق ذلك بحسب ما يقتضيه حال المكتوب بسببه
النمط الرابع من الألقاب المركبة ما يضاف لأمير المؤمنين وهو على الأحوال الأربعة المتقدم ذكرها
الحال الأول أن يكون من ألقاب أرباب السيوف وأعلاها قسيم أمير المؤمنين وهو من الألقاب الخاصة بالسلطان كما تقدم ذكره في موضعه ودونه خليل أمير المؤمنين وهو من ألقاب أولاد الملوك وألقاب بعض الملوك الأجانب المكتوب إليهم عن الأبواب السلطانية ودونه عضد أمير المؤمنين وهو أعلى ما يكتب لنواب السلطنة عن الأبواب السلطانية وجعله في عرف التعريف مع المقر الشريف خاصة ودونه سيف أمير المؤمنين وأورده مع المقر الكريم والمقر العالي ودونه حسام أمير المؤمنين وجعله في عرف التعريف مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي ولم يورد بعد ذلك لقبا بالإضافة إلى أمير المؤمنين بل اقتصر على ما يضاف إلى الملوك والسلاطين (6/106)
وأما في التثقيف فجعله مع المقر الكريم والمقر العالي ودونه حسام أمير المؤمنين وأورده مع المجلس العالي والدعاء ولم يورد فيما بعد ذلك لقبا بالإضافة إلى أمير المؤمنين
والحاصل أنه في عرف التعريف زاد رتبة فيما يضاف إلى أمير المؤمنين وهي حسام أمير المؤمنين
الحال الثاني أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم ولم يزد في عرف التعريف على ولي أمير المؤمنين وأورده مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي والجناب الشريف ويحسن أن يجيء مع الجناب الكريم خالصة أمير المؤمنين ومع الجناب العالي صفي أمير المؤمنين أو صفوة أمير المؤمنين ولا يضاف إلى أمير المؤمنين مع المجلس العالي فما دونه شيء من الألقاب اكتفاء بما يضاف إلى الملوك والسلاطين كما تقدم في أرباب السيوف
الحال الثالث أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء فقد جعل في عرف التعريف أعلاها ولي أمير المؤمنين وجعله مع الجناب الشريف فما فوقه ويحسن أن يجيء مع الجناب الكريم خالصة أمير المؤمنين ومع الجناب العالي صفي أمير المؤمنين أو صفوة أمير المؤمنين كما تقدم في الوزراء ومن في معناهم ومن دونهم من الكتاب
الاعتبار الثاني في الألقاب المركبة أن يختص الترتيب في الألقاب بنوع من المكتوب لهم وهو أربعة أنماط
النمط الأول ما يختص بأرباب السيوف وله حالان
الحال الأول أن تقع الإضافة فيه إلى الغزاة والمجاهدين وقد جعل (6/107)
المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف ناصر الغزاة والمجاهدين أعلاها فأورده في المكاتبة إلى نائب الشام والمكاتبة إليه يومئذ دون المكاتبة إلى النائب الكافل وهو خلاف مقتضى تركيب لغة العرب لما تقدم من أن صيغة فعيل أعلى من صيغة فاعل ولذلك جعلوا الكفيل أعلى من الكافل على ما تقدم بيانه وحينئذ فيكون نصير الغزاة والمجاهدين أعلى من ناصر الغزاة والمجاهدين على خلاف ما ذكره
أما في عرف التعريف فإنه أعرض عن ذكر الألقاب المضافة إلى الغزاة والمجاهدين مع المقر الشريف الذي هو أعلى الألقاب لأرباب السيوف من النواب ومن في معناهم وأتى بعده المقر الكريم بنصير الغزاة والمجاهدين ثم أتى بعده مع الجناب الشريف إلى آخر المجلس العالي بنصرة الغزاة والمجاهدين فجعل نصير الغزاة أبلغ من نصرة الغزاة لما في نصير من التذكير وفي نصرة من لفظ التأنيث والتذكير أعلى رتبة من التأنيث ثم أتى مع السامي بالياء بذخر الغزاة والمجاهدين ثم مع السامي بغير ياء بزين الأمراء المجاهدين على وصف الأمراء بالمجاهدين دون عطف المجاهدين على الأمراء ثم مع مجلس الأمير بزين المجاهدين
وجعل في التثقيف أعلاها ناصر الغزاة والمجاهدين تبعا للتعريف وأورده مع المقر الكريم ودونه نصرة الغزاة والمجاهدين وأورده مع الجناب الكريم وما بعده إلى آخر المجلس العالي ثم أتى مع السامي بالياء بأوحد المجاهدين ومع السامي بغير ياء ومجلس الأمير بزين المجاهدين والحال في ذلك قريب
الحال الثاني أن يكون اللقب مضافا إلى الجيوش وقد جعل في التعريف أعلاها أتابك الجيوش وأورده في ألقاب النائب الكافل وجعل دونه زعيم الجيوش وأورده في ألقاب نائب الشام وهو يومئذ دون النائب الكافل ثم جعل دونه زعيم جيوش الموحدين وأورده في ألقاب نائب حلب (6/108)
وعلى نحو من ذلك جرى في عرف التعريف فجعل أعلاها زعيم الجيوش وأورده مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي ودونه زعيم جيوش الموحدين وأورده مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي ولم يورد شيئا في هذا المعنى فيما بعد ذلك وعلى نحو ذلك جرى في التثقيف
النمط الثاني ما يختص بالوزراء ومن في معناهم من كاتب السر ونحوه فمن دونهم من الكتاب
وقد ذكر في عرف التعريف أن أعلاها للوزراء سيد الوزراء في العالمين ولمن في معناهم سيد الكبراء في العالمين وأورد ذلك مع المقر الشريف والمقر الكريم والمقر العالي والجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي وجل دونه لمن دونهم من الكتاب شرف الرؤساء وأورده مع المجلس العالي ولا شك أنه يجيء بعده أوحد الكتاب أو شرف الكتاب مع المجلس السامي بالياء ثم جمال الكتاب للسامي بغير الياء فما دونه
النمط الثالث ما يختص بالقضاة والعلماء
وقد جعل في عرف التعريف أعلاها سيد العلماء والحكام ولغيرهم أوحد العلماء الأعلام وجعله للجناب الشريف فما فوقه ثم للجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه تاج العلماء والحكام أو شرف العلماء والحكام وأورده مع المجلس العالي ودونه جمال العلماء أوحد الفضلاء وأورده مع السامي بالياء ودونه جمال الأعيان مع السامي بغير ياء فما دونه
النمط الرابع ما يختص بالصلحاء
وقد جعل في عرف التعريف أعلاها لهم شيخ شيوخ العارفين (6/109)
وأورده مع الحضرة الطاهرة وجعل دون ذلك أوحد المحققين فأورده مع الجناب الكريم ودونه أوحد الناسكين فأورده مع الجناب العالي
قلت وليس وضع هذه الألقاب على الترتيب في العلو والهبوط راجعا إلى مجرد التشهي من غير تقص لعلو أو هبوط يدل عليه جوهر اللفظ بل لا أن يكون لتقدم كل لقب منها على الآخر ورفعته عليه في الرتبة سبب يقتضيه اللفظ وتوجبه دلالته الظاهرة أو الخفية وما وقع فيها مما يخالف ذلك فلعدم تأمل الواضع لذلك أو وقوعه من بعض المدعين الظانين أن القلم في ذلك مطلق العنان يتصرف في وضعه كيف شاء من غير نظر إلى ما يوجب تقديما ولا تأخيرا ومما يوضح ذلك ويبينه أنك إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى الإسلام المتقدمة الذكر في أرباب السيوف مثلا رأيت أعلاها ركن الإسلام والمسلمين على ما هو مذكور في التعريف وغيره من سائر دساتير المقر الشهابي بن فضل الله وأعلاها على ما ذكره في التثقيف معز الإسلام والمسلمين ودون ذلك في الرتبة عز الإسلام والمسلمين ودونه مجد الإسلام والمسلمين ودونه مجد الإسلام فقط من غير عطف على ما تقدم ذكره
أما كون ركن الإسلام والمسلمين أعلى من عز الإسلام والمسلمين فلأن ركن الشيء في اللغة جانبه الأقوى وقد قال الأصوليون إن الركن ما كان داخل الماهية وحينئذ فيكون ركن الشيء بعضا منه بخلاف العز فإنه معنى من المعاني خارج عنه وما كان بعضا للشيء كان أخص به مما هو خارج عنه
وأما وجه إبدالهم ركن الإسلام والمسلمين بمعز الإسلام والمسلمين فلأن في الركن معنى العز والقوة وقد فسر قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام ( أو آوى إلى ركن شديد ) بالعز والمنعة فجعل المعز لهذا الاعتبار في (6/110)
الألقاب قائما مقام الركن
وأما كون عز الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام والمسلمين فلأن العز أجدى في النفع من المجد فقد تقدم أن ابن السكيت قال إن المجد لا يكون إلا بشرف الآباء ولا نزاع في أن العز في تعارف الملوك أكثر جدوى وأوفر نفعا في تحصيل المقاصد وقد ذكر أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب أن الكتاب في الزمن القديم كانوا يجعلون الدعاء بالعز عقب الدعاء بطول البقاء فإنه يكون بالعز مصونا عاليا آمنا غنيا
وأما كون مجد الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام الشيء كلما تعدى فعله إلى غيره كان أرفع رتبة ومجد الإسلام والمسلمين يتعدى إلى شيئين وهما الإسلام والمسلمين ومجد الإسلام لا يتعدى إلا إلى شيء واحد وهو الإسلام فلذلك إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى أمير المؤمنين رأيت أعلاها في أرباب السيوف قسيم أمير المؤمنين ودونه خليل أمير المؤمنين ودونه عضد أمير المؤمنين ودونه سيف أمير المؤمنين ودونه حسام أمير المؤمنين
أما كون قسيم أمير المؤمنين أعلى من خليل أمير المؤمنين فلأن القسيم بمعنى المقاسم والمراد أنه قاسم أمير المؤمنين الملك وساهمه في الأمر فصارا فيه مشتركين وخليل أمير المؤمنين مأخوذ من الخلة بضم الخاء وهي الصداقة وفرق بين من يقاسم الخليفة فيصير عديله في الأمر وبين من يكون خليله وصاحبه على أنه قد تقدم أن الملوك قد أربت بأنفسها عن اللقب لاستبدادهم بالملك واستيلائهم عليه
وأما كون خليل أمير المؤمنين على من عضد أمير المؤمنين فلأن العضد (6/111)
ليس المراد منه العضو الحقيقي الذي هو بين الكتف والمرفق وإنما استعير للناصر وكأنه ينصره بنفسه كما ينصره عضده ومثل هذا الوصف لا يكون إلا للأتباع بخلاف الخليل والصديق فإنه لا تكاد رتبته عند الشخص تنحط عن رتبة نفسه
وأما كون عضد أمير المؤمنين أعلى من سيف أمير المؤمنين فلأن العضد وإن قصد به الناصر فإنه منقول عن العضو للناصر كما تقدم وعضو الإنسان عنده في العزة وقوة النصر فوق سيفه في ذلك
وأما كون سيف أمير المؤمنين أعلى من حسام أمير المؤمنين وإن كان الحسام متضمنا لوصف القطع الذي هو المقصود الأعظم من السيف من حيث إنه مأخوذ من الحسم وهو القطع فلأن السيف مأخوذ من ساف إذا هلك كما صرح به الشيخ ( جمال الدين بن هشام ) في شرح قصيدة كعب بن زهير ولا شك أن معنى الإهلاك أبلغ من معنى القطع لأن القطع قد يقع في بعض البدن مما لا يتضمن الإهلاك وهذا مما يجب التنبه له فإنه ربما توهم أن الحسام أبلغ من السيف لتضمن وصف القطع كما تقدم
وبالجملة فلا سبيل إلى استيعاب جميع ما يرد من هذا الباب بالتوجيه لأن ذلك يؤدي إلى الإسهاب والملل والقول الجامع في ذلك أنه ينظر إلى الألفاظ الواقعة في الألقاب وما تقتضيه من أصناف المدح وما تنتهي إليه رتبتها فيه من أعلى الدرجات أو أوسطها أو أدناها فيرتبها على هذا التريتب ويوجهها بما يظهر له من التوجيه على نحو ما تقدم كما إذا اعتبرت رتبة الجلال والجمال فإنك تجد الجلال أعلى رتبة لأن معنى الجلال العظمة ومعنى الجمال الحسن ولا نزاع في أن العظمة أبلغ وأعلى موقعا من الحسن وكما إذا اعتبرت الضياء والبهاء فإن الضياء يكون أبلغ لأن الضياء معناه النور الذاتي وهو متعدي النفع عام الفضيلة والبهاء معناه الحسن وهو قاصر على صاحبه وفيما ذكر إرشاد إلى ما لم يذكر (6/112)
القسم الثاني مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب ما يقع التفاوت فيه بالتقديم والتأخير وهو نوعان
النوع الأول الألقاب المفردة وهي على ستة أنماط
النمط الأول الألقاب التي تلي الألقاب الأصول
وهي التي تلي المقام والمقر والجناب والمجلس كالأشرف والشريف والكريم والعالي والسامي فالأشرف يلي المقام والمقر فيقال المقام الأشرف والمقر الأشرف والشريف يلي المقام والمقر والجناب فيقال المقام الشريف والمقر الشريف والجناب الشريف والكريم يلي المقر والجناب فيقال المقر الكريم والجناب الكريم والعالي يلي المقام والمقر والجناب والمجلس فيقال المقام العالي والمقر العالي والجناب العالي والمجلس العالي والسامي يلي المجلس خاصة فيقال المجلس السامي والعالي يلي الأشرف والشريف والكريم فيقال الأشرف العالي والشريف العالي والكريم العالي
النمط الثاني ما يلي العالي أو السامي من الألقاب
وهو اللقب الذي يميز نوع المكتوب له كالأميري لأرباب السيوف والصاحبي للوزراء من أرباب الأقلام والقضائي والقاضوي لسائر أرباب الأقلام والشيخي للصوفية وأهل الصلاح والصدري للتجار ومن في معناهم مثل أن يقال المقر الكريم العالي الأميري والجناب العالي الصاحبي أو (6/113)
الجناب العالي القاضوي أو المجلس العالي أو المجلس السامي الشيخي أو المجلس السامي الصدري وما أشبه ذلك والمعنى في وضع هذه الألقاب في هذا الموضع أن يدل أو لقب يذكر بعد اللقب الأصل وتابعه على الوظيفة كما تدل براعة الاستهلال على صورة الحال في المكاتية أو الولاية أو غيرهما وربما كان المحل مما يقتضي التلقيب بالمولوي فيقدم لقب المولوي على لقب الوظيفة مثل أن يقال المقر الشريف العالي المولوي الأميري فإن كان اللقب الأصل مضافا لمجلس الأمير أو مجلس القاضي أو مجلس الشيخ أو مجلس الصدر قام المضاف إليه مقام لقب الوظيفة فيقوم الأمير من مجلس الأمير مقام الأميري والقاضي من مجلس القاضي مقام القضائي والشيخ من مجلس الشيخ مقام الشيخي والصدر من مجلس الصدر مقام الصدري ثم لا ينعت بعد ذلك في هذه الحالة إلا بالأجل ويؤتى بعده بما يناسبه من الألقاب
النمط الثالث ما يلي لقب الوظيفة
وهو الكبير أو الكبيري فيؤتى به تلو اللقب الدال على الوظيفة مثل أن يقال المقر العالي الأميري الكبيري أو الجناب العالي القضائي الكبيري أو المجلس السامي الكبيري إذا كان بالياء أو الكبير إذا كان بغير الياء
النمط الرابع ما يقع قبل لقب التعريف الذي هو الفلاني أو فلان الدين
وهو اللقب الدال على الوظيفة دلالة خاصة كالكافلي والكفيلي للنواب والوزيري للوزراء والحاكمي للقضاة فإن كان المكتوب له نائب سلطنة كتب له قبل الفلاني الكافلي أو الكفيلي بحسب ما يقتضيه الحال وإن كان حاكما (6/114)
كتب الحاكمي قال في التثقيف وإن كان وزيرا كتب في آخر ألقابه الوزيري والذي ذكره في عرف التعريف أن الوزيري يلي لقب الوظيفة فإذا كان الوزير من أرباب السيوف كتب الأميري الوزيري وإن كان من أرباب الأقلام كتب الصاحبي الوزيري وما ذكره في التثقيف متجه فيما إذا كان الوزير صاحب قلم فإن التعريف في الوظيفة يعرف أولا من قوله الصاحبي وما ذكره في التعريف ظاهر فيما إذا كان الوزير من أرباب السيوف فإنه يتعين تقديم الوزيري فيذكر بعد الأميري ليدل من الابتداء على الوظيفة إذ مطلق الإمرة لا يدل على وزارة ولا عدمها فلو أخر إلى آخر الألقاب لما عرف أنها ألقاب وزير إلى حين ذكر هذا اللقب وإنما رتب هذا الترتيب ليدل باللقب الذي هو أول الألقاب بعد العالي أو السامي على حال صاحب تلك الألقاب هل هو من أرباب السيوف أو الأقلام أو غير ذلك وباللقب الذي هو آخر الألقاب المفردة على وظيفته الخاصة به
النمط الخامس ما يقع فصلا بين الألقاب المفردة والمركبة
وهو لقب التعريف كالفلاني وفلان الدين فقد جعلوه فاصلا بينهما
النمط السادس ما ليس له موضع مخصوص من الألقاب المفردة
وهو ما بين اللقب الذي يقع به التمييز بين الأميري ونحوه وبين اللقب الذي قبل لقب التعريف كالعالمي والعادلي ونحوهما فالقلم في ذلك مطلق العنان بالتقديم والتأخير على ما يقتضيه الحال بحسب ما يراه الكاتب (6/115)
النوع الثاني مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب بالتقديم والتأخير الألقاب المركبة المعبر عنها بالنعوت وهي على ثلاثة أنماط
النمط الأول ما يلي لقب التعريف الذي هو الفلاني أو فلان الدين
وهو ما يضاف إلى الإسلام مثل ركن الإسلام والمسلمين وعز الإسلام والمسلمين وما أشبه ذلك فقد اصطلحوا على أن يكون ذلك أول الألقاب المركبة وتوجيهه ظاهر لأن المضاف يشرف بشرف المضاف إليه ولا أشرف عند أهل الإسلام من الإسلام فوجب تقديم ما يضاف إليه على غيره
النمط الثاني ما يقع في آخر الألقاب المركبة
ويختلف الحال فيه باختلاف حال المكتوب له فإن كان ممن يكتب له المجلس السامي بغير ياء فما دونه جعل آخر الألقاب فيه ما يضاف إلى الملوك والسلاطين مثل أن يقال صفوة الملوك والسلاطين أو اختيار الملوك والسلاطين وما أشبه ذلك وإن كان ممن يكتب له السامي بالياء فما فوقه جعل آخر الألقاب فيه ما يضاف إلى أمير المؤمنين مثل عضد أمير المؤمنين وولي أمير المؤمنين وخالصة أمير المؤمنين وما أشبه ذلك على ما تقتضيه رتبة المكتوب له والمعنى فيه أن أحسن الاختتام بالإضافة إلى الملوك والسلاطين الذين هم ثاني رتبة الخلافة
النمط الثالث ما بين أول الألقاب المركبة وبين آخرها
فقد اصطلحوا على أن يكون المقدم منها مما يقتضي تقديم المكتوب له على أبناء جنسه مثل سيد الأمراء في العالمين وسيد العلماء والحكام في (6/116)
العالمين وما أشبه ذلك ثم في حق كل أحد من أرباب الأقلام والسيوف بحسب ما يقتضيه حاله على نحو ما تقدم في الكلام على ما تتفاوت رتبه بالعلو والهبوط
الجملة الثامنة في بيان محل اللقب المضاف إلى الملك ولقب التعريف الخاص به الواقع تلو اللقب الملوكي مثل الملكي الناصري الزيني وما أشبه ذلك وله ثلاثة أحوال
الحالة الأولى أن يكون ذلك في ألقاب السلطان نفسه كما يقع في التقاليد والمناشير ونحوهما فموضعه بعد رسم بالأمر الشريف أو خرج الأمر الشريف مثل أن يكتب رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري الزيني أو فلذلك رسم بالأمر الشريف الفلاني أو خرج الأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني وما أشبه ذلك
الحالة الثانية أن يكون اللقب المضاف إلى الملك في ألقاب المكتوب له كما لو كتب في تقليد أو نحوه ومحله بعد ذكر اسم المكتوب له بعد الألقاب مثل أن يقال بعد انتهاء الألقاب فلان الظاهري أو الناصري ونحو ذلك ولا يقال له الملكي حينئذ
الحالة الثالثة أن يكون في ألقاب المكتوب عنه كما يكتب في أول المكاتبات الملكي الفلاني وقد اصطلحوا على أن يكتب ذلك تحت جرة البسملة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (6/117)
الجملة التاسعة في ترتيب جملة الألقاب الفروع على الألقاب الأصول على قدر طبقاتها وهي قسمان
القسم الأول الألقاب الإسلامية
وأعلم أن ترتيب الألقاب تارة يكون في السلطانيات وتارة يكون في الإخوانيات وما يكتب عن النواب وقد كانوا في الأيام الناصرية ( محمد بن قلاوون ) يستعملون في الإخوانيات وما يكتب عن النواب النعوت المركبة كما في السلطانيات لا يفرق بينهما إلا ما في الإخوانيات وما في معناها من الألقاب التي لا تصلح للسلطانيات كالمولوي والسيدي والمخدومي ونحوها أما الآن فقد وقع الاقتصار فيها على المفردات دون المركبات وصارت المركبات مختصة بالسلطانيات
ثم الألقاب الإسلامية الفروع المرتبة على الألقاب الأصول على سبعة أضرب
الضرب الأول الألقاب المتعلقة بالخلافة وما يلتحق بها ومبناها على الاختصار وهي ثلاثة أنواع
النوع الأول ألقاب الخلفاء وهي صنفان
الصنف الأول أن تكون لنفس الخليفة فكان يقال فيها في الزمن القديم عبدالله فلان أمير المؤمنين فإن كان اسم الخليفة عبدالله كالمأمون كرر الاسم مرتين مرة للاسم العلم ومرة للقب الخلافة فيقال عبدالله عبدالله (6/118)
أمير المؤمنين ثم زيد فيها الكنية بعد ذلك فقيل عبدالله فلان أبو فلان أمير المؤمنين ثم زيد لفظ الإمام فقيل عبدالله فلان أبو فلان الإمام الفلاني بلقب الخلافة مثل المتوكل على الله ونحوه أمير المؤمنين ثم زيد ووليه بعد عبدالله فقيل عبدالله ووليه فلان أبو فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين وهو ما استقر عليه الحال آخرا
الصنف الثاني أن تكون الألقاب للديوان في مكاتبة أو غيرها والذي اصطلح عليه أن يقال الديوان العزيز المولوي السيدي النبوي الإمامي الفلاني بلقب الخلافة
النوع الثاني ألقاب ولاة العهد بالخلافة
وهي الجانب الشريف المولوي السيدي النبوي الفلاني بلقبه المنسوب إلى الخلافة وربما قيل فيه الجناب بدل الجانب وبقية الألقاب على ما تقدم
النوع الثالث ألقاب إمام الزيدية باليمن
وهي الجناب الكريم العالي السيدي الإمامي الشريفي النسيبي الحسيبي الفلاني بلقب التعريف سليل الأطهار جلال الإسلام سيف الإمام بقية البيت النبوي فخر الحسب العلوي مؤيد أمور الدين خليفة الأئمة رأس العلياء صالح الأولياء علم الهداة زعيم المؤمنين ذخر المسلمين منجد الملوك والسلاطين (6/119)
الضرب الثاني الألقاب الملوكية وهي نوعان
النوع الأول الألقاب التي اصطلح عليها للسلطان بالديار المصرية على ما الحال مستقر عليه وقد ذكر فيها في التعريف مذهبين
المذهب الأول أن يقال السلطان السيد الأجل الملك الفلاني العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الشاهنشاه فلان الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين وارث الملك ملك العرب والعجم والترك ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه إسكندر الزمان مملك أصحاب المنابر والأسرة والتيجان واهب الأقاليم والأمصار مبيد الطغاة والبغاة والكفار حامي الحرمين الشريفين والقبلتين جامع كلمة الإيمان لواء العدل والإحسان سيد ملوك الزمان أبو فلان فلان ابن السلطان الشهيد الملك الفلاني والد الملوك والسلاطين أبي فلان فلان
أما في التثقيف فإنه ذكر ذلك بزيادة وتغيير وتقديم وتأخير فقال السلطان الأعظم المالك الملك الأشرف السيد الأجل العالم العادل المؤيد المجاهد المرابط المثاغر المظفر الشاهنشاه ناصر الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محي العدل في العالمين منصف المظلومين من الظالمين وارث الملك سلطان العرب والعجم والترك فاتح الأقطار مانح الممالك والأمصار إسكندر الزمان مولي الإحسان جامع كلمة الإيمان مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان ملك البحرين مسلك سبل القبلتين خادم الحرمين الشريفين ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه سلطان البسيطة مؤمن الأرض المحيطة سيد الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو فلان فلان بن فلان وذكر أن الغالب أن تحذف الشاهنشاه لأن معناها ملك (6/120)
الأملاك وقد تقدم النهي عن التسمي بذلك ثم قال والواجب أن يكون بدل ولي أمير المؤمنين قسيم أمير المؤمنين
المذهب الثاني أن يكتب المقام الشريف أو الكريم أو العالي مجردا عنهما ويقتصر على المفردة دون المركبة مثل أن يكتب المقام الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني أبو فلان فلان قال في التعريف وإلى هذا ذهب المتأخرون من الكتاب ثم قال وأنا على الأول أعمل
النوع الثاني الألقاب التي يكتب بها عن السلطان لغيره من الملوك وهي على ثلاثة أصناف
الصنف الأول ألقاب ولاة العهد بالسلطنة
وهي المقام العالي العالمي العادلي الملكي الفلاني الفلاني بلقب الملك واللقب المتعارف قال في التثقيف فإن كان أخا للسلطان زيد فيه الأخوي أو ولدا زيد فيه الولدي
الصنف الثاني ألقاب الملوك المستقلين بصغار البلدان
كما كان صاحب حماة في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وكان (6/121)
يكتب له المقام الشريف العالي السلطاني الملكي الفلاني بلقب الملك وربما كتب له قبل لقب الملك الأصيلي لعراقته في الملك
الصنف الثالث ألقاب المكتوب إليهم من الملوك عن الأبواب السلطانية وهي نمطان
النمط الأول ما يصدر بالألقاب المذكرة وهي على أربع طبقات
الطبقة الأولى ما يصدر بالمقام وأعلاها المقام الأشرف كألقاب صاحب الهند وهي المقام الأشرف العالي المولوي السلطاني الأعظمي الشاهنشاهي العالمي العادلي المجاهدي المثاغري المظفري المؤيدي المنصوري إسكندر الزمان سلطان الأوان منبع الكرم والإحسان المعفي آل ساسان وبقايا فراسياب وخاقان ملك البسيطة سلطان الإسلام غياث الأنام أوحد الملوك والسلاطين
ودونه المقام الشريف كألقاب الشيخ حسن الكبير صاحب بغداد كان وهي المقام الشريف العالي الكبيري السلطاني العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المنصوري الملكي الفلاني الفلاني بلقبي الملك والتعارف
ودونه المقام العالي كألقاب القان ببلاد أزبك فيما ذكره في التثقيف وهي المقام العالي السلطاني الكبيري الملكي الأكرمي الفلاني بلقب التعريف فلان الدنيا والدين مؤيد الغزاة والمجاهدين قاتل الكفرة والمشركين ولي أمير المؤمنين وكألقاب صاحب المغرب فيما ذكره في التعريف وهي المقام العالي السلطاني السيد الأجل العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور على أعداء الله أمير المسلمين قائد الموحدين مجهز الغزاة والمجاهدين مجند الجنود عاقد (6/122)
البنود ماليء صدور البراري والبحار مزعزع أسرة الكفار مؤيد السنة معز الملة شرف الملوك والسلاطين بقية السلف الكريم والنسب الصميم ربيب الملك القديم أبو فلان فلان
الطبقة الثانية ما يصدر بالمقر وأعلاها فيما رأيت المقر الكريم كألقاب صاحب هراة فيما ذكره في التعريف وهي المقر الكريم العالي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي الفلاني شرف الملوك والسلاطين خليل أمير المؤمنين وكألقاب صاحب كرمينان من بلاد الروم فيما ذكره في التثقيف وهي المقر الكريم العالي الملكي الأجلي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري المظفري المنصوري الفلاني عز الإسلام والمسلمين فخر الملوك والسلاطين نصير الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر ظهير أمير المؤمنين
ودونه المقر العالي كألقاب صاحب مالي من بلاد التكرور فيما ذكره في التعريف وهي المقر العالي السلطاني الجليل الكبير العالم العادل المجاهد المؤيد الأوحد عز الإسلام شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين سيف الخلافة ظهير الإمامة عضد أمير المؤمنين
الطبقة الثالثة ما يصدر بالجناب وأعلاها الجناب الكريم كألقاب ملك التكرور فيما ذكره في التثقيف أنه استقر عليه الحال وهي الجناب (6/123)
الكريم العالي الملك الجليل العالم العادل المجاهد المؤيد المثاغر المرابط العابد الخاشع الناسك الأوحد فلان ذخر الإسلام وكألقاب ملكي البرنو والكانم فيما ذكره في التعريف وهي الجناب الكريم العالي الملك الجليل الكبير العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور عز الإسلام ثم بقية الألقاب من نسبة ألقاب ملك التكرور
الطبقة الرابعة ألقاب المجلس وأعلاها المجلس العالي كألقاب صاحب حصن كيفا فيما ذكره في التعريف وهو المجلس العالي الملكي الفلاني الأجلي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي الأصيلي الفلاني بلقب التعريف عز الإسلام والمسلمين بقية الملوك والسلاطين نصير الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين شرف الدول ذخر الممالك خليل أمير المؤمنين أو عضد أمير المؤمنين على مخالفة فيه فيما أورده في التثقيف تأتي في المكاتبة إليه
ودونه المجلس السامي بالياء كألقاب صاحب أرزن وهي المجلس السامي الملكي الفلاني بلقب الملك الأصيلي الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي المرابطي الأوحدي الفلاني بلقب التعريف عز الإسلام شرف الملوك في الأنام بقية السلاطين نصرة الغزاة والمجاهدين ولي أمير المؤمنين
ودونه المجلس بغير ياء في ألقابه كألقاب صاحب دنقلة إذا كان (6/124)
مسلما فيما ذكره في التعريف وهي المجلس الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد العضد مجد الإسلام زين الأنام فخر المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين ولم يذكر فيه السامي ولا لقبا مضافا إلى الملك وهو الملكي إلا أنهم أوردوه في عدة الملوك
قلت وأكثر هذه الألقاب يؤتى فيها بالألقاب المختصة بالملك إما في المفردة كالملكي الفلاني وإما في المركبة مثل بقية الملوك والسلاطين ونحو ذلك لتدل على أن المكتوب له ملك فيمتاز عن غيره وربما أتي فيها بالألقاب الإمارية دون الملوكية لوقوع اصطلاح أهل تلك المملكة على ذلك كما يكتب في ألقاب صاحب تونس أمير المؤمنين لادعائه الخلافة وفي ألقاب صاحب فاس أمير المسلمين اتباعا ليوسف بن تاشفين صاحبها في القديم إذ كان أول من تلقب بذلك خضوعا عن أن يتلقب بأمير المؤمنين لاختصاصه بالخلافة كما سيأتي الكلام عليه في المكاتبة إليه إن شاء الله تعالى
النمط الثاني ما يصدر بالألقاب المؤنثة وهي الحضرة
ويختلف الحال فيها باختلاف الممالك فألقاب القان بمملكة إيران على ما كان عليه الحال في أيام السلطان أبي سعيد وما قبله الحضرة الشريفة العالية السلطانية الأعظمية الشاهنشاهية الأوحدية القانية الفلانية قال في التعريف ولا يخلط فيها الملكية لهوانها لديهم وإن كان صاحب التثقيف قد أثبت فيها الملكية أيضا على ما سيأتي في الكلام على المكاتبة (6/125)
إليه في موضعه إن شاء الله تعالى وألقاب صاحب تونس فيما ذكره في التثقيف الحضرة العلية السنية السرية المظفرية الميمونة المنصورة المصونة حضرة الأمير العالم إلى آخر الألقاب المذكورة
الضرب الثالث من الألقاب الإسلامية الألقاب العامة لسائر الطوائف مما يكتب به عن الأبواب السلطانية وهي ثمانية أنواع
النوع الأول ألقاب أرباب السيوف من أهل المملكة وغيرهم من الأمراء والعربان والأكراد والتركمان وهي على خمس درجات
الدرجة الأولى درجة المقر وفيها ثلاث مرابت
المرتبة الأولى مرتبة المقر الشريف وهو مختص في عرف الزمان بما يكتب عن نواب السلطنة
وصورتها على ما أورده في عرف التعريف المقر الشريف العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي الممهدي المشيدي الزعيمي المقدمي الغوثي الغياثي المرابطي المثاغري الظهيري المالكي المخدومي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين زعيم الجيوش مقدم العساكر عون الأمة غياث الملة ممهد الدول مشيد الممالك ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين (6/126)
يكتب عن النواب
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في الألقاب المستقرة للنائب الكافل ونائب الشام المقر الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الزعيمي الغوثي الغياثي المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري العابدي الناسكي الأتابكي الكفيلي الفلاني معز الإسلام والمسلمين سيد أمراء العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
وأما فيما يكتب عن النواب فقد ذكر في التعريف أن ألقابها من نسبة ما تقدم في ألقاب المقر الشريف
وصورتها على ما أورده شهاب الدين الفارقي في دستوره عن نائب الشام المقر الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤدي الممهدي الغوثي المقدمي الذخري الغياثي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين زعيم جيوش الموحدين مقدم العساكر المجاهدين ذخر الدولة بهاء الملة ممهد المملكة ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام أيضا المقر الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي (6/127)
العادلي المؤدي المجاهدي الذخري العضدي النصيري المقدمي الغوثي الغياثي الفلاني ركن الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين غياث الملة كهف الأمة ذخر الملوك والسلاطين ثم قال وإن كان المكتوب إليه نائب سلطنة زيد في ألقابه الممهدي المشيدي الزعيمي المدبري الكافلي الفلاني
وصورتها على ما أورده غيره المقر الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي الغوثي الغياثي الذخري الزعيمي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين جمال الدولة ذخر الملة زين المملكة عين السلطنة سفير الأمة ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب حلب المقر الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الذخري المشيدي الزعيمي الظهيري الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة المقر العالي وقد ذكر في عرف التعريف أن ألقابها من نسبة ما تقدم في المقر الشريف وذكر الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام في ألقابه ما تقدم له في ألقاب المقر الكريم ثم قال إلا أنه لا يقال فيه الذخري
وصورتها على ما رأيته في توقيع نقيب الأشراف بحلب عن النائب بها المقر العالي الأميري الكبيري النقيبي الشريفي الحسيبي النسيبي العريقي الأصيلي الفاضلي العلامي الحجي القدوي الناسكي الزاهدي العابدي الفلاني عز الإسلام والمسلمين جلال العلماء العاملين جمال الفضلاء البارعين حجة الأمراء الحاكمين زين العترة (6/128)
الطاهرة شرف الأسرة الزاهرة حجة العصابة الهاشمية قدوة الطائفة العلوية نخبة الفرقة الناجية الحسينية شرف أولي المراتب نقيب أولي المناقب ملاذ الطلاب الراغبين بركة الملوك والسلاطين
الدرجة الثانية درجة الجناب وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة الجناب الشريف وليست مستعملة في السلطانيات وهي مستعملة فيما يكتب عن النواب
وصورتها على ما أورده في عرف التعريف الجناب الشريف العالي المولوي المجاهدي المؤيدي الممهدي الذخري الأوحدي العوني الظهيري الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء المقدمين نصرة الغزاة والمجاهدين عماد الملة عون الأمة ذخر الملة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
المرتبة الثانية مرتبة الجناب الكريم وهي مستعملة في السلطانيات وما يكتب عن النواب
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التعريف في ألقاب النائب الكافل في الزمن المتقدم الجناب الكريم العالي الأميري الأجلي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الممهدي المشيدي الزعيمي الذخري المقدمي العوني الغياثي المرابطي المثاغري المظفري المنصوري الأتابكي ركن الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين أتابك الجيوش مقدم العساكر زعيم الجنود عاقد البنود ذخر الموحدين ناصر الغزاة والمجاهدين غياث الأمة عون الملة مشيد الدول كافل الممالك ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب النائب الكافل أيضا على ما كان الحال عليه أولا الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري (6/129)
العالمي العادلي المؤيدي الزعيمي العوني الغياثي المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري الكافلي الفلاني مؤيد الإسلام والمسلمين سيد أمراء العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين مقدم العساكر ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة كافل السلطنة ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التعريف في ألقاب نائب الشام على ما كان الحال عليه أولا الجناب الكريم العالي الأميري الأجلي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الممهدي المشيدي العوني الغياثي الذخري الزعيمي المقدمي الظهيري الكافلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر عون الأمة غياث الملة ممهد الدول مشيد الممالك ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في المكاتبة لنائب الشام على ما كان عليه الحال أيضا الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الزعيمي العوني الغياثي المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري الكافلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين مقدم العساكر ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
وصورتها على ما أوردة اروده في التثقيف في المكاتبة إلى أحد الأمراء الألوس بمملكة إيران في دولة السلطان أبي سعيد الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العدلي المؤيدي الزعيمي العوني الغياثي المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي النويني الفلاني عون الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين ممهد الدول عماد الملة عون الأمة كافي الدولة (6/130)
القانية كافل المملكة الشرقية أمير التوامين أمير الألوس ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب ابن المظفر اليزدي الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني الزعيمي الممهدي المشيدي الظهيري الغياثي المثاغري المرابطي النويني الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين مقدم العساكر ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة حاكم أمور ولاة الزمان موضح قوانين العدل والإحسان اعتضاد صناديد الأوان مستنيب ملوك العجم مستخدم أرباب الطبل والعلم ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
وأما فيما يكتب عن النواب وما كان يكتب به في الإخوانيات في الزمن المتقدم فقد ذكر في عرف التعريف أن ألقابه من نسبة ما تقدم في ألقاب الجناب الشريف
وصورتها على ما أورده القاضي شهاب الدين الفارقي في دستوره عن نائب الشام الجناب الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي العادلي العضدي النصيري المؤيدي المقدمي الذخري الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين ظهير الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام الجناب الكريم العالي المولوي الأميري العالمي العادلي العوني الغياثي الظهيري المقدمي الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين ظهير الملوك والسلاطين (6/131)
وصورتها على ما أورده الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام الجناب الكريم العالي المولوي الأميري العالمي العادلي العوني الغياثي الظهيري المقدمي الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف الأمراء في العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين ظهير الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة الجناب العالي وهي مستعملة في السلطانيات وما يكتب عن النواب وما كان في الإخوانيات قديما
فأما في السلطانيات فلها رتبتان
الرتبة الأولى مع الدعاء بمضاعفة النعمة
وصورتها على ما أورده في التعريف في ألقاب نائب حلب على ما كان الحال عليه أولا الجناب العالي الأميري الأجلي الكبيري العالمي العادلي الممهدي المشيدي العوني الذخري الزعيمي المقدمي الظهيري المرابطي المثاغري الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصير الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين عماد الأمة ذخر الدولة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب نائب طرابلس ومن في رتبته الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني الزعيمي الممهدي المشيدي الظهيري الكافلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد أمراء العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين مقدم العساكر ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب قطلوبغا إيناق أحد أمراء الألوس ببلاد أزبك الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني الزعيمي الممهدي المشيدي الظهيري النويني الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة (6/132)
ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
الرتبة الثانية مع الدعاء بدوام النعمة
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب مقدم العسكر بغزة ومن في رتبته الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الأوحدي النصيري العوني الهمامي المقدمي الظهيري الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة عماد المملكة ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب مماي أحد الحكام ببلاد أزبك كان الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي الذخري النصيري الهمامي المقدمي النويني الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر ذخر الدولة عضد الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين
وأما ما يكتب عن النواب وما كان يكتب في الإخوانيات قديما فقد ذكر في عرف التعريف أن ألقابه من نسبه ما تقدم في ألقاب الجناب الشريف
وصورتها على ما أورده الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام في الرتبة الأولى منها الجناب العالي الأميري الأجلي الكبيري المؤيدي المجاهدي العوني المقدمي الاسفهسلاري الظهيري الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء المقدمين نصرة الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التذكرة الآمدية عن نائب الشام أيضا في الرتبة الثانية من هذه المرتبة الجناب العالي الأميري الكبيري العضدي الذخري النصيري المؤيدي المقدمي الظهيري الفلاني مجد الإسلام (6/133)
والمسلمين شرف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين ظهير الملوك والسلاطين
الدرجة الثالثة درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي
وهي مستعملة في السلطانيات وما يكتب عن النواب وما كان يكتب في الإخوانيات قديما
فأما في السلطانيات فلها رتبتان
الرتبة الأولى مع الدعاء للمجلس
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب نائب الكرك المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي المقدمي الأوحدي النصري الهمامي الظهيري الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف أيضا في ألقاب وزير القان ببلاد أزبك المجلس العالي الأميري الكبيري الذخري الأوحدي الأكملي المتصرفي العوني الوزيري الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء والوزراء في العالمين جمال المتصرفين أوحد الأولياء المقربين ذخر الدولة مشير الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التثقيف أيضا في ألقاب حافظ أخي علي باشاه المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي الأوحدي النصيري العوني الهمامي المقدمي الظهيري (6/134)
النويني الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر كهف الملة عماد الأمة ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب أمير مكة المشرفة المجلس العالي الأميري الكبيري الشريفي الحسيبي النسيبي العالمي المجاهدي المقدمي الأوحدي النصيري العوني الهمامي الظهيري الأصيلي العريقي الشهابي عز الإسلام والمسلمين شرف الأمراء الأشراف في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين كهف الملة عون الأمة فخر السلالة الزاهرة زين العترة الطاهرة بهاء العصابة العلوية جمال الطائفة الهاشمية ظهير الملوك والسلاطين نسيب أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب أمير آل فضل من عرب الشام المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي الأوحدي النصيري العوني الهمامي المقدمي الظهيري الأصيلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف الأمراء العربان في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة عماد العرب ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين
الرتبة الثانية المجلس العالي مع صدرت
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب نائب الرحبة ومن في رتبته المجلس العالي الأميري الكبيري العضدي الذخري النصيري الأوحدي المؤيدي العوني الهمامي المقدمي الظهيري الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء المقدمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر ذخر الدولة كهف الملة ظهير الملوك والسلاطين (6/135)
وأما فيما يكتب عن النواب وما كان يكتب في الإخوانيات أولا فصورتها على ما أورده في عرف التعريف المجلس العالي الأميري الأسفهسلاري الأجلي الكبيري المجاهدي المؤيدي النصيري الظهيري الفلاني مجد الإسلام والمسلمين زين الأمراء المقدمين نصرة الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام المجلس العالي الأميري الأجلي الكبيري المؤيدي المجاهدي الأسفهسلاري العوني الظهيري الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء المقدمين نصرة الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التذكرة الآمدية عن نائب الشام المجلس العالي الأميري الكبيري العضدي النصيري المؤيدي المجاهدي الذخري مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء المقدمين ذخر الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة المجلس السامي بالياء
وهو مستعمل في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في بعض دساتيره في توقيع نقيب الأشراف المجلس السامي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي الشريفي الحسيبي النسيبي الذخري النصيري الأوحدي الأصيلي عز الإسلام زين الأنام نسيب الإمام شرف الأمراء نقيب النقباء جمال العترة الطاهرة جلال الأسرة الزاهرة ذخر الغزاة والمجاهدين ظهير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين (6/136)
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب الكشاف بالوجهين القبلي والبحري بالديار المصرية المجلس السامي الأميري الكبيري الذخري النصيري الأوحدي المؤيدي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الأمراء أوحد المجاهدين عضد الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض المراسيم لأمير آل مرا من عرب الشام المجلس السامي الأميري الكبيري المجاهدي المؤيدي العضدي الذخري النصيري الأوحدي الأصيلي العريقي مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الأمراء زين القبائل فخر العشائر ملاذ العرب عضد الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب وزير الشيخ أويس ببغداد المجلس السامي الأجلي الكبيري الأوحدي المقدمي المنتخبي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الرؤساء أوحد الأعيان صفوة الملوك والسلاطين
وصورتها في ألقاب أمراء العرب المجلس السامي الأميري الكبيري الذخري المؤيدي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام زين القبائل فخر العشائر عماد الملوك والسلاطين
وأما فيما يكتب عن النواب ونحوهم فصورتها على ما أورده في عرف التعريف المجلس السامي الأميري الأجلي الكبيري المؤيدي العضدي النصيري الأوحدي الهمامي الفلاني مجد الإسلام زين الأمراء في الأنام ذخر الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين (6/137)
وصورتها على ما أورده شهاب الدين الفارقي في دستوره عن نائب الشام المجلس السامي الأميري الأجلي الكبيري العضدي النصيري المؤيدي الفلاني مجد الإسلام جمال الأمراء نصرة الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام أيضا المجلس السامي الأميري الأجلي الكبيري المؤيدي المجاهدي العضدي النصيري الهمامي الفلاني مجد الإسلام شرف الأمراء نصرة الغزاة عمدة الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء
وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب الولاة الطبلخاناه بالوجهين القبلي والبحري المجلس السامي الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد المرتضى فلان الدين مجد الإسلام بهاء الأنام فخر الأمراء زين المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض نسخ التواقيع ترتيب الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي المجلس السامي الأمير الأجل الكبير الحسيب النسيب الطاهر الكامل العالم العامل الفاضل الزاهد الورع الزكي التقي فلان الدين جلال الإسلام شرف السادة الأشراف فخر العترة الطاهرة زين السلالة الزاهرة نقيب نقباء الشرفاء مجد العصبة (6/138)
العلوية جمال العصبة الفاطمية صدر الأئمة العلماء مجتبى الدولة بهاء الملة خالصة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما في ألقاب النائب بالينبع المجلس السامي الأمير الأجل المجاهد المؤيد الشريف الحسيب النسيب مجد الإسلام بهاء الأنام زين العترة فخر الأسرة جمال الذرية فخر الشجرة الزكية عمدة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب أكابر عربان آل فضل من عرب الشام المجلس السامي الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد الأصيل فلان الدين مجد الإسلام بهاء الأنام فخر القبائل زين العشائر عماد الملوك والسلاطين
وأما فيما يكتب عن النواب ومن في معناهم فصورتها على ما أورده في عرف التعريف المجلس السامي الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المؤيد فلان الدين مجد الإسلام زين الأمراء فخر الأنام ذخر الغزاة والمجاهدين عضد الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التذكرة الآمدية عن نائب الشام المجلس السامي الأمير الأجل الكبير المؤيد المجاهد العضد النصير فلان الدين مجد الأمراء شرف الخواص زين الغزاة عدة الملوك والسلاطين
الدرجة الرابعة درجة مجلس الأمير
وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها على مرتبة واحدة
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب (6/139)
الولاة العشرات بالوجهين القبلي والبحري مجلس الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد المرتضى فلان الدين مجد الأمراء زين المجاهدين عدة الملوك والسلاطين
وأما فيما يكتب عن النواب ومن في معناهم فصورتها على ما أورده في عرف التعريف مجلس الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المرتضى فلان الدين فخر الأمراء زين المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده الفارقي في دستوره عن نائب الشام مجلس الأمير الأجل الكبير الأخص الأكمل الغازي المجاهد المرتضى المختار فلان الدين مجد الأمراء زين الغزاة عدة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التذكرة الآمدية مجلس الأمير الأجل الكبير المؤيد المجاهد الأعز الأخص الأكمل المجتبى المختار فلان الدين مجد الأمراء زين الغزاة عدة الملوك والسلاطين
الدرجة الخامسة درجة الأمير مجردا عن مضاف إليه
وأكثر ما يأتي ذلك في الولايات أو فيمن يكتب بسببه كتاب وما أشبه ذلك وصورتها في السلطانيات الأمير الأجل وربما زيد على ذلك فقيل الكبير الغازي
وصورتها في غير السلطانيات على ما أورده في التذكرة الآمدية الأمير الأجل الأخص الأكمل (6/140)
النوع الثاني من الألقاب الإسلامية الألقاب الديوانية وهي أيضا على خمس درجات
الدرجة الأولى درجة المقر
وليست مستعملة في السلطانيات جملة لأنه لا يكتب لأحد من هذا النوع عن السلطان بالمقر وهي مستعملة فيما يكتب عن النواب ومن في معناهم ولها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المقر الشريف وصورتها على ما أورده في عرف التعريف في ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام المقر الشريف العالي المولوي الصاحبي الوزيري المنفذي العالمي الممهدي المشيدي العوني الغياثي المالكي المخدومي الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الوزراء في العالمين رئيس الأصحاب قوام الأمة نظام الملة مدبر الدولة ذخر الممالك ظهير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في عرف التعريف أيضا في ألقاب غير الوزراء من الكتاب المقر الشريف العالي المولوي القضائي السيدي العالمي العادلي الممهدي المشيدي العوني الغياثي المالكي المخدومي الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين رئيس الأصحاب قوام الأمة نظام الملة زين الدولة ذخر الممالك ظهير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في ألقاب بعض كتاب السر العلماء المقر الشريف العالي المولوي القاضوي الكبيري العالمي العاملي العلامي الأكملي الأفضلي المفيدي (6/141)
الفريدي القدوي المحققي المسلكي الأصيلي العريقي المدبري المشيري اليميني السفيري المالكي المخدومي الشيخي العلامي ضياء الإسلام والمسلمين سيد العلماء والرؤساء والمشايخ في العالمين رئيس الأصحاب فخر الكتاب حسنة الأيام بقية السلف الكرام صدر مصر والشام لسان السلطنة سفير المملكة شيخ شيوخ العارفين جامع طرق الواصفين صدر المدرسين مشير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
المرتبة الثانية مرتبة المقر الكريم قال في عرف التعريف والألقاب فيها من نسبة ما تقدم في ألقاب المقر الشريف
وصورتها على ما أورده الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام المقر الكريم العالي المولوي القضائي العالمي القوامي النظامي المدبري المشيري الملاذي الفلاني جلال الإسلام والمسلمين سيد الأكابر في العالمين عون الأمة ذخر الملة مدبر الدول جمال الممالك حسنة الوجود خالصة الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة المقر العالي وقد جعلها في عرف التعريف من نسبة ما تقدم من ألقاب المقر الشريف أيضا
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام فيما كتب به للقاضي شرف الدين عبد الوهاب بن أبي الطيب كاتب السر بالشام المقر العالي المولوي القضائي الكبيري العالمي الفاضلي الكاملي البارعي الأوحدي الماجدي القوامي النظامي المفوهي الرئيسي الأثيري الأثيلي الأصيلي العريقي الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف الرؤساء في العالمين أوحد الفضلاء الماجدين حجة المنتشئين صدر الرؤساء رأس الصدور عين الأعيان خالصة الملوك والسلاطين (6/142)
الدرجة الثانية درجة الجناب وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة الجناب الشريف وهي مستعملة في غير السلطان دون السلطانيات قال في عرف التعريف وهي من نسبة الألقاب المتقدمة في المقر الشريف
المرتبة الثانية مرتبة الجناب الكريم وجعلها في عرف التعريف من نسبة ما تقدم في المقر الشريف
وصورتها على ما أورده الصلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام الجناب الكريم العالي المولوي القضائي العالمي الأوحدي الرئيسي الأجلي الأثيري البارعي الماجدي الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الرؤساء في العالمين جمال الأكابر فخر الأعيان أوحد الكتاب خالصة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في توقيع باسم شهاب الدين بن أبي الطيب بكتابة الدست بالشام الجناب الكريم العالي المولوي القضائي الكبيري العالمي العاملي البارعي الكاملي الماجدي القوامي النظامي الرئيسي الأصيلي العريقي الأوحدي الفلاني جلال الإسلام والمسلمين أوحد الرؤساء في العالمين تاج الفضلاء المنتشئين جهبذ الحذاق المتصرفين سلالة الأتقياء العارفين خالصة الملوك والسلاطين (6/143)
المرتبة الثالثة مرتبة الجناب العالي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب الوزارة بالديار المصرية الجناب العالي الصاحبي الكبيري العالمي العادلي الأوحدي الأكملي القوامي النظامي الأثيري البليغي المنفذي المسددي المتصرفي الممهدي العوني المدبري المشيري الوزيري الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الوزراء في العالمين رئيس الكبراء كبير الرؤساء أوحد الأصحاب ملاذ الكتاب قوام الدول نظام الملك مفيد المناجح معتمد المصالح مرتب الجيوش عماد الملة عون الأمة مشير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في ألقاب كاتب دست بالشام الجناب العالي القضائي الكبيري العالمي الفاضلي الأكملي البارعي الأوحدي القوامي النظامي المفوهي الرئيسي الماجدي الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الرؤساء في العالمين أوحد الفضلاء الماجدين قدوة البلغاء جمال الكتاب زين المنتشئين خالصة الملوك والسلاطين
الدرجة الثالثة درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب كاتب السر بالأبواب السلطانية المجلس العالى القاضوي الكبيري العالمي العادلي العلامي الأفضلي الاكملي البليغي المسددي (6/144)
المنفذي المشيدي العوني المشيري اليميني السفيري الأصيلي العريقي الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين قدوة العلماء العاملين جمال البلغاء أوحد الفضلاء جلال الأصحاب كهف الكتاب يمين المملكة لسان السلطنة سفير الأمة سليل الأكابر مشير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب ناظر الخواص الشريفة المجلس العالي القاضوي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الأكملي الرئيسي البليغي البارعي القوامي النظامي الماجدي الأميري المنفذي المسددي المتصرفي الفلاني جمال الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين قوام المصالح نظام المناجح جلال الأكابر قدوة الكتاب رئيس الأصحاب عماد الملة صفوة الدولة خالصة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في ألقاب وزير دمشق إذا صرح له بالوزارة المجلس العالي الصاحبي الوزيري الأصيلي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الأوحدي القوامي النظامي الماجدي الأثيري المشيري الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الوزراء في العالمين رئيس الكبراء كبير الرؤساء بقية الأصحاب ملاذ الكتاب عماد الملة خالصة الدولة مشير الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين
وصورتها على ما أورده في ألقابه إذا لم يصرح له بالوزارة بل كان ناظر النظار بالمملكة الشامية المجلس العالي القضائي الكبيري العالمي العاملي الأوحدي الرئيسي الأثيري القوامي النظامي المنفذي المتصرفي الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء في العالمين أوحد الفضلاء جلال الكبراء حجة الكتاب صفوة الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين (6/145)
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما أورده في التذكرة الآمدية في بعض التواقيع من ترتيب المقر الشهابي بن فضل الله بكتابة الدست بالشام المجلس العالي القضائي الأجلي الكبيري الرئيسي العالمي العاملي البارعي الأوحدي الماجدي الأثيري الأثيلي الأفضلي الأصيلي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الرؤساء أوحد الكبراء صدر الأعيان جمال الكتاب جلال الحساب صفوة الدولة خالصة الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة المجلس السامي بالياء وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فلم يذكر صورتها في التثقيف
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير المجلس السامي القضائي الأجلي الكبيري العالمي الفاضلي الكافلي الرئيسي الأوحدي الأصيلي الأثيري البليغي الفلاني مجد الإسلام شرف الرؤساء فخر الأنام زين البلغاء جمال الفضلاء أوحد الكتاب فخر الحساب صفوة الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما رأيته في التذكرة الآمدية في توقيع بكتابة الدرج عن نائب الشام المجلس السامي القضائي الأجلي الكبيري العالمي الفاضلي الكاملي البليغي الأصيلي الرئيسي الفلاني مجد الإسلام شرف الرؤساء أوحد الكتاب جمال (6/146)
البلغاء مرتضى الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء وهي مستعلمة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فلم يذكر لها صورة في التثقيف أيضا
وصورتها على ما رأيته في التذكرة الآمدية في توقيع شرف بكتابة الدرج المجلس السامي القاضي الأجل الكبير الصدر الرئيس الأوحد البارع الكامل الأصيل الفاضل فلان الدين جمال الإسلام بهاء الأنام شرف الأكابر زين الرؤساء أوحد الفضلاء زين الكتاب صفوة الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما رأيته في التذكرة الآمدية في توقيع كريم عن نائب الشام بكتابة الدرج بالشام ترتيب مؤلف التذكرة المذكورة المجلس السامي القاضي الأجل الكبير الفاضل البارع الكامل الأوحد الرئيس الأثير فلان الدين مجد الإسلام شرف الصدور أوحد الفضلاء زين الكتاب جمال الحساب صفوة الملوك والسلاطين
الدرجة الرابعة درجة مجلس القاضي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فلم يورد لها في التثقيف أيضا صورة
وصورتها على ما يقتضيه عرف الديوان مجلس القاضي الأجل الكبير الفاضل الأوحد الأثير الرئيس البليغ العريق الأصيل فلان الدين مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الرؤساء
وأما في غير السلطانيات فعلى نحو ذلك (6/147)
الدرجة الخامسة درجة القاضي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
وصورتها فيهما القاضي الأجل وربما زيد في تعظيمه فقيل الكبير الصدر الرئيس ونحو ذلك
النوع الثالث من الألقاب الإسلامية ألقاب أرباب الوظائف الدينية وهي على خمس درجات أيضا
الدرجة الأولى درجة المقر
وهي مختصة بغير السلطانيات لأنه لا يكتب لأحد من أهل هذا النوع عن السلطان بالمقر أيضا بل قال في عرف التعريف إنه لا يكتب به لأحد من هذا النوع في غير السلطانيات أيضا ولكني رأيته مستعملا فيما يكتب عن النواب بالممالك وهي على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المقر الشريف
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير في توقيع عن نائب الشام للقاضي جمال الدين إبراهيم بن العديم ببعض الأنظار والتداريس بالشام المقر الشريف العالي المولوي القاضوي الكبيري العالمي العادلي الأصيلي العريقي القوامي النظامي الإمامي العلامي القدوي المفيدي الشيخي الصاحبي الحاكمي المحسني الفلاني جمال الإسلام والمسلمين سيد الفضلاء العاملين قدوة العلماء في العالمين لسان المتكلمين برهان المناظرين صدر المدرسين جلال الطالبين بقية السلف الكرام الدارجين بركة الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين (6/148)
المرتبة الثانية مرتبة المقر الكريم
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في توقيع ببعض الوظائف الدينية بدمشق المقر الكريم العالي المولوي القضائي الصاحبي الإمامي العالمي العاملي العلامي المفيدي الفريدي البليغي الأوحدي المحققي القوامي النظامي العريقي الحاكمي المحسني الفلاني جمال الإسلام والمسلمين جلال العلماء العاملين أوحد المتكلمين أكمل البلغاء في العالمين قدوة المحققين بركة الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة المقر العالي
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب حلب بتدريس بها المقر العالي المولوي الشيخي الكبيري الإمامي العالمي العلامي المفيدي القدوي الفريدي المحققي القوامي النظامي الحاكمي الفلاني علاء الإسلام والمسلمين أوحد الفضلاء العارفين رحلة الطالبين نخبة المحققين جمال العلماء في العالمين خالصة الملوك والسلاطين
الدرجة الثانية درجة الجناب
وقد جعلها في عرف التعريف أعلى ما يكتب لهذا النوع وهي على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة الجناب الشريف وهي مختصة بغير السلطانيات
وصورتها على ما أورده في عرف التعريف الجناب الشريف العالي (6/149)
المولوي القضائي السيدي الإمامي العالمي العاملي العلامي الكاملي الأصيلي الأوحدي المفيدي القدوي الفريدي الحجي المجتهدي الفلاني حجة الإسلام أو ضياء الإسلام شرف الأنام أثير الإمام صدر الشام سيد العلماء والحكام أو أوحد العلماء الأعلام بقية السلف الكرام شيخ المذاهب مجلي الغياهب قدوة الفرق رئيس الأصحاب مفتي السنة مؤيد الملة شمس الشريعة سيف النظر مفيد الطالبين لسان المتكلمين ولي أمير المؤمنين
فإن كان حاكما قيل قبل الفلاني الحاكمي وقبل ولي أمير المؤمنين حكم الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة الجناب الكريم وهي مختصة بغير السلطانيات أيضا
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشامية في توقيع القاضي جمال الدين بن أبي جرادة الحنفي ببعض الوظائف الدينية الجناب الكريم العالي المولوي القضائي الكبيري الصاحبي الإمامي العالمي الفاضلي الكاملي الأريبي اللبيبي الأصيلي العريقي القوامي النظامي الفلاني جمال الإسلام والمسلمين أوحد الفضلاء في العالمين أكمل نجباء الأبناء العالمين خالصة الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة الجناب العالي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما استقر عليه الحال في ألقاب قاضي القضاة الشافعي بالديار المصرية الجناب العالي القاضوي الشيخي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الورعي الخاشعي الناسكي الإمامي العلامي الأصيلي العريقي الحاكمي (6/150)
الفلاني جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدي قدوة البلغاء حجة الأمة عمدة المحققين فخر المدرسين مفتي المسلمين جلال الحكام بركة الدولة صدر مصر والشام معز السنة مؤيد الملة شمس الشريعة رئيس الأصحاب لسان المتكلمين حكم الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير في توقيع عن نائب الشام ببعض الوظائف الدينية لبعض العلماء الجناب العالي الشيخي الكبيري العالمي الفاضلي الكاملي الأوحدي الماجدي القوامي النظامي الفلاني ضياء الإسلام والمسلمين أوحد الفضلاء العارفين جلال الأئمة في العالمين خالصة الملوك والسلاطين
الدرجة الثالثة درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي وهي مستعلمة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب القضاة الثلاثة بالديار المصرية غير الشافعي المجلس العالي القاضوي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الإمامي الأصيلي العريقي الحاكمي الفلاني جمال الإسلام والمسلمين سيد العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء حجة الأمة عمدة المحدثين فخر المدرسين مفتي المسلمين جلال الحكام حكم الملوك والسلاطين (6/151)
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما أورده في عرف التعريف المجلس العالي القضائي الأجلي الإمامي الصدري الرئيسي الفقيهي العالمي العلامي الكاملي الأوحدي الفلاني مجد الإسلام فخر الأنام تاج العلماء والحكام أو شرف العلماء والحكام جمال الأمة أوحد الأئمة صدر المدرسين خالصة الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة المجلس السامي بالياء وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فلم يذكر لها في التثقيف صورة
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع المجلس السامي القضائي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الرئيسي المفيدي البليغي القدوي الأثيري مجد الإسلام والمسلمين جمال العلماء العاملين أوحد الفضلاء صدر المدرسين عمدة المفتين خالصة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض تواقيع بعض الخطباء المجلس السامي القضائي الشيخي الإمامي العالمي العاملي العابدي الزاهدي الخاشعي الناسكي الخطيبي الفلاني ضياء الإسلام والمسلمين أوحد الخطباء في العالمين جمال الأئمة الفصحاء البارعين لسان البيان ترجمان الزمان بركة الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما أورده في عرف التعريف
المجلس السامي القضائي الأجلي الإمامي الصدري الفقيهي العالمي الكاملي الفاضلي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام جمال العلماء أوحد الفضلاء شرف النبلاء صفوة الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها (6/152)
فأما في السلطانيات فلم يذكر لها صورة في التثقيف
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع المجلس السامي القاضي الأجل الكبير الصدر الرئيس العالم الفاضل الكامل فلان الدين مجد الصدور زين الأعيان مرتضى الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما ذكره في عرف التعريف المجلس السامي القاضي الأجل الكبير العالم الفاضل الكامل الأوحد الأثير البارع فلان الدين مجد الإسلام بهاء الأنام فخر الصدور جمال الأعيان مرتضى الدولة صفوة الملوك والسلاطين
الدرجة الرابعة درجة مجلس القاضي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فلم يذكر لها صورة في التثقيف
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع مجلس القاضي الأجل الكبير العالم الفاضل الأوحد الكامل الصدر الرئيس مجد الإسلام بهاء الأنام زين الأعيان فخر الصدور مرتضى الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك
الدرجة الخامسة درجة القاضي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
وصورتها فيهما القاضي الأجل وربما زيد في التعظيم نحو الكبير الصدر الرئيس ونحو ذلك (6/153)
النوع الرابع من الألقاب الإسلامية ألقاب مشايخ الصوفية وأهل الصلاح وهي على خمس درجات
الدرجة الأولى درجة المقر وليس لها استعمال في السلطانيات وفي غير السلطانيات لها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المقر الشريف
وصورتها المقر الشريف العالي المولوي الشيخي السيدي الإمامي العالمي العاملي الكافلي الفاضلي الورعي الزاهدي العابدي الناسكي السالكي الخاشعي المسلكي المحققي المدققي الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين جمال الأصفياء العاملين خالصة الأنام صفوة الأتقياء قطب العباد الملك على الحقيقة والمالك لأزمة الطريقة بقية السلف قدوة الخلف مفيد الطالبين أوحد المحققين ركن الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
وقد تقدم أن الأحسن في اللقب المضاف إلى السلاطين هنا بركة الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة المقر الكريم وألقابها من نسبة الألقاب المتقدمة
المرتبة الثالثة مرتبة المقر العالي وألقابها نحو ذلك
الدرجة الثانية درجة الجناب وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة الجناب الشريف وهي مختصة بغير السلطانيات
وصورتها الجناب الشريف العالي المولوي الشيخي الإمامي العالمي العاملي الكافلي الفاضلي الزاهدي العابدي الخاشعي (6/154)
الناسكي الورعي جلا الإسلام سيف الإمام قطب الزهاد علم العباد أوحد الناسكين فرد السالكين بركة الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة الجناب الكريم وهي مختصة بغير السلطانيات أيضا
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع عن نائب الشام الجناب الكريم العالي الشيخي العالمي العاملي العلامي الأوحدي القدوي العابدي الناسكي الخاشعي المسلكي المربي الرباني الأصيلي الفلاني مجد الإسلام حسنة الأيام قدوة الزهاد ملاذ العباد جمال الورعين مربي المريدين أوحد المسلكين خلف الأولياء بركة الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة الجناب العالي وهي مختصة بغير السلطانيات
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع عن نائب الشام الجناب العالي الشيخي العالمي العاملي الأوحدي العابدي الناسكي الورعي الزاهدي الخاشعي المسلكي الأصيلي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام قدوة العباد جمال الزهاد أوحد المسلكين بركة الملوك والسلاطين
الدرجة الثالثة درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي وهي مستعلمة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب شيخ الشيوخ بخانقاه سرياقوس المجلس العالي الشيخي الكبيري العالمي العاملي السالكي الأوحدي الزاهدي العابدي الخاشعي الناسكي المفيدي القدوي الإمامي النظامي الملاذي جلال الإسلام (6/155)
والمسلمين شرف الصلحاء في العالمين شيخ شيوخ الإسلام أوحد العلماء في الأنام قدوة السالكين بركة الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما أورده في عرف التعريف المجلس العالي الشيخي الأجلي الإمامي العالمي العاملي الزاهدي العابدي الورعي الخاشعي الناسكي القدوي الفلاني خيرة الإسلام شرف الأنام زين العباد نور الزهاد ذخر الطالبين كنز التقى ملجأ المريدين بركة الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة المجلس السامي بالياء وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
أما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب الشيخ شمس الدين الطوطي ممن كان يكتب إليه قديما المجلس السامي الشيخي الأجلي العالمي العاملي الكاملي الفاضلي الزاهدي الورعي العابدي الخاشعي الناسكي القدوي الأوحدي الفلاني مجد الإسلام ضياء الأنام بقية السلف الكرام فخر الصلحاء أوحد الكبراء زين الزهاد عماد العباد قدوة المتورعين ذخر الدول ركن الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع الشريفة المجلس السامي الشيخي الكبيري الأوحدي الأكملي العابدي الخاشعي الناسكي جمال الإسلام زين الأنام صفوة الصلحاء فخر العباد بركة الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في بعض التواقيع عن نائب الشام المجلس السامي الإمامي العالمي العاملي الخاشعي الورعي الناسكي السالكي العارفي القدوي (6/156)
البليغي الأصيلي الشيخي الفلاني مجد الإسلام شرف العلماء قدوة الفضلاء فخر الصلحاء جمال النساك قدوة السلاك أوحد العارفين بركة الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فلم يورد لها صورة في التثقيف
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع الشريفة المجلس السامي الشيخ الصالح الزاهد العابد الورع الخاشع الناسك السالك فلان الدين مجد الصلحاء زين المشايخ قدوة السالكين بركة الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على نحو من ذلك
الدرجة الرابعة درجة مجلس الشيخ
وهي مستعلمة في السلطانيات وغيرها
ولم يورد لها صورة في التثقيف وصورتها على ما في بعض الدساتير مجلس الشيخ الصالح الزاهد العابد الناسك السالك فلان الدين مجد الصلحاء زين المشايخ بركة الملوك والسلاطين
الدرجة الخامسة درجة الشيخ
وهي الشيخ الصالح الورع الزاهد ونحو ذلك (6/157)
النوع الخامس ألقاب التجار الخواجكية والمستعمل فيه أربع درجات
الدرجة الأولى درجة الجناب
ولم أر فيها غير مرتبة الجناب العالي فيما عدا السلطانيات وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشامية فيما كتب به لبعض الخواجكية الجناب العالي الصدري الكبيري المحترمي المؤتمني الأوحدي الأكملي الرئيسي العارفي المقربي الخواجكي الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الأكابر في العالمين أوحد الأمناء المقربين صدر الرؤساء رأس الصدور عين الأعيان كبير الخواجكية ثقة الدولة مؤتمن الملوك والسلاطين فإن اتفق أن يكتب لأحد من الخواجكية بأعلى من الجناب العالي كتب له من نظير هذه الألقاب وأعلى منها
الدرجة الثانية درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي وهي مختصة بغير السلطانيات
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشامية المجلس العالي الصدري الرئيسي الكبيري المحترمي المؤتمني الأوحدي الأكملي المقربي الخواجكي الفلاني مجد الإسلام شرف الأكابر أوحد الأمناء المقربين صدر الرؤساء زين الأعيان ثقة الدولة مؤتمن الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة المجلس السامي بالياء وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما ذكره التثقيف في ألقاب خواجا عساف بن مسافر ونظام الدين الإسعردي المجلس السامي (6/158)
الصدري الكبيري الكاملي الماجدي الأوحدي المقربي المنتخبي الأميني الأثيري الخواجكي الفلاني مجد الإسلام زين الأنام شرف الرؤساء أوحد الكبراء تاج الأمناء فخر الأعيان مقرب الحضرتين مؤتمن الدول صفوة الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فصورتها على نحو من ذلك المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب بعض الخواجكية المجلس السامي الصدر الأجل الكبير الكامل الماجد الأوحد المقرب المنتخب الأمين الأثير الخواجا فلان الدين مجد الرؤساء زين الكابر مجد الصدور جمال الأعيان مقرب الدولة صفوة الملوك والسلاطين
وأما في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك
الدرجة الثالثة درجة مجلس الصدر وهي مستعلمة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما ذكره في التثقيف مجلس الصدر الأجل الكبير المحترم المقرب الأوحد فلان الدين
وأما في غير السلطانيات فلا تخرج عن ذلك (6/159)
الدرجة الرابعة درجة الصدر وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أشار إليه في التثقيف الصدر الأجل الكبير المحترم المقرب الأوحد فلان الدين
وأما في غير السلطانيات فلا تبعد من ذلك
النوع السادس من الألقاب الإسلامية ألقاب أرباب الصناعات الرئيسية كرياسة الطب ورياسة الكحالين ورياسة الجرائحية ونحو ذلك والمستعمل فيه درجتان
الدرجة الأولى درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فكألقاب رئيس الأطباء وهي المجلس العالي القضائي العالمي الفاضلي الكاملي الأوحدي الفلاني جمال الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين أوحد الفضلاء المقربين خاصة الملوك والسلاطين (6/160)
وأما في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك
المرتبة الثانية مرتبة المجلس السامي وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها المجلس السامي الصدري الأجلي الكبيري الرئيسي الفلاني
وأما في غير السلطانيات فعلى نحو منه
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
فأما في السلطانيات فصورتها المجلس السامي الصدر الأجل الكبير الرئيس المحترم
وأما في غير السلطانيات فعلى نحو ذلك
الدرجة الثانية درجة الصدر وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
وصورتها فيهما الصدر الأجل فإن زيد في تعظيمه قيل الكبير المحترم
النوع السابع من الألقاب الإسلامية ألقاب الحاشية السلطانية كمهتارية البيوت ومهندس العمائر ورئيس الحراقة ونحوهم وفيه درجتان
الدرجة الأولى درجة مجلس الصدر وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها (6/161)
فأما في السلطانيات فصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب المهندس والرئيس مجلس الصدر الأجل الكبير المحترم المؤتمن فلان الدين وفي ألقاب مهتارية البيوت من مهتار الشراب خاناه والطشت خاناه والفراش خاناه وإخوان سلار ونحوهم مجلس الصدر الأجل الكبير المحترم المؤتمن الحاج فلان
وأما في غير السلطانيات فكذلك أو أزيد
الدرجة الثانية درجة الصدر وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها
وصورتها فيهما الصدر الأجل فإن زيد في رعايته قيل بعد ذلك الكبير المحترم
النوع الثامن من الألقاب الإسلامية ألقاب النساء وفيه درجتان
الدرجة الأولى درجة الجهة وفيها مرتبتان
المرتبة الأولى مرتبة الجهة الشريفة وصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب إلى بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون عن والدتها الجهة الشريفة العالية المحجبة المصونة الولدية العصمية عصمة الدين جلال النساء شرف الخواتين سليلة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما ذكره في التثقيف أيضا في المكاتبة إلى أم آنوك (6/162)
زوجة السلطان الملك الناصر عنه الجهة الشريفة العالية المعظمة المحجبة المصونة الكبرى خوند خاتون جلال النساء في العالمين قرينة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما ذكره في المكاتبة إلى أخت السلطان الملك الناصر حسن عنه الجهة الشريفة العالية المكرمة المحجبة المصونة الكبرى الخاتون جلال النساء في العالمين جميلة المحجبات جليلة المصونات كريمة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما ذكره في ألقاب الست حدق الجهة الشريفة العالية الكبيرية المحجبية المصونية الحاجية الوالدية العالمين بركة الدولة والدة الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير في ألقاب والدة الأشرف شعبان بن حسين الجهة الشريفة العالية الكبرى المعظمة المحجبة العصمي الخاتوني جلال النساء في العالمين سيدة الخواتين جميلة المحجبات جليلة المصونات والدة الملوك والسلاطين
المرتبة الثانية مرتبة الجهة الكريمة
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب دلشاه زوج الشيخ حسن الكبير ببغداد الجهة الكريمة المحجبة المصونة العصمية الخاتونية المعظمة سيدة الخواتين زينة النساء في العالمين جميلة المحجبات جليلة المصونات قرينة نوين الملوك والسلاطين (6/163)
الدرجة الثانية درجة الدار وهي على نحو المرتبتين المتقدمتين في الألقاب السابقة
الدرجة الثالثة درجة الستارة وهي لا تكاد تخرج عما تقدم من المرتبتين المتقدمتين
القسم الثاني من الألقاب المرتبة ألقاب أهل الكفر وهي على ثلاثة أضرب
الضرب الأول ألقاب متدينتهم وهي نوعان
النوع الأول ألقاب بطاركة النصارى
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب الباب برومية الباب الجليل القديس الروحاني الخاشع العامل بابا رومية عظيم الملة المسيحية قدوة الطوائف العيسوية مملك ملوك النصرانية حافظ البحار والخلجان ملاذ البطاركة والأساقفة والقسوس والرهبان تالي الإنجيل معرف طائفته التحريم والتحليل صديق الملوك والسلاطين
وصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب البطريرك بالديار المصرية البطريرك الجليل القديس الخاشع قدوة النصرانية ثم قال ومن نسبة ذلك
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع له الحضرة السامية الشيخ الرئيس المبجل المكرم الكافي المعزز المفخر القديس شمس الرياسة عماد بني المعمودية كنز الطائفة الصليبية اختيار الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشامية عن نائب الشام للبطريرك (6/164)
بها البطريرك المحتشم المبجل العارف الحبر فلان العالم بأمور دينه المعلم لأهل ملته ذخر الملة المسيحية كنز الطائفة العيسوية المشكور بعقله عند الملوك والسلاطين
النوع الثاني ألقاب رؤساء اليهود
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع لرئيس اليهود بالشام من إنشاء القاضي محيي الدين بن الزكي في سنة ست وعشرين وستمائة الرئيس الأوحد الأعز الأخص الكبير شرف الطائفة الإسرائيلية فلان
الضرب الثاني ألقاب ملوكهم وتختص بالنصارى وهو نمطان
النمط الأول الألقاب المذكرة وهي على ثلاثة أنواع
النوع الأول ما يصدر بالألف واللام وهي على خمس مراتب
المرتبة الأولى مرتبة الحضرة العالية
وصورتها على ما أورده في التعريف في ألقاب ملك الحبشة الحضرة العالية حضرة الملك الجليل الهمام الضرغام الأسد الغضنفر الخطير الباسل السميدع العالم في ملته العادل في (6/165)
مملكته المنصف لرعيته المتبع لما يجب في أقضيته عز الأمة النصرانية ناصر الملة المسيحية ركن الأمة العيسوية عماد بني المعمودية حافظ البلاد الجنوبية متبع الحواريين والأحبار السريانيين والبطاركة القديسين معظم كنيسة صهيون أوحد ملوك اليعقوبية صديق الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التعريف أيضا في ألقاب صاحب القسطنطينية الحضرة العالية المكرمة حضرة الملك الجليل الخطير الهمام الأسد الغضنفر الباسل الضرغام المعرق الأصيل الممجد الأثيل البلالاوس الريدأرغون ضابط الممالك الرومية جامع البلاد الساحلية وارث القياصرة القدماء محيي طرق الفلاسفة والحكماء العالم بأمور دينه العادل في ممالكه معز النصرانية مؤيد المسيحية أوحد ملوك العيسوية مخول التخوت والتيجان حامي البحار والخلجان ملك ملوك السريان السريان عماد بني المعمودية رضي الباب بابا رومية ثقة الأصدقاء صديق المسلمين أسوة الملوك والسلاطين فلان
المرتبة الثانية مرتبة الحضرة العلية
وصورتها على ما أورده في التعريف في ألقاب ملك الكرج الحضرة العلية حضرة الملك الجليل الهمام الباسل الضرغام السميدع الكرار الغضنفر المتخت المتوج العالم في ملته العادل في رعيته بقية الملوك الإغريقية سلطان الكرج ذخر ملوك البحار والخلج حامي حمى الفرسان وارث آبائه في الأسرة والتيجان سياج بلاد الروم وإيران سليل اليونان خلاصة ملوك السريان بقية أبناء التخوت والتيجان معز النصرانية (6/166)
مؤيد العيسوية مسيح الأبطال المسيحية معظم البيت المقدس بعقد النية عماد بني المعمودية ظهير الباب بابا رومية مواد المسلمين خالصة الأصدقاء المقربين صديق الملوك والسلاطين
المرتبة الثالثة مرتبة الحضرة السامية
وصورتها على ما أورده في التعريف في ألقاب الأدفونش صاحب طليطلة وإشبيلية من الأندلس الحضرة السامية الملك الجليل الهمام الأسد الباسل الضرغام الغضنفر بقية سلف قيصر حامي حماة بني الأصفر الممنع السلوك وارث لذريق وذراري الملوك فارس البر والبحر ملك طليطلة وما يليها من البلاد الأندلسية بطل النصرانية عماد بني المعمودية حامل راية المسيحية وارث التيجان شبيه مريحنا المعمدان محب المسلمين صديق الملوك والسلاطين
المرتبة الرابعة مرتبة الحضرة المكرمة
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشامية في ألقاب صاحب قبرس الحضرة المكرمة حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر القمقام مؤيد الملة المسيحية عماد بني المعمودية ذخر الملة النصرانية حامي الجوائر القبرسيه مواد المسلمين صديق الملوك والسلاطين الملك فلان
المرتبة الخامسة مرتبة الحضرة الموقرة
وصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب الأدفونش المقدم ذكره الحضرة الموقرة الملك الجليل المكرم المبجل الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام الريدأرغون نصر النصرانية فخر الأمة العيسوية ذخر الملة المسيحية حامي الثغور متملك السواحل والبحور عماد بني (6/167)
المعمودية ظهير بابا رومية ملاذ الفرسان جمال التخوت والتيجان صديق الملوك والسلاطين
النوع الثاني ما يصدر بحضرة مع الإضافة
وصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب صاحب القسطنطينية حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الأسد الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام فلان العالم في ملته العادل في أهل ممكلته عز الأمة المسيحية كنز الطائفة الصليبية جمال بني المعمودية صمصام الملوك اليونانية حسام المملكة المالوصية صاحب أمصار الروس والعلان معز اعتقاد الكرج والسريان وارث الأسرة والتيجان الحاكم على الثغور والبحور والخلجان الدوقس الأنجالوس الكمينيوس البالالوغس صديق الملوك والسلاطين
وصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب ملك الكرج حضرة الملك الجليل المكرم الخطير الباسل القمقام القديس الروحاني فلان عز الأمة المسيحية كنز الطائفة الصليبية فخر دين النصرانية ملك الجبال والكرج والجرجان صديق الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير في ألقاب ملك الكرج أيضا حضرة الملك الجليل العالم في ملته العادل في مملكته المتوج من الله فلان سيد ملوك النصرانية أكبر زعماء الملة المسيحية ضابط الممالك الكرجية . . . خليل الملوك والسلاطين (6/168)
وصورتها على ما ذكره في التعريف في ألقاب متملك سيس قبل فتحها حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين
وصورتها على ما ذكره في التثقيف ذفي ألقاب متملك سيس المذكور أيضا حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعزز الهمام الباسل فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين
وصورتها على ما ذكره في التثقيف أيضا في ألقاب صاحب البندقية حضرة الدوك الجليل المكرم الخطير الباسل الموقر المفخم فلان فخر الملة المسيحية جمال الطائفة الصليبية دوك البندقية والمانسية فلان زين بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب ملك السرب والبلغار حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الهمام الضرغام الباسل الدوقس الأنجالوس الكمينيوس فلان عماد النصرانية مالك السرب والبلغار فخر الأمة العيسوية ذخر الملة المسيحية فارس البحور حامي الحصون والثغور
وصورتها على ما أورده في ألقاب ملك مونفراد حضرة الملك الجليل المكرم البطل الهمام الأسد الضرغام فلان مجد النصرانية فخر (6/169)
العيسوية عماد بني المعمودية جمال الطائفتين الرومية والفرنجية ملك منفراد وارث التاج معز الباب
وصورتها على ما أورده في ألقاب لدوك البندقية غير ما تقدم حضرة المحتشم الجليل المبجل الموقر المكرم المفخم الباسل الضرغام فلان عز الملة المسيحية جمال الطائفة العيسوية ذخر الملة الصليبية صديق الملوك والسلاطين
النوع الثالث ما يصدر بالملك وما في معناه
وصورته على ما ذكره في التثقيف في ألقاب ملك الحبشة الملك الجليل المكرم الخطير الأسد الضرغام الباسل فلان العالم في ملته العادل في مملكته حطي ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان نجاشي عصره سند الملة المسيحية عضد دين النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين
وصورتها على ما ذكر في التثقيف في ألقاب دوك البندقية غير ما تقدم الدوك الجليل المكرم المبجل الموقر البطل الهمام الضرغام الغضنفر الخطير مجد الملة النصرانية فخر العيسوية عماد بني المعمودية معز بابا رومية صديق الملوك والسلاطين فلان
النمط الثاني من ألقاب ملوك الفكر الألقاب المؤنثة
وصورتها على ما أورده في التثقيف في ألقاب صاحبة بابل (6/170)
الملكة الجليلة المكرمة المبجلة الموقرة المفخمة المعززة فلانة العالمة في ملتها العادلة في مملكتها كبيرة دين النصرانية نصيرة الملة العيسوية حامية الثغور صديقة الملوك والسلاطين
الضرب الثالث ألقاب نواب ملوكهم وكناصلتهم ومن في معنى ذلك وهو على نوعين
النوع الأول ألقاب النواب
وصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب النائب بالأبواب النائب الجليل المبجل الموقر القديس الروحاني والنعوت من نسبة ألقاب متملك سيس
وصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب صاحب دنقلة النائب الجليل المبجل الموقر الأسد الباسل فلان مجد الملة المسيحية كبير الطائفة الصليبية غرس الملوك والسلاطين
النوع الثاني ألقاب الكناصلة
وصورتها على ما ذكره في التثقيف في ألقاب الكنصل باكفا كألقاب متملك سيس المنقولة عن التثقيف فيما تقدم (6/171)
وصورتها على ما أشار إليه في التثقيف في ألقاب المطران نائب الباب بالأنفية وهي قبرس نحو ما تقدم في ألقاب البطرك بالديار المصرية قال ويزاد عليه المطران فلان ويقال في نعوته ناصح الملوك والسلاطين
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشامية في ألقاب إبراهيم كري أحد كتاب الفرنج عن نائب دمشق المحتشم الكبير المخول الأسد الهمام الغضنفر مواد المسلمين متبع الحواريين جمال العيسوية أوحد بني المعمودية صاحب الملوك والسلاطين
قلت قد تبين مما تقدم من الألقاب والنعوت الإسلامية وألقاب أهل الكفر ونعوتهم أنها ليست واقفة عند حد بل هي راجعة إلى اصطلاح الكتاب واختيارهم في زيادة الألقاب ونقصها والإتيان بلقب دون لقب مع رعاية المناسبة لكل مقام وما يحتمله من الألقاب إلا أن لذلك أصولا يرجع إليها وقوانين يوقف عندها إذا اعتمدها الكاتب ومشى على نهجها ونسج على منوالها أصاب سواء الثغرة من الصناعة وطبق المفصل بالمفصل في الإتيان بالمقصد ومتى أهملها وفرط في مراعاتها ضل سواء السبيل وخرج عن جادة الصواب ( ومن يضلل الله فما له من هاد )
الأصل الأول أن يقف على ما رتبه البلغاء من أرباب الصنعة من الألقاب والنعوت لكل صنف من ذوي الألقاب والنعوت لأهل الإسلام وأهل الكفر ويجري ذلك منه مجرى الحفظ والاستحضار ليسهل عليه إيراده في موضعه ولا يشذ عنه شيء منها عند الاحتياج إليه وقد تقدم من ذلك جملة مستكثرة يهتدى بنجمها ويستضاء في ظلمة اللبس بضوئها
الأصل الثاني أن يعرف ما هو من الألقاب والنعوت حقيقي لصاحب (6/172)
اللقب الذي يستعمله فيه كالعالمي لأهل العلم والعابدبي لأهل الصلاح والعادلي للحكام من أرباب السيوف وغيرهم وما هو منها مجازي كالعالمي لأرباب السيوف والكتاب حيث لا اتصاف لصاحب اللقب بالعلم والأصيلي لمن ليس له آباء في الرياسة ولا عراقة في النسب ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى
الأصل الثالث أن يعرف الألقاب الخاصة ببعض دون بعض كالشريفي والحسيبي والنسيبي للأشراف أولاد فاطمة رضي الله عنها والكافلي لنائب السلطنة أو وزير كبير والنويني لأمير التوامين بالشرق والمدبري للوزير ونحوه من ناظر الخاص ومن في معناه والمشيري لمن يؤخذ رأيه من أكابر أرباب السيوف والأقلام والسفيري للحاجب والدوادار وكاتب السر واليميني للدوادار وكاتب السر والعريقي لذي العراقة في النسب والأصيلي لمن له ثلاثة آباء في الرياسة
وكذلك النعوت كوالد الملوك والسلاطين لمن يكون له أولاد من الملوك وولد الملوك والسلاطين لأولاد الملوك وعضد الملوك والسلاطين للأمراء ونحوهم وكافل الممالك للنائب الكافل وسفير الدولة ولسان المملكة الدوادار وكاتب السر ويمين الملوك والسلاطين لهما أيضا ووالدة الملوك والسلاطين لمن يكون من أولادها ملك وكريمة الملوك والسلاطين لمن يكون من إخوتها سلطان وقرينة الملوك والسلاطين لمن تكون زوجة ملك وصديق الملوك والسلاطين أو مواد الملوك والسلاطين لملوك الكفر وقرين الملوك والسلاطين لنوابهم ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى فيوقع كل لقب أو نعت منها في موضعه ولا يجاوزه إلى غيره وأنت إذا تأملت ما سلف من ترتيب الألقاب والنعوت على الأصول المتقدمة ظهر لك منها ما تستعين به على ترتيبها وإيقاعها مواقعها
الأصل الرابع أن يعرف الألقاب والنعوت الرفيعة المقدار فيلحقها بما يناسبها من الألقاب الأصول كإلحاق العالمي والعادلي وممهد الدول ومشيد (6/173)
الممالك وما شاكل ذلك بالمقر والجناب الكريم ونحو ذلك ويعرف الألقاب النازلة فيخرج منها ما يجرده عن الياء ويلحقه بالسامي بغير الياء فما دونه كالعضد والذخر وما أشبه ذلك
الأصل الخامس أن يعرف مراتب الألقاب في التقديم والتأخير مثل أن يعلم أن الشريف والكريم يليان المقر والجناب والعالي يليهما ثم العالي يلي المقر والجناب والمجلس والسامي يلي المجلس حيث لا يليه العالي وأن النعت المضاف إلى أمير المؤمنين مثل عضد أمير المؤمنين وسيف أمير المؤمنين وحسام أمير المؤمنين يكون آخر النعوت وأن المضاف إلى الملوك والسلاطين مثل عضد الملوك والسلاطين وظهير الملوك والسلاطين يكون قبله المضاف إلى أمير المؤمنين إن كان في رتبة يثبت فيها ما يضاف إلى أمير المؤمنين وإلا يكون المضاف إلى الملوك والسلاطين هو آخر الألقاب وأن يعلم أن لقب التعريف وهو الفلاني أو فلان الدين يكون واسطة بين الألقاب والنعوت فاصلا بينهما وأن لقب الوظيفة كالكافلي والحاكمي وما أشبههما يكون قبل لقب التعريف غالبا على ما تقدم بيانه فيضع هذه الألقاب في مواضعها ولا يخرجها عنها بخلاف ما يجوز فيه التقديم والتأخير من الألقاب والنعوت
الجملة العاشرة في ذكر الألقاب تقع على أشياء متفرقة قد جرت في عرف الكتاب وهي على ضربين
الضرب الأول فيما يجري من ذلك مجرى التفاؤل ويختلف باختلاف الأحوال والوقائع ويتنوع إلى أنواع
النوع الأول ما يوصف بالنصر كالجيوش والعساكر والقلاع والبريد ونحو ذلك
فيقال في الجيوش والعساكر الجيوش المنصورة والعساكر (6/174)
المنصورة ويقال في القلاع المنصورة وقلعة دمشق المنصورة وقلعة حلب المنصورة ونحو ذلك وكذلك يقال القلاع المنصورة على الجمع تفاؤلا بحصول النصر لها ويقال في البريد البريد المنصور على ما اصطلح عليه كتاب الزمان على أن في وصف البريد بالمنصور نظرا لأنه إنما وضع ليوصل الأخبار ونحو ذلك وكان الأحسن أن يوصف بالسعيد ونحوه اللهم إلا أن يراد أنه ربما وصل به خبر النصر على العدو وهو من أهم المهمات وكأنه وصف بأشرف متعلقاته
النوع الثاني ما يوصف بالحراسة كالمدن والثغور
فيقال في المدن مصر المحروسة و القاهرة المحروسة ودمشق المحروسة وحلب المحروسة ونحو ذلك ويقال في الثغور الثغر المحروس وثغر الإسكندرية المحروس وثغر رشيد المحروس وثغر دمياط المحروس وثغر أسوان المحروس ونحو ذلك تفاؤلا بوقوع الحراسة لها على أنه لو وصفت القلاع أيضا بالحراسة فقيل القلعة المحروسة والقلاع المحروسة ونحو ذلك لكان له وجه ظاهر وبكل حال فكل ما كان محل خوف مما ينبغي حراسته والاحتفاظ به حسن وصفه بالحراسة وقد رأيته من يذكر ضابطا لذلك في البلاد وهو أن كل مدينة مسورة يقال فيها محروسة وإلا فلا وهو بعيد والظاهر ما قدمنا ذكره
النوع الثالث ما يوصف بالعمارة كالدواوين
وهي المواضع التي يجلس فيها الكتاب على ما تقدم بيانه في مقدمة الكتاب وغير ذلك فيقال الديوان المعمور والدواوين المعمورة تفاؤلا بأنها لا تزال معمورة بالكتاب أو بدوام عز صاحبها وبقاء دولته (6/175)
النوع الرابع ما يوصف بالسعادة كالدواوين أيضا
فيقال الديوان السعيد والدواوين السعيدة تفاؤلا بدوام سعادتها بدوام سعادة صاحبها
النوع الخامس ما يوصف بالقبول
كالضحايا المقبولة تفاؤلا بأن الله تعالى يتقبلها وهو في الحقيقة بمعنى الدعاء كأنه يقال تقبلها الله تعالى
النوع السادس ما يوصف بالبر كالصدقة والأحباس
فيقال في الأحباس الأحباس المبرورة وفي الصدقة الصدقة المبرورة تفاؤلا بأنها تكون جارية مجرى البر الذي يلحق به الثواب وكتاب الجيش ونحوهم يستعملون ذلك في وصف الرزقة أيضا وهي القطعة من الأرض ترصد لمصالح المسجد أو الرباط أو الشخص المعين فيقولون الرزقة المبرورة لجريانها مجرى الصدقة
النوع السابع ما يوصف بالخذلان كالعدو ونحوه
فيقال العدو المخذول على الإجمال وفلان المخذول بالتصريح باسمه وأهل الكفر المخذولون ونحو ذلك تفاؤلا بأن الله تعالى يوقع بالعدو الخذلان ويرميه به (6/176)
الضرب الثاني ما يجري من ذلك مجرى التشريف ويختلف أيضا باختلاف الأحوال ويتنوع أنواعا
النوع الأول ما يوصف بالعز كالكتاب بمعنى القرآن
فيقال فيه الكتاب العزيز ومن ثم يقولون في فارئ القرآن من حملة كتاب الله العزيز وربما وصف بذلك الديوان أيضا كما يقال في ديوان الخلافة الديوان العزيز على ما تقدم ذكره في الكلام على الألقاب
النوع الثاني ما يوصف بالشريف كالمصحف والعلم
فيقال في المصحف المصحف الشريف وفي العلم العلم الشريف ولذلك يقولون فلان من طلبة العلم الشريف ونحو ذلك وكذا في الأماكن الرفيعة كمكة والمدينة النبوية والقدس فيقال مكة المشرفة والمدينة الشريفة والقدس الشريف والحرم الشريف تارة لحرم مكة وتارة لحرم المدينة فإذا جمعا قيل الحرمان الشريفان وربما أطلق في عرف الكتاب الحرمان على القدس الشريف ومقام الخليل عليه السلام وهو مراد المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف في قسم الوصايا بناظر الحرمين الشريفين دون حرم مكة والمدينة المشرفتين وقد اصطلح كتاب الزمان على أن وصفوا أكثر ما يضاف إلى السلطان بالشريف فيقولون فيما يصدر عن السلطان من عهد وتقليد وتوقيع ومرسوم ومثال وتذكرة عهد شريف وتقليد شريف وتوقيع شريف ومرسوم شريف ومثال شريف وتذكرة شريفة ونحو ذلك (6/177)
النوع الثالث ما يوصف بالكريم كالقرآن
فيقال القرآن الكريم والأصل فيه قوله تعالى ( إنه لقرآن كريم ) وقد اصطلح كتاب الزمان على أن جعلوه دون الشريف في الوصف فوصفوا به ما يصدر عمن دون السلطان من أكابر الدولة من النواب والأمراء والوزراء من توقيع ومرسوم ومثال وتذكرة ونحو ذلك فيقولون توقيع كريم ومرسوم كريم ومثال كريم وتذكرة كريمة وقد توصف به المكاتبة أيضا فيقال إن مكاتبته الكريمة وردت ونحو ذلك وقد ورد في التنزيل ( إني ألقي إلي كتاب كريم ) على أنه قد تقدم أنه كان ينبغي أن يكون أرفع رتبة من الشريف لورود التنزيل بوصف القرآن به
النوع الرابع ما يوصف بالعلو وهو في معنى الكرم في اصطلاحهم
فيقال توقيع عال ومرسوم عال ونحو ذلك وقد يوصف به الرأي فيقال الرأي العالي وقد يوصف به أمر السلطان أيضا من ذي الرتبة الرفيعة مثل كتابة الوزير على المراسيم الشريفة ونحوها أمتثل الأمر العالي
النوع الخامس ما يوصف بالسعادة
كالرأي السعيد والآراء السعيدة وربما وصف بذلك الديوان فقيل الديوان السعيد ونحو ذلك (6/178)
النوع السادس ما يوصف بالبركة كالكعب
فيقال كعب مبارك وقد يوصف به المنزل فيقال منزل مبارك وقد يوصف به الأمر لمن دون العالي فيقال يتقدم أمره المبارك وكذلك المكاتبة فيقال إن مكاتبته المباركة وردت ونحو ذلك (6/179)
الباب الثاني من المقالة الثالثة في مقادير قطع الورق وما يناسب كل مقدار منها من الأقلام ومقادير البياض في أول الدرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابات وفيه فصلان
الفصل الأول في مقادير قطع الورق وفيه طرفان
الطرف الأول في مقادير قطع الورق في الزمن القديم
قد ذكر محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة أن الخلفاء لم تزل تستعمل القراطيس امتيازا لها على غيرها من عهد معاوية بن أبي سفيان وذاك أنه يكتب للخلفاء في قرطاس من ثلثي طومار وإلى الأمراء من نصف طومار وإلى العمال والكتاب من ثلث وإلى التجار وأشباههم من ربع وإلى الحساب والمساح من سدس فهذه مقادير لقطع الورق في القديم وهي الثلثان والنصف والثلث والربع والسدس ومنها استخرجت المقادير الآتي ذكرها ثم المراد بالطومار الورقة الكاملة وهي المعبر عنها في زماننا بالفرخة (6/180)
والظاهر أنه أراد القطع البغدادي لأنه الذي يحتمل هذه المقادير بخلاف الشامي لا سيما وبغداد إذ ذاك دار الخلافة فلا يحسن أن يقدر بغير ورقها مع اشتماله على كمال المحاسن وقد تقدم في الكلام على آلات الكتابة في المقالة الأولى بيان الخلاف في أول من صنع الورق
الطرف الثاني في بيان مقادير قطع الورق المستعمل في زماننا وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في مقادير الورق المستعمل بديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية وهي تسعة مقادير
المقدار الأول قطع البغدادي الكامل وعرض درجه عرض البغدادي بكماله وهو ذراع واحد بذراع القماش المصري وطول كل وصل من الدرج المذكور ذراع ونصف بالذراع المذكور وفيه كان تكتب عهود الخلفاء وبيعاتهم وفيه تكتب الآن عهود أكابر الملوك والمكاتبات إلى الطبقة العليا من الملوك كأكابر القانات من ملوك الشرق
المقدار الثاني قطع البغدادي الناقص وعرض درجه دون عرض البغدادي الكامل بأربعة أصابع مطبوقة وفيه يكتب للطبقة الثانية من الملوك وربما كتب فيه للطبقة العليا لإعواز البغدادي الكامل
المقدار الثالث قطع الثلثين من الورق المصري والمراد به ثلثا الطومار من كامل المنصوري وعرض درجة ثلثا ذراع بذراع القماش المصري أيضا وفيه تكتب مناشير الأمراء المقدمين وتقاليد النواب الكبار والوزراء وأكابر القضاة ومن في معناهم ولم تجر العادة بكتابة مكاتبة عن الأبواب السلطانية فيه (6/181)
المقدار الرابع قطع النصف والمراد به قطع النصف من الطومار المنصوري وعرض درجه نصف ذراع بالذراع المذكور وفيه تكتب مناشير الأمراء الطبلخاناه ومراسيم الطبقة الثانية من النواب والمكاتبات إلى الطبقة الثانية من الملوك
المقدار الخامس قطع الثلث والمراد به ثلث القطع المنصوري وعرض درجه ثلث ذراع بالذراع المذكور وفيه تكتب مناشير أمراء العشرات ومراسيم صغار النواب والمكاتبات إلى الطبقة الرابعة من الملوك
المقدار السادس القطع المعروف بالمنصوري وعرضه تقدير ربع ذراع بالذراع المذكور وفيه تكتب مناشير المماليك السلطانية ومقدمي الحلقة ومناشير عشرات التركمان ببعض الممالك الشامية وبعض التواقيع وما في معنى ذلك
المقدار السابع القطع الصغير ويقال فيه قطع العادة وعرض درجه تقدير سدس ذراع بالذراع المذكور وفيه تكتب عامة المكاتبات لأهل المملكة وحكامها وبعض التواقيع والمراسيم الصغار والمكاتبات إلى حكام البلاد بالممالك وما يجري هذا المجرى وقد كان هذا القطع والذي قبله في أول الدولة التركية طول كل وصل منه شبران وأربعة أصابع مطبوقة فما حول ذلك
المقدار الثامن قطع الشامي الكامل وعرض درجه عرض الطومار الشامي في طوله وهو قليل الاستعمال بالديوان إلا انه ربما كتب فيه بعض المكاتبات كما كتب فيه عن الأشرف شعبان بن حسين لوالدته حين سافرت (6/182)
إلى الحجاز الشريف
المقدار التاسع القطع الصغير وهو في عرض ثلاثة أصابع مطبوقة من الورق المعروف بورق الطير وهو صنف من الورق الشامي رقيق للغاية وفيه تكتب ملطفات الكتب وبطائق الحمام
الجملة الثانية في مقادير الورق المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية دمشق وحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك في المكاتبات والولايات الصادرة عن النواب بالممالك وهي لا تخرج عن أربعة مقادير
المقدار الأول قطع الشامي الكامل وهو الذي يكون عرضه عرض الطومار الشامي الكامل في طوله على ما تقدم فيه وفيه يكتب عن النواب لأعلى الطبقات من أرباب التواقيع والمراسيم ليس إلا
المقدار الثاني قطع نصف الحموي وعرض درجه عرض نصف الطومار الحموي وطوله بطول الطومار وفيه يكتب للطبقة الثانية من أرباب التواقيع والمراسيم الصادرة عن النواب
المقدار الثالث قطع العادة من الشامي وعرض درجه سدس ذراع بذراع القماش المصري في طول الطومار أو دونه وفيه يكتب للطبقة الثالثة من أرباب التواقيع والمراسيم الصادرة عن النواب وعامة المكاتبات الصادرة عن النواب إلى السلطان فمن دونه من أهل المملكة وغيرهم إلا أن نائب الشام ونائب الكرك قد جرت عادتهما بصدور المكاتبات عنهما في الورق الأحمر دون غيرهما من النواب
المقدار الرابع قطع ورق الطير المقدم ذكره في آخر المقادير المستعملة بالأبواب السلطانية بالديار المصرية وفيه تكتب الملطفات والبطائق على ما تقدم (6/183)
قلت هذه مقادير قطع الورق بالديار المصرية والبلاد الشامية أما غير مملكة الديار المصرية من الممالك فالحال فيها يختلف في مقادير الورق المستعمل بدواوينها فأما بلاد المشرق فعلى نحو المقادير المتقدمة وأما بلاد المغرب والسودان وبلاد الفرنج فعادة كتابتهم في طومار واحد يزيد طوله على عرضه قليلا ما بين صغير وكبير بحسب ما يقتضيه حال المكتوب
الجملة الثالثة في مقادير قطع الورق الذي تجري فيه مكاتبات أعيان الدولة من الأمراء والوزراء وغيرهم بالديار المصرية والبلاد الشامية
وهو قطع العادة من البلدي بالديار المصرية ومن الشامي بالبلاد الشامية (6/184)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثالثة في بيان ما يناسب كل مقدار من مقادير قطع الورق المتقدمة الذكر من الأقلام ومقادير البياض الواقع في أعلى الدرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابة وفيه طرفان
الطرف الأول فيما يناسب كل مقدار منها من قطع الورق من الأقلام
قد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف في آخر القسم الثاني ما يناسب كل مقدار من مقادير الورق المستعملة بديوان الإنشاء بالديار المصرية من أقلام الخط المنسوب فقال إن لقطع البغدادي قلم مختصر الطومار ولقطع الثلثين قلم الثلث الثقيل ولقطع النصف قلم الثلث الخفيف ولقطع الثلث قلم التوقيعات ولقطع العادة قلم الرقاع ومن ذلك يعلم ما يناسب كل قطع من مقادير القطع المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية فيناسب الشامي الكامل قلم التوقيعات لأنه في مقدار قطع الثلث البلدي أو قريب منه ويناسب نصف الحموي والعادة من الشامي قلم الرقاع لأنهما في معنى القطع المنصوري والعادة بالديار المصرية أما قلم الجناح لكتابة بطائق (6/185)
الحمام به وأما ما كان يكتب به الخلفاء أسماءهم في الزمن القديم وبه يكتب الملوك أسماءهم الآن فقلم الطومار وهو القلم الجليل الذي لا قلم فوقه وقد تقدم الكلام على هذه الأقلام في بيان ما يحتاج إليه الكاتب في أواخر المقالة الأولى
الطرف الثاني في مقادير البياض الواقع في أول الدرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابة
أما مقدار البياض قبل البسملة فيختلف في السلطانيات باختلاف قطع الورق فكلما عظم قطع الورق كان البياض فيه أكثر فقطع البغدادي يترك فيه ستة أوصال بياضا وتكتب البسملة في أول السابع وقطع الثلثين يترك فيه خمسة أوصال وقطع النصف يترك فيه أربعة أوصال وقطع الثلث يترك فيه ثلاثة أوصال وقطع المنصوري والعادة تارة يترك فيه ثلاثة أوصال وتارة يترك فيه وصلان بحسب ما يقتضيه الحال وقطع الشامي الكامل في معنى قطع الثلث وقطع نصف الحموي والعادة من الشامي في معنى القطع المنصوري والعادة في البلدي وربما اجتهد الكاتب في زيادة بعض الأوصال ونقصانها بحسب ما تقتضيه الحال وفي المكاتبات الصادرة عن سائر أرباب الدولة مصرا وشاما يترك في جميعها قبل البسملة وصل واحد فقط وفي كتابة الأدنى إلى الأعلى يترك بعض وصل
وأما حاشية الكتاب فبحسب اجتهاد الكتاب فيه في السعة والضيق وقد رأيت بعض الكتاب المعتبرين يقدر حاشية الكتاب بالربع من عرض الدرج وهو اعتبار حسن لا يكاد يخرج عن القانون
وأما بعد ما بين السطور فيختلف باختلاف حال المكتوب واختلاف قطع (6/186)
الورق ففي السلطانيات كلها على اختلاف قطع الورق فيها تكتب البسملة في أول الفصل بعد ما يترك من أوصال البياض في أعلى الدرج بحسب ما تقتضيه الحال ثم يكتب تحت البسملة سطر ملاصق لها بحسب ما يقتضيه وضع القلم المكتوب به في القرب والبعد بحسب الدقة والغلظ ثم يكتب السطر الثاني في آخر الوصل الذي كتبت البسملة في أوله بحيث يبقى من الوصل ثلاثة أصابع مطبوقة أو نحوها في القطع الكبير وقدر إصبعين في القطع الصغير وما بينهما بحسبه
وقد قدر صاحب مواد البيان البياض الباقي بين السطر الأول والثاني أيضا وهذا إنما يقارب في القطع الكبير وقد ذكر ابن شيث في معالم الكتابة وكان في آخر الدولة الأيوبية فيما أظن أن مقدار ما بين كل سطرين يكون ثلاثة أصابع أو أربعة أصابع والذي جرت به عادة الكتاب في زماننا أنه يكون في قطع العادة والمنصوري في كل وصل من أوصال الزمان ثلاثة أسطر وفيما عداه سطران وربما وقع التفاوت في القطع الصغير بحسب الحال حتى يكون في التواقيع التي على ظهور القصص ونحوها بين كل سطرين بعد بيت العلامة قدر إصبعين وربما تواصلت الأسطر كما في الملطفات ونحوها
أما ما يكتب عن النواب من الولايات والمكاتبات من سائر أعيان الدولة فدون السلطانيات في مقدار خلو موضع العلامة وهو ما بين قدر خمس أصابع مطبوقة ونحوها وقدر بعد السطور فيما بعد بيت العلامة من قدر إصبعين إلى ما دونهما (6/187)
الباب الثالث من المقالة الثالثة في بيان المستندات وكتابة الملخصات وكيفية التعيين وفيه فصلان
الفصل الأول في بيان المستندات وهي التوقيع على القصص وما يجري مجراه وما يحتاج فيه إلى كتابة المستندات وهو على ضربين
الضرب الأول السلطانيات وهي صنفان
الصنف الأول ما يصدر عن متولي ديوان الإنشاء كولايات النواب والقضاة وغيرهما من أرباب الوظائف والتواقيع التي تكتب في المسامحات والإطلاقات ومكاتبات البريد الخاصة بالأشغال السلطانية وأوراق الطريق وما يجري مجرى ذلك
وجميعها معدوقة بنظر صاحب ديوان الإنشاء فما كان منها جليل الخطر كولايات النواب والقضاة وأكابر أرباب الوظائف والمكاتبات المتعلقة (6/188)
بمهمات السلطنة فلا بد من مخاطبة صاحب ديوان الإنشاء فيها واعتماد ما يبرز به أمره وما كان منها حقيرا بالنسبة إلى مخاطبة السلطان فيه استقل فيه بما يقتضيه رأيه
ثم من ذلك ما يكتب به صاحب الديوان رقاعا لطيفة بخطه ويعينها على الكاتب الذي يكتبها وتدفع إليه لتخلد عنده شاهدا له كالولايات والمسامحات والإطلاقات والمكاتبات المتعلقة بأمور المملكة ونحو ذلك ومن ذلك ما يبرز به أمر صاحب الديوان مشافهة فيكتبه من غير شاهد عنده وذلك في الأمور التي لا درك فيها على الكاتب كتقاليد النواب وبعض المكاتبات إذ لا تهمه تلحق كاتب الإنشاء في مثل ولاية نائب كبير أو قاض حفيل لأن مثل ذلك لا يخفى على السلطان فأشبه خطاب صاحب الديوان فيها الكاتب خطاب السلطان صاحب الديوان حيث لا شاهد عليه إلا الله تعالى بخلاف الأمور التي يلحق كاتبها الدرك فإنه لا بد في كتابتها من تخليد شاهد وكان الواجب أن لا يكتب حقير ولا جليل إلا بشاهد من صاحب الديوان فإن الأمور تتراكم وتكثر والإنسان معرض للنسيان وربما عرض إنكار بسبب ما يكتبه الكاتب ونسيه صاحب الديوان فيكون الكاتب قد عرض نفسه لأمر عظيم ولا يقاس الكاتب على صاحب الديوان في عدم أخذه شاهدا بخط السلطان فإن صاحب الديوان هو المتصرف حقيقة والسلطان وكل جميع أمور المملكة إليه فلا يتهم في شيء منها بخلاف الكاتب
وقد ذكر أبو الفضل الصوري في تذكرته أن المكتوب من الديوان إن كان مكاتبة فالواجب أن يكون عنوانها بخط متولي الديوان وإن كان منشورا فالواجب أن يكون التاريخ بخطه ليدل على أنه وقف على المكتوب وأمضى حكمه ورضيه ويكون ذلك قد قام مقام كتابة اسمه فيه ثم قال وقد كان (6/189)
الرسم بالعراق وفيه الكتاب الأفاضل أن يكتب الكتاب ما يكتبون ثم يقولون في آخره وكتب فلان بن فلان باسم متولي ديوان الرسائل وما ذكره عن أهل العراق قد ذكر نحوه أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب إلا أنه قد جعل بدل اسم متولي الديوان اسم الوزير فقال ويكتب في آخر الكتاب وكتب فلان بن فلان باسم الوزير واسم أبيه وقد رأيت نسخا عدة من سجلات الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية مستشهدا فيها باسم الوزير على النهج المذكور على أنه كان الواجب أن يكون الاستشهاد في آخر كل كتاب باسم كاتبه الذي يكتبه ليعلم من كتبه فإن الخطوط كثيرة التشابه لا سيما وقد كثر كتاب الإنشاء في زماننا وخرجوا عن الحد حتى أنه لم يعرف بعضهم بعضا فضلا عن أن يعرف خطه وقد كان كتاب النبي إذا سجلوا عنه سجلا أو نحوه كتب الكاتب في آخره وكتب فلان بن فلان وهذه الرقعة التي كتبها النبي لتميم الداري بإقطاع قرى من قرى الشام موجودة بأيدي التميميين إلى الآن مستشهدا فيها بخط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وإنما عدلوا عن اسم الكاتب نفسه إلى اسم متولي الديوان أو الوزير استصغارا للكاتب أن يستشهد للكتاب باسمه فيما يكتب به عن الخليفة قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل وقد قالوا إن أول من كتب في آخر الكتاب وكتب فلان بن فلان أبي بن كعب رضي الله عنه (6/190)
الصنف الثاني ما يصدر عن غير صاحب ديوان الإنشاء كالأمور التي يكتب بها من الدواوين السلطانية غير ديوان الإنشاء وتلتمس الكتب من ديوان الإنشاء على مقتضاها كالمكاتبات الخاصة بتعلقات شيء من الدواوين المذكورة وبعض التواقيع التي أصلها من ديوان الوزارة
وينحصر ذلك في أربعة دواوين
الديوان الأول ديوان الوزارة وهو أعظمها خطرا وأجلها قدرا
وقد جرت العادة أنه إذا دعت الضرورة إلى كتابة كتاب من ديوان الإنشاء يتعلق بديوان الوزارة أن تكتب به قائمة من ديوان الوزارة في ورقة ديوانية بما مثاله رسم بالأمر الشريف شرفه الله تعالى وعظمه أن يكتب مثال شريف إلى فلان الفلاني بكذا وكذا وكيفية وضع هذه القائمة أن يكون السطر الأول في رأس الورقة من الوجه الأول منها وآخره شرفه الله تعالى وعظمه وبينه وبين السطر الثاني قدر إصبعين معترضين بياضا وباقي السطور مسترسلة متقاربة بقلم الرقاع ويكتب الوزير في البياض الذي بين السطر الأول والثاني بقلم الثلث ما مثاله يكتب ويوجه بالقائمة إلى ديوان الإنشاء صحبة مدير من ديوان الوزارة أو غيره فيكتب على حاشيتها يكتب بذلك ويعينها على بعض كتاب الإنشاء فيكتب مثالا بما فيها ويخلد القائمة عنده شاهدا له وربما خلدت بديوان الإنشاء في جملة ما يخلد في الأضابير شاهدا لديوان الإنشاء والأول هو الأليق
وإن كان الذي يكتب من ديوان الوزارة توقيعا بإطلاق أو نحوه مما أصله من ديوان الوزارة كتب الوزير على حاشية قصة صاحبه ما مثاله يكتب بذلك أو (6/191)
يوقع بذلك وتبعث إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها صاحب ديوان الإنشاء بالتعيين ثم إن كان التوقيع ملصقا بقصة فذاك وإلا خلد الكاتب القصة شاهدا عنده على ذلك وربما كتب بالإطلاقات من ديوان الوزارة مربعات بخط مستوفي الصحبة
الديوان الثاني ديوان الخاص
وهو في كتابة الأمثلة الشريفة على ما مر من كتابة القائمة ليخرج المثال على نظيرها على ما تقدم في ديوان الوزارة فتكتب القائمة على الحكم المتقدم من غير فرق ويكتب ناظر الخاص عليها نظير كتابة الوزير السابقة ويوجه إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها بالتعيين كما تقدم ويخلد الكاتب القائمة عنده شاهدا له أو تخلد بديوان الإنشاء على ما تقدم في ديوان الوزارة ولا يكتب من ديوان الخاص تواقيع بإطلاقات ونحوها بل تكتب بها مراسيم مربعة في ورق شامي بخط مباشري ديوان الخاص
الديوان الثالث ديوان الإستدارية
وحكمه في ذلك حكم ديوان الخاص من غير فرق ويكتب الإستدار عليها كما يكتب الوزير وناظر الخاص ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء فيجري الحكم فيها على ما تقدم في الديوانين المذكورين
الديوان الرابع ديوان الجيش
والذي يرد إلى ديوان الإنشاء منه ابتداء هي المربعات التي تكتب بالإقطاعات لتخرج المناشير على نظيرها
وصورتها أن يكتب في نصف فرخة مكسورة في القطع البلدي بعد البسملة الشريفة ما مثاله المرسوم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني أعلاه الله تعالى وشرفه وأنفذه وصرفه أو أعلاه الله تعالى وأسماه وشرفه وأمضاه أن يقطع باسم فلان الفلاني أحد الأمراء المقدمين أو الطبلخانات أو العشرات أو الخمسات بالمكان الفلاني أو (6/192)
أحد المماليك السلطانية أو مقدمي الحلقة أو أجناد الحلقة بالمكان الفلاني المرسوم استقراره في أمراء العشرات أو الطبلخانات أو المقدمين أو نحو ذلك ما رسم له به الآن من الإقطاع فإن كان أميرا قيل بعد ذلك لخاصته ولمن يستخدمه من الأجناد الجياد للخدمة الشريفة والبرك التام والعدة الكاملة بمقتضى المثال الشريف أو الخط العالي الكافلي أو بمقتضى الإشهاد المشمول بالخط الشريف أو الخط الكافلي على نظير ما تقدم أو بمقتضى المربعة المكتتبة من المملكة الفلانية المشمولة بالخط الشريف إن كان أصله مربعة من بعض الممالك وما أشبه ذلك فإن كان أميرا ذكرت عدته على ما سيأتي في الكلام على المناشير في المقالة الخامسة ثم يقال حسب الأمر الشريف ويكمل التاريخ والحمد لله والصلاة على النبي ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها الديوان بالتعيين على بعض كتاب الإنشاء فيكتبها ويخلد المربعة شاهدا عنده
الضرب الثاني ما يتعلق بالكتب في المظالم والنظر فيه من وجهين
الوجه الأول فيما يتعلق بالقصص
وهي ترفع إلى ولاة الأمور بحكاية صورة الحال المتعلق بتلك الحاجة وسميت قصصا على سبيل المجاز من حيث إن القصة اسم للمحكي في الورقة لا لنفس الورقة وربما سميت في الزمن القديم رقاعا لصغر حجمها أخذا من الرقعة في الثوب
ثم الذي يجب في هذه القصص الإيجاز والاختصار مع تبليغ الغرض المطلوب والقرب من فهم المخاطب فإنها متى كانت خارجة عن الحد في الطول أدت إلى الإضجار والسآمة المنفرين للرؤساء وربما كان في ذلك حرمان الطالب ودفعه عن حاجته إما لإعراض عنها استثقالا وإما لعدم فهم (6/193)
المقصود منها لطولها واختلاط بعض مقاصدها ببعض وأما كونها مبلغة للغرض المطلوب وفهم المخاطب فلأنها إذا كانت بصدد الاختصار المجحف والتعقيد نبا عنها فهم الرئيس ومجها سمعه فإما أن يعرض عنها فيفوت على صاحبها المطلوب وإما أن يسأل غيره عن معناها فيكون سببا لتنزله عن عز الرياسة إلى ذل السؤال وكلاهما غير مستحسن
وقد جرت العادة في مثل ذلك أن يخلى من أول الورقة قليلا ويجعل لها هامش بحسب عرضها ويبتدأ فيها بالبسملة ثم يكتب تحت أول البسملة المملوك فلان يقبل الأرض وينهي كذا وكذا إلى آخر إنهائه ثم يقال وسؤاله كذا وكذا فإن كان السؤال للسلطان قال وسؤاله من الصدقات الشريفة كذا وكذا وإن كان السؤال لغير السلطان قال وسؤاله من الصدقات العميمة كذا وكذا ثم إن كان المسؤول كتابا فإن كان عن السلطان قال وسؤاله مثال شريف بكذا وكذا وإن كان عن غير السلطان قال مثال كريم بكذا وكذا ثم يقول إن شاء الله تعالى ويحمد الله تعالى ويصلي على النبي ويحسبل وربما كتب المملوك فلان بحاشية القصة خارجا عن سمت البسملة وربما أبدل لفظ المملوك بلفظ الفقير إلى الله تعالى ويقال حينئذ بدل يقبل الأرض يبتهل إلى الله تعالى بالأدعية الصالحة أو يواصل بالأدعية الصالحة ونحو ذلك
وقد جرت العادة في كتابة القصص أن صاحبها إن كان أميرا ونحوه كتب تحت البسملة الملكي الفلاني بلقب سلطانه مخليا بياضا من جانبيها على أنه قد تصدى لكتابة القصص من لا يفرق بين حسنها وقبيحها ولا ينظر في دلالتها ولا يراعي مدلولها وذلك كسنة الزمان في أكثر أحواله
قلت وقد جرت عادة أكثر الناس في القصص أنه إذا فرغ الكاتب من (6/194)
كتابة القصة يقطع قليلا من زاويتها اليمنى من الجهة السفلى مستندين في ذلك إلى كراهة التربيع
ومن غريب ما يحكى في ذلك أن بعض الوزراء قال يوما بمجلس . . . وأنا وليت الوزارة رابع ربيع الأول سنة أربع وأربعين وأربعمائة فقال له بعض جلسائه إن تفاءلت أنت به فقد تطيرنا نحن به ولا شك أن مستندهم في ذلك التشاؤم بالتربيع في القرآن النجومي ولا يعول عليه وقد ورد أن حوض النبي في القيامة زواياه على التربيع ولولا أن التربيع أحسن الأشكال لما وضع عليه حوض النبي
الوجه الثاني فيما يتعلق بالنظر في المظالم وما يكتب على القصص وما ينشأ عنها من المساءلات وغيرها
وهو أمر مهم به يقع إنصاف المظلوم من الظالم وخلاص المحق من المبطل ونصرة الضعيف على القوي وإقامة قوانين العدل في المملكة وقد نبه أبو الفضل الصوري في تذكرته على جلالة هذا القدر وخطره ثم قال ومن المعلوم أن أكثر المتظلمين يصلون من أطراف المملكة ونواحيها وفيهم الحرم والمنقطعات والأيتام والصعاليك وكل من يفد منهم معتقد أنه يصير إلى من ينصره ويكشف ظلامته ويعديه على خصمه فيجب أن يتلقى كل منهم بالترحاب واللطف ويندب لهم من يحفظ رقاعهم ويتنجز التوقع فيها من غير التماس رشوة ولا فائدة منهم وأن تكون التوقيعات لهم شافية في معانيها مستوعبة لكشف ظلاماتهم مؤذنة بإنجاح طلباتهم
قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل كان المهدي يجلس للمظالم (6/195)
وتدخل القصص إليه فارتشى بعض أصحابه بتقديم بعضها فاتخذ بيتا له شباك حديد على الطريق تطرح فيه القصص وكان يدخله وحده فيأخذ ما يقع بيده من القصص أولا فأولا فينظر فيه لئلا يقدم بعضها على بعض
قال وقدم عليه رجل فتظلم فأنصفه فاستخفه الفرح حتى غشي عليه فلما أفاق قال ما حسبت أني أعيش حتى أرى هذا العدل فلما رأيته داخلني من السرور ما زال معه عقلي فقال له المهدي كان الواجب أن ننصفك في بلدك وكان قد صرف في نفقة طريقه عشرين دينارا فأمر له بخمسين دينارا وتحلل منه
قال أبو الفضل الصوري ومهما كان من الرقاع يحتاج إلى العرض على السلطان عرضه عليه وأحسن السفارة والتلطف فيه ووقع بما يؤمر به فقد تحدث في هذه الرقاع الأمور المهمة التي تنتفع بها الدولة وتستضر بتأخير النظر فيها ويفهم من طي هذه الرقاع من جور بعض الولاة والمستخدمين ما توجب السياسة صرفهم عما ولوه منها ومهما كان منها مما يشك السلطان في صحته ندب من يثق به للكشف مع رافعه فإن صح قوله أنصف من خصمه وإن بان تمحله قوبل بما يردع أمثاله عن الكذب والتمرد ويعلم الولاة والمشارفون وسائر المستخدمين أن السلطان متفرغ للنظر في قصص الناس وشكاويهم وقد نصب لذلك من يتفرغ له ويطالعه بالمهم منه فيكف أيديهم عن الظلم ويحذرون سوء عاقبة فعلهم ويقل المتظلمون قولا واحدا وتحسن سمعة الدولة بذلك فيكون لها به الجمال الكبير
قلت والذي يرفع من القصص في معنى ذلك في زماننا على ستة أنواع
النوع الأول منها ما يرفع إلى السلطان في آحاد الأيام
وقد جرت العادة فيه أن يقرأ على السلطان فما أمضاه منه كتب على ظهر (6/196)
القصة ما مثاله يكتب ثم تحمل إلى كاتب السر فيعينها على بعض كتاب الإنشاء فيكتب بمقتضاها ويخلدها عنده شاهدا له
النوع الثاني ما يرفع لصاحب ديوان الإنشاء
وقد جرت العادة في ذلك أن رافع القصة والمحتاج إلى الأمثلة الشريفة السلطانية في مهماته ومتعلقاته إن كان من الأعيان والمعتبرين كأحد من الأمراء أو المماليك السلطانية وأكابر أرباب الأقلام بعث بقصته لديوان الإنشاء فيقف عليها صاحب ديوان الإنشاء ويتأملها وينظر ما تضمنته فإن كان مما يحتاج فيه إلى مخاطبة السلطان ومؤامرته أخذها ليقرأها عليه عند حضوره بين يديه ويمتثل ما يأمر به فيها فيكتب بمقتضاه سواء طابق سؤال السائل أم لا ويعينها على كاتب من كتاب الإنشاء فيكتب بمقتضاها ويخلد القصة شاهدا عنده وهذه المثالات ورقها من ديوان الإنشاء من المرتب السلطاني وإن كان رافع القصة من غير المعتبرين كآحاد الناس دفع القصة إلى مدير من مدراء ديوان الإنشاء فيجعل عليها علامة له ويجمع كل مدير ما معه من القصص وترفع إلى صاحب ديوان الإنشاء فما كان منها غير سائغ للكتابة عليه قطعه أو رده وما كان منها سائغا كتب عليه وعينه وربما استشكل بعضها فأخره ليقرأه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه فيعتمده وإذا عينها على كاتب من كتاب الإنشاء كتب بمقتضاها وخلد القصة عنده شاهدا
النوع الثالث ما يرفع من القصص بدار العدل عند جلوس السلطان للحكم في المواكب
وقد جرت العادة في ذلك أنه إذا ترتب مجلس السلطان على ما تقدم في ترتيب المملكة أن القصص تفرق على كاتب السر ومن حضر من كتاب (6/197)
الدست فيقرأ كاتب السر منها ما عن له قراءته ثم يقرأ الذي يليه من كتاب الدست ثم الذي يليه إلى آخرهم ويشير السلطان برأسه أو يده بإمضاء ما شاء منها فيكتب كاتب السر أو كاتب الدست على تلك القصة بما فيه خلاص قلمه ثم تحمل إلى ديوان الإنشاء فيعينها على من يشاء من كتاب الإنشاء فيكتبها ويخلد تلك القصص عنده شاهدا
النوع الرابع ما يرفع منها للنائب الكافل إذا كان ثم نائب
وقد جرت العادة أن النائب يكون عنده كاتب من كتاب الدست يجلس بين يده لقراءة القصص عليه وتنفيذ ما يكتب عنه فإذا رفعت القصة إلى النائب الكافل قرأها عليه كاتب الدست وامتثل أمره فيها وأصلح في القصة ما يجب إصلاحه وضرب على ما يجب الضرب عليه وزاد بين سطوره ما تقتضيه الزيادة ثم تدفع القصة إلى النائب الكافل فيكتب على حاشيتها في الوسط آخذا من جهة أسفلها إلى جهة أعلاها بقلم مختصر الطومار ما مثاله يكتب ثم تحمل بعد ذلك إلى كاتب السر فيعينها على بعض كتاب الإنشاء فيكتبها
النوع الخامس ما يرفع من القصص إلى الأتابك إذا كان في الدولة أتابك عسكر وهو الأمير الكبير
وغالب ما يكون ذلك إذا كان السلطان طفلا أو نحو ذلك وقد جرت العادة أن يكون عند الأتابك كاتب من كتاب الدست أيضا فإذا رفعت القصة إلى الأتابك وإن كان الأمر فيها واضحا كخلاص حق أو نحوه كتب كاتب الدست (6/198)
على حاشيتها ما تقتضيه الحال في ذلك من غير قراءتها على الأتابك وإن كان الأمر فيها غير واضح كما إذا كان الأمر راجعا إلى منازعة خصمين ونحو ذلك قرأها على الأتابك وامتثل أمره فيها وكتب عليها ما برز به مرسومه وفي كلتا الحالتين جرت العادة في زماننا أنه يعمد إلى أشهر حرف في اسم الأتابك فيرقمه في آخر ما يكتبه أو تحته كما كان يكتب عن برقوق قبل السلطنة ق وعن إيتمش ش وعن نوروزن ونحو ذلك
النوع السادس ما يرفع منها للدوادار لتعلق عنه الرسالة عن السلطان به
وأعلم أن العادة كانت جارية في الزمن المتقدم أن السلطان إذا أمر بكتابة شيء على لسان أحد من الدوادارية حمل بريدي من البريدية الرسالة لذلك عن ذلك الدوادار إلى كاتب السر فيسمع كلام البريدي ويكتب على القصة إن كانت أو ورقة مفردة ما مثاله حضرت رسالة على لسان فلان البريدي بكذا وكذا ويعينه على من يكتبه من كتاب الإنشاء ولم يزل الأمر على ذلك إلى الدولة الناصرية محمد بن قلاوون فأفرد المقر الشهابي بن فضل الله صاحب ديوان الإنشاء كاتبا من كتاب الإنشاء لتعليق الرسالة فصار يكتب ما كان كاتب السر يكتبه من ذلك على القصص أو الورقة المفردة ثم ترفع إلى كاتب السر فيكتب عليها بالأمر بكتابتها ويعينها على من يكتب بمقتضاها وتخلد القصة أو الورقة التي علقت فيها الرسالة عنده شاهدا له واستمر ذلك إلى مباشرة القاضي فتح الدين بن شاس أحد كتاب الدست عند الدوادار والدوادار يومئذ الأمير يونس النوروزي فإذن له كاتب السر في تعليق الرسالة عن الأمير يونس الدوادار على ظهور القصص وغيرها ففعل وكان يكتب على حواشي (6/199)
القصص في وسط القصة آخذا من جهة اليمين إلى جهة اليسار بميلة إلى الأعلى بقلم دقيق متلاصق الأسطر ما مثاله رسم برسالة الجناب العالي الأميري الكبيري الشرفي يونس الدوادار الظاهري ضاعف الله تعالى نعمته أن يكتب مثال شريف بكذا أو توقيع شريف بكذا وما أشبه ذلك ويؤرخه بيوم الكتابة ثم تحمل إلى كاتب السر فيكتب عليها بالأمر بالكتابة ويعينها على كاتب من كتاب الإنشاء فيكتب بمقتضاها ويخلدها شاهدا عنده وجرى الأمر على ذلك بعده إلى آخر وقت
قلت وقد كان في الدولة الفاطمية كاتب مفرد لتعليق الرسالة عن الخليفة يسمى صاحب القلم الدقيق يعلق ما تبرز به أوامر الخليفة في الرقاع وحواشي القصص وتحمل إلى ديوان الوزارة فيعتمدها الوزير ويبرز أمره إلى ديوان الإنشاء باعتمادها وكتابة ما فيها على ما تقدم ذكره في ترتيب الخلافة الفاطمية بالديار المصرية في المقالة الثانية (6/200)
الفصل الثاني في التعيين وكيفية كتابة صاحب ديوان الإنشاء على الرقاع والقصص وتعيينها على كتاب الإنشاء
ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال الكاتب المعين عليه وحال الرقعة المعينة فأما اختلافه باختلاف حال من يعين عليه فإنه إن كان المعين عليه كاتبا من كتاب الدست كتب له كاتب السر في التعيين المولى القاضي فلان الدين أعزه الله تعالى وربما رفع قدره على ذلك فيكتب له المولى الأخ القاضي فلان الدين أعزه الله تعالى وإن كان من كتاب الدرج فإن كان كبيرا كتب له المولى فلان الدين وإن كان صغيرا كتب له الولد فلان الدين وربما وقع التمييز لبعض كتاب الدست أو كتاب الدرج للتقدم بالفضل فكتب له المولى الشيخ فلان الدين أو الشيخ فلان الدين تارة مع الدعاء وتارة دونه
وأما اختلافه باختلاف حال المكتوب الذي يعين فإنه إن كان قصة بظاهرها خط السلطان يكتب فموضع كتابة التعيين تحت خط السلطان بظاهر القصة ولا كتابة له عليها غير ذلك
وإن كان رقعة جميعها بخط كاتب السر فإنه يكتب فيها يكتب بكذا وكذا ثم يكتب التعيين بأول ذيلها
وإن كان قصة رفعت إلى كاتب السر فإنه يكتب على حاشيتها في أعاليها أخذا من جهة أسفل القصة إلى أعلاها ما مثاله يكتب بذلك أو يكتب بكذا (6/201)
وكذا ثم يكتب التعيين بحاشيتها أسفل ذلك في عرض الحاشية مميلا للكتابة إلى جهة الأعلى قليلا
وإن كان قصة عليها خط النائب الكافل فإنه يكتب عليها بالتعيين ليس إلا وموضع التعيين فيها بحاشية القصة أسفل خط النائب
وإن كان قصة قد كتب بهامشها مرسوم الأتابك أو علق بحاشيتها رسالة الدوادار كتب في جهة أعلى القصة يكتب بذلك وعلى القرب منه التعيين وإنما يكتب هنا في جهة أعلى القصة وفيما عليه خط النائب الكافل في جهة أسفلها لأن التعليق الذي على الهامش فيما علق عن مرسوم الأتابك أو رسالة الدوادار بخط كاتب الدست الذي في خدمته بخلاف ما عليه خط النائب بنفسه
وإن كان الذي يقع فيه التعيين قائمة من ديوان الوزارة أو ديوان الخاص أو ديوان الإستدار كتب بهامش القائمة من أعلاها مقابل كتابة المتحدث على ذلك الديوان ما مثاله يكتب بذلك ثم يكتب التعيين تحته على القرب منه
وإن كان الذي يقع فيه التعيين مربعة إقطاع من ديوان الجيش كتب بالتعيين في آخرها مقابل التاريخ من الجهة اليمنى ولا كتابة له عليها غير ذلك
قلت وقد جرت عادة كتاب السر في زماننا أنه يكتب على القصص ونحوها يكتب بذلك أو يكتب بكذا وكذا على ماتقدم بيانه بغير لام في أوله وكذلك الوزير وناظر الخاص والإستدار يكتبون بغير لام في الأول أما القضاة في الإذن بكتابة المحاضر ونحو ذلك فإنهم يكتبون ليكتب بإثبات اللام في أوله وهذه اللام تسمى لام الأمر وقد صرح الإمام أبو جعفر النحاس في (6/202)
صناعة الكتاب أنه لا يجوز حذفها وعلى ذلك ورد لفظ القرآن الكريم كما في قوله تعالى ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) وقوله ( ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ) ونحو ذلك وحكي جمال الدين بن هشام في المغني وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله - طويل -
( فلا تستطل مني بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب )
وقوله - وافر -
( محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من شيء تبالا )
الطرف الثاني في كتابة الملخصات والإجابة عنها من الدواوين السلطانية
قد تقدم في الكلام على ما ينظر فيه صاحب الديوان أنه لما كان صاحب ديوان الإنشاء يضيق زمنه عن استيعاب حال الكتب الواردة من المملكة لوفورها واتساع الدولة وكثرة المكاتبين ناسب أن يتخذ كاتبا يتصفح الكتب الواردة ويتأملها ويلخص مقاصدها قال أبو الفضل الصوري في تذكرته والرسم في ذلك أن الكاتب الذي يقيمه صاحب الديوان يتسلم الكتب الواردة ويخرج معانيها على ظهروها ملخصا الألفاظ الكثيرة في اللفظ غير مخل بشيء من (6/203)
المعنى ولا محرف له مسقطا فضول القول وحشوه كالدعاء والتصدير والألفاظ المترددة
قال ويخرج أيضا ما يختص بديوان الخراج من الأمور التي ترد ضمن الكتب في معنى الخراج في أوراق يعين فيها الكتب التي وصلت فيها وتاريخها والجهة التي وردت منها وينصها على هيئتها ويوجهها إلى ديوان الخراج فيجاب عنها منه ويستدعي من متولي ديوان الخراج الجواب عنها ثم يعرض جميع ذلك على الملك ويستخرج أمره بإمضاء المكاتبة به أو بغيره فإن كان بخط مخالف للعربي كالرومي والفرنجي والأرمني وغيرها أحضر من يعرف ذلك الخط ممن يوثق به ليترجمه في ظهره فإن كان ذلك المترجم يحسن الخط العربي كتب بخطه في ظهر الكتاب ما مثاله يقول فلان إني حضرت إلى ديوان الإنشاء وتسلمت الرقعة أو الكتاب الذي هذا الخط بظاهره وسئلت عن تفسيره فذكرت أنه كذا وكذا ويسرده إلى آخره وبذلك أشهدت على نفسي ويشهد عليه شاهدان هذا الذي ذكره بلا زيادة ولا نقص
وإن كان الكتاب مشحونا بالكلام بطنا وظهرا نقله بخطه بالقلم الذي هو مكتوب به وترجمه على ظاهره بخطه بالعربي وإن لم يحسن الكتابة بالعربي كتب عنه الكاتب بمحضر من الشاهدين وأشهد عليه ليهاب أو يحجم فيما يقول أو يغيره أو ينقصه لأن أكثر من يترجم على مذهب صاحب الخط فربما كتم عنه أوداجي فيه فإذا خوف بالإشهاد عليه وخشي أن غيره قد يقرأه على غير الوجه الذي أشهد به على نفسه ربما أدى الأمانة فيه فإذا لخصت المكاتبة بظاهرها سلمت إلى متولي الديوان ليقابل ظاهرها بباطنها فإن وجده أخل فيها بشيء إضافة بخطه وأنكر عليه إهماله ليتنبه في المستقبل فإن لم يكن فيها خلل عرضه على الملك وأعتمد أمره فيه وكتب تحت كل فصل منها ما يجب أن يكون (6/204)
جوابا عنه على أحسن الوجوه وأفضلها ثم يسلمها إلى من يكتب الجواب عنها ممن يعرف اضطلاعه بذلك ثم يقابل الجواب بالتخريج وما وقع به تحته فإن وجد فيها خللا سده أو مهملا ذكره أو سهوا أصلحه وإن رآها قد كتبت على أفضل الوجوه وأسدها لم يفوت فيها معنى ولم يزد إلا لفظا ينمق به كتابه ويؤكد به قوله عرضها على الملك حينئذ ليعلم ثم استدعى من يتولى الإلصاق فألصقها بحضرته وجعل على كل منها بطاقة يشير فيها إلى مضمونها لئلا يسأل عن ذلك بعد إلصاقها فلا يعلم ما هو ثم يسلمها إلى من يتولى تنفيذها إلى حيث أهلت له وتسلم النسخ الملخصة إلى من يؤهله لحفظها وترتيبها
قلت قد تبين بما تقدم من كلام أبي الفضل الصوري ما كان عليه الحال في زمنه والذي عليه حال الديوان في زماننا فيما يتعلق بذلك أن الكتب الواردة إلى الأبواب السلطانية من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك يتلقاها أكبر الدوادارية وهو مقدم ألف على ما تقدم ذكره في الكلام على ترتيب الديار المصرية ويحضر القاصد المحضر للكتاب من بريدي أو غيره ثم يناوله للسلطان فيفض ختامه وكاتب السر جالس بين يديه فيدفعه السلطان إليه فيقرأه عليه ويستصحبه معه إلى الديوان فإن كان الكتاب عربيا دفعه كاتب السر إلى نائبه أو من يخصه بذلك ليلخص معناه فيعم النظر فيه ويستوفي فصوله ويلخص مقاصدها ويكتب لكل ديوان من الدواوين التي يرفع إليها متعلق ذلك الكتاب ملخصا بالفصول المتعلقة به في ورقة مفردة ليجاوب علها متولي ذلك الديوان بما رسم له من الجواب عنها
واعلم أن الذي تكتب له الملخصات في زماننا من الدواوين السلطانية خمسة دواوين وهي ديوان الإنشاء وديوان الوزارة وديوان الجيش وديوان الخاص وديوان الإستدارية وهو الديوان المفرد (6/205)
والطريق إلى كتابة الملخصات أن يحذف ما في صدر الكتب من الحشو على ما تقدم في كلام أبي الفضل الصوري ثم يعمد إلى مقاصد الكتاب فيستوفي فصوله ويتصورها بذهنه ثم ينظر في متعلقات تلك الفصول ويكتب لكل ديوان من الدواوين المتقدمة ملخصا بما يتعلق به من الفصول في فصل واحد أو أكثر بحسب ما تقتضيه قلة الكلام وكثرته
وكيفية كتابته أن يترك من رأس الوصل قد ثلاثة أصابع بياضا ثم قدر إصبعين بياضا عن يمينه وقدر إصبعين بياضا عن يساره ويكتب في صدره ما مثاله ذكر فلان في مكاتبته الواردة على يد فلان المؤرخة بكذا وكذا يمد لفظ ذكر بين جانبي الوصل ويكتب باقي الكلام تحتها في أول الوصل إلى آخره في العرض من غير خلو بياض أنه اتفق من الأمر ما وهو كذا وكذا أو أنه سأل في كذا وكذا ثم يخلي بياضا قدر أربعة أصابع مثلا ويكتب في وسط الدرج بخلو بياض من الجانبين وذكر على نحو ما تقدم ثم يكتب باقي الكلام من أول الوصل إلى آخره ويفعل ذلك بكل فصل في الكتاب يتعلق بذلك الديوان المختص بذلك الملخص ويكتب في آخر كل فصل وقد عرض على المسامع الشريفة ومهما برزت به المراسيم الشريفة كان العمل بمقتضاه ونحو ذلك
ثم إن كان الملخص لديوان الإنشاء كتب بأعلى الوصل من ظاهره من الجانب الأيسر منه ما مثاله ديوان الإنشاء وإن كان لديوان الجيش كتب هناك ما مثاله ديوان الجيش وكذا ديوان الخاص وسائر الدواوين المتقدمة الذكر فإذا كملت الملخصات وقف عليها كاتب السر فما كان منها متعلقا بديوان الإنشاء عرضه على السلطان واستمطر جوابه عنه فيكتب مقابله في الملخص يكتب بذلك أو يكتب بكذا وكذا أو رسم بذلك أو رسم بكذا وكذا وما كان منها متعلقا بديوان الوزارة بعث به إلى الوزير وما كان منها متعلقا بديوان الجيش بعث به إلى ناظر الجيش وما كان منها متعلقا بديوان الخاص بعث به إلى ناظر الخاص ليقرأ كل منهم ملخصه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه فما كان كتب به بجانب الفصل الذي كتب به في الملخص أمضي ذلك أو لم (6/206)
يمض أو رسم بكذا وكذا ونحو ذلك وسائر الدواوين على هذا النمط
وإن كان الكتاب غير عربي فإن كان بالتركية المغلية ونحوها كالكتب الواردة عن بعض القانات من ملوك الشرق فإنه يتولى ترجمتها من يوثق به من أخصاء الدولة من الأمراء أو الخاصكية ونحوهم ممن يعرف ذلك اللسان ثم يقرأ ترجمته على السلطان ويعتمد ما يأمر به في جوابه ليكتب به وإن كان بالرومية أو الفرنجية ونحوهما من اللغات المختلفة ترجم على نحو ما تقدم وكتب ملخصه وقريء على السلطان والتمس جوابه وكتب كاتب السر على الملخص بما رسم فيه (6/207)
الباب الرابع من المقالة الثالثة في الفواتح والخواتم واللواحق وفيه فصلان
الفصل الأول في الفواتح وفيه ستة أطراف
الطرف الأول في البسملة وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في أصل الافتتاح بها
كانت قريش قبل البعثة في أول كتبها باسمك اللهم والسبب في كتابتهم ذلك ما ذكره المسعودي في مروج الذهب عن جماعة من أهل المعرفة بأيام الناس وأخبار من سلف كابن دأب والهيثم بن عدي وأبي مخنف لوط ابن يحيى ومحمد بن السائب الكلبي أن أمية بن أبي الصلت الثقفي خرج إلى (6/208)
الشأم في نفر من ثقيف وقريش في عير لهم فلما قفلوا راجعين نزلوا منزلا واجتمعوا لعشائهم إذ أقبلت حية صغيرة حتى دنت منهم فحصبها بعضهم بحجر في وجهها فرجعت فشدوا سفرتهم ثم قاموا فشدوا على إبلهم وارتحلوا من منزلهم فلما برزوا من المنزل أشرفت عليهم عجوز من كثيب رمل متوكئة على عصا فقالت ما منعكم أن تطعموا رحيبة اليتيمة الصغيرة التي باتت لطعامكم عليلة قالوا وما أنت قالت أم العوام أرملت منذ أعوام أما ورب العباد لتفرقن في البلاد ثم ضربت بعصاها الأرض وأثارت بها الرمل وقالت أطيلي إيابهم وفرقي ركابهم فوثبت الإبل كأن على ذروة كل منها شيطانا ما يملكون منها شيئا حتى افترقت في الوادي فجمعوها من آخر النهار إلى غدوة فلما أناخوا الرواحل طلعت عليهم العجوز وفعلت كما فعلت أولا وعادت لمقالها الأول فخرجت الإبل كما خرجت في اليوم الأول فجمعوها من غد فلما أناخوها ليرحلوها فعلت العجوز مثل فعلها في اليوم الأول والثاني فنفرت الإبل وأمسوا في ليلة مقمرة ويئسوا من ظهورهم فقالوا لأمية بن أبي الصلت أين ما كنت تخبرنا به عن نفسك وعلمك (6/209)
فقال اذهبوا أنتم في طلب الإبل ودعوني فتوجه إلى الكثيب الذي كانت تأتي منه العجوز حتى هبط من ثنيته الأخرى ثم صعد كثيبا آخر حتى هبط منه ثم رفعت له كنيسة فيها قناديل ورجل معترض مضطجع علي بابها وإذا رجل جالس أبيض الرأس واللحية قال أمية فلما وقفت قال لي إنك لمتبوع قلت أجل قال فمن أين يأتيك صاحبك قلت من أذني اليسرى قال فبأي الثياب يأمرك قلت بالسواد قال هذا خطيب الجن كدت ولم تفعل ولكن صاحب هذا الأمر يكلمه في أذنه اليمنى وأحب الثياب إليه البياض فلما جاء بك وما حاجتك فحدثته حديث العجوز فقال هي امرأة يهودية هلك زوجها منذ أعوام وإنها لن تزال تفعل بكم ذلك حتى تهلككم إن استطاعت قال أمية قلت فما الحيلة قال اجمعوا ظهركم فإذا جاءتكم وفعلت ما كانت تفعل فقولوا سبعا من فوق وسبعا من أسفل باسمك اللهم فإنها لن تضركم فرجع أمية إلى أصحابه فأخبرهم بما قيل له وجاءتهم العجوز ففعلت كما كانت تفعل فقالوا سبعا من فوق وسبعا من أسفل باسمك اللهم فلم تضرهم فلما رأت الإبل لا تتحرك قالت قد علمكم صاحبكم ليبيضن الله أعلاه وليسودن أسفله وساروا فلما أدركهم الصبح نظروا إلى أمية قد برص في غرته ورقبته وصدره واسود أسفله فلما قدموا مكة ذكروا هذا الحديث فكتبت قريش في أول كتبها باسمك اللهم فكان أول ما كتبها أهل مكة وجاء الإسلام والأمر على ذلك (6/210)
قال إبراهيم بن محمد الشيباني ولم تزل الكتب تفتتح باسمك اللهم حتى نزل قوله تعالى ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) فاستفتح بها رسول الله وصارت سنة بعده وروى محمد بن سعد في طبقاته أن رسول الله كان يكتب كما تكتب قريش باسمك اللهم حتى نزل عليه ( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) فكتب باسم الله حتى نزل ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) فكتب بسم الله الرحمن حتى نزل ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) فكتب بسم الله الرحمن الرحيم وذكر في مواد البيان نحوه
وعن سفيان الثوري أنه كان يكره للرجل أن يكتب شيئا حتى يكتب بسم الله الرحمن الرحيم وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكره أن يكتب كتابا أو غيره حتى يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وعن سعيد بن جبير أنه كان يقول لا يصلح كتاب إلا أن يكون أوله بسم الله الرحمن الرحيم
وهذه الأحاديث والآثار كلها ظاهرة في استحباب الابتداء بالبسملة فيما يكتب به من أصناف المكاتبات والولايات وغيرها وعلى ذلك مصطلح كتاب الإنشاء في القديم والحديث إلا أنهم قد اصطلحوا على حذفها من أوائل التواقيع والمراسيم الصغار كالتي على ظهور القصص ونحوها وكأنهم أخذوا ذلك من مفهوم ما رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما وأبو عوانة الأسفراييني في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال ( ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ) ) يعني ناقص البركة وما يكتب في التواقيع والمراسيم الصغار ليس من الأمور المهمة فناسب ترك البسملة في أولها (6/211)
لكن قد ذكر محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة أن أهل العلم كرهوا حذف البسملة من التواقيع والسراحات وذموه وقد كان القاضي علاء الدين الكركي كاتب السر في الدولة الظاهرية برقوق في أول سلطنته الثانية أمر بأن يكتب في أولها بسملة بقلم دقيق ثم بطل ذلك بعد موته وبقي الأمر على ما كان عليه أولا ثم قد اختلف في كتابتها أمام الشعر فذهب سعيد بن المسيب والزهري إلى منع ذلك وذهب سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي إلى جوازه ويروى مثله عن ابن عباس رضي الله عنه قال أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب ورأيت علي بن سليمان يميل إليه قال محمد بن عمر المدائني ولا بأس إن يكن بين الشعر وبينها كلام مثل أنشدني فلان الفلاني وشبه ذلك فأما أن يصله بها فلا يجوز
الجملة الثانية في الحث على تحسينها في الكتابة وما يجب من ترتيبها في الوضع
أما الحث على تحسينها في الكتابة فينبغي للكاتب أن يبالغ في تحسينها في الكتابة ما استطاع تعظيما لله تعالى فقد روي أن رسول الله قال ( من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فحسنه أحسن الله إليه ) وعن واصل مولى أبي عيينة قال سمعت حمادا يقول كانوا يحبون أن تحسن بسم الله الرحمن الرحيم
وأما ما يجب من ترتيبها فأول ما يجب من ذلك إطالة الباء لتدل على الألف المحذوفة منها لكثرة الاستعمال ثم إثبات السين بأسنانها الثلاث غير مرسل لها إرسالا كما يفعله بعض الكتاب فقد كره ذلك أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وزيد بن ثابت والحسن وابن سيرين حتى يروى أن عمر رضي الله عنه ضرب كاتبا على حذف السين منها فقيل له فيم ضربك (6/212)
عمر فقال في سين فجرى مثلا ويروى أن غلاما لعمر بن عبد العزيز كتب إليه من مصر كتابا ولم يجعل لبسم الله الرحمن الرحيم سينا فكتب إليه عمر يأمره بالقدوم عليه فلما قدم قال اجعل لبسم الله الرحمن الرحيم سينا وانصرف إلى مصر وكذلك لا يمد الباء قبل السين ثم يكتب السين بعد المدة كما يفعله بعض كتاب المغاربة فقد روى محمد بن عمر المدائني من حديث شعيب بن أبي الأشعث أن رسول الله قال ( ( إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فلا يمدها قبل السين يعني الباء ) ) وعن ليث عن مجاهد يرفعه إلى النبي نحوه ويروى مثله عن ابن عمر وابن سيرين وعن عبد العزيز ابن عبد الله وعبد الله بن دينار وغيرهما أن العلماء كانوا يكرهون ذلك وينهون عنه أشد النهي حتى روي عن الضحاك بن مزاحم أنه قال وددت أني لو رأيت الأيدي تقطع فيه نعم يستحب المد بين السين والميم كما هو عادة كتاب المصريين وأهل المشرق وكذلك استحسنوا مد الحاء من الرحمن قبل الميم وقالوا إنه من حسن البيان حتى يروى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن وهذا مما يتعاطاه كتاب المغرب دون كتاب مصر وأهل المشرق أما غير ذلك من وجوه التحسين فيأتي الكلام عليه في الكلام على الخط إن شاء الله تعالى
الجملة الثالثة في بيان موضعها من المكتوب ويتعلق به أمران
الأمر الأول تقدمها في الكتابة
فيجب تقديمها في أول الكلام المقصود من مكاتبة أو ولاية أو منشور إقطاع أو (6/213)
غير ذلك تبركا بالابتداء بها وتيمنا بذكرها وعملا بالأخبار والآثار المتقدمة في الجملة الأولى على أنه قد اختلف في معنى قوله تعالى حكاية عن بلقيس حين ألقى إليها كتاب سليمان عليه السلام ( إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ) فذهب بعض المفسرين إلى أن قوله ( إنه من سليمان ) من كلام بلقيس وإنها حكت الكتاب بقولها وإنه بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخر الآية فيكون ابتداء الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم ويكون ذلك احتجاجا على وجوب تقديمها وذهب آخرون إلى أن قوله ( إنه من سليمان ) بداية كتاب سليمان فيكون سليمان عليه السلام قد بدأ في كتابه باسمه فإن قيل كيف ساغ على ذلك تقديم اسمه على اسم الله تعالى في الذكر مع أن الأنبياء عليهم السلام أشد الناس أدبا مع الله تعالى فالجواب ما قيل إنه كان عادة ملوك الكفر أنه إذا ورد عليهم كتاب ربما يكرهون ربما مزقوا أعلاه أو تفلوا فيه فجعل سليمان عليه السلام اسمه تقية لاسم الله تعالى فذكره أولا ومن هنا اصطلح الكتاب في الكتب الصادرة عن ملوك الإسلام إلى ملوك الكفر بكتابة ألقاب الملك المكتوب عنه في وصل فوق البسملة تأسيا بسليمان عليه السلام
أما ما يكتب في طرة الولايات من العهود والتقاليد وغيرها فإنه في الحقيقة جزء من المكتوب فلا يوصف بأنه شيء فقدم على البسملة وأجما الطغراة التي كانت توضع في مناشير الإقطاعات في وصل بين وصل الطرة والبسملة فيها ألقاب السلطان على ما سيأتي في الكلام على كتابة المناشير في موضعه إن شاء الله تعالى فإنها كتابة أجنبية مكتوبة بخط غير الكاتب فلم تنسب (6/214)
في الحقيقة إلى التقديم على أن ذلك قد بطل في زماننا وهاتان المسألتان المتعلقتان بالطغراة المكتوبة في المناشير ومكاتبات أهل الكفر مما سأل عنه الشيخ جال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى كتاب ديوان الإنشاء بالشام في مباشرة الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي حين بلغه أن بعضهم وقع فيه
الأمر الثاني إفرادها في الكتابة
قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة ينبغي للكاتب أن يفرد البسملة في سطر وحدها تبجيلا لاسم الله تعالى وإعظاما وتوقيرا له ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( ( نهى أن يكتب في سطر بسم الله الرحمن الرحيم غيرها ) ) وعلى هذه الطريقة جرى كتاب الإنشاء في مكاتبتهم وسائر ما يصدر عنهم أما النساخ وكتاب الوثائق فربما كتبوا بعدها في سطرها الحمد لله أو الصلاة على رسول الله ونحو ذلك وكذلك يكتب القضاة الحمدلة في علامات الثبوت في المكاتيب الشرعية
الطرف الثاني في الحمدلة
لما كان الحمد مطلوبا في أوائل الأمور طلبا للتيمن والتبرك عملا بما رواه الراوون لحديث البسملة المتقدم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ( ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم ) ) اصطلح الكتاب على الابتداء به في الكثير مما يكتبونه من المكاتبات والولايات وغيرهما مما له شأن وبال كمكاتبات أكثر الملوك من قانات الشرق وكل ما تضمن نعمة من المكاتبات ونحو ذلك وكالبيعات والعهود والتقاليد على رأي من يرى افتتاحها (6/215)
بالخطب وغير ذلك مما يأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى بل ربما كرروا الحمد المرات المتعددة إلى السبع في الخطبة الواحدة على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وأتوا بالحمد لله بعد البسملة تأسيا بكتاب الله تعالى من حيث أن البسملة آية من الفاتحة كما هو مذهب الشافعي رضي الله عنه أو فاتحة لها وإن لم تكن منها كما هو مذهب غيره أما سائر المكاتبات والولايات المفتتحة بغير الحمد فإنما حذف منها الحمد استصغارا لشأنها إذ كان الابتداء بالحمد إنما يكون في أمر له بال كما دل عليه الحديث المتقدم وسيأتي الكلام على كل شيء من ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى قال في الصناعتين وإنما افتتح الكلام بالحمد لأن النفوس تتشوف للثناء على الله تعالى والافتتاح بما تتشوف النفوس إليه مطلوب وربما أتى الكتاب بالحمد بعد البعدية فكتبوا أما بعد حمد الله أو أما بعد فالحمد لله فأما الصيغة الأولى فالحمد مقدم فيها معنى وإن لم يذكر لفظا لأن قوله أما بعد حمد الله يقتضي تقدم حمد الله وأما الصيغة الثانية فإنها تقتضي تقدم شيء على الحمد ولا شك أن المقدم هنا هو البسملة على ما سيأتي في الكلام على أما بعد فيما بعد إن شاء الله تعالى
ثم قد يستعمل الحمد بصيغة الفعل كقولهم في المكاتبات فإني أحمد إليك الله وقد اختلف في أي الصيغتين أبلغ صيغة الحمد لله أو صيغة أحمد الله فذهب المحققون إلى أن صيغة الحمد لله أبلغ لما فيها من معنى الاستغراق والثبوت والاستمرار على ما هو مقرر في علم المعاني وذهب ذاهبون (6/216)
إلى أن صيغة أحمد الله أبلغ لأن القائل الحمد لله حاك لكون الحمد لله بخلاف القائل أحمد الله فإنه حامد بنفسه ولذلك يؤتى بالتحميد ثانيا في الخطب بصيغة الفعل
وله في الاستعمال ثلاث صيغ
الصيغة الأولى يحمده أمير المؤمنين فيما إذا كان ذلك صادرا عن الخليفة في مكاتبة أو غيرها
الصيغة الثانية نحمده إما بنون الجمع الحقيقة كما إذا كان ذلك صادرا عن . . . مثل أن يؤتى بذلك في بيعة لخليفة أو نحوها أو بنون الجمع للتعظيم كما إذا كان ذلك صادرا عن السلطان نحو ما يقع في خطب التقاليد والتواقيع في زماننا
الصيغة الثالثة أحمده بلفظ الإفراد كما إذا كان ذلك صادرا عن واحد فقط حيث لا تعظيم له
الطرف الثالث في التشهد في الخطب
قد جرت عادة المتأخرين بالإتيان بالتشهد بعد التحميد في الخطب ويكون تابعا لصيغة التحميد فإن كان قد قيل يحمده أمير المؤمنين قيل بعده ويشهد وإن كان قد قيل نحمده قيل بعده ونشهد وإن كان بعد أما بعد حمد الله قيل والشهادة له بالجر عطفا على حمد على أن الخطب الموجودة في مكاتبات المتقدمين لا تشهد فيها ومستند المتأخرين في ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وصححه البيهقي أن النبي قال ( ( كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ) ) (6/217)
الطرف الرابع في الصلاة والسلام على النبي وعلى آله وصحبه في أوائل الكتب
لا نزاع في أن الصلاة على النبي مطلوبة في الجملة وناهيك في ذلك قوله تعالى في محكم التنزيل ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) والأحاديث الواردة في الحث على ذلك أكثر من أن تحصر فناسب أن تكون في أوئل الكتب تيمنا وتبركا وقد جاء في تفسير قوله تعالى ( ورفعنا لك ذكرك ) أن المعنى ما ذكرت إلا وذكرت معي فإذا أتي بالحمد في أول كتاب ناسب أن يؤتى بالصلاة على النبي في أوله إتيانا بذكره بعد ذكر الله تعالى وقد روي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال ( ( من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب ) ) قال الشيخ عماد الدين في تفسيره إلا أنه ضعيف ضعفه المحدثون قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة وقد رأينا بعض الكتاب لا يرى الصلاة على النبي في الكتب فباءوا بأعظم الوزر مع ما فاتهم من الثواب
وأما السلام عليه بعد التصلية فقد قال الشيخ محي الدين النووي في كتابه الأذكار وإذا صلى على النبي فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقال صلى الله عليه فقط ولا عليه السلام فقط قال الشيخ عماد الدين بن كثير وهذا منتزع من قوله تعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) الآية
وأما الصلاة على الآل والصحب بعد الصلاة على النبي فقد نقل (6/218)
الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره الإجماع على جواز الصلاة على غير الأنبياء عليهم السلام بطريق التبعية مثل أن يقال اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وأزواجه وذريته ونحو ذلك قال وعلى هذا يخرج ما يكتبونه من قولهم وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه فلا نزاع فيه وإنما الخلاف في جواز إفراد غير الأنبياء عليهم السلام بالصلاة فأجازه قوم محتجين بنحو قوله تعالى ( وصل عليهم ) وقوله ( ( اللهم صل على آل أبي أوفى ) ) ومنعه آخرون احتجاجا بأن الصلاة صارت شعارا للأنبياء عليهم السلام فلا يلحق بهم غيرهم فلا يقال أبو بكر صلى الله علي وسلم وإن كان المعنى صحيحا كما لا يقال محمد عز و جل وإن كان عزيزا جليلا
ثم الصحيح من مذهب الشافعي رضي الله عنه أن ذلك لا يجوز في غير التبعية وحكى النووي في الأذكار فيه قولا بأنه كراهة تحريم وقولا بأنه كراهة تنزيه وقولا بأنه خلاف الأولى ورجح كونه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع
وأما السلام على غير الأنبياء فحكى النووي عن أبي محمد الجويني منعه في الغائب من حي وميت وأنه لا يفرد به غير الأنبياء فلا يقال علي عليه السلام بخلاف الحاضر فإنه يخاطب به
إذا علمت ذلك فالصلاة وتوابعها في أوائل الكتب قد تكون بعد التحميد في الخطبة كما في الولايات والمكاتبات المفتتحة بالخطب من البيعات والعهود والتقاليد والتفاويض والتواقيع والمراسيم وغيرها وكما في الكتب المفتتحة بالخطب وقد تكون في صدور المكاتبات المفتتحة بغير الخطب كما كان يكتب في القديم في صدور المكاتبات وأسأله أن يصلي على محمد (6/219)
عبده ورسوله وهو مما أحدثه الرشيد في المكاتبات قال في ذخيرة الكتاب وكان ذلك من أجل مناقبه وكان الخلفاء الفاطميون بمصر يقولون عن لسان الخليفة ويسأله أن يصلي على جده محمد ويخصون الصلاة بعده بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه على طريقة الشيعة
الطرف الخامس في السلام في أول الكتب
إنما جعل السلام في ابتداء الكتب وصدورها لأنه تحية الإسلام المطلوبة لتأليف القلوب فكما أنه يفتتح به الكلام طلبا للتأليف كذلك تفتتح به المكاتبات وتصدر طلبا للتأليف إذا يقول ( ( ألا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) ) قال في الصناعتين وتقول في أول كتابك سلام عليك وفي آخره والسلام عليك والمعنى فيه أن الأول نكره إذا لم يتقدم له ذكر والثاني معرفة يشار به إلى السلام الأول على حد قوله تعالى ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) فأتى في الأول بتنكير الرسول وفي الثاني بتعريفه وكذلك قال تعالى في سورة مريم في قصة يحيى عليه السلام ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) لعدم تقدم ذكر السلام ثم قال بعد ذلك في قصة عيسى عليه السلام ( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) وإلى ذلك يشير أحمد بن يوسف بقوله اكتب في أول كتابك سلام عليك واجعله تحية وفي آخره والسلام عليك واجعله وداعا وذلك أن سلام التحية يكون ابتداء فيكون نكرة وسلام الوداع يكون انتهاء فيكون معرفة لرجوعه إلى الأول وقد (6/220)
كره بعض العلماء أن يقال في الابتداء عليك السلام احتجاجا بما روي عن أبي مكعت الأسدي أنه قال ( أتيت رسول الله فأنشدته ) - متقارب -
( يقول أبو مكعت صادقا ... عليك السلام أبا القاسم )
فقال يا أبا مكعت عليك السلام تحية الموتى وجعل ابن حاجب النعمان من ذلك قول عبدة بن الطبيب - طويل -
( عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما )
قال ابن حاجب النعمان ويكتب السلام بإسقاط الألف في صدر الكتاب وعجزه قال أبو جعفر النحاس وقولهم في أول الكتاب سلام عليك بالرفع ويجوز فيه النصب والاختيار الرفع وإن كان النحاة قد قالوا إن ما كان مشتقا من فعل فالاختيار فيه النصب نحو قولك سقيا لك لأن معنى السلام في الرفع أعم إذ ليس يريد أفعل فعلا فيكون المعنى تحية عليك بنصب تحية وقيل سلام عليك بمعنى سلام لك وسيأتي الكلام على إتباع السلام الرحمة في الكلام على الخواتم فيما بعد إن شاء الله تعالى
الطرف السادس في أما بعد
أعلم أن أما بعد تستعمل في صدور المكاتبات والولايات وربما استعلمت في ابتدائها وهي مركبة من لفظين أحدهما أما والثاني بعد فأما أما فحرف شرط وبعد ظرف زمان إذا أفرد بني على الضم قال تعالى (6/221)
( لله الأمر من قبل ومن بعد ) وأجاز الفراء أما بعدا بالنصب والتنوين وأما بعد بالرفع والتنوين وأجاز هشام أما بعد بفتح الدال ومنعه النحاس وقال إنه غير معروف
ثم أما تقع في كلام العرب لتوكيد الخبر والفاء لازمة لها لتصل ما بعدها بالحرف الملاصق لما قبلها فتقول أما بعد أطال الله بقاءك فإني قد نظرت في الأمر الذي ذكرته ويجوز أما بعد فأطال الله بقاءك إني نظرت في ذلك فتثبت الفاء في أطال وإن كان معترضا لقربه من أما ويجوز أما بعد فأطال الله بقاءك فإني نظرت ويجوز أما بعد ثم أطال الله بقاءك فإني نظرت حكى ذلك كله النحاس ثم قال وأجودها الأول وهو اختيار النحويين قال وأجود منه أما بعد فإني نظرت أطال الله بقاءك فإن أضيفت بعد إلى ما بعدها فتحت فتقول أما بعد حمد الله ونحو ذلك قال في ذخيرة الكتاب وإذا كانت بعد البسملة فمعناه أما بعد قولنا بسم الله الرحمن الرحيم فقد كان كذا وكذا
وقد اختلف في أول من قال أما بعد فقيل داود عليه السلام وبه فسر فصل الخطاب في قوله تعالى ( وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ) على أحد الأقوال وقيل أول من قالها كعب بن لؤي جد النبي وقيل أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي قال سيبويه ومعناها مهما يكن من شيء (6/222)
الفصل الثاني في الخواتم واللواحق وفيه سبعة أطراف
الطرف الأول في الاستثناء بالمشيئة بأن يكتب إن شاء الله تعالى وفيه جملتان
الجملة الأولى في الحث على كتابة إن شاء الله تعالى
اعلم أنه يستحب للكاتب عند انتهاء ما يكتبه من مكاتبة أو ولاية أو غيرهما أن يكتب إن شاء الله تعالى تبركا ورغبة في نجاح مقصد الكتاب فقد ورد الحث على التعليق بمشيئة الله تعالى والندب إليه قال تعالى ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ) وذم قوما على ترك الاستثناء فقال ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ) إلى آخر القصة قال أصحاب السير كان باليمن رجل له جنة يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي وكان يترك للمساكين ما أخطأ المنجل الزرع أو القطاف من العنب والنخل وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة فلما مات شح بنوه على المساكين بما كان يتركه أبوهم وحلفوا على قطعها في الغلس كيلا يدركهم الفقراء فأصابتها نار في الليل فاحترقت (6/223)
وأصبحت كالصريم يعني الليل المظلم قال المفسرون والمراد بقوله ( ولا يستثنون ) أنهم لم يقولوا إن شاء الله تعالى قال الزمخشري وسمي استثناء وإن كان بمعنى الشرط لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء من حيث أن معنى قولك لأخرجن إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد
وأعلم أن الاستثناء لا يدخل على ماض فلا يقال ما فعلت ذلك إن شاء الله وإنما يدخل على مستقبل فتقول لا أفعل ذلك إن شاء الله على حد قوله تعالى ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) وكذلك كل ما فيه معنى الاستقبال كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام ( وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ونحو ذلك
أما ما ورد من ذلك بلفظ المضي مثل قول القائل لزوجته أنت طالق إن شاء الله فإنه وإن لم يكن مستقبلا لفظا فإنه مستقبل معنى إذ معناه الإنشاء وإلا لما وقع به الطلاق إذا علمت ذلك فلفظ إن شاء الله تعالى في آخر المكاتبة أو الولاية ونحوهما يكون معلقا بآخر المكتوب مما يناسب ذلك كتعلقا بالتأييد من قوله والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى ونحو ذلك
الجملة الثانية في محل كتابتها وصورة وضعها في الدرج
لا نزاع في أنها أول خاتمة تكتب من خواتم المكتوب فمحلها من الدرج أسفل المكتوب في وسط الوصل مكتنفة ببياض عن يمينها وشمالها وبينها وبين السطر الآخر من المكتوب كما بين سطرين أو دونه
وقد جرت عاد الكتاب في كتابتها بأنها إن كانت بقلم الرقاع كما في (6/224)
القطع الصغير كتبت معلقة مسلسلة على هذه الصورة إن شاء الله أو ما قاربها وإن كانت بقلم جليل كالثلث ونحوه كتبت واضحة مبينة والغالب فيها أن تكون على هذه الصورة إن شاء الله تعالى قال جمال الدين بن شيث في معالم الكتابة ولا يضيف الكاتب إليها شيئا في سطرها بل تكون مفردة في سطر واحد
الطرف الثاني في التاريخ وفيه ثماني جمل
الجملة الأولى في معناه
وقد اختلف في أصل لفظه فذهب قوم إلى أنه عربي وأن معناه نهاية الشيء وآخره يقال فلان تاريخ قومه إذا انتهى إليه شرفهم وعليه يدل كلام صاحب مواد البيان وابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب ونقل الشيخ علاء الدين بن الشاطر في زيجه عن بعض أهل اللغة أن معناه التأخير فيكون مقلوبا منه وذهب آخرون إلى أنه فارسي وأن أصله ماه زور فعرب مورخ ثم جعل اسمه التاريخ وإليه يرجع كلام السلطان عماد الدين صاحب حماة رحمه الله في تاريخه ويقال منه أرخت وورخت بالهمزة والواو لغتان ولذلك قالوا في مصدره تأريخ وتوريخ كما يقال تأكيد وتوكيد قال في ذخيرة الكتاب أرخت لغة قيس وورخت لغة تميم قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل ولا تكاد ورخت تستعمل اليوم وكأن الكتاب كانوا قد رفضوا هذه اللغة في زمانه وإلا فهي لغة مستعملة إلى الآن إلا أنها لما غلبت في ألسنة العوام ابتذلت قال الشيخ أثير الدين أبو حيان في شرح التسهيل والتاريخ هو عدد الليالي والأيام بالنظر إلى ما مضى من السنة أو الشهر (6/225)
والى ما تبقى منهما قال في مواد البيان وهو محقق للخبر دال على قرب عهد الكتاب وبعده
الجملة الثانية في وجه الاحتياج إليه
قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة أجمعت العلماء والحكماء والأدباء والكتاب والحساب على كتابة التاريخ في جميع المكتتبات قال صاحب نهاية الأرب ولا غنية عنه لأن التاريخ يستدل به على بعد مسافة الكتاب وقربها وتحقيق الأخبار على ما هي عليه وقد قال بعض أئمة الحديث لما استعملوا الكذب استعملنا لهم التاريخ وقد اصطلح الكتاب على أنهم يؤرخون المكاتبات والولايات ونحوها مما يصدر عن الملوك والنواب والأمراء والوزراء وقضاة القضاة ومن ضاهاهم بخلاف المكاتبات الصادرة عن آحاد الناس فإنه لم تجر العادة فيها بكتابة تاريخ
الجملة الثالثة في بيان أصول التواريخ
قال القضاعي في عيون المعارف في تاريخ الخلائف كانت الأمم السالفة تؤرخ بالحوادث العظام وبملك الملوك فكان التاريخ بهبوط آدم عليه السلام ثم بمبعث نوح ثم بالطوفان ثم بنار إبراهيم عليه السلام
ثم تفرق بنو إبراهيم فأرخ بنو إسحاق بنار إبراهيم إلى يوسف ومن يوسف إلى مبعث موسى عليه السلام ومن موسى إلى ملك سليمان عليه السلام ثم بما كان من الكوائن ومنهم من أرخ بوفاة يعقوب عليه السلام ثم (6/226)
بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ثم بخراب بيت المقدس
وأما بنو إسماعيل فأرخوا ببناء الكعبة ولم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقت بنو معد وكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بخروجهم ثم أرخوا بيوم الفجار ثم بعام الفيل
وكان بنو معد بن عدنان يؤرخون بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إياهم من الحرم ثم أرخوا بأيام الحروب كحرب بني وائل وحرب البسوس وحرب داحس (6/227)
وكانت حمير وكهلان يؤرخون بملوكهم التبابعة وبنار ضرار وهي نار ظهرت ببعض خراب اليمن وبسيل العرم ثم أرخوا بظهور الحبشة على اليمن
وأما اليونان والروم فكانوا يؤرخون بملك بختنصر ثم أرخوا بملك دقلطيانوس القبطي
وأما الفرس فكانوا يؤرخون بآدم عليه السلام ثم أرخوا بقتل دارا وظهور الإسكندر عليه ثم بملك يزدجرد والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه في دائرة اتصال التواريخ القديمة بالهجرة عشرون تاريخا ذكر ما بينها وبين الهجرة من السنين إلا أنه لم يراع الترتيب في بعضها وأهمل منها تاريخ يزدجرد لوقوعه بعد الهجرة
وبالجملة فالتواريخ على قسمين
القسم الأول ما قبل الهجرة وقد أوردت منه تسعة عشر تاريخا
الأول من هبوط آدم عليه السلام وقد اختلف فيما بينه وبين الهجرة (6/228)
اختلافا فاحشا فمقتضى ما في التوراة اليونانية على اختيار المؤرخين أن بينهما ستة آلاف سنة ومائتين وست عشرة سنة وعلى اختيار المنجمين أن بينهما خمسة آلاف وسبعمائة وتسعا وستين سنة
ومقتضى ما في التوراة السامرية على اختيار المؤرخين خمسة آلاف ومائة وسبع وثلاثون سنة وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك
ومقتضى ما في التوراة العبرانية على اختيار المؤرخين أن بينهما أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وأربعين سنة وعلى اختيار المنجمين ينقص مائتين وتسعا وأربعين سنة
الثاني من الطوفان وبينه وبين الهجرة ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربع وتسعون سنة على اختيار المؤرخين وعلى اختيار المنجمين ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون سنة وثلثمائة وستة أيام
الثالث من تبلبل الألسن وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ثلاثة آلاف وثلثمائة وأربع وستون سنة وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعا وأربعين سنة
الرابع من مولد إبراهيم عليه السلام وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ألفان وثمانمائة وثلاث وتسعون سنة وعلى اختيار المنجمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعا وأربعين سنة (6/229)
الخامس من بناء إبراهيم الكعبة وبينه وبين الهجرة ألفان وسبعمائة وثلاث وسبعون سنة
السادس من وفاة موسى عليه السلام وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرخين ألفان وثلثمائة وثمان وأربعون سنة
السابع من عمارة سليمان عليه السلام بيت المقدس وبينه وبين الهجرة ألف وثمانمائة وستون سنة
الثامن من ابتداء ملك بختنصر وبينه وبين الهجرة ألف وثلثمائة وتسع وستون سنة قال صاحب حماة بلا خلاف
التاسع من تخريب يختنصر بيت المقدس وبينه وبين الهجرة ألف وثلثمائة وخمسون سنة
العاشر من ملك فيلبس أبي الإسكندر وبينه وبين الهجرة تسعمائة وخمس وأربعون سنة ومائة وسبعة عشر يوما
الحادي عشر من غلبة الإسكندر على ملك فارس وقتل دارا ملك الفرس وبينه وبين الهجرة تسعمائة واثنتان وثلاثون سنة ومائتان وتسعون يوما
الثاني عشر من مولد المسيح عليه السلام وبينه وبين الهجرة ستمائة وإحدى وثلاثون سنة
الثالث عشر من ملك أرديالونص وبينه وبين الهجرة خمسمائة وتسع (6/230)
وستون سنة
الرابع عشر من ملك أردشير أول ملوك الأكاسرة من الفرس وبينه وبين الهجرة أربعمائة واثنتان وعشرون سنة
الخامس عشر من خراب بيت المقدس المرة الثانية وبينه وبين الهجرة ثلثمائة وست وأربعون سنة
السادس عشر من ملك دقلطيانوس آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم على القبط وبينه وبين الهجرة ثلثمائة وسبع وثلاثون سنة وأحد وعشرون يوما
السابع عشر من غلبة أغشطش ملك الروم على قلوبطرا ملكة اليونان ومصر وبينه وبين الهجرة مائتان وخمسون سنة ومائتان وستة وأربعون يوما
الثامن عشر من عام الفيل وهو العام الذي ولد في النبي وبينه وبين الهجرة ثلاث وخمسون سنة وشهران وثمانية أيام
التاسع عشر من مبعث النبي وبينه وبين الهجرة ثلاث عشرة سنة وشهران وثمانية أيام (6/231)
القسم الثاني ما بعد الهجرة
وفيه تاريخ واحد وهو من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس وكان بعد الهجرة بعشر سنين وثمانية وسبعين يوما
الجملة الرابعة في أصل وضع التاريخ الإسلامي وبنائه على الهجرة دون غيرها
وقد اختلف في أصل ذلك فحكى أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب عن محمد بن جرير أنه روى بسنده إلى ابن شهاب أن النبي لما قدم المدينة وقدمها في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ وعلى هذا فيكون ابتداء التاريخ في عام الهجرة قال النحاس والمعروف عند العلماء أن ابتداء التاريخ بالهجرة كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ثم اختلف في السبب الموجب لذلك فذكر النحاس أن السبب فيه أن عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه باليمن قدم عليه فقال أما تؤرخون كتبكم فاتخذوا التاريخ ووافقه على ذلك صاحب مواد البيان وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن السبب فيه أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندري على أيها نعمل قد قرأنا كتابا منها محله شعبان فما ندري في أي الشعبانين ألماضي أو الآتي فأحدث عمر التاريخ وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب وذكر صاحب حماة في تاريخ أنه رفع إلى عمر رضي الله عنه صك محله شعبان فقال أي شعبان لا ندري ألذي نحن فيه أم الذي هو آت ثم جمع وجوه الصحابة وقال إن الأموال قد كثرت وما (6/232)
قسمناه منها غير مؤقت فكيف التوصل إلى ما يضبط به ذلك فقالوا يجب أن نعرف ذلك من أمور الفرس فاستحضر الهرمزان وسأله فقال إن لنا حسابا نسميه ماه زور ومعناه حساب الشهور والأيام فعمل عمر التاريخ
الجملة الخامسة في بيان صورة ابتدائهم وضع التاريخ من الهجرة
قال في ذخيرة الكتاب لما أراد عمر التأريخ جمع الناس للمشورة فقال بعضهم نؤرخ بمبعث النبي وقال بعضهم بل بوفاته وقال بعضهم بل بهجرته من مكة إلى المدينة لأنها أول ظهور الإسلام وقوته فصوبه عمر واجتمع رأيه عليه وكان النبي قد ولد في عام الفيل المقدم ذكره في التواريخ القديمة قال في ذخيرة الكتاب وكان وقوع ذلك في اليوم الثاني عشر من شباط سنة ثمانمائة واثنتين وثمانين لذي القرنين وبعث النبي على رأس أربعين سنة من ولادته وأقام بمكة بعد النبوة عشر سنين ثم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول بعد عشر من النبوة وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة منه
ثم بعد اتفاقهم على التأريخ من الهجرة اختلفوا في الشهر الذي تقع البداءة به فأشار بعضهم بالبداءة برمضان لشرفه وعظمه فقال عمر بل بالمحرم لأنه منصرف الناس من حجهم فرجعوا القهقرى ثمانية وستين يوما وهي القدر الذي مضى من أول المحرم إلى ذلك الوقت واستقر تاريخ الإسلام من الهجرة (6/233)
قال القضاعي في عيون المعارف وكان ذلك في سنة تسع عشرة أو ثماني عشرة من الهجرة
قلت واستقرت تواريخ الأمم على أربعة تواريخ ابتداء بعضها مقدم على ابتداء بعض
أولها غلبة الإسكندر على الفرس وعليه تاريخ السريان والروم إلى زماننا
والثاني ملك دقلطيانوس ملك الروم على القبط وعليه تاريخ القبط إلى زماننا
والثالث الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وعليها مدار التاريخ الإسلامي
والرابع هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس وبه تؤرخ الفرس إلى زماننا وقد تقدم بيان بعد ما بين تاريخ كل من غلبة الإسكندر وملك دقلطيانوس وبين الهجرة في القبلية وبعد ما بين تاريخ يزدجرد وبين الهجرة في البعدية في الكلام على أصول التواريخ مع ما سبق في المقالة الأولى في بيان ما يحتاج إليه الكاتب من ذكر مقدار سنة كل منها وعددها من الأيام وسيأتي الكلام على استخراج بعضها من بعض فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة السادسة في كيفية تقييد التاريخ في الكتابة بزمن معين وهو ضربان
الضرب الأول التاريخ العربي
ومداره الليالي دون الأيام لأن سني العرب قمرية والقمر أول ما يظهر للأبصار هلالا في الليل فتكون الليالي بهذا الاعتبار سابقة للأيام إذ اليوم عندهم عبارة عن النهار وهو إما من طلوع الفجر على ما ورد به الشرع في (6/234)
الصوم ونحوه وإما من طلوع الشمس على رأي المنجمين قال أبو إسحاق الزجاجي في كتابه الجمل وإنما حمل على الليالي دون الأيام لأن أول الشهر ليلة فلو حمل على الأيام سقطت منه ليلة قال الشيخ أثير الدين أبو حيان في شرح التسهيل واستغني بالليالي عن الأيام للعلم أن مع كل ليلة يوما فإذا مضى عدد من الليالي مضى مثله من الأيام فيجوز أن يستغنى بذكر أحدهما عن الآخر وقد ذكر جمال الدين عبد الرحيم بن شيث في كتابه معالم الكتابة أن كتب السلطان والأعيان تؤرخ بالليالي والكتب من الأدنى إلى الأعلى تؤرخ بالأيام ولم أعلم من أين أخذ ذلك ولا ما مستنده فيه
إذا علم ذلك فلكتابة التاريخ ثلاثة اعتبارات
الاعتبار الأول أن يؤرخ ببعض ليالي الشهر وله ست حالات
الحالة الأولى أن تقع الكتابة في الليلة الأولى من الشهر أو في اليوم الأول منه
فإن كانت الكتابة في الليلة الأولى منه فقد ذكر أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب أنه يكتب كتب غرة شهر كذا أو أول ليلة من كذا أو مستهل شهر كذا أو مهل شهر كذا وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيان مثل ذلك عن بعضهم وزاد أنه يكتب أيضا كتب أول شهر كذا
قال النحاس لا يجوز حينئذ لليلة خلت ولا مضت لأنهم في الليلة بعد قال في ذخيرة الكتاب وربما كتب بعض الكتاب ليلة الاستهلال لليلة تخلو (6/235)
وإن كانت الكتابة في اليوم الأول وهو النهار الذي يلي الليلة الأولى من الشهر كتب لليلة خلت أو مضت من شهر كذا قال النحاس ويجوز كتب لغرة الشهر أو لأول يوم من الشهر ومنع أن يقال حينئذ أول ليلة من شهر كذا أو مستهل شهر كذا أو مهل شهر كذا موجها لذلك بأن الاستهلال إنما يقع في الليل وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب وصاحب مواد البيان وبه جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في ورقاته في الوراقة وكلام ابن مالك في التسهيل يوهم جواز ذلك فإنه قد قال فيقال أو الشهر كتب لأول ليلة منه أو لغرته أو مهله أو مستهله وأول الشهر أعم من اليوم والليلة بل هو إلى الليلة أقرب لأن الليلة سابقة بالأولية
قال الشيخ أثير الدين ومفتتح الشهر أول يوم منه ومقتضى كلامه أنه يؤرخ بالمفتتح في اليوم الأول من الشهر دون الليلة وفيه نظر بل الظاهر جواز استعماله فيهما بل الليلة بالمفتتح أولى لسبقها اليوم كما تقدم أللهم إلا أن يراعى فيه موافقة المفتتح لليوم في التذكير دون الليلة لتأنيثها قال في مواد البيان والعرب تسمى أول ليلة من الشهر النحيرة ولكن لا تستعمله الكتاب في التواريخ
الحالة الثانية أن تقع الكتابة فيما بعد مضي اليوم الأول من الشهر إلى آخر العشر
فإن كان قد مضى منه ليلتان كتب لليلتين خلتا من شهر كذا أو لليلتين مضتا منه قال في ذخيرة الكتاب ولا يكتب ليوم خلا ولا ليومين خلوا لأن ذكر الليالي في باب التأريخ أغلب كما تقول ليلة السبت وليلة الأحد فتضيف الليلة إلى اليوم لأنها أسبق ولا تضيف اليوم إلى الليلة
وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيان أنه إذا مضى من الشهر يوم كتب ليوم مضى وإذا مضى يومان كتب ليومين مضيا والتحقيق في ذلك انه يختلف الحال فيه باختلاف الكتابة في الليل والنهار فإن كتب في الليلة الثانية ناسب (6/236)
أن يكتب ليوم خلا من شهر كذا لأنه إن كتب لليلتين خلتا فهو في الليلة الثانية بعد وإن كتب لليلة خلت لم يظهر الفرق بينه وبين الكتابة في اليوم الأول من الشهر وإن كتب في اليوم الثاني من الشهر ناسب أن يكتب لليلتين خلتا أو مضتا وإن كان قد مضى من الشهر ثلاث ليال كتب لثلاث خلون أو مضين من شهر كذا أو لثلاث ليال خلون أو مضين ويجوز فيه لثلاث خلت أو لثلاث ليال خلت على قلة وكذا في الباقي إلى العشر فتقول لعشر خلون أو مضين أو لعشر ليال خلون أو مضين أو لعشر أو لعشر ليال خلت أو مضت على اللغة القليلة
الحالة الثالثة أن تقع الكتابة فيما بعد العشر إلى النصف
فيكتب لإحدى عشرة خلت أو مضت من شهر كذا أو لإحدى عشرة ليلة خلت أو مضت ويجوز فيه لإحدى عشرة خلون أو لإحدى عشرة ليلة خلون على قلة وكذا في الباقي إلى النصف من الشهر قال الشيخ أثير الدين أبو حيان فإن صرح بالمميز وكان مذكرا أعيد الضمير عليه فيقال لأحد عشر يوما خلا أو مضى ونحو ذلك
الحالة الرابعة أن تقع الكتابة في الخامس عشر من الشهر
فيكتب كتب لنصف شهر كذا قال النحاس وأجازوا الخمس عشرة ليلة خلت أو مضت وكلام ابن مالك في التسهيل يشير إلى جواز لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت أو بقيت على رأي من يجوز التاريخ بالباقي ولو حذف ذكر الليلة فقال لخمس عشرة خلت أو مضت أو بقيت صح قال في التسهيل والتاريخ بالنصف أجود (6/237)
الحالة الخامسة أن تقع الكتابة فيما بعد النصف من الشهر إلى الليلة الأخيرة منه
وفيه لأهل الصناعة مذهبان
المذهب الأول أن يؤرخ بالماضي من الشهر كما في قبل النصف فيقال لست عشر خلت أو مضت أو لست عشرة ليلة خلت أو مضت وكذا إلى العشرين فيقال لعشرين خلت أو مضت أو لعشرين ليلة خلت أو مضت وكذا في البواقي إلى آخر التاسع والعشرين فيكون التاريخ في جميع الشهر من أوله إلى آخره بالماضي دون الباقي فرارا من المجهول إلى المحقق وهو مذهب الفقهاء لأن لا يعرف هل الشهر تام أو ناقص قال النحاس ورأيت علي بن سليمان يختاره قال في ذخيرة الكتاب وهو أثبت وحجته أقوى ثم لا شك أن من يرى التاريخ باليوم يجوز لستة عشر خلا أو مضى من شهر كذا وكذا فيما بعده
المذهب الثاني أن يؤرخ بما بقي من الشهر وللمؤرخين فيه طريقان
الطريق الأول أن يجزم بالتاريخ بالباقي فيكتب لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر كذا ثم لثلاث عشرة ليلة بقيت وهكذا إلى الليلة الأخيرة من الشهر فيكتب لليلة بقيت وهو مذهب الكتاب قال النحاس ورأيت بعض العلماء وأهل النظر يصوبونه لأنهم إنما يكتبون ذلك على أن الشهر تام وقد عرف معناه وأن كاتبه وقارئه إنما يريد إذا كان الشهر تاما فلا يحتاج إلى التلفظ به قال محمد بن عمر المدائني واحتجوا لذلك بان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حين كتب عن النبي لابن الحضرمي كتب في آخر الكتاب ( ( وكتب معاوية بن أبي سفيان لثلاث ليال بقين من ذي القعدة بعد فتح مكة سنة (6/238)
ثمان ) ) ثم قرأه عثمان بن عفان رضي الله عنه والناس حوله قال النحاس وقد وقع مثل ذلك في كلام النبوة فقد ورد في الحديث أن النبي قال في ليلة القدر ( ( التمسوها في العشرة الأواخر لسابعة تبقى أو لخامسة تبقى ) ) وهذا الحديث الذي استشهد به النحاس ثابت في الصحيح فلا نزاع في العمل به
الطريق الثاني أن يعلق التاريخ بالباقي على شرط فيكتب لأربع عشرة ليلة إن بقيت أو لأربع عشرة إن بقيت وعلى ذلك في الباقي فرارا من إطلاق التاريخ بما لا يعلم تمامه أو نقصه وتعليقا له على حكم التمام وكأنه يقول لأربع عشرة ليلة بقيت من الشهر أن كان تماما ومن يرى التاريخ بالأيام يجوز لأربعة عشر يوما تبقى من شهر كذا وكذا في الجميع
الحالة السادسة أن تقع الكتابة في الليلة الأخيرة من الشهر أو في اليوم الأخير منه
فإن كان في الليلة الأخيرة منه كتب لآخر ليلة من شهر كذا أو في سلخ شهر كذا أو في انسلاخه وإن كان في اليوم الآخر منه كتب لآخر يوم من شهر كذا أو في سلخه أو انسلاخه أيضا ولم يختلفوا هنا في جواز التاريخ باليوم قال ابن حاجب النعمان وذلك أن الشهر يبتدىء بابتداء الليالي وينقضي بانقضاء النهار وذكر صاحب مواد البيان أن الذي كان كتاب مصر يستعملونه بالديار المصرية أن يجعل شهر ثلاثين يوما وشهر تسعة وعشرين وهذا جنوح منهم إلى الاعتبار النجومي ولا معول على ذلك في الشريعة
قلت وكتاب زماننا قد أهملوا النظر في ذلك جملة وعولوا على التاريخ بالأيام واقفين عند حد اليوم الذي ينتهي إليه العدد من الشهر عند الكتابة فيكتبون في اليوم الأول كتب في مستهل شهر كذا ثم في ثاني شهر كذا أو ثالثه إلى العشر ثم في حادي عشرة وثاني عشره إلى العشرين ثم في العشرين من شهر كذا أو الحادي والعشرين والثاني والعشرين إلى التاسع والعشرين وفي اليوم الأخير من الشهر يكتبون في سلخ شهر كذا لا يعرفون غير ذلك (6/239)
ثم مما يستحسن في التاريخ أنه إذا وقعت الكتابة في يوم مشهور كأيام المواسم أرخ به مع قطع النظر عن عدد ما مضى من الشهر أو بقي منه فيكتب في اليوم الأول من شوال كتب في يوم عبد الفطر وفي تاسع ذي الحجة كتب في يوم عرفة وفي عاشرة كتب في يوم عيد النحر أو في يوم عيد الأضحى وفي حادي عشرة كتب في يوم القر بفتح القاف سمي بذلك لأن الناس يستقرون فيه بمنى وفي ثاني عشرة كتب في يوم النفر الأول لأن الحجيج ينفرون فيه من منى وفي ثالث عشره كتب في يوم النفر الثاني
الاعبتار الثاني أن يؤرخ بجملة من أيام الشهر
فإن أرخ بعشر من الشهر بناه على التأنيث فيكتب كتب في العشر الأولى أو في العشر الأول بضم الهمزة وفتح الواو جمع أوله أو كتب في العشر الوسطى أو في العشر الوسط بضم الواو وفتح السين جمع وسطى أو كتب في العشر الأخرى أو في العشر الأخر بضم الهمزة وفتح الخاء جمع آخرة قال الشيخ أثير الدين أبو حيان ولا يكتب العشر الأول ولا الأوسط ولا الآخر وقال بعض النحويين يكتب وكتب في العشر الآخرة أو الأواخر ولا يكتب الأخرى ولا الأخر لئلا يلتبس بالآخر بمعنى الثاني أو الأخر بمعنى الثواني وقد تقدم في الكلام على أيام الشهر أن العرب تسمي ليالي الشهر كل ثلاث منها باسم وقد تقدم ذكر أسمائها هناك فإذا وقعت الكتابة في ثلاث (6/240)
منها كالغرر وهي الثلاث الأولى من الشهر والدآدي وهي الثلاث الأخيرة منه كان للكاتب أن يؤرخ بها كما يؤرخ بعشر من الأعشار الثلاث بل الثلاث أقرب لمعرفة التاريخ في العشر وقد أشار إلى ذلك الشيخ أثير الدين في شرح التسهيل فقال وإن أرخ بالثلاث الأخيرة من الشهر كتب الدآدي وإذا كان في السنة أيام مشهورة آرخ بها كالأيام المعلومات وهي العشر الأول من ذي الحجة والأيام المعدودات وهي أيام التشريق على ما تقدم ذكره في موضعه كان للكاتب أن يؤرخ بها
الاعتبار الثالث أن يؤرخ بأجزاء اليوم أو الليلة
وأكثر ما يحتاج الكاتب إلى ذلك في تاريخ بطائق الحمام وقد سبق في الكلام على الأيام أن كل واحد من الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة زمانية تطول بطول أحدهما وتقصر بقصره ولكل ساعة منها اسم يخصها كالشروق وهو أول ساعات النهار والغروب وهو آخر ساعاته والشفق وهو أول ساعات الليل والصباح وهو آخر ساعاته فينبغي للكاتب إذا كتب بطاقة من بطائق الحمام أن يكتب الساعة التي كتبت فيها من ساعات النهار أم ساعات الليل فلا يتأتى فيها ذلك لأن الحمام لا يسرح في الليل اللهم إلا أن تدعو الضرورة إلى التاريخ بساعة من ساعات الليل في بعض المكاتبات فيؤرخ بها
قلت وهذا الترتيب قد تركه كتاب زماننا وصاروا يؤرخون بالساعات المشهورة عندهم كالأولى من النهار أو الثانية أو وقت الظهر أو وقت العصر ونحو ذلك (6/241)
الضرب الثاني التاريخ العجمي
ومداره الأيام دون الليالي لأن سنتهم مع اختلافها في الشهور ومبادئها ومقاطعها شمسية والشمس محل ظهورها النهار دون الليل فلذلك أرخوا بالأيام قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل قال أحمد بن يحيى البلاذري حضرت مجلس المتوكل وإبراهيم بن العباس يقرأ الكتاب الذي أنشأه في تأخير النوروز والمتوكل يتعجب من حسن عبارته ولطف معانيه والجماعة تشهد له بذلك فدخلتني نفاسة فقلت يا أمير المؤمنين في هذا الكتاب خطأ فأعادوا النظر وقالوا ما نراه فما هو قلت أرخ السنة الفارسية بالليالي والعجم تؤرخ بالأيام واليوم عندهم أربع وعشرون ساعة تشتمل على الليل والنهار وهو جزء من ثلاثين جزءا من الشهر والعرب تؤرخ بالليالي لأن سنيهم وشهورهم قمرية وابتداء الهلال بالليل قال فشهدوا بصحة ما قلته واعترف به إبراهيم وقال ليس هذا من علمي
قلت وأكثر ما يحتاج إلى ذلك في تحويل السنين ونقل النيروز عند دوران السنين كما في كتاب إبراهيم بن العباس المقدم ذكره وكذلك في كتابة الهدن فسيأتي أنه يجمع فيها بين التاريخ العربي والعجمي جميعا ويجب فيه تقدم العربي على العجمي مثل أن يكتب كتب لعشر خلون من المحرم سنة ثمانمائة موافقا للعاشر من توت من شهور القبط أو العاشر من تشرين الأول من شهور السريان أو العاشر من ينير من شهور الروم أو العاشر من أفرودين ماه من شهور الفرس ونحو ذلك (6/242)
الجملة السابعة في تقييد التاريخ بالسنة
قد علمت أن فائدة التاريخ إنما تتحقق بذكر السنة بعد اليوم والشهر وإلا فلا يعلم من أي السنين فإذا كتب يوم كذا من شهر كذا كتب بعد ذلك سنة كذا سواء كان التاريخ عربيا أو عجميا أو مركبا منهما مثل أن يكتب سنة كذا من الهجرة الموافق لكذا من سني الروم أو سني الفرس
ثم للكاتب في كتابة تاريخ السنة مصطلحان
المصطلح الأول أن يكتب سنة ذكا فيحتاج إلى حذف الهاء من العدد على قاعدة حذفها من عدد المؤنث مثل أن يكتب سنة ست وثمانمائة ونحو ذلك وعلى هذا اصطلح كتاب الديار المصرية وبلاد المشرق
المصطلح الثاني أن يكتب عام كذا فيحتاج إلى إثبات الهاء في العدد على قاعدة إثباتها في عدد المذكر مثل أن يكتب عام ستة وثمانمائة وعلى نحو ذلك يجري كتاب الغرب غالبا لما يقال إن العام يختص بالخصب والسنة تختص بالمحل على ما تقدم ذكره في الكلام على السنين فيما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى
الجملة الثامنة في معرفة بعض التواريخ من بعض
قد ذكر في مواد البيان أن من جملة أدب الكاتب العلم بتواريخ سني العالم واستخراج بعضها من بعض في كل وقت من أوقات اليوم الذي هو فيه من كل شهر وسنة من سني الأمم وقد تقدم أيضا أن المستعمل من التواريخ في زماننا بين الأمم أربعة تواريخ بعضها أقدم من بعض
أولها تاريخ غلبة الإسكندر وهو التاريخ الذي تؤرخ به السريان والروم والفرنجة ومن في معناهم إلى الآن وهو بعد الطوفان فيما حرره الشيخ علاء (6/243)
الدين بن الشاطر في زيجه بثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وثلاثين سنة وثلثمائة وعشرين يوما
الثاني التاريخ من ملك دقلطيانوس وهو الذي يؤرخ به القبط إلى الآن وربما عبروا عنه بتاريخ الشهداء إشارة إلى تسميتهم الذين قتلهم دقلطيانوس من القبط شهداء وهو بعد غلبة الإسكندر بخمسمائة وأربع وتسعين سنة وثلثمائة واثنين وثلاثين يوما
الثالث التاريخ من الهجرة وعليه تاريخ الإسلام وهي بعد ملك دقلطيانوس بثلثمائة وست وثلاثين سنة وثلثمائة وأحد وعشرين يوما
الرابع التاريخ من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس وقد تقدم أنه بعد الهجرة بعشر سنين وثمانية وسبعين يوما
فأما التاريخ السرياني والرومي وهو الذي مبدأه من غلبة الإسكندر فقد تقدم أن شهور السريانيين اثنا عشر شهرا وهي تشرين الأول تشرين الثاني كانون الأول كانون الثاني شباط أذار نيسان أيار حزيران تموز آب أيلول منها سبعة أشهر كل شهر منها أحد وثلاثون يوما وهي تشرين الأول وكانون الأول وكانون الثاني وآذار وأيار وتموز وآب وأربعة أشهر كل شهر منها ثلاثون يوما وهي تشرين الثاني ونيسان وحزيران وأيلول ومنها واحد ثمانية وعشرون يوما وهو شباط فتكون أيام سنيه ثلثمائة وخمسة وستين يوما ويضاف إليه ربع يوم مراعاة للسنة الشمسية فتصير ثلثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم ينقص جزءا يسيرا ومن أجل ذلك يعدون ثلاث سنين بسائط يكون شباط فيها تسعة وعشرين يوما لإضافة ربع اليوم في السنين الأربع (6/244)
إليه وتكون السنة فيها ثلثمائة وستة وستين يوما
وقد تقدم أيضا أن شهور السنة الرومية تضاهي شهور السنة السريانية في عدد الأيام بل هي هي إلا أن الروم يسمون أشهرهم بأسماء غير أسماء شهور السريان ويكون أول شهورهم موافقا لكانون الثاني وهو الشهر الرابع من شهور السريان ويكون آخر شهورهم موافقا لكانون الأول
وأسماء شهورهم ينير فبراير مارس إبريل مايه يونيه يوليه أغشت شتنبر أكتوبر نونمبر دجنبر ولا فرق في شيء منها سوى اختلاف الأسماء وابتداء رأس السنة وحينئذ فيكون الكل فيها في التاريخ واحدا
وأما التاريخ القبطي وهو الذي مبدأه من ملك دقلطيانوس فقد تقدم أن شهور السنة القبطة اثنا عشر شهرا وهي توت بابه هتور كيهك طوبه أمشير برمهات برموده بشنس بؤونة أبيب مسرى وكل شهر منها ثلاثون يوما من غير اختلاف ثم بعد مسرى خمسة أيام يسمونها أيام النشيء فتكون أيام سنتهم ثلثمائة وخمسة وستين يوما وتزيد بعد ذلك ربع يوم في كل سنة كما في التاريخ الرومي وقد اصطلحوا على أن يعدوا منها ثلاث سنين بسائط كل سنة منها ثلثمائة وخمسة وستون يوما لا زيادة فيها والرابعة كبيسة تكون أيام النسيء فيها ستة أيام وزيادة ربع يوم وتصير أيام تلك السنة ثلثمائة وستة وستين يوما على نحو ما تقدم في السرياني والرومي
وأما التاريخ العربي وهو الذي مبدأه الهجرة فقد تقدم في الكلام على الشهور في المقالة الأولى أن شهور سنة العرب اثنا عشر شهرا وهي المحرم صفر ربيع الأول ربيع الآخر جمادى الأولى جمادى الآخرة رجب شعبان رمضان شوال ذو القعدة ذو الحجة وأنها قمرية مدارها رؤية الهلال إلا (6/245)
أن المنجمين اعتمدوا فيها على الحساب دون الرؤية لتصحيح حساب التواريخ ونحوها وجعلوا فيها شهرا تاما عدده ثلاثون يوما وشهرا ناقصا عدده تسعة وعشرون يوما على ترتيب شهور السنة فالمحرم عندهم تام وصفر ناقص وربيع الأول تام وربيع الآخر ناقص وجمادى الأولى تام وجمادى الآخرة ناقص ورجب تام وشعبان ناقص ورمضان تام وشوال ناقص وذو القعدة تام وذو الحجة ناقص فيكون من السنة ستة أشهر تامة وستة أشهر ناقصة وتكون السنة حينئذ ثلثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما ويلحقها بعد ذلك كسر في كل سنة وهو خمس يوم وسدس يوم فتصير السنة ثلثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما وخمس يوم وسدس يوم مفرقة في ثلاثين سنة ويجعلون الكبيسة سنة بعد سنة ثم سنة بعد سنتين ثم سنة بعد سنة وعلى هذا الترتيب إلى آخر الثلاثين فتكون الكبائس هي الثانية والخامسة والسابعة والعاشرة والثالثة عشرة والخامسة عشرة والثامنة عشرة والحادية والعشرين والرابعة والعشرين والسادسة والعشرين والتاسعة والعشرين فتكون كل سنة منها ثلثمائة وخمسة وخمسين يوما ويجعل الزائد فيها في ذي الحجة فيكون فيها ثلاثين يوما وباقي سني الثلاثين بسائط كل سنة منها ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما وذو الحجة فيها تسعة وعشرون يوما بناء على الأصل في أن يكون شهر تاما وشهر ناقصا
وأما التاريخ الفارسي وهو الذي مبدأه من هلاك يزدجرد فقد تقدم في الكلام على الشهور أن سني الفرس اثنا عشر شهرا كل شهر منها ثلاثون يوما (6/246)
وهي أفرودين ماه أرديهشتماه حردادماه تيرماه تردماه شهريرماه مهرماه أبان ماه أدرماه ذي ماه بهمن ماه اسفندارماه وبين أبان ماه وأدرماه خمسة أيام تسمى المسترقة بمثابة أيام النسيء في آخر سنة القبط وبمقتضى ذلك تكون سنتهم ثلثمائة وخمسة وستين يوما وليس فيها زيادة ولا نقص فلا بد من معرفة هذه الأصول لاستخراج تواريخ بعض السنين المذكورة من بعض
ثم مما يجب تعرفه بعد ذلك أن تعلم أن التاريخ السرياني والرومي سنونه سريانية أو رومية على ما تقدم فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين السريانية والرومية من عدد الأيام والكبائس والتاريخ القبطي سنونه قبطية فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين القبطية من الأيام والكبائس والتاريخ العربي سنونه عربية فيكون على ما تقدم في السنين العربية من عدد الأيام والكبائس والتاريخ الفارسي سنونه فارسية فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين الفارسية من عدد الأيام ولا كبيسة فيها
إذا علمت ذلك فإذا أردت استخراج بعض هذه التواريخ من بعض فانظر التاريخ المعلوم عندها عندك كالتاريخ العربي مثلا عند الإسلاميين فاجعل السنين التامة من التاريخ المعلوم أياما وزد عليها ما مضى من السنة المكسورة من الشهور والأيام إلى اليوم الذي تريد أن تعلم موافقته لمثله من التاريخ المجهول ثم انظر فإن كان التاريخ المعلوم أقدم من التاريخ المجهول فانقص من أيام التاريخ المعلوم ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المجهول وإن كان التاريخ المجهول أقدم فزد ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المعلوم فما بلغ فهو أيام التاريخ المجهول فإذا علمت أيام التاريخ المجهول بزيادة ما بين التاريخين على أيام التاريخ المعلوم أو نقصانها منه على ما تقدم فاجعل ما حصل معك من أيام التاريخ (6/247)
المجهول الذي تريد استخراجه فما كان فهو السنون التامة للتاريخ الذي تريد استخراجه فإن بقي شيء من الأيام بعد السنين التامة فخذ منها لكل شهر عدد أيامه وما بقي من الأيام دون شهر فهو الماضي من أيام الشهر الذي يلي ذلك
مثال ذلك إذ أردت أن تستخرج التاريخ السرياني أو الرومي الموافق لآخر سنة ثمانمائة من الهجرة فقد تقدم لك أن التاريخ السرياني والرومي مبدأه من غلبة الإسكندر على الفرس وهو قبل الهجرة بتسعمائة سنة واثنتين وثلاثين سنة ومائتين وسبعة وثمانين يوما وذلك ثلثمائة ألف يوم وأربعون ألف يوم وسبعمائة يوم فاحفظ ذلك ثم ابسط الماضي من سني الهجرة وهو ثمانمائة سنة أياما بأن تضرب الثمانمائة في عشرة آلاف وستمائة وأحد وثلاثين يوما وهي بسط السنة العربية من حين كسرها الزائد على أيامها وهو خمس يوم وسدس يوم يكون ثمانية آلاف ألف وخمسمائة ألف وأربعة آلاف وثمانمائة فاقسمه على ثلاثين وهي مخرج الكسر الذي هو الخمس والسدس يخرج بالقسمة مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون وهو عدد أيام الثمانمائة سنة فأضفه على ما بين غلبة الإسكندر والهجرة من الأيام وهو ثلثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة يوم ويكون الجميع ستمائة ألف وأربعة وعشرين ألف ومائة وثلاثة وتسعين فاجعل تلك الأيام سنين سريانية بأن تضرب تلك الأيام في أربعة يحصل منها ألفا ألف وأربعمائة ألف وستة وتسعون ألفا وسبعمائة اثنان وسبعون يوما فاقسمه على ألف وأربعمائة وأحد وستين يخرج بالقسمة ألف وسبعمائة وثمانية وهي سنون تامة ويفضل بعد ذلك ألف وثلثمائة وأربعة وثمانون فاقسمها على أربعة يخرج ثلثمائة وستة وأربعون يوما يكون ذلك أحد عشر شهرا من أول تشرين الأول وأحد عشر يوما من الشهر الثاني عشر من الشهور السريانية وهو أيلول فيكون آخر يوم من سنة (6/248)
ثمانمائة هجرية موافقا لليوم الحادي عشر من أيلول سنة ألف وسبعمائة وتسع من السريانية
وإن أردت أن تستخرج التاريخ القبطي لآخر سنة ثمانمائة فقد تقدم أن التاريخ القبطي ابتداؤه من ملك دقلطيانوس على القبط وهو قبل الهجرة بثلثمائة وسبع وثلاثين سنة وثلثمائة وعشرين يوما وجملة أيامه مائة ألف يوم وثلاثة وعشرون ألف يوم وأربعمائة يوم وتسعة أيام فأضف أيام الماضي من سني الهجرة وهو مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون على ما تقدم في التاريخ السرياني على ما قبل الهجرة وهو مائة ألف وثلاثة وعشرون ألفا وأربعمائة وتسعة أيام يكون المجموع أربعمائة ألف وستة آلاف وتسعمائة يوم ويومين فاجعله سنين قبطية بأن تضرب ذلك في أربعة عدد مخرج كسر السنة القبطية وهو الربع الزائد على الخمسة وستين يكون ألف ألف وستمائة ألف وسبعة وعشرين ألفا وستمائة وثمانية فاقسمه على ألف وأربعمائة وأحد وستين يخرج بالقسمة ألف ومائة وأربعة عشر وهو عدد السنين القبطية التامة ويبقى بعد ذلك أربعة وخمسون فاقسمه على الأربعة المذكورة يخرج بالقسمة أربعة عشر وهي أيام من الشهر الأول من السنة القبطية الناقصة فيكون آخر يوم من سنة ثمانمائة للهجرة موافقا لرابع عشر شهر توت سنة ألف ومائة وخمس عشرة من السنين القبطية
وإن أردت أن تستخرج التاريخ الفارسي لآخر سنة الثمانمائة المذكورة فقد تقدم أن ابتداء التاريخ الفارسي بعد الهجرة بعشر سنين وثمانين يوما وجملة أيامه ثلاثة آلاف يوم وستمائة يوم وأربعة وعشرون يوما فأسقطها من الحاصل من أيام النسيء الماضي من الهجرة إلى آخر الثمانمائة يكون الباقي بعد ذلك مائتي ألف وتسعة وسبعين ألفا وثمانمائة وتسعة وستين يوما (6/249)
فاقسمها على ثلثمائة وخمسة وستين يخرج لك سبعمائة وستة وستون سنة وهو عدد السنين الفارسية التامة ويفضل بعد ذلك مائتان وتسعة وسبعون يوما فخذ لكل شهر عدد أيامه وهو ثلاثون يوما ويبقى تسعة أيام منها خمسة أيام في نظير الخمسة الأيام الزائدة في آخر أبان ماه المعروفة بالمسترقة يبقى أربعة أيام من شهر ذي ماه وهو الشهر العاشر من شهورهم فيكون آخر يوم من ثمانمائة من الهجرة موافقا لليوم الرابع من ذي ماه من شهور الفرس سنة سبعمائة وسبع وستين
فلو فرض أنه مضى من سنة إحدى وثمانمائة ستة أشهر مثلا فاجعل الأشهر شهرا تاما وشهرا ناقصا على ما تقدم تكون أيامها مائة وسبعة وسبعين يوما فأضفها على أيام الثمانمائة وافعل فيها ما تقدم ذكره لا يتغير العمل في شيء من ذلك
مثال ذلك إذا أردت استخراج التاريخ السرياني في آخر جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة فأصف مائة وسبعة وسبعين وهي أيام ستة أشهر على أيام الثمانمائة وهي مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون يكون المجموع مائتي ألف وثلاثة وثمانين ألفا وستمائة وستين يوما فأضف إليه ما بين الهجرة والتاريخ السرياني وهو ثلثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة يحصل من ذلك ستمائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وثلثمائة وسبعون فاضربه في أربعة يخرج ألف وستمائة وتسعة ويفضل من الأيام مائة وثمانية وخمسون يوما تكون سابع آذار من شهور السريان فيكون آخر يوم من جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة موافقا للسابع من شهر آذار سنة ألف وسبعمائة وعشر من سني السريان
قلت وفي كتب الزيجات وغيرها طرق مختلفة لاستخراج التواريخ وجداول موضوعة لا يحتملها هذا الكتاب فليراجعها من احتاج إلى زيادة على ذلك (6/250)
الجملة الثامنة في موضع كتابة التاريخ من الكتاب وصورة وضعه في الكتابة
أما موضعه من الكتاب فقال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة رسموا تاريخ الكتب في آخرها وجعلته العامة في صدورها والتحقيق في ذلك ما ذكره صاحب مواد البيان وغيره أن الكتب التي تؤرخ على ضربين
الضرب الأول الكتب السلطانية ولها حالان
الحالة الأولى أن يكون الكتاب في أمر تتشوف النفوس إلى معرفة اليوم الذي وقع ذلك الأمر فيه كالحوادث العظام والفتوحات والمواسم ونحوها فيؤرخ الكتاب في صدره مثل أن يكتب في صدر الكتاب كتاب أمير المؤمنين إليك أو كتابنا إليك يوم كذا من سنة كذا كما كان يكتب في الزمن المتقدم في مثل ذلك
الحالة الثانية أن يكون الكتاب في أمر لا تتشوف النفوس إلى معرفة اليوم الذي يقع ذلك الأمر فيه فيؤرخ الكتاب في آخره
الضرب الثاني كتب الأتباع إلى الرؤساء
والرسم فيها أن تؤرخ في صدروها قال في مواد البيان وذلك مثل أن يقال كتب العبد من مقر خدمته يوم كذا
قلت والذي استقر عليه حال كتاب الزمان كتابة التاريخ في آخر الكتاب بكل حال سواء كان المكتوب ولاية أو مكاتبة أو غير ذلك ولعل الولايات وما في معناها لم يقع الاختلاف في كتابتها في آخر المكتوب في زمن من الأزمان
وأما صورة وضع التاريخ في الكتابة فقد اصطلح الكتاب على أن جعلوا التاريخ بعد كتابة إن شاء الله تعالى في سطرين فيكتبون كتب في كذا من (6/251)
شهر كذا في سطر ثم يكتبون سنة كذا في سطر تحته وفي الكتب عن قضاة القضاة يجعل كتابهم جميع التاريخ في سطر واحد
الطرف الثالث في المستندات وفيه جملتان
الجملة الأولى في صورة ما يكتب وهو على ضربين
الضرب الأول أن يضاف إلى مرسوم السلطان وله خمس حالات
الحالة الأولى أن يكون بتلقي كاتب السر إما بما يأمر به السلطان عند قراءته القصة عليه أو بما يكتبه كاتب السر ويمضيه من نفسه كما في خلاص الحقوق ونحوها فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف في سطر واحد لا غير
الحالة الثانية أن يكون بتلقي كاتب السر أو أحد من كتاب الدست بدار العدل عند جلوس السلطان في المواكب بالإيوان وقراءة كاتب السر وكتاب الدست قصص المظالم ونحوها عليه فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف من دار العدل الشريف سطرين أحدهما تحت الآخر ويكون في السطر الأول حسب المرسوم الشريف والباقي في السطر الثاني
الحالة الثالثة أن يكون برسالة الدوادار فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف سطرا واحدا ثم يكتب تحته برسالة الجناب العالي الأميري الدوادار الفلاني باللقب المضاف إلى الملك كالناصري ونحوه ضاعف الله تعالى نعمته ويكون آخر السطر الأول الأميري الفلاني (6/252)
الحالة الرابعة أن يكون من ديوان الخاص فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف من ديوان الخاص الشريف ويكون حسب المرسوم الشريف سطرا وباقي الكلام سطرا
الحالة الخامسة أن يكون بخط السلطان بظاهر قصة فيكتب حسب المرسوم الشريف بالخط الشريف سطرين ويكون حسب المرسوم الشريف سطرا على ما تقدم وما بعده سطرا
قلت ومما يجب التنبه له أن لفظ حسب الواقع في المستندات منقول اللغة فيه بفتح السين كما تقول فعلت ذلك حسب أمرك ولا يجوز تسكينها بحال كما أطبق عليه علماء اللغة إلا ما حكاه الجوهري في صحاحه من جواز تسكينها في ضرورة الشعر على أن جل كتاب الزمان يغلطون في ذلك فلا ينطقون بها إلا ساكنة السين وربما ضبطوه كذلك في الكتابة
الضرب الثاني أن يجعل مستنده الإشارة وله ثلاث حالات
الحالة الأولى أن يكون بإشارة النائب الكافل فيكتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الكافلية كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى سطرين ويكون آخر السطر الأول الكافلية الفلانية
الحالة الثانية أن يكون بإشارة الوزير فيكتب بالإشارة العالية الوزيرية الفلانية مدبر الممالك الشريفة أعلاها الله تعالى سطرين ويكون آخر السطر الأول الوزيرية الفلانية
الحالة الثالثة أن يكون بإشارة الإستدار فيكتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرة الفلانية إستدار العالية أعلاها الله تعالى سطرين ويكون آخر السطر الأول الكبيرية الفلانية وقد تقدم في الكلام على الألقاب ما جرى عليه الكتاب في لفظ إستدار من التحريف واستعملوه بلفظ إستادار أو استاد (6/253)
الدار وتجب موافقتهم عليه وإن كان خطأ جريا على المصطلح
الجملة الثانية في موضع كتابة المستند
وقد اصطلح الكتاب على أن يكتب المستند في الغالب بعد التاريخ ويكون الظرف أو الجار والمجرور فيه متعلقا من التاريخ بلفظ كتب وكأنه يقول كتب في تاريخ كذا حسب الأمر الشريف أو بالإشارة الفلانية وربما كتب بحاشية المكتوب في المراسيم الصغار التي تكتب على ظهور القصص ونحوها وكذلك أوراق الطريق وموضع كتابته يقابل بين السطرين الأولين آخذا من جهة الأسفل إلى جهة الأعلى بحيث يكون آخر كتابة المستند مسامتا للسطر الأول فإن كان حسب المرسوم الشريف فقط كتبه سطرا واحد وإن كان من دار العدل كتب حسب المرسوم الشريف سطرا ومن دار العدل الشريف سطرا تحته وكذلك إن كان من ديوان الخاص كما يكتب في أسفل الكتاب وإن كان برسالة الدوادار فقد جرت العادة أن يكتب حسب المرسوم الشريف في أسفل الكتاب تحت التاريخ سطرا واحدا ويكتب برسالة الجناب العالي الأميري الكبيري الفلاني الدوادار الفلاني ضاعف الله تعالى نعمته بالهامش في المحل المتقدم سطرين كما كان يكتب بآخر الكتاب وإن كان المستند الإشارة كتب جميعه بحاشية الكتاب في المحل المقدم ذكره سطرين على ما تقدم بيانه
الطرف الرابع في الحمدلة في آخر الكتاب وفيه جملتان
الجملة الأولى في الأصل في كتابتها
والأصل في ذلك أن الله سبحانه كما جعل الحمد مفتاحا للأمور تيمنا (6/254)
بالافتتاح به جعله ختاما لها تيمنا بالاختتام به قال تعالى ( وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) وقال جلت قدرته ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) وكان النبي إذا رجع من السفر قال ( ( آئبون تائبون لربنا حامدون ) ) قال السهيلي ومن ثم سمي النبي أحمد إشارة إلى أنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين
ولما كان الأمر كذلك اصطلح الكتاب على اختتام الكتب بالحمد تبركا قال ابن شيث في معالم الكتابة ولا يختم بالحمد لله في التواقيع في المظالم وربما ختم بها في تواقيع الإطلاقات وقد اصطلح كتاب الزمان على حذفها من آخر ما لا تكتب في أوله البسملة كالتواقيع الصغار ونحوها على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وكأنهم يشيرون بذلك إلى أن مثل ذلك لا يهتم بشأنه فكما حذفوا البسملة من أولها حذفوا الحمدلة من آخرها إشارة إلى عدم الاهتمام بهام كما حذفت من أول الكلام الذي لا يهتم به لأجل ذلك على ما تقدم بيانه
الجملة الثانية في بيان ما يكتب وصورة وضعه في الكتابة
أما ما يكتب فقد اصطلحوا على أن يكتبوا في حمدلة آخر الكتاب الحمد لله وحده وبما كتبوا الحمد لله رب العالمين على أنهم لو أطبقوا على كتابتها لكان أولى فقد ذكر النووي في كتابه الأذكار أنها أفضل صيغ الحمد ومن أجل ذلك افتتحت بها فاتحة الكتاب التي هي أم القرآن (6/255)
وأما وضعها في الكتابة فقد اصطلحوا على أن جعلوها بعد كتابة المستند عن يمنة الدرج على بعد قدر ما بين إن شاء الله تعالى والسطر الآخر من المكتوب قال في معالم الكتابة وقد تحتمل الخروج عن سمت السطور
الطرف الخامس في الصلاة على النبي في آخر الكتاب وما يلتحق بذلك وفيه جملتان
الجملة الأولى في أصل إثباتها في آخر الكتب
والأصل في ذلك مع ما تقدم في الكلام على الصلاة على النبي في أول الكتب في الكلام على الفواتح أنه كما ذكرت في أوائل الكتب تبركا كذلك ذكرت في آخرها تبركا وقد قال تعالى في حقه ( ورفعنا لك ذكرك ) فإن معناه ما ذكرت إلا ذكرت معي ولما اختتمت الكتب بالحمد لله ناسب أن يقرن الحمد بالصلاة على النبي جمعا بين ذكره وذكر الله تعالى وقد ذكر ابن هشام في سيرته أن النبي كتب في آخر عهده لعمرو بن بن حزم حين وجهه إلى اليمن صلى الله على محمد
ثم الكلام في الجمع بين الصلاة والسلام والصلاة على الآل والصحب بعده في آخر الكتاب على ما مر في الصلاة عليه في أول الكتاب
قلت فلو كتب كتاب لسلطان أو غيره من المسلمين إلى احد من أهل الكفر فهل يؤتى بالصلاة على النبي كما يؤتى بها في الكتاب إلى المسلم (6/256)
إرغاما للكافر بالصلاة على النبي أو لا يؤتى بها صيانة لاسمه عن حصوله في يد كافر كما يمنع من السفر بالمصحف إلى بلاد الكفر لم أر من تعرض له والظاهر أنه يؤتى بها إرغاما للكافر ومواجهة له بما يكره
وقد حكى أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أن عبد الملك بن مروان حين أحدث كتابة سورة الإخلاص وذكر النبي على الدنانير والدراهم كتب إليه ملك الروم إنكم قد أحدثتم في طواميركم شيئا من ذكر نبيكم فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا ذكر ما تكرهون فعظم ذلك في صدر عبد الملك فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية يستشيره في ذلك وكان أديبا عالما فقال له خالد فرخ روعك يا أمير المؤمنين حرم دنانيرهم واضرب للناس سككا فيها ذكر الله تعالى وذكر رسوله ولا تعفهم مما يكرهون في الطوامير ففعل
الجملة الثانية في بيان ما يكتب في التصلية في آخر الكتب وصورة وضعه في الكتابة
أما صورة ما يكتب فقد اصطلح الكتاب على أن يكتبوا في التصلية في آخر الكتاب بعد الحمد لله وحده ما صورته وصلواته على سيدنا محمد وآله وصبحه وسلامه وهي صيغة مستحسنة للإتيان بالصلاة فيها بصيغة الجمع والجمع بين الصلاة والسلام وإتباع الصلاة والسلام عليه بالصلاة والسلام على الآل والصحب وربما أتى بعض الكتاب بالصلاة بلفظ الإفراد فيكتب وصلاته
واعلم أن الصلاة يجوز كتابتها بالألف على هذه الصورة الصلاة ويجوز كتابتها بالواو على هذه الصورة الصلوة إلا أن محل ذلك ما إذا لم (6/257)
تضف إلى ضمير نحو صلاته وصلاتك فإن أضيفت إلى الضمير تعينت كتابتها بالألف دون الواو وربما غلط فيها بعض الكتاب فكتبها بالواو
وأما موضعها في الكتابة فقد اصطلحوا على أن يكتبوا ذلك تلو الحمد لله وحده يفصل بياض بينهما لتكون الحمدلة في أول السطر والتصلية في آخره
الطرف السادس في الحسبلة في آخر الكتاب وفيه جملتان
الجملة الأولى في أصل كتابتها
والأصل في ذلك ما دل عليه قوله تعالى ( والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلوا بنعمة من الله وفضل ) فجعل قولهم حسبنا الله ونعم الوكيل سببا لحسن المنقلب والصون عن السوء وقد قيل من قال حسبنا الله ونعم الوكيل لم يخب في قصده
الجملة الثانية في بيان ما يكتب في ذلك وكيفية وضعه في الكتابة
أما ما يكتب فقد اصطلح الكتاب على أن يكتبوا حسبنا الله ونعم الوكيل بلفظ الجمع على أن المتكلم يتكلم بلسانه ولسان غيره من الأمة لا أن الجمع للتعظيم لأنه ليس بلائق بالمقام وكان بعض الكتاب يستحب أن يكتب حسبي الله بلفظ الوحدة فرارا من اللبس في لفظ الجمع ين التعظيم (6/258)
والجمع الحقيقي وقد أشار في صناعة الكتاب إلى بعض ذلك قال ابن شيث في معالم الكتابة وقد يتأدب الأدنى مع الأعلى فيأتي بالآية على نصها فيقول ( وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) فرارا من نون الجمع التي هي للعظمة قال وقد يقال في مكانها ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) ثم قال فأما للأعلى إذا كتب للأدنى فلا يخرج عن ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) ثم بعض الكتاب قد يكتب مع الحسبلة واوا بأن يكتب وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا معنى للواو هنا إذ لا علاقة بين الحسبلة وما قبلها حتى يسوغ العطف عليه فالواجب حذفها كما نبه عليه الشيخ جمال الدين بن هشام في ورقاته في الوراقة
وأما موضع وضعها في الكتابة فقد اصطلحوا على أن يكتبوها سطرا واحدا بعد سطر الحمدلة والتصلية ويكون بينهما في البعد قدر ما بين إن شاء الله تعالى وبين السطر الآخر من البياض قال ابن شيث وموضعها ثلث السطر من الجانب الأيمن إلى حيث ينتهي
واعلم أن الكتاب قد اصطلحوا على أن يكتبوا تحت الحسبلة صورة حاء لطيفة منكبة على هذه الصورة حر ولا معنى لها إذ هي في الأصل إشارة إلى الحسبلة نفسها وكأن بعض الكتاب كان يكتفي بها عن الحسبلة ثم التبس ذلك على بعض الكتاب فأثبتها مع الحسبلة على ظن أن فيها قدرا زائد عليها ويحتمل أنها إنما وضعت في الأصل لسد البياض كما يكتب بعض الدوائر لسد البياض أو الفصل بين الكلامين وغير ذلك (6/259)
الطرف السابع في اللواحق وفيه جملتان
الجملة الأولى في التتريب ويتعلق به أمران
الأمر الأول في الندب إلى التتريب
لا نزاع في أن تتريب الكتاب بعد الفراغ منه بإلقاء الرمل ونحوه عليه مطلوب وفيه معنيان
المعنى الأول التبرك طلبا لنجح القصد فقد روى محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة بسنده عن إسماعيل بن محمد بن وهب عن هشام بن خالد وهو أبو مروان الأزدي عن بقية بن الوليد عن عطاء عن ابن جريج عن ابن عباس عن النبي أنه قال ( ( تربوا الكتاب ونحوه من أسفله فإنه أعظم للبركة وأنجح للحاجة ) ) وفي حديث ( ( إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه مبارك وهو أنجح لحاجته ) )
ومن كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تربوا الكتاب تنجحوا ويؤيد ذلك ما روي أن النبي كتب كتابين إلى أهل قريتين فترب أحدهما ولم يترب الآخر فأسلمت القرية التي ترب كتابها وهذا المعنى موجود في المكاتبات والولايات وغيرهما لطلب البركة والنجاح في جميع ذلك
وقد حكي أن أبا دهمان مرض مرضا أشفى فيه فأوصى وأملى وصيته (6/260)
على ابنه فكتبها وأتربها فقال نعم تربها فإنه أنجح للحاجة ولا فرق في ذلك بين أن يكون المكتوب قد جف أم لا لأن القصد إنما هو النجح والبركة
المعنى الثاني التجفيف لما كتبه بطرح التراب عليه كي لا ينمحي بما يصيبه قبل الجفاف وهذا المعنى أضعف من الأول ومقتضاه أنه إذا جف الكتاب لا يترب وعليه عمل كتاب الزمان ومن هنا يضعون التراب على آخر الكتاب من حيث أنه أقرب عهدا بالكتابة فيحتاج إلى التجفيف بخلاف أول الكتاب فإنه يكون قد جف عند نهاية الكتاب غالبا لا سيما في الزمن الحار أو مع طول الكتاب وامتداد زمن كتابته على أن صاحب مواد البيان وغيره من قدماء الكتاب قد صرحوا بأنه يستحب وضع التراب أولا على البسملة ثم يمره الكاتب منها على سائر المكتوب ليعلم الكتاب بركة البسملة ولقائل أن يقول إن التتريب من آخر الكتاب إلى أعلاه لا يخلوا أيضا من بركة لملامسة التراب أولا الحمدلة والصلاة على النبي والحسبلة وربما بلغ بالتراب من أسفل الكتاب إلى البسملة ثم أعاده فيجمع فيه بين البركتين
الأمر الثاني فيما يترب به الكتاب
وقد اصطلح كتاب الزمان على التتريب بالرمل الأحمر أما تخصيصهم التتريب بالرمل فلأنه لا غبار فيه يعلق بالكتاب فيذهب بهجة الورق وأما اختيارهم الأحمر دون غيره فلأنه أبهج إذا لصق بالكتاب قال محمد بن عمر المدائني وكرهوا ونهوا عن تراب الحيطان ومالوا إلى النشارة والأشنان قال وبلغنا أن بعض الأئمة من أهل العلم كان يترب الحديث بالصندل ويقول لا أطرح على حديث رسول الله التراب وكان حيوة بن شريح يخرج إلى (6/261)
الصحراء فيأخذ الطين الأسود فيدقه وينخله فيترب به وقد صرح الرافعي وغيره من أصحابنا الشافعية أنه يحرم التتريب من جدار الغير ومعناه ظاهر لما فيه من الاغتصاب والاعتداء وقد سبق في المقالة الأولى في الكلام على الخط ذكر أنواع الرمل وأن من أحسنه رملا يؤتى به من صحراء ماردين فيه شذور صفر كشذور الذهب يلقى في الرمل الأحمر فيترب به الأمراء والوزراء ومن في معناهم
الجملة الثانية في نظر الكاتب في الكتاب وتأمله بعد الفراغ منه
قد نصوا على أنه إذا فرغ الكاتب من كتابة الكتاب ينبغي له أن يتأمله من أوله إلى آخره ويتتبع ألفاظه ويتأمل معانيه ويصلح منها ما لعله وهم فيه الفكر أو سبق إليه القلم ليسلم من قدح القادح وطعن الطاعن وقد تقدم في مقدمة الكتاب أن صاحب الديوان لا يكتفي بنظر الكاتب في ذلك بل يكله إلى نظر كاتب كامل ينصبه لذلك ثم يتأمله هو بنفسه بعد ذلك ليتنقح الكتاب ويتهذب (6/262)
المقالة الرابعة في المكاتبات وفيها بابان
الباب الأول في أمور كلية في المكاتبات وفيه فصلان
الفصل الأول في مقدمات المكاتبات وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في أصول يعتمدها الكاتب في المكاتبات
ويتعلق المقصود منها بعشرة أصول
الأصل الأول أن يأتي الكاتب في أول المكاتبة بحسن الافتتاح المطلوب في سائر أنواع الكلام من نثر ونظم مما يوجب التحسين ليكون داعية لاستماع ما بعده على ما تقدم بيانه في الكلام على علوم البلاغة في المقالة الأولى
ويرجع حسن الافتتاح في المكاتبات إلى معنيين
المعنى الأول أن يكون الحسن فيه راجعا إلى المبتدأ به إما بالافتتاح بالحمد لله كما في بعض المكاتبات لأن النفوس تتشوف إلى الثناء على الله تعالى أو بالسلام الذي جعله الشارع مفتتح الخطاب أو نحو ذلك وإما بالافتتاح بما فيه تعظيم المكتوب إليه من تقبيل الأرض أو اليد أو الدعاء له أو غير ذلك فإن أمر المكاتبات مبني على التملق واستجلاب الخواطر وتألف (6/263)
القلوب إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى على ما يقتضيه اصطلاح كل زمن في الابتداآت
المعنى الثاني أن يكون الحسن فيه راجعا إلى ما يوجب التحسين من سهولة اللفظ وصحة السبك ووضوح المعنى وتجنب الحشو وغير ذلك من موجبات التحسين كما كتب الأستاذ أبو الفضل بن العميد عن ركن الدولة بن بويه إلى من عصى عليه مفتتحا كتابه بقوله كتابي إليك وأنا متردد بين طمع فيك وإياس منك وإقبال عليك وإعراض عنك فإنك تدل بسالف خدم أيسرها يوجب رعاية ويقتضي محافظة وعناية ثم تشفعها بحادث غلول وخيانة وتتبعها بألف خلاف ومعصية أدنى ذلك يحبط أعمالك ويسقط كل ما يرعى لك
وكما كتب أبو حفص بن برد الأندلسي عن ملكه إلى من عصى عليه ثم عاد إلى الطاعة كتابا افتتحه بقوله أما بعد فإن الغلبة لنا والظهور عليك جلباك إلينا على قدمك دون عهد ولا عقد يمنعان من إراقه دمك ولكنا لما وهب الله تعالى لنا من الإشراف على سرائر الرياسة والحفظ لشرائع السياسة تأملنا من ساس جهتك قبلنا فوجدنا يد سياسته خرقاء وعين خدامته عوراء وقدم مداراته شلاء لأنه مال عن ترغيبك فلم ترجه وعن ترهيبك فلم تخشه فأدتك حائجتك إلى طلاب المطاعم الدنية وقلة مهابتك إلى التهالك على (6/264)
المعاصي الوبية ونحو ذلك من الافتتاحات البهجة والابتداآت الرائقة مما ستقف على الكثير منه في خلال هذا الكتاب إن شاء الله تعالى
الأصل الثاني أن يأتي في ابتداء المكاتبة ببراعة الاستهلال المطلوبة في كل فن من فنون الكلام
بأن يأتي في صدر المكاتبة بما يدل على عجزها فإن كان الكتاب بفتح أتى في أوله بما يدل على التهنئة أو بتعزية أتى في أوله بما يدل على التعزية أو في غير ذلك من المعاني أتى في أوله بما يدل عليه ليعلم من مبدأ الكتاب ما المراد منه كما يحكى أن عمرو بن مسعدة كاتب المأمون أمر كاتبه أن يكتب إلى الخليفة كتابا يعرفه فيه أن بقرة ولدت عجلا وجهه وجه إنسان فكتب أما بعد حمد الله خالق الأنام في بطون الأنعام وفضلاء الكتاب وأئمتهم يعتنون بذلك كل الاعتناء ويرون تركه إخلالا بالصنعة ونقصا في الكتابة حتى أن الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر قد عاب أبا إسحاق الصابي على جلالة قدره في الكتابة واعترافه له بالتقدم في الصناعة بكتاب كتبه بفتح بغداد وهزيمة الترك فقال في أوله
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين الوحيد الفريد العلي المجيد الذي لا يوصف إلا بسلب الصفات ولا ينعت إلا برفع النعوت الأزلي بلا ابتداء الأبدي بلا انتهاء القديم لا منذ أمد محدود الدائم لا إلى أجل معدود الفاعل لا من مادة امتدها الصانع لا بآلة استعملها الذي لا تدركه الأعين بألحاظها ولا تحده الألسن بألفاظها ولا تخلقه العصور بمرورها ولا تهزمه الدهور بكرورها ولا تجاريه أقدام النظراء والأشكال ولا تزاحمه مناكب القرناء والأمثال بل هو الصمد الذي لا كفء له والفرد الذي (6/265)
لا توءم معه والحي الذي لا تخترمه المنون والقيوم الذي لا تشغله الشؤون والقدير الذي لا تؤوده المعضلات والخبير الذي لا تعييه المشكلات ثم قال إن هذه التحميدة لا تناسب الكتاب الذي افتتحه بها ولكنها تصلح أن توضع في صدر مصنف من مصنفات أصول الدين ككتاب الشامل للجويني أو كتاب الاقتصاد للغزالي وما جرى مجراهما فأما أن توضع في أول كتاب فتح فلا
واعلم أن براعة الاستهلال في المكاتبات قد تقع مع الابتداء بالتحميد كما في كتاب عمرو بن مسعدة المتقدم ذكره وكما كتب أبو إسحاق الصابي عن الطائع إلى بعض ولاة الأطراف عند زوال الوحشة بينه وبين الأمراء ووقوع الصلح والاتفاق أما بعد فالحمد لله ناظم الشمل بعد شتاته وواصل الحبل بعد بتاته وجابر الوهن إذا انثلم وكاشف الخطب إذا أظلم
وقد تقع مع الابتداء بالتقبيل كما كتبت إلى بعض الرؤساء بثغر الإسكندرية ملوحا إلى التعبير عنه بالثغر وعن الريح التي تهب عليه من جانب البحر بالمثلم وعن مستنزه من مستنزهاته بالرمل وعن المساكن التي به بالقصور مع قربه من البحر ومناسبة ذكر النسيم بالثغر بما صورته يقبل أرض ثغر قد رق ملثمه وراق مبسمه باثا لشكر يعترف الرمل بالقصور عن حده وتقف أمواج البحر المحيط دون عده
وقد تقع مع الابتداء بالدعاء وتكون براعة الاستهلال في الدعاء المعطوف على المبتدأ به بأن يكون الدعاء مناسبا للحالة المكتوب فيها كما (6/266)
نبه عليه صاحب المثل السائر وغيره وسيأتي الكلام على أمثلة ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى
ثم من المكاتبات ما يعسر معه الإتيان ببراعة الاستهلال فيما يلي ذلك من الكلام في مقدمة المكاتبة قبل الخوض في المقصود ولا يهملها جملة على أن الشيخ شهاب الدين محمودا الحلبي رحمه الله قد ذكر في كتابه حسن التوسل أنه إن عسر عليه براعة الاستهلال أتى بما يقارب المعنى وبكل حال فإذا أتى ببراعة استهلال في أول مكاتبته استصحبها إلى الفراغ من الخطبة إن كان الكتاب مفتتحا بخطبة وإلا استصحبها إلى الفراغ من مقدمة الكتاب الآتي بيانها
الأصل الثالث أن يأتي في المكاتبة المشتملة على المقاصد الجليلة بمقدمة يصدر به تأسيسا لما يأتي به في مكاتبته
مثل أن يأتي في صدور كتب الحث على الجهاد بذكر افتراضه على الأمة وما وعد الله تعالى به من نصر أوليائه وخذلان أعدائه وإعزاز الموحدين وقمع الملحدين وفي صدور كتب الفتح بإنجاز وعد الله الذي وعده أهل الطاعة من النصر والظفر وإظهار دينه على الدين كله وفي صدور كتب جباية الخراج يصدر بحاجة قيام الملك وأس السلطنة إلى الاستعانة بما يستخرج من حقوق السلطان في عمارة الثغور وتحصين الأعمال وتقوية الرجال ونحو ذلك مما يجري على هذا النمط مما سيأتي بيانه في مقاصد المكاتبات في الكلام على الابتداآت والجوابات فيما بعد إن شاء الله تعالى
فقد قيل إنه لا يحسن بالكاتب أن يخلي كلامه وإن كان وجيزا من مقدمة يفتتحه بها وإن وقعت في حرفين أو ثلاثة ليوفي التأليف حقه قال في (6/267)
مواد البيان وعلى هذا السبيل جرت سنة الكتاب في جميع الكتب كالفتوح والتهاني والتعازي والتهادي والاستخبار والاستبطاء والإحماد والإذمام وغيرها ليكون ذلك بساطا لما يريد القول فيه وحجة يستظهر بها السلطان لأن كل كلام لا بد له من فرش يفرش قبله ليكون منه بمنزلة الأساس من البنيان
قال ويرجع في هذه المقدمات إلى معرفة الكاتب ما يستحقه كل نوع من أنواع الكلام من المقدمات التي تشاكلها ثم قال والطريق إلى إصابة المرمى في هذه المقدمات أن تجعل مشتملة على ما بعدها من المقاصد والأغراض وأن يوضع للأمر الخاص مقدمة خاصة وللأمر العام مقدمة عامة ولا يطول في موضع الاقتصار ولا يقصر في موضع الإيجاز ولا يجعل أغراضها بعيدة المأخذ معتاصة على المتصفح وذلك أن الكاتب ربما قصد إظهار القدرة على الكلام والتصرف في وجوه المنطق فخرج إلى الإملال والإضجار الذي تتبرم منه النفوس ولا سيما نفوس الملوك وذوي الأخطار الجليلة
أما الأمور التي لا تشتمل على المقاصد الجليلة كرقاع التحف والهدايا ونحوهما فقد ذكر في مواد البيان أنه لا يجعل لها مقدمة تكون أمامها فإن ذلك غير جائز ولا واقع موقعه قال ألا ترى أنهم استحسنوا قول بعضهم في صدر رقعة مقترنة بتحفة في يوم مهرجان أو نحوه هذا يوم جرت فيه العادة بأن تهدي فيه العبيد إلى السادة واستظرفوا الكاتب لإيجازه وتقريب المأخذ
الأصل الرابع أن يعرف الفرق بين الألفاظ المستعملة في المكاتبات فيضعها في مواضعها
قال في ذخيرة الكتاب يجب على الكاتب الرئيس أن يعرف مرتبة (6/268)
الألفاظ ومواقعها ليرتبها ويفرق بينها فرقا يقفه على الواجب وينتهي به إلى الصواب فيخاطب كلا في مكاتبته بما يستحقه من الخطاب فإنه قبيح به أن يكون خطابه أولا خطاب الرئيس للمرؤوس ويتبع ذلك بخطاب المرؤوس للرئيس أو يبدأ بخطاب المرؤوس للرئيس ثم يتبعه بخطاب الرئيس للمرؤوس
قال ومتى استمر الكاتب على هذه المخالفة من الألفاظ والمناقضة نقصت المعاني ورذلت الألفاظ وسقطت المقاصد وكان الكاتب قد أخل من الصناعة بمعظمها وترك من البلاغة غاية محكمها بل يجب أن يبدأ بخطاب رئيس أو نظير أو مرؤوس ويكون ما يتخلل مكاتبته من الألفاظ على اتساق إلى آخرها واطراد من غير مخالفة بينها ولا مضادة ولا مناقضة
فمن ذلك الفرق بين أصدرنا هذه المكاتبة أو أصدرناها وبين أصدرت وبين صدرت فأصدرناها أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه للتصريح فيها بالضمير العائد على الرئيس التي صدرت المكاتبة عنه إذ الشيء يشرف بشرف متعلقه ويلي ذلك في الرتبة أصدرت لاقتضائها إصدارا في الجملة والإصدار لا بد له من مصدر وذلك المصدر هو الرئيس الصادرة عنه في الحقيقة وإنما كانت دون الأولى للتصريح بالضمير هناك دون هنا ودون ذلك في الرتبة صدرت لاقتضاء الحال صدورها بنفسها دون دلالة على المصدر أصلا
ومن ذلك الفرق بين ونبدي لعلمه وبين نوضح لعلمه فنبدي لعلمه أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه لأن الإبداء يرجع في المعنى إلى إظهار شيء خفي والإيضاح يرجع إلى بيان مشكل وحصول الإشكال المحتاج إلى الإيضاح ربما دل على بعد فهم المخاطب عن المقصود بخلاف إظهار الخفي فإنه لا ينتهي إلى هذا الحد
ومن ذلك الفرق بين علمه الكريم وبين علمه المبارك فالكريم (6/269)
أعلى من المبارك لأن في الكريم عراقه أصل وشرف قد توجد في المبارك وقد تتخلف عنه
ومن ذلك الفرق بين ومرسومنا لفلان بكذا وبين والمرسوم له بكذا فمرسومنا أعلى بالنسبة إلى المكتوب عنه لاشتماله على نون الجمع المقتضية للتعظيم ولذلك اختصت بالملوك دون غيرهم بخلاف والمرسوم له بكذا فإنه عار عن ذلك
ومن ذلك الفرق بين والمسؤول وبين والمستمد فإن المسؤول أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه فإن المسؤول يتضمن نوع ذلة بخلاف الاستمداد فإنه لا يستلزم ذلك
ومن ذلك الفرق بين بلغنا وبين أنهى إلى علمنا وبين اتصل بنا فاتصل بنا أعلى من أنهي إلى علمنا لما في معنى الاتصال من التلاصق بخلاف الإنهاء وأنهي إلى علمنا أعلى من بلغنا لأن البلوغ قد يكون على لسان آحاد الناس
ومن ذلك الفرق بين أنهى فلان كذا وبين عرفنا كذا فعرفنا أعلى بالنسبة إلى رافع الخبر لأن في التعريف مزية قرب من الرئيس بخلاف الإنهاء فإنه لا يقتضي ذلك
ومن ذلك الفرق بين وردت مكاتبته وبين وردت علينا مكاتبته فوردت علينا أعلى بالنسبة إلى صاحب المكاتبة الواردة لتخصيصها بالورود على الرئيس بخلاف الورود المطلق
ومن ذلك الفرق بين عرضت علينا مكاتبتك وبين وقفنا على مكاتبتك فوقفنا أعلى بالنسبة إلى صاحب المكاتبة لأن الوقوف عليها يكون بنفسه (6/270)
والعرض يكون من غيره
ومن ذلك الفرق بين وشكرت الله تعالى على سلامته وبين وتوالى شكري لله تعالى فتوالى شكري أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه لما فيه من معنى التكرار ومزيد الشكر المعدوق بالاحتفال
ومن ذلك الفرق بين ورغبت إلى الله تعالى وبين وضرعت إلى الله تعالى فضرعت أعلى من رغبت لما في الضراعة من مزيد التأكيد في الطلب بخلاف الرغبة فإنها لا تبلغ هذا المبلغ
ومن ذلك الفرق بين وقابلت أمره بالطاعة وبين وامتثلت أمره بالطاعة فامتثلت أمره أعلى من قابلت أمره لما في الامتثال من معنى الإذعان والانقياد بخلاف المقابلة
ومن ذلك الفرق بين وشفعت له وبين وسألت فيه فالسؤال أعلى في حق المسؤول من الشفاعة لما في الشفاعة من رفعة المقام المؤدي إلى قبول الشفاعة
ومن ذلك الفرق بين وخاطبت فلانا في أمره وبين وتحدثت في أمره فتحدثت أشد في تواضع المتكلم من خاطبت لأن الخطاب من الألفاظ الخاصة التي لا يتعاطاها كل أحد بخلاف التحدث
ومن ذلك الفرق بين تشريفي بكذا وبين إسعافي بكذا وبين إتحافي بكذا فالإسعاف أعلى رتبة من التشريف لما فيه من دعوى الحاجة والفاقة إلى المطلوب بخلاف التشريف وإتحافي دون تشريفي لأن (6/271)
الإتحاف قد لا يقتضي تشريفا
ومن ذلك الفرق بين قوله نزل عنده وبين قوله نزل بساحته فالساحة أعلى لما فيها من معنى الفسحة والاتساع
ومن ذلك الفرق بين فيحيط علمه بذلك وبين فيعلم ذلك فيحيط علمه أعلى من يعلم ذلك لأن في قوله فيحيط علمه بذلك نسبته إلى سعة العلم لما فيه من معنى الإحاطة بخلاف فيعلم ذلك
الأصل الخامس أن يعرف مواقع الدعاء في المكاتبات فيدعو بكل دعاء في موضعه
ويتعلق النظر بستة أوجه
الأول أن يعرف مراتب الدعاء ليوقعها في مواقعها ويوردها في مواردها ويتأتى ذلك في عدة أدعية
منها الدعاء بإطالة البقاء والدعاء بإطالة العمر فالدعاء بإطالة البقاء أرفع من الدعاء بإطالة العمر وذلك أن البقاء لا يدل على مدة تنقضي لأنه ضد الفناء والعمر يدل على مدة تنقضي ولذلك يوصف الله تعالى بالبقاء ولا يوصف بالعمر قال في مواد البيان ومن هنا جعل الدعاء بإطالة البقاء أول مراتب الدعاء وخص بالخلفاء وجعل ما يليه لمن دونهم ويتلوه الدعاء بالمد في العمر فيكون دون الدعاء بالإطالة لأن الوصف بطول الزمان أبلغ من الوصف بالمد فيه من حيث إن المد قابل للمدة الطويلة والمدة القصيرة ولذلك صارت مرتبة الطول أقرب إلى مرتبة البقاء من مرتبة المد
ومنها الدعاء بدوام النعمة والدعاء بمضاعفتها فالدعاء بالمضاعفة أعلى لأن الدوام غايته استصحاب ما هو عليه والمضاعفة مقتضية للزيادة على ذلك
ومنها الدعاء بعز الأنصار وبعز النصر وبعز النصرة وقد اصطلح (6/272)
كتاب الزمان على أن جعلوا أعلاها الدعاء بعز الأنصار لأن عز أنصاره عز له بالضرورة مع ما فيه من تعظيم القدر ورفعة الشأن إذ الأنصار لا تكون إلا لملك عظيم أو أمير كبير والدعاء بعز النصر أعلى من الدعاء بعز النصرة لما في الأول من معنى التذكير وهو أرفع رتبة من التأنيث على أنه لو جعل الدعاء بعز النصر أعلى من الدعاء بعز الأنصار لكان له وجه لما في عز النصر من الغناء عن عز الأنصار
ومنها الدعاء بعز الأحكام والدعاء بتأييد الأحكام فالدعاء بعز الأحكام أعلى لأن المراد بالتأييد التقوية فقد توجد القوة ولا عزمعها
وينبغي للكاتب أن يحترز في تنزيل كل أحد من المكتوب إليهم منزلته في الدعاء فلا ينقص أحدا عن حقه ولا يزيده فوق حقه فقد قال في مواد البيان إن الملوك تسمح ببدرات المال ولا تسمح بالدعوة الواحدة
الثاني أن يعرف ما يناسب كل واحد من أرباب المناصب الجليلة من الدعاء فيخصه به
فيأتي بالدعاء في المكاتبة للملوك بإطالة البقاء وداوم السلطان وخلود الملك وما أشبه ذلك
ويأتي في المكاتبة إلى الأمراء بالدعاء بعز الأنصار وعز النصر ومضاعفة النعمة ومداومتها وما شاكل ذلك على أن ابن شيث قد ذكر في معالم الكتابة أن الدعاء بعز النصر ومضاعفة الاقتدار كان في الدولة الأيوبية مما يختص بالسلطان دون غيره
ويأتي قيم في المكاتبات للوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم بالدعاء بسبوغ النعماء وتخليد السعادة ودوام المجد وما يضاهي ذلك
ويأتي في المكاتبات للقضاة والحكام بالدعاء بعز الأحكام وتأييد الأحكام وما يطابق ذلك (6/273)
ويأتي في المكاتبة إلى التجار بالدعاء بمزيد الإقبال وخلود السعادة وشبه ذلك
ويأتي في المكاتبة في الإخواينات ومكاتبات النظراء من الدعاء بما يقتضيه الحال بينهم من الود والإدلال بحسب ما يراه الكاتب ويؤدي إليه اجتهاده قال في مواد البيان قد كانوا يختارون في الدعاء للأدباء أبقاك الله وأكرمك الله وفي الدعاء للابن والحرمة أبقاك الله وأمتع بك
أما أهل الكفر فقد اصطلحوا على الدعاء لهم بطول البقاء وما في معناه أما جواز أصل الدعاء لهم فلما روي أن النبي استسقى فسقاه يهودي فقال له جملك الله فما رؤي الشيب في وجهه حتى مات فدل على جواز الدعاء للكافر بما لا ضرر فيه على المسلمين ما لم تنضم إليه قوة ونحو ذلك بل ربما كان في طول بقائه حمل جزية أو غنيمة أو ثواب جهاد ونحو ذلك وقد حكى أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب أن الشافعي رضي الله عنه قال لنصراني أعزك الله فعوتب في ذلك فقال
واعلم أنه يجب مع ذلك أن يعرف مرتبة المكتوب إليه من الدعاء فيدعو بعز الأنصار لواحد ويدعو بعز النصر لمن دونه لأن عز الأنصار مستلزم لعز النصر على أنه لو قيل إن عز النصر أعلى لكونه دعاء لنفس الشيء بخلاف الدعاء بعز الأنصار فإنه دعاء لشيء خارجي لكان له وجه ويدعو بعز النصرة لمن دون من يدعى له بعز النصر لأن النصر مذكر ورتبة التذكير أعلى من رتبة التأنيث ويدعو بدوام النعمة لواحد ويدعو بمضاعفة النعمة لمن دونه لأن (6/274)
الصيغة تقتضي مزيدا على القدر الحاصل بخلاف الدوام فإنه يقتضي استصحاب القدر الحاصل فقط وعلى هذا النهج قال في معالم الكتابة ولا يكتب عن السلطان إلى أحد ممن في ممالكه بلا زال ولا برح بل يختص ذلك بملك مثله قال ولا حرج في الكتابة بذلك عن السلطان إلى ولده إذا كان نائبا عنه في الملك قال وكذلك لا يدعو الأعلى للأدنى بلا زال ولا برح
قلت والذي استقر عليه الحال الكتابة عن السلطان بذلك لأكابر النواب ويكتب به أكابر الدولة بعضهم إلى بعض
الثالث أن يعرف ما يناسب كل حالة من حالات المكاتبات فيأتي لكل حالة بما يناسبها من الدعاء قال في مواد البيان يبغي أن تكون الأدعية دالة على مقاصد الكتاب فإن كان في الهناء كان بما راجت معرفته وإن كان في العزاء كانت مشتقة من وصفه وكذلك سائر فنون المكاتبات فإنه متى خرج الدعاء عن المناسبة وباين المقصود خرج عن جادة الصناعة وتوجه اللوم على الكاتب لا سيما إذا أتى بما يضاد المراد كما حكى أبو هلال العسكري في الصناعتين أن بعضهم كتب إلى محبوبته عصمنا الله وإياك مما يكره فكتبت إليه يا غليظ الطبع إن استجيب لك لم نلتق أبدا
ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال المكاتبات فتارة تكون باعتبار الشيء المكتوب بسببه كما يكتب في معنى البشارة بجلوس الملك على تخت الملك لا زال أمره وأمتعه من البشائر بما يتوضح على جبين الصباح بشره وما يترجح على ميزان الكواكب قدره وما ينفسح من أوقات أمن لا يختلف فيها زيده وعمره
وكما يكتب في البشرى بفتح ولا زالت آيات النصر تتلى عليه من (6/275)
صحف البشائر ونفائس الظفر تجلى على سره في أسعد طائر وفواتح الفتح تزهى به الأسرة وتزهو بنوره المنابر
وكما يكتب في التهنئة بعافية ولا برح في برد الصحة رافلا . . . بعزمه وحزمه كافلا والإقبال لجنابه العالي بالهناء بعافيته واصلا
وتارة تكون باعتبار حال المكتوب إليه التي هو بصددها
كما يكتب لمن خرج إلى الغزو وحفه بلطفه فلا يخيب وهيأ له النصر والفتح القريب وجعل على يديه دمار الكفار حتى لا يبقى لهم بشدة بأسه من السلامة نصيب
وكما يكتب إلى من خرج إلى الصيد وأمتعه بصيوده وجعل الأقدار من جنوده وأراه من مصارع أعدائه بسيوفه ورماحه ما يراه من مصارع صيده ببزاته وفهوده
وكما يكتب لمن خرج في سفر وقضى بقرب رجعته وجعله كالهلال في مسيره سبب رفعته وسكن بقدومه أشواق أوليائه وأهل محبته
وكما يكتب لمن خرج لتخضير البلاد وألبس البلاد بقدومه أخضر الأثواب وأحله أشرف محل وأخصب جناب
وتارة تكون باعتبار وظيفة المكتوب إليه التي هو قائم بها
كما يكتب إلى كافل المملكة ولا زالت كفاية كفالته تزيد على الآمال وتتقرب إلى الله تعالى بصالح الأعمال وتكفل ما بين أقصى الجنوب وأقصى الشمال (6/276)
وكما يكتب إلى قاض وفصل بين الخصوم بأحكامه المسددة وأقضيته التي بها قواعد الإسلام ممهدة وأبنية الشرع المطهر وأركانه مشيدة
وكما يكتب إلى متصوف وأعاد من بركات تهجداته وأنار الليالي بصالح دعواته
وتارة تكون باعتبار بلد المكتوب إليه وناحيته
كما يكتب إلى نائب الشام ولا زال النصر حلية أيامه وشامة شامه وغمامة ما يحلق على بلده المخصب من غمامه
وكما يكتب إلى نائب حلب في زمن الحروب ولا زال يعد ليوم تشيب فيه الولدان ويصد دونه كل محارب بين الشهباء والميدان ويعم حلب من حلى أيامه مالا يفقد معه إلا اسم ابن حمدان ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السلك
وتارة تكون باعتبار اسم المكتوب إليه أو لقبه
كما يكتب إلى من لقبه سيف الدين ولا زال سيفه في رقاب أعدائه مغمدا وحده يذر كل ملحد ملحدا
وكما يكتب إلى من لقبه عز الدين ولا زال عزه دائما والزمان في خدمته قائما وطرف الدهر عن مراقبة سعادته نائما
وكما يكتب إلى من لقبه شمس ولا زالت شمس سعادته مشرقة وأغصان فضله بالعوارف مورقة وعيون طوارق الغير عنه في كل زمن مطرقه
وكما يكتب إلى من لقبه ناصر الدين ونصر عزائمه وشكر مكارمه ووفر من الحسنات مغانمه إلى غير ذلك من الأمور التي ستقف على الكثير منها في (6/277)
الكلام على مقاصد المكاتبات إن شاء الله تعالى
الرابع أن يعرف مواضع الدعاء على المكتوب إليه ومن الذي يصرح بذلك في المكاتبة إليه وقد ذكر ابن شيث في معالم الكتابة أن الدعاء على الأعداء في صدور الكتب كان من عوائد مكاتبة الأدنى إلى الأعلى مثل وقصم وأذل وقهر وخضد وكذلك المماثل والمقارب فأما من الأعلى إلى الأدنى فلم يكن ذلك معروفا عند المتقدمين لا سيما إذا كان الكتاب عن السلطان ثم قال ولكن قد أفلت الحبل في ذلك الآن إلى أن قال ولا يقال للأدنى غير كبت عدوه أو ضده أو حسوده خاصة
ومنها أن يعرف ما كرهه الكتاب من الدعاء فيتجنبه وهو على ضربين
الضرب الأول ما كرهوه في المكاتبة إلى كل أحد
قال في مواد البيان كانت عادتهم جارية أن يتجنبوا من الأدعية مالا محصول له كقولهم جعلني الله فداك وقدمني إلى السوء دونك لما في ذلك من التصنع والملق الذي لا يرضاه السلطان لأن نفس الداعي لا تسمح باستجابته ويؤيد ما ذكره ما كتب به ابن عبد كان إلى بعض أصدقائه جعلت فداك على الصحة والحقيقة لا على مجرى المكاتبة ومذهب العادة قال في مواد البيان وإنما يحسن ذلك من الخواص الذين يتحققون أن بقاءهم معذوق ببقاء رؤسائهم وثبات نعمهم مقرون بثبات أيام سلاطينهم لأنه يصدر عن عقائد مستحكمة من بذل الأنفس دونهم وما ذهب إليه من كراهة ذلك قد نقل (6/278)
في صناعة الكتاب مثله عن مالك بن أنس واحتج له بما روي عن الزبير رضي الله عنه أنه قال للنبي ( ( جعلت فداك فقال له أما تركت أعرابيتك بعد ) ) على أن بعضهم قد أجاز ذلك احتجاجا بقوله لسعد بن مالك يوم أحد ( ( ارم فداك أبي وأمي ) ) وبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال له ( ( ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قال نعم جعلني الله فداك ) ) ولم ينكر عليه ونحو ذلك وفي معنى ذلك كل ما يجري هذا المجرى ونحوه
الضرب الثاني ما تختص كراهته بالبعض دون البعض وهو نوعان
النوع الأول ما يختص بالرجال فمن ذلك ما ذكره في مواد البيان أنهم كانوا لا يستحسنون الدعاء بالإمتاع نحو أمتع الله بك وأمتعني الله بك في حق الإخوان ومما يحكى في ذلك أن محمد بن عبد الملك الزيات كتب إلى عبد الله بن طاهر في كتاب وأمتع بك فكتب إليه عبد الله بن طاهر - منسرح -
( أحلت عما عهدت من أدبك ... أم نلت ملكا فتهت في كتبك )
( أتعبت كفيك في مكاتبتي ... حسبك مما يزيد في تعبك )
( إن جفاء كتاب ذي مقة ... يكون في صدره وأمتع بك ) (6/279)
فأجابه محمد بن عبد الملك الزيات معتذرا بقوله - منسرح -
( كيف أخون الإخاء يا أملي ... وكل شيء أنال من سببك )
( إن يك جهل أتاك من قبلي ... فعد بفضل علي من أدبك )
على أن في كراهة الدعاء للإخوان بذلك نظرا فسيأتي في الكلام على ترتيب المكاتبات على سبيل الإجمال أن أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي قالت اللهم أمتعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية في حديث طويل يأتي ذكره هناك إن شاء الله تعالى
أما الدعاء بالإمتاع للأتباع فقد أجازه جماعة من محققي الكتاب محتجين على ذلك بأنه دعا لأبي اليسر كعب بن عبيد الله بقوله ( ( اللهم أمتعنا به ) ) قال ابن عفير فكان آخر أهل بدر وفاة مات سنة خمس وخمسين من الهجرة
النوع الثاني ما يختص بالنساء فقد ذكر أبو جعفر النحاس أنه لا يقال في مكاتبتهن وأدام كرامتك ولا وأتم نعمته عليك ولكن لديك ولا فضله عندك ولا وأدام سعادتك أما منع الدعاء لهن بالكرامة فلما حكى محمد بن عمر المدائني أن بعض عمال زبيدة كتب إليها كتابا بسبب ضياع لها فوقعت له على ظهر كتابه أردت أن تدعو لنا فدعوت علينا فأصلح خطأك في كتابك وإلا صرفناك عن جميع أعمالك فأدركه القلق وجعل يتصفح الكتاب ويعرضه على الكتاب فلا يجد فيه شيئا إلى أن عرضه على بعض أهل المعرفة فقال إنما (6/280)
كرهت دعاءك في صدر كتابك بقولك وأدام كرامتك لأن كرامة النساء دفنهن قال رسول الله ( ( دفن البنات من المكرمات ) ) فغير ذلك الحرف من كتابه وأعاده إليها فوقعت له على ظهره أحسنت ولا تعد وأما كراهة وأتم نعمته عليك وإبدال ذلك بلفظ وأتم نعمته لديك فكأنه لما يلمح فيه من ذكر العلو على النساء وأما منع وأتم فضله عندك أو وأتم سعادتك فيحتاج إلى تأمل
الخامس أن يتجنب الخلاف في الدعاء في فصول الكتاب ولا يوالي بين دعوتين منه متفقتين فأما الخلاف في الدعاء فقال أبو جعفر النحاس هو مثل أن يقول أطال الله بقاء سيدي بلفظ الغيبة ثم يقول بعد ذلك وبلغك أملك بلفظ الخطاب وأما الموالاة بين دعوتين ولا يأتي بهما متفقتين فقال في مواد البيان هو مثل حرس الله الأمير أعزه الله ثم يقول في الفصل الذي بعده أعزه الله تعالى وما أشبه ذلك
السادس أن يتجنب وقوع اللبس في الدعاء فإذا ذكر الرئيس مع عدوه مثلا لم يدع للرئيس حينئذ فإنه لو ذهب يقول وقد كان من عدو سيدي أبقاه الله كذا لاحتمل عود الدعاء إلى الرئيس وإلي عدوه فيقع اللبس أما إذا ذكر الرئيس وحده كما إذا قال وقد كنت عرفت سيدي أبقاه الله كذا فإنه لا التباس
الأصل السادس أن يعرف ما يناسب المكتوب إليه من الألقاب فيعطيه حقه منها
ويتعلق الغرض من ذلك بثلاثة أمور
أحدها أن يعرف ما يناسب من الألقاب الأصول المتقدمة الذكر في (6/281)
المقالة الثالثة عند الكلام على الألقاب المصطلح عليها بحسب ذلك الزمان كالمقام والمقر والجناب والمجلس في زماننا فيعطي كل أحد من المكتوب إليهم ما يليق به من ذلك فيجعل المقام لأكابر الملوك والمقر لمن دونهم من الملوك وللرتبة العليا من أهل المملكة والجناب للرتبة الثالثة من الملوك والرتبة الثانية من أهل الدولة والمجلس للرتبة الرابعة من الملوك والرتبة الثالثة من أهل الدولة ومجلس الأمير لمن دون ذلك من أهل الدولة على المصطلح المستقر عليه الحال
الثاني أن يعرف ما يناسب كل لقب من الألقاب الأصول من الألقاب والنعوت التابعة لذلك فيتبع كل واحد من الأصول بما يناسبه من الفروع
الثالث أن يعرف مقدار المكتوب إليه فيوفيه قسطه من الألقاب في الكثرة والقلة بحسب ما يجري عليه الاصطلاح فقد ذكر في معالم الكتابة أن السلطان لا يكثر في المكاتبة إليه من نعوته بل يقتصر على الأشياء التي تكون فيه مثل العالم العادل أما غير ذلك فيقع باللقبين المشهورين وهما نعته المفرد ونعته المضاف إلى الدين وأنه في الكتابة عن السلطان كلما زيد في النعوت كان أميز لأنها على سبيل التشريف من السلطان ويجعل المضاف إلى الدين متوسطا بين الألقاب لا في أولها
الأصل السابع أن يراعي مقاصد المكاتبات فيأتي لكل مقصد بما يناسبه
ومدار ذلك على أمرين
الأمر الأول أن يأتي مع كل كلمة بما يليق بها ويتخير لكل لفظة ما يشاكلها قال ابن عبد ربه وليكن ما تختم به فصولك في موضع ذكر البلوى بمثل نسأل الله رفع المحذور وصرف المكروه وأشباه ذلك وفي موضع (6/282)
ذكر المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون وفي موضع النعمة الحمد لله خالصا والشرك لله واجبا وما شاكل ذلك قال في مواد البيان وإذا ذكر البلوى شفعها بالاستعانة بالله تعالى والرجوع إليه فيها ورد الأمر إلى حوله وقوته قال ابن عبد ربه فإن هذه المواضع مما يتعين على الكاتب أن يتفقدها ويتحفظ فيها فإن الكاتب إنما يصير كاتبا بأن يضع كل معنى في موضعه ويعلق كل لفظ على طبقه في المعنى
ومما يلتحق بذلك أيضا أنه إذا ذكر الرئيس في أثناء المكاتبة دعا له مثل أن يقول عند ذكر السلطان خلد الله ملكه وعند ذكر الأمير الكبير عز نصره أو أعز الله تعالى أنصاره وعند ذكر الحاكم أيد الله تعالى أحكامه وما أشبه ذلك مما يجري هذا المجرى
الأمر الثاني أن يتخطى التصريح إلى التلويح والإشارة إذا ألجأته الحال إلى المكاتبة بما لا يجوز كشفه وإظهاره على صراحته مما في ذكره على نصه هتك ستر أو في حكايته اطراح مهابة السلطان وإسماعه ما يلزم منه إخلال الأدب في حقه كما لو أطلق عدوه لسانه فيه بلفظ قبيح يسوءه سماعه قال في مواد البيان فيحتاج المنشيء إلى استعمال التورية في هذه المواضع والتلطف في العبارة عن هذه المعاني وإبرازها في صورة تقتضي توفية حق السلطان في التوقير والإجلال والإعظام والتنزيه عن المخاطبة بما لا يجوز إمراره على سمعه وإيصال المعنى إليه من غير خيانة في طي ما لا غنى به عن علمه قال وهذا مما لا يستقل به إلا المبرز في الصناعة المتصرف في تأليف الكلام
الأصل الثامن أن يعرف مقدار فهم كل طبقة من المخاطبين في المكاتبات من اللسان فيخاطب كل أحد بما يناسبه من اللفظ وما يصل إليه فهمه من الخطاب (6/283)
قال أبو هلال العسكري في كتابه الصناعتين أول ما ينبغي أن تستعمل في كتابك مكاتبة كل فريق على مقدار طبقتهم في الكلام وقوتهم في المنطق قال والشاهد على ذلك أن النبي لما أراد أن يكتب إلى أهل فارس كتب إليهم بما يمكنهم ترجمته فكتب إليهم ( ( من محمد رسول الله إلى كسرى أبرويز عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة ( لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ) فأسلم تسلم وإن أبيت فإثم المجوس عليك ) ) فسهل رسول الله الألفاظ غاية التسهيل حتى لا يخفى منها شيء على من له أدنى معرفة بالعربية
ولما أراد أن يكتب إلى قوم من العرب فخم اللفظ لما عرف من قوتهم على فهمه وعادتهم بسماع مثله فكتب لوائل بن حجر الحضرمي ( ( من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على التيعة الشاة والتيمة لصاحبها وفي السيوب الخمس لا خلاط ولا وراط ولا شناق ولا شغار ومن (6/284)
أجبى فقد أربى وكل مسكر حرام ) )
وقد ذكر العسكري أيضا في باب الإطناب ما يحسن أن يكون شاهدا لذلك من القرآن الكريم فقال قد رأينا أن الله تعالى إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي كما في قوله تعالى خطابا لأهل مكة ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) وقوله ( إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) وقوله ( أو ألقى السمع وهو شهيد ) في أشباه كثيرة لذلك وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم جعل الكلام مبسوطا كما في سورة طه وأشباهها حتى إنه قلما تجد قصة لبني إسرائيل في القرآن إلا مطولة مشروحة ومكررة في مواضع معادة لبعد فهمهم وتأخر معرفتهم
قال في مواد البيان فيجب على الكاتب أن ينتقل في استعمال الألفاظ على حسب ما تقتضيه رتب الخطاب والمخاطبين وتوجبه الأحوال المتغايرة والأوقات المختلفة ليكون كلامه مشاكلا لكل منها فإن أحكام الكلام تتغير بحكم تغير الأزمنة والأمكنة ومنازل المخاطبين والمكاتبين
قال ولتحري الصدر الأول من الكتاب إيقاع المناسبة بين كتبهم وبين الأشياء المتقدمة الذكر استعمل كتاب الدولة الأموية من الألفاظ العربية الفحلة والمتينة الجزلة ما لم تستعمل مثله الدولة العباسية لأن كتاب الدولة الأموية (6/285)
قصدوا ما شاكل زمانهم الذي استفاضت فيه علوم العرب ولغاتها حتى عدت في جملة الفضائل التي يثابر على اقتنائها والأمكنة التي نزلها ملوكهم من بلاد العرب والرجال الذين كانت الكتب تصدر إليهم وهم أهل الفصاحة واللسن والخطابة والشعر
أما زمان بني العباس فإن الهمم تقاصرت عما كانت مقبلة على تطلبه فيما تقدم من العلوم المقدم ذكرها وشغلت بغيرها من علوم الدين ونزل ملوكهم ديار العراق وما يجاورها من بلاد فارس وليس استفاضة لغة العرب فيها كاستفاضتها في أرض الحجاز والشام ومن المعلوم أن القوم الذين كانوا يكاتبون عنهم لا يجارون تلك الطبقة في الفصاحة والمعرفة بدلالات الكلام فانتقل كتابها من اللفظ المتين الجزل إلى اللفظ الرقيق السهل وكذلك انتقل متأخرو الكتاب عن ألفاظ المتقدمين إلى ما هو أعذب منها وأخف للمعنى المتقدم ذكره
قال وحينئذ ينبغي للكاتب أن يراعي هذه الأحوال ويوقع المشاكلة بين ما يكتبه وبينها فإذا احتاج إلى إصدار كتاب إلى ناحية من النواحي فلينظر في أحوال قاطنيها فإن كانوا من الأدباء البلغاء العارفين بنظم الكلام وتأليفه فليودع كتابه الألفاظ الجزلة التي إذا حليت بها المعاني زادتها فخامة في القلوب وجلالة في الصدور وإن كانوا ممن لا يفرق بين خاص الكلام وعامه فليضمن كتابه الألفاظ التي يتساوى سامعوها في إدراك معانيها فإنه متى عدل عن ذلك ضاع كلامه ولم يصل معنى ما كتب فيه إلى من كاتبه لأن الكلام البليغ إنما هو موضوع بإزاء إفهام البلغاء والفصحاء فأما العوام والحشوة فإنما يصل إلى أفهامهم الكلام العاطل من حلى النظم العاري من كسوة التأليف فيجب على الكاتب أن يستعمل في مخاطبة من هذه صورته أدنى رتب البلاغة وأقربها من أفهام العامة والأمم الأعجمية إذا كتب إليهم
ثم قال فأما الكتب المعتدة عن السلطان فإن منها كتب الفتوحات (6/286)
والسلامات ونحوها وهي محتملة للألفاظ الفصيحة الجزلة والإطالة القاضية بإشباع المعنى ووصوله إلى أفهام كافة سامعيه من الخاص والعام ومنها كتب الخراج وجبايته وأمور المعاملات والحساب وهي لا تحتمل اللفظ الفصيح ولا الكلام الوجيز لأنها مبنية على تمثيل ما يعمل عليه وإفهام من لا يصل المعنى إلى فهمه إلا بالبيان الشافي في العبارة ومنها مخاطبته السلطان عن نفسه فيجب فيها مخاطبته على قدر مكانه من الخدمة من الألفاظ المتوسطة ولا يجوز أن يستعمل فيها الفصيحة التي لا تحتمل من تابع في حق متبوع لما فيه من تعاطي التفاصح على سلطانه وهو غير جائز في أدب الملوك وكذلك لا يجوز فيه تعاطي الألفاظ المبتذلة الدائرة بين السوقة لما في ذلك من الوضع من السلطان بمقابلته إياه بما لا يشبه رتبته
وأما الكتب الإخوانيات النافذة في التهاني والتعازي فإنها تحتمل الألفاظ الغريبة القوية الأخذ بمجامع القلوب الواقعة أحسن المواقع من النفوس لأنها مبنية على تحسين اللفظ وتزيين النظم وإظهار البلاغة فيها مستحسن واقع موقعه
قلت والذي تراعى الفصاحة والبلاغة فيه من المكاتبات عن الأبواب السلطانية في زماننا مكاتبات ملوك المغرب كصاحب تونس وصاحب تلمسان وصاحب فاس وصاحب غرناطة من الأندلس وكذلك القانات العظام من ملوك المشرق ومن يجري هذا المجرى ممن تشتمل بلاده على العلماء بالبلاغة وصناعة الكتابة ويظهر ذلك بالاستخبار عن بلادهم وبالإطلاع على كتبهم الصادرة عن ملوكهم إلى الأبواب السلطانية بخلاف من لا عناية له بذلك كحكام أصاغر البلدان وأصحاب اللغات العجمية من الروم والفرنج والسودان ومن في معناهم فإنه يجب خطابهم بالألفاظ الواضحة إلا أن يكون في بعض بلادهم من يتعاطى البلاغة من الكتاب ووردت كتبهم على نهجها فإنه ينبغي مكاتبتهم على سنن البلغاء (6/287)
الأصل التاسع أن يراعى رتبة المكتوب عنه والمكتوب إليه في الخطاب فيعبر عن كل واحد منهما في كل مكاتبة بما يليق به ويخاطب المكتوب إليه بما يقتضيه مقامه
فأما المكتوب عنه فيختلف الحال فيه باختلاف منصبه ورتبته
فإن كان المكتوب عن خليفة فقد جرت عادة من تقدم من الكتاب بالتعبير عنه في الكتب الصادرة عن أبواب الخلافة بأمير المؤمنين مثل أن يقال فجرى أمر أمير المؤمنين في كذا على كذا وكذا وأوعز أمير المؤمنين إلى فلان بكذا واقتضى رأي أمير المؤمنين كذا وخرج أمر أمير المؤمنين بكذا وتقدم أمر أمير المؤمنين إلى فلان بكذا وما شاكل ذلك وربما عبر عنه بالسلطان مثل أن يقال في حق المخالفين وحاربوا عساكر السلطان أو ومنعوا خراج السلطان وما أشبه ذلك يريدون الخليفة على ما ستقف عليه في الكتب التي نوردها في المكاتبات عن الخلفاء فيما بعد إن شاء الله تعالى
وقال ابن شيث في معالم الكتابة ويخاطب بالمواقف المقدسة الشريفة والعتبات العالية ومقر الحرامة الدحمة ومحل الشرف وذكر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف نحوه فقال ويخاطب بالديوان العزيز والمقام الأشرف والجانب الأعلى أو الشريف وبأمير المؤمنين مجردة عن سيدنا ومولانا ومرة غير مجردة مع مراعاة المناسبة والتسديد والمقاربة قال وسبب الخطاب بالديوان العزيز الخضعان عن مخاطبة الخليفة نفسه وتنزيل الخطاب منزلة من يخاطب نفس الديوان والمعني به ديوان الإنشاء إذ الكتب وأنواع المخاطبات إليه واردة وعنه صادرة
وقد سبق في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة نقلا عن ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب إنكار هذه الاستعارات والمخترعات وسيأتي في (6/288)
المكاتبة إلى الخلفاء ذكر ترتيبها إن شاء الله تعالى
وأن كان المكتوب عنه ملكا فقد جرت العادة أن يعبر عنه بنون الجمع للتعظيم فيقال فعلنا كذا وأمرنا بكذا واقتضت آراؤنا الشريفة كذا وبرزت مراسيمنا بكذا ومرسومنا إلى فلان أن يتقدم بكذا أو يتقدم أمره بكذا وما أشبه ذلك وذلك أن ملوك الغرب كانوا يجرون على ذلك في مخاطباتهم فجرت الملوك على سننهم في ذلك وفي معنى الملوك في ذلك سائر الرؤساء من الأمراء والوزراء والعلماء والكتاب ونحوهم من ذوي الأقدار العلية والأخطار الجليلة والمراتب السنية في الدين والدنيا ممن يصلح أن يكون آمرا وناهيا إذا كتبوا إلى أتباعهم ومأموريهم إذ كانت هذه النون مما يختص بذوي التعظيم دون غيرهم وشاهد ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى ( حتى إذا حضر أحدهم الموت قال رب ارجعون ) فدعاه دعاء المفرد لعدم المشاركة له في ذلك الاسم وسأله سؤال الجمع لمكان العظمة إلى غير ذلك من الآيات الواردة مورد الاختصاص له كما في قوله تعالى ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ) وقوله ( إنا نحن نحيي الموتى ) وقوله ( نحن الوارثون ) وغير ذلك من الآيات قال في معالم الكتابة وقد أخذ كتاب المغرب بهذا مع ولاة أمورهم في الجمع بالميم فخاطبوا الواحد مخاطبة الجمع مثل أنتم وفعلتم وأمرتم وما أشبه ذلك
قلت والأمر في ذلك عندهم مستمر إلى الآن قال ابن شيث وهو غير ما صور به عند غيرهم (6/289)
وإن كان المكتوب عنه مرؤوسا بالنسبة إلى المكتوب إليه كالتابع ومن في معناه فقال في مواد البيان ينبغي أن يتحفظ في الكتب النافذة عنه من الإتيان بنون العظمة وغيرها من الألفاظ التي فيها تعظيم شأن المكتوب عنه مثل أن يقول أمرت بكذا أو نهيت عن كذا أو أوعزت بكذا أو تقدم أمري إلى فلان بكذا أو أنهي إلي كذا أو خرج أمري بكذا وما في معنى ذلك مما لا يخاطب به الأتباع رؤساءهم بل يعدل عن مثل هذه الألفاظ إلى ما يؤدي إلى معناها مما لا عظمة فيه مثل أن يقول وجدت صواب الرأي كذا ففعلته ورأيت السياسة تقتضي كذا فأمضيته وما أشبه ذلك إن كان عرف الكتاب على الخطاب بالتاء وإلا قال وجد المملوك صواب الرأي كذا ففعله ورأى السياسة تقتضي كذا فأمضاه وما يجري هذا المجرى
وأما المكتوب إليه فقال أبو هلال العسكري في كتابه الصناعتين ينبغي أن يعرف قدر المكتوب إليه من الرؤساء والنظراء والعلماء والوكلاء ليفرق بين من يكتب إليه أنا أفعل كذا ومن يكتب إليه نحن نفعل كذا فأنا من كلام الأشباه والإخوان ونحن من كلام الملوك ويفرق بين من يكتب إليه فإن رأيت أن تفعل كذا وبين من يكتب إليه فرأيك قال في مواد البيان وذلك إن قولهم فإن رأيت أن تفعل كذا لفظ النظراء والمساوين بخلاف فرأيك فإنه لا يكتبه إلا جليل معظم لتضمنها معنى الأمر والتقدير فر رأيك بخلاف فإن رأيت فإنه لا أمر فيه إذ يقال فإن رأيت أن تفعل كذا فافعله على أن الأخفش قد أنكر هذا على الكتاب لأن أقل الناس يقول للسلطان انظر في أمري ولفظه لفظ الأمر ومعناه السؤال وذكر مثله في صناعة الكتاب عن النحويين قال في مواد البيان وحجة الكتاب أن المشافهة تحتمل ما لا تحتمله المكاتبة لأن المشافهة حاضر يحضر الإنسان لا يمكنه تقييده وترتيبه والماكتبة بخلاف ذلك فلا عذر لصاحبها في الإخلال بالأدب قال ابن شيث وقد اصطلحوا على أن يكتب في أواخر الكتب (6/290)
وللآراء العالية فضل السمو والقدرة إن شاء الله تعالى ودون ذلك وللرأي السامي حكمه ودونه والرأي أعلى ودونه والرأي موفق وموفقا بالرفع والنصب ودونه ورأيه للمجلس ورأيها للحضرة قال وربما قالوا فإن رأى مولانا أن يكون كذا وكذا أمر به أو فعل إلا أنها لا تقوم مقام قوله والرأي أعلى فأما لمن دونه فمحتمل وذكر أنه كان مصطلحهم أن يقال في آخر كتب السلطان فاعلم ذلك وأعمل به إن شاء الله تعالى وإن أعيان أصحاب الأقلام كانوا يكتبونه إلى من دونهم
قلت والذي استقر عليه الحال أن يكتب في مثل ذلك وللآراء العالية مزيد العلو وأن تختم الكتابة للأكابر بمثل فنحيط علمه بذلك ولمن دونهم فنحيط بذلك علما وللأصاغر فليعلم ذلك ويعتمده ونحو ذلك قال محمد بن إبراهيم الشيباني إن احتجت إلى مخاطبة الملوك والوزراء والعلماء والكتاب والأدباء والخطباء وأوساط الناس وسوقتهم فخاطب كلا منهم على قدر أبهته وجلالته وعلوه وارتفاعه وفطنته وانتباهه ولكل طبقة من هذه الطبقات معان ومذاهب يجب عليك أن ترعاها في مراسلتك إياهم في كتبك وتزن كلامك في مخاطبتهم بميزانه وتعطيه قسمته وتوفيه نصيبه فإنه متى أهملت ذلك وأضعته لم آمن عليك أن تعدل بهم عن طريقتهم وتسلك بهم غير مسلكهم وتجري شعاع بلاغتك في غير مجراه وتنظم جوهر كلامك في غير سلكه فلا تعتد بالمعنى الجزل ما لم تكسه لفظا مختلفا على قدر المكتوب إليه فإن إلباسك المعنى وإن صح إذا أشرب لفظا لم تجربه عادة المكتوب إليه تهجين للمعنى وإخلال لقدر المكتوب إليه وظلم يلحقه ونقص مما يجب له كما أن في إتباع متعارفهم وما انتشرت به عادتهم وجرت به سنتهم قطعا لعذرهم وخروجا عن حقهم وبلوغا إلى غاية مرادهم (6/291)
وإسقاطا لحجة أدبهم قال ابن عبد ربه فامتثل هذه المذاهب وأجر عليها القوم
قال في مواد البيان وذلك أن المعاني التي يكتب فيها وإن كان كل منها جنسا بعينه كالتهنئة والتعزية والاعتذار والعتاب والاستظهار ونحو ذلك فإنه لا يجوز أن يخرج المعنى لكل مخاطب على صيغة واحدة من اللفظ بل ينبغي أن يخرج في الصيغة المشاكلة للمخاطب اللائقة بقدره ورتبته ألا ترى أنك لو خاطبت سلطانا أو وزيرا بالتعزية عن مصيبة من مصائب الدنيا لما جاز أن تبني الكلام على وعظه وتبصيره وإرشاده وتذكيره وحضه على الأخذ بحظ من الصبر ومجانبة الجزع وتلقي الحادثات بالتسليم والرضا وإنما الصواب أن تبني الخطاب على أنه أعلى شانا وأرفع مكانا وأصح حزما وأرجح حلما من أن يعزى بخلاف المتأخر في الرتبة فإنه إنما يعزى تنبيها وتذكيرا وهداية وتبصيرا ويعرف الواجب في تلقي السراء بالشكر والضراء بالصبر ونحو ذلك
وكذلك إذا كاتبت رئيسا في معنى الاستزادة والشكوى لا يجوز أن تأتي بمعناهما ألفاظهما الخاصة بل يجب أن تعدل عن ألفاظ الشكوى إلى ألفاظ الشكر وعن ألفاظ الاستزادة إلى ألفاظ الاستعطاف والسؤال في النظر لتكون قد رتبت كلامك في رتبته وأخرجت معناك مخرج من يستدعي الزيادة لا من يشكو التقصير
قال ابن شيث في معالم الكتابة ولا يخاطب السلطان في خلال الكتابة إليه بسيدنا مكان مولانا فإن سيدنا كأنها خصصت بأرباب المراتب (6/292)
الدينية والديوانية وملانا تخص السلطان وحده وإن كان من نعوت السلطان السيد الأجل
قال على أن ذلك مخالف لمذهب المغاربة فإنهم يعبرون عن ولاة أمورهم بالسادة ويعبرون عن صاحب الأمر بسيدنا وكأن هذا كان في زمانه وإلا فالمعروف عند أهل المغرب والأندلس الآن التعبير عن السلطان بالمولى يقول أحدهم مولانا فلان وأهل مصر الآن يطلقون السادة على أولاد الملوك
وكذلك لو وقع واقع للسلطان فنصحته لم يجز أن تورد ذلك مورد التنبيه على ما أغفله والإيقاظ لما أهمله والتعريف من الصواب لما جهله لأن ذلك من القبيح الذي لا يحتمله الرؤساء من الأتباع ولكن تبني الخطاب على أن السلطان أعلى وأجل رأيا وأصح فكرا وأكثر إحاطة بصدور الأمور وأعجازها وأن آراء خدمه جزء من رأيه وأنهم إنما يتفرسون مخايل الإصابة بما وقفوا عليه من سلوك مذهبه والتأدب بأدبه والارتياض بسياسته والتنقل في خدمته وإن مما يفرضونه في حكم الإشفاق والاهتمام وما يسبغ عليهم من الإنعام المطالعة بما يجري في أوهامهم ويحدث في أفكارهم من الأمور التي يتخيلون أن في العمل بها مصلحة للدولة وعمارة للمملكة ليتصفحه بأصالة رأيه التي هي أوفر وأثبت فإن استصوبه أمضاه وإن رأى خلافه ألغاه وكان الرأي الأعلى ما يراه إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى
قال ابن شيث في معالم الكتابة ولا يقارن الكاتب السلطان في تكرار المواضع التي يقع الالتباس فيها بين الكاتب والمكتوب إليه لأن هاء الضمير تعود عليهما معا لما تقدم من ذكرهما وإن كان في القرينة ما يدل على ذلك بعد الفكرة وإذا ابتدأ معهم بالمملوك لا يقال بعد ذلك العبد ولا الخادم وإن كان ذلك جائزا مع غير السلطان
قال ولا بأس بتكرار الإشارة إلى السلطان في المواضع التي يجمل فيها الاشتراك بينه وبين المكتوب إليه مثل أن يقال وكان قد ذكر كذا وكذا (6/293)
والضمير في كان يصلح لهما معا فلا بد هنا من ذكر المملوك إن كان الالتباس من جهة الكاتب أو مولانا إن كانت الإشارة إلى السلطان
الأصل العاشر أن يراعي مواقع آيات القرآن والسجع في الكتب وذكر أبيات الشعر في المكاتبات
أما آيات القرآن الكريم فقد ذكر ابن شيث في معالم الكتابة أنها في صدر الكتب قد يذكرها الأدنى للأعلى في معنى ما يكتب به مثل قوله تعالى ( فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا ) وقوله تعالى ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ) إلى غير ذلك من الآيات المناسبة للوقائع وإن كانت في أثناء الكتب فقد أستشهد بها جماعة من الكتاب في خلال كتبهم مما رأيته
وأما السجع فقد ذكر ابن شيث أنه لا يفرق فيه بين كتاب الأعلى للأدنى وبالعكس وأنه بما يكتب عن السلطان أليق لكن قد ذكر بعض المتأخرين أن الكتابة بالسجع نقص في حق المكتوب إليه وقضيته أنه لا يكتب به إلا من الأعلى للأدنى إلا أن الذي جرى عليه مصطلح كتاب الزمان تخصيصه ببعض الكتب دون بعض من الجانبين
وأما الشعر فيورده حيث يحسن إيراده ويمنعه حيث يحسن منعه فليس كل مكاتبة يحسن فيها إيراد الشعر بل يختلف الحال في ذلك بحسب المكتوب (6/294)
عنه والمكتوب إليه فأما المكاتبات الصادرة عن الملوك والصادرة إليهم فقد ذكر في مواد البيان أنه لا يتمثل فيها بشيء من الشعر إجلالا لهم عن شوب العبارة عن عزائم أوامرهم ونواهيهم والأخبار المرفوعة إليهم بما يخالف نمطها ووضعها ولأن الشعر صناعة مغايرة لصناعة الترسل وإدخال بعض صنائع الكلام في بعض غير مستحسن
قلت الذي ذكره عبد الرحيم بن شيث في كتابه معالم الكتابة ومواضع الإصابة أنه يتمثل بالشعر في المكاتبات الصادرة عن الملوك دون غيرهم وهو معارض لما ذكره في مواد البيان وكأنه في مواد البيان يريد الكتب النافذة عن الملوك إلى من دونهم أو ممن دونهم إليهم أما الملوك والخلفاء إذا كتبوا إلى من ضاهاهم في أبهة الملك وقاربهم في علو الرتبة فإنه لا يمنع التمثل بأبيات الشعر فيها تطريزا للنثر بالنظم وجمعا بين جنسي الكلام اللذين هما خلاصة مقاصده وما زالت الخلفاء والملوك السالفة يخللون كتبهم الصادرة عنهم إلى نظرائهم في علو الرتبة بالأبيات الرقيقة الألفاظ البديعة المعاني للاستشهاد على الوقائع المكتوب بسببها كما كتب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حين تمالأ عليه القوم واجتمعوا على قتله إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه - طويل -
( فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق )
وكما كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى معاوية بن أبي سفيان في جواب كتاب له حين جرى بينهما التنازع في الخلافة فقال في أثناء كتابه وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت وعلى كلهم بغيت فإن يك ذلك كذلك فليست الجناية عليك فيكون العذر إليك - طويل (6/295)
( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ... )
وعلى ذلك جرى كثير من خلفاء الدولتين الأموية والعباسية كما حكى العسكري في الأوائل أن أهل حمص وثبوا بعاملها فأخرجوه ثم وثبوا بعده بعامل آخر فأمر المتوكل إبراهيم بن العباس أن يكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه ويختصر فكتب
أما بعد فإن أمير المؤمنين يرى من حق الله تعالى عليه فيما قوم به من أود أو عدل به من زيغ أو لم به من شعث ثلاثا يقدمن بعضهن أمام بعض فأولاهن ما يستظهر به من عظة وحجة ثم ما يشفعه به من تحذير وتنبيه ثم التي لا ينفع حسم الداء غيرها - طويل -
( أناة فإن لم تغن عقب بعدها ... وعيد فإن لم يجد أجدت عزائمه )
وممن كان يكثر التمثل بالشعر في المكاتبات من خلفاء بني العباس وتصدر إليه المكاتبات كذلك الناصر لدين الله حتى يحكى أن الملك الأفضل علي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب دمشق حين تعصب عليه أخوه الملك العزيز عثمان وعمه الملك العادل أبو بكر كتب إلى الناصر لدين الله يستجيشه عليهما كتابا يشير فيه إلى ما تعتقده الشيعة من أن الحق في الخلافة كان لعلي وأن أبا بكر وعثمان رضي الله عنهما تقدما عليه إذ كان الناصر يميل إلى التشيع وكتب فيه - بسيط -
( مولاي إن أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غصبا بالسيف حق علي ) (6/296)
( فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول )
فكتب إليه الناصر الجواب عن ذلك وكتب فيه - كامل -
( وافى كتابك يا ابن يوسف ناطقا ... بالحق يخبر أن أصلك طاهر )
( غصبوا عليا حقه إذ لم يكن ... بعد النبي له بيثرب ناصر )
( فاصبر فإن على الإله حسابهم ... وابشر فناصرك الإمام الناصر )
وعلى ذلك جرى الملوك القائمون على خلفاء بني العباس في مكاتباتهم أيضا كما كتب أبو إسحاق الصابي عن معز الدولة بن بويه إلى عدة الدولة أبي تغلب كتابا يذكر له فيه خلاف قريبين له لم يمكنه مساعدة أحدهما على الآخر واستشهد فيه بقول المتلمس - طويل -
( وما كنت إلا مثل قاطع كفه ... بكف له أخرى فأصبح أجذما )
( فلما استقاد الكف بالكف لم يجد ... له دركا في أن تبينا فأحجما )
وعلى هذا النهج جرى الحال في الدولة الأيوبية بالديار المصرية كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى ديوان الخلافة ببغداد عند قتل ابن رئيس الرؤساء وزير الخليفة كتابا ليسلي الخليفة عنه وكان ممن أساء السيرة وأكثر الفتك متمثلا بالبيتين المقولين في أبي حفص الخلال وزير أبي العباس السفاح وكان يعرف بوزير آل محمد - كامل -
( إن المكاره قد تسر وربما ... كان السرور بما كرهت جدير ) (6/297)
( إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزيرا )
وكما كتب القاضي محي الدين بن عبد الظاهر عن المنصور قلاوون إلى صاحب اليمن في جواب تعزية أرسلها إليه في ولده الملك الصالح مع تعريضه في أمر له بأن الحروب مما يشغل عن المصائب في الأولاد مستشهدا فيه بقوله - وافر -
( إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأهون ما تمر به الوحول )
وكما كتب صاحبنا الشيخ علاء الدين البيري رحمه الله عن الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية جوبا لصاحب تونس من بلاد المغرب واستشهد فيه لبلاغة الكتاب الوارد عنه بقوله - خفيف -
( وكلام كدمع صب غريب ... رق حتى الهواء يكثف عنده )
( راق لفظا ورق معنى فأضحى ... كل سحر من البلاغة عبده )
وعلى ذلك جرت ملوك المغرب من بني مرين وغيرهم كما كتب بعض كتاب السلطان أبي الحسن المريني عنه إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية كتابا يخبره في خلاله أن صاحب بجاية خرج عن طاعته فغزاه وأوقع به وبجيوشه ما قمعه مستشهدا فيه بقوله - سريع -
( إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضره )
إلى غير ذلك من المكاتبات الملوكية التي لا تحصى كثرة بل ربما وقع التمثيل بالشعر في المكاتبات عن الخلفاء والملوك إلى من دونهم وبالعكس (6/298)
كما حكى العسكري في الأوائل أن رافعا رفع كتابا إلى الرشيد وكتب في أسفله - طويل -
( إذا جئت عارا أو رضيت بذلة ... فنفسي على نفسي من الكلب أهون )
فكتب إليه الرشيد كتاب وكتب في أسفله - طويل -
( ورفعك نفسا طالبا فوق قدرها ... يسوق لك الحتف المعجل والذلا )
وبالجملة فمذاهب الناس في التمثيل بالشعر في المكاتبات الملوكية مختلفة ومقاصدهم متباينة بحسب الأغراض ولذلك أورد الشيخ جمال الدين بن نباتة هذه المسألة في جملة أسؤولته التي سأل عنها كتاب الإنشاء بدمشق مخاطبا بها الشيخ شهاب الدين محمودا الحلبي وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء بها فقال ومن كره الاستشهاد في مكاتبة الملوك بالأشعار وكيف تركها على ما فيها من الآثار
أما المكاتبات الإخوانيات الواقعة بالتهاني والتعازي والتزاور والتهادي والمداعبة وسائر أنواع الرقاع في فنون المكاتبات فقد قال في مواد البيان إنه يجوز أن تودع أبيات الشعر على سبيل التمثل وعلى سبيل الاختراع محتجا بأن الصدر الأول كانوا يستعملون ذلك في هذه المواضع وهذا الذي ذكره لا خفاء فيه وكتب الرسائل المدونة من كلام المتقدمين والمتأخرين من كتاب المشرق والمغرب شاهدة بذلك ناطقة باستعمال الشعر في المكاتبات وأثنائها ونهاياتها ما بين البيت والبيتين فأكثر حتى القصائد الطوال وأكثر ما يقع من ذلك البيت المفرد والبيتان فما حول ذلك كما استشهد القاضي الفاضل في بعض مكاتباته في الشوق بقوله - طويل -
( ومن عجبي أني أحن إليهم ... وأسأل عنهم من أرى وهم معي )
( وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي )
وكما كتب أيضا لبعض إخوانه في جواب كتاب - طويل (6/299)
( وكم قلت حقا ليتني كنت عنده ... وما قلت إجلالا له ليته عندي )
وكما كتب في وصف كتاب ورد عليه مستشهدا بقوله - كامل -
( وحسبته والطرف معقود به ... وجه الحبيب بدا لوجه محبه )
وكما كتب في كتاب تعزية بصديق مستشهدا فيه بقوله - طويل -
( وذاك الذي لا يبرح الدهر رزؤه ... ولا ذكره ما أرزمت أم حائل )
إلى غير ذلك من المكاتبات التي لا يأخذها حصر ولا تدخل تحت حد مما ستقف على الكثير منه في الكلام على مقاصد المكاتبات إن شاء الله تعالى
الأصل الحادي عشر أن يأتي في مكاتبته بحسن الاختتام
ويرجع إلى معنيين كما في حسن الافتتاح المقدم ذكره
المعنى الأول أن يكون الحسن فيه راجعا إلى المعنى المختتم به إما بمعاطاة الأدب من المرؤوس إلى الرئيس ونحو ذلك وإما بما يقتضي التعزيز والتوقير من الرئيس إلى المرؤوس كالاختتام بالدعاء ونحو ذلك مما يقع في مصطلح كل زمن
المعنى الثاني أن يكون الحسن فيه راجعا إلى ما يوجب التحسين من سهولة اللفظ وحسن السبك ووضوح المعنى وتجنب الحشو وغير ذلك من موجبات التحسين كما كتب الصاحب بن عباد في آخر رسالة له لئن حنثت فيما حلفت فلا خطوت لتحصيل مجد ولا نهضت لاقتناء حمد ولا سعيت إلى مقام فخر ولا حرصت على علو ذكر قال أبو هلال (6/300)
العسكري فهذه اليمين لو سمعها عامر بن الظرب لقال هي اليمين الغموس لا القسم باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى
قلت واعتبار هذه الأصول الأحد عشر بعد ما تقدم اعتباره في الكلام على صنعة إنشاء الكلام وترتيبه في المقالة الأولى من أنه لا يستعمل في كلامه ما أتت به آيات القرآن الكريم من الاختصار والحذف ومخاطبة الخاص بمخاطبة العام ومخاطبة العام بمخاطبة الخاص ولا ما يختص بالشعر من صرف مالا ينصرف وحذف ما لا يحذف وقصر الممدود ومد المقصور والتقديم والتأخير والإضمار في موضع الإظهار وتصغير الاسم في موضع التعظيم مثل دويهية وما شاكل ذلك مما تقدم التنبيه عليه في موضعه فلا بد من اعبتاره هنا
الأصل الثاني عشر أن يعرف مقادير قطع الورق وسعة الطرة والهامش وسعة بيت العلامة ومقدار ما بين السطور وما يترك في آخر الكتاب
أما مقدار قطع الورق فقد تقدم في المقالة الثالثة أنه يختلف باختلاف المكتوب إليهم عن السلطان فكلما عظم قدر المكتوب إليه عظم مقدار قطع الورق وربما روعي في ذلك قدر المكتوب عنه والمكتوب إليه جميعا (6/301)
وأما طول الطرة في أعلى الكتاب فقد ذكر في معالم الكتابة أنها تطول فيما إذا كان الكتاب من الأعلى إلى الأدنى وتكون متوسطة من الأتباع وسيأتي أن المصطلح عليه في زماننا أن المكاتبات الصادرة عن السلطان تكون الطرة فيها ما بين ثلاثة أوصال إلى وصلين ومن النواب ومن في معناهم تكون وصلا واحدا
وأما مقدار سعة الهامش فقد سمعت بعض فضلاء الكتاب يذكر أن الضابط فيه أن يكون ثلث عرض الدرج المكتوب فيه
وأما بيت العلامة فقد تقدم أنه يكون مقدار نحو شبر في كتب السلطان أما في غيره حيث كانت العلامة تحت البسملة فتكون نحو ثلاثة أصابع أو أربعة
وأما سعة ما بين السطور فقد تقدم أنها تكون بمقدار نصف بيت العلامة وذكر ابن شيث أنها ثلاثة أصابع أو أربعة
وأما ما يترك في آخر الكتاب فقد ذكر ابن شيث أنه لا يترك في آخر المكاتبة شيئا
وأما الخط فإنه كلما غلظ القلم واتسعت السطور كان أنقص في رتبة (6/302)
المكتوب إليه وقد ذكر في معالم الكتابة أن الكتب الصادرة إلى السلطان لا يكون بين سطورها أكثر من إصبعين
الطرف الثاني في بيان مقادير المكاتبات وما يناسبها من البسط والإيجاز وما يلائم كل مكاتبة منها من المعاني
ولتعلم أن المكاتبات على ثلاثة أقسام
القسم الأول ما يكتب عن السلطان أو من معناه من الرؤساء إلى الأتباع وهي على ضربين
الضرب الأول ما يعمل فيه على الإيجاز والاختصار
وقد استحسنوا الإيجاز في خمسة مواضع
أحدها أن يكون المكتوب عن السلطان في أوقات الحروب إلى نواب الملك قال في حسن التوسل فيجب أن يتوخى الإيجاز والألفاظ البليغة الدالة على القصد من غير تطويل ولا بسط يضيع المقصد ويفصل الكلام بعضه من بعض ولا يعمد في ذلك إلى تهويل لأمر العدو يضعف القلوب ولا تهوين لأمره بحيث يحصل به الاغترار
الثاني أن يكون ما يكتب به عن السلطان خبرا يريد التورية به عنه وستر حقيقته كإعلامهم بالحوادث الحادثة على الملوك والنوائب الملمة بالدولة من هزيمة جيش أو تغيير رسم أو إحداثه أو تكليف الرعية ما لا يسهل عليها تكليفه وما أشبه ذلك قال في مواد البيان فيجب أن يقصد في ذلك الاختصار والإيجاز ويعدل عن استعمال الألفاظ الخاصة بالمعنى إلى غيرها مما يحتمل التأويل ولا تنفر الأسماع عنه ولا تراع القلوب به من غير أن يحتمل كذبا (6/303)
صراحا فإنه لا شيء أقبح بالسلطان ولا أغمص لشأنه وقدره من أن يضمن كتابه ما ينكشف للعامة بطلانه قال وينبغي للكاتب أن يتخلص من هذا الباب التخلص الجيد الذي يزين به الأثر من غير تصريح بكذب وأن يخرج الباطل في صورة الحق ويعرض سلطانه في ذلك للإحماد والتقريظ من حيث يستحق التأنيب والإذمام فإن هذه سبيل البلاغة وطريقة فضلاء الصناعة لأن الأمر الظاهر الحسن المجمع على فضله لا يحتاج في التعبير عن حسنه إلى كد الخاطر وإتعاب الفكر إذ الألكن لا يعجز عن التعبير عنه فضلا عن اللسن وإنما الفضل في تحسين ما ليس بحسن وتصحيح ما ليس بصحيح بضروب من التمويه والتخييل وإقامة المعاذير والعلل المعفية على الإساءة والتقصير من حيث لا يلحق كذب صريح ولا زور مطلق ولضيق هذا المقام وصعوبة مرتقاه أورده الشيخ جمال الدين بن نباتة في جملة مسائلة التي سأل عنها كتاب الإنشاء بدمشق فقال وما الذي يكتب عن المهزوم إلى من هزمه
الثالث أن يكون المكتوب به عن السلطان أمرا أو نهيا قال في مواد البيان فحكمها حكم التوقيعات الوجيزة الجامعة للمعاني الجازمة بالأمر أو النهي اللهم إلا أن يكون الأمر أو النهي مما يحتاج إلى رسوم ومثل يعمل عليها فيحتاج إلى الإطالة والتكرير بحسب ما يؤمر به وينهى عنه دون الحذف والإيجاز
الرابع أن تكون الكتب المكتوبة عن السلطان باستخراج الخراج وجباية الأموال وتدبير الأعمال قال في مواد البيان فسبيلها أن ينص فيها على ما رآه السلطان ودبره ثم يختتم بفصل مقصور على التوكيد في امتثال أمره (6/304)
وإنفاذه ولا يقتصر على ما تقدم إيجابا للحجة وتضييقا للعذر وحسما لأسباب الاعتذار
الخامس أن يكون ما يكتب به عن السلطان إحمادا أو إذماما أو وعدا أو وعيدا أو استقصارا أو عذلا أو توبيخا قال في مواد البيان فيجب أن يشبع الكلام ويمد القول بحسب ما يقتضيه أمر المكتوب إليه في الإساءة والإحسان والاجتهاد والتقصير لينشرح صدر المشمر المحسن وينبسط أمله ورجاؤه ويرتدع المقصر المسيء ويرتجع عما يذم منه ويتلافى ما فرط فيه
الضرب الثاني ما يعمل فيه على البسط والإطناب
وقد استحسنوا البسط في موضعين
أحدهما أن يكون ما يكتب به السلطان خبرا يريد تقرير صورته في نفوس العامة كالإخبار بالفتوحات المتجددة في إعلاء الدين والسلطان قال في مواد البيان فيجيب أن يشبع القول فيها ويبني على الإسهاب والإطناب وتكثير الألفاظ المترادفة ليعرفوا قدر النعمة الحادثة وتزيد بصائرهم في الطاعة ويعلو موضع سلطانهم من عناية الله تعالى به فتقوى قلوب أوليائه وتضعف قلوب أعدائه لأنه لو كتب كتابا في فتح جليل ليقرأ في المحافل والمشاهد العامة على رؤوس الأشهاد بين العامة ومن يراد تفخيم السلطان في نفسه على صورة الاختصار لأوقع كلامه في غير رتبته ودل ذلك على جهله وقد أوضح الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله هذا المقام في كتابه حسن التوسل فقال وإذا كتب في التهاني بالفتوح فليس إلا بسط الكلام والإطناب في شكر نعمة الله تعالى والتبري من الحول والقوة إلا به ووصف ما أعطى من النصر وذكر ما منح من الثبات وتعظيم ما يسر من الفتح ثم وصف ما بعد ذلك من عزم وإقدام وصبر وجلد عن الملك وعن جيشه مما حسن وصفه ولاق ذكره وراق التوسع فيه وعذب بسط الكلام معه قال ثم كلما اتسع (6/305)
مجال الكلام في ذكر الواقعة ووصفها كان أحسن وأدل على السلامة وأدعى لسرور المكتوب إليه وأحسن لتوقع المنة عنده وأشهى إلى سمعه وأشفى لغليل شوقه إلى معرفة الحال قال ولا بأس بتهويل أمر العدو ووصف جمعه وإقدامه فإن في تصغير أمره تحقيرا للظفر به
قال في مواد البيان ولا يحتج للإيجاز في كتب الفتوح بما كتب به كاتب المهلب بن أبي صفرة إلى الحجاج في فتح الأزارقة على ارتفاع خطره وطول زمانه وعظم صيته من سلوكه فيه مسلك الاختصار حيث كتب فيه
الحمد لله الذي كفى بالإسلام فقد ما سواه وجعل الحمد متصلا بنعماه وقضى أن لا ينقطع المزيد من فضله حتى ينقطع الشكر من خلقه ثم إنا كنا وعدونا على حالين مختلفين نرى منهم ما يسرنا أكثر مما يسوءنا ويرون منا ما يسوءهم أكثر مما يسرهم فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم ينصرنا الله ويخذلهم ويمحصنا ويمحقهم حتى بلغ الكتاب بناديهم أجله ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )
فإنه إنما حسن في موضعه لمخاطبة السلطان به ولغرض كانت المكاتبة فيه قال فإن كتب مثل هذا الكتاب عن السلطان في مثل هذا الفتح أو ما يقاربه ليورد على العامة ويقرر في نفوسهم به قدر النعمة لم يحسن موقعه (6/306)
وخرج عن شرط البلاغة بوضعه إياه في غير موضعه وذكر العسكري نحو ذلك في الصناعتين
ثم قال في حسن التوسل وإن كان المكتوب إليه ملكا صاحب مملكة بمفرده تعين أن يكون البسط أكثر والإطناب والتهويل أبلغ والشرح أتم ثم قال وإن اضطر أن يكتب مثل ذلك إلى ملك غير مسلم لكنه غير محارب فالحكم في ذلك أن يذكر من أسباب المودة ما يقتضي المشاركة في المسار وأن أمر هذا العدو مع كثرته أخذ بأطراف الأنام وآل أمره إلى ما آل ويعظم ذكر ما جرى عليه من القتل والأسر ويقول إن تلك عوائد نصر الله تعالى لنا وانتقامه ممن عادانا
وإن كان المكتوب إليه متهما بممالأة العدو كتب إليه بما يدل على التقريع والتهكم والتهديد في معرض الإخبار
الثاني أن يكون ما يكتب به عن السلطان في أوقات حركات العدو إلى أهل الثغور يعلمهم بالحركة للقاء عدوهم قال في حسن التوسل فيجب أن يبسط القول في وصف العزائم وقوة الهمم وشدة الحمية للدين وكثرة العساكر والجيوش وسرعة الحركة وطي المراحل ومعاجلة العدو وتخييل أسباب النصر والوثوق بعوائد الله تعالى في الظفر وتقوية القلوب منهم وبسط آمالهم وحثهم على التيقظ وحفظ ما بأيديهم وما أشبه ذلك ويبرز ذلك في أمثل كلام وأجله وأمكنه وأقربه من القوة والبسالة وأبعده من اللين والرقة ويبالغ في وصف الإنابة إلى الله تعالى واستنزال نصره وتأييده والرجوع إليه في تثبيت الأقدام والاعتصام به في الصبر والاستعانة به على العدو والرغبة إليه في خذلانهم وزلزلة أقدامهم وجعل الدائرة عليهم دون التصريح ببطلان حركتهم ورجاء تأخرهم وانتظار العرضيات في ضعفهم لما في ذلك (6/307)
من إيهام الضعف عن لقائهم واستشعار الوهم والخوف منهم
القسم الثاني ما يكتب به عن الأتباع إلى السلطان والطبقة العليا من الرؤساء وهو على ضربين
الضرب الأول ما يعمل فيه على الإيجاز والاختصار
وقد استحبوا الإيجاز في ثلاثة مواضع
أحدها أن يكون ما يكتب به من باب الشكر على نعمة يسبغها سلطانه عليه وعارفة يسديها إليه قال في مواد البيان فسبيله أن لا يبنيها على الإسهاب وتجاوز الحد بل يبينها على اللفظ الوجيز الجامع لمعاني الشكر المشتمل على أساليب الاعتراف والاعتداد فإن إطناب الأصاغر في شكر الرؤساء داخل في باب الإضجار والإبرام ولا سيما إذا رجعوا إلى خصوصية وتقدم خدمة وكذلك لا يكثر من الثناء عليه لأن ذلك من باب الملق الذي لا يليق إلا بالأباعد الذين لم يتقدم لهم من الموات والحرم ما يدل على صحة عقائدهم ولم يضف عليهم من النعم ما يوجب خلوص نياتهم أما إذا كان المثني أجنبيا متكسبا بالتقريظ والثناء فإنه لا يقبح به الإيغال والإغراق فيهما قال وكذلك لا ينبغي للخاصة الإكثار من الدعاء وتكريره في صدور الكتب عندما يجري ذكر الرئيس فإن في ذلك مشقة وكلفة يستثقلها الملوك والحكم فيما يستعمل من ذلك في الكتب شبيه بما يستعمل شفاها منه ويقبح من خادم السلطان أن يشغل سمعه في مخاطبته إياه بكثرة الدعاء وتكريره
الثاني أن يكون ما يكتب به التابع إلى السلطان ونحوه في سؤال حسن (6/308)
النظر وشكوى الفقر والخصاصة قال في مواد البيان فيبني القول على الإيجاز ويمزج الشكوى بالشكر والاعتداد بالآلاء والرغبة في مضاعفة الإحسان والزيادة في البر والإلحاق بالطبقة الرابعة في إيلاء العوارف فإن ذلك أعطف لقلب الرئيس وأدعى إلى بلوغ الغرض ولا يكثر شكوى الحال ورثاثتها واستيلاء الخصاصة والفقر عليه فإن ذلك يجمع إلى الإضجار والإبرام شكاية الرئيس بسوء حال مرؤوسه وقلة ظهور نعمته عليه وذلك مما يكرهه الرؤساء ويذمونه
الثالث أن يكون ما يكتب به التابع إلى المتبوع من باب التنصل والاعتذار عن شيء قرف به عند رئيسه قال في مواد البيان فسبيله أن يبني كلامه على الاختصار ويعدل عن الإسهاب والإطناب ويقصد إلى النكت التي تزيل ما عرض عنده من الشبهة في أمره وتمحو الموجدة السابقة إلى ضمير رئيسه ولا يصرح ببراءة الساحة عن الإساءة والتقصير فإن ذلك مما يكرهه الرؤساء من أتباعهم لأن عادتهم جارية بإيثار اعتراف الخدم بالتقصير والتفريط والإقرار بالمقروف به ليكون لهم في العفو عند الإقرار موضع منة مستأنفة تستدعي شكرا وعارفة مستجدة تقتضي نشرا أما إذا أقام التابع الحجة على براءته مما قرف به فلا موضع للإحسان إليه في إقراره على منزلته والرضا عنه بل يكون ذلك قدرا واجبا له إن منعه إياه ظلمه وتعدى عليه
الضرب الثاني ما يعمل فيه على البسط والإطناب
وقد استحبوا البسط هنا في موضع واحد وهو ما إذا كان ما يكتب به (6/309)
التابع إلى السلطان واقعا في باب الإخبار بأحوال ما ينظر فيه من الأعمال وما يجري على يديه من المهمات قال في مواد البيان فسبيله أن يوفي حقه في الشرح والبيان ويسلك فيه طريقة يجمع فيها بين إيضاح الأغراض من غير هذر يضجر ويمل ولا اختصار يقصر ويخل وأن يقصد إلى استعمال الألفاظ السهلة التي تصل معانيها إلى الأفهام من غير كلفة ويتجنب ما يقع فيه تعقيد وتوعير أو إبهام إلا أن يعرض له في المكاتبة ما يحتاج إلى التورية والكناية كما تقدم فيما إذا أطلق عدو لسانه في السلطان فإنه يحتاج إلى الكناية عنه على ما مر
القسم الثالث ما يكتب به إلى الأكفاء والنظراء والطبقة الثانية من الرؤساء
قال في مواد البيان وسبيل مكاتبتهم أن يؤتى فيها باللفظ المساوي للمعنى من غير إيجاز ولا إطناب لأنها رتبة متوسطة بين الرتبتين المتقدمتين ولا يخفى أن ما ذكره إنما هو عند الوقوف مع حقائق المكاتبات أما الإخوانيات المطلقة فإنها تكون في الطول والقصر بحسب ما بين الصديقين من المودة والقرب وما يعلمه كل واحد منهما من خلق الآخر وما توجبه دالته عليه
وسيأتي في مقاصد المكاتبات من أمثلة الأقسام الثلاثة ما يوضح مقاصدها ويقرب مآخذها إن شاء الله تعالى
الطرف الثالث في أمور تختص بالأجوبة وفيه جملتان
الجملة الأولى في بيان أي الأمرين من الابتداء والجواب أعلى رتبة وأبلغ في صناعة الكتابة
وقد اختلف الكتاب في ذلك فذهب أكثر البلغاء إلى أن الكتب الجوابية (6/310)
أتعب مطلبا وأصعب مرتقى من الكتب الابتدائية وأن فيها تظهر مهارة الكاتب وحذقه لا سيما إذا كان الخاطب محتملا للاعتذار والاعتلال عن امتثال الأوامر والنواهي والتورية عن نصوص الأحوال والإعراض عن ظواهرها قائدا إلى استعمال المغالطة موجبا للانفصال عن الاحتجاج والإلزام ونحو ذلك مما يؤدي إلى الخلاص من المكاره
واحتجوا لترجيح ذلك بوجوه
منها أن المبتدىء محكم في كتابه يبتديء بألفاظه كيف شاء ويقطعها حيث يشاء ويتصرف في التقديم والتأخير والحذف والإثبات والإيجاز والإسهاب ويبني على أساس يؤسسه لنفسه والمجيب ليس له تقديم ولا تأخير وإنما هو تابع لغرض المبتدىء بان على أساسه
ومنها أن المجيب إذا كان جوابه محتملا للإشباع والتوسع مضطر إلى اقتصاص ألفاظ المبتدىء واتباعها للإجابة عنها وذلك يؤدي إلى تصفح كلام المبتدىء والمجيب ويصل ما بين الكلامين لأن الكلامين يتقابلان فلا تخفى رتبتهما والفاضل منهما من الرذل وهذا مرفوع عن المبتدىء
ومنها أن تأليف الكلام وانتظامه واتساقه والتئامه يقدر منها المبتدىء على ما لا يقدر عليه المجيب لأن الجواب يفصل أجزاء الكلام ويبدد نظامه ويقسمه أقساما لمكان الحاجة إلى استئناف القول من الفصل بعد الفصل بقول وأما كذا وأما كذا فظهور الصورة المستحسنة في المتصل أكثر من ظهورها في المنفصل
أما إذا كان الجواب مقتضبا مبنيا على امتثال مأمور أو انتهاء عن منهي عنه فإنه سهل المرام قريب المتناول لأنه إنما يشتمل على ذكر وصول الكتاب والعمل بما فيه (6/311)
وذهب صاحب مواد البيان إلى أن الابتداء والجواب في ذلك على حد واحد وإن كان الكاتب قد يجيد في الابتداء ولا يجيد في الجواب وبالعكس محتجا لذلك بأن كلا من المبتدىء والمجيب ممتاح من جودة الغريزة محتاج من البلاغة والصناعة إلى ما يحتاج إليه الآخر لأن الكاتب يكون تارة مبتدئا وتارة مجيبا وليست الإجابة بصناعة على حيالها ولا البداية بصناعة على حيالها بل هما كالنوعين للجنس ولا منع من أن يكون الكاتب ماهرا في نوع دون نوع
قال والكاتب لا يكون في الأمر الأعم كاتبا عن نفسه وإنما يكون كاتبا عن آمر يأمره بالكتابة في أغراضه ويسلمها إليه منثورة فيحتاج إلى نظمها وضمها وإبرازها في صورة محيطة بجميع الأغراض من غير إخلال بشيء منها فعلى المبتدىء من المشقة في إيراد أغراض المكتوب عنه في الصورة الجامعة لها مع نظمها في سلك البلاغة مثل ما على المجيب من المشقة في توفية فصول كتاب المبتدئ حقها من الإجابة والتصرف على أوضاع ترتيبها بل كلفة المجيب قريبة لأنه يستنبط من نفس معاني كتاب المبتدئ للمعاني التي يجيب بها لأن الجواب لا يخلو من أن يكون يوافق الابتداء أو يناقضه فإن وافقه فالأمر سهل وإن ناقضه فإن كل نقيض قائم في الوهم على مقابلة نقيضه إلا أنه أتعب على كل حال من الموافق ولا شك أن الجواب بتجزئته قد خف تحمله إذ ليس من يجمع خاطره على الفصل الواحد حتى يخرج عن جوابه كمن يجمع خاطره على الكتاب كله ثم قال وليس القصد مما ذكرناه مناقضة مشايخ صناعتنا ولكن القصد تعريف الحق الذي يجب اعتقاده والعمل عليه (6/312)
الجملة الثانية في بيان ترتيب الأجوبة
واعلم أن للجواب حالتين
الحالة الأولى أن يكون الجواب من الرئيس إلى المرؤوس عما كتب به الرئيس إليه فالذي ذكره في مواد البيان أن للرئيس أن يبني حكاية كتاب مرؤوسه إليه في جوابه على الاختصار ويجمع معانيه في الألفاظ وجيزة محيطة بما وراءها كأن يقول وصل كتابك في معنى كذا وفهمناه
الحالة الثانية أن يكون الجواب من المرؤوس إلى الرئيس عما كتب به الرئيس إليه قال في مواد البيان والواجب في هذه الحالة أن يحكي فصول كتاب رئيسه على نصها ويقصها على وجهها من غير إخلال بشيء منها إعظاما لقدر الرئيس وإجلالا لخطابه قال وليس للمجيب إن مر في كتاب الرئيس بلفظة واقعة في غير موضعها أن يبدلها بغيرها لما في ذلك من الإشارة إلى أن هذا أصح من كتاب رئيسه في ألفاظه ومعانيه قال ولا يجوز الخروج عن حكاية لفظ رئيسه في كتابه بحال اللهم إلا أن يكون الكتاب الوارد على المجيب في معنى الشكر والتقريظ من رئيسه له والثناء عليه في قيامه بالخدمة فإنه لا يجوز أن يأتي به على نصه لأنه يصير بذلك مادحا نفسه ومدح الإنسان نفسه غير سائغ ولا يجوز أن يهمل ذكره جملة لأنه يكون قد أخل بما يجب من شكره له على تشريف رتبته بإحماده له والثناء عليه بل الواجب أن يوقع تلك الصفة على جملة تجعل نفسه بعضا منها مثل أن يقول فأما ما وصفه من اعتداده بخادمه في جملة من نهض بحقوق خدمته وقام بفرض طاعته فأهله لما يرفع الأقدار من إحماده وثنائه ويعلي الأخطار من شكره ودعائه وما يضاهي هذا من العبارة التي تشتمل على معاني ألفاظ رئيسه فإنه إذا قصد هذا السبيل في حكاية كتاب رئيسه في هذا المعنى فقد جمع بين البلاغة والإتيان على معاني ألفاظ رئيسه في رئيسه والأدب في ترك التفخيم لنفسه بإضافته لها إلى جملة الخاصة دون إيقاع المدح عليها فقط (6/313)
قلت هذا هو الترتيب الذي يجب اعتماده في الأجوبة فلا يجوز الخروج عنه إلى غيره على أن كتاب زماننا قد اطرحوا النظر في ذلك جملة وصاروا يكتبون الأجوبة بحسب التشهي فمنهم من يحكي الكتاب الذي يقع الجواب عنه بنصه مطلقا سواء كان من رئيس أو مرؤوس وبالعكس مع قطع النظر عما وراء ذلك فتنبه لهذه الجملة فإنها دقيقة جليلة (6/314)
الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الرابعة في ذكر أصول المكاتبات وترتيبها وبيان لواحقها ولوازمها وفيه طرفان
الطرف الأول في ذكر أصولها وترتيبها وفيه جملتان
الجملة الأولى في المكاتبات إلى أهل الإسلام
واعلم أن المكاتبات الدائرة بين المسلمين من صدر الإسلام وإلى زماننا لا يأخذها حد ولا تدخل تحت حصر
والمشهور استعماله منها في دواوين الإنشاء على اختلاف الأزمان خمسة عشر أسلوبا
الأسلوب الأول أن تفتتح الكتب بلفظ من فلان إلى فلان
قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل وأول من كتب بذلك قس ابن ساعدة الإيادي وعلى ذلك كانت مكاتبات النبي والسلف من الصحابة (6/315)
والتابعين رضوان الله عليهم فكان النبي يكتب ( ( من محمد رسول الله إلى فلان ) ) ثم كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته من أبي بكر خليفة رسول الله ثم كتب عمر بعده من عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله إلى فلان فلما لقب بأمير المؤمنين زاد في ذلك لفظ عبد الله قبل عمر ولقب أمير المؤمنين بعده فكان يكتب من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى فلان ولم يزل الأمر على ذلك إلى خلافة هارون الرشيد فأمر أن يزاد في صدور الكتب بعد فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على جده محمد عبده ورسوله فجرى الأمر على ذلك في زمنه وما بعده قال أبو هلال العسكري في الأوائل وكان ذلك من أجل مناقبه قال صاحب ذخيرة الكتاب وكان الرشيد قد قال ليحيى بن خالد إني قد عزمت على أن يكون في كتبي من عبد الله هارون الإمام أمير المؤمنين عبد رسول الله فقال له يحيى قد عرف الله نيتك في هذا يا أمير المؤمنين وأجزل لك الأجر والتعبد إنما هو لله وحده لا لغيره قال فأكتب من هارون مولى محمد رسول الله فقال إن المولى ربما كان في كلام العرب ابن العم وجزى الله أمير المؤمنين خيرا عن هذه النية وهذا الفكر
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بلفظ لفلان من فلان أو إلى فلان من فلان وبقية الصدر والتخلص بأما بعد أو غيرها والاختتام بالسلام وغيره على ما تقدم في الأسلوب الأول
وقد اختلف العلماء في جواز الابتداء في المكاتبة باسم المكتوب إليه فذهب جماعة من العلماء إلى جواز ذلك محتجين بأن الصحابة رضي الله (6/316)
عنهم وبعض الملوك كانوا يكتبون إلى النبي كذلك كما كتب إليه خالد ابن الوليد والنجاشي والمقوقس في إحدى الروايات على ما سيأتي ذكره في المكاتبات إلى النبي فيما بعد إن شاء الله تعالى
وقد روي أن رسول الله قال ( ( إذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه إلا إلى والد أو والدة أو إمام يخاف عقوبته ) ) وعن نافع قال كانت لابن عمر إلى معاوية حاجة فقال له ولده إبدأ به في الكتاب فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله الرحمن الرحيم إلى معاوية من عبد الله بن عمر وعن الأوزاعي أنه كان يكتب إلى عمر بن عبد العزيز فيبدأ به فلا ينكر ذلك وعن سعيد بن عبد العزيز قال كتب عمر يعني ابن عبد العزيز إلى الحجاج فبدأ بالحجاج قبل نفسه فقيل له في ذلك فقال بدأت به لأحقن دم رجل من المسلمين قال سعيد فحقن له دمه وعن بكر بن عبد الله أنه كتب إلى عامل في حاجة فكتب بسم الله الرحمن الرحيم إلى فلان من بكر فقيل له أتبدأ باسمه فقال وما علي أن أرضي صاحبي وتقضى حاجة أخي المسلم قال في صناعة الكتاب وعلى ذلك جرى التعارف في المكاتبة إلى الإمام
وذهب قوم إلى كراهة ذلك لأنه مأخوذ عن ملوك العجم قال ميمون بن مهران كان العجم يبدأون بملوكهم إذا كتبوا إليهم وقد روي عن العلاء بن الحضرمي أنه كتب إلى النبي فبدأ بنفسه وعن الربيع بن أنس قال ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله وكان أصحابه يكتبون إليه يبدأون بأنفسهم وعلى ذلك جرى في نهاية الأرب فقال كان أصحاب رسول الله وأمراء (6/317)
جيوشه يكتبون إليه كما يكتب إليهم يبدأون بأنفسهم وعن ميمون بن مهران أنه قال كان ابن عمر إذا كتب إلى أبيه كتب من عبد الله بن عمر إلى عمر بن الخطاب وعن يحيى بن سعيد القطان قال قلت لسفيان الثوري أكتب إلى أمير المؤمنين يعني المهدي قال إن كتبت إليه بدأت بنفسي قلت فلا تكتب إليه إذن وهذه الأقوال كلها جانحة إلى ترجيح بداءة المكتوب عنه بنفسه قال أبو جعفر النحاس وهذا عند أكثر الناس هو الإجماع الصحيح لأنه هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم
ولتعلم أن الذاهبين إلى جواز الابتداء باسم المكتوب إليه اختلفوا فذهب قوم إلى أنه إنما يكتب إلى فلان من فلان كما تقدم في كتاب ابن عمر إلى معاوية ولا يكتب لفلان من فلان واستشهد لذلك بما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال يكتب الرجل من فلان إلى فلان ولا يكتب لفلان وبما روي عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال كانوا يكرهون أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم لفلان من فلان لكن قد روي أن رجلا كتب عند ابن عمر بسم الله الرحمن الرحيم لفلان من فلان فقال ابن عمر مه فإن اسم الله هو له إذن ومقتضى ذلك أن الكراهة إنما هي لإيهام أن البسملة للمكتوب إليه لا للابتداء باسم المكتوب إليه
وذهبت طائفة إلى جواز أن يكتب لفلان من فلان واحتج لذلك بما روي عن مالك بن انس عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كتب إلى عبد الملك ابن مروان بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر وهو ظاهر فقد كانت مكاتبة خالد بن الوليد والنجاشي والمقوقس لمحمد رسول الله على ما سيأتي ذكره وعلى ذلك كانت (6/318)
المكاتبة للخلفاء فكان يكتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من عماله وغيرهم لعبد الله عمر أمير المؤمنين وعلى ذلك جرى الحال في المكاتبة إلى سائر الخلفاء بعده على ما ستقف عليه في مواضعه إن شاء الله تعالى
الأسلوب الثالث أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد
وعليه ورد بعض المكاتبات الصادرة عن النبي وعن الخلفاء من الصحابة فمن بعدهم في صدر الإسلام على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
وكانوا بعد حدوث الدعاء في المكاتبات يتبعونها بالدعاء بطول البقاء غالبا فيقال أما بعد أطال الله بقاءك ونحو ذلك ثم أضرب بعض الكتاب بعد ذلك قال أبو هلال العسكري في كتابه الصناعتين وكان الناس فيما مضى يستعملون في أوائل فصول الرسائل أما بعد وقد تركها جماعة من الكتاب فلا يكادون يستعملونها قال وأظنهم ألموابقول ابن القرية وقد سأله الحجاج عما ينكره من خطابته فقال إنك تكثر الرد وتشير باليد وتستعين بأما بعد فتحاموها لهذه الجهة ثم قال فإن استعملتها إتباعا للسلف ورغبة فيما جاء فيها من التأويل أنها فصل الخاطب فهو حسن وإن تركتها توخيا لمطابقة أهل عصرك وكراهة للخروج عما أصلوه لم تكن ضائرا أما الآن فقد ترك الابتداء في الكتب بأما بعد حتى لا يكاد يعول عليها في الابتداء كاتب من كتاب الزمان ولا يفتتح بها مكاتبة نعم يؤتى بها في أثناء بعض (6/319)
المكاتبات على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
وقد تقدم الكلام على معناها وأول من قالها في الكلام على الفواتح في المقالة الثالثة وكتاب المغاربة ربما افتتحوا مكاتباتهم بلفظ وبعد
الأسلوب الرابع أن تفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد لله
وأصل هذه المكاتبة مختلس من الأسلوب الأول من قولهم فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ثم جاء عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية فأطال التحميدات في صدور الكتب مع الإتيان بأما بعد وتبعه الكتاب على ذلك ثم توسعوا فيه حتى كرروا الحمد المرات في الكتاب الواحد لا سيما في أماكن النعم الحادثة كالفتوحات ونحوها ثم توسع بعض الكتاب في ذلك حتى جعل الحمد لله افتتاحا واستمر ذلك إلى الآن وعلى ذلك بعض المكاتبات السلطانية في زماننا على ما ستقف على ذلك جميعه في مواضعه إن شاء الله تعالى
ولا خفاء في أن الحمد أفضل الافتتاحات وأعلى مراتب الابتداآت وإن لم يقع الابتداء به في صدر الإسلام فهو من المبتدعات المستحسنة وحيث افتتحت المكاتبة بالحمد لله كان التخلص منها إلى المقصود بأما بعد وربما وقع التخلص بغير ذلك ويكون الاختتام فيها تارة بالسلام وتارة بالدعاء وتارة بغير ذلك قال ابن شيث في معالم معالم الكتابة والتحميد في أول الكتب لا (6/320)
يكون إلا في الكتب المكتوبة عن السلطان قال وغاية عظمة الكاتب أن يكرر التحميد ثانية وثالثة في الكتاب ثم يذكر الشهادتين والصلاة على النبي
قلت والتكرار في الحمد يكون بحسب مقدار النعمة المكتوب بسببها من فتح ونحوه
الأسلوب الخامس أن تفتتح الكتاب بلفظ كتابي إليك أو كتابنا إليك من موضع كذا أو في وقت كذا والأمر على كذا وتشرح القضية وتختم المكاتبة بكتابنا إليك بنحو قولك فإن رأيت أن تفعل كذا فعلت والمكاتبة بكتابي إليك بنحو قولك فرأيك في كذا وما يجري هذا المجرى
والأصل في هذه المكاتبة أن النبي كان يكتب في بعض المكاتبات الصادرة عنه هذا كتاب من محمد رسول الله إلى فلان أو إلى الجماعة الفلانيين فلما كان أيام بني بويه في أثناء الدولة العباسية استخرج كتابها من هذا المعنى الابتداء بكتابي إليك إذا كانت المكاتبة إلى النظير ومن في معناه والابتداء بكتابنا إليك إذا كانت المكاتبة عمن له رتبة نون العظمة من الملوك ونحوهم وكانوا يتبعون ذلك بالدعاء بطول البقاء نحو كتابي إليك أطال الله بقاءك أو كتابنا إليك أطال الله بقاءك وربما عبر بهذه الخدمة وما أشبه ذلك ويكون التخلص فيه إلى المقصد بواو الحال مثل أن يقال كتابي إليك والأمر على كذا وكذا ونحو ذلك وربما وقع التخلص بخلاف ذلك ويكون الاختتام فيه تارة بالسلام وتارة بالدعاء وتارة بغير ذلك وكتاب المغرب عدلوا عن لفظ الاسم في كتابي إلى لفظ الفعل مثل أن يقال كتبنا إليك أو كتبت (6/321)
إليك والأمر على كذا أو من موضع كذا
الأسلوب السادس أن تقع المكاتبة بلفظ كتب بصيغة الفعل
وهذه المكاتبة كان يكتب بها عن الوزراء ومن في معناهم إلى الخلفاء فيكتب الوزير ونحوه كتب عبد أمير المؤمنين أو كتب العبد من محل خدمته بمكان كذا والأمر على كذا وكذا وعلى نحو من ذلك يجري كتاب المغاربة في الكثير من كتبهم مثل إنا كتبنا إليكم من محل كذا أو كتبت إليك من محل كذا وما أشبه ذلك وهذه في الأصل مأخوذة من الأسلوب الذي قبل
الأسلوب السابع أن يقع الافتتاح بالدعاء
والأصل في ذلك ما حكاه أبو جعفر النحاس إن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند جريان الخلاف ووقوع الحرب بينهما أما بعد عافانا الله وإياك من السوء ثم زاد الناس في الدعاء بعد ذلك
وقد اختلف في جواز المكاتبة بالدعاء في الجملة فذهب ذاهبون إلى جواز ذلك كما يجوز الدعاء في غير المكاتبة سواء تضمن الدعاء معنى الدوام والبقاء أم لا وهو الذي رجحه محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة وإليه يميل كلام غيره أيضا وحكاه النحاس عن أبي جعفر أحمد بن سلامة وكلامه يميل إلى ترجيحه أما ما يتضمن معنى الدوام والبقاء فلما روي أن النبي قال لأبي اليسر كعب ابن علية اللهم أمتعنا به قال النحاس وذلك دليل الجواز بل حكي عن بعضهم أن الدعاء بطول البقاء (6/322)
أكمل الدعاء وأفخمه لأن كل نعمة لا ينتفع بها إلا مع طول البقاء ثم قال والمعنى في الدعاء في المكاتبات التودد والتحبب وقد أمر المسلمين أن يكونوا إخوانا ومن أخوتهم ود بعضهم بعضا وكذلك القول بما يؤكد الأخوة بينهم والمودة من بعضهم لبعض وإذا قال له ذلك كان قد بلغ من قلبه نهاية مبلغ مثله منه ويكون من قال ذلك قد علم من قلبه في شأنه ما يكون من قلب مثله وقد قال الشيخ محيي الدين النووي من قال لصاحبه حفظا لمودة أدام الله لك النعم ونحو ذلك فلا بأس به
وأما ما لم يتضمن معنى الدوام والبقاء كالعز والكرامة فقد روي عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال من رأى منكم مقتل حمزة فقلت أعزك الله أنا رأيته وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخل جرير بن عبد الله على النبي فضن الناس بمجالسهم فلم يوسع له أحد فرمى له رسول الله ببردته وقال اجلس عليها يا جرير فتلقاها بوجهه ونحره فقبلها ثم ردها على ظهره وقال أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني فقد دعا له كعب بن مالك بالعز وجرير بن عبد الله بالكرامة ولم ينكر ذلك على واحد منهما
وذهب آخرون إلى أنه لا تجوز المكاتبة بالدعاء سواء تضمن معنى الدوام والبقاء أم لا لأنه خلاف ما وردت به السنة وجرى عليه اصطلاح السلف
وفصل بعضهم فقال إن كان الدعاء مما لا يتضمن معنى الدوام والبقاء نحو أكرمك الله بطاعته وتولاك بحفظه وأسعدك بمعرفته وأعزك بنصره جاز لحديثي كعب بن مالك وجرير بن عبد الله المتقدمين وإن كان مما (6/323)
يتضمن معنى الدوام والبقاء نحو أطال الله بقاءك ونسأ أجلك وأمتع بك وما أشبه ذلك لم تجز المكاتبة به
واحتج لذلك بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي قالت اللهم أمتعني بزوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال لها رسول الله لقد دعوت لآجال مضروبة وأرزاق مقسومة لا يتقدم منها شيء قبل أجله ولا يتأخر بعد أجله ولو سألت الله أن يقيك عذاب النار لكان خيرا لك وبما روي أن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال للنبي جعلني الله فداك فقال له النبي أما تركت أعرابيتك بعد فقد أنكر على أم حبيبة والزبير الدعاء بما فيه طول البقاء وإذا امتنع ذلك في مطلق الدعاء امتنع في المكاتبة من باب أولى لمخالفة طرقها التي وردت بها السنة قال حماد بن سلمة كانت مكاتبة المسلمين من فلان إلى فلان أما بعد سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده وآل محمد حتى أحدث الزنادقة لعنهم الله هذه المكاتبة التي أولها أطال الله بقاءك
وعن إسماعيل بن إسحاق أن أول من كتب أطال الله بقاءك الزنادقة وقد قال الإمام الرافعي وغيره من أئمة أصحابنا الشافعية إن الدعاء بالطليقة وهي أطال الله بقاءك لا أصل له في الشرع قال الشيخ محيي الدين النووي وقد نص السلف على كراهته ونقل النحاس عن بعضهم أنه استحب تقييده بالإضافة إلى شيء آخر مثل أن يكتب أطال الله بقاءك في طاعته وكرامته أو أطال الله بقاءك في أسر عيش وأنعم بال وما أشبه ذلك
واعلم أن الناس قد اختلفوا في صورة الابتداء بالدعاء فالأولون لابتداع الدعاء في المكاتبات كانوا يفتتحون بطول البقاء للخلفاء وغيرهم ثم توسعت الطبقة الثانية من الكتاب في المكاتبة فافتتحوا بالدعاء للخلفاء والملوك بخلود الملك ودوام الأيام ودوام السلطان وخلوده وما في معنى ذلك (6/324)
ولمن دونهم بعد النصر والنصرة والأنصار بدوام النعمة وخلود السعادة ومد الظل وإسباغ الظلال وغير ذلك مما يأتي ذكره في الكلام على مصطلح كل طبقة فيما بعد إن شاء الله تعالى
ثم للكتاب في الخطاب بالدعاء مذهبان
أحدهما أن يقع الدعاء بلفظ الخطاب نحو أطال الله بقاءك وأعزك الله وأكرمك الله وأدام كرامتك وسعادتك وما أشبه ذلك
والثاني أن يقع بلفظ الدعاء للغائب مثل أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأطال الله بقاء سيدي وأطال الله بقاء مولانا أو أعز الله أنصار المقام أو المقر أو ضاعف الله تعالى نعمة الجناب أو أدام الله نعمة الجناب أو المجلس وما أشبه ذلك
قال في صناعة الكتاب وهو أجل الدعاء فيما اصطلحوا عليه قال ورأيت علي بن سليمان ينكر ذلك ويقول الدعاء للغائب جهل باللغة ونحن ندعو الله عز و جل بالمخاطبة
الأسلوب الثامن أن يفتتح الكتاب بالسلام
ويقع التخلص إلى المقصود بلفظ ونبدي لعلمه أو نحو ذلك ويقع الاختتام فيه بالسلام أيضا وهو منتزع من قولهم في صدر المكاتبة في الأسلوب الأول سلام عليك فإني أحمد إليك الله تصرف الكتاب فيه فجعلوا السلام في ابتداء المكاتبة وصاروا يبتدئونها بنحو سلام الله ورحمته وبركاته وقد كانوا يبتدئون المكاتبة إلى الخلفاء ببغداد في الدولة الأيوبية بالديار المصرية بالسلام في بعض الأحيان وعلى ذلك استقرت المكاتبة عن الخليفة الآن وبه يفتتح (6/325)
بعض المكاتبات إلى مشايخ الصوفية على ما سيأتي في الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى
قال في صناعة الكتاب وإنما قدموا السلام على الرحمة لتصرفه لأنه من أسماء الله تعالى أو جمع سلامة قال في مواد البيان أو اسم للجنة كما في قوله تعالى ( لهم دار السلام عند ربهم ) ثم عقب ذلك بأن قال والسلام في هذا الموضع من السلامة وتقديم السلامة التي تكون في الدنيا أولى من تقديم الرحمة التي تكون في الآخرة
الأسلوب التاسع أن يفتتح الكتاب بيقبل الأرض
ويتخلص إلى المقصود بلفظ وينهي ويقع الاختتام بطالع أو أنهى وهذه المكاتبة مما هو موجود في بعض مكاتبات القاضي الفاضل ولم أرها فيما قبله وكأنهم لما استعملوا في صدور المكاتبات إلى الخلفاء المكاتبة بيقبل الأرض والعتبات ونحو ذلك استنبطوا منه ابتداء مكاتبة وجعلوها لمكاتبة الرؤساء من السلطان ومن في معناه بالنسبة إلى المرؤوس والأصل في ذلك أن تحية الملوك والرؤساء والأكابر في الأمم الخالية كانت بالسجود كما يحيي المسلمون بعضهم بعضا بالسلام وقد قال قتادة في قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف عليهم السلام ( وخروا له سجدا ) كانت تحية الناس يومئذ سجود بعضهم لبعض وعليه حمل قوله تعالى ( وإذ قلن لملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ) على أحد التفاسير وهو المرجح عند الإمام فخر الدين وغيره من المفسرين قال الشيخ عماد الدين بن كثير رحمه الله في تفسيره وكان ذلك (6/326)
مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا قال معاذ يا رسول الله إني قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك فقالا لا لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها من عظم حقه عليها وعن صهيب أن معاذا لما قدم من اليمن سجد للنبي فقال يا معاذ ما هذا قال إن اليهود تسجد لعظمائها وعلمائها ورأيت النصارى تسجد لقسيسيها وبطارقتها قلت ما هذا قالوا تحية الأنبياء فقال كذبوا على أنبيائهم وعن سفيان الثوري عن سماك بن هانيء قال دخل الجاثليق على علي بن أبي طالب فأراد أن يسجد له فقال له علي اسجد لله ولا تسجد لي
فلما وردت شريعة الإسلام بنسخ التحية بالسجود وغلب ملوك العجم على الأقطار استصحبوا ما كان عليه الأمر في الأمم الخالية وعبروا عنه بتقبيل الأرض فرارا من اسم السجود ولورود الشريعة بالنهي عنه واستمر ذلك تحية الملوك إلى الآن فاستعار الكتاب ذلك ونقلوه من الفعل إلى اللفظ فاستعملوه في مكاتباتهم إلى الخلفاء والملوك ثم توسعوا في ذلك فكاتبوا به كل من له عظمة بالنسبة إلى المكتوب عنه ورتبوه مراتب على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ولا خفاء فيما في هذه المكاتبة من الكراهة
الأسلوب العاشر أن يفتتح الكتاب بيقبل اليد وما في معناها من الباسط والباسطة
ويقع التخلص منه إلى المقصود بما يقع به التخلص في الأسلوب الذي (6/327)
قبله من الانتهاء ويختم بالدعاء ونحوه
والأصل في هذه المكاتبة أن يقبل اليد وما في معناها مما يؤذن بالتعظيم والتبجيل والتكريم وعلو القدر وزيادة الرفعة مع أنه ليس بممنوع في الشريعة فقد ثبت في الصحيحين في حديث الإفك أنه لما أنزل الله تعالى براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال لها أبوها قومي إلى النبي فقبلي يده ولم يكن الصديق رضي الله عنه ليأمرها بما هو ممنوع في الشريعة وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أنه يجوز تقبيل يد العالم والرجل الصالح ونحوهما فاستعار الكتاب ذلك ونقلوه من الفعل إلى الكتابة أيضا كما فعلوا في تقبيل الأرض ورتبوه مراتب على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى على أن بعض الكتاب قد جعل يقبل القدم رتبة بين يقبل الأرض ويقبل اليد وما في معناها وهو ظاهر لكنه لم يشتهر في عرف الكتاب
الأسلوب الحادي عشر أن يفتتح الكتاب بلفظ صدرت المكاتبة
ويتلخص فيها إلى المقصود بلفظ وتوضح لعلمه أو موضحة لعلمه وما أشبه ذلك ويقع الاختتام فيها بمثل والله الموفق ونحو ذلك وربما قيل فيها أصدرت هذه المكاتبة أو أصدرناها
وأصل هذه المكاتبة أنه كان يكتب في الدولة السلجوقية ببغداد والدولة الأيوبية بالديار المصرية صدرت هذه الخدمة أو أصدرت هذه الخدمة وربما كتب صدرت هذه الجملة فعدل عنه كتاب الزمان بالديار المصرية ومن قاربهم إلى التعبير بقولهم صدرت هذه المكاتبة على أن كتاب الزمان بالديار المصرية إنما أخذوها من صدور المكاتبات المفتتحة بالدعاء مثل أعز الله أنصار المقر حيث يقال في تصديرها أصدرناها ومثل ضاعف الله (6/328)
نعمة الجناب وأدام الله نعمة الجناب أو المجلس وما أشبه ذلك حيث يقال في تصديرها صدرت هذه المكاتبة فجعلوا الصدور ابتداء
الأسلوب الثاني عشر أن يفتتح الكتاب بلفظ هذه المكاتبة
ويتخلص منها إلى المقصود بنحو ما وقع التخلص به في الأسلوب الذي قبله ويقع الاختتام بمثل ما وقع به اختتامه
وهذه المكاتبة مأخوذة في الأصل من ابتدائهم في الأسلوب الخامس بلفظ كتابي إليك وما في معناه على أن كتاب الزمان إنما أخذوا ذلك من المكاتبة التي قبلها فجعلوا بعض الصدر فيها ابتداء كما جعلوا جميع الصدر ابتداء في الأسلوب الذي قبلها
الأسلوب الثالث عشر أن يفتتح الكتاب بالإعلام
كما يكتب كتاب الزمان يعلم فلان أن الأمر كذا وكذا والاختتام فيها بمثل الأسلوبين اللذين قبلها ولا تخلص فيها لأن الافتتاح فيها موصل إلى المقصود على أن الصواب إثبات اللام في أولها بأن يقال ليعلم فلان لأن لام الأمر لا يجوز حذفها على ما تقرر في آخر المقالة الثالثة وعلى ذلك كتب غازان أحد ملوك بني جنكزخان ببغداد وما معها إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية وكتب الجواب عن الملك الناصر إليه كذلك على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
الأسلوب الرابع عشر أن يفتتح الكتاب يلفظ يخدم
مثل يخدم الجناب أو يخدم المجلس وما أشبه ذلك ويكون (6/329)
التخلص منها بمثل وينهي أو ويبدي ونحو ذلك ويقع الاختتام فيها بالدعاء
وهذه المكاتبة كانت مستعملة في مكاتبات الفاضل بقلة وتداولها الكتاب بعد ذلك إلى أن صارت مستعملة بين الكتاب في المكاتبات الدائرة بين أهل الدولة في زماننا ثم رفضت بعد ذلك وتركت حتى لم يستعملها منهم إلا القليل النادر
الأسلوب الخامس عشر أن يفتتح الكتاب بلفظ الخلافة أو المقام الذي شأنها كذا أو الإمارة التي شأنه كذا
مثل خلافة فلان أو مقام فلان أو إمارة فلان وما أشبه ذلك ثم يقع التخلص في ذلك بمثل معظم مقامها يخصها بسلام صفته كذا ويبدي لعلمها كذا وما أشبه ذلك ويقع الاختتام فيها بالسلام وهذا الأسلوب مما اختص به كتاب المغرب لا سيما المتأخرون منهم على ما سيأتي ذكره في موضعه أن شاء الله تعالى
قلت ووراء هذه الأساليب أساليب أخرى لكتاب أهل الشرق والغرب بالديار المصرية في الأزمنة المتقدمة لا يأخذها حصر ولا تدخل تحت حد وأكثر ما تكون في الإخوانيات وسيأتي ذكر الكثير من أنواعها في مواضعه فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة الثانية في المكاتبات إلى أهل الكفر وللكتاب فيه أسلوبان
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان
وعلى ذلك كتب النبي إلى أهل الكفر وكان يكتب في (6/330)
مكاتباته السلام على من اتبع الهدى بدل والسلام ويتخلص فيها بأما بعد تارة وبغيرها أخرى وعلى ذلك جرى الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم وخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس ببغداد ومن شاركهم في الأمر من ملوك بني بويه وبين سلجوق ومن في معناهم وتختتم هذه المكاتبة تارة بلفظ والسلام على من ابتع الهدى إن لم يذكر السلام في الأول وتارة بغير ذلك
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بالدعاء
كما يكتب كتاب الزمان أطال الله بقاء الحضرة الفلانية حضرة لملك الفلاني أو أطال الله بقاء الملك الفلاني وما أشبه ذلك وقد تقدم الخلاف في أصل جواز المكاتبة بالدعاء وما قيل في الدعاء بطول البقاء وما في معناه من الكراهة وأن جماعة من العلماء والكتاب أجازوه
فإن قيل على تقدير جواز ذلك في حق المسلم فكيف يجوز في حق الكافر فالجواب أنه ورد قد أن النبي استسقى فسقاه يهودي فقال له جملك الله فما رؤي الشيب في وجهه حتى مات فقد دعا ليهودي بالجمال وقد لا يكون في طول بقائه على الإسلام ضرر بل قد يكون فيه نفع كحمل جزية ونحوه وإنما يمنع الدعاء له بالعز والنصر وما في معنى ذلك
تنبيه اعلم أن الأجوبة قد تفتتح بما تفتتح به الابتداءات من الأساليب المتقدمة ثم يؤتى بالأجوبة في أثنائها مثل أن يقال وقد وصل كتاب المجلس أو الجناب أو وردت مكاتبته أو عرضت مكاتبته على أمير المؤمنين أو على المسامع الشريفة وما أشبه ذلك وقد يجعل الجواب ابتداء فيفتتح الكتاب بنحو عرضت مكاتبتك على أمير المؤمنين مثلا كما كان يكتب في الزمن المتقدم أو عرضت المكاتبة الواصلة من جهة المجلس أو الجناب الفلاني على المسامع الشريفة أو وردت مكاتبته أو وصلت مكاتبته (6/331)
ونحو ذلك ويؤتى على ما تضمنته المكاتبة وما اقتضاه الجواب عنه ثم يؤتى في الاختتام بنظير ما يؤتى به في المكاتبة المبتدأة
الطرف الثاني في ذكر لواحق المكاتبات ولوازمها وفيه ست جمل
الجملة الأولى في الترجمة عن المكتوب عنه
أما الترجمة عن السلطان فقد ذكر ابن شيث أن مصطلح الدولة الأيوبية أن يكتب لأرباب خدمته العلامة فإنها أليق به معهم فإن أراد تمييز أحد منهم كتب له بخطه شيئا مكان العلامة وأن ترجمته للفقهاء والقضاة وذوي التنسك أخوه وولده وذكر أن الأحسن أن يقال في ولده محل ولده لقوله تعالى ( ادعوهم لآبائهم ) أما أخوه فلا حرج عليه فيه لقوله تعالى ( إنما المؤمنون إخوه ) وقوله ( فإخوانكم في الدين ) وذكر أنه يترجم لهؤلاء من ولي الأمر أيضا المعترف ببركته والمتبرك بدعائه والمرتهن بمودته وذكر أن الفقهاء والقضاة وذوي التنسك يترجمون عن أنفسم بالخادم ودون ذلك خادمه
قال وربما ترفعوا عن الترجمة بهذه اللفظة مطلقا فقالوا الخادم بالدعاء الصالح أو الخادم بدعائه قال وأهل الورع خاصة يترجمون بالفقير إلى رحمة الله وربما راعوا المترجم له مثل أن يكون ولي الأمر فيقول العبد الفقير إلى رحمة الله ويعني أنه عبد الله ويحصل بذلك المقصود من الأدب مع السلطان ومنهم من يكتب الداعي لدولته (6/332)
والمبتهل بدعائه الصالح لأيامه والمواظب على خدمته بالدعاء وأمثال ذلك قال وأكثر الناس يرى الترجمة لولده فإن ترجم له لم يسم اسمه لأنه ليس له والدان ولا أقل من أن يكون بينه وبين من يكتب بوالده غير الأب هذا الفرق فأما أن يقول والده فلان بن فلان بحيث يذكر اسم أبيه فقبيح ثم قد كانوا في الزمن الأول يكتفون بذكر اسم المكتوب عنه في صدر الكتاب وعنوانه نحو من فلان إلى فلان ثم أحدث الكتاب في أيام بني بويه وما بعدها تراجم رتبوها بعضها أرفع من بعض
وقد ذكر في ذخيرة الكتاب لذلك مراتب في الصدور والعنوان بعضها أعلى من بعض فجعل أعلاها بالنسبة إلى المكتوب عنه أن يكتب اسمه ودونه صديقه ودونه محبه ودونه شاكره ودونه المعتد به ودونه أخوه ودونه وليه ودونه عبده ودونه خادمه ودونه عبده وخادمه ودونه العبد ودونه العبد الخادم ودونه الصنيعة ودونه مملوكه ودونه المملوك ودونه المملوك الصنيعة وهو الأعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه ثم قال ويتفرع من هذه الأصول فروع كثيرة لا تحصر مما يختاره الكتاب ويقترحونه ويبتكرونه ويكاتبون به أصدقائهم وأوداءهم حسب ما تقتضيه موادتهم وتوجبه مصافاتهم كصفي مودته والمفتخر بمحبته والمعتمد على أخوته وعبد مودته وخادم مجده وشاكر أياديه وحامد تفضله والمعتد بتطوله وما يجري هذا المجرى مما هو أوسع من أن يجمع وأكثر من أن يحصر ولكنه أكثر ما يكون بين النظراء والأقران
ورتب عبد الرحيم بن شيث في معالم الكتابة ترتيبا آخر فذكر أن الترجمة إلى ديوان الخلافة من ذوي الولايات كلهم العبد ومن الملوك كلهم (6/333)
الخادم وأن الترجمة إلى الملوك من الأجناد كلهم المملوك مع النسبة إلى أشهر ألقاب الملك كالناصري للناصر والعادلي للعادل وما جرى مجرى ذلك ودون المملوك في الخضوع عبده ودونه وخادمه ودونه العبد مفردة ودونه مملوكه ودونه العبد الخادم لأن الثاني كأنه ناسخ للأول ودونه الخادم ودونه عبده ودونه خادمه ودونه عبده وأخوه ودونه أخوه ودونه شاكر تفضله ودونه شاكر إحسانه ودونه شاكر مودته ودونه وليه وصفيه ودونه محبه وواده وشاكره ودونه الاسم ودونه العلامة
ثم قال أما أصغر المماليك وما يجري مجراها فلا يليق من الأجانب ورأيت في دستور صغير في المكاتبات يعزى للمقر الشهابي بن فضل الله أن أكبر الآداب في اسم المكتوب عنه بالنسبة إلى المكتوب إليه المملوك ثم المملوك الرق ثم المملوك الأصغر ثم المملوك المحب ثم المملوك الداعي ثم مملوكه ومحبه ثم الخادم ثم خادمه ثم أخوه ثم محبه ثم شاكره ثم الفقير إلى الله تعالى ولا يخفى ما في بعض هذه التراجم من التخالف بين ما ذكره وما تقدم ذكره عن ذخيرة الكتاب
والذي استقر عليه الحال في زماننا في ترجمة العلامة بالقلم الشريف السلطاني أخوه ثم والده ثم الاسم وفي حق غيره المملوك ثم الاسم وربما كتب بعضهم العبد بدل الاسم تواضعا على أنهم قد اختلفوا في جواز الترجمة بالعبد والمملوك فذهب بعضهم إلى منع ذلك محتجا بما روي أن النبي قال لا يقولن أحدكم عبدي ولا أمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن غلامي وجاريتي والذي عليه العمل جواز ذلك احتجاجا بقوله تعالى ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ) والاستدلال به لا يخلو من نزاع وقضاة القضاة يكتبون الداعي (6/334)
الجملة الثانية في العنوان وفيه سبع لغات
حكاها صاحب ذخيرة الكتاب واقتصر في صناعة الكتاب على ذكر بعضها إحداها عنوان بضم العين وواو بعد النون والثانية عنيان بضم العين وياء تحتية بعد النون والثالثة عنيان بكسر العين والرابعة علوان بضم العين ولام بدل النون والخامسة علوان بفتحها والسادسة علوان بكسرها والسابعة عليان بالكسر مع إبدال الواو ياء ويجمع عنوان على عناوين وعلوان على علاوين ويقال عنونت الكتاب عنونة وعلونته علونة وعننته بنونين الأولى منهما مشددة تعنينا وعنيته بنون مشددة بعدها ياء تعنية وعنوته أعنوه عنوا بفتح العين وسكون النون وعنوا بضمهما وتشديد الواو
واختلف في اشتقاقه فمن قال عنوان جعله مأخوذا من العنوان بمعنى الأثر لأن عنوان الكتاب أثر بيان ممن هو وإلى من هو قال النحاس وأكثر الكتاب لا يعرف غير هذا واحتجوا لذلك بقول الشاعر يذكر قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه - بسيط -
( ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا )
وزعم بعضهم أن العنوان مأخوذ من قول العرب عنت الأرض تعنو إذا أخرجت النبات وأعناها المطر إذا أظهر نباتها قال النحاس فيكون عنوان على هذا فعلانا ينصرف في النكرة ولا ينصرف في المعرفة وقيل هو مأخوذ من عن يعن إذا عرض وبدا قال النحاس فعلى هذا ينصرف في النكرة والمعرفة لأنه فعلال
ومن قال علوان أبدل من النون لاما كما في صيدلاني وصيدناني (6/335)
فيكون الاشتقاق واحدا وقيل علوان مشتق من العلانية لأنه خط ظاهر على الكتاب
ومن قال عنيان وعنيان جعله من عنيت فلانا بكذا إذا قصدته قال في مواد البيان والعنوان كالعلامة وهو دال على مرتبة المكتوب إليه من المكتوب عنه والأصل فيه الإخبار عن اسمهما حتى لا يكون الكتاب مجهولا والمراد أنه يكتب فيه من فلان إلى فلان أو لفلان من فلان قال ولم يزالوا يكاتبون بأسمائهم إلى أن ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة ولقب أمير المؤمنين فكتب من عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم وقع الاصطلاح على العنونة للرؤساء والنظراء والمرؤوسين والأتباع بالأسماء ثم تغير هذا الرسم أيضا
وكان المأمون يكتب في أول عنوانات كتبه بسم الله الرحمن الرحيم فكانت تكتب قبل اسم المكتوب إليه والمكتوب عنه وقد ذكر أبو جعفر النحاس أن ذلك بقي إلى زمانه وكان بعد الثلثمائة قال في مواد البيان ثم بطل بعد ذلك قال والأصل فيه أن يبتدأ باسم المكتوب عنه ثم باسم المكتوب إليه وهو الترتيب الذي تشهد به العقول لأن نفوذ الكتاب من المكتوب عنه إلى المكتوب إليه كنشء الشيء وخروجه من ابتداء إلى نهاية فابتداؤه من المكتوب عنه وانتهاؤه إلى المكتوب إليه ولفظ من يتقدم لفظ إلى بالطبع لأن حرف من ينبيء عن منشأ الشيء والى حرف يخبر عن النهاية التي عندها قرار الشيء والابتداآت في الأشياء قبل النهايات
قال وعلى هذا كانت كتب رسول الله ومن سلف من الأمم الماضية ثم عرض للناس رأي في تغيير هذا الرسم إلى غيره ففرقوا بين مراتب المكاتبين من الرؤساء والعظماء والخدم والأتباع بتقديم اسم المكتوب (6/336)
إليه إذا قصدوا إعظامه وإجلاله وتأخير اسم المكتوب عنه ورأوا أنه الصواب الصحيح على أن كتاب زماننا يقتصرون في أكثر عنواناتهم على ذكر المكتوب إليه دون المكتوب عنه ولا يذكرون المكتوب عنه إلا في مكاتبات خاصة قليلة قال في صناعة الكتاب ولا يتكنى المكتوب عنه على نظيره بل يتسمى له ولمن فوقه ثم يقول المعروف بأبي فلان وإن كانت كنيته أشهر من اسمه واسم أبيه جاز أن يكتب كنيته بغير ألف ويجريها مجرى الأسم قال النحاس وإن كان الكتاب إلى اثنين أحدهما أكبر من الآخر فيقدم الأكبر وكذلك لو كان إلى ثلاثة قال أبو جعفر النحاس وقد استسحن جماعة أن يصغر اسم المكتوب عنه على عنوانات الكتب ورأوا أن ذلك تواضع وما ذكره هو المستعمل في المكاتبات الجاري عليه حكم الدواوين إلى زماننا والأصل في ذلك ما ذكره النحاس أن الحجاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان وهو خليفة في طومار لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين ثم كتب في طرته بقلم ضئيل من الحجاج بن يوسف فجرى الكتاب على أسلوبه فيما بعد
قال في معالم الكتابة ولا يكثر النعوت ولا الدعاء على العنوان للسلطان ولا للكبراء أما من الأعلى إلى الأدنى فحسن وقد تقدم في مقدمة الكتاب أن صاحب ديوان الإنشاء هو الذي يعنون الكتب السلطانية وأنها كانت لا تعنون قبل كتابة السلطان عليها علامته والذي استقر عليه الحال في كتب السلطان وما في معناها من المشتملة على الألقاب أن تكتب الألقاب في العنوان ويدعى فيها بدعوة واحدة وهي المفتتح بها المكاتبة (6/337)
الجملة الثالثة في طيه الكتاب وختمه
أما ط \ يه فمعروف وهو أن يلف بعضه على بعض لفا خاصا والطي في اللغة خلاف النشر ويقال طوى الكتاب يطويه طيا ومنه قوله تعالى ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) والترتيب في ذلك أن تكون الكتابة إلى داخل الكتاب لأن المقصود صون المكتوب فيه
ثم للناس في صورة الطي طريقتان
الطريقة الأولى أن يكون لفه مدورا كأنبوبة الرمح وهي طريقة كتاب الشرق من قديم الزمان وإلى الآن
والطريقة الثانية أن يكون طيه مبسوطا في قدر عرض أربعة أصابع مطبوقه وعلى ذلك كان الحال جاريا في الدولة الأيوبية بالديار المصرية فقد ذكر عبد الرحيم بن شيث من كتاب دولتهم أن طي الكتب السلطانية يكون عرض أربعة أصابع وكذلك من العلية إلى من دونهم أما الكتاب من الأدنى إلى الأعلى فلا يتجاوز به عرض إصبعين وهذا ظاهر في أن الطي يكون عريضا لا مدورا وهي طريقة أهل المغرب والروم والفرنج
وأما ختمه فالختم مصدر ختم يقال ختم الكتاب يختمه ختما ومعناه طبع ومنه قوله تعالى ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) والمراد شد رأس الكتاب والطبع عليه بالخاتم حتى لا يطلع أحد على ما في باطنه حتى يفضه المكتوب إليه على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى وهو أمر (6/338)
مطلوب مرغب فيه فمن كلام عمر رضي الله عنه طينة خير من ظنة يعني أن ختم الكتاب بطينة خير من ظنة تقع في الكتاب بالنظر فيه أو زيادة أو نقص والظنة التهمة ومن كلام غيره اختم تسلم ومن كلام غيره إن طينت وإلا وقعت يعني إن طينت الكتاب وإلا وقعت في المحذور ويقال إن في ختم الكتاب تعظيما للمكتوب إليه قال بزرجمهر أحد ملوك الفرس من لم يختم كتابا فقد استخف بصاحبه وجهل في رأيه وقد قيل إن أول من ختم الكتاب سليمان عليه السلام وقد فسر قوله تعالى حكاية عن بلقيس ( إني ألقي إلي كتاب كريم ) بأنه مختوم وعلى نهجه في ذلك جرت ملوك العجم قال في مواد البيان ولم تزل كتب العرب منشورة حتى كتب عمرو بن هند الصحيفة إلى المتلمس فقرأها ولم يوصلها فختمت العرب الكتب من حينئذ وقد ورد في الحديث أن النبي أراد أن يكتب إلى بعض العجم فقيل له يا رسول الله إنهم لا يقرأون كتابا غير مختوم فأمر أن يتخذ له خاتم حديد فوضعه في إصبعه فأتاه جبريل عليه السلام فقال له انبذه من (6/339)
إصبعك فنبذه وأمر أن يتخذ له خاتم نحاس فوضعه في إصبعه فأتاه جبريل عليه السلام فقال انبذه من إصبعك فنبذه ثم أمر أن يتخذ له خاتم فاتخذ له خاتم من فضة فختم به وكتب إلى من أراد أن يكتب من الأعاجم ونقش عليه محمد ثلاثة أسطر وكان الخاتم في يد رسول الله حتى قبضة الله تعالى ثم تختم به أبو بكر رضي الله عنه حتى قبض ثم تختم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى قتل ثم تختم به عثمان رضي الله عنه فبينما هو ذات يوم على بئر أريس من بئار المدينة إذ عبث بالخاتم فسقط من يده فنزح كل ما كان في البئر من الماء فلم يوجد فلما يئس منه أمر أن يصاغ له خاتم مثله وينقش عليه محمد رسول الله ففعل ذلك وتختم به هكذا أورده صاحب ذخيرة الكتاب وبعضه في الصحيح وقيل إن نقش الخاتم الذي اتخذه كان آمنت بالذي خلق فسوى وقيل كان نقشه لتصبرن أو لتندمن ثم كان لكل من الخلفاء بعد عثمان رضي الله عنه خاتم يختم به عليه نقش مخصوص فكان نقش خاتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه الملك لله الواحد القهار ونقش خاتم ابنه الحسن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ونقش خاتم معاوية بن أبي سفيان لكل عمل ثواب وقيل لا قوة إلا بالله ونقش خاتم يزيد بن معاوية ربنا الله ونقش خاتم معاوية بن يزيد الدنيا غرور ونقش خاتم مروان ابن الحكم الله ثقتي ورجائي ونقش خاتم عبد الملك ابن مروان آمنت بالله مخلصا ونقش خاتم الوليد بن عبد الملك يا وليد إنك ميت ومحاسب ونقش خاتم عمر بن عبد العزيز يؤمن بالله ونقش خاتم يزيد بن عبد الملك قني (6/340)
السيئات يا عزيز ونقش خاتم هشام بن عبد الملك الحكم للحكم الحكيم ونقش خاتم الوليد بن يزيد يا وليد احذر الموت ونقش خاتم يزيد بن الوليد يا يزيد قم بالحق ونقش خاتم إبراهيم بن الوليد توكلت على الحي القيوم ونقش خاتم مروان بن محمد اذكر الله يا غافل
وكان نقش خاتم السفاح أول خلفاء بني العباس الله ثقة عبد الله ونقش خاتم المهدي حسبي الله ونقش خاتم الرشيد العظمة والقدرة لله وقيل كن من الله على حذر ونقش خاتم الأمين محمد واثق بالله ونقش خاتم المأمون سل الله يعطيك ونقش خاتم المعتصم الله ثقة أبي إسحاق بن الرشيد وبه يؤمن ونقش خاتم الواثق الله ثقة الواثق ونقش خاتم المتوكل على الحي اتكالي ونقش خاتم المنتصر يؤتى الحذر من مأمنه ونقش خاتم المستعين في الاعتبار غناء عن الاختيار ونقش خاتم المعتز الحمد لله رب كل شيء وخالق كل شيء ونقش خاتم المهتدي من تعدى الحق ضاقت مذاهبه ونقش خاتم المعتمد السعيد من وعظ بغيره ونقش خاتم المعتضد الاضطرار يزيل الاختيار ونقش خاتم المكتفي بالله علي بن أحمد يثق ونقش خاتم المقتدر بالله الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء ونقش خاتم القاهر محمد رسول الله ونقش خاتم المتقي المتقي لله كلقبه للخلافة ونقش خاتم المستكفي المتسكفي بالله يثق ولم أقف على نقش خاتم أحد من الخلفاء غير هؤلاء
واعلم أنه كان للختم في أيام الخلفاء ديوان مفرد يعبر عنه بديوان الخاتم وقد اختلف في أول من اتخذ ديوان الخاتم فروى محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه قال لم يكن أبو (6/341)
بكر ولا عمر يلبسون خواتم ولا يطبعون كتابا حتى كتب زياد بن أبي سفيان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنك تكتب إلينا بأشياء ليست لها طوابع فاتخذ عند ذلك عمر طابعا يطبع به وخزم الكتاب ولم يكن قبل يخرم
ومقتضى ذلك أن يكون أول من اتخذ الختم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويكون لبسه خاتم النبي لغير الختم وذكر الطبري في تاريخه أن أول من اتخذ ذلك معاوية بن أبي سفيان في خلافته وذلك أنه أمر لعمرو بن الزبير بمائة ألف من عند زياد ففتح الكتاب وجعل المائة مائتين فلما رفع زياد حسابه أنكر ذلك معاوية وطلب عمرا فحبسه حتى قضاها عنه أخوه عبد الله بن الزبير واتخذ معاوية حينئذ ديوان الختم وخزم الكتاب ولم يكن قبل يخزم قال القاضي ولي الدين بن خلدون في تاريخه وديوان الختم عبارة عن الكتاب القائمين على إنفاذ كتب السلطان قال وهذا الخاتم خاص بديوان الرسائل وكان ذلك للوزير في أيام الدولة العباسية ويشهد لذلك قول الرشيد ليحيى بن خالد لما أراد أن يستوزر جعفرا ويستبدل به من الفضل أخيه إني أحول الخاتم من يمين إلى شمالي فكنى بالخاتم عن الوزارة لانضمام ديوان الرسائل إلى الوزير إذ ذاك ثم إختلف العرف بعد ذلك فصار ليس إليه الرسائل في الدولة
ثم للختم ثلاث صور
الصورة الأولى أن يلصق رأس الكتاب بنوع من أنواع اللصاق كالكثيراء المدافة بالماء والنشا المطبوخ ونحو ذلك وهذا هو المستعمل بالديار المصرية وبلاد المشرق من قديم الزمان وهلم جرا إلى زماننا والمستعمل بالدواوين هو النشا دون غيره لنصاعة بياضه وشدة لصاقه قال في مواد (6/342)
البيان ويجب أن يكون اللصاق خفيفا كالدهن لئلا يتكرس ويكثف في جانب الورق وقد كانت عادتهم في بلاد المشرق أيام الخلفاء أن يختم بخاتم الخليفة بأن يغمس في طين معد لذلك أحمر الصبغ ويختم به على طرفي اللصاق ليقوم مقام علامة الخليفة وكان هذا الطين يجلب إليهم من سيراف من بلاد فارس وكأنه مخصوص بها وعلى نهج الخلفاء جرى الملوك حينئذ والذي استقر عليه الحال الآن بالديار المصرية ونحوها من البلاد الشرقية الاقتصار على مجرد اللصاق اكتفاء بما فيه من الضبط وظهور فضه إن فض وهذه المسألة مما سأله الشيخ جمال الدين بن نباتة كتاب ديوان الإنشاء بدمشق مخاطبا به للشيخ جمال الدين محمود الحلبي فقال ومن ختم الكتاب بالطين وربطه ومن غير الطين إلى النشا وضبطه وقد سبق الكلام في النشا وسائر أنواع اللصاق في الكلام على آلات الدواة في المقالة الأولى
الصورة الثانية أن يخزم الكتاب من وسطه بالأشفار حتى تنفذ في بعض طيات الكتاب ثم تخرج من وجه الورق أيضا ويدخل فيه دسرة من الورق كالسير الصغير ويقط طرف الدسرة ثم يلصق على ذلك بشمع أحمر ثم يختم عليه بخاتم يظهر نقشه فيه ويسمى هذا النوع من الختم الخزم بالخاء والزاي المعجمتين أخذا من خزم البعير وهو أن يثقب أنفه ويجعل فيه خيطا أو نحوه ولعل هذه الطريقة من الختم هي التي كان عليها الحال حين أحدث الختم في صدر الإسلام ويدل على ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه في رواية الطبري (6/343)
المتقدمة وخزم الكتاب ولم يكن قبل يخزم وعلى هذا الآن أهل المغرب والروم والفرنج ومن في معناهم
الصورة الثالثة أن يلف على الكتاب بعد طيه قصاصة من الورق كالسير في عرض رأس الخنصر وتلف على الكتاب ثم يلصق رأسها ويكون ذلك في الرقاع الصغيرة المترددة بين الإخوان وتسمى القصاصة التي يلصق بها سحاءة بفتح السين وبالمد وتقال بكسر السين أيضا وربما قيل سحاية ويقال فيه سحوت الكتاب أسحوه سحوا وسحيته بالتشديد أسحيه تسحية فهو مسحو ومسحي ومسحى والأمر من سحوت الكتاب أسح ومن سحيته بالتشديد سح وأصله من السحو وهو القشر يقال سحوت اللحم عن العظم إذا قشرته
الجملة الرابعة في حمل الكتاب وتأديته
وهو من جملة الأمانات الداخلة في عموم قوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال من أعظم الأمانة أداء الكتاب إلى أهله قال محمد بن عمر المدائني حمل الكتاب أمانة وترك إيصاله خيانة وقد روي أن النبي قال من بلغ كتاب غاز في سبيل الله إلى أهله أو كتاب أهله إليه كان له بكل حرف عتق رقبة وأعطاه الله كتابه بيمينه وكتب له براءة من النار وقد نطق القرآن الكريم بتأدية الهدهد كتاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس حيث قال حكاية عن سليمان ( اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ) إلى أن قال ( قالت يأيها الملأ إني ألقى إلي كتاب كريم ) (6/344)
وقد وردت الأحاديث بأن النبي كان يبعث كتبه مع رسله إلى الملوك فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى أبرويز ملك الفرس وبعث دحية الكلبي إلى قيصر ملك الروم وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى الضحاك ملك الحبشة وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين وبعث عمرو بن العاص إلى عبد وجيفر ابني الجلندى ملكي عمان قال ابن الجوزي وبعث جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع الحميري
واعلم أنه يجب أن يكون حامل الكتاب المؤدى له عن الملك ونحوه وافر العقل شديد الشكيمة في الجواب طلق اللسان في المحاورة فإنه لسان ملكه وترجمان مرسله وربما سأله المكتوب إليه عن شيء أو أورد عليه اعتراضا فيكون بصدد إجابته وقد قيل إنه يستدل على عقل الرجل بكتابه ورسوله ومن غريب ما يروى في ذلك ما ذكره ابن عبد الحكم أن النبي لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر وبلغه كتاب النبي قال له ما منعه أن يدعو علي فيسلط علي قال له حاطب ما منع عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل فوجم ساعة ثم استعادها فأعادها عليه حاطب فسكت ويروى أنه حين سأله عن أمر النبي في حرب قومه وذكر له أن الحرب تكون بينهم سجالا تارة له وتارة عليه قال له المقوقس النبي يغلب فقال له حاطب فالإله يصلب يشيربذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السلام صلب مع دعواهم فيه أنه إله
وذكر السهيلي أن دحية الكلبي حين دخل على قيصر بكتاب النبي (6/345)
قال له دحية هل تعمل أكان المسيح يصلي قال نعم قال فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له وأدعوك إلى من دبر خلق السموات والأرض والمسيح في بطن أمه فألزمه من صلاة المسيح أنه عبد لله تعالى وضمن ذلك بيتا من أبيات له فقال - متقارب -
( فقررته بصلاة المسيح ... وكانت من الجوهر الأحمر )
ويحكى أن بعض ملوك الروم كتب إلى الخليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النصرانية عنده فإن قطعهم أسلموا فوجه إليه بالقاضي أبي بكر بن الطيب المالكي وكان من أئمة علماء زمانه فلما حضر المجلس واجتمع لديه علماء النصارى قال له بعضهم إن معتقدكم أن الأنبياء عليهم السلام معصومون في الفراش وقد رميت عائشة بما رميت به فإن كان ما رميت به حقا كان ناقضا لأصلكم الذي أصلتموه في عصمة الأنبياء في الفراش وإن كان غير حق كان مؤثرا في إيمان من وقع منه فقال القاضي أبو بكر إمرأتان حصينتان رميتا بالفرية إحداهما لها زوج ولا ولد لها والأخرى لها ولد ولا زوج لها يشير بالأولى إلى عائشة رضي الله عنها وبالثانية إلى مريم عليها السلام فسجدوا له على عادة تحيتهم في ذلك إلى غير ذلك من الوقائع التي لا تحصى كثرة
فإذا كان الرسول متمكنا من عقله عالما بما يأتي وما يذر كفى ملكه مؤونة غيبته وأجاب عن كل ما يسأل عنه وإذا كان بخلاف ذلك انعكست القضية ورجع على مرسله بالوبال ثم إن اقتضى رأي الملك زيادة في الرسالة على الرسول الواحد فعل ليتعاونا على ما فيه المصلحة ويتشاورا فيما يفعلان فقد ذكر السهيلي أن جبرا مولى أبي ذر الغفاري كان رسولا مع حاطب ابن أبي بلتعة إلى المقوقس وإن اقتضى الحال إرسال أكثر من اثنين أيضا فعل فقد ذكر ابن الجوزي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته (6/346)
بعث إلى قيصر ثلاثة رسل وهم هشام بن العاص ونعيم بن عبد الله ورجل آخر
ومما يجب التنبيه عليه أنه يحرم على حامل الكتاب النظر فيه والإطلاع على ما تضمنه قال محمد بن عمر المدائني في فض الكتاب إثم وسوء أدب
وساق بسنده إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال قال رسول أطلع في كتاب أخيه بغير إذنه أطلعه طلعة في النار
الجملة الخامسة في فض الكتاب وقراءته
أما فضه فالمراد فك ختمه وفتحه والفض في أصل اللغة الكسر والتفريق ومن الأول ما ثبت في الصحيح من قول القائلة لابن عمها في قصة الثلاثة الذين دعوا الله بأحب أعمالهم إتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه تريد إزالة بكارتها ومن الثاني ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) وقد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية أن الرسول أو البريدي الواصل إلى باب السلطان يقدمه الدوادار إلى السلطان ثم يتناول الكتاب منه ويمسح به وجه من حضر على يده ثم يدفعه إلى السلطان فيفض ختامه ثم يتناوله الدوادار من السلطان ويدفعه إلى كاتب السر فيقرأه على السلطان
واعلم أن لفض الكتاب حالتين
الحالة الأولى أن يكون مختوما باللصاق بالنشا على طريقة المشارقة وأهل الديار المصرية فيشق ظاهره على القرب من محل اللصاق بسكين ثم يفتح (6/347)
الحالة الثانية أن يكون مخزوما مسمرا بدسرة من الورق على عادة المغاربة ومن جرى مجراهم فيرفع الختم الملصق عليه من الشمع وتقلع الدسرة ويفتح الكتاب
وأما قراءة الكتب فإنه يجب أن يكون من يقرأ الكتب على الملوك ومن في معناهم ماهرا في القراءة فصيح اللسان في النطق رقيق حاشية اللسان في حسن الإيراد قوي الملكة في استخراج الخطوط المختلفة سريع الفهم في إدراك المعاني الخفية وأن تكون قراءته على رئيسه من سلطان أو غيره بحسب ما يؤثر ملكه أو أميره سماعه من السرعة والبطء وأن يكون ذلك بصوت غير خفي بحيث يعسر سماعه ولا مرتفع بحيث يعد صاحبه خارجا عن أدب المخاطبة للأكابر وأن يقرب لمن يقرأ عليه فهم المقاصد التي اعتاصت عليه إذا سأله عنها أو غلب على ظنه أنها لم تصل إلى فهمه بحسن إيراد وتلطيف عبارة يحسن موقعها في النفوس ويجمل وقعها في الأذهان
الجملة السادسة في كراهة طرح الكتاب بعد تخزيقه وهو فضه وحفظه بعد ذلك في الإضبارة
أما كراهة طرحه فقد قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة كرهوا تخزيق الرسائل ورميها في الطرق والمزابل خوفا على اسم الله تعالى أن يداس أو تلحقه النجاسة والأدناس قال وفي رفع ما طرح من (6/348)
الكتاب أعظم الرغائب وأجل الثواب وساق بسنده إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال قال رسول الله ما من كتاب يلقى ببقعة من الأرض فيه اسم من أسماء الله إلا بعث الله إليه سبعين ألف ملك يحفونه بأجنحتهم ويقدسونه حتى يبعث الله إليه وليا من أوليائه فيرفعه من الأرض ومن رفع كتابا من الأرض فيه اسم من أسماء الله تعالى رفع الله اسمه في عليين وخفف عن والديه العذاب وإن كانا مشركين ويروى من رفع قرطاسا من الأرض فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم إجلالا له أن يداس أدخله الله الجنة وشفعه في عشرين من أهل بيته كلهم قد وجب له النار
وأما حفظه في الإضبارة فهو أمر مطلوب والإضبارة عبارة عن ورقة تلف على جملة من الكتب قد جمعت في داخلها ويلصق طرفها بالنشا والقاعدة فيها أن تلوى الكسرة من أسفلها وإن طال بعضها في طيه وقصر بعض جعل التفاوت في الطول والقصر من أعلاها قال في صناعة الكتاب ومعناها الجمع لأنها يجمع بعضها إلى بعض ومنه قيل تضبر القوم إذا تجمعوا ورجل مضبر الخلق أي مجتمعه وناقة مضبرة ومضبورة وضبر الفرس إذا جمع قوائمه ووثب ويقال للإضبارة أيضا إضامة بكسر الهمزة وتشديد الميم لضم بعضها إلى بعض والمعنى فيها صيانة الكتب وحفظها عن الضياع وقد جرت عادة كتاب ديوان الإنشاء بالديار المصرية أن يجعل لكل شهر إضبارة تجمع فيها الكتب الواردة على أبواب السلطان من أهل المملكة وغيرهم ويكتب عليها شهر كذا وقد سبق القول في مقدمة الكتاب أن الديوان كان له في زمن الفاطميين كاتب يكتب الكتب الواصلة ويبسط عليها جرائد كما يكتب (6/349)
الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية ويبسط عليها جرائد وأن ذلك بطل في زماننا وصار الأمر قاصرا فيها على حفظ الكتب في الإضبارات متى احتيج إلى الكشف عن كتاب منها أخذ بالحدس أنه ورد في السنة الفلانية وتكشف إضباراتها واحدة بعد واحدة حتى يقع العثور عليه ولا خفاء فيما في ذلك من المشقة بخلاف ما إذا كان لها جرائد مبسوطة فإنه يسهل الكشف منها ويستدل بتاريخه على إضبارته فتخرج ويقع الكشف منها ولكن أهمل ذلك في جملة ما أهمل (6/350)
الباب الثاني من المقالة الرابعة في مصطلحات المكاتبات الدائرة بين كتاب أهل الشرق والغرب والديار المصرية في كل زمن من صدر الإسلام وهلم جرا إلى زماننا وفيه ستة فصول
الفصل الأول في الكتب الصادرة عن النبي وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في ذكر ترتيب كتبه في الرسائل على سبيل الإجمال
كان يفتتح أكثر كتبه بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان وربما افتتحها بلفظ أما بعد وربما افتتحها بلفظ هذا كتاب وربما افتتحها بلفظ سلم أنت
وكان يصرح في الغالب باسم المكتوب إليه في أول المكاتبات وربما اكتفى بشهرته فإن كان المكتوب إليه ملكا كتب بعد ذكره اسمه عظيم القوم الفلانين وربما كتب ملك القوم الفلانيين وربما كتب صاحب مملكة كذا
وكان يعبر عن نفسه في أثناء كتبه بلفظ الإفراد مثل أنا ولي (6/351)
وجاءني ووفد علي وما أشبه ذلك وربما أتى بلفظ الجمع مثل بلغنا وجاءنا ونحو ذلك
وكان يخاطب المكتوب إليه عند الإفراد بكاف الخطاب مثل لك وعليك وتاء المخاطب مثل أنت قلت كذا وفعلت كذا وعند التثنية بلفظها مثل أنتما ولكما وعليكما وعند الجمع بلفظه مثل أنتم ولكم وعليكم وما أشبه ذلك
وكان يأتي في صدور كتبه بالسلام فيقول في خطاب المسلم سلام عليك وربما قال السلام على من آمن بالله ورسوله وفي خطاب الكافر سلام على من اتبع الهدى وربما أسقط السلام من صدر الكتاب
وكان يأتي في صدور الكتب بالتحميد بعد السلام فيقول فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وربما تركه وقد يأتي بعد التحميد بالتشهد وقد لا يأتي به
وكان يتخلص من صدر الكتاب إلى المقصود تارة بأما بعد وتارة بغيرها
وكان يختم كتبه بالسلام تارة فيقول في خطاب المسلم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وربما اقتصر على السلام ويقول في خطاب الكافر والسلام على من اتبع الهدى وربما أسقط السلام من آخر كتبه
أما عنونة كتبه فلم أقف فيها على نص صريح والذي يظهر أنه كان يعنون كتبه بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان على نحو ما في الصدر وتكون كتابته من محمد رسول الله عن يمين الكتاب والى فلان عن يساره وعليه يدل ما تقدم من كلام صاحب مواد البيان في الأصل الثاني عشر من أصول المكاتبات حيث ذكر في الكلام على العنوان أن الأصل أن يبتدأ باسم المكتوب عنه ويثني باسم المكتوب إليه ثم قال وعلى هذا كانت كتب رسول الله (6/352)
الطرف الثاني في كتبه إلى أهل الإسلام وهو على ثلاثة أساليب
الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان
فمن ذلك كتابه إلى خالد بن الوليد في جواب كتابه إليه بإسلام بني الحارث وهو على ما ذكره ابن إسحاق في سيرته
من محمد رسول الله إلى خالد بن الوليد
سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبرني أن بني الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
ومن ذلك كتابه إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين من جهة الفرس في جواب كتابه إليه ونسخته على ما ذكره السهيلي في الروض الأنف
من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى
سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا هو الله وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإني أذكرك الله عز و جل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا وإني قد شفعتك في (6/353)
قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل لهم وإنك مهما تصلح فلن نعزلك ومن أقام على مجوسيته فعليه الجزية
ومن ذلك كتابه إلى فروة بن عمرو الجذامي ونسخته على ما ذكره ابن الجوزي في كتاب الوفاء
من محمد رسول الله إلى فروة بن عمرو
أما بعد فقد قدم علينا رسولك وبلغ ما أرسلت به وخبر عما قبلكم خيرا وأتانا بإسلامك وأن الله هداك بهداه
ومن ذلك كتابه إلى طهفة النهدي وقومه ونسخته فيما حكاه ابن الأثير في المثل السائر
من محمد رسول الله إلى بني نهد
السلام على من آمن بالله ورسوله لكم يا بني نهد في الوظيفة الفريضة ولكم الفارض والفريش وذو العنان الركوب والفلو الضبيس لا يمنع سرحكم ولا يعضد طلحكم ولا يحس دركم ما لم تضمروا (6/354)
الإماق وتأكلوا الرباق من أقر بما في هذا الكتاب فله من رسول الله الوفاء بالعهد والذمة ومن أبى فعليه الربوة
وهذا الكتاب مما يحتاج إلى شرح غريبه ليفهم فالوظيفة النصاب في الزكاة وأصله الشيء الراتب والفريضة الهرمة المسنة والمراد أنها لا تؤخذ منهم في الزكاة بل تكون لهم والفريش بالفاء والشين المعجمة ما انبسط من النبات وفرش على وجه الأرض ولم يقم على ساق وقد يطلق على الفرس إذا حمل عليها بعد النتاج أيضا وذو العنان الركوب الفرس الذلول والفلو المهر الصغير وقيل الفطيم من جميع أولاد الحافر والضبيس بالضاد المعجمة والباء الموحدة والسين المهملة العسر الصعب الذي لم يرض والسرح السارحة وهي المواشي والمعنى أنها لا تمنع من المرعى والعضد القطع والطلح شجر عظام من شجر العضاه والدر اللبن والمراد ذوات الدر من المواشي أراد أنها لا تحشر إلى المصدق وتمنع المرعى إلى أن تجتمع الماشية ثم تعد لما في ذلك من الإضرار والإماق مخفف من أمأق الرجل إذا صار ذا مأقة وهي الحمية والأنفة وقيل مأخوذ من الموق وهو الحمق والمراد إضمار النكث والغدر أو إضمار الكفر والرباق بالراء المهملة والباء الموحدة والقاف جمع ربقة وهي في الأصل اسم لعروة تجعل في الحبل وتكون في (6/355)
عنق البهيمة أو يدها تمسكها والمراد هنا نقض العهد واستعار الأكل لذلك لأن البهيمة إذا أكلت الربقة خلصت من الشد والربوة بكسر الراء الزيادة والمراد هنا الزيادة في الفريضة الواجبة عليه كالعقوبة له
ومن ذلك كتابه إلى أكيدر دومة فيما ذكره أبو عبيدة وهو
من محمد رسول الله لأكيدر دومة حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها عليكم بذلك عهد الله والميثاق
وهذا الكتاب أيضا مما يحتاج إلى معرفة غريبه فالأنداد جمع ند بكسر النون وهو ضد الشيء الذي يخالفه في أموره ويناده أي يخالفه والمراد ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله تعالى والأصنام جمع صنم وهو ما اتخذ إلها من دون الله وقيل ما كان له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم ولا صورة فهو وثن والأكناف بالنون جمع كنف بالتحريك وهو الجانب والناحية والضاحية بالضاد المعجمة والحاء المهملة الناحية البارزة التي لا حائل دونها والمراد هنا أطراف الأرض والضحل بفتح الضاد المعجمة وسكون الحاء المهملة القليل من الماء وقيل الماء القريب من المكان وبالتحريك مكان الضحل والبور الأرض الخراب التي لم تزرع وهو بالفتح مصدر وصف به وبالضم جمع بوار وهو الأرض الخراب التي لم تزرع والمعامي المجهولة من الأرض التي ليس فيها أثر عمارة واحدها معمى وأغفال الأرض بالغين المعجمة والفاء الأرض التي ليس فيها أثر يعرف كأنها مغفول عنها والحلقة بسكون اللام (6/356)
السلاح عاما وقيل الدروع خاصا والسلاح ما أعد للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به والسيف وحده يسمى سلاحا والضامنة من النخل بالضاد المعجمة والنون ما كان داخلا في العمارة من النخيل وتضمنته أمصارهم وقراهم وقيل سميت ضامنة لأن أربابها ضمنوا عمارتها وحفظها فهي ذات ضمان كعيشة راضية بمعنى ذات رضا والمعين من المعمور الماء الذي ينبع من العين في العامر من الأرض وقوله لا تعدل سارحتكم بالذال المعجمة أي لا تصرف ماشيتكم وتمال عن الرعي ولا تمنع وقوله ولا تعد فاردتكم أي لا تضم إلى غيرها وتحشر إلى الصدقة حتى تعد مع غيرها وتحسب والفاردة الزائدة على الفريضة وقوله ولا يحظر عليكم النبات بالظاء المعجمة أي لا تمنعون من الزرع والمرعى حيث شئتم والحظر المنع
ومن ذلك كتابه إلى وائل بن حجر وأهل حضرموت وهو
من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على التيعة الشاة والتيمة لصاحبها وفي (6/357)
السيوب الخمس لا خلاط ولا وراط والا شناق ولا شغار ومن أجبى فقد أربى وكل مسكر حرام
وذكر القاضي عياض في الشفاء أن كتابه لهم إلى الأقيال العباهلة والأرواع المشابيب وفي التيعة شاة لا مقورة الألياط ولا ضناك وأنطوا الثبجة وفي السيوب الخمس ومن زنى مم بكر فاصقعوه مائة واستوفضوه عاما ومن زنى مم ثيب فضرجوه بالأضاميم ولا توصيم في الدين ولا غمة في فرائض الله تعالى وكل مسكر حرام ووائل بن حجر يترفل على الأقيال
وهذا الكتاب في معنى ما تقدم من الاحتياج إلى شرح غريبه الأقيال بالقاف والياء المثناة تحت جمع قيل وهو الملك والعباهلة الذين أقروا على ملكهم لا يزالون عنه وحضرموت بلدة فياليمن في أقصاها وقيل هي أحد مخاليفها والتيعة بالمثناة من فوق ثم المثناة من تحت والعين المهملة اسم لأدنى ما تجب فيه الزكاة من الحيوان كالخمس من الإبل والأربعين من الغنم قال ابن الأثير وكأنها الجملة التي للسعاة عليها سبيل من تاع يتيع إذا ذهب إليه والتيمة بالكسر الشاة الزائدة على الأربعين حتى تبلغ الفريضة الأخرى وقيل هي الشاة التي تكون لصاحبها في منزله يحلبها وليست بسائمة وهي بمعنى الداجن والسيوب الركاز أخذا من السيب وهو العطاء قاله أبو عبيدة وقيل هي عروق الذهب والفضة التي تسيب في المعدن بمعنى تتلون وتظهر وقال الزمخشري في هي (6/358)
جمع سيب يريد به المال المدفون في الجاهلية أو المعدن لأنه من فضل الله تعالى لمن أصابه والخلاط بالكسر مصدر خالط يقال خالطه يخالطه خلاطا ومخالطة والمراد أن يخلط الرجل إبله بإبل غيره أو بقرة أو غنمه ليمنع حق الله تعالى منها ويبخس المصدق فيما يجب له
والوراط بالكسر أيضا أن تجعل الغنم في وهدة من الأرض لتخفى على المصدق مأخوذ من الورطة وهي الهوة من الأرض والشناق بكسر الشين المشاركة في الشنق بفتح النون وهو ما بين الفريضتين من كل ما تجب فيه الزكاة وهو ما زاد من الإبل على الخمس إلى التسع وما زاد على العشر إلى أربع عشرة والمراد أن لا تؤخذ الزيادة على الفريضة قال ابن الأثير ويجوز أن يكون معناه المشاركة في الشنق والشنقين وهو بمعنى الخلاط المتقدم ذكره لكن حمله على الأول أولى لتعدد المعنى والشغار بكسر الشين وبالغين المعجمة نكاح معروف في الجاهلية وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه بنته أو أخته ويكون بضع كل منهما صداقا للأخرى والأروع جمع رائع وهم الحسان الوجوه من الناس وقيل الذين يروعون الناس أي يفزعونهم بشدة الهيبة قال ابن الأثير والأول أوجه وقوله ومن أجبى هو بالجيم والباء الموحدة وهو بيع الزرع قبل بدو صلاحه وقيل هو أن يغيب إبله عن المصدق أخذا من أجبأته إذا واريته وقيل هو أن يبيع من الرجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم يشتريها منه بالنقد بأقل من الثمن الذي باعها به ومعنى أربى وقع في الربا والمشابيب السادة الرؤوس الزهر الألوان الحسان المناظر واحدها مشبوب والمقورة الألياط المسترخية الجلود لهزالها والأقورار الاسترخاء في الجلود والألياط جمع ليط وهو قشر العود شبه به الجلد لالتزاقه باللحم والضناك بالكسر الكثير اللحم ويقال الذكر والأنثى فيه سواء والمراد أنه لا تؤخذ المفرطة في السمن كما لا تؤخذ الهزيلة وقوله وأنطوا هو بلغة أهل اليمن بمعنى أعطوا خاطبهم بلغتهم والثبجة بثاء مثلثة بعدها باء موحدة هي جيم في الوسط من المال التي ليست من خياره ولا رذالته أخذا من ثبجة الناقة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر (6/359)
مم بكر جرى فيه على لغة أهل اليمن حيث يبدلون لام التعريف ميما قال ابن الأثير وعلى هذا فتكون راء بكر مكسورة من غير تنوين لأن أصله من البكر فلما أبدلت الألف واللام ميما بقيت الحركة بحالها ويكون قد استعمل البكر موضع الأبكار قال والأشبه أن تكون بكر منونة وقد أبدلت نون من ميما لأن النون الساكنة إذا كان بعدها باء قلبت في اللفظ ميما نحو عنبر ومنبر ويكون التقدير ومن زنى من بكر وقوله فاصقعوه هو بالصاد المهملة والقاف أي أضربوه وأصل الصقع الضرب على الرأس وقيل الضرب ببطن الكف وقوله واستوفضوه هو بالفاء والضاد المعجمة أي انفوه أخذا من قولهم استوفضت الإبل إذا تفرقت في رعيها وقوله فضرجوه بالضاد المعجمة والجيم أي أدموه بالضرب ويطلق الضرج على الشق ايضا والأضاميم بالضاد المعجمة الحجارة واحدها إضمامة والمراد ارجموه بالحجارة والتوصيم بالصاد المهملة الفترة والتواني أي لا تفتروا في إقامة الحدود ولا تتوانوا فيها وقوله ولا غمة في فرائض الله أصل الغمة الستر أي لا تستر فرائض الله ولا تخفى بل تظهر ويجهر بها وتعلن وقوله يترفل أي يسود ويترأس استعارة من ترفيل الثوب وهو إسباغه وإرساله والأقيال الملوك وقد تقدم الكلام عليه
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ هذا كتاب ويذكر المقصد فيما بعد وهو قليل الوقوع في المكاتبات
ومن ذلك كتابه لقبيلة همدان من اليمن فيما ذكره ابن هشام وهو هذا كتاب من محمد رسول الله لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مع وافدها ذي المشعار لمالك بن نمط ولمن أسلم من وقومه على أن (6/360)
لهم فراعها ورهاطها وعزازها ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة يأكلون علافها ويرعون عافيها لكم بذلك عهد الله وذمام رسوله وشاهدكم المهاجرون والأنصار
وذكر القاضي عياض في الشفاء أن في كتابه إليهم إن لكم فراعها ووهاطها وعزازها تأكلون علافها وترعون عفاءها لنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة ولهم من الصدقة الثلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوري وعليهم فيها الصالغ والقارح
وهذا من نسبة ما تقدم مما يحتاج إلى شرح غريبه فالفراع بالكسر جمع فرعة وهو ما ارتفع من الأرض والوهاط جمع وهطة وهي ما اطمأن من الأرض والعلاف بالكسر جمع علف كجبل وجبال والمراد ما تعتلفه الدواب من نبات الأرض والعزاز ما صلب من الأرض واشتد وخشن ويكون ذلك في أطرافها والعفاء العافي وهو ما ليس لأحد فيه ملك من قولهم عفا الأثر إذا درس والدفء نتاج الإبل وما ينتفع به منها سمي دفئا لأنه يتخذ من أوبارها ما يستدفأ به والمراد هنا الإبل والغنم والصرام النخل وأصله قطع الثمرة والثلب من ذكور الإبل الذي هرم وتكسرت أسنانه والناب المسنة من إناثها والفصيل من أولاد الإبل الذي فصل عن أمه من الرضاع والفارض المسن من الإبل والمراد أنه لا يؤخذ منهم في الزكاة والداجن الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم والكبش الحوري منسوب إلى الحور وهي جلود تتخذ من جلود الضأن وقيل هو ما دبغ من الجلود بغير القرظ والصالغ بالصاد المهملة (6/361)
والغين المعجمة وهو من البقر والغنم الذي كمل وانتهى ويكون ذلك في السنة السادسة ويقال بالسين بدل الصاد والقارح الفرس الذي دخل في السنة الخامسة
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ سلم أنت
فمن ذلك كتابه إلى المنذر بن ساوى وهو فيما ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال سلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد فإن من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ذمة الله وذمة الرسول فمن أحب ذلك من المجوس فإنه آمن ومن أبى فإن عليه الجزية
الطرف الثالث في كتبه إلى أهل الكفر للدعاية إلى الإسلام وهو على ثلاثة أساليب
الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان كما في الأسلوب الأول من كتبه إلى أهل الإسلام
فمن ذلك كتابه إلى هرقل وهو قيصر وقيل نائبه بالشام
وهو على ما ثبت في الصحيحن من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى
أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (6/362)
وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال أن كتابه إلى هرقل كان فيه
من محمد رسول الله إلى صاحب الروم إني أدعوك إلى الإسلام فإن أسلمت فلك ما للمسلمين وعليك ما عليهم وإن لم تدخل في الإسلام فأعط الجزية فإن الله تعالى يقول ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) وإلا فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام أن يدخلوا فيه أو يعطوا الجزية
قال أبو عبيد وأراد بالفلاحين أهل مملكته لأن العجم عند العرب كلهم فلاحون لأنهم أهل زرع وحرث
وفي مسند البزار أنه كتب إليه من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم
ومن ذلك كتابه إلى كسرى أبرويز ملك الفرس فيما ذكره ابن الجوزي وهو
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس
سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وأدعوك بدعاية الله عز (6/363)
وجل فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وأسلم تسلم فإن توليت فإن إثم المجوس عليك
ومن ذلك كتابه إلى المقوقس صاحب مصر وهو فيما ذكره ابن عبد الحكم
من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على مناتبع الهدى
أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام فأسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم القبط يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
وذكر الواقدي أن كتابه إليه كان بخط أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأن فيه
من محمد رسول الله إلى صاحب مصر
أما بعد فإن الله أرسلني رسولا وأنزل علي قرآنا وأمرني بالإعذار والإنذار ومقاتلة الكفار حتى يدينوا بديني ويدخل الناس في ملتي وقد دعوتك إلى الإقرار بوحدانيته فإن فعلت سعدت وإن أبيت شقيت والسلام
ومن ذلك كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة وهو فيما ذكره ابن إسحاق
من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة إني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم البتول (6/364)
الطيبة الحصينة حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز و جل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين والسلام على من اتبع الهدى
ومن ذلك كتابه إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة وكان نصرانيا وهو فيما ذكره السهيلي
من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي
سلام على من اتبع الهدى واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر فأسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك
ومن ذلك كتابه إلى نصارى نجران وهو فيما ذكره صاحب الهدي المحمدي
بسم الله الرحمن الرحيم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب
أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب الإسلام
ومن ذلك كتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندى ملكي عمان
وهو من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي سلام على من اتبع على الهدى (6/365)
أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي في ملككما وكتب أبي بن كعب
وفي رواية ذكرها أبو عبيد في كتاب الأموال أنه كتب إليهما
من محمد رسول الله لعباد الله أسيد بن ملوك عمان وأسيد عمان من كان منهم بالبحرين إنهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا حق النبي ونسكوا نسك المسلمين فإنهم آمنون وإن لهم ما أسلموا عليه غير أن مال بيت النار ثنيا لله ورسوله وإن عشور التمر صدقة ونصف عشور الحب وإن للمسلمين نصرهم ونصحهم وإن لهم على المسلمين مثل ذلك وإن لهم أرحاء يطحنون بها
قال أبو عبيد وبعضهم يرويه لعباد الله الأسبيين اسما أعجميا نسبهم إليه قال وإنما سموا بذلك لأنهم نسبوا إلى عبادة فرس وهو بالفارسية أسب فنسبوا إليه وهم قوم من الفرس وفي رواية من العرب
ومن ذلك كتابه إلى مسيلمة الكذاب في جواب كتابه إليه أنه إن جعل له الأمر بعده آمن به (6/366)
وهو من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد وهو أقل وقوعا مما قبله
فمن ذلك كتابه إلى أهل نجران ودينهم النصرانية
وهو فيما ذكره ابن الجوزي
بسم الله الرحمن الرحيم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب
أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب الإسلام
لأسلوب الثالث أن يفتتح الكتاب بلفظ هذا كتاب
فمن ذلك كتابه مع رفاعة بن زيد إلى قومه وهو فيما ذكره ابن إسحاق
هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله وإلى رسوله فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله الله ومن أدبر فله أمان شهرين
قلت وقد كتب إلى جماعة غير من تقدم لم أقف على صورة ما (6/367)
كتب إليهم كجبلة بن الأيهم الغساني وذي الكلاع الحميري وغيرهم وستأتي كتبه في معنى الولايات والإقطاعات والهدن والأمانات في مواضعها إن شاء الله تعالى (6/368)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الرابعة في الكتب الصادرة عن الخلفاء وهي على قسمين
القسم الأول المكاتبات إلى أهل الإسلام وفيه تسعة أطراف
الطرف الأول في الكتب الصادرة عن الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم وفيه جملتان
الجملة الأولى في المكاتبات الصادرة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وكانت تفتتح بلفظ من أبي بكر خليفة رسول الله إلى فلان وباقي الكتاب من نسبة كتب النبي من التصدير بالسلام والتحميد والتخلص بأما بعد والاختتام بالسلام وما يجري هذا المجرى مع لزوم الخطاب بالكاف وتاء المخاطب للواحد وبالتثنية للاثنين والجمع للجماعة وعنونتها من أبي بكر خليفة رسول الله في الجانب الأيمن ثم إلى فلان الفلاني في الجانب الأيسر على ما يقتضيه الترتيب المتقدم
وهذه نسخة كتابه رضي الله عنه إلى أهل الردة حين ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي
وهو على ما ذكره صاحب نهاية الأرب (6/369)
من أبي بكر خليفة رسول الله إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة أقام على الإسلام أو رجع عنه سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأقر بما جاء به وأكفر من أبى وأجاهده
أما بعد فإن الله أرسل محمدا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين يهدي الله للحق من أجاب إليه وضرب رسول الله بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعا وكرها ثم توفي رسول الله وقد نفذ لأمر الله ونصح لأمته وقضى الذي عليه وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزله فقال ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وقال ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ) وقال للمؤمنين ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله بالمرصاد حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم (6/370)
حافظ لأمره منتقم من عدوه بحزبه وإني أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله وما جاء به نبيكم وأن تهتدوا بهديه وأن تعتصموا بدين الله فإن من لم يهد الله ضل وكل من لم يعافه مبتلى وكل من لم ينصره مخذول فمن هداه الله كان مهديا ومن أضله كان ضالا ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) ولم يقبل منه في الدنيا عمل حتى يقر به ولم يقبل له في الآخرة صرف ولا عدل
وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمره وإجابة للشيطان وقال الله جل ثناؤه ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه افتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) وقال جل ذكره ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) وإني أنفذت إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأمرته أن لا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه ومن أبى أمرته أن يقاتله على ذلك ولا يبقى على أحد منهم قدر عليه (6/371)
وأن يحرقهم بالنيران ويقتلهم كل قتلة ويسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام فمن آمن فهو خير له ومن تركه فلن يعجز الله وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم والداعية الأذان فإن أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم وإن لم يؤذنوا عاجلوهم وإن أذنوا سلوهم ما عليهم فإن أبوا عاجلوهم وإن أقروا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم
الجملة الثانية في المكاتبات الصادرة عن بقية الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم
وهي على أسلوبين
الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من فلان إلى فلان
يقال إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما صارت الخلافة إليه بعد أبي بكر كان يكتب في كتبه من عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله إلى فلان فلما تلقب بأمير المؤمنين على ما تقدم في المقالة الثالثة أثبت هذا اللقب في كتبه وزاد في ابتدائها لفظ عبد الله قبل اسمه ليكون اسمه اسمع نعتا له فكان يكتب من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى فلان وباقي الكتاب على ما مر في كتب النبي والصديق بعده في التصدير والتعبير عن نفسه بلفظ الإفراد مثل أنا ولي وعلي وعن المكتوب له بكاف الخطاب مثل لك وعليك وتاء المخاطب مثل قلت وفعلت وتبعه الخلفاء على ذلك وعنونتها من عبد الله فلان أمير المؤمنين (6/372)
في الجانب الأيمن ثم إلى فلان الفلاني في الجانب الأيسر كما تقدم ترتيبه
فمن ذلك ما كتب به أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وهو يومئذ أمير مصر وهو
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص سلام عليك
أما بعد فقد بلغني أنه فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وعبيد وعهدي بك قبل ذلك ولا مال لك فاكتب إلي من أين أصل هذا المال
ومن ذلك ما كتب به معاوبة بن أبي سفيان في خلافته إلى ابنه يزيد وقد بلغه مقارفته اللذات وانهماكه على الشهوات وهو
من معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين إلى يزيد بن معاوية
أما بعد فقد أدت ألسنة التصريح إلى أذن العناية بك ما فجع الأمل فيك وباعد الرجاء منك إذ ملأت العيون بهجة والقلوب هيبة وترامت إليك آمال الراغبين وهمم المتنافسين وشحت بك فتيان قريش وكهول أهلك فما يسوغ لهم ذكرك إلا على الحرة المهوعة والكظ الجشء اقتحمت البوائق وانقدت للمعاير واعتضتها من سمو الفضل ورفيع القدر فليتك يزيد إذ كنت لم تكن سررت يافعا ناشئا وأثكلت كهلا ضالعا فواحزناه عليك يزيد ويا حر صدر المثكل بك ما أشمت فتيان بني هاشم وأذل فتيان بني عبد (6/373)
شمس عند تفاوض المفاخر ودراسة المناقب فمن لصلاح ما أفسدت ورتق ما فتقت هيهات خمشت الدربة وجه التصبر بك وأبت الجناية إلا تحدرا على الألسن وحلاوة على المناطق ما أربح فائدة نالوها وفرصة انتهزوها انتبه يزيد للفظة وشاور الفكرة ولا تكن إلى سمعك أسرع من معناها إلى عقلك وأعلم أن الذي وطأك وسوسة الشيطان وزخرفة السلطان مما حسن عندك قبحه واحلولى عندك مره أمر شركك فيه السواد ونافسكه الأعبد لا لأثرة تدعيها أو حبتها لك الإمرة وأضعت بها من قدرك فأمكنت بها من نفسك فكأنك شانيء نفسك فمن لهذا كله
اعلم يا يزيد أنك طريد الموت وأسير الحياة بلغني أنك اتخذت المصانع والمجالس للملاهي والمزامير كما قال تعالى ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) وأجهرت الفاحشة حتى اتخذت سريرتها عندك جهرا
اعلم يا يزيد أن أول ما سلبكه السكر معرفة مواطن الشكر لله على نعمه المتظاهرة وآلائه المتواترة وهي الجرحة العظمى والفجعة الكبرى ترك الصلوات المفروضات في أوقاتها وهو من أعظم ما يحدث من آفاتها ثم استحسان العيوب وركوب الذنوب وإظهار العورة وإباحة السر فلا تأمن نفسك على سرك ولا تعقد على فعلك فما خير لذة تعقب الندم وتعفي الكرم وقد توقف أمير المؤمنين بين شطرين من أمرك لما يتوقعه من غلبة الآفة واستهلاك الشهوة فكن الحاكم على نفسك واجعل المحكوم عليه ذهنك ترشد إن شاء الله تعالى وليبلغ أمير المؤمنين ما يرد شاردا من نومه فقد أصبح (6/374)
نصب الاعتزال من كل مؤانس ودرأة الألسن الشامتة وفقك الله فأحسن
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد
وهو على ما تقدم خلا الابتداء والتصدير بالسلام والتحميد ويكون الافتتاح فيه بالمقصد كما كتب أمير المؤمنين عثمان بن عفان إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين خرج علي إلى الينبع واختلف الناس على عثمان
أما بعد فقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين وطمع في كل من كان يضعف عن الدفع عن نفسه ولم يغلبك مثل مغلب فأقبل إلي صديقا كنت أو عدوا طويل
( فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق ) (6/375)
الطرف الثاني في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أمية
وهي على ما تقدم من الكتب عن الخلفاء من الصحابة في التصدير والتعبير إلا أنه يعبر عن الخليفة بأمير المؤمنين وربما عبر عنه بلفظ الإفراد مثل فعلت وأفعل وما أشبه ذلك أما الخطاب للمكتوب له فبكاف الخطاب وتاء المخاطب مثل إنك أنت قلت كذا وفعلت كذا وما أشبه ذلك وعنوانها من عبد الله فلان أمير المؤمنين في الجانب الأيمن ثم إلى فلان الفلاني في الجانب الأيسر
ثم هي على أسلوبين
الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من عبد الله فلان أمير المؤمنين إلى فلان
كما كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف وقد بلغه تعرضه لأنس بن مالك رضي الله عنه من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف
أما بعد فإنك عبد علت بك الأمور فطغيت وعلوت فيها حتى جزت حد قدرك وعدوت طورك وايم الله لأغمزنك كبعض غمزات الليوث الثعالب ولأركضنك ركضة تدخل منها في وجعاء أمك أذكر مكاسب آبائك في الطائف إذ كانوا ينقلون الحجارة على أعناقهم ويحفرون الآبار والمناهر بأيديهم قد نسيت ما كنت عليه أنت وآباؤك من الدناءة واللؤم والضراعة وقد بلغ أمير المؤمنين استطالة منك على أنس بن مالك جرأة منك على أمير (6/376)
المؤمنين وغرة بمعرفة غيره ونقماته وسطواته على من خالف سبيله وعمد إلى غير محجته ونزل عند سخطه وأظنك أردت أن تروزه بها فتعلم ما عنده من التغيير والتنكير فيها فإن سوغتها مضيت قدما وإن غصصت بها وليت دبرا أيها العبد الأخفش العينين الأصك الرجلين الممسوح الجاعرتين ولن يخفى عن أمير المؤمنين نبؤك ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد ويقع الشروع منه في المقصد
كما كتب يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام وقد بلغه خلافهم عليه
أما بعد فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال إني والله قد لبستكم فأخلقتكم ورفعتكم على رأسي ثم على عيني ثم على فمي ثم على فمي بطني وايم الله لئن وضعتكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة أقل بها عددكم وأترككم بها أحاديث تنسخ منها أخباركم كأخبار عاد وثمود
وكما كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة وهو عامله على بعض النواحي
أما بعد فإذا أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق عليك واعلم أن مالك عند الله مثل ما للرعية عندك (6/377)
وكما كتب يزيد بن الوليد المعروف بالناقص إلى مروان بن محمد وقد بلغه عنه تلكؤ في بيعته
أما بعد فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فإذا أتاك كتابي فاعتمد على أيهما شئت والسلام
قلت ولم يزل الأمر في المكاتبات في الدولة الأموية جاريا على سنن السلف إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك فجود القراطيس وجلل الخطوط وفخم المكاتبات وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك إلا عمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد المقدم ذكره فإنهما جريا في ذلك على طريقة السلف ثم جرى الأمر بعدهما على ما سنه الوليد بن عبد الملك إلى أن صار الأمر إلى مروان بن محمد آخر خلفائهم وكتب له عبد الحميد بن يحيى وكان من اللسن والبلاغة على ما اشتهر ذكره فأطال الكتب وأطنب فيها حيث اقتضى الحال تطويلها والإطناب فيها حتى يقال إنه كتب كتابا عن الخليفة جاء وقر جمل واستمر ذلك فيما بعده
الطرف الثالث في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العباس ببغداد وولاة العهد بالخلافة وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في بيان ترتيب كتبهم في الرسائل على سبيل الإجمال
كانوا يفتتحون أكثر كتبهم بلفظ من فلان إلى فلان وتارة بأما بعد (6/378)
وربما افتتحوها بغير ذلك فأما افتتاحها بلفظ من فلان إلى فلان فكان يكتب عنهم في أول دولتهم كما كان يكتب عن خلفاء بني أمية وهو من عبد الله فلان أمير المؤمنين سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ثم يتخلص إلى المقصود بلفظ أما بعد إلا أنهم زادوا بعد اسم الخليفة لفظ الإمام الفلاني بلقب الخلافة فكان يقال من عبد الله الإمام الفلاني أمير المؤمنين فلما صارت الخلافة إلى الرشيد زاد بعد التحميد ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله فلما ولي ابنه الأمين اكتنى في كتبه وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك
وقد اختلف في تقديم الاسم والكنية واللقب والذي رتبه أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب تقديم الاسم على الكنية وتقديم الكنية على اللقب مثل أن يقال من عبد الله فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين ثم قال وهذه المكاتبة هي التي اصطلح عليها في الأمور السلطانية التي تنشأ بها الكتب من الدواوين إلا أن بعض العلماء قد خالفهم في هذا وقال الأولى أن يبدأ باللقب مثل أن يقال من الراضي أو المتوكل وما أشبه ذلك كما قال الله عز و جل وعز ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ) وذلك لأن اللقب لا يشاركه فيه غيره فكان أولى أن يبدأ به
وترتيب المكاتبة على ما ذكره في صناعة الكتاب أن يكتب من عبد الله فلان أبي فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله ثم يفصل ببياض يسير ويكتب أما بعد فإن كذا وكذا ثم يأتي على المعنى فإذا فرغ من ذلك وأراد أن يأمر بأمر فصل ببياض يسير ثم يكتب وقد أمر أمير المؤمنين بكذا ورأى أن يكتب إليك بكذا فيؤمر بامتثال ما أمر به والعمل بحسبه ثم يفصل ببياض ويكتب فاعلم ذلك من رأي أمير (6/379)
المؤمنين واعمل به إن شاء الله تعالى وكتب فلان بن فلان باسم الوزير واسم أبيه يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا وقد يكتب في أواخر المكاتبة بعد استيفاء المقصد هذه مناجاة أمير المؤمنين لك أو هذه مفاوضة أمير المؤمنين لك
ويقال في السلام على أعلى الطبقات من المكتوب إليهم والسلام عليك ورحمة الله وربما قيل ورحمة الله وبركاته
وأما افتتاحها بلفظ أما بعد فغالب ما يقع في الكتب المطلقة كالبشرى بالفتوح وغيرها ثم تارة يعقب البعدية بالحمد لله إما مرة أو أكثر وغالب ما يكون ثلاث وتارة يعقب بغير الحمد
وأما الافتتاح بغير هذين الافتتاحين فتارة يكون بالدعاء وتارة يكون بغيره ويكون التعبير عن الخليفة في كتبه الصادرة عنه بأمير المؤمنين على ما تقدم في خلافة بني أمية
ثم إن كان المكتوب إليه معينا فالذي كان عليه الحال في أول دولتهم أن يكتب إليه باسمه ثم لما تغلب بنو بويه على الخلفاء وغلبوا عليهم وعلت كلمتهم في الدولة وتلقبوا بفلان الدولة وفلان الملة فكان يكتب إليهم بذلك في الكتب إليهم ثم لما كانت الدولة السلجوقية في أواخر الدولة العباسية ببغداد استعلموا كثرة الألقاب للمكتوب إليه عن الخليفة في صدر المكاتبة قال في مواد البيان ولا يخاطب أحد عن الخليفة إلا بالكاف وقد يخاطب الإمام وزيره في المكاتبة الخاصة بما يرفعه فيه عن خطاب المكاتبة العامة الديوانية ويتصرف في ذلك ويزاد وينقص على حسب لطافة محل الوزير ومنزلته من الفضل والجلالة
قال في ذخيرة الكتاب ويكون الدعاء من الخليفة لمن يكاتبه على (6/380)
قدر موضعه في خدمته ومحله عنده وقد تقدم أن أعلى الدعاء كان عندهم بإطالة البقاء ولذلك كان يدعى لملوك بني بويه فمن بعدهم بلفظ أطال الله بقاءك وقد تقدم في المقالة الثالثة في الكلام على مقادير قطع الورق وما يناسب كل قطع من الأقلام أنه إن كانت المكاتبة عن الخليفة ترك الكاتب من رأس الدرج قدر ذراع بياضا ثم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ثم يكتب في سطر ثان يلاصقها ويخرج يسيرا من عبد الله إلى آخر التصدير الذي يليه أما بعد وأن التصدير يكون في سطرين بينهما فضاء قدر شبر لا يزيد عن ذلك ولا ينقص ثم يترك بعد هذين السطرين فضاء بنصف ما بين الأولين فيما ذكره في مواد البيان وبقدره فيما ذكره في ذخيرة الكتاب ثم يقول أما بعد ويأتي على المكاتبة إلى آخرها على هذا النحو
أما عنونة كتبهم فكانت في أول دولتهم من عبد الله فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين في الجانب الأيمن وفي الجانب الأيسر إلى فلان بن فلان ثم زاد المأمون في أول عنواناته بسم الله الرحمن الرحيم ولما تكنى الأمين في كتبه بعد ذلك زيدت الكنية في العنوان فكان يكتب في الجانب الأيمن بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني وفي الجانب الأيسر إلى فلان بن فلن وقد تقدم في الكلام على ترتيب المكاتبات أن البسملة بقيت في العنونة إلى زمن النحاس في خلافة الراضي وأن صاحب مواد البيان ذكر أنها بطلت منه بعد ذلك
قال النحاس فإن كان المكتوب إليه من موالي بني هاشم نسب إلى ذلك وإن لم يكن ينسب إليهم ترك
الجملة الثانية في الكتب العامة وهي على أسلوبين
الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من فلان إلى فلان (6/381)
بان يكتب من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى آخر المكاتبة على ما تقدم ترتيبه
وهذه نسخة كتاب من ذلك كتب به أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى صمصام الدولة بن عضد الدولة بن بويه بسبب كردويه الخارج عن الطاعة وليس فيه تكنية للخليفة وهو
من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملة مولى أمير المؤمنين
سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله
أما بعد أطال الله بقاءك فإن أمير المؤمنين وإن كان قد بوأك المنزلة (6/382)
العليا وأنالك من أثرته الغاية القصوى وجعل لك ما كان لأبيك عضد الدولة وتاج الملة ورحمة الله عليه من القدر والمحل والموضع الأرفع الأجل فإنه يوجب لك عند بذلك أثرا يكون لك في الخدمة ومقام حمد تقومه في حماية البيضة إنعاما يظاهره وإكراما يتابعه ويواتره والله يؤيدك من توفيقه وتسديده ويمدك بمعونته وتأييده ويخبر لأمير المؤمنين فيما رأيه مستمر عليه من مزيدك وتمكينك والإبقاء بك وتعظيمك وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب
وقد عرفت أدام الله عزك ما كان من أمر كردويه كافر نعمة أمير المؤمنين ونعمتك وجاحد صنيعته وصنيعتك في الوثبة التي وثبها والكبيرة التي ارتكبها وتقريره أن ينتهز الفرصة التي لم يمكنه الله منها بل كان من وراء ذلك دفعه ورده عنها ومعاجلتك إياه الحرب التي أصلاه الله نارها وقنعه عارها وشناها حتى انهزم والأوغاد الذين شركوه في إثارة الفتنة على أقبح أحوال الذلة والقلة بعد القتل الذريع والإثخان الوجيع فالحمد لله على هذه النعمة التي جل موقعها وبان على الخاصة والعامة أثرها ولزم أمير المؤمنين خصوصا والمسلمين عموما نشرها والحديث بها وهو المسؤول إقامتها وإدامتها برحمته
وقد رأى أمير المؤمنين أن يجازيك عن هذا الفتح العظيم والمقام المجيد الكريم بخلع تامة ودابتين ومركبين ذهبا من مراكبه وسيف (6/383)
وطوق وسوار مرصع فتلق ذلك بالشكر عليه والاعتداد بنعمته فيه والبس خلع أمير المؤمنين وتكرمته وسر من بابه على حملاته وأظهر ما حباك به لأهل حضرته ليعز الله بذلك وليه ووليك ويذل عدوه وعدوك إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب أحمد بن محمد لثمان إن بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلثمائة أطال الله بقاءك وأدام عزك وأحسن حفظك وحياطتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك
وهذه نسخة كتاب آخر من ذلك أيضا كتب به عن المقتفي لأمر الله إلى السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي في تعزية بولد مات له وفيه تكنية الخليفة وتقديم الكنية على الاسم وكثرة الألقاب للمكتوب إليه وهو
من عبد الله أبي عبد الله محمد المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين إلى شاهنشاه المعظم مولى الأمم مالك رقاب العرب والعجم جلال دين الله ظهير عباد الله حافظ بلاد الله معين خليفة الله غياث الدنيا والدين ناصر الإسلام المسلمين محيي الدولة القاهرة معز الملة الزاهرة عماد الملة الباهرة أبي الفتح مسعود بن محمد ملكشاة قسيم أمير المؤمنين
سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله ويسلم تسليما (6/384)
أما بعد أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأحسن حفظك وكلاءتك ورعايتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالنعمة الجليلة والموهبة الجزيلة والمنحة النفيسة فيك وعندك ولا أخلاه منك فإن أولى من أدرع للحوادث جبة الاصطبار ونظر أحوال الدنيا في تقلبها بعين الاعتبار ورجع إلى الله تعالى في قدره وقضائه وسلم لأمره الذي لا راد له في امتحانه وابتلائه وعرف أن له سبحانه في كل ما يجريه على عباده حكمة باطنة ومصلحة كامنة من خير عاجل ينشره وثواب أجل يؤخره لهم إلى يوم الجزاء ويدخره وفائدة هو أدرى بها وأعلم وفعله فيها أتقن وأحكم من خصه بما خصك الله به من الدين الراجح والخلق الصالح والمعتقد الواضح والنعم التي جادك في كل يوم مقام سحابها واتسعت بين يديك عند مضايق الأمور رحابها وأنست إذا استوحشت من العاجزين عن ارتباطها بالشكر صحابها والمناقب التي فرعت بها صهوات المجد وتملكت رق الثناء والحمد وعلوت فيها عن المساجل والمطاول وبعد ما حضر لك منها عن أن تناله يد القائم المحاول وتأدى إلى حضرة أمير المؤمنين أمتعه الله ببقائك ودافع له عن حوبائك نبأ الحادثة بسليلك الذي اختار الله له كريم جواره فأحب له الانتقال إلى محل الفوز ومداره فوجد لذلك وجوما موفرا وهما للسكون منفرا وتوزعا تقتضيه المشاركة لك فيما ساويته ( ) والمساهمة الحاصلة في كل ما حلا من الأمور وأمر وأمر عند ورود هذا الخبر بالتصدي للعزاء وإعلان ما يعلن عن مقاسمتك في الضراء دفعها الله عنك والسراء وندب جمعا من الخدم المطيفين بشريف سدته المختصين بعزيز خدمته بتعز يتصونه لباس التعزية ويستدني بتقمصه عازب التسلية إبانة عن انصراف الهمم الإمامية إليك فيما خص وعم من حالك واستجلابه لك دواعي المسار في حلك (6/385)
وترحالك وكون الأفكار الشريفة موكلة بكل ما حمى من الروائع قلبك وأعذب شربك وأنت حقيق بمعرفة هذه الحال من طويته لك ونيته ورأيه فيك وشفقته ورعاية مصلحتك منه بعين كالية ورجوعه من المحافظة في حقك إلى ألفة بالصفاء حالية وتلقي الرزية التي أرداها الله وقضاها وأنفذ مشيئته فيها وأمضاها بالصبر المأمور به والاحتساب والتسليم الموعود عليه بجزيل الثواب علما أن الأقدار لا تغالب وغريمها لا يطالب وإن الله تعالى إذ قال لنبيه وهو سيد البشر ( وإنك ميت وإنهم ميتون ) فلا سبيل لأحد من خلقه إلى البقاء ولا وجه للخلود في دار الفناء ولا دافع لحكمه جلت عظمته فيما قدره من الآجال وسبق في علمه من الروائع في دار الابتلاء والأوحال وما يزال التطلع واقعا إلى وصول جوابك الدال على السلوة التي هي الأليق بك والأدعى إلى حصول بغيتك من قضاء الله وأدبك لتحط الأنسة مع وصوله في رحالها وتؤذن لصرف الغموم الجارية لأجلك بارتحالها
هذه مناجاة أمير المؤمنين لك أدام الله تأييدك وأمتع بك إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله
الأسلوب الثاني أن يكون الافتتاح بلفظ أما بعد وهو على نوعين
النوع الأول أن يعقب البعدية الحمد لله وهو على ضربين
الضرب الأول أن يتعدد الحمد في أول الكتاب
ويكون ذلك في الكتب المؤذنة بحصول نعمة ظاهرة كالفتوح ونحوها (6/386)
ويقع التعدد فيها بحسب ما تقتضيه النعمة وغالب ما يكون ثلاث مرات وربما وقع التحميد في أول الكتاب وآخره
وهذه نسخة كتاب من هذا النوع كتب بها عن المعتصم إلى ملوك الآفاق من المسلمين عند قبض الأفشين على بابك ملك الروم وهي
أما بعد فالحمد لله الذي جعل العاقبة لدينه والعصمة لأوليائه والعز لمن نصره والفلج لمن أطاعه والحق لمن عرف حقه وجعل دائرة السوء على من عصاه وصدف عنه ورغب عن ربوبيته وابتغى إلها غيره لا إله إلا هو وحد لا شريك له يحمده أمير المؤمنين حمد من لا يعبد غيره ولا يتوكل إلا عليه ولا يفوض أمره إلا إليه ولا يرجو الخير إلا من عنده والمزيد إلا من سعة فضله ولا يستعين في أحواله كلها إلا به ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وصفوته من عباده الذي ارتضاه لنبوته وابتعثه بوحيه واختصه بكرامته فأرسله بالحق شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا والحمد لله الذي توجه لأمير المؤمنين بصنعه فيسر له أمره وصدق له ظنه وأنجح له طلبته وأنفذ له حيلته وبلغ له محبته وأدرك المسلمون بثأرهم على يده وقتل عدوهم وأسكن روعتهم ورحم فاقتهم وآنس (6/387)
وحشتهم فأصبحوا آمنين مطمئنين مقيمين في ديارهم متمكنين في أوطانهم بعد القتل والخوف والتشريد وطول العناء وتتابع البلاء منا من الله عز و جل على أمير المؤمنين بما خصه به وصنعا له فيما وفقه لطلبه وكرامة زادها فيما أجرى على يده فالحمد لله كثيرا كما هو أهله ونرغب إلى الله في تمام نعمه ودوام صنعه وسعة ما عنده بمنه ولطفه ولا يعلم أمير المؤمنين مع كثرة أعداء المسلمين وتكنفهم إياه من أقطاره والضغائن التي في قلوبهم على أهله وما يترصدونه من العداوة وينطوون عليه من المكايدة إذ كان هو الظاهر عليهم والآخذ منهم عدوا كان أعظم بلية ولا أجل خطبا ولا أشد كلبا ولا أبلغ مكايدة ولا أرمى بمكروه من هؤلاء الكفرة الذين يغزوهم المسلمون فيستعلون عليهم ويضعون أيديهم حيث شاءوا منهم ولا يقبلون لهم صلحا ولا يميلون معهم إلى موادعة وإن كان لهم على طول الأيام وتصرف الحالات وبعض ما لا يزال يكون من فترات ولاة الثغور أدنى دولة من دولات الظفر وخلسة من خلس الحرب كان بما لهم من خوف العاقبة في ذلك منفصا لما تعلجوا من سروره وما يتوقعون من الدوائر بعد مكدرا لما وصل إليهم من فرحة
فأما اللعين بابك وكفرته فإنهم كانوا يغزون أكثر مما يغزون وينالون أكثر مما ينال منهم ومنهم المنحرفون عن الموادعة المتوحشون عن المراسلة ومن أديلوا من تتابع الدول ولم يخافوا عاقبة تدركهم ولا دائرة تدور عليهم وكان ما وطأ ذلك ومكنه لهم أنهم قوم ابتدؤا أمرهم على حال تشاغل السلطان وتتابع من الفتن واضطراب من الحبل فاستقبلوا أمرهم بعزة من أنفسهم وضعف واستثارة ممن باراهم فأجلوا من حولهم لتخلص البلاد لهم ثم أخربوا البلاد ليعز مطلبهم وتشتد المؤونة وتعظم الكلفة ويقووا (6/388)
في ذات أيديهم فلم يتواف إليهم قواد السلطان إلا وقد توافت إليهم القوة من كل جانب فاستفحل أمرهم وعظمت شوكتهم واشتدت ضروراتهم واستجمع لهم كيدهم وكثر عددهم واعتدادهم وتمكنت الهيبة في صدور الناس منهم وتحقق في نفوسهم أن كل ما يعدهم الكافر ويمينهم أخذ باليد وكان الذي بقي عندهم منه كالذي مضى وبدون هذا ما يختدع الأريب ويستنزل العاقل ويعتقل الفطن فكيف بمن لا فكرة له ولا روية عنده
هذا مع كل ما يقوم في قلوبهم من حسد أهل النعم ومنافستهم على ما في أيديهم وتقطعهم حسرات في إثر ما خصوا به وأنهم إن لا يكونوا يرون أنفسهم أحق بذلك فإنهم يرون أنهم فيه سواء
ولم يزل أمير المؤمنين قبل أن تفضي إليه الخلافة مادا عنقه موجها همته إلى أن يوليه الل ه أمر هؤلاء الكفرة ويملكه حربهم ويجعله المقارع لهم عن دينه والمناجز لهم عن حقه فلم يكن يألو في ذلك حرصا وطلبا واحتيالا فكان أمير المؤمنين رضي الله عنه يأبى ذلك لضنه به وصيانته بقربه مع الأمر الذي أعده الله له وآثره به ورأى أن شيئا لا يفي بقوام الدين وصلاح الأمر
فلما أفضى الله إلى أمير المؤمنين بخلافته وأطلق الأمر في يده لم يكن شيء أحب إليه ولا آخذ بقلبه من المعاجلة للكافر وكفرته فأعزه الله وأعانه الله فلله الحمد على ذلك وتيسره فأعد من أمواله أخطرها ومن قواد جيشه أعلمهم بالحرب وأنهضهم بالمعضلات ومن أوليائه وأبناء دعوته ودعوة آبائه صلوات الله عليهم أحسنهم طاعة وأشدهم نكاية وأكثرهم عدة ثم اتبع الأموال بالأموال والرجال بالرجال من خاصة مواليه وعدد غلمانه وقبل ذلك ما اتكل عليه من صنع الله جل وعز ووجه إليه نم رعبته فكيف رأى الكافر اللعين وأصحابه الملاعين ألم يكذب الله ظنونهم ويشف صدور أوليائه منهم يقتلونهم كيف شاءوا في كل موطن ومعترك ما دامت عند أنفسهم مقاومة
فلما ذلوا وقلوا وكرهوا الموت صاروا لا يتراءون إلا في رؤوس الجبال (6/389)
ومضايق الطرق وخلف الأودية ومن وراء الأنهار وحيث لا تنالهم الخيل حصنا للمطاولة وانتظارا للدوائر فكادهم الله عند ذلك وهو خير الكائدين واستدرجهم حتى جمعهم إلى حصنهم معتصمين فيه عند أنفسهم فجعلوا اعتصامهم لحين لهم وصنع لأوليائه وإحاطة منه به تبارك وتعالى فجمعهم وحصرهم لكي لا تبقى منهم بقية ولا ترجى لهم عاقبة ولا يكون الدين إلا لله ولا العاقبة إلا لأوليائه ولا التعس والنكس إلا لمن خذله
فلما حصرهم الله وحبسهم عليهم ودانتهم مصارعهم سلطهم الله عليهم كيد واحدة يختطفونهم بسيوفهم وينتظمونهم برماحهم فلا يجدون ملجأ ولا مهربا ثم أمكنهم من أهاليهم وأولادهم ونسائهم وحرمهم وصيروا الدار دارهم والمحلة محلتهم والأموال قسما بينهم والأهل إماء وعبيدا وفوق ذلك كله ما فعل بهؤلاء وأعطاهم من الرحمة والثواب وما أعد لأولئك من الخزي والعقاب وصار الكافر بابك لا فيمن قتل فسليم من ذل الغلبة ولا فيمن نجا فعاين في الحياة بعض العوض ولا فيمن أصيب فيشتغل بنفسه عن المصيبة بما سواه لكنه سبحانه وتعالى أطلقه وسد مذاهبه وتركه ملددا بين الذل والخوف والغصة والحسرة حتى إذا ذاق طعم ذلك كله وفهمه وعرف موقع المصيبة وظن مع ذلك كله أنه على طريق من النجاة فأضرب الله وجهه وأعمى بصره وسد سبيله وأخذ بسمعه وبصره وحازه إلى من لا يرق له ولا يرثي لمصرعه فامتثل ما أمر به الأفشين حيدر بن طاوس (6/390)
مولى أمير المؤمنين في أمره فبث له الحبائل ووضع عليه الأرصاد ونصب له الأشراك حتى أظفره الله به أسير ذليلا موثقا في الحديد يراه في تلك الحالة من كان يراه ربا ويرى الدائرة عليه من كان يظن أنها ستكون له فالمحمد لله الذي أعز دينه وأظهر حجته ونصر أولياءه وأهلك أعداءه حمدا يقضي به الحق وتتم به النعمة وتتصل به الزيادة والحمد لله الذي فتح على أمير المؤمنين وحقق ظنه وأنجح سعيه وحاز له أجر هذا الفتح وذخره وشرفه وجعله خالصا لتمامه وكماله بأكمل الصنع وأحسن الكفاية ولم ير بوسا فيه ما يقذي عينه ولا خلا من سرور يراه وبشارة تتجدد له عنه فما يدري أمير المؤمنين ما متع فيه من الأمل أو ما ختم له من الظفر فالحمد لله أولا والحمد لله آخرا والحمد لله على عطاياه التي لا تحصى ونعمه التي لا تنسى إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة كتاب من هذا الضرب كتب به أبو سعيد العلاء بن موصلايا عن القائم بالله إلى عضد الدولة ألب أرسلان إلى مسعود بن محمود صاحب غزنة من أوائل بلاد الهند بالبشارة بالنصر على البساسيري وهو
أما بعد فالحمد لله منير الحق ومبديه ومبير الباطل ومرديه الكافل بإعزاز حزبه وإذلال حربه المؤيد في نصرة دينه خصب الدهر بعد إمحاله وجدبه الناظم شمل الشرع بعد شتاته وتفرقه الحاسم داعي الفساد بعد (6/391)
استيلائه وتطرقه ذي المشيئة النافذة الماضية والعزة الكاملة الوافرة والعظمة الظاهرة البادية والبراهين الرائعة الرائقة والدلائل الشاهدة بواحدانيته الناطقة حمدا لا انتهاء لآمده ولا إحصاء لعدده والحمد لله الذي اختص محمدا برسالته وحباه وأولاه من كرامته ما حاز له به الفضل وحواه وبعثه على حين فترة من الرسل وخلاء من واضح السبل فجاهد بمن أطاعه من عصاه وبلغ في الإرشاد أقصى غايته ومداه ولم يزل مبديا أعلام الإعجاز وملحقا الهوادي بالإعجاز إلى أن دخل الناس في الدين أفواجا وسلكوا في نصرته جددا واضحا ومنهاجا وغدت أنوار الشرع ضاحكة المباسم وآثار الشرك واهية الدعائم ومناهل الهدى عذبة صافية فصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتخبين وخلفائه الأئمة الراشدين وسلم تسليما والحمد لله الذي أصار إلى أمير المؤمنين من تراث النبوة ما استوجبه واستحقه وأنار لديه من مطالع الجلال ما تملك به الفخر واسترقه ومنحه من حسن التمكين والإظفار وإجراء الأقضية على مراده والأقدار ما رد صرف الدهر عن حوزته مفلول الحد ومد باع مجده إلى أقصى الغاية والحد وحمى سرب إمامته من دواعي الخوف والحذر ووقى مشرب خلافته من عوادي الرنق والكدر وجعل معالم العدل في أيامه مشرقة الأوضاح والحجول مفترة النواجذ عن الكمال الضافي الأهداب والذيول مؤذنة باستقرار أمداد السعادة واستمرار الأحوال على أفضل الرسم والعادة وهو يستديمه من لطيف الصنع وجميله ووافي الطول وجزيله ما يزيد آراءه سدادا ورشادا وأرومة عزه (6/392)
اتساعا وامتدادا ومجاري الأمور لديه اتساقا على المراد واطرادا وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب
ومعلوم ما اعتمده شاهنشاه المعظم بعد مسيره إلى العراق في الجيوش التي يضيق بها الفضاء ويجري على مرادها القضاء قاصدا تلبية الدعوة وخاضدا شوك كل من سد عن الدين أسباب المضرة والمعرة ومعتمدا ما حمى حوزة أمير المؤمنين من الشوائب المعترضة وحوى أقسام الفخار في اتباع شروط الخدمة الملتزمة المفترضة من المبادرة للكع اللعين البساسيري ولفيفه المخاذيل مدرعا من الاعتضاد بالله تعالى أقوى الجنن وأسبغ السرابيل ليطهر الأرض من دنس كفرهم ويوفر الجد في فصم حدهم وحسم كيدهم فأطل على بلاد الشام متطلبا من ألجأه حذره إلى الإمعان في الهرب وقطع كل أخية وسبب ومعتزما الائتمام إلى مصر لاتنزاعها وبقية الأعمال من أيدي أحلاف الغواية والضلال وقرب الأمر فيما حاوله من ذلك ورامه اعتماده فيه صنوف التجدد وأقسامه فاعترضه من عصيان إبراهيم اينال وعقوقه وخروجه عن زمرة أبناء الطاعة ومروقه بإفساد اللعين إياه وإحالته بمكره عن مناهج هداه ما أحوجه إلى ترك ما هو بصدده واللحاق بأثره حذارا من استفحال خطبه وبدارا إلى فل حده وغربه فعاد ذلك بتجمع الأعداء واحتشادهم وسلوكهم المحجة التي خصوا فيها بعدم توفيقهم ورشادهم وإقدامهم على فضل الإمامة المكرمة بالمحاربة واطراحهم في منابذتها حكم الاحتشام والمراقبة ووقوع التظافر على المجاهرة بخلافها والتظاهر بشعار أشياع الغواية وأحلافها جرأة على الله تعالى واستنزالا لعقابه واطراحا لما توجبه الجناية العظمى من توقع العذاب (6/393)
وارتقابه وادراعا لملابس الخزي في الدنيا والآخرة واتباعا لداعي الضلالة المغوية في البدء والخاتمة فاقتضى حكم الاستظهار الانتقال من دار الخلافة بمدينة السلام إلى حديثة عانة لما هي عليه من امتناع الجانب وشدة الحصانة إلى أن أسفر خطب شاهنشاه ركن الدين أمتع الله به عن إدراك المطالب وتيسر المصاعب فعاد بنصرة الدولة العباسية الإمامية القائمية مستنفدا في ذلك أقسام الوسع والاجتهاد ومستنجدا بمعونة الله تعالى على إبادة الكفر بصنوف القراع والجهاد ولم يزل ساعيا في إزالة العار وانتزاع المغتصب وارتجاع المستعار إلى أن صدق الله تعالى الأمل وحققه وأصفى منهل العز من كل ما شابه ورنقه وأطلع شمس الحق بعد غروبها ومن بخضد شوكة الباطل وفل غروبها
وعاد أمير المؤمنين إلى دار ملكه ومقر مجده في يوم كذا ضافية على راياته جلابيب النصر والظفر جارية على إرادته تصاريف القضاء والقدر بيمن نقيبة شاهنشاه الذي أدى في الطاعة الفرض والواجب وتمسك من المشايعة بأفضل ما تضم عليه الرواجب وغدا للدولة عضدا موفيا على الأمثال في دفعه عن الإسلام وذبه ومتقمصا للجلال بحسن إخلاصه في حالتي بعده وقربه وما زالت ثقة أمير المؤمنين مستحكمة بالله تعالى عندما ألم به من تلك الحال ودهم من الخطب المحتف به سطوة الاشتداد والاستفحال في إجرائه على ما ألفه من النصر والإعزاز وإظهار آلائه في تأييده والإعجاز إذ لم يكن ما عراه (6/394)
استعاد للحق المسلم إليه والموهبة التي ضفت جلابيبها عليه بل جعل الله ذاك إلى امتحان صبره سبيلا وعلى وفور أجره دليلا وبإبادة كل ناعق في الفتنة كفيلا لتزداد أنوار علاه نضارة وحسنا وأعلام جلاله سعادة ويمنا ورباع عزه سكونا وأمنا لطفا منه جلت آلاؤه في ذلك ومنا وتلا هذه النعمة التي جددت عهود الشرع وافية النضارة وأزالت عن الدين مفاسده العارضة ومضاره ما سهله الله وهناه وأجزل به صنيعه الجزيل وأسناه من ظفر السرايا التي توردها لاصطلام اللعناء واجتياحهم وحسم فسادهم وهدم عراصهم وإخماد ما أضرموه من نار الشرك وشبوه وإبطال ما أحدثوه من رسم الجور وسنوه وأفضى الحال إلى النصر على الأعداء من كل جانب وقهر كل منحرف عن الرشاد ومجانب وحلول التأييد على الرايات المنصورة العباسية التي لم تزل مكنوفة على صرف الدهر أشياعها وأنصارها وإجلاء الحرب عن قتل اللعين البساسيري وأخذ راسه وتكذيب ظنه في احرازه من طوارق الغير واحتراسه وإراحة الأرض وأهلها من دنسه وعدوانه وكون من ضامه من طبقات العرب والأكراد والأتراك البغداديين والعوام بين قتيل مرمل بدمه وأسير تلقى المنون بغصة أسفه وندمه وصريع في بقية من ذمائه وهارب والطلب واقع من ورائه فأنجز الله وعده في هذا المارق والعبد الآبق الذي غره إمهال الله تعالى إياه فنسي عواقب الإهمال في الغواية والإمهال في الطغيان إلى أقصى الحد والغاية وحمل رأسه إلى الباب العزيز فتقدم بالتطواف به في جانبي مدينة السلام وشهره إبانة عن حاله وإيضاحا لجلية أمره وكفي (6/395)
ما يوجبه إقدامه على العظائم التي علم الله تعالى سوء مصيرها ومآلها وحرم الرشد في التمسك والتشبث بأذيالها وتلك عاقبة من بغى واعتدى وأتزر بالغدر وارتدى وأمعن في الضلة واعتدى والجد واقع من بعد في المسير للاحتواء على بلاد المخالفين الدانية والقاصية والأخذ مع مشيئة الله تعالى بنواصي كل فئة طاغية عاصية
فالحمد لله على المنحة التي بشرت الإسلام بجبر كسره وأنقذت الهدى من ضيق الكفر وأسره وأبدت نجوم العدل بعد أن أفلت وغارت وأردت شيعة الباطل بعد أن اعتدت على الحق وأغارت وهو المسؤول صلتها بأمداد لها تقضي إذ ذاك سائر الأغراض وبلوغها وتقضي بكمال رائق الآلاء وسبوغها
اقتضى مكانك أمتع الله بك من رأي أمير المؤمنين الذي وطأ لك معاقد العز وهضابه وكمل لديك دواعي الفخر وأسبابه ونحلك من إيجابه الذي وصلت به إلى ذروة العلاء وصلت على الأمثال والنظراء إشعارك بما جدده الله تعالى من هذه النعمة التي غدت السعود بها جمة المناهل سامية المراتب والمنازل لتأخذ من حظه بها والشكر لله تعالى على ما تفضل به فيها بالقسم الأوفى كفاء ما يوجبه ولاءك الذي امتطيت به كاهل المجد واصطفيت به كامل السعد وكونك لدولة أمير المؤمنين شهابها المشرق في الحنادس وصفيها الرافل من إخلاص مشايعتها في أفخر الحلل والملابس والله تعالى لا يخليك من كل ما تستدر به أخلاف معاليك ولا يعدم أمير المؤمنين منك الولي الحميد السيرة الرشيد العقيدة والسريرة الشديد الشاكلة والوتيرة (6/396)
هذه مناجاة أمير المؤمنين لك أجراك فيها على ما عودك من التجمل والإكرام وحباك فيها بما هو مبشر لك بالسعادة الوافية الأصناف والأقسام فتلقها بالجذل والاستبشار وواصل شكر الله تعالى على ما تضمنته من حسن مجاري الأقضية والأقدار وطالع حضرة أمير المؤمنين بأنبائك وتابع إنهاء ما يتشوف نحوه من تلقائك إن شاء الله تعالى
الضرب الثاني أن يتخذ التحميد في أول الكتاب وهو أقل وقوعا من الضرب الذي قبله
وهذه نسخة كتاب ذلك كتب به أبو إسحاق الصابي عن المطيع لله إلى بعض ولاة الأطراف عند طاعة عبد الملك بن نوح أحد ملوك بني ساسان وهي
أما بعد فالحمد لله الولي بالاستحماد المستحق لكنه الاعتباد القدير على تأليف الأجساد البصير بسبل خفايا الأحقاد ذي الحكمة في تبديل الضغن والسخيمة ذمة والمنابذة عصمة والقطيعة وصلة والشحناء خلة والحرج فرجة والشعث نضارة وبهجة الذي جعل الصلح فتحا هنيا والسلم منجا بهيا والموادعة منا جزيلا والإرعاء أمنا جميلا والإقالة حرما لا (6/397)
يضل هداه ولا تحل قواه ولا تخيب عواقبه ولا تخفى مآثره ومناقبه رأفة منه بالخلق وصيانة لأهل الحق وإمهالا في العهد ورخصة في الاختصار دون الحد ليقرب فيئة المتأمل ويسهل رجعة المتحصل وتسرع رفاهية المستبصر ويخف اجتهاد المزاول المشمر وقد قال الله عز و جل ( والصلح خير ) وهو المسؤول عمارة الإسلام بالسلامة والأنام بالاستقامة والسلطان بالطاعة والملك ببخوع الجماعة حتى تزال الفتنة مهيضة الجناح مريشة الاجتياح فليلة الشباة قليلة الأدوات فتكون النفوس واحدة والأيدي مترافدة والمودات صافية والمآرب متكافية متضاهية في الشكر الذي يذاد به عن النفوس ويحمى به حريم الدين ويرجى معه التأييد ويبتغى بوسيلته المزيد فقد قال الله وقوله الحق ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) والله سميع مجيب وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل وقد علمت ما فرط من نوح بن نصر في السهو ونقم منه في الهفو الذي ألهاه عن التقوى وأنساه شمية الرقبى فعدل عن سنن القصد وزاغ عنه على عمد وحال عن آداب آبائه رحمهم الله وهم القدوة وسجاياهم وبهم الأسوة وما كان ينتمي به من الولاء ويعتزي إليه من الوفاء وصار أدنى معنى ممن يحسده على كرم الأصل وينافسه في شرف المحل ويدخل على عقله مدخل النصيحة ويطلع بظاهرها على آرائه الصريحة وكل ذلك إلحاد في أمير (6/398)
وعهدته ومروق عن أزمته وعقوق بالبرية يشقى به الباقي ولن يشقى به النازح الماضي فإن أمير المؤمنين ما زال واعيا لأوامر سلفه عارفا بمآثر خلفه متجافيا لأولئك عما ابتدعه متنويا لهذا التجاوز عما صنعه فقد كان نمى إلى أمير المؤمنين أن عبد الملك بن نوح مولى أمير المؤمنين سليم السريرة سديد البصيرة يرجع إلى رأيه وتدبيره ولم يجد وشمكير بن زنار عاجله بالبوار مساغا إلى ختله ولا احتيالا في ليه وفتله وكان لعبد الملك ركن الدولة بن مالك مولى أمير المؤمنين ظهير صدق أن وسن أيقظه وإن ماد أيده خلة فضل فطره الله عليها وغريزة تمييز أحسن الله إليه فيها فإنه لو قال أمير المؤمنين إنه لا مثل له استحق هذا الوصف ولأمن أمير المؤمنين فيه الخلف ترك لباس أبيه فنزعه واعتاض منه وخلعه وتنصل مما كان منه منتهكا فعاد عليه محتنكا وأتى الأمر من طريقه ولجأ فيه إلى فريقه ركن الدولة أبي علي مولى أمير المؤمنين أحسن الله ولايته ومعز الدولة أبي الحسين تولى الله معونته واستصلحهما وكفى واستخلصهما وغنى وراسل في الإنابة وإن لم يكن حائدا والاستقالة وإن لم يكن جانبا فما ترك ركن الدولة ومعز الدولة كلأهما الله إكبار قدره وإجلال أمره والقيام بخلاصه والنطق عن أمير المؤمنين بلسان مشاركته وإذكار أمير المؤمنين بما لم ينسه من تلك الوثائق التي صدر بها كتابه والعلائق التي وشح بها خطابه إلى أن أجل أبا محمد نوحا وترحم عليه وقبل عبد الملك وأحسن إليه وواصل رسله واستمع رسائله وقلده خراسان ونواحيها وسائر الأعمال الجارية فيها وعهد إليه في ذلك عهدا وميزه باللواء والخلع والحباء بعد أن كناه بلسانه ووفاه حدود إحسانه وألحقه في ذلك بآبائه ولم يقصر فيه بشأوه وكتاب أمير المؤمنين هذا وقد اطردت الحال واستوثقت وامتزجت الأهواء واتفقت وخلا المشرق من الاضطراب الذي طال أمده ولم يكد يرى أثره (6/399)
وصارت العساكر الدانية والنائية فوضى لا تمتاز ولا تنفرد وتنحاز وذلك صنع الله لأمير المؤمنين في جمع الشتات وتلافي الهنات ولم خلل التخاذل ومداواة نغل الدخائل لتتم الكلمة في ولايته وتعم النعم في طاعته ولا يكون للشيطان سبيل على شيعته ولا طريق إلى مكيدة أبناء دعوته والله ذو الفضل العظيم
فاحمد الله على هذا النبأ الذي تطوع به المقدار والخبر الذي دلت عليه الأخبار من الفتح الذي لم ينغصه تعب ولم يكدره عناء ولا نصب فإنه تأتى سهلا وأتى رسلا وابتدأ عفوا وانتهى خالصا صفوا فقد قمع الله به العندة وجمع بتهيئته العبدة وآذن عقباه بالسعادة وبشرفي سيماه باتصال المادة وأنزل أبا الفوارس عبد الملك بن نوح مولى أمير المؤمنين منزلة من رآه أمير المؤمنين أهلا للوديعة وآمنة على الصنيعة ورتبة مرتبة المسبحة واستحفظ الله حسن الموهبة به وما قد تجدد بين أبي الفوارس وبينهما من الاتحاد المتولد عن الاغتباط والاعتداد فقل من شاقهما فلم يندم وتمرد عليهما فلم يكلم وتمسك بهما فلم يسعد وارتبع أكنافهما فلم يوعد وأجب عن هذا الكتاب بوصوله إليك وموقع متضمنه لديك وما يحدثه لك من الجذل وانفساح الأمل موفقا إن شاء الله تعالى
النوع الثاني أن لا يعقب البعدية تحميد بل يقع الشروع عقبها في المقصود
وهذه نسخة كتاب من ذلك كتب به أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى من بصحار وسوادها وجبال عمان وأعمالها وحاضرتها وباديتها بالأمر (6/400)
بالاجتماع على الطاعة وهي
أما بعد فإن أمير المؤمنين للذي حمله الله من أعباء الإمامة وأهله له من شرف الخلافة واستودعه من الأمانة في حياطة المسلمين والاجتهاد لهم في مصالح الدنيا والدين يرى أن يراعي من بعد منهم ونأى كما يراعي من قرب ودنا وأن يلاحظ جماعتهم بالعين الكالية ويطلبهم بالعين الوافية ويتصفح ظواهر أمورهم وبواطن دواخلهم فيحمد من سلك نهج السلامة ويرشد من عدل من الإستقامة وينظم شمل الجماعة على الألفة التي أمر الله بها وحض عليها ويزيلهم عن الفرقة التي ذمها ونهى عنها إذ يقول جل من قائل ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعو فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) فلا يزال أمير المؤمنين يعرفهم ما افترض الله عليهم من طاعة الأئمة وأولي الأمر الذين لا عصمة لمخالفهم ولا ذمة لمعاندهم ولا عذر لمسلم ولا معاهدة نأى بجانبه عنهم وضل بوجهه عن سبيلهم إذ كان الإمام حجة الله على خلقه وخليفته في أرضه وكانت الطاعة واجبة له ولمن قلده أزمة أموره واستنابه في حمل الأعباء عنه فمن آنس منه الهداية أحمده ومن أنكر منه الغواية أرشده بالوعظ ما اكتفى به أو بالبسط إن أحوج إليه وإن أمير المؤمنين يسأل الله أن يوفقه للرأي السديد ويمده بالصنع والتأييد ويتولاه بالمعونة على كل ما لم الشعث وسد الخلل وقوم الأود وعدل الميل وأحسن العائدة على المسلمين جميعا في شرق الأرض وغربها وسهلها وحزنها إنه بذلك جدير وعليه قدير وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب
وقد علمتم أن أمير المؤمنين أحسن إلى الرعية بما كان فوضه إلى عضد (6/401)
الدولة وتاج الملة رحمة الله عليه من سياستهم باديا ثم أحسن باستخلاف عديله وسليله صمصام الدولة وشمس الملة ثانيا إذ كان خيرة أمير المؤمنين وصفوته وحسامه ومجنه والمورد المصدر عنه بالعهدين المستمرين من أمير المؤمنين بالنص عليه ومن الوالد رحمه الله بالوصية إليه وإن هذه العقود المؤكدة والعهود المشددة موجبة على الكافة طاعة من حصلت له أو استقرت بوثائقها في يده إذ لا يصح من حاكم حكم ولا من عاقد عقد ولا من وال إقامة حد ولا من مسلم تأدية فرض حتى يكون ذلك مبنيا على هذا الأصل ومدارا على هذا القطب وإن كان خارج عنهما وراض بخلافهما خرج من دينه أثم بربه برىء من عصمته وأنتم من بين الرعية فقد خصصتم سالفا بحسن النظر لكم وعرفت الطاعة الحسنة منكم فتقابلت النعمة والشكر تقابلا طاب به الذكر وانتظم به الأمر ثم حدثت الهفوة المعترضة قبيل فكان أمير المؤمنين موجبا للمعاقبة الموجبة على الجاهل الموضع في الفتنة والمعاتبة الممضة على الحكيم منكم القاعد عن النصرة إلى أن وردت كتب أستادهرمز بن الحسن حاجب صمصام الدولة باستمراركم على كلمة سواء في نصرة الأولياء والمحاماة دونهم ومدافعة الأعداء والمراماة لهم فوقع ذلك من أمير المؤمنين أحسن مواقعه ونزل لديه ألطف منازله وأوجب لكم به رضاه المقترن برضا الله سبحانه الموجب للقربة والزلفى عنده وأمير المؤمنين يأمركم بالدوام على ما أنتم والثبات على ما استأنفتم (6/402)
والمبادرة إلى كل ما يأمركم به فلان الوالي عليكم من صمصام الدولة بالاستخلاف والتفويض ومن أمير المؤمنين بالإمضاء لما أمضاه والرضا بما يرضاه فاعلموا ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره وانتهوا فيه إلى حده ورسمه وكونوا لفلان الوالي خير رعية يكن لكم خير راع فقد أمر فيكم بحسن السيرة وإجمال المعاملة وتخفيف الوطأة ورفع المؤونة وجعل إليه عقاب المسيء وثواب المحسن ومسالمة المسالم ومحاربة المحارب وأمان المستأمن وإقالة المستقيل وحمل الجماعة على سواء السبيل إن شاء الله تعالى
الجملة الثالثة في الكتب الخاصة مما يصدر عن الخلفاء وهي على ضربين
الضرب الأول ما يكتب عن الخلفاء إلى وزارئهم
قال في صناعة الكتاب ويكاتب الإمام الوزير أو من حل محله أمتعني الله بك وبدوام النعمة عندي بك وبقاء الموهبة لي فيك وما جرى هذا المجرى
وذكر في ذخيرة الكتاب أن الدعاء للوزير أمتعنا الله بك وبدوام النعمة لنا فيك وتجديد الموهبة عندنا بك ثم قال ودعا المكتفي بالله للقاسم بن عبد الله لما أمر بتكنيته وكان الكتاب بخطه أمتعني الله بك وبالنعمة فيك ووقع المستنصر إلى وزيره أحمد بن الخصيب مد الله في عمرك وهو قريب مما ذكره في صناعة الكتاب في ذلك كله والذي رأيته في مكاتبات العلاء بن موصلايا عن القائم بأمر الله التصدير بما فيه تعظيم (6/403)
الوزير وتقريظه من غير ضابط في الابتداء والدعاء في أثناء ذلك بالحياطة ثم التوصل إلى المقصد
وهذه نسخة كتاب كتب به العلاء بن موصلايا عن القائم إلى وزيره
لما خص الله تعالى الدولة القاهرة العباسية بامتداد الرواق في العز واتساع النطاق وأجرى لها الأقدار بما يجمع شمل الحق ويمنع من نفاق النفاق وأفرد أيامها بالبهاء المنير الأعلام والانتهاء في قوة الأمر إلى ما يتأدى في طاعتها بين اليقظات والأحلام وجعل الزمان واقفا عند حدها في النقض والإبرام ومتصرفا على حكمها في كل ما حاول من حال ورام ومكن لها في الأرض حتى أذلت نواصي الأعداء قهرا وقسرا وحسرت عن قناع القدرة على رد الطامعين في إدراك مداها ظلعا حسرى فإن الله تعالى لم يخلها كل وقت من قائل في نصرتها فاعل وقائم بإقامة حشمتها من كل حاف من الأنام وناعل وراغب في الذب عن حوزتها سرا وجهرا وخاطب من خدمتها ما يرجى أن يكون رضا الله في المقابلة عنه أغلى مهرا وناهج جدد الرشد في المناضلة عنها بسيفه وقلمه وفارج للكرب الحادثة فيها بنطق فيه وسعي قدمه
وقد منح الله أيام أمير المؤمنين من كونك الولي بمواصلة المقامات الغر فيها والخلي من كل ما يباين صحة الموالاة وينافيها والضمين لما عاد عليها باستقامة النظام والضنين بما يوجد للغير الطريق إلى وصول الحتف إليها والاهتضام والمتجرد في إمداد عزها بالإحصاف والإمرار والمتفرد بإعداد أقسام المناضلة دونها في الإعلان والإسرار والباذل وسعة فيما ثنى إليها أعنة السعد ولواها والخاذل كل مستنجد بها فيما يخالف محبتها وهواها ما أوفى على المألوف في أمثالها من قبل وصار لك به على كل من سلفك من الأعضاء (6/404)
التقدم والفضل فهي بآثارك الحميدة فيها وإكبارك الجد في تشييد مبانيها وكونك كافيا أمر المحاماة من ورائها كافا عنها ما يخشى من حدوث أسباب الفساد واعترائها منيعة الجانب مريعة الجناب سريعة فيها السعود إلى ما يلبي نداءها بأحسن التلبية والجواب
ثم إنه وإن كانت زلفك إلى حضرة أمير المؤمنين بادية الحجول والغرر غير محتاجة إلى إقامة الدليل عليها بما اتضح من أمرها واشتهر فإن فلانا يعيد جلاءها دائما في أبهى الملابس وأنضرها ويجيد الجد في الدلالة على تقابل مخبرها في الجمال ومنظرها ويكشف من صفاء السرائر فيها والبواطن وما يطلع عليه منها في كل المحال والمواطن ما يسهب في وصفه ويعجب سماع ذكره ويطرب
وفي هذه النوبة عاد وقد زاد على المعهود من شكرك وجازه وأبان عن صلته بالوعد في ضمان النجح منك نجازه وأوجب على نفسه أن لا يقف عند حد فيما يؤدي إلى نشر محامدك في الأرض وطي الجوانح لك على الإخلاص الصادق المحض
ولما مثل بحضرة أمير المؤمنين على رسمه الذي وسم بالجمال جبينه وابتسم ثغر التوفيق فيه عما أصبح النجح أليف سعيه وقرينه وبحسب فوزه من شرف الحظوة برتبة لم ينلها أحد الأقران له في الزمان وفوته شأو أبناء جنسه يوم المضمار والرهان كفاء ما يستوجبه بغلاء قيمته في الكمال والغناء به في كل مقام أمن حد مضائه فيه الكلال أشار بذكر مقاصدك التي حزت بها من غنائم الحمد الصفايا وشاد مباني محامدك بفضل الإبانة عن السرائر والخفايا وتابع الثناء على كل من أفعالك التي أمسى هلالك فيها مقمرا ووضح فيها كونك بشروط الإخلاص محبا مضمرا وشرح من توفرك على كل قربة غراء تغري (6/405)
الألسنة بحمدك وتنبيء عن حسن مقصدك برفع عماد الحق وعمدك ما قامت عليه الأدلة واستقامت به على سنن الرشد الأهواء المضلة وبين من إمضائك كل عزم في تهيئة القربات إلى حضرة أمير المؤمنين حالا فحالا وإبطائك خطا الجد فيما يراد بزلفك البالغة أقصى الغايات لديه سابقا واتصالا ما يضاهي المظنون في تلك العقيدة التي طالما ألفيت في نصرة الدولة القاهرة صافية المورد والمنهل حالية من الحسن بكل حال اتضح فيها ما ألهى عن غيرها من الوصف وأذهل فقوبلت بما تستحقه من إحماد أشيع وأذيع واتبع فيه الواجب وأطيع وتضاعف الاعتداد بأفعالك التي أعنت بالعون منها في الجمال والأبكار وأعدت بها الأمور في الصلاح إلى ما يؤمن إيضاحه الجحد والإنكار ومن أحق منك بكل فعال تضيء مصابيح الخير فيه وينتشر جميل الذكر من مطاويه وأنت للدولة الولي الأمين وبحفظ نظام كل أمر يختص بها الكفيل الضمين ومن أولى منك بكل حمد يفد إليك إمداده إرسالا وتجد منه ضالة نشدت مثلها آمال سواك فآبت بالخيبة عجالا فلك من الحقوق ما لا ينسى وما يلزم أني يرعى في كل مصبح وممسى فأحسن الله جزاءك عن كونك في دولته ذابا عن الجحد حاميا
فأما ما تحدد في معنى الأعمال على الوصف الذي قضى بزوال الخلف وانحسامه واقتضى رأيك إجراء الأمر على ما استصوب من اتساقه وانتظامه فقد وقفت عليه وأجيز ما أشرت إليه فأعواض الدنيا تهون وتسهل في ضمن ما يلحظ من اعتناقك أحكام مشايعة الدولة التي قمت بأعبائها في كل أوان وغدت آثارك فيها باقية الذكر والأجر على تقضي الأزمان فأنت المرغوب فقي الثناء ولاية وإن شانت الأحوال والمخلص الذي لا عوض عنه في كل مقام ومقال فقد أحاط العلم بتفصيل ذلك وجملته وتحقق أن الخيرة في كل ما تشير إلى (6/406)
سلوك طريقه وجدده ولذلك أجيب فلان إلى الحضور والمستخدمون معه وأذن في المقابلة بالقوانين القديمة والباقي والجرائد والموافقة على ما رأيته في البوادي والعوائد والتنزه عن كل ما شذ عن الحجة المؤكدة بتوفيقك وتوفر الموجود لهذه السنة فيه عليه وحسم مواد استزادته في كل ما تمسك به وأشار إليه و الثقة من بعد مستحكمة بتوفرك على ما يرادف إليك إمداد الحمد وتجديدك كل قربة تنضم إلى سوابقها المتجاوزة حد الإحصاء والعد
فأما ما تضمنته إشارتك في حق الستر الرفيع فهل الصلاح إلا من نتائج أقوالك وهل مساعيك إلا موقوفة على الخير وأفعالك وهل الموافقة إلا لك في جميع آرائك وأبحاثك وبحكم ابتدائك لاستقامة النظام فيما قرب وبعد والسكون إلى إسعافك في كل أمر يحدث ويتجدد ويبعث على ما يعيذ رونق الحشمة من الوهن ويهز طاعتك في كل أمر يحقق التقدير فيها والظن فإذا تصفحت حقوق الوكلاء المجتباة وجدت موفرة على اقتناء الأجر مصروفة في وجوه البر التي هي أنفع الذخر في غد وهل الأعواض إلا عند من يظن الدنيا بعينها قيمة تنافس وهل مصيرها إلا إلى انقضاء ولو أسعفت بالرغائب والنفائس غير أن الأحوال إذا كشف مستورها أثبت ما يقتضي إسبال ستر الإشفاق والبواطن متى أعرب عنها أشمت ذاك كل مجانب للدولة من أهل النفاق وأنت المعتمد لتدبير ما يصون حشمة الدولة عن البذلة والخلل والمرجوع إليه في تحسين الأمر فيما وقع الاجتهاد فيه حتى تيسر قدره وتسهل ولهذا تفصيل قد أوعز إلى فلان باستقصاء شرحه وإطلاعك على حقيقة الأمر وفصه فكن بحيث الظن فيك تجد زند جمالك بذلك أورى وتجب لك به صنوف الشكر طورا إن شاء الله تعالى
الضرب الثاني ما يكتب عن الخلفاء إلى وزراء الملوك
وهي مما يؤتى في صدرها بحرف النداء غالبا كما كتب عن المسترشد (6/407)
إلى معز الدين الفضل بن محمود وزير معز الدين سنجر بن ملكشاه
مقامك يا معز الدين أحسن الله حياطتك وكمل موهبته عندك في خدمة الدار العزيزة التي ما زلت لجهدك فيها باذلا وفي جلابيب المناصحة رافلا لا يقبضنك أن تواصل فحالا فحلا بأنبائك وتستديم ما خصصت به من شريف الآداب الموفية بك على أكفائك وعرض بحضرة أمير المؤمنين ما ورد منك دالا على طاعتك المعهودة وموالاتك الرائقة المشهودة واستمرارك على الجدد والمهيع فيما حاز المراضي الشريفة الإمامية لك وحقق في الفوز بجميل الآراء أملك وناطقا بحال فلان المارق عن الدين المجاهر بمعصية الله تعالى في مخالفة أمير المؤمنين وما اقتضاه الرأي المعزي بحسن سفارتك وسداد مقصدك في الطاعة وصفاء نيتك وأحاط علما بمضمونه الذي لا ريب أنه ثمرة مناصحتك ونتيجة سعيك المضاهي نصيحة عقيدتك ومن أولى منك بهذه الحال وأنت الحول القلب ذو الحنكة المجرب الذي تفرد في الأنام (6/408)
وقصر أكفاؤه عن درك شأوه في الخير ومثاله وما زلت حديثا وقديما موسوما بهذه المزية مرقوما وبغير شك أنك تراعي ما بدأت به وتعضد مقالك في موارده بما تعمده في مصادره وتحرس ما قدمته من الاحتياط بتحريك في أواخره وتمضي العزيمة لإتمام ما شرعت فيه كفاء ما يوجبه دينك ويقتضيه جريا على وتيرتك فيما قضي للأحوال بالانتظام والاتساق وآذن لشمس الصلاح بالإضاءة والإشراق
وبعد فقد عرفت ما تكرر إليك في أمر هذه الطائفة الخبيثة المكاشفة بمذهب الإلحاد المبارزة بسوء الاعتقاد بعثا على جهادها وكف ضررها عن الإسلام وفسادها ورفع ستر المراقبة عنها والانتقام لله ولرسوله منها وما يقنع من همة معز الدولة والدين أمتع الله ببقائه ومن وافر عقل ودينك وصدق يقينك إلا بإرهاف العزيمة في مكاشفتها وخوض الغمار في محاربتها والقصد المضايقة من اعتصم منها بالقلاع وقتل كل من يظفر به في سائر البقاع حمية وامتعاضا للدين وأنفا مما استولى عليه بها من الضرر المبين فكن من وراء الحب لمعز الدنيا والدين على تيقنك هذا المثال والادكار بما تفوز به مع الإمتثال له في المآل وانهض في تنفيذ ما يأمرك به في هذا الباب نهضة من أتزر رضا الله وأرداه وبذل في صلاح معاده اجتهاده فإن الله سبحانه لا يرضى منكما للانتصار لدينه بالتقصير وأمير المؤمنين أمركما بالجد فيه والتشمير وقد شرفك بتحفة أمر بحملها إليك من بين يدي سدته وأعرب بها عن مكانك من حضرته إنافة على الأمثال بقدرك وإضفاء لملابس فخرك فاعرف بمكان النعمة في ذلك واسلك في القيام بشكرها أوضح المسالك وأدم المواصلة بمطالعتك وقدم التوقع من إجابتك تفز من المراضي الشريفة بالحظ الأسنى ويجتمع لك منها الاسم والمعنى إن شاء الله تعالى (6/409)
الطرف الرابع في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العباس في الديار المصرية بعد مصير الخلافة إليها
وهي على ثلاثة أساليب
الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من فلان إلى فلان
والحكم فيها على ما كان الأمر عليه في خلافتهم ببغداد إلا أنه زاد فيه لفظ ووليه بعد لفظ عبد الله في اول الكتاب فيقال في افتتاحه من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلاني ثم يقال أما بعد حمد الله ويؤتى على آخر الخطبة ثم يتخلص منها ويختم بالأمر بامتثال ما أمر به ويقال بعد ذلك موفقا إن شاء الله تعالى والخطاب فيه بالكاف وربما افتتح الكتاب بآية من القرآن الكريم مناسبة للمعنى
وهذه نسخة كتاب كتب به عن الإمام المستكفي بالله أبي الربيع سليمان ابن الحاكم بأمر الله أحمد إلى الملك المؤيد هزبر الدين داود ابن الملك المظفر صلاح الدين يوسف بن رسول الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سنة سبع وسبعمائة حين منع صاحب اليمن الهدية التي جرت العادة بإرسالها إلى الأبواب الشريفة بالديار المصرية مفتتحا بآية من القرآن وهو
( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (6/410)
من عبد الله ووليه أبي الربيع سليمان
أما بعد حمد الله مانح القلوب السليمة هداها ومرشد العقول إلى أمر معادها ومبداها وموفق من اختاره إلى محجة صواب لا يضل سالكها ولا تظلم عند إخلاف الأمور العظام مسالكها وملهم من اصطفاه لاقتفاء آثار السنن النبوية والعمل بموجبات القواعد الشرعية والانتظام في سلك من طوقته الخلافة عقودها وأفاضت على سدته الجليلة برودها وملكته أفاضي البلاد وأناطت بأحكامه السديدة أمور العباد وسارت تحت خوافق أعلامه أعلام الملوك الأكاسرة وشيدت بأحكامه مناجح الدنيا ومصالح الآخرة وتبختر كل منبر من ذكره في ثوب من السيادة معلم وتهللت من ألقابه الشريفة أسارير كل دينار ودرهم
يحمده أمير المؤمنين على أن جعل أمور الخلافة ببني العباس منوطة وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم القيامة محوطة ويصلي على ابن عمه محمد الذي أخمد الله بمبعثه ما ثار من الفتن وأطفأ برسالته ما اضطرم من نار الإحن صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حموا حمى الخلافة وذادوا عن مواردها وعمدوا إلى تمهيد المعالم الدينيية فأقاموها على قواعدها صلاة دائمة الغدو والرواح متصلا أولها بطرة الليل وآخرها بجبين الصباح
هذا وإن الدين الذي فرض الله على الكافة الانضمام إلى شعبه وأطلع فيه شموس هداية تشرق من مشرقه ولا تغرب في غربه جعل الله حكمه بأمرنا منوطا وفي سلك أحكامنا مخروطا وقلدنا في أمر الخلافة المعظمة سيفا طال نجاده وكثر أعوانه وأنجاده وفوض إلينا أمر الممالك الإسلامية وإلى حرمنا تجبى ثمراتها ويرفع إلى ديواننا العزيز نفيها وإثباتها يخلف الأسد إن مضى في غابه شبله ويلفى في الخبر والخبر مثله
ولما أفاض الله علينا حلة الخلافة وجعل محلنا الشريف محل الرحمة والرافة وأقعدنا على سدة خلافة أشرقت بالخلائف من آبائنا وابتهجت بالسادة (6/411)
الغطاريف من أسلافنا وألبسنا خلعه هي من سواد السؤدد مصبوغة ومن سواد العيون وسويداوات القلوب مصوغة وأمضينا على سدتنا الشريفة أمر الخاص والعام وقلدنا كل إقليم من عملنا من يصلح سياستها على الدوام واستكفينا بالكفاة من عمالنا على أعمالنا واتخذنا مصر دار مقامنا وبها سدة مقامنا لما كانت في هذا العصر قبة الإسلام وفيئة الإمام وثانية دار السلام تعين علينا أن نتصفح جرائد عمالنا ونتأمل نظام أعمالنا مكانا فمكانا وزمانا فزمانا فتصفحناها فوجدنا قطر اليمن خاليا من ولايتنا في هذا الزمن عرفنا هذا الأمر من اتخذناه للمالك الإسلامية عينا وقلبا وصدرا ولبا وفوضنا إليه أمر الممالك الإسلامية فقام فيها مقاما أقعد الأضداد وأحسن في ترتيب ممالكها نهاية الإصدار وغاية الإيراد وهو السلطان الأجل السيد الملك الناصر المبجل لا زالت أسباب المصالح على يديه جارية وسحابة الإحسان من أفق راحته سارية فلم يعد جوابا لما ذكرناه ولا عذرا عما أبديناه إلا بتجهيز شرذمة من جحافله المشهورة وتعيين أناس من فوارسه المذكورة يقتحمون الأهوال ولا يعبأون بتغيرات الأحوال يرون الموت مغنما إن صادفوه وشبا المرهف مكسبا إن صافحوه لا يشربون سوى المدام مدامة ولا يلبسون غير الترانك عمامة ولا يعرفون طربا إلا ما أصدره صليل الحسام من غنا ولا ينزلون قفرا إلا ونبت ساعة نزولهم من قنا ولما وثقنا منه بإنفاذهم راجعنا رأينا الشريف فاقتضى أن يكاتب من بسط يده في ممالكها واحتاط على جميع مسالكها واتخذ أهلها خولا وأبدى في خلال ديارها من عدم سياسته (6/412)
خللا برز مرسومنا الشريف النبوي أن يكاتب من قعد على تخت مملكتها وتصرف في جميع امور دولتها وطولع بأنه ولد السلطان الملك المظفر يوسف ابن عمر الذي له شبهة تمسك بأذيال المواقف المستعصمية وهو مستصحب الحال على زعمه أو ما علم الفرق بين الأحياء والأموات أو ما تحقق الحال التي بين النفي والإثبات أصدرناها إلى الرحاب التعزية والمعالم اليمنية تشعر من تولى عنها فاستبد وتولى كبره فلم يعرج على أحد أن أمر اليمن ما برحت نوابنا تحكم فيه بالآية الصحيحة والتفويضات التي هي غير جريحة وما زالت تحمل إلى بيت المال المعمور وما تمشي به الجمال مشيا وئيدا وتقذفه بطون الجواري إلى ظهور اليعملات وليدا ويطالعنا بأمر مصالحه ومفاسده وبحال دياره ومعاهده ولك أسوة بوالدك فلان هلا اقتفيت ما سنه من آثاره ونقلت ما دونته أيدي الزمن من أخباره
واتصل بمواقفنا الشريفة أمور صدرت منك
منها وهي العظمى التي ترتب عليها ما ترتب قطع الميرة عن البيت الحرام وقد علمت أنه واد غير ذي زرع ولا يحل لأحد أن يتطرق إليه بمنع
ومنها انصبابك إلى تفريغ مال بيت المال في شراء لهو الحديث ونقض العهود القديمة بما تبديه من حديث
ومنها تعطيل أجياد المنابر من عقود اسمنا وخلو تلك الأماكن من أمور عقدنا وحلنا ولو أوضحنا لك ما اتصل بنا من أمرك لطال ولاتسعت فيه دائرة المقال رسمنا بها والسيف يود لو سبق القلم حده والعلم المنصور يود لو فات العلم واهتز بتلك الروابي قده والكتائب المنصورة تختار لو بدرت عنوان الكتاب وأهل العزم والحزم يودون إليك إعمال الركاب والجواري المنشآت (6/413)
قد تكونت من ليل ونهار وبرزت كصور الأفيلة لكنها على وجه الماء كالأطيار وما عمدنا إلى مكاتبتك إلا للإنذار ولا احتجنا إلى مخاطبتك إلا للإعذار فأقلع عما أنت بصدده من الخيلاء والإعجاب وانتظم في سلك من استخلفناه فأخذ بيمينه ما أعطي من كتاب وصن بالطاعة من زعمت أنهم مقيمون تحت لواء علمك ومنتظمون في سلك أوامر كلمك وداخلون تحت طاعة قلمك فلسنا نشن الغارات على من نطق بالشهادتين لسانه وقلبه وامتثل أوامر الله المطاعة عقله ولبه ودان بما يجب من الديانة وتقلد عقود الصلاح والتحف مطارف الأمانة ولسنا ممنا يأمر بتجريد سيف إلا على من علمنا أنه خرج عن طاعتنا ورفض كتاب الله ونزع عن مبايعتنا فأصدرنا مرسومنا هذا إليه نقص عليه من أنباء حلمنا ما أطال مدة دولته وشيد قواعد صولته ونستدعي منه رسولا إلى مواقفنا الشريفة ورحاب ممالكنا المنيفة لينوب عنه في قبول الولاية مناب نفسه وليجن بعد ذلك ثمار شفقاتنا إن غرس شجر طاعتها ومن سعادة المرء أن يجني ثمار غرسه بعد أن يصحبه من ذخائر الأموال ما كثر قيمة وخف حملا وتعالى رتبة وحسن مثلا واشرط على نفسك في كل سنة قطيعة ترفعها إلى بيت المال وإياك ثم إياك أن تكون على هذا الأمر ممن مال ورتب جيشا مقيما تحت علم السلطان الأجل الملك الناصر للقاء العدو المخذول التتار ألحق الله أولهم بالهلاك وآخرهم بالبوار وقد علمت تفاصيل أحوالهم المشهورة وتواريخ سيرهم المنكورة فاحرص على أن يخصك من هذا المشرب السائغ أوفر نصيب وأن تكون ممن جهز جيشا في سبيل الله فرمى بسهم فله أجر كان مصيبا أو غير مصيب ليعود رسولك من دار الخلافة بتقاليدها وتشاريفها حاملا أهلة أعلامنا المنصورة شاكرا بر مواقفنا المبرورة وإن أبى حالك إلا أن استمريت على غيك واستمريت مرعى بغيك فقد منعناك التصرف في البلاد والنظر في أحكام العباد حتى تطأ خيلنا العتاق (6/414)
مشمخرات حصونك وتعجل حينئذ ساعة منونك وما علمناك غير ما علمه قلبك ولا فهمناك غير ما حدسه لبك ولا تكن كالصغير يزيده كثرة التحريك نوما ولا ممن غره الإمهال يوما فيوما أعلمناك ذلك فاعمل بمقتضاه موفقا إن شاء الله تعالى
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بخطبة إما مصدرة بآية من القرآن الكريم أو دونها
كما كتب عن الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان إلى السلطان الملك الناصر أحمد ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو بالكرك يستدعي حضوره إلى قلعة الجبل بالقاهرة المحروسة لتقليد السلطنة الشريفة بعد خلع أخيه الملك الأشرف كجك ابن الناصر محمد وإمساك الأمير قوصون ومن معه من الأمراء
وقد ذكر صاحب الدر الملتقط أنه كتبه في قطع البغدادي الكامل بين يدي الأمير قطلوبغا الفخري كافل السلطنة الشريفة وهذه نسخته
( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير )
فالحمد لله الذي أسبغ نعمه الظاهرة والباطنة وألف قلوب أوليائه المتفقة والمتباينة وأخذ بنواصي أعدائه المراجعة والبائنة وأعلى جد هذه الدولة القاهرة وأطلع في أسنة العوالي نجومها الزاهرة وحرك لها العزائم فملكت (6/415)
والأمور بحمد الله ساكنة والبلاد والمنة لله آمنة والرعايا في مكانها قاطنة والسيوف في أغمادها مثل النيران في قلوب حسادها كامنة وأقام أهل الطاعة بالفرض واستوفى بهم القرض وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض وأعز أنصار المقام الشريف العالي وأعز نصره وأعد لعدوه حصره وأتى بدولته الغراء تسمو شموسها وتثمر غروسها وتظهر في حلل الصباح المشرق عروسها وتجيء منه بخير راع للرعية يسوسها وبشره بالملك والدوام وسره بما اجتمع له من طاعة الأنام وأقدمه على كرسي ملكه تظله الغمام وأراه يوم أعدائه وكان لا يظن أن يرى في المنام ولا يزال مؤيد الهمم مؤكد الذمم مجدد البيعة على رقاب الأمم ولا برحت أيامه المقبلة مقبلة بالنعم خضر الأكناف على رغم من كاد وغيظ من رغم ولا فتئت عهود سلفه الشريفة تنشأ له كما كانت ورعاياه تدين له بما دانت وجنوده تفديه من النفوس بأعز ما ذخرت وما صانت وسعادة سلطانه تكشف الغمم وتنشر الذمم وتعيد إلى أنوف أهل الأنفة الشمم وتحفظ ما بقي لأوليائه من بياض الوجوه وسواد اللمم
سطرها وأصدرها وقد حققت بعوائد الله الظنون وصدقت الخواطر العيون وأنجز الله وعده وأتم سعده وجمع على مقامه الكريم قلوب أوليائه وفرق فرق عدوه وأباته بدائه ووطد لرقيه المنابر ورجل لترقيه العساكر وهيأ لمقاتل أعدائه في أيدي أوليائه السيوف البواتر وأخذ قوصون وأمسك ونهب ماله واستهلك وهدمت أبنيته وهدت أفنيته وخربت دياره وقلعت آثاره وأخليت خزائنه وأخرجت من بطون الأرض دفائنه وما مانعت عنه تلك الربائب التي ظنها قساور ولا ناضلت تلك القسي التي طبعها أساور ولا أغنى عنه ذلك المال الذي ذهب ولا ذلك الجوهر الذي كان عرضا لمن نهب وأعيد إلى المهد ذلك الطفل الذي أكل الدنيا باسمه وقهر أبناءها بحكمه وموه ب على الناس وأخلى له الغاب وما خرج من الكناس وغالب به الغلب حتى وطيء الرقاب وداس الأعقاب وخادع ودله الشيطان بغروره ودلس عليه عاقبة أموره فاعتد (6/416)
بعتاده واعتز بقياده واغتر بأن الأرض له وما علم أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده فأمسك ومعه رؤوس أشياعه وحصرت بالخوف نفوس أتباعه ومنهم الطنبغا وقد أحاط العلم الشريف بكيفية وصوله وحقيقة الخبر وما قاساه في طريقه من العبر وداس عليه حتى وصل من وخز الإبر وكذلك من جاء معه وخلف وراءه الحق وتبعه بعد الهزيمة التي ألجأهم إليها خوف العساكر المنصورة التي قعدت لهم على الطريق وأخذت عليهم بمدارج أنفاسهم في فم المضيق وعبئت لهم صفوف الرجال وأعدت لهم حتوف الآجال وحيرتهم في سعة الفجاج وأرتهم بوارق الموت في سحب العجاج ثم لم يصلوا إلا وهم أشلاء ممزقة وأعضاء مفرقة قد فني تحتهم الظهر وقني بيومهم الدهر وساقتهم سعادة سلطان المقام العالي إلى شقاوتهم وهم رقود وعبئت لهم الخيل والخلع إلا أنها ملابس الذل وهي القيود فأخذوا جميعا ومن كانوا على موالاته وفارقوا الجماعة لمواتاته وحملوا إلى الحبس النائي المكان وأودعوا أحياء في ملحده إلا أنهم كالأموات وقد نالوا المقصد إلا أنهم ما أمنوا الفوات ووكل بحفظهم إلى أن يشرف سرير الملك بعقود مقامه وعقود أيامه الحوالي وسعود زمانه الذي لا يحتم بالنجوم إلا خدم الليالي
وهذا النصر إنما تهيأت ولله الحمد أسبابه وهذا الفتح إنما فتحت بمشيئة الله أبوابه بمنة الله ونية المقام العالي لا بمنة أحد ولا بمنة بأس من أقدر ولا يأس من حجر وما قضى الله به من سعادة هذه الأيام ومضى به القدر السابق وعلى الله التمام وبمظافرة الجناب الكريم السيفي قطلوبغا الفخري الساقي الناصري أدام الله نصرته لهذه العصابة المؤيدة وبمضاء عزائمه التي ماونت وقضاء قواضبه التي ما انثنت وبموازرة من التف عليه من أكابر الأمراء وبما أجمعوا عليه من مظافرة الآراء ونزولهم على النية لا يضرهم من خذلهم ولا يهينهم من بذلهم ولا يبالون بمعساكر دمشق المقيمة على حلب ومن مال إليهم وتمالأ معهم عليهم ومن انضاف إليهم من جنود البلاد وجيوش العناد ولا لواهم ما كان يبعث إليه ذلك الخائن من وعبده ولا ولاهم (6/417)
ما كاد يخطف أبصارهم من تهديده ولا بالوا بما ألب عليهم من جند الشام من كل أوب وصب عليهم سيوله من كل صوب وخادعهم بالرسائل التي ما تزيدهم عليه إلا إباء ولا تشككهم أن السيف أصدق منه إنباء حتى ولى لا تنفعه الخدع ولا تنصره البدع فما أسعدته تلك الجموع التي جمعها ولا أجابته تلك الجنود التي سار عليها إلى مكمن أجله ولا وقت تلك السيوف التي لم يظهر له من بوارقها إلا حمرة الخجل حتى أخذ مع طاغيته بل طاغوته بمصر ذلك الأخذ الوبيل وقذف به إلى مهوى هلكه سيل ذلك السب ل وقام من بالديار المصرية قيام رجل واحد وتظافروا على إزالة ذلك الكافر الجاحد ولم يبق من الأمراءإلا من بذل الجهد وجمع قلوب الرعية والجند وفعل في الخدمة الشريفة ما لم يكن منه بد حتى حمد الأمر وخمد الجمر وتواترت الكتب بما عمت به البشرى من إقامة البيعة باسمه الكريم وأنه لم يبق إلا من أعطى اليمين وأعطى اليمين وأتم الحلف إتماما لا يقدر معه ثمين وأقيمت له السكة والخطبة فرفع على المنابر اسمه وتهلل به وجوه النقود وظهر على أسارير الوجود وضربت البشائر ونهبت المسرات السرائر وتشوقت أولياء هذه الدولة القاهرة أدام الله سلطانها إلى حضور ملكها وسفور الصباح لإذهاب ما أبقته عقابيل تلك الليلة من حلكها والمقام العالي ما يزداد علما ولا يزاد عزما وهو أدرى بما في التأخير وبما في بعده من الضرر الكبير ومثله لا يعلم ومنه يتعلم فهو أعلم بما يجب من مسابقة قدومه للبشير وما سيعن من معاجلته لامتطاء جواديه ظهر الخمال وبطن السرير فالله الله في تعجيل حفظ هذا السوام المشرد وضم هذا الشمل المشتت ونظم هذا العقد المبدد وجمع كلمة الإسلام التي طالما افترقت وانتجاع عارض هذه النعمة التي أبرقت وسرعة المسير فإن صبيحة اليوم المبارك الذي يعرف من أوله قد أشرقت فما بقي ما به يقتدر ولا سوى مقدمه السعيد ينتظر
وقد كتبناها ويدنا ممدودة لمبايعته وقلوب الخلق كلها مستعدة لمتابعته وكرسي الملك قد أزلف له مقعده ومؤمل الظفر قد أنجز له موعده والدهر (6/418)
والزمان مسعده وطوائف أوليائه ليوم لقائه ترصده والعهد له قد كتب ولواء الملك عليه قد نصب والمنبر باسمه عليه قد خطب والدينار والدرهم هذا وهذا له قد ضرب ولم يبق إلا أن يقترب وترى العيون منه ما ترتقب ويجلس على السرير ويزمع المبشر ويعزم على المسير وتزين الأقاليم ويبين لتسيير شهابه ما كان يقرأ له في التقاويم لا زال جيب ملكه على الأقطار مزرورا وذيل فخاره على السماء مجرورا وحبل وليه متصلا وقلبه مسرورا ومقدمه يحوز له من إرث آبائه نعما جمة وملكا كبيرا إن شاء الله تعالى
الأسلوب الثالث ما استقر عليه الحال في زماننا إلى خلافة الإمام المتوكل على الله خليفة العصر
وهو أن تفتتح المكاتبة بالسلام ويؤتى في ألقاب المكتوب إليه بما يكتب من الألقاب عن السلطان على ما سيأتي ذكره في المكاتبات السلطانيات في الباب الثاني من هذه المقالة إن شاء الله تعالى
مثال ذلك أن تكون المكاتبة إلى نائب الشأم مثلا فالذي يكتب إليه عن السلطان أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم العالي إلى آخر الألقاب الآتي ذكرها هناك ويكتب عن الخليفة سلام الله تعالى ورحمته وبركاته يخص المقر الكريم العالي إلى آخر الألقاب
قلت ولو سلكوا سبيل الخلفاء السابقين في المكاتبات الصادرة عنهم من الابتداء بلفظ من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى فلان على ما تقدم وأتوا في ألقاب المكتوب إليه بالألقاب المستعملة في ذلك الزمان في المكاتبات السلطانية مثل أن يكتب عن الإمام المتوكل على الله محمد خليفة العصر إلى نائب الشام من عبد الله ووليه أبي عبد الله محمد الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين إلى المقر الكريم العالي الأميري (6/419)
الكبيري إلى آخر الألقاب المقدم بيانها في المقالة الثالثة ثم يقال وسلام على المقر الكريم فإن أمير المؤمنين يحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله ثم يقال أما بعد فإن كذا وكذا ويؤتى على المقصد ويختم بالدعاء وغيره لكان أذهب مع الصواب وأوفق لمكاتبة الخلفاء السابقين وأقرب إلى اقتفاء سبيلهم
الطرف الخامس في الكتب الصادرة عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في الكتب الصادرة عنهم على سبيل الإجمال
وقد ذكر صاحب مواد البيان وكان من كبار دولتهم في المكاتبات الصادرة عنهم نحو المكاتبات الصادرة عن خلفاء بني العباس ببغداد فقال وإن كانت المكاتبة من الخليفة فينبغي للكاتب أن يفضل من الدرج قد ذراع ثم يستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم في سطر أول لأنها أولى ما يستفتح به ثم يكبت في سطر ثان يلاصقها ويخرج يسيرا من عبد الله ووليه فلان بن فلان إلى فلان ويبدأ بذكر نعته إن كان الإمام شرفه بنعت سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى آله الأئمة المهديين ويسلم تسليما ويكون هذا التصدير في سطرين يجعل بينهما فضاء قيس شبر ولا يزيده عن ذلك ولا ينقصه فيخرجه عن حده ثم يترك بعد هذين السطرين فضاء نصف الذي بينهما ثم يقول أما بعد ويقتص المعاني معنى معنى فإن كان أمرا أمر به الإمام قال بعد انقضاء الكلام وأمر أمير المؤمنين بكذا ثم يقول بعد فصل أوسع من الفصل الأول فاعلم ذلك من أمير المؤمنين ورسمه واعمل عليه بحسبه ويقول للمخاطبين من الطبقة العالية والسلام عليك ورحمة الله (6/420)
ويفرد بالسلام من دونها
وقد كانت العادة جارية أن يقال في آخر الكتب النافذة عن الإمام وكتب فلان بن فلان باسم الوزير واسم أبيه ثم بطل هذا الرسم في الدولة العلوية ولا يكتب أحد بالتصدير إلا الإمام وولي عهده وهذه المكاتبة عامة للناس جميعا في الأمور السلطانية التي تنشأ فيها الكتب من الدواوين ولا يخاطب أحد عن الخليفة إلا بالكاف
الجملة الثانية في الكتب العامة وهي على أسلوبين
الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلاني على ما تقدم ترتيبه
وعلى هذا الأسلوب كان الحال في ابتداء دولتهم وإلى أوساطها
وهذه نسخة كتاب كتب به الإمام العزيز بالله نزار الفاطمي إلى عامله بمصر يبشره بالفتح حين خرج إلى قتال القرمطي بالشام في سنة سبع وستين وثلثمائة مما أورده المسبحي في تاريخه
من عبد الله وليه نزار أبي المنصور العزيز بالله أمير المؤمنين إلى حسين بن القاسم (6/421)
سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمد نبيه ورسوله وعلى الأئمة من عترته الأبرار الطاهرين المطهرين وسلم تسليما
أما بعد فالحمد لله الملك العظيم العليم الحليم ذي الطول الكريم والمن الجسيم والعز المديد والمحال الشديد ولي الحق ونصيره وماحق الباطل ومبيره المتكفل بالنصر والتمكين والتأييد والتحصين لأوليائه المتقين وخلفائه المصطفين الذابين عن دينه والقائمين بحقه والدالين على توحيده الحاكم بإعلاء كلمتهم وإفلاج حججهم وظهورهم على أعدائه المشاقين له الضالين عن سبيله الملحدين في آياته الجاحدين نعمه المنزل رجزه وقوارع بأسه على من عصاه فحاده وصد عنه فناده القاضي بالعواقب الحسنى والفوز والنعماء لمن أسلم وجهه له وتوكل عليه في أمره وفوض إليه حكمه كل ذلك فضلا منه وعدلا وقضاء فصلا وهو الحكم العدل الذي لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون فتبارك الله الغالب على أمره الفرد في ملكه سبحانه وتعالى علوا كبيرا والحمد لله الذي ابتعث عبده المصطفى وأمينه المرتضى من أكرم سنخ ونبعه وأظهر ملته وشرعه في أفضل دهر وعصر وأنزل عليه كتابا من وحيه حكيما غير ذي عوج قيما بديع النظام داخلا في الأفهام خارجا عن جميع الكلام ليس كسجع الكهان ولا كتحبير ذوي اللسن والبيان وقد تفرقت بالأمم أهواؤهم وتوزعتهم آراؤهم فضلت أحلامهم وعميت أفهامهم واستحوذ عليهم الشيطان فعبدوا الأصنام والأوثان جهلا بعبادة الرحمن فدعاهم إلى الإقرار بإلههم وعرفهم وحدانية ربهم وكان حريصا على إرشادهم جادا في الاجتهاد هاجرا للدعة والمهاد صابرا على تكذيب المشركين وتفنيد الملحدين ينصح لهم فيستكبرون ويهديهم فيضلون ويحذرهم فيستهزئون حتى ظهر دين الله فسما وطمس (6/422)
الكفر فانمحق وعفا وعمت بركته وفضلت على الأمم أمته وعلت على الملل ملته صلى الله عليه أفضل صلاة المصلين وزاده شرفا في العالمين إلى يوم الدين
والحمد لله الذي حبا أمير المؤمنين وانتخبه لخلافته وجعله صفيه من خلقه وأمينه على عباده وهاديا إلى سبيله قائما بحق مقسطا في أرضه ذابا عن دينه محييا ما أماته أهل الكفر من أحكامه وأيده بنصره وأمده بقوته وتكفل له بالنجح في مسعاه والظفر بمبتغاه ونيل طلبته فيما أمه وارتآه وحكم بكبت كل عدو له وخزيهم وإذلالهم ومحقهم وخذلهم وإيهان كيدهم وضرب الذلة عليهم حيث كانوا وأين كانوا فلا ينعق ناعق منهم بطلال أو يسعى بفسق وخبال أو يدفع إلى افتراء على الله أو مروق عن دينه أو إذهاب ما فرض الله عز و جل من طاعة إلا اصطلمه وأخزاه وأكبه لوجهه وأرداه وقضى عليه بالشقوة في دنياه وعذاب الآخرة في أخراه
والحمد لله الذي منح فأجمل وأعطى فأجزل من نعمه السابغة وآلائه المتتابعة التي لا يوازيها شكر ولا يدرك كنهها ذكر حمدا يوجب منه المزيد ويستدعي المنن والتجديد وإليه يرغب أمير المؤمنين خاضعا ويسأله راغبا حسن العون على ما بلغ رضوانه وامترى فضله وإحسانه وتقدم أمير المؤمنين إليك بما هيأه الله من وصوله إلى مدينة الرملة على أجمل صنع وألطف كفاية وأتم أمن وأكمل عز وأوطد حال وأحسن انتظام وأبسط يد وأظهر قدره وأشمل هيبة وبما أولى الله أمير المؤمنين في حله وظعنه وارتحاله وثوائه من نعمه العميمة ومواهبه الجسيمة ومنحه الجليلة ومننه الجزيلة وإنه مما يستغرق الحمد والشكر ويفوت الإحصاء والنشر وذكر أمير المؤمنين أمر اللعين التركي وهربه من بين يديه وأنه لم يلو (6/423)
على شيء إلى أن بلغ طبرية للذي تداخله من الفرق واستولى عليه من القلق ولما سكن قلبه من الرعب وحشاه من الرهب بقصد أمير المؤمنين إياه وإغذاذه السير في طلبه ومواصلته الأسباب ومتابعته الإدآب ووصف أمير المؤمنين ما عليه عزمه في تتبعه واقتفاء أثره والحلول بعقونه حيث قصد وحل لثقته بالله ربه وتوكله عليه وتفويضه إليه ولم يزل جل وعز يولي أمير المؤمنين بعد نفوذ كتابه من عز يؤيده وظفر يؤكده ونصر يوطئه وآلاء يجددها ومواهب يتابعها وعدو يذله ومناو يقله وشارد يصرفه إلى طاعته ومارق يعيده إلى موالاته إلى أن تم له من ذلك ما واصل به حمد الله عليه وتهيأ له ما تواتر شكره له جل وعز فيه وكان مع ذلك مواصلا إلى اللعين الإعذار ومتابعا الإنذار ومحذرا له ما يعذر ومستدعيه إلى ما يختار ويؤثر وممنيا له مما يمنى به مثله من العفو عنه وتغمد ما جرى منه والإقالة لعثرته والتجاوز عن هفوته والامتنان عليه بما رغب فيه من تقليده ناحية من نواحي الشام وإدرار الأرزاق عليه وعلى رجاله وأصحابه وإيثارة بالفضل الجليل واختصاصه بالطول الجزيل فما نجح في الفاسق وعد ولا نجع فيه وعظ ولا وفق إلى قبول حظ ولا أصغى إلى قبول تذكرة ولا أناب إلى تبصرة وما زال جادا في تهوكه متماديا على تمهكه جاريا على ضلالته سالكا سبيل عمايته مترددا في غوايته متلددا في جهالته مقدرا أن بأس الله لا يرهقه وسطوته لا تلحقه ورجزه لا يمحقه وذنوبه لا تزهقه وأجرامه لا توبقه وما زال اللعين في خلال ذلك يبسط آمال العرب ويرجيها ويرغبها ويمينها بأقوال كاذبة وآمال خائبة ومواعيد باطلة حتى أصغى أكثرها إلى غروره وقبول إفكه (6/424)
وزوره وأجابته طائفة طاغية ووصلت إليه متتابعة فتوفر جمعه وكثر عدده واشتد طمعه وقوي أمله وتمكن له باستدراج الله إياه وغضبه عليه أن يورط عصبته ومن اختدعه بغية واستفزه معه جهله ويوردهم جميعا ونفسه الرذلة موردا لا صدر له ولا علل بعده فخرج من طبرية وحل بيسان محل الخزي والهوان فعندها انتهى إلى أمير المؤمنين خبره وهو يومئذ في المنهل الذي حصل فيه بعد رحيله من الرملة وهو الموضع المعروف بالطواحين فعندما قرب استجرار الفاسق اللعين واعتمد ما يعود بأطماعه أقام في الموضع أياما ناظرا فيما يحتاج إليه متأهبا لما يريده وكان ذلك هو السبب الذي أطمعه فبعد ما طمع قاده الحين الغالب والقدر الجالب وما أراد الله عز و جل من استدراجه إلى موضع نكاله ومنهل وباله ورحل من بيسان رحيل من استعجلته البلية واستدعته الرزية فحل بموضع يعرف بكفر سلام كافرا بحدود الإسلام متجرئا على الله محاربا لنجل نبيه عليه السلام وأقام بها متلددا في حيرته مترددا في سكرته ثم استجره شؤمه وقاده حينه ولؤمه إلى أن رحل فنزل بكفر سابا البريد فأنبأه اسمها بما حل به من السبي المبيد والخزي الشديد ثم لم يلبث أن ضرب مضاربه المأكولة ونصب أعلامه المخذولة وأقام صفوفه المفلولة وأظهر آلة الحرب إقداما وأخفى عن اللقاء إحجاما
فأمر أمير المؤمنين بتزيين العساكر المنصورة والجيوش المظفرة وتعبئتها على مراتبها وترتبيها على مواكبها وتقدم إلى قوادها أن لا يمشوا إلا صفا ولا يسيروا إلا زحفا وعرفهم أنه سيسير بنفسه ويقصد اللعين بموكبه وجمهوره (6/425)
ومن معه من حماة رجاله وأنه لا يثنيه عن الفاسق ثان ولا يصرفه عن الاقتحام صارف فبدا من عزائمهم وشدة شكائمهم وخلوص بصائرهم وسكون أفئدتهم وثبات أقدامهم ما كانت به دلائل النصر واضحة وشواهد الفلج لائحة وعلامات الفتح ظاهرة وآيات النجح باهرة فمشوا على ما أمروا وساروا على ما سيروا فعندما دنوا من عدوا الله أصابوه للجلاد معدا وفي المحاربة مجدا واستخاروا الله عز و جل وتدانوا للتلاق والأخذ بالنواصي والأعناق وقامت الحرب على ساق وتجرع منها أمر مذاق فاستطار شرارها وتأججت نارها وارتفع دخانها وعظم شانها والتزم بالأقران بالأقران واشتد الضرب والطعان إلى أن مشى أمير المؤمنين بنفسه وجمهور موكبه متوكلا على الله ماتا إليه بجده محمد متوسلا بمتقدم وعده وسالف إنعامه عنده وقصد اللعين غير متلوم عن مصادمته ولا معرج عن ملاحمته فقويت نفوس أوليائه وعبيده ومن اشتملت عليه عساكره المنصورة وجيوشه المظفرة بما تبينوه من إقدامه وشاهدوه من اعتزامه وحملوا على الفاسق وأحزابه وقذف الله في قلوبهم الرعب فتزلزلت أقدامهم وأرعشت أيديهم ونخبت أفئدتهم وولوا الدبر منهزمين ومنحوا ظهورهم مولين وافترقوا ثلاث فرق فرقة قتلت في المعركة وصرعت في الملحمة فاحتزت رؤوسهم وفرقة أحست وقع السيوف وإرهاق الحتوف فاستأمنت تحت الذلة والصغار والغلبة والاقتدار فبقيت عليهم الأرواح وحقنت منهم الدماء وفرقة أسرت أسرا وقيدت قيدا وهرب التركي اللعين رئيس ضلالتهم وعميد كفرهم في شريذمة من أصحابه فظن أن ذلك من بأس الله ينجيه ومن الأخذ بكظمه يوقيه هيهات كما قال الله عز و جل ( هيهات هيهات لما توعدون ) ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ) فاتبعه سرعان الخيل (6/426)
وخفاف الرجال مع مفرج بن دغفل بن جراح فأخذه قبضا وأتى به قودا أسيرا من غير عهد وذليلا من غير عقد واستولى أهل العساكر المنصورة والجيوش المظفرة على مناخه وسوداه وما كان فيه من مال وأثاث وكراع وقناع وقليل وكثير وجليل وحقير فحازوه واتسعوا به واكثروا من حمد الله وانصرفوا إلى معسكرهم سالمين بالمغنم والظفر آمنين لم يكلم منهم أحد ولم ينقص لهم عدد وكان جملة ما أتوا به معهم من رؤوس الفسقة زائدا على ألف رأس ومن أسراهم ثمانمائة أسير غير من استؤمن وقت الإيقاع بهم ولم يفلت من الفسقة إلا من هرب بحشاشة نفسه مع من لاءم التركي اللعين وصاحب عقده ومورطه في هلاكه وقائده إلى نقماته وسائقه إلى موبقاته وهو كاتبه المعروف بابن الحمارة فلحق بطبرية فقتل هو وجل من كان معه واحتز رأسه وأتي به فكملت النعمة وتمت الموهبة وتجدد حمد أمير المؤمنين واتصل شكره لما أولاه من جليل عطائه وكريم حبائه وسني آلائه وكان ما آتاه الله من عظيم آياته وأكبر شواهده واختصاص الله إياه وانتخابه له فالحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله رب العالمين على عطائه الهني وحبائه السني وما أيد أمير المؤمنين وأعز الدين وقمع المشركين إذ كان الفاسق اللعين التركي الغوي المبين ثلة من ثللهم وركنا من أركانهم وحزبا من أحزابهم ووثنا من أوثانهم وطاغية من طواغيتهم ولم يكن لهم في بلد المسلمين يد تصد عنهم بأس غيرهم ولا عضد يدفعون بها سواه وأمير المؤمنين يرغب إلى الله عز و جل أن يوزعه الشكر على ما أولاه ويوجده سبيلا إلى بلوغ مبتغاه من إعزاز الملة والدين وإحياء شريعة جده سيد المرسلين ومجاهدة الترك والمشركين وقمع الظالمين والقانطين والمارقين حتى يكون الدين كله لله ويجمع القلوب على طاعته بإذن الله (6/427)
أمر أمير المؤمنين بتعريفك ذلك وتلخيص الكتاب إليك لتقف عليه وتذيعه وتشهره فيما قبلك وتحمد الله على ما منح أمير المؤمنين من النصر ومكنه من الظفر فاعلمه إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب يوم الخميس لخمس ليال بقين من المحرم سنة سبع وستين وثلثمائة
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بخطبة مفتتحة بالحمد لله
وعليه كان الحال في أواخر دولتهم وعليه جرى في مواد البيان في الأمثلة التي ذكرها
وهذه نسخة كتاب مما أورده في مواد البيان ببشارة بفتح وهي
الحمد لله مديل الحق ومنيره ومذل الباطل ومبيره مؤيد الإسلام بباهر الإعجاز وقصم وعده في الإظهار بوشيك الإنجاز أخمد كل دين وأعلاه ورفض كل شرع واجتباه وجعله نوره اللامع وظله الماتع وابتعث به السراج المنير والبشير النذير فأوضح مناهجه وبين مدارجه وأنار أعلامه وفصل أحكامه وسن حلاله وحرامه وبين خاصه وعامه ودعا إلى الله بإذنه وحض على التمسك بعصم دينه وشمر في نصره مجاهدا من ند عن سبيله وعند عن دليله حتى قصد الأنصاب والأصنام وأبطل الميسر والأزلام وكشف غيابات الإظلام وانتعلت خيل الله بقبائل الهام (6/428)
يحمده أمير المؤمنين أن جعله من ولاة أمره ووفقه لاتباع سنة رسوله واقتفاء أثره وأعانه على تمكين الدين وتوهين المشركين وشفاء صدور المؤمنين وانهضه بالمراماة عن الملة والمحاماة عن الحوزة وإعزاز أهل الإيمان وإذلال حزب الكفران ويسأله الصلاة على خيرته المجتبى وصفوته المنتصى محمد أفضل من ذب وكافح وجاهد ونافح وحمى الذمار وغزا الكفار صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب سيفه القاطع ومحنه الدافع وسهمه الصارد وناصره العاضد فارس الوقائع ومعنوس الجمائع مبيد الأقران ومبدد الشجعان وعلى الطهرة من عترته أئمة الأزمان وخالصة الله من الإنس والجان وإن أولى النعم بأن يرفل في لباسها ويتوصل بالشكر إلى لباثها ويتهادى طيب خبرها ويتفاوض بحسن أثرها نعمة الله تعالى في التوفيق لمجاهدة أهل الإلحاد والشرك وغزو أولي الباطل والإفك والهجوم عليهم في عقر دارهم واجتثاث أصلهم وهدم منارهم واستنزالهم من معاقلهم وتشريدهم عن منازلهم وتغميض نواظرهم الشوس وإلباسهم لباس البوس لما في ذلك من ظهور التوحيد وعزه وخمود الإلحاد وعره وعلو ملة المسلمين وانخفاض دولة المشركين ووضوح محجة الحق وحجته وفضوح برهانه وآيته (6/429)
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد انكفأ عن ديار الفلانيين والمشركين إلى دست خلافته ومقر إمامته بعد أن غزاهم برا وبحرا وشردهم سهلا ووعرا وجرعهم من عواقب كفرهم مرا وفرق جمائعهم التي تطبق سهوب الفضاء خيلا ورجلا وتضيق بها المهامه حزنا وسهلا ومزق كتائبهم التي تلحق الوهاد بالنجاد وتختطف الأبصار ببوارق الأغماد وسبى الذراري والأطفال وأسر البطاريق والأقيال وافتتح المعاقل والأعمال وحاز الأسلاب والأموال واستولى من الحصون على حصن كذا وحصن كذا ومحا منها رسوم الشرك وعفاها وأثبت سنن التوحيد بها وأمضاها وغنم أولياء أمير المؤمنين ومتطوعة المسلمين من الغنائم ما أقر العيون وحقق الظنون وانفصلوا وقد زادت بصائرهم نفاذا في الدين وسرائرهم إخلاصا في طاعة أمير المؤمنين بما أولاهم الله من النصر والإظفار والإعزاز والإظهار ووضح للمشركين بما أنزله عليهم من الخذلان وأنالهم إياه من الهوان أنهم على مضلة من الغي والعمى وبعد من الرشد والهدى فضرعوا إلى أمير المؤمنين في السلم والموادعة وتحملوا بذلا بذلوه تفاديا من الكفاح والمقارعة فأجابهم إلى ذلك متوكلا على الله تعالى ومتمثلا بقوله تعالى إذ يقول ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) وعاقد طاغيتهم على كتاب هدنة كتبه له وأقره في يده حجة مضمونة
أشعرك أمير المؤمنين ذلك لتأخذ من هذه النعمة بنصيب مثلك من المخلصين وتعرف موقع ما تفضل الله تعالى به على الإسلام والمسلمين (6/430)
فتحسن ظنك وتقر عينك وتشكر الله تعالى شكر المستمد من فضله المعتد بطوله وتتلو كتاب أمير المؤمنين على كافة من قبلك من المسلمين ليعلموا ما تولاهم الله به من نصره وتمكينه وإذلال عدوهم وتوهينه فاعلم ذلك واعمل به
الجملة الثالثة في الكتب الخاصة كالمكاتبة إلى الوزير ومن في معناه
قال في مواد البيان بعد ذكر صورة المكاتبات العامة عنهم وقد يخاطب الإمام وزيره في المكاتبة الخاصة بما يرفعه فيه عن خطاب المكاتبة العامة الديوانية ويتصرف في ذلك ويزاد وينقص على حسب لطافة محل الوزير ومنزلته من الفضل والجلالة قال وليس لهذه المكاتبة الخاصة حدود ينتهي إليها ولا قوانين يعتمد عليها وطريقها مستفيضة معلومة وقد تقدم في المكاتبات الخاصة عن خلفاء بني العباس أن مكاتبة الوزير أمتعني الله بك في أدعية أخرى
الطرف السادس في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أمية بالأندلس
ولم أقف على شيء من المكاتبات الصادرة عنهم وإن ظفرت بشيء منها بعد ذلك ألحقته إن شاء الله تعالى (6/431)
الطرف السابع في الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحدين أتباع المهدي بن تومرت المستمر بقاياهم الآن بتونس وسائر بلاد أفريقية وهي على أسلوبين
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان
وكان الرسم فيها أن يقال من أمير المؤمنين فلان ويدعى له بما يناسبه إلى فلان ويدعى له مبما يليق به ثم يؤتى بالسلام ثم يؤتى بالبعدية والتحميد والصلاة على النبي والترضية عن الصحابة ثم عن إمامهم المهدي ثم يؤتى على المقصود ويختم بالسلام والخطاب فيه بنون الجمع عن الخليفة وميم الجمع عن المكتوب إليه
كما كتب عن عبد المؤمن خليفة المهدي إمامهم إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعد (6/432)
من أمير المؤمنين أيده الله بنصره وأمده بمعونته إلى الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعد وفقه الله ويسره لما يرضاه سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فالحمد لله الذي له الاقتدار والاختيار ومنه العون لأوليائه والإقدار وإليه يرجع الأمر كله فلا يمنع منه الاستبداد والاستئثار والصلاة على محمد نبيه الذي ابتعثت بمبعثه الأضواء والأنوار وعمرت بدعوته الأنجاد والأغوار وخصم بحجته الكفر والكفار وعلى آله وصحبه الذين هم الكرام الإبرار والمهاجرين والأنصار والرضا عن الإمام المعصوم المهدي المعلوم القائم بأمر الله حين غيرته الأغيار وتقدم الامتعاض له والانتصار وهذا كتابنا كتب الله لكم نظرا يريكم المنهج ويلفيكم الأبهج فالأبهج وآتاكم الله من نعمة الإيمان وعصمة الانقياد له والإذعان ما تجدون به اليقين والثلج من حضرة مراكش حرسها الله تعالى ولا استظهار إلا بقوته وحوله ولا استكثار إلا من إحسانه وطوله
ولما جعل الله هذا الأمر العظيم رحمة لخلقه ومطية لرقيه وقراره لإقامة حقه وحمل حملته الدعاء إليه والدلالة به عليه والترغيب في عظيم ما عنده ونعيم ما لديه وجعل الإنذار والإعذار من فصوله المستوعبة وأحكامه المرتبة ومنجاته المخلصة من الخطوب المهلكة والأحوال المعطبة رأينا أن نخاطبكم بكتابنا هذا أخذا بأمر الله تعالى لرسوله في المضاء إلى سبيله والتحريض على اغتنام النجاء وتحصيله وإقامة الحجة في تبليغ القول وتوصيله فأجيبوا رفعكم الله داعي الله تسعدوا وتمسكوا بأمر المهدي رضي الله عنه في إتباع سبيله تهتدوا واصرفوا أعنة العناية إلى النظر في المآل والتفكر في نواشيء التغير والزوال وتدبروا جري هذه الأمور وتصرف هذه الأحوال واعلموا أنه لا عزة إلا بإعزاز الله تعالى فهو ذو العزة والجلال ( ولا يغرنكم بالله الغرور ) فالدنيا دار الغرور وسوق المحال وليس لكم في قبول (6/433)
النصيحة وابتداء التوبة الصحيحة والعمل بثبوت الإيمان في هذه العاجلة الفسيحة إلا ما تحبونه في ذات الله تعالى من الأمنة والدعة والكرامة المتسعة والمكانة المرفعة والتنعم بنعيم الراحة المتصلة والنفس الممتنعة فنحن لا نريد لكم ولسائر من نرجو إنابته ونستدعي قبوله وإجابته إلا الصلاح الأعم والنجاح الأتم وتأملوا سددكم الله من كان بتلك الجزيرة حرسها الله من أعيانها وزعماء شانها هل تخلص منهم إلى ما يوده وفاز بما يدخره ويعده إلا من تمسك بهذه العروة الوثقى واستبقى لنفسه من هذا الخير الأدوم الأبقى وتنعم بما لقي من هذا النعيم المقيم ويلقى وأما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه ورغب بنفسه عن هذا الأمر العزيز إلى ما سواه فقد علم بضرورتي المشاهدة والاستفاضة سوء منقلبه وخسارة مذهبه ومطلبه وتنقل منه حادث الانتقام أخسر ما تنقل به وحق عليكم وفقكم الله ويسركم لما يرضاه أن تحسنوا الاختيار وتصلوا الادكار والاعتبار وتبتدروا الابتدار وما حق من انقطع إلى هذا الأمر الموصول الواصل وأزمع ما يناله من خيره المحوز الحاصل أن يناله منكم شاغل يشغله عن مقصوده ويحيط به ما يصرفه عن محبوبه ومودوده فقد كان منكم في أمر أهل بلنسية حين إعلانهم بكلمة التوحيد وتعلقهم بهذا الأمر السعيد ما كان ثم كان منكم في عقب ذلك ما اعتمدتموه في أمر أهل لورقه وفقهم الله حين ظهر اختصاصهم وبان إخلاصهم وليس لذاك وأمثاله عاقبة تحمد فالخير خير ما يقصد والنجاة فيما ينزح عن الشر ويبعد وإنا لنرجو أن يكفكم عن ذلك وأشباهه إن شاء الله تعالى نظر موفق ومتاع محقق ويجذبكم إلى موالاة هذه الطائفة المباركة جاذب يسعد وسائق يرشد والله يمن عليكم بما ينجيكم ويمكن لكم في طاعته (6/434)
أسباب تأميلكم وترجيكم بمنة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكتب في السادس عشر من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد
والأمر فيه على نحو ما تقدم في الأسلوب قبله بعد البعدية كما كتب أبو الميمون عن المستنصر بالله أحد خلفائهم إلى بعض نوابه وقد نقض العهد على بعض المهادنين من النصارى
أما بعد حمد الله الآمر بالوفاء بالعهود والصلاة على سيدنا المصطفى الكريم سيد الوجود وعلى آله وصحبه ليوث البأس وغيوث الجود والرضا عن الإمام المعصوم المهدي المعلوم الآتي بالنعت الموجود في الزمن المحدود وعن خلفائه الواصلين بأمره إلى التهائم والنجود والدعاء لسيدنا الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين بسعد تذل له النواصي ويهد الأقطار القواصي فكتبناه كتبكم الله ممن إذا هم بأمر تدبر عواقبه وإذا عزم على ركوب غرر ألفى معاطبه من فلانة كلأها الله تعالى وقد بلغنا ما كان منكم من أكتساح النصارى والزيادة على ذلك باختطاف الأسارى ونعوذ بالله من شهوة تغلب عقلا ونخوة تعقب هوانا وذلا وقد أخطأتم في فعلتكم الشنعاء من ثلاثة أوجه أحدها أنه خلاف ما أمر الله تعالى به من الوفاء بالعهد والوقوف مع العقد والثاني عصيان الأمر العزيز وفيه التغرير بالمهج وترك السعة للحرج والثالث أنكم تثيرون على أنفسكم من شر عدوكم قصمه الله شررا يستعر وضررا يعدم فيه المنتصر فليتكم إذ تجليتم بالعصيان ورضيتم الغدر المحرم في سائر الأديان ثبتم للعدو إذا دهمكم ولقيتموه بالجانب القوي متى زحمكم بل تتدرعون له الفرار وتتركونه في مخلفيكم وما اختار وقد جربتم (6/435)
مرات أنكم لا ترزؤونهم ذرة إلا رزؤوكم ألف بدرة ولا تصيبونهم مرة إلا أصابوكم ألف مرة وإلى متى تنهون فلا تنتهون وحتام تنبهون فلا تنتبهون فإذا وافاكم كتابنا هذا بحول الله وقوته فأدوا من أسرتم إلى مأمنه وردوا ما انتهبتم إلى مسرحه ولا تمسكوا من الأسارى بشعرة ولا من الماشية بوبرة ومن سمعنا عنه بعد وصول هذا الكتاب أنه تعدى هذا الرسم وخالف هذا الحكم أنفذنا عليه الواجب وحكمنا فيه المهند القاضب فلتسرع من نومة الغفلة إفاقتكم ولا تتعرضوا من الشر لما تعجز عنه طاقتكم ونحن متعرفون ما يكون منكم من تأن أو بدار ومقابلون لكم بما يصدر عنكم من إقرار وإنكار وهو يرشدكم بمنه والسلام عليكم ورحمة الله
قلت ثم طرأ بعد ذلك الإكثار من ألقاب خلفائهم في المكاتبات الصادرة عنهم والمبالغة في مدحهم وإطرائهم على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات الواردة من ملوك الأقطار إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية فيما بعد إن شاء الله تعالى
الطرف الثامن في الأجوبة وهي على ضربين
الضرب الأول ما يضاهي الأجوبة في الابتداء وهو على أسلوبين
الأسلوب الأول أن يفتتح الجواب بلفظ من فلان إلى فلان
مثل أن يكتب من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى آخر الصدر على ما تقدم في الابتداءات ثم يقال أما بعد وينساق (6/436)
منه إلى ذكر الكتاب الوارد وعرضه على الخليفة وما اقتضته آراء الخلافة فيه ويكمل على نحو الابتداء كما كتب عن المقتفي لأمر الله إلى غياث الدين مسعود بن ملكشاه السلجوقي في جواب كتابه الوارد عليه يخبره بأن بعض من كان خرج عن طاعته دخل فيها وانحاز إليه وهو
من عبد الله أبي عبد الله محمد الإمام المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين إلى فلان بألقابه
أما بعد أطال الله بقاءك فإن كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين معربا عن أخبار سعادتك وجرى الأمور على إرادتك وبلوغ الأغراض من الوجهة التي توجهت إليها والأطراف التي أشرقت سعادتك عليها بميامن ما تثق به من الطاعة الإمامية وتضمره وتعتقده من الإخلاص وتستشعره وأن ركن الدين محمدا ومن انضم إلى جملته وانتظم في سلك موافقته لما ظفروا منك بذمام اطمأنوا إليه وسكنوا وأمان وثقوا به وركنوا أبصروا الرشد فاتبعوه واستجابوا الداعي إذ سمعوه وأذعنوا لطاعتك مسرعين وانقادوا إلى متابعتك مهطعين على استقرار مسيرهم تحت لوائك إلى باب همذان ليكون تقرير القواعد الجامعة للمصالح عند وصلوها والتوفر على تحري ما تقر به الخواطر مع حلولها والانفصال إلى من يفد إلى الأبواب العزيزة مؤتنسا بقرب الدار ومستسعدا بالخدمة الشريفة الإمامية المؤذنة ببلوغ الأوطار ووقف عليه وعرف مضمونه وجدد ذلك لديه من الابتهاج والاغتباط الواضح المنهاج ما تقتضيه ثقته بجانبك واعتقاده وتعويله على جميل معتقدك واعتماده واعتضاده من طاعتك بحبل لا تنقض الأيام مبرمه وسكونه من ولائك إلى وزر لا تروع المخاوف حرمه وواصل شكر الله تعالى على ما شهدت به هذه النعمة العميمة والموهبة الجسيمة من إجابة الأدعية التي ما زالت جنودها نحوك مجهزة (6/437)
ووعوده جلت عظمت بقبول أمثالها منجرة وإمدادك منها بأمداد تستدعي لك النصر وتستنزله وتستكمل الحظ من كل خير وتستجزله وتبلغ الأمل منك فيمن هو العدة للملمات والحامي لتقرير الأنس من روائع الشتات ومن ببقائه تكف عن الامتداد أكف الخطوب وتطلق وجوه المسار من عقل القطوب ويأبى الله العادل في حكمه وحكمته الرؤوف بعباده وخليقته إلا إعلاء كلمة الحق بالهممم الإمامية والإجراء على عوائد صنيعته الحفية الكافلة بصلاح العباد والرعية وقد أقيمت أسواق التهنئة بهذه البشرى وأفادت جذلا تتابع وفوده تترى لا سيما مع الإشارة إلى قرب الأوبة التي تدني كل صلاح وتجلبه وتزيل كل خلل أتعب القلوب وتذهبه وإلى الباري جل اسمه الرغبة في اختصاصك من عنايته بأحسن ما عهدته وأجمله وصلة آخر وقتك في نجح المساعي بأوله وأن لا يخلي الدار العزيزة من إخلاصك في ولائها ورغبتك في تحصيل مراضيها وشريف آرائها
هذه مناجاة أمير المؤمنين أدام الله تأييدك ابتغى الله جزاءك فيها على عادة تكرمته وأعرب بها عن اعتقاده فيك وطويته ومكانك الأثيل في شريف حضرته وابتهاجه بنعمة الله عندك وخيرته فتأملها تأملا يشاكل طاعتك الصافية من الشوائب والأقذاء وتلقها بصدق الاعتماد عليها وحسن الإصغاء تفز بالإصابة قداحك ويقرن بالتوفيق مغداك ومراحك إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكما كتب بعض كتاب الفاطميين عن الحافظ لدين الله أحد خلفائهم إلى شمس الدولة أبي منصور محمد بن ظهير الدين بن نوري بن طغتكين ببعلبك جوابا عن كتابه الوارد عنه على الخليفة ويذكر أنه حسن لفخر الملك رواج وروده على الخليفة بالديار المصرية ويذكر نصرته على الفرنج بطرابلس وقتله القومص ملكها (6/438)
من عبد الله ووليه عبد المجيد أبي الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين إلى الأمير فلان
أما بعد فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين كتابك من يد فتاه ووزيره وصفيه وظهيره السيد الأجل الأفضل الذي بذل نفسه في نصرة الدين تقى وليانا وأوضح الله للدولة الحافظية بوزارته حجة وبرهانا وأسبغ النعمة على أهلها بأن جعله فيهم ناظرا ولهم سلطانا ووفقه في حسن التدبير والعمل بما يقضي بمصالح الصغير والكبير وبما أعاد المملكة إلى أفضل ما كانت عليه من النضرة والبهجة ولم يخرج المادحون لها إذا اختلفوا عن التحقيق وصدق اللهجة فقد ساوت سياسته بين البعيد والقريب وأخذ كل منهما بأجزل حظ وأوفر نصيب وسارت سيرته الفاضلة في الآفاق مسير المثل واستوجب من خالقه أجر من جمع في طاعته بين القول والعمل وشفع عرضه من وصفك وشكرك والثناء عليك وإطابة ذكرك وأنهى ما أنت عليه من الولاء وشكر الآلاء بما يضاهي ما ذكرته فيه مما علم عند تلاوته وأصغي إليه عند قراءته وقد استقر بحضرة أمير المؤمنين مكانك من المشايعة وموقعك من المخالصة وكونك من ولاء الدولة على قضية كسبتك شرفا تفيأت ظلاله وأفاضت عليك ملبسا جررت أذياله وسمت بك إلى محل لا يباهي من بلغه ولا يطاول من ناله وكنت في ذلك سالكا للمنهج القويم ومعتمدا ما أهل بيتك عليه في القديم ولا جرم أنه عاد عليك من حسن رأي أمير المؤمنين بما تقصر عنه كل أمنية ويشهد لك بمخالصة جمعت فيها بين عمل ونية والله يضاعف أجرك على اعتصامك من طاعة أمير المؤمنين بالحبل المتين ويوزعك شكر (6/439)
ما منحك من الاستضاءة بنور الحق المبين
فأما الأمير الاسفهسلار فخر الملك رواج وبعثك له على الوصول إلى الباب وحضك إياه على التعلق من الخدمة بمحصد الأسباب فما كان الإذن له في ذلك إلا لأن كتابه وصل بملتمسه وعرض فيه نفسه وبذلك المناصحة والخدمة ويسأل سؤال من يعرف قدر العارفة بالإجابة إليه وموقع النعمة فأجيب إلى ذلك إسعافا له بمراده وعملا برأي الدولة فيمن يرغب إلى التحيز إليها من أقطاره وبلاده وإلا فلا حاجة لها إليه ولا إلى غيره لأن الله تعالى وله الحمد وفر حظها من الأولياء والأشياع والأنصار والأتباع والعساكر والجيوش والأجناد والأنجاد والأعوان الأقوياء الشداد وعبيد الطاعة الذين يتبارون في النصح ويتنافسون في الاجتهاد والحرص وسعة الأموال وعمارة الأعمال وجمع الرجال في العزائم بين الأفعال والأقوال ولو وصل المذكور لكانت المنة للدولة عليه والحاجة له في ذلك لا إليه قال الله عز من قائل ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين )
وأما توجهه إلى طرابلس وظفره بقومصها وقتله إياه مع من بها وعظيم أمره فيها فالله تعالى يعز الإسلام وينشر لواءه ويعلي مناره ويخذل أعداءه وينصر عساكره وأجناده ويبلغه في أحزاب الكفر والضلال مراده وهو عز و جل يمتعك من الولاء بما منحك وينيلك في دينك ودنياك أملك ومقترحك فاعلم هذا واعلم به إن شاء الله تعالى
الأسلوب الثاني أن يفتتح الجواب بلفظ أما بعد
كما كتب عن المقتفي إلى السلطان محمود بن محمد السلجوقي جوابا (6/440)
عن كتابه الوارد بإخباره باجتماعه مع عمه سنجر ونسخته
أما بعد فإن كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين ناطقا بدرك الأوطار وحصول المقاصد على الآثار وما أنهيته من الاجتماع بعز الدنيا والدين جمع الله في طاعته شملكما ووصل بالألفة والتوادد حبلكما ومن إكرام الوفادة الذي أنت أهله ووليه وحقيق أن يتبع وسميه لديك وليه والموافقة على كل حال آذنت ببلوغ الأغراض وتيسرها ونجاز المساعي على أتم وفاق وتقررها وانتظام الأمور على أجمل معتاد وأكمل مراد وأحسن اتساق واطراد واستقرار القواعد على الوصف الجامع أشتات الاتفاق الدال على صدق المحافظة بينكما وفرط الإشفاق محفوفا بالسعادة التي لا تزال مآثرك في الطاعة الإمامية تملك قيادها وتقلدك على الاتصال نجادها فتهللت بهذا النبأ المبهج أسرة البشرى وأصبح الجذل بمكانه أفعم عرفا وأذكى نشرا وقامت لأجله في عراص الدار العزيزة مواسم أضحت المسرة بها مفترة الثغور ضاحكة المباسم وجدير بمن كان له من الهمم الشريفة مدد واف ومنجد يدفع في صدر كل خطب مواف أن تكتنفه الميامن والسعود ويصدق في كل مرمى ينحوه من النجح الموعود وتنقاد له المصاعب ذللا ويعود بيمن نقيبته كل عاف من الصلاح جديدا مقتبلا ولا ينفك صنع الله جل اسمه لطيفا وبرباعه محدقا مطيفا والتوفيق مصاحبه أنى حل وثوى أو ثنى عنانه إلى وجه ولوى والله يمتع أمير المؤمنين منك بالعضد الذي يذب عن دولته ويحامي ويناضل دونها بجنود الإخلاص ويرامي (6/441)
يخليك من رعايته التي لا يزال يستقر فيها إليك ويرغب إليه في إسباغ لباسها عليك حتى تتسنى لك المطالب معا ويغدو الزمان فيما ينشأ متبعا
هذه مفاوضة أمير المؤمنين إليك أدام الله تأييدك أجراك فيها على مألوف العادة وجدد لك بها برود الفخار والسعادة فاجر على وتيرتك في إتحاف حضرته بطيب أخبارك ومجاري الأمور في إيرادك وإصدارك تهد إليها ابتهاجا وافرا وابتساما يظل لثامه عن حمد الله المسند بها سافرا إن شاء الله تعالى
الضرب الثاني أن يكون الافتتاح في الجواب مصدرا بما فيه معنى وصول المكاتبة إلى الخليفة
فقد جرت عادة المتقدمين من الكتاب في التعبير عن ذلك بلفظ العرض على الخليفة ويؤتى فيه على ما تضمنه الكتاب المجاب عنه ثم يختم كما تختم الابتداآت
كما كتب العلاء بن موصلايا عن القائم بأمر الله إلى أتسز عند ورود كتابه على أبواب الخلافة يتضمن انتظامه في سلك الطاعة وغلبته الأعداء وهو عرض بحضرة أمير المؤمنين ما ورد منك دالا على تمسكك من الطاعة الإمامية بما لا تزال تجد فيه ملابس التوفيق حالا بعد حال وتجد به مرائر السعد محصفة في كل حل وترحال منبئا عن توفرك على المقامات التي انتقمت بها للهدى من الضلال واستعمت فيها حتى أجلت عن كل صلاح ممتد الظلال شاهدا بما أنت عليه من موالاة لا تألوا جهدا في التزام شروطها بادئا عائدا ولا تخلو فيها من حسن أثر يكون لدعائم الصواب عامدا وترى فيه قاصدا لاجتلاب (6/442)
الخير عائدا ووقف عليه وقوف من ارتضى ما يتوالى من قرباتك التي لا تزال في إعذاب ورودها ساعيا ولما يفضي إلى إعشاب مرعاها في طلب الحمد مراعيا وانتضى منك للخدمة بتلك الأعمال حساما باترا آجال بقايا الكفر هناك ماضيا في كل ما يقضي بانفساح مجال آمالك في الدهر ومبارك واعتد لك بما أنهاه عنك رسول أمير المؤمنين العائد من قبلك وأوضحه من زلفك التي شفع قولك فيها عملك وطالع به الرسول الذي نفذته معه لقصد بابه والمناب في تأكيد دواعي النجح وتمهيد أسبابه وحل كل ذلك لديه المحل الذي ستجني ثمره كلما يطيب ويحلو ويسلم من كل الاستزادة ويخلو ويعز مهر الفوز به على غيرك ويغلو وتأثل لك من الرتبة بحضرته ما يدني لك كل مطلب إلى مرادك آئل ويدوي قلب كل منحرف عن وفائك مائل وصرت من أعيان الخلصاء الذين وسمت الهدى أفعالهم بالحمد وسمت بالطاعة آمالهم إلى توقل هضاب المجد فما تهم بك الغير إلا وتنقطع دونك أعناقها وترجع في جلباب الخيبة وحيصها إليك وإعناقها ولا تمتد نحوك يد ضد إلا ردها عنك جميل الآراء الشريفة فيك وغلها وأوجب نهلها عن موارد القصور وعلها وكيف لا يكون ذاك ولك في الطاعة كل موقف اغتذى بلبان الحمد واعتنى باشتهاره بلوغ المدى في وصفه والحد فأحسن الله توفيقك فيما أنت بإزائه من إخماد لهب الباطل بتلك الشعاب وإجهاد النفس في إخمال المتاعب وإذلال الصعاب وأمدك بالعون على ما بدأت له من جب . . . فيما يليك وطب أدواء الفساد في نواحيك ومع ما فزت به من هذه المنحة التي قد جاز قدرها التقدير والظن وجاد لك الدهر فيها بما كان شح به على أمثالك وضن فيجب أن تستديمها وتحصن من النغل أديمها بمزيد من الخدمة تنتهز (6/443)
بالإسراع إليه والبدار وتنتهج أقوم الجدد في مقابلة الإيراد منه بالإصدار وتنفد وسعك في كل مسعى ينثني إليك عنان الثناء معه وتنفق عمرك في كل أمر يجمع لك مرأى الرضا عنك ومسمعه لتجد من جدوى ذلك ما ينظم في السعادة شملك ويضحى به القياد فيما يصدق أملك أملك وأن تحمد السيرة في الرعايا الذين غدوا تحت كنفك وتجعل الاشتمال على مصالحهم معربا عن فضل شغفك بالخير وكلفك فإنهم ودائع الله تعالى يلزم أن تحمى من ضياع يتسلك عليها في حال وتحيا من در الإحسان برضاع لا يخطر الفطام عنه ببال فلا تقفن عند غاية في إفاضة الفضل عليهم وإسباغ ظله واعتمادهم بتخفيف ثقل الحيف عنهم أو إزالة كله ليكونوا في أفياء الأمن راتعين ولخرق كل ملم بحسن ملاحظتك راقعين فالذي يراه أمير المؤمنين في فرضك حتى يزداد باعك طولا ولا يترك لك على الزمان اقتراحا ولا سولا يقتضي أن يتبع كل سابق إليك من الإحسان بلاحق ويمرع جناب النعمى لديك عند ذر كل شارق وكذلك يرى أن يجدد لك من تشريفه المنور مطالع الفجر المنوه بالذكر في الدهر الذي لا تزال الهمم العالية تصبو إلى الفوز به وتميل وتقف عند حد الرجاء والتأميل ما أصحب رسولك المشار إليه لتدرع من خلاله ما الشرف الأكبر في مطاويه وتمتطي من صهوة العز فيه ما يبعد على النظراء إدراك مراميه ويجب أن تتلقى مقدم ذلك عليك بما ينبيء عن اقتران النعمة الغراء فيه وأقمار أهلة التوفيق عندك بما تقصد في المعنى وتنتحيه وإذا عاد رسولك إلى باب أمير المؤمنين حسب ما ذكرت أصدر على يده من ضروب التشريفات ما يقر فيك عيون من يودك ويقر في مغانيك كل سعد يوري فيه زندك فاسكن إلى حبائك بالمزيد من كل رتبة أهلت لها وكن بحيث الظن فيك توقر عليك أقسام الحمد كلها وثق بمترادف آلاء ينضم لديك شملها ويثقل كل كاهل حملها إن شاء الله تعالى (6/444)
الطرف التاسع في الكتب الصادرة عن ولاة العهد بالخلافة
لم أقف على مكاتبة صريحة التصوير عن ولاة العهد غير أن الإمام أبا جعفر النحاس في صناعة الكتاب بعد أن ذكر أن صورة المكاتبة عن الخليفة من عبد الله أبي فلان فلان الإمام الفلاني إلى فلان أتبع ذلك بأن قال وليس أحد من الرؤساء يكاتب عنه بالتصدير إلا الإمام وولي العهد ولم يزد على ذلك وقد فسر ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب التصدير بأن قال يكتب من عبد الله أبي فلان فلان باسمه وكنيته ونعته ويقال أمير المؤمنين أبي فلان
أما بعد فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو إلى آخره على ما تقدم بيانه
وذكر النحاس في الكلام على العنوان من الرئيس إلى المرؤوس أنه يحذف من الكتاب عن ولي العهد لفظ الإمام ولفظ أمير المؤمنين ويقال فيه ولي العهد وظاهر ذلك أن المكاتبة عن ولي العهد مشابهة للمكاتبة عن الخليفة وأن لفظ ولي العهد في المكاتبة عنه يقوم مقام أمير المؤمنين في المكاتبة عن الخليفة نفسه وحينئذ فيتجه أن تكون المكاتبة عنه من عبد الله أبي فلان فلان المعتضد بالله مثلا ولي عهد المسلمين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله أما بعد فإن كذا وكذا ويؤتى على المقصد إلى آخره وعلى ذلك يدل كلام صاحب ذخيرة الكتاب فإنه قال بعد ذكر المكاتبة عن الخليفة وكذلك المكاتبة عن ولي العهد على أن المكاتبة ولي العهد قد بطلت في زماننا جملة (6/445)
الطرف العاشر من المكاتبات عن الخلفاء المكاتبات إلى أهل الكفر
وكان الرسم فيها أن يكتب من فلان إلى فلان ويقع التخلص فيها إلى المقصود بأما بعد ويختم الكتاب بلفظ والسلام على من أتبع الهدى فقد حكى أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل أنه كان على الروم ملكة وكانت تلاطف الرشيد ولها ابن صغير فلما نشأ فوضت الأمر إليه فعاث وأفسد فخافت أمه على ملك الروم فقتلته فخرج عليها تقفور ملك الروم فقتلها واستولى على ملكها وكتب إلى الرشيد
أما بعد فإن هذه المرأة وضعتك موضع الشاه ووضعت نفسها موضع الرخ وينبغي أن تعلم أني انا الشاه وأنت الرخ فأد إلي ما كانت المرأة تؤدي إليك فلما قرأ الكتاب قال لكتابه أجيبوا عنه فكتبوا ما لم يرتضه فكتب هو إليه
من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى تقفور كلب الروم أما بعد فقد فهمت كتابك والجواب ما تراه لا ما تسمعه والسلام على من اتبع الهدى
ويقال إنه كتب الجواب ما تراه لا ما تسمعه وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار ولا يخفى ما في ذلك من البلاغة مع الإيجاز
وكما كتب عن الحافظ لدين الله أحد خلفاء الفاطميين بمصر إلى صاحب صقلية وما معها من ملوك الفرنج (6/446)
من عبد الله ووليه عبد المجيد أبي الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين إلى الملك بجزيرة صقلية وأنكورية وأنطاكية وقلورية وسترلو وملف وما انضاف إلى ذلك وفقه الله في مقاصده وأرشده إلى العمل بطاعته في مصادره وموارده
سلام على من اتبع الهدى وأمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين الأئمة المهديين وسلم تسليما
أما بعد فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الواصل من جهتك ففض ختامه واجتلى وقريء مضمونه وتلي ووقعت الإصاخة إلى فصوله وحصلت الإحاطة بجمله وتفاصيله والإجابة تأتي على أجمعه ولا تخل بشيء من مستودعه أما ما افتتحته به من حمد الله تعالى على نعمه وتوسيعك القول فيما أولاك من إحسانه وكرمه فإن مواهب الله تعالى ومننه التي جعل تواليها اختبار شكر العبد وامتحانه على أنه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور عليم وهو القائل فيمن أثنى عليهم ( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم ) لا يزال مضاعفها ومرادفها ومتبعا سالفها آنفها وهو يوليها كلا من عبيده بقدر منزلته عنده ويخص أصفياءه بأوفى مما تمناه الآمل المبالغ ووده والله تبارك وتعالى يمنح أمير المؤمنين وآباءه الأئمة الراشدين ما غدت مستقدمات الحمد والشكر عند لوازمه مستأخرة إذ كان أفردهم دون الخليقة بأن أعطاهم الدنيا ثم أعطاهم معها الآخرة وأختصهم من حبائه بما لا يحصيه عدد وخولهم من آلائه بما لا يقوم بشكره أحد (6/447)
وأما ما ذكرته من افتتاحك الجزيرة المعروفة بجربة لما شرحته من عدوان أهلها وعدولهم عن طرق الخيرات وسبلها واجترائهم في الطغيان على أسباب لا يجوز التغافل عن مثلها واستعمالهم الظلم تمردا وتماديهم في الغي تباهيا في الباطل وغلوا يأسا من الجزاء لما استبطأوه فإن من كانت هذه حالته حقيق أن تكون الرحمة عنه نائية وخليق أن يأخذه الله من مأمنه أخذة رابية كما أنه من كان من أهل السلامة وسالكا سبيل الاستقامة ومقبلا على صلاح شانه وغير متعد للواجب في سره وإعلانه تعين أن نوفر من الرعاية سهمه ونجزل من العناية نصيبه وقسمه ويؤمن مما يقلقه ويزعجه ويقصد بما يسره ويبهجه ويصان عن أن يناله مكروه ويحمى من أذى يلم به ويعروه
وأما شكرك لوزيرك الأمير تأييد الدولة وعضدها عز الملك وفخره نظام الرياسة أمير الأمراء فإن من تهذب بتهذيبك وتخلق بأخلاقك وتأدب بتأديبك لا ينكر منه إصابة المرامي ولا يسستغرب عنده نجح المساعي وواجب عليه أن لا يجعل قلبه إلا مثوى للنصائح وأن لا يزال عمره بين غاد في المخالصة ورائح
وأما المركب العروس ووصول كتاب وكيله ذاكرا ما اعتمده مقدم أسطولك من صونه وحمايته وحفظه ورعايته وإعادة ما كان أخذ منه قبل المعرفة بأنه جار في الديوان الخاص الحافظي ففعل يجمل عنك صدره ويليق بك أن ينسب إليك ذكره وخبره ويدل على علم أصحابك برأيك وإحكام معاقدة المودة ويعرب عن إيثارك إبرازها كلما تقادم عهدها في ملابس بهجة مستجدة وهذا الفعل من خلائقك الرضية غير مستبدع وقد ذخرت منه عند أمير المؤمنين ما حصل في أعز مقر وأكرم مستودع لا جرم أن أوامره خرجت إلى مقدمي (6/448)
أساطيله المظفرة بما يجنيك ثمرة ما غرسته ويعلي منار ثنائك الذي قررته على أقوى أصل وأسسته وقد نفذت مراسيمه بإجرائك على غلاتك المستمرة في المسامحة بما وجب للديوان عما وصل برسمك على مراكبك وبرم الأمير تأييد الدولة وزيرك والرسولين الواردين عن حق الورود إلى ثغر الإسكندرية حماه الله تعالى ثم إلى مصر حرسها الله وحق الصدور عنهما وكل ما يصل من جهتك فعلى هذه القضية
وأما شكرك على الأسرى الذين أمر أمير المؤمنين بإطلاقهم إجابة لرغبتك ورسم بتسييرهم إليك محافظة على مرادك وبغيتك فأوزعنا شعارهم أنهم عتقاء شفاعتك وأرقاء منتك فذلك من الدلائل على ما ينطوي عليه من جميل الرأي وكريم النية ومن الشواهد بأنه يوجب لك ما لا يوجبه لأحد من ملوك النصرانية
وأما سؤالك الآن في إطلاق من تجدد أسره وإنهاؤك أن ذلك مما يهمك أمره فقد شفعك أمير المؤمنين بالإجابة إليك على ما ألف من كريم شيمته وسير إليك مع رسولك من تضمن الثبت ذكر عدته وقد علمت ما كان من أمر بهرام ووصوله إلى الدولة الفاطمية خلد الله ملكها شريدا طريدا قد نبت به أوطانه وقذفته دياره لا مال له ولا حال ولا عشيرة ولا رجال فقبلته أحسن قبول وبلغت به في الإحسان ما يزيد على السول وغمرته من الإنعام ما يقصر عن اقتراحه كل أمل وجعلته فواضلها يقلب الطرف بين الخيل والخول وكانت أموره كل يوم في نمو وزيادة وأحواله توفي على البغية والإرادة إلى أن جرت نوبة اقتضى التدبير في وقتها أن عدقت به الوزارة ونيطت به السفارة فوسوس له خاطره ما زخرفه البطر وزينه وصوره الشيطان وحسنه وأظهر ما ظهرت أماراته ووضحت أدلته وعلاماته فاستدعى قبيله وأسرته وجنسه وعشيرته بمكاتبات منه سرية وخطوط عثر عليها بالأرمنية فكانوا يصلون أول أول إلى أن اجتمع منهم عشرون ألف رجل من فارس وراجل ومن جملتهم ابنا أخيه (6/449)
وغيرهما من أهله فدلوه بالغرور وحملوه على ما قضى بالاستيحاش منه والنفور وقووا عزمه فيما يؤدي إلى اضطراب الأحوال واختلال الأمور فامتعض العساكر المنصورة مما أساء به سياستهم وأبوا الصبر على ما غير به رسمهم وعادتهم فلم رأى أمير المؤمنين ذلك استعظم الحال فيه وتيقن أن التغافل عنه يقضي بما يعسر استدراكه وتلافيه فكاتب وليه وصفيه الذي ربى في حجر الخلافة وسما به استحقاقه إلى أعلى درج الإنافة وحصلت له الرياسة باكتسابه وانتسابه وغدا النظر في أمور المملكة لا يصلح لغيره ولا يليق إلا به السيد الأجل الأفضل وهو يومئذ والي الأعمال الغربية وصدرت كتب أمير المؤمنين تشعره بهذا الأمر الصعب وتستكشف به ما عرا الدولة من هذا الخطب فأجاب دعاءه ولبى نداءه وقام قيام مثله ممن أجزل الله حظه من الإيمان وجعله جل وعز حسنة هذا الزمان واختصه بعناية قوية وأمده بمواد علوية وأيده بإعانة سماوية تخرج عن الاستطاعة البشرية فجمع الناس وقام خطيبا فيهم وباعثا لهم على ما يزلفهم عند الله ويحظيهم وموضحا لهم ما يخشى على الدولة من الأمر المنكر فاجتمعوا إليه كاجتماعهم يوم المحشر وغصت النجود والأغوار وامتلأت السهول والأوعار وضاقت الأرض على سعتها بالخلائق وارتفعت في توجههم لطلب المذكور الأعذار والعوائق ولم يبق فضاء إلا وهو بهم شرق ولا أحد إلا وهو منزعج بقصده وعلى تأخر ذلك قلق وكان بهرام وأصحابه بالإضافة إليهم كالشامة في اللون البسيط وكالقطرة في البحر المحيط وساروا مع السيد الأجل الأفضل نحوه مسارعين وعلى الانقضاض عليهم متهافتين فلما شعر بذلك لم يبق له قرار ولاذ بالهرب والفرار يهجر المناهل ويطوي المراحل ويرى الشرود غنما ويعد السلامة حلما واستقرت وزارة أمير المؤمنين لهذا السيد الأجل الأفضل الذي لم تزل فيه راغبة وله خاطبة ونحو توليه إياها متطلعة وإلى نظره فيها مبادرة متسرعة (6/450)
ولم تنفك لزينة دستها مستبطئة وفي التلهف على تأخر ذلك معيدة مبدئة فأحسن إلى الكافة قولا وفعلا وعمل في حق الدولة ما لم يجعل له في الوزراء شبها ولا في الملوك العظماء مثلا وغدا للملة الحنيفة حجة وبرهانا وأولى الأولياء إعزازا وتكريما والأعداء إذلالا وإهوانا وصان الخلافة عن نفاذ حيلة وتمام غيلة ومخادعة ماكر ومخاتلة غادر فلذلك انتضاه أمير المؤمنين حساما باترا ماضي الغرار واجتباه هماما في المصالح لا يطعم جفنه غير الغرار واصطفاه خليلا وظهيرا لتساوي باطنه وظاهره في الصفاء واستخلصه لنفسه لمفاخره الجمة التي ليس بها من خفاء وانتظمت الأمور بكفالته في سلك الوفاق وعمت الخيرات بوزارته عموم الشمس بأنوارها جميع الآفاق فسعدت بنظره الجدود وتظاهرت ببركاته الميامن والسعود وأصبح غصن المعالي بيمنه مورقا وعلى الملة من يمن آرائه تمائم من مس الحوادث ورقى فآثاره توفي على ضياء الصباح وعزماته تزري بمضاء المهندة الصفاح ومآثره تفوت شأو الثناء وغاية الامتداح فالله تعالى يحفظ النعمة على الخلافة الحافظية ويوزع شكره على سبوغها كافة البرية بكرمه وفضله ومنه وطوله
ولما أمعن بهرام في الهرب وجدت العساكر المنصورة وراءه في الطلب وضاقت عليه المسالك وتيقن أنه في كل وجهة يقصدها هالك عاد لمكارم الدولة وعواطفها وسأل أمانا على نفسه من متالفها فشملته الرحمة وكتب له الأمان فعاودته النعمة واختلط برجال العساكر المنصورة وصار حظه بعد أنه كان مبخوسا من الحظوظ الموفورة
وأما اعتذار الكاتب عما وجه إليه بأن من الكلام ما إذا نقل من لغة إلى لغة أخرى اضطرب مبناه فاختل معناه ولا سيما إن غرس فيه لفظ ليس في إحدى اللغتين سواه فقد أبان فيما نسب إليه السهو فيه عن وضوح سببه وقد قبل عذره ولم تفك يده عن التمسك به
وأما ما سيرته إلى خزائن أمير المؤمنين تحفة وهدية وأبنت به عنه همة (6/451)
بدواعي المجد ملية فإنه وصل وتسلم كل صنف منه متولي الخزائن المختصة به بعد عرضه على الثبت المعطوف كتابك عليه وموافقته وقد أجري رسولك في إكرامه وملاحظته على أفضل ما يعتمد مع مثله بمنزلة من ورد من جهته وعلى قدر من وصل برسالته وقد سير أمير المؤمنين من أمراء دولته ووجوه المقدمين بحضرته الأمير المؤتمن المنصور المنتخب مجد الخلافة تاج المعالي فخر الملك موالي الدولة وشجاعها ذا النجابتين خالصة أمير المؤمنين أبا منصور جعفرا الحافظي رسولا بهذه الإجابة لما هو معروف من سداده وموصوب من مستوفق قصده ومستصوب اعتماده وألقي إليه ما يذكره ويشرحه وعول عليه فيما يشافه به ويوضحه وأصحبه من سجاياه وألطافه ما تضمنه الثبت الواصل على يده إبانة لمحلك عنده وموقفك منه ومكانك لديه وأمير المؤمنين متطلع إلى ورود كتبك متضمنة من سار أنبائك وطيب أخبارك ما يسكن إلى معرفته ويثق بعلم حقيقته فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى (6/452)
الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الرابعة في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم مما الجاري عليه الحال في زماننا وهو على قسمين
القسم الأول المكاتبات الصادرة عن الملوك إلى أهل الإسلام وفيه أطراف
الطرف الأول في مكاتباتهم إلى النبي وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في ترتيب كتبهم إليه على سبيل الإجمال
كانت أمراء سراياه ومن أسلم من الملوك تفتتح المكاتبة إليه باسمه ويثنون بأنفسهم ويأتون بالتحميد والسلام عليه ويتخلصون إلى المقصود بأما بعد أو بغيرها ويختمون بالسلام وملوك الكفر يبدأون بأنفسهم وربما بدأوا باسمه وكان المكتوب عنه منهم يعبر عن نفسه بلفظ الإفراد مثل أنا ولي وقلت وفعلت وربما عبر بعض الملوك عن نفسه بنون الجمع ثم إن كان المكتوب عنه مسلما خاطبه بلفظ الرسالة والنبوة مع كاف الخطاب وتاء المخاطب وإن كان كافرا خاطبه بالكاف والتاء المذكورتين وربما خاطبه باسمه فإن كان المكتوب عنه مسلما ختم الكتاب بالسلام عليه (6/453)
أما عنونة هذه الكتب فيظهر أنها إن افتتحت باسمه وثني باسم المكتوب إليه عنونت كذلك فكتب في الجانب الأيمن لمحمد رسول الله أو نحو ذلك وفي الجانب الأيسر من فلان وإن كانت ممن يفتتح المكاتبة باسم نفسه عنونت على العكس من ذلك
الجملة الثانية في صورة مكاتبتهم إليه
وفيه أسلوبان
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه
كما كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه إليه بإسلام بني الحارث بالكتاب الذي تقدمت إجابته عنه وهو على ما ذكره ابن هشام في السيرة
لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك فإنك بعثتني إلى بني الحارث ابن كعب وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام ثلاثة أيام وكتاب الله وسنة نبيه وإن لم يسلموا قاتلتهم وإني قدمت إليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة (6/454)
أيام كما أمر رسول الله وبعثت فيهم كتابا يا بني الحارث أسلموا تسلموا فأسلموا ولم يقاتلوا وأنا مقيم بين أظهرهم وآمرهم بما أمر الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي حتى يكتب إلي رسول الله والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته
وكما كتب النجاشي ملك الحبشة إليه في جواب كتابه إليه
ونسخته على ما ذكره ابن إسحاق
إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة
سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو الذي هداني للإسلام
أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى عليه السلام ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه لكما قلت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقدم ابن عمك وأصحابه وفي رواية وقد قربنا ابن عمك وأصحابه وأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رسول العالمين وقد بعثت إليك بابني وإن شئت أتيك بنفسي فعلت يا رسول الله فإني أشهد أن ما تقوله حق والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
وكما كتب المقوقس صاحب مصر إليه جواب كتابه الوارد عليه منه في (6/455)
رواية ذكرها ابن عبد الحكم وهو
لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك
أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه وقد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك
ولم يزد على هذا وزاد غيره أن في أول الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وذكر الواقدي أن في كتابه إليه
باسمك اللهم من المقوقس إلى محمد
أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمته وأنت تقول إن الله أرسلك رسولا وفضلك تفضيلا وأنزل عليك قرآنا مبينا فكشفنا عن خبرك فوجدناك أقرب داع دعا إلى الله وأصدق من تكلم بالصدق ولولا أني ملكت ملكا عظيما لكنت أول من آمن بك أنك لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين والسلام عليك مني إلى يوم الدين
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه
كما كتب مسيلمة الكذاب إليه الكتاب الذي تقدمت إجابته في المكاتبات الصادرة عنه وهو
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله
أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك إن لنا نصف الأرض ولقريش (6/456)
نصف الأرض ولكن قريشا قوم يعتدون
الجملة الثالثة في المكاتبات التي كتبت إليه قبل ظهوره وبعد وفاته
أما الكتب التي كتب إليه قبل ظهوره فقد حكى صاحب الهناء الدائم بمولد أبي القاسم أن تبعا الأول حين مر بموضع المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام أخبره من معه من علماء أهل الكتاب أن هذا الموضع مهاجر نبي يخرج في آخر الزمان فعمر هناك مدينة وأسكن فيها جماعة من العلماء وكتب إليه كتابا فيه
أما بعد يا محمد فإني آمنت بك وبربك ورب كل شيء وبكتابه الذي ينزله عليك وأنا على دينك وسنتك آمنت بربك ورب كل شيء وبكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام والإيمان وإني قلت ذلك فإن أدركتك فبها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع في يوم القيامة ولا تنسني فإني من أمتك الأولين وتابعتك قبل مجيئك وقبل أن يرسلك الله وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم
وختم الكتاب ونقش عليه لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله
وكتب عنوانه إلى محمد بن عبد لله خاتم المرسلين ورسول رب العالمين صلى الله عليه من تبع الأول حمير أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه
ودفعه إلى رئيس العلماء الذين رتبهم بالمدينة فبقي عنده وعند بنيه يتداولونه واحدا بعد واحد حتى هاجر النبي إلى المدينة فلقيه الذي صار (6/457)
الكتاب إليه يومئذ من بني ذلك العالم في طريق المدينة ودفع إليه الكتاب
وأما الكتب التي تكتب إليه بعد وفاته فقد جرت عادة الأمة من الملوك وغيرهم بكتابة الرسائل إليه بعد وفاته بالسلام والتحية والتوسل والتشفع به إلى الله تعالى في المقاصد الدنيوية والأخروية وتسييرها إلى تربته وأكثر الناس معاطاة لذلك أهل المغرب لبعد بلادهم ونزوح أقطارهم
ومن أحسن ما رأيت في هذا المعنى ما كتب به ابن الخطيب وزير ابن الأحمر بالأندلس وصاحب ديوان إنشائه عن سلطانه يوسف بن فرج بن نصر - طويل -
( إذا فاتني ظل الحمى ونعيمه ... كفاني وحسبي أن يهب نسيمه )
( ويقنعني أني به متكيف ... فزمزمه دمعي وجسمي حطيمه ) (6/458)
( يعود فؤادي ذكر من سكن الغضا ... فيقعده فوق الغضا ويقيمه )
( ولم أر شيئا كالنسيم إذا سرى ... شفى سقم القلب المشوق سقيمه )
( نعلل بالتذكار نفسا مشوقة ... ندير عليها كأسه ونديمه )
( وما شفني بالغور رند مرنح ... ولا شاقني من وحش وجرة ريمه )
( ولا سهرت عيني لبرق ثنية ... من الثغر يبدو موهنا فأشيمه )
( براني شوق للنبي محمد ... يسوم فؤادي برحه ما يسومه )
( ألا يا رسول الله ناداك ضارع ... على البعد محفوظ الوداد سليمه )
( مشوق إلا ما الليل مد رواقه ... تهم به تحت الظلام همومه )
( إذا ما حديث عنك جاءت به الصبا ... شجاه من الشوق الحديث قديمه )
( أيجهر بالنحوى وأنت سميعها ... وبشرح ما يخفى وأنت عليمه )
( وتعوزه السقيا وأنت غياثه ... وتتلفه البلوى وأنت رحيمه )
( بنورك نور الله قد أشرق الهدى ... فأقماره وضاحة ونجومه )
( بك أنهل فضل الله في الأرض ساكبا ... فأنواؤه ملتفة وغيومه )
( ومن فوق أطباق السماء بك اقتدى ... خليل الذي أوطاكها وكليمه ) (6/459)
( لك الخلق الأرضى الذي بان فضله ... ومجد في الذكر العظيم عظيمه )
( يجل مدى علياك عن مدج مادح ... فموسر در القول فيك عديمه )
( ولي يا رسول الله فيك وراثة ... ومجدك لا ينسى الذمام كريمه )
( وعندي إلى أنصار دينك نسبة ... هي الفخر لا يخشى انتقالا مقيمة )
( وكان بودي أن أزور مبوءا ... بك افتخرت أطلاله ورسومه )
( وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه ... ويعوزه من بعد ذاك مرومه )
( وعذري في توسيف عزمي ظاهر ... إذا ضاق عذر العزم عمن يلومه )
( عدتني بأقصى الغرب عن تربك العدا ... جلالقة الثغر الغريب ورومه )
( أجاهد في الألفاظ سبيلك أمة ... هي البحر يعيي أمرها من يرومه )
( فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى ... لريع حماه واستبيح حريمه )
( فلا تقطع الحبل الذي قد وصلته ... فمجدك موفور النوال عميمه ) وأنت لنا الغيث الذي نستدره ... وأنت لنا الظل الذي نستديمه )
( ولما نأت داري وأعوز مطمعي ... وأقلقني شوق تشب جحيمه )
( بعثت بها جهد المقل معولا ... على مجدك الأعلى الذي جل خيمه )
( وكلت بها همي وصدق قريحتي ... فساعدني هاء الروي وميمه ) (6/460)
( فلا تنسني يا خير من وطىء الثرى ... فمثلك لا ينسى لديه خديمه )
( عليك صلاة الله ما ذر شارق ... وما راق من وجه الصباح وسيمه )
إلى رسول الحق إلى كافة الخلق وغمام الرحمة الصادق البرق والحائز في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السبق خاتم الأنبياء وإمام ملائكة السماء ومن وجبت له النبوة وآدم بين الطين والماء شفيع أرباب الذنوب وطبيب أدواء القلوب ووسيلة الخلق إلى علام الغيوب نبي الهدى الذي طهر قلبه وغفر ذنبه وختم به الرسالة ربه وجرى في النفوس مجرى الأنفاس حبه الشفيع المشفع يوم العرض المحمود في ملإ السماء والأرض صاحب اللواء المنشور يوم النشور والمؤتمن على سر الكتاب المسطور ومخرج الناس من الظلمات إلى النور المؤيد بكفاية الله وعصمته الموفور حظه من عنايته وحرمته الظل الخفاق على أمته من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا فائدة الكون ومعناه وسر الوجود الذي بهر الوجود سناه وصفي حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه البشير الذي سبقت له البشرى ورأى من آيات ربه الكبرى ونزل فيه ( سبحان الذي أسرى ) من الأنوار من عنصر نوره مستمدة والآثار تخلق وآثاره مستجدة من طوي بساط الوحي لفقده وسد باب الرسالة والنبوة من بعده وأوتي جوامع الكلم فوقفت (6/461)
البلغاء حسرى دون حده الذي انتقل في الغرر الكريمة نوره وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره وطفقت الملائكة تحييه وفودها وتزوره وأخبرت الكتب المنزلة على الأنبياء بأسمائه وصفاته وأخذ عهد الأنبياء به على من اتصلت بمبعثه منهم أيام حياته المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر والسند المعتمد عليه في أهوال المحشر ذي المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحس وأقر بها الجن والإنس من جماد يتكلم وجذع لفراقه يتألم وقمر له ينشق وشجر يشهد أن ما جاء به هو الحق وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس وماء من بين أصابعه يتبجس وغمام باستسقائه يصوب وطوى بصق في أجاجها فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب المسمى بالحاشر العاقب ذي المجد البعيد المرامى والمراقب أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب ونجحت لديه قربة البعيد والمقترب سيد الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي فاز بطاعته المحسنون واستنقذ بشفاعته المذنبون وسعد باتباعه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ما لمع برق وهمع ودق وطلعت شمس ونسخ اليوم أمس
من عتيق شفاعته وعبد طاعته المعتصم بسببه المؤمن بالله ثم به المستشفي بذكره كلما تألم المفتتح بالصلاة عليه كلما تكلم الذي إن ذكر (6/462)
تمثل طلوعه بين أصحابه وآله وإن هب النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله وإن سمع الأذان تذكر صوت بلاله وإن ذكر القرآن استشعر تردد جبريل بين معاهده وحلاله لاثم تربه ومؤمل قربه ورهين طاعته وحبه المتوسل به إلى رضى ربه يوسف بن إسماعيل بن نصر
كتبته يا رسول الله والدمع ماح وخيل الوجد ذات جماح عن شوق يزداد كلما نقص الصبر وانكسار لا يتاح له إلا بدنو مزارك الجبر وكيف لا يعني مشوقك بالأمر ويوطيء على كبده الجمر وقد مطلت الأيام بالقدوم على تربتك المقدسة اللحد ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد وانصرفت الرفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت والركائب إليك ما رحلت والعزائم قالت وما فعلت والنواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح فيا لها من معاهد فاز من حياها ومشاهد ما أعطر رياها بلاد نيطت بها عليك التمائم وأشرقت بنورك منها النجود والتهائم ونزل في حجراتها عليك الملك وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك مدارس الآيات والسور ومطالع المعجزات السافرة الغرر حيث قضيت الفروض وحتمت وافتتحت سورة الوحي وختمت وابتدئت الملة الحنيفية وتممت ونسخت الآيات وأحكمت أما والذي بعثك بالحق هاديا وأطلعك للخلق نورا باديا لا يطفيء غلتي إلا شربك ولا يسكن لوعتي إلا قربك فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك واصبح بعد أداء ما فرضت (6/463)
عن الله ضيف كرمك وعفر الخد في معاهدك ومعاهد أسرتك وتردد ما بين داري بعثتك وهجرتك
وإني لما عاقتني عن زيارتك العوائق وإن كان شغلي عنك بك وعدتني الأعداء فيك عن وصل سببي بسببك وأصبحت ما بين بحر تتلاطم أمواجه وعدو تتكاثف أفوجه ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه في طائفة من المؤمنين بك وطنوا على الصبر نفوسهم وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم واستعذبوا في مرضاة الله تعالى ومرضاتك بوسهم يطيرون من هيعة إلى أخرى ويتلفتون والمخارف يمنى ويسرى ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى لا يبلغون من عدو كالذر عند انتشاره معشار معشاره قد باعوا من الله تعالى الحياة الدنيا لأن تكون كلمة الله تعالى هي العليا فيا له من سرب مروع وصريخ إلا عنك ممنوع ودعاء إلى الله وإليك مرفوع وصبية حمر الحواصل تخفق فوق أوكارها أجنحة المناصل والصليب قد تمطى ومد ذراعيه ورفعت الأطماع بضبعيه وقد حجبت بالقتام السماء وتلاطمت أمواج الحديد والبأس الشديد فالتقى الماء ولم يبق إلا الذماء وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تكاد تراه العيون إلى أن نلقاك غدا إن شاء الله تعالى وقد أبلينا العذر وأرغمنا الكفر وأعملنا في سبيل (6/464)
الله وسبيلك البيض والسمر
استنبت رقعتي هذه لتطير إليك من شوقي بجناح خافق وتسعد من نيتي التي تصحبها برفيق موافق فتؤدي عن عبدك وتبلغ وتعفر الخد في تربتك وتمرغ وتطيب بريا معاهدك الطاهرة وبيوتك وتقف وقوف الخشوع والخضوع تجاه تابوتك وتقول بلسان التملق عند التشبث بأسبابك والتعلق منكسرة الطرف حذرا بهرجها من عدم الصرف يا غياث الأمة وغمام الرحمة إرحم غربتي وانقطاعي وتغمد بطولك قصر باعي وقو على هيبتك خور طباعي فكم جزت من لج مهول وجبت من حزون وسهول وقابل بالقبول نيابتي وعجل بالرضا إجابتي ومعلوم من كمال تلك الشيم وسجايا تيك الديم أن لا تخيب قصد من حط بفنائها ولا يظمأ وارد أكب على إنائها
اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصورة وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة وملكت أمته ما زوي له من زوايا البسيطة المعمورة وجعلتني من أمته المجبولة على حبه المفطورة وشوقتني إلى معاهده المبرورة ومشاهده المزورة ووكلت لساني بالصلاة عليه وقلبي بالحنين إليه ورغبتني بالتماس ما لديه فلا تقطع عنه أسبابي ولا تحرمني في حبه أجر ثوابي وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي (6/465)
هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره وشط مزاره ولم يجعل بيده اختياره فإن لم يكن للقبول أهلا فأنت للإغضاء والسماح أهل وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل وإذا كان الحب يتوارث كما أخبرت والعروق تدس حسب ما إليه أشرت فلي بانتسابي إلى سعد عميد أنصارك مزية ووسيلة أثيرة خفية وإن لم يكن لي عمل ترتضيه فلي نية فلا تنسني ومن بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك على أيدي خيار أمتك فإنما نحن بها وديعة تحت بعض أقفالك نعوذ بوجه ربك من إغفالك ونستنشق من ريح عنايتك نفحة ونرتقب من نور محيا قبولك لمحة ندافع بها عدوا طغى وبغى وبلغ من مضايقتنا ما ابتغي فمواقف التمحيص قد أعيت من كتب وورخ والبحر قد أصمت من استصرخ والطاغية في العدوان مستبصر والعدو محلق والولي مقصر وبجاهك ندفع ما لا نطيق وبعنايتك نعالج سقيم الدين فيفيق فلا تفردنا ولا تهملنا وناد ربك فينا ( ربنا ولا تحملنا ) وطوائف أمتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم وربك يقول لك وقوله الحق ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) والصلاة والسلام عليك يا خير من طاف وسعى وأجاب داعيا إذا دعا وصلى الله على جميع أحزابك وآلك صلاة تليق بجلالك وتحق لكمالك وعلى ضجيعيك وصديقيك وحبيبك ورفيقيك خليفتك في أمتك وفاروقك المستخلف بعده على جلتك وصهرك ذي النورين المخصوص ببرك ونحلتك وابن عمك سيفك المسلول على حلتك (6/466)
بدر سمائك ووالد أهلتك والسلام الكريم عليك وعليهم كثيرا أثيرا ورحمة الله وبركاته
من حضرة جزيرة الأندلس غرناطة صانها الله ووقاها ودفع عنها ببركتك كيد عداها
الطرف الثاني في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا إلى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم وفيه جملتان
الجملة الأولى في ترتيب هذه المكاتبات على سبيل الإجمال
كانت المكاتبة إليهم تفتتح تارة بلفظ من فلان إلى فلان ويؤتى في الصدر بالسلام والتحميد على نحو ما تقدم في المكاتبة عن الخلفاء ويقع التخلص إلى المقصود بأما بعد وتارة يقع الافتتاح بأما بعد ويؤتى بالمقصود تلو ذلك ويعبر المكتوب عنه فيها عن نفسه بلفظ الإفراد وعن الخليفة بأمير المؤمنين وتختم بالسلام على أمير المؤمنين
الجملة الثانية في صورة هذه المكاتبات وهي على أسلوبين كما تقدمت الإشارة إليه
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ لفلان من فلان
وكان الرسم فيها أن يكتب لعبد الله فلان أمير المؤمنين سلام عليك (6/467)
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن كذا
كما كتب عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جواب الكتاب منه إليه المقدم ذكره في المكاتبة عن الخلفاء من الصحابة وهو
لعبد الله عمر أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه فاشية مال فشا لي وإنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي وإني أعلم أمير المؤمنين أني ببلد السعر فيه رخيص وإني أعالج من الزراعة ما يعالجه الناس وفي رزق أمير المؤمنين سعة ووالله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحسابا هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها ولعمري إن عندك من لا يذم معيشة ولا تذم له فإن كان ذلك فلم يفتح قفلك ولم يشركك في عملك
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد ويتوصل منه إلى المقصود
كما كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية وهو على بعض أعماله يستعفيه عن العمل
أما بعد فقد كبر سني ورق عظمي واقترب أجلي وسفهني سفهاء قريش فرأي أمير المؤمنين في عمله (6/468)
الطرف الثالث في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا أيضا إلى خلفاء بني أمية وهي في ترتيبها على ما تقدم في المكاتبات إلى الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم وهي على أسلوبين
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان على نحو ما تقدم في المكاتبة عنهم إلى الخلفاء من الصحابة مع زيادة الدعاء بطول البقاء
كما كتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان في جواب كتابه الوارد عليه منه في توبيخه له بسبب تعرضه لأنس بن مالك رضي الله عنه على ما تقدم ذكره
لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين أصلح الله أمير المؤمنين وأبقاه وسهل حظه وحاطه ولا عدمناه فقد وصلني كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاه وجعلني من كل مكروه فداه يذكر شتمي وتوبيخي بآبائي (6/469)
وتعييري بما كان قبل نزول النعمة بي من عند أمير المؤمنين أتم الله نعمته عليه وإحسانه إليه ويذكر أمير المؤمنين استطالة مني علي أنس بن مالك وأمير المؤمنين أحق من أقال عثرتي وعفا عن ذنبي وأمهلني ولم يعجلني عند هفوتي للذي جبل عليه من كريم طبائعه وما قلده الله من أمور عباده فرأي أمير المؤمنين أصلحه الله في تسكين روعتي وإفراج كربتي فقد ملئت رعبا وفرقا من سطواته وقحمات نقماته وأمير المؤمنين أقاله الله العثرات وتجاوز له عن السيئات وضاعف له الحسنات وأعلى له الدرجات أحق من صفح وعفا وتغمد وأبقى ولم يشمت بي عدوا مكبا ولا حسودا مضبا ولم يجرعني غصصا والذي وصف أمير المؤمنين من صنيعته إلي وتنويهه لي بما أسند إلي من عمله وأوطأني من رقاب رعيته فصادق فيه مجزي عليه بالشكر والتوسل مني إليه بالولاية والتقرب له بالكفاية وقد خضعت عند كتاب أمير المؤمنين فإن رأى أمير المؤمنين طوقني الله (6/470)
بشكره وأعانني على تأدية حقه وبلغني إلى ما فيه موافقة مرضاته ومد لي في أجله أن يأمر بالكتاب إلي من رضاه وسلامة صدره ما يؤمنني به من سفك دمي ويرد ما شرد من نومي ويطمئن به قلبي فعل فقد ورد علي أمر جليل خطبه عظيم أمره شديد كربه أسأل الله أن لا يسخط أمير المؤمنين علي وأن ينيله في حزمه وعزمه وسياسته وفراسته ومواليه وحشمه وعماله وصنائعه ما يحمد به حسن رأيه وبعد همته إنه ولي أمير المؤمنين والذاب عن سلطانه والصانع له في أمره والسلام
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد ويتوصل منه إلى المقصود
كما كتب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى عبد الملك بن مروان في خلافته
أما بعد لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأمرني بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه فيما استطعت (6/471)
الطرف الرابع في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني العباس وفيها جملتان
الجملة الأولى في المكاتبات العامة من الملوك إلى الخلفاء ولها حالتان
الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في ابتداء دولة بني العباس وأوساطها
أما ابتداء دولتهم فكان الأمر فيه على ما تقدم في مكاتبات العمال ونحوهم إلى خلفاء بني أمية وقد تقدم تمثيله إلا أنه زيد فيه في صدور المكاتبات سؤال الصلاة على النبي من حين رتبه المأمون في صدور الكتب وتكنيه الخليفة من حين أحدثه الأمين في كتبه على ما تقدم بيانه في المكاتبات عن الخلفاء فيما سلف
وأما أوساط دولتهم من حين ظهور ملوك بني بويه وغلبتهم على الأمر فللكتاب فيه أسلوبان
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ لفلان من فلان وتصدر بالسلام والتحميد وسؤال الصلاة على النبي ويتخلص إلى المقصود بأما بعد
والرسم فيه على ما ذكره قدامة في كتاب الخراج أن يكتب لعبد الله فلان أبي فلان باسمه وكنيته ونعته أمير المؤمنين سلام على أمير المؤمنين فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام عزه وتأييده وكرامته وحراسته (6/472)
وأتم نعمته عليه وزاد في إحسانه إليه وفضله عنده وجميل بلائه لديه وجزيل عطائه له
وزاد في صناعة الكتاب في السلام ورحمة الله وبركاته قال في صناعة الكتاب ثم يقال أما بعد فقد كان كذا وكذا حتى يأتي على المعاني التي يحتاج إليها وتكون المكاتبة وقد فعل عبد أمير المؤمنين كذا فإن زادت حاله لم يقل عبد أمير المؤمنين فإذا بلغ إلى الدعاء ترك فضاء وكتب أتم الله على أمير المؤمنين نعمته وهناءه وكرامته وألبسه عفوه وعافيته وأمنة وسلامته والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وكتب يوم كذا وكذا من شهر كذا من سنة كذا
وقال الفضل بن سهل يدعى للخليفة
أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام عزه وتأييده وأتم نعمته وسعادته وتوفيقه وزاد في إحسانه إليه ومواهبه له ولا يكتب إليه وجعلني فداه ويكون أول فصوله أخبر أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن كذا وكذا ثم يوالي الفصول بأيده الله وأدام عزه ونحو هذا
وإن شئت كتبت أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام عزه وتأييده وكرامته وأتم نعمته عليه وزاد فيها عنده وحاطه وكفاه وتولى له ما ولاه
وإن شئت كتبت أطال الله بقاء أمير المؤمنين في العز والسلامة وأدام كرامته في السعادة والزيادة وأتم نعمته في السبوغ والغبطة وأصلحه وأصلح (6/473)
على يديه ونصره وكان له في الأمور كلها وليا وحافظا
وإن شئت كتبت أطال الله بقاء أمير المؤمنين في أعز العز وأدوم الكرامة والسرور والغبطة وأتم نعمه في علو من الدرجة وشرف من الفضيلة ومتابع من العائدة ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة
والذي كانت عليه قاعدة ملوك بني بويه فمن بعدهم إن كان الكتاب في معنى حدوث نعمة من فتح ونحوه أتي بعد ذلك بالتحميد ما بين مرة واحدة إلى ثلاث مرات ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد وعن الخليفة بأمير المؤمنين ويختم الكتاب بالإنهاء وما في معناه
وهذه نسخة كتاب كتب به أبو إسحاق الصابي عن عز الدولة بن بويه إلى المطيع لله عند فتحه الموصل وهزيمة أبي تغلب بن حمدان صاحب حلب في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وهي
لعبد الله الفضل الإمام المطيع لله أمير المؤمنين من عبده وصنيعته عز الدولة ابن معز الدولة مولى أمير المؤمنين سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله فإني أحمد إلى أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام له العز والتأييد والتوفيق والتسديد والعلو والقدرة والظهور والنصرة فالحمد لله العلي العظيم الأزلي (6/474)
القديم المتفرد بالكبرياء والملكوت المتوحد بالعظمة والجبروت الذي لا تحده الصفات ولا تحوزه الجهات ولا تحصره قرارة مكان ولا يغيره مرور زمان ولا تتمثله العيون بنواظرها ولا تتخيله القلوب بخواطرها فاطر السموات وما تظل وخالق الأرض وما تقل الذي دل بلطيف صنعته على جليل حكمته وبين بجلي برهانه عن خفي وجدانه واستغنى بالقدرة عن الأعوان واستعلى بالعزة عن الأقران البعيد عن كل معادل ومضارع الممتنع على كل مطاول ومقارع الدائم الذي لا يزول ولا يحول العادل الذي لا يظلم ولا يجور الكريم الذي لا يضن ولا يبخل الحليم الذي لا يعجل ولا يجهل ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين منزل الرحمة على كل ولي توكل عليه وفوض إليه وأتمر لأوامره وازدجر بزواجره ومحل النقمة بكل عدو صد عن سبيله وسننه وصدف عن فرائضه وسننه وحاده في مكسب يده ومسعاة قدمه وخائنة عينه وخافية صدره وهو راتع رتعة النعم السائمة في أكلاء النعم السابغة وجاهل جهلها بشكر آلائها ذاهل ذهولها عن طرق استبقائها فلا يلبث أن ينزع سرابيلها صاغرا ويتعرى منها حاسرا ويجعل الله كيده في تضليل ويورده شر المورد الوبيل ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) ولا يهدي كيد الخائنين
والحمد لله الذي اصطفى للنبوة أحق عباده بحمل أعبائها وارتداء ردائها محمدا وعلى آله وسلم وعظم خطره وكرم فصدع بالرسالة وبالغ في الدلالة ودعا إلى الهداية ونجى من الغواية ونقل الناس عن طاعة الشيطان الرجيم إلى طاعة الرحمن الرحيم وأعلقهم بحبائل (6/475)
خالقهم ورازقهم وعصمة محييهم ومميتهم بعد انتحال الأكاذيب والأباطيل واستشعار المحالات والأضاليل والتهوك في الاعتقادات الذائدة عن النعيم السائقة إلى العذاب الأليم فصلى الله عليه من ناطق بالحق ومنقذ للخلق وناصح للرب ومؤد للفرض صلاة زاكية نامية رائحة غادية تزيد على اختلاف الليل والنهار وتعاقب الأعوام والأدوار
والحمد لله الذي أنتجب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه من ذلك السنخ الشريف والعنصر المنيف والعترة الثابت أصلها الممتد ظلها الطيب جناها الممنوع حماها وحاز له مواريث آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين واختصه من بينهم بتطاول أمد الخلافة واستحصاف حبلها في يده ووفقه لإصابة الغرض من كل مرمى يرميه ومقصد ينتحيه وهو جل ثناؤه الحقيق بإتمام ذلك عليه والزيادة فيه لديه وأحمده سبحانه حمدا أبتدئه ثم أعيده وأكرره وأستزيده على أن أهل ركن الدولة أبا علي وعضد الدولة أبا شجاع مولى أمير المؤمنين وأهلني للأثرة عنده التي بذذنا فيها الأكفاء وفتنا فيها القرناء وتقطعت دونها أنفاس المنافسين وتضرمت عليها أحشاء الحاسدين وأن أولاني في كل مغزى في خدمة أمير المؤمنين أغزوه ومنحى أنحوه وثأي أرأبه وشعث ألمه وعدو أرغمه وزائغ أقومه أفضل ما أولاه عباده السلمية غيوبهم النقية جيوبهم المأمونة ضمائرهم المشحوذة بصائرهم من تمكين يد وتثبيت قدم ونصرة راية وإعلاء كلمة وتقريب (6/476)
بغية وإنالة أمنية وكذلك يكون من إلى ولاء أمير المؤمنين اعتزاؤه وبشعاره اعتزازه وعن زناده قدحه وفي طاعته كدحه والله ولي بإدامة ما خولنيه من هذه المنقبة وسوغنيه من هذه الموهبة وأن يتوجه أمير المؤمنين في جميع خدمه الذابين عن حوزته المنتمين إلى دعوته بيمن الطائر وسعادة الطالع ونجاح المطلب وإدراك الأرب وفي أعدائه الغامطين لنعمته الناقضين مواثيق بيعته بإضراع الخد وإتعاس الجد وإخفاق الأمل وإحباط العمل بقدرته
ولم يزل مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ينكر قديما من فضل الله بن ناصر الدولة أحوالا حقيقا مثلها بالإنكار مستحقا من ارتكبها الإعراض وأنا أذهب في حفظ غيبه وإجمال محضره وتحمل حججه وتلفيقها وتأليف معاذيره وتنميقها مذهبي الذي أعم به كل من جرى مجراه من ناشيء في دولته ومغتذ بنعمته ومنتسب إلى ولايته ومشتهر بصنيعته وأقدر أن أستصلحه لأمير المؤمنين أطال الله بقاءه وأصلحه لنفسه بالتوقيف على مسالك الرشاد ومناهج السداد وهو يريني أن قد قبل وارعوى وأبصر واهتدى حتى رغبت إلى أمير المؤمنين فيما شفعني متفضلا فيه من تقليده أعمال أبيه والقناعة منه في الضمان بميسور بذله وإيثاره له على من هو فوقه من كبراء إخوته وأهله
فلما بلغ هذه الحال ألط بالمال وخاس بالعهد وطرق لفسخ (6/477)
العقد وأجرى إلي أمورا كرهتها ونفد الصبر مني عليها وخفت أن أستمر على الإغضاء عنها والمسامحة فيها فيطلع الله مني على إضاعة الاحتياط في أمر قلدني أمير المؤمنين زمامه وضمنني دركه وإرخاء لبب رجل قبل في الاعتماد عليه رأيي وعول في أخذه بما يلزمه على نظري واستيفائي فتناولته بأطراف العذل ملوحا ثم بأثباجه مفصحا مصرحا
ورسمت لعبد أمير المؤمنين الناصح أبي طاهر أن يجد به وبوسطائه وسفرائه في حال ويدخل عليه من طريق المشورة والرفق في أخرى ويتنقل معه بين الخشونة التي يقفو فيها أثرى واللين الذي لا يجوز أن يحسه مني تقديرا لانثنائه وزوال التوائه ففعل ذلك على رسمه في التأني لكل فاسد حتى يصلح ولكل آب حتى يسمح ولم يدع التناهي في وعظه والتمادي في نصحه وتعريفه سوء عاقبه اللجاج ومغبة الإحراج وهو يزيد طمعا في الأموال وشرها وعمى في الرأي وعمها إلى أن كان أمرنا معه يخرج عن حد الانتظار إلى حد الرضا بالإصرار فاستأنفت أدراع الحزم وامتطاء العزم ونهضت إلى أعمال الموصل وعندي أنه يغنيني عن الإتمام ويتلقاني بالإعتاب وينقاد إلى المراد ويتجنب طرق العناد
فحين عرف خبر مسيري وجدي فيه وتشميري برز بروز المكاشف وتجرد تجرد المواقع المواقع وهو مع ذلك إذا أزددت منه قربا أزداد مني (6/478)
رعبا وإذا دلفت إليه ذراعا نكص عني باعا
وتوافت إلى حضرتي وجوه القبائل من عقيل وشيبان وغيرهما في الجمع الكثيف من صعاليكهما والعدد الكثير من صناديدهما داخلين في الطاعة متصرفين في عوارض الخدمة
فلما شارفت الحديثة انتقضت عزائم صبره وتقوضت دعائم أمره وبطلت أمانيه ووساوسه واضمحلت خواطره وهواجسه واضطرب عليه من ثقاته وغلمانه من كان بهم يعتضد وعليهم يعتمد وبدأوا بخذلانه والأخذ لنفوسهم ومفارقته والطلب بحظوظهم وحصل منهم بحضرتي إلى هذه الغاية زهاء خمسمائة رجل ذوي خيل مختارة وأسلحة شاكية فصادفوا عندي ما أملوا من فائض الإحسان وغامر الامتنان وذكروا عمن وراءهم من نظرائهم التنزي إلى الانجذاب والحرص على الاستئمان وأنهم يردون ولا يتأخرون ويبادرون ولا يتلومون
ولما رأى ذلك لم يملك نفسه أن مضى هاربا على طريق سنجار منكشفا عن هذه الديار قانعا من تلك الآمال الخائبة والظنون الكاذبة بسلامة حشاشة هي رهينة غيها وصريعة بغيها
وكان انهزامه بعد أن فعل الفعل السخيف وكادنا الكيد الضعيف بأن (6/479)
أغرق سفن الموصل وعروبها وأحرق جسرها واستذم إلى أهلها وتزود منهم اللعن المطيف به أين يمم الكائن معه حيث خيم
ودخلتها يومي هذا أيد الله أمير المؤمنين دخول الغانم الظافر المستعلي الظاهر فسكنت نفوس سكانها وشرحت صدور قطانها وأعلمتهم ما أمرني به أمير المؤمنين أدام الله عزه وأعلى الله أمره من تأنيس وحشتهم ونظم ألفتهم وضم نشرهم ولم شعثهم وإجمال السيرة فيهم في ضروب معاملاتهم وعلقهم وصنوف متصرفاتهم ومعايشهم فكثر منهم الثناء والدعاء والله سامع ما رفعوا ومجيب ما سألوا
وأجلت حال هذا الجاهل أيد الله أمير المؤمنين عن أقبح هزيمة وأذل هضيمة وأسوإ رأي وأنكر اختيار لأنه لم يلقني لقاء الباخع بالطاعة المعتذر من سالف التفريط والإضاعة ولا لقاء المصدق لدعواه في الاستقلال بالمقارعة المحقق لزعمه في الثبات للمدافعة ولا كان في هذين الأمرين بالبر التقي ولا الفاجر الغوي بل جمع بين نقيصة شقاقه وغدره وفضيحة جبنه وخوره متنكبا للصلاح عادلا عن الصواب قد ذهب عنه الرشاد وضربت بينه وبينه الأسداد وأنزله الله منزلة مثله ممن أساء حفظ الوديعة وجوار الصنيعة واستوجب نزعمها منه وتحويلهما عنه
وتأملت أيد الله مولانا أمير المؤمنين أمره بالتجريب وتصفحته على (6/480)
التقليب فإذا هو الرجل الذي أطاع أبوه فيه هوى أمه وعصى دواعي رأيه وحزمه وقدمه من ولده عل من هو آنس رشدا وأكبر سنا وأثبت جأشا وأجرأ جنانا وأشجع قلبا وأوسع صدرا وأجدر بمخايل النجابة وشمائل اللبابة
فلما اجتمعت له أسباب القدرة والثروة وأمكنته مناهز الغرة والفرصة وثب عليه وثبة السرحان في ثلة الضان وجزاه جزاء أم عامر لمجيرها إذ فرته بأنيابها وأظافيرها واجتمع وأخوه من الأم المرتضع معه لبان الإثم المكنى أبا البركات وليس بأب لها ولا حري بشيء منها على أن نشزا عنه وعقاه وقبضا عليه وأوثقاه وأقراه من قلعتهما بحيث تقر العتاة وتعاقب الجناة ثم أتبعا ذلك باستحلال دمه وإفاضة مهجته غير راعيين فيه حق الأبوة ولا حانيين عليه حنو البنوة ولا متذممين من الإقدام على مثله ممن (6/481)
تقدمت عند سلطانه قدمه وتوكدت أواصره وعصمه ولا راحمين له من ضعف شيخوخته وذهل كبرته ولا مصغيين إلى وصية الله إياهما به التي نصها الألفاظ في محكم كتابه وكررها في آية وبيناته إذ يقول ( اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) وإذ يقول ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )
فبأي وجه يلقى الله قاتل والد حدب قد أمر أن ينهره وبأي لسان ينطق يوم يسأل عما استجازه فيه وفعله وتالله لو أن بمكانه عدوا لهما قد قارضهما الذحول وقارعهما عن النفوس لقبح بهما أن يلؤما ذلك اللؤم عند الظفر به وأن يركبا تلك الخطة الشنعاء في الأخذ بناصيته ولم يرض فضل الله بما أتاه إليه حتى استوفى حدود قطع الرحم بأن تتبع أكابر إخوته السالكين خلاف سبيله المتبرئين إلى الله من عظيم ما اكتسب ووخيم ما احتقب لما غضبوا لأبيهم وامتعضوا من المستحل فيه وفيهم فقبض على محمد بن ناصر الدولة حيلة وغيلة وغدرا ومكيدة ونابذ حمدان بن ناصر الدولة منابذة خار الله له فيها بأن أصاره من فناء أمير المؤمنين إلى (6/482)
الجانب العزيز والحرز الحريز وأن أجرى الله على يده الحرب الواقعة بينه وبين المعروف بكنيته أبي البركات التي لقاه الله فيها نحسه وأتلف نفسه وصرعه بعقوقه وبغيه وقنعه بعاره وخزيه وهو مع ذلك لا يتعظ ولا ينزع ولا يقلع ولا يزدجر إصرارا على الجرائر التي الله عنها حسيبه وبها طليبة والدنيا والآخرة مرصدتان له بالجزاء المحقوق عليه والعقاب المسوق إليه
وأعظم من هذا كله أيد الله أمير المؤمنين خطبا وأوعر مسلكا ولحبا أن من شرائط العهد الذي كان عهد إليه والعقد الذي عقد له والضمان المخفف مبلغه عنه المأخوذ عفوه منه أن يتناهى في ضبط الثغور وجهاد الروم وحفظ الأطارف ورم الأكناف فما وفى بشيء من ذلك بل عدل عنه إلى الاستئثار بالأموال واقتطاعها وإحرازها في مكامنها وقلاعها والضن بها دون الإخراج في وجوهها والوضع لها في حقوقها وأن تراخى في أمر عظيم الروم مهملا واطرح الفكر فيه مغفلا حتى هجم في الديار وأثر الآثار ونكى القلوب وأبكى العيون وصدع الأكباد وأحر الصدور فما كان عنده فيه ما يكون عند المسلم القارىء لكتاب الله إذ يقول ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) بل صدف عن ذكر الله لا هيا وعدل عن كتابه ساهيا واستفسخه ذلك البيع والعقد وتنجزه الوعيد لا العد ولا طف طاغية الروم وهاداه وماره وأعطاه وصانعه بمال المسلمين الذي (6/483)
يلزمه إن سلم دينه وصح يقينه أن ينفقه في مرابطهم ويذب به عن حريمهم لا أن يعكسه عن جهته ويلفته عن وجهته بالنقل إلى عدوهم وإدخال الوهن بذلك عليهم وقاد إليه من الخيل العتاق ما هو الآن عون للكفر على الإيمان ونجدة للطاغية على السلطان وكان فيما أتحفه به الخمر التي حظر الله عليه أن يشربها ويسقيها وتعبده بأن يجتنبها ويجتويها وصلبان ذهب صاغها له وتقرب بها إليه تقربا قد باعده الله فيه عن الإصابة والأصالة وأدناه من الجهالة والضلالة حتى كأنه عامل من عماله أو بطريق من بطارقته
فأما فشله عن مكافحته ولهجه بملاطفته فضد الذي أمره الله به في قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين )
وأما نقله ما نقل من الخيل من ديار المسلمين إلى ديار أعدائهم فنقيض قوله عز و جل ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )
وأما إهداؤه الخمر والصلبان فخلاف عليه تبارك اسمه إذ يقول (6/484)
( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )
كل ذلك عنادا لرب العالمين وطمسا لأعلام الدين وضنا بما يحامي عليه من ذلك الحطام المجموع من الحرام المثمر من الاثام المقتطع من فيء الإسلام وقد فعل الآن بي وبالعساكر التي معي ومن نضم من أولياء أمير المؤمنين الذين هم إخوته وصحبه إن كان مؤمنا وأنصاره وحزبه إن كان موقنا من توعير المسالك وتغريق العروب وتضييق الأقوات واستهلاك الأزواد ليوصل إلينا الضر ويلحق بنا الجهد فعل العدو المبين المخالف في الدين فهل يجتمع في أحد من المساوي أيد الله أمير المؤمنين ما أجتمع في هذا الناد العاند والشاذ الشارد وهل يطمع من مثله في حق يقضيه أو فرض يؤديه أو عهد يرعاه أو ذمام يحفظه وهو لله عاص ولإمامه مخالف ولوالده قاتل ولرحمه قاطع كلا والله بل هو الحقيق بأن تثني إليه الأعنة وتشرع نحوه الأسنة وتنصب له الأرصاد وتشحذ له السيوف الحداد ليقطع الله بها دابره ويجب غاربه ويصرعه مصرع الأثيم المليم المستحق للعذاب الأليم أو يفيء إلى الحق إفاءة الداخل فيه بعد خروجه العائد إليه بعد مروقه التائب المنيب النازع المستقبل فيكون حكمه شبيها بحكم الراجع عن الردة المحمول على ظاهر الشريعة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
فالحمد لله الذي هدانا لمراشدنا ووقف بنا على السبيل المنجية لنا (6/485)
والمقاصد المفضية إلى رضاه البعيدة من سطاه
والحمد لله الذي أعز أمير المؤمنين بالنصر وأعطاه لواء القهر وجعل أولياءه العالين الظاهرين وأعداءه السافلين الهابطين وهنأه الله هذا الفتح ولا أخلاه من أشكال له تقفوه وتتبعه وأمثال تتلوه وتشفعه واصلا فيها إلى ما وصل فيه إليه من حيازته مهنأ لم يسفك فيه دم ولم ينتهك محرم ولم ينل جهد ولم يمسس نصب
أنهيت إلى أمير المؤمنين ذلك ليضيف صنع الله له فيه إلى السالف من عوارفه عنده وأياديه وليجدد من شكره جل وعلا ما يكون داعيا إلى الإدامة والمزيد مقتضيا للعون والتأييد إن شاء الله تعالى
وكتب يوم الجمعة لتسع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وثلثمائة
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابي للخليفة والحال على كذا وكذا ويدعى للخليفة بطول البقاء في أثناء ذلك ويعبر الملك المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد مع التصدير بالعبودية ويخاطب الخليفة بأمير المؤمنين ويختم بالدعاء ونحوه
كما كتب أبو الفرج الببغا عن السلطان أبي تغلب بن ناصر الدولة أحد (6/486)
ملوك بني حمدان بحلب وما معها جوابا للكتاب الوارد عليه من الطائع أو المطيع بالكنية والخلع ما صورته
كتابي أطال الله بقاء أمير المؤمنين وعبد أمير المؤمنين مستديم بشكر الله تعالى مدد النعم المتظاهرة عليه والمنح المتناصرة لديه بجميل رأيه أدام الله علوه وتقديمه معترف بما طوقته به السعادة من عوارف تشريفه متمسك من الطاعة بما احله كنف إحسانه متوصل بالطرف إلى الاستزادة من طوله وامتنانه
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين
ووصل كتاب أمير المؤمنين أدام الله نصره مشتملا على فوائد الإرشاد والتوقيف مقترنا بخصائص التكرمة والتشريف فاقتديت من أوامره أعلاها الله تعالى بأهدى دليل وسلكت في شكر ما اعتمدني من إيثاره أوضح سبيل وبرزت لسائر من اختارني أيده الله لسياسته من الخاصة والعامة في الحلل الحالية بسمات تشريفه وإكرامه متدرعا ثوبي هديه وسكينته ومختالا منهما بين كنفي دفاعه ومعونته ومتقلدا عضبه الذي هز النصر غراره وأطلق المضاء شفاره وعاليا على عنق الزمان بامتطاء ما حباني به من الحملان مسترق النية بالرغبة إليه ومستخدم النطق بالثناء عليه ومقتصا أثر أسلافي في خدمته وخدمة آبائه المؤمنين من الخلفاء الراشدين صلوات الله عليهم أجميعن واقتفاء مذهبهم في الذب عن فئة الخلافة والمراماة دون الملة والاجتهاد في طاعة الأئمة
فالحمد لله الذي جعل صنائع أمير المؤمنين مستقرة عند من يرتبطها (6/487)
بعلائق الشكر ويحرسها بالتوفر على ما أفاد الإحماد وجميل الذكر وأدام علو أمير المؤمنين وأيدنا بعز دولته وبسط بالتمكين قدرته وحرس من الغير سلطانه وقرن بنفاذ الأمر يده ولسانه ولا أخلاه من ولي ينشيه ويصنعه وشكور يعليه ويرفعه وعزم يحمد أثره ويرتضيه ورأي بالتوفيق يبرمه ويمضيه ووفقني من القيام بحقوق خدمته والتمسك بفرائض طاعته والمعرفة بمواقع اصطناعه وتفضله والاعتداد بمنح إنعامه وتطوله لما يستزيدني من أياديه وآلائه ويحرس علي مكاني من جميل آرائه إنه جواد كريم
وقد آذنت من بعد وقرب برفع أمير المؤمنين أدام الله بسطته ذكري عن تعريف الاسم بنباهة الكنية وإصدار ذلك إلى الأسماع من شريف عبارته والإذن فيه لسائر من يذكرني بحرضته زاد الله في جلالتها وتقدمت بإثبات ذلك على عنوانات الكتب امتثالا لأمره وأخذا بإذنه ووقوفا عند رسمه عارفا قدر النعمة والموهبة فيه واعتددت بما أعلمنيه أمير المؤمنين من نيابة فلان عبده وما توخاه من محمود السفارة وحسن الوساطة ووجدت ما يجمعني وإياه من الإخلاص في ولاء أمير المؤمنين أقرب الأنساب وأوكد الأسباب في تأكد الألفة وتثبيت قواعد الطاعة والله يحرس أمير المؤمنين في كافة رعيته وخاصة أوليائه وصنائع دولته من اختلاف الآراء وتشذب الأهواء ويعينني من النهوض بمفترضات أياديه وواجبات ما يسديه إلي ويوليه على ما قرب منه وإليه وأزلف عنده ولديه بمنه ومشيئته وحوله وقوته
الحالة الثانية من مكاتبات الملوك إلى خلفاء بني العباس ما كان عليه الأمر في آخر دولتهم ببغداد
والحال فيه مختلف فتارة يفتتح بالدعاء للديوان العزيز وتارة بالدعاء لما يعود عليه وتارة بالصلاة وتارة بالسلام وربما افتتحت المكاتبة بآية من القرآن الكريم مناسبة للحال (6/488)
قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف والصدر نحو العبد أو المملوك أو الخادم يقبل الأرض أو العتبات أو مواطئ المواقف أو غير ذلك ويخاطب الخليفة في أثناء الكتاب بالديوان العزيز وبالمواقف المقدسة أو المشرفة والأبواب الشريفة والباب العزيز والمقام الأشرف والجانب الأعلى أو الشريف وبأمير المؤمنين مجردة عن سيدنا ومولانا ومرة غير مجردة مع مراعاة المناسبة والتسديد والمقاربة ويختم الكتاب تارة بالدعاء وتارة بطالع أو أنهى أو غيرهما مما فيه معنى الإنهاء
قال واختلف فيما يخاطب به المكتوب عنه عن نفسه فكتب صلاح الدين بن أيوب الخادم وكتب بنوه والعادل أخوه المملوك وكتب الكامل بن العادل العبد وجرى على هذا ابنه الصالح وكتب الناصر بن العزيز أقل المماليك وكتب الناصر داود أقل العبيد وكان علاء الدين خوارزم شاه يكتب الخادم المطواع وتبعه على ذلك ابنه جلال الدين وكانت أم جلال الدين تكتب الأمة الداعية هذا على شمم أنوف الخوارزمية وعلو شأنهم
وعنوان هذه المكاتبات على اختلافها الديوان العزيز العالي المولوي السيدي النبوي الإمامي الفلاني بلقب الخلافة أدام الله أيامه أو خلد الله أيامه أو أدام الله سلطانه على مناسبة ما في صدر الكتاب
ثم هو على ستة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للديوان العزيز
قال في التعريف والمراد بالديوان ديوان الإنشاء لأن المكاتبات عنه صادرة وإليه واردة قال وسبب مخاطبتهم بالديوان الخضعان عن مخاطبة الخليفة نفسه ويكون الدعاء للديوان بما فيه معنى دوام العز والسلطان وبسط الظل وما أشبه ذلك مثل أدام الله أيام الديوان العزيز أو أدام الله سلطان (6/489)
الديوان العزيز أو خلد الله أيام الديوان العزيز أو خلد الله سلطان الديوان العزيز وأدام الله ظل الديوان العزيز وخلد الله ظل الديوان العزيز وبسط الله ظل الديوان العزيز وما اشبه ذلك
وهذه نسخة كتاب كتب به القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الديار المصرية إلى الناصر لدين الله الخليفة يومئذ ببغداد بفتح القدس وما معه واقتلاع ذلك من أيدي الفرنج وإعادته إلى ما كان عليه من الإسلام وهي
أدام الله أيام الديوان العزيز النبوي الناصري ولا زال مظفر الجد بكل جاحد غنيا بالتوفيق عن رأي كل رائد موقوف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد مستيقظ النصر والسيف في جفنه راقد وارد الجود والسحاب على الأرض غير وارد متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلا بشكر واحد ماضي حكم العدل بعزم لا يمضي إلا بنبل غوي وريش (6/490)
راشد ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء إلى المرابع وأنوارا إلى المساجد وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلا إلى المراقب وخيالا إلى المراقد
كتب الخادم هذه الخدمة تلو ما صدر عنه مما كان يجري مجرى التباشير بصبح هذه الخدمة والعنوان لكتاب وصف هذه النعمة فإنها بحر للأقلام فيه سبح طويل ولطف الحق للشكر فيه عبء ثقيل وبشرى للخواطر في شرحها مآرب ويسرى للأسرار في إظهارها مسارب ولله في إعادة شكره رضا وللنعمة الراهنة به دوام لا يقال معه هذا مضى وقد صارت أمور الإسلام إلى أحسن مصايرها واستتبت عقائد أهله على بصائرها وتقلص ظل رجاء الكافر المبسوط وصدق الله أهل دينه فلما وقع الشرط حصل المشروط وكان الدين غريبا فهو الآن في وطنه والفوز معروضا فقد بذلت الأنفس في ثمنه وأمر أمر الحق وكان مستضعفا وأهل ربعه ربعه وكان قد عيف حين عفا وجاء أمر الله وأنوف أهل الشرك راغمة فأدلجت السيوف إلى الآجال وهي نائمة وصدق وعد الله في إظهار دينه على كل دين واستطارت له أنوار أبانت أن الصباح عندها حيان الحين واسترد المسلمون تراثا كان عنهم (6/491)
آبقا وظفروا يقظة بما لم يصدقوا أنهم يظفرون به طيفا على النأي طارقا واستقرت على الأعلى أقدامهم وخفقت على الأقصى أعلامهم وتلاقت على الصخرة قبلهم وشفيت بها وإن كانت صخرة كما تشفى بالماء غللهم
ولما قدم الدين عليها عرف منها سويداء قلبه وهنأ كفؤها الحجر الأسود ببت عصمتها من الكافر بحربه وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه العظمى ولا يقاسي تلك البؤسى إلا رجاء هذه النعمى ولا يناجز من استمطله في حربه ولا يعاتب بأطراف القنا من تمادى في عتبه إلا لتكون الكلمة مجموعة والدعوة إلى سامعها مرفوعة فتكون كلمة الله هي العليا وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدنيا وكانت الألسنة ربما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار ومن طلب خطيرا خاطر ومن رام صفقة رابحة تجاسر ومن سما لأن يجلي غمرة غامر وإلا فإن القعود يلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فتعضها ويضعف في أيديها مهر القوائم فتقضها هذا إلى كون القعود لا يقضي فرض الله في الجهاد ولا يرعى به حق الله في العباد ولا يوفى به واجب التقليد الذي تطوقه الخادم من أئمة قضوا بالحق (6/492)
وبه كانوا يعدلون وخلفاء الله كانوا في مثل هذا اليوم لله يسألون لا جرم أنهم أورثوا سرورهم وسريرهم خلفهم الأطهر ونجلهم الأكبر وبقيتهم الشريفة وطلعتهم المنيفة وعلوان صحيفة فضلهم لا عدم سواد العلم وبياض الصحيفة فما غابوا لما حضر ولا غضوا لما نظر بل وصلهم الأجر لما كان به موصولا وشاطروه العمل لما كان عنه منقولا ومنه مقبولا وخلص إليهم إلى المضاجع ما اطمأنت به جنوبها وإلى الصحائف ما عبقت به جيوبها وفاز منها بذكر لا يزال الليل به سميرا والنهار به بصيرا والشرق يهتدي بأنواره بل إن أبدى نورا من ذاته هتف به الغرب بأن واره فإنه نور لا تكنه أغساق السدف وذكر لا تواريه أوراق الصحف
وكتاب الخادم هذا وقد أظفر الله بالعدو الذي تشظت قناته شفقا وطارت فرقه فرقا وفل سيفه فصار عصا وصدعت حصاته وكان الأكثر عددا (6/493)
وحصى فكلت حملاته وكانت قدرة الله تصرف فيه العنان بالعيان عقوبة من الله ليس لصاحب يد بها يدان وعثرت قدمه وكانت الأرض لها حليفة وغضت عينه وكانت عيون السيوف دونها كسيفة ونام جفن سيفه وكانت يقظته تريق نطف الكرى من الجفون وجدعت أنوف رماحه وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة بالمنون وأضحت الأرض المقدسة الطاهرة وكانت الطامث والرب المعبود الواحد وكان عندهم الثالث فبيوت الشرك مهدومة ونيوب الكفر مهتومة وطوائفه المحامية مجتمعة على تسليم البلاد الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة ببذل المطامع الوافية لا يرون في ماء الحديد لهم عصرة ولا في فناء الأفنية لهم نصرة وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وبدل الله مكان السيئة الحسنة ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشأمة إلى أيدي أصحاب الميمنة
وقد كان الخادم لقيهم اللقاة الأولى فأمده الله بمداركته وأنجده بملائكته فكسرهم كسرة ما بعدها جبر وصرعهم صرعة لا يعيش معها بمشيئة الله كفر وأسر منهم من أسرت به السلاسل وقتل منهم من فتكت (6/494)
به المناصل وأجلت المعركة عن صرعى من الخيل والسلاح والكفار وعن أصناف يخيل بأنه قتلهم بالسيوف الأفلاق والرماح الأكسار فنيلوا بثأر من السلاح ونالوه أيضا بثار فكم أهلة سيوف تقارضن الضراب بها حتى عادت كالعراجين وكم أنجم رماح تبادلت الطعان حتى صارت كالمطاعين وكم فارسية ركض عليها فارسها السهم إلى أجل فاختلسه وفغرت تلك القوس فاها فإذا فوها قد نهش القرن على بعد المسافة فافترسه وكان اليوم مشهودا وكانت الملائكة شهودا وكان الكفر مفقودا والإسلام مولودا وجعل الله ضلوع الكفار لنار جهنم وقودا وأسر الملك وبيده أوثق وثائقه وآكد وصله بالدين وعلائقه وهو صليب الصلبوت وقائد أهل الجبروت وما دهموا قط بأمر إلا وقام بين دهائمهم يبسط لهم باعه ويحرضهم وكان مد اليدين في هذه الدفعة وداعة لا جرم أنهم تهافت على نارهم فراشهم وتجمع في ظل ظلامه خشاشهم فيقاتلون تحت ذلك الصليب أصلب قتال وأصدقه ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشد عقد وأوثقه (6/495)
ويعدونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه
وفي هذا اليوم أسرت سراتهم وذهبت دهاتهم ولم يفلت معروف إلا القومص وكان لعنه الله مليا يوم الظفر بالقتال ويوم الخذلان بالاحتيال فنجا ولكن كيف وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرمح وجناح السيف ثم أخذه الله بعد أيام بيده وأهلكه لموعده فكان لعدتهم فذالك وانتقل من ملك الموت إلى مالك
وبعد الكسرة مر الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغا البيضاء صنعا الخافقة هي وقلوب أعدائها الغالبة هي وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها البشر وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر فافتتح بلد كذا وكذا وهذه أمصار ومدن وقد تسمى البلاد بلادا وهي مزارع وفدن وكل هذه ذوات معاقل ومعاقر وبحار وجزائر وجوامع ومنائر وجموع وعساكر يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا ويحط من منائر جوامعها صلبانا ويرفع أذانا ويبدل المذابح منابر والكنائس (6/496)
مساجد ويبويء بعد أهل الصلبان أهل القرآن للذب عن دين الله مقاعد ويقر عينه وعيون أهل الإسلام أن تعلق النصر منه ومن عسكره بجار ومجرور وأن ظفر بكل سور ما كان يخاف زلزاله وزياله إلى يوم النفخ في الصور ولما لم يبق إلا القدس وقد اجتمع إليها كل شريد منهم وطريد واعتصم بمنعتها كل قريب منهم وبعيد وظنوا أنها من الله مانعتهم وأن كنيستها إلى الله شافعتهم فلما نازلها الخادم رأى بلدا كبلاد وجمعا كيوم التناد وعزائم قد تألفت وتألبت على الموت فنزلت بعرصته وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصته فزاول البلد من جانب فإذا أودية عميقة ولجج وعرة غريقة وسور قد انعطف عطف السوار وأبرحة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار فعدل إلى جهة أخرى كان للمطامع عليها معرج وللخيل فيها متولج فنزل عليها وأحاط بها وقرب منها وضربت خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه ويزاحمه السور بأكنافه وقابلها ثم قاتلها ونزلها ثم نازلها وبرز إليها ثم بارزها وحاجزها ثم ناجزها فضمها ضمة ارتقب بعدها الفتح (6/497)
وصدع أهلها فإذا هم لا يصبرون على عبودية الخد عن عتق الصفح فراسلوه ببذل قطيعة إلى مدة وقصدوا نظرة من شدة وانتظارا لنجدة فعرفهم في لحن القول وأجابهم بلسان الطول وقدم المنجنيقات التي تتولى عقوبات الحصون عصيها وحبالها وأوتر لهم قسيها التي تضرب فلا تفارقها سهامها ولا يفارق سهامها نصالها فصافحت السور بأكنافه فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك وقدم النصر نسرا من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الأرض ويعلو علوه إلى السماك فشج مرادع أبراجها وأسمع صوت عجيجها ورفع مثار عجاجها فأخلى السور من السيارة والحرب من النظارة فأمكن الثقاب أن يسفر للحرب النقاب وأن يعيد الحجر إلى سيرته من التراب فتقدم إلى الصخر فمضغ سرده بأنياب معوله وحل عقده بضربه الأخرق الدال على لطافة أنمله وأسمع الصخرة الشريفة حنينه واستغاثته إلى أن كادت ترق لمقبله وتبرأ بعض الحجارة من بعض وأخذ الخراب عليها موثقا فلن تبرح الأرض وفتح في السور باب سد من نجاتهم أبوابا وأخذ (6/498)
نقب في حجره قال عنده الكافر ( يا ليتني كنت ترابا ) فحينئذ يئس الكفار من أصحاب الدور كما يئس الكفار من أصحاب القبور وجاء أمر الله وغرهم بالله الغرور
وفي الحال خرج طاغية كفرهم وزمام أمرهم ابن بارزان سائلا أن يؤخذ البلد بالسلم لا بالعنوة وبالأمان لا بالسطوة وألقى بيده إلى التهلكة وعلاه ذل الملكة بعد عز المملكة وطرح جبينه في التراب وكان حينا لا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح إليه طرف آمل طامح وقال ها هنا أسارى مؤمنون يتجاوزون الألوف وقد تعاقد الفرنج على أنهم إن هجمت عليهم الدار وحملت الحرب على ظهورهم الأوزار بديء بهم فعجلوا وثني بنساء الفرنج وأطفالهم فقتلوا ثم استقتلوا بعد ذلك فلم يقتل خصم إلا بعد أن ينتصف ولم يسل سيف من يد إلا بعد أن تنقطع أو ينقصف وأشار الأمراء بالأخذ بالميسور من البلد المأسور فإنه إن أخذ حربا فلا بد أن تقتحم الرجال الأنجاد وتبذل أنفسها في آخر أمر قد (6/499)
نيل من أوله المراد وكانت الجراح في العساكر قد تقدم منها ما اعتقل الفتكات واعتاق الحركات فقبل منهم المبذول عن يد وهم صاغرون وانصرف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون وملك الاسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان لا جرم أن الله أخرجهم منها وأهبطهم وأرضى أهل الحق وأسخطهم فإنهم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح وأودعوا الكنائس بها وبيوت الديوية والاستبارية منها كل غريبة من الرخام الذي يطرد ماؤه ولا يطرد لألاؤه قد لطف الحديد في تجزيعه وتفنن في توشيعه إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد كالذهب الذي فيه نعيم عتيد فما ترى إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق وعمدا كالأشجار لها من التنبيت أوراق
وأوزع الخادم برد الأقصى إلى عهده المعهود وأقام له من الأئمة من يوفيه ورده المورود وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع شهر شعبان فكادت السموات يتفطرن للسجوم لا للوجوم والكواكب ينتثرن للطرب لا للرجوم ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طرائقها مسدودة وظهرت (6/500)
قبور الأنبياء وكانت بينهم بالنجاسات مكدودة وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها وجهرت الألسنة بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها وجهر باسم أمير المؤمنين في قطبه الأقرب من المنبر فرحب به ترحيب من بر بمن بر وخفق علماه في حفافيه فلو طار به سرورا لطار بجناحيه
وكتاب الخادم وهو مجد في استفتاح بقية الثغور واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب من الصدور فإن قوى العساكر قد استنفدت مواردها وأيام الشتاء قد مردت مواردها والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها فهي بلاد ترفد ولا تسترفد وتجم ولا تستنفد وينفق عليها ولا ينفق منها وتجهز الأساطيل لبحرها وتقام المرابط لبرها ويدأب في عمارة أسوارها ومرمات معاقلها وكل مشقة فهي بالإضافة إلى نعمة الفتح محتملة وأطماع الفرنج فيما بعد ذلك مذاهبها غير مرجئة ولا معتزلة فلن يدعوا دعوة يرجو الخادم من الله أنها لا تسمع ولن تزول أيديهم من أطواق البلاد حتى تقطع
وهذه البشائر لها تفاصيل لا تكاد من غير الألسنة تتشخص ولا بما سوى المشافهة تتلخص فلذلك نفذنا لسانا شارحا ومبشرا صادحا ينشر (6/501)
الخبر على سياقته ويعرض جيش المسرة من طليعته إلى ساقته
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بالدعاء لغير الديوان بما فيه تعظيم الخليفة
كما كتب القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى ديوان الخلافة ببغداد
أسعد الله عظماء الأملاك بالانتساب إلى الخدمة الشريفة النبوية وأوزعهم ما أمرهم به من طاعتها وخلد ملك الديوان العزيز النبوي ما دامت الأفلاك قائمة والنجوم ناجمة ونقع بغمائمها غلل الآمال الحائمة وفسر بمكارمها حلم الأماني الحالمة ورتق بتدبيراتها المعصومة فتوق النوب المتعاظمة وأظهر على أيدي أوليائها معجزات نصرها وصرف الأيام والليالي بين المرضيين لله نهيها وأمرها وأودع بركات السماء والأرض بمودعها ومستقرها
المملوك وإن كان قد يسر الله له مذ أطلقت عذبة لسانه خدمة الدولة العباسية فتفسح في وسيع مآثرها وتخير من بديع جواهرها وامتاح من نمير زواخرها فإنه لا يعتذر عن الحصر الذي اعتراه في وصف المنعم عليه به من (6/502)
الخطاب الشريف الذي لولا أن عصمة الموالاة تثبت فؤاده الخافق وتسدد لسانه الناطق لما تعاطى وصف ما أعطاه من كتابه المرقوم وسبق إليه من سحابه المركوم فإنه مما يشف عنه الأمل ناكصا وهو كسير وينقلب دونه البصر خاسئا وهو حسير ألا أن الانعام الشريف يبدأ الأولياء بما لو وكلهم إلى أمانيهم لتهيبت أن تتعاطى حظيته ولو فوضه إلى راحتهم لنكلت عن أن تترقى نصيته ولا غرو للسحاب أن يصافح قطره الثرى والفجر أن يشرق نوره على عين الكرى والسرى
فالحمد لله الذي قرب على المملوك منال الآمال وثبت حصاة فؤاده لما لا تستقل بحمله صم الجبال ويستنيب عن جهر الشكر بسر الأدعية ويقتصر على ما يفضي به إلى المحاريب وإن لم يقصر عما يقصه في الأندية ويطالع بأن مملوك الخدمة وابن مملوكها أخذ الكتاب بقوة وشمر لخدمة أشرف خلافة لأشرف نبوة وتلقاه تلقي أبيه الأول الكلمات ورأى إطلاع الله لأمير المؤمنين على ما في ضميره من طاعته إحدى المعجزات والكرامات وسمع المشافهة خاشعا متصدعا واشتمل عليها بفهمه ساميا طرفه متطلعا
ولقد أشبه هذا الكتاب الكريم بيعة أخذت عليه مد إليها يده آخذا بكلتا يديه والمملوك يرجو بل يتحقق أن هذا العبد المشار إليه سيوفي على سابقه من عبيد الدولة العباسية في الزمان ويكون بمشيئة الله أسبق منهم بالإحسان
وقد صدرت خدمتان من جهته وبعدهما تصدر الخدم ولا يألوا جهدا في الخدمتين مباشرا بيده السيف ومستنيبا عنها العلم وله نصرة باقية في الولاء وهو غني بها عن النصير وسريرة بادية في الطاعة وهو إليها أسكن منها إلى كل مشير يعود المملوك إلى ما لا يزال يفتتح به الصلوات المفروضة ويختتم به الختمات المعروضة من الدعاء الصالح الذي وإن أغنى الله وليه عنه فقد أحوج ذوي العقائد السليمة إليه لأنه مزك لأعمالهم بل متمم لإسلامهم وكيف لا يدعون لمن يدعون به يوم يدعى كل أناس بإمامهم فيقول جمع (6/503)
الله لأمير المؤمنين طاعة خلقه وأذل رقاب الباطل سيف حقه وجعل الله ما هو قبضته في الأخرى قبضة أمير المؤمنين في الأولى من الأرض التي هي موطوءة كالسموات العلى وأدام نعمه على هذه الأمة بإمامته وأظهر كرامة نبيه عليه السلام بما يظاهره من كرامته وعجل لمن لا يقوم بفرض ولايته إقامة قيامته ورد بسيوفه التي لا ترد ما الإسلام ممطول به من ظلامته وأقام به مناهج الدين لأهله وأظهره بمظاهرته على الدين كله حتى يلقى الله وما خلف في الدنيا كافرا ولا ضميرا إلا بالتوحيد عامرا ولا بلدا إلا وقد بات الإسلام به آهلا وقد أصبح منه الكفر داثرا إن شاء الله تعالى
الأسلوب الثالث أن يبدأ بآية من كتاب الله تعالى تناسب الحال
كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الخليفة المستضيء ببغداد ببشرى بفتح بلد من بلاد النوبة والنصرة عليها
( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) ( سلام قولا من رب رحيم ) ( فروح وريحان وجنة نعيم ) وصلاة يتبعها تسليم وكأس يمزجها تسنيم وذكر من الله سبحانه في (6/504)
الملإ الأعلى ورحمة الله وبركاته معلومة من النشأة الأولى على مولانا الإمام المستضيء بالله المستضاء بأنواره المستضاف بداره الداعي إلى الحق والى طريق مستقيم الراعي للخلق كما يرعى النسيم النسيم العام فضله التام عدله المطروق مورد فنائه المصدوق في مورد ثنائه المحقوق من كل ولي بولائه ابن السادة الغر والقادة الزهر والذادة الحمس والشادة للحق على الأس سقاة الكوثر وزمزم والسحاب وولاة الموسم والموقف والكتاب والموصول الأنساب يوم إذا نفخ في الصور فلا أنساب والصابرون على حساب أنفسهم فهم الذين يؤتون أجرهم بغير حساب
مملوك العتبات الشريفة وعبدها ومن اشتمل على خاطره ولاؤها وودها وكانت المشاهدة لأنواره العلية التي يودها ومن يقرن بفرض الله سبحانه فرضها ويسابق بطاعته إلى جنة وصفها الله تعالى بقوله ( وجنة عرضها ) يلثم وجه ترابها ويرى على بعد دارها الأنوار التي ترى بها ويقف لديها وقوف الخاضع ويضع أثقال الآثام عن ظهره منها بأشرف المواضع للواضع ويخبت إليها إخبات الطائح الطائع ويرجوا فضلها رجاء الطامح الطامع ولولا أن الكتاب حجاب بينه وبين المهابة التي تحول بين المرء وقلبه والجلالة التي هو في تعظيمها على نور من ربه لكان خاطره في قبضة الهلع أسيرا ولا نقلب إليه البصر خاسئا حسيرا ولكن قلمه قد تشاجع أن كان لسانه عن الإبانة قد راجع فيقول
إن الله قد رفع ملة الإسلام على الملل وكفل نصرها وكفى ما كفل وحمى ملكها وحمل وجعل لها الأرض في أيدي المخالفين ودائع ومكن يده من أعناقهم فهي إما تعقد الأغلال أو تصوغ الصنائع والحق بها قائم العمود والسيف الكفاية لازم الغمود والبشائر تمسك الصباح وتخلق الدجى والخيل (6/505)
على طول ما تشتمل الوحى تنتعل الوجى والأيام زاهرة والآيات باهرة وعزة أوليائها قاهرة وذلة أعدائها ظاهرة وعنايات الله لديها متوالية متظاهرة إذا تغرب اسمها يوما عن منبر أعيد إلى وطنه غدا وإذا أوقدت نار فتنة في معصيتها أوقدت في طاعتها نار هدى
وقد كان النيل قدما فرت عن الفرات أبناؤه وتحصنت غلل المؤمنين عنه فلم يتغلغل إليها ماؤه وكادت السماء لا تعينه بمطرها والأرض لا توشيه بزهرها والأعناق قد تقاصر دون الراجين بدو معصها والقلوب قد لاذت بأستار الجدار معضها والأوثان منصوبه والآيات مغصوبه والتيجان بغير أكفائها من الهامات معصوبه والدين أديانا والمذكرون بالآيات يخرون عليها صما وعميانا والعادلون بالله قد وطنوا ألسنة وصرحوا عقائد والمعتدون قد أضلوا فعالا وضلوا مقاصد وكراسي خلافة الله قد ألقي عليها أجساد كانت تقعد منها مقاعد ومنابر كلمات الله قد كاد كيدهم يأتي بنيانها من القواعد وجرت على بنوة النبوة أشد نبوه وقصرت الأيدي فلا حد سوط ولا حد سطوه ثم قست قلوب ( فهي كالحجارة أو أشد قسوه ) وغرت الأيام وما وعدت وأوردت الهمم وما أصدرت وطغى طوفان الطغيان ولا عاصم وسما بناء البهتان ولا هادم وضاقت الصدور ورحلت بغليلها إلى القبور وظن أن طي دولتهم معدوق بالنشور حتى إذا جلاها الله لوقتها وأنجز جموع الضلال إلى ميعاد شتها وأراهم آية معدلته ( وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ) (6/506)
( وجاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ) ( وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )
كانت نعمة من الله يمنها على المملوك أن التجبه من بين أهل أرضه وانتخبه لإقامة ما أمات الباطل من فرضه ويسره لما يسره من نصرة الحق وأهله وبشره بما بشره من لواء النصر ومد من ظله وألهمه الهمة التي افترع منها بكرا ومنحه النصرة فما يستطيع العدو صرفا ولا نصرا مكنه من صياصيهم فحلها ومن دمائهم فطلها ومن سيوفهم ففلها ومن أقدامهم فاستزلها ومن منابر دعاتهم فجعل تداعيها ومن أنفس أعدائهم أكثر تناعيها وأبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ويسر الذين كتب لهم العفو إلى منافعهم ونثر خرزات الملك من تيجانها وفضح على يده وبلسانه ما زورته من أنسابها وحاسبها فأظهر زيف حسابها ونقلها من ظهور أسرتها إلى بطون ترابها وعمد إلى أهل دعوتها الذين بسقوا بسوق النخل فأعلاهم على جذوعها وحملت قلوبهم فوف الحقد فأخرجها من أكمام طلوعها فهل ترى لهم من باقية أو تسمع لهم من لاغية أو تجد إليهم من صاخية فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم أو مساكينهم وحصدوا حصد الحشيش ثم لا تخاف سيوفهم ولا سكاكينهم واستنزلوا من عقاب اللوح وسجنوا في الهم من طول مداومة عقاب الروح ثم تداركوا إلى الدرك واشتركوا في الشرك وأقفرت منهم عراص وزهدت فيهم خواص وعلم أن ليس لله غالب وأن ليس يفوته طالب وأن الملك لله وحد وأن الويل لمن تجاوز أمره وحده (6/507)
وكان المملوك ممن عطل من أوثانهم وأبطل من أديانهم فائزا بحسنة ينظر إلى حسنات خليل الله في كيده الأصنام وتكسيرها وتضليله عابديها وتكفيرها وعمد المملوك إلى المحاضر فجمعها وإلى المنابر فرفعها والجمعة فأطاع من شرعها وأسماء صحابة رسول الله فوصلها باسمه وما قطعها وعمومته رضوان الله عليهم فتلاها له واتبعها وأشاد باسم أمير المؤمنين لتكون الصلاة جامعه والذكرى شاملة والإمامة للجماعة شارعه والهداية للضلالة صارعه فعادت للملة أعياد واخضرت للمنبر أعواد وأنجز للأمة ميعاد
وبعد ذلك تحاشدت أولياء الذاهبين وتنادت وتساعت نحو مستقر المملوك وتعادت ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص عل عقبيه وقال إني بريء منكم ) وكانوا حمية حامية من بني حام كالجراد أرجلا إلا أن الله أصلاها بنيرانه وكالماء مدا إلا أن الله أغرقها بطوفانه وكالنمل لونا وطرقا إلا أن الله حطمها بسليمانه مع من انضم إليهم من ألفاف وأطراف وأوشاب وأوباش من جندي كسبه سيفه ذله وطرده عن مواقف الكرام وبمحال الخزي أحله ومن أرمني كانوا يفزعون إلى نصرة نصرانيته ويعتمدون منه على ابن معموديته ومن عامي أجابهم لفرط عماه وتفريط عاميته فملأ العيون سوادهم الأعظم ووراءهم بأس الله الذي لا يرد عمن أجرم فأمطرتهم السيوف مطرا كانوا غثاء لسيوله الجوارف وعصفت بهم الأعنة عصفا كانوا هباء لهوجه (6/508)
العواصف ( فظلت أعناقهم لها خاضعين ) وعوتبت الأنفس والأرؤس ( فقالتا أتينا طائعين ) وظلت قحاف بني حام تحت غربان الفلا غربانا وشوهدت ظلمات بعضها فوق بعض أفعالا وألوانا وصفت موارد السلطان من القذى وطفيء ذلك الفحم فلا يجد النفاق بعده ما تتعلق به الجذى وبلغت الغايات في كشف كل أذى لا بضرب بموعد يقال فيه إذا
وكاتب المملوك واسم أمير المؤمنين قد كتب سطره على جبين النقدين وسمع لفظه من فم المنبرين بالبلدين ومد كل منبر يدا بل يدين فحين سمع الناس قالوا حقا ما قاله ذو اليدين وصارت تلك الأسماء دبر الآذان ووراء الظهور وحصلت المحبة العباسية سرا من أسرار القلوب إذا حصل ما في الصدور والخلائق مبايعه متابعة وافية بعهده متوافية داخلون في الحق أفواجا سالكون منه شرعة ومنهاجا
والحمد لله الذي جعل أمير المؤمنين إمام لخلقه ووارثا لأرضه ولم يذر فوق الأرض منازعا لحقه ولا مناهبا لأرضه وارتجع له الحق الذي كان نادا ورد عليه الأمر الذي لم يكن له غير الله رادا وبلغ كل مؤمن من إعلاء كلمة الإيمان به ما كان له وادا وأخذ بيد انتقامه من كان عن سبيله صادا والإسلام قد استنار كنشأته والزمان قد استدار كهيئته والحق قد قر في نصابه والأمر قد فر عن صوابه فقد وفى الله القرار له بضمانه وأخذ بيده ما روى عن ابن عمه وأصفى من لسانه (6/509)
فالحمد لله الذي صدقه وعده وأورثه الأرض وحده وجدد علاه وأعلى جده وأسعد نجمه وأنجم سعده ووعده نجحه وأنجح وعده وأورده وصفه وأصفى ورده
المملوك ينتظر الأمثلة ليتمثلها والأمانة ليتحملها والتقليدات المطاعة ليتلوها والتشريفات الشريفة ليجلوها والسواد ليجلي الحلك عن ضمائر المبطلين والسيف الحالي لحكمه في رقاب المعطلين وللآراء الشريفة فصل برهانها وفضل سلطانها وأمرها الذي لا يخرج حين يخرج عن عز الملة وتوطيد بنيانها وعزمها الذي يرفع حين يرفع ظلمة أدخانها إن شاء الله تعالى
الأسلوب الرابع أن يبتدأ الكتاب بالصلاة
كما كتب القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى الخليفة ببغداد في البشرى بفتح بلد من بلاد النوبة أيضا وانهزام ملكها بعساكره
صلوات الله التي أعدها لأوليائه وذخرها وتحياته التي قذف بشهبها شياطين أعدائه ودحرها وبركاته التي دعا بها كل موحد فأجاب وانقشع بها غمام الغم وظلام الظلم فانجاب عن أنجاب وزكاته التي هي للمؤمنين سكن وسلامه الذي لا يعتري الموقنين في ترديده حصر ولا لكن على مولانا عاقد ألوية الإيمان وصاحب دور الزمان وساحب ذيل الإحسان وغالب حزب الشيطان الذي زلزلت إمامته قدم الباطل وحلت خلافته ترائب الدهر العاطل واقتضت سيوفه ديون الدين من كل غريم ماطل وأمضت غرب كل عزم للحق مفلول وأطلعت غارب نجم كل هدى آفل وشفعت يقظات استغفاره إلى (6/510)
غافر ذنب كل غافل وعلى آبائه الغاية والمفزع والملاذ في وقت الفزع والقائمين بحقوق الله إذ قعد الناس والحاكمين بعدل الله إذ عدم القسطاس والمستضيئين بأنوار الإلهام الموروثة من الوحي إذا عجز الاقتباس والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس خزان الحكم وحفاظها ومعاني النعم وألفاظها وأعلام العلوم المنشورة إلى يوم القيامة وكالئي السروح المنتشرة من كلا سديد الإمامة ومن لا ينفذ سهم عمل إلا إذا شحذ بموالاتهم ولا يتألق صبح هداية إلا إذا استصبح الساري بدلالاتهم
المملوك يقبل الأرض بمطالع الشرف ومنازله ومرابع المجد ومعاقله ومجالس الجود ومحال السجود ومختلف أنباء الرحمة المنزلة ومرسى أطواد البسيطة المتزلزلة ومفتر مباسم الإمامة ومجر مساحب الكرامة ومكان جنوح أجنحة الملائك ومشتجر مناسك المناسك حيث يدخلون من كل باب مسلمين ويتبعهم ملوك الأرض مستسلمين ومشاهد الإسلام كيوم أنزل فيه اليوم أكملت لكم دينكم وينعقد على الولاية فأما غيره فله قوله قاتلوا الذين يلونكم ويناجيها بلسان جلى الإخلاص الصادق عقيدته وأنشط الولاء السابق عقيلته وأرهف الإيمان الناصع مضاربه وفسح المعتقد الناصح مذاهبه فأعرب عن خاطر لم يخطر فيه لغير الولاء خطره وقلب أعانه على ورود الولاء أن صفاء المصافاة فيه فطره ويخبر أنه ما وهن عما أوجبته آلاؤه ولا وهى ولا انثنى عزمه عن أن يقف حيث أظلت سدرة المنتهى ووضحت الآيات لأولي النهى والله سبحانه يزيل عنه في شرف المثول عوائق القدر وموانعه ويكشف له عن قناع الأنوار التي ليست همته بما دون نظرها قانعة وكان توجه منصورا بجيش دعائه قبل جيش لوائه وبعسكر إقباله قبل عسكر قتاله وبنصال (6/511)
سلطانه قبل نصال أجفانه لا جرم أن كتائب الرعب سارت أمام الكتائب وقواضب الحذر غمضت في جفونها عيون القواضب وسار أولياء أمير المؤمنين الذين تجمعوا من كل أمة وتداعوا بلسان النعمة وتصرفوا بيد الخدمة وصالوا بسيف العزمة متواخية نياتهم في الإقدام متآلفة طوياتهم في طاعة الإمام كالبنيان المرصوص انتظاما وكالغاب المشجر أعلاما وكالنهار الماتع حديدا وهاجا وكالليل الشامل عجاجا عجاجا وكالنهر المتدافع أصحابا وكالمشط المطرد اصطحابا والأرض ترجل برجلهم لما ترفعه الحوافر من غيومها والسماء تنزل نزولهم لما تضعه الذوابل من نجومها فما انتشرت رياضها المزهره وغياضها المشجره إلا دلت على أن السحاب الذي سقاهم كريم والإنعام الذي غمرهم عظيم والدنيا التي وسعتهم من عزمتهم تظعن وتقيم
ولما علم العدو أن الخطب المظنون قد صرح خطابه والأمل المخدوع قد صفر وطابه راسل ورأى سل السيوف يغمده وماكر وماكر لعلمه أن الحتف يعمده واندفع هاربا هائبا وخضع كائبا كاذبا فمضى المملوك قدما وحمله ظلمه وقد خاب من حمل ظلما وأجابه بأنه إن وطيء البساط برجله وإلا وطئه برأسه وإن قدم على المملوك بأمله وإلا أقدمه بيأسه وإن لم يظهر أثر التوبة وإلا أقام عليه الحد بسكرة الموت من كأسه فلمن يخرج مراوغة تحتها مغاوره ومكاسرة وراءها مكاشره فاستخار الله في طلبه وانتهز فيه فرصة شغل قلبه بريبه ولم يغره ما أملي له في البلاد من تقلبه وسار ولم يزل مقتحما وتقدم أول العسكر محتدما وإذا الدار قد ترحل أهلها منها فبانوا وظعنوا عن ساحتها فكأنهم ما كانوا ولم يبق إلا مواقد نيران رحلت قلوبهم (6/512)
بضرامها وأثافي دهم أعجلت المهابة ما رد سغبهم عن طعامها وغربان بين كأنها في الديار ما قطع من رؤوس بني حامها وعوافي طير كانت تنتظر من أشلائهم فطر صيامها وعادت الرسل المنفذة لاقتفاء آثارهم وأداء أخبارهم ذاكرة أنهم لبسوا الليل حدادا على النعمة التي خلعت وغسلوا بماء الصبح أطماع نفس كانت قد تطلعت وأنهم طلعوا الأوعار أوعالا والعقاب عقبانا وكانوا لمهابط الأودية سيولا ولأعالي الشجر قضبانا فرأى المملوك أن الكتاب فيهم قد بلغ أجله والعزم منهم قد نال أمله والفتك بهم قد أعمل منصله وأن سيوف عساكر أمير المؤمنين منزهة أن تريق إلا دماء أكفائها من الأبطال وأن تلقى إلا وجوه أنظارها من الرجال وأن المذكورين نمل حطمه سليمان عليه السلام وجنوده ورمل أطاره العاصف الذي يسحفه ويقوده وأصدر هذه الخدمة والبلاد من معرتهم عارية والكلمة بانخفاضهم غالية عالية ويد الله على اعدائه عادية وأنفس المخاذيل في وثاق مهابته العالية عانية عانية فرأى المملوك أن يرتب بعده الأمير فلانا ليبذل الأمانات لسوقة أهل البلاد ومزارعيها ويفصل المحاكمات بين متابعي السلطنة ومطاوعيها ويفسح مجال الإحسان لمعاودي المواطن ومراجعيها فيعمر من البلاد ما قد شغر ويشعر بالأمنة من لا شعر فإن مقام المملوك ومن معه من عساكر تمنع الشمس من مطلعما وترد جرية البحر عن موقعها مما يضر بالغلال وينسفها ويجحف بالرعايا ويعسفها
فالحمد لله الذي جعل النصر لائذا بأعطاف اعتزامه وأنامل الرعب السائر إلى الأعداء محركة عذبات أعلامه والعساكر المناضلة بسلاح ولائه (6/513)
تغني بأسمائها عن مرهفاتها والكتائب المقاتلة بشعار علائه تقرأ كتب النصر من حماتها
الأسلوب الخامس أن يبتدأ الكتاب بالسلام
كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين أيضا يعتذر له عن تأخر الكتب ويذكر له خبر صاحب قسطنطينية وصاحب صقلية من ملوك النصرانية من الروم والفرنج
سلام الله الأطيب وبركاته التي يستدرها الحضر والغيب وزكواته التي ترفع أولياءه إلى الدرج ونعمه التي لم تجعل على أهل طاعته في الدين من حرج على مولانا سيد الخلق وساد الخرق ومسدد أهل الحق ولابس الشعار الأطهر سوادا ومستحق الطاعة التي أسعد الله من خصه بها بدءا ومعادا ومولى الأمة الذي تشابه يوم نداه وبأسه إن ركض جودا أو جوادا وواحد الدهر الذي لا يثنى وإليه القلوب تثنى ولا يقبل الله جمعا لا يكون لولائه جمع سلامة لا جمع تكسير ولا استقبال قبلة ممن لا تكون محبته في قلبه تقيم واسمه في عمله إلى الله يسير مولانا أمير المؤمنين وعلى آبائه المالئي الأرض عدلا الملاء أهلا وفضلا والضاربين فيصلا والقائلين فصلا ومن تقول الجنة لأهلها بهم أهلا المخصوصين بالعناية الإلهية الحاكمين فكل أمة بطاعتهم مأمورة وعن معصيتهم منهية والمشرفي الأسارير على أسرة الشرف فكم ملأت البهو مناظرهم البهية
المملوك يخدم الحرم الشرف باحترامه والفناء الكريم بإعظامه والبساط المقبل بطول استلامه والستر الذي أسبله الله على العباد بتحيته وسلامه وينهي أنه آخر الخدم عن أن ينتظم الأوقات المتجددة ويقتضب الحالات المتجردة والرسل عن أن تتوارد دراكا وتتوالى وشاكا والإنهاءات عن أن تثبت بالمقامات الشريفة النبوية ومجالس العرض العلية ما انتهت (6/514)
إليه الأقدار وما أفضى إليه من كثير المناجح وقليل الأعذار فإن أدب الأمالي عن المطالعة كالصوم لا يفض ختامه ولا يحل نظامه إلا بعيد يطلع هلاله مبشرا ويبث خبره في الآفاق معطرا فلو أن متكلفا أفطر قبل موعده وورد الماء قبل مورده لكان مفسدا لعقده ناكثا لعهده
كذلك المملوك أمسك حين كانت الأخبار بجانبه مشتبهة والحقائق لديه غير متوجهة فإن طاغيتي الكفر بقسطنطينية وصقلية كانا قد أوقدا للحرب نارا ورفعا لها أوزارا واتخذا لها أسطولا جاريا وعسكرا جرارا وتباريا ولم يزد الله الظالمين إلا تبارا وكتبا إلى الفرنج بعد انهزامهم بالنجدة والنصرة وتضمنا لهم الخروج والكرة ويصفان ما استعدا به بما لا يعبر عنه إلا بالكثرة واستطارت الشناعة وتداولتها الألسن وخرجت من الأفواه حتى لقد كادت تدخل فيما رأته الأعين وورد إلى المملوك رسول من طاغية القسطنطينية وهو أقدم ملوك النصرانية قدما وأكثرهم مالا منتمى فعرض عليه موادعة يكون بها عسكره مودعا ويكون له بها مفزعا له ولصاحب صقلية الذي زعم أنه أصل للشر يكون الشر منه مفرعا فلم يكن ولم يجب إلى السلم ولم يزعه أن عسكره خذله الله مبار في البر وفي اليم إن شاء الله تعالى
الأسلوب السادس أن تفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد لله
وذلك يختص بالفتوح وغيرها مما حدث فيه نعمة وربما بدئت بآية من كتاب الله كما كتب العماد الأصفهاني عن السلطان صلاح الدين (6/515)
يوسف بن أيوب إلى الناصر لدين الله ببغداد بفتح القدس
( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )
الحمد لله على ما أنجز من هذا الوعد على نصرته لهذا لدين الحنيف من قبل ومن بعد وعلى أن أجرى هذا الحسنة التي ما اشتمل على شبهها كرام الصحائف ولم يجادل عن مثلها في المواقف في الأيام الإمامية الناصرية زادها الله غررا وأوضاحا ووالى البشائر فيها بالفتوح غدوا ورواحا ومكن سيوفها في كل مازق من كل كافر ومارق ولا أخلاها من سيرة سرية تجمع بين مصلحة مخلوق وطاعة خالق وأطال أيدي أوليائها لتحمي بالحقيقة حمى الحقائق وأنجزها الحق وقذف به على الباطل الزاهق وملكها هوادي المغارب ومرامي المشارق ولا زالت آراؤها في الظلمات مصابح وسيوفها للبلاد مفاتح وأطراف أسنتها لدماء الأعداء نوازح
والحمد لله الذي نصر سلطان الديوان العزيز وأيده وأظفر جنده الغالب وأنجده وجلا به جلابيب الظلماء وجدد جدده وجعل بعد عسر يسرا وقد أحدث الله بعد ذلك أمرا وهون الأمر الذي ما كان الإسلام يستطيع عليه صبرا وخوطب الدين بقوله ( ولقد مننا عليك مرة أخرى ) فالأولى في عصر النبي والصحابة والأخرى هذه التي عتق فيها من رق الكآبة فهو قد أصبح حرا فالزمان كهيئته استدار والحق بمهجته قد استنار والكفر قد رد ما كان (6/516)
عنده من المستعار وغسل ثوب الليل بما فجر الفجر من أنهار النهار وأتى الله بنيان الكفر من القواعد وشفى غليل صدور المؤمنين برقراق ماء الموردات البوارد أنزل ملائكة لم تظهر للعيون اللاحظة ولم تخف عن القلوب الحافظة عزت سيما الإسلام بمسومها مترادين نصره بمردفها وأخذت القرى وهي ظالمة فترى مترفيها كأن لم تؤو فيها فكم أقدم بها حيزوم وركض فاتبعه سحاب عجاج مركوم وضرب فإذا ضربه كتاب جراح مرقوم وإلا فإن الحروب إنما عقدت سجالا وإنما جمعت رجالا وإنما دعت خفافا وثقالا فإما سيوف تقاتل سيوفا أو زحوف تقاتل زحوفا فيكون حد الحديد بيد مذكرا وبيد مؤنثا ويكون السيف في اليد الموحدة يغني بالضربة الموحدة وفي اليد المثلثة لا يغني بالضرب مثلثا وذلك أنه في فئتين التقتا وعدوتين لغير مودة اعتنقتا وإن هذه النصرة إن زويت عن ملائكة الله جحدت كراماتهم وإن زويت عن البشر فقد عرفت قبلها مقاماتهم فما كان سيف يتيقظ من جفنه قبل أن ينبهه الصريخ ولا كان ضرب يطير الهام قبل ضرب يراه الناظر ويسمعه المصيخ فكم قرية كأنها هجرة الموت وبها التاريخ وكم طعنة تخر لها هضاب الحديد ولها شماريخ
والحمد لله الذي أعاد الإسلام جديد ثوبه بعد أن كان جديدا حبله مبيضا نصره مخضرا نصله متسعا فضله مجتمعا شمله والخادم يشرح من نبأ هذا الفتح العظيم والنصر الكريم ما يشرح صدور المؤمنين ويمنح الحبور لكافة المسلمين ويكرر البشرى بما أنعم الله به من يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر إلى يوم الخميس منسلخه وتلك سبع ليال وثمانية أيام حسوما سخرها الله على الكفار ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) ورايتها إلى الإسلام ضاحكة كما كانت من الكفر باكية فيوم (6/517)
الخميس الأول فتحت طبرية وفاض ري النصر من بحيرتها وقضت على جسرها الفرنج فقضت نحبها بحيرتها وفي يوم الجمعة والسبت كسر الفرنج الكسرة التي مالهم بعدها قائمة وأخذ الله أعداءه بأيدي أوليائه أخذ القرى وهي ظالمة وفي يوم الخميس منسلخ الشهر فتحت عكا بالأمان ورفعت بها أعلام الإيمان وهي أم البلاد وأخت إرم ذات العماد وقد أصبحت كأن لم تغن بالكفر وتأن لم تفتقر من الإسلام
وقد أصدر هذه المطالعة وصليب الصلبوت مأسور وقلب ملك الكفر الأسير جيشه المكسور مكسور والحديد الكافر الذي كان في الكفر يضرب وجه الإسلام وقد صار حديدا مسلما يفرق خطوات الكفر عن الأقدام وأنصار الصليب وكباره وكل من المعمودية عمدته والدير داره قد أحاطت به يد القبضة وأخذ رهنا فلا تقبل فيه القناطير المقنطرة ومن الذهب والفضة وطبرية قد رفعت أعلام الإسلام عليها ونكصت من عكا ملة الكفر على عقبيها عمرت إلى أن شهدت يوم الإسلام وهو خير يوميها بل ليس من أيام الكفر يوم فيه خير وقد غسل عن بلاد الإسلام بدماء الشرك ما كان يتخللها فلا ضرر ولا ضير وقد صارت البيع مساجدهم بها من آمن بالله واليوم الآخر وصارت المناحر مواقف لخطباء المنابر واهتزت أرضها لوقوف المسلمين فيها وطالما ارتجت لمواقف الكافر والبأس الإمامي الناصري قد أمضى مشكاته على يد الخادم حتى بالدني في الكنائس وإن عز أول الإسلام بحط تاج فارس فكم حطت سيوفه في هذا اليوم من تاج فارس
فأما القتلى والأسارى فإنها تزيد على ثلاثين ألفا
وأما فرسان الديوية والاستبارية فقد أمصى الله حكمه فيهم وقطع بهم (6/518)
سيوف نار الجحيم ووصل الراحل منهم إلى الشقاء المقيم وفتك بافرنس كافر الكفار ومشيد النار من يده في الإسلام كما كانت يد الكليم وافترت النصرة عن ثغر عكا بحمد الله الذي يسر فتحها وتسلمتها الملة الإسلامية بالأمان وعرفت في هذه الصفقة ربحها
وأما طبرية فافترتها يد الحرب فأنهرت الحرب جرحها
فالحمد لله حمدا لا تضرب عليه الحدود ولا تزكى بأزكى منه العقود وكأنه بالبيت المقدس وقد دنا الأقصى من أقصاه وبلغ الله فيه الأمل الذي علم أن يحصيه وأحاط بأجله وأقصاه لكل أجل كتاب وأجل العدو هذه الكتائب الجامعة ولكل عمل ثوب وثواب من هدى لطاعته جنات نعيمه الواسعة والله المشكور على ما وهب والمسؤول في إدامة ما استيقظ من جد الإسلام وهب
وقد توجه من جانبه الأمير رشيد الدين دام تأييده في إهداء هذه البشرى نيابة عن الخادم ووصف ما يسره الله لأوليائه من العزائم والبلاد والمعاقل التي فتحت هي طبرية عكا الناصرة صفورية قيسارية نابلس حيفا معليا القزلة الطور الشقيف وقلاع بين هذه كثيرة والولد المظفر تقي الدين بصور وحصن تبنين والأخ العادل سيف الدين نصره الله قد أوفت بالوصول من عنده من عنده من العساكر فينزل في طريقه على غزة وعسقلان ويجهز مراكب الأسطول المنصور ويكثر عددها ويسير بها إلى ثغر عكا المحروس ويشحنها بالرجال ويوفر سلاحها وعددها والنهوض إلى القدس فهذا أوان فتحه ولقد دام عليه ليل الضلال وقد آن أن يستقر فيه الهدى مشكور الإحسان إن شاء الله تعالى (6/519)
الجملة الثانية في المكاتبات الخاصة إلى خلفاء بني العباس
قال أبو جعفر النحاس وقد يكاتب الإمام بغير تصدير إذا لم يكن ذلك في شيء من الأمور التي سبيلها أن تنشأ الكتب بها من الدواوين كما كتب القاسم بن عبد الله إلى المكتفي مهنئا له بالخلافة
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وأسأل الله أن يعظم بركة هذا الأمر على أمير المؤمنين وعلى الأمة كافة
قال والمستعمل في هذا الوقت في مكاتبة الوزير الإمام
أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأعزه وأيده وأتم نعمته عليه وأدام كرامته له
ثم قال وربما استحسنت مكاتبة المرؤوس إلى الرئيس على غير ترتيب الكتاب كما كتب إبراهيم بن أبي يحيى إلى بعض الخلفاء يعزيه
أما بعد فإن أحق من عرف حق الله عليه فيما أخذ منه من عظم حق الله عليه فيما أبقاه له واعلم أن أجر الصابرين فيما يصابون أعظم من النعمة عليهم فيما يعافون فيه
الطرف الخامس في المكاتبات الصادرة إلى الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية
قد ذكر في مواد البيان أن المستعمل في دولتهم أن يقال بعد البسملة أفضل صلوات الله وبركاته وأشرف رضوانه وتحياته على مولانا وسيدنا الإمام (6/520)
الفلاني أمير المؤمنين وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين إن كان له أبناء فإن لم يكن له أبناء قيل مكان الأكرمين المنتظرين ثم يقال بعد فضاء واسع كتب عبد الموقف النبوي خلد الله ملكه من قر خدمته بناحية كذا وأمور ما عذق به ورد إلى نظره منتظمة بسعادة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى جده والحمد لله رب العالمين وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما ثم يقال العبد ينهي كذا وكذا ينص الأغراض التي بني الكتاب على إنهائها وشرح حالها قال فإن كان الكتاب مبنيا على المطالعة ببعض الأخبار قيل في آخره بعد فضاء يسير أنهى العبد ذلك ليستقر علمه بالموقف الأشرف إن شاء الله تعالى وإن كان مبنيا على الاستثمار في بعض الأحوال قيل في هذا الموضع ولمولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه الرأي العالي في ذلك إن شاء الله تعالى
وهذه نسخة كتاب من هذا النمط في جواب عن كتاب ورد من الخليفة بالسؤال عن المكتوب عنه في مرضه وهو
صلوات الله الزاكية وتحياته الذكية الذاكية وسلامه الذي يتنزل على الروح بالروح ويؤذن من رضا الله بأشرف موهوب وأكرم ممنوح وبركاته التي فيها للمؤمنين سكن وبشفاعتها تتقبل أعمال المؤمن بقبول حسن على إمام الحق المنظور المغني عن المنتظر وحجة الله التي أرسلها نذيرا للبشر وخليفة الله الذي نزلت بمدحه مرتلات السور قبل مرتبات السير وبعثته الله بالنور الذي لا يمكن الكافر من إطفائه وبرهان الله الذي لا يطمع الجاحد في إخفائه ونائب النبوة ووارثها ومحيي القلوب وباعثها ومفيض أسرار الأنوار ونافثها سيدنا ومولانا الإمام الفلاني ولا زالت الأقدار له جنودا وجدودا (6/521)
والجديدان يسوقان إليه من أيامهما ولياليهما إماء وعبيدا وعلى آبائه الذين سبقت لهم من ربهم الحسنى ورغبوا عن عرض هذا الأدنى ولا تتهم ولاتهم على الخيان ولا يتم للثقلين أن ينفذوا ما لم يكونوا منهم بسلطان وعلى أبنائه وجوه الهدى البارزة من الأكنة وأيدي الندى والأعنة والأسنة
كتب عبد الموقف النبوي خلد الله ملكه من مقر خدمته بالمكان الفلاني وأمور ما عدق به ورد إلى نظره على أتم حال وأكمله وأحسن نظام وأجمله بسعادة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى جده وآبائه الطاهرين العبد ينهي أنه لو أخذ في شكر المنن التي ترقيه في كل يوم لهضاب بعيدة المرتقى وتورده جمات قريبة المستقى وتوجب علىلسانه أن يبذل جهد من استرسل وعلى قلبه أن يبذل جهد من اتقى لقصر به الوصف وأعياه من ورق الجنة الخصف وكيف يجاري من يده ديمة الله بقلمه أو كيف ينزح بحر الجود الذي يمده سبعة أبحر نعمه ولما ورد عليه التشريف بالسؤال الذي أحياه بنسيم روحه ونفخ فيه من روحه فوقع له ساجدا وثاب إلى السجود عائدا وبذل مع ضراعته الابتهال جاهدا وأخلص فرض الولاء معتقدا ورفع لواء الحمد عاقدا وكشف عنه الضر وأطلعت على وجهه النعم الغر وتكافت الأنداد في محل عيشه فحلي الحلو ومر المر وانتهى من الدعوات إلى ما انتهى به المرض وتفلل منه الجوهر الذي عزل به العرض وصافح بمهجته السهام التي نفذ بها الغرض وكاد يشاهده مرتفعا به الضنى والألم وفعلت أنواره في ظلمته ما لا تفعل الأنوار في الظلم ولم يرد قبله حلو الأول والآخر مأمون الموارد والمصادر مضمون الشفاء في الباطن والظاهر عادت القلوب على الأجسام بفضله وسطت العافية على الأسقام بفضله بل بفصله والله سبحانه يملكه أعناق البلاد كما أجرى على يديه أرزاق العباد إن شاء الله تعالى وكتب في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا (6/522)
الطرف السادس في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى خلفاء بني أمية بالأندلس
وكانت المكاتبة إليهم بالافتتاح بالدعاء بطول البقاء مع الإطناب في الإطراء في شأن الخليفة ومدحه والثناء عليه والدعاء له والخطاب فيه للخليفة بأمير المؤمنين منعوتا بمولاي وسيدي ونحو ذلك والتعبير عن المكتوب عنه بلفظ الوحدة من تاء المتكلم ونحوها كما كتب أبو المطرف بن المثنى من إنشائه عن المنصور إلى هشام بن الحكم يخبره بجريان الصلح بينه وبين الموفق بعد ما كان بينهما من عداوة
أطال الله بقاء أمير المؤمنين مولاي وسيدي وسيد العالمين وابن الأئمة الراشدين عزيزا سلطانه منيرا زمانه سامية أعلامه ماضية أحكامه ظاهرا على من ناواه قاهرا لمن عاداه كما يحب أيد الله أمير المؤمنين مولاي وسيدي على أحسن ما يكون عليه
العبد المخلص والمولى المتخصص الذي حسن مضمره واستوى سره (6/523)
وجهره ولاح استبصاره وجده وتناهى سعيه وجهده في مضمار الجري إلى الطاعة وبذل إذعانه وانقياده واستعبد إمكانه وإجهاده فيما يفي بتمكين الإمامة المهدية والخلافة المرضية ويشد مباني المملكة المصدقة لتباشير اليمن والبركة والله سبحانه ولي العون والتأييد والملي بالتوفيق والتسديد لا رب غيره
وبعد أبقى الله أمير المؤمنين فإن كتابي إليه سلف معربا عن النزغة التي كانت بيني وبين الموفق مملوكه وقديما نزغ الشيطان بين المرء وصديقه والأخ وشقيقه وضرب ساعيا بالتشتيت والتشغيب والتبعيد والتقريب بين الأب الحاني الشفيق والابن البر الرفيق ثم يعود ذوو البصائر والنهى وأولوا الأحلام والحجا إلى ما هو للشحناء أذهب وبالتجامل أولى وأوجب وكتابي هذا وقد نسخ الله بيننا آية الافتراق بالاتصال والاتفاق ومحاسمة التباين والخلاف وبدو التآلف والإنصاف وعادت النفوس إلى صفائها وانطوت على وفائها وخبت نار الفتنة وامتد رواق الهدنة وثبتت الأسباب الراسخة والأواصر العاطفة بأزمة قلوبنا إلى معاهد الخلة القديمة ومواطن العشرة الكريمة والمعروف من الامتزاج في كل الأحوال والتشابك وجلاء الشك باليقين وقرت بالانتظام العيون وصرنا في القيام بدعوة أمير المؤمنين مولانا وسيدنا رضيعي لبان وشريكي عنان وأليفي تناصر وحليفي تظافر فنحن عن قوس واحدة في نصرتها نرمي ومن ورائها نذود جاهدين ونحمي قد فتنا الجياد في السبق إلى الطاعة وأحرزنا قصب السبق في المظاهرة والمشايعة فما نفتأ نسعى في تمهيدها ونذهب ولا ننفك نكدح لها وننصب والله الكفيل بإنجادنا بعزته وقدرته وحوله وقوته لا إله إلا هو
وإن الذي عقده الله تعالى لنا وحسمه من دواعي القطيعة عنا ما اطرد وتأتي وسنح وتهيا إلا بسعد طائر أمير المؤمنين سيدنا ومولانا أعزه الله ويمن نقيبته فمن تمسك بعروته وعاذ بعصمته فقد فاز قدحه وتبلج في ظلم الأمور صبحه واستدل بأوضح الدليل وعرض بالرأي الأصيل واستنار بأضوإ (6/524)
سراج وسلك على أقصد منهاج ولم يزايل الرشاد آراءه وصاحب السداد أنحاءه والله تقدس اسمه لا يزال يعرفنا من سعادة الدعوة الزكية ما يصلح به أحوالنا ويفسح به آمالنا بمنه
ولما أتاح الله من السلم ما أتاحه وأزاح من المكروه ما أزاحه لم أجد في فسحة ولا غنى ولا سعة من إطلاع أمير المؤمنين مولاي وسيدي من ذلك على الجلية وإعلامه بالصورة فأنهضت إلى حضرته العالية ذا الوزارتين عبد الرحمن بن مطروح رسولي وعبدي وخاصتي مملوكه لينهي إليه الحال على حقيقتها ويوفيها بكليتها وأقرن به رسول الموفق متحملا مثل ما تحمله رسولي ومتقلدا كالذي تقلده ولأمير المؤمنين مولاي وسيدي الفضل العميم في الإصغاء إليهما والوعي عنهما والسماع منهما جميع ما يوردانه ويوضحانه ويستوفيانه ويشرحانه والتطول بالمراجعة فيه بما يستوجبه ويقتضيه واصلا لعز مننه وأياديه إن شاء الله تعالى
الطرف السابع في المكاتبة الصادرة إلى خلفاء الموحدين بالمغرب القائم بقاياهم الآن بتونس وما معها من سائر بلاد أفريقية وفيه ثلاثة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء وهي على ضربين
الضرب الأول أن تكون المكاتبة من ملك آخر
والرسم فيه أن تفتتح بالدعاء المناسب للحال ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بنون الجمع ويخاطب المكتوب إليه بأمير المؤمنين كما كتب القاضي (6/525)
الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن أحد خلفائهم في سنة خمس وثمانين وخمسمائة يستجيشه على الروم الفرنج القاصدين بلاد الشام والديار المصرية وهو
فتح الله بحضرة سيدنا أمير المؤمنين وسيد العالمين وقسيم الدنيا والدين أبواب الميامن وأسباب المحاسن وأحله من كفايته في الحرم الآمن وأنجزه من نصرة الحق ما الله له ضامن وأصلح به كل رأي عليه الهوى رائن ومكن له في هذه البسيطة بسطه وزاده بالعلم غبطه حتى يكون للأنبياء بالعلم وللأرض بالعزم وارثا وحتى يشيد بحادث قديما من مجده الذي لا يزال بغض الحديث حادثا
كان من أوائل عزمنا وفواتح رأينا عند ورودنا الديار المصرية مفاتحة دولة سيدنا وأن نتيمن بمكاتبتها ونتزين بمخاطبتها وننهض إليها أماثل الأصحاب ونستسقي معرفتها استسقاء السحاب وننتجعها بالخواطر ونجعل الكتب رسلها وأيدي الرسل سبلها ونمسك طرفا من حبل الجهاد يكون بيد حضرة سيدنا العالية طرفه ونمسح غرة سبق وارثها ووارث نورها سلفه ونتجاذب أعداء الله من الجانبين لا سيما بعد أن نبنا عنه نيابتين في نوبتين فالأولى تطهير الأرضين المصرية واليمنية من ضلالة أغضت عيون الأيام على قذاها وأنامت عيون الأنام بائعة يقظتها بكراها ونيابة ثانية في تطهير بيت المقدس ممن كان يعارض برجسه تقديسه ويزعج ببناء ضلاله تأسيسه وما كان إلا جنة إسلام فخرج منها المسلمون خروج أبيهم آدم من الجنة وأعقبهم فيها (6/526)
إبليس الكفر وما أجارته مما أعقبه اللعنة وما كانت لنا بذلك قوة بل لله القوة ولا لنا على الخلق منة بل لله المنة
ولما حطت لدين الكفر تيجان وحطمت لذويه صلبان وأخرس الناقوس الأذان ونسخ الإنجيل القرآن وفكت الصخرة من أسرها وخف ما كان على قلب الحجر الأسود بخفة ما كان على ظهرها وذلك أن يد الكفر غطتها وغمرتها فلله الحمد أن أحرمت الصخرة بذلك البنيان المحيط وطهرها ماطر من دم الكفر وما كان ليطهرها البحر المحيط فهنالك غلب الشرك وانقلب صاغرا واستجاش كافر من أهله كافرا واستغضب أنفاره النافرة واستصرخ نصرانيته المتناصرة وتظاهروا علينا وإن الله مولانا وطاروا إلينا زرافات ووحدانا فلم يبق طاغية من طواغيهم ولا أثفية من أثافيهم إلا ألجم وأسرج وأجلب وأرهج وخرج وأخرج وجاد بنفسه أو بولده وبعدده وبعدده وبذات صدره وبذات يده وبكتائبه برا وبمراكبه بحر وبالأقوات للخيل والرجال والأسلحة والجنن لليمين والشمال وبالنقدين على اختلاف صنفيهما في الجمع وائتلاف وصفيهما في النفع وأنهض أبطال الباطل من فارس وراجل ورامح ونابل وحاف وناعل ومواقف ومقاتل كل خرج متطوعا وأهطع مسرعا وأتى متبرعا ودعا نفسه قبل أن يستدعى وسعى إلى حتفها قبل أن يستسعى حتى ظننا أن في البحر طريقا يبسا وحتى تيقنا أن ما وراء البحر قد خلا وعسا وقلنا كيف نترك وقد علم أنه يدرك وزادت هذه الحشود المتوافية وتجافت عنها الهمم المتجافية وكثرت إلى أن خرجت من سجن حصرها ومستقر كفرها وبقية ثغرها وهو صور فنازلت ثغر عكا في أسطول ملك بحره وجمع سلك بره فنهضنا إليه ونزلنا عليهم وعليه (6/527)
فضرب معنا مصاف قتلت فيه فرسانه وجدلت شجعانه وخذلت صلبانه وساوى الضرب بين حاسر القوم ودارعهم وبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم فهنالك لاذوا بالخنادق يحفرونها وإلى الستائر ينصبونها وأخلدوا إلى الأرض متثاقلين وحملوا أنفسهم على الموت متحاملين وظاهروا بين الخنادق وراوحوا بين المجانق وكلما يجن القتل من عددهم مائة أوصلها البحر ممن يصل وراءه بألف وكلما قلوا في أعيننا في زحف قد كثروا فيما يليه من الزحف ولو أن دربة عساكرنا في البحر كدربتها في البر لعجل الله منهم الانتصاف واستقل واحدنا بالعشرة ومائتنا بالألف وقد اشتهر خروج ملوك الكفار في الجمع الجم والعدد الدهم كأنهم إلى نصب يوفضون وعلى نار يعرضون ووصولهم على جهة القسطنطينية يسر الله فتحها على عزم الائتمام إلى الشام في منسلخ الشتاء ومستهل الصيف والعساكر الإسلامية لهم تستقبل والى حربهم تنتقل فلا يؤمن على ثغور المسلمين أن يتطرق العدو إليهم وإليها ويفرغ لها ويتسلط عليها والله من ورائهم محيط وإذا قسمت القوة على تلقي القادم وتوقي المقيم فربما أضر بالإسلام انقسامها وثلمه والعياذ بالله انثلامها
ولما مخض النظر زبده وأعطى الرأي حقيقة ما عنده لم نر لمكاثرة البحر إلا بحرا من أساطيله المنصورة فإن عددها واف وشطرها كاف ويمكنه أدام الله تمكينه أن يمد الشام منه بعد كثيف وحد رهيف ويعهد إلى واليه أن يقيم إلى أن يرتبع ويصيف ويمكنه أن يكف شطرا لأسطول طاغية صقليه ليحص جناح قلوعه أن تطير ويعقل عباب بحره أن يغير ويعتقله في جزيرته ويجري إليه قبل جريرته فيذهب سيدنا وعقبه بشرف ذكر لا ترد به المحامد على عقبها ويقيم على الكفر قيامة يطلع بها شمس النصر من مغربها فإذا نفذ طريقه وعلم الناس بموفده أوردوا وأصدروا في مورده وشخص (6/528)
المسلم والكافر هذا ينتظر بشرى البدار وهذا يستطلع لمن تكون عقبى الدار وخاف وطأة من يصل من رجال الماء من وصل من رجال النار ولو بزقت عليهم بازقة غربية لأغرقهم طوفانها ولو طلعت عليهم جارية بحرية لنعقت فيهم بالشتات غربانها
وما رأينا أهلا لهذه العزمة إلا حضرة سيدنا أدام الله صدق محبة الخير فيه إذ كان منحه عادة في الرضى به وقدرة على الإجابة ورغبة في الإنابة ولاية لأمر المسلمين ورياسة للدنيا والدين وقياما لسلطان التوحيد القائم بالموحدين وغضبا لله ولدينه وبذلا لمذخوره في الذب عنه دون ما عوده والآن فقد خلا الإسلام بملائكته لما خلا الكفر بشياطينه وما أجلت السوابق إلا لإطلاقها ولا أثلت الذخائر إلا لأنفاقها وقد استشرف المسلمون طلوعها من جهته المحروسة جارا من الأساطيل تغشى البحار وليالي من المراكب تركب من البحر النهار وإذا خفقت قلوعها خفقت للقلاع قلوب وإذا تجافت جنوبها عن الموج تجافت من الملاعين جنوب فهي بين ثغر كفر تعتقله وتحصره وبين ثغر إسلام تفرج عنه وتنصره يكون بها مصائب عند المسلمين وتظل قلائد المشركين لغربان بحره طرائد ويمضي سيف الله الذي لا يعدم في كل زمان فيعلم معه أن سيف الله خالد أعز الله الإسلام بما يزيد حضرة سيدنا من عزها فيما مد عليها من ظلها وبما يسكنه من حرزها فيما يبسط على الأعداء بها من بأسها وينزل بهم من رجزها وبما يجرده من سيوفها التي تقطع في الكفر قبل سلها وهزها
وقد أوفدناه على باب حضرة سيدنا وهو الداعي المسمع والمبلغ المقنع والمجمع المستجمع علمناه أمرا يسرا وبوأناه الصدر فكان وجها وأودعناه السر فكان صدرا (6/529)
الضرب الثاني أن تكون المكاتبة صادرة عن بعض الأتباع
والرسم فيه أن تفتتح المكاتبة بالدعاء بطول البقاء مثل أن يكتب أحد أتباعه إليه ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بلفظ الإفراد وعن الخليفة بأمير المؤمنين كما كتب أبو الميمون عن بعض أهل دولتهم إلى بعض خلفائهم جواب كتاب ورد بالكشف عن عامل ثغر شقورة
أطال الله بقاء أمير المؤمنين وناصر الدين والدنيا بفضله العميم ولا برحت مصالح العباد بباله الكريم جائلة ماثلة وسيرته الحميدة لدانيهم وقاصيهم شاملة كافلة ولا زال لله في أرضه بالقسط قائما وعلى ما ينفع الناس محافظا دائما
كتبته أيد الله أمره صدر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعد امتثال ما حده والانتهاء إلى ما وجب الانتهاء عنده من أمر ثغر شقورة حرسه الله على ما أنص مناقله وأرض مراتبه ومنازله وذلك أن كتابه العزيز وافاني على يد رجل من أهلها فيه فصول رفعها وأحاديث سطرها وجمعها واندرج الكتاب المرفوع بذلك طيه لينظر إليه من ادعى عليهم رفعه ويستبين حقيقته أو وضعه وبإبطاء هذا الرافع سبقته الأنباء واستقرت عند جمعها الأفراض والأنحاء فاجتمعوا إلى عاملهم فلان وفقه الله وحضرهم حاكم الجهة أبقاه الله وتتبعوا تلك الوجوه بالرد لها والإنكار على القائم بها وعقدوا في كل عقد منها عقدا يناقضه واستظهروا بشهادات تنافيه وتعارضه واندرجت العقود ثابتة في كتاب الحاكم على السبيل المعهود في إثبات العقود فثبتت عندي لثبوتها عنده وخاطبوني مع ذلك متبرين من هذا الرافع (6/530)
واضعين له في عقله ودينه بأحط المواضع وصرحوا بارتضائهم بسيرة عاملهم واغتباطهم بحامايته وسداد نظره وعلى تئفة ذلك وصل هذا الرافع بالكتاب العزيز وما اندرج طيه على ما قدمت ذكره فاستأنفت النظر وأعدت العمل وخاطبت الحاكم والأعيان والكافة هنالك بما ورد في أمرهم وأردفت الكتاب المرفوع ليقفوا على نصه وينظروا إلى شخصه فراجعوني أنه لا مزيد عندهم على ما قدموه ولا خلاف فيما نقدوه وأحكموه وأحالوا على ما تثبت به العقود وهي من الناس المقاطع والحدود فاقتضى النظر إعلام أمير المؤمنين وناصر الدين أعلى الله أمره حسب ما حده بما وقعت عليه الحال ليرتفع الإشكال ولا يتعلق بهذه الحيبة البال وقد أدرجت إلى حضرته السامية الكتب المذكورة لتعرض عليها وتستقر الجلية منها لديها إن شاء الله
واندرجت العقود إلى الفقيه فلان قاضي الحضرة وفقه الله والله يشكر لأمير المؤمنين وناصر الدين تحريه واجتهاده وتوفيقه وسداده ويوالي من والاه ويكيد من عاداه ولو كانت الحال بشقورة على ما صوره هذا الرافع لما أنطوت عني أسرارها ولا خفيت علي على البعد أخبارها وسفوف إلى فلانة بين وهو متشرع متدين وعضده على ما هو بسبيله في ذلك الثغر متعين والله ييسر الجميع إلى ما يقضي حقوق النعمة ويقيم فروض الخدمة بعونه وقدرته (6/531)
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بألقاب الخليفة نفسه ثم يؤتى بالصدر معبرا عن المكتوب عنه بالعبد ومخاطبا للخليفة بميم الجمع للتعظيم ويختم الكتاب بالسلام وهو على ضربين
الضرب الأول أن يوصف الخليفة بالمقام
كما كتب أبو الميمون أيضا عن بعض أهل دولتهم إلى الناصر لدين الله أحد خلفائهم
المقام الأعلى المقدس المكرم الإمامي الطاهر الزكي مقام الخليفة المؤيد بنصر الله الإمام الناصر لدين الله كلأ الله جلالهم وفيأ ظلالهم وبوأ وفود السعود ووجود الظهور والصعود مواطئهم المقدسة وحلالهم عبدهم المتقلب في نعمتهم المتقرب إلى الله عز و جل بالمناصحة في خدمتهم المتسبب إلى الزلفى عندهم بالتزام طاعتهم والاعتصام بعصبتهم فلان
كتب عبد المقام الأعلى والندي الذي أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان واحتوى على الفضائل واستولى من موضع كذا حماه الله تعالى وجنانه لطاعتكم قطب ولسانه بشكر نعمتكم رطب فبتلك رجاء الفوز وبها ابتغاء نيل الآمال والحوز وكيف لا يطاوعه الجنان وشكر اللسان مستمد لإدرار الإحسان وللمقام الأسنى عوارف لا يتقلص ظلها الوارف وقطرات بالرحمة مسطرات بمدرار سحابها الواكف وقد كانت للعبد سهام فاضت عليه بها من النعمة رهام ثم جزر الماء باسترجاعها الآن وسقي العبد بانتزاعها كأس الحزن ملآن وردت لك بهذه الجهة انقطاع المواساة وامتناع الألسن (6/532)
بالمكابدة لشظف العيش والمقاساة والى المقام الأعلى الأسنى نفزع حين نفزع ونذهب حين نرجو ونرهب ونلجا فلا تؤخر طلباتنا ولا ترجا وخدمة العبد هذه تنوب عنه في تقبيل ذلك المقام الأسمى والتعرض لما عهد لديه من نفحات الرضى والتضرع في إدرار ما جزر من تلك المنة وغيض من فيض تلك النعمى وينهي من رغبته في بركة تلك الأدعية التي هي للخيرات كالأوعية ما يرجوه بشفاعة تأكد الامتنان ومجرد عوارف الرأفة والحنان إن شاء الله تعالى
والرب تعالى يبقي المقام الأعلى والنصر له مظاهر والخير لديه متظاهر والسعد لوليه ناصر ولعدوه قاهر بحول الله تعالى وقوته لا رب غيره ولا خير إلا خيره والسلام
الضرب الثاني أن يعبر عن الخليفة بالحضرة
كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن صاحب أرغون من الأندلس إلى المستنصر بالله أحد خلفائهم يستأذنه في وفادة صاحب أرغون من الأندلس أيضا على أبواب الخلافة مغاضبا لأهل مملكته
الحضرة الإمامية المنصورة الأعلام الناصرة للإسلام المخصوصة من (6/533)
العدل والإحسان بما يجلو نوره متراكم الإظلام حضرة سيدنا ومولانا الخليفة الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أبي يعقوب ابن سادتنا الخلفاء الراشدين وصل الله لها إسعاد القدر وإنجاد النصر والظفر ولا زال مقامها الأعلى سامي النظر مبارك الورد والصدر ويفيض منه الجود فيض المطر ويحيط به السعود إحاطة الهالة بالقمر
نشأة أيامها الغر وربي إنعامها المواظب على الحمد والشكر المشرف باستخدامها الذي هو نعم العون على التقوى والبر عبدها وابن عبدها فلان
سلام الله الطيب المبارك وتحياته تخص المقام الأشرف الأعلى ورحمة الله وبركاته وبعد فكتب العبد كتب الله للمقام الأعلى فتوحا يعم جميع الأمصار وسعودا يقضي بفل السمر الطوال والبيض القصار من بلنسية وبركاته تظهر ظهور النهار وتفيض على البلاد والعباد فيض الأنهار فالخلق من وارد في سلسالها المعين وراج للذي منها وهو من رجائه على أوضح مراتب اليقين والله يبقى عز الإسلام ببقائه ويعيننا على امتثال أوامره المباركة معشر عبيده وأرقائه بمنه
وقد تقرر له من المقام الكريم أدام الله علوه وكبت عدوه أمر بالسك وطال ماله في البلاد الأرغونية من زعامة في شأوها برز ولغايتها أحرز وكان قد كفل صاحب أرغون في الزمان المتقدم كفالة دار أمرها عليه وألقي زمامها إليه وتفرد منها بعبء وحمله وخطة بلغ منها أمله ثم إنه حط من رتبته وتأكدت المبالغة في نكبته لقضية عرضت له من أهل أرغون فلفظته تلك الجنبات وأزعجه أمر لم يمكنه عليه الثبات ورأى أن يلجأ بحاله (6/534)
إلى المقام الباهر الأنوار العزيز الجوار فواصل هذا الموضع قبل مقدم العبد عليه مقررا ما نزل به ومستأذنا في الوجه الذي تعرض لطلبه فإذن له في مقصده وانصرف عن التأهب للحركة من بلده ثم لما وصل العبد هذه الجهة وفرغ هو من شأنه أقبل متوجها إلى الباب الكريم ومتوسلا بأمله إلى فضله العميم والظاهر من حنقه على أهل أرغون وشده عداوته لهم وما تأكد من القطيعة بينه وبينهم أنه إن صادف وقت فتنة معهم ووجد ما يؤمله من إحسان الأمر العالي أيده الله فينتهي من نكايتهم والإضرار بهم إلى غاية غريبة الآثار مفضية به إلى درك الثار وكثير من زعماء أرغون ورجالها أقاربه وفرسانه وكلهم في حبله حاطب ولإنجاده متى أمكنه خاطب وللمقام الكريم أعلى الرأي فيه أبقاه الله شافيا للعلل وكافيا طوارق الخطب الجلل مأمولا من ضروب الأمم وأصناف الملل وهو سبحانه يديم سعادة جده ويخصه من البقاء الذي يسر أهل الإيمان ويضاعف بهجة الزمان بأطوله وأمده والسلام
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بأوصاف الخلافة والثناء عليها والخطاب فيه بأمير المؤمنين وعن المكتوب عنه بنون الجمع
وهذه المكاتبة من المكاتبات البديعة المسفرة عن صبح البلاغة
ونسختها بعد البسملة على ما كتب به ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر صاحب الأندلس إلى المستنصر بالله أبي إسحاق إبراهيم خليفة (6/535)
الموحدين يومئذ بالأندلس والاستفتاح
الخلافة التي ارتفع عن عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف واستقلت مباني فخرها الشائع وعزها الذائع على ما أسسه الأسلاف ووجب لحقها الجازم وفرضها اللازم الاعتراف ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف فامتزاجنا بعلائها المنيف وولائها الشريف كما امتزج الماء والسلاف وثناؤنا على مجدها الكريم وفضلها العميم كما تأرجت الرياض الأفواف لما زارها الغمام الوكاف ودعاؤنا بطول بقائها واتصال علائها يسمو به إلى قرع أبواب السموات العلا الاستشراف وحرصنا على توفية حقوقها العظيمة وفواضلها العميمة لا تحصره الحدود ولا تدركه الأوصاف وإن عذر في التقصير عن نيل ذلك المرام الكبير الحق والإنصاف خلافة وجهة تعظيمنا إذا توجهت الوجوه ومن نؤثره إذا همنا ما نرجوه ونفديه ونبديه إذا استمنح المحبوب واستدفع المكروه السلطان الخليفة الجليل الكبير الشهير الإمام الهمام الأعلى الأوحد الأصعد الأسعد الأسمى الأعدل الأفضل الأسنى الأطهر الأظهر الأرضى الأحفل الأكمل أمير المؤمنين أبي إسحاق ابن الخليفة الإمام البطل الهمام عين الأعيان وواحد الزمان الكبير الشهير الطاهر الظاهر الأوحد الأعلى الحسيب الأصيل الأسمى العادل الحافل الفاضل المعظم الموقر الماجد الكامل الأرضى المقدس أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر ابن السلطان الكبير الجليل الرفيع الماجد الظاهر (6/536)
الطاهر المعظم الموقر الأسمى المقدس المرحوم أبي زكريا ابن الخليفة الإمام المجاهد الهمام الإمام ذي الشهرة الجامحة والمفاخر الواضحة علم الأعلام فخر السيوف والأقلام المعظم الممجد المقدس الأرضى أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي عبد الله بن أبي زكريا ابن عبد الواحد بن ابي حفص أبقاه الله ومقامه مقام إبراهيم رزقا وأمانا لا يخص جلب الثمرات إليه وقتا ولا يعين زمانا وكان على من يتخطف الناس من حوله مؤيدا بالله معانا معظم قدره العالي على الأقدار ومقابل داعي حقه بالابتدار المثني على معاليه المخلدة الآثار في أصونة النظام والنثار ثناء الروضة المعطار على الأمطار الداعي إلى الله بطول بقائه في عصمة منسدلة الأستار وعزة ثابتة المركز مستقيمة المدار وأن يختم له بعد بلوغ غايات الآجال ونهايات الأعمار بالزلفى وعقبى الدار
سلام كريم كما حملت نسمات الأسحار أحاديث الأزهار وروت ثغور الأقاحي والبهار عن مسلسلات الأنهار وتجلى على منصة الاشتهار وجه عروس النهار يخص خلافتكم الكريمة النجار العزيزة الجار ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي أخفى حكمته البالغة عن أذهان البشر فعجزت عن قياسها وجعل الأرواح كما ورد في الخبر أجنادا مجندة تحن إلى أجناسها منجد هذه الملة من أوليائه الجلة بمن يروض الآمال بعد شماسها وييسر الأغراض قبل التماسها ويعنى بتجديد المودات في ذاته وابتغاء مرضاته على حين إخلاق لباسها الملك الحق واصل الأسباب بحوله بعد انتكاث (6/537)
أمراسها ومغني النفوس بطوله بعد إفلاسها حمدا يدر أخلاف النعم بعد إبساسها وينشر رمم الآمال من أرماسها ويقدس النفوس بصفات ملائكة السموات بعد إبلاسها
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله سراج الهداية ونبراسها عند اقتناء الأنوار واقتباسها مطهر الأرض من أوضارها وأدناسها ومصطفى الله من بين ناسها وسيد الرسل الكرام ما بين شيثها وإلياسها الآتي مهيمنا على آثارها في حين فترتها ومن بعد نضرتها واستئناسها مرغم الضراغم في أخياسها بعد افترارها وافتراسها ومعفر أجرام الأصنام ومصمت أجراسها
والرضا عن آله وعترته وأحزابه حماة شرعته البيضاء وحراسها وملقحي غراسها ليوث الوغى عند احتدام مراسها ورهبان الرجاء تتكفل بمناجاة السميع العليم في وحشة الليل البهيم بإيناسها وتفاوح نواسم الأسحار عند الاستغفار بطيب أنفاسها
والدعاء لخلافتكم العلية المستنصرية بالسعادة التي تشعشع أيدي العزة القعساء من أكواسها ولا زالت العصمة الإلهية كفيلة باحترامها واحتراسها وأنباء الفتوح المؤيدة بالملائكة والروح ريحان جلاسها وآيات المفاخر التي ترك الأول للآخر مكتتبة الأسطار بأطراسها وميادين الوجود مجالا لجياد جودها وباسها والعز والعدل منسوبين لفسطاطها وقسطاسها وصفيحة النصر العزيز تفيض كفها المؤيدة بالله على رياسها عند اهتياج أضدادها وشرة إنكاسها لانتهاب البلاد وانتهاسها وهبوب رياح رياحها وتمرد مرداسها (6/538)
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من كتائب نصره أمدادا تذعن أعناق الأنام لطاعة ملككم المنصور الأعلام عند إحساسها وآتاكم من آيات العنايات آية تضرب الصخرة الصماء ممن عصاها بعصاها فتبادر بانبجاسها من حمراء غرناطة حرسها الله وأيام الإسلام بعناية الملك العلام تحتفل وفود الملائكة الكرام لولائمها وأعراسها وطواعين الطعان في عدو الدين المعان تجدد عهدها بعام عمواسها
والحمد لله حمدا يعيد شوارد النعم ويستدر مواهب الجود والكرم ويؤمن من انتكاب الجدود وانتكاسها ولي الآمال ومكاسها وخلافتكم هي المثابة التي يزهى الوجود بمحاسن مجدها زهو الرياض بوردها وآسها وتستمد أضواء الفضائل من مقباسها وتروي رواة الإفادة والإجادة غريب الوجادة عن ضحاكها وعباسها وإلى هذا أعلى الله معارج قدركم وقد فعل وأنطق بحجج فخركم من احتفى وانتعل فإنه وصلنا كتابكم الذي حسبناه على صنائع الله لنا تميمة لا تلقع بعدها عين وجعلناه على حلل مواهبه قلادة لا يحتاج معها زين ودعوناه من جيب الكناية آية بيضاء الكتابة لم يبق معها شك ولا مين وقرأنا منه وثيقة ود هضم فيها عن غريم الزمان دين ورأينا منه إنشاء خدم اليراع بين يديه وشاء واخترع بهيمان عقدته مشاء وسئل عن معانيه الاختراع فقال إنا أنشأناهن إنشاء فأهلا به من عربي أتى يصف السانح وألبانه ويبين فبحسن الإبانة أدى الأمانة وسئل عن حيه فانتمى إلى كنانة وأفصح وهو لا ينبس وتهللت قسماته وليل حبره يعبس وكأن خاتمه المقفل على صوانه المتحف بباكر الورد في غير أوانه رعف من مسك عنوانه ولله (6/539)
من قلم دبج تلك الحلل ونقع بمجاج الدواة المستمدة من عين الحياة الغلل فلقد تخارق في الجود مقتديا بالخلافة التي خلد فخرها في الوجود فجاد بسر البيان ولبابه وسمح في سبيل الكرم حتى بماء شبابه وجمح لفرط بشاشته وفهامته بعد شهادة السيف بشهامته فمشى من الترحيب في الطرس الترحيب على أم هامته
وأكرم به من حكيم أفصح بملغوز الإكسير في اللفظ اليسير وشرح بلسان الخبير سر صناعة التدبير كأنما خدم الملكة الساحرة بتلك البلاد قبل اشتجار الجلاد فآثرته بالطارف من سحرها والتلاد أو عثر بالمعلقة وتيك القديمة المطلقة بدفينة دار أو كنز تحت جدار أو ظفر لباني الحنايا قبل أن تقطع به عن أمانيه المنايا ببديعة أو خلف جرجير الروم قبل منازلة القدوم على وديعة أو أسهمه ابن أبي سرح في نشب للفتح وسرح أو حتم له روح بن حاتم ببلوغ المطلب أو غلب الحظوظ بخدمة آل الأغلب أو خصه زيادة الله بمزيد أو شارك الشيعة في أمر ابن أبي يزيد أو سار على منهاج في مناصحة بني صنهاج وفضح بتخليد أمداحهم كل هاج
وأعجب به وقد عزز منه مثنى البيان بثالث فجلب سحر الأسماع واسترقاق الطباع بين مثاني الإبداع ومثالث كيف اقتدر على هذا المجيد وناصح مع التثليث مقام التوحيد نستغفر الله ولي العون على الصمت والصون فالقلم هو الموحد قبل الكون والمتصف من صفات السادة أولي العبادة بضمور الجسم وصفرة اللون إنما هي كرامة فاروقية وأثارة من حديث سارية وبقية سفر وجهها في الأعقاب بعد طول الانتقاب وتداول الأحقاب ولسنا مناب عن كريم جناب وإصابة السهم لسواه محسوبة (6/540)
وإلى الرامي الذي سدده منسوبة ولا تنكر على الغمام بارقة ولا على المتحققين بمقام التوحيد كرامة خارقة فما شاءه الفضل من غرائب بر وجد ومحاريب خلق كريم ركع الشكر فيها وسجد حديقة بيان استثارت نواسم الإبداع من مهبها واستزارت غمائم الطباع من مصبها فآتت أكلها مرتين بإذن ربها لا بل كتيبة عز طاعنت بقنا الألفات سطروها فلا يرومها النقد ولا يطورها ونزعت عن قسي النونات خطوطها واصطفت من بياض الطرس وسواد النقس بلق تحوطها
فما كأس المدير على الغدير بين الخورنق والسدير تقامر بنرد الحباب عقول ذوي الألباب وتغرق كسرى في العباب وتهدي وهي الشمطاء نشاط الشباب وقد أسرج ابن سريج وألجم وأفصح الغريض بعدما جمجم وأعرب الناي الأعجم ووقع معبد بالقضيب وشرعت في حساب العقد بنان الكف الخضيب وكأن الأنامل فوق مثالث العود ومثانيه وعند إغراء الثقيل بثانيه وإجابة صدى الغناء بين مغانيه المراود تشرع في الوشي أو العناكب تسرع في المشي وما الخبر بنيل الرغائب أو قدوم الحبيب الغائب لا بل إشارة البشير بكم المشير على العشير بأجلب للسرور من زائره المتلقى بالبرور وأدعى للحبور من سفيره المبهج للسفور فلم نر مثله من (6/541)
كتيبه كتاب تجنب الجرد تمرح في الأرسان وتتشوف مجالي ظهورها إلى عرائس الفرسان وتهز معاطف الارتياح من صهيلها الصراح بالنغمات الحسان إذا وجدت الصريخ نازعت أثناء الأعنة وكاثرت بأسنة آذانها مشرعة الأسنة فإن أدعى الظليم أشكالها فهو ظالم أو نازعها الظبي هواديها وأكفالها فهو هاذ أو حالم وإن سئل عن عيوب الغرر والإوضاح قال مشيرا إلى وجوهها الصباح جلدة بين العين والأنف سالم من كل عبل الشوى مسابق للنجم إذا هوى سامي التليل عريض ما تحت الشليل ممسوحة أعطافه بمنديل النسيم البليل من أحمر كالمدام تجلى على الندام عقب الفدام أتحف لونه بالورد في زمن البرد وحيي أفق محياه بكوكب السعد وتشوف الواصفون إلى عد محاسنه فأعيت على العد بحر يساجل البحر عند المد وريح تباري الريح عند الشد بالذراع الأشد حكم له مدير فلك الكفل باعتدال فصل القد وميزه قدره المميز يوم الاستباق بقصب السباق عند اعتبار الحد وولد مختط غرته أشكال الجمال على الكمال بين البياض والحمرة ونقاء الخد وحفظ رواية الخلق الوجيه عن جده الوجيه ولا تنكر الرواية على الحافظ بن الجد وأشقر أبي الخلق والوجه الطلق أن يحقر كأنما صيغ من العسجد وطرف بالدر وأنعل بالزبرجد ووسم في الحديث بسمة اليمن والبركة واختص بفلج الخصام عند اشتجار المعركة وانفرد بمضاعف السهام المنكسرة على الهام في الفرائض المشتركة واتصف فلك كفله بحركتي الإرادة والطبع نم أصناف الحركة أصغى إلى السماء بأذن الملهم وأعرب لسان الصهيل عند التباس معاني الهمز والتسهيل ببيان المبهم وفتنت العيون من ذهب جسمه ولجين نجمه بحب الدينار والدرهم فإن انقض فرجم أو ريح لها هجم وإن اعترض فشفق لاح به للنجم نجم وأصفر قيد الأوابد الحرة (6/542)
وأمسك المحاسن وأطلق الغرة وسئل من أنت في قواد الكتائب وأولي الأخبار العجائب فقال أنا المهلب بن أبي صفرة نرجس هذه الألوان في رياض الأكوان تحيا به وجوه الحرب العوان أغار بنخوة الصائل على معصفرات الأصائل فارتداها وعمد إلى خيوط شعاع الشمس عند جانحة الأمس فألحم منها حلته وأسداها واستعدت عليه ملك المحاسن فما أعداها فهو أصيل تمسك بذيل الليل عرفه وذيله وكوكب يطلعه من القتام ليله فيحسده فرقد الأفق وسهيله وأشهب تغشى من لونه مضاضه وتسربل منه لأمة فضفاضة قد احتفل زينه لما رقم بالنبال لجينه فهو الأشمط الذي حقه لا يغمط والذراع المسارع والأعزل الدارع وراقي الهضاب الفارع ومكتوب الكتيبة البارع وأكرم به من مرتاض سالك ومجتهد على غايات السابقين الأولين متهالك وأشهب يروي من الخليفة ذي الشيم المنيفة عن مالك وحباري كلما سابق وبارى استعار جناح الحبارى فإذا أعملت هذه الحسبة قيل من هنا جاءت النسبة طرد النمر لما عظم أمره وأمر فنسخ وجوده بعدمه وابتزه الفروة ثم لطخه بدمه وكأن مضاعف الورد نثر عليه من طبقه أو الفلك لما ذهب الحلك مزج فيه بياض صبحه بحمرة شفقه وقرطاسي حقه لا يجهل حتى ما ترقى العين فيه تشهل إن نزع عنه جله فهو نجم كله انفرد بمادة الألوان قبل أن تشوبها يد الأكوان وتمزجها أقلام الملوان يتقدم منه الكتيبة المقبلة لواء ناصع أو أبيض مماصع لبس وقار المشيب في ريعان العمر القشيب وأنصنت الآذان من صهيله المطيل المطيب لما ارتدى بالبياض إلى نغمة الخطيب وإن تعتب منه للتأخير المتعتب قلنا الواو لا (6/543)
ترتب ما بين فحل وحره وبهرمانة ودره ويالله من ابتسام غره ووضوح يمن في طره وبهجة للعين وقره وإن ولع الناس بامتداح القديم وخصوا الحديث بفري الأديم وأوجب المتعصب وإن أبى المنصب مرتبة التقديم وطمح إلى رتبة المخدوم طرف الخديم وقرن المثري بالعديم وبخس في سوق الحسد الكيل ودجى الليل وظهر في فلك الإنصاف الميل لما تذوكرت الخيل فجيء بالوجيه والخطار والذائد وذي الخمار وداحس والسكب والإبجر وزاد الركب والجموح واليحموم والكميت ومكتوم والأعواج وحلوان ولاحق والغضبان وعفور والزعفران والمحبر واللعاب والأغر والغراب وشعلة العقاب والفياض واليعبوب والمذهب واليعسوب والصحون والقطيب وهيدب والصبيب وأهلوب وهداج والحرون وخراج وجلوى والجناح والأحوى ومجاج والعصا والنعامة والبلقاء والحمامة وسكاب والجرادة وحوصاء والعرادة فكم بين الشاهد والغائب والفروض والرغائب وفرق ما بين الآثر والعيان غني عن البيان وشتان بين الصريح والمشتبه ولله القائل في مثلها خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به والناسخ يختلف به الحكم وشر الدواب عند التفضيل بين هذه الدواب الصم البكم إلا ما ركبه نبي أو كان له يوم الافتخار برهان خبي ومفضل ما سمع على ما رأى غبي فلو أنصفت محاسنها التي وصفت لأقضمت حب القلوب علفا وأوردت ماء الشنينة نطفا واتخذت لها من عذر الخدود الملاح عذر موشية وعللت بصفير ألحان القيان كل عشية وأنعلت بالأهلة وغطيت بالرياض بدل الأجلة (6/544)
إلى الرقيق الخليق بالحسن الحقيق تسوقه إلى مثوى الرعاية روقة الفتيان رعاته ويهدي عقيقها من سبجه أشكالا تشهد للمخترع سبحانه بإحكام مخترعاته وقفت نظر الاستحسان لا يريم لما بهره منظرها الكريم وتخامل الظليم وتضاءل الريم وأخرس مقوله اللسان وهو بملكات البيان الحفيظ العليم وناب لسان الحال عن لسن المقال عند الاعتقال فقال يخاطب المقام الذي أطلعت أزهارها غمائم جوده واقتضت اختيارها بركة وجوده لو علمنا أيها الملك الأصيل الذي كرم منه الإجمال والتفصيل أن الثناء يوازيها لكنا لك بكيلك أو الشكر يعادلها ويجازيها لتعرضنا بالوشل إلى نيل نيلك أو قلنا هي التي أشار إليها مستصرخ سلفك المستنصر بقوله أدرك بخيلك حين شرق بدفعه الشرق وانهزم الجمع واستولى الفرق واتسع فيه والحكم لله الخرق ورأى أن مقام التوحيد بالمظاهرة على التثليث وحزبه الخبيث هو الأولى والأحق والآن قد أغنى الله بتلك النية (6/545)
عن إنجاد الطوال الردينية وبالدعاء من تلك المثابة الدينية إلى رب البنية عن الأمداد السنية والأجواد تخوض بحر الماء إلى بحر المنية وعن الجرد العربية في مقاود الليوث الأبية وجدد برسم هذه الهدية مراسيم العهود الودية والذمم الموحدية لتكون علامة على الأصل ومكذبة لدعوى الوقف والفصل وإشعارا بالألفة التي لا تزال ألفها ألف الوصل ولامها حراما على النصل
وحضر بين يدينا رسولكم فلان فقرر من فضلكم ما لا ينكره من عرف علو مقداركم وأصالة داركم وفلك إبداركم وقطب مداركم وأجبناه عنه بجهد ما كنا لنقنع من حناه المهتصر بالمقتضب المختصر ولا نقابل طول طوله بالقصر لولا طروء الحصر
وقد كان بين الأسلاف رحمة الله عليهم ورضوانه ود أبرمت من أجل الله معاقده ووثرت للخلوص الجلي النصوص مضاجعة القارة ومراقده وتعاهد بالجميل توجع لفقده فاقده أبى الله إلا أن يكون لكم الفضل في تجديده والعطف بتوكيده فنحن الآن لا ندري أي مكارمكم نذكر أو أي فواضلكم نشرح أو نشكر أمفاتحتكم التي هي عندنا في الحقيقة فتح أم هديتكم وفي وصفها للأقلام سبح ولعدو الإسلام بحكمة حكمتها كبح إنما نكل الشكر لمن يوفي جزاء الأعمال البرة ولا يبخس مثقال الذرة ولا أدنى من مثقال الذرة ذي الرحمة الثرة والألطاف المتصلة المستمرة لا إله إلا هو
وإن تشوفتم إلى الأحوال الراهنة وأسباب الكفر الواهية بقدرة الله الواهنة فنحن نطرفكم بطرفها ونطلعكم على سبيل الإجمال بطرفها وهو أننا لما أعاد الله من التمحيص إلى مثابة التخصيص من بعد المرام العويص كحلنا بتوفيق الله بصر البصيرة ووقفنا على سبله مساعي الحياة القصيرة ورأينا كما نقل إلينا وكرر على من قبلنا وعلينا أن الدنيا وإن غر الغرور وأنام على سرر الغفلة السرور فلم ينفع الخطور على أجداث الأحباب والمرور جسر يعبر ومتاع لا يغبط من حبي به ولا يحبر إنما هو خبر يخبر (6/546)
وأن الحسرة بمقدارها على تركه تجبر وأن الأعمار أحلام وأن الناس نيام وربما رحل الراحل عن الخان وقد جلله بالأذى والدخان أو ترك به طيبا وثناء يقوم بعده للآتي خطيبا فجعلنا العدل في الأمور ملاكا والتفقد للثغور مسواكا وضجيع المهاد حديث الجهاد وأحكامه مناط الاجتهاد وقوله ( يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة ) من حجج الاستشهاد وبادرنا من الحصون المضاعة وجنح التقية دامس وساكنها بائس والأعصم في شعفاتها من العصمة يائس فزينا ببيض الشرفات ثناياها وأفعمنا بالعذب الفرات ركاياها وغشينا بالصفيح المضاعف أبوابها واحتسبنا عند موفي الأجور ثوابها وبيضنا بناصع الكلس أثوابها فهي اليوم توهم حس العيان أنها قطع من بيض العنان تكاد تناول قرص البدر بالنبان متكفلة للمؤمن من فزع الدنيا والآخرة بالأمان وأقرضنا الله قرضا وأوسعنا مدونة الجيش عرضا وفرضنا إنصافه مع الأهلة فرضا واستندنا من التوكل على الله الغني الحميد إلى ظل لواء ونبذنا إلى الطاغية عهده على سواء وقلنا ربنا أنت العزيز وكل جبار لعزك ذليل وحزبك هو الكثير وما سواه فقليل أنت الكافي ووعدك الوعد الوافي فأفض علينا مدارع الصابرين وأكتبنا من الفائزين بحظوظ رضاك الظافرين وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
فتحركنا أولى الحركات وفاتحة مصحف البركات في خف من الحشود واقتصار على ما بحضرتنا من العساكر المظفرة والجنود إلى حصن آش البازي المطل وركاب العدو الضال المضل ومهدي نفثات الصل (6/547)
على امتناعه وارتفاعه وسمو يفاعه وما بذل العدو فيه من استعداده وتوفير أسلحته وأزواده وانتخاب أنجاده فصلينا بنفسنا ناره وزاحمنا عليه الشهداء نصابر أواره ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة وجلامده الملمومة وأحجاره حتى فرعنا بحول من لا حول ولا قوة إلا به أبراجه المنيعة وأسواره وكففنا عن العباد والبلاد أضراره بعد أن استضفنا إليه حصن السهلة جاره ورحلنا عنه بعد أن شحناه رابطة وحامية وأزوادا نامية وعملنا بيدنا في رم ما ثلم القتال وبقر من بطون مسالحه الرجال واقتدينا بنبينا صلوات الله عليه وسلامه في الخندق لما حمى ذلك المجال ووقع الارتجاز المنقول خبره والارتجال وما كان ليقر للإسلام مع تركه القرار وقد كتب الجوار وتداعى الدعرة وتعاوى الشرار
وكنا أغزينا الجهة الغربية من المسلمين بمدينة برغة التي سدت بين القاعدتين مالقة ورندة الطريق وألبست ذل الفراق ذلك الفريق ومنعتهما أن يسيغا الريق فلا سبيل إلى الإلمام لطيف المنام في الأحلام ولا رسالة إلا في أجنحة هدي الحمام فيسر الله فتحها وعجل منحها بعد حرب انبتت فيها النحور وتزينت الحور وتبع هذه الأم بنات شهيرة وبقع للزرع والضرع خيرة فشفي الثغر من بوسه وتهلل وجه الإسلام بتلك الناحية بعد عبوسه
ثم أعملنا الحركة إلى مدينة الجزيرة على بعد المدى وتعلقها على بلاد العدا واقتحام هول الفلا وغول الردا مدينة بنتها حمص فأوسعت (6/548)
الدار وأغلت الشوار وراعت الاستكثار وبسطت الاعتمار رجح إلينا قصدها على البعد والطريق الجعد ما آسفت به المسلمين من استئصال طائفة من أسراهم مروا بها آمنين وبطائرها المشؤوم متيمنين قد أنهكهم الاعتقال والقيود الثقال وأضرعهم الإسار وجللهم الانكسار فجدلوهم في مصرع واحد وتركوهم عبرة للرائي والمشاهد وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواحد وترة الماجد فكبسناها كبسا وفجأناها بإلهام من لا يضل ولا ينسى فصبحتها الخيل ثم تلاحق الرجل كما جن الليل وحاق بها الويل فأبيح منها الذمار وأخذها الدمار ومحقت من مصانعها البيض الأهلة وخسفت الأقمار وشفيت من دماء أهلها الضلوع الحرار وسلطت على هياكلها النار واستولى على الآلالف العديدة من سبيها الإسار وانتهى إلى إشبيلية الثكلى المغار فجلل وجوه من بها من كبار النصرانية الصغار واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله الأوقار
وعدنا والأرض تموج سبيا لم نترك بعفرين شبلا ولا بوجرة ظبيا والعقائل حسرى والعيون تبهرها الصنع الأسرى وصبح السرى قد حمد بعد بعد المسرى فسبحان الذي أسرى ولسان الحمية ينادي في تلك الكنائس المخربة والنوادي يا لثارات الأسرى
ولم يكن إلا أن نفلت الأنفال ووسمت بالأرضاخ الأغفال وتميزت (6/549)
الهوادي والأكفال وكان إلى غزو مدينة جيان الاحتفال قدنا إليها الجرد تلاعب الظلال نشاطا والأبطال تقتحم الأخطار رضا بما عند الله واغتباطا والمهندة الزرق تسبق إلى الرقاب استلالا واختراطا والردينية السمر تسترط حياة النفوس استراطا وأزحنا العلل عمن أراد جهادا منجيا غباره من دخان جهنم ورباطا ونادينا الجهاد الجهاد يا أمة الجهاد راية النبي الهاد الجنة الجنة تحت ظلال السيوف الحداد فهز النداء إلى الله تعالى كل عامر وغامر وأتمر الجم من دعوة الحق إلى أمر آمر وأتى الناس من الفجوج العميقة رجالا وعلى كل ضامر وكاثرت الرايات أزهار البطاح لونا وعدا وسدت الحشود مسالك الطريق العريضة سدا ومد بحرها الزاخر مدا فلا يجد لها الناظر ولا المناظر حدا
وهذه المدينة هي الأم الولود والجنة التي في النار لسكانها من الكفار الخلود وكرسي الملك ومجنبته الوسطى من الممالك باءت بالمزايا العديدة ونجحت وعند الوزان بغيرها من أمات البلدان رجحت غاب الأسود وجحر الحيات السود ومنصب التماثيل الهائلة ومعلق النواقيس الصائلة
وأدنينا إليها المراحل وعينا لتجار المحلات المستقلات منها الساحل ولما أكثبنا جوارها وكدنا نلمح نارها تحركنا ووشاح الأفق المرقوم بزهر النجوم قد دار دائره والليل من خوف الصباح على سرحه المستباح قد شابت غدائره والنسر يرفرف باليمن طائره والسماك الرامح يثأر ثغر الإسلام ثائره والنعائم راعدة فرائض الجسد من خوف الأسد والقوس يرسل سهم السعادة بوتر العادة إلى أهداف النعم المعادة والجوزاء عابرة نهر المجره (6/550)
والزهرة تغار من الشعرى العبور بالضرة وعطارد يسدي في حيل الحروب على البلد المحروب ويلحم ويناظر على أشكالها الهندسية فيفحم والأحمر يبهر والعلم الأبيض يفري وينهر والمشتري يبديء في فضل الجهاد ويعيد ويزاحم في الخلفات على ما للسعادة من الصفات ويزيد وزحل على الطالع منزحل وعن العاشر مرتحل وفي زلق السقوط وحل والبدر يطارح حجر المنجنيق كيف يهوي إلى النيق ومطلع الشمس يرقب وجدار الأفق يكاد بالعيون عنها ينقب
ولما فشا سر الصباح واهتزت أعطاف الرايات لتحيات مبشرات الرياح أطللنا عليها إطلال الأسود على الفرائس والفحول على العرائس فنظرنا منظرا يروع بأسا ومنعه ويروق وضعا وصنعه تلفعت معاقله الشم للسحاب ببرود ووردت من غدير المزن في برود وأسرعت لاختطاف أزهار النجوم والذراع بين النطاق معاصم رود وبلدا يعيي الماسح والذارع وينتظم المحاني والأجارع فقلنا اللهم نفله أيدي عبادك وأرنا فيه آية من آيات جهادك فنزلنا بساحتها العريضة المتون نزول الغيث الهتون وتيمنا من فحصها الأفيح بسورة التين والزيتون متربة من أمان الرحمان للبلد المفتون وأعجلنا الناس بحمية نفوسهم النفيسه وسجية شجاعتهم البئيسة عن أن نبويء للقتال المقاعد وندني بإسماع شهير النفير منهم الأباعد وقبل أن يلتقى الخديم بالمخدوم ويركع المنجنيق ركعتي القدوم فدفعوا من أصحر إليهم من الفرسان وسبق إلى حومة الميدان حتى أجحروهم في البلد وسلبوهم لباس الجلد في موقف يذهل الوالد عن الولد صارت السهام فيه غمام وطارت كأسراب الحمام تهدي حماما وأضحت القنا قصدا بعد أن كانت شهابا رصدا وماج بحر القتام بأمواج النصول وأخذ الأرض الرجفان لزلزال الصياح الموصول فلا ترى إلا شهيدا تظلل مصرعه الحور وصريعا تقذف به إلى (6/551)
الساحل أمواج تلك البحور ونواشب تبأى بها الوجوه الوجيهة عند الله والنحور فالمقضب فوده يخضب والأسمر غصنه يستثمر والمغفر حماه يخفر وظهور القسي تقصم وعصم الجند الكوافر تفصم وورق اليلب في المنقلب يسقط والبتر تكتب والسمر تنقط فاقتحم الربض الأعظم لحينه وأظهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزة دينه وتبرأ الشيطان من خدينه ونهب الكفار وخذلوا وبكل مرصد جدلوا ثم دخل البلد بعده غلابا وجلل قتلا واستلابا فلا تسل إلا الظبى والأسل عن قيام ساعته وهول يومها وشناعته وتخريب المبائت والمباني وغنى الأيدي من خزائن تلك المغاني ونقل الوجود الأول إلى الوجود الثاني وتخارق السيف فجاء بغير المعتاد ونهلت القنا الردينية من الدماء حتى كادت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد وهمت أفلاك القسي وسحت وأرنت حتى بحت ونفدت موادها فشحت بما ألحت وسدت المسالك جثث القتلى فمنعت العابر واستأصل الله من عدوه الشأفة وقطع الدابر وأزلف الشهيد وأحسب الصابر وسبقت رسل الفتح الذي لم يسمع بمثله في الزمن الغابر تنقل البشرى من أفواه المحابر إلى آذان المنابر
أقمنا بها أياما نعقر الأشجار ونستأصل بالتخريب الوجار ولسان الانتقام من عبدة الأصنام ينادي يالثارات الإسكندرية تشفيا من الفجار ورعيا لحق الجار وقفلنا وأجنحة الرايات برياح العنايات خافقه وأوفاق التوفيق الناشئة من خطوط الطريق موافقه وأسواق العز بالله نافقه وحملاء الرفق مصاحبة والحمد لله مرافقه وقد ضاقت ذروع الجبال عن أعناق (6/552)
الصهب السبال ورفعت على الاكفال ردفاء كرائم الأنفال وقلقلت من النواقيس أجرام الجبال بالهندام والاحتيال وهلك بمهلك هذه الأم بنات كن يرتضعن ثديها الحوافل ويستوثرن حجرها الكافل شمل التخريب أسوارها وعجلت النار بوارها
ثم تحركنا بعدها حركة الفتح وأرسلنا دلاء الإدلال قبل المنح فبشرت بالمنح وقصدنا مدينة أبده وهي ثانية الجناحين وكبرى الأختين ومساهمة جيان في حين الحين مدينة أخذت عرض الفضاء الأخرق وتمشت فيه أرباضها تمشي الكتابة الجامحة في المهرق المشتملة على المتاجر والمكاسب والوضع المتناسب والفلج المعيي ريعه عمل الحاسب وكوارة الدبر اللاسب المتعددة اليعاسب فأناخ العفاء بربوعها العامرة ودارت كؤوس عقار الحتوف ببنان السيوف على متديريها المعاقرة وصبحتها طلائع الفاقرة وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول الباقرة ودخلت مدينتها عنوة السيف في أسرع من خطرة الطيف ولا تسأل عن الكيف فلم يبلغ العفاء من مدينة حافلة وعقيلة في حلل المحاسن رافلة ما بلغ من هذه البائسة التي سجدت لآلهة النيران أبراجها وتضاءل بالرغم معراجها وضفت على أعطافها ملابس الخذلان وأقفر من كنائسها كناس الغزلان
ثم تأهبنا لغزو أم القرى الكافرة وخزائن المزاين الوافرة وربة الشهرة السافرة والأنباء المسافرة قرطبة وما أدراك ماهيه ذات الأرجاء الحالية (6/553)
الكاسيه والأطواد الراسخة الراسية والمباني المباهية والزهراء الزاهيه والمحاسن غير المتناهيه حيث هالة بدر السماء قد استدارت من السور المشيد البناء ونهر المجرة من نهرها الفياض المسلول حسامه من غمود الغياض قد لصق بها جارا وفلك الدولاب المعتدل الانقلاب قد استقام مدارا ورجع الحنين اشتياقا إلى الحبيب الأول وادكارا حيث الطود كالتاج يزدان بلجين العذب المجاج فيزري بتاج كسرى ودارا حيث قسي الجسور المديره كأنها عوج المطي الغريره تعبر النهر قطارا حيث آثار العامري المجاهد تعبق بين تلك المعاهد شذى معطارا حيث كرائم السحائب تزور عرائس الرياض الحبائب فتحمل لها من الدر نثارا حيث شمول الشمال تدار على الأدواح بالغدو والرواح فترى الغصون سكارى وما هي بسكارى حيث أيدي الافتتاح تفتض من شقائق البطاح أبكارا حيث ثغور الأقاح الباسم تقبلها بالسحر زوار النواسم فتحففا قلوب النجوم الغيارى حيث المصلى العتيق قد رحب مجالا وطال منارا وأزرى ببلاط الوليد احتقارا حيث الظهور المثارة بسلاح الفلاح تجب عن مثل أسنمة المهارا والبطون كأنها لتدميث الغمائم بطون العذارى والأدواح العالية تخترق أعلامها الهادية بالجداول الخبارا فما شئت من جو صقيل ومعرس للحسن ومقيل ومالك للعقل وعقيل وخمائل كم فيها للبلابل من قال وقيل وخفيف يجاوب بثقيل وسنابل تحكي من فوق سوقها وقضب بسوقها الهمزات فوق الألفات والعصافير البديعة الصفات فوق القضب المؤتلفات تميل بهبوب الصبا والجنوب مائلة الجيوب بدرر الحبوب وبطاح لا تعرف عين المحل فتطلبه بالذحل ولا تصرف في خدمة بيض قباب الأزهار عند افتتاح السوسن والبهار غير العبدان من سودان النخل وبحر الفلاحة الذي لا يدرك ساحله ولا يبلغ (6/554)
الطية البعيدة راحله إلى الوادي وسمر النوادي وقرار دموع الغوادي المتجاسر على تخطيه عند تمطيه الجسر العادي والوطن الذي ليس من عمرو ولا زيد والفرا الذي في جوفه كل صيد وأقل كرسيه خلافة الإسلام وأعار بالرصافة والجسر دار السلام وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام أو تعبر به عن ذلك الكمال فنون الكلام
فأعملنا إليها السرى والسير وقدنا إليها الخيل وقد عقد الله بنواصيها الخير
ولما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب واصطففنا بخارجها المنبت المنجب والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل وتستنزل مدد الملائكة من منجد منزل والركائب واقفة من خلفنا بمعزل تتناشد في معاهد الإسلام قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وبرز من حاميتها المحاميه ووقود النار الحاميه وبقية السيف الوافرة على الحصاد الناميه قطع الغمائم الهاميه وأمواج البحور الطاميه واستجنت بظلال أبطال المجال أعداد الرجال الناشبة والراميه وتصدى للنزال من صناديدها الصهب السبال أمثال الهضاب الراسيه تجنهاجنن السوابغ الكاسيه وقواميسها المفادية للصلبان يوم بوسها بنوفسها المواسيه وخنازيرها التي عدتها عن قبول حجج الله ورسوله ستور الظلم الغاشية وصخور القلوب القاسيه فكان بين الفريقين أمام جسرها الذي فرق البحر وحلي بلجينه ولآليء زينه منها النحر حرب لم تنسج الأزمان على منوالها ولا أتت الأيام الحبالى بمثل أجنة أهوالها من قاسها بالفجار أفك وفجر أو مثلها بجفر الهباءة خرف وهجر ومن شبهها بحرب داحس والغبراء فما عرف الخبر فليسأل من جرب وخبر ومن نظرها بيوم شعب جبله فهو ذو بله أو عادلها ببطن عاقل فغير عاقل أو احتج بيوم ذي قار فهو إلى المعرفة ذو افتقار (6/555)
أو ناضل بيوم الكديد فسهمه غير السديد إنما كان مقاما غير معتاد ومرعى نفوس لم يف بوصفه لسان مرتاد وزلزال جبال أوتاد ومتلف مذخور لسلطان الشيطان وعتاد أعلم فيه البطل الباسل وتورد الأبيض الباتر وتأود الأسمر العاسل ودوم الجلمد المتكاسل وانبعث من حدب الحنية إلى هدف الرمية الناشر الناسل ورويت لمرسلات السهام المراسل ثم أفضى أمر الرماح إلى التشاجر والارتباك ونشبت الاسنة في الدروع نشب السمك في الشباك ثم اختلط المرعى بالهمل وعزل الرديني عن العمل وعادت السيوف من فوق المفارق تيجانا بعد أن شقت غدر السوابغ خلجانا واتحدت جداول الدروع فصارت بحرا وكان التعانق فلا ترى إلا نحرا يلازم نحرا عناق وداع وموقف شمل ذي انصداع وإجابة مناد إلى فراق الأبد وداع واستكشفت مآل الصبر الانفس الشفافه وهبت بريح النصر الطلائع المبشرة الهفافه ثم أمد السيل ذلك العباب وصقل الاستبصار الألباب واستخلص العزم صفوة اللباب وقال لسان النصر ادخلوا عليهم الباب فأصبحت طوائف الكفار حصائد مناجل الشفار فمفارقهم قد رضيت حرماتها بالاعقار ورؤوسهم محطوطة في غير معالم الاستغفار وعلت الرايات من فوق تلك الأبراج المستطرفة والأسوار ورفرف على المدينة جناح البوار لولا الانتهاء إلى الحد والمقدار والوقوف عند اختفاء سر المقدار
ثم عبرنا نهرها وشددنا بأيدي الله قهرها وضيقنا حصرها وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما وترمي الأرواح ببوارها وتسلط النيران على أقطارها فلولا عائق المطر لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر فرأينا أن نروضها بالاجتثاث والانتساف ونوالي على زروعها وربوعها (6/556)
كرات رياح الاعتساف حتى يتهيأ للإسلام لوك طعمتها ويتهنأ بفضل الله إرث نعمتها ثم كانت عن موقفها الإفاضة من بعد نحر النحور وقذف جمار الدمار على العدو المدحور وتدافعت خلفنا السابقات المستقلات تدافع أمواج البحور
وبعد أن ألححنا على جناتها المصحرة وكرومها المشتجرة إلحاح الغريم وعوضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم وطاف عليها طائف من ربنا فأصبحت كالصريم وأغرينا حلاق النار بحمم الجحيم وراكمنا في أجواف أجوائها غمائم الدخان تذكر طيبة البان بيوم الغميم وأرسلنا رياح الغارات لا تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم واستقبلنا الوادي يهول مدا ويروع سيفه الصقيل حدا فيسره الله من بعد الإعواز وانطلقت على الفرضة بتلك العرضة أيدي الانتهاز وسألنا من ساءله أسد بن الفرات فأفتى برجحان الجواز فعم الاكتساح والاستباح جميع الأحواز فأديل المصون وانتهبت القرى وهدمت والحصون واجتثت الأصول وحطمت الغصون ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصافحها بالبوس وتطلع عليها غررها الضاحكة باليوم العبوس فهي الآن مجرى السوابق ومجر العوالي على التوالي والحسرات تتجدد في أطلالها البوالي وكأن بها قد صرعت وإلى الدعوة المحمدية قد أسرعت بقدرة من لو أنزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدعت وعزة من أذعنت الجبابرة لعزه وخنعت وعدنا والبنود لا يعرف اللف نشرها والوجوه المجاهدة لا يخالط التقطيب بشرها والأيدي بالعروة الوثقى معتلقه والألسن بشكر نعم الله منطلقه والسيوف في مضاجع الغمود قلقه وسرابيل الدروع خلقه والجياد من ردها إلى المرابط والأواري رد العواري حنقه وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقه تنظر إلينا نظر العاتب (6/557)
وتعود من ميادين المراح والاختيال تحت حلل السلاح عود الصبيان إلى المكاتب والطبل بلسان العز هادر والعزم إلى منادي العود الحميد مبادر ووجود نوع الرماح من بعد ذلك الكفاح نادر والقاسم ترتب بين يديه من السبي النوادر ووارد منهل الأجور غير المحلإ ولا المهجور صادر ومناظر الفضل الآتي عقبه أخيه الثاني على المطلوب المواتي مصادر والله على تيسير الصعاب وتخويل المنن الرغاب قادر لا إله إلا هو فما أجمل لنا صنعه الخفي وأكرم بنا لطفه الحفي اللهم لا نحصي ثناء عليك ولا نلجأ منك إلا إليك ولا نلتمس خير الدنيا والآخرة إلا لديك فأعد علينا عوائد نصرك يا مبديء يا معيد وأعنا من وسائل شكرك على ما ننال به المزيد يا حي يا قيوم يا فعالا لما يريد
وقارنت رسالتكم الميمونة منه لدينا حدق فتح بعيد صيته مشرئب ليته وفخر من فوق النجوم العوائم مبيته عجبنا من تأتي أمله الشارد وقلنا البركة في قدوم الوارد وهو أن ملك النصارى لاطفنا بجملة من الحصون كانت من مملكة الإسلام قد غصبت والتماثيل فيها ببيوت الله قد نصبت أدالها الله بمحاولتنا الطيب من الخبيث والتوحيد من التثليث وعاد إليها الإسلام عودة الأب الغائب إلى البنات الحبائب يسأل عن شؤونها ويمسح دموع الرقة عن جفونها وهي للروم خطة خسف قلما ارتكبوها فيما نعلم من العهود ونادرة من نوادر الوجود والى الله علينا وعليكم عوارف الجود وجعلنا في محاريب الشكر من الركع السجود
عرفناكم بمجملات أمور تحتها تفسير ويمن من الله وتيسير إذ استيفاء الجزئيات عسير لنسركم بما منح الله دينكم ونتوج بعز الملة الحنيفية جبينكم ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم فإن دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب سلاح ماض وكفيل بالمواهب المسؤولة من المنعم الوهاب ميفاض وأنتم أولى ما ساهم في بر وعامل الله بخلوص سر وأين يذهب الفضل عن بيتكم وهو صفة حيكم وتراث ميتكم ولكم مزية القدم ورسوخ القدم والخلافة (6/558)
مقرها إيوانكم وأصحاب الإمام مالك رضي الله عنه مستقرها قيروانكم وهجير المنابر ذكر إمامكم والتوحيد أعلام أعلامكم والوقائع الشهيرة في الكفر منسوبة إلى أيامكم والصحابة الكرام فتحة أوطانكم وسلالة الفاروق عليه السلام وشائج سلطانكم ونحن نستكثر من بركة خطابكم ووصلة جنابكم ولولا الأعذار لوالينا بالمتزيدات تعريف أبوابكم
والله عز و جل يتولى عنا من شكركم المحتوم ما قصر المكتوب منه عن المكتوم ويبقيكم لإقامة الرسوم ويحل محبتكم من القلوب محل الأرواح من الجسوم وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم ويوالي نعمه عندكم
والسلام الكريم الطيب البر العميم يخصكم كثيرا أثيرا ما أطلع الصبح وجها منيرا بعد أن أرسل النسيم سفيرا وكان الوميض الباسم لأكواس الغمائم على أزهار الكمائم مديرا ورحمة الله وبركاته إن شاء الله تعالى
الطرف الثامن في المكاتبات الصادرة عن الأمراء من العمال وأمراء السرايا في صدر الإسلام إلى من في معناهم
وكان الغالب في مكاتباتهم الافتتاح بأما بعد والتعبير عن المكتوب عنه بلفظ الوحدة وخطاب المكتوب إليه بالكاف
كما كتب الحجاج بن يوسف إلى المهلب بن أبي صفرة وهو يومئذ نائب عن الحجاج على بعض الأعمال والحروب (6/559)
أما بعد فإنك تتراخى عن الحرب حتى تأتيك رسلي ويرجعون بعذرك وذلك أنك تمسك حتى تبرأ الجراح وتنسى القتلى ويجم الناس ثم تلقاهم فتحتمل منهم مثل ما يحتملون منك من وحشة القتل وألم الجراح ولو كنت تلقاهم بذلك الحد لكان الداء قد حسم والقرن قد قصم ولعمري ما أنت والقوم سواء لأن من ورائك رجالا وأمامك أموالا وليس للقوم إلا ما معهم ولا يدرك الوجيف بالدبيب ولا الظفر بالتعذير
وكما كتب المهلب إلى الحجاج مجيبا له عن ذلك
أما بعد فإني لم أعط رسلك على قول الحق أجرا ولم أحتج فيهم مع المشاهدة إلى تلقين فذكرت أني أجم القوم ولا بد من راحة يستريح فيها الغالب ويحتال المغلوب وذكرت أن في الجمام تنسى القتلى وتبرأ الجراح وهيهات أن ينسى ما بيننا وبينهم يأبى ذلك قتل من لم يجن وقروح لم تعرق ونحن والقوم على حالة وهم يرقبون منا حالات إن طمعوا حاربوا وإن ملوا وقفوا وإن يئسوا انصرفوا وعلينا أن نقاتلهم إذا قاتلوا ونتحرز إذا وقفوا ونطلب إذا هربوا فإن تركتني فالداء بإذن الله محسوم وإن أعجلتني لم أطعك ولم أعص وجعلت وجهي إلى بابك وأنا أعوذ بالله من سخطه ومقت الناس (6/560)
الطرف التاسع في المكاتبات الصادرة عن الملوك ومن في معناهم إلى الملوك ومن في معناهم على ما كان عليه مصطلح أهل المشرق وهو على ثلاثة أضرب
الضرب الأول أن تكون المكاتبة عن ملك إلى غير ملك
ورسمهم أن يفتتح الكتاب بلفظ كتابنا إليك في يوم كذا ومن مكان كذا والأمر على كذا وكذا ويذكر الحال التي عليها المكتوب عنه حينئذ أو التي عليها الخليفة إن كان المكتوب عنه من أتباع الخليفة أو التي عليها الملك إن كان من أتباع الملك ونحو ذلك ويكون التعبير في هذه المكاتبة عن المكتوب عنه بنون الجمع والخطاب للمكتوب إليه بالكاف ولا يقال في المكتوب إليه في هذه الحالة سيدي ومولاي ولا سيدنا ولا مولانا وبذلك يكتب عن الملوك ومن في معناهم من سائر الرؤساء إلى المرؤوسين
ثم هو على مرتبتين
المرتبة الأولى أن يراعى جانب المكتوب إليه في الرفعة بعض المراعاة
كما كتب أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه إلى الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة في الشفاعة في شخص من بعض ألزامه
كتابنا أدام الله تأييد الصاحب الجليل كافي الكفاة وإن وثقنا من المسؤولين بالإيجاب والإجابة ومن المأمورين بالامتثال والطاعة فإنا نخص (6/561)
بكتبنا الصادرة عنا في المآرب العارضة لنا من خصبت من كلا الفريقين نهضته إليها وظهرت مثابرته عليها وإذا انتهينا إليه أدام الله عزه في ذلك عددنا مع ما قدم الله عندنا من رتبته في الطبقة الأولى وميزنا مع ما وفر الله علينا من طاعته عن الطبقة الأخرى وأنسنا منه عادة مشكورة في اتباع محبوبنا والإسعاف بمطلوبنا ليسلس لنا إلى مخاطبته قياد يتقاعس عمن سواه وتنبسط منا في مكاتبته أنامل تتجعد عمن لا يجري مجراه ولا سيما إذا كان ذلك في مكرمة يطيب ثناؤها ومنقبة يشاد بناؤها والله يمده ويمدنا فيه من طيب السجايا وصالح العطايا بما هو الولي به والحقيق بالشكر عليه
وكتابنا هذا أدام الله عز الصاحب الجليل كافي الكفاة مبني على إذكاره بحق لنا رعيناه وذمام من أجله أوجبناه وذلك أسد لإحكامه وألزم لإيجابه وأوكد لأسبابه وقد عرف مكان أبي منصور يزداها دار بن المرزبان من خدمتنا وموقعه في جملتنا وتوفر حظه من جميل رأينا وخالص اعتقادنا ومن أوجه وسائله لدينا التي أوجبت له ذلك علينا أنا لا نزال عده عليه من الاعتداد بإحسان الصاحب الجليل كافي الكفاة إليه وإلى أبيه من قبله والاعتراف بأنه أيده الله أبو عذرة صنعه والسابق إلى الجذب بضبعه ولمن كان أقر له من ذلك معروف لا ينكر ودخل من الثناء عليه في إجماع لا يخرق فقد بين عن نفسه أنه ممن يطيق حمل المنن ويحسن مصاحبة النعم ويستحق أن تقر عنده أسلافها وتدر عليه أخلافها إذ لم يذهله الربوع فيها عن التحيد من اصطرافها وانصرافها ولم يلهه التوسط لها عن حياطة أطرافها وأكنافها ومن لنا اليوم بالشكور الذي لا يغمط والذكور الذي لا ينسى والعليم بما يلزمه والقؤوم بما يحق عليه وأعلمنا حال قريبين له يقال لهما الفركان بن حرزاد ورستم بن يزد وأنهما تصرفا في بعض الخدمة تصرفا تزايلا فيه عن نهج السداد وسنن (6/562)
الرشاد واقتضى ذلك أن طلبا بالتقويم والتهذيب وولجا مضيق القصاص والتأديب وأنه قد مضت لهما فيه مدة طويلة في مثلها ما صلح المعاقب واكتفى المعاقب وسؤاله لهما ومرادنا له فيهما شفاعة الصاحب الجليل كافي الكفاة إلى مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة في أن يسعهما العفو ويدركهما العطف إما باستخدام يتطوقان به المنن ويأذن لهما بانصراف إلى الوطن وقد استظهرنا بكتاب كتبناه في أمرهما هذا الكتاب يشتمل عليه حتى إذا وجب أن يجعله الصاحب الجليل كافي الكفاة ذريعة إلى الغرض ومطية إلى المقصد أمضى في ذلك رأيه وعقد عليه تدبيره فإن رأى الصاحب الجليل أن يتوصل في هذا الأمر إلى ما يشاكل عادته عندنا في الأمور الواردة عليه فعل وتوخى في الجواب أن يكون متضمنا لذكر الفعل دون القول والإنجاز دون الوعد إن شاء الله تعالى
وكما كتب الصابي عن صمصام الدولة المقدم ذكره إلى الصاحب بن عباد أيضا في حالة أخرى بسبب رد إقطاع إلى أبي جعفر محمد بن مسعود قرين كتاب إلى فخر الدولة
كتابنا والسلامة لدينا راهنة وعادة الله لإقرارها ضامنة والحمد لله رب العالمين والصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله تأييده يعلم أنه لم يزل لممالكنا أفنية تقام بها أسواق المكارم وتحيا بها سنن المحامد وقد جعله الله بتفضله الحافظ لجمال ذلك علينا والضارب بسهمه فيه معنا فالحمد لله على أن قرن الحظوظ التي خولنا والمنازل التي نولنا بالخلائق الخليقة بها الداعية إلى استقرارها والطرائق المطرقة إلى ثباتها واستمرارها وأن زان أيامنا هذه الحاضرة بآثار الصاحب كافي الكفاة أدام الله عزه فيها الناضرة ومساعيه (6/563)
الرشيدة وأفعاله المستقيمة وأحاديثه الجميلة وإياه نسأل أن يجرينا وكل ناصح على أفضل ما عودنا وأحسن ما أولاه ومنحنا بقدرته
وإذا كان مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة وفلك الأمة بالمحل الذي أهله الله له من استعذاب الإحسان إلى أوليائه وافتراض الإفضال على نصحائه وكان الصاحب الجليل بالحال التي هو بها من القيام بما حمل به المناب فيه عنه فقد وجب أن تكون الرعاية لذوي الحرمات مستحكمة الأسباب ثابتة الأطناب واضحة الأعلام ماضية الأحكام ولا سيما فيمن تعلق منا بالعناية وأخذ من ذمامنا بالوثيقة وأبو جعفر محمد بن مسعود أيده الله جامع للموات التي يستحق بها اجتماع العنايات سالفا صالحا في الخدمة وسابقة متمكنة في الجملة واشتمالا على كل ما وجبت به الحقوق ولزمت به الرعايات وذكر أنه كانت له بنواحي الجبل تسويغات ومعايش أنعم بها مولانا الأمير السيد فخر الدولة عليه في حال بعد حال وشرفه بها في مقام بعد مقام منها كذا وكذا وإذا جمع الجميع كان قليلا في جنب ما يفيضه مولانا الأمير السيد شاهنشاه فخر الدولة وفلك الأمة على خدمه من جليل عوارفه الجارية على يد الصاحب الجليل كافي الكفاة أدام الله تأييده والواصلة إلى مستحقيها بلطيف توصله وجميل معتقده وكان موقعه جليلا عند أبي جعفر محمد بن مسعود أيده الله في جنب ما يصلح من شأنه ويقيم من جاهه ويرب من معايشه ويلم من حاله وقد كتبنا إلى مولانا في ذلك كتابا مجملا قصرناه على الرغبة إليه في رد هذه المعايش عليه وعولنا على الصاحب الجليل في إخراج أمره العالي بذلك له وإحكام المناشير والوثائق بجميعه والتقدم بمكاتبة العمال والولاة بتقوية أيدي أصحابه في استيفاء ما يجب من الأسلاف والبقايا على الأكرة والمزارعين والوكلاء والمعاملين وتأكيد الكتب بغاية ما تؤكد (6/564)
به أمثاله ويبلغ به أبو جعفر محابه كلها فإن رأى الصاحب الجليل أن يأتي في ذلك كله ما يجده ويعده ويرعاه ويحفظه جاريا على المألوف من مثابرته على ما عاد علينا وعليه معنا بطيب الذكر والبشر وثناء اليوم والغد فقد أنفذنا بهذا الكتاب ركائب لنا دلالة على خصوص متضمنه في تعلقه بالاهتمام منا فعل إن شاء الله تعالى
الضرب الثاني أن تكون المكاتبة من ملك إلى ملك
ورسمهم في ذلك أن يفتتح الكتاب بلفظ كتابي والأمر على كذا وكذا ويؤتى بالتعبير عن المكتوب عنه في أثناء الكتاب بلفظ الإفراد دون الجمع وهنا يفخم شأن المكتوب إليه فيعبر عنه بمولاي وسيدي ومولانا وسيدنا ونحو ذلك
ثم هو على مراتب
المرتبة الأولى أن يكون المكتوب إليه ملكا أيضا
فيخاطبه على قدر مقامه بالسيادة أو غيرها مع الدعاء بما يناسبه من طول البقاء ونحوه ثم تارة يقع التعرض فيها بذكر الطلب وبرفع الحال التي هو عليها وتارة لا يقع التعرض إلى ذلك كما كتب أبو إسحاق الصابي عن عز الدولة بن معز الدولة بن بويه إلى عضد الدولة بن بويه في طلب الصلح وقد جرى بينهما اختلاف
كتابي أطال الله بقاء مولانا الملك الجليل المنصور عضد الدولة من (6/565)
العسكر بظاهر سوق الأهواز ومولانا أمير المؤمنين مشمول بالكفاية والتأييد مخصوص بالعز والتمكين يجري على أفضل ما عود الله خلفاءه في أرضه وأحباءه في رعاية خلقه من التكفل لهم بالإظهار والإدالة وتوليهم بالإعلاء والإناقة وأنا مستظل بكنف طاعته مستكن في حرم مشايعته شاكر لله على بلائه مثن عليه بآلائه راغب إليه أن يعصمني في مولانا الملك الجليل المنصور وفي نفسي من كل مكروه ومستهجن ويوفقني وإياه لكل مستحب ومستحسن ويعيذنا من المقام على الفرقة والزوال عن سنن الألفة وهو المحمود رب العالمين
والحقوق بين مولانا الملك وبيني فيما قررته منا اللحمة وأكدته العصمة وأثلته الأسلاف ونشأت عليه الأخلاف حقيقة بأن لا تتسرع إليها دواعي النقض ولا تتمكن منها ملمات النسخ ولا يتم للشيطان عليها ما يحاوله بنزغه ويتوصل إليه بكيده وأن تنزاح العوارض عنها وتضمحل دون التأثير فيها وأن نعتقد جميعا أن بتقارضنا رعايتها ثبات النعم المتصلة بها فلا يستنكف مستنكف منا أن يخفض جناحه لأخيه ويغض من جماحه في مقاربة ذويه إذ كان ذلك حاميا له في أهول الأحوال مما هو أشد خفضا وأبلغ رضا وأسوأ مغبة وأنكر عاقبة
وقد علم مولانا الملك المنصور بالثاقب من تأمله والصحيح من تمييزه وتدبره أن دولتنا حرسها الله مبنية على أس الترافد والتعاضد موضوعة على قاعدة التوازر والتظافر وأن مشيختنا وسادتنا رضوان الله عليهم جعلوا الائتلاف رتاجا بين الأعداء وبينها ثم إن مفتاحه هو الخلاف المتطرق لهم عليها ولو حدث التنافر في أيام رياسة أضعفنا منة وأوهننا عقدة وأحدثنا سنا وأقلنا حنكة لكان ذلك أقل في التعجب من أن يعرض في رياسة أحصفنا رأيا (6/566)
وأسدنا تدبيرا وأوفانا حلما وأكملنا حزما وقد تكررت أيد الله مولانا على ذات بيننا قوارص احتقرناها حتى امتلأ الإناء من قطرها واستقينا منها على العظيمة التي لا ثواء بعدها وما أعود على نفسي بلوم في ابتداء قبيح ابتدأته ولا بمركب شنيع ركبته ولا حق اطرحته ولا استصلاح تركته ولا أدفع مع ذلك أنني قابلت لما تضاعف بالأقل الأيسر وجازيت لما ترادف بالأدمن الأنزر إلا أني ما آثرت كثيره ولا قليله ولا اخترت دقيقه ولا جليله لكنه لم يصلح في السيرة وقد أشفينا على التزاحف للحرب والتدالف للطعن والضرب أن أستعمل ما كنت عليه من توفية الحقوق وإقامة الرسوم فيراني الأولياء الذين بهم تحمى البيضة وتحاط الحوزة متناقض الفعلين متنافي المذهبين وكنت في ذلك الفعل الذميم والرأي الذي ليس بمستقيم مقتديا لا مبتديا ومتبعا لا مبتدعا ولو وقف بي مولانا الملك الجليل قبل أواخر الجفاء وعطف معي إلى أول شرائع الصفاء لكانت عريكتي عليه ألين وطريقه إلى ارتباط طاعتي وولائي أقصد لكنه أيده الله أقام على ما لا يليق به من مجانبتي ومغالظتي وبث الحبائل لي ودس المكايد إلي ومتابعته الجواسيس والكتب إلى الأولياء في عسكري الذين هم أولياؤه إن أنصف وعدل ونصماؤه إن أحسن وأجمل
وكان الأشبه بمولانا لو كنت الغالط عليه والباعث لهذه الأسباب إليه أن يسوسني سياسة الحكيم ويستخلصني استخلاص الكريم إذ كنا لم نقدمه معشر أهل البيت علينا ونوله أزمة أمورنا إلا ليأسو جروحنا ويجبر كسورنا ويتعهد مسيئنا ويستميل نافرنا فأما أن يحاول منا استباحة الحريم وإركاب المركب العظيم فكيف يجوز أن تدوم على هذه طاعة أو تصلح عليه جماعة أو يغضي عليه مغض أو يصفح عنه صافح وكان من أشد هذه الجفوة وأفظعها وأقساها وأغلظها أن عاد رسولي من حضرته خاليا من جواب بما كتبت إليه وما أعرف له أيده الله في ذلك عذرا يبسطه ولا سلك منه السبيل التي تشبهه وبالله جهد القسم ومنتهاها وأجلها وأوفاها لقد سار مولانا أمير (6/567)
المؤمنين أطال الله بقاءه وسرت إلى هذا الموضع واعتقادنا لا يجاوز حفظ الحدود والأطراف وحياطة النهايات والأكناف والأغلب علينا أن مولانا الملك أدام الله تأييده لا يتجاوز معي المعاتبة اللطيفة والمخاطبة الجميلة والاستدعاء مني لما يسوغ له أن يطلبه ولي أن أبذله من تعفية السالف وإصلاح المستأنف وتوفية للحق في رتبة لا أضن بها عليه ولا أستكثر النزول عنها له وتقرير أصل بيننا يكون أيده الله به معقلا لي وموئلا وأكون نائبا له ومظفرا إلى أن بدأ الأصحاب بالعيث في هذه البلاد وألحوا عليها بالغارات واعتمدوها بالنكايات وكان هذا كالرشاش الذي يؤذن بالانسكاب والوميض الذي يوعد بالاضطرام وأوجبت قبل المقابلة عليه والشروع في مثله في حق مولانا الملك الجليل الذي لا أدع أن أحفظ منه ما دعاني إلى إضاعته وأتمسك بما اضطرني إلى مفارقته أن أقدم أمام الالتقاء على الحرب التي هي سجال كما يعلم إبلاغ نفسي عذرها وإعطاء المقادة منها داعيا له إلى طاعة الخالق والإمام وصلة اللحم والأرحام وحقن الدماء والمهج وتسكين الدهماء والرهج وثني العنان عن المورد الذي لا يدري وارده كيف يصدر عنه ولا يثق بالسلامة منه وتعريفي ما يريده مني لأتبعه ما لم يكن ثالما لي وعائدا بالوهن علي والله الشاهد على شهادة قد علم إخلاصي فيها وسماحة ضميري بها وأنني أكره أن أنال منه كما أكره أن ينال مني وأتألم من أن أظهر عليه كما أتألم أن يظهر علي وأحب أن يرجع عني وأرجع عنه وقد التقت قلوبنا وتألف على الجميل شملنا وطرفت أعين الأعادي عنا وانحسمت مطامعهم فينا فإن فعل ذلك فحقيق به الفضل وهو لعمر الله له أهل ولا عذر له في أن لا يفعله وقد وسع الله ماله ووفر حاله وأغناه عما يتلمسه الصعلوك ويخاطر له السبروت وجعله في جانب الغنى والثروة والحزم والحيطة وإن أبى فكتابي هذا حجة عند الله الذي تستنزل منه المعونة وعند (6/568)
الناس الذين تلتمس منهم العصبية وقد أنفذت به إسفندار بن خسرويه وإبراهيم ابن كالي وهما ثقتاي وأميناي ليؤدياه ويشافهاه عني بمثل متضمنه ونجواه والله يعيذنا في مولانا الملك الجليل من أن يختار إلا أولى الأمرين وألقيهما بدينه ومروءته وهو ولي ما يراه في الأمر بتعجيل الإجابة بما أعمل عليه وأنتهي بالتدبير إليه إن شاء الله تعالى
الضرب الثالث أن تكون المكاتبة عمن دون الملك إليه
ورسمهم فيه أن يبتدأ بلفظ كتابي والدعاء للمكتوب إليه بطول البقاء ونحو ذلك ويخاطب في أول الكتاب بمولانا الملك السيد الأجل وفي أثناء الكتاب بالسيد والملك ونحو ذلك ويعبر عن المكتوب عنه بلفظ الإفراد
كما كتب أبو إسحاق الصابي عن الأمير نصر خوزة فيروز بن عضد الدولة إلى ابن عمه شرف الدولة يذكر له حاله مع أخيه صمصام الدولة
كتابي أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجل شرف الدولة وزين الملة والسلامة لي شاملة بما مده الله تعالي علي من ظله الظليل ورأيه الحسن الجميل والحمد لله رب العالمين وقد تأدى إلى مولانا الملك السيد من أخباري ما أستغى به عن تطويل المفصل وأكتفي به عن إجمال المجمل وذلك أن أسفار بن كردويه وعبد العزيز بن برسق الكافرين لنعماء الله ونعمة الملك السعيد عضد الدولة أبينا رحمة الله عليه قبلنا الغامطين لما تظاهر عليهما من إحساننا وإفضالنا هجما علينا بخدعة تظافرا عليها وشبهة جذباني إليها وأبرما كذبا من القول لم أظنهما يقدمان على مثله ولا يتفوهان باطلا به فأصغيت إليهما إصغاء الواثق بهما لا المنخدع لهما فلما أنزلاني على حكمهما وأوثقاني بحيث لا أستطيع مخالفتهما ظهرت الحيلة ووضحت (6/569)
الغيلة وفاتني الاختبار وغلبني المقدار فجرى ما كانت عاقبته خذلان الله إياهما وإنزاله بأسه ونقمته عليهما وخلاصي بسلامة الصدر واتضاح الغدر من حبائلهما المنصوبة وأشراكهما المبثوثة ولما حصلت في كنف الملك السيد صمصام الدولة أقالني العثرة وقبل مني المعذرة وأحلني من داره وحماه بحيث لم أعدم عادة ولا انقطعت عني مادة وكانت الحال توجب مقامي فيها إلى أن تتعفى آثار الفتنة التي أثارها ذانكما الخبيثان الجانيان
ثم رود فلان في الرسالة وتمم الله على يده عقد الصلح والمسالمة فأخرجت عن الاحتجاب إلى الظهور وعن الاحتجار إلى البروز وأنزلت من الدار المعمورة في جانب يصل إلي منه سيب وصوله على العموم دون الخصوص وعاملني الملك السيد صمصام الدولة بما يليق بفضله متبعا في ذلك مقاطعة السيف بينه وبيني وطاعة مولانا الملك السيد الأجل شرف الدولة في أمري وجدد عندي من الإنعام والتوسعة والإيثار والتكرمة آخرا ما شفع تلك الشفعة أولا ولقيني فلان دفعات وشافهني مرات وتحمل عني إلى مولانا الملك موالاتي الشكر كثيرا واعتدادا طويلا عريضا ودعاء الله يسمع مرفوعه ويجيب مسموعه بمنه وقدرته وحوله وقوته
والآن فإذ قد جمع الله الكلمة ووكد الألفة وحرس النعمة وحصن الدولة وأخرج عنها من كان يشب الفتنة ويسدي وينير في الفرقة فإني واثق بالله جل وعز وبما تترقى الحال إليه في غاية محبوبي ونهاية مطلوبي وأقاصي ما تبلغه أمنيتي وتسمو إليه همتي وتقتضيه أخوتي وعصمتي ولله المشيئة ومنه المعونة فإن رأى مولانا الملك السيد أن يسكن إلى سكوني ويطمئن إلى طمأنينتي ويجري إلي غاية فضله وطوله في الأمر الذي أحسن فيها وأجمل ليشملنا إنعامه ويتظاهر علينا امتنانه وأستوفي بقية حظي من ثمرة ذلك (6/570)
وعائدته وجدواه وفائدته ويأمر بتشريفي بكتابه وتأهيلي بجليل خطابه وتصريفي بين أمره ونهيه فعل إن شاء الله تعالى
تم الجزء السادس يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السابع وأوله الطرف العاشر في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية
والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل (6/571)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
الطرف العاشر في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية ولها حالتان
الحالة الأولى ما كان الأمر عليه قبل دولة الخلفاء الفاطميين بها في الدولة الأخشيدية والطولونية وما قبلهما
والذي وقفت عليه من رسم المكاتبة عنهم أن تفتتح بلفظ من فلان إلى فلان
كما كتب ابن عبد كان عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس حين (7/3)
عصى عليه بالإسكندرية منذرا له وموبخا له على فعله وهو
من أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين إلى الظالم لنفسه العاصي لربه الملم بذنبه المفسد لكسبه العادي لطوره الجاهل لقدره الناكص على عقبة المركوس في فتنته المبخوس من حظ دنياه وآخرته
سلام على كل منيب مستجيب تائب من قريب قبل الأخذ بالكظم وحلول الفوت والندم
وأحمد الله الذي لا إله إلا هو حمد معترف له البلاء الجميل والطول الجليل وأسأله مسألة مخلص في رجائه مجتهد في دعائه أن يصلي على محمد المصطفى وأمينة المرتضى ورسوله المجتبى
أما بعد فإن مثلك مثل البقرة تثير المدية بقرنيها والنملة يكون حتفها في جناحيها وستعلم هبلتك الهوابل أيها الأحمق الجاهل الذي ثنى على الغي عطفه واغتر بضجاج المواكب خلفه أي موردة هلكة بإذن الله توردت إذ على الله جل وعز تمردت وشردت فإنه تبارك وتعالى قد ضرب لك في كتابه مثلا ( قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها (7/4)
الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )
وإنا كنا نقربك إلينا وننسبك إلى بيوتنا طمعا في إنابتك وتأميلا لفيئتك فلما طال في الغي انهماكك وفي غمرة الجهل ارتباكك ولم نر الموعظة تلين كبدك ولا التذكير يقيم أودك لم تكن لهذه النسبة أهلا ولا لإضافتك إلينا موضعا ومحلا بل لا نكنى بأبي العباس إلا تكرها وطمعا بأن يهب الله منك خلفا نقلده اسمك ونكنى به دونك ونعدك كنت نسيا منسيا ولم تك شيئا مقضيا فانظر ولا نظر بك إلى عار نسبته تقلدت وسخط من قبلنا تعرضت واعلم أن البلاء بإذن الله قد أظلك والمكروه إن شاء الله قد أحاط بك والعساكر بحمد الله قد أتتك كالسيل في الليل تؤذنك بحرب وبويل فإنا نقسم ونرجو أن لا نجور ونظلم أن لا نثني عنك عنانا ولا نؤثر على شانك شانا ولا تتوقل ذروة جبل ولا تلج بطن واد إلا جعلناك بحول الله وقوته فيهما وطلبناك حيث أممت منهما منفقين فيك كل مال خطير ومستصغرين بسببك كل خطب جليل حتى تستمر من طعم العيش ما استحليت وتستدفع من البلايا ما استدعيت حين لا دافع بحول الله عنك ولا مزحزح لنا عن ساحتك وتعرف من قدر الرخاء ما جهلت وتود أنك هبلت ولم تكن بالمعصية عجلت ولا رأي من أضلك من غواتك قبلت فحينئذ يتفرى لك الليل عن صبحه ويسفر لك الحق عن محضه فتنظر بعينين لا غشاوة عليهما وتسمع بأذنين لا وقر فيهما وتعلم أنك كنت متمسكا بحبائل غرور متماديا في مقابح أمور من عقوق لا ينام طالبه (7/5)
وبغي لا ينجو هاربه وغدر لا ينتعش صريعه وكفران لا يودى قتيله وتقف على سوء رويتك وعظم جريرتك في تركك قبول الأمان إذ هو لك مبذول وأنت عليه محمول وإذ السيف عنك مغمود وباب التوبة إليك مفتوح وتتلهف والتلهف غير نافعك إلا أن تكون أجبت إليه مسرعا وانقدت إليه منتصحا
وإن مما زاد في ذنوبك عندي ما ورد به كتابك علي بعد نفوذي على الفسطاط من التمويهات والأعاليل والعدات بالأباطيل من مصيرك بزعمك إلى إصلاح ما ذكرت أنه فسد علي حتى ملت إلى الإسكندرية فأقمت بها طول هذه المدة واستظهارا عليك بالحجة وقطعا لمن عسى أن يتعلق به معذرة علم بأن الأناة غير صادة ولا أنه خالجني شك ولا عارضني ريب في أنك إنما أردت النزوح والاحتيال للهرب والنزوع إلى بعض المواضع التي لعل قصدك إياها يوديك ولعل مصيرك إليها يكفينيك ويبلغ إلي أكثر من الإرادة فيك لأنك إن شاء الله لا تقصد موضعا إلا تلوتك ولا تأتي بلدا إلا قفوتك ولا تلوذ بعصمة تظن أنها تنجيك إلا استعنت بالله عز و جل في جد حبلها وفصم عروتها فإن أحدا لا يؤوي مثلك ولا ينصره إلا لأحد أمرين من دين أو دنيا
فأما الدين فأنت خارج من جملته لمقامك على العقوق ومخالفة ربك وإسخاطه
وأما الدنيا فما أراه بقي معك من الحطام الذي سرقته وحملت نفسك على الإيثار به ما يتهيأ لك مكاثرتنا بمثله مع ما وهب الله لنا من جزيل النعمة التي نستودعه تبارك وتعالى إياها ونرغب إليه في إنمائها إلى ما أنت مقيم عليه من البغي الذي هو صارعك والعقوق الذي هو طالبك (7/6)
وأما ما منيتناه من مصيرك إلينا في حشودك وجموعك ومن دخل في طاعتك لإصلاح عملنا ومكافحة أعدائنا بأمر أظهروا فيه الشماتة بنا فما كان إلا بسببك فأصلح أيها الصبي الأخرق أمر نفسك قبل إصلاحك عملنا واحزم في أمرك قبل استعمالك الحزم لنا فما أحوجنا الله وله الحمد إلى نصرتك وموازرتك ولا اضطررنا إلى التكثر بك على شقاقك ومعصيتك ( وما كنت متخذ المضلين عضدا )
وليت شعري على من تهول بالجنود وتمخرق بذكر الجيوش ومن هؤلاء المسخرون لك الباذلون دماءهم وأموالهم وأديانهم دونك دون رزق ترزقهم إياه ولا عطاء تدره عليهم فقد علمت إن كان لك تمييز أو عندك تحصيل كيف كانت حالك في الوقعة التي كانت بناحية أطرابلس وكيف خذلك أولياؤك والمرتزقة معك حتى هزمت فكيف تغتر بمن معك من الجنود الذي لا اسم لهم معك ولا رزق يجري لهم على يدك فإن كان يدعوهم إلى نصرتك هيبتك والمداراة لك والخوف من سطانك فإنهم ليجذبهم أضعاف ذلك منا ووجودهم من البذل الكثير والعطاء الجزيل عندنا ما لا يجدونه عندك وإنهم لأحرى بخذلك والميل إلينا دونك
ولو كانوا جميعا معك ومقيمين على نصرتك لرجونا أن يمكن الله منك ومنهم ويجعل دائرة السوء عليك وعليهم ويجرينا من عادته في النصر وإعزاز الأمر على ما لم يزل يتفضل علينا بأمثاله ويتطول بأشباهه
فما دعاني إلى الإرجاء لك والتسهيل من خناقك والإطالة من عنانك طول هذه المدة إلا أمران أغلبهما كان علي احتقار أمرك واستصغاره (7/7)
وقلة الاحتفال والأكتراث به وإني اقتصرت من عقوبتك على ما أخلقته بنفسك من الإباق إلى أقاصي بلاد المغرب شريدا عن منزلك وبلدك فريدا من أهلك وولدك والآخر أني علمت أن الوحشة دعتك إلى الانحياز إلى حيث انحزت إليه فأردت التسكين من نفارك والطمأنينة من جأشك وعملت على أنك تحن إلينا حنين الولد وتتوق إلى قربنا توقان ذي الرحم والنسب فإن في رفقنا بك ما يعطفك إلينا وفي تآخينا إياك ما يردك علينا ولم يسمع منا سامع في خلاء ولا ملإ انتقاصا بك ولا غضا منك ولا قدحا فيك رقة عليك واستتماما لليد عندك وتأميلا لأن تكون الراجع من تلقاء نفسك والموفق بذلك لرشدك وحظك فأما الآن مع اضطرارك إياي إلى ما اضطررتني إليه من الانزعاج نحوك وحبسك رسلي النافذين بعهد كثير إلى ما قبلك واستعمالك المواربة والخداع فيما يجري عليه تدبيرك
فما أنت بموضع للصيانة ولا أهل للإبقاء والمحافظة بل اللعنة عليك حاله والذمة منك بريه والله طالبك ومؤاخذك بما استعملت من العقوق والقطيعة والإضاعة لرحم الأبوة فعليك من ولد عاق شاق لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين ولا قبل الله لك صرفا ولا عدلا ولا ترك لك منقلبا ترجع إليه وخذلك خذلان من لا يؤبه له وأثكلك ولا أمهلك ولا حاطك ولا حفظك
فوالله لأستعملن لعنك في دبر كل صلاة والدعاء عليك في آناء الليل والنهار والغدو والآصال ولأكتبن إلى مصر وأجناد الشامات والثغور وقنسرين والعواصم والجزيرة والحجاز ومكة والمدينة كتبا تقرأ على منابرها فيك باللعن لك والبراءة منك والدلالة على عقوقك وقطيعتك يتناقلها (7/8)
آخر عن أول ويأثرها غابر عن ماض وتخلد في بطون الصحائف وتحملها الركبان ويتحدث بها في الآفاق وتلحق بها وبأعقابك عارا ما اطرد الليل والنهار واختلف الظلام والأنوار
فحينئذ تعلم أيها المخالف أمر أبيه القاطع رحمه العاصي ربه أي جناية على نفسك جنيت وأي كبيرة اقترفت واجتنيت تتمنى لو كانت فيك مسكه أو فيك فضل إنسانيه أنك لم تكن ولدت ولا في الخلق عرفت إلا أن تراجع من طاعتنا والإسراع إلى ما قبلنا خاضعا ذليلا كما يلزمك فنقيم الاستغفار مقام اللعنة والرقة مقام الغلظة والسلام على من سمع الموعظة فوعاها وذكر الله فاتقاه إن شاء الله تعالى
وكما كتب الأخشيد محمد بن طغج صاحب الديار المصرية وما معها من البلاد الشامية والأعمال الحجازية إلى أرمانوس ملك الروم الروم وقد أرسل أرمانوس إليه كتابا يذكر من جملته بأنه كاتبه وإن لم تكن عادته أن يكاتب إلا الخليفة فأمر بكتابة جوابه فكتب له الكتاب عدة أجوبة ورفعوا نسخها إليه فلم يرتض منها إلا ما كتبه إبراهيم بن عبد الله النجيرمي وكان عالما بوجوه الكتابة (7/9)
ونسخته على ما ذكره ابن سعيد في كتابه المغرب في أخبار المغرب من محمد بن طغج مولى أمير المؤمنين إلى أرمانوس عظيم الروم ومن يليه
سلام بقدر ما أنتم له مستحقون فإنا نحمد الله الذي لا إله إلا هو ونسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله
أما بعد فقد ترجم لنا كتابك الوارد مع نقولا وإسحاق رسوليك فوجدناه مفتتحا بذكر فضيلة الرحمة وما نمي عنا إليك وضح من شيمنا فيها لديك وبما نحن عليه من المعدلة وحسن السيرة في رعايانا وما وصلت به هذا القول من الفداء والتوصل إلى تخليص الأسرى إلى غير ذلك مما اشتمل عليه وتفهمناه
فأما ما أطنبت فيه من فضيلة الرحمة فمن سديد القول الذي يليق بذوي الفضل والنبل ونحن بحمد الله ونعمه علينا بذلك عارفون وإليه راغبون وعليه باعثون وفيه بتوفيق الله إيانا مجتهدون وبه متواصون وعاملون
وإياه نسأل التوفيق لمراشد الأمور وجوامع المصالح بمنه وقدرته
وأما ما نسبته إلى أخلاقنا من الرحمة والمعدلة فإنا نرغب إلى الله جل (7/10)
وعلا الذي تفرد بكمال هذه الفضيلة ووهبها لأوليائه ثم أثابهم عليها أن يوفقنا لها ويجعلنا من أهلها وييسرنا للإجتهاد فيها والاعتصام من زيغ الهوى عنها وعرة القسوة بها ويجعل ما أودع قلوبنا من ذلك موقوفا على طاعته وموجبات مرضاته حتى نكون أهلا لما وصفتنا به وأحق بما دعوتنا إليه وممن يستحق الزلفى من الله تعالى فإنا فقراء إلى رحمته وحق لمن أنزله الله بحيث أنزلنا وحمله من جسيم الأمر ما حملنا وجمع له من سعة الممالك ما جمع لنا بمولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن يبتهل إلى الله تعالى في معونته لذلك وتوفيقه وإرشاده فإن ذلك إليه وبيده ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور )
وأما ما وصفته من ارتفاع محلك عن مرتبة من هو دون الخليفة في المكاتبة لما يقتضيه عظم ملككم وأنه الملك القديم الموهوب من الله الباقي على الدهر وإنك إنما خصصتنا بالمكاتبة لما تحققته من حالنا عندك فإن ذلك لو كان حقا وكانت منزلتنا كما ذكرته تقصر عن منزلة من تكاتبه وكان لك في ترك مكاتبتنا غنم ورشد لكان من الأمر البين أن أحظى وأرشد وأولى بمن حل محلك أن يعمل بما فيه صلاح رعيته ولا يراه وصمة ولا نقيصة ولا عيبا ولا يقع في معاناة صغيرة من الأمور تعقبها كبيرة فإن السائس الفاضل قد يركب الأخطار ويخوض الغمار ويعرض مهجته فيما ينفع رعيته والذي تجشمته من مكاتبتنا إن كان كما وصفته فهو أمر سهل يسير لأمر عظيم خطير وجل نفعه وصلاحه وعائدته تخصكم لأن مذهبنا انتظار إحدى الحسنيين فمن كان منا في أيديكم فهو على بينة من ربه وعزيمة صادقة من أمره وبصيرة فيما هو بسبيله وإن في الأسارى من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدة البأساء على نعيم الدنيا وخيرها لحسن منقلبه وحميد عاقبته ويعلم أن الله تعالى قد أعاذه من أن يفتنه ولم يعذه من أن يبتليه هذا إلى أوامر الإنجيل الذي هو إمامكم وما توجبه عليكم عزائم (7/11)
سياستكم والتوصل إلى استنقاذ أسرائكم ولولا أن إيضاح القول في الصواب أولى بنا من المسامحة في الجواب لأضربنا عن ذلك صفحا إذ رأينا أن نفس السبب الذي من أجله سما إلى مكاتبة الخلفاء عليهم السلام من كاتبهم أو عدا عنهم إلى من حل محلنا في دولتهم بل إلى من نزل عن مرتبتنا هو أنه لم يثق من منعه ورد ملتمسه ممن جاوره فرأى أن يقصد به الخلفاء الذين الشرف كله في إجابتهم ولا عار على أحد وإن جل قدره في ردهم ومن وثق في نفسه ممن جاوره وجد قصده أسهل السبيلين عليه ودناهما إلى إرادته حسب ما تقدم لها من تقدم وكذلك كاتب من حل محلك من قصر عن محلنا ولم يقرب من منزلتنا فممالكنا عدة كان يتقلد في سالف الدهر كل مملكة منها ملك عظيم الشأن
فمنها ملك مصر الذي أطغى فرعون على خطر أمره حتى أدعى الإلهية وأفتخر على بني الله موسى بذلك
ومنها ممالك اليمن التي كانت للتبابعة والأقيال العباهلة ملوك حمير على عظم شأنهم وكثرة عددهم
ومنها أجناد الشام التي منها جند حمص وكانت دارهم ودار هرقل عظيم الروم ومن قبله من عظمائها
ومنها جند دمشق على جلالته في القديم والحديث واختيار الملوك المتقدمين له
ومنها جند الأردن على جلالة قدره وأنه دار المسيح من الأنبياء والحواريين (7/12)
ومنها جند فلسطين وهي الأرض المقدسة وبها المسجد الأقصى وكرسي النصرانية ومعتقد غيرها ومحج النصارى واليهود طرا ومقر داود وسليمان ومسجدهما
وبها مسجد إبراهيم وقبره وقبر إسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته وأزواجهم عليهم السلام وبها مولد المسيح وأمه وقبرها
هذا إلى ما نتقلده من أمر مكة المحفوفة بالآيات الباهرة والدلالات الظاهرة فإنا لو لم نتقلد غيرها لكانت بشرفها وعظم قدرها وما حوت من الفضل توفي على كل مملكة لأنها محج آدم ومحج إبراهيم وارثه ومهاجره ومحج سائر الأنبياء وقبلتنا وقبلتهم عليهم السلام وداره وقبره ومنبت ولده ومحج العرب على مر الحقب ومحل أشرافها وذوي أخطارها على عظم شأنهم وفخامة أمرهم
وهو البيت العتيق المحرم المحجوج إليه من كل فج عميق الذي يعترف بفضله وقدمه أهل الشرف من مضى ومن خلف وهو البيت المعمور وله الفضل المشهور
ومنها مدينة الرسول بتربته وإنها مهبط الوحي وبيضة هذا الدين المستقيم الذي امتد ظله على البر والبحر والسهل والوعر والشرق والغرب وصحارى العرب على بعد أطرافها وتنازح أقطارها وكثرة سكانها في حاضرتها وباديتها وعظمها في وفودها وشدتها وصدق بأسها ونجدتها وكبر أحلامها وبعد مرامها وانعقاد النصر من عند الله براياتها
وإن الله تعالى أباد خضراء كسرى وشرد قيصر عن داره ومحل عزه ومجده بطائفة منها
هذا إلى ما تعلمه من أعمالنا وتحت أمرنا ونهينا ثلاثة كراسي من أعظم كراسيكم بيت المقدس وأنطاكية والإسكندرية مع ما إلينا من البحر وجزائره واستظهارنا (7/13)
بأتم العتاد
وإذا وفيت النظر حقه علمت أن الله تعالى قد أصفانا بجل الممالك التي ينتفع الأنام بها وبشرف الأرض المخصوصة بالشرف كله دنيا وآخرة وتحققت أن منزلتنا بما وهبه الله لنا من ذلك فوق كل منزلة
والحمد لله ولي كل نعمة
وسياستنا لهذه الممالك قريبها وبعيدها على عظمها وسعتها بفضل الله علينا وإحسانه إلينا ومعونته لنا وتوفيقه إيانا كما كتبت إلينا وصح عندك من حسن السيرة وبما يؤلف بين قلوب سائر الطبقات من الأولياء الرعية ويجمعهم على الطاعة واجتماع الكلمة ويوسعها الأمن والدعة في المعيشة ويكسبها المودة والمحبة
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا على نعمه التي تفوت عندنا عدد العادين وإحصاء المجتهدين ونشر الناشرين وقول القائلين وشكر الشاكرين
ونسأله أن يجعلنا ممن تحدث بنعمته عليه شكرا لها ونشرا لما منحه الله منها ومن رضي اجتهاده في شكرها ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وكان سعيه مشكورا إنه حميد مجيد
وما كانت أحب أن أباهيك بشيء من أمر الدنيا ولا أتجاوز الاستيفاء لما وهبه الله لنا من شرف الدين الذي كرمه وأظهره ووعدنا في عواقبه الغلبة الظاهرة والقدرة القاهرة ثم الفوز الأكبر يوم الدين لكنك سلكت مسلكا لم يحسن أن نعدل عنه وقلت قولا لم يسعنا التقصير في جوابه ومع هذا فإنا لم نقصد بما وصفناه من أمرنا مكاثرتك ولا اعتمدنا تعيين فضل لنا نعوذ به إذ نحن نكرم عن ذلك ونرى أن نكرمك عند محلك ومنزلتك وما يتصل بها من حسن سياستك ومذهبك في الخير ومحبتك لأهله وإحسانك لمن في يدك من أسرى المسلمين وعطفك عليهم وتجاوزك في الإحسان إليهم جميع من تقدمك من سلفك ومن (7/14)
كان محمودا في أمره رغب في محبته لأن الخير أهل أن يحب حيث كان فإن كنت إنما تؤهل لمكاتبتك ومماثلتك من اتسعت مملكته وعظمت دولته وحسنت سيرته فهذه ممالك عظيمة واسعة جمة وهي أجل الممالك التي ينتفع بها الأنام وسر الأرض المخصوصة بالشرف فإن الله قد جمع لنا الشرف كله والولاء الذي جعل لنا من مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه مخصوصين بذلك إلى مالنا بقديمنا وحديثنا وموقعنا
والحمد لله رب العالمين الذي جمع لنا ذلك بمنه وإحسانه ومنه نرجو حسن السعي فيما يرضيه بلطفه
ولم ينطو عنك أمرنا فيما اعتمدناه
وإن كنت تجري في المكاتبة على رسم من تقدمك فإنك لو رجعت إلى ديوان بلدك وجدت من كان تقدمك قد كاتبت من قبلنا من لم يحل محلنا ولا أغنى غناءنا ولا ساس في الأمور سياستنا ولا قلده مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ما قلدنا ولا فوض إليه ما فوض إلينا وقد كوتب أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون وآخر من كوتب تكين مولى أمير المؤمنين ولم يكن تقلد سوى مصر وأعمالها
ونحن نحمد الله كثيرا أولا وآخرا على نعمه التي يفوت عندنا عددها عد العادين ونشر الناشرين
ولم نرد بما ذكرناه المفاخرة ولكنا قصدنا بما عددنا من ذلك حالات أولها التحدث بنعمة الله علينا ثم الجواب عما تضمنه كتابك من ذكر المحل والمنزلة في المكاتبة ولتعلم قدر ما بسطه الله لنا في هذه المسالك وعندنا قوة تامة على المكافأة على جميل فعلك بالأسارى وشكر واف لما توليهم وتتوخاه من مسرتهم إن شاء الله تعالى وبه الثقة وفقك الله لمواهب خيرات الدنيا والآخرة والتوفيق للسداد في الأمور كلها والتيسير لصلاح القول والعمل الذي يحبه ويرضاه ويثيب عليه ويرفع في الدنيا والآخرة أهله بمنه ورحمته
وأما الملك الذي ذكرت أنه باق على الدهر لأنه موهوب لكم من الله خاصة فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين
وإن الملك كله لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وإليه المصير وهو على كل شيء قدير
وإن الله عز و جل نسخ ملك (7/15)
الملوك وجبرية الجبارين بنبوة محمد وعلى أله أجمعين وشفع نبوته بالإمامة وحازها إلى العترة الطاهرة من العنصر الذي منه أمير المؤمنين أطال الله بقاءه والشجرة التي منها غصنه وجعلها خالدة فيهم يتوارثها منهم كابر عن كابر ويلقيها ماض إلى غابر حتى نجز أمر الله ووعده وبهر نصره وكلمته وأظهر حجته وأضاء عمود الدين بالأئمة المهتدين وقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون حتى يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون
وإن أحق ملك أن يكون من عند الله وأولاه وأخلقه أن يكنفه الله بحراسته وحياطته ويحفه بعزه وأيده ويجلله بهاء السكينة في بهجة الكرامة ويجمله بالبقاء والنجاء ما لاح فجر وكر دهر ملك إمامة عادلة خلفت نبوة فجرت على رسمها وسننها وارتسمت أمرها وأقامت شرائعها ودعت إلى سبلها مستنصرة بأيدها منتجزة لوعدها وإن يوما واحدا من إمامة عادلة خير عند الله من عمر الدنيا تملكا وجبرية
ونحن نسأل الله تعالى أن يديم نعمه علينا وإحسانه إلينا بشرف الولاية ثم بحسن العاقبة بما وفر علينا فخره وعلاه ومجده وإحسانه إن شاء الله وبه الثقة وهو حسبنا ونعم الوكيل
وأما الفداء ورأيك في تخليص الأسرى فإنا وإن كنا واثقين لمن في أيديكم بإحدى الحسنيين وعلى بينة لهم من أمرهم وثبات من حسن العاقبة وعظم المثوبة عالمين بما لهم فإن فيهم من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدة البأساء على نعيم الدنيا ولذتها سكونا إلى ما يتحققه من حسن المنقلب وجزيل الثواب
ويعلم أن الله قد أعاذه من أن يفتنه ولم يعذه من أن يبتليه وقد تبينا مع ذلك في هذا الباب ما شرعه لنا الأئمة الماضون والسلف الصالحون فوجدنا ذلك مواقفا لما التمسته وغير خارج عما أحببته فسررنا بما تيسر منه وبعثنا (7/16)
الكتب والرسل إلى عمالنا في سائر أعمالنا وعزمنا عليهم في جمع كل من قبلهم وأتباعهم بما وفر الإيمان في إنفاذهم وبذلنا في ذلك كل ممكن وأخرنا إجابتك عن كتابك ليتقدم فعلنا قولنا وإنجازنا وعدنا ويوشك أن يكون قد ظهر لك من ذلك ما وقع أحسن الموقع منك إن شاء الله
وأما ما ابتدأتنا به من المواصلة واستشعرته لنا من المودة والمحبة فإن عندنا من مقابلة ذلك ما توجبه السياسة التي تجمعنا على اختلاف المذاهب وتقتضيه نسبة الشرف الذي يؤلفنا على تباين النحل فإن ذلك من الأسباب التي تخصنا وإياك
ورأينا من تحقيق جميل ظنك بنا إيناس رسلك وبسطهم والاستماع منهم والإصغاء إليهم والإقبال عليهم وتلقينا انبساطك إلينا وإلطافك إيانا بالقبول الذي يحق علينا ليقع ذلك موقعه وزدنا في توكيد ما اعتمدته ما حملناه رسلك في هذا الوقت على استقلالنا إياه من طرائف بلدنا وما يطرأ من البلاد علينا وإن الله بعدله وحكمته أودع كل قرية صنفا ليتشوف إليه من بعد عنه فيكون ذلك سببا لعمارة الدنيا ومعايش أهلها
ونحن نفردك بما سلمناه إلى رسولك لتقف عليه إن شاء الله
وأما ما أنفذته للتجارة فقد أمكنا أصحابك منه وأذنا لهم في البيع وفي ابتياع ما أرادوه واختاروه لأنا وجدنا جميعه مما لا يحظره علينا دين ولا سياسة
وعندنا من بسطك وبسط من يرد من جهتك والحرص على عمارة ما بدأتنا به ورعايته ورب ما غرسته أفضل ما يكون عند مثلنا لمثلك
والله يعين على ما ننويه من جميل ونعتقده من خير وهو حسبنا ونعم الوكيل
ومن ابتدأ بجميل لزمه الجري عليه والزيادة ولا سيما إذا كان من أهله وخليقا به
وقد ابتدأتنا بالمؤانسة والمباسطة وأنت حقيق بعمارة ما بيننا (7/17)
وباعتمادنا بحوائجك وعوارضك قبلنا فأبشر بتيسير ذلك إن شاء الله
والحمد لله أحق ما ابتدىء به وختم بذكره وصلى الله على محمد نبي الهدى والرحمة وعلى آله وسلم تسليما
الحالة الثانية من حالات المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية ما كان الحال عليه بعد الدولة الفاطمية في الدولة الأيوبية
وقد ذكر عبد الرحيم بن شيث احد كتاب الدولة الأيوبية في أواخر دولتهم مصطلح ما يكتب عن السلطان في خلال كلامه فقال إن الناس كانوا لا يكتبون المجلس إلا للسلطان خاصة ويكتبون لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم الحضرة ثم أفردوا السلطان بالمقام والمقر وصاروا يكتبون المجلس لمن دونه ولم يسوغوا مكاتبة السلطان بعد ذلك بالمجلس ولا بالحضرة
قال ويكتب السلطان إلى ولده المستخلف عنه بالمجلس دون المقام
واصطلحوا على الاختصار في نعوت الملوك المكتوب إليهم والدعاء بخلاف من هو تحت أمر السلطان وتحت حوزته فإنه كلما كثرت النعوت والدعاء له في مكاتبة السلطان إليه كان أبلغ لأن ذلك في معنى التشريف من السلطان وأنه لا يقال في المقام السامي بل العالي
وأنه إذا كتب السلطان إلى من هو دونه من ذوي الأقدار عبر بالمجلس السامي ولا يزاد على ذلك ثم يفرد عن النسب بعد السامي فيقال الأمير الأجل من غير ياء النسب
وأنه لا يقال العالي مكان السامي في الكتابة عن السلطان وقد يجمع بينهما لذوي الأقدار وأنه يضاف في نعت كل أمير عمدة الملوك والسلاطين عز الإسلام أو نصرة الإسلام أو فارس المسلمين أو ما شابه ذلك من غير ضبط ولا تخصيص لأحد دون أحد إذا أحرزوا (7/18)
النعت الذي اشتهر به المكتوب إليه وأنه يقال عمدة الملوك والسلاطين وعدة الملوك والسلاطين وذخر الملوك ودونها اختيار الملوك وللأقارب فخر الملوك وجمال الملوك عز الملوك زين الملوك وللأماثل معين الملوك نصرة الملوك وما أشبه ذلك وأنه يكتب للأمراء الأعيان حسام أمير المؤمنين سيف أمير المؤمنين ولكبراء الدولة من الكتاب خاصة أمير المؤمنين وولي أمير المؤمنين وصفوة أمير المؤمنين وثقة أمير المؤمنين وصنيعة أمير المؤمنين على مقدار مراتبهم
وأن نعت الأجل يذكر بعد العلو والسمو بأن يقال المجلس العالي الأجل أو السامي الأجل وربما كان بعد ذكر الإمرة أو القضاء فيقال الأمير الأجل أو القاضي الأجل
وأن السلطان لا يبتدىء بالدعاء في كتبه إلى أحد من ماثله في الملك
وأن السلطان لا يكتب إلى أحد ممن هو تحت أمره بلا زال ولا برح في الدعاء وإنما يكتب بذلك إلى من ماثلة من الملوك أو إلى ولده المستخلف عنه في الملك
وأن الدعاء للملوك يكون مثل أدام الله أيامه وخلد سلطانه وثبت دولته وما أشبه ذلك
وأن التحميد في أوائل الكتب لا يكون إلا في الكتب الصادرة عن السلطان
وأن غاية عظمة المكتوب إليه أن يكون الحمد ثانية وثالثة في الكتاب ثم يؤتى بالشهادتين ويصلى على النبي
وأنه يكتب في الكتب السلطانية صدرت و أصدرناها ولا يكتب كتبت
وأن الذي تخاطب به الخلافة عن السلطان المواقف المقدسة الشريفة والعتبات العالية ومقر الرحمة ومحل الشرف
والذي يخاطب به الملوك المقام العالي والمقر الأشرف ولا يقال المقام السامي
والذي يخاطب به الوزراء الجناب العالي والمحل السامي
ومن دون ذلك المجلس السامي ودونه مجلس الحضرة
ودونه الحضرة
وأنه لا يكتب عن السلطان لمن هو تحت أمره إلا بنون الجمع لدلالتها على العظمة ولا يكتب تشعر إلا عن السلطان خاصة بخلاف تعلم وأن الكتب الصادرة عن السلطان تكون طويلة الطرة وتكون بقلم جليل غير دقيق
وأنه يوسع بين (7/19)
السطور حتى يكون بين كل سطرين ثلاث أصابع أو أربع أصابع
وأنه لا يخرج عن سمت البسملة في الكتابة ولا يحتمل ذلك إلا في الحمدلة
وأنه لا يترك النقط والشكل في الكتب الصادرة عن السلطان لا سيما في الألفاظ الظاهرة
وأن الدعاء على العدو كان محظورا في الكتب الصادرة عن السلطان إلى من دونه ثم استعمل ذلك
وأنه لا يترك فضلة في آخر الكتاب بياضا ولا يكتب في حاشية الكتاب
وأن الترجمة عن السلطان في كتبه لمن تحت أمره أعلاهم وأدناهم العلامة فإن أراد تمييز أحد منهم كتب له شيئا بخطه في مكان العلامة
وأن العلامة تكون إلى البسملة من السطان أقرب وأنه لا حرج على السلطان أن يترجم للقضاة والعلماء والعباد بأخيه وولده
وأن عنونة الكتاب وختمه مختص بصاحب ديوان الإنشاء ليدل ذلك على وقوفه على الكتاب
وأنه لا يجوز عنونة الكتاب قبل أن يكتب عليه السلطان ترجمته أو علامته
وأن الكتب لا تبقى مفتوحة إلا أن تكون بإطلاق مال لأن كرم الكتاب ختمه ولا أكرم من كتب السلطان ويكون طي الكتاب الصادر عن السلطان عرض ثلاث أصابع
ثم مشهور مكاتباتهم على أربعة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء للمجلس أوالجناب
مثل أدام الله أيام المجلس أو أدام الله سلطان المجلس أو أدام الله نعمة المجلس أو أدام الله اقتدار المجلس أو أدام الله سعادات المجلس أو خلد الله أيام المجلس أو سلطان المجلس أو ثبت الله دولة المجلس وما أشبه ذلك مما فيه معنى الدوام وربما أبدل لفظ الدوام وما في معناه بالمضاعفة مثل ضاعف الله نعمة المجلس
ويؤتى على الألقاب إلى آخرها ثم يقال نشعر المجلس أو (7/20)
الأمير بكذا ونحو ذلك ويؤتى على المقصود إلى آخره
ويختم بالدعاء وقد يختم بغيره
وهذه نسخة مكاتبة من هذا الأسلوب بالإخبار بفتح غزة واقتلاعها من الفرنج الديوية الذين كانوا مستولين عليها وهي أدام الله سعادات المجلس وأحسن له التدبير وأصفى عيشه من التكدير وحقق له وفيه أحسن الرجاء والتقدير وجعل وجهه من أهلة الأكابر والتكبير وأعاذ تأخير أجله من التقديم وتقديم حظه من التأخير
نشعر المجلس بما من الله تعالى به من فتح غزة يوم الجمعة الجامع لشمل النصر القاطع لحبل الكفر وهذه المدينة قد علم الله أنها من أوسع المدائن وأملإ الكنائن وأثرى المعادن وهي كرسي الديوية ومهبط رؤوسهم ومحط نفوسهم وحمى كليبهم بل كلابهم وظهير صليبهم بل أصلابهم وما كانت الأبصار إليها تطمح ولا الأقدار بها قبلنا تسمح ولها قلعة أنفها شامخ في الهواء وعطفها جامع عن عطفة اللواء قد أوغلت في الجو مرتفعه وأومضت في الليل ملتمعه وبرداء السحاب ملتفعه قد صافحتها أيدي الأنام بالسلامة من قوارعها وهادنتها حوادث الأيام على الأمن من روائعها إلى أن أتيح لها من أتاح (7/21)
لها الحين وقيض لها من اقتضى منها الدين فصبحها بما ساء به صباحها
وزعزعها بالزئير الذي خرس له نباحها
وكان من خبرها أننا لما أطللنا عليها مغيرين وأطفنا بها دائرين ولكؤوس الحرب مديرين تغلبت الأنجاد والأبطال على الزحف وأعجل ارتياح النصر عن انتظام عقد الصف وانقضوا عليها انقضاض البزاة على طرائدها وأسرعوا إليها إسراع العطاش إلى مواردها ورفعت الألوية خافقة كذوائب الضرام طالعة برسائل الحمام مشيرة بالعذبات إشارة لم يطمئنوا إليها بالسلام وجاءهم الموت من كل مكان وأمطرت الشهب من كل سنان فرأوا مثواهم الحبيب ومحلهم الخصيب وقد ركضت فيه خيول الغير واعترضت فيه سيول العبر وجردت فيه نصول القدر والنار فقد لعبت فيه مجده واحمرت فيه خدودها مخده وأقواتهم المدخره وأموالهم المثمره نفلا مباحا وزبدا مطاحا ومغنما مشاعا ونهبا مضاعا قد ملئت منه الرحال وأخصبت واتسعت به الأيدي وضاقت به الأرض بما رحبت
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار
مثل أصدرنا هذه المكاتبة أو أصدرت أو صدرت ويؤتى على المقصود على ما تقدم
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل عن (7/22)
السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أخيه سيف الإسلام سلطان اليمن يستقدمه إليه معاونا له على قتال الفرنج خذلهم الله ويبشره بفتح كوكب وصفد والكرك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو أصدرنا هذه المكاتبة إلى المجلس ومما تجدد بحضرتنا فتوح كوكب وهي كرسي الاستبارية ودار كفرهم ومستقر صاحب أمرهم وموضع سلاحهم وذخرهم وكان بمجمع الطرق قاعدا ولملتقى السبل راصدا فتعلقت بفتحه بلاد الفتح واستوطنت وسلكت الطرق فيها وأمنت وعمرت بلادها وسكنت ولم يبق في هذا الجانب إلا صور ولولا أن البحر ينجدها والمراكب تردها لكان قيادها قد أمكن وجماحها قد أذعن وما هم بحمد الله في حصن يحميهم بل في سجن يحويهم بل هم أسارى وإن كانوا طلقاء وأموات وإن كانوا أحياء قال الله عز و جل ( فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا ) ولكل امرىء أجل لا بد أن يصدقه غائبه وأمل لا بد أن يكذبه خائبه وكان نزولنا على كوكب بعد أن فتحت صفد بلد الديوية ومعقلهم ومشتغلهم وعملهم ومحلهم الأحصن ومنزلهم وبعد أن فتحنا الكرك وحصونه والمجلس السيفي أسماه الله أعلم بما كان على الإسلام من مؤونته المثقلة وقضيته المشكلة وعلته المعضلة وأن الفرنج لعنهم الله كانوا يقعدون منه مقاعد للسمع ويتبوأون منه مواضع للنفع ويحولون بين قات وراكبها فيذللون الأرض بما كانوا منه ثقلا على مناكبها (7/23)
والآن ما أمن بلاد الهرمين بأشد من أمن بلاد الحرمين فكلها كان مشتركا في نصرة المسلمين بهذه القلعة التي كانت ترامي ولا ترام وتسامي ولا تسام وطالما استفرغنا عليها بيوت الأموال وأنفقنا فيها أعمار الرجال وقرعنا الحديد بالحديد إلى أن ضجت النصال من النصال والله المشكور على ما انطوى من كلمة الكفر وانتشر من كلمة الإسلام
وإن بلاد الشام اليوم لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما
وكان نزولنا على كوكب والشتاء في كوكبه وقد طلع بيمن الأنواء في موكبه والثلوج تنشر على البلاد ملاءها الفضيض وتكسوا الجبال عمائمها البيض والأودية قد عجت بمائها وفاضت عند امتلائها وشمخت أنوفها سيولا فخرقت الأرض وبلغت الجبال طولا والأوحال قد اعتقلت الطرقات ومشى المطلق فيها مشية الأسير في الحلقات فتجشمنا العناء نحن ورجال العساكر وكاثرنا العدو والزمان وقد يحرز الحظ المكاثر وعلم الله النية فأنجدنا بفضلها وضمير الأمانة فأعان على حملها ونزلنا من رؤوس الجبال بمنازل كان الاستقرار عليها أصعب من ثقلها والوقوف بساحتها أهون من نقلها ( وأما بنعمة ربك فحدث )
والحمد لله الذي ألهمنا بنعمته الحديث ونصر بسيف الإسلام الذي هو سيفه وسيف الإسلام الذي هو أخونا الطيب على الخبيث فمدح السيف ينقسم على حديه ومدح الكريم يتعدى إلى يديه والآن فالمجلس أسماه الله يعلم أن الفرنج لا يسلون عما فتحنا ولا يصبرون على ما جرحنا فإنهم خذلهم الله أمم لا تحصى وجيوش لا تستقصى ووراءهم من ملوك البحر من يأخذ كل سفينة غصبا ويطمع في كل مدينة كسبا ويد الله فوق أيديهم والله محيط (7/24)
بأقربيهم وأبعديهم و ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) ( لا تدري لعل يحدث بعد ذلك أمرا )
وما هم إلا كلاب قد تعاوت وشياطين قد تغاوت وإن لم يقذفوا من كل جانب دحورا ويتبعوا بكل شهاب ثاقب مدحورا استأسدوا واستكلبوا وتألبوا وجلبوا وأجلبوا وحاربوا وحزبوا وكانوا لباطلهم الداحض أنصر منا لحقنا الناهض وفي ضلالهم الفاضح أبصر منا لهدانا الواضح
ولله در جرير حيث يقول
( إن الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللئيمة للئام نصور ) فالبدار إلى النجدة البدار والمسارعة إلى الجنة فإنها لا تنال إلا بإيقاد نار الحرب على أهل النار والهمة الهمة فإن البحار لا تلقى إلا بالبحار والملوك الكبار لا يقف في وجوهها إلا الملوك الكبار
( وما هي إلا نهضة تورث العلا ... ليومك ما حنت روازم نيب ) ونحن في هذه السنة إن شاء الله تعالى ننزل على أنطاكية وينزل ولدنا الملك المظفر أظفره الله على طرابلس ويستقر الركاب العادلي أعلاه (7/25)
الله بمصر فإنها مذكورة عند العدو خذله الله بأنها تطرق وأن الطلب على الشام ومصر تفرق ولا غنى عن أن يكون المجلس السيفي أسماه الله بحرا في بلاد الساحل يزخر سلاحا ويجرد سيفا يكون على ما فتحناه قفلا ولما لم يفتح بعد مفتاحا فإنه ليس لأحد ما للأخ من سمعة لها في كل مسمع سمعه وفي كل روع روعه وفي كل محضر محضر وفي كل مسجد منبر وفي كل مشهد مخبر فما يدعى العظيم إلا للعظيم ولا يرجى لموقف الصبر الكريم إلا الكريم هذا والأقدار ماضيه وبمشيئة الله جاريه فإن يشإ الله ينصر على العدو المضعف بالعدد الأضعف ويوصل إلى الجوهر الأعلى بالعرض الأدنى فإنا لا نرتاب بأن الله ما فتح علينا هذه الفتوح ليغلقها ولا جمع علينا هذه الأمة ليفرقها وأن العدو إن خرج من داره بطرا ودخل إلى دارنا كان فيها جزرا وما بقي إن شاء الله إلا أموال تساق إلى ناهبها ورقاب تقاد إلى ضاربها وأسلحة تحمل إلى كاسبها وإنما نؤثر أن لا تنطوي صحائف الحمد خالية من اسمه ومواقف الرشد خاوية من عزمه ونؤثر أن يساهم آل أيوب في ميراثهم منه مواقع الصبر ومطالع النصر فوالله إنا على أن نعطيه عطايا الآخرة الفاخرة أشد منا حرصا على أن نعطيه عطايا الدنيا القاصرة وإنا لا يسرنا أن ينقضي عمره في قتال غير الكافر ونزال غير الكفء المناظر ولا شك أن سيفه لو اتصل بلسان ناطق وفم لقال ما دمت هنالك فلست ثم وما هو محمول على خطه يخافها ولا (7/26)
متكلف يحكمنا يعافها والذي بيده لا نستكثره بل نستقصره عن حقه ونستصغره وما ناولناه لفتح أرضة السلاح ولا أعرناه لملك مركزه النجاح إلا على سخاء من النفس به وبأمثاله على علم منا أنه لا يقعد عنا إذا قامت الحرب بنفسه وماله فلا تكن به ظنا أحسن منه فعلا ولا ترضى وقد جعلنا الله أهلا أن لا نراه لنصرنا أهلا وليستشر أهل الرشاد فإنهم لا يألونه حقا واستنهاضا وليعص أهل الغواية فإنهم إنما يتغالون به لمصالحهم أغراضا ومن بيته يظعن وإلى بيته يقفل وهو يجيبنا جواب مثله لمثلنا وينوى في هذه الزيارة جمع شمل الإسلام قبل نية جمع شملنا ولا تقعد به في الله نهضة قائم ولا تخذله عزمة عازم ولا يستفت فيها فوت طالب ولا تأخذه في الله لومة لائم فإنما هي سفرة قاصدة وزجرة واحدة فإذا هو قد بيض الصحيفة والوجه والذكر والسمعة ودان الله أحسن دين فلا حرج عليه إن فاء إلى أرضه بالرجعة وليتدبر ما كتبناه وليتفهم ما أردناه وليقدم الاستخارة فإنها سراج الاستنارة وليغضب لله ورسوله ولدينه ولأخيه فإنها مكان الاستغضاب والاستشارة وليحضر حتى يشاهد أولادا لأخيه يستشعرون لفرقته غما وقد عاشوا ما عاشوا لا يعرفون أن لهم مع عمهم عما والله سبحانه يلهمه توفيقا ويسلك به إليه طريقا وينجدنا به سيفا لرقبة الكفر مرقا ولدمه مريقا ويجعله في مضمار الطاعات سابقا لا مسبوقا
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ هذه المكاتبة إلى المجلس
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب بالإخبار بفتح أيلة التي تحت العقبة في ممر حجاج مصر
وهي (7/27)
هذه المكاتبة إلى المجلس الفلاني أعلى الله سلطانه وعمر بالنجاح آماله وبالسعادة أوطانه ولا زالت يد النصر تصرف يوم اللقاء عنانه ويد لطف الله تفيض على الخلق يوم العلياء عنانه وتمكن من هام الأعداء ونحورهم سيفه وسنانه نشعره أنه لم تزل عوائد الله سبحانه عندنا متكفلة ما يوجب أن يبدأ الحمد ويعاد مقربة لنا من الآمال كل ما كان رهين نأي وبعاد موافقة لنا بالتوفيق فكأننا وإياه على ميعاد معينة لنا على ما يعتده الغاش معاش وعيد معاد
وقد كان ما علم من غزوتنا إلى أيلة التي اتخذها العدو معقلا وتديرها منزلا وعدها موئلا وغاض بها رونق الجملة وفاض بها أهل القبلة وصارت على مدارج الأنفاس وعلى مراصد الافتراص والافتراس وخصت الحرمين بأعظم قادح واشتد عن حادثتها من لطف الله أعظم فاتح ولما توجهنا إليها ونزلنا عليها شاهدنا قلعة يحتاج راميها إلى الدهر المديد والأمل البعيد والزاد العتيد والبأس الشديد تنبو بعطف جامح عن الخطبة وتعرض بذكر مانع عن الضربة وتعطف بأنف على السحاب شامخ وتطلع في الصباح بوجه شادخ كأنما بينها وبين الأيام ذمام وكأن نار الحوادث إذا بلغت ماءها برد وسلام فأطفنا بها متبصرين ونزلنا من ناحية البر بها مفكرين وبينا نحن نأمر بالحرب أن يشب أوارها وبالخيل أن تسير أسرارها وبنار اللقاء أن يستطير شرارها وبقناطير (7/28)
الموت من القسي أن تعقد أوتارها وبالمجانيق أن تعقد حناياها وتحل أزرارها وبالكواكب أن تذيقهم طعم الصغار كبارها إذ نادى مناد من أعلى قمتها ورأس قلتها معلنا بالأمان ناسخا لآية الكفر بآية الإيمان فأعارته الأسماع إنصاتها واستحقت القلوب حصاتها وعمدت إليه بنت بحر عادت باب نصر وساعة بدهر وبشرني بغلام على كبر وبظفر في سفر على قدر فأعطى فرنجها ما طلبوا وأتى اللطف للمسلمين بما لم يحتسبوا وفي الحال رفعت عليها ألوية الإسلام ونشرت وأوت إليها فئة الحق وحشرت وتظاهرت عليها أولياء الله وظهرت وقيل الحمد لله رب العالمين
الأسلوب الرابع أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابنا وباقي الأمر على نحو ما تقدم
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى بعض الأمراء بالشام عند وفاة السلطان نور الدين محمود
وهي كتابنا هذا إلى الأمير معزين بالرزء الذي كملت أقسامه وتمت ورمت أحداثه القلوب فأصمت وطرقت أحاديثه الأسماع فأصمت وأبى أن تعفو كلومه وكاد لأجله الأفق تنكسف بدوره وتنكدر نجومه وثلم جانب الدين لفقد من لولاه لدرست أعلامه ولم تدرس علومه وفجأ فاستولى على كل قلب وجيبه وعلى كل خاطر وجومه بانتقال المولى نور الدين إلى سكنى دار السلام وقدومه على ما أعده الله له من جزاء ذبه عن الإسلام وبكى أهله على فقد عزائمه (7/29)
التي بها حفظت وحرست وشكت الممالك وحشة بعده وإن ابتهجت الملائكة بقربه وأنست فلله هو من مصاب أغرى العيون بفيضها والنفوس بفيظها ونقل الأولياء من ظل المسرة ونعيمها إلى هجير المساءة وقيظها وأوجب تناجي الكفار بالنجاة من تلك السطوة التي لم تزل تزيدها غما وتردها بغيظها
ومهنئين بما أسا الكلم وداواه وحوى الحق إلى الجانب الأمنع وآواه من جلوس ولده الملك الصالح ذي التصويب والتسديد مشمولا منا بالعرف العميم والطول الجسيم جاريا على سنه المعهودة وعادته المحمودة في رفع صالح أدعيته عن صفاء سريرته وخلوص عقيدته مستمرا على جميل تحيته في إمدادنا ببركته إن شاء الله تعالى
قلت والمصطلح الجاري عليه الحال في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في زماننا مأخوذة من الأساليب الثلاثة الأول والثاني والثالث المقدم ذكرها
على أن في الدولة الأيوبية أساليب أخرى لا يسع استيعابها ويغتنى عنها بما تقدم ذكره
الطرف الحادي عشر في المكاتبات الصادرة عن ملوك أهل الغرب
وقد انفردوا عن كتاب المشرق وكتاب الديار المصرية بأمور
منها أن المخاطبة تقع للمكتوب إليه بميم الجمع مع الانفراد كما تقع الكتابة عن المكتوب عنه بنون الجمع مع الانفراد
ومنها أنهم يلتزمون الدعاء بمعنى الكتابة عند قولهم كتبنا بأن يقال كتبنا إليكم كتب الله لكم كذا (7/30)
ومنها أنهم يترضون عن الخليفة القائمين بدعوته في كتبهم
ومنها أنهم يذكرون اسم المكتوب إليه في أثناء الكتاب وباقي مكاتباتهم على نحو من مكاتبات أهل الشرق والديار المصرية وكتبهم تختم بالسلام غالبا وربما ختمت بالدعاء ونحوه
ومنها أن الخطاب يقع عندهم بلفظ الرياسة مثل أن يقال رياستكم الكريمة ونحو ذلك
ولها حالتان
الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في الزمن المتقدم وهو على أربعة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان ويدعى للمكتوب إليه ثم يقع التخلص إلى المقصود بأما بعد ويؤتى عليه آخره ويختم بالسلام
كما كتب أبو بكر بن هشام عن أبي محمد بن هود في قيامه بالدعوة العباسية ببلاد المغرب إلى أهل بلد من رعيته
من فلان إلى أهل فلانة أدام الله كرامتهم وآثرهم بتقواه وعرفهم عوارف نعماه وكنفهم في حرمه المنيع وحماه وجعلهم ممن وفق إلى رضاه وحف بخير ما قدره وقضاه بسلام
أما بعد حمد الله على متتابع واسع فضله هازم الباطل وأهله ومورط الجاهل في مهواة جهله الماليء بدعوة الحق ما اتسع من حزن المعمور وسهله والصلاة على سيدنا محمد نبيه المصطفى خاتم رسله المؤيد بالقرآن الذي عجزت الجن والإنس أن يأتوا بمثله وعلى آله وصحبه الجارين على قويم (7/31)
سنته وواضح سبله والرضا عن الإمام العباسي أمير المؤمنين الذي لا إمام سواه للمسلمين المفرع من محتده الكريم وأصله المدافع عن حرم أمره بسديد نظره وحديد نصله والدعاء لمقامه العلي ومكانه السني بالسعد المصاحب بمصاحبة ظله والعضد الفاتح ما لم يفتح لأحد من قبله فإنا كتبناه لكم كتبكم الله ممن انتفع بقوله وعمله وتوجه إلى رضاه بمبسوط أمله وجرت له الأقدار بأفضل معتاد وأجمله من فلانة والتوكل على الله سبحانه نتائج تبرزها الأيام ويستنجدها السعد والحسام ويستدنيها التفويض إلى الله سبحانه والاستسلام والدعوة العلية أدام الله أيامها وأسعد أعلامها الآثار التي تجملت بها المذاهب والأنوار التي وضحت بها المساري والمسارب وأضاءت بها المشارق والمغارب
والحمد لله حمدا كثيرا المكان الذي تتجدد حرمته وتتأكد ذمته ولا توضع عن يد الاعتناء والاهتمام أزمته وإذا أنهضت العزائم لمصالح العباد تقدمت كل العزمات عزمته لأنه المكان الذي صرف وجوه الأعداء وصابر مكابدة الإضرار والاعتداء واحتمل مكروه الدواء في معالجة الشفاء ومعاجلة حسم الداء فكرمت آثاره وتعين تخصيصه بالمزيد وإيثاره وطابت أخباره وطالت في مضايق مجال الرجال أسنته وشفاره فنحن نوجب تكريمه ونؤثر تقديمه ونتبع حديثه في الاعتناء قديمه والله يتولى تكميل قصدنا الجميل فيه وتتميمه
وقد بلغ بلغكم الله أملكم وأتم نعمته قبلكم تحرك ذلكم الخائن للإضرار بالبلاد وإيثاره دواعي الشر والفساد ومتى احتيج إلى إعلام جهة من الجهات بأحواله وما يتصوره بفاسد خياله وتغلب كبره المردي واختياله وما يصدر عنه من قبيح آثاره وأعماله فإنما يستعلم تحقيقها منكم ويتعرف تصديقها من لدنكم بصدق جواركم ودنو داركم وتداخل آثاره مع آثاركم فأنتم أقرب (7/32)
اطلاعا على خبث سره وسوء مكره وما يضمر للمسلمين من إذايته وضره فمتى انصرفت وجوه المسلمين إلى جهادهم واشتغلوا بتأمين بلادهم انتهز الفرصة في فساد يحدثه وعقد ينكثه واستعجال ما يعجل عليه ولا يلبثه ونحن نعرض عنه إعراض من يرجو متابه ويرتقب رجوعه إلى الحق وإيابه وهو متخبط في أهوائه مستمر على غلوائه مصر على إضراره واعتدائه لا يكف عنه من استطالته ولا يريه الاستبصار وجهة جهالته فوجب علينا بحكم النظر للبلاد التي لحقها عدوانه وأضر بها مكانه وتكرر عليها امتحانه أن نعاجل حسم علله ونسد مواقع خلله ونرد عليه كل مضرة لاحقة من قبله حتى يستريح الناس إلى أمن مبسوط وكنف مضبوط وحوز بالكفاية والوقاية محوط وقد كنا عند الفراغ من مصالح البلاد الغربية وانتهاء الفتح فيها إلى ما لم يدر بالخاطر ولم يحسب بالنية نظرنا في إعداد جموع من أجناد الغرب وتخيرنا منهم كل من درب بالطعن والضرب وسعد لكم من جماهير الأغراب وجزولة وسائر القبائل النازلين بالبلاد المتأهبين لما يطلبون به من الغزو والجهاد ورسمنا لهم أن يلحقوا بنا عند الاستدعاء على ما جددنا لهم في الانتخاب والانتقاء لتأخذ الجموع كلها من محو أثر هذا الخائن بنصيب وتضرب فيه وفي كل عمل يعفيه بسهم مصيب لكن لما تعجل حركته التي تعجل بها الحين وساقه إليها القدر الذي أعمى البصيرة والعين رأينا أن ننفذ (7/33)
إليه قصدنا وأن نعاجله بما حضر عندنا متوافرة الأعداد غنية عن الاستمداد غير مفتقرة إلى الازدياد ومع هذا فقد أمرنا أهل الجهات كلها باللحاق بنا وأن ينهض جميع أعدادهم من الخيل والبطل والرماة على سبيلنا ومذهبنا لتكون الأيدي في هذه المصلحة العامة واحدة والعقائد في دفع هذا الضرر عن الكافة متعاقدة حتى يذهب أثر هذه النكبة وعينها ويزول عن بهجة الإحقاق والاتفاق شينها وإذا وجب على أهل هذه الجهات أن ينفروا في هذه الدعاة خفافا وثقالا ويبادورا ركبانا ورجالا كان الوجوب في حقكم وجوبين والفرض عليكم فرضين لما يخصكم من هذه المصلحة التي أنتم أولى من يجتلي صورها ويجتني ثمرها ويجد في حاله واستقباله إثرها فليكن استعدادكم بحسب ذلكم واستوعبوا جميع أنجادكم من خيلكم ورماتكم ورجالكم وكونوا واقفين على قدم التأهب إلى أن يكون الاجتياز من هنالكم إن شاء الله تعالى والسلام
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد وهو على ضربين
الضرب الأول أن تعقب البعدية بالحمد لله ويؤتى على الخطبة إلى آخرها ثم يتخلص إلى المقصود ويختم بالسلام على نحو ما تقدم
كما كتب أبو عبد الله بن الجيان عن أبي عبد الله بن هود أيضا إلى أكابر (7/34)
بلده بالرفق بالرعية عند ورود كتابهم عليه بتحصين البلد وبلوغه جور المستخدمين بها على الرعية وهو
أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحق ورافعه ومولى متوالى الإنعام ومتابعه والصلاة على سيدنا محمد عبده ورسوله مشفع الحشر وشافعه المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العلية ومنازعه والذابين عن حوزة الإسلام بمواضي الاعتزام قواطعه والرضا عن الخليفة الإمام العباسي أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سمو مطالعه
فإنا كتبنا إليكم كتب الله لكم عزة قدحها بالثبوت فائز وسعادة قسطها للنماء حائز من فلانة وكلمة الحق منصورة اللواء منشورة الأضواء والتوكل على الله في الإعادة والإبداء والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء وحمد الله تعالى وشكره وصلنا إلى نيل مزيد النعماء والآلاء ومكانتكم لدينا مكانة السني المناصب المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب المتحلي في الغناء والاكتفاء والخلوص والصفاء بأكرم السجيات والمناقب المعلوم ما لديه من المصالحة السالكة بأكرم السجيات في المناحي الحسان على المهيع الأوضح والسنن اللاحب (7/35)
وقد وقفنا على كتابكم معلما بخبر فلانة وما رأيتموه من المصلحة في تحصينها والاجتهاد في أسباب تأمينها ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح وتتوخون ما تتوسمون فيه النجاح لكن أهم الأمور عندنا وأولى ما يوافق غرضنا وقصدنا الرفق بالرعية وحملها على قوانين الإحسان المرعية وعلى أثر وصول كتابكم وصلنا كتاب أهل فلانة المذكورة يشكون ضرر الخدمة المتصرفين فيهم ويتظلمون من متحيفيهم ومتعسفيهم وفي هذا ما لا يخفى عليكم ولا ترضون به لو انتهى إليكم فإنه إذا كان الناظر في خدمة ممن لا يحسن سياسة الأمور ولا يعلم طريقة الرفق الجارية بوفق الخاصة والجمهور أعاد التسكين تنفيرا والتيسير تعسيرا وتعلمون أنا لا نقدم على إيثار العدل في عباد الله المسلمين عملا ولا نبغي لهم باطنة بغير التخفيف عنهم والإحسان إليهم بدلا وأنتم أولى من يعتقد فيه أنه يكمل هذا المقصد ويتحرى في مصالح الرعايا هذا السنن الأرشد وقد خاطبنا أهل فلانة بما يذهب وجلهم ويبسط أملهم وعرفناهم بأنكم لو علمتم من جار عليهم من الخدمة لأخذتم على يده وجازيتموه بسوء معتقده وأشعرناهم بأنا قد استوصيناكم بهم خيرا ونبهناكم على ما يدفع عنه ضيما ويرفع ضيرا وأنتم إن شاء الله تستأنفون نظرا جميلا وتؤخرون عنهم الخدمة الذين لا يسلكون من السياسة سبيلا وتقدمون عليهم من تحسن فيهم سيرته وتكرم في تمشيته الرفق علانيته وسريرته ومثلكم لا يؤكد عليه في مذهب تحسن عواقبه وغرض يوافقه القصد الإحتياطي ويصاحبه إن شاء الله تعالى والسلام (7/36)
الضرب الثاني أن تعقب البعدية بذكر المقصود من غير خطبة ثم يؤتى على المقصود إلى آخره على نحو ما تقدم
كما كتب أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي المعروف بالأبار عن الأمير أبي جميل إلى أهل ناحية بولاية وال عليهم وهي أما بعد فالكتاب كتب الله لكم ملء الجوانب قرارا وأرسل عليكم سماء المواهب مدرارا من فلانة وليس إلا الخير الدائم واليسر الملازم وقد توالى إعلامكم بالغرض الجميل فيكم والاعتناء المتصل بتمهيد نواحيكم وأنتم اليوم بثغر متحيف وجناب متطرف يتضاعف الاحتياط عليه ويجب تيسير المير إليه فالنظر له معمل والتهمم به لا يهمل وهذه ألسن قد ملك قيادها وأوثر بوجوه القرابة إمدادها وفلان قد خاطب يستأذن في القدوم على (7/37)
الباب الكريم ويؤكد ما عنده في الخدمة والتصميم والخيرات بسبيل الاتصال والمسرات واردة مع البكور والآصال
والحمد لله الجسيم فضله والعظيم نيله فاحمدوا الله على ما يسر لنا ولكم واستوزعوه شكر ما خولنا وخولكم واعلموا أنا نرعاكم كما رعى أولنا أولاكم وقد عين لموضعكم كذا وكذا فأنفذوا إلينا بعضكم معجلا واستشعروا إنماء الأثرة واطراد النصرة حالا ومستقبلا والحركة الكبرى يمنها الله قد شرع في أسبابها وأتي ما يؤتي بمشيئة الله الفتح القريب من بابها ولا غنى بما يدار في ذلك عن فلان وقد خوطب بالوصول ووجه إليكم فلان واليا عليكم وثاويا لديكم وهو ممن خبرت كفايته وارتضيت لجبر أحوالكم سياسته وشكر هنا فأوثرتم به هنالكم وقد فوض إليكم من نظر لخاصتكم وجمهوركم وقلد بما يستقل أتم الاستقلال من تدبير أموركم وأمضي معه من الأجناد طائفة يحسنون الدفاع والذياد ولا يفارقون الجد والاجتهاد ووراء هذا من كريم العناية وجميل النظر ما يقضي لكم بالفلج والظفر ويديلكم بالأمانة الشاملة من الذعر والحذر إن شاء الله تعالى والسلام
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابنا إليكم من موضع كذا والأمر على كذا وكذا ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام
وربما قيل هذا كتابنا إليكم وربما قيل كتبنا إليكم ونحو ذلك (7/38)
كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن ابن هود في البشارة بفتح حصن وهو كتابنا إليكم أطلع الله عليكم من البشائر أنورها جبينا وأوضحها صبحا مبينا من فلانة في يوم كذا
سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي تكفل بنصر من ينصره ونصلي على سيدنا محمد الكريم محتده الزاكي عنصره ونجدد مشفوع الصلوات ونردد مرفوع الدعوات للإمام الخليفة المستنصر بالله أمير المؤمنين ذي المناقب التي لا عاد يعدها ولا حاصر يحصرها
والحمد لله الذي أنعم علينا بتقليد إمامته التي لا تعقد معها إمامه وأقامنا لإقامة دعوته التي لا تجوز على غيرها إقامه وجعلنا نرمي الغرض باسمه الأشرف فنصيبه ونستوهب فضل الله سبحانه فيتوفر قبلنا نصيبه ونستنزل بخلافته المباركة جوامع النصر كما استنزل الفاروق بغرة جده هوامع القطر فتسير أمام رايته السوداء بالأثر المبيض وتروي هذه أوام كما أروى ذلك أوام الأرض وما زلنا منذ كان النزول على هذا الحصن نتعرف فيه من مخايل النجح ودلائل الظفر والفتح ما أعطانا فثلج اليقين بأنا نفصم عروته ونفرع ذروته ولم يزل العزم (7/39)
يذلل شماسه ويقلل ناسه حتى أذعنوا لما عرفتم به من النزول لوقت معدود وأمد محدود
ثم إنهم خامرهم طارق الوجل فعجلوا أداء دينه قبل حلول الأجل وأمكن الله من هذا المعقل الفذ في المعاقل وقتل الظانين لامتناعهم والحسام إن شاء الله تعالى في يد القاتل وقد صعدت راياتنا على السور وسعدت إدارتنا بالعزم المنصور وشيد الله من هذا الفتح الجليل أقصى الفتوح بعلو وأشجاها للعدو وأدلها على نجح عمل مستأنف وبلوغ أمل مرجو
والحمد لله الذي رد حقنا المغتصب وكفانا في وجهنا هذا التعب والنصب وعرفناكم بهذا الخبر الذي هو غذاء للروح والمنبيء عن فتح الفتوح لتشكروا الله عليه شكرا وتوفوه حقه إذاعة له ونشرا وتجددوا بحمد الله على ما أولى من خالص النعم ووافر القسم ما يطيب به المعرس والمقيل ويستقصر به الأمد الطويل
واكتبوا من خطابنا هذا نسخا إلى الجهات ليأخذ منها كل بحظه وينعم القريب والبعيد بجلالة معناه وجزالة لفظه أعاننا الله وإياكم على شكر إحسانه الجزيل ولا أخلى من لطفه العميم ونظره الجميل بمنه والسلام
الحالة الثانية ما الأمر مستقر عليه الآن مما كان عليه علامة متأخري كتاب المغرب أبو عبد الله محمد بن الخطيب وزير ابن الأحمر صاحب حمراء غرناطة من الأندلس
والأمر فيها على نحو ما تقدم في الحالة الأولى من التعبير عن المكتوب إليه (7/40)
بميم الجمع وإن كان واحدا والتزام الدعاء بمعنى الكتابة عند قولهم كتبنا إليكم ونحو ذلك
وعادتهم أن يكتب كتاب السلطان في طومار كامل فإن استوعب الكلام جميع الطومار كتب على حاشيته ويكتب صاحب العلامة علامة السلطان في آخره ويطوى طيا عريضا في نحو ثلاث أصابع معترضة ثم يكسر ويطوى نصفين ويكتب العنوان بالألقاب التي في الصدر ويخزم بدسرة من الورق ثم يختم بخاتم السلطان على شمع أحمر كما تقدم بيانه
وهي على ثلاثة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة باللقب اللائق بالمكتوب إليه وهو على أضرب
الضرب الأول أن يبتدأ بلفظ المقام وهو مختص بالكتابة إلى الملوك
والرسم فيه عندهم أن يقال المقام وينعت بما يليق به ثم يقال محل أخينا أو محل ولدنا أو محل والدنا السلطان ويؤتى بألقابه ثم يسمى (7/41)
ثم يقال من فلان ويفعل فيه كذلك إلى منتهى نسبه ويدعى له بالبقاء وما يتبعه ثم يقال معظم قدره أو معظم مقامه وما أشبه ذلك ويذكر اسم المكتوب عنه ثم يقال أما بعد حمد الله ويؤتى بالخطبة إلى آخرها ثم يقال فإنا كتبناه إليكم من موضع كذا ويؤتى على المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام
كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب المقدم ذكره عن سلطانه ابن الأحمر المذكور أعلاه إلى السلطان أبي عنان بن أبي الحسن المريني صاحب فاس عند موت الطاغية ملك قشتالة من إقليم أشبيلية وطليطلة وقرطبة وما معها بعد نزوله على جبل الفتح من مملكة المسلمين بالأندلس لمحاربة المسلمين فيه ورحيل قومه بعد موته به وهو المقام الذي أنارت آيات سعده في مسطور الوجود وتبارت جياد مجده في ميدان البأس والجود وضمنت إيالته لمن بهذه الأقطار الغربية تجديد السعود (7/42)
وإعادة العهود واختلفت كتائب تأييد الله ونصره لوقته المشهور فيها ويومه المشهود مقام محل أخينا الذي نعظمه ونرفعه ويوجب له الحق العلي موضعه السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن ابن السلطان أبي سعيد ابن السلطان أبي يوسف بن عبد الحق أبقاه الله يتهلل للبشرى جنابه ويفتح لوارد الفتح الإلهي بابه وتعمل في سبيل الله مكارمه وعزائمه وركابه ويتوفر بالجهاد فيه مجده وسعده وفخره وثوابه معظم قدره الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر سلام كريم مشفوع بالبشائر والتهاني محفوف الركاب ببلوغ الأماني ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد حمد الله مطلع أنوار الصنائع العجيبة متألقة الغرر ومنشيء سحائب الألطاف الكريمة الأوصاف هامية الدرر الكريم الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر حجب كامن ألطافه عن قوى الفطن ومدارك الفطر فما ( يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر )
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله ذي المعجزات الباهرة والآيات الكبر الذي بجاهه الحصين نمتنع عند استشعار الحذر وبنور هداه نستضيء عند التباس الورد والصدر فنحصل على الخير العاجل والمنتظر والرضا عن آله وأصحابه الكرام الأثر الذين جنوا من أفنان الصبر في الله ثمار الظفر وفازوا من إنجاز الوعد بأقصى الوطر وانتظموا في سلك الملة الرفيعة انتظام الدرر والدعاء لمقامكم الأعلى باتصال المسرات وتوالي البشر والسعد الذي تجري بأحكامه النافذة تصاريف القدر والصنع الذي تجلى عجائبه في أجمل الصور فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من حظوظ فضله وإحسانه أجزل (7/43)
الأقسام وعرفكم عوارف نعمه الثرة وآلائه الجسام من حمراء غرناطة حرسها الله واليسر بفضل الله طارد الأزمات بعد ما قعدت وكاشف الشدائد بعدما أبرقت وأرعدت
ثم ما عندنا من الاعتداد بإيالتكم التي أنجزت لنا في الله ما وعدت ومددنا إليها يد الانتصار على أعدائه فأسعدت إلا الصنع العجيب واليسر الذي أتاح ألطافه السميع المجيب واليمن الذي رفع عماده التيسير الغريب ومد رواقه الفرج القريب وإلى هذا أيدكم الله على أعدائه وأجزل لديكم مواهب آلائه وحكم للإسلام على يديكم بظهوره واعتلائه وعرفكم من أخبار الهني المدفع وأنبائه كل شاهد برحمته واعتنائه
فإنا كتبناه إليكم نحقق لديكم البشرى التي بمثلها تنضى الركاب ويخاض العباب ونعرض عليكم ثمرة سعدكم الجديد الأثواب المفتح للأبواب علما بما عندكم من فضل الأخلاق وكرم الأعراق وأصالة الأحساب والمعرفة بمواقع نعم الله التي لا تجري لخلقه على حساب والعناية بأمور هذا القطر الذي تعلق أذيال ملككم السامي الجناب
وقد تقرر لدى مقامكم الأسنى ما كانت الحال آلت إليه بهذا الطاغية الذي غره الإمهال والإملاء وأقدمه على الإسلام التمحيص المكتوب والابتلاء فتملأ تيها وعجبا وارتكب من قهر هذه الأمة المسلمة مركبا صعبا وسام كلمة الإسلام بأسا وحربا فكتائب بره توسع الأرجاء طعنا وضربا وكتائب بحره تأخذ كل سفينة غصبا والمخاوف قد تجاوبت شرقا وغربا والقلوب قد بلغت الحناجر (7/44)
غما كربا وجبل الفتح الذي هو باب هذه الدار وسبب الاستعداء على الأعداء والانتصار ومسلك الملة الحنيفية إلى هذه الأقطار قد رماه ببوائقه وصير ساحته مجر عواليه ومجرى سوابقه واتخذه دار مقامه وجعله شغل يقظته وحلم منامه ويسر له ما يجاوره من المعاقل إملاء من الله لأيامه فاستقر به القرار واطمأنت الدار وطال الحصار وعجزت عن نصره الخيل والأنصار ورجمت الظنون وساءت الأفكار وشجر نظار القلوب الاضطرار إلى رحمة الله والافتقار فجبر الله الخواطر لما عظم بها الانكسار ودار بإدالة الإسلام الفلك الدوار وتمخض عن عجائب صنع الله الليل والنهار وهبت نواسم الفرج عاطرة الأرج ممن يخلق ما يشاء ويختار لا إله إلا هو الواحد القهار
وبينما نحن نخوض من الشفقة على ذلك المعقل العزيز على الإسلام لجة مترامية المعاطب ونقتعد صعبا لا يليق بالراكب ولولا التعلق بأسبابكم في أنواء تلك الغياهب وما خلص إلى هذه البلاد من مواهبكم الهامية المواهب ومواعيدكم الصادقة ومكارمكم الغرائب وكتبكم التي تقوم عند العدو مقام الكتائب وإمدادكم المتلاحق تلاحق العظام الجنائب لما رجع الكفر بصفقة الخائب إذ تجلى نور الفرج من خلال تلك الظلمة وهمت سحائب الرحمة والنعمة على هذه الأمة ورمى الله العدو بجيش من جيوش قدرته أغنى عن العديد والعدة وأرانا رأي العيان لطائف الفرج من بعد الشدة وأهلك الطاغية حتف أنفه وقطع به عن أمله قاطع حتفه وغالته أيدي المنون في غيله وانتهى (7/45)
إلى حدود القواطع القوية والأشعة المريخية نصير دليله فشفى الله منه داء وأخذه أشد ما كان اعتدادا واعتداء وحمى الجزيرة الغربية وقد صارت نهبة طغاته وأشرقه بريقه وهي مضغة في لهواته سبحانه لا مبدل لكلماته
فانتثر سلكه الذي نظمه واختل تدبيره الذي أحكمه ونطقت بتبار محلاته ألسنة النار وعاجلت انتظامها أيدي الانتثار وركدت ريحه الزعزع من بعد الإعصار وأصبح من استظهر به من الأشياع والأنصار ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) وولوا به يحثون التراب فوق المفارق والترائب ويخلطون تبر السبال الصهب بذوب الذوائب قد لبسوا المسوح حزنا وأرسلوا الدموع مزنا وشقوا جيوبهم أسفا وأضرموا قلوبهم تلهفا ورأوا أن حصن استطبونة لا يتأتى لهم به امتناع ولا يمكنهم لمن يرومه من المسلمين دفاع فأخلوه من سكانه وعاد فيه الإسلام إلى مكانه وهو ما هو من طيب البقعة وانفساح الرقعة ولو تمسك به العدو لكان ذلك الوطن بسوء جواره مكدودا والمسلك إلى الجبل عصمه الله مسدودا فكان الصنيع فيه طرازا على عاتق تلك الحلة الضافية ومزيدا لحسنى العارفة الوافية فلما استجلينا غرة هذا الفتح الهني والمنح السني قابلناه بشكر الله تعالى وحمده وضرعنا إليه في صلة نعمه فلا نعمة إلا من عنده وعلمنا أنه عنوان على مزيد ملككم الأعلى وعلامة على سعده وأثر نيته للإسلام وحسن قصده وفخر ذخره (7/46)
الله لأيامكم لا نهاية لحده فإنكم صرفتم وجه عنايتكم إلى هذا القطر على نأي المحل وبعده ولم تشغلكم الشواغل عن إصلاح شأنه وإجزال رفده
وأما البلد المحصور فظهر فيه من عزمكم الأمضى ما صدق الآزال والظنون وشرح الصدور بمقامكم وأقر العيون من صلة الإمداد على الخطر وتردد السابلة البحرية على بعد الوطن وتعذر الوطر واختلاف الشواني التي تسري إليه سرى الطيف وتخلص سهامها إلى غرضه بعد أنى وكيف حتى لم تعدم فيه مرفقة يسوء فقدانها ولا عدة يهم شأنها فجزاؤكم عند الله موفور القسم وسعيكم لديه مشكور الذمم كافأ الله أعمالكم العالية الهمم وخلالكم الزاكية الشيم فقد سعد الإسلام والحمد لله بملككم الميمون الطائر وسرت أنباء عنايتكم بهذه البلاد كالمثل السائر وما هو إلا أن يستتب اضطراب الكفار واختلافهم ويتنازع الأمر أصنافهم فتغتنمون إن شاء الله فيهم الغرة التي ترتقبها العزائم الشريفة والهمم المنيفة وتجمع شيمكم العليا بين فخر الآخرة والدنيا وتحصل على الكمال الذي لا شرط فيه ولا ثنيا فاهنأوا بهذه النعمة التي خبأها الله إلى أيامكم والتحفة التي بعثها السعد إلى مقامكم فإنما هي بتوفيق الله ثمرة إمدادكم وعقبى جهادكم أوزعنا الله وإياكم شكرها وألهمنا ذكرها
عرفناكم بما اتصل لدينا وورد من البشائر علينا عملا بما يجب لمقامكم من الإعلام بالمتزيدات والأحوال الواردات ووجهنا إليكم بكتابنا هذا من ينوب عنا في هذا الهناء ويقرر ما عندنا من الولاء وما يتزيد لدينا بالأنباء خالصة إنعامنا المتميز بالوسيلة المرعية إلى مقامنا الحظي لدينا المقرب إلينا القائد (7/47)
الفلاني أبا الحسن عبادا وصل الله عزته ويمن وجهته ومجدكم ينعم بالإصغاء إليه فيما أحلنا فيه من ذلك عليه والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام
وكما كتب عنه أيضا إلى السلطان أبي سعيد عثمان بن يغمراسن صاحب تلمسان عند بعثه بطعام إلى الأندلس شاكرا له على ذلك ومخبرا بفتح حصن من حصون الأندلس يسمى حصن قنيط وهو المقام الذي تحدثت بسعادته دولة أسلافه واتفق به قولها من بعد اختلافه وعاد العقد إلى انتظامه والشمل إلى ائتلافه مقام ولينا في الله الذي هيأ الله له من جميل صنعه أسبابا وفتح به من مبهم السعد أبوابا وأطلع منه في سماء قومه شهابا
وصفينا الذي نسهب القول في شكر جلاله ووصف خلاله إسهابا السلطان أبو سعيد عثمان ابن الأمير أبي زيد ابن الأمير أبي زكريا ابن السلطان أبي يحيى يغمراسن بن زيان مع ذكر ألقاب كل منهم بحسبه أبقاه الله للدولة الزيانية يزين بالأعمال الصالحة أجيادها ويملك بالعدل والإحسان قيادها ويجري في ميدان الندى والباس ووضع العرف بين الله والناس جيادها
سلام كريم كما زحفت للصباح شهب المواكب وتفتحت عن نهر المجرة أزهار الكواكب ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد حمد الله جامع الشمل بعد انصداعه وشتاته وواصل الحبل بعد انقطاعه وانبتاته سبحانه لا مبدل لكلماته والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الصادع بآياته المؤيد ببيناته الذي اصطفاه لحمل الأمانة العظمى وحباه (7/48)
بالقدر الرفيع والمحل الأسمى والله أعلم حيث يجعل رسالاته
والرضا عن آله وصحبه وأنصاره وحزبه وحماته المتواصلين في ذات الله وذاته القائمين بنصر دينه وقهر عداته
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم سعدا ثابت الأركان وعزا سامي المكان ومجدا وثيق البنيان وصنعا كريم الأثر والعيان من حمراء غرناطة حرسها الله والثقة بالله سبحانه أسبابها وثيقة وأنسابها عتيقة والتوكل عليه لا تلتبس من سالكه طريقه ولا تختلط بالمجاز منه حقيقة وعندنا من الاعتداد بكم في الله عقود مبرمة وآي في كتاب الإخلاص محكمة ولدينا من السرور بما سناه الله لكم من أسباب الظهور الذي حلله معلمه وحججه البالغة مسلمه ما لا تفي العبارة ببعض حقوقه الملتزمه وإلى هذا أيد الله أمركم فإننا ورد علينا فلان وصل الله كرامته وسنى سلامته صادرا عن جهتكم الرفيعة الجانب السامية المراقب طلق اللسان بالثناء بما خصكم الله به من فضل الشمائل وكرم المذاهب محدثا عن بحر مكارمكم بالعجائب فحضر بين يدينا ملقيا ما شاهده من ازدياد المشاهد بتلك الإيالة واستبشار المعاهد بعودة ذلك الملك الرفيع الجلالة الشهير الأصالة ووصل صحبته ما حملتم جفنة من الطعام برسم إعانة هذه البلاد الأندلسية والإمداد الذي افتتحتم به ديوان أعمالكم السنية وأعربتم به عما لكم في سبيل الله من خالص النية وأخبر أن ذلك إنما هو رشة من غمام وطليعة من جيش لهام ووفد من عدد وبعض من مدد وأن عزائمكم في الإعانة والإمداد على أولها ومكارمكم ينسى الماضي منها بمستقبلها فأثنينا على قصدكم الذي لله أخلصتموه وبهذا العمل البر خصصتموه وقلنا لا ينكر الفضل على أهله وهذا بر صدر عن محله فليست إعانة هذه البلاد الجهادية ببدع من مكارم جنايكم الرفيع ولا شاذة فيما أسدى على الأيام من حسن الصنيع فقد علم الشاهد والغائب ولو سكتوا أثنت عليها الحقائب ما تقدم لسلفكم في (7/49)
هذه البلاد من الإرفاق والإرفاد والأخذ بالحظ الموفور من المدافعة والجهاد وأنتم أولى من جدد عهود قومه وكان غده في الفخر أكبر من يومه وقد ظهرت لله في حيز تلك الإيالة الزيانية نتيجة تلك المقدمات وعرفت بركة ما أسلفته من المكرمات
وسنى الله سبحانه بين يدي وصول ما به تفضلتم وفي سبيله بذلتم أن فتح جيشنا حصنا من الحصون المجاورة لغربي مالقة يعرف بحصن قنيط من الحصون الشهيرة المعروفة والبقع المذكورة بالخصب الموصوفة ودفع الله مضرته عن الإسلام وأهله ويسره بمعهود فضله فجعلنا من ذلك الطعام الذي وجهتم طعمه حماته ونفقات رجاله ورماته اختيارا له في أرضى المرافق في سبل الخير وجهاته
وأما نحن فإن ذهبنا إلى تقرير ما عندنا من الثناء على معالي ملككم الأصيل البناء والاعتداد بمقامكم الرفيع العماد والاستناد إلى ولائكم الثابت الإسناد لم نبلغ بعض المراد ولا وفى اللسان بما في الفؤاد فمن الله نسأل أن يجعله في ذاته وذريعة إلى مرضاته ومرادنا من فضلكم العميم وودكم السليم أن تحسبوا هذه الجهة كجهتكم فيما يعرض من الأغراض لنعمل في تتميمها بمقتضى الود العذب الموارد الكريم الشواهد والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام
الضرب الثاني أن يقع الابتداء بالمقر
والرسم فيه أن يقال المقر وينعت ثم يقال مقر فلان وينعت بالألقاب ثم يذكر المكتوب عنه
ثم يقال أما بعد حمد الله ويؤتى على الخطبة إلى آخرها ثم يقال فإنا كتبناه لكم من موضع كذا يتخلص إلى المقصد بلفظ وإلى هذا فإن كذا وكذا ويؤتى على المقصد إلى آخره ويختم بالسلام
كما كتب ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر إلى عجلان سلطان مكة (7/50)
شرفها الله تعالى وعظمها وهو المقر الأشرف الذي فضل المحال الدينية محله وكرم في بئر زمزم ومنبط إسماعيل نهله وعله وخصه بإمرة الحرم الشريف الأمين من بيده الأمر كله فأسفر عن صبح النصر العزيز فضله واشتمل على خواص الشرف الوضاح جنسه وفصله وطابت فروعه لما استمد من ريحانتي الجنة أصله
مقر السلطان الجليل الكبير الشريف الطاهر الظاهر الأمجد الأسعد الأوحد الأسمى الشهير البيت الكريم الحي والميت الموقر المعظم ابن الحسين وحافد سيد الثقلين تاج المعالي عز الدنيا والدين أبي السبق عجلان ابن السلطان الكبير الشهير الرفيع الخطير الجليل المثيل الطاهر الظاهر الشريف الأصيل المعظم الأرضى المقدس المنعم أسد الدين أبي الفضل رميثة بن محمد بن أبي سعيد الحسني أبقاه الله وجعل أفئدة من الناس تهوي إلى قاطني مثواه على بعد الدار وتتقرب فيه إلى الله بالتئام التراب واستلام الجدار وتجيب أذان نبيه إبراهيم بالحج إجابة الابتدار وهنأه المزية التي خصه بها من بين ملوك الأقطار وأولي المراتب في عباده والأخطار كما رفع قدره على الأقدار وسجل له بسقاية الحج وعمارة المسجد الحرام عقد الفخار
وينهي إليه أكرم التحيات تتأرج عن شذا الروضة المعطار عقب الأمطار معظم ما عظم الله من شعائر مثواه وملتمس البركة من أبواب مفاتحته ولكل امرىء ما نواه وموجب حقه الذي يليق بمن البتول والرضا أبواه الشيق إلى الوفادة عليه وإن مطله الدهر ولواه فلان
كان الله له في غربته وانفراده وتولى عونه على الجهاد فيه حق جهاده (7/51)
أما بعد حمد الله ولي الحمد في الأولى والآخرة ومطمح النفوس العالية والهمم الفاخرة مؤيد العزائم المتعاضدة في سبيله المتناصرة ومعز الطائفة المؤمنة ومذل الطائفة الكافرة ومنيل القياصرة الغلب والأكاسرة وتارك أرضها للآذان السامعة والعيون الباصرة
والصلاة على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله نبي الرحمة الهامية الهامرة والبركات الباطنة والظاهرة المجاهد في سبيل الله بالعزائم الماضية والصوارم الباترة مصمت الشقاشق الهادره ومرغم الضلالة المكابره المنصور بالرعب من جنود ربه الناصره المحروس بحرس الملائكة الوافره الموعود ملك أمته بما زوي له من أطراف البسيطة العامره حسب ما ثبت بالدلائل المتواتره
والرضا عن آله وأحزابه وعترته وأصحابه المجاهدة الصابره أولي القلوب المراقبة والألسن الذاكره والآداب الحريصة على الاهتداء بهداه المثابره الذين جاهدوا في الله حق جهاده يخوضون لأن تكون كلمة الله هي العليا بحار الروع الزاخره ويقدمون بالجموع القليلة على الآلاف المتكاثره حتى قرت بظهور الإسلام العيون الناظره وحلت في العدو الفاقره فكانوا في الذب عن أمته كالأسود الكاسره وفي الهداية بسماء ملته كالنجوم الزاهره
والدعاء لشرفكم الأصيل المناسب الطاهره والمكارم الزاهية ببنوة الزهراء البتول بضعة الرسول الزاهره بالصنع الذي يسفر عن الغرر المشرقة السافره والعز الذي يضفو منه الجناح على الوفود الوافره والفضلاء من المجاورة ولا زال ذكركم بالجميل هجيري الركائب الواردة والصادره والثناء على مكارمكم (7/52)
يخجل أنفاس الرياض العاطره عقب العمائم الماطره
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم عناية تحجب الأسواء بجننها الساتره ورعاية تجمع الأهواء المختلفة والقلوب المتنافره من حمراء غرناطة دار الملك الإسلامي بالأندلس حرسها الله ووفر جموع حاميتها المثاغرة وسد بيد قدرته ما هم بها من أفواه العدى الفاغره ولا زالت سحائب رحمة الله الحائطة لها الغامره تظلل جموع جهادها الظافره وتجود رمم شهدائها الناخره ونعم الله تحط ركائب المزيد في نواديها الحامدة الشاكره
والحمد لله كما هو أهله فلا فضل إلا فضله
وجانبكم موفى حقه من التعظيم الذي أناف وأربى وقدركم يعرفه من صام وصلى فضلا عمن حج ولبى ومستند ودكم ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )
وإلى هذا حرس الله مجدكم ومقركم الأشرف كما سحب على البيت العتيق ظلكم الأورف فإن الجهاد والحج أخوان يشهد بذلك الملوان مرتضعان ثدي المناسبه ويكادان يتكافآن في المحاسبه سفرا وزادا ونية واستعدادا وإتلافا لمصون المال وإنفادا خروجا إلى الله لا يؤثر أهلا ولا ولدا وإن افترقا محلا فقد اجتمعا جهادا ورفعا للملة منارا ساميا وعمادا ووطننا والحمد لله على هذا العهد المخصوص بكمال هذه المزيه والقيام بفرض كفايتها البحرية والبرية عن جميع البريه السليمة من الضلال البرية وهذا النسب واشجة عروقه (7/53)
صادقة بروقه ومتاته لا يفضله متات ولا يفوقه
ونحن نعرفكم بأحوال هذا القطر المستمسكة فروعه بتلك الجرثومة الراسيه الممدودة أيديه إلى مثابتها المتصدقة بالدعاء المواسيه فاعلموا أن الإسلام به مع الحياة في سفط حرج وفي أمر مرج وطائفة الحق قليل عددها منقطع إلا من الله مددها مستغرق يومها في الشدة وغدها فالطلائع في قنن الجبال تنور والمصحر من بيته مغرر والصيحة مع الأحيان مسموعه والأعداء لرد ما استخلصه الفتح الأول مجموعه والصبر قد لبست مدارعه والنصر قد التمست مشارعه والشهداء تنوش أشلاءهم القشاعم وتحتفل منها للعوافي الولائم والمطاعم والصبيان تدرب على العمل بالسلاح وتعلم أحكام الجهاد تعلم القرآن في الألواح وآذان الخيل مستشرفة للصياح ومفارق الطائحين في سبيل الله تعالى تبلى بأيدي الرياح والمآذن تجيبها النواقيس مناقضة وتراجعها مغاضبة معارضه وعدد المسلمين لا يبلغ من عدد الكفار عشر المعشار ولا وبرة من جلود العشار إلا أن الله عز و جل حل بولايتنا المخنق المشدود وفتح إلى التيسير المهيع المسدود وأضفى ظلال اليمن الممدود وألهم وله الشكر على الإلهام وتسديد السهام
والحمد لله الذي يفوت مدارك الأفهام إلى اجتهاد قرن به التوفيق وجهاد نهج به إلى النجاة المنجية الطريق سبحانه من كريم يلهم العمل (7/54)
ليثيب ويأمرنا بالدعاء ليجيب فتحركنا حركات ساعدها ولله المنة السعد وتولى أمرها ونصرتها من له الأمر من قبل ومن بعد
ففتحنا مدينة برغة الفاصلة كانت بين البلاد المسلمة والشجا المعترض في نحر الكلمه وتبعتها بنات كن يرتضعن أخلاف درتها ويتعلقن في الحرب والسلم بأرزتها
ثم نازلنا حصن آش ركاب الغارات الكافره ومستقر الشوكة الوافره فرفع الله إصره الثقيل وكان من عثرة الدين فيه المقيل
ثم قصدنا مدينة الجزيرة بنت حاضرة الكفر وعرين الأسود الغلب وكناس الظباء العفر فاستبحناها عنوة أضرمت البلاد نارا ودارت بأسوارها المنيعة سوارا واستأصلنا أهلها قتلا وإسارا وملأت الأيدي من نقاوة سبي تعددت آلافه وموفور غنم شذت عن العبارة أوصافه
ثم كانت الحركة إلى مدينة جيان وشهرتها في المعمور وشياع وصفها (7/55)
المشهور تغني عن بسط مالها من الأمور ففتحها الله على يدينا عنوة وجعلت مقاتلتها نهبا للسيوف الرقاق وسبيها ملكة للاسترقاق وأهلة مبانيها البيض دريئة للمحاق واستولت على جميعها أيدي الهدم والإحراق ثم دكت الأسوار وعقرت الأشجار واستخلف على خارجها النار فهي اليوم صفصف ينشأ بها الاعتبار وتعجب الأبصار
وغزونا بعدها مدينة أبدة أختها الكبرى ولدتها ذات المحل الأسرى وكانت أسوة لها في التدمير والتتبير والعفاء المبير
ثم نازلنا مدينة قرطبة وهي أم هذه البلاد الكافره ودار النعم الوافره وذات المحاسن السافره فكدنا نستبيح حماها المنيع ونشتت شملها الجميع ونحتفل بفتحها الذي هو للدين أجل صنيع لولا عوائق أمطار وأجل منته إلى مقدار فرحلنا عنها بعد انتهاك زلزل الطود ووعدناها العود ونؤمل من فضل الله إنفاذ البشرى بفتحها على بلاد الإسلام ومتاحفة من بها من الملوك (7/56)
الأعلام بالأخبار به والإعلام
وبلغ من صنع الله لنا وهو كاف من توكل عليه وفوض الأمور إليه أن لاطفنا النصر بحصون أربعة لم نوجف عليها ركابا ولا تملكتها غلابا فطهرنا بيوت الله من دنس الأوثان وعوضنا النواقيس بكلمة الإيمان
والحمد لله على مواهب الامتنان ومنه نستزيد عوائد الإحسان
وهذه المجملات تحتمل شرحا تسبح في بحره سنان الأقلام سبحا من أوصاف مغانم شذت عن الحصر ومواقف لتنزل السكينة وهبوب النصر وما ظهر من جد المسلمين في افتتاح تلك المعاقل المنيعة المنيفه ومقارعة الجموع الكثيفة وبركة الحرم الشريف في كل حال موجوده وأقطار الإسلام بها مجوده والوسائل إلى الله بأهله في القديم والحديث لا مخيبة ولا مردوده فهو الأصل والغمد الذي سل منه النصل حتى بلغ التخوم القاصية وذلل الممالك المتعاصية وقاد من تقاعد أو تقاعس بالناصية
وقد ظهر لنا أن نوجه إلى المدينة المقدسة صلوات الله على من بها وسلامه رسالة نعرفه بهذه البركات الهامية من سماء عنايته المعدود خارقها آية من آياته وكلنا جناه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله بهداه وأصحبناها أشخاصا من نواقيس الفرنج مما تأتى حمله وأمكن نقله وما سواه فكانت جبالا لا يقبل نقلها احتيالا فتناول درعها المسخ والتكسير وشفي بذهاب رسومها الإقامة والتكبير والأذان الجهير ومرادنا أن تعرض بمجتمع الوفود تذكرة تستدعي الإمداد بالدعاء وتقتضي بتلك المعاهد النصر على الأعداء ثم تصحب ركاب الزيارة إلى أبواب النبوة ومطالع الإنارة وأنتم تعلمون في توفية هذه الأحوال ورعايتها وإبلاغها إلى غايتها ما يليق بحسبكم الوضاح ومجدكم الصراح (7/57)
وشرفكم المتبلجة أنواره تبلج الإصباح فأنتم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح ولكم بذلك الحظ الرغيب في هذه الأعمال البرة والله سبحانه لا يضيع مثقال الذرة وهو سبحانه يتولاكم بما تولى به من أعز شعاره وعظمها ورعى وسائله واحترمها ويصل أسباب سعدكم وينفعكم بقصدكم
والسلام الكريم الطيب البر العميم يحيي معاهدكم الكريمة على الله عهودها النامية بغمائم الرحمات والبركات عهودها ورحمة الله وبركاته
وربما قدم على لفظ المقر صلة يعتمد عليها في البداءة
كما كتب عنه أيضا في معنى ذلك إلى أمير المدينة النبوية على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام
يعتمد المقر الأشرف الذي طاب بطيبة نشره وجل بإمارتها الشريفة أمره وقدر في الآفاق شرفه وشرف قدره وعظم بخدمة ضريح سيد ولد آدم فخره أبقاه الله منشرحا بجوار روضة الجنة صدره مشرقا بذلك الأفق الأعلى بدره ذائعا على الألسن المادحة في الأقطار النازحة حمده وشكره مزريا بشذا المسك الأذقر في الجمع الأوفر ذكره تحية معظم ما عظم الله من دار الهجرة داره ومطلع إبداره الملتمس بركة آثاره المتقرب إلى الله بحبه وإيثاره
فلان
أما بعد حمد الله الذي فضل البقع بخصائصها الكريمة ومزاياها تفضيل الرياض الوسيمة برياها وجعل منها مثابات رحمة تضرب إليها العباد آباط مطاياها مؤملة من الله غفران زلاتها وحط خطاياها وخص المدينة الأمينة بضريح سيد المرسلين فأسعد منها مماتها ومحياها ورفع علياها (7/58)
والصلاة على سيدنا ومولانا محمد ورسوله الكريم الرؤوف بالمؤمنين الرحيم مطلع أوجه السعادة ببروق محياها وموضح أسرار النجاة ومبين خفاياها الذي تدارك الخليقة بهديه وكشف بلاياها ورعى لسنة الله رعاياها وجمع بين صلاح دينها ودنياها
والرضا عن آله وصحبه وعترته وحزبه التي كرمت سجاياها وعظمت ألطافها الهادية وهداياها وجاهدت بعده طوائف الكفار تشعشع لها في أكواس الشفار مناياها وتطلع عليها في الليل البهيم سنا الصباح الوسيم من غرر سراياها وتسد بغمام الأسنة ورياح ذوات الأعنة ثناياها
والدعاء لمقر أصالتكم الشريفة حياها الله وبياها كما شرفها بولادة الوصي الذي قرر وصاياها وسلالة النبي الذي أعظم مواهب فخرها منه وعطاياها بالسعادة التي تبرز أكف الأقدار على مرور الأعصار خباياها والعز الذي يزاحم فرقد السماء وثرياها
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من مواهب الصنع الجميل أغياها كما طيب بذكركم أطراف البسيطة وزواياها وجعل فخر الجوار الكريم في عقبكم كلمة صدق لا تختلف قضاياها ما مرضت الرياض مورسات عشاياها فجعلت من النواسم مشمومها ومن الأزهار البواسم حشاياها
من حمراء غرناطة حرسها الله ونعم الله يحوك حللها الجهاد والسيوف الحداد وتلبسها البلاد والعباد وتتزياها
وفلول الكفر ناكصة على الأعقاب من بعد شد الوثاق وضرب (7/59)
الرقاب خزاياها وبركات حرم النبي الوجيه على الله يستظلها الإسلام ويتفياها وينقع الغلل من رواياها
والحمد لله كثيرا كما هو أهله فلا فضل إلا فضله ولمعاهدكم الكريمة الارتياح كلما أومضت البروق وخفقت الرياح ولسني عنايتها الالتماح إذا اشتجرت الرماح وفي تأميل المثول بها تعمل الأفكار وإن هيض الجناح وبهداها الاستنارة إذا خفي للمراشد الصباح وبالاعتمال في مرضاة من ضمه منها الثرى الفواح والصفيح الذي تراث ساكنه العوامل المجاهدة والصفاح والجهاد الصراح يعظم في الصدر الانشراح ويعز المغدى في سبيل الله والمراح
وإلى هذا أجزل الله مسرتكم بظهور الدين واعتلاء صبحه المبين فإننا نعرفكم أننا فتح الله علينا وعلى إخوانكم المؤمنين بهذه الثغور المنقطعة الغربية الماتة على الآماد البعيدة بالذمم العربية فتوحا حوزت من مملكة الكفر البلاد ونفلت الطارف والتلاد حسب ما تنصه مخاطبتنا إلى نبينا الكريم الذي شرفكم الله بخدمة لحده واستخلفكم على دار هجرته من بعده إذ لا حاجة إلى التكرار بعدما شرحت به الصدور من الأخبار في الإيراد والإصدار ووجهنا صحبتها من النواقيس التي كانت تشيح نداء الضلال وتعارض الأذان بجلاد الحدال وتبادر أمر التمثال بالامتثال ما يكون تذكرة تحن بها القلوب إلى هذه الطائفة المسلمة إذا رأتها وتنتظر قبول الدعاء لها من الله كلما نظرتها وتتصور الأيدي المجاهدة التي جنتها من أفنان المستشرفات العالية واهتصرتها إذا أبصرتها
وهذا كله لا يتحصل على التمام إلا بمشاركة منكم تسوغه وإعانة تؤديه وتبلغه تشيع لكم عند تعرفها الثناء الدائم الترداد والدعاء بحسن المكافأة من رب العباد وسهمكم في أمر الجهاد وأنتم تعلمون في ذلك بما يناسب مثلكم من (7/60)
الشرفاء الأمجاد والله عز و جل يواليكم بنعمه الثرة العهاد ويعرفكم عوارف السعادة في المبدأ والمعاد ويختم لنا ولكم بسعادة المعاد والسلام الكريم يخصكم عودا على بدء ورحمة الله تعالى وبركاته
الضرب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإمارة
بأن يقال الإمارة التي نعتها كذا وكذا إمارة محل أخينا فلان ويدعى له
ثم يقال معظم إمارته أو معظم أخوته فلان
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله ويؤتى بخطبة ثم يقال فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا وكذا من موضع كذا ثم يتخلص إلى المقصود بلفظ وإلى هذا ويؤتى على القصد إلى آخره ويختم بالسلام على ما تقدم في غيره من الضروب وبذلك يكتب إلى الأمراء من أبناء الملوك وغيرهم
كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر إلى أبي علي الناصر ابن السلطان أبي الحسن المريني بفاس عندما أرسله والده إلى ناحية من النواحي لعمارتها وإصلاح حالها مهنئا له بما أجراه الله على يديه من الصلاح وهو الإمارة التي لها المكارم الراضية والعزائم الماضية والجلالة الراقية والأعمال الصالحة الباقية إمارة محل أخينا الذي نعظم مجده السامي الجلال ونثني على شيمه الطاهرة الخلال ونعتد بوده الكريم الأقوال والأعمال ونسر بما يسنيه الله لعزه الفسيح المجال من عوائد اليمن والإقبال
الأمير الأجل الأعز الأسمى الأطهر الأظهر الأسنى الأسعد الأرشد الأرضى المؤيد الأمضى الأفضل الأكمل أبو علي الناصر ابن محل أبينا الذي نعظمه ونجله ونوجب له الحق الذي هو أهله السلطان الجليل الكذا أبو الحسن ابن السلطان المؤيد المعان المظفر صاحب الجود الشهير في الأقطار والفضل المتألق الأنوار والمآثر التي هي أبهى من محيا النهار أمير المسلمين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي سعيد ابن أمير المسلمين (7/61)
وناصر الدين قامع الكافرين المجاهد في سبيل رب العالمين أبي يوسف بن عبد الحق
أبقاه الله والسعود إليه مبتدرة مستبقة والمسرات لديه منتظمة متسقة وغرر أيامه واضحة مشرقة والأهواء على محبته متفقة
معظم إمارته الرفيعة الجانب القائم من إجلالها ونشر خلالها بالحق الواجب المثني على مالها من السير الفاضلة المذاهب والأصالة الرفيعة المناسب والبسالة الماضية المضارب والمكارم التي تشهد بها مواقف الجهاد وظهور الجياد وصحائف الكتب وصفائح الجلاد الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر
سلام كريم بر عميم تتأرج الأرجاء من طيب نفحته ويشرق نور الود الأصيل على صفحته يخص أخوتكم الفاضلة وإمارتكم الحافلة ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي شرح بالتوكل عليه صدورا وجعل الود في ذاته كنزا مذخورا والأعمال التي تقرب إليه نورا والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بعثه بالحق هاديا وبالرعب منصورا ورفع لدعوته العالية لواء من عنايته منشورا واختاره لإقامة دين الحق والأرض قد ملئت إفكا وزورا حتى بلغ ملك أمته ما كان منها معمورا
والرضا عن آله وأحزابه الذين اتسقوا في قلائد ملته الرفيعة شذورا وطلعوا في سمائها بدورا وبذلوا نفوسهم النفيسة في نصره وإعلاء أمره فكانت شفاعته لهم جزاء وكان سعيهم مشكورا
والدعاء لإمارتكم العالية بالسعد الذي يصاحب منه ركابها مددا موفورا والتوفيق الذي يوسع عملها نجحا وأملها سرورا
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم سعدا متجدد الإحكام وصنعا مشرق القسام وافر الأقسام وعرفكم ما عودكم من عوارف الإنعام وعوائد النصر (7/62)
الواضح الأعلام ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أوضح برهانه ثم بما عندنا من التشيع في مقام محل أبينا والدكم السلطان الجليل أسعد الله سلطانه ومهد به أوطانه إلا ما يرجى من عوائد الله الجميلة ومننه الجزيلة وألطافه الكافية الكفيلة وعندنا من التعظيم لتلك الإمارة الرفيعة ما هو أشهر من الشهير وأعظم من أن يحتاج إلى التفسير فلا نزال نعتد لجانب أخوتها بالعتاد الكبير والذخر الخطير ونثني على مكارمها بالقلم واللسان والضمير
وإلى هذا أيد الله إمارتكم وسنى إرادتكم وأسعد إدارتكم فقد علم الغائب والشاهد والصادر والوارد ما عندنا لكم من الحب الذي صفت منه الموارد والولاء الذي تضوعت من طيبه المعاهد وإننا تعرفنا ما كان من قدومكم السعيد على أحواز المرية من تلك الأقطار وطلوعكم عليها بالعزم الماضي والجيش الجرار
وأن محل والدنا وصل الله له علو المقدار قدم منكم بين يديه مقدمة اليمن والاستبشار ورائد السعادة المشرقة الأنوار بخلال ما يتلاحق بها ركابه العالي قدره على الأقدار وأن مخايل النجح لإمارتكم الرفيعة قد ظهرت وأدلة الصنع الجميل قد بهرت ومن بتلك الجهات من القبائل المختلفات بالطاعة قد ابتدرت وبأوامرها الإمارية قد ائتمرت وأنكم قد أخذتم في تسكين الأوطان وتمهيدها واستئناف العزائم وتجديدها وإطفاء نار الفتن وإخمادها وإعلاء أركان تلك الإيالة ورفع عمادها فكتبنا إليكم هذا (7/63)
الكتاب نهنئكم بما سناه الله لمجدكم الرفيع من حسن الصنيع ونقرر ما عندنا من الود الكريم والحب الصميم ونستفهم عن أحوال أخوتكم لنكون من علمها على السنن القويم وحتى لا تزال الأسباب متصلة والمودة جديدة مقتبلة ولولا العوائق المانعة والشقة البعيدة الشاسعة والأمواج المترامية المتدافعة لم نغب المخاطبة ولوصلنا المراسلة والمكاتبة ومجدكم يقبل الأعذار الصحيحة بمقتضى كماله ومعهود إفضاله والله تعالى يصلح بكم الأحوال ويسكن الأهوال ويبلغكم من فضله الآمال
وغرضنا أن تعرفونا بما لديكم من المتزيدات والصنائع المتجددات وبما عندكم من أحوال محل أبينا وصل الله عوائد النصر لسلطانه وتكفل بإعلاء أمره وتمهيد أوطانه
وقد كتبنا إليه صحبة هذا كتابا غرضنا من أخوتكم الطاهرة أن يصل إل حضرته العلية تحت عنايتكم ووصاتكم والرعاية التي تليق بذاتكم وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم ويحفظ ولاءكم الكريم وودكم والسلام الكريم عليكم ورحمة الله وبركاته
الأسوب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه أو المكتوب عنه وهو على ضربين
الضرب الأول أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه تعظيما له
والرسم فيه أن يقال إلى فلان وينعت بما يليق به ثم يؤتى بالسلام ويقال أما بعد ويؤتى بخطبة ثم يقال فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا وكذا من موضع كذا ويتخلص إلى المقصود بلفظ وإلى هذا ويؤتى على المقصود إلى آخره ويختم بالسلام
كما كتب ابن الخطيب عن سلطانه ابن الأحمر إلى الأمير يلبغا العمري (7/64)
الشهير بالخاصكي أتابك العساكر بالديار المصرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين
إلى الأمير المؤتمن على أمر سلطان المسلمين المقلد بتدبيره السديد قلادة الدين المثني على رسوم بره المقامة لسان الحرم الأمين الآوي من مرضاة الله تعالى ورسوله إلى ربوة ذات قرار ومعين المستعين من الله على ما تحمله وأمله بالقوى المعين سيف ا لدعوة ركن الدولة قوام الملة مؤمل الأمة تاج الخواص أسد الجيوش كافي الكفاة زين الأمراء علم الكبراء عين الأعيان حسنة الزمان الأجل المرفع الأسنى الكبير الأشهر الأسمى الحافل الفاضل الكامل المعظم الموقر الأمير الأوحد يلبغا الخاصكي وصل الله له سعادة تشرق غرتها وصنائع تسح فلا تشح درتها وأبقى تلك المثابة قلادة الله وهو درتها سلام كريم طيب عميم يخص إمارتكم التي جعل الله الفضل على سعادتها أمارة واليسر لها شارة فيساعد الفلك الدوار مهما أعملت إدارة وتمتثل الرسوم كلما أشارت إشارة
أما بعد حمد الله الذي هو بعلمه في كل مكان من قاص ودان وإليه توجه الوجوه وإن اختلف السير وتباعدت البلدان ومنه يلتمس الإحسان وبذكره ينشرح الصدر ويطمئن القلب ويمرح اللسان سيدنا ومولانا محمد رسوله العظيم الشأن ونبيه الصادق البيان الواضح البرهان (7/65)
والرضا عن آله وأصحابه وأعمامه وأحزابه أحلاس الخيل ورهبان الليل وأسود الميدان والدعاء لإمارتكم السعيدة بالعز الرائق الخبر والعيان والتوفيق الوثيق البنيان فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم حظا من فضله وافرا وصنيعا عن محيا السرور سافرا وفي جو الإعلام بالنعم الجسام مسافرا
من حمراء غرناطة حرسها الله دار الملك بالأندلس دافع الله عن حوزتها كيد العداة وأتحف نصلها ببواكر النصر المهداة ولا زائد إلا الشوق إلى التعارف بتلك الأبواب الشريفة التي أنتم عنوان كتابها المرقوم وبيت قصيدها المنظوم والتماس بركاتها الثابتة الرسوم وتقرير المثول في سبيل زيارتها بالأرواح عند تعذره بالجسوم
وإلى هذا فإننا كانت بين سلفنا تقبل الله جهادكم وقدس نفوسكم وأمن معادهم وبين تلك الأبواب السلطانية ألقى الله على الإسلام والمسلمين ظلالها كما عرفهم عدلها وإفضالها مراسلة ينم عرف الخلوص من خلالها وتسطع أنوار السعادة من آفاق كمالها وتلتمح من أسطار طروسها محاسن تلك المعاهد الزاكية المشاهد وتعرب عن فضل المذاهب وكرم المقاصد اشتقنا إلى أن نجددها بحسن منابكم ونصلها بمواصلة جنابكم ونغتنم في عودها الحميد مكانكم ونفضل لها زمانكم فخاطبنا الأبواب الشريفة في هذا الغرض بمخاطبة خجلة من التقصير وجلة من الناقد البصير ونؤمل الوصول في خفارة يدكم التي لها الأيادي البيض والموارد التي لا تغيض ومثلكم من لا تخيب المقاصد في شمائله ولا تضحى المآمل في ظل خمائله فقد اشتهر من عظيم سيرتكم ما طبق الآفاق وصحب الرفاق واستلزم الإصفاق وهذه البلاد مباركة ما أسلف أحد فيها مشاركة إلا وجدها في نفسه وماله ودينه وعياله والله أكرم من وفى لامريء بمكياله والله جل جلاله يجمع القلوب على طاعته وينفع بوسيلة النبي الذي نعول على شفاعته ويبقي تلك الأبواب ملجأ للإسلام والمسلمين وظلا لله على العالمين وإقامة لشعائر الحرم الأمين ويتولى إعانة إمارتكم على (7/66)
وظائف الدين ويجعلكم ممن أنعم الله عليه من المجاهدين والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته
الضرب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه وهو على صنفين
الصنف الأول ما يكتب به إلى بعض الملوك
والرسم فيه أن يقال من فلان إلى فلان بألقابه ونعوته ونعوت آبائه على ما تقدم ثم يؤتى بالسلام ويقال أما بعد حمد الله ويؤتى بخطبة ثم يقال فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم كذا ثم يقال وإلى هذا فإن كذا وكذا ويؤتى على المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام على نحو ما مر
كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر إلى بعض ملوك الغرب يهنئه بدخول مدينة بجاية في طاعته ما صورته من أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره إلى محل أخينا الذي نصل له أسباب الإعظام والإجلال ونثني عليه بما له من كريم الشيم وحميد الخلال ونسر له ببلوغ الآمال ونجاح الأعمال في طاعة ذي الجلال السلطان فلان ابن السلطان فلان بالألقاب اللائقة بكل منهم وصل الله له سعدا متصل الدوام دائم الاتصال وصنعا تتجلى وجوهه من ثنايا القبول والإقبال وعزا أتتفيأ ظلاله عن اليمين والشمال سلام كريم بر عميم يخص (7/67)
سلطانكم الأسنى ويعتمد مقامكم المخصوص بالزيادة والحسنى ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الواهب الفاتح المانع المانح مظهر عنايته بمن خلص إليه قصده وقصر على ما لديه صدره وورده أبدى من محيا النهار الواضح الذي وعد من اتقاه حق تقاته على ألسنة سفرة الوحي وثقاته بنجح الخواتم والفواتح سيدنا محمد ورسوله المبتعث لدرء المفاسد ورعي المصالح وسعادة الغادي والرائح منقذ الناس يوم الفزع الأكبر وقد طاحت بهم أيدي الطوائح وهاديهم إلى سواء السبيل بأزمة النصائح ومظفرهم من السعادة الدائمة بأربح البضائع وأسنى المنائح والرضا عن آله وأصحابه وعترته وأحزابه الذين خلفوه امتثالا لأمر الصحائف وإعمالا للصفائح وكانوا لأمته من بعده في الابتداء بسنته والمحافظة على سننه كالنجوم اللوائح والدعاء لسلطانكم الأسمى بالسعد الذي يغنى بوثاقه سببه ووضوح مذهبه عن زجر البارح والسانح والعز البعيد المطارح السامي المطامح والصنع الجميل الباهر الملامح ولا زال توفيق الله عائدا على تدبيركم السعيد بالسعي الناجح والتجر الرابح
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من فضله أوفر الأقسام وأوفاها وأوردكم من موارد عنايته أعذب الجمام وأصفاها كما أسبغ عليكم أثواب المواهب وأضفاها
وأبدى لكم وجوه اللطائف الجميلة وأحفاها من حمراء غرناطة حرسها الله وفضل الله هامية ديمه وعوائد اللطف يصلها فضله وكرمه والإسلام بهذا الثغر الجهادي مرعية ذممه وجاه النبوة المحمدية يعمل بين إرغام العدو الكافر وإهداء المسرات والبشائر سيفه وقلمه والسرور بما يبلغ من (7/68)
مزيد سعدكم وميضه خافق علمه وودكم ثابت في مواقف الخلوص قدمه
وقد اتصل بنا ما كان من دخول حضرة بجاية حرسها الله في طاعتكم وانتظامها في سلك جماعتكم وانقطاعها إلى عصمتكم وتمسكها بأزمتكم وعقدكم منها ومن أختها السابقة الذمام الخليقة بمزيد الاهتمام على عقيلتي الأقطار التي لا يجمع بينهما إلا ملك همام وخليفة إمام ومن وضحت من سعادته أحكام وشهرت بعناية الله له أدلة واضحة وأعلام ومن جمع الله له بين البر المتراكض الخيول والجيش المتدافع السيول والخصب الذي تنضي مواجده المستنجزة ظهور الخيول وبين البحر الشهير بنجدة الأسطول وإنجاز وعد النصر الممطول ومرسى السفن التي تخوض أحشاء البحار وتجلب مرافق الأمطار والأقطار وتتحف على النأي بطرف الأخبار
بجاية وما بجاية دار الملك الأصيل العتيق وكرسي العز الوثيق والعدة إذا توقعت الشدة كم ثبتت على الزلزال وصابرت مواقف النزال أمطاكم السعد صهوتها وأحلكم التوفيق ربوتها من غير مطاولة حصار ولا استنفاد ذي وسع واقتدار ولا تسور جدار فأصبحت دولتكم السعيدة تتفيأ جنى الجنتين وتختال في حلتين وتجمع بفتيا السيوف المالكية بين هاتين الأختين أوزعكم الله شكرها من نعمة جلت مواهبها ووضحت مذاهبها وصنيعة بهرت عجائبها
وإذا كانت عقائل النعم تخطب أكفاءها وموارد المنن تعرض على الوراد صفاءها فأنتم أهلها الذين لكم تذخر وبمن دونكم تسخر فإنكم تميزتم بخصال العفاف والبسالة والحسب والجلالة وأصبحتم في بيتكم صدرا وفي هالة قومكم بدرا مواقفكم شهيرة وسيرتكم في الفضل لا تفضلها سيرة ونحن (7/69)
نهنئكم بما منحكم الله من انفساح الإياله ونمو الجلاله والنعم المنثاله بسلطان ألقى عنانه إلى مثلكم قد اختار لقياده وارتاد فسعد في ارتياده وتكفل الحزم بحفظ بلاده وصون طارفه وتلاده وكأن به قد استولى على آماده وتطاول لإرث أجداده
ولنا فيكم علم الله ود تأسس بناؤه وكرمت أبناؤه وحب وجب بالشرع إنفاذه إليكم وإنهاؤه
وغرضنا الذي نؤثره على الأغراض والمقاصد ونقدمه بمقتضى الخلوص الذي زكت منه الشواهد أن تتصل بيننا وبينكم المخاطبة وتتعاقب المواصلة والمكاتبة والله عز و جل المعين على ما يجب لودكم من بر تكفل واجبه وتوضح مذاهبه واعتقاد جميل يتساوى شاهده وغائبه وهو سبحانه يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته
الصنف الثاني ما يكتب به إلى الرعايا
والحكم فيه على ما نحو ما تقدم في الصنف الذي قبله إلا أنه يخاطبهم بأوليائنا
كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر أيضا إلى بعض رعاياه بمدينة المرية بالأندلس بالبشارة بموت الطاغية ملك قشتالة بجبل الفتح ورحيل قومه به إلى بلادهم ما صورته من الأمير عبد الله يوسف ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره وأسعد عصره إلى أوليائنا في الله تعالى الذين نبادر إليهم بالبشائر السافرة الغرر ونجلو عليهم وجوه الصنائع الإلهية كريمة الخبر والخبر ونعلم ما لهم من الود الكريم الأثر القائد بالمرية والقاضي بها والفقهاء والأشياخ والوزراء والأمراء والكافة والدهماء من (7/70)
أهلها عرفهم الله عوارف الأداء وأوزعهم شكر نعمة هذا الفتح الرباني الذي تفتحت له أبواب السماء وأنشرت معجزاته ميت الرجاء في هذه الأرجاء
سلام كريم طيب بر عميم تنشق منه نفحات الفرج عاطرة الأرج ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله فاتح أبواب الأمل بعد استغلاقها ومتدارك هذه الأمة المحمدية بالصنع الذي تجلى لها ملء أحداقها والرحمة التي مدت على النفوس والأموال والحرمات والأحوال ضافي رواقها سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي دعوته هي العروة الوثقى لمن تمسك باعتلاقها وأقام على ميثاقها ذي المعجزات التي بهرت العقول بائتلافها الذي لم ترعه في الله الشدائد على اشتداد وثاقها وفظاعة مذاقها حتى بلغت كلمة الله ما شاءت من انتظامها واتساقها والرضا عن آله وصحبه وعترته وحزبه الفائزين في ميدان الدنيا والدين بخصل سباقها
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم شكرا لنعمه ومعرفة بمواقع كرمه من حمراء غرناطة حرسها الله ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا ما أمن الأرجاء ومهدها وأنشأ معالم الإسلام وجددها وأسس أركان الدين الحنيف وأقام أودها وأنتم الأولياء الذين نعلم منهم خلوص الأهواء ونتحقق ما عندهم من الخلوص والصفاء
وإلى هذا فقد علمتم ما كانت الحال آلت إليه من ضيقة البلاد والعباد بهذا الطاغية الذي جرى في ميدان الأمل جري الجموح ودارت عليه خمرة النخوة والخيلاء مع الغبوق والصبوح حتى طفح بسكر اغتراره ومحص المسلمون على يديه بالوقائع التي تجاوز منتهى مقداره وتوجهت إلى استئصال الكلمة مطامع أفكاره ووثق بأنه يطفيء نور الله (7/71)
بناره ونازل جبل الفتح فشد مخنق حصاره وأدار أشياعه في البر والبحر دور السوار على أسواره وانتهز الفرصة بانقطاع الأسباب وانبهام الأبواب والأمور التي لم تجر للمسلمين بالعدوتين على مألوف الحساب وتكالب التثليث على التوحيد وساءت الظنون في هذا القطر الوحيد المنقطع بين الأمم الكافرة والبحور الزاخرة والمرام البعيد
وإننا صابرنا بالله تيار سيله واستضأنا بنور التوكل عليه في جنح هذا الخطب ودجنه ليلة ولجانا إلى من بيده نواصي الخلائق واعتلقنا من حبله المتين بأوثق العلائق وفسحنا مجال الأمل في ذلك الميدان المتضايق وأخلصنا لله مقيل العثار ومولى أولي الاضطرار قلوبنا ورفعنا إليه أمرنا ووقفنا عليه مطلوبنا ولم نقصر ذلك في إبرام العزم واستشعار الحزم وإمداد الثغور بأقصى الإمكان وبعث الجيوش إلى ما يلينا من بلاده على الأحيان فرحم الله انقطاعنا إلى كرمه حين لجأنا إلى حرمه فجلا بفضله سبحانه ظلام الشدة ومد على الحريم والأطفال ظلال رحمته الممتدة وعرفنا عوارف الصنع الذي قدم به العهد على طول المدة ورماه بجيش من جيوش قدرته أغنى عن إيجاف الركاب واحتشاد الأحزاب وأظهر فينا قدرة ملكه عند انقطاع الأسباب واستخلص العباد والبلاد من بين الظفر والناب فقد كان سد المجاز بأساطيله وكاثر كلمة الحق بأباطيله ورمى الجزيرة الأندلسية بشؤبوب شره وصيرها فريسة بين غربان بحره وعقبان بره فلم يخلص إلى المسلمين من إخوانهم مرفقة إلا على الخطر الشديد والإفلات من يد العدو العنيد مع توفر العزائم والحمد لله على العمل الحميد والسعي فيما يعود على الدين بالتأييد
وبينما شفقتنا على جبل الفتح تقيم وتقعد وكلب الأعداء عليه يبرق ويرعد واليأس والرجاء خصمان هذا يقرب وهذا يبعد إذ طلع علينا البشير بانفراج الأزمة وحل تلك العزمة وموت شاة تلك الرقعة وإبقاء الله على (7/72)
تلك البقعة وأنه سبحانه أخذ الطاغية أكمل ما كان اغترارا وأعظم أنصارا وزلزل أرض عزه وقد أصابت قرارا وأن شهاب سعده أصبح آفلا وعلم كبره انقلب سافلا وأن من بيده ملكوت السموات والأرض طرقه بحتفه وأهلكه برغم أنفه وأن محلته عاجلها التباب والتبار وعاثت في منازله وتمخض عن سوء عاقبته الليل والنهار وأن حماتها يخربون بيوتهم بأيديهم وينادي بشتات الشمل لسان مناديهم وتلاحق بنا الفرسان من جبل الفتح المعقل الذي عليه من عناية الله رواق مضروب والرباط الذي من حاربه فهو المحروب فأخبرت بانفراج الضيق وارتفاع العائق لها عن الطريق وبرء الداء الذي أشرق بالريق
وأن النصارى دمرهم الله جدت في ارتحالها وأسرعت بجيفة طاغيتها إلى سوء مآلها وسمحت للسهب والنهب والنار بأسلابها وأموالها فبهرنا هذا الصنع الإلهي الذي مهد الأقطار بعد رجفانها وأنام العيون بعد سهاد أجفانها وسألنا الله أن يعيننا على شكر هذه النعمة التي إن سلطت عليها قوى البشر فضحتها ورجحتها أو قيست بالنعم فضلتها ورأينا سر اللطائف الخفية كيف سريانه في الوجود وشاهدنا بالعيان أنوار اللطف الإلهي والجود وقلنا إنما هو الفتح الأول شفع بثان وقواعد الدين الحنيف أيدت من صنع الله ببيان
اللهم لك الحمد على نعمك الباطنة والظاهرة ومننك الوافرة أنت ولينا في الدنيا والآخرة وأمرنا للحين فقلدت لبات المنابر بهذا الخبر وجليت في جماعات المسلمين وجوه هذا الفتح الرائق بالغرر وعجلنا تعريفكم به ساعة (7/73)
استجلائه وتحقق أنبائه لتسحبوا له أثواب الجذل ضافية وتردوا به موارد الأمل صافية فإنما هو ستر الله شمل أنفسكم وحريمكم وأمانة كفل ظاعنكم ومقيمكم فقرطوا به الآذان وبشروا به الإقامة والأذان وتملوا بالعيش في ظله وواظبوا حمد الله ولي الحمد وأهله وانشروا فوق أعواد المنابر من خطابه راية ميمونة الطائر واجعلوا هذه البشارة سجلا في فرقان البشائر فشكر الله سبحانه يستدعي المزيد من نعمه ويضمن اتصال كرمه وعرفوا بذلك من يليكم من الرعية ليأخذ مثل أخذكم ويلحظ هذا الأمر بمثل لحظكم فحقيق عليكم أن تشيدوا بهذا الخبر في الحاضر والباد وتجعلوا يوم عاشوراء الذي تجلى فيه هذا الصنع ثالث الأعياد والله سبحانه يجعله للمسرات عنوانا ويطلع علينا وعليكم وجوه صنعه غرا حسانا والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد
والرسم فيه أن يقال أما بعد حمد الله أو أما بعد فالحمد لله ويؤتى بخطبة
ثم يقال فإنا كتبناه إليكم من موضع كذا كتب الله لكم كذا وكذا ثم يتخلص إلى المقصود ويؤتى عليه إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام
كما كتب ابن الخطيب عن ابن الأحمر من الأندلس
أما بعد حمد الله محسن العواقب ومخلد المناقب ومعلي المراقي في درج علية المراقب ومسخر النجم الثاقب في الغسق الواقب والكفيل بالحسنى للمتوكل عليه المراقب ناسخ التمحيص بالعناية والتخصيص لتظهر حكمة المثيب والمعاقب
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الماحي الحاشر العاقب ذي القدر المسامي للزهر المصاقب (7/74)
والرضا عن آله الذين كانوا في سماء ملته لهداية أمته كالشهب الثواقب فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم توالي المواهب ووضوح المذاهب ووقوف الدهر لديكم موقف الثائب من القدح النائب ووالى لديكم مفاتحة الكتب المهنئة بفتوح الكتائب من حمراء غرناطة حرسها الله وفضل الله بتعرف صنعه لكم هامي السحائب وكفيل بنيل الرغائب والسرور بما سناه الله لكم من استقامة أحوالكم شأن الشاهد والغائب والرائح والآئب
والحمد لله على ما توالى من الألطاف والعجائب
وقد وصل كتابكم الذي أكد السرور وأصله وأجمل مقتضى البشرى وفصله ونظم خبر الفتح ووصله وراش سهم السعادة والسداد والعناية والإمداد ونصله وأحرز حظ السعادة وحصله تعرفون ما أتاح لكم اللطيف الخبير والولي النصير من الصنع الذي اتسق نظامه والنصر الذي سنت في أم الكتاب أحكامه والعز الذي خفقت أعلامه والتوفيق الذي قرطست الغرض سهامه وأنكم من بعد الكائنة التي راش لطف الله بها وجبر وأحسن الخير وأدال الخبر وجعل العاقبة الحسنى لمن صبر جهزتم الجيوش المختارة والعساكر الجرارة يقودها الخلصان من الوزراء وتتقدم رايتها ميامن الآراء فكتب الله ثبات أقدامها وتولى نصر أعلامها ولم يكن إلا أن حمي وطيس النزال ورجفت الأرض لهول الزلزال وتعوطيت كؤوس الآجال في ضنك المجال ودجا القتام وتوهم مع فضل الله الاغتنام وعبس الوجه العباس وضحك النصل البسام وأورد الخيل موارد الطعان الإقدام فكان لحزبكم الظهور الذي حكم المهندة في الرقاب والسمر الطوال في الثغر ثم في الأعقاب وبشرت برؤية هلال الفتح عيون الارتقاب وحط عن (7/75)
وجه الصنع الجميل ما ران من النقاب وأن من بغى عليكم حسب ما قررتم وعلى نحو ما أجملتم وفسرتم من شيوخ الغرب المجلبة ووجوه الخدم المنتمية إلى حسن العهد المنتسبة تحصل في حكم استرقاقكم وتحت شد وثاقكم وربما أسفر المكروه عن المحبوب وانجلى المرهوب عن المرغوب والله مقلب القلوب وشيمتكم في ائتلاف النافر والأخذ من فضل العفو بالحظ الوافر كفيل لكم بالصنع السافر والله يحملكم على ما فيه رضاه ويخير لكم فيما قضاه فسررنا بما اتصل لكم من الصنع واطرد ورحبنا بهذا الوارد الكريم الذي ورد وشكرنا فضلكم في التعريف بخبره المودود والشرح لمقامه المحمود وكتبنا نهنئكم به هناء مشفوعا وبالدعاء لكم متبوعا والله يطلع من توالي مسرتكم على ما يبسط الآمال وينجح الأعمال ويفسح في السعد المجال
والذي عندنا من ودكم أعظم من استيفائه بالمقال أو نهوض اليراع بوظائفه الثقال يعلم ذلك عالم الخفيات والمجازي بالنيات سبحانه
والله يصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الطرف الثاني عشر في الكتب الصادرة عن وزراء الخلفاء المنفذين أمور الخلافة اللاحقين بشأو الملوك وفيه جملتان
الجملة الأولى في الكتب الصادرة عن وزراء خلفاء بني العباس ببغداد ووزراء ملوكها يومئذ
أما وزراء إقطاعاتها فقد ذكر أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب (7/76)
أن المكاتبة من الوزير إلى الخليفة في زمانه كانت أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأعزه وأيده وأتم نعمته عليه وأدام كرامته له
قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب وإن كانت المكاتبة من الوزير إلى من دونه فدعاؤه له أطال الله بقاءك وأدام تأييدك وتمهيدك وكرامتك
ودونه أطال الله بقاءك وأدام عزك وحراستك
قال وعلى مقدار المكاتب يكون الدعاء
وأقسامه كثيرة
ثم ذكر الأدعية العامة بعد ذلك على الترتيب فقال إن أعلاها يومئذ أطال الله بقاءه وأدام تمكينه ورفعته وبسطته وعلوه وسموه وكبت أعداءه وحسدته
ودونه أطال الله بقاه وأدام تمكينه وارتقاه ورفعته وسناه وتمهيده وكبت أعداه
ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده ونعماه وكبت أعداه
ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده وحرس حوباه
ودونه أطال الله بقاه وأدام تأييده ونعماه
ودونه أطال الله بقاءه وأدام نعماءه ودونه أطال الله بقاءه وأدام عزه ودونه أطال الله بقاءه وأدام توفيقه وتسديده
ودونه أطال الله بقاءه وأدام سداده وإرشاده
ودونه أطال الله بقاءه وأدام حراسته
ودونه أدام الله تأييده وتمهيده
ودونه أدام الله توفيقه وتسديده
ودونه أدام الله عزه وسناه
ودونه أدام الله عزه
ودونه أدام الله حراسته
ودونه أدام الله كرامته
ودونه أدام الله سلامته
ودونه أدام الله رعايته
ودونه أدام الله كفايته
ودونه أبقاه الله
ودونه حفظه الله ودونه أعزه الله
ودونه أيده الله
ودونه حرسه الله
ودونه أكرمه الله ودونه وفقه الله
ودونه سلمه الله
ودونه رعاه الله
ودونه عافاه الله (7/77)
ثم المكاتبات الصادرة عنهم على أسلوبين
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابي
والرسم فيه أن يقال كتابي أطال الله بقاء سيدي أو بقاء مولانا والأمر على كذا وكذا ومولانا أمير المؤمنين أو والجانب الأشرف ونحو ذلك على حال كذا ثم يتخلص إلى المقصد بعد ذلك بما يقتضيه المقام ويختم بقوله ورأي حضرة سيدنا أعلى
كما كتب بعض الكتاب عن الوزير قوام الدين بن صدقة إلى بعض وزراء ملوك زمانه في معنى أمير مكة المشرفة وما كان بينه وبين أمير الحاج في بعض السنين ما صورته كتابي أطال الله بقاء حضرة سيدنا ومواهب الله سبحانه في أمر مولانا أمير المؤمنين جارية على الإرادة مقابلة بالشكر المؤذن لها بالدوام والزيادة والحمد لله رب العالمين
وقد تتابعت المكاتبات في أمر النوبة المكية تتابعا علمه السامي به محيط والعذر في الإضجار بها مع إنعام النظر بسببها مبسوط وبعد ما صدر آنفا في المعنى المذكور وصل كتاب زعيم مكة بما نفذ على جهته ليعلم منه ومما لا ريب أنه أصدره إلى الديوان العالي السلطاني أعلاه الله حقائق الأحوال بغير شك أنه قد اتضح تفريط من فرط في هذه النوبة وعجل وتحقق (7/78)
المثل السائر رب واثق خجل وأسباب ثمرة الهوى الذي ما زال يجمح براكبه ويريه سوء عواقبه وعلم أنه لم يخط فيما شرع فيه واستمرت على الخطأ أواخره ومباديه إلا بوعد أخلف ومال أتلف وخطر ارتكب وصواب تنكب وحزم أضيع وهوى أطيع حتى كان قصاراه دفع اللائمة عنه فإنه أوصل الحجيج إلى مقصودهم وأعادهم وأحسن التواصل حتى أدركوا من أداء الفريضة مرادهم وهل اعترض دون هذا الأمر مانع أو كان عنه دافع لولا ما صوره من الأسباب التي أفسد بها الأمور وأوغر بمكانها الصدور وكفل بعد ما قرره من ذلك ومهده ما عكسه سفه الرأي عليه وأبعده العجز عن الوصول إليه وأي عذر في هذا المقام يستمع أم أي لائمة عنه تندفع وقد جرت الحال على ما علم وتحدث بانخراق حجاب الهيبة كل لسان ناطق وفم ووقع الاتفاق من كافة الحاج على أن تمسك نائب مكة بطلب الرضا وتكفيل خصمه باستدراك ما تلف من التفريط في معايشه ومضى ونظره في العاقبة التي ينظر فيها ذوو الألباب وعمله بما أصدره الديوان العزيز من مكاتبة أمر فيها بالطاعة وخطاب وهو الذي لأم النوبة وشعبها وسهل عسيرها ومستصعبها ولو افتقرت إلى سعي أمير الحاج واجتهاده وإبراقه بعسكره وإرعاده لكان الحج ممتنعا والخطر العظيم متوقعا ولم يحصل الوفد إلا على التغرير بالنفوس والجود منها بكل مضنون به منفوس ثم عرب الطريق الذي ما زال أمير الحاج في حقهم خاطبا ولإكرامهم بالقول المتكرر طالبا وجاعلا ما لعله يتأخر من رسم أحدهم من دواعي الخطر في سلوك الطريق المردية وموجبات الفساد في المناهل والأودية يتلو من النهب والاجتياح والأذى العائد على فاعله بالاقتراف العظيم الوزر والاجتراح بما يؤلم شجاعة القلوب ويحرقها ويبكي العيون ويؤرقها ولقد انتهى أن العسكر المنفذ أمامه كان يتنقل في هضاب البرية وغيطانها وينقب عن منازل العرب وأوطانها فيستقري أحياءهم حيا فحيا ويتخلل الفجاج فجا ففجا فإذا شارفوا قبيلة منهم طلب النجاة منهم بالحشاشات رجالها وأسلمت إليهم نساؤها وأطفالها (7/79)
وأموالها فيتحكمون في ذلك تحكم من استحل موقفه في إباحة محارم الله ومقامه وأمن مكره الحائق بالظالمين وانتقامه ويستبيحون حريم كل بريء غافل لم يقارف ذنبا وطائع لا يستحق غارة ولا نهبا فأين كان من النظر عند هذا الفعل في حفظ عرب الطريق وكيف عزب عنه في هذا الرأي منهج التوفيق وهل تتصور الثقة بكل قبائل العرب عن إفساد الآبار والمصانع والعبث بكل مستطاع في المناهل والمشارع خاصة إذا علموا أن الذي ظلمهم وأباح حرمهم هو السالك للطريق آنفا والمتمكن فيهم من معاودة الأذى الذي أضحى كل به عارفا واستدراك الفارط في هذا الأمر المهم متعين ووجه الرأي فيه واضح متبين والإشارة في كتاب زعيم مكة إلى ما جرى من المعاهدة واستقرت القاعدة عليه من إعادة ارتفاعه المأخوذ ورسومه على التمام والكمال إليه أدل الأدلة على بعد النوبة من الالتئام ودخول الخلل عليها وانحلال النظام وتعذر الحج في المستقبل
على أن من أفسدها لم يتأمل لنفسه طريق الصدر حين أوردها والألمعية السامية المعزية حرس الله عزها اللامحة ببديهتها العواقب المستشفعة سرائرها بالرأي الثاقب أهدى إلى تدبيرها بما يستدرك الفارط ويتلافى غلط الغالط ويعيد الأحوال إلى جدد الصلاح وسننه ويجريها على أجمل قانون مألوف وأحسنه وما أولاه بالتقديم في هذا المهم الذي لا أحق منه بالاهتمام والجد الصادق التام بما تطمئن به النفوس إلى صلاحه وانتظامه وارتفاع كل مخشي من الخلل الداخل عليه وانحسامه والإعلام في الجواب بما يقع السكون إلى معرفته ويحصل الأنس والشكر في مقابلته ورأي حضرة سيدنا أعلى إن شاء الله تعالى (7/80)
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ الإصدار
مثل أن يقال أصدرت هذه المكاتبة أو هذه الجملة والأمر على كذا وكذا بعد أن يدعى للمكتوب إليه بعد لفظ الإصدار ثم يتخلص إلى المقصود بما يليق بالمقام ويؤتى على القصد إلى آخره ويختم بقوله ورأي حضرة سيدنا أعلى
كما كتب عن الوزير قوام الدين بن صدقة أيضا إلى ملك سمرقند جوابا عن كتاب وصل منه إليه أصدرت هذه الجملة أطال الله بقاء حضرة مولانا ومواهب الله سبحانه في الجناب الأشرف لا زالت مطالع سعوده منيرة وأعواد علائه مورقة نضيرة آهلة الربوع عذبة الينبوع قارة لا يظعن ركبها دارة لا يعز حلبها والحمد لله رب العالمين
ووصل كتابه أدام الله علوه الصادر على يد الشيخ الأجل العالم أبي الحسن بن علبك ووقفت عليه وعرفت فحواه وتضاعف الشكر لله سبحانه بما حواه من اطراد الأمور واتساقها وطلوع شمس النجح في سماء مباغيه وإشراقها وأحدث ابتهاجا بوروده متوفرا واغتباطا بما أولاه جلت آلاؤه من صنعه الذي أصبح ذنب الأيام معه مغتفرا وعرضت خدمته المقترنة به على مجالس العرض الشريفة قدسها الله مشفوعة بذكر ما لبيته الكريم وسلفه الزاكي الأرومة من المآثر التي أضحى بها في الفخر علما وعلى ناصية المجد محتويا محتكما في ضمن إيضاح المحاسن التي أصبح أيد الله سموه بها منفردا ولنجاد المحامد بحسبها مقلدا والمواقف في الطاعة الإمامية التي أصبحت غرة في جبهة الزمان (7/81)
ولم يسع في مثلها لغيره قدمان وانتهت في تمكين القواعد وتوطيدها وتأكيد الأحوال وتمهيدها والتجرد في تحصيل الأرب وتيسير المطلب إلى ما يوجبه الود المحصف الأمراس والمصافاة الخالصة من الشوائب والأدناس فآنست في مقابلة ذلك من الالتفات إلى ما أوردته مما يبين عن لطف مكاتبته بالموقف الأشرف ويعرب ويصفو مورد الفخار بمثله ويعذب وجدد من التشريف والزيادة فيه ما يوفي على الذي تقدمه قدرا ويجل طوقه عن أن يرضى عمرا وشفع ذلك بتنفيذ التشريفات لولده أيد الله علوه والمطيفين بحضرته واللائذين بحوزته وابتدائهم بالإحسان والإنعام والتكرمة الموفية على المرام إكبارا لشأنه وإبانة عن محله من الآراء الشريفة ومكانه وإيثارا لإعظام أمره وإعلاء قدره ليعلم أيد الله علوه مكان التجرد في هذه الحال وصدق السعي الذي افترت ثغوره عن نجح الآمال وأرجو أن يصادف حسن المقام في ذلك عنده موقعه ويلقى لديه اعترافا يوافق مرآه مسمعه
فأما الإشارة إلى المشار إليه في التوزع لتلك الهنات الجارية التي ما زالت الأيام بمثلها جائية والاستبشار بزوال ما عرض واضمحلاله وعود الرأي الأشرف إلى أكمل أحواله وقد عرفها بمزيد الاعتداد والشكر قائلها ولم يكن الذي جرى مما يشعب فكرا أو يتوزع سرا فإن الاعتداد الأشرف كان بحمد الله محفوظا والاجتهاد في الخدمة بعين الاعتراف والرضا ملحوظا لم تحله حال متجدده ولا رتعت الحوادث مورده وما زالت ثغور الأيام في كل وقت عن الزيادة باسمه وسحبه بنجح اشتطاط الآمال ساجمه والمندوب لتحمل المثال وما يقترن به من التشريف فلان وهو من أعيان العلماء ومن له في ميدان السبق شأو القرناء وله في الدار العزيزة مجدها الله الخدمة الوافية والمكانة الوافرة وما زالت مذاهبه في خدمه حميدة ومقاصده على تقلب الحالات مرضية سديدة (7/82)
وجدير بتلك الألمعية الثاقبة أن تتلقى ما يورده بالإصغاء وتقابل النعم المسداة إليه بالشكر الماطر الأنواء وتوقظ ناظر اهتمامه للنهوض بأعباء الخدمة الإمامية وحيازة المراضي المكرمة النبوية وتمهي عزيمتها فيما يكون بالإحماد الأشرف محظيا ولأمثال هذا العرف المصنوع مستدعيا ولرأي حضرة سيدنا في ذلك علو رأي إن شاء الله تعالى
الجملة الثانية في الكتب الصادرة عن وزراء خلفاء الفاطميين بالديار المصرية
فقد ذكر علي بن خلف من كتاب دولتهم في كتابه مواد البيان أنه إذا كانت المكاتبة من الوزير إلى من دونه تكون بغير تصدير إلا أن الخطاب فيها يجب أن يبنى على أقدار المخاطبين في مراتبهم في الدولة ولم يزد على ذلك
والذي وقفت عليه من أسلوب واحد وهو أن يفتتح الكتاب بلفظ كتابنا والأمر على كذا ويتعرض فيه لذكر حال الخلافة والخليفة ثم يتخلص إلى المقصود بما يقتضيه الحال ويؤتى عليه إلى آخره ويختم بالدعاء
كما كتب القاضي الفاضل عن بعض وزراء العاضد آخر خلفائهم إلى بعض الملوك ما صورته كتابنا أطال الله بقاء الملك عن مودة ظاهرة الأسباب متظاهرة الأنساب ضافية جلباب الشباب وعوائد عوارف لا يتنكر معروفها ووفود فوائد لا يتصدع تأليفها ومساعي مساعد لا ينقص معروفها ولا ينفض مسوفها (7/83)
وسعادة بالخلافة التي عدق إليه أمرها وأوضح سرها وملأ سرائرها وسريرها وأطلع شمسها وقمرها
بمولانا وسيدنا أمير المؤمنين تتوالى ميامنها وتتلألأ محاسنها وتشرف درجاتها وتتضاعف سعادتها والكلمة قائمة على أصولها وأمور الخلق جارية على ما هو لها ونظام الإسلام بسياستها لا يهي وسياقه الدوام في سعادتها لا تنتهي والله الموزع شكر هذه المنن المسؤول في الإنهاض لما نهضت فيه النية وقصرت عنه المنن ولم نزل أدام الله إقبال الملك المعظم معظمين لأمره عارفين نبل قدره وجليل فخره مشيدين بجميل ذكره وجزيل نصره معيدين لما تتهادى الألسن من مستطاب نشره قارئين من صفحات الأيام ما أمدها به من بشره غير مستيمنين لذكر اسمه الكريم إلا بصيامه وشكره موردين مما هو يبلغه من بارع ضرائبه بالمقامات الشريفة من آثار سلفة ومآثرهم ومأثور مكارمهم ومفاخرهم واستناد المكرمات إلى أولهم وآخرهم ومشهور ذبهم عن الملة ودفاعهم عن أهل القبلة وسدادهم في الأمور وسدادهم الثغور وسيادتهم الجمهور وإستقلالهم بالمشقات المتقدمة وإخمادهم نيران الخطوب المضطرمة وكفهم سيول السيوف العرمة وموالاتهم أمور الدولة العلوية التي اشتهر بها منهم من الأكابر وورثها كابر عن كابر وحافظوا منها على سيرة معروف لا ينسخ وعقد صفاء لا يفسخ وسريرة صدق تستقر في الضمائر وترسخ وتتوضح بها غرة في جباه السبق وتشدخ وتستهدي عند إيراد هذا الذكر العطر والثناء المشتهر من الدعوات الشريفة العاضدية المعضودة بالنجح المتوضحة عن مثل فلق الصبح ما يتهلل لمساعيه بالميامن المستهلة ولمراميه بالإصابة المتصلة بينه وبين هذه الدولة العالية والخلافة الحالية بكتاب منه نهجنا فيه طريقها اللاحب واستدعينا به إجابته التي تتلقى بالمراحب وأعلمناه أن تمادي الأيام (7/84)
دون المراسلة وتطاولها وتنقل الأحوال والدول وتناقلها لا يزيد مودته إلا استحكام معاقد وانتظام عقائد ووفاء مواعد وصفاء موارد وأنه لا تباعد بين القلوب بغرض المرمى المتباعد ولا تفرق المسافات القواصي ما بين النيات القواصد
فلما تأخرت الإجابة تقدمت الاسترابة وتناجت الظنون المعتلجة وتراجعت الآراء المختلجة بأن الرسول عاقته دون المقصد عوائق وتقسمته من الأحداث دون الطريق طرائق فلم ترد المكاتبة إلى جنابه ولا أسعد السعي بطروق جنابه الذي تنال السعادة وتجنى به وإلا فلو أنه أم له بلغ ما أمله ولو وصله لأجاب عما أوصله لأن مكارم خلائقه تبعث على التبرع بالمسنون فكيف بقضاء المفروض وشرائف طرائقه تأبى للحقوق الواجبة أن تقف لديه وقف المطرح المرفوض
فجددنا هذه المكاتبة مشتملة على ذلك المراد وفاوضناه بما يعيره الإصغاء ويجنبه الإلغاء ويحسن له الإنصات ولا يحتاج فيه إلى الوصات ورسمنا أن يكتمه حتى من لسانه وأن يطويه حتى عن جنانه وأن يتمسك بالأمر النبوي في استعانته على أمره بكتمانه فمن حسن الحزم سوء الظن وهل لأرباب الأسرار فرج إلا ما دامت في السجن وقد استلزمنا المرتهن لما استعظمنا الرهن وفوضنا إلى من لا يعترينا فيه الوهم ولا منه الوهن ونحن تحببنا بما يعلم به حسن موقع رسالة الاسترسال وبما يبين به عن دلالة الإدلال وبما يرحب بمودته مجال الجمال والله سبحانه يؤيد الملك بنصر تستخدم له الأقدار وسعادة لا تتصرف في تصريفها أحكام الفلك المدار وإقبال يقابل آراءه وآدابه في فاتحة الورد وعاقبة الإصدار وعز لا يزال منه متوقلا في درجات الاقتدار إن شاء الله تعالى (7/85)
الطرف الثالث عشر في المكاتبات الصادرة عن الأتباع إلى الملوك ومن في معناهم وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الشرق إليهم في الزمن المتقدم وهي على أسلوبين
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابي
ويدعى للمكتوب كذا وكذا ويتخلص إلى المقصود بما تقتضيه الحال ويخاطب السلطان في أثناء الكتاب بمولانا أو بمولانا الملك ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بتاء المتكلم ولفظ الإفراد ويختم بقوله فإن رأى أن يفعل كذا فعل إن شاء الله تعالى
ويدعى للمكتوب إليه بطول البقاء مع التعرض لذكر الخليفة في أثناء الكتاب
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به أبو إسحاق الصابي عن أبي الفضل الشيرازي أحد نواب بني بويه إلى عضد الدولة بن بويه في جواب (7/86)
كتاب وصل منه إليه يخبره بفتح خراسان وطاعة صاحبها وهو كتابي أطال الله بقاء مولانا والأمور التي أخدم فيها جارية على السداد مستمرة على الاطراد والنعم في ذلك خليقة بالتمام مؤذنة بالدوام
والحمد لله حق حمده وهو المسؤول إطالة بقاء موالينا الأمراء وحراسة ما خولهم من العز والعلاء وأن لا يخليهم من صلاح الشان وسمو السلطان وظهور الولي وثبور العدو
ووصل كتاب مولانا الأمير أطال الله بقاءه الصادر من معسكره المنصور بكازرين بتاريخ كذا مخبرا بشمول السلامة مبشرا بعموم الاستقامة موجبا لشكر ما منح الله من فضله وأعطى مقتضيا نشر ما أسبغ من طوله وأضفى مشروحا فيه الحال فيما كان يجري من الخلاف بين مولانا الأمير السيد ركن الدولة وبين ولاة خراسان وجهاده إياهم في حياطة الدين وحماية حريم المسلمين والدعاء إلى رضا رب العالمين وطاعة مولانا أمير المؤمنين وتذممه مع ذلك من دماء كانت باتصال الحروب تسفك وحرمات باستمرار الوقائع تنتهك وثغور تهمل بعد أن كانت ملحوظة وحقوق تضاع بعد أن كانت محفوظة وأنه لما جددت العزيمة على قصد جرجان ومنازعة ظهير الدولة أبي منصور بن وشمكير مولى أمير المؤمنين على تلك الأعمال ودفعه عما ولاه أمير المؤمنين بوسيلة موالينا الأمراء أدام الله تمكينهم منها ومنازعته ومجاذبته فيها نهض مولانا الأمير الجليل عضد الدولة إلى كرمان على اتفاق كان بين مولانا الأمير السيد ركن الدولة وبينه في التوجه إلى حدود خراسان فحين عرف (7/87)
القوم الجد في ردهم والتجريد في صدهم وأنه لا مطمع لهم في جنبه إلى طاعة أمير المؤمنين انتسابها وبذمام سادتنا الأمراء اعتصامها اتعظوا واتزعوا وعرجوا ورجعوا سالكين أقصد مسالكهم منتهجين أرشد مناهجهم معتمدين أعود الأمور على المسلمين عموما وعليهم خصوصا باجتماع الشمل واتصال الحبل وأمن السرب وعذوبة الشرب وسكون الدهماء وشمول النعماء فخطبوا الصلح والوصلة وجنحوا إلى طلب السلم والألفة وأن مولانا الأمير عضد الدولة آثر الأحسن واختار الأجمل فأجاب إلى المرغوب فيه إليه وتوسط ما بين الأمير السيد ركن الدولة وبين تلك الجنبة فيه وتكفل بتقريره وتمهيده وتحقق بتوطيده وتشييده وأخرج أبا الحسن عابد بن علي إلى خراسان حتى أحكم ذلك وأبرمه وأمضاه وتممه بمجمع من الشيوخ والصلحاء ومشهد من القضاة والفقهاء وأن صاحب خراسان عاد على يد مولانا الأمير عضد الدولة إلى طاعة مولانا أمير المؤمنين ومشايعته والإمساك بعلائق ولائه وعصمته وصار وليا بعد العداوة وصديقا بعد الوحشة ومصافيا بعد العناد ومخالطا بعد الانفراد وفهمته
وتأملت أيد الله مولانا ما في ذلك من ضروب النعم المتشعبة وصنوف المنح المتفرعة العائدة على الملك بالجمال وعلى الرعية بصلاح الحال الداعية إلى الائتلاف والاتفاق المزيلة للخلاف والشقاق فوجدت النفع بها عظيما والحظ فيها جسيما وحمدت الله حق حمده عليها وشكرته أن أجراها على يد أولى الناس بها وأحقهم بالمكارم أجمعها وأن قرب الله بيمنه ما كان بعيدا معضلا ويسر ببركته ما كان ممتنعا مشكلا فأصلح ذات البين بعد فسادها وأخمد نيران الفتن بعد تلهبها واتقادها ووافق ما بين نيات القلوب وطابق بين نخائل الصدور وتحنت الضلوع بنجح سعيه على (7/88)
التألف وانضمت الجوانح بميمون رأيه على التعاطف وحصل له في ذلك من جزيل الأجر وجميل الذكر وجليل الفخر وأريج النشر ما لا تزال الرواة تدرسه والتواريخ تحرسه والقرون تتوارثه والأزمان تتداوله والخاصة تتحلى بفضله والعامة تأوي إلى ظله
فالحمد لله كثيرا والشكر دائما على هذه الآلاء المتواترة والعطايا المتناصرة المفاخر السامية والمآثر العالية وإياه أسأل أن يعرف مولانا الملك الخيرة فيما ارتآه وأمضاه والبركة فيما أولاه وأجراه وأن يهنئه نعمه عنده ويظاهر مواهبه لديه ويسهل عليه أسباب الصلاح ويفتح أمامه أبواب النجاح ويعكس إلى طاعته الرقاب الآبية ويذلل لموافقته النفوس النائية ولا يعدمه وموالينا الأمراء أجمعين المنزلة التي يرى معها ملوك الأرض قاطبة التعلق بحبلهم أمنا والإمساك بذمامهم حصنا والانتماء إلى مخالطتهم عزا والاعتزاء إلى مواصلتهم حرزا إنه جل وعز على ذلك قدير وبإجابة هذا الدعاء جدير
وقد اجتهدت في القيام بحق هذه النعمة التي تلزمني وتأدية فرضها الذي يجب علي من الإشادة بها والإبانة والإشاعة والإذاعة حتى اشتهرت في أعماله التي أنا فيها واستوى خاصتها وعامتها في الوقوف عليها وانشرحت صدور الأولياء معها وكبت الله الأعداء بها واعتددت بالنعمة في المطالعة بها والمكاتبة فيها وأضفتها إلى ما سبق من أخواتها وأمثالها وسلف من أترابها وأشكالها فإن رأى مولانا الأمير الجليل عضد الدولة أن يأمر أعلى الله أمره بإجرائي على أكرم عاداته فيها واعتمادي بعوارض أمره ونهيه كلها فإن وفور حظي من الإخلاص يقتضي لي وفور الحظ من الاستخلاص فعل
إن شاء الله تعالى
الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بالإصدار
مثل أصدر الخادم أو العبد ونحوه ويؤتى بالصدر إلى آخره ثم يتخلص (7/89)
إلى المقصود بما يقتضيه المقام ويختم بقوله وللرأي العالي مزيد العلو ونحو ذلك
كما كتب عن بعض وزراء الراشد أو المسترشد إلى السلطان سنجر السلجوقي في حق قطب الدين أبي منصور أزدشير العبادي وقد ورد إلى أبواب الخلافة ببغداد رسولا وكان أبوه وخاله وسلفه من أهل العلم والزهد وهو من الفصحاء البلغاء ما صورته أصدر خادم المجلس العالي هذه الخدمة عن ضمير معمور بالولاء وإخلاص دواعيه متصلة على الولاء وعكوف على ما يرجو به حصول المراضي العلية والتحقق لمشايعته الواضحة شواهدها الجلية والحمد لله رب العالمين
وبعد فما زال الجناب العالي السلطاني الشاهنشاهي الأعظمي أعلاه الله لكل خير منبعا وحرمه الآمن للفوائد الجمة مغاثا ومربعا والسعادة والتوفيق مقرونين بسامي آرائه مطيفين به من أمامه وورائه في كل رأي يرتئيه ومقرب يصطفيه وامرىء يتخيره ويقلده وأمر يحله ويعقده وصنع جميل يصيب من الاستحقاق موضعه ويعيد طيب الذكر مجهزه ومبضعه مناقب تفوت الإحصاء عدا وترد من مفاخر الوصف منهلا عذبا وتسير بذكرها الرفاق غورا ونجدا وتجاوز غايات المدح علاء ومجدا وكفى على ذلك دليلا قاطعا وبرهانا ساطعا ما اقتضته الآراء العلية من التعويل على فلان العبادي في تحمل الرسالة الأعظمية التي عدقت منه بالنقي الجيب البريء من العيب العاري من دنس الشك (7/90)
والريب فإن اختياره لهذا الأمر طبق مفصل الصواب ولشاكلة رمي الرأي أصاب إذ هو الفذ في علمه وفضله السديد في قوله وفعله البارع في إيجاز الخطاب وفصله المعرق في الزهادة والديانة المزينين لفرعه وأصله
ولما وصل إلى الأبواب العزيزة الإمامية ضاعف الله تعالى مجدها مثل بالخدمة مؤديا من فرضها ما يلزم أمثاله من ذوي العقائد الصحيحة والموالاة المحضة الصريحة وصادف من التكرمة والإنعام ما يوجبه له محله من العلم الذي لا تكدر الدلاء بحره ولا تدرك الأرشية بطولها قعره فهو فيه نسيج وحده وناسج برده وناشر علمه ومستغزر ديمه
وألقى من ذلك ما يقتضيه اختبار أحواله الشاهدة بأنه ممن أصحب في يده قياد الفصاحة الأبي وملكته زمامها الممتنع على من عداه العصي وجمع له من الفضائل ما أصبح في سواه متفرقا وخير له منها ما جعل جفن حاسده لفرط الكمد مؤرقا إلى ما زان هذه الخصائص التي تفرد فيها وبرع وطال مناكب الأقران وفرع من الإخلاص الدال على تمسكه بحبل الدين المتين واستمراره على جدده الواضح المبين وفصل عن الأبواب العزيزة فائزا من شرف الإرعاء ما وفر الحظوظ والأنصباء حاصلا من حميد الآراء على أنفس العطاء وأجزل الحباء وقد تمهد له من الوجاهة والمكانة ما يفخر بمكانه وتنقطع دون بلوغ شأوه أنفاس أقرانه ورسم أعلى الله المراسيم الإمامية وأمضاها مطالعة المجلس العالي السلطاني أعلاه الله بهذه الحال تقريرا لها عند العلم الكريم واستمدادا للطول والإنعام باختصاص قطب الدين بالاحترام الذي هو حقيق بمثله وخليق أن لا يضحى عن وارف ظله وما يوعز به من ذلك يصادف من دواعي الاستحقاق أوفاها ويرد من مناهل الذكر الجميل أعذبها وأصفاها ويتلقى من شرف المحامد بألطفها وأحفاها وللرأي العالي علو رأي إن شاء الله تعالى (7/91)
الجملة الثانية في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الديار المصرية إليهم والمختار منه أسلوبان
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بالدعاء
مثل أن يدعى بعز الأنصار أو إدامة السلطان أو تخليده أو إدامة بسطة السلطان أو إدامة الأيام ونحو ذلك
ويخاطب السلطان فيه بمولانا ويعبر المكتوب عنه عن نفسه بالمملوك ويختم بالدعاء
وهي طريقة القاضي الفاضل ومن تلاه من كتاب الدولة الأيوبية بالديار المصرية
قال ابن شيث في معالم الكتاب ولا يقال في مخاطبة السلطان سيدنا مكان مولانا وإن كان السيد من الألقاب السلطانية لأن لفظ سيدنا مما اصطلح عليه لأكابر المتعممين من الفقهاء والقضاة والكتاب فاجتنب في حق السلطان كي لا تقع المشاركة بينه وبين غيره في الخطاب
وهذه نسخة كتاب من هذا الأسلوب كتب به إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب في جواب كتاب ورد منه بالبشارة بفتح خلاط وهي أدام الله سلطان مولانا الملك العادل وزاده من فضله ومد على خلقه وارف ظله وأظهر به دينه على الدين كله وأوضح إلى مرضاته ما يسلكه من سبله ولا عدمت يد الإسلام والمسلمين التعلق بوثيق حبله وفرج به الخطط المطبقة وفتح به البلاد المستغلقة وأخضع لطاعته الأعناق وعم بفتوحه الآفاق ودمر (7/92)
الكفر بمقامه وطوى أيامهم بما ينشره ويديمه من أيامه وأنزل النصر في مواقف النزال بما ترفعه راياته من أعلامه
وقف المملوك على ما أنعم به مولانا من كتاب البشارة التي وصلت إلى كل قلب وسمع وأمل بها كل مسلم كل خير ونفع وعلم ما وراءها من جمع شمل كان عزيز الجمع وعلم ما يتبعها من عواطف مولانا التي عودها منه أكرم طبع وتحقق أن الله سبحانه قد قلد الدين منه سيفا خلقه للوصل وخلق السيوف للقطع
وبالجملة إن الله سبحانه نظر إلى هذه الملة بنظر مولانا لها وكفالته لأهلها وسياستهم بشرف السجية وعدلها وإن كل ما اختلس الملك الناصر رحمه الله فإن الله يتمه على يديه ويجبر به تارة بصفحه وتارة بحديه ويهب له عمرا نوحيا إلى أن لا يذر على الأرض من الكافرين ديارا وإلى أن يورث الإسلام بسيفه منهم أرضا ومالا وديارا وهذه مخايل لا يخلف الله بارقتها بل يرد إلى جهة الكفر صاعقتها فما يحسب المملوك أن جانبا يتلوى على طاعة مولانا ولا ينحرف ولا أن كلمة عليه بعد اليوم تختلف ولا أن ممتنعا بالأمس يكون معه اليوم إلا أن يرضى عنه مولانا وعليه ينعطف
وعلى هذا فالشام الفرنجي متأخذ بجناح إلى الأخذ وبقية عمر المؤمن كما قال ثمن لها والفرص تمر مر السحاب والمستعاذ بالله من حسرات الفوت بعد الإمكان ( ولينصرن الله من ينصره ) وما يشخص لخطاب الله تعالى بالجهاد إلا مولانا النية خالصة والبصيرة ثاقبة والعزيمة ماضية والشجاعة منحة من الله له موهوبة والسماحة خليقة من خلائقه الكريمة موجودة (7/93)
والرجال تطأ عقبيه والملوك تطيع أمره والشجعان تبذل أنفسهم بين يديه والعدو يعرف منه خصما طالما خاطبه بلسان السيف منه إليه
وليس كل من قدر عليه أراده وعكا أقرب من خلاط وأنفع للمسلمين فتحا وأعظم في الكفار قدحا فوالله لئن انغلق باب الشام في وجه الكفر لتنقطعن آمال أهل البحر والبر وما دام في الشام بقية من الكفر فهو يقبل الزيادة وينتظر النجدة ويؤمل الاستعادة وما كرر المملوك هذا الحديث جهلا بما يجب في خدمة الملوك من الأدب في أن يتكلم في القضية إلا من استشير فيها ولا يجتريء على الكلام إلا إذا كان مجيبا بما يؤمر بالإجابة عنه ولكن المملوك غلب على الصحبة وانقطع عن الخدمة وعلم أنه لو كان حاضرا لكان مولانا يبسطه ولا يقبضه ويستشف ما عنده ويستعرضه ويشفع قلبه في لسانه إذا هفا ويحمله على صفاء ضميره فيما يقوله فلا يقابل بالتكدير من صفا فقد علم الله أن المملوك يتمنى للمسلمين أن يرد عليهم حقهم وترجع إليهم بلادهم وأن تكون هذه الأمنية جارية على يد مولانا ومستفادة من عزيمته ومكتوبة في صحيفته ومغتنمة فيما يمده الله في حياته فإن الأمور فيما بعد ملموحة ولكن أبواب قدرة الله مفتوحة فالله يجعل منها أن يفتح على مولانا فيه بلاد الساحل وأن يأخذ للإسلام به أهبة المقيم وللمقيم أهبة الراحل وما يخلط المملوك هذا المهم بغيره طالع به ولمولانا علو الرأي
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بيقبل الأرض مصدرا بالمملوك
وهي من مصطلحات الدولة الأيوبية أيضا إذا كان المكتوب عنه دون من تقدم
كما كتب القاضي الفاضل عن نفسه إلى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب يهنئه بمولود ولد له المملوك يقبل الأرض بالمقام العالي الناصري نصر الله الإسلام بمقامه وأهلك أعداء الحق بانتقامه ولا أعدم الأمة المحمدية عقد اعتزائه بكفالتها ومضاء اعتزامه (7/94)
يهنيء المملوك المولى بنعمة الله عنده وعند الإسلام وأهله بمن زاده في ولده وكثره في عدده وهو الأمير أبو سليمان داود أنشأه الله إنشاء الصالحين ومن الله بكمال خلقه ووسامة وجهه وسلامة أعضائه وتهلل غرته وابتسام أسرته ودل على أن هذا البيت الكريم فلك الإسلام لا يطلع فيه إلا البدور كما دل على عناية الله بأبيه فإن الله تعالى قال ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ) فطريق المولى هذه قد توالت فيها البشائر ونصر الله فيها بألطاف أغنت بلطف الخواطر عن قوة العساكر واشتملت عليه في الغائب من أمره والحاضر ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) وكيف يحصيها المحصي ويحصرها الحاصر أيحيط ما يفنى بما لا ينفد
فالحمد لله الذي جعل كتب المولى إلى أوليائه وكتبهم إليه مبتسمة عن المسار ناطقة بأطيب الأخبار منكشفة أسرارها عما يروح الأسرار وهذا الولد المبارك هو الموفي لاثني عشر ولدا بل اثني عشر نجما متوقدا
فقد زاد الله في أنجمه عن أنجم يوسف عليه السلام نجما ورآهم المولى يقظة ورأى ذلك الأنجم حلما ورآهم ساجدين له ورأينا الخلق له سجودا وهو سبحانه قادر أن يزيد جدود المولى إلى أن يراهم آباء وجدودا
الجملة الثالثة في المكاتبات الصادرة عن أتباع ملوك الغرب إليهم والمختار منه أربعة أساليب
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلقب المكتوب إليه
مثل المقام أو الجناب وينعت ثم يقال مقام فلان ثم يؤتى بالسلام ثم (7/95)
بالبعدية ويؤتى بخطبة ويتخلص إلى المقصد ويؤتى عليه إلى آخره ويختم بالدعاء ثم بالسلام
كما كتب ابن البناء عن ابن خلاص إلى أمير المسلمين الواثق بالله أبي بكر بن هود في جواب كتاب ورد عليه منه ما صورته المقام العلي الواثقي المعتصمي المبارك السامي السني معدن الفضل ومقره ومسحب ذيل الفخر ومجره ومناط حمل أمانة المسلمين التي لا يحملها إلا أبلج الشرف أغره ولا يتقلد قلادتها إلا تقي المنشإ بره مقام مولانا جمال الملك وبهائه والباعث في معطفه أريحية النجابة وازدهائه الأمير الأجل المعظم المكبر الهمام المكرم المبارك الميمون السعيد الموفق الرشيد المظفر المؤيد المرفع الممجد ولي العهد وواسطة عقد المجد والملبس سرابيل اليمن والسعد الواثق بالله المعتصم به أبي بكر ابن مولانا مجد الإسلام وجمال الأنام ومجاهد الدين سيف أمير المؤمنين المتوكل على الله تعالى أمير المسلمين أبقاه الله واردا من مشارع التأييد أعذبها متخولا من صنع الله الجميل ما يسدد أبعد الأمة وأقربها ممتدا مد السعادة ما جلت غرة الفجر حندس الظلماء وغيهبها
عبد بابه الأشرف ومملوك إحسانه الأسح الأذرف مسترقه الآوي إلى ظل سلطانه الأمد الأورف الحسن بن أحمد بن خلاص
سلام الله الطيب الكريم وتحياته يعتمد الواثقي المعتصمي ورحمة الله وبركاته
أما بعد حمد الله الذي له الأمر من قبل ومن بعد والصلاة على سيدنا محمد نبيه الذي ترتبت على اجتنابه الشقاوة ووجب باتباعه السعد وعلى آله وصحبه الذين ناضلوا عن ديانته حتى وضح السنن وبان القصد والرضا عن خليفته وابن عمه الإمام العباسي أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور المستنصر بالله وارث شرفه (7/96)
النبوي ومجده الهاشمي بخصائصه التي لا تعفي أنوارها الأبكار ولا يطمس آثارها الحجر
وعن مولانا مجد الإسلام جمال الأنام مجاهد الدين سيف أمير المؤمنين المتوكل على الله تعالى أمير المسلمين ذي العزمات التي لا تغني غناءها الذبل التي منبتها الخط ولا القضب التي منشؤها الهند
والدعاء لمقام الثقة والاعتصام ومقر الإحسان والإنعام بالنصر الذي يؤازره الظفر ويظاهره العضد
فكتبه عبد المقام الواثقي المعتصمي كتب الله له تأييدا يحفظ على الدين نظامه وتخليدا يرث ليالي الدهر وأيامه من إشبيلية حرسها الله تعالى وللبركات المتوكليات والواثقيات بها انثيال كما تتابع القطر وسطوع كما ابتسم في مطالعه الفجر وتعهد لا تزال تقربه العين وينشرح له الصدر والخدمة اللازمة للمثابة العلية الواثقية المعتصمية أعلى الله مكانها وشيد بعضده أركانها فرض لا يسع تأخيره وحق لا يعلق به تفريط المتقلد له ولا تقصيره ولازم من اللوازم التي لا يشغل بسواها سر المملوك ولا ضميره والله ينجد من ذلكم على ما يتسوغ به صفو المن ونميره
وإن الخطاب الكريم الواثقي شرف الله منازعه ونور بأنوار السعادة مطالعه ورد على العبد مشيدا بذكره معليا من قدره مسميا لرتبة فخره متضمنا من واسع الإنعام وغمره ما لو وزع على العالم لشملهم بأسره وأغرقهم بفيض يسير من بحره فتناوله المملوك بيمين إجلاله وإعظامه ووفى الواجب من (7/97)
لثمة واستلامه وألفى به ريا ناقعا لغليل الشوق المبرح إلى اجتلاء غرته الكريمة وأوامه وجعل يتتبع سطوره ويستقري فقره وشذوره فلا يقف من ذلكم كله إلا على ما يملأ حوباءه جذلا ويخوله الابتهاج غنما ونفلا ويبوئه أسنى مراتب التشريف قننا وقللا وهو على ما أحكمت به الأقضية من شحطه عن المثابة الواثقية شرفها الله وشسوعه وإيواء مغاني أنسه لذلكم ورجوعه لا يجد أنسا إلا ما يتوالى قبله من متعهد اهتمامها وتهديه إليه ألسنة أقلامها فكلما وفد عليه من صحائفها المكرمة وافد وورد من حضرتها المعظمة وارد فقد جدد الزمان عنده يدا غرا وأطلع عليه بدرا وأفاده من الابتهاج ما يعمر الخلد وينشر نسيم الاستبشار إذا سكن وركد وما ينفك على نأي المكان وبعد الأوطان يحافظ على رسمه من خدمها ويؤدي وظائف الشكر بجسيم منحها وعميم نعمها ويجعل على نفسه المتملكة رقيبا من أن يخل في سر أو جهر بعهد من عهودها أو ذمة من ذممها ومهما تجدد صنع يتعين إهداؤه ويجب قضاء الحق بالدلالة عليه وأداؤه لم يصحبه في المطالعة به توان ولم يعبر في جلائه أوانا إلى أوان
وقد كان قدم مطالعاته قبل إلى الباب الواثقي شرفه الله باسطا لتفاصيل الأحوال وشارحا لها على الاستيفاء والكمال ولم يتجدد بعد ذلك إلا تمكن الرجاء في فتح لبلة يسر الله مرامها عن دنو بحول الله وقرب وأنطق لسان الحال بتيسير كل عصي من محاولاتها وصعب
ولو أن مكانا عضه الدهر من أنياب حوادثه (7/98)
الجون بما به عضها وفض الحصار أقفالها التي فضها منه ما فضها لكان قد ذهب شميسه وخفي عن أن يسمع حسيسه لكن أبي الشقاء الغالب على أهلها إلا أن يمد عليهم أمد العذاب ويرخي لهم طول المهلة المشفية بهم كل يوم مهاوي الخسار والتباب حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله ويصل إلى الحد الذي شاء الله أن يصله فيأخذهم أخذ من عمي عن إدراك الحق بصره وبصيرته وخبث في معاندته سره وسريرته ويرجى أن الوقت في ذلكم دان بإمكان والله تعالى يديم للمقام الواثقي ما عوده من توالي السعود واطرادها وإصحاب الآمال وانقيادها وسلام الله الطيب يراوحها ويغاديها وتحياته ورحماته الموصولة وبركاته
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بالحضرة
وتوصف ويدعى لها ثم يقع التخلص إلى المقصد ويختم بالدعاء والسلام
كما كتب أبو المطرف بن عميرة إلى المتوكل بن هود القائم بالدعوة العباسية بالأندلس عن بعض أتباعه عند ورود كتابه عليه بخبره بفتح من الأندلس وقتل الثائر بها وهو (7/99)
الحضرة العلية أبقى الله ظل ملكها على العباد وعرفها من تأييده وإنجاده أفضل المعتاد وجعل لها من الملجأ إليه والتوكل عليه أكثر الجموع وأكثف الأعداد ولا زالت أحاديث نصرها سالمة المتون صحيحة الإسناد وصحائف فتوحها تجمع صلاح العباد وتطلع صباح البشائر من ليل المراد عبدها ومملوكها السالك من الخدمة والنصيحة الطريق التي يجب سلوكها فلان
وبعد فكتب العبد كتب الله للمقام العلي المجاهدي المتوكلي سعدا يرد الصعاب ذللا ويسد من المكاره سبلا وأمده بملائكة رسله جاعل الملائكة رسلا من فلانة وبركاته مروية للظماء وحركاته مسكنة للدهماء وآثاره في يومي سلمه وحربه آثار الأشداء على الكفار والرحماء والأرض بوضوح محياه وفتوح أسنته وظباه تهتز أعطافا وتعتز مواسط وأطرافا وتبرز في أثوابها القشب فيزداد حسنها أضعافا والأيام بالبشائر التي فضت ختامها عفوا على قدر وقضت مسامها صفوا بلا كدر لها أنف الشامخ تيها ووجه الضاحك المتهلل إشادة بحالها وتنويها ودلالة على رحب مجالها وتنبيها
والحمد لله حمد من عرف قدر نعمائه فوفى حق أسمائه تقديسا وتنزيها
وإن الخطاب العلي الكريم ورد راصفا أجل الدرر واصفا أجمل الفتوح الغرر رافلا في حلل الأيد والقهر رافعا منسأة الحوادث بإحدى حسنات الدهر فيا له من كتاب أودع بدائع الكلم وجوامع البيان الملتئم المنتظم لو استمد سناءه أول الفلقين لم يك كاذبا ولو أعير محياه ثاني الشفقين كانا عن ضوء النهار نائبا ذكر بأيام الله المشهودة بالملائكة والروح ومد باع الكلام في فتح الفتوح وأطال ذيول القول مفتاحا منه (7/100)
للصعب الجموح فكان الغزير الصيب والكثير الطيب والمتبع إن مضى بقلوب وأسماع والمضاعف حسنه إن كرر إلى غير انقطاع
كيف لا وقد بشر خبره بالمراد في المراد وأوقع اليقين بما خرق العادات من الإسعاف والإسعاد وكان من آحاد الأخبار لا من أخبار الآحاد ومما اقتصه ما جرى من أوائل الحركة السعيدة واعترض من المتاعب الشديدة وأن الشتاء كان في ابتدائه والغيم ساحب لردائه ساكب فضل أندائه
والمكاره في طيها النعم الجسام والنفوس الكبار تتعب في مرادها الأجسام ولذلك هانت على المقام العلي أيده الله تلك المشاق المشاق ورجى من عمله ونظره ما جنى من ثمرة العاق فسار إليه بالجحفل الأحفل والعزيمة الزعيمة بفض المقفل ورض الأعلى والأسفل وقد اعتز بأجل المدائن شانا وأوثقها بنيانا وأبعدها صيتا ومكانا وهي التي أعيت رياضتها كل رائض وسخرت بكل قاعد بقنونها رابض وجمع إليها من طرد الآفاق وأعداد الاجتماع والاتفاق أتباع كل ناعق وأشياع كل مارد مارق فاستحلوا الدماء وركبوها مضلة عمياء وأدرك كل منهم مما شاء للإسلام ما شاء وعدو الله يفتل لهم في الذروة والغارب ويضرب لهم سكان البلد ضرب الغرائب حتى أباد خضراءهم وجعلهم شر خلف فيمن وراءهم غير مبال بما احتقب من الجرائر واقترف من إباحة الحرائر فاجترأ مدة بالجلاء وازداد إثما بالإملاء وحينئذ سمت إليه عساكر الإسلام وناولته بالموت الزؤام ورأى عيانا ما كان يطير (7/101)
إليه قلبه لو رآه في المنام وتداولته المطاولة المستدرجة والعاجلة المزعجة وفي كل ذاق عذاب الهون فأحس بقاصمة المتون وقاضية المنون وانقسمت شدته إلى المهلكين خوف وإعدام واستكملت تسعة أشهر وكان الفتح عندها لتمام وإنه للولد الذي هنيء به الإسلام وضنت بمثله الأيام واستبشر بوجوده الأنام فما أعلى مقامه وأبهج يومه وأسعد عامه ولا غرو أن تكون غرته أبهى الغرر ومفتتحه مباركا كالبشر وقد أسفر عن أيمن وجه النجح وخرج من عموم الأيام بمخصص هذا الفتح وانتقم الله فيه من الشقي الظالم العظيم الجرأة على ارتكاب المظالم فطاح بموبق أعماله وعجل الله به إلى ما أعد لأمثاله وكان دمه شر دم أريق وأديمه أخبث أديم لاقى التمزيق
والحمد لله الذي نصر الراية العباسية وأعلاها وأظهر آية عنايته وجلاها وأسبغ نعمه الجسيمة ووالاها
وحين ورد هذا النبأ العظيم كان أندى من قطر الندى على الأكباد وسرى في البلاد سريان الأرواح في الأجساد وكلفت به الأسماع والأسمار وسمت به وإليه الأمصار والأبصار واستقر من ارتجاع البلد وانتزاع النفس الذاهبة إلى جري الأبد حكمان مدركهما الفعل والإقرار وعملان تم بهما المراد والاختيار فرفعت الأدعية إلى سامعها وغصت الأندية بحاضري مجامعها وذاع بالبشرى فيا حسن ذائعها وشائعها وأذعنت الآمال لإدناء نازحها وشاسعها وأخذ العبد من المسرة بحظ أخلص العبيد مشهدا ومغيبا وأجمعهم لمعالي الجد تطنيبا ولمعاني الثناء والحمد تطييبا وجدد من شكر الواهب لجزيل هذه الهبة والفاتح لأعظم المعاقل الأشبه ما يستغرق المدد ولا يبلغ الأمد وأنى لمثلي أن يصف البشرى الواصلة أو ينصف المقالة المتطاولة ولو حلب أشطر الإحسان وجلب أبحر البيان وكيف والفكر قد قعد حصرا والمدى لا (7/102)
يؤاخذه التقدير قسرا والقول لا يجيب مطولا ولا مختصرا فحسبه دعاء هو له رافع ولأوقات الخلوات به قاطع وإلى الله سبحانه في قبوله ضارع والله يجيب في المقام العلي المتوكلي أفضل دعاء الخلق يضاعف له مع السابقين ثواب السبق ويجزيه خير الجزاء عما أزاله من الباطل وأداله من الحق وهو تعالى ينصره يوم الباس ويعصمه من الناس ويبقي رفده للاكتساب ونوره للاقتباس ويعرفه في كل ما يستنبطه من أصل التوكل صحة القياس بمنه والسلام
الأسلوب الثالث أن تفتتح المكاتبة بأما بعد ويتخلص إلى المقصد ويختم بما يناسب المقام
كما كتب أبو المطرف بن عميرة إلى المتوكل بن هود المقدم ذكره عن نفسه يهنئه بوصول هدية الخليفة العباسي إليه من بغداد أما بعد فكتب العبد كتب الله للمقام العلي الناصري المتوكلي مجدا يحل الكواكب وجدا يفل الكتائب
من شاطبة وبركات دعوته السعيدة قد طبقت البسيطة وكاثرت البحار المحيطة وأنجزت للإسلام أفضل مواعده وجددت عهده لأهل بيت النبوة الرافعة لقواعده وفسحت له مجال البشرى وأطلعت عليه أنوار العناية الكبرى فعاد إلى الوطن ووجد حال السهد طعم الوسن وأورق عوده واتسقت سعوده وعاد إلى صحته بالنظر الإمامي الذي جاء يعوده
وحين صدور رسول دار السلام ومثابة أهل الإسلام ومقعد الجلالة ومصعد إقرار الرسالة ومعه الكتاب الذي هو غريب أنس به الدين الغريب وبعيد الدار نزل به النصر القريب وآية بأدلتها الصادقة لتبطيل الشبه الآفكة وسكينة من ربنا وبقية مما ترك آل نبينا تحمله الملائكة اطمأنت القلوب وحصل المطلوب ودرت أخلاف الإيناس وارتفع الخلاف بين الناس وعلموا أن السالك قد أضاءت له المحجة والحق لا يعدو من بيده الحجة وأن من أمرته (7/103)
الخلافة العباسية فطاعته تجب قطعا ومخالفته تحرم شرعا ولم يبق إلا أن يبين للعيان شخصه ويرد على الآذان نصه فيكون يومه غرة الليالي المعتكرات وعلم الأيام المنكرات واليوم الذي به تؤرخ الأيام المستقبلة وترفع فيه الأعمال المتقبلة
وبإقبال الركاب السعيد إلى هذه ينزل به من سماء العلياء محكم وحكمة ويصل به إلى الأنام فضل من الله ونعمة ويقتضى دين على الأيام لا يبقى معه عسرة ويوجد جبر للإسلام لا يكون بده كسرة وشفاء لقلوب الأولياء هو للأعداء حسرة
الأسلوب الرابع أن تفتتح المكاتبة بالخطاب بلفظ سيدي أو مولاي مع حرف النداء أو دونه
كما كتب أبو عبد الله بن الخطيب وزير ابن الأحمر صاحب الأندلس عن نفسه إلى السلطان أبي عنان ابن السلطان أبي الحسن المريني صاحب فاس عند ورود كتابه إلى الأندلس بفتح تلمسان معرضا بأن صدور كتابه من عند قبر والده السلطان أبي الحسن بالأندلس ما صورته مولاي فاتح الأقطار والأمصار فائدة الأزمان والأعصار أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار قدوة أولي الأيدي والأبصار ناصر الحق عند قعود الأنصار مستصرخ الملك الغريب من وراء البحار مصداق دعاء الأب المولى في الآصال والأسحار
أبقاكم الله لا تقف إيالتكم عند حد ولا تحصى فتوحات الله عليكم بعد ولا يفيق أعداؤكم من كد ميسرا على مقامكم الكريم ما عسر على كل أب كريم وجد (7/104)
عبدكم الذي خلص إبريز عبوديته لملك ملككم المنصور المعترف لأدنى رحمة من رحماتكم بالعجز عن شكرها والقصور الداعي إلى الله سبحانه أن يقصر عليكم سعادة القصور ويذلل بعز طاعتكم أنف الأسد الهصور ويبقي الملك في عقبكم إلى يوم ينفخ في الصور
فلان
من الضريح المقدس وهو الذي تعددت على المسلمين حقوقه وسطع نوره وتلألأ شروقه وبلغ مجده السماء لما بسقت فروعه ورسخت عروقه وعظم بتبوئكم فخره فما فوق البسيطة فخر يفوقه حيث الجلال قد رست هضابه والملك قد سترت بأستار الكعبة الشريفة قبابه والبيت العتيق قد ألحفت الملاحد الإمامية أثوابه والقرآن العزيز ترتل أحزابه والعمل الصالح يرتفع إلى الله ثوابه والمستجير يخفي باطنه سؤاله فيجهر بنعرة العز جوابه وقد تفيأ من أوراق الذكر الحكيم حديقة وخميلة أنيقة وحط بجودي الحق نفسا في طوفان الضر غريقة والتحف برق الهيبة الذي لا تهتدي للنفس فيها إلا بهداية الله طريقة واعتز بعز الله وقد توسط جيش الحرمة المرينية حقيقة إذ جعل المولى المقدس المرحوم أبا الحسن مقدمه وأباه وجده سقاه المولى الكريم بهذا المجد سيب رحماه وطنب عليه من الرضا فسطاطا وأعلى به يد العناية المرينية اهتماما واغتباطا وحرر له أحكام الحرمة نصا جليا واستنباطا وضمن له حسن العقبى التزاما واشتراطا وقد عقد البصر بطريق رحمتكم المنتظرة المرتقبة ومد اليد إلى اللطائف بشفاعتكم التي تتكفل بعتق المال كما تكفلت بعتق الرقبة وشرع في (7/105)
المراح بميدان نعمكم بعد اقتحام هذه العقبة لما شنفت الآذان البشرى التي لم يبق طائر إلا سجع بها وصدح ولا شهاب دجنة إلا اقتبس من نورها واقتدح ولا صدر إلا انشرح ولا غصن عطف إلا مرح بشرى الفتح القريب وخبر النصر الصحيح الحسن الغريب ونبأ الصنع العجيب وهداية السميع المجيب فتح تلمسان الذي قلد المنابر عقود الابتهاج ووهب الإسلام منيحة النصر غنية عن الهياج وألحف الخلق ظلا ممدودا وفتح باب الحج وكان مسدودا وأقر عيون أولياء الله الذين يذكرون الله قياما وقعودا وأضرع بسيف الحق جباها أبية وخدودا وملككم حق أبيكم الذي أهان عليه الأموال وخاض من دونه الأهوال وأخلص في الضراعة والسؤال من غير كد يغمز عطف المسرة ولا جهد يكدر صفو النعم الثرة ولا حصر ينفض به المنجنيق ذؤابته ويظهر بتكرر الركوع إنابته
فالحمد لله الذي أقال العثار ونظم بدعوتكم الانتشار وجعل ملككم يجدد الآثار ويأخذ الثار
والعبد يهنيء مولاه بما أنهم الله عليه وأولاه وما أجدره بالشكر وأولاه فإذا أجال العبيد السرور فللعبد المعلى والرقيب وإذا استهموا حظوظ الجذل فلي القسم الوافرة والنصيب وإذا اقتسموا فريضة شكر (7/106)
الله تعالى فلي الحظ والتعصيب لتضاعف أسباب العبودية قبلي وترادف النعم التي عجز عنها قولي وعملي وتقاصر في ابتغاء مكافأتها وجدي وإن تطاول أملي فمقامكم المقام الذي نفس الكربة وآنس الغربة ورعى الوسيلة والقربة وأنعش الأرماق وفك الوثاق وأدر الأرزاق وأخذ على الدهر بالاستقالة بالعهد والميثاق وإن لم يباشر اليد العالية بهذا الهناء ويتمثل بين يدي الخلافة العظيمة السنا والسناء ويمد بسبب البدار إلى تلك السماء فقد باشر به اليد التي يحن مولاي لتذكر تقبيلها ويكمل فروض المجد بتوفية حقوقها الأبوية وتكميلها ووقفت بين يدي ملك الملوك الذي أجال عليها القداح ووصل في طلب وصالها المساء بالصباح وكأن فتحه إياها أبا عذرة الافتتاح وقلت يهنيك يا مولاي رد ضالتك المنشودة وخبر لقطتك المعرفة المشهودة ودالتك المودودة فقد استحقها وارثك الأرضى وسيفك الأمضى وقاضي دينك وقرة عينك مستنقذ دارك من يد غاصبها وراد رتبتك إلى مناصبها وعامر المثوى الكريم وستر الأهل والحريم
مولاي هذه تلمسان قد أطاعت وأخبار الفتح على ولدك الحبيب إليك قد شاعت والأمم إلى هنائه قد تداعت وعدوك وعدوه قد شردته المخافة وانضاف إلى عرب الصحراء فخفضته الإضافة وعن قريب تتحكم فيه يد احتكامه وتسلمه السلامة إلى حمامه فلتطب يا مولاي نفسك وليستبشر رمسك فقد نمت بركتك وزكى غرسك
نسأل الله أن يورد على ضريحك من أنباء نصره ما (7/107)
تفتح له أبواب السماء قبولا ويرادف إليك مددا موصولا وعددا آخرته خير لك من الأولى ويعتريه بركة رضاك ظعنا وحلولا ويضفي عليه منه سترا مسدولا
ولم يقنع العبد بخدمة النثر حتى أجهد القريحة التي ركضها الدهر وأنضاها واستشفها الحادث الجلل تقاضاها فلفق من خدمة المنظوم ما يتغمد حلمكم تقصيره ويكون إغضاؤكم إذا لقي معرة العتب وليه ونصيره وإحالة يا مولاي على الله في نفس جبرها ووسيلة عرفها مجده فما أنكرها وحرمة بضريح مولاي والده شكرها ويطلع العبد منه على كمال أمله ونجح عمله وتسويغ مقترحه وتتميم مطمحه إن شاء الله تعالى
( يا ابن الخلائف يا سمي محمد ... يا من علاه ليس يحصر حاصرا )
( أبشر فأنت مجدد الملك الذي ... لولاك أصبح وهو رسم داثر )
( من ذا يعاند منك وارثه الذي ... بسعوده فلك المشيئة دائر )
( ألقت إليك يد الخلافة أمرها ... إذ كنت أنت لها الولي الناصر )
( هذا وبينك للصريح وبينها ... حرب مضرسة وبحر زاخر )
( من كان هذا الصنع أول أمره ... حسنت له العقبى وعز الآخر )
( مولاي عندي في علاك محبة ... والله يعلم ما تكن ضمائر )
( قلبي يحدثني بأنك جابر ... كسري وحظي منك حظ وافر )
( بثرى وجودك قد حططت قريحتي ... ووسيلتي لعلاك نور باهر )
( وبذلت سعيي واجتهادي مثل ما ... يلقى لملكك سيف أمرك عامر )
( وهو الموالي الذي اقتحم الردى ... وقضى العزيمة وهو سيف باتر )
( وولي جدك في الشدائد عندما ... خذلت علاه قبائل وعشائر )
( فاستهد منه النجح واعلم أنه ... في كل معضلة طبيب ماهر )
( إن كنت قد عجلت بعض مدائحي ... فهي الرياض وللرياض بواكر ) (7/108)
الطرف الرابع عشر فيما يختص بالأجوبة الصادرة عن الملوك وإليهم
والرسم فيه أنه إن كان الجواب صادرا عن ملك فالتعبير عن الملك بنون الجمع وخطاب المكتوب إليه بالكاف
وإن كان عن بعض أتباع الملك إليه فالتعبير عن المكتوب عنه بالخادم أو العبد أو المملوك ونحو ذلك ومخاطبة الملك بما تليق به مخاطبة الملوك
ثم الجواب تارة يكون الابتداء فيه بنفس ورود المكاتبة وقد تقدم في مثل ذلك في الكتب الصادرة عن الخلفاء أن المكاتبة يبتدأ فيها بلفظ عرض
أما الأجوبة المتعلقة بالملوك فإنه يقال فيها بدل عرض وصل أو ورد أو نحو ذلك
ثم هي على ضربين
الضرب الأول الأجوبة الصادرة عن الملوك إلى غيرهم وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في الأجوبة الصادرة عن ملوك المشرق وفيه أسلوبان
الأسلوب الأول أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابنا ووصل كتابك
ويذكر تاريخ الكتاب ويشار إلى ما فيه ثم يؤتى بالجواب إلى آخره ويختم باستماحة الرأي في ذلك الأمر كما كتب أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة إلى حاجب الحجاب أبي القاسم سعد بن محمد وهو مقيم (7/109)
بنصيبين على محاربة باد الكردي
كتابنا ووصل كتابك مؤرخا بيوم كذا تذكر فيه ما جرى عليه أمرك في الخدمة التي نيطت بكفايتك وغنائك ووكلت إلى تدبيرك ورأيك من رد باد الكردي عن الأعمال التي تطرقها وحدث نفسه بالتغلب عليها وتصرفك في ذلك على موجبات الأوقات والتردد بين أخينا وعدتنا أبي حرب زياد بن شهرا كويه وبينك من المكاتبات وحسن بلائك في تحيفه ومقاماتك في حص جناحه وأثارك في الانقضاض على فريق بعد فريق من أصحابه واضطرارك إياه بذلك وبضروب الرياضات التي استعملتها والسياسات التي سست أمره بها إلى أن نزل عن وعورة المعصية إلى سهولة الطاعة وانصرف عن مجاهل الغواية إلى معالم الهداية وتراجع عن السوم إلى الاقتصار وعن السرف إلى الاقتصاد وعن الإباء إلى الانقياد وعن الاعتياص إلى الإذعان
وأن الأمر استقر على أن قبلت منه الإنابة وبذلت له فيما طلب الاستجابة واستعيد إلى الطاعة واستضيف إلى الجماعة وتصرف على أحكام الخدمة وجرى مجرى من تضمه الجملة وأخذت عليه بذلك العهود المستحكمة والأيمان المغلظة وجددت له الولاية على الأعمال التي دخلت في تقليده وضربت عليها حدوده وفهمناه (7/110)
وقد كانت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب زياد بن شهراكويه مولى أمير المؤمنين ترد علينا وتصل إلينا مشتملة على كتبك إليه ومطالعاتك إياه فنعرف من ذلك حسن أثرك وحزم رأيك وسداد قولك وصواب اعتمادك ووقوع مضاربك في مفاصلها وإصابة مراميك أغراضها وما عدوت في مذاهبك كلها ومتقلباتك بأسرها المطابقة لإيثارنا والموافقة لما أمرت به عنا ولا خلت كتب أخينا وعدتنا أبي حرب من شكر لسعيك وإحماد لأثرك وثناء جميل عليك وتلويح وإفصاح بالمناصحة الحقيقة بك والمولاة اللازمة لك والوفاء الذي لا يستغرب من مثلك ولا يستكثر ممن حل في المعرفة محلك ولئن كنت قصدت في كل نهج استمررت عليه ومعدل عدلت إليه مكافحة هذا الرجل ومراغمته ومصابرته ومنازلته والتماس الظهور عليه في جميع ما تراجعتماه من قول وتنارعتماه من حد فقد اجتمع لك إلى إحمادنا إياك وارتضائنا ما كان منك المنة عليه إذ سكنت جاشه وأزلت استيحاشه واستللته من دنس لباس المخالفة وكسوته من حسن شعار الطاعة وأطلت يده بالولاية وبسطت لسانه بالحجة وأوفيت به على مراتب نظرائه ومنازل قرنائه حتى هابوه هيبة الولاة وارتفع بينهم عن مطارح العصاة
فالحمد لله على أن جعلك عندنا محمودا وعند أخينا وعدتنا أبي حرب مشكورا وعلى هذا الرجل مانا وفي إصلاح ما أصلحت من الأمر مثابا مأجورا وإياه نسأل أن يجري علينا عادته الجارية في إظهار راياتنا ونصرة أوليائنا والحكم لنا على أعدائنا وإنزالهم على إرادتنا طوعا أو كرها وسلما أو حربا فلا يخلو أحد منهم أن تحيط لنا بعنقه ربقة أسر أو منة عفو إنه جل ثناؤه بذلك جدير وعليه قدير
ويجب أن تنفذ إلى حضرتنا الوثيقة المكتتبة على باد الكردي إن كنت لم تنفذها إلى أوان وصول هذا الكتاب لتكون في خزائننا محفوظة وفي (7/111)
دواوينا منسوخة وأن تتصرف في أمر رسله وفي بقية إن كانت بقيت من أمره على ما يرسمه لك عنا أخونا وعدتنا أبو حرب فرأيك في العمل على ذلك وعلى مطالعته بأخبارك وأحوالك وما يحتاج إلى عمله من جهتك موفقا إن شاء الله تعالى
الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ وصل كتابك
والأمر في ترتيبه على نحو ما تقدم في الأسلوب الذي قبله
كما كتب أبو إسحاق الصابي عن صمصام الدولة أيضا إلى أبي العلاء عبيد الله بن الفضل في جواب كتابه الوارد عليه بالظفر بأهل الاقتباس ما صورته وصل كتابك أدام الله عزك المؤرخ بوقت الظهر من أمسنا وهو يوم كذا تذكر ما سهله الله لك وأجراه على يدك وبيمن تدبيرك وبركة خدمتك من الإيقاع بالعصاة أهل الاقتباس وإذاقتهم وبال ما كانوا عليه من خلع الطاعة وشن الغارة واستباحة المحارم وارتكاب العظائم وإثخانك فيهم قتلا وأسرا وتشريدا وتشتيتا وفهمناه وحمدنا الله عليه وشكرنا ما أولى فيه وحسن منا موقع أثرك وتضاعف فيه جميل معتقدنا فيك ولك وارتضينا فعل الأولياء في الخفوف إليه والمناصحة فيه وسبيلك أن تبحث عن أموال هؤلاء القوم وتثمرها وتستدركها وتحصلها وتكتب بما يصح منها وتتقدم بقص أثر الهاربين حتى تلحقهم بالهالكين وتشيع الرهبة في سائر شقي الفرات وتتوخى طوائف الأشرار والخراب ومخيفي السبل والساعين في الفساد بالتتبع لهم ووضع اليد عليهم فإن بحسب النكاية في أهل الجهل والدعارة سكون أهل السلامة والاستقامة فرأيك في العمل بذلك والمطالعة بما يوفقك الله له مستأنفا من مثل هذا الفعل الرشيد والمقام الحميد وبسائر الأمور التي ترى عينها وتحتاج إلى معرفة مجاريها موفقا إن شاء الله تعالى والسلام (7/112)
الجملة الثانية في الأجوبة الصادرة عن ملوك الديار المصرية من وزراء الخلفاء الفاطميين القائمين مقام الملوك الآن فمن بعدهم
والذي وقفت عليه منه أسلوب واحد وهو الافتتاح بلفظ وصل
كما كتب بعض كتاب الدولة الفاطمية عن بعض وزراء الحافظ إلى أمين الدولة زنكي كشنكين ما صورته وصل كتابك أيها الأمير الأجل الدال على مصالحته المعرب عن مناصحته الشاهد له بمؤثل الخطوة والأثرة والموضح من أفعاله وخلاله ما لم تزل قضيته مرتسمة في النفوس مصورة وعرضنا ما اقترن به من مطالعة المقام المقدس النبوي الحافظي ضاعف الله أنواره وشاد مناره وأعز أشياعه وأنصاره وشفعناه من الثناء على الأمير الاسفهسلار بما لم تزل عادتنا جارية به مع من نعلم طاعته ونتحقق مشايعته ونرى باطنه يضاهي ظاهره وسره يوافق علانيته ووقفنا على ما أنهاه من حال الفرنج المشركين الملعونين وما كان من نعم الله تعالى من الظفر بهم والإدالة منهم والخفض من منازهم والتقويض لغمارهم والإبادة لفارسهم وراجلهم وإرشاد السيوف والسهام إلى مقاتلهم وتطهير الأرض منهم بدمائهم والإحاطة بهم عن أيمانهم وشمائلهم ومن أمامهم (7/113)
وورائهم فابتهجنا بذلك الابتهاج الذي يوجبه التوحيد وانتهى بنا السرور إلى الحد الذي ما عليه مزيد
على أننا كنا نود أن يكون ذلك بصفاحنا وأسنتنا وأن يثبته الله لنا في صحيفتنا وإنا لراجون من نعم الله عندنا وإحسانه إلينا كما عودنا أن يكون من بقي من المذكورين بنا مستأصلا ويكون أجر هذه الخاتمة لنا حاصلا
وقد عزم الله لنا عند وقوفنا على كتابه بما خرج به أمرنا إلى جميع من بأعمال الدولة الحافظية خلد الله ملكها بعيدها ودانيها وقصيها ونائيها من العساكر المظفرة المؤيدة وقبائل العربان المستخلصة وكافة الطوائف على اختلاف أنواعها وتباين أجناسها وتفاوت منازلها وتغاير مراتبها بأن ينفروا خفافا وثقالا وركبانا ورجالا بقوتهم ونجدتهم ووفور عددهم وعدتهم وكثرة آلاتهم وأسلحتهم وبالعزمات الماضية والضمائر الخالصة والنيات المستبقة والعقائد المتفقة وفسحنا للمتطوعة أن يختلطوا بالمرتزقة وأمرناهم بمسيرهم متتابعين وتوجههم مترادفين وأن يكونوا كتائب متناصرة وجحافل متواترة وعساكر متوالية لا ترى الأرض منها إلى العدو خالية ومن الله نطلب مادة العون والإسعاد ونسأله توفيقا لما يقض بتضاعف أجرنا في العاجلة والمعاد
وقد شكرنا الأمير الاسفهسلار كون ما أنهاه سببا لهذه الغنيمة المتوقعة من فضل الله وإحسانه والنصرة لدينه التي نؤملها من جزيل كرمه وامتنانه وأضفنا ما اقتضته مطالعته من جذلنا وغبطتنا إلى المستقر عندنا من محبته لنا وإيثاره الذي لا يحتاج فيه إلى زيادة على معرفتنا فليعلم هذا وليعمل به
إن شاء الله تعالى
وكما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى صاحب مكة المشرفة جوابا عن كتاب ورد منه عليه في معنى وصول غلال بعث بها إلى مكة ما صورته وصل كتابك أيها الشريف معربا عن المشايعة الشائعة أنباؤها والمخالصة الخالصة أسرارها الوافرة أنصباؤها وحسان الخلال التي اقتسم طرفي الحمد إعادتها وإبداؤها ومكرمات الآل التي تساوى في اقتناء المجد أبناؤها وفضائل الإفضال التي لا تخف على غير أهل العباء صلوات الله عليهم (7/114)
أعباؤها
ونشر كتابك من محاسنك ما انطوى ووردنا منه منهلا أروى وارده وارتوى ووقفنا منه على أثر فضل اشتمل على عين الكرم واحتوى ووفقنا وإياه من الحمد ما لا نخلفه نحن ولا هو مكانا سوى فاقتضانا مزيدا في رفع قدره واختصاصه من الإنعام بكل غريب الموقع ندره وأصرنا كتابه إلى مستقر كاتبه من قلب الود وصدره وكيف لا يكون ذلك وقد اشمخرت لبيته الأنساب وخرت الأنصاب وسجدت الرقاب وردت له بعد ما توارت بالحجاب وشهد بفضل توقيعهم الحرب وبفضل ليلهم المحراب
فأما ما أشار إليه من الشكر على ما سير من الغلات التي كان الوعد بها علينا نذرا وروحنا بإرسالها قلبا وشرحنا بتسييرها صدرا وأنها حلت ربقة الجدب وفكتها وجلت هبوة القحط وكفتها وهونت مصاعب المساغب وخلفت سواحب السحائب وأطفأت ولله الحمد بوار النوائب فقد سررنا بحسنتنا جعله الله ممن تسره الحسنة وقد نبهنا من سنتنا لأن نستقبل بالحمد لولي السنة وقد قوى النية وقومها واستزاد لهم بلسان الشكر الفصيح وتناول لهم بباع التلطف الفسيح وألقح لهم سحائب محله منها محل ملقحها من الريح واقتضى ما يعرضه أن خرج الأمر بأن يضاعف المحمول في كل عام ولا يخص به خاص دون عام وأمرنا أن يوفر جلب الجلاب وتوقر ظهور الركاب ليجمع للحرم الشريف بين بر البر والبحر وبين حمل البطن والظهر فتظل السنة ودودا ولودا ويشاهد المحل الشريف وقد نأى عنه المحل شريدا وتحط القلوع عما يحط عنه أمثالها من السحائب وتستريح الأنفس اللواغب فأما ما ألقاه إلى رسوله فقد أسمع ما أسنده إليه وأعيد بما يعيده عليه وقد تكاثرت بولاء الشريف الأشهاد فغني عن الاستشهاد وأغنته الحظوة بجميل رأينا عما نأى أخذه لشفعة العطاء بل لشفاعة الاجتهاد إن شاء الله تعالى (7/115)
الجملة الثالثة في الأجوبة الصادرة عن ملوك الغرب
وهي على النحو المتقدم وربما صدر بلفظ قد ونحوها
كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن بعض ملوكهم في جواب كتاب ورد عليه بطاعة بلد
قد وصل كتابكم وصل الله معونتكم وكلائتكم تذكرون ما تقرر عندكم هنالك من أحوال تلك الجهة وباشرتموه من أمورها وأنتم عندنا بمحل الصدق ومكان الإيثار للحق
وقد رسمنا لكم أن تثبتوا في أهل تلكم الجهات كلها حميد الرأي فيهم وحسن القبول لإنابتهم وقصد الرفق بخاصتهم وعامتهم وأنا قد تقبلنا أوبتهم واغتفرنا زلتهم وأولئكم المتشبثون بسبب الذمام عرفوهم أنكم رغبتم في شمول الصفح عنهم والإقالة لما كان منهم فأسعفنا رغبتكم فيهم وأدخلناهم في العفو مع غيرهم وبذلنا لهم الأمان وأغضينا عن جميع ما كان فعرفوهم بهذا كله وأخبروهم عنا بإعطاء التأمين لجميعهم وبذله وإن كان أطيب لنفوسهم أن يصلهم مكتوب بذلك عرفتمونا ووجهناه إليكم
وأقيموا أنتم هنالكم أياما خلال ما يصلكم من متثاقل الأحوال ما تطالعون به وتخاطبون بما تعتمدونه إن شاء الله تعالى
أدام الله كرامتكم (7/116)
أشرتم في خطابكم إلى أن عندكم من تلك الأحوال ما تذكرونه مشافهة وربما يكون ذلك أمدا يبنى عليه نظر أو يتوجه بحسبه عمل فمن الجيد أن تكتبوا بشرحه إن شاء الله تعالى والسلام
الضرب الثاني الأجوبة الواردة على الملوك
وهي على نحو ما تقدم في الأجوبة الصادرة عن الملوك من الابتداء بلفظ وصل إلا في الخطاب فإن المكتوب عنه يقع الخطاب منه بالخادم أو المملوك أو العبد
ويخاطب الملك المكتوب إليه بمولانا أو مولانا الملك أو نحو ذلك وربما كتب بدل وصل ورد
كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في جواب كتاب ورد عليه مخبرا فيه بالحركة للقاء العدو ما صورته ورد على المملوك أدام الله أيام المجلس العالي الملكي الناصري ونصره على أعدائه وملكه أرضه بعدل حكم سمائه ولا أخلى من نعمتي خيره ونظره قلوب وعيون أوليائه وأعز الإسلام ورفع عن أهله البلوى بلوائه
الكتب القديمة التي تسر الناظرين من شعارها الأصفر وتبشر الأولياء إن كانوا غائبين مع الغيب بأن حظهم حاضر مع الحضر وقد كانت الفترة قد طالت أيامها واستطالت آلامها والطرقات قد سبق إلى الأنفس إبهامها
فالحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأولى من النعمة ما اشترى الحمد ثمن ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس
ووعد الله سبحانه منتظر إذ يقول في كتابه ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ) وصدق قوله ( إن اختيار الله (7/117)
للمؤمن خير من اختياره وإن مواضع الأمل للعبد خير منها مواقع أقضية الله وأقداره )
فقد كانت حركة احتاجت إليها البلاد التي انفصل عنها والبلاد التي قدم عليها
أما المصرية منها فبكونها على عدة من نجدته آجلا وأما الشامية فبكونها على ثقة من نصره عاجلا فقد تماسكت من المسلمين الأرماق وقد انقطعت من المشركين الأعناق
( تهاب بك البلاد تحل فيها ... ولولا الليث ما هيب العرين ) وعرض المملوك ما وصل إليه من مكاتبات المولى على العلم العادلي وأدركها تحصيلا وأحاط بها جملة وتفصيلا والمولى خلد الله ملكه فكل ما أشار إليه من عزيمة أبداها ونية أمضاها فهو الصواب الذي أوضح الله له مسالكه والتوفيق الذي قرب الله عليه مداركه ومن أطاع الله أطاعه كل شيء ومن استخاره بين له الرشد من الغي والله تعالى يجعل له من كل حادثة نخوة ويكتب أجره في كل حركة ونفس وخطوة
إن شاء الله تعالى
القسم الثاني المكاتبات الصادرة عنهم إلى ملوك الكفر وفيه طرفان
الطرف الأول في الابتداءات وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى
في المكاتبات الصادرة إليهم عن ملوك بلاد الشرق من بني بويه فمن بعدهم
وقد كان الرسم فيها أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابي أو كتابنا إلى فلان ويخاطب المكتوب إليه بملك الروم أو نحو ذلك ويختم بقوله فإن رأى ذلك فعل إن شاء الله تعالى (7/118)
كما كتب أبو إسحاق الصابي عن القائد أبي الفوارس ختور التركي المعزي إلى وردس بن قنبر المعروف بعسقلاروس
كتابي إلى ملك الروم الفاضل الجليل النبيل الخطير أدام الله كفايته وسلامته ونعمته وسعادته وعافيته وحراسته من الحضرة الجليلة بمدينة السلام لثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة تسع وسبعين وثلثمائة وهو اليوم التاسع من أدار عن شمول السلامة وعموم الاستقامة وصلاح حالي في ظل (7/119)
الدولة المنصورة
والحمد لله رب العالمين وحده لا شريك له وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما
ووصل كتاب مولانا ملك الروم الفاضل الجليل الصادر عن العسكر بمرج لارضة بتاريخ التاسع من حزيران وفهمته وجل عندي موقعه وعظم في نفسي خطره وحمدت الله على ما شهد به من انتظام أحواله واطراد أموره وسألته أن يتمم النعمة عليه ويزيد فيها لديه ويواصل إحسانه إليه ويطيل مدته في أتم رشد وهداية وأرفع قدم ومنزلة وأعلى خطر ورتبة بمنه وطوله وجوده ومجده
فأما ما ذكره سيدنا الملك الجليل من مقامه على العهد وافتقاره إلى الميل والود فذاك يوجب فضله البارع وكرمه الشائع وخلال الخير التي أهله الله لها وخصه الله بها وبالله أحلف إنني ما خلوت منذ افترقنا من مطالعة أخباره وتتبع آثاره واستعلام مجاري شؤونه والسرور بكل ما تم له ووصل إليه حتى كأنني حاضر له وضارب بأوفر سهم فيه بل مخصوص بجميعه
والله يجريه على أحسن ما أولاه وعوده ولا يخليه من الصنع الجميل فيما أعطاه وقلده برحمته
وكنت قبل ذلك عند ورود رسولي في الدفعة الأولى على غاية الغم وشغل القلب بسبب الغدر الذي لحقه من عدوه الذي أظفره الله به وأنهيت ذلك في وقته إلى الملك السعيد الماضي شرف الدولة وزين الملة رضي الله عنه
فاشتغل قلبه رحمه الله به وعمل على إنفاذ العساكر لنصرته ثم أتى من قضاء الله في أمره ما قد عرفه
ولما انتصب في المملكة مولانا السيد بهاء الدولة وضياء الملة أطال (7/120)
الله بقاءه شرحت له ما جرى قديما على سياقته ومهدت الحال عنده ووجدته أدام الله سلطانه معتقدا لسيدنا ملك الروم الجليل أدام الله عزه أفضل اعتقاد وسر بما انتهت إليه أموره وتنجزت الكتب إلى موصلها الرسول حفظه الله وسمعت منه ما كان تحمله عن سيدنا ملك الروم أدام الله تأييده وأخرجت معه صاحبي أبا القاسم الحسين بن القاسم وحملتهما جميعا ما ينهيانه إليه في سائر الأمور التي يرى عرضها ويحتاج إلى معرفتها
وأنا أسأل سيدنا الملك الجليل أدام الله بركته تعجيل رده إلي فإنه ثقتي ومن أسكن إليه في أموري وأن يتفضل ويكلفني حوائجه ومهماته وأمره ونهيه لأقوم في ذلك بالحق الواجب له فإن رأى سيدنا ملك الروم الفاضل الجليل الخطير النبيل أن يعتمدني من ذلك بما يتضاعف عليه شكري وتجل النعمة فيه عندي ويشاكل الحال بينه وبيني فعل إن شاء الله تعالى
الجملة الثانية في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إليهم
والذي وقفت عليه من ذلك أسلوب واحد وهو الابتداء بأما بعد والخطاب فيه بالملك والاختتام بالدعاء
كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى بردويل أحد ملوك الفرنج وهو يومئذ مستول على بيت المقدس وما معه (7/121)
معزيا له في أبيه ومهنئا له بجلوسه في الملك بعده ما صورته أما بعد خص الله الملك العظيم حافظ بيت المقدس بالجد الصاعد والسعد الساعد والحظ الزائد والتوفيق الوارد وهنأه من ملك قومه ما ورثه وأحسن من هداه فيما أتى به الدهر وأحدثه فإن كتابنا صادر إليه عند ورود الخبر بما ساء قلوب الأصادق والنعي الذي وددنا أن قائله غير صادق بالملك العادل الأعز الذي لقاه الله خير ما لقى مثله وبلغ الأرض سعادته كما بلغه محله معز بما يجب فيه العزاء ومتأسف لفقده الذي عظمت به الأرزاء إلا أن الله سبحانه قد هون الحادث بأن جعل ولده الوارث وأنسى المصاب بأن حفظ به النصاب ووهبه النعمتين الملك والشباب فهنيئا له ما حاز وسقيا لقبر والده الذي حق له (7/122)
الفداء لو جاز ورسولنا الرئيس العميد مختار الدين أدام الله سلامته قائم عنا بإقامة العزاء من لسانه ووصف ما نالنا من الوحشة لفراق ذلك الصديق وخلو مكانه وكيف لا يستوحش رب الدار لفرقة جيرانه
وقد استفتحنا الملك بكتابنا وارتيادنا وودنا الذي هو ميراثه عن والده من ودادنا فليلق التحية بمثلها وليأت الحسنة ليكون من أهلها وليعلم أناله كما كنا لأبيه مودة صافية وعقيدة وافية ومحبة ثبت عقدها في الحياة والوفاة وسريرة حكمت في الدنيا بالموافاة مع ما في الدين من المخالفات
فليسترسل إلينا استرسال الواثق الذي لا يخجل وليعتمد علينا اعتماد الولد الذي لا يحمل عن والده ما تحمل والله يديم تعميره ويحرس تأميره ويقضي له بموافقة التوفيق ويلهمه تصديق ظن الصديق
الجملة الثالثة في الأجوبة الصادرة إليهم عن ملوك الغرب
والرسم فيه أن تفتتح المكاتبة بلفظ كتابنا والمخاطبة بنون الجمع عن المكتوب عنه وميم الجمع عن المكتوب إليه والاختتام بالسلام مع الدعاء بما يليق
كما كتب أبو المطرف بن عميرة عن أبي جميل زيان إلى ملك قشتالة من بلاد الأندلس في مراودة الصلح كتابنا إليكم أسعدكم الله برضاه وأدام عزتكم وكرامتكم بتقواه من مرسية ونحن نحمد الله الذي لا شيء كمثله ونلجأ إليه في أمرنا كله ونسأله (7/123)
أن يوزعنا شكر إحسانه وفضله وعندنا لجنابكم المرفع تكرمة نستوفيها ومبرة ننتهي إلى الغاية فيها وعلمنا بمحلكم الشهير وكتابكم الخطير يستدعي الزيادة من ذلكم ويقتضيها وقد كان من فضل الله المعتاد وجميل صنعه في انتظام الكلمة في هذه البلاد ما اكتنفته العصمة وكملت به النعمة والمنة وتيسر بمعونة الله فتح أقر العيون ورضيه الإسلام والمسلمون وكانت مطالعتكم به مما آثرنا تقديمه ورأينا أن نحفظ من الأسباب المرعية على التفصيل والجملة حديثه وقديمه
وحين ترجحت مخاطبتكم من هذا المكان ومفاوضتكم في هذا الشان رأينا من تكملة المبرة وتوفية العناية البرة أن ننفذ إليكم من يشافهكم في هذا المعنى ويذكر من قصدنا ما نولع به ونعنى وهو فلان في ذكر السلم ومحاولتها ما يتأدى من قبله على الكمال بحول الله تعالى
وإن رأيتم إذا انصرف من عندكم أن توجهوا زيادة إلى ما تلقونه إليه من رجالكم وخاصتكم في معنى هذا العهد وإحكامه ومحاولته وإبرامه فعلتم من ذلك ما نرقب أثره ونصرف إليه من الشكر أوفاه وأوفره إن شاء الله تعالى وهو الموفق لا رب سواه والسلام الأتم عليكم كثيرا
الطرف الخامس عشر المكاتبات الصادرة إلى ملوك الكفر في الأجوبة وهي إما أن تصدر بما يصدر به الابتداء وقد تقدم وإما أن تصدر بلفظ وصل أو ورد
كما كتب بعض كتاب الدولة الأيوبية عن الملك الجواد أحد ملوكهم (7/124)
في أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر جواب كتاب ورد عليه من فرانك أحد ملوك الفرنج في شعبان سنة ثلاثين وستمائة
وردت المكاتبة الكريمة الصادرة عن المجلس العالي الملك الأجل الأعز الكبير المؤيد الخطير العالم العامل الظهير العادل الأوحد المجتبى شمس الملة النصرانية جلال الطائفة الصليبية عضد الأمة الفرنجية فخر أبناء المعمودية عمدة الممالك ضابط العساكر المسيحية قيصر المعظم فلان معز إمام رومية ثبت الله لديه نعمه وعزز موارد جوده وديمه وأمضى صوارم عزائمه وأعلى هممه ولا برحت أنوار سعده تتلألأ وأخبار مجده تبسط وتتعالى وسحائب الألسنة الناطقة بحمده تستهل وتتوالى إلى أن يتحلى جيد الضحى بعقود الليل وتطلع الشعرى من مطالع سهيل فجدد الثناء على جلاله وأكد المديح لإحسانه وإفضاله وأنفس أسباب المودة والحصافة وشدد أواخي الإخلاص والموافاة فاستبشرت النفوس بوروده وسرت القلوب بوفوده ووقف منه على الإحسان الذي نعرفه ووجد عقده مشتملا على جواهر الوداد الذي نألفه فشكر الله على هذه الألفة المنتظمة والمحبة الصادقة المكرمة
والمجلس العالي الملك الأجل أعلى الله قدره ونشر بالخير ذكره أولى من (7/125)
أهدى المسرات بورود المراسم والحاجات ووصل الأنس بكريم المكاتبات مضمنة السوانح والمهمات
فأما ما ذكره المقام العالي السلطاني الملكي الكاملي الناصري زاده الله شرفا وعلوا من أنه لا فرق بين المملكتين فهذا هو المعتقد في صدق عهده وخالص وده ولا زال ملكه عاليا وشرفه ناميا إن شاء الله تعالى (7/126)
الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الرابعة في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية على ما استقر عليه الحال في ابتداء الدولة التركية وإلى زماننا على رأس الثمانمائة مما أكثره مأخوذ من ترتيب الدولة الأيوبية التي هي أصل الدولة التركية وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في المكاتبات الصادرة عنهم إلى الخلفاء من بني العباس
قد تقدم في الكلام على المكاتبات الصادرة عن الملوك إلى خلفاء بني العباس أنها علىأساليب في ابتداء المكاتبات منها ما يفتتح بآية من القرآن الكريم ثم بالسلام ومنها ما يفتتح بالسلام ابتداء ومنها ما يفتتح بالصلاة على الخليفة على مذهب من يرى جواز إفراد غير الأنبياء بالصلاة ومنها ما يفتتح بالدعاء لديوان الخلافة
ولكن الذي ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف بالمصطلح الشريف مما الحال مستقر به أن المكاتبة إلى ديوان الخلافة الشريفة أدام الله أيام الديوان العزيز المولوي السيدي النبوي الإمامي الفلاني ثم الدعاء المعطوف والصدر بالتعظيم المألوف وأنها قد تفتتح بغير هذا الدعاء نحو أدام الله سلطان وخلد الله سلطان أو أيام أو غير ذلك (7/127)
مما يقتضي العز والدوام
وأن الصدر نحو العبد أو المملوك أو الخادم يقبل الأرض أو العتبات أو مواطيء المواقف أو غير ذلك
وأن ختم الكتاب يكون تارة بالدعاء وتارة ب يطالع أو أنهى أو غيرهما مما فيه معنى الإنهاء
ويخاطب الخليفة في أثناء الكتاب بالديوان العزيز وبالمواقف المقدسة أو المشرفة والأبواب الشريفة والباب العزيز والمقام الأشرف والجانب الأعلى أو الشريف
وبأمير المؤمنين مجردة عن سيدنا ومولانا ومرة غير مجردة مع مراعاة المناسبة والتسديد والمقاربة
وأن خطاب المكاتب عنه بحسب من كتب عنه فكتب بعض ملوك بني أيوب بالديار الشامية الخادم
وبعضهم المملوك وبعضهم العبد وبعضهم أقل المماليك وبعضهم أقل العبيد
وأن علاء الدين خوارزم شاه صاحب بلاد خوارزم وما معها وابنه جلال الدين كانا يكتبان الخادم المطواع وأن أم جلال الدين كانت تكتب الأمة الداعية
قال في التثقيف وعنوانه الديوان العزيز إلى آخر الألقاب ثم الدعاء يعني من (7/128)
نسبة الصدر نحو أدام الله أيامه وخلد الله سلطانه وما أشبه ذلك
قال وعادة العلامة إليه الخادم أو المملوك أو العبد
وكتب بعضهم أقل المماليك وبعضهم أقل العبيد
يريد أن العلامة تكون مطابقة لما يقع في أثناء المكاتبة عن المكتوب إليه من الخادم وغيره مما تقدم ذكره بحسب ما يؤثر الملك المكتوب عنه الخطاب به عن نفسه
وهذه عدة صدور مختلفات الابتداءات منقولة من التعريف وغيره
أما قطع الورق الذي يكتب فيه إلى الخليفة فقد تقدم في الكلام على مقادير قطع الورق في المقالة الثالثة نقلا عن ابن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة أنه يكتب للخلفاء في قرطاس من ثلثي طومار وأن المراد بالطومار الفرخة الكاملة وأن المراد الورق البغدادي وحينئذ فينبغي أن يجرى الأمر على ذلك تعظيما للخلافة
صدر أدام الله أيام الديوان العزيز ولا زالت سيوف أوليائه في رقاب أعدائه محكمة وصنوف الكفار في أيدي عسكره الجرار بالنهاب مقسمة وصفوف أهل الشرك مزلزلة بخوافق أعلامه المطهرة وسنابك جياده المطهمة ولا برحت ملائكة النصر من أمداده وملوك العصر بيض الوجوه بتعظيم شعار سواده
الخادم ينتهب ثرى العتبات الشريفة بالتقبيل وينتهي في قصارى الطلبات على الوقوف في تلك الربوع ويكلل ربى تلك الساحات هو وكل ابن سبيل بلآليء الدموع خضوعا في ذلك الموقف الذي تنكر القلوب فيه الصدور وتلصق منه الترائب بالنحور ويظهر سيما الجلالة في الوجود ويغدق على الأولياء فيعرفون بسيماهم من أثر السجود
وينهي أن ولاءه القديم وبلاءه (7/129)
العظيم وأيامه السالفة وأفعاله التالدة والطارفة وسوابق خدمه في امتثال الأوامر الشريفة التي لم يزل يتسارع إليها ويقارع عليها ويصارع غلب الأسود على تنفيذ مراسمها وإقامة مواسمها وإطارة صيتها ودوام تثبيتها تحمل الخادم على الاسترسال وتجمل له السؤال والذي ينهيه كذا وكذا
صدر آخر من التعريف أدام الله سلطان الديون العزيز ولا زالت الخلائق بكرمه مضيفة والكتائب في هجير وطيسه مصيفة والأبصار في نصر أنصاره مصنفة والمواضي بأوامره في قبضات عساكره مصرفة والنقود إلا ما تشرف باسمه مزيفة والقلوب في صدور الأعداء بخواطف رعبه مسيفة والوعود إلا بما تنجزه مواهبه مسوفة والوغى لا ترى إلا برماحه مثقفة والسماء وإن علت لا تكون إلا لأذيال سيوفه مسجفة والمهابة بسطاه إما للمعاقل فاتحة وإما عما يطمع أن تناله الأيدي منها مجحفة الأمم على اختلافها تحت راياته المنصورة مقاتلة وأخرى له محالفة والأعلام التي يأوي إليها الإسلام به جوار الجوزاء مخلفة والأبطال لقتال الكفر ببوارق سيوفه قبل مضايق صفوفه ومخانق زحوفه مخوفة
الخادم يقبل بولائه إلى ذلك الجناب ويقبل الأرض وكتابه يحسن المناب ويقيل عثراته إذ كان به قد لاذ ويقيم معاذيره إذ كان به قد عاذ ويتسربل بطاعته سرابيل تقيه إذا خاف من سهام الدهر إلى مهجته النفاذ ويصول بانضمامه إلى تلك العصابة المنصورة لا بما يطبع من الفولاذ ويجل تلك المواقف المقدسة أن يبل مواطئها بدمعه وأن يحل مواطنها بقلبه قبل أن يعاجل كل عدو بقمعه ويعد ما هدي إليه من الاعتصام بسببها سببا لفوزه وموجبا لملك رق عنق كل عاص وحوزه وينهي كذا وكذا (7/130)
صدر آخر خلد الله سلطان الديوان العزيز ولا زالت أيامه شامخة الذوائب شارخة الصبا حتى حيث يلحق الشيب الشوائب راسخة الفخار في الظهور بالعجائب نافخة في فحم الليل جمر الكتائب صارخة والرعد ترتعد فرائضه بين السحائب ناسخة دولة كل علياء بما تأتي به من الغرائب وتبذله من الرغائب فاسخة عقد كل خالع يرده الله إليها ردة خائب باذخة على ماضي كل زمان ذاهب من عصور الخلفاء الشرفاء وآئب سالخة لجلدة كل أيم ظن أن في أنياب رمحه النوائب
الخادم يقبل العتبات الشريفة ساجدا بجبينه وشاهدا يستأديه له على يمينه وجاحدا كل ولاء سوى ولائه المعقود بيمينه وعاقدا بشرف الانتساب إليه عقد دينه وحامدا الله الذي جعله من طاعة أمير المؤمنين عند حسن يقينه وعائدا بأمله إلى كرم تثمر به الآمال وتقمر به الليالي لأنها شعاره الذي تضرب به الأمثال وتمطر به السحب الجهام فتمحى بها آية الإمحال
وينهي ورود المثال الشريف الذي طلع نيره فأنار وسطع متضاده فألف بين الليل والنهار وأقبل فما رآه إلا كتابه الذي أوتيه باليمين وسحابه الذي أعطيه يندى منه الجبين ونصره أكثر من الألوف وأنصفه أعجل من السيوف وزاحم به الدهر فضلا عن الصفوف وزار به الوغى لا يهابها وخطيات القنا وقوف فتشرف به وطار بغير جناح وقاتل بغير سلاح وقرأه وبات قرى له في السماح وتسلمه كأنما تسنم به المعاقل وتسلم منه المفتاح
صدر آخر خلد الله أيام الديوان العزيز ولا زالت سطواته تجمد برعبها (7/131)
الأبطال المدججة وتخمد بفيضها النيران المؤججة وتخمل بركز نفاذها إلى القلوب الرماح المزججة وتبخل معها بعوائد كرمها السحب المثججة وتخف لديها أوقار الجبال المفججة وتخر بل تخور خوفا أن تترقى إليها الأصوات المضججة وتخص بالغرق من خاطر في بحارها الملججة وتحلف بسلطانها للموت أشهى من البقاء إلى طرائد سيوفها المهججة وتخلد النصر بحججها القائمة على الخصماء المتحججة
الخادم يقلب وجهه في سماء الفخار بتقبيل الأرض التي طالت السماء فأطالت النعماء وفضلت النجوم اللوامع وأوتيت بمالكها أعز الله سلطانه كلم الفضل الجوامع وأحلت شوامخ المجد من حلها وأجلت قدر من جد فأجلها وأعطت مفاتيح الكنوز كنوز الشرف لمن قبلها كما يقبل الحجيج الحجر أو أملها كما يؤمل الساري طلوع القمر وينهي كذا وكذا
صدر آخر قال في التعريف وهو غريب الأسلوب
أدام الله أيام العدل والإحسان النعم الحسان والفضل المشكور بكل لسان الأيام التي أشرق صباحها السافر وعم سماحها الوافر وآمن بيمنها كل مسلم ضرب عليه سرادق الليل الكافر وعلت شموسها وقد جنحت العصور الذواهب وقدحت أشعتها فأضاءت بين لابتي الغياهب أيام الديوان العزيز (7/132)
المولوي السيدي النبوي الإمامي الحاكمي لا برحت أيامه مفننة وأحكامه مقننة وسحبه على الظماء محننة وقربه بفقد ما حوته مجننة وحقائقه غير مظننة وطرائقه للخير مسننة والخلائق تحت جناح رأفته ورحماه مكننة ولا زال ولاؤه ضمير من اعتقد وممير من أخذ من الدهر ما نقد ومبير الأسود المتضائلة لديه كالنقد وسمير من تنبه وضجيج من رقد ومعير البرق ندى كرمه وقد وقد ومغير متعالي الصباح من راياته العالية بما عقد ومجير من لاذ به حتى لا يضره من فقد ومبير عداه برداه الذي إن تأخر إلى حين فقد
الخادم يخدم تلك العتبات الشريفة التي إن تاهت على السماء فما وإن دنت للتقبل فإن الثريا تود أن تكون فما وينهب تراب تلك الأرض التي هي مساجد ويقبل ذلك البساط الذي لا موضع فيه إلا مكان لاثم أو ساجد وينزهها عن سواكب دمعه لأن ذلك الحرم الآمن لا تطل فيه الدماء ويجلها عن مواقع لثمه لأنها لا تلثم السماء ويرفع صالح الدعاء وإنما إلى سمائها يرفعه وينهي صادق الولاء وماثم ما يدفعه ويدخر من صحيح العبودية ما يرجو أنه ينفعه ويطالع العلوم الشريفة بكذا وكذا
صدر آخر أدام الله النعمة على الدين والدنيا بإيالة الديوان العزيز وأسبغ نعمه فالنعم في ضمنها وملأ الآمال منها وأفاض من أنوارها التي علم قرن (7/133)
الشمس أنه غير قرنها وأدال دولته التي نزل الخلق من جنات عدلها جنات عدنها وأمضى سيوفها التي تعرب فيعرف ضمير النصر في لحنها وأعلى آراءها التي تلقى العداة بدروع يقينها وتلقى الغيوب بسهم ظنها ولا زالت البشائر تتبارى إليه بردها ويضفو على أعطاف الإسلام بردها ولا برحت راياته سويدات قلوب العساكر وأجنحة الدعاء المحلق إلى أفق السماء من أفق المنابر وولاؤها السر المبهم الذي هو مما تبلى به السرائر
الخادم
صدر آخر أعلى الله الموحدين على الملحدين وثبت كلمة المتقين على اليقين بدوام أيام الديوان العزيز وروض بولاته كل ديوان ووسم بولائه كل أوان وأنطق بحمده كل لسان وألهم الخلق أن يعنونوا بطاعته صحائف الإيمان وأسعدهم بما يتناولونه في الدنيا من كتب المنن وفي الآخرة من كتب الأمان فكلها طائر في العنق يكون بالطاعة قلائد بر في الأطواق وبالمعصية جوامع أسر في الأعناق
ورد على المملوك كتاب إن لم يكن أنزل من السماء فهو من الذين أنزل عليهم كتاب من السماء وإن لم تنزل ألفاظه بالماء فهو من الذين أنزلت ألفاظ دعواتهم الماء وإن لم يكن كتاب العمل لأنه ليس بيوم الكتاب فإنه قط عجل له قبل يوم الحساب ولولا أن أم الكتاب أعقمت لكان ابن أم الكتاب وإن هو إلا طائر ألزم في عنقه وما وكر طائره إلا المحراب
صدر آخر أتم الله ما أنعم به على الديوان العزيز وعلى الخلق وأشرك في هذه النعمة أهل الغرب والشرق وميز الحظوظ فيها بحسب درجات السبق
فإنه (7/134)
( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) والله لا يخلف موعده والديوان العزيز لا يكاد مورده ولا رفع عن أيدي الخلق يده بل يجري عليها ما ضمنه ويمكنها بما بسط لها في الأرض ومكنه ويرسل عليها سحائب رحمته وينشيء منها ناشئة نعمته ويوجه إلى قلبها وجه كل أمل ويفيض طوفانها فلا يكون به للغليل قبل ولا يأوي إلى حصاة قلب فيعصمها ولو أنه جبل
قلت ولم أقف على مكاتبة عن أحد من ملوك الديار المصرية إلى أبواب الخلافة مذ صارت دار الخلافة بالديار المصرية
والظاهر أنه لم تجر مكاتبة عن السلطان إلى الخليفة لأن الخليفة لا يكاد يفارق السلطان سفرا ولا حضرا مفارقة توجب المكاتبة إليه كما أشار إليه صاحب التثقيف
وقد لوح في التعريف إلى ذلك فقال وأول ما نبدأ بما يكتب به إلى الأبواب الشريفة الخليفتية كذا زادها الله شرفا جريا على قديم العادة ورجاء لملاحظة السعادة
وهذه نسخة مكاتبة من هذا النوع مما كتب به القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله عليه إلى ديوان الخلافة ببغداد في أيام الناصر لدين الله بخبر ملك الألمان من الفرنجة والقتال معه في جواب كتاب ورد عليه يوضح في هذا الموضع بيان هذا الأسلوب ويغني عن مراجعة كثير من الأمثلة المذكورة في المكاتبات إلى الخلفاء على ما تقدم وهو أدام الله ظل الديوان العزيز النبوي الإمامي الشريف الناصري ومده على الأمة ظليلا وجعل الأنوار عليه دليلا وحاطه بلطفه وتقبل أعماله بقبول (7/135)
حسن وأنبتها وأرغم أعداءه وكبتها ومسها بعذاب من عنده وسحتها ولا زالت رايته السوداء بيضاء الخبر محمرة المخبر في العداة مسودة الأثر
ورد على الخادم ما كوتب به من الديوان العزيز رائدا في استخلاصه مبرهنا عن اختصاصه مطلقا في الشكر للسانه وفي الحرب لعنانه ومقتضيا لأمنية كان يتهيبها ومفيضا لمكرمة لو سمت نفسه إليها كان يتهمها فلله هو من كتاب كأنه سورة وكل آية منه سجدة قابله بالخشوع كأنما قلم الكتاب القضيب وطرسه البردة وتلاه على من قبله من الأولياء مسترفها به لغزائمهم مستجزلا به لمغانمهم مستثبتا به للازمهم مستدعيا به الخدمة للوازمهم مرهفا به ظباهم في القتال فاسحا به خطاهم يوم النزال فأثر فيه كالاقتداح في الزند وكالانبجاس من الصلد وكالاستلال من الغمد فشمر من كان قد أسبل وانتهى من كان قد أجبل وكأنما أعطوا كتابا من الدهر بالأمان أو سمعوا مناديا ينادي للإيمان وقالوا سمعنا وأطعنا وعلينا من الخدمة ما استطعنا هذا مع كونهم أنضاء زحوف وأشلاء حتوف وضرائب سيوف قد وسمت وجوههم علامات الكفاح وأحالت عرضهم أقلام الرماح صابرين مصابرين مكاثرين مكابرين مناضلين مناظرين قد قاموا عن المسلمين بما قعد عنه سائرهم ونزلوا بقارعة القراع فلا يسير عنها سائرهم وسدست كعوب الرماح أنملهم وأثبتوا في معترك الموت أرجلهم كل ذلك طاعة لله ولرسوله ولخليفتهما وإذا رموا فأصابوا قالوا ولكن الله رمى (7/136)
ومن خبر الكفار أنهم إلى الآن على عكا يمدهم البحر بمراكب أكثر عدة من أمواجه ويخرج للمسلمين منهم أمر من أجاجه قد تعاضدت ملوك الكفر على أن ينهضوا إليهم من كل فرقة منهم طائفة ويقلدوا لهم من كل قرن يعجز بالكرة واصفه فإذا قتل المسلمون واحدا في البر بعث البحر عوضه ألفا وإذا ذهب بالقتل صنف منهم أخلف بدله صنفا فالزرع أكثر من الجداد والثمرة أنمى من الحصاد
وهذا العدو المقاتل قاتله الله قد زر عليه من الخنادق أدراعا متينة واستجن من الجنويات بحصون حصينة مصحرا ومتمنعا وحاسرا ومتدرعا ومواصلا ومنقطعا وكلما أخرج رأسا قد قطعت منه رؤوس وكلما كشف وجها كشف من غطاء أجسادها نفوس فكم من يوم أرسلوا أعنة السوابق فذموا عقبى إرسالها وكم من ساعة فضوا فيها أقفال الخنادق فأفضى إليهم البلاء عند فض أقفالها إلا أن عددهم الجم قد كاثر القتل ورقابهم الغلب قد قطعت النصل لشدة ما قطعها النصل
ومن قبل الخادم من الأولياء قد آثرت المدة الطويلة والكلف الثقيلة في استطاعتهم لا في طاعتهم وفي أجوالهم لا في شجاعتهم فالبرك قد أنضوه والسلاح قد أحفوه والدرهم قد أفنوه وكل من يعرفهم من أهل المعرفة ويراهم بالعين فما هم مثل من يراهم بالصفة يناشد الله المناشدة النبوية في الصيحة البدرية اللهم إن تهلك هذه العصابة ويخلص الدعاء ويرجو على يد أمير المؤمنين الإجابة
هذا والساحل قد تماسك وما تهالك وتجلد وما تبلد وشجعته مواعد النجدة الخارجة وأسلته عن مصارع العدة الدراجة فكيف به إذا خرج داعية الألمان وملوك الصلبان وجموع ما (7/137)
وراء البحر وحشود أجناس الكفر وقد حرم باباهم لعنة الله عليهم وعليه كل مباح واستخرج منهم كل مذخور وأغلق دونهم الكنائس ولبس وألبسهم الحداد وحكم عليهم أن لا يزالوا كذلك أو يستخلصوا المقبرة ويعيدوا القمامة
( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم )
اللهم أخفر جواره واصرف جوره وأخلف وعده واكسر ضمانه وأنكصه على عقبه وعجل في الدنيا والآخرة منهم تبابه
وما بدأتنا به من نعمتك فلا تقطعه وما وهبتنا من نصرك فلا تسلبه وما سترته من عجزنا فلا تهتكه
وفي دون ما الدين مستقبلة وعدوه خذله الله يؤمله ما يستغرغ عزائم الرجال ويستنفد خزائن الأموال ويوجب لإمام هذه الأمة أن يحفظ عليها قبلتها ويزيح في قتل عدوها علتها ولولا أن في التصريح ما يعود على عدالته بالتجريح لقال ما يبكي العين وينكي القلوب وتنشق له المرائر وتشق له الجيوب ولكنه صابر محتسب منتظر لنصر الله مرتقب قائم في نفسه بما يجب رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي وها هو قد هاجر إليك هجرة يرجوها عندك مقبولة وولدي وقد أبرزت لعدوك صفحات وجوههم وهان علي محبوبك بمكروهي فيهم ومكروههم
ونقف عند هذا الحد ولله الأمر من قبل ومن بعد وإن لم يشتك الدين إلى ناصره والحق إلى من قام بأوله وإلى اليوم الآخر يقوم بآخره فإلى من (7/138)
يشتكى البث وعند من يتفرج بالنفث ومنفعة الغوث قبل العطب والنجاء قبل أن يصل الحزام الطبيين والبلاغ قبل أن يصل السيل الزبى
فيا عصبة محمد في أمته بما تطمئن به مضاجعه ووفه الحق فينا فإنا وإن المسلمين عندك ودائعه وما مثل الخادم نفسه في هذا القول إلا بحالة من وقف بالباب ضارعا وناجى بالقول صادعا ولو رفعت عنه العوائق لهاجر وشافه طبيب الإسلام بل مسيحه بالداء خامر ولو أمن عدو الله أن يقول فر لسافر وبعد ففيه وإن عض الزمان بقية وقبله وإن تدارأت الشهاد درية فلا يزال قائما حتى ينصر أو يعذر فلا يصل إلى حرم ذرية أحمد ذرية أيوب واحد يذكر
أنجز الله لأمير المؤمنين مواعد نصره وتمم مساعدة دهره وأصفى موارد إحسانه وأرسى قواعد سلطانه وحفظه وحفظ به فهو خير حافظا ونصره ونصر على يديه فهو أقوى ناصرا إن شاء الله تعالى
ثم اعلم أن المقر الشهابي بن فضل الله قد ذكر في تعريفه أيضا أن المكاتبة إلى أبواب الخلافة من الملوك والسوقة لا تختلف بل تكون على الأنموذج المقدم ذكره واستلزم ذلك فجرى على هذا المصطلح فيما كتب به إلى الديوان العزيز الحاكمي أحمد بن أبي الربيع سليمان أحد الخلفاء (7/139)
العباسيين بالديار المصرية عن رماة البندق بالشام جوابا عما ورد عليه من كتابهم وهو متكلم على رماة البندق يومئذ في أمر ناصر الدين بن الحمصي وهو أحد الرماة
أدام الله تعالى أيام الديوان العزيز المولوي السيدي النبوي الإمامي الحاكمي ونصر به جمع الإيمان وبشر بأيامه الزمان ومتعه بالملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بما ورثه من سليمان ولا زال يخضع لمقامه كل جليل ويعرف لأيامه كل وجه جميل ويعترف لشرفه كل معترف بالتفضيل ويشهد بنفاذ أوامره من ذوي نسبه الشريف كل أخ وخليل ولا كان إلا كرمه المأمول ودعاءه المقبول وعدوه المصروع ووليه المحمول ولا برحت طاعته يعقد عليها كل جمع ومراسمه ينصت إليها كل سمع وطوائف الذين كذبوا عليه لا تتلى عليهم آياته إلا تولوا وأعينهم تفيض من الدمع
المماليك يقبلون الأرض بالأبواب العالية التي هي خطة شرفهم ومكان تعبد القدماء منهم ومن سلفهم ويلوذون بذلك المقام ويعوذون بذلك الحرم الذي لا يبعد نسبه من البيت الحرام ويؤملون ذلك الكرم الذي ما منهم إلا من سعد به طائره وجاءته به في وجه الصباح أشائره وفي وجه العشاء بشائره فنالوا به أقصى المرام وقضوا به من العمر ما إذا قالوا يا سعد لا يعنون به إلا ذلك الإمام وينتهون إلى ما ورد به المرسوم الشريف الذي ما من المماليك إلا من مت لديه بتقديم عبوديته ورقة وسارع إلى طائره الميمون وحمله بسبقه وفتح له عينه وظن أنه حاكم وامتثلوا أمره وكيف لا تمتثل الرماة أمر الحاكم ولا سيما ابن عم (7/140)
سيدنا رسول الله الحاكم وأجلوه عن رفعه على العين إذ كانت تلك بمنزلة الحاجب وقدموا إليه خفوق قلوبهم الطائرة وما علموا إن كانوا قاموا بالواجب ووقفوا على أحكام حاكمه فما شكوا أن زمان هذا الفن بحياة ناصره في بغداد قد عاد وأن مثاله المتمثل في سواد الحدق مما حكته أيامه العباسية من شعار السواد وعلموا ما رسم به في معنى محمد بن الحمصي الذي ما نورت الليلة أكاريخه ولا بعدت في الإقعاد له تواريخه بل أخمدت دموع ندمه نيرانه المشتعلة وأصبح به لا يحمل القوس في يده إلا أنه مشغلة وما كان أنهاه الديوان العزيز مما لم تذكر الخواطر الشريفة بأنه قبة المفتري وأنه صاحب القوس إلا أن ماله سعادة المشتري وأنه موه تمويه الجاحد وتلون مثل قوس قزح وإلا فقوس البندق لون واحد وأدلى بغروره وعرض المحضر الذي حمله على تغريره وذلك في غيبة الأمير بهاء الدين أرسلان البندقدار الحاكمي الذي لو كان حاضرا لكان حجة عليه ومؤكدا لإبطال رميه وقوسه وبندقه في يديه لما تضمنه الخط الشريف المقيد اللفظ المكتتب على المصطلح الساحب ذيل فخاره على المقترح الذي هدى إلى الخير وبدا به ما وهب من الملك السليماني الذي أوتي من كل شيء وعلم منطق الطير فإنه لم يكتب له إلا بأن يرمي على الوجه المرضي واستيفاء شروط البندق والخروج من جميع الأشكال عملا بقواعده ويعلم بأنه ما رعى حق قدمته ولا فعل في الباب العزيز ما يجب من التحلي بشعار الصدق في خدمته وأنه خالف عادة الأدب وأخطأ في الكل لكنه ندب وذلك بعد أن عمل له جميع رماة البندق وسئل فأجاب بأنه سالم من كل إشكال (7/141)
يشكل وأنه بعد أن أقعد رمى وحمل وحمل فشهد عليه السادة الأمراء ولاة العهد إخوة أمير المؤمنين ومن حضر وكتبوا خطوطهم في المحضر وما حصل الآن عند عرض قصة المماليك بالمواقف المقدسة ووضوح قضيته المدنسة من التعجب من اعتراف المماليك لكونهم رموا معه بعد أن رأوا الخط الشريف وهو لفظ مقيد وأمر أيد به رأي الإمام الحاكم بأمر الله المسترشد بالله والمؤيد وكل ما أمر به أمير المؤمنين لا معدل عن طرقه ولا جدال إلا به إذا ألزم كل أحد طائره في عنقه وأمير المؤمنين بحر لا يرد إلا من علمه وهو الحاكم ولا راد لحكمه
وإنما ابن الحمصي المذكور عدم السداد وخالف جاري العادة في الحمص فإنه هو الذي سلق في الافتراء بألسنة حداد ولم يوقف المماليك من الخط الشريف إلا على بعضه ولا أراهم من برقه المتهلل غير ومضه والذي أوقفهم عليه منه أن يرمي محمد بن الحمصي ويرمى معه وكلمة أمير المؤمنين مستمعة ومراسيمه متبعة وإذا تقدم كان الناس تبعه
غير أن المذكور بدت منه أمور قطع بها الأمير صارم الدين صاروجا الحاكم البندقدار في حقه وأقعده عن قدمته التي كان يمت فيها بسبقه وانتقل عنه غلمانه وثقل عليه زمانه ونودي عليه في جمع كبير يزيد على تسعين قوسا وجرح بخطإ بندقه جرحا لا يوسى ثم بعد مدة سنين توسل بولد الأمير المرحوم سيف الدين تنكز إلى أبيه وتوصل به إلى مراميه فأمر أن يرمى معه وهدد المخالف بالضرب ولم يرم معه أحد برضاه إلا خوف أن توقد نار الحرب فلما مضت تلك الأيام وانقضت تلك الأحلام جمع مملوك الأبواب العالية الأمير علاء الدين بن الأبو بكري الحاكم في البندق الآن من رماة البندق (7/142)
جمعا كبيرا واهتم به اهتماما كثيرا وذكر أمر المذكور وأحضر محضره المسطور ولم يكن عليه تعويل ولا في حكم الحاكم المتقدم تعليل ولا عند هذا الحاكم الذي ادعى له وادعى عنده تجوز الأباطيل وتحقق أن الحق فيما حكم به عليه فتبع وترجح أن لا يقام منه من أقعد لا يوصل منه ما قطع فنفذ حكم الحاكم المتقدم واستمر بقعوده المتحتم ووافقه على هذا سائر الرماة بالبلاد الشامية وحكامها ومن يرجع إليه في الرماية وإحكامها وبطلت قدمة لمذكور التي ذهب فيها عمره ضائعا وزمانه الذي لو اشتريت منه ساعة بالعمر لم يكن نافعا
ولما ورد الآن هذا الموسوم الشريف زاده الله شرفا قبلوا الأرض لديه وأوقفوا عليه حاكمهم المسمى فوقف له وعليه وجمع له جمعا لم يدع فيه من الرماة معتبرا ولا من يلقم القوس وترا ولا من إذا قعد كالعين جرى ما جرى ثم قرأ عليهم ما تضمن ودعوا لأمير المؤمنين ولم يبق منهم إلا من دعا أو أمن وتضاعف سرورهم بحكمه الذي رفع الخلل وقطع الجدل وقالوا لا عدمنا أيام هذا الحاكم الذي أنصف والإمام الذي عدل وبقي ابن الحمصي مثله ونودي عليه إنه من رمى معه كان مخطئا مثله ووقرت هذه المناداة في كل مسمع وقرت استقرار الفضل عليه المجمع وذلك بما فهم من أمير المؤمنين وبنص كتابه المبين وبما قضى الله به على لسان خليفته الحاكم والله أحكم الحاكمين وطالعوا بها وأنهوا صورة الحال وجمعوا في إمضائه الآمال
لا زالت سعادة أمير المؤمنين منزهة عن الشبه آخذة من خير الدارين كل اثنين في وجه حتى تحصل كل رمية من كثب ولا يرمي في كل أمنة إلا كل مصطحب ما غب في السماء المرزم ووقع العقاب على ثنية يقرع سنه ويتندم وعلا النسر الطائر والواقع على آثاره وسائر طيور النجوم والحوم إن شاء الله تعالى (7/143)
قلت وقد اعترض في التثقيف كلام المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف فقال وفيما ذكره في التعريف من التسوية في المكاتبة بين الملوك والسوقة نظر
وما أشار إليه من النظر ظاهر فإن الذي تجب مكاتبتهم به ما يكاتب به المرؤوس رئيسه بحسب ما تقتضيه الحال في ابتداء المكاتبات من يقبل الأرض كما تكاتب الملوك بل هم بذلك أحق وأجدر
ويكون الخطاب لهم في أثناء المكاتبة بما أشار إليه في التعريف بالديوان العزيز والمواقف المقدسة أو المشرفة والأبواب الشريفة والباب العزيز والمقام الأشرف والجانب الأعلى ومولانا أمير المؤمنين ونحو ذلك بحسب ما تقتضيه الحال على ما تقدم ذكره
الطرف الثاني في المكاتبة إلى ولاة العهد بالخلافة
أما على المصطلح القديم حين كانت المكاتبة إلى الخلفاء لفلان من فلان فقال في صناعة الكتاب ويكون التصدير في المكاتبة إلى ولي العهد على ما تقدم في المكاتبة إلى الخلفاء مع تغيير الأسماء غير أنه جعل الفرق بين الإمام وغيره ممن يكاتب بالتصدير أن يقال للإمام في التصدير مع السلام وبركاته في أول الكتاب وآخره
ومن سوى الإمام تحذف وبركاته من التصدير وتثبت في آخر الكتاب
وقد تقدم أن التصدير إلى الخليفة حينئذ كان لعبد الله أبي فلان فلان أمير المؤمنين سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فإني أحمد إلى أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله
أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين إلى آخره ويختم بقوله والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته
وحينئذ فتكون المكاتبة إلى ولي العهد على ما أشار إليه في صناعة الكتاب من الابتداء بالتصدير مع تغيير الأسماء لعبد الله أبي فلان فلان ولي (7/144)
عهد المسلمين سلام على ولي عهد المسلمين فإني أحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على رسوله
أما بعد أطال الله بقاء ولي العهد ويختمه بقوله والسلام على ولي عهد المسلمين ورحمة الله وبركاته أو نحو ذلك
وأما على المصطلح الذي حدث بعد ذلك فقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف أن رسم المكاتبة إلى ولي العهد بالخلافة ضاعف الله تعالى جلال الجانب الشريف المولوي السيدي النبوي الفلاني ثم الدعاء المعطوف
وأبدل في التثقيف لفظ الجانب بالجناب
والخطاب له بمولانا وسيدنا ولي العهد ونحو ذلك
والتعبير عن المكتوب عنه بالخادم يقبل العتبات الشريفة أو اليد الشريفة أو نحو ذلك
قال في التثقيف والعلامة إليه الخادم والعنوان الجناب الشريف وبقية الألقاب المذكورة إلى آخرها
قال وهو أحسن من الجناب لعدم اشتراك غيره معه فيه بخلاف الجناب
قال وهذا أيضا على عادة من تقدم من الملوك أما في زماننا وقبله بمدة مديدة فلم يتفق وجود ولي عهد للخلافة وبتقدير وجوده فإذا لم يكن الخليفة يكاتب في هذا الأيام فكيف بولي عهده
وهذه صدور مكاتبات إليه أوردها في التعريف
صدر ضاعف الله تعالى جلال الجانب وأطلع مع وجود الشمس بدره التمام وأحوج مع زاخر الحبر منه إلى مدد الغمام وقدمه إماما على الناس وأطال بقاء سيدنا أبيه الإمام ولا عدم منه مع نظر والده الشريف جميل النظر ولا برح صدر دسته العلي إذا غاب وثانيه إذا حضر ولا زال الزمان مختالا من وجود (7/145)
وجودهما لا عرف الله الأنام قدره إلا بالزهر والثمر ولا زاد فيض كرم إلا وهو من كف أبيه فاض أو من وبله العميم انهمر
الخادم يخدم تلك العتبات الباذخة الشرف الناسخة بما وجده من الخير في تقبيلها قول من قال لا خير في السرف
وينهي ولاء ما عقد على مثله ضمير ولا انعقد شبيهه لولي عهد ولا أمير وإخلاصه في انتماء أشرق منه على الجبين وأشرف فرآه فرضا عليه فيما نطق به القرآن ورقم في الكتاب المبين
صدر آخر أعز الله أنصار الجانب الشريف ولا حجب منه سر ذلك الجلال ولا معنى ذلك البدر المشرق منه في صورة الهلال ولا فيض ذلك السحاب المشرع منه هذا المورد الزلال ولا تلك المآثر التي دل عليها منه كرم الخلال ولا تلك الشجرة المفرعة ولا ما امتد منها به من الغصن الممتد الظلال ولا ذلك الإمام الذي هو ولي عهده وهو أعظم من الاستقلال
الخادم يقبل تلك اليد موفيا لها بعهده ومصفيا منها لورده ومضفيا منها جلابيب الشرف على عطفه وحسبه فخارا أن يدعى في ذلك المقام بعبده ويترامى على تلك الأبواب ويلثم ذلك الثرى ويرجو الثواب
صدر آخر ولا زالت عهود ولايته منصوصة وإيالته بعموم المصالح مخصوصة وصفوف جيوشه كالبنيان مرصوصة وقوادم أعدائه بالحوالق محصوصة وبدائع أنبائه فيما حلقت إليه دعوته الشريفة مقصوصة والوفود في أبوابه أجنحتها بالندى مبلولة مقصوصة
الخادم يجدد بتلك الأعتاب خدمه ويزاحم في تلك الرحاب خدمه ويقف في تلك الصفوف لا تنقل عن الطاعة قدمه ويتمثل بين تلك الوقوف ويتميز عليهم (7/146)
إذا ذكر في السوابق قدمه ويدلي بحجج سيوفه التي أشهرها وصروفه التي لاقى أشهرها ومواقفه التي ما أنكرها الديوان العزيز مذ أثبتها ولا حط رماحها مذ أنبتها ولا محا سطورها مذ كتبها ليغيظ الأعداء ولا يشفي صدورها منذ كبتها وينهي كذا وكذا
صدر آخر ولا زالت مواعيد الظفر له منصوصة ورؤوس من كفر بطوارقه مرضوضة وصحائف الأيام عما يسر به الزمان فيه مفضوضة وجفون عداه ولو اتصلت بمقل النجوم مغضوضة وطوارق الأعداء التي تجنهم منه بسيوفه مغضوضة
الخادم يخدم أرضه المقدسة بترامي قبله وتقليب وجهه إلى قبله ويتطوف بذلك الحرم ويتطول من فواضل ذلك الكرم ويتطوق بقلائد تلك المنن وفرائد تلك المواهب التي إن لم تكن له وإلا فمن فإنه والله يشهد له لا يعتقد بعد ولاء سيدنا ومولانا أمير المؤمنين والقيم بأمور الدينا والدين ولاءها ولا يؤمل بعد تلك الآلاء إلا آلاءها ولا يرجو من غير هذه الشجرة المباركة لأمله إثمارا ولا لليله إقمارا ولا لأيامه حافظا ولا لحال إقدامه في قدم صدق ولائه لافظا قائما في خدم هذه الدولة القاهرة يجهد في منافعها ويجد في كبت مدافعها ويدخر شفاعتها العظمى إذا جاءت كل أمة بشافعها وينهي كذا وكذا (7/147)
الطرف الثالث من المصطلح المستقر عليه الحال في المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية إلى أهل المملكة من مصر والشام والحجاز وفيه ثلاثة مقاصد
المقصد الأول في المكاتبات المفردة وفيه مسلكان
المسلك الأول في بيان رتب المكاتبات ورتب أهلها وهي على ضربين
الضرب الأول المكاتبات إلى الملوك على ما كان عليه الحال في الزمن المتقدم مما لعله يعود مثله وهي الدعاء للمقام وفيه مكاتبتان
الأولى المكاتبة إلى ولي العهد بالسلطنة وهي على ما ذكره في التثقيف أعز الله تعالى أنصار المقام العالي الملكي الفلاني الأخوي أو الولدي إن كان أخا أو ولدا
ثم الدعاء اللائق به ثم يقال أصدرناها إلى المقام العالي ويطالع علمه الشريف والعلامة أخوه سواء كان أخا أو غير أخ ووالده إن كان والدا
ولم يذكر تعريفه والذي يظهر أنه يكتب له ولي العهد بالسلطنة الشريفة
ولم يذكر قطع الورق لهذه المكاتبة والذي يظهر أنه في قطع العادة على قاعدة المكاتبات إلى أهل المملكة
قال في التثقيف ولعل هذه المكاتبة نظير ما كتب به إلى الملك الصالح علاء الدين علي ولد المنصور قلاوون فإنه كان ولي عهد أبيه المذكور توفي في حياته
ثم قال ورأيت (7/148)
أمثلة كثيرة صدرت عنه بخلاص الحقوق وعلامته عليها علي بن قلاوون
الثانية المكاتبة إلى صاحب حماة من بقايا الملوك الأيوبية قبل مصيرها نيابة وآخر من كان منهم في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون الملك الأفضل ناصر الدين محمد بن الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل لما صارت إليه بعد أبيه المذكور
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف في قطع العادة أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الملكي الأفضلي الناصري ونحوهما
ثم الدعاء وبعده أصدرناها إلى المقام الشريف والعلامة أخوه وتعريفه صاحب حماة
قال في التثقيف ولم يزل الحال على ذلك إلى أن عزل عنها الأفضل المشار إليه بعد الأيام الشهيدية الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن السطان الشهيد الناصر محمد بن قلاوون واستقر بها بعده نائبا الأمير طغاي الحموي أمير مجلس كان فبقيت نيابة بعده إلى الآن (7/149)
الضرب الثاني المكاتبات إلى من عدا الملوك من أرباب السيوف والأقلام وغيرهم ممن جرت العادة بمكاتبته وفيه مهيعان
المهيع الأول في رتب المكاتبات وهي على عشر درجات
الدرجة الأولى الدعاء للمقر
وصورته على ما ذكره في التثقيف أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري العالمي (7/150)
العادلي المؤيدي الزعيمي العوني الغياثي المثاغري (7/151)
المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري العابدي (7/152)
الناسكي الأتابكي الكفيلي الفلاني معز الإسلام والمسلمين سيد أمراء العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين ملجإ الفقراء والمساكين زعيم جيوش الموحدين أتابك العساكر ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين
ثم الدعاء المعطوف والتصدير المناسب مثل أن يقال ولا زال عزمه مؤيدا وعزه مؤبدا وسعده على ممر الجديدين مجددا أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه من السلام أتمه ومن الثناء أعمه
ثم يقال وتبدي لعلمه الكريم كذا وكذا ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره الكريم بكذا وكذا فيحيط علمه الكريم بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
الدرجة الثانية الدعاء للجناب الكريم
وصورته على ما أورده في التثقيف عما استقر عليه الحال أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي (7/153)
المؤيدي الزعيمي العوني الغياثي المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري الكافلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين سيف أمير المؤمنين
ثم الدعاء والتصدير المناسب مثل أن يقال ولا زالت عزائمه مؤيدة وأوامره السعيدة مسددة صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما طيبا وثناء مطنبا وتوضح لعلمه الكريم كذا
ومرسومنا للجناب الكريم أن يتقدم أمره الكريم بكذا وكذا فيحيط علمه الكريم بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
قلت والذي في التعريف أعز الله تعالى أنصار الجناب الكريم بإبدال نصرة بأنصار واختلاف بعض الألقاب المتقدمة
الدرجة الثالثة الدعاء للجناب العالي بمضاعفة النعمة
وصورته على ما في التثقيف ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العوني الزعيمي الممهدي المشيدي الظهيري الكافلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيف الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين مقدم العساكر ممهد الدول مشيد الممالك عماد الملة عون الأمة ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين
ثم الدعاء والتصدير المناسب مثل (7/154)
ولا زال قدره عاليا ومدحه متواليا وجيد الدهر بمحاسنه حاليا وتوضح لعلمه الكريم كذا ومرسومنا للجناب العالي أن يتقدم أمره الكريم بكذا فيحيط علمه بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
الدرجة الرابعة الدعاء للجناب العالي بدوام النعمة
وصورتها على ما أورده في التثقيف أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الأوحدي النصيري العوني الهمامي المقدمي الظهيري الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة عماد المملكة ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين والدعاء والتصدير المناسب مثل أن يقال ولا زال قدره رفيعا وعزه منيعا ومريعا
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما طيبا وثناء صيبا ثم يقال وتوضح لعلمه المبارك كذا فيحيط علمه الكريم بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
الدرجة الخامسة الدعاء للمجلس بدوام النعمة
ورسمها أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي العوني الأوحدي النصيري الهمامي (7/155)
المقدمي الظهيري الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر كهف الملة ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين ثم الدعاء والتصدير المناسب مثل ولا زال عاليا قدره نافذا أمره جاريا على الألسنة حمده وشكره صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي له سلاما وثناء بساما ثم يقال وتوضح لعلمه المبارك كذا ومرسومنا للمجلس العالي أن يتقدم أمره المبارك بكذا فيحيط علمه بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
الدرجة السادسة صدرت والعالي ويعبر عنها بالسامي بالياء
وصورتها على ما في التثقيف صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي الأميري الكبيري العضدي الذخري النصيري الأوحدي العوني الهمامي المقدمي الظهيري الفلاني مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء المقدمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر ذخر الدولة كهف الملة ظهير الملوك والسلاطين ثم الدعاء المناسب مثل أدام الله سعادته وأجزل من الخير بره وإفادته موضحة لعلمه المبارك كذا ومرسومنا للمجلس العالي أن يتقدم بكذا فيحيط علمه بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه (7/156)
الدرجة السابعة صدرت والسامي ويعبر عنها بالسامي بغير ياء
وصورتها صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري الأجلي الكبيري العضدي الذخري النصيري الأوحدي الفلاني مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الأمراء زين المجاهدين عضد الملوك والسلاطين ثم الدعاء مثل أدام الله سعادته وأجزل من الخير عادته تتضمن إعلامه كذا ومرسومنا للمجلس السامي أن يتقدم بكذا فليعلم ذلك ويعتمده والله الموفق بمنه وكرمه
الدرجة الثامنة
يعلم مجلس الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المؤيد فلان الدين مجد الإسلام بهاء الأنام شرف الأمراء زين المجاهدين عدة الملوك والسلاطين والدعاء مثل أدام الله سعده وأنجح قصده أن الأمر كذا ومرسومنا له أن يتقدم بكذا فليعلم ذلك ويعتمده والله الموفق بمنه وكرمه
قلت وقد تقدم في أول المكاتبات أنه يتعين أن يكون الدعاء للمكتوب إليه مناسبا للحال مثل أن يكون موافقا لاسم المكتوب إليه أو لقبه أو وظيفته أو محل نيابته أو الأمر المكتوب بسببه من استطلاع أمر واسترهاف عزم وفتح وظفر وبشارة وغيرها وما يجري مجرى ذلك وتقدم هناك ذكر جملة من الأدعية في الأمور المختلفة المعاني (7/157)
ونحن نذكر هنا نبذة من الأدعية والتصديرات اللائقة المتقدمة مما يدعى به للنواب ومن في معناهم ليقرب تناوله باقترانه بصور المكاتبات
الأدعية والصدور لنواب السلطنة أدعية تصلح للنائب الكافل
ولا زالت كفالته تبسط المعدلة وعزائمه على الإنصاف والإسعاف مشتملة وتقدماته تبلغ كل ذي قصد أمله
أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه من السلام أكمله ومن الثناء الحسن أجزله وتبدي
آخر ولا زالت الممالك كلها في كفالته والمسالك على اختلاف طرقها آئلة إلى إيالته والملائك محومة على بنوده محتفة بهالته والأرائك لا تثنى إلا على دست فخاره ولا تعد إلا لجلالته
أصدرناها إلى المقر الكريم تخصه بأفضل السلام وأطيب الثناء المرقوم على أعلى الأعلام وتبدي
آخر ولا زالت كفاية كفالته تزيد على الآمال وتتقرب إلى الله بصلاح الأعمال وتكفل ما بين الجنوب وأقصى الشمال
أصدرناها إلى المقر الكريم وصدرها بذكره منشرح وببره فرح وبعلو قدره في أيامنا الزاهرة يسر ويؤمل منه ما يزيد على أمل المقترح وتبدي
أدعية تصلح لنائب الشام المحروس
ولا زالت الممالك تؤيد بعزمه ورأيه تأييدا والدول تسدد بكفالته تسديدا وتشيد تشييدا
أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه سلاما (7/158)
تضاعف أجزاؤه وثناء يبهج الخواطر سناؤه وتبدي لعلمه
آخر ولا زالت النفوس بيمن كفالته فائقة والخواطر في محبته متوافقة والألسن بشكر محاسنه ناطقة وقلوب الأعداء من بأسه ومهابته خافقة
أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه أنواع السلام المتناسبة وأجناسه المتناسقة وتثني على أوصافه التي أصبحت الأفواه في ذكرها صادقة وتبدي لعلمه
آخر ولا زالت عزائمه مرهفة الحد وكفالته كفيلة بنجح القصد ومغانمه في سبيل الله تعرب عن الاجتهاد في قهر الأعداء والجد
أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه سلاما يفوق شذاه العنبر والند وثناء مجاوزا أبدا الحصر وأمدا العد وتبدي لعلمه
آخر ولا زالت قلوب أهل الإيمان من كفالته مؤتلفة وفرق أهل من بأسه وخوفه مختلفة وأحوال أهل العناد بجميل تدبيره في استطلاعها واضحة منكشفة
أصدرناها إلى المقر الكريم تثني على همته التي لم تزل على المصالح معتكفة وتهدي إليه تحية شموسها مشرقة غير منكسفة وتبدي لعلمه
آخر ولا زالت سعادته بحكم الأقدار دائمة والمعدلة بجميل حلمه وصائب رأيه قائمة والعيون بيمن كفالته في مهاد أمنه نائمة
أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه تحية طيبة المسرى وثناء حسن وصفا وطاب ذكرا وتبدي لعلمه
آخر ولا زال النصر حلية أيامه وشامة شامه وغمامة ما يحلق على بلده المحضر من غمامة أصدرناها إلى المقر الكريم بسلام لا يرضى حافر جواده الهلال نعلا ولا يحظى به إلا بلده ونخص منه الشرف الأعلى وتبدي لعلمه
آخر وسقى عهده العهاد وشفى بعدله العباد وزان به حسن بلده التي (7/159)
لم يخلق مثلها في البلاد وهي إرم ذات العماد
أصدرناها إلى المقر الكريم بسلام تسر به النفوس ويطوق به فضله الجامع وتتحلى به العروس وتبدي لعلمه
آخر ووقى بسور جيوشه الممتنعة ضرر الضراء وكسر بأسود جنوده ذئاب الأعداء الضراء وسبق دهماء الليل وشهباء النهار وحمراء الشفق وصفراء الأصيل وشقراء البرق بسابقته الخضراء
أصدرناها إلى المقر الكريم بسلام يملأ حدق حدائقه نورا وقلب عساكره سرورا
أدعية وصدور تصلح لكل من النائب الكافل ونائب الشام ومن في معناهما كالأتابك ونحوه
دعاء من ذلك ووصل المسار بعلمه الذي لا ينكر وحلمه الذي يشكر وحكمه الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
أصدرناها إلى المقر الكريم بسلام يسرع إليه وثناء يرد منا عليه وتبدي لعلمه
آخر ولا زالت الدول برأيه مقبلة السعود مترقية في الصعود مملوءة الرحاب تارة تبعث البعوث وتارة تفد عليه الوفود
أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه من السلام أشرقه نجوما ومن الثناء أغدقه غيوما وتبدي لعلمه
آخر ولا زالت الممالك بآرائه منيرة وبراياته لأعدائها وأعداء الله مبيرة وبرؤياه تتضاءل الشموس المشرقة وتخجل السحب المطيرة
أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه من السلام درره ومن الثناء غرره وتبدي لعلمه
آخر ولا برحت آراؤه كالنجوم بعيدة المدى قريبة الهدى متهللة كالغمام للأعداء منها الصواعق وللأولياء منها الندى
أصدرناها إلى المقر (7/160)
الكريم بسلام حسن الافتتاح وثناء كما نظم الوشاح وتبدي لعلمه الكريم
أخر ولا برحت آراؤه تنير غياهب الخطوب وعزائمه تثير سنابك الجياد للجهاد فتظفر من التأييد بكل مطلوب وصوارمه تفتك بالأعداء فتهتك منهم كل ستر محجوب
أصدرناها إلى المقر الكريم تهدي إليه سلاما أزهى من الزهر وأبهى من روض وافى نضارته النظر وتبدي لعلمه
آخر ولا برح التأييد يصحب رايته والعزم يخدم عزمته والرعب يؤم طليعته والظفر يحكم في العدو سيفه فلا يستطيع عاصي الحصون عصمته
أصدرناها إلى المقر الكريم تكافي بمزيد الشكر همته وتوافي إليه بثناء واف يحسد المسك نفحته وتنهي لعلمه
آخر ولا برحت سيوفه تسيل يوم الروع جداولها وعزائمه تنصر كتائبها وجحافلها ومنزلته على ممر الزمان بين السماكين منازلها
أصدرناها إلى المقر الكريم تثني على محاسنه التي بهرت أوصافها واختالت في ملابس الحمد أعطافها وتبدي لعلمه
أدعية وصدور تصلح لنائب حلب المحروسة
دعاء من ذلك ولا زال يعد ليوم تشيب منه الولدان ويعد دونه كل محارب بينه وبين الشهباء والميدان ويعم حلب من حلى أيامه ما لا يفقد معه إلا اسم ابن حمدان
فإن كان لقبه سيف الدين قيل ويعم حلب من حلى أيامه ما لا يفقد معه سيف الدين إن فقد سيف الدولة بن حمدان
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب (7/161)
الكريم تهدي إليه سلاما ما مر على روض إلا انتهب طيبه نهبا وثناء تعقد له أعلامه على كتيبته الشهبا وتوضح لعلمه
آخر وفتح بسيوفه الفتح الوجيز وأحل عقائل المعاقل منه في الكنف الحريز وأعاد به رونق بلد ما جفت بها زبدة حلب وهو فيها العزيز
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم بسلام ذهبه لا يذهب وثناء لا تصلح لغير عقيلة الشهباء قلادة عنبره الأشهب وتوضح لعلمه الكريم
آخر ولا زالت هممه مطلة على النجوم في منازلها مطاولة للبروق بمناصلها قائمة في مصالح الدول مقام جحافلها
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما كالدرر وثناء طويل الأوضاح والغرر وتبدي لعلمه
آخر وأمده بعونه وجمله بصونه ولا زال رأيه في النقيضين لهذا سبب فنانه ولهذا علة كونه
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما رطيبا وشكرا يكون على ما تخفي الصدور رقيبا وتوضح لعلمه
آخر وأعلى له من الأقدار قدرا وضاعف لديه من لدنه سرورا وبشرا ولا أعدم الممالك من عزائمه تأييدا ونصرا
صدرت هذه المكاتبة إلى الباب الكريم تهدي إليه سلاما يفوق الزهر ويسابق في سيره الشمس والقمر وتبدي لعلمه
آخر وخصه بجميل المناقب ومنحه من المزيد علو المراتب وضاعف لديه من الإيثار شريف المواهب
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاما كرم وفوده وثناء حسن وصفه وعذب وروده وتوضح لعلمه
آخر ولا زالت الخواطر تشهد منه صدق المحبة والنفوس تتحقق أنه قد جعل النصيحة لأيامنا الشريفة دأبه
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم (7/162)
تهدي إليه سلاما زاكية أقسامه وثناء كمل عقده واتسق نظامه وتوضح لعلمه الكريم
آخر وزاد عزمه المبارك تأييدا ومنح نعمه على ممر الأوقات مزيدا وجعل حظه من كل خير سعيدا وسعده بتجديد الأيام جديدا
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب الكريم تهدي إليه تحية حسن إهداؤها إليه وثناء يبهج الخواطر وروده عليه وتوضح لعلمه
آخر وجعل السعد المؤبد من مغانمه وأقامه لإبقاء الخير في معادنه وإثبات العز في معالمه
صدرت هذه المكاتبة إلى الباب الكريم تهدي إليه تحية طاب نشرها العاطر وثناء أبهج ذكره الخاطر وتوضح لعلمه
آخر ولا زال بالملائكة منصورا وبمزيد النعم مسرورا وبكل لسان موصوفا مشكورا
صدرت هذه المكاتبة إلى الباب الكريم تهدي إليه سلاما يضوع نشره وثناء يفوح عطره وتوضح لعلمه
دعاء وصدر يصلح لنائب السلطنة بطرابلس
وهو من هذه النسبة وما يبعد منها
والدعاء مثل قولنا وأطاب أيامه التي ما رقت على مثلها أسحار وعدد في مناقبه العقول التي تحار وأخذ بنواصي الأعداء بيده لا تنأى بهم البراري المقفرة ولا تحصنهم البحار
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بسلام وفرت منه أسهمه التي يدرأ بها العدا في نحرها وثناء مطرب ترقص به الخيل في أعنتها والسفن في بحرها (7/163)
دعاء آخر وصدر
ولا زالت صفوفه تشد بنيان الحرب وسيوفه تعد للقتل وإن قيل للضرب وسجوفه تجر على بلد ما مثله في شرق ولا حصل على غير المسمى منه غرب
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما يزيد أفقه تزيينا وثناء يأتيه من فائق الدر بما يستهون معه بالمينا
دعاء وصدر يصلح لنائب السلطنة بحماة
وأتم بخدمه كل مبرة وبهممه كل مسرة وصان ما وليه أن يكون به غير النهر العاصي أو ينسب إليه سوى البلد المعروف معرة
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما تمسح أنديته بالحسائب وثناء يأتي به حما حماة وقرونها المنشورة بألويته معقودة الذوائب
دعاء آخر وصدر
وحمى حماه وزان موكبه بأحسن حماه وحسن كنائن سهامه التي لا يصلح لها غير بلده حماه
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما تحمله إليه الركائب السائرة وثناء تشرق منه الكواكب أضعاف ما تريه أفلاك الدواليب الدائرة وتوضح لعلمه
دعاء وصدر يصلح لنائب صفد
وشكر هممه التي وفت وعزائمه التي كفت وأعلى به بلدا مذ وليه قيل (7/164)
صفد قد صفت
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما لا تزال شعائره تقام وثناء مذ هب على بلد قيل إن هواءها يشفي الأسقام وتوضح لعلمه
آخر ولا زالت مساعيه تسوق إليه الحظوظ البطية وتقدم له العلياء مثل المطية وتهنيه بما خص به من صفد وهي العطية صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما يحييه في محله وثناء يودع في معقله الذي لا تصل أعلى الشوامخ إلا إلى ما سفل من ظله وتوضح لعلمه
أدعية وصدور تصلح لكل من نواب طرابلس وحماة وصفد ومن في معناهم
دعاء وصدر من ذلك ولا برح منصور العزمات مسددا في الآراء والحركات مشيدا قواعد الممالك بما له من جميل التقدمات
صدرت هذه المكاتبة إلى الباب العالي تهدي إليه سلاما أرجا وثناء بهجا وتوضح لعلمه
آخر ولا زال سيفه ماضيا وجيده حاليا وضده خاسيا
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما وتسدد لرأيه الصائب سهاما وتوضح لعلمه
آخر ولا زالت آراؤه سعيدة وتأثيراته حميدة وسيوفه لرقاب العدا مبيدة
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه سلاما يتأرج وثناء نشره نشر الثوب المدبج وتوضح لعلمه
آخر ولا زالت آراؤه عالية وأجياده حالية ونعم الله عليه متوالية
صدرت (7/165)
هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه السلام التام والثناء الوافر الأقسام وتوضح لعلمه
أدعية وصدور تصلح لنائب الكرك ومن في معناه ممن رتبته المجلس العالي مع الدعاء
دعاء من ذلك وأيد عزمه وأبد حزمه وفوق إلى نحر العدا سهمه
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه سلاما وتسدد لرأيه الصائب سهاما وتوضح لعلمه
آخر ولا زال عاليا قدره نافذا أمره جاريا على الألسنة حمده وشكره
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه سلاما وثناء بساما وتوضح لعلمه
المهيع الثاني في بيان مراتب المكتوب إليهم من أهل المملكة وما يستحقه كل منهم من المكاتبات وهم ثلاثة أنواع
النوع الأول أرباب السيوف وهم على ثلاثة أقسام
القسم الأول من هو منهم بالديار المصرية وهم ستة أصناف
الصنف الأول نواب السلطنة الشريفة وهم أربعة نواب
النائب الكافل وهو نائب السلطنة الشريفة بالحضرة
وقد تقدم في (7/166)
الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه على نواب السطان رتبة
قال في التثقيف وقل أن يكاتب إلا إذا كان السلطان مسافرا في غزاة أو سرحة للصيد
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف أعز الله تعالى أنصار الجناب الكريم على ما تقدم في الدرجة الثانية من الدرجات العشر
قال في التعريف وقد رأيت بعض الكتاب قد كتب في ألقابه بعد الأميري الآمري
قال والكاتب المذكور كاتب صالح في المعرفة وليس بحجة وكتابته الآمري ليست بشيء وإنما حمله عليها كثرة الملق
وقد نقل في التعريف عن هذا الكاتب أنه كتب في تعريفه نائب السلطنة وكافل الممالك الشريفة الإسلامية
قال وهو مقبول منه
ثم قال والذي أراه أن يجمع ذكر النيابة والكفالة في تقليده فيقال أن يقلد نيابة السلطنة المعظمة وكفالة الممالك الشريفة الإسلامية أو ما هذا معناه نحو وكفالة الممالك الشريفة مصرا وشاما وسائر البلاد الإسلامية أو الممالك الإسلامية ونحو ذلك
فأما في تعريف الكتب فقد جرت عادة نواب الشام أن تقتصر في كتبها إليه على كافل الممالك الإسلامية المحروسة
قال ولعمري في ذلك مقنع وإن في الاقتصار عليها ما هو أكثر فخامة
وعليه عمل أكثر الكتاب بديوان مصر أيضا ويؤيده أنهم مقتصرون فيما يكتب بإشارته على هذا التعريف فاعلم ذلك
ورسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال على ما ذكره في التثقيف أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم كما في الدرجة الأولى من الدرجات العشر والعلامة إليه أخوه
وتعريفه كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى
قال في التثقيف وإنما كتب له أعز الله تعالى أنصار المقر وزيدت ألقابه على ما كانت عليه لما كتب بذلك لنائب الشام في ولاية بيدمر الخوارزمي (7/167)
وكافل المملكة يومئذ الأمير منجك فلزم أن يكتب له مثله لئلا يكون نائب الشام مميزا على كافل السلطنة على ما سيأتي في الكلام على مكاتبة نائب الشام
قال في التعريف أما نائب الغيبة وهو الذي يترك إذا غاب السلطان والنائب الكافل وليس إلا لإخماد النوائر وخلاص الحقوق فحكمه كحكمه في المكاتبة إليه
الثاني نائب ثغر الإسكندرية المحروس وهو ممن استحدثت نيابته في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عند طروق العدو المخذول في سنة سبع وستين وسبعمائة من الفرنج المخذولين
ورسم المكاتبة إليه ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي على ما تقدم ذكره إلا أنه لا يقال في ألقابه الكافلي والعلامة الشريفة له والده وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بثغر الإسكندرية المحروس
واعلم أن بالإسكندرية حاجبا يكاتب عن الأبواب السلطانية
قال في (7/168)
التثقيف ورسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي إن كان طبلخاناه ويعلم مجلس الأمير إن كان عشرة والعلامة الشريفة له الاسم بكل حال
وتعريفه الحاجب بثغر الإسكندرية المحروس
الثالث نائب الوجه القبلي وقد تقدم أن مقر ولايته مدينة أسيوط وأن استحداث نيابته كان في الدولة الظاهرية برقوق في سنة ثمانين وسبعمائة
ورسم المكاتبة إليه ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي على ما تقدم ذكره
ولا يقال فيه الكافلي أيضا والعلامة الشريفة والده وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بالوجه القبلي (7/169)
الرابع نائب الوجه البحري وقد تقدم أن مقر ولايته مدينة دمنهور الوحش من أعمال البحيرة وأن نيابته استحدثت بعد نيابة نائب الوجه القبلي ولذلك لم يتعرض له في التثقيف
ورسم المكاتبة إليه ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي كما في نائب الوجه القبلي
والعلامة الشريفة له أخوه وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بالوجه البحري
الصنف الثاني الكشاف
وقد تقدم أنه كان قبل استقرار نيابتي الوجهين القبلي والبحري كاشفان بالوجهين المذكورين كاشف بالوجه القبلي وكاشف بالوجه البحري
فلما استقر النيابتان استقر بالفيوم والبهنساوية كاشف وبالشرقية وما قاربها كاشف وكل منهما أمير طبلخاناه
ورسم المكاتبة إلى كل منهما صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس (7/170)
السامي والعلامة لكل منها الاسم الشريف وتعريف كاشف الفيوم الكاشف بالفيوم والبهنساوية وتعريف الآخر الكاشف بالوجه البحري
الصنف الثالث الولاة بالوجهين القبلي والبحري
وكل من ولاة الوجهين لا يخرج عن طبلخاناه أو عشرة وما في معناها كالعشرين ونحوها
فأما الوجه القبلي ففيه ستة ولاة منهم ثلاثة طبلخاناه وهم والي قوص وإخميم
ووالي الأشمونين
ووالي البهنسا
ومنهم ثلاثة عشرات وهم والي الجيزية وكان قبل ذلك طبلخاناه
ووالي إطفيح
ووالي منفلوط وكان قبل ذلك طبلخاناه وهو اليوم إمرة عشرين
وأما الوجه البحري ففيه سبعة ولاة منهم ثلاثة طبلخاناه
وهم والي الغربية
ووالي المنوفية
ووالي الشرقية
وكان بدمنهور وال طبلخاناه قبل استقرارها نيابة (7/171)
ومنهم أربعة عشرات وهم والي قليوب
ووالي أشموم وهي الدقهلية والمرتاحية
ووالي دمياط
ووالي قطيا
ورسم المكاتبة إلى كل من ولاة الطبلخاناه منهم هذه المكاتبة إلى المجلس السامي وإلى كل من ولاة العشرات منهم يعلم مجلس الأمير والعلامة لكل من الطبلخاناه والعشرات الاسم الشريف وتعريف كل منهم والي فلانة
الصنف الرابع من يتوجه من الأبواب السلطانية من الأمراء لبعض الأعمال المتقدمة الذكر لكشف الجسور وعمارتها أو لتخضير البلاد أو لقبض الغلال
قال في التثقيف فمن كان منهم طبلخاناه فرسم المكاتبة إليه السامي بالياء
ومن كان منهم عشرة فرسم المكاتبة إليه السامي بغير ياء
والعلامة للجميع الاسم الشريف
قال ولا تذكر الوظيفة التي توجه بسببها ولا الإقليم الذي هو به
الصنف الخامس باقي الأمراء بالديار المصرية
وقد رتبهم في التعريف على أربع مراتب
المرتبة الأولى مقدمو الألوف وقد ذكر أن لكبارهم أسوة كبار النواب بالممالك الشامية كالشام وحلب
ولأوسطهم أسوة أوسطهم كحماة (7/172)
وطرابلس وصفد
ولأصغرهم أسوة أصغرهم كغزة وحمص
ثم قال فاعلم ذلك وقس عليه
ثم قال بعد ذلك والذي نقوله أن لكبار المقدمين بالأبواب السلطانية الجناب الكريم ثم الجناب العالي ثم المجلس العالي
وهذا على ما كان في زمانه أما على ما استقر عليه الحال آخرا فإنه يكون لكبارهم المقر الكريم كما يكتب للأتابك الآن ثم الجناب الكريم ثم الجناب العالي ثم المجلس العالي
المرتبة الثانية الطبلخانات
قد ذكر أن منهم من يكتب له المجلس العالي كمن يكون معينا للتقدمة وله عدة ثمانين فارسا أو سبعين فارسا أو نحو ذلك وكالمقربين من الخاصكية أو من له عراقة نسب كبقايا الملوك أو أرباب وظائف جليلة كحاجب كبير أو إستدار جليل أو مدبر دولة لم (7/173)
يصرح له بالوزارة أودوادار متصرف
ثم قال وهؤلاء وإن كتب لهم بالمجلس العالي فإنه يكتب لهم بغير افتتاح بالدعاء والكتابة لهم بالعالي على سبيل العرض لا الاستحقاق وإلا فأجل رسم مكاتبة أمراء الطبلخاناه السامي بالياء ولجمهورهم السامي بغير ياء
المرتبة الثالثة العشرات
وذكر أن لكل منهم مجلس الأمير ثم قال فإن زيد قدر أحد لسبب ما كتب له المجلس السامي بغير الياء
المرتبة الرابعة مقدمو الجند
وقد ذكر أن لهم أسوة أمراء العشرات في المكاتبة
ثم قال وأما الجند فالأمير الأجل
وأما جند الأمراء فالطواشي
وكأنه يريد ما إذا كتب بسببهم مكاتبة أو كتب لأحد منهم توقيع وإلا فالجند لا يكاتب أحد منهم عن الأبواب السلطانية حتى ولا نواب القلاع بالشام كما سيأتي ذكره هناك إن شاء الله تعالى (7/174)
الصنف السادس العربان بالديار المصرية وبرقة
وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الكلام على أنساب العرب فيما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى
وقد ذكر في التعريف أن العرب بمصر في الوجهين القبلي والبحري جماعات كثيرة وشعوب وقبائل
ثم قال ولكنهم على كثرة أموالهم واتساع نطق جماعاتهم ليسوا عند السلطان في الذروة ولا السنام إذ كانوا أهل حاضرة وزرع ليس منهم من ينجد ولا يتهم ولا يعرق ولا يشئم ولا يخرجون عن حدود الجدران وعلى كل حال فالمندل الرطب في أرجائه خطب
ثم قد قسم منازلهم إلى الوجه القبلي والوجه البحري وذكر أن بكل من الوجهين من يكاتب عن الأبواب السلطانية
فأما عرب الوجه البحري فعلى ضربين
الضرب الأول عرب البحيرة
قال في التعريف وأمراؤهم عرب الديار المصرية
قال وهم أشبه (7/175)
القوم بالتخلق بخلائق العرب في الحل والترحال يغربون إلى القيروان وقابس ويفدون على الحضرة السلطانية وفود أمثالهم من أمراء العرب
وذكر أن الإمرة فيهم في زمانه كانت في محمد بن أبي سليمان وفائد بن مقدم
وقال إن رسم المكاتبة إلى كل منهما هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير والعلامة السلطانية أخوه ولم يتعرض لتعريفهما والذي يظهر أن تعريف كل منهما اسمه
أما بعده فقد تغيرت تلك الأحوال وتناقصت رتبة عرب البحيرة وزالت الإمرة عنهم ولم يبق فيهم إلا مشاع عربان ذوو أموال جمة كان منهم في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين رحاب وموسى بن خضر وأولاد بدران الغريني ومن جرى مجراهم ثم صار اليوم بها بن رحاب وخضر بن موسى
الضرب الثاني عرب الشرقية
وقد ذكر في التعريف أنه كان في زمانه منهم نجم بن هجل شيخ عائد
وذكر أنه دون محمد بن أبي سليمان وفائد بن مقدم أميري عرب (7/176)
البحيرة
ثم قال ورسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير
قلت ثم تغيرت الأحوال بعد ذلك وصارت رياسة عرب الشرقية متداولة في جماعة إلى أن كان منهم في الدلة الظاهرية برقوق محمد بن عيسى أمير وأولادهم وكانت الإمرة فيهم أولا في ثم قتل بسيف السلطان في الدولة الناصرية فرج بن برقوق واستقر مكانه
وأما عرب الوجه القبلي فقد ذكر في التعريف أنه كان منهم في زمانه نفران أحدهما ناصر الدين عمر بن فضل
وذكر أن رسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي أيضا
وثانيهما سمرة بن مالك
قال وهو ذو عدد جم وشوكة منكية يغزو الحبشة وأمم السودان ويأتي بالنهاب والسبايا وله أثر محمود وفعل مأثور
وفد على السلطان وأكرم مثواه وعقد له لواء وشرف بالتشريف وقلد ذلك وكتب إلى ولاة الوجه القبلي عن آخرهم وسائر العربان به بمساعدته ومعاضدته والركوب للغزو معه متى أراد
وكتب له منشور بما يفتح من البلاد وتقليد بإمرة العربان القبلية مما يلي قوص إلى حيث تصل غايته
ثم قال ورسم المكاتبة إليه السامي الأمير كمن تقدم
قلت ثم كان بعد ذلك عدد من أمراء العربان كان آخرهم أبو بكر بن الأحدب
ثم لما انتقلت هوارة إلى الوجه القبلي صارت الإمرة فيهم في (7/177)
الصعيد الأدنى في بني غريب وأميرهم الآن وفي الصعيد الأعلى في بني عمر وأميرهم محمد بن عمر ورسم المكاتبة إلى كل منهما
وأما عرب برقة فقد ذكر في التعريف أنه لم يبق منهم في زمانه من يكاتب إلا جعفر بن عمر وأنه كان لا يزال بين طاعة وعصيان ومخاشنة وليان وأن أمراء عرب البحيرة كانت تغري به وتغير خاطر السلطان عليه وأن الجيوش كانت تمتد إليه وقل أن ظفرت منه بطائل أو رجعت بمغنم إن أصابته نوبة من الدهر
وكان آخر أمره أنه ركب طريق الواح حتى خرج من الفيوم وطرق باب السلطان لائذا بالعفو ولم يسبق به خبر ولم يعلم السلطان به حتى استأذن المستأذن عليه وهو في جملة الوقوف بالباب فأكرم أتم الكرامة وشرف بأجل التشاريف وأقام مدة في قرى الإحسان وإحسان القرى
وأهله لا يعلمون بما جرى ولا يعرفون أين يمم ولا أي جهة نحا حتى أتتهم وافدات البشائر
وقال له السلطان لأي شيء ما أعلمت أهلك بقصدك إلينا قال خفت أن يقولوا يفتك بك السلطان فأتثبط
فاستحسن قوله وأفاض عليه طوله ثم أعيد إلى (7/178)
أهله فانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء ولا رثى له صاحب ولا شمت به عدو
النوع الثاني ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية أرباب الأقلام وهم على ضربين
الضرب الأول أرباب الدواوين من الوزراء ومن في معناهم
قال في التعريف ولم تزل مكاتبة أجلاء الوزراء بالمجلس العالي
ثم كتب لآخرهم بالديار المصرية الجناب العالي
وكتبت بالشام للصاحب عز الدين أبي يعلى حمزة بن القلاقسي رحمه الله لجلالة قدره وسابقة خدمه وعناية من كتب إليه بها
ثم قال والذي استقر عليه الحال للوزير بمصر الجناب
أما من يجري مجرى الوزراء ولا صريح له بها مثل ناظر الخاص وكاتب السر وناظر الجيش وناظر الدولة وكتاب الدست فالسامي بالياء ومن دون هؤلاء فبغير ياء ثم مجلس القاضي أو الصدر
قلت وكأنه يريد ألقاب هؤلاء في الجملة إما في مكاتبة تكتب بسبب أحد منهم وإما في توقيع ونحوه يكتب لأحدهم وإلا فمن ذكره من الأصاغر لا (7/179)
يكاتب عن الأبواب السلطانية عادة
والذي صرح في التثقيف بذكر المكاتبة إليه من هذا الضرب نفران
الأول كاتب السر إذا تخلف عن الركاب السلطاني لعارض
وذكر أن رسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي على ما تقدم ذكره والعلامة أخوه وتعريفه صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة
الثاني ناظر الخاص الشريف
وذكر أن رسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال في أيام ابن نقولا أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي على ما تقدم ذكره والعلامة الاسم وتعريفه ناظر الخواص الشريفة
قلت ولم يتعرض لمكاتبة الوزير إنما ذكر ألقابه في الألقاب العامة مما يكتب في الولايات وغيرها ولا يستغنى عن ذكر المكاتبة إليه وقد تقدم في كلام صاحب التعريف أن الذي استقر عليه الحال في المكاتبة إليه الجناب العالي ولم يعين صورة الدعاء له
والذي ذكره في التثقيف في ألقابه أن الدعاء له ضاعف الله تعالى نعمته وحينئذ فتكون المكاتبة إليه أن كتب إليه ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي بالألقاب السابقة
الضرب الثاني أرباب الوظائف الدينية والعلماء
قد ذكر في التعريف أن كلا من قضاة القضاة بمصر يكتب له المجلس العالي والمحتسب بها يكتب له بالسامي بالياء ومن دونهم (7/180)
من أرباب الوظائف الدينية وبقية العلماء وأكابرهم السامي بغير ياء ومن دونهم مجلس القاضي أو الشيخ بحسب ما يليق به
وكأنه يريد مطلق الألقاب كما تقدم في غيره وإلا فهؤلاء لا يكاتبون عن الأبواب السلطانية
ولم يذكر في التثقيف مكاتبة لأحد من أرباب الوظائف الدينية سوى قاضي القضاة تاج الدين الإخنائي المالكي وقد حج في سنة سبع وستين وسبعمائة في الدولة الناصرية حسن جوابا عما ورد منه وكتب له الدعاء والمجلس العالي
والعلامة الاسم
قال وأما قاضي القضاة عز الدين بن جماعة فإنه كان يحج ويجاور كثيرا ولكني لم أره كتب له قط وأنا شاك في أمره
قلت رأيت في إيقاظ المتغفل لابن المتوج أنه كتب إليه وهو (7/181)
مجاور بمكة أعز الله تعالى أحكام المجلس العالي ولم يتعرض للعلامة والظاهر أن العلامة له أخوه ويكون التعريف قاضي القضاة الشافعية أو المالكية بالديار المصرية
النوع الثالث ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية ممن بالديار المصرية الخوندات السلطانية من زوجات السلطان وأقاربه ممن تدعو الضرورة إلى مكاتبته لسفره أو لسفر السلطان
وقد ذكر في التثقيف منهن جماعة نذكرهن ليكن أنموذجا لمن يكون في معناهن
الأولى ابنة المقام الشريف الشهيد الناصري محمد بن قلاوون لما كانت بحلب مع زوجها أبي بكر بن أرغون كتب إليها ما صورته الذي يحيط به علم الحرمة الشريفة العالية المصونة الولدية عصمة الدين جلال النساء شرف الخواتين سليلة الملوك والسلاطين ضاعف الله تعالى جلالها والعلامة والدها وتعريفها الدار السيفية بحلب والأسطر متقاربة كالملطف
الثانية طغاي زوجة المقام الشريف الناصري المشار إليه المعروفة بأم أنوك كتب إليها لما توجهت إلى الحجاز الشريف ضاعف الله تعالى جلال (7/182)
الجهة الشريفة العالية المعظمة المحجبة المصونة الكبرى خوند خاتون جلال النساء في العالمين سيدة الخواتين قرينة الملوك والسلاطين
ثم الدعاء والعلامة الاسم الشريف وتعريفها والدة المقر الكريم الولدي السيفي أنوك والأسطر على ما تقدم في المكاتبة السابقة
الثالثة أخت المقام الشريف الناصر حسن جهة الأمير طاز كتب لها لما كانت بالحجاز الشريف ضاعف الله تعالى جلال الجهة الشريفة العالية الكريمة المحجبة المصونة الكبرى الخاتون جلال النساء في العالمين جميلة المحجبات جليلة المصونات كريمة الملوك والسلاطين والعلامة أخوها
الرابعة الحاجة الست حدق
كتب لها وهي بالحجاز الشريف عن الناصر حسن ضاعف الله تعالى جلال الجهة الشريفة العالية الكبيرية المحجبية المصونية الحاجية الوالدية جلال النساء في العالمين بركة الدولة والدة الملوك والسلاطين
ثم الدعاء والعلامة الاسم الشريف وتعريفها الحاجة ست حدق
الخامسة والدة السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين
كتب إليها عند توجهها للحجاز الشريف ضاعف الله تعالى جلال الجهة الشريفة
ثم قال وقد كنت أنكرت ذلك لأنه كان يعظمها كثيرا ويقبل يديها غالبا فكان يمكن أن يكتب لها بتقبيل اليد
قلت وصورة المكاتبة على ما رأيته في بعض الدساتير ضاعف الله (7/183)
تعالى جلال حجاب الجهة الشريفة العالية الكبرى المعظمة المحجبة العصمي الخاتوني جلال النساء في العالمين سيدة الخواتين جميلة المحجبات جليلة المصونات والدة الملوك والسلاطين ثم الدعاء وكانت الكتابة لها في ورق دمشقي في قطع الفرخة بالطول كاملة بقلم الثلث الخفيف أو التوقيع
القسم الثاني من يكاتب بالممالك الشامية وهم أربعة أنواع
النوع الأول أرباب السيوف من النواب الكفال وأتباعهم وهي ثمان نيابات
النيابة الأولى نيابة دمشق المعبر عنها في عرف الزمان بالمملكة الشامية
والمكاتبون بها عن الأبواب السلطانية ضربان
الضرب الأول من بمدينة دمشق وهم ثلاثة
الأول كافل السلطنة بها وهو من أكابر مقدمي الألوف
وكان رسم المكاتبة إليه على ما أورده المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم
قال في التثقيف ولم تزل المكاتبة إليه كذلك من بعد الدولة الشهيدية الناصرية محمد بن قلاوون إلى آخر سنة خمس وسبعين وسبعمائة واستقر الأمير بيدمر الخوارزمي نائب السلطنة بها في ولايته الثالثة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين فاستقر رسم المكاتبة إليه أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم على الرسم المتقدم والعلامة الشريفة إليه أخوه وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بالشام المحروس
قال في التثقيف أو كافل المملكة الشامية المحروسة ولا يقال في نعوته كافل السلطنة
الثاني نائب قلعة دمشق
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى (7/184)
المجلس العالي على ما تقدم رسمه
والعلامة والده
قال في التثقيف ثم استقرت المكاتبة إليه السامي بالياء لأنه طبلخاناه والعلامة الشريفة له الاسم
وتعريفه نائب القلعة المنصورة بدمشق المحروسة
الثالث حاجب الحجاب بها
ورسم المكاتبة إليه
أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي على ما تقدم رسمه والعلامة الشريفة له والده وتعريفه أمير حاجب بالشام المحروس
الضرب الثاني من بأعمال دمشق من نواب المدن والقلاع وهم خمسة نواب
الأول نائب حمص قال في التثقيف كان يكتب إليه نظير نائب الكرك يعني أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي والعلامة الشريفة له والده لما كان من مقدمي الألوف بالشام ثم استقر من أمراء الطبلخاناه واستقرت مكاتبته صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي فيما أظن وقد (7/185)
تقدم رسمها
والعلامة الشريفة له الاسم الشريف وتعريفه النائب بحمص المحروسة
الثاني نائب الرحبة
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنه كان من حقها أن تكون من مضافات حلب
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي على ما تقدم رسمه
والعلامة الشريفة له والده وتعريفه النائب بالرحبة
الثالث نائب بعلبك
قال في التثقيف إن كان من أمراء الطبلخاناه فمكاتبته صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي والعلامة له الاسم الشريف
وإن كان من العشرات فالمكاتبة إليه يعلم مجلس الأمير والعلامة له الاسم الشريف وتعريفه النائب ببعلبك المحروسة
الرابع نائب مصياف
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنها كانت مضافة إلى طرابلس في جملة قلاع الدعوة ثم استقرت في مضافات الشام
ورسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي والعلامة الشريفة له الاسم الشريف
الخامس نائب القدس الشريف
وهو ممن استحدثت نيابته في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين في سنة سبع وسبعين وسبعمائة وكانت قبل ذلك (7/186)
ولاية وهو طبلخاناه وربما أضيف إليه نظر الحرمين حرم القدس وحرم الخليل عليه السلام
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي
والعلامة والده وتعريفه النائب بالقدس الشريف
قال في التثقيف وكان قد استقر بأماكن تذكر من البلاد الشامية نواب واستقرت مكاتبة كل منهم إن كان مقدما صدرت والعالي والعلامة والده
وإن كان طبلخاناه السامي بالياء والعلامة الاسم الشريف
وهي تدمر والسخنة والقريتان وسلمية
قال ثم بطل ذلك
ثم قال ومن النواب بالقلاع الشامية جماعة لم تجر لهم عادة بمكاتبة عن المواقف الشريفة ولا تصدر ولايتهم من الأبواب الشريفة بل نائب الشام مستقل بذلك
وهم نائب عجلون ونائب صرخد ونائب الصبيبة ونائب شقيف أرنون
قال وممن كتب إليه أيضا وليس بنائب ولا وال جمال الدين يوسف شاه الأتابك بمصياف في سنة أربع وسبعين وسبعمائة على يد نافع بن بدران
ورسم ما كتب به إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي وكتب في ألقابه الأتابكي وكتب تعريفه يوسف شاه الأتابك
قال والظاهر أن العلامة والده (7/187)
النيابة الثانية نيابة حلب والمكاتبون بها عن الأبواب السلطانية أيضا على ضربين
الضرب الأول من بمدينة حلب وهم ثلاثة
الأول النائب بها
وهو من أكابر مقدمي الألوف
ورسم المكاتبة إليه أعز الله تعالى نصرة الجناب الكريم على ما تقدم رسمه
والعلامة الشريفة له أخوه وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة
الثاني نائب القلعة بها
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي على ما تقدم رسمه
والعلامة له الاسم الشريف
وتعريفه نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة
الثالث حاجب الحجاب بها
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي
والعلامة والده وتعريفه أمير حاجب بحلب المحروسة
الضرب الثاني من بأعمال حلب من النواب وهم أحد وعشرون نائبا
الأول نائب البيرة
ورسم المكاتبة إليه المجلس العالي
والعلامة الشريفة والده وتعريفه النائب بالبيرة المحروسة (7/188)
الثاني نائب قلعة المسلمين المعروفة بقلعة الروم
ورسم المكاتبة إليه والعلامة كذلك
وتعريفه النائب بقلعة المسلمين المحروسة
الثالث نائب ملطية ورسم المكاتبة إليه والعلامة الشريفة كذلك وتعريفه النائب بملطية المحروسة
الرابع نائب طرسوس
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي والعلامة والده وتعريفه النائب بطرسوس
الخامس نائب أذنة
ورسم المكاتبة إليه والعلامة له كذلك وتعريفه النائب بأذنة المحروسة (7/189)
السادس نائب الأبلستين
ورسم المكاتبة إليه والعلامة الشريفة له كذلك وتعريفه النائب بالأبلستين المحروسة
السابع نائب بهسنى
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي والعلامة له والده وتعريفه النائب ببهسنى المحروسة
قال في التثقيف ولم يعلم لأحد من أرباب السيوف قديما والده مع السامي بالياء غيره
الثامن نائب آياس
وهو المعبر عنه بنائب الفتوحات الجاهانية
قال في التثقيف إن كان مقدما فالمكاتبة إليه بنسبة مكاتبة نائب البيرة فيكون رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي والعلامة والده
وإن كان طبلخاناه فيكون صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي والعلامة (7/190)
الاسم وتعريفه بكل حال النائب بآياس أو النائب بالفتوحات الجاهانية المحروسة
التاسع نائب جعبر
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف وهذه المكاتبة إلى المجلس السامي والعلامة الاسم وتعريفه النائب بقلعة جعبر المحروسة
العاشر نائب عينتاب
ورسم المكاتبة إليه على ما في التثقيف يعلم مجلس الأمير والعلامة الاسم وتعريفه النائب بعينتاب المحروسة
قال في التثقيف ورأيت بخط القاضي ناصر الدين بن النشائي أن مكاتبته الاسم والسامي بغير ياء
ثم قال وما تقدم هو ما استقر عليه الحال آخرا
قال وقد يكون ذلك لأنه كان بها أمير طبلخاناه وتعريفه النائب بعينتاب
الحادي عشر نائب درندة
قال في التثقيف إن كان طبلخاناه فالسامي بغير ياء وإن كان عشرة فمجلس الأمير والعلامة الاسم بكل حال وتعريفه النائب بدرندة
الثاني عشر ناب القصير
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه يعلم مجلس الأمير والعلامة وتعريفه النائب بالقصير (7/191)
الثالث عشر نائب الراوندان
ورسم المكاتبة إليه كمثل نائب القصير وتعريفه النائب بالراوندان
الرابع عشر نائب الرها
قال في التثقيف جرت العادة أن يكون نائبها طبلخاناه فتكون مكاتبته السامي بغير ياء والعلامة الاسم
ثم قال وقد استقر في الأيام المنصورية في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة مقدم ألف فقد يكتب إليه نظير نائب البيرة وقلعة المسلمين يعني فتكون مكاتبته صدرت والعالي
والعلامة والده وتعريفه بكل حال النائب بالرها
الخامس عشر نائب شيزر وقد ذكر في التثقيف أن مكاتبته هذه المكاتبة إلى المجلس السامي فتكون العلامة الاسم وتعريفه النائب بشيزر
السادس عشر نائب كركر
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف يعلم مجلس الأمير فتكون العلامة الاسم وتعريفه النائب بكركر
السابع عشر نائب الكختا
ورسم المكاتبة إليه كذلك وتعريفه النائب بالكختا (7/192)
الثامن عشر نائب بغراس
ورسم المكاتبة إليه كذلك وتعريفه النائب ببغراس
التاسع عشر نائب الشغر وبكاس
ورسم المكاتبة إليه كذلك وتعريفه النائب بالشغر وبكاس
العشرون نائب الدربساك
ورسم المكاتبة إليه كذلك وتعريفه النائب بالدربساك
الحادي والعشرون نائب إسفندكار
ذكر في التثقيف أن رسم المكاتبة إليه كذلك
ثم قال في التثقيف لكني رأيت بخط القاضي ناصر الدين ابن النشائي أن مكاتبته الاسم والسامي بغير ياء يعني هذه المكاتبة إلى المجلس السامي
قال وما يبعد أنه كان إذ ذاك طبلخاناه
والمستقر عليه الحال ما تقدم
قلت وقد ذكر في التثقيف ست قلاع استجدت مكاتبة نوابها بعد ذلك ولم يذكر رسم المكاتبة إليه وهم نائب حجر شغلان ونائب كومي ونائب قلعة كولاك ونائب قلعة باري كروك استجدت مكاتبته في سنة ستين وسبعمائة ونائب قلعة كاورا استجدت مكاتبته في سنة تسع وستين وسبعمائة ونائب كرزال استجدت مكاتبته في سنة سبع وسبعين وسبعمائة
ولم يذكر رسم (7/193)
المكاتبة إليهم
والذي يظهر أن رسم المكاتبة إلى كل منهم يعلم مجلس الأمير والعلامة الاسم والتعريف النائب بفلانة
وحينئذ فيكون المكاتبون من نواب أعمال حلب سبعة وعشرين نائبا
النيابة الثالثة نيابة طرابلس والمكاتبون بها عن الأبواب السلطانية أيضا على ضربين
الضرب الأول من بمدينة طرابلس وهم اثنان
الأول نائب السلطنة بها ورسم المكاتبة إليه ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي على الرسم المتقدم
والعلامة والده وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة
الثاني الحاجب بطرابلس
ورسم المكاتبة إليه صدرت والعالي
والعلامة والده وتعريفه أمير حاجب بطرابلس المحروسة
وليس بطرابلس قلعة فيكتب إلى نائبها (7/194)
الضرب الثاني من بأعمال طرابلس من النواب وهم صنفان
الصنف الأول نواب قلاع نفس طرابلس وهم سبعة نواب
الأول نائب اللاذقية
ورسم المكاتبة إليه السامي بغير ياء
والعلامة الاسم وتعريفه النائب باللاذقية
الثاني نائب صهيون
ورسم المكاتبة إليه يعلم مجلس الأمير
والعلامة الاسم وتعريفه النائب بصهيون
الثالث نائب حصن الأكراد
ورسم المكاتبة إليه كذلك وتعريفه النائب بحصن الأكراد
الرابع نائب بلاطنس
ورسم المكاتبة إليه كذلك وتعريفه النائب ببلاطنس
الخامس نائب المرقب
ورسم المكاتبة إليه كذلك (7/195)
السادس نائب حصن عكار
ورسم المكاتبة إليه كذلك وتعريفه النائب بحصن عكار
الصنف الثاني نواب قلاع الدعوة المضافة إلى طرابلس
وهي قلاع الإسماعيلة الذين يسمون أنفسهم بأصحاب الدعوة الهادية
وكانت سبع قلاع فأضيفت مصياف منها إلى دمشق على ما تقدم في الكلام على المسالك والممالك وبقي من مضافات طرابلس ست قلاع وهي الكهف والمينقة والعليقة والقدموس والخوابي والرصافة
ومكاتبة كل منهم يعلم مجلس الأمير والعلامة الاسم
وتعريف كل منهم النائب بفلانة
النيابة الرابعة نيابة حماة
والمكاتبون بها ضرب واحد بمدينة حماة خاصة وهما اثنان
الأول نائب السلطنة بها
وقد تقدم في أول هذا الطرف أنها كانت بيد بقايا بني أيوب يطلق عليهم فيها لفظ السلطنة يتولونها من ملوك مصر إلى أن كان آخرهم الأفضل محمد بن المؤيد عماد الدين إسماعيل في الدولة الناصرية محمد ابن قلاوون ثم صارت نيابة بعد ذلك يتداولها النواب نائبا بعد نائب
ورسم المكاتبة إلى نائبها ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي والعلامة والده وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بحماة المحروسة
الثاني الحاجب بها
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي
والعلامة الاسم وتعريفه الحاجب بحماة المحروسة (7/196)
قال في التثقيف ولم يكن بها قلعة فيكتب إلى نائبها
قلت وليس بأعمالها نواب فيكتب إليها إنما بها ولاة يكاتبون عن نوابها
النيابة الخامسة نيابة صفد
والمكاتبون بها ضرب واحد أيضا وهم من بالمدينة خاصة وهم ثلاثة
الأول نائب السلطنة بها
ورسم المكاتبة إليه ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي
والعلامة والده
وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بصفد المحروسة
الثاني الحاجب بها
ورسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي
والعلامة الاسم
وتعريفه الحاجب بصفد المحروسة
الثالث نائب القلعة بها
ورسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي
والعلامة الاسم
وتعريفه نائب القلعة المنصورة بصفد المحروسة
قلت ولم يكن بأعمالها نواب فيكاتبون عن الأبواب السلطانية بل بها ولاة يكاتبون عن نائبها خاصة كما تقدم في حماة
النيابة السادسة نيابة غزة
والمكاتبون بها أيضا ضرب واحد وهم من بالمدينة خاصة وهما اثنان (7/197)
الأول النائب بها
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنه إن اجتمع له البلاد الساحلية والجبلة عبر عنه بنائب السلطنة وإن قصر أمره على البلاد الساحلية فقط عبر عنه بمقدم العسكر وكان تحت أمر نائب دمشق
وبكل حال فإن رسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي والعلامة والده
ثم إن أضيف له الجهتان قيل في تعريفه مقدم العسكر المنصور بغزة
الثاني الحاجب بها
ورسم المكاتبة إليه يعلم مجلس الأمير
والعلامة الاسم وتعريفه الحاجب بغزة المحروسة
قلت وليس بعملها نواب بل ولاة يكاتبون عن نائبها أو مقدم العسكر بها
إلا أنه قد استحدث في أواخر الدولة الظاهرية برقوق مكاتبة كاشف الرملة واستقرت مكاتبته صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي
والعلامة الاسم وتعريفه الكاشف بالرملة
النيابة السابعة نيابة الكرك
والمكاتبون بها من بالمدينة خاصة وهما اثنان
الأول نائب السلطنة بها
ورسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي
والعلامة والده وتعريفه نائب السلطنة الشريفة بالكرك
الثاني والي القلعة بها
ورسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي
والعلامة الاسم وتعريفه والي القلعة المنصورة بالكرك المحروس (7/198)
قلت ولم يكن بها حاجب يكاتب ولا بأعمالها نواب بل ولاة يكاتبون عن النائب بها خاصة
النيابة الثامنة نيابة سيس
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنها مما استجد فتحه في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين
وقد ذكر في التثقيف أن مكاتبة النائب بها كانت ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي كنائب طرابلس ومن في معناه
ثم قال وقد صح لي بعد هذا أنه استقرت مكاتبته نظير غزة
وهي أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي
والعلامة حينئذ والده وتعريفه مقدم العسكر المنصور بغزة وما ذكره آخرا هو المستقر عليه الحال إلى آخر وقت
قال في التثقيف ولم أطلع على مكاتبة الحاجب بها
ثم قال وما يبعد أن يكون مجلس الأمير لأنه فيما أظن أمير عشرة
قال وإن كان طبلخاناه فالاسم والسامي بغير ياء إن كتب إليه
ولم يكن بها نائب قلعة كما ذكره في الكلام على نواب القلاع
قلت وهنا أمران أشار إليهما في التثقيف ينبغي التنبه لهما
أحدهما أن القاعدة فيمن عدا أكابر النواب كنواب القلاع والحجاب ونحوهم أن المكتوب إليه إن كان مقدما فوالده وصدرت والعالي
وإن كان طبلخاناه فالاسم والسامي بغير ياء
وإن كان عشرة فالاسم ومجلس الأمير
وحينئذ فلا يتوقف مع المكاتبات السابقة بل ينظر من هو (7/199)
مستقر في ذلك الوقت ويكتب إليه بما تقتضيه رتبته
فإنه تارة تكون عادة تلك النيابة طبلخاناه ثم تستقر عشرة وبالعكس وتارة تكون طبلخاناه يستقر فيها مقدم ألف وبالعكس
والعبرة في ذلك بحال من هو مستقر حال الكتابة خلا ما هو مستقر من قديم الزمان لا يتغير مثل مكاتبة نائب بهسنى ونحوه
وثانيهما أن نائب السلطنة بدمشق ونائب السلطنة بحلب ونائب السلطنة بطرابلس ونائب السلطنة بحماة ونائب السلطنة بصفد ونائب السلطنة أو مقدم العسكر بغزة ونائب السلطنة بالكرك ونائب السلطنة بالقدس الشريف يكتب إليهم في جليل كل أمر وحقيره من المهمات السلطانية وخلاص الحقوق وغيرها
أما من عداهم من نواب القلاع والنواب الصغار الذين بأعمال هذه الممالك والحجاب فإنه لا يكتب إليهم في المهمات والأمور السلطانية إما في مثال شريف مفرد لأحدهم أو في مطلق شريف عام لجميعهم أو لبعضهم وكذلك (7/200)
في البشرى بوفاء النيل فإنه يكتب إلى كل واحد منهم مثال بمفرده خلا الحجاب فإنه لا يكتب إليهم بذلك
النوع الثاني ممن يكاتب بالممالك الشامية أرباب الأقلام وهم صنفان
الصنف الأول أرباب الوظائف الديوانية
والذي يكاتب منهم بالبلاد الشامية الوزير بدمشق أو ناظر النظار القائم مقامه حيث لم يصرح له بالوزارة
أما الوزير بدمشق فقد ذكر في التعريف أنه كتب للصاحب عز الدين أبي يعلى حمزة بن القلاقسي الجناب لجلالة قدره وسابقة خدمه وعناية من كتب إليه بذلك وأن الذي استقر عليه الحال للوزير بالشام المجلس العالي بالدعاء
كما كتب للصاحب أمين الدين أمين الملك في وزارته في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون ضاعف الله تعالى نعمة المجلس العالي القاضي الوزيري الأجلي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الأوحدي القوامي النظامي المدبري الملجدي الأثيري المشيري الفلاني صلاح الإسلام والمسلمين سيد الوزراء في العالمين رئيس الأمراء كبير الرؤساء بقية الأصحاب ملاذ الكتاب عماد الملة خالصة الدولة مشير الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
والدعاء ثم صدرت
والعلامة أخوه
وتعريفه مدبر الممالك الشريفة بالشام المحروس
قال ولم يكتب لأحد بذلك بعده ولا قبله
ثم قال واستقر في الدولة الناصرية حسن الصاحب فخر الدين بن قروينة وزيرا بالشام أيضا على قاعدة (7/201)
جده لأمه أمين الدين المذكور
ولم أعلم ما كوتب به هل كما كتب لجده المذكور أو دونه
وأما ناظر النظار فقد ذكر في التثقيف أن المكاتبة إليه حرس الله تعالى مجد المجلس العالي القضائي الكبيري العالمي الفاضلي الكاملي الأوحدي الرئيسي الأثيري القوامي النظامي المنفذي المتصرفي العلامي مجد الإسلام والمسلمين سيد الرؤساء في العالمين أوحد الفضلاء جلال الكبراء حجة الكتاب صفوة الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين
والدعاء ثم صدرت
والعلامة الاسم وتعريفه ناظر النظار بالشام المحروس
قال في التثقيف وهذا هو الذي استقر عليه الحال إلى آخر وقت
الصنف الثاني القضاة والعلماء
قد ذكر في التعريف أن المكاتبة لقاضي القضاة الشافعي بالشام بالمجلس العالي ولم يذكر صورتها
قال في التثقيف والذي كوتب به الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله وهو قاضي القضاة بالشام أعز الله تعالى أحكام المجلس العالي القاضوي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الإمامي الأصيلي الموفقي الحاكمي الفلاني جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة (7/202)
البلغاء حجة الأمة عمدة المحدثين فخر المدرسين مفتي المسلمين جلال الحكام حكم الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين
والدعاء ثم صدرت هذه المكاتبة
والعلامة أخوه
وتعريفه قاضي القضاة بالشام المحروس
ثم ذكر فيما بعد أنه كان يكتب في نعوته صدر الشام معز السنة مؤيد الملة قال في التثقيف وكانت مكاتبته شمس الشريعة رئيس الأصحاب لسان المتكلمين ولم يعين مكانها
قال وكتب بذلك إلى ولده قاضي القضاة تاج الدين السبكي وهو قاضي القضاة بالشام غير مرة
ثم زيد في ألقاب أخيه الشيخ بهاء الدين عند استقراره في القضاء بالشام مكانه بعد القاضوي الشيخي وبعد المحققي الورعي الخاشعي الناسكي الإمامي العلامي الأصيلي العريقي
وزيد في تعريفه بعد جلال الحكام بركة الدولة
النوع الثالث ممن يكاتب بالبلاد الشامية العربان
قد تقدم في الكلام على أنساب العرب في المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب أن عرب الشام عدة بطون من عدة قبائل
وقد قال في التعريف إنهم جل القوم وعين الناس لا عناية للملوك إلا بهم ولا مبالاة بغيرهم
ونحن نذكر هنا ما يتعلق بالمكاتبات إلى أمرائهم ومشايخهم خاصة
البطن الأول آل فضل من آل ربيعة
وقد تقدم أنهم من طيء من كهلان من العاربة
قال في التعريف (7/203)
وآل فضل منهم هم الذين في نحر العدو ولهم العديد الأكثر والمال الأوفر
قال وقد صاروا الآن أهل بيتين بيت مهنا بن عيسى وبيت فضل بن عيسى
قال وهم في جوار الفرات
ولذلك يضاعف إكرامهم وتوفر لهم الإقطاعات وتسنى
والإمرة الآن منهم في بيت مهنا بن عيسى
وهو المعبر عنه بأمير آل فضل
وقد ذكر في التثقيف أنه كان في زمانه قارا بن مهنا ثم كان في الدولة الظاهرية برقوق محمد نعير بن حيار بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن ماتع بن حديثة ابن عقبة بن فضل بن ربيعة ثم استقر بعده في الدولة الناصرية فرج ابنه العجل وهو المستقر إلى الآن
قال في التعريف ورسم المكتبة إلى الأمير منهم أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري بألقاب جليلة معظمة مفخمة
وذكر في التثقيف أن رسم المكاتبة إليه أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي المجاهدي المؤيدي الأوحدي النصيري العوني الهمامي المقدمي الظهيري الأصيلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف أمراء العربان في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين مقدم العساكر كهف الملة ذخر الدولة عماد العرب ظهير الملوك والسلاطين حسام أمير المؤمنين
ثم الدعاء وصدرت هذه المكاتبة
والعلامة أخوه
وتعريفه فلان بن فلان (7/204)
قال في التعريف أما من هو نظيره أو مدانيه وعدته الإمرة فرسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي ومن دونه السامي الأميري
قال ولكل هؤلاء العلامة الشريفة أخوه ولمن دون هؤلاء السامي الأمير والعلامة الشريفة الاسم الشريف
وقد ذكر في التثقيف أسماء جماعة من أكابر بيت مهنا بن عيسى وبيت فضل بن عيسى وذكر لكل منهم رسم مكاتبة
فأما بيت مهنا المذكور فهم خمسة
الأول منهم عساف بن مهنا
ورسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير الأجل الكبير الغازي المجاهد المؤيد الأوحد الأصيل فلان الدين مجد الإسلام بهاء الأنام فخر القبائل زين العشائر عماد الملوك والسلاطين والدعاء ثم صدرت والعلامة والده وتعريفه اسمه
الثاني عنقاء بن مهنا أخو عساف
مثله في المكاتبة على السواء
الثالث زامل بن موسى بن مهنا صدرت والسامي
والعلامة والده وتعريفه اسمه
الرابع محمد بن حيار بن مهنا وهو نعير مثل عميه عساف وعنقاء
الخامس علي بن سليمان بن مهنا
ذكر أنه كان يكاتب بالسامي بالياء
والعلامة الاسم
وذكر أن أخاه عوادا لم يعلم أنه كوتب عن الأبواب السلطانية
وأما بيت فضل فذكر منهم معيقل بن فضل وقال إن رسم المكاتبة إليه السامي بالياء
والعلامة والده
ثم قال ولم يكاتب الآن من بني فضل غيره فإن إخويه سيفا وأبا بكر كانا يكاتبان عن الأبواب الشريفة ثم توفيا إلى رحمة الله تعالى ولم يبق من أكابر بني فضل غيره هو وأولاد أخويه لكنهم لم يكاتبوا (7/205)
بشيء
فإن اتفق أن يكاتب أحد من أولاد أخويه المذكورين أو من أولاد مهنا مثل أولاد فياض وبقية أولاد حيار ورميثة بن عمر بن موسى ونحوهم فأعلاهم الاسم والسامي بغير ياء وأدناهم الاسم ومجلس الأمير
البطن الثاني آل مرا
قد تقدم في الكلام على أنساب العرب فيما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى أن مرا وفضلا أخوان
قال في التعريف ومنازلهم بلاد حوران
وقد ذكر في التثقيف أن الإمرة في زمانه كانت مقسومة نصفين بين عنقاء بن شطى ابن عمرو بن نونة وعمه فضل بن عمرو بن نونة
ثم قال ومكاتبة كل منهما صدرت والسامي
والعلامة والده وتعريفه فلان بن فلان
البطن الثالث آل علي
وقد تقدم في الكلام على الأنساب أنهم من آل فضل
قال في التعريف وإنما نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلى عيسى بن مهنا وبقي عيسى جار الفرات في تلابيب التتار
قال في التعريف ورسم المكاتبة إلى أميرهم صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري
والعلامة الشريفة أخوه
وقد ذكر في التثقيف أن أميرهم في زمانه كان عيسى بن رملة (7/206)
ابن جماز
وقال إن رسم المكاتبة إليه كما ذكر في التعريف وهي صدرت والسامي لكنه ذكر أن العلامة والده وتعريفه فلان بن فلان
البطن الرابع بنو مهدي
وقد تقدم في الكلام على الأنساب أن منازلهم البلقاء من مضافات دمشق
قال في التعريف والإمرة فيهم في أربعة رسم المكاتبة إلى كل منهم مجلس الأمير
وذكر في التثقيف أنها كانت في زمانه باسم ببرو بن ذؤيب بن سعيد ابن محفوظ القيسي وسعيد بن نجري بن حسن العقيسي وزامل بن عبيد بن محفوظ العقيسي ومحمد بن عباس بن قاسم بن محمد بن راشد العسري
وأن مكاتبة كل منهم مجلس الأمير كما تقدم في التعريف
ثم قال ومن كان معه نصف الإمرة منهم كانت مكاتبته الاسم والسامي بغير ياء وتعريف كل منهم فلان بن فلان
البطن الخامس بنو عقبة
وقد تقدم في الكلام على الأنساب أن مرجعهم إلى جذام وأن منازلهم الكرك والشوبك
قال في التعريف ورسم المكاتبة إلى أميرهم مثل أمير آل مرا
وكذلك رسم المكاتبة إلى أقاربه كرسم المكاتبة إلى أقارب أمير آل مرا أيضا فتكون مكاتبة أميرهم صدرت والسامي
ومكاتبة أعيان أقاربه السامي (7/207)
الأمير ولمن دونهم مجلس الأمير
وقد ذكر في التثقيف أن إمرتهم في زمانه كانت باسم خاطر بن أحمد بن شطى بن عبيد
وذكر أن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء وتعريفه فلان بن فلان ولم يتعرض لأقربائه
البطن السادس جرم
وقد تقدم في الأنساب أن مرجعهم إلى طيىء وأن منازلهم ببلاد غزة
وقد ذكر في التعريف أن إمرتهم في زمانه كانت باسم فضل بن حجي
وذكر أن رسم المكاتبة إليه مجلس الأمير
والذي ذكره في التثقيف أن لهم مقدما لا أميرا وأنه كان في زمانه علي بن فضل
وذكر أن رسم المكاتبة إليه الاسم والسامي بغير ياء
وهذا عجب فإنه إذا كان أميرا ورسم المكاتبة إليه مجلس الأمير فكيف يكون رسم المكاتبة إليه السامي بغير ياء وهو مقدم والإمارة فوق التقدمة بلا ريب
قال في التعريف وأما بقية عرب الشام نحو زبيد المرج وزبيد حوران وخالد حمص والمشارقة وغزية إذا أطاعوا وزبيد الأحلاف فأجل كبرائهم وأشياخهم من يكتب له مجلس الأمير
وذكر في التثقيف نحوه ثم قال هذا إن انفرد أحد منهم بالمكاتبة وإلا فالعادة أن يكتب لكل طائفة من هؤلاء مطلق شريف
ثم قال على أنه لم تجر العادة بمكاتبة أحد من هؤلاء القبائل لا على الانفراد ولا على الاجتماع
وهذا كلام متناقض حيث يقول إن (7/208)
العادة أن يكتب لكل طائفة منهم مطلق شريف ثم يقول إن العادة لم تجر بمكاتبة أحد منهم لا على الانفراد ولا على الاجتماع
قلت وقد تقدم الكلام على أنساب جميع هذه البطون وأماكنها مستوفى في الكلام على الأنساب في المقالة الأولى
ووقع بسط الكلام على ذلك وغيره في كتابنا المسمى نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب
النوع الثالث ممن يكاتب بالممالك الشامية التركمان
قد تقدم ذكر نسب التركمان في الكلام على أنساب الأمم في المقالة الأولى
وقد ذكر في التثقيف أن التركمان بهذه المملكة طوائف كثيرة وجماعة كبيرة
ثم قال وغالبهم لا يكتب إليه إذا ضمهم مطلق شريف
فإن كتب إلى أحد من أعيانهم كتب إليه الاسم والسامي بغير ياء إن كان طبلخاناه وإن كان عشرة أو عشرين كتب إليه الاسم ومجلس الأمير لا غير ثم أخلى بياضا متسعا ولم يصرح باسم أحد منهم
ثم ذكر في الكلام على تركمان البلاد الشرقية عدة طوائف عد منهم الأوسرية وقال هم تركمان حلب والورسق
وقال وهم تركمان طرسوس ولم يتعرض لمواضع غيرهم
وسيأتي كلامه مستوفى عند الكلام على تركمان البلاد الشرقية إن شاء الله تعالى
النوع الرابع ممن يكاتب بالممالك الشامية الأكراد
وقد تقدم ذكر نسبهم في الكلام على أنساب الأمم في المقالة الأولى
وقد ذكر في التثقيف أن بهذه المملكة منهم طوائف كثيرة كالتركمان وأن غالبهم (7/209)
لا يكتب إليه إلا إذا ضمهم مطلق شريف وأنه إن كتب لأحد من أعيانهم كتب له الاسم والسامي بغير ياء إن كان طبلخاناه
وإن كان أمير عشرة أو عشرين كتب إليه الاسم ومجلس الأمير كما تقدم في التركمان من غير فرق
القسم الثالث من يكاتب بالبلاد الحجازية والمعتبر في المكاتبين منهم ثلاثة
الأول أمير مكة المعظمة
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك ذكر أمرائها من ابتداء الإمرة وهلم جرا إلى زماننا والقائم بها الآن حسن بن أحمد بن عجلان
ورسم المكاتبة إليه على ماذكره في التعريف أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي العضدي النصيري الذخري الغوثي المفيدي الأوحدي الظهيري الزعيمي الكافلي الشريفي الحسيبي النسيبي الأصيلي الفلاني عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين جلال العترة الطاهرة كوكب الأسرة الزاهرة فرع الشجرة الزكية طراز العصابة العلوية ظهير الملوك والسلاطين نسيب أمير المؤمنين ثم الدعاء المعطوف
وبعده صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي بالسلام والثناء وتوضح لعلمه الكريم كذا وكذا
ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التثقيف أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري الكبيري الشريفي الحسيبي النسيبي العالمي المجاهدي المفيدي الأوحدي النصيري العوني الهمامي المقدمي الظهيري الأصيلي العريقي الفلاني عز الإسلام والمسلمين شرف الأمراء الأشراف في العالمين نصرة الغزاة والمجاهدين كهف الملة عون الأمة فخر (7/210)
السلالة الزاهرة زين العترة الطاهرة بهاء العصابة العلوية جمال الطائفة الهاشمية ظهير الملوك والسلاطين نسيب أمير المؤمنين ثم الدعاء وصدرت
وهذا دعاء وصدر يليق به ذكره في التعريف ولا زال حرمه أمينا ومكانه مكينا وشرفه يبيض له بمجاورة الحجر الأسود عند الله وجها ويضيء جبينا
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تحمل إليه سلاما تميل به الركائب وثناء تثني على مسكه الحقائب وشوقا أوسق قلبه لمن نسكه مع الحبائب وتوضح لعلمه الكريم
صدر آخر ومتعه بجوار بيته الكريم وزاد بجميل مساعيه شرف نسبه الصميم وآنسه بقرب الحجر الأسود والركن والحطيم
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي تهدي إليه سلاما وثناء تطيب به الصبا قبل أن تحمل شيحا أو خزامى وتوضح لعلمه الكريم
صدر آخر وأراه مناسكه وآنس بالتقوى مسالكه وأشهد على عمله الصالح بطحاءه وما ينزله من الملائكة
صدرت هذه المكاتبة بتحياتها المباركة وأثنيتها التي لا تزال إليه بها أفئدة من الناس سالكة وتوضح لعلمه الكريم (7/211)
الثاني أمير المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
وقد تقدم في الكلام على أمرائها في المسالك والممالك من المقالة الثالثة أن إمارتها مستقرة في بني الحسين وأنها الآن في بني جماز بن شيحة وأن جدهم كان فقيها بالعراق فقدم على السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله فولاه المدينة فاستقرت فيها قدمه ثم قدم بنيه وأن القائم بها الآن ثابت بن جماز بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة بن نعير
ورسم المكاتبة إليه كرسم المكاتبة إلى أمير مكة على الاختلاف السابق في النقل عن التعريف والتثقيف
فقد ذكر كل منهما رسم المكاتبة إلى أمير مكة
ثم قال ورسم المكاتبة إلى أمير المدينة كذلك
وهذا صدر مكاتبة يليق به وهو ولا زال في جوار الله ورسوله ومهبط الوحي ونزوله ومكان يردد فيه من أبويه الطاهرين بين حيدره وبتوله
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي بسلام يحدو ركابها وثناء يزين في قبا قبابها وشوق إلى رؤيته في الروضة التي طالما استسقى فيها برسول الله توضح لعلمه الكريم كذا وكذا
صدر آخر وزاده من الله ورسوله قربا وأكد له بحماية حرمه حبا وأبهجه كلما رأى جده رسول الله جاور آلا وجالس صحبا
صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي مطربة بالسلام مطنبة في ثنائه المفصل النظام وتوضح لعلمه الكريم
الثالث النائب بالينبع (7/212)
وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أنها في بني حسن أيضا
قال في التثقيف ورسم المكاتبة إليه هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأمير
والعلامة الاسم وتعريفه النائب بالينبع
أما سائر العربان بالحجاز فقد ذكر في التثقيف أن لبني حسن القوام بمكة مجالس الأمراء
والعلامة الاسم
ومن عدا بني حسن فقد ذكر في التعريف أنهم على ضربين
الضرب الأول أهل الدربين المصري والشامي
قال وليس فيهم من هو في عير ولا نفير ولا يحل في ذروة ولا غارب وأجل من فيهم إذا كتب له مجلس الأمير كان كمن سور وطوق لا بل طيلس وتوج
الضرب الثاني شيوخ لام وخالد والمنيفق وعائذ الحجاز
قال (7/213)
وهؤلاء من كان منهم المشار إليه كتب إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري والعلامة أخوه
ثم من يليهم بالسامي بغير ياء
ثم الأعيان من بقيتهم مجلس الأمير
المسلك الثاني
في معرفة ترتيب المكاتبات المقدمة الذكر وكيفية أوضاعها وفيه مأخذان
المأخذ الأول في ترتيب متون المكاتبات ولا يكون إلا ابتداء
أما الجواب فإنه لا يتأتى فيها
ثم هي على ضربين
الضرب الأول ما يكتب في خلاص الحقوق
وهو ما يكتب فيه لنواب الإسكندرية ونائبي الوجهين القبلي والبحري من الديار المصرية وولايتهما ونواب الشام وحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك ومقدم العسكر بغزة من الممالك الشامية على ما تقدم ذكره في الكلام على مكاتبة أهل المملكة
والرسم في ذلك إذا كانت المكاتبة إلى نائب الشام مثلا بسبب قضية تتعلق بالأمير الدوادار أن يكتب أعز الله تعالى المقر الكريم إلى آخر الألقاب والصدر ثم يكتب وتبدي لعلمه الكريم أن الجناب العالي ويذكر ألقابه إلى آخرها ضاعف الله تعالى نعمته عرفنا كذا وكذا
ويذكر ما في قصته برمته
ثم يكتب ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بكذا وكذا ويأتي بما رسم له به إلى آخره ثم يقول فيحيط علمه بذلك ويكمل على ما تقدم
وإن كان المكتوب بسببه أمير عشرة مثلا كتب بدل عرفنا ذكر
وإن كان من آحاد الناس كتب بدل ذلك إن فلانا أنهى ويكمل على ما تقدم
وهذه نسخة مكاتبة إلى نائب الشام بسبب خلاص حق أعز الله تعالى أنصار المقر الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي (7/214)
العادلي المؤيدي العوني المثاغري المرابطي الممهدي المشيدي الزعيمي الظهيري العابدي الناسكي الأتابكي الكفيلي الفلاني معز الإسلام والمسلمين سيد أمراء العالمين ناصر الغزاة والمجاهدين ملجإ الفقراء والمساكين أتابك العساكر زعيم الموحدين ممهد الدول مشيد الممالك عون الأمة كهف الملة عماد الدولة ظهير الملوك والسلاطين عضد أمير المؤمنين ولا زال عاليا قدره نافذا أمره جاريا على الألسنة حمده وشكره
أصدرناها إلى المقر العالي تهدي إليه من السلام أتمه ومن الثناء أعمه وتبدي لعلمه الكريم أن الجناب العالي الأمير الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الغوثي الغياثي المرابطي الممهدي المشيدي الظهيري الزعيمي المقدمي الفلاني ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين فلان رأس نوبة الظاهري ضاعف الله تعالى نعمته عرفنا أن له دعوى شرعية على أقوام بدمشق المحروسة وهم فلان وفلان
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بحملهم صحبة فلان قاصد المشار إليه إلى الأبواب الشريفة محتفظا بهم قولا واحدا وأمرا جازما ليصل كل ذي حق إلى حقه فيحيط علمه بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
آخر وتبدي لعلمه الكريم أن المجلس السامي الأميري الكبيري العضدي الذخري الأوحدي الفلاني عمدة الملوك والسلاطين فلان أدام الله سعادته ذكر لنا أن الصدقات الشريفة شملته بخلاص حقه من فلان
وقد وكل (7/215)
في ذلك المجلس السامي القضائي الأجلي فلان الدين
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بطلب الغريم المذكور وخلاص الحق منه بتمامه وكماله
وإن امتنع عن ذلك يحمل للأبواب الشريفة مع الوصية بوكيله في ذلك فيحيط علمه بذلك
آخر وتبدي لعلمه الكريم أن الأمير الأجل الكبير فلان الدين فلان الفلاني أنهى أن بيده إقطاعا بالحلقة الشامية وأن الوزير بالشام المحروس في كل وقت يتعرض إلى إقطاعه ويأخذ الموجب المقرر له بغير طريق
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بطلب المباشرين والارتجاع عليهم بما التمسوه من إقطاعه على ما يشهد به الديوان المعمور بتمامه وكماله ويستقر هذا المثال الشريف بيده بعد العمل به فيحيط علمه الكريم بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
آخر وتبدي لعلمه الكريم أن فلانا الفلاني أنهى أن شخصا يسمى فلانا تزوج بأخته وهو مقيم بالشام المحروس وتوفيت أخته إلى رحمة الله تعالى ووضع الزوج المذكور يده على جميع مالها
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بخلاص ا لحق على حكم الشرع الشريف مع الوصية به فيحيط علمه بذلك
آخر وتبدي لعلمه الكريم أن قصة رفعت إلى أبوابنا الشريفة باسم (7/216)
تجار الفرنج أنهوا فيها أنهم يبيعون ويبتاعون البضائع ويقومون بما عليهم من الموجب السلطاني
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره بخلاص حقوقهم ممن تتعين في جهته على حكم الحق وكف أسباب الضرر عنهم ومنع من يتعرض إليهم بغير حق ولا مستند شرعي والوصية بهم ورعايتهم وملاحظتهم فيحيط علمه بذلك
الضرب الثاني ما يكتب من متعلقات البريد في الأمور السلطانية وهي صنفان
الصنف الأول ما يكتب به ابتداء
ويختلف الحال فيه باختلاف مقتضيه فإن كان مقتضيه بروز أمر السلطان بفعل شيء أو تركه أو الحركة في شيء كتب إن المراسيم الشريفة اقتضت كذا وكذا
أو إن مراسيمنا الشريفة اقتضت كذا
أو إن المرسوم الشريف اقتضى كذا
أو إن مرسومنا الشريف اقتضى كذا فإن كان ذلك الأمر مما يحتاج إلى إدارة الرأي فيه كتب إن الرأي الشريف اقتضى كذا
أو إن آراءنا الشريفة اقتضت كذا وما يجري هذا المجرى
وإن كان مقتضيه بلوغ خبر من حركة عدو أو اطلاع على أمر خفي كتب إنه اتصل بالمسامع الشريفة كذا وكذا
أو إنه اتصل بمسامعنا الشريفة كذا وكذا
وإن كان بسبب طلب مال أو جباية خراج ونحو ذلك كتب إن لديوان خاصنا الشريف في الجهة الفلانية كذا
أو إن لنا في الجهة الفلانية كذا ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السلك ثم يكتب ومرسومنا للمقر الكريم أو للجناب الكريم أو الجناب (7/217)
العالي على حسب المكاتبة أن يتقدم أمره بكذا وكذا على ما تبرز به المراسيم السلطانية
وهذه مكاتبات من ذلك إلى نائب الشام ينسج على منوالها
مكاتبة باستقرار نائب في نيابة بعض القلاع وتبدي لعلمه الكريم أن المراسيم الشريفة اقتضت استقرار الأمير فلان الدين في النيابة الشريفة وجهزنا مرسومه الشريفين على يد المتوجة بهذا المثال الشريف الأمير الأجل فلان الدين فلان أعزه الله تعالى
فيتقدم المقر الكريم بتجهيزه إلى جهة قصده بما على يده من ذلك وإذا عاد يعيده إلى الأبواب الشريفة مكرما مرعيا على عوائد همته العلية فيحيط علمه بذلك
مكاتبة بنقل نائب سلطنة من نيابة إلى نيابة وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى نقل الجناب الكريم العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي المؤيدي الغوثي الغياثي المقدمي الكافلي الفلاني ظهير الملوك والسلاطين سيف أمير المؤمنين فلان الظاهري أعز الله نصرته من نيابة السلطنة الشريفة بطرابلس إلى نيابة السلطنة الشريفة بحلب المحروسة
والجناب العالي الأميري الكبيري الفلاني ظهير الملوك والسلاطين فلان الظاهري من نيابة السلطنة بصفد المحروسة إلى نيابة السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة
والجناب العالي الفلاني الظاهري من تقدمة العسكر المنصور بغزة المحروسة إلى نيابة السلطنة الشريفة بصفد المحروسة
وكتبنا لهم تقاليد شريفة بذلك وجهزنا إليهم تشاريفهم وهي واصلة عقيبها على يد متسفريهم وجهزنا الأمير الأجل الأعز فلان الدين مؤتمن الملوك (7/218)
والسلاطين فلان الخاصكي الظاهري أعزه الله تعالى للبشارة للمشار إليهم بذلك ليأخذوا حظهم من هذه البشرى وتضاعف أدعيتهم بدوام أيامنا الشريفة وآثرنا إعلام المقر الكريم بذلك ليكون على خاطره والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
مكاتبة بحمل شخص للأبواب السلطانية وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى تقدم المقر الكريم حال وقوفه عليها وقبل وضعها من يده بطلب فلان الفلاني وفلان الفلاني وتجهيزهما إلى الأبواب الشريفة في أسرع وقت وأقربه من غير فترة ولا توان
ونحن نؤكد عليه غاية التأكيد في سرعة تجهيزهما إلى الأبواب الشريفة صحبة الأمير الأجل فلان الدين فلان إلى الأبواب الشريفة محتفظا بهما محترزا عليهما ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي باعتماد ما اقتضاه مرسومنا الشريف والاهتمام بذلك والاحتفال به فيحيط علمه بذلك والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه
مكاتبة باستقرار بعض الأمراء بالقدس الشريف بطالا وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى استقرار الأمير فلان أحسن الله تعالى عاقبته بالقدس الشريف مقيما بها وشملته الصدقات الشريفة أن فلانة وفلانة باسمه بمقتضى مرسوم شريف مجهز صحبة متسفره الأمير الأجل الكبير الأوحد فلان الدين فلان البريدي بالأبواب الشريفة أعزه الله تعالى المتوجه بهذا (7/219)
المثال الشريف
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بإثبات المرسوم الشريف المذكور بديوان الجيوش المنصورة بالشام المحروس على العادة وتجهيز البريدي المذكور إلى حدود الديار المصرية مكرما مرعيا على العادة فيحيط علمه الكريم بذلك
مكاتبة ببيع غلة للديوان السلطاني وتبدي لعلمه الكريم أن آراءنا الشريفة اقتضت تجهيز كذا وكذا إردبا من القمح من ديواننا المفرد صحبة فلان
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بطلب فلان الحاجب بالشام المحروس ليتولى بيع ذلك بسعر الله تعالى بما فيه الغبطة والمصلحة وتجهيز الثمن إلى الأبواب الشريفة برسالة دالة على ذلك في أسرع وقت وأقربه مع مضاعفة الوصية بذلك والاحتفال به فيحيط علمه بذلك
مكاتبة وتبدي لعلمه الكريم أن آراءنا الشريفة اقتضت توجه الأمير الأجل الكبير الأوحد فلان الدين فلان إستادار الأمير المرحوم فلان كان بسبب استخراج الأموال وبيع الغلال والأصناف الديوانية المتحصلة من القرى المستأجرة المرتجعة للورثة عن المشار إليه بمقتضى التذكرة المسطرة على يده
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره بمساعدة المذكور وتقوية يده على ما تضمنته فصول التذكرة ومراعاة أحواله وإزالة ضروراته وخلاص الحق منه ممن يتعين في جهته ويشمله بنظره الكريم فيما تعلق بفصول التذكرة
فإن تعلقات الورثة المذكورين تحت نظرنا الشريف
فيبادر المقر الشريف إلى ذلك وسرعة عوده بعد قضاء شغله وتجهيز المتحدث والمباشرين للأبواب الشريفة وصحبتهم حسابهم عند نهاية فصول التذكرة المذكورة
ويقيم عنهم من يعوضهم (7/220)
إلى حين عودهم من الأبواب الشريفة على ما هو المعهود من همته الكريمة واحتفاله فيحيط علمه الكريم بذلك
مكاتبة بسبب طلب عصي الجواكين والكرابيج والأكر وتبدي لعلمه الكريم أن المرسوم الشريف اقتضى تجهيز عصي الجواكين والكرابيج والأكر إلى السلاح خاناه من الشام المحروس على العادة في كل سنة سريعا وآثرنا علمه الكريم بذلك
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي باعتماد ما اقتضاه مرسومنا الشريف من ذلك كله على جاري العادة في كل سنة والاهتمام بذلك والاحتفال به بحث لا يتأخر ذلك غير مسافة الطريق فإن الانتظار واقع لذلك وفي همته الكريمة ما يغني عن بسط القول في ذلك فيحيط علمه الكريم بذلك
مكاتبة بسبب استقرار قاض بدمشق عوض من كان بها وتبدي لعلمه الكريم أن الصدقات الشريفة شملت المجلس العالي القضائي الكبيري العالمي العلامي الإمامي الفلاني الفريدي المفيدي المجيدي الأصيلي العريقي الأثيلي الأثيري الأوحدي الخطيبي الشيخي الحاكمي الفلاني جلال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين إمام البلغاء خطيب الخطباء شيخ مشايخ العارفين ملاذ المريدين مفتي الفرق موضح الطرق لسان المتكلمين مفيد الطالبين حكم الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين فلان الفلاني الشافعي
أعز الله تعالى أحكامه بتفويض قضاء قضاة الشافعية بالشام المحروس إليه عوضا عمن به بحكم عزله مضافا إلى خطابة الجامع الأموي ومشيخة الشيوخ بالشام المحروس
وكتبا توقيعا شريفا له بذلك وجهزناه إليه قرين تشريف شريف على يد فلان المتوجه بهذا المثال الشريف
وآثرنا علمه الكريم بذلك ليكون ذلك على خاطره الكريم
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره الكريم بتقرير القاضي فلان الدين فلان الفلاني فيما (7/221)
شملته به الصدقات الشريفة من ذلك كله وتقوية يده في مباشرة ذلك والشد منه وتأييد أحكامه الشرعية وتنفيذ كلمته ورعاية جانبه وإكرامه واحترامه على عادة هممه الكريمة وتقدماته السعيدة فيحيط علمه بذلك
مكاتبة بسبب حمل الثلج إلى الأبواب السلطانية وتبدي لعلمه الكريم أن المرسوم الشريف اقتضى تجهيز نقلات الثلج إلى الشراب خاناه الشريفة على العادة
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بسرعة تجهيز النقلة الأولى بحيث لا تتأخر أكثر من مسافة الطريق على ما هو المعهود من همته العالية وتقدماته السعيدة
وقد جهزنا هذا المثال الشريف على يد الأمير الأجل فلان الدين فلان الفلاني أعزه الله تعالى فيحيط علمه الكريم بذلك
مكاتبة بتمكين شخص من الحضور للأبواب السلطانية
وتبدي لعلمه الكريم أن فلانا كان قصد الاجتماع بأهله وأقاربه بالقاهرة المحروسة
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بتمكينه من الحضور إلى القاهرة المحروسة على خيله ليجتمع بأهله وأقاربه
وقد جهزنا بهذا المثال الشريف فلانا البريدي بالأبواب الشريفة فيحيط علمه الكريم بذلك (7/222)
مكاتبة بمنع العربان من الدخول إلى البلاد قبل فراغ الزرع
وتبدي لعلمه الكريم أن المراسيم الشريفة اقتضت أنه لا يدخل أحد من العربان إلى البلاد الشامية المحروسة كبيرهم وصغيرهم جليلهم وحقيرهم إلى أن يشال الزرع على العادة
ومتى والعياذ بالله حصل منهم مخالفة لذلك حل بهم من الانتقام الشريف ما لا مزيد عليه
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي باعتماد ما اقتضته المراسيم الشريفة من ذلك مع الاهتمام به والاحتفال والاجتهاد فيه قولا واحدا وأمرا جازما على عادة همته العالية وتقدماته المرضية فيحيط علمه بذلك
مكاتبة بحفظ السواحل وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى الاجتهاد في حفظ السواحل والمواني والاهتمام بأمرها وإقامة الأيزاك والأبدال في أوقاتها على العادة وإلزام أربابها بمواظبتها وكذلك المنورون (7/223)
بالديدبانات والمناظر والمناور في الأماكن المعروفة وتعهد أحوالها بحيث تقوم أحوالها على أحسن العوائد وأكملها ولا يقع على أحد درك بسببها
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي باعتماد ما اقتضاه مرسومنا الشريف من ذلك مع مضاعفة الاحتفال بذلك والمبادرة إليه حسب ما اقتضته المراسيم الشريفة
وقد جهزنا بهذا المثال الشريف مجلس الأمير الأجل فلان الدين فلان البريدي المقدم بالأبواب الشريفة فيتقدم أمر المقر العالي بتجهيزه إلى جهة قصده بما على يده وإعادته عند عوده إلى الأبواب الشريفة على ما هو المعهود من همته فيحيط علمه الكريم بذلك
مكاتبة باستعمال قماش
وتبدي لعلمه الكريم أن آراءنا الشريفة اقتضت استعمال القماش الجاري به العادة برسم الركابخاناه والإصطبلات الشريفة على ما استقر عليه الحال إلى آخر السنة الخالية والتي قبلها
وقد كتبت تذكرة شريفة من ديوان استيفاء الصحبة الشريفة مفصلة بذلك وجهزناها قرين هذه المفاوضة لتقرأ على مسامعه الكريمة
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بتأملها وبروز أمره بطلب وزير المملكة الشريفة وناظر المهمات الشريفة واستعمال القماش الذي تضمنته التذكرة الشريفة والاهتمام بذلك والاحتفال بسرعته
وقد اكتفينا بهمة المقر الكريم عن تجهيز أميراخورية وأوجاقية من (7/224)
إصطبلاتنا الشريفة لاستعمال ذلك لأن المهمات الشريفة تحت نظره الكريم فيصرف همته العالية إلى الإسراع في ذلك والاحتفال به والاهتمام
وفي اهتمامه وتنفيذه لمراسمنا الشريفة ما يغني عن التأكيد في ذلك فيحيط علمه بذلك
مكاتبة بجواز
وتبدي لعلمه الكريم أن مرسومنا الشريف اقتضى تجهيز فلان البريدي بالأبواب الشريفة أعزه الله تعالى إلى جهة فلان بما على يده وما صحبته
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بإزاحة أعذاره وتجهيزه إلى المشار إليه في أسرع وقت وأقربه
وإذا عاد يتقدم بتجهيزه إلى خدمة الأبواب الشريفة على العادة في ذلك على عادة همته العلية وشيمته المرضية فيحيط علمه بذلك
مكاتبة وتبدي لعلمه الشريف أن مرسومنا الشريف اقتضى أن لا يمكن أحد من نقل سلاح ولا عدة حرب إلى جهة البلاد الرومية
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بأن لا يمكن أحد من نقل سلاح ولا عدة إلى جهة البلاد المذكورة والاحتراز على ذلك كل الاحتراز فيحيط علمه بذلك
مكاتبة وتبدي لعلمه الكريم أنه اتصل بالمسامع الشريفة أن غالب البلاد بالصفقة الفلانية محمية متجاهية على الكشاف والرعايا ويؤوون المفسدين
وأن يد الكشاف لا تصل إلى هذه البلاد ولا إلى النصفة ممن بها من المفسدين (7/225)
وحصل بذلك الضرر للبلاد والعباد
واقتضى الرأي الشريف الكشف عن هذه البلاد وسائر الأعمال والمناداة في البلاد بإبطال الحماية والرعاية والمساواة بين العباد في سائر البلاد بالعدل والإنصاف وكف أكف الظلم والعدوان
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره الكريم بالمناداة في سائر البلاد بإبطال الحماية والرعاءة والمساواة بين الخاص والعام وتطهير الأرض من المفسدين وأن لا يحمى أحد ببلد من البلاد
ومن تظاهر بحماية أو إيواء مفسد ببلد من البلاد حل ماله وروحه
والتأكيد على أهل البلاد في ذلك والتشديد والفحص عمن يتجاهر بذلك وردعه ونشر العدل والإنصاف بتلك الأقطار والاهتمام في ذلك كله على عادة هممه الكريمة وتقدماته السعيدة فيحيط علمه الكريم بذلك والله تعالى يؤيده بالملائك
مكاتبة وتبدي لعلمه الكريم أنه اتصل بمسامعنا الشريفة أن فلانا تعرض للجهة الفلانية الجارية في ديوان خاصنا الشريف وأخذ منها مبلغ كذا وكذا
ومرسومنا للمقر الكريم أن يتقدم أمره العالي بطلب الغريم المذكور وتجهيزه إلى الأبواب الشريفة وإلزامه بما استأداه من ذلك محترزا عليه مع مضاعفة الوصية بمباشري الجهة المذكورة والإحسان إليهم فيحيط علمه بذلك
الصنف الثاني ما يكتب في الجواب عما يرد من النواب وغيرهم
والرسم فيه أن يكتب بعد التصدير إن مكاتبته الكريمة أو مكاتبته على قدر رتبته من ذلك وردت على يد فلان فوقفنا عليها وعلمنا ما تضمنته على الصورة التي شرحها ثم يذكر ما يناسب الجواب في ذلك من شكر الاهتمام أو غيره
ثم إن اشتملت على مقصد واحد أجاب عنه
وهذه مكاتبة ينسج على منوالها وهي وتبدي لعلمه الكريم أن مكاتبته (7/226)
الكريمة وردت على يد فلان فوقفنا عليها وعلمنا ما أصدرته من تجهيزه إلى خدمة أبوابنا الشريفة بما على يده من كتاب مخدومه
وقد وصل وأحاطت علومنا الشريفة بما تضمنه وأعدناه الآن بجوابه وبهذا الجواب الشريف
فحيط علمه الكريم بذلك
وإن اشتملت المكاتبة المجاب عنها على عدة فصول أتى على فصولها فصلا فصلا
وربما قال فأما ما أشار إليه من كذا إذا كان علي الرتبة كنائب الشام ونحوه فقد علمناه وصار على خاطرنا الشريف أو فقد رسمنا به أو فلم نرسم به
ونحو ذلك على ما يقع به الجواب السلطاني في الملخص المكتوب عن مكاتبة المكتوب إليه بالجواب
وهذه مكاتبة من هذا النمط ينسج على منوالها وهي وتبدي لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمة وردت على يد مملوكه الأمير الأجل فلان الدين فلان أعزه الله تعالى فوقفنا عليها وعلمنا ما تضمنته على الصورة التي شرحها وشكرنا همته العالية وتقدماته السعيدة ورأيه السعيد واعتماده الحميد
فأما ما أشار إليه من وصوله ومن صحبته ونائبي السلطنة الشريفة بطرابلس وصفد المحروستين إلى ملطية المحروسة في التاريخ الفلاني وتلقي نائبي السلطنة الشريفة بحلب وحماة المحروستين المقر الكريم ومن معه على ظاهر المدينة المذكورة واستمرار إقامتهم جميعا بالمنزلة المذكورة إلى تسطير مكاتبته المشار إليها في انتظار من رسم له بالحضور إليهم من عساكر القلاع المنصورة وغيرهم من أمراء التركمان والأكراد ومن معهم من أتباعهم وألزامهم حسب ما اقتضته المراسيم الشريفة في المهم الشريف وما كتب به إلى نائب طرابلس وإلى قرا يوسف النائب بالرها المحروسة من الحضور إلى المهم الشريف وإجابتهما إلى ذلك وكذلك ما كتب به إلى الحاكم بسيواس وإلى أحمد بن طرغلي وما أجابا به من الحضور إلى المهم الشريف والملتقى في المكان الذي عينه حاكم (7/227)
سيواس إلى غير ذلك مما بسط القول فيه فقد علمناه على الصورة التي شرحها وتضاعف شكرنا لهمته العلية وتقدماته السعيدة
وأما ما أشار إليه من اعتماده ما برزت به المراسيم الشريفة في الجواز الشريف الوارد إليه على يد مجلس الأمير الأجل فلان الدين فلان والمطلق الشريف المجهز على يده وامتثال ما تحمله من المشافهة الشريفة وتقدمه بجميع نواب السلطنة الشريفة المكتوب إليهم وعقد المشورة معهم على اعتماد ما اقتضته المراسيم الشريفة وتعيين جاليش العساكر المنصورة ونائب السلطنة الشريفة بطرابلس المحروسة ومن معه من الأمراء المقدمين وأتباعهم من دمشق وحلب المحروستين ونائب السلطنة الشريفة بحماة المحروسة ومن معه من العساكر المنصورة وسيرهم في التاريخ الفلاني وسيره في أثرهم بمن بقي معه من العساكر المنصورة الشامية الحلبية وأن سيرهم على جهة بلد كذا على الصورة التي شرحها لما قصده من ذلك من المصلحة فقد علمنا ذلك على الصورة التي شرحها وشكرنا همته العالية وحسن فكرته الصحيحة
وأما ما أشار إليه من أن نائب ملطية جهز الكتاب الوارد عليه من ابن تمرلنك على يد قاصد من جهة تلمان باللسان الأعجمي وأنه عربه وفهم مضمونه وجهزه ليحيط العلوم الشريفة بمضمونه وهي على الخواطر الشريفة فيكون ذلك على الخاطر الكريم وشكرنا همته العلية
وأما ما أشار إليه من ورود كتاب تلمان عليه وهديته على يد قاصده وأنه لم يقبل هديته وأعاد جوابه فإنه إن كان مناصحا في الخدمة الشريفة وهو صادق (7/228)
في كلامه فيحضر إلى المهم الشريف وما شرح في هذا المعنى فقد علمناه على الصورة التي شرحها وشكرنا جميل اعتماده وسعيد رأيه
وكذلك أحاطت العلوم الشريفة بما ذكره في أمر حاكم عرمركبر وما شرحه في ذلك فقد علمناه على الصورة التي شرحها
وأما ما أشار إليه من أمر ملطية المحروسة وأنها تحتاج إلى الفكر الشريف والنظر في أحوالها وترتيب مصالحها وإقامة عسكر لرجال يحمونها من طوارق الأعداء المخذولين إلى غير ذلك مما شرحه في هذا المعنى فقد علمناه على الصورة التي شرحها وبقي ذلك على خواطرنا الشريفة
وعقيبها إن شاء الله تعالى تبرز المراسيم الشريفة بما فيه المصلحة للبلد المذكور على أكمل ما يكون
وقد استصوبوا رأي المقر الكريم في هذا الفكر الحسن فإنه أمر ضروري
وقد شكرنا للمقر الكريم جميل اعتماده وحسن رأيه وبذل همته واجتهاده في هذا المهم الشريف
والقصد منه الاستمرار على ما هو فيه من بذل الاجتهاد في المهمات الشريفة بقلبه وقالبه والعمل على بياض وجهه عند الله تعالى من الذب عن عباده وبلاده وبذل المال والروح في رضا الله تعالى ورسوله ذلك واستقرار خواطرنا الشريفة بذلك
فإن المقر الكريم يعلم ما نحن مثابرون عليه ومنقادون إليه من محبة رضا الله تعالى في النصيحة بصلاح العباد وعمارة البلاد وتسطير ذلك في صحائف حسنات الدهر بين يدي الله تعالى
والمقر الكريم يعلم أن جل اعتمادنا عليه في أكابر دولتنا الشريفة
ونحن واثقون برأيه السديد في حركاته وسكناته في المهمات الشريفة والأشغال السلطانية
ولأجل ذلك قربناه ورضينا به لنا وعلينا وكلما بلغنا عنه اعتماد حسن تتضاعف منزلته عندنا
والآن فإن نواب السلطنة الشريفة وأمراء دولتنا كبيرهم وصغيرهم تحت أمره (7/229)