الجنوب عن أنطاكية وبينهما الجبال
الحادي عشر عمل شيزر بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الزاي المعجمة وفي آخرها راء مهملة وهي مدينة من جند حمص غربي حلب على نحو ثلاث مراحل منها واقعة في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان القياس أن طولها إحدى وستون درجة وعشر دقائق وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي مدينة ذات أشجار وبساتين وفواكه كثيرة وأكثرها الرمان ولها ذكر في شعر امرئ القيس مع حماة قال في العزيزي وبينها وبين حماة تسعة أميال وبينها وبين حمص ثلاثة وثلاثون ميلا وبينها وبين أنطاكية ستة وثلاثون ميلا
الثاني عشر عمل حجر شغلان بلفظ حجر واحد الحجارة وإضافته إلى شغلان بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم لام ألف ونون وهي قلعة شمالي حلب على نحو ثلاث مراحل منها قال في مسالك الأبصار وهي بالقرب من بغراس في جهة الشمال على مسافة قريبة جدا ولم يتحرر لي طولها وعرضها ولكنها تعتبر ببغراس المتقدمة الذكر لقربها منها وهي الآن خراب
الثالث عشر عمل قلعة أبي قبيس بهمزة مفتوحة وباء موحدة مكسورة بعدهما ياء ساكنة ثم قاف مضمومة وباء موحدة مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ثم سين مهملة في الآخر وهي قلعة حصينة غربي حلب مما يلي الساحل على نحو ثلاث مراحل قصيرة من حلب كذا أخبرني به بعض أهل البلاد ولم يتحرر لي طولها وعرضها وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة أنها استقرت ولاية وربما أضيفت إلى غيرها
الرابع عشر عمل قلعة حارم بحاء مهملة مفتوحة وألف ثم راء مهملة (4/128)
مكسورة وميم في الآخر قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي قلعة حصينة في جهة الغرب من حلب على نحو مرحلتين منها ذات بساتين وأشجار وبها نهر صغير وبينها وبين أنطاكية مرحلة وربضها بلد صغير قال ابن سعيد وقد خصت بالرمان الذي يرى باطنة من ظاهره مع عدم العجم وكثرة الماء
الخامس عشر عمل كفرطاب بفتح الكاف وسكون الفاء وراء مهملة ثم طاء مهملة بعدها ألف وباء موحدة على إضافة كفر إلى طاب هذا هو الجاري على الألسنة وهو الصواب وأصله من الكفر بمعنى التغطية والمراد مكان الزرع والحرث لتغطية الحب بالزراعة كما في قوله تعالى ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ) يريد الزراع ووقع في كلام صاحب حماة بفتح الفاء وهو وهم
وظاهر كلام صاحب الروض المعطار أن طاب في معنى الصفة لكفر فإنه قال وسمي بذلك لأن حوله أرض كريمة قال وأرضه صحيحة الهواء ومن سكنها لا يكاد يمرض وقيل إنه منسوب إلى رجل اسمه طاب وهي بلدة صغيرة من جند حمص غربي حلب على نحو ثلاث مراحل منها واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس عشرة دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وهي على الطريق بين المعرة وشيزر قال في العزيزي وبينها وبين المعرة وشيرز اثنا عشر ميلا
السادس عشر عمل فامية بفتح الفاء وألف بعدها ثم ميم مكسورة (4/129)
وياء مثناة تحت وهاء في الآخر قال في المشترك ويقال لها أفامية بهمزة في أولها يعني مفتوحة وهي مدينة من أعمال شيزر غربي حلب على نحو أربع مراحل منها واقعة في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وثلاث دقائق وعرضها خمس وثلاثون درجة قال في العزيزي وكورة فامية لها مدينة كانت عظيمة قديمة على نشز من الأرض ولها بحيرة حلوة يشقها النهر المقلوب
السابع عشر عمل سرمين بفتح السين وسكون الراء المهملتين وكسر الميم ثم ياء مثناة تحت ساكنة ونون بعدها وهي مدينة في الغرب من حلب على نحو مرحلتين صغيرتين منها واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها إحدى وستون درجة وخمسون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة وهي مدينة غير مسورة وبها أسواق ومسجد جامع وشرب أهلها من الماء المجتمع في الصهاريج من الأمطار وهي كثيرة الخصب وبها الكثير من شجر التين والزيتون وهي في جهة الجنوب عن حلب على مسيرة يوم منها وعملها متسع
ومن مضافاتها مدينة الفوعة بضم الفاء وفتح العين المهملة وهي مدينة على القرب من سرمين في الغرب منها وتسمى هذه الولاية الغربيات بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المثناة تحت المشددة وألف ثم تاء مثناة فوق في الآخر قال في التعريف وهي أجل ولايات حلب
الثامن عشر عمل الجبول بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة ثم واو ساكنة ولام في الآخر وهي بلدة شرقي حلب على نحو مرحلة كبيرة منها (4/130)
وهي بالقرب من الفرات ولم يتحرر لي طولها وعرضها قال في تقويم البلدان ومنها ينقل الملح إلى سائر أعمال حلب وقد أخبرني بعض أهلها أن أصل هذا الملح نهر يصل إليها يعرف بنهر الذهب فيبقى ماء فيما يمر عليه من البلدان حتى ينتهي إليها فينعقد ملحا لوقته
التاسع عشر عمل جبل سمعان وضبطه معروف وهي في جهة الشمال من حلب على يوم منها ولم يتحرر لي طولها وعرضها
العشرون عمل عزاز بفتح العين المهملة والزاي المعجمة وألف ثم زاي ثانية مكسورة كذا ضبطه في اللباب والجاري على الألسنة أعزاز بهمزة مفتوحة في أولها وسكون العين والزاي الأخيرة في الوقف وهي بلدة شمالي حلب بشرق على نحو مرحلة منها قال في كتاب الأطوال وطولها إحدى وستون درجة وخمس وخمسون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وهي في شمالي حلب بميلة إلى الغرب قال ابن سعيد ولأعزاز جهات في نهاية الحسن والطيبة والخصب وهي من أنزه الأماكن
الحادي والعشرون عمل تل باشر بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام ثم فتح الباء الموحدة وألف بعدها شين معجمة مكسورة وراء مهملة في الآخر وهي حصن شمالي حلب على مرحلتين منها بالقرب من عينتاب المتقدم ذكرها قال ابن سعيد وهي ذات مياه وبساتين
الثاني والعشرون عمل منبج بفتح الميم وسكون النون وفتح الباء الموحدة وفي آخرها جيم كذا ضبطه ابن الأثير في اللباب وهي بلدة من جند قنسرين شرقي حلب على نحو مرحلتين منها واقعة في الإقليم الرابع قال (4/131)
في تقويم البلدان والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال ابن سعيد بناها بعض الأكاسرة الذين غلبوا على الشأم وسماها منبه فعربت منبج وكان بها بيت نار للفرس وهي كثيرة القني السارحة والبساتين وغالب شجرها التوت وأكثرها خراب
الثالث والعشرون عمل تيزين بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وكسر الزاي المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر وهي بليدة صغيرة من أعمال حلب في جهة الغرب على نحو مرحلة منها
الرابع والعشرون عمل الباب وبزاعا وضبط الباب معروف وبزاعا بضم الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة وألف بعدها عين مهملة وألف مقصورة في الآخر كذا ضبطه في تقويم البلدان والجاري على الألسنة إبدال الألف في آخره بهاء وهما بلدتان متقاربتان من جند قنسرين على مرحلة من حلب في الجهة الشمالية الشرقية في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
أما الباب فبليدة صغيرة قال في تقويم البلدان بها مشهد به قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه وبها أسواق وحمام ومسجد جامع وبها البساتين الكثيرة والنزه
وأما بزاعا فضيعة من أعمال الباب
الخامس والعشرون عمل دركوش بفتح الدال وسكون الراء (4/132)
المهملتين وضم الكاف وسكون الواو وشين معجمة في الآخر وهي بلدة على النهر العاصي غربي حلب على نحو ثلاث مراحل منها وأكثر زرع أرضها العنب أخبرني بعض أهل تلك البلاد أن حبة العنب بها ربما بلغت في الوزن عشرة دراهم وبها قلعة عاصية استولى هولاكو على قلاع الشام ما عداها فإنه لم يصل إليها
السادس والعشرون عمل أنطاكية قال في اللباب بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة قال في تقويم البلدان ثم ألف وكاف مكسورة ثم ياء مثناة تحت وهاء في الآخر قال ابن الجواليقي في المعرب وياؤها مشددة وخالف في الروض المعطار فذكر أنها مخففة الياء وهي مدينة عظيمة غربي حلب بشمال يسير على نحو مرحلتين منها قال في تقويم البلدان وهي قاعدة بلاد العواصم قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها ستون درجة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي مدينة عظيمة قديمة على ساحل بحر الروم بناها بطليموس الثاني من ملوك اليونان وقيل بناها ملك يقال له أنطاكين فعرفت به ولها سور عظيم من صخر ليس له نظير في الدنيا قال في العزيزي مساحة دورة اثنا عشر ميلا قال في الروض المعطار عدد شرفاته أربع وعشرون ألفا وعدد أبراجه مائة وستة وثلاثون (4/133)
برجا قال ابن حوقل وهي أنزه بلاد الشام بعد دمشق ويمر بظاهرها العاصي والنهر الأسود مجموعين وتجري مياههما في دورها ومساكنها ومسجدها الجامع وماؤها يستحجر في مجارية حتى لا يؤثر فيه الحديد وشربه يحدث رياح القولنج والسلاح بها يسرع إليه الصدأ ويذهب ريح الطيب بالمكث فيها وهي أحد كراسي بطاركة النصارى ولها عندهم قدر عظيم وقد قيل في قوله تعالى ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم أتبعوا المرسلين ) إنها أنطاكية وان ذلك الرجل حبيب النجار وقبره بها مشهور يزار قلت وحينئذ فتصير ولايتها المذكورة في التعريف ومسالك الأبصار اثنتي عشرة ولاية
ومينا أنطاكية المذكورة السويدية بضم السين المشددة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وكسر الدال المهملة وفتح الياء المثناة تحت المشددة وهاء في الآخر قال في تقويم البلدان وموضعها حيث الطول ستون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعندها مصب النهر العاصي وهناك ينعطف البحر الرومي ويأخذ غربا بشمال على سواحل بلاد الأرمن
القسم الثاني من الأعمال الحبية البلاد المتصلة بذيل البلاد المتقدم ذكرها في الأعمال الحلبية من الشمال وهي المعروفة ببلاد الأرمن
قال في التعريف في مكاتبة متملك سيس وهذه البلاد منها بلاد تسمى العواصم ومنها بلاد كانت تسمى قديما بالثغور سميت بذلك لمثاغرتها الروم (4/134)
وإلى مثل ذلك أشار في تقويم البلدان أيضا
فالعواصم بفتح العين المهملة والواو وكسر الصاد المهملة وميم في الآخر قال ابن حوقل وهي اسم للناحية وليست موضعا بعينه يسمى العواصم قال وقصبتها أنطاكية قال وعد ابن خرداذبة العواصم فكثرها وجعل منها كورة منبج وكورة تيزين وبالس ورصافة هشام وكورة جومة وكذا شيزر وأفامية وإقليم معرة النعمان وإقليم صوران وإقليم تل باشر وكفر طاب وإقليم سلمية وإقليم جوسية وإقليم لبنان إلى أن بلغ إقليم قسطل بين حمص ودمشق
قلت وأول من سماها بذلك الرشيد هارون حين بنى بها مدينة طرسوس الآتي ذكرها في سنة سبعين ومائة والذي يظهر أنها سميت بذلك لعصمتها ما دونها من بلاد الإسلام من العدو إذ كانت متاخمة لبلاد الكفر واقعة في نحر العدو وعساكر المسلمين حافظة لها
والثغور جمع ثغر بفتح الثاء المثلثة وسكون الغين المعجمة وفي آخره راء مهملة قال في المشترك وهو اسم لكل موضع يكون في وجه العدو قال وثغور الشام كانت أذنة وطرسوس وما معهما فاستولى عليها الأرمن
وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه ان الرشيد في سنة سبعين ومائة عزل الثغور كلها من الجزيرة وقنسرين وجعلها حيزا واحدا وسماها العواصم
قلت ومقتضى ذلك أن تكون الثغور والعواصم اسما على مسمى واحد وعليه ينطبق كلام المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف وقد حدد في التعريف هذه البلاد بجملتها فقال وحدها من القبلة وانحراف للجنوب بلاد (4/135)
بغراس وما يلها وحدها من الشرق جبال الدربندات وحدها من الشمال بلاد ابن قرمان وحدها من الغرب سواحل الروم المفضية إلى العلايا وأنطاليا وسيأتي الكلام على أصل استيلاء الأرمن على هذه البلاد وانتزاعها منهم وعودها إلى الإسلام في الكلام على مكاتبة متملك سيس على ما كان عليه الأمر قبل عودتها إلى الإسلام في مكاتبات ملوك الكفر إن شاء الله تعالى
ويشتمل على عدة نيابات بعضها ذكره في التعريف وبعضها استجد بعد ذلك وهي على ضربين أيضا
الضرب الأول الأعمال الكبار وهي صفقتان ساحلية وجبلية
فأما الجبلية فثلاثة أعمال الأول عمل ملطية بفتح الميم واللام وكسر الطاء المهملة وبعدها ياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في الآخر وهي مدينة شمالي حلب بميلة إلى الشرق على نحو سبع مراحل منها قال ابن سعيد وهي قاعدة بلاد الثغور وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال وطولها إحدى وستون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة ووافقه في القانون على الطول وجعل العرض ثمانيا وثلاثين درجة وقد عدها ابن حوقل من جملة بلاد الشام وقال إنها من قرى بلاد الروم على مرحلة قال صاحب حماة والأليق عدها من بلاد الروم ثم قال وعدها بعضهم من الثغور الجزرية قال في الروض المعطار وكانت قديمة فخربتها الروم فبناها أبو جعفر المنصور يعني ثاني (4/136)
خلفاء بين العباس في سنة تسع وثمانين ومائة وجعل عليها سورا محكما وهي بلدة ذات أشجار وفواكه وأنهار وهي مسورة في بسيط من الأرض والجبال محتفة بها من بعد ولها نهر صغير يمر بسورها ولها قني تدخلها وتجري في دورها إلا أنها شديدة البرد وهي في شمالي الجبل الدائر الذي بسيس في غربيه في الجنوب عن سيواس وبينهما نحو ثلاث مراحل وفي الغرب عن كختا وبينهما نحو مرحلتين وقد ذكر في تقويم البلدان انها فتحت في سنة خمس عشرة وسبعمائة
الثاني عمل درندة بفتح الدال والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال الثانية وهاء في الآخر وهي مدينة في جهة الغرب عن ملطية على نحو مرحلة ذات بساتين وأنهار وعيون ماء تجري وبينها وبين حلب نحو عشرة أيام
الثالث عمل دبركي بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الآخر وقد يقال دوركي بإبدال الباء واوا وهي مدينة في جهة الشمال والغرب من حلب على نحو عشر مراحل منها بها بساتين وأشجار وبينها وبين حلب نحو اثني عشر يوما
وأما الساحلية فإن بها خمسة أعمال الأول آياس بفتح الهمزة الممدودة والياء المثناة تحت ثم ألف وسين مهملة في الآخر وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل البحر وموقعها في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها تسع وخمسون درجة وعرضها ست وثلاثون درجة وهي فرضة تلك البلاد وبينها وبين بغراس المتقدم ذكرها مرحلتان قال في التعريف وقد جعلت نيابة جليلة نحو حمص وجعل أمرها إلى نائب الشام ثم جعلت إلى نائب حلب وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية إضافة إلى نهر جاهان المجاور لها وهو جيحان المتقدم ذكره وكانت (4/137)
استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ولذلك قال في التعريف والعهد بفتحها قريب
الثاني عمل طرسوس بفتح الطاء والراء المهملتين جميعا وضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية هكذا ضبطه في اللباب والجاري على الألسنة سكون رائها وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل بحر الروم شمالا بغرب عن حلب وموقعها في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان القياس أن طولها ثمان وخمسون درجة وأربعون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال في الروض المعطار وهي مدينة مسورة بناها الرشيد في سنة سبعين ومائة وأكملها في سنة اثنتين وسبعين ولها خمسة أبواب باب الجهاد وباب الصفصاف وباب الشام وباب البحر والباب المسدود والنهر يشق في وسطها وعليه قنطرتان داخل البلد قال ابن حوقل وهي في غاية الخصب وبينها وبين حد الروم جبال هي الحاجز بين الروم والمسلمين وبها دفن المأمون بن الرشيد وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون
الثالث عمل أدنة بهمزة ودال مهملة ونون مفتوحات وهاء في الآخر وهي مدينة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع قال في بعض الأزياج طولها تسع وخمسون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال أحمد بن يعقوب الكاتب في كتابه المسالك والممالك وهي (4/138)
من بناء الرشيد قال ابن حوقل وهي مدينة حصينة عامرة وبينها وبين طرسوس ثمانية عشر ميلا
الرابع عمل سرفندكار بكسر السين وسكون الراء المهملتين وفتح الفاء وسكون النون وفتح الدال المهملة والكاف ثم ألف وراء مهملة هكذا ضبطه صاحب حماة ثم قال وقد يجعل موضع الفاء واوا فيقال سروندكار والموجود في الدساتير إسفندكار بهمزة في الأول وسقوط الراء الأولة وهي قلعة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها ستون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي قلعة حصينة في واد على صخر وبعض جوانبها ليس له سور للاستغناء عنه بالصخر وهي على القرب من نهر جيحان من البر الجنوبي في الشرق عن تل حمدون على نحو أربعة أميال
الخامس عمل سيس بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت ثم سين مهملة ثانية هذا هو المعروف في زماننا ووقع في كلام الصاحب كمال الدين بن العديم أن اسمها سيسة باثبات هاء في آخرها وكلامه في العزيزي يوافقه وهي قاعدة بلاد الأرمن وموقعها في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها ستون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وهي بلدة كبيرة ذات بساتين وأشجار ولها قلعة حصينة عليها ثلاثة أسوار على جبل مستطيل بناها بعض خدام الرشيد وهو الذي سماها قال ابن سعيد وكانت قاعدة الثغور الشمالية قال في العزيزي وبينها وبين المصيصة أربعة وعشرون ميلا وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين قلت وقد كانت سيس في أعقاب الفتح نيابة مستقلة ثم صارت تقدمة عسكر مضافة إلى حلب كما يقع في غزة في كونها تارة تكون نيابة مستقلة وتارة تقدمة عسكر مضافة (4/139)
إلى دمشق على ما تقدم ذكره
الضرب الثاني من الأعمال الصغار بلاد الأرمن
وهي ثلاثة عشر عملا لثلاث عشرة قلعة لم تجر العادة بمكاتبة أحد من نوابها عن الأبواب السلطانية ذكر بعضها في التعريف وبعضها في التثقيف وبعضها في غيرهما من الدساتير
الأول عمل قلعة باري كروك بفتح الباء الموحدة وألف بعدها راء مهملة مكسورة ثم ياء ساكنة ثم كاف مفتوحة و راء مهملة وواو ساكنة ثم كاف في الآخر وهي قلعة على رأس جبل بالقرب من طرسوس في الشمال على نحو نصف مرحلة قال في التثقيف استجدت في سنة ستين و سبعمائة قلت افتتحها بيدمر الخوارزمي نائب سيس في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون
الثاني عمل كاورا بفتح الكاف وبعدها ألف وواو وراء مفتوحة مشددة وألف في الآخر وهي قلعة في الشمال عن آياس على جبل مطل على البحر الرومي على نحو ساعة قال في التثقيف استجدت سنة تسع وستين وسبعمائة
الثالث عمل كولاك بفتح الكاف وسكون الواو ولام ألف بعدها كاف ثانية وهي قلعة مدورة على رأس جبل في الشمال عن طرسوس على نحو مرحلة يسكنها طائفة من التركمان
الرابع عمل كرزال بكاف مكسورة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وبعدها ألف ثم لام وهي قلعة صغيرة على رأس جبل بالقرب من كولاك المتقدم ذكرها على نحو مرحلة قال في التثقيف استجدت في سنة نيف وسبعين وسبعمائة (4/140)
الخامس عمل كومي بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم وياء مثناة تحت في الآخر
السادس عمل تل حمدون بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام وفتح الحاء المهملة وإسكان الميم وضم الدال المهملة وسكون الواو ونون في الآخر وهي قلعة ببلاد الأرمن وموقعها في الإقليم الرابع قال ابن سعيد طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة قال صاحب حماة كانت قبل أن يخربها المسلمون قلعة حصينة حسنة البناء على تل عال ولها سور مانع وربض وبساتين ونهر يجري وعلى القرب من جيحان في جهة الجنوب على نصف مرحلة وبينها وبين آياس نحو مرحلة وبينها وبين سيس نحو مرحلتين
السابع عمل الهارونيتين بفتح الهاء وألف بعدها ثم راء مهملة مضمومة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت مشددة مفتوحة ثم تاء مثناة فوق بعدها ألف ونون قال في التعريف وهما حصنان بناهما هارون الرشيد وقال في المشترك الهارونية مدينة صغيرة اختطها هارون الرشيد بالثغور في طرف جبل اللكام وقال في العزيزي الهارونية آخر حدود الثغور الشامية مما يتصل بالحدود الجزرية وبينها وبين الكنيسة السوداء اثنا عشر ميلا قال في كتاب الأطوال وطولها ستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة
الثامن عمل قلعة نجمة بفتح النون وسكون الجيم وفتح الميم وهاء (4/141)
في الآخر وهي قلعة على القرب من الفرات بينها وبين جسر منبج خمسة وعشرون ميلا قال في تقويم البلدان وهذه القلعة في السحاب قال وكان يقال لذلك المكان حصن منبج فصارت تعرف بقلعة نجمة ثم قال وهي من بناء السلطان محمود بن زنكي قلت وفي التعريف ما يقتضي أنها من جملة بناء المأمون
التاسع عمل قلعة حميمص وهي قلعة خراب صغيرة بالقرب من نهر جيحان
العاشر عمل قلعة لؤلؤة وهي قلعة شمالي كولاك استعادها ابن عثمان
الحادي عشر عمل قلعة تامرون شمالي طرسوس بيد عيسى بن ألاس البرسقي التركماني
الثاني عشر عمل سنياط كلا شمالي طرسوس كانت داخل المملكة استولى عليها ابن قرمان في أيام المنصور بن الأشرف شعبان
الثالث عشر عمل بلسلوص غربي طرسوس على ساحل البحر بيد حسن بن قوسي البرسقي التركماني
القسم الثالث من الأعمال الحلبية البلاد المجاورة للفرات من شرقيه من بلاد الجزيرة الواقعة بين الفرات ودجلة وهي ثلاثة أعمال
الأول عمل البيرة بكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الراء المهملة وألف في الآخر وهي قلعة في البر الشرقي في الشمال عن الفرات في الشرق عن قلعة الروم المتقدم ذكرها على نحو مرحلة والفرات بينهما (4/142)
وقد عدها في تقويم البلدان من جند قنسرين من أعمال الشام وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في بعض الأزياج طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي قلعة ذات ارتفاع وحصينة لا ترام قال في تقويم البلدان ولها سوق وعمل قال ابن سعيد وقلعتها على صخرة قال في التعريف ولها منعة وعسكر
الثاني عمل قلعة جعبر بفتح الجيم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر وهي قلعة من ديار بكر في البر الشرقي الشمالي من الفرات أيضا وموقعها في الإقليم الرابع قال في الأطوال طولها اثنتان وستون درجة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال القاضي جمال الدين بن واصل وكانت هذه القلعة تعرف قديما بالدوسرية نسبة إلى دوسر عبد النعمان بن المنذر وهو الذي بناها أولا لما جعله النعمان على أفواه الشأم ثم تملكها سابق الدين جعبر القشيري في أيام الملوك السلجوقية فعرفت به ثم انتزعها منه السلطان ملكشاه السلجوقي قال صاحب حماة وهي في زماننا خراب ليس بها ديار قلت وذلك في أثناء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون ثم عمرت بعد ذلك في آخر الدولة الناصرية أو بعدها بقليل وقد أشار إلى ذلك في التعريف حين تعرض لذكرها في آخر مضافات الشأم قبل ذكر حلب بقوله وهي مجددة البنيان مستجدة الآن لأنها جددت منذ سنوات بعد أن طال عليها الأمد وأخنى عليها الذي أخنى على لبد وكان قد ذكر قبل ذلك في الكلام على تقاسيم الشأم أنها مضافة إلى دمشق ثم قال وحقها أن تكون مع (4/143)
حلب وقد صارت الآن من مضافات حلب
الثالث عمل الرها بضم الراء المهملة وفتح الهاء وألف في الآخر وهي مدينة من ديار مضر في البر الشرقي الشمالي عن الفرات وموقعها في الإقليم الرابع بالقرب من قلعة الروم قال في الأطوال طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة وعرضها سبع وثلاثون درجة قال في العزيزي وهي مدينة عظيمة رومية فيها آثار عجيبة قال في الروض المعطار وهي مدينة ذات عيون كثيرة تجري منها الأنهار وبها البساتين والأشجار الكثيرة وعليها سور من حجارة ولها أربعة أبواب باب حران والباب الكبير وباب سبع وباب الماء قال وليس في بلاد الجزيرة أحسن منتزهات منها ولا أكثر فواكه والفرات منها في ناحية الغرب على مسيرة يومين وفي ناحية الشمال على مسيرة يوم قال في تقويم البلدان وكان بها كنيسة عظيمة وفيها أكثر من ثلثمائة دير للنصارى قال وهي اليوم خراب يعني في أثناء الدولة الناصرية ثم عمرت بعد ذلك قلت وهي اليوم عامرة آهلة والله سبحانه وتعالى أعلم
القاعدة الثالثة من قواعد المملكة الشامية حماة
وقد ذكرها في مسالك الأبصار بعد دمشق وهو أليق لقربها منها ولكنه قد ذكرها في التعريف بعد حلب فتبعته على ذلك وفيها جملتان
الجملة الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الحاء المهملة والميم وألف ثم هاء في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع بين حمص وقنسرين قال في تقويم البلدان وطولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعرضها أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة وهي مدينة قديمة أزلية قال في تقويم البلدان ولها ذكر في التوراة (4/144)
وهي على ضفة العاصي مكينة البناء ولها سور جليل وبيوت ملوكها وشرفاتها مطلة على النهر العاصي وبها القصور الملوكية والدور الأنيقة والجوامع والمساجد والمدارس والربط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعا من الأنواع وبها قلعة مبنية بالحجارة الملونة وغالب مبانيها العلية وآثار الخير والبر الباقية فيها من فواضل نعم الدولة الأيوبية وبها نواعير مركبة على العاصي تدور بجريان الماء وترفع الماء إلى الدور السلطانية ودور الأمراء والأكابر والبساتين وفي بساتينها الغراس الفائق والثمار الغريبة ولم يكن لها في القديم نباهة ذكر وكان الصيت لحمص دونها ثم تنبه ذكرها في الدولة الأتابكية زنكي فلما آلت إلى ملوك بني أيوب مصروها بالأبنية العظيمة والقصور الفائقة والمساكن الفاخرة وتأمير الأمراء وتجنيد الأجناد فيها وعظموا أسواقها وزادوا في غراسها وجلبوا إليها من أرباب الصنائع كل من فاق في فنه إلى أن كملت محاسنها وصارت معدودة من أمهات البلاد وأحاسن الممالك وهي في غاية رفاهة العيش إلا أنها شديدة الحر محجوبة الهواء ويعرض لها في الخريف تغير تنسب به إلى الوخامة ولا يبقى بها الثلج إلى الصيف كما يبقى في بقية الشام وإنما يجلب إليها مما يجاورها وحولها مروج فيح ممتدة يكثر فيها مصايد الطير والوحش وليس بالممالك الشامية بعد دمشق لها نظير ولا يدانيها في لطف ذاتها من مجاورتها قريب ولا بعيد قال في الروض المعطار وبينها وبين حمص أربعون ميلا ولم تزل بأيدي بقايا الملوك الأيوبية من جهة صاحب مصر يقيم ملوكهم فيها ملكا بعد ملك إلى أن كان بها منهم آخر الأيام الناصرية محمد بن قلاوون المتقدم ذكره واستقر فيها بالأمير طغيتمر الحموي أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية نائبا واستمرت بأيدي النواب يليها مقدم ألف بعد مقدم ألف إلى الآن (4/145)
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في التعريف وحدها من القبلة مدينة الرستن وماسامتها آخذا بين سلمية وقبة ملاعب إلى حيث مجر النهر والآثار القديمة وحدها من الشرق البر آخذا على سلمية إلى ما استفل عن قبة ملاعب وحدها من الشمال آخر حد المعرة من العرايا وحدها من الغرب مضافات مصياف وقلاع الدعوة وليس بها نواب قلاع البتة ولها ثلاثة أعمال الأول عمل برها وهو ظاهرها وما حولها كما تقدم في دمشق وحلب
الثاني عمل بارين بفتح الباء الموحدة وألف بعدها وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر وهي بلدة على مراحلة من حماة في الغرب عنها بميلة يسيرة إلى الجنوب وموقعها في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة
الثالث عمل المعرة بفتح الميم والعين المهملة ثم راء مهملة مشددة مفتوحة وهاء في الآخر وهي مدينة من جند حمص واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها إحدى وستون درجة وأربعون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس (4/146)
وأربعون دقيقة وتعرف بمعرة النعمان قال البلاذري إضافة إلى النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه قال في العزيزي وهي مدينة جليلة عامرة كثيرة الفواكه والثمار والخصب وشرب أهلها من الآبار قال في الروض المعطار ولها سبعة أبواب باب حلب والباب الكبير وباب شيث وباب الجنان وباب حمص وباب كذا قال ويذكر أن قبر شيث بن آدم عليه السلام عند الباب المنسوب إليه فيها وداخلها قبر يوشع بن نون عليه السلام وعلى ميل منها دير سمعان الذي به قبر عمر بن عبد العزيز قال السمعاني والنسبة إليها معرنمي قال وبالشام بلدة أخرى تسمى معرة نسرين بالنون والسين المهملة والنسبة إليها معرنسي قال صاحب حماة والمشهور في الثانية أنها معرة مصرين بميم وصاد مهملة
القاعدة الرابعة من قواعد المملكة الشامية أطرابلس وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة ولام مضمومتين وسين مهملة في الآخر قال السمعاني وقد تسقط الألف منها فرقا بينها وبين أطرابلس التي في الغرب وأنكر ياقوت في المشترك سقوطها وعاب على المتنبي حذفها منها في بعض شعره قال في الروض المعطار (4/147)
ومعنى أطرابلس فيما قيل ثلاث مدن وقيل مدينة الناس وهي مدينة من سواحل حمص واقعة في الإقليم الرابع قال في كتاب الأطوال طولها تسع وخمسون درجة وأربعون دقيقة وعرضها أربع وثلاثون درجة وكانت في الأصل من بناء الروم فلما فتحها المسلمون في سنة ثمان وثمانين وستمائة في الأيام الأشرفية خليل بن قلاوون رحمه الله خربوها وعمروا مدينة على نحو ميل منها وسموها باسمها وهي الموجودة الآن ولما بنيت هذه المدينة الجديدة كانت وخيمة البقعة ذميمة السكن فلما طالت مدة سكنها وكثر بها الناس والدواب وصرفت المياة الآسنة التي كانت حولها وعملت بساتين ونصبت بها النصوب والغروس خف ثقلها وقل وخمها
قال في مسالك الأبصار ولما ولي نيابتها أستدمر الكرجي كان لا ينفك عن كونه وخما فشكا ذلك إلى سليمان بن داود المتطبب فأشار عليه أن يستكثر فيها من الإبل وسائر الدواب ففعل فخف وخمها قال وقد سألت عن علة ذلك الكثير من الاطباء فلم يجيبوا فيه بشيء
قلت لا خفاء أن المعنى في الإبل ما أشار به النبي في أمر العرنيين حين استوخموا المدينة أنهم يقيمون في إبل الصدقة ويشربون من ألبانها وأبوالها ففعلوا ذلك فصحوا فكأن ذلك من خاصة الإبل ولعل التأثير في ذلك للإبل خاصة دون سائر الدواب وهي الآن مدينة متمدنة كثيرة الزحام وبها مساجد ومدارس وزوايا وبيمارستان وأسواق جليلة وحمامات حسان وجميع بنائها بالحجر والكلس مبيضا ظاهرا وباطنا وغوطتها محيطة بها وتحيط بغوطتها مزدرعاتها وهي بديعة المشترف ولها نهر يحكم على ديارها وطباقها (4/148)
يتخرق الماء في مواضع من أعالي بيوتها التي لا يرقى إليها إلا بالدرج العلية وحولها جبال شاهقة صحيحة الهواء خفيفة الماء ذات أشجار وكروم ومروج ومواشي وميناها مينا جليلة تهوي إليها وفود البحر الرومي وترسو بها مراكبهم وتباع بها بضائعهم وهي بلدة متجر وزرع كثيرة الفائدة وقد تقدم في الكلام على عجائب الشام أن داخل البحر بالقرب منها على نحو رمية حجر عن البر عينا فوارة عذبة الماء تطفو على وجه الماء قدر ذراع أو أكثر يتبين ذلك عند سكون الريح
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في التعريف وحدها من القبلة جبل لبنان ممتدا على ما يليه من مرج الأسد حيث يمتد النهر العاصي وحدها من الشمال قلاع الدعوة وحدها من الغرب البحر الرومي وأعمالها على قسمين
القسم الأول الأعمال الكبار التي يكاتب نوابها عن الأبواب السلطانية وهي على ضربين
الضرب الأول مضافاتها نفسها وهي ست نيابات
الأول عمل حصن الأكراد بإضافة حصن واحد الحصون إلى الأكراد الطائفة المشهورة وهي قلعة من جند حمص موقعها في الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها أربعة وثلاثون درجة قال في المشترك وهي قلعة حصينة مقابل حمص من غربيها على الجبل المتصل بجبل لبنان نحو مرحلة من حمص قال في التعريف وهي حصن جليل وقلعة شماء لا تبعد منها السماء قال وكانت محل النيابة ومقر العسكر قبل فتح طرابلس (4/149)
الثاني عمل حصن عكار بإضافة حصن إلى عكار بفتح العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة وبعدها ألف ثم راء مهملة وهي قلعة على مرحلة من طرابلس في جهة الشرق بوسط جبل لبنان في واد والجبل محيط بها وشرب أهلها من عين تجري إليها من ذيل لبنان المذكور ولها ربض ليس بالكبير
الثالث عمل بلاطنس بفتح الباء الموحدة وبعدها لام ألف ثم طاء مهملة ونون مضمومتان وسين مهملة في الآخر وهي قلعة بالقرب من مدينة مصياف في جهة الغرب منها على نصف مرحلة وفي جهة الشمال من طرابلس على نحو مرحلتين
الرابع عمل صهيون بفتح الصاد المهلمة وسكون الهاء وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو ثم نون في الآخر وهي قلعة من جند قنسرين في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها ستون درجة وعشر دقائق وعرضها خمس وثلاثون درجة وعشر دقائق وهي من القلاع المشهورة ذات حصانة ومنعة مبنية على صخر أصم في ذيل جبل يظهر من اللاذقية وبينهما نحو مرحلة وهي في الشرق عن اللاذقية بميلة إلى الجنوب وبها المياه الكثيرة حاصلة من الأمطار
الخامس عمل اللاذقية بألف ولام لازمتين وذال معجمة وقاف مكسورتين وياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في آخرها وهي مدينة من سواحل الشأم واقعة في الإقليم الرابع قال في الأطوال طولها ستون درجة وأربعون دقيقة وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعدها في (4/150)
العزيزي من أعمال حمص ثم قال وهي مدينة جليلة بل هي أجل مدينة بالساحل منعة وعمارة ولها مينا حسنة ومنها إلى أنطاكية ثمانية وأربعون ميلا وقد عدها في التعريف في جملة ولايات طرابلس على ما كانت عليه إذ ذاك ثم استقرت بعد ذلك نيابة وهي الآن أعظم نيابات طرابلس
السادس عمل المرقب بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح القاف وباء موحدة في الآخر وهي قلعة بالقرب من ساحل البحر الرومي وموقعها في الإقليم الرابع قال في الزيج طولها ستون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وهي قلعة حصينة حسنة البناء مشرفة على البحر وعلى نحو فرسخ منها مدينة بلنياس بكسر الباء الموحدة واللام وسكون النون وياء مثناة تحت وألف وسين مهملة وفي الغالب تضاف إليها فيقال المرقب وبلنياس وهي مدينة حسنة على الساحل ذات مياه وأعين تجري وفواكه كثيرة قال في العزيزي وبينها وبين أنطرطوس اثنا عشر ميلا ولم يتعرض لذكر المرقب في التعريف ولا في مسالك الأبصار
الضرب الثاني قلاع الدعوة بفتح الدال
سميت بذلك لأنها كانت بيد الإسماعيلية من الشيعة المنتسبين إلى إسماعيل بن جعفر الصادق وهم يسمون أنفسهم أصحاب الدعوة الهادية وهؤلاء هم المعروفون في ديوان الإنشاء بالقصاد وبين العامة بالفداوية وسيأتي الكلام على معتقدهم في الكلام على القصاد ثم في الكلام على تحليف أهل البدع في باب الإيمان إن شاء الله تعالى وهي سبع قلاع عظيمة الشأن رفيعة المقدار لا تسامى منعة ولا ترام حصانة وكانت أولا كلها مضافة إلى طرابلس ثم نقلت مصياف منها إلى دمشق على ما تقدم ذكره والبقية على ما كانت عليه من إضافتها إلى طرابلس (4/151)
وهي ستة أعمال الأول عمل الرصافة بألف ولام لازمتين في أولها وراء مهملة مضمومة وصاد مفتوحة بعدها ألف ثم فاء وهاء وهي قلعة بالقرب من مصياف وبالشأم بلدة أخرى يقال لها الرصافة أيضا وتعرف برصافة هشام على أقل من مسافة يوم من الجانب الغربي من الفرات
الثاني عمل الخوابي بفتح الخاء المعجمة والواو ثم ألف وباء موحدة مكسورة وياء في الآخر وهي قلعة في جهة الشمال من طرابلس على نحو مرحلتين وقد تقدم في الكلام على خواص الشأم أن بسورها مكانا لا ينظره ملسوع أو رسوله إلا برأ ذلك الملسوع ولم يضره السم
الثالث عمل القدموس بفتح القاف والدال المهملة وضم الميم وسكون الواو وسين مهملة في الآخر وهي قلعة بالقرب من الخوابي المقدمة الذكر وقد تقدم في الكلام على خواص الشأم ان بها حماما يظهر منه أنواع من الحيات وتمشي بين الناس لا تضر احدا البتة
الرابع عمل الكهف بفتح الكاف وسكون الهاء وفاء في الآخر وهي قلعة بالقرب من القدموس على نحو ساعة على نشز جبل مرتفع عال يرى على بعد
الخامس عمل المينقة بفتح الميم وسكون الياء المثناة تحت وفتح النون والقاف وهاء في الآخر وهي قلعة بالقرب من الكهف على نحو ساعة على جبل مرتفع أيضا
السادس عمل العليقة بضم السين المهملة وفتح اللام المشددة وسكون الياء المثناة تحت وفتح القاف وهاء في الآخر وهي قلعة على الجبل المذكور على نحو ساعة من المينقة (4/152)
القسم الثاني من أعمال طرابلس الأعمال الصغار وهي ستة أعمال
قال في التعريف سوى ما نقل في تلك القلاع مما له ولاية
الأول عمل أنطرطوس قال في اللباب بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وضم الطاء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر قال في كتاب الأطوال وموضعها حيث الطول ستون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة وعشر دقائق وهي بلدة بالساحل قال في تقويم البلدان وهي ثغر لأهل حمص فتحها المسلمون وخربوا أسوارها وهي الآن آهلة قال وكان بها مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه
الثاني عمل جبة المنيظرة بإضافة جبة بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وتاء التأنيث إلى المنيظرة بضم الميم وفتح النون وسكون الياء المثناة تحت وفتح الظاء المعجمة والراء المهملة وهاء في الآخر
الثالث عمل الظنيين بألف ولام لازمتين وظاء معجمة مفتوحة مشددة ونون مشددة مكسورة وياء مثناة تحت مكسورة بعدها ياء ثانية ساكنة ثم نون وهي كورة بين مصياف وفامية وليس بها مقر ولاية
الرابع عمل بشريه بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة المشددة وسكون الياء المثناة تحت وهاء في الآخر هكذا مكتوب في التعريف والجاري على الألسنة بشراي بابدال الهاء ياء مثناة تحت
الخامس عمل جبلة بفتح الجيم والباء الموحدة واللام ثم هاء في الآخر وهي بلدة صغيرة بساحل البحر الرومي من الإقليم الرابع قال في الأطوال طولها ستون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس (4/153)
وخمسون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها ستون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في العزيزي ولها أعمال واسعة وبينها وبين اللاذقية اثنا عشر ميلا وبينها وبين أنطاكية ثمانية وأربعون ميلا وبها مقام إبراهيم بن أدهم رحمه الله
السادس عمل أنفة بفتح الهمزة المقصورة والنون والفاء وبهاء في الآخر وهي بلدة على البحر الرومي تردها المراكب بقلة
القاعدة الخامسة من قواعد المملكة الشامية صفد وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الصاد المهملة والفاء وتاء مثناة فوق في آخرها هكذا ضبطه في تقويم البلدان ثم قال والمشهور على ألسنة الناس أن مكان التاء دالا مهملة وهي مدينة من جند الأردن واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة
قال في الزيج طولها سبع وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وعرضها أثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي بلدة متوسطة بين الكبر والصغر وذكر العثماني في تاريخ صفد أنه كان مكانها أولا قرية وأصل الصفت في لغتهم العطية سميت بذلك لأن الفرنج أعطتها (4/154)
للطائفة الدموية منهم لا يشاركهم فيها أحد قال وقد تكون سميت بذلك أخذا من الصفد وهو الغل لأن صاحب الغل يمتنع من الحركة ويلزم موضعه وكذلك هذا البلد لأنها في جبل عال لا يتمكن ساكنه من الحركة في كل وقت إن ركب تعب وإن مشى على قدمه اختلط لحمه بدمه لصعود الربوة وهبوط الوهدة فيستقر في مكانها ويقنع بالنظر وربضها منتشر العمارة على ثلاثة أجبل واكثر ما يدخل أهلها حمامات الوادي لقلة الماء بها وسوء بناء حماماتها وبساتينها تحتها في الوادي إلى جهة طبرية وكل ما يوجد في دمشق يوجد فيها إما من بلادها وإما مجلوب إليها من دمشق ونيابتها نيابة جليلة ونائبها من أكبر الأمراء المقدمين ولها قلعة حصينة ذات بساتين تشرف على بحيرة طبرية يحف بها جبال وأودية قال ابن الواسطي بنتها الفرنج سنة خمس وتسعين وأربعمائة ولما فتحها الظاهر بيبرس رحمه الله عظم شأنها ورفع مقدارها قال في مسالك الأبصار وهي جديرة بالتعظيم فقل أن يوجد لها شبيه ولا يعلم لها نظير ولهذه القلعة نائب مستقل من قبل السلطان يولى من الأبواب الشريفة بمرسوم شريف وعادته أن يكون من أمراء الطبلخاناه ولا حكم لنائب السلطنة بالبلد عليه بل هو مستقل بنفسه كما في نائب قلعتي دمشق وحلب
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في التعريف وحدها من القبلة الغور حيث جسر الصنبرة من وراء طبرية وحدها من المشرق الملاحة الفاصلة بين بلاد الشقيف وبين حولة بانياس وحدها من الشمال نهر ليطا وحدها من الغرب البحر وليس في (4/155)
أعمالها نيابة أصلا وقد ذكر لها في مسالك الأبصار أحد عشر عملا الأول عمل برها كما في دمشق وحلب وغيرهما من القواعد المتقدمة
الثاني عمل الناصرة بالألف واللام اللازمتين ونون مفتوحة بعدها ألف ثم صاد مهملة مكسورة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر وهي بليدة صغيرة قال في الروض المعطار على ثلاثة عشر ميلا من طبرية قال ويقال إن المسيح عليه السلام ولد بها وأهل القدس ينكرون ذلك ويذكرون أنها ولدته بالقدس والمعروف أن أمه حين عادت به من مصر إلى الشأم وعمره يومئذ اثنتا عشرة سنة نزلت به القرية المذكورة وهي اليوم منبع الطائفة النصيرية والذي ذكره العثماني في تاريخ صفد أن أهل هذه البلاد منسوبون إلى الدين
الثالث عمل طبرة بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة وكسر المهلمة وفتح الياء المثناة تحت وتشديدها وهاء في الآخر وهي مدينة من جند الأردن بناها طبريون أحد ملوك اليونان البطالسة فعرفت به ثم عربت طبرية والنسبة إليها طبراني للفرق بينها وبين طبرستان من نواحي بلاد الشرق حيث ينسب إليها طبري وموقعها في الإقليم الثالث قال في الأطوال وطولها ثمان وخمسون درجة وخمس وخمسون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وقال في رسم المعمور طولها سبع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وتبعه ابن سعيد على ذلك وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وهي في الغور في سفح جبل على بحيرتها المتقدمة الذكر في بحيرات الشام قال في مسالك الأبصار ومن (4/156)
عملها قدس قال وكان معها قديما السواد وبيسان ثم خرجا عنها قال العثماني في تاريخ صفد ومن ولايتها البطيحة وكفر عاقب
الرابع عمل تبنين وهونين بعطف الثاني على الأول
فأما تبنين فبتاء مثناة فوق مكسورة وباء موحدة ساكنة ونون مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة ونون في الآخر
وأما هونين فبهاء مضمومة وواو ساكنة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت ساكنة ونون في الآخر قال في مسالك الأبصار وهما حصنان بنيا بعد الخمسمائة بين صور وبانياس بجبل عاملة المتقدم ذكره جبال الشام المشهورة وجعل العثماني في تاريخ صفد قلعة هونين من عمل الشقيف وأهل هذا العمل شيعة رافضة
الخامس عمل عثليث بفتح العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وكسر اللام وسكون الياء المثناة تحت وثاء مثلثة في الآخر وهي كورة بين قاقون وعكا فيها قرى متسعة وليس بها مقر ولاية معلوم قال العثماني في تاريخ صفد وفي آخر هذا العمل بلاد قاقون وهو آخر الأعمال الصفدية
السادس عمل عكا بفتح العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة وألف في الآخر وهي مدينة من سواحل الشام قال العثماني في تاريخ صفد بناها عبد الملك بن مروان ثم غلبت عليها الفرنج ثم انتزعها منهم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ثم غلبوا عليها ثانيا ثم استرجعت وهي واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال طولها ثمان وخسمون درجة (4/157)
وخمس وعشرون دقيقة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشرون دقيقة وقيل غير ذلك وقد خربت بعد أن استرجعها المسلمون من الفرنج في سنة تسعين وستمائة في الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون وبها مسجد ينسب لصالح عليه السلام وبينها وبين طبرية أربعة وعشرون ميلا وكانت هي قاعدة هذا الساحل قبل صفد فلما خربت أقيمت صفد مقامها وصارت هي ولاية
السابع عمل صور بضم الصاد المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر وهي مدينة قديمة بساحل دمشق واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال طولها ثمان وخسمون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثنتان وثلاثون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمس دقائق وبناؤها من أعظم أبنية الدنيا وكانت من أحصن الحصون التي على ساحل البحر فلما فتحها المسلمون في سنة تسعين وستمائة مع عكا خربوها خوفا أن يتحصن بها العدو وهي خراب إلى الآن ويقال إنها أقدم بلد بالساحل وإن عامة حكماء اليونان منها قال الشريف الإدريسي وكان بها مرسى يدخل إليه من تحت قنطرة عليها سلسلة تمنع المراكب من الدخول قال في التعريف وبصور كنيسة يقصدها ملوك من البحر عند تمليكهم فيملكون ملوكهم بها إذ لا يصح تمليكهم إلا منها قال وشرطهم أن يدخلوها عنوة ولذلك لا يزال عليها الرقبة ومع ذلك يأتونها مباغتة فيقضون أربهم منها ثم ينصرفون وسكان هذا العمل رافضة لا يشهدون جمعة ولا جماعة
الثامن عمل الشاغور بألف ولام لازمتين وشين معجمة مشددة (4/158)
مفتوحة بعدها ألف ثم غين معجمة مضمومة بعدها واو ساكنة وراء مهملة في الآخر وهي كورة بين عكا وصفد والناصرة بها قرى متسعة وليس بها مقر ولاية معروف وعدها العثماني في تاريخ صفد شاغورين
أحدهما شاغور النعبة وهو جبل به قرى عامرة قال وبالنعبة دير به مصطبة إذا بات عليها من به جنون شفي بإذن الله
والثاني شاغور غرابة وفيه عدة قرى وبه مقام أولاد يعقوب عليه السلام وهو من المزارات المشهورة
التاسع عمل الإقليم بكسر الهمزة وسكون القاف وكسر اللام وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر وهي كورة بين دمشق والشغر والخربة بها قرى متسعة وليس بها مقر ولاية
العاشر عمل الشقيف بفتح الشين المعجمة وكسر القاف وسكون الياء المثناة تحت ثم فاء ويعرف بشقيف أرنون بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو ثم نون في الآخر قال في المشترك وهو اسم رجل أضيف الشقيف إليه ويعرف أيضا بالشقيف الكبير وهو حصن بين دمشق والساحل بعضه مغارة منحوتة في الصخر وبعضه له سور وهو في غاية الحصانة وعلى القرب منه شقيف آخر يعرف بشقيف تيرون بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الواو ونون في الآخر وهي قلعة حصينة من جند الأردن على مسيرة يوم من صفد في سمت الشمال قال في مسالك الأبصار وليست من بلاد صفد وأهل هذا العمل رافضة (4/159)
الحادي عشر عمل جينين بجيم مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة ونون مكسورة ومثناة تحت ثانية ساكنة ونون في الآخر وهي بلدة قديمة متسعة وهي مركبة على كتف واد لطيف به نهر ماء يجري وهي في الشمال عن قاقون على نحو مرحلة في رأس مرج بني عامر وبها مقام دحية الكلبي صاحب رسول الله
ومن أعمالها اللجون قال في تقويم البلدان بفتح اللام المشددة وضم الجيم المشددة وهي قرية قديمة في جهة الغرب عن بيسان على نصف مرحلة منها قال في كتاب الأطوال موضعها حيث الطول سبع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وباللجون مقام الخليل عليه السلام وبها ينزل الملوك على مصطبة هناك معدة لذلك قال في مسالك الأبصار ومن عملها قدس وكان معها قديما السواد وبيسان وخرجا عنها ثم قال ومما يذكر فيها حيفا وهي خراب على الساحل وقلعة كوكب وهي التي يقول فيها العماد الأصفهاني راسية راسخة شماء شامخة وقلعة الطور وهي مفردة على جبل الطور بناها العادل أبو بكر بن أيوب ثم غلبه عليها الفرنج فهدمها
قلت واقتصر في التعريف على ولاية بر صفد وولاية الشقيف وولاية جينين وولاية عكا وولاية الناصرة وولاية صور من غير زيادة على ذلك (4/160)
القاعدة السادسة من قواعد المملكة الشامية الكرك وفيها جملتان الجملة الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الكاف والراء المهملة ثم كاف ثانية والألف واللام في أولها غير لازمتين وتعرف بكرك الشوبك لمقاربتها لها قال في تقويم البلدان وهي من البلقاء وهما وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال ابن سعيد وطولها سبع وخمسون درجة وخمسون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وخمسون دقيقة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس دقائق وهي مدينة محدثة البناء كانت ديرا يتديره رهبان ثم كثروا فكبروا بناءه وأوى إليهم من يجاورهم من النصارى فقامت لهم به أسواق ودرت لهم فيه معايش وأوت إليه الفرنج فأداروا أسواره فصارت مدينة عظيمة ثم بنوا به قلعة حصينة من اجل المعاقل وأحصنها وبقي الفرنج مستولين عليه حتى فتحه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله على يد أخيه العادل أبي بكر
قال في التعريف وكانوا قد عملوا فيه مراكب ونقلوها إلى بحر القلزم لقصد الحجاز الشريف لأمور سولتها لهم انفسهم فأوقع الله تعالى بهم العزائم الصلاحية والهمم العادلية فأخذوا وأمر بهم السلطان صلاح الدين فحملوا إلى منى ونحروا بها على جمرة العقبة حيث تنحر البدن بها واستمرت بأيدي المسلمين من يومئذ واتخذها ملوك الإسلام حرزا ولأموالهم كنزا ولم يزل الملوك يستخلفون بها أولادهم ويعدونها لمخاوفهم وهو بلد خصب بواديه حمام وبساتين كثيرة وفواكه مفضلة قال البلاذري في فتوح البلدان وكانت مدينة هذه الكورة في القديم الغرندل (4/161)
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في التعريف وحدها من القبلة عقبة الصوان وحدها من الشرق بلاد البلقاء وحدها من الشمال بحيرة سذوم المتقدم ذكرها وحدها من الغرب تيه بني إسرائيل ولها أربعة أعمال الأول عمل برها المختص ببلادها كما في غيرها من القواعد المتقدمة
الثاني عمل الشوبك بألف ولام لازمتين وفتح الشين المعجمة المشددة وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وكاف في الآخر قال في تقويم البلدان وهي من جبل الشراة وموقعها في الإقليم الثالث قال ابن سعيد طولها ست وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وقال في تقويم البلدان القياس أن طولها ثمان وخمسون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وهي بلدة صغيرة أكثر دخولا في البر من الكرك ذات عيون وجداول تجري وبساتين وأشجار وفواكه مختلفة قال في العزيزي ولها قلعة مبنية بالحجر الأبيض على تل مرتفع أبيض مطل على الغور من شرقيه قال في تقويم البلدان وينبع من تحت قلعتها عينان إحداهما عن يمينها والأخرى عن يسارها كالعينين للوجه يجريان للبلد ومنهما شرب أهلها وبساتينها قال وكانت بأيدي الفرنج مع الكرك وفتحت بفتحها وأقطعها السلطان صلاح الدين مع الكرك لأخيه العادل فأعطاهما لابنه المعظم عيسى فاعتنى بأمرهما وجلب إلى الشوبك (4/162)
غرائب الأشجار حتى تركها تضاهي دمشق في بساتينها وتدفق أنهارها وتزيد بطيب مائها
قلت وذكر في مسالك الأبصار لها عملين آخرين
الثالث عمل زغر بضم الزاي وفتح الغين المعجمتين وفي آخرها راء مهملة وهي مدينة قديمة متصلة بالبادية سميت بزغر بنت لوط عليه السلام قال في تقويم البلدان وهي حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشر دقائق والعرض ثلاثون درجة وكسر
الرابع عمل معان بضم الميم وفتح العين المهملة وألف ثم نون قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة كان يسكنها بنو امية ومواليهم قال في مسالك الأبصار وقد خربت هي وعملها ولم يبق بها أحد وتعرف بمعان بن لوط عليه السلام قال في كتاب الأطوال وهي حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ثلاثون درجة قال في تقويم البلدان وبينها وبين الشوبك مرحلة
الطرف الثاني من الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة الثانية فيمن ملك البلاد الشامية وملكوها على قسمين القسم الأول ملوكها قبل الإسلام
ولم يزل مجموعا قبل الإسلام لملك واحد إما بمفرده وإما مع غيره وملوكه في الجاهلية على أربع طبقات (4/163)
الطبقة الأولى ملوكها من الكنعانيين
وهم بنو كنعان بن مازيع بن حام بن نوح عليه السلام وقيل هم من ولد سام ابن نوح وكان كنعان قد نزل الشام بجهة فلسطين عند تبلبل الألسنة بعد الطوفان وتوراثها بنوه بعد ذلك وكان كل من ملك منهم يلقب بجالوت إلى أن انتهى الملك إلى رجل منهم اسمه كلياذ وهو جالوت الذي قتله داود عليه السلام وبقتله تفرق بنو كنعان وباد ملكهم وزال وكان في خلال ذلك بتيماء من أطراف الشأم ملوك من العمالقة وهم بنو عمليق بن ولاذ بن سام بن نوح عليه السلام انتقلوا إليه من الحجاز وهم الذين قاتلهم موسى عليه السلام وكان آخر من ملك منهم الشأم والحجاز والأرقم بن الأرقم الذي قتله بنو إسرائيل حين وجههم موسى عليه السلام في آخر عمره إلى الحجاز على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك المدينة إن شاء الله تعالى
الطبقة الثانية ملوكها من بني إسرائيل
وأولهم طالوت الذي ذكره الله تعالى في القران بقوله ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ) واسمه شاول بن قيس ولم يكن لهم قبل ذلك ملك بل حكام وقضاة يحكمون وبقي حتى قتل في قتال الفلسطينيين
وملك بعده داود عليه السلام وكانت دار ملكه بالقدس وفتح فتوحات كثيرة من أرض فلسطين وعمان ومأرب وحلب ونصيبين وغير ذلك فأقام في الملك أربعين سنة (4/164)
وتولى ذلك بعده ابنه سليمان عليه السلام وعمره اثنتا عشرة سنة وعمر بيت المقدس وفرغ منه في سبع سنين وتوفي لأربعين سنة من ملكه
وملك بعده ابنه رحبعم على سبطين من بني إسرائيل خاصة وخرج عنه عشرة أسباط فملكوا عليهم غيره وبقي في الملك سبع عشرة سنة
وملك بعده ابنه أثيا وهلك لثلاث سنين
وملك بعده ابنه أسا إحدى وأربعين سنة وتوفي
فملك بعده ابنه يهو شافاظ خمسا وعشرين سنة وتوفي
فملك بعده ابنه يهورام ثمان سنين وتوفي
فملك بعده ابنه أحزياهو ستين سنة وتوفي فبقي الملك شاغرا فحكمت فيه امرأة ساحرة اسمها غثليا فأقامت في الملك سبع سنين
ثم ملك بعدها بؤاش فأقام في الملك أربعين سنة ومات
فملك بعده ابنه أمصياهو تسعا وعشرين سنة وتوفي
فملك بعده عزياهو اثنتين وخمسين سنة وتوفي
فملك بعده ابنه يؤثم ست عشرة سنة ويقال إن يونس عليه السلام كان في زمنه
ثم ملك بعده ابنه آحاز ست عشرة سنة أيضا وكانت الحرب بينه وبين ملك دمشق وفي زمنه كان شعيب عليه السلام وتوفي
فملك بعده ابنه هوحزقيا وانقاد له بقية الأسباط فملك جميعهم وأقام في الملك تسعا وعشرين سنة ثم توفي (4/165)
فملك بعده ابنه منشا خمسا وخمسين سنة ثم توفي
فملك بعده ابنه أمون سنتين وقيل ثنتي عشرة سنة وتوفي
فملك بعده ابنه يوشيا إحدى وثلاثين سنة وجدد عمارة بيت المقدس ثم توفي
فملك بعده ابنه يهوياجور ثلاثة أشهر وغزاه فرعون مصر فأخذه أسيرا
وملك بعده أخوه يهو ياقيم إحدى عشرة سنة ودخل تحت طاعة بخت نصر ثم استخلف بخت نصر مكانه ابنه يخنيو بن يهو ياقيم فأقام مائة يوم
ثم استخلف مكانه عمه صدقيا إحدى عشرة سنة فأقام على طاعة بخت نصر تسع سنين ثم عصى عليه فجهز إليه جيشا ففتح المقدس بالسيف وحرقه وهدم بيت المقدس الذي بناه سليمان عليه السلام وأخذ صدقيا المذكور أسيرا وهو آخر من ملك منهم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد ) الآية
الطبقة الثالثة ملوكها من الفرس
قد تقدم في الكلام على ملوك مصر أن بخت نصر كان نائبا لبهراسف ملك الفرس إلى حين غلبته على الشام فاستقر الشأم في مملكة الفرس مع مصر من لدن بهراسف المذكور إلى غلبة الإسكندر على دارا ملك الفرس على ما تقدم في الكلام على ملوك مصر وفي خلال ذلك عمر بيت المقدس بعد أن بقي سبعين سنة خربا من تخريب بخت نصر واختلف فيمن عمره فقيل أردشير وقيل ابنه (4/166)
دارا واليهود تسمي الذي عمره من الفرس كيرش ويقال كورش
الطبقة الرابعة ملوكها من اليونان
وأول من ملك الشأم منهم الإسكندر بن فيلبس حين ظهر على ملوك الفرس مضافا إلى مصر وبقي على ذلك حتى مات فملك بعض الشام مع العراق انطياخس وملك بعضه مع مصر البطالسة من ملوك اليونان من ولد بطليموس المنطيقي إلى حين انقراضهم بقتل أغشطش ملك الروم قلوبطرا آخر ملوكهم بمصر على ما تقدم ذكره في الكلام على ملوك الديار المصرية
الطبقة الخامسة ملوكها من الروم
وأول من ملكها منهم أغشطش المقدم ذكره حين غلب على قلوبطرا آخر ملوكهم وبقي بأيدي الروم إلى حين الفتح الإسلامي يتداولونه مع مصر ملكا بعد ملك على ما تقدم في الكلام على ملوك الديار المصرية
القسم الثاني من ملوك الشام ملوكه في الإسلام وهم على ضربين الضرب الأول عمال الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من نواب الخلفاء إلى حين استيلاء الملوك عليه
وأول من وليه في الإسلام أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عند فتحه في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم صرف عنه ووليه (4/167)
معاوية بن أبي سفيان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا فبقي إلى أن سلم الحسن إليه الأمر ونزل له عن الخلافة في سنة إحدى وأربعين من الهجرة وتوالت عليه خلفاء بني أمية واختاروه دارا لخلافتهم من لدن معاوية وإلى انقراض دولتهم بقتل مروان بن محمد آخر خلفائهم على ما تقدم ذكره في الكلام على من ولي الخلافة
ثم كانت دولة بني العباس فوليها في خلافة السفاح عمه عبد الله بن علي ابن عبد الله بن عباس في سنة اثنتين وثلاثين ومائة فبقي أيام السفاح وبعض أيام المنصور بعده ثم صرفه المنصور بولاية أبي مسلم الخراساني الشام ومصر في سنة سبع وثلاثين ومائة ثم قتله المنصور بعد ذلك في السنة المذكورة توالى عليه بعد ذلك عمال خلفاء بني العباس إلى أن وليها عبد الصمد بن علي ثم عزله الرشيد وولى مكانه إبراهيم بن صالح بن علي ثم توالت عليه العمال إلى أن غلب عليه أحمد بن طولون مع مصر على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
الضرب الثاني من وليها ملكا
قد تقدم أن القواعد العظام بالشأم ست قواعد وهي دمشق وحلب وحماة وأطرابلس وصفد والكرك وكل قاعدة من القواعد الست تشتمل على مملكة
فأما دمشق فأول ملوكها أحمد بن طولون صاحب مصر بعد موت مقطعها أماجور في سنة أربع وستين ومائتين وذلك أول اجتماع مصر والشأم (4/168)
لملك واحد في الإسلام ثم ملكها بعده مع مصر ابنه خمارويه ثم هارون بن خمارويه وكان طغج بن جف نائبا عنهما بها وفي أيام هارون تغلبت القرامطة على دمشق ثم انتزعها منهم المكتفي بالله خليفة بغداد في سنة إحدى وتسعين ومائتين وأقام عليها أحمد بن كيغلغ أميرا فبقي بها بقية أيام المكتفي ثم أيام المقتدر ثم أيام الظاهر فلما ولي الراضي الخلافة عزله عنها في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة وولى عليها الأخشيد وهو محمد بن طغج بن جف وذلك قبل أن يلي مصر في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة فاستناب على دمشق بدرا الأخشيدي فانتزعها منه محمد بن رائق في سنة ثمان وعشرين وثلثمائة واستخلف عليها أبا الحسين أحمد بن علي بن مقاتل في سنة تسع وعشرين وثلثمائة ثم انتزعها منه الأخشيد المقدم ذكره بعد ذلك وبقيت معه حتى مات في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة فوليها بعده ابنه انوجور وهو صغير وقام بتدبير دولته كافور الأخشيدي الخادم ثم انتزعها منه سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب الآتي ذكره ثم انتزعها منه كافور الأخشيدي المقدم ذكره وولى عليها بدرا الأخشيدي الذي كان بها أولا فأقام بها سنة ثم وليها أبو المظفر بن طغج ثم لما مات أنوجور بن طغج ملكها مع مصر أخوه علي بن طغج ثم كافور بعده ثم أحمد بن علي بن الأخشيد بعده وهو آخر من ملك منهم على ما تقدم في الكلام على ملوك مصر
ثم كانت الدولة الفاطمية بمصر فملكها جوهر قائد المعز الفاطمي وخطب بها لمولاه المعز وأذن بحي على خير العمل في سنة تسع وخمسين (4/169)
وثلثمائة وقطعت الخطبة العباسية منها وأقام بها جعفر بن فلاح نائبا ثم تغلبت القرامطة عليها في سنة ستين وثلثمائة ثم اقتلعها منهم المعز وولى عليها ريان الخادم ثم غلب عليها افتكين مولى معز الدولة بن بوية الديلمي وقطع الخطبة منها للمعز الفاطمي وخطب لخليفة بغداد في سنة أربع وستين وثلثمائة ثم انتزعها المعز الفاطمي بعد ذلك وقبض عليه وأحضره معه إلى مصر ثم بعد موت المعز وولاية ابنه العزيز تغلب عليها شخص اسمه قسام إلا أنه كان يخطب فيها للعزيز ثم انتزعها منه العزيز وقرر فيها بكتكين في سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة ثم انتزعها منه بكجور مولى قرعوية صاحب حلب بأمر العزيز الفاطمي صاحب مصر في سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة ثم انتزعها منه وقرر فيها منيرا الخادم في سنة سبع وسبعين وثلثمائة ثم استعمل الحاكم بن العزيز الفاطمي عليها أبا محمد الأسود في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة ثم انتزعها منه أنوش تكين الدزبري بأمر المستنصر الفاطمي في سنة تسع وعشرين وأربعمائة ثم أمر بالخروج عن (4/170)
طاعته في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة فخرج عنها وفسد أمرها بذلك ثم تغلب عليها أتسز بن أرتق الخوارزمي أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي في سنة ثمان وستين وأربعمائة وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمي وخطب للمقتدي العباسي ومنع من الأذان بحي على خير العمل ولم يخطب بعد ذلك بالشام لأحد من الفاطميين ثم غلب عليها تتش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق وملكها في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتوفي فملكها بعده ابنه دقاق وأشرك معه في الخطبة أخاه رضوان صاحب حلب مقدما لرضوان في الذكر في الخطبة بعد حرب جرت بينهما وتوفي دقاق سنة تسع وتسعين وأربعمائة فخطب طغتكين أتابك دولته لابن دقاق وهو طفل عمره سنة واحدة ثم قطع الخطبة له وخطب لعمه بلتاش بن تتش ثم قطع الخطبة لبتاش وأعاد الخطبة للطفل وهو آخر من خطب له بدمشق من بني سلجوق ثم استقر طغتكين المقدم ذكره في ملك دمشق بنفسه وبقي حتى توفي في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وملك بعده ابنه تاج الملوك توري بعهد من أبيه وتوفي سنة ست وعشرين وخمسمائة وملك بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل بعهد من أبيه
ثم ملك بعده أخوه شهاب الدين محمود بن توري فبقي حتى قتل في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وملك بعده ابنه مجير الدين أرتق وفي أيامه تغلبت الفرنج على ناحية دمشق (4/171)
ثم انتزعها منهم الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي المعروف بنور الدين الشهيد وملكها في سنة تسع وأربعين وخمسمائة واجتمع له ملك سائر الشام معها وهو الذي بنى أسوار مدن الشام حين وقعت بالزلازل كدمشق وحماة وحمص وحلب وشيرز وبعلبك وغيرها وتوفي فملك بعده ابنه الملك الصالح إسماعيل وعمره إحدى عشرة سنة وبقي بها حتى انتزعها منه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر في سنة سبعين وخمسمائة وقرر فيها أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب ثم استخلف عليها السلطان صلاح الدين بعد ذلك ابن أخيه عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب في سنة ست وسبعين وخمسمائة ثم صرفه عنها وقرر فيها ابنه الملك الأفضل نور الدين عليا وهو الذي وزر له الوزير ضياء الدين بن الأثير صاحب المثل السائر
ثم انتزعها منه أخوه الملك العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين صاحب مصر بعد وفاة أبيه بمعاضدة عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة والخليفة يومئذ ببغداد الناصر لدين الله وكان يميل إلى التشيع فكتب إليه الأفضل علي يستجيشه على أخيه العزيز عثمان وعمه العادل أبي بكر من شعره
( مولاي إن أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غضبا بالسيف حق علي )
( فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول )
فكتب إليه الناصر لدين الله في جوابه
( غصبوا عليا حقه إذ لم يكن ... بعد النبي له بيثرب ناصر )
( فاصبر فإن غدا عليك حسابهم ... وابشر فناصرك الإمام الناصر )
ولكنه لم يجاوز القول إلى الفعل ثم سلمها العزيز بعد ذلك لعمه العادل أبي بكر فقرر فيها ابنه الملك المعظم عيسى مضافة إلى ما بيده من الكرك والشوبك وكان يخطب فيها لأبيه العادل ثم لأخيه الكامل محمد صاحب مصر وبقي حتى توفي في سنة أربع وعشرين وستمائة وملك بعده ابنه الملك الناصر (4/172)
صلاح الدين داود وهو صغير
ثم انتزعها منه الملك الناصر محمد بن العادل أبي بكر صاحب مصر واستخلف فيها أخاه الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن العادل أبي بكر فبقي حتى توفي في سنة خمس وثلاثين وستمائة
وملكها بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر بعهد منه فانتزعها منه الملك الكامل بن العادل أبي بكر في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة وتوفي في السنة المذكورة
فملك بعده الملك الجواد يونس بن مودود بن العادل أبي بكر
ثم انتزعها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن العادل أبي بكر في سنة ست وثلاثين وستمائة ثم أقام فيها الملك المغيث فتح الدين عمر نائبا عنه
ثم انتزعها منه الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر صاحب بعلبك في سنة سبع وثلاثين وستمائة
ثم انتزعها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد صاحب مصر وتسلمها له معين الدين بن الشيخ في سنة ثلاث وأربعين وستمائة وتوفي قبل أن يتسلمها فتسلمها له حسام الدين بن أبي علي في السنة المذكورة ولم تزل بيد نواب الصالح أيوب حتى مات في سنة سبع وأربعين وستمائة
ثم ملكها بعد وفاته الملك الناصر يوسف بن العزيز محمد صاحب حلب في سنة ثمان وأربعين وستمائة فبقي بها إلى أن غلب عليها هولاكو في سنة (4/173)
ثمان وخمسين وستمائة وكان آخر أمر الناصر المذكور أنه لحق بهولاكو المذكور فأقام عنده مدة ثم قتله
ثم كانت الدولة التركية فملكها منهم الملك المظفر قطز صاحب مصر حين غلبته التتار على عين جالوت ثم توالى عليها نواب ملوك الترك من لدن المظفر قطز وإلى سلطنة الناصر فرج بن الظاهر برقوق في زماننا على ما تقدم ذكره في الكلام على ملوك الديار المصرية ولم أقف علىأسماء نوابها لطول المدة وقلة اعتناء المؤرخين بذكر أسمائهم
وأما حلب فقد تقدم أن منزل الجند في ابتداء الإسلام كان بقنسرين ثم طرأت عليها حلب بعد ذلك وأضعفتهاولعل ابتداء أمرها كان في ابتداء الدولة الطولونية وقد كان أحمد بن طولون استولى عليها حين استيلائه على دمشق وصارت في ملكه تبعا للديار المصرية كدمشق وكان بها نوابه ثم نواب ابنه خمارويه ثم نواب جيش بن خماروية ثم هارون بن خمارويه في نيابة طغج ابن جف عن هارون وجيش المذكورين ثم كانت مع دمشق في نيابة أحمد بن كيغلغ ثم في نيابة الأخشيد محمد بن طغج بن جف قبل أن يلي مصر ثم في نيابة بدر الأخشيدي على ما تقدم في الكلام على مملكة دمشق
ثم انتزعها من بدر الأخشيدي سيف الدولة بن حمدون التغلبي الربعي وملكها في سنة ثلاث وثلثمائة وبقي بها حتى توفي في سنة ست وخمسين وثلثمائة وملكها بعده ابنه سعد الدولة أبو المعالي شريف
ثم انتزعها منه قرعوية غلام أبيه في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ثم غلب عليها بكجور غلام قرعوية المذكور بعد ذلك واقتلعها منه (4/174)
ثم انتزعها منه سعد الدولة المقدم ذكره ثم تقلد بها أبو علي بن مروان من الخليفة الفاطمي يومئذ بمصر في سنة ثمانين وثلثمائة ولم يدخلها وبقيت بيد سعد الدولة المذكور حتى توفي بالفالج في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة
ثم ملك بعده ابنه أبو الفضل مكانه
ثم انتزعها منه أبو نصر بن لؤلؤ وخطب بها للحاكم الفاطمي ثم أمره الحاكم بتسليمها إلى نوابه بها فتسلموها منه واستقرت بأيديهم حتى انتهت إلى نائب من نوابه اسمه عزيز الملك فبقي بها بقية أيام الحاكم وبعض أيام ابنه الظاهر ثم وليها عن الظاهر رجل يقال له ابن شعبان ثم تغلب عليها صالح بن مرداس أمير بني كلاب في سنة أربع وعشرين وأربعمائة ثم قتل في أيام الظاهر الفاطمي فملكها بعده شبل الدولة نصر بن صالح
ثم انتزعها منه أنوش تكين الدزبري بأمر المستنصر العلوي في شعبان سنة تسع وعشرين وأربعمائة وبقي حتى توفي في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وملكها بعده معز الدولة ثمال بن صالح بن مرداس ثم ملك قلعتها بعد ذلك في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ثم تسلمها منه مكين الدولة الحسن بن علي بن ملهم في سنة تسع وأربعين وأربعمائة بصلح وقع بينه وبين الفاطميين على ذلك
ثم انتزعها منه محمود بن شبل الدولة بن صالح المقدم ذكره وملك قلعتها في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة
ثم انتزعها منه معز الدولة ثمال بن صالح في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة وبقي بها حتى توفي في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة
وملكها بعده أخوه عطية بن صالح في السنة المذكورة
ثم انتزعها منه ابن اخيه محمود بن شبل الدولة المقدم ذكره في رمضان (4/175)
سنة أربع وخمسين وأربعمائة وبقي بها حتى توفي في ذي الحجة سنة ثمان وستين وأربعمائة
وملكها بعده ابنه نصر بن محمود ثم قتله التركمان
وملكها بعده أخوه سابق بن محمود
ثم انتزعها منه شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وقتل في صفر سنة سبع وسبعين وأربعمائة
وملكها بعده أخوه إبراهيم بن قريش
ثم انتزعها منه تتش بن ألب أرسلان السلجوقي صاحب دمشق في السنة المذكورة
ثم انتزعها منه السلطان ملكشاه السلجوقي وسلمها إلى قسيم الدولة اقسنقر ثم استعادها تتش بن ألب أرسلان القمدم ذكره بعد موت ملكشاه واستضافها إلى دمشق وانبسط ملكه حتى ملك بعد ذلك أذربيجان وبقي حتى قتل في صفر سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
وملكها بعده ابنه رضوان في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وبقي حتى توفي في سنة سبع وخمسمائة
وملكها بعده ابنه سلطان شاه بن رضوان
ثم انتزعها منه ايلغازي بن أرتق صاحب ماردين وسلمها إلى ولده حسام (4/176)
الدين تمرتاش ثم غلب عليها سليمان بن أرتق وعصى بها على أبيه فانتزعها أبوه منه وسلمها إلى ابن أخيه سليمان بن عبد الجبار بن أرتق في رمضان سنة ست وعشرة وخمسمائة
ثم انتزعها منه عمه بلك بن بهرام بن أرتق وبقي بها حتى قتل في سنة سبع عشرة وخمسمائة وملكها بعده ابن عمه تمرتاش بن ايلغازي في ربيع الأول من السنة المذكورة ثم حاصرها الفرنج وهي في يده فخلصها منهم أقسنقر البرسقي صاحب الموصل وملكها مع ماردين في السنة المذكورة وبقي حتى قتلته الباطنية في سنة عشرين وخمسمائة
وملكها بعده ابنه عز الدين مسعود واستخلف بها اميرا من أمرائه اسمه قايماز ثم استخلف عليها بعده رجلا اسمه كيغلغ
ثم انتزعها منه سليمان بن عبد الجبار بن أرتق المقدم ذكره
ثم انتزعها منه عماد الدين زنكي صاحب الموصل في المحرم سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وملك معها حماة وحمص وبعلبك وبقي حتى قتله غلمانه في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
ثم ملك بعده ابنه الملك العادل نور الدين محمود وبقي إلى أن توفي
وملك بعده ابنه الصالح إسماعيل فبقي بها بعد ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق حتى توفي بها في سنة سبع وسبعين وخمسمائة
وملكها بعده بوصية منه ابن عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي بن مودود في السنة المذكورة
ثم انتزعها منه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة تسع وسبعين وخمسمائة وقرر فيها ابنه الظاهر غياث الدين غازي
ثم انتزعها منه وسلمها لأخيه العادل أبي بكر بن أيوب في السنة المذكورة ثم أعاد إليها ابنه الظاهر غازي المقدم ذكره في سنة اثنتين وثمانين (4/177)
وخمسمائة فبقي بها حتى توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة
وملكها بعده ابنه الملك العزيز محمد فبقي بها حتى توفي في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة
ثم ملكها بعده ابنه الملك الناصر يوسف وعمره سبع سنين ولم تزل بيده حتى استولت عليها التتار في سنة ثمان وخمسين وستمائه
ثم كانت الدوله التركية فكان أول من ملكها من ملوك الترك المظفر قطز حين كسر التتار على عين جالوت على ما تقدم ذكره في الكلام على مملكة دمشق ثم توالى عليها نواب ملوك الترك من لدن المظفر قطز وإلى زماننا في سلطنة الناصر فرج بن الظاهر برقوق على ما تقدم ذكره في الكلام على مملكة الديار المصرية
وأما حماة فقد تقدم في الكلام على قواعد الشام أن الذكر في القديم إنما كان لحمص وإنما تنبهت حماة في الذكر في الدولة الأتابكية عماد الدين زنكي وذلك أن حماة كانت تبعا لغيرها من الممالك تارة تضاف إلى دمشق وتارة إلى حلب
فكانت مع دمشق بيد طغتكين أتابك دولة رضوان بن تتش السلجوقي في سنة تسع وخمسمائة
ثم انتزعها منه السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي في السنة المذكورة وسلمها للأمير فيرخان بن قراجا
ثم ملكها توري بن طغتكين وقرر بها ابنه سونج فبقيت بيده حتى انتزعها منه عماد الدين زنكي في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة
ثم انتزعها منه بعد ذلك تاج الملوك إسماعيل بن توري بن طغتكين السلجوقي في سنة سبع وعشرين وخمسمائة
ثم ملكها العادل نور الدين محمود بن زنكي مع دمشق وحلب وغيرهما (4/178)
في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ثم صارت بعده مع غيرها من البلاد الشامية إلى ابنه الصالح إسماعيل فبقيت بيده حتى انتزعها منه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة سبعين وخمسمائة وقرر فيها خاله شهاب الدين الحارمي ثم قرر فيها أخاه تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب في سنة أربع وسبعين وخممسائة فبقيت بيده حتى توفي في سنة سبع وثمانين وخمسمائة
فوليها بعده ابنه الملك المنصور ناصر الدين محمد فبقي بها حتى انتزعها منه أخوه الملك المظفر محمود في سنة ست وعشرين وستمائة فبقي بها حتى توفي في سنة ثلاث وأربعين وستمائة
ووليها بعده ابنه الملك المنصور محمد فبقي حتى غلب عليها هولاكو ملك التتار مع دمشق وحلب وغيرهما فقرر بها المظفر قطز صاحب مصر بعد هزيمة التتار فبقي بها حتى توفي في سنة ثلاث وثمانين وستمائة
فوليها بعده ابنه المظفر شادي عن المنصور قلاوون صاحب مصر بعهد منه وبقي بها حتى توفي في سنة ثمان وتسعين وستمائة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الثانية
فولى الملك الناصر مكانه قراسنقر أحد أمرائه نائبا عليها وكان العادل كتبغا بعد خلعه من السلطنة قد استقر نائبا بصرخد فنقله الملك الناصر محمد بن قلاوون إليها بعد هزيمة غازان ملك التتار وجعله نائبا بها في سنة اثنتين وسبعمائة ومات بعد ذلك
فولى الملك الناصر مكانه في نيابتها قبجق أحد أمرائه ثم صرفه عنها وولى مكانه أستدمر الكرجي ثم صرفه عنها بعد عوده من الكرك
وولى فيها الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن المظفر عمر سلطنة على عادة من تقدمه فيها من الملوك الأيوبية وكتب له بذلك عهدا عنه فبقي بها إلى أن توفي في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة (4/179)
فولى السلطان الملك الناصر مكانه ابنه الملك الأفضل محمد وكتب له بذلك عهدا أيضا فبقي بها حتى أزله قوصون أتابك العساكر في سلطنة المنصور أبي بكر بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة
وولى مكانه الأمير طقزدمر نائبا بها واستقرت نيابة إلى الآن يتوالى عليها نواب ملوك مصر نائبا بعد نائب إلى زماننا كغيرها من الممالك الشامية وانقطعت مملكة بني أيوب من الشام بذلك
وأما أطرابلس فكان قد تغلب عليها قاضيها أبو علي بن عمار وملكها وطالت مدته فيها
ثم انتزعها منه المستنصر الفاطمي خليفة مصر مع غيرها من السواحل الشامية فبقيت بيده حتى غلب عليها القومص فملكها في سنة ثلاث وخمسمائة فبقيت في أيدي الفرنج من حينئذ إلى ان فتحها الملك المنصور قلاوون أحد ملوك الديار المصرية في سنة ثمان وثمانين وستمائة بعد ان مضى عليها في يد الفرنج مائة وخمس وثمانون سنة وأعجز فتحها من مضى من ملوك بني أيوب فمن بعدهم ومن حين فتحها جعلت نيابة وتوالى عليها نواب ملوك مصر من لدنه إلى زماننا
وأما صفد فقد تقدم في الكلام على قواعد الممالك الشامية أنها كانت في القديم قرية وأن الفرنج الدموية بنتها واستحدثت حصنها في سنة خمس وسبعين وأربعمائة (4/180)
ثم فتحها الظاهر بيبرس بعد ذلك في رابع عشر شوال سنة أربع وستين وستمائة وقرر بها الأمير كيغلدي العلائي نائبا وتوالى عليها بعد ذلك نواب ملوك مصر من لدن الظاهر بيبرس وإلى زماننا في سلطنة الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق
وأما الكرك فقد تقدم أن قلعتها كانت ديرا لرهبان وكانت بيد الفرنج وأن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة أربع وثمانين وخمسمائة فتحها وقرر فيها أخاه الملك العادل أبا بكر بن أيوب فبقيت بيده إلى أن مات السلطان صلاح الدين فقرر فيها ابنه الملك المعظم عيسى فبقيت في يده إلى أن استضاف إليها دمشق وتوفي في سنة أربع وعشرين وستمائة
وملكها بعده ابنه الملك الناصر صلاح الدين داود في سنة ست وعشرين وستمائة وبقي إلى سنة سبع وأربعين وستمائة فاستخلف عليها ابنه الملك المعظم عيسى بعد أن أخذ منه غالب بلاده وفر بنفسه
ثم انتزع الصالح نجم الدين أيوب الكرك من المعظم عيسى بن الناصر داود في السنة المذكورة وأقام بها بدر الدين الصوابي نائبا عنه وبقي الناصر داود بعد ذلك مشردا في البلاد إلى أن مات في سنة خمس وخمسين وستمائة وكان من أهل العلم والورع وله شعر رائق منه
( ألا ليت أمي أيم طول دهرها ... ولم يقضها ربي لمولى ولا بعل )
( ويا ليتها لما قضاها لسيد ... لبيب أريب طيب الفرع والأصل )
( قضاها من اللاتي خلقن عواقرا ... ولا بشرت يوما بانثى ولا فحل )
( ويا ليتها لما غدت بي حاملا ... أصيب من احتفت عليه من الحمل ) (4/181)
( ويا ليتني لما ولدت وأصبحت ... تشد إلي الشدقميات بالرحل )
( لحقت بأسلافي فكنت ضجيعهم ... ولم أر في الإسلام ما فيه من ثكل )
وكان الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب معتقلا بالشوبك فأخرجه الصوابي نائب الملك الصالح وملكه الكرك فبقي بها حتى قبض عليه الملك الظاهر بيبرس وقتله في سنة إحدى وسبعين وستمائة وهو آخر من ملكها من بني أيوب
قلت وأما غير هذه الممالك كحمص وبعلبك فإنما كانت في الغالب تبعا لغيرها حتى إن حمص وبعلبك حين استولت التتار على الشام في آخر الدولة الايوبية كانتا مضافتين إلى دمشق
واعلم أن غالب أطراف البلاد الشامية ومضافاتها كانت بأيدي ملوك متفرقة من قديم الزمان وبعضها حدث انفراده ثم تنقلت بها الأحوال حتى استولى على كثير منها أهل الكفر وصارت بأيديهم إلى أن قيض الله تعالى لها من فتحها ثم استعاد أهل الكفر منها ما استعادوا ثم فتح ثانيا على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى
من ذلك القدس كانت بيد تتش بن ألب أرسلان السلجوقي صاحب دمشق المتقدم ذكره كان قد أقطعها للأمير أرتق جد ملوك ماردين الآن فلما توفي أرتق المذكور صار القدس لولديه ايلغازي وسقمان وبقي بيديهما إلى أن انتزعه منهما المستنصر الفاطمي في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وبقي بيده إلى أن ملكه الفرنج منه في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بعد أن بذلوا السيف في المسلمين نحو سبعة أيام وقتلوا في المسجد الأقصى ما يزيد على تسعين ألف (4/182)
نفس وبقي بيديهم حتى فتحه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة أربع وثمانين وخمسمائة ثم استعاده الفرنج من الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بمهادنة جرت بينهم في سنة ست وعشرين وستمائة
ثم انتزعه منهم الملك الناصر داود صاحب الكرك في سنة سبع وثلاثين وستمائة
ثم سلمه الصالح إسماعيل صاحب دمشق والناصر داود صاحب الكرك المتقدم ذكره للفرنج بعد ذلك ليكونوا عونا لهما على الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر في سنة إحدى وأربعين وستمائة
ثم فتحه الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر واقتلعه من أيديهم في سنة اثنتين وأربعين وستمائة فاستمر بأيدي المسلمين إلى الآن
ومن ذلك بلاد السواحل الشامية كانت بأيدي أناس متفرقة
فأما أطرابلس وصفد فقد تقدم الكلام عليهما في الكلام على ملوك الممالك الشامية وأما غيرهما من بلاد السواحل وما والاها فإن غالبها كان بيد الفاطميين خلفاء مصر إلى أن ضعفت دولتهم في أيام المستنصر أحد خلفائهم فقصدت الفرنج هذه السواحل من كل جهة واستولوا على بلادها شيئا فشيئا
فاستولوا على عكا وجبيل في سنة تسع وتسعين وأربعمائة وعلى صيدا في سنة أربع وخمسمائة واستشرى فسادهم حتى ملكوا بيروت وعسقلان وصور وأنطرسوس والمرقب وأرسوف واللاذقية ولدا والرملة ويافا ونابلس وغزة وبيت لحم وبيت جبريل وغير ذلك من بلاد السواحل وما جاورها فبقيت في أيديهم حتى فتحها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فيما بين الثلاث والثمانين والخمسمائة إلى الثمان والثمانين والخمسمائة
ثم عقد الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ثمان وثمانين على أن تكون يافا وأرسوف وعكا وقيسارية وأعمالها بيد الفرنج وأن تكون لد والرملة مناصفة بينهم (4/183)
وبين المسلمين
ثم استولوا على بيروت في سنة أربع وتسعين وخمسمائة ثم وقعت الهدنة بعد ذلك بين الفرنج وبين العادل أبي بكر بن أيوب في سلطنته في سنة إحدى وستمائة على أن تستقر بيد الفرنج يافا وتترك لهم مناصفة لد والرملة
ثم استعاد الفرنج عكا في سنة أربع عشرة وستمائة في أيام العادل أبي بكر المذكور
ثم استولوا على صيدا وما معها في أيام ابنه الكامل محمد في سنة ست وعشرين وستمائة قبل تسلميه القدس لهم
ثم سلمهم الصالح إسماعيل صاحب دمشق صفد والشقيف على أن يعاونوه على الصالح أيوب صاحب مصر في سنة ثمان وثلاثين وستمائة
ثم سلمهم الصالح إسماعيل والناصر داود صاحب الكرك عسقلان وطبرية حين سلماهم القدس في سنة إحدى وأربعين وستمائة
ثم فتح الصالح أيوب صاحب مصر غزة واستولى عليها في سنة اثنتين وأربعين وستمائة
ثم فتح الظاهر بيبرس في سنة اثنتين وستين وستمائة قيسارية وأرسوف وصفد ويافا في سنة أربع وستين وستمائة وفتح صهيون في سنة ست وستين وستمائة وأطرابلس في سنة ثمان وثمانين
ثم فتح ابنه الأشرف خليل عكا في سنة تسعين وستمائة وتتابعت فتوحه ففتح صيدا وبيروت وعثليث في السنة المذكورة وبفتوحه تكاملت بلاد السواحل بأجمعها ولما فتحت هدمت جميعها خوفا أن يملكها الفرنج ثانيا وبقيت بأيدي المسلمين إلى الآن (4/184)
ومن ذلك أنطاكية التي هي قاعدة العواصم فإنها كانت بيد باغي سيان ابن محمد بن ألب أرسلان السلجوقي إلى أن غلب عليها الفرنج في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وقتلوا باغي سيان المذكور وقتل فيها ما يزيد على مائة ألف نفس بعد حصار تسعة أشهر وملكوا معها كفر طاب وصهيون والشغر وبكاس وسرمين والدربساك وغيرها من بلاد حلب وبالغوا حتى جاوزوا الفرات إلى بلاد الجزيرة وملكوا الرها وسروج وغيرهما من بلادها حتى فتح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الشغر وبكاس وسرمين وغيرها في سنة أربع وثمانين وخمسمائة
ثم استعادتها الفرنج بعد فتحه ثم فتح أنطاكية الظاهر بيبرس في سنة ست وستين وستمائة فبقيت في أيدي المسلمين إلى الآن
ومن ذلك باقي بلاد الثغور والعواصم كآياس وأذنة والمصيصة وطرسوس وبغراس وبهسني والدربساك وسيس وغيرها من بلاد الثغور فإن الأرمن وثبوا عليها قبل الأربعمائة واستولوا على نواحيها ومنعوا ما كانوا يؤدونه من الإتاوة للمسلمين واستضافوا إلى ذلك قلعة الروم وما قاربها فبقيت في أيديهم حتى فتح الظاهر بيبرس بغراس وبهسنى والدربساك وغيرها وانتزعها من الأرمن في سنة ثمان وستين وستمائة
وفتح الأشرف خليل بن قلاوون قلعة الروم وانتزعها من يد خليفتهم في سنة إحدى وتسعين وستمائة وسماها قلعة المسلمين على ما تقدم في الكلام على الأعمال الحلبية
وفتح الناصر محمد بن قلاوون في سلطنتة الثالثة آياس وما والاها (4/185)
في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
وفتح الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون سيس وسائر بلاد الأرمن على يد قشتمر المنصوري نائب حلب
ومن ذلك قلاع الدعوة التي هي الآن من أعمال طرابلس وهي مصياف والعليقة والمنيقة والكهف والقدموس والخوابي فإنها كانت بأيدي الإسماعيلية المعروفين الآن بالفداوية قبل دخلوهم في طاعة ملوك الديار المصرية فبقيت بأيديهم حتى انتزعها منهم الملك الظاهر بيبرس في سنة ثمان وستين وستمائة وانتزع منهم العليقة في سنة تسع وستين
ثم انتزعت منهم باقي القلاع في سنة إحدى وسبعين ودخلوا تحت طاعة ملوك مصر من حينئذ وصاروا شيعة لهم
وهذا آخر ما يحتمله الكتاب مما يحتاج إلى معرفته
الطرف الثالث من الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر احوال المملكة الشامية وفيه مقصدان المقصد الأول في ترتيب نياباتها على ما هي مستقرة عليه
قد تقدم أن الممالك المعتبرة بالبلاد الشامية ست ممالك في ست قواعد وكل مملكة منها قد صارت نيابة سلطنة مضاهية للمملكة المستقلة (4/186)
النيابة الأولى نيابة دمشق وفيها جملتان الجملة الأولى في ذكر أحوالها في المعاملات ونحوها
أما الأثمان المتعامل بها فيها فعلى ما تقدم في الكلام على معاملات الديار المصرية من المعاملة بالدنانير المصرية ونحوها وزنا والدنانير الافرنتية عدا والدراهم النقرة وزنا لا تختلف النقود في ذلك إلا أن الصنجة في أوزان الذهب بالديار المصرية تخالف الصنجة الشامية في ذلك فتنقص الصنجة الشامية عن المصرية كل مائة مثقال وربع مثقال وتنقص صنجة الدراهم الشامية عن الصنجة المصرية كل مائة درهم درهم والمعاملة فيها بفلوس صغار وكان يتعامل بها في الديار المصرية في الزمن الأول قبل ضرب الفلوس الجدد حسابا عن كل درهم أربعة وستون فلسا وكل أربعة فلوس منها يعبر عنها عندهم بحبة ثم راجت الفلوس الجدد عندهم بعد سنة ثنتين وثمانمائة إلا أن كل بدرهم بخلاف ما تقدم في الديار المصرية من أن كل أربعة وعشرين فلسا منها بدرهم (4/187)
وأما رطلها الذي يعتبر به موزوناتها فستمائة درهم بدرهمهم المتقدم تقديره وأواقية إثنتا عشرة أوقية كل أوقية خمسون درهما
وأما كيلها الذي يعتبر به مكيلاتها فبالغرارة وهي اثنا عشر كيلا كل كيل ستة أمداد ينقص قليلا عن ربع الويبة المصري ونسبة الإردب من الغرارة أن كل غرارة ومد ونصف ثلاثة أرادب بالكيل المصري تحريرا على الدمشقي ثم قال لكن كيل دمشق ورطلها هو المعتبر وإليه المرجع
وأما قياس قماشها فبذراع يزيد على ذراع القماش بالقاهرة بنصف سدس ذراع وهو قيراطان
وأما قياس أرض الدور بها وما في معناها فإنه يعتبر بذراع العمل المتقدم الذكر في الديار المصرية
وأما سعرها فقال في مسالك الأبصار سعر اللحم بها أرخص من مصر والدجاج والإوز أغلى من مصر وكذلك السكر ولم يتعرض لغير ذلك ولا خفاء في أن الفاكهة فيها أرخص من مصر بالقدر الكبير والقمح والشعير والباقلاء نحو من سعر مصر وذلك كله عند اعتدال الأسعار أما حالة الغلاء فيختلف الحال بحسبه
الجملة الثانية في ترتيب مملكتها وهو ضربان الضرب الأول في ترتيب حاضرتها
أما جيوشها فعلى ما تقدم في الديار المصرية في اجتماعها من الترك (4/188)
والجركس والروم والروس والآص وغير ذلك من الأجناس المضاهية للترك في الزي ويزيد بها التركمان المتميزون عن صفة الترك وزيهم وجندها ينقسمون إلى ما تقدم في الديار المصرية من الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشرات ومن بين المقدمين والطبلخانات كأمراء السبعين والخمسين وما بين العشرات والطبلخانات كالعشرينات ونحوهم وكذلك مقدموا الحلقة وجندها ولا وجود فيها للمماليك السلطانية لأنهم لا يكونون إلا بحضرة السلطان وقد أخبرني من له خبرة بحال مملكتها أن الأمراء المقدمين بها كانوا في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون عشرة غير النائب بها وربما نقصوا الآن عن ذلك وأن أمراء الطبلخانات بها كانوا إذ ذاك أربعين وأنهم الآن نيف وخمسون وأن أمراء العشرات كانوا بها ألفين ومائة وخمسين بما فيهم من البحرية
وأما إقطاعاتها فقال في مسالك الأبصار إن إقطاعاتها لا تقارب إقطاعات مصر بل تكون على الثلثين منها إلا في أكابر الأمراء المقربين بحضرة السلطان فإن إقطاعاتهم خارجة عن العادة فلا يعتد بها قال ولا أعرف بالشأم ما يقارب ذلك إلا ما هو لنائب دمشق
وأما بيوتاتها السلطانية فقال في مسالك الأبصار بها خزانة تخرج منها الإنعامات والخلع وخزائن سلاح وزردخاناه وبيوت تشتمل على (4/189)
حاشية سلطانية مختصرة حتى لو جهز السلطان إليها جريدة وجد بها من كل الوظائف القائمة بدولته قال وكل أمير أمر فيها أو في غيرها من الشام أو رب وظيفة ولي وظيفة من عادة متوليها لبس خلعة أو خدم أحد خدمة في مهم من المهمات أو أمر من الأمور يستوجب خلعه أو إنعاما ولم يخلع عليه من مصر كان من دمشق خلعته وإنعامه ومنها تخرج أعلام الإمرة وطلائعهن وشعار الطبلخانات وفي خزائن السلاح بها تعمل المجانيق والسلاح ويحمل إلى الشام وتعمر به البلاد والقلاع ومن قلعهتا تجرد الرجال وأرباب الصنائع إلى جميع قلاع الشام وتندب في التجاريد والمهمات
قلت أما باقي البيوت كالفراش خاناه والإصطبلات السلطانية وما شاكلها فلا وجود لها فيها مما ينسب إلى السلطان بل يكون ذلك للنائب قائما مقام السلطان لأنه في الحقيقة السلطان الحاضر وكان بها مطابخ السكر السلطانية فأضيفت إلى من يتحدث في الأغوار من النائب أو غيره من الأمراء الأكابر
الضرب الثاني في بيان أرباب الوظائف بدمشق على تباين مراتبهم ووظائفها المعتبرة على خمسة أصناف الصنف الأول وظائف أرباب السيوف
وهي مضاهية لوظائف أرباب السيوف بالحضرة السلطانية في كثير منها وهي عدة وظائف منها نيابة السلطنة بها وهي أجل نيابات المملكة الشامية وأرفعها في (4/190)
الرتبة ونائبها يضاهي النائب الكافل بالحضرة السلطانية في الرتبة والألقاب والمكاتبة ويعبر عنه في المكاتبات السلطانية وغيرها بكافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس ويكتب له من الأبواب السلطانية تقليد شريف من ديوان الإنشاء الشريف وهو قائم بدمشق مقام السلطان في أكثر الأمور المتعلقة بنيابته ويكتب عنه التواقيع الكريمة ويكتب عنه المربعات بتعيين إقطاعات الجند وتجهز إلى الأبواب الشريفة فيشملها الخط الشريف السلطاني ويترتب حكم المربعات المصرية والمناشير على حكمها كما سيأتي في الكلام على المناشير في موضعها إن شاء الله تعالى وهو يكتب على كل ما يتعلق بنيابته من المناشير والتواقيع والمراسيم الشريفة بالاعتماد ومعه يكون نظر البيمارستان النوري بدمشق كما يكون نظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة مع أتابك العساكر وكذلك يكون معه نظر الجامع الأموي بها
ومنها نيابة القلعة بها وهي نيابة منفردة عن نيابة السلطنة ليس لنائب السلطنة عليها حديث وولايتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف يكتب من ديوان الإنشاء الشريف قال في التثقيف وكان عادة نائبها في الأيام المتقدمة مقدم ألف ثم استقرت بعد ذلك طبلخاناه وهي على ذلك إلى الآن ومن شأنه حفظ القلعة وصونها ولا يسلم مفتاحها لأحد إلا لمن يتولاها مكانه أو لمن يأمره السلطان بتسليمه له ولنائبها أجناد بحرية مقيمون في القلعة لخدمته ولا يحضر هو ولا أحد منهم دار النيابة بالمدينة ولا يركبون في الغالب وقد أخبرني بعض أهل المملكة أن بالقلعة طبلا مرتبا لاستعلام أوقات الليل إذا أذن للعشاء الآخرة ضرب عليه عند مضي كل أربع درج ضربة واحدة إلى أن ينقضي ثلث الليل الأول فإذا دخل الثلث الثاني ضرب عليه عند مضي كل أربع درج ضربتين إلى انقضاء الثلث الثاني فإذا دخل الثلث الثالث ضرب عليه عند مضي كل أربع (4/191)
درج ثلاث ضربات إلى أن يؤذن للصبح قال وهكذا شأن سائر القلاع بالممالك الشامية
ومنها الحجوبية وكان بها في الأيام الناصرية آبن قلاوون فيما يقال ثلاثة حجاب أحدهم حاجب الحجاب ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بأمير حاجب وعادته أن يكون مقدم ألف من الزمن القديم وهلم جرا وهو التربة الثانية من النائب ومن شأنه الجلوس بدار العدل ولا يقف كما يقف حاجب الحجاب بين يدي السلطان بالديار المصرية وإذا خرج النائب عن دمشق في مهم أو غيره كان هو نائب الغيبة عنه وإذا برز مرسوم السلطان بالقبض على نائب السلطنة بها كان هو الذي يقبض عليه ويفعل فيه ما يؤمر به من سجن أو غيره ويقوم بأمر البلد إلى أن يقام نائب آخر والحاجبان الآخران طبلخانتان أو طبلخاناه وعشرة وربما كانوا أربعة حاجب الحجاب وثلاث طبلخانات أو طبلخانتان وعشرون أو عشرة أو غير ذلك ورتبهم في المواكب أن يكون حاجب الحجاب والذي يليه في الرتبة ميمنة والثاني ميسرة ثم صاروا في الأيام الظاهرية برقوق خمسة أو ستة ولم تجر العادة بأن يكتب لأحد منهم مرسوم شريف من الأبواب الشريفة عند ولايته ولا مدخل للنائب بها في كتابة ما يوقع لأحد منهم
ومنها شد المهمات وهي رتبة جليلة وموضوعها التحدث في أمور الاحتياجات السلطانية وتارة لنائب السلطنة بدمشق وتارة لحاجب الحجاب وتارة لبعض الأمراء من المقدمين والطبلخانات بحسب ما يقتضيه رأي السلطان
ومنها نقابة القلعة بها وهي إمرة عشرة بمرسوم شريف يكتب له من الأبواب الشريفة
ومنها نقابة النقباء وهما نقيبان نقيب للميمنة ونقيب للميسرة
ومنها الخزندارية وموضوعها التحدث على الخلع والتشاريف السلطانية بالقلعة وعادتها أربعة طواشية خصيان بعضهم أعلى من بعض أحدهم في رتبة أمير طبلخاناه أو أمير عشرين والثاني دونه والثالث دون والرابع دونه (4/192)
وكل منهم له توقيع كريم من نائب السلطنة بدمشق على قدر رتبته
ومنها نقابة الجيش وفيها ثلاثة نفر أكبرهم يعبر عنه بنقيب النقباء تارة يكون أمير طبلخاناه وفي غالب الأوقات أمير عشرة ودونه اثنان من جند الحلقة ويكتب لكل منهم توقيع كريم عن النائب على قدر رتبته
ومنها شد الدواوين وموضوعها التحدث في استخراج الأموال السلطانية رفيقا للوزير كما في الديار المصرية وكانت في الأيام المتقدمة إمرة طبلخاناه ثم استقرت إمرة عشرة وهي الآن جندي من أجناد الحلقة ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب
ومنها شد الأوقات وموضوعها التحدث على أوقاف المسلمين بدمشق وعادتها إمرة عشرة وربما كانت طبلخاناه ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب
ومنها شد الخاص وعادته طبلخاناه أو عشرة أيضا
ومنها شد الزكاة وموضوعها التحدث على متجر الكارم ونحوه وكانت في الزمن المتقدم إمرة عشرة وهي الآن جندي ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب
ومنها شد العشر وموضوعها التحدث في واصل الفرنج وكانت إمرة عشرة وهي الآن جندي ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب
ومنها شد الطعم وهي بمثابة الوكالة بالديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم وعادتها إمرة عشرة أو مقدم حلقة أو جندي ويكتب بها توقيع كريم عن النائب (4/193)
ومنها ولاية المدينة وموضوعها التحدث في أمر الشرطة كما في سائر الولايات وعادتها إمرة عشرة وربما وليها جندي ويكتب بها توقيع كريم عن النائب
ومنها المهمندارية وموضوعها تلقي الرسل الواردين في أمور أخرى كما في الديار المصرية وقد أخبرني بعض أهل المملكة أنه كان بها في الأيام الناصرية ابن قلاوون في نيابة الأمير تنكز مهمندار واحد مقدم ألف ثم استقرت في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين نفرين وهي على ذلك إلى زماننا وهما الآن أمير عشرة وجندي ويكتب لكل منهما توقيع كريم عن النائب على قدر رتبته
ومنها أميراخورية البريد وموضوعها التحدث على خيول البريد بدمشق ونواحيها وأخبرني بعض أهل هذه المملكة أنه لم يزل بها أمير عشرة من الأيام الناصرية ابن قلاوون وإلى الآن
ومنها تقدمه البريد وموضوعها التحدث على جماعة البريدية بدمشق وأخبرني بعض أهل المملكة أنها كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون منحصرة في واحد من جملة البريدية ثم استقر فيها الآن اثنان إما إمرة عشرة وإمرة خمسة أو إمرة خمسة وجندي أو نحو ذلك ويكتب لكل منهما توقيع كريم عن النائب على قدر مرتبته
ومنها شدود صغار متعددة يولى بها أجناد بتواقيع لهم عن النائب كشد دار البطيخ والفاكهة وشد المسابك من الحديد والنحاس والزجاج وغير ذلك وشد المواريث الحشرية ونحو ذلك وكان لمطابخ السكر شد مفرد يولى بتوقيع كريم عن النائب ثم استقر ذلك مضافا لمن يتحدث على الأغوار من النائب أو غيره (4/194)
قلت أما سائر أرباب الوظائف من الأمراء المستقر مثلهم بالحضرة السلطانية كرأس نوبة وأمير مجلس وأمير سلاح وأمير اخور وأمير جاندار وأستادار المباشرة وأستادار الصحبة وشاد الشراب خاناه والجاشنكير ومقدم المماليك ونحوهم فلا وجود لهم هناك وإنما يكون للنائب مثلهم من أجناده كغيره من سائر الأمراء
الصنف الثاني الوظائف الديوانية وهي عشر وظائف
منها الوزارة وهي تارة تعلو رتبة صاحبها بأن يكون جليل القدر كما إذا كان قد تقدمت له ولاية وزارة بالديار المصرية أو نحو ذلك فيصرح له بالوزارة وتارة تقصر رتبته عن ذلك فيطلق عليه ناظر المملكة الشامية ولا يسمح له من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية باسم الوزارة وإن كان الجاري على ألسنة العامة إطلاق لفظ الوزير عليه وكيفما كان فإنما يوليه السلطان من الأبواب الشريفة إن كان وزيرا كتب له تقليد وإن كان ناظر المملكة كتب له مرسوم قلت وقل أن يليها أرباب السيوف فإن وقع ذلك احتاج معه إلى ناظر مملكة كما يكون ناظر الدولة مع الوزير رب السيف بالديار المصرية
ومنها كتابة السر ويعبر عن متوليها في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بصاحب ديوان الإنشاء بالشام المحروس ولا يقال فيه صاحب دواوين الإنشاء كما في الديار المصرية على أنها تضاهي كتابة السر بالديار المصرية في الرياسة ورفعة القدر وموضوعها على نحو ما تقدم في الديار المصرية وكيفما كان فإنما يولى من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف ويحترز السلطان فيها على أن يكون كاتب السر من خاصته الموثوق بهم ليطالعه بخفيات أمور المملكة وما (4/195)
يحدث بها مما لعل النائب قد يخفيه عن السلطان وبديوانه كتاب الدست وكتاب الدرج كما بالديارالمصرية ويقال إنه كان عدة كتاب الدست في الأيام الناصرية ابن قلاوون نفرين وكتاب الدرج جماعة يسيرة ثم زاد الأمر كما في الديار المصرية وولايات كتاب الدست وكتاب الدرج يتواقيع كريمة عن النائب دون الأبواب الشريفة
وأخبرني بعض أهل دمشق العارفين بأحوال المملكة أن كاتب السر في الزمن المتقدم لم يكن يحضر دار العدل مع النائب وإنما كان يحضر كتاب الدست فقط فيوقعون بما يحتاج إليه في المجلس وينصرفون إلى كاتب السر فيخبرونه بما اتفق وكاتب السر يجتمع بالنائب في أوقات مخصوصة فيما يتعلق بالأمور السلطانية فقط وكان كاتب السر ربما داجى عليه الموقعون فيما يقع بدار العدل فيلحقه بعض الخلل فلما ولي كتابة السر القاضي سعى السعي العظيم حتى إذن له في الحضور بدار العدل والتوقيع فيه واستمر ذلك إلى الآن
ومنها نظر الجيش وموضوعه التحدث في الإقطاعات إما في كتابة مربعات تكتب بما يعينه النائب من الإقطاعات المتوفرة عن أربابها بالموت ونحوها وتكميلها بخطوط ديوانه ويجهزها النائب إلى الأبواب الشريفة ليشملها الخط الشريف السلطاني وتحمل إلى ديوان الجيوش بالديار المصرية فتجعل (4/196)
شاهدا مخلدا فيه وتكتب منه مربعة بمقتضاها يخرج المنشور على نظيرها كما تقدمت الإشارة إليه وإما في إثبات المناشير الشريفة التي تصدر إليه من الأبواب السلطانية بديوانه حفظا لحسبانات المقطعين وليس بالشام كتابة مناشير أصلا بل ذلك مختص بالأبواب السلطانية فإن كان فيه كتابة الدست وقع بدار العدل في جملة الموقعين وإلا فلا وإذا كان موقعا جلس مجلس ناظر الجيش وإن كان متأخرا في القدمة عن غيره من الموقعين وولاية هذا الناظر من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف وبديوانه عدة مباشرين من صاحب ديوان وكتاب وشهود ولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة وناظر الجيش هو الذي يحكم في المحاكمات الديوانية كما يحكم فيها مستوفي المرتجع بالديار المصرية
ومنها نظر المهمات الشريفة وهي وظيفة جليلة يكون متوليها من أرباب الأقلام رفيقا لشاد المهمات المتقدم ذكره من أرباب السيوف من النائب أو حاجب الحجاب أو غيرهما وهي تارة تضاف إلى الوزارة وتارة تفرد عنها بحسب ما يراه السلطان وولايتها من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف وبهذا الديوان عدة مباشرين من كتاب وشهود فيوليهم النائب يتواقيع كريمة
ومنها نظر الخاص وموضوعه هناك التحدث فيما يتعلق بالمستأجرات السلطانية وغيرها من الأغوار وما يجري مجراها وربما أضيف نظرها للوزير
ومنها نظر الخزانة ويعبر عنها بالخزانة العالية ومتوليها يكون رفيقا للخازندارية من الطواشية المتقدم ذكرهم فيكون متحدثا في أمر التشاريف والخلع وما معها وهي وظيفة جليلة يوليها النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر البيمارستان النوري وقد صار النظر عليه معدوقا بالنائب (4/197)
يفوض التحدث فيه إلى من يختاره من أرباب الأقلام
ومنها نظر الجامع الأموي وفي الغالب يكون مع قاضي القضاة الشافعي
ومنها نظر خزائن السلاح وموضوعها كما في الديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر البيوت وموضوعها على ما تقدم في الديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم وأخبرني بعض الدمشقيين أن هذه الوظيفة اسم على غير مسمى لا حقيقة لها ولا مباشرة لعدم البيوت السلطانية هناك
ومنها نظر بيت المال وحكمها كما في الديار المصرية
ومنها نظر ديوان الأسرى وهو التحدث في الأوقاف التي تفدى بها الأسرى
ومنها نظر الأسواق وموضوعها كما تقدم في الديار المصرية من التحدث على سوق الرقيق والخيل ونحوها وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر مراكز البريد ومتوليها يكون رفيقا لأميراخور البريد المقدم ذكره وولايته عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر الحوطات وهو على نحو من استيفاء المرتجع بالديار المصرية في تحصيل الأموال السلطانية
أما الحكم في المحاكمات الديوانية فيختص بناظر الجيش كما تقدم ذكره
ومنها نظر المسابك ومتوليه يكون رفيقا لشاد المسابك المتقدم ذكره في أرباب السيوف وولايته عن النائب بتوقيع كريم قلت ويضم إلى كل نظر من هذه الأنظار مباشرون من شهود وغيرهم يكتب لذوي الصوب منهم تواقيع كريمة عن النائب بوظائفهم في أنظار أخرى لا يسع استيفاؤها كنظر المواريث (4/198)
الحشرية وغيرها ومما أهمل من الأنظار بها نظر مطابخ السكر كما أهمل شدها لإضافتها إلى المتحدث في الأغوار على ما تقدم ذكره في الكلام على وظائف أرباب السيوف
الصنف الثالث من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية وهي عدة وظائف أيضا
منها قضاء القضاة وبها أربع قضاة من المذاهب الأربعة على الترتيب المتقدم في الديار المصرية فأعلاهم الشافعي وهو المتحدث على الموازع الحكمية والأوقاف وأكثر الوظائف ويختص بتولية النواب في النواحي والأعمال بجميع أعمال دمشق حتى في غزة ويليه في الرتية الحنفي ثم المالكي ثم الحنبلي وكان استقرار القضاة الأربعة بها بعد حدوث ذلك بالديار المصرية لكن لم تستقرالأربعة دفعة واحدة كما وقع في الديار المصرية في الدولة الظاهرية بيبرس بل على التدريج وأقدمهم فيها الشافعي وولاية الأربعة من الأبواب الشريفة بتواقيع شريفة
ومنها قضاء العسكر وموضوعه كما تقدم في الديار المصرية وبها قاضيا عسكر شافعي وحنفي وليس بها مالكي ولا حنبلي وولايتهما من الأبواب الشريفة السلطانية بتواقيع شريفة
ومنها إفتاء دار العدل وهي على ما تقدم في الديار المصرية أيضا وبها مفتيان شافعي وحنفي كما في قضاء العسكر وولايتهما عن النائب بتواقيع كريمة
ومنها وكالة بيت المال وموضوعها ما تقدم في الديار المصرية وولايتها من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف ووكالته مثبوتة على الحكام منفذة ولكن لا جلوس له بدار العدل كما يجلس وكيل بيت المال بالديار (4/199)
المصرية إلا أن يكون كاتب دست فيجلس بواسطتها في جملة الموقعين لا بالوكالة
ومنها نقابة الأشراف والأمر فيها كما في الديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم وقد تقدم عليها في الديار المصرية أنه كان من حقها أن تورد في جملة وظائف أرباب السيوف إذ يكتب في توقيع متوليها الأميري وإن كان متعمما وإنما التغليب العرفي اقتضى ذكرها في جملة وظائف أرباب الأقلام
ومنها مشيخة الشيوخ وموضوعها كما في الديار المصرية من التحدث على جميع الخوانق والفقراء بدمشق وأعمالها والعادة أن يكون متوليها شيخ الخانقاه الشميصاتية بدمشق وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنهاالحسبة وهي كما تقدم في الديار المصرية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وولايتها عن النائب بتوقيع كريم ولا مجلس لمتوليها بدار العدل كما يجلس محتسب القاهرة بدار العدل في الديار المصرية وإليه ولاية نواب الحسبة بجميع أعمال دمشق
ومنها الخطابات المعدوقة بنظر النائب فيولى فيها بتواقيع كريمة حتى إنه ربما كتب عنه التواقيع بخطابة الجامع الأموي وإن كان الغالب أنها لا تولى إلا من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف وقد صارت مضافة لقاضي القضاة الشافعي
ومنها التداريس وتختلف باختلاف حال من يتولاها في الرفعة وغيرها وولاياتها عن النائب بتواقيع كريمة غالبا والله أعلم
الصنف الرابع من الوظائف بدمشق وظائف أرباب الصناعات
فمنها رياسة الطب ورياسة الكحالين ورياسة الجرائحية وكلها على نحو ما تقدم في الديار المصرية وولاية كل منها بتوقيع كريم عن النائب أما مهتارية البيوت وما في معناها فهناك تختص بالنائب لقيامه مقام السلطان (4/200)
واختصاص البيوت به
الصنف الخامس وظائف زعماء أهل الذمة بها
وفيها بطرك النصارى اليعاقبة وبطرك النصارى الملكانيةورئيس اليهود القرايين والربانيين ورئيس السامرة ولكنه مقيم بمدينة نابلس التي هي مدينتهم المعظمة عندهم وإلى طورها حجهم وله نائب مقيم بدمشق قلت وربما كتب عن السلطان من الأبواب الشريفة بتواقيع ومراسيم بالحل على ما تصدر ولايته عن النائب وربما كتب به عنه ابتداء
الجملة الثالثة في ترتيب النيابة بها
وتوافق ترتيب السلطنة في الديار المصرية في بعض الأمور وتخالفها في (4/201)
بعض وكان عادة النائب بها في المواكب أن يركب في العسكر من الأمراء ومقدمي الحلقة وأجنادها في كل يوم اثنين وخميس ويخرجون الى سوق الخيل تحت القلعة فيسيرون خيولهم وتعرض عليهم خيول المناداة وغيرها من آلات السلاح ونحوها وينادى بينهم على العقار من الدور والضياع وغيرها ولا يتعدون سوق الخيل الى غيره أما الآن فإنهم قد رفضوا التسيير بسوق الخيل وصار النائب يخرج بالعسكر إما الى ميدان ابن أتابك وإما الى قبة يلبغا قبلي دمشق وإما الى المزة غربي دمشق وإما الى القابون شمالي دمشق على حسب ما يختاره فيسيرون هناك بدلا من تسيرهم بسوق الخيل ولا يسيرون بسوق الخيل إلا في يوم مهم من حضور رسل من بعض الملوك الغرباء ونحو ذلك فإذا فرغوا من التسيير عند ارتفاع النهار عاد النائب في موكبة حتى يأتي باب الحديد من ابواب القلعة ويقف الأمراء على ترتيب منازلهم وينادى بينهم على العقار والدور وغيرها وكذلك الخيول والسلاح ثم يسير النائب الى دار النيابة فإن كان في المواكب سماط تقدم الأمراء في خدمته ويترجل مماليكه من سوق الخيل ثم الأمراء على القرب من دار النيابة على ترتيب منازلهم حتى يكون ترجل المقدمين على باب النيابة ويبقى النائب راكبا وحده حتى ينتهي الى قاعة عظيمة معدة للجلوس في المواكب بمثابة الإيوان الذي يجلس فيه السلطان بقلعة الجبل بالديار المصرية ويصدر بها كرسي من خشب مغشى بغشاء من الحرير الأطلس الأصفر وعليه سيف نمجاة مسند الى صدره فيجلس النائب بصدر القاعة على مقعد مختص به لا يشاركه أحد في الجلوس عليه وخلفه بشتميخ منصوب وراء ظهره كعادة الأمراء ويكون الكرسي المذكور على نحو ثلاثة أذرع منه ويجلس قاضي القضاة الشافعي عن يمين النائب على نحو ثلاثة أذرع منه مسندا ظهره الى جدار صدر القاعة ويجلس قاضي القضاة الحنفي عن يمينه وقاضي القضاة المالكي عن يمين الحنفي وقاضي القضاة الحنبلي عن يمين (4/202)
المالكي وقاضي العسكر الشافعي عن يمين قاضي القضاة الحنبلي وقاضي العسكر الحنفي عن يمين قاضي العسكر الشافعي صفا مساويا للنائب في صدر القاعة ويجلس كاتب السر من جهة يسار النائب ملاصقا لمقعده الذي هو جالس عليه جاعلا يمينه إلى جدار صدر القاعة وظهره الى جهة الكرسي بانحراف قليل لمواجهة النائب وكتاب الدست بالميسرة تحته بالتدريج على حسب القدمة صفا ممتدا من كاتب السر الى جهة باب القاعة ويجلس الوزير مقابل كاتب السر من الجانب الآخر على سمت يمين قاضي القضاة الحنبلي ويجلس ناظر الجيش تحته وكتاب الدست بالميمنة تحت ناظر الجيش على الترتيب بالمقدمة ايضا آخذا من الوزير الى جهة باب القاعة فيصير كاتب السر والوزير ومن يسامتهما صفين متقابلين ويجلس أتابك العساكر من الأمراء في رأس الميمنة خلف الوزير على بعد وبقية الأمراء المقدمين تحته على الترتيب بحسب القدمة وأمراء الطبلخاناه بالميمنة تحتهم كذلك حتى يصيروا صفا آخر كصف الوزير ومن معه ويجلس المقدمون من أمراء الميسرة خلف كاتب السر ومن معه وتحتهم الطبلخاناه على الترتيب المتقدم صفا آخر مقابلا لصف الميمنة بحيث يكون اوله خارجا عن يسار الكرسي ويكون بين النائب ورأس الميمنة نحو خمسة أذرع وبينه وبين رأس الميسرة نحو عشرة أذرع وتقف طائفة من أمراء العشرات والخمسات ومقدمي الحلقة بالميمنة صفا مستقيما خلف الأتابك والأمراء الجلوس في صفه على ترتيب منازلهم ويقف مماليك النائب عن يسار الكرسي صفا آخذا من خلف أول مقدمي الميسرة بانحراف فيه الى خلف وطائفة من مقدمي الحلقة خلف الأمراء الجالسين في الفرجة الواقعة بينهم وبين مماليك النائب ويجلس حاجب الحجاب أمام النائب في آخر صفي الموقعين الممتدين من كاتب السر والوزير بميلة الى صف الميمنة ويقف بقية الحجاب خلفه ونقباء الجيش خلفهم وترفع القصص فيتناولها نقباء الجيش ويوصلونها الى حاجب الحجاب فيتناولها ويقوم فيوصلها الى كاتب السر فيفرقها على الموقعين ويبتدئ هو بالقراءة فيقرأ ما بيده من القصص ويوقع عليها بما يرسم به النائب ثم يقرأ الذي (4/203)
يليه ثم الذي يليه الى آخر صفه فإذا فرغ ذلك الصف من القراءة قرأ من هو أول الصف الذي في جانب الوزير ثم الذي يليه ثم الذي يليه الى آخر الصف فإذا انتهت القراءة قام القضاة ومن في صفهم وكاتب السر والوزير وناظر الجيش وسائر أرباب الأقلام فينصرفون فإذا انقضى المجلس وانصرف القضاة ومن معهم مد السماط ويجلس النائب على رأس السماط والأمراء ومقدمو الحلقة على ترتيب منازلهم فيأكلون ثم يرفع السماط ويتحول النائب الى طرف الإيوان فيجلس فيه ويجلس قدامه كاتب السر وناظر الجيش وتأتي المحاكمات فيفصلها ويقرأ عليه كاتب السر ما يرفع في ذلك المجلس من القصص ويتكلم مع ناظر الجيش فيما يتعلق بأمر الجيش والإقطاعات ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف كاتب السر وناظر الجيش
قال في مسالك الأبصار وتزيد عساكر الشام على غيرها ركوب يوم السبت
قلت وهو ركوب مجرد ليس فيه دار عدل ولا سماط على انه ربما أهمل حضور دار العدل ومد السماط في يومي الأثنين والخميس أيضا كما في الديار المصرية
المقصد الثاني في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة دمشق وهو على ضربين
الضرب الأول ما هو خارج عن حاضرتها من النيابات والولايات
قد تقدم أن لدمشق أربع صفقات غربية وهي الساحلية وقبلية وشمالية وشرقية ففي الصفقة الأولى وهي الغربية نيابتان وخمس ولايات
فأما النيابتان
فالأولى نيابة غزة أو تقدمة العسكر بها على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى (4/204)
ومعاملاتها بالدنانير وبالدراهم النقرة وصنجتها في الذهب والفضة كصنجة الديار المصرية وكان بها فلوس كل ثمانين منها بدرهم ويعبر عن كل اربعة منها بحبة ثم راجت بها الفلوس الجدد في أوائل الدولة الناصرية فرج بن برقوق ولكن كل ستة وثلاثين فلسا منها بدرهم ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بالدرهم المصري وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية ستون درهما ومكيلاتها معتبرة بالغرارة وكل غرارة من غرائرها ثلاثة أرادب بالمصري وقياس قماشها بالذراع المصري وأرضها معتبرة بالفدان الإسلامي والفدان الرومي على ما تقدم في دمشق وجيوشها مجتمعة من الترك ومن في معناهم ومن العرب والتركمان وبها من الوظائف النيابة ثم تارة يصرح لنائبها بنيابة السلطنة وبكل حال فنائبها أو مقدم العسكر بها لا يكون إلا مقدم ألف وبها أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومن في معناهم وفيها من وظائف أرباب السيوف الحجوبية وحاجبها أمير طبلخاناه وولاية المدينة وولاية البر وشد الدواوين والمهمندارية ونقابة النقباء وغير ذلك
وبها من الوظائف الديوانية كاتب درج وناظر جيش وناظر مال وولايتهم من الأبواب السلطانية
ومن الوظائف الدينية قاض شافعي وولايته من قبل قاضي دمشق إذا كانت غزة تقدمة عسكر وإلا فهي من الأبواب السلطانية وقاض حنفي قد استحدث وولايته من الأبواب السلطانية وبها المحتسب ووكيل بيت المال ومن في معناهم وكلهم نواب لأرباب هذه الوظائف بدمشق كما في القاضي الشافعي وليس بها قضاء عسكر ولا إفتاء دار عدل
الثانية نيابة القدس وقد تقدم أنها كانت في الزمن المتقدم ولاية صغيرة وأن النيابة استحدثت فيها في سنة سبع وسبعين وسبعمائة ونيابتها إمرة طبلخاناه وقد جرت العادة أن يضاف اليها نظر القدس ومقام الخليل عليه السلام (4/205)
ومعاملتها بالذهب والفضة والفلوس على ما تقدم في معاملة دمشق ورطلها وكيلها يعتبر بالغرارة وغرارتها وقياس قماشها بذراع وبها من الوظائف غير النيابة ولاية قلعة القدس وواليها جندي وكذلك ولاية المدينة وكانت توليتها أولا من جهة نائب السلطنة بدمشق ثم أخبرني بعض أهل المملكة الشامية أن ولاية والي القلعة وولاية البلد صارتا الى نائب القدس من حين استقر نيابة وكذلك ولاية بلد الخليل عليه السلام وبها قاض شافعي ومحتسب نائبان عن قاضي دمشق ومحتسبها وكذلك جميع الوظائف بها نيابات عن أرباب الوظائف بدمشق
وأما الولايات فالأولى ولاية الرملة وكانت في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون من الولايات الصغار بها جندي ثم استقر بها دولة الظاهر برقوق كاشف امير طبلخاناه ثم حدثت مكاتبته عن الأبواب السلطانية بعد ذلك
الثانية ولاية لد وقد كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون ولاية صغيرة بها جندي ثم أضيفت الى الرملة حين استقر بها الكاشف المقدم ذكره
الثالثة ولاية قاقون وكان بها في الايام الناصرية جندي ثم أضيفت الى كاشف الرملة عند استقراره
الرابعة ولاية بلد الخليل عليه السلام وكان في الأيام الناصرية بها جندي ثم أضيفت الى القدس حين استقر النائب به
الخامسة ولاية نابلس وهي باقية على حالها في الانفراد بالولاية وواليها تارة يكون أمير طبلخاناه وتارة أمير عشرين وتارة أمير عشرة
وأما الصفقة الثانية وهي القبلية فيها نيابتان وثمان ولايات (4/206)
فأما النيابتان
فالأولى منهما نيابة قلعة صرخد قال في التعريف قد يجعل فيها من ينحط عن رتبة السلطنة أو تكون نيابة معظمة وذكر نحوه في مسالك الأبصار وكأنه يشير الى ما كانت عليه في زمانه فإنه من جملة من كان نائبا بها العادل كتبغا بعد خلعه من السلطنة ثم انتقل منها الى نيابة حماة واعلم ان بصرخد المذكورة قلعة لها وال خاص قال في التثقيف وهي من القلاع التي يستقل نائب الشأم بالتولية فيها
الثانية نيابة عجلون وقد أشار في التثقيف الى أنها نيابة حيث قال وعجلون إن كانت نيابة فإن نائب الشأم يستقل بالتولية فيها ولم تجر له عادة بمكاتبة من الأبواب الشريفة
وأما الولايات فالأولى ولاية بيسان وواليها جندي
الثانية ولاية بانياس وواليها جندي تارة وتارة إمرة عشرة
الثالثة ولاية قلعة الصبيبة وكانت ولاية صغيرة وبها جندي ثم أضيفت الى بانياس
الرابعة ولاية الشعرا وكانت في الأيام الناصرية مضافة الى بانياس وهي الآن ولاية مفردة وواليها جندي
الخامسة ولاية أذرعات قال في التعريف وبها مقر ولاية الحاكم على جميع الصفقة ثم الحاكم على جميع الصفقة تارة يكون طبلخاناه وتكون ولايته عن نائب الشأم وتارة يكون مقدم ألف فتكون ولايته من الأبواب السلطانية أخبرني بعض كتاب دست دمشق أنه إن كان مقدم ألف سمي كاشف الكشاف وإن كان طبلخاناه سمي والي الولاة وهو الغالب (4/207)
السادسة ولاية حسبان والصلت من البلقاء أخبرني القاضي ناصر الدين بن أبي الطيب كاتب السر بدمشق أنهما إن جمعا لوال واحد كان أمير طبلخاناه أو أمير عشرة وإن أفرد كل منهما لوال كان جنديا
السابعة ولاية بصرى وواليها جندي أيضا
الصفقة الثانية الشمالية وفيها نيابة واحدة وثلاث ولايات فأما النيابة فنيابة بعلبك وقد كانت في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون إمرة عشرة ثم صارت الآن إمرة طبلخاناه وبكل حال فنائب الشام هو الذي يستقل بولايتها وربما وليت من الأبواب السلطانية قال في التعريف ولها ولاية خاصة يعني غير ولاية المدينة وقد كانت في الدولة الأيوبية مفردة في الغالب بملك بمفردها
وأما الولايات فالأولى منها ولاية البقاع البعلبكي قال في التعريف وهاتان الولايتان الآن منفصلتان عن بعلبك وهما مجموعتان لوال واحد جليل مفرد بذاته وهما على ما ذكره من جمعهما لوال واحد الى الآن إلا أنه تارة يليهما مقدم حلقة وتارة جندي
الثانية ولاية بيروت وولايتها الآن إمرة طبلخاناه
الثالثة ولاية صيدا قال في مسالك الأبصار وهي ولاية جليلة وهي على ما ذكره الى زماننا تارة يليها أمير طبلخاناه وتارة أمير عشرة
الصفقة الرابعة الشرقية وبها ثلاث نيابات وأربع ولايات (4/208)
فأما النيابات فالأولى نيابة حمص وهي نيابة جليلة وقد كانت في الأيام الناصرية فما بعدها تقدمة الف قال في التثقيف ثم استقرت طبلخاناه بعد ذلك
قال ونائب قلعتها من المماليك السلطانية وقد تقدم أن الذكر في الزمن القديم كان لها دون حماة وقد كانت في الدولة الأيوبية مملكة منفردة تارة وتضاف الى غيرها أخرى
الثانية نيابة مصياف وقد تقدم أنها كانت أولا من مضافات أطرابلس في جملة قلاع الدعوة ثم أضيفت بعد ذلك الى دمشق واستمرت على ذلك الى الآن ونيابتها تارة تكون إمرة طبلخاناه وتارة إمرة عشرة وبكل حال فتوليتها من الأبواب السلطانية ونائبها لا يكتب له إلا في المهمات دون خلاص الحقوق أيضا
الثالثة ولاية صيدا والغالب في نيابتها أن تكون تقدمة ألف وأشار في التثقيف الى أنها قد تكون طبلخاناه قال في التعريف وبقلعتها بحرية وخيالة وكشافة وطوائف من المستخدمين (4/209)
الضرب الثاني من الخارج عن حاضرة دمشق العربان والإمرة بها في بطون من العرب
البطن الأولى آل ربيعة من طيئ من كهلان من القحطانية
وهم بنو ربيعة بن حازم بن علي بن مفرج بن دغفل بن جراح وقد تقدم نسبه مستوفى مع ذكر الاختلاف فيه في الكلام على ما يحتاج اليه الكاتب في المقالة الأولى قال في العبر وكانت الرياسة عليهم في زمن الفاطميين خلفاء مصر لبني جراح كان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح وكان من إقطاعه الرملة ومن ولدة حسان وعلي ومحمود وحرار وولي حسان بعده فعظم أمره وعلا صيته وهو الذي مدحه الرياشي الشاعر في شعره قال الحمداني وكان مبدأ ربيعة أنه نشأ في أيام الأتابك زنكي صاحب الموصل وكان أمير عرب الشام أيام طغتكين السلجوقي صاحب دمشق ووفد على السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشأم فأكرمه وشاد بذكره قال وكان له أربعة أولاد وهم فضل ومرا وثابت ودغفل ووقع في كلام المسبحي أنه كان له ولد اسمه بدر قال الحمداني وفي آل ربيعة جماعة كثيرة أعيان لهم مكانة وأبهة أول من رأيت منهم ماتع بن حديثة وغنام بن الطاهر على أيام الملك الكامل (4/210)
محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب قال ثم حضر بعد ذلك منهم الى الأبواب السلطانية في دولة المعز أيبك وإلى أيام المنصور قلاوون زامل بن علي بن حديثة وأخوه أبو بكر بن علي وأحمد بن حجي وأولاده وإخوته وعيسى بن مهنا وأولاد وأخوه وكلهم رؤساء أكابر وسادات العرب ووجوهها ولهم عند السلاطين حرمة كبيرة وصيت عظيم الى رونق في بيوتهم ومنازلهم
( من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري )
ثم قال إلا انهم مع بعد صيتهم قليل عددهم قال في مسالك الأبصار لكنهم كما قيل
( تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل )
( وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل )
ولم يزل لهم عند الملوك المكانة العلية والدرجة الرفيعة يحلونهم فوق كيوان وينوعون لهم أجناس الإحسان قال الحمداني وفد فرج بن حية على المعز أيبك فأنزله بدار الضيافة وأقام أياما فكان مقدار ما وصل إليه من عين وقماش وإقامة له ولمن معه ستة وثلاثين ألف دينار قال واجتمع أيام الظاهر بيبرس جماعة من آل ربيعة وغيرهم فحصل لهم من الضيافة خاصة في المدة اليسيرة أكثر من هذا المقدار وما يعلم ما صرف على يدي من بيوت الأموال والخزائن والغلال للعرب خاصة إلا الله تعالى
واعلم أن آل ربيعة قد انقسموا الى ثلاثة أفخاذ هم المشهورون منهم ومن عداهم اتباع لهم وداخلون في عددهم ولكل من الثلاثة أمير مختص به
الفخذ الأول آل فضل وهو فضل بن ربيعة المقدم ذكره وهم رأس الكل وأعلاهم درجة وأرفعهم مكانة قال في مسالك الأبصار وديارهم من حمص الى قلعة جعبر الى الرحبة آخذين على شقي الفرات وأطراف العراق حتى ينتهي (4/211)
حدهم قبلة بشرق الى الوشم آخذين يسارا الى البصرة ولهم مياه كثيرة ومناهل مورودة
( ولها منهل على كل ماء ... وعلى كل دمنة آثار )
وقد ذكر في مسالك الأبصار نقلا عن محمود بن عرام من بني ثابت ابن ربيعة أن آل فضل تشعبوا شعبا كثيرة منهم آل عيسى وآل فرج وآل سميط وآل مسلم وآل علي قال وأما من ينضاف اليهم ويدخل فيهم فرعب والحريث وبنو كلب وبعض بني كلاب وآل بشار وخالد حمص وطائفة من سنبس وسعيدة وطائفة من بربر وخالد الحجاز وبنو عقيل من كدر وبنو رميم وبنو حي وقران والسراجون ويأتيهم من البرية من عربه غالب وآل أجود والبطنين وساعدة ومن بني خالد آل جناح والصبيات من مياس والحبور والدغم والقرسة وآل منيحة وآل بيوت والعامرة والعلجات من خالد وآل يزيد من عابد والدوامر الى غير هؤلاء ممن يخالفهم في بعض الأحيان قال المقر الشهابي بن فضل الله على أني لا أعلم في وقتنا من لا يؤثر صحبتهم ويظهر محبتهم وسيأتي ذكر قبائل أكثر هذه العربان التي تنضاف اليهم في مواضعها إن شاء الله تعالى
قال في مسالك الأبصار وأسعد بيت في وقتنا آل عيسى وقد صاروا بيوتا بيت مهنا بن عيسى وبيت فضل بن عيسى وبيت حارث بن عيسى وأولاد محمد بن عيسى وأولاد حديثة بن عيسى وآل هبة بن عيسى قال وهؤلاء آل (4/212)
عيسى في وقتنا هم ملوك البر فيما بعد واقترب وسادات الناس ولا تصلح الا عليهم العرب
وأما الإمرة عليهم فقد جرت العادة أن يكون لهم أمير كبير منهم يولى من الأبواب السلطانية ويكتب له تقليد شريف بذلك ويلبس تشريفا أطلس أسوة النواب إن كان حاضرا أو يجهز اليه ان كان غائبا ويكون لكل طائفة منهم كبير قائم مقام أمير عليهم وتصدر اليه المكاتبات من الأبواب الشريفة الا انه لا يكتب له تقليد ولا مرسوم قال في مسالك الأبصار ولم يصرح لأحد منهم بإمرة على العرب بتقليد من السلطان إلا من أيام العادل أبي بكر أخي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر منهم حديثة يعني ابن عقبة بن فضل بن ربيعة والذي ذكره قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون في تاريخه أن الإمرة عليهم في ايام العادل ابي بكر بن ايوب كانت لعيسى بن محمد بن ربيعة ثم كان بعده ماتع ابن حديثة بن عقبة بن فضل وتوفي سنة ثلاثين وستمائة وولي عليهم بعده ابنه مهنا وحضر مع المظفر قطز قتال هولاكو ملك التتار وانتزع سلمية من المنصور ابن المظفر صاحب حماة وأقطعها له ثم ولى الظاهر بيبرس عند مسيرة الى دمشق لتشييع الخليفة المستعصم الى بغداد عيسى بن مهنا بن ماتع ووفر له الإقطاعات على حفظ السابلة وبقي حتى توفي سنة اربع وثمانين وستمائة فولى المنصور قلاوون مكانة ابنه مهنا بن عيسى ثم سافر الأشرف خليل بن قلاوون الى الشام فوفد عليه مهنا بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليهم وبعث بهم الى قلعة الجبل بمصر فاعتقلوا بها وبقوا في السجن حتى افرج عنهم العادل كتبغا عند جلوسه على التخت سنة اربع وتسعين وستمائة ورجع الى إمارته ثم كان له في ايام الناصر بن قلاوون نصرة واستقامة تارة وتارة وميل الى التتر بالعراق ولم يحضر شيئا من وقائع غازان ووفد اخوه فضل بن عيسى على السلطان الملك الناصر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة فولاه مكانه وبقي مهنا مشردا ثم لحق سنة ست (4/213)
عشرة بخدابندا ملك التتار بالعراق فأكرمه وأقطعه بالعراق وهلك خدابندا في تلك السنة فرجع مهنا الى الشأم وبعث ابنيه محمدا وموسى واخاه محمد بن عيسى الى الملك الناصر فأكرمهم واحسن اليهم ورد مهنا الى إمارته وإقطاعه ثم رجع الى موالاة التتر فطرد السلطان الملك الناصر آل فضل بأجمعهم من الشأم وجعل مكانهم آل علي وولى منهم على احياء العرب محمد بن ابي بكر بن علي وصرف اقطاع مهنا وأولاده اليه والى اولاده واقام الحاسب على ذلك مدة ثم وفد مهنا على السلطان الملك الناصر صحبة الأفضل بن المؤيد صاحب حماة فرضي عنه السلطان واعاد إمرته اليه ورجع الى اهله فتوفي سنة اربع وثلاثين وسبعمائة وولي مكانه اخوه سليمان فبقي حتى توفي سنة اربع واربعين وسبعمائة عقب موت الملك الناصر وولي مكانه اخوه سيف بن فضل فبقي حتى عزله السلطان الملك الكامل شعبان بن قلاوون سنة ست واربعين وولى مكانه احمد بن مهنا بن عيسى فبقي حتى توفي في سنة سبع واربعين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن بن محمد بن قلاوون المرة الأولى وولي مكانه اخوه فياض فبقي حتى مات سنة ستين وسبعمائة وولي مكانه اخوه جبار من جهة الناصر حسن في سلطنته الثانية ثم حصلت منه نفرة في سنة خمس وستين وسبعمائة وأقام على ذلك سنتين الى ان تكلم بسببه مع السلطان نائب حماة يومئذ فأعيد الى إمارته ثم حصل منه نفرة ثانية سنة سبعين في الدوله الأشرفية شعبان بن حسين فولى مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى فكانت بينهم حروب قتل في بعضها قشتمر المنصوري نائب حلب فصرفه الأشرف وولى مكانه ابن عمه معيقل بن فضل بن عيسى ثم بعث معيقل في سنة إحدى وسبعين يستأمن لجبار المتقدم ذكره من السلطان الملك الأشرف فأمنه ووفد جبار على السلطان في سنة خمس وسبعين فرضي عنه وأعاده الى إمرته فبقي حتى توفي سنة سبع وسبعين فولي مكانه أخوه قنارة وبقي حتى مات سنة إحدى وثمانين فولي مكانه معيقل بن فضل بن (4/214)
عيسى وزامل بن موسى بن عيسى المتقدم ذكرهما شريكين في الإمارة ثم عزلا في سنتهما وولي مكانهما محمد بن جبار بن مهنا وهو نعير ثم وقعت منه نفرة في الدولة الظاهرية برقوق فولى مكانه بعض آل زامل ثم اعيد نعير المذكور الى إمرته وهو باق على ذلك الى الآن وهو محمد بن جبار بن مهنا بن عيسى بن مهنا ابن ماتع بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار أمراء آل فضل في زمانه فذكر ان امير آل عيسى وسائر آل فضل احمد بن مهنا وامير بيت فضل ابن عيسى سيف بن فضل وامير بيت حارث بن عيسى قناة بن حارث ثم قال اما اولاد محمد بن عيسى واولاد حديثة بن عيسى وآل هبة بن عيسى فأتباع
وذكر القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف انهم صاروا بيتين وهما بيت مهنا بن عيسى وفضل بن عيسى وذكر من اكابرهم عساف بن مهنا وأخاه عنقا وزامل بن موسى بن مهنا ومحمد بن جبار وهو نعير قبل الإمرة وعواد بن سليمان بن مهنا وعلي بن سليمان بن مهنا واما بنو فضل بن عيسى فذكر منهم فضل بن عيسى ومعيقل بن فضل وقال كان قبلهما سيف وابو بكر ثم قال وممن لم يكاتب اولاد فياض وبقية اولاد جبار ورقيبة بن عمر بن موسى ونحوهم
الفخذ الثاني من آل ربيعة آل مرا نسبة الى مرا بن ربيعة وهو أخو فضل المتقدم ذكره قال في التعريف ومنازلهم حوران وقال في مسالك الأبصار ديارهم من بلاد الجيدور والجولان الى الزرقاء والضليل الى بصرى ومشرقا الى الحرة المعروفة بحرة كشت قريبا من مكة المعظمة الى شعباء الى نيران (4/215)
مزيد الى الهضب المعروف بهضب الراقي وربما طاب لهم البر وامتد بهم المرعى أوان خصب الشتاء فتوسعوا في الأرض وأطالوا عدد الأيام والليالي حتى تعود مكة المعظمة وراء ظهورهم ويكاد سهيل يصير شامهم ويصيرون مستقبلين بوجوههم الشام وقد تشعب آل مرا ايضا شعبا كثيرة وهم آل احمد بن حجي وفيهم الإمرة وآل مسخر وآل نمي وآل بقرة وآل شماء
وممن ينضاف اليهم ويدخل في إمرة أمرائهم حارثة والحاص ولام وسعيدة ومدلج وقرير وبنو صخر وزبيد حوران وهم زبيد صرخد وبنو غني وبنو عز قال ويأتيهم من عرب البرية آل طفير والمفارجة وآل سلطان وآل غزي وآل برجس والخرسان وآل المغيرة وآل ابي فضيل والزراق وبنو حسين الشرفاء ومطين وخثعهم وعدوان وعنزة قال وآل مرا ابطال مناجيد ورجال صناديد وأقيال قل كونوا حجارة او حديدا لا يعد معهم عنترة العبسي ولا عرابة الأوسي الا ان الحظ لحظ بني عمهم مما لحظهم ولم تزل بينهم نوب الحرب ولهم في اكثرها الغلب قال الشيخ شهاب الدين ابو الثناء محمود الحلبي رحمه الله كنت في نوبة حمص في واقعة التتار جالسا على سطح باب الإصطبل السلطاني بدمشق إذ اقبل آل مرا زهاء اربعة آلاف فارس شاكين في السلاح على الخيل المسومة والجياد المطهمة وعليهم الكزغندات الحمر الأطلس المعدني والديباج الرومي وعلى رؤسهم البيض مقلدين بالسيوف وبأيديهم الرماح كأنهم صقور على صقور وأمامهم العبيد تميل على الركائب ويرقصون بتراقص المهارى وبأيديهم الجنائب التي اليها عيون الملوك صورا ووراءهم الظعائن والحمول ومعهم مغنية لهم تعرف بالحضرمية (4/216)
طائرة السمعة سافرة من الهودج وهي تغني
( وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ... ليالي لاقينا جذاما وحميرا )
( ولما لقينا عصبة تغلبية ... يقودون جردا للمنية ضمرا )
( فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض ابت عيدانه ان تكسرا )
( سقيناهم كأسا سقونا بمثله ... ولكنهم كانوا على الموت اصبرا )
وكان الأمر كذلك فإن الكسرة اولا كانت على المسلمين ثم كانت لهم الكرة على التتار فسبحان منطق الألسنة ومصرف الأقدار
الفخذ الثالث من آل ربيعة آل علي وهم فرقة من آل فضل المقدم ذكرهم ينتسبون الى علي بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة قال في مسالك الأبصار وديارهم مرج دمشق وغوطتها بين إخوتهم آل فضل وبني عمهم آل مرا ومنتهاهم الى الحوف والجبابنة الى السكة الى البرادع قال في التعريف وإنما نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة الى عيسى بن مهنا وبقي جار الفرات في تلابيب التتار قال في مسالك الأبصار وهم أهل بيت عظيم الشأن مشهور السادات الى اموال جمة ونعم ضخمة ومكانة في الدولة عليه وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في مسالك الأبصار أنه كان اميرهم في زمانه رملة بن جماز بن محمد بن ابي بكر بن علي بن حديثة بن عقبة بن فضل بن ربيعة ثم قال وقد كان جده اميرا ثم ابوه قلد الملك الأشرف خليل بن قلاوون جده محمد بن ابي بكر إمرة آل فضل حين امسك مهنا بن عيسى (4/217)
ثم تقلدها من الملك الناصر اخيه ايضا حين طرد مهنا وسائر إخوته واهله قال ولما أمر رملة كان حدث السن فحسده اعمامه بنو محمد بن ابي بكر وقدموا على السلطان بتقادمهم وتراموا على الأمراء وخواص السلطان وذوي الوظائف فلم يحضرهم السلطان الى عنده ولا ادنى احدا منهم فرجعوا بعد معاينة الحين بخفي حنين ثم لم يزالوا يتربصون به الدوائر وينصبون له الحبائل والله تعالى يقيه سيئات ما مكروا حتى صار سيد قومه وفرقد دهره والمسود في عشيرته المبيض لوجوه الأيام بسيرته وله اخوة ميامين كبرا هم امراء آل فضل وآل مرا وقد ذكر القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف أن الأمير عليهم في زمانه في الدولة الظاهرية برقوق كان عيسى بن زيد بن جماز
البطن الثانية
جرم بفتح الجيم وسكون الراء المهملة قال الحمداني واسمه ثعلبة وجرم اسم امه وقد تقدم ذكر نسبة في الكلام على ما يحتاج اليه الكاتب في المقالة الأولى قال في مسالك الأبصار وهم ببلاد غزة والداروم مما يلي الساحل الى الجبل وبلد الخليل عليه السلام قال الحمداني وجرم المذكورة شمجان وقمران وجيان قال والمشهور منهم الآن جذيمة ويقال إن لهم نسبا في قريش وزعم بعضهم انها ترجع الى مخزوم وقال آخرون بل من جذيمة بن مالك بن حنبل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر ثم قال وجذيمة هذه هم آل عوسجة وآل احمد وآل محمود وكلهم في إمارة شاور بن سنان ثم في بنيه وكان لسنان المذكور اخوان فيهما سودد وهما غانم وخضر ومن جذيمة جابع (4/218)
الرايديين وبنو أسلم ويقال إن اسلم من جذام لا من جذيمة ولكنها اختلطت بها ومن جذيمة ايضا شبل ورضيعة جرم ونيفور والقذرة والأحامدة والرفثة وكور جرم وموقع وكان كبيرهم مالك الموقعي وكان مقدما عند السلطان صلاح الدين بن ايوب وأخيه العادل ومنهم بنو غور ويقال إنهم من جرم بن جرمز من سنبس ومن هؤلاء العاجلة والضمان والعبادلة وبنو تمام وبنو جميل ومن بني جميل بنو مقدام ومن بني غور آل نادر ومن بني غوث بنو بها وبنو خولة وبنو هرماس وبنو عيسى وبنو سهيل وأرضهم الداروم وكانوا سفراء بين الملوك وجاورهم قوم من زبيد يعرفون ببني فهيد ثم اختلطوا بهم قال الحمداني فهذه جرم الشام وحلفاؤهم ومن جاورهم ولاذ بهم
وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في التعريف أن الإمرة على عرب غزة في زمانه كانت لفضل بن حجي وعرب غزة هم جرم المذكورون والمعروف أن جرما يكون لهم مقدم لا أمير وعليه جرى القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف وذكر أن مقدمهم في زمانه في الدولة الظاهرية برقوق كان علي بن فضل
البطن الثالثة
ثعلبة من طيئ ايضا قال في مسالك الأبصار وديارهم مما يلي (4/219)
مصر الى الخروبة وقد تقدم في سياقة الكلام على جرم أن ثعلبة هذه من بقايا ثعلبة المنتقلين الى مصر وتقدم في الكلام على عرب الديار المصرية أن ثعلبة الذي ينسبون اليه ثعلبة بن سلامان وأن سلامان بطن من بطون طيئ وأن ثعلبة المذكورين بطنان وهما درما وزريق ابنا عوف بن ثعلبة وقيل ابنا ثعلبة لصلبه وأن اسم درما عمرو ودرما اسم امه فغلب عليه وأن من درما الجواهرة والحنابلة والصبيحيين قال الحمداني وثعلبة الشام من درما آل غياث الجواهرة ومن الحنابلة ومن بني وهم من الصبيحيين ومن أحلافهم فرقة من النعيميين ومن العار والجمان وتقدم في الكلام على ثعلبة مصر ايضا أن بكل من ثعلبة مصر والشام قوما من خندف وقيس ومراد ويمن
قلت ولم يكن في التعريف ولا التثقيف لثعلبة المذكورين ذكر لعدم من يكاتب منهم إذ لم يكونوا في معنى من تقدم
البطن الرابعة
بنو مهدي بفتح الميم وسكون الهاء والدال المهملة قد تقدم في الكلام على عرب الديار المصرية انهم اخولخم وهو جذام بن عدي بن عمرو بن سبإ من العرب العاربة إما من عمرو بن سبإ من القحطانية كما يقتضيه كلام مسالك الأبصار وإما من عذرة من قضاعة من حمير بن سبإ من القحطانية ايضا كما صرح به في التعريف قال في التعريف ومنازلهم البلقاء وقال في مسالك الأبصار منازلهم البلقاء الى بابن الى الصوان الى علم اعفر قال الحمداني ومن بني مهدي المشابطة الذين منهم اولاد عسكر والعناترة والنترات واليعاقبة والمطارنة والعفير والرويم والقطاربة وأولاد الطائية وبنودوس وآل يسار والمخابرة والسماعة والعجارمة من بني (4/220)
طريف وبنو خالد والسلمان والقرانسية والدرالات والحمالات والمساهرة والمغاورة وبنو عطا وبنو مياد وآل شبل وآل رويم وهم غير الرويم المتقدم ذكرهم والمحارقة وبنو عياض ومنهم طائفة حول الكرك يأتي ذكرهم في الكلام على عرب الكرك قال الحمداني ويجاورهم بالبلقاء طائفة من حارثة ولهم نسب بقرى بني عقبة
وأما الإمرة عليهم فقد ذكر في التعريف أن إمرتهم مقسومة في اربعة منهم لكل واحد منهم الربع ولم يسم امراء زمانه منهم وذكر في التثقيف مثل ذلك وسمى امراءهم في زمانه فقال وهم بر بن ذئب بن محفوظ العنبسي وسعيد بن بحري بن حسن العنبسي وزامل بن عبيد بن محفوظ العنبسي ومحمد ابن عباس بن قاسم بن راشد العسري
البطن الخامسة
زبيد بضم الزاي قال في مسالك الأبصار وهم فرق شتى وذكر من بالشام وغيره ولم يتعرض لنسبهم في أي احياء العرب وذكر الجوهري ان زبيدا اسم قبيلة ولم يزد على ذلك قلت والموجود في كتب التاريخ عد زبيد من بطون سعد العشيرة من مذحج بن كهلان بن سبإ من العرب العاربة وهم عرب اليمن على ما تقدم ذكره وقد ذكر في مسالك الأبصار ان بالشام منهم فرقة بصرخد وفرقة بغوطة دمشق وذكر في التعريف منهم زبيد المرج وزبيد حوران وزبيد الأحلاف وذكر مثله في التثقيف ومقتضى الجمع بين كلامه في المسالك والتعريف أن تكون زبيد خمس فرق زبيد المرج وزبيد الغوطة وزبيد صرخد وزبيد حوران وزبيد الأحلاف وليس كذلك بل زبيد الغوطة وزبيد المرج واحدة فإن المراد غوطة دمشق ومرجها وهما متصلان والنازلون فيهما كالفرقة الواحدة وزبيد صرخد هي زبيد حوران كما صرح به في موضع آخر من مسالك الأبصار إذ صرخد من جملة بلاد حوران أما زبيد (4/221)
الأحلاف فديارهم بالقرب من الرحبة بجوار آل فضل قال الحمداني والذين بصرخد منهم آل مياس وآل صيفي وآل برة وآل محسن وآل جحش وآل رجاء والذين بالمرج والغوطة آل رجاء وآل بدال والدوس والحريث وهم في عداد آل ربيعة المتقدم ذكرهم وذكر معهم المشارقة جيرانهم ثم قال وإمرة زبيد هؤلاء في نوفل وليس للمشارقة إمرة ولكن لهم شيوخ منهم وأمر الفريقين الى نواب الشأم ليس لأحد من أمراء العرب عليهم إمرة وديارهم متصلة في المرج والغوطة الى أم أوعال الى الدريشدان وعليهم الدرك وحفظ الأطراف
وأما العرب المستعربة وهم بنو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام على ما تقدم بيانه في الكلام على عرب الديار المصرية فالمشهور بأعمال دمشق منهم قبيلة واحدة وهم بنو خالد عرب حمص قال الحمداني وهم يدعون النسب الى خالد بن الوليد رضي الله عنه وقد أجمع أهل العلم بالنسب على انقراض عقبه قال في مسالك الأبصار ولعلهم من ذوي قرابته من مخزوم وكفاهم ذلك فخارا أن يكونوا من قريش وقد تقدم ذكر نسب مخزوم في قريش في الكلام على بني خالد في جملة عرب الديار المصرية فأغنى عن إعادته هنا
قلت ومن جملة من عده في التعريف من عرب الشام غزية ولم يتحرر لي هل هي من العرب العاربة أو العرب المستعربة فلذلك ذكرتها بمفردها وقد ذكر الحمداني انهم متفرقون في الشأم والحجاز وبغداد وفيما بين العراق والحجاز ولم يذكر واحد منهما منازلهم من الشأم بل ذكر الحمداني منازلهم بالبرية والعراق خاصة وقال هم بطون وأفخاذ ولهم مشايخ منهم من وفد على السلاطين في زماننا وأشار في التعريف الى أن الغالب عليهم عدم الطاعة ومنهم أحلاف لآل فضل قد تقدم ذكرهم وهم غالب وآل أجود والبطنين وسأذكرها (4/222)
ببطونها ومنازلها ومياهها من البرية في جملة عرب الحجاز
النيابة الثانية من نيابات السلطنة بالممالك الشامية نيابة حلب وفيها جملتان
الجملة الأولى في ذكر احوالها في المعاملات ونحوها
أما الأثمان المتعامل بها من الدنانير والدراهم والصنجة فعلى ما تقدم في دمشق من غير فرق ولم ترج الفلوس الجدد فيها الى الآن وإنما يتعامل فيها بالفلوس القديمة ورطلها سبعمائة وعشرون درهما وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل اوقية ستون درهما وفي اعمالها ربما زاد الرطل على ذلك وتعتبر مكيلاتها بالمكوك في حاضرتها وسائر اعمالها والمكوك المعتبر في حاضرتها سبع ويبات بالكيل المصري وأما في نواحيها وبلادها فيختلف اختلافا متباينا في الزيادة والنقص قال في مسالك الأبصار والمعتدل منها أن يكون كل مكوكين ونصف غرارة وما بين ذلك كل ذلك تقريبا ويقاس القماش بها بذراع يزيد على ذراع القماش المصري سدس ذراع وهو اربعة قراريط وتعتبر ارض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وأرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في دمشق وخراج ارض الزراعة بها كما في دمشق وأسعارها على نحو سعر دمشق الا في الفواكه فإنها في دمشق ارخص لكثرتها بها
الجملة الثانية في ترتيب مملكتها وهي على ضربين
الضرب الأول ترتيب حاضرتها
أما جيوشها فعلى ما تقدم في دمشق من اشتمال عسكرها على الترك (4/223)
والجركس والروم والروس وغير ذلك من الأجناس المشابهة للترك وانقسامها الى الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشرات ومن في معناهم من العشرينات والخمسات وكذلك اجناد الحلقة ومقدموها وإقطاعاتها على نحو ما تقدم في دمشق في المقدار وربما زاد إقطاع الحلقة بها على إقطاع الحلقة بالديار المصرية بخلاف إقطاعات الأمراء بها فإنها لا تساوي إقطاعات الأمراء بالديار المصرية
وأما وظائفها فعلى اربعة اصناف
الصنف الأول وظائف ارباب السيوف وهي عدة وظائف
منها نيابة السلطنة وهي نيابة جليلة في الرتية الثانية من نيابة دمشق ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بنائب السلطنة الشريفة ولا يقال فيه كافل السلطنة كما يقال لنائب دمشق ويكتب عن نائبها التواقيع الكريمة بأكثر وظائف حلب وأعمالها وكذلك يكتب عنه المربعات الجيشية بالديار المصرية والمناشير الإقطاعية على حكمها كما تقدم في دمشق وكذلك يكتب على كل ما يتعلق بنيابته من المناشير والتواقيع والمراسيم الشريفة بالاعتماد ويزيد على نائب دمشق بسرحتين يسرحهما للصيد الأولى منها يسرحها في بلاد حلب من جانب الفرات الغربي يتصيد فيها الغزلان يقيم فيها نحو عشرة ايام والثانية وهي العظمى يعبر فيها الفرات الى بر الجزيرة شرقي الفرات ويتنقل في نواحيها مما هو داخل في مملكة الديار المصرية وما حولها يتصيد فيها الغزلان وغيرها من سائر الوحوش ويقيم فيها نحو شهر
ومنها نيابة القلعة بحلب وهي نيابة منفردة عن نيابة السلطنة بها وليس لنائب السلطنة على القلعة ولا على نائبها حكم كما تقدم في قلعة دمشق وعادة نائبها ان يكون امير طبلخاناه وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف وفيها من الأجناد البحرية المعدين لحراستها نحو اربعين نفسا مقيمون (4/224)
بها لا يظعنون عنها بسفر ولا غيره يجلس منهم في كل نوبة عدة في الباب الثاني منها من حين فتح الباب في اول النهار وإلى حين قفله في آخر النهار وبها الحرس في الليل وضرب الطبلة على مضي كل اربع درج كما تقدم في قلعة دمشق
ومنها الحجوبية والعادة ان يكون بها اربعة حجاب احدهم مقدم الف وهو حاجب الحجاب ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة في المكاتبات وغيرها بأمير حاجب بحلب كحاجب الحجاب بدمشق وهو ثاني نائب السلطنة في الرتبة ولا يدخل أحد دار النيابة راكبا غير النائب وغيره وهونائب الغيبة إذا خرج نائب السلطنة في مهم أو متصيد او غير ذلك واليه ترد المراسيم السلطانية بقبض نائب السلطنة إذا اراد السلطان القبض عليه ويكون هو المتصدي لحال البلد الى ان يقام لها نائب والثلاثة الباقون اما ثلاث طبلخانات او طبلخانتان وعشرة او ما في معنى ذلك وولاية حاجب الحجاب والحاجب الثاني من الأبواب الشريفة السلطانية بغير تقليد ولا مرسوم ومن عداهما ولايته عن نائب حلب وفيها اثنان واحد بالميمنة وواحد بالميسرة فالذي في الميمنة في الغالب يكون امير عشرة وربما كان امير خمسة والذي بالميسرة جندي من اجناد الحلقة وولايتهما عن النائب كل منهما بتوقيع كريم
ومنها شد الأوقاف وهي بها رتبة جليلة اعلى من شد الأوقاف بدمشق وعادتها تقدمة الف او طبلخاناه تولى من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف كذا اخبرني بعض اهلها ومتوليها يتحدث على سائر اوقاف المملكة الحلبية
ومنها المهمندارية وموضوعها على ما تقدم في الديار المصرية ودمشق وبها اثنان فأحدهما تارة يكون امير طبلخاناه وتارة يكون امير عشرة والآخر جندي حلقة وولاية كل منهما بكل حال عن النائب بتوقيع كريم
ومنها شد الدواوين وموضوعها كما تقدم في الديار المصرية ودمشق وعادته إمرة عشرة وربما وليها جندي وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها شد مراكز البريد وموضوعها كما تقدم في دمشق وعادتها إمرة (4/225)
عشرة وربما كان مقدم حلقة او جنديا وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها ولاية المدينة وموضوعها التحدث في الشرطة كما تقدم في الديار المصرية ودمشق وعادتها إمرة عشرة وربما وليها مقدم حلقة وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها شد الأقواد وموضوعها التحدث على الأموال التي تساق قودا من المملكة في كل سنة وعادتها إمرة عشرة وربما وليها مقدم حلقة وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
قلت وسائر وظائف الأمراء ارباب السيوف المستقر مثلهم بالحضرة السلطانية كرأس نوبة وأمير مجلس ومن في معناهما ممن يجري هذا المجرى المختص بالنائب يكون له مثلها من اجناده لقيامه مقام السلطان هناك كما تقدم في دمشق
وأما الوظائف الديوانية بها لأرباب الأقلام فمنها الوزارة ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بنظر المملكة ليس الا ولا يصرح له باسم الوزارة بحال وإن كان الجاري على السنة العامة تلقيب متوليها بالوزير ولم تجر العادة بأن يتولاها الا ارباب الأقلام وولايتها من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف ولديوان هذا النظر عدة مباشرين اتباع لناظرها كصاحب الديوان والمستوفي والكتاب والشهود وسائر فروع الوزارة والنائب يولي كلا من هؤلاء المباشرين بتواقيع كريمة
ومنها كتابة السر ويعبر عن متوليها في ديوان الإنشاء بالأبواب الشريفة بصاحب ديوان المكاتبات بحلب ولا يسمح له بصاحب ديوان الإنشاء بحلب كما في دمشق وولايته من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف وبديوانه كتاب الدست وكتاب الدرج كما في دمشق والديار المصرية
ومنها نظر الجيش والحكم فيه كما تقدم في دمشق من كتابة المربعات (4/226)
بما يعينه النائب من الإقطاعات وتجهيزها للأبواب الشريفة لتشمل بالخط الشريف وتخلد شاهدا بديوان الجيوش بالديار المصرية وكذلك اثبات ما يصدر اليه من المناشير من الأبواب الشريفة وولايته من الأبواب الشريفة
ومنها نظر المال وهو بمعنى الوزارة كما في دمشق الا انه لا يطلق على متوليه وزير البتة وولايته من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف ولديوانه كتاب اتباع له كصاحب الديوان والكتاب والشهود وغيرهم وولاية كل منهم عن النائب بتواقيع لهم كما في دمشق
ومنها نظرالأوقاف وحكمها التحدث على الأوقاف بمدينة حلب وأعمالها كما في دمشق وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر الجامع الكبير ومتوليها يكون رفيقا للنائب في التحدث فيه وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر البيمارستان وقد تقدم في الكلام على مدينة حلب ان بها بيمارستانين احدهما يعرف بالعتيق والآخر بالجديد ولكل منهما ناظر يخصه وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم
ومنها نظر الأقواد ومتوليها يكون رفيقا لشاد الأقواد المتقدم ذكره في ارباب السيوف وولايته عن النائب بتوقيع كريم
الصنف الثاني الوظائف الدينية
فمنها القضاء وبها اربعة قضاة من المذاهب الأربعة كما في دمشق الا ان استقرار الأربعة بها كان بعد استقرارها بدمشق وولاية كل منهم من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف ويختص الشافعي منهم بعموم تولية النواب بالمدينة وجميع اعمالها ويقتصر من عداه على التولية في المدينة خاصة كما تقدم في دمشق والديار المصرية (4/227)
ومنها قضاء العسكر وبها قاضيا عسكر شافعي وحنفي كما في دمشق وولايتهما من الأبواب الشريفة ويكتب لكل منهما توقيع شريف
ومنها إفتاء دار العدل وبها اثنان ايضا شافعي وحنفي كما في دمشق وولاية كل منهما عن النائب بتوقيع كريم
ومنها وكالة بيت المال وولايتها من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف ووكالته عن السلطان بمصر مثبوتة فتنفذ بالمملكة كما تقدم في دمشق
ومنها نقابة الأشراف والأمر فيها على ما تقدم في دمشق والديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها مشيخة الشيوخ والحكم فيها كما في دمشق وعادتها ان يكون متوليها هو شيخ الخانقاه المعروفة بالقديم وولايتها عن النائب بتوقيع كريم وربما كانت من الباب الشريف
ومنها الحسبة وهي على ما تقدم في دمشق والديار المصرية وولايتها عن النائب بتوقيع كريم ومتوليها يولي نواب الحسبة بسائر الأعمال الحلبية
ومنها الخطابة بالجامع الكبير وولايتها عن النائب بتوقيع كريم
ومنها التداريس والتصادير المعدوقة بنظر النائب وولايتها بتواقيع كريمة على قدر مراتب اصحابها
الصنف الثالث وظائف ارباب الصناعات
فمنها رياسة الطب ورياسة الكحالين ورياسة الجرائحية كما في (4/228)
دمشق والديار المصرية وولاية كل منهم بتوقيع كريم عن النائب أما مهتارية البيوت ومن في معناهم فمفقودون هناك لفقد البيوت السلطانية وإنما مهتارية البيوت بها للنائب خاصة لقيامه مقام السلطان بها كما في دمشق
وأما ترتيب النيابة بها فعلى نحو ما تقدم في دمشق وعادة النائب بها ان يركب في المواكب في يومي الأثنين والخميس من دار النياية ويخرج من باب يقال له باب القوس في وسط البلد على القرب من القلعة ويمر منه الى سوق الخيل ويخرج من سور البلد من باب النيرب ويتوجه الى مكان يعرف بالميدان ويعرف بالقبة ايضا على القرب من المدينة بطريق القرية المعروفة بجبريل في جهة الجنوب عن المدينة ثم يعود من حيث ذهب وقد وقف الأمراء في انتظاره بسوق الخيل وآخر خيولهم الى القلعة ورؤوس خيولهم الى الجهة التي يعود منها أمراء الخمسات ثم امراء العشرات ومن في معناهم على ترتيب منازلهم ثم امراء الطبلخانات ثم الأمراء المقدمون فإذا حاذى النائب في عوده امراء الخمسات والعشرات في طريقه سلم وهو سائر فيسلمون عليه وهم وقوف في امكنتهم لا يتحركون ولا يبرحون عنها فإذا حاذى امراء الطبلخانات سلم عليهم فيتقدمون بخيولهم اليه نحو قصبتي قياس فيسلمون عليه ثم يعودون الى امكنتهم فيقفون فيها فإذا حاذى الأمراء المقدمين سلم عليهم فيفعلون كما فعل امراء الطبلخانات من التقدم اليه والسلام عليه ثم يعودون إلى امكنتهم ويمر النائب حتى ينتهي الى آخر سوق الخيل فيعطف رأس فرسه ويقف مستقبلا للجهة التي عاد منها في الجنوب والعسكر واقفون على حالهم وينادى بينهم على العقارات من الأملاك والضياع وكذلك الخيول والسلاح قدر خمس درج ثم يمر الى دار النيابة فإن كان ذلك الموكب فيه سماط سار في خدمته إلى دار النيابة من كان معه في ركوب الموكب من الأمراء الأكابر والأصاغر من الحجاب وغيرهم ويمر بباب القلعة وقد نزل نائب القلعة الى بابها فوقف فيه مماليك في خدمته من الأجناد البحرية المقيمين بالقلعة فإذا مر بهم النائب سلم على نائب القلعة فيسلم عليه ويطلع نائب القلعة الى قلعته ويمر النائب في طريقه الى دار النيابة ويكون مماليك (4/229)
النائب قد ترجلوا عن خيولهم ويترجل أمراء الخمسات والعشرات بعدهم ثم يترجل الطبلخانات على القرب من دار النيابة ثم الأمراء المقدمون على باب دار النيابة كل منهم على قدر منزلته ويستمر النائب راكبا حتى يأتي المقعد المذكور وهو مقعد مربع مرتفع عن الأرض عليه قبة مرتفعة ودرابزين من خشب دائر وفيه دكة من خشب صغيرة في جانبه مرتفعة عن المقعد قدر ذراع تسع جالسا فقط معدة لجلوس النائب فينزل النائب على باب من ابواب المقعد الثلاثة مخصوص به ويجلس حاجب الحجاب على مصطبة لطيفة اعلى السلم خارج الدرابزين معدة لجلوسه عن يمين النائب ويكون القضاه الأربعة وقاضيا العسكر ومفتيا دار العدل وكاتب السر وكتاب الدست وناظر الجيش قد حضروا قبل حضور النائب وحاجب الحجاب وطلعوا من سلم مخصوص بهم واخذوا مجالسهم وجلسوا في انتظار النائب فإذا حضر قاموا وجلسوا بجلوسه ويكون جلوسهم بترتيب خاص يوافق دمشق في بعض الأمور ويخالف في بعضها فيجلس عن يسار النائب قاضي القضاة الشافعي ويليه قاضي القضاة الحنفي ويليه قاضي القضاة المالكي ويليه قاضي القضاة الحنبلي ويليه قاضي العسكر الشافعي ويليه قاضي العسكر الحنفي ويليه مفتي دار العدل الشافعي ويليه مفتي دار العدل الحنفي ويليه الوزير صفا مستقيما ويجلس كاتب السر أمام النائب على القرب منه ويليه عن يمينه ناظر الجيش ويليه كتاب الدست على ترتيب منازلهم حتى يساووا في المقابلة الصف الذي فيه قضاة القضاة ومن معهم ويجلس باقي الموقعين بين الصفين مقابل حاجب الحجاب حتى يصلوهما فيصيرون كالحلقة المستديرة ويقف الحجاب الصغار اسفل السلم الذي يصعد منه وحاجب الحجاب ونقباء الجيش خلفهم والولاة خلف نقباء الجيش فإن كان الأمراء قد حضروا لأجل السماط جلس المقدمون والطبلخاناه على مصاطب معدة لهم على القرب من المقعد الذي يجلس فيه النائب ومن معه من أرباب (4/230)
الأقلام المتقدم ذكرهم وترفع القصص فيتناولها نقباء الجيش ويناولونها الحجاب فيناولونها لحاجب الحجاب فيناولها لكاتب السر فيفرقها على الموقعين ويبقي بعضها معه فيقرأ ما معه ثم يقرأ من بعده على الترتيب الى آخر الموقعين فإذا انقضت قراءة القصص قام من المجلس القضاة ومن في معناهم وكتاب الدست فانصرفوا فإذا انقضى المجلس فإن كان في الموكب سماط قام النائب والأمراء من أماكن جلوسهم فدخلوا الى قاعة عظيمة قد وضع بصدرها كرسي سلطنة مغشى بالحرير الأطلس الأصفر وعليه نمجاه مسندة الى صدره كما تقدم في دمشق وقد مد السماط السلطاني فيجلس النائب على رأس السماط والأمراء على ترتيب منازلهم في الإمرة والقدمة ويأكلون ويرفع السماط ثم يقوم الأمراء فينصرفون ويقوم النائب ومعه كاتب السر وناظر الجيش فيدخل الى قاعة صغيرة فيها شباك مطل على دوار بإصطبل النائب فيجلس في ذلك الشباك ويجلس كاتب السر وناظر الجيش فينصرفان
قلت ويخالف دمشق في أمور أحدها ان كرسي السلطنة ليس بدار العدل حيث يجلس النائب والمتعممون كما في دمشق بل في مكان آخر
الثاني أن الأمراء لا يجلسون مع النائب بدار العدل كما في دمشق بل في مكان منفرد
الثالث أن النائب يجلس على دكة مرتفعة عن جلسائه بخلاف دمشق فإنه يجلس مساويا لهم وكأن المعنى فيه عدم جلوس الأمراء في مجلس النائب بحلب بخلاف دمشق
الرابع أن الوزير بحلب يجلس في آخر صف القضاة ومن في معناهم تحت مفتيي دار العدل وبدمشق يجلس في رأس صف يقابل كاتب السر وكأن (4/231)
المعنى فيه أن كاتب السر بحلب يجلس أمام النائب فلو جلس الوزير فوقه لخالف قاعدة جلوس كاتب السر أو جلس تحته لكان نقصا في رتبته ولا شك انه يجلس فوقه القضاة ومن في معناهم لرفعة رتبة الشرع
الخامس أن السماط بحلب لا يمد بدار العدل كما في دمشق بل في مكان آخر مخصوص
السادس أن النائب بحلب له موضع مخصوص يجلس فيه للمحاكمات ومد السماط وفي دمشق يجلس على طرف الإيوان بدار العدل بعد رفع السماط منه
الجملة الثانية في ترتيب ما هو خارج عن حاضرة حلب وهو ثلاثة انواع
النوع الأول ولاة الأمور من ارباب السيوف وهو ثلاثة اصناف
الصنف الأول النواب وهم على ضربين
الضرب الأول ما هو داخل في حدود البلاد الشامية وهي احدى عشرة نيابة
الأولى نيابة قلعة المسلمين المسماة في القديم بقلعة الروم وعادة نائبها أن يكون مقدم ألف يولى من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الثانية نيابة الكختا ونيابتها تارة تكون طبلخاناه وتارة عشرة وتوليتها من نائب حلب
الثالثة نيابة كركر ونيابتها تارة طبلخاناه وتارة عشرة وتوليتها من (4/232)
نائب حلب
الرابعة نيابة بهسنى وقد ذكر في التثقيف ما يقتضي أن نيابتها طبلخاناه لكن اخبرني بعض كتاب السر بحلب انها ربما كانت تقدمه ألف وقد ذكر في التعريف ما يقتضي ذلك فقال ولنائبها مكانة جليلة وإن كان لا يلتحق بنائب البيرة وبكل حال فتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الخامسة نيابة عينتاب وقد اوردها في التثقيف في جملة أمراء العشرات وذكر انه رأى بخط ابن النشائي ما يقتضي انها كانت طبلخاناه وقد اخبرني بعض كتاب سر حلب انها استقرت تقدمه الف في اواخر الدولة الظاهرية برقوق واستقرت توليتها من الأبواب السلطانية
السادسة نيابة الراوندان وقد اوردها في التثقيف في جملة نيابات العشرات وقد اخبرني بعض كتاب السر بحلب انها استقر بها آخرا جندي وتوليتها من نائب حلب
السابعة نيابة الدربساك وقد اوردها في التثقيف في جملة العشرات وأخبرني بعض كتاب سر حلب انها ربما اضيفت لنائب بغراس الآتي ذكرها وأنها الآن بيد ابن صاحب الباز التركماني وتوليتها من نائب حلب
الثامنة نيابة بغراس وقد اوردها في التثقيف في جملة العشرات وولايتها من نائب حلب وهي بيد اولاد داود الشيباني التركماني من تقادم السنين وولايتها من نائب حلب
التاسعة نيابة القصير وقد اوردها في التثقيف في جملة العشرات وأخبرني بعض كتاب سر حلب ان بها الآن جنديا
العاشرة نيابة الشغر وبكاس وقد اوردها في التثقيف في جملة (4/233)
العشرات وقد اخبرت انها استقر بها آخرا جندي وتوليتها من نائب حلب
الحادية عشرة نيابة شيزر كانت في الزمن المتقدم إمرة عشرة يستقل نائب حلب بتوليتها فلما تسلطت عليها العربان بعد وقعة منطاش والناصري استقرت تقدمة بولاية من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الضرب الثاني النيابات الخارجة عن حدود البلاد الشامية وهي قسمان
القسم الأول بلاد الثغور والعواصم وما والاها والمعتبر فيها ثمان نيابات
الأولى نيابة ملطية ونيابتها طبلخاناه وتوليتها من الأبواب السلطانية
الثانية نيابة دبركي وقد ذكر في التثقيف انها تارة تكون طبلخاناه وتارة تكون عشرة وبكل حال فولايتها من نائب حلب
الثالثة درندة ونيابتها في الغالب إمرة عشرة وربما كانت طبلخاناه وولايتها في الحالتين من نائب حلب الرابعة نيابة الأبلستين ونيابتها تقدمة الف من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الخامسة نيابة آياس وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية ونيابتها تقدمة الف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
السادسة نيابة طرسوس ونيابتها تقدمة الف وتوليتها من الأبواب (4/234)
السلطانية بمرسوم شريف
السابعة نيابة أذنة ونيابتها تقدمة الف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الثامنة نيابة سرفندكار ونيابتها إمرة عشرة ووقع في التثقيف نقلا عن ابن النشائي ما يقتضي أنها كانت أولا طبلخاناه وبكل حال فولايتها من نائب حلب
التاسعة نيابة سيس وقد تقدم أن فتحها قريب في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين ولم تزل نيابتها منذ فتحت تقدمة الف وكانت قد جعلت نيابة مستقلة عند الفتح ثم جعلت بعد ذلك تقدمة عسكر كغزة إلا أن مقدم العسكر بها لا يكاتب في خلاص الحقوق بخلاف مقدم العسكر بغزة
قلت وبعد ذلك نيابات صغار يولي بها نائب حلب اجنادا ولا مكاتبة لها من الأبواب السلطانية وهي نيابة قلعة باري كروك ونيابة كاورا ونيابة كولاك ونيابة كرزال ونيابة كومي ونيابة تل حمدون ونيابة الهارونيتين ونيابة قلعة نجمة ونيابة حميمص ونيابة قلعة لؤلؤة
القسم الثاني ما هو في حدود بلاد الجزيرة شرقي الفرات والمعتبر فيها ثلاث نيابات
الأولى نيابة البيرة ونيابتها تقدمة الف وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف
الثانية نيابة قلعة جعبر ونيابتها طبلخاناه وتوليتها من الأبواب (4/235)
السلطانية بمرسوم شريف
الثالثة نيابة الرها قال في التثقيف وقد جرت العادة ان تكون نيابتها طبلخاناه ثم استقر بها في الدولة المنصورية في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة مقدم الف
الصنف الثاني من ارباب السيوف بخارج حلب الولاة وولاية جميعها من نائب حلب بتواقيع كريمة والمشهور منها اثنتا عشرة ولاية
الأولى ولاية برحلب كما في دمشق الا ان والي برحلب هو والي الولاة
الثانية ولاية كفرطاب وواليها جندي
الثالثة ولاية سرمين وواليها في الغالب جندي وربما كان امير عشرة
الرابعة ولاية الجبول وواليها جندي
الخامسة ولاية جبل سمعان وواليها جندي وهو مقيم بمدينة حلب يحضر المواكب مع والي المدينة ووالي البر لقربه منها
السادسة ولاية عزاز وواليها جندي وربما كان امير عشرة
السابعة ولاية تل باشر وكان لها وال بمفردها جندي ثم اضيفت آخرا لعينتاب (4/236)
الثامنة ولاية منبج وواليها جندي
التاسعة ولاية تيزين وهي تارة تفرد بوال يكون جنديا وتارة تضاف الى حارم ويقال والي حارم وتيزين
العاشرة ولاية الباب وبزاعا وواليها جندي
الحادية عشرة ولاية دركوش وواليها جندي
الثانية عشرة ولاية أنطاكية وواليها تارة يكون جنديا وتارة امير عشرة وأخبرني بعض كتاب السر بحلب انها ربما اضيفت الى نائب القصير
قلت ووراء ذلك ولايات أخر ببلاد الأرمن ونحوها لم يتحرر لي حالها والظاهر أن ولاية جميعها اجناد
النوع الثاني مما هو خارج عن حاضرة حلب العربان
واعلم انه قد تقدم في الكلام على آل فضل من عربان دمشق ان منازلهم ممتدة بأراضي الشام الى الرحبة وجعبر في جانب الفرات وتقدم في الكلام على قواعد الشام المستقرة نقلا عن المقر الشهابي ابن فضل الله في التعريف ان جعبر كانت في زمانه من مضافات دمشق وأن الواجب ان تكون من مضافات حلب فإنها اضيفت بعده الى حلب وحينئذ فيكون في بلاد حلب بعض عرب آل فضل المتقدم ذكرهم هناك
والمختص بأعمال حلب من العرب المشهورين قبيلتان
القبيلة الأولى بنو كلاب قال في مسالك الأبصار وهم عرب (4/237)
اطراف حلب والروم ولهم غزوات عظيمة معلومة وغارات لا نعد ولا تزال تباع بنات الروم وأبناؤهم من سباياهم ويتكلمون بالتركية ويركبون الأكاديش وهم عرب غزو ورجال حروب وأبطال جيوش وهم من اشد العرب باسا وأكثرهم ناسا قال ولإفراط نكايتهم في الروم صنفت السيرة المعروفة بدلهمة والبطال منسوبة اليهم بما فيها من ملح الحديث ولمح الأباطيل ولكنهم لا يدينون لأمير منهم يجمع كلمتهم ولو انقادوا لأمير واحد لم يبق لأحد من العرب بهم طاقة
قال الحمداني وكان بنو كلاب قد ظهروا على آل ربيعة وذلك ان الملك الكامل كان طلب من ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر جمالا يحمل عليها غلالا الى خلاط يقوتها بها فاحتج بغيبة جماله في البرية وكان بعض بني كلاب حاضرا فتكفل له بحاجته من الجمال ووفى له بذلك فحقد بها الملك الكامل على ماتع بن حديثة وغنام بن الظاهر واستوحشا منه ثم اتياه عند أخذه آمد فوبخهما فخرجا خائفين منه الى ان فتح دمشق فأتياه بأنواع التقادم وتقربا اليه بالخدمة قال وكانت بنوكلاب تخدم الملك الأشرف موسى وتصحبه لمتاخمة بلاد الروم
قال في مسالك الأبصار وكان سلطاننا يعني الناصر محمد بن قلاوون لا يزال ملتفتا الى تألف بني كلاب هؤلاء وكان احمد بن نصير المعروف بالتتري قد عاث في البلاد والأطراف واشتد في قطع الطريق فأمنه وخلع عليه وأقطعه فانقادت بنو كلاب للطاعة وكان الملك الناصر قد امر عليهم سليمان بن مهنا (4/238)
وجعل عليه حفظ جعبر وما جاورها
القبيلة الثانية آل بشار قال في مسالك الأبصار وديارهم الجزيرة والأخص ببلاد حلب قال والأحلاف منهم حالهم في عدم الأنقياد لأمير واحد حال بني كلاب ولو اجتمعوا لما أمن بأسهم نقيم على تفرق كلمتهم وبسبب جماعتهم لا يزال آل فضل منهم على وجل وطالما باتوا وقلوبهم منهم ملأى من الحذر وعيونهم وسنى من السهر وبينهم دماء وهم وبنو ربيعة وبنو عجل جيران وديارهم من سنجار وما يدانيها الى البارة أو قريب الجزيرة العمرية الى اطراف بغداد
النيابة الثالثة نيابة أطرابلس وفيها جملتان
الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها
أما معاملاتها فبالدنانير والدراهم النقرة على ما مر في الديار المصرية ودمشق وحلب وصنجتها كصنجة دمشق في الذهب والفضة وبها الفلوس العتق فلسا بدرهم ورطلها ستمائة درهم كما في دمشق وأواقيه اثنتا عشرة (4/239)
اوقية كل اوقية خمسون درهما وتعتبر مكيلاتها بالمكوك كما في حلب ويقاس القماش بها بذراع كل عشرة اذرع منه احدى عشرة ذراعا بالمصري وتقاس ارض دورها بذراع العمل كما في الديار المصرية وغيرها من البلاد الشامية وتعتبر ارض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية وخراجها على ما تقدم في دمشق وغيرها من بلاد الشام
وأما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم على ما تقدم في غيرها من الممالك الشامية وبها امير واحد مقدم الف غير النائب وباقي امرائها طبلخاناه وعشرات وخمسات ومن في معناهم من العشرينات وغيرها وبها من وظائف ارباب السيوف نيابة السلطنة وهي نيابة جليلة نائبها من اكبر مقدمي الألوف وهو في الرتبة الثانية من حلب كما في حماة وليس بها قلعة يكون لها نائب بل نائب السلطنة هو المتسلم لجميعها والمتصرف فيما لديها من أمر العسكر وغيره
ومنها الحجوبية وبها ثلاثة حجاب اكبرهم طبلخاناه وهو حاجب الحجاب والحاجبان الآخران كل منهما امير عشرة
ومنها المهمندارية وشد الدواوين وشد الخاص وشد مراكز البريد وشد المينا ونقابة النقباء وأميراخورية وشد الأوقاف وتقدمة البريدية واميراخورية البريد وولاية المدينة وتقدمة التركمان وغير ذلك وكلها يوليها النائب بها
وبها من ارباب الوظائف الديوانية ناظر المملكة وناظر الجيش وصاحب ديوان المكاتبات وولاية الثلاثة من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة وكتاب دست وكتاب درج ولايتهم من نائبها
وبها من الوظائف الدينية قضاء القضاة من المذاهب الأربعة وقاضيا عسكر شافعي وحنفي ومفتيا دار عدل كذلك ومحتسب ووكيل بيت المال الى غير اولئك من ارباب الوظائف (4/240)
وأما ترتيب النيابة بها فإن النائب يركب في يومي الإثنين والخميس من دار النيابة ويخرج في موكبه من الأمراء والأجناد حتى يأتي ساحل البحر ثم يعود الى دار النيابة ومعه جميع الأمراء والأجناد خلا الأمير المقدم فإنه لا يحضر معه الى دار النيابة وإذا حضر النائب الى دار النيابة جلس في دار العدل بصدر الإيوان وليس بها كرسي سلطنة ويجلس قاضيان شافعي وحنفي عن يمينه ومالكي وحنبلي عن يساره ووكيل بيت المال تحت القاضي المالكي ويجلس كاتب السر امامه على القرب من يساره وكتاب الدست خلفه وحاجب الحجاب جالس امام النائب على القرب منه ويأخذ الحجاب الصغار القصص ويناولونها الى حاجب الحجاب فيدفعها لكاتب السر ويفصل المحاكمات ثم ينفض المجلس ويمد السماط فيأكلون وينصرفون كما في غيرها
الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها وهو على ضربين
الضرب الأول النواب وهم على قسمين
القسم الأول
النيابات بمضافات نفس أطرابلس وبها خمس نيابات كلهم يكاتبون عن الأبواب السلطانية في المهمات ونحوها دون خلاص الحقوق فإنه يختص بنائب السلطنة بها
الأولى نيابة حصن الأكراد ونيابته إمرة عشرة
الثانية نيابة حصن عكار ونيابتة إمرة عشرة
الثالثة نيابة بلاطنس ونيابتها إمرة عشرة
الرابعة نيابة صهيون ونيابتها إمرة عشرة
الخامسة نيابة اللاذقية ونيابتها إمرة عشرة (4/241)
القسم الثاني
نيابات قلاع الدعوة وهي ست نيابات خارجا عن مصياف حيث أضيفت الى دمشق
الأولى نيابة الرصافة واصل نيابتها إمرة عشرة
الثانية نيابة الخوابي وأصل نيابتها إمرة عشرة
الثالثة نيابة القدموس وأصل نيابتها إمرة عشرة
الرابعة نيابة الكهف وأصل نيابتها إمرة عشرة
الخامسة نيابة المنيقة وأصل نيابتها إمرة عشرة
السادسة نيابة القلعة وأصل نيابتها إمرة عشرة
قلت وقد اخبرني بعض كتاب المملكة ان هذه النيابات كلها استقر فيها أجناد وبالجملة فإنما يولي فيها نائب طرابلس بكل حال
الضرب الثاني
الولاة
وبها ولايات ست وولاة جميعها اجناد عن نائب طرابلس
الأولى ولاية أنطرطوس
الثانية ولاية جبة المنيطرة
الثالثة ولاية الظنيين
الرابعة ولاية بشريه
الخامسة ولاية جبلة
السادسة ولاية أنفة (4/242)
النيابة الرابعة نيابة حماة وفيها جملتان
الجملة الأولى في ذكر أحوالها ومعاملاتها
اما معاملاتها فعلى ما تقدم في غيرها من الممالك الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم وصنجتها كصنجة دمشق وحلب وطرابلس تنقص عن الصنجة المصرية كل مائة مثقال مثقال وربع وكل مائة درهم درهم وربع ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بصنجتها ومكيلاتها معتبرة بالمكوك كما في حلب وبلادها ومكوكها مقدر كل مكوكين وربع مكوك غرارة بالدمشقي وقياس قماشها بذراع
وقياس ارضها بذراع العمل المعروف
الجملة الثانية في ترتيب نيابتها وهي على ضربين
الضرب الأول ما بحاضرتها
أما جيوشها فمن الترك ومن في معناهم وبها عدة من أمراء الطبلخاناه والعشرات والخمسات ومقدمي الحلقة وأجنادها وليس بها مقدم الف وقد تقدم في الكلام على قواعد الشأم المستقرة انها كانت بيد بقايا الملوك الأيوبية الى آخر الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الأخيرة قال في مسالك الأبصار إن صاحبها كان يستقل فيها بإعطاء الإمرة والإقطاعات وتولية القضاة والوزراء وكتاب السر وسائر الوظائف بها وتكتب المناشير والتواقيع من جهته (4/243)
ولكنه لا يمضي أمرا كبيرا في مثل إعطاء إمرة أو وظيفة كبيرة حتى يشاور صاحب مصر وهو لا يجيبه إلا بأن الرأي ما تراه ومن هذا ومثله وربما كتب له مرسوم شريف بالتصرف في مملكته قال في مسالك الأبصار ومع ذلك فصاحب مصر متصرف في ولاية صاحبها وعزله من شاء ولاه ومن شاء عزله ولم يزل الأمر على ذلك الى أن خلع الأفضل محمد بن المؤيد المتقدم ذكره من سلطنتها بعد موت السلطان الملك الناصر وملك ابنه ابي بكر ونائبها من اكابر الأمراء المقدمين ولكنه في الرتبة دون نائب طرابلس وإن كان مساويا له في المكاتبة من الأبواب السلطانية ويظهر ذلك في كتابة المطلقات الكبار حيث يذكر نائب طرابلس قبله
وبها من وظائف ارباب السيوف الحجوبية وبها حاجبان الكبير منهما طبلخاناه والثاني عشرة والمهمندارية وبها اثنان وهما جنديان وشد مراكز البريد وبه جندي وأميراخورية البريد ومتوليها جندي وولاية المدينة وواليها جندي ونقابة العساكر وبها اثنان وهما جنديان احدهما اكبر من الآخر وجميع ارباب الوظائف يوليهم النائب بها بتواقيع كريمة وليس بها قلعة لها نائب
وبها من الوظائف الدينية من ارباب الأقلام اربعة قضاة من المذاهب الأربعة وولايتهم من الأبواب السلطانية بتواقيع شريفة وقاضي عسكر حنفي وليس بها قضاة عسكر من المذاهب الثلاثة الأخر ولا مفتو دار عدل وبها وكيل بيت المال وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف ووكالة شرعية ومحتسب بولاية عن النائب بتوقيع كريم
وبها من الوظائف الديوانية من ارباب الأقلام كاتب سر ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بصاحب ديوان المكاتبات بحماة المحروسة وولايته من الأبواب (4/244)
السلطانية بتوقيع شريف وله أتباع من كتاب الدست وكتاب الدرج وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة وبها ناظر المملكة القائم مقام الوزير وولايته من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف وله أتباع من كتاب وشهود وولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة الى غير ذلك من وظائف صغار يوليها النائب بتواقيع كريمة
وترتيب الموكب بها أن النائب بها يركب من دار النيابة في يومي الخميس والاثنين وصحبته العسكر من الأمراء وأجناد الحلقة ويخرج الى خارج المدينة من قبليها ويسير في الموكب الى ضيعة تسمى بقرين على القرب من حماة ثم يعود في موكبه حتى يقف بسوق الخيل بمكان خارج المدينة يعرف بالموقف وينادى بينهم على الخيول وربما نودي على بعض العقارات ثم تصبح الجاويشية وينصرف عن ذلك المكان ويدخل المدينة ويأتي دار النيابة ويدخل أول العسكر من داخل باب يعرف بباب العسرة ثم يترجل الناس على الترتيب على قدر منازلهم حتى لا يبقى راكب سوى النائب بمفرده ولا يزال راكبا حتى يترجل بشباك بدار النيابة معد للحكم فيجلس فيه ويجلس عنده داخل الشباك القضاة الأربعة الشافعي والحنفي عن يمينه والمالكي عن يساره والحنبلي يليه ويجلس الأمراء على قدر منازلهم وكاتب السر وناظر الجيش أمام النائب خارج الشباك ويقف هناك الحاجبان والمهمندار ونقيب النقباء وترفع القصص فيقرؤها كاتب السر عليه ويرسم فيها بما يراه ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف القضاة ويدخل الى قبة معدة لجلوسه ومعه كاتب السر وناظر الجيش والأمراء فيفصل بقية أموره مما يتعلق بالجيش وغيره ثم يمد السماط بعد ذلك فيأكلون وينصرفون
الضرب الثاني ما هو خارج عن حاضرتها
وليس بخارجها نيابات بل يقتصر فيه على ثلاث ولايات ولاتها أجناد (4/245)
يوليهم النائب بها
الأولى ولاية برها كما في دمشق وحلب
الثانية ولاية بارين
الثالثة ولاية المعرة وليس بها عرب ولا تركمان تنسب اليها
النيابة الخامسة نيابة صفد وفيها جملتان
الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها
أما معاملاتها فكما في دمشق وغيرها من البلاد الشامية وصنجتها كصنجتها ورطلها . . . . . . وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية . . . . . . . . وتعتبر مكيلاتها . . . . . . . . . وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها وتعتبر أرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في غيرها من البلاد الشامية
وأما جيوشها ووظائفها الديوانية ووظائفها الدينية فكما في طرابلس وأما ترتيب النيابة بها . .
الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها
وليس بأعمالها نيابة بل كلها ولايات يليها اجناد من قبل نائب صفد وهي احدى عشرة ولاية الأولى ولاية برها كما في غيرها من الممالك المتقدمة
الثانية ولاية الناصرة (4/246)
الثالثة ولاية طبرية
الرابعة ولاية تبنين وهونين
الخامسة ولاية عثليث
السادسة ولاية عكا
السابعة ولاية صور
الثامنة ولاية الشاغور
التاسعة ولاية الإقليم
العاشرة ولاية الشقيف
الحادية عشرة ولاية جينين
النيابة السادسة نيابة الكرك وفيها جملتان
الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها
أما معاملاتها فكما في غيرها من المعاملة بالدنانير والدراهم وصنجتها ورطلها وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كل أوقية ويقاس قماشها بذراع وتقاس أرض دورها بذراع العمل كما في غيرها وتعتبر أرض زراعتها بالفدان الإسلامي والفدان الرومي كما في غيرها من بلاد الشام وكذلك خراج أرضها
وأما جيوشها فعلى ما تقدم في غيرها من الممالك من أجتماعها من الترك ومن في معناهم وبها من الأمراء الطبلخانات والعشرات والخمسات ومن في معناهم وليس بها مقدم الف غير النائب كما تقدم والحجوبية والمهمندارية (4/247)
وتقدمة البريد وولاية القلعة وبها من الوظائف الديوانية ناظر المال وناظر الجيش وكاتب درج وولاية هؤلاء الثلاثة من الأبواب السلطانية
وأما ترتيب الموكب بها
الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها وهو على ضربين
الضرب الأول الولايات وفيها أربع ولايات
الأولى ولاية برها كما في غيرها
الثانية ولاية الشوبك
الثالثة ولاية زغر
الرابعة ولاية معان
الضرب الثاني
العرب
وعرب الكرك فيما ذكره في مسالك الأبصار بنو عقبة وعقبة من جذام قال في مسالك الأبصار وكان آخر أمرائهم شطى بن عتبة وكان سلطاننا الملك الناصر محمد بن قلاوون قد أقبل عليه إقبالا أحله فوق السماكين وألحقه بأمراء آل فضل وأمراء آل مرا وأقطعه الإقطاعات الجليلة وألبسه التشريف الكبير وأجزل له الحباء وعمر له ولأهله البيت والخباء وكذلك ممن ينسب الى عرب الكرك بنو زهير عرب الشوبك وآل عجبون والعطويون والصونيون وغيرهم (4/248)
الفصل الثالث من الباب الثالث من المقالة الثانية في المملكة الحجازية وفيه سبعة أطراف
الطرف الأول في فضل الحجاز وخواصه وعجائبه
أما فضله ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي قال غلظ القلوب والجفاء في المشرق والإيمان في أهل الحجاز
قلت وفي ذلك دليل صريح لفضل الحجاز نفسه وذلك أن هواء كل بلد يؤثر في أهله بحسب ما يقتضيه الهواء ولذلك تجد لأهل كل بلد صفات وأحوالا تخصهم وقد أخبر عن أهل الحجاز بالرقة كما أخبر عن أهل المشرق بالغلظة والجفاء وناهيك بفضل الحجاز وشرفه أن به مهبط الوحي ومنبع الرسالة وبه مكة والمدينة اللتين هما أشرف بلاد الله تعالى وأجل بقاع الأرض ولكل منهما فضل يخصه يأتي الكلام عليه عند ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى
وأما خواصه فيختص من جهة الشرع بأمرين أحدهما أنه لا يستوطنه مشرك من ذمي ولا معاهد وإن دخله لم يمكن من الإقامة في موضع منه أكثر من ثلاثة أيام ثم يصرف الى غيره فإن أقام بموضع أكثر من ثلاثة أيام عزر إن لم يكن له عذر قال أصحابنا الشافعية ولو عقد الإمام عقدا لكافر على الإقامة بالحجاز على مسمى بطل العقد ووجب المسمى (4/249)
الثاني أنه لا تدفن فيه موتاهم وإن دفن أحد منهم فيه نقل الى غيره
وأما عجائبه فمنها مقام إبراهيم عليه السلام وهو الحجر الذي كان يقوم عليه لبناء البيت فأثرت فيه قدماه وصار اثرهما فيه ظاهرا كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله ( فيه آيات بينات مقام إبراهيم ) وهو باق على ذلك امام البيت من جهة الباب الى الآن
ومنها ما ذكره في الروض المعطار من أن أثر قدم إسماعيل عليه السلام بمسجد بمنى في حجر فيه أثر عقبه حين رفس إبليس برجله عند اعتراضه له في ذهابه مع أبيه للذبح
ومنها حصى الجمار وهو أنه في كل سنة يرمي الحجاج عند الجمرات الثلث في أيام منى ما تتحصل منه التلال العظيمة على طول المدى ومع ذلك لم يكن موجودا بمنى منها الا الشئ القليل على تطاول السنين يقال إن مهما تقبل منها رفع والباقي منها ما لم يتقبل
الطرف الثاني في ذكره حدوده وابتداء عمارته وتسميته حجازا
أما حدوده فاعلم أن الحجاز عبارة عن مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها على خلاف في بعض ذلك يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وهو بجملته قطعة من جزيرة العرب وهو ما بين بحر القلزم وبحر الهند وبحر فارس والفرات وبعض بادية الشام
قال المدائني جزيرة العرب خمسة أقسام تهامة ونجد والحجاز والعروض واليمن وزاد ابن حوقل في أقسامها بادية العراق وبادية الجزيرة فيما (4/250)
بين دجلة والفرات وبادية الشام وفيها خلاف يطول ذكره
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات وسميت جزيرة العرب جزيرة لانجزار الماء عنها حيث لم يمد عليها وإن كان مطيفا بها والحجاز عندهم عبارة عن جبل السراة بالسين والراء المهملتين على ما أورده في الروض المعطار وضبط في تقويم البلدان في الكلام على البلقاء من الشأم بالشين المعجمة وهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل ببادية الشأم وهو أعظم جبال العرب وحده من الجنوب تهامة وهي ما بينه وبين بحر الهند في غربي بلاد اليمن وحده من الشرق بلاد اليمن وهي بينه وبين فارس وحده من الشمال نجد وهو ما بينه وبين العراق وحده من الغرب بحر القلزم وما في جنوبيه من بادية الشام
الطرف الثالث في ابتداء عمارته وتسميته حجازا
أما ابتداء عمارته فإنه لما انبث أولاد سام بن نوح عليه السلام وهم العرب في أقطار هذه الجزيرة حين قسم نوح الأرض بين بنيه نزل الحجاز منهم من العرب البادية طسم وجديس ومنزلهم اليمامة ومنزلة جرهم على القرب من مكة فكان ذلك أول عمارة الحجاز بعد الطوفان ثم بادت هذه العرب وهلكوا عن آخرهم ودرست أخبارهم وانقطعت آثارهم وعمر الحجاز بعدهم جرهم الثانية وهم بنو جرهم بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام ولما أسكن إبراهيم الخليل عليه السلام ولده إسماعيل بمكة كما (4/251)
أخبر تعالى عنه بقوله ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) كانت جرهم الثانية نازلين بالقرب من مكة فاتصلوا بإسماعيل عليه السلام وتزوج منهم وكثر ولده وتناسلوا فعمروا الحجاز الى الآن
وأما تسميته حجازا فقال الأصمعي سمي بذلك لأنه حجز بين نجد وتهامة ولامتداده بينهما على ما تقدم وقال ابن الكلبي سمي بذلك لما احتجز به من الجبال قلت ووهم في الروض المعطار فقال سمي حجازا لأنه حجز بين الغور والشام وقيل لأنه حجز بين نجد والسراة وما أعلم ما الذي أوقعه في ذلك
الطرف الرابع في ذكر مياهه وعيونه وجباله المشهورة
أما مياهه وعيونه فقال المتكلمون في المسالك والممالك ليس بالحجاز بل بجزيرة العرب جملة نهر يجري فيه مركب وإنما فيه العيون الكثيرة المتفجرة من الجبال المعتضدة بالسيول والأمطار الممتدة من واد الى واد وعليها قراهم وحدائقهم وبساتينهم مما لا يحصى ذلك كثرة كما في الطائف وبطن مر وبطن نخل وعسفان وبدر وغير ذلك
وأما جباله المشهورة فاعلم أن جميع أرض الحجاز جبال وأودية ليس فيها بسيط من الأرض وجباله أكثر من أن تدخل تحت العد أو يأخذها الحصر وقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن لمكة اثني عشر ألف جبل لكل منها اسم يخصه ولكن قد شهرت جبال مكة والمدينة والينبع (4/252)
فمن جبال مكة المشهورة جبل أبي قبيس وهو الجبل الذي في جنوبي مكة ممتدا على شرقيها قال الأزرقي وهو أول جبل وضع بالأرض ولذلك كان أقرب الجبال الى البيت
ومنها جبل قينقاع بقاف مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ونون مضمومة وقاف ثانية مفتوحة بعدها ألف وعين مهملة وهو الجبل الذي غربي مكة سمي بذلك لمكان سلاح تبع منه والقعقعة صوت السلاح كما سمي جياد جيادا لمكان خيله منها
ومنها جبل حراء بحاء مهملة مكسورة وراء مهملة مفتوحة بعدها ألف وهو جبل يشرف على مكة من شرقيها يرى البيت من أعلاه وفيه الغار الذي كان يتعبد فيه رسول الله وفيه جاءه جبريل عليه السلام في أول النبوة
ومنهاجبل ثور بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر وهو جبل مشرف على مكة من جنوبيها وفيه الغار الذي اختفى فيه رسول الله من المشركين ومعه ابو بكر الصديق رضي الله عنه
ومنها جبل تبيربفتح التاء المثناة فوق وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وراء مهملة في الآخر وهو جبل مشرف يرى من منى والمزدلفة
الطرف الخامس في زروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه ووحوشه وطيوره
أما زروعه ففيه من الحبوب المزروعة البر والشعير والذرة والسلت (4/253)
وجميعها تزرع على المطر وربما زرع بعضها على ماء العيون والشعير والذرة أكثر الحبوب وجودا ويزرع فيه على العيون البطيخ الأخضر والأصفر والقثاء والباذنجان والدباء والملوخيا والهندبا والفجل والكراث والبصل والثوم
وأما فواكهه ففيه الرطب والعنب والموز والتفاح والسفرجل والليمون وغير ذلك
وأما رياحينه ففيه التامر حناء ويسمى عندهم الفاغية بالفاء وغين معجمة وياء مثناة تحت وهاء في الآخر
وأما مواشيه ففيه الإبل والضأن والمعزبكثرة والبقر بقلة وبه من الخيل ما يفوق الوصف حسنه ويعجز البرق إدراكه
وأما وحوشه ففيه الغزلان وحمر الوحش والذئاب والضباع والثعالب والأرانب وغيرها
وأما طيوره ففيه الحمام والدجاج والحدأة والرخم
الطرف السادس في قواعده وأعماله وفيه ثلاث قواعد
القاعدة الأولى مكة المشرفة وفيها جملتان
الجملة الأولى في حاضرتها
وقد ذكر العلماء رحمهم الله لها ستة عشر اسما مكة بفتح الميم وتشديد الكاف المفتوحة وهاء في الآخر كما نطق به القرآن الكريم في قوله تعالى ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ) سميت (4/254)
بذلك لقلة مائها أخذا من قولهم امتك الفصيل ضرع أمه إذا امتصه وقيل لأنها تمك الذنوب بمعنى أنها تذهب بها ويقال لها أيضا بكة بإبدال الميم باء موحدة وبه نطق القرآن أيضا في قوله تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ) قال الليث سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها والبك الدق وقيل بالميم الحرم كله وبكة المسجد خاصة حكاه الماوردي عن الزهري وزيد بن أسلم وقيل بالباء اسم لموضع الطواف سمي بذلك لازدحام الناس فيه والبك الازدحام ومن أسمائها أيضا أم القرى والبلد الأمين وأم رحم بضم الراء وإسكان الحاء المهملتين لأن الناس يتراحمون فيها ويتوادعون وصلاح مبني على الكسر كقطام ونحوه والباسة لأنها تبس الظالم أي تحطمه والناسة بالنون لأنها تنس الملحد فيها أي تطرده والنساسة لذلك أيضا والحاطمة لأنها تحطم الظالم كما تقدم والرأس وكوثى بضم الكاف وفتح المثلثة والقدس والقادس والمقدسة قال النووي وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ولذلك كثرت أسماء الله تعالى وأسماء رسوله وقد تقدم أنها من جملة الحجاز وحكى ابن حوقل عن بعض العلماء أنها من تهامة ورجحه في تقويم البلدان وموقعها في الإقليم الثاني من الاقاليم السبعة قال في كتاب الأطوال طولها سبع وستون درجة وثلاث عشرة دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وقال في القانون طولها سبع وستون درجة فقط وعرضها إحدى وعشرون درجة وعشرون دقيقة وقال في رسم المعمور طولها سبع وستون درجة وعرضها إحدى وعشرون وقال كوشيار (4/255)
طولها سبع وستون درجة وعشر دقائق وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وقال ابن سعيد طولها سبع وستون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وعشرون دقيقة وهي مدينة في بطن واد والجبال محتفة بها فأبو قبيس مشرف عليها من شرقيها وأجياد بفتح الهمزة مشرف عليها من غربيها قال الجوهري سمي بذلك لموضع خيل تبع منه قال في الروض المعطار وسعتها من الشمال الى الجنوب نحو ميلين ومن أسفل أجياد الى ظهر جبل قعيقعان مثل ذلك قال الكلبي ولم يكن بها منازل مبنية في بدء الأمر وكانت جرهم والعمالقة حين ولايتهم على الحرم ينتجعون جبالها وأوديتها ينزلون بها ثم جاءت قريش بعدهم فمشوا على ذلك الى ان صارت الرياسة في قريش لقصي بن كلاب فبنى دار الندوة يحكم فيها بين قريش ثم صارت لمشاورتهم وعقد الألوية في حروبهم ثم تتابع الناس في البناء فبنوا دورا وسكنوها وتزايد البناء فيها حتى صارت الى ما صارت وبناؤها بالحجر وعليها سور قديم قد هدم أكثره وبقي أثره والمسجد في وسطها وقد ذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن الكعبة كانت قبل أن تدحى الأرض رابية حمراء مشرفة على وجه الماء ولما أهبط الله آدم عليه السلام وجاء الى مكة استوحش فأنزل الله تعالى اليه قبة من الجنة من درة بيضاء لها بابان فوضعت مكان البيت فكان يتأنس بها وجعل حولها ملائكة يحفظونها من أن يقع بصر الشياطين عليها قال في الروض المعطار وكان الحجر الأسود كرسيا يجلس عليه قال وطوله ذراع والذي ذكره الماوردي وغيره أن الملائكة لما قالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) لاذوا بالعرش خوفا من غضب الله تعالى فطافوا حوله سبعا فرضي عنهم وقال ابنوا في الأرض بيتا يعوذ به من سخطت عليه من بني آدم فبنوا هذا البيت وهو أول بنائه ثم بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما أخبر الله تعالى بقوله ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) قال في الروض المعطار ولم يجعل لها سقفا قال (4/256)
ثم انهدمت الكعبة فبنتها العمالقة ثم انهدمت فبنتها جرهم ثم انهدمت فبناها قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل وجعل ارتفاعها خمسا وعشرين ذراعا ثم استهدمت وكانت فوق القامة فأرادت قريش تعليتها فهدمتها وبنتها والنبي عمره خمس وعشرون سنة وشهد بناءها معهم وكان بابها بالأرض فقال أبو حذيفة بن المغيرة يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا مسلم ففعلوا ذلك وسقفوها بخشب سفينة ألقاها البحر الى جدة
قال في الروض المعطار وكان طولها ثماني عشرة ذراعا ثم احترق البيت حين حوصر ابن الزبير بمكة وتأثرت حجارته بالنار فهدمه ابن الزبير وأدخل فيه ستة أذرع من الحجر وقيل سبعة وجعل له بابين ملصقين بالأرض شرقيا وغربيا يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر وجعل على بابها صفائح الذهب وجعل مفاتيحه من ذهب قال في الروض المعطار وبلغ بها في العلو سبعا وعشرين ذراعا فلما قتل ابن الزبير كتب عبد الملك بن مروان الى الحجاج يأمره بإعادته على ما كان عليه في زمن النبي من بناء قريش فهدم جانب الحجر وأعاده الى ذلك وسد الباب الغربي ورفع الشرقي عن الأرض الى حده الذي هو عليه الآن وكان عبد الملك بن مروان بعد ذلك يقول وددت أني كنت حملت ابن الزبير من بناء الكعبة ما تحمل
ثم جدد المتوكل رخام الكعبة فأزرها بفضة وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب وهو على ذلك الى الآن وهو مبني بالحجر الأسود مستطيل البناء على التربيع في ارتفاع خمسة وعشرين ذراعا
وله اربعة أركان الأول ركن الحجر الأسود وهو ما بين الشرق والجنوب ومنه يبتدأ الطواف (4/257)
الثاني الشامي وهو ما بين الشرق والشمال سمي بذلك لمسامتته بعض بلاد الشام وداخله باب المطلع الى سطح الكعبة
الثالث الغربي وهو ما بين الشمال والغرب سمي بذلك لمسامتته بلاد المغرب ولو سمي بالمصري لكان جديرا به لمسامتته بلاد مصر
الرابع اليماني وهو ما بين الغرب والجنوب سمي بذلك لمسامتته بلاد اليمن ولذلك خففت الياء في آخره نسبة الى اليمن وقال ابن قتيبة سمي بذلك لأنه بناه رجل من اليمن يقال له ابن أبي سالم وقد يطلق عليه وعلى ركن الحجر الأسود اليمانيان وعلى الشامي والغربي الشاميان تغليبا
ثم بين ركن الحجر الأسود وبين الركن الشامي أربعة وعشرون ذراعا وبالقرب من الركن الأسود في هذا الجدار باب الكعبة على أربعة أذرع وشئ من الأرض يرقى اليه بدرج من خشب توضع عند فتح الباب والملتزم بين الركن الأسود والباب الشرقي وبالقرب من الركن الشامي منه مصلى آدم عليه السلام
وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات الأولى من الركن الأسود الى باب الكعبة وهي في جهة القبلة لأهل البصرة والأهواز وفارس وأصبهان وكرمان وسجستان وشمال بلاد الصين وما على سمت ذلك
الثانية من الباب الى مصلى آدم عليه السلام وهي جهة القبلة لأهل الكوفة وبغداد وحلوان والقادسية وهمذان والري ونيسابور ومرو وخوارزم وبخارا ونسا وفرغانة والشاش وخراسان وما على سمت ذلك
الثالثة من مصلى آدم عليه السلام الى الركن الشامي وهي جهة القبلة لأهل الرها والموصل وملطية وشمشاط والحيرة وسنجار ودياربكر وأرمينية الى باب الأبواب وما على سمت ذلك
وبين الركن الشامي والركن الغربي أحد وعشرون ذراعا وبأعلى هذا (4/258)
الجدار الميزاب في الوسط منه وخارجه الحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم مستديرا به على سمت الركنين يفصل بينه وبين البيت فرجتان
وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات ايضا الأولى من الركن الشامي الى دون الميزاب وهي جهة القبلة لدمشق وحماة وسلمية وحلب ومنبج وميافارقين وما سامت ذلك
الثانية وسط الجدار من الميزاب وما الى جانبه وهي جهة القبلة للمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وجانب الشام الغربي وغزة والرملة وبيت المقدس وفلسطين وعكا وصيدا
الثالثة ما يلي هذه الجهة الى الركن الغربي وهي جهة القبلة لمصر بأسرها من أسوان الى دمياط والإسكندرية وبرقة وكذلك طرابلس الغرب وصقلية وسواحل الغرب والأندلس وما على سمت ذلك وبين الركن الغربي والركن اليماني في هذا الجدار الباب المسدود تجاه الباب المفتوح
وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات أيضا الأولى من الركن الغربي الى ثلث الجدار وهي جهة القبلة لأهل الشمال من بلاد البجاوة والنوبة وأوسط الغرب من جنوب الواحات الى بلاد الجريد إلى البحر المحيط وما على سمت ذلك من عيذاب وسواكن وجنوب أسوان وجدة ونحوذلك
الثانية من ثلث الجدار الى دون الباب المسدود وهي جهة القبلة لأهل الجنوب من بلاد البجاوة ودهلك وسواكن والنوبة والتكرور وما وراء ذلك وعلى سمته (4/259)
الثالثة من دون الباب المسدود الى الركن اليماني وهي جهة القبلة لأهل الحبشة والزنج والزيلع وأكثر بلاد السودان وما والاها من البلاد أو كان على سمتها
وبين الركن اليماني وركن الحجر الأسود عشرون ذراعا أنقص من مقابله بذراع وبالقرب من ركن الحجر الأسود من هذا الجدار مصلى النبي قبل الهجرة
وهذا الجدار مقسوم بثلاث جهات الأولى الركن اليماني الى سبعة أذرع من الجدار وهي جهة القبلة لتدمر وحضرموت وعدن وصنعاء وعمان وصعدة والشحر وسبإ وزبيد وما والاها أوكان على سمتها
الثانية من حد الجهة المتقدمة الى دون مصلى النبي قبل الهجرة وهي جهة القبلة لجنوب بلاد الصين والسند والتهائم والبحرين وما سامت ذلك
الثالثة من مصلى النبي قبل الهجرة الى ركن الحجر الأسود وهي جهة القبلة لأهل واسط وبلاد الصين والهند والمرجان وكابل والقندهار والمعبر وما والاها من البلاد أو كان على سمتها
ويقابل الجدار الشرقي من البيت مما يلي ركن الحجر الأسود زمزم وسقاية العباس ويقابله مما يلي الركن الشامي مقام إبراهيم عليه السلام وقد تقدم الكلام عليه في عجائب الحجاز فيما مر ويسمى ما بين الكعبة وزمزم والمقام الحطيم بالحاء والطاء المهملتين قال في الروض المعطار سمي بذلك لأنه كان من لم يجد من الأعراب ثوبا من ثياب أهل مكة يطوف فيه رمى ثيابه هناك وطاف عريانا وخارج المسجد الصفا والمروة اللذان يقع السعي بينهما (4/260)
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وهي على ضربين
الضرب الأول الحرم ومشاعر الحج الخارجة عن مكة
أما الحرم فهو ما يطيف بمكة مما يحرم صيده وقطع شجره وحشيشه ونحو ذلك وقد تقدم أن الله تعالى جعل ملائكة يحرسون القبة التي أنزلها الله تعالى الى آدم من الجنة ووضعت له مكان الكعبة وجعلت الملائكة حرسا لها كي لا يقع عليها بصر الشياطين فكانت مواقف الملائكة هي حدود الحرم قال ابن حوقل وليس بمكة والحرم شجر يثمر الا شجر البادية أما خارج الحرم ففيه عيون وثمار
واعلم أن مقادير جهات الحرم تتفاوت في القرب والبعد عن مكة وعلى حدوده أعلام منصوبة في كل جهة تدل عليه قال في الروض المعطار قال الزبير وأول من وضع علامات الحرم ونصب العمد عليه عدنان بن أد خوفا من أن تندرس معالم الحرم أو تتغير قال وحده من التنعيم على طريق سرف الى مر الظهران خمسة أميال وذكر في موضع آخر أنها ستة أميال وحده من طريق جدة عشرة أميال ومن طريق اليمن ستة أميال ودوره سبعمائة وثلاثة وثلاثون ميلا
ثم بحدود هذا الحرم أماكن مشهورة يخرج اليها من مكة من أراد أن يهل بعمرة فيحرم منها
أحدها التنعيم بألف ولام لازمتين وفتح التاء المثناه فوق وسكون النون وكسر العين المهملة وسكون الياء المثناه تحت وميم في الآخر وهو موضع على حد الحرم على طريق السالك من بطن مر وإلى مكة قال في الروض المعطار وسمي التنعيم لأن الجبل عن يمينه اسمه نعيم والذي عن يساره اسمه ناعم والوادي الذي هو فيه اسمه نعمان ومنه اعتمرت عائشة رضي الله عنها مع عبدالرحمن بن أبي بكر وهناك مسجد يعرف بمسجد عائشة الى الآن (4/261)
الثاني الحديبية بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء المثناة تحت وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المشددة وفي آخرها تاء ونقل في الروض المعطار عن الأصمعي تخفيف الياء الثانية قال في تقويم البلدان وهو موضع بعضه في الحل وبعضه في الحرم وفيه صد المشركون رسول الله عن البيت وهي أبعد أطراف الحرم عن البيت وهي على مسيرة يوم وهي في مثل زاوية للحرم وذكر في الروض المعطار أن الحديبية اسم لبئر في ذلك المكان ومذهب الشافعي أن العمرة منه أفضل من التنعيم
الثالث الجعرانة بكسر الجيم والعين المهملة وفتح الراء المهملة المشددة بعدها ألف ونون مفتوحة وهاء في الآخر ونقل في الروض المعطار عن الأصمعي سكون العين وتخفيف الراء قال وهو مكان بين مكة والطائف ولكنه الى مكة أقرب ومنه أحرم رسول الله بالعمرة في وجهته تلك ومذهب الشافعي أن العمرة منه أفضل من الحديبية
وأما مشاعر الحج الخارجة عن مكة فثلاثة
أحدها منى بكسر الميم وفتح النون وألف مقصورة سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء أي يراق قال في المشترك وبينها وبين مكة ثلاثة أميال وهي تشبه القرية مبنية على ضفتي الوادي وبها مسجد الخيف بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفي آخره فاء وهو مسجد عظيم متسع الأرجاء بغير سقف
الثاني المزدلفة بضم الميم وسكون الزاي المعجمة وفتح الدال المهملة وكسر اللام وفتح الفاء وآخرها هاء وهي موضع على يسرة الذاهب من منى الى عرفة قال النووي سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي تقربوا ومضوا إليها وتسمى (4/262)
جمعا أيضا بفتح الجيم وسكون الميم وعين مهملة لأنه يجمع بها بين المغرب والعشاء وبها مسجد متسع قال في الروض المعطار طوله ثلاثة وستون ذراعا وعرضه خمسون ذراعاوارتفاع جداره عشرة أذرع
الثالث عرفة بفتح العين والراء المهملتين والفاء وهاء في الآخر ويقال فيه أيضا عرفات على الجمع وبه جاء القرآن في قوله تعالى ( فإذا أفضتم من عرفات ) وهو موقف الحج وسمي عرفات لتعارف آدم عليه السلام وحواء به قال كعب الاحبار أهبط آدم عليه السلام بالهند وحواء بعرفة وإبليس بجدة والحية بأصبهان وأمر الله تعالى آدم بحج البيت فحج فكان حيث وضع قدمه تتفجر الأنهار وتبنى المساجد فلما وصل الى عرفة وجد بها حواء فتعارفا بها
الضرب الثاني قراها ومخاليفها
واعلم أن أكثر جبال مكة وأوديتها مسكونة معمورة الا أنه ليس بها قرية مقراة الا حيث المياه والعيون الجارية والحدائق المحدقة والمشهور من ذلك عشرة أماكن الأول جدة بضم الجيم وتشديد الدال المهملة ثم هاء وهي فرضة مكة على ساحل بحر القلزم وموقعها في أول الاقليم الثاني من الأقاليم السبعة وهي في الغرب عن مكة بميلة الى الشمال قال في الأطوال طولها ست وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة ووافقه على ذلك في القانون وقال في رسم المعمور طولها خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها على ما تقدم وهي مينا عظيمة محل (4/263)
حط وإقلاع إليها تنتهي المراكب من مصر واليمن وغيرهما وعنها تصدر من مكة قال في تقويم البلدان وهي من مكة على مرحلتين وقال الإدريسي بينهما أربعون ميلا وهي ميقات من قطع البحر من جهة عيذاب اليها
الثاني بطن نخل وضبطه معروف ويقال فيه أيضا وادي نخلة على التوحيد ونخلة بإسقاط لفظ وادي قال الجوهري وبه كانت العزى التي هي أحد طواغيت قريش وبعث النبي اليها خالد بن الوليد فهدمها وهي الآن بيد هذيل وهي قرى مجتمعة ذات عيون وحدائق ومزدرع أخبرني بعض أهل الحجاز أن بها نحو أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية وغالب فواكه مكة وقطانيها وبقولها منها ومنها يصب الماء الى بطن مر الآتي ذكره
الثالث الطائف بألف ولام لازمتين فطاء مهملة مشددة مفتوحة بعدها ألف وياء مثناه تحت مكسورة ثم فاء وهوبلد شرقي بطن نخل المتقدم ذكرها وبطن نخل بينه وبين مكة قيل سميت الطائف لأنها في طوفان نوح انقطعت من الشام وحملها الماء وطافت بالأرض حتى أرست في هذا الموضع وقال في الروض المعطار اسمها القديم وج يعني بواو مفتوحة وجيم مشددة سميت برجل من العمالقة ثم سكنها ثقيف فبنوا عليها حائطا مطيفا بها فسميت الطائف قال وهي إحدى القريتين المذكورتين في قوله تعالى ( وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم ) قال في تقويم البلدان وهي من الحجاز تقريبا وموقعها في أوائل الإقليم الثاني وقال ابن سعيد طولها ثمان وستون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة وعرضها إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وهو بلد خصيب كثير الفواكه المختلفة مما يشابه فواكه الشام وغيرها وهي طيبة الهواء إلا أنها شديدة البرد حتى إنه ربما جمد الماء بها لشدة بردها
الرابع بطن مر بفتح الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة ونون بعدها ثم ميم مفتوحة وراء مهملة مشددة وهو واد من أودية الحجاز في الشمال (4/264)
عن مكة على مرحلة منها على طريق حجاج مصر والشام قال في الأطوال طولها سبع وستون درجة وعرضها إحدى وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي بقعة بها عدة عيون ومياه تجري ونخيل كثير والنخل والمزدرع متصل من وادي نخلة إليها وذكر غيره أن بها نحو اربعة وعشرين نهرا على كل نهر قرية ومنها تحمل الفواكه والبقولات الى مكة كما تحمل من نخلة والطائف وهي بيد بني حسن أمراء مكة
الخامس الهده بألف ولام ثم هاء ودال مهملة مفتوحتين وهاء ساكنة في الآخر وهو واد على القرب من بطن مر على مرحلة ونصف من مكة به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية وهي بيد بني جابر
السادس عسفان بضم العين وسكون السين المهملتين وفتح الفاء ثم ألف ونون وهو واد معروف على طريق حجاج مصر على ثلاث مراحل من مكة كان بها حدائق ومياه تنصب اليها من الهده المذكورة وهي الآن خراب ليس بها عمارة
السابع البرزة بألف ولام ثم باء موحدة مفتوحة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وهاء في الآخر وهي واد بالقرب من عسفان على مرحلتين من مكة به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية وهي الآن بيد بني سلول وبني معبد بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة
الثامن خليص بضم الخاء المعجمة وفتح اللام وإسكان الياء المثناة تحت والصاد المهملة وهو واد على طريق حجاج مصر على أربع مراحل من مكة به نحو تسعة أنهر على كل نهر قرية
التاسع وادي كلية بضم الكاف وفتح اللام وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر وهو واد بالقرب من خليص به نحو سبعة أنهر على كل نهر قرية وكان بيد سليم وقد خرب من مدة قريبة بعد الثمانين والسبعمائة
العاشر مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء المهملة ثم ألف ولام (4/265)
وظاء معجمة مفتوحة وهاء ساكنة وراء مهملة مفتوحة بعدها ألف ونون وهو موضع بينه وبين مكة نحو ستة عشر ميلا وهو الذي نزل به رسول الله عند صلحه مع قريش كان به ضياع كثيرة وهو الآن خراب قال في الروض المعطار وبه حصن كبير كان يسكنه شكر بن الحسن بن علي بن جعفر الحسني يعني امير مكة الاتي ذكره في جملة أمرائها
الطرف السابع في ذكر ملوك مكة وهم على ضربين الضرب الأول ملوكها قبل الإسلام
اعلم أن مكة بعد الطوفان كان ملكها في عاد وكان بها منهم معاوية بن بكر ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وكان مع معاوية بن بكر وهو عاد الآخرة فيما يقال يعرب ثم غلبهم العمالقة عليها فلما غلب ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عادا على اليمين وفرق ملك اليمن في إخوته استولى على الحجاز وأخرج العمالقة منه وولى أخاه جرهم بن قحطان على الحجاز فبقي به حتى مات فملك بعده ابنه عبد ياليل ثم ملك من بعده ابنه جرهم ثم ملك بعده ابنه عبد المدان ثم ملك بعده ابنه بقيلة ثم ملك بعده ابنه عبد المسيح ثم ملك بعده ابنه مضاض ثم ملك بعده ابنه الحرث ثم ملك بعده ابنه عمرو ثم ملك بعده أخوه بشر بن الحرث ثم ملك بعده مضاض بن عمرو بن مضاض
قال ابن سعيد وجرهم هذه هم الذين بعث إليهم إسماعيل عليه السلام وتزوج فيهم وكانت قبلهم جرهم اخرى مع عاد قال في الروض المعطار وفي ذلك يقول عمرو بن الحرث بن مضاض وهو التاسع من ملوك جرهم المتقدم ذكرهم (4/266)
( وصاهرنا من أكرم الناس والدا ... فأبناؤه منا ونحن الأصاهر )
قال صاحب حماة في تاريخه وقد اختلف المؤرخون في أمر الملك على الحجاز بين جرهم وبين إسماعيل فبعضهم يقول كان الملك في جرهم ومفاتيح الكعبة وسدانتها في يد ولد إسماعيل وبعضهم يقول إن قيدار بن إسماعيل توجته أخواله من جرهم وعقدوا له الملك عليهم بالحجاز
وأما سدانة البيت ومفاتيحه فكانت مع بني إسماعيل بلا خلاف حتى انتهى ذلك الى نابت من ولد إسماعيل فصارت السدانة بعده لجرهم ويدل على ذلك قول عمرو بن الحرث
( وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر )
وذكر في الروض المعطار أنه كان مع جرهم بمكة قطورا وجرهم وقطورا أخوان وكان منزل جرهم أعلى مكة بقعيقعان فما حاز ومنزل قطورا أسفل مكة بأجياد فما حاز وانتهت رياسة قطورا في زمن مضاض بن عبد المسيح المتقدم ذكره الى السميدع وكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها والسميدع يعشر من دخلها من أسفلها ثم بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك واقتتلوا فقتل السميدع واستقل مضاض بالأمر وبقيت جرهم ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة فأكلوا مال الكعبة الذي يهدي اليها واستحلوا حرمها وبلغ من أمرهم
( أن الرجل إذا لم يجد مكانا يزني فيه ... الكعبة فزنى فيها ولم يتناهوا )
حتى يقال إن إساف بن سهيل زنى بنائلة بنت عمرو بن ذؤيب في جوف الكعبة فمسخا حجرين ونضب ماء زمزم لكثرة البغي ودرست معالمها ثم جاء عمرو بن لحي فغير دين إبراهيم عليه السلام وبدله وبعث العرب على عبادة التماثيل وعمر ثلثمائة سنة وخمسا وأربعين سنة وبلغ من الولد وولد الولد ألفين (4/267)
ثم صارت سدانة البيت ومفاتيحه الى خزاعة بن الأزد من بني كهلان بن سبإ من العرب العاربة وكانت منازلهم من حين تفرق عرب اليمن بسبب سيل العرم ببطن مر على القرب من مكة وصارت لهم الرياسة بسدانة البيت وبقيت السدانة بيدهم الى أن انتهت الى أبي غبشان سليمان بن عمرو الخزاعي في زمن بهرام جور بن يزدجرد من ملوك الفرس ورئيس قريش يومئذ قصي بن كلاب فاجتمع قصي مع أبي غبشان على شراب بالطائف فلما سكر أبو غبشان اشترى قصي سدانة البيت منه بزق خمر وتسلم مفاتيحه وأشهد عليه بذلك وأرسل ابنه عبد الدار بها الى البيت فرفع صوته وقال يا معشر قريش هذه المفاتيح مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد ردها الله عليكم من غير عار ولا ظلم فلما صحا أبو غبشان ندم حيث لا ينفعه الندم ويقال أخسر من صفقة أبي غبشان وأكثر الشعراء القول في ذلك حتى قال بعضه
( باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت ... بزق خمر فبئست صفقة البادي )
( باعت سدانتها بالنزر وانصرفت ... عن المقام وظل البيت والنادي )
ولما وقع ذلك عدت خزاعة على قصي فظهر عليهم وأجلاهم عن مكة وكان بمكة عرب يجيزون الحجيج الى الموقف وكان لهم بذلك رياسة فأجلاهم قصي عن مكة ايضا وانفرد بالرياسة قال العسكري في الأوائل وكان أول من نال الملك من ولد النضر بن كنانة
ولما تم لقصي ذلك بنى دار الندوة بمكة فكانت قريش تقضي فيها أمورها فلا تنكح ولا تشاور في أمر حرب ولا غيره إلا فيها ولم تزل الرياسة فيه وفي بنيه بعد ذلك فولد له من الولد عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى
ثم انتقلت الرياسة العظمى بعد ذلك لبني عبد مناف وكان له من الولد هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل وكان هاشم أرفعهم قدرا وأعظمهم شأنا (4/268)
وإليه انتهت سيادة قومه وكانت اليه الرفادة وسقاية الحجيج بمكة وكانت قريش تجارا وكانت تجارتهم لا تعدو مكة وما حولها فخرج هاشم الى الشأم حتى نزل بقيصر ملك الروم فسأله كتابة أمان لتجار قريش فكتب له كتابا لكل من مر عليه فخرج هاشم فكلما مر بحي من العرب أخذ من أشرافهم أمانا لقومه حتى قدم مكة فأتاهم بأعظم شيء أتوا به قط بركة فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج معهم حتى أوردهم الشام وخرج أخوه المطلب الى اليمن فأخذ لهم أمانا من ملكه وخرج أخوهما عبد شمس الى ملك الحبشة فأخذ لهم أمانا كذلك وخرج أخوهم نوفل الى كسرى ملك الفرس فأخذ لهم منه أمانا وكانت قريش يرحلون في الشتاء للشام وفي الصيف لليمن واتسعت معايشهم بسبب ذلك وكثرت أموالهم حتى امتن الله عليهم بذلك بقوله ( لئيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ) والإيلاف الأمان
ثم ولد لهاشم عبد المطلب وبقيت الرياسة فيه وكانت بئر زمزم قد انطمت ونضب ماؤها فحفرها عبد المطلب حتى أكمل الله تعالى بنبوة نبيه محمد
وأما سدانة البيت ومفاتيحه فبقيت بيد بني عبد الدار بن قصي المتقدم ذكره من حين تسلمها عبد الدار عند أخذها من أبي غبشان الخزاعي حتى صارت لبني شيبة من بني عبد الدار وانتهت في زمن النبي الى عثمان بن طلحة ابن عبد الدار فلما دخل النبي مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح اليه وقال لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذه منه وفتح ودخل رسول الله الكعبة فصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزل قوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها ) فأمر رسول الله عليا أن يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه فقال عثمان أكرهت (4/269)
وآذيت ثم جثت ترفق فقال له علي لقد أنزل الله تعالى في شأنك قرآنا وقرأ عليه الآية فقال عثمان أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فهبط جبريل عليه السلام على النبي فأخبره أن السدانة في أولاد عثمان أبدا فهي باقية فيهم الى الآن
الضرب الثاني ملوكها في الإسلام وهم على طبقات
الطبقة الثالثة عمال النبي والخلفاء الراشدين
هاجر منها النبي الى المدينة قبل وفاته وحج حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة وتوفي سنة إحدى عشرة من الهجرة وعلى مكة عثمان بن أسيد وتوالت عليها عمال الخلفاء بعده الى آخر أيام الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
الطبقة الرابعة عمال بني أمية من لدن معاوية رضي الله عنه الى انقراضهم
ثم ولى عليها معاوية بن أبي سفيان في خلافته في سنة اثنتين وأربعين من الهجرة خالد بن العاص بن هشام ثم أضيفت الى عمال المدينة الى أيام الوليد ابن عبد الملك فكان من وليها منهم الوليد بن عتبة ثم عمرو بن سعيد الأشدق ثم الوليد بن عتبة ثانيا ثم مصعب بن الزبير من جهة أخيه عبدالله بن الزبير لما بويع له بالخلافة ثم جابر بن الأسود ثم طلحة بن عبدالله بن عوف ثم طارق بن عمرو بن عثمان ثم الحجاج بن يوسف (4/270)
الثقفي ثم أبان بن عثمان ثم هشام بن إسماعيل المخزومي ثم عمر ابن عبد العزيز
ثم أفردها الوليد بن عبد الملك عن المدينة وولى عليها خالد بن عبدالله القسري بعد عمر بن عبد العزيز ثم وليها عبد العزيز بن خالد بن أسيد أيام سليمان بن عبد الملك ثم عزله يزيد سنة ثلاث ومائة وأضافها مع المدينة الى عبد الرحمن بن الضحاك ثم عزله عن مكة والمدينة لثلاث سنين من ولايته وولى مكانه عبد الواحد النضري ثم عزله هشام بن عبد الملك في خلافته وولى مكانه على مكة والمدينة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولى مكانه على مكة والطائف دون المدينة محمد ابن هشام المخزومي ثم ولى الوليد بن زيد في خلافته خاله يوسف بن محمد الثقفي على مكة مع سائر أعمال الحجاز ثم ولى مروان على مكة وبر الحجاز عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثم عزله في سنة تسع وعشرين ومائة وولى مكانه على مكة والحجاز عبد الواحد ثم توالت عليها عمال بني أمية الى أن انقرضت دولتهم
الطبقة الخامسة عمال بني العباس
وأولهم أبو العباس السفاح فولى عليها وعلى المدينة وسائر الحجاز عمه داود ثم توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة فولى مكانه في جميع ذلك زياد بن عبدالله بن عبد الدار الحارثي
ثم ولى السفاح على ذلك سنة ثلاث وأربعين ومائة السري بن عبدالله بن (4/271)
الحارث بن العباس
ثم عزله أبو جعفر المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي ثم عزله عنها سنة تسع وأربعين ومائة وولى مكانه محمد بن إبراهيم الإمام ثم عزله وولى مكانه إبراهيم ابن أخيه ثم ولى على مكة وسائر الحجاز واليمامة جعفر بن سليمان ثم توالت عليها العمال الى أن ولى الرشيد في خلافته على مكة واليمن حمادا اليزيدي سنة أربع وثمانين ومائة
ثم وليها في زمان الأمين داود بن عيسى
ثم وليها محمد بن عيسى ثم عزله المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وولى مكانه ابنه المنتصر بن المتوكل
ثم وليها علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور ثم عزله المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين وولى مكانه عبدالله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى ثم عزله المتوكل سنة ثنتين وأربعين ومائتين وولى مكانه عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ثم توالت عليها العمال من قبل خلفاء بني العباس الى أن غلب عليها السليمانيون الآتي ذكرهم آنفا
الطبقة السادسة السليمانيون من بني الحسن
نسبة الى سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط
وكان سليمان هذا في أيام المأمون بالمدينة وحدثت الرياسة فيها لبنيه بعد أيام وكان كبيرهم آخر المائة الثالثة محمد بن سليمان الربذي
قال البيهقي خلع طاعة العباسيين وخطب لنفسه بالإمامة في سنة إحدى وثلثمائة في خلافة المقتدر ثم اعترضه أبو طاهر القرمطي في سنة ثنتي عشرة (4/272)
وثلثمائة فانقطع حجيج العراق بسبب ذلك
ثم أنفذ المقتدر الحجيج من العراق في سنة سبع عشرة وثلثمائة فوافاهم القرمطي بمكة فنهبهم وخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية وقلع الحجر الأسود وباب الكعبة وحملهما الى الأحساء وتعطل الحج من العراق الى أن ولي الخلافة القاهر في سنة عشرين وثلثمائة فحج بالناس أميره في تلك السنة
ثم انقطع الحج من العراق بعدها الى أن صولحت القرامطة على مال يؤديه الحجيج اليهم فحجوا في سنة سبع وعشرين وثلثمائة وخطب بمكة للراضي بن المقتدر وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المتقي من بعده
ثم انقطع الحج من العراق بسبب القرامطة الى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة فخرج ركب العراق بمهادنة القرامطة في خلافة المستكفي ثم خطب بمكة لمعز الدولة بن بويه مع المقتدر في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة ثم تعطل الحج بسبب القرامطة ثم برز أمر المنصور الفاطمي صاحب إفريقية لأحمد بن أبي سعيد أمير القرامطة بعد موت أبي طاهر بإعادة الحجر الأسود الى مكانه فأعاده في سنة تسع وثلاثين وثلثمائة
وفي سنة ثنتين وأربعين وثلثمائة حاول أمير الركب المصري الخطبة لابن الأخشيد صاحب مصر فلم يتأت له ذلك وخطب لابن بويه واتصلت وفود الحج من يومئذ
وفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطي بمكة مع المطيع
وفي سنة ست وخمسين وثلثمائة خطب بمكة لبختيار بن معز الدولة بعد موت أبيه
ثم في سنة ستين وثلثمائة جهز المعز الفاطمي عسكرا من إفريقية لإقامة الخطبة له بمكة وعاضدهم بنو الحسين أهل المدينة فمنعهم بنو الحسن أهل مكة من ذلك واستولوا على مكة (4/273)
فلما ملك مصر المعز كان الحسن بن جعفر بن الحسن بن سليمان بالمدينة فبادر فملك مكة ودعا للمعز وكتب له المعز بالولاية ثم مات الحسن فولي مكانه أخوه عيسى
ثم ولي بعده أبو الفتوح الحسن بن حعفر بن أبي هاشم ثم الحسن بن محمد بن سليمان بن داود سنة أربع وثمانين وثلثمائة ثم جاءت عساكر عضد الدولة بن بويه ففر الحسن وترك مكة ولما مات المعز وولي ابنه العزيز بعث الى مكة أميرا علويا فخطب له بالحرمين واستمرت الخطبة بمكة للعلويين الى سنة سبع وستين وثلثمائة
وفي سنة ثمان وستين خطب لعضد الدولة بن بويه ثم عادت الخطبة بمكة الى الخلفاء الفاطميين بمصر ثم كتب الحاكم سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة الى عماله بالبراءة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأنكر ذلك أبو الفتوح امير مكة وحمله ذلك على أن استبد بالأمر في مكة وخطب لنفسه وتلقب بالراشد بالله وقطع الحاكم الميرة عن الحرمين فرجع أبو الفتوح الى طاعته فأعاده الى إمارته بمكة
وفي سنة ثنتي عشرة واربعمائة خطب بمكة للظاهر بن الحاكم ثم خطب بمكة سنة سبع وعشرين وأربعمائة للمستنصر بن الظاهر ثم توفي أبو الفتوح أمير مكة المتقدم ذكره سنة ثلاثين وأربعمائة لست وأربعين سنة من إمارته
وولي بعده إمارة مكة ابنه شكر وملك معها المدينة واستضافها لمكة وجمع بين الحرمين كله ثلاثا وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة قال ابن حزم وكانت وفاته عن غير ولد وانقرضت بموته دولة بني سليمان بمكة (4/274)
الطبقة السابعة الهواشم
نسبة الى أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن السبط
كان رئيس الهواشم لما مات شكر آخر أمراء السليمانيين محمد بن جعفر بن أبي هاشم المذكور فاستولى على إمارة مكة في سنة أربع وخمسين وأربعمائة بعد موت شكر وخطب للمستنصر الفاطمي صاحب مصر ثم خطب لبني العباس في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ذلك فأعاد الخطبة للمستنصر الفاطمي ثم استماله القائم العباسي وبذل له الأموال فخطب له سنة ثنتين وستين بالموسم فقط وكتب للمستنصر بمصر يعتذر اليه ثم بعث اليه السلطان ألب أرسلان السلجوقي بأموال كثيرة في سنة ثلاث وستين فخطب له بنفسه
ثم جمع محمد بن جعفر المتقدم ذكره وزحف الى المدينة فأخرج منها بني الحسين وملكها وجمع بين الحرمين
ثم مات القائم وانقطع ما كان يصل الى أمير مكة منه فقطع الخطبة للعباسيين
ثم أرسل المقتدي بالله العباسي بمال فأعاد الخطبة للعباسيين فاستمرت الخطبة لهم الى أن مات السلطان ملكشاه السلجوقي سنة ست وثمانين وأربعمائة فانقطعت الخطبة بمكة للعباسيين وبطل الحاج من العراق ومات المقتدي وبويع ابنه المستظهر ومات المستنصر العبيدي بمصر وبويع ابنه المستعلي فخطب له بمكة (4/275)
ثم مات محمد بن جعفر أمير مكة المتقدم ذكره سنة سبع وثمانين وأربعمائة لثلاث وثلاثين سنة من إمارته وولي بعده ابنه قاسم فكثر اظطرابه ثم توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة لثلاثين سنة من إمارته
وولي بعده ابنه أبو فليتة فافتتح بالخطبة العباسية وحسن الثناء عليه ثم مات سنة سبع وعشرين وخمسمائة لعشر سنين من إمارته وولي بعده ابنه قاسم والخطبة مستمرة للعباسيين
ثم صنع المقتفي بابا للكعبة وأرسله اليها في سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة وحمل الباب العتيق اليه فاتخذه تابوتا يدفن فيه واتصلت الخطبة لبني العباس الى سنة خمس وخمسين وبويع المستنجد فخطب له كما كان يخطب لأبيه المقتفي
ثم قتل قاسم بن أبي فليتة سنة ست وخمسين وخمسمائة وولي بعده ابنه عيسى في أيام العاضد آخر خلفاء الفاطميين بمصر وتوفي المستنجد وبعث المستضيء بالركب العراقي وانقضت دولة الفاطميين بمصر ووليها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فخطب له بالحرمين الشريفين
والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه أن عيسى عم قاسم سير الحاج في سنة ست وخمسين وخمسمائة وقام مكان ابن أخيه قاسم المذكور ثم عاد قاسم فملك مكة ثم هرب وعاد عمه عيسى فملكها وهرب قاسم الى جبل أبي قبيس فوقع عن فرسه فأمسكه عيسى وقتله
ثم مات المستضيء وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين وحجت امه وعادت فأنهت اليه من أحوال عيسى بن قاسم أمير مكة ما عزله به وولى مكانه أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر وهو الذي بنى القلعة على جبل أبي (4/276)
قبيس ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة وبموته انقرضت دولة الهواشم بمكة
وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه أن أمير حاج العراق في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة توجه من عند الخليفة بعزله فجرى بينهما حرب انتهى الأمر فيها الى انهزام مكثر المذكور وأقيم أخوه داود مكانه وما زالت الإمرة فيه تارة وفي أخيه مكثر تارة حتى مات داود في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وقال إنه داود بن عيسى بن محمد بن أبي هاشم
الطبقة الثامنة بنو قتادة
نسبة الى قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن عبدالله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
وكان السبب في ولايته مكة أنها لما كانت مع الهواشم كان بنو حسن مقيمين بنهر العلقمية من وادي ينبع فجمع قتادة قومه بني مطاعن وأسالف بني أحمد وبني إبراهيم وتأمر عليهم وملك ينبع ثم ملك الصفراء وسار الى مكة فانتزعها من الهواشم المتقدم ذكرهم وملكها وخطب للناصر لدين الله العباسي خليفة بغداد وتعاظم أمره حتى ملك مع مكة والينبع أطراف اليمن وبعض أعمال المدينة وبلاد نجد ولم يفد على أحد من الخلفاء ولا من الملوك وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة وولي مكانه ابنه الحسن فامتعض لذلك أخوه راجح بن قتادة ثم قدم الملك المسعود أقسر بن الكامل صاحب اليمن سنة عشرين وستمائة من اليمن الى مكة وملك مكة وقتل جماعة من الأشراف ونصب رايته وأزال راية أمير الركب الذي من جهة الخليفة فكتب الخليفة من بغداد الى أبيه الكامل يعاتبه في ذلك فكتب الكامل الى ابنه أقسر برئت يا أقسر من ظهر العادل إن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وذهب (4/277)
حسن بن قتادة الى بغداد صريخا فمات بها سنة ثنتين وعشرين وستمائة ومات أقسر بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ وقصد راجح بن قتادة مكة مع عساكر عمر بن رسول فملكها من يد فخر الدين بن الشيخ سنة تسع وعشرين وستمائة
ثم جاءت عساكر مصر سنة ثنتين وثلاثين مع الأمير جبريل فملكوا مكة وهرب راجح الى اليمن ثم عاد ومعه عمر بن رسول صاحب اليمن بنفسه فهربت عساكر مصر وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد الخليفة المستنصر
ثم غلب على مكة سنة سبع وأربعين وستمائة أبو سعد الحسن بن علي بن قتادة ولحق راجح باليمن وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين وستمائة الى الناصر بن العزيز بن الظاهر بن أيوب بدمشق مستجيشا على أبي سعد أن يقطع ذكر صاحب اليمن فجهز له عسكرا وسار الى مكة فقتل أبا سعد في الحرم وملك مكة ثم وصل راجح من اليمن الى مكة وهو شيخ كبير السن وأخرج منها جماز بن حسن فلحق بالينبع
ثم دار أمر مكة بين أبي نمي محمد بن أبي سعد علي ب - ن قتادة وبين غالب ابن راجح بن قتادة ثم استبد أبو نمي بإمرة مكة ونفى قبيلة أبيه أبي سعد الى الينبع
ولما هلك أبو نمي قام بأمر مكة من بعده ابناه رميثة وحميضة ونازعهما أخواهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهما ووافق ذلك وصول بيبرس الجاشنكير كافل المملكة المصرية في الأيام الناصرية فأطلق عطيفة وأبا الغيث وولاهما وأمسك رميثة وحميضة وبعث بهما الى مصر ثم رد السلطان رميثة وحميضة الى إمارتهما بمكة مع عسكره وبعثا اليه بعطيفة وأبي الغيث وبقي التنازع بينهم وهم يتعاقبون في إمرة مكة مرة بعد أخرى وهلك أبو الغيث في بعض حروبهم ببطن مر
ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة الى الملك الناصر محمد بن قلاوون (4/278)
صاحب مصر سنة خمس عشرة وسبعمائة فأمده بعساكر وجه بها الى مكة واصطلحوا
ثم خالفهم عطيفة سنة ثمان عشرة وسبعمائة ووصل الى السلطان فأمده بالعساكر فملك مكة وقبض على رميثة فسجن ثم أطلق سنة عشرين وأقام بمصر وبقي حميضة مشردا الى أن استأمن السلطان فأمنه ثم وثب بحميضة مماليك كانوا معه وقتلوه وأطلق رميثة من السجن واستقر شريكا لأخيه عطيفة في إمارتها
ثم مات عطيفة وأقام أخوه رميثة بعده مستقلا بإمارة مكة الى أن كبر وهرم والى ذلك أشار في التعريف بقوله وأول إمرة في رميثة وهو آخر من بقي من بيته وعليه كان النص من أبيه دون البقية مع تداولهم لها وكان ابناه بقية وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة برضاه ثم أراد الرجوع فلم يوافقاه عليه واستمر معه في الولاية
ولما مات رميثة تنازع ولداه بقية وعجلان وخرج بقية وبقي عجلان بمكة ثم غلبه عليها بقية ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين وسبعمائة فولى السلطان عجلان وفر بقية الى الحجاز فأقام هناك منازعا لعجلان من غير ولاية وعجلان هو المستبد بها مع سلوك سيرة العدل والإنصاف والتجافي عن أموال الرعية والتعرض للمجاورين الى أن توفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة
وولي بعده ابنه أحمد وكان قد فوض اليه الأمر في حياته وقاسمه في أمره فقام أحمد بأمر مكة جاريا على سنن أبيه في العدل وحسن السيرة ومات في رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة في الدولة الظاهرية برقوق
فولي مكانه ابنه محمد وكان صغيرا في كفالة عمه كبيش بن عجلان فبقي حتى وثب عليه فداوي عند ملاقاة المحمل فقتله ودخل أمير الركب الى مكة (4/279)
فولى عنان بن مغامس بن رميثة مكانه
ثم لحق علي بن عجلان بالأبواب السلطانية بمصر فولاه الظاهر برقوق سنة تسع وثمانين وسبعمائة شريكا لعنان وسار مع أمير الركب إلى مكة فهرب عنان ودخل علي بن عجلان مكة فاستقل بإمارتها ثم وفد علي بن عجلان على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفرده بالإمارة وأنزل عنان بن مغامس عنده وأحسن اليه ثم اعتقله بعد ذلك وبقي علي بن عجلان في إمارة مكة حتى قتل ببطن مر في سنة سبع وتسعين وسبعمائة
فولى السلطان ابن أخيه حسن بن أحمد مكانه واستبد بإمرة مكة وهو بها الى هذا العهد وهوحسن بن أحمد بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد علي بن أبي عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبدالله بن أبي الكرام بن موسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
الطرف السابع في ترتيب مكة المشرفة وفيه جملتان
الجملة الأولى فيما هو بحاضرتها
أما معاملاتها فعلى ما تقدم في الديار المصرية والبلاد الشامية من المعاملة بالدنانير والدراهم النقرة وصنجتها في ذلك كصنجة الديار المصرية ويعبر عن الدرهم النقرة فيها بالكاملي نسبة الى الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب صاحب مصر وعندهم درهم آخر من فضة خالصة مربع الشكل زنته نحو نصف ثم نقص حتى صار نحو سدس يعبرون عنه بالمسعودي نسبة الى الملك المسعود صاحب اليمن وهو في المعاملة بثلثي درهم كاملي (4/280)
ولم يكن بها في الزمن المتقدم فلوس يتعامل بها ثم راجت الفلوس الجدد بها في أيام الموسم فيما قبل الدولة الظاهرية برقوق ثم راجت في سائر الأوقات آخرا إلا أن كل درهم بها ثمانية وأربعون فلسا على الضعف من الديار المصرية حيث كل درهم فيها أربعة وعشرون فلسا ويعبر عن كل خمسة قراريط من الدرهم الكاملي فيها بجائز وعن الربع والسدس منه بجائزين وتعتبر أوزانها بالمن وهو مائتان وستون درهما وأوقيه عشرة كل أوقية عشرة دراهم وكيلها بالغرارة وكل غرارة من غرائرها . . . . وقياس قماشها بالذراع المصري وأسعارها في الغالب مرتفعة عن سعر مصر والشام
وأما إمرتها فإنها إمرة أعرابية يمشي أميرها في إمرته على قاعدة امراء العرب دون عادة الموك في المواكب وغيرها وأتباعه عرب وأكثرهم من بني الحسن أشراف مكة ويعبر عن أكابرهم بالقواد وهم بمثابة الأمراء للملوك وربما استخدم المماليك الترك ومن في معناهم
وأكثر متحصلة مما يؤخذ من التجار الواردين إلى مكة من الهند واليمن وغيرهما وأما تجهيز ركب الحجيج إليها ففي كل سنة يجهز إليها المحمل من الديار المصرية بكسوة البيت مع أمير الركب ويكسى البيت بالكسوة المجهزة مع المحمل ويأخذ سدنة البيت الكسوة التي كانت على البيت فيهادون بها الملوك وأشراف الناس وداخل البيت كسوة أخرى من حرير منقوش لا تحتاج إلى التغيير إلا في السنين المتطاولة لعدم وصول الشمس ولمس الأيدي إليها
ومن عادة أمير مكة أنه إذا وصل المحمل إلى ظاهر مكة خرج لملاقاته فإذا وافاه ترجل عن فرسه وأتى الجمل الحامل للمحمل فقلب خف يده اليمنى وقبله خدمة لصاحب مصر وقد روى ابن النجار في تاريخ المدينة النبوية من طريق (4/281)
الحافظ أبي نعيم إلى حسين بن مصعب أنه أدرك كسوة الكعبة يؤتى بها المدينة قبل أن تصل إلى مكة فتنشر على الرضراض في مؤخر المسجد ثم يخرج بها إلى مكة وذلك في سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين ومائة
واعلم أن كسوة الكعبة لها حالان الحالة الأولى ما كان الأمر عليه في الجاهلية وقد روى الأزرقي في أخبار مكة بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي نهى عن سب أسعد الحميري وهو تبع وكان أول من كسا الكعبة وذكر ابن إسحاق عن غير واحد من أهل العلم أن أول من كسا الكعبة كسوة كاملة تبع وهو أسعد أري في منامه ان يكسوها فكساها الأنطاع ثم أري أن اكسها فكساها الوصائل ثياب حبرة من عصب اليمن وعن ابن جريح نحوه
وعن ابن أبي مليكة أنه قال بلغني أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كسى شتى كانت البدن تجلل الحبر والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن وكان يهدى للكعبة هدايا من كسى شتى سوى جلال البدن حبر وخز وأنماط فتكسى منه الكعبة ويجعل ما بقي في خزانة الكعبة فإذا بلي منها شيء أخلف عليها مكانه ثوب آخر ولا ينزع مما عليها شيء
وعن عبد الجبار بن الورد قال سمعت ابن أبي مليكة يقول كانت قريش في الجاهلية ترافد في كسوة الكعبة فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها من عهد قصي بن كلاب حتى نشأ أبو ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكان يختلف إلى اليمن يتجر فيها فأثرى في المال فقال (4/282)
لقريش أنا أكسو الكعبة وحدي سنة وجميع قريش سنة فكان يفعل ذلك حتى مات يأتي بالحبر الجندية من الجند فيكسو الكعبة فسمته قريش العدل لأنه عدل فعله بفعل قريش
وروى الواقدي عن النوار بنت مالك ام زيد بن ثابت رضي الله عنه أنها قالت رأيت قبل أن ألد زيد بن ثابت على الكعبة مطارف خز أخضر وأصفر وكرار وأكسية الأعراب وشقاق شعر
وعن ابن جريج أن الكعبة فيما مضى إنما كانت تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج حتى كان بنو هاشم فكانوا يعلقون القميص يوم التروية من الديباج لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالا فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار
وعن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم قال نذرت أمي بدنة تنحرها عند البيت وجللتها شقتين من شعر ووبر فنحرت البدنة وسيرت للكعبة بالشقتين والنبي يومئذ بمكة لم يهاجر فنظرت إلى البيت يومئذ وعليه كسى شتى من وصائل وأنطاع وكرار وخز ونمارق عراقية كل هذا قد رأيته عليه
قلت حاصل الأمر أن الذي كسيته الكعبة الأنطاع وحبرات اليمن والبرود والكرار والأنماط والنمارق ومطارف الخز الأخضر والأصفر والأكسية وشقاق الشعر والوبر وغير ذلك (4/283)
الحال الثانية ما كان الأمر عليه في صدر الإسلام وهلم جرا إلى زماننا
أما في صدر الإسلام فقد روى الواقدي عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن أبيه أن البيت كان في الجاهلية يكسى الأنطاع فكساه النبي الثياب اليمانية ثم كساه عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطي وعن ابن أبي نجيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الكعبة القباطي من بيت المال كان يكتب فيها إلى مصر ثم عثمان من بعده فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين كسوة عمر القباطي وكسوة ديباج وكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان
وروى الأزرقي عن نافع قال كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطي والحب وفي رواية الأنماط فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها وإذا كان يوم النحر نزعها عنها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان الحجبي فناطها على الكعبة
وروى الواقدي عن إسحاق بن عبد الله أن الناس كانوا ينذرون كسوة الكعبة ويهدون إليها البدن عليها الحبرات فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسرواني فلما كان ابن الزبير اتبعه على ذلك فكان يبعث إلى أخيه مصعب بن الزبير يبعث بالكسوة كل سنة وكانت تكسى يوم عاشوراء
قال الأزرقي وقد قيل إن ابن الزبير أول من كساه الديباج قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل وهو الصحيح
وذكر الواقدي عن أشياخه أن عبد الملك بن مروان كان يبعث في كل سنة بالديباج من الشام فيمر به على المدينة فينشر يوما في مسجد رسول الله على (4/284)
الأساطين هاهنا وهاهنا ثم يطوني ويبعث به إلى مكة وقد قيل إن عبد الملك أول من كسا الكعبة الديباج قال الماوردي وكساه بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كانت على أهل نجران في جزيتهم والديباج من فوقها
قال الأزرقي ولما حج المهدي في سنة ستين ومائتين رفع إليه أن ثياب الكعبة قد أثقلتها ويخاف على جدرانها من ثقل الكسوة فجردها حتى لم يبق عليها شيء من الكسوة ثم أفرغ عليها ثلاث كسى قباطي وخز وديباج ولما غلب حسين بن حسن الطالبي على مكة في سنة مائتين وجد ثيابها قد ثقلت عليها أيضا فجردها في أول يوم من المحرم وكساها كسوتين من قز رقيق إحداهما صفراء والأخرى بيضاء مكتوب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار أمر أبو السرايا الأصغر بن الأصغر راعية آل محمد صلوات الله عليه وسلامه بعمل هذه الكسوة لبيت الله الحرام
وذكر الأزرقي عن جده أن الكعبة كانت تكسي في كل سنة كسوة ديباج يعني أحمر وكسوة قباطي فأما الديباج فتكساه يوم التروية فيعلق القميص ويدلى ولا يخاط وإذا صدر الناس من منى خيط القميص وترك الإزار حتى يذهب الحاج لئلا يخرقوه فإذا كان يوم عاشوراء علق عليها الإزار يوصل بالقميص وكأن المراد بالإزار ما تدركه الأيدي في الطواف وبالقميص ما فوق ذلك إلى أعلى الكعبة فلا تزال هذه الكسوة الديباج علهيا حتى يوم سبع وعشرين من شهر رمضان فتكسى القباطي القطن
فلما كانت خلافة المأمون رفع إليه أن الديباج يبلى ويتخرق قبل أن يبلغ الفطر فسأل المأمون صاحب بريد مكة في أي السكوة الكعبة أحسن فقال له (4/285)
في البياض فامر بكسوة من ديباج أبيض عملت سنة ست ومائتين وبعث بها إلى الكعبة فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسى تكسى الديباج الأحمر يوم التروية وتكسى القباطي يوم هلال رجب وتكسى الديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من شهر رمضان للفطر
ثم رفع إلى المأمون أيضا أن إزار الديباج الأبيض يتخرق ويبلى في أيام الحج من مس الحاج قبل أن يخاط عليها إزار الديباج الأحمر في عاشوراء فزادها إزار ديباج أبيض تكساه يوم التروية فيستر به ما تخرق من الإزار الذي كسيته
ثم رفع إلى المتوكل في سنة أربعين ومائتين أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس ومسحهم بالكعبة فزادها إزارين مع الإزار الأول فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض ثم جعل الإزار فوقه في كل شهرين إزار ثم نظر الحجبة فإذا الإزار الثاني لا يحتاج إليه فوضع في تابوت الكعبة وكتبوا إلى المتوكل أن إزارا واحدا مع ما أذيل من قميصها فصار يبعث بإزار واحد فتكسى بعد ثلاثة أشهر فيكون الذيل ثلاثة أشهر
ثم في سنة ثلاث وأربعين ومائتين أمر المتوكل بإذالة القميص القباطي حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الكسوة قال الماوردي ثم كسا المتوكل أساطينه الديباج
وقد حكى المؤيد صاحب حماة في تاريخه أن الفاطميين خلفاء مصر في إمارة أبي الحسن جعفر من السليمانيين على مكة في سنة إحدى وثمانين وثلثمائة كسوا الكعبة البياض
قلت ثم رفع الأمر في خلفاء بني العباس ببغداد إلى شعارهم من السواد فألبسوا الكعبة الديباج الأسود ثم جرى ملوك مصر عند استيلائهم على (4/286)
الحجاز على إلباسها السواد
والذي جرى عليه الحال في زماننا إلى آخر الدولة الظاهرية برقوق وأوائل الدولة الناصرية ولده أن الكعبة تكسى الديباج الأسود كسوة مسبلة من أعلى الكعبة إلى أسفلها مرقوما بأعاليها طراز رقم بالبياض من أصل النسج مكتوب فيه ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) الآيات وعلى الباب برقع من نسبة ذلك مرقوم فيه بالبياض ثم في سنة وثمانمائة في الدولة الناصرية فرج بن برقوق غير الطراز من لون البياض إلى لون الصفرة فصار الرقم في السواد بحرير أصفر مقصب بالذهب ولا يخفى أنه أنفس من الأول والثاني أبهج منه لشدة مضادة ما بين البياض والسواد ثم جعل بعض جوانب الكسوة ديباجا أسود على العادة وبعضها كمخا أسود بجامات مرقوم فيها بالبياض لا إله إلا الله محمدا رسول الله ثم جعل بعد ذلك برقع البيت من حرير أسود منشورا عليه المخايش الفضة الملبسة بالذهب فزاد نفاسه وعلا قيمة ثم في سنة أربع عشرة وثمانمائة جعل واجهة الباب من الكسوة كمخا أزرق بجامات مكتوب فيها والله العالم ما كان وما يكون
قلت وحاصل ما تقدم أن الذي اشتملت عليه أصناف الكسوة في الإسلام الثياب اليمانية والقباطي المصرية والحبر والأنماط والحلل النجرانية والديباج الأبيض والديباج الأحمر والديباج الأخضر والديباج الأصفر والديباج الأسود والديباج الأزرق
وأما تجريد الكعبة من ثيابها فقد ذكر الأزرقي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كسوة الكبيت في كل سنة فيقسمها على الحاج . وعن ابن أبي مليكة انه قال كانت على الكعبة كسى كثيرة من كسوة أهل الجاهلية من الأنطاع والأكسية والكرار والأنماط فكانت ركاما بعضها فوق بعض فلما كسيت في الإسلام من بيت المال كان يخفف عنها الشيء بعد (4/287)
الشيء إلى أن كانت أيام معاوية فكتب إليه شيبة بن عثمان الحجبي يرغب إليه في تخفيفها من كسى الجاهلية حتى لا يكون عليها شيء مما مسته أيديهم لنجاستهم فكتب إليه معاوية أن جردها وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطي وحبرة فجردها شيبة حتى لم يبق عليها شيء وكساها الكسوة التي بعث بها معاوية وقسم الثياب التي كانت عليها بين أهل مكة وكان ابن عباس حاضرا في المسجد وهم يجردونها فلم ينكر ذلك ولا كرهه
وروي أن عائشة رضي الله عنها أنكرت على شيبة ذلك وقالت له بعها واجعل ثمنها في سبيل الله وكذلك ابن عباس
وروى الواقدي عن ام سلمة رضي الله عنها أنها قالت إذا نزعت عن الكعبة ثيابها فلا يضرها من لبسها من الناس من حائض أو جنب وقد تقدم أن المهدي جردها حين حج في سنة ستين ومائتين وحسين الطالبي جردها في سنة مائتين
قلت والذي استقر عليه الحال في زماننا أنها لا تلبس في كل سنة غير كسوة واحدة على ما تقدم بيانه وذلك أن الكسوة تعمل بمصر على النمط المتقدم ثم تحمل صحبة الركب إلى مكة فيقطع ذيل الكسوة القديمة على قدر قامة من جدار الكعبة ويظهر من الجدار ما كان تحته ويبقى أعلاها معلقا حتى يكون يوم فتخلع الكسوة العتيقة وتعلق الجديدة مكانها ويكسى المقام من نسبة كسوة الكعبة ويأخذ بنو شيبة الحجبة الكسوة العتيقة فيهدونها للحجاج ولأهل الآفاق وقد زاد رفدهم فيها من حين حصلت المغالاة في كسوة الكعبة وبرقعها على ما تقدم اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة
واعلم أن جدار الكعبة كان عزيز الرؤية حين كانت الكسوة تتراكم عليها ولا (4/288)
يجرد عنها شيء حتى إن الأزرقي حكى عن جده أنه تبجح برؤية جدارها حين جردت في سنة ثلاث وستين ومائتين وأنه رأى جدار الباب المسدود الذي كان عمله ابن الزبير في ظهرها وسده الحجاج وشبه لون جدارها بالعنبر الأشهب
الجملة الثانية فيما هو خارج عن حاضرتها
أكثر من هو بباديتها وأوديتها القريبة منها بنو الحسن الأشراف وقد ذكر في التعريف من عرب الحجاز لأم وخالد والمنتفق والعايد وزاد في مسالك الأبصار ذكر زبيد وبنو عمرو والمضارجة والمساعيد والزراق وآل عيسى وآل دغم وآل جناح والجبور ثم قال وديارهم يتلو بعضها بعضا قال الحمداني وشرقي مكة خليجة وبنو هزر ومنازلهم بيشة
ومنهم من خثعم بنو منبه وبنو فضيلة ومعاوية وآل مهدي وبنو نضر وبنو حاتم والموركة وآل زياد وآل الصعافير والشما وبلوس ثم قال ومنازلهم غير متباعدة
أما العربان بالدرب المصري إلى مكة فمن بركة الحجاج إلى عقبة أيلة للعائد من عرب الشرقية ومن العقبة إلى الدأماء دون عيون القصب لبني عقبة ومن الدأماء إلى أكدى لبلي ومن أكدى إلى آخر الوعرات لجهينة ومن آخر الوعرات إلى نهاية بدر وإلى نهاية الصفراء ونقب علي لبني حسن أصحاب الينبع ويليهم من أقاربهم من بني حسن أصحاب بدر إلى رملة عالج في طرف (4/289)
قاع البزوة ومن الصفراء إلى الجحفة ورابغ لزبيد ومن الجحفة على قديد وما حولها إلى الثنية المعروفة بعقبة السويق لسليم ومن الثنية على خليص إلى الثنية المشرفة على عسفان إلى الفج المسمى بالمحاطب لبني جابر وهم في طاعة صاحب مكة ومن المحاطب إلى مكة المعظمة لصاحب مكة وبني الحسن
القاعدة الثانية المدينة الشريفة النبوية على ساكنها أشرف الخلق محمد أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام وفيها ثلاث جمل الجملة الأولى في حاضرتها
المدينة ضبطها معروف وهو اسم غلب عليها وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى ( يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) وقوله ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة ) واسمها القديم يثرب وبه نطق القرآن في قوله تعالى ( يا أهل يثرب لا مقام لكم )
قال الزجاجي وهو يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام بن نوح هو الذي بناها وورد ذكره في الحديث أيضا قال الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره وحديث النهي عن تسميتها بذلك ضعيف وسماها الله تعالى الدار بقوله ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) وسماها النبي طيبة بفتح الطاء المهملة وسكون الياء وفتح الباء (4/290)
الموحدة بعدها هاء وطابة بإبدال الياء بعد الطاء بألف قال النووي وهما من الطيب وهو الرائحة الحسنة وقيل من الطيب خلاف الرديء وقيل من الطيب بمعنى الطاهر وقيل من طيب العيش وزاد السهيلي في أسمائها الجابرة بالجيم والباء الموحدة والمحبة والمحبوبة والقاصمة والمجبورة والعذراء والمرحومة وكانت تدعى في الجاهلية غلبة لأن اليهود غلبوا عليها العماليق والأوس والخزرج غلبوا عليها اليهود قال صاحب حماة وهي من الحجاز وقيل من نجد وموقعها قريب من وسط الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في كتاب الأطوال وطولها خمس وستون درجة وثلث وعرضها إحدى وعشرون درجة وقال في القانون طولها سبع وستون درجة ونصف وعرضها إحدى وعشرون درجة وثلث وقال ابن سعيد طولها خمس وستون درجة وثلث وعرضها خمس وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة وقال في رسم المعمور طولها خمس وستون درجة وعشرون دقيقة وعرضها خمس وعشرون درجة
وقد ذكر صاحب الهناء الدائم بمولد أبي القاسم أن أول من بناها تبع الأول وذكر أنه مر بمكانها وهي يومئذ منزلة بها أعين ماء فأخبره أربعمائة عالم من علماء أهل الكتاب لهم عالم يرجعون إليه أن هذا موضع مهاجر نبي يخرج في آخر الزمان من مكة اسمه محمد وهو إمام الحق فآمن بالنبي وبنى المدينة وأنزلهم بها وأعطى كلا منهم مالا يكفيه وكتب كتابا فيه أما بعد يا محمد فإني آمنت بك وبربك وبكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام والإيمان وإني قلت ذلك فإن أدركتك فيها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسني فإني من أمتك الأولين وتابعتك قبل مجيئك وقبل أن يرسلك الله وأنا على ملة أبيك إبراهيم
وختم الكتاب ونقش عليه ( لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح (4/291)
المؤمنون بنصر الله )
وكتب عنوانه إلى محمد بن عبد الله خاتم المرسلين ورسول رب العالمين من تبع الأول حمير أمانة الله في يد من وقع إليه أن يدفعه إلى صاحبه
ودفع الكتاب إلى رئيس العلماء المذكورين وتداوله بنوه بعده إلى أن هاجر النبي إلى المدينة فتلقاه به بعض أولاد ذلك العالم بين مكة والمدينة وتاريخ الكتاب يومئذ ألف سنة بغير زيادة ولا نقص وقيل في بنائها غير ذلك وهي مدينة متوسطة في مستو من الأرض والغالب على أرضها السباخ وفي شماليها جبل أحد وفي جنوبها جبل عير وكان عليها سور قديم وبخارجها خندق محفور وهو الذي حفره النبي يوم الأحزاب
وفي سنة ست وثلاثين ومائتين بنى عليها إسحاق بن محمد الجعدي سورا منيعا وجدده عضد الدولة بن بويه الديلمي في سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة وهو باق عليها إلى الآن ولها أربعة أبواب باب في الشرق يخرج منه إلى البقيع وباب في الغرب يخرج منه إلى العقيق وقباء وبين يدي هذا الباب جداول ماء جارية وبوسطها مسجد النبي وهو مسجد متسع إلا أنه لم يبلغ في القدر مبلغ مسجد مكة
قال ابن قتيبة في كتاب المعارف وكان على عهد رسول الله مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده النخل ولم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر ثم غيره عثمان وزاد فيه عثمان زيادة كبيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وبالقصة وجعل عمده من حجارة منقوشة ووسعه المهدي سنة ستين ومائة وزاد فيه المأمون زيادة كبيرة في سنة اثنتين ومائتين ولم تزل الملوك تتداوله بالعمارة إلى زماننا (4/292)
وبه الحجرة الشريفة التي بها قبر رسول الله وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما بحجرته الشريفة دائر عليه مقصورة مرتفعة إلى نحو السقف عليه ستر من حرير أسود وخارج المقصورة بين القبر والمنبر الروضة التي أخبر أنها روضة من رياض الجنة
وقد ذكر أهل الأثر أن المنبر كان في زمن النبي ثلاث درجات بالمقعد وارتفاعه ذراعان وثلاث أصابع وعرضه ذراع راجح وارتفاع صدره وهو الذي يستند إليه رسول الله ذراع وارتفاع رمانتيه اللتين كان يمسكهما بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة وبقي على ذلك إلى أيام معاوية فكتب إلى مروان عامله على المدينة ان ارفعه عن الأرض فزاد من أسفله ست درجات ورفعه عليها فصار له تسع درجات بالمجلس قيل وصار طوله أربعة أذرع وشبرا
ولما حج المهدي بن المنصور العباسي سنة إحدى وستين ومائة أراد أن يعيده إلى ما كان عليه فأشار عليه الإمام مالك بتركه خشية التهافت فتركه ويقال إن المنبر الذي صنعه معاوية ورفع منبر النبي عليه تهافت على طول الزمان وجدده بعض خلفاء بني العباس واتخذ من بقايا أعواد منبر النبي أمشاطا للتبرك ثم احترق هذا المنبر لما احترق المسجد في مستهل رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة أيام المستعصم بالله وشغل المستعصم عن عمارته بقتال التتار فعمل المظفر صاحب اليمن المنبر وبعث به إلى المدينة سنة ست وخمسين وستمائة فنصب في موضع منبر النبي فبقي إلى سنة ست وستين وستمائة فأرسل الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر المنبر الموجود الآن فأزيل ذاك ووضع هذا وطوله أربعة أذرع ومن رأسه إلى عتبته سبعة أذرع تزيد قليلا ودرجاته سبع بالمقعد والأمر على ذلك إلى الآن (4/293)
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وهي على ضربين الضرب الأول حماها ومرافقها
واعلم أن للمدينة الشريفة حمى حماه النبي وحرمه كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة قال في الروض المعطار حماها اثنا عشر ميلا وخارج بابها الشرقي البقيع المتقدم ذكره وهو مدفن أكثر أمواتها وهو بالباء الموحدة في أوله ويسمى بقيع الغرقد بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح القاف ودال مهملة في الآخر قال الأصمعي سمي بذلك لأنه قطع ما به من شجر الغرقد يوم مات عثمان رضي الله عنه وبه قبر إبراهيم بن النبي من مارية القبطية وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب وإلى جانبه قبر العباس عم رسول الله وقبر عثمان بن عفان رضي الله عنه في قبة دونهما وقبر مالك بن أنس إمام المذهب المعروف وحول المدينة حدائق النخل الأنيقة وثمرها من أطيب الثمر وأحسنه وغالب قوت أهلها منه
الضرب الثاني في مخاليفها وقراها والمشهور منها ثمانية أماكن
الأول قباء بضم القاف وفتح الباء الموحدة وألف في الآخر ويروى بالمد والقصر والمد أشهر قال في الروض المعطار ومن العرب من يذكره فيصرفه ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه قال وسميت قباء ببئر كانت بدار توبة ابن الحسن بن السائب بن أبي لبابة يقال لها قباء وهي قرية غربي المدينة على ميلين منها وبها مسجد التقوى الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) وقد روي أن رسول الله كان (4/294)
يأتي قباء كل يوم سبت راكبا وماشيا ومصلاه بها مشهور
الثاني خيبر بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر قال الزجاجي سميت بخيبر بن قانية وهو أول من نزلها وهي بلدة بالقرب من المدينة الشريفة قال ابن سعيد طولها أربع وستون درجة وست وخمسون دقيقة وعرضها سبع وعشرون درجة وعشرون دقيقة وهي بلدة عامرة آهلة ذات نخيل وحدائق ومياه تجري قال في تقويم البلدان وهي بلدة بني عنزة من اليهود والخيبر في لغة اليهود الحصن وهي في جهة الشمال والشرق عن المدينة على نحو ست مراحل وقيل أربع مراحل قال الإدريسي وهي ذات نخيل وزرع وكانت في صدر الإسلام دارا لبني قريظة والنضير وبها كان السموءل بن عاديا الشاعر المشهور
الثالث فدك بفتح الفاء والدال المهملة وكاف في الآخر قال الزجاجي سميت بفدك بن حام وقيل سميت بفيد بن حام وهو أول من نزلها قال في الروض المعطار وبينها وبين المدينة يومان وحصنها يقال له الشمروخ على القرب من خيبر وكان أهلها قد صالحوا النبي على النصف من ثمارها في سنة أربع من الهجرة ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت له خالصة وكان معاوية بن أبي سفيان قد وهبها لمروان بن الحكم ثم ارتجعها منه لموجدة وجدها عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ردها إلى ما كانت عليه في زمن رسول الله وكانت تغل في أيام إمرته عشرة آلاف دينار يتجافى عنها
الرابع الصفراء مؤنث أصفر وهو واد على ست مراحل من المدينة كثير المزارع والمياه والحدائق أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة وعشرين نهرا على كل نهر قرية وعيونه تصب فضلها إلى ينبع وهو بيد بني حسن الشرفاء (4/295)
الخامس ودان بفتح الواو وتشديد الدال المفتوحة وألف ثم نون وهو واد به قرى خراب لا تحصى كثرة
السادس الفرع بضم الفاء وسكون الراء المهملة وبالعين المهملة وهو واد في جنوبي المدينة على أربعة أيام منها يشتمل على عدة قرى آهله أخبرني بعض أهل الحجاز أن به أربعة عشر نهرا على كل نهر قرية وماؤها يصب في رابغ حيث يحرم حجاج مصر وعليه طريق المشاة من مكة إلى المدينة قال في الروض المعطار ويقال إنها أول قرية مارت إسماعيل عليه السلام التمر بمكة وهي الآن بيد بني حرب
السابع الجار قال في اللباب بفتح الجيم وألف وراء مهملة وهي فرضة المدينة الشريفة على ثلاث مراحل منها قال ابن حوقل وبينها وبين ساحل الجحفة نحو ثلاث مراحل منه عن أيلة على نحو عشرين مرحلة
الثامن وادي القرى بضم القاف وفتح الراء المهملة وألف في الآخر جمع قرية قال في الروض المعطار وهي مدينة كثيرة النخيل والبساتين والعيون وبها ناس من ولد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الغالبون عليها وتعرف بالواديين والذي أخبرني به بعض أهل الحجاز أنه كان بها عيون كثيرة عليها عدة قرى فخربت لآختلاف العرب وهي الآن خراب لا عامر بها ولو عمرت أغنت أهل الحجاز عن الميرة من غيرها
قلت وبالغ الإدريسي في نزهة المشتاق فعد من مخاليفها تيماء ودومة الجندل ومدين والتحقيق خلاف ذلك
فأما تيماء بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت وميم ثم ألف في الاخر فقد عدها في تقويم البلدان من بادية الشأم تقريبا قال في العزيزي وهي حاضرة طيىء وبها الحصن المعروف بالأبلق المنسوب إلى السموءل بن عاديا قال في تقويم البلدان وهي الآن أعمر من تبوك وبها نخيل قائمة (4/296)
وأما دومة الجندل فقال في تقويم البلدان هو موضع فاصل بين الشام والعراق على سبع مراحل من دمشق وبينه وبين المدينة الشريفة ثلاث عشرة مرحلة
وأما مدين فقد تقدم ذكرها في الكلام على كور مصر القديمة ووقع الكلام عليها هناك وإن كان الحق أنها من ساحل الحجاز
الجملة الثالثة في ذكر ملوك المدينة وأمرائها وهم على ضربين الضرب الأول من قبل الإسلام وهم ثلاث طبقات الطبقة الأولى التبابعة
قد تقدم في الكلام على بنائها نقلا عن صاحب الهناء الدائم أن تبعا الأول هو الذي بناها وأسكنها جماعة من علماء أهل الكتاب وكتب كتابا وأودعه عندهم ليوصله من أدركه من أبنائهم إليه وبقي الكتاب عندهم يتوارثونه حتى هاجر النبي إلى المدينة فتلقاه من صار إليه الكتاب منهم وأوصل الكتاب إليه
وحينئذ فيكون أول من ملكها التبابعة
الطبقة الثانية العمالقة من ملوك الشام
قال السهيلي وأول من نزلها منهم يثرب بن عبيل بن مهلائيل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام فسميت به قال في الروض المعطار وكانت هذه الأمة من العماليق يقال لها جاسم (4/297)
وكانوا قد استولوا على مكة وسائر الحجاز وكانت قاعدة ملكهم تيماء وكان آخر ملوكهم الأرقم بن أبي الأرقم
الطبقة الثالثة ملوكها من بني إسرائيل ومن انضم إليهم من الأوس والخزرج
قال في الروض المعطار لما ظهر موسى عليه السلام على فرعون بعث بعثا من بني إسرائيل إلى الحجاز وأمرهم أن لا يستبقوا منها أحدا بلغ الحلم فقتلوهم حتى انتهوا إلى ملكهم الأرقم بتيماء فقتلوه وأبقوا له ابنا صغيرا ليرى موسى عليه السلام فيه رأيه فلما رجعوا به إلى الشام وجدوا موسى عليه السلام قد توفي فقال لهم الناس عصيتم وخالفتم أمر نبيكم وحالوا بينهم وبين الشام فقال بعضهم لبعض خير من بلدكم البلد الذي خرجتم منه فعادوا إلى الحجاز فنزلوه فكان ذلك أول سكنى اليهود الحجاز فنزل جمهورهم بمكان يقال له يثرب بمجتمع السيول واتخذوا الآطام والمنازل ونزل معهم جماعة من أحياء العرب من بلي وجهينة
وكانت يثرب أم قرى المدينة وهي ما بين طرف قباء إلى الجرف ثم لما كان من سيل العرم باليمن ما كان تفرق أهل مأرب فأتى الأوس والخزرج يثرب لليهود فحاربوهم وكان آخر الأمر أن عقدوا بينهم وبينهم جوارا واشتركوا وتحالفوا فلم يزالوا على ذلك زمانا طويلا فصارت للأوس والخزرج ثروة ومال وعز جانبهم فخافهم اليهود فقطعوا الحلف وخافهم الأوس والخزرج فبعثوا إلى من لهم بالشام فأعانوهم حتى أذلوا اليهود وغلبوهم عليها وبقيت بأيديهم حتى جاء الإسلام وهاجر النبي إليها وهم رؤساؤها وحكامها (4/298)
الضرب الثاني من في زمن الإسلام وهم أربع طبقات الطبقة الأولى من كان بها في صدر الإسلام
كان بها رسول الله إلى أن توفي في سنة إحدى عشرة من الهجرة ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أن توفي سنة اثنتي عشرة من الهجرة ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة ثلاث وعشرين ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن قتل في سنة خمس وثلاثين ثم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى أن قتل سنة أربعين ثم الحسن بن علي بن أبي طالب إلى أن سلم الأمر لمعاوية سنة إحدى وأربعين من الهجرة النبوية
الطبقة الثانية عمال الخلفاء من بني أمية
ولى عليهامعاوية سنة اثنتين وأربعين من الهجرة مروان بن الحكم ثم عزله سنة تسع وأربعين وولى مكانه سعيد بن العاص ثم عزله سنة أربع وخمسين ورد إليها مروان بن الحكم ثم عزله سنة تسع وخمسين وولى مكانه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
ثم عزله يزيد بن معاوية عن المدينة والحجاز وولى مكانه عمرو بن سعيد الأشدق ثم عزله سنة إحدى وستين وأعاد الوليد بن عتبة
ثم استعمل ابن الزبير عند غلبته على المدينة أخاه مصعبا سنة خمس وستين ثم نقله إلى البصرة وولى مكانه جابر بن الأسود بن عوف الزهري ثم ولى مكانه طلحة بن عبد الله بن عوف
ثم غلب عبد الملك بن مروان على الخلافة فبعث على المدينة طارق بن عمرو فغلب عليها طلحة بن عبد الله وانتزعها منه ثم انفرد عبد الملك (4/299)
بالخلافة وولى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة الحجاج بن يوسف وعزل طارقا عن المدينة وجعله من جنده ثم ولى عليها سنة سبع وسبعين أبان ابن عثمان ثم عزله في سنة اثنتين وثمانين وولى مكانه هشام بن إسماعيل المخزومي
ثم كانت خلافة الوليد بن عبد الملك فعزل هشام بن إسماعيل وولى مكانه عثمان بن حيان
ثم تولى عليها أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أيام سليمان بن عبد الملك
ثم استعمل عليها عمر بن عبد العزيز في خلافته عبد العزيز بن أرطاة ثم عزله يزيد بن عبد الملك سنة ثلاث ومائة وولى مكانه عبد الرحمن بن الضحاك وأضاف إليه مكة ثم عزله لثلاث سنين من ولايته وولى مكانه على مكة والمدينة عبد الواحد النضري
ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى عليهاوعلى مكة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولى مكانه بالمدينة خاصة خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم ثم عزله سنة ثمان عشرة ومائة وولى مكانه محمد بن هشام بن إسماعيل
ثم ولى الوليد بن يزيد في خلافته خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي على المدينة وسائر الحجاز في سنة أربع وعشرين ومائة ثم عزله يزيد في خلافته في سنة ست وعشرين ومائة وولى مكانه عبد العزيز بن عمرو بن عثمان ثم ولى مروان على المدينة وسائر الحجاز ثم عزله في سنة سبع وعشرين ومائة وولى مكانه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثم عزله في (4/300)
سنة تسع وعشرين ومائة وولى مكانه على المدينة وسائر الحجاز عبد الواحد
الطبقة الثالثة عمالها في زمن خلفاء بني العباس
لما ولي السفاح الخلافة ولى على المدينة والحجاز واليمن واليمامة عمه داود ثم توفي داود سنة ثلاث وثلاثين ومائة فولى مكانه في جميع ذلك زياد ابن عبد الله بن عبد المدان الحارثي ثم ولى سنة ثلاث وأربعين ومائة على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري ثم اتهمه في أمر فعزله وولى مكانه رياح بن عثمان المري فقتله أصحاب محمد المهدي فولى مكانه عبيد الله بن الربيع الحارثي
ثم عزله المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولى مكانه على المدينة جعفر ابن سليمان ثم عزله في سنة خمسين ومائة وولى مكانه الحسن بن زيد بن الحسن ثم عزله المنصور في سنة خمس وخمسين ومائة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي
ثم عزله المهدي في خلافته سنة تسع وخمسين ومائة وولى مكانه محمد ابن عبد الله الكثيري ثم عزله وولى مكانه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان ثم عزله وولى مكانه زفر بن عاصم ثم تولى على المدينة والحجاز جعفر بن سليمان ثم كان بها محمد بن عيسى بعد مدة
وعزله المتوكل وولى مكانه المستنصر بن المتوكل وتوالى عليها عمال بني العباس إلى عشر الستين والمائة (4/301)
الطبقة الرابعة أمراء الأشراف من بني حسين الذين منهم الأمراء المستقرون في إمارتها إلى الآن
كانت الرياسة بالمدينة آخرا لبني الحسن بن علي
وكان منهم أبو جعفر عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وكان من جملة ولده جعفر حجة الله ومن ولده الحسن ومن ولد الحسن يحيى الفقيه النسابة كانت له وجاهة عظيمة وفخر ظاهر وتوفي سنة ست وسبعين ومائتين ومن ولده أبو القاسم طاهر بن يحيى ساد أهل عصره وبنى دارا بالعقيق ونزلها وتوفي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة
وكان من ولده الحسن بن طاهر رحل إلى الأخشيد بمصر وهو يومئذ ملكها فأقام عنده وأقطعه الأخشيد ما يغل في كل سنة مائة ألف دينار واستقر بمصر وكان له من الولد طاهر بن الحسن وتوفي سنة تسع وعشرين وثلثمائة وخلف ابنه محمدا الملقب بمسلم وكان صديقا لكافور الأخشدي صاحب مصر ولم يكن في زمنه بمصر أوجه منه ولما اختل أمر الأخشيدية دعا مسلم هذا للمعز صاحب إفريقية يومئذ ولما قدم المعز إلى الديار المصرية بعد فتح جوهر القائد لها تلقاه مسلم بالجمال بأطراف برقة من جهة الديار المصرية فأكرمه وأركبه معدلا له واختص به ثم توفي سنة ست وستين وثلثمائة فصلى عليه المعز وكانت له جنازة عظيمة
وكان من ولد مسلم هذا طاهر أبو الحسين فلحق طاهر بالمدينة الشريفة فقدمه بنو الحسين على أنفسهم واستقل بإمارتها سنين وكان يلقب بالمليح وتوفي سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وولى بعده ابنه الحسين بن طاهر وكنيته أبو محمد قال العتبي وكان موجودا في سنة سبع وتسعين وثلثمائة وغلبه على (4/302)
إمارتها بنو عم أبيه أبي أحمد القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة الله واستقلوا بها
وكان لأبي أحمد القاسم من الولد داود ويكنى أبا هاشم وقال العتبي الذي ولي بعد طاهر بن مسلم صهره وابن عمه داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر وكناه أبا علي
وقال ابن سعيد ملك أبو الفتوح الحسن بن جعفر من بني سليمان إمرة مكة والمدينة سنة تسعين وثلثمائة بأمر الحاكم العبيدي وأزال إمرة بني الحسين منها وحاول الحاكم نقل الجسد الشريف النبوي إلى مصر ليلا فهاجت بهم ريح عظيمة أظلم منها الجو وكادت تقتلع المباني من أصلها فردهم أبو الفتوح عن ذلك وعاد إلى مكة ورجع أمراء المدينة إليها
وكان لداود بن القاسم من الولد مهنا وهانيء والحسن قال العتبي ولي هانيء ومهنا وكان الحسن زاهدا
وذكر الشريف الحراني النسابة هنا أميرا آخر منهم وهو أبو عمارة مدة كان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة قال وخلف الحسن بن داود ابنه هاشما وولي المدينة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة من قبل المستنصر
قال وخلف مهنا بن داود عبيد الله والحسين وعمارة فولي بعده ابنه عبيد الله وكان بالمدينة سنة ثمان وأربعمائة وقتله موالي الهاشميين بالبصرة ثم ولي الحسين وبعده ابنه مهنا بن الحسين
قال الشريف الحراني وكان لمهنا بن الحسين من الولد الحسين وعبد الله (4/303)
وقاسم فولي الحسين المدينة وقتل عبد الله في وقعة نخلة وذكر صاحب حماة من أمرائها منصور بن عمارة الحسيني وأنه مات في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وقام ولده مقامه ولم يسمه ثم قال وهم من ولد مهنا وذكر منهم أيضا القاسم بن مهنا حضر مع صلاح الدين بن أيوب فتح أنطاكية سنة أربع وثمانين وخمسمائة
وذكر ابن سعيد عن بعض مؤرخي الحجاز أنه عد من جملة ملوكها قاسم بن مهنا وأنه ولاه المستضيء فأقام خمسا وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وولي ابنه سالم بن قاسم
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وكان مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في فتوحاته يتبرك به ويتيمن بصحبته ويرجع إلى قوله وبقي إلى ان حضر إلى مصر للشكوى من قتادة فمات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة وولي بعده ابنه شيحة وقتل سنة سبع وأربعين وستمائة وولي ابنه عيسى مكانه ثم قبض عليه أخوه جماز سنة تسع وأربعين وستمائة وولي ابنه عيسى مكانه ثم قبض عليه أخوه جماز سنة تسع وأربعين وستمائة وملك مكانه وهو الذي ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف أن الإمرة في بيته إلى زمانه قال ابن سعيد وفي سنة إحدى وخمسين وستمائة كان بالمدينة أبو الحسين بن شيحة بن سالم وقال غيره كان بالمدينة سنة ثلاث وخمسين وستمائة
وولي أخوه جماز فطال عمره وعمي ومات سنة أربع أو خمس بعد السبعمائة
وولي بعده ابنه منصور بن جماز ثم وفد أخوه مقبل بن جماز على الظاهر بيبرس بمصر فأشرك بينهما في الإمرة والإقطاع ثم غاب منصور عن المدينة (4/304)
واستخلف ابنه كبيشة فهجم عليه مقبل وملكها من يده ولحق كبيشة بأحياء العرب فاستجاشهم وهجم المدينة على عمه مقبل فقتله سنة تسع وسبعمائة ورجع منصور إلى إمارته وبقي ماجد بن مقبل يستجيش العرب على عمه منصور بالمدينة ويخالفه إلى المدينة كلما خرج منها ثم زحف ماجد سنة سبع عشرة وسبعمائة وملكها من يد عمه منصور فاستصرخ منصور بالملك الناصر محمد ابن قلاوون صاحب مصر فأنجده بالعساكر وحاصروا ماجدا بالمدينة ففر عنها وملكها منصور ثم سخط عليه السلطان الملك الناصر فعزله وولى أخاه ودي بن جماز أياما ثم أعاد منصورا إلى ولايته ثم هلك منصور سنة خمس وعشرين وسبعمائة فولي ابنه كبيشة مكانه فقتله عسكر ابن عمه ودي وعاد ودي إلى الإمرة ثم توفي ودي فولي طفيل بن منصور بن جماز وانفرد بإمرتها وهو الذي ذكر المقر الشهابي في التعريف أنه كان أميرها في زمانه وبقي إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فوقع النهب في الركب فقبض عليه الأمير طاز أمير الركب وولى مكانه سيفا من عقب جماز ثم ولي بعده فضل من عقب جماز أيضا ثم ولي بعد فضل ماتع من عقب جماز ثم ولي جماز بن منصور ثم قتل بيد الفداوية أيام الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون واتفق أمراء الركب على تولية ابنه هبة إلى حين يرد عليهم من السلطان ما يعتمدونه ثم ورد أمر السلطان بتولية هبة من عقب ودي فعزل ودي وولي مكانه ثم ولي بعده عطية بن منصور بن جماز فأقام سنين ثم عزل وولي هبة بن جماز ثم عزل وأعيد عطية ثم توفي عطية وهبة وولي جماز بن هبة بن جماز ثم عزل وولي نعير بن منصور بن جماز ثم قتل فوثب جماز بن هبة على إمارة المدينة واستولى عليها فعزله السلطان وولى ثابت بن نعير وهو بها إلى الآن في سنة تسع وتسعين وسبعمائة وهو ثابت ابن جماز بن هبة بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة بن سالم بن (4/305)
قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنا بن الحسين بن مهنا بن داود بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر حجة الله بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
وإمرتها الآن متداولة بين بني عطية وبين بني جماز وهم جميعا على مذهب الإمامية الرافضة يقولون بإمامة الاثني عشر إماما وغير ذلك من معتقدات الإمامية وأمراء مكة الزيدية أخف في هذا الباب شأنا منهم
الجملة الثالثة في ترتيب المدينة النبوية
أما معاملاتها فعلى ما تقدم في الديار المصرية من المعاملة بالدناينر والدراهم والأمر في الفلوس على ما تقدم في مكة ويعتبر وزنها في المبيعات بالمن وهومائتان وستون درهما على ما تقدم في مكة ويعتبر كيلها بالمد وقياس قماشها بالذراع الشامي وأسعارها نحو أسعارمكة بل ربما كانت مكة أرخى سعرا منها لقربها من ساحل البحر بجدة
وأما إمارتها فإمارة أعرابية كما في مكة من غير فرق
وأما وفود الحجيج عليها فقد جرت العادة أن كل من قصد السبق في العود إلى الديار المصرية من الجند وغيرهم يزور النبي عند ذهاب الركب إلى مكة ثم يعود بعد الحج إلى مصر من غير تعريج على المدينة وباقي الحجيج وأمير الركب لا يأتونها للزيارة إلا بعد انقضاء الحج
واعلم أن كسوة الحجرة الشريفة ليست مما يجدد في كل سنة كما في كسوة الكعبة بل كلما بليت كسوة جددت أخرى ويقع ذلك في كل نحو سبع سنين أو ما قاربها وذلك أنها مصونة عن الشمس بخلاف كسوة الكعبة فإنها بارزة للشمس فيسرع بلاؤها (4/306)
وقد حكى ابن النجار في تاريخ المدينة أن أول من كسا الحجرة الشريفة الثياب الحسين بن أبي الهيجاء صهر الصالح طلائع بن رزيك وزير العاضد والعاضد آخر الخلفاء الفاطميين عمل لها ستارة من الدبيقي الأبيض عليها الطرز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر مكتوب عليها سورة يس بأسرها والخليفة العباسي يومئذ المستضيء بأمر الله
ولما جهزها إلى المدينة امتنع قاسم بن مهنا أمير المدينة يومئذ من تعليقها حتى يأذن فيه المستضيء فنفذ الحسين بن أبي الهيجاء قاصدا إلى بغداد في استئذانه في ذلك فأذن فيه فعلقت الستارة على الحجرة الشريفة نحو سنتين ثم بعث المستضيء ستارة من الإبريسم البنفسجي عليها الطرز والجامات البيض المرقومة وعلى دور جاماتها مرقوم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بالله فقلعت الأولى ونفذت إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالكوفة وعلقت ستارة المستضيء مكانها ثم عمل الناصر لدين الله في خلافته ستارة أخرى من الإبريسم الأسود فعلقت فوق تلك ثم عملت أم الخليفة الناصر بعد حجها ستارة على شكل ستارة ابنها المتقدمة الذكر فعلقت فوق الستارتين السابق ذكرهما
قال ابن النجار ولم يزل الخلفاء في كل سنة يرسلون ثوبا من الحريرالأسود عليه علم ذهب يكسي به المنبر قال ولما كثرت الكسوة عندهم أخذوها فجعلوها ستورا على أبواب الحرم ولم يزل الأمر على ذلك إلى حين انقراض الخلافة من بغداد فتولى ملوك الديار المصرية ذلك كما تولوا كسوة الكعبة على ما تقدم ذكره (4/307)
قلت والستارة الآن من حرير أسود عليها طرز مرقوم بحرير أبيض وآخر من عملها في العشر الأول من الثمانمائة السلطان الملك الظاهر برقوق
وقد ذكر ابن النجار في تاريخ المدينة أيضا أن الناصر لدين الله العباسي كان يرسل في كل سنة أربعة آلاف دينار للصدقة وألفا وخمسمائة ذراع قطن لتكفين من يموت من الفقراء خارجا عما يجهزه للعمارة وما يعده من القناديل والشيرج والشمع والند والغالية المركبة والعود لأجل تبخير المسجد
وذكر عن يوسف بن مسلم أن زيت قناديل مسجد النبي كان يحمل من الشام حتى انقطع في ولاية جعفر بن سليمان الأخيرة على المدينة فجعله على سوق المدينة ثم لما ولي داود بن عيسى في سنة ثمان وسبعين ومائة أخرجه من بيت المال ثم ذكر أنه كان في زمانه في خلافة الناصر لدين الله يصل الزيت من مصر من أوقاف بها سبعة وعشرين قنطارا كل قنطار مائة وثلاثون رطلا بالمصري ومائة وستون شمعة ما بين كبيرة وصغيرة وعلبة فيها مائة مثقال ند (4/308)
الباب الرابع
من المقالة الثانية
في الممالك والبلدان المحيطة بمملكة الديار المصرية وفيه أربعة فصول
الفصل الأول
في الممالك والبلدان الشرقية عنها وما ينخرط في سلكها من شمال أو جنوب وفيه أربعة مقاصد
المقصد الأول
في الممالك الصائرة إلى بيت جنكزخان وفيه جملتان
الجملة الأول
في التعريف باسم جنكزخان ومصير الملك إليه وما كان له من الأولاد وتقسيمه الملك فيهم
أما اسمه فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن اسمه في الأصل تمرجين وأنه لما عظم شأنه سمي جنكزخان وقد ذكر في مسالك الأبصار عن بعضهم أن الصواب في النطق به جنكص (4/309)
خان بالصاد بدل الزاي
وأما نسبه فقد ذكر في مسالك الأبصار أيضا أنه جنكزخان بن بيسوكي بن بهادر بن تومان بن برتيل خان بن تومنيه بن بادسنقر بن تيدوان ديوم بن بغا بن بودنجه بن ألان قوا وألان قوا هذه امرأة من قبيلة من التتر تسمى قبات من أعظم قبائلهم شهرة كانت متزوجة بزوج أولدها ولدين اسم أحدهما بكتوت والآخر بلكتوت ومن عقبهما الطائفة المعروفة في قبائل التتر بالدلوكة إلى الآن ثم مات زوج ألان قوا أبو هذين الاثنين وبقيت ألان قوا أيما فحملت فأنكر عليها الحمل وحملت إلى ولي أمرهم حينئذ فسألها ممن حملت فقالت إني كنت جالسة وفرجي مكشوف فنزل نور ودخل في فرجي ثلاث مرات فحملت منه هذا الحمل وأنا حامل بثلاثة ذكور كل مرة من دخول ذلك النور بذكر فأمهلوني حتى أضع فإن وضعت ثلاثة ذكور فاعلموا صدقي وإلا فدونكم وما ترون فأمهلوها حتى ولدت فأتت بثلاثة ذكور فسمت أحدهم يوقن قوتاغي والثاني بوسن ساغي والثالث بودنجر وهو جد جنكزحان وأولاد هذه الثلاثة يعرفون بين التتر بالنورانيين نسبة إلى النور الذي زعمت أنه دخل فرجها فحملت منه قال في مسالك الأبصار وهذه أكذوبة قبيحة وأحدوثة غير صحيحة وإن صحت عن المرأة فلعلها كانت قد سمعت بقصة مريم البتول عليها السلام فاحتالت لسلامة نفسها بالتشبه بشأنها
وأما مصير الملك إليه فقد اختلف فيه على مذهبين أحدهما ما حكاه في مسالك الأبصار عن الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني أنه كان يملك الترك ملك من عظماء الملوك يدعى أزبك خان فتردد إليه جنكزخان في حال صغره وخدمه فتوسم فيه النجابة فقربه وأدناه وزاده في الارتقاء على أقاربه فحسدوه فوشوا به إلى الملك حتى غيروه عليه فأضمر له المكايد وكان بالقرب من أزبك خان ملكهم صغيران يخدمانه فاطلعا على ما (4/310)
أضمره الملك لجنكزخان وعرفاه ما أضمره الملك له وحذراه وكان جنكزخان قد لف لفيفا عظيما فجمع لفيفه من قبائل التتر وقصد ذلك الملك في جيوشه وكان من أعظم القبائل المجيبة لدعوته قبيلتان إحداهما تدعى إديرات والأخرى فيقورات مع قبيلته قبات المقدم ذكرها فجرد العساكر لأزبك خان وجرت الحرب بينهما فقتل أزبك خان وملك جنكزخان وقرب كلا من الصغيرين وجعل كلا منهما ترخانا وكتب لهما بفراغهما من جميع المؤن والكلف إلى سبعة أبطن من أولادهما
والثاني ما حكاه السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه عن محمد بن أحمد بن علي المنشئي كاتب إنشاء السلطان جلال الدين محمد بن خوارزم شاه أن مملكة الصين كانت منقسمة من قديم الزمان إلى ستة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر يتولى أمر كل جزء منها خان نيابة عن خانهم الأعظم بطمغاج قاعدة الصين إلى أن كان خانهم الأكبر في زمان السلطان خوارزم شاه يسمى الطرخان وكان من جملة الخانات الستة الذين ينوبون عنه شخص يسمى دوشي خان وكان متزوجا بعمة جنكزخان فمات دوشي خان زوج عمة جنكزخان فحضر جنكزخان إلى عمته معزيا وكان يجاور دوشي خان خان من الخانات الستة يسمى أحدهما كشلوخان والآخر قلان فأرسلت زوجة دوشي خان إليهما بنعي زوجها إليهما وتلاطفهما في استقرار جنكزخان ابن أخيها مكانه في الخانية على أن يكونا معاضدين له فأجاباها إلى ذلك فاستقر جنكزخان في الخانية مكان دوشي خان زوج عمته فبلغ ذلك الخان الأعظم الطرخان فأنكر ذلك على كشلوخان وقلان المذكورين فاتصل ذلك بهما فاجتمعا هما وجنكزخان وخلعوا طاعة الطرخان ثم مات أحد الخانين وخلف ابنا اسمه كشلوخان فغلب جنكزخان على ملكه ثم مات الخان الآخر واستقل جنكزخان بالملك ثم غلب على خوارزم شاه ثم على ابنه جلال الدين واستقل بما وراء النهر (4/311)
وأما أولاد جنكزخان فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الصاحب علاء الدين الجويني المقدم ذكره أنه كان له عدة أولاد ذكور وإناث من الخواتين والسراري وكان أعظم نسائه أو بولي من تيكي ومن رسم المغل تعظيم الولد بنسب والدته وكان له من هذه أربعة أولاد معدين للأولاد الخطيرة هم لتخت ملكه بمنزلة أربع قوائم وهم توشي وجفطاي وهو أصغرهم وأوكداي وأوتكين نويان وأنه جعل موضعه نقطة دائرة ملكه وبنيه حوله كمحيط الدائرة فجعل ابنه أوكداي ولي عهده ورتبة لما يتعلق بالعقل والرأي والتدبير والولاية والعزل واختيار الرجال والأعمال وعرض الجيوش وتجهيزها وكان موضعه في حياة أبيه حدود ايمك وقراباق فلما جلس بعد أبيه على تخت الملك انتقل إلى الموضع الأصلي بين الخطا وبلاد الايغور وأعطى ذلك الموضع لولده كيوك وجعل لابنه أوتكين حدود بلاد الخطا وعين لابنه الكبير توشي حدود قيالق و ( ) إلى أقصى سفسفين ( ) وبلغار ورتبه على الصيد والقنص وجعل لابنه جفطاي حدود بلاد الأيغور إلى سمرقند وبخارا ورتبه لتنفيذ النائبات والأمور والمقابلات وما أشبه ذلك قال ابن عطاء ملك وكانت أولاده وأحفاده تزيد على عشرة آلاف
وذكر عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن جنكزخان أولد أربعة أولاد وهم جوجي وهو أكبرهم وكداي وطولي وأوكداي فقتل جوجي في حياة أبيه وخلف أولادا قال ابن الحكيم الطياري وهم باتو ويقال باطو وأورده وبركه وتولي وحمتي قال الشيخ شمس الدين المذكور والمشهور باتو وبركة (4/312)
وأوصى بأن يكون تخته لولده الصغير أوكداي وأن تكون مملكة ما وراء النهر وما معه لولده الآخر كداي وجعل لابنه جوجي دشت القبجاق وما معه وأضاف إليه إيران وتبريز وهمذان ومراغة ولم يحصل لطولي شيء فلما مات جنكزخان استقل أوكداي بتخت أبيه واستقل جوجي بدشت القبجاق وما معه واستقل باتو ابن جوجي فيما جعله جده جنكزخان لأبيه جوجي من إيران وتبريز وما مع ذلك ولم يتمكن كداي من مملكة ما وراء النهر ثم مات أوكداي مالك التخت وملك بعده ولده كيوك وكان جبارا قوي النفس فحكم على بني أبيه فقهرهم وانتزع ما بيد باتو بن جوجي من إيران وسائر ما معها وأقام بها أميرا اسمه الجكراي ثم جرى بينهم اختلاف كان آخر الأمر فيه أن أمسك الجكراي وقتل وحمل إلى باتو بن جوجي وطبخه وأكله فبلغ ذلك كيوك صاحب التخت فشق عليه وجمع ستمائة ألف فارس وجمع باتو للقائه وسار كل منهما لمحاربة الآخر حتى كان بينهما عشرة أيام مات كيوك فكتب خواتينه إلى باتو يعلمونه بموته ويسألونه في أن يكون عوضه على تخت جنكزخان فلم يرض ذلك وميز له منكوتان بن تولي بن جوجي بن جنكزخان وجهز معه إخوته قبلاي خان وهولاكو ولدا تولي ووجه معهم باتو أخاه بركة بن جوجي في مائة ألف فارس للجلسة على التخت ثم يعود فتوجه بركة بمنكوتان فأجلسه على التخت ثم عاد فمر في طريقه ببخارا فاجتمع فيها بالشيخ شمس الدين الباخرزي من أصحاب شيخ الطريقة نجم الدين كيزي وحادثه فحسن موقع كلامه منه فأسلم على يده وهو اول من أسلم من بيت جنكزخان وأشار الباخرزي على بركة بموالاة المستعصم خليفة بني العباس ببغداد يومئذ فكاتبه وهاداه وترددت الرسل والمكاتبات بينهما ثم أن منكوتان بعد استقلاله بتخت جده جنكزخان ملك أولاد جفطاي مملكة ماوراء النهر تنفيذا لما كان جنكزخان أوصى به لأبيهم جفطاي كما تقدم ومات دونه وعلت كلمة منكوتان صاحب التخت ووصلت إليه كتب أهل قزوين وبلاد الجبال يشكون من سوء مجاورة الملاحدة وهم الإسماعيلية فجهز إليهم منكوتان أخاه مكوقان لقتال (4/313)
الملاحدة وأخذ قلاعهم وأن يضم إلى ذلك بلاد الخليفة المستعصم فبلغ ذلك بركة بن جوجي فشق عليه لصداقته مع الخليفة وكلم أخاه باتو في ذلك فكتب باتو إلى هولاكو يمنعه من التعرض لممالك الخليفة فوافاه الكتاب قبل أن يعبر نهر جيحون فأقام هناك سنتين حتى مات باتو وتسلطن أخوه بركة بعده فكتب هولاكو إلى أخيه منكوتان يستأذنه في إنفاذ ما كان عزم عليه من أخذ ممالك الخليفة وحسن له ذلك فلم يأذن له فيه فأصر هولاكو على عزمه فأوقع بالملاحدة وقتل جماعة اتهمهم بممالأة بركة واشتد في البلاد وقصد دشت القبجاق بلاد بركة فدهمه بركة بعساكره فكانت الدائرة على هولاكو فكر راجعا ودخل بلاد الخليفة وقبض عليه وقتله وملك بلاده وكان أمر الله قدرا مقدورا
الجملة الثانية في عقيدة جنكزخان وأتباعه في الديانة إلى أن أسلم من أسلم منهم وما جرت عليه عادتهم في الآداب وحالهم في طاعة ملوكهم
أما عقيدتهم فقد قال الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني إن الظاهر من عموم مذاهبهم الإدانة بوحدانية الله تعالى وأنه خلق السموات والأرض وأنه يحيي ويميت ويغني ويفقر ويعطي ويمنع وأنه على كل شيء قدير وأن منهم من دان باليهودية ومنهم من دان بالنصرانية ومنهم من اطرح الجميع ومنهم من تقرب بالأصنام قال ومن عادة بني جنكزخان أن كل من انتحل منهم مذهبا لم ينكره الآخر عليه ثم الذي كان عليه جنكزخان في التدين وجرى عليه أعقابه بعده الجري على منهاج ياسة التي قررها وهي قوانين خمنها من عقله وقررها من ذهنه رتب فيها أحكاما وحدد فيها حدودا بما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثرها مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارث عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته
منها أن من زنى قتل ومن أعان أحد خصمين على الآخر قتل ومن بال في (4/314)
الماء قتل ومن أعطي بضاعة فخسر ثم أعطي ثانيا فخسر ثم أعطي ثالثا فخسر قتل ومن وقع حمله أو قوسه فمر عليه غيره ولم ينزل لمساعدته قتل ومن وجد أسيرا أو هاربا أو عبدا ولم يرده قتل ومن أطعم أسير قوم أو سقاه أو كساه بغير إذنهم قتل إلى غير ذلك من الأمور التي رتبها مما هم دائنون به إلى الآن وربما دان به من تحلى بحلية الإسلام من ملوكهم ومن معتقدهم في ذبح الحيوان أن تلف قوائمه ويشق جوفه ويدخل أحدهم يده إلى قلبه فيمرسه حتى يموت أو يخرج قلبه ومن ذبح ذبحة المسلمين ذبح
وأما عاداتهم في الأدب فكان من طريق جنكزخان أن يعظم رؤساء كل ملة ويتخذ تعظيمهم وسيلة إلى الله تعالى ومن حال التتر في الجملة إسقاط المؤن والكلف عن العلويين وعن الفقهاء والفقراء والزهاد والمؤذنين والأطباء وأرباب العلوم على اختلافهم ومن جرى هذا المجرى
ومن آدابهم المستعملة أن لا يأكل أحد من يد أحد طعاما حتى يأكل المطعم منه ولو كان المطعم أميرا والآكل أسيرا ولا يختص أحد بالأكل وحده بل يطعم كل من وقع بصره عليه ولا يمتاز أمير بالشبع من الزاد دون أصحابه بل يقسمونه بالسوية ولا يخطوا أحد موقد نار ولا طبقا رآه ومن اجتاز بقوم يأكلون فله أن يجلس إليهم ويأكل معهم من غير إذن وأن لا يدخل أحد يده في الماء بل يأخذ منه ملء فيه ويغسل يديه ووجهه ولا يبول أحد على الرماد ويقال إنهم كانوا لا يرون غسل ثيابهم البتة ولا يميزون بين طاهر ونجس
ومن طرائقهم أنهم لا يتعصبون لمذهب وأن لا يتعرضوا لمال ميت أصلا (4/315)
ولو ترك ملء الأرض ولا يدخلونه خزانة السلطان
ومن عاداتهم أنهم لا يفخمون الألفاظ ولا يعظمون في الألقاب حتى يقال في مراسيم السلطان القان بكذا من غير مزيد ألقاب
وأما حالهم في طاعة ملكهم فإنهم من أعظم الأمم طاعة لسلاطينهم لا لمال ولا لجاه بل ذلك دأب لهم حتى إنه إذا كان أمير في غاية من القوة والعظمة وبينه وبين السلطان كما بين المشرق والمغرب متى أذنب ذنبا يوجب عقوبة وبعث السلطان إليه من أخس أصحابه من يأخذه بما يجب عليه ألقى نفسه بين يدي الرسول ذليلا ليأخذه بموجب ذنبه ولو كان فيه القتل
ومن طريق أمرائهم أنه لا يتردد أمير إلى باب أمير آخر ولا يتغير عن موضعه المعين له فإن فعل ذلك عوقب أو قتل وإذا عرضوا آلات الحرب على أمرائهم وفوا في العرض حتى بالخيط والإبرة ورعاياهم قائمون بما يلزمون به من جهة السلطان طيبة به نفوسهم وإن غاب أحد من الرجال قام النساء بما عليهم
المهيع الثاني في ذكر ممالك بني جنكزخان على التفصيل وهي مملكتان المملكة الأولى مملكة أيران
بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة تحت والراء المهملة وألف ثم نون وهي مملكة الفرس وتعرف بأيران بن أشور بن سام بن نوح عليه السلام وهو (4/316)
أول من ملكها وأضيفت إليه وعرفت به قال في التعريف وهي مملكة الأكاسرة ثم قال وهي من الفرات إلى نهر جيحون حيث بلخ ومن البحر الفارسي وما صاقبه من البحر الهندي إلى البحر المسمى بالقلزم بحر طبرستان وهي المملكة الصائرة إلى بيت هولاكو قال وقد دخل فيها مملكة الهياطلة وهي مملكة مازندران وما يليها إلى آخر كيلان وطبرستان واقعة بين مازندران وكيلان ومازندران الآخذة شرقا وكيلان الآخذة غربا
وقال في مسالك الأبصار هذه المملكة طولا من نهر جيحون المحيط بآخر خراسان إلى الفرات القاطع بينها وبين الشام وعرضها من كرمان المتصل بالبحر الفارسي المنقسم من البحر الهندي إلى نهاية ما كان بيد بقايا الملوك السلجوقية بالروم على نهاية حدود العلايا وأنطاليا من البحر الرومي قال ويفصل في الجانب الشمالي بين هذه المملكة وبين بلاد القبجاق النهر المجاور لباب الحديد المسمى باللغة التركية دقرقبو وبحر طبرستان المسمى بحر الخزر ثم قال وأخبرني الفاضل نظام الدين أبو الفضل يحيى بن الحكيم الطياري أن هذه المملكة تكاد تكون مربعة فيكون طولها بالسير المعتاد أربعة أشهر وعرضها أربعة أشهر وهي من أجل ممالك الأرض وأوسطها في الطول والعرض متوسطة في الطول والعرض وإذا أنصفت كانت هي قلب الدنيا على الحقيقة ذات أقاليم كثيرة ومدن كبيرة مشتملة على رساتيق وأعمال وخطط وجهات وهي ممتدة من بلاد الشأم وما على سمتها إلى بلاد السند والهند وما والاهما
ولها جانبان جنوبي وشمالي
الجانب الأول الجنوبي
ويشتمل على ستة أقاليم
الإقليم الأول الجزيرة الفراتية
وهي أقرب أقطار هذه المملكة لمملكة الديار المصرية والشامية لمجاورتها (4/317)
بلاد الشام قال في تقويم البلدان ويحيط بها الفرات من حدود بلاد الروم وهو طرف الحد الغربي الجنوبي للجزيرة فيمتد الحد الجنوبي الغربي مع الفرات إلى ملطية إلى شمشاط إلى قلعة الروم إلى البيرة إلى قبالة منبج إلى السن إلى الرقة إلى قرقيسيا إلى الرحبة إلى هيت إلى الأنبار ثم يخرج الفرات عن تحديد الجزيرة ويعطف الحد من الأنبار إلى تكريت وهي على نهر دجلة إلى بالس إلى الحديثة على دجلة إلى الموصل ثم يعطف من الموصل إلى جزيرة ابن عمر إلى آمد ثم يصير الحد غربيا ممتدا بعد أن يتجاوز آمد على حدود إرمينية إلى حدود بلاد الروم إلى الفرات عند ملطية من حيث وقع الابتداء قال فعلى هذا يكون بعض إرمينية وبعض الروم غربي الجزيرة وبعض الشام وبعض البادية جنوبيها والعراق شرقيها وبعض إرمينية شماليها قال في تقويم البلدان وتشتمل الجزيرة على ديار ربيعة وديار مضر يعني بالضاد المعجمة وبعض ديار بكر وهم القبائل الذين كانوا ينزلونها في القديم على ما تقدم ذكره في الكلام على أحوال العرب في المقالة الأولى
قال في مسالك الأبصار وقد كانت هذه الجزيرة مجموعها مملكة جليلة باقية بذاتها في الدولة الأتابكية يعني دولة الأتابك زنكي صاحب الموصل والد نور الدين الشهيد صاحب دمشق وقاعدتها الموصل قال في اللباب بفتح الميم وسكون الواو وكسر الصاد المهملة ولام في الآخر وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وثلاثون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وهي على دجلة من الجانب الغربي ويقابلها من الجانب الشرقي مدينة نينوى التي بعث يونس عليه السلام إلى أهلها وهي الآن خراب وفي جنوبي الموصل مصب الزاب الأصغر في دجلة وهي في مستو من الأرض ولها سوران قد خرب بعضهما وسورها أكبر من سور دمشق قال المؤيد صاحب حماة والعامر منها في زماننا نحو ثلثيها ولها قلعة قد صارت في جملة الخراب قال قاضي القضاة (4/318)
ولي الدين بن خلدون وهي قاعدة ملك قديم يعرف قديما بمملكة الجرامقة وكانت قد صارت إلى عماد الدين زنكي والد نور الدين الشهيد ثم اتفق بها الحال إلى أن دخلت في مملكة التتر من بني هولاكو قال ابن خرداذبة في كتابه في المسالك والممالك ومن أقام بها سنة ثم عقله وجده قد نقص وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية وذكرها في التثقيف وذكر أنه كان بها الأمير أردبغا قبل أن يحصل عليها من بيرم خواجا ثم أبو القان أويس
ثم بها عدة مدن وقلاع مشهورة
منها ماردين قال في اللباب بفتح الميم وسكون الألف وكسر الراء والدال المهملتين ثم ياء مثناة من تحتها ونون وهي قلعة بديار ربيعة من هذه الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع قال في الأطوال حيث الطول أربع وستون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي على جبل عال من الأرض إلى ذروته نحو فرسخين قال ابن حوقل وهي قلعة منيعة لا يستطاع فتحها عنوة وبجبلها جواهر الزجاج وبه حيات تفوق غيرها بسرعة القتل
واعلم أن ماردين هذه بيد ملوكها من بني أرتق لها بيدهم الأمد الطويل لم تزل أيديهم عنها مذ ملكوها قال القاضي ولي الدين بن خلدون في تاريخه وأول من ملكها منهم ياقوتي بن أرتق بعد السبع والأربعمائة تملكها من يد مغن كان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي أقطعها له ثم ملكها بعد ياقوتي المذكور أخوه علي ثم عمه سقمان ثم أخوه إيلغازي ثم ابنه حسام الدين تمرتاش ثم (4/319)
ابنه قطب الدين البي ثم ابنه نظام الدين إيلغازي ثم ابنه حسام الدين بولق أرسلان ثم أخوه ناصر الدين أرتق أرسلان بن إيلغازي ثم ابنه نجم الدين غازي ثم أخوه قرا أرسلان ثم ابنه شمس الدين داود ثم أخوه نجم الدين غازي وتلقب بالمنصور وهو أول من تلقب بألقاب السلطنة منهم ثم ابنه شمس الدين صالح وتلقب بالصالح ثم ابنه أحمد وتلقب بالمنصور ثم ابنه محمود وتلقب بالصالح ثم ابنه فخر الدين داود وتلقب بالمظفر ثم ابنه نور الدين عيسى وتلقب بالظاهر وهو القائم بملكها إلى الآن وهو الظاهر عيسى بن المظفر داود بن الصالح محمود بن المنصور أحمد بن الصالح صالح ابن المنصور غازي بن المظفر قرا أرسلان بن المنصور أرتق أرسلان بن بولق أرسلان بن إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق
ولما ملك هولاكو بغداد وأعمالها كان القائم بملك ماردين يومئذ المظفر قرا أرسلان فأعطاه الطاعة وخطب له في جميع أعماله وتبعه على ذلك من بعده من ملوكها إلى حين موت القان أبي سعيد من بقايا الملوك الهولاكوية فقطع الخطبة لصاحب بغداد وما معها وخطب لنفسه والأمر على ذلك إلى الآن وملوكها موادون لملوك الديار المصرية والمكاتبات بينهم متواصلة
ومنها حصن كيفا قال في تقويم البلدان بحاء وصاد مهملتين ثم نون ثم كاف وياء مثناة من تحت وفاء وألف وهي مدينة من الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع قال في الأطوال حيث الطول أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال في اللباب وهي من ديار بكر قال في المشترك وهي على دجلة بين جزيرة ابن عمر وبين ميا فارقين قال في اللباب والنسبة إليها حصكفي بفتح الحاء وسكون الصاد وفتح الكاف وفاء ثم ياء النسب قال في التعريف وملكها من بقايا الملوك الأيوبية وممن ينظر إليه ملوك مصر بعين الإجلال لمكان ولائهم (4/320)
القديم لهم واستمرار الوداد الآن قال في التثقيف وأخبرني المقر السيفي منجك كافل الممالك الشريفة أن الملك الناصر محمد بن قلاوون كان يعظم سلفه فإنه كان أستاذ قلاوون والده قال في التعريف وكان آخر وقت منهم الملك الصالح قصد الأبواب السلطانية فلما أتى دمشق عقبته الأخبار بأن أخاه قد ساور سريره وقصد بسلطته سلطانه فكر راجعا ولم يعقب فما لبثت الأخبار أن جاءت بأنه حين صعد قلعته وكر نحو سريره رجعته وثب عليه أخوه المتوثب فقتله وسفك دمه ثم أظهر عليه ندمه وكتب إلى السلطان فأجيب بأجوبة دالة على عدم القبول لأعذاره والسرائر مكدرة والخواطر بعهضا من بعض منفرة وذكر في التثقيف أن الذي اتضح له آخرا في رمضان سنة ست وسبعين وسبعمائة أن صاحبها الملك الصالح سيف الدين أبو بكر ابن الملك العادل شهاب الدين غازي ابن الملك العادل مجد الدين محمد ابن الملك الكامل سيف الدين أبي بكر ابن الملك الموحد تقي الدين عبد الله ابن الملك المعظم سيف الدين توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ثم قال وما يبعد أن الصالح المذكور هو ابن عم العادل مجد الدين محمد وأن العادل غازي لا حقيقة له ثم قال وهو غلط لأن المستقر إلى آخر سنة ثنتين وستين وسبعمائة وما بعدها بمدة هو العادل مجد الدين وكتبت إليه في هذه المدة بهذا الاسم واللقب ولم يبلغنا أنه استقر بعده سوى ولده ثم نقل أنه الصالح ونقل الناقل أنه ابن العادل وهو صحيح لكنه قال إن اسمه شهاب الدين غازي بن العادل مجد الدين وفيه بعد كون الولد يلقب بلقب والده الملوكي انتهى كلامه
قلت والذي أخبرني به بعض قصاد صاحبها في سنة تسع وتسعين وسبعمائة أن الملك القائم بها يومئذ اسمه سليمان بن داود وذكر لي لقبه الملوكي فنسيته وذكر أنه يقول الشعر وأحضر معه بيتا مفردا من نظمه وهو
( وجارية تعير البدر نورا ... ولولا نورها عاد الظلام ) (4/321)
فنظمت له أبياتا وبعثت بها إليه صحبة قاصده أولها
( سليمان الزمان بحصن كيفا ... له في الملك آثار كرام )
( زكا أصلا فطاب الفرع منه ... وطاب الغصن إذ طاب الكمام )
( بنو أيوب أبقوا منه ذخرا ... ونعم الذخر والقيل الهمام )
وأثبت البيت الذي قاله في آخر هذه
ومنها حران قال في المشترك بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين وفي آخرها نون بعد الألف وهي مدينة من ديار مضر من الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول ثلاث وستون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وكانت حران مدينة عظيمة أما اليوم فخراب قال ابن حوقل وهي مدينة الصابئين وبها سدنتهم السبعة عشر وبها تل عليه مصلى للصابئين يعظمونه وينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام وهي قليلة الماء والشجر قال في العزيزي والجبل منها في سمت الجنوب والشرق على فرسخين وتربتها حرماء وشرب أهلها من قناة تجري من العيون خارج المدينة ومن الآبار وحاكمها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي في المكاتبات إن شاء الله تعالى
ومنها شمشاط قال في اللباب بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الشين الثانية ثم ألف فطاء مهملة وهي بلدة من ديار مضر وقيل من ديار بكر من بلاد الجزيرة من الإقليم الرابع قال في رسم المعمور حيث الطول اثنتان وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في اللباب وهي بلدة الثغور الجزيرية بين آمد وبين خرت برت وقال ابن حوقل هي بنحر الجزيرة وبها حاكم يكاتب عن (4/322)
الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها حيزان قال في اللباب بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الزاي المعجمة وألف ونون وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها خمس وستون درجة وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في اللباب وهي كثيرة الأشجار خصوصا شجر البندق قال وهي بين جبال ولها مياه سارحة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية وذكر في التثقيف أنه كان اسمه في زمانه عز الدين ثم استقر بعده ابنه أسد الدين
ومنها رأس عين قال في تقويم البلدان بفتح الراء المهملة ثم سين وعين مفتوحة مهملتان ومثناة تحت ونون في الآخر وتسمى عين وردة أيضا وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة في مستو من الأرض قال ابن حوقل يخرج منها فوق ثلثمائة عين كلها صافية ويصير من هذه الأعين نهر الخابور ووهم السمعاني فجعلها منبع دجلة قال في العزيزي وهي أول مدن ديار ربيعة من جهة ديار مضر وذكر السمعاني أنها من ديار بكر وأنكره ابن الأثير وقال ليست من ديار بكر بل هي من الجزيرة قال في اللباب وهي على يومين من حران النسبة إليها رسعني وإليها ينسب الرسعني المفسر
ومنها ميا فارقين قال في اللباب بفتح الميم وتشديد المثناة من تحتها وسكون الألفين بينهما فاء مفتوحة وبعدهما راء مهملة ثم قاف وياء آخر الحروف ونون وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول خمس وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال ابن سعيد وهي قاعدة (4/323)
ديار بكر وقال ابن حوقل هي بين الجزيرة وبين إرمينية قال في اللباب وعليها سور حجر دائر وهي بدون حماة في القدر وهي في ذيل جبل في شماليها وهي في ذيله قال في اللباب والمياه والبساتين محدقة بها ولها نهر صغير على شوط فرس منها من عين تسمى عين حنبوص بين الغرب والشمال تتخرق دورها وتسقي بساتينها وبينها وبين الموصل على حصن كيفا نحو ستة أيام وعلى ماردين نحو ثمانية أيام والنسبة إليها فارقي قال في اللباب أسقطوا بعضها لكثرة حروفها وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها قرقيسيا قال في تقويم البلدان المشهور بفتح القاف الأولى وكسر الثانية وبينهما راء مهملة ساكنة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم سين مهملة ثم ياء ثانية وألف وهي مدينة من ديار مضر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول أربع وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة قال في اللباب وهي على الفرات والخابور على القرب من الرقة قال في العزيزي وهي شرقي الفرات والخابور الخارج من رأس عين فيصب في الفرات على القرب منها قال وهي مدينة الزباء صاحبة جذيمة الأبرش يعني التي قتلته قال في اللباب وبها مات جرير بن عبد الله البجلي الصحابي رضي الله عنه قال والنسبة إليها قرقيسياني وقد تحذف النون وتجعل الياء عوضها
ومنها ماكسين قال في اللباب بفتح الميم وسكون الألف وكسر الكاف والسين المهملة وسكون المثناة من تحت ونون في الآخر وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في اللباب وهي على الخابور قال في العزيزي وبينها وبين قرقيسيا سبعة فراسخ وبينها وبين سنجار اثنان وعشرون فرسخا (4/324)
ومنها نصيبين قال في اللباب بفتح النون وكسر الصاد المهملة وسكون المثناة من تحتها ثم باء موحدة وياء ثانية ونون وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع قال ابن سيعد وهي قاعدة ديار ربيعة قال وهي مخصوصة بالورد الأبيض لا يوجد فيها وردة حمراء وفي شماليها جبل عظيم يقال إنه الجودي الذي استقرت عليه سفينة نوح عليه السلام ومنه ينزل نهرها حتى يمر على سورها وعليه بساتينها ونهرها يسمى الهرماس وبها عقارب قتالة
ومنها جزيرة ابن عمر وضبطها معروف وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وستون درجة وعشر دقائق والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي مدينة صغيرة على دجلة من غربيها ذات بساتين كثيرة وقال في المشترك هي في شمالي الموصل ودجلة محيطة بها مثل الهلال وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها سنجار قال في اللباب بكسر السين المهملة وسكون النون وفتح الجيم وألف وراء مهملة وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول ست وستون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن سعيد وهي في جنوبي نصيبين وهي من أحسن المدن وجبلها من أخصب الجبال قال ابن حوقل وهي في وسط برية ديار ربيعة بالقرب من الجبل والجبل من عاليها وليس بالجزيرة بلد فيه نخيل سواها وهي في جهة الغرب عن الموصل على ثلاث مراحل عنها وهي على قدر المعرة من البلاد الشامية ولها قلعة وبساتين كثيرة وشربها من القني وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها تل أعفر وضبط التل معروف وأعفر بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الفاء وراء مهملة في الآخر وهي من الجزيرة من الإقليم الرابع من (4/325)
الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وستون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في المشترك وتل أعفر قلعة بين سنجار وبين الموصل وذكر في تقويم البلدان عن بعض أهلها أنها غربي الموصل فيما بينها وبين سنجار وربما تكون إلى سنجار أقرب وذكر في العزيزي أن بينها وبين سنجار خمسة فراسخ ولها أشجار كثيرة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها الحديثة قال في تقويم البلدان بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين ثم مثناة من تحت وثاء مثلثة وهاء في الآخر وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال في المشترك وهي في وسط الفرات والماء محيط بها وتعرف بحديثة النورة وهي غير حديثة الموصل بليدة صغيرة إلا أن لها ذكرا في القديم قال في المشترك وهي على فراسخ من الأنبار وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها عانة قال في اللباب بفتح العين المهملة وألف ونون وهاء في الآخر وهي بلدة من بلاد الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وهي بلدة صغيرة على جزيرة في وسط الفرات قال في اللباب وهي تقارب الحديثة وقال ابن حوقل يطوف بها خليج من الفرات قال ابن سعيد وخمرها مذكور في الأشعار واستشهد بقول بعض الشعراء
( ومن عانة أم من مراشفك الخمر ... )
وكثيرا ما تقرن في الذكر مع الحديثة لقربها فيقال عانة والحديثة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية (4/326)
ومنها آمد قال في اللباب بمد الألف وكسر الميم وفي آخرها دال مهملة وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان وهي مدينة أزلية على الدجلة قال ابن حوقل وعليها سور في غاية الحصانة قال في العزيزي وسورها من الحجارة السود التي لا يعمل فيها الحديد ولا تضر بها النار وهو مشتمل عليها وعلى عيون ماء ولها بساتين ومزارع كثيرة قال ابن حوقل وهي كثيرة الخصب
ومنها سعرت قال في تقويم البلدان نقلا عن صالح بكسر السين والعين وسكون الراء المهملات وفي آخرها مثناة من فوق وقيل إسعرد بكسر الهمزة وسكون السين وكسر العين وسكون الراء المهملات ودال مهملة في الآخر وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان وهي مبنية على جبل تحيط بها الوطاة على القرب من شط دجلة من جهة الشمال والشرق وهي في المقدار اكبر من المعرة وبها الأشجار الكثيرة من التين والرمان والكروم جميع ذلك عذي لا يسقى وشرب أهلها من بئار قريبة من وجه الأرض وهي عن ميافارقين على مسيرة يوم ونصف في جهة الجنوب وعن آمد على مسيرة أربعة أيام في جهة الشمال منها وعن الموصل على خمسة أيام في جهة الشرق والشمال عنها
ومنها تكريت قال في اللباب بكسر المثناة من فوق وسكون الكاف وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة من تحت في آخرها تاء مثناة من فوق وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة قال في تقويم البلدان وهي آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق (4/327)
على غربي دجلة في بر الموصل قال في اللباب وسميت تكريت بتكريت بنت وائل أخت بكر بن وائل
أما قلعتها فبناها سابور بن أردشير بن بابك وهي الآن خراب قال ابن سعيد وفي جنوبيها وشرقيها النهر الإسحاقي حفرة إسحاق بن إبراهيم صاحب شرطة المتوكل وهو أول حدود سواد العراق وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها برقعيد بفتح الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف وكسر العين المهملة وسكون المثناة من تحتها ودال مهملة في الآخر قال في العزيزي وهي مدينة لها سور وأسواق كثيرة
ومنها العمادية بكسر العين المهملة وفتح الميم وبعدها ألف ثم دال مهملة مكسورة وياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في الآخر قال في تقويم البلدان وهي قلعة عامرة على ثلاث مراحل من الموصل في الشرق والشمال وهي على جبل من الصخر وتحتها مياه جارية وبساتين وهي في جهة الشمال عن إربل بناها عماد الدين زنكي صاحب الوصل فنسبت إليه وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بديار المصرية
ومنها قلعة كشاف قال في تقويم البلدان بضم الكاف وبالشين المعجمة ثم ألف وفاء في الآخر وهي قلعة عامرة بين الزاب والشط قريبة من مصبه في الشط وهي في الشرق والجنوب عن الموصل قلت وقد ذكرها في تقويم البلدان أولا في جملة بلاد الجزيرة ووصفها بهذا الوصف ولم يضبطها ثم ذكرها في بلاد الجبل المعروفة بعراق العجم بهذا الوصف أيضا وضبطها على ما تقدم والظاهر أنها من بلاد الجزيرة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية (4/328)
ومنها قلعة فنك قال في تقويم البلدان نقلا عن أبي المجد في كتاب التمييز بفتح الفاء والنون وهي قلعة حصينة فويق جزيرة ابن عمر
ومنها الشوش قال في المشترك بضم الشين المعجمة وسكون الواو ثم شين ثانية قال وهي قلعة مشهورة من أعمال الموصل في الجبال شرقي دجلة وإليها ينسب حب الرمان الشوشي
ومنها عقر الحميدية قال في المشترك بفتح العين المهملة وسكون القاف ثم راء مهملة وهي قلعة حصينة مشهورة والحميدية قبيلة من الأكراد بتلك البلاد
ومنها الهتاخ قال في مزيل الارتياب بفتح الهاء وتشديد التاء المثناة من فوقها وفتحها وبعد الألف خاء معجمة قال في تقويم البلدان وهي قلعة حصينة
ومنها حاني قال في اللباب على وزن داعي يعني بفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ثم نون مكسورة وياء مثناة تحت في الآخر قال هذا ما تعرف به الآن ولكن السمعاني قد قال فيها حنا بفتح الحاء المهملة والنون وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية معدود في الأكراد
واعلم أن هذه الجزيرة مجاورة لمملكة الديار المصرية من حيث اتصالها بالبلاد الشامية من الجهة الشرقية وقد تقدم أن بعض بلادها داخلة في أعمال حلب من ممالك الديار المصرية كالرها وقلعة جعبر وما والاهما والمسافة ما بين (4/329)
حلب والرها معلومة ومن الرها إلى حران يوم واحد ومن حران إلى رأس عين ثلاثة أيام ومن رأس عين إلى نصيبين ثلاث مراحل ومن نصيبين إلى الموصل أربع مراحل وقد تقدم أن الموصل هي قاعدة الجزيرة في القديم ومن الموصل إلى تكريت سبعة أيام وقد تقدم أن تكريت هي آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق ومن الموصل أيضا إلى آمد أربعة أيام ومن آمد إلى شمشاط ثلاثة أيام
الإقليم الثاني العراق
قال في اللباب بكسر العين وفتح الراء المهملتين ثم ألف وقاف قال الجوهري وهو يذكر ويؤنث قال أبو المجد إسماعيل الموصلي في كتابه المسمى بالتمييز والفصل وإنما سمي عراقا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر أخذا من عراق القربة وهو الخرز الذي في أسفلها ويعرف بعراق العرب لأن العرب كانت تنزله لقربه من بلادهم قال في تقويم البلدان ويحيط به من جهة الغرب الجزيرة والبادية ومن الجنوب البادية وبحر فارس وحدود خوزستان ومن الشرق حدود بلاد الجبال إلى حلوان ومن الشمال من حلوان إلى الجزيرة من حيث وقع الابتداء
قال والعراق على ضفتي دجلة مثل ما بلاد مصر على ضفتي النيل ويجري دجلة من الشمال بميلة إلى الغرب إلى الجنوب بميلة إلى الشرق وامتداد العراق طولا وشمالا وجنوبا من الحديثة على دجلة إلى عبادان على مصب دجلة في بحر فارس وامتداده غربا وشرقا من القادسية إلى حلوان فالحديثة في وسط الحد الشمالي بميله إلى الغرب والقادسية في وسط الحد الغربي بميلة إلى الجنوب وعبادان في وسط الحد الجنوبي بميلة إلى الشرق وحلوان في وسط الحد الشرقي بميلة إلى الشمال ووسط العراق الذي من القادسية إلى حلوان هو أعرض ما في (4/330)
العراق وأما رأس العراق الذي عند عبادان فيدق عن ذلك ثم قال والذي يستدير على العراق يعني والعراق على شماله إذا ابتدأ من تكريت من بلاد الجزيرة المتقدمة يمر منها إلى حدود شهرزور وهي بين الشرق والشمال عن العراق ثم إلى السيروان وهي في الشرق إلى حدود جبا وهي في الشرق والجنوب ثم إلى البحر يعني بحر فارس وهو في الجنوب عن العراق وفي هذا الحد من تكريت إلى البحر تقويس ثم من البحر إلى البصرة وهي في الجنوب عن العراق ثم من البصرة إلى البادية على سواد البصرة ثم إلى بطائح البصرة ثم إلى واسط ثم إلى سواد الكوفة وبطائحها ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار ثم من الأنبار إلى تكريت حيث وقع الابتداء
ثم للمدن قواعد ومدن
القاعدة الأولى بابل
بفتح الباء الموحدة ثم ألف وباء موحدة ثانية مكسورة ولام في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال ابن حوقل وهي أقدم ابنية العراق وإليها ينسب إقليم بابل لقدمها وكانت ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها قال في تقويم البلدان وبها آثار أبنية أحسبها ان تكون في قديم الأيام مصرا عظيما ويقال إنها من بناء الضحاك أحد ملوك الفرس الذي ملك الأقاليم السبعة قال وفيها ألقي إبراهيم الخليل عليه السلام في النار وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أن بها هاروت وماروت الملكين اللذين يعلمان الناس السحر ويقال إنهما بها في بئر وإن البئر ظاهرة بها إلى الآن قال صاحب حماة وهي اليوم مدينة خراب وقد صار في موضعها قرية صغيرة (4/331)
القاعدة الثانية المدائن
جمع مدينة وضبطها معروف قال في تقويم البلدان واسمها بالفارسية طيسفون بفتح الطاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح السين المهملة وضم الفاء وبعدها واو ونون ثم قال وكل ذلك سماعا وقد تبدل الفاء باء وهي واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وعشر دقائق قال في تقويم البلدان وهي على دجلة من شرقيها تحت بغداد على مرحلة منها قال في العزيزي والمدائن في جنوبي بغداد وكان بالمدينة الكبرى منها إيوان كسرى في شرقي دجلة ارتفاعه ثمانون ذراعا ونقل في تقويم البلدان عن بعض الثقات في سعته من ركنه إلى ركنه خمسة وتسعون ذراعا وكانت هي قاعدة ملوك الفرس فلما ولد النبي انشق هذا الإيوان ثم خرب هو وسائر المدائن في الإسلام
القاعدة الثالثة بغداذ
قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وفتح الدال المهملة وفي آخرها ذال معجمة وموقعها في آخر الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول سبعون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال في تقويم البلادن وسميت بغداد بهذا الاسم لأن كسرى أهدي إليه خصي من المشرق فأقطعه بغداذ وكان له صنم يعبده بالمشرق يقال له البغ فقال ذلك الخصي بغ داذ يعني أعطاني الصنم وكان عبد الله بن المبارك يكره أن يقال لها بغداذ بالذال المعجمة في آخرها فإن بغ شيطان وداذ عطية فمعناه عطية الشيطان وهو شرك قال وإنما يقال بغداد بالدالين المهملتين وقد قال بعضهم إن بغ بالفارسية البستان وداذ بإهمال الأولى وإعجام الثانية اسم (4/332)
رجل ومعناه بستان داذ ويقال فيها أيضا بغدان بإبدال الدال الأخيرة نونا ومغدان بإبدال الياء الأولى ميما وكان المنصور يسميها مدينة السلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السلام وبغداد على جانبي دجلة من الشرق والغرب والجانب الغربي منها يسمى الكرخ وبه كان سكنى أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس والجانب الشرقي منها بناه المهدي بن المنصور المقدم ذكره وسكنه بعسكره فسمي عسكر المهدي ثم بنى فيه الرشيد بن المهدي قصرا سماه الرصافة فأطلق على الجانب كله الرصافة ويسمى جانب الطاق أيضا نسبة إلى رأس الطاق وهو موضع السوق الأعظم منها وبهذا الجانب محلة تسمى الحريم يعني حريم دار الخلافة قال في المشترك بفتح الحاء وكسر الراء المهمليتن ثم مثناة من تحتها ساكنة وفي آخره ميم قال وهي قريب من ثلث الجانب الشرقي وعليه سور ابتداؤه من دجلة وانتهاؤه إليها أيضا كهيئة الهلال أو كنصف دائرة وله أبواب أولها باب الغربة وهو على دجلة ثم يليه باب سوق التمر وهو باب شاهق ولكنه أغلق في خلافة الناصر لدين الله ثم استمر غلقه ثم باب البدرية ثم باب النوبي وفيه العتبة التي كانت تقبلها الملوك والرسل ثم باب العامة ويقال له أيضا باب عمورية ثم يمتد السور نحو ميل لا باب فيه إلا باب بستان تحت المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا ثم باب المراتب بينه وبين دجلة نحو رميتي سهم
وبهذا الحريم محال وأسواق ودور كثيرة لرعية وهو كأكبر مدينة تكون قال وبين دور الرعية التي داخل هذا السور وبين دجلة سور آخر وداخل السور الثاني دور الخلافة لا يدخلها شيء من دور العامة قال في مسالك الأبصار وبين الجانبين جسران منصوبان على دجلة شرقا بغرب على سفن وزوارق أوقفت في الماء ومدت بينها السلاسل الحديد المكعبة بالمكعبات الثقال وفوقها الخشب الممدود وعليها التراب يمر عليها أهل كل جانب إلى الآخر بالحمر والجمال (4/333)
والحمول وعلى ضفتي دجلة قصور الخلافة والمدارس والأبنية العلية بالشبابيك والطاقات المطلة على دجلة وبناؤها بالآجر
ومن بيوتها ما هو مفروش بالآجر أيضا ملصق بالقير وهو الزفت ولهم الصنائع العجيبة في التزويق بالآجر وبها وجوه الخير من الجوامع والمساجد والمدارس والخوانق والربط والبيمارستانات والصدقات الجارية ووجوه المعونة وناهيك أنها كانت دار الخلافة ومقر ملوك الأرض ومنها قلائد الأعناق وترابها لمى القبل وإثمد الأحداق
قال في مسالك الأبصار قال الحكيم نظام الدين بن الطياري وأوقافها جارية في مجاريها لم تعترضها أيدي العدوان في دولة هولاكو ولا فيما بعدها بل كل وقف مستمر بيد متوليه ومن له الولاية عليه وإنما نقصت الأوقاف من سوء ولاة أمورها لا من سواها وبها البساتين المونقة والحدائق المحدقة وبها ثمر النخل المفضلة على ما سواها من الرطب والثمر وبها أنواع الرياحين والخضراوات والغلال وسعرها متوسط في الغالب لا يكاد يرخص قال المقر الشهابي بن فضل الله سألت الصدر مجد الدين بن الدوري عن السبب في قلة الغلال ببلاد العراق مع امتداد سوادها فقال قلة الزرع مع ما استهلكه القتل زمن هولاكو وحيزه للعراق وما جاوره من البلاد
قلت وبغداد وإن كانت أم الممالك ودار الخلافة فقد أغفل ملوك التتر الالتفات إليها وصرفوا عنايتهم إلى تبريز والسلطانية وصيروهما قاعدتين لهذه المملكة على ما سيأتي ذكره في الكلام على إقليم أذربيجان فيما بعد إن شاء الله تعالى (4/334)
القاعدة الرابعة سر من رأى
من السرور والرؤية ثم خففها الناس فقالوا سامرا قال في اللباب بفتح السين المهملة وسكون الألف وفتح الميم وفي آخرها راء مهملة مشددة وهي مدينة واقعة في الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة قال في العزيزي وهي على شاطئ الدجلة من الشرق قال ابن سعيد بناها المعتصم وأضاف إليها الواثق المدينة الهارونية والمتوكل المدينة الجعفرية فعظم قدرها قال في اللباب ثم خربت عن قريب من عمارتها قال في العزيزي ولم يبق فيها عامر سوى مقدار يسير كالقرية
وأما المدن التي بالعراق فمنها هيت قال في المشترك بكسر الهاء وسكون المثناة تحت وتاء مثناة من فوق في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وستون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في العزيزي وهي من حدود العراق قال ابن سعيد وإليها ينتهي حد الجزيرة قال في تقويم البلدان وهي على شمالي الفرات ووهم في العزيزي فجعلها غربي الفرات قال في المشترك وهي من أعمال بغداد قال في اللباب وهي فوق الأنبار قال صاحب التهذيب وسميت هيت لكونها في هوة من الأرض قال في اللباب وبها قبر عبد الله بن المبارك رحمه الله وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها حيرة قال في اللباب بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة من تحت وراء مهملة وهاء في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وعشرون دقيقة والعرض (4/335)
اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة
والحيرة مدينة جاهلية كثيرة الأنهار وهي عن الكوفة على نحو فرسخ وقال في العزيزي مدينة قديمة على ثلاثة أميال من الكوفة وكانت منازل آل النعمان بن المنذر وبها تنصر المنذر بن امرئ القيس وبنى بها الكنائس العظيمة والحيرة على موضع يقال له النجف زعم الأوائل أن بحر فارس كان يتصل به وبينهما اليوم مسافة بعيدة قال في اللباب والحيرة مدينة قديمة عند الكوفة وبها الخورنق قال في الترتيب إن تبعا لما سار من اليمن إلى خراسان وانتهى إلى موضعها ليلا فتحير ونزل وأمر ببنائها فسميت الحيرة
ومنها الأنبار قال في المشترك بفتح الهمزة وسكون النون ثم باء موحدة مفتوحة وراء مهملة وراء مهملة بعد الألف وهي من آخر الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة طولها تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثمان وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة قال في المشترك والأنبار عن بغداد على عشر فراسخ منها قال في المشترك وهي من نواحي بغداد على شاطئ الفرات قال ابن حوقل وهي أول بلاد العراق وبها كان مقام السفاح أول خلفاء بني العباس حتى مات ويقال إن أول ما نقلت الكتابة العربية إلى مكة من الأنبار على ما تقدم في المقالة الأولى في الكلام على الخط
ومنها الكوفة قال في اللباب بضم الكاف وسكون الواو ثم فاء وهاء وهي مدينة إسلامية بنيت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واقعة في الإقليم الثالث من الأقليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهو على ذراع من الفرات خارج منه جهة الجنوب والمغرب (4/336)
قال في الترتيب وسميت كوفة لاستدارتها أخذا من قول العرب رأيت كوفانا إذا رأوا رملة مستديرة وقيل لاجتماع الناس أخذا من قولهم تكوف الرمل إذا ركب بعضه بعضا وهي واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال في العزيزي وهي قدر نصف بغداد وعلى القرب منها مشهد أمير المؤمنين علي كرم الله وجه حيث دفن يقصده الناس من أقطار الأرض
ومنها البصرة قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد وفتح الراء المهملتين وهي مدينة إسلامية بنيت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول أربع وستون درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة وسميت بالبصرة أخذا من البصرة وهي الحجارة السود وفي جنوبيها وغربيها البرية وليس في بريتها ماء يزرع على المطر قال في المشترك وبالبصرة محلة يقال لها المربد بكسر الميم وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة ثم دال مهملة وهي محلة عظيمة من جهة البرية كانت العرب تجتمع فيها من الأقطار ويتناشدون الأشعار ويبيعون ويشترون
ومنها واسط قال السمعاني في الأنساب بفتح الواو وسكون الألف وكسر السين المهملة وطاء في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال في تقويم البلدان سميت واسط لتوسطها بين مدن العراق إذ منها إلى البصرة خمسون فرسخا ومنها إلى الكوفة خمسون فرسخا ومنها إلى الأهواز خمسون فرسخا ومنها إلى بغداد خمسون فرسخا وهي نصفان على جانبي دجلة بينهما (4/337)
جسر من السفن كما تقدم في بغداد قال في المشترك وهي من بناء الحجاج اختطها بين الكوفة والبصرة في سنة أربع وسبعين من الهجرة وفرغ منها في سنة ست وسبعين
ومنها حلوان قال في المشترك بضم الحاء المهملة وسكون اللام قال في اللباب ثم ألف وواو ونون وهي مدينة من أول الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان وهي آخر مدن العراق ومنها يصعد إلى الجبال وقيل هي من الجبال وليس بالعراق مدينة بالقرب من الجبل غيرها قال ابن حوقل وبها شجر النخل والتين الموصوف وأكثر ثمارها التين والثلج يسقط على جبلها دائما وهو منها على مرحلة وبينها و بين بعداد خمس مراحل
ومنها الحلة قال في المشترك بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وهي واقعة في الإقليم الثالث قال في تقويم البلدان حيث الطول ثمان وستون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال ياقوت الحموي وتعرف بحلة بني مزيد وأول من اختط بها المنازل وعمرها سيف الدولة صدقة بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وكان موضعها قبل ذلك يسمى بالجامعين
ومنها النهروان قال في اللباب بفتح النون وسكون الهاء وضم الراء المهملة وفتح الواو وبعد الألف نون وهي مدينة في آخر الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة على ضفتي نهر قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال ابن حوقل النهروان اسم للمدينة والنهر الذي يشقها وهي مدينة صغيرة على أربعة (4/338)
فراسخ من بغداذ قال في اللباب ولها عدة نواح خرب أكثرها وقال السمعاني في الأنساب هي على أربعة فراسخ من دجلة والنهروان هذه هي التي انحاز إليها الخوارج عند فراقهم لعلي بعد وقعة صفين على ما تقدم ذكره في الكلام على النحل والملل في المقالة الأولى
ومنها الأبلة قال في تقويم البلدان بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام وهاء في الآخر وهي مدينة في فوهتها نهر طوله أربعة فراسخ بينها وبين البصرة على جانبيه قصور وبساتين ومدن على خط واحد كأنها بستان واحد وهو أحد متنزهات الدنيا
ومنها القادسية بفتح القاف ثم ألف ودال مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت ثم هاء وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وعشرون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وهي مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه وهي على حافة البادية وحافة سواد العراق البادية من جهة الغرب والسواد من جهة الشرق قال في المشترك وبينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا في طريق الحاج قال في تقويم البلدان وسميت القادسية لنزول أهل قادس بها وقادس قرية بمرو الروذ وعليها كانت الوقعة المعروفة بوقعه القادسية
ومنها عبادان بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ثم دال مهملة بين ألفين وفي آخرها نون وهي بلدة من آخر العراق من الإقليم الثالث قال في الزيح حيث الطول خمس وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة قال ابن سعيد وعبادان على بحر فارس وهو محيط بها لا يبقى منها في البر إلا القليل وعندها مصب دجلة في جنوبي عبادان وشرقيها وهي عن البصرة على مرحلة ونصف وفي جنوبيها وشرقيها علامات للمراكب (4/339)
ببحر فارس لا تتجاوزها المراكب وهي خشب منصوبة حيث يكون البحر عند الجزر في بعض البحر قال في العزيزي في طريق العراق من الغرب القادسية وهيت ومن الشرق حلوان ومن الشمال سر من رأى ومن الجنوب الأبلة
الإقليم الثالث خوزستان والأهواز
بضم الخاء وسكون الواو وضم الزاي المعجمة وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وألف ثم نون قال في المشترك ويقال لها أيضا الخوز بضم الخاء المعجمة ثم واو وزاي معجمة قال وخوزستان إقليم واسع بين البصرة وفارس يشتمل على مدن كثيرة قال في تقويم البلدان والذي يحيط به من الغرب رستاق واسط ودور الراسبي ومن جهة الجنوب من عبادان على البحر إلى مهروبان إلى الدورق إلى حدود فارس ومن الجهة الشرقية التي إلى جهة الجنوب حدود فارس ومن الجهة الشرقية التي إلى جهة الشمال حدود أصفهان وبلاد الجبل ومن جهة الشمال حدود الصيمر والكرجة وجبال اللور وبلاد الجبل إلى أصفهان قال وخوزستان في مستو من الأرض ليس بها جبال وهي كثيرة المياه الجارية وتجتمع مياهه وتعرض وتتصل ببحر فارس عند حصن مهدي
وقاعدتها على ما ذكره صاحب حماة في تاريخه تستر قال في اللباب بضم المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء الثانية وفي آخرها راء مهملة والعامة تسميها شستر بإبدال التاء الأولى شينا وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وجعلها في تقويم البلدان من الأهواز ولها نهر معروف بها وبنى فيها سابور أحد (4/340)
ملوك الفرس بناء عظيما حتى ارتفع الماء إلى المدينة على مرتفع من الأرض ويقال إنه ليس على وجه الأرض مدينة أقدم منها قال في اللباب وبها قبر البراء بن مالك الصحابي رضي الله عنه
وقد ذكر في تقويم البلدان بخوزستان عدة مدن منها السوس قال في المشترك بضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية قال أبو الريحان وهي بالفارسية معجمة وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في المشترك وهي بلدة قديمة قال وبها قبر دانيال النبي عليه السلام قال في تقويم البلدان ولها بساتين وفيها ترنج كالأصابع
ومنها الطيب قال في المشترك بكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحتها وفي آخرها باء موحدة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في المشترك وهي بلدة بين واسط وبين الأهواز ثم قال وفيها عجائب ولم يذكر ما هي وإلى الطيب هذه ينسب الطيبي صاحب الحواشي على كشاف الزمخشري
ومنها جبى قال في المشترك بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة وياء آخر الحروف في الآخر وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم العرفية قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس وثلاثون (4/341)
دقيقة والعرض ثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي كثيرة النخل قال وإليها ينسب أبو علي الجبائي المعتزلي
ومنها مهروبان قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون الهاء وضم الراء المهملة وسكون الواو ثم باء موحدة وألف ونون وعدها ابن حوقل وابن سعيد من فارس وهي مدينة من فارس صغيرة واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاثون درجة وهي فرضة أرجان وما والاها قال في العزيزي وهي على البحر
ومنها أرجان قال في اللباب بفتح الألف وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وفي آخرها نون بعد الألف وقال ابن الجواليقي في المعرب من العجمية للعربية إنها بتشديد الراء وقال ابن حوقل هي من آخر فارس من جهة خوزستان وقال في العزيزي هي أول مدن فارس وهي مدينة كبيرة كثيرة الخير وبها النخل والزيتون بكثرة برية بحرية سهلية جبلية على مرحلة من البحر قال في العزيزي وهي مدينة جليلة لها كورة وأعمال نفيسة وإليها ينسب القاضي الأرجاني الأديب الشاعر
وأما الأهواز فقال في اللباب هي بفتح الألف وسكون الهاء وفي آخرها زاي معجمة وهي كورة من كور خوزستان المقدم ذكرها كما ذكره في تقويم البلدان وإن كان قد ذكر في أول الكلام على إقليم فارس أن خوزستان هي الأهواز إلا أنها غلب ذكرها فصارت كالإقليم المنفرد بذاته
ولها عدة مدن تعرف بها (4/342)
منها سوق الأهواز وهي مدينتها فقد قال في المشترك وسوق الأهواز هي مدينة الأهواز وذكر مثله في العزيزي قال في المشترك وقد خرب أكثرها قال في العزيزي ومنها إلى أصفهان ثمانون فرسخا
ومنها قرقوب قال في اللباب بضم القافين وبينهما راء مهملة ثم واو وفي الآخر باء وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وهي مدينة مشهورة قال في اللباب قريبة من الطيب قال في العزيزي وبينهما سبعة فراسخ ومنها إلى مدينة السوس عشرة فراسخ
ومنها جندي سابور قال في اللباب بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها مثناة من تحتها وفتح السين المهملة وألف وباء موحدة وواو وراء مهملة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس دقائق والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي مدينة خصبة كثيرة الخير قال ابن حوقل وبها نخيل وزروع كثيرة ومياه قال في العزيزي منها إلى تستر ثمانية فراسخ ومنها إلى السوس ستة فراسخ
ومنها عسكر مكرم قال في اللباب بفتح العين وسكون السين المهملتين وفتح الكاف وفي آخرها راء مهملة قال في تقويم البلدان عن الثقات أن مكرم بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء المهملة ثم ميم وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وثمان دقائق والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال في العزيزي وهي مدينة محدثة وكانت قرية ينزلها مكرم بن الفزر أحد بني جعونة بعسكر كان قد أنفذه به الحجاج لمحاربة خرداذ بن (4/343)
بارس فأقام بها مدة وابتنى بها البنايات فسميت عسكر مكرم قال وليس بالأهواز مدينة محدثة سواها وبها عقارب صغار مشهورة بالقتل
ومنها رامهرمز قال في اللباب بفتح الراء المهملة والميم وضم الهاء وسكون الراء المهملة وضم الميم الثانية وفي آخرها زاي معجمة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض ثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في اللباب وهي كورة من كور الأهواز قال ويقال إن سلمان الفارسي رضي الله عنه منها قال المهلبي وبينها وبين سوق الأهواز تسعة عشر فرسخا
ومنها الدورق قال في المشترك بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح الراء المهملة وفي آخرها قاف وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول خمس وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة قال في العزيزي ومنها إلى أرجان ثمانية عشر فرسخا
ومنها حصن مهدي وضبطه معروف وموقعه في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض ثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وهو حصن تجتمع فيه مياه خوزستان ثم تصير نهرا وتصب في بحر فارس وبينه وبين البصرة خمسة عشر فرسخا
ومنها جرخان قال في اللباب بضم الجيم وسكون الراء المهملة وخاء معجمة ثم ألف ونون قال وهي بلدة بقرب السوس (4/344)
ومنها جبال اللور قال في اللباب بضم اللام وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة قال وبها جبال يقال لها لورستان من بلاد خوزستان وقال ابن حوقل غالب بلاد اللور جبال وكانت قديما من خوزستان قال في تقويم البلدان وهي بلاد خصبة والغالب عليها الجبال وهي متصلة بخوزستان ولكن أفردت عنها قال في الأطوال وهي بين تستر وأصبهان وامتدادها طولا نحو ستة أيام وفيها خلق عظيم من الأكراد قال وهي حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال في مسالك الأبصار وهم طائفة كثيرة العدد ومنهم فرق مفرقة في البلاد وفيهم ملك وإمارة ولهم خفة في الحركات يقف الرجل منهم إلى جانب البناء المرتفع ويلصق بطنه باحدى زواياه القائمة ثم يصعد فيه إلى أن يرتقي صهوته العليا
ومما يحكى أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حضره رجل منهم وصعد في جدار كذلك فأنعم عليه الإنعام الجزيل وأمره أن يحضر كل من قدر عليه من أصحابه فأحضر منهم جماعة وهو يحسن إليهم إلى أن لم يبق منهم أحد فقتلهم عن آخرهم خشية مما لهم من قوة التسور ومن هؤلاء طوائف بمصر والشأم يعرفون بالنورة يجالس أحدهم الرجل فيسرق ماله وهو لا يدري ويمشون على الحبال المرتفعة ولنسائهم في ركوب الخيل الفروسية العظيمة
الإقليم الرابع فارس
بفاء مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة مكسورة وسين مهملة في الآخر قال في تقويم البلدان ويحيط ببلاد فارس من جهة الغرب حدود خوزستان وتمام الحد الغربي إلى جهة الشمال حدود أصفهان والجبال ويحيط بها من جهة الجنوب بحر فارس ومن جهة الشرق حدود كرمان ومن جهة الشمال المفازة التي بين فارس وخراسان وتمام الحد الشمالي حدود أصفهان وبلاد الجبال قال في العزيزي وعلى نهاية فارس الشرقية ناحية يزد وعلى نهايتها من الجنوب (4/345)
سيراف والبحر وحدها من الشمال الري قال ابن حوقل وقاعدتها فيما ذكره صاحب حماة في تاريخه شيراز قال في اللباب بكسر الشين المعجمة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وفي آخرها زاي معجمة بعد الألف وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض ثمان وعشرون درجة وست وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة إسلامية محدثة بناها محمد بن القاسم بن أبي عقيل الثقفي وهو ابن عم الحجاج بن يوسف قال وسميت بشيراز تشبيها بجوف الأسد لأن عامة الميرة بتلك النواحي تحمل إلى شيراز ولا يحمل منها شيء إلى غيرها قال المهلبي وهي مدينة واسعة سرية كثيرة المياه وشربهم من عيون تتخرق البلد وتجري في دورهم وليس تكاد تخلو دار بها من بستان حسن ومياه تجري وأسواقها عامرة جليلة وإليها ينسب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه رحمه الله وبها قبر سيبويه النحوي وبينها وبين أصبهان اثنان وسبعون فرسخا وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها جور قال في اللباب بضم الجيم ثم واو وراء مهملة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي من قواعد فارس قال ابن حوقل وعليها سور من طين وخندق ولها أربعة أبواب وفيها المياه جارية وهي مدينة نزهة كثيرة البساتين جدا ويرتفع منها ماء ورد يعم البلاد وهي في ذلك كدمشق قال العزيزي ومنها إلى شيراز أربعة وعشرون فرسخا وقال في موضع آخر عشرون فرسخا
ومنها كازرون قال في اللباب بفتح الكاف وسكون الألف وفتح (4/346)
الزاي المعجمة وضم الراء المهملة وواو ساكنة وفي آخرها نون وهي مدينة من كورة سابور واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال ابن حوقل وهي أعظم مدينة في كورة سابور وقال المهلبي هي مدينة لطيفة صالحة العمارة قال ابن حوقل وهي صحيحة التربة والهواء وماؤها من الآبار قال في اللباب وخرج منها جماعة من العلماء
ومنها فيروزاباذ قال في المشترك بفتح الفاء وكسرها وسكون المثناة من تحت وضم الراء المهملة ثم واو ساكنة وزاي معجمة ثم ألف وباء موحدة وألف ثانية وذال وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق قال في المشترك وكانت تسمى في القديم جور ثم غير اسمها وهي بلدة مشهورة على القرب من شيراز وهي أصل بلد الشيخ أبي إسحاق الشيرازي المقدم ذكره في شيراز
ومنها سيراف قال في اللباب بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وفاء في الآخر وهي بلدة على البحر واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض ست وعشرون درجة قال في تقويم البلدان وهي أعظم فرضة لفارس وليس لها زرع ولا ضرع بل هي مدينة حط وإقلاع للمراكب وهي مدينة آهلة ولهم عناية بالبنيان حتى إن الرجل من التجار ينفق في عمارة داره ثلاثين ألف دينار وليس حولها بساتين ولا أشجار وبناؤهم بالساج والخشب يحمل إليهم من بلاد الزنج وهي شديدة الحر
ومنها البيضاء بفتح الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح (4/347)
الضاد المعجمة وألف في الآخر وهي مدينة من عمل إصطخر واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي من أكبر مدن كورة إصطخر قال وسميت البيضاء لأن لها قلعة بيضاء ترى من بعد واسمها بالفارسية نشانك ويقال إن الحسين الحلاج منها وإليها ينسب القاضي ناصر الدين البيضاوي صاحب المنهاج في أصول الفقه والطوالع في علم الكلام وغير ذلك قال المهلبي وبينها وبين شيراز ثمانية فراسخ
ومنها إصطخر قال في اللباب بكسر الألف وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وفي آخرها راء مهملة قبلها خاء معجمة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول تسع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاثون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي من أقدم مدن فارس وبها كان سرير الملك في القديم وبها آثار عظيمة من الأبنية حتى يقال إنها من عمل الجن كما يقال عن تدمر وبعلبك من بلاد الشام قال في العزيزي وبينها وبين شيراز اثنا عشر فرسخا قال وينسب إليها أبو سعيد الإصطخري أحد أصحابنا الشافعية
ومنها بسا قال في اللباب بفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف وهي مدينة من كورة دارا بجرد واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة قال ابن حوقل وهي تقارب شيراز في الكبر وأكثر خشب أبنيتها السرو ويجتمع فيها الثلج والرطب والجوز والأترج وإليها ينسب البساسيري الذي خطب لخلفاء مصر في بغداد (4/348)
ومنها يزد قال السمعاني في الأنساب بفتح المثناة التحتية وسكون الزاي المعجمة وفي آخرها دال مهملة وهي مدينة من كورة إصطخر قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة خرج منها جماعة من العماء وإليها ينسب القماش اليزدي
ومنها دارا بجرد قال في اللباب بفتح الدال المهملة وسكون الألفين بينهما راء ثم باء موحدة وجيم مكسورة وراء مهملة ساكنة وفي آخرها دال مهملة وهي مدينة من فارس واقعة في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال ابن حوقل ومعنى دارا بجرد عمل دارا وهي مدينة لها سور وخندق تتولد المياه فيه وفيه حشيش يلتف على السابح فيه حتى لا يكاد يسلم من الغرق وفي وسط المدينة جبل كالقبة ليس له اتصال بشيء من الجبال وبنواحيها جبال من الملح الأبيض والأسود والأصفر والأحمر والأخضر ينحت منه ويحمل منها إلى البلاد قال في المشترك وعملها من أجل كور فارس قال في العزيزي وبأعمالها معدن موميا ومعدن زئبق
الإقليم الخامس كرمان
كما قاله في مسالك الأبصار قال في المشترك بفتح الكاف ومنهم من يكسرها قال وهو صقع كبير بين فارس وسجستان ومكران من بلاد الهند ويحيط به من جهة الغرب حدود فارس ومن جهة الجنوب بحر فارس ومن جهة الشرق أرض مكران من وراء البلوص إلى البحر ومن الشمال المفازة التي هي فيما بين فارس وكرمان وبين خراسان قال في تقويم البلدان وأرض كرمان داخلة في البحر وللبحر ساعدان قد اعتنقا أرض كرمان فالبحر على (4/349)
ساحل كرمان قطعة قوس من دائرة وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه السيرجان قال في اللباب بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها والراء المهملة وفتح الجيم وبعد الألف نون وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ثلاث وثمانون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي أكبر مدينة بكرمان وأبنيتها أقباء لقلة الخشب بها وداخلها قني الماء قال في اللباب وهي مما يلي فارس
وتشتمل كرمان على عدة مدن منها جيرفت قال في اللباب بكسر الجيم وسكون المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الفاء وفي آخرها تاء مثناة من فوق وموقعها في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وثمانون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة مجمع للتجار الواصلين من خراسان وسجستان وهي حصينة للغاية قال المهلبي وهي من أعظم المدن بكرمان كثيرة النخل والأترج وبينها وبين السيرجان مرحلتان
ومنها زرند قال في المشترك بفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وسكون النون وفي آخرها دال مهملة وموقعها في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول ثلاث وثمانون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة قال في المشترك وهي مدينة مشهورة قال المهبلي وبينها وبين مدينة السيرجان تسعة وعشرون فرسخا
ومنها بم قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وتشديد الميم وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في العزيزي وهي من (4/350)
كبار مدن كرمان وهي مصر من الأمصار قال ابن حوقل وهي أكبر من جيرفت وبها ثلاثة جوامع
ومنها هرمز قال في المشترك بضم الهاء وسكون الراء المهملة وضم الميم وفي آخرها زاي معجمة وموقعها في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول خمس وثمانون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي فرضة كرمان قال في المشترك تدخل إليها المراكب من بحر الهند في خليج قال صاحب حماة وهي مدينة كثيرة النخل شديدة الحر ثم قال أخبرني من رآها في زماننا يعني في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أن هرمز العتيقة خربت من غارات التتر وأن أهلها انتقلوا عنها إلى جزيرة في البحر تسمى زرون بفتح الزاي المعجمة وضم الراء المهملة ثم واو في الآخر نون وهي جزيرة قريبة من البر غربي هرمز العتيقة ولم يبق بهرمز العتيقة إلا قليل من أطراف الناس ومنها إلى أول حدود فارس نحو سبع مراحل
قلت وفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة كتب إلى صاحبها عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في الدولة الناصرية أبي السعادات فرج بن السلطان الشهيد الظاهر برقوق وسيأتي الكلام على صورة المكاتبة إليه في المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
الإقليم السادس سجستان والرخج
أما سجستان فقال في المشترك بكسر السين المهملة وكسر الجيم وسكون السين الثانية ثم مثناة من فوقها وألف ونون قال وسجستان إقليم عظيم بين خراسان وبين مكران والسند وبين كرمان قال ابن حوقل ويحيط بسجستان (4/351)
من جهة الغرب خراسان ومن جهة الجنوب المفازة التي بين سجستان وفارس وكرمان ومن جهة الشرق مفازة بين سجستان وبين مكران وهي المفازة الواصلة بين مكران والهند وتمام الحد الشرقي في شيء من عمل الملتان من الهند ومن جهة الشمال أرض الهند وفيما يلي خراسان والغور والهند تقويس وقال في العزيزي سجستان شرقي كرمان إلى الشمال قال ابن حوقل وأراضي سجستان بها الرمال والنخيل وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل وتشتد بها الريح وتدوم وبها أرحية تطحن بالريح والرياح تنقل رمالهم من مكان إلى مكان وإذا أرادوا نقل الرمل عن مكان عملوا هناك حائطا من خشب أو غيره وجعلوا في أسفله طوقا وأبوابا فتدخل فيها الريح من تلك الأبواب وتطير الرمل وترميه بعيدا وسجستان خصبة كثيرة الطعام والتمر والأعناب وأهلها ظاهرو اليسار وقال في اللباب والنسبة إلى سجستان سجزي بكسر السين المهملة وسكون الجيم ثم زاي معجمة على غير قياس قال وينسب إليها سجستاني أيضا يعني على الأصل
وقاعدتها زرنج قال في اللباب بفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وسكون النون وجيم في الآخر وهي مدينة كبيرة واقعة في الإقليم الثالث من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وقد يطلق على زرنج نفسها سجستان قال في المشترك بل أنسي اسم زرنج وأطلق اسم الإقليم وهو سجستان على المدينة وجعل في اللباب زرنج ناحية بسجستان قال ابن حوقل ولها سور وخندق ينبع فيه الماء وأبنيتها عقود لأن الخشب فيها يسوس ولا يثبت وفيها مياه تجري في البيوت والأزقة وأرضها سبخة قال في اللباب وخرج منها جماعة من العلماء منهم محمد بن كرام (4/352)
الزرنجي صاحب المذهب المشهور
ولها مدن منها حصن الطاق وضبطه معروف قال ابن سعيد وهو حصن واقع في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثمان وثمانون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة على جبل عند التواء النهر في غاية المنعة لا يرام بحصار قال وبه يعتصم ملوك هذه البلاد ويجعلون فيه خزائنهم أما الطاق المضاف إليها فمدينة صغيرة لها رستاق وبها أعناب كثيرة يتسع بها أهل سجستان
ومنها سروان قال في تقويم البلدان قال بعض الثقات بفتح السين وسكون الراء المهلمتين وفتح الواو ثم ألف ونون وهي مدينة من آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة بها فواكة كثيرة ونخيل وأعناب
ومنها بست قال في اللباب بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفي آخرها تاء مثناة من فوقها وهي مدينة على شط نهر الهندمند قال في القانون حيث الطول إحدى وتسعون درجة وثمان وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة خصبة كثيرة النخل والأعناب وقال في اللباب هي مدينة حسنة كثيرة المياه والخضرة وقال في العزيزي مدينة جليلة بها عدة منابر ورباطات كثيرة عظيمة وذكر في اللباب أنها من بلاد كابل بين هراة وغزنة قال ابن حوقل وبينها وبين غزنة نحو أربع عشرة مرحلة (4/353)
وأما الرخج فقال في اللباب بضم الراء المهلمة وفتح الخاء المعجمة المشددة وفي آخرها جيم قال ابن حوقل وهو إقليم عظيم متصل بسجستان فيه عدة مدن وهي على غاية الخصب والسعة قال ومن مدنها بنجوان ولم يزد على ذلك
الجانب الثاني من مملكة إيران الشمالي
ويشتمل على عدة أقاليم من الإقاليم العرفية
الإقليم الأول إرمينية
قال ياقوت بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وكسر النون ثم ياء ثانية مخففة وقد تشدد وضبطها في اللباب بفتح الهمزة قال في تقويم البلدان وقد جمع أرباب المسالك والممالك إرمينية وأران وأذربيجان لعسر إفراد إحداهما عن الأخرى قال ويحيط بها على سبيل الإجمال من الغرب حدود بلاد الروم وشيء من حدود الجزيرة ومن جهة الجنوب بعض حدود الجزيرة وحدود العراق ومن جهة الشرق بلاد الجيل والديلم إلى بحر الخزر ومن جهة الشمال بلاد القيتق ثم أفرد أذربيجان بحدود تخصها فقال يحدها من جهة الشرق بلاد الجيل وتمام الحد الشرقي بلاد الديلم ويحدها من جهة الجنوب العراق عند ظهر حلوان وشيء من حدود الجزيرة وذكر في مسالك الأبصار نحوه إلا أنه ذكر أن حدها الغربي إلى بلاد الأرمن قال ابن حوقل والغالب على إرمينية الجبال
وقاعدتها الدبيل فيما ذكره ابن حوقل والمهلبي قال في المشترك (4/354)
وهي بفتح الدال المهملة وكسر الباء الموحدة ثم مثناة من تحتها ساكنة وفي آخرها لام وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول اثنتان وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة قال ابن حوقل : وهي مدينة كبيرة والنصارى فيها كثيرة وبها جامع للمسلمين إلى جانب كنيسة النصارى قال في العزيزي : وهي من أجل البلاد وأنفسها وهي مستقر سلطانها
وبها عدة مدن : منها أرزنجان قال في تقويم البلدان : بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الجيم ثم ألف ونون ويقال بالكاف أيضا عوضا عن الجيم وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وستون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال ابن سعيد وهي بين سيواس وبين أرزن الروم وبينها وبين كل واحدة منهما أربعون فرسخا وما بينها وبين أرزن كله مروج ومرعى وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها أرزن قال في المشترك بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة ثم نون في الآخر قال في تقويم البلدان وهي من أطراف إرمينية وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي غير أرزن الروم وهي عن خلاط على ثلاثة أيام قال ووهم في اللباب فجعلها من ديار بكر من الجزيرة والصحيح ما تقدم وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الثانية فيما بعد (4/355)
إن شاء الله تعالى
ومنها بدليس قال في تقويم البلدان بكسر الباء الموحدة ثم دال مهملة ساكنة ولام وياء مثناة من تحت ساكنة وسين مهملة قال وعن بعضهم أنها بفتح الباء الموحدة وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في تقويم البلدان وعن بعض أهل تلك البلاد أنها بين ميافارقين وبين خلاط قال وهي مدينة مسورة وقد خرب نصف سورها والمياه تخترق المدينة من عيون في ظاهرها ولها بساتين في واد وهي بين جبال تحف بها قال وهي دون حماة في القدر وقال ابن حوقل بلد صغير عامر خصب كثير الخير وهي شديدة البرد كثيرة الثلوج وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
ومنها أخلاط قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ثم ألف وطاء مهملة ويقال فيها خلاط بفتح الخاء من غير همز وموقعها في الإقليم الخامس قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة وخمسون دقيقة والعرض تسع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في تقويم البلدان عن بعض أهلها إنها في مستو من الأرض ولها بساتين كثيرة وبها عدة أنهار على شبه أنهار دمشق وليس يدخل المدينة منها إلا الشيء اليسير ولها سور خراب وهي قدر دمشق والجبال عنها على أكثر من مسيرة يوم وبردها شديد قال ابن سعيد وهي أجل مدينة بإرمينية وذكرها جليل الشهرة وقال ابن حوقل وهي بلدة صغيرة عامرة كثيرة الخير قال في العزيزي وبينها وبين بدليس سبعة فراسخ (4/356)
ومنها خرت برت بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وتاء مثناة فوق ثم باء موحدة مكسورة بعدها راء مهملة ساكنة وتاء مثناة فوق في الآخر وتعرف بحصن زياد قال في تقويم البلدان وهي بلدة بإرمينية على القرب من خلاط وحاكمها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
الإقليم الثاني أذربيجان
قال ابن الجواليقي في المعرب من العجمة إلى العربية بقصر الألف وإسكان الذال المعجمة قال ابن حوقل الغالب عليها الجبال أيضا قال في مسالك الأبصار وهي أجل الأقاليم الثلاثة وهي كانت قرار ملوك بني جنكزخان
وبها ثلاث قواعد
القاعدة الأولى أردبيل
قال في اللباب بفتح الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهملتين وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت ولام في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة قال في اللباب لعله بناها أردبيل بن أردميني بن لمطي بن يونان فنسبت إليه قال في العزيزي وهي في الجهة الشمالية من أذربيجان قال وهي مدينة كثيرة الخصب وعلى فرسخين منها جبل عظيم الارتفاع لا يفارقه الثلج قال المهلبي (4/357)
وأهلها غليظو الطبع شرسو الأخلاق قال وبينها وبين تبريز خمسة وعشرون فرسخا قال في مسالك الأبصار وأعمالها تكون ثلاثين فرسخا قال وبها كانت دار الإمارة في صدر الإسلام
القاعدة الثانية تبريز
قال في اللباب بكسر المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة وكسر الراء المهملة ثم مثناة من تحت وفي آخرها زاي معجمة والجاري على ألسنة العامة توريز بالواو بدل الموحدة وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال ابن سعيد وهي قاعدة أذربيجان في عصرنا قال في اللباب وهي أشهر بلدة بأذربيجان وبها كان كرسي بيت هولاكو من التتر ثم انتقل بعد ذلك إلى السلطانية الآتي ذكرها ومبانيها بالقاشاني والجص والكلس وبها مدارس حسنة ولها غوطة رائقة قال في مسالك الأبصار وهي مدينة أعرقت في السعادة أنسابها وثبتت في النعمة قواعدها قال وهي مدينة غير كبيرة المقدار والماء منساق إليها وبها أنواع الفواكة لكن ليست بغاية الكثرة وأهلها من أكبر الناس حشمة وأكثرهم تظاهرا بنعمة ولهم الأموال المديدة والنعم الوافرة والنفوس الأبية ولهم التجمل في زيهم من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب وما منهم إلا من يأنف أن يذكر الدرهم في معاملته بل لا معاملة بينهم إلا بالدينار وسيأتي ذكر مقدار دينارهم في الكلام على معاملة هذه المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى وهي اليوم أم إيران جميعا لتوجه المقاصد من كل جهة إليها وبها محط رحال التجار والسفار وبها دور أكثر الأمراء الكبراء المصاحبين لسلطانها لقربها من أرجان محل مشتاهم قال ويشتد البرد بتوريز كثيرا وتتوالى الثلوج بها حتى إن (4/358)
سروات أهلها يجدون في آدرهم ليس فيها فرجة ولا يدخلها ضوء إلا ما يرونه من طاقات حيطانها من وراء الزجاج المركب عليها
القاعدة الثالثة السلطانية
نسبة إلى السلطان واسمها قنغرلان قال في تقويم البلدان بضم القاف وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ولام ألف ونون وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة قال وهي عن توريز في سمت المشرق بميلة يسيرة إلى الجنوب على مسيرة ثمانية أيام منها وهي مدينة محدثة بناها خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو على القرب من جبال كيلان على مسيرة يوم منها وجعلها كرسي مملكته وهي في مستو من الأرض ومياهها قني قليلة البساتين والفواكه وإنما تجلب إليها الفواكه من البلاد المصاقبة لها قال في مسالك الأبصار وهي مدينة قد رفع بناؤها واتسع فناؤها وأتقنت قسمتها في الخطط والأسواق وجلب إليها بانيها الناس من أقطار مملكته واستجلبهم إليها بما بسط لسكانها من العدل والإحسان قال وهي الآن عامرة آهله كأنما مر عليها مئون سنين لكثرة من استوطنها وتأهل بها وأولد من الولد فيها وقد مضت عليها مدة بنوها مبالغ الرجال وفيهم من جاز إلى الاكتهال
وبها عدة مدن غير هذه القواعد منها سلماس قال في اللباب بفتح السين المهملة واللام والميم وفي آخرها سين مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة (4/359)
وخمس وعشرون دقيقة قال المهلبي وهي على آخر حدود أذربيجان من الغرب وهي مصر من الأمصار جليل والمتاجر بها وإليها متصلة
ومنها خوي قال في اللباب بضم الخاء وفتح الواو وتشديد المثناة من تحت وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسع وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في اللباب وهي آخر مدن أذربيجان وبينها وبين سلماس أحد وعشرون ميلا
ومنها أرمية قال في اللباب بضم الألف وسكون الراء المهملة والميم في آخرها هاء بعد ياء مثناة من تحتها قال ابن الجواليقي في المعرب ويجوز في قياس العربية تخفيف الياء منها وتشديدها وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة قال المهلبي وهي آخر حدود أذربيجان وهي مدينة جليلة قال ويقال إن زرادشت نبي المجوس منها قال في تقويم البلدان وعن بعض أهلها أنها مدينة وسطى عامرة وهي في أول الجبال وآخر الوطاة في الغرب عن سلماس على ستة عشر فرسخا منها وبينها وبين الموصل قاعدة الجزيرة أربعون فرسخا والموصل في سمت الغرب عنها ولأرمية قلعة على جبل تسمى قلعة تلا في غاية الحصانة كان هولاكو قد جعل أمواله فيها لحصانتها والنسبة إلى أرمية أرموي
ومنها مراغة قال في المشترك بفتح الميم والراء المهملة وألف وغين معجمة وهاء وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في (4/360)
القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشر دقائق والعرض سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال المهلبي وهي مدينة محدثة كانت قرية فنزل بها مراون بن محمد وكان هناك سرجين فمرغ الناس فيه دوابهم فبناها مدينة فسميت مراغة قال ابن حوقل وهي من قواعد أذربيجان وهي حصينة نزهة كثيرة البساتين والرساتيق
ومنها ميانج قال في المشترك بفتح الميم والمثناة من تحتها وسكون الألف وكسر النون وفي آخرها جيم وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلا ث وسبعون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة قال في المشترك وهي مدينة كبيرة على مسيرة يومين من مراغة وسماها في اللباب ميانه بفتح الميم والمثناة من تحتها وألف ونون وهاء وقال خرج منها جماعة من العلماء
ومنها مرند قال في اللباب بفتح الميم والراء المهملة وسكون النون وفي آخرها دال مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة قال في اللباب وهي قرية من تبريز في جهة الشرق عنها بميلة يسيرة إلى الشمال وقال المهلبي هي عن تدمر على أربعة عشر فرسخا قال في تقويم البلدان وذكر من رآها أنها بلدة صغيرة ذات أنهار وأشجار
الإقليم الثالث أران
قال في المشترك بفتح الهمزة وتشديد الراء المهملة ثم ألف ونون ولها قاعدتان (4/361)
القاعدة الأولى بردعة
قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهملتين ثم عين مهملة وهاء في الآخر وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض ثلاث وأربعون درجة قال في تقويم البلدان وهي قاعدة مملكة أران وقال في اللباب هي من أقاصي أذربيجان قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة كثيرة الخصب نزهة قال وعلى أقل من فرسخ منها موضع يسمى الاندراب يكون مسيرة يوم في يوم بساتين مشتبكة كلها فواكه قال المؤيد صاحب حماة هذا ما كانت عليه في زمان ابن حوقل أما في زماننا فأخبرني من رآها أنها خربت ولم يبق منها معمور إلا دون المعرة في القدر وهي في مستو من الأرض ذات بساتين ومياه وهي على القرب من نهر الكر
القاعدة الثانية تفليس
قال في اللباب بفتح المثناة فوق وسكون الفاء وكسر اللام وسكون المثناة التحتية وفي آخرها سين مهملة وموقعها في آخر الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في القانون وهي قصبة كرجستان وقال في اللباب هي آخر بلدة من أذربيجان قال ابن حوقل وهي مدينة مسورة (4/362)
عليها سوران ولها ثلاثة أبواب وبها حمامات مثل حمامات طبرية ماؤها ينبع سخنا بغير نار وهي كثيرة الخصب قال ابن سعيد وكان المسلمون قد فتحوها وسكنوها مدة طويلة وخرج منها جماعة من العلماء ثم استرجعها الكرج وهم نصارى وهي بأيدي الكرج إلى الآن وملك الكرج صاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى
وبها عدة مدن منها نشوى قال السمعاني في الأنساب بفتح النون والشين المعجمة وفي آخرها واو ثم ياء آخر الحروف وسماها ابن سعيد نقجوان بفتح النون وسكون القاف وفتح الجيم والواو وبعد الألف نون وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض تسع وثلاثون درجة قال ابن سعيد وهي من المدن المذكورة في شرقي أران قال السمعاني وهي بلدة متصلة بإرمينية وأذربيجان قال ابن سعيد وهي في شمالي نهر الكر قال في الأنساب وبينها وبين تبريز ستة فراسخ وقال ابن سعيد وقد خربها التتر وقتلوا جميع أهلها
ومنها موقان قال في اللباب بضم الميم وسكون الواو وفتح القاف وسكون الألف وفي آخرها نون والعامة تبدل القاف غينا معجمة فيقولون موغان قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة قال السمعاني وهي بدربند فيما أظن وقال المهلبي هي من عمل أردبيل وقال المهلبي موقان في نهاية بلاد كيلان في جهة الغرب قال ابن حوقل وبينها وبين باب الأبواب يومان قال في تقويم البلدان لم يبق (4/363)
لمدينة موقان في هذا الزمان شهرة بل المشهور أراضي موقان وهي أراض كثيرة المياه والأقصاب والمراعي في ساحل بحر طبرستان على القرب من البحر وهي في سمت الشمال والغرب عن تبريز على نحو عشر مراحل منها وبها يشتي أردو التتر في غالب السنين
ومنها شمكور قال في اللباب بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وضم الكاف وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض إحدى وأربعون درجة وخمسون دقيقة قال في اللباب وهو حصن من أعمال أران قال في تقويم البلدان وشمكور بقرب بردعة وبها منارة في غاية الارتفاع والشهوق
ومنها البيلقان قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت وفتح اللام والقاف ثم ألف ونون قال في القانون حيث الطول أربع وستون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة وهي عند شروان قال ولعلها بناها بيلقان بن أرميني بن لمطي بن يونان فنسبت إليه قال في اللباب وهي مدينة من دربند خزران قال في المشترك وهي من مشاهير البلدان قال ابن حوقل وهي كثيرة الخير
ومنها كنجة قال في تقويم البلدان بفتح الكاف وسكون النون وفتح الجيم ثم هاء ساكنة وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال والقياس أنها حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض ثلاث وأربعون درجة (4/364)
وعشر دقائق قال في المشترك وهي من مشاهير بلاد أران قال المؤيد صاحب حماة وأخبرني من أقام هناك أنها على مرحلتين من بردعة وبردعة عنها في جهة الغرب بميلة يسيرة إلى الشمال وهي قصبة تلك الناحية وهي في مستو من الأرض وفيها بساتين كثيرة وبها التين الكثير وقد شهر أن من أكل من ذلك التين حم
ومنها شروان قال في اللباب بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح الواو ثم ألف ونون في الآخر وهي واقعة في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وستون درجة وست وخمسون دقيقة والعرض إحدى وأربعون درجة وثلاث وأربعون دقيقة قال في اللباب بناها أنوشروان فأسقطوا أنو للتخفيف وبقي شروان قال ابن سعيد وهي من أران وكانت قاعدة لبلادها ثم صارت مملكتها مضافة إلى أذربيجان قال وبشروان الدربند المشهور قال السلطان عماد الدين صاحب حماة وهو المعروف في زماننا بدربند باب الحديد قال ابن الأثير وقد خرج منها جماعة من العلماء
ومنها باب الأبواب قال في تقويم البلدان بإضافة الباب المفرد الذي يدخل منه إلى جمعه قال في القانون ويعرف باب الأبواب بدربند خزران قال في تقويم البلدان ويعرف هذا المكان في زماننا بباب الحديد بإضافة الذي يغلق إلى الذي يتطرق قال ابن حوقل وهي على بحر طبرستان وتكون في القدر أصغر من أردبيل قال ولهم الزرع الكثير وثمار قليلة تحمل إليهم من النواحي قال وهي فرضة الخزر والسرير وسائر بلاد الكفر وهي أيضا فرضة جرجان والديلم وطبرستان ويجلب إليها الرقيق من سائر الأجناس قال في تقويم البلدان وهذه الصفات التي ذكرها ابن حوقل على ما كانت في زمانه أما اليوم فعن بعض المسافرين أن باب الحديد بليدة هي بالقرى أشبه على بحر الخزر وهي كالحد بين التتر الشماليين المعروفين ببيت بركة وبين التتر الجنوبيين المعروفين ببيت هولاكو وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار (4/365)
المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
الإقليم الرابع بلاد الجبل
بفتح الجيم والباء الموحدة ولام في الآخر وصاحب مسالك الأبصار يسميها بلاد الجبال على الجمع والعامة تسميها عراق العجم قال في تقويم البلدان ويحيط بها من جهة الغرب أذربيجان ومن جهة الجنوب شيء من بلاد العراق وخوزستان ومن جهة الشرق مفازة خراسان وفارس ومن جهة الشمال بلاد الديلم وقزوين والري عند من يخرجهما عن بلاد الجبل ويضمهما إلى الديلم من حيث إن جبال الديلم تحف بهما
وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه أصبهان قال في اللباب بكسر الألف وفتحها وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة والهاء وألف ثم نون في الآخر قال في تقويم البلدان وقد تبدل الباء فاء قال السمعاني وسمعت من بعضهم أنها تسمى بالعجمية سباهان قال وسبا العسكر وهان الجمع وذلك أن عساكر الأكاسرة كانوا إذا وقع لهم بيكار يجتمعون بها فعربت فقيل أصفهان وموقعها في الإقليم الثالث قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي في نهاية الجبال من جهة الجنوب قال وهي مدينتان وإحداهما تعرف باليهودية وهي من أخصب البلاد وأوسعها خطة وبها معدن الكحل الذي لا يسامى مصاقبا لفارس وإلى أصبهان ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير
قلت وقد تقدم في الكلام على أعمال الديار المصرية من أول هذه المقالة عند ذكر الأعمال القليوبية أنه ينسب إلى بلدتنا قلقشندة أيضا وأنه كان له دار بها فيحتمل أنه كان أولا بأصبهان ثم لما رحل عنها إلى مصر نزل قلقشندة (4/366)
فنسب إليها على عادة من ينتقل من بلد إلى آخر
ولها عدة مدن منها إربل قال في المشترك بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة ولام في الآخر قال في تقويم البلدان وهي قاعدة بلاد شهرزور وموقعها في الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال وهي مدينة محدثة قال في المشترك بين الزابين فيما بين المشرق والجنوب عن الموصل على مسيرة يومين خفيفين قال في تقويم البلدان وعن بعض أهلها أنها مدينة كبيرة قد خرب غالبها ولها قلعة على تل عال داخل السور مع جانب المدينة في مستو من الأرض والجبال منها على أكثر من مسيرة يوم ولها قني تدخل منها اثنتان إلى المدينة للجامع ودار السلطان وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها شهرزور قال في اللباب بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وضم الراء المهملة والزاي المعجمة وسكون الواو وفي الآخر راء مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في اللباب وهي بلدة بين الموصل وبين همذان بناها زور بن الضحاك فقيل شهر زور يعني مدينة شهر قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة قال في العزيزي وهي خصبة كثيرة المتاجر في عزلة إلا أن في أهلها غلظة وجفاء قال وبينها وبين المراغة ست مراحل (4/367)
ومنها الدينور قال في اللباب بفتح الدار المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح النون والواو ثم راء مهملة في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي غربي همذان بميلة إلى الشمال وهي مدينة كثيرة المياه والمنازه كثيرة الثمار خصبة قال في العزيزي وبينها وبين الموصل أربعون فرسخا وبينها وبين مراغة كذلك
ومنها ماسبذان بفتح الميم وبعد الألف سين مهملة وباء موحدة وذال معجمة بفتح الجميع وبعد الألف نون وهي مدينة من سيروان بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الراء المهملة وواو وألف ونون كورة من كور عراق العجم قال أحمد بن يعقوب الكاتب وهي مدينة قديمة بين جبال وشعاب قال وهي في ذلك تشبه مكة شرفها الله تعالى وعظمها وفيها عيون ماء تجري في وسطها قال ابن خلكان وكان المهدي العباسي يسكنها وبها مات ودفن
ومنها قصر شيرين بإضافة قصر إلى شيرين بكسر الشين المعجمة ثم ياء آخر الحروف وراء مهملة ثم ياء ثانية بعدها ونون في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في المشترك وهو قصر شيرين حظية كسرى أبرويز وقال الإدريسي شيرين امرأة كسرى قال وبهذا الموضع آثار لموك الفرس عجيبة ومنه إلى شهر زور عشرون فرسخا ومنه إلى حلوان من بلاد العراق خمسة فراسخ
ومنها الصيمرة قال في المشترك بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الميم والراء المهملة وهاء في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة وخمسون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة (4/368)
نزهة ذات زروع وأشجار والمياه تجري في دورها ومحالها قال أحمد بن يعقوب وهي في مرج أفيح فيه عيون وأنهار
ومنها قرميسين قال في اللباب بكسر القاف وسكون الراء المهملة وكسر الميم وسكون المثناة من تحتها وكسر السين المهملة ومثناة تحتية ثانية ونون في الآخر قال في تقويم البلدان ووجدناها في كثير من الكتب بإبدال الياء الأولى ألفا قال في اللباب وهي مدينة بجبال العراق وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال في اللباب ويقال لها كرمانشاه قال في العزيزي وهي من أجل مدن الجبل وأعظمها خطرا وهي عامرة غاصة بالناس قال وينبت بها الزعفران
ومنها سهرورد قال في اللباب بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الواو وسكون الراء الثانية وفي آخرها دال مهلمة قال في تقويم البلدان كذا ضبطها ولم يذكر الراء الأولى وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة صغيرة والغالب عليها الأكراد
ومنها زنجان قال في اللباب بفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الجيم وألف ونون وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي أقصى مدن الجبال في الشمال قال في اللباب وهي على حد أذربيجان من بلاد الجبل ينسب إليها جماعة من أهل العلم (4/369)
ومنها نهاوند قال في اللباب بضم النون وفتح الهاء وسكون الألف وفتح الواو وسكون النون وبعدها دال مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة على جبل ولها أنهار وبساتين وهي كثيرة الفواكة وفواكهها تحمل إلى العراق لجودتها قال في اللباب ويقال إنها من بناء نوح عليه السلام وإنه كان اسمها نوح أوند فأبدلوا الحاء هاء
ومنها همذان قال في الأنساب بفتح الهاء والميم والذال المعجمة وبعد الألف نون وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي وسط بلاد الجبال ومنها إلى حلوان أول بلاد العراق سبعة وستون فرسخا قال وهي مدينة كبيرة ولها أربعة أبواب ولها مياه وبساتين وزروع كثيرة قال في الأنساب وهي على طريق الحاج والقوافل
ومنها أبهر قال في المشترك بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الهاء ثم راء مهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في المشترك وهي مدينة بين قزوين وزنجان قال ابن خرداذبة ومنها إلى زنجان خمسة عشر فرسخا
ومنها ساوة قال في اللباب بفتح السين المهملة وبعدها ألف ثم واو وهاء وموقعها في الإقليم الرابع قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة قال المهلبي وهي مدينة جليلة على جادة حجاج خراسان وبها الأسواق الحسنة وبها المنازل الحسنة (4/370)
ومنها قزوين قال في اللباب بفتح القاف وسكون الزاي المعجمة وكسر الواو وسكون المثناة من تحت وفي آخرها نون وموقعها في الإقليم الرابع قال في القانون ورسم المعمور حيث الطول خمس وسبعون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة لها حصن وماؤها من السماء والآبار ولها قناة صغيرة للشرب فقط وهي مدينة حصينة وبها أشجار وكروم كلها عذي لا تسقى وليس بها ماء جار سوى ما يشرب ويجري إلى المسجد قال ابن حوقل وماء قناتها وبيء
ومنها آبة قال في المشترك بفتح الهمزة وسكون الألف ثم باء موحدة وهاء وموقعها في الإقليم الرابع قال والعامة تسميها آوة قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشر دقائق والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال المهلبي وهي مدينة في الشرق بانحراف إلى الشمال عن همذان وبينهما سبعة وعشرون فرسخا قال في المشترك وبينها وبين ساوة خمسة أميال
ومنها قم قال في اللباب بضم القاف وتشديد الميم وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في اللباب وكان بناؤها في سنة ثلاث وثمانين للهجرة بناها عبد الله بن سعد والأحوص وإسحاق ونعيم وعبد الرحمن بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعري من أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عند انهزامهم من الحجاج وكان مكانها سبع قرى فأهلكوا أهلها وبنوها مدينة كل قرية محلة من محلات المدينة قال ابن حوقل وهي مدينة غير مسورة حصينة البناء وماؤها من الآبار وبها البساتين على السواني وبها شجر الفستق والبندق وأهلها شيعة قال المهلبي وهي في مرج تقدير سعته عشرة فراسخ في مثلها ثم تفضي (4/371)
إلى جبالها وبها من الفستق ما ليس بغيرها
ومنها الطالقان قال في المشترك بفتح الطاء المهملة واللام والقاف ثم ألف ونون وقال في اللباب بتسكين اللام وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في المشترك وهو مدينة وكورة بين توريز وأبهر قال ابن حوقل وهي أقرب إلى الديلم من قزوين وقد أوردها في كتاب الأطوال المنسوب للفرس مع بلاد الديلم قال أحمد الكاتب وهي بين جبلين عظيمين وهي تمس الطالقان بلاد خراسان
ومنها قاشان قال في اللباب بفتح القاف وسكون الألف وبالشين المعجمة وبعد الألف نون قال ويقال بالسين المهملة أيضا وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة قال المهلبي وهي مدينة لطيفة قال ابن حوقل هي أصغر من قم وغالب بنائها بالطين وهي خصبة وقد خرج منها جماعة من العلماء قال في اللباب وأهلها شيعة
ومنها الري قال في اللباب بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة قدر عمارتها فرسخ ونصف في مثله وفيها نهران يجريان وبها قني تجري غير ذلك وعدها في اللباب من الديلم ويخرج منها قطن كثير للعراق وبها قبر محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة والكسائي احد القراء السبعة والنسبة إليها رازي على غير قياس وإليها ينسب الإمام فخر الدين الرازي الإمام المشهور
ومنها الكرج قال في المشترك بفتح الكاف والراء المهملة وفي (4/372)
آخرها جيم وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة متفرقة البناء ليس لها اجتماع المدن وتعرف بكرج أبي دلف قال في المشترك لأن أول من مصرها أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي وقصده الشعراء قال ابن حوقل ولها زروع ومواشي ولكن ليس لها بساتين ولا متنزهات والفواكة تجلب إليها
ومنها خوار قال في المشترك بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو وسكون الألف وراء مهلمة في الآخر وموقعها في الإقليم الخامس من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة وأربعون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في المشترك وهي مدينة من نواحي الري تخترقها القوافل قال في القانون وقلما يذكر إلا منسوبا إلى الري فيقال خوار الري
ومنها جبال الأكراد قال في مسالك الأبصار والمراد بهذه الجبال الجبال الحاجزة بين ديار العرب وديار العجم دون أماكن من توغل من الأكراد في بلاد العجم قال وابتداؤها جبال همذان وشهرزور وانتهاؤها صياصي الكفرة من بلاد التكفور وهي مملكة سيس وما هو مضاف إليها مما بأيدي بيت لاون ثم ذكر منها عشرين مكانا في كل مكان منها طائفة من الأكراد
الأول دياوشت من جبال همذان وشهرزور وهو مقام طائفة من الأكراد ولهم أمير يخصهم
الثاني درانتك وهو مقام طائفة ثانية من الكورانية أيضا ولهم أمير يخصهم قال في مسالك الأبصار والطائفتان جميعا لا تزيد عدتهم على خمسة آلاف رجل
الثالث دانترك ونهاوند إلى قرب شهرزور وهي مقام طائفة منهم تعرف بالكلالية يعرفون بجماعة سيف عدتهم ألف رجل مقاتلة ولهم أمير يخصهم (4/373)
وهو يحكم على من جاورهم من الأكراد
الرابع مكان بجوار ديار الكلالية المقدم ذكرهم بجبال همذان وهو مقام طائفة من الأكراد يقال لهم زنكلية وعدتهم نحو ألفين ذوو شجاعة وحيلة ولهم أمير يخصهم يحكم على بلاد كيكور وما جاورها من البقاع والكور
الخامس نواحي شهرزور قال في مسالك الأبصار كان يسكنها طوائف من الأكراد طائفتان إحداهما يقال لها اللوسة والأخرى يقال لها الباسرية رجال حرب وأقيال طعن وضرب نزحوا عنها بعد واقعة بغداد ووفدوا إلى مصر والشام وسكن في أماكنهم قوم يقال لهم الحوسة ليسوا من صميم الأكراد
السادس مكان بين شهرزور وبين أشنه من أذربيجان به طائفة من الأكراد يقال لهم السولية يبلغ عددهم نحو ألفي رجل وهم ذوو شجاعة وحمية وهم طائفتان لكل طائفة منهم أمير يخصهم
السابع بلاد بسقاد وهي مقام طائفة من الأكراد يقال لهم القرياوية وبيدهم من بلاد أزبك أماكن أخر قال وعددهم يزيد على أربعة آلاف ولهم أمير يخصهم
الثامن بلاد الكركار وهي مقام طائفة منهم يقال لها الحسنانية وهم على ثلاثة أبطن أحدها طائفة عيسى بن شهاب الدين ولهم خفر قلعة بري والحامي وثانيها طائفة تعرف بالتلية وثالثها طائفة تعرف بالجاكية وجميعهم نحو الألف رجل ولكل طائفة منهم أمير يخصهم
التاسع دربندقراير وهو مقام الطائفة القرياوية ولهم خفارة الدربند المذكور وصاحبه يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية وقد ذكر في التثقيف أن صاحبه كان سيف الدين بن سير الحسناني (4/374)
العاشر بلاد الكرحين ودقوق الناقة وبه طائفة منهم عدتهم تزيد على سبعمائة ولهم أمير يخصهم
الحادي عشر بين الجبلين من أعمال إربل قال في مسالك الأبصار وبها قوم كانوا يدارون التتر وملوك الديار المصرية ففي الشتاء يعاملون التتر بالمجاملة وفي الصيف يعينون سرايا الشام في المجاملة قال وعددهم كعدد الكلالية ولهم أمير يخصهم وذكر انه كان لهم في الدولة المنصورية قلاوون أمير يسمى الخضر بن سليمان كاتب شجاع وأنه وفد إلى الديار المصرية فاخترمته المنية قبل عوده وكان معه أربعة أولاد فعادوا بعد موته في الدولة الزينية كتبغا
الثاني عشر مازنجان وبيروه وسحمة و البلاد البرانية وهي مقام طائفة منهم يقال لها المازنجانية لا تزيد عدتهم على خمسمائة وهم طائفة ينتسبون إلى المحمدية والمازنجانية هم طائفة المبارزكك الموجود اسمه ورسم المكاتبة إليه في دساتير المكاتبات القديمة وقد أضيف إليهم الحميدية وهم طائفة من الأكراد لا تنقص عدتهم عن ألف مقاتل لأن أميرهم مبارز الدين كك كان من أمراء الخلافة في الدولة العباسية ومن ديوان الخلافة لقب بمبارز الدين وكك اسمه قال وكان يدعي الصلاح وتنذر له النذور فإذا حملت إليه قبلها وأضاف إليها مثلها من عنده وتصدق بهما معا وذكر نحوه في التعريف ثم كان له في الدولة الهولاكوية المكانة العلية واستنابوه في إربل وأعمالها وأقطعوه عقرشوش بكمالها وأضافوا إليه هراة وتل حفتون وقدموه على خمسمائة فارس وتولى الإمرة وقوانين نحو عشرين سنة وبقي حتى جاوز التسعين وهمته همة الشبان ثم مات وخلفه ولده عز الدين فكان من أبيه نعم الخلف وجرى على نهج أبيه في ترتيب المملكة وعلت رتبته عند ملوك التتر وملوك الديار المصرية ثم خلفه أخوه نجم الدين خضر فجرى على سمت أبيه وأخيه ثم قال وكانت ترد على الأبواب (4/375)
السطانية بمصر ونواب الشام كتب تتهلل بماء الفصاحة كالسحب وتسرح من أجنابها الأبكار العرب ثم خلفه ولده فجرى على سننه وبقيت الإمارة في بنيه والأمير القائم منهم هو المعبر عنه في الدساتير بصاحب عقرشوش وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
الثالث عشر بلاد شعلاباد إلى خفتيان وما بين ذلك من الدشت والدربند الكبير وهو مقام طائفة منهم تعرف بالشهرية معروفون باللصوصية وهم قوم لا يبلغ عددهم ألفا وجبالهم عاصية ودربدنهم بين جبلين شاهقين يسقيهما الزاب الكبير قال في مسالك الأبصار وعليه ثلاث قناطر اثنتان منها بالحجر والطين والوسطى مضفورة من الخشب كالحصير علوها عن وجه الماء مائة ذراع في الهواء وطولها بين الجبلين خمسون ذراعا في عرض ذراعين تمر عليها الدواب بأحمالها والخيل برجالها وهي ترتفع وتنخفض يخاطر المجتاز عليها بنفسه وهم يأخذون الخفارة عندها وهم أهل غدر وخديعة لا يستطيع المسافر مدافعتهم ولهم أمير يخصهم ولصاحبها مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
الرابع عشر ماذكرد والرستاق ومرت وجبل جنجرين المشرف على أشنة من ذات اليمين وهو مقام طائفة منهم يقال لهم الزرزارية ويقال إنهم ممن تكرد من العجم ولهم عدد جم يكاد يبلغ خمسة آلاف ما بين أمراء وأغنياء وفقراء وأكارين وغيرهم وجبلهم في غاية العلو والشهوق في الهواء شديد البرد بأعلاه ثلاثة أحجار طول كل حجر منها عشرة أشبار في عرض دون الثلاثة متخذة من الحجر الأخضر الماتع وعلى كل منها كتابة قد اضمحلت لطول السنين يقال إنها نصبت لمعنى الإنذار والإخبار عمن أهلكه الثلج والبرد هناك في الصيف وهم يأخذون الخفارة تحته قال في مسالك الأبصار وكان لهم أمير جامع لكلمتهم اسمه نجم الدين باشاك ثم تولاهم من بعده ابنه جيدة ثم ابنه عبد الله قال وكان لهم أمراء آخرون منهم الحسام شير الصغير وابنه باشاك وغيرهم قال وينضم إلى الزرزارية شرذمة قليلة تسمى باسم قريتها بالكان نحو (4/376)
ثلاثمائة رجل منفردين بمكان مشرف على عقبة الحان يأخذون عليها الخفارة ولصاحب ماذكرد مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ثم قال في التثقيف وهو حنش بن إسماعيل
الخامس عشر جولمرك وهو مقام طائفة تسمى الجولمركية وهم قوم نسبوا إلى مكانهم ذلك فعرفوا به ويقال إنهم طائفة من العرب من بني أمية اعتصموا بهذه الجبال عند غلبة بني العباس عليهم وأقاموا بها بين الأكراد فانخرطوا في سلكهم قال في مسالك الأبصار وهم الآن في عدد كثير يزيدون على ثلاثة آلاف كان ملكهم في أوائل دولة التتر أسد بن مكلان ثم خلفه ابنه عماد الدين ثم ابنه أسد الدين وببلاده معدن الزرنيخين الأحمر والأصفر ومنها ينقل إلى سائر الأقطار قال وكان قد ظهر عنده معدن لازورد فأخفاه لئلا يسمع به ملوك التتر فيطلبونه ومعقله من أمنع المعاقل على جبل مقطوع بذاته والزاب الكبير محدق به لا محط للجيش عليه ولا وصول للسهام إليه وسطحه متسع للزراعة وفي كل ضلع من أضلاعه كهف مرتفع يأوي إليه من أراد الامتناع وأعلاه مغمور بالثلج والصعود إليه في بعض الطريق يستدعي العبور على أوتاد مضروبة ومن لا يستطيع التسلق جر بالحبال وكذلك بغال الطواحين وملكهم معتمد عند الأكراد وهو يأخذ الخفارة من جميع الطرقات من تبريز إلى خوي ونقجوان وهذا هو المعبر عنه في التعريف وغيره من الدساتير في المكاتبات بصاحب جولمرك وهو يكاتب من الأبواب السلطانية بالديار المصرية
السادس عشر بلاد مركوان على القرب من الجولمركية كثيرة الثلوج والأمطار بلاد زرع وضرع وهي متاخمة لأرمية من بلاد أذربيجان وبها طائفة من الأكراد تبلغ عدتهم ثلاثة آلاف وهم أحلاف للجولمركبة
السابع عشر بلاد كواردات وهي بلاد مجاورة لبلاد الجولمركية من جهة بلاد الروم وهي بلاد خصبة وبها طائفة من الأكراد ينتسبون إليها لا إلى قبيلة (4/377)
وعدتهم نحو ثلاثة آلاف ولهم أمير يخصهم
الثامن عشر بلاد الدينار وهي بلاد تلي بلاد الجولمركية وبها طائفة من الأكراد يقال لهم الدينارية نسبة إلى بلدتهم وعددهم نحو خمسمائة ولهم سوق وبلد وكان لهم أميران أحدهما الأمير إبراهيم ابن الأمير محمد كان له وجه عند الخلفاء والثاني الشهاب بن بدر الدين توفي أبوه وخلفه كبيرا فخلفه في إمرته وكان بيهم وبين المازنجانية حروب
التاسع عشر بلاد العمادية وقلعة هارون وهي بالقرب من بلاد الجولمركية وبها طائفة منهم يقال لهم الهكارية يزيد عددهم على أربعة آلاف مقاتل ولهم إمارة تخصهم قال في مسالك الأبصار وهم يأخذون الخفارة في أماكن كثيرة من بخارا إلى بلد الجزيرة وصاحب هارون يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
العشرون القمرانية وكهف داود وبها طائفة منهم يقال لهم التنبكية قال في مسالك الأبصار وقليل ما هم لكنهم حماة رماة وطعامهم مبذول على خصاصة
واعلم أنه بعد أن ذكر في مسالك الأبصار ما تقدم ذكره عقب ذلك بذكر جماعة من الأكراد تفرقوا في الأقطار بعد اجتماع منهم التحتية وهم قوم كانوا يضاهون الحميدية كان لهم أعيان وأمراء وأكابر فهلك أمراؤهم ونسيت كبراؤهم ولم يبق منهم إلا شرذمة قليلة تفرقت بين القبائل والشعوب ثم قال وشعبهم كثيرة منهم السندية وهم أكثر شعبهم عددا وأوفرهم مددا كانوا يبلغون ثلاثين ألف مقاتل ومنهم المحمدية وكان لهم أمير لا يزيد جمعه على ستمائة رجل ومنهم الراسنية كانوا أوفى عدد وعدد وجمع ومدد ثم تشتت شملهم وتفرق جمعهم وعادت عدتهم في بلد الموصل لا تزيد على ألف رجل وكان لهم أمير يقال له علاء الدين كورك بن إبراهيم في بلد العقر ولا ينقص عن خمسمائة ومنهم الدنيكية وهم متفرقون في البلاد لا يزيد عددهم على ألف رجل (4/378)
قلت وقد ذكر في التثقيف عدة أماكن من بلاد وقلاع يكاتب أصحابها من الأكراد سوى من تقدم ذكره وهي خمسة وعشرون موضعا
إحداها برجو الثانية البلهيثة الثالثة كرم ليس الرابعة اندشت الخامسة حردقيل السادسة سكراك السابعة قبليس الثامنة جرموك التاسعة شنكوس العاشرة بهرمان الحادية عشرة حصن أران وهو حصن الملك الثانية عشرة . . . الثالثة عشرة سونج الرابعة عشرة اكريسا الخامسة عشرة يزاركد السادسة عشرة الزاب السابعة عشرة الزيتية الثامنة عشرة الدربندات العرابلية التاسعة عشرة قلعة الجبلين العشرون سيدكان الحادية والعشرون صاحب رمادان الثانية والعشرون الشعبانية الثالثة والعشرون نمرية الرابعة والعشرون المحمدية الخامسة والعشرون كزليك
الإقليم الخامس بلاد الديلم
بفتح الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وميم في الآخر وهم جيل من الأعاجم سكنوا هذه البلاد فعرفت بهم وبعض الناس يزعم أنهم من العرب من بني ضبة ومنهم كان بنو بوية القائمون على خلفاء بني العباس ببغداد قال ابن حوقل وهي جبال متسعة إلى الغاية وبها غياض ومياه مشتبكة في الوجه الذي يقابل طبرستان والبحر وبين ذيل الجبل وبين البحر مسيرة يوم وربما نقص عن ذلك وربما زاد حتى بلغ يومين
وقاعدتها روذبار قال في المشترك بضم الراء المهملة وسكون (4/379)
الواو وفتح الذال المعجمة والباء الموحدة ثم ألف وراء مهملة في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة وسبع وثلاثون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وبه مقام ملوكهم
ومن بلادها كلار قال في تقويم البلدان بكاف ولام وألف وفي الآخر راء وموقعها في الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة والعرض ست وثلاثون درجة قال المهلبي وهي مدينة الديلم وهي في جهة الشرق والجنوب عن لاهجان من بلاد كيلان
الإقليم السادس الجيل
قال في المشترك بكسر الجيم وسكون المثناة من تحت ثم لام وهو اسم لصقع واسع مجاور لبلاد الديلم ليس فيه قرى كثيرة وليس فيه مدينة عظيمة وقال في اللباب الجيل اسم لبلاد متفرقة وراء طبرستان قال ويقال لها أيضا كيلان وكيل فلما عربت قيل جيلان وجيل ومنها كوشيار الحكيم الجيلي فيما ذكره ياقوت وإليها ينسب الشيخ عبد القادر الكيلاني وبالجملة فهما صقعان متلاصقان يعسر تمييز أحدهما عن الآخر قال في مسالك الأبصار عن الشريف محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد الجيلي إن بلاد كيلان في وطاة من الأرض وإنه يحيط بها أربعة حدود من الشرق إقليم مازندران ومن الغرب موقان ومن الجنوب عراق العجم يفصل بينهما جبل يعرف باشناده ومن الشمال بحر القلزم يعني بحر طبرستان قال وطول مجموع كيلان مما بأيدي ملوكها وهو شرق بغرب نحو عشرة أيام وعرضها وهو (4/380)
جنوب بشمال نحو ثلاثة أيام تزيد وتنقص وهي شديدة الأمطار كثيرة الأنهار كثيرة الفواكه خلا النخل والموز وقصب السكر والمشمش ويجلب إليها المحمضات من مازندران قال ومدن كيلان غير مسورة ولمولكهم قصور عليه وجميع مبانيها بالآجر مفروشة به أيضا كما في بغداد مسقفة بالخشب وبعضها معقودة أقباء وعليها قش مضفور وفي غالب ديارها آبار قريبة المستقى نحو ذراعين أو ثلاثة أو أقل والأنهار حاكمة على مدنها وبها حمامات يجري إليها الماء من الأنهار وبها المساجد والمدارس وتسمى بها الخوانق وغالب أقواتهم الأرز يعمل منه الخبز والرقاق مع تيسر القمح والشعير عندهم والبقر والغنم عندهم بكثرة وأسعارهم متوسطة إلى الرخص وبها الحرير الكثير ولها حصون في نواحي مازندران وجزائر في بحر طبرستان وبها الرمان والبلوط والفواكه وفيها تحصنهم عند مغالبة العدو لهم ولباسهم الأقبية الإسلامية الضيقة الأكمام وتخافيف صغار على رؤوسهم ويشدون المناطق والبنود وخيلهم براذين وفي سروجهم المحلى بالفضة وغيره ولملوكهم زي جميل على ضيق بلادهم وقلة متحصلها ويركب الملك بالرقبة السلطانية والحجاب والسلاح دارية والجمدارية والجنائب المجرورة ويتخذ بظواهر قصور ملوكهم ميادين خضر في أوساطها قصور صغار من الخشب فيها جلوسهم للخدم والمظالم ولا يزال بين ملوكهم الخلف فإذا قصدهم عدو خارجي عنهم تألفوا واجتمعوا عليه حتى إن هولاكو جهز إليهم جيشا عدته سبعون ألف صحبه نائبه قطلوشاه فلم ينل منهم قصدا وكان آخر الأمر أن قتل قطلوشاه وهلك جل من معه وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بها ثمان قواعد بكل قاعدة منها ملك وبعضهم أكبر من بعض وموقع جميعها في الإقليم الرابع
فأما الكبار فأربع قواعد (4/381)
القاعدة الأولى بومن
قال في تقويم البلدان بضم الباء الموحدة التي بين الفاء والباء الموحدة وسكون الواو وكسر الميم ثم نون في الآخر قال وهي قريبة من البحر وبها فيما يحاذيها معدن حديد وبها من معمولات القماش قال في مسالك الأبصار وصاحبها شافعي المذهب دون غيره من ملوك الجيل مذهب نشأ عليه ملوكها قال وعسكره يزيد على ألف فارس وبلاده قليلة ولكن غالب دخله من التجار والحرير بها كثير قال وصاحبها يدعي النسبة إلى بيت الشرف وله اعتناء بأهل العلم والفضل ولباس الملك والجند بها نوع من لباس التتر ولباس غلمانها قريب من زي التجار ولهم عذبات كالصوفية قدامهم وعامة أهلها كغيرهم ممن جاورهم
القاعدة الثانية تولم
قال في تقويم البلدان بضم المثناة الفوقية وواو ولام وميم وصاحب مسالك الأبصار يثبت فيها ياء مثناة تحتية بين اللام والميم وهي قريبة من البحر أيضا قال في مسالك الأبصار وأمر صاحبها قريب من صاحب بومن ولكن لا حرير في بلاده وهو حنبلي المذهب وعدة عسكره نحو ألف فارس وهم أفرس إخوانهم ولهم على ملوك الجيل استظهار لما ظهر من نكايتهم في عسكر التتر قال وزيها كزي بومن (4/382)
القاعدة الثالثة كسكر
قال في تقويم البلدان بفتح الكافين وسكون السين المهملة بينهما وراء مهملة في الآخر وقد ذكر أنها دولاب بضم الدال المهملة وسكون الواو ولام ألف وباء موحدة في الآخر قال وعن السمعاني فتح الدال وأنه أفصح وأنها من حدود الديلم وذكر في اللباب أنها قرية من أعمال الري قال في مسالك الأبصار وصاحبها له صولة في ملوك تولم وجيشه أكثر عددا من غيره من ملوك الجيل وبلاده أوسع وأرضه أخصب وأكثر حبا وفاكهة وأغناما وأبقارا مما حولها وهي كثيرة السمك والطير ومنها الشيخ العارف السيد عبد القادر الكيلاني قدس الله روحه
وأما الصغار فأربع أيضا
القاعدة الأولى لاهجان
قال في تقويم البلدان بفتح اللام وبعدها ألف وهاء وجيم مفتوحتان ثم ألف بعدها نون ثم قال وهي من الديلم أو كيلان قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة قال في تقويم البلدان ومنها يجلب الحرير المشهور إلى البلاد قال في مسالك الأبصار وهي في حال الحرير كما في بومن بخلاف غيرهما من سائر بلاد الجيل
القاعدة الثانية سخام
القاعدة الثالثة مرست
القاعدة الرابعة تنفس (4/383)
ولها عدة مدن غير القواعد منها كوتم قال في تقويم البلدان بضم الكاف وواو ساكنة ثم تاء مثناة فوقية مضمومة ثم ميم في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض ست وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان قال من رآها إنها مدينة لها بساتين وهي ناقلة عن البحر مسيرة يوم قال المهلبي وهي مدينة كبيرة للجيل
ومنها سالوس قال في تقويم البلدان المشهور بالسين المهملة وألف ولام مضمومة وواو ساكنة ثم سين ثانية وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي على البحر ولها منعة وهي صعبة المسلك قال المهلبي وهي آخر حد طبرستان من جهة الغرب
الإقليم السابع طبرستان
بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة والراء المهملة وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وألف ثم نون قال في تقويم البلدان وهي في جهة الشرق عن بلاد الديلم وكيلان قال وإنما سميت طبرستان لأن طبر بالفارسية الفأس وهي من كثرة اشتباك أشجارها لا يسلك فيها الجيش إلا بعد أن تقطع الأشجار بالطبر من بين أيديهم واستان بالفارسية الناحية فسميت طبرستان أي ناحية الطبر قال في العزيزي وهي في غاية المنعة والحصانة بالجبال المنيعة المحيطة بها من كل جانب وفي وسط الجبال الأراضي السهلة وفيها من كثرة المياه والغياض مالا يساويها فيه بلد آخر وهي عن قزوين في الشرق بانحراف إلى الشمال قال ابن حوقل وهي بلاد كثيرة المياه والأشجار والغالب عليها (4/384)
الغياض وأبنيتها بالخشب والقصب وهي بلاد كثيرة الأمطار ويرتفع منها حرير يعم الآفاق وغالب خبزهم الأرز قال وليس بجميع طبرستان نهر تجري فيه السفن إلا أن البحر قريب منهم على أقل من يوم قال ابن خلكان والنسبة إليها طبري
وقاعدتها آمل قال في المشترك بهمزة مفتوحة بعدها ألف ثم ميم مضمومة ولام في الآخر وهي مدينة من طبرستان واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال في القانون وهي قصبة طبرستان وهي أكبر من قزوين مشتبكة بالعمارة لا يعلم على قدرها أعمر منها في تلك النواحي قال أحمد الكاتب وهي على بحر الديلم وقال في المشترك هي أكبر مدينة بطبرستان ومنها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الإمام الكبير المشهور ولها عدة مدن ومنها رويان قال في المشترك بضم الراء المهملة وسكون الواو ثم ياء مثناة من تحت وألف ونون وهي مدينة من طبرستان واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ست وسبعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة قال في المشترك وهي مدينة كبيرة في جبال طبرستان ولها كورة عظيمة وعمل قال في اللباب وخرج منها جماعة كثيرة من العلماء
ومنها مامطير قال في اللباب بفتح الميمين وكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحت وراء مهملة في الآخر قال في اللباب وهي بلدة من عمل آمل خرج منها جماعة من العلماء
ومنها دهستان قال في اللباب بكسر الدال المهلمة والهاء وسكون السين المهملة وفتح المثناة من فوق ثم ألف ونون قال ابن حوقل وهي مدينة من طبرستان وقيل هي من خراسان وموقعها في الإقليم الخامس من (4/385)
الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول إحدى وثمانون درجة وعشر دقائق والعرض ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي مدينة مشهورة عند مازندران بناها عبد الله بن طاهر ومعناها بالفارسية موضع القرى وهي آخر حد طبرستان بين جرجان وخوارزم
الإقليم الثامن مازندران
بفتح الميم وبعدها ألف وفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الدال والراء المهملتين وألف ثم نون وهو إقليم على القرب من طبرستان وقاعدتها جرجان قال في اللباب بضم الجيم وسكون الراء المهملة وجيم ثانية وألف وفي آخرها نون قال في المشترك والعجم تسميها كركان بضم الكاف وسكون الراء المهملة وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال المهلبي وهي مدينة جليلة بين خراسان وبين طبرستان فخوارزم منها في جهة الشرق وطبرستان منها في جهة الغرب قال وهي بلدة كثيرة الأمطار متصلة الشتاء وفي وسطها نهر يجري وهي قريبة من بحر الخزر والجبال محتفة بها فهي سهلية جبلية يجتمع فيها فواكة الغور والنجد قال وبها من خشب الخلنج ما ليس في بلد آخر مثله
ولها مدن أخرى منها سارية قال في اللباب بفتح السين المهملة وألف وراء مهملة ومثناة من تحتها وهاء قال في اللباب وهي مدينة من مازندران قال ابن سعيد من طبرستان وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة وفي شرقيها خوار الري وبينهما نحو ثمانين ميلا
ومنها أستراباذ قال في المشترك بفتح الهمزة وقال في (4/386)
اللباب بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر المثناة من فوق وفتح الراء المهملة وبالباء الموحدة بين ألفين وفي آخرها ذال معجمة قال في اللباب وقد يلحقون فيها ألفا أخرى بين التاء والراء قال في المشترك أستر اسم رجل وأباذ اسم عمارة فكأنه قال عمارة أستر وهي مدينة من مازندران وقيل من خراسان وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول تسع وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس دقائق قال في العزيزي وهي على حد طبرستان وبينها وبين آمل قصبة طبرستان تسعة وثلاثون فرسخا
ومنها أبسكون قال في اللباب بفتح الألف الممدودة وضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وضم الكاف وفي آخرها نون وهي بلدة على ساحل بحر الخزر واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسع وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وعشر دقائق قال في القانون وهي فرضة جرجان قال ابن حوقل وإليها ينسب بحر ابسكون ومنها يركب إلى الخزر وإلى باب الأبواب والجيل والديلم وغير ذلك
الإقليم التاسع قومس
قال في اللباب بضم القاف وسكون الواو وفتح الميم وفي آخرها (4/387)
سين مهملة قال ويقال لها بالفارسية كومس بإبدال القاف كافا قال وهي من بسطام إلى سمنان وهما من قومس بين خراسان وبين الجبال أولها من ناحية الغرب سمنان قال أحمد الكاتب وقومس بلد واسع جليل القدر وقال في المشترك قومس موضع كبير فيه بلاد كثيرة وقرى وقاعدتها سمنان قال في المشترك بكسر السين المهملة وسكون الميم ونونين بينهما ألف وقال في القانون حيث الطول تسع وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة قال في المشترك وهو بلد مشهور بين الري والدامغان
وبها مدن أيضا منها الدامغان قال في اللباب بفتح الدال المهملة وألف وفتح الميم والغين المعجمة وألف ثانية ثم نون وموقعها في الإقليم الرابع قال في القانون حيث الطول تسع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة
ومنها بسطام قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون السين وفتح الطاء المهلمتين وفي الآخر ميم وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في اللباب وهي بلدة مشهورة قال ابن حوقل ولها البساتين الكثيرة وهي كثيرة الفواكة وإليها ينسب أبو يزيد البسطامي الزاهد
الإقليم العاشر خراسان
قال في اللباب بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وألف ثم سين مهملة وألف ونون وهي بلاد كثيرة قال وأهل العراق يقولون إنها من الري إلى مطلع الشمس وبعضهم يقول من حلوان إلى مطلع الشمس ومعنى أخر اسم (4/388)
للشمس واسان موضع الشيء ومكانه وقيل معنى خراسان كل بالرفاهية قال في تقويم البلدان ويحيط بها من جهة الغرب المفازة التي بينها وبين بلاد الجيل وجرجان ومن جهة الجنوب مفازة فاصلة بينها وبين فارس وقومس ومن الشرق نواحي سجستان وبلاد الهند ومن جهة الشمال بلاد ما وراء النهر وشيء من تركستان قال وخراسان تشتمل على عدة كور كل كورة منها نحو إقليم
ومن كورها المشهورة جوين بضم الجيم وفتح الواو وسكون المثناة من تحت ونون في الآخر وقوهستان بضم القاف وسكون الواو وفتح الهاء وسكون السين المهملة وفتح المثناة فوق وألف ثم نون وبغشور بفتح الباء الموحدة والغين المعجمة الساكنة ثم شين معجمة وواو وراء مهملة في الآخر ومرو بفتح الميم وسكون الراء المهملة وواو في الآخر وطوس بضم الطاء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر وبيهق بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح الهاء وقاف في الآخر وباخرز بفتح الباء الموحدة ثم ألف وخاء معجمة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة وإليها ينسب الباخرزي الذي أسلم على يديه بركة
وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه نيسابور قال في اللباب بفتح النون وسكون المثناة من تحتها وفتح السين المهملة وسكون الألف وضم الباء الموحدة وبعدها واو وراء مهملة قال في اللباب وسميت نيسابور لأن سابور الملك لما رآها قال يصلح أن يكون ها هنا مدينة وكانت قصبا فأمر بقطع القصب وأن تبنى مدينة فقيل نيسابور والني هو القصب قال ابن سعيد والعجم تسميها نشاور قال في تقويم البلدان واسمها الآن نشاور (4/389)
يعني بفتح النون والشين المعجمة وألف وفتح الواو وراء مهملة في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الإقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة مشهورة في أرض سهلة وهي مفترشة البناء مقدار فرسخ في فرسخ وبها قني ماء وهي صحيحة الهواء قال في اللباب وهي أحسن مدن خراسان وأجمعها للخير قال أحمد بن يعقوب الكاتب وبينها وبين كل من مرو ومن هراة ومن جرجان ومن الدامغان عشر مراحل
وبها مدن عديدة منها الطابران قال في اللباب بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة والراء المهملة وبعد الألف نون قال في القانون وهي قصبة طوس من كور خراسان وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة قال في العزيزي وهي من أجل مدن خراسان
ومنها نوقان قال في اللباب بفتح النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون وهي مدينة من أعمال طوس من خراسان وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول اثنتان وثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة قال المهلبي وهي من أجل مدن خراسان وأعمرها وبظاهرها قبر الإمام علي بن موسى بن جعفر الصادق وقبر هارون الرشيد الخليفة العباسي وبها معدن الفيروزج والدهنج
ومنها إسفراين قال في اللباب بكسر الألف وسكون السين (4/390)
المهملة وفتح الفاء والراء المهملة وكسر المثناة التحتية ونون في الآخر وهي بلدة بنواحي نيسابور من خراسان موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول إحدى وسبعون درجة والعرض ثلاث وثلاثون درجة قال في تقويم البلدان وتسمى المهرجان أيضا بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الراء المهملة والجيم وألف ونون في الآخر يقال إن كسرى سماها بذلك تشبيها بالمهرجان أحد أعياد الفرس لأن المهرجان أطيب أوقات الفصول شبهها بذلك لخضرتها ونضارتها وإليها ينسب الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني الإمام الكبير المشهور
ومنها خسروجرد قال في اللباب بضم الخاء المعجمة وسكون السين وفتح الراء المهملتين وسكون الواو وكسر الجيم ثم راء ودال مهملتان وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول إحدى وثمانون درجة وخمس دقائق والعرض ست وثلاثون درجة قال في المشترك وهي قصبة ناحية بيهق من خراسان وقال في اللباب كانت قصبتها ثم صارت القصبة سبروار
ومنها نسا قال في المشترك بفتح النون والسين المهملة وألف مقصورة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وثمانون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة قال في المشترك وهي مدينة من خراسان بين أبيورد وسرخس قال ابن حوقل وهي مدينة حصينة ومنها الإمام أحمد النسائي صاحب السنن
ومنها أزاذوار قال في تقويم البلدان بالهمزة والزاي المعجمة ثم ألف وذال معجمة وواو مفتوحتين وألف وراء مهملة في الآخر وهي قصبة جوين (4/391)
من خراسان وموقعها في الأقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة ومنها إمام الحرمين الإمام الشافعي المشهور
ومنها قاين قال في اللباب بفتح القاف وبعد الألف ياء مثناة تحتية مكسورة ثم نون وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول أربع وثمانون درجة وخمس وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي قصبة قوهستان من خراسان على مفازة قال وهي مثل سرخس في الكبر وماؤها من القني وبساتينها قليلة وقراها متفرقة قال في اللباب وإليها ينسب جماعة من العلماء
ومنها سرخس قال في تقويم البلدان بفتح السين والراء المهملتين ثم خاء معجمة ساكنة وسين مهملة ساكنة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول خمس وثمانون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة بين نيسابور وبين مرو في أرض سهلة وليس لها ماء جار إلا نهر يجري في بعض السنة وهو فضلة مياه هراة والغالب على نواحيها المراعي ومعظم مال أهلها الجمال وماؤهم من الآبار وأرحيتهم على الدواب قال المهلبي والرمال محتفة بها
ومنها بوشنج قال في اللباب بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وسكون النون وجيم في الآخر قال في اللباب ويقال لها ايضا فوشنج بالفاء بدل الباء قال في تقويم البلدان ويقال لها أيضا بوشنك بالكاف بدل الجيم قال ابن حوقل وهي مدينة على نحو النصف من هراة (4/392)
في مستو من الأرض ولها مياه وأشجار كثيرة وماؤها من نهر بهراة وهو يجري من هراة إلى بوشنج إلى سرخس
ومنها هراة قال في اللباب بفتح الهاء والراء المهملة ثم ألف وهاء في الآخر قال في التعريف ولا يسمع عجمي يقول إلا هرى وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وثمانون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي من خراسان ولها أعمال وداخلها مياه جارية والجبل منها على نحو فرسخين ومنه تعمل حجارة الأرحية وغيرها وليس به محتطب ولا مرعى وعلى رأسه بيت نار كان للفرس وخارج هراة المياه والبساتين قال في المشترك وكانت مدينة عظيمة فخربها التتر قال في اللباب وكان فتحها في خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قال والنسبة إليها هروي قال في مسالك الأبصار ومن الناس من يعد هراة مفردة بذاتها عن خراسان وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها مرو الروذ قال في المشترك بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفي آخرها واو وقال في اللباب بفتح الواو وألف ولام وضم الراء الثانية وسكون الواو وذال معجمة والروذ بالعجمية النهر ومعناه مرو النهر وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول سبع وثمانون درجة وأربعون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي أكبر من بوشنج ولها نهر كبير وعليه البساتين وهي طيبة التربة والهواء والجبل عنها في جهة الغرب على ثلاثة فراسخ قال في اللباب وهي من أشهر مدن خراسان والنسبة إليها مروروذي ومروذي أيضا
ومنها مرو الشاهجان قال في المشترك بفتح الميم وسكون الراء المهملة وواو في الآخر وهو مضاف إلى الشاهجان بفتح الشين وألف بعدها هاء ثم جيم وألف ونون وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في (4/393)
المشترك ومرو الشاهجان معناه روح الملك قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة والعرض سبع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة قديمة يقال إنها من بناء طهمورث أحد ملوك الفرس قال في مسالك الأبصار ويقال إنها من بناء ذي القرنين قال وهي في أرض مستوية بعيدة عن الجبال لا يرى منها الجبل وأرضها كثيرة الرمل وفيها سبوخة ويجري على بابها نهر يدخل منه الماء إلى حياض المدينة ومنه شرب أهها ولها ثلاثة أنهار أخر وبها الفواكه الحسنة تقدد وتحمل إلى البلاد وبها الزبيب الذي لا نظير له ولها من النظافة وحسن الترتيب وتقسيم الأبنية والغروس على الأنهار وتمييز كل سوق من غيره ما ليس لغيرها من البلاد قال في المشترك والنسبة إليها مروزي قال في تقويم البلدان وبها كان مقام المأمون لما كان بخراسان وبها قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس ومنها ظهرت دولة بني العباس وبها صبغ أول سواد لبسته المسودة ومنها يرتفع الحرير الكثير والقطن قال في المشترك وبينها وبين كل من نيسابور وهراة وبلخ وبخارا مسيرة اثني عشر يوما
ومنها الطالقان قال في المشترك بفتح الطاء المهملة واللام والقاف ثم ألف ونون وقال في اللباب بتسكين اللام وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ثمان وثمانون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة نحو مرو الروذ في الكبر ولها مياه جارية وبساتين قليلة وهي في جبل ولها رستاق في الجبل وهي غير الطالقان المقدم ذكرها في عراق العجم
ومنها بلخ قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفي آخرها خاء معجمة وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال والقانون حيث الطول احدى وتسعون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وأربعون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة في مستو من الأرض بينها وبين أقرب جبل إليها أربعة فراسخ والمدينة نصف فرسخ في (4/394)
مثله ولها نهر يسمى الدهاش يجري في ربضها وهو نهر يدير عشر أرحية والبساتين تحتف بها من جميع جهاتها وبها الأترج وقصب السكر وتقع في نواحيها الثلوج قال في اللباب فتحها الأحنف بن قيس التميمي في خلافة عثمان رضى الله عنه وخرج منها ما لا يحصى من الأئمة والعلماء والصلحاء
ومنها شهرستان قال في اللباب بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وفتح الراء وسكون السين المهملتين وفتح التاء المثناة من فوق وبعد الألف نون وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال والقانون حيث الطول إحدى وتسعون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وأربعون دقيقة قال في المشترك شهر بلغة الفرس المدينة واستان الناحية فمعنى اسمها مدينة الناحية قال وهي مدينة مشهورة بين نيسابور وخوارزم في آخر حدود خراسان وأول حدود رمال خوارزم
الإقليم الحادي عشر زابلستان
بفتح الزاي المعجمة ثم ألف بعدها باء موحدة ولام مضمومتان وسين مهملة ساكنة وتاء مثناة فوق مفتوحة ثم ألف ونون وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وخمسون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة لها بلاد وأعمال وهي عن بلخ على عشر مراحل وعندها نهر كبير يجري وليس لها بساتين بل هي مدينة على جبل والفواكة تأتيها مجلوبة قال في اللباب وبها قلعة حصينة (4/395)
ولها مدن غيرها منها غزنة قال في اللباب بفتح الغين وسكون الزاي المعجمتين وفتح النون وموقعها في آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال والقانون حيث الطول أربع وتسعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل هي من عمل الباميان وقد تقدم أن الباميان من زابلستان وقال في اللباب هي من أول بلاد الهند وقال في مزيل الارتياب هي في طرف خراسان وأول بلاد الهند وهي كالحد بينهما قال ابن حوقل وهي فرضة الهند وموطن التجار ولها دربند مشهور
ومنها بنجهير قال في اللباب بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الجيم وكسر الهاء وسكون المثناة تحت وراء مهملة في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول أربع وتسعون درجة وعشرون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة قال ابن حوقل وهي مدينة من أعمال الباميان على جبل والغالب على أهلها العيث والفساد قال في اللباب وبها جبل الفضة والدراهم بها كثيرة لا يشترون ولو باقة بقل بأقل من درهم وقد جعلوا السوق كهئية الغربال لكثرة الحفر قال وإنما يتبعون عروقا يجدونها تفضي إلى الفضة فإذا وجدوا عرقا حفروا أبدا إلى أن يصيروا إلى الفضة والرجل منهم ينفق الأموال الكثيرة في الحفر وربما خرج له من الفضة ما يتسغني به هو وعقبة وربما خاب عمله لقلة المال وغير ذلك وربما وقف رجل على العرق ووقف آخر عليه في موضع آخر فيأخذان جميعا في الحفر والعادة عندهم أن من سبق فاعترض على صاحبه فقد استحق
الإقليم الثاني عشر الغور
قال في اللباب بضم الغين المعجمة وسكون الواو وراء مهملة في (4/396)
الآخر قال وهي بلاد في الجبال بخراسان قريبة من هراة وهي مملكة كبيرة وغالبها جبال عامرة ذات عيون وبساتين وأنهار وهي بلاد حصينة منيعة وتحيط بها خراسان من ثلاث جهات ولذلك حسبت من خراسان والحد الرابع لها قبلي سجستان
وقاعدتها فيما قاله في تقويم البلدان بيروزكوه قال في المشترك بكسر الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية وضم الراء المهملة وواو ثم زاي معجمة وضم الكاف وواو وهاء وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في المشترك معنى بيروزكوه الجبل الأزرق وهي قلعة حصينة دار مملكة جبال الغور قال وبها كان مستقرا بنو ساحان ملوك الغور
قلت وبلاد الغور وغزنة وما والاها وإن عدها في مسالك الأبصار من مملكة التورانيين فإنها ليست من أصل مملكة توران وإنما تغلب ملوكها عليها من مملكة إيران فلذلك أثبتها في مملكة إيران وما غلب عليه بنو هولاكو من مملكة الروم وهو قونية وما معها ليس من مملكة إيران بل هو مملكة مستقلة بذاتها كما سيأتي ولذلك لم أثبتها في مملكة إيران والله أعلم
الجملة الثالثة في الأنهار المشهورة
واعلم ان بهذه المملكة عدة أنهار والمشهور منها ثلاثة عشر نهرا الأول الفرات وما يصب فيها ويخرج منها فاما نهر الفرات فأوله من شمالي مدينة أرزن الروم وشرقيها وأرزن هذه آخر حد بلاد الروم من جهة الشرق ثم يأخذ إلى قرب ملطية ثم إلى شمشاط ثم يأخذ مشرقا ويتجاوز قلعة (4/397)
الروم ويمر مع جانبها من شماليها وشرقيها ثم يسير إلى البيرة ويمر من جنوبيها ثم يمر مشرقا حتى يتجاوز بالس وقلعة جعبر ويتجاوزها إلى الرقة ثم يمر مشرقا ويتجاوز الرحبة من شمالها ويسير إلى عانة ثم إلى هيت ثم يسير إلى الكوفة فإذا جاوز نهر كوثى بستة فراسخ انقسم نصفين ومر الجنوبي منهما إلى الكوفة ويجاوزها ويصب في البطائح ويمر القسم الآخر وهو أعظمهما ويعرف بنهر سورا ويمر بإزاء قصر ابن هبيرة ويتجاوزه إلى مدينة بابل القديمة ويتفرع منه عدة أنهر ويمر عموده إلى النيل ويسمى من بعد النيل نهر الصراة ثم يتجاوز النيل ويصب في دجلة
وأما الأنهار التي تصب فيه فمنها نهر شمشاط ونهر البليخ ونهر الخابور ونهر الهرماس وغيرها
وأما الأنهار التي تخرج من الفرات فمنها نهر عيسى ونهر صرصر ونهر الملك ونهر كوثى وغير ذلك
الثاني دجلة وما يصب إليها ويخرج منها فأما دجلة فقال في المشترك بكسر الدال المهملة وسكون الجيم قال وهي نهر عظيم مشهور مخرجه من بلاد الروم ثم يمر على آمد وحصن كيفا وجزيرة ابن عمر والموصل وتكريت وبغداد وواسط والبصرة ثم يصب في بحر فارس وذكر في العزيزي أن رأس دجلة شمالي ميافارقين من تحت حصن يعرف بحصن ذي القرنين ويجري من الشمال والغرب إلى جهة الجنوب والشرق ثم يشرق ويرجع إلى جهة الشمال ثم يغرب بميلة إلى الجنوب إلى مدينة آمد ثم يأخذ جنوبا إلى جزيرة ابن عمر ثم يأخذ شرقا وجنوبا إلى مدينة بلد ثم يشرق إلى الموصل ثم يسير مشرقا إلى تكريت ثم يأخذ مشرقا نصبا إلى سر من رأى ثم يأخذ جنوبا على عكبرى ثم يأخذ مشرقا إلى البردان ثم يأخذ جنوبا بميلة إلى (4/398)
الشرق إلى بغداد ثم يسير جنوبا إلى كلواذا ويأخذ إلى المدائن ويتجاوز إلى دير العاقول ثم يسير مشرقا إلى النعمانية ثم يسير جنوبا ومشرقا إلى فم الصلح ثم يسير مغربا إلى واسط ثم يشرق إلى بطائح واسط ثم يخرج من البطائح ويسير بين الشرق والجنوب حتى يتجاوز البصرة ويمر على فوهة الأبلة ثم يسير إلى عبادان ويصب في بحر فارس
وأما الأنهار التي تصب في دجلة فمنها نهر أرزن ونهر الثرثار ونهر الفرات الأعلى وهو الأكبر ونهر الزاب الأصغر وغيرها
وأما الأنهار التي تخرج من دجلة فعدة أنهار من أشهرها نهر الأبلة ونهر معقل المقدم ذكرهما في الكلام على متنزهات هذه المملكة
الثالث دجلة الأهواز وهو نهر ينبعث من الأهواز ويمر في جهة الغرب إلى عسكر مكرم وهو قرب دجلة بغداد في المقدار وعليه مزارع عظيمة من قصب السكر وغيره
الرابع نهر شيرين وهو نهر يخرج من جبل دينار من ناحية بازرع ويخترق بلاد فارس ويقع في بحر فارس عند جنابة من بلاد فارس
الخامس نهر المسرقان وهو نهر عظيم في بلاد خوزستان يجري من ناحية تستر ويمر على عسكر مكرم ويسقي بجميع مائه النخل والزرع وقصب السكر ولا يضيع شيء من مائه
السادس نهر تستر وهو نهر يخرج من وراء عسكر مكرم ويمر على الأهواز ثم ينتهي إلى نهر السدرة إلى حصن مهدي ويصب في بحر فارس (4/399)
السابع نهر طاب ومخرجه من جبال أصفهان من قرب المرج وينضم إليه نهر آخر ويسير حتى يمر على باب أرجان ويقع في بحر فارس عند شينير
الثامن نهر سكان وهو نهر يخرج من رستاق الرونجان من قرية تدعى ساركري ويسقي شيئا كثيرا من كور فارس ثم يصب في بحر فارس وعليه من العمارة ما ليس على غيره
التاسع نهر زندورذ بفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة والواو ثم راء مهملة ساكنة وذال معجمة في الآخر وهو نهر كبير على باب أصفهان
العاشر نهر الهندمند قال ابن حوقل وهو أعظم أنهار سجستان ويخرج من ظهر الغور ويمر على حدود الرخج ثم يعطف ويمر على بست حتى يصير على مرحلة من سجستان ثم يصب في بحيرة زره وإذا تجاوز بست يتشعب منه أنهار كثيرة وعلى باب مدينة بست على هذا النهر جسر من السفن كما في دجلة
الحادي عشر نهر الرس وهو نهر يخرج من جبال قاليقلا ويمر إلى ورثان ثم يلتقي مع نهر الكر الآتي ذكره بالقرب من بحر الخزر فيصيران نهرا واحدا ويصبان في بحر الخزر المذكور قال في تقويم البلدان وخلف نهر الرس فيما يقال ثلثمائة وستون مدينة خراب يقال إنها المراد في القرآن بقوله تعالى ( وأصحاب الرس )
الثاني عشر نهر الكر وهو نهر فاصل بين أران وأذربيجان كالحد بينهما وأوله عند جبل باب الأبواب ويخترق بلاد أران ويصب في بحر الخزر وذكر ابن (4/400)
حوقل أن نهر الكر يمر على ثلاثة فراسخ من بردعة وبفارس أيضا نهر يقال له نهر الكر إلا أنه دون هذا في القدر والشهرة
الثالث عشر نهر جرجان ومخرجه من جبل جرجان ويسير غربا بجنوب إلى آبسكون ثم يفترق من آبسكون نهرين ويصب في بحر الديلم
الجملة الرابعة في الطرق الموصلة إلى قواعد هذه المملكة وذكر شيء من المسافات بين بلادها
واعلم ان آخر المملكة المضافة إلى الديار المصرية من جهة الشرق مملكة حلب فتعين الابتداء منها ونحن نورد ذلك على ما يقتضيه كلام عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك مقتصرا على ذكر مشاهير البلاد
الطريق من حلب إلى الموصل من حلب إلى منبج ومن منبج إلى الرستن ومن الرستن إلى الرقة إلى رأس عين سبعة عشر فرسخا ومن رأس عين إلى كفرتوثا سبعة فراسخ ومن كفرتوثا إلى دارا خمسة فراسخ ومن دارا إلى نصيبين أربعة فراسخ ثم إلى بلد ثلاثون فرسخا ثم إلى الموصل سبعة فراسخ
الطريق من الموصل إلى بغداد من الموصل إلى الحديثة أحد وعشرون فرسخا ثم إلى السن خمسة فراسخ ثم إلى سر من رأى ثلاثة فراسخ ثم إلى القادسية تسعة فراسخ ثم إلى عكبرى ثمانية فراسخ ثم إلى البردان أربعة فراسخ ثم إلى بغداد خمسة فراسخ وأخبرني بعض أهل تلك البلاد أن الطريق من حلب إلى البيرة يومان ومن البيرة إلى الرها يومان ومن الرها إلى ماردين أربعة أيام ثم من ماردين إلى جزيرة ابن عمر ثلاثة أيام ثم من جزيرة ابن عمر إلى الموصل يومان ومن الموصل إلى تكريت يومان ومن تكريت إلى خوي يومان ومن خوي إلى بغداد يومان (4/401)
الطريق إلى نيسابور قاعدة خراسان من بغداد إلى النهروان أربعة فراسخ ثم إلى الدسكرة اثنا عشر فرسخا ثم إلى جلولاء سبعة فراسخ ثم إلى خانقين سبعة فراسخ ثم إلى قصر شيرين ستة فراسخ ثم إلى حلوان خمسة فراسخ ثم إلى مرج القلعة عشرة فراسخ ثم إلى قصر يزيد أربعة فراسخ ثم إلى قصر عمرو ثلاثة عشر فرسخا ثم إلى قصر اللصوص سبعة عشر فرسخا ثم إلى قرية العسل ثلاثة فراسخ ثم إلى همذان خمسة فراسخ ثم إلى الأساورة اثنان وعشرون فرسخا ثم إلى ساوة خمسة عشر فرسخا ثم إلى الري أربعة وعشرون فرسخا ثم إلى قصر الملح أحد وثلاثون فرسخا ثم إلى رأس الكلب سبعة فراسخ ثم إلى سمنان ثمانية فراسخ ثم إلى بومن سبعة عشر فرسخا ثم إلى أسداباذ أربعون فرسخا ثم إلى خسروجرد اثنا عشر فرسخا ثم إلى نيسابور خمسة عشر فرسخا
الطريق من نيسابور إلى بلخ ثم إلى نهر جيحون من نيسابور إلى طوس ثلاثة عشر فرسخا ثم إلى مرو الروذ أحد عشر فرسخا ثم إلى سرخس ثم إلى قصر النجار ثلاثة فراسخ ثم إلى مروالشاهجان سبعة وعشرون فرسخا ثم إلى القريتين خمسة وعشرون فرسخا ثم إلى أسداباذ على النهر سبعة فراسخ ثم إلى قصر الأحنف على النهر عشرة فراسخ ثم إلى مرو الروذ خمسة فراسخ ثم إلى الطالقان ثلاثة وعشرون فرسخا ثم إلى ارعين تسعة فراسخ ثم إلى العاديات عشرة فراسخ ثم إلى السدرة من عمل بلخ أربعة وعشرون فرسخا ثم إلى الغور تسعة فراسخ ثم إلى بلخ ثلاثة فراسخ ثم إلى شط جيحون اثنا عشر فرسخا فذات اليمين كورة ختل ونهر الضرغام وذات اليسار خوارزم وسيأتي ذكرهما في الكلام على مملكة توران فيما بعد إن شاء الله تعالى
الطريق إلى شيراز قاعدة فارس قد تقدم الطريق من حلب من مضافات الديار المصرية إلى بغداد ومن بغداد إلى واسط خمسة وعشرون سكة ومن واسط إلى الأهواز عشرون سكة ثم إلى النوبندجان تسع عشرة سكة ثم إلى شيراز اثنتا عشرة سكة (4/402)
الطريق من شيراز إلى السيرجان قاعدة كرمان من شيراز إلى إصطخر خمس سكك ثم من إصطخر إلى البحيرة ثلاثة عشر فرسخا ثم إلى شاهك الكبرى سبعة عشر فرسخا ثم إلى قرية الملح تسعة فراسخ ثم إلى مرزبانة ثمانية فراسخ ثم إلى اروان ثلاثة فراسخ ثم إلى المرمان وهو آخر عمل فارس إلى السيرجان ستة عشر فرسخا
الطريق إلى أصبهان من بومن المقدم ذكرها إلى الرباط ثلاثة عشر فرسخا ثم إلى أصبهان أربعة عشر فرسخا
الطريق إلى البصرة قد تقدم الطريق من حلب إلى بغداد ثم إلى واسط ثم إلى الفاروث ثم إلى دير العمال ثم إلى الحوانيت ثم يسير في البطائح ثم إلى نهر أبي الأسد ثم في دجلة العورا ثم في نهر معقل ثم يمضي إلى البصرة
الطريق إلى تبريز قد تقدم الطريق من حلب إلى ماردين ثم من ماردين إلى حصن كيفا يومان ومن الحصن إلى سعرت يومان ومن سعرت إلى وان يومان ومن وان إلى وسطان ثلاثة أيام ومن وسطان إلى سلماس يومان ومن سلماس إلى تبريز أربعة أيام فيكون بين حلب وتبريز ثلاثة وعشرون يوما
الطريق إلى السلطانية من تبريز إليها سبعة أيام فيكون من حلب إلى السلطانية ثلاثون يوما
الجملة الخامسة في بعض مسافات بين بلاد هذه المملكة
بعض مسافات بلاد الجزيرة من الأنبار إلى تكريت مرحلتان ومن (4/403)
تكريت إلى الموصل ستة أيام ومن الموصل إلى آمد أربعة أيام ومن آمد إلى سميساط ثلاثة أيام ومن الموصل إلى نصيبين أربع مراحل ومن نصيبيين إلى رأس عين ثلاث مراحل ومن رأس عين إلى الرقة أربعة أيام ومن رأس عين إلى حران ثلاثة أيام ومن حران إلى الرها يوم واحد
بعض مسافات خوزستان ومن عسكر مكرم إلى الأهواز مرحلة ومن الأهواز إلى الدورق أربع مراحل وكذلك من عسكر مكرم إلى الدورق ومن عسكر مكرم إلى سوق الأربعاء مرحلة ومن سوق الأربعاء إلى حصن مهدي مرحلة ومن السوس إلى بصنى رحلة خفيفة ومن السوس إلى متوث مرحلة
بعض مسافات فارس قال ابن حوقل من شيراز إلى سيراف نحو ستين فرسخا ومن شيراز إلى إصطخر نحو اثني عشر فرسخا ومن شيراز إلى كازرون نحو عشرين فرسخا ومن كازرون إلى جنابة أربعة وأربعون فرسخا ومن شيراز إلى أصبهان اثنان وسبعون فرسخا ومن شيراز مغربا إلى أول حدود خوزستان ستون فرسخا ومن شيراز إلى بسا سبعة وعشرون فرسخا ومن شيراز إلى البيضاء ثمانية فراسخ ومن شيراز إلى دارابجرد خمسون فرسخا ومن مهروبان إلى حصن ابن عمارة نحو مائة وستين فرسخا
بعض مسافات كرمان من السيرجان إلى المفازة مرحلتان ومن السيرجان إلى جيرفت مرحلتان ومن السيرجان إلى مدينة الزرند تسعة وعشرون فرسخا
بعض مسافات إرمينية وأران وأذربيجان قال ابن حوقل من بردعة (4/404)
إلى شمكور أربعة عشر فرسخا ومن بردعة إلى تفليس ثلاثة وأربعون فرسخا ومن أردبيل إلى المراغة أربعون فرسخا ومن المراغة إلى أرمية أربع مراحل ومن أرمية إلى سلماس مرحلتان ومن سلماس إلى خوي سبعة فراسخ ومن خوي إلى بركري ثلاثون فرسخا ومن بركري إلى أرجيش يومان ومن أرجيش إلى خلاط ثلاثة أيام ومن خلاط إلى بدليس ثلاثة أيام ومن بدليس إلى ميافارقين أربعة أيام
ذكر الطريق من المراغة إلى أردبيل من مراغة إلى أرمية ثلاثون فرسخا ومن أرمية إلى سلماس أربعة عشر فرسخا ومن خوي إلى نشوى ثلاثة أيام ومن نشوى إلى دبيل أربع مراحل ومن المراغة إلى الدينور ستون فرسخا ومن خونج إلى مراغة ثلاثة عشر فرسخا ومن بردعة إلى ورثان سبعة فراسخ ومن ورثان إلى بيلقان سبعة فراسخ ومن شروان إلى باب الأبواب نحو سبعة أيام ومن بردعة إلى تفليس نحو اثنتين وستين فرسخا
بعض مسافات عراق العجم من همذان إلى الدينور ما ينيف على عشرين فرسخا ومن همذان إلى ساوة ثلاثون فرسخا ومن ساوة إلى الري ثلاثون فرسخا أيضا ومن همذان إلى زنجان على شهرزور ثلاثون فرسخا ومن همذان إلى أصبهان ثمانون فرسخا ومن همذان إلى أول خراسان نحو سبعين فرسخا ومن ساوة إلى قم نحو اثني عشر فرسخا ومن قم إلى قاشان نحو اثني عشر فرسخا أيضا ومن الري إلى قزوين ثلاثون فرسخا ومن الدينور إلى شهرزور أربع مراحل ومن أصبهان إلى قاشان ثلاث مراحل
بعض مسافات طبرستان ومازندران وقومس قال ابن حوقل بين آمل وسارية مرحلتان ومن سارية إلى أستراباذ نحو أربع مراحل ومن أستراباذ إلى جرجان نحو مرحلتين ومن آمل إلى مامطير مرحلة ومن مامطير إلى سارية مرحلة ومن جرجان إلى بسطام مرحلتان (4/405)
بعض مسافات خراسان قال في تقويم البلدان من أول أعمال نيسابور إلى وادي جيحون ثلاث وعشرون مرحلة ومن سرخس إلى نسا سبعة وعشرون فرسخا ومن هراة إلى نيسابور أحد عشر يوما ومن هراة إلى مرو كذلك ومن هراة إلى سجستان كذلك ومن مرو الروذ إلى مرو الشاهجان أربعة أيام ومن بلخ إلى فرغانة ثلاثون مرحلة مشرقا ومن بلخ إلى الري ثلاثون مرحلة مغربا ومن بلخ إلى سجستان ثلاثون مرحلة جنوبا ومن بلخ إلى كرمان ثلاثون مرحلة ومن بلخ إلى خوارزم ثلاثون مرحلة
الجملة السادسة فيما بهذه المملكة من النفائس العلية القدر والعجائب الغريبة الذكر والمنتزهات المرتفعة الصيت
وقد ذكر في مسالك الأبصار بها عدة نفائس وعجائب
أما النفائس فإن بها مغاص اللؤلؤ ببحر فارس بجزيرة كيش وعمان وهما من أحسن المغاصات وأشرفها وأعلاها قدرا في حسن اللؤلؤ على ما تقدم ذكره في الكلام على الأحجار النفيسة فيما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأولى
وبالدامغان في جبلها معدن ذهب قال الشيخ شمس الدين الأصفهاني وهو قليل المتحصل لكثرة ما يحتاج إليه من الكلف حتى يستخرج وببذخشان شرقي عراق العجم البازهر الحيواني الذي لا يباريه شيء في دفع السموم يوجد في الاياييل التي هناك وقد مر ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأوى
وبها الإثمد الأصفهاني الذي لا يساوي رتبة وقد مر ذكره في الكلام على (4/406)
ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأولى ولكنه قد عز الآن حتى لا يكاد يوجد قال المقر الشهابي بن فضل الله سألت الشيخ شمس الدين الأصفهاني عن سبب قلته فقال لانقطاع عرقة فما بقي يوجد منه إلا ما لا يرى قال في مسالك الأبصار وبهذه المملكة مستعملات القماش الفاخر من النخ والمخمل والكمخا والعتابي والنصافي والصوف الأبيض المارديني وتعمل بها البسط الفاخرة في عدة مواضع مثل شيراز وأقصرا وتوريز إلى غير ذلك من الأشياء النفسية التي لا يضاهيها غيرها فيها
وأما العجائب فقد ذكر الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن بمدينة قشمير على ثلاثة أيام عن أصفهان عين ماء سارحه يسمى ماؤها بماء الجراد إذا حمل ماؤها في إناء وعلق في تلك الأرض على عال أتاها طير يقال له سار فأكل ما فيها من الجراد حتى لا يدع منه شيئا بشرط أن لا يوضع على الأرض حتى يؤتى به إلى مكان الجراد فيعلق وحكى محمد بن حيدر الشيرازي في مصنف له أن بين الدامغان وأستراباذ من خراسان عينا ظاهرة إذا ألقيت فيها نجاسة فار ماؤها وأزبدت شيئا تبعته دودة طول أنملة الإنسان حتى لو حمل الماء تسعة وكان معهم عاشر لم يحمل الماء تبع كل واحد ممن حمل الماء دودة ولم يتبع الآخر منها شيء فلو قتل واحد منهم تلك الدودة استحال الماء مرا لوقته وكذلك ماء كل من هو وراءه ولا يستحيل ماء من هو إلى جانبه مرا قال ابن حوقل وبكورة سابور من بلاد فارس جبل فيه صورة كل ملك وكل مرزبان معروف للعجم وكل مذكور من سدنة النيران وفي كورة أرجان في قرية يقال لها طبريان بئر يذكر أهلها أنهم امتحنوا قعرها بالمثقلات فلم يلحقوا لها قعرا ويفور منها ماء بقدر ما يدير رحى تسقي أرض تلك القرية قال وفي كورة رستاق بئر تعرف بالهنديجان بين (4/407)
جبلين يخرج منها دخان لا يستطيع أحد أن يقربها وإذا طار عليها طائر سقط فيها واحترق وبناحية داذين نهر ماء عذب يعرف بنهر أخشين يشرب منه الناس وتسقى به الأرض وإذا غسلت به الثياب خرجت خضرا
وأما المنتزهات فبها نهر الأبلة وشعب بوان وهما نصف منتزهات الدنيا الأربعة وهي نهر الأبلة وشعب بوان المذكوران وصغد سمرقند وغوطة دمشق وقد تقدم أن نهر الأبلة نهر شقه زياد مقابلة نهر معقل وبينهما البساتين والقصور العالية والمباني البديعة يتسلسل مجراه وتتهلل بكره وعشاياه ويظله الشجر وتغني به زمر الطير وفيه يقول القاضي التنوخي من أبيات
( وإذا نظرت إلى الأبلة خلتها ... من جنة الفردوس حين تخيل )
( كم منزل في نهرها آلى السرور ... بأنه في غيرها لا ينزل )
( وكأنما تلك القصور عرائس ... والروض حلي وهي فيه ترفل )
وشعب بوان وهو عدة قرى مجتمعة ومياه متصلة والأشجار قد غطت تلك القرى فلا يراها الإنسان حتى يدخلها وهو بظاهر همذان يشرف عليها من جبل وهو في سفح الجبل والأنهار تنحط عليه من اعلى الجبل وهو من أبدع بقاع الأرض منظرا قال المبرد أشرفت على شعب بوان فنظرت فإذا بماء ينحدر كأنه سلاسل فضة وتربة كالكافور وثرية كالثوب الموشى وأشجار متهادلة وأطيار متجاوبة وفيه يقول أبو الطيب المتنبي حين مر به
( مغاني الشعب طيبا في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزمان )
( ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان )
الجملة السابعة في ذكر من ملك مملكة إيران جاهلية وإسلاما
وهم على ضربين (4/408)
الضرب الأول ملوكها قبل الإسلام
واعلم أن هذه المملكة لم تزل بيد ملوك الفرس لابتداء الأمر وإلى حين انقراض دولتهم بالإسلام على ما سيأتي ذكره قال المؤيد صاحب حماة وهم أعظم ملوك الأرض من قديم الزمان ودولتهم وترتيبهم لا يماثلهم في ذلك أحد
وهم على أربع طبقات
الطبقة الأولى القيشداذية
سموا بذلك لأنه كان يقال لكل من ملك منهم قيشداذ ومعناه سيرة العدل وأول من ملك منهم أوشهنج وهو أول من عقد على رأسه التاج وجلس على السرير ورتب الملك ونظم الأعمال ووضع الخراج وكان ملكه بعد الطوفان بمائة سنة وهو الذي بنى مدينتي بابل والسوس وكان محمود السيرة حسن السياسة
ثم ملك بعده طهمورث وهو من عقب أوشهنج المقدم ذكره وبينهما عدة آباء وسلك سيرة جده وهو أول من كتب بالفارسية
ثم ملك بعده أخوه جمشيذ ومعناه شعاع القمر وسار سيرة من تقدمه (4/409)
وزاد عليها وملك الأقاليم السبعة ورتب طبقات الحجاب والكتاب ونحوهم وهو الذي أحدث النيروز وجعله عيدا ثم حاد عن سيرة العدل فقتله الفرس
وملك بعده بيوراسب ويعرف بالدهاك ومعناه عشر آفات والعامة تسميه الضحاك وملك جميع الأرض فسار بالجور والعسف وبسط يده بالقتل وأحدث المكوس والعشور واتخذ المغنين والملاهي وسيأتي خبر هلاكه مع كابي الخارج عليه في الكلام على النحل والملل ويقال إنه هو ومن قبله كانوا قبل الطوفان
ثم ملك بعده إفريدون ويقال إنه التاسع من ولد جمشيذ المقدم ذكره وفي أول ملكه كان إبراهيم الخليل عليه السلام وهو ذو القرنين المذكور في القرآن على أحد الأقوال وملك جميع الأرض أيضا وقسمها بين بنيه ومات
فملك بعده ابنه إيراج بعهد من أبيه ثم ملك بعده أخوه شرم وطوج ثم غلبهما على الملك منوجهر بن إيراج وفي أيامه ظهر موسى عليه السلام ويقال إن فرعون موسى كان عاملا له على مصر داخلا تحت أمره
ثم تغلب على المملكة فراسياب بن طوج فأفسد وخرب ثم غلبه عليها زو بن طهماسب من أولاد منوجهر فأحسن السيرة وعمر البلاد وشق نهر الزاب وبنى مدينة على جانبه
ثم ملك بعده كرشاسف من أولاد طوج بن إفريدون وهو آخر ملوك هذه الطبقة (4/410)
الطبقة الثانية الكيانية
سموا بذلك لأن في أول اسم كل واحد منهم لفظة كي ومعناه الروحاني وقيل الجبار
وأول من ملك منهم بعد كرشاسف المقدم ذكره كيقباذ بن زو فسار سيرة أبيه في العدل ومات فملك بعده كيكاؤوس بن كينية بن كيقباذ ومات فملك بعده ابنه كيخسرو بن سياووس بن كيكاؤوس بولاية من جده ثم أعرض عن الملك
وملك بعد كيهراسف بن أخي كيكاؤوس واتخذ سريرا من ذهب مرصعا بالجوهر كان يجلس عليه وبنى مدينة بلخ بأرض خراسان وسكنها لقتال الترك وفي زمنه كان بختنصر فجعله نائبا له ثم مات
وملك بعده كيبشتاسف وبنى مدينة نسا وفي أيامه ظهر زرادشت صاحب كتاب المجوس الآتي ذكره في الكلام على النحل والملل وتبعه كيبشتاسف على دينه ثم فقد
وملك بعده أردشير بهمن ومعنى بهمن الحسن النية ابن إسفنديار بن كيبشتاسف واسمه بالعبرانية كورش وملك الأقاليم السبعة وهو الذي أمر بعمارة البيت المقدس بعد أن خربه بختنصر
ثم ملك بعده ابنه دارا بن أرشيد وفي زمنه ملك الإسكندر بن فيلبس وغلب دارا على ملك فارس واستناب به عشرين رجلا وهم المسمون بملوك الطوائف فأقاموا على ذلك خمسمائة واثنتي عشرة سنة ثم بطل حكم ذلك (4/411)
الطبقة الثالثة الإشغانية يقال لك منهم اشغا
وأول من ملك منهم بعد ملوك الطوائف اشغا بن اشغان ثم ملك بعده ابنه سابور بن اشغان عشر سنين ثم ملك بعده بسين بن اشغا ستين سنة ثم ملك بعده جور بن اشغان عشر سنين ثم ملك بعده بيرن الاشغاني إحدى وعشرين سنة ومات فملك بعده جوذرز الاشغاني تسع عشرة سنة ومات فملك بعده نرسي الاشغاني أربعين سنة ومات فملك بعده هرمز الاشغاني تسع عشرة سنة ومات فملك بعده اردوان الاشغاني اثنتي عشرة سنة ومات فملك بعده خسرو الاشغاني أربعين سنة ومات فملك بعده بلاش الاشغاني أربعا وعشرين سنة ومات فملك بعده اردوان الأصغر وهو آخر ملوكهم من هذه الطبقة
الطبقة الرابعة الأكاسرة
وأول من ملك منهم أردشير بن بابك من عقب ساسان بن أردشير بهمن قتل أردوان واستولى على ملكه فأقام أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وكتب عهدا بالملك في عقبه ومات فملك بعده ابنه سابور إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر وفي أيامه ظهر ماني الزنديق وادعى النبوة واعتنى بنقل كتب الفلسفة من اللغة اليونانية إلى اللغة الفارسية ويقال إن العود الذي يتغنى به حدث (4/412)
في أيامه ومات فملك بعده ابنه هرمز سنة واحدة وستة أشهر ومات فملك بعده ابنه بهرام ثلاث سنين وثلاثة أشهر ومات فملك بعده ابنه بهرام بن بهرام سبع عشرة سنة ومات فملك بعده ابنه بهرام بن بهرام بن بهرام أربع سنين ثم مات فملك بعده أخوه نرسي بن بهرام تسع سنين ثم مات وملك بعده ابنه هرمز تسع سنين أيضا ومات فملك بعده ابنه سابور وهو الذي عمل الجسر الثاني لدجلة ليكون أحد الجسرين للذاهبين والآخر للآئبين وفي زمنه كان قسطنطين ملك الروم ومات فملك بعده اخوه أردشير بوصية منه ثم مات فملك بعده ابنه سابور بن سابور ثم ملك بعده أخوه بهرام بن سابور ثم ملك بعده ابنه يزدجرد المعروف بالأثيم ثم ملك بعده كسرى من ولد أردشير ثم ملك بعده بهرام جور بن يزدجرد الأثيم وكانت مدة ملكه ثلاثا وعشرين سنة ومات فملك بعده ابنه يزدجرد ثمانيا وعشرين سنة ومات فملك بعده ابنه هرمز ثم مات فملك بعده أخوه فيروز سبعا وعشرين سنة وظهر في أيامه غلاء شديد ثم ملك بعده ابنه بلاش أربع سنين ومات فملك بعده أخوه قباذ ثلاثا وأربعين سنة وفي أيامه ظهر مزدك الزنديق وادعى النبوة ثم خلع وملك بعده أخوه جاماسف ثم تغلب عليه قباذ واستمر في الملك ثم مات وملك بعده أنوشروان ثمانيا وأربعين سنة وقتل مزدك الزنديق وأتباعه وجماعة من المانوية وغلب على اليمن وانتزعها من الحبشة وفي زمانه ولد عبد الله أبو النبي ثم ولد النبي في آخر أيامه ثم مات وملك بعده ابنه هرمز نحو ثلاث عشرة (4/413)
سنة ونصف ثم ملك أبرو يز بن هرمز ثم غلبه على الملك بهرام جوبين من غير أهل بيت الملك ثم عاد أبرويز إلى الملك وملك ثمانيا وثلاثين سنة وتزوج شيرين المغنية وبنى لها القصر المعروف بقصر شيرين ثم ملك بعده ابنه شيرويه تغلبا على أبيه ثمانية أشهر ثم ملك بعده ابنه أردشير سنة وستة أشهر ثم ملك بعده شهريران من غير بيت الملك ثم قتل وملك بعده بوران بنت أبرويز سنة وأربعة أشهر ثم ملك بعدها خشنشده من بني عم أبرويز أقل من شهر ثم ملك بعده أزرميدخت بنت أبرويز أخت بوران ثم قتلت وملك بعدها كسرى بن مهر خشنش ثم قتلوه بعد أيام ثم ملك بعده فرخ زادخسرو من أولاد أنو شروان وملك ستة أشهر وقتلوه ثم ملك يزدجرد وهو آخرهم
الضرب الثاني ملوكها بعد الإسلام وهم على ثلاث طبقات الطبقة الأولى عمال الخلفاء
قد تقدم أن فتحها كان في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتوالت عليها عمال الخلفاء في بقية خلافة عمر ثم في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ومقامهما يومئذ بالمدينة النبوية ثم لما بويع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة بعد قتل عثمان جعل إقامته بالعراق ثم كان بعده ابنه الحسن السبط رضي الله عنه فأقام بالعراق إلى أن سلم الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان فصارت الخلافة إلى بني أمية وجعلوا دار إقامتهم بالشأم وتوالت على هذه المملكة نوابهم في خلافة معاوية ثم ابنه يزيد ثم ابنه معاوية بن يزيد ثم مروان بن الحكم ثم عبد (4/414)
الملك بن مراون ثم الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك ثم يزيد بن الوليد بن عبد الملك ثم إبراهيم بن الوليد ثم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وهو آخرهم
الطبقة الثانية خلفاء بني العباس
وقد تقدم في أول هذه المقالة أن دار مقامهم كانت بالعراق وأن اول من ولي منهم الخلافة أبو العباس السفاح فبنى المدينة الهاشمية ونزلها ثم انتقل منها إلى الأنبار فكانت دار مقامه إلى أن مات ثم كان بعده أخوه أبو جعفر المنصور فبنى بغداد وسكنها ثم سكنها بعده ابنه المهدي بن المنصور ثم ابنه الهادي ثم اخوه هارون الرشيد بن المهدي ثم ابنه الأمين ثم أخوه المأمون ثم أخوه المعتصم بن الرشيد ثم الواثق بن المعتصم ثم أخوه المتوكل ثم ابنه المنتصر ثم المستعين بن المعتصم ثم المعتز بن المتوكل ثم المهتدي بن الواثق ثم المعتمد بن المتوكل ثم المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل ثم ابنه المكتفي بن المعتضد ثم أخوه المقتدر ثم المرتضي بن المعتز ثم أخوه القاهر ثم المقتدر المقدم ذكره ثم أخوه القاهر المقدم ذكره ثم ابن أخيه الراضي ثم أخوه المتقي ثم ابن عمه المستكفي ثم ابن عمه المطيع ثم ابنه الطائع ثم القادر ثم ابنه القائم ثم ابن ابنه المقتدي ثم ابنه المستظهر ثم ابنه المسترشد ثم ابنه الراشد ثم المقتفي بن المستظهر ثم ابنه المستنجد ثم ابنه المستضيء ثم ابنه الناصر ثم ابنه الظاهر ثم ابنه المستنصر ثم ابنه المستعصم وقتله هولاكو ملك (4/415)
التتار الآتي ذكره في العشرين من المحرم سنة ست وخمسين وستمائة وهو آخرهم ببغداد
واعلم أن أمر الخلافة كان قد وهى وضعف وتناهت في الضعف أيام الراضي وتغلب عمال الأطراف عليها فاستولى محمد بن رائق من الفرات على البصرة والبريدي على خوزستان وعماد الدولة بن بويه على فارس ومحمد بن الياس على كرمان وركن الدولة بن بويه على الري وأصفهان وبنو حمدان على الموصل وديار بكر وديار مضر وديار ربيعة وغير أقطار هذه المملكة مع ملوك أخر ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها واستولى ابن رائق على جميع الأمور وخطب باسمه على المنابر وأقام سنة وعشرة أشهر ثم صار الأمر بعده إلى يحكم مملوك وزير ماكان بن كاكي الديلمي واستمر أيام الراضي فقتل واستقر البريدي بعده في أيام المتقي وأيام المستكفي وضربت ألقابه على الدنانير والدراهم وخطب باسمه على المنابر واستمر ذلك لذويه من بعده ثم ملك بعده بختيار ثم ابن عمه عضد الدولة بن ركن الدولة حسن بن بويه ثم ابنه صمصام الدولة بن عضد الدولة ثم أخوه شرف الدولة شيرزبك بن عضد الدولة ثم أخوه بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة ثم ابنه سلطان الدولة أبو شجاع ثم ابنه (4/416)
بهاء الدولة ثم اخوه مشرف الدولة بن بهاء الدولة ثم أخوه جلال الدولة أبو الطاهر بن بهاء الدولة ثم ابن اخيه أبو كاليجار بن سلطان الدولة ابن بهاء الدولة ثم ابنه الملك الرحيم خسرو فيروز بن كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه وبنو بويه هولاء ينسبون إلى يزدجرد ملك الفرس
ثم كانت دولة السلجوقية وهي من أعظم الدول الإسلامية ونسبتهم إلى سلجوق بن دقاق أحد مقدمي الأتراك وبهم زالت دولة بني بويه عن بغداد وأعمال الخلافة
وأول من ملك منهم طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة ثم ملك بعده ابن أخيه ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل ثم ابنه ملكشاه بن ألب أرسلان ثم ابنه محمود بن ملكشاه ثم أخوه بركيارق بن ملكشاه ثم أخوه محمد بن ملكشاه ثم ابنه محمود بن محمد ثم ابنه داود بن محمود ثم عمه طغرلبك بن محمد ثم أخوه مسعود بن محمد ثم ابن أخيه ملكشاه بن محمود ثم أخوه محمد بن محمود ثم قام منهم ثلاثة وهم ملكشاه بن محمود أخو محمد المذكور وسليمان شاه بن محمد بن ملكشاه وهو عم محمد المذكور وأرسلان شاه بن طغرلبك بن محمد بن ملكشاه ثم قبض على سليمان شاه ومات ملكشاه وانفرد أرسلان شاه بن طغرلبك بالسلطنة ثم ملك بعده ابنه طغرلبك بن أرسلان شاه وبقي حتى قتله علاء الدين تكش صاحب خوارزم وبعض خراسان والري وغيرها في خلافة الناصر لدين الله في سنة تسعين وخمسمائة واشتغل خوارزم شاه عن فصل العراق فبقي بيد الخلفاء من لدن الناصر لدين الله ومن بعده إلى أن انقرضوا بفعله هولاكو ملك التتر الآتي ذكره (4/417)
الطبقة الثالثة ملوكها من بني جنكزخان
وأول من ملكها منهم هولاكو بن طولي بن جنكزخان المقدم ذكره قصدها بأمر أخيه منكوقان بن طولي صاحب التخت في سنة خمسين وستمائة وقتل المستعصم آخر الخلفاء ببغداد واستولى على جميع المملكة قال في مسالك الأبصار قال شيخنا العلامة شمس الدين الأصفهاني إلا أن هولاكو لم يملك ملكا مستقلا بل كان نائبا عن أخيه منكوقان ولم يضرب باسمه سكة درهم ولا دينار وإنما كانت تضرب باسم أخيه منكوقان قال وكان يكون لصاحب التخت أمير لا يزال مقيما في مملكة إيران مع هولاكو ومات في تاسع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وستمائة وملك بعده ابنه أبغا قال الشيخ شمس الدين الأصفهاني ولما ملك أضاف اسمه في السكة إلى اسم صاحب التخت وكان قد وجه أخاه منكوتمر إلى الشام والتقى مع الجيوش الإسلامية على حمص وانكسر عليها ومات سنة إحدى وثمانين وستمائة وملك بعده أخوه بوكدار بن هولاكو وأسلم وحسن إسلامه وتلقب أحمد سلطان وحمل العسكر على الإسلام فقتلوه وملك بعده ابن أخيه أرغون بن أبغا بن هولاكو في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وستمائة وتوفي في ربيع الأول سنة تسعين وستمائة وملك بعده أخوه كيختو فخرج عن الياسة وأفحش في الفسق بنساء المغل وأبنائهم فوثب عليه بنو عمه فقتلوه في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وستمائة وملك بعده بيدو بن طرغاي بن هولاكو وبقي حتى قتل في ذي الحجة من السنة المذكورة وملك بعده محمود غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو ودخل إلى الشام وكان بينه وبين الملك الناصر محمد بن قلاوون (4/418)
وقعات بحمص وغيرها آخرها على شقحب كسر فيها كسرة فاحشة هلك فيها معظم عسكره في سنة اثنتين وسبعمائة وبقي حتى توفي في ثالث عشر شوال سنة ثلاث وسبعمائة وملك بعده أخوه خدابندا والعامة تقول خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو في الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة ثلاث وسبعمائة ثم ملك بعده أبو سعيد بن خدابندا وهو آخر من ملك من بني هولاكو وكان بينه وبين الناصر محمد بن قلاوون مكاتبات ومراسلات وتودد بعد وحشة وبموته تفرقت المملكة بأيدي أقوام وصارت شبيهة بملوك الطوائف من الفرس
قال في مسالك الأبصار بعد ذكر أبي سعيد ثم هم بعده في دهماء مظلمه وعمياء مقتمة لا يفضي ليلهم إلى صباح ولا فرقتهم إلى اجتماع ولا فسادهم إلى صلاح في كل ناحية هاتف يدعى باسمه وخائف أخذ جانبا إلى قسمه وكل طائفة تتغلب وتقيم قائما تقول هو من أبناء القان وتنسبه إلى فلان ثم يضمحل أمره عن قريب ولا تلحق دعوته حتى يدعى فلا يجيب وما ذلك من الدهر بعجيب وذكر نحوه في التعريف وزاد عليه فقال وكان العهد بهذه المملكة لرجل واحد وسلطان فرد مطاع وعلى هذا مضت الأيام إلى حين وفاة أبي سعيد فصاح في جنباتها كل ناعق وقطع رداءها كل جاذب وتفرد كل متغلب منها بجانب فهي الآن نهبى بأيديهم
فأما عراق العرب وهو بغداد وبلادها وما يليها من ديار بكر وربيعة ومضر فبيد الشيخ حسن الكبير وهو الحسن بن الحسين بن أقبغا من طائفة النورانيين كان جده نوكرا لهولاكو بن طولي بن جنكزخان والنوكر هو الرفيق
وأما بقية ديار بكر فبيد إبراهيم شاه بن بارنباي بن سوناي
وأما مملكة أذربيجان وهي قطب مملكة إيران ومقر كرسي ملوكها من بني جنكزخان فهي الآن بيد أولاد جوبان وبها القان القائم بها سليمان شاه (4/419)
قال ولا أعرف صحة نسبه ولا سياقته بالدعوى
وأما خراسان فبيد القان طغيتمريار وهو صحيح النسب غير اني لم أعرف اسم آبائه
وأما بلاد الروم فقد أضيفت إلى إيران منها قطعة صالحة وبلاد نازحة ثم قال وهي الآن بيد أرتنا وقد نبه على ذلك ليعرف
قلت ثم تغيرت الأحوال عن ذلك
الجملة الثامنة في معاملاتها وأسعارها
أما معاملاتها فالمعتبر فيها معاملة ثلاث قواعد الأولى بغداد قد ذكر في مسالك الأبصار أن ببغداد دينارين أحدهما يسمى العوال عنه اثنا عشر درهما الدرهم بقيراط وحبتين وذلك أن الدينار عشرون قيراطا كل قيراط ثلاث حبات كل حبة أربعة فلوس من الدرهم النقرة عن كل فلس فلسان أحمران والثاني الدينار المرسل عنه عشرة دراهم وبه أكثر مبايعاتهم ومعاملات تجارهم وقد اختلف أصحابنا الشافعية في رطل بغداد فذهب الرافعي إلى أنه مائة وثلاثون درهما وهو الموجود فيها الآن وعليه اقتصر في مسالك الأبصار وذهب الشيخ محيي الدين النووي إلى أنه مائة وسبعة وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم والمن بها رطلان بالتوراني ومكاييلها أكبرها الكر وهو ثلاثون كارة كل كارة قفيزان فيكون الكر ستين قفيزا والقفيز مكوكان كل مكوك خمس عشر اق وتختلف الكارة في (4/420)
الغلال فالقمح كارته مائتان وأربعون رطلا وكارة الأرز ثلثمائة رطل وكارة كل من الشعير والحمص والعدس والهرطمان مائة رطل وكارة الحبة السوادء وهي الشونيز مائة رطل
الثانية توريز قاعدة أذربيجان وسائر المملكة غير بغداد وخراسان فمعاملاتها بدينار يسمى عندهم بالرابح عنه ستة دراهم
الثالثة نيسابور قاعدة خراسان فدينارها أربعة دراهم وفي بعضها الدينار الرابح المقدم ذكره قال في مسالك الأبصار ولا يباع بتوريز وبلادها في الغالب قمح ولا شعير ونحوهما إلا بالميزان وليس لهم إلا المن وهو بتوريز رطلان بالبغدادي فتكون زنتة مائتين وستين درهما وبالساطانية المن ستمائة درهم
وأما أسعارها فنقل في مسالك الأبصار عن يحيى بن الحكيم الطياري في السعر ببغداد ان كر القمح بتسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار والشعير بخمسة عشر دينارا كلاهما من العوال ثم قال ولعل هذا هو السعر المتوسط لا يكاد يميل فيه القانون عن معدله وذكر أن الأسعار بتبريز والسلطانية إذا لم ينزل عليها السلطان فأسعارها رخية لا إلى غاية وكل بلد نزل عليه السلطان غلت أسعاره ولعل هذا قد تغير كلها في زماننا كما تغير غيره من الأحوال
الجملة التاسعة في ترتيب هذه المملكة على ما كانت عليه في زمن بني هولاكو آخر أيام أبي سعيد من الأمراء والوزراء وأرباب الوظائف
أما الأمراء فقد ذكر في مسالك الأبصار أنهم عندهم على أربع طبقات أعلاها النوين وهو أمير عشرة آلاف ويعبر عنه بأمير تومان إذ التومان عندهم عبارة عن عشرة آلاف ثم أمير ألف ثم أمير مائة ثم أمير عشرة قال في (4/421)
التعريف وحكام دولة هذا السلطان أمراء الألوس وهم أربعة أكبرهم بكلاري بك وهو أمير الأمراء كما كان قطلوشاه عند غازان وجوبان عند خدابندا ثم عند أبي سعيد قال وهؤلاء الأمراء الأربعة لا يفصل جليل أمر إلا بهم فمن غاب منهم كتب في اليرالغ وهي المراسيم كما يكتب لو كان حاضرا ونائبه يقوم عنه وهم لا يمضون أمرا إلا بالوزير والوزير يمضي الأمور دونهم ويأمر نوابهم فتكتب أسماءهم والوزير هو حقيقة السلطان وهو المنفرد بالحديث في المال والولاية والعزل حتى في جلائل الأمور كما كان بكلاري بك يتحدث في أمر العسكر بمفرده فأما الاشتراك في أمور الناس فبهم أجمعين وليس للأمراء في غالب ذلك من العلم إلا ما علم نوابهم
قال في مسالك الأبصار نقلا عن نظام الدين بن الحكيم الطياري وأمر الجيوش والعساكر إلى كبير امراء الألوس المسمى بكلاري بك كما كان قطلوشاه مع السلطانين محمود غازان وأخيه محمد خدابندا وجوبان مع خدابندا ثم بعده مع ولده السلطان أبي سعيد بهادرخان والشيخ حسن بن حسين بن أقبغا مع خانه السلطان محمد بن طشتمر بن اشنتمر بن غبرجي وإليه يقطع أمر كل ذي سيف قال وأمر متحصلات البلاد ودخلها وخرجها إلى الوزير وإليه يقطع أمر كل ذي قلم ومنصب شرعي وله التصرف المطلق في الولاية والعزل والعطاء والمنع لا يشاور السلطان إلا فيما جل من المهمات وما قل من الأمور وهو السلطان حقيقة وصاحب البلاد معنى وإليه ترجع الأمور كلها وإليه عقدها وحلها أما السلاطين بها فلا التفات لهم لأمر ولا نهي ولا نظر في متحصل ولا دخل ولا خرج قال وعدة جيشهم المنزلة في دواوينهم لا تبلغ عشرين تومانا أما إذا أرادوا فإنهم يركبون بثلاثين تومانا وما يزيد عليها وعامة العسكر لا تزال أسماؤهم في دواوينهم على الإفراد وكل طائفة منهم عليهم في الديوان فارس معين إذا رسم لهم بالركوب ركب العدة المطلوبة قال وقد ذكر أنه كان في هذه المملكة عدة ملوك كصاحب هراة وحلول الجبل هم كالعبيد لقانها الأكبر منقادون إليه وداخلون تحت طاعته (4/422)
وأما القضاة فعادة هذه المملكة أن يكون بها صحبة السلطان قاضي قضاة الممالك وهو الذي يولي القضاة في جميع المملكة على تنائي أقطارها إلا العراق فإن لبغداد قاضي قضاة مستقل بها يولي فيها وفي بلادها من جميع عراق العرب
وأما الكتاب وأصحاب الدواوين من ديوان الإنشاء ودواوين الأموال فعلى أتم نظام وأعدل قاعدة
الجملة العاشرة فيما لأرباب المناصب والجند من الرزق على السلطان
قد نقل في مسالك الأبصار عن نظام الدين الطياري ان المقرر للأمراء في القديم من زمن هولاكو لكل نوين أمير تومان وهو عشرة آلاف دينار رابح عنها ستون ألف درهم ثم تزايد الحال بهم حتى لا يقنع النوين فيهم إلا بخمسين ألف تومان وهي خمسمائة ألف دينار رابح عنها ثلاثة آلاف ألف درهم ومن خمسين تومانا إلى أربعين تومانا وكان قد استقر لجوبان وهو يؤميذ بكلاري بك ثم لمن بعده ثلثمائة تومان وهي ثلاثة آلاف ألف دينار رابح عنها ثمانية عشر ألف ألف درهم مع ما يحصل لكل من أمراء الألوس الأربعة من الخدم الكثيرة في البلاد جميعها عند تقريرات الضمان بها على ضمانها قال وأما أمير ألف ومن دونه فلا يتجاوز أحد منهم تقريره القديم في الديوان وهو لأمير الألف ألف دينار رابح عنها ستة آلاف درهم وأما أمير المائة وأمير العشرة وكل واحد من العسكرية إلى الجند فمائة دينار رابح عنها ستمائة درهم لا تفاوت بينهم وإنما تبقى مزية أمير المائة أو العشرة أنه ياخذ لنفسه شيئا مما هوللعسكرية ولكل طائفة أرض لنزولهم توارثها الخلف عن السلف منذ ملك هولاكو البلاد فيها منازلهم ولهم بها مزدرع لأقواتهم لكنهم لا يعيشون بالحرث والزرع (4/423)
وأما الخواتين فإنه يبلغ ما للخاتون الواحدة في السنة مائتي تومان وهو ألف ألف دينار رابح عنها اثنا عشر ألف ألأف درهم وما دون ذلك إلى عشرين تومانا وهو مائتا ألف دينار عنها ألف ألف ومائتا ألف درهم
وأما الوزير فله مائة وخمسون تومانا وهو ألف ألف وخمسمائة ألف دينار رابح عنها تسعة آلاف ألف درهم ولا يقنع بعشرة أضعاف هذا في تقادير البلاد
وأما الخواجكية من أرباب الأقلام فمنهم من يبلغ في السنة ثلاثين تومانا وهي ثلثمائة ألف دينار عنها ألف ألف وثمانمائة ألف درهم ثم قال والذي للأمراء والعسكرية لا يكتب به مرسوم لأن كل طائفة ورثت مالها من ذلك عن آبائها وهم على الجهات التي قررها لهم هولاكو لم تتغير بزيادة ولا نقص إلا أكابر الأمراء الذين حصلت لهم الزيادات فإنه في ذلك الوقت كتب لهم بها بأمر القان أصدرها الوزراء عنه ومن الخواتين من أخذ بماله أو ببعضه بلادا فهي له قال وفي هذه المملكة ما لا يحصى من الإدرارات والرسومات حتى إن بعض الرواتب يبلغ ألف دينار
وأما الإدرارات من المبلغ أو القرى فإنها تبقى لصاحبها كالملك يتصرف فيه كيف شاء من بيع وهبة ووقف لمن أراد (4/424)
الجملة الحادية عشرة في ترتيب أمور السلطان بهذه المملكة على ما كان الأمر عليه
حكى في مسالك الأبصار عن نظام الدين بن الحكيم الطياري أن أهل هذه المملكة من التتر كانوا قد داخلوا العجم وزوجوهم وتزوجوا منهم وخلطوهم بالنفوس في الأمور فتفخمت قواعدهم وجرت على عوائد الخلفاء والملوك في غالب الأمور قوانينهم
ثم للسلطان بهذه المملكة مشتى ومصيف فأما مشتاه فبأوجان بظاهر تبريز وهو مكان متسع ذو مروج ومياه على ما تقدم ذكره وبه قصور لأكابر الأمراء والخواتين أما عامة الأمراء والخواتين فإنهم يتخذون زروبا من القصب كالحظائر يتزربون بها وينصبون معها الخركاوات والخيام فتصير مدينة متسعة الجوانب فسيحة الأرجاء حتى إذا خرجوا لمصيفهم راحلين عنها أحرقوا تلك الحظائر لكثرة ما يتولد فيما بقي منها من الأفاعي والحيات ولا يبالون بما يغرم عليها من كثير الأموال
وأما مصيفه فمكان يعرف بقراباغ ومعناه البستان الأسود وفيه قرى ممتدة وهو صحيح الهواء طيب الماء كثير المرعى وإذا نزل به الأردو وهو وطاق السلطان وأخذت الأمراء والخواتين منازلهم نصب هناك مساجد جامعة وأسواق منوعة يوجد بها من كل ما في أمهات المدن الكبار حتى يكون (4/425)
بها أسواق لا ينكر أحد على أحد بل كل أحد وما استحسن إلا أن الأسعار تغلو حتى يصير الشيء بقيمة مثليه أو أكثر لكلفة الحمل ومشقة السفر وذكر أنه كان من عادة سلطانهم أنه لا يعمل موكبا ولا يجلس لخدمة ولا لقراءة قصص حكمية وإبلاغ مظالم إليه بل له من أبناء الأمراء خاصة له يقال لهم الإينافية يكونون حوله لا يكاد منهم من يفارقه
فأما الأمراء فإنهم يركبون في غالب الأيام على نحو عشرين غلوة سهم منها إلى باب الكرباس وتنصب لهم هناك كراسي صندلية يجلس كل أمير منهم على كرسي منها بحسب مراتبهم الأعلى ثم الأدنى ويدخل الوزير في بكرة كل يوم على القان ويبقى الأمراء على باب الكرباس فإما أن يخرج لهم القان وإما أن يأذن لهم في الدخول أو لا هذا ولا هذا فإذا حضر طعام القان بعث إلى كل أمير منهم شيئا للأكل بمفرده يأكله هو ومن انضم معه فيأكلون ثم يتفرقون ويذهبون إلى حالهم ومن تأخر منهم عن الحضور لم يطلب بحضور إلا أن تدعو الحاجة
أما الظلامات فإن كانت متعقلة بالعسكرية فإلى أمير الوزير الألوس وإن كانت متعلقة بالبلاد والأموال أو الرعايا فإلى الوزير بل أكثر الظلامات لا يفصلها إلا الوزير لملازمته باب القان بخلاف أمير الألوس لقلة ملازمته ثم قال وليس في هذه البلاد قاعدة محفوظة بل كل من انضوى إلى خاتون من الخواتين أو أمير من الأمراء أو كبير من الخواجيكية قام بأمره إما في قضاء حاجة يطلبها أو إزالة ظلامة يشكوها حتى إن من الخواتين والأمراء من يقتل ويوسط بيده بغير أمر القان ولا أمير الألوس (4/426)
الجملة الثانية عشرة فيما يتعلق بترتيب ديوان الإنشاء بهذه المملكة
أما اليرالغ وهي المراسيم فالمتعلق بالأموال تسمى الطن طمغا ويكون صدورها عن رأي الوزير وكذلك المتعلق بالبريد والمتعلق بالعسكرية صادر عن أمير الألوس وليس لأحد على الجميع خط إلا الوزير وإنما العادة أن يأمر الوزير بكتابة ما يرى ثم تؤخذ خطوط المتحدثين فيما يكتب ثم تحرر مسودة وتعرض على الوزير فيأمر بتبييضها فإذا بيضت كتب عليها اسم السطان ثم تحته اسم الأمراء الأربعة ويخلى تحته مكان لخط الوزير ثم يكمل اليرلغ ويختمه بالتاريخ شخص معد لذلك غير من يكتب ثم يكتب الوزير في المكان الخالي فلان شوري أي هذا كلام فلان يسمي نفسه
ثم إن كان متعلقا بالمال أثبت بالديوان المتعلق به وإلا فلا فأما المتعلق بالعسكر فمنشأ الأمر فيه عن أمير الألوس يأمرهم على بقية الترتيب ولا خط لأمير الألوس بيده وعادة أصحاب الدواوين عندهم كما هو بمصر والشام لا يعلم صاحب علامةحتى يرى خط نائبه عليه أولا ليعلم أنه قد ثبت عنده
قلت وقد اختلفت الأحوال بعد ذلك وتغيرت عما كانت عليه في جل الأمور
المملكة الثانية مما بيد بني جنكزخان مملكة توران
قال في المشترك بضم المثناة من فوق وسكون الواو ثم راء مهملة (4/427)
وألف ونون قال في التعريف وهي من نهر بلخ إلى مطلع الشمس على سمت الوسط فما أخذ عنها جنوبا كانب بلاد السند ثم الهند وما أخذ عنها شمالا كان بلاد الخفجاخ وهي طائفة القبجاق وبلاد الصقلب والجهاركس والروس والماجار وما جاورهم من طوائف الأمم المختلفة سكان الشمال قال ويدخل في توران ممالك كثيرة وبلاد واسعة وأعمال شاسعة وأمم مختلفة لا تكاد تحصى تشتمل على بلاد غزنة والباميان والغور وما وراء النهر الذي هو نهر جيحون نحو بخارا وسمرقند والصغد وخجند وغير ذلك وبلاد تركستان وأشروسنة وفرغانة وبلاد ساغون وأطرار وصريوم وبلاد الخطا نحو بشمالق والمالق إلى قراقوم وهي قرية جنكزخان التي أخرجته وعريسته التي أدرجته إلى ما وراء ذلك من بلاد الصين وصين الصين ثم قال وكل هذه ممالك جليلة وأعمال حفيلة أما في المشترك فإنه قد جعل توران اسما لمجموع ما وراء النهر من مملكة الهياطلة وهي جزء مما تقدم ذكره
وقد قسم في التعريف مملكة توران إلى ثلاثة أقسام القسم الأول منها غزنة وبخارا وسمرقند وعامة ما وراء النهر وتركستان
قال في مسالك الأبصار وما بعده وما معه قال وهي من أجل الممالك وأشهرها ثم قال وهي ممالك طائرة السمعة طائلة البقعة أسرة ملوك وأفق علماء ودارة أكابر ومعقد ألوية وبنود ومجرى سوابق وجنود كانت بها سلطنة الخانية وآل سامان وبني سبكتكين والغورية ومن أفقها بزغت شمس آل سلجوق وامتدت في الإشراق والشروق وغير هذه الدول مما طم سهول هذه (4/428)
الممالك على قربها كانت قبل انتقالها إلى الإسلام في ملوك الترك لا ترامي ولا ترام ولا يشق لها سهام حتى إذا خيم بها الإسلام وحاز ملكها هذه الأمة برقت بالإيمان أسرتها وتطرزت بالجوامع والمساجد قراها ثم بنيت بها المدارس والخوانق والربط والزوايا وأجريت الأوقاف عليها وكثر من العلماء أهلها وسارت لها التصانيف المشهورة في الفقه والحديث والأصول والخلاف وكان فيهم الرؤساء والأعلام والكبراء أهل البحث والنظر ثم قال هي في أواسط المعمور وأوسع الأرض إذا قيل أنها أخصب بلاد الله تعالى وأكثرها ماء ومرعى لم يغير القائل الحق في أوصافها ذات الأنهار السارحة والمروج الممتدة كأنما نشرت الحلل على آفاقها ونثرت الحلى على حصبائها
ويرجع المقصود منها إلى سبع جمل
الجملة الأولى في ذكر حدودها وطولها وعرضها وموقعها من الأقاليم السبعة
أما حدودها وطولها وعرضها فقال في مسالك الأبصار وهي واقعة بشرق محض آخذة إلى الجنوب يحدها السند من جنوبيها والصين من شرقيها وخوارزم وإيران من جنوبيها وطولها من ماء السند إلى ماء ايلا المسمى قراخوجا وهي تلي بر الخطا وعرضها من ونج وهو منبع نهر جيحون إلى حدود كركانج قاعدة خوارزم وحدها من الجنوب جبال البتم وماء السند الفاصل بينها وبين السند ومن الشرق أوائل بلاد الخطا ومن الشمال مراعي باران وكجند وبعض خراسان إلى بحيرة خوارزم ومن الغرب بعض خراسان إلى خوارزم إلى مجرى النهر آخذا على الختل ثم حكى عن نظام الدين بن الحكيم الطياري أن بلاد هذه المملكة متصلة بخراسان متداخلة بعضها ببعض لا يفصل بينهما بحر ولا نهر ولا جبل ولا مفازة بل بينها وبين خراسان أنهار جارية ومزارع متصلة (4/429)
الجملة الثانية فيما يدخل في هذه المملكة من الأقاليم العرفية وهي سبعة أقاليم الإقليم الأول منها ما وراء النهر
قال في تقويم البلدان والذي ظهر لنا في تحديد ما وراء النهر أنه يحيط به من جهة الغرب حدود خوارزم ومن الجنوب نهر جيحون من لدن بذخشان إلى أن يتصل بحدود خوارزم فإن جيحون في الجملة يجري من الشرق إلى الغرب وإن كان يعرض فيه عطفات تجري جنوبا مرة وشمالا أخرى ثم قال أما حدوده من الشرق والشمال فلم تتضح لي قال صاحب كتاب أشكال الأرض وما وراء النهر من أخصب الأقاليم منزلة وأنزهها وأكثرها خيرا وأهلها يرجعون إلى رغبة في الخير واستجابة لمن دعاهم مع قلة غائلة وسلامة ناحية وسماحة بما ملكت أيديهم مع شدة شوكة ومنعة وبأس ونجدة وعدة وعدة وآلة وكراع وبسالة وعلم وصلاح وليس من إقليم إلا ويقحط أهله مرارا قبل أن يقحط ما وراء النهر مرة واحدة ثم إن احسوا ببرد أو بجراد أو بآفة تأتي على زروعهم وغلاتهم ففي فضل ما يسلم في عروض بلادهم ما يقوم بأودهم حتى يستغنوا به عن شيء ينقل إليهم من غير بلدهم قال وليس بما وراء النهر مكان يخلو من مدن أو قرى أو مراع لسوائمهم وليس من شيء لا بد للناس منه إلا وعندهم منه ما يقيم أودهم ويفضل عنهم لغيرهم ومياههم أعذب المياه وأبردها وأخفها وقد عمت جبالها وضواحيها ومدنها إلى التمكن من الجد في جميع أقطارها والثلوج من جميع نواحيها والغالب على أهل المال والثروة بها صرف المال في عمل المدارس وبناء الربط وعمارة الطرق والأوقاف على سبل الجهاد ووجوه الخير وعقد القناطر إلا القليل من ذوي البطالة (4/430)
وفيها من الدواب الخيل والبغال والحمير والإبل البخت والبقر والغنم أكثرهم فإنها كما يقال أعوزها للزرائب وفيها من المباح ما فيه كفايتهم ولهم من نتاج الغنم الكثير والسائمة المفرطة وذكر أنه يوجد عند آحاد العامة من عشرين دابة إلى خمسين دابة لا كلفة علية في اقتنائها لكثرة الماء والمرعى
وفيها من الحبوب القمح والشعير والحمص والأرز والدخن وسائر الحبوب خلا الباقلا وبها من الفواكه المنوعة الأجناس العنب والتين والرمان والتفاح والكمثرى والسفرجل والخوخ والمشمش والتوت والبطيخ الأصفر والبطيخ الأخضر والخيار والقثاء
وفيها من البقول اللفت والجزر والكرنب والباذنجان والقرع وسائر أنواع البقول
وفيها من الرياحين الورد والبنفسج والآس واللينوفر والحبق ولا يوجد بها الأترج والنارنج والليمون والليم ولا الموز ولا قصب السكر ولا القلقاس ولا الملوخيا فإنها من ذلك عارية الحدائق خالية المروج إلا ما أتي به إليها من المحمضات مجلوبا
وفيها أصناف الملبوس من القز والصوف وطرائف البز
وفيها من المعادن معدن زئبق لا يعادله معدن في الغزارة . وقد اشتمل ما وراء النهر على عدة كور : منها السغد قال في اللباب بضم السين المهملة وسكون الغين المعجمة ودال مهملة في الآخر ويقال الصغد بالصاد بدل السين ويضاف إلى سمرقند فيقال سغد سمرقند وهو أحد منتزهات الدنيا الأربعة التي هي غوطة (4/431)
دمشق ونهر الأبلة وشعب بوان وسغد سمرقند قال ابن حوقل وهو أنزه الأربعة لأنه ممتد نحو ثمانية أيام مشتبك الخضرة والبساتين لا ينقطع ذلك في موضع منه وقد حفت تلك البساتين بالأنهار الدائم جريها ومن وراء الخضرة من الجانبين مزارع ومن وراء المزارع مراعي السوائم ثم قال وهي أزكى بلاد الله وأحسنها أشجارا
ومنها اسروشنة قال في اللباب بضم الألف وسكون السين وضم الراء المهملتين وسكون الواو وفتح الشين المعجمة ثم نون قال ابن حوقل والغالب عليها الجبال ويحيط بها من الشرق بعض فرغانة ومن الغرب حدود سمرقند ومن الشمال بعض فرغانة أيضا ومن الجنوب بعض حدود كش والصغانيان قال أحمد الكاتب ولها عدة مدن ويقال إن بها أربعمائة حصن
ومنها فرغانة قال في المشترك بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وفتح الغين المعجمة وألف ونون قال ابن حوقل وفيها مدن وكور وإليها ينسب جماعة من العلماء منهم أبو سعيد الفرغاني شارح تائية ابن الفارض قال ابن حوقل وبحبال فرغانة معادن الذهب والفضة والفيروزج والحديد
وقاعدتها بخارا قال في اللباب بضم الباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة ثم ألف وراء مهملة مفتوحة وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول سبع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة خارجها (4/432)
نزه كثير البساتين قال وليس بتلك البلدان بلد أهلها أحسن قياما على عمارة قراهم منهم ويحيط بها وبقراها ومزارعها سور واحد اثنا عشر فرسخا ولها كورة عظيمة تصاقب جيحون على معبر خراسان وبها يتصل سغد سمرقند قال في مسالك الأبصار وهي أم الأقاليم ويم التقاسيم وقد كانت مستقرا للدولة السامانية ومركز أفلاكهم الدائرة وكانت تلك الممالك كلها تبعا لها قال صاحب أشكال الأرض ثم لم أر ولم أسمع بظاهر بلد أحسن من بخارا لأنك إذا علوت لم يقع نظرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء مكبة زرقاء على بساط أخضر تلوح القصور فيما بين ذلك كالتراس التبنية أو الجحف اللمطية أو الكواكب العلوية بين أراض وضياع مقسومة بالاستواء ممهدة كوجه المرآة في غاية الهندسة ولها سبعة أبواب حديد وهي باب المدينة وباب يون وباب خضرة وباب الحديد وباب قهندر وباب بني أسد وباب بني سعد وليس فيها ماء جار لارتفاعها ومياههم من النهر الأعظم الجاري من سمرقند وإليها ينسب الإمام الحافظ أبو عبد الله البخاري صاحب الجامع الصحيح في الحديث
ولها عدة مدن منها الطواويس قال في اللباب بفتح الطاء المهملة والواو وبعد الألف واو ثانية مكسورة ومثناة تحت ساكنة وسين مهملة في الآخر وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة وأربعون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة من مضافات بخارا داخل الحائط الدائر على أعمال بخارا كثيرة البساتين والماء الجاري قال وقد خربت الآن وقال في اللباب هي (4/433)
قرية من قرى بخارا خرج منها جماعة من العلماء وبينها بين بخارا سبعة فراسخ وإليها ينسب الطاووسي صاحب المصباح على الحاوي الصغير في فقه الشافعية ردا لها في النسب إلى المفرد وهو الطاوس
ومنها نخشب قال في اللباب بفتح النون وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم باء موحدة قال في تقويم البلدان فلما عربت قيل نسف يعني بفتح النون والسين المهملة وفاء في الآخر قال ابن حوقل وهي في مستو من الأرض والجبال منها على نحو مرحلتين مما يلي كش وبينها وبين جيحون مفازة ولها نهر يجري في المدينة وينقطع في بعض السنة والغالب عليها الخصب قال المهبلي وهي وبية
ومنها كش قال في المشترك بفتح الكاف ثم شين معجمة مشددة وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وهي مدينة قدرها ثلث فرسخ في مثله وهي خصبة وفواكهها تدرك قبل فواكه غيرها من بلاد ما وراء النهر وطول عملها أربعة أيام في نحوها قال المهبلي ولها رستاق جليل ولها نهران وإليها ينسب جماعة من العلماء
ومنها سمرقند قال في تقويم البلدان بفتح السين المهملة والميم وسكون الراء المهملة وفتح القاف وسكون النون ثم دال مهملة وموقعها في الإقليم الخامس قال في القانون حيث الطول ثمان وثمانون درجة وعشرون دقيقة والعرض أربعون درجة قال ابن حوقل وهي قصبة السغد وهي مبنية على ضفة واديه وهي مرتفعة عن الوادي وحول سورها رسم خندق (4/434)
عظيم ولها نهر يدخل إليها على حمالات في الخندق معمول بالرصاص وهو نهر جاهلي يشق السوق بموضع يعرف برأس الطاق قال ابن حوقل ورأيت على باب من أبوابها يسمى باب كش صفحة من حديد وعليها كتيبة يزعم أهلها أنها بالحميرية وأن الباب من بناء تبع ملك اليمن وأن من صنعاء إلى سمرقند ألف فرسخ وأن ذلك مكتوب من أيام تبع قال ثم وقعت فتنة بها في أيام مقامي بها وأحرق الباب وذهبت الكتابة ثم أعاد عمارة الباب محمد بن لقمان بن نصر الساماني ولم يعد الكتابة قلت والمراد تبع المسمى بأسعد أبا كرب وقد أشرت إلى قضية تبع في بناء سمرقند في الكتاب الذي أنشأته لأن يكتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية إلى تمرلنك عند إرساله بالمفاوضة في الصلح بعد واقعة دمشق والقبض على ابن عثمان صاحب برسا من بلاد الروم بقولي بعد الدعاء ولا زال بالنصر تقضي قواضبه وبالظفر وحسن الأثر تمضي مقانبه وتشاع مناقبه وبلسان دولته القاهرة يصاح بتبع سمرقند لن تبلغ هذه الرتبة حتى نظم الجزع ثاقبه على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبة القان صاحب ما وراء النهر في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
قال في مسالك الأبصار وسمرقند مدينة مرتفعة يشرف الناظر بها على شجر أخضر وقصور تزهر وأنهار تطرد وعمارة تتقد لا يقع الطرف بها على مكان إلا ملأه ولا بستان إلا استحسنه قال صاحب أشكال الأرض وقد نصصت أسحار السير وتشبهت بطوائف الحيوان من الفيلة والإبل والبقر والوحوش المقبل بعضها على بعض قال وبها حصن ولها أربعة أبواب باب مما يلي المشرق يعرف بباب الصين مرتفع عن وجه الأرض ينزل إليه بدرج كثيرة مطل على وادي السغد وباب مما يلي المغرب يعرف بباب النوبهار على نشز من الأرض وباب مما يلي الشمال يعرف بباب بخارا وباب مما يلي (4/435)
الجنوب يعرف بباب كش قال فيها ما في المدن العظام من الأسواق الحسان والحمامات والخانات والمساكن وبناؤها من طين وخشب والبلد كله طرقه وسككه وأسواقه وأزقته مفروشة بالحجارة
ومنها بنكث قال في اللباب بكسر الباء الموحدة وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها ثاء مثلثة وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسعون درجة والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة ولها سور وربض وبساتين كثيرة
ومنها نوبكت بنون وواو وباء موحدة ثم كاف ومثناة من فوق قال ابن حوقل وهي قصبة ناحية إيلاق وعليها سور ولها عدة أبواب وفيها مياه وبساتين كثيرة
ومنها خجندة قال في اللباب بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ثم دال مهملة وهي مدينة على طرف سيحون مضمومة إلى فرغانة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول تسعون درجة والعرض أربعون درجة وخمسون دقيقة قال في اللباب وهي مدينة كبيرة وهي في مستو من الأرض ولها بساتين كثيرة قال أحمد الكاتب ومنها إلى سمرقند سبع مراحل ومنها إلى الشاش كذلك
ومنها تنكت قال في اللباب بضم المثناة من فوق وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها تاء ثانية وهي مدينة من مدن الساحل وقيل هي قصبة إيلاق وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول إحدى وتسعون درجة والعرض ثلاث وأربعون درجة قال في (4/436)
حذف (4/436)
اللباب ولها نهر ودار إمارة وخرج منها جماعة من العلماء
ومنها اخسيكث قال في اللباب بفتح الألف وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الكاف وفي آخرها ثاء مثلثة وهي مدينة من بلاد فرغانة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول إحدى وتسعون درجة وعشرون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال ابن حوقل وهي على شط نهر الشاش في أرض مستوية بينها وبين الجبال نحو فرسخ
ومنها ترمذ قال في اللباب قيل بفتح التاء ثالثة الحروف وقيل بضمها وقيل بكسرها قال والمتداول على لسان أهلها فتح التاء وكسر الميم والمشهور في القديم كسر التاء والميم جميعا وقيل بضم التاء والميم وبينهما راء ساكنة وفي آخرها ذال معجمة وهي مدينة على شط جيحون واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول إحدى وتسعون درجة وخمس وخمسون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل ومعظم مساكنها وأسواقها مفروشة بالآجر وهي قصبة تلك النواحي وأقرب الجبال إليها على مرحلة وليس لقراها شرب من جيحون بل من نهر الصغانيان قال ولها مدن كثيرة وكور مضافة إليها قال في اللباب وهي مدينة قديمة
ومنها الصغانيان قال في اللباب بفتح الصاد المهملة والغين المعجمة وألف ونون ومثناة تحتية ونون في الآخر جميع ذلك بالتخفيف قال ويقال لها بالعجمية جغانيان وهي مدينة موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول تسعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة قال ابن حوقل وهي أكبر من ترمذ إلا (4/437)
أن ترمذ أكثر أهلا ثم قال وهي كورة كبيرة كثيرة الماء والشجر والنسبة إليها صغاني وصاغاني
الإقليم الثاني تركستان
بضم التاء المثناة من فوق وسكون الراء المهملة وضم الكاف وسكون السين المهملة وألف بعدها نون ومعناه ناحية الترك قال في مسالك الأبصار وهي مملكة لو انفردت لكانت ملكا كبيرا وسلطنة جليلة زهرة الدنيا وطراز الأرض بلاد الترك وحقيقة من كناسها رتعت غزلانها ومن غابها أصحرت ليوثهم وهي إقليم فسيح المدى قديم الذكر منشأ حماه ومنسب كماه قال وهو المراد بقولهم بلاد الأتراك ولم تزل الملوك تلحظها لاتقاء بوادرها والقتاء ذواخرها فأشد ما نكرت الأيام معالمها وغيرت الغير أحوالها قال ولقد صادفت حدة التتار في أول التيار فجاءت قدامهم في سورة غضبهم ونفحة نارهم فأمالت السيوف حصائد أحبالهم ولم يبق إلا من قل عديده ثم قال حكى لي من جال في رساتيقها وجاز في قراها أنه لم يبق من معالمها إلا رسوم داثرة وأطلال ناتئة يرى على البعد القرية مشيدة البناء مخضرة الأكناف فيأنس لعله يجد بها أنيسا ساكنا فإذا جاءها وجدها عالية البنيان خالية من الأهل والسكان إلا أهل العمل وأصحاب السائمة ليست بذات حرث ولا زرع وإنما خضرتها مروج أطلعها باريها بها من النباتات البرية لا بذرها باذر ولا زرعها زارع ويوجد بها خلف من بقايا العلماء ويجزى التيمم فيها بالتراب بعد الماء
ومن نواحيها فاراب قال في المشترك بفتح الفاء والراء المهملة بين ألفين وفي آخرها باء موحدة وقال في مسالك الأبصار الصواب إبدال الفاء باء موحدة لأنه ليس في اللغة التركية فاء قال ابن حوقل وهي ناحية لها (4/438)
غياض ولهم مزارع ومقدارها في الطول والعرض أقل من يوم قال في تقويم البلدان وتسمى أطرار
وقاعدتها قاشغر قال في اللباب بفتح القاف وسكون الألف ثم سكون الشين المعجمة أيضا وفتح الغين المعجمة وفي آخرها راء مهملة قال في تقويم البلدان ويقال لها كاشغر بإبدال القاف كافا وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وتسعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربع وأربعون درجة قال المهلبي وهي مدينة عظيمة آهله عليها سور وأهلها مسلمون قال في القانون وتسمى أزدوكند
قال في مساك الأبصار أما الآن فقاعدتها قرشي بقاف وراء مهملة وشين معجمة ثم ياء مثناة من تحت في الآخر قال في مسالك الأبصار وهي على نهر قراخوجا في نهاية الحد قال وهي إن لم تكن شيئا مذكورا ولا لها على اختلاف حالات الزمان شهرة تذكر لكن قد شملها في دولة ملوكها الآن من نظر السعادة لنسبتها إلى أنها سكن لهم وإن كانوا ليسوا بسكان جدار ولا متديرين في ديار ولكن لاسم وسميت به وبها عدة مدن أيضا منها كدر قال في الأطوال وهي قصبة فاراب قال في مسالك الأبصار وإليها ينسب فيلسوف الإسلام أبو نصر الفارابي
ومنها ختن قال في اللباب بضم الخاء المعجمة وفتح المثناة من فوق ونون في الآخر وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وثمانون درجة والعرض ثنتان وأربعون درجة قال في تقويم البلدان وهي أقصى تركستان قال في العزيزي وهي مدينة خصبة آهله عامرة بها أنهار كثيرة
ومنها جند قال في اللباب بفتح الجيم وسكون النون وفي آخرها (4/439)
دال مهملة وهي بلدة واقعة في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض سبع وأربعون درجة قال في اللباب وهي في حدود الترك على طرف سيحون خرج منها جماعة من الفضلاء
ومنها إسفيجاب قال في اللباب بكسر الألف وسكون السين المهملة وكسر الفاء وسكون المثناة من تحت وفتح الجيم وفي آخرها باء موحدة بعد الألف ووقع في مسالك الأبصار إبدال الفاء باء موحدة وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسع وثمانون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة قال في اللباب وهي بلدة كبيرة قال في تقويم البلدان وهي من ثغور الترك
ومنها طراز قال في اللباب بفتح الطاء والراء المهملتين وألف وزاي معجمة وهي مدينة على حد بلاد الترك واقعة في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول تسع وثمانون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال ابن حوقل وحولها حصون منسوبة إليها
ومنها نيلي قال في مسالك الأبصار وهي أربعة مدن بين كل مدينة والأخرى فرسخ واحد ولكل واحدة منها اسم يخصها فالأولى نيلي والثانية نيلي مالق والثالثة كجك والرابعة تلان قال وبينها وبين سمرقند عشرون يوما (4/440)
ومنها ألمالق بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الميم وألف بعدها ثم لام مكسورة وقاف في الآخر قال في مسالك الأبصار وبينها وبين نيلي عشرون يوما ونقل عن الشيخ محمد الخجندي الصوفي وغيره ان بها من الخيل والأغنام ما لولاموتان يقع فيها في بعض السنوات لما بيعت ولا جد من يشتريها لكثرتها وبركات نتاجها
الإقليم الثالث طخارستان
قال في اللباب بضم الطاء المهملة وفتح الخاء المعجمة وألف وضم الراء وسكون السين المهملتين وفتح المثناة من فوق وألف ونون قال وهي ناحية مشتملة على بلدان في أعلى نهر جيحون وقال ابن حوقل وهو إقليم له مدن كثيرة من مضافات بلخ وقاعدتها فيما ذكره في القانون ولوالج قال في تقويم البلدان بواوين بينهما لام ساكنة ثم ألف ولام وجيم وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة قال في القانون وهي مقر مملكة الهياطلة في القديم قال المهلبي وهي في مستو من الأرض
ولها مدن منها إسكلكند قال في اللباب بكسر الألف وسكون السين المهملة وفتح الكافين بينهما لام ساكنة ثم نون كذلك ودال مهملة في الآخر قال وقد تحذف الألف من أولها وهي مدينة صغيرة موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وخمسون (4/441)
دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة قال في اللباب وهي مدنية صغيرة كثيرة الخير
ومنها راون قال في اللباب بفتح الراء المهملة والواو ونون في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الأقليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وأربعون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة قال في اللباب وهي مدينة من طخارستان ولم يزد
الإقليم الرابع بذخشان
قال في اللباب بفتح الباء الموحدة والذال وسكون الخاء وفتح الشين المعجمات ونون في الآخر قال ابن حوقل وهو اسم للمدينة والإقليم معا قال في اللباب وهي في أعلى طخارستان متاخمة لبلاد الترك وقال في مسالك الأبصار هي مع مملكة ما وراء النهر وليست حقيقة منها ولا من تركستان بل هو إقليم قائم بذاته معدود المجاورة مع أخواته وقد حوى كل بديع من حيوانه ومعدنه ونباته
ثم حكى عن محمد الخجندي الصوفي وغيره أن بها معدن البلخش ومعدن اللازورد وهما في جبل بها يحفر عليهما في معادنهما فيوجد اللازورد بسهولة ولا يوجد البلخش إلا بتعب كثير وإنفاق زائد وقد لا يوجد بعد التعب الشديد والإنفاق الكثير ولذلك عز وجوده وعلت قيمته وكثر طالبه والتفت الأعناق إلى التحلي به وقد تقدم ذكره في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى معرفته ليصفه عند ذكر الأحجار النفيسة وقد تقدم هناك أن أنفس قطعة وصلت إلى بلاد الشام منه قطعة زنتها خمسون درهما وقد ذكر في اللباب أن (4/442)
بها معدن البلور أيضا وقد تقدم ذكره هناك في الكلام على الأحجار النفيسة
الجملة الثالثة في الطرق الموصلة إليها وبعض المسافات الواقعة بين بلادها
قد تقدم في الكلام على مملكة إيران الطريق إلى آمل الشط بشط جيحون قال ابن خرداذبه ومن آمل إلى بخارا تسعة عشر فرسخا ومن بخارا إلى سمرقند سبعة وثلاثون فرسخا ومن سمرقند إلى الشاش اثنان وأربعون فرسخا ثم إلى باب الحديد ميلان ثم إلى كار فرسخان ثم إلى إسفيجاب عشرة فراسخ ومن إسفيجاب إلى أطرار وهي فاراب ستة وعشرون فرسخا قال في تقويم البلدان ومن سمرقند إلى خجندة سبع مراحل ومن خجندة إلى الشاش أربع مراحل
الجملة الرابعة في عظام الأنهار الواقعة في هذا القسم من مملكة توران وهي نهران
الأول نهر جيحون بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وضم الحاء المهملة وسكون الواو ثم نون ويسمى نهر بلخ أيضا إضافة إلى مدينة بلخ من بلاد فارس المقدم ذكرها قال في تقويم البلدان وقد اختلف النقل فيه وأقربه ما نقله ابن حوقل أن عمود نهر جيحون يخرج من حدود بذخشان ثم تجتمع إليه أنهار كثيرة ويسير غربا وشمالا حتى يصل إلى حدود بلخ ثم يسير إلى ترمذ ثم غربا وجنوبا إلى زم واسمها أمويه ويجري كذلك غربا وشمالا إلى خوارزم قال في رسم المعمور ويخرج جنوبا ويمر قرب خجندة ويتجاوزها ويصب في البحر الأخضر (4/443)
الثاني نهر سيحون قال في تقويم البلدان وقد اختلف النقل فيه أيضا قال والمختار ما ذكره ابن حوقل لأنه يحكي ذلك عن مشاهدة فقال إن نهر الشاش بقدر الثلثين من نهر جيحون وهو يجري من حدود بلاد الترك ويمر على أخسيكث ثم يسير مغربا بميلة إلى الجنوب إلى خجندة ثم يجري إلى فاراب إلى ينغي كنت ثم يقع في بحيرة خوارزم على مرحلتين من ينغي كنت
الجملة الخامسة في معاملاتها وأسعارها
أما معاملاتها فبالدينار الرابح وهو ستة دراهم كما في معظم مملكة إيران وفي بعض بالدينار الخراساني وهو أربعة دراهم قال في مسالك الأبصار ودراهمهم نوعان درهم بثمانية فلوس ودرهم بأربعة فلوس قال ودراهمها فضة خالصة غير مغشوشة وهي وإن قل وزنها عن معاملة مصر والشام فإنها تجوز مثل جوازها
وأما أسعارها فأسعارها جميعها رخية حتى إذا غلت الأسعار فيها أعلى الغلو كانت مثل أرخص الأسعار بمصر والشام
الجملة السادسة في من ملك هذا القسم من مملكة توران
قد تقدم في الكلام على أصل مملكة توران أنها كانت مملكة الترك في القديم وأنه كان بها افراسياب بن شبك بن رستم بن ترك بن كوبر بن يافث بن (4/444)
نوح عليه السلام على الخلاف السابق فيه وكانت تعرف بمملكة الخانية
أما في الإسلام فملوكها على طبقتين
الطبقة الأولى ما هو عقيب الفتح وهم على ضربين الضرب الأول ملوك ما وراء النهر
وكانت بيد نواب الخلفاء برهة من الزمان في صدر الإسلام ثم تغلب عليها الملوك بعد ذلك وحازوها وتوالت عليها أيديهم إلى الآن وأول من تغلب عليها من الملوك السامانية وهم بنو سامان بن جثمان بن طمغان بن بوشرد بن بهرام جوبين المذكور في أخبار كسرى أبرويز أحد ملوك الفرس
وأول من ملكها منهم أولاد أسد بن سامان في خلافة المأمون في سنة أربع ومائتين فتولى أحمد بن أسد فرغانة ويحيى بن أسد الشاش وأسروشنة ونوح بن أسد سمرقند ثم مات نوح بن أسد بسمرقند ثم مات أحمد بفرغانة واستخلف ابنه نصرا على أعماله وكان إسماعيل بن أحمد يخدم أخاه نصرا فولاه نصر بخارا في السنة المذكورة وكان إسماعيل رجلا خيرا يحب أهل العلم ويكرمهم فاستقرت قدمه ببخارا وملك جميع ما وراء النهر وملك إسماعيل المذكور خراسان مع ما وراء النهر في سنة سبع وثمانين ومائتين
ثم ملك بعده ما وراءالنهر وخراسان ابنه أحمد بن إسماعيل حتى قتل في سنة إحدى وثلثمائة وولي بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه أبو الحسن نصر ابن أحمد وتوفي سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة (4/445)
وولي بعده ما رواء النهر وخراسان ابنه نوح بن نصر وتوفي في سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة
وولي بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه عبد الملك بن نوح وبقي حتى قبض عليه إيليك خان ملك الترك وحبس هو وجميع أقاربه ومات في الحبس في سنة تسع وثمانين وثلثمائة وانقرضت بموته دولة بني سامان وكانت دولتهم من أحسن الدول وأعدلها وكانت ولايتهم إمارة لا ملكا
وملك بعدهم ما رواء النهر ايليك خان المقدم ذكره وتوالت بأيديهم حتى ملكها منهم رجل اسمه أحمد خان فبقيت بيده حتى ملكها منه ملكشاه السلجوقي في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وأطاعه صاحب تركستان فخطب له وضرب السكة باسمه ثم خرج عنها وعاد أحمد خان إليها فبقي حتى ثبتت زندقته وضرب عنقه في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
وملك بعده ابن عمه مسعود ثم أقيمت الخطبة بما وراء النهر لبركيارق ثم خطب بركيارق فيما بيده مما وراء النهر وغيره لأخيه محمد بن ملكشاه ثم غلب عليها الخطا الكفار في سنة ست وثلاثين وخمسمائة وانتزعوها من يد سنجر بن ملكشاه ثم صارت بيد الغز وهم طائفة من الترك مسلمون
ثم استولى عليها بنو أنوشتكين ملوك خوارزم الآتي ذكرهم إلى أن غلب عليها جنكزخان في سنة ست عشرة وستمائة
وأما غزنة وما معها فكانت بيد بني سامان ثم غلب عليها سبكتكين وهو أحد مماليك أبي إسحاق بن ألبتكين صاحب جيش غزنة للسامانية المقدم ذكره في سنة ست وستين وثلثمائة بعد موت أبي إسحاق المذكور ثم مات وقام بالأمر بها بعده ابنه إسماعيل ثم غلبه عليها أخوه محمود بن سبكتكين واستضاف إليها بعض خراسان في سنة تسع وثمانين وثلثمائة وقطع الخطبة السامانية وبقي حتى توفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
وملك بعده ابنه محمد بن محمود بعهد من أبيه ثم قدم أهل المملكة (4/446)
عليه أخاه مسعود بن محمود وملكوه عليهم وبقي حتى قتل في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة
ثم ملك بعده أخوه محمد المقدم ذكره وقتل من عامه وملك بعده ابن أخيه مودود بن مسعود وتوفي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة
وملك بعده عمه عبد الرشيد بن محمود وقتل في سنة أربع وأربعين وأربعمائة
وملك بعده أخوه فرخزاد بن مسعود بن محمود وتوفي سنة إحدى وخمسين وأربعمائة
وملك بعده أخوه الملك المؤيد إبراهيم بن مسعود وتوفي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة
وملك بعده ابنه مسعود بن إبراهيم وتوفي سنة ثمان وخمسمائة
وملك بعده أرسلان شاه بن مسعود
ثم ملك بعده بهرام شاه بن مسعود ثم توفي
وملك بعده ابنه خسروشاه بن بهرام وتوفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة
وملك بعده ابنه ملكشاه بن خسروشاه بن بهرام بن مسعود بن محمد بن سبكتكين وهو آخرهم
ثم انتقل الملك إلى الغورية
فأول من ملك منهم علاء الدين الحسين بن الحسين ملك عند انقراض الدولة السبكتكينية واستضافها إلى الغور في سنة خمس وخمسين وخمسمائة وتلقب بالملك المعظم وتوفي سنة ست وخمسين وخمسمائة
وملك بعده غياث الدين محمد بن سام بن الحسين ثم استولى عليها الغز نحو خمس عشرة سنة ثم ملكها شهاب الدين أخو غياث الدين المقدم (4/447)
ذكره سنة تسع وسبعين وخمسمائة وقتل سنة اثنتين وستمائة وفي أيامه كان الإمام فخر الدين الرازي وكان يغشاه ويعظه
ثم ملك بعده علاء الدين محمد بن سام بن محمد بن مسعود بن الحسين ثم غلبه عليها يلدز مملوك غياث الدين أخي شهاب الدين ثم غلبه عليها علاء الدين المذكور ثم غلب عليها يلدز أيضا ثم غلب عليها علاء الدين محمد بن تكش بن خوارزم شاه في سنة اثنتين عشرة وستمائة وبقي حتى غلبه عليها جنكزخان الآتي ذكره في سنة سبع عشرة وستمائة
الطبقة الثانية ملوكها من بني جنكزخان
قال في مسالك الأبصار كان جنكزخان قد أوصى بمملكة ما رواء النهر لولده جداي ويقال له جفطاي فلم يتمكن من ذلك
ثم ملك بعده ابنه قراهولاوو ثم ولده مبارك شاه ثم غلب عليه قيدو بن قاشي بن يكبوك بن أوكداي بن جنكزخان ثم غلب عليه براق بن بسنطو بن منكوقان بن جفطاي بن جنكزخان
ثم ملك بعده ابنه دوا بن براق ثم أخوه كنجك ثم اخوه اسبنغا ثم أخوه كيوك ثم أخوه الجكداي ثم أخوه دراتمر ثم أخوه ترما شيرين
ثم ملك بعده رجل ليس من أولاد دوا اسمه توزون بن أوياكان قال وتخلل في خلال ذلك من وثب على الملك ولم ينتظم له حال ولا صلت له أعلام دولة وبقي الملك بعد ترماشيرين غير منتظم حتى قام جنفصو بن دراتمر بن حلو ابن براق بن بسنطو بن منكوقان بن جفطاي بن جنكزخان إلى هنا انقضى كلامه في مسالك الأبصار
وأول من أسلم من ملوك هذه المملكة ترماشيرين المقدم ذكره سنة خمس وعشرين وسبعمائة فأسلم وحسن إسلامه وأخلص في إسلامه وأيد (4/448)
الإسلام وقام به حق القيام وأمر به أمراءه وعساكره فمنهم من كان سبق إسلامه ومنهم من أجاب داعية فأسلم وفشا فيهم الإسلام وعلا لواؤه حتى لم تمض عشرة أعوام حتى اشتمل فيها بملاءته الخاص والعام وأعان على ذلك من في تلك البلاد من الأئمة العلماء والمشايخ الصلحاء وصارت التجار من مصر والشام مترددة إلى تلك الممالك وهو يكرمهم أتم الإكرام على أن رعايا هذه المملكة من قدماء الإسلام السابقين إليه كانوا مع كفر ملوكهم في جانب الإعزاز والإكرام لا يتطرق إليهم منهم أذية في دين و لا حال ولا مآل
الجملة السابعة في ترتيب هذه المملكة وحال عساكرها
أما ترتيبها فقد أشار في مسالك الأبصار إلى أنها على نحو ما تقدم في مملكة إيران لاتفاق ملوك بني جنكزخان في الترتيب على طريقة واحدة
وأما عساكرهم فذكر أن عساكرهم من أهل النجدة والبأس لا يجحد ذلك من طوائف الترك جاحد ولا يخالف فيه مخالف حتى حكى في مسالك الأبصار عن مجد الدين إسماعيل السلامي أنه كان إذا قيل في بيت هولاكو العساكر تحركت من خوارزم والقبجاق لا يحمل لذلك احد منهم هما وإذا قيل إن العساكر تحركت مما وراء النهر تأثروا لذلك غاية التأثر لأن هؤلاء أقوى ناصرا وإن كان اولئك أكثر عددا لأنه يقال إن واحدا من هؤلاء بمائة من أولئك ولذلك كانت خراسان عندهم ثغرا لا يهمل سداده ولا يزال فيه من يستحق ميراث التخت أو من يقوم مقامه ولما وقر في صدورهم لهؤلاء من مهابة لا يقلقل طودها لأنهم طالما بلوهم في الحرب وابتلوهم فيها
القسم الثاني من مملكة توران خوارزم والقبجاق
قال في مسالك الأبصار حدثني الشيخ نجم الدين بن الشحام الموصلي أن هذه المملكة متسعة الجوانب طولا وعرضا كبيرة الصحراء قليلة (4/449)
المدن وبها عالم كثير لا يدخل تحت حد إلا أنهم ليس لهم كثير نفع لقلة السلاح ورداءة الخيل وأرضهم سهلة قليلة الحجر لا تطيق خيل ربيت فيها الأوعار فلذلك يقل غناؤها في الحروب قال في التعريف وكانت هذه المملكة في قديم الزمان زمان الخلفاء وما قبله تعرف بصاحب السرير قال في الروض المعطار وذلك أنه كان بها سرير من ذهب يجلس عليه ملوكها نقله إليها ملوك الفرس قال في التعريف وكان صاحبها في الأيام الناصرية يعني ابن قلاوون السلطان أزبك خان قال وقد خطب إليه السلطان فزوجه بنتا تقرب إليه ثم قال وما زال بين ملوك هذه المملكة وبن ملوكنا قديم اتحاد وصدق وداد من أول الدولة الظاهرية بيبرس وإلى آخر وقت
ويحصل الغرض من ذلك في ثمان جمل
الجملة الأولى في ذكر حدود هذه المملكة ومسافتها
قد ذكر في مسالك الأبصار نقلا عن الشيخ علاء الدين بن النعمان الخوارزمي ان طول هذه المملكة من بحر اصطنبول إلى نهر أريس ستة أشهر وعرضها من بلغار إلى باب الحديد أربعة أشهر تقريبا ثم ذكر عنه في موضع آخر أن مجموع هذه المملكة من ورعات خوارزم من الشرق إلى باشقرد وعرضا من خوارزم إلى أقصى بلاد سير وهي منتهى العمارة في الشمال وذكر في موضع آخر عن ابن النعمان ان مبدأ عرض هذه المملكة من ديرقنو وهي مدينة من بناء الإسكندر كان عليها باب من حديد قديما إلى بلاد بوعره وطولها من ماء أريس وهو أعظم من نيل مصر بكثير من ناحية بلاد الخطا إلى اصطنبول يعني القسطنطينية قال ويتجاوز هذا الطول قليلا إلى بلاد تسمى كمخ مشتركة بين الروس والفرنج وذكر في موضع آخر أن خوارزم إقليم منقطع عن خراسان (4/450)
وعن ما رواء النهر والمفاوز محيطة به من كل جانب وحده متصل بغزنة مما يلي الشمال والغرب وجنوبيه وشرقيه وهو على جانبي جيحون قال ابن حوقل وبلاد خوارزم من أبرد البلاد ومنها يبتدئ الجمود في نهر جيحون قال في العزيزي وبلاد خوارزم في جهة الجنوب والشرق عن بحيرة خوارزم وبنهما نحو ست مراحل قال في مسالك الأبصار وأول حد خوارزم بلدة تسمى الظاهرية مما يلي آمل وتمتد العمارة في جانبي جيحون معا
وحكى عن حسن الرومي التاجر السفار أن طولها من مدينة باكو المعروفة بالباب الحديد إلى حدود بلاد الخطا فيكون بسير القوافل خمسة أشهر وعرضها من نهر جيحون إلى نهر طونا وقال في مسالك الأبصار وهذه المملكة واقعة في الشمال آخذة إلى الشرق تحدها اطراف الصين من شرقيها وبلاد الصقلب وما يليها من شماليها وخراسان وما سامتها من جنوبيها والخليج القاطع من بحر الروم من غربيها
الجملة الثانية فيما اشتملت عليه من الأقاليم العرفية
اعلم أن هذه المملكة قد اشتملت على عدة أقاليم
الإقليم الأول خوارزم
بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وألف بعدها راء مهملة ثم زاي معجمة ساكنة وميم في الآخر قال في تقويم البلدان وهو إقليم منقطع عن خراسان وعن ما وراء النهر والمفاوز محيطة به من كل جانب قال ويحيط به من الغرب بعض بلاد الترك ومن جهة الجنوب خراسان ومن الشرق بلاد ما رواء النهر ومن الشمال بلاد الترك أيضا قال وإقليم خوارزم في آخر جيحون وليس بعده على النهر عمارة إلى أن يقع جيحون في بحيرة خوارزم وهو على جانبي جيحون (4/451)
قال ابن حوقل وبلاد خوارزم من أبرد البلاد ويبتدئ الجمود في نهر جيحون من جهة خوارزم وقال المهلبي بلاد خوارزم في جهة الجنوب والشرق عن بحيرة خوارزم إلى آمل نحو اثنتي عشرة مرحلة ومن خوارزم إلى بحيرة خوارزم نحو ست مراحل قال في مسالك الأبصار وبخوارزم جبل يقال له جبل الخير به عين تعرف به يقصدها ذوو الأمراض المزمنة ويقيمون عندها سبعة أيام في كل يوم يغتسلون بها بكرة وعشية ويشربون منها عقب كل اغتسال حتى يتضلعوا فيحصل البرء قال وخوارزم على جيحون بين شعبتين منه مثل السراويل قال ويلي خوارزم أرض مدورة تسمى قسلاع طولها خمسة أشهر وعرضها كذلك كلها صحراء يسكنها أمم كثيرة من البرجان ويفصل بينها وبين نهر جيحون جبل اسمه أويلغان شمالي خراسان ولها قاعدتان
القاعدة الأولى القديمة مدينة كاث
بكاف وألف وثاء مثلثة قال ابن حوقل وهو اسمها بالخوارزمية وهي مدينة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول خمس وثمانون درجة والعرض إحدى وأربعون درجة وست عشرة دقيقة قال في القانون وهي في شرقي جيحون قال المهلبي وبينها وبين القرية الحديثة من بلاد الترك خمسون فرسخا قال وهي من أجل مدن خوارزم قال ابن حوقل وقد خربها التتر وبنى الناس لهم مدينة وراءها قال وكانت هذه المدينة في الجانب الشمالي عن جيحون قال في مسالك الأبصار وبها مائة بيت من اليهود ومائة بيت من النصارى لا يسمح لهم بأكثر من ذلك (4/452)
القاعدة الثانية كركانج
قال في المشترك بضم الكاف وسكون الراء المهلمة ثم كاف ثانية وألف ونون ساكنة وفي آخرها جيم قال ويلتقي فيها ساكنان يعني الألف والنون ولذلك يكتبونها كركنج بغير ألف وتعرف بكركنج الكبرى والعرب تسميها الجرجانية وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال والقانون حيث الطول أربع وثمانون درجة ودقيقة واحدة والعرض اثنتان وأربعون درجة وسبع وخمسون دقيقة قال في المشترك وهي على ضفة جيحون قال في القانون من غربيه وبها عدة مدن أيضا
منها كركنج الصغرى وتعرف بالجرجانية أيضا وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة أيضا قال في الأطوال حيث الطول أربع وثمانون درجة وخمس دقائق والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في المشترك وهي مدينة قريبة من كركنج الكبرى بينهما عشرة أميال وهي في غربي جيحون
ومنها زمخشر قال في اللباب بفتح الزاي المعجمة والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين وراء مهملة في الآخر وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول أربع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وأربعون درجة وخمس أربعون دقيقة وإليها ينسب الإمام أبو القاسم محمود الزمخشري صاحب الكشاف في التفسير وغيره من المصنفات الفائقة النافعة
ومنها هزاراسب قال في اللباب بفتح الهاء والزاي المعجمة وسكون الألف وفتح الراء وسكون السين المهملتين وباء موحدة في الآخر وهي (4/453)
قلعة بخوارزم موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وثمانون درجة وعشرون دقيقة والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة قال السمعاني ويقال لها بالفارسية هزارسف قال وهي قلعة حصينة قال المهلبي غربي جيحون وبينها وبين مدينة كاث ستة فراسخ
ومنها درعان بدال وراء وعين مهملات وألف ثم نون وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وثمانون درجة وأربع وعشرون دقيقة والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة قال في تقويم البلدان وهي آخر حدود خوارزم إلى جهة مرو قال المهلبي وبينها وبين هزاراسب أربعة وعشرون فرسخا
ومنها فربر قال في اللباب بفتح الفاء والراء المهملة وسكون الباء الموحدة وقال في مزيل الارتياب بفتح الفاء وكسرها كل منهما مسموع وهي مدينة على طرف جيحون ما يلي بخارا موقعها في آخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة قال في القانون وهي المعبر من بلاد ما رواء النهر إلى خراسان وجعلها ابن حوقل من أعمال بخارا فتكون مما وراء النهر وهي خصبة ولها قرى عامرة
الإقليم الثاني الدشت
بفتح الدال المهملة وسكون الشين المعجمة وتاء مثناة فوق في الآخر وهي صحارى في جهة الشمال وتضاف إلى القبجاق بفتح القاف وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم وألف بعدها ثم قاف وهم جنس من الترك يسكنون هذه الصحارى أهل حل وترحال على عادة البدو (4/454)
وقاعدة المملكة بها صراي قال في تقويم البلدان بفتح الصاد والراء المهملتين وألف وياء مثناة تحتية ووقع في مسالك الأبصار بالسين المهملة بدل الصاد وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في تقويم البلدان وهي مدينة عظيمة في مستو من الأرض على شط نهر الأثل من الجانب الشمالي الشرقي غربي بحر الخزر وشماليه على مسيرة نحو يومين وبحر الخزر شرقيها بجنوبيها ونهر الأثل عندها يجري من الشمال والغرب إلى الشرق والجنوب حتى يصب في بحر الخزر وهي فرضة عظيمة للتجار ورقيق الترك وذكر في مسالك الأبصار عن عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أنها بناء بركة بن طوجي بن جنكزخان وأنها في أرض سبخة بغير سور ودار الملك بها قصر عظيم على عليائه هلال من ذهب زنته قنطاران بالمصري ويحيط بالقصر سوار وأبراج فيها الأمراء وبهذا القصر يكون مشتاهم والسراي مدينة كبيرة ذات أسواق وحمامات ووجوه بر مقصودة بالإجلاب وفي وسطها بركة ماؤها من نهر الحل ماؤها للاستعمال أما شربهم فمن النهر يسقى لهم في جرار فخار وتصف على العجلات وتجر إلى المدينة وتباع بها قال وبعدها عن خوارزم نحو شهر ونصف قال في تقويم البلدان وقد بنى بها السلطان أزبك مدرسة للعلم قال في مسالك الأبصار وهم في جهد من قشف العيش لأنهم ليسوا أهل حاضرة وشدة البرد تهلك مواشيهم قال وهم لشدة ما بهم من سوء الحال إذا وجد أحدهم لحما صلقه ولم ينضجه وشرب مرقه وترك اللحم ليأكله مرة أخرى ثم يجمع العظام ويعاود صلقها مرة أخرى ويشرب مرقها وقس على هذا بقية عيشهم ونقل عن جمال الدين عبد الله الحصني التاجر أن لبس كثير منهم الجلود مذكاة كانت أو ميتة مدبوغة أو غير مدبوغة من حيوان طاهر أو غيره ولا يعرفون في المآكل ما يعاف مما لا يعاف ولا التحريم من التحليل وأنهم يبيعون أولادهم في بعض (4/455)
السنين لضيق العيش قال ومع ذلك فليس لهم تمسك بدين ولا رزانه في عقل ثم عقب ذلك بأن قال ومع ذلك فهم من خيار الترك أجناسا لوفائهم وشجاعتهم وتجنبهم الغدر مع تمام قاماتهم وحسن صورهم وظرافة شمائلهم ثم قال ومنهم معظم جيش الديار المصرية من ملوكها وأمرائها وجندها إذ لما رغب الملك الصالح نجم الدين أيوب في مشترى المماليك منهم ثم صار من مماليكه من انتهى إلى الملك والسلطنة فمالت الجنسية إلى الجنسية ووقعت الرغبة في الاستكثار منهم حتى أصبحت مصر بهم آهلة المعالم محمية الجوانب منهم أقمار مواكبها وصدور مجالسها وزعماء جيوشها وعظماء أرضها وحمد الإسلام مواقفهم في حماية الدين حتى إنهم جاهدوا في الله أهليهم قال وكفى بالنصرة الأولى يوم عين جالوت في كسر الملك المظفر قطز صاحب مصر إذ ذاك في سنة ثمان وخمسين وستمائة عساكر هولاكو ملك التتر بعد أن عجز عنهم عساكر الأقطار واستأصلوا شأفة السلطان جلال الدين محمد بن خوارزم شاه وقتلوا عساكره مع أن الجيش المصري بالنسبة إلى العساكر الجلالية كالنقطة من الدائرة والنغبة من البحر والله يؤيد بنصره من يشاء
أما في زماننا هذا فإنه منذ قام السلطان الملك الظاهر برقوق من جنس الجركس رغب في المماليك من جنسه وأكثر من المماليك الجراكسة حتى صار منهم أكثر الأمراء والجند وقلت المماليك الترك من الديار المصرية حتى لم يبق منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم
الإقليم الثالث بلاد الخزر
بفتح الخاء والزاي المعجمتين وراء مهملة في الآخر
وقاعدته مدينة بلنجر قال في اللباب بفتح الباء الموحدة واللام (4/456)
ونون ساكنة وجيم مفتوحة ثم راء مهملة وهي مدينة بدربند خزران واقعة في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة قال في كتاب الأطوال وهي إتل قال في اللباب وهي داخل الباب والأبواب قيل إنها نسبت إلى بلنجر بن يافث
الإقليم الرابع القرم
قال في تقويم البلدان بكسر القاف والراء المهملة وميم في الآخر قال وهو اسم لإقليم يشتمل على نحو أربعين بلدا
وقاعدتها صلغات قال في تقويم البلدان بضم الصاد المهملة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف وتاء مثناة فوقية في الآخر وقد أطلق الناس اسم القرم عليها حتى إذا قالوا القرم لا يريدون إلا صلغات وموقعها في الإقليم السابع من الإقاليم السبعة قال والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشر دقائق والعرض خمسون درجة قال وهي عن البحر على نصف يوم وهي عن الأزق في الغرب والشمال
وبصراي بلاد مضافة إليها ومنها الأكك قال في تقويم البلدان بضم الهمزة وفتح الكاف الأولى ثم كاف ثانية وهي بليدة من بلاد الصراي موقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في تقويم البلدان القياس حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض تسع وأربعون درجة وخمس وخمسون دقيقة وهي على جانب نهر إتل من الجانب الغربي بين صراي وبلار على قرب منتصف الطريق بينهما وهي عن كل واحدة منهما على نحو خمس عشرة مرحلة وإلى الأكك هذه ينتهي أردو القان صاحب هذه المملكة ولها مدن أخر كما تقدم وهي عن الكفا شمال (4/457)
بغرب وعن صوادق شمال بشرق وبين كل منهما مسيرة يوم وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها صوادق قال في تقويم البلدان بضم الصاد المهملة وواو وفتح الدال المهملة وألف وقاف في الآخر والعامة يقولون سرداق فيبدلون الصاد سينا مهملة والواو راء مهملة وموقعها في آخر الإقليم السابع من الأقاليم السبعة أو في الشمال عنه قال ابن سعيد حيث الطول ست وخسون درجة والعرض إحدى وخمسون درجة قال في تقويم البلدان وهي في ذيل جبل على شط بحر القرم وأرضها محجر وهي مسورة وهي فرضة للتجار ويقابلها من البر الآخر مدينة سامسون من سواحل بلاد الروم الآتي ذكرها قال وأهلها مسلمون وقال ابن سعيد أهلها أخلاط من الأمم والأديان والأمر فيها راجع إلى النصرانية وإليها ينسب الجلد السرداقي المعروف
ومنها كفا قال في تقويم البلدان بفتح الكاف والفاء وألف مقصورة وهي فرضة القرم وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال والقياس أنها حيث الطول سبع وخسمون درجة والعرض خمسون درجة وهي في وطاة من الأرض وهي على ساحل بحر القرم ويقابلها من البر الآخر مدينة طرابزون من سواحل بلاد الروم وهي شرقي صوداق وعليها سور من لبن ومن شماليها وشرقيها صحراء القبجاق وهي عن صوداق في سمت الشرق والكفا وصوداق وصلغات كالأثافي
الإقليم الخامس بلاد الأزق
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة والزاي المعجمة وقاف في الآخر وقاعدته مدينة الأزق بالضبط المعروف موقعها في الإقليم السابع من الأقليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول خمس وستون درجة والعرض ثمان وأربعون درجة قال وإليها ينسب بحر الأزق (4/458)
المعروف في الكتب القديمة ببحر مانيطش وهي فرضة على بحر الأزق في مستو من الأرض عند مصب نهر تان في بحر الأزق وبناؤها بالخشب وبينها وبين القرم نحو خمس عشرة مرحلة وهي في الشرق والجنوب عن القرم ولها مدن أخر منها الكرش قال في تقويم البلدان بفتح الكاف وسكون الراء المهلمة وشين معجمة في الآخر وهي بلدة صغيرة على ساحل بحر الأزق واقعة في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في تقويم البلدان القياس حيث الطول ستون درجة والعرض سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة وهي بلدة صغيرة بين الكفا والأزق على فم بحر الأزق ويقابلها من البر الآخر الطامان من سواحل أرمينية وبلاد الروم وأهلها قبجاق كفار
الإقليم السادس بلاد الجركس
بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الكاف وسين مهملة في الآخر قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه وهو على بحر نيطش من شرقية وهم في شظف من العيش قال وقد غلب عليهم دين النصرانية وقد صار في زماننا منهم أكثر عسكر الديار المصرية من لدن ملك الظاهر برقوق فإنه أكثر الإجلاب منهم (4/459)
الإقليم السابع بلاد البلغار
بضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف ثم راء مهملة في الآخر وهم جنس معروف أيضا قال صاحب حماة في تاريخه وهم منسوبون إلى بلدان يسكنونها
وقاعدتها مدينة بلار بضم الباء الموحدة وفتح اللام وألف وراء مهملة في الآخر قال في تقويم البلدان ويقال لها بالعربي بلغار وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة أو في الشمال عنه قال في الأطوال وطولها ثمانون درجة والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة وهي بلدة في نهاية العمارة قريبة من شط نهر إتل من البر الشمالي الشرقي وهي وصراي في بر واحد وبينهما فوق عشرين مرحلة وهي في وطاة والجبال عنها أقل من يوم وأهلها مسلمون حنفية وليس بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه لشدة بردها والفجل الأسود في غاية الكبر قال السلطان عماد الدين صاحب حماة وقد حكى لي بعض أهلها أن في أول الصيف لا يغيب الشفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر ثم قال وهذا الذي حكاه صحيح موافق لما يظهر بالأعمال الفلكية لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء عدم غيبوبة الشفق في أول فصل الصيف وعرضها أكثر من ذلك فصح ما تقدم على كل تقدير قال في مسالك الأبصار وحكى لي الحسن الإربلي أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصف وهو غاية نقصان الليل قال حسن الرومي وسألت مسعودا المؤقت بها عن هذا فقال جربناه بالآلات الرصدية فوجدناه كذلك تحريرا قال في مسالك الأبصار وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب أنه كان في السرب والبلغار من قديم دار إسلام ومستقر إيمان فأما الآن فقد تبدلت بإيمانها كفرا وتداولها طائفة من عباد الصليب ووصلت منهم رسل إلى حضرة مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة من صاحب السرب والبلغار يعرض نفسه على مودته ويسأله سيفا يتقلده وسنجقا (4/460)
يقهر أعداءه به فأكرم رسله وأحسن نزله وجهز له معه خلعه كاملة طرد وحش بقصب بسنجاب مقندس على مقرح سكندري وكلوتة زركش بطرفين ومنطقة ذهب وكلاليب ذهب وسيف محلى وسنجق سلطاني أصفر مذهب قال وهم يدارون سلطان القبجاق لعظيم سلطانه عليهم وأخذه بخناقهم لقربهم منه وذكر في التعريف قريبا منه ولصاحب السرب مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية يأتي ذكرها في المكاتبات إن شاء الله تعالى
وبين السرب والبلغار وبلاد الترك بلاد منها أقجا كرمان بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الجيم وألف وفتح الكاف والراء المهملة والميم وألف والنون في الآخر وهي بليدة على بحر نيطش المعروف ببحر القرم واقعة في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول خمس وأربعون درجة والعرض خمسون درجة وهي في مستو من الأرض وأهلها أخلاط من مسلمين وكفار وعلى القرب منها يصب نهر طرلو
ومنها صاري كرمان قال في تقويم البلدان بفتح الصاد المهملة وألف وكسر الراء المهملة وياء مثناة تحتية وكرمان على ما تقدم منخرطة في أقجا كرمان وهي بليدة أصغر من أقجا كرمان وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في تقويم البلدان حيث الطول خمس وخمسون درجة والعرض خمسون درجة قياسا ويقابلها من البر الآخر مدينة سنوب من سواحل بلاد الروم وهي شرقي أقجا كرمان المقدم ذكرها وبينهما نحو خمسة عشر يوما وبينها وبين صلغات نحو خمسة أيام (4/461)
الإقليم الثامن بلاد الأولاق
بضم الهمزة وسكون الواو ولام ألف بعدها قاف ويقال لهم البرغال بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام وهم جنس معروف
وقاعدتها مدينة طرنو قال في تقويم البلدان بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الآخر وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمسون درجة قال وهي غربي صقجي على ثلاثة أيام منها وأهلها كفار من الجنس المذكور ولهم بلاد أخرى . منها صقجي قال في تقويم البلدان قال بعض الفقهاء بفتح الصاد المهملة وسكون القاف وكسر الجيم المشربة بالشين المعجمة وفي الاخر مثناة تحتية وهي من أولاق وبلاد القسطنطينية قال في الأطوال حيث الطول ثمان وأربعون درجة وسبع وثلاثون دقيقة والعرض خمسون درجة وهي متوسطة بين الصغر والكبر في مستو من الأرض عند مصب نهر طنا في بحر نيطش المعروف ببحر القرم في الجانب الجنوبي الغربي منه وهي عن أقجا كرمان على مسيرة خمسة أيام وبينها وبين القسطنطينية في البحر عشرون يوما وغالب أهلها مسلمون
الإقليم التاسع بلاد الآص
بفتح الهمزة الممدودة وصاد مهملة وهم جنس معروف (4/462)
وقاعدته قرقر قال في تقويم البلدان بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية وكسر الراء المهملة في الآخر ومعنى اسمها بالتركية أربعون رجلا وموقعها في آخر الإقليم السابع قال في تقويم البلدان القياس أنها حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمسون درجة قال وهي قلعة عاصية على جبل لا يقدر أحد على الطلوع إليه ووسط ذلك الجبل وطاة تسع أهل البلاد وهي بعيدة عن البحر في شمالي صاري كرمان على نحو يوم وعندها جبل عظيم شاهق في الهواء يقال له جاطوطاغ بفتح الجيم وألف وطاء مكسورة وواو ساكنة وطاء مهملة وألف وغين معجمة يظهر للمراكب من بحر القرم
الإقليم العاشر بلاد الروس
بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر وهم جنس معروف قال في تقويم البلدان في شمالي مدينة بلار المذكورة قال صاحب حماة في تاريخه ولهم جزائر أيضا في بحر نيطش وبلار في شماليه قال وقد غلب عليهم دين النصرانية قال في مسالك الأبصار وإذا سافر المسافر على غربي جولمان وصل إلى بلاد الروس ثم إلى بلاد الفرنج وسكان البحر الغربي قال في تقويم البلدان وفي شمالي الروس الذين يبايعون مغايبة ونقل عن بعض من سافر إلى تلك البلاد أنهم يتصلون بساحل البحر الشمالي فإذا وصلوا إلى تخومهم أقاموا حتى يعلموا بهم ثم يتقدمون إلى المكان المعروف بالبيع والشراء ويحط كل تاجر بضاعته معلمة ويرجعون إلى منازلهم فيحضر أولئك القوم ويضعون قبالة تلك البضاعة السمور والثعلب والوشق وما شاكل ذلك ويدعونه ويمضون ثم يحضر التجار فمن أعجبه ذلك أخذه وإلا تركه حتى يتفاصلوا على الرضا
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ علاء الدين بن النعمان أن (4/463)
البلاد التي يجلب منها السمور والسنجاب هي بلار المقدمة الذكر قال ابن النعمان وتجار بلادنا لا يتعدون بلاد البلغار وتجار البلغار يسافرون إلى بلاي جقطاي وتجار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزه وهي في أقصى الشمال ليس بعدها عمارة سوى برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية ليس وراءه مذهب لأحد إلا الظلمات فسئل عن الظلمات فقال صحار وجبال لا يفارقها الثلج والبرد ولا تطلع عليها الشمس ولا ينبت فيها نبات ولا يعيش فيها حيوان متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر الغيم منعقد عليه
واعلم أن صاحب تقويم البلدان قد ذكر عدة أماكن من هذه المملكة سوى ما تقدم ولم ينسبها إلى إقليم
منها كوماجر بضم الكاف وسكون الواو والميم المشددة وألف وجيم وراء مهملة وهي مدينة قريبة من الوسط ما بين باب الحديد والأزق شرقي الأزق وغربي باب الحديد
ومنها مدينة لكز بفتح اللام وسكون الكاف وفي آخرها زاي معجمة وهي مدينة يسكنها جنس من الترك يقال لهم اللكزى وهم في الجبل الفاصل بين تتر مملكة بركة وتتر مملكة هولاكو
ومنها بلاد القيتق بفتح القاف وسكون المثناة تحت وفتح المثناة من فوق وفي آخرها قاف ثانية وهم جنس من الترك يسكنون الجبل المتصل باللكز من شماليه قال في تقويم البلدان وهم قطاع طريق وجبلهم متحكم على باب الحديد
قلت وهذه المملكة أوسع من أن يحاط ببلادها وفيما ذكرناه مقنع لمن تأمله
الجملة الثالثة في ذكر الأنهار العظام والبحيرات الواقعة في هذه المملكة
أما الأنهار فقد ذكر في مسالك الأبصار أن بهذه المملكة سيحون (4/464)
وجيحون المقدم ذكرهما في مملكة ما وراء النهر وذلك أنهما يمتدان من هذه المملكة إلى تلك فيصدق وجودهما في المملكتين وقد تقدم ذكرهما هناك فأغنى عن إعادته هنا
ثم المشهور مما يختص بهذه المملكة خمسة أنهار أحدها نهر أثل بفتح الهمزة وكسر المثلثة ولام في الآخر فعرف بأثل وهي مدينة بلنجر المقدم ذكرها ويقال فيه نهر الأثل بالألف واللام أيضا وهو من أعظم الأنهار بتلك البلاد وأشهرها ذكر في مسالك الأبصار عن الفاضل شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أنه يكون قدر النيل ثلاث مرات أو أكثر قال وأصله من بلاد الصقلب قال في تقويم البلدان وهو يأتي من أقصى الشمال والشرق من حيث لا عمارة ويمر بالقرب من مدينة بلار وهي بلغار ويستدير عليها من شماليها وغربيها ويجري منها إلى بليدة على شطه يقال لها أوكك ثم يتجاوزها إلى قرية يقال لها بلجمن ويجري جنوبا ثم يعطف ويجري إلى الشرق والجنوب ويمر على مدينة صراي من جنوبيها وغربيها فإذا تجاوز مدينة صراي أفترق ويصير على ما قبل ألف نهر ونهر ويصب الجميع في بحر الخزر قال في مسالك الأبصار وتجري فيه السفن الكبار ويسافر فيه المسافرون إلى الروس والصقلب
الثاني نهر طنا قال في تقويم البلدان بضم الطاء المهملة وفتح النون وألف قال في تقويم البلدان وهو نهر عظيم يكون أكبر من دجلة والفرات إذا اجتمعا بكثير قال ويجري من أقصى الشمال إلى جهة الجنوب ويمر في شرقي جبل يسمى قشغا طاغ ومعناه الجبل الصعب وهو جبل فيه أجناس مختلفة من أمم الكفر مثل الأولاق والماجار والسرب وغيرهم فيمر في (4/465)
شرقيه وكلما جرى جنوبا قرب من بحر نيطش المعروف الآن ببحر القرم ولا يزال يتقارب منه ويقرب ما بين الجبل والبحر المذكور حتى يصب فيه في شمالي مدينة صقجي في شمالي القسطنطينية بميلة إلى الغرب
الثالث نهر أزو قال في تقويم البلدان بالزاي المعجمة المفخمة بعد الألف وواو في الآخر قال وهو نهر عظيم يأتي من الشمال شرقي نهر طنا المقدم ذكره ويمر مغربا ثم يعطف ويمر مشرقا حتى يصب في خور من بحر القرم بين صاري كرمان وأقجا كرمان المقدم ذكرهما
الرابع نهر تان قال في تقويم البلدان بتاء مثناة من فوق وألف ممالة ونون في الآخر قال وهو نهر عظيم شرقي أزو المقدم ذكره وغربي نهر الأثل يجري من الشمال إلى الجنوب ويصب في بحيرة مانيطش المعروفة في زماننا ببحر الأزق عند مدينة الأزق من غربيها
الخامس نهر طرلو قال في تقويم البلدان بضم الطاء وسكون الراء المهملتين ولام وواو قال وهو نحو عاصي حماة ويصب على القرب من أقجا كرمان في بحر نيطش المعروف ببحر القرم
وأما البحيرات فالمشهورة بها بحيرة خوارزم وهي بحيرة كبيرة ماؤها ملح قال ابن حوقل دورها مائة فرسخ وفيها يصب نهر جيحون في جانبها الجنوبي وفيها يصب نهر الشاش أيضا وبينها وبين البحر عشرون مرحلة وبينها وبين خوارزم ست مراحل (4/466)
الجملة الرابعة في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة
ولها طريقان طريق في البر وطريق في البحر
فأما طريق البر فقد تقدم في الكلام على مملكة إيران الطريق إلى شط جيحون وقد ذكر في تقويم البلدان أن بين آمل الشط وبين خوارزم نحو اثنتي عشرة مرحلة وذكر في مسالك الأبصار أن بين خوارزم ومدينة صراي نحو شهر ونصف وأن بين خوارزم ومدينة صراي مدينة وجق ومدينة قطلود
وأما طريق البحر فهو أن يركب المسافر إليها في بحر الروم من مدينة الإسكندرية او مدينة دمياط من شمالي الديار المصرية ويسير إلى خليج القسطنطينية المتصل ببحر الروم من جهة الشمال ويركب فيه ويجاوزه إلى بحر نيطش المعروف ببحر القرم ثم إلى بحر مانيطش المعروف ببحر الأزق وينتهي إلى آخره
الجملة الخامسة في الموجود بها
قد ذكر في مسالك الأبصار أن فيها من الحبوب القمح والشعير والدخن ويسمى عندهم الأرزن والماش والجاورس وهو شبيه بحب البرسيم على قلة في القمح والشعير أما الفول فلا يكاد يوجد عندهم وأكثر حبوبهم الدخن ومنه أكلهم وبها من الفواكه جميع أنواع الفواكه إلا النخل والزيتون وقصب السكر والموز والأترج والليمون والنارنج وذكر عن بلاد القبجاق أنها كانت قبل استيلاء التتار عليها معمورة الجوانب وأنها في بقايا تلك العمارة والغراس وأن فيها من الفواكه العنب والرمان والسفرجل والتفاح والكمثرى والمشمش والخوخ والجوز وفاكهة تسمى بلغة القبجاق بانيك شبيهة بالتين وأن الفواكه كثيرة الوجود في جبالهم مع كثرة ما باد منها قال وأما البطيخ فينجب عندهم نجابة خاصة الأصفر وهو في غاية صدق الحلاوة يقددونه (4/467)
ويجففونه فيبقى عندهم من السنة إلى السنة وربما استخرجوا ماءه وصنعوا منه الحلوى وعندهم من الخضروات اللفت والجزر والكرنب وغير ذلك ثم قال وكذلك مدن الجركس والروس والآص وبها العسل الكثير الأبيض اللون اللذيذ الطعم الخالي من الحدة
الجملة السادسة في المعماملات والأسعار بها
أما المعاملات فقد ذكر في مسالك الأبصار عن عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن دينارهم رابح كما في غالب مملكة إيران وهو الذي عنه ستة دراهم وأن الحبوب تباع كلها عندهم بالرطل وذكر أن رطل خوارزم زنته ثلثمائة وثلاثون درهما
وأما الأسعار فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الصدر زين الدين عمر بن مسافر أن الأسعار في جميع هذه المملكة رخية إلى الغاية إلا كركنج أم إقليم خوارزم فإنها متماسكة في أسعار الغلات قل أن ترخص بل إما أن تكون غلية أو متوسطة لا يعرف بها الرخص أبدا ثم ذكر عن شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن الاسعار في خوارزم والسراي لا يكاد يتباين ما بينهما قال والسعر المتوسط عندهم القمح بدينارين ونصف وكذلك الماش والشعير بدينارين وكذلك الدخن والجاورس وربما زاد والغالب أن يكون سعره مماثل سعر القمح واللحم الضأن على السعر المتوسط كل ثلاثة أرطال بدرهم وذكر ابن مسافر أن اللحوم بها رخيصة وأكثر ما يذبح بها الخيل
وأما سكان البر فإن اللحم لا يباع لديهم ولا يشترى لكثرته وغالب أكلهم لحوم الطير واللبن والسمن وإن تلف لأحد منهم دابة من فرس أو بقرة أو شاة أو غير ذلك ذبحها وأكل هو وأهله منها وأهدى لجيرانه فإذا تلف عند من أهدى إليه شيء من ذلك ذبحه أيضا وأهدى لجيرانه فلهذا لا تكاد بيتوهم تخلو من اللحم (4/468)
الجملة السابعة في ذكر ملوك هذه المملكة
قد تقدم أنها قسم من مملكة توران ومملكة توران كانت في القديم بيد افراسياب ملك الترك وتداولها ملوك الترك بعده إلى الفتوح الإسلامية وأسلم من أسلم من ملوكهم
أما خوارزم فتوالت عليها الأيدي حتى صارت إلى محمود بن سبكتكين المقدم ذكره في ملوك غزنة من القسم الأول من هذه المملكة ثم صارت لمسعود ابنه واستناب فيها خوارزم شاه هارون بن الطيطاش ثم قتله غلمانه عند خروجه إلى الصيد واستولى عليها رجل يقال له عبد الجبار ثم وثب غلمان هارون بعبد الجبار فقتلوه وولوا مكانه إسماعيل بن الطيطاش أخا هارون ثم غلبه عليها شاه ملك بن علي ثم غلبه عليها طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق وبقيت بيد السلجوقية المقدم ذكرهم في مملكة إيران إلى أن صارت منهم إلى بركيارق بن ملكشاه بن أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق فاستناب فيها علاء الدين محمد انوشتكين في أيام بركيارق بن ملكشاه بن ميكائيل بن سلجوق السلجوقي ولقب خوارزم شاه في سنة تسعين وأربعمائة
ثم ولي بعده ابنه أطسز بن محمد ثم غلبه على ذلك سنجر بن ملكشاه أخو علاء الدين محمد وأقام بها من يحفظها في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ثم غلبه عليها أطسز بن محمد المقدم ذكره وبقي بها حتى توفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
وملك بعده ابنه أرسلان بن أطسز وتوفي سنة ثمان وستين وخمسمائة وملك بعده ابنه سلطان شاه محمود صغيرا وقامت أمه بتدبير دولته ثم (4/469)
غلب على الملك أخوه علاء الدين تكش ثم غلبه أخوه سلطان شاه وطرده ثم مات سلطان شاه وانفرد تكش بالملك ثم مات في سنة ست وتسعين وخمسمائة
وولي بعده ابنه محمد بن تكش وكان لقبه قطب الدين فتقلب علاء الدين وبقي حتى غلبه جنكزخان وهزمه في سنة تسع عشرة وستمائة ثم مات بعد ذلك ولما ملك جنكزخان أوصى بدشت القبجاق وما معه لابنه طوجي ويقال له دوجي أيضا فمات طوجي في حياة أبيه جنكزخان فلما مات جنكزخان استقر في مملكة ما وراء النهر وما معه باتو بن طوجي بن جنكزخان ثم مات باتو
وملك بعده أخوه بركة بن طوجي وهو الذي تنسب هذه المملكة إليه فيقال فيها بيت بركة بمعنى هذه مملكة بيت بركة كما يقال في مملكة إيران هي مملكة بيت هولاكو قال صاحب الذيل على الكامل وكانت المكاتبة بينه وبين الظاهر بيبرس لا تنقطع وبقي حتى توفي سنة خمس وستين وستمائة عن غير ولد
وملك بعده ابن أخيه منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوجي خان بن جنكزخان وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة
وملك بعده أخوه تدان منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوجي خان ابن جنكزخان وقيل سنة اثنتين وثمانين وستمائة وكان صاحب مصر قد جهز إلى منكوتمر هدية فلم تصل إليه حتى مات واستقر تدان منكو فقدمت إليه فابتهج بها وعادت الرسل بجوابه بذلك وبقي إلى سنة ست وثمانين وستمائة فأظهر الوله وتخلى عن المملكة وانتمى إلى المشايخ والفقراء (4/470)
وملك بعده تلابغا باشارته ابن منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوجي خان بن جنكزخان وبقي حتى قتل في سنة تسعين وستمائة
وملك بعده طقطغا بن منكوتمر بن طغان بن باطوخان بن جنكزخان والذي ذكره قاضي القضاه ولي الدين بن خلدون في تاريخه انه ملك بعد باطوخان أخوه طرطو ثم أخوه بركة ثم منكوتمر بن طغان خان بن باطوخان ابن دوشي خان ثم ابنه تدان منكو ثم أخوه تلابغا ثم أخوه جفطاي ثم ابن أخيه أزبك وهو الذي كان في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية قال في التعريف وخطب إليه السلطان فزوجه بنتا تقرب إليه ثم ابنه جاني بك ثم ابنه بردي بك ثم ابنه طقتمش ثم نائبه ماماي ثم عبد الله بن أزبك ثم قطلقتمر ثم ماماي ثانيا ثم حاجي جركس ثم أيبك خان ثم ابنه قاني بك خان ثم أرص خان ثم طقتمش خان بن بردي بك خان قال ومنه انتزعها تمرلنك وقتله
قلت والمعروف أن تمرلنك لم يملك هذه المملكة أصلا ولا قتل طقتمش وما ذكره وهم فيه
وأول من أسلم من ملوك هذه المملكة من بني جنكزخان بركة بن طوجي ابن جنكزخان وكان إسلامه قبل تملكه حين أرسله أخوه باطوخان لإجلاس منكوخان على كرسي جده جنكزخان فأجلسه وعاد فمر في طريقه على الباخرزي شيخ الطريقة فأسلم على يديه وحسن إسلامه ولم يملك بعد أخيه باطوخان إلا وهو مسلم وتلاه من تلاه من ملوكهم بهذه المملكة في الإسلام حتى كان أزبك خان منهم فأخلص في الإسلام غاية الإخلاص وتظاهر بالديانة والتمسك بالشريعة وحافظ على الصلاة وداوم على الصيام
وقد حكى في مسالك الأبصار عن زين الدين عمر بن مسافر أن ملوك (4/471)
هذه الطائفة مع ظهور الإسلام فيهم وإقرارهم بالشهادتين مخلفون أحكامها في كثير من الأمور واقفون مع ياسة جنكزخان التي قررها لهم وقوف غيرهم من أتباعه مع مؤاخذة بعضهم بعضا أشد المؤاخذة في الكذب والزنا ونبذ المواثيق والعهود وقد جرت عادة ملوكهم أنهم إذا غضبوا على أحد من أتباعهم أخذوا ماله وباعوا أولاده وأن في سلطان هذه المملكة طوائف الجركس والروس والآص وهم أهل مدن عامرة آهله وجبال مشجرة مثمرة ينبت عندهم الزرع ويدر لهم الضرع وتجري الأنهار وتجنى الثمار وهم وإن كان لهم ملوك فهم كالرعايا فإن داروه بالطاعة والتحف كف عنهم وإلا شن عليهم الغارات وضايقهم وحاصرهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وذراريهم وجلب رقيقهم إلى أقطار الأرض ثم قال والقسطنطينية مجاورة لأطراف ملك القبجاق وملك الروم معه في كلب دائم وافتراءات متعددة في كل وقت وملك الروم على توقد جمرته وكثرة حماته وأنصاره يخاف غارته وشره ويتقرب إليه ويداريه ويدافع معه الأيام من وقت إلى وقت منذ تدير ملوك بني جنكزخان هذه المملكة وما تخلو بينهم مدة عن تجديد عهود ومسالمة إلى مدة تؤجل بينهم وأشياء تحمل من جهة ملك الروم إلى ملكهم
الجملة الثامنة في مقدار عسكر هذه المملكة وترتيبها ومقادير الأرزاق الجارية عليهم وزيهم في اللبس
أما مقدار عسكرها فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ علاء الدين ابن النعمان ان عساكرها كثيرة تفوت الحصر لا يعلم لها مقدار إلا أنه خرج مرة عليه وعلى القان الكبير اسنبغا سلطان ما وراء النهرخارج فجرد إليه من كل (4/472)
عشرة واحدا فبلغ عدة المجردين مائتين وخمسين ألفا ممن دخل تحت الإحصاء سوى من انضم إليهم وألزم كل فارس منهم بغلامين وثلاثين راسا من الغنم وخمسة أرؤس من الخيل وقدرين ونحاس وعجلة
وأما ترتيب مملكتهم فحكى عن الشيخ نجم الدين بن الشحام الموصلي أن ترتيب هذه المملكة في أمر جيوشها وسلطانها كما في ترتيب مملكة العراق والعجم في عدة الأمراء والأحكام والخدم ولكن ليس لأمير الألوس والوزير بها تصرف أمير الألوس والوزير بتلك المملكة ولا لسلطان هذه المملكة نظير ما لذلك السلطان من الدخل والمجابي وعدد المدن والقرى ولا مشى أهل هذه المملكة على قواعد الخلفاء مثل أولئك ولخواتين هؤلاء مشاركة في الحكم معهم وإصدار الأمور عنهم مثل أولئك وأكثر إلا ما كانت عليه بغداد بنت جوبان امرأة أبي سعيد بهادر بن خدابندا فإنه لم ير من يحكم حكمها قال المقر الشهابي بن فضل الله وقد وقفت على كثير من الكتب الصادرة عن ملوك هذه البلاد من عهد بركة وما بعده وفيها واتفقت آراء الخواتين والأمراء على كذا وما يجري هذا المجرى
وحكي عن الصدر زين الدين عمر بن مسافر عن أزبك خان سلطان هذه المملكة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون أنه لا التفات له من أمور مملكته إلا إلى جمليات الأمور دون تفصيل الأحوال يقنع بما حمل إليه ولا يبحث عن وجوه القبض والصرف وأن لكل إمرأة من خواتينه جانبا من الحمل وانه يركب كل يوم إلى امرأة منهن يقيم ذلك اليوم عندها يأكل من بيتها ويشرب وتلبسه بدلة قماش كاملة ويخلع التي كانت عليه من اللبس على من يتفق ممن حوله ثم قال وقماشه ليس بفائق الجنس ولا غالي الثمن مع قربه من الرعايا القاصدين له إلا أن يده ليست مبسوطة بالعطاء ولو أراد هذا لما وفى به دخل بلاده فإن غالب رعاياه أصحاب عمل في الصحراء أقواتهم من مواشيهم ونقل عن نظام (4/473)
الدين بن الحكيم الطياري أن لسلطان هذه المملكة على جميعهم خراجا يستأديه منهم وأنهم ربما طولبوا بالخراج في سنة ممحلة لوقوع الموتان بدوابهم أو سقوط الثلج ونحوه فباعوا أولادهم لأداء ما عليهم من الخراج
وأما مقادير أرزاق جندهم فقد حكى عن شجاع الدين عبد الرحمن ان كل من كان بيد آبائه شيء من الإقطاع فهو بيد أبنائه ثم قال والأمراء لهم بلاد منهم من تغل بلاده في السنة مائتي ألف دينار رابح وما دون ذلك إلى مائة ألف دينار رابح
أما الجند فليس لأحد منهم إلا نقود تؤخذ كلهم فيها على السواء لكل واحد منهم في السنة مائتا دينار رابح
وأما زيهم في اللبس فحكى عن شجاع الدين الترجمان أيضا أنه كان زيهم زي عسكر مصر والشام في الدولة الإسلامية وما يناسب ذلك ثم غلب على زيهم زي التتر إلا أنهم بعمائم صغار مدورة
القسم الثالث من مملكة توران مملكة القان الكبير
قال في التعريف وهو أكبر الثلاثة يعني ملوك الأقسام الثلاثة المتقدمة الذكر وهو صاحب الصين والخطا ووارث تخت جنكزخان قال وقد تواترت الأخبار بأنه أسلم ودان بدين الإسلام ورقم كلمة التوحيد على ذوائب الأعلام قال وإن صح وهو المؤمل فقد ملأت الأمة المحمدية الخافقين وعمرت المشرق والمغرب وامتدت بين ضفتي البحر المحيط قال في مسالك الأبصار وهو القائم مقام جنكزخان والجالس على تخته قال وهو كالخليفة على بني عمه من بقية ملوك توران من مملكة إيران وصاحب القبجاق وصاحب ما وراء النهر فإذا تجدد في مملكة أحد منهم مهم كبير مثل لقاء (4/474)
عسكر أو قتل أمير كبير بذنب أو ما يناسب ذلك أرسل إليه وأعلمه به وإن كان لا افتقار إلى استئذانه ولكنها عادة مرعية بينهم
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن نظام الدين بن الحكيم الطياري أنه لم يزل يكتب إلى كل من القانات الثلاثة يأمرهم بالاتحاد والألفة وإذا كتب إليهم بدأ باسمه قبلهم وإذا كتبوا إليه بدؤا باسمه قبلهم قال وكلهم مذعنون له بالتقدم عليهم قال في مسالك الأبصار وأهل هذه المملكة هم أهل الأعمال اللطيفة والصنائع البديعة التي سلمت إليهم فيها الأمم وقد تكتب الكتب من أحوالهم بما أغنى عن ذكره قال ومن عادة المجيدين في الصنائع أنهم إذا عملوا عملا بديعا حملوه إلى باب الملك وعلق عليه ليراه الناس ويبقى سنة فإن سلم من عائب أسدى إلى صاحبه الإحسان وإن عيب وتوجه العيب وضع قدر الصانع ولم يوجه العيب على من عابه
وقد حكى المسعودي في مروج الذهب أن صانعا منهم صور عصفورا على سنبلة في نقش ثوب كمخا وعلقه فاستحسنه كل من رآه حتى مر به رجل فعابه باستقامة السنبلة لأن العصفور من شأنه إذا وضع على السنبلة أمالها
وحكى في مسالك الأبصار عن بدر الدين حسن الإسعردي أن بعض صناعهم عمل ثيابا من الورق وباعها على أنها من الكمخاوات الخطائية لا يشك فيها شاك ثم أظهرهم على ذلك فعجبوا منه
وحكي عن الشريف حسن السمرقندي أنه كان بهذه البلاد فشكا ضرسه فأراه لرجل من الخطا فوضع يده عليه فأخرج منه قطعة متأكلة ووضع مكانها قطعة من ضرس أجنبي ودهنه بدهن وأمره أن لا يشرب ماء يومه فالتصق حتى (4/475)
صار كأنه من أصل الخلقة إلا أن لون الأول يبين من اللون الثاني وذكر المقر الشهابي أنه أراه له بحضرة الشيخ شمس الدين الأصفهاني وجماعة من أهل العلم قال بدر الدين حسن الإسعردي ولقد رأيت منهم من هذه الأعمال ما يحار فيه العقل
ويحصل الغرض منه في خمس جمل
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم
واعلم أن هذه المملكة هي أوسع ممالك بني جنكزخان وأفسحها جوانب وأكثرها أقاليم وأوفرها مدنا غير أنها بعيدة المسافة منقطعة الأخبار فجهلت لذلك أسماء أقاليهما وتعذرت الإحاطة بأقطارها ونحن نورد منها ما شاع ذكره في سائر الآفاق وانتشر ونقنع من التفصيل بالجملة ونكتفي من البحر بالنغبة
والقول الجملي في ذلك أنه يشتمل على إقليمين عظيمين
الأقليم الأول الصين
بكسر الصاد المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر قال في تقويم البلدان ويحيط به من جهة الغرب المفاوز التي بينه وبين الهند ويحيط به من جهة الجنوب البحر يعني بحر الهند ويحيط به من جهة الشرق البحر المحيط ويحيط به من جهة الشمال أرض يأجوج ومأجوج وغيرها من الأراضي المنقطعة الأخبار عنا ثم قال وقد ذكر أصحاب المسالك والممالك في (4/476)
كتبهم بلادا كثيرة ومواضع وأنهارا وغيرها في إقليم الصين ولم يقع لنا ضبط أسمائها ولا تحقيق أحوالها فصارت كالمجهولة لنا لعدم من يصل من تلك النواحي من المسافرين إلينا لنستعلم منه أخبارها فأضربنا عن ذكرها
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشريف تاج الدين حسن بن الجلال السمرقندي وهو من السفار وممن جال الآفاق ودخل الصين وجال بلاده وجاب آفاقه وجاس خلاله وجال في أقطاره أن بالصين ألف مدينة وأنه دار الكثير منها قال وبلاد الصين كلها عمارة متصلة من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية
وقاعدة هذه المملكة خان بالق قال في تقويم البلدان بفتح الخاء المعجمة ثم ألف ونون ساكنة وباء موحدة مفتوحة ثم ألف ولام مكسورة وقاف في الآخر قال وهي مدينة من أقاصي الشرق عند بلاد الخطا واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول مائة وأربع عشرة درجة والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة وهي قاعدة مشهورة على ألسنة التجار وأهلها من جنس الخطا وعندهم معادن الفضة قال ابن سعيد ويذكر عن عظم هذه المدينة ما يستبعده العقل قال في مسالك الأبصار نقلا عن الشريف حسن بن الجلال السمرقندي إن مدينة خان بالق المذكورة مدينتان قديمة وجديدة والجديدة منهما اسمها ديدو بناها ديدو آخر ملوكها فسميت باسمه والقان الكبير ينزل بوسطها في قصر عظيم يسمى كوك طاق ومعناه بلغة المغل القصر الأخضر لأن طاق معناه عندهم القصر وكوك معناه الأخضر ومنازل الأمراء حوله خارج القصر قال وهي مدينة طيبة واسعة الأقوات رخية الأسعار ويجمد بها الماء في زمن الشتاء فيصير كالثلج فيرفع إلى أيام الصيف حتى يبرد به الماء كما يبرد بالثلج ويشق مدينة ديدو المذكورة نهر
وبها أنواع الفواكه إلا العنب فإنه قليل بها وليس بها نارنج ولا ليمون ولا (4/477)
زيتون ثم يعمل بها السكر وبها من الزرع والجمال والخيل والبقر والغنم ما لا يدخل تحت الإحصاء
وبالصين مدن مشهورة سواها منها قراقوم قال في تقويم البلدان بفتح القاف والراء المهملة ثم ألف وقاف مضمومة وواو ساكنة وميم قال وهي مدينة في أقاصي بلاد الترك الشرقية ومعنى قراقوم باللغة التركية الرمل الأسود لأن قرا في لغتهم بمعنى الأسود وقم بمعنى الرمل ويقع في كثير من الكتب قراقرم بإبدال الواو راء وهو خطأ وإنما كتبت الواو بها بعد القاف دليلا على الضمة على عادتهم في ذلك وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول مائة وست وخمسون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة قال وهي كانت قاعدة التتر وفي جهاتها بلاد المغل وهم خالصة التتر ومنها خاناتهم قال الشريف حسن بن الجلال السمرقندي وفيها غالب عساكر القان الكبير وبها يعمل القماش الفاخر والصنائع الفائقة وغالب ما يحتاج إليه القان يستدعى منها لأنها دار استعمال وأهلها أهل صنائع فائقة قال في مسالك الأبصار وهي قرية جنكزخان التي أخرجته وعريسته التي أدرجته
ومنها الخنساء قال في تقويم البلدان بالخاء المعجمة والنون والسين المهملة وألف وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في تقويم البلدان حيث الطول مائة وخمس وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة قال وعن بعض المسافرين من بلادنا أن الخنساء في هذا الزمان أعظم فرض الصين وإليها ينتهي وصول التجار المسافرين من بلادنا قال الشريف السمرقندي وطول الخنساء يوم كامل وعرضها نصف يوم وفي وسطها سوق واحد ممتد من أولها إلى آخرها وأسواقها (4/478)
مبلطة بالبلاط وبناؤها خمس طبقات بعضها فوق بعض وكلها مبنية بالأخشاب والمسامير وشرب أهلها من الآبار وأهلها في قشف عظيم وغالب أكلهم لحم الجاموس والإوز والدجاج وفيها الأرز والموز وقصب السكر والليمون وقليل الرمان وأسعارها متوسطة وتجلب إليها الغنم والقمح على قلة ولا يوجد فيها من الخيل إلا ما قل عند أعيانها وأما الجمال فلا توجد فيها البتة فإن دخلها جمل تعجبوا منه ونقل في مسالك الأبصار أن بينها وبين جالق بالق أربعين يوما وحكى عن الصدر صدر الدين عبد الوهاب بن الحداد البغدادي أنه وصل إلى الخنساء ووصف عظمة بنائها ومنعة رفعة مدينتها مع تشحط الأقوات بها ووفور المكاسب فيها ورخص الدقيق الجيد فيها وفي جميع تلك البلاد قال وأهلها يتفاخرون بكثرة الجواري السراري حتى إنه ليوجد لأحد التجار وآحاد الناس أربعون سرية فما زاد على ذلك
ومنها الزيتون قال في تقويم البلدان عن بعض المسافرين الثقات هي بلفظ الزيتون الذي يعتصر منه الزيت وهي فرضة من فرض الصين موقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول مائة وأربع عشرة درجة والعرض سبع عشرة درجة قال وهي مدينة مشهورة على ألسنة التجار المسافرين إلى تلك البلاد وهي على خور من البحر والمراكب تدخل إليها من بحر الصين في الخور المذكور وقدره نحو خمسة عشر ميلا ولها نهر عند رأس الخور المذكور
وذكر في مسالك الأبصار عن الشريف السمرقندي أن مدينة الزيتون على البحر المحيط وهي آخر العمارة قال وبينها وبين جالق بالق شهر واحد
ومنها السيلي قال في تقويم البلدان بالسين المهملة والياء المثناة التحتية ولام وياء ثانية ثم قال هكذا وجدناه في الكتب قال ويقال لها (4/479)
سيلا يعني باللام ألف ورأيت في بعض الكتب سيلان بزيادة نون بعد اللام ألف قال وهي مدينة في أقصى الصين الشرقي خارجة عن الإقليم الأول إلى الجنوب قال في القانون حيث الطول مائة وسبعون درجة والعرض خمس درج وهي في أعالي الصين من الشرق كجزائر الخالدات في بحر الغرب لكن هذه معمورة في خصب بخلاف تلك
ومنها جمكوت قال في تقويم البلدان بالجيم والميم والكاف ثم واو وتاء فوقية في الآخر قال كذا وجدناها مكتوبة واسمها عند الفرس جماكرد قال وهي مدينة في أقصى العمارة الشرقية خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال في الأطوال وهي على خط الاستواء لا عرض لها قال في تقويم البلدان وهي على النهاية الشرقية مثل ما يحكى عن الجزائر الخالدات في النهاية الغربية قال وليس شرقي جمكوت عمارة أصلا
ومنها مدن أخرى مذكورة في الكتب مجهولة الضبط : إحداها مدينة ينجو وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول مائة وخمس وعشرون والعرض اثنتان وعشرون وقد ذكر في القانون أنها مستقر ملكهم الأكبر الملقب بطمغاج
ومنها مدينة خانقو بخاء معجمة وألف ونون وقاف ثم واو وهي مدينة على النهر واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول مائة وستون درجة والعرض أربع عشرة درجة قال في تقويم البلدان وهي من أبواب الصين قال ابن سعيد وموقعها على شرقي نهر خمدان قال ابن خرداذبة وهي المرفأ الأكبر وفيها الفواكه الكثيرة والبقول والحنطة والشعير والأرز والعنب والسكر
ومنها مدينة خانجو بإبدال القاف من المدينة السابقة جيما وهي مدينة على النهر واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول مائة واثنتان وستون درجة والعرض أربع عشرة درجة قال في القانون وهي من أبواب الصين (4/480)
ومنها مدينة سوسة بسينين مهملتين بينهما واو ساكنة وفي الاخر هاء
قال في تقويم البلدان وهي مدينة مشهورة كثيرة التجار متصلة العمارة وبها يصنع الفخار الصيني الذي لا يفوقه ولا يعدله شيء من أعمال الصين قال وهي على شرقي نهر خمدان
الإقليم الثاني بلاد الخطا
بكسر الخاء المعجمة وفتح الطاء المهملة وألف في الآخر وهم جنس من الترك بلادهم في متاخمة بلاد الصين
وقد ذكر في مسالك الأبصار مدينة قمجوهي بقاف وميم وجيم وواو ثم هاء وياء آخر الحروف وقال إنها اول بلاد الخطا وإن منها إلى جالق بالق أربعين يوما بل ذكر أن مدينة جالق بالق التي هي قاعدة هذه المملكة من بلاد الخطا
الجملة الثانية في معاملة هذه المملكة وأسعارها
أما معاملتها فقال في مسالك الأبصار حدثني الفاضل نظام الدين ابن الحكيم أن معاملتهم بقشور من لحاء شجر التوت مطبوعة باسم القان فإذا عتق ذلك حمله صاحبه إلى نواب هذا القان وأخذ عوضه مع خسارة لطيفة كما يؤخذ في دار الضرب مما يحمل إليها من الذهب والفضة ليضرب بها وذكر عن الشريف حسن السمرقندي أن فيها كبارا وفيها صغارا فمنها ما يقوم في المعاملة مقام الدرهم الواحد ومنها ما يقوم مقام درهمين ومنها ما يقوم مقام خمسة دراهم وأكثر إلى ثلاثين وأربعين وخمسين ومائة وقد تقدم في الكلام على جالق بالق (4/481)
والخنساء ذكر ما بهما من الحيوان والحبوب والبقول وغير ذلك
الجملة الثالثة في الطريق الموصل إلى هذه المملكة
قد حكى في مسالك الأبصار عن الشريف تاج الدين السمرقندي أن من سمرقند من بلاد ما وراء النهر إلى سيلي عشرين يوما ومن سيلي المذكورة إلى ألمالق عشرين يوما ومن ألمالق إلى قراخوجا إلى قمجوهي إلى خان بالق أربعين يوما ثم قال ومن خان بالق إلى الخنساء طريقان طريق في البر وطريق في البحر وفي كل من الطريقين من خان بالق إلى الخنساء أربعون يوما وذكر في الكلام على مملكة بيت بركة عن حسن الإربلي أن المسافر إذا سافر من جولمان على شرقيها وصل إلى مدينة قراقوم
الجملة الرابعة في ذكر ملوكها
قد ذكر المسعودي في مروج الذهب عدة ملوك من ملوك الصين قبل الإسلام وبعده أسماؤهم أعجمية لا حاجة بذكرها والمقصود معرفة حالها في أيام بني جنكزخان القائمين بها إلى الآن
قد تقدم في الفصل الأول من هذا الباب الكلام على مبتدأ أمر جنكزخان وكيفية مصير الملك إليه فأغنى عن إعادته هنا
ثم لما ملك جنكزخان أوصى بتخته المستولي فيه على هذا القسم من المملكة لولده الصغير أوكداي ومات جنكزخان فاستقر ولده أوكداي ثم استقر في هذه المملكة مكانه ابنه كيوك ثم مات
فملك بعده منكوقان بن طولي بن جنكزخان ومات سنة ثمان وخمسين وستمائة (4/482)
فملك بعده أري بكا ثم قبلي خان ثم دمرياق ثم قرماي ثم ترقاي كيزي ثم قيان قان ثم سند مرقان بن طولي بن جنكزخان وهو الذي كان في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية ثم انقطع خبرهم فلم يعلم من ملك منهم وملوك هذه المملكة من بني جنكزخان كفار يدينون بتعظيم الشمس واقفون في الأحكام مع ياسة جدهم جنكزخان المقدم ذكرها في الفصل الأول قال في مسالك الأبصار ذكر لي الفاضل نظام الدين ابن الحكيم الطياري الكاتب البوسعيدي أنهم على ما هم عليه من الجاهلية على السيرة الفاضلة الشاملة لأهل مملكتهم ومن يرد إليها قال الشريف السمرقندي ومن عجائب ما رأيت في مملكة هذا القان أنه مع كفره في رعاياه من المسلمين أمم كثيرة وهم عنده مكرمون محترمون ومتى قتل أحد من الكفار مسلما قتل القاتل الكافر هو وأهل بيته ونهبت أموالهم وإن قتل مسلم كافرا لا يقتل به بل يطلب بديته ودية الكافر عندهم حمار لا يطلب بغيره
الجملة الخامسة في عسكره
قال بدر الدين حسن الإسعردي التاجر وهذا القان ذو عسكر مديد قال والذي اعلم من حاله أن له اثني عشر ألف بازدار يركبون الخيل وعساكره من المغل عشرون تومانا وهي مائتا ألف فارس اما من الخطا فمما لا يحصى
الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة
قال الشريف تاج الدين السمرقندي وترتيب هذه المملكة أن لهذا القان أميرين كبيرين هما الوزراء يسمى كل من يكون في هذه الرتبة جنكصان (4/483)
ودونهما أميران آخران يسمى كل منهما بنجار ودونهما أميران آخران يسمى كل منهما زوجين ودونهما أميران آخران يسمى كل منهما بوجين قال وله كاتب هو رأس كتابه يسمى لنجون وهو بمنزلة كاتب السر في بلادنا والقان يجلس في كل يوم في صدر دار فسيحة تسمى شن بمثابة دار العدل عندنا ويقف الأمراء المذكورون حوله عن اليمين وعن الشمال على مقادير رتبهم ورأس الكتاب المسمى لنجون فإذا شكا أحد شكوى أو سأل حاجة أعطى قصته رأس الكتاب المذكور فيقف عليها ثم يوصلها إلى أحد الأميرين اللذين يليانه وهما أصغر الكل فيقف عليها هو ومن معه ثم يوصلانها إلى من يليهما في الرتبة وهكذا إلى أن تصير إلى القان فيأمر فيها بما يراه وذكر عن الشريف أبي الحسن الكربلاي وكان ممن اجتمع بالقان في هذه البلاد أن لهذا القان أربعة وزراء يصدرون الأمر في مملكته كلها ولا يراجع القان إلا في القليل النادر قال وإذا أراد القان أن يركب ركب في محفة ولا يظهر للناس إلا في يوم واحد وهو مثل يوم مولده في كل سنة فإنه يركب فرسا ويخرج إلى الصحراء ويعمل بها من الأطعمة والسماطات ما يغمر الناس ويكون مثل يوم العيد عندهم (4/484)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد واله وصحبه
المقصد الثاني في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية
قد تقدم في الكلام على مملكة الديار المصرية ومضافاتها ذكر جزيرة العرب وأنه يحدها من جهة الغرب بحر القلزم ومن جهة الجنوب بحر الهند ومن جهة الشرق بحر فارس ومن جهة الشمال الفرات
وأنها تحتوي الحجاز ونجدا وتهامة واليمن واليمامة والبحرين وقطعة من بادية الشام وقطعة من بادية العراق
وتقدم هناك الكلام على ماهو مضاف إلى مملكة الديار المصرية
منها مكة والمدينة على الحال بها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام والينبع وما هو من بادية الشام كتدمر ونحوها
والمقصود هنا الكلام على باقي أقطارها التي لم تدخل في مضافات الديار المصرية ويتوجه القصد منها إلى ثلاثة أقطار
القطر الأول اليمن
قال في اللباب بفتح المثناة التحتية والميم وفي اخرها نون
قال وينسب إليه يمني ويماني
وهو قطعة من جزيرة العرب يحدها من الغرب بحر (5/3)
القلزم ومن الجنوب بحر الهند ومن الشمال بحر فارس ومن الشرق حدود مكة حيث الموضع المعروف بطلحة الملك وما على سمت ذلك إلى بحر فارس
وقد وردت السنة بتفضيله بقوله الإيمان يمان
واختلف في سبب تسميته باليمن فقيل سمي بيمن بن قحطان
وقيل إن قحطان نفسه كان يسمى بيمن
وقيل سمي بيمن بن قيدار
وقيل سمي بذلك لأنه عن يمين الكعبة
قال ابن الكلبي سميت بذلك لتيامنهم إليها
قال ابن عباس استتب الناس وهم العرب فتيامنوا إلى اليمن فسميت بذلك
وقيل تيامنت بنو يقطن إليها فسميت بذلك
وقيل لما كثر الناس بمكة وتفرقوا عنها التأمت بنو يمن إلى اليمن وهو أيمن الأرض
وهو إقليم متسع له ذكر في القديم وبه كان قوم سبإ المنصوص خبرهم في سورة سبإ وبلقيس المذكور عرشها في سورة النمل (5/4)
وقد ذكر البكري أن عرضه ست عشرة مرحلة وطوله عشرون مرحلة
قال في مسالك الأبصار وله ذكر قديم
قال وهو كثير الأمطار ولكن لا تنشأ منه السحب ويمطر في الغالب من وقت الزوال إلى أخريات النهار
قال الحكيم صلاح الدين محمد بن البرهان وأكثر مطره في أخريات الربيع إلى وسط الصيف
وهو إلى الحر أميل وبه الأنهار الجارية والمروج الفيح والأشجار المتكاثفة في بعض أماكنه وله ارتفاع صالح من الأموال وغالب أمواله موجبات التجار الواصلين من الهند ومصر والحبشة مع مالها من دخل البلاد
وذكر عن الحكيم صلاح الدين المذكور أن لأهل اليمن سيادات بينهم محفوظة وسعادات عندهم ملحوظة ولأكابرها حظ من رفاهية العيش والتنعم والتفنن في المأكل يطبخ في بيت الرجل منهم عدة ألوان ويعمل فيها السكر والقلوب وتطيب أوانيها بالعطر والبخور ويكون لأحدهم الحاشية والغاشية وفي بيته العدد الصالح من الإماء وعلى بابه جملة من الخدم والعبيد والخصيان من الهند والحبوش ولهم الديارات الجليلة والمباني الأنيقة إلا الرخام ودهان الذهب واللازورد فإنه من خواص السلطان لا يشاركه فيه غيره من الرعايا
وإنما تفرش دور أعيانهم بالخافقي ونحوه على أن ابن البرهان قد غض من اليمن في أثناء كلامه فقال واسم اليمن أكبر منه لا تعد في بلاد الخصب بلاده (5/5)
وذكر في مسالك الأبصار أنه ليس باليمن أسواق مرضية دائمة إنما يقام لها سوق يوم الجمعة تجلب فيه الأجلاب ويخرج أرباب الصنائع والبضائع بضائعهم وصنائعهم فيبيع من يبيع ويشتري من يشتري من أعوزه شيء في وسط الجمعة لا يكاد يجده إلا المأكل
ثم اليمن على قسمين
القسم الأول التهائم
وهي المنخفض من بلاده قال في مسالك الأبصار وهي باردة الهواء طيبة المسكن
وفيه أربع جمل
الجملة الأولى في ذكر ما اشتمل عليه من القواعد والمدن
قال في مسالك الأبصار وهو يشتمل على عدة بلاد وقلاع وحصون حصينة ولكن يفصل البر ما بين بعضها عن بعض وبه قاعدتان
القاعدة الأولى تعز
وهي مصيف صاحب اليمن قال في تقويم البلدان بكسر المثناة من فوق والعين المهملة وزاي معجمة في الاخر وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال والقياس حيث الطول خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة (5/6)
والعرض ثلاث عشرة درجة وأربعون دقيقة
قال وهي في زماننا هذا مقر ملوك اليمن يعني من أولاد رسول الاتي ذكرهم في الكلام على ملوكه
ثم قال وهي حصن في الجبال مطل على التهائم وأراضي زبيد وفوقها منتزه يقال له مهلة قد ساق له صاحب اليمن المياه من الجبال التي فوقها وبنى فيها أبنية عظيمة في غاية الحسن في وسط بستان هناك
قال في الروض المعطار ولم تزل حصنا للملوك
قال وهو بلد كثير الماء بارد الهواء كثير الفاكهة
قال ولسلطانهم بستان يعرف بالينعات فيه قبة ملوكية ومقعد سلطاني فرشهما وأزرهما من الرخام الملون وبهما عمد قليلة المثل يجري فيهما الماء من نفثات تملأ العين حسنا والأذن طربا بصفاء نميرها وطيب خريرها وترمي شبابيكهما على أشجار قد نقلت إليه من كل مكان تجمع بين فواكه الشام والهند لا يقف ناظر على بستان أحسن منه جمعا ولا أجمع منه حسنا ولا أتم صورة ولا معنى
القاعدة الثانية زبيد
وهي مشتى صاحب اليمن من بني رسول
قال في تقويم البلدان بفتح الزاي المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت ودال مهملة
وهي مدينة من تهائم اليمن
قال في العبر بناها محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد بن أبيه في خلافة المأمون
وموقعها في أوائل الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول أربع وستون درجة وعشرون دقيقة والعرض أربع عشرة درجة وعشر دقائق
قال في العبر وهي مدينة مسورة (5/7)
وبها كان مقام بني زياد ملوك اليمن وهم الذين بنوها ثم غلب عليها بنو الصليحي ثم صارت قاعدة بني رسول
وهي قصبة التهائم وهي مبنية في مستو من الأرض عن البحر على أقل من يوم وماؤها من الابار وبها نخيل كثيرة وعليها سور وفيها ثمانية أبواب
قال البيروني وهي فرضة اليمن وبها مجتمع التجار من الحجاز ومصر والحبشة ومنها تخرج بضائع الهند والصين
قال المهلبي ولها ساحل يعرف بغلافقة وبينهما خمسة عشر ميلا
قال في مسالك الأبصار وهي شديدة الحر لا يبرد ماؤها ولا هواؤها وهي أوسع رقعة وأكثر بناء ولها نهر جار بظاهرها ومساكن السلطان فيها في نهاية العظمة من فرش الرخام والسقوف
وباليمن عدة مدن سوى القواعد المتقدمة الذكر
منها عدن
قال في تقويم البلدان بفتح العين والدال المهملتين ونون في الاخر
وهي من تهائم اليمن
قال وهي خارجة إلى الجنوب عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة والعرض تسع عشرة درجة
قال في الروض المعطار وأول من نزلها عدن بن سبإ فعرفت به
قال في تقويم البلدان ويقال لها عدن أبين بفتح الهمزة (5/8)
وسكون الباء الموحدة وفتح المثناة التحتية ثم نون وقال في المشترك عن سيبويه بكسر الهمزة وهو رجل من حمير أضيفت إليه عدن
قال في العبر وهو أبين بن زهير بن الغوث بن أيمن بن الهميسع بن حمير
وذكر الأزهري أن سبب تسميتها بذلك أن الحبشة عبرت في سفنهم إليها وخرجوا منها فقالوا عدونه يريدون خرجنا فسميت عدن لذلك
وقيل مأخوذة من قولهم عدن بالمكان إذا أقام به
وهي على ساحل البحر ذات حط وإقلاع
قال في مسالك الأبصار وهي أعظم المراسي باليمن وتكاد تكون ثالثة تعز وزبيد في الذكر وبها قلعة حصينة مبنية وهي خزانة مال ملوك اليمن إلا أنه ليس بها زرع ولا ضرع وهي فرضة اليمن ومحط رحال التجار لم تزل بلد تجارة من زمن التبابعة وإلى زماننا عليها ترد المراكب الواصلة من الحجاز والسند والهند والصين والحبشة ويمتار أهل كل إقليم منها ما يحتاج إليه إقليمهم من البضائع
قال صلاح الدين بن الحكيم ولا يخلو أسبوع من عدة سفن وتجار واردين عليها وبضائع شتى ومتاجر منوعة والمقيم بها في مكاسب وافرة وتجائر مربحة ولحط المراكب عليها وإقلاعها مواسم مشهورة فإذا أراد ناخوذة السفر بمركب إلى جهة من الجهات أقام فيها علما برنك خاص به فيعلم التجار بسفره ويتسامع الناس فيبقى كذلك أياما ويقع الاهتمام بالرحيل وتسارع التجار في نقل أمتعتهم وحولهم العبيد بالقماش السري والأسلحة النافعة وتنصب على الشاطيء البحر الأسواق ويخرج أهل عدن للتفرج هناك
قال في العبر ويحيط بها من جهة شماليها على بعد جبل دائر إلى البحر (5/9)
ينثقب فيه من طرفيه ثقبان كالبابين بينهما على ظهر الجبل مسيرة أربعة أيام وليس لأهلها دخول ولا خروج إلا على الثقبين أو من البحر
وكان ملكها لبني معن ابن زائد ثم لبني زياد أصحاب زبيد ثم انتزعها منهم احمد بن المكرم الصليحي وصفا الملك فيها لبني الزريع منهم وبقيت بأيديهم حتى ملكها منهم توران شاه بن أيوب أول ملوك اليمن من الأيوبية ومن الأيوبية انتقلت لبني رسول ملوك اليمن الآ ن
وذكر في مسالك الأبصار عن الحكيم صلاح الدين بن البرهان أنه أقام بها مدة وقال إن المقيم بها يحتاج إلى كلفة في النفقات لارتفاع الأسعار بها في الماكل والمشارب ويحتاج المقيم بها إلى ما يتبرد به في اليوم مرات في زمن قوة الحر
قال ولكنهم لا يبالون بكثرة الكلف ولا بسوء المقام لكثرة الأموال النامية
ومنها ظفار
قال في تقويم البلدان بفتح الظاء المعجمة والفاء وألف وراء مهملة
قال وهي من تهائم اليمن من أوائل الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول سبع وستون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة وثلاثون دقيقة
قال السهيلي وهي مدينة عظيمة بناها مالك بن أبرهة ذي المنار (5/10)
وذكر في العبر أنها كانت دار ملك التبابعة وخربها أحمد الناخوذة سنة تسع عشرة وستمائة لأنها لم يكن لها مرسى وبنى على الساحل مدينة ظفار بالضم وسماها الأحمدية
قال في تقويم البلدان وهي مدينة على ساحل خور قد خرج من البحر الجنوبي وطعن في البر في جهة الشمال نحو مائة ميل ومدينة ظفار على طرفه ولا تخرج المراكب من ظفار في هذا الخور إلا بريح البر ويقلع منها في الخور المذكور إلى الهند
قال وهي قاعدة بلاد الشحر ويوجد في أرضها كثير من نبات الهند كالرانج والتنبل وشمالي ظفار رمال الأحقاف التي كان بها قوم عاد وهي المذكورة في القران وبينها وبين صنعاء أربعة وعشرون فرسخا
قال وعن بعضهم أن لها بساتين على السواني
قال في مسالك الأبصار وهي في زماننا لأولاد الواثق ابن عم صاحب اليمن
قال وهم وإن أطلق عليهم اسم الملك نواب له
وذكر أن البضائع منها تنقل في زوارق حتى تخرج من خورها ثم توسق في السفن
قال في العبر وكانت منزلة الملوك في صدر الدولتين (5/11)
ومنها حلي
قال في تقويم البلدان بفتح الحاء المهملة وسكون اللام ثم ياء مثناة من تحت
وهي بلدة من اليمن واقعة في الإقليم الأول
قال في الأطوال حيث الطول ست وستون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي من أطراف اليمن من جهة الحجاز وتعرف بحلي ابن يعقوب
ومنها المهجم
قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون الهاء وجيم وميم
وهي مدينة من تهائم اليمن واقعة في الإقليم الأول
قال في الأطوال حيث الطول أربع وستون درجة والعرض ست عشرة درجة
قال في تقويم البلدان وهي من أجل مدن اليمن وهي عن زبيد ثلاثة أيام وهي في الشرق والشمال عن زبيد وعن صنعاء على ست مراحل
قال الإدريسي ومن عدن على ست مراحل
ومنها حصن الدملوة
قال في تقويم البلدان بكسر الدال المهملة وسكون الميم ثم لام وواو وهاء في الاخر
وهو حصن من حصون اليمن واقع في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال أبو العقول حيث الطول أربع وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض أربع عشرة درجة
قال في تقويم البلدان وهو حصن في شمال عدن في جبال اليمن
قال ابن سعيد وهو على الجبل الممتد من الجنوب إلى الشمال وهو خزانة صاحب اليمن ويضرب بامتناعه وحصانته المثل
ومنها الشرجة
قال في تقويم البلدان بفتح الشين المعجمة (5/12)
وسكون الراء المهملة وجيم وهاء
وهي ميناء على ساحل البحر واقعة في الإقاليم الأول في الإقاليم السبعة
قال في القانون حيث الطول خمس وستون درجة والعرض سبع عشرة درجة وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي صغيرة وبيوتها أخصاص
ومنها جبلة قال في تقويم البلدان بضم الجيم وسكون الباء الموحدة ولام مفتوحة وهاء
وهي مدينة بين عدن وصنعاء واقعة في الإقليم الأول
قال وقياس قول أبي العقول أنها حيث الطول خمس وستون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة وعشر دقائق
قال وهي على نهرين ولذلك يقال لها مدينة النهرين
قال بعض الثقات وبينها وبين تعز دون يوم وهي عن تعز في الشرق بميلة يسيرة إلى الشمال
ومنها الجند
قال في اللباب بالجيم والنون المفتوحتين ودال مهملة في الاخر
وهي مدينة شمالي تعز على نحو نصف مرحلة منها واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة والعرض أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة
وهي عن صنعاء على ثمانية وأربعين فرسخا وعن ظفار على أربعة وعشرين فرسخا
وقال الشريف الإدريسي هي بين ذمار وبين زبيد
وهو بلد جليل به مسجد جامع ينسب لمعاذ بن جبل الصحابي رضي الله عنه وعلى القرب من الجند وادي سحول ومنه يسير في صحارى إلى جبل عرضه أحد وعشرون فرسخا ثم يسير في صحراء ورمال إلى مدينة زبيد
والجند بلد وخم في غاية الوخامة (5/13)
ومنها سرين
قال في اللباب بكسر السين المهملة وفتح الراء المهملة المشددة وسكون المثناة من تحت ونون في الاخر
وهي بلدة على تسعة عشر فرسخا من حلي في جهة الشمال منها واقعة في اخر الإقليم الأول
قال في الأطوال حيث الطول ست وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض عشرون درجة
وقال المهلبي هي مدينة على ساحل البحر على أربعة أيام من مكة
قال الإدريسي وهي على القرب من قرية يلملم ميقات أهل اليمن للإحرام
ومنها مرباط
قال في تقويم البلدان بكسر الميم وسكون الراء المهملة ثم باء موحدة وألف بعدها طاء مهملة
وهي بليدة على ساحل خور ظفار المقدم ذكره
قال وهي خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب أو منه
قال في الأطوال حيث الطول اثنتان وسبعون درجة والعرض اثنتا عشرة درجة
قال ابن سعيد وهي في الشرق والجنوب عن ظفار
قال الإدريسي وقبر هود عليه السلام منها على خمسة أيام
قال في نزهة المشتاق وبجبال مرباط ينبت شجر اللبان ومنها يجهز إلى البلاد
ومنها بلاد مهرة
قال في تقويم البلدان بفتح الميم ثم هاء ساكنة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الاخر
والمراد بمهرة بنو مهرة بن حيدان قبيلة من قبائل اليمن وقد بسطت القول على ذلك في كتابي المسمى بنهاية الأرب في معرفة قبائل العرب
وموقعها في الإقليم الأول
قال في الأطوال واخرها حيث الطول خمس وسبعون درجة والعرض ست عشرة درجة
قال في تقويم البلدان وليس بها نخيل ولا زرع وإنما اموال أهلها الإبل
قال وألسنتهم مستعجمة لا يكاد يوقف عليها وينسب إليها البخت المفضلة ويحمل منها اللبان إلى الافاق (5/14)
ومنها الشحر بكسر الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة وراء مهملة في الاخر
قال ياقوت الحموي وهي بليدة صغيرة وهي بليولم يزد على ذلك
والذي يظهر أن لها إقليما ينسب إليها وإليها ينسب العنبر الشحري على ما تقدم القول عليه في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى وصغه في المقالة الأولى
الجملة الثانية في ذكر حيوانه وحبوبه ولفواكهه ورياحينه ومعاملاته وأسعاره
وأنا أذكر جملة من ذلك على ما ذكره في مسالك الأبصار عن أبي جعفر أحمد بن محمد المقدسي المعروف بابن غانم كاتب الإنشاء بها وأبي محمد عبد الباقي بن عبد المجيد اليمني الكاتب
أما حيوانه فيه من الحيوان الخيل العربية الفائقة والبغال الجيدة للركوب والحمل والحمر والإبل والبقر والغنم ومن الطير الدجاج والإوز والحمام وفيها من الوحوش الزرافة والأسد والغزلان والقردة وغير ذلك
وأما حبوبه فبه من الحبوب الحنطة والشعير والذرة والأرز والسمسم وغالب قوتهم الذرة وأقله الحنطة والشعير
وأما فواكهه فبه العنب والرمان والسفرجل والتفاح والخوخ والتوت والموز والليمون والأترج في أنواع أخرى من الفاكهة قليلة المقدار وبه البطيخ الأخضر والأصفر
قال ابن البرهان وغالب ما يوجد بمصر من الفواكه يوجد باليمن إلا أنه (5/15)
بالغ في وصف السفرجل به
وأما أسعاره فرخية في الغالب
وذكر ابن البرهان أن الحنطة فيه تغلو واللحوم فيه رخيصة
الجملة الثالثة في الطريق الموصلة إلى اليمن
وله طريقان طريق في البر وطريق في البحر
اما طريقه في البر فالطريق من مصر إلى مكة معروفة
قال في تقويم البلدان ومن مكة إلى عدن نحو شهر
قال ولها طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو الأبعد
والثاني على نجران وجرش وصعدة وصنعاء وهو الأقرب
وأما في البحر فمن مصر إلى السويس ثلاثة أيام في البر ثم يركب في البحر إلى زبيد وعدن
وربما عدل المسافرون عن السويس إلى الطور فتطول الطريق في البر وتقصر في البحر وربما وقع السفر إلى قوص في النيل أو في البر ثم من قوص إلى عيذاب أو إلى القصير فيركب في البحر إلى زبيد أو عدن
الجملة الرابعة في ذكر ملوكه جاهلية وإسلاما
أما ملوكه في الجاهلية فعلى عشر طبقات
الطبقة الأولى العادية
وهم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام
وكانت منازلهم بالأحقاف من اليمن وعمان من البحرين إلى حضرموت والشحر (5/16)
وأول من ملكها منهم عاد المقدم ذكره
ويقال إنه أول من ملك من العرب وطال عمره وكثر ولده حتى يقال إنه ولد أربعة الآف ولد ذكر لصلبه وتزوج ألف امرأة وعاش ألف سنة ومائتي سنة
وقال البيهقي عاش ثلثمائة سنة
ثم ملك بعده ابنه شديد بن عاد
ثم ملك بعده ابنه الثاني شداد بن عاد وسار في الممالك واستولى على كثير من بلاد الشام والعراق والهند ويقال إنه ملك مصر أيضا
ثم ملك بعده ابنه إرم بن عاد
والذي ذكره المسعودي أنه ملك بعد عاد بن عوص ابنه عاد بن عاد وأن جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم وأنه الذي اختط مدينة دمشق ومصرها وإليه ينسب باب جيرون بها كما تقدم في الكلام عليها في مضافات الديار المصرية
وذكر ابن سعيد أن شداد بن بداد بن هداد بن شداد بن عاد غلب قفط ابن قبط على أسافل الديار المصرية ثم هلك هناك ويقال أن ملكهم على عهد هود عليه السلام كان اسمه الخلجان بن عاد بن رقيم بن عاد الأكبر ولقمان بن عاد بن عاديا بن صداقا بن لقمان وكفر الخلجان وأهلك الله من كفر منهم بالريح العقيم (5/17)
وانتقل ملك لقمان إلى ولده لقيم واتصل ملك لقمان ورهطه ألف سنة أو أكثر إلى أن غلبهم عليه يعرب بن قحطان الاتي ذكره
الطبقة الثانية القحطانية
وأول من ملك منهم قحطان بن عابر بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام
قال المؤيد صاحب حماة وهو أول من ملك اليمن ولبس التاج
ثم ملك بعده ابنه يعرب بن قحطان وغلب عادا على اليمن وعظم ملكه
وهو أول من حياه قومه بتحية الملك وولى أخاه حضرموت بن قحطان على بلاد حضرموت فعرفت به وولى أخاه عمان بن قحطان على بلاد عمان من البحرين فعرفت به
ثم ملك بعده ابنه يشجب بن يعرب
ثم ملك بعده ابنه عبد شمس وأكثر الغزو والسبي فسمي سبأ وبنى قصر سبإ ومدينة مأرب باليمن
ويقال إنه غزا مصر وبنى بها مدينة عين شمس التي أثرها بالقرب من المطربة الان
ثم ملك بعده ابنه حمير خمسين سنة وهو أول من تتوج بالذهب
ثم ملك بعده ابنه وائل
وقيل بل ملك بعده أخوه كهلان
ثم ملك بعد وائل ابنه السكسك
ثم ملك بعده ابنه يعفر بن السكسك (5/18)
ثم غلب على الملك عامر بن باران بن عوف بن حمير ويعرف بذي رياش
ثم ملك بعده ابنه المعافر واسمه النعمان بن يعفر المقدم ذكره
ثم ملك بعده ابنه أسمح بن النعمان فاضطرب أمر حمير وصار ملكهم في طوائف إلى أن ظهرت ملوك التبابعة
ويقال إنه ملك منهم أبين بن زهير بن الغوث بن أيمن بن الهميسع وإليه تنسب عدن أبين على ما تقدم ذكره
وملك منهم أيضا عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير
وملك منهم أيضا حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس
ثم ملك بعده أخوه لقمان
ثم أخوه ذو شدد وهو ذو مراثد
ثم ابنه الصعب ويقال إنه ذو القرنين
ويقال إن بني كهلان بن سبإ داولوا بني حمير في الملك
وملك منهم جبار بن غالب بن زيد بن كهلان وانه ملك من شعوب قحطان أيضا نجران بن زيد بن يعرب بن قحطان وبه عرفت نجران المقدم ذكرها (5/19)
الطبقة الثالثة التبابعة
إما بمعنى أن الناس يتبعونهم كما قاله السهيلي والزمخشري وإما بمعنى يتبع بعضهم بعضا كما قاله ابن سيده
قال في العبر وكانت منازلهم ظفار
وأول من ملك منهم الحارث بن ذي شدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن الغوث بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبإ
وسمي الرائش لأنه لما ملك الناس راشهم بالعطاء
قال السهيلي وكان مؤمنا
ثم ملك بعده ابنه أبرهة ذو المنار مائة وثمانين سنة قاله المسعودي
وقال ابن هشام هو أبرهة بن الصعب بن ذي مراثد بن الملطاط المقدم ذكره وسمي ذا المنار لأنه رفع منارا يهتدى به
ثم ملك بعده ابنه إفريقش بن أبرهة مائة وستين سنة
وقال هشام ابن الكلبي هو إفريقش بن قيس بن صيفي أخي الحارث الرائش وسار إلى بلاد المغرب وفتح أفريقية فعرفت به
ثم ملك بعده أخوه عمرو العبد بن أبرهة المعروف بذي الأذعار خمسا وعشرين سنة
قال المسعودي وسمي ذا الأذعار لكثرة ذعر الناس منه قال وكان على عهد سليمان عليه السلام أو قبله بقليل
وقال الطبري عمرو بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش بن قيس ابن صيفي بن سبإ الأصغر (5/20)
ثم ملك بعده الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو ذي الأذعار ست سنين أو عشر سنين وهو ذو الصرح
ثم ملك بعده ابنته بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل سبع سنين وهي صاحبة القصة مع سليمان عليه السلام
وقال الطبري بلقيس هي يلقمة بنت ليشرح بن الحارث بن قيس
ثم ملك بعدها سليمان عليه السلام
ثم أقاموا في ملكه وملك بنيه أربعا وعشرين سنة
ثم ملك ناشر بن عمرو ذي الأذعار
ويقال له ناشر ينعم وربما قيل ناشر أنعم سمي بذلك لإنعامه عليهم
وقال السهيلي ناشر بن عمرو
ثم قال ويقال له ناشر النعم
وقال المسعودي ناشر بن عمرو ذي الأذعار
وقيل ناشر بن عمرو بن يعفر بن شرحبيل بن عمرو ذي الأذعار وسار إلى وادي الرمل بأقصى الغرب فلم يجد وراءه مذهبا فنصب صنما من نحاس وزبر عليه بالمسند هذا الصنم لناشر أنعم ليس وراءه مذهب فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب
ثم ملك بعده ابنه شمر مائة وستين سنة
ويقال له شمر مرعش سمي بذلك لارتعاش كان به
وقال السهيلي شمر بن مالك ومالك هو الأملوك
ويقال إنه وطيء أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها وخرب مدينة الصفد وراء نهر جيحون فقالت العجم شمر كند أي شمر خرب وبنى هناك مدينة فسميت بذلك ثم عربت سمرقند
ويقال إنه الذي بنى الحيرة بالعراق وملك بلاد الروم واستعمل عليها ماهان قيصر (5/21)
ثم ملك بعده بتع الأقرن ثلاثا وخمسين سنة وقيل ثلاثا وستين سنة واسمه زيد قال المسعودي وهو ابن شمر مرعش وقال الطبري ابن عمرو ذي الأذعار
قال السهيلي وسمي الأقرن لشامة كانت في قرنه
ثم ملك بعده ابنه كليكرب
ثم ملك بعده تبان أسعد أبو كرب بن قيس بن زيد الأقرن بن عمرو ذي الأذعار وهو تبع الاخر
ويقال له الرائد وكان على عهد يستاسف أحد ملوك الفرس الكيانية وحافده أردشير وملك اليمن والحجاز والعراق والشام وغزا بلاد الترك والتبت والصين ويقال إنه ترك ببلاد التبت قوما من حمير هم بها إلى الان وغزا القسطنطينية ومر في طريقه بالعراق فتحير قومه فبنى هناك مدينة سماها الحيرة وقد مر الكلام عليها مع العراق في الكلام على مملكة إيران ويقال إنه أول من كسا الكعبة الملاء وجعل لبابها مفتاحا وأوصى ولاتها من جرهم بتطهيرها ودام ملكه ثلثمائة وعشرين سنة
ثم ملك من بعده ربيعة بن نصر بن الحارث بن نمارة بن لخم ويقال ربيعة بن يصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر
وبعضهم يعكس فيقول نصر بن ربيعة ثم رأى رؤيا هالته فسار بأهله إلى العراق وأقام بالحيرة ومن عقبه كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر
ثم ملك بعده حسان ذو معاهر بن تبان أسعد أبي كرب
ثم ملك بعده أخوه عمرو بن تبان أسعد أبي كرب ويسمى الموثبان ثلاثا وستين سنة ومات عن أولاد صغار وأكبرهم قد استهوته الجن فوثب على ملك (5/22)
التبابعة عبد كلال بن مثوب فملك أربعا وتسعين سنة وهو تبع الأصغر وله مغاز واثار بعيدة
ثم ملك بعده أخوه لأمه مرثد بن عبد كلال سبعا وثلاثين سنة
ثم ملك من بعده ابنه وليعة بن مرثد
ثم ملك بعده أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مرثد بن نيف ابن معدي كرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح الحارث بن مالك وقيل إنما ملك تهامة فقط
ثم ملك بعده حسان بن عمرو بن تبع بن كليكرب سبعا وخمسين سنة
ثم ملك بعده لخيعة بن ينوف ذو شناتر سبعا وعشرين سنة
ثم ملك بعده ذو نواس زرعة تبع بن تبان أسعد أبي كرب ثمانين سنة ويسمى يوسف وكان يدين باليهودية وحمل الناس عليه
ثم ملك بعده ذو جدن واسمه علس بن زيد بن الحارث بن زيد الجمهور
وقيل علس بن الحارث بن زيد بن الغرث بن سعد بن عوف ابن عدي بن مالك بن زيد الجمهور وهو اخر ملوك اليمن من العرب
وقيل غير ذلك من تقديم وتأخير وتبديل اسم باسم
وبالجملة فأخبار التبابعة غير مضبوطة وأمورهم غير محققة
قال المسعودي ولا يسمى أحد منهم تبعا حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت على أن الطبري قد ذكر أن الملك من ملوك اليمن لا يتجاوز مخلافه وإن تجاوزه فبمسافة يسيرة
الطبقة الرابعة الحبشة
وأول من ملك منهم أرياط بعثه صاحب الحبشة مقدما على جيوشه حين تهود ذو نواس وأحرق الإنجيل ففتح اليمن واستقر في ملكه (5/23)
ثم ملك بعده أبرهة الأشرم وهو صاحب الفيل الذي جاء به لتخريب الكعبة
ثم ملك بعده ابنه يكسوم
ثم ملك بعده أخوه مسروق وهو اخر ملوك اليمن من الحبشة
الطبقة الخامسة الفرس
وأول من ملك منهم وهزر وذلك أن سيف بن ذي يزن بن عابر بن أسلم بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور الحميري استجاش كسرى أنو شروان ملك الفرس على مسروق بن أبرهة اخر ملوك الحبشة باليمن فأسعفه بجيش ففتح به اليمن واستنابه فيه فقتله بعض من استخلصه من الحبشة فولى كسرى وهزر مكانه وهلك فأقام كسرى مكانه ابنه المرزبان ثم هلك فأقام مكانه خذخسرو بن السيحان بن المرزبان ثم عزله وولى على اليمن باذان فلم يزل به إلى أن كانت البعثة فأسلم وفشا الإسلام باليمن وتتابعت الوفود منه على رسول الله
الطبقة السادسة عمال النبي والخلفاء بعده
لما أسلم باذان نائب كسرى ولاه النبي على جميع مخاليف اليمن وكان منزله بصنعاء دار مملكة التبابعة وبقي حتى مات بعد حجة الوداع فولى النبي ابنه شهر بن باذان على صنعاء وولى على كل جهة واحدا من الصحابة رضوان الله عليهم إلى أن خرج الأسود العنسي فقتل شهر بن باذان (5/24)
وأخرج سائر عمال النبي من اليمن
فلما قتل العنسي رجع عمال النبي إلى أعمالهم واستول ى قيس بن عبد يغوث المرادي على صنعاء وتوفي رسول الله والأمر على ذلك
ثم ولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيروز الديلمي
ثم ولى بعده المهاجر بن أبي أمية وعكرمة بن أبي جهل على قتال أهل الردة ثم استقر في ولاية يعلي بن منبه
ثم ولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته عبيد الله بن عباس ثم أخاه عبد الله
ثم ولى معاوية على صنعاء فيروز الديلمي ومات سنة ثلاث وخمسين من الهجرة
ثم جعل عبد الملك بن مروان اليمن في ولاية الحجاج بن يوسف حين بعثه لقتال ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين
ثم كان به يوسف بن عمرو سنة ثمان ومائة
ثم لما جاءت دولة بني العباس ولى السفاح أول خلفائهم على اليمن عمه داود وتوفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة
فولى مكانه عمر بن زيد بن عبد الله ابن عبد المدان وتوفي سنة أربع وثلاثين ومائة فولى السفاح مكانه علي بن الربيع بن عبيد الله
ثم في سنة ثلاث وخمسين ومائة كان عليها يزيد بن منصور ثم عزله المهدي في خلافته وولى مكانه وولى مكانه رجاء بن روح
ثم ولى بعده علي بن سليمان ثم عزله سنة اثنتين وستين ومائة وولى مكانه عبد الله بن سليمان ثم عزله سنة ثلاث وستين ومائة وولى مكانه منصور بن يزيد ثم عزله في سنة ست وستين ومائة وولى مكانه عبد الله بن سليمان الربعي
ثم ولى سليمان بن يزيد ثانيا (5/25)
ثم ولى الرشيد سنة أربع وثمانين حمادا اليزيدي
الطبقة السابعة ملوكها من بني زياد
لم تزل نواب الخلفاء متوالية على اليمن إلى أيام المأمون فاضطرب أمر اليمن فوجه المأمون إليه محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد بن أبيه ففتح اليمن وملكه وبنى مدينة زبيد في سنة أربع ومائتين وولى مولاه جعفرا على الجبال فعرفت بمخلاف جعفر إلى الان
ثم ملك اليمن بعده ابنه إبراهيم بن محمد ثم ابنه زياد بن إبراهيم
ثم ملك بعده أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم وطالت مدته وتوفي سنة إحدى وتسعين وثلثمائة وخلف طفلا فتولت أخته هند بنت أبي الجيش كفالته وتولى معها عبد لأبي الجيش اسمه رشيد فبقي حتى مات فتولى مكانه حسين بن سلامة وسلامة اسم أمه وصار وزيرا لهند وأخيها حتى ماتا
ثم ملكوا عليهم طفلا اسمه إبراهيم وقيل عبد الله بن زياد وقام بأمره عمته وعبد من عبيد حسين بن سلامة اسمه مرجان ثم قبض قيس عبد مرجان على الطفل وعمته في سنة سبع وأربعمائة واستبد بالملك ثم قتل قيس بزبيد
وملك بعده نجاح عبد مرجان أيضا وعظم شأنه وركب بالمظلة وضربت السكة باسمه وبقي حتى توفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة
وملك بعده ابنه سعيد الأحول بن نجاح
ثم غلب على الملك الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي في سنة (5/26)
إحدى وثمانين وأربعمائة
وقيل سنة ثمانين وأقام بزبيد
ثم ملكها جياش بن نجاح في بقايا سنة إحدى وثمانين ومات سنة ثمان وتسعين وأربعمائة
ثم ملك بعده ابنه فاتك ثم ملك بعده منصور بن فاتك بن جياش بن نجاح
ثم ملك بعده ابنه فاتك بن منصور بن فاتك
ثم ملك بعده ابن عمه فاتك بن محمد بن فاتك بن جياش بن نجاح في سنة احدى وثلاثين وخمسمائة وقتل في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
وهو اخر ملوك بني نجاح
الطبقة الثامنة ملوكها من بني مهدي
لما قتل فاتك ملك بعده علي بن مهدي واستقر في دار الملك بزبيد في رابع عشر شهر رجب سنة أربع وخمسين وخمسمائة ومات بعد شهرين وأحد وعشرين يوما وكان مذهبه التكفير بالمعاصي وقتل من خالف مذهبه
ثم ملك بعده ابنه مهدي بن علي بن مهدي
ثم ملك بعده ابنه عبد النبي بن مهدي
ثم ملك بعده عمه عبد الله بن مهدي
ثم عاد عبد النبي ثانيا وهو اخرهم (5/27)
الطبقة التاسعة ملوكها من بني أيوب ملوك مصر
وأول من ملكها منهم شمس الدولة توران شاه بن أيوب سيره إليها أخوه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب الديار المصرية في سنة تسع وستين وخمسمائة ففتح زبيد وأسر صاحبها عبد النبي
ثم ملك عدن وأسر صاحبها ياسر واستولى على اليمن لأخيه صلاح الدين ثم استناب توران شاه على زبيد حطان بن كامل بن منقذ الكناني ورجع إلى الشام في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة فأضاف إليه أخوه السلطان صلاح الدين الإسكندرية وبقيت نوابه باليمن يحملون إليه الأموال من زبيد إلى أن توفي بالإسكندرية في سنة ست وسبعين وخمسمائة فاضطرب أمر اليمن فوجه السلطان صلاح الدين إليه أميرا فعزل عنه حطان بن كامل وتولى مكانه ثم توفي الأمير فعاد حطان إلى ولايته
ثم بعث السلطان صلاح الدين أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب إلى اليمن فقبض على حطان واستقر في مملكة اليمن وبقي به حتى مات بزبيد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة
ثم ملك بعده ابنه الملك العزيز إسماعيل فأساء السيرة فقتله أمراؤه
وملك بعده أخوه الناصر صغيرا فقام بتدبير مملكته سنقر مملوك أبيه (5/28)
أربع سنين ثم مات فتزوج أم الناصر غازي بن جبريل أحد أمراء دولته وقام بتدبيرها ثم مات الناصر وبقي غازي في المملكة فقتله جماعة من العرب فغلبت أم الناصر على زبيد
وكان سليمان بن شاهنشاه بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب قد خرج فقيرا فاتفق أن وافى اليمن فتزوج أم الناصر وملك اليمن فأساء السيرة فبعث إليه عمه الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر ابنه الملك المسعود أطسر المعروف باقسيس في جيش فملك اليمن من سليمان ثم كره المقام فيه فسار قاصدا الشام فتوفي بمكة وهو اخر ملوكها من بني أيوب
الطبقة العاشرة دولة بني رسول وهم القائمون بها الان
وأول من ملكها منهم علي بن رسول
وذلك أنه لما توفي الملك المسعود أقسيس ابن الملك الكامل محمد كان معه أميراخور لابيه اسمه رسول فلما خرج الملك المسعود يريد الشام استخلف على اليمن علي بن رسول المذكور فاستقر نائبا باليمن لبني أيوب حتى مات سنة ثلاثين وستمائة ووقع في التعريف أن المستقر في اليمن أولا هو رسول والد علي المذكور ولم أره في تاريخ
ثم استقر بعد علي بن رسول المذكور في النيابة ولده الملك المنصور عمر بن علي
ثم تغلب على اليمن وخرج عن طاعة بني أيوب ملوك مصر واستقل بملك اليمن وتلقب بالملك المنصور ثم قتل في سنة ثمان وأربعين وستمائة
وملك بعده ابنه الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول وصفا له ملك اليمن وطالت مدته وأرسل إلى الملك المنصور قلاوون (5/29)
صاحب الديار المصرية حينئذ هدية نفيسة وسأل أن يكتب له أمانا فقبلت هديته وكتب له بالأمان وقررت عليه إتاوة لملوك مصر وأعيدت رسله في سنة ثمانين وستمائة
ومات بقلعة تعز سنة أربع وتسعين وستمائة
وملك بعده ابنه الأشرف ممهد الدين عمر بن المظفر يوسف وبقي حتى مات سنة ست وتسعين وستمائة
ثم ملك بعده أخوه الملك المؤيد هزبر الدين داود واستمر على مواصلة ملوك مصر بالهدايا والتحف والضريبة المقررة عليه
وتمذهب بمذهب الشافعي رضي الله عنه واشتغل بالعلم واعتنى بجمع الكتب
حتى اشتملت خزائنه على مائة ألف مجلد وبر العلماء وكانت تحفه تصل إلى الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله في كل وقت وتوفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
وملك بعده ابنه الملك المجاهد سيف الدين علي وكان في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية فأساء السيرة فقبض عليه وخلع وحبس في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة
وملك بعده عمه الملك المنصور أيوب بن المظفر يوسف ثم قتله شيعة المجاهد وأعادوا الملك المجاهد
وكان الظاهر أسد الدين عبد الله بن المنصور أيوب بحصن الدملوة المقدم ذكره فعصى عليه وملك عدن وغيرها
وبعث الملك المجاهد للملك الناصر محمد بن قلاوون يستصرخه على الظاهر عبد الله
فجهز إليه العساكر فوصلت إليه سنة خمس وعشرين وسبعمائة فأوقعوا الصلح بينهما على أن تكون الدملوة للظاهر المذكور وتمهد اليمن للمجاهد واستنزل الظاهر عن الدملوة ثم قبض عليه وقتله (5/30)
ثم حج المجاهد سنة إحدى وخمسين في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون صاحب مصر
وكان الأمير طاز أحد أكابر أمراء الديار المصرية قد حج وأشيع أن المجاهد يريد كسوة الكعبة في تلك السنة فوقعت الفتنة بين العسكر المصري والمجاهد فانهزم المجاهد ونهبت عساكره وسائر أهل اليمن وأسر المجاهد صاحب اليمن وحمل إلى مصر فاعتقل بها ثم أطلق سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة في دولة الصالح ووجه معه الأمير قشتمر المنصوري ليوصله إلى بلاده فلما بلغ به الينبع ارتاب منه في الهرب فرجع به إلى مصر فحبس في الكرك من بلاد الشام ثم أطلق وأعيد إلى ملكه وأقام على مداراة صاحب مصر إلى أن توفي سنة ست وستين وسبعمائة
وملك بعده ابنه الملك الأفضل عباس بن المجاهد علي فاستقام له ملك اليمن وبقي حتى مات سنة ثمان وسبعين وسبعمائة
وملك بعده ابنه الملك المنصور محمد ومات
وملك أخوه الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس فاستقام أمره بها ثم مات
وولي بعده ابنه الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد علي بن المؤيد داود بن المظفر يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول وهو باق باليمن إلى اخر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة
وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية يأتي ذكرها في المكاتبات إن شاء الله تعالى (5/31)
الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول ملوكها الان في مقدار عساكرها وزي جندها وبيان أرباب وظائفها وحال سلطانها
أما مقدار عساكرها
فقد قال في مسالك الأبصار أخبرني أقضى القضاة أبو الربيع سليمان بن محمد بن الصدر سليمان وكان قد توجه إلى اليمن وخدم في ديوان الجيوش به أن جميع جند اليمن لا يبلغ ألفي فارس
قال وينضاف إليهم من العرب المدافعين في طاعته مثلهم وأراني جريدة للجيش تشهد بما قال
ذكر أن غالب جنده من الغرباء
ونقل عن الحكيم صلاح الدين بن البرهان أن الإمرة عندهم قد تطلق على من ليس بأمير وأما الإمرة الحقيقية التي ترفع بها الأعلام والكؤؤسات فإنها لمن قل وربما أنه لا يتعدى عدة الأمراء بها عشرة نفر
وأما زي السلطان والجند بها فقد ذكر في مسالك الأبصار أن لباس السلطان وعامة الجند باليمن أقبية إسلامية ضيقة الأكمام مزندة على الأيدي وفي أوساطهم مناطق مشدودة وعلى رؤوسهم تخافيف لانس وفي أرجلهم الدلاكسات وهي أخفاف من القماش الحرير الأطلس والعتابي وغير ذلك
قال المقر الشهابي بن فضل الله وقد حضر علي بن عمر بن يوسف الشهابي أحد أمراء الملك المجاهد باليمن إلى الديار المصرية في وحشة حصلت بينه وبين سلطانه وهو بهذا الزي خلا الدلاكس فإنه قلعه ولبس الخف (5/32)
المعتاد بالديار المصرية وكان يحضر الموكب السلطاني بالديار المصرية وهو على هذا الزي
وأما شعار السلطنة فقد ذكر عن الحكيم بن البرهان أيضا أن شعار سلطان اليمن وردة حمراء في ارض بيضاء
قال المقر الشهابي بن فضل الله ورأيت أنا السنجق اليمني وقد رفع في عرفات سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وهو أبيض فيه وردات حمر كثيرة
وأما أرباب الوظائف فنقل عن ابن البرهان أن باليمن أرباب وظائف من النائب والوزير والحاجب وكاتب السر وكاتب الجيش وديوان المال
وبها وظائف الشاد والولاية وأنه يتشبه بالديار المصرية في أكثر أحواله
قال أما كتاب الإنشاء ثم فإنه لا يجمعهم رئيس يرأس عليهم يقرأ ما يرد على السلطان ويجاوب عنه ويتلقى المراسيم وينفذها وإنما السلطان إذا دعت حاجته إلى كتابة كتب بعث إلى كل منهم ما يكتبه
فإذا كتب السلطان ما رسم له به بعثه على يد أحد الخصيان فقدمه إليه فيعلم فيه وينفذه
قال المقر الشهابي بن فضل الله وعادة ما يكتب عنه ديوان الإنشاء كعادة الديار المصرية في المصطلح
قال ورأيت علامة الملك المؤيد داود على توقيع مثالها الشاكر لله على نعمائه في سطر وتحته داود
وأما ترتيب أحوال السلطان فقد ذكر في مسالك الأبصار أن صاحب اليمن قليل التصدي لإقامة رسوم المواكب والخدمة والاجتماع بولاة الأمور ببابه فإذا احتاج أحد من أمرائه وجنده إلى مراجعته في أمر كتب إليه قصة يستأمره فيها فيكتب عليها بخطه ما يراه وكذلك إذا رفعت إليه قصص المظالم هو الذي يكتب عليها بخطه بما فيه إنصاف المظلوم
ونقل عن ابن البرهان أن ملوك اليمن أوقاتهم مقصورة على لذاتهم والخلوة مع حظاياهم وخاصتهم من الندماء والمطربين فلا يكاد السلطان يرى بل ولا يسمع أحد من أهل اليمن خبرا له على حقيقته وأهل خاصته المقربون (5/33)
الخصيان وله أرباب وظائف للوقوف بأموره وهو ينحو في أموره منحى صاحب مصر يتسمع أخباره ويحاول افتفاء أثاره في أحواله وأوضاع دولته غير أنه لا يصل إلى هذه الغاية ولا تخفق عليه تلك الراية لقصور مدد بلاده وقلة عدد أجناده وللتجار عندهم موضع جليل لأن غالب متحصلات اليمن منهم وبسببهم وغالب دخله من التجار والجلابة برا وبحرا
ولذلك كانت مملكة بني رسول هذه أكثر مالا من مملكة الشرفاء بصنعاء وما والاها لمجاورة مملكة بني رسول البحر
وصاحب اليمن لا ينزل في أسفاره إلا في قصور مبنية له في منازل معروفة من بلاده فحيث أراد النزول بمنزلة وجد بها قصرا مبنيا ينزل به
قال وإنما تجتمع لهم الأموال لقلة الكلف في الخرج والمصاريف والتكاليف ولأن الهند يمدهم بمراكبه ويواصلهم ببضائعه
قال في مسالك الأبصار ولا تزال ملوك اليمن تستجلب من مصر والشام طوائف من أرباب الصناعات والبضائع ببضائعهم على اختلافها
قال أقضى القضاة أبو الربيع سليمان بن الصدر سليمان وصاحب هذه المملكة أبدا يرغب في الغرباء ويحسن تلقيهم غاية الإحسان ويستخدمهم بما يناسب كلا منهم ويتفقدهم في كل وقت بما يأخذ به قلوبهم ويوطنهم عنده
وذكر في مسالك الأبصار عن ملوك هذه المملكة أنهم لم يزالوا مقصودين من افاق الأرض قل أن يبقى مجيد في صنعة من الصنائع إلا ويصنع لأحدهم شيئا على اسمه ويجيد فيه بحسب الطاقة ثم يجهزه إليه ويقصده به فيقدمه إليه فيقبل عليه ويقبل منه
ويحسن نزله ويسني جائزته ثم إن أقام في بابه أقام مكرما محترما أو عاد محبوا محبورا يجزلون من نعمهم العطايا ويثقلون بكرمهم المطايا ما قصدهم قاصدا إلا وحصل له من البر والإيناس وتنويع الكرامة ما يسليهم عن الأوطان ولكنهم لا يسمحون بعود غريب ولا يصفحون (5/34)
في زلل عن بعيد ولا قريب فإن أراد الارتحال عن دارهم مكنوه من العود كما جاءهم وخرج عنهم على أسوإ حال
مسلوبا ما استفاد عندهم من نعمة عقابا له على مفارقته لأبوابهم لا بخلا بما جادوا به
أما من قدم إليهم القول بأنه أتاهم راحلا لا مقيما وزائرا لا مستديما فإنهم لا يكلفونه المقام لديهم ولا دواما في النزول عليهم بل يجزلون إفادته ويجملون إعادته
ثم بعد أن ذكر ما بين صاحب اليمن هذا وبين إمام الزيدية باليمن من المشاجرة والمهادنة تارة والمفاسخة أخرى قال وصاحب اليمن لا عدو له لأنه محجوب ببحر زاخر وبر منقطع من كل جهة وللمسالمة بينه وبينهم فهو لهذا قرير العين خالي البال لا يهمه إلا صيد ولا يهيجه إلا بلبال
قال وهم مع ذلك على شدة ضبط لبلادهم ومن فيها واحترازهم على طرقها برا وبحرا من كل جهة لا يخفى عليهم داخل يدخل إليها ولا خارج يخرج منها ومع ذلك فهو يداري صاحب مصر ويهاديه لمكان إمكان تسلطه عليه من البر والبحر الحجازي ولذلك اكتتب الملك المؤيد داود وصية أوصى فيها الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية على ابنه الملك المجاهد علي
فلما مات المؤيد نجم على ابنه المجاهد ناجم فبعث بوصية أبيه إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون فجهز معه عسكرا إلى اليمن فمنعه من عدوه الناجم عليه ومكن له في اليمن وبسط يده فيه
القسم الثاني من اليمن النجود
وهي ما ارتفع من الأرض وبها مستقر أئمة الزيدية الان (5/35)
قال في مسالك الأبصار وهي شديدة الحر وقد انطوى فيها جزء من اليمن وإن كان ما بيد أولاد رسول هو الجزء الوافر الأعظم
وفيه أربع جمل
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من النواحي والمدن والبلاد
قال في مسالك الأبصار حدثني الحكيم صلاح الدين بن البرهان أن اليمن منقسم إلى قسمين سواحل وجبال وأن السواحل كلها لبني رسول والجبال كلها أو غالبها للأشراف
قال وهي أقل دخلا من السواحل لمدد البحر لتلك واتصال سبيلها عنه وانقطاع المدد عن هذه البلاد لانقطاع سبيلها من كل جهة
قال وحدثني أبو جعفر بن غانم أن بلاد الشرفاء هؤلاء متصلة ببلاد السراة إلى الطائف إلى مكة المعظمة
قال وهي جبال شامخة ذات عيون دافقة ومياه جارية على قرى متصلة الواحدة إلى جانب الأخرى وليس لواحدة تعلق بالأخرى بل لكل واحدة أهل يرجع أمرهم إلى كبيرهم لا يضمهم ملك ملك ولا يجمعهم حكم سلطان ولا تخلو قرية منها من أشجار وعروش ذوات فواكه أكثرها العنب واللوز ولها زروع أكثرها الشعير ولأهلها ماشية أعوزتها الزرائب وضاقت بها الحظائر
قال وأهلها أهل سلامة وخير وتمسك بالشريعة ووقوف معها يعضون على دينهم بالنواجذ ويقرون كل من يمر بهم ويضيفونه مدة مقامه حتى (5/36)
يفارقهم
وإذا ذبحوا لضيفهم شاة قدموا له جميع لحمها ورأسها وأكارعها وكبدها وقلبها وكرشها فيأكل ويحمل معه ما يحمل
ولا يسافر أحد منهم من قرية إلى أخرى إلا برفيق يسترفقه منها فيخفره لوقوع العداوة بينهم
ثم هي تشتمل على عدة حصون وبلاد مخصبة
وقاعدتها مدينة صنعاء
قال في تقويم البلدان بفتح الصاد المهملة وسكون النون وعين مهملة وألف ممدودة
وهي مدينة من نجود اليمن واقعة في أوائل الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة والعرض أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة
قال في الروض المعطار واسمها الأول أوال يعني بضم الهمزة وفتح الواو من الأولية بلغتهم
فلما وافتها الحبشة ونظروا إلى بنائها قالوا هذه صنعة ومعناه بلغتهم حصينة فسميت صنعاء من يؤمئذ
قال والنسبة إليها صنعاني على غير قياس
ويقال إنها أول مدينة بنيت باليمن
ثم اختلف فقيل بناها سام بن نوح عليه السلام وذلك أنه طلب مكانا معتدل الحرارة والبرودة فلم يجد ذلك إلا في مكان صنعاء فبنى هذه المدينة هناك وقيل بنتها عاد
قال في تقويم البلدان وهي من أعظم مدن اليمن وبها أسواق ومتاجر كثيرة ولها شبه بدمشق لكثرة مياهها وأشجارها وهواؤها معتدل وتتقارب فيها ساعات الشتاء والصيف وفي أطول يوم في السنة يكون الشاخص عند الاستواء لا ظل له (5/37)
وقال في موضع اخر تشبه بعلبك في الشام لتمامها الحسن وحسنها التمام وكثرة الفواكه تقع بها الأمطار والبرد
وهي كرسي ملوك اليمن في القديم ويقال إنها كانت دار ملك التبابعة
قال في الروض المعطار وهي على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شماليها ويمر منحدرا إلى مدينة ذمار ويصب في البحر الهندي وعمارتها متصلة وليس في بلاد اليمن أقدم منها عمارة ولا أوسع منها قطرا
قال في تقويم البلدان وكانت في القديم كرسي مملكة اليمن
قال وبها تل عظيم يعرف بغمدان كان قصرا ينزله ملوكها
قال في الروض المعطار هو أحد البيوت السبعة التي بنيت على اسم الكواكب السبعة بناه الضحاك على اسم الزهرة وكانت الأمم تحجه فهدمه عثمان رضي الله عنه فصار تلا عظيما قال في تقويم البلدان وهي شرقي عدن بشمال في الجبال
ولها عدة بلاد وحصون مضافة إليها جارية في أعمالها
منها كحلان بفتح الكاف وسكون الحاء المهملة ثم لام ألف ونون في الاخر
وهي قلعة من عمل صنعاء على القرب منها
قال ابن سعيد كان بها في أول المائة الرابعة بنو يعفر من بقايا التبابعة
قال ولم يكن لها نباهة في الملك إلى أن سكنها بنو الصليحي وغلب عليها الزيدية ثم السليمانيون بعد بني الصليحي
ومنها نجران
قال في اللباب بفتح النون وسكون الجيم وراء مهملة وألف ونون في الاخر
قال الأزهري وسميت بنجران بن زيد بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان
وهي بلدة من بلاد قبيلة همدان واقعة في (5/38)
الإقليم الأول
قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة والعرض تسع عشرة درجة
قال في تقويم البلدان وهي بليدة فيها نخيل بين عدن وحضرموت في جبال بين قرى ومدائن وعمائر ومياه تشتمل على أحياء من اليمن وبها يتخذ الأدم وهي شرقي صنعاء بشمال وبها أشجار وبينها وبين صنعاء عشر مراحل ومنها إلى مكة عشرون يوما في طريق معتدل
وجعلها صاحب الكمام صقعا مفردا عن اليمن
ومنها صعدة
قال في تقويم البلدان بفتح الصاد وسكون العين المهملتين ودال مهملة وهاء في الاخر
قال في الروض المعطار والنسبة إليها صاعدي على غير قياس
قال في القانون وتسمى غيل أيضا
وهي بلدة على ستين فرسخا من صنعاء وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة والعرض ست عشرة درجة
قال في العزيزي وهي مدينة عامرة اهلة خصبة وبها مدابغ الأدم وجلود البقر التي تتخذ منها النعال
ومنها خيوان
قال في تقويم البلدان بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة من تحت وفتح الواو ثم ألف بعدها نون
وهي صقع معروف باليمن واقع في الإقليم الأول
قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وإحدى وعشرون دقيقة والعرض خمس عشرة درجة وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي بلاد تشتمل على قرى ومزارع ومياه معمورة بأهلها وبها أصناف من قبائل اليمن
قال المهلبي وهي طرف منازل بني الضحاك من بني يعفر من بقايا التبابعة وماؤها من السماء
قال الإدريسي وبينها وبين صعدة ستة (5/39)
عشر فرسخا
وقال المهلبي بينهما أربعة وعشرون ميلا
ومنها جرش
قال في تقويم البلدان بضم الجيم وفتح الراء المهملة وشين معجمة في الاخر
وهي بلدة باليمن موقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وخمسون دقيقة والعرض سبع عشرة درجة
وهي بلدة بها نخيل مشتملة على أحياء من اليمن ويتخذ بها الأدم الكثير
قال في العزيزي وهي بلدة صالحة وحولها من شجر القرظ مالا يحصى وبها مدابغ كثيرة
قال الإدريسي وهي ومدينة نجران متقاربتان في المقدار والعمارة ولهما مزارع وضياع وبينهما ست مراحل
ومنها مأرب
قال في تقويم البلدان بفتح الميم وهمزة ساكنة وراء مهملة مكسورة وفي اخرها باء موحدة
وذكر أنه راها مكتوبة في الصحاح كذلك ثم قال والمشهور فتح الهمزة ومدها
وهي مدينة على ثلاث مراحل من صنعاء واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول ثمان وستون درجة والعرض أربع عشرة درجة
قال في تقويم البلدان وهي في اخر جبال حضرموت ويقال لها مدينة سبإ تسمية لها باسم بانيها وبها كان السد
قال وكانت قاعدة التبابعة وهي اليوم خراب
ومنها حضرموت
قال في اللباب بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة وبعدها ميم مفتوحة وواو ساكنة وتاء مثناة من فوقها في الاخر
وهي ناحية من نواحي اليمن وأعمالها أعمال عريضة ذات شجر ونخل ومزارع (5/40)
قال الأزهري وسميت حضرموت بحاضر بن سنان بن إبراهيم وكان أول من نزلها
قال صاحب العبر وكانت بلاد حضرموت لعاد مع البحرين وعمان ثم غلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان حين ولى أولاده البلاد أعطى هذه ابنه حضرموت فعرفت به
والنسبة إليها حضرمي وقصبتها مدينة شبام
قال في اللباب بكسر الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة وألف وميم ووهم ابن الأثير في اللباب فجعل شبام قبيلة لا بلدا
قال في تقويم البلدان وهي خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب
قال في الأطوال وهي حيث الطول إحدى وسبعون درجة والعرض اثنتا عشرة درجة وثلاثون دقيقة وهي قلعة فوق جبل منيع فيه قرى ومزارع كثيرة
قال في العزيزي وفيه سكان كثيرة
قال وفيه معدن العقيق والجزع وبينها وبين صنعاء أحد وعشرون فرسخا وقيل إحدى عشرة مرحلة وبينها وبين ذمار مرحلة واحدة
الجملة الثانية في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة
قد تقدم أن الطريق من مصر إلى مكة معروفة
قال ابن خرداذبه ثم من مكة إلى بئر ابن المرتفع ثم إلى قرن المنازل قرية عظيمة وهي ميقات أهل اليمن للحج منه يحرمون ثم إلى الفتق وهي قرية كبيرة ثم إلى صقر ثم إلى تربة وهي قرية كبيرة ثم إلى كدي وفيها نخيل وعيون ثم إلى رنية وفيها نخيل وعيون أيضا ثم إلى تبالة وهي مدينة كبيرة فيها عيون جارية ثم إلى (5/41)
جسدا وفيها بئر ولا أهل فيها ثم إلى كشة وهي قرية عظيمة فيها عيون وحرس ثم إلى بيشة يقطان وفيها ماء ظاهر وكرم والحرس منها على ثلاثة أميال ثم إلى المهجرة وهي قرية عظيمة فيها عيون وفيما بين سروم راح والمهجرة طلحة الملك وهي شجرة عظيمة
وهناك حد ما بين عمل مكة المشرفة وعمل اليمن ثم منها إلى عرقة وماؤها قليل ولا أهل فيها ثم إلى صعدة وقد تقدم ذكرها ثم إلى الأعمشية وفيها عين صغيرة ولا أهل فيها ثم إلى خيوان وقد تقدم ذكرها ثم إلى أثافت وهي مدينة فيها زرع وكرم وعيون ثم إلى مدينة صنعاء وهي قاعدة هذه المملكة على ما تقدم
الجملة الثالثة فيمن ملك هذه المملكة إلى زماننا
قد تقدم في الكلام على صنعاء أنها كانت قاعدة ملك التبابعة وقد مر القول عليهم في الكلام على ملوك اليمن في مملكة بني رسول في القسم الأول من اليمن
أما حضرموت فقد قال علي بن عبد العزيز الجرجاني إنه كان لهم في الجاهلية ملوك يقاربون ملوك التبابعة في علو الصيت ونباهة الذكر
ثم قال وقد ذكر جماعة من العلماء أول من انبسطت يده منهم وارتفع ذكره عمرو بن الأشنب بن ربيعة بن يرام بن حضرموت ثم خلفه ابنه نمر الأزج فملكهم مائة سنة وقاتل العمالقة
ثم ملك بعده ابنه كريب ذو كراب بن نمر الأزج مائة وثلاثا وثلاثين سنة (5/42)
ثم ملك بعده مرثد ذومران بن كريب مائة وأربعين سنة وكان يسكن مأرب ثم تحول إلى حضرموت
ثم ملك بعده ابنه علقمة ذوقيقان بن مرثد ذي مران ثلاثين سنة
ثم ملك بعده ابنه ذوعيل بن ذي قيقان عشرين سنة
ثم تحول من حضرموت إلى صنعاء واشتدت وطأته
وهو أول من غزا الروم من ملوك اليمن وأدخل الحرير والديباج اليمن
ثم ملك بعده ابنه بدعيل بن ذي عيل أربع سنين وبنى بها حصونا وخلف اثارا
ثم ملك بعده ابنه يدنو ذو حمار بن بدعيل بحضرموت وبحر فارس وكان في أيام سابور ذي الأكتاف من ملوك الفرس ودام ملكه ثمانين سنة وهو أول من اتخذ الحجاب من ملوكهم
ثم ملك بعده ابنه ليشرح ذو الملك بن ودب بن ذي حمار بن عاد من بلاد حضرموت مائة سنة وهو أول من رتب المراتب وأقام الحرس من ملوكهم
ثم ملك بعده ينعم بن ذي الملك دثار بن جذيمة
ثم ملك بعده ساجي بن نمر وفي أيامه تغلبت الحبشة على اليمن وقد مر القول على ملكهم ثم ملك الفرس بعدهم إلى ظهور الإسلام في الكلام على ملوك اليمن في القسم الأول من اليمن فأغنى عن إعادته هنا
وأما نجران وجرش فإنهما كانا بيد جرهم من القحطانية ثم غلبهم على ذلك بنو حمير وصاروا ولاة للتبابعة فكان كل من ملك منهم يسمى أفعى (5/43)
ومنهم كان الإفعى الذي حكم بين أولاد نزار بن معد بن عدنان في قصتهم المشهورة
ثم نزل نجران بنو مدحج واستولوا عليها ثم نزل في جوارهم الحارث بن كعب الأزدي فغلبهم عليها وانتهت رياسة بني الحارث فيها إلى بني الديان ثم صارت إلى بني عبد المدان إلى أن كان منهم في زمان النبي يزيد فأسلم على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه
وكان منهم زياد بن عبد الله بن عبد المدان خال السفاح ولاه نجران واليمامة وخلف ابنه محمدا ويحيى ودخلت المائة الرابعة والملك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان واتصل مجيئهم وكان اخرهم عبد القيس الذي أخذ علي بن مهدي الملك من يده
أما في الإسلام فقد تقدم في الكلام على القسم الأول من اليمن أيضا أنه لما ظهر الإسلام أسلم باذان نائب الفرس على اليمن وتتابع أهل اليمن في الإسلام وولى النبي على صنعاء شهر بن باذان المذكور فلما خرج الأسود العنسي أخرج عمال النبي من اليمن على ما تقدم وزحف إلى صنعاء فملكها وقتل شهر بن باذان وتزوج امرأته
فلما قتل العنسي ورجع عمال النبي إلى اليمن استبد بصنعاء قيس بن عبد يغوث المرادي وتوفي رسول الله والأمر على ذلك
ثم كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه فولى على اليمن فيروز الديلمي ثم ولى بعده المهاجر بن أبي أمية
ثم توالت عمال الخلفاء على اليمن على ما تقدم في الكلام على القسم الأول من اليمن
ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن كان اول المائة الرابعة بعد الهجرة أو ما قاربها
فغلب على صنعاء وما والاها بنو يعفر من بقايا التبابعة
قال ابن سعيد وكان دار ملكهم كحلان وهي (5/44)
قلعة من عمل صنعاء بالقرب منها ولم أقف على تفاصيل احوالهم وأسماء ملوكهم
ثم كانت دولة أئمة الزيدية القائمين بها إلى الآن وهم بنو القاسم الرسي ابن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
وكان مبدأ أمرهم ان محمد بن إبراهيم طباطبا خرج بالكوفة في خلافة المأمون في سنة تسع وتسعين ومائة ودعا إلى نفسه وكان شيعته من الزيدية وغيرهم يقولون إنه مستحق للإمامة بالتوارث من ابائه عن جده إبراهيم الإمام وغلب على كثير من بلاد العراق ثم خمدت سورته فتطلب المأمون أخاه القاسم الرسي فهرب إلى الهند ولم يزل به حتى هلك سنة خمس وأربعين ومائتين فرجع ابنه الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا إلى اليمن فكان من عقبه هؤلاء الأئمة
وأول من خرج منهم باليمن يحيى بن الحسين الزاهد بن القاسم الرسي ودعا لنفسه بصعدة وتلقب بالهادي وبويع بالإمامة سنة ثمان وثمانين ومائتين في حياة أبيه الحسين وجمع الشيعة وغيرهم وحارب إبراهيم بن يعفر ويقال أسد بن يعفر القائم من أعقاب التبابعة بصنعاء وكحلان وملك صنعاء ونجران وضرب السكة باسمه
قال في مسالك الأبصار واستجاب الناس لندائه وصلوا بصلاته وأمنوا على دعائه وقام فيهم مقاما عظيما وأثر فيهم من الصلاح أثرا مشهودا قال وفي ذلك يقول (5/45)
( بني حسن إني نهضت بثأركم ... وثأر كتاب الله والحق والسنن )
( وصيرت نفسي للحوادث عرضة ... وغبت عن الإخوان والأهل والوطن ) - طويل -
ثم ارتجعهما بنو يعفر منه ورجع هو إلى صعدة فتوفي بها سنة ثمان وتسعين ومائتين لعشر سنين من بيعته
قال ابن المحاب وله مصنفات في الحلال والحرام
وقال غيره كان مجتهدا في الأحكام الشرعية وله في الفقه اراء غريبة وتاليف بين الشيعة مشهورة قال ابن حزم ولم يبعد في الفقه عن الجماعة كل البعد
قال الصولي ثم ولي بعده ابنه محمد المرتضى وتمت له البيعة فاضطرب الناس عليه
قال في أنساب الطالبيين واضطر إلى تجريد السيف فجرده
وفي ذلك يقول
( كدر الورد علينا بالصدر ... فعل من بدل حقا أو كفر )
( أيها الأمة عودي للهدى ... ودعي عنك أحاديث البشر )
( عدمتني البيض والسمر معا ... وتبدلت رقادا بسهر )
( لأجرن على أعدائنا ... نار حرب بضرام وشرر ) - رمل -
ومات سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته
وولي بعده أخوه الناصر فاستقام ملكه
ثم ولي بعده ابنه الحسين المنتجب بالجيم ومات سنة أربع وعشرين وثلثمائة
وولي بعده أخوه القاسم المختار بعهد من أخيه المذكور وقتله أبو القاسم بن الضحاك الهمداني سنة أربع وأربعين وثلثمائة
وولي بعده صعدة جعفر الرشيد ثم بعده أخوه المختار ثم أخوه الحسن المنتجب ثم أخوه محمد المهدي (5/46)
قال ابن المحاب ولم تزل إمامتهم بصعدة مطردة إلى أن وقع الخلاف بينهم وجاء السليمانيون أمراء مكة حين غلبة الهواشم عليهم فغلبوا على صعدة في المائة السادسة
قال ابن سعيد وقام بها منهم أحمد بن حمزة بن سليمان بن داود ابن عبد الله بن المثنى بن الحسن السبط وغلب على زبيد وملكها من بني مهدي ثم انتزعها بنو مهدي منه وعاد إلى صعدة ومات
فولي بعده ابنه المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة وامتدت يده مع الناصر لدين الله خليفة بني العباس ببغداد وبعث دعاته إلى الديلم والجبل فخطب له بهما وأقيم له بهما ولاة وكان بينه وبين سيف الإسلام بن أيوب ثم الملك مسعود ابن الملك الكامل حروب باليمن
وبقي حتى توفي سنة ثلاثين وستمائة عن عمر طويل
وولي بعده ابنه أحمد بن المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة ولقب بالمتوكل صغيرا ولم يخطب له بالإمامة لصغر سنه
وكان بنو الرسي حين غلب عليهم السليمانيون بصعدة أووا إلى جبل شرقي صعدة فلم يبرحوا عنه والخبر شائع بأن الأمر يرجع إليهم إلى أن كان المتوكل أحمد من السليمانيين فبايع الزيدية أحمد الموطىء بن الحسين المنتجب بن أحمد الناصر بن يحيى الهادي بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا المقدم ذكره في سنة خمس وأربعين وستمائة
وكان الموطىء فقيها أديبا عالما بمذهبهم قواما صواما فأهم عمر بن علي بن رسول صاحب زبيد شأنه فحاصره بحصن ملا سنة فلم يصل إليه (5/47)
وتمكن أمر الموطىء وملك عشرين حصنا وزحف إلى صعدة فغلب السليمانيين عليها فنزل أحمد المتوكل إمام السليمانيين إليه وبايعه في سنة تسع وأربعين وستمائة وحج سنة خمسين وستمائة وبقي أمر الزيدية بصعدة في عقبه
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار أنه سأل تاج الدين عبد الباقي اليماني أحد كتاب اليمن عن تفاصيل أحوال هذه الأئمة فقال إن أئمة الزيديين كثيرون والمشهور منهم المؤيد بالله والمنصور بالله والمهدي بالله والمطهر يحيى بن حمزة
قال ويحيى بن حمزة هو الذي كان اخرا على عهد الملك المؤيد داود بن يوسف صاحب اليمن وكانت الهدنة تكون بينهما
وذكر في التعريف أن الإمامة في زمانه كانت في بني المطهر
ثم قال واسم الإمام القائم في وقتنا حمزة
ثم قال ويكون بينه وبين الملك الرسولي باليمن مهادنات ومفاسخات تارة وتارة
قال قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون في تاريخه وقد سمعت بمصر أن الإمام بصعدة كان قبل الثمانين والسبعمائة علي ابن محمد من أعقابهم وتوفي قبل الثمانين وولي ابنه صلاح وبايعه الزيدية وكان بعضهم يقول فيه إنه ليس بإمام لعدم اجتماع شروط الإمامة فيقول أنا لكم على ما شئتم إمام أو سلطان
ثم مات صلاح اخر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وقام بعده ابنه نجاح وامتنع الزيدية من بيعته
فقال أنا محتسب لله تعالى
قلت وقد وهم في التعريف فجعل هذه الأئمة من بقايا الحسنيين القائمين بامل الشط من بلاد طبرستان وأن القائم منهم بامل الشط بطبرستان هو الداعي المعروف بالعلوي من الزيديه وهو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج سنة خمس وخمسين ومائتين أو ما يقاربها فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها ثم مات وقام أخوه محمد بن زيد مقامه
وكان لشيعته من الزيدية دولة هناك ثم (5/48)
انقرضت وورثها الناصر الأطروش وهو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب وكان له دولة هناك
ثم خرج على الأطروش من الزيدية الداعي الأصغر وهو الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحائي بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط وجرى بينه وبين الأطروش حروب إلى أن قتل سنة تسع عشرةوثلثمائة ويجتمع الداعي الأصغر مع الداعي الأكبر في الحسن بن زيد وليس بنو الرسي الذين منهم أئمة اليمن من هؤلاء بوجه
الجملة الثالثة في ترتيب مملكة هذا الإمام
قال في التعريف بعد أن ذكر إمام زمانه وهذا الإمام وكل من كان قبله على طريقة ما عدوها وهي إمارة أعرابية لا كبر في صدورها ولا شمم في عرانينها وهم على مسكة من التقوى وترد بشعار الزهد يجلس في ندي قومه كواحد منهم ويتحدث فيهم ويحكم بينهم سواء عنده المشروف والشريف والقوي والضعيف
قال وربما اشترى سلعته بيده ومشى بها في أسواق بلده لا يغلظ الحجاب ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجاب يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع ولا تكثر غير مشبع هكذا هو وكل من سلف قبله مع عدل شامل وفضل كامل
وذكر في مسالك الأبصار عن تاج الدين عبد الباقي اليماني الكاتب نحو ذلك
فقال وأئمتهم لا يحجبون ولا يحتجبون ولا يرون التفخيم والتعظيم الإمام كواحد من شيعته في مأكله ومشربه وملبسه وقيامه وقعوده وركوبه (5/49)
ونزوله وعامة أموره يجلس ويجالس ويعود المرضى ويصلي بالناس وعلى الجنائز ويشيع الموتى ويحضر دفن بعضهم
قال ولشيعته فيه حسن اعتقاد ويستشفون بدعائه ويمرون يده على مرضاهم ويستسقون المطر به إذا أجدبوا ويبالغون في ذلك مبالغة عظيمة قال المقر الشهابي بن فضل الله ولا يكبر لإمام هذه سيرته في التواضع لله وحسن المعاملة لخلقه وهو من ذلك الأصل الطاهر والعنصر الطيب أن يجاب دعاؤه ويتقبل منه
وينادى ببلاد هذا الإمام في الأذان بحي على خير العمل بدل الحيعلتين كما كان ينادى بذلك في تأذين أهل مصر في دولة الخلفاء الفاطميين بها
قال في التعريف وأمراء مكة تسر طاعته ولا تفارق جماعته
قال ابن غانم هذا الإمام يعتقد في نفسه ويعتقد أشياعه فيه أنه إمام معصوم مفترض الطاعة تنعقد به عندهم الجمعة والجماعة ويرون أن ملوك الأرض وسلاطين الأقطار يلزمهم طاعته ومبايعته حتى خلفاء بني العباس وأن جميع من مات منهم مات عاصيا بترك مبايعته ومتابعته
قال وهم يزعمون ويزعم لهم أن سيكون لهم دولة يدال بها بين الأمم وتملك منتهى الهمم وأن الإمام الحجة المنتظر في اخر الزمان منهم
وذكر عن رسول هذا الإمام الواصل إلى مصر أن الأئمة في هذا البيت أهل علم يتوارثونه إمام عن إمام وقائم عن قائم
وذكر عن بعض من مر بهم أنه فارقهم في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وهم لا يشكون أنه قد آن أوان ظهورهم وحان حين ملكهم ولهم رعايا تختلف إلى البلاد وتجتمع بمن هو على رأيهم تصون ضعف الدولة في أقطار الأرض
وحكى المقر الشهابي بن فضل الله عن قاضي القضاة كمال الدين محمد ابن الزملكاني قاضي حلب أنه مات رجل من شيعتهم بحلب فوجد عنده صندوقان ضمنهما كتب من ائمة هذه البلاد إلى ذلك الرجل وإلى سلفه يستعرفون فيها (5/50)
الأخبار وأحوال الشيعة والسؤال عن أناس منهم وأن في بعضها ولا يؤخر مدد من هنا من إخوانكم المؤمنين في هذه البلاد الشاسعه وهو حق الله فيه تزكية أموالكم ومدد إخوانكم من الضعفاء واتقوا الله و ( استغفروا ربكم أنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا )
ونقل عن الشيخ شهاب الدين بن غانم أنه حدثه عند وصوله من اليمن أن هذا الإمام في منعة منيعة وذروة رفيعة وأنه يركب في نحو ثلاثة آلاف فارس وأن عسكره من الرحالة خلق لا جسم وذكر عمن أقام عندهم أنهم أهل نجدة وبأس وشجاعة ورأي غير ان عددهم قليل وسلاحهم ليس بكثير لضيق أيديهم وقلة بلادهم ونقل عن تاج الدين عبد الباقي اليمني أن قومه معه على الطواعية والانقياد لا يخرج أحد منهم له عن نص ولا يشاركه فيما يتميز به
قال ابن غانم وزي هذا الإمام وأتباعه زي العرب في لباسهم والعمامة والحنك بخلاف ما تقدم من زي صاحب اليمن من بني رسول قال الشيخ شهاب الدين بن غانم وهذا الإمام لا يزال صاحب اليمن يرعى جانبه وفي كل وقت تعقد بينهما العقود وتكتب الهدن وتوثق المواثيق وتشترط الشروط
قال في التعريف وقد وصل إلينا بمصر في الأيام الناصرية سقى الله تعالى عهدها رسول من هذا الإمام بكتاب أطال فيه الشكوى من صاحب اليمن وعدد قبائحه ونشر على عيون الناس فضائحه واستنصر بمدد يأتي تحت الأعلام المنصورة لإجلائه عن دياره وإجرائه مجرى الذين ظلموا في تعجيل دماره
وقال انه إذا حضرت الجيوش المؤيدة قام معها وقاد إليها الأشراف والعرب أجمعها ثم إذا استنقذ منه ما بيده أنعم عليه ببعضه وأعطي منه ما هو الى جانب أرضه قال فكتبت إليه مؤذنا بالإجابة مؤديا إليه ما يقتضي إعجابه (5/51)
وضمن الجواب أنه لا رغبة لنا في السلب وأن النصرة تكون لله خالصة وله كل البلاد لا قدر ما طلب
وسيأتي ذكر المكاتبة إلى هذا الإمام عن الأبواب السلطانية في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد ان شاء الله تعالى
القطر الثاني مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية بلاد البحرين تثنية بحر
قال في تقويم البلدان بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المهملة وسكون المثناة من تحت ثم نون وهي قطعة من جزيرة العرب المذكورة
قال في تقويم البلدان وهي ناحية من نواحي نجد على شط بحر فارس ولها قرى كثيرة قال وهي هجر ونهايتها الشرقية الشمالية قال في الأطوال ونهايتها من الشمال في الاقليم الثاني حيث الطول أربع وسبعون درجة وعشرون دقيقة والعرض خمس وعشرون درجه وخمس وأربعون دقيقة
قال في المشترك ويقال للبحرين هجر أيضا بفتح الهاء والجيم ثم راء مهملة وليست هجر مدينة بعينها
قال الأزهري وإنما سميت هجر بالبحرين ببحيرة بها عند الأحساء وبالبحر الملح يعني بحر فارس والنسبة إلى البحرين بحراني
قال الجوهري والنسبة إلى هجر هاجري على غير قياس قال الأزهري وسميت هجر بهجر بنت المكنف وهي التي بنتها
وفيها ثلاث جمل
الجملة الأولى فيما تشتمل عليه من المدن
وقاعدتها عمان قال في اللباب بضم العين المهملة وفتح الميم ونون (5/52)
في الاخر بعد الألف
قال الأزهري وسميت بعمان بن نعسان بن إبراهيم عليه السلام وموقعها في الإقليم الأول
قال وهي على البحر تحت البصرة
قال المهلبي وهي مدينة جليلة بها مرسى السفن من السند والهند والزنج وليس على بحر فارس مدينة أجل منها وأعمالها نحو ثلثمائة فرسخ
قال وهي ديار الأزد قال في تقويم البلدان وهي بلدة كثيرة النخيل والفواكه ولكنها حارة جدا
وكانت القصبة في القديم مدينة صحار
قال في تقويم البلدان بضم الصاد وفتح الحاء المهملتين كما في الصحاح
قال وهي اليوم خراب
وبها بلاد أخرى غير ذلك
منها الأحساء
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون الحاء وفتح السين المهملتين وألف في الاخر
قال في المشترك والأحساء جمع حسي وهو رمل يغوص فيه الماء حتى إذا صار إلى صلابة الأرض أمسكته فتحفر عنه العرب وتستخرجه
وموقعها في أوائل الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وعشرون درجة
قال في تقويم البلدان ذات نخيل كثير ومياه جارية ومنابعها حارة شديدة الحرارة ونخيلها بقدر غوطة دمشق وهو مستدير عليها وهي في البرية في الغرب عن القطيف بميلة إلى الجنوب على مرحلتين منها
قال وتعرف بأحساء بني سعد
ومنها القطيف
قال في اللباب بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحت وفاء في الاخر
وهي بلدة على مرحلتين من الأحساء من جهة الشرق والشمال واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس (5/53)
وخمسون دقيقة والعرض اثنتان وعشرون درجة وخمس وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي على شط بحر فارس وبها مغاص لؤلؤ وبها نخيل دون نخيل الأحساء
قال وعن بعض أهلها أن لها سورا وخندقا ولها أربعة أبواب والبحر إذا مد يصل إلى سورها وإذا جزر ينكشف بعض الأرض وهي أكبر من الأحساء
قال ولها خور في البحر تدخل فيه المراكب الكبار الموسقة في حالة المد والجزر وبينها وبين البصرة ستة أيام وبينها وبين عمان مسيرة شهر
ومنها كاظمة
قال في تقويم البلدان بكاف وألف وظاء معجمة مكسورة وميم وهاء
قال وهي جون على ساحل البحر بين البصرة والقطيف في سمت الجنوب عن البصرة وبينها وبين البصرة مسيرة يومين وبينها وبين القطيف أربعة أيام
الجملة الثانية في ذكر ملوكها
قد ذكر صاحب العبر أنها كانت في القديم لعاد مع حضرموت والشحر وما والاهما ثم غلب عليها بعد ذلك بنو يعرب بن قحطان
الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها
قد تقدم في الكلام على مملكة إيران الطريق من مملكة مصر إلى البصرة
قال ابن خرداذبه ثم من البصرة إلى عبادان ثم إلى الحدوثة ثم إلى عرفجاء ثم إلى الزابوقة ثم إلى المغز ثم إلى عصا ثم إلى المعرس ثم إلى خليجة ثم إلى حسان ثم إلى القرى ثم إلى مسيلحة ثم إلى حمض ثم إلى ساحل هجر ثم إلى العقير ثم إلى القطن ثم إلى السبخة ثم إلى عمان
وذكر لها طريقا أخرى من مكة إليها على الساحل وهي من مكة إلى جدة إلى منزل ثم إلى الشعيبة ثم إلى المرجاب ثم إلى أغيار ثم إلى السرين (5/54)
ثم إلى مرسى حلي ثم إلى مرسى ضنكان ثم إلى سجين ثم إلى مخلاف الحكم ثم إلى الجودة ثم إلى مخلاف عك ثم إلى غلافقة ثم إلى مخلاف زبيد ثم إلى المندب ثم إلى مخلاف الركب ثم إلى المنجلة ثم إلى مخلاف بني مجيد ثم إلى مغاص اللؤلؤ ثم إلى عدن ثم إلى مخلاف لحج ثم إلى قرية عبد الله بن مذحج ثم إلى مخلاف كندة ثم إلى الشحر ثم إلى ساحل هماه ثم إلى عوكلان ثم إلى فرق ثم إلى عمان
وهي طريق بعيدة
ولعربها مكاتبات عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
القطر الثالث مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية اليمامة
قال في تقويم البلدان بفتح المثناة من تحت والميم وألف وميم وهاء في الاخر
وهي قطعة من جزيرة العرب من الحجاز وعليه جرى الفقهاء فحكموا بتحريم مقام الكفر بها كما بسائر أقطار الحجاز وهي في سمت الشرق عن مكة المشرفة
قال البيهقي وهي ملك منقطع بعمله ويحدها من جهة الشرق البحرين ومن الغرب أطراف اليمن ومن الشمال نجد والحجاز وأرضها تسمى العروض لاعتراضها بين الحجاز والبحرين وطولها عشرون مرحلة
وهي في جهة الغرب عن القطيف وبينهما نحو أربع مراحل وبينها وبين مكة أربعة أيام
وسميت اليمامة باسم امرأة وهي اليمامة بنت سهم بن طسم كانت تنزلها إلى أن قتلها عبد كلال وصلبها على بابها فسميت بها سماها بذلك تبع الاخر
قال في تقويم البلدان وكان اسمها في القديم جوا بفتح الجيم وسكون الواو
قال في تقويم البلدان وهي عن البصرة على ست عشرة مرحلة وعن (5/55)
الكوفة مثل ذلك
قال في تقويم البلدان وبها من القرب عين ماء متسعة وماؤها سارح وذكر أنها أكثر نخيلا من سائر الحجاز ثم نقل عمن راها في زمانه أن بها ابارا وقليل نخل وكأنه حكى معبرا عما كانت عليه في القدم وبها واد يسمى الخرج بخاء معجمة مفتوحة وراء مهملة ساكنة وجيم في الاخر كما هو مضبوط في الصحاح
وفيها ثلاث جمل
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من البلدان
قد ذكر في تقويم البلدان عمن أخبره ممن راها في زمانه أن بها عدة قرى
وبها الحنطة والشعير كثير
وقاعدتها دون مدينة النبي واقعة في أوائل الإقليم الثاني
قال في الأطوال حيث الطول إحدى وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض إحدى وعشرون درجة وثلاثون دقيقة
ومن بلادها حجر قال في المشترك بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وراء مهملة في الاخر
وهي في الغرب عن مدينة اليمامة على مرحلتين منها وبعضهم يجعلها قاعدة اليمامة وموقعها في أوائل الإقليم الثاني
قال في تقويم البلدان والقياس انها حيث الطول إحدى وسبعون درجة وعشر دقائق والعرض اثنتان وعشرون درجة
قال وبها قبور الشهداء الذين قتلوا في حرب مسيلمة الكذاب (5/56)
الجملة الثانية في ذكر ملوكها
قال صاحب العبر كانت هي والطائف بيد بني هزان بن يعفر بن السكسك إلى أن غلبهم عليها طسم
ثم غلبهم عليها جديس ومنهم زرقاء اليمامة
ثم استولى عليها بنو حنيفة وكان منهم هوذة بن علي وهو الذي كتب إليه النبي يدعوه إلى الإسلام
ثم ملكها من بني حنيفة ثمامة بن أثال على عهد النبي وأسر ثم أسلم ثم كان بها منهم مسيلمة الكذاب زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقتل في حرب المسلمين معه
وكان لبني الأخيضر من الطالبيين بها دولة
وأول من ملكها منهم محمد بن الأخيضر بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وكان استيلاؤه عليها أيام المستعين الخليفة العباسي
ثم ملكها بعده ابنه يوسف ثم ابنه الحسن ثم ابنه أحمد ولم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة على ما تقدم ذكره في الكلام على بلاد البحرين
قال ابن سعيد وسألت عرب البحرين في سنة لمن اليمامة اليوم فقالوا لعرب من قيس عيلان وليس لبني حنيفة بها ذكر (5/57)
قلت ولم أقف لعربها على ذكر في المكاتبات السلطانية بالديار المصرية
الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها
قد تقدم أنها في جهة الشرق عن مكة وان بينهما أربعة أيام وطريق مكة معروف على ما تقدم
أما ما ذكره ابن خرداذبه من طريقها على البصرة فمن البصرة إلى المنجشانية ثم إلى الكفير ثم إلى الرحيل ثم إلى الشجي ثم إلى الحفر ثم إلى ماوية ثم إلى ذات العشر ثم إلى الينسوعة ثم إلى السمينة ثم إلى النباج ثم إلى العمومية ثم إلى القريتين ثم إلى سويقة ثم إلى صداة ثم إلى السد ثم إلى السقي ثم إلى المنبية ثم إلى السفح ثم إلى المريقة ثم إلى اليمامة والبصرة قد تقدم أكثر الطريق إليها في الكلام على مملكة إيران
القطر الرابع مملكة الهند ومضافاتها
قال في مسالك الأبصار وهي مملكة عظيمة الشأن لا تقاس في الأرض بمملكة سواها لا تساع أقطارها وكثرة أموالها وعساكرها وأبهة سلطانها في ركوبه ونزوله ودست ملكه وفي صيتها وسمعتها كفاية
ثم قال ولقد كنت أسمع من الاخبار الطائحة والكتب المصنفة ما يملأ العين والسمع وكنت لا أقف على حقيقة أخبارها لبعدها منا وتنائي ديارها عنا ثم تتبعت ذلك من الرواة فوجدت أكثر مما كنت أسمع وأجل مما كنت أظن
وحسبك ببلاد في بحرها الدر وفي برها الذهب وفي جبالها الياقوت والماس وفي شعابها العود والكافور وفي مدنها أسرة الملوك ومن وحوشها الفيل والكركدن ومن حديدها سيوف الهند وأسعارها رخية وعساكرها لا تعد وممالكها لا تحد ولأهلها (5/58)
الحكمة ووفور العقل وهم أملك الأمم لشهواتهم وأبذلهم للنفوس فيما يظن به الزلفى
قال وقد وصف محمد بن عبد الرحيم الاقليشي هذه المملكة في كتابه تحفة الألباب فقال الملك العظيم والعدل الكثير والنعمة الجزيلة والسياسة الحسنة والرضا الدائم والأمن الذي لا خوف معه في بلاد الهند
وأهل الهند أعلم الناس بأنواع الحكمة والطب والهندسة والصناعات العجيبة ثم قال وفي جبالهم وجزائرهم ينبت شجر العود والكافور وجميع أنواع الطيب كالقرنفل والسنبل والدارصيني والقرفة والسليخة والقاتلة والكبابة والبسباسة وأنواع العقاقير
وعندهم غزال المسك وسنور الزباد هذا مع ما هذه المملكة عليه من اتساع الأقطار وتباعد الأرجاء وتنائي الجوانب
فقد حكى في مسالك الأبصار عن الشيخ مبارك بن محمود الأنباتي أن عرض هذه المملكة ما بين سومنات وسرنديب إلى غزنة وطولها من الفرضة المقابلة لعدن إلى سد الإسكندر عند مخرج البحر الهندي من البحر المحيط وأن مسافة ذلك ثلاث سنين في مثلها بالسير المعتاد كلها متصلة المدن ذوات المنابر والأسرة والأعمال والقرى والضياع والرساتيق والأسواق لا يفصل بينها خراب بعد أن ذكر عنه أنه ثقة ثبت عارف بما يحكيه إلا أنه استبعد (5/59)
هذا المقدار وقال إن جميع المعمور لا يفي بهذه المسافة اللهم إلا أن يريد أن هذه مسافة من يتنقل فيها حتى يحيط بجميعها مكانا مكانا فيحتمل على ما فيه
وفيه إحدى عشرة جملة
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم
وتحتوي هذه المملكة على إقليمين عظيمين
الإقليم الأول إقليم السند وما انخرط في سلكه من مكران وطوران والبدهة وبلاد القفس والبلوص
فأما السند فبكسر السين المهملة وسكون النون ودال مهملة في الاخر
قال ابن حوقل ويحيط به من جهة الغرب حدود كرمان وتمام الحد مفازة سجستان ومن جهة الجنوب مفازة هي فيما بين كرمان والبحر الهندي والبحر جنوبي المفازة ومن جهة الشرق بحر فارس أيضا لأن البحر يتقوس على كرمان والسند حتي يصير له دخلة شرقي بلاد السند ومن جهة الشمال قطعة من الهند
قال ابن خرداذبة وبالسند القسط والقنا والخيزران
وقاعدته المنصورة قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون النون وضم الصاد المهملة وسكون الواو وفتح الراء المهملة وهاء في الاخر
وهي مدينة بالسند واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول خمس وتسعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربع وعشرون درجة واثنتان وأربعون دقيقة
قال في القانون واسمها القديم يمنهو وإنما سميت المنصورة (5/60)
لأن الذي فتحها من المسلمين قال نصرنا
وقال المهلبي إنما سميت المنصورة لأن عمر بن حفص المعروف بهزارمرد بناها في أيام أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس وسماها بلقبه
قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة يحيط بها خليج من نهر مهران وهو نهر يأتي من الملتان فهي كالجزيرة ولكنها بلدة حارة وليس بها سوى النخيل وبها قصب السكر وبها أيضا ثمر على قدر التفاح شديد الحموضة يسمى اليمومة
وبها عدة مدن وبلاد أيضا
منها الديبل قال في اللباب بفتح الدال المهملة وسكون المثناة من تحتها وضم الباء الموحدة ولام في الاخر
وهي بلدة على ساحل البحر واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة والعرض أربع وعشرون درجة وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي بلدة صغيرة على ساحل ماء السند شديدة الحر
قال ابن حوقل وهي شرقي مهران وهي فرضة تلك البلاد
وقال في اللباب إنها على البحر الهندي قريبة من السند
قال ابن سعيد وهي في دخلة من البر في خليج السند وهي أكبر فرض السند وأشهرها ويجلب منها المتاع الديبلي
قال في تقويم البلدان وبها سمسم كثير ويجلب إليها التمر من البصرة وبينها وبين المنصورة ست مراحل
ومنها البيرون
قال في اللباب بكسر الباء الموحدة وسكون الياء اخر الحروف وضم الراء المهملة وبعدها واو ونون في الاخر
وهي مدينة من أعمال الديبل بينها وبين المنصورة واقعة في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في (5/61)
القانون حيث الطول أربع وتسعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة
قال ابن سعيد وهي من فرض بلاد السند التي عليها خليجهم المالح الخارج من بحر فارس
قال في العزيزي وأهلها مسلمون ومنها إلى المنصورة خمسة عشر فرسخا
قال ابن سعيد وإليها ينسب أبو الريحان البيروني يعني صاحب القانون في أطوال البلاد وعروضها
ومنها سدوسان
قال في تقويم البلدان بفتح السين وضم الدال المهملتين وواوثم سين مهلمة ثانية مفتوحة وألف ونون
وهي مدينة غربي نهر مهران واقعة في أوائل الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول أربع وتسعون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق
قال ابن حوقل وهي خصبة كثيرة الخير وحولها قرى ورستاق وهي ذات أسواق جليلة
ومنها المولتان قال في تقويم البلدان بضم الميم وسكون اللام ثم تاء مثناة فوقية وألف ونون
قال وهي في أكثر الكتب مكتوبة بواو
وهي مدينة من السند فيما ذكره أبو الريحان البيروني وإن كان ابن حوقل جعلها من الهند وعليه جرى في مسالك الأبصار لأن البيروني أقعد بذلك منه لأن السند بلاده فهو بها أخبر واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة
قال في القانون حيث الطول ست وتسعون درجة وخمس وعشرون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وأربعون دقيقة
قال ابن حوقل وهي أصغر من المنصورة
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن بعض المصنفات أن قرى الملتان مائة ألف قرية وستة وعشرون ألف قرية
قال المهلبي وأعمال الملتان واسعة من (5/62)
قرب حد مكران من الجنوب إلى حد المنصورة وبينها وبين غزنة ثمانية وستون فرسخا
ومنها أزور
قال ابن حوقل وهي مدينة تقارب الملتان في الكبر وعليها سوران وهي على نهر مهران
وقال في العزيزي هي مدينة كبيرة وأهلها مسلمون في طاعة صاحب المنصورة وبينهما ثلاثون فرسخا قال في القانون حيث الطول خمس وتسعون درجة وخمس وخمسون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق
وأما مكران فقال في اللباب بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء المهملة وألف ونون
قال ابن حوقل وهي ناحية واسعة عريضة والغالب عليها المفاوز والقحط والضيق
وقد اختلف كلام صاحب تقويم البلدان فيها فذكر في الكلام على السند أنها منه وذكر في كلامه على مكران في ضمن بلاد السند أنها من كرمان
وقاعدتها التيز قال في اللباب بالتاء المثناة الفوقية الممالة ثم ياء اخر الحروف وزاي معجمة في الاخر وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ست وثمانون درجة والعرض ست وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة
قال ابن حوقل وهي فرضة مكران وتلك النواحي وهي على شط نهر مهران في غربيه بقرب الخليج المنفتح من مهران على ظهر المنصورة (5/63)
وأما طوران
فناحية على خمس عشرة مرحلة من المنصورة
قال في القانون وقصبتها قندابيل قال وهي حيث الطول خمس وتسعون درجة والعرض ثمان وعشرون درجة
وذكر ابن حوقل أن قصبة طوران قزدار قال في اللباب بضم القاف وسكون الزاي المعجمة وفتح الدال المهملة وألف وراء مهملة
وقد نقل في تقويم البلدان عن إخبار من راها أنها قليعة
قال في تقويم البلدان وهي كالقرية لصغرها وهي في وطاءة من الأرض على تليل وحولها بعض بساتين
وذكر في اللباب أن قزدار ناحية من نواحي الهند
قال في تقويم البلدان وبينها وبين الملتان نحو عشرين مرحلة
وأما البدهة فقال ابن حوقل وهي مفترشة ما بين حدود طوران ومكران والملتان ومدن المنصورة وهي في غربي نهر مهران وأهلها أهل إبل كالبادية ولهم أخصاص واجام
قال في تقويم البلدان ومن المنصورة إلى أول البدهة خمس مراحل ومن أراد البدهة من المنصورة احتاج إلى عبور نهر مهران
الإقليم الثاني إقليم الهند
قال في الأنساب بكسر الهاء وسكون النون ودال مهملة في الاخر
قال في تقويم البلدان والذي يحيط به من جهة الغرب بحر فارس وتمامه حدود السند ومن جهة الجنوب البحر الهندي ومن جهة الشرق المفاوز الفاصلة بين الهند والصين ولم يذكر الحد الذي من جهة الشمال
وذكر في مسالك (5/64)
الأب صار أن حده من جهة الشمال بلاد الترك
وذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أنه ليس في هذه المملكة خراب سوى مسافة عشرين يوما مما يلي غزنة لتجاذب صاحب الهند وصاحب تركستان وما وراء النهر بأطراف المنازعة أو جبال معطلة أو شعواء مشتبكة
قال صاحب مسالك الأبصار وسألت الشيخ مبارك الأنباتي عن بر الهند وضواحيه فقال إن به أنهارا ممتدة تقارب ألف نهر كبار وصغار منها ما يضاهي النيل عظما ومنها ما هو دونه ومنها ما هو مثل بقية الأنهار
وعلى صغار الأنهار القرى والمدن وبه الأشجار الكثيفة والمروج الفيح
قال وهي بلاد معتدلة لا تتفاوت حالات فصولها ليست مفرطة في حر ولا برد بل كأن كل أوقاتها ربيع وتهب بها الأهوية والنسيم اللطيف وتتوالى بها الأمطار مدة أربعة أشهر وأكثرها في أخريات الربيع إلى ما يليه من الصيف
ثم لمملكة الهند قاعدتان
القاعدة الأولى مدينة دلي
قال في تقويم البلدان بدال مهملة ولام مشددة مكسورة ثم مثناة تحتية ولم يتعرض لضبط الدال والناس ينطقون بها بالفتح وبالضم
وسماها صاحب تقويم البلدان في تاريخه دهلي بابدال اللام هاء
وهي مدينة ذات إقليم متسع وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول مائة وثمان وعشرون درجة وخمسون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة كبيرة في مستو من الأرض وتربتها مختلطة بالحجر والرمل وعليها سور من اجر وسورها أكبر من (5/65)
سور حماة وهي بعيدة من البحر ويمر على فرسخ منها نهر كبير دون الفرات وبها بساتين قليلة وليس بها عنب وتمطر في الصيف وبجامعها منارة لم يعلم في الدنيا مثلها مبنية من حجر أحمر ودرجها نحو ثلثمائة درجة وهي كبيرة الأضلاع عظيمة الأوضاع واسعة الأسفل وارتفاعها يقارب منارة الإسكندرية
وذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ برهان الدين بن الخلال البزي الكوفي أن علوها في نحو ستمائة ذراع
وذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أن دلي مدائن جمعت ولكل مدينة منها اسم يخصها ودلي واحدة منها
قال الشيخ أبو بكر ابن الخلال وجملة ما يطلق عليه الان اسم دلي إحدى وعشرون مدينة
قال الشيخ مبارك وهي مميلة طولا وعرضا ويكون دور عمرانها أربعين ميلا وبناؤها بالحجر والاجر وسقوفها بالخشب وأرضها مفروشة بحجر أبيض شبيه بالرخام ولا يبنى بها أكثر من طبقتين وربما اقتصر على طبقة واحدة ولا يفرش دوره فيها بالرخام إلا السلطان
قال وفيها ألف مدرسة منها مدرسة واحدة للشافعية وباقيها للحنفية وبها نحو سبعين بيمارستانا وتسمى بها دور الشفاء وبها وببلادها من ا لربط والخوانق نحو ألفين وفيها الزيارات العظيمة والأسواق الممتدة والحمامات الكثيرة وشرب أهلها من ماء المطر تجتمع الأمطار فيها في أحواض وسيعة كل حوض قطره غلوة سهم أو أكثر
أما مياه الاستعمال وشرب الدواب فمن ابار قريبة المستقى أطول ما فيها سبعة أذرع
وقد صارت دلي قاعدة لجميع الهند ومستقر السلطان وبها قصور ومنازل خاصة بسكنه وسكن حريمه ومقاصير جواريه وحظاياه وبيوت خدمه ومماليكه لا يسكن معه أحد من الخانات ولا من الأمراء ولا يكون بها أحد منهم إلا إذا حضر للخدمة ثم ينصرف كل واحد منهم إلى بيته
ولها بساتين من جهاتها الثلاث الشرق والجنوب والشمال على استقامة
كل خط اثنا عشر ميلا أما الجهة الغربية فعاطلة من ذلك لمقاربة جبل لهابة
ووراء ذلك مدن وأقاليم متعددة (5/66)
القاعدة الثانية مدينة الدواكير
ومدينة الدواكير بفتح الدال المهملة والواو وألف بعدها كاف مكسورة ثم ياء مثناة تحتية وراء مهملة في الاخر
وهي مدينة ذات إقليم متسع
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ مبارك الأنباتي أنها مدينة قديمة جددها السلطان محمد بن طغلقشاه وسماها قبة الإسلام
وذكر أنه فارقها ولم تتكامل بعد وأن السلطان المذكور كان قد قسمها على أن تبنى محلات لأهل كل طائفة محلة الجند في محلة والوزراء في محلة والكتاب في محلة والقضاة والعلماء في محلة والمشايخ والفقراء في محلة وفي كل محلة ما يحتاج إليه من المساجد والأسواق والحمامات والطواحين والأفران وأرباب الصنائع من كل نوع حتى الصواغ والصباغين والدباغين بحيث لا يحتاج أهل محلة إلى أخرى في بيع ولا شراء ولا أخذ ولا عطاء لتكون كل محلة كأنها مدينة مفردة قائمة بذاتها
واعلم أن صاحب تقويم البلدان قد ذكر عن بعض المسافرين إلى الهند أن بلاد الهند على ثلاثة أقسام
القسم الأول بلاد الجزرات
قال في تقويم البلدان بالجيم والزاي المعجمة والراء المهملة ثم ألف وتاء مثناة فوق
وبها عدة مدن وبلاد
منها نهلوارة بالنون والهاء واللام والواو ثم ألف وراء مهملة وهاء
قال ابن سعيد نهروالة فقدم الراء وأخر اللام وكذلك نقله في تقويم البلدان عن بعض المسافرين
وفي نزهة المشتاق نهروارة براءين (5/67)
وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول ثمان وتسعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وهي غربي إقليم المنيبار الاتي ذكره
قال وهي أكبر من كنبايت وعمارتها مفرقة بين البساتين والمياه وهي عن البحر على مسيرة ثلاثة أيام
قال صاحب حماة في تاريخه وهي من أعظم بلاد الهند
ومنها كنبايت قال في تقويم البلدان بالكاف ونون ساكنة وباء موحدة ثم ألف وياء مثناة تحتية وتاء مثناة من فوقها ومقتضى ما في مسالك الأبصار أن يكون اسمها أنبايت بإبدال الكاف همزة فإنه ينسب إليها أنباتي
وهي مدينة على ساحل بحر الهند موقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول تسع وتسعون درجة وعشرون دقيقة والعرض اثنتان وعشرون درجة وعشرون دقيقة
وذكر في تقويم البلدان عمن سافر إليها أنها غربي المنيبار على خور من البحر طوله مسيرة ثلاثة أيام
قال وهي مدينة حسنة أكبر من المعرة من الشام في المقدار وأبنيتها بالاجر وبها الرخام الأبيض وبها بساتين قليلة
ومنها تانة
قال تقويم البلدان قال أبو العقول نقلا عن عبد الرحمن الريان الهندي بفتح المثناة الفوقية ثم ألف ونون وهاء
وهي بلدة على ساحل البحر واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول مائة وأربع عشرة درجة وعشرون دقيقة والعرض تسع عشرة درجة وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي من مشارق الجزرات
قال ابن سعيد وهي مشهورة على ألسن التجار
قال وأهل هذا الساحل جميعهم كفار يعبدون الأنداد والمسلمون ساكنون معهم
قال الإدريسي وأرضها (5/68)
وجبالها تنبت القنا والطباشير ويحمل منها إلى الافاق
قال أبو الريحان والنسبة إليها تانشي ومنها الثياب التانشية
ومنها صومنات قال في تقويم البلدان بالصاد المهملة ويقال بالسين المهملة ثم واو ساكنة وميم ونون مفتوحتين ثم ألف وتاء مثناة فوقية في الاخر وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول سبع وتسعون درجة وعشر دقائق والعرض اثنتان وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة
قال في القانون وهي على الساحل في ارض البوازيج
قال ابن سعيد وهي مشهورة على ألسنة المسافرين وتعرف ببلاد اللار وموضعها في جهة داخلة في البحر فينطحها كثير من مراكب عدن لأنها ليست في جون ولها خور ينزل من الجبل الكبير الذي في شماليها إلى شرقيها وكان بها صنم تعظمه الهنود يضاف إليها فيقال صنم صومنات فكسره يمين الدولة محمود بن سبكتكين عند فتحها كما هو مذكور في التاريخ
ومنها سندان بالسين المهملة والنون والدال المهملة والألف والنون هكذا ذكره في تقويم البلدان ونقل لفظه عن المهلبي في العزيزي
وقال بعض المسافرين إنها سندابور بالسين المهملة والنون والدال المهملة وألف وباء موحدة وواو وراء مهملة في الاخر
وهي مدينة على ثلاثة أيام من تانة موقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول مائة وأربع درج وعشرون دقيقة والعرض تسع عشرة درجة وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان عن بعض المسافرين وهي على جون في البحر الأخضر وهي اخر إقليم الجزرات
قال في القانون وهي على الساحل
قال في (5/69)
العزيزي وبينها وبين المنصورة خمسة عشر فرسخا وهي مجمع الطرق
قال وهي بلاد القسط والقنا والخيزران وهي من أجل الفرض التي على البحر
ومنها ناكور قال في تقويم البلدان بفتح النون وألف وكاف مضمومة وواو وراء مهملة في الاخر
وهي مدينة على أربعة أيام من دلي
ومنها جالور بفتح الجيم ثم ألف ولام مضمومة وواو وراء مهملة
وهي على تل تراب نحو قلعة مصياف بين ناكور وبين نهروالة
ويقال إنه لم يعص على صاحب دلي من الجزرات غير جالور
ومنها منوري
قال في القانون وهي بين الفرضة وبين المعبر إلى سرنديب حيث الطول مائة وعشرون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة
القسم الثاني من إقليم الهند بلاد المنيبار
قال في تقويم البلدان بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء اخر الحروف وفتح الباء الموحدة ثم ألف وراء مهملة في الاخر
وهي إقليم من أقاليم الهند في الشرق عن بلاد الجزرات المقدم ذكرها
قال والمنيبار هي بلاد الفلفل
ثم قال والفلفل في شجره عناقيد كعناقيد الدخن وشجره ربما التف على غيره من الأشجار كما تلتف الدوالي وبها بلاد كثيرة وجميع بلاد المنيبار مخضرة كثيرة المياه والأشجار الملتفة
ومنها هنور قال في تقويم البلدان بفتح الهاء والنون المشددة والواو وراء مهملة
وهي غربي سندابور من بلاد الجزرات المقدم ذكرها فتكون أول بلاد المنيبار من الغرب
قال ولها بساتين كثيرة
ومنها باسرور بالباء الموحدة وبالسين المفتوحة والراءين المهملات (5/70)
وهي بلدة صغيرة شرقي هنور المقدمة الذكر
ومنها منجرور قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وضم الراء المهملة ثم واو ساكنة وراء مهملة
وهي شرقي باسرور المقدمة الذكر
قال وهي من أكبر بلاد المنيبار وملكها كافر ووراءها بثلاثة أيام جبل عظيم داخل في البحر يرى للمسافرين من بعد يسمى رأس هيلي بفتح الهاء وسكون الياء المثناة من تحت وكسر اللام ثم ياء مثناة تحتية في الاخر
ومنها تنديور بالتاء المثناة الفوقية المفتوحة وسكون النون ثم دال مهملة وياء اخر الحروف مضمومة وواو وراء مهملة
وهي بليدة شرقي رأس هيلي لها بساتين كثيرة
ومنها الشاليات بفتح الشين المعجمة وألف ولام وياء اخر الحروف ثم ألف وتاء مثناة فوقية
ومنها الشنكلي بالشين المعجمة المكسورة وسكون النون وكاف ولام وياء اخر الحروف
وهي بلدة بالقرب من الشاليات
ومنها الكولم قال في تقويم البلدان بالكاف المفتوحة والواو الساكنة ثم لام مفتوحة وميم في الاخر وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول مائة وعشر درجات والعرض ثمان عشرة درجة وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهي اخر بلاد الفلفل من الشرق ومنها يقلع إلى عدن
قال صاحب تقويم البلدان وحكى لي بعض المسافرين أنها على خور من البحر في مستو من الأرض وأرضها مرملة وهي كثيرة البساتين وبها شجر البقم وهو شجر كشجر الرمان وورقه يشبه ورق العناب وفيها حارة (5/71)
للمسلمين وبها جامع
القسم الثالث من إقليم الهند بلاد المعبر
قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة ثم راء مهملة وهي شرقي بلاد الكولم بثلاثة أيام وأربعة قال في تقويم البلدان وينبغي أن تكون بميلة إلى الجنوب
قال ابن سعيد وهو مشهور على الألسن ومنه يجلب اللانس
وبها يضرب المثل في قصاريها
قال وفي شماليها جبال متصلة ببلاد بلهرا ملك ملوك الهند وفي غربيها يصب نهر الصوليان في البحر وذكر في مسالك الأبصار عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أن بلاد المعبر تشتمل على عدة جزائر كبار
وبه عدة مدن وبلاد
منها بيرداول قال في تقويم البلدان بكسر الباء الموحدة وتشديد الياء المثناة التحتية وسكون الراء وفتح الدال المهملتين وألف وواو ولام
قال وهي قصبة بلاد المعبر وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول مائة واثنتان وأربعون درجة والعرض سبع عشرة درجة وخمس وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة سلطان المعبر وإليه تجلب الخيول من البلاد
ثم اعلم أن وراء ما تقدم بلادا أخرى ذكرها في تقويم البلدان
منها ماهورة قال في تقويم البلدان بفتح الميم والألف والهاء والواو ثم راء مهملة وهاء
وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول مائة درجة وأربع درج والعرض سبع وعشرون درجة
قال ابن سعيد وهي على جانبي نهر كنك في انحداره من قنوج إلى بحر الهند
قال في تقويم البلدان وهي بلد البراهمة وهم عباد الهند ينسبون إلى البرهمن أول حكمائهم قال ابن سعيد وقلاعهم بها لا ترام
ومنها لوهور قال في اللباب بفتح اللام وسكون الواوين بينهما (5/72)
هاء مفتوحة في الاخر وراء مهملة قال ويقال لها أيضا لهاور
وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول مائة درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة
قال في اللباب وهي مدينة كبيرة كثيرة الخير خرج منها جماعة من أهل العلم
ومنها قنوج قال في تقويم البلدان بكسر القاف وفتح النون المشددة والواو ثم جيم
وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول مائة وإحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة
وذكر في الأطوال الطول بنقص سبع وعشرين درجة والعرض بزيادة ست درج
قال ابن سعيد وهي قاعدة لهاور وهي بين ذراعين من نهر كنك
وقال المهلبي هي في أقاصي الهند في جهة الشرق عن الملتان على مائتين واثنين وثمانين فرسخا
قال وهي مصر الهند وأعظم المدن بها
ثم قال وقد بالغ الناس في تعظيمها حتى قالوا إن بها ثلثمائة سوق للجوهر ولملكها ألفان وخمسمائة فيل وهي كثيرة معادن الذهب
قال في نزهة المشتاق هي مدينة حسنة كثيرة التجارات ومن مدنها قشمير الخارجة وقشمير الداخلة قال وملكها يسمى القنوج باسمها
ومنها جبال قامرون قال في تقويم البلدان بفتح القاف وألف وميم وراء مهملة ثم واو ونون
وهي حجاز بين الهند والصين وعدها في القانون من الجزائر قال وهي خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال في القانون والأطوال حيث الطول مائة وخمس وعشرون درجة والعرض عشر درج ومدينة الملك شرقيها وبها معدن العود القامروني
قلت وذكر في مسالك الأبصار عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أن في مملكة صاحب الهند ثلاثة وعشرين إقليما عد منها بعض ما تقدم ذكره وهي إقليم دهلي وإقليم الدواكير وإقليم الملتان وإقليم كهران (5/73)
وإقليم سامانا وإقليم سبوستان وإقليم وجا وإقليم هاسي وإقليم سرستي وإقليم المعبر وإقليم تلنك وإقليم كجرات وإقليم بدلون وإقليم عوض وإقليم القنوج وإقليم لكنوتي وإقليم بهار وإقليم كره ملاوه وإقليم لهاور وإقليم كلافور وإقليم جاجنكز وإقليم تلنج وإقليم دور سمند
ثم قال وهذه الأقاليم تشتمل على ألف مدينة ومائتي مدينة كلها مدن ذوات نيابات كبار وصغار وبجميعها الأعمال والقرى العامرة الاهلة
وقال إنه لا يعرف عدد قراها إلا أن إقليم القنوج مائة وعشرون لكا كل لك مائة ألف قرية فتكون اثني عشر ألف قرية وإقليم تلنك ستة وثلاثون لكا فيكون ثلاثة الاف ألف وستمائة ألف قرية وإقليم ملاوه أكبر من إقليم القنوج في الجملة
وحكي عن الشيخ مبارك الأنباتي أن على لكنوتي مائتي ألف مركب صغار خفاف للسير إذا رمى الرامي في إحداها سهما وقع في وسطها لسرعة جريانها ومن المراكب الكبار ما فيه الطواحين والأفران والأسواق وربما لم يعرف بعض ركابه بعضا إلا بعد مدة لاتساعة وعظمه إلى غير ذلك مما العهدة فيه عليه
واعلم أن ببحر الهند جزائر عظيمة معدودة في أعماله يكون بعضها مملكة منفردة
منها جزيرة سرنديب قال في تقويم البلدان بفتح السين والراء المهملتين وسكون النون وكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة من تحت ثم باء موحدة
قال ويقال لها جزيرة سنكاديب
كأنه باللسان الهندي وموقعها خارج عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب قال في الأطوال حيث الطول مائة وعشرون درجة والعرض عشر درج
قال ابن سعيد ويشق هذه الجزيرة جبل عظيم على خط الاستواء اسمه جبل الرهون يزعمون أن عليه هبوط ادم عليه السلام
قال ابن خرداذبه وهو جبل ذاهب في السماء يراه أهل المراكب على مسيرة عشرين يوما وأقل وأكثر
وذكرت البراهمة أن على هذا الجبل أثر قدم ادم عليه السلام قدم واحدة (5/74)
مغموسة في الحجر وأنه خطا الخطوة الأخرى إلى الهند وهو منها على مسيرة يومين أو ثلاثة
قال وعلى هذا الجبل شبية بالبرق أبدا وعليه العود وسائر العطر والأفاويه وعليه وحواليه الياقوت وألوانه كلها وفي واديه الماس والسنباذج وغزال المسك وسنور الزباد وفي أنهار هذه الجزيرة البلور وحولها في البحر مغاصات اللؤلؤ ونهرها هو المعظم عند الهنود وقال ابن سعيد ومدينتها تسمى أغنا
وهي حيث الطول مائة وأربع وعشرون درجة
ومنها جزيرة الرانج قال في تقويم البلدان والظاهر إنها بالراء المهملة والألف والنون ثم جيم في الاخر وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول
قال في الأطوال وطولها مائة وثلاث عشرة درجة ولا عرض لها وفيها عمارة وزرع ونارجيل وغير ذلك
قال في كتاب الأطوال وجبالها ترى من جبال اليمن وبها جبال تشتعل النار فيها دائما وترى تلك النار في البحر من مسيرة أيام وبها حيات تبتلع الرجل والجاموس وفي البحر عند لهاور دور وهو مكان يدور فيه الماء ويخشى على المراكب عنده
قال ابن خرداذبه وفيها حيات عظام تبتلع الرجل والجاموس والفيل وفيها شجر الكافور تظل الشجرة منه مائة إنسان وعجائب لا تحصى
ومنها جزيرة لامري قال في تقويم البلدان بلام وألف وميم وراء مهملة ثم ياء اخر الحروف وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال في الأطوال حيث الطول مائة وست وعشرون درجة والعرض تسع درج
قال في تقويم البلدان وهي معدن البقم والخيزران
ومنها جزيرة كلة قال في تقويم البلدان بالكاف واللام وهاء في الاخر
وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال في القانون حيث الطول مائة وثلاثون درجة ولا عرض لها
قال في تقويم البلدان وهي فرضة ما بين (5/75)
عمان والصين قال المهلبي وفيها مدينة عامرة بسكنها المسلمون وغيرهم وبها معادن الرصاص ومنابت الخيزران وشجر الكافور وبينها وبين جزائر المهراج عشرون مجرى
ومنها جزيرة المهراج قال في تقويم البلدان الظاهر أنها بالميم والهاء والراء المهملة ثم ألف وجيم في الاخر
قال في كتاب الأطوال وهي جزيرة سريرة وموقعها في الجنوب من خط الاستواء قال في الأطوال حيث الطول مائة وأربعون درجة والعرض في الجنوب درجة واحدة
قال ابن سعيد وهي عدة جزائر وصاحبها من أغنى ملوك الهند وأكثرهم ذهبا وفيلة
وجزيرته الكبيرة هي التي فيها مقر ملكه وعدها المهلبي في جزائر الصين وقال إنها عامرة اهلة وإنه إذا أقلع المركب منها طالبا للصين واجهه في البحر جبال ممتدة داخلة في البحر مسيرة عشرة أيام فإذا قرب المسافرون منها وجدوا فيها أبوابا وفرجا في أثناء ذلك الجبل يفضي كل باب منها إلى بلد من بلدان الصين
وعد ابن سعيد سريرة من جزائر الرانج وقال إن طولها من الشمال إلى الجنوب أربعمائة ميل وعرضها في كل طرف من الجنوبي والشمالي نحو مائة وستين ميلا وسريرة مدينة في وسطها ثم يدخل منها جون إلى البحر وهي على نهر
ومنها جزيرة اندرابي قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الدال والراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة وفي الاخر ياء مثناة من تحتها
ومنه جزيرة الجاوة
قال في تقويم البلدان وهي جزيرة كبيرة مشهورة بكثرة العقاقير قال وطرف هذه الجزيرة الغربي حيث الطول مائة وخمس وأربعون درجة والعرض خمس درج
قال وفي جنوبي الجاوة مدينة فنصور التي ينسب إليها الكافور الفنصوري وهي حيث الطول مائة وخمس (5/76)
وأربعون درجة والعرض درجة واحدة ونصف
ومنها جزيرة الصنف
التي ينسب إليها العود الصنفي
وهي من أشهر الجزائر الموجودة في الكتب وطولها من الغرب إلى الشرق نحو مائتي ميل وعرضها أقل من ذلك ومدينتها حيث الطول اثنتان وستون درجة
ومنها جزيرة قمار التي ينسب إليها العود القماري وهو دون الصنفي ومدينتها قمار حيث الطول ست وستون درجة والعرض درجتان وشرقيها جزائر الصين
ومنها جزيرة الرامي قال ابن خرداذبه وبها الكركدن وجواميس لا أذناب لها وبها البقم وفيها ناس عراة في غياض لا يفهم ما يقولون كلامهم صفير يستوحشون من الناس طول كل إنسان منهم أربعة أشبار للرجل منهم ذكر صغير وللمرأة فرج صغير وشعر رؤوسهم زغب أحمر يتسلقون على الأشجار بأيديهم وفي البحر هناك ناس بيض يلحقون المراكب سباحة والمراكب في شدة جريها يبيعون العنبر بالحديد يحلمونه في أفواهم وجزيرة فيها ناس سود يأكلون الناس أحياء وجبل طينة فضة تظهر بالنار
الجملة الثانية في حيوانها
قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ مبارك الأنباتي أن بها الخيل على نوعين عراب وبراذين وأكثرها مالا يحمد فعله قال ولذلك تجلب الخيل إلى الهند من جميع ما جاوره من بلاد الترك وتقاد له العراب من البحرين وبلاد اليمن والعراق وإن كان في داخل الهند خيل عراب يتغالى في أثمانها (5/77)
ولكنها قليلة
قال ومتى طال مكث الخيل بالهند انحلت
وعندهم البغال والحمير ولكنها مذمومة الركوب عندهم حتى لا يستحسن فقيه ولا ذو علم ركوب بغلة
أما الحمار فإن ركوبه عندهم مذلة وعار عظيم وخاصتهم تحمل أثقالهم على الخيل وعامتهم تحمل على البقر من فوق الأنف وهي عندهم كثيرة وبها الجمال قليلة لا تكون إلا للسلطان وأتباعه من الخانات والأمراء والوزراء وأكابر الدولة وبها من المواشي السائمة مالا يحصى من الجواميس والأبقار الأغنام والمعز وبها من دواجن الطير الدجاج والحمام والإوز وهو أقل أنواعه وإن الدجاج عندهم في قدر خلق الإوز
وبها من الوحوش الفيل والكركدن وقد تقدم ذكرهما في الكلام على الوحوش فيما يحتاج الكاتب إلى وصفه من الحيوان في المقالة الأولى وفي غير ذلك من الوحوش التي لا تعد
الجملة الثالثة في حبوبها وفواكهها ورياحينها وخضراواتها وغير ذلك
أما الحبوب فقد ذكر عن الشيخ مبارك الأنباتي أن بها الأرز على أحد وعشرين نوعا وبها من سائر الحبوب الحنطة والشعير والحمص والعدس والماش واللوبياء والسمسم أما الفول فلا يوجد عندهم
قال في مسالك الأبصار ولعل عدمه من حيث إنهم قوم حكماء والفول عندهم مما يفسد جوهر العقل ولذلك حرمت الصابئة أكله
وأما الفواكه ففيه التين والعنب على قلة والرمان الكثير من الحلو (5/78)
والمز والحامض إلى غير ذلك من الفواكه كالموز والخوخ والتوت المسمى بالفرصاد وبها فواكه أخرى لا يعهد مثلها بمصر والشام كالعنباء وغيرها والسفرجل على قلة والكمثرى والتفاح وهما أقل من القليل ولكنهما والسفرجل تجلب إليه
وبها من الفواكه المستحسنة الرانج وهو المسمى عندهم بالنارجيل والعامة تسميه جوز الهند وبه البطيخ الأخضر والأصفر والخيار والقثاء والعجور وبه من المحضمات الأترج والليمون والليم والنارنج أما الحمر وهو التمر الهندي فكثير بباديتها
وأما الخضراوات فقصب السكر ببلادها كثير للغاية ومنه نوع أسود صلب المعجم وهو أجوده للامتصاص لا الاعتصار ولا يوجد في غيرها ويعمل من بقية أنواعه السكر الكثير من النبات وغيره ولكنه لا يجمد بل يكون كالسميذ الأبيض
وعندهم من الخضراوات اللفت والجزر والقرع والباذنجان والهليون والزنجبيل والسلق والبصل والفوم وهو الثوم والشمار والصعتر
وأما الرياحين فبها الورد واللينوفر والبنفسج والبان والخلاف والعبهر والنرجس والفاغية وهي التامر حناء
وأما غير ذلك فعندهم العسل أكثر من الكثير والشيرج ومنه وقودهم والزيت يأتيهم مجلوبا
أما الشمع فلا يوجد إلا في دور السلطان ولا يسمح فيه لأحد والحلوى على خمسة وستين نوعا والفقاع والأشربة والأطعمة على ما لا يكاد (5/79)
يوجد في غيرم ا هنالك
وبه من أرباب الصنائع صناع السيوف والقسي والرماح والزرد وسائر أنواع السلاح والصواغ والزراكشة وغيرهم من سائر أرباب الصنائع
وللسلطان بدلي دار طراز فيها أربعة الاف قزاز تعمل الأقمشة المنوعة للخلع والكساوى والإطلاقات مع ما يحمل إليه من قماش الصين والعراق والإسكندرية
الجملة الرابعة في المعاملات
أما نقودهم فقد ذكر الشيخ مبارك الأنباتي أن لهم أربع دراهم يتعاملون بها
أحدها الهشتكاني وهو وزن الدرهم النقرة بمعاملة مصر وجوازه جوازه لا يكاد يتفاوت ما بينهما والدرهم الهشتكاني المذكور عنه ثمان جتيلات كل جتيل أربعة أفلس فيكون عنه اثنين وثلاثين فلسا
الثاني الدرهم السلطاني
ويسمى وكاني وهو ربع درهم من الدراهم المصرية وكل درهم من السلطانية عنه جتيلان ولهذا الدرهم السلطاني نصف يسمى جتيل واحد
الثالث الششتكاني
وهو نصف وربع درهم هشتكاني ويكون تقديره بالدراهم السلطانية ثلاثة دراهم
الرابع الدرهم الدرازدهكاني وجوازه بنصف وربع درهم هشتكاني (5/80)
أيضا فيكون بمقدار الششتكاني ثم كل ثمانية دراهم هشتكانية تسمى تنكه
أما الذهب عندهم فبالمثقال وكل ثلاثة مثاقيل تسمى تنكة ويعبر عن تنكة الذهب بالتنكة الحمراء وعن تنكة الفضة بالتنكة البيضاء وكل مائة ألف تنكة من الذهب أو الفضة تسمى لكا إلا أنه يعبر عن لك الذهب باللك الأحمر وعن لك الفضة باللك الأبيض
وأما رطلهم فيسمى عندهم ستر وزنته سبعون مثقالا فتكون زنته بالدراهم المصرية مائة درهم ودرهمين وثلثي درهم وكل أربعين سترا من واحد وجميع مبيعاتهم بالوزن أما الكيل فلا يعرف عندهم
الجملة الخامسة في الأسعار
قد ذكر في مسالك الأبصار أسعار الهند في زمانه نقلا عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي وغيره فقال إن الجارية الخدامة لا تتعدى قيمتها بمدينة دهلي ثمان تنكات واللواتي يصلحن للخدمة والفراش خمس عشر تنكة
وفي غير دهلي ارخص من ذلك حتى قال القاضي سراج الدين إنه اشترى عبدا مراهقا نقاعا بأربعة دراهم
ثم قال ومع هذا الرخص إن من الجواري الهنديات من تبلغ قيمتها عشرين ألف تنكة وأكثر لحسنهن ولطفهن
ونقل عن الشيخ مبارك الأنباتي وكان فيما قبل الثلاثين والسبعمائة فقال إن أوساط الأسعار حينئذ أن تكون الحنطة كل من بدرهم ونصف هشتكاني والشعير كل من بدرهم واحد هشتكاني والأرز كل من بدرهم ونصف وربع (5/81)
هشتكاني إلا أنواعا معروفة من الأرز فإنها أغلى من ذلك والحمص كل منين بدرهم هشتكاني ولحم البقر والمعز كل أربعة أستار بدرهم سلطاني والإوز كل طائر بدرهمين هشتكانية والدجاج كل أربعة أطيار بدرهم هشتكاني والسكر كل خمسة أستار بدرهم هشتكاني والرأس الغنم الجيدة السمينة بتنكة وهي ثمانية دراهم هشتكانية والبقرة الجيدة بتنكتين وهما ستة عشر درهما هشتكانية وربما كانت بأقل والجاموس كذلك
اما الحمام والعصفور وأنواع الطير فبأقل ثمن وأنواع الصيد من الوحش والطير كثيرة وأكثر مأكلهم لحم البقر والمعز مع كثرة الضأن عندهم إلا إنهم اعتادوا أكل ذلك
وقد حكى في مسالك الأبصار عن الخجندي أنه قال أكلت انا وثلاثة نفر رفاق في بعض بلاد دلي لحما وخبزا بقريا وخبزا وسمنا حتى شبعنا بجيتل وهو أربعة أفلس كما تقدم
الجملة السادسة في الطريق الموصلة إلى مملكتي السند والهند
اعلم أن لهذه المملكة عدة طرق
الطريق الأول طريق البحر قد تقدم في الكلام على الطريق الموصلة إلى اليمن ذكر الطريق من سواحل مصر من السويس والطور والقصير وعيذاب إلى عدن من اليمن في هذا البحر ومن عدن إلى أن يركب في بحر الهند المتصل ببحر القلزم إلى سواحل السند والهند ويخرج إلى أي البلاد أراد من الفرض الموصلة اليها (5/82)
الطريق الثاني طريق بحر فارس قد تقدم في الكلام على مملكة إيران ذكر الطريق الموصلة من حلب إلى بغداد ثم من بغداد إلى البصرة
قال ابن خرداذبه ثم من البصرة إلى عبادان اثنا عشر فرسخا ثم إلى الخشبات فرسخان ومنها يركب في بحر فارس
فمن أراد طريق البر إلى السند والهند جاز هذا البحر إلى هرمز مدينة كرمان ومنها يتوصل إلى السند ثم الهند ثم الصين
ومن أراد الطريق في البحر فقد ذكر ابن خرداذبه أن من أبلة البصرة في نهر الأبلة إلى جزيرة خارك في نخيل فارس سبعين فرسخا ومنها إلى جزيرة لابن ثمانين فرسخا ثم إلى جزيرة أبرون سبعة فراسخ ثم إلى جزيرة خين سبعة فراسخ ثم إلى جزيرة كيش سبعة فراسخ ثم إلى جزيرة أبركاوان ثمانية عشر فرسخا ثم إلى جزيرة أرموز سبعة فراسخ ثم إلى بار سبعة أيام وهي الحد بين فارس والسند ثم إلى الديبل ثمانية أيام ثم إلى مصب مهران في البحر فرسخان ثم من مهران إلى بكين أول أرض الهند اربعة أيام ثم إلى المند فرسخان ثم إلى كول فرسخان ثم إلى سندان ثمانية عشر فرسخا ثم إلى ملي خمسة أيام ثم إلى بلين يومان
ثم يفترق الطريق في البحر
فمن أخذ على الساحل فمن بلين إلى باس يومان ثم إلى السنجلي وكبشكان يومان ثم إلى كودا مصب نهر فريد ثلاثة فراسخ ثم إلى كيل كان يومان ثم منها إلى سمندر ومن سمندر إلى أورسير اثنا عشر فرسخا ثم إلى أبينه أربعة أيام ثم إلى سرنديب يومان
ومن أراد جهة الصين عدل من بلين وجعل سرنديب عن يساره
فمن جزيرة سرنديب إلى جزيرة لنكبالوس عشرة أيام إلى خمسة عشر يوما ثم إلى جزيرة كله ستة أيام
وعن يسارها جزيرة بالوس على يومين ثم على خمسة عشر يوما بلاد تنبت العطر (5/83)
الجملة السابعة في ذكر ملوك الهند
أما قبل الإسلام فملكها جماعة منهم ملوك الكفر أسماؤهم اعجمية لا حاجة إلى ذكرهم فأضر بنا عنهم
وأما في الإسلام فأول من أخذ في فتح ما فتح من الهند بنو سبكتكين ملوك غزنة المتقدم ذكرهم في مملكة خوارزم والقبجاق وما مع ذلك
ففتح يمين الدولة محمود بن سبكتكين منه مدينة بهاطية
وهي مدينة حصينة عالية السور وراء الملتان في سنة ست وتسعين وثلثمائة وسار إلى بيدا ملك الهند فهرب منه إلى مدينته المعروفة بكاليجار فحاصره فيها حتى صالحه على مال فأخذ المال وألبسه خلعته واستعفى من شد وسطه بالمنطقة فلم يعفه من ذلك فشدها على كره
ثم فتح إبراهيم بن مسعود منهم حصونا منه في سنة إحدى وخمسين واربعمائة
ثم كانت دولة الغورية بغزنة أيضا
ففتح شهاب الدين أبو المظفر محمد ابن سام بن الحسين الغوري منه مدينة لهاور في سنة سبع وأربعين وخمسمائة وأتبعها بفتح الكثير من بلادهم وبلغ من النكاية في ملوكهم ما لم يبلغه أحد من (5/84)
ملوك الإسلام قبله وتمكن من بلاد الهند وأقطع مملوكه قطب الدين أيبك مدينة دهلي التي هي قاعدة الهند وبعث أيبك المذكور عساكره فملكت من الهند أماكن مادخلها مسلم قبله حتى قاربت جهة الصين
ثم فتح شهاب الدين محمد المذكور أيضا بعد ذلك نهرواله في سنة سبع وتسعين وخمسمائة وتوالت ملوك المسلمين وفتوحاتهم في الهند إلى أن كان محمد بن طغلقشاه في زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية فقوي سلطانه بالهند وكثرت عساكره وأخذ في الفتوح حتى فتح معظم الهند
قال في مسالك الأبصار قال الشيخ مبارك الأنباتي وأول ما فتح منه مملكة تلنك وهي واسعة البلاد كثيرة القرى عدة قراها تسعمائة ألف قرية وتسعمائة قرية
ثم فتح بلاد جاجنكز وبها سبعون مدينة جليلة كلها على البحر دخلها من الجوهر والقماش المنوع والطيب والأفاويه ثم فتح بلاد لكنوتي وهي كرسي تسعة ملوك
ثم فتح بلاد دواكير ويقال لها دكير ولها أربع وثمانون قلعة جليلات المقدار
ونقل عن الشيخ برهان الدين أبي بكر بن الخلال البزي أن بها ألف ألف قرية ومائتي ألف قرية
ثم فتح بلاد دور سمند وكان بها السلطان بلال الدبو وخمسة ملوك كفار ثم فتح بلاد المعبر وهو إقليم جليل له تسعون مدينة بنادر على البحر يجبى من دخلها الطيب واللانس والقماش المنوع ولطائف الافاق
وذكر انه حصل له من الأموال بسبب الفتوح التي فتحها مالا يكاد السامع يصدقه
فحكى عن الشيخ برهان الدين أبي بكر بن الخلال المقدم ذكره أنه حاصر ملكا على حد بلاد الدواكير فسأله أن يكف عنه على أن يرسل إليه من (5/85)
الدواب ما يختار ليحمله له مالا فسأله عن قدر ما عنده من المال فأجابه فقال إنه كان قبلي سبعة ملوك جمع كل واحد منهم سبعين ألف صهريج متسعة من المال فأجابه إلى ذلك وختم على تلك الصهاريج باسمه وتركها بحالها وأقر الملك باسم ذلك الملك وأمر بإقامته عنده وجعل له نائبا بتلك المملكة
وحكى عن علي بن منصور العقيلي من عرب البحرين أنه تواتر عندهم من الأخبار أن هذا السلطان فتح مدينة بها بحيرة ماء وفي وسطها بيت بر معظم عندهم يقصدونه بالنذر وكلما أتي له بنذر رمي في تلك البحيرة فصرف الماء عنها وأخذ ما كان بها من الذهب فكان وسق مائتي فيل والاف من البقر إلى غير ذلك مما يكاد العقل أن ينكره ولذلك حصل عنده من الأموال مالا يأخذه الحصر واتسعت أموال عساكره حتى جاوزت الوصف حتى حكى الشيخ تاج الدين بن أبي المجاهد السمرقندي أنه غضب على بعض خاناته لشربه الخمر فأمسكه وأخذ ماله فكان جملة ما وجد له من الذهب ألف مثقال وسبعة وثلاثين ألف مثقال ومقدار ذلك ثلاثة وأربعون قنطار وسبعون قنطارا وهو مع ذلك يعطي العطاء الجزيل ويصل الأموال الجمة
فقد حكى ابن الحكيم الطياري أن شخصا قدم له كتبا فحثى له حثية من جوهر كان بين يديه قيمتها عشرون ألف مثقال من الذهب
وحكى الشريف السمرقندي أن شخصا قدم له اثنتين وعشرين حبة من البطيخ الأصفر حملها إليه من بخارى فأمر له بثلاثة الاف مثقال من الذهب
وحكى الشيخ أبو بكر بن أبي الحسن الملتاني أنه استفاض عنه أنه التزم أنه لا ينطق في إطلاقاته بأقل من ثلاثة الاف مثقال إلى غير ذلك من العطاء الذي يخرق العقول
وحكى عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أنه مع كثرة البذل وسعة (5/86)
العطاء في هباته وما ينفقه في جيوشه وعساكره لا ينفق نصف دخل بلاده
قلت ثم بعد محمد شاه ولي هذه المملكة من أقاربه سلطان اسمه فيروزشاه وبقي في الملك نحو أربعين سنة
ثم تنقلت المملكة في بيتهم إلى أن كان من تمرلنك ما كان من فتح دلي ونهبها
ثم ال الأمر بعده إلى سلطان من بيت الملك اسمه محمود خان وهو القائم بها إلى الان
وقد صارت الدواكير منها لسلطان بمفرده واسمه اليوم السلطان غياث الدين
الجملة الثامنة في ذكر عساكر هذه المملكة وأرباب وظائفها على ما ذكره في مسالك الأبصار عن دولة السلطان محمد بن طغلقشاه المقدم ذكره نقلا عن الشيخ مبارك الأنباتي وغيره
أما عساكره فقد ذكر أنها تشتمل على تسعمائة ألف فارس منهم من هو بحضرته ومنهم من هو في سائر البلاد يجري عليهم كلهم ديوانه وأن عسكره مجتمع من الترك والخطا والفرس والهنود وغيرهم من الأجناس
وكلهم بالخيل المسومة والسلاح الفائق والتجمل الظاهر وأن أعلى عسكره الخانات ثم الملوك ثم الأمراء ثم الاصفهسلارية ثم الجند
وذكر أن في خدمته ثمانين خانا أو أكثر وأن لكل واحد منهم من الأتباع ما يناسبه للخان عشرة الاف فارس وللملك ألف فارس وللأمير مائة فارس وللاصفهسلارية دون ذلك
وأن الاصفهسلارية لا يؤهل أحد منهم للقرب من (5/87)
السلطان وإنما يكون منهم الولاة ومن يجري مجراهم وأن له عشرة الاف مملوك أتراك وعشرة الاف خادم خصي وألف خزندار وألف بشمقدار وله مائتا ألف عبد ركابية تلبس السلاح وتمشي في ركابه وتقاتل رجالة بين يديه وأن جميع الجند تختص بالسلطان ويجري عليهم ديوانه حتى من في خدمة الخانات والملوك والأمراء لا يجري عليهم إقطاع من جهة من هم في خدمته كما في مصر والشام
وأما أرباب الوظائف من أرباب السيوف فله نائب كبير يسمى بلغتهم امريت وأربعة نواب دونه يسمى كل واحد منهم شق وله الحجاب ومن يجري مجراهم من سائر أرباب الوظائف
وأما من أرباب الأقلام فله وزير عظيم وله أربعة كتاب سر يسمى كل واحد منهم بلغتهم دبيران ولكل منهم تقدير ثلثمائة كاتب
وأما القضاة فله قاضي قضاة عظيم الشأن وله محتسب وشيخ شيوخ وله ألف طبيب ومائتا طبيب
وأما غير هؤلاء فله ألف بازدار تحمل الطيور الجوارح للصيد راكبة الخيل وثلاثة الاف سواق لتحصيل الصيد وخمسمائة نديم وألفان ومائتان من الملاهي غير مماليكه الملاهي وهي ألف مملوك برسم تعليم الغناء خاصة وألف شاعر بالعربية والفارسية والهندية من ذوي الذوق اللطيف
يجري على جميع أولئك ديوانه مع طهارة الذيل والعفة في الظاهر والباطن (5/88)
حذف 89
الجملة التاسعة في زي أهل هذه المملكة
أما أرباب السيوف فنقل عن الشيخ مبارك الأنباتي أن لبس السلطان والخانات والملوك وسائر أرباب السيوف نتريات وتكلاوات وأقبية إسلامية مخصرة الأوساط خوارزمية وعمائم صغار لا تتعدى العمامة منها خمسة أذرع أو ستة وأن لبسهم من البياض والجوخ
وحكي عن الشريف ناصر الدين محمد الحسيني الأدمي أن غالب لبسهم نترية مزركشة بالذهب ومنهم من يلبس مطرز الكمين بزركش ومنهم من يعمل الطراز بين كتفيه مثل المغل وأقباعهم مربعة الانبساط مرصعة بالجواهر وغالب ترصيعهم بالياقوت والماس ويضفرون شعورهم ذوائب كما كان يفعل بمصر والشام في أول الدولة التركية إلا أنهم يجعلون في الذوائب شراريب من حرير ويشدون في أوساطهم المناطق من الذهب والفضة ويلبسون الأخفاف والمهاميز ولا يشدون السيوف في أوساطهم إلا في السفر خاصة
وأما الوزراء والكتاب فزيهم مثل زي الجند إلا أنهم لا يشدون المناطق وربما أرخى بعضهم العذبة الصغيرة من قدامه كما تفعل الصوفية
وأما القضاة والعلماء فلبسهم فرجيات شبيهات بالحندات ودراريع
وحكي عن قاضي القضاة سراج الدين الهندي أنه لا يلبس عندهم ثياب الكتان المجلوبة من الروس والإسكندرية إلا من ألبسه له السلطان وإنما لباسهم من القطن الرفيع الذي يفوق البغدادي حسنا وأنه لا يركب بالسروج الملبسة والمحلاة بالذهب إلا من أنعم عليه بها السلطان
الجملة العاشرة في أرزاق أهل دولة السلطان بهذه المملكة
أما الجند فنقل عن الشيخ مبارك الأنباتي أنه يكون للخانات والملوك (5/89)
والاصفهسلارية بلاد مقررة عليهم من الديوان إقطاعا لهم
وذكر أن إقطاع النائب الكبير المسمى بأمريت يكون إقليما عظيما كالعراق ولكل خان لكان كل لك مائة ألف تنكة كل تنكة ثمانية دراهم ولكل ملك من ستين الف تنكة إلى خمسين ألف تنكة ولكل أمير من أربعين ألف تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة وللاصفهسلارية من عشرين ألف تنكة إلى ما حولها ولكل جندي من عشرة آلاف تنكة إلى ألف تنكة ولكل مملوك من المماليك السلطانية من خمسة الاف تنكة إلى ألف تنكة مع الطعام والكسوة وعليق الخيل لجميعهم على السلطان
ولكل عبد من العبيد السلطانية في كل شهر عشر تنكات بيضاء ومنان من الحنطة والأرز وفي كل يوم ثلاثة أستار من اللحم وفي كل سنة أربع كساو
وأما أرباب الأقلام فإن الوزير يكون له إقليم عظيم نحو العراق إقطاعا له ولكل واحد من كتاب السر الأربعة مدينة من المدن البنادر العظيمة الدخل ولأكابر كتابهم قرى وضياع
ومنهم من يكون له خمسون قرية
ولكل من الكتاب الصغار عشرة الاف تنكة
ولقاضي القضاة المعبر عنه بصدر جهان عشر قرى يكون متحصلها نحو ستين ألف تنكة ولشيخ الشيوخ مثله وللمحتسب قرية يكون متحصلها نحو ثمانية الاف تنكة
وأما غير هؤلاء من سائر أرباب الوظائف فذكر أنه يكون لبعض الندماء قريتان ولبعضهم قرية ولكل واحد منهم من أربعين تنكة إلى ثلاثين ألف تنكة إلى عشرين ألف تنكة على مقادير مراتبهم مع الكساوى والخلع والافتقادات وليقس على ذلك (5/90)
الجملة الحادية عشرة في ترتيب أحوال هذه المملكة
وتختلف الحال في ذلك باختلاف أحوال السلطان
أما الخدمة فخدمتان إحداهما الخدمة اليومية فإنه في كل يوم يمد الخوان في قصر السلطان ويأكل منه عشرون ألف نفر من الخانات والملوك والأمراء والاصفهسلارية وأعيان الجند ويمد للسلطان خوان خاص ويحضره معه من الفقهاء مائتا فقيه في الغداء والعشاء ليأكلوا معه ويبحثوا بين يديه
وحكي عن الشيخ أبي بكر بن الخلال أنه سأل طباخ هذا السلطان عن ذبيحته في كل يوم فقال ألفان وخمسمائة رأس من البقر وألفا رأس من الغنم غير الخيل المسمنة وأنواع الطير
والثانية الجمعية فحكي عن الشيخ محمد الخجندي ان لهذا السلطان يوم الثلاثاء جلوسا عاما في ساحة عظيمة متسعة إلى غاية يضرب له فيها حير كبير سلطاني يجلس في صدره على تخت عال مصفح بالذهب وتقف أرباب الدولة حوله يمينا وشمالا وخلفه السلاح دارية وأرباب الوظائف قيام بين يديه على منازلهم ولا يجلس إلا الخانات وصدر جهان وهو قاضي القضاة والدبيران وهو كاتب السر الذي تكون له النوبة ويقف الحجاب أمامه وينادى مناداة عامة إن من كان له شكوى أو حاجة فليحضر فيحضر من له شكوى أو حاجة فيقف بين يديه فلا يمنع حتى ينهي حاله ويأمر السلطان فيه أمره
ومن عادته أن لا يدخل عليه أحد ومعه سلاح البتة حتى ولا سكين صغيرة (5/91)
ويكون جلوسه داخل سبعة أبواب ينزل الداخلون عليه على الباب الأول وربما أذن لبعضهم بالركوب إلى الباب السادس
وعلى الباب الأول منها رجل معه بوق فإذا جاء أحد من الخانات أو الملوك أو أكابر الأمراء نفخ في البوق إعلاما للسلطان أنه قد جاءه رجل كبير ليكون دائما على يقظة من أمره
ولا يزال ينفخ في البوق حتى يقارب الداخل الباب السابع فيجلس كل من دخل عند ذلك الباب حتى يجتمع الكل فإذا تكاملوا أذن لهم في الدخول فإذا دخلوا جلس من له أهلية الجلوس ووقف الباقون وجلس القضاة والوزير وكاتب السر في مكان لا يقع فيه نظر السلطان عليهم ومد الخوان
ثم يقدم الحجاب قصص أرباب المظالم وغيرهم ولكل قوم حاجب يأخذ قصصهم ثم يرفعون جيمع القصص إلى حاجب مقدم على الكل فيعرضها على السلطان ويسمع ما يأمر فيها
فإذا قام السلطان جلس ذلك الحاجب إلى كاتب السر فأدى إليه الرسائل في ذلك فينفذها
ثم يقوم السلطان من مجلسه ذلك ويدخل إلى مجلس خاص ويدخل عليه العلماء فيجالسهم ويحادثهم ويأكل معهم ثم ينصرفون ويدخل السلطان إلى دوره
أما حاله في الركوب فإنه كان في قصوره يركب وعلى رأسه الحتر والسلاح دارية وراءه محمولا بأيديهم السلاح
وحوله قريب اثنتي عشر ألف مملوك جميعهم ليس فيهم راكب إلا حامل الحتر والسلاح دارية والجمدارية حملة القماش إن كان في غير قصوره
وعلى رأسه أعلام سود في أوساطها تنين عظيم من الذهب ولا يحمل أحد أعلاما سودا إلا له خاصة
وفي ميسرته أعلام حمر فيها تنينان ذهب أيضا
وطبوله الذي يدق بها في الإقامة والسفر على مثل الإسكندر وهو مائتا حمل نقارات وأربعون حملا من الكوسات الكبار وعشرون بوقا وعشرة صنوج (5/92)
قال الشيخ مبارك الأنباتي ويحمل على رأسه الحتر إن كان في غير الحرب فإن كان في الحرب حمل على رأسه سبعة جتورة منها اثنان مرصعان لا يقومان لنفاستهما
قال ولدسته من الفخامة والعظمة والقوانين الشاهنشاهية ما لا يكون مثله إلا للإسكندر ذي القرنين أو لملك شاه بن ألب أرسلان
ثم إن كان في الصيد فإنه يخرج في خف من اللباس في نحو مائة ألف فارس ومائتي فيل ويحمل معه أربعة قصور على ثمانمائة جمل كل قصر على مائتي جمل ملبسة جميعها بستور الحرير المذهبة وكل قصر طبقتان غير الخيم والخركاوات
فإن كان يتنقل من مكان إلى مكان للتنزه وما في معناه فيكون معه نحو ثلاثين ألف فارس وألف جنيب مسرجة ملجمة ما بين ملبس بالذهب ومطوق وفيها المرصع بالجواهر واليواقيت
وإن كان في الحرب فإنه يركب وعلى رأسه سبعة جتورة وترتيبه في الحرب على ما ذكره قاضي القضاة سراج الدين الهندي أن يقف السلطان في القلب وحوله الأئمة والعلماء والرماة قدامه وخلفه وتمتد الميمنة والميسرة موصولة بالجناحين وامامه الفيلة الملبسة البركصطوانات الحديد وعليها الأبراج المسترة فيها المقاتلة وفي تلك الأبراج منافذ لرمي النشاب وقوارير النفط وأمام الفيلة العبيد المشاة في خف من اللباس بالستور والسلاح فيسحبون حبال الفيلة والخيل في الميمنة والميسرة تضم أطراف الجيش من حول الفيلة ومن ورائها حتى لا يجد هارب له مفرا
أما غير السلطان من عساكره فقد جرت عادتهم أن الخانات والملوك والأمراء لا يركب أحد منهم في السفر والحضر إلا بالأعلام وأكثر ما يحمل الخان معه سبعة أعلام وأقل ما يحمل الأمير ثلاثة وأكثر ما يجر الخان في الحضر عشر (5/93)
جنائب وأكثر ما يجر الأمير في الحضر جنيبان وفي السفر يتعاطى كل أحد منهم قدر طاقته
واما اتصال الأخبار بالسلطان فذكر قاضي القضاة سراج الدين الهندي أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال فأحوال الرعية له ناس يخالطون الرعية ويطلعون على أخبارهم فمن اطلع منهم على شيء أنهاه إلى من فوقه وينهيه الآخر إلى من فوقه حتى يتصل بالسلطان
وأحوال البلاد النائية لاتصال الأخبار منها من السرعة ما ليس في غيرها من الممالك وذلك أن بين أمهات الأقاليم وبين قصر السلطان أماكن متقاربة مشبهة بمراكز البريد بمصر والشأم إلا أن هذه الأماكن قريبة المدى بعضها من بعض بين كل مكانين نحو أربع غلوات سهم أو دونها في كل مكان عشرة سعاة ممن له خفة وقوة ويحمل الكتب بينه وبين من يليه ويعدو بأشد ما يمكنه إلى أن يوصله إلى الاخر ليعدو به كذلك إلى مقصده فيصل الكتاب من المكان البعيد في أقرب وقت
وفي كل مكان من هذه الأمكنة مسجد وسوق وبركة ماء
وبين دلي وقبة الإسلام اللتين هما قاعدتا المملكة طبول مرتبة في امكنة خاصة فحيثما كان في مدينة وفتح باب الأخرى أو أغلق يدق الطبل فإذا سمعه ما يجاوره دق فيعلم خبر فتح المدينة وفتح باب الأخرى وغلقه (5/94)
الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية وما سامت ذلك ووالاه من الجهة الشمالية وفيه أربع ممالك
المملكة الأولى مملكة تونس وما أضيف إليها وفيه اثنتان وعشرون جملة
الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وحدودها
أما موقعها من الأقاليم السبعة فإن أكثرها واقع في الأقليم الثالث وبعضها واقع في أواخر الثاني
وأما حدودها فعلى ما أشار إليه في التعريف حدها من الشرق العقبة الفاصلة بينها وبين الديار المصرية ومن الشمال البحر الرومي ومن الغرب جزائر بني مزغنان الآتي ذكرها ومن الجنوب اخر بلاد الجريد والأرض السواخة إلى ما يقال إن فيه المدينة المسماة بمدينة النحاس
قال في مسالك الأبصار وحدها من الجنوب الصحراء الفاصلة بينها وبين بلاد جباوة المسكونة بأمم من السودان
وحدها من الشرق اخر حدود أطرابلس وهي داخلة في التحديد
وحدها من الشمال البحر الشامي وهو الرومي وحدها من الغرب آخر حدود بدليس المجاورة لجزائر بني مزغنان اخر عمالة صاحب بر العدوة
وقد نقل في تقويم البلدان في الكلام على بونة عن ابن سعيد أن اخر سلطنة بجاية من الشرق مدينة بونة الاتي ذكرها وأنها أول سلطنة أفريقية من (5/95)
الغرب
قال في مسالك الأبصار وطولها خمس وثلاثون يوما وعرضها عشرون يوما
الجملة الثانية في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوى عليه كل عمل
وهذه المملكة تشتمل على عملين
العمل الأول أفريقية
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وكسر القاف ومثناة تحت بعدها هاء في الاخر
وقد اختلف في سبب تسميتها أفريقية
فقيل إن أفريقس أحد تبابعة اليمن افتتحها واستولى عليها فسميت بذلك
وقيل إنما سميت بفارق بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام
وكانت قاعدتها القديمة سبيطلة بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون المثناة من تحتها وفتح الطاء المهملة واللام وفي اخرها هاء
وهي مدينة أزلية في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة حيث الطول ثلاثون درجة والعرض ثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وبها اثار عظيمة تدل على عظم أمرها
قال الإدريسي وكانت قبل الإسلام مدينة أفريسيس ملك الروم (5/96)
الأفارقة فتحها المسلمون في صدر الإسلام وقتلوا ملكها المذكور
ثم صارت قاعدتها في أول الإسلام القيروان
بفتح القاف وسكون المثناة تحت وفتح الراء المهملة وواو وألف وفي اخرها نون
وهي مدينة في الإقليم الثالث أيضا حيث الطول ثمان وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة بنيت في صدر الإسلام بعد فتح أفريقية في جنوبي جبل شماليها وهي في صحراء وشرب أهلها من ماء الابار وقال في العزيزي من ماء المطر وليس لها ماء جار ولها واد في قبلة المدينة به ماء مالح يستعمله الناس فيما يحتاجونه
قال في العزيزي وهي أجل مدن الغرب يعني في القديم
وكان عليها سور عظيم هدمه زيادة الله بن الأغلب
قال الإدريسي وبينها وبين سبيطلة سبعون ميلا
ثم صارت قاعدتها بعد ذلك المهدية بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال المهملة نسبة إلى المهدي
وهي مدينة بناها عبيد الله المهدي جد الخلفاء الفاطميين بمصر في سنة ثلاث وثلثمائة وموقعها في الإقليم الثالث أيضا من الأقاليم السبعة حيث الطول ثلاثون درجة وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة فيما ذكره ابن سعيد
وهي على طرف داخل في البحر كهيئة كف متصل بزند والبحر محيط بها غير مدخلها وهو مكان ضيق كما في سبته
ولها سور حصين شاهق في الهواء مبني بالحجر الأبيض بأبراج عظام
وبها القصور الحسنة المطلة على البحر
ثم صارت قاعدتها بعد ذلك تونس بضم المثناة من فوق وسكون الواو وضم النون وفي اخرها سين مهملة وهي قاعدة هذه المملكة الان ومستقر (5/97)
سلطانها
وهي مدينة قديمة البناء واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة
وهي على بحيرة مالحة خارجة من البحر الرومي طولها عشرة أميال وتونس على اخرها
قال البكري ودور هذه البحيرة نحو أربعة وعشرون ميلا
قال في العزيزي وهي مدينة جليلة لها مياه ضعيفة جارية يزرع عليها وفيها الخصب وكثرة الغلات
وهي في وطاءة من الأرض في سفح جبل يعرف بأم عمرو يستدير بها خندق وسور حصين ولها ثلاثة أرباض كبيرة من جهاتها وأرضها سبخة وجميع بنائها بالحجر والاجر وأبنيتها مسقفة بالأخشاب ودور أكابرها مفروشة بالرخام وذم في الروض المعطار بيوتها فقال هي كما يقال ظاهرها رخام وباطنها سخام
وشرب أهلها من الابار وبيوتها صهاريج يجمع فيها ماء المطر لغسل القماش ونحوه وبها الحمامات والأسواق الجليلة وبها ثلاث مدارس وهي الشماعية والفرضية ومدرسة الهواء وبها البساتين البعيدة والقريبة منها والبساتين محيطة ببحيرتها المقدم ذكرها من جنوبيها
قال في مسالك الأبصار ومذ خلا الأندلس من اهله وأووا إلى جناح ملوكها مصروا إقليمها ونوعوا بها الغراس فكثرت مستنزهاتها وامتد بسيط بساتينها
قال وبها يعمل القماش الأفريقيي وهو ثياب رفاع من القطن والكتان معا ومن الكتان وحده وهو أمتع من النصافي البغدادي وأحسن ومنه جل كساوى أهل المغرب
وللسلطان بها قلعة جليلة يسكنها يعبرون عنها بالقصبة كما هو مصطلح المغاربة في تسمية القلعة بالقصبة وللسلطان بها (5/98)
بستانان أحدهما ملاصق أرباض البلد يسمى برأس الطابية والثاني بعيد من البساتين يسمى بأبي فهر بينه وبين البلد نحو ثلاثة أميال والماء منساق إليهما من ساقية بجبل يعرف بجبل زغوان بفتح الزاي وسكون الغين المعجمتين ونون في الاخر على مسيرة يومين من تونس
وأما ما اشتملت عليه من المدن سوى القواعد المتقدمة الذكر
فمن مشارق تونس سوسة بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح السين الثانية ثم هاء
وهي مدينة على ساحل البحر واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة حيث الطول أربع وثلاثون درجة وعشر دقائق والعرض اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة
وهي في جنوبي تونس وشرقيها في طرف داخل في البحر
قال في العزيزي وهي مدينة أزلية بها سوق وفنادق وحمامات
قال الإدريسي وهي عامرة بالناس كثيرة المتاجر والمسافرون إليها قاصدون وعنها صادرون وعليها سور من حجر حصين
وذكر في مسالك الأبصار أن عليها سورا من لبن وأنها قليلة العمارة لاستيلاء العرب عليها
ومنها صفاقس بفتح الصاد المهملة ثم فاء وألف وقاف مضمومة وفي اخرها سين مهملة
وهي مدينة على ساحل البحر شرقي المهدية واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة صغيرة في مستو من الأرض وجنوبيها جبل يسمى جبل السبع بفتح السين المهملة والباء الموحدة وعين مهملة في الاخر
يستدير عليها سور وشرب أهلها من الابار ولها بساتين قليلة ومن بحرها يستخرج الصوف المعروف عند العامة بصوف السمك المتخذ منه الثياب النفيسة
قال ابن السعيد أنا رأيته كيف يخرج يغوص الغواصون في البحر فيخرجون كمائم شبيهة بالبصل بأعناق في أعلاها زويرة فتنشر في الشمس فتنفتح تلك الكمائم عن وبر فيمشط ويؤخذ صوفه فيغزل ويعمل منه طعمة لقيام من الحرير وتنسج منه الثياب (5/99)
ومنها قابس بفتح القاف وألف ثم باء موحدة وفي اخرها سين مهلمة
وهي مدينة في الإقليم الثالث حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة والعرض اثنتان وثلاثون درجة على ثلاثة أميال من البحر
قال في العزيزي وعليها سور وخندق
قال في تقويم البلدان وهي في أفريقية كدمشق في الشام ينزل إليها نهران من الجبل في جنوبيها يخترقان غوطتها قال وقد خصت من بلاد أفريقية بالموز وحب العزيز والخيار
ومنها أطرابلس بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين وألف وباء موحدة بعدها لام مضمومتان وسين مهملة في الاخر
وهي مدينة شرقي تونس على البحر واقعة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وثلاثون درجة والعرض اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي اخر المدن التي شرقي القيروان وإذا فارقها المسافر مشرقا لا يجد مدينة فيها حمام حتى يصل الإسكندرية
وبناؤها بالصخر وهي واسعة الكورة وبها الخصب الكثير وليس بها ماء جار بل بها جباب عليها سواق
قال في العزيزي وبها مرسى للمراكب
ومنها قصر أحمد وضبطه معروف وموقعه في أول الإقليم الرابع حيث الطول إحدى وأربعون درجة واثنتان وعشرون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وسبع وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهو حد أفريقية من الشرق وحد برقة من الغرب
وهو قرية صغيرة وحوله قصور نحو اثني عشر ميلا وهي بلاد زيتون ونخيل وأهلها يجلبون الخيل للإسكندرية ومنها يركب المسافر البرية إلى الشرق
ومن مغارب تونس على مسيرة يومين باجة قال في المشترك بفتح (5/100)
الباء الموحدة وألف وتخفيف الجيم ثم هاء
وهي مدينة بالإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول تسع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض إحدى وثلاثون درجة
وهي مدينة كبيرة ولها بساتين قليلة وعيون ماء وعليها سور حصين
مبنية في مستو من الأرض على نحو يوم من البحر ويقابلها على البحر مرسى الخرز
ومنها بنزرت بفتح النون وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وفي اخرها تاء مثناة من فوق وقيل هي بتقديم الموحدة على النون وهي مرسى تونس وموقعها في الإقليم الثالث وقال ابن سعيد حيث الطول ثلاثون درجة وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وهي مدينة على نهر يجري في شرقيها وعليه مستنزهاتها
قال في تقويم البلدان ولها بحيرة حلوة في جنوبيها وبحيرة مالحة في شرقيها تصب كل واحدة منهما في الأخرى ستة أشهر فلا الحلوة تفسد بالمالحة ولا المالحة تعذب بالحلوة
قال الشيخ عبد الواحد أما زيادة الحلوة فبكثرة السيول أيام الشتاء وتقل عنها السيول في أيام الصيف فتعلو عليها المالحة
ومنها بونة قال في اللباب بضم الباء الموحدة وسكون الواو ثم نون وهاء
قال في مسالك الأبصار وهي المسماة الان بلد العناب وهي مدينة على ساحل البحر في أول الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وعشرون درجة والعرض ثلاث وثلاثون وخمسون دقيقة
قال في العزيزي وهي مدينة جليلة عامرة خصبة الزرع كثيرة الفواكه رخية بظاهرها معادن الحديد ويزرع بها الكتان الكثير
قال وحدث بها عن قريب مغاص مرجان ولكن ليس كمرجان مرسى الخرز
ومن قبلي تونس للجنوب بلاد الجريد
ومنها توزر
قال في تقويم البلدان عن الشيخ عبد الواحد بضم المثناة من فوق وسكون الواو وفتح الزاي المعجمة وراء مهملة في الاخر
وموقعها (5/101)
في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ست وثلاثون درجة وسبع دقائق والعرض تسع وعشرون درجة وثمان دقائق
وهي قاعدة بلاد الجريد وبها بساتين ومحمضات ونخيل وزيتون ولها نهر يسقي بساتينها والمطر بها قليل ويزرع بها الكتان والحناء
قال في تقويم البلدان وبذلك وبقلة المطر تشبه مصر
وقد عابها في الروض المعطار بأن أهلها يبيعون ما يتحصل في مراحيضهم من رجيع الناس يفحلون به بقولهم وبساتينهم ولكنهم لايرغبون فيه إلا إذا كان جافا فيحملهم ذلك على عدم الاستنجاء في مراحيضهم ويخرج أحدهم من بيته حتى يأتي القناة فيستنجي من مائها وربما اتخذ أحدهم المراحيض على قارعة الطريق للواردين عليها ليأخذ ما يحتصل من ذلك فيبيعه
ومنها قفصة بفتح القاف وسكون الفاء ثم صاد مهملة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول إحدى وثلاثون درجة والعرض ثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال ابن سعيد وهي قاعدة مشهورة من بلاد الجريد بها النخيل والفستق
قال ولا يكون الفستق ببلاد المغرب إلا في قفصة
وبها من الفواكه والمشمومات أنوع كثيرة ومنها يجلب دهن البنفسج وخل العنصل وإليها ينسب جلد الأروى المتخذ منه النعال الشديدة الليونة
ومنها المسيلة قال في تقويم البلدان عن الشيخ عبد الواحد بكسر الميم والسين المهملة وسكون المثناة من تحت وفي اخرها لام ألف والجاري على الألسنة فتح الميم وهاء في الاخر وهي مدينة من بلاد الجريد موقعها في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ثلاث وعشرون درجة (5/102)
وأربعون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة
قال في العزيزي وهي مدينة محدثة بناها القائم الفاطمي سنة خمس عشرة وثلثمائة
قال ابن سعيد ولها نهر يمر بغربيها ويغوص في رمال الصحارى
ومنها بسكرة قال في اللباب بكسر الباء الموحدة وقيل بفتحها وسكون السين المهملة وكاف وراء مهملة بعدها هاء وهي مدينة من بلاد الجريد في أواخر الإقليم الثاني قال ابن سعيد حيث الطول أربع وعشرون درجة وخمس وعشرون دقيقة والعرض سبع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهي قاعدة بلاد الزاب ولها بلاد ذات نخيل وفواكه وزروع كثيرة ومنها يجلب الثمر الطيب الى تونس وبجاية
ومنها طرا قال في تقويم البلدان عن عبد الواحد بضم الطاء وتشديد الراء المهملتين وفي اخرها ألف ونقل عن بعضهم إبدال الألف هاء وهي مدينة من بلاد الجريد في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة قال في تقويم البلدان وبها يعمل الزجاج الصافي وتفاصيل الصوف ومنها يجلب إلى الإسكندرية
ومنها غذامس بفتح الغين والذال المعجمتين وألف وميم مكسورة وسين مهملة
وهي مدينة في الصحراء جنوبي بلاد الجريد على طريق السودان المعروفين بالكانم قال في العزيزي وهي مدينة جليلة عامرة وفي وسطها عين أزلية عليها أثر بنيان رومي عجيب يفيض الماء منها ويقتسمه أهل المدينة بأقساط معلومة وعليه يزرعون
وأهلها قوم من البربر مسلمون قال في تقويم (5/103)
البلدان وبها الجلود المفضلة وليس لهم رئيس سوى مشايخهم
ومنها قلعة سنان قال في مسالك الأبصار وهو قصر لا يعرف على وجه الأرض أحصن منه على رأس جبل منقطع عن سائر الجبال في غاية العلو بحيث يقصر سهم العقار عن الوصول إليه يرتقى إليه من سلم نقر في الحجر طوله مائة وتسعون درجة وبه مصانع يجتمع فيها ماء المطر وبأسفله عين ماء عليها أشجار كثيرة الفواكه
العمل الثاني بلاد بجاية
وبجاية بكسر الباء الموحدة وفتح الجيم وألف ثم ياء مثناة تحت وهاء في الاخر مدينة من مدن الغرب الأوسط واقعة في أوائل الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وعشرون درجة والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان هي قاعدة الغرب الأوسط وهي مقابل طرطوشة من الأندلس وعرض البحر بينهما ثلاث مجار
قال في مسالك الأبصار وهي مدينة قديمة مستورة أضيف إلى جانبها ربض أدير عليه سور ضام لنطاق المدينة فصارا كالشيء الواحد
قال والربض في وطاءة والمدينة القديمة في سفح جبل يدخل إليها خور من البحر الرومي تدخل منه المراكب إليها
قال في تقويم البلدان ولها نهر في شرقيها على شاطئه البساتين والمنازه
قال في مسالك الأبصار وبها عينان من الماء إحداهما كبيرة ومنها شرب أهلها ولها نهر جار على نحو ميلين منها تحف به البساتين والمناظر على ضفتيه ممتدة نحو اثني عشر ميلا متصلا بعضها ببعض لا انفصال بينها إلا ما يسلك عليه إلى البساتين إلى أن يصب في بحر الروم
وبضفتيه للسلطان بستانان متقابلان شرقا وغربا الشرقي منهما يسمى الربيع (5/104)
وغربي بجابة جزائر بني مزغنان بفتح الميم وسكون الزاي وكسر الغين المعجمتين ثم نونان بينهما ألف الأولى منهما مشددة كما في تقويم البلدان عن الشيخ شعيب وبعضهم يسقط النون الأخيرة وفي مسالك الأبصار مزغنانة بزيادة هاء في الاخر
وهي فرضة مشهورة هناك
قال في مسالك الأبصار وهي بلدة حسنة على ساحل البحر تقابل ميورقة من بلاد الأندلس بانحراف يسير وبعدها عن بجاية ستة أيام
ومن المدن التي بأعمال البجاية قسطينة قال في تقويم البلدان بضم القاف وسكون السين وكسر الطاء المهملتين وسكون المثناة من تحت ثم نون وهاء
قال وعن بعض المتأخرين أن بعد السين وقبل الطاء نونا وحينئذ فتكون بضم السين وسكون النون وهي مدينة من الغرب الأوسط في أواخر الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول ست وعشرون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة واثنتان وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي على اخر مملكة بجاية وأول مملكة أفريقية
قال الإدريسي وهي على قطعة جبل منقطع مربع فيه بعض استدارة لا يتوصل إليه إلا من جهة باب في غربيها ليس بكثير السعة ويحيط بها الوادي من جميع جهاتها
قال في تقويم البلدان ولها نهر يصب في خندقها يسمع له دوي هائل ويرى النهر في قعر الخندق مثل ذؤابة النجم لشدة ارتفاع البلد عن الخندق قال الإدريسي وهي مدينة عامرة وبها أسواق وتجارات
قال وتقيم الحنطة في مطاميرها مائة سنة لا تفسد
وشرقي قسطينة في اخر مملكة بجاية مرسى الخرز بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة وزاي معجمة في الاخر
ومنه يستخرج المرجان من قعر البحر على ما تقدم في الكلام على الأحجار النفيسة فيما يحتاج الكاتب إلى وصفه من المقالة الأولى (5/105)
ومنها سطيف بفتح السين وكسر الطاء المهملتين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة بعدها فاء
وهي مدينة من الغرب الأوسط في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول سبع وعشرون درجة والعرض إحدى وثلاثون درجة
وهي مدينة حصينة بينها وبين قسطينة أربع مراحل ولها حصن في جهة الجنوب عن بجاية على مرحلتين منها ولها كورة تشتمل على قرى كثيرة غزيرة المياه كثيرة الشجر المثمر بضروب من الفواكه وبها الجوز الكثير ومنها يحمل إلى سائر البلاد
ومنها تاهرت قال في اللباب بفتح التاء المثناة فوق وألف وهاء وسكون الراء المهملة وفي اخرها تاء ثانية
قال في تقويم البلدان ونقلت من خط ابن سعيد عوض الألف ياء مثناة تحت قال وهو الأصح لأن ابن سعيد مغربي فاضل
وهي مدينة من الغرب الأوسط وقيل من أفريقية في الإقليم الثالث قال في الأطوال حيث الطول خمس وعشرون درجة وثلاثون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة
قال ابن حوقل وهي مدينة كبيرة خصبة كثيرة الزرع كانت قاعدة الغرب الأوسط وبها كان مقام ملوك بني رستم حتى انقرضت دولتهم بدولة الفاطميين خلفاء مصر
وذكر الإدريسي أنها كانت في القديم مدينتين القديمة منهما على رأس جبل ليس بالعالي قال في العزيزي وتاهرت القديمة تسمى تاهرت عبد الخالق وهي مدينة جليلة كانت قديما تسمى بغداد المغرب وتاهرت الجديدة على مرحلة منها وهي أعظم من تاهرت القديمة والمياه تخترق دور أهلها
وهي ذات أسواق عامرة وبأرضها مزارع وضياع جمة ويمر بها نهر يأتيها من جهة المغرب ولها نهر اخر يجري من عيون تجتمع فيه منه شرب أهلها وبها البساتين الكثيرة المونقة والفواكه الحسنة والسفرجل الذي ليس له نظير طعما وشما ولها قلعة عظيمة مشرفة على سوقها
وتاهرت كثيرة البرد كثيرة الغيوم والثلج وسورها من الحجر ولها ثلاثة (5/106)
أبواب باب الصفا وهو باب الأندلس وباب النازل وباب المطاحن
وأما الطريق الموصل إليها فقد ذكر صاحب الذيل على كامل ابن الأثير في التاريخ عن ايدغدي التليلي وايدغدي الخوارزمي حين توجها رسولين إلى الغرب في سنة ست وسبعمائة أن من إسكندرية إلى طلميثا ومنها إلى سرت ومنها إلى سراتة ومنها إلى طهجورة ومنها إلى طرابلس ومنها إلى قابس ومنها إلى صفاقس ومنها إلى المهدية ومنها إلى سوسة ومنها إلى تونس
وأما طريقها في البحر فمن إسكندرية إلى تونس
الجملة الرابعة في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها
أما زروعها فقد ذكر في مسالك الأبصار أنها تزرع على الأمطار وان بها من الحبوب القمح والشعير والحمص والفول والعدس والذرة والدخن والجلبان والبسلا واسمها عندهم البسين
أما الأرز فمجلوب إليها
وأما فواكهها فبها من الفواكه العنب والتين كل منهما على أنواع مختلفة والرمان الحلو والمز والحامض والسفرجل والتفاج والكمثرى والعناب والزعرور والخوخ والمشمش على أنواع والتوت الأبيض والفرصاد وهو التوت الأسود والقراصيا والزيتون والأترج والليمون والليم والنارنج أما الجوز بها فقليل وكذلك النخيل والفستق والبندق مفقود بها وكذلك الموز
قال في مسالك الأبصار وبها فاكهة تسمى مصغ فوق قدر البندقة لونها بين الحمرة والصفرة وطعمها بين الحموضة والقبض شبية بطعم السفرجل يوجد في الشتاء يقطف من شجره غضا فيدفى ويثقل كما يفعل بالموز فينضج (5/107)
ويؤكل حينئذ
ويوجد بها قصب السكر على قلة ولا يعتصر بها
وبها البطيخ الأصفر على أنواع والبطيخ الأخضر مع قلة واسمه عندهم الدلاع وكذلك الخيار والقثاء وبها اللوبيا واللفت والباذنجان والقنبيط والكرنب والرجلة والبقلة اليمانية واسمها عندهم بلندس والخس والهندباء على أنواع وسائر البقول والملوخيا على قلة والهليون والصعتر
وبها من الرياحين الاس والورد ومعظمه أبيض والياسمين والنرجس واللينوفر الأصفر والترنجاني والمنثور والمرزنجوش والبنفسج والسوسن والزعفران والحبق والنمام
الجملة الخامسة في مواشيها ووحوشها وطيورها
أما مواشيها ففيها الخيل العراب المشابهة لخيل برقة والبغال والحمير والإبل والبقر وغنم الضأن والمعز
وأما وحوشها ففيها الغزلان وبقر الوحش وحمره والنعام وغير ذلك
وأما طيورها ففيها الدجاج والحمام كثيرا والإوز بقلة وبها الكراكي وهي صيد الملوك كما بمصر وكذلك غيرها من طيور الصيد (5/108)
الجملة السادسة فيما يتعلق بمعاملاتها من الدنانير والدراهم والأرطال والمكاييل والأسعار
أما الدنانير فإنها تضرب باسم ملكهم وزنة كل دينار من دنانيرهم
ويعبرون عنه بالدينار الكبير وذهبهم دون الذهب المصري في الجودة فهو ينقص عنه في السعر
وأما الدراهم فقد ذكر في مسالك الأبصار عن أبي عبد الله بن القويع أن دراهمهم على نوعين أحدهما يعرف بالقديم والاخر بالجديد ووزنهما واحد إلا أن الجديد منهما خالص الفضة والقديم مغشوش بالنحاس للمعاملة وتفاوت ما بينهما أن كل عشرة دراهم عتيقة بثمانية دراهم جديدة وإذا أطلق الدرهم عندهم فالمراد به القديم دون الجديد ثم مصطلحهم أن كل عشرة دراهم عتيقة بدينار وهذا الدينار عندهم مسمى لا حقيقة له كالدينار الجيشي بمصر والرائج بإيران
وإما أرطالها فزنة كل رطل ست عشرة أوقية كل أوقية أحد وعشرون درهما من دراهما
وإما كيلها فلهم كيلان أحدهما يسمى القفيز وهو ست عشرة ويبة كل ويبة اثنا عشر مدا قرويا وهو يقارب المد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام
وهو أيضا ثمانية أمداد بالكيل الحفصي وهو كيل قدره ملوكها الحفصيون اباء ملوكها القائمين بها الآن بقدر مد ونصف من المد المقدم ذكره
والثاني يسمى الصحفة وكل صحفة اثنا عشر مدا بالحفصي (5/109)
الجملة السابعة في ذكر أسعارها
قد ذكر في مسالك الأبصار أن أوسط الأسعار بها في غالب الأوقات أن يكون كل قفيز من القمح بخمسين درهما والشعير دون ذلك
قال وغالب سعر اللحم الضأن عندهم كل رطل أفريقي بدرهم قديم وبقية اللحوم دونه في القيمة وفي الربيع ينحط السعر عن هذا القدر
وذكر أن الدجاجة الجيدة عندهم بدرهمين جديدين
ثم قال وأحوالها مقاربة في للديار المصرية لقرب المجاورة وقد ذكر في مسالك الأبصار أن تونس وبجاية في المعاملة والسعر متقاربتان
الجملة الثامنة في صفات أهل هذه المملكة في الجملة
قال في مسالك الأبصار ولأهل أفريقية لطف أخلاق وشمائل بالنسبة إلى أهل بر العدوة وسائر بلاد المغرب بمجاورتهم مصر وقربهم من أهلها ومخالطتهم إياهم ومخالطة من سكن عندهم من أهل إشبيلية من الأندلس
وهم من هم خفة روح وحلاوة بادرة
قال وهم على كل حال أهل انطباع وكرم طباع وناهيك من بلاد من شعر ملكها السلطان أبي العباس قوله
( مواطننا في دهرهن عجائب ... وأزماننا لم تعدهن الغرائب )
( مواطن لم تحك التواريخ مثلها ... ولا حدثت عنها الليالي الذواهب ) - طويل (5/110)
وقوله
( انظر إلينا تجدنا ما بنا دهش ... وكيف يطرق أسد الغابة الدهش )
( لاتعرف الحادث المرهوب أنفسنا ! ... فإننا بارتكاب الموت ننتعش ! ) - بسيط
وقوله
( عسى الله يدني للمحبين أوبة ... فتشفى قلوب منهم وصدور )
( وكم من قصي الدار أمسى بحزنه ... فأعقبه عند الصباح سرور ) - طويل -
وإذا كان هذا رقة طبع السلطان فما ظنك بغيره من العلماء والأدباء
الجملة التاسعة في ذكر من ملكها جاهلية وإسلاما
أما ملوكها في الجاهلية قبل الإسلام فإن بلاد المغرب كلها كانت مع البربر ثم غلبهم الروم الكيتم عليها وافتتحوا قاعدتها قرطاجنة وملكوها ثم جرى بين الروم والبربر فتن كثيرة كان اخرها أن وقع الصلح بينهم على أن تكون المدن والبلاد الساحلية للروم والجبال والصحارى للبربر ثم زاحم الفرنج الروم في البلاد وجاء الإسلام والمستولي على بلاد المغرب من ملوك الفرنجة جرجيس ملكهم وكان ملكه متصلا من طرابلس من جهة الشرق إلى البحر المحيط من جهة الغرب وكرسي ملكه بمدينة سبيطلة (5/111)
وبقيت في يده حتى انتزعها المسلمون منه في سرية عبد الله بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان
وأما ملوكها في الإسلام فعلى أربع طبقات
الطبقة الأولى الخلفاء
قد تقدم أن أول من افتتحها عبد الله بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه زحف إليها في عشرين ألفا من الصحابة وكبار العرب ففرق جموع النصرانية الذين كانوا بها من الفرنجة والروم والبربر وهدم سبيطلة قاعدتها وخربها وعاثت خيول العرب في ديارهم إلى أن صالحوا عبد الله بن أبي سرح بثلثمائة قنطار من الذهب وقفل عنهم سنة سبع وعشرين من الهجرة بعد فتح مصر بسبع سنين أو ثمان
ثم أغزاها معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج السكوني سنة أربع وثلاثين
ثم ولى معاوية عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري سنة خمس وأربعين فبنى عقبة القيروان (5/112)
ثم استعمل معاوية على مصر وأفريقية مسلمة بن مخلد فعزل عقبة عن أفريقية وولى عليها مولاه أبا المهاجر دينارا سنة خمس وخمسين
ولما استقل يزيد بن معاوية بالخلافة رجع عقبة بن نافع إلى أفريقية سنة اثنين وستين
ثم ولى عبد الملك بن مروان عليها زهير بن قيس البلوي في سنة سبع وستين إلى أن قتل في سنة تسع وستين فولى عليها حسان بن النعمان الغساني فسار ودخل القيروان وافتتح قرطاجنة عنوة وخربها فخرجت عليه الكاهنة ملكة الغرب فهزمته ثم عاد إليها وقتلها واستولى على بلادها ثم رجع إلى عبد الملك واستخلف على أفريقية رجلا اسمه صالح
ثم ولى الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير بضم النون فقدم القيروان وبها صالح ثم قفل موسى إلى المشرق واستخلف على أفريقية ابنه عبد الله
ثم عزله سليمان بن عبد الملك في خلافته وولى مكانه محمد بن يزيد (5/113)
ثم ولى عمر بن عبد العزيز في خلافته إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر
ثم ولى يزيد بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج وكاتبه فقدمها سنة إحدى ومائة فقتله البربر وردوا محمد بن يزيد الذي كان عليهم قبله إلى ولايته وكتبوا إلى يزيد بن عبد الملك بذلك فأقره عليهم
ثم ولي يزيد بن عبد الملك بشر بن صفوان الكلبي فقدمها سنة ثلاث ومائة ومات سنة تسع ومائة
ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن السلمي فقدمها سنة عشر ومائة ثم عزل هشام عبيدة وولى مكانه عبد الله بن الحبحاب مولى بني سلول فقدمها سنة أربع عشرة ومائة وبنى جامع تونس واتخذ بها دار الصناعة للمراكب البحرية
ثم عزله هشام بن عبد الملك وولى مكانه كلثوم بن عياض ثم قتل فبعث هشام بن عبد الملك على أفريقية حنظلة بن صفوان الكلبي فقدمها سنة أربع وعشرين ومائة فخرج عليه عبد الرحمن بن حبيب سنة ست وعشرين ومائة فقفل حنظلة إلى المشرق سنة سبع وعشرين واستقل عبد الرحمن بملك أفريقية (5/114)
وولي مروان بن محمد اخر خلفاء بني أمية فكتب له بولايتها
ثم كانت دولة بني العباس فأقره عليها السفاح ثم المنصور ثم قتل سنة سبع وثلاثين لعشر سنين من إمارته واشترك في إمارتها حبيب بن عبد الرحمن وعمه عمران بن حبيب واخوه إلياس بن عبد الرحمن ثم قتله عبد الملك بن أبي الجعد ثم غلب عليها عبد الأعلى بن السمح المعافري
ثم ولى أبو جعفر المنصور محمد بن الأشعت الخزاعي فقدم القيروان سنة خمس وأربعين ومائة وبنى سورها
ثم ثارت عليه المضرية واخرجوه منها سنة ثمان وأربعين وولوا عليهم عيسى بن موسى الخراساني
ثم ولى أبو جعفر المنصور عليها الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن سوادة التميمي بعده فقدم القيروان وسكن الناس ثم قتل سنة خمسين ومائة وقام بأمر أفريقية المخارق بن غفار
ولما بلغ المنصور قتل الأغلب بعث مكانه عمر بن حفص بن قبيصة ابن أبي صفرة التميمي أخي المهلب فقدمها سنة إحدى وخمسين ثم (5/115)
انتقضت عليه البربر فضعف أمره فولى يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة التميمي ودخل القيروان منتصف سنة خمس وخمسين وهلك سنة سبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد وقام بأمره بعده ابنه داود
ثم ولى الرشيد أخاه روح بن حاتم فقدمها منتصف سنة إحدى وسبعين ومائة ومات في رمضان سنة أربع وسبعين فقام حبيب بن نصر مكانه وسار ابنه الفضل إلى الرشيد فولاه مكان أبيه فعاد إلى القيروان في المحرم سنة سبع وسبعين ومائة ثم قتله ابن الجارود في منتصف سنة ثمان وسبعين ومائة فولى الرشيد مكانه هرثمة بن أعين فسار إلى القيروان وقدمها سنة تسع وسبعين ومائة ثم استعفى فأعفاه الرشيد لسنتين ونصف من ولايته
وولى مكانه محمد بن مقاتل الكعبي فقدم القيروان في رمضان سنة إحدى وثمانين وكان سيء السيرة
ثم ولى الرشيد إبراهيم بن الأغلب فقدم أفريقية منتصف سنة أربع وثمانين ومائة وابتنى مدينة العباسية بالقرب من القيروان وانتقل إليها
وفي ولايته ظهرت دعوة الأدارسة من العلوية بالمغرب الأقصى
ثم مات إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين ومائة بعد أن عهد لابنه أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن (5/116)
الأغلب بالولاية فقدم القيروان في صفر سنة سبع وتسعين ومائة
ثم مات في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين
وولي مكانه أخوه زيادة الله بن إبراهيم وجاءه التقليد من قبل المأمون وفي ولايته كان ابتداء فتح صقلية على يد أسد بن الفرات وتوفي في رجب سنة ثلاث وعشرين ومائتين لاحدى وعشرين سنة ونصف من ولايته
وولي مكانه أخوه أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب وتوفي في ربيع سنة ست وعشرين ومائتين
وولي بعده ابنه أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم فدانت له أفريقية وبنى مدينة بقرب تاهرت وسماها العباسية سنة سبع وثلاثين ومائتين وبنى قصر سوسة وجامعها سنة ست وثلاثين ومائتين وتوفي سنة ثنتين وأربعين
وولي مكانه ابنه أبو إبراهيم أحمد بن أبي العباس محمد بن الأغلب فأحسن السيرة وكان مولعا بالعمارة فبنى بأفريقية نحوا من عشرة الاف حصن وتوفي اخر سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته
وولي مكانه ابنه زيادة الله الأصغر بن أبي إبراهيم أحمد وتوفي اخر سنة خمسين ومائتين
وولي مكانه أخوه محمد أبو الغرانيق بن أبي إبراهيم أحمد ففتح جزيرة مالطة سنة خمس وخمسين ومائتين وبنى حصونا ومحارس على مسيرة خمسة عشر يوما من برقة في جهة المغرب وهي الان معروفة به
وفي أيامه كان أكثر فتوح صقلية
فلما حمل أهل القيروان أخاه إبراهيم بن أحمد أخي أبي الغرانيق على الولاية عليهم لحسن سيرته فامتنع ثم أجاب وانتقل إلى قصر الإمارة (5/117)
وقام بالأمر أحسن قيام
وكان عادلا حازما فقطع أهل البغي والفساد وجلس لسماع الظلامات وبنى الحصون والمحارس بسواحل البحر حتى كانت النار توقد في ساحل سبتة للإنذار بالعدوة فيتصل إيقادها بالإسكندرية في الليلة الواحدة وبنى سور سوسة وانتقل إلى تونس فسكنها
وفي أيامه ظهرت دعوة العبيديين بالغرب ثم مات سنة تسع وثمانين ومائتين
وولي ابنه أبو العباس عبد بن إبراهيم أخي محمد أبي الغرانيق وكان عادلا حسن السيرة بصيرا بالحروب فنزل تونس مكان أبيه ودخلوا في أمره جملة وجرى بينه وبينه حروب ثم قتل في شعبان سنة تسعين ومائتين
وولي ابنه أبو مضر زيادة الله فأقبل على اللذات واللهو واهمل أمور الملك وقتل اخاه وعمومته واخواته وقوي حال الدعاة لعبيد الله المهدي جد الخلفاء الفاطميين بمصر فحمل زيادة الله أمواله وأثقاله ولحق بمصر فمنعه عاملها من الدخول إليها إلا بأمر المقتدر الخليفة فسار إلى العراق فاستأذن عليه فأتاه كتاب المقتدر بالرجوع إلى القيروان وإظهار الدعوة فوصل إلى مصر فأصابه بها علة سقط منها شعره ورجع إلى القدس فمات بها وانقرضت دولة بني الأغلب بالمغرب
الطبقة الثانية العبيديون
وكان مبدأ أمرهم أن محمدا الحبيب بن جعفر المصدق بن محمد المكتوم بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين (5/118)
العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان مقيما بسلمية من أعمال حمص وكان أهل شيعتهم بالعراق واليمن وغيرهما يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين عليه السلام فلما أدركته الوفاة عهد إلى ابنه عبيد الله وقال له أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرة بعيدة وتلقى محنة شديدة وشاع خبر ذلك في الناس واتصل بالمكتفي خليفة بني العباس ببغداد فطلبه ففر من الشام إلى العراق ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصته وكان أبو عبد الله الشيعي قد بعث إليه بخبره بما فتح الله عليهم من البلاد الغربية فعزم على اللحوق به وخرج من مصر إلى أفريقية في زي التجار وسار حتى وصل إلى سجلماسة من بلاد المغرب فورد على عاملها كتاب بالقبض عليه فقبض عليه وحبسه هو وابنه أبا القاسم
ولما استفحل أمر أبي عبد الله الشيعي استخلف على أفريقية أخاه أبا العباس وارتحل إلى سجلماسة فأخرج المهدي وابنه من الحبس وبايع للمهدي ثم ارتحلوا إلى أفريقية ونزلوا رقادة في ربيع سنة سبع وتسعين ومائتين وبويع للمهدي البيعة العامة واستقام أمره وبعث العمال على النواحي
وولى عهده ابنه أبا القاسم محمدا ويقال نزار وبنى مدينة المهدية وجعلها دار ملكه
ولما فرغ منها صعد على سورها ورمى بسهم في جهة المغرب وقال إلى هنا ينتهي صاحب الحمار فكان الأمر كذلك
وذلك أنه خرج بالمغرب خارجي اسمه أبو يزيد يعرف بصاحب الحمار وتبعه الناس فقصد مدينة المهدية يريد فتحها فانتهى إلى حيث انتهى سهم المهدي ثم رجع من حيث أتى فعظم أمر المهدي واستولى على فاس ودخل ملوكها من الأدارسة تحت طاعته في سنة ثمان وثلثمائة ومهد المغرب ودوخ أقطاره وتوفي في ربيع الأول سنة ثنتين وعشرين لأربع وعشرين سنة من خلافته
وولي بعده ابنه القائم بأمر الله أبو القاسم المتقدم ذكره وفي أيامه خرج (5/119)
أبو يزيد صاحب الحمار
وتوفي سنة أربع وثلاثين وثلثمائة وكان قد عهد إلى ابنه المنصور بالله إسماعيل فقام بالأمر بعده وكتم موت أبيه فلم يتسم بالخليفة ولا غير السكة والخطبة والبنود وتوفي سلخ رمضان سنة إحدى وأربعين وثلثمائة لسبع سنين من خلافته
وولي الأمر بعده ابنه المعز لدين الله معد فاستقام له الأمر وانتهت مملكته بالغرب إلى البحر المحيط وافتتح مصر على يد قائده جوهر في منتصف شعبان سنة ثمان وخمسين وثلثمائة واختط له القاهرة ثم قدم المعز إلى مصر ودخل القاهرة لخمس من رمضان سنة ثنتين وستين وثلثمائة ما سبق في الكلام على مملكة الديار المصرية
الطبقة الثالثة ملوكها من بني زيري
كان المعز معد الفاطمي حين قدم مصرعلى ما تقدم استخلف على أفريقية والمغرب بلكين بن زيبري بن مياد البربري ويقال الحميري وأنزله القيروان وسماه يوسف وكناه أبا الفتوح ولقبه سيف الدولة وبقي حتى توفي سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة ومات المعز بالقاهرة وانتقلت الخلافة بعده إلى ابنه العزيز نزار فولى على أفريقية والمغرب بعد بلكين ابنه المنصور بن بلكين بولاية عهد من أبيه وبقي حتى توفي سنة خمس وثمانين وثلثمائة
وقام بأمره بعده ابنه باديس بن المنصور فبقي حتى توفي سنة ست وأربعمائة بمعسكره فجأة وهو نائم بين أصحابه
وبويع ابنه المعز بن باديس وهو ابن ثماني سنين واستمر ملكه بأفريقية وعظم ملكه بها وكان المعز منحرفا عن الرفض والتشيع منتحلا للسنة وأعلن بذلك في أول ولايته ثم كان اخر أمره أن خلع طاعة العبيديين وقطع الخطبة لهم بأفريقية سنة أربعين وأربعمائة على عهد المستنصر العبيدي خليفة مصر وخطب للقائم بن القادر الخليفة العباسي ببغداد فاضطرب لذلك ملكه وثارت عليه (5/120)
الثوار وملكوا منه النواحي ومات المعز سنة أربع وخمسين وأربعمائة
وقام بأمره من بعد ابنه تميم بن المعز بن باديس وغلبه العرب على أفريقية فلم يكن له إلا ما ضمه السور واستمرت الثوار في أيامه وبقي حتى هلك سنة احدى وخمسمائة
وملك بعده ابنه يحيى بن تميم فراجع طاعة العبيديين خلفاء مصر ووصلته منهم المخاطبات والهدايا والتحف وأكثر في غزو النصارى من الفرنجة وغيرهم حتى لقبوه بالجرية من وراء البحر ومات فجأة في قصره سنة تسع وخمسمائة
وملك بعده ابنه علي بن يحيى وقام بالأمر على طاعة خلفاء العبيديين بمصر ومات سنة خمس عشرة وخمسمائة
وملك بعده ابنه الحسن بن علي وهو ابن اثنتي عشرة سنة وقام بأمره مولاه صندل ثم مولاه موفق وغلبة النصارى على المهدية وبلاد الساحل كلها إلى أن استنقذها منهم عبد المؤمن شيخ الموحدين ولحق الحسن بالجزائر ونزل بها إلى أن فتح الموحدون الجزائر سنة سبع وأربعين وخمسمائة بعد ملكهم المغرب والأندلس فخرج إلى عبد المؤمن فأحسن إليه وبقي معه حتى افتتح المهدية فأنزله بها فأقام بها ثماني سنين
ثم سار إلى مراكش فمات في طريقه وانقرضت دولة بني باديس من أفريقية في أيامهم عند وقوع الفتن (5/121)
الطبقة الرابعة الموحدون أصحاب المهدي بن تومرت وهم القائمون بها إلى الان
وكان أول من افتتحها منهم عبد المؤمن بن علي احد اصحاب ابن تومرت والخليفة بعده
وذلك أنه لما وقع بها ما تقدم من الاضطراب وقيام الثوار واستيلائهم على النواحي وكان الموحدون قد استولوا على الأندلس والغرب الأقصى والغرب الأوسط إلى بجاية بعث عبد المؤمن المذكور العساكر إلى أفريقية مع ابنه عبد الله في سنة سبع وأربعين وخمسمائة فافتتح أفريقية واستكمل فتحها سنة ست وخمسين
وولى عليها ابنه السيد أبا موسى عمران بن عبد المؤمن وأسره علي بن يحيى المعروف بابن غانية عند فتحه بجاية واعتقله بها في صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
ولما ولي المنصور يعقوب بن عبد المؤمن بعد أبيه عبد المؤمن ولى على أفريقية في أول ولايته أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص عمر ثم غلب ابن غانية على أكثر بلاد أفريقية واستولى على تونس وخطب للخليفة العباسي ببغداد ثم جهز الناصر بن المنصور بن عبد المؤمن الشيخ أبا محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص من مراكش إلى أفريقية سنة ثنتين وستمائة فانتزعها من ابن غانية ثن وصل الناصر بن المنصور إلى أفريقية بعد ذلك ودخل تونس وأقام بها إلى منتصف سنة ثلاث وستمائة وعزم على الرحيل إلى مراكش فروى نظره فيمن يوليه أمرها فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص ورحل الناصر إلى المغرب وقعد وقعد الإمارة بقصبة تونس يوم السبت العاشر من شوال سنة ثلاث وستمائة بقي حتى توفي مفتتح سنة ثمان عشرة وستمائة
وولي بعده ابنه الأمير أبو زيد عبد الرحمن وقعد بمجلس أبيه في الإمارة (5/122)
وورد كتاب المستنصر بن الناصر خليفة بني عبد المؤمن بعزله لثلاثة أشهر من ولايته
وولى المستنصر مكانه السيد أبا العلى إدريس بن يوسف بن عبد المؤمن ودخل إلى تونس في ذي القعدة من السنة المذكورة فنزل بالقصبة ورتب الأمور ومات بتونس سنة عشرين وستمائة
ثم مات المستنصر وصار الأمر لعبد الواحد المخلوع ابن يوسف بن عبد المؤمن فبعث بولاية أفريقية إلى أبي زيد بن أبي العلى
ثم صار الأمر إلى العادل فولى أبا محمد عبد الله بن أبي محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص ودخل تونس سنة ثلاث وعشرين وستمائة وأقام في إمارته إلى أن ثار عليه أخوه الأمير أبو زكريا يحيى بن أبي محمد عبد الواحد وولي مكانه ودخل تونس في رجب سنة خمس وعشرين وستمائة وافتتح قسنطينة وبجاية سنة ست وعشرين وانتزعهما من بني عبد المؤمن
ثم ملك تلمسان من يدهم بعد ذلك وبايعه أهل الأندلس ومات ببونة لسبع بقين من جمادى الاخرة سنة سبع وأربعين وستمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته
وبويع بعده ابنه وولي عهده المستنصر بالله أبو عبد الله محمد ودخل تونس في رجب من السنة المذكورة فجدد بيعته بها وهو أول من تلقب من الحفصيين بألقاب الخلافة كما سيأتي
وانتهى امره إلى أن بويع له بمكة المعظمة وبعث بالبيعة إليه واستولى على ما كان بيد أبيه من الغرب الأوسط ببجاية وقسنطينة وفتح الجزائر وبقي حتى مات يوم الأضحى سنة خمس وسبعين وستمائة (5/123)
وبويع بعده ابنه الواثق يحيى بن المستنصر ليلة موت أبيه فأحسن السيرة وبسط في الرعية العدل والعطاء وبعث إليه أهل بجاية بالبيعة وخرج عليه عمه أبو إسحاق أخو المستنصر ودخل بجاية وبايعه أهلها في ذي العقدة سنة سبع وسبعين وسبعمائة واستولى على قسنطينة وقوي أمره ببجاية وما معها وبلغ ذلك الواثق بن المستنصر فتيقن ذهاب الملك منه فانخلع عن الأمر لعمه أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى ومن هناك عرف بالمخلوع وأشهد على نفسه بذلك في أول ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستمائة وبلغ ذلك السلطان أبا إسحاق فسار إلى تونس ودخلها في نصف ربيع الاخر من السنة المذكورة واستولى على المملكة جميعها واعتقل الواثق وبنيه ثم دس عليهم من ذبحهم في الليل في صفر سنة تسع وسبعين وستمائة وبقي حتى خرج عليه أحمد بن روق بن أبي عمارة من بيوتات بجاية الطارئين عليها من المسيلة سنة إحدى وثمانين وستمائة وكان شبيها بالفضل بن يحيى المخلوع فعرف بالدعي واستولى على تونس بعد خروج السلطان أبي إسحاق منها ولحق أبو إسحاق ببجاية فمنعه ابنه الأمير أبو فارس عبد العزيز من الدخول إليها فانخلع له عنها وأشهد عليه بذلك ودعا الناس إلى بيعته في اخر ذي القعدة من السنة المذكورة فبايعوه وتلقب بالمعتمد ثم كان بين الدعي والأمير أبي فارس واقعة قتل فيها الأمير أبو فارس في سنة ثنتين وثمانين وستمائة
وخرج السلطان أبو إسحاق فلحق بتلمسان ومعه ابنه الأمير أبو زكريا ودخل أهل بجاية في طاعة الدعي
ثم خرج على الدعي الأمير أبو حفص عمر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص فكانت بينهما حرب انهزم الدعي في اخرها
واستولى أبو حفص على تونس وسائر المملكة وتلقب بالمستنصر واختفى الدعي ثم ظفر به أبو حفص بعد ذلك وقتله وبايعه أهل تلمسان وطرابلس وما بينهما
وخرج الأمير أبو زكريا يحيى ابن السلطان أبي إسحاق على بجاية وقسنطينة فملكهما واقتطعهما عن مملكة افريقية وقسم دولة الموحدين بدولتين (5/124)
ولم يزل السلطان أبو حفص في ملكه إلى أن مرض في ذي الحجة سنة أربع وستين وستمائة ومات اخر ذي الحجة من السنة المذكورة
وكان الواثق بن المستنصر لما قتل هو وأبوه ترك جارية حاملا فسماه الشيخ محمد المرجاني محمدا وأطعم الفقراء يومئذ عصيدة من عصيدة البر فلقب بأبي عصيدة فلما مات السلطان أبو حفص بايع الناس أبا عصيدة المتقدم ذكره
ومات الأمير أبو زكريا صاحب بجاية وما معها على رأس المائة السابعة
وقام بعده في تلك الناحية ولي عهده ابنه أبو البقاء خالد فاستمر في تلك الناحية وبقي السلطان أبو عصيدة في مملكة أفريقية حتى مات في ربيع الاخر سنة تسع وسبعمائة ولم يخلف ابنا
وكان بالقصر أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص في كفالة السلطان أبي عصيدة فلما مات أبو عصيدة بايعه أهل تونس ثم أرتحل السلطان أبو البقاء خالد صاحب بجاية إلى جهة تونس طالبا ملكها بعد أبي عصيدة فخرج أبو بكر الشهيد في أهل تونس للقائه فانهزموا عنه وقبض على أبي بكر الشهيد واعتقل ثم قتل بعد ذلك فسمي الشهيد واستقل السلطان أبو البقاء خالد بملك تونس وبجاية وحاز جميع المملكة وتلقب الناصر لدين الله وبقي حتى بويع أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد اللحياني ابن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص فبويع بطرابلس وخرج على أبي البقاء خالد فخافه فخلع نفسه فاعتقل وجاء السلطان أبو يحيى على اثره في رجب سنة إحدى عشرة وسبعمائة فبويع البيعة العامة ودخل تونس واستولى عليها ثم اضطرب عليه أمره فخرج من تونس إلى قابس أول سنة سبع عشرة وسبعمائة بعد (5/125)
أن استخلف بتونس وانتهى إلى قابس فأقام بها وصرف العمال في جهاتها وقصد السلطان أبو بكر صاحب بجاية تونس وكان بينه وبين أهلها وقعة انتهى الحال في اخرها إلى أن السلطان أبا بكر رجع إلى بجاية
وبايع اهل تونس محمدا المعروف بأبي ضربة ابن السلطان أبي يحيى في سنة سبع عشرة المذكورة
ثم قصد السلطان أبو بكر صاحب بجاية تونس وبها أبو ضربة فغلبه عليها ودخلها في ربيع الاخر سنة ثمان عشرة وسبعمائة وبويع بها البيعة العامة
ولحق السلطان أبو يحيى اللحياني بمصر في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون فأحسن نزله وأقام عنده إلى أن مات ولحق ابنه أبو ضربة بتلمسان فأقام بها إلى أن مات واستقل السلطان أبو بكر بأفريقية وبجاية إلى أن غلبه على تونس إبراهيم بن أبي بكر الشهيد المتقدم ذكره أولا ودخلها في رجب سنة خمس وعشرين وسبعمائة
ثم غلبه عليها السلطان أبو بكر وانتزعها من يده في شوال من السنة المذكورة واستقر في يده ملك أفريقية وبجاية إلى أن مات فجأة في جوف الليل في ليلة الأربعاء ثاني رجب الفرد سنة سبع وأربعين وسبعمائة بمدينة تونس
وبويع ابنه أبو حفص عمر بن أبي بكر من ليلته وجلس من الغد وبويع البيعة العامة
وكان ابوه قد عهد إلى ابنه الاخر أبي العباس أحمد وكان ببلاد الجريد فاستجاش على أخيه وقدم عليه تونس وكانت بينهما واقعة قتل فيها أبو العباس واستقر السلطان أبو حفص على ولايته
وكان السلطان أبو بكر حين عهد لابنه أبي العباس أرسل العهد إلى السلطان أبي الحسن المريني صاحب تلمسان وسأله في الكتابة عليه فلما قتل أبو العباس المذكور ثقل ذلك على السلطان أبي الحسن وخرج إلى أفريقية في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ووصل إلى بجاية ثم (5/126)
إلى قسنطينة فملكها ثم سار إلى تونس فلقيه السلطان أبو حفص عمر وكانت بينهما واقعة قبض فيها على أبي حفص ثم قتل
ودخل السلطان أبو الحسن إلى تونس واستولى على جميع المملكة مضافة إلى مملكته وكمل له بذلك ملك جميع المغرب
ثم غلب أبو العباس الفضل ابن السلطان أبي بكر على بجاية وقسنطينة وملكهما وسار السلطان أبو الحسن إلى المغرب واستخلف على تونس أبنه أبا الفضل فسار الفضل ابن السلطان أبي بكر من بجاية إلى تونس فخرج منها أبو الفضل بن أبي الحسن فارا إلى أبيه بالمغرب ودخلها الفضل ابن السلطان أبي بكر وملكها سنة تسع وأربعين وسبعمائة واستولى على جميع المملكة وبقي إلى أن قبض عليه في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة
وبويع بعده أخوه أبو إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي بكر وهو يومئذ غلام قد ناهز الحلم وقتل الفضل في جوف الليل من الليلة القابلة خنقا واستولى على أفريقية وبجاية وقسنطينة وبقي حتى غلبه بنو مرين على بجاية وقسنطينة وملكهما منه أبو عنان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
ثم استولى السلطان أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر على قسنطينة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وبويع بها
ثم غلبه عليها أبو عنان وقفل إلى المغرب سنة سبع وخمسين وقد استخلف بها فتجهز إليها أبو إسحاق إبراهيم صاحب تونس وملكها من يد عامل أبي عنان سنة إحدى وستين ثم قوي أمر السلطان أبي العباس وعاد إلى قسنطينة وملكها في السنة المذكورة
ثم استولى أبو عبد الله محمد بن محمد ابن السلطان أبي بكر في رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة فأساء السيرة بها فسار إليه السلطان أبو العباس من تونس فقتله ودخل بجاية تاسع عشر شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة وملكها وبقيت بيده وتونس بيد السلطان أبي إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي بكر إلى أن (5/127)
توفي السلطان أبو إسحاق فجأة في الليل في سنة سبع وسبعين وسبعمائة
وبويع بعده ابنه أبو البقاء خالد واستبد عليه منصور مولى أبيه وابن الباليقي حاجب أبيه فلم يكن له في الدولة تحكم
ثم رحل السلطان أبو العباس من بجاية إلى تونس وقبض على السلطان أبي البقاء خالد بن إبراهيم بعد حصاره أياما واعتقله وملك تونس وانتظم في ملكه أفريقية وبجاية وقسنطينة وأعمالها وبقي حتى مات في شعبان سنة ست وثمانين وسبعمائة
وكان أبو العباس هذا له شعر رائق طلب مرة كاتب إنشائه يحيى بن أجاد وكان يحيى ثملا فخافه على نفسه إن هو طلع إليه على تلك الحالة فكتب إليه مجزوء - الخفيف -
( أصبح العبد يحيى ... كصباح ابن أكثم )
( شغلته الحميا ... وهو بالأمر مهتم )
( فخشي من رقيب ... فرأى الدار أكتم ) - مجزوء الخفيف -
فلما قرأها وقع بخطه تحت خطه
( قر عينا بعيش ... صفوه بك قد تم )
( أنت أزكى عبيدي ... هاهنا كنت أوثم ) - مجزوء الخفيف -
فكان ذلك سبب توبة يحيى
وبويع بعده ابنه أبو فارس عزوز في رابع شعبان من السنة المذكورة واستولى على تونس وبجاية وقسنطينة وسائر أعمالها
وهو السلطان أبو فارس (5/128)
عزوز ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص
قلت وهو باق إلى زماننا في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وقد شاع ذكر شجاعته وعدله حتى إنه دوخ البلاد ومهدها وقتل العرب وأبادهم ودخل من بقي منهم في طاعته بعد ان لم يدينوا لطاعة غيره وقطع المكوس من بلاده وأزال الحانات من تونس مع تواضع وقرب من الفقراء وأخذ بيد المظلومين ووجوه بر رتبها وقررها لم تعهد لأحد ممن قبله إلى غير ذلك من صفات الملوك المحمودة التي أمتاز بها عن الملوك ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
الجملة العاشرة في منتمى ملوك هذه المملكة القائمين بها الان من الموحدين في النسب ودعواهم الخلافة وبيان أصل دولتهم وتسميتهم الموحدين
أما منتماهم في النسب فقد ذكر في التعريف أن الملك القائم بها في زمانه يدعي النسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن أهل النسب من ينكر ذلك فمنهم من يجعله من بني عدي بن كعب رهط عمر وليس من بني عمر ومنهم من يقول بل من هنتاتة وليسوا من قبائل العرب في شيء
وهم الحفصيون نسبة إلى أبي حفص أحد العشرة أصحاب ابن تومرت وهم بقايا الموحدين إذ كان من تقرير ابن تومرت أن الموحدين هم أصحابه ولم يبق ملك الموحدين إلا في بني أبي حفص هذا
واعلم أن النسابين قد اختلفوا في نسبه على ثلاثة أقوال (5/129)
أحدهما نسبته إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهؤلاء يقولون هو أبو الحفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي بن أحمد بن والال بن إدريس بن خالد بن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتق بن محمد بن نجيه بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون ويظهر أن هذا النسب القرشي وقع في المصامدة من البربر والتحم بهم واشتملت عليه عصبيتهم شأن الأنساب التي تقع من قوم إلى قوم
الثاني نسبته إلى بني عدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ينتسب فيه وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب جد النبي وباقي نسبه إلى عدنان معروف
الثالث نسبته إلى هنتاتة وهنتاتة بفتح الهاء وإسكان النون وفتح التاء المثناة فوق وبعدها ألف ثم تاء مثناة فوق مفتوحة ثم هاء قبيلة من قبائل المصامدة من البربر بجبال درن المتاخمة لمراكش وهي قبيلة واسعة كبيرة ويقال لها بالبربرية ينتي وكان أبو حفص هذا هو شيخهم وكبيرهم وهو الذي دعاهم إلى اتباع ابن تومرت والحمل على طاعته
واما دعواهم الخلافة فقد قال في التعريف عند ذكر سلطان زمانه منهم لا يدعي إلا الخلافة ويتلقب بألقاب الخلفاء ويخاطب بأمير المؤمنين في بلاده
واعلم أن أول من تلقب منهم المستنصر بالله أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص على أن أباه كان يمتنع من التلقب بألقاب الخلافة ويمنع من يخاطبه بها مقتصرا على التلقب (5/130)
بالأمير خاصة حتى إن بعض شعرائه رفع إليه قصيدة مدحه بها أولها
( ألا جل بالأمير المؤمنينا ... فأنت بها أحق العالمينا ) - وافر -
فأنكر ذلك عليه
وإنما حمل المستنصر على ذلك أن الخلافة في زمنه قد تعطلت في سائر الأقطار
وذلك أن الخلافة الأموية ودعاوى بني عبد المؤمن قد زالت عنها في المغرب بغلبة بني مرين عليهم وانتزاعهم الأمر منهم وخلافة العبيديين قد زالت من مصر وخلافة بني العباس قد زالت من بغداد باستيلاء التتر عليها
وأما مبدأ دولتهم ومصير اخرها إلى بني أبي حفص بأفريقية فإن أصل قيامها ابن تومرت وهو محمد بن عبد الله تومرت بن وجليد بن يأمصال بن حمزة ابن عيسى فيما ذكره محققو المؤرخين
وبعضهم يقول محمد بن تومرت بن نيطاوس بن سافلا بن مسيعون بن ايكلديس بن خالد أصله من هرغة من بطون المصامدة من البربر
وبعض المؤرخين يجعل نسبه في أهل البيت ويقول هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن صفوان بن جابر بن عطاء بن رباح بن محمد من ولد سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
وسليمان هذا أخو إدريس الأكبر الذي كان لبنيه الدولة بالغرب على ما مر في الكلام على مكاتبة صاحب بر العدوة
ويقال إن سليمان هذا لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس وقيل بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب ويكون على هذا المقتضى نسبه قد التحم بنسب المصامدة واتصل بهم وصار في عدادهم كما تقدم في نسب أبي حفص
وكان أهل بيته أهل دين وعبادة وشب محمد هذا فيهم قارئا محبا للعلم وارتحل في طلب العلم إلى المشرق على رأس المائة الخامسة ومر بالأندلس (5/131)
ودخل قرطبة وهي إذ ذاك دار علم ثم لحق بالإسكندرية وحج ودخل العراق ولقي أكابر العلماء به يومئذ وفحول النظار ولقي أئمة الأشعرية من أهل السنة وأخذ بقولهم في تأويل المتشابه
ويقال إنه لقي أبا حامد الغزالي رحمه الله واستشاره فيما يريده من قيام الدولة بالمغرب
ورجع إلى المغرب وقد حصل على جانب كبير من العلم وطعن على أهله في الوقوف مع الظاهر وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذهب الأشعرية في جميع العقائد وألف العقائد على رأيهم مثل المرشدة وغيرها
وكان مع ذلك يقول بعصمة الإمام على مذهب الإمامية من الشيعة
وانتهى إلى بجاية قأقام بها يدرس العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهناك لقيه عبد المؤمن أحد أصحابه وارتحل معه إلى المغرب وصار إلى بلاد هرغة من البربر فاجتمع إليه الطلبة ونشر العلم وأظهر مذهب الأشعرية
وكان الكهان والمنجمون يتحدثون بظهور ملك بالمغرب من البربر وشاع في الناس أنه ذلك الملك واختار من أصحابه عشرة فجعلهم خاصته وهم عبد المؤمن بن علي وأبو حفص عمر بن علي ومحمد بن سليمان وعمر بن تافركين وعبد الله بن ملويات وغيرهم
ودعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسمين فبايعوه على ذلك سنة خمس عشرة وخمسمائة
ولما تكاملت له البيعة لقبوه بالمهدي وكان قبل ذلك يلقب بالإمام وكان عبد المؤمن أخص أصحابه به وكان يلقبه بالخليفة وأبو حفص بعده في الخصوصية وكان يلقبه بالشيخ وكان يسمي أتباعه الموحدين تعريضا بمن يجنح عن التأويل ويقف مع الظاهر فيوقعه في التجسيم وغيره ولم تحفظ عليه بدعة إلا ما وافق فيه الإمامية من القول بعصمة الإمام
وقد مر ذكر مدة ولايته ثم استخلاف (5/132)
عبد المؤمن بعده في الكلام على مكاتبة صاحب بر العدوة
وقد تقدم ابتداء انتقال مملكة إفريقية إلى أبي حفص وانسحابها فيهم إلى زماننا على الترتيب
الجملة الحادية عشرة في ترتيب المملكة بها من زي الجند وأرباب الوظائف من أرباب السيوف والأقلام ومقادير الأرزاق الجارية عليهم وزي السلطان وترتيب حاله في الملك
أما الجند فقد نقل في مسالك الأبصار عن أبي عبد الله بن القويع أن الذي قرره لهم مهديهم ابن تومرت ثم عبد المؤمن وأبناءه بعده أنه ليس لهم أمراء ولا أتباع يطلب بعدتهم كعدة الأمراء بمصر وإنما لهم أشياخ من أعيانهم لا عدة لهم ولا جند بل المرء منهم بنفسه فقط ولكل طائفة منهم رئيس يتولى النظر في أحوالهم يسمونه المزوار
أما الجند فمن الموحدين والأندلسيين وقبائل بها من المضافة إليهم ومن قبائل العرب ومن هاجر إليهم من العرب القدماء الذين هاجروا في مدة بني عبد المؤمن والمماليك الترك المبتاعة من الديار المصرية ومن الفرنج وغيرهم
وحصل ما ذكره في المسالك ان الجند عندهم على سبع طبقات
الطبقة الأولى الأشياخ الكبار من الموحدين الذين هم بقايا أتباع المهدي ابن تومرت
قال في مسالك الأبصار وهم بمثابة أمراء الألوف بمصر وبمثابة النوينات أمراء التوامين بمملكة إيران
الطبقة الثانية الأشياخ الصغار من الموحدين أيضا وهم دون من تقدم منهم في الرتبة
الطبقة الثالثة الوقافون
قال في مسالك الأبصار سألت ابن القويع عن معنى الوقافين ما هو فقال هم قوم لهم خاصية بالسلطان يسكنون معه في القصبة وهي القلعة بمنزلة الأمراء الخاصكية
قال وهم طبقتان وقافون (5/133)
كبار ووقافون صغار وكلهم يقفون بين يديه في أوقات جلوسه إذا جلس للناس
الطبقة الرابعة عامة الجند
الطبقة الخامسة الجند من قبائل العرب
الطبقة السادسة الصبيان وهم جماعة من الشباب بمثابة المماليك الكتانية بالديار المصرية يكونون في خدمة السلطان
الطبقة السابعة الجند من الإفرنج ويعبر عنهم بالعلوج وهم لخاصة السلطان لا يطمئن إلا إليهم
وأما عدة العسكر
ففي مسالك الأبصار عن ابن القويع أنها لا تبلغ عشرة الاف وإنما العدد الجم في العرب أهل البادية ولهم قوة شوكة
وأما أرباب الوظائف فعلى ثلاثة أضرب
الضرب الأول أرباب السيوف وهم ثمانية
الأول الوزراء وهم ثلاثة وزراء وزير الجند وهو المردود إليه الحديث في أمر الجند
قال في مسالك الأبصار وهو بمثابة الحاجب بالديار المصرية ووزير المال وهو المتحدث في أمر المال ويعبر عنه بصاحب الأشغال ووزير الفضل وهو كاتب السر
الثاني شيخ الموحدين
قال ابن القويع وشيخ الموحدين كأنه نائب السلطان ويسمى الشيخ المعظم وهو الذي يتولى عرض الموحدين وأمورهم
الثالث أهل المشورة وهم ثلاثة من أشياخ الموحدين يجلسون بمجلسه للرأي والمشورة (5/134)
الرابع صاحب الرقاعات
قال ابن سعيد وهو الذي يتولى إبلاغ الظلامات إلى السلطان وإيصال قصصهم إليه وعرضها عليه ثم يخرج بجوابها عنه
قال في مسالك الأبصار وهذا بمثابة الدوادار يعني بالديار المصرية
الخامس صاحب العلامات وهو المتولي أمور الأعلام وهو بمثابة أمير علم بالديار المصرية
وفي معناه اخر إليه أمر دق الطبول يأمر بدق الطبول عند ركوب السلطان في المواكب
السادس الحافظ وهو صاحب الشرطة وعنه يعبر المصريون بوالي المدينة
السابع محركو الساقة وهم قوم يكون بأيديهم العصي يرتبون الناس في المواكب بمنزلة النقباء بالديار المصرية
الثامن صاحب الطعام وهو بمنزلة إستاددار الصحبة
الضرب الثاني أرباب الأقلام
وقد ذكر منهم ثلاثة
الأول قاضي الجماعة وهو مثل قاضي القضاة بالديار المصرية
الثاني المحتسب وهو معروف
الثالث صاحب كتب المظالم
قال في مسالك الأبصار وهو الموقع على القصص وكأنه بمثابة موقع الدست بمصر والشام (5/135)
الجملة الثانية عشرة في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان
ويختلف الحال باختلاف أحوال أربابها
فأما أشياخ الموحدين الكبار فقد نقل في مسالك الأبصار عن القاضي أبي القاسم بن بنون أن لهم أرضا يزرعونها أو يحكرونها ويكون لهم عشر ما طلع منها
وهذه الأرض بمثابة الإقطاع بمصر ولكل واحد منهم في كل سنة حرث عشرة أزواج بقرا كل زوج بشعبتين كل شعبة رأسان من البقر فيكون لكل واحد عشرون شعبة
قال في مسالك الأبصار وهذه الشعبة هي المسماة في بلاد دمشق بالفدان
ولهم مع ذلك راتب يفرق عليهم في طول السنة يسمونه البركات بمثابة الجوامك بمصر يفرق أربع مرات في السنة في عيد الفطر تفرقة وفي عيد الأضحى تفرقة وفي ربيع الأول تفرقة وفي رجب تفرقة يصيب كل واحد منهم من ذلك أربعون دينارا مسماة تكون بثلثمائة درهم عتيقة والسلطان يأخذ معهم بسهم كواحد منهم على السواء فيكون جملة ما لكل واحد منهم في كل سنة مائة وعشرين دينارا مسماة عنها ألف ومائتا درهم مغربية عنها من نقد مصر والشام ستمائة وخمسون درهما وما يتحصل من مغل عشرين فدانا بقدر مثلها
قال في مسالك الأبصار فيكون تقدير مالأحد المشايخ الكبار الذين بمثابة أمراء الألوف بمصر والشام في كل سنة ألف وثلثمائة وعشرة دراهم نقرة بمعاملة مصر في كل سنة
وأما الأشياخ الصغار فلكل واحد منهم حرث خمسة أزواج من البقر على النصف من الأشياخ الكبار والبركات في كل سنة على ما تقدم في الكبار
قال ابن بنون ولعامة الأشياخ الكبار والصغار والوقافين والجند شيء اخر يفرقه السلطان عليهم يسمى المواساة وهي غلة تفرق عليهم عند تحصيل الغلات في المخازن وشيء ثالث يقال له الإحسان وهو مبلغ يفرق عليهم
قال وكلاهما من السنة إلى السنة ليس لها قدر مضبوط ولا قدر مخصوص بل (5/136)
على قدر ما يراه السلطان وبحسب أقدار الناس
ومقادير العطايا بينهم متفاوتة
قال وكذلك القبائل ومزاويرهم على هذا النحو
قال ابن القويع والجند الغرباء يتميزون في الأعطيات على الموحدين
قال وللعرب أهل البادية إقطاعات كثيرة ومنهم من يخرج مع السلطان إذا استدعاهم السلطان للخروج معه
الجملة الثالثة عشرة في لبس سلطان مملكة تونس ولبس أشياخه وسائر جنده وعامة أهل بلده
أما لبسه فقد ذكر في مسالك الأبصار عن سلطان زمانه بأفريقية أن له عمامة ليست بمفرطة في الكبر بحنك وعذبة صغيرة
وقال ابن سعيد له عمامة كبيرة من صوف وكتان فيها طراز من حرير
ولا يتعمم أحد من أهل دولته قدرها في الكبر
وذكر أن عذبة عمامته تكون خلف أذنه اليسرى وأنها مخصوصة به وباقاربه وله جباب تليها ولا يلبس هو ولا عامة جنده وأشياخه خفا إلا في السفر
وغالب لبسه ولبس أكابر مشايخه من قماش عندهم يسمى السفساري يعمل عندهم من حرير وقطن أو حرير وصوف رفيع جدا وقماش يعرف بالتلمساني يعمل بتلمسان إما صوف خالص أو حرير خالص مختم وغير مختم
قال ابن بنون والسلطان يمتاز بلبس الخز ولونه لون الخضرة (5/137)
والسواد
قال وهذا اللون هو المسمى بالجوزي وبالغيار وبالنفطي
قال ابن سعيد وهو ما يخرج من البحر بصفاقس
قال في مسالك الأبصار وهو المسمى بوبر السمك بمصر والشام يعني المعبر عنه بصوف السمك المقدم ذكره عند ذكر صفاقس من بلاد أفريقية
قال ابن سعيد وهي أفخر ثياب السلطان بتونس ونقل في مسالك الأبصار عن ابن سعيد أنه يلبس الثياب الصوف الرفيعة ذوات الألوان البديعة وأكثر ما يلبس المختم الممتزج من الحرير والصوف بكمين طويلين من غير كثرة طول ضيقين من غير أن يكونا مزندين
وثيابه دون شد نطاق إلا أن يكون في الحرب فإنه يشد المنطقة ويلبس الأقبية وله طيلسان صوف في نهاية اللطافة كان يرتدي به ولا يضعه على رأسه
وأما لبس الأشياخ والدواوين والوقافين والجند والقضاة والوزراء والكتاب وعامة الناس فعلى زي واحد لا تكاد تتفاوت العمائم والجباب ولا يمتاز الأشياخ والوقافون والجند إلا بشيء واحد لا يكاد يظهر ولا يبين وهو صغر العمائم وضيق القماش ولباس عامة أهل أفريقية من الجوخ ومن الثياب الصوف ومن الأقبية ومن الثياب القطن فمن لبس غير هذا مما يجلب من طرائف الإسكندرية والعراق كان نادرا شاذا
الجملة الرابعة عشرة في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان
نقل في مسالك الأبصار عن ابن القويع أن له علما أبيض يسمى العلم المنصور يحمل معه في المواكب وذكر ان الأعلام التي تحمل معه في المواكب سبعة أعلام الأوسط أبيض وإلى جانبه أحمر وأصفر وأخضر
قال ولا (5/138)
أتحقق كيف ترتيبها وأن ذلك غير أعلام القبائل التي تسير معه فلكل قبيلة علم تمتاز به بما عليه من الكتابة والكتابة مثل لا إله إلا الله أو الملك لله وما أشبه ذلك وأن له الطبول والبوقات والنفير
الجملة الخامسة عشرة في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم
قال ابن سعيد عادة هذا السلطان في مدينة مملكته تونس أنه يخرج باكر كل يوم إلى موضع يعرف بالمدرسة ويبعث خادما صغيرا يستدعي وزير الجند من موضعه المعين له فيدخل عليه رافعا صوته بسلام عليكم عن بعد من غير أن يوميء برأسه ولا يقوم له السلطان فيجلس بين يدي السلطان ويسأله السلطان عما يتعلق بأمور الجند والحروب ثم يأمره باستدعاء من يريده من أشياخ الجند أو العرب أو من له تعلق بوزير الجند ثم يأمر باستدعاء وزير المال وهو المعروف بصاحب الأشغال فيأتي معه ويسلمان جميعا من بعد على السلطان وإن كان قد تقدم سلام وزير الجند ثم يتقدم وزير المال إلى ما بين يدي السلطان ويتأخر وزير الجند إلى مكان لا يسمع فيه حديثهما ثم يخرج وزير المال ويستدعي من يتعلق به ثم يحضر صاحب الطعام بطعام الجند ويعرضه على وزيرهم لئلا يكون فيه تقصير ثم يقوم السلطان من المدرسة إلى موضع مخصوص ويستدعي وزير الفضل وهو كاتب السر ويسأله عن الكتب الواردة من البلاد وعما تحتاج خزانة الكتب إليه وعما تجدد في الحضرة وفي البلاد مما يتعلق بأرباب العلم وسائر فنون الفضل والقضاة ويأمر باستدعاء من يخصه من الكتاب ويملي عليه وزير الفضل ما أمر بكتابته ويعلم عليه وزير الفضل بخطه ثم يستدعي السلطان من شاء من العلماء والفضلاء ويتحاضرون محاضرة خفيفة
وأن كان وزير الفضل قد رفع قصيدة لشاعر وافد أو مرتب في معنى استجد أمره السلطان بقراءتها عليه أو يأمر بحضور الشاعر لينشدها قائما أو قاعدا بحسب ما تقتضيه رتبته ويتكلم (5/139)
السلطان مع وزير الفضل ومن حضر من الفضلاء في ذلك ويكتب على كل قصيدة بما يراه
الجملة السادسة عشرة في جلوسه للمظالم
قال الشيخ شرف الدين عيسى الزواوي إذا جلس السلطان جلس حوله ثلاثة من كبار أشياخ الموحدين للرأي والمشورة ويجلس معهم وزير الجند إن كان كبيرا وإن لم يكن كبيرا وقف بإزاء أولئك الثلاثة ويجلس دونهم عشرة من أكابر أشياخه وربما كان الثلاثة المختصون بالرأي من جملة العشرة المذكورين ويقف خمسون وقافا وراء وزير الجند
فإذا أمر السلطان بأمر بلغة وزير الجند لاخر واقف وراءه وبلغه الاخر لاخر حتى ينتهي إلى من هو خارج الباب بنقل ناس عن ناس ويقف دون الخمسين المذكورين جماعة تسمى بالوقافين بأيديهم السيوف حوله وهم دون الخمسين في الرتبة
وقد ذكر ابن سعيد أن يوم السبت مخصوص عنده بأن يقعد في قبة كبيرة في القصبة وهي القلعة ويحضر عنده أعيان دولته وأقاربه والأشياخ ويجلس أقاربه عن جانبه الأيمن والأشياخ عن جانبه الأيسر ويجلس بين يديه وزير الجند ووزير المال وصاحب الشرطة والمحتسب وصاحب كتب المظالم وهو الموقع على القصص
ويقرأ الكاتب المعين ما وقع له على قصص المظالم ويرد كل ما يتعلق بوظيفة إلى رب تلك الوظيفة وينفذ الباقي
الجملة السابعة عشرة في خروجه لصلاة الجمعة
قال ابن سعيد من عادة السلطان بأفريقية أنه لا يجتمع يوم الجمعة بأحد بل يخرج عندما ينادي المنادي بالصلاة ويشق رحبة قصره ما بين خواص من المماليك الأتراك فعندما يعاينونه ينادون سلام عليكم نداء عاليا على صوت واحد يسمعه من يكون بالمسجد الجامع ثم يتقدمه وزير الجند بين يديه في (5/140)
ساباط يخرج هناك للجامع عليه باب مذهب سلطاني ويسبق الوزير فيفتح الباب ويخرج منه السلطان وحده ويخرج له جماعة الوقافين من أعيان الدولة فلا يقوم له في الجامع غيرهم وليس له مقصورة مخصوصة للصلاة
فإذا انفصل عن الصلاة قعد في قبة كبيرة له في صدر الرحبة وحضر عنده أقاربه ثم يدخل قصره
الجملة الثامنة عشرة في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر
قال القاضي شرف الدين عيسى الزواوي وعادته في ذلك أن يركب السلطان وعن يمينه فارس وعن يساره فارس من أكابر أشياخه من العشرة المقدم ذكرهم ويمشي إلى جانبه رجلان مقلدان سيفين رجالة إلى جانبه أحدهما ممسك بركابه الأيمن والثاني ممسك بركابه الأيسر ويليهما جماعة رجالة من أكابر دولته مثل الثلاثة أصحاب الرأي والعشرة الذين يلونهم ومن يجري مجراهم من أعيان الجند وتسمى هذه الجماعة ايربان يمشون حوله بالسيوف وبأيديهم عكاكيز
قال وربما مشى في هؤلاء قاضي الجماعة وهو قاضي القضاة
وأمام هؤلاء الجماعة المشائين نفر كثير من الموحدين أقارب السلطان بسيوف ومزاريق ويسمون بالمشائين
وقدامهم جماعة يقال لهم جفاوة وهم عبيد سود بأيديهم حراب في رؤوسها رايات من حرير وهم لابسون جبابا بيضا مقلدون بالسيوف
وأمام هؤلاء قوم يعبر عنهم بعبيد المخزن وهم عوام البلد وأهل الأسواق وبأيديهم الدرق والسيوف ومعهم العلم الأبيض المسمى بالعلم (5/141)
المنصور المقدم ذكره في شعار السلطنة
وعادتهم أن ينادى فيهم ليلة العيد أو ركوب السلطان لسفر فيخرج أهل كل صناعة بظاهر البلد ويكون خلف السلطان صاحب العلامات وهو أمير علم راكب ووراءه أعلام القبائل ووراء الأعلام الطبول والبوقات وخلفهم محركو الساقة الذين هم بمثابة النقباء وبأيديهم العصي يرتبون العساكر وخلف هؤلاء العسكر
والفارس الذي عن يمين السلطان إليه أمر دق الطبول يقول دق فلان باسم كبيرهم ويستمر من حول السلطان من المشاة يمشون ثم يركبون ويطيف بالسلطان جماعة يقرأون حزبا من القران الكريم
ثم يقف السلطان ويدعو ويؤمن وزير الجند على دعائه ويؤمن الناس على تأمينه ويجد الناس والسلطان السير
فإن كانوا في فضاء كان مشيهم على هذا الترتيب وإن ضاق بهم الطريق مشوا كيف جاء على غير ترتيب إلا أن الجند لا يتقدمون على السلطان
فإذا قربوا من المنزلة وقف السلطان ودعا وأمن على دعائه كما تقدم وإن كان في صلاة العيد ذهب في طريق وعاد في اخرى
الجملة التاسعة عشرة في خروج السلطان للتنزه
قد تقدم في الكلام على مدينة تونس أنها على طرف بحيرة خارجة من البحر الرومي تحدق بها البساتين من كل جانب وفي تلك البحيرة جزيرة يقال لها سكلة لا ساكن بها ربما ركب السلطان في السفن وصار إليها في زمن الربيع وتضرب بها أخبية ويقيم بها للتنزه أياما ثم يعود
على أنه لا ماء فيها ولا مرعى ولكن لما تشرف عليه من البساتين المستديرة بتلك البحيرة وما قبلها من الجواسق المشرفة ومنظر البحر
وقد ذكر ابن سعيد أنه ربما خرج إلى بستانه فيخرج في نحو (5/142)
مائتي فارس من الشباب المعروفين بالصبيان الذين هم بمثابة المماليك الكتانية بالديار المصرية يوصلونه إلى البستان ويرجعون ويبقى وزراؤه الثلاثة نوابا له
وكل ما تجدد عند كل واحد منهم من الأمر طالعه به وجاوبهم بما يراه
قال في مسالك الأبصار وركوبه إلى البستان في زقاق من قصبته إلى البستان محجوب بالحيطان لا يراه فيه أحد
الجملة العشرون في مكاتبات السلطان
قال في مسالك الأبصار قال ابن سعيد قال العلامة أبو عبد الله بن القويع إن هذا السلطان لا يعلم على شيء يكتب عنه وإنما يعلم عنه في الأمور الكبار صاحب العلامة الكبرى وهو كاتب السر في الغالب والعلامة الحمد لله أو الشكر لله بعد البسملة
قال ومن خاصية كتب هذا السلطان أن تكتب في ورق أصفر
ومن عادته وعادة سائر المغاربة أن لا يطيلوا في الكتب ولا يباعدوا بين السطور كما يفعل في مصر وما ضاهاها
أما في الأمور الصغار فإنما تكون الكتابة فيها عن وزير الجند ويكتب عليها صاحب العلامة الصغرى اسم وزير الجند وتكون هذه الكتب في غير الورق الأصفر
الجملة الحادية والعشرون في البريد المقرر في هذه المملكة
قد ذكر في مسالك الأبصار أنه إذا كتب كتاب إلى نواحي هذه المملكة ليوصل إلى بعض نوابها جهز مع من يقع الاختيار عليه من النقباء أو الوصفان وهم عبيد السلطان ويركب على بغل إما ملك له أو مستعار ويسافر عليه إلى تلك الجهة
فإن أعيا في مكان تركه عند الوالي بذلك المكان وأخذ منه بغلا عوضه إما من جهة الوالي أو يسخره له من الرعايا إلى أن ينتهي إلى جهة قصده ثم يعود كذلك (5/143)
الجملة الثانية والعشرون في الخلع والتشاريف في هذه المملكة
قال القاضي أبو القاسم بن بنون ليس من عادة سلطان أفريقية إلباس من ولي ولاية خلعة كما في مصر وإنما هي كسوة وهو قماش غير مفصل يتصرف فيه كيف شاء
المملكة الثانية من ممالك بلاد المغرب مملكة تلمسان
وهي مملكة الغرب الأوسط وفيها جملتان
الجملة الأولى في ذكر حدودها وقاعدتها وما اشتملت عليه من المدن والطريق الموصلة إليها
أما حدودها فحدها من الشرق حدود مملكة أفريقية وما أضيف إليها من جهة الغرب وحدها من الشمال البحر الرومي وحدها من الغرب حدود مملكة فاس الاتي ذكرها من الشرق وحدها من جهة الجنوب المفاوز الفاصلة بين بلاد المغرب وبلاد السودان
وذكر في العبر أن حدها من جهة الغرب من وادي ملوية الفاصل بينها وبين الغرب الأقصى إلى وادي مجمع في جهة الشرق الفاصل بينها وبين أفريقية
وأما قاعدتها فمدينة تلمسان بكسر المثناة من فوق واللام وسكون الميم وفتح السين المهملة وألف ونون
وهي مدينة من الغرب الأوسط
وقال في تقويم البلدان من الغرب الأقصى متاخمة للغرب الأوسط شرقي فاس بميلة إلى الشمال
وموقعها في أوائل الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد (5/144)
حيث الطول أربع عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة
وهي مدينة في سفح جبل ولها ثلاثة عشر بابا وماؤها مجلوب من عين على ستة أميال منها وفي خارجها أنهار وأشجار ويستدير بقبليها وشرقيها نهر يصب في بركة عظيمة من اثار الأول ويسمع لوقعه فيها خرير على مسافة ثم يصب في نهر اخر بعدما يمر على البساتين ثم يصب في البحر وعليه أرحاء دائرة تدخل فيه السفن اللطاف حيث يصب في البحر وبقعتها شريفة كثيرة المرافق
ولها حصون كثيرة وفرض عديدة
منها هنين ووهران ومستغانم
فهنين تقابل المرية من الأندلس ووهران في شرقي تلمسان بشمال قليل على مسيرة يوم من تلمسان ومستغانم تقابل دانية من الأندلس وعرض البحر بينهما ثلاث مجار ونصف مجرى
قال الإدريسي في كتاب رجار وبها اثار الأول ولها أسواق ضخمة ومساجد جامعة
قال في مسالك الأبصار وهي على ما بلغ حد التواتر أنها في غاية المنعة والحصانة مع أنها في وطاءة من الأرض ولكنها محصنة البناء
وبلغ من حصانتها أن أبا يعقوب المريني صاحب فاس حاصرها عشر سنين وبنى عليها مدينة سماها فاس الجديدة وأعجزه فتحها ولها ثلاثة أسوار ومن جهة القصبة وهي القلعة ستة أسوار وبها أنهار وأشجار وبها شجر الجوز على كثرة ومشمشها يقارب في الحسن مشمش دمشق
قال في مسالك الأبصار زكية الزرع والضرع ويقصدها تجار الافاق للتجارة
قال ويطول مكث المخزونات فيها حتى إنه ربما مكث القمح والشعير في مخازنها ست سنين ثم يخرج بعد ذلك فيزرع فينبت (5/145)
وأما مدنها الداخلة في مملكتها فقد ذكر في مسالك الأبصار أن لها ثمان عشرة مدينة وهي تلمسان وجده ومديونة وتدرومه وهنين ووهران وتيمز غزان وبرسك وشرشال وتونت ومستغانم وتنس والجزائر والقصبات ومازونة وتاحجحمت ومليانة والمرية
وأما الطريق الموصل إليها فقد تقدم في الكلام على مملكة تونس الطريق من الديار المصرية إلى تونس
وقد ذكر في الذيل على الكامل أن من تونس إلى باجة ومنها إلى تغريه وهي اخر بلاد أفريقية ومنها إلى قسنطينة وهي أول بلاد بجاية ومنها إلى أول بلاد تلمسان ومنها إلى قليلية ومنها إلى البقيعة ومنها إلى تلمسان
الجملة الثانية في حال مملكتها
لم أقف على شيء من ترتيب مملكتها والظاهر أنها تشبه مملكة تونس في الحال والترتيب أو قريب من ذلك
فقد ذكر في مسالك الأبصار أن بجاية ثانية تونس في الرتبة والحال والموجودات والمعاملات
وقد تقدم أن بجاية من الغرب الأوسط فتكون تلمسان في معناها وإن وقعت مخالفة في ترتيب المملكة فإنما تكون في القدر اليسير
قال في مسالك الأبصار وهي مملكة كبيرة وسلطنة جليلة قريب الثلثين من مملكة بر العدوة
وهي وسيعة المدى كثيرة الخيرات ذات حاضرة وبادية وبر وبحر (5/146)
المملكة الثالثة من بلاد المغرب الغرب الأقصى ويقال له بر العدوة وفيه ثلاثة مقاصد
المقصد الأول في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت عليه من المدن والجبال المشهورة وفيه أربع جمل
الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة
فموقعها في الأقليم الثالث كما في مملكة تونس وبعضها في الإقليم الثاني وبعضها في أوائل الإقليم الرابع على ما سيأتي ذكره
وأما حدودها فقد ذكر صاحب العبر أنه من مدينة اسفي حاضرة البحر المحيط إلى وادي ملوية ومدينة تازا من جهة الشرق يحيط به البحر المحيط من جهة الغرب وجبال درن وما يليها من جنوبية وجبال تازا من شرقيه والبحر الرومي من شماليه
ثم قال وهو ديار المصامدة وغيرهم من البربر
وذكر في مسالك الأبصار نقلا عن أبي عبد الله محمد بن محمد السلايحي أن حدها من الجنوب الصحراء الكبيرة الاخذة من بلاد البربر إلى جنوب أفريقية ومن الشرق جزائر بني مزغنانة وما هو اخذ على حدها إلى الصحراء الكبيرة ومن الشمال البحر الشامي ومن الغرب البحر المحيط
وحكى عنه أن طول هذه المملكة من جزائر بني مزغنانة وهي جزائر بني مزغنان المقدم ذكرها في بلاد بجاية من مملكة تونس إلى البحر المحيط وعرضها من بحر الزقاق بسبتة إلى نهاية بلاد البربر المتصلة بالصحراء الفاصلة بين هذه المملكة وبين بلاد السودان ثلاثون يوما (5/147)
الجملة الثانية في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال وما انطوت عليه من المدن
أما قواعدها فخمس
القاعدة الأولى فاس
بفتح الفاء ثم ألف وسين مهملة
وهي مدينة بالغرب الأقصى واقعة في اخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول عشر درج وخمسون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة
قال وسميت بفاس لأنهم لما شرعوا في حفر أساسها وجدوا فأسا في موضع الحفر
قال في تقويم البلدان وهي مدينتان يشق بينهما نهر
الأولى فاس القديمة والمياه تجري بأسواقها وديارها وحماماتها حتى يقال إنه ليس بالمشرق ولا بالمغرب مدينة تضاهيها في ذلك إلا أن أرضها ذات ارتفاع وانخفاض وفيها عدة عيون
قال أبو عبد الله العسلي عدتها ثلثمائة وستون عينا
قال ابن سعيد لم أرقط حمامات في داخلها عين تنبع إلا في فاس
قال وهي أكثر مياها من دمشق
قال ابن سعيد في المغرب وهي مدينتان إحداهما بناها إدريس بن عبد الله أحد خلفاء الأدارسة بالمغرب وتعرف بعدوة الأندلس
والأخرى بنيت بعدها وتعرف بعدوة القرويين
قال في الروض المعطار وكان بناء عدوة الأندلسيين في سنة اثنتين وتسعين ومائة وبناء عدوة القرويين في سنة ثلاث وتسعين ومائة
وعدوة القرويين أكثر عيونا وبساتين وأشجارا من عدوة الاندلسيين
ورجال عدوة الأندلسيين أشجع ورجال (5/148)
عدوة القرويين أجمل
ونساء عدوة الأندلسيين أجمل
وبعدوة الأندلسيين تفاح حسن طيب الطعم يعرف بالطرابلسي لا يفلح بعدوة القرويين
وبعدوة القرويين أترج حسن لا يفلح بعدوة الأندلسيين مع التقارب على ضفة النهر الغربية وهي في مستو من الأرض وهي في علو لا يحكم النهر عليها
والثانية فاس الجديدة وهي ثلاث مدن بناها اباء ملوكها القائمين بها الان حين ملكوا الغرب الأقصى
ولما نزلوها بنوا معها ثلاث مدن على ضفة النهر الغربية
أولها المدينة البيضاء وتعرف بالجديدة
بناها أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق أول من استقل بالملك بعد الموحدين
الثانية مدينة حمص ويعرف موضعها بالملاح
بناها ولده أبو سعيد عثمان بن أبي يوسف إلى جانب المدينة البيضاء المقدم ذكرها
الثالثة ربض النصارى وهي المتخذة لسكنى النصارى من الفرنج المستخدمين بخدمة السلطان
وهذه المتجددات الثلاث على ضفة النهر الغربية فربض النصارى يقابل فاس القديمة على بعد من ضفة النهر
والبيضاء وهي فاس الجديدة اخذة من شمالي ربض النصارى إلى ضفة النهر
وأول عمارة فاس الجديدة اخر عمارة فاس العتيقة
وحمص راكبة على النهر بشمال على جانب فاس الجديدة اخذة إلى ربض النصارى ينصب من الجنوب إلى الشمال ثم ينعطف على زاوية اخذا من الغرب إلى الشرق حتى يصير كأنه ينحدر من الغرب وحمص على مجراه هناك ثم يمر اخذا إلى الشرق على حاله فوق فاس الجديدة
ثم ينعطف عليها بزاوية إلى الجنوب ثم ينعطف إلى الشرق جائزا بها وهناك فاس العتيقة على الضفة الشمالية والقصبة وهي القلعة بها في غربيها مرجلة على الأرض لا تتميز على المدينة برفعة ولا ببناء عال ويصير النهر مستديرا (5/149)
بفاس الجديدة من جانب الشمال على المجرى المركب عليه حمص ومن الشرق حيث انعطف النهر عند فاس العتيقة
قال في مسالك الأبصار وهذا النهر متوسط المقدار
عرضه في المكان المتسع نحو أربعين ذراعا وفي الضيق دون ذلك وربما تضايق إلى خمسة عشر ذراعا فما دونها وعمقه في الغالب تقدير قامة رجل
ونقل في مسالك الأبصار عن ابن سعيد أن نهرها يلاقي وادي سبو وهو من أعظم أنهار المغرب يصب في البحر المحيط بين سلا وقصر عبد الكريم
قال في تقويم البلدان قال ابن سعيد وعلى أنهارها داخل المدينة نحو ستمائة رحا تدور بالماء دائما
قال في مسالك الأبصار وعليها ناعورة ترفع الماء إلى بستان السلطان
وبناء فاس العتيقة بالاجر والجبال مكتنفة بها وعلى كل من عتيقها وجديدها أسوار دائرة محصنة ذات بروج وبدنات وجميع أبنيتها بالحجر والاجر والكلس موثقة البناء مشيدة الأركان
وتزيد فاس الجديدة على فاس العتيقة في الحصانة والمنعة والعتيقة بسور واحد من الحجارة والجديدة بسورين من الطين المفرغ بالقالب من التراب والرمل والكلس المضروب وهو أشد من الحجر ولا تعمل فيه المجانيق ولا تؤثر فيه وكذلك غالب أبنيتها وسقوف جميعها الخشب وربما غشيت بعض السقوف بالقصدير والأصباغ الملونة وأرض دور رؤسائها مفروشة بالزليج وهو نوع من الاجر مدهون بدهان ملون كالقاشاني بالأبيض والأسود والأزرق والأصفر والأخضر وما يركب من هذه الألوان وغالبه الأزرق الكحلي وربما اتخذ منه الوزرات بحيطان الدور قال في مسالك الأبصار وسألت السلائحي عن مقدار عمارة فاس عتيقها وجديدها
فقال تكون قدر ثلث مصر والقاهرة وحواضرهها
قال في تقويم البلدان وللمدينتين ثلاثة عشر بابا وفي (5/150)
القديمة مخازن الغلال وهي مكان يستدير عليه سور منيع عليه باب وغلق داخله المطامير
وبفاس العتيقة داخل سورها جنان ورياض ذات أشجار ورياحين في دور الكبراء وبيوت الأعيان
ثم قال وبكل من فاس القديمة وفاس الجديدة المعروفة بالبيضاء وحمص الجوامع والمساجد والماذن والحمامات والأسواق
وأما المدارس والخوانق والربط فمما خلت صحائف أهل المغرب من أجورها إلا النزر اليسير جدا
وبفاس العتيقة مارستان ودور فاس مجالس متقابلة على عمد من حجر أو اجر ورفارف تطل على صحن الدار وفي وسط صحن الدار بركة يصب بها الماء ويعبر عنها عندهم بالصهريج ولهم عناية باتخاذ القباب في بيوتهم حتى يوجد في دار الكبير قبتان فأكثر وحماماتهم صحن واحد لا خلاوى فيها ولذلك يتخذ غالب رؤساهم الحمامات في بيوتهم فرارا من مخالطة العامة في الحمام
قال ابن سعيد ومدينة فاس متوسطة بين ملك الغرب بينها وبين مراكش عشرة أيام وبينها وبين تلمسان عشرة أيام وبينها وبين سبتة عشرة أيام وبينها وبين سجلماسة عشرة أيام
قال في مسالك الأبصار ولذلك صلحت أن تكون قاعدة الملك
وهي تشبه الإسكندرية في المحافظة على علوم الشريعة وتغيير المنكر والقيام بالناموس وتشبه بدمشق في البساتين
وقد ذكر ابن منقذ رسول السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى بلاد المغرب أنهم أخرجوا إلى بستان بفاس يقال له البحيرة متحصله في كل سنة خمسة وأربعون ألف دينار وبه بركة ذرع كل جانب منها مائتان وستة عشر ذراعا يكون دورها ثمانمائة ذراع وأربعة وستين ذراعا
قال وبها ما هو أكبر من ذلك (5/151)
قال في تقويم البلدان وأهلها مخصوصون برفاهية العيش
قال في مسالك الأبصار ولأهلها حسن الصنعة في المخروطات من الخشب والنحاس
قال أبو عبد الله السلايحي ولكنها وخمة ثقلية الماء تعلو وجوه سكانها صفرة وتحدث في أجسادهم كسلا وفتورا
القاعدة الثانية سبتة
قال في تقويم البلدان بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة وتاء مثناة فوق وهاء في الاخر
قال في الروض المعطار والنسبة إليها سبتي بكسر السين
وهي في دخلة في البحر
قال في تقويم البلدان وهي مدينة بين بحرين بين البحر المحيط وبحر الروم
ومدخلها من جهة المغرب وهو مدخل ضيق والبحر محيط بأكثرها ولو شاء أهلها لوصلوا البحر حولها وجعلوها جزيرة
ولها أسوار عظيمة من الصخر وعليها أبراج كثيرة والماء يجلب إليها في الشواني حتى للحمامات التي بها وبها صهاريج من ماء المطر
ويقال إنها أول ما بني ببر العدوة
قال في الروض المعطار وهي سبعة أجبل صغار متصلة بعضها ببعض معمورة طولها من الغرب إلى الشرق نحو ميل
وقال في مسالك الأبصار طولها من السور الغربي المحيط بربضها إلى اخر الجزيرة خمسة أميال
قال في الروض المعطار ولها بابان من جهة البر ويتصل بها على ميلين من جهة الغرب جبل يعرف بجبل موسى وهو موسى بن نصير الذي فتح الأندلس ويجاوره بساتين وأشجار وقرى كثيرة وهناك يزرع قصب السكر ويحمل إلى ما جاورها من البلدان ولها نهر عذب في البحر وكان بها كنيسة (5/152)
جعلت جامعا وبها يستخرج من البحر شجر المرجان الذي لا يعدله مرجان
ويقابلها من الأندلس الجزيرة الخضراء وبحر الروم بينهما ضيق حتى إنه إذا كان الصحو ريئت إحداهما من الأخرى ولذلك يسمى بحرها بحر الزقاق وميناها شرقيها وغالب طرف الدنيا موجودة فيها والحنطة مجلوبة إليها إذ لا يزكو نباتها فيها ويصاد بها أسماك مختلفة على نحو مائة نوع
ويقابل هذه المدينة من بر الأندلس الجزيرة الخضراء
وكانت هذه المدينة قاعدة لهذا القطر قبل الإسلام وهي يؤمئذ ديار عمارة من المصامدة والحاكم عليها ملك الأندلس من القوط وكان ملك عمارة بها في زمن الفتح يقال له يليان ولما زحف إليه موسى بن نصير المذكور أمير أفريقية في زمن الفتح جاء معه بالهدايا وأذعن لأداء الجزية فأقره عليها واسترهن ابنه وأبناء قومه وأنزل طارق بن زياد بطنجة بالعساكر إلى أن أجاز البحر لفتح الأندلس كما سيأتي في الكلام على مكاتبة صاحب الأندلس
ولما هلك يليان استولى المسلمون من العرب على مدينة سبتة بالصلح من أهلها فعمروها إلى أن كانت فتنة ميسرة الخفير وما دعا إليه من مذهب الخوارج وأخذ به الكثير من البربر من غمارة وغيرهم فزحف برابرة طنجة إلى سبتة فأخرجوا العرب منها وخربوها وبقيت خالية إلى أن عمرها ماجكس من وجوه غمارة من البربر وبناها وأسلم وصحب أهل العلم فرجع الناس إليها ومات
فقام بأمره من بعده ابنه عصام فأقام بها زمنا إلى أن مات
فولي بعده ابنه مجير فأقام بها إلى أن مات (5/153)
فوليها أخوه الرضي ويقال ابنه وكانوا يعطون الطاعة لبني إدريس من العلوية ملوك فاس ولما سما الناصر الأموي صاحب الأندلس إلى ملك المغرب وتناول أكثره من يد الأدارسة ببلاد غمارة وغيرها حين أخرجوا من فاس وقاموا بدعوة الناصر في جميع أعمالهم نزلوا للناصر عن سبتة فبعث إليها العساكر فانتزعها من يد الرضي بن عصام سنة تسع عشرة وثلثمائة وانقرض أمر بني عصام وصارت سبتة للناصر ومن بعده من بني أمية خلفاء الأندلس
وكان علي والقاسم ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس العلوي قد لحقا بالأندلس لما أخرج المستنصر الأموي الأدارسة من المغرب وبقيا بالأندلس إلى أن كانت أيام المستعين سليمان بن الحكم فاختص بقاسم وعلي ابني حمود وعقد لعلي بن حمود على طنجة وأعمال غمارة فنزلها ثم خرج عن طاعته ودعا لنفسه وعاد إلى الأندلس وولي الخلافة بقرطبة كما سيأتي في مكاتبة صاحب الأندلس وولى على عمله بطنجة ابنه يحيى بن علي
ثم أجاز يحيى بعد موت أبيه إلى الأندلس واستقل أخوه إدريس بن علي بولاية طنجة وسائر أعمال أبيه من مواطن غمارة
ثم أجاز إلى الأندلس بعد مهلك أخيه يحيى وعقد لحسن ابن أخيه يحيى (5/154)
على عملهم بسبتة وطنجة وأرسل معه نجا الخادم لتدبير دولته
ثم أجاز نجا الخادم إلى الأندلس ومعه حسن بن يحيى المذكور ثم عقد حسن لنجا الخادم على عملهم في بلاد غمارة
فلما هلك حسن بالأندلس أجاز نجا إلى الأندلس واستخلف على العمل من وثق به من الموالي الصقالبة واستمرت في الموالي واحدا بعد اخر إلى أن استقل بسبتة وطنجة من موالي بني حمود الحاجب سكوت البرغوطي فاستقل بسبتة وطنجة وأطاعته قبائل غمارة واتصلت أيامه إلى أن كانت دولة المرابطين وغلب أمير المسلمين يوسف بن تاشف ين على مغراوة بفاس وسار إلى بلاد غمارة ونازل سكوت الحاجب وكانت بينهما واقعة قتل فيها سكوت ولحق ضياء الدولة بن سكوت بسبتة فأقام بها إلى أن نازله المعز بن يوسف بن تاشف ين بها فقبض عليه ثم قتله وانقرضت دولة بني حمود من بلاد غمارة وصارت في ملك المرابطين إلى أن فتح بنو عبد المؤمن من الموحدين مراكش فدخل أهل سبتة وسائر غمارة في طاعتهم وأقامت على ذلك إلى أن ضعفت دولة بني عبد المؤمن ثار في غمارة محمد بن محمد اللثامي المعروف بابي الطواجن وكان له يد في السيمياء وارتحل إلى سبتة فنزل عليها وادعى النبوة وأظهر أنواعا من السيمياء فاتبعه جماعة ثم ظهر لهم حقيقة أمره فرجعوا عنه وقتله بعض البربر غيلة إلى أن كانت أيام بني مرين وغلبهم على بلاد المغرب فامتنعت عليهم سبتة وقام بأمرها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختها فبقيت بيده ويد بنيه إلى أن ملكها منهم بنو مرين سنة تسع وعشرين وسبعمائة في أيام السلطان أبي الحسن فصارت (5/155)
تابعة لفاس دار ملك بني مرين جارية في يد ملوكها وهي باقية بأيديهم إلى زماننا بعد العشر والثمانمائة
القاعدة الثالثة مدينة مراكش
بفتح الميم وتشديد الراء المهملة وفتحها وألف ساكنة ثم كاف ثم شين معجمة
وهي مدينة واقعة في أول الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى عشرة درجة والعرض تسع وعشرون درجة
بناها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المرابطين في أرض صحراوية وجلب إليها المياه
قال ابن سعيد وأول ما بني بها القصر المعروف بقصر الحجر ثم بنى الناس حوله ثم زادها يعقوب بن عبد المؤمن وكبرها ومصرها وفخمها وضخمها وجلب إليها المياه والغراس
قال في تقويم البلدان ودورها سبعة أميال ولها سبعة عشر بابا
قال في الروض المعطار وبنى سورها علي بن يوسف بن تاشفين في سنة ست وعشرين وخمسمائة وقيل سنة أربع عشرة وخمسمائة
قال وطولها مائة وعشرون ميلا وعرضها قريب من ذلك وهي في وطاءة من الأرض ليس حولها جبال إلا جبل صغير منه قطع الحجر الذي بنى منه علي بن يوسف بن تاشقين قصره وعامة بنائها بالطين والطوب
قال ابن سعيد وهي مما سكنت بها وعرفتها ظاهرا وباطنا ولا أرى عبارة تفي بما تحتوي عليه ويكفي أن كل قصر من قصورها مستقل بالديار والبساتين والحمام والإصطبلات والمياه وغير ذلك حتى إن الرئيس منهم يغلق بابه على جميع خوله وأقاربه وما يحتاج إليه ولا يخرج من بابه إلى خارج داره لحاجة يحتاجها ولا يشتري شيئا من السوق لمأكل ولا يقريء أولاده في مكتب (5/156)
ويخرج من بابه راكبا فلا تقع عليه العين راجلا
قال ولا أدري كيف أصل إلى غاية من الوصف أصف بها ترتيب هذه المدينة المحدثة فأنها من عجائب همات السلاطين ذات أسوار ضخمة وأبواب عالية
وبظاهرها مدينة اختطها المنصور يعقوب بن عبد المؤمن له ولخواصه تعرف بتامراكش وبها قصر الخلافة الذي بناه به دور عظيمة وبها بستان يعرف بالبحيرة طوله اثنا عشر ميلا به بركة عظيمة لم يعمل مثلها قال العقيلي طولها ثلثمائة وثمانون باعا على جانبها الواحد أربعمائة شجرة نارنج بين كل اثنتين منها ليمونة أو ريحانة
وهي أكثر بلاد الغرب بساتين وشجرها أكثر منها وبساتينها تسقى بالبئار وبئارها قريبة الرشاء على نحو قامتين من وجه الأرض وهي كثيرة الزرع والضرع وبها دار الضيافة المعروفة بدار الكرامة
وفيها يقول محمد بن محمد البربري من أبيات يمدحهم ويصفها
( خير قوم دعوا إلى خير دار ... هي للملك نضرة وكمامة )
( عالم السبعة الأقاليم فيها ... وهم في فنائها كالقلامه ) - خفيف -
وبمراكش جامع جليل يعرف بالكتبيين طوله مائة وعشرة اذرع وعلى بابه ساعات مرتفعة في الهواء خمسين ذراعا كان يرمى فيها عند انقضاء كل ساعة صنجة زنتها مائة درهم تتحرك لنزولها أجراس تسمع على بعد تسمى عندهم بالبحانة
قال في تقويم البلدان إلا أن الناس أكثروا فيها البساتين فكثر وخمها
قال في الروض المعطار وقد هجاها أبو القاسم بن أبي عبد الله محمد ابن أيوب بن نوح الغافقي من أهل بلنسية بأبيات أبلغ في ذمها فقال
( مراكش إن سألت عنها ... فإنها في البلاد عار ! )
( هواؤها في الشتاء ثلج ... وحرها في المصيف نار ! ) (5/157)
( وكل ما ثم وهو خير ... من أهلها عقرب وفار ! )
( فإن أكن قد مكثت فيها ... فإن مكثي بها اضطرار ! ) - مخلع البسيط -
وكانت هذه المدينة دار ملك المرابطين من الملثمين الذين ملكوا بعد بني زيري ثم الموحدين من بعدهم
قال ابن سعيد وبينها وبين فاس عشرة أيام
وقال في الروض المعطار نحو ثمانية أيام
قال وبينها وبين جبال درن نحو عشرين ميلا
القاعدة الرابعة سجلماسة
بكسر السين المهملة وكسر الجيم وسكون اللام وفتح الميم ثم ألف وسين مهملة مفتحوحة وهاء في الاخر وهي مدينة في جنوب الغرب الأقصى في اخر الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول ثلاث عشرة درجة واثنتان وعشرون دقيقة والعرض ست وعشرون درجة وأربع وعشرون دقيقة
وهي مدينة عظيمة إسلامية وبينها وبين البحر الرومي خمس عشرة مرحلة وليس قبليها ولا غربيها عمران وبينها وبين غابة من بلاد السودان مسيرة شهرين في رمال وجبال قليلة المياه لا يدخلها إلا الإبل المصبرة على العطش
اختطها يزيد بن الأسود من موالي العرب وقيل مدرار بن عبد الله
وكان من أهل الحديث يقال إنه لقي عكرمة مولى ابن عباس بأفريقية وسمع منه
وكان صاحب ماشية وكان ينتجع موضع سجلماسة بالصحراء ليرعى به ماشيته فكان يجتمع إليه أهل تلك الصحراء من مكناسة والبربر وكانوا يدينون بدين الصفرية من (5/158)
الخوارج فاجتمع عليه جماعة منهم فلما بلغوا أربعين رجلا قدموا عليهم يزيد بن الأسود وخلعوا طاعة الخلفاء واختطوا هذه المدينة سنة أربعين ومائة من الهجرة
ولها اثنا عشر بابا وهي كثيرة العمارة كثيرة البساتين رائقة البقاع ذات قصور ومنازل رفيعة وعمارات متصلة على نهر كثير الماء يأتي من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف كزيادة النيل ويزرع على مائة كما يزرع على ماء النيل والزرع عليه كثير الأصابة والمطر عندهم قليل فإذا كانت السنة كثيرة الأمطار نبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر وربما حصدوه عند تناهيه وتركوا أصوله فتنبت ثانيا
ويقال يزرع بها عاما ويحصد ثلاثة أعوام وذلك أن أرضها مشقة وهي بلدة شديدة الحر فإذا يبس الزرع تناثر عند الحصاد ودخل في الشقوق فإذا كان العام الثاني وعلاه ماء النهر وخرج عنه حرثوه بلاد بذر فينبت ما في الشقوق ويبقى كذلك ثلاث سنين
وقد حكى ابن سعيد أن هذا الزرع في السنة الأولى يكون قمحا وفي باقي السنين سلتا وهو حب بين القمح والشعير وبها الرطب والتمر والعنب الكثير والفواكه الجمة وليس فيها ذئاب ولا كلاب لأنهم يسمنونها ويأكلونها وقلما يوجد فيها صحيح العينين ولا يوجد بها مجذوم ولها ثمانية أبواب من أي باب منها خرجت ترى النهر والنخيل وغير ذلك من الشجر وعليها وعلى جميع بساتينها حائط يمنع غارة العرب مساحته أربعون ميلا وثمرها يفضل ثمر سائر بلاد المغرب حتى يقال إنه يضاهي الثمر العراقي وأهلها مياسير ولها متاجر إلى بلاد السودان يخرجون إليها بالملح والنحاس والودع ويرجعون منها بالذهب التبر
قال ابن سعيد رأيت صكا لأحدهم على اخر مبلغه أربعون ألف دينار
ولما قدموا عليهم عيسى بن الأسود المقدم ذكره أقام عليهم أياما ثم قتلوه (5/159)
سنة خمس وخمسين ومائة واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن واسول بن مصلان بن أبي يزول بن تافرسين بن فراديس بن ونيف بن مكناس بن ورصطف بن يحيى بن تمصيت بن ضريس بن رجيك بن مادغش بن بربر
كان أبوه سمكو من أهل العلم ارتحل إلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والأكرام فأدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس ومات فجأة سنة سبع وستين ومائة لثنتي عشرة سنة من ولايته
وكان مع ذلك على مذهب الصفرية وخطب في عمله للمنصور والمهدي من خلفاء بني العباس
ولما مات ولي مكانة ابنه إلياس بن أبي القاسم وكان يدعى بالوزير ثم انتق ضوا عليه سنة أربع وسبعين ومائة فخلعوه
وولي مكانه أخوه اليسع بن أبي القاسم وكنيته أبو منصور فبنى سور سجلماسة وشيد بنيانها واختط بها المصانع والقصور لأربع وثلاثين سنة من ولايته
وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة وسكنها اخر المائة الثانية بعد أن كان يسكن الصحراء وهلك سنة ثمان ومائتين
وولي بعده ابنه مدرار ولقب المنتصر وطال أمد ولايته
وكان له ولدان اسم كل منهما ميمون فوقع الحرب بينهما ثلاث سنين ثم كان اخر أمرهما أن غلب احدهما أخاه وأخرجه من سجلماسة ثم خلع أباه واستقل بالأمر وساءت سيرته في الرعية فخلعوه وأعادوا مدرارا أباه
ثم حدث نفسه بإعادة ابنه ميمون فخلعوه وولوا ابنه ميمونا الاخر وكان يعرف بالأمير ومات مدرار إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين
ومات ميمون (5/160)
سنة ثلاث وستين ومائتين
وولي مكانه ابنه محمد فبقي إلى أن توفي سنة سبعين ومائتين
فولي مكانه اليسع بن المنتصر
وفي أيامه وفد عبيد الله المهدي الفاطمي وابنه أبو القاسم على سجلماسة في خلافة المعتضد العباسي وكان اليسع على طاعته فبعث المعتضد إليه فقبض عليهما واعتقلهما إلى أن غلب أبو عبد الله الشيعي داعي المهدي بني الأغلب أصحاب أفريقية فقصد سجلماسة فخرج إليه اليسع في قومه مكناسة فهزمه أبو عبد الله الشيعي واقتحم عليه البلد وقتله سنة ست وتسعين ومائتين واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما وبايع لعبيد الله المهدي
وولى المهدي على سجلماسة إبراهيم بن غالب المزاتي وانصرف إلى أفريقية ثم انتقض أهل سجلماسة على واليهم إبراهيم ومن معه من مكناسة سنة ثمان وتسعين ومائتين
وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير ابن مدرار المتقدم ذكره ولقبه واسول وهلك قريبا من ولايته على رأس المائة الثالثة
وولي مكانه أخوه أحمد بن ميمون الأمير واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حيوس في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلثمائة فافتتح سجلماسة وقبض على صاحبها أحمد بن ميمون
وولى عليها ابن عمه المعتز بن محمد بن يادن بن مدرار فلم يلبث أن (5/161)
استبد وتلقب المعتز وبقي حتى مات سنة إحدى وعشرين وثلثمائة قبل موت المهدي
وولي من بعده ابنه أبو المنتصر محمد بن المعتز فأقام عشرا ثم هلك
وولي من بعده ابنه المنتصر سمكو شهرين ودبرته جدته لصغره
ثم ثار عليه ابن عمه محمد بن الفتح بن ميمون الأمير وتغلب عليه وشغل عنه بنو عبيد الله المهدي بفتنة ابن أبي العافية وغيرها فدعا لنفسه مموها بالدعاء لبني العباس وتلقب الشاكر لله وأخذ بمذاهب أهل السنة ورفض الخارجية وكان جميع من تقدم من سلفه على رأي الأباضية والصفرية من الخوارج وضرب السكة باسمه ولقبه وبقي كذلك حتى فرغ بنو عبيد الله من الفتن فزحف القائد جوهر أيام المعز لدين الله معد إلى المغرب سنة سبع وأربعين وثلثمائة فغلب على سجلماسة وملكها وفر محمد بن الفتح عنها ثم قبض عليه جوهر بعد ذلك وحمله إلى القيروان
فلما انتقض المغرب على العبيديين وفشت فيه دعوة الأمويين بالأندلس ثار بسجلماسة قائم من ولد الشاكر وتلقب المنتصر بالله ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة اثنتين وخمسين فقتله وقام بالأمر مكانه وتلقب المعتز بالله وأقام على ذلك مدة وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب إلى أن زحف خزرون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وثلثمائة وبرز إليه أبو محمد المعتز فهزمه خزرون وقتله واستولى على بلده وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتابه بالفتح وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن أبي عامر بقرطبة فعقد لخزرون على (5/162)
سجلماسة فأقام دعوة هشام في نواحيها فكانت أول دعوة أقيمت لهم في أمصار المغرب الأقصى وانقرض أمر مكناسة من المغرب أجمع
وانتقلت الدولة إلى مغراوة وبني يفرن وعقد هشام لخزرون على سجلماسة وأعمالها وجاءه عهد الخليفة بذلك وضبطها وقام بأمرها إلى أن هلك
فولي أمر سجلماسة من بعده ابنه وانودين بن خزرون إلى أن غلب زيري ابن مياد على المغرب فعقد على سجلماسة لحميد بن فضل المكناسي وفر وانودين بن خزرون عنها ثم أعاده عبد الملك إلى سجلماسة بعد ذلك على قطيعة يؤديها إليه ثم استقل بها من أول سنة تسعين وثلثمائة مقيما للدعوة الأموية بالأندلس ورجع المعز بن زيري بولاية المغرب عن المظفر بن أبي عامر واستثنى عليه ولاية سجلماسة لكونها بيد وانودين واستفحل ملك وانودين واستضاف إلى سجلماسة بعض أعمال المغرب ومات
فقام بالأمر من بعده ابنه مسعود بن وانودين إلى أن خرج عبد الله بن ياسين شيخ المرابطين فقتل ابن وانودين سنة خمس وأربعين وأربعمائة ثم ملك سجلماسة بعد ذلك سنة ست وأربعين ودخلت في ملك المرابطين لأول أمرهم وانقرضت دولة بني خزرون منها وتداولها من بعدهم من ملوك الموحدين ثم ملوك بني مرين على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الغرب الأقصى إن شاء الله تعالى
وأما ما اشتملت عليه هذه المملكة من المدن المشهورة
فمنها مدينة اسفي بفتح الهمزة ومدها وكسر السين المهملة والفاء وياء مثناة في اخرها
وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول سبع درج والعرض ثلاثون درجة
قال في تقويم (5/163)
البلدان وهي من عمل دكالة وهي كورة عظيمة من أعمال مراكش قال ابن سعيد وهي على جون من البحر داخل في البر في مستو من الأرض وهي فرضة مراكش وبينها وبين مراكش أربعة أيام وأرضها كثيرة الحجر وليس بها ماء إلا من المطر وماؤها النبع غير عذب وبساتينها تسقى على الدواليب وكرومها على باب البلد
قال الشيخ عبد الواحد وهي تشبه حماة ودونها في القدر ولكن ليس لها نهر يجري
ومنها سلا بفتح السين واللام وفي اخرها ألف وهي مدينة من الغرب الأقصى في اخر الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول سبع درج وعشر دقائق والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة وهي مدينة قديمة في غربيها البحر المحيط وفي جنوبيها نهر عظيم يصب في البحر المحيط والبساتين والكروم
وبنى عبد المؤمن أمامها من الشط الجنوبي على النهر والبحر المحيط قصرا عظيما وبنى خاصته حوله المنازل فصارت مدينة عظيمة سماها المهدية
وسلا متوسطة بين بلاد المغرب الأقصى قريبة من الأندلس وهي مدينة كثيرة الرخاء ولها معاملة كبيرة يقال لها تامسنا كثيرة الزرع والمرعى وفيها مدن كثيرة
ومنها لمطة بفتح اللام وسكون الميم وفتح الطاء المهملة
وهي مدينة من الغرب الأقصىواقعة في اخر الإقليم الثاني قال بعضهم حيث الطول سبع درج وثلاثون دقيقة والعرض سبع وعشرون درجة على ثلاث مراحل من البحر المحيط ولها نهر كبير ينزل من جبل في شرقيها على مرحلتين منها يجري على جنوبيها غربا بميلة إلى الشمال حتى يصب في البحر المحيط
ومنها السوس بضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية
وهي مدينة من أقصى المغرب في الإقليم الثاني قال ابن سعيد حيث الطول ثمان درج (5/164)
والعرض ست وعشرون درجة وعشرون دقيقة وهي على طرف من البر داخل في البحر أربعين ميلا وفي جانبها الشمالي نهر يأتي من الشرق من جبل لمطة
ومنها قصر عبد الكريم وضبطه معروف
وهي مدينة من الغرب الأقصى في أوائل الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول ثمان درج وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة
وهي مدينة على نهر من جهتها الشمالية وهو نهر كبير تصعد فيه المراكب من البحر المحيط وجانباه محفوفان بالبساتين والكروم
وكان قاعدة تلك الناحية قبلها مدينة اسمها البصرة يسكنها الأدارسة فلما عمرت هذه المدينة صارت هي القاعدة
ومنها طنجة بفتح الطاء المهملة وسكون النون وفتح الجيم ثم هاء في الاخر
وهي مدينة من أقاصي المغرب واقعة في الإقليم الرابع قال ابن سعيد حيث الطول ثمان درج وإحدى وثلاثون دقيقة والعرض خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وهي مدينة على بحر الزقاق واتساع البحر عندها ثلث مجرى فإذا شرق عنها اتسع عن ذلك
وهي مدينة أزلية واستحدث أهلها لهم مدينة على ميل منها على ظهر جبل ليمتنعوا بها والماء ينساق إليها في قني
قال في مسالك الأبصار وكانت دار ملك قديم
وهي التي كانت قاعدة تلك الجهات قبل الإسلام إلى حين فتح الأندلس وهي محط السفن وهي كثيرة الفواكه لا سيما العنب والكمثرى وأهلها مشهورون بقلة العقل وضعف الرأي على أن منها أبو الحسن الصنهاجي الطنجي ترجم له في قلائد العقيان وأثنى عليه وأنشد له أبياتا منها
( وقد تحمي الدروع من العوالي ... ولاتحمي من الحدق الدروع ! ) - وافر -
وكذلك أبو عبد الله بن محمد بن أحمد الحضرمي القائل
( وضنوا بتوديع وجادوا بتركه ... ورب دواء مات منه عليل ! ) - طويل -
ومنها درعة بفتح الدال وسكون الراء وفتح العين المهملات وهاء في الاخر
وهي مدينة من جنوبي المغرب الأقصى واقعة في الإقليم الثاني
نقل في (5/165)
تقويم البلدان عن بعضهم أن طولها إحدى عشرة درجة وست دقائق وعرضها خمس وعشرون درجة وعشر دقائق
قال في نزهة المشتاق وهي قرى متصلة وعمارات متقاربة وليست بمدينة يحوط بها سور ولا حفير
ولها نهر مشهور في غربيها ينزل من ربوة حمراء عند جبل درن وتنبت عليه الحناء ويغوص ما يفضل منه بعد السقي في صحارى تلك البلاد
ومنها أغمات قال في اللباب بفتح الألف وسكون الغين المعجمة وفتح الميم وألف وتاء مثناة من فوق في آخرها وهي مدينة من الغرب الأقصى واقعة في الإقليم الثالث
قال في تقويم البلدان والقياس أن طولها إحدى عشرة درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وعشرون درجة وخمسون دقيقة
وهي مدينة قديمة في الجنوب بملية إلى الشرق عن مراكش في مكان أفيح طيب التربة كثير النبات والعشب والمياه تخترقه يمينا وشمالا
قال ابن سعيد وهي التي كانت قاعدة ملك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قبل بناء مراكش
قال الإدريسي وحولها جنات محدقة وبساتين وأشجار ملتفة وهواؤها صحيح وفيها نهر ليس بالكبير يشق المدينة يأتيها من جنوبيها ويخرج من شماليها وربما جمد في الشتاء حتى يجتاز عليه الأطفال
ومنها تادلا قال في تقويم البلدان عن الشيخ عبد الواحد بفتح المثناة من فوق ثم ألف ودال مهملة مكسورة ولام ألف
ثم قال وفي خط ابن سعيد تادلة في اخرها هاء وهي مدينة بالمغرب الأقصى في جهة الجنوب في الإقليم الثالث قال ابن سعيد حيث الطول اثنتا عشرة درجة والعرض ثلاثون درجة
قال ابن سعيد وهي مدينة بين جبال صنهاجة ويقال هي قاعدة (5/166)
صنهاجة وغربيها جبل درن ممتد إلى البحر المحيط وهي بين مراكش وبين أعمال فاس ولها عمل جليل وأهلها بربر يعرفون بحراوة
ومنها أزمور قال الشيخ شعيب بفتح الهمزة والزاي المعجمة وتشديد الميم ثم واو وراء مهملة في الاخر
وهي مدينة على ميلين من البحر أكثر سكانها صنهاجة
ومنها المزمة وهي فرضة ببر العدوة تقابل فرضة المنكب من بر الأندلس من ساحل غرناطة
والمزمة في الشرق عن سبتة بينهما مائتا ميل
ومنها مدينة باديس وهي فرضة مشهورة من فرض غمارة في الجنوب والشرق عن سبتة بينهما نحو مائة ميل
قال في تقويم البلدان وهي قياسا حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقة والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة
ومنها أودغست قال الشيخ عبد الواحد بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الدال المهملة والغين المعجمة وسكون السين المهملة وفي اخرها تاء مثناة فوق
وهي مدينة في المغرب الأقصى في الجنوب في الصحراء في الإقليم الثاني قال في الأطوال حيث الطول ثمان درج وثمان دقائق
قال في القانون والعرض ست وعشرون درجة
قال وهي في براري سودان المغرب
قال في العزيزي وهي جنوبي سجلماسة وبينهما ست وأربعون مرحلة في رمال ومفاوز على مياه معروفة ولها أسواق جليلة والسفن تصل إليها (5/167)
في البحر المحيط من كل بلد وسكان هذه المدينة أخلاط من البربر المسلمين والرياسة فيها لصنهاجة
قال في العزيزي
ولأودغست أعمال واسعة وهي شديدة الحرارة وأمطارها في الصيف ويزرعون عليها الحنطة والذرة والدخن واللوبيا والكرسنة وبها النخل الكثير وليس فيها فاكهة سوى التين وبها شجر الحجاز كله من السنط والمقل وغيرهما
قلت وقد ذكر في مسالك الأبصار عدة مدن غير هذه غير مشهورة يطول ذكرها
الجملة الثالثة في ذكر جبالها المشهورة وهي عدة جبال
منها جبل درن بفتح الدال والراء المهملتين ونون في الاخر
قال ابن سعيد وهو جبل شاهق مشهور لا يزال عليه الثلج أوله عند البحر المحيط الغربي في أقصى المغرب واخره من جهة الشرق على ثلاث مراحل من إسكندرية من الديار المصرية ويسمى طرفه الشرقي المذكور رأس أوثان فيكون امتداده نحو خمسين درجة وفي غربية بلاد تينملك من قبائل البربر وشرقيها بلاد هنتاتة من البربر أيضا وشرقيها بلاد مشكورة منهم وشرقيها بلاد المصامدة
ومنها جبل كزولة وهي قبيلة من البربر
قال ابن سعيد وابتداؤه من البحر المحيط الغربي ويمتد مشرقا إلى حيث الطول اثنتا عشرة درجة وموقعه بين الإقليم الثاني والإقليم الثالث وبه مدينة اسمها تاعجست
ومنها جبل غمارة
بضم الغين المعجمة وفتح الراء بعد الألف
وهي قبيلة من البربر أيضا وهو جبل ببر العدوة فيه من الأمم مالا يحصيه إلا الله تعالى وهو ركن على البحر الرومي فإن بحر الزقاق إذا جاوز سبتة إلى الشرق انعطف جنوبا إلى جبل عمارة المذكورة وهناك مدينة باديس المقدم ذكرها
ومنها جبل مديونة بفتح الميم وسكون الدال المهملة وضم المثناة من (5/168)
تحت وواو ثم نون مفتوحة وهاء في الاخر وهو جبل ببر العدوة شرقي مدينة فاس يمتد إلى الجنوب حتى يتصل بجبال درن ومديونة قبيلة من البربر واطنون به
ومنها جبال مدغرة وهي شرقي مديونة ومعظم أهلها كومية بضم الكاف وكسر الميم وفتح المثناة تحت وهاء في الاخر
وهي قبيلة من البربر منها عبد المؤمن أحد أصحاب المهدي بن تومرت
ومنها جبل يسر بضم الياء المثناة تحت وسكون السين المهملة
وهو جبل شرقي مديونة أيضا منه ينبع نهر يسر المذكور
ومنها جبل ونشريش وهو جبل يتصل بجبل يسر من شرقيه وفيه تعمل البسط الفائقة ومنه ينبع نهر سلف المشهور
قال ابن سعيد وهو نهر كبير يزيد عند نقص الأنهار كنيل مصر
الجملة الرابعة في ذكر أنهارها المشهورة وهي عدة أنهار
منها نهر السوس الأقصى وهو نهر يأتي من الجنوب والشرق من جبل يعرف بجبل لمطة ويجري إلى الشمال ويمر على مدينة السوس من شماليها ويزرع على جانبيه قصب السكر والحناء وغير ذلك كما يزرع في مصر ويجري حتى يصب في البحر المحيط الغربي
ومنها نهر سجلماسة الاتي ذكرها وهو نهر منبعه من جنوبي سجلماسة بمسافة بعيدة ويمر من شرقيها ويجري حتى يصب في نهر ملوية الاتي ذكره
ومنها نهر ملوية قال ابن سعيد وهو نهر كبير مشهور في المغرب الأقصى يصب إليه نهر سجلماسة ويصيران نهرا واحدا يجري حتى يصب في بحر الروم شرقي سبتة
ومنها نهر فاس وهو نهر متوسط يشق مدينة فاس كما تقدم قال في (5/169)
تقويم البلدان ومخرجه على نصف يوم من فاس يجري في مروج وأزاهر حتى يدخلها
المقصد الثاني في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها ومواشيها ومعاملاتها وصفات أهلها وفيه خمس جمل
الجملة الأولى في ذكر زروعها وحبوبها وفواكههان وبقولها ورياحينها
أما زرعها فعلى المطر كما تقدم في أفريقية
وأما حبوبها ففيها من أنواع الحبوب القمح والشعير والفول والحمص والعدس والدخن والسلت وغير ذلك
أما الأرز فإنه عندهم قليل بعضه يزرع في بعض الأماكن من بر العدوة واكثره مجلوب إليهم من بلاد الفرنج
على أنهم لا نهمة لهم في أكله ولا عناية به
وبها السمسم على قلة ولا يعتصر منه بالمغرب شيرج لاستغنائهم عنه بالزيت حتى مزورات الضعفاء وكذلك يعملون الحلوى بالعسل والزيت وإنما يستعمل الشيرج عندهم في الأمور الطبية
وأما فواكهها فبها أنواع الفواكه المستطابة اللذيذة المختلفة الأنواع بين النخل والعنب والتين والرمان والزيتون والسفرجل والتفاح على أصناف وكذلك الكمثرى وتسمى عندهم الإنجاص كما بدمشق وبها المشمش والتين والبرقوق والقراصيا والخوخ وغالب ذلك على عدة أنواع والتوت على قلة والجوز واللوز
ولا يوجد بها الفستق والبندق إلا مجلوبا
وبها الأترج والليمون والليم والنارنج والزنبوع وهو المسمى (5/170)
بمصر والشام الكباد
وبها البطيخ الأصفر والأخضر واسمه عندهم الدلاع كما في سائر بلاد المغرب على قلة والموجود منه غير مستطاب
وبها الخيار والقثاء واللفت والباذنجان والقرع والجزر واللوبيا والكرنب والشمار والصعتر وسائر البقول
والموز موجود بها في بعض المواضع نادرا والقلقاس لا يزرع عندهم إلا للتفرج على عروقه لا لأن يؤكل وبها قصب السكر بجزائر بني مزغنان وبسلا كثير ويعصر ثم يعمل منه القند ومن القند السكر على أنواع لاسيما بمراكش فإنه يقال إن بها أربعين معصرة للسكر وإن حمل حمار من القصب يساوي درهما من دراهمهم وهو ثلث درهم من الدراهم المصرية ويعمل منه المكرر الفائق ومع ذلك فليس لهم به اهتمام لاكتفائهم عنه بعسل النحل مع كثرته عندهم وميلهم إليه أكثر من السكر حتى يقال إنه لا يستعمل السكر عندهم إلا الغرباء أو المرضى
وأما رياحينها فيها الورد والبنفسج والياسمين والاس والنرجس والسوسن والبهار وغير ذلك
الجملة الثانية في مواشيها ووحوشها وطيورها
أما مواشيها ففيها من الدواب الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم أما الجاموس فلا يوجد عندهم
وأما الطير فبها منه الإوز والحمام والدجاج ونحوها والكركي عندهم كثير على بعد الدار واسمه عندهم الغرنوق وهو صيد الملوك هناك كما بمصر والشام
وأما وحوشها ففيها من أنواع الوحش الحمر والبقر والنعام والغزال والمها وغير ذلك (5/171)
الجملة الثالثة فيما تتعامل به من الدنانير والدراهم والأوزان والمكاييل
أما مثاقيل الذهب فأوزانها لا تختلف وأما الدراهم فذكر في مسالك الأبصار عن السلايحي أن معاملتها درهمان درهم كبير ودرهم صغيرة فالدرهم الكبير قدر ثلث درهم من الدراهم النقرة بمصر والشام والدرهم الصغير على النصف من الدرهم الكبير يكون قدر سدس درهم نقرة بمصر والشام
وعند الإطلاق يراد الدرهم الصغير دون الدرهم الكبير إلا بمراكش وما جاورها فإنه يراد بالدرهم عند الإطلاق الدرهم الكبير
قال وكل مثقال ذهب عندهم يساوي ستين درهما كبارا تكون بعشرين درهما من دراهم النقرة بمصر
وأما رطلها فعلى ما تقدم من رطل أفريقية وهي كل رطل ست عشرة أوقية كل أوقية أحد وعشرون درهما من دراهمها
وأما كيلها فأكثره الوسق ويسمى الصحفة وهو ستون صاعا بالصاع النبوي على السواء
الجملة الرابعة في ذكر أسعارها
قد ذكر في مسالك الأبصار عن السلايحي أيضا عن سعر زمانه المتوسط في غالب الأوقات وهي الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وما قاربها أن سعر كل وسق من القمح أربعون درهما من الدراهم الصغار وهو ثلاثة عشر درهما وثلث درهم من نقرة مصر والشعير دون ذلك
وكل رطل لحم بدرهم واحد من الدراهم الصغار وكل طائر من الدجاج بثلاثة دراهم من الصغار وعلى نحو ذلك (5/172)
الجملة الخامسة في صفات أهلها في الجملة
قد تقدم أن معظم هذه المملكة في الإقليم الثالث قال ابن سعيد والإقليم الثالث هو صاحب سفك الدماء والحسد والحقد والغل وما يتبع ذلك
ثم قال وأنا أقول إن الإقليم الثالث وإن كثرت فيه الأحكام المريخية على زعمهم فإن للمغرب الأقصى من ذلك الحظ الوافر لاسيما في جهة السوس وجبال درن فإن قتل الإنسان عندهم كذبح العصفور قال وكم قتيل قتل عندهم على كلمة وهم بالقتل يفتخرون
ثم قال إن الغالب على أهل المغرب الأقصى كثرة التنافس المفرط والمحاققة وقلة التغاضي والتهور والمفاتنة
أما البخل فإنما هو في أراذلهم بخلاف الأغنياء فإن في كثير منهم السماحة المفرطة والمفاخرة بإطعام الطعام والاعتناء بالمفضول والفاضل
المقصد الثالث في ذكر ملوكها وما يندرج تحت ذلك من انتقال الملك من الموحدين إلى بني مرين والتعريف بالسلطان أبي الحسن الذي أشار إليه في كلامه في التعريف وهم على طبقات
الطبقة الأولى ملوكها قبل الإسلام
قد تقدم أن بلاد المغرب كلها كانت من البربر ثم غلبهم الروم الكيتم عليها ثم افتتحوا قرطاجنة وملكوها ووقع بين البربر والروم فتن كثيرة كان اخرها أن وقع الصلح بينهم على أن تكون البلاد والمدن الساحلية للروم والجبال والصحارى للبربر ثم زاحم الفرنج الروم في البلاد وجاء الإسلام والمستولي عليها من ملوك الفرنجة جرجيس ملكهم وكان ملكه متصلا من طرابلس إلى البحر المحيط وكرسي ملكه بمدينة سبيطلة ومن يده انتزعها المسلمون عند الفتح (5/173)
الطبقة الثانية نواب الخلفاء من بني أمية وبني العباس
كان كرسي المملكة بعد الفتح بأفريقية وكان نواب الخلفاء يقيمون بها وينزلون القيروان وكانوا يولون على ما فتح من بلاد المغرب من تحت أيديهم فبقي الأمر على ذلك أيام عبد الله بن أبي سرح الذي افتتحها في خلافة عثمان ابن عفان رضي الله عنه ثم أيام معاوية بن صالح ثم أيام عقبة بن نافع ثم أيام أبي المهاجر ثم أيام عقبة بن نافع ثانيا ثم أيام زهير بن قيس ثم أيام حسان بن النعمان ثم أيام موسى بن نصير ثم أيام محمد بن يزيد ثم أيام إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر ثم أيام يزيد بن أبي مسلم ثم أيام بشر بن صفوان الكلبي ثم أيام عبيد بن عبد الرحمن السلمي ثم أيام عبد الله بن الحبحاب ثم أيام كلثوم بن عياض ثم أيام حنظلة بن صفوان ثم أيام (5/174)
عبد الرحمن بن حبيب ثم أيام حبيب بن عبد الرحمن ثم أيام عبد الملك بن أبي الجعد ثم أيام عبد الأعلى بن السمح المعافري ثم أيام محمد بن الأشعت ثم أيام الأغلب بن سالم ثم أيام عمرو بن حفص ثم أيام يزيد بن حاتم بن قبيصة ثم أيام روح بن حاتم ثم أيام الفضل بن روح ثم أيام هرثمة بن أعين ثم أيام محمد بن مقاتل ثم أيام إبراهيم بن الأغلب ممن تقدم ذكره في ملوك أفريقية في خلافة هارون الرشيد
وفي أيامه ظهرت دعوة الأدارسة الاتي ذكرهم بعد هذه الطبقة
وسيأتي بسط القول فيهم بعض البسط في الكلام على مكاتبة صاحب تونس
الطبقة الثالثة الأدارسة بنو إدريس الأكبر بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
وكان مبدأ أمرهم أنه لما خرج حسين بن علي بن حسن المثلث بمكة سنة سبعين ومائة أيام الهادي واجتمع عليه قرابته وفيهم عمه إدريس وقتل الحسين فر إدريس ولحق بالمغرب وصار إلى مدينة وليلي من المغرب الأقصى فاجتمع (5/175)
إليه قبائل البربر وبايعوه وفتح أكثر البلاد وبقي حتى مات سنة خمس وسبعين ومائة
وأقاموا الدعوة بعده لابنه إدريس الأصغر
وكان أبوه قد مات وترك أمه حاملا به فكفلوه حتى شب فبايعوه سنة ثمان وثمانين ومائة وهو ابن إحدى عشرة سنة وافتتح جميع بلاد المغرب وكثر عسكره وضاقت عليهم وليلي فاختط لهم مدينة فاس سنة ثنتين وتسعين ومائة على ما تقدم وانتقل إليها واستقام له الأمر واستولى على أكثر بلاد البربر واقتطع دعوة العباسيين ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين
و قام بالأمر بعده ابنه محمد بن إدريس ومات سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف في مرضه ولده عليشا بن محمد وهو ابن تسع سنين ومات سنة أربع وثلاثين ومائتين لثلاث عشرة سنة من ولايته
وكان قد عهد لأخيه يحيى بن محمد فقام بالأمر بعده ومات
فولي مكانه ابنه يحيى بن يحيى ثم مات فاستدعوا ابن عمه علي بن عمر ابن إدريس الأصغر فبايعوه بفاس واستولى على جميع أعمال المغرب وقتل سنة اثنتين وتسعين ومائتين
وقام بالأمر بعده يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس الأصغر وملك جميع المغرب وخطب له على منابره وبقي حتى وافته جيوش عبيد الله المهدي الفاطمي فغلبوه على ملكه وخلع نفسه من الأمر وأنفذ بيعته إلى المهدي سنة خمس وثلثمائة واستقر عاملا للمهدي على فاس وعملها خاصة وبقية المغرب بيد موسى بن أبي العافية كما سيأتي (5/176)
الطبقة الرابعة ملوك بني أبي العافية من مكناسة
كانت مكناسة من قبائل البربر لأول الفتح بنواحي تارا من أوساط المغرب الأقصى والأوسط وكانوا يرجعون في رياستهم إلى بني أبي باسل بن أبي الضحاك وكانت الرياسة في المائة الثالثة لمصالة بن حيوس بن منازل بن أبي الضحاك بن يزول بن تافرسين بن فراديس بن ونيف بن مكناس بن ورصطف بن يحيى بن تمصيت بن ضريس بن رجيك بن مادغش بن بربر وموسى بن أبي العافية بن أبي باسل بن أبي الضحاك المتقدم ذكره
ولما استولى عبيد الله المهدي على المغرب صار مصالة بن حيوس من أكبر قواده وولاه مدينة تاهرت والغرب الأوسط
ولما زحف مصالة إلى المغرب الأقصى سنة خمس وثلثمائة واستولى على فاس ثم على سجلماسة واستنزل يحيى بن إدريس بفاس إلى طاعة عبيد الله المهدي وأبقاه أميرا على فاس على ما تقدم عقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة على سائر ضواحي المغرب وأمصاره مضافة إلى عمله من قبل تسول وتازا وما معهما وقفل مصالة إلى القيروان
فقام موسى بن أبي العافية بأمر المغرب وعاود مصالة غزو المغرب سنة تسع وثلثمائة أغراه موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس فقبض عليه وأخذ ماله وطرده فلحق ببني عمه بالبصرة والريف وولى مصالة مكانه على فاس ريحانا الكتامي وقفل إلى القيروان فمات وعظم ملك موسى بن أبي العافية بالمغرب (5/177)
ثم ثار بفاس سنة ثلاث عشرة وثلمثائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب بالحجام ودخل فاس على حين غفلة من أهلها وقتل ريحانا واليها واجتمع الناس على بيعته ثم خرج لقتال ابن أبي العافية والتقوا فهلك جماعة من مكناسة ثم كانت الغلبة لهم
ورجع الحسن مهزوما إلى فاس فغدر به عامله على عدوة القرويين حامد بن حمدان الهمداني فقبض عليه واعتقله وأمكن ابن أبي العافية من البلد وزحف إلى عدوة الأندلسيين فملكها وقتل عاملها وولى مكانه أخاه محمدا واستولى ابن أبي العافية على فاس وجميع المغرب وأجلى الأدارسة عنه
ثم استخلف على المغرب الأقصى ابنه مدين وأنزله بعدوة القرويين واستعمل على عدوة الأندلسيين طوال بن أبي زيد وعزل عنه محمد بن ثعلبة ونهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة وثلثمائة فملكها وغلب عليها صاحبها الحسن بن أبي العيش بن عيسى بن إدريس بن محمد بن سليمان من عقب سليمان ابن عبد الله أخي إدريس الأكبر الداخل إلى المغرب بعده ورجع بعد فتحها إلى فاس وخرج عن طاعة العبيديين وخطب للناصر الأموي خليفة الأندلس على منابر عمله فبعث عبيد الله المهدي قائده حميدا المكناسي ابن أخي مصالة إلى فاس ففر عنها مدين بن موسى بن أبي العافية إلى أبيه فدخلها حميد ثم استعمل عليها حامد بن حمدان ورجع إلى أفريقية وقد دوخ المغرب
ثم انتقض أهل المغرب على العبيديين بعد مهلك عبيد الله وثار أحمد بن بكر بن عبد الرحمن بن سهل الجذامي على حامد بن حمدان عامل فاس فقتله وبعث برأسه إلى موسى بن أبي العافية فبعث به إلى الناصر الأموي بالأندلس واستولى على المغرب وزحف ميسور الخصي قائد أبي القاسم بن عبيد الله (5/178)
المهدي سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة إلى فاس وحاصرها فأحجم ابن أبي العافية عن لقائه واستنزل ميسور أحمد بن بكر عاملها وقبض عليه وبعث به إلى المهدية
ثم خرج أهل فاس عن طاعته وقدموا على أنفسهم حسن بن قاسم اللواتي ثم حاصرهم ميسور فدخلوا تحت طاعته واشترطوا على أنفسهم الإتاوة فقبل ميسور ذلك منهم وأقر حسن بن قاسم على ولايته بفاس وارتحل إلى حرب بن أبي العافية فكانت بينهم حروب اخرها أن ظهر ميسور على ابن أبي العافية وأجلاه عن أعمال المغرب إلى بلاد الصحراء ثم قفل ميسور إلى القيروان سنة أربع وعشرين وثلثمائة
ورجع موسى بن أبي العافية من الصحراء إلى أعماله بالمغرب وزحف إلى تلمسان ففر عنها أبو العيش ولحق بتكور واستفحل أمر ابن أبي العافية بالمغرب الأقصى واتصل عمله بعمل محمد بن خزر ملك مغراوة وصاحب المغرب الأوسط وبثوا دعوة الأموية في أعمالها وبعث ابنه مدين إلى منازلة فاس فحاصرها وهلك موسى في خلال ذلك سنة سبع وعشرين وثلثمائة
وقام ابنه مدين بأمره وعقد له الناصر الأموي على أعمال أبيه بالمغرب ثم قسم أعماله بينه وبين أخويه البوري وأبي منقذ وأجاز البوري إلى الناصر بالأندلس سنة خمس وثلاثين وثلثمائة فعقد له ثم هلك سنة خمس وأربعين وثلثمائة وهو محاصر لأخيه مدين بفاس فعقد الناصر لابنه منصور على عمله
ثم توفي مدين فعقد الناصر لأخيه أبي منقذ على علمه ثم غلب مغراوة على فاس وأعمالها واستفحل امرهم بالمغرب
وأزاحوا مكناسة عن ضواحيه وأعماله وأجاز إسماعيل بن البوري ومحمد بن عبد الله بن مدين إلى الأندلس فنزلا بها إلى أن أجازوا مع واضح أيام المنصور بن أبي عامر عندما خرج زيري بن عطية عن طاعتهم سنة ست وثمانين وثلثمائة (5/179)
الطبقة الخامسة بنو زيري بن عطية من مغراوة من البربر
وهو زيري بن عطية بن عبد الله بن خزر بن محمد بن خزر بن حفص بن صولات بن رومان من بطون زناتة من البربر وكان أولية أمره أن زيري هذا كان أمير بني خزر في وقته وانتهت إليه رياستهم وإمارتهم في البداوة
ولما غلب بلكين بن زيري الصنهاجي صاحب أفريقية وقومه صنهاجة على المغرب الأوسط سنة تسع وستين وثلثمائة وأجلوا عنه مغرواة الذين كانوا به من تقادم السنين وصار المغرب الأوسط جميعه لصنهاجة لحق مغراوة فيمن بقي من بني خزر بالغرب الأقصى وأمراؤهم يومئذ محمد بن الخير ومقاتل وزيري ابنا عطية بن عبد الله وخزرون بن فلفول ووصلوا إلى سبتة وأميرهم المنصور بن أبي عامر حاجب
وبعث العزيز بن نزار العبيدي من مصر الحسن بن كنون من الأدارسة لاسترجاع ملكه بالمغرب فبعث المنصور لحربه أبا الحكم عمرو بن عبد الله بن أبي عامر الملقب بعسكلاجة سنة خمس وسبعين وثلثمائة وانحاش إليه زيري ابن عطية ومن معه من بني خزر في جموع مغراوة وزحفوا إلى الحسن بن كنون حتى ألجاؤه إلى الطاعة ثم انصرف أبو الحكم بن أبي عامر إلى الأندلس فعقد المنصور بن أبي عامر على المغرب الأقصى للوزير حسن بن أحمد بن عبد الودود السلمي وأنفذه إليه سنة ست وسبعين وثلثمائة وأوصاه بملوك مغراوة خصوصا زيري فسار الحسن بن أحمد حتى نزل بفاس وضبط أعمال المغرب ومات مقاتل بن عطية سنة ثمان وسبعين وثلثمائة واستقل أخوه زيري بن عطية برياسة مغراوة وبقي الحسن بن أحمد إلى أن قتل في بعض الحروب سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وبلغ الخبر المنصور بن أبي عامر فعقد على المغرب لزيري ابن عطية المذكور وكتب إليه بعهده وامره بضبط المغرب فاستفحل ملكه (5/180)
وغلب على تلمسان
فملكها من يد أبي البهار الصنهاجي وبعث بالفتح إلى المنصور بن أبي عامر فجدد له العهد واختط مدينة وجدة سنة أربع وثمانين وأنزل بها عساكره
ثم فسد ما بين المنصور بن أبي عامر وبين زيري بن عطية فعقد المنصور لمولاه واضح على المغرب وعلى حرب زيري بن عطية وجهزه إليه في عساكره ثم أتبعه المنصور ابنه المظفر عبد الملك فاجتمعا على زيري بن عطية ودارت بينهم الحرب فكانت الهزيمة على زيري وجرح في المعركة وفر إلى فاس فامتنع عليه أهلها فلحق بالصحراء جريحا وكتب عبد الملك بن المنصور بالفتح إلى أبيه فاستبشر به وكتب إلى ابنه عبد الملك بعهده على المغرب
وكان زيري بن عطية لما فر إلى الصحراء صرف وجهه إلى حرب صنهاجة بالمغرب الأوسط فقصده وفتح تاهرت وتلمسان وأعمالهما وأقام الدعوة فيها لهشام بن عبد الملك خليفة الأندلس وحاجبه المنصور من بعده وبقي على ذلك حتى مات سنة إحدى وتسعين وثلثمائة
وبويع من بعده ابنه المعز بن زيري فجرى على سنن أبيه من الدعاء لهشام بن عبد الملك والمصنور من بعده ومات المنصور في خلال ذلك وقام بأمره من بعده ابنه المظفر عبد الملك وبعث المعز بن زيري يرغب إلى المظفر في عمل فاس والمغرب الأقصى فأجابه إلى ذلك وكتب له عهده بذلك خلا سجلماسة فإنها كانت بيد خزرون وبقي المعز في ولايته إلى أن هلك سنة سبع عشرة وأربعمائة
وولي من بعده ابن عمه حمامة بن المعز بن عطية واستفحل ملكه ثم (5/181)
نازعه الأمير أبو الكمال تميم بن زيري بن يعلى اليفرني سنة أربع وعشرين وأربعمائة واستقل بملك المغرب وبقي حتى مات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة
وولي من بعده ابنه دوناس المعروف بأبي العطاف واستولى على فاس وسائر عمل أبيه فاستقامت دولته واحتفل بعمارة فاس وأدار السور على أرباضها وبنى بها المصانع والحمامات والفنادق وبقي حتى مات سنة إحدى وخمسين وأربعمائة
وولي من بعده ابنه الفتوح بن دوناس ونازعه أخوه الأصغر عجيسة واستولى على عدوة القرويين من فاس وبقي الفتوح بعدوة الأندلسيين وافترق أمرهما ووقعت الحرب بينهما وابتنى الفتوح بعدوة الأندلسيين باب الفتوح المعروف به إلى الان وابتنى عجيسة بعدوة القرويين باب الجيسة المعروف به إلى الان وحذفت العين منه لكثرة دورانه على الألسنة وبقي الأمر على ذلك حتى ظفر الفتوح بأخيه عجيسة وقتله سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ودهم المغرب على إثر ذلك ما دهمه من أمر المرابطين من لمتونة وخشي الفتوح عاقبة أمرهم فرحل عن فاس وتركها
وزحف صاحب القلعة بلكين بن محمد بن حماد إلى المغرب سنة أربع وخمسين فدخل فاس واسترهن بعض أشرافهم على الطاعة ورجع إلى عمله وولى على المغرب بعد الفتوح معتصر بن حماد بن معتصر بن المعز بن زيري (5/182)
وزحف يوسف بن تاشفين إلى فاس فملكها صلحا سنة خمس وخمسين وأربعمائة وخلف عليها عامله وارتحل إلى غمارة فخالفه معتصر إلى فاس وملكها وقتل العامل ومن معه من لمتونة وبلغ الخبر يوسف بن تاشفين فأرسل العساكر إلى فاس وحاصرها وخرج معتصر للقاء عساكره فكانت الدائرة عليه وقتل في المعركة سنة ستين وأربعمائة
وبايع أهل فاس من بعده ابنه تميم بن معتصر فكانت أيامه حصار وفتنة وشدة وغلاء
ولما فرغ يوسف بن تاشفين من أمر عمارة سنة ثنتين وستين وأربعمائة قصد فاس فحاصرها أياما ثم افتتحها عنوة وقتل بها نحو ثلاثة الاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة وهلك تميم بن معتصر في جملتهم وأمر يوسف بن تاشفين بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين العدوتين وصيرهما مصرا واحدا وأدار عليهما سورا واحدا وفر من خلص من القتل من مغراوة من فاس إلى تلمسان وانقرض ملكهم من الغرب الأقصى وتصاريف الأمور بيد الله تعالى
الطبقة السادسة المرابطون من الملثمين من البربر
كان الملثمون من البربر من صنهاجة قبل الفتح الإسلامي متوطنين في القفاز وراء رمال الصحراء ما بين بلاد البربر وبلاد السودان في جملة قبائل صنهاجة على دين المجوسية قد اتخذوا اللثام شعارا يميز بينهم وبين غيرهم من الأمم والرياسة فيهم يومئذ للمتونة ولم يزالوا على ذلك إلى أن كان فتح الأندلس واستمر ملكهم أيام عبد الرحمن أول خلفاء بني أمية بالأندلس (5/183)
قال ابن أبي زرع أول من ملك الصحراء من لمتونة يتلوثان وكان يركب في ألف نجيب وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين
وملك بعده يلتان فقام بأمرهم وتوفي سنة سبع وثمانين ومائتين
وقام بأمرهم بعده ابنه تميم إلى سنة ست وثلثمائة وقتله صنهاجة
ثم افترق أمرهم بعد تميم مائة وعشرين سنة إلى أن قام فيهم أبو عبد الله بن نيفاوت المعروف بتادشت اللمتوني وحج ومات لثلاثة أعوام من رياسته عليهم
وقام بأمرهم صهره يحيى بن إبراهيم فحج في سني أربعين وأربعمائة وعاد وصحبته عبد الله بن ياسين الجزولي ليعلمهم الدين فلما مات يحيى بن إبراهيم اطرحوا عبد الله بن ياسين واستعصوا عليه وتركوا الأخذ بقوله فاعتزلهم ثم اجتمع عليه رجال من لمتونة فخرج فيهم وقاتل من استعصى عليه منهم حتى أنابوا إلى الحق وسماهم المرابطين وجعل أمرهم في الحرب إلى الأمير يحيى بن عمر بن واركوت بن ورتنطق بن المنصور بن مرصالة بن منصور بن فرصالة بن أميت بن راتمال بن تلميت وهو لمتونة فافتتحوا درعة وسجلماسة واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى الصحراء وهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وأربعمائة
وولي مكانه أخوه أبو بكر بن عمر ثم افتتحوا بلاد السوس سنة ثمان وأربعين ثم مدينة أغمات سنة تسع وأربعين ثم بلاد المصامدة وجبال درن سنة خمسين ثم استشهد عبد الله بن ياسين في بعض الغزوات سنة خمسين واستمر أبو بكر بن عمر في إمارة قومه وافتتح مدينة لواتة سنة ثنتين وخمسين ثم ارتحل إلى الصحراء لجهاد السودان واستعمل على المغرب ابن عمه يوسف بن (5/184)
تاشفين بن إبراهيم بن واركوت فسار يوسف في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب واختط مدينة مراكش سنة أربع وخمسين
ثم انتزع جبال زناتة بالمغرب من أيديهم ثم افتتح فاس صلحا سنة خمس وخمسين ثم استعيدت بعد فتحها ثم فتحها عنوة سنة اثنتين وستين وأربعمائة وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين عدوتي القرويين والأندلسيين وصيرهما مصرا واحدا ثم افتتح بعد ذلك مدينة تلمسان واستولى على الغرب الأقصى والغرب الأوسط ثم صار إلى الأندلس واستولى على أكثر ممالكه كما سيأتي في ذكر مكاتبة صاحب الأندلس ثم توفي يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة
وقام بالأمر بعده ابنه علي بن يوسف فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين وسار فيهم بأحسن السيرة ولأربع عشرة سنة من ولايته كان ظهور المهدي بن تومرت صاحب دولة الموحدين
ومات علي بن يوسف سنة سبع وثلاثين وقد ضعفت كلمة المرابطين بالأندلس لظهور الموحدين
وقام بالأمر بعده ولده تاشفين بن علي وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين وقد استفحل أمر الموحدين وعظم شأنهم ونزل تلمسان فقصده الموحدون ففر إلى وهران واتبعه الموحدون ففقد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة واستولى الموحدون على الغرب الأوسط
ثم بويع بمراكش إبراهيم بن تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين فألفوه عاجزا فخلعوه
وولي مكانه عمه إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين وقد ملك الموحدون جميع بلاد المغرب وقصدوه في مراكش فخرج إليهم في خاصته فقتلوه وأجاز عبد المؤمن والموحدون إلى الأندلس فملكوه سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وفر أمراء المرابطين في كل وجه (5/185)
الطبقة السابعة ملوك الموحدين
كان أول أمرهم أن المهدي محمد بن تومرت كان إماما متضلعا بالعلوم قد حج ودخل العراق واجتمع بأئمته من العلماء والنظار كالغزالي وإلكيا الهراسي وغيرهما وأخذ بمذهب الأشعرية أهل السنة ورجع إلى الغرب وأهله يومئذ على مذهب أهل الظاهر في منع التأويل فاجتمع إليه قبائل المصامدة من البربر وجعل يبث فيهم عقائد الأشعرية وينهى عن الجمود على الظاهر وسمي أتباعه الموحدين تعريضا بتكفير القائلين بالتجسيم الذي يؤدي إليه الوقوف على الظاهر
وكان الكهان يتحدثون بظهور دولة بالمغرب لأمة من البربر وصرفوا القول في ذلك إليه ودعا المصامدة إلى بيعته على التوحيد وقتال المجسمين سنة خمس عشرة وخمسمائة فبايعوه على ذلك
ولما كملت بيعته لقبوه المهدي وكان قبل ذلك يلقب الإمام وأخذوا في قتال المرابطين من لمتونة حتى استقاموا على الطاعة
وتوفي المهدي سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة
وقام بالأمر بعده عبد المؤمن بن علي بعهده إليه
فكان من أمره ما تقدم من استيلائه على العدوتين وانقراض ملك المرابطين بهما وكان ذلك من سنة أربع وثلاثين وخمسمائة إلى سنة إحدى وأربعين
ثم صرف همه إلى بجاية وأفريقية فافتتحهما واستخلص المهدية والبلاد الساحلية التي كانت النصارى قد (5/186)
استولوا عليها من أيديهم واستولى على سائر بلاد أفريقية وعاد إلى الغرب في سنة ست وخمسين وخمسمائة
وتوفي بسلا من الغرب الأقصى في جمادى الاخرة سنة ثمان وخمسين
وبويع بعده ابنه أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن فاستولى على ما كان بيد أبيه من العدوتين وافريقية واشتغل بإصلاح الممالك وجهاد العدو وأجاز إلى الأندلس لجهاد النصارى وقتل في بعض غزواته فيه بسهم أصابه
وقيل مرض فمات سنة ثمانين وخمسمائة
وبويع ابنه يعقوب بن يوسف بإشبيلية عقب وفاته وتلقب بالمنصور فاستولى على ما كان بيد أبيه من الممالك إلى الأندلس وكان له مع العدو وقائع ومرض بالأندلس فمات سنة خمس وتسعين وخمسمائة
وبويع ابنه محمد ولي عهده وتلقب الناصر لدين الله ورجع إلى بلاد المغرب
وفي أيامه ثار ابن غانية على أفريقية وتغلب عليها وولى أبا محمد ابن الشيخ أبي حفص عليها فاستقرت بها قدم بنيه إلى الأن وأجاز إلى الأندلس ونزل إشبيلية والتقى مع العدو في صفر سنة تسع وستمائة وابتلي المسلمون في ذلك اليوم ورجع إلى مراكش فمات في شعبان من السنة المذكورة
وبويع ابنه يوسف بن محمد سنة إحدى عشرة وستمائة وهو ابن ست عشرة سنة ولقب المستنصر بالله وتأخر أبو محمد ابن الشيخ أبي حفص عن بيعته لصغر سنه وغلب عليه مشيخة الموحدين فقاموا بأمره
وبقي المستنصر حتى مات يوم الأضحى سنة ست وعشرين وستمائة (5/187)
وبويع بعده أبو محمد عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن وهو أخو المنصور ويعرف بالمخلوع
وكان الوالي بالمرسية من الأندلس أبو محمد عبد الله بن يعقوب بن المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن
فثار بالأندلس ودعا لنفسه وتلقب العادل واتصل الخبر بمراكش فاضطرب الموحدون على المخلوع وبعثوا ببيعتهم إلى العادل بالآندلس وبادر العادل إلى مراكش فدخلها وبقي حتى قتل بها أيام الفطر سنة أربع وعشرين وستمائة
وكان أخوه إدريس بن المنصور بإشبيلية من الأندلس فدعا لنفسه وبويع وبعث الموحدون ببيعتهم إليه ثم قصد مراكش فهلك في طريقه بوادي أم ربيع مفتتح سنة ثلاثين وستمائة وتغلب ابن هود على سبتة
وبويع بعده ابنه المأمون عبد الواحد بن إدريس فلقب الرشيد ودخل إلى مراكش فبايعوه وبقي حتى توفي سنة أربعين وستمائة
وبويع بعده أخوه أبو الحسن علي السعيد ولقب المعتضد بالله وقام بالأمر ثم سار إلى تلمسان فكان بها مهلكه على يد بني عبد الواد في صفر سنة ست وأربعين وستمائة وكان فيها استيلاء النصارى على إشبيلية
ثم اجتمع الموحدون على بيعة أبي حفص عمر بن أبي إسحاق بن يوسف بن عبد المؤمن فبايعوه ولقب المرتضى وكان بسلا فقدم إلى مراكش
وفي أيامه استولى أبو يحيى بن عبد الحق المريني جد السلطان أبي الحسن على مدينة فاس سنة سبع وأربعين وستمائة واستبد العزفي بسبتة
ثم انتقض على المرتضى قائد حروبه أبو العلاء الملقب بأبي دبوس بن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن ففر منه واجتمع عليه جموع (5/188)
من الموحدين وقصد مراكش وبها المرتضى فغلبه عليها والتقيا وفر المرتضى إلى أزمور فقبض عليه إليها واعتقله إلى أن ورد أمر أبي دبوس بقتله فقتله واستقل أبو دبوس بالأمر وتلقب الواثق بالله والمعتمد على الله
ثم جمع يعقوب بن عبد الحق وقصد مراكش فخرج إليه أبو دبوس فكانت الهزيمة على أبي دبوس ففر هاربا فأدرك وقتل ودخل يعقوب بن عبد الحق مراكش وملكها سنة ثمان وستين وستمائة وفر مشيخة الموحدين إلى معاقلهم بعد أن كانوا بايعوا عبد الواحد بن أبي دبوس ولقبوه المعتصم فأقام خمسة أيام وخرج في جملتهم وانقرض أمر بني عبد المؤمن ولم يبق للموحدين ملك إلا بأفريقية لبني أبي حفص على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
الطبقة الثامنة ملوك بني عبد الحق من بني مرين القائمون بها إلى الان
وهو عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن حمامة بن محمد بن ورزيز ابن فكوس بن كوماط بن مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن جديح بن فاتن بن بدر بن نجفت بن عبد الله بن ورتبيص بن المعز بن إبراهيم بن رجيك بن واشين بن بصلتن بن مشد بن إكيا بن ورسيك بن أديدت بن جانا وهو زنانه
كانت منازل بني مرين ما بين فيكيك إلى صا وملوية وكانت الرياسة فيهم لمحمد بن ورزيز بن فكوس
ولما هلك محمد قام بأمره من بعده ابنه حمامة ثم من بعده أخوه عسكر ولما هلك قام برياسته ابنه المخضب فلم يزل أميرا عليهم إلى أن قتل في حرب (5/189)
الموحدين في سنة أربعين وخمسمائة
وقام بأمرهم من بعده أبو بكر ابن عمه حمامة بن محمد وبقي حتى هلك
فقام من بعده ابنه محيو ولم يزل حتى أصابته جراحة في بعض الحروب وهو في عداد المنصور بن عبد المؤمن هلك منها بعد مرجعه إلى الزاب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
وقام برياسته ابنه عبد الحق بن محيو وكان أكبر أولاده وهو الذي تنسب إليه ملوك فاس الان
فأحسن السير في إمارته إلى أن كانت أيام المستنصر يوسف ابن الناصر خامس خلفاء بنى عبد المؤمن فثارت الفتنة بينه وبين بني مرين وكانت بينهم حروب هلك في بعضها عبد الحق بن محيو
ونصب بنو مرين بعده ابنه أبا سعيد عثمان بن عبد الحق وشهرته بينهم ادرغال ومعناه بلغتهم الأعور وقوي سلطانه وغلب على ضواحي المغرب وضرب الإتاوة عليهم وتابعه أكثر القبائل وفرض على أمصار المغرب مثل فاس وتازا وغيرهما ضريبة معلومة في كل سنة على أن يكف الغارة عنهم
ولم يزل على ذلك إلى أن قتله علج من علوجه سنة سبع وثلاثين وستمائة
وقام بأمر بني مرين من بعده أخوه محمد بن عبد الحق فجرى على سنن أخيه في الاستيلاء على بلاد المغرب وضرب الإتاوة على بلاده ومدنه إلى أن كانت أيام السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن فجهز عساكر الموحدين لقتال بني مرين فخرجوا إليهم في جيش كثيف في سنة ثنتين وأربعين وستمائة ودارت الحرب بينهم فكانت الهزيمة على بني مرين وقتل محمد بن عبد الحق
وقام بأمرهم من بعده ابنه أبو يحيى زكريا بن عبد الحق وقسم جبايته ببلاد المغرب في عشائر بني مرين ودارت الحرب بينهم وبين الموحدين إلى (5/190)
أن مات السعيد بن المأمون من بني عبد المؤمن وانتقل الأمر بعده إلى ابنه عبد الله فضعفت دولة بني عبد المؤمن
واستولى أبو يحيى بن عبد الحق على أكثر بلاد المغرب وقصد فاس وبها بعض بني عبد المؤمن فأناخ عليها وتلطف بأهلها ودعاهم إلى الدعوة الحفصية بأفريقية فأجابوه إلى ذلك وبايعوه خارج باب الفتوح
وتصدى للقيام بأمره ابنه عمر ومال أهل الحل والعقد إلى عمه أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق وكان غائبا بتازا فقدم ثم وقع الصلح بينهما على أن ترك يعقوب الأمر لابن أخيه عمر على أن يكون له تازا وبلادها ثم وقع الخلف بينهما والتقيا فهزم عمر ثم نزل لعمه يعقوب عن الأمر
ودخل إلى قصبة فاس لشهرين من موت السعيد في أول سنة ست وأربعين وستمائة وبايعه أهل تازا وأهل سلا ورباط الفتح واستولى على نواحيها وأقام فيها الدعوة الحفصية واستبد بنو مرين بملك المغرب الأقصى وبنو عبد الواد بملك المغرب الأوسط
وملك سجلماسة سنة ثلاث وخمسين وستمائة من أيدي عامة الموحدين وبقي حتى هلك بفاس في رجب سنة ست وخمسين وستمائة ودفن بمقبرة باب الفتوح
ورحل السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق فدخل فاس مملكا ثم هلك عمر بعد سنة فكفي يعقوب شأنه واستقام سلطانه وأخذ في افتتاح أمصار المغرب
وافتتح أمره باستنقاذ مدينة سلا من أيدي النصارى ثم قصد إلى مراكش فخرج إليه الخليفة المرتضى من بني عبد المؤمن وكانت بينهما حرب هزم فيها المرتضى وقتل وبايع الموحدون أخاه إسحاق ثم قبض عليه سنة أربع وستين وستمائة فقتل فيمن معه وانقرض أمر بني عبد المؤمن من المغرب
ووصل السلطان أبو يوسف إلى مراكش أول سنة ثمان وستين وستمائة (5/191)
فدخلها وورث ملك الموحدين بها ثم رجع إلى فاس بعد أن استخلف على مراكش في شوال من سنته وشرع في بناء المدينة التي استجدها ملاصقة لمدينة فاس في ثالث شوال سنة أربع وسبعين وستمائة ونزل فيها بحاشيته وذويه وغزا في خلال ذلك النصارى بالأندلس أربع مرات حتى أذعن له شانجة بن أدفونش وسأله في عقد السلم له فعقد له على شروط اشترطها عليه وعاد إلى بلاد المغرب فمرض ومات في اخر المحرم سنة خمس وثمانين وستمائة
وبويع بعده ابنه ولي عهده أبو يعقوب يوسف بن يعقوب فجرى على سنن أبيه في العدل والغزو وأجاز إلى الأندلس وجدد السلم مع شانجة ملك النصارى
وغزا تلمسان مرات وبقي حتى طعنه خصي من خدمه وهو نائم على فراشه فمات سابع ذي القعدة سنة ست وسبعمائة
وبويع بعده ابنه أبو ثابت عامر بن أبي يعقوب يوسف واختلفت عليه النواحي ثم استقام أمره وبقي حتى انتقض عليه عثمان بن أبي العلاء بنواحي طنجة من أقصى الغرب فخرج لقتاله ومرض في طنجة ومات في ثامن صفر سنة سبع وسبعمائة
وبويع بعده أخوه أبو الربيع بن أبي يعقوب يوسف فأحسن السيرة وأجزل الصلات وسار بسيرة ابائه وبقي حتى مات بمدينة تازا في سلخ جمادى الاخرة سنة عشر وسبعمائة ودفن بصحن جامعها
وبويع بعده أخوه أبو سعيد عثمان بن أبي يعقوب يوسف فلما استقام أمره (5/192)
بالغرب الأقصى سار إلى تلمسان سنة أربع عشرة وسبعمائة فانتزعها من موسى بن عثمان بن يغمراس سلطان بني عبد الواد بها وانتقض عليه محمد بن يحيى العزفي صاحب سبتة فسار إليه في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة فأذعن للطاعة وأحضر عبد المهيمن بن محمد الحضرمي من سبتة وولاه ديوان الإنشاء والعلامة
وفي أيامه قصد بطرة وجوان ملك النصارى بالأندلس غرناطة
فاستغاثوا به فأجاز البحر إليهم ولقي عساكر النصارى فهلك بطرة وجوان في المعركة وكانت النصرة للمسلمين
وتوفي في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
وبويع بعده ابنه ولي عهده أبو الحسن علي بن عثمان وهو الذي كان في عصر المقر الشهابي بن فضل الله
وسار إلى تلمسان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فملكها من ابن أبي تاشفين سلطان بني عبد الواد بها بعد أن قتله بقصره
وملك تونس من يد أبي يحيى سلطان الحفصيين بها في جمادى الاخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة واتصل ملكه ما بين برقة إلى السوس الأقصى والبحر المحيط الغربي ثم استرجع الحفصيون تونس بعد ذلك
وملك بعد ذلك سجلماسة قاعدة بلاد الصحراء بالغرب الأقصى وبقي حتى مات في الثالث والعشرين من ربيع الاخر سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة بجبل هنتاتة
وبويع بعده ابنه أبو عنان بن أبي الحسن وكان بنو عبد الواد قد استعادوا تلمسان في أيام أبيه فارتجعها منهم في سنة ثلاث وخمسين ونزل له الأمير محمد ابن أبي زكريا صاحب بجاية عنها فانتظمت في ملكه
وملك قسنطينة من الحفصيين بعد ذلك بالأمان
ثم ملك تونس من أيديهم سنة ثمان وخمسين
ورجع (5/193)
إلى المغرب فارتجع الحفصيون تونس وسائر بلاد أفريقية وبقي حتى توفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين
وكان ابنه أبو زيان ولي عهده فعدل عنه إلى أبنه السعيد بن أبي عنان واستولى عليه الحسن بن عمر وزير أبيه فحجبه في داره واستقل بالأمور دونه
وتغلب أبو حمو سلطان بني عبد الواد على تلمسان فانتزعها من يده في سنة ستين وسبعمائة
ثم خرج على السعيد بن أبي عنان عمه أبو سالم إبراهيم بن أبي الحسن وكان بالأندلس فجاء إليه بالأساطيل واجتمع إليه العساكر ووصل إلى فاس وخلع الحسن بن عمر سلطانه السعيد عن الأمر وأسلمه إلى عمه أبي سالم وخرج إليه فبايعه ودخل فاس في منتصف شعبان سنة ستين وسبعمائة واستولى على ملك المغرب وقصد تلمسان فأجفل عنها أبو حمو سلطان بني عبد الواد فدخلها بالأمان في رجب سنة إحدى وستين وسبعمائة فأقر بملكها حفيدا من أحفاد بني عبد الواد يقال له أبو زيان ورجع إلى فاس في شعبان من سنته
وعاد أبو حمو إلى تلمسان فملكها من أبي زيان
وبنى إيوانا فخما بفاس بجانب قصره وانتقل إليه وفوض أمر القلعة إلى عمر بن عبد الله بن علي من أبناء وزرائهم فعمد إلى أبي عمر تاشفين الموسوس ابن السلطان أبي الحسن فأجلسه على أريكة الملك وبايعه في ذي القعدة سنة ثنتين وستين وسبعمائة
وأفاض العطاء في الجند
وأصبح السلطان أبو سالم فوجد الأمر على ذلك ففر بنفسه فأرسل عمر بن عبد الله بن علي في أثره من قبض عليه واحتز رأسه وأتى بها إلى فاس
ثم أنكر أهل الدولة على عمر بن عبد الله ما وقع منه من نصب أبي عمر المذكور لضعف عقله فأعمل فكره فيمن يصلح للملك فوقع رأيه على أبي (5/194)
زيان محمد ابن الأمير عبد الرحمن ابن السلطان أبي الحسن
وكان قد فزع إلى ملك النصارى بإشبيلية من الأندلس فأقام عنده خوفا من السلطان أبي سالم فبعث إليه من أتى به وخلع أبا عمر من الملك وبعث إليه بالالة والبيعة من تلقاه بطنجة
ورحل إلى فاس في منتصف شهر صفر سنة ثلاث وستين وسبعمائة ودخل إلى قصر الملك فأقام به والوزير عمر بن عبد الله مستبد عليه لا يكل إليه أمرا ولا نهيا وحجره من كل وجه فثقل ذلك على السلطان أبي زيان وأمر بعض أصحابه في الفتك بالوزير عمر فبلغ الخبر الوزير فدخل على السلطان من غير إذن على ما كان اعتاده منه وألقاه في بئر وأظهر للناس أنه سقط عن ظهر فرسه وهو ثمل في تلك البئر
واستدعى من حينه عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن من بعض الدور بالقلعة فحضر القصر وجلس على سرير الملك ودخل عليه بنو مرين فبايعوه وكمل أمره وذلك في المحرم سنة ثمان وستين وسبعمائة واستبد عليه كما كان مستبدا على من قبله فحجره ومنعه من التصرف في شيء من أمره ومنع الناس أن يسألوه في شيء من أمورهم فثقل ذلك عليه غاية الثقل وأكنه في نفسه إلى أن استدعاه يوما فدخل عليه القصر وكان قد أكمن له رجالا بالقصر فخرجوا عليه وضربوه بالسيوف حتى مات
واستقل السلطان عبد العزيز بملكه وقصد تلمسان فملكها من يد أبي حمو سلطان بني عبد الواد بالأمان بعد إجفال أبي حمو عنها
ودخلها يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة
وارتحل عنها اخر المحرم إلى الغرب ووصل إلى فاس ثم عاد إلى تلمسان وخرج منها يريد المغرب فمرض ومات في الثاني والعشرين من ربيع الاخر سنة أربع وسبعين وسبعمائة
وبويع بعده ابنه سعيد بن عبد العزيز وهو طفل وقام بأمره وزيره أبو بكر بن غازي ورجعوا به إلى المغرب ودخل إلى فاس وجددت له البيعة بها واستبد عليه الوزير أبو بكر وحجره عن التصرف في شيء من أمره لصغره
ورجع أبو حمو سلطان بني عبد الواد إلى تلمسان فملكها في جمادى سنة أربع وسبعين وسبعمائة (5/195)
وخرج عليه أبو العباس أحمد بن أبي سالم وكان بالأندلس فأجاز البحر وسار إلى فاس فملكها
ودخلها أول المحرم سنة ست وسبعين وسبعمائة واستقل بملك المغرب وكان ذلك بموالاة ابن الأحمر صاحب الأندلس فاتصلت بينهما بذلك الصحبة وتأكدت المودة وتخلى عن مراكش لعبد الرحمن وكان بينهما صلح وانتقاض تارة وتارة وقصد تلمسان فملكها من أبي حمو بعد فراره عنها وأقام بها أياما وهدم أسوارها وخرج منها في أتباع أبي حمو
وخالفه السلطان موسى ابن عمه أبي عنان إلى فاس فملكها ونزل دار الملك بها في ربيع الأول سنة ست وثمانين وسبعمائة وقدم السلطان أبو العباس إلى فاس فوجد موسى ابن عمه قد ملكها ففر عنها إلى تازا ثم أرسل إلى السلطان موسى بالطاعة والإذعان فأرسل من أتى به إليه فقيده وبعث به إلى الأندلس واستقل السلطان موسى بملك المغرب وتوفي لثلاث سنين من خلافته
وبويع بعده المنتصر ابن السلطان أبي العباس فلم يلبث أن خرج عليه الواثق محمد بن أبي الفضل ابن السلطان أبي الحسن من الأندلس فسار إلى فاس ودخلها وحل بدار الملك بها وبويع في شوال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
وبعث المنتصر إلى أبيه أبي العباس بالأندلس فأجاز السلطان أبو العباس من الأندلس إلى سبتة فملكها في صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة ثم استنزله عنها ابن الأحمر صاحب الأندلس وانتظمها في ملكه ثم ظهرت دعوة السلطان أبي العباس بمراكش واستولى جنده عليها ثم سار إليها ابنه المنتصر وملكها وسار السلطان أبو العباس إلى فاس فملكها ودخل البلد الجديد بها خامس رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة لثلاثة أعوام وأربعة أشهر من خلعه وبعث بالواثق إلى الأندلس ثم أمر بقتله فقتل في طريقه بطنجة (5/196)
وكان أبو حمو صاحب تلمسان قد مات واستولى عليها بعده ابنه أبو تاشفين قائما بدعوة أبي العباس صاحب فاس ومات أبو تاشفين وأقيم ابنه طفلا فيها ثم قتله عمه يوسف بن أبي حمو وجهز السلطان أبو العباس ابنه أبا فارس عثمان فملكها وأقام فيها دعوة أبيه وتوفي السلطان أبو العباس بمدينة تازا في المحرم سنة ست وتسعين وسبعمائة واستدعوا ابنه أبا فارس فبايعوه بتازا ورجعوا به إلى فاس وأطلقوا أبا زيان بن أبي حمو من الاعتقال وبعثوا به إلى تلمسان
وبقي أبو فارس في مملكة الغرب إلى الان وهو السلطان أبو فارس عثمان ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي ابن السلطان أبي سعيد عثمان ابن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق
المقصد الرابع في بيان ترتيب هذه المملكة وفيه تسع عشر جمل
الجملة الأولى في ذكر الجند وأرباب الوظائف من أرباب السيوف والأقلام ومقادير الأرزاق الجارية عليهم وزي السلطان وترتيب حاله في الملك
أما الجند فأشياخ كبار وأشياخ صغار وهم القائمون مقام الأمراء الطبلخانات بمصر على ما تقدم في أفريقية ولا يعرف بها أمير له عدة كما بمصر والشام وإيران ولا يطلق اسم الإمرة عندهم على أحد من الجند بحال
ثم بعد الأشياخ عامة الجند من الأندلسيين وغيرهم والعلوج من الفرنج على ما تقدم في مملكة أفريقية من غير فرق في الترتيب والوزراء والقضاة وأرباب الوظائف على نحو ما تقدم في أفريقية
الجملة الثانية في زي السلطان والأشياخ وأرباب الوظائف في اللبس
أما زي السلطان والأشياخ وعامة الجند فإنهم يتعممون بعمائم طوال (5/197)
قليلة العرض من كتان ويعمل فوقها إحرامات يلفونها على أكتافهم ويتقلدون السيوف تقليدا بدويا ويلبسون الخفاف في أرجلهم وتسمى عندهم الأنمقة كما في أفريقية ويشدون المهاميز فوقها ويتخذون المناطق وهي الحوائص ويعبرون عنها بالمضمات من فضة أو ذهب
وربما بلغت كل مضمة منها ألف مثقال ولكنهم لا يشدونها إلا في يوم الحرب أو يوم التمييز وهو يوم عرضهم على السلطان
ويختص السلطان بلبس البرنس الأبيض الرفيع لا يلبسه ذو سيف غيره
أما العلماء وأهل الصلاح فإنه لا حرج عليهم في ذلك ولا حرج في غير الملون البيض من البرانس على أحد
وأما زي القضاة والعلماء والكتاب وعامة الناس فقريب من لبس الجند
إلا أن عمائمهم خضر ولا يلبس أحد منهم الأنمقة وهي الأخفاف في الحضر ولا يمنع أحد منهم من لبسها في السفر
الجملة الثالثة في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على اهل دولته
أما رزق الأجناد ففي مسالك الأبصار عن السلايحي أن للأشياخ الكبار الإقطاعات الجارية عليهم لكل واحد منهم في كل سنة عشرون ألف مثقال من الذهب يأخذها من قبائل وقرى وضياع وقلاع ويتحصل له من القمح والشعير والحبوب من تلك البلاد نحو عشرين ألف وسق
ولكل واحد مع الإقطاع الإحسان في رأس كل سنة وهو حصان بسرجه ولجامه وسيف ورمح محليان وسبنية وهي بقجة قماش فيها ثوب طرد وحش مذهب سكندري ويعبرون عن هذا الثوب بالزردخاناه وثوبان بياض من الكتان عمل أفريقية (5/198)
وإحرام وشاش طوله ثمانون ذراعا وقصبتان من ملف وهو الجوخ
وربما زيد الأكابر على ذلك وربما نقص من هو دون هذه الرتبة
وللأشياخ الصغار من الإقطاع والإحسان نصف ما للأشياخ الكبار مع الحصان المسرج الملجم والسيف والرمح والكسوة ومنهم من لايلحق هذه الرتبة فيكون أنقص
ومن عدا الأشياخ من الجند على طبقات فالمقربون إلى السلطان يكون لكل واحد منهم ستون مثقالا من الذهب في كل شهر وقليل ما هم ومن دون ذلك يكون له في الشهر ثلاثون مثقالا ثم ما دونها إلى أن يتناهى إلى أقل الطبقات وهي ستة مثاقيل في كل شهر
وليس لأحد منهم بلد ولا مزدرع
وأما قاضي القضاة فله في كل يوم مثقال من الذهب وله أرض يسيرة يزرع بها ما تجيء منه مؤونته وعلق دوابه
وأما كاتب السر فله في كل يوم مثقالان من الذهب وله محيران يعني قريتين يتحصل له منهما متحصل جيد مع رسوم كثيرة له على البلاد ومنافع وإرفاقات ولكل واحد من كاتب السر وقاضي القضاة في كل سنة بغلة بسرجها ولجامها وسبنية قماش برسم كسوته كما للأشياخ
الجملة الرابعة في جلوس السلطان في كل يوم
قال السلايحي من عادة سلطانهم أن يجلس في بكرة كل يوم ويدخل عليه الأشياخ الكبار فيسلموا عليه فيمد لهم السماط ثرائد في جفان حولها (5/199)
طوافير وهو المخافي فيها أطعمة ملونة منوعة ومع ذلك الحلوى بعضها مصنوع بالسكر ومعظمها مصنوع بالعسل والزيت فيأكلون ثم يتفرقون إلى أماكنهم
وربما ركب السلطان بعد ذلك والعسكر معه وقد لا يركب
أما أخريات النهار فإن الغالب أن يركب بعد العصر في عسكره ويذهب إلى نهر هناك ثم يخرج إلى مكان فسيح من الصحراء فيقف به على نشز من الأرض وتتطارد الخيل قدامه وتتطاعن الفرسان وتتداعى الأقران وتمثل الحرب لديه وتقام صفوفها على سبيل التمرين حتى كأنها يوم الحرب حقيقة ثم يعود في موكبه إلى قصره وتتفرق العساكر وتحضر العلماء وفضلاء الناس وأعيانهم إلى محاضرته حينئذ فيمد لهم سماط بين يديه فيأكلون ويؤاكلهم
ثم يأخذ كاتب السر في قراءة القصص والرقاع والكلام في المهمات ويبيت عنده من يسامره من الفضلاء في بعض الليالي وربما اقتضت الحال مبيت كاتب السر فيبيت عنده
الجملة الخامسة في جلوسه للمظالم
قال السلايحي قد جرت عادة من له ظلامة أن يرتقب السلطان في ركوبه في موكبه يعني يوم جلوسه للمظالم فإذا اجتاز به السلطان صاح من بعد لا إله إلا الله انصرني نصرك الله فتؤخذ قصته وتدفع لكاتب السر فإذا عاد جلس في قبة معينة لجلوسه ويجلس معه أكابر أشياخه مقلدين السيوف ويقف من دونهم على بعد مصطفين متكئين على سيوفهم ويقرأ كاتب السر قصص أصحاب المظالم وغيرها فينظر فيها بما يراه
الجملة السادسة في شعار السلطان بهذه المملكة
منها علم أبيض حرير مكتوب فيه بالذهب نسيجا بأعلى دائره ايات من القران يسمونه العلم المنصور كما في أفريقية
وربما عبر عنه هؤلاء بسعد الدولة يحمل بين يديه في المواكب (5/200)
ومنها أعلام دونه مختلفة الألوان تحمل معه أيضا
ومنها سيف ورمح ودرقة
يحملن بين يديه في المواكب أيضا يحملها ثلاثة من خاصته من وصفانه أو من أبناء خدم سلفه
ومنها أطبار تحمل حوله
ويعبرون عنها بالطبرزينات يحملها أكابر قواد علوجه من الفرنج ورجال من الأندليسين خلفه وقدامه
ومنها رماح طوال وقصار
يحملها خمسون رجلا مشاة بين يديه مشدودي الأوساط بيد كل واحد منهم رمحان رامح طويل ورمح قصير وهو متقلد مع ذلك بسيف
ومنها الجنائب
وهي خيل تقاد أمامه عليها سروج مخروزة بالذهب كالزركش وركبها ذهب كل ركاب زنته ألف دينار وعليها ثياب سروج من الحرير مرقومة بالذهب ويعبرون عن الجنائب بالمقادات وعن ثياب السروج بالبراقع
ومنها الطبول تدق خلف ساقته وهي من خصائص السلطان ليس لأحد من الناس أن يضرب طبلة غيره حتى يمنع من ذلك أصحاب الحلق
ومنها البوقات مع الطبل على العادة
الجملة السابعة في ركوبه لصلاة العيد
قال السلايحي وفي ليلة العيدين ينادي والي البلد في أهلها بالمسير ويخرج أهل كل سوق ناحية ومع كل واحد منهم قوس أو الة سلاح متجملين بأحسن الثياب ويبيت الناس تلك الليلة أهل كل سوق بذاتهم خارج البلد ومع أهل كل سوق علم يختص بهم عليه رنك أهل تلك الصناعة بما يناسبهم
فإذا ركب السلطان بكرة اصطفوا صفوفا يمشون قدامه ويركب السلطان ويركب العسكر معه ميمنة وميسرة والعلوج خلفه ملتفون به والأعلام منشورة وراءه والطبول خلفها حتى يصلي ثم يعود فينصرف أرباب الأسواق إلى بيوتهم ويحضر طعام السلطان خواصه وأشياخه (5/201)
الجملة الثامنة في خرو ج السلطان للسفر
من عادة هذا السلطان إذا سافر أن يخرج من قصره وينزل بظاهر بلده ثم يرتحل من هناك فيضرب له طبل كبير قبيل الصبح إشعارا بالسفر فيتأهب الناس ويشتغل كل أحد بالاستعداد للرحيل
فإذا صلى صلاة الصبح ركب الناس على قبائلهم في منازلهم المعلومة ووقفوا في طريق السلطان صفا إلى صف ولكل قبيل رجل علم معروف به ومكان في الترتيب لا يتعداه فإذا صلى السلطان الصبح قعد أمام الناس ودارت عليه عبيده ووصفانه ونقباؤه ويجلس ناس حوله يعرفون بالطلبة يجري عليهم ديوانه يقرأون حزبا من القران ويذكرون شيئا من الحديث النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام
فإذا أسفر الصبح ركب وتقدم أمامه العلم الأبيض المعروف بالعلم المنصور وبين يديه الرجالة بالسلاح والخيل المجنوب ة بثياب السروج الموشية ويعبرون عن ثياب السروج بالبراقع
وإذا وضع السلطان رجله في الركاب ضرب على طبل كبير يقال له تريال ثلاث ضربات إشعارا بركوبه
ثم يسير السلطان بين صفي الخيل ويسلم كل صف عليه بأعلى صوته سلام عليكم ويكتنفانه يمينا وشمالا وتضرب جميع الطبول التي تحت البنود الكبار الملونة خلف الوزير على بعد من السلطان ولا يتقدم أمام العلم الأبيض إلا من يكون من خواص علوج السلطان وربما أمرهم بالجولان بعضهم على بعض ثم ينقطع ضرب الطبول إلى أن يقرب من المنزل
وإذا ركب السلطان لا يسايره إلا بعض كبار الأشياخ من بني مرين أو بعض عظماء العرب وإذا استدعى أحدا لا يأتيه إلا ماشيا ثم ربما حدثه وهو يمشي وربما أكرمه فأكرمه بالركوب
فإذا قرب السلطان من المنزل تقدمت الزمالة وهم الفراشون ويضربون شقة من الكتان في قلبها جلود يقوم بها عصي وحبال من القصب في أوتاد وتستدير على كثير من الأخبية وبيوت الشعر الخاصة به وبعياله وأولاده الصغار تكون هذه الشقة كالمدينة لها أربعة أبواب في كل جهة باب (5/202)
وهذه الشقة هي المعبر عنها في الديار المصرية بالحوش ويحف به عبيده وعلوجه ووصفانه ويضرب للسلطان أمام ذلك قبة كبيرة مرتفعة من كتان تسمى قبة الساقة لجلوس الناس فيها وحضورهم عنده بها وهذه هي التي تسمى بمصر المدورة
وإذا عاد السلطان إلى حضرة ملكه ضربت البشائر سبعة أيام وأطعم الناس طعاما شاملا في موضع يسع كافتهم
الجملة التاسعة في مقدار عسكر هذه المملكة
قال في مسالك الأبصار سألت أبا عبد الله السلايحي عن عدة هذا العسكر في سلطنة أبي الحسن المريني وكان ابن جرار قد قال إن عسكره مائة ألف وأربعون ألفا فقال الذي نعرفه قبل فتحه تلمسان أن جريدته المثبتة في ديوانه لا تزيد على أربعين ألف فارس غير حفظة المدن والسواحل إلا أنه يمكنه إذا استجاش لحرب عليه أن يخرج في جموع كثيرة لا تكاد تنحصر وأنه يمكن ان يكون قد زاد عسكره بعد فتح تلمسان مثل ذلك
الجملة العاشرة في مكاتبات السلطان
قال في مسالك الأبصار جرت العادة أنه إذا إ نتهى الكاتب إلى اخر الكتاب وكتب تاريخه كتب السلطان بخطه في اخره ما صورته وكتب في التاريخ المؤرخ به ونقل عن السلايحي أن ذلك مما أحدثه أبو حفص عمر المريني عم السلطان أبي الحسن في سلطنته وتبعه السلطان أبو الحسن على ذلك مع وثوقه بكاتب سره حينئذ الفقيه الفاضل أبي محمد عبد المهيمن بن الحضرمي واعتماده عليه ومشاركته له في كل أمره (5/203)
المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر
قال في مسالك الأبصار في جنوب الغرب بين مملكة بر العدوة وبين بلاد مالي وما معها من بلاد السودان ثلاثة ملوك من البربر بيض مسلمون وهم سلطان أهير وسلطان دمونسة وسلطان تادمكة كل واحد منهم ملك مستقل بنفسه لا يحكم أحد منهم على الاخر وأكبرهم ملك أهير وزيهم نحو زي المغاربة يلبسون الدراريع إلا أنها أضيق وعمائم بأحناك وركوبهم الإبل ولا خيل عندهم ولا للمريني عليهم حكم ولا لصاحب مالي ولا خبز عندهم وعيشهم عيش أهل البر من اللحم واللبن أما الحبوب عندهم فقليلة وهم في قلة أقوات
ونقل عن الشيخ عيسى الزواوي أن لهم جبالا عامرة كثيرة الفواكه
وذكر أن ما بأيدي الثلاثة تقدير نصف ما لملك مالي من ملوك السودان أو أرجح بقليل ولكن صاحب مالي أكثر في تحصيل الأموال لا ستيلائه على بلاد الذهب وما يباع بمملكته من السلع وما يغنمه في الغزوات من بلاد الكفار لمجاورته لهم بخلاف هؤلاء فإنه ليس لهم يد تمتد إلى كسب بل غالب أرزاقهم من دوابهم
ثم قال ودون هؤلاء فيما بينهم وبين مراكش من بلاد المغرب جبال المصامدة وهم خلق لا يعد وأمم لا تحصى وهم يفتخرون بالشجاعة والكرم
ثم ذكر أنهم كانوا لا يدينون لسطان إلا أنهم دانوا للسلطان أبي الحسن المريني ودخلوا تحت ذيل طاعته على أنهم لا يملكون أحدا قيادهم ولا يسلمون إليه بلادهم
وبكل حال فهم معه بين صحة واعتلال (5/204)
المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس
قال في تقويم البلدان بفتح الألف والدال المهملة وسكون النون بينهما وضم اللام ثم سين مهملة
وهي مقابل بر العدوة من بلاد المغرب وبينهما بحر الزقاق الذي هو فم بحر الروم وقد تقدم ذكره في الكلام على الأبحر في أول هذه المقالة
وقد اختلف في سبب تسمية الأندلس بهذا الاسم فقيل ملكته أمة بعد الطوفان يقال لها الأندلش بالشين المعجمة فسمي بهم ثم عرب بالسين المهملة وقيل خرج من رومة ثلاثة طوالع في دين الروم يقال لأحدهم القندلش بالقاف في أوله وبالشين المعجمة في اخره فنزل القندلش هذه الأرض فعرفت به ثم عربت بإبدال القاف همزة والشين المعجمة سينا مهملة
ويقال إن اسمه القديم أفارية ثم سمي باطقة ثم سمي أشبانية ثم سمي الأندلس بأسم الأمة المذكورة
قال في تقويم البلدان وسميت جزيرة لإحاطة البحر بها من الشرق والغرب والجنوب وإن كان جانبه الشمالي متصلا بالبر كما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى
وفيه ست جمل
الجملة الأولى في ذكر سمك أرضه وحدوده
قال في تقويم البلدان وجزيرة الأندلس على شكل مثلث ركن جنوبي غربي وهناك جزيرة قادس وفم بحر الزقاق
وركن شرقي بين طركونة وبين (5/205)
برشلونة وهي في جنوبيه وبالقرب منه بلنسية وطرطرشة وجزيرة ميورقة
وركن شمالي بميلة إلى البحر المحيط حيث الطول عشر درجات ودقائق والعرض ثمان وأربعون
وهناك بالقرب من الركن المذكور مدينة شنتياقوه وهي على البحر المحيط في شمالي الأندلس وغربيها
قال والضلع الأول من الركن الجنوبي الغربي وهو الذي عند جزيرة قادس إلى الركن الشرقي الذي عند ميورقة وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الجنوبي الممتد على بحر الزقاق
والضلع الثاني من الركن الشرقي المذكور إلى الركن الشمالي الذي عند شنتياقوه وهذا الضلع هو حد الأندلس الشمالي ويمتد على الجبل المعروف بجبل البرت الحاجز بين الأندلس وبين أرض تعرف بالأرض الكبيرة وعلى ساحل الأندلس الممتد على بحر برديل والضلع الثالث من الركن الشمالي المذكور إلى الركن الجنوبي المقدم الذكر وهذا الضلع هو ساحل الأندلس الغربي الممتد على البحر المحيط
قال ابن سعيد قال الحجاري وطول الأندلس من جبل البرت الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة وهو نهاية الأندلس الشرقية إلى أشبونة وهي في نهاية الأندلس الغربية ألف ميل وعرض وسطه من بحر الزقاق إلى البحر المحيط عند طليطلة وجبل البرت ستة عشر يوما
قال في تقويم البلدان وقد قيل إن طوله غربا وشرقا من أشبونة وهي في غرب الأندلس إلى أربونة وهي في شرق الأندلس مسيرة ستين يوما وقيل شهر ونصف
وقيل شهر قال وهو الأصح
واعلم أن جبل البرت المقدم ذكره متصل من بحر الزقاق إلى البحر المحيط وطوله أربعون ميلا وفيه أبواب فتحها الأوائل حتى صار للأ ندلس طريق في البر من الأرض الكبيرة وقبل فتحها لم يكن للأندلس من الأرض الكبيرة طريق
وفي وسط الأندلس جبل ممتد من الشرق إلى الغرب يقال له جبل الشارة يقسمه بنصفين نصف جنوبي ونصف شمالي (5/206)
الجملة الثانية فيما اشتمل عليه من المدن
وهو يشتمل على عدة قواعد ومضافاتها
القاعدة الأولى غرناطة
قال في تقويم البلدان بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح النون وألف وطاء مهملة وهاء في الاخر
ويقال أغرناطة بهمزة مفتوحة في أولها
وهي مدينة في جنوب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان ومملكتها في الجنوب والشرق عن مملكة قرطبة وبينها وبين قرطبة نحو خمسة أيام
قال وغرناطة في نهاية الحصانة وغاية النزاهة تشبه دمشق من الشام وتفضل عليها بأن مدينتها مشرفة على غوطتها وهي مكشوفة من الشمال وأنهارها تنصب من جبل الثلج الذي هو من جنوبيها وتتخرق فيها وعليها الأرحي داخل المدينة ولها أشجار وثمار ومياه مسيرة يومين تقع تحت مرأى العين لا يحجبها شيء
قال في مسالك الأبصار ولها ثلاثة عشر بابا باب إلبيرة وهو أضخمها وباب الكحل وباب الرخاء وباب المرضى وباب المصرع وباب الرملة وباب الدباغين وباب الطوابين وباب الفخارين وباب الخندق وباب الدفاف وباب البنود وباب الأسدر
وحولها أربعة أرباض ربض الفخارين وربض الأجل وهو كثير القصور والبساتين وربض البيازين بناحية باب الدفاف وهو كثير العمارة يخرج منه نحو خمسة عشر ألف مقاتل وهو ربض مستقل بحكامه وقضاته وغير ذلك (5/207)
وجامعها من أبدع الجوامع وأحسنها منظرا وهو محكم البناء لا يلاصقه بناء تحف به دكاكين الشهود والعطارين وقد قام سقفه على أعمدة حسان والماء يجري داخله ومساجدها ورباطاتها لا تكاد تحصى لكثرتها
وذكر في مسالك الأبصار أنها قليلة مهب الرياح لا تجري بها الريح إلا نادرا لاكتناف الجبال إياها
ثم قال وأصل أنهارها نهران عظيمان شنيل وحدره
أما شنيل فينحدر من جبل شكير بجنوبيها ويمر على غربي غرناطة إلى فحصها يشق فيها أربعين ميلا بين بساتين وقرى وضياع كثيرة البيوت والغلال وأبراج الحمام وغير ذلك
قال وينتهي فحصها إلى لوشة حيث أصحاب الكهف على قول وجبل شكير المذكور هو طود شامخ لا ينفك عنه الثلج شتاء ولا صيفا فهو لذلك شديد البرد ويؤثر برده بغرناطة في الشتاء لقربه منها إذ ليس بينه وبينها سوى عشرة أميال
وفي ذلك يقول ابن صدرة الشاعر قاتله الله
( أحل لنا ترك الصلاة بأرضكم ... وشرب الحميا وهو شيء محرم )
( فرارا إلى نار الجحيم لأنها ... أرق علينا من شكير وأرحم ! )
( لئن كان ربي مدخلي في جهنم ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم ! ) - طويل -
وأما حدره فينحدر من جبل بناحية وادياش شرقي شكير فيمر بين (5/208)
بساتين ومزارع وكروم إلى أن ينتهي إلى غرناطة فيدخلها على باب الدفاف بشرقيها يشق المدينة نصفين تطحن به الأرحاء بداخلها وعليه بداخلها خمس قناطر وهي قنطرة ابن رشيق وقنطرة القاضي وقنطرة حمام جاس والقنطرة الجديدة وقنطرة الفود وعلى القناطر سواق ومبان محكمة
والماء يجري من هذا النهر في جميع البلد في أسواقه وقاعاته ومساجده يبرز في أماكن على وجه الأرض وتخفى جداوله تحتها في الأكثر وحيث طلب الماء وجد وبالمدينة جبلان يشقان وسطها يعرف أحدهما بالخزة وموزور
والثاني بالقصبة القديمة وبالز
وبهما دور حسان وعلالي مشرفة على فحصها فيرى منهما منظرا بديعا من فروع الأنهار والمزدرعات وغير ذلك مما يقصر عنه التخييل والتشبيه
وقد صارت قاعدة ملك الإسلام بالأندلس بيد ملوكها من بني الأحمر الاتي ذكرهم في الكلام على ملوكها
قال في مسالك الأبصار وبها الفواكه التفاح والقراصيا البعلبكية التي لا تكاد توجد في الدنيا منظرا وحلاوة حتى إنها ليعصر منها العسل
وبها الحوز والقسطل والتين والأعناب والخوخ والبلوط وغير ذلك
وبجبل شكير المقد م ذكره عقاقير الهند وعشب يستعمل في الأدوية يعرفها الشجارون لا توجد في الهند ولا في غيره
قال في التعريف ومقر سلطانها منها القصبة الحمراء قال ومعنى القصبة عندهم القلعة وتسمى حمراء غرناطة
قال في تقويم البلدان وهي قلعة عالية شديدة الامتناع
قال في مسالك الأبصار وهي بديعة متسعة كثيرة المباني الضخمة والقصور ظريفة جدا يجري بها الماء تحت بلاط كما يجري في المدينة فلا يخلو منه مسجد ولا بيت وبأعلى برج منها عين ماء وجامعها من أبدع الجوامع حسنا وأحسنها بناء وبه الثريات الفضية معلقة وبحائط محرابه أحجار ياقوت مرصفة في جملة مانمق به من الذهب والفضة ومنبره من العاج (5/209)
والابنوس
قال في تقويم البلدان في الكلام على الأندلس ولم يبق للمسلمين بها غير غرناطة وما أضيف إليها مثل الجزيرة الخضراء والمرية
قال في مسالك الأبصار وطولها عشرة أيام وعرضها ثلاثة أيام
وهي ممتدة على بحر الزقاق وما يلي ذلك
ثم قال وأولها من جهة المشرق المرية وهي أول مراسي البلاد الإسلامية
قال في تقويم البلدان وكانت القاعدة قبل غرناطة حصن إلبيرة فخرب في زمن الإسلام وصارت القاعدة غرناطة
وقد عد في مسالك الأبصار من هذه المملكة عدة بلاد مضافة إلى مملكة غرناطة الان
منها المرية قال في المشترك بفتح الميم وكسر الراء المهملة وتشديد المثناة من تحت وفي اخرها هاء
وهي مدينة بين مملكتي مالقة ومرسية موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول أربع عشرة درجة والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتان وأربعون دقيقة
قال وهي مدينة مسورة على حافة الزقاق وهي باب الشرق ومفتاح الرزق ولها بر فضي وساحل تبري وبحر زبرجدي وأسوارها عالية وقلعتها منيعة شامخة وهواؤها معتدل ويعمل بها من الحرير ما يفوق الجمال
قال في مسالك الأبصار والمرية ثلاث مدن
الأولى من جهة الغرب تعرف بالحوض الداخلي
لها سور محفوظ من العدو بالسمار والحراس ولا عمارة فيها ويليها إلى الشرق المدينة القديمة وتليها المدينة الثالثة المعروفة بمصلى المرية وهي أكبر الثلاث
ولها قلعة بجوار القديمة من جهة الشمال وتسمى القصبة في عرفهم
قال وهما قصبتان في غاية الحسن والمنعة
وساحل المرية أحسن السواحل وحولها حصون وقرى كثيرة وجبال شامخة
وجامعها الكبير بالمدينة القديمة وهو من بديع الجوامع
وهي مدينة كثيرة الفواكه
وأكثر زرعها بالمطر وعليه يترتب الخصب وعدمه وإليها تجلب الحنطة من بر العدوة وبها دار صناعة لعمارة المراكب وبينها وبين (5/210)
غرناطة مسيرة ثلاثة أيام
وكانت في الزمن الأول قبل إضافتها إلى غرناطة مملكة مستقلة
ويقال إن وادي المرية من أبدع الأودية على أن ماءه يقل في الصيف حتى يقسط على البساتين
قال في مسالك الأبصار وعلى وادي المرية بجانة
قال وهي الان قرية عظيمة جدا ذات زيتون وأعناب وفواكه مختلفة وبساتين ضخمة كثيرة الثمرات
ومنها شلوبين بفتح الشين المعجمة وضم اللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الاخر
وسماها في تقويم البلدان شلوبينية
ثم قال وهو من حصون غرناطة البحرية على بحر الزقاق ومنه أبو علي عمر بن محمد الشلوبيني إمام نحاة المغرب
قال صاحب حماة وقد غلط من قال الشلوبيني هو الأشقر بلغة الأندلس
قال في مسالك الأبصار وبها يزرع قصب السكر وهي معدة لإرسال من يغضب عليه السلطان من أقاربه
ومنها المنكب
قال في مسالك الأبصار وهي مدينة على القرب من شلوبين دون المرية بها دار صناعة لإنشاء السفن وبها قصب السكر ومنها يحمل السكر إلى البلاد وبها الموز ولا يوجد في بلد من البلاد الإسلامية هنالك إلا بها إلا مالا يعتبر وبها زبيب مشهور الاسم
ومنها بلش
وهي مدينة تلي المنكب من جهة الغرب كثيرة التين والعنب والفواكه
قال أبو عبد الله بن السديد ليس بالأندلس أكثر عنبا وتينا يابسا منها
ومنها مالقة قال في تقويم البلدان بفتح الميم وألف وكسر اللام (5/211)
وفتح القاف وهاء في الاخر
وهي مدينة من جنوب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
وقياس ابن سعيد أنها حيث الطول عشر درج وثلاثون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة وكانت في القديم مملكة مستقلة ثم أضيفت الان إلى غرناطة وملكها حتى مملكة قرطبة وهي بين مملكتي إشبيلية وغرناطة وهي على بحر الزقاق وبها الكثير من التين واللوز الحسن المنظر
ومنها ينقل يابسا إلى جميع الأندلس
قال في مسالك الأبصار ولها ربضان عامران أحدهما من علوها والاخر من سفلها وجامعها بديع وبصحنه نارنج ونخلة نابتة وبها دار صناعة لإنشاء المراكب وهي مختصة بعمل صنائع الجلد كالأغشية والحزم والمدورات وبصنائع الحديد كالسكين والمقص ونحوهما
وبها الفخار المذهب الذي لا يوجد مثله في بلد
قال ابن السديد وبها سوق ممتد لعمل الخوص من الأطباق وما في معناها ولها عدة حصون في أعمالها وفي أعمالها يوجد الحرير الكثير
ومنها مدينة مربلة بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الباء الموحدة وفتح اللام المشددة وهاء في الاخر
وهي مدينة صغيرة مما يلي مالقة من الغرب على الساحل وبها الفواكه الكثيرة والسمك
ومنها أشبونة
وهي مما يلي مربلة من جهة الغرب على الساحل وهي نظيرها في كثرة الفواكه
ومنها جبل الفتح
وهو الذي نزله طارق عند فتح الأندلس في أول الإسلام منيع جدا يخرج في بحر الزقاق ستة أميال وهو أضيق ما يكون عنده وقد كان هذا الجبل في مملكة الفرنج وأقام بيدهم عدة سنين ثم أعاده الله تعالى إلى المسلمين في أيام السلطان أبي الحسن المريني صاحب الغرب الأقصى في (5/212)
زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية
ومنها الجزيرة الخضراء
وهي مما يلي جبل الفتح من الغرب على الساحل وموقعها في الأقليم الرابع من الإقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول تسع درج والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال وهي مدينة أمام سبتة من بر العدوة من بلاد الغرب
وهي مدينة طيبة نزهة توسطت مدن الساحل وأشرفت بسورها على البحر ومرساها من أحسن المراسي للجواز وأرضها أرض زرع وضرع وخارجها المياه الجارية والبساتين النضيرة ونهرها يعرف بوادي العسل وعليه مكان نزه يشرف عليه وعلى البحر يعرف بالحاجبية ومن مستنزهاتها مكان يعرف بالنقاء
قال ابن سعيد وهي من أرشق المدن وأطيبها وأرفقها بأهلها وأجمعها لخير البر والبحر
قال في المشترك والنسبة إليها جزيري للفرق بينها وبين إقليم الجزيرة فإنه ينسب إليه جزري
قال في مسالك الأبصار وهي اخر البلاد البحرية الإسلامية للأندلس وليس بعدها لهم بلاد
ثم قال وهي الان بيد النصارى أعادها الله تعالى وقصمهم وقد عدها في تقويم البلدان من كور إشبيلية مما يلي جانب نهرها من الجنوب
ومنها رندة بضم الراء وسكون النون وفتح الدال المهملة وهاء في الاخر
وهي بعيدة عن البحر
وعدها في تقويم البلدان من كور إشبيلية
ثم قال وبها معقل تعمم بالسحاب وتوشح بالأنهار العذاب وذكر أنها من كبار البلدان ثم قال وهي بلدة جليلة كثيرة الفواكه والمياه والحرث والماشية وأهلها موصوفون بالجمال ورقة البشرة واللطافة وبينها وبين الجزيرة الخضراء مسيرة ثلاثة أيام (5/213)
ومنها مدينة لوشة
قال في تقويم البلدان وهي عن غرناطة على مرحلة بين البساتين والرياض
ومنها وادياش بفتح الواو والف ثم دال مهملة مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية وألف ثم شين معجمة
ويقال واداش بإبدال الياء همزة
قال في مسالك الأبصار وهي بلدة حسنة بديعة منيعة جدا كثيرة الفواكه والمزارع والمياه تشق أمام أبوابها كما في غرناطة قريبة من جبل شكير المقدم ذكره مع غرناطة فلذلك هي شديدة البرد بسبب ما على الجبل المذكور من الثلج قال وهي بلدة مملقة وأهلها موصوفون بالشعر ويحكم بها الرؤساء من أقارب صاحب غرناطة أو من يستقل بها سلطانا أو من خلع من سلطان لنفسه
ومنها بسطة
وهي بلدة تلي وادياش المقدم ذكرها
وعدها في تقويم البلدان من أعمال جيان
قال في مسالك الأبصار وهي كثيرة الزرع واختصت بالزعفران فيها منه ما يكفي أهل الملة الإسلامية بالأندلس على كثرة ما يستعملونه منه
ومنها أندراش
قال في مسالك الأبصار وهي مدينة ظريفة كثيرة الخصب وتختص بالفخار لجودة تربتها فليس في الدنيا مثل فخارها للطبخ
إلى غير ذلك من البلدان مثل أرحصونة وأنتقيرة وبرجة وغيرها
قال في مسالك الأبصار وحصون هذه المملكة كثيرة جدا فليس بها من بلد إلا وحوله حصون كثيرة محفوظة بولاة السلطان ورجال تحت أيديهم
القاعدة الثانية أشبونة
قال في تقويم البلدان بضم الهمزة وسكون الشين المعجمة وضم الباء الموحدة ثم واو ونون وفي اخرها هاء
قال وعن بعض المسافرين أن أولها لام
وهي مدينة في غرب الأندلس وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ست درج وخمس وخمسون دقيقة والعرض (5/214)
اثنتان وأربعون درجة وأربعون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي قاعدة مملكة على البحر المحيط في غربي إشبيلية وشماليها وغربي باجة
وهي مدينة أزليه ولها البساتين والثمار المفضلة على غيرها
قال ابن سعيد وبينها وبين البحر المحيط ثلاثون ميلا
وهي على جانب نهر يودانس
قال في تقويم البلدان وبزاتها خيار البزاة
قال وكانت في اخر وقت مضافة إلى بطليوس وملكها ابن الأفطس وذكر في العبر أنها الان قاعدة مملكة من ممالك النصارى بالأندلس يقال لها مملكة البرتقال وأنها عمالة صغيرة وقد أضيفت الان إلى أعمال جليقية كما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس
ولها مضافات
منها شنترين قال في تقويم البلدان بفتح الشين المعجمة وسكون النون وكسر المثناة من فوق والراء المهملة وسكون المثناة من تحت وفي اخرها نون فيما هو مكتوب بخط ابن سعيد
وهي مدينة كانت في القديم من جليقية شمالي الأندلس ثم استقرت من أعمال أشبونة المقدم ذكرها
موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثمان درج وعشر دقائق والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة وهي على بحر برطانية وهو بحر برديل الخارج من البحر المحيط المقدم ذكره في الكلام على البحور وهي على نهر يصب في البحر وأرضها طيبة
ومنها شنترة
وهي مدينة ذكرها في تقويم البلدان مع أشبونة استطرادا ونسبها إلى عملها ولم يتعرض لضبطها ولا لطولها وعرضها وقال إن بها تفاحا مفرطا في الكبر والنبالة
ومنها مدينة باجة بفتح الباء الموحدة وألف ثم جيم مفتوحة وهاء في الاخر
قال في تقويم البلدان وهي شرقي أشبونة وهي من أقدم مدائن الأندلس وأرضها أرض زرع وضرع وعسلها في نهاية الحسن ولها خاصية في حسن دباغ الأدم وكانت مملكة مستقلة (5/215)
القاعدة الثالثة بطليوس
قال في تقويم البلدان بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وفتح المثناة التحتية وسكون الواو وسين مهملة في الاخر
وهي مدينة من غرب الأندلس موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول تسع درج والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان ومملكتها في الشمال والغرب عن مملكة قرطبة
وهي في الغرب بميلة إلى الجنوب عن مملكة طليطلة
وهي مدينة عظيمة في بسيط من الأرض مخضر على جانب نهر
قال وهي مدينة عظيمة إسلامية كانت بيد المتوكل بن عمر الأفطس وبنى بها المباني العظيمة وفيها يقول ابن الفلاس
( بطليوس لا أنساك ما اتصل البعد ! ... فلله غور من جنابك أو نجد )
( ولله دوحات تحفك بينها ... تفجر واديها كما شقق البرد )
وبينها وبين قرطبة ستة أيام
ولها مضافات من أعمالها
منها ماردة قال في تقويم البلدان بفتح الميم ثم ألف وراء مهملة مكسورة ودال مهملة وهاء في الاخر كما هو في خط ابن سعيد
وهي مدينة على جنوبي نهر بطليوس موقعها في أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول تسع درج وخمس وخمسون دقيقة والعرض تسع عشرة درجة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة أزليه ولها ماء مجلوب تحير صنعته (5/216)
قال ابن سعيد قال الرازي وهي إحدى القواعد التي بنتها ملوك العجم للقرار
قال وكان قد اتخذها سلاطين الأندلس قبل الإسلام سريرا لملك الأندلس وكانت في دولة بني أمية يليها عظماء منهم ثم صار الكرسي بعد ذلك بطليوس وقد صارت الان للنصارى
ويحكى أنه كان بكنيستها حجر يضيء الموضع من نوره فأخذته العرب أول دخولها
ومنها يابرة بياء اخر الحروف وألف وباء موحدة وراء مهملة وهاء في الاخر وهي مدينة ذكرها في تقويم البلدان بعد ذكر بطليوس استطرادا
القاعدة الرابعة إشبيلية
قال في تقويم البلدان بكسر الألف وسكون الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت ولام وياء ثانية تحتية وفي اخرها هاء
قال ومعنى اسمها المدينة المنبسطة
وهي مدينة أزلية في غرب الأندلس وجنوبية على القرب من البحر المحيط موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول تسع درج وعشر دقائق والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وهي على شرقي نهرها الأعظم وجنوبيه ولها خمسة عشر بابا ومملكتها غربي مملكة قرطبة فطول مملكتها من الغرب من عند مصب نهرها في البحر المحيط إلى اعلى النهر من الشرق مما يلي مملكة قرطبة نحو خمس مراحل وعرضها من الجزيرة الخضراء على ساحل الأندلس الجنوبي إلى مملكة بطليوس في الشمال نحو خمسة أيام وبينها وبين قرطبة أربعة أيام وهي الأن بيد ملوك النصارى
ولها عدة كور في جنوبي نهرها وشماليه
فأما كورها التي في جنوبي نهرها وهي الأكثر
فمنها كورة أركش قال في تقويم البلدان بالراء المهملة معقل في غاية المنعة (5/217)
ومنها كورة شريش قال في تقويم البلدان بفتح الشين المعجمة وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة التحتية وشين معجمة في الاخر وإليها ينسب الشريشي شارح المقامات الحريرية
ومنها كورة طريف بفتح الطاء وكسر الراء المهملتين وسكون المثناة التحتية وفاء في الاخر
وأما التي شمالي النهر فكورتان إحداهما كورة أوتنة
وهي أشهرها وأوتنة مدينة جليلة
قال في تقويم البلدان ومن الممالك المضافة لإشبيلية مملكة شلب
وهي كورة ومدينة في غربي إشبيلية وشماليها على ساحل البحر المحيط بينها وبين قرطبة تسعة أيام وبشلب هذه قصر يعرف بقصر الشراخيب وهو الذي يقول فيه بعض شعرائهم
( وسلم على قصر الشراخيب عن فتى ... له أبدا شوق إلى ذلك القصر ! ) - الطويل -
القاعدة الخامسة قرطبة
قال في اللباب بضم القاف وسكون الراء وضم الطاء المهملتين وباء موحدة وهاء في الاخر
قال في تقويم البلدان هذا هو المشهور
وقال ابن سعيد هي بلسان القوط بالظاء المعجمة ونقله عن جماعة
وهي مدينة غربي نهر (5/218)
إشبيلية في غرب الأندلس بجنوب وموقعها في أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول عشر درج والعرض ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة
قال في تقويم البلدان ومملكة قرطبة شرقي مملكة إشبيلية
وهي في الجنوب والشرق عن مملكة بطليوس وفي الجنوب عن مملكة طليطلة ودور قرطبة ثلاثون ألف ذراع وهي أعظم مدن الأندلس وعليها سور ضخم من الحجر ولها سبعة أبواب وبلغت عدة مساجدها ألفا وستمائة مسجد وحماماتها تسعمائة حمام
وهي مدينة حصينة
وقد استولت عليها ملوك النصرانية وهي بأيديهم إلى الان
ولها مضافات
منها مدينة الزهراء
وهي مدينة بناها الناصر الأموي في غربي قرطبة في سفح جبل
ومنها القصير
وهو حصن في شرقي قرطبة على النهر وله كورة من أشهر كورها
ومنها حصن المدور
وهو المعقل العظيم المشهور وللروم به اعتناء عظيم
ومنها حصن مراد وهو حصن في غربي قرطبة
ومنها كورة غافق وهي معاملة كبيرة
ومنها كورة إستجة وغير ذلك
القاعدة السادسة طليطلة
قال في تقويم البلدان بضم الطاء المهملة وفتح الام وسكون المثناة (5/219)
من تحت وكسر الطاء الثانية ثم لام وهاء في الاخر
وموقعها في اخر الإقليم الخامس قال ابن سعيد حيث الطول خمس عشرة درجة وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وثمان عشرة دقيقة
وهي مدينة أزلية كانت قاعدة الأندلس في القديم وبها كان كرسي ملك لذريق اخر ملوك القوط الذي انتزعها المسلمون منه
وهي الان قاعدة ملك الادفونش أكبر ملوك النصرانية بالاندلس المعروف بالفنش
قال في تقويم البلدان وهي من أمنع البلاد وأحصنها مبنية على جبل عال والأشجار محدقة بها من كل جهة ويصير بها الجلنار بقدر الرمانة من غيرها ويكون بها شجر الرمان عدة أنواع ولها نهر يمر بأكثرها ينحدر من جبل الشارة من عند حصن هناك يقال له باجة وبه يعرف نهر طليطلة فيقال نهر باجة ومنها إلى نهاية الأندلس الشرقية عند الحاجز الذي هو جبل البرت نحو نصف شهر وكذلك إلى البحر المحيط بجهة شلب
ولها مضافات
منها مدينة وليد بفتح الواو وكسر اللام وسكون المثناة من تحت ودال مهلمة في الاخر
وموقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى عشرة درجة واثنتا عشرة دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وثلاث دقائق
قال في تقويم البلدان وهي من أحسن المدن
وهي في الغرب من طليطلة في جنوبي جبل الشارة الذي يقسم الأندلس بنصفين
قال ويحلها الفنش ملك الفرنج في أكثر أوقاته
ومنها مدينة الفرج بفتح الفاء والراء المهملة ثم جيم وهي مدينة شرقي طليطلة
وشرقيها مدينة سالم
قال ابن سعيد ويقال لنهرها وادي الحجارة (5/220)
ومنها مدينة سالم قال ابن سعيد وهي بالجهة المشهورة بالثغر من شرقي الأندلس
قال وهي مدينة جليلة
قال في تقويم البلدان وبها قبر المنصور ابن أبي عامر
القاعدة السابعة جيان
قال في تقويم البلدان بفتح الجيم وتشديد المثناة من تحت وألف ونون في الاخر
وموقعها في أول الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى عشرة درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وثلاثون درجة وسبع وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان ومملكتها بين مملكتي غرناطة وطليطلة
وهي في نهاية من المنعة والحصانة
وهي عن قرطبة في جهة الشرق وبينهما خمسة أيام وهي من أعظم مدن الأندلس واكثرها خصبا وكانت بيد بني الأحمر أصحاب غرناطة فأخذتها الفرنج منهم بالسيف بعد حصار طويل وبلادها كثيرة العيون طيبة الأرض كثيرة الثمار وبها الحرير الكثير
ولها مضافات
منها مدينة قبجاطة
وهي مدينة نزهة كثيرة الخصب أخذها النصارى بالسيف أيضا
ومنها بياسة بفتح الباء الموحدة وتشديد المثناة التحتية وألف ثم سين مهملة مفتوحة وهاء في الاخر
وهي مدينة على نهر إشبيلية فوق إشبيلية طيبة الأرض كثيرة الزرع وبها الزعفران الكثير ومنها يحمل إلى الافاق
ومنها مدينة ابدة بمد الهمزة المفتوحة وكسر الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وهاء في الاخر
وهي مدينة إسلامية أحدثت في دولة بني أمية بالأندلس (5/221)
بجوار بياسة إلا أنها ليست على النهر ولها عين تسقي الزعفران
ومنها جبل سمنتان وهو جبل به حصون وقرى كثيرة
ومنها معقل شقورة وحصن برشانة
القاعدة الثامنة مرسية
قال في تقويم البلدان بضم الميم وسكون الراء وكسر السين المهملتين ثم ياء مثناة من تحتها وهاء في الاخر
وموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثمان عشرة درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وعشر دقائق
قال في تقويم البلدان وهي مدينة إسلامية محدثة بنيت في أيام الأمويين الاندلسيين قال وهي من قواعد شرق الأندلس
وهي تشبه إشبيلية في غرب الأندلس بكثرة المناره والبساتين وهي في الذراع الشرقي الخارج من عين نهر إشبيلية
ولها عدة منتزهات
منها الرشاقة والزنقات وجبل إيل وهو جبل تحته البساتين وبسط تسرح فيه العيون
ولها مضافات
منها مدينة مولة
وهي في غربي مرسية
ومنها مدينة أريولة وغير ذلك
القاعدة التاسعة بلنسية
قال في تقويم البلدان بفتح الباء الموحدة واللام وسكون النون وكسر (5/222)
السين المهملة وفتح المثناة من تحت وهاء في الاخر
وموقعها في أواخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال ابن سيعد حيث الطول عشرون درجة والعرض ثمان وثلاثون درجة وست دقائق
قال في تقويم البلدان وهي من شرق الأندلس شرقي مرسية وغربي طرطوشة
وهي في أحسن مكان وقد حفت بالأنهار والجنان فلا ترى إلا مياها تتفرع ولا تسمع إلا أطيارا تسجع
وهي على جنب بحيرة حسنة على القرب من بحر الزقاق يصب فيها نهر يجري على شمالي بلنسية
ولها عدة منازه
منها الرصافة ومنية ابن عامر وحيث خرجت منها لا تلقى إلا منازه
قال ابن سعيد ويقال إن ضوء مدينة بلنسية يزيد على ضوء بلاد الأندلس وجوها صقيل أبدا لا يرى فيه ما يكدره
ولها مضافات وقد صارت الان من مضافات برشلونة في جملة أعمال صاحبها من ملوك النصارى
منها مدينة شاطبة بفتح الشين المعجمة وألف بعدها طاء مهملة مكسورة ثم باء موحدة مفتوحة وهاء في الاخر
وهي مدينة عظيمة ولها معقل في غاية الامتناع وعدة مستنزهات منها البطحاء والغدير والعين الكبيرة وإليها ينسب الشاطبي صاحب القصيدة في القراءات السبع وقد صارت الان مضافة إلى ملك برشلونة في يد صاحبها
ومنها دانية بفتح الدال المهملة وألف ثم نون مكسورة ومثناة تحتية مفتوحة وهاء في الاخر
وهي من شرق الأندلس وموقعها في أوائل الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول تسع عشرة درجة وعشر دقائق
والعرض تسع وثلاثون درجة وست دقائق
وهي غربي بلنسية على البحر عظيمة (5/223)
القدر كثيرة الخيرات ولها عدة حصون
وقد صارت الان من مضافات برشلونة مع بلنسية على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس إن شاء الله تعالى
القاعدة العاشرة سرقسطة
قال في تقويم البلدان بفتح السين والراء المهملتين وضم القاف وسكون السين الثانية وفتح الطاء المهملة وهاء في الاخر
وهي مدينة من شرق الأندلس
موقعها في أواخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول إحدى وعشرون درجة وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجة وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي قاعدة الثغر الأعلى وهي مدينة أزلية بيضاء في أرض طيبة قد أحدقت بها من بساتينها زمردة خضراء والتف عليها أربعة أنهار فأضحت بها مرصعة مجزعة
ولها متنزهات
منها قصر السرور ومجلس الذهب
وفيهما يقول ابن هود من أبيات
( قصر السرور ومجلس الذهب ... بكما بلغت نهاية الطرب ! ) - رمل -
القاعدة الحادية عشرة طرطوشة
قال في تقويم البلدان بضم الطاءين المهملتين وبينهما راء ساكنة (5/224)
مهملة ثم واو ساكنة وشين معجمة وهاء في الاخر
وهي مدينة في شرق الأندلس موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربعون درجة
قال وهي من كراسي ملك شرق الأندلس
وهي شرقي بلنسية في الجهة الشرقية من النهر الكبير الذي يمر على سرقسطة ويصب في بحر الزقاق على نحو عشرين ميلا من طرطوشة
قال وشرقي طرطوشة جزيرة مايرقة في بحر الزقاق وإلى طرطوشة هذه ينسب الطرطوشي صاحب سراج الملوك
القاعدة الثانية عشرة برشنونة
قال في تقويم البلدان بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة وضم النون وسكون الواو ثم نون مفتوحة وهاء في الاخر
ويقال برشلونة بإبدال النون الأولى لاما قال في تقويم البلدان وهي خارجة عن الأندلس في بلاد الفرنج وموقعها في أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول أربع وعشرون درجة وثلاثون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجة
وهي الان قاعدة ملك النصارى بشرق الأندلس وقد أضيف إليها أرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة وغير ذلك
على ما يأتي ذكره في الكلام على ملوك الأندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى
القاعدة الثالثة عشرة ينبلونة
قال في تقويم البلدان بفتح الياء المثناة من تحت وسكون النون وضم (5/225)
الباء الموحدة واللام ثم واو ساكنة ونون مفتوحة وهاء في الاخر
وموقعها في أوائل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وعشرون درجة وخمس عشرة دقيقة والعرض أربع وأربعون درجة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة في غرب الأندلس خلف جبل الشارة
قال وهي قاعدة النبري أحد ملوك الفرنج
وتعرف هذه المملكة بمملكة نبرة بفتح النون وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وفتح الراء المهملة وهاء في الاخر
وهي مملكة فاصلة بين مملكتي قشتالة وبرشلونة وهي مما يلي قشتالة من جهة الشرق وسيأتي ذكرها في الكلام على ملوك الأندلس فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة الثالثة في ذكر أنهاره
اعلم أن بالأندلس أنهارا كثيرة قد تقدم ذكر الكثير منها وأعظمها نهران
الأول نهر إشبيلية
قال ابن سعيد وهو في قدر دجلة وهو أعظم نهر بالأندلس ويسميه أهل الأندلس النهر الأعظم
قال في تقويم البلدان ومخرجه من جبال شقورة حيث الطول خمس عشرة درجة والعرض ثمان وثلاثون وثلثان وهو يجري في ابتدائه من الشرق إلى الغرب ثم يصب إليه عدة أنهر
منها نهر شنيل الذي يمر على غرناطة
ونهر سوس الذي عليه مدينة إستجة ويسير من جبال شقورة إلى جهات جيان ويمر على مدينة بياسة ومدينة ابدة ثم يمر على قرطبة ثم إذا تجاوز قرطبة وقرب من إشبيلية ينعطف ويجري من الشمال إلى الجنوب ويمر كذلك على إشبيلية وتكون إشبيلية على شرقيه وطريانة على غربيه مقابل إشبيلية من البر الاخر ثم ينعطف فيجري من الشرق إلى الغرب ثم يجاوز حتى يصب في البحر المحيط الغربي عند مكان يعرف ببر المائدة حيث الطول ثمان درج وربع والعرض ست وثلاثون وثلثان وتكون (5/226)
جزيرة قادس في البحر الرومي على يسار مصبه ويقع في هذا النهر المد والجزر من البحر كما في دجلة عند البصرة ويبلغ المد والجزر فيه سبعين ميلا إلى فوق إشبيلية عند مكان يعرف بالأرحى ولا يملح ماؤه بسبب المد عند إشبيلية بل يبقى على عذوبته وبين إشبيلية وبين مصب النهر في البحر خمسون ميلا فالمد يتجاوز أشبيلية بعشرين ميلا والمد والجزر يتعاقبان فيه كل يوم وليلة وكلما زاد القمر نورا زاد المد والمراكب لا تزال فيه منحدرة مع الجزر صاعدة مع المد وتدخل فيه السفن العظيمة الإفرنجية بوسقها من البحر المحيط حتى تحط عند سور إشبيلية
قال ابن سعيد وعلى هذا النهر من الضياع والقرى ما لا يبلغه وصف
الثاني نهر مرسيه
قال في تقويم البلدان وهو قسيم نهر إشبيلية يخرجان من جبال شقورة فيمر نهر إشبيلية مغربا على ما تقدم ويصب في البحر المحيط
ويمر نهر مرسية مشرقا حتى يصب في بحر الروم عند مرسية
الجملة الرابعة في الموجود بالأندلس
والظاهر أن كل ما يوجد ببلاد المغرب أو غالبه يوجد به
وقد ذكر في تقويم البلدان أنه يوجد به من الوحش الإيل والغزال وحمار الوحش
ولا يوجد به الاسد البته
وقد تقدم ذكر ما ببلدانه من الفواكه والثمار في الكلام على بلاده فأغنى عن أعادته هنا
قال في تقويم البلدان وبه عدة مقاطع رخام من الأبيض والأحمر والخمري والمجزع وغير ذلك (5/227)
الجملة الخامسة في ذكر ملوك الأندلس جاهلية وإسلاما وهم على طبقات
الطبقة الأولى ملوكها بعد الطوفان
قال الرازي في كتاب الاستيعاب في تاريخ الأندلس أول من ملكها بعد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون بالأندلس بالشين المعجمة وبهم سمي الاندلش ثم عرب بالسين المهملة وكانوا أهل تمجس فحبس الله عنهم المطر حتى غارت عيونها ويبست أنهارها فهلك أكثرهم وفر من قدر على الفرار منهم فأقفرت الاندلس وبقيت خالية مائة عام
وقال هروشيوش مؤرخ الروم أول من سكنها بعد الطوفان قوم يقال لهم الأباريون وهم من ولد طوبال بن يافث بن نوح عليه السلام سكنوها بعد الطوفان
قال في الروض المعطار ويقال إن عدد ملوكهم الذين ملكوا الأندلس مائة وخمسون ملكا
الطبقة الثانية الأشبانية ملكوا بعد طائفة الأندلش المتقدم الذكر
قال الرازي وأول من ملك منهم أشبان بن طيطش وهو الذي غزا الأفارقة وحصر ملكهم بطارقة ونقل رخامها إلى إشبيلية واتخذها دار ملكه وبه سميت وكثرت جموعه فعلا في الأرض وغزا من إشبيلية إيلياء وهي بيت المقدس بعد سنتين من ملكه خرج إليها في السفن فهدمها وقتل من اليهود مائة (5/228)
ألف
واسترق مائة ألف وفرق في البلاد مائة ألف ونقل رخام إيلياء والاتها وذخائرها إلى الأندلس
ويحكى أن الخضر عليه السلام وقف على أشبان هذا وهو يحرث أرضا له أيام حداثته فقال له يا أشبان إنك لذو شان وسوف يحظيك زمان ويعليك سلطان فإذا أنت تغلبت على إيلياء فارفق بورثة الأنبياء فقال له أشبان أساخر بي رحمك الله أنى يكون هذا وأنا ضعيف مهين فقير حقير فقال قدر ذاك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه فنظر أشبان إلى عصاه فراها قد أورقت فارتاع لذلك وذهب الخضر عنه وقد وقر ذلك في نفسه ووثق بكونه فترك الامتهان وداخل الناس وصحب أهل الباس وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيما ودام ملكه عشرين سنة واتصلت المملكة في بنيه إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكا
الطبقة الثالثة الشبونقات
وهي طائفة ثارت على الاندلس من رومة في زمن مبعث المسيح عليه السلام وملكوا الأندلس والإفرنجة معها وجعلوا دار مملكتهم ماردة واتصل ملكهم إلى أن ملك أربعة وعشرون ملكا
ويقال إن منهم كان ذو القرنين
والذي ذكره هروشيوش مؤرخ الروم أن الذي خرج عليهم من رومة ثلاث طوالع من الغريقيين
وهم الأنبيون والشوانيون والقندلش واقتسموا ملكها فكانت جليقية لقندلش ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية للشوانيين وكانت إشبيلية وقرطبة وجيان ومالقة للأنبيين حتى زحف عليهم القوط من رومة كما سيأتي (5/229)
الطبقة الرابعة القوط
خرجوا على الشبونقات فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من صاحب رومة وانفردوا بسلطانهم واتخذوا مدينة طليطلة دار ملكهم دخشوش ملك القوط وهو أول من تنصر من هؤلاء بدعاء الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرة
وقال هروشيوش إنه كان قد ولي عليهم ملك يقال له اطفالش
ثم ولي عليهم بعده ملك اسمه طشريك وقتله الرومانيون
ثم ولي مكانه ملك اسمه تالبه ثلاث سنين وزوج أخته من طودشيش ملك الرومانيين وصالحه على أن يكون له ما يفتحه من الأندلس ثم مات
وولي مكانه ملك اسمه لذريق ثلاث عشرة سنة فزحف على الأندلس وقتل ملوكها وطرد الطوائف الذين كانوا بها وبقي الحال على ذلك نحوا من ثمانين سنة ثم هلك لذريق
وولي مكانه ابنه وريقش سبع عشرة سنة وانتقض عليه البشكنس إحدى طوائف القوط فقهرهم وردهم إلى طاعته ثم هلك
وولي بعده الريك ثلاثا وعشرين سنة ثم قتل في حرب الفرنج
وولي عليهم أشتريك بن طودريك وهلك بعد خمس سنين من ملكه
وولي عليهم بعده بشليقش أربع سنين
ثم ملك بعده ملك اخر اسمه طوذريق إحدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه بإشبيلية (5/230)
وولي بعده ملك اسمه املريق خمس سنين ثم ولي بعده ملك اسمه طودش ثلاث عشرة سنة
ثم ولي بعده طود شكل سنتين
ثم ملك بعده ملك اسمه أيلة خمس سنين وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وردهم إلى طاعته
ثم ولي بعده ملك اسمه طنجاد خمس عشرة سنة
ثم ولي بعده ملك اسمه ليوبة سنة واحدة
ثم ولي بعده ملك اسمه لوبيلذه ثماني عشرة سنة وانتقضت عليه الأطراف فحاربهم وسكنهم ثم قتل
وولي ابنه رذريق ست عشرة سنة وهو الذي بنى البلاط المنسوب إليه بقرطبة
ولما هلك ولي بعده ملك اسمه ليوبة سنتين
ثم ولي بعده ملك اسمه بتريق سبع سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه عندمار سنتين
ثم ملك بعده ملك اسمه ششيوط ثمان سنين وعلى عهده كان هرقل ملك قسطنطينية والشام ولعهده كانت الهجرة
ثم ملك بعده ملك اسمه رذريق ثلاثة أشهر
ثم ملك بعده ملك اسمه شتنلة ثلاث سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه ششنادش خمس سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه خنشوند خمس سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه جنشوند ثلاثا وعشرين سنة
ثم ملك بعده ملك اسمه بانيه ثمان سنين
ثم ولي بعده ملك اسمه لوري ثمان سنين
ثم ملك بعده رجل اسمه أبقه ست عشرة سنة
ثم ملك بعده رجل اسمه أيقه ست عشرة سنة
ثم ولي بعده رجل اسمه غطسه أربع عشرة سنة (5/231)
ثم ولي بعده رجل اسمه لذريق سنتين وهو الذي غلبه المسلمون على الأندلس وفتحوها منه وهو اخر من ملك منهم
قال صاحب الروض المعطار وعدد من ملك منهم إلى اخرهم وهو لذريق ستة وثلاثون ملكا
الطبقة الخامسة ملوكها على أثر الفتح الإسلامي
وكان فتحها في خلافة الوليد بن عبد الملك أحد خلفاء بني أمية في سنة اثنتين وتسعين وكان من أمر فتحها أن طليطلة كانت دار الملك بالأندلس يومئذ وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكلوا به كي لا يفتح يعهد الأول بذلك للاخر كلما ملك منهم ملك زاد على ذلك البيت قفلا
فلما ولي لذريق الأخير عزم على فتح الباب والاطلاع على ما في البيت فأعظم ذلك أكابرهم وتضرعوا إليه في الكف فأبى وظن أنه بيت مال ففض الأقفال عنه ودخله فأصابه فارغا لا شيء فيه إلا تابوتا عليه قفل فأمر بفتحه فألفاه أيضا فارغا ليس فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول وعليهم العمائم متقلدو السيوف متنكبو القسي رافعو الرايات على الرماح وفي أعلاه كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي إذا كسرت هذه الأقفال عن هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها فوجم لذريق وعظم غمه وغم الأعاجم وأمر برد الأقفال وإقرار الحرس على حالهم
وكان من سير الأعاجم أن يبعث أكابرهم بأولادهم ذكورا كانوا أو إناثا إلى بلاط الملك ليتأدبوا بأدبه وينالوا من كرامته حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضا استئلافا لابائهم
وكان للذريق عامل على سبتة من بر العدوة يسمى يليان وله ابنة (5/232)
فائقة الجمال فوجه بها إلى دار لذريق على عادتهم في ذلك فوقع نظر لذريق عليها فأعجبته فاستكرهها على نفسها فاحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سرا فشق ذلك عليه وحلف ليزيلن سلطان لذريق ثم تلطف حتى اقتلع بنته من بيت لذريق ثم لم يلبث يليان أن كتب إلى موسى بن نصير أمير أفريقية من جهة الوليد بن عبد الملك يحرضه على غزو الأندلس وحثه على ذلك ووصف له من حسنها وفوائدها ما دعاه إلى ذلك وهون عليه أمر فتحها
فتوثق منه موسى بن نصير بذلك ودعا مولى له كان على مقدماته يقال له طارق بن زياد فعقد له وبعثه إليها في سبعة الاف وهيأ له يليان المراكب فعبر البحر وحل بجبل هناك يعرف الان بجبل طارق فوجد عجوزا من أهل الأندلس فقالت له إنه كان لي زوج عالم بالحدثان وكان يحدث عن أمير يدخل بلدنا هذا ويصفه بأنه ضخم الهامة وأنت كذلك وكان يقول إنه بكتفه الأيسر شامة عليها شعر فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة كما ذكرت العجوز فاستبشر بذلك
ويحكى أنه رأى وهو في المركب النبي والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتى مروا فبشره النبي بالفتح وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد فاستيقظ مستبشرا وتيقن الفتح وهجم البلد فملكها
وكان عسكره قد انتهى إلى اثني عشر ألفا إلا ستة عشر ولذريق في ستمائة ألف ( والله يؤيد بنصره من يشاء )
وأقام طارق بالأندلس حتى قدم إليها مولاه موسى بن نصير المتقدم ذكره في رجب من السنة المذكورة
وأقام موسى فيها سنتين ثم انصرف إلى القيروان واستخلف عليها ابنه عبد العزيز فنزل قرطبة واتخذها دار إمارة لهم وتوجه موسى سنة ست وتسعين بما سباه وما غنمه إلى الوليد بن عبد (5/233)
الملك ثم دس سليمان بن عبد الملك على عبد العزيز المذكور من قتله بالأندلس لاتهامه بموالاة أخيه الوليد
ثم وليها بعده عبد العزيز بن عبد الرحمن القيسي سنتين وثلاثة أشهر
ثم وليها السمح بن مالك الخولاني سنتين وتسعة أشهر
ثم وليها عنبسة بن سحيم الكلبي أربع سنين وخمسة أشهر
ثم وليها يحيى بن مسلمة سنتين وستة أشهر
ثم وليها حذيفة بن الأحوص القيسي سنة واحدة
ثم وليها عثمان بن أبي نسعة الخثعمي خمسة أشهر
ثم وليها الهيثم بن عبيد خمسة أشهر
ثم وليها عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي سنتين وثمانية أشهر
ثم وليها عبد الملك بن قطن الفهري أربع سنين
ثم وليها عقبة بن الحجاج خمس سنين وشهرين
ثم وليها مفلح بن بشر القيسي أحد عشر شهرا
ثم وليها حسام بن ضرار الكلبي سنتين
ثم وليها ثوابة الجذامي سنة واحدة
ثم وليها يوسف بن عبد الرحمن الفهري تسع سنين وتسعة أشهر
ثم كانت دولة بني أمية بالأندلس على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى (5/234)
الطبقة السادسة بنو أمية وكانت دار ملكهم بها مدينة قرطبة
وأول من ملكها منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ويعرف بعبد الرحمن الداخل
وذلك أن بني العباس لما تتبعوا بني أميه بالقتل هرب عبد الرحمن المذكور ودخل الأندلس واستولى عليها في سنة تسع وثلاثين ومائة من الهجرة وقصده بنو أمية من المشرق والتجأوا إليه
وتوفي في ربيع الاخر سنة إحدى وسبعين ومائة
وملك بعده ابنه هشام وتوفي سنة ثمان وسبعين ومائة
واستخلف بعده ابنه الحكم وفي أيامه استعاد الفرنج مدينة برشلونة في سنة خمس وثمانين ومائة وتوفي لأربع بقين من ذي الحجة سنة ست ومائتين
وأقام في الملك بعده ابنه عبد الرحمن وتوفي في في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين
وملك بعده ابنه محمد وتوفي في سلخ صفر سنة اثنتين وسبعين ومائتين وعمره خمس وستون سنة
وملك بعده ابنه المنذر وتوفي لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين
وبويع أخوه عبد الله يوم موته وتوفي في ربيع الأول سنة ثلثمائة
وولي بعده ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد المقتول ابن عبد الله المتقدم ذكره وخوطب بأمير المؤمنين وتلقب بالناصر بعد أن مضى من ولايته تسع وعشرون سنة عندما بلغه ضعف خلفاء العباسيين بالعراق وظهور الخلفاء (5/235)
العلويين بأفريقية ومخاطبتهم بأمير المؤمنين وتوفي في رمضان سنة خمسين وثلثمائة
وولي الأمر بعده ابنه الحكم وتلقب بالمستنصر وتوفي سنة ست وستين وثلثمائة
وعهد إلى ابنه هشام ولقبه المؤيد وبايعه الناس بعد أبيه فأقام إلى سنة تسع وتسعين وثلثمائة
ثم غلبه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر المتقدم ذكره وتلقب بالمهدي في جمادى الاخرة من السنة المذكورة
ثم غلبه سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر المتقدم ذكره فهرب محمد بن هشام المذكور واستولى على الخلافة في شوال من السنة المذكورة
ثم غلبه محمد بن هشام المهدي المذكور في منتصف شوال من السنة المذكورة
ثم عاد هشام بن الحكم المتقدم ذكره في سابع ذي الحجة من السنة المذكورة
ثم عاد سليمان بن الحكم المتقدم ذكره في منتصف شوال سنة ثلاث وأربعمائة ولقب بالمستعين
ثم غلبه المهدي محمد بن هشام المتقدم ذكره في أخريات السنة المذكورة
ثم غلبه المستعين على قرطبة ثم قتل المهدي محمد بن هشام المذكور وعاد هشام المؤيد إلى خلافته هذا كله والمستعين محاصر (5/236)
لقرطبة إلى أن افتتحها عنوة سنة ثلاث وأربعمائة وقتلوا المؤيد هشاما
ثم جاء علي بن حمود وأخوه قاسم من الأدارسة ملوك الغرب في عساكر من البربر فملكوا قرطبة سنة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين وأزالوا ملك بني أمية من الأندلس واتصل ذلك في خلفهم سبع سنين
ثم غلب علي بن حمود المرتضي بالله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك ابن المرتضي عبد الرحمن بن الناصر أمير المؤمنين
ثم اجتمعوا على رد الأمر لبني أمية ثم ولي بعد ذلك المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة
ثم غلب عليه المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر أمير المؤمنين
ثم رجع الأمر إلى يحيى بن علي بن حمود سنة ست عشرة وأربعمائة
ثم بويع للمعتمد بالله هشام بن محمد أخي المرتضي من بني أمية سنة ثمان عشرة وأربعمائة
وتوفي بها سنة ثمان وعشرين وانقطعت دولة الأموية من الأندلس والله وارث الأرض ومن عليها
الطبقة السابعة ملوك بني حمود من الأدارسة ملوك الغرب
كان في جملة جماعة المستعين سليمان بن الحكم الاموي المتقدم ذكره القاسم بن وعلي ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله ابن عمر بن إدريس بعد انقراض دولتهم بفاس وانتقالهم إلى غمارة وقيام رياستهم بها فعقد المستعين للقاسم على الجزيرة الخضراء من الأندلس ولعلي على طنجة وعملها من بر العدوة وطمعت نفس علي بن حمود صاحب طنجة في الخلافة وزعم أن المؤيد هشاما من بني أمية عند حصارهم إياه كتب له بعهد (5/237)
الخلافة فبايعوه بالخلافة وأجاز إلى مالقة فملكها ودخل قرطبة سنة سبع وأربعمائة وتلقب بالناصر لدين الله واتصلت دولته إلى أن قتله صقالبته بالحمام سنة ثمان وأربعمائة
فولي مكانه أخوه القاسم بن حمود الذي كان بطنجة وتلقب بالمأمون
ثم غلبه على ذلك يحيى ابن أخيه علي وزحف إلى قرطبة فملكها سنة ثنتي عشرة وأربعمائة وتلقب بالمعتلي وكانت له وقائع كان اخرها أن اتفقوا على تسليم المدائن والحصون له فعلا سلطانه واشتد أمره وأخذ في حصار ابن عباد بإشبيلية فكبا به فرسه وقتل وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة
ثم استدعى قومه أخاه إدريس بن علي بن حمود من سبته وطنجة فبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم له الأمر بمالقة وتلقب بالمتأيد بالله وبايعه أهل المرية وأعمالها ورندة والجزيرة ومات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة
وبايع البربر بعده حسن بن يحيى المعتلي ولقبوه المستنصر وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الأندلس ومات مسموما سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
وكان إدريس بن يحيى المعتلي معتقلا فأخرج وبويع له سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهما ولقب العالي ثم قتل محمدا وحسنا ابني عمه إدريس فثار السودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة فأسلموه (5/238)
وبويع محمد بن إدريس المتأيد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب بالمهدي وأقام بمالقة وأطاعته غرناطة وجيان وأعمالها ومات سنة أربع وأربعين وأربعمائة
وبويع إدريس بن يحيى بن إدريس المتأيد ولقب الموفق ولم يخطب له وزحف إليه إدريس المخلوع الملقب بالعالي ابن يحيى المعتلي من قمارش فبويع له بمالقة إلى أن هلك سنة سبع وأربعين
وبويع محمد الأصغر ابن إدريس المتأيد ولقب المستعلي وخطب له بمالقة والمرية ورندة وهلك سنة ستين وأربعمائة
وكان محمد بن القاسم بن حمود قد لحق بالجزيرة الخضراء سنة أربع عشرة وأربعمائة فملكها وتلقب بالمعتصم وبقي بها إلى أن مات سنة أربعين وأربعمائة
ثم ملكها من بعده ابنه القاسم ولقب الواثق وهلك سنة خمسين وصارت الجزيرة الخضراء للمعتضد بن عباد وانقرضت دولة بني حمود بالأندلس
الطبقة الثامنة ملوك الطوائف بالأندلس
لما اضمحل أمر الخلافة من بني أمية وبني حمود بعدهم بالأندلس وثب الأمراء على الجهات وتفرق ملك الأندلس في طوائف من الموالي والوزراء وكبار العرب والبربر وقام كل منهم بأمر ناحية وتغلب بعضهم على بعض (5/239)
وضعف أمرهم حتى أعطوا الإتاوة لملوك الفرنجة من بني أدفونش حتى أدركهم الله بأمير السلمين يوسف بن تاشفين
فأما إشبيلية وغرب الأندلس فاستولى عليهما بنو عباد
كان أولهم القاضي أبو القاسم محمد بن ذي الوزارتين أبي الوليد ابن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف ابن نعيم اللخمي واستبد بإشبيلية بعد فرار القاسم بن حمود عن قرطبة انتزعها من أبي زيري وكان واليا عليها من جهة القاسم بن حمود المذكور وبقي بها إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
ولما مات قام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد وطالت أيامه وتغلب على أكثر الممالك بغرب الأندلس وبقي حتى مات سنة إحدى وستين وأربعمائة
وولي مكانه ابنه أبو القاسم محمد الملقب بالمعتمد فجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة بقرطبة من يد ابن جهور وفرق أبناءه على قواعد الملك واستفحل ملكه بغرب الأندلس وغلب على من كان هناك من ملوك الطوائف وبقي حتى غلب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين على الأندلس فقبض عليه ونقله إلى أغمات قرية من قرى مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة واعتقله بها إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين وأربعمائة (5/240)
وأما قرطبة فاستولى عليها بنو جهور
وكان رئيس الجماعة بقرطبة أيام فتنة بني أمية أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور بن عبد الله بن محمد بن الغمر بن يحيى بن أبي المعافر بن أبي عبيدة الكلبي وأبو عبيدة هذا هو الداخل إلى الأندلس وكانت لهم وزارة بقرطبة بالدولة العامرية
ولما خلع الجند المقتدر بالله اخر خلفاء بني أميه بالأندلس استبد جهور بالأمر واستولى على المملكة بقرطبة سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة وكان على سنن أهل الفضل فأسندوا أمرهم إليه إلى أن يوجد خليفة ثم اقتصروا عليه فدبر أمرهم إلى أن هلك في المحرم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة
وولي مكانه ابنه أبو الوليد محمد بن جهور فخلعه أهل قرطبة سنة إحدى وستين وأربعمائة وأخرجوه ثم فوض التدبير إلى ابنه عبد الملك بن أبي الوليد فأساء السيرة فأخرجوه عن قرطبة فاعتقل بشلطيلش إلى أن مات سنة ثنتين وستين
وولي ابن عباد على قرطبة ابنه سراج الدولة وقتله ابن عكاشة سنة سبع وستين ودعا لابن ذي النون يحيى بن إسماعيل وقدمها ابن ذي النون من بلنسية وقتل بها مسموما
وزحف المعتمد بن عباد بعد مهلكه إلى قرطبة فملكها سنة أربع وثمانين وأربعمائة (5/241)
وأما بطليوس فكان بها عند فتنة بني أمية بالاندلس أبو محمد عبد الله بن مسلمة التجيبي المعروف بابن الأفطس واستبد بها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ثم هلك
فولي من بعده ابنه المظفر أبو بكر وعظم ملكه
وكان من أعظم ملوك الطوائف ومات سنة ستين وأربعمائة
وولي بعده ابنه المتوكل أبو حفص عمر بن محمد المعروف بساجة ولم يزل بها إلى أن قتله يوسف بن تاشفين سنة تسع وثمانين وأربعمائة بإغراء ابن عباد به
وأما غرناطة فملكها أيام الفتنة زاري بن زيري بن مياد ثم ارتحل إلى القيروان واستخلف على غرناطة ابنه فبدا لأهل غرناطة أن بعثوا إلى ابن أخيه حيوس بن ماكس بن زيري من بعض الحصون فوصل وملك غرناطة واستبد بها وتوفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة
وولي مكانه ابنه باديس وكانت بينه وبين بني عباد حروب وتوفي سنة سبع وستين وأربعمائة
وولي حافده المظفر أبو محمد عبد الله بن بلكين بن باديس وولى أخاه تميما بمالقة بعهده جده إلى أن خلعهما يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة (5/242)
وأما طليطلة فاستولى عليها بنو ذي النون
وذلك أن الظافر إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون الهواري تغلب أيام الفتنة على حصن أفلنتين سنة تسع وأربعمائة وكانت طليطلة ليعيش بن محمد بن يعيش وليها في أول الفتنة فلما مات سنة سبع وعشرين مضى إسماعيل الظافر إلى طليطلة فملكها وامتد ملكه إلى جنجالة من عمل مرسية ولم يزل بها إلى أن هلك سنة تسع وعشرين
فولي مكانه ابنه المأمون أبو الحسن يحيى فاستفحل ملكه وعظم بين ملوك الطوائف سلطانه ثم غلب على بلنسية وقرطبة ومات مسموما سنة سبع وستين وأربعمائة
وولي بعده طليطلة حافده القادر يحيى بن إسماعيل بن المأمون يحيى بن ذي النون
وكان الطاغية أدفونش ملك الفرنج بالأندلس قد استفحل أمره عند وقوع الفتنة بين ملوك الأندلس فضايق ابن النون حتى تغلب على طليطلة وخرج له عنها القادر يحيى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية فقبل شرطه وتسلمها الأدفونش ملك الفرنج وبقيت معه إلى الان أعادها الله تعالى إلى نطاق الإسلام
وأما شاطبة وما معها من شرق الأندلس فاستولى عليها العامريون
بويع للمنصور عبد العزيز بن الناصر عبد الرحمن بن أبي عامر بشاطبة سنة إحدى عشرة وأربعمائة أقامه الموالي العامريون عند الفتنة البربرية في زمن بني أمية فاستبد بها ثم ثار عليه أهل شاطبة فترك شاطبة ولحق يبلنسية فملكها وفوض أمره للموالي (5/243)
وكان خيران العامري من مواليهم قد تغلب قبل ذلك على أربونة سنة أربع وأربعمائة ثم ملك مرسية سنة سبع ثم جيان والمرية سنة تسع وبايعوا جميعا للمنصور عبد العزيز
ثم انتقض خيران على المنصور وسار إلى مرسية وأقام بها ابن عمه أبا عامر محمد بن المظفر بن المنصور بن أبي عامر وجمع الموالي على طاعته وسماه المؤتمن ثم المعتصم ثم أخرج منها ثم هلك خيران سنة تسع عشرة وأربعمائة
وقام بأمره بعده الأمير عميد الدولة أبو القاسم زهير العامري وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حيوس فقتله بظاهرها سنة تسع وعشرين وأربعمائة وصار ملكه للمنصور عبد العزيز صاحب بلنسية
وكان قائده صمادح وابنه معن يتوليان حروبه مع مجاهد العامري صاحب دانية فولى على المرية معن بن صمادح سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وغزا الموالي العامريين بشاطبه فغلبهم عليها
وولى على بلنسية ابنه عبد الملك فقام بأمره وجاهد المأمون بن ذي النون فغلبه على بلنسية وانتزعها منه سنة سبع وخمسين (5/244)
ولما مات المأمون وولي حافده القادر على ما تقدم ذكره ولى على بلنسية أبا بكر بن عبد العزيز بقية وزراء ابن أبي عامر فحسن له ابن هود الانتقاض على القادر ففعل واستبد بها سنة ثمان وستين وأربعمائة حين تغلب المقتدر على دانية ثم هلك لسنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايته
وولي ابنه القاضي عثمان فلما سلم القادر بن ذي النون طليطلة للأدفونش وزحف إلى بلنسية خلعوا القاضي عثمان خوفا من استيلاء ملك الفرنج عليها
ثم ثار على القادر سنة ثلاث وثمانين القاضي جعفر بن عبد الله بن حجاف فقتله واستبد بها ثم تغلب النصارى عليها سنة تسع وثمانين وقتلوه ثم جاءهم يوسف بن تاشفين
وأما معن بن صمادح قائد عبد العزيز بن أبي عامر فإنه أقام بالمرية لما ولاه المنصور سنة ثلاث وثلاثين وتسمى ذا الوزارتين ثم خلعه
وولى ابنه المعتصم أبا يحيى محمد بن معن بن صمادح سنة أربع وأربعين ولم يزل بها أميرا إلى أن مات سنة ثمانين وأربعمائة
وولي ابنه أحمد وبقي حتى خلعه يوسف بن تاشفين (5/245)
وأما سرقسطة والثغر فاستولى عليهما بقية بني هود إذ كان منذر بن يحيى بن مطرف بن عبد الرحمن بن محمد بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى بالأندلس وكانت دار إمارته سرقسطة
ولما وقعت فتنة البربر اخر أيام بني أمية استقل منذر هذا بسرقسطة والثغر وتلقب بالمنصور ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة
وولي مكانه ابنه يحيى وتلقب بالمظفر
وكان أبو أيوب سليمان بن محمد بن هود بن عبد الله بن موسى مولى أبي حذيفة الجذامي من أهل نسبهم مستقلا بمدينة تطيلة و لاردة من اول الفتنة
وجدهم هود هو الداخل إلى الأندلس فتغلب سليمان المذكور على المظفر يحيى ابن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وملك سرقسطة والثغر من أيديهم وتحول إليها وتلقب بالمستعين واستفحل ملكه ثم ملك بلنسية ودانية
وولي على لاردة ابنه أحمد المقتدر ومات سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
فولي ابنه أحمد الملقب بالمقتدر سرقسطة وسائر الثغر الأعلى وولى ابنه يوسف الملقب بالمظفر لاردة
ومات أحمد المقتدر سنة أربع وسبعين لتسع وثلاثين سنة من ملكه
فولي بعده ابنه يوسف المؤتمن وكان له اليد الطولى في العلوم الرياضية وألف فيها التاليف الفائقة مثل المناظر والاستكمال وغيرهما ومات سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
وولي بعده ابنه أحمد الملقب بالمستعين ولم يزل أميرا بسرقسطة إلى أن مات شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة في زحف ملك الفرنج إليها
وولي بعده ابنه عبد الملك وتلقب عماد الدولة وزحف إليه الطاغية أدفونش ملك الفرنج فملك منه سرقسطة وأخرجه منها واستولى عليها سنة ثنتي عشرة وخمسمائة ومات سنة ثلاث عشرة (5/246)
وولي ابنه أحمد وتلقب سيف الدولة والمستنصر وبالغ في النكاية في الطاغية ملك الفرنج ومات سنة ست وثلاثين وخمسمائة
وكان من ممالك بني هود هؤلاء طرطوشة وقد كان ملكها مقاتل أحد الموالي العامريين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ومات سنة خمس وأربعين
وملكها بعده نبيل أحدهم إلى أن نزل عنها لعماد الدولة أحمد بن المستعين سنة ثنتين وخمسين وأربعمائة فلم تزل في يده ويد بنيه بعده إلى أن غلب عليها العدو المخذول فيما غلب عليه من شرق الأندلس
وأما دانية وميورقة فاستولى عليهما مجاهد بن علي بن يوسف مولى المنصور بن أبي عامر وذلك أنه بعد الفتنة كان قد ملك طرطوشة ثم تركها وسار إلى دانية واستقر بها وملك ميورقة ومنورقة وبياسة واستقل بملكها سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وولى عليها ابن أخيه عبد الله ثم ولى عليها بعد ابن أخيه مولاه الأغلب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة
وهلك مجاهد سنة ست وثلاثين وأربعمائة
وولي ابنه علي وتلقب إقبال الدولة ودام ملكه ثلاثا وثلاثين سنة ثم غلبه المقتدر بن هود على دانية سنة ثمان وستين وأربعمائة ونقله إلى سرقسطة فمات قريبا من وفاة المقتدر سنة أربع وسبعين وأربعمائة وبقي الأغلب مولى مجاهد على ميورقة وكان كثير الغزو في البحر فاستأذن علي بن مجاهد في الغزو واستخلف على ميورقة صهره سليمان بن مشكيان نائبا عنه فأقام سليمان خمس سنين ثم مات فولى علي بن مجاهد مكانه مبشرا وتسمى ناصر الدولة فأقام (5/247)
خمس سنين وانقرض ملك علي بن مجاهد وتغلب عليه المقتدر بن هود فاستقل مبشر بميورقة ولم يزل يردد الغزو إلى بلاد العدو حتى جمع له طاغية برشلونة وحاصره بميورقة عشرة أشهر ثم اقتلعها منه واستباحها سنة ثمان وخمسمائة وكان مبشر قد بعه بالصريخ إلى علي بن يوسف صاحب المغرب فلم يواف أسطوله بالمدد إلا بعد تغلب العدو عليها وموت مبشر فلما وصل العساكر والأسطول دفعوا عنها العدو وولى على بن يوسف عليها من قبه وانود بن أبي بكر اللمتوني ثم عسف بهم فولى عليها يحيى بن علي بن إسحاق ابن غانية صاحب غرب الأندلس فبعث إليها أخاه محمد بن علي فأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخوه يحيى وسلطانهم علي بن يوسف واستقرت ميورقة في ملك بني غانية وكانت لهم بها دولة ثم ملكها الموحدون وانقرض أمر بني غانية وبقيت في أيدي الموحدين حتى ملكها الفرنج من أيديهم اخر دولتهم
وأما غرناطة فاستولى عليها زاري بن زيري بن مياد الصنهاجي ثم عن له أن قدم على المعز بن باديس صاحب أفريقية وهو حفيد أخيه بلكين فقدم عليه واستخلف مكانه بغرناطة ابنا له فأساء السيرة فيهم فأرسلوا إلى ابن عمه حيوس بن ماكس بن زيري فحضر إليهم فبايعوه وعظم فيها سلطانه إلى أن مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة
وولي من بعده ابنه باديس بن حيوس وتلقب بالمظفر وهو الذي مصر غرناطة واختط قصبتها وشيد قصورها وحصن أسوارها ومات سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقد ظهر أمر المرابطين بالمغرب
وولي من بعده حافده عبد الله بن بلكين بن باديس فبقي بها إلى أن أجاز (5/248)
يوسف بن تاشفين إلى الأندلس ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة فقبض على عبد الله المذكور
الطائفة التاسعة ملوك المرابطين من لمتونة ملوك الغرب المتغلبين على الأندلس
لما غلب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أمير المرابطين على بلاد المغرب واستولى عليها وكان الأندلس قد تقسم بأيدي ملوك الطوائف كما تقدم وكان الطاغية ابن الأدفونش ملك الجلالقة قد طمع في بلاد الأندلس بعث أهل الأندلس إلى أمير المسلمين يستصرخون به فلبى دعوتهم وسار إلى الأندلس
ونزل الجزيرة الخضراء في سنة تسع وسبعين وأربعمائة ودفع الأدفونش وسار تارة ببلاد المغرب وتارة ببلاد الأندلس وملك إشبيلية وبلنسية واستقل عبد الله بن بلكين عن غرناطة وأخاه تميما عن مالقة وغلب المعتمد بن عباد على جميع عمله واستنزل ابنه المأمون عن قرطبة وابنه الراضي عن رندة وقرمونة وانتزع بطليوس من صاحبها عمر بن الأفطس وانتزع عامة حصون الأندلس من أيدي ملوك الطوائف ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين بن هود وانتظمت بلاد الأندلس في ملكه وانقرض ملك الطوائف أجمع منها واستولى على العدوتين وخاطب المستظهر الخلفية العباسي ببغداد في زمنه فعقد له على المغرب والأندلس وكتب له بذلك عهدا وأرسله إليه ولم يزل الأمر على ذلك حتى توفي سنة خمسمائة
وقام بالأمر بعده ابنه علي بن يوسف وفي أيامه تغلب الأدفونش على سرقسطة واستولى عليها (5/249)
وعقد علي بن يوسف لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وخمسمائة وأنزله قرطبة وإشبيلية وعقد لأبي بكر بن إبراهيم على شرق الأندلس وأنزله بلنسية وعقد لابن غانية على الجزائر الشرقية دانية وميورقة ومنورقة
وبقي الأمر على ذلك إلى أن غلب الموحدون على بلاد المغرب وانتزعوها من يد تاشفين بن علي في سنة إحدى وخمسين وملكوها
ثم عقد عبد المؤمن أمير الموحدين لابنه أبي يعقوب على إشبيلية ولابنه أبي سعيد على غرناطة ثم كانت أيام يوسف بن عبد المؤمن فغزا الأندلس ثم رجع إلى إشبيلية سنة ثمان وستين وولى عمه يوسف على بلنسية وعقد لأخيه أبي سعيد على غرناطة وعقد على قرطبة لأخيه الحسن وعلى إشبيلية لأخيه علي
ثم عقد لأبي زيد ابن أخيه أبي حفص على غرناطة ولابن أخيه أبي محمد عبد الله بن أبي حفص على مالقة
ثم عقد لابنه أبي إسحاق على إشبيلية ولابنه يحيى على قرطبة ولابنه أبي يزيد على غرناطة ولابنه أبي عبد الله على مرسية
وقتل في قتال النصارى في صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
وولي ابنه أبو يعقوب ورغب ابن أدفونش في مهادنته فهادنه
وعقد على إشبيلية للسيد أبي زيد بن الخليفة وعلى بطليوس لأبي الربيع بن أبي حفص وعلى غرب الأندلس لأبي عبد الله بن أبي حفص
ورجع إلى مراكش سنة أربع وتسعين وخمسمائة ومات بعدها
وولي ابنه الناصر محمد بن المنصور ونزل إشبيلية وذلك في صفر سنة تسع وستمائة ثم رجع إلى مراكش فمات بها
وولي بعده ابنه المستنصر يوسف وكان الوالي بمرسية أبا محمد عبد الله بن المنصور فدعا لنفسه وتسمى بالعادل وكان إخوته أبو العلاء صاحب قرطبة وأبو الحسن صاحب غرناطة وأبو موسى صاحب مالقة فبايعوه سرا وخرج من مرسية إلى إشبيلية فدخلها وبعث إليه الموحدون بالبيعة ودخل مراكش فكانت (5/250)
بالأندلس فتن اخرها أن ثار ابن هود على الأندلس واستولى عليه وأخرج منه الموحدين
الطائفة العاشرة بنو الأحمر ملوك الأندلس إلى زماننا هذا
وقد تعرض القاضي شهاب الدين بن فضل الله إلى الذي كان في زمانه منهم وهو يوسف ولم ينسبه غير أنه قال إنه من ولد قيس بن سعد بن عبادة
ثم ذكر أنه فاضل له يد في الموشحات
واعلم أن بني الأحمر هؤلاء أصلهم من ارجونة من حصون قرطبة وينتسبون إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج ولم أقف على نسبهم إليه ويعرفون ببني نصر وكان كبيرهم اخر دولة الموحدين الشيخ أبو دبوس محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر وأخوه إسماعيل وكان لهما وجاهة ورياسة في تلك الناحية
ولما ضعف أمر الموحدين بالأندلس واستقل بالأمر محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية وقام بدعوة العباسية بالأندلس وتغلب على جميع شرق الأندلس ثار محمد بن يوسف بن نصر جد بني الأحمر على محمد بن يوسف بن هود وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة على الدعاء للأمير أبي زكريا يحيى صاحب أفريقية من بقية الموحدين وأطاعته جيان وشريش في السنة الثانية من مبايعته
ثم بايع لابن هود سنة إحدى وثلاثين عند وصول تقليد الخليفة من بغداد لابن هود
ثم تغلب على إشبيلية سنة اثنتين وثلاثين واستعيدت منه بعد شهر ورجعت لابن هود ثم تغلب على غرناطة سنة خمس وثلاثين وبايعوه وهو بجيان فقدم إليها ونزلها وابتنى بها حصن الحمراء منزلا له وهو المعبر عنه بالقصبة الحمراء وهي القلعة ثم تغلب على مالقة وأخذها من يد عبد الله بن زنون الثائر بها بعد (5/251)
مهلك ابن هود ثم أخذ المرية من يد محمد بن الرميمي وزير ابن هود الثائر بها سنة ثلاث وأربعين
ثم بايعه أهل لورقة سنة ثلاث وستين وانتزعها ممن كانت بيده
وفي أيامه وأيام ابن هود الثائر استعاد العدو المخذول من المسلمين أكثر بلاد الأندلس وحصونه وهي بيدهم إلى الان فإنا لله وإنا إليه راجعون
وبقي حتى مات سنة إحدى وسبعين وستمائة
وقام بأمره من بعده ابنه الفقيه محمد ابن الشيخ محمد بن يوسف واستجاش بني مرين ملوك المغرب على أهل الكفر فلبوه بالإجابة وكان لهم مع طاغية الكفر وقائع أبلغت فيهم التأثير وبلغت فيهم حد النكاية وبقي حتى هلك سنة إحدى وسبعمائة
وولي من بعده ابنه محمد المخلوع ابن محمد الفقيه
ثم غلب عليه أخوه أبو الجيوش نصر بن محمد الفقيه واعتقله سنة ثمان وسبعمائة واستولى على مملكته فأساء السيرة في الرعية والصحبة لمن عنده من غزاة بني مرين
فبايعوا أبا الوليد إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وزحف من مالقة إلى غرناطة فهزم عساكر أبي الجيوش فصالحه على الخروج إلى وادياش ولحق بها فجدد له بها ملكا إلى أن مات سنة ثنتين وعشرين وسبعمائة فدخل أبو الوليد إلى غرناطة وملكها وكان بينه وبين ملك قشتالة من ملوك النصارى واقعة بظاهر غرناطة ظهرت فيها معجزة من معجزات الدين لغلبة المسلمين مع قلتهم المشركين مع العدد الكثير وغدر به بعض قرابته من بني نصر فطعنه عندما انفض مجلسه بباب داره فقتله
وبويع لابنه محمد بن أبي الوليد إسماعيل فاستولى عليه وزيره محمد ابن المحروق وغلب عليه حتى قتله بمجلسه غدرا في سنة تسع وعشرين وسبعمائة واستبد بأمر ملكه واستجاش بني مرين على طاغية الكفر حتى (5/252)
استرجع جبل الفتح من أيديهم سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة وغدروا به بعد رجوعه من الجبل المذكور إلى غرناطة فقتلوه بالرماح
وقدموا مكانه أخاه أبا الحجاج يوسف بن أبي الوليد إسماعيل وهو الذي ذكر في التعريف أنه كان في زمانه
وفي أيامه تغلب النصارى على الجزيرة الخضراء وأخذوها وأخذوا صلحا سنة ثلاث وأربعين بعد حروب عظيمة قتل ولد السلطان أبي الحسن المريني في بعضها وكان هو بنفسه في بعضها
ولم يزل حتى مات يوم الفطر سنة خمس وخمسين وسبعمائة طعن في سجوده في صلاة العيد وقتل للحين قاتله
وولي مكانه ابنه محمد بن يوسف وقام بأمره مولاهم رضوان الحاجب فغلبه عليه وحجبه
وكان أخوه إسماعيل ببعض قصور الحمراء وكانت له ذمة وصهر من محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد فسلط محمد هذا بعض الزعانفة فتسور حصن الحمراء على الحاجب فقتله وأخرج صهره إسماعيل ونصبه للملك وخلع أخاه السلطان محمدا وكان بروضة خارج الحمراء ففر إلى السلطان أبي سالم بن أبي الحسن المريني ملك المغرب فأحسن نزله وأكرمه
واستقل أخوه إسماعيل بن يوسف بالملك في ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان المعظم قدره سنة ستين وسبعمائة وأقام السلطان إسماعيل في الملك بالأندلس إلى أن مات أول سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
وأقيم مكانه أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل وبايعه الناس ومات سنة أربع وتسعين وسبعمائة (5/253)
وبويع ابنه محمد وهو محمد بن يوسف بن محمد المخلوع بن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وقام بأمره محمد الخصاصي القائد من جماعة أبيه وقد شغل الله طاغية الكفر بما وقع بينه وبين أخيه من الفتن المستأصلة فامتنع صاحب الأندلس عما كان يؤديه من الإتاوة للنصارى في كل سنة وامتنع ذلك من استقبال سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة وإلى هذا الوقت
( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال )
واعلم أنه لما افتتح المسلمون الأندلس أجفلت أمم النصرانية أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف وتجاوزوا الدروب من وراء قشتالة واجتمعوا بجليقية وملكوا عليهم بلاية بن قاقلة فأقام في الملك تسع عشرة سنة وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة
وولي ابنه قاقلة سنتين ثم هلك فولوا عليهم بعده أدفونش بن بطرة من الجلالقة أو القوط واتصل الملك في عقبه إلى الان فجمعهم أدفونش المذكور على حماية ما بقي من أرضهم بعد ما ملك المسلمون عامتها وانتهوا إلى جليقية وهلك سنة ثنتين وأربعين ومائة لثمان عشرة سنة من ملكه
وولي بعده ابنه فرويلة إحدى عشرة سنة قوي فيها سلطانه وقارنه اشتغال عبد الرحمن الداخل أول خلفاء بني أمية بتمهيد أمره فاسترجع مدينة لك وبرتقال وسمورة وسلمنقة وشقوبية وقشتالة بعد أن فتحها المسلمون وصارت في مملكتهم وهلك سنة ثنتين وخمسين
وولي ابنه أور بن فرويلة ست سنين وهلك سنة ثمان وخمسين (5/254)
وولي ابنه شبلون عشر سنين وهلك سنة ثمان وستين
فولوا من بني أدفونش مكانه رجلا اسمه أدفونش فوثب عليه مورفاط فقتله وملك مكانه سبع سنين
ثم ولي منهم اخر اسمه أدفونش ثنتين وخمسين سنة وهلك سنة سبع وعشرين ومائتين
فولي ابنه ردمير واتصل الملك في عقبه على التوالي إلى أن ولي منهم ردمير بن أردون اخر ملوكهم المستبدين بأمرهم
قال ابن حيان في تاريخ الأندلس وكانت ولايته بعد ترهب أخيه أدفونش الملك قبله وذلك سنة تسع عشرة وثلثمائة في زمن الناصر الأموي الخليفة بالأندلس وتهيأ للناصر الظهور عليه إلى أن كانت وقعة الخندق سنة سبع وثلاثين وثلثمائة وحصل للمسلمين فيها الابتلاء العظيم وهلك ردمير سنة تسع وثلاثين وثلثمائة
وولي أخوه شانجة وكان معجبا تياها فوهن ملكه وضعف سلطانه ووثب عليه قوامس دولته وهم ولاة الأعمال من قبل الملك الأعظم فلم ينتظم لبني أدفونش بعدها ملك مستقل في الجلالقة إلا بعد حين وصاروا كملوك الطوائف
قال ابن حيان وذلك أن فردلند قومس ألية والقلاع وكان أعظم القوامس انتقض على شانجة المتقدم ذكره ونصب للملك مكانه ابن عمه أردون بن أدفونش واستبد عليه فمالت النصرانية عن شانجة إليه وظاهرهم ملك البشكنس على شانجة ووفد شانجة على الناصر الأموي بقرطبة صريخا فجهز معه عساكر واستولى على سمورة فملكها وأنزل المسلمين بها واتصلت الحرب بين شانجة وفردلند القومس
وفي خلال ذلك ولي الحكم المستنصر الأموي ثم هلك شانجة بن أدفونش ببطليوس
وقام بأمرهم بعده ابنه ردمير وهلك أيضا فردلند قومس ألية والقلاع (5/255)
وقام بأمره بعده ابنه غريسة ومات الحكم المستنصر فقوي سلطان ردمير وعظمت نكايته في المسلمين إلى أن قيض الله لهم المنصور بن أبي عامر حاجب هشام فأثحن في عمل ردمير وغزاه مرارا وحاصره وافتتح شنت مانكس وخربها فتشاءمت الجلالقة بردمير ورجع إلى طاعة المنصور سنة أربع وسبعين وثلثمائة وهلك على أثرها فأطاعت أمه
واتفقت الجلالقة على برمند بن أردون فعقد له المنصور على سمورة وليون وما اتصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر الأخضر فقبل ثم انتقض فغزاه المنصور سنة ثمان وسبعين وثلثمائة فافتتح ليون وسمورة ولم يبق بعدها للجلالقة إلا حصون يسيرة بالجبل الحاجز بينهم وبين البحر الأخضر ولم يزل المنصور به حتى ضرب عليه الجزية وأنزل المسلمين مدينة سمورة سنة تسع وثمانين وثلثمائة وولى عليها أبا الأحوص معن بن عبد العزيز التجيبي وسار إلى غرسية بن فردلند صاحب ألية فملك عليه لشبونة قاعدة غليسية وخربها وهلك غرسية
وفولي ابنه شانجة فضرب عليه الجزية وصارت الجلالقة بأجمعهم في طاعة المنصور وهم كالعمال له
ثم انتقض برمند بن أردون فغزاه المنصور حتى بلغ شنت ياقب مكان حج النصارى ومدفن يعقوب الحواري من أقصى غليسية فأصابها خالية فهدمها ونقل أبوابها إلى قرطبة فجعلها في نصف الزيادة التي أضافها إلى المسجد الأعظم
ثم افتتح قاعدتهم شنتمرية سنة خمس وثمانين وثلثمائة ثم هلك برمند بن أردون ملك بني أدفونش
وولي ابنه أدفونش وهو سبط غرسية بن فردلند صاحب ألية وكان صغيرا فكفله منند بن غند شلب قومس غليسية إلى أن قتل منند غلية سنة ثمان (5/256)
وتسعين وثلثمائة فاستقل أدفونش بأمره وطلب القواميس المتعذرين على أبيه وعلى من سلف من قومه مثل بني أرغومس وبني فردلند المتقدم ذكرهم بالطاعة فأطاعوا ودخلوا تحت أمره
ثم جاءت الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فضعف أمر المسلمين وتغلب النصارى على ما كان المنصور تغلب عليه بقشتالة وجليقية ولم يزل أدفونش بن برمند ملكا على جليقية وأعمالها ثم كان الملك من بعده في عقبه إلى أن كان ملوك الطوائف وتغلب المرابطون ملوك الغرب من لمتونة على ملوك الطوائف بالأندلس على ما سيأتي في الكلام على مكاتبة ابن الأحمر ملك المسلمين بالأندلس
وفي بعض التواريخ أن ملك قشتالة الذي ضرب الجزية على ملوك الطوائف في سني خمسين وأربعمائة هو البيطبين وأنه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند وغرسية وردمير
وولي أمرهم فردلند ثم هلك وخلف شانجة وغرسية والفنش فتنازعوا ثم خلص الملك للفنش واستولى على طليطلة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وعلى بلنسية سنة تسع وثمانين وأربعمائة ثم ارتجعها المرابطون من يده حتى استعادها النصارى سنة ست وثلاثين وستمائة
وهلك الفنش سنة إحدى وخمسمائة
وقام بأمر الجلالقة بنته وتزوجت ردمير ثم فارقته وتزوجت بعده قمطا من أقماطها فأتت منه بولد كانوا يسمونه السليطين
وأوقع ابن ردمير بابن هود سنة ثلاث وخمسمائة الواقعة التي استشهد فيها وملك منه سرقسطة
وفي بعض التواريخ أن النصارى في زمن المنصور أبي يعقوب ابن امير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائرا بين ثلاثة من ملوكهم الفنش والبيبوح وابن الزند وكبيرهم الفنش (5/257)
ولما فشلت ريح بني عبد المؤمن في زمن المستنصر بن الناصر استولى الفنش على جميع ما فتحه المسلمون من معاقل الأندلس ثم هلك الفنش
وولي ابنه هراندة وكان أحول وبذلك يلقب فارتجع قرطبة وإشبيلية من أيدي المسلمين
وزحف ملك أرغون في زمنه فاستولى على ماردة وشاطبة ودانية وبلنسية وسرقسطة والزهراء والزاهرة وسائر القواعد والثغور الشرقية وانحاز المسلمون إلى سيف البحر وملكوا عليهم ابن الأحمر بعد ولاية ابن هود
وكان استرجاع الطاغية ماردة سنة ست وعشرين وستمائة وميورقة سنة سبع وعشرين وبلنسية سنة ست وثلاثين وسرقسطة وشاطبة قبل ذلك بزمن طويل
ثم هلك هراندة وولي ابنه شانجة ثم هلك سنة ثلاث وتسعين
وولي ابنه هراندة وكان بينه وبين عساكر يعقوب بن عبد الحق سلطان الغرب الواصلة إلى الأندلس حروب متصلة الغلب فيها لعساكر ابن عبد الحق ثم خرج على هراندة هذا ابنه شانجة فوفد هراندة على السلطان يعقوب بن عبد الحق فقبل يده واستجاشه على ولده شانجة فقبل وفادته وأمده بالمال والعساكر ورهن عنده على المال التاج المعروف من ذخائر سلفهم فهو عند بني عبد الحق إلى الان
ثم هلك هراندة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة واستقل ابنه شانجة بالملك ووفد على يوسف بن يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب ابن عبد الحق وعقد معه الهدنة ثم نقض واستولى على مدينة طريف سنة ثلاث وتسعين وستمائة ثم هلك سنة ثنتي عشرة وسبعمائة (5/258)
فولي ابنه بطرة صغيرا وكفله عمه جوان وهلكا جميعا على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة
فولي ابنه الهنشة بن بطرة صغيرا وكفله زعماء دولته ثم استقل بأمره وهلك محاصرا جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة في الطاعون الجارف
وولي ابنه بطرة وفر ابنه القمط إلى برشلونة فاستجاش صاحبها على أخيه بطرة فأجابه وزحف إليه بطرة فاستولى على كثير من بلاده ثم كان الغلب للقمط سنة ثمان وستين وسبعمائة واستولى على بلاد قشتالة وزحفت إليهم أمم النصرانية ولحق بطرة بأمم الفرنج الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية وبرطانية إلى ساحل البحر الأخضر وجزائره فزوج بنته من ابن ملكهم الأعظم المعروف بالبنس غالس وأمده بأمم لا تحصى فملك قشتالة والقرنتيرة واتصلت الحرب بعد ذلك بين بطرة وأخيه القمط إلى أن غلبه القمط وقتله سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة واستولى القمط على ملك بني أدفونش أجمعه واستقام له أمره قشتالة ونازعه البنس غالس ملك الإفرنجة بابنه الذي هو من بنت بطرة وطلب له الملك على عادتهم في تمليك ابن البنت واتصلت الحرب بينهما وشغله ذلك عن المسلمين فامتنعوا عن أداء الإتاوة التي كانوا يؤدونها إلى من كان قبله وهلك القمط سنة إحدى وثمانين وسبعمائة
فولي ابنه دن جوان وفر أخوه غريس ولحق بالبرتغال واستجاش على أخيه بجموع كثيرة ثم رجع إليه واصطلح عليه ثم هلك دن جوان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ونصب قومه في الملك ابنه بطرة صبيا صغيرا لم يبلغ الحلم وقام بكفالته وتدبير دولته اليركيش خال جده القمط بن الهنشه والأمر على ذلك إلى الان وفتنهم مع البنس غالس ومع الفرنج متصلة وأيديهم عن المسلمين مكفوفة (5/259)
( والله من ورائهم محيط )
قلت والممالك القائمة بجزيرة الأندلس الان من ممالك النصرانية أربع ممالك
المملكة الأولى مملكة قشتالة
التي عليها سياقة الحديث إلى أن صارت إلى بطرة بن دن جوان المتقدم ذكره
وهي مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طيطلة واشبيلية وقشتالة وغليسية والقرنبيرة وهي بسط من الغرب إلى الشرق ويقال لملكها الأدفونش والعامة تسميه الفنش
المملكة الثانية مملكة البرتغال
وهي في الجانب الغربي من قشتالة وهي عمالة صغيرة تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس وهي الان من أعمال جليقية إلا أن صاحبها متميز بسمته وملكه
المملكة الثالثة مملكة برشلونة
وهي بجهة شرق الاندلس وهي مملكة كبيرة وعمالات واسعة تشتمل على برشلونة وأرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة وكان ملكهم بعد العشرين والسبعمائة اسمه بطرة وطال عمره وهلك سنة سبع وثمانين وسبعمائة وانفرد أخوه الدك بملك سرقسطة مقاسما لأخيه ثم سار بعد (5/260)
ذلك في أسطول فملك جزيرة صقلية من أيدي أهلها وصارت داخلة في أعمالهم
المملكة الرابعة مملكة نبرة مما يلي قشتالة من جهة الشرق فاصلا بين عمالات ملك قشتالة وعمالات ملك برشلونة
وهي عمالة صغيرة وقاعدتها مدينة ينبلونة وملكها ملك البشكنس
أما ما وراء الأندلس من الفرنج فأمم لا تحصى وسيأتي الكلام على ذكر ملكهم الأكبر ريدفرنس فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة
أما مملكة المسلمين فلا يخفى أنها في معنى بلاد المغرب
وفي كثير من الأوقات يملكهم ملوك المغرب الأقصى فبالضرورة إن ترتيبهم جار على ترتيب بلاد الغرب
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن أهل الأندلس في الجملة لا يتعممون بل يتعهدون شعورهم بالتنظيف والحناء ما لم يغلب الشيب ويتطيلسون فيلقون الطيلسان على الكتف أو الكتفين مطويا طيا ظريفا والمتع مم فيهم قليل ويلبسون الثياب الرفيعة الملونة من الصوف والكتان ونحو ذلك وأكثر لباسهم في الشتاء الجوخ وفي الصيف البياض
قال وأرزاق الجند به ذهب بحسب مراتبهم وأكثرهم من بر العدوة من بني مرين وبني عبد الواد وغيرهم
والسلطان مسكنه القصور الرفيعة ويقعد السلطان للناس بدار العدل في مكان يعرف بالسبيكة من القصبة الحمراء التي هي القلعة يوم الاثنين ويوم الخميس صباحا ويحضر معه المجلس الرؤساء من أقاربه ونحوهم ويقرأ بمجلسه عشر من القران وشيء من الحديث النبوي ويأخذ الوزير القصص من الناس فتقرأ عليه
وأما (5/261)
الحرب فإنهم فيها سجال تارة لهم وتارة عليهم والنصر في الأغلب للمسلمين على قلتهم وكثرة عدوهم بقوة الله تعالى
وبالبلاد البحرية أسطول الحراريق المفرق في البحر الشامي يركبها الأنجاد من الرماة والرؤساء المهرة فيقاتلون العدو على ظهر البحر وهم الظافرون في الغالب ويغيرون على بلاد النصارى بالساحل وما هو بقربه فيأسرون أهلها ذكورهم وإناثهم ويأتون بهم بلاد المسلمين فيبرزون بهم ويحملونهم إلى غرناطة إلى السلطان فيأخذ منهم ما يشاء ويهدي ويبيع
وقد كانت لهم وقيعة في الإفرنج سنة تسع عشرة وسبعمائة على مرج غرناطة قتل فيها من الإفرنج أكثر من ستين ألفا وملكان وهما بطرة وجوان عمه ففديت جيفة جوان بأموال عظيمة
وحملت جثة بطرة إلى غرناطة فعلقت على باب قلعتها في تابوت واستمرت معلقة هناك وحاز المسلمون غنيمة من أموالهم قلما يذكر مثلها في تاريخ ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم )
وقد تقدم في المقالة الأولى في الكلام على النوع الرابع مما يحتاج إليه الكاتب وهو حفظ كتاب الله تعالى أن بعض ملوك الفرنج إلى ابن الأحمر صاحب غرناطة كتابا يهدده فيه فكان جوابه أن قلبه وكتب على ظهره ( ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون )
وأما ملوك الفرنج به فعلى ترتيب سائر ممالك الفرنج مما هو غير معلوم لنا (5/262)
الفصل الثالث من المقالة الثانية في الجهة الجنوبية عن مملكة الديار المصرية من مصر والشام والحجاز ومضافاتها مما هو واقع في الثاني والثالث والرابع من الأقاليم السبعة
اعلم أنه قد دخل في جهتي الشرق والغرب المتقدمتين ذكر أماكن مما هو في جهة الجنوب على مملكة الديار المصرية ومضافاتها انساق الكلام إليها استطرادا واستتباعا كأطراف اليمن والهند والصين الجنوبية الخارجة عن الإقليم الثاني إلى جهة الجنوب مما استتبعته ممالك الشرق والمقصود الان الكلام على ما عدا ذلك وهو بلاد السودان
وهي بلاد متسعة الارجاء رحبة الجوانب حدها من الغرب البحر المحيط الغربي ومن الجنوب الخراب مما يلي خط الاستواء ومن الشرق بحر القلزم مما يقابل بلاد اليمن والأمكنة المجهولة الحال شرقي بلاد الزنج في جنوبي البحر الهندي ومن الشمال البراري الممتدة فيما بين الديار المصرية وأرض برقة وبلاد البربر من جنوبي المغرب إلى البحر المحيط
والمشهور منها ست مماليك
المملكة الأولى بلاد البجا
والبجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الاخر
وهم من أصفى السودان لونا
قال ابن سعيد وهم مسلمون ونصارى وأصحاب أوثان ومواطنهم (5/263)
في جنوبي صعيد مصر مما يلي الشرق فيما بين بحر القلزم وبين نهر النيل على القرب من الديار المصرية
وقاعدتهم سواكن بفتح السين المهملة والواو وكسر الكاف ونون في الاخر
وقال في تقويم البلدان في الكلام على بحر القلزم وهي بليدة للسودان حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض إحدى وعشرون درجة
قلت وقد أخبرني من راها أنها جزيرة على طرف بحر القلزم من جهته الغربية قريبة من البر يسكنها التجار
وصاحبها الان من العرب المعروفين بالحداربة بالحاء والدال المهملتين المفتوحتين وألف ثم راء مهملة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الاخر وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ويقال في تعريفه الحدربي بضم الحاء وسكون الدال وضم الراء على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى
وقد عد في تقويم البلدان من مدن البجا العلاقي بفتح العين المهملة واللام المشددة ثم ألف وقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت
من اخر الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض ست وعشرون درجة
قال في تقويم البلدان وهي بالقرب من بحر القلزم ولها مغاص ليس بالجيد وبجبلها معدن ذهب يتحصل منه بقدر ما ينفق في استخراجه
قال المهلبي إذا أخذت من أسوان في سمت المشرق تصل إلى العلاقي بعد اثنتى عشرة مرحلة
قال وبين العلاقي وعيذاب ثمان مراحل ومن العلاقي يدخل إلى بلاد البجا
المملكة الثانية بلاد النوبة
بضم النون وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وهاء في الاخر
ولون بعضهم يميل إلى الصفاء وبعضهم شديد السواد
قال في مسالك الأبصار وبلادهم مما يلي مصر في نهاية جنوبيها ممايلي المغرب على ضفتي النيل الجاري (5/264)
إلى مصر
قال في تقويم البلدان في الكلام على الجانب الجنوبي وبينها وبين بلاد النوبة جبال منيعة
وقاعدتها مدينة دنقلة
قال في تقويم البلدان الظاهر أنها بضم الدال المهلمة وسكون النون وقاف مضمومة ولام مفتوحة وهاء في الاخر
وما قاله هو الجاري على ألسنة أهل الديار المصرية ورأيتها في الروض المعطار مكتوبة دمقلة بإبدال النون ميما مضبوطة بفتح الدال وباقي الضبط على ما تقدم
وأنشد بيت شعر شاهدا لذلك
وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق والعرض أربع عشرة درجة وخمس عشرة دقيقة
قال وفي جنوبيها وغربيها مجالات زنج النوبة الذين قاعدتهم كوشة خلف الخط وفي غربي دنقلة وشماليها مدنهم المذكورة في الكتب
قال الأدريسي وهي في غربي النيل على ضفته وشرب أهلها منه
قال وأهلها سودان لكنهم أحسن السودان وجوها وأجملهم شكلا وطعامهم الشعير والذرة والتمر يجلب إليهم
واللحوم التي يستعملونها لحوم الإبل طرية ومقددة ومطبوخة
وفي بلادهم الفيلة والزراريف والغزلان
قال في مسالك الأبصار ومدنها أشبه بالقرى والضياع من المدن قليلة الخير والخصب يابسة الهواء
قال وحدثني غير واحد ممن دخل النوبة أن مدينة دنقلة ممتدة على النيل وأهلها في شظف من العيش والحبوب عندهم قليلة إلا الذرة وإنما تكثر عندهم اللحوم والألبان والسمك وأفخر أطبختهم أن تطبخ اللوبيا في مرق اللحم ويثرد ويصف اللحم واللوبيا على وجه الثريد
وربما عملت اللوبيا بورقها وعروقها
قال ولهم انهماك على السكر بالمزر وميل عظيم إلى الطرب (5/265)
ولما خاف بنو أيوب نور الدين الشهيد صاحب الشام على أنفسهم حين هم بقصدهم بعث السلطان صلاح الدين أخاه شمس الدولة إلى النوبة ليأخذها لتكون موئلا لهم إذا قصدهم فرأوها لا تصلح لمثلهم فعدلوا إلى اليمن واستولوا عليها وجعلوها كالمعقل لهم
قال ابن سعيد ودين أهل هذه البلاد النصرانية
قال في مسالك الأبصار ومن هذه البلاد نجم لقمان الحكيم ثم سكن مدينة أيلة ثم دخل إلى بيت المقدس ومنها أيضا ذو النون المصري الزاهد المشهور وإنما سمي المصري لأنه سكن مصر فنسب إليها
وكان ملوكها في الزمن القديم وسائر أهلها على دين النصرانية فلما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه مصر غزاهم
قال في الروض المعطار فراهم يرمون الحدق بالنبل فكف عنهم وقرر عليهم إتاوة في كل سنة
قال صاحب العبر وعلى ذلك جرى ملوك مصر بعده وربما كانوا يماطلون بذلك ويمتنعون من أدائه فتغزوهم عساكر المسلمين من مصر حتى يطيعوا إلى أن كان ملكهم في أيام الظاهر بيبرس رحمه الله رجلا اسمه مرقشنكز وكان له ابن أخ اسمه داود فتغلب عليه وانتزع الملك من يده واستفحل ملكه بها وتجاوز حدود مملكته قريب أسوان من اخر صعيد الديار المصرية فقدم مرقشنكز المذكور على الظاهر بيبرس بالديار المصرية واستنجده على ابن أخيه داود المذكور فجهز معه العساكر إلى بلاد النوبة فانهزم داود ولحق بمملكة الأبواب من بلاد السودان فقبض عليه ملكها وبعث به مقيدا إلى الظاهر بيبرس (5/266)
فاعتقل بالقلعة حتى مات واستقر مرقشنكز في ملك النوبة على جزية يؤديها في كل سنة إلى أن كانت دولة المنصور قلاوون ثم استقر بمملكة دنقلة في الدولة المنصورية قلاوون رجل اسمه سيمامون وغزته عساكر قلاوون سنة ثمانين وستمائة
ثم ملكهم في أيام الناصر محمد بن قلاوون رجل اسمه أمي وبقي حتى توفي سنة ست عشرة وسبعمائة
وملك بعد دنقلة أخوه كرنبس
ثم خرج من بيت الملك منهم رجل اسمه نشلى فهاجر إلى مصر وأسلم وحسن إسلامه وأقام بمصر بالأبواب السلطانية وأجرى عليه السلطان الملك الناصر رزقا ولم يزل حتى امتنع كرنبس من أداء الجزية سنة ست عشرة وسبعمائة فجهز إليه السلطان العساكر مع نشلى المقدم ذكره وقد تسمى عبد الله ففر كرنبس إلى بلاد الأبواب فاستقر عبد الله نشلى في ملك دنقلة على دين الإسلام ورجعت العساكر إلى مصر وبعث الملك الناصر إلى ملك الإبواب في أمر كرنبس فبعث به إليه فأسلم وأقام بباب السلطان وبقي نشلى في الملك حتى قتله أهل مملكته سنة تسع عشرة وسبعمائة فبعث السلطان كرنبس إليهم فملكهم وانقطعت الجزية عنهم من حين أسلم ملوكهم
قال في العبر ثم انتشرت احياء جهينة من العرب في بلادهم واستوطنوها وعاثو فسادا وعجز ملوك النوبة عن مدافعتهم فصاهروهم مصانعة لهم وتفرق بسبب ذلك ملكهم حتى صار لبعض جهينة من أمهاتهم على رأي العجم في تمليك الأخت وابن الأخت فتمزق ملكهم واستولت جهينة على بلادهم ولم يحسنوا سياسة الملك ولم ينقد بعضهم إلى بعض فصاروا شيعا ولم يبق لهم رسم ملك وصاروا رحالة بادية (5/267)
على عادة العرب إلى هذا الزمان
وذكر في مسالك الأبصار أن ملكها الان مسلم من أولاد كنز الدولة قال وأولاد الكنز هؤلاء أهل بيت ثارت لهم ثوائر مرات
فيحتمل أن أولاد الكنز من جهينة أيضا جميعا بين المقالتين
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن سلطانهم كواحد من العامة وأنه تأوي الغرباء إلى جامع دنقلة فيرسل إليهم فيأتونه فيضيفهم وينعم عليهم هو وأمراؤه وأن غالب عطائهم الدكاديك وهي أكسية غلاظ غالبها سود وربما أعطوا عبدا أو جارية
وقد ذكر في الروض المعطار أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قصد قتال النوبة فراهم يرمون الحدق بالنبل فكف عنهم وقرر عليهم إتاوة من الرقيق في كل سنة ولم تزل ملوك مصر تأخذ منهم هذه الإتاوة في أكثر الأوقات حتى ذكر في مسالك الأبصار أنه كان عليهم في زمنه مقرر لصاحب مصر في كل سنة من العبيد والإماء والحراب والوحوش النوبية
قلت أما الان فقد انقطع ذلك
( وربك يخلق ما يشاء ويختار )
المملكة الثالثة بلاد البرنو
وبلاد البرنو بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو
وهم مسلمون والغالب على ألوانهم السواد قال في التعريف وبلاده تحد بلاد التكرور من الشرق ثم يكون حدها من الشمال بلاد أفريقية ومن الجنوب الهمج (5/268)
وقاعدتهم مدينة كاكا بكافين بعد كل منهما ألف فيما ذكر لي رسول سلطانهم الواصل إلى الديار المصرية صحبة الحجيج في الدولة الظاهرية برقوق
وقد تعرض إليها في مسالك الأبصار في تحديد مملكة مالي على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى
ومن مدنهم أيضا مدينة كتنسكي بكاف مضمومة وتاء مثناة فوقية ساكنة ونون مكسورة وسين مهملة ساكنة وكاف مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية
وهي شرقي كاكا على مسيرة يوم واحد منها
قلت وقد وصل كتاب ملك البرنو في أواخر الدولة الظاهرية برقوق يذكر فيه أنه من ذرية سيف بن ذي يزن إلا أنه لم يحقق النسب فذكر أنه من قريش وهو غلط منهم فإن سيف بن ذي يزن من أعقاب تبابعة اليمن من حمير
على ما يأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى
ولصاحب البرنو هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية يأتي ذكرها هناك إن شاء الله تعالى
المملكة الرابعة بلاد الكانم
والكانم بكاف بعدها ألف ثم نون مكسورة وميم في الاخر
وهم مسلمون أيضا والغالب على ألوانهم السواد
قال في مسالك الأبصار وبلادهم بين (5/269)
أفريقية وبرقة ممتدة في الجنوب إلى سمت الغرب الأوسط
قال وهي بلاد قحط وشظف وسوء مزاج مستول عليها
وغالب عيشهم الأرز والقمح والذرة وببلادهم التين والليمون واللفت والباذنجان والرطب
وذكر عن أبي عبد الله السلايحي عن الشيخ عثمان الكانمي وغيره أن الأرز ينبت عندهم من غير بذر
ومعاملتهم بقماش ينسج عندهم اسمه دندي طول كل ثوب عشرة أذرع فأكثر
قال ويتعاملون أيضا بالودع والخرز والنحاس المكسور والورق لكنه جميعه يسعر بذلك القماش
وذكر ابن سعيد أن في جنوبيها صحارى فيها أشخاص متوحشة كالغول أقرب الحيوانات إلى الشكل الادمي تؤذي بني ادم ولا يلحقها الفارس
وذكر أبو عبد الله المراكشي في كتابه التكملة عن أبي اسحاق إبراهيم الكانمي الأديب الشاعر أنه يظهر ببلاد الكانم في الليل أمام الماشي بالقرب منه قلل نار تضيء فإذا مشى بعدت منه فلا يصل إليها ولو جرى بل لا تزال أمامه
وربما رماها بحجر فأصابها فيتشظى منها شرارات
قال في مسالك الأبصا وأحوالها وأحوال أهلها حسنة وربما كان فيهم من أخذ في التعليم ونظر من الأدب نظرة النجوم فقال إني سقيم فما يزال يداوي عليل فهمه ويداري جامح علمه حتى تشرق عليه أشعتها ويطرز بديباجه أمتعتها
وقاعدتها مدينة جيمي
قال في تقويم البلدان بكسر الجيم وبالياء المثناة تحت الساكنة وكسر الميم ثم ياء مثناة تحتية في الاخر
حسب ما هو في خط ابن سعيد
وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثلاث وخمسون درجة والعرض تسع درج وبها مقرة سلطانهم
قال في مسالك الأبصار ومبدأ هذه المملكة من جهة مصر بلدة اسمها دلا واخرها طولا بلدة يقال لها كاكا وبينهما نحو ثلاثة أشهر
وقد تقدم أن كاكا هي قاعدة سلطان البرنو
وبينها وبين جيمي أربعون ميلا
قال وبها فواكه لا تشبه فواكه بلادنا وبها الرمان والخوخ وقصب السكر
قال في مسالك الأبصار (5/270)
وسلطان هذه البلاد رجل مسلم
قال في تقويم البلدان وهو من ولد سيف بن ذي يزن
قال في مسالك الأبصار وأول من بث الإسلام فيهم الهادي العثماني ادعى أنه ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه وملكها ثم صارت بعده لليزنيين
وذكر في التعريف أن سلطان الكانم من بيت قديم في الإسلام وقد جاء منهم من ادعى النسب العلوي في بني الحسن
ثم قال وتمذهب بمذهب الشافعي رضي الله عنه
قال في مسالك الأبصار وملكهم على حقارة سلطانه وسوء بقعة مكانه في غاية لا تدرك من الكبرياء يمسح برأسه عنان السماء مع ضعف أجناد وقلة متحصل بلاد لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرة وعند العصر
أما في سائر السنة فلا يكلمه أحد ولو كان أميرا إلا من وراء حجاب
قال والعدل قائم في بلادهم ويتمذهبون بمذهب الإمام مالك رضي الله عنه وهم ذوو اختصار في اللباس يابسون في الدين وعسكرهم يتلثمون وقد بنوا مدرسة للمالكية بالفسطاط ينزل بها وفودهم
المملكة الخامسة بلاد مالي ومضافاتها
ومالي بفتح الميم وألف بعدها لام مشددة مفخمة وياء مثناة تحت في الاخر
وهي المعروفة عند العامة ببلاد التكرور
قال في مسالك الأبصار وهذه المملكة في جنوب المغرب متصلة بالبحر المحيط
قال في التعريف وحدها في الغرب البحر المحيط وفي الشرق بلاد البرنو وفي الشمال جبال البربر وفي الجنوب الهمج
ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي أنها تقع في جنوب مراكش ودواخل بر العدوة جنوبا بغرب إلى البحر المحيط
قال في مسالك الأبصار وهي شديدة الحر قشفة المعيشة قليلة أنواع الأقوات وأهلها طوال (5/271)
في غاية السواد وتفلفل الشعور وغالب طول أهلها من سوقهم لا من هياكل أبدانهم
قال ابن سعيد والتكرور قسمان قسم حضر يسكنون المدن وقسم رحالة في البوادي
وقد حكى في مسالك الأبصار عن الشيخ سعيد الدكالي أن هذه المملكة مربعة طولها أربعة أشهر أو أزيد وعرضها مثل ذلك
وجميعها مسكونة إلا ما قل وهذه المملكة هي أعظم ممالك السودان المسلمين
وتشتمل على ثمان جمل
الجملة الأولى في ذكر أقاليمها ومدنها
وقد ذكر صاحب العبر أنها تشتمل على خمسة أقاليم كل إقليم منها مملكة بذاتها
الإقليم الأول مالي
وقد تقدم ضبطه
وهو إقليم واسطة الأقاليم السبعة الداخلة في هذه المملكة واقع بين إقليم صوصو وإقليم كوكو صوصو من غربيه وكوكو من شرقيه
وقاعدته على ما ذكره في مسالك الأبصار مدينة بني قال في مسالك الأبصار بالباء الموحدة والنون ثم الباء الموحدة ايضا
قال وهي ممتدة تقدير طول بريد في عرض مثل ذلك ومبانيها متفرقة وبناؤها بالبالستا
وهو أنه يبنى بالطين بقدر ثلثي ذراع ثم يترك حتى يجف ثم يبنى عليه مثله وكذلك حتى (5/272)
ينتهي وسقوفها بالخشب والقصب وغالبها قباب أو جملونات كالأقباء وأرضها تراب مرمل وليس لها سور بل يستدير بها عدة فروع من النيل من جهاتها الأربع بعضها يخاض في أيام قلة الماء وبعضها لا يعبر فيه إلا في السفن
وللملك عدة قصور يدور بها سور واحد
الإقليم الثاني صوصو
بصادين مهملتين مضمومتين بعد كل منهما واو ساكنة
وربما أبدلوا الصاد سينا مهملة سمي بذلك باسم سكانه
قال في العبر وهم يسمونها الانكارية
وهو في الغرب عن إقليم مالي المقدم ذكره فيما ذكره في العبر عن بعض البقلة
الإقليم الثالث بلاد غانة
بفتح الغين المعجمة وألف ثم نون مفتوحة وهاء في الاخر
وهي غربي إقليم صوصو المقدم ذكره تجاور البحر المحيط الغربي
وقاعدته مدينة غانة التي قد أضيف إليها
قال في تقويم البلدان وموقعها خارج الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب
قال ابن سعيد حيث الطول تسع وعشرون درجة والعرض عشر درج
قال في تقويم البلدان وهي محل سلطان بلاد غانة
وقد حكى ابن سعيد أن لغانة نيلا شقيق نيل مصر يصب في البحر المحيط الغربي عند طول عشر درج ونصف وعرض أربع عشرة
وإليها تسير التجار المغاربة من سجلماسة في بر مقفر ومفاوز عظيمة في جنوب الغرب نحو خمسين يوما فيكون بين غانة وبين مصبه نحو أربع درج
وهي مبينة على ضفتي (5/273)
نيلها هذا
قال في العبر وكان أهلها قد أسلموا في أول الفتح الإسلامي
وقد ذكر في تقويم البلدان أنها مدينتان على ضفتي نيلها إحداهما يسكنها المسلمون والثانية يسكنها الكفار
وقد ذكر في الروض المعطار أن لصاحب غانة معلفين من ذهب يربط عليهما فرسان له أيام مقعده
الإقليم الرابع بلاد كوكو
وهي شرقي إقليم مالي المقدم ذكره
قال في الروض المعطار وملكها قائم بنفسه له حشم وقواد وأجناد وزي كامل وهم يركبون الخيل والجمال ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم
قال وبها ينبت عود الحية وهو عود يشبه العاقر قرحا إلا أنه أسود من خاصته أنه إذا وضع على جحر الحية خرجت إليه بسرعة ومن أمسكه بيده أخذ من الحيات ما شاء من غير جزع يدركه أو يقع في نفسه
ثم قال والصحيح عند أهل المغرب الأقصى أن هذا العود إذا أمسكه ممسك بيده أو علقه في عنقه لم تقربه حية البتة
وقاعدته مدينة كوكو بفتح الكاف وسكون الواو وفتح الكاف الثانية وسكون الواو بعدها
وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال ابن سعيد حيث الطول أربع وأربعون درجة والعرض عشر درج
قال وهي مقر صاحب تلك البلاد
قال وهو كافر يقاتل من غربيه من مسلمي غانة ومن شرقيه من مسلمي الكانم
وذكر المهلبي في العزيزي أنهم مسلمون وبينهما وبين مدينة غانة مسيرة شهر ونصف
قال في الروض المعطار وهي مدينة كبيرة على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال يمر بها ويجاوزها بأيام كثيرة ثم يغوص في الصحراء في رمال كما يغوص الفرات في بطائح العراق
قال ابن سعيد وكوكو في شرقي النهر ولباس عامة أهلها الجلود يسترون بها عوراتهم وتجارهم يلبسون الأكسية وعلى (5/274)
رؤوسهم الكرازين ولبس خواصهم الأزرق
قال في مسالك الأبصار وسكانها قبائل يرنان من السودان
الإقليم الخامس بلاد تكرور
وهي شرقي إقليم كوكو المقدم ذكره ويليه من جهة الغرب مملكة البرنو المتقدمة الذكر وبها عرفت هذه المملكة على كبرها واشتهرت
وقاعدتها مدينة تكرور بفتح التاء المثناة فوق وسكون الكاف وضم الراء المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الاخر
قال في الروض المعطار وهي مدينة على النيل على القرب من ضفافه أكبر من مدينة سلا من بلاد المغرب وطعام أهلها السمك والذرة والألبان وأكثر مواشيهم الجمال والمعز ولباس عامة أهلها الصوف وعلى رؤوسهم كرازين صوف ولباس خاصتهم القطن والمازر
قال وبينها وبين سجلماسة من بلاد المغرب أربعون يوما بسير القوافل وأقرب البلاد إليها من بلاد لمتونة بالصحراء اسفي بينهما خمس وعشرون مرحلة
قال وأكثر ما يسافر به تجار الغرب الأقصى إليها الصوف والنحاس والخرز ويخرجون منها بالتبر والخدم
قلت وذكر في مسالك الأبصار أن هذه المملكة تشتمل على أربعة عشر إقليما وهي غانة وزافون وترنكا وتكرور وسنغانة وبانبغو وزرنطابنا وبيترا ودمورا وزاغا وكابرا وبراغودي وكوكو ومالي
فذكر أربعة من الأقاليم الخمسة المتقدمة الذكر وأسقط إقليم صوصو وكأنها قد اضمحلت وزاد باقي ذلك فيحتمل انها انضافت إلى صاحبها يومئذ بالفتح والاستيلاء عليها
قال في مسالك الأبصار وفي شمالي بلاد مالي قبائل من البربر بيض تحت حكم سلطانها وهم نيتصر ونيتغراس ومدوسة ولمتونة ولهم أشياخ تحكم عليهم إلا نيتصر فإنهم يتداولهم ملوك منهم تحت حكم صاحب مالي
قال وكذلك في طاعته قوم من الكفار بعضهم يأكل لحم الادميين
ونقل عن (5/275)
الشيخ سعيد الدكالي أن في طاعة سلطانها بلاد مغارة الذهب
وهم بلاد همج وعليهم إتاوة من التبر تحمل إليه في كل سنة ولو شاء أخذهم ولكن ملوك هذه المملكة قد جربوا أنه ما فتحت مدينة من هذه المدن وفشا بها الإسلام ونطق بها داعي الأذان إلا قل بها وجود الذهب ثم يتلاشى حتى يعدم ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار فرضوا منهم ببذل الطاعة وحمل قرر عليهم
وذكر نحو ذلك في التعريف في الكلام على غانة
الجملة الثانية في الموجود بهذه المملكة
قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ سعيد الدكالي أن بها الخيل من نوع الأكاديش التترية
قال وتجلب الخيل العراب إلى ملوكهم يتغالون في أثمانها وكذلك عندهم البغال والحمير والبقر والغنم ولكنها كلها صغيرة الجثة وتلد الواحدة من المعز عندهم السبعة والثمانية ولا مرعى لمواشيهم إنما هي جلالة على القمامات والمزابل
وبها من الوحوش الفيلة والاساد والنمورة وكلها لا تؤذي من بني ادم إلا من تعرض لها
وعندهم وحش يسمى ترمي بضم التاء المثناة والراء المهملة وتشديد الميم في قدر الذئب يتولد بين الذئب والضبع لا يكون إلا خنثى له ذكر وفرج متى وجد في الليل ادميا صغيرا أو مراهقا أكله
ولا يتعرض إلى أحد في النهار وهو ينعر كالثور وأسنانه متداخلة
وعندهم تماسيح عظام منها ما يكون طوله عشرة أذرع وأكثر ومرارته عندهم سم قاتل تحمل إلى خزانة ملكهم
وعندهم بقر الوحش وحمير الوحش والغزلان
وفيما يسامت سجلماسة من بلادهم جواميس متوحشة تصاد كما يصاد الوحش
وبها من الطيور الدواجن الإوز والدجاج والحمام
وبها من الحبوب الأرز والغوثي وهو دق مزغب يدرس فيخرج منه حب أبيض شبيه بالخردل في المقدار (5/276)
أو أصغر منه فيغسل ثم يطحن ويعمل منه الخبز وهذا الحب هو والأرز هما غالب قوتهم وعندهم الذرة وهي أكثر حبوبهم ومنها قوتهم وعليق خيولهم ودوابهم وعندهم الحنطة على قلة فيها أما الشعير فلا وجود له عندهم البتة وعندهم من الفواكه البستانية الجميز وهو كثير لديهم وعندهم أشجار برية ذوات ثمار مأكولة مستطابة منها شجر يسمى تادموت يحمل شيئا مثل القواديس كبرا في داخلها شيء شبيه بدقيق الحنطة ساطع البياض طعمه مز لذيذ يأكلون منه وإذا جف جعلوه على الحناء فيسوده كالنوشادر ومنها شجر يسمى زبيزور تخرج ثمرته مثل قرون الخروب فيخرج منها شيء شبيه بدقيق الترمس حلو لذيذ الطعم له نوى
ومنها شجر يسمى قومي يحمل شبيه السفرجل لذيذ الطعم يشبه طعم الموز وله نوى شبيه بغضروف العظم يأكله بعضهم معه
ومنها شجر اسمه فاريتي حمله شبيه بالليمون وطعمه يشبه طعم الكمثرى بداخله نوى ملحم يؤخذ ذلك النوى وهو طري فيطحن فيخرج منه شيء شبيه بالسمن يجمد وتبيض به البيوت وتوقد منه السرج ويعمل منه الصابون وإذا قصد أكله وضع في قدر على نار لينة ويسقى الماء حتى يقوى غليانه وهو مغطى الرأس ويسارق كشف الغطاء في افتقاده فإنه متى كشف القدر فار ولحق بالسقف
وربما انعقد منه نار فأحرق البيت فإذا نضج برد وجعل في ظروف القرع وصار يستعمل في المأكل كالسمن
ومتى جعل في غير ظروف القرع من الانية خرقها
ويوجد بها من الثمرات البرية ما هو شبيه بكل الفواكه البستانية على اختلاف أنواعها ولكنها حريفة لا تستطاب يأكلها الهمج من السودان وهي قوت كثير منهم
وبها من الخضراوات اللوبياء واللفت والثوم والبصل والباذنجان والكرنب أما الملوخية فلا تطلع عندهم إلا برية والقرع عندهم بكثرة
وعندهم شيء شبيه بالقلقاس إلا أنه ألذ من القلقاس يزرع في الخلاء فإن سرق منه (5/277)
سارق قطع الملك رأسه وعلقه مكان ما قطع منه عادة عندهم يتوارثونها خلفا عن سلف لا توجد فيها رخصة ولا تنفع فيها شفاعة
وجبالها ذوات أشجار مشتبكة غليظة السوق إلى الغابة تظل الواحدة منها خمسمائة فارس
وفيها بغانة وما وراءها في الجنوب من بلاد السودان الهمج معادن الذهب
وقد حكى في مسالك الأبصار عن الأمير أبي الحسن علي بن أمير حاجب عن السلطان منسا موسى سلطان هذه المملكة أنه سأله عند قدومه الديار المصرية حاجا عن معادن الذهب عندهم فقال توجد على نوعين نوع في زمان الربيع ينبت في الصحراء له ورق شبيه بالنجيل أصوله التبر
والثاني يوجد في أماكن معروفة على ضفات مجاري النيل تحفر هناك حفائر فيوجد فيها الذهب كالحجارة والحصى فيؤخذ
قال وكلاهما هو المسمى بالتبر
ثم قال والأول أفحل في العيار وأفضل في القيمة
وذكر في التعريف نحوه
وذكر عن الشيخ عيسى الزواوي عن السلطان منسا موسى المقدم ذكره أيضا انه يحفر في معادن الذهب كل حفيرة عمق قامة أو ما يقاربها فيوجد الذهب في جنباتها
وربما وجد مجتمعا في سفل الحفيرة وأن في مملكته أمما من الكفار لا يأخذ منهم جزية إنما يستعملهم في إخراج الذهب من معادنه
ثم قد ذكر في مسالك الأبصار أن النوع الأول من الذهب يوجد في زمن الربيع عقيب الأمطار ينبت في مواقعها والثاني يوجد في جميع السنة في ضفات مجاري النيل
وذكر في التعريف أن نبات الذهب بهذه البلاد يبدأ في شهر (5/278)
أغشت حيث سلطان الشمس قاهر وذلك عند أخذ النيل في الارتفاع والزيادة
فإذا انحط النيل تتبع حيث ركب عليه من الأرض فيوجد منه ما هو نبات يشبه النجيل وليس به
ومنه ما يوجد كالحصى
فجعل الجميع مما يحدث في هذا الزمن في أماكن النيل خاصة وفيه مخالفة لما تقدم
بل قد قال إن شهر أغشت الذي يطلع فيه الذهب وهو من شهور الروم ويقع والله أعلم أنه يركب من تموز واب يعني من شهور السريان وهذا غلط فاحش
فقد تقدم في المقالة الأولى أن شهور الروم منطبقة على شهور السريان في الابتداء والانتهاء دون ابتداء أول السنة وشهر أغشت من شهور الروم هو شهر اب من شهور السريان بعينه
ثم قد حكى في مسالك الأبصار عن والي مصر عن منسا موسى المقدم ذكره أن الذهب ببلاده حمى له يجمع له متحصله كالقطيعة إلا ما يأخذه أهل تلك البلاد منه على سبيل السرقة
وحكي عن الشيخ سعيد الدكالي أنه إنما يهادي بشيء منه كالمصانعة وأنه يتكسب عليهم في المبيعات لأن بلادهم لا شيء بها ثم قال وكلام الدكالي أثبت وعليه ينطبق كلامه في التعريف حيث ذكر غانة
ثم قال وله عليها إتاوة مقررة تحمل إليه في كل سنة
وبهذه البلاد أيضا معدن نحاس وليس يوجد في السودان إلا عندهم
قال الشيخ عيسى الزواوي قال لي السلطان موسى إن عنده في مدينة اسمها نكوا معدن نحاس أحمر يجلب منه قضبان إلى مدينة بنبى قاعدة مالي فيبعث منه إلى بلاد السودان الكفار فيباع وزن مثقال بثلثي وزنه من الذهب يباع كل مائة مثقال من هذا النحاس بستة وستين مثقالا وثلثي مثقال من الذهب
وبهذه البلاد معدن ملح وليس في شيء من السودان الوالجين في الجنوب والمسامتين لسجلماسة وما وراءها ملح سواه
قال المقر الشهابي بن (5/279)
فضل الله حدثني أبو عبد الله بن الصائغ أن الملح معدوم في داخل بلاد السودان فمن الناس من يغرر ويصل به إلى أناس منهم يبذلون نظير كل صبرة ملح مثله من الذهب
قال ابن الصائغ وحدثت أن من أمم السودان الداخلة من لا يظهر لهم بل إذا جاء التجار بالملح وضعوه ثم غابوا فيجيء السودان فيضعون إزاءه الذهب فإذا أخذ التجار الذهب أخذ السودان الملح
قال في مسالك الأبصار قال لي الدكالي وأهل هذه المملكة كثير فيهم السحر ولهم به عناية حتى إنهم في بلاد الكفار منهم يصيدون الفيل بالسحر حقيقة لا مجازا وفي كل وقت يتحاكمون عند ملكهم بسببه ويقول أحدهم إن فلانا قتل أخي أو ولدي بالسحر والسلطان يحكم على القاتل بالقصاص وقتل الساحر
وحكى عنه أيضا أن السموم بهذه المملكة كثيرة فإن عندهم حشائش وحيوانات يركبون منها السموم القتالة ولا سيما من سمك يوجد عندهم
قال الشيخ سعيد الدكالي ومن خصيصة هذه البلاد أن يسرع فيها فساد المدخرات لا سيما السمن فإنه يفسد وينتن فيها في يومين
الجملة الثالثة في معاملة هذه المملكة
ذكر في مسالك الأبصار عن ابن أمير حاجب أن المعاملة عندهم بالودع وأن التجار تجلبه إليهم كثيرا فتربح فيه الربح الكثير
وكأن هذا في المعاملات النازلة من مثل الماكل وما في معناها وإلا فالذهب عندهم على ما تقدم من الكثرة (5/280)
الجملة الرابعة في ذكر ملوك هذه المملكة
قد تقدم أن هذه المملكة قد اجتمع بها خمسة أقاليم وهي إقليم مالي وإقليم صوصو وإقليم غانة من الجانب الغربي عن مالي وإقليم كوكو وإقليم تكرور في الجانب الشرقي عن مالي وأن كل إقليم من هذه الخمسة كان مملكة مستقلة ثم اجتمع الكل في مملكة صاحب هذه المملكة وأن مالي هي أصل مملكته
قال في مسالك الأبصار وهو وإن غلب عليه عند أهل مصر اسم سلطان التكرور فإنه لو سمع هذا أنف منه لأن التكرور إنما هو إقليم من أقاليم مملكته والأحب إليه أن يقال صاحب مالي لأنه الإقليم الأكبر وهو به أشهر
ونقل عن الشيخ سعيد الدكالي أنه ليس بمملكته من يطلق عليه اسم ملك إلا صاحب غانة وهو كالنائب له وإن كان ملكا وكأنه إنما بقي اسم الملك على صاحب غانة دون غيره لعدم انتزاعها منه والاستيلاء عليها استيلاء كليا
فقد قال في التعريف وأما غانة فإنه لا يملكها وكأنه مالكها يتركها عن قدرة عليها لأن بها وبما وراءها جنوبا منابت الذهب
وذكر ما تقدم من أن بلاد منابت الذهب متى فشا فيها الإسلام والأذان عدم فيها نبات الذهب وصاحب مالي يتركها لذلك لأنه مسلم وله عليها إتاوة كبيرة مقررة تحمل إليه في كل سنة
وقد ذكر صاحب العبر أن هذه الممالك كانت بيد ملوك متفرقة وكان من أعظمها مملكة غانة
فلما أسلم الملثمون من البربر تسلطوا عليهم بالغزو حتى دان كثير منهم بالإسلام وأعطى الجزية اخرون وضعف بذلك ملك غانة واضمحل فتغلب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم وملكوا غانة من أيدي أهلها
وكان ملوك مالي قد دخلوا في الإسلام من زمن قديم (5/281)
قال ويقال إن أول من أسلم منهم ملك اسمه برمندانة بباء موحدة وراء مهملة مفتوحتين وميم مكسورة ونون ساكنة ودال مهملة بعدها ألف ثم نون مشددة مفتوحة وهاء في الاخر فيما ضبطه بعض علمائهم
ثم حج بعد إسلامه فاقتفى سننه في الحج ملوكهم من بعده
ثم جاء منهم ملك اسمه ماري جاظة ومعنى ماري الأمير الذي يكون من نسل السلطان ومعنى جاظة الأسد فقوي ملكه وغلب على صوصو وانتزع ما كان بأيديهم من ملكهم القديم وملك غانة الذي يليه إلى البحر المحيط
ويقال إنه ملك عليهم خمسا وعشرين سنة
ثم ملك بعده ابنه منساولي ومعنى منسا بلغتهم السلطان ومعنى ولي علي وكان من أعظم ملوكهم وحج أيام الظاهر بيبرس صاحب مصر
ثم ملك من بعده أخوه والي
ثم ملك من بعده أخوه خليفة وكان أحمق يغلب عليه الحمق فيرمي الناس بالسهام فيقتلهم فوثب به أهل مملكته فقتلوه
وملك بعده سبط من أسباط ماري جاظة المقدم ذكره اسمه أبو بكر على قاعدة العجم في تمليك البنت وابن البنت
ثم تغلب على الملك مولى من مواليهم اسمه ساكبورة
ويقال سيكره فاتسع نطاق مملكته وغلب على البلاد المجاورة له وفتح بلاد كوكو واستضافها إلى مملكته واتصل ملكه من البحر المحيط الغربي إلى بلاد التكرور فقوي سلطانه وهابه أمم السودان ورحل إليه التجار من بلاد الغرب وأفريقية
وحج أيام السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ورجع فقتل في أثر عوده
وملك بعده قو ابن السلطان ماري جاظة (5/282)
ثم ملك من بعده محمد بن قو ثم انتقل الملك من ولد ماري جاظة إلى ولد أخيه أبي بكر
فولي منهم منسا موسى بن أبي بكر
قال في العبر وكان رجلا صالحا وملكا عظيما له أخبار في العدل تؤثر عنه وعظمت المملكة في أيامه إلى الغاية وافتتح الكثير من البلاد
قال في مسالك الأبصار حكى ابن أمير حاجب والي مصر عنه أنه فتح بسيفه وحده أربعا وعشرين مدينة من مدن السودان ذوات أعمال وقرى وضياع
قال في مسالك الأبصار قال ابن أمير حاجب سألته عن سبب انتقال الملك إليه فقال إن الذي قبلي كان يظن أن البحر المحيط له غاية تدرك فجهز مئين سفن وشحنها بالرجال والأزواد التي تكفيهم سنين وأمر من فيها أن لا يرجعوا حتى يبلغوا نهايته أو تنفد أزوادهم فغابوا مدة طويلة ثم عاد منهم سفينة واحدة وحضر مقدمها فسأله عن أمرهم
فقال سارت السفن زمانا طويلا حتى عرض لها في البحر في وسط اللجة واد له جرية عظيمة فابتلع تلك المراكب وكنت اخر القوم فرجعت بسفينتي فلم يصدقه فجهز ألفي سفينة ألفا للرجال وألفا للأزواد واستخلفني وسافر بنفسه ليعلم حقيقة ذلك فكان اخر العهد به وبمن معه
قال في العبر وكان حجه في سنة أربع وعشرين وسبعمائة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون
قال في مسالك الأبصار قال لي المهمندار خرجت لملتقاه من جهة السلطان فأكرمني إكراما عظيما وعاملني بأجمل الاداب ولكنه كان لا يحدثني إلا بترجمان مع إجادته اللسان العربي
قال ولما قدم قدم للخزانة السلطانية حملا من التبر ولم يترك أميرا ولا رب وظيفة سلطانية إلا وبعث إليه بالذهب
وكنت أحاوله في طلوع القلعة للاجتماع بالسلطان حسب الأوامر السلطانية فيأبى خشية تقبيل الأرض للسلطان ويقول جئت للحج لا لغيره ولم أزل به حتى وافق على ذلك (5/283)
فلما صار إلى الخصرة السلطانية
قيل له قبل الأرض فتوقف وأبى إباء ظاهرا
وقال كيف يجوز هذا فأسر إليه رجل كان إلى جانبه كلاما فقال أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني ثم سجد وتقدم إلى السلطان فقام له بعض القيام وأجلسه إلى جانبه وتحدثا طويلا ثم قام السلطان موسى فبعث إليه السلطان بالخلع الكاملة له ولأصحابه وخيلا مسرجة ملجمة
وكانت خلعته طرد وحش بقصب كثير بسنجاب مقندس مطرز بزركش على مفرج إسكندري وكلوتة زركش وكلاليب ذهب وشاش بحرير ورقم خليفتي ومنطقة ذهب مرصعة وسيف محلى ومنديل مذهب خز وفرسين مسرجين ملجمين بمراكب بغل محلاة وأعلام وأجرى عليه الأنزال والإقامات الوافرة مدة مقامه
ولما ان أوان الحج بعث إليه بمبلغ كبير من الدراهم وهجن جليلة كاملة الأكوار والعدة لمركبه وهجن أتباع لأصحابه وأزواد جمة وركز له العليق في الطرق وأمر أمير الركب بإكرامه واحترامه
ولما عاد بعث إلى السلطان من هدية الحجاز تبركا فبعث إليه بالخلع الكاملة له ولأصحابه والتحف والألطاف من البز السكندري والأمتعة الفاخرة وعاد إلى بلاده
وذكر عن ابن أمير حاجب والي مصر أنه كان معه مائة حمل ذهبا أنفقها في سفرته تلك على من بطريقه إلى مصر من القبائل ثم بمصر ثم من مصر إلى الحجاز توجها وعودا حتى احتاج إلى القرض فاستدان على ذمته من تجار مصر بمالهم عليه فيه المكاسب الكثيرة بحيث يحصل لأحدهم في كل ثلثمائة دينار سبعمائة دينار ربحا وبعث إليهم بذلك بعد توجهه إلى بلاده
قال في العبر ويقال إنه كان يحمل الته اثنا عشر ألف وصيفة لابسات أقبية الديباج (5/284)
قال في مسالك الأبصار وذكر لي عنه ابن أمير حاجب أنه حكى له أن من عادة أهل مملكته أنه إذا نشأ لأحد منهم بنت حسناء قدمها له أمة موطوءة فيملكها بغير تزويج مثل ملك اليمن فقلت له إن هذا لا يحل لمسلم شرعا فقال ولا للملوك فقلت ولا للملوك واسأل العلماء
فقال والله ما كنت أعلم ذلك وقد تركته من الان
قال في العبر ودام ملكه عليهم خمسا وعشرين سنة ومات
فملك بعده ابنه منسا مغا ومعنى مغا عندهم محمد يعنون السلطان محمدا ومات لأربع سنين من ولايته
وملك بعده أخوه منسا سليمان بن أبي بكر وهو أخو منسا موسى المقدم ذكره
قال في مسالك الأبصار واجتمع له ما كان أخوه افتتحه من بلاد السودان وأضافه إلى يد الإسلام وبنى به المساجد والجوامع والمنارات وأقام به الجمع والجماعات والأذان وجلب إلى بلاده الفقهاء من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه وتفقه في الدين
قال في العبر ودام ملكه أربعا وعشرين سنة ثم مات
وولي بعده ابنه قنبتا بن سليمان ومات لتسعة أشهر من ملكه
وملك بعده ماري جاظه بن منسا مغا بن منسا موسى فأقام أربع عشرة سنة أساء فيها السيرة وأفسد ملكهم وأتلف ذخائرهم بسرفه وتبذيره حتى انتهى به الحال في السرف أنه كان بخزائنهم حجر ذهب زنته عشرون قنطارا منقولا من المعدن من غير سبك ولا علاج بالنار
وكانوا يرونه من أنفس ذخائرهم لندور وجود مثله في المعدن فباعه على تجار مصر المترددين إليه بأبخس ثمن وصرف ذلك كله في الفسوق وكان اخر أمره أن أصابته علة النوم وهو مرض كثيرا ما يصيب أهل تلك البلاد لا سيما الرؤساء منهم يأخذ أحدهم النوم حتى لا يكاد يفيق (5/285)
فأقام به سنتين حتى مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة
وملك بعده ابنه موسى فنكب عن طريق أبيه وأقبل على العدل وحسن السيرة
وتغلب على دولته وزيره ماري جاظه فحجره وقام بتدبير الدولة وكان له فيها أحسن تدبير وبقي منسا موسى حتى مات سنة تسع وثمانين وسبعمائة
وملك بعده أخوه منسا مغا وقتل بعده بسنة أو نحوها
وملك بعده صندكي زوج أم موسى المقدم ذكره ومعنى صندكي الوزير ووثب عليه بعد أشهر رجل من بيت ماري جاظة
ثم خرج من ورائهم من بلاد الكفرة رجل اسمه محمود ينسب إلى منساقو بن منسا ولي بن ماري جاظة ولقبه منسا مغا وغلب على الملك في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
قال في التعريف وصاحب التكرور هذا يدعي نسبا إلى عبد الله بن صالح بن الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجوههم
قلت هو صالح ابن عبد الله بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى ابن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وقد ذكر في تقويم البلدان أن سلطان غانة يدعي النسب إلى الحسن ابن علي عليهما السلام فيحتمل أنه أراد صاحب هذه المملكة لأن من جملة من هو في طاعته غانة أو من كان بها في الزمن القديم قبل استيلاء أهل الكفر عليها
الجملة الخامسة في أرباب الوظائف بهذه المملكة
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بهذه المملكة الوزراء والقضاة والكتاب والدواوين وأن السلطان لا يكتب شيئا في الغالب بل يكل كل أمر (5/286)
إلى صاحب وظيفته من هؤلاء فيفصلة
وكتابتهم بالخط العربي على طريقة المغاربة
الجملة السادسة في عساكر سلطان هذه المملكة وأرزاقهم
أما مقدار العساكر فقد ذكر الشيخ سعيد الدكالي أن مقدار عسكره مائة ألف نفر منهم خيالة نحو عشرة الاف فارس وباقيهم رجالة لا خيل لهم
وأما الإقطاعات لأمراء هذا السلطان وجنده والإنعامات عليهم فقد قال الدكالي إن من أكابرهم من يبلغ جملة ماله على الملك في كل سنة خمسين ألف مثقال من الذهب وأنه يتفقدهم مع ذلك بالخيل والقماش وإن همته كلها في تجميل زيهم وتمصير مدنهم
الجملة السابعة في زي أهل هذه المملكة
قال الدكالي لباسهم عمائم بحنك مثل الغرب وقماشهم بياض من ثياب قطن تنسج عندهم في نهاية الرقة واللطف تسمى الكمصيا ولبسهم شبيه بلبس المغاربة جباب ودراريع بلا تفريج والأبطال من فرسانهم تلبس أساور من ذهب فمن زادت فروسيته لبس معها أطواقا من ذهب فإن زادت لبس مع ذلك خلاخل من ذهب وكلما زادت فروسية البطل ألبسه الملك سراويل متسعة وسراويلاتهم ضيقة أكمام الساقين متسعة الشرج وأهل هذه المملكة يركبون بالسروج وهم في غالب أحوالهم في الركوب كأنهم من العرب إلا أن هؤلاء يبدأون في الركوب بأرجلهم اليمنى بخلاف غيرهم من سائر الناس جميعا ولا يعرف عندهم ركوب جمل بكور (5/287)
الجملة الثامنة في ترتيب هذه المملكة
أما جلوس السلطان في قصره فإنه يجلس على مصطبه كبيرة على دكة كبيرة من ابنوس كالتخت على قدر المجلس العظيم المتسع عليها أنياب الفيلة في جميع جوانبها الناب إلى الناب وعنده سلاح له من ذهب كله سيف ومزراق وقوس وتركاش ونشاب وعليه سراويل كبير مفصل من نحو عشرين نصفية لايلبس مثله أحد منهم بل هو من خصوصيته ويقف خلفه نحو ثلاثين مملوكا من الترك وغيرهم ممن تبتاع له من مصر بيد واحد منهم جتر من حرير عليه قبة وطائر من ذهب صفة بازي يحمل على يساره وأمراؤه جلوس حوله يمنيا وشمالا ثم دونهم أعيان من فرسان عسكره جلوس وبين يديه شخص يغني له وهو سيافه واخر سفير بينه وبين الناس يسمى الشاعر وتنهى إليه الشكاوى والمظالم فيفصلها بنفسه ولا يكتب شيئا في الغالب بل يأمر بالقول بلسانه وحوله أناس بأيديهم طبول يدقون بها وأناس يرقصون وهو يضحك منهم وخلفه صنجقان منشوران وأمامه فرسان مشدودان محصلان لركوبه متى أحب ومن عطس في مجلسه ضرب ضربا مؤلما لا يسامح أحد في مثل ذلك فإن بغت أحدا منهم العطاس انبطح في الأرض وعطس حتى لا يعلم به
أما الملك فإنه إذا عطس ضرب الحاضرون بأيديهم على صدورهم
ولا يدخل أحد دار السلطان منتعلا كائنا من كان ومن لم يخلع نعليه قتل بلا عفو عامدا كان أو ساهيا وإذا قدم عليه أحد من أمرائه أو غيرهم وقف أمامه زمانا ثم يومي القادم بيده اليمنى مثل من يضرب الجوك ببلاد توران وإيران من بلاد المشرق
وصفة ذلك أن يكشف مقدم رأسه ويرفع الذي يضرب الجوك يده اليمنى إلى قريب أذنه ثم يضعها وهي قائمة منتصبة ويلقيها بيده اليسرى فوق فخذه واليد اليسرى مبسوطة الكف لتلقي مرفق اليمنى مبسوطة الكف مضمومة الأصابع بعضها إلى جانب بعض كالمشط تماس شحمة الأذن
قال ابن أمير حاجب وقد رأيت هذا عند خدمتهم للسلطان موسى لما قدم الديار المصرية
فإذا أنعم على أحد بإنعام أو وعده وعدا (5/288)
جميلا أو شكره على فعل تمرغ المنعم عليه بين يديه من أول المكان إلى اخره فإذا وصل إلى اخر المكان أخذ غلمان المنعم عليه أو من هو من أصحابه من رماد يكون موضوعا في اخر مجلس الملك معدا لهذا الشأن فيذر في رأس المنعم عليه ثم يعود ويتمرغ إلى أن يصل بين يدي الملك ويضرب جوكا اخر بيده ثم يقوم
وأما في الركوب فقد جرت عادة سلطان هذه المملكة أنه إذا قدم من سفر أن يحمل على رأسه الجتر راكب وينشر على رأسه علم وتضرب أمامه الطبول والطنابير والبوقات بقرون لهم فيها صناعة محكمة
قال ابن أمير حاجب وشعار هذا السلطان أعلام وألوية كبار جدا ورنكه أصفر في أرض حمراء
وأما غير ذلك من سائر أموره فقد ذكر الشيخ سعيد الدكالي أن من عادة هذا السلطان أنه إذا عاد إليه أحد ممن بعثه في شغل له أو أمر مهم أن يسأله عن كل ما حدث له من حين مفارقته له وإلى حين عوده مفصلا
قال ابن أمير حاجب وقد رأيت السلطان موسى وهو بمصر لا يأكل إلا منفردا وحده لا يحضره عند الأكل أحد البتة
المملكة السادسة من ممالك بلاد السودان مملكة الحبشة
بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والشين المعجمة وهاء في الاخر
وهي مملكة عظيمة جليلة المقدار متسعة الأرجاء فسيحة الجوانب
قال في مسالك الأبصار وأرضها صعبة المسلك لكثرة جبالها الشامخة وعظم أشجارها واشتباك بعضها ببعض حتى إن ملكها إذا أراد الخروج إلى جهة من جهاتها تقدمه قوم مرصدون لإصلاح الطرق بالات لقطع الأشجار وإحراقها بالنار (5/289)
قال وهم قوم كثير عددهم ولم يملك بلادهم غيرهم من النوع الإنساني لأنهم أجبر بني حام وأخبر بالتوغل في القتال والاقتحام طول زمنهم في الأسفار وصيد الوحش وقتالهم إنما يكون عريا من غير لأمه تدفع عنهم ولا عن خيلهم
ثم وصفهم بعد ذلك بأوصاف لولا ما هم عليه من الشرك لكانوا في الرتبة العليا من مراتب بني ادم فذكر أن المشهور عنهم مع ما هم عليه من المجاعة أنهم يقبلون الحسب ويصفحون عن الجرائم
ومن عادتهم أن من رمى سلاحه في القتال حرم قتاله ويكرمون الضيف ولا ينقض الصديق منهم عهد صديقه وإذا أحبوا أظهروا المحبة وإذا أبغضوا أظهروا البغض والغالب عليهم الذكاء والفطنة وصدق الحدس ولهم علوم وصناعات خاصة بهم ولهم قلم يكتبون به من اليمين إلى الشمال كما في العربي عدة حروفه ستة عشر حرفا لكل حرف منها سبعة فروع فيكون عدتها مائة واثنين وثمانين حرفا سوى حروف اخر مستقلة بذاتها لا تفتقر إلى حرف من الحروف المذكورة مضبوطة بحركات نحوية متصلة بالخط لا منفصلة عنه
ومع كونهم جنسا واحدا فلغاتهم تزيد على خمسين لسانا ويميل الكثير من ألوانهم إلى الصفاء ولكل طائفة منهم وسم في وجوهم يعبر عنه بالتلعيط بعضهم يسم في الخدين وسما خفيفا وأمحرا يسمون في الخدين والجبهة إلى الأنف خطوطا طوالا
ويقال إن أول بلادهم من الجهة الغربية بلاد التكرور مما يلي جهة اليمن وأولها من الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند واليمن وفيها يمر النهر المسمى سيحون الذي يرفد منه نيل مصر
وقد عد منها أحد عشر إقليما من جهة الغرب بمفازة بمكان يسمى وادي بركة يتوصل منه إلى إقليم يسمى سحرت ويسمى قديما تكراي وكان به في الزمن القديم مدينة اسمها احسرم بلغة أخرى من لغاتهم وتسمى أيضا زرفرتا
بها كان كرسي ملك النجاشي وكان مستوليا على أقاليم الحبشة
ويليه من جهة الشرق إقليم أمحرا الذي به الان مدينة المملكة ثم (5/290)
إقليم شاوة ثم إقليم داموت ثم إقليم لامنان ثم إقليم السيهو ثم إقليم الزلح ثم إقليم عدل الأمراء ثم إقليم حماسا ثم إقليم باريا ثم إقليم الطراز الإسلامي
قال وبها أقاليم كثيرة العدد مجهولة الأسماء غير مشهورة ولا معلومة
ثم هي على قسمين
القسم الأول بلاد النصرانية
وهي القسم الأوفر عددا الأوسع مجالا وهو الذي يملكه ملك أمحرا بفتح الألف وسكون الميم وفتح الحاء والراء المهملتين وألف في الاخر
وهم جنس من الحبشة
ويشتمل على ست جمل
الجملة الأولى في ذكر قواعدها
وقاعدتها مدينة مرعدي بفتح الميم وكسر الراء وسكون العين وكسر الدال المهملتين وياء مثناة تحت في الاخر
وهي مدينة بإقليم امحرا المقدم ذكره فيما ذكره في مسالك الأبصار إلا أنه لم يذكر صفتها والذي ذكره في تقويم البلدان أن قاعدة الحبشة مدينة جرمي بالجيم المفتوحة والراء المهملة الساكنة ثم ميم مكسورة ثم ياء مثناة تحتية في الاخر كما ضبطه ابن سعيد
وموقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول خمس وخمسون درجة والعرض تسع درج وثلاثون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة ذكرها أكثر المصنفين في كتب المسالك والممالك والأطوال والعروض وأنها كرسي مملكة الحبشة وقاعدتهم ولم يزد على ذلك فيحتمل أنها قاعدة قديمة ويحتمل أنها القاعدة المستقرة (5/291)
الجملة الثانية في الموجود بها
قد ذكر في مسالك الأبصار أن بها من المواشي ذوات الأربع الخيل والبغال والبقر والغنم وما في معناها وأغنامهم تشبه أغنام عيذاب واليمن
ومن الوحوش الأسد والنمر والفهد والفيل والزرافة والغزال وبقر الوحش وحمار الوحش والقردة وغيرها من الوحوش
وبها من الطيور الجوية الصقورة والبزاة بكثرة والنسور البيض والسود والغراب والحجل وطير الواجب بجملته والحمام والعصفور وغير ذلك مما لم يوجد بالديار المصرية
ومن الطيور البرية دجاج الحبش وأمثالها
ومن الطيور المائية البط وعندهم بنهرهم سمك يشبه البوري وسمك يشبه الثعبان يطول إلى مقدار ذراعين ونصف ويغلظ إلى مقدار كبار الخشب وبنهرهم أيضا التمساح وفرس البحر وغير ذلك
وبها من الحبوب الحنطة والشعير والحمص والعدس والبسلا والذرة وبعض الباقلا وحبوب أخرى غير ذلك منها حب يسمى قنابهول يستعملونه قوتا كالحنطة
والحنطة عندهم على مثال الحنطة الشامية والشعير حبه عندهم أكبر من حب الشعير المصرية والشامية ومنه ضرب يسمى طمجة
ولون الحمص عندهم إلى الحمرة
والباسلا عندهم عزيز الوجود في أكثر البلاد ولكنهم لا يفتقرون إليه للعلف لكثرة المراعي ببلادهم
وعندهم حب يسمى طافي على قدر الخردل ولونه إلى الحمرة ومكسرة إلى السواد يتخذون منه الخبز
وعندهم ببعض الأقاليم حب شبيه بالحنطة إلا أن له قشرين ينزع قشره بالهرس كالأرز ويتخذون منه طعاما يكون مغنيا عن الحنطة
وعندهم بزر الكتان وحب الرشاد وهم يزرعون على المطر في كل سنة مرتين مرة في الصيف ومرة في الشتاء تتحصل في كل مرة الغلات (5/292)
ونقل البطرك بنيامين أنه يقع عندهم المطر الكثير وتحصل مع المطر الصواعق العظيمة
وعندهم من أصناف المقاثيء القرع وفي بعض الأقاليم بطيخ صغير
وعندهم من البقول الثوم والبصل والكزبرة الخضراء ومن الرياحين الريحان والقرنفل ونبات أبيض يسمى بعتران
وعندهم الياسمين البري ولكنه ليس بمشموم لهم
وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلة والتين الوزيري وأصناف الحوامض خلا النارنج
وعندهم شجر يسمى جان بجيم بين الجيم والشين لا ثمر له وإنما له قلوب تشبه قلوب النارنج تؤكل فتزيد في الذكاء والفهم وتفرح إلا أنها تقلل الأكل والنوم والجماع
وعنايتهم به عناية أهل الهند بالتنبل وإن كان بينهما مباينة
وأي نفع فيما فائدته تقليل النوم والأكل والجماع اللاتي هي لذات الدنيا حتى يحكى أنه وصف لبعض ملوك اليمن فقال أنا لا يذهب متحصل ملكي إلا على هذه الثلاث فكيف أسعى في ذهابها بأكل هذا
ومن أشجارهم الزيتون والصنوبر والجميز وفي بعض بلادهم الابنوس وفي بعضها المقل وفي بعضها القنا المجوف والمسدود
ومأكلهم شحوم البقر والمعز وبعض شحوم الضأن ومشروبهم اللبن البقري وفي ضعفهم يتداوون باللبن المداف بالماء وسمن البقر
وعندهم عسل النحل بكثرة في جميع الأقاليم تختلف ألوانه باختلاف المراعي منه ما يوجد في الجبال فيؤخذ من غير حجر على أخذه
ومنه ماله خلايا (5/293)
من خشب منقورة له ملاك يختصون به
ووقود مصابيحهم شحوم البقر
أما الزيت الطيب فيجلب إليهم
وادهانهم بالسمن
وأواني طعامهم فخار مدهون أسود
واغتسالهم بالماء البارد وربما استعملوا الحار منه
وحكى البطرك بنيامين أن عندهم من المعادن معدن الذهب ومعدن الحديد
وحكي عن الشريف عز الدين التاجر أن في بعض بلادهم يوجد معدن الفضة
ومصاغهم الذهب والفضة والنحاس والرصاص كل أحد منهم بحبسه
الجملة الثالثة في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم
أما معاملاتهم ذكر في المسالك الأبصار أن معاملتهم مقايضة بالأبقار والأغنام والحبوب وغير ذلك
وأما الأسعار فالقمح والشعير اللذان هما أصل المطعومات ليس لهما عندهم قيمة تذكر لاستغنائهم عن ذلك باللحم واللبن
وسيأتي ذكر معاملة الطراز الإسلامي فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة الرابعة في ذكر زيهم وسلاحهم
أما زيهم فقد ذكر في مسالك أن لباسهم في الشتاء والصيف واحد لكل واحد منهم ثوبان غير مخيطين أحدهما يشد به وسطه والاخر يلتحف به ولا يعرفون لبس المخيط جملة إلا أن الخواص والأجناد يفضلون في اللبس فيلبسون الحرير والأبراد اليمنية والعوام يلبسون ثياب القطن على ما تقدم
وأما سلاح المقاتلة منهم فالسيوف والحراب والمزاريق والقسي يرمون عنها بالنبل وهو نشاب صغير وربما رمى بعضهم بالنبل عن قوس طويل يشبه قوس البندق ولهم درق مدورة ودراق طوال يتقون بها (5/294)
الجملة الخامسة في ذكر بطاركة الإسكندرية الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة
اعلم أنه قد تقدم في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب عند ذكر النحل والملل أن البطاركة عند النصارى عبارة عن خلفاء الحواريين الذين هم أصحاب المسيح عليه السلام وأنه كان لهم في القديم أربعة كراسي كرسي برومية قاعدة الروم وكرسي بالإسكندرية من الديار المصرية وكرسي بأنطاكية قاعدة العواصم من بلاد الشام وكرسي ببيت المقدس
وأن كرسي روميه قد صار لطائفة الملكانية وبه بطركهم المعبر عنه بالبابا إلى الان
وكرسي الإسكندرية قد صار اخرا لبطرك اليعاقبة تحت ذمة المسلمين بالديار المصرية من لدن الفتح الإسلامي وهلم جرا إلى زماننا
وأن كرسي بيت المقدس وكرسي أنطاكية قد بطلا باستيلاء دين الإسلام عليهما
ثم كرسي الإسكندرية بعد مصيره إلى اليعاقبة قد تبع البطرك القائم به على مذهب اليعاقبة الحبشة والنوبة وسائر متنصرة السودان وصار لديهم كالخليفة على دين النصرانية عندهم يتصرف فيهم بالولاية والعزل لا تصح ولاية ملك منهم إلا بتوليته حتى قال في التعريف في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة ولولا أن معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصح تعمد معمودي إلا باتصال من البطريرك وأن كرسي البطريرك كنسية الإسكندرية فيحتاج إلى أخذ مطران بعد مطران من عنده وإلا كان شمخ بأنفه على المكاتبة لكنه مضطر إلى ذلك
قال ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة وإذا كتب إليه كتابا فأتى ذلك الكتاب إلى أول مملكته خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم ولا يزال يحمله بيده حتى يخرجه من أرضه وأرباب الدولة في تلك الأرض كالقسوس والشمامسة حوله مشاة بالأدخنة فإذا خرجوا من حد أرضهم تلقاهم من يليهم أبدا كذلك في كل أرض (5/295)
بعد أرض حتى يصلوا إلى أمحرا فيخرج صاحبها بنفسه ويفعل مثل ذلك الفعل الأول إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبي الملك ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي ولا قليل ولا كثير حتى ينادى للكتاب ويجمع له يوم الأحد في الكنيسة ويقرأ والملك واقف ثم لا يجلس مجلسه حتى ينفذ ما أمره به
ولما تعذر الوقوف على معرفة تواريخ ملوكهم اكتفينا بذكر البطاركة الذين عنهم تنشأ ولاياتهم فكانوا هم ملوكهم حقيقة
اعلم أن أول من ولي من البطاركة كنسية الإسكندرية مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواري الذي أرسله المسيح عليه السلام إلى رومية
وإنما سمي بمرقص الإنجيلي لأن بطرس الحواري حين كتب إنجيله كتبه بالرومية ونسبه إلى مرقص المذكور فتقلب بالإنجيلي وأقام مرقص المذكور في بطركية الإسكندرية سبع سنين يدعو إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب ثم قتله نيرون قيصر بن اقليوديش قيصر سادس القياصرة
وولي مكانة حنانيا ويسمى بالعبرانية أنانيو ثم مات لسبع وثمانين سنة للمسيح
وولي مكانه فلبو فأقام ثلاث عشرة سنة ثم مات
فولي مكانة كرتيانو ومات لإحدى عشرة سنة من ولايته في أيام طرنبش قيصر
وولي مكانة إيريمو ثنتي عشرة سنة
ثم ولي بعده نسطس في أيام أندريانوس قيصر وكان حكيما فاضلا فأقام في البطركية إحدى عشرة سنة ثم مات
وولي مكانه أرمانيون إحدى عشرة سنة أيضا ومات في أيام أندريانوس قيصر أيضا
وولي بعده موقيانو فلبث تسع سنين ومات في أيام أنطونيس قيصر (5/296)
في الخامسة من ملكه
وولي بعده كلوتيانو فأقام أربع عشرة سنة في أيام انطونيس قيصر ومات
وولي بعده أغريتوس فبقي اثنتي عشرة سنة ومات
فولي بعده يليانس في أيام أوراليانس قيصر فلبث عشر سنين ومات
فولي مكانه في أيام أوراليانس ديمتريوس فأقام ثلاثا وثلاثين سنة
وولي بعده تاوكلا فأقام ستة عشرة سنة ومات
وولي بعده دونوشيوش فلبث تسع عشرة سنة ومات
وولي مكانه مكسيموس فأقام ثنتي عشرة سنة ومات
وولي مكانه ثاونا فلبث عشر سنين ومات وكان النصارى إذ ذاك يقيمون الدين خفية فلما صار بطركا صانع الروم ولا طفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم وأعلنوا فيها بالصلاة
ثم ولي بعده بطرس فلبث عشر سنين وقتله ديقلاديانوس قيصر
وولى مكانه تلميذه اسكندروس وكان كبير تلامذته فلبث ثلاثا وعشرين سنة
وقيل ثنتين وعشرين سنة وقيل ست عشرة سنة وكسر صنم النحاس الذي كان في هيكل زحل بالإسكندرية وبنى مكانه كنيسة وبقيت حتى هدمها العبيديون عند ملكهم الإسكندرية ومات لإحدى وعشرين سنة من ملك قسطنطين ملك الروم
وولي مكانه تلميذه ايناسيوس ووثب عليه أهل إسكندرية ليقتلوه لانتحاله مذهبا غير مذهبهم فهرب
وتولى مكانه لوقيوش ثم رد ايناسيوس المتقدم ذكره إلى كرسيه بعد (5/297)
خمسة أشهر وطرد لوقيوس وأقام ايناسيوس بطركا إلى أن مات
فتولى بعده تلميذه بطرس سنتين ووثب عليه أصحاب لوقيوس فهرب ورد لوقيوس إلى كرسيه فأقام ثلاث سنين ثم وثبوا عليه وردوا بطرس ومات لسنة من إعادته وقيل أنه حبس وأقيم مكانه أريوس من أهل سميساط
ثم ولي طيماناواس أخو بطرس فلبث فيهم سبع سنين ومات
ويقال إن ايناسيوس المتقدم ذكره رد إلى كرسيه ثم مات
فولي مكانه كاتبه تاوفينا فأقام سبعا وعشرين سنة ومات
وتولى مكانه كيرلس ابن أخته فأقام اثنتين وثلاثين سنة ومات
فولي مكانه ديسقرس فأحدث بدعة في الأمانة التي يعتقدونها فأجمعوا على نفيه
وولوا مكانه برطارس وافترقت النصارى من حينئذ إلى يعقوبية وملكانية ووثب أهل الإسكندرية على برطارس البطرك فقتلوه لست سنين من ولايته وأقاموا مكانه طيماناوس وكان يعقوبيا وهو أول من ولي البطركية من اليعاقبة بالإسكندرية فأقام فيها ثلاث سنين ثم جاء قائد من القسطنطينية فنفاه وأقام مكانه سوريس من الملكية فأقام تسع سنين
ثم عاد طيماناوس المتقدم ذكره إلى كرسيه بأمر لاون قيصر
ويقال أنه بقي في البطركية اثنتين وعشرين سنة ومات
فولي مكانه بطرس وهلك بعد ثمان سنين
وولي مكانه اثناسيوس وهلك لسبع سنين وكان قيما ببعض البيع في بطركية بطرس ومات (5/298)
فولي مكانه يوحنا وكان يعقوبيا ومات بعد سبع سنين
وولي مكانه يوحنا الحبيس ومات بعد إحدى عشرة سنة
فولي مكانه ديسقرس الجديد ومات بعد سنتين ونصف
ثم ولي مكانه طيماناوس وكان يعقوبيا فمكث فيهم ثلاث سنين وقيل سبع عشرة سنة ثم نفي
وولي مكانه بولص وكان ملكيا فلم تقبله اليعاقبة وأقام على ذلك سنتين
ثم ولي قيصر قائدا من قواده اسمه اثوليناريوس فدخل الكنيسة على زي الجند ثم لبس زي البطاركة وحملهم على رأي اليعقوبية وقتل من امتنع وكانوا مائتين ومات لسبع عشرة سنة من ولايته
وولي مكانه يوحنا وهلك لثلاث سنين
وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدموا عليهم طودوشيوش بطركا فمكث فيهم ثنتين وثلاثين سنة
ثم جعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش عن كرسيه ستة أشهر ثم أمر قيصر بأن يعاد فأعيد ثم نفاه بعد ذلك
وولي مكانه بولس التنيسي فلم يقبله أهل الإسكندرية ولا ما جاء به ثم مات وغلقت كنائس القبط اليعقوبية ولقوا شدة من الملكية ومات طودوشيوش الذي كان قد نفي
وتولى البطركية بطرس ومات بعد سنتين
وولي مكانه داميانو فمكث ستا وثلاثين سنة وخربت الديرة في أيامه
ثم ولي على الملكية بالإسكندرية ومصر يوحنا الرحوم وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بالإسكندرية ولما سمع بمسير الفرس إلى مصر هرب إلى (5/299)
قبرس فمات بها لعشر سنين من ولايته وخلا كرسي الملكية بعده بالإسكندرية سبع سنين
وكانت اليعاقبة بالإسكندرية قدموا عليهم انسطانيوس فمكث فيهم ثنتي عشرة سنة واسترد ما كانت الملكية استولوا عليه من كنائس اليعقوبية ومات
ثم ولي اندرانيكون بطركا على اليعاقبة فأقام ست سنين خربت فيها الديرة ثم مات
وولي مكانه لأول الهجرة بنيامين فمكث تسعا وثلاثين سنة
وفي خلال أيامه غلب هرقل ملك الروم على مصر وملكها
وولي أخاه منانيا بطركا على الاسكندرية وواليا وكان ملكيا
ورأى بنيامين البطرك في نومه من يأمره بالاختفاء فاختفى ثم غضب هرقل على أخيه منانيا لمعتقد في الدين فأحرقه بالنار ثم رمى بجثته في البحر وبقي بنيامين مختفيا إلى أن فتح المسلمون الإسكندرية فكتب له عمرو بن العاص بالأمان فرجع إلى الإسكندرية بعد أن غاب عن كرسيه ثلاث عشرة سنة وبقي حتى مات في سنة تسع وثلاثين من الهجرة واستمرت البطركية بعده في اليعقوبية بمفردهم وغلبوا على مصر وأقاموا بجميع كراسيهم أساقفة يعاقبة وأرسلوا أساقفتهم إلى النوبة والحبشة فصاروا يعاقبة
وخلفه في مكانه أغاثوا فمكث سبع عشرة سنة ثم مات في سنة ست وخمسين من الهجرة وهو الذي في أيامه قد انتزعت كنائس الملكية من اليعاقبة وولي عليهم بطرك بعد أن أقاموا من لدن خلافة عمر بغير بطرك نحوا من مائة سنة ورياسة البطرك لليعاقبة وهم الذين يبعثون الأساقفة إلى النواحي
ومن هنا (5/300)
صارت النوبة ومن وراءهم من الحبشة يعاقبة وهو الذي بنى كنيسة مرقص وبقيت حتى هدمت أيام العادل أبي بكر بن أيوب
وولي مكانه بطرك اسمه يوحنا
ثم ولي البطركية بعده ايساك فأقام سنتين وأحد عشر شهرا ومات
وكانت تقدمته في الثامنة عشرة ليوشطيان ملك الروم وتقرر أن لا يقدم بطرك إلا يوم الأحد
وقدم عوضه سيمون السرياني فأقام سبع سنين ونصفا ومات في الرابع والعشرين من أبيب سنة أربعمائة وست عشرة للشهداء في خلافة عبد الملك بن مروان
ويقال إنه وصل إليه رسول من الهند يطلب منه أن يقدم لهم أسقفا وقسوسا فامتنع إلى أن يأمره صاحب مصر فمضى إلى غيره ففعل له ذلك
وقدم بعده في البطركية الاسكندروس في سنة إحدى وثمانين من الهجرة في يوم عيد مرقص الإنجيلي سنة أربعمائة وعشرين للشهداء فمكث أربعا وعشرين سنة ونصفا وقيل خمسا وعشرين سنة وقاسى شدة عظيمة وصودر دفعتين أخذ منه في كل دفعة ثلاثة الاف دينار ومات في سنة ثمان ومائة وكانت وفاته بالإسكندرية
وقدم عوضه قسيما فأقام خمسة عشر شهرا ومات
فقدم مكانه تادرس في سنة تسع ومائة فأقام إحدى عشرة سنة ومات (5/301)
فقدم مكانه ميخائيل في سنة عشرين ومائة وفأقام ثلاثا وعشرين سنة ولقي شدائد من عبد الملك بن موسى نائب مروان الجعدي على مصر ثم من مروان لما دخل إلى مصر إلى أن قتل في أبي صير وأطلق البطرك والنصارى نائب أبي العباس السفاح
وفي سنة إحدى وثلاثين ومائة رسم بإعادة ما استولى عليه اليعاقبة من كنائس الملكية بالديار المصرية إليهم فأعيدت وأقيم لهم بطرك وكانت الملكية قد أقاموا بغير بطرك سبعا وتسعين سنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين الفتح الإسلامي إلى خلافة هشام بن عبد الملك
وفي سنة سبع وأربعين ومائة صرف أبو جعفر المنصور ميخائيل بطرك اليعاقبة وأقام عوضه مينا فأقام تسع سنين ومات في خلافة الهادي محمد بن المهدي
وقدم مكانه يوحنا فاقام ثلاثا وعشرين سنة ومات سادس عشر طوبة سنة خمسمائة وخمس عشرة للشهداء
ثم في سنة اثنتين وسبعين ومائة في خلافة الرشيد قدم في البطركية مرقص الجديد فأقام عشرين سنة وسبعين يوما
وفي أيامه رسم الرشيد بإعادة كنائس الملكية التي استولى عليها اليعاقبة ثانيا إليهم وثارت العربان والمغاربة وخربوا الديرة بوادي هبيب ولم يبق فيها من الرهبان إلا اليسير ثم مات في سنة إحدى عشرة ومائتين
وقدم عوضه في البطركية يعقوب قيل في السنة الثالثة من خلافة المأمون
وفي أيامه عمرت الديارات وعادت الرهبان إليها ومات في سنة اثنتين وعشرين ومائتين (5/302)
وقدم عوضه سيماون في السنة المذكورة في خلافة المعتصم فأقام سنة واحدة
وقيل سبعة شهور وستة عشر يوما
وخلا الكرسي بعده سنة واحدة وتسعة وعشرين يوما
وفي سنة سبع وعشرين ومائتين قدم في البطركية بطرس ويقال يوساب وكانت تقدمته في دير يومقار بوادي هبيب حادي عشري هاتور سنة خمسمائة وسبعة وأربعين للشهداء
وقيل إنه قدم في أيام المأمون وإنه أقام ثماني عشرة سنة وسير أساقفة إلى أفريقية والقيروان ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين وخلا الكرسي بعده ثلاثين يوما
وقدم عوضه جاتيل في السنة العاشرة من خلافة المتوكل
ويقال إنه كان قسا بدير بوحنس فأقام سنة واحدة وخمسة أشهر ثم مات ودفن بدير بومقار وهو أول من دفن فيه من البطاركة
وخلا الكرسي بعده أحدا وثمانين يوما
وقدم عوضه قسيما في سنة أربع وأربعين ومائتين من الهجرة وهي الثانية عشرة من خلافة المتوكل وكان شماسا بدير بومقار فأقام سبع سنين وخمسة شهور ثم مات ودفن بدنوشر وخلا الكرسي بعده أحدا وخمسين يوما
وقدم مكانه بطرك اسمه اساسو ويقال سالوسو في أول سنة من خلافة (5/303)
المعتز وأحمد بن طولون بمصر فأقام إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر ومات وهو الذي علم مجاري المياه التي تجري تحت الأرض من خليج الإسكندرية إلى ادرها
ولما مات قدم مكانه ميخائيل في خلافة المعتمد في سنة ثلاث وستين ومائتين فأقام خمسا وعشرون سنة
وصادره أحمد بن طولون في عشرين ألف دينار فباع في المصادرة رباع الكنائس بالإسكندرية وبركة الحبش بظاهر مصر ومات
فبقي الكرسي بعده أربع عشرة سنة شاغرا إلى سنة ثلثمائة
وفي يوم الاثنين ثالث شوال سنة ثلثمائة احترقت الكنيسة العظمى بالإسكندرية التي كانت بنتها كلابطره ملكة مصر هيكلا لزحل
ثم قدم البطرك غبريال في السنة السابعة من خلافة المقتدر وهي سنة أحدى وثلثمائه فأقام إحدى عشرة سنة ومات
فقدم مكانه البطرك قسيما فأقام اثنتي عشرة سنة ومات
وفي السنة الأخيرة من رياسته وهي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة أحرق المسلمون كنيسة مريم بدمشق ونهبوا ما فيها وتتبعوا كنائس اليعاقبة والنساطرة (5/304)
ولما مات قسيما المذكور قدموا عليهم بطركا لم أقف على اسمه فأقام عشرين سنة ثم مات
وقدم في البطركية تاوفانيوس من أهل اسكندرية في السنة الحادية عشرة من خلافة المطيع فأقام أربع سنين وستة أشهر ومات مقتولا في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة
وقدم مكانه البطرك مينا في السنة الخامسة عشرة من خلافة المطيع والأخشيد نائب بمصر فأقام إحدى عشرة سنة ثم مات
وخلا كرسي اليعاقبة بعد موته سنة واحدة
ثم قدم مكانه بطرك اسمه افراهام السرياني في سنة ست وستين وثلثمائة فأقام ثلاث سنين وستة أشهر ومات في أيام العزيز الفاطمي بمصر مسموما من بعض كتاب النصارى لإنكاره عليه التسري وقطعت يد ذلك الكاتب بعد موته ومات لوقته
وخلا الكرسي بعده ستة أشهر
وقدم عوضه بطرك اسمه فيلاياوس في سنة تسع وستين وثلثمائة
وقيل في السنة الخامسة للعزيز الفاطمي فأقام أربعا وعشرين سنة وسبعة أشهر ومات
وقدم بعده بطرك اسمه دخريس في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة في أيام الحاكم الفاطمي فأقام ثمانا وعشرين سنة ثم مات ودفن ببركة الحبش
وخلا كرسي اليعاقبة بعده أربعة وسبعين يوما
ثم قدم اليعاقبة بعده سابونين بطركا في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فأقام خمس عشرة سنة ومات فخلا الكرسي (5/305)
بعده سنة وخمسة أشهر
ثم قدم بعده بطرك اسمه اخرسطوديس في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة في خلافة المستنصر الفاطمي فأقام ثلاثين سنة ومات في السنة الحادية والأربعين من خلافة المستنصر المذكور بالكنيسة المعلقة بمصر
وهو الذي جعل كنيسة بومرقورة بمصر وكنيسة السيدة بحارة الروم بطركية
وخلا الكرسي بعده اثنين وسبعين يوما
ثم قدم بعده البطرك كيرلص فأقام أربع عشرة سنة وثلاثة أشهر ونصفا ومات بكنيسة المختارة بجزيرة مصر سلخ ربيع الاخر سنة خمس وثمانين وأربعمائة
وخلا الكرسي بعده مائة وأربعة وعشرين يوما
وقدم عوضه بطرك اسمه ميخائيل في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة في أيام المستنصر الفاطمي صاحب مصر وكان قبل ذلك حبيسا بسنجار فأقام تسع سنين وثمانية أشهر ومات في المعلقة بمصر
وقدموا عوضه بطركا اسمه مقاري سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بدير بومقار ثم كمل بالإسكندرية وعاد إلى مصر وقدس بدير بومقار ثم في الكنيسة المعلقة
وفي أيامه هدم الأفضل بن أمير الجيوش كنيسة بجزيرة مصر كانت في بستان اشتراه
ولما مات قدم عوضه بطرك اسمه غبريال أبو العلا صاعد سنة خمس وعشرين وخمسمائة في أيام الحافظ الفاطمي وكان قبل ذلك شماسا بكنيسة بومرقورة فقدم بالمعلقة وكمل بالإسكندرية فأقام أربع عشرة سنة ومات بكنيسة بومرقورة
وخلا الكرسي بعده ثلاثة أشهر
وقدم بعده بطرك اسمه ميخائيل بن التقدوسي في السنة الخامسة عشرة من (5/306)
خلافة الحافظ أيضا وكان قبل ذلك راهبا بقلاية دنشري قدم بالمعلقة وكمل بالإسكندرية ومات بدير بومقار في رابع شوال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وخلا الكرسي بعده سنة واحدة وسبعين يوما
وقدم عوضه بطرك اسمه يونس بن أبي الفتح بالمعلقة بمصر وكمل بالإسكندرية فأقام تسع عشرة سنة ومات في السابع والعشرين من جمادى الأخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
وخلا الكرسي بعده ثلاثة وأربعين يوما
وقدم بعده بطرك اسمه مرقص أبو الفرج بن زرعة في سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر وكمل بالإسكندرية فأقام اثنتين وعشرين سنة وستة أشهر وخمسة وعشرين يوما وفي أيامه أحرقت كنيسة بومرقورة بمصر ثم مات
وخلا الكرسي بعده سبعة وعشرين يوما
وقدم بعده بطرك اسمه يونس بن أبي غالب في عاشر ذي الحجة سنة أربع وثمانين وخمسمائة بمصر وكمل بالإسكندرية وأقام ستا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما ومات في رابع عشر رمضان المعظم قدره سنة اثنتي عشرة وستمائة بالمعلقة بمصر ودفن ببركة الحبش
وقدم بعده بطرك اسمه داود بن يوحنا ويعرف بابن لقلق بأمر العادل بن الكامل فلم يوافق عليه المصريون فأبطلت بطركيته وبقي الكرسي بغير بطرك تسع عشرة سنة
ثم قدم بطرك اسمه كيرلس داود بن لقلق في التاسع والعشرين من رمضان المعظم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة فأقام سبع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام ومات في السابع عشر من رمضان المعظم سنة أربعين وستمائة ودفن بدير الشمع بالجيزة
وخلا الكرسي بعده سبع سنين وستة أشهر وستة وعشرين يوما
وقدم بعده بطرك اسمه سيوس بن القس أبي المكارم في رابع رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة وكمل بالإسكندرية وأقام إحدى عشرة سنة وخمسة (5/307)
وخمسين يوما ومات في ثالث المحرم سنة ستين وستمائة
وخلا الكرسي من بعده خمسة وثلاثين يوما
ثم قدم بعده في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون البطرك بنيامين وهو الذي كان معاصرا للمقر الشهابي بن فضل الله ونقل عنه بعض أخبار الحبشة
ثم قدم بعده المؤتمن جرجس بن القس مفضل في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة
ثم قدم بعده البطرك متى وطالت مدته في البطركية ثم مات في شهور سنة اثنتي عشرة وثمانمائة
واستقر بعده الشيخ الأمجد رفائيل في أواخر السنة المذكورة وهو القائم بها إلى الان
أما ملوكهم القائمون ببلادهم فلم يتصل بنا تفاصيل أخبارهم غير أن المشهور أن ملكهم في الزمن المتقدم كان يلقب النجاشي سمة لكل من ملك عليهم إلى أن كان اخرهم النجاشي الذي كان في زمن النبي وأسلم وكتب إليه بإسلامه ومات وصلى عليه صلاة الغائب وكان اسمه بالحبشيه أصحمة ويقال صحمة ومعناه بالعربية عطية
وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله مسالك الأبصار أن الملك الأكبر الحاكم على جميع أقطارهم يسمى بلغتهم الحطي بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة المكسورة وياء مثناة تحت في الاخر
ومعناه السلطان اسما موضوعا لكل من قام عليهم ملكا كبيرا
ثم قال ويقال إن تحت يده تسعة وتسعين ملكا وهو لهم تمام المائة
وذكر أن الملك القائم بمملكتهم في زمانه (5/308)
اسمه عمدسيون ومعناه ركن صهيون
قال وصهيون بيعة قديمة البناء بالإسكندرية معظمة عندهم
قال ويقال إنه من الشجاعة على أوفر قسم وإنه حسن السيرة عادل في رعيته
قال في التعريف وقد بلغنا أن الملك القائم عليهم أسلم سرا واستمر على إظهار دين النصرانية إبقاء لملكه
فيحتمل أنه عمدسيون المقدم ذكره ويحتمل أنه غيره
قال في التعريف ومدبر دولته رجل يقرب إلى بني الأرشي الأطباء بدمشق
قال في مسالك الأبصار ومع ما هم عليه من سعة البلاد وكثرة الخلق والأجناد مفتقرون إلى العناية والملاحظة من صاحب مصر
لأن المطران الذي هو حاكم شريعتهم في جميع بلادهم من أهل النصرانية لا يقام إلا من الأقباط اليعاقبة بالديار المصرية بحيث تخرج الأوامر السلطانية من مصر للبطرك المذكور بإرسال مطران إليهم
وذلك بعد تقدم سؤال ملك الحبشة الذي هو الحطي وإرسال رسله وهداياه
قال وهم يدعون أنهم يحفظون مجاري النيل المنحدر إلى مصر ويساعدون على إصلاح سلوكه تقربا لصاحب مصر
وقد ذكر ابن العميد مؤرخ النصارى في تاريخه أنه لما توقف النيل في زمن المستنصر بالله الفاطمي كان ذلك بسبب فساد مجاريه من بلادهم وأن المستنصر أرسل البطرك الذي كان في زمانه إلى الحبشة حتى أصلحوه وأستقامت مجاريه
لكن قد تقدم في الكلام على النيل عند ذكر مملكة الديار المصرية من هذه المقالة ما يخالف ذلك
الجملة السادسة في ترتيب مملكتهم
قال في مسالك الأبصار يقال إن الحطي المذكور وجيشه لهم خيام (5/309)
ينقلونها معهم في الأسفار والتنزهات وإنه إذا جلس الملك يجلس على كرسي ويجلس حول كرسيه أمراء مملكته وكبراؤها على كراسي من حديد منها ما هو مطعم بالذهب ومنها ما هو ساذج على قدر مراتبهم
قال ويقال إن الملك مع نفاذ أمره فيهم يتثبت في أحكامه
ولم يزد في ترتيب مملكتهم على ذلك
ولملك الحبشة هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية يأتي ذكرها في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
القسم الثاني من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة
وهي البلاد المقابلة لبر اليمن على أعالي بحر القلزم وما يتصل به من بحر الهند ويعبر عنها بالطراز الإسلامي لأنها على جانب البحر كالطراز له
قال في مسالك الأبصار وهي البلاد التي يقال لها بمصر والشام بلاد الزيلع
قال والزيلع إنما هي قرية من قراها وجزيرة من جزائرها غلب عليها اسمها
قال الشيخ عبد المؤمن الزيلعي الفقيه وطولها برا وبحرا خاصا بها نحو شهرين وعرضها يمتد أكثر من ذلك لكن الغالب في عرضها أنه مقفر أما مقدار العمارة فهو ثلاثة وأربعون يوما طولا وأربعون يوما عرضا
قال في مسالك الأبصار وبيوتهم من طين وأحجار وأخشاب مسقفة بجملونات وقباب وليست بذوات أسوار ولا لها فخامة بناء ومع ذلك فلها الجوامع والمساجد وتقام بها الخطب والجمع والجماعات وعند أهلها محافظة على الدين إلا أنه لا تعرف عندهم مدرسة ولا خانقاه ولا رباط ولا زاوية
وهي بلاد شديدة الحر وألوان أهلها إلى الصفاء وليست شعورهم في غاية التفلفل كما في أهل مالي وما يليها من جنوب المغرب وفطنهم أنبه من غيرهم من السودان وفطرهم أذكى وفيهم الزهاد والأبرار والفقهاء والعلماء ويتمذهبون بمذهب أبي حنيفة خلا وفات فإن ملكها وغالب أهلها شافعية (5/310)
وتشتمل على ست جمل
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال
مقتضى ما ذكره في مسالك الأبصار والتعريف أن هذه البلاد تشتمل على سبع قواعد كل قاعدة منها مملكة مستقلة بها ملك مستقل
القاعدة الأولى وفات
قال في تقويم البلدان بالواو المفتوحة والفاء ثم ألف وتاء مثناة فوق في الاخر والعامة تسميها أوفات
ويقال لها أيضا جبرة بفتح الجيم والباء الموحدة والراء المهملة ثم هاء في الاخر والنسبة إلى جبرة جبرتي
وموقعها بين الإقليم الأول وخط الاستواء
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ثمان درج
قال وعن بعض المسافرين أنها من أكبر مدن الحبشة
وهي على نشز من الأرض وعمارتها متفرقة ودار الملك فيها على تل والقلعة على تل ولها واد فيه نهر صغير وتمطر في الليل غالبا مطرا كثيرا وبها قصب السكر
قال في مسالك الأبصار وقال الشيخ عبد الله الزيلعي وطول مملكتها خمسة عشر يوما وعرضها عشرون يوما بالسير المعتاد
قال وكلها عامرة اهلة بقرى متصلة وهي أقرب أخواتها إلى الديار المصرية وإلى السواحل المسامتة لليمن وهي أوسع الممالك السبع أرضا والإجلاب إليها اكثر لقربها من البلاد
قال في مسالك الأبصار وعسكرها خمسة عشر ألفا من الفرسان ويتبعهم عشرون ألفا فأكثر من الرجالة وسيأتي الكلام على سائر أحوالها عند ذكر أحوال سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى
ومن مضافاتها زيلع
قال في تقويم البلدان الظاهر أنها بفتح الزاي العجمة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح اللام ثم عين مهملة في الاخر (5/311)
وهي فرضة من فرض هذه البلاد وموقعها بين الإقليم الأول وخط الاستواء
قال في القانون حيث الطول إحدى وستون درجة والعرض ثمان درج
قال في تقويم البلدان وهي في جهة الشرق عن وفات وبينهما نحو عشرين مرحلة
قال ابن سعيد وهي مدينة مشهورة وأهلها مسلمون وهي على ركن من البحر في وطاءة من الأرض
قال في تقويم البلدان وعن بعض من رآها أنها مدينة صغيرة نحو عيذاب في القدر وهي على الساحل والتجار تنزل عندهم فيضيفونهم ويبتاعون لهم
قال ابن سعيد وهي شديدة الحر وماؤها عذيبي من جفارات وليس لهم بساتين ولا يعرفون الفواكه
قال في القانون وفيها مغاص لؤلؤ
وقد ذكر في مسالك الأبصار أنها تلي في مملكة صاحب أوفات
وذكر في تقويم البلدان عن بعض من راها أن فيها شيوخا يحكمون بين أهلها وقال إن بينها وبين عدن من اليمن في البحر ثلاث مجار وهي عن عدن في جهة الغرب بميلة إلى الجنوب
القاعدة الثانية دوارو
بفتح الدال المهملة وواو ثم ألف وراء مهملة وواو وهي مدينة ذكرها في مسالك الأبصار والتعريف
ولم يتعرض لصفتها
وذكر في مسالك الأبصار أنها أوفات المقدمة الذكر وأن مملكتها طولها خمسة أيام وعرضها يومان
ثم قال وهي على هذا الضيق ذات عسكر جم نظير عسكر أوفات في الفارس والراجل
وسيأتي الكلام على تفصيل أحوالها مع أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى (5/312)
القاعدة الثالثة أرابيني
وهي مدينة ذكرها في المسالك والتعريف أيضا ولم يذكر شيئا من صفتها
ثم ذكر أن مملكتها مربعة طولها أربعة أيام وعرضها كذلك وعسكرها يقارب عشرة الاف فارس
اما الرجالة فكثيرة للغاية
القاعدة الرابعة هدية
قال في تقويم البلدان بالهاء والدال المهملة والياء المثناة التحتية ثم هاء في الاخر على ما ذكره بعض من راها
وموقعها بين الإقليم الأول من الأقاليم السبعة وبين خط الاستواء
قال والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض سبع درج
وذكر عن بعض المسافرين أنها جنوبي وفات
قال في مسالك الأبصار وهي تلي أرابيني المقدم ذكرها وطول مملكتها ثمانية أيام وعرضها تسعة أيام وصاحبها أقوى إخوانه من ملوك هذه الممالك السبعة وأكثر خيلا ورجالا وأشد بأسا على ضيق بلاده عن مقدار أوفات
قال ولملكها من العسكر نحو أربعين ألف فارس سوى الرجالة فإنهم خلق كثير مثل الفرسان مرتين أو أكثر
قال في تقويم البلدان ومنها تجلب الخدام وذكر أنهم يخصونهم بقرية قريبة منها
وذكر في مسالك الأبصار أن الخدام تجلب إليها من بلاد الكفار
ثم حكى عن الحاج فرج الفوي التاجر انه حدثه أن ملك امحرا يمنع من خصي العبيد وينكر ذلك ويشدد فيه
وإنما السراق تقصد بهم مدينة اسمها وشلو بفتح الواو والشين المعجمة واللام أهلها همج لادين عندهم فتخصى بها العبيد لا يقدم على هذا في جميع بلاد الحبشة سواهم
قال ولذلك التجار إذا اشتروا العبيد يخرجون بهم إلى وشلو فيخصونهم بها لأجل زيادة الثمن ثم يحمل من خصي منهم إلى مدينة هدية لقربها من وشلو فتعاد عليهم الموسى مرة ثانية لينفتح مجرى البول لأنه يكون قد استد عند الخصي (5/313)
بالقيح فيعالجون بهدية إلى أن يبرءوا ولأن أهل وشلو وإن كان لهم معرفة بالخصي فليس لهم معرفة بالعلاج بخلاف أهل هدية فإنهم قد دربوا على ذلك وعرفوه
ثم قال ومع هذا فالذي يموت منهم أكثر من الذي يعيش وأضر ما عليهم حملهم بلا معالجة من مكان إلى مكان فإنهم لو عولجوا في مكان خصيهم كان أرفق بهم
القاعدة الخامسة شرحا
بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وحاء ثم ألف
وهي مدينة تلي هدية المقدمة الذكر
ذكرها في مسالك الأبصار والتعريف ولم يصرح لها بوصف
قال في مسالك الأبصار وطول مملكتها ثلاثة أيام وعرضها أربعة أيام
قال وعسكرها ثلاثة الالف فارس ورجالة مثل ذلك مرتين فأكثر وسيأتي الكلام على سائر أحوالها مع سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى
القاعدة السادسة بالي
بفتح الباء الموحدة وألف ثم لام وياء اخر الحروف
وهي مدينة تلي شرحا المقدمة الذكر ذكرها في المسالك والتعريف قال في المسالك ولكنها أكثر خصبا وأطيب سكنا وأبرد هواء وسيأتي الكلام على سائر أحوالها مع سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى
القاعدة السابعة دارة
بفتح الدال المهملة وألف بعدها راء ثم هاء
وهي مدينة تلي بالي المقدمة الذكر ذكرها في المسالك والتعريف
قال في المسالك (5/314)
وطولها ثلاثة أيام وعرضها كذلك
وهي أضعف أخواتها حالا وأقلها خيلا ورجالا
قال وعسكرها لا يزيد على ألفي فارس ورجالة كذلك وسيأتي الكلام على سائر أحوالها في الكلام على سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى
الجملة الثانية في الموجود بهذه الممالك على ما ذكره في مسالك الأبصار
قد ذكر أن عندهم من المواشي الخيل العراب والبغال والحمير والبقر والغنم بكثرة
أما المعز فقليل عندهم
ومن الوحش البقر والحمر والغزلان والمها والإبل والكركدن والفهد والأسد والضبعة العرجاء وتسمى عندهم مرعفيف وعندهم جواميس برية تصاد كما تقدم في إقليم مالي
وعندهم من الطيور الدواجن الدجاج ولكن لا رغبة لهم في أكله استقذارا له لأكله القمامات والزبالات ودجاج الحبش يصيدونه ويأكلونه وهو عندهم مستطاب
وعندهم من الحبوب الحنطة والشعير والذرة والطافي وهو حب نحو الخردل أحمر اللون على ما تقدم ذكره في الكلام على القسم الأول من بلاد الحبشة
وعندهم الخردل أيضا
وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلة والموز والرمان الحامض والتوت الأسود على قلة فيه والجميز بكثرة
وعندهم من المحمضات الأترج والليمون والقليل من النارنج
وعندهم تين بري وخوخ بري ولكنهم لا يأكلون الخوخ دون التين
وعندهم فواكه أخرى لا تعرف بمصر والشأم والعراق منها شجر يسمى كشباد ثمره أحمر على صفة البسر وهو حلو ماوي وشجر يسمى كوشى ثمره مستدير كالبرقوق ولونه أصفر خلوقي كالمشمش وهو مز ماوي وشجر يسمى طانة ثمره أصغر من البسر وفي وسطه شبه النوى وهو حلو صادق الحلاوة ونواه يؤكل معه لعدم صلابته
وشجر اسمه أوجاق بفتح الواو والجيم ثمره أكبر من حب الفلفل وطعمه شبيه به في الحرافة مع بعض الحلاوة
وعندهم شجرجان المقدم ذكره في القسم الأول من بلاد الحبشة وهو الذي يؤكل عندهم للذكاء والفطنة ولكنه يقل النوم والنكاح على ما تقدم ذكره هناك
وعندهم من أنواع المقاثيء البطيخ الأخضر والخيار والقرع (5/315)
ومن الخضروات اللوبيا والكرنب والباذنجان والشمار والصعتر
أما الملوخيا فإنها تطلع عندهم برية
الجملة الثالثة في معاملاتهم وأسعارهم
أما معاملاتهم فعلى ثلاثة أنواع
منها ما هو بالأعراض مقايضة تباع البقر بالغنم ونحو ذلك كما في القسم الأول من بلاد الحبشة
ومنها ما هو بالدنانير والدراهم كمصر والشأم ونحوهما وهو وفات وأعمالها خاصة
قال في مسالك الأبصار وليس بأوفات سكة تضرب بل معاملاتهم بدنانير مصر ودراهمها الواصلة إليهم صحبة التجار وذلك أنه لو ضرب أحد منهم سكة في بلاده لم ترج في بلد غيره
ومنها ما هو بالحكنات جمع حكنة بفتح الحاء المهملة وضم الكاف والنون كما ضبطه في مسالك الأبصار وهي قطع حديد في طول الإبرة ولكنها أعرض منها بحيث تكون في عرض ثلاث إبر يتعامل بها في سائر هذه البلاد سوى ما تقدم ذكره
قال وليس لهذه الحكنة عندهم سعر مضبوط بل تباع البقرة الجيدة بسبعة الاف حنكة والشاة الجيدة بثلاثة الاف حكنة
وتكال غلتهم بكيل اسمه الرابعية بمقدار ويبة من الكيل المصري
وزنة أرطالهم أثنتا عشرة أوقية كل أوقية عشرة دراهم بصنجة مصر
وأما الأسعار فكلها رخية حتى قال في مسالك الأبصار إنه يباع بالدرهم الواحد عندهم من الحنطة بمقدار حمل بغل والشعير لا قيمة له
وعلى هذا فقس
الجملة الرابعة في ملوكهم
قد تقدم في الكلام على القسم الأول من بلاد الحبشة أن الحطي الذي هو سلطانهم الأكبر تحت يده تسعة وتسعون ملكا وهو لهم تمام المائة
وقد ذكر في (5/316)
التعريف أن هذه السبعة من جملة التسعة والتسعين الذين هم تحت يده
قال في مسالك الأبصار والملك منهم في بيوت محفوظة إلا بالي اليوم فإن الملك بها صار إلى رجل ليس من أهل بيت الملك تقرب إلى سلطان أمحرا حتى ولاه مملكة بالي فاستقل ملكا بها
على أنه قد وليها من أهل بيت الملك رجال أكفاء ولكن الأرض لله يورثها من يشاء
قال وجميع ملوك هذه الممالك وإن توارثوها لا يستقل منهم بملك إلا من أقامه سلطان امحرا وإذا مات منهم ملك ومن أهله رجال قصدوا جميعهم سلطان أمحرا وتقربوا إليه جهد الطاقة فيختار منهم رجلا يوليه فإذا ولاه سمع البقية له وأطاعوا فهم له كالنواب وأمرهم راجع إليه
ثم كلهم متفقون على تعظيم صاحب أوفات منقادون إليه
ثم قال وهذه الممالك السبع ضعيفة البناء قلية الغناء لضعف تركيب أهلها وقلة محصول بلادهم وتسلط الحطي سلطان أمحرا عليهم مع ما بينهم من عداوة الدين ومباينة ما بين النصارى والمسلمين
قال وهم مع ذلك كلمتهم متفرقة وذات بينهم فاسدة
ثم حكي عن الشيخ عبد الله الزيلعي وغيره أنه لو اتفقت هذه الملوك السبعة واجتمعت ذات بينهم قدروا على مدافعة الحطي أو التماسك معه ولكنهم مع ما هم عليه من الضعف وافتراق الكلمة بينهم تنافس
قال وهم على ما هم عليه من الذلة والمسكنة للحطي سلطان أمحرا عليهم قطائع مقررة تحمل إليه في كل سنة من القماش الحرير والكتان مما يجلب إليهم من مصر واليمن والعراق
ثم قال قد كان الفقيه عبد الله الزيلعي قد سعى في الأبواب السلطانية بمصر عند وصول رسول سلطان أمحرا إلى مصر في تنجز كتاب البطريرك إليه بكف أذيته عمن في بلاده من المسلمين وعن أخذ حريمهم
وبرزت المراسيم السلطانية للبطريرك لكتابة ذلك فكتب إليه عن نفسه كتابا بليغا شافيا فيه معنى الإنكار لهذه الأفعال وأنه حرم هذا على من يفعله بعبارات أجاد فيها ثم قال وفي هذا دلالة على الحال
قلت وقد كتب في أوائل الدولة الظاهرية برقوق كتاب عن السلطان في معنى ذلك وقرينه كتاب من البطريرك متى بطريرك الإسكندرية يومئذ بمعناه (5/317)
وتوجه به إلى الحطي سلطان الحبشة برهان الدين الدمياطي فذهب وعاد بالحباء من جهة الملك لكن ذكر عنه أنه أتى أمورا هناك تقدح في عقيدة ديانته والله أعلم بحقيقة ذلك
وستأتي الإشارة إلى المكاتبة إلى هؤلاء الملوك السبعة في المقالة الرابعة في الكلام على المكاتبات إن شاء الله تعالى
الجملة الخامسة في زي أهل هذه المملكة
أما لبسهم فإنه قد جرت عادتهم أن الملك يعصب رأسه بعصابة من حرير تدور بدائر رأسه ويبقى وسط رأسه مكشوفا والأمراء والجند يعصبون رؤوسهم كذلك بعصائب من قطن والفقهاء يلبسون العمائم والعامة يلبسون كوافي بيضا طاقيات والسلطان والجند يتزرون بثياب غير مخيطة يشد وسطه بثوب ويتزر باخر ويلبسون مع ذلك سراويلات
ومن عداهم من الناس يقتصرون على شد الوسط والاتزار خاصة بلا لبس سراويل
وربما لبس القمصان منهم بعض الفقهاء وأرباب النعم
وأما ركوبهم الخيل فإنهم يركبونها بغير سروج بل يوطأ لهم على ظهورهم بجلود مرعزى حتى ملوكهم
وأما سلاحهم فغالبه الحراب والنشاب
الجملة السادسة في شعار الملك وترتيبه
أما شعار الملك فقد جرت عادتهم أن الملك إذا ركب تقدم قدامة الحجاب والنقباء لطرد الناس ويضرب بالشبابة أمامه ويضرب معها ببوقات من خشب في رؤوسها قدون مجوفة ويدق مع ذلك طبول معلقة في أعناق (5/318)
الرجال تسمى عندهم الوطواط
ويتقدم أمام الكل بوق عظيم يسمى الجنبا وهو بوق ملوي من قرن وحش عندهم من نوع بقر الوحش اسمه عجرين في طول ثلاثة أذرع مجوف يسمع على مسيرة نصف يوم يعلم من سمعه ركوب الملك فيبادر إلى الركوب معه من له عادة به
وأما ترتيب الملك عندهم فإن من عادتهم أن الملك يجلس على كرسي من حديد مطعم بالذهب علوه أربعة اذرع من الأرض ويجلس أكابر الأمراء حوله على كراسي اخفض من كرسيه وبقية الأمراء وقوف أمامه ويحمل رجلان السلاح على رأسه
ويختص صاحب وفات بأنه إذا ركب حمل على رأسه جتر على عادة الملوك
ثم إن كان الملك راكبا فرسا كان حامل الجتر ماشيا بازائه والجتر بيده وإن كان راكبا بغلا كان حامل الجتر رديفه والجتر بيده على رأس الملك
وبالجملة فإنه يعد من حشمة الملك أو الأمير عندهم أنه إذا كان راكبا بغلا أن يردف غلامه خلفه بخلاف ما إذا كان راكبا فرسا فإنه لا يردف خلفه أحدا
ومما يعد ب وفات من حشمة الملك أو الأمير أنه إذا مشى يتوكأ على يدي رجلين
وملوكهم تتصدى للحكم بأنفسهم وإن كان عندهم القضاة والعلماء
وليس لأحد من الأمراء ولا سائر الجند إقطاعات على السلطان ولا نقود كما بمصر والشام بل لهم الدواب السائمة
ومن شاء منهم زرع واستغل ولا يعارض في ذلك
وليس لأحد من ملوكهم سماط عام بل إنما يمد سماطه له ولخاصته ولكنه يفرق على أمرائه بقرا عوضا عن أمر أكلهم على السماط
وأكثر ما يعطى الأمير الكبير منهم مائتا بقرة
قلت وأهمل المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار والتعريف عدة بلاد من ممالك الحبشة المسلمين
منها جزيرة دهلك
قال في تقويم البلدان بفتح الدال المهملة وسكون الهاء ثم لام مفتوحة وكاف
وهي جزيرة في بحر القلزم واقعة في الإقليم (5/319)
الأول من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول إحدى وستون درجة والعرض أربع عشرة درجة
قال في تقومي البلدان وهي جزيرة مشهورة على طريق المسافرين في بحر عيذاب إلى اليمن
قال ابن سعيد غربي مدينة حلي في بلاد اليمن فطولها نحو مائتي ميل وبينها وبين بر اليمن نحو ثلاثين ميلا وملك دهلك من الحبش المسلمين وهو يداري صاحب اليمن
ومنها مدينة عوان بفتح العين المهملة والواو وألف ثم نون
وهي مدينة على ساحل بحر القلزم مقابل تهامة اليمن حيث الطول ثمان وسبعون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة ونصف درجة
قال في تقويم البلدان وإذا كان وقت الضحى ظهر منها الجناح وهو جبل عال في البحر
ومنها مدينة مقدشو بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المهملة ثم شين معجمة وواو في الاخر كما نقله في تقويم البلدان عن ضبطه في مزيل الارتياب بالشكل
وموقعها بين الإقليم الأول من الأقاليم السبعة وخط الاستواء
قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وسبعون درجة والعرض درجتان
قال في مزيل الارتياب وهي مدينة كبيرة بين الزنج والحبشة
قال وهي على بحر الهند ولها نهر عظيم شبيه بنيل مصر في زيادته في الصيف
قال وقد ذكر أنه شقيق لنيل مصر في مخرجه من بحيرة كورا ومصبه ببحر الهند على القرب من مقدشو
قلت وقد أتى الحطي ملك الحبشة النصارى على معظم هذه الممالك بعد الثمانمائة وخربها وقتل أهلها وحرق ما بها من المصاحف وأكره الكثير منهم على الدخول في دين النصرانية ولم يبق من ملوكها سوى ابن مسمار المقابلة بلاده (5/320)
لجزيرة دهلك تحت طاعة الحطي ملك الحبشة وله عليه إتاوة مقررة والسلطان سعد الدين صاحب زيلع وما معها وهو عاص له خارج عن طاعته بينه وبينه الحروب لا تنقطع وللسلطان سعد الدين في كثير من الأوقات النصرة عليه والغلبة والله يؤيد بنصره من يشاء
واعلم أن ما تقدم ذكره من ممالك السودان هو المشهور منها وإلا فوراء ذلك بلاد نائية الجوانب بعيدة المرمى منقطعة الأخبار
منها بلاد الزنج
وهي بلاد شرقي الخليج البربري المقدم ذكره في الكلام على البحار تقابل بلاد الحبشة من البر الاخر
وقاعدتها سفالة الزنج
قال في تقويم البلدان بالسين المهملة والفاء ثم ألف ولام وهاء في الاخر
وموقعها جنوبي خط الاستواء
قال في القانون حيث الطول خمسون درجة والعرض في الجنوب درجتان
قال في القانون وأهلها مسلمون
قال ابن سعيد وأكثر معايشهم من الذهب والحديد ولباسهم جلود النمور
وذكر المسعودي أن الخيل لا تعيش عندهم وعسكرهم رجالة وربما قاتلوا على البقر
ومنها بلاد الهمج جنوبي بلاد التكرور
فقد ذكر ابن سعيد أنه خرج على أصناف السودان طائفة منهم يقال لهم الدمادم يشبهون التتر خرجوا في زمن خروجهم فأهلكوا ما جاورهم من البلدان
وذكر في مسالك الأبصار عن ابن أمير حاجب والي مصر عن منسا موسى ملك التكرور أنهم كالتتر في تدوير وجوههم وأنهم يركبون خيولا مشققة الأنوف كالأكاديش وأن همج السودان عدد لا يستوعبهم الزمان وأن منهم قوما يأكلون لحم الناس (5/321)
الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها خلا ما تقدم ذكره مما انضم إلى ممالك المشرق من شمالي الشرق نحو أرمينية وأران وأذربيجان وشمالي خراسان وشمالي مملكة توران من خوارزم وما وراء النهر وبلاد الأزق وبلاد القرم وما والى ذلك وما انضم إلى ممالك المغرب من شمالي الغرب وهو الأندلس
وينقسم ذلك إلى قسمين
القسم الأول ما بيد المسلمين مما في شرقي الخليج القسطنطيني فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الروم
قال في التعريف وتعرف الان ببلاد الدربندات
وقد سماها في التعريف ومسالك الأبصار بلاد الأتراك وكانه يريد بالأتراك التركمان فإنهم هم الذين انضاف ملكها بعد ذلك إليهم على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى
وقد ذكر في تقويم البلدان أنه يحيط بهذه البلاد من جهة الغرب بحر الروم وعامة الخليج القسطنطيني وبحر القرم
ومن جهة الجنوب بلاد الشام (5/322)
والجزيرة
ومن جهة الشرق أرمينية
ومن جهة الشمال بلاد الكرج وبحر القرم
وذكر في التعريف ما يخالف ذلك فقال إنها منحصرة بين بحري القرم والخليج القسطنطيني تنتهي من شرقيها إلى بحر القرم المسمى ببحر نيطش وما نيطش وفي الغرب إلى الخليج القسطنطيني وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينية وتنتهي جنوبا إلى بلاد لاون وهي بلاد الأرمن يحدها البحر الشامي
وبالجملة فإنها مفارقة ما يسامت شرقيها من بلاد الأرمن المضافة إلى بلاد الشام من ممالك الديار المصرية
والحاصل أن هذه البلاد مبتدؤها من الشرق مما يلي المغرب حدود أرمينية في شمالي بلاد الجزيرة وما والاها من بلاد الأرمن المضافة الان إلى مملكة حلب وتأخذ في جهة الغرب إلى بجر الروم فيصير البحر في جانبها من الجنوب ويمتد عليها حتى يتصل بالخليج القسطنطيني فيدور عليها الخليج وما يتصل به من بحر القرم من جهة الغرب ثم من جهة الشمال كالجزيرة ويحيط بها البحر من جميع جوانبها خلا جهة الشرق
وقد كانت هذه البلاد في زمان الروم من مضافات القسطنطينية وأعمالها قال في مسالك الأبصار وقد كانت هذه البلاد على عهد الروم محتك الأعنة ومشتبك الأسنة دار القياصرة ومكسر الأكاسرة
ثم وصفها بأتم الأوصاف فقال بعد أن ذكر انها أثرى البلاد صخورها تتفجر ماء وجوها يسخر أنواء تعقد دون السماء سماء فيخصب زرعها ويخصم المحل ضرعها ويخصف ورق الجنة على الحدائق ثمرها وينعها ويطرب ورقها منظرها البديع ويحبرها من صناعة صنعاء الربيع فلا تسمع إلا كل مطربة تناجي النجي وتشجي الشجي وتخلب قلب الخلي وتهب الغواني ما في أطواقها من الحلي يعجب ثوبها السندسي ونباتها المتعلق بذيل البهار بسجافها القندسي
فلا تجول في أرضها إلا على أرائك ولا تنظر إلا نساء كالحور العين وولدانا كالملائك
ثم قال بعد كلام طويل وهي شديدة البرد لا يوصف شتاؤها إلا أن سكانها تستعد للشتاء بها قبل دخوله وتحصل ما تحتاج إليه وتدخره في بيوتها وتستكثر من القديد والأدهان والخمور فتأكل وتشرب مدة أيام الشتاء ولا تخرج من بيوتها ولو أرادت ذلك (5/323)
لم تقدر عليه حتى تذوب الثلوج
قال وهذه الأيام هي بلهنية العيش عندهم
وينحصر المقصود من ذلك في خمس جمل
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه القواعد وهي على ضربين
الضرب الأول القواعد المستقرة بها الملوك والحكام ممن يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
فأما ما ذكره المقر الشهابي بن فضل الله من ذلك في التعريف ومسالك الأبصار فست عشرة قاعدة عبر عنها في مسالك الأبصار بممالك
ونحن نوردها على ما أوردها وإن كان قد أخل بها في الترتيب
القاعدة الأولى كرميان بكسر الكاف وسكون الراء المهملة والميم وفتح المثناة تحت وألف ثم نون في الاخر
وهي مدينة في شرق هذه البلاد متوسطة في المقدار مبنية بالحجر عليها سور دائر
وبها مساجد وأسواق وحمامات وبوسطها قلعة حصينة على جبل مرتفع وخارجها أنهار تجري وبساتين ذات أشجار وفواكه متنوعة وأراض مزدرعة
القاعدة الثانية طنغزلو بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الزاي المعجمة وضم اللام وواو في الاخر
وهي مدينة متوسطة في أوساط هذه البلاد وبناؤها بالحجر وليس لها سور
وبها المساجد والأسواق والحمامات
وخارجها أنهار تجري وبساتين محدقة ذات فواكه وثمار
القاعدة الثالثة توازا بضم التاء المثناة فوق وواو مفتوحة بعدها ألف ثم (5/324)
زاي معجمة وألف في الاخر وهي مدينة عظيمة
قال في مسالك الأبصار وهذه المملكة تقع شرقي كرميان محضا وموقعها ما بين جنوبي بركى إلى قوله وكرسيه توازا
قال ولصاحبها أربع قلاع ونحو ستمائة قرية وعساكره نحو أربعة الاف فارس وعشرة الاف راجل
وقد عدها في مسالك الأبصار من جملة مضافات كصطمونية الاتي ذكرها
وذكر أنه كان بها إذ ذاك أمير من قبل صاحبها اسمه مرادبك وذكر في التعريف أن اسمه أرينة
القاعدة الرابعة حميدلي
قال في مسالك الأبصار وحميدلي اسم للإقليم وقاعدته مدينة بركو وموقعها من قوله إلى قراصار
قال ولصاحبها أيضا إقليم بلواج وإقليم قراغاج وإقليم اكرى دوز
قال وهذه البلاد مدنها قليلة وقراها كثيرة وبها خمس عشرة قلعة وعسكر صاحبها خمسة عشر ألف فارس ومثلهم رجالة وهي نهاية ما أخذ إلى الشمال وقد ذكر في التعريف أن صاحبها كان اسمه في زمانه دندار
قال وهو أخو يونس صاحب أنطاليا وحينئذ فتكون من مملكة بني الحميد د
القاعدة الخامسة قسطمونية قال في تقويم البلدان بفتح القاف وسكون السين وبالطاء المهملتين وضم الميم وسكون الواو وكسر النون وبالياء المثناة من تحت وهاء في الاخر وربما أبدلوا القاف كافا وعليه جرى في التعريف ومسالك الأبصار وهي مدينة في شرقي هذه البلاد داخلة في حدودها موقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض ست وأربعون درجة وثمان وأربعون دقيقة
قال وهي قاعدة التركمان وتراكمتها يغزون القسطنطينية وهي شرقي هرقلة وفي الجنوب عن سنوب على ثلاث مراحل منها وقيل (5/325)
خمس مراحل وهي في الشرق عن أنكوريه على خمسة أيام منها
وقد أخبرني بعض أهل تلك النواحي أنها مدينة متوسطة المقدار مبنية بالحجر ذات مساجد وأسواق وحمامات وليس عليها سور وخارجها أنهر وبساتين ذات فواكه
قال في مسالك الأبصار وبها الأكاديش الرومية الفائقة المفضل بعضها على كل سابق من الخيل العراب ولها أنساب محفوظة عندهم كخيل العرب يتغالى في أثمانها لا سيما في بلادها حتى تبلغ قيمة الواحد منها ألف دينار فما فوقه بل لا يستكثر فيها من يعرفها بذل مال
قال في التعريف وكانت اخر وقت لسليمان باشاه وكان أميرا كبيرا كثير العدد موفور المدد ذا هيبة وتمنع ثم مات
وورث ملكه ابنه إبراهيم شاه وكان عاقا لأبيه خارجا عن مراضيه وكان في حياته ينفرد بمملكة سنوب
قال وهي الان داخلة في ملكه منخرطة في سلكه قال وعسكره على ما يقال لنا ويبلغنا نحو ثلاثين ألف فارس
القاعدة السادسة فاويا
قال في مسالك الأبصار ومملكتها تجاور سمسون من غربيها
قال ولصاحبها عشر مدن ومثلها قلاع وعسكره نحو سبعة الاف فارس أما الرجالة فكثير عددهم ودرهمها نصف درهم فضة خالصة ورطلها ستة عشر رطلا بالمصري ومدها نحو إردب بالمصري وأسعارها رخية وقد ذكر في التعريف أن اسم صاحبها في زمانه مراد الدين حمزة قال وهو ملك مضعوف ورجل بمجالس أنسه مشغوف
القاعدة السابعة برسا بضم الباء الموحدة وسكون الراء وفتح السين المهملتين وألف في الاخر
وربما أبدلت السين صادا مهملة
والموجود في التعريف ومسالك الأبصار وغيرهما إثبات السين دون الصاد
وهي مدينة كبيرة في شمالي هذه البلاد مبنية بالطوب والحجر وسقوفها من الخشب (5/326)
وغالبها جملونات وبها مساجد وأسواق وحمامات وبعض حماماتها من أعين حارة تنبع من الأرض كذلك كما في طبرية بالشام ولها سور عظيم وبوسطها قلعة شاهقة مرتفعة البناء بها سكن سلطانها وفيها قصور عظيمة متعددة وجامع وثلاث حمامات
وخارج ربض المدينة نهران
أحدهما يسمى ككدار بضم الكاف الأولى وسكون الثانية وفتح الدال والراء المهملتين وألف في الاخر ومعناه واد أزرق سمي بذلك لأنه يخرج من جبل أزرق وتقطع منه الحجارة بشدة جريه فتجري منه بجريان الماء فيأخذها من عليه من أهل تلك النواحي فيعمر بها ومعظم عمارة برسا منها
والنهر الثاني يسمى منرباشي في قدر الفرات يشق المدينة ويمر في جامعها وبها جبل عظيم اسمه كمش به معدن فضة سمي باسم الفضة
وبرسا هذه هي مقر مملكة أولاد عثمان جق الذين هم الان رؤوس ملوكها
وقد ذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان أرخان بن عثمان وذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان أن عسكره نحو خمسة وعشرين ألفا وأن بينه وبين صاحب القسطنطينية الحروب وأيامها بينهم تارات له في غالبها على صاحب القسنطنطينية الغلب وملك الروم يداريه على مال يحمله إليه في كل هلال
قال ولقد جاز الجزيرة إلى بلاد النصارى وعاث في نواحيها وشد على بطارقتها لا على فلاحيها وألقى علوجها بحيث تعتلج سيول الدماء وتختلج سيوف النصر من الأعداء وسيأتي ذكر ما انتهى إليه فتحه من بر القسطنطينية بعد هذا في الكلام على ملوك هذه المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى
القاعدة الثامنة أكيرا
قال في مسالك الأبصار وهي تجاور مملكة برسا اخذة إلى الشمال وجبل القسيس جنوبيها وسنوب شماليها وهي طريق من طرق سنوب وقلاعها وعساكرها كثيرة
ومنها يخرج الحرير الكثير واللاذن إلى (5/327)
غيرها من البلاد ورطلها ثمانية أرطال بالمصري ومدها نحو إردب ونصف وأسعارها رخية وقد ذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان صاروخان ابن قراسي ولم يبين من أي طوائف التركما هو
القاعدة التاسعة مرمرا بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الميم الثانية والراء المهملة الثانية وألف في الاخر
وهي مدينة في شمالي هذه البلاد بها جبل فيه مقطع رخام
قال في الروض المعطار والروم تسمي الرخام مرمرا فسميت بذلك
وذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان اسمه بخشى بن قراسي ولم يبين من أي طوائف التركمان هو
وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنها قد خربت ودثرت ولم يبق بها عمارة
القاعدة العاشرة فغنيسيا بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وكسر النون وسكون الياء المثناة تحت وكسر السين المهملة وفتح الياء الثانية وألف في الاخر
وهي مدينة في أوساط هذه البلاد متوسطة في المقدار مبنية بالحجر وعليها سور دائر وبها مساجد وأسواق وحمامات وبساتين ومروج
وقد ذكر في التعريف أنه كان اسم صاحبها في زمانه صاروخان ولم يزد على ذلك
القاعدة الحادية عشرة نيف بكسر النون وسكون الياء المثناة تحت وفاء في الاخر
وهي مدينة لطيفة بأوساط هذه البلاد بالقرب من مغنيسيا المقدم ذكرها على نحو مرحلتين منها
وهي مبنية بالحجر وبها المساجد والأسواق والحمامات وخارجها الأنهار والزروع والبساتين المختلفة الفواكه
القاعدة الثانية عشرة بركي بفتح الباء الموحدة وكسر الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الاخر
وهي مدينة متوسطة القدر على القرب من نيف المقدم ذكرها على نحو مرحلتين منه وبها المساجد والأسواق والحمامات والمياه والبساتين والزروع
القاعدة الثالثة عشرة فوكه
وقد ذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان اسمه أرخان بن منتشا واقتصر على ذلك (5/328)
القاعدة الرابعة عشرة أنطاليا قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة وألف ولام مكسورة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول أربع وخمسون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة والعرض إحدى وأربعون درجة وأربعون دقيقة
قال ابن سعيد وهي بلدة مشهورة
وقال ابن حوقل هي حصن للروم على شط البحر منيع واسع الرستاق كثير الأهل
قال في تقويم البلدان وهي على دخلة في البحر وسورها من حجر في غاية الحصانة ولها بابان باب إلى البحر وباب إلى البر
وأخبرني من راها أنها ذات أشجار وبساتين ومياه تجري وبها قلعة حصينة بوسطها وبها نهر يعرف بالصباب قال في تقويم البلدان وهي كثيرة المحمضات من الأترج والنارنج والليمون وما أشبه ذلك
قال ابن سعيد وكانت للروم فاستولى عليها المسلمون في عصرنا
قال بها أسطول صاحب الدروب وميناها غير مأمونة في الأنواء
قال في تقويم البلدان وكان الحاكم بها شخصا من أهل تلك البلاد فخرج منها إلى بعض جهاتها فكبسها التركمان وملكوها ثم أمسكوه فقتلوه
قال وصاحبها في زماننا واحد من بني الحميد ملوك التركمان
وقد ذكر في التعريف أن صاحبها في زمانه كان اسمه خضر بن يونس
وذكر في مسالك الأبصار أن صاحبها في زمانه كان اسمه خضر بن دندار من أولاد منتشا
وقال إن عسكره نحو أربعين ألف فارس
ثم قال إن لبني دندار هؤلاء إلى ملوك مصر انتماء بمصر منهم من له إمرة ثم عاد إلى بلاده
القاعدة الخامسة عشرة قراصار بفتح القاف والراء المهملة وألف ثم صاد مهملة مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة في الاخر
وتعرف بقراصار التكا بفتح (5/329)
التاء المثناة فوق
وهي قلعة على جبل مرتفع يحف بها ربض بأعلى الجبل وحول الربض في الجبل زراعاتهم وبساتينهم
وقد ذكر في التعريف أن اسم صاحبها في زمانه زكريا ولم يزد على ذلك
وهي غير مدينة قراصار الصاحب
وهي مدينة لطيفة بأوساط بلاد الروم في الغرب عن قراصار هذه وفي الشمال عن أنطاليا
القاعدة السادسة عشرة أرمناك بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الميم وفتح النون وألف ثم كاف في الاخر
وهي مدينة في مشارق الروم مبنية بالحجر غير مسورة وبها مساجد وأسواق وحمامات وبها بساتين كثيرة وفواكه جمة إلا أنها شديدة البرد
وقد ذكر في التعريف أنها بيد أولاد قرمان
وذكر في مسالك الأبصار أن المملكة كانت بيد محمد بن قرمان
وذكر في التثقيف أن اخر من استقر بها في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة علاء الدين علي بك بن قرمان
وأما ما زاد ذكره في التثقيف فخمس قواعد
القاعدة الأولى العلايا بفتح العين المهملة واللام وألف بعدها ثم ياء مثناة تحت وألف في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في تقويم البلدان والقياس أنها حيث الطول اثنتان وخمسون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
قال وهي بلدة محدثة أنشأها علاء الدين علي بعض ملوك بني سلجوق بالروم فنسبت إليه
وقيل لها العلائية على النسب ثم خففها الناس فقالوا العلايا ثم قال والذي تحقق عندي من جماعة قدموا منها أنها بليدة صغيرة أصغر من أنطاليا على دخلة في بحر الروم
وهي من فرض تلك البلاد
وذكر أنها في الجنوب عن أنطاليا على مسيرة يومين وعليها سور دائر وأنها كثيرة المياه والبساتين
وقد ذكر في التثقيف أن الحاكم بها في زمانه كان اسمه حسام الدين محمود بن علاء الدين
وقال إنه كتب إليه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في شوال سنة سبع وستين (5/330)
وسبعمائة ولم يبين من أي طوائف التركمان هو
وذكر في مسالك الأبصار أنها في ساحل بلاد بني قرمان وأن الحاكم بها من قبلهم حينئذ كان اسمه يوسف
القاعدة الثانية بلاط بفتح الباء الموحدة واللام وألف ثم طاء مهملة في الاخر
وهي بلدة بأوساط الروم على نحو ثمان مراحل من برسا وهي مدينة صغيرة بغير سور وبها قلعة خراب كانت مبنية بالرخام وبها مساجد وأسواق وأربع حمامات
ذكر لي بعض أهل تلك البلاد أنها بيد أولاد منتشا من ملوك التركمان
القاعدة الثالثة أكردور بفتح الهمزة والكاف وسكون الراء وضم الدال المهملتين وسكون الواو وراء مهملة في الاخر
قال في التثقيف ويقال أكردون بالنون بدل الراء الأخيرة
وهي بلدة غير مسورة بها قلعة عظيمة على جبل شاهق وبها مساجد وأسواق وحمامات إلا أن بساتينها قليلة وبها برج عظيم
القاعدة الرابعة أياس لوق بفتح الهمزة والياء المثناة تحت وألف ثم سين مهملة ساكنة ولام مضمومة بعدها واو ساكنة ثم قاف في الاخر
وهي مدينة عظيمة على ساحل البحر الرومي بها المساجد والأسواق والحمامات وبها أعين وأنهار تجري وبساتين ذات فواكه
وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنها في ملك بني أيدين
القاعدة الخامسة سنوب
قال في تقويم البلدان بالسين المهملة والنون والواو وباء موحدة في الاخر ولم يقيدها بالضبط وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ست وأربعون درجة وأربعون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي فرضة مشهورة يعني على بحر القرم
ثم قال وهي في الشمال عن كسطمونية وفي الغرب عن سامسون
قال وعن بعض الثقات أن بسنوب سورا حصينا يضرب البحر في بعض أبراجه
ولها بساتين كثيرة إلى الغاية وبينها (5/331)
وبين سامسون نحو أربع مراحل
ثم قال وصاحب سنوب في زماننا من ولد البرواناه وله شوان يغزو بها في البحر ولا يكاد أن ينقهر
وذكر في مسالك الأبصار أنها من مضافات كسطمونية المقدم ذكرها وأنه كان بها في زمانه نائب من جهة إبراهيم بن سليمان باشاه صاحب كسطمونية اسمه غازي جلبي
وقال في التثقيف يقال إن بها إبراهيم بك بن سليمان باشا فإن كان يريد الذي كان في زمن صاحب مسالك الأبصار بكسطمونية فقد أبعد المرمى
وإن كان اخر بعده كان سمي باسمه فيحتمل أنه في التعريف قد ذكر صاحبها في جملة ملوك الكفر وكأن ذلك كان قبل أن تفتح
الضرب الثاني من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية ممن هو بصدد أن تطرأ له مكاتبة فيحتاج إلى معرفته
وهي عدة قواعد
منها سيواس
قال في تقويم البلدان بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الواو ثم ألف وسين مهملة في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربعون درجة وعشر دقائق
قال ابن سعيد وهي من أمهات البلاد مشهورة على ألسنة التجار وهي في بسيط من الأرض
قال في تقويم البلدان وهي بلدة كبيرة مسورة وبها قلعة صغيرة ذات أعين والشجر بها قليل ونهرها الكبير بعيد عنها بمقدار نصف فرسخ
قال ويقول المسافرون إن فيها اربعا وعشرين خانا للسبيل وهي شديدة البرد وبينها وبين قيسارية ستون ميلا وكانت سيواس هذه قد غلب عليها في (5/332)
الأيام الظاهرية برقوق صاحب الديار المصرية قاضيها القاضي إبراهيم وملكها
ومنها أماسية
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة والميم وألف وكسر السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية مفتوحة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمس وأربعون درجة
قال في تقويم البلدان ذكر بعض من راها أنها بلدة كبيرة ذات سور وقلعة وفيها بساتين ونهر كبير عليه نواعير يمر عليها ثم يصب في بحر سنوب يعني بحر القرم
قال ابن سعيد وهي من مدن الحكماء وهي مشهورة بالحسن وكثرة المياه والبساتين والكروم وهي في الشرق عن سنوب وبينهما ستة أيام ثم قال وذكر بعض من راها أن بها معدن فضة
ومنها هرقلة قال في تقويم البلدان بكسر الهاء وفتح الراء المهملة وسكون القاف وفتح اللام ثم هاء في الاخر
وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشرون دقيقة والعرض إحدى وأربعون درجة وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهي في شرقي نهر ينزل من جبل العلايا إلى نحو سنوب وهرقلة عليه في قرب البحر
قال وهي التي هدمها الرشيد قال وفي شرقيها جبل الكهف
وقد حكى ابن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك عن بعضهم أنه سار إلى هذا الكهف ودخل بمساعدة صاحب الروم فوجد به أمواتا برواق في كهف في جبل عليهم مسوح قد طال عليها الزمن حتى صارت تنفرك باليد وقد طليت أجسادهم بالمر والصبر فلم يبلوا ولصقت جلودهم بعظامهم وجفت وعندهم سادن يخدمهم وأنه أنكر أن يكون أولئك هم أهل الكهف المذكورون في القران للاختلاف في محل الكهف هل هو في هذه البلاد أو غيرها
ومنها أقسرا
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون القاف (5/333)
وفتح السين والراء المهملتين وألف في الاخر وربما أبدلت السين صادا مهملة
قال ويقال إن أصلها أخ سرا يعني بالخاء المعجمة بدل القاف
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة والعرض أربعون درجة
قال في تقويم البلدان وهي مدينة ذات أشجار وفواكه ولها نهر كبير ينجر وسط البلد ويدخل الماء منه بعض بيوتها ولها قلعة حصينة في وسطها
قال ابن سعيد وبها تعمل البسط الأقصرية الفائقة ومنها إلى قونية ثمانية وأربعون فرسخا وكذلك بينها وبين قيسارية
ومنها قيسارية
قال في اللباب بفتح القاف وسكون المثناة من تحتها وفتح السين المهملة وألف ثم راء مهملة وياء مثناة تحتية مفتوحة مشددة وهاء في الاخر قال في تقويم البلدان وتقال بالصاد المهملة بدل السين
قال ابن سعيد وهي منسوبة إلى قيسر وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول ستون درجة والعرض أربعون درجة
قال ابن سعيد وهي مدينة جليلة يحلها سلطان البلاد
قال في تقويم البلدان وهي بلدة كبيرة ذات أشجار وبساتين وفواكه وعيون تدخل إليها وداخلها قلعة حصينة وبها دار للسلطنة
وقيسارية هذه كان بها تخت السلطنة لبني سلجوق بهذه البلاد
ولما ملك التتر هذه البلاد بقوا بقاياهم في الملك إلى أن دخلها السلطان الملك الظاهر بيبرس صاحب الديار المصرية وجلس على تخت ال سلجوق بها ثم عاد إلى الديار المصرية فزال ملك السلجوقية منها من حينئذ على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك هذه البلاد (5/334)
ومنها قونية
قال في تقويم البلدان بضم القاف وسكون الواو وكسر النون وبعدها ياء مثناة من تحت مفتوحة وهاء في الاخر
وموقعها في الأقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول ست وخمسون درجة والعرض تسع وثلاثون درجة
قال ابن سعيد وهي مدينة مشهورة وبها دار للسلطنة والجبال مطيفة بها من كل جانب وتبعد عنها من جهة الشمال
وينزل من الجبل الجنوبي منها نهر يدخل إليها من غربيها وبها البساتين من جهة الجبل على نحو ستة فراسخ ونهرها يسقي بساتينها ثم يصير بحيرة ومروجا وبها الفواكه الكثيرة وفيها يوجد المشمش المعروف بقمر الدين وهي ثاني قاعدة مملكة السلجوقية ببلاد الروم كان الملك ينتقل منها إلى قيسارية ومن قيسارية إليها
قال ابن سعيد وبقلعتها تربة أفلاطون الحكيم
ومنها أق شهر بفتح الهمزة ثم قاف ساكنة وشين معجمة مفتوحة وهاء ساكنة وراء مهملة في الاخر كما في تقويم البلدان عمن يوثق به من أهل المعرفة وربما أبدلوا الهاء ألفا فقالوا أقشار
وفي كتاب الأطوال أخ شهر بإبدال القاف خاء معجمة
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول خمس وخمسون درجة والعرض إحدى وأربعون درجة
قال ابن سعيد وهي من أنزه البلدان وبها بساتين كثيرة وفواكه مفضلة
قال في تقويم البلدان وأخبرني من راها أنها على ثلاثة أيام من قونية شمالا بغرب
ومنها عمورية
قال في تقويم البلدان بفتح العين المهملة وميم مشددة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة وهاء في الاخر
قال وهي بلدة كبيرة ولها قلعة داخلها حصينة وأكثر ساكنيها التركمان وبها بساتين قليلة ولها نهر وأعين جارية وهي التي فتحها المعتصم (5/335)
ابن الرشيد أحد خلفاء بني العباس وكان المنجمون قد زعموا أنها لا تفتح إلا في زمان التين والعنب فلما فتحها أنشده أبو تمام قصيدته التي أولها
( السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب ! ) - بسيط -
ومنها أنكورية
قال في تقويم البلدان بفتح الهمزة وسكون النون وضم الكاف وسكون الواو وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية مكسورة وهاء في الاخر
ويقال لها أنقرة أيضا بفتح الهمزة وسكون النون ثم قاف وراء مهملة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول أربع وخمسون درجة والعرض إحدى وأربعون درجة
قال ابن سعيد وهي بلدة لها قلعة على تل عال وهي بين الجبال وليس بها بساتين ولا ماء وشرب أهلها من الابار وهي عن قسطمونية في جهة الغرب على خمسة أيام
ومنها فلك بار
قال في تقويم البلدان الفلك معروف وبار بباء موحدة وألف وراء مهملة في اخرها
قال وهي مدينة أنشأها ملك من ملوك بني الحميد اسمه فلك الدين وهي في مستو من الأرض في وسط الجبال على قريب من منتصف الطريق بين قونية والعلايا في الغرب من قونية على مسيرة خمسة أيام وهي في الشرق عن أنطاليا على مسيرة خمسة أيام
قال وليس في تلك الجبال الان مدينة أكبر منها وقد صارت قاعدة لبني الحميد ملوك التركمان بتلك الناحية
ومنها لارندة
قال في تقويم البلدان بلام وألف وراء مهملة مفتوحة ونون ساكنة ثم دال مهملة وهاء في الاخر
قال وهي قريبة من قونية على (5/336)
مسافة يوم من الشرق والشمال حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة
وقد تقدم في الكلام على مملكة الشام من مضافات الديار المصرية أن مدينة ملطية دخلت في مملكة مصر ومضافاتها فصارت في معاملة حلب
واعلم أنه قد تقدم أن خليج القسطنطينية وما اتصل به من بحر نيطش المعروف ببحر القرم يطيف بهذه البلاد من غربيها وشماليها وعلى ساحل هذا البحر عدة فرض منتظمة في سلك هذه البلاد قد ذكرها في تقويم البلدان في الكلام على مملكة أرمينية وما معها وأشار إليها في الكلام على هذا البحر عند ذكره له في جملة البحار على ما تقدمت الإشارة إليه في الكلام على البحار في أول هذه المقالة غالبها في مملكة ابن عثمان صاحب برسا
أولها الجرون وهي قلعة خراب عند فم الخليج القسطنطيني من الجهة الشمالية مقابل القسطنطينة حيث الطول خمسون درجة والعرض خمس وأربعون درجة وعشر دقائق
ويليها من جهة الشمال بميلة إلى الشرق مدينة اسمها كربي بكاف وراء مهملة ثم باء موحدة وياء مثناة تحت في الاخر
ويليها في الشرق مدينة اسمها بنتر بباء موحدة ونون وتاء مثناة فوق وراء مهملة
ويليها في الشرق والشمال بلدة اسمها سامصرى بسين مهملة وألف ثم ميم وصاد وراء مهملتين وألف في الاخر
ويليها في الشرق أيضا مدينة اسمها كترو بكاف وتاء مثناة من فوق ثم راء وواو في الاخر وهي اخر أعمال قسطنطينية
ويليها في الشرق مدينة اسمها كينولي بكسر الكاف وسكون المثناة التحتية وضم النون وسكون الواو وكسر اللام وياء مثناة من تحت في الاخر (5/337)
ويليها في جهة الغرب فرضة سنوب المقدم ذكرها في الكلام على ما زاده في التثقيف
ويليها من جهة الشرق مدينة سامسون المقدم ذكرها في الكلام على الضرب الثاني من هذه البلاد
ويليها في جهة الشرق أيضا مدينة أطرابزون بألف وطاء وراء مهملتين وباء موحدة بعدها زاي معجمة ثم واو ونون
وهي اخر مدن هذه البلاد على الساحل ومنها ينتهى إلى ساحل بلاد الكرج على ما تقدم الكلام عليه في الكلام على بحر نيطش
الجملة الثانية في ذكر الموجود بهذه البلاد
قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان الرومي أن بها من المواشي الخيل والبقر والغنم ما لا يقع عليه عدد ولا يدخل تحت الإحصاء ونتاج بلادهم من الخيل هي البراذين الرومية الفائقة
وقد تقدم الكلام على القسطمونيات منها في الكلام على قسطمونية وتجلب إليهم العربيات من بلاد الشأم وغيرها وأكثر مواشيهم نتاجا الغنم
قال في مسالك الأبصار وهي مما يبسط فرش الأرض منها
قال ومنها المعز المرعزى ذوات الأوبار المضاهية لأنعم الحرير
ثم قال وغالب قنية أهل الشام وديار بكر والعراق وبلاد العجم وذبائحهم مما يفضل عنها ويجلب إليها منها وهي أطيب أغنام البلاد لحما وأشهاما شحما ويترتب على ذلك في كثرة الوجود الألبان وما يتحصل عنها من السمن والجبن وغير ذلك
وبها من الحبوب القمح والشعير والباقلا ونحوها ويزرع بها الكتان والقطن الكثير وبها من الفواكه كل ما يوجد بمصر والشأم من التفاح والسفرجل والكمثرى والقراصيا والإجاص والرمان الحلو والمز والحامض وغير ذلك
أما المحمضات فلا توجد إلا ببلاد السواحل من بلادهم على ما تقدم ذكره والموز والنخيل لا يوجد ببلادهم وبها من العسل ما يضاهي (5/338)
الثلج بياضا والسكر لذاذة وطعما لا حدة فيه ولا إفراط حلاوة توقف الأكل عنه إلى غير ذلك من الأشياء التي يطول ذكرها
وقد تقدم أن بها معدن فضة بمدينة برسا ومعدن فضة بأماسية
وذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان أن بها ثلاثة معادن فضة مستمرة العمل معدن بمدينة ركوة ومعدن بمدينة كش ومعدن بأراضي مدينة تاخرت
الجملة الثالثة في معاملاتها وأسعارها
أما معاملاتها فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ حيدر العريان أن لملوك التركمان هؤلاء نقودا ولكن لا يروج نقد واحد منهم في بلاد الاخر
قال ودرهمهم في الغالب تقدير نصف وربع درهم من نقد مصر وأرطالهم مختلفة وأكثرها بالتقريب زنة اثني عشر رطلا بالمصري وأقلها ثمانية أرطال وكيلهم الذي تباع به الغلات يسمى الوط تقدير إردب ونصف بالمصري
وأما أسعارها فقد ذكر أنها رخية رخيصة الأسعار للغاية لقلة المكوس وكثرة المراعي واتساع أسباب التجارة واكتناف البحر لها من كل جانب بحيث يحمل إليها على ظهره كل شيء مما لا يوجد فيها
قال وقيمة الغلات بها دون قيمتها بمصر والشام أو مثلهما في الغالب
والأغنام في غاية الرخص حتى إن الرأس الغنم الجيد لا يجاوز اثني عشر درهما من دراهمهم يكون بنحو تسعة دراهم من دراهم مصر إلى ما دون ذلك ويترتب على ذلك رخص اللحم
أما اللبن وما يعمل منه فإنه لا يكاد يوجد من يشتريه لاستغناء كل أحد بما عنده من لبن مواشيه لاسيما في زمن الربيع
قال والعسل لا يتجاوز الرطل منه ثلاثة دراهم برطلهم ودرهمهم وهو ذلك الرطل الكبير والدرهم الصغير والفواكه في أوانها في حكم اللبن وما في معناه في زمن الربيع في عدم وجود من يشتريه
ثم قال وبالجملة فبلاد الروم إذا غلت وأقحطت كانت كسعر الشام إذا أقبل وأرخص (5/339)
الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد
قد ذكر ابن سعيد أن هذه البلاد كانت بيد اليونان وهم بنو يونان بن علجان بن يافث بن نوح عليه السلام من جملة ما بيدهم قبل أن يغلب عليهم الروم ثم غلب عليها الروم بعد ذلك فيما غلبوهم عليه واستمرت بأيديهم في مملكة صاحب القسطنطينية على ما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة القسطنطينية فيما بعد إن شاء الله تعالى
وكان كل من ملك هذه البلاد التي شرقي الخليج القسطنطيني يسمى الدمستق بضم الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة والتاء المثناة فوق وقاف في الاخر وله ذكر في حروب الإسلام
قال في العبر وكان ثغور المسلمين حينئذ من جهة الشام ملطية ومن جهة أذربيجان أرمينية إلى أن دخل بعض قرابة طغرلبك أحد ملوك السلجوقية في عسكر إلى بلاد الروم هذه فلم يظفروا منها بشيء
ثم دخلها بعد ذلك مماني أحد أمرائهم بعد الثلاثين وأربعمائة ففتح وغنم وانتهى في بلادهم حتى صار من القسطنطينية على خمس عشرة مرحلة وبلغ سبيه مائة ألف رأس والغنائم عشرة الاف عجلة والظهر مالا يحصى
ثم فتح قطلمش بن إسرائيل بن سلجوق قونية وأقصرا وأعمالهما ثم وقعت الفتنة بين قطلمش وبين ألب أرسلان السلجوقي بعد طغرلبك وقتل قطلمش في حربه في سنة ست وخمسين وأربعمائة
وملك البلاد من بعده ابنه سليمان ثم كان بين سليمان ومسلم بن قريش صاحب الشأم حروب انهزم سليمان في بعضها وطعن نفسه بخنجر فمات في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
وملك بعده ابنه قليج أرسلان تلك البلاد ثم قتل قليج أرسلان في (5/340)
بعض الوقائع
وولي مكانه بقونية وأقصرا وسائر بلاد الروم ابنه مسعود واستقام له ملكها ثم توفي مسعود بن قليج أرسلان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
وملك بعده ابنه قليج أرسلان
ثم قسم قليج أرسلان المذكور هذه البلاد بين أولاده فأعطى قونية وأعمالها لابنه غياث الدين كيخسرو وأقصرا وسيواس لابنه قطب الدين ودوفاط لابنه ركن الدين سليمان وأنكورية لابنه محيي الدين وملطية لابنه عز الدين قيصر شاه والأبلستين لابنه غيث الدين وقيسارية لابنه نور الدين محمود وأعطى أماسية لابن أخيه
ثم ندم على هذه القسمة وأراد انتزاع الأعمال من أولاده فخرجوا عن طاعته إلا ابنه غياث الدين كيخسرو صاحب قونية فإنه بقي معه
وحاصر ابنه محمودا في قيسارية فتوفي وهو محاصر لها في منتصف شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة
واستقل غياث الدين كيخسرو بقونية وما والاها
ثم ملكها من يده أخوه نور الدين محمود
ثم ملك قطب الدين صاحب أقصرا وسيواس قيسارية من يد أخيه محمود غدرا ثم مات قطب الدين في أثر ذلك
فملك أخوه ركن الدين سليمان صاحب دوفاط ما كان بيد أخيه قطب الدين من سيواس وأقصر وقيسارية
ثم ملك قونية بعد ذلك من يد أخيه غياث الدين
ثم ملك أماسية ثم سار إلى ملطية فملكها من يد عز الدين قيصر شاه سنة سبع وتسعين وخمسمائة
ثم ملك أنكورية بعد ذلك في سنة إحدى وستمائة واجتمع لركن الدين سليمان سائر أعمال إخوته وتوفي عقب ذلك
وتولى بعده ابنه قليج أرسلان فأقام يسيرا ثم قبض عليه أهل قونية وملكوا عمه غياث الدين كيخسرو مكانه فقوي ملكه وعظم شأنه وبقي حتى قتل في حرب صاحب القسطنطينية سنة سبع وستمائة (5/341)
وملك بعده ابنه كيكاوس وتلقب الغالب بالله وبقي حتى مات سنة ست عشرة وستمائة وخلف بنين صغارا
وملك بعده أخوه علاء الدين كيقباد محمد شاه وبقي حتى توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة
وملك بعده ابنه غياث الدين كيخسرو وتوفي سنة أربع وخمسين وستمائة
وملك بعده ابنه علاء الدين كيقباد بعهد من أبيه
وفي أيامه أرسل القان منكوقان بن جنكزخان صاحب التخت بقراقوم عسكرا فاستولوا على قيسارية ومسيرة شهر معها ورجعوا إلى بلادهم
ثم عادوا في سنة خمس وخمسين وستمائة واستولوا على ما كانوا استولوا عليه أولا وزادوا عليه فسار علاء الدين كيقباد إلى القان بهدايا استصحبها معه مصانعا له فمات في طريقه فوصل رفقته بما معهم من الهدايا إلى القان فأخبروه الخبر ورغبوا إليه في ولاية عز الدين كيكاوس أخي كيقباد المذكور فكتب القان إليه بالولاية ثم أشرك بعد ذلك بينه وبين أخيه ركن الدين قليج أرسلان على أن يكون من سيواس إلى تخوم القسطنطينية غربا لعز الدين كيكاوس
ومن سيواس إلى أرزن الروم شرقا متصلا ببلاد التتر لركن الدين قليج أرسلان على إتاوة تحمل إلى القان بقراقوم وجهز القان من أمرائه أميرا اسمه بيدو على أن يكون شحنة له ببلاد الروم لا ينفذون في شيء إلا عن رأيه ورجعوا إلى بلادهم وقد حملوا معهم جثة كيقباد إلى قونية فدفنوه بها
ولم يزل الأمر على ذلك حتى سار هولاكو بن طولى بن جنكزخان بعد استيلائه على بغداد إلى الشام في سنة ثمان وخمسين وستمائة بعث إلى عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان المذكورين بالطلب فحضرا إليه وحضرا معه فتح حلب ومعهما معين الدين سليمان البرواناه صاحب دقليم فاختار هولاكو (5/342)
أن يكون البرواناه المذكور سفيرا بينه وبينهما ثم هلك بيدو الشحنة ببلاد الروم
وولي بعده ابنه صمغان ثم غلب ركن الدين قليج أرسلان على أخيه عز الدين كيكاوس وبقي في الملك وحده وفركيكاوس إلى ميخائيل اللشكري صاحب القسطنطينية فأقام عنده حتى بلغه عنه ما غير خاطره عليه فقبض عليه واعتقله حتى مات
واستبد ركن الدين قليج أرسلان بسائر بلاد الروم فغلب على أمره معين الدين سليمان البرواناه المقدم ذكره ولم يزل حتى قتله
وأقام ابنه غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان مكانه واستولى عليه وحجره وصار البرواناه هو المستولي على بلاد الروم والقائم بملكها
ثم دخل الظاهر بيبرس صاحب الديار المصرية إلى بلاد الروم في سنة خمس وسبعين وستمائة ولقيه صمغان بن بيدو الشحنة من جهة التتار على بلاد الروم في جيش التتر فهزمهم وقتل وأسر وسار إلى قيسارية فملكها وجلس على تخت ال سلجوق بها ثم رجع إلى بلاده
وبلغ ذلك أبغا بن هولاكو صاحب إيران فسار في جموعه إلى قيسارية ورأى مصارع قومه فشق عليه واتهم البرواناه في ممالأة الظاهر فقبض عليه وقتله
واستقل غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قليج أرسلان بالملك بعده
ثم لما ولي أرغون بن أبفا مملكة إيران بعد أبيه قبض على غياث الدين كيخسرو وقتله في سنة إحدى وثمانين وستمائة
وأقام مكانه مسعودا ابن عمه كيكاوس وعزل صمغان بن بيدو (5/343)
الشحنة
وولى مكانه أميرا اسمه أولاكو وبقي مسعود بن كيخسرو في الملك وليس له منه سوى الاسم والمتحدث هو الشحنة الذي من جهة التتر إلى أن مات في سنة ثمان عشرة وسبعمائة واستقل الشحنة بالمملكة
وبقي أمراء التتر يتغالبون على الشحنكية واحدا بعد واحد إلى أن كان منهم الأمير سلامش وبقي بها مدة
ثم انحرف عن طاعة بيت هولاكو صاحب إيران وكتب إلى الملك المنصور لاجين صاحب الديار المصرية يطلب تقليدا بأن يكون حاكما بجيمع بلاد الروم وأن يكون أولاد قرمان ومن عداهم في طاعته فكتب له تقليد بذلك بإنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي على ما سيأتي ذكره الكلام على التقاليد فيما بعد إن شاء الله تعالى في المقالة الخامسة
ثم خاف على نفسه من غازان صاحب إيران ففر إلى الديار المصرية في الدولة المنصورية لاجين ثم عاد إلى بلاد الروم لإحضار من تأخر من أهله فقبضت عليه عساكر غازان وحملته إليه فقتله
ولم يزل أمرهم على التنقل من أمير إلى أمير من أمراء التتر إلى أن كان منهم الأمير برغلي وهو الذي قتل هيتوم ملك الأرمن صاحب سيس
ثم كان بعده في سنة عشرين وسبعمائة الأمير إبشبغا
ثم ولى أبو سعيد صاحب إيران بعد ذلك على بلاد الروم هذه دمرادش ابن جوبان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فقوي بها ملكه
ثم قتل أبو سعيد جوبان والد دمرداش المذكور فهرب دمرداش إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية
وكان سنقر الأشقر أحد أمراء الملك الناصر قد هرب إلى السلطان أبي سعيد فوقع الصلح بين السلطانين على أن كلا منهما يقتل الذي عنده ففعلا ذلك
وكان قد بقي ببلاد الروم أمير من أمراء دمرداش اسمه أرتنا فبعث إلى (5/344)
أبي سعيد بطاعته فولاه البلاد فملكها فنزل سيواس واتخذها كرسيا لملكه ثم خرج عن طاعة أبي سعيد وكتب إلى الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية وسأله كتابة تقليد بالبلاد فكتب إليه بذلك وجهزت إليه الخلع فأقام دعوة الخطبة الناصرية على منابر البلاد الرومية وضرب السكة باسمه وجهز بعض الدراهم المضروبة إلى الديار المصرية وصارت بلاد الروم هذه من مضافات الديار المصرية ولم يزل أرتنا على ذلك إلى أن توفي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
واستولى على الروم أولاده من بعده إلى أن كان بها محمد بن أرتنا في سنة ست وستين وسبعمائة وبقي حتى توفي في حدود الثمانين والسبعمائة وخلف ابنا صغيرا
فاستولى عليه الأمير قليج أرسلان أحد أمراء دولتهم وكفله
ثم غدر به القاضي إبراهيم صاحب سيواس وقتله في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة واستولى على مملكة سيواس
قال في العبر وكان من طوائف التركمان ببلاد الروم جموع كثيرة كانوا يستعينون يستعيون بهم حروبهم على أعدائهم وكان كبيرهم في المائة الرابعة أميرا من أمرائهم اسمه جق فلما ملك سليمان بن قطلمش المقدم ذكره قونية وأقصرا بعد أبيه على ما تقدم ذكره خرج جق هذا مع مسلم بن قريش صاحب الموصل على سليمان بن قطلمش فلما التقى الجمعان مال جق بمن معه من التركمان إلى سليمان بن قطلمش فانهزم مسلم بن قريش وقتل وأقام أولئك التركمان أيام سليمان بن قطلمش بجبال تلك البلاد وسواحلها
فلما ملك التتر هذه البلاد وصار الملك لقليج أرسلان بعد غلبة أخيه كيكاوس كان أمراء التركمان يومئذ محمد بك وأخوه إلياس بك وصهره علي بك وقريبه سونج فخرجوا عن طاعة قليج أرسلان وبعثوا بطاعتهم إلى هولاكو صاحب إيران وتقدير إتاوة عليهم على أن يبعث إليهم بلواء الملك على عادة (5/345)
الملوك وأن يبعث شحنة من التتر تختص بهم فأجابهم إلى ذلك وقلدهم الملك وبعث إليهم بلواء
فملكوا عليهم محمد بك
ثم أرسل هولاكو يطلب محمد بك فامتنع عليه وخالفه صهره علي بك فقدم على هولاكو فقدمه على قومه مكان محمد بك
ثم جاء محمد بك إلى قليج أرسلان صاحب بلاد الروم مستأمنا فأمنه ثم قتله واستقر علي بك في امرة التركمان
ولما تناقص أمر التتر وضعف ببلاد الروم المذكورة واستقر بنو أرتنا بسيواس وأعمالها غلب هؤلاء على ما وراء الدروب وما كان فتحه التتر من نواحي الشمال إلى خليج القسطنطينية
واشتهر من ملوكهم ست طوائف
الطائفة الأولى أولاد قرمان
وهم أصحاب أرمناك وقسطمونية وما والاها من شرق هذه البلاد كما تقدم
قال في مسالك الأبصار وهم أهل بيت توارثوا هذه البلاد ولا يخاطب قائم منهم إلا بالإمارة
قال في التعريف وهم أجل من لدى ملوكنا من التركمان لقرب ديارهم وتواصل أخبارهم ولنكايتهم في متملك سيس وأهل بلاد الأرمن واجتياحهم لهم من ذلك الجانب مثل اجتياح عساكرنا لهم من هذا الجانب
قال وأكبرهم قدرا وأفتكهم نابا وظفرا الأمير بهاء الدين موسى وحضر إلى باب السلطان وتلقي بالإجلال وأحل في ممتد الظلال وأورد موارد الزلال وأري ميامن أسعد من طلعة الهلال وحج مع الركب المصري وقضى المناسك وأسبل في ثرى تلك الربا بقية دمعه المتماسك وشكر أمراء الركب دينه المتين وذكروا ما فيه من حسن اليقين وعاد إلى الأبواب السلطانية وأجلس في المرتين مع امراء المشورة فأشرك في الرأي وسأل السلطان في منشور يكتب له بما يفتح (5/346)
بسيفه من بلاد الأرمن ليقاتل بعلمه المنشور ويجتني من شجر المران جنى عسله المشور فكتبه له
ثم قال وهم على ما هم عليه يدارون ملوك التتار وهو ومن سلف من أهل بيته مع ملوك مصر لا تغب المكاتبات بينهم ولا ينقطع بذل خدمته لهم وإقبالهم عليه واعتدادهم بموالاته
قال في مسالك الأبصار وهم عصبة ذات أيد ويد وجيوش كثيرة العدد وهم أصحاب الحروب التي ضعضعت الجبال ولهم مع الأرمن وبلاد التكفور وقائع لا يجحدها إلا الكفور يتخطفهم عقبانهم القشاعم وتلتهمهم أسودهم الضراغم
قال وهم أهل بيت ألقى الله عليهم محبة منه وإذا شاء أميرهم جمع أربعين ألفا
ثم ذكر بعد ذلك بكلام طويل أنهم هم الذين كانوا ألفوا بين سلامش وبين المنصور لاجين وأنهم هم الذين لا يرتاب في رأيهم ولا يطعن في دينهم بل مهما ورد من جهتهم تلقي بالقبول وحمل على أحسن المحامل
ثم قال وحكي عمن تردد إليهم وعرف ما هم عليه انهم رجال صدق وقوم صبر لا تستخف لهم حفيظة ولا ترد بحنقها لهم صدور مغيظة ولهذا أمراء الروم لا يطأون لهم موطئا بغيظ ولا يواطئون لهم عدة شهور في مشتى ولا مقيظ وما أحد ممن يحسدهم على ما اتاهم الله من فضله إلا من يستجيش عليهم بالتتار ويعدد عليهم عظام الذنوب الكبار ووقاية الله تكفيهم وحياطته عن عيون القوم تخفيهم ولذلك كان السلطان محمود غازان يقول أنا أطلب الباغي شرقا وغربا والباغي في ثوبي يرد أولاد قرمان وتركمان الروم ومع هذا لم يسلط عليهم
وحكي عن الصدر شمس الدين عبد اللطيف أخي النجيب أنه قال يوما لولا الأكراد وأولاد قرمان وتركمان الروم دست بخيلي مغرب الشمس (5/347)
الطائفة الثانية بنو الحميد
وهم أصحاب أنطاليا وفلك بار على ما تقدم ذكره وهم من عظماء ملوك التركمان
الطائفة الثالثة بنو أيدين
وهم أصحاب بركي وما معها على ما تقدم ذكره
قال في مسالك الأبصار وقد ذكر محمد بن ايدين صاحب بركي المذكورة وهذا ابن أيدين ما أعرف أن له بمن حوله من ملوك الممالك إلماما ولا أن له أخبارا ترد طروقا ولا إلماما بل هو في عزلة من كل جانب لا مخالط ولا مجانب
الطائفة الرابعة بنو منتشا وهم أصحاب فوكة وما معها
وقد ذكر في مسالك الأبصار أن منهم أولاد دندار
ثم قال ولهؤلاء بني دندار إلى ملوك مصر انتماء ولهم من تحف سلاطينها نعماء
قال وكان بمصر منهم من له إمرة فيها ثم عاد إلى بلاده بعد مهلك تمرتاش بن جوبان لأنه كان قد ترك بلاده لأجله وفر هاربا من يده لعداوة كان قد اضطرمت بينهما شرورها واضطربت أمورها فلما خلت من مجاورة تمرتاش تلك البلاد عاد
ويقال إنه قتل ولم يصل إلى بلاده
الطائفة الخامسة بنو أورخان بن عثمان جق
وهو صاحب برسا على ما تقدم ذكره
قال في العبر وكان قد اتخذ برسا دارا لملكه ولكنه لم يفارق الخيام إلى القصور وإنما كان ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها ولم يزل على ذلك إلى أن مات (5/348)
وملك بعده ابنه مرادبك وتوغل في بلاد النصرانية فيما وراء الخليج القسطنطيني في الجانب الغربي وفتح بلادهم إلى أن قرب من خليج البنادقة وجبال جنوة وصير أكثرهم أمراء ورعايا له وعاث في بلاد الكفار بما لم يعهد قبله من مثله وأحاط بالقسطنطينية من كل جانب حتى أعطاه صاحبها الجزية
ولم يزل على ذلك حتى قتل في حرب الصقالبة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
وملك بعده ابنه أبو يزيد فجرى على سنن أبيه وغلب على قطعة من بلاد الروم هذه فيما بين سيواس وانطاليا والعلايا بساحل البحر إلى قريب مدينة بني قرمان ثم تزوج في بني قرمان بنت أحدهم وغلب على ما بيده من تلك النواحي ودخل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته ولم يبق خارجا عن ملكه إلا سيواس التي كانت بيد قاضيها إبراهيم المتغلب عليها وملطية الداخلة في مملكة الديار المصرية ومضافاتها على ما تقدم
ولم يزل على ذلك حتى قصده تمرلنك بعد تخريب الشام في سنة ثلاث وثمانمائة وقبض عليه فبقي في يده حتى مات
وملك بعده ابنه سليمان جلبي وبقي حتى مات
فملك بعده أخوه محمد بن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان جق وهو القائم بمملكتها إلى الان
قال في مسالك الأبصار ولو قد اجتمعت هذه البلاد لسلطان واحد وكفت بها أكف المفاسد لما وسع ملوك الأرض إلا انتجاع سحابه وارتجاع كل زمان ذاهب في غير جنابه ثم قال الله أكبر إن ذلك لملك عظيم وسلك نظيم وسلطنة كبرى ودنيا أخرى ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) (5/349)
الجملة الخامسة في زي أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها
أما زي أهلها فإن لبس السلطان والأمراء والجند أقبية تترية ضيقة الأكمام مزندة على الأكف والأمراء منهم يلبسون فوق ذلك أقبية قصار الأكمام من رقيق الخام مضربة تضريبا واسعا وعلى رؤوسهم عمائم من لانس متوسطة المقدار بين الكبر والصغر مكورة تكويرا خاصا حسن الصنعة متداخل بعض اللفات في بعض ويلبسون خفافا من أدم وقد شاهدت أميرا من أمرائهم ورد رسولا عن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان إلى الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية وهو على هذه الهيئة وكثير من الجند يلبسون الطراطير البيض والحمر المتخذة من اللبد
وأما ترتيب مملكتهم فلم تتحرر لي كيفية ذلك إلا أنه قد تقدم نقلا عن صاحب العبر أنهم كانوا يسكنون الخيم ثم نزلوا المدن بعد ذلك فلا يبعد أن يكون ترتيب ملكهم على نحو من ترتيب التتر والله أعلم
القسم الثاني من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى
وهو ثلاثة أضرب
الضرب الأول جزائر بحر الروم
وهو البحر الشامي الممتد من البحر المحيط الغربي المسمى بحر أوقيانوس إلى ساحل الشام وما على سمته من بلاد الأرمن الممتد ساحله الجنوبي (5/350)
على ساحل الديار المصرية ثم على ساحل برقة ثم على ساحل أفريقية ثم على ساحل الغرب الأوسط ثم على ساحل الغرب الأقصى إلى البحر المحيط
وساحله الشمالي على بلاد الروم التي شرقي الخليج القسطنطيني ثم على سواحل بلاد الروم والفرنجة من غربي الخليج المذكور إلى ساحل الأندلس إلى البحر المحيط على ما تقدم ذكره في الكلام على البحار في أول هذه المقالة
وبه إحدى عشرة جزيرة
إحداها جزيرة قبرس
قال في اللباب بضم القاف وسكون الباء الموحدة وضم الراء المهملة وفي اخرها سين مهلمة
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض خمس وثلاثون درجة
وهي جزيرة في مشارق هذا البحر
قال ابن سعيد على القرب من ساحل الشام بينها وبين الكرك بضم الكاف وسكون الراء المهملة من بلاد الأرمن نحو نصف مجرى
قال وطولها من الغرب إلى الشرق مائتا ميل ولها ذنب دقيق في شرقيها
قال الإدريسي ودورها مائتان وخمسون ميلا ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
الثانية جزيرة رودس
قال في تقويم البلدان بضم الراء المهملة ثم واو ساكنة ودال مهملة ويقال معجمة مكسورة ثم سين مهملة
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في الأطوال حيث الطول إحدى وخمسون درجة وأربعون دقيقة والعرض ست وثلاثون درجة
قال في تقويم البلدان وهي على حيال الإسكندرية بين جزيرة المصطكى وجزيرة أقريطش
قال وامتدادها من الشمال إلى الجنوب بانحراف نحو خمسين ميلا وعرضها نصف ذلك
وبين هذه الجزيرة وبين ذنب جزيرة أقريطش مجرى واحد وهي من الغرب عن جزيرة قبرس بانحراف إلى الشمال
قال وبعضها للفرنج وبعضها (5/351)
لصاحب اصطنبول وهي القسطنطينية ومن رودس يجلب العسل الطيب العديم النظير ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
الثالثة جزيرة أقريطش
قال في اللباب بفتح الألف وسكون القاف وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وكسر الطاء وشين معجمة في الأخر
قال في الروض المعطار سميت بذلك لأن أول من عمرها كان اسمه قراطي قال وتسمى أيضا أقريطش البترليش ومعناها بالعربية مائة مدينة
وهي على سمت برقة وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد ومدينتها حيث الطول سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة
قال ابن سعيد وهي جزيرة عظيمة مشهورة وامتدادها من الغرب إلى الشرق ودورها ثلثمائة وخمسون ميلا
وقيل هذه الأميال إنما هي طولها شرقا بغرب لا دورها وذكر في كتاب الأطوال أن دورها سبعة عشر يوما
قال في تقويم البلدان ومنها يجلب إلى الإسكندرية العسل والجبن وغير ذلك
قال في الروض المعطار وهي جزيرة عامرة كيثرة الخصب ذات كروم وأشجار وبها معدن ذهب
وأكثر مواشيها المعز وليس بها إبل ولم يكن بها سبع ولا ثعلب ولا غيرهما من الدواب الدابة بالليل وكذلك ليس بها حية وإن دخلت إليها حية ماتت في عامها
ويقال إن صناعة الموسيقى أول ما ظهرت بها وبينها وبين ساحل برقة يوم وليلة وبينها وبين قبرس أربعة مجار وإليها ينسب الأنتيمون الأقريطشي المستعمل في الأدوية
وكان عبد الله بن أبي سرح أمير مصر قد افتتحها في زمان إمارته في خلافة عثمان رضي الله عنه وبقيت بأيدي المسلمين حتى تغلب عليها النصارى في سنة خمس وأربعين وثلثمائة
قال في الروض المعطار وهي بيد صاحب القسطنطينية
الرابعة جزيرة المصطكى بفتح الميم وسكون الصاد وفتح الطاء (5/352)
المهملة والكاف وألف في الاخر
وسميت بذلك لأنه ينبت بها شجر المصطكى
قال في تقويم البلدان وهي جزيرة بالقرب من فم الخليج القسطنطيني
وقال ابن سعيد هي داخلة في بحر الروم على مائة وخمسين ميلا من فم الخليج القسطنطيني
قال وطولها من الشمال إلى الجنوب نحو ستين ميلا
قال وهي شرقي جزيرة التغريب وبينهما نحو ثلاثين ميلا
قال في تقويم البلدان وبها ديورة وقرى ومنها تجلب المصطكى إلى البلاد وهي صمغ شجر ينبت بها يشبه شجر الفستق الصغار يشرط في فصل الربيع بمشاريط فتسيل منها المصطكى ثم تجمد على الشجر وربما قطر منه شيء على الأرض والأول أجود
الخامسة جزيرة التغريب بالتاء المثناة فوق المفتوحة وسكون الغين المعجمة وكسر الراء المهملة وياء مثناة تحت وباء موحدة في الاخر
قال في تقويم البلدان وهي من الغربة وموقعها في أواخر الإقليم السادس من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد وطرفها الشرقي حيث الطول ثمان وأربعون درجة وخمسون دقيقة والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وخمسون دقيقة
وهي جزيرة كبيرة في الغرب عن جزيرة المصطكى المقدم ذكرها وامتدادها من المغرب إلى المشرق بانحراف إلى الجنوب مائة وخمسون ميلا وفي العرض من عشرين ميلا إلى نحو ذلك
قال في تقويم البلدان وهي معروفة بخروج الشواني والقطائع منها
السادسة جزيرة لمريا
قال في تقويم البلدان بفتح اللام وسكون الميم وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية وألف في الاخر
قال وعن بعض المسافرين أن بعد المثناة هاء
قال ابن سعيد وتعرف في الكتب بجزيرة بلونس وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة
قال ابن سعيد ووسطها حيث (5/353)
الطول خمس وأربعون درجة واثنتان وأربعون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة
قال وهي أكبر جزائر الروم ودورها على التحقيق سبعمائة ميل وفيها أخوار وتعريجات ومدينتها في وسطها
السابعة جزيرة صقلية
قال في اللباب بفتح الصاد المهملة والقاف ولام وياء مثناة من تحت وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة وبين ذنبها الغربي وبين تونس مجرى وستون ميلا ودورها خمسمائة ميل
وهي على صورة شكل مثلث حاد الزاوية فالزاوية الأولى شمالية وهناك المجاز الضيق إلى الأرض الكبيرة يعني التي وراء الأندلس وهو نحو ستة أميال
والزاوية الثانية جنوبية وهي تقابل بر طرابلس من أفريقية من بلاد الغرب والزاوية الثالثة غربية وهناك بركان النار في جزيرة صغيرة منقطعة شمالي الزاوية المذكورة وشمالي صقلية بلاد قلفرية الاتي ذكرها في الكلام على الضرب الثاني
قال في تقويم البلدان وصاحب صقلية في زماننا هذا فرنجي من الكيتلان اسمه الريد افريك
وقاعدتها مدينة بلزم بفتح الباء الموحدة واللام وسكون الزاي المعجمة وميم في الاخر
قال ابن سعيد وهي حيث الطول خمس وثلاثون درجة والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة
وبها عدة مدن غير هذه القاعدة
منها مدينة مازر
قال في المشترك بفتح الزاي المعجمة وبعدها راء مهملة وإليها ينسب الإمام المازري المالكي شارح موطإ مالك وغيره
ومنها قصر يانة بلفظ قصر المعروف ويانة بفتح الياء المثناة تحت وألف (5/354)
ونون مشددة وهي مدينة كبيرة على سن جبل
الثامنة جزيرة سردانية
قال في تقويم البلدان بضم السين وكسر الراء وفتح الدال المهملات ثم ألف ونون مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة وهاء في الاخر
قال واسمها بالفرنجية صرداني يعني بإبدال السين صادا مهملة وحذف الهاء من الاخر
وهي غربي الجزر المتقدمة الذكر
وموقعها في الإقليم الرابع بين مرسى الخرز من البر الجنوبي وبين مملكة بيزة من البر الشمالي
قال في الأطوال وطولها إحدى وثلاثون درجة وعرضها ثمان وعشرون درجة
قال ابن سعيد وامتدادها من الطول من الشمال إلى الجنوب مجرى ونصف وفي غربيها مغاص المرجان الفائق الذي ليس له نظير وبها معدن فضة وهي الان بيد الفرنج الكيتلانيين ولملك الكيتلان نائب بها
التاسعة جزيرة قرسقة بفتح القافى وسكون الراء المهملة وفتح السين المهملة والقاف وهاء في الاخر
وهي مقابل جنوة الاتي ذكرها في الضرب الثاني وبينها وبين سردانية المتقدمة الذكر مجاز نحو عشرة أميال وامتدادها من الشمال إلى الجنوب مجرى ونصف ووسطها متسع ورأسها من جهة جنوة ضيق
العاشرة جزيرة أنكلطرة بألف ونون ساكنة وكاف مفتوحة ولام مفتوحة وطاء مهملة ساكنة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الاخر
قال ابن سعيد ويقال أنكلترة بإبدال الطاء تاء مثناة من فوق
قال وطول هذه الجزيرة من الجنوب إلى الشمال بانحراف قليل أربعمائة وثلاثون ميلا واتساعها في الوسط نحو مائتي ميل وفيها معدن الذهب والفضة والنحاس والقصدير وليس فيها كروم لشدة (5/355)
البرد بها وأهلها يحملون الذهب إلى بلاد الفرنج ويعتاضون عنه الخمر لعدمه عندهم
وقاعدتها مدينة لندرس بلام ونون ودال وراء وسين مهملات
وصاحب هذه الجزيرة يسمى الانكتار بنون وكاف وتاء مثناة فوقية وألف وراء مهملة في الاخر
وهو الذي عقد الهدنة بينه وبين الملك العادل أبي بكر بن أيوب في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة والملك العادل على عسقلان
وكان من أمره أنه لم يحلف على الهدنة بل أخذت يده وعاهدوه واحتج بأن الملوك لا يحلفون وكانت الهدنة بينهما ثلاث سنين وثلاثة أشهر أولها كانون الأول الموافق لحادي عشري شعبان من السنة المذكورة
الحادية عشرة جزيرة السناقر
جمع سنقر وهو الجارح المعروف المقدم ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في المقالة الأولى
وهي جزيرة على القرب من جزيرة انكلترة المقدمة الذكر
قال ابن سعيد وامتدادها في الطول شرقا بغرب سبعة أيام وفي العرض أربعة أيام
قال في تقويم البلدان ومنها ومن الجزائر التي شماليها تجلب السناقر التي هي أشرف أنواع الجوارح وإلى ذلك أشار في التعريف في الكلام على أوصاف السناقر بقوله وهي مجلوبة من البحر الشامي
قلت وجزيرة جربة تقدم ذكرها مع بلاد أفريقية
وجزيرة ميورقة وجزيرة يانسة وجزيرة قادس تقدم ذكرها مع جزيرة الاندلس (5/356)
الضرب الثاني ما شمالي بحر الروم المقدم ذكره من غربي الخليج القسطنطيني مما يمتد غربا إلى البحر المحيط الغربي وما يتصل بذلك مما شمالي بحر نيطش المعروف ببحر القرم إلى أقصى الشمال وهو جهتان
الجهة الأولى ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني وهو قطران
القطر الأول ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس وما على سمت ذلك ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار
فأما الممالك الكبار فالمشهور منها خمس ممالك
المملكة الأولى مملكة القسطنطينية
قال في اللباب بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء الثانية وسكون المثناة من تحت ثم نون يعني مفتوحة ثم هاء في الاخر
قال في تقويم البلدان وتسمى بوزنطيا يعني بالباء الموحدة والواو والزاي المعجمة والنون والطاء المهملة ثم ياء مثناة من تحت وألف في الاخر
وربما قالوا بوزنطية بابدال الألف هاء
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في رسم المعمور حيث الطول ثمان وأربعون درجة والعرض خمس وأربعون درجة ووافقه على ذلك صاحب الأطوال وصاحب القانون وابن سعيد وهي قاعدة الروم بعد رومية وعمورية وهي المستقرة قاعدة ملك لهم إلى الان
قال في الروض المعطار نزل رومية من ملوك الروم عشرون ملكا ثم نزل عمورية منهم ملكان ثم عادت المملكة إلى رومية فنزلها منهم ملكان ثم (5/357)
ملك قسطنطين بن هيلاني فجدد بناء بوزنطية وزاد في بنائها وسماها قسطنطينية نسبة إليه ونزل بها فصارت دار ملك للروم بعده إلى الان
قال وهي على ضفة الخليج المنصب من بحر نيطش ومانيطش إلى بحر الروم وقد صار هذا الخليج مشهورا بها
فيقال فيه الخليج القسطنطيني كما تقدم
وجهاتها الثلاث من الشرق والغرب والجنوب إلى البحر والجهة الرابعة وهي الشمال إلى البر وقطرها من الشرق إلى الغرب ثمانية وعشرون ميلا ولها سوران من حجارة بينهما فضاء ستون ذراعا وعرض السور الداخل اثنا عشر ذراعا وارتفاعه اثنان وسبعون ذراعا وعرض السور الخارج ثمانية أذرع وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعا وفيما بين السورين نهر يسمى قسطنطينيانوس مغطى ببلاط من نحاس يشتمل على اثنين وأربعين ألف بلاطة طول كل بلاطة ستة وأربعون ذراعا وعمق النهر اثنان وأربعون ذراعا
ولها نحو مائة باب أكبرها باب الذهب وهو باب في شماليها طوله أحد وعشرون ذراعا وهو مضبب بالحديد وبه أعمدة من ذهب وبها قصر في غاية الكبر والعلو وطريقه الذي يتوصل إليه منه يعرف بالبدندون
وهو من عجائب الدنيا يمشى فيه بين سطرين من صور مفرغة من النحاس البديع الصناعة على صور الادميين وأنواع الخيل والسباع وغير ذلك وفي القصر ضروب من عجائب المصنوعات
قال في تقويم البلدان وحكى لي بعض من سافر إليها أن داخلها مزدرع وبساتين وبها خراب كثير وأكثر عمارتها في الجانب الشرقي الشمالي وكنيستها مستطيلة وإلى جانب الكنيسة عمود عال دوره أكثر من ثلاثة باعات وعلى رأسه فارس وفرس من نحاس وفي إحدى يديه حربة كبيرة وقد فتح أصابع يده الأخرى وهو مشير بها
قيل إن ذلك صورة قسطنطين باني المدينة
قال في العزيزي ولها أربع عشرة معاملة
واعلم أن هذه المملكة كانت أولا بيد اليونان
قال البيهقي وهم بنو يونان (5/358)
ابن علجان بن يافث بن نوح عليه السلام
وفي التوراة أن يونان ابن يافث لصلبه واسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو
وخالف الكندي فنسبهم إلى عابر بن فالغ فجعل يونان أخا لقحطان وذكر أنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضبا لأخيه قحطان فنزل ما بين إفرنجة والروم فاختلط نسبة بنسبهم
ورد عليه أبو العباس الناشي في ذلك بقوله
( و تخلط يونانا بقحطان ضلة ... لعمري لقد باعدت بينهما جدا ! ) - طويل -
وقيل إنهم إنما نجموا من رجل يقال له الكن ولد سنة سبع وأربعين لوفاة موسى عليه السلام
وكانت قاعدة ملكهم الأولى مدينة أغريقية
وهي مدينة بناها أغريقش ابن يونان المقدم ذكره على الجانب الغربي من الخليج القسطنطيني وهي أول مدنهم ثم هدمها هيليوس أحد ملوكهم وبنى مدينة مقدونية في وسط المملكة بالجانب الغربي أيضا ونزلها فصارت منزلا لملوكهم من بعده وإليها ينسب ملوكهم فيقال ملوك مقدونية وقد كان يقال للإسكندر بن فيلبس المقدوني نسبة إلى مقدونية هذه
ومن طائفة اليونان كان معظم الحكماء الذين عنهم أخذت علوم الفلسفة ومنهم بقراط وسقراط وأفلاطن وأرسطوطاليس وإقليدس وغيرهم من الحكماء (5/359)
وكان لهم عدة ملوك أولهم يونان بن يافث بن نوح
ثم ملك بعده ابنه أغريقش وهو الذي بنى مدينة أغريقية المتقدم ذكرها
وتوالى الملك في ولده وقهروا اللطينيين ودال ملكهم في أرمينية
ثم ملك هرقل الجبار بن ملكان بن سلقوس بن أغريقش
ثم ملك بعده ابنه بلاق وإليه تنسب الأمة البلاقية التي هي الان على بحر سوداق واتصل الملك في عقب بلاق المذكور إلى أن ظهر عليهم إخوانهم الروم واستبدوا بالملك
فكان أولهم هردوس بن مطرون بن رومي بن يونان فملك الأمم الثلاثة وصار اسمه لقبا لكل من ملك بعده
ثم ملك بعده ابنه هرمس وحاربه الفرس فقهروه وضربوا عليه الإتاوة
ثم ملك بعده ابنه مطرنوس فحمل الإتاوة للفرس
ثم ملك بعده فيلبوس فظهر على الأعداء وهدم مدينة أغريقية وبنى مدينة مقدونية المتقدم ذكرها وكان محبا في الحكمة فكثر الحكماء في دولته
ثم ملك بعده ابنه الإسكندر فاستقام له الأمر وملك الشام وبيت المقدس والهند والسند وبلاد الصين والتبت وخراسان وبلاد الترك وذلت له سائر الملوك وهاداه أهل المغرب والأندلس والسودان وبنى مدينة الإسكندرية بالديار المصرية عند مصب النيل على ساحل البحر الرومي وبنى بالسند أيضا مدينة سماها الإسكندرية ورجع إلى بابل فمات بها وعرض الملك على ابنه إسكندروس فأبى واختار الرهبانية
ثم ملك بعده لوغوس من بيت الملك وتلقب بطليموس فصار ذلك علما على كل من ملك منهم
وقيل هو بطليموس بن لاوى صاحب عسكر الإسكندرية
وهلك لأربعين سنة من ملكه (5/360)
وملك بعده ابنه فلديفش فأقام ثمانيا وثلاثين سنة وترجمت له التوارة من العبراني إلى الرومي
ثم ملك بعده ابنه أنطرطيش فأقام ستا وعشرين سنة وهلك
فملك بعده أخوه قلوباظر فأقام سبع عشرة سنة وهلك
فملك بعده ابنه أبيفانش فأقام أربعا وعشرين سنة
وملك بعده ابنه قلوماظر فأقام خمسا وثلاثين سنة
وكان مقره الإسكندرية وهلك
فملك بعده ابنه إبرياطش فأقام سبعا وعشرين سنة
وعلى عهده استفحل ملك رومة وملكوا الأندلس وأفريقية وهلك
فملك بعده ابنه شوظا فأقام سبع عشرة سنة وهلك
فملك بعده أخوه الإسكندر فأقام عشر سنين وهلك
فملك بعده دنونشيش بن شوظا فأقام ثمانيا وثلاثين سنة وفي أيامه ملك الروم بيت المقدس وأنطاكية وهلك
فملك بعده بنته كلابطرة فأقامت سنتين وكان سكنها الإسكندرية
وكان الملك على الروم يومئذ أغشطش قيصر ملك الروم فقصدها فاحتالت بأن اتخذت حية توجد بين الحجاز والشام فلمست الحية فيبست مكانها وبقيت الحية في رياحين حولها وحضر اغشطش فوجدها جالسة ولم يشعر بموتها فتناول من الرياحين ليشمها فلسعته الحية فمات
وزالت دولة اليونان بزوالها
هكذا رتبهم هروشيوش مؤرخ الروم وسبب ذلك أن الروم واليونان كانوا متجاورين متلاصقين لعلاقة النسب فقد نقل ابن سعيد عن البيهقي أن الروم من ولد رومي بن يونان المقدم ذكره
وقيل هم بنو لطين بن يونان أخي رومي المذكور ولذلك يقال لهم اللطينيون
وقيل هم من بني كيتم بن ياثان وهو يونان
وقيل بل هم من بني عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام (5/361)
قال صاحب حماة في تاريخه وكان أول ظهورهم في سنة ست وتسعين وثلثمائة لوفاة موسى عليه السلام
قال وهم يعرفون ببني الأصفر والأصفر هو رويم بن العيص
قال في العبر وذلك أنه لما خرج يوسف عليه السلام من مصر بأبيه يعقوب ليدفنه بالشأم عند الخليل عليه السلام اعترضه بنو عيصو فحاربهم وهزمهم وأسر منهم صفوا بن إليفار بن عيصو وبعث به إلى أفريقية فأقام بها واتصل بملكها واشتهر بالشجاعة ثم هرب من أفريقية إلى أسبانية فزوجوه وملكوه عليهم فأقام في الملك خمسا وخمسين سنة وبقي الملك في عقبه إلى أن كان منهم ملك اسمه روميش فبنى مدينة رومية وسكنها فعرفت به
وبالجملة فإنهم كانوا مجاورين لهم الروم في المغرب واليونان في المشرق فوقعت الحرب بينهم وكانت الغلبة للروم على اليونان مرة بعد أخرى إلى أن كانت غلبة أغشطش على قلوبطرا على ما تقدم ذكره
ثم ملوك الروم على طبقات
الطبقة الأولى من ملك منهم قبل القياصرة
قال هروشيوش مؤرخ الروم وأول من ملك منهم بيقش بن شطونش ابن يوب في اخر الألف الرابع من أول العالم على زمن تيه بني إسرائيل
ثم ملك بعده ابنه بريامش واتصل الملك في عقب بيقش المذكور وإخوته إلى أن كان منهم كرمنش بن مرسية بن شبين بن مزكة بعد أربعة الاف وخمسين لأول العالم في زمن بار بن كلعاد من ملوك بني إسرائيل وهو الذي ألف حروف اللسان اللطيني ولم تكن قبله
ثم كان منهم أناش من عقب بريامش بن بيقش المتقدم ذكره لأربعة الاف ومائة وعشرين للعالم
وفي أيامه خرب الأغريقيون مدينة طروبة المتقدم ذكرها في قواعد مملكتهم (5/362)
ثم ملك بعده ابنه أشكنانيش وهو الذي بنى مدينة ألبا ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم ثم كان من أعقابهم برقاش على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل
واتصل الملك لابنه ثم لحافديه روملش وراملش لأربعة الاف وخمسمائة سنة للعالم
وهما اللذان اختطا مدينة رومية وكان الروم بعد روملش وراملش وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهم فصيروا أمرهم شورى بين سبعين وزيرا
وقال ابن العميد كانوا يقدمون شيخا بعد شيخ ولم يزل أمرهم على ذلك مدة سبعمائة سنة تقترع الوزراء في كل سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية على ما توجيه القرعة فيحاربون الأمم والطوائف ويفتحون الممالك حتى ملكوا الأندلس وأثخنوا في الجلالقة وملكوا سمورية مدينة القوط واستولوا على الشأم وأرض الحجاز وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالا إلى أن كانت القياصرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى
الطبقة الثانية القياصرة قبل ظهور دين النصرانية فيهم
قال ابن العميد لم يزل تدبير المشايخ الذين رتبوهم نافذا فيهم إلى أن كان اخرهم أغانيوش فدبرهم أربع سنين وتسمى قيصر وهو أول من تسمى بذلك من ملوكهم ثم صار سمة لمن بعده
وسيأتي الكلام على معنى هذه اللفظة
ثم ملك بعده بوليوش قيصر ثلاث سنين
ثم ملك بعده أوغشطش قيصر بن مونوخس وهروشيوش يسميه أكتبيان قيصر وهو الثاني من القياصرة وهو الذي سلب ملك كلابطرا اخر ملوك اليونان المقدم ذكرها
واستولى على مصر والإسكندرية وسائر ممالك اليونان الروم (5/363)
ويقال إنه كان اخر قواد الشيخ مدبر رومة وإنه توجه بالعساكر لفتح الأندلس ففتحها ثم عاد إلى رومة فملكها وطرد الشيخ عنها ووافقه الناس على ذلك ثم قتل نائبه بناحية المشرق واستولى عليها لثنتي عشرة سنة من ملكه ولثنتين وأربعين سنة من ملك أغشطش ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر وذلك لتمام خمسة الاف وخمسمائة سنة شمسية للعالم
ثم ملك من بعده ابنه طباريش قيصر فاستولى على النواحي وفي أيامه كان رفع المسيح عليه السلام وافتراق الحواريين في الافاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله تعالى
ومات لثلاث وعشرين سنة من ملكه بعد أن جدد مدينة طبرية واشتق اسمها من اسمه
ثم ملك من بعده غابيش قيصر وهو الرابع من القياصرة
وقال هروشيوش هو أخو طباريش وسماه غابيش قليفة بن أكتبيان
قال ابن العميد ووقعت في أيامه شدة على النصارى وقتل يعقوب أخاه يوحنا من الحواريين وحبس بطرس رأسهم ثم وثب عليه بعض قواده فقتله
وملك من بعده فلوديش قيصر وهو الخامس من القياصرة
قال هروشيوش وهو ابن طباريش المتقدم ذكره فيكون أخا غابيش وعلى عهده كتب متى الحواري إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية ونقله يوحنا بن زندي إلى الرومية وكتب بطرس رأس الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى بعض أكابر الروم وهلك فلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه
وملك بعده ابنه نيرون قيصر وهو السادس من القياصرة وكان غشوما (5/364)
فاسقا فأنكر على من أخذ بدين المسيح وقتلهم وقتل بطرس وبولس الحواريين وقتل مرقص الإنجيلي بطرك الإسكندرية لثنتي عشرة سنة من ملكه
وفي أيامه هدم اليهود كنيسة النصارى بالقدس ودفنوا خشبتي الصليب بزعمهم في الزبالة
قال هروشيوش وقتله جماعة من قواده لأربع عشرة سنة من ملكه وانقطع ملك ال يوليوش قيصر لمائة وست عشرة سنة من أول ملكهم قال هروشيوش وكان نيرون قيصر قد وجه قائدا إلى جهة الأندلس فافتتحها وعاد إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم
وكان لنيرون قيصر صهر على أخته يسمى يشبشيان وابن العميد يسميه إشبا شيانس وكان نيرون قيصر قد وجهه لفتح بيت المقدس ففتحه وعاد فقتل ذلك القائد الذي استولى على المملكة بعد نيرون قيصر وملك مكانه وتسمى قيصر كمن كان قبله واستقام له الملك هكذا ذكره هروشيوش
والذي ذكره ابن العميد أنه لما هلك نيرون قيصر وإشباشيانس الذي سماه هروشيوش يشبشيان محاصر للقدس ملك الروم عليهم غلياش قيصر فأقام تسعة أشهر وكان رديء السيرة فقتله بعض خدمه
ثم ملكوا عوضه أنون ثلاثة أشهر وملكوا بطالس ثمانية أشهر وسار إليه اشباشيانس الذي يسميه هروشيوش يشبشيان فقتله وهلك اشباشيانس المذكور لتسع سنين من ملكه
وملك بعده ابنه طيطش قيصر لأربعمائة سنة من ملك الإسكندر فأقام فيهم سنتين وقيل ثلاثا وقيل أربعا وكان حسن السيرة متفننا في العلوم
ثم ملك بعده أخوه دومريان قيصر وقيل اسمه دوسطيانوس وقيل (5/365)
دوماطيانوس فأقام خمس عشرة سنة وقيل ست عشرة سنة وقيل تسع سنين وهو ابن أخت نيرون قيصر المتقدم ذكره وكان ظلوما غاشما فحبس يوحنا الحواري وأمر بقتل النصارى ونفيهم وقتل اليهود من نسل داود حذار أن يملكوا وهلك في حرب الفرنج
وملك بعده نربا ابن أخيه طيطش وقيل اسمه تاوداس وقيل قارون وقيل برسطوس فأقام نحوا من سنتين أو سنة ونصفا فأحسن السيرة وأمر برد من نفي من النصارى وخلاهم ودينهم ولم يكن له ولد
فعهد بالملك إلى طريانش من عظماء قواده وقيل اسمه أنديانوش وقيل طرينوس فملك بعده وتسمى قيصر فأقام تسع عشرة سنة ولقي النصارى في أيامه شدة وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامتهم وفي زمنه كتب يوحنا إنجيله برومة في بعض الجزائر وهلك طريانش المذكور لتسع عشرة سنة من ولايته
وملك بعده أندريانوس فأقام إحدى وعشرين سنة وقيل عشرين سنة وهو الذي بنى مدينة القدس وسماها إيليا وكان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وأخذ الناس بعبادة الأوثان وألزم أهل مصر حفر خليج من النيل إلى القلزم فحفروه وأجروا فيه ماء النيل ثم ارتدم بعد ذلك
ولما جاء الفتح الإسلامي ألزمهم عمرو بن العاص رضي الله عنه حفره (5/366)
فحفروه وجرى فيه الماء ثم ارتدم أيضا وبقي على ذلك مردوما إلى زماننا
ومات أندريانوس لإحدى وعشرين سنة من ملكه
فملك بعده ابنه انطونيش وتسمى قيصر الرحيم فأقام ثنتين وعشرين سنة وقيل إحدى وعشرين سنة وهلك
فملك بعده أخوه أوراليانس وقيل اسمه اورالش وقيل اسمه أنطونيش الأصغر وأصاب الأرض في زمنه قحط ووباء عظيم وأصاب النصارى في أيامه شدة عظيمة وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك لتسع عشرة سنة من ملكه
وملك من بعده ابنه كمودة ويقال بالقاف بدل الكاف فأقام ثلاث عشرة سنة وقيل اثنتي عشرة سنة
وفي عاشرة ملكه ظهر أردشير بن بابك أول ملوك الساسانية من الفرس
وفي زمنه كان جالينوس اليوناني المشهور بالطب وبقراطس الحكيم ومات كمودة المذكور
فملك بعده ورمتيلوش قيصر وقيل اسمه برطنوش وقيل اسمه فرطيخوس وقيل برطانوس وقيل ألبيش بن طنجيش فأقام ثلاثة أشهر وقيل شهرين وقيل سنة وقتله بعض قواده
فملك بعده يوليانوس قيصر فأقام شهرين ومات
فملك بعده سوريانوس قيصر وقيل اسمه سورس وقيل طباريش فأقام تسع عشرة سنة وقيل ثمان عشرة وقيل ست عشرة وقيل ثلاث عشرة وقيل ست سنين واشتد على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر والإسكندرية فقتلهم وهدم كنائسهم وشردهم في البلاد وهلك
فملك من بعده أنطونيش قيصر وقيل أنطونيش قسطس لخمس وعشرين سنة وخمسمائة لغلبة الإسكندر فأقام ست سنين وقيل سبع سنين (5/367)
وضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشأم ونواحي أرمينية وهلك في حروبهم
فملك بعده مقرين قيصر بن مزكة وقيل اسمه مقرونيوس وقيل مرقيانوس فأقام سنة وقتله قواد رومة
ثم ملك من بعده أنطونيش قيل ثلاث سنين وقيل أربع سنين وفي أول سنة من ملكه بنيت مدينة عمواس بأرض فلسطين من الشأم وملك سابور بن أردشير مدنا كثيرة من الشأم ومات
فملك من بعده اسكندروس فأقام ثلاث عشرة سنة وقيل عشرين سنة وكانت أمه نصرانية فكانت النصارى معه في سعة من أمرهم
قال هروشيوش ولعشر من ملكه غزا فارس وقتل سابور بن أردشير ملك الفرس وثار عليه أهل رومة فقتلوه
وملك بعده مخشميان بن لوجيه وقيل اسمه نقيموس فأقام ثلاث سنين ولقي النصارى منه شدة عظيمة
قال ابن العميد وفي ثالثة ملكه مات سابور ابن أردشير وهو خلاف ما تقدم من كلام هروشيوش أنه قتله اسكندروس في العاشرة من ملكه وهلك
فملك بعده يونيوش وقيل اسمه لوكيوش قيصر وقيل بلينايوس فأقام ثلاثة أشهر وقتل
ثم ملك بعده غرديانوس قيصر وقيل اسمه فودينوس وقيل فرطانوس وقيل غرديان بن بلنسيان فأقام ست سنين وقيل سبع سنين وطالت حروبه مع الفرس وقتله أصحابه على نهر الفرات
وملك بعده فلفش قيصر بن أوليان بن أنطونيش فأقام سبع سنين وقيل ست سنين وقيل تسع سنين ودان بدين النصرانية وهو أول من تنصر من ملوك الروم وقتله قائد من قواده (5/368)
وملك ذلك القائد الذي قتله مكانه من أولاد الملوك
واسمه داجية ابن مخشميان فأقام خمس سنين وقيل سنتين وقيل سنة وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة قيل وفي أيامه كانت قصة أهل الكهف مع ملكهم وهلك
فملك من بعده غالش قيصر فأقام سنتين وقيل ثلاث سنين واستتبع في قتل النصارى وكان في أيامه وباء عظيم أقفرت منه المدن ومات
فملك بعده والاريانس لسبعين وخمسمائة لغلبة الإسكندر وقيل اسمه غاليوش وقيل أقيوس وغاليوش ابنه وقيل أورليوس وقيل غليوش وقيل أدرياليانوس فأقام إحدى عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة وقيل أربع عشرة سنة وقيل خمس سنين وكان يعبد الأصنام فلقي النصارى منه شدة عظيمة ووقع في أيامه وباء عظيم فرفع الطلب عن النصارى بسببه
وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد مقدونية وبلاد النبط واقتلعوها منه وقتله بعض قواد رومة
وملك بعده افلوديوش قيصر لثمانين وخمسمائة للإسكندر فأقام سنة واحدة وقيل سنة وتسعة أشهر وقيل هو فلوديش بن بلاريان ولم يكن من بيت الملك وأقام سنتين وقيل ملك بعده أخوه قنطل فأقام سبعة عشر يوما ودفع القوط عن مقدونية وأرمينية وقتله بعض قواده
ثم ملك أوريليانس وقيل اسمه أوراليوس وقيل أورينوس وقيل أروليوس وقيل أوراليان بن بلنسيان فأقام ست سنين وقيل خمس سنين وأشتد على النصارى وجدد بناء رومة وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين ثم قتل
وملك بعده طافيش بن اليش وقيل اسمه طافسيوس وقيل طافساس فأقام نحو سنة وقيل تسعة أشهر وقيل ستة أشهر (5/369)
ثم ملك بعده فروفش قيصر وقيل اسمه فرويس وقيل برويش وقيل ولاكيوش وقيل أرفيون فأقام خمس سنين وقيل ست سنين وقيل سبع سنين وقتله قواد رومة
ثم ملك بعده قاريوش قيصر وقيل اسمه قوروش وقيل قاروش لخمسمائة وثنتين وتسعين للإسكندر في زمن سابور ذي الأكتاف أحد ملوك الساسانية من الفرس فأقام سنتين وقيل ثلاث سنين وتغلب على كثير من بلاد الفرس واشتد على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك في الحرب
فملك بعده ابنه مناريان وقتل لوقته
ثم ملك من بعده ديقلاديانوس لخمسمائة وخمس وتسعين سنة للإسكندر وقيل اسمه دقلطيانوس وقيل غرنيطا فأقام إحدى وعشرين سنة وقيل عشرين سنة وقيل ثمان عشرة ولقي النصارى منه شدة وأمر بغلق الكنائس وقتل جملة من أعيان النصارى وهلك
فملك بعده ابنه مقسيمانوس قيصر فأقام سبع سنين وقيل سنة واحدة
وكان شريكه في الملك مفطوس وهو أشد كفرا منه ولقي النصارى منهما شدة عظيمة وقتل منهم خلقا كثيرا ووقع في كلام هروشيوش ما يخالف هذا الترتيب ولا حاجة بنا إلى ذكره
الطبقة الثالثة القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي
وكانوا يدينون أولا بدين الصابئة ثم دانوا بدين المجوسية ثم بعد ظهور الحواريين وتسلطهم عليهم مرة بعد أخرى أخذوا بدين النصرانية وكان أول من أخذ منهم به قسطنطين بن قسطنش بن وليتنوش وكان قد خرج على مقسيمانوس قيصر اخر القياصرة من الطبقة الثانية فهزمه ورجع مقسيمانوس إلى رومة فازدحم عسكره على الجسر فغرق فيمن غرق ودخل قسطنطين رومة وملكها فبسط العدل ورفع الجور وتنصر لثنتي عشرة سنة من ملكه وهدم بيوت (5/370)
الأصنام وتوجهت أمه هلانة إلى القدس واستخرجت خشبة الصلبوت بزعمهم من تحت القمامات وبنت مكانها كنيسة قمامة وذلك لثلثمائة وثمان وعشرين سنة من مولد المسيح عليه السلام
وفي السنة التاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بنيقية ولما تنصر قسطنطين وخرج عن دين المجوسية خاف من قومه فارتحل من رومة إلى مدينة بوزنطية فجددها وزاد فيها وسماها القسطنطينية باسمه وأقام في الملك خمسين سنة منها ببوزنطية ست وعشرون سنة قبل غلبة مقسيمانوس وأربع وعشرون بعد استيلائه على الروم وهلك لستمائة وخمسين للإسكندر
وملك بعده ابنه قسطنطين الأصغر بن قسطنطين بن قسطنطين بن قسطنش فأقام أربعا وعشرين سنة ومات
فملك بعده ابن عمه يوليانش فأقام سنة واحدة وقيل سنتين فكان على غير دين النصرانية فقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الديوان وسار لقتال الفرس فمات من سهم أصابه وقيل ضل في مفازة فقتله أعداؤه
وملك بعده يليان بن قسطنطين سنة واحدة وهلك
فملك بعده بوشانوش فأقام سنة واحدة وقيل إنما هو بلنسيان بن قسطنطين وقيل واليطينوش وانه ملك ثنتي عشرة سنة أو خمس عشرة سنة ثم هلك بالفالج
وملك بعده أخوه واليش وقيل اسمه والاش فأقام أربع سنين وقيل ثلاث سنين وقيل سنتين وقيل إنه كان شريك واليطينوش المتقدم ذكره في الملك ثم خرج على واليش خارج من العرب وقتل في حربه
وملك بعده اغراديانوس قيصر وهو أخو واليش ويقال إن ولنطيانش ويقال والنطوش بن واليش كان شريكا له في الملك فأقام سنة واحدة وقيل سنتين وقيل ثلاث سنين ومات اغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة (5/371)
وملك بعدهما تاوداسيوس ويقال إنه طودوشيوش لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر فأقام سبع عشرة سنة وفي الخامسة عشرة من ملكه ظهر أهل الكهف وأفاقوا من نومهم فأرسل في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن تبنى عليهم كنيسة ويتخذ يوم ظهورهم عيدا وفي أيامه كان المجمع بقسطنطينية لمائتين وخمسين سنة من مجمع نيقية
ثم ملك اركاديش بن تاوداسيوس فأقام ثلاث عشرة سنة وولد له ولد سماه طودوشيوش فلما كبر هرب إلى مصر وترهب وأقام في مغارة في الجبل المقطم ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديرا يسمى دير القصير وهو دير البغل وهلك
فملك بعده ابنه طودوشيش قيصر الأصغر فأقام ثنتين وأربعين سنة
وفي أيامه كان المجتمع الثالث للنصارى بمدينة أفسس وولى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك بينهما وقيل إن أركاديش بن طودوشيوش ولى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك وإنه لما هلك أركاديش استبد أخوه أنوريش قيصر بالملك خمس عشرة سنة وإنه لما هلك ملك من بعده طودوشيش المقدم ذكره
ثم ملك مرقيان قيصر ويقال بالكاف بدل القاف فأقام ست سنين
وفي أيامه كان المجمع الرابع بخلقدونية وانقسم النصارى إلى يعقوبية وملكية ونسطورية
وفي أيامه سكن شمعون الحبيس الصومعة بأنطاكية وترهب فيها وهو أول من فعل ذلك من النصارى ثم مات مرقيان
وملك بعده لاون قيصر ويعرف بلاون الكبير لسبعمائة وسبعين سنة من ملك الإسكندر وقيل اسمه ليون بن شميخلية وكان ملكيا فأقام ست عشرة سنة ومات
وملك بعده لاون قيصر ويعرف بلاون الصغير وكان يعقوبيا فأقام سنة واحدة وهلك (5/372)
حذف 0 (5/0)
فملك بعده زينون قيصر وقيل اسمه سينون بالسين المهملة بدل الزاي وكان يعقوبيا فأقام سبع عشرة سنة وهلك
فملك بعده يشطيانش قيصر لثمانمائة وثلاث سنين للإسكندر فأقام سبعا وعشرين سنة وكان يعقوبيا وسكن حماة من الشام وأمر أن تشاد وتحصن فبنيت في سنتين وأمر بقتل كل امرأة قارئة كاتبة وهلك
فملك بعده يشطبانش قيصر لثمانمائة وثلاثين للإسكندر وكان ملكيا فأقام تسع سنين وقيل سبع سنين ويقال إنه كان معه شريك في ملكه يقال له يشطيان وهلك
فملك بعده يشطينانش قيصر لثمانمائة وأربعين للإسكندر وكان ملكيا وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله وقيل كان شريكه فأقام أربعين سنة وقيل ثلاثا وثلاثين سنة وأمر بأن يتخذ عيد الميلاد في الرابع والعشرين من كانون والغطاس في ست منه وكانا قبل ذلك جميعا في سادسه وكانت كنيسة بيت لحم بالقدس صغيرة فزاد فيها ووسعها حتى صارت على ما هي عليه الان
وفي أيامه كان المجمع الخامس للنصارى بالقسطنطينية وهلك
فملك بعده يوشطونش قيصر لثمانمائة وثمانين سنة للإسكندر في زمن كسرى أنوشروان فأقام ثلاث عشرة سنة وقيل إحدى عشرة سنة وهلك
فملك بعده طباريش قيصر لثمانمائة وثنتين وتسعين للإسكندر فأقام ثلاث سنين وقيل أربع سنين وهلك
فملك موريكش قيصر لثمانمائة وخمس وتسعين للإسكندر فأقام عشرين سنة وكان حسن السيرة ووثب عليه بعض مماليكه فقتله
وملك بعده قوقاص قيصر قريب موريكش الملك قبله وكان هو الذي بعث مملوكه على قتله
وفي أيامه ثار كسرى أبرويز على بلاد الروم وملك الشام ومصر
فأقاما في مملكة الفرس عشر سنين وحاصر القسطنطينية طلبا لثأر (5/373)
موريكش لمصاهرة كانت بينهما فثار الروم على قوقاص فقتلته بسبب ما جلبه إليهم من الفتنة
وملك بعده هرقل بن أنطونيش وقيل هرقل بن هرقل بن أنطونيش لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح ولألف ومائة من بناء رومة ولتسعمائة وثنتين وعشرين سنة للإسكندر ولأول سنة من الهجرة وقيل لإحدى عشرة سنة منها وقيل لتسع سنين
فارتحل أبرويز عن القسطنطينية راجعا إلى بلاده وأقام هرقل في الملك إحدى وثلاثين سنة ونصفا وقيل ثنتين وثلاثين سنة وثار على بلاد الفرس فخربها في غيبة كسرى وضعفت مملكة الفرس بسبب ذلك واستولى هرقل على ما كان كسرى استولى عليه من بلاده وهو مصر والشأم وأعاد بناء ما كان خرب من الكنائس وكتب إليه النبي يدعوه للإسلام
قال المسعودي وقيل إن مولد النبي كان في أيام يوشطيانش وإن ملكه كان عشرين سنة
ثم ملك هرقل بن نوسطيونس خمس عشرة سنة وإليه تنسب الدراهم الهرقلية
ثم ملك بعده مورق بن هرقل
قال والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين كان ملك الروم لهرقل
قال وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق ثم كان بعده قيصر بن قيصر ايام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر أيام عمر وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشأم
الطبقة الرابعة ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي إلى زماننا
قد تقدم أن النبي بعث وهاجر وهرقل ملك الروم وكتب إليه يدعوه إلى (5/374)
الإسلام
وبقي هرقل إلى أن افتتح المسلمون الشأم في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فلما غلب المسلمين على أكثر بلاد الشام خرج إلى الرها ثم علا على نشز من الأرض والتفت إلى الشأم وقال السلام عليك يا سوريا سلام لا اجتماع بعده ولا يعود إليك رومي بعدها إلا خائفا وسار حتى بلغ القسطنطينية فأقام بها واستولى المسملون على الشأم ومصر والإسكندرية وأفريقية والأندلس واستولوا على جزائر البحر الرومي مثل صقلية ودانية وميورقة وغيرها مما كان بيد الروم
وأقام في الملك إحدى وثلاثين سنة وهلك لإحدى وعشرين سنة من الهجرة
وملك بعده على الروم بقسطنطينية ابنه قسطنطين بن هرقل فأقام ستة أشهر وقتله بعض نساء أبيه
وملك بعده أخوه هرقل بن هرقل فتشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه
وملكوا عليهم قسطينو بن قسطنطين فأقام ست عشرة سنة
وفي أيامه غزا معاوية بن أبي سفيان بلاد الروم وهو أمير على الشأم من قبل عمر بن الخطاب في سنة أربع وعشرين من الهجرة فدوخ البلاد وفتح منها مدنا كثيرة ثم أغزى عساكر المسلمين إلى قبرص في البحر في سنة سبع وعشرين ففتح منها حصونا وضرب الجزية على أهلها
ومات قسطينو سنة سبع وثلاثين من الهجرة
فملك بعده ابنه يوطيانس فأقام اثنتي عشرة سنة ومات سنة ثمان وأربعين من الهجرة
وملك بعده ابنه لاون فأقام ثلاث سنين ومات سنة خمسين من الهجرة
فملك بعده طيباريوس قيصر فمكث سبع سنين
وفي أيامه غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في عساكر المسلمين وحاصرها مدة ثم أفرج عنها واستشهد أبو أيوب الأنصاري في حصارها ودفن في ساحتها وقتل طيباريوس المذكور (5/375)
سنة ثمان وخمسين من الهجرة
وملك بعده أغشطش قيصر فذبحه بعض عبيدة
وملك بعده ابنه إصطفانيوس في أيام عبد الملك بن مروان ثم خلع
وملك بعده لاون ومات سنة ثمان وسبعين من الهجرة
وملك بعده طيباريوس سبع سنين ومات سنة ست وثمانين من الهجرة
وملك بعده سطيانوس في أيام الوليد بن عبد الملك باني الجامع الأموي بدمشق
ثم ملك بعده تداوس في سنة إحدى ومائة من الهجرة فأقام سنة ونصفا
ثم ملك بعده لاون فأقام أربعا وعشرين سنة
وملك بعده ابنه قسطنطين
وفي أيامه غزا هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى من بلاد الروم وأخوه سليمان الصائفة اليمنى في سنة ثلاث عشرة ومائة فلقيهم قسطنطين المذكور في جموع الروم فانهزم وأخذ أسيرا ثم أطلق
ثم ملك بعده رجل اسمه جرجس من غير بيت الملك فبقي أيام السفاح والمنصور وأمره مضطرب ثم مات
وملك بعده قسطنطين بن لاون وبنى المدن وأسكنها أهل أرمينية وغيرهم ثم مات
وملك بعده ابنه لاون وهلك
فملك بعده نقفور وهلك في خلافة الأمين بن الرشيد
وملك بعده ابنه استيراق قيصر وأقام إلى خلافة المأمون
وفي أيام المأمون غلب قسطنطين بن فلفط على مملكة الروم وطرد ابن نقفور (5/376)
هكذا رتبه ابن العميد
وفي كلام المسعودي ما يخالفه
قال المسعودي ثم ملك بعد قسطنطين نوفيل أيام المعتصم
ثم ملك من بعده ميخائيل بن نوفيل أيام الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين
ثم تنازع الروم وملكوا عليهم نوفيل بن ميخائيل أيام المعتز والمهتدي وبعض أيام المعتمد
ثم ملك من بعده ابنه أليون بن نوفيل بقية أيام المعتمد وصدرا من أيام المعتضد (5/377)
ثم ملك من بعده الإسكندروس بن أليون فنقموا سيرته فخلعوه
وملكوا عليهم أخاه لاوي بن أليون فأقام بقية أيام المعتضد والمكتفي وصدرا من أيام المقتدر ثم هلك
وملك ابنه قسطنطين صغيرا وقام بتدبير دولته أرمنوس بطريق البحر وزوجه ابنته وتسمى بالدمستق والدمستق هو الذي يلي شرق الخليج القسطنطيني واتصل ذلك أيام المقتدر والقاهر والراضي والمتقي
ثم افترق أمر الروم
ثم ظاهر كلام ابن الأثير أن أرمنوس المتقدم ذكره صار إليه الملك بعد قسطنطين
قال وكان الدمستق على عهده قوقاس فملك ملطية من يد المسلمين بالأمان في سنة ثنتين وعشرين وثلثمائة وولى تقفور دمستقا وهلك أرمنوس وترك ولدين صغيرين وكان تقفور الدمستق غائبا ببلاد المسلمين فلما رجع اجتمع إليه زعماء الروم وقدموا لتدبير أمر الصغيرين وألبسوه التاج ثم دست عليه (5/378)
زوجة أرمنوس أم الصغيرين فقتلته في سنة ستين وثلثمائة
وقام ابنها الأكبر وهو بسيل بن أرمنوس بتدبير ملكه فطالت مدته وأقام في الملك نيفا وسبعين سنة وهلك بسيل سنة عشر وأربعمائة
وملك بعده أخوه قسطنطين فأقام تسع سنين ثم هلك عن ثلاث بنات
فملك الروم عليهم الكبرى منهن وقام بأمرها ابن خالها أرمانوس وتزوجت به فاستولى على مملكة الروم ثم مالت زوجته إلى المتحكم في دولته واسمه ميخائيل فدسته عليه فقتله واستولى على الأمر ثم أصابه الصرع ودام به
فعهد لابن أخت له اسمه ميخائيل فأحسن السيرة وطلب من زوجة خاله أن تخلع نفسها من الملك فأبت فنفاها إلى بعض الجزر واستولى على المملكة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وأنكر عليه البطرك خلع المرأة فهم بقتله فنادى البطرك في النصارى بخلعه فخلعوه واستدعى الملكة التي خلعها وأعادها إلى الملك ونفت ميخائيل كما نفاها ثم اتفق البطرك والروم على خلعها فخلعت
وملكوا عليهم أختها ندورة وسملوا ميخائيل فوقع الخلف بسبب ذلك فأقرعوا بين المترشحين للملك منهم فخرجت على رجل منهم اسمه قسطنطين فملكوه عليهم وزوجوه بندورة الملكة في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ثم توفي قسطنطين المذكور سنة ست وأربعين وأربعمائة
وملك على الروم أرمانوس وذلك لأول دولة السلجوقية وخرج لبلاد الإسلام فزحف إليه ألب أرسلان من أذربيجان فهزمه وحصل في أسره ثم فاداه على مال يعطيه وأجروه عليه وعقد معه صلحا
فوثب ميخائيل بعده على مملكة الروم
فلما انطلق من الأسر وعاد إلى (5/379)
قسطنطينية دفعه ميخائيل عن الملك والتزم لألب أرسلان ما انعقد عليه الصلح
وترهب أرمانوس وترك الملك
إلى هنا انتهى كلام ابن الأثير
ثم توالت عليها ملوك الروم واحدا بعد واحد إلى اخر المائة السادسة
وكان ملك القسطنطينية يومئذ قد تزوج أخت الفرنسيس ملك الفرنجة فولد له منها ابن ذكر
ثم وثب بالملك أخوه فسمله وملك مكانه ولحق الابن بخاله الفرنسيس فوجده قد جهز الأساطيل لارتجاع بيت المقدس وفيها ثلاثة من ملوك الفرنجة وهم كيدقليس أحد ملوكهم وهو أكبرهم ودوقس البنادقة والمركين مقدم الفرنسيس فأمرهم الفرنسيس بالجواز على القسطنطينية ليصلحوا بين ابن أخته وبين عمه ملك الروم
فلما وصلوا إلى مرسى القسطنطينية خرج إليهم عمه وحاربهم فهزموه ودخلوا البلد وأجلسوا الصبي على سرير الملك وساء أمرهم في البلد وصادروا أهل النعم وأخذوا أموال الكنائس وثقلت وطأتهم على الروم فعقلوا الصبي وأخرجوهم من البلد وأعادوا عم الصبي إلى الملك
ثم هجم الفرنج البلد وأستباحوها ثمانية أيام حتى أقفرت وقتلوا من بها من القسيسين والرهبان والأساقفة وخلعوا الصبي واقترع ملوك الفرنج الثلاثة على الملك فخرجت القرعة على كيدقليس كبيرهم فملكوه على القسطنطينية وما يجاورها
وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحرية مثل أقريطش ورودس وغيرهما وللمركين البلاد التي في شرقي الخليج مثل أرسوا ولارتو في جوار سليمان بن قليج أرسلان فلم يحصل لأحد منهم شيء من ذلك إلا لمن أخذ شرقي الخليج
ثم تغلب على القسطنطينية بطريق من بطارقة الروم شهرته لشكري واسمه ميخائيل فدفع عنها الفرنج وملكها وقتل الذي كان ملكا قبله وعقد معه الصلح الملك المنصور قلاوون الصالحي صاحب مصر والشام وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة
وملك بعده ابنه ياندر وتلقب الدوقس وشهرتهم جميعا اللشكري (5/380)
وبقي بنوه في ملكها إلى الان
ولم أقف على تفاصيل أخبارهم غير أنه لم يبق بيدهم سوى قسطنطينية وبعض أعمالها المجاورة لها
وقد استولى الفرنج على جهاتها الغربية واستولى المسلمون على ما هو شرقي الخليج القسطنطيني وعلى أعمال كثيرة من غربيه إلى ما يقارب خليج البنادقة على ما تقدم بيانه في الكلام على القسم الأول من هذا المقصد مع تسلط صاحب السراي ملك تتر الشمال من بني جنكزخان عليه بالبعوث والسرايا قبل ذلك
حتى إن القان أزبك صاحب هذه المملكة قرر عليه إتاوة تحمل إليه في كل سنة ليكف عنه كما أشار إليه في التعريف في الكلام على مكاتبة صاحب القسطنطينية
قال ابن سعيد ومنتهى حكم اللشكري صاحب القسطنطينية الان إلى إيثنية
قال في تقويم البلدان بالهمزة والياء المثناة التحتية والثاء المثلثة ونون ثم ياء مثناة تحتية ثانية وهاء في الاخر
قال ابن سعيد وهي غربي الخليج القسطنطيني بشمال
قال ابن حوقل وهي مدينة بها مجمع النصارى بقرب البحر وهي دار حكمة اليونان في القديم وبها تحفظ علومهم وحكمهم
ولصاحب القسطنطينية المستقر بها مكاتبة تخصه من الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما يأتي بيانه في الكلام على مكاتبات ملوك الكفر في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
المملكة الثانية مملكة الألمان
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه وهم أكبر أمم النصارى يسكنون في غربي القسطنطينية إلى الشمال وملكهم كثير الجنود
قال وهو الذي سار إلى الشأم زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة ست وثمانين وخمسمائة فهلك قبل وصوله إلى الشام
وكان قد خرج بمائة ألف مقاتل فسلط الله عليهم الغلاء والوباء فمات أكثرهم في الطريق ولما وصل إلى بلاد الأرمن نزل يغتسل في نهر هناك فغرق فيه وبقي من عسكره قدر ألف مقاتل (5/381)
لا غير فعادوا إلى بلادهم
( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا )
وقاعدتهم فيما ذكر ابن سعيد مدينة برشان
قال في تقويم البلدان بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة ثم ألف ونون في الاخر
قال ويقال لها أيضا برجان بالجيم وذكر ابن سعيد أنه كان بها الأمة المسماة برجان في قديم الزمان فاستولت عليهم الألمانية وأبادوهم حتى لم يبق منهم أحد ولم يبق لهم أثر
وهؤلاء البرجان هم الذين كان يقاتلهم قسطنطين ورأى في منامه أعلاما عليها صلبان فتنصر
المملكة الثالثة مملكة البنادقة
وهم طائفة مشهورة من الفرنج وبلادهم شرقي بلاد الأنبردية الاتي ذكرهم
وقاعدة مملكتهم البندقية
قال في تقويم البلدان بضم الباء الموحدة وسكون النون ثم دال مهملة وقاف ومثناة تحتية وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة والعرض أربع وأربعون درجة
قال ابن سعيد وهي على طرف الخليج المعروف بجون البنادقة وقد تقدم الكلام عليه عند ذكره في الكلام على بحر الروم
قال وعمارتها في البحر وتخترق المراكب أكثرها تتردد بين الدور ومركب الإنسان على باب داره وليس لهم مكان يتمشون فيه إلا الساباط الذي فيه سوق الصرف صنعوه لراحتهم إذا أرادوا التمشي وملكهم من أنفسهم يقال له الدوك يعني بضم الدال المهملة وسكون الواو وكاف في الاخر
ودنانيرهم أفضل دنانير الفرنجة وقد تقدم في الكلام على معاملة الديار المصرية في أول هذه المقالة أن دينارهم يقال له دوكات نسبة إلى الدوك الذي هو (5/382)
ملكهم وإليها ينسب الجوخ البندقي الفائق لكل نوع من الجوخ
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وهي قريبة من جنوة في البر وبينهما نحو ثمانية أيام
أما في البحر فبينهما أمد بعيد أكثر من شهرين
وذلك أنهم يخرجون إلى بحر الروم في جهة الشرق ثم يسيرون في بحر الروم إلى جهة الغرب
قال في تقويم البلدان ومن أعمال البندقية جزائر النقر بنت بفتح النون وسكون القاف والراء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون النون وتاء مثناة فوقية في الاخر
قال وكثيرا ما يكمن بين تلك الجزائر شواني الحرامية
ثم قال وفي شمالي هذه الجزائر مملكة أستيب بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية وباء موحدة في الاخر
وفي مملكة أستيب هذه يعمل الأطلس المعدني
المملكة الرابعة مملكة الجنويين
وهم طائفة من الفرنج مشهورة أيضا
وقاعدة مملكتهم مدينة جنوة
قال في تقويم البلدان بفتح الجيم والنون والواو ثم هاء في الاخر
وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول إحدى وثلاثون درجة
والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة
قال وهي على غربي جون عظيم من البحر الرومي والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشمال
وهي غربي بلاد البيازنة
قال الشريف الإدريسي وبها جنات وأودية وبها مرسى جيد مأمون ومدخله من الغرب
قال في تقويم البلدان وعن بعض أهلها أنها في ذيل جبل عظيم وهي على حافة البحر وميناها عليها سور وأنها مدينة كبيرة إلى الغاية وفيها أنواع الفواكه ودور أهلها عظيمة كل دار بمنزلة قلعة ولذلك اغتنوا عن عمل سور (5/383)
عليها ولها عيون ماء منها شربهم وشرب بساتينهم
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه ولها بلاد كثيرة
المملكة الخامسة بلاد رومية
بضم الراء المهملة وسكون الواو وكسر الميم وفتح الياء المثناة تحت المشددة وهاء في الاخر
قال في تقويم البلدان ويقال لها أيضا رومة يعني بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم وهاء في الاخر
وهي مدينة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة والعرض أربعون درجة وخمسون دقيقة
قال ابن سعيد وهي مدينة مشهورة في جنوبي جون البنادقة على جانبي نهر يعرف بنهر الصفر
وقد ذكر هروشيوش مؤرخ الروم أنها بنيت لأربعة الاف وخمسمائة سنة من أول العالم على زمن حزقيا بن احاز رابع عشر ملوك بني إسرائيل
وذكر ابن كريون أنها بنيت في زمن داود عليه السلام وبينهما تفاوت كثير في المدة
قال في الروض المعطار وهي من أعظم المدن وأحفلها
يقال إنه كان طولها من الشمال إلى الجنوب عشرين ميلا وعرضها من الشرق إلى الغرب اثني عشر ميلا وقيل دورها أربعون ميلا وقطرها اثنا عشر ميلا وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعا
وقيل اثنان وسبعون ذراعا في عرض اثني عشر شبرا مبني بالحجر وهي في سهل من الأرض تحيط بها الجبال على بعد وبينها وبين البحر الرومي أثنا عشر ميلا ويشقها نهر ينقسم داخلها قسمين ثم يلتقيان اخرها وأرضه مفروشة بالنحاس الأصفر مسافة عشرين ميلا وفي وسطها صحن في صخرة مرتفعة لم يظفر به عدو قط (5/384)
وفي داخلها كنيسة طولها ثلثمائة ذراع وارتفاعها مائتا ذراع لها أربعة أبواب من فضة سبكا واحدا مسقفة بالنحاس الأصفر الملصق بالقصدير وحيطانها ملبسة بصفائح النحاس وبها كنيسة أخرى بها برج طوله في الهواء مائة ذراع وعلى رأس ذلك البرج قبة مبنية بالرصاص وعلى رأس القبة زرزور من نحاس إذا أدرك الزيتون انحشرت إليه الزرازير من الأقطار البعيدة في منقار كل زرزور زيتونة وفي رجليه زيتونتان فيطرحها على ذلك البرج فيعصر ويؤخذ زيته فيستصبح به في الكنيسة جميع السنة
قال وأهل رومية أجبن خلق الله تعالى ومن سنتهم أنهم لا يدفنون موتاهم وإنما يدخلونهم في مغائر ويتركونهم فيها فيستوبيء هواؤهم ويقع الذباب على الموتى ثم يقع على ثمارهم فيفسدها ولذلك هم أكثر بلاد الله تعالى طواعين حتى إن الطاعون يقع فيها ولا يتعداها إلى غيرها فوق عشرين ميلا وجميع أهلها يحلقون لحاهم ويزعمون أن كل من لا يحلق لحيته فليس نصرانيا كاملا زاعمين أن سبب ذلك أن شمعون الصفا والحواريين جاءوهم وهم قوم مساكين ليس مع كل واحد منهم إلا عصا وجراب فدعوهم إلى النصرانية فلم يجيبوهم وأخذوهم فعذبوهم وحلقوا رؤوسهم ولحاهم
فلما ظهر لهم صدق قولهم واسوهم بأن فعلوا بأنفسهم مثل ذلك
ولم تزل رومية هي القاعدة العظمى للروم حتى بنيت القسطنطينية وتحول إليها قسطنطين وصارت قسطنطينية هي دار ملك الروم على ما تقدم ذكره في الكلام عليها مع بقاء رومية عندهم على رفعة المحل وعظم الشأن إلى أن غلب عليها الفرنج وانتزعوها من أيديهم ورفعوا منها قواعدهم واستولوا على ما وراءها من النواحي والبلدان والجزائر كجنوة والبندقية وأقريطش ورودس واسترجعوا كثيرا مما كان المسلمون استولوا عليه من بلاد الروم كغالب الأندلس
ثم حدثت الفتن بينهم وبين الروم بالقسطنطينية وعظمت الفتن بينهم ودامت نحوا من مائة سنة وملك الروم بالقسطنطينية معهم في تناقص حتى إن رجار (5/385)
صاحب جزيرة صقلية صار يغزو القسطنطينية بأساطيله ويأخذ ما يجد في ميناها من سفن التجار وشواني المدينة وانتهى أمره ان جرجا بن ميخائيل صاحب أساطيله دخل إلى مينا القسطنطينية في سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسهام فكان ذلك أنكى على الروم من كل نكاية
ثم تزايد الحال إلى أن استولى الفرنج على القسطنطينية نفسها في اخر المائة السادسة وأوقعوا بأهلها وفتكوا وخربوا على ما تقدم بيانه في الكلام على ملوك القسطنطينية
وبالجملة فرومية اليوم من قواعد الفرنج وهي مقر بابهم الذي هو خليفة النصارى الملكانية وإليه مرجعهم في التحليل والتحريم
ولهذا الباب مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية كما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
وأما الممالك الصغار فسبع ممالك
الأولى مملكة المرا
قال في تقويم البلدان بفتح الميم والراء المهملة وألف
وهي مملكة تبتديء من الخليج القسطنطيني من الغرب على ساحل بحر الروم وتمتد مغربا وتشتمل على قطعة من ساحل بحر الروم وعلى بلاد وجبال خارجة عن البحر
قال وهذه المملكة مناصفة بين صاحب قسطنطينية وبين جنس من الفرنج يقال لهم القيتلان بالقاف والياء الساكنة اخر الحروف والمثناة الفوقية ولام ألف ونون ويقال الكيتلان بإبدال القاف كافا وهذا هو الجاري على ألسنة الناس في النطق بهم (5/386)
الثانية بلاد الملفجوط
قال في تقويم البلدان بفتح الميم وسكون اللام وفتح الفاء وضم الجيم وسكون الواو وطاء مهملة في الاخر
وهم جنس من الروم لهم لسان ينفردون به وبلادهم من أعمال قسطنطينية على ساحل بحر الروم مما يلي مملكة المرا المقدم ذكرها من جهة الغرب في مقابلة مشاريق برقة من البر الاخر على ما تقدم ذكره في الكلام على بحر الروم في أول هذه المقالة
الثالثة بلاد إقلرنس
قال في تقويم البلدان بكسر الهمزة وسكون القاف وكسراللام والراء المهملة وسكون النون وسين مهملة في الاخر
وهي بلاد على ساحل بحر الروم غربي بلاد الملفجوط المقدم ذكرها وشرقي بلاد الباسليسة الاتي ذكرها وهم في مملكة الباسليسة المذكورة
الرابعة مملكة بولية
بضم الباء الموحدة وسكون الواو ولام وياء اخر الحروف وهاء
قال ويقال لها أنبولية أيضا يعني بزيادة همزة في أولها ونون ساكنة بعدها
وهي مملكة على بحر الروم عند فم جون البنادقة من غربيه في مقابل مملكة الباسليسة من بر الجون المذكور من الجهة الشرقية وببولية هذه يعرف الزيت المعروف بالبولية
قال في تقويم البلدان وملك بولية هذه في زماننا يقال له الريدشار
الخامسة بلاد قلفرية
قال في تقويم البلدان بفتح القاف واللام وسكون الفاء وكسر الراء (5/387)
المهملة وفتح المثناة تحت وهاء في الاخر
قال ويقال لها قلورية أيضا بإبدال الفاء واوا
وهي من جملة بولية المقدمة الذكر واقعة في غربيها وشرقي مملكة رومية المتقدمة الذكر وقد تقدم في الكلام على بحر الروم أنه يقابلها طرابلس الغرب في البر الاخر
السادسة بلاد التسقان
قال في تقويم البلدان بضم المثناة الفوقية وسكون السين المهملة وقاف وألف ونون
قال وهم جنس من الفرنج ليس لهم ملك بعينه يحكم عليهم بل لهم أكابر يحكمون بينهم ثم قال وبتلك البلاد يكون نبات الزعفران وقد تقدم في الكلام على البحر الرومي أنه يقابلها مدينة تونس من البر الاخر
السابعة بلاد البيازنة
بفتح الباء الموحدة والياء المثناة تحت وألف ثم زاي معجمة مكسورة ونون مفتوحة وهاء في الاخر
وهم فرقة من الفرنج
وقاعدة ملكهم مدينة بيزة
قال في تقويم البلدان بباء موحدة مكسورة وياء اخر الحروف ساكنة وزاي معجمة يعني وهاء في الاخر
قال وقد تبدل الزاي شينا معجمة
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال والقياس أنها حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة والعرض ست وأربعون درجة وسبع وعشرون دقيقة
وقد ذكر في تقويم البلدان أنها على الركن الشمالي من بلاد الاندلس في مقابل جزيرة سردانية المقدمة الذكر
وهي غربي بلاد رومية وليس لهم ملك وإنما مرجعهم إلى الباب خليفة النصارى وإلى بيزة هذه تنسب الفرنج البيازنة والحديد البيزاني
وقد تقدم في الكلام على البحر الرومي أنه يقابلها من البر الاخر مرسى الخرز (5/388)
القطر الثاني مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة
قال صاحب حماة وهي أرض متسعة في شمالي الاندلس بها ألسن كثيرة مختلفة
وقد ذكر في التعريف أنها في شرق الاندلس ولايصح ذلك إلا أن يريد منها ما هو شرق شمالي الأندلس
ويتعلق الغرض منها بثلاث ممالك
المملكة الأولى مملكة الفرنج القديمة
وقاعدتها مدينة فرنجة بالفاء والراء المهملة المفتوحتين وسكون النون وفتح الجيم وهاء في الاخر وقد تبدل الجيم منها سينا مهملة فيقال فرنسة
ويقال لملكهم ريدإفرنس ومعناه ملك إفرنس والعامة تقول الفرنسيس
وهو الذي قصد ديار مصر وأخذ دمياط وأسره المسلمون ثم أطلقوه
يشير بذلك إلى قضية تاريخية وهي أن الفرنج في سنة خمس عشرة وستمائة وهم مستولون على سواحل الشام يومئذ سار منهم نحو عشرين ملكا من عكا وقصدوا دمياط في أيام الملك العادل أبي بكر بن أيوب رحمه الله وسار العادل من مصر إليهم فنزل مقابلهم وأقاموا على ذلك أربعة أشهر ومات العادل في أثناء ذلك واستقر بعده في الملك ابنه الملك الكامل محمد فوقع في عسكره اختلاف تشاغل به فهجم الفرنج دمياط وملكوها عنوة في سنة ست عشرة وستمائة وطمعوا بذلك في مملكة الديار المصرية فبنى الملك الكامل بلدة عند مفرق النيل الفرقة الذاهبة إلى دمياط والفرقة الذاهبة إلى أشموم طناح وسماها المنصورة ونزلها بعساكره ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة وقد اشتد طمع الفرنج في الديار المصرية وتقدموا عن دمياط إلى المنصورة وضايقوا المسلمين (5/389)
إلى أن سألهم الملك الكامل في الصلح على أن يكون لهم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وسائر ما فتحه السلطان صلاح الدين من سواحل الشأم خلا الكرك والشوبك فأبوا إلا أن يكون لهم الكرك والشوبك أيضا وأن يعطوا مع ذلك ثلثمائة ألف دينار في نظير ما خربوه من سور القدس فاعمل المسلمون حينئذ الحيلة في إرسال فرع من النيل في إبان زيادته حال بين الفرنج وبين دمياط انقطع بسببه الميرة عنهم وأشرفوا على الهلاك وكان اخر أمرهم أن أعرضوا عن جميع ما كانوا سئلوا به من الأماكن المتقدمة الذكر ونزلوا عن دمياط للمسلمين وتسلمها الملك الكامل منهم ثم عاد إلى مصر وبقيت دمياط بيد المسلمين إلى أن قصدها الفرنسيس في خمسين ألف مقاتل ومعه الأدفونش صاحب طليطلة في أيام الملك الصالح أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب في سنة سبع وأربعين وستمائة وهجم دمياط وملكها عنوة وسار الملك الصالح فنزل بالمنصورة وسار الفرنج فنزلوا مقابله ثم قصدوا دمياط فتبعهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف فقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا وأسر الفرنسيس وحبس بالمنصورة بدار الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء ووكل به الطواشي صبيح المعظمي ومات الصالح في أثناء ذلك واستقر ابنه الملك المعظم مكانه في الملك ثم قتل عن قريب وفوض الأمر إلى شجرة الدر زوجة الملك الصالح وقام بتدبير المملكة معها أيبك التركماني ثم تسلم المسلمون دمياط من الفرنسيس وأطلقوه فسار إلى بلاده فيمن بقي معه من جماعته
وفي ذلك يقول جمال الدين يحيى بن مطروح الشاعر (5/390)
( قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصوح )
( أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب أن الزمر يا طبل ريح )
( وكل أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضريح ! )
( خمسين ألفا لا ترى منهم ... غير قتيل أو أسير جريح ! )
( وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح )
( اجرك الله على ما جرى ... أفنيت عباد يسوع المسيح )
( فقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثار أو لقصد صحيح ! )
( دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشي صبيح ! ) - سريع -
وقد تعرض في التعريف للإشارة لهذه الواقعة في الكلام على مكاتبة الأدفونش صاحب طليطلة من الاندلس واقتصر من هذه الأبيات على الأول والأخير فقط
المملكة الثانية مملكة الجلالقة
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وهم أمة كالبهائم يغلب عليهم الجهل والجفاء
ومن زيهم أنهم لا يغسلون ثيابهم بل يتركونها عليهم إلى أن تبلى ويدخل أحدهم دار الاخر بغير إذن
قال وهم أشد من الفرنج ولهم بلاد كثيرة شمالي الاندلس ونسبتهم إلى مدينة لهم قديمة تسمى جليقية
قال في اللباب بكسر الجيم واللام المشددة وبعدها ياء اخر الحروف وقاف
قال في تقويم البلدان ثم ياء ثانية وهاء
وقاعدتها مدينة سمورة بسين مهملة وميم مشددة مضمومة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الاخر
وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن (5/391)
سعيد حيث الطول عشر درج والعرض ست وأربعون درجة
قال في اللباب وهي من بلاد الروم المتاخمة للأندلس وكأنه يريد أنها كانت للروم أولا
قال في تقويم البلدان وعن بعضهم انها مدينة جليلة معظمة عندهم قال ابن سعيد وهي قاعدة جليقية أكبر مدن الفنش في جزيرة بين فرعين من نهر يعرف بها
قال وكان المسلمون قد ملكوها ثم استرجعها الجلالقة زمن الفتنة ونهرها يصب في البحر المحيط الغربي حيث الطول خمس درج وثلاثون دقيقة من الجزائر الخالدات والعرض ست وأربعون درجة
المملكة الثالثة مملكة اللنبردية
قال في تقويم البلدان باللام المشددة المضمومة والنون الساكنة والباء الموحدة المفتوحة والراء المهملة الساكنة والدال المهملة والياء المثناة التحتية والهاء
قال ويقال لها النوبردية والأنبردية
وموقعها في أول الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد حيث الطول ثلاثون درجة وسبع وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وأربعون درجة وخمسون دقيقة
قال في تقويم البلدان وهي ناحية من الأرض الكبيرة وبلادها تحيط بها جبال إلى حد جنوة قال وملكها في زماننا صاحب القسطنطينية ورثها من خاله المركيش
ثم قال وغربي هذه البلاد الريدراقون بكسر الراء المهملة وسكون المثناة التحتية ثم دال مهملة وراء مهملة وألف وقاف مضمومة وواو ونون في الاخر
ومعناه ملك راقون وقد تبدل القاف غينا معجمة
فيقال ريدراغون وهو الموجود في مكاتبات أهل الأندلس وهدنهم (5/392)
الجهة الثانية ما شمالي مدينة القسطنطينية وبحر نيطش إلى نهاية المعمور في الشمال
ويشتمل على عدة ممالك وبلاد
منها بلاد الجركس قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه وهم على بحر نيطش من شرقيه وهم في شظف من العيش
قال والغالب عليهم دين النصرانية
قلت وقد جلب منهم الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية المماليك أيام سلطنته ما يربو على العدد حتى صار منهم معظم جند الديار المصرية وصار بهم جمال مواكبها والملك باق فيهم بالديار المصرية إلى الان
ومنها بلاد الاص بفتح الهمزة الأولى والثانية وصاد مهملة في الاخر وهم طائفة وبلادهم على بحر نيطش
وقاعدتهم مدينة قرقر
قال في تقويم البلدان بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية وكسر الراء المهملة في الاخر
وموقعها في الشمال عن الإقليم السابع أو في اخره
قال والقياس انها حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمسون درجة
وهي قلعة عاصية منيعة في جبل لا يقدر أحد على الطلوع إليه وفي وسط الجبل وطاءة تسع أهل تلك البلاد
وعندها جبل عظيم شاهق يقال له جاطر طاغ يظهر لأهل السفن من بحر القرم
وهي في شمالي صاري كرمان على نحو يوم منها (5/393)
ومنها بلاد البرغال بضم الموحدة وسكون الراء وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام في الاخر
ويقال لهم أولاق أيضا بقاف في الاخر
وقاعدتهم مدينة طرنو
قال في تقويم البلدان بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الاخر وموقعها في الإقليم السابع
قال والقياس أنها حيث الطول ست وأربعون درجة وثلاثون دقيقة والعرض خمسون درجة
وهي غربي صقجي على ثلاثة أيام وأهلها كفار
قال بعض المسافرين وهي على خور البرغال
ومنها بلاد البلغار والسرب وهما طائفتان على بحر نيطش
فأما البلغار فبضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين العجمة وألف ثم راء مهملة
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه وهم منسوبون إلى المدينة التي يسكنونها وقد سماها في كتابه تقويم البلدان بلار بضم الباء وفتح اللام وألف وراء مهملة في الاخر
ثم قال ويقال لها بالعربية بلغار
وأما السرب فبفتح السين وسكون الراء المهملتين وباء موحدة في الاخر وهم في مملكة صاحب البلغار
وقاعدة ملكهم مدينة بلغار المذكورة وموقعها في الشمال عن الإقليم السابع من الأقاليم السبعة
قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة
قال وهي بلدة في نهاية العمارة الشمالية قريبة من شط إثل من الجانب الشمالي الشرقي وهي وصراي في بر واحد وبينهما فوق عشرين مرحلة وهي في وطاءة والجبل عنها أقل من يوم وبها ثلاث حمامات ولا يكون بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه من العنب وغيره لشدة بردها وبها الفجل الأسود في غاية الكبر قال المؤيد صاحب حماة وحكى لي بعض أهلها أن في أول فصل الصيف لا يغيب الشفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر
ثم قال وهذا الذي حكاه صحيح موافق لما يظهر بالأعمال الفلكية لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء (5/394)
عدم غيبوبة الشفق في أول فصل الصيف وعرضها أكثر من ذلك فصح ذلك على كل تقدير
وقد حكى في مسالك الأبصار عن حسن الرومي عن مسعود الموقت بها أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصف تحريرا وأنهم جربوه بالالات الرصدية فوجدوه كذلك
قال صاحب حماة في تاريخه وكان الغالب عليهم النصرانية ثم أسلم منهم جماعة
وذكر في تقويم البلدان أن أهلها مسلمون حنفية وذكر المسعودي في مروج الذهب أنه كان بالسرب والبلغار دار إسلام من قديم
قال في مسالك الأبصار أما الان فقد تبدلت بإيمانها كفرا وتداولها طائفة من عباد الصليب ووصلت منهم رسل إلى صاحب مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بكتاب من صاحب السرب والبلغار يعرض نفسه على مودته ويسأله سيفا يتقلده وسنجقا يقهر أعداءه به فأكرم رسوله وأحسن نزله وجهز له معه خلعة كاملة طرد وحش بقصب بسنجاب مقندس على مفرج إسكندري وكلوته زركش وشاش بطرفين رقم ومنطقة ذهب وكلاليب كذلك وسيف محلى وسنجق سلطاني أصفر مذهب قال في التعريف وجهز له أيضا الخيل المسرجة الملجمة
وربما أنه يظهر لصاحب السراي الانقياد والطاعة
قال في مسالك الأبصار وذلك لعظمة سلطانه عليهم وأخذه بخناقهم لقربهم منه
ولصاحب السرب والبلغار مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية
ومنها بلاد أفتكون بألف وفاء وتاء مثناة ثم كاف وواو ونون
وهي بلاد تلي بلاد البلغار في جهة الشمال
وقاعدتهم مدينة تسمى قصبة أفتكون والقصبة في مصطلحهم المدينة الصغيرة
قال في مسالك الأبصار وبينها وبين البلغار مسافة عشرين يوما (5/395)
بالسير المعتاد وحكي عن مسعود الموقت بالبلغار أنه حرر ليلها فوجد أقصر ليلها ثلاث ساعات ونصف أقصر من ليل البلغار بساعة واحدة
ومنها بلاد الصقالبة بفتح الصاد المهملة والقاف وألف وكسر اللام وفتح الباء الموحدة وهاء في الاخر
ويقال لبعض بلادها بلاد سبراوير
وهي تلي بلاد أفتكون في جهة الشمال قال في مسالك الأبصار وهي بلاد شديدة البرد لا يفارقها الثلج مدة ستة أشهر لا يزال يسقط على جبالهم وبيوتهم ولهذا تقل المواشي عندهم
وحكى عن الفاضل شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن منها يجلب السمور والسنجاب ثم قال وليس بعدهم في العمارة شيء
وذكر أنه جاء جده فتيا من بعض أهلها يسأل فيها كيف تكون صلاة أهل بلد لا يغيب عندهم الشفق حتى يطلع الصبح لسرعة انقضاء الليل وهذا ظاهر في أن هذه البلاد مسلمون أو فيهم المسلمون
ومنها بلاد جولمان بجيم وواو ولام ثم ميم وألف ونون
وهي تلي بلاد سبراوير المقدمة الذكر في جهة الشمال
وهي على مثل حال بلاد سبراوير في شدة البرد وكثرة الثلج وأشد من ذلك
قال في مسالك الأبصار قال حسن الرومي وهؤلاء هم سكان قلب الشمال والواصل إليهم من الناس قليل والأقوات عندهم قليلة حتى يحكى عنهم أن الإنسان منهم يجمع عظام أي حيوان كان ثم يغلي عليه بقدر كفايته ثم يتركها وبعد سبع مرات لا يبقى فيها شيء من الودك
قال وهم مع ضيق العيش ليس في أجناس الرقيق أنعم من أجسامهم ولا أحسن من بياضهم وصورتهم تامة الخلقة في حسن وبياض ونعومة عجيبة ولكنهم زرق العيون
وإذا سافر المسافر من جولمان إلى جهة الشرق وصل إلى مدينة قراقوم قاعدة القان الكبير القديمة
قال وهي من بلاد الصين وإذا سافر منها إلى جهة الغرب وصل إلى بلاد الروس ثم إلى بلاد الفرنج (5/396)
ومنها بلاد الروس بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الاخر
قال في مسالك الأبصار وهي بلاد واغلة في الشمال في غربي بلاد جولمان المقدمة الذكر
قال صاحب حماة في تاريخه ولهم جزائر أيضا في بحر نيطش
ومنها بلاد الباشقرد قال صاحب حماة في تاريخه وهم أمة كبيرة ما بين بلاد الباب وبلاد فرنجة
قال وغالبهم نصارى وفيهم مسلمون وهم شرسو الأخلاق
قال في مسالك الأبصار وهي مصاقبة لبلاد جولمان ثم قال وفي باشقرد قاض مسلم معتبر
ومنها بلاد البرجان بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وألف ونون وقد تبدل الجيم شينا
قال صاحب حماة في تاريخه وهم أمم كثيرة طاغية قد فشا فيهم التثليث
قال وبلادهم واغلة في الشمال وأخبارهم وسير ملوكهم منقطعة عنا لبعدهم وجفاء طباعهم وقد تقدم أن البرجان غلب على مكانهم الألمانية فيحتمل أنهم هؤلاء ويحتمل أنهم طائفة أخرى منهم غير هؤلاء
ومنها بلاد بمخ بباء موحدة وميم ثم خاء معجمة
قال في مسالك الأبصار وهي بلاد مشتركة بين بلاد الروس والفرنج
ومنها بلاد بوغزة بباء موحدة ثم واو وغين وزاي ثم هاء في الاخر
قال في مسالك الأبصار قال الشيخ علاء الدين بن النعمان الخوارزمي وهي بلاد في أقصى الشمال وليس بعدها عمارة غير برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية ليس وراءه مذهب إلا الظلمات وهي صحار وجبال لا يفارقها الثلج والبرد ولا تطلع عليها الشمس ولا ينبت فيها نبات ولا يعيش فيها حيوان أصلا متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر والغيم منعقد عليه ولا تطلع عليه الشمس أبدا
قال ابن النعمان ويقال إن الاسكندر مر بأطراف أوائل جبال الظلمات الغربية من العمارة فرأى فيه أناسا من جنس الترك أشبه شيء بالوحوش لا يعرف أحد بلغتهم وإذا أمسكهم أحد فروا من يده يأكلون من نبات الجبال المجاورة (5/397)
لهم فإذا أقحطوا أكل بعضهم بعضا فمر بهم ولم يعترضهم
واعلم أنه قد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ علاء الدين بن النعمان أن التجار المترددين إلى بلاد الديار المصرية لا يتعدون في سفرهم بلاد البلغار ثم يرجعون من هناك ثم تجار بلغار يسافرون منها إلى بلاد جولمان وتجار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزة التي ليس بعدها عمارة
وقد ذكر في تقويم البلدان أن شمالي بلاد الروس مما هو متصل بالبحر المحيط الشمالي قوما يبايعون مغايبة
وذكر عن بعض من سافر إلى تلك البلاد أنه إذا وصل التجار إلى تخومهم أقاموا حتى يعلموا بهم ثم يتقدمون إلى مكان معروف عندهم بالبيع والشراء فيضع كل تاجر بضاعته ويعلمها بعلامة ثم يرجعون إلى منازلهم ثم يحضر أولئك القوم ويضعون مقابل تلك البضائع السمور والوشق والثعلب وما شاكل ذلك ويدعونه ويمضون ثم يحضر التجار من الغد فمن أعجبه ذلك أخذه وإلاتركه حتى يتفاصلوا على الرضا
وقد تقدم ذكر مثل ذلك عن قوم بالهند وعن قوم ببلاد السودان في الكلام على مملكة مالي
قلت وقد تقدم في الكلام على مملكة خوارزم والقبجاق من مملكة التورانيين في القسم الثاني منها أن الجركس والروس والاص أهل مدن عامرة اهلة وجبال مشجرة مثمرة ينبت عندهم الزرع ويدر الضرع وتجري الأنهار وتجنى الثمار ولا طاقة لهم بسلطان تلك البلاد
وإن كان فيهم ملوك فهم كالرعايا لصاحب السراي إن داروه بالطاعة والتحف والطرف كف عنهم وإلا شن عليهم الغارات وضايقهم وحاصرهم (5/398)
المقالة الثالثة
في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات وغيرهما من الأسماء والكنى والألقاب ومقادير قطع الورق وما يناسب كل مقدار منها من الأقلام ومقادير البياض في أول الدرج وحاشيته ومقدار بعد ما بين السطور في الكتابات وبيان المستندات التي يصدر عنها ما يكتب من ديوان الإنشاء بهذه المملكة من مكاتبات وولايات وكتابة الملخصات وكيفية تعيين صاحب الديوان لها وبيان الفواتح والخواتم وفيه أربعة أبواب
الباب الأول في الأسماء والكنى والألقاب وفيه فصلان
الفصل الأول في الأسماء والكنى وفيه طرفان
الطرف الأول في الأسماء
والاسم عند النحاة ما دل على مسمى دلالة إشارة واشتقاقه من السمة وهي العلامة لأنه يصير علامة على المسمى يميزه عن غيره أو من السمو لأن الاسم يعلو المسمى باعتبار وضعه عليه
ثم المراد هنا بالاسم أحد أقسام الكلم وهو ما ليس بكنية ولا لقب وفيه جملتان (5/399)
الجملة الأولى في أصل التسمية والمقصود منها وتنويع الأسماء وما يستحسن منها وما يستقبح
أما أصل التسمية فهي لا تخرج عن أمرين
أحدهما أن يكون الاسم مرتجلا بأن يضعه الواضع على المسمى ابتداء كأدد اسم رجل وسعاد اسم امرأة فإنهما ليسا بمسبوقين بالوضع على غيرهما والرجوع في معرفة ذلك إلى النقل والاستقراء
والثاني أن يكون الاسم منقولا عن معنى اخر كاسد إذا سمي به الرجل نقلا عن الحيوان المفترس وزيد إذا سمي به نقلا عن معنى الزيادة وما أشبه ذلك
وهذا هو أكثر الأسماء الأعلام وقوعا والرجوع في معرفته إلى النقل والاستقراء أيضا كما تقدم في المرتجل
وأما المقصود من التسمية فتمييز المسمى عن غيره بالاسم الموضوع عليه ليتعرف
وأما تنويع الأسماء فيختلف باختلاف المسمين وما يدور في خزائن خيالهم مما يألفونه ويجاورونه ويخالطونه
فالعرب أكثر أسمائهم منقولة عما لديهم مما يدور في خزائن خيالهم إما من أسماء الحيوان كبكر وهو ولد الناقة وأسد وهو الحيوان المفترس المعروف وإما من أسماء النبات كحنظلة وهو اسم الواحدة الحنظل الذي هو النبات المعروف من نبات البادية وطلحة وهو اسم لشجرة من شجر الغضى وعوسجة وهو اسم لشجرة من شجر البادية
وإما من أجزاء الأرض كحزن وهو الغليظ من الأرض وصخر وهو الصلد من الحجارة وإما من أسماء الزمان (5/400)
كربيع وهو أحد فصول السنة الأربعة
وأما من أسماء النجوم كسماك اسم لنجم معروف
وإما من أسماء الفاعلين كحارث فاعل من الحرث وهمام فاعل من هم أن يفعل كذا إلى غير ذلك من المنقولات التى لا تحصى
وكان من عادتهم أن يختاروا لأبنائهم من الأسماء ما فيه البأس والشدة ونحو ذلك كمحارب ومقاتل ومزاحم ومدافع ونحو ذلك ولمواليهم ما فيه معنى التفاؤل كفرح ونجاح وسالم ومبارك وما أشبهها ويقولون أسماء أبنائنا لأعدائنا وأسماء موالينا لنا وذلك أن الإنسان أكثر ما يدعو في ليله ونهاره مواليه للاستخدام دون أبناءه فإنه إنما يحتاج إليهم في وقت القتال ونحوه
والترك راعوا في أسمائهم ما يدل على الجلادة والقوة مما يألفونه ويجاورونه وغالب ما يسمون باسم بغا ومعناه بلغتهم الفحل إما مفردا كما تقدم وهو قليل وإما موصوفا بحيوان من الحيوانات مقدمين الصفة على الموصوف على قاعدة لغتهم في ذلك كطيبغا بمعنى فحل مهر
وإما بمعدن من المعادن كالطنبغا بمعنى فحل ذهب ولمشبغا بمعنى فحل فضة وتمربغا بمعنى فحل حديد
وربما أبدل اسم الفحل باسم الحديد واسمه بلغتهم دمركبي دمر بمعنى أمير حديد وطي دمر بمعنى مهر حديد
وربما أفردوا الاسم بالوصف كدمر بمعنى حديد وأرسلان بمعنى أسد وتنكز بمعنى بحر ونحو ذلك إلى غير ذلك من المفردات والمركبات التي لا يأخذها حصر
وكذلك كل أمة من أمم الأعاجم تراعي في التسمية ما يدور في خزانة خيالها مما يخالطونه ويجاورونه (5/401)
وأما الأمم المتدينة فإنهم راعوا في أسمائهم التسمية بأسماء أنبيائهم وصحابهم
فالمسلمون تسموا باسمي النبي الواردين في القرآن وهما محمد وأحمد إذ يقول تسموا باسمي
وكذلك تسموا باسم غيره من الأنبياء عليهم السلام إما بكثرة كإبراهيم وموسى وهارون وإما بقلة كادم ونوح ولوط
وأخذوا بوافر حظ من أسماء الصحابة رضوان الله عليهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحسن وحسين وما أشبه ذلك
والنصارى تسموا باسم عيسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام ممن يعتقدون نبوته كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وكذلك أسماء الحواريين كبطرس ويوحنا وتوما ومتى ولوقا وسمعان وبرتلوما وأندراوس ونحوها كمرقص وبولص وغيرهما
واليهود تسموا باسم موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء الذين يعتقدون نبوتهم كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ولم يتسموا باسم عيسى عليه السلام لإنكارهم نبوته
وإما ما يستحسن من الأسماء فما وردت الشريعة بالندب إلى التسمية به كأسماء الأنبياء عليهم السلام وعبد الله وعبد الرحمن ففي سنن أبي داود والترمذي من رواية أبي وهب الجشمي أن النبي قال ( تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة )
وأما ما يستقبح فما وردت الشريعة بالنهي عنه إما لكراهة لفظه كحرب ومرة وإما للتطير به كرباح وأفلح ونجيح وراجح ورافع ونحوها
ففي (5/402)
صحيح مسلم وغيره النهي عن التسمية بمثل ذلك معللا بأنك تقول أثم هو فيقال لا وإما لعظمة فيه كالتسمية بشاهنشاه ومعناه بالفارسية ملك الأملاك
ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة أنه أخنع اسم
وقد ورد في جامع الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يغير الاسم القبيح
الجملة الثانية في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات
أما المكاتبات فالأسماء التي تذكر فيها على أربعة أنواع
النوع الأول اسم المكتوب عنه
وذكره إنما يقع في المكاتبات في موضع الخضوع والتواضع إذ من شأن المكتوب عنه ذلك وله محلان
المحل الأول في نفس المكاتبة وذلك فيما إذا كانت المكاتبة بصورة من فلان إلى فلان كما كان يكتب عن النبي من محمد رسول الله إلى فلان وكما كان يكتب عن الخلفاء من عبد الله فلان أمير المؤمنين إلى فلان وكما يكتب الان في المكاتبات السلطانية إلى ملوك المغرب وما يكتب عنهم إلى الأبواب السلطانية ونحو ذلك
المحل الثاني العلامة في المكاتبات كما يكتب المملوك فلان أو أخوه فلان أو شاكره فلان أو فلان فقط ونحو ذلك على اختلاف المراتب الاتية على ما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى
النوع الثاني اسم المكتوب إليه وله محلان
المحل الأول ابتداء المكاتبة كما يكتب في بعض المكاتبات من فلان إلى فلان أو إلى فلان من فلان ونحو ذلك وكما يكتب في مكاتبات القانات (5/403)
فلان خان وكما يذكر اسم ملوك الكفر في مكاتباتهم عن الأبواب السلطانية ونحو ذلك
وفيما عدا ذلك من المكاتبات المصدرة بالتقبيل والدعاء وغيرهما من المصطلح عليه في زماننا وما قاربه لا يصرح باسم المكتوب إليه غالبا تعظيما له عن التفوه بذكره إذ ترك التصريح بالاسم دليل التعظيم والتوقير والتبجيل بخلاف الكنية واللقب فإنهما بصدد التعظيم للملقب أو المكني على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى ولذلك لم يخاطب الله تعالى نبيه محمدا في كتابه العزيز باسمه تشريفا لمقامه ورفعة لمحله فلم يقل يا محمد ويا أحمد كما قال يا ادم يا نوح يا إبراهيم يا موسى يا عيسى
بل قال ( يأيها الرسول يأيها النبي ) وقد صرح أصحابنا الشافعية وغيرهم أنه لا يجوز نداؤه باسمه احتجاجا بالاية الكريمة
وفي كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي رأى رجلا معه غلام فقال للغلام من هذا قال أبي قال فلا تمش أمامه ولا تستسب له ولا تجلس قبله ولا تدعه باسمه
المحل الثاني العنوان من الأدنى إلى الأعلى
كما يكتب في عنوان بعض المكاتبات مطالعة المملوك فلان على ما سيأتي في الكلام على العنوان
وإذا كان من تعظيم المخاطب أن لا يخاطب باسمه فكذلك في مكاتبتة لأن المكاتبة الصادرة إلى الشخص قائمة مقام خطابه بل المكاتبة أجدر بالتعظيم لاصطلاحهم في القديم والحديث على ذلك
النوع الثالث اسم المكتوب بسببه
وهو مما لا نقص فيه بسبب ذكره إذ لا بد من التصريح باسمه ليعرف اللهم إلا أن يشتهر حتى تغني شهرته عن ذكر اسمه وله محلان
المحل الأول في الطرة بأن يقال هذا ما عهد به فلان إما الخليفة في (5/404)
عهده بالخلافة أو السلطنة أو السلطان في عهده بالسلطنة على ما سيأتي بيانه
وفي معنى ذلك البيعات بأن يقال مبايعة شريفة لفلان ونحو ذلك
المحل الثاني صدر الولاية حيث يقال هذا ما عهد عبد الله ووليه فلان أو من عبد الله ووليه فلان ونحو ذلك على اختلاف المذاهب في الابتداء على ما سيأتي
النوع الرابع اسم من تصدر إليه الولاية وله محلان
المحل الأول في الطرة إما في العهود حيث يقال
هذا ما عهد فلان إلى فلان
وإما في التقاليد والتواقيع والمراسيم حيث يقال أن يفوض إلى فلان أو أن يستقر فلان أو أن يرتب فلان
المحل الثاني أثناء الولاية حيث يقال أن يفوض إلى فلان أو أن يستقر فلان أو أن يرتب فلان على نظير ما في الطرة أما المولى عليه فقل أن يذكر كما في التحدث على شخص معين ونحوه
الطرف الثاني في الكنى
والكنية عند النحاة أحد أقسام العلم أيضا والمراد بها ما صدر بأب أو أم مثل أبي القاسم وأم كلثوم وما أشبه ذلك
وقد كان للعرب بالكنى أتم العناية حتى إنهم كنوا جملة من الحيوان بكنى مختلفة فكنوا الأسد بأبي الحارث والثعلب بأبي الحصين والديك بأبي سليمان وكنوا الضبع بأم عامر والدجاجة بأم حفصة والجرادة بأم عوف ونحو ذلك وفيه ثلاث جمل (5/405)
الجملة الأولى في جواز الكنية وهي على نوعين
النوع الأول كنى المسلمين
قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله في كتابه الأذكار وجواز التكني أشهر من أن نذكر فيه شيئا منقولا فإن دلائله يشترك فيها الخواص والعوام
قال والأدب أن يخاطب أهل الفضل ومن قاربهم بالكنية وكذلك إن كتب إليه رسالة أو روى عنه رواية
فيقال حدثنا الشيخ أو الإمام أبو فلان فلان بن فلان وما أشبهه
واعلم أن الأولين أكثر ما كانوا يعظمون بعضهم بعضا في المخاطبات ونحوها بالكنى ويرون ذلك في غاية الرفعة ونهاية التعظيم حتى في الخلفاء والملوك فيقال أبو فلان فلان وبالغوا في ذلك حتى كنوا من اسمه في الأصل كنية فقالوا في أبي بكر أبو المناقب اعتناء بشأن الكنية وربما وقف الأمر في الزمن القديم في تكنية خاصة الخليفة وأمرائه على ما يكنيه به الخليفة فيكون له في الرفعة منتهى ينتهي إليه ثم رجع أمرهم بعد ذلك إلى التعظيم بالألقاب
على أن التعظيم بالكنى باق في الخلفاء والملوك فمن دونهم إلى الان على ما ستقف عليه في مواضعه إن شاء الله تعالى وكذلك القضاة والعلماء بخلاف الأمراء والجند والكتاب فإنه لا عناية لهم بالتكني
ثم لا فرق في جواز التكني بين الرجال والنساء فقد كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تكنى بأم عبد الله وكذلك غيرها من نساء الصحابة والتابعين كان لهن كنى يكتنين بها
النوع الثاني كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين
قال النووي والكافر والفاسق والمبتدع إن كان لا يعرف إلا بالكنية جاز (5/406)
تكنيته
قال تعالى ( تبت يدا أبي لهب ) واسمه عبد العزى قيل إنه ذكر تكنيته لكونه كان لا يعرف إلا بها وقيل كراهة لاسمه حيث جعل عبدا للصنم وقد تكرر في الحديث ذكر أبي طالب بكنيته واسمه عبد مناف
وفي الصحيح أنه صلى الله عليه و سلم لما مر بأرض الحجر من الشأم قال هذا قبر أبي رغال لعاقر الناقة من قوم ثمود
قال وكذلك إذا خيف من ذكره باسمه فتنة كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ركب على حمار ليعود سعد بن عبادة رضي الله عنه فمر في طريقه على عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق وما كان من بذاءته على النبي حين مر عليه وأن النبي سار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال النبي ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي ابن سلول قال كذا وكذا
وذكر الحديث
قال فإن كان يعرف بغير الكنية ولم تخف فتنة لم يزد على الاسم كما ثبت في الصحيحين أن النبي كتب من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل فسماه باسمه ولم يكنه ولا لقبه بملك الروم
قال ونظائر هذا كثيرة وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم ولا ينبغي لنا أن نكنيهم ولا نرفق بهم ولا نلين لهم قولا ولا نظهر لهم ودا ولا مؤالفة
الجملة الثانية فيما يكنى به وهو على نوعين
النوع الأول كنى الرجال ولها حالان
الحال الأول أن يكون للرجل ولد أو أولاد
قال النووي فإن كان له ولد (5/407)
يكنى به ولا فرق في ذلك بين أن يكون الولد ذكرا أو أنثى فيجوز تكنية الرجل بأبي فلانة كما يجوز بأبي فلان
فقد تكنى جماعة من أفاضل السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم بأبي فلانة فمن الصحابة أبو ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو فاطمة الليثي وأبو مريم الأزدي وأبو رقية تميم الداري وأبو زرعة المقداد بن معدي كرب
ومن التابعين أبو عائشة مسروق بن الأجدع وخلائق لا يحصون
وإن كان له أولاد يكنى بأكبرهم فقد كان النبي يكنى بأبي القاسم وكان القاسم أكبر بنيه
وفي سنن أبي داود والنسائي عن شريح الحارثي أنه وفد على رسول الله مع قومه فسمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه رسول الله فقال إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنى أبا الحكم فقال إن قومي اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين فقال رسول الله ما أحسن هذا فما لك من الولد قال شريح ومسلم وعبد الله قال فمن أكبرهم قال شريح قال فأنت أبو شريح
فلو تكنى بغير أولاده فلا بأس به قاله النووي
ثم قال وهذا الباب واسع لا يحصى من يتصف به
وقد اختلف في جواز التكني بأبي القاسم فنص الشافعي رضي الله عنه إنه لا يجوز التكني بذلك مطلقا لما ورد أنه قال تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي وذهب ذاهبون إلى تخصيص ذلك بحياته احتجاجا بأن المنع فيه كان لعلة وهي أن اليهود كانوا ينادون يا أبا القاسم فإذا التفت النبي قالوا لم نعنك قصدا لإيذائه وقد زالت هذه العلة بوفاته واختاره النووي من أصحابنا الشافعية
وذهب اخرون إلى تخصيص المنع بما إذا جمع لواحد بين الاسم والكنية بأن يتسمى محمدا ويتكنى بأبي القاسم بخلاف ما إذا لم يكن اسمه محمدا فإنه يجوز وهو وجه قوي
الحال الثاني أن لا يكون للرجل ولد بأن لم يولد له ولد أصلا قال (5/408)
النووي فيجوز تكنيته حتى الصغير
ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال الراوي أحسبه فطيما وكان النبي إذا جاء يقول يا أبا عمير ما فعل النغير لنغير كان يلعب به
قال النووي وكان من الصحابة رضوان الله عليهم جماعات لهم كنى قبل أن يولد لهم كأبي هريرة وخلائق لا يحصون من التابعين فمن بعدهم
قال ولا كراهة فيه بل هو محبوب بشرطه
واعلم أن الرجل قد يكون له كنيتان فأكثر فقد كان لأمير المؤمنين عثمان ابن عفان رضي الله عنه ثلاث كنى أبو عمرو وأبو عبد الله وأبو ليلى
النوع الثاني كنى النساء
والحال فيه أنه إن كان للمرأة ولد تكنت به ذكرا أو أنثى كما تقدم في الرجل
وإن كان لها أولاد تكنت بأكبرهم مع جواز الكنية بغير أولادها كما في الرجل أيضا
قال النووي ويجوز تكنيتها ولو لم يولد لها ففي سنن أبي داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله كل صواحبي لهن كنى قال فاكتني بابنك عبد الله يعني عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها أسماء وكانت عائشة رضي الله عنها تكنى أم عبد الله - بأسانيد صحيحة - قال هذا هو الصحيح المعروف
وما رواه ابن السني عن عائشة أنها قالت أسقطت من النبي سقطا فسماه عبد الله فحديث ضعيف
ثم كما تجوز تكنية الرجل بأبي فلانة يجوز تكنية المرأة بأم فلانة من باب أولى
الجملة الثالثة في التكني في المكاتبات والولايات
فأما الكنية في المكاتبات فعلى ثلاثة أنواع (5/409)
النوع الأول تكني المكتوب عنه
قال محمد بن عمر المدايني في كتاب القلم والدواة أول من اكتنى في كتبه الوليد بن عبد الملك
قال النووي في الأذكار والأدب أن لا يذكر الرجل كنيته في كتابه ولا في غيره إلا أن لا يعرف إلا بكنيته أو كانت الكنية أشهر من اسمه
وقال أبو جعفر النحاس إذا كانت الكنية أشهر يكنى على نظيره ويسمى لمن فوقه ثم يلحق المعروف أبا فلان أو بأبي فلان
ثم الكنية من المكتوب عنه قد تكون في صدر الكتاب كما يكتب عن الخلفاء من عبد الله ووليه أبي فلان فلان أمير المؤمنين أو في موضع العلامة كما يكتب في الطغراة من السلطان لملوك الكفر بعد سياقه ألقاب السلطان أبو فلان فلان أو في العنوان كما كان يكتب في المصطلح القديم من أبي فلان فلان إلى فلان
النوع الثاني تكنية المكتوب إليه
وبه كان الاعتناء في الزمن المتقدم لا سيما إذا كان المكتوب إليه ممن يستحق التعظيم بالتكنية
وكنية المكتوب إليه تارة تكون في عنوان الكتاب كما يكتب إلى أبي فلان فلان وتارة تكون في صدر الكتاب كما كان يكتب من فلان إلى أبي فلان فلان
النوع الثالث تكنية المكتوب بسببه
وهي تارة تذكر في طرة الكتاب فيقال فيمن قصد تعظيمه بما قصده أبو فلان فلان واستعماله قليل
وتارة تذكر في أثناء الكتاب حيث يجري ذكره
وأما الكنية في الولايات فلها محلان (5/410)
أحدهما في طرة الولاية حيث يقال عهد شريف لأبي فلان فلان أو تقليد شريف بأن يفوض إلى أبي فلان فلان
والثاني في أثناء الولايات حيث يجري ذكره على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (5/411)
الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثالثة في الألقاب وفيه طرفان
الطرف الأول في أصول الألقاب وفيه جملتان
الجملة الأولى في معنى اللقب والنعت وما يجوز منه ويمتنع
أما اللقب فأصله في اللغة النبز بفتح الباء
قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب والنبز ما يخاطب به الرجل الرجل من ذكر عيوبه وما ستره عنده أحب إليه من كشفه وليس من باب الشتم والقذف
وأما النعت فأصله في اللغة الصفة
يقال نعته ينعته نعتا إذا وصفه
قال في ذخيرة الكتاب وهو متفق على أنه ما يختاره الرجل ويؤثره ويزيد في إجلاله ونباهته بخلاف اللقب
قال لكن العامة استعملت اللقب في موضع النعت الحسن وأوقعوه موقعه لكثرة استعمالهم إياه حتى وقع الاتفاق والاصطلاح على استعماله في التشريف والإجلال والتعظيم والزيادة في النباهة والتكرمة
قلت والتحقيق في ذلك أن اللقب والنعت يستعملان في المدح والذم جمعيا فمن الألقاب والنعوت ما هو صفة مدح ومنها ما هو صفة ذم
وقد عرفت النحاة اللقب بأنه ما أدى إلى مدح أو ذم فالمؤدي إلى المدح كأمير المؤمنين وزين العابدين والمؤدي إلى الذم كأنف الناقة وسعيد كرز وما أشبه ذلك (5/412)
والنعت تارة يكون صفة مدح وتارة يكون صفة ذم ولا شك أن المراد هنا من اللقب والنعت ما أدى إلى المدح دون الذم
وقد اصطلح الكتاب على ان سموا صفات المدح التي يوردونها في صدور المكاتبات ونحوها بصيغة الإفراد كالأمير والأميري والأجل والأجلي والكبير والكبيري ونحو ذلك ألقابا وصفات المدح التي يوردونها على صورة التركيب كسيف أمير المؤمنين وظهير الملوك والسلاطين ونحو ذلك نعوتا ولا معنى لتخصيص كل واحد منهما بالاسم الذي سموه به إلا مجرد الاصطلاح ولا نزاع في إطلاق اللقب والنعت عليهما باعتبارين فمن حيث إنها صفات مؤدية إلى المدح يطلق عليها اسم اللقب ومن حيث إنها صفات لذوات قائمة بها يطلق عليها اسم النعت
وأما ما يجوز من ذلك ويمتنع فالجائز منه ما أدى إلى المدح مما يحبه صاحبه ويؤثره بل ربما استحب كما صرح به النووي في الأذكار للإطباق على استعماله قديما وحديثا
والممتنع منه ما أدى إلى الذم والنقيصة مما يكرهه الإنسان ولا يحب نسبته إليه
قال النووي وهو حرام بالاتفاق سواء كان صفة له كالأعمش والأجلح والأعمى والأحول والأشج والأصفر والأحدب والأصم والأزرق والأشتر والأثرم والأقطع والزمن والمقعد والأشل وما أشبه ذلك
أو كان صفة لأبيه كابن الأعمى أو لأمه كابن الصوراء ونحو ذلك مما يكرهه قال تعالى ( ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) قال واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك ودلائل ذكره كثيرة مشهورة وهو أحد المواضع التي تجوز فيها الغيبة (5/413)
الجملة الثانية في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدية إلى المدح
واعلم أن القاب المدح ونعوته لم تزل واقعة على أشراف الناس وجلة الخلق في القديم والحديث فقد ثبت تلقيب إبراهيم عليه السلام ب الخليل وتلقيب موسى عليه السلام ب الكليم وتلقيب عيسى عليه السلام ب المسيح وتلقيب يونس عليه السلام ب ذي النون وكان النبي يلقب قبل البعثة ب الأمين ووردت التواريخ بذكر ألقاب جماعة من العرب في الجاهلية كذي يزن وذي المنار وذي نواس وذي رعين وذي جدن وغيرهم مما هو مشهور شائع
وكذلك وقعت ألقاب المدح على كثير من عظماء الإسلام وأشرافه كالصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من الخلفاء والوزراء وغيرهم فكان لقب أبي بكر عتيقا ثم لقب ب الصديق بعد ذلك ولقب عمر الفاروق ولقب عثمان ذا النورين ولقب علي حيدرة ولقب حمزة بن عبد المطلب أسد الله ولقب خالد بن الوليد سيف الله ولقب عمرو بن عمرو ذا اليدين ولقب مالك بن التيهان الأنصاري ذا السيفين ولقب خزيمة بن ثابت الأنصاري ذا الشهادتين ولقب جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده ذا الجناحين
وأما الخلفاء فخلفاء بني أمية لم يتلقب أحد منهم فلما صارت الخلافة إلى بني العباس وأخذت البيعة لإبراهيم بن محمد لقب ب الإمام ثم تلقب من بعده من خلفائهم فتلقب محمد بن علي ب السفاح لكثرة ما سفح من دماء بني أمية
واختلف في لقبه بالخلافة فقيل القائم وقيل المهتدي وقيل المرتضي وألقاب الخلفاء بعده إلى زماننا معروفة مشهورة على ما مر ذكره في المقالة الثانية
وعلى ذلك كانت ألقاب خلفاء بني أمية بالأندلس إلى حين انقراضهم على ما هو مذكور في مكاتبة صاحب الاندلس على ما سيأتي في المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى
ثم تعدت ألقاب الخلافة إلى كثير من ملوك الغرب بعد ذلك وتلا الخلفاء (5/414)
في الألقاب الوزراء لاستقبال الدولة العباسية وما بعد ذلك فلقب أبو سلمة الخلال وزير السفاح ب وزير ال محمد ولقب المهدي وزيره يعقوب بن داود بن طهمان الأخ في الله ولقب المأمون الفضل بن سهل حين استوزره ذا الكفايتين ولقب أخاه الحسن بن سهل ذا الرياستين ولقب المعتمد على الله وزيره صاعد ابن مخلد ذا الوزارتين إشارة إلى وزارة المعتمد والموفق وكان لقب إسماعيل ابن بلبل الشكور الناصر لدين الله كألقاب الخلفاء
وكذلك وقع التلقيب لجماعة من أرباب السيوف وقواد الجيوش فتلقب أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة ب أمير ال محمد
وقيل سيف ال محمد وتلقب أبو الطيب طاهر بن الحسين ب ذي اليمينين ولقب المعتصم بالله حيدر ابن كاووس ب الأفشين لأنه أشروسني ولأفشين لقب على الملك بأشروسنة ولقب إسحاق بن كيداح أيام المعتمد ب ذي السيفين ولقب مؤنس في أيام المقتدر ب المظفر ولقب سلامة أخو نجح أيام القاهر ب المؤتمن ولقب أبو بكر بن محمد بن طغج الراضي بالله ب الأخشيد والأخشيد لقب على الملك بفرغانة
ثم وقع التلقيب بالإضافة إلى الدولة في أيام المكتفي بالله فلقب المكتفي أبا الحسين بن القاسم بن عبيد الله ولي الدولة وهو أول من لقب بالإضافة إلى الدولة ولقب المقتدر بالله علي بن أبي الحسين المتقدم ذكره عميد الدولة
ووافت الدولة البويهية أيام المطيع لله والأمر جار على التلقيب بالإضافة للدولة فافتتحت ألقاب الملوك بالإضافة إلى الدولة فكان أول من لقب بذلك من الملوك بنو بويه الثلاثة فلقب أبو الحسن علي بن بويه ب عماد الدولة ولقب أخوه أبو علي الحسن ب ركن الدولة وأخوهما أبو الحسين أحمد ب معز الدولة (5/415)
ثم وافى عضد الدولة من بعدهم فاقترح أن يلقب ب تاج الدولة فلم يجب إليه وعدل به إلى عضد الدولة فلما بذل نفسه للمعاونة على الأتراك اختار له أبو إسحاق الصابي صاحب ديوان الإنشاء تاج الملة مضافا إلى عضد الدولة فكان يقال عضد الدولة وتاج الملة ولقب أبو محمد الحسن بن حمدان أيام المتقي لله ناصر الدولة ولقب أخوه أبو الحسن علي بن حمدان سيف الدولة
وبقي الأمر على التلقيب بالإضافة إلى الدولة إلى أيام القادر بالله فافتتح التلقيب بالإضافة إلى الدين
وكان أول من لقب بالإضافة إليه أبو نصر بهاء الدولة ابن عضد الدولة بن بويه زيد على لقبه بهاء الدولة نظام الدين فكان يقال بهاء الدولة ونظام الدين قال ابن حاجب النعمان ثم تزايد التلقيب به وأفرط حتى دخل فيه الكتاب والجند والأعراب والأكراد وسائر من طلب وأراد وكره حتى صار لقبا على الأصل
ولا شك أنه في زماننا قد خرج عن الحد حتى تعاطاه أهل الأسواق ومن في معناهم ولم تصر به ميزة لكبير على صغير حتى قال قائلهم
( طلع الدين مستغيثا إلى الله ... وقال العباد قد ظلموني )
( يتسمون بي وحقك لا أعرف ... منهم شخصا ولا يعرفوني ) - خفيف -
إما الديار المصرية فكان جريهم في الألقاب على ما ينتهي إليهم خبره من ألقاب الدولة العباسية ببغداد فتلقب خلفاء الفاطميين بها بنحو ألقاب خلفاء بني العباس ببغداد فكان لقب أول خلفائهم بها المعز لدين الله وثانيهم بها العزيز بالله وعلى ذلك إلى أن كان لقب اخرهم العاضد لدين الله على ما تقدم في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية
وتلقب وزراؤهم وكتابهم بالإضافة إلى الدولة وممن لقب بذلك في دولتهم ولي الدولة بن أبي كدينة وزير المستنصر وأيضا ولي الدولة بن خيران كاتب الإنشاء المشهور
ولما صارت الوزارة لبدر الجمالي تلقب ب أمير الجيوش
ثم تلقب الوزراء بعده بنحو الأفضل والمأمون
ثم تلقبوا بالملك (5/416)
الفلاني ك الملك الأفضل والملك الصالح ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
وكان الكتاب في أواخر الدولة الفاطمية إلى أثناء الدولة الأيوبية يلقبون ب الفاضل والرشيد والعماد وما أشبه ذلك ثم دخلوا في عموم التلقيب بالإضافة إلى الدين واختص التلقيب بالإضافة إلى الدولة كولي الدولة بكتاب النصارى والأمر على ذلك إلى الان
الطرف الثاني في بيان معاني الألقاب وفيه تسع جمل
الجملة الأولى في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام أمور المملكة وقوامها وهي قسمان
القسم الأول الألقاب الإسلامية وهي نوعان
النوع الأول الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زماننا وهي صنفان
الصنف الأول ألقاب أرباب السيوف وهي سبعة ألقاب
الأول الخليفة
وهو لقب على الزعيم الأعظم القائم بأمور الأمة وقد اختلف في معناه فقيل إنه فعيل بمعنى مفعول كجريح بمعنى مجروح وقتيل بمعنى مقتول ويكون المعنى أنه يخلفه من بعده وعليه حمل قوله تعالى ( أني جاعل في الأرض خليفة ) على قول من قال إن ادم عليه السلام أول من عمر (5/417)
الأرض وخلفه بنوه من بعده
وقيل فعيل بمعنى فاعل ويكون المراد أنه يخلف من بعده وعليه حمل الاية من قال إنه كان قبله في الأرض الجن وإنه خلفهم فيها واختاره النحاس في صناعة الكتاب وعليه اقتصر البغوي في شرح السنة والماوردي في الأحكام السلطانية
قال النحاس وعليه خوطب أبو بكر الصديق رضي الله عنه بخليفة رسول الله
وقد أجازوا أن يقال في الخليفة خليفة رسول الله لأنه خلفه في أمته
واختلفوا هل يجوز أن يقال فيه خليفة الله فجوز بعضهم ذلك لقيامه بحقوقه في خلقه محتجين بقوله تعالى ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) وامتنع جمهور الفقهاء من ذلك محتجين بأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت والله تعالى باق موجود إلى الأبد لا يغيب ولا يموت
ويؤيد ما نقل عن الجمهور بما روي أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة الله فقال لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله وقال رجل لعمر بن عبد العزيز يا خليفة الله فقال ويلك لقد تناولت متناولا بعيدا إن أمي سمتني عمر فلو دعوتني بهذا الاسم قبلت ثم كبرت فكنيت أبا حفص فلو دعوتني به قبلت ثم وليتموني أموركم فسميتموني أمير المؤمنين فلو دعوتني به كفاك
وخص البغوي جواز إطلاق ذلك بادم وداود عليها السلام محتجا بقوله تعالى في حق ادم ( إني جاعل في الأرض خليفة ) وقوله في حق داود ( يا دواد إنا جعلناك خليفة في الأرض ) ثم قال ولا يسمى أحد خليفة الله بعدهما
قال في شرح السنة ويسمى خليفة وإن كان مخالفا لسيرة أئمة العدل
ثم قد كره جماعة من الفقهاء منهم أحمد بن حنبل إطلاق اسم الخليفة (5/418)
على ما بعد خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما حكاه النحاس وغيره محتجين بحديث الخلافة بعدي ثلاثون يعني ثلاثين سنة وكان انقضاء الثلاثين بانقضاء خلافة الحسن ولما انقضت الخلافة صارت ملكا
قال المعافى بن إسماعيل في تفسيره وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل طلحة والزبير وكعبا وسلمان عن الفرق بين الخليفة والملك فقال طلحة والزبير لا ندري فقال سلمان الخليفة الذي يعدل في الرعية ويقسم بينهم بالسوية ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله والوالد على ولده ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى فقال كعب ما كنت أحسب أن في هذا المجلس من يفرق بين الخليفة والملك ولكن الله ألهم سلمان حكما وعلما
واختلف في الهاء في اخره فقيل أدخلت فيه للمبالغة كما أدخلت في رجل داهية وراوية وعلامة ونسابة وهو قول الفراء واستحسنه النحاس ناقلا له عن أكثر النحويين وخطأه علي بن سليمان محتجا بأنه لو كان كذلك لكان التأنيث فيه حقيقيا وقيل الهاء فيه لتأنيث الصيغة
قال النحاس وربما أسقطوا الهاء منه وأضافوه فقالوا فلان خليف فلان يعنون خليفته
ثم الأصل فيه التذكير نظرا للمعنى لأن المراد بالخليفة رجل وهو مذكر فيقال أمر الخليفة بكذا على التذكير وأجاز الكوفيون فيه التأنيث على لفظ خليفة فيقال أمرت الخليفة بكذا وأنشد الفراء
( أبوك خليفة ولدته أخرى ... )
ومنعه البصريون محتجين بأنه لو جاز ذلك لجاز قالت طلحة في رجل اسمه طلحة وهو ممتنع
فإن ظهر اسم الخليفة تعين التذكير باتفاق فتقول قال أبو جعفر الخليفة أو قال الراضي الخليفة ونحو ذلك
ويجمع على خلفاء ككريم وكرماء وعليه ورد قوله تعالى ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) وعلى (5/419)
خلائف كصحيفة وصحائف وعليه جاء قوله تعالى ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) والنسبة إليه خلفي كما ينسب إلى حنيفة حنفي وقول العامة درهم خليفتي ونحوه خطأ إذ قاعدة النسب أن يحذف من المنسوب إليه الياء وهاء التأنيث على ما هو مقرر في علم النحو
وممن وهم في ذلك المقر الشهابي بن فضل الله رحمه الله في كتابه التعريف حيث قال وأول ما نبدأ بالمكاتبة إلى الأبواب الشريفة الخليفتية ولعله سبق قلم منه وإلا فالمسألة أظهر من أن يجهلها أو تخفى عليه
الثاني الملك
وهو الزعيم الأعظم ممن لم يطلق عليه اسم الخلافة وقد نطق القرآن بذكره في غير موضع كما في قوله تعالى ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ) ( وقال الملك أئتوني به ) إلى غير ذلك من الايات
ويقال فيه ملك بكسر اللام وملك بإسكانها ومليك بزيادة ياء ومنه قوله تعالى ( عند مليك مقتدر ) قال الجوهري والملك مقصور من مالك أو مليك ويجمع على ملوك وأملاك
ويقال لموضع الملك المملكة
الثالث السلطان وهو اسم خاص في العرف العام بالملوك
ويقال إن أول من لقب به خالد بن برمك وزير الرشيد لقبه به الرشيد تعظيما له ثم انقطع التلقيب به إلى أيام بني بويه فتلقب به ملوكهم فمن بعدهم من الملوك السلاجقة وغيرهم وهلم جرا إلى زماننا
وأصله في اللغة الحجة قال تعالى ( وما كان له عليهم من سلطان ) يعني من حجة
وسمي السلطان بذلك لأنه حجة على الرعية يجب عليهم الانقياد إليه (5/420)
واختلف في اشتقاقه فقيل إنه مشتق من السلاطة وهي القهر والغلبة لقهره الرعية وانقيادهم له وقيل مشتق من السليط وهو الشيرج في لغة أهل اليمن لأنه يستضاء به في خلاص الحقوق وقيل من قولهم لسان سليط أي حاد ماض لمضي أمره ونفوذه
وقال محمد بن يزيد البصري السلطان جمع واحده سليط كقفيز وقفزان وبعير وبعران
وحكى صاحب ذخيرة الكتاب أنه يكون واحدا ويكون جمعا ثم هو يذكر على معنى الرجل ويؤنث على معنى الحجة
وحكى الكسائي والفراء على التأنيث عن بعض العرب قضت به عليك السلطان
قال العسكري في كتابه الفروق في اللغة والفرق بينه وبين الملك أن الملك يختص بالزعيم الأعظم والسلطان يطلق عليه وعلى غيره
وعلى ما ذكره العسكري عرف الفقهاء في كتبهم إذ يطلقونه على الحاكم من حيث هو حتى على القاضي فيقولون فيمن ليس لها ولي خاص يزوجها السلطان ونحو ذلك
ومن حيث إن السلطان أعم من الملك يقدم عليه في قولهم السلطان الملك الفلاني ليقع السلطان أولا على الملك وعلى غيره ثم يخرج غير الملك بعد ذلك بذكر الملك
الرابع الوزير وهو المتحدث للملك في أمر مملكته
واختلف في اشتقاقه فقيل مشتق من الوزر بفتح الواو والزاي وهو الملجأ ومنه قوله تعالى ( كلا لا وزر ) سمي بذلك لأن الرعية يلجأون إليه في حوائجهم وقيل مشتق من الأوزار وهي الأمتعة ومنه قوله تعالى ( ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم ) سمي بذلك لأنه متقلد بخزائن الملك وأمتعته وقيل مشتق من الوزر بكسر الواو وإسكان الزاي وهو الثقل ومنه قوله تعالى ( حتى تضع الحرب (5/421)
أوزارها ) سمي بذلك لأنه يتحمل أثقال الملك وقيل مشتق من الأزر وهو الظهر سمي بذلك لأن الملك يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر وتكون الواو فيه على هذا التقدير منقلبة عن همزة
وقد أوضحت القول في ذلك في النفحات النشرية في الوزارة البدرية
قال القضاعي في عيون المعارف في أخبار الخلائف وأول من لقب بالوزارة في الإسلام أبو سلمة حفص بن سلمان الخلال وزير السفاح
قال وإنما كانوا قبل ذلك يقولون كاتب
ثم هو إما وزير تفويض وهو الذي يفوض الإمام إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده كما كانت الوزراء بالديار المصرية من لدن وزارة بدر الجمالي وإلى حين انقراضها وإما وزير تنفيذ وهو الذي يكون وسيطا بين الإمام والرعايا معتمدا على رأي الإمام وتدبيره
وهذه هي التي كان أهل الدولة الفاطمية يعبرون عنها بالوساطة أما الوزارة في زماننا فقد تقاصرت عن ذلك كله حتى لم يبق منها إلا الاسم دون الرسم ولم تزل الوزارة في الدول تتردد بين أرباب السيوف والأقلام تارة وتارة إلا أنها في زماننا في أرباب الأقلام
الخامس الأمير
وهو زعيم الجيش أو الناحية ونحو ذلك ممن يوليه الإمام
وأصله في اللغة ذو الأمر وهو فعيل بمعنى فاعل فيكون أمير بمعنى امر سمي بذلك لامتثال قومه أمره يقال أمر فلان إذا صار أميرا والمصدر الإمرة والإمارة بالكسر فيهما والتأمير تولية الأمير وهب وظيفة قديمة
السادس الحاجب
وهو في أصل الوضع عبارة عمن يبلغ الأخبار من الرعية إلى الإمام ويأخذ لهم الإذن منه وهي وظيفة قديمة الوضع كانت لابتداء الخلافة فقد ذكر القضاعي في عيون المعارف لكل خليفة حاجبا من ابتداء الأمر وإلى زمانه فذكر أنه كان حاجب أبي بكر الصديق رضي الله عنه شديدا مولاه وحاجب عمر يرفأ مولاه وحاجب عثمان حمران مولاه وحاجب علي قنبرا مولاه وعلى ذلك في كل خليفة ما عدا الحسن ابن علي رضي الله عنهما فإنه لم يذكر له حاجبا
وسمي الحاجب بذلك لأنه يحجب الخليفة أو الملك عمن يدخل إليه بغير إذن
قال زياد لحاجبه وليتك (5/422)
حجابي وعزلتك عن أربع هذا المنادي إلى الله في الصلاة والفلاح فلا تعوجنه عني ولا سلطان لك عليه وطارق الليل فلا تحجبه فشر ما جاء به ولو كان خيرا ما جاء في تلك الساعة ورسول الثغر فإنه إن أبطأ ساعة أفسد عمل سنة فأدخله علي وإن كنت في لحافي وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد
ثم تصرف الناس في هذا اللقب ووضعوه في غير موضعه حتى كان في أعقاب خلافة بني أمية بالأندلس ربما أطلق على من قام مقام الخليفة في الأمر وكانوا في الدولة الفاطمية بالديار المصرية يعبرون عنه بصاحب الباب كما سبق بيانه في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب دولتهم
أما في زماننا فإنه عبارة عمن يقف بين يدي السلطان ونحوه في المواكب ليبلغ ضرورات الرعية إليه ويركب أمامه بعصا في يده ويتصدى لفصل المظالم بين المتداعيين خصوصا فيما لا تسوغ الدعوى فيه من الأمور الديوانية ونحوها
وله ببلاد المغرب والأندلس أوضاع تخصه في القديم والحديث على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتباتهم في المقالة الرابعة أن شاء الله تعالى
السابع صاحب الشرطة
بضم الشين المعجمة وإسكان الراء وهو المعبر عنه في زماننا بالوالي وتجمع الشرطة على شرط بضم الشين المعجمة وفتح الراء
وفي اشتقاقه قولان أحدهما أنه مشتق من الشرط بفتح الشين والراء وهي العلامة لأنهم يجعلون لأنفسهم علامات يعرفون بها ومنه أشراط الساعة يعني علاماتها وقيل من الشرط بالفتح أيضا وهو رذال المال لأنهم يتحدثون في أرذال الناس وسفلتهم ممن لا مال له من اللصوص ونحوهم
الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام وفيه ثلاثة ألقاب
الأول القاضي
وهو عبارة عمن يتولى فصل الأمور بين المتداعيين في الأحكام الشرعية
وهي وظيفة قديمة كانت في زمن النبي فقد ذكر القضاعي (5/423)
أنه ولى القضاء باليمن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري وأن أبا بكر رضي الله عنه ولى القضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ثم هو مشتق من القضاء واختلف في معناه فقال أبو عبيد هو إحكام الشيء والفراغ منه ومنه قوله تعالى ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) أي أخبرناهم بذلك وفرغنا لهم منه
قال أبو جعفر النحاس وسمي القاضي قاضيا لأنه يقال قضى بين الخصمين إذا فصل بينهما وفرغ
وقيل معناه القطع يقال قضى الشيء إذا قطعه ومنه قوله تعالى ( فاقض ما أنت قاض ) وسمي القاضي بذلك لأنه يقطع الخصومة بين الخصمين بالحكم
على أن كتاب الزمان يطلقون هذا اللقب والألقاب المتفرعة منه كالقضائي والقاضوي على أرباب الأقلام في الجملة سواء كان صاحب اللقب متصديا لهذه الوظيفة أو غيرها كسائر العلماء والكتاب ومن في معناهم وعلى ذلك عرف العامة أيضا
الثاني المحتسب وهو عبارة عمن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحدث في أمر المكاييل والموازين ونحوهما
قال الماوردي في الأحكام السلطانية وهو مشتق من قولهم حسبك بمعنى اكفف سمي بذلك لأنه يكفي الناس مؤونة من يبخسهم حقوقهم
قال النحاس وحقيقته في اللغة المجتهد في كفاية المسلمين ومنفعتهم إذ حقيقة افتعل عند الخليل وسيبويه بمعنى اجتهد (5/424)
وأول من قام بهذا الأمر وصنع الدرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته
وقد كانوا في الأيام الفاطمية بالديار المصرية يضيفونها إلى الشرطة في بعض الأحيان كما هو موجود في تقاليد الحسبة في زمانهم
الثالث الكاتب
وقد تقدم اشتقاقه ومعناه في مقدمة الكتاب وأنه كان في الزمن الأول عند الإطلاق إنما يراد به كاتب الإنشاء ثم تغير الحال بعد ذلك إلى أن صار في العرف العام بالديار المصرية عند الإطلاق يراد به كاتب المال ومن في معناه وهو من الألقاب القديمة فقد تقدم في الكلام على الوزارة من كلام القضاعي أنهم قبل التلقيب بالوزارة في الدولة العباسية في خلافة السفاح إنما كانوا يقولون كاتب
قلت ووراء ما تقدم من الألقاب القديمة المتداولة ألقاب أخرى كانت مستعملة في الأيام الفاطمية ثم رفضت الان وتركت
ك صاحب المظالم وهو المتحدث في فصل الخصومات
وصاحب الصلاة وهو المتحدث في أمر المساجد والصلوات
وكالمتحدث في الوساطة وهي القيام بوظيفة الوزارة ممن لم يؤهل لإطلاق اسم الوزارة عليه
وصاحب الباب كنحو الحاجب
وداعي الدعاة للشيعة ونحو ذلك
النوع الثاني الألقاب المحدثة
وهي إما عربية وإما عجمية
والعجمية منها إما فارسية وإما تركية وأكثرها الفارسية
والسبب في استعمال الفارسي منها وإن كانت الفرس لم تلها في الإسلام أن الخلافة كانت ببغداد وغالب كلام اهلها الفارسية والوظائف منقولة عنها إلى هذه المملكة إما مضاهاة كما في الدولة الفاطمية على قلة كما في (5/425)
الاسفهسلار وإما تبعا كما في الدولة الأيوبية فما بعدها
وهي أربعة أصناف
الصنف الأول المفردة وهي ضربان
الضرب الأول ما لفظه عربي وهو ثلاثة ألقاب
الأول النائب وهو لقب على القائم مقام السلطان في عامة أموره أو غالبها والألف فيه منقلبة عن واو
يقال ناب فلان عن فلان ينوب نوبا ومنابا إذا قام مقامه فهو نائب
ويطلق هذا اللقب في العرف العام على كل نائب عن السلطان او غيره بحضرته أو خارجا عنها في قرب أو بعد إلا أن النائب عن السلطان بالحضرة يوصف في عرف الكتاب بالكافل فيقال النائب الكافل وفي حال الإضافة كافل الممالك الإسلامية على ما سيأتي ذكره في النعوت إن شاء الله تعالى
والنائب عنه بدمشق يقال فيه كافل السلطنة ومن دونه من أكابر النواب كنائب حلب ونائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد ونائب الكرك من الممالك الشامية ونائب الإسكندرية ونائبي الوجهين القبلي والبحري بالديار المصرية
يقال فيه نائب السلطنة الشريفة بكذاليس إلا ويقال فيمن دونهم من النواب بالممالك الشامية كنائب حمص ونائب الرحبة غيرهما النائب بفلانة
الثاني الساقي
وهو لقب على الذي يتولى مد السماط وتقطيع اللحم وسقي المشروب بعد رفع السماط ونحو ذلك
وكأنه وضع في الأول لسقي المشروب فقط ثم استحدث له هذه الأمور الأخرى تبعا
ويجوز أن يكون لقب (5/426)