بشعره ، وإن لم يكن له بيت نادر على أفواه الناس كأبيات أصحابه الثلاثة .
وقد سئل خلف الاحمر : من أشعر الناس ؟ فقال : ما ينتهى إلى واحد يجمع عليه كما لا ينتهى إلى واحد هو أشجع الناس ، ولا أخطب الناس ، ولا أجمل الناس ، فقيل له : يا أبا محرز فأيهم أعجب إليك ؟ فقال : الاعشى كان أجمعهم .
قال ابن سلام : وكان أبو الخطاب الاخفش مستهترا به يقدمه ، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول : مثله مثل البازى يضرب كبير الطير وصغيره ، ويقول : نظيره في الاسلام جرير ، ونظير النابغة الاخطل ، ونظير زهير الفرزدق (1) .
فأما قول أمير المؤمنين عليه السلام : (الملك الضليل) فإنما سمى امرؤ القيس ضليلا لما يعلن به في شعره من الفسق ، والضليل : الكثير الضلال كالشريب ، والخمير ، والسكير ، والفسيق ، للكثير الشرب وإدمان الخمر والسكر والفسق ، فمن ذلك قوله : فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا فألهيتها عن ذى تمائم محول (2) إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وتحتي شقها لم يحول .
وقوله : سموت إليها بعد ما نام أهلها سمو حباب الماء حالا على حال (3) فقالت لحاك الله إنك فاضحي ألست ترى السمار والناس أحوالى فقلت لها تالله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
__________
(1) طبقات الشعراء .
(2) ديوانه 12 .
(3) ديوانه 31 - 32 .
(*)(20/170)
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغصن ذى شماريخ ميال فصرنا الى الحسنى ورق كلامنا ورضت فدلت صعبة أي أذلال حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما إن من حديث ولا صالى فأصبحت معشوقا وأصبح بعلها عليه القتام كاسف الوجه والبال .
وقوله في اللامية الاولى : وبيضة خدر لا يرام خباؤها تمتعت من لهو بها غير معجل (1) تخطيت أبوابا إليها ومعشرا على حراصا لو يسرون مقتلي فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسه المتفضل فقالت يمين الله ما لك حيله وما أن أرى عنك الغوايه تنجلي فقمت بها أمشى نجر وراءنا على أثرنا أذيال مرط مرجل فلما أجزنا ساحة الحى وانتحى بنا بطن خبت ذى حقاف عقنقل هصرت بفودى رأسها فتمايلت على هضيم الكشح ريا المخلخل .
وقوله : فبت أكابد ليل التمام والقلب من خشية مقشعر فلما دنوت تسديتها فثوبا نسيت وثوابا أجر ولم يرنا كالئ كاشح ولم يبد منا لدى البيت سر وقد رابنى قولها يا هناه ويحك الحقت شرا بشر !
__________
(1) ديوانه 13 - 15 .
(*)(20/171)
وقوله : تقول وقد جردتها من ثيابها كما رعت مكحول المدامع أتلعا (1) لعمرك لو شئ أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا فبتنا نصد الوحش عنا كاننا قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا تجافى عن المأثور بينى وبينها وتدنى على السابرى المضلعا وفى شعر امرئ القيس من هذا الفن كثير ، فمن أراده فليطلبه من مجموع شعره .
__________
(1) ديوانه 241 .
(*)(20/172)
(465) الاصل : وقال عليه السلام : ألا حر يدع هذه اللماظة لاهلها ! إنه ليس لانفسكم ثمن إلا الجنة ، فلا تبيعوها إلا بها .
الشرح : اللماظة بفتح اللام : ما تبقى في الفم من الطعام ، قال يصف الدنيا : * لماظة أيام كاحلام نائم * ولمظ الرجل يلمظ بالضم لمظا ، إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه واخرج لسانه فمسح به شفتيه ، وكذلك التلمظ ، يقال : تلمظت الحية إذا أخرجت لسانها كما يتلمظ الاكل .
وقال : (ألا حر) ، مبتدأ ، وخبره محذوف أي في الوجود .
وألا حرف ، قال : إلا رجل جزاه الله خيرا يدل على محصلة تبيت .
ثم قال : إنه ليس لانفسكم ثمن إلا الجنة ، فلا تبيعوها إلا بها ، من الناس من يبيع نفسه بالدراهم والدنانير ، ومن الناس من يبيع نفسه بأحقر الاشياء وأهونها ، ويتبع هواه فيهلك ، وهؤلاء في الحقيقة أحمق الناس ، إلا إنه قد رين على القلوب ، فغطتها الذنوب ، واظلمت الانفس بالجهل وسوء العادة ، وطال الامد أيضا على القلوب فقست ، ولو أفكر الانسان حق الفكر لما باع نفسه إلا بالجنة لا غير .(20/173)
(466) لاصل : وقال عليه السلام : منهومان لا يشبعان : طالب علم وطالب دنيا .
الشرح : تقول : نهم فلان بكذا فهو منهوم ، أي مولع به ، وهذه الكلمة مروية عن النبي صلى الله عليه وآله : (منهومان لا يشبعان : منهوم بالمال ، ومنهوم بالعلم) .
والنهم بالفتح : إفراط الشهوة في الطعام ، تقول منه : نهمت إلى الطعام بكسر الهاء إنهم فأنا نهم ، وكان في القرآن آيه أنزلت ثم رفعت : (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا ، ولا يملا عين ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب) .
فأما طالب العلم العاشق له ، فإنه لا يشبع منه أبدا ، وكلما استكثر منه زاد عشقه له ، وتهالكه عليه .
مات أبو عثمان الجاحظ والكتاب على صدره .
وكان شيخنا أبو على رحمه الله في النزع وهو يملى على ابنه أبى هاشم مسائل في علم الكلام ، وكان القاضى أحمد بن أبى دواد يأخذ الكتاب في خفه وهو راكب ، فإذا جلس في دار الخليفة اشتغل بالنظر فيه إلى أن يجلس الخليفة ، ويدخل إليه .
وقيل : ما فارق ابن أبى دواد الكتاب قط إلا في الخلاء .
وأعرف إنا في زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام إلا وقت السحر صيفا وشتاء مكبا على كتاب صنفه ، وكانت وسادته التى ينام عليها الكتاب .(20/174)
(467) الاصل : وقال عليه السلام : علامه الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك ، على الكذب حيث ينفعك ، وألا يكون في حديثك فضل عن علمك ، وأن تتقى الله في حديث غيرك .
الشرح : قد أخذ المعنى الاول القائل : عليك بالصدق ولو إنه أحرقك الصدق بنار الوعيد .
وينبغى أن يكون هذا الحكم مقيدا لا مطلقا ، لانه إذا أضر الصدق ضررا عظيما يؤدى إلى تلف النفس أو إلى قطع بعض الاعضاء لم يجز فعله صريحا ، ووجبت المعاريض حينئذ .
فإن قلت : فالمعاريض صدق أيضا ، فالكلام على إطلاقه ، قلت : هي صدق في ذاتها ، ولكن مستعملها لم يصدق فيما سئل عنه ، ولا كذب أيضا ، لانه لم يخبر عنه ، وإنما أخبر عن شئ آخر وهى المعاريض ، والتارك للخبر لا يكون صادقا ولا كاذبا ، فوجب أن يقيد إطلاق الخبر بما إذا كان الضرر غير عظيم ، وكانت نتيجة الصدق أعظم نفعا من تلك المضرة .
قال عليه السلام : (وألا يكون في حديث فضل عن علمك) ، متى زاد منطق الرجل على علمه فقد لغا وظهر نقصه ، والفاضل من كان علمه أكثر من منطقه .
قوله : (وأن تتقى الله في حديث غيرك) ، أي في نقله وروايته فترويه كما سمعته من غير تحريف .(20/175)
(468) الاصل : وقال عليه السلام : يغلب المقدار على التقدير ، حتى تكون الافة في التدبير .
قال : وقد مضى هذا المعنى فيما تقدم برواية تخالف بعض هذه الالفاظ .
الشرح : قد تقدم هذا المعنى ، وهو كثير جدا ، ومن جيده قول الشاعر : لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل الله يخذل لجاهد حتى تبلغ النفس عذرها وقلقل يبغى العز كل مقلقل .
وقال أبو تمام : وركب كأطراف الاسنة عرسوا على مثلها والليل تسطو غياهبه (1) لامر عليهم أن تتم صدوره وليس عليهم أن تتم عواقبه .
وقال آخر : فإن بين حيطانا عليه فإنما أولئك عقالاته لا معاقله
__________
(1) ديوانه 1 : 229 .
(*)(20/176)
(469) الاصل : وقال عليه السلام : الحلم والاناة توءمان ، ينتجهما علو الهمه .
الشرح : قد تقدم هذا المعنى وشرحه مرارا .
وقال ابن هانئ : وكل أناة في المواطن سؤدد ولا كأناة من تدبر محكم (1) ومن يتبين أن للسيف موضعا من الصفح يصفح عن كثير ويحلم .
وقال أرباب المعاني : علمنا الله تعالى فضيلة الاناة بما حكاه عن سليمان : (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) (2) .
وكان يقال : الاناة حصن السلامة ، والعجلة مفتاح الندامة .
وكان يقال : التأني مع الخيبة ، خير من التهور مع النجاح .
وقال الشاعر : الرفق يمن والاناة سعادة فتأن في أمر تلاق نجاحا .
__________
(1) ديوانه 123 وفى د (من قدير محكم) .
(2) سورة النمل 27 .
(*)(20/177)
وقال من كره الاناة وذمها : لو كانت الاناة محمودة والعجلة مذمومة ، لما قال موسى لربه : (وعجلت إليك رب لترضى) (1) .
وأنشدوا : عيب الاناة وإن سرت عواقبها أن لا خلود وأن ليس الفتى حجرا .
وقال آخر : كم من مضيع فرصة قد أمكنت لغد وليس له غد بمواتى حتى إذا فاتت وفات طلابها ذهبت عليها نفسه حسرات
__________
(1) سورة طه 84 .
(*)(20/178)
(470) الاصل : وقال عليه السلام : الغيبة جهد العاجز .
الشرح : قد تقدم كلامنا في الغيبة مستقصى .
وقيل للاحنف : من أشرف الناس ؟ قال : من إذا حضر هابوه ، وإذا غاب اغتابوه .
وقال الشاعر : ويغتابنى من لو كفانى اغتيابه لكنت له العين البصيرة والاذنا وعندي من الاشياء ما لو ذكرتها إذا قرع المغتاب من ندم سنا .
وقد نظمت أنا كلمة الاحنف فقلت : أكل عرضى إن غبت ذما فإن أبت فمدح ورهبة وسجود هكذا يفعل الجبان شجاع حين يخلو وفي الوغى رعديد لك منى حالان في عينك الجنة حسنا وفى الفؤاد وقود(20/179)
(471) الاصل : وقال عليه السلام : رب مفتون بحسن القول فيه .
الشرح : طالما فتن الناس بثناء الناس عليهم ، فيقصر العالم في اكتساب العلم اتكالا على ثناء الناس عليه ، ويقصر العابد في العبادة اتكالا على ثناء الناس عليه : ويقول كل واحد منهما إنما أردت ما اشتهرت به للصيت ، وقد حصل ، فلماذا أتكلف الزيادة ، وأعاني التعب ! وأيضا فإن ثناء الناس على الانسان يقتضى اعتراء العجب له ، وإعجاب المرء بنفسه مهلك .
واعلم أن الرضى رحمه الله قطع كتاب نهج البلاغة على هذا الفصل ، وهكذا وجدت النسخة بخطه وقال : (هذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المنتزع من كلام أمير المؤمنين عليه السلام : حامدين لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه وتقريب ما بعد من أقطاره ، مقررين العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الابواب ، لتكون لاقتناص الشارد ، و استلحاق الوارد ، وما عساه أن يظهر لنا بعد الغموض ، ويقع إلينا بعد الشذوذ ، وما توفيقنا إلا بالله ، عليه توكلنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير) .
ثم وجدنا نسخا كثيرة فيها زيادات بعد هذا الكلام ، قيل : إنها وجدت في نسخة كتبت في حياة الرضى رحمه الله وقرئت عليه فأمضاها ، وأذن في الحاقها بالكتاب ونحن نذكرها .(20/180)
(472) الاصل : وقال عليه السلام : الدنيا خلقت لغيرها ، ولم تخلق لنفسها .
الشرح : قال أبو العلاء المعرى - مع ما كان يرمى به - في هذا المعنى ما يطابق إرادة أمير المؤمنين عليه السلام بلفظه هذا : خلق الناس للبقاء فضلت أمة يحسبونهم للنفاد (1) إنما ينقلون من دار اعمال إلى دار شقوة أو رشاد
__________
(1) سقط الزند 978 ، 979 .
(*)(20/181)
(473) الاصل : وقال عليه السلام : إن لبنى أمية مرودا يجرون فيه ، ولو قد اختلفوا فيما بينهم ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم .
قال الرضى رحمه الله تعالى : وهذا من أفصح الكلام وأغربه ، والمرود هاهنا مفعل من الارواد ، وهو الامهال والانظار ، فكأنه عليه السلام شبه المهلة التى هم فيها بالمضمار الذى يجرون فيه إلى الغاية ، فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها .
الشرح : هذا إخبار عن غيب صريح ، لان بنى أمية لم يزل ملكهم منتظما لما لم يكن بينهم اختلاف ، وإنما كانت حروبهم مع غيرهم كحرب معاوية في صفين ، وحرب يزيد أهل المدينة ، وابن الزبير بمكة ، وحرب مروان الضحاك ، وحرب عبد الملك ابن الاشعث وابن الزبير ، وحرب يزيد ابنه بنى المهلب ، وحرب هشام زيد بن على ، فلما ولى الوليد بن يزيد وخرج عليه ابن عمه يزيد بن الوليد وقتله ، اختلف بنو أمية فيما بينهما ، وجاء الوعد - وصدق من وعد به - فإنه منذ قتل الوليد دعت دعاة بنى العباس بخراسان ، وأقبل(20/182)
مروان بن محمد من الجزيرة يطلب الخلافة ، فخلع إبراهيم بن الوليد ، وقتل قوما من بنى أمية ، واضطرب أمر الملك وانتشر ، وأقبلت الدولة الهاشمية ونمت ، وزال ملك بنى أمية ، وكان زوال ملكهم على يد أبى مسلم ، وكان في بدايته أضعف خلق الله وأعظمهم فقرا ومسكنة ، وفي ذلك ، تصديق قوله عليه السلام : (ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم) .(20/183)
(474) الاصل : وقال عليه السلام في مدح الانصار : هم والله ربوا الاسلام كما يربى الفلو مع غنائهم بأيديهم السباط ، وألسنتهم السلاط .
الشرح : الفلو : المهر .
ويروى : (بأيديهم البساط) ، أي الباسطة والاولى جمع سبط يعنى السماح ، وقد يقال للحاذق بالطعن : إنه لسبط اليدين ، يريد الثقافة .
وألسنتهم السلاط ، يعنى الفصيحة .
وقد تقدم القول في مدح الانصار ، ولو لم يكن إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم : (إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلون عند الطمع) ، ولو لم يكن إلا ما قاله لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له : (لاغزونك في كذا وكذا من الخيل) يتوعده ، فقال عليه السلام : (يكفى الله ذلك وأبناء قيلة) ، [ لكان فخرا لهم ] وهذا عظيم جدا وفوق العظيم ، ولا ريب إنهم الذين أيد الله بهم الدين ، وأظهر بهم الاسلام بعد خفائه ، ولولاهم لعجز المهاجرون عن حرب قريش والعرب ، وعن حماية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولولا مدينتهم لم يكن للاسلام ظهر يلجئون عليه ، ويكفيهم فخرا يوم حمراء الاسد ،(20/184)
يوم خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قريش بعد انكسار أصحابه ، وقتل من قتل منهم ، وخرجوا نحو القوم والجراح فيهم فاشية ، ودماؤهم تسيل ، وإنهم مع ذلك كالاسد الغراث تتواثب على فرائسها ، وكم لهم من يوم أغر محجل ! وقالت الانصار : لولا على بن أبى طالب عليه السلام في المهاجرين لابينا لانفسنا أن يذكر المهاجرون معنا ، أو أن يقرنوا بنا ، ولكن رب واحد كألف ، بل كألوف .
وقد تقدم ذكر الشعر المنسوب إلى الوزير المغربي وما طعن به القادر بالله الخليفة العباسي في دينه بطريقه ، وكان الوزير المغربي يتبرأ منه ويجحده ، وقيل : إنه وجدت مسودة بخطه فرفعت الى القادر بالله .
ومما وجد بخطه أيضا - وكان شديد العصبية للانصار ولقحطان قاطبة ، على عدنان ، وكان ينتمى إلى الازد ، أزد شنوءة - قوله : إن الذى أرسى دعائم احمد وعلا بدعوته على كيوان أبناء قيلة وارثو شرف العلا وعراعر الاقيال من قحطان بسيوفهم يوم الوغى وأكفهم ضربت مصاعب ملكه بجران (1) لولا مصارعهم وصدق قراعهم خرت عروش الدين للاذقان فليشكرن محمد أسياف من لولاه كان كخالد بن سنان .
وهذا إفراط قبيح ، ولفظ شنيع ، والواجب أن يصان قدر النبوة عنه ، وخصوصا البيت الاخير ، فإنه قد أساء فيه الادب ، وقال ما لا يجوز قوله ، وخالد بن سنان كان من بنى عبس بن بغيض ، من قيس عيلان ، ادعى النبوة ، وقيل : إنه كانت تظهر عليه آيات ومعجزات ، ثم مات وانقرض دينه ودثرت دعوته ، ولم يبق إلا اسمه ، وليس يعرفه كل الناس ، بل البعض منهم .
__________
(1) يقال : ضرب البعير بجرانه : إذا برك .
(*)(20/185)
(475) الاصل : وقال عليه السلام : العين وكاء الستة .
قال الرضى رحمه الله تعالى : وهذه من الاستعارات العجيبة ، كأنه شبه الستة بالوعاء ، والعين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء .
وهذا القول في الاشهر الاظهر من كلام النبي صلى الله عليه وآله ، وقد رواه قوم لامير المؤمنين عليه السلام ، وذكر ذلك المبرد في الكتاب المقتضب في باب اللفظ المعروف .
قال الرضى : وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الاثار النبوية .
الشرح : المعروف إن هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ، ذكره المحدثون في كتبهم وأصحاب غريب الحديث في تصانيفهم ، وأهل الادب في تفسير هذه اللفظة في مجموعاتهم اللغوية ، ولعل المبرد اشتبه عليه فنسبه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، والرواية بلفظ التثنية : (العينان وكاء الستة) ، والستة : الاست .(20/186)
وقد جاء في تمام الخبر في بعض الروايات : (فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) والوكاء : رباط القربة ، فجعل العينين وكاء - والمراد اليقظة - للستة كالوكاء للقربة ، ومنه الحديث في اللقطة : (أحفظ عفاصها ووكاءها ، وعرفها سنة ، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها) ، والعفاص : السداد ، والوكاء : السداد ، وهذه من الكنايات اللطيفة .
[ فصل في الفاظ الكنايات وذكر الشواهد عليها ] وقد كنا قدمنا قطعة صالحة من الكنايات المستحسنة ، ووعدنا أن نعاود ذكر طرف منها ، وهذا الموضع موضعه ، فمن الكناية عن الحدث الخارج - وهو الذى كنى عنه أمير المؤمنين عليه السلام ، أو رسول الله صلى الله عليه - الكناية التى ذكرها يحيى بن زياد في شعره ، قيل : إن يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وحمادا الراوية جلسوا على شرب لهم ، ومعهم رجل منهم فانحل وكاؤه ، فاستحيا وخرج ، ولم يعد إليهم ، فكتب إليه يحيى بن زياد .
أمن قلوص غدت لم يؤذها أحد الا تذكرها بالرمل أوطانا خان العقال لها فأنبت إذ نفرت وإنما الذنب فيها للذى خانا منحتنا منك هجرانا ومقلية ولم تزرنا كما قد كنت تغشانا خفض عليك فما في الناس ذو إبل إلا واينقة يشردن أحيانا وليس هذا الكتاب أهلا أن يضمن حكاية سخيفة أو نادرة خليعة ، فنذكر فيه ما جاء في هذا المعنى ، وإنما جرأنا على ذكر هذه الحكاية خاصه كناية أمير المؤمنين عليه السلام أو رسول الله صلى الله عليه وآله عنها ، ولكنا نذكر كنايات كثيرة في غير هذا المعنى مستحسنة ، ينتفع القارئ بالوقوف عليها .(20/187)
يقال فلان من قوم موسى ، إذا كان ملولا ، إشارة إلى قوله تعالى : (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) (1) .
قال الشاعر : فيا من ليس يكفيه صديق ولا ألفا صديق كل عام أظنك من بقايا قوم موسى فهم لا يصبرون على طعام .
وقال العباس بن الاحنف : كتبت تلوم وتستريث زيارتي وتقول لست لنا كعهد العاهد فأجبتها ودموع عينى سجم تجرى على الخدين غير جوامد يافوز لم أهجركم لملالة عرضت ولا لمقال واش حاسد لكننى جربتكم فوجدتكم لا تصبرون على طعام واحد ويقولون للجارية الحسناء : قد أبقت من رضوان ، قال الشاعر : جست العود بالبنان الحسان وتثنت كأنها غصن بان فسجدنا لها جميعا وقلنا إذ شجتنا بالحسن والاحسان حاش لله أن تكوني من الانس ولكن أبقت من رضوان .
ويقولون للمكشوف الامر الواضح الحال : ابن جلا ، وهو كناية عن الصبح ومنه ما تمثل به الحجاج : أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني (2) .
ومنه قول القلاخ : بن حزن :
__________
(1) سورة البقرة 61 .
(2) الكامل 1 : 224 ، ونسبه إلى سحيم بن وثيل الرياحي .
(*)(20/188)
* أنا القلاخ بن القلاخ ابن جلا * ومنه قولهم فلان قائد الجمل لانه لا يخفى لعظم الجمل وكبر جثته ، وفى المثل : ما استتر من قاد جملا .
وقالوا كفى برغائها نداء ، ومثل هذا قولهم : ما يوم حليمه بسر يقال : ذلك في الامر المشهور الذى لا يستر ، ويوم حليمة يوم التقى المنذر الاكبر والحارث الغساني الاكبر ، وهو أشهر أيام العرب ، يقال : إنه ارتفع من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهارا ، وحليمة : اسم امرأة أضيف اليوم إليها ، لانها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب ، فكانت تطيب بها الداخلين إلى القتال ، فقاتلوا حتى تفانوا .
ويقولون في الكناية عن الشيخ الضعيف : قائد الحمار ، وإشارة إلى ما أنشده الاصمعي : آتى الندى فلا يقرب مجلسي وأقود للشرف الرفيع حماري .
أي أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لاركبه لضعفي ، ومثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن ، لانه إذا قام عجن في الارض بكفيه ، قال الشاعر : فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا وشر خصال المرء كنت وعاجن .
قالوا : الكنتى الذى يقول كنت أفعل كذا ، وكنت أركب الخيل ، يتذكر ما مضى من زمانه ، ولا يكون ذلك إلا عند الهرم أو الفقر والعجز .
ومثله قولهم للشيخ : راكع ، قال لبيد : أخبر أخبار القرون التى مضت أدب كأنى كلما قمت راكع (1) والركوع : هو التطأطؤ والانحناء بعد الاعتدال والاستواء ، ويقال للانسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر : قد ركع ، قال : لا تهين الفقير علك إن تركع يوما والدهر قد رفعه (2)
__________
(1) ديوانه 171 .
(2) للاضبط بن قريع السعدى ، أمالى القالى 1 : 108 .
(*)(20/189)
وفى هذا المعنى قال الشاعر : ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه يوما فتدركه الحوادث قد نما (1) يجزيك أو يثنى عليك وإن من يثنى عليك بما فعلت فقد جزى .
ومثله أيضا : وأكرم كريما إن أتاك لحاجة لعاقبة إن العضاة تروح .
تروح الشجر : إذا انفطر بالنبت ، يقول إن كان فقيرا فقد يستغنى ، كما إن الشجر الذى لا ورق عليه سيكتسى ورقا ، ويقال : ركع الرجل ، أي سقط .
وقال الشاعر : خرق إذا ركع المطى من الوجى لم يطو دون رفيقه ذا المرود حتى يؤوب به قليلا فضله حمد الرفيق نداك أو لم يحمد .
وكما يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه ، كذلك يقولون يحجل في قيده لتقارب خطوه ، قال أبو الطمحان القينى : حنتنى حانيات الدهر حتى كإنى خاتل أدنو لصيد قريب الخطو يحسب من رأني - ولست مقيدا - إنى بقيد .
ونحو هذا قولهم للكبير : بدت له الارنب ، وذلك إن من يختل الارنب ليصيدها يتمايل في مشيته ، وأنشد ابن الاعرابي في النوادر : وطالت بى الايام حتى كأننى من الكبر العالي بدت لى أرنب .
ونحوه يقولون للكبير : قيد بفلان البعير ، أي لا قوه ليده على أن يصرف البعير تحته على حسب إرادته ، فيقوده قائد يحمله حيث يريد .
__________
(1) للسمؤل بن عادياء ، ملحق ديوانه 53 .
(*)(20/190)
ومن أمثالهم : لقد كنت وما يقاد بى البعير : يضرب لمن كان ذا قوة وعزم ، ثم عجز وفتر .
ومن الكنايات عن شيب العنفقة قولهم : قد عض على صوفه .
ويكنون عن المرأة التى كبر سنها فيقولون : امرأة قد جمعت الثياب ، أي تلبس القناع والخمار والازار ، وليست كالفتاة التى تلبس ثوبا واحدا .
ويقولون لمن يخضب : يسود وجه النذير ، وقالوا في قوله تعالى : (وجاءكم النذير) (1) : إنه الشيب .
وقال الشاعر : وقائلة لى أخضب فالغواني تطير من ملاحظة القتير فقلت لها المشيب نذير موتى ولست مسودا وجه النذير .
وزاحم شاب شيخا في طريق فقال الشاب : كم ثمن القوس ؟ يعيره بانحناء الظهر ، فقال الشيخ : يا بن أخى : إن طال بك عمر فسوف تشتريها بلا ثمن .
وأنشد لابن خلف : تعيرني وخط المشيب بعارضى ولولا الحجول البلق لم تعرف الدهم حنى الشيب ظهرى فاستمرت مريرتى ولولا أنحناء القوس لم ينفذ السهم .
ويقولون لمن رشا القاضى أو غيره : صب في قنديله زيتا ، وانشد : وعند قضاتنا خبث ومكر وزرع حين تسقيه يسنبل إذا ما صب في القنديل زيت تحولت القضية للمقندل وكان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشا ، وكان كاتب أم جعفر .
__________
(1) سورة فاطر 37 .
(*)(20/191)
وهو سعدان بن يحيى كذلك ، فقال لها الرشيد يوما : أما سمعت ما قيل في كاتبك ؟ قالت : ما هو فأنشدها : صب في قنديل سعدان مع التسليم زيتا (1) وقناديل بنيه قبل أن تخفى الكميتا .
قالت : فما قيل في كاتبك أشنع ، وأنشدته : قنديل سعدان علا ضوءه فرخ لقنديل أبى صالح (2) تراه في مجلسه احوصا من لمحة للدرهم اللائح .
ويقولون لمن طلق ثلاثا : قد نحرها بمثلثه .
ويقولون أيضا : أعطاها نصف السنة .
ويقولون لمن يفخر بابائه : هو عظامي ، ولمن يفخر بنفسه هو عصامى ، إشارة إلى قول النابغة في عصام بن سهل حاجب النعمان : نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر والاقداما (3) * وجعلته ملكا هماما * وأشار بالعظامى إلى فخره بالاموات من آبائه ورهطه ، وقال الشاعر : إذا ما ألحى عاش بعظم ميت فذاك العظم حى وهو ميت .
ونحو هذا إن عبد الله بن زياد بن ظبيان التميمي دخل على أبيه وهو يجود بنفسه فقال : ألا أوصى بك الامير ؟ فقال ، إذا لم يكن للحى إلا وصية الميت فالحي هو الميت ، ويقال : إن عطاء بن ابى سفيان قال ليزيد بن معاوية : أغننى عن غيرك ، قال :
__________
(1) ثمار القلوب ...
(2) ثمار القلوب ...
(3) العقد الثمين ، ملحق ديوانه 175 .
(*)(20/192)
حسبك ما أغناك به معاوية ، قال : فهو إذن الحى وأنت الميت ، ومثل قولهم : عظامي ، قولهم : خارجي ، أي يفخر بغير أوليه كانت له ، قال كثير لعبد العزيز : أبا مروان لست بخارجى وليس قديم مجدك بانتحال ويكنون عن العزيز وعن الذليل أيضا فيقولون : بيضة البلد ، فمن يقولها للمدح يذهب إلى إن البيضة هي الحوزة والحمى ، يقولون : فلان يحمى بيضته ، أي يحمى حوزته وجماعته ، ومن يقولها للذم يعنى إن الواحدة من بيض النعام إذا فسدت تركها أبواها في البلد وذهبا عنها ، قال الشاعر في المدح : لكن قائلة من لا كفاء له من كان يدعى أبوه بيضة البلد (1) وقال الاخر في الذم : تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا وابنا نزار فأنتم بيضة البلد (2) ويقولون للشئ الذى يكون في الدهر مرة واحدة : هو بيضة الديك ، قال بشار : يا أطيب الناس ريقا غير مختبر إلا شهادة أطراف المساويك (1) قد زرتنا زورة في الدهر واحدة ثنى ولا تجعليها بيضة الديك .
ويكنون عن الثقيل بالقذى في الشراب ، قال الاخطل يذكر الخمر والاجتماع عليها : وليس قذاها بالذى قد يضيرها ولا بذباب نزعه أيسر الامر (4) ولكن قذاها كل جلف مكلف أتتنا به الايام من حيث لا ندرى
__________
(1) من أبيات لامرأة من بنى عامر بن لؤى ، ترثى عمر بن ود ، اللسان (بيض) .
(2) اللسان (بيض) ونسبه إلى ابن الرقاع .
(3) من أمالى القالى 1 : 228 .
(4) كنايات الجرجاني 111 .
(*)(20/193)
فذاك القذى وابن القذى وأخو القذى فإن له من زائر آخر الدهر ويكنون أيضا عنه بقدح اللبلاب ، قال الشاعر : يا ثقيلا زاد في الثقل على كل ثقيل (1) أنت عندي قدح اللبلاب في كف العليل ويكنون عنه أيضا بالقدح الاول لان القدح الاول ، من الخمر تكرهه الطبيعة وما بعده فدونه لاعتياده ، قال الشاعر : وأثقل من حضين باديا وأبغض من قدح اول .
ويكنون عنه بالكانون ، قال الحطيئة يهجو أمه : تنحى فاقعدي عنى بعيدا أراح الله منك العالمينا (2) إغربالا إذا استودعت سرا وكانونا على المتحدثينا ! قالوا : وأصله من كننت أي سترت ، فكأنه إذا دخل على قوم وهم في حديث ستروه عنه ، وقيل : بل المراد شدة برده ..ويكنون عن الثقيل ايضا برحا البزر ، قال الشاعر : واثقل من رحا بزر علينا كانك من بقايا قوم عاد (3) ويقولون لمن يحمدون جواره : جاره جار أبى دواد ، وهو كعب بن مامة الايادي ، كان إذا جاوره رجل فمات وداه ، وإن هلك عليه شاة أو بعير أخلف عليه ، فجاوره أبو دواد الايادي ، فأحسن إليه ، فضرب به المثل .
ومثله قولهم : هو جليس قعقاع بن شور ، وكان قد قدم إلى معاوية فدخل عليه ، والمجلس غاص بأهله ليس فيه مقعد ، فقام له رجل من القوم وأجلسه مكانه ، فلم
__________
(1) كنايات الجرجاني 111 .
(2) ديوانه 61 .
(3) كنايات الجرجاني 111 .
(*)(20/194)
يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم معاوية ومعاوية يخاطبه حتى أمر له بمائة ألف درهم ، فأحضرت إليه ، فجعلت إلى جانبه ، فلما قام قال للرجل القائم له من مكانه : ضمها إليك ، فهى لك بقيامك لنا عن مجلسك ، فقيل فيه : وكنت جليس قعقاع بن شور ولا يشقى بقعقاع جليس (1) ضحوك السن إن نطقوا بخير وعند الشر مطراق عبوس أخذ قوله : (ولا يشقى بقعقاع جليس) من قول النبي صلى الله عليه وآله : (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) .
ويكنون عن السمين من الرجال بقولهم : هو جار الامير ، وضيف الامير وأصله إن الغضبان بن القبعثرى كان محبوسا في سجن الحجاج ، فدعا به يوما فكلمه ، فقال له : في جملة خطابه : أنت لسمين يا غضبان ، فقال : القيد والرتعة ، والخفض والدعة ، ومن يكن ضيف الامير يسمن .
ويكنى الفلاسفة عن السمين بأنه يعرض سور حبسه ، وذلك أن أفلاطون رأى رجلا سمينا ، فقال : يا هذا ، ما أكثر عنايتك بتعريض سور حبسك ! ونظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنه (2) ، فقال : أرى عليك قطيفة محكمة .
قال : نعم ، ذاك عنوان نعمة الله عندي .
ويقولون للكذاب : هو قموص الحنجرة ، وأيضا هو زلوق الكبد ، وأيضا لا يوثق بسيل بلقعة .
وأيضا أسير الهند لانه يدعى إنه ابن الملك ، وإن كان من أولاد السفلة .
ويكنى عنه أيضا بالشيخ الغريب ، لانه يحب ان يتزوج في الغربة فيدعى إنه ابن خمسين سنة ، وهو ابن خمس وسبعين .
__________
(1) كنايات الجرجاني 111 .
(2) الكدنة : كثرة الشحم واللحم .
(*)(20/195)
ويقولون : هو فاخته البلد ، من قول الشاعر : أكذب من فاخته تصيح فوق الكرب (1) والطلع لم يبد لها : هذا أوان الرطب .
وقال آخر في المعنى : حديث أبى حازم كله كقول الفواخت : جاء الرطب (1) وهن وإن كن يشبهنه فلسن يدانينه في الكذب ويكنون عن النمام بالزجاج ، لانه يشف على ما تحته ، قال الشاعر : أنم بما استودعته من زجاجة يرى الشئ فيها ظاهرا وهو باطن .
ويكنون عنه بالنسيم ، من قول الاخر : وإنك كلما استودعت سرا أنم من النسيم على الرياض .
ويقولون : إنه لصبح ، وإنه لطيب ، كله في النمام .
ويقولون : ما زال يفتل له في الذروة والغارب حتى أسمحت قرونته ، وهى النفس ، والذروة : أعلى السنام ، والغارب : مقدمه .
ويقولون في الكناية عن الجاهل : ما يدرى أي طرفيه أطول ، قالوا : ذكره ولسانه .
وقالوا : هل نسب أبيه أفضل أم نسب أمه ؟ ومثله : لا يعرف قطانه من لطانه ، أي لا يعرف جبهته مما بين وركيه .
وقالوا : الحدة كنية الجهل ، والاقتصاد كنية البخل ، والاستقصاء كنيه الظلم .
__________
(1) كنايات الجرجاني 112 .
(*)(20/196)
وقالوا للجائع : عضه الصفر ، وعضه شجاع البطن .
وقال الهذلى : أرد شجاع البطن قد تعلمينه وأوثر غرثى من عيالك بالطعم (1) مخافة أن أحيا برغم وذلة وللموت خير من حياة على رغم ويقولون : زوده زاد الضب ، أي لم يزوده شيئا ، لان الضب لا يشرب الماء ، وإنما يتغذى بالريح والنسيم ، ويأكل القليل من عشب الارض .
وقال ابن المعتز : يقول أكلنا لحم جدى وبطة وعشر دجاجات شواء بالبان (2) وقد كذب الملعون ما كان زاده سوى زاد ضب يبلع الريح عطشان .
وقال أبو الطيب : لقد لعب البين المشت بها وبى وزودني في السير ما زود الضبا (3) ويقولون للمختلفين من الناس : هم كنعم الصدقة ، وهم كبعر الكبش ، قال عمرو بن لجأ : وشعر كبعر الكبش ألف بينه لسان دعى في القريض دخيل (4) وذلك لان بعر الكبش يقع متفرقا .
وقال بعض الشعراء لشاعر آخر : أنا أشعر منك لانى أقول البيت وأخاه ، وتقول البيت وابن عمه ، فأما قول جرير في ذى الرمة : إن شعره بعرظباء ونقط عروس ، فقد فسره الاصمعي فقال : يريد إن شعره حلو أول ما تسمعه ، فإذا كرر أنشاده ضعف ، لان أبعار الظباء أول ما تشم توجد لها رائحة ما أكلت من الجثجاث والشيح
__________
(1) لابي خراش الهذلى ، ديوان الهذليين 2 : 128 .
(2) كنايات الجرجاني 115 .
(3) ديوانه ا : 60 .
(4) كنايات الجرجاني 117 .
(*)(20/197)
والقيصوم ، فإذا أدمت شمها عدمت تلك الرائحة ، ونقط العروس إذا غسلتها ذهبت .
ويقولون أيضا للمختلفين : أخياف ، والخيف : سواد احدى العينين وزرق الاخرى ويقولون فيهم أيضا : أولاد علات كالاخوة لامهات شتى ، والعلة : الضرة .
ويقولون فيهم خبز كتاب ، لانه يكون مختلفا ، قال شاعر يهجو الحجاج : بن يوسف أينسى كليب زمان الهزال وتعليمه سورة الكوثر (1) رغيف له فلكة ما ترى وآخر كالقمر الازهر ومثله : أما رأيت بنى سلم وجوههم كأنها خبز كتاب وبقال (2) ويقال للمتساوين في الرداءة : كأسنان الحمار ، قال الشاعر : سواء كأسنان الحمار فلا ترى لذى شيبة منهم على ناشئ فضلا (2) وقال آخر : شبابهم وشيبهم سواء فهم في اللؤم أسنان الحمار (3) وأنشد المبرد في الكامل لاعرابي يصف قوما من طيئ بالتساوى في الرداءة : ولما إن رأيت بنى جوين جلوسا ليس بينهم جليس (3) يئست من الذى أقبلت أبغى لديهم إننى رجل يئوس إذا ما قلت ايهم لاى تشابهت المناكب والرءوس .
قال : فقوله : (ليس بينهم جليس) هجاء قبيح ، يقول : لا ينتجع الناس معروفهم ،
__________
(1) سرح العيون 170 وكنايات الجرجاني 118 .
(2) كنايات الجرجاني 121 .
(3) الكامل 1 : 172 ، ونسبه إلى أعرابي من طئ .
(*)(20/198)
فليس بينهم غيرهم .
ويقولون في المتساويين في الرداءة أيضا : هما كحماري العبادي ، قيل له ، أي حماريك شر ؟ قال : هذا ثم هذا .
ويقال في التساوى في الشر والخير : هم كأسنان المشط ، ويقال : وقعا كركبتى البعير ، وكرجلي النعامة .
وقال ابن الاعرابي : كل طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الاخرى إلا النعام فإنه متى كسرت إحدى رجليه جثم ، فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه : وإنى وإياه كرجلي نعامة على ما بنا من ذى غنى وفقير (1) وقال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وقد تنافرا إليه : أنتما كركبتى البعير ، فلم ينفر واحدا منهما ، فقالا : فأينا اليمنى ؟ فقال : كل منكما يمنى .
وسأل الحجاج رجلا عن أولاد المهلب : أيهم أفضل ؟ فقال : هم كالحلقة الواحدة .
وسئل ابن دريد عن المبرد وثعلب ، فأثنى عليهما ، فقيل : فابن قتيبة ؟ قال : ربوة بين جبلين ، أي خمل ذكره بنباهتهما .
ويكنى عن الموت بالقطع عند المنجمين ، وعن السعاية بالنصيحة عند العمال ، وعن الجماع بالوطء عند الفقهاء ، وعن السكر بطيب النفس عند الندماء ، وعن السؤال بالزوار عند الاجواد ، وعن الصدقة بما أفاء الله عند الصوفية .
ويقال للمتكلف بمصالح الناس : إنه وصى آدم على ولده ، وقد قال شاعر في هذا الباب : فكان آدم عند قرب وفاته أوصاك وهو يجود بالحوباء ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم وكفيت آدم عيله الابناء ويقولون : فلان خليفة الخضر إذا كان كثير السفر ، قال أبو تمام :
__________
(1) كنايات الجرجاني 119 .
(*)(20/199)
خليفة الخضر من يربع على وطن أو بلده فظهور العيس اوطاني (1) بغداد أهلى وبالشام الهوى وأنا بالرقتين وبالفسطاط إخوانى وما أظن النوى ترضى بما صنعت حتى تبلغ بى أقصى خراسان .
ويقولون للشئ المختار المنتخب : هو ثمرة الغراب لانه ينتفى خير الثمر .
ويقولون : سمن فلان في أديمة ، كناية عمن لا ينتفع به ، أي ما خرج منه يرجع إليه ، وأصله أن نحيا (2) من السمن انشق في ظرف من الدقيق ، فقيل ذلك ، قال الشاعر : ترحل فما بغداد دار إقامة ولا عند من أضحى ببغداد طائل (2) محل ملوك سمنهم في أديمهم وكلهم من حلية المجد عاطل فلا غرو ان شلت يد المجد والعلى وقل سماح من رجال ونائل إذا غضغض البحر الغطامط ماءه فليس عجيبا أن تغيض الجداول ويقولون لمن لا يفى بالعهد : فلان لا يحفظ أول المائدة ، لان أولها : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (4) .
ويقولون لمن كان حسن اللباس ولا طائل عنده : هو مشجب ، والمشجب : خشبة القصار التى يطرح الثياب عليها ، قال ابن الحجاج : لى سادة طائر السرور بهم يطرده اليأس بالمقاليع (5) مشاجب للثياب كلهم وهذه عادة المشاقيع جائزتي عندهم إذا سمعوا شعرى هذا كلام مطبوع
__________
(1) ديوانه 3 : 308 ، 310 .
(2) كنايت الجرجاني 120 ، ونسبها إلى أبى العالية .
(3) بحر غطامط : كثير الامواج .
(4) سورة المائدة 1 .
(5) كنايات الجرجاني 121 .
(*)(20/200)
وإنهم يضحكون إن ضحكوا منى وأبكى أنا من الجوع وقال آخر : إذا لبسوا دكن الخزوز وخضرها وراحوا فقد راحت عليك المشاجب (1) وروى إن كيسان غلام أبى عبيدة وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئا ، فلما وافى البصرة قيل له : كيف وجدته ؟ قال : وجدته مشجبا من حيث ما أتيته وجدته .
ويكنون عن الطفيلى فيقولون : هو ذباب ، لانه يقع في القدور ، قال الشاعر : أتيتك زائرا لقضاء حق فحال الستر دونك والحجاب (2) ولست بواقع في قدر قوم وإن كرهوا كما يقع الذباب وقال آخر : وأنت أخو السلام وكيف أنتم ولست أخا الملمات الشداد (3) واطفل حين يجفى من ذباب والزم حين يدعى من قراد ويكنون عن الجرب بحب الشباب ، قال الوزير المهلبى : يا صروف الدهر حسبى أي ذنب كان ذنبي ! (3) علة خصت وعمت في حبيب ومحب دب في كفيه يا من حبه دب بقلبي فهو يشكو حر حب وشكاتى حر حب ويكنون عن القصير القامة بأبى زبيبة ، وعن الطويل بخيط باطل .
وكانت كنية مروان بن الحكم لانه كان طويلا مضطربا ، قال فيه الشاعر : لحا الله قوما امروأ خيط باطل على الناس يعطى من يشاء ويمنع (3) وفى خيط باطل قولان : أحدهما إنه الهباء الذى يدخل من ضوء الشمس في الكوة
__________
(1) لدعبل ، ديوانه 22 .
(2) كنايات الجرجاني 122 ، ونسبه لابن عيينة .
(3) كنايات الجرجاني 122 .
(*)(20/201)
من البيت ، وتسميه العامة غزل الشمس ، والثانى إنه الخيط الذى يخرج من في العنكبوت ، وتسميه العامة مخاط الشيطان .
وتقول العرب للملقو (1) : لطيم الشيطان .
وكان لقب عمرو بن سعيد الاشدق ، لانه كان ملقوا .
وقال بعضهم لاخر : ما حدث ؟ قال : قتل عبد الملك عمرا ، فقال : قتل أبو الذبان لطيم الشيطان ، (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) .
ويقولون للحزين المهموم : يعد الحصى ، ويخط في الارض ، ويفت اليرمع (2) ، قال المجنون : عشيه مالى حيلة غير إننى بلقط الحصى والخط في الدار مولع (3) أخط وأمحو كل ما قد خططته بدمعي والغربان حولي وقع وهذا كالنادم يقرع السن ، والبخيل ينكت الارض ببنانه ، أو بعود عند الرد ، قال الشاعر : عبيد أخوانهم حتى إذا ركبوا يوم الكريهة فالاساد في الاجم (4) يرضون في العسر والايسار سائلهم لا يقرعون على الاسنان من ندم وقال آخر في نكت الارض بالعيدان : قوم إذا نزل الغريب بدارهم تركوه رب صواهل وقيان لا ينكتون الارض عند سؤالهم لتطلب العلات بالعيدان ويقولون للفارغ : فؤاد أم موسى .
__________
(1) الملقو : المصاب باللقوة ، وهو مرض يعرض للوجه فيميله إلى أحد جانبيه .
(2) اليرمع : الحجارة الرخوة .
(3) ديوانه 188 .
(4) كنايات الجرجاني ، ونسبه إلى عمر بن أمية بن أبى الصلت .
(*)(20/202)
ويقولون للمثرى من المال : منقرس ، وذلك إن علة النقرس أكثر ما تعترى أهل الثروة والتنعم .
حكى المبرد ، قال : كان الحرمازى في ناحية عمرو بن مسعدة ، وكان يجرى عليه ، فخرج عمرو بن مسعدة الى الشام ، وتخلف الحرمازى ببغداد ، فأصابه النقرس ، فقال : أقام بأرض الشام فاختل جانبى ومطلبه بالشام غير قريب (1) ولا سيما من مفلس حلف نقرس أما نقرس في مفلس بعجيب ! وقال بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب : تواضع النقرس حتى لقد صار إلى رجل ابن زيدان عله إنسان ولكنها قد وجدت في غير إنسان ويقولون للمترف : رقيق النعل ، وأصله قول النابغة : رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب (2) يعنى إنهم ملوك ، والملك لا يخصف نعله وإنما يخصف نعله من يمشى .
وقوله : (طيب حجزاتهم) ، أي هم اعفاء الفروج ، أي يشدون حجزاتهم على عفه .
وكذلك قولهم : فلان مسمط النعال ، أي نعله طبقة واحدة غير مخصوف ، قال المرار بن سعيد الفقعسى : وجدت بنى خفاجة في عقيل كرام الناس مسمطة النعال (3) وقريب من هذا قول النجاشي : ولا يأكل الكلب السروق نعالنا ولا ينتقى المخ الذى في الجماجم (3)
__________
(1) كنايات الجرجاني 125 .
(2) ديوانه 3 .
(3) كنايات الجرجاني 125 .
(*)(20/203)
يريد أن نعالهم سبت ، والسبت : جلود البقر المدبوغة بالقرظ ، ولا تقربها الكلاب ، وانما تأكل الكلاب غير المدبوغ ، لانه إذا أصابه المطر دسمه فصار زهما .
ويقولون للسيد : لا يطأ على قدم ، أي هو يتقدم الناس ، ولا يتبع أحدا فيطأ على قدمه .
ويقولون قد اخضرت نعالهم ، أي صاروا في خصب وسعة ، قال الشاعر : يتايهون إذا اخضرت نعالهم وفى الحفيظة إبرام مضاجير .
وإذا دعوا على إنسان بالزمانه قالوا : خلع الله نعليه ، لان المقعد لا يحتاج إلى نعل .
ويقولون أطفأ الله نوره ، كناية عن العمى وعن الموت أيضا ، لان من يموت فقد طفئت ناره .
ويقولون : سقاه الله دم جوفه ، دعاء عليه بأن يقتل ولده ، ويضطر إلى أخذ ديته إبلا فيشرب البانها .
ويقولون : رماه الله بليلة لا أخت لها ، أي ليلة موته ، لان ليلة الموت لا أخت لها .
ويقولون : وقعوا في سلا جمل ، أي في داهية لا يرى مثلها ، لان الجمل لا سلا له ، وإنما السلا للناقة ، وهى الجليدة التى تكون ملفوفة على ولدها .
ويقولون : صاروا في حولاء ناقة ، إذ صاروا في خصب .
وكانوا إذا وصفوا الارض بالخصب قالوا : كأنها حولاء ناقة .(20/204)
ويقولون لابناء الملوك والرؤساء ومن يجرى مجراهم : جفاة المحز ، قال الشاعر : جفاة المحز لا يصيبون مفصلا ولا يأكلون اللحم إلا تخذما .
يقول : هم ملوك ، وأشباه الملوك لا حذق لهم بنحر الابل والغنم ولا يعرفون التجليد والسلخ ، ولهم من يتولى ذلك عنهم ، وإذا لم يحضرهم من يجزر الجزور تكلفوا هم ذلك بأنفسهم ، فلم يحسنوا حز المفصل كما يفعله الجزار ، وقوله : * ولا يأكلون اللحم إلا تخذما * أي ليس بهم شره فإذا أكلوا اللحم تخذموا قليلا قليلا ، والخذم : القطع ، وأنشد الجاحظ في مثله : وصلع الرؤوس عظام البطون جفاة المحز غلاظ القصر .
لان ذلك كله أمارات الملوك ، وقريب من ذلك قوله : ليس براعى أبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم (1) ويقولون : فلان أملس ، يكنون عمن لا خير فيه ولا شر ، أي لا يثبت فيه حمد ولا ذم .
ويقولون : ملحه على ركبته ، أي هو سيئ الخلق ، يغضبه أدنى شئ ، قال لا تلمها إنها من عصبة ملحها موضوعة فوق الركب (2) ويقولون كناية عن مجوسي : هو ممن يخط على النمل ، والنمل جمع نملة ، وهى قرحة بالانسان ، كانت العرب تزعم أن المجوسى إذا كان من اخته وخط عليها برأت ، قال الشاعر : ولا عيب فينا غير عرق لمعشر كرام وإنا لا نخط على النمل (3)
__________
(1) الكمل 218 (طبعة أوربا) .
(2) الجرجاني 127 ، ونسبه إلى مسكين .
(3) اللسان (نمل) .
(*)(20/205)
ويقولون للصبى : قد قطفت ثمرته ، أي ختن .
وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير : ما زال عصياننا لله يرذلنا حتى دفعنا إلى يحيى ودينار (1) ألا عليجين لم تقطف ثمارها قد طالما سجدا للشمس والنار .
ويقولون : قدر حليمة ، أي لا غليان فيها .
ويقولون لمن يصلى صلاة مختصرة : هو راجز الصلاة .
وقال أعرابي لرجل رآه يصلى صلاة خفيفة : صلاتك هذه رجز .
ويقولون : فلان عفيف الشفة ، أي قليل السؤال ، وفلان خفيف الشفة ، كثير السؤال .
وتكنى العرب عن المتيقظ بالقطامى ، وهو الصقر .
ويكنون عن الشدة والمشقة بعرق القربة ، يقولون : لقيت من فلان عرق القربة ، أي العرق الذى يحدث بك من حملها وثقلها ، وذلك لان أشد العمل كان عندهم السقى وما ناسبه من معالجة الابل .
وتكنى العرب عن الحشرات وهوام الارض بجنود سعد ، يعنون سعد الاخبية ، وذلك لانه إذا طلع انتشرت في ظاهر الارض ، و خرج منها ما كان مستترا في باطنها ، قال الشاعر : قد جاء سعد منذرا بحره موعدة جنوده بشره (1) ويكنى قوم عن السائلين على الابواب بحفاظ سورة يوسف عليه السلام ، لانهم يعتنون بحفظها دون غيرها ، وقال عمارة يهجو محمد بن وهيب : تشبهت بالاعراب أهل التعجرف فدل على ما قلت قبح التكلف (1)
__________
(1) كنايات الجرجاني 129 ، 130 .
(*)(20/206)
لسان عراقى إذا ما صرفته إلى لغة الاعراب لم يتصرف ولم تنس ما قد كان بالامس حاكه أبوك وعود الجف لم يتقصف لئن كنت للاشعار والنحو حافظا لقد كان من حفاظ سورة يوسف ويكنون عن اللقيط بتربية القاضى ، وعن الرقيب بثاني الحبيب ، لانه يرى معه أبدا ، قال ابن الرومي : موقف للرقيب لا أنساه لست أختاره ولا آباه مرحبا بالرقيب من غير وعد جاء يجلو على من أهواه لا أحب الرقيب إلا لانى لا أرى من أحب حتى أراه ويكنون عن الوجه المليح بحجة المذنب ، إشارة الى قول الشاعر : قد وجدنا غفلة من رقيب فسرقنا نظرة من حبيب ورأينا ثم وجها مليحا فوجدنا حجة للذنوب .
ويكنون عن الجاهل ذى النعمة بحجة الزنادقة ، قال ابن الرومي : مهلا أبا الصقر فكم طائر خر صريعا بعد تحليق لا قدست نعمى تسربلتها كم حجه فيها لزنديق ! وقال ابن بسام في أبى الصقر أيضا : يا حجة الله في الارزاق والقسم وعبرة لاولى الالباب والفهم تراك اصبحت في نعماء سابغة إلا وربك غضبان على النعم فهذا ضد ذلك المقصد ، لان ذاك جعله حجة على الزندقة ، وهذا جعله حجة على قدرة البارئ سبحانه على عجائب الامور وغرائبها ، وإن النعم لا قدر لها عنده سبحانه ، حيث جعلها عند أبى الصقر مع دناءة منزلته .
وقال ابن الرومي :(20/207)
وقينه أبرد من ثلجه تبيت منها النفس في ضجة كأنها من نتنها صخة لكنها في اللون أترجة تفاوتت خلقتها فاغتدت لكل من عطل محتجة وقد يشابه ذلك قول أبى على البصير في ابن سعدان : يا بن سعدان أجلح الرزق في أمرك واستحسن القبيح بمرة نلت ما لم تكن تمنى إذا ما أسرفت غاية الامانى عشرة ليس فيما أظن إلا لكيلا ينكر المنكرون لله قدرة .
وللمفجع في قريب منه : إن كنت خنتكم المودة غادرا أو حلت عن سنن المحب الوامق فمسخت في قبح ابن طلحة إنه ما دل قط على كمال الخالق .
ويقولون : عرض فلان على الحاجة عرضا سابريا ، أي خفيفا من غير استقصاء ، تشبيها له بالثوب السابرى ، والدرع السابرية ، وهى الخفيفة .
ويحكى أن مرتدا مر على قوم يإكلون وهو راكب حمارا ، فقالوا : انزل إلينا ، فقال : هذا عرض سابرى ، فقالوا : انزل يا بن الفاعلة .
وهذا ظرف ولباقة .
ويقولون في ذلك : وعد سابرى ، أي لا يقرن به وفاء ، وأصل السابرى ، اللطيف الرقق .
وقال : المبرد سالت الجاحظ : من أشعر المولدين ؟ فقال القائل : كأن ثيابه اطلعن من أزراره قمرا يزيدك وجهه حسنا إذا ما زدته نظرا بعين خالط التفتير في أجفانها الحورا(20/208)
ووجه سابرى لو تصوب ماؤه قطرا يعنى العباس بن الاحنف (1) .
وتقول العرب في معنى قول المحدثين : عرض عليه كذا عرضا سابريا : عرض عليه عرض عاله ، أي عرض الماء على النعم العالة التى قد شربت شربا بعد شرب ، وهو العلل ، لانها تعرض على الماء عرضا خفيفا لا تبالغ فيه .
ومن الكنايات الحسنة قول أعرابية قالت لقيس بن سعد بن عبادة : أشكو اليك قلة الجرذان في بيتى ، فاستحسن منها ذلك ، وقال : لاكثرنها ، املئوا لها بيتها خبزا وتمرا وسمنا وأقطا ودقيقا .
وشبيه بذلك ما روى أن بعض الرؤساء سايره صاحب له على برذون مهزول ، فقال له : ما أشد هزال دابتك ! فقال : يدها مع أيدينا ، ففطن لذلك ووصله .
وقريب منه ما حكى أن المنصور قال : لانسان ما مالك ؟ قال : ما أصون به وجهى ، ولا أعود به على صديقى فقال : لقد تلطفت في المسألة ، وأمر له بصلة .
وجاء أعرابي إلى أبى العباس ثعلب وعنده أصحابه ، فقال له : ما أراد القائل بقوله : الحمد لله الوهوب المنان صار الثريد في رءوس القضبان فأقبل ثعلب على أهل المجلس فقال : اجيبوه ، فلم يكن عندهم جواب ، وقال له نفطويه : الجواب منك يا سيدى أحسن ، فقال : على إنكم لا تعلمونه ! قالوا : لا نعلمه ، فقال الاعرابي ، قد سمعت ما قال القوم ، فقال : ولا أنت أعزك الله تعلمه ، فقال ثعلب : أراد إن السنبل قد أفرك ، قال : صدقت فأين حق الفائدة ؟ فأشار إليهم ثعلب ،
__________
(1) ديوانه 129 .
(*)(20/209)
فبروه ، فقام قائلا : بوركت من ثعلب ، ما أعظم بركتك ! ويكنون عن الشيب بغبار العسكر ، وبرغوة الشباب ، قال الشاعر : قالت أرى شيبا برأسك ، قلت : لا هذا غبار من غبار العسكر وقال آخر - وسماه غبار وقائع الدهر غضبت ظلوم وأزمعت هجري وصبت ضمائرها إلى الغدر قالت : أرى شيبا فقلت لها : هذا غبار وقائع الدهر .
ويقولون للسحاب : فحل الارض .
وقالوا القلم أحد اللسانين ، ورداءة الخط أحد الزمانتين .
قال : وقال الجاحظ : رأيت رجلا أعمى يقول في الشوارع وهو يسأل : ارحموا ذا الزمانتين ، قلت : وما هما ؟ قال : أنا أعمى وصوتي قبيح ، وقد أشار شاعر إلى هذا فقال : اثنان إذا عدا حقيق بهما الموت فقير ما له زهد وأعمى ما له صوت وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : (إياكم وخضراء الدمن) ، فلما سئل عنها قال (المرأة الحسناء في المنبت السوء) .
وقال عليه السلام في صلح قوم من العرب : (إن بيننا وبينهم عيبة مكفوفة) ، أي لا نكشف ما بيننا وبينهم من ضغن وحقد ودم .
وقال عليه السلام : (الانصار كرشى وعيبتى) ، أي موضع سرى .
وكرشى : جماعتي .(20/210)
ويقال جاء فلان ربذ (1) العنان ، أي منهزما .
وجاء ينفض مذرويه (2) ، أي يتوعد من غير حقيقة .
وجاء ينظر عن شماله ، أي منهزما .
وتقول فلان عندي بالشمال ، أي منزلته خسيسة .
وفلان عندي باليمين ، أي بالمنزلة العليا ، قال أبو نواس : أقول لناقتي إذ بلغتني لقد أصبحت عندي باليمين (3) فلم أجعلك للغربان نهبا ولم أقل أشرقي بدم الوتين حرمت على الازمة والولايا وأعلاق الرحالة والوضين وقال ابن ميادة : أبينى أفى يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك ! وتقول العرب : التقى الثريان في الامرين يأتلفان ويتفقان ، أو الرجلين ، قال أبو عبيدة والثرى : التراب الندى في بطن الوادي ، فإذا جاء المطر وسح في بطن الوادي حتى يلتقى نداه والندى الذى في بطن الوادي يقال : التقى الثريان .
ويقولون : هم في خير لا يطير غرابه ، يريدون إنهم في خير كثير وخصب عظيم فيقع الغراب فلا ينفر لكثرة الخصب .
وكذلك أمر لا ينادى وليده ، أي أمر عظيم ينادى فيه الكبار دون الصغار .
وقيل المراد أن المرأة تشتغل عن وليدها فلا تناديه لعظم الخطب ، ومن هذا قول الشاعر يصف حربا عظيمة :
__________
(1) في اللسان : (ربذ العنان ، أي منفردا منهزما) .
(2) المذروان : الجانبان من كل شئ ، وقد يطلقان على المنكبين .
(3) ديوانه 65 .
(*)(20/211)
إذا خرس الفحل وسط الحجور وصاح الكلاب وعق الولد .
يريد أن الفحل إذا عاين الجيش والبارقة لم يلتفت لفت الحجور ولم يصهل ، وتنبح الكلاب أربابها ، لانها لا تعرفهم للبسهم الحديد ، وتذهل المرأة عن ولدها رعبا ، فجعل ذلك عقوقا .
ويقولون : أصبح فلان على قرن أعفر ، وهو الظبى إذا أرادوا أصبح على خطر ، وذلك لان قرن الظبى ليس يصلح مكانا ، فمن كان عليه فهو على خطر ، قال امرؤ القيس : ولا مثل يوم بالعظالى قطعته كأنى وأصحابي على قرن أعفرا (1) وقال أبو العلاء المعرى : * كأننى فوق روق الظبى من حذر (2) * وأنشد ابن دريد في هذا المعنى : وما خير عيش لا يزال كأنه محلة يعسوب برأس سنان يعنى من القلق وإنه غير مطمئن .
ويقولون : به داء الظبى ، إى لا داء به ، لان الظبى صحيح لا يزال ، والمرض قل أن يعتريه ، ويقولون : للمتلون المختلف الاحوال ظل الذئب ، لانه لا يزل مرة هكذا ومرة هكذا ويقولون : به داء الذئب ، أي الجوع .
__________
(1) ديوانه 70 وروايته : ولا مثل يوم في قذران ظلته كأنى وأصحابي على قرن أعفرا (2) سفط الزند 131 ، وصدره : * في بلدة مثل ظهر الظبى بت لها * (*)(20/212)
وعهد فلان عهد الغراب ، يعنون إنه غادر ، قالوا : لان كل طائر يألف أنثاه إلا الغراب ، فإنه إذا باضت الانثى تركها وصار إلى غيرها .
ويقولون : ذهب سمع الارض وبصرها ، أي حيث لا يدرى أين هو ! وتقولون : القى عصاه ، إذا أقام واستقر ، قال الشاعر : فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالاياب المسافر (1) ووقع القضيب من يد الحجاج وهو يخطب ، فتطير بذلك حتى بان في وجهه ، فقام إليه رجل فقال : إنه ليس ما سبق وهم الامير إليه ، ولكنه قول القائل ، وأنشده البيت ، فسرى عنه .
ويقال للمختلفين ، طارت عصاهم شققا .
ويقال : فلان منقطع القبال (2) أي لا رأى له .
وفلان عريض البطان ، أي كثير الثروة .
وفلان رخى اللب ، أي في سعة .
وفلان واقع الطائر ، أي ساكن .
وفلان شديد الكاهل ، أي منيع الجانب .
وفلان ينظر في أعقاب نجم مغرب ، أي هو نادم آيس ، قال الشاعر : فأصبحت من ليلى الغداة كناظر مع الصبح في أعقاب نجم مغرب (3) وسقط في يده ، أي أيقن بالهلكة .
وقد رددت يده إلى فيه ، أي منعته من الكلام .
وبنو فلان يد على بنى فلان ، أي مجتمعون .
__________
(1) اللسان (عصا) .
(2) القبال : زمام النعل .
(3) للمجنون ، ديوانه 79 .
(*)(20/213)
وأعطاه كذا عن ظهر يد ، أي ابتداء لا عن مكافأة .
ويقولون : جاء فلان ناشرا أذنيه ، أي جاء طامعا .
ويقال هذه فرس غير محلفة ، أي لا تحوج صاحبها إلى أن يحلف إنها كريمة ، قال : كميت غير محلفة ولكن كلون الصرف عل به الاديم .
وتقول : حلب فلان الدهر أشطره ، أي مرت عليه صروبه خيره وشره .
وقرع فلان لامر ظنبوبة ، أي جد فيه واجتهد .
وتقول : أبدى الشر نواجذه ، أي ظهر .
وقد كشفت الحرب عن ساقها ، وكشرت عن نابها .
وتقول : استنوق الجمل ، يقال ذلك للرجل يكون في حديث ينتقل إلى غيره يخلطه به .
وتقول لمن يهون بعد عز : استأتن العير .
وتقول للضعيف يقوى : استنسر البغاث .
ويقولون : شراب بأنقع ، أي معاود للامور ، وقال الحجاج : يا أهل العراق ، إنكم شرابون بانقع ، أي معتادون الخير والشر .
والانقع : جمع نقع ، وهو ما استنقع من الغدران ، وأصله في الطائر الحذر يرد المناقع في الفلوات حيث لا يبلغه قانص ، ولا ينصب له شرك(20/214)
[ حديث عن امرئ القيس ] ونختم هذا الفصل في الكنايات بحكاية رواها أبو الفرج على بن الحسين الاصبهاني ، قال أبو الفرج : اخبرني (1) محمد بن القاسم الانباري ، قال : حدثنى ابن عمى ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله ، عن الهيثم بن عدى .
قال : وحدثني عمى ، قال : حدثنا محمد بن سعد الكرانى ، قال : حدثنا العمرى ، عن الهيثم بن عدى ، عن مجالد بن سعيد ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة أميرا على العراق ، فأرسل إلى عشرة من وجوه أهل الكوفة أنا أحدهم ، فسرنا عنده ، فقال : ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمرو ، فقلت : أصلح الله الامير ! أحديث حق أم حديث باطل ؟ قال : بل حديث حق ، فقلت : إن امرأ القيس كان آلى ألية (2) ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنتين ، فجعل يخطب النساء ، فإذا سألهن عن هذا قلن : اربعة عشر ، فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة له كأنها البدر لتمه ، فأعجبته ، فقال لها : يا جارية ، ما ثمانية ، وأربعة ، واثنتان ، فقالت : أما ثمانية فأطباء الكلبة ، وأما أربعة : فأخلاف الناقة ، وأما اثنتان فثديا المرأة ، فخطبها إلى أبيها ، فزوجه إياها وشرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال ، فجعل لها ذلك ، وعلى أن يسوق إليها مائة من الابل ، وعشرة أعبد ، وعشر وصائف ، وثلاثة أفراس ، ففعل ذلك ، ثم بعث عبدا إلى المرأة ، وأهدى إليها معه نحيا من سمن ونحيا (3) من عسل وحلة من عصب ، فنزل العبد على بعض المياه ، ونشر الحلة فلبسها فتعلقت بسمرة فانشقت ، وفتح النحيين فاطعم أهل الماء منهما فنقصا ، ثم قدم على المرأة وأهلها خلوف (4) فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ، ودفع إليها
__________
(1) الاغانى 9 : 101 - 103 .
(2) الاغانى : (بألية) (3) النحى : الزق .
(4) خلوف : غيب .
(*)(20/215)
هديتها ، فقالت أعلم مولاك إن أبى ذهب يقرب بعيدا ، ويبعد قريبا ، وإن أمي ذهبت تشق النفس نفسين ، وإن أخى ذهب يراعى الشمس ، وإن سماءكم انشقت ، وإن وعاءيكم نضبا .
فقدم الغلام على مولاه ، فأخبره فقال : أما قولها : إن أبى ذهب يقرب بعيدا ، ويبعد قريبا ، فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه ، وأما قولها : إن أمي ذهبت تشق النفس نفسين ، فإن أمها ذهبت تقبل (1) امرأة نفساء .
وأما قولها : إن أخى ذهب يراعى الشمس ، فإن أخاها في سرح له يرعاه ، فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به ، وأما قولها : إن سماءكم انشقت ، فإن البرد الذى بعثت به انشق ، وأما قولها إن وعاءيكم نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا ، فاصدقني .
فقال : يا مولاى ، إنى نزلت بماء من مياه العرب ، فسألوني عن نسبي فأخبرتهم إنى ابن عمك ، ونشرت الحلة ولبستها وتجملت بها ، فتعلقت بسمرة فانشقت ، وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء ، فقال : أولى لك ! ثم ساق مائة من الابل ، وخرج نحوها ومعه العبد يسقى الابل ، فعجز ، فأعانه امرؤ القيس ، فرمى به العبد في البئر ، وخرج حتى أتى إلى أهل الجارية بالابل ، فأخبرهم إنه زوجها ، فقيل لها : قد جاء زوجك ، فقالت : والله ما أدرى أزوجى هو أم لا ! ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها ، ففعلوا ، فأكل ما أطعموه ، فقالت : اسقوه لبنا حازرا وهو الحامض - فسقوه فشرب ، فقالت افرشوا له عند الفرث (2) والدم ، ففرشوا له ، فنام فلما أصبحت أرسلت إليه : إنى أريد أن أسألك ، فقال لها : سلى عما بدا لك ، فقالت : مم تختلج شفتاك ؟ قال : من تقبيلي إياك ، فقالت : مم يختلج كشحاك ، قال : لالتزامى إياك ، قالت : فمم يختلج فخذاك ؟
__________
(1) يقال : قبلت القابلة المرأة ، إذا تلقت ولدها عند ولادته .
(2) الفرث : السرجين ما دام في الكرش .
(*)(20/216)
قال : لتوركى إياك ، فقالت عليكم العبد فشدوا أيديكم به ، ففعلوا .
قال : ومر قوم فاستخرجوا امرا القيس من البئر ، فرجع إلى حيه وساق مائة من الابل ، وأقبل إلى امرأته فقيل لها ، قد جاء زوجك ، فقالت : والله ما أدرى أزوجى هو أم لا ! ولكن انحروا له جزورا ، وأطعموه من كرشها وذنبها ، ففعلوا ، فلما أتوه بذلك قال : وأين الكبد والسنام والملحاء (1) ، وأبى أن يأكل ، فقالت : اسقوه لبنا حازرا ، فأتى به ، فأبى إن يشربه ، وقال : فأين الضريب (2) والرثيئة ؟ فقالت : افرشوا له عند الفرث والدم ، ففرشوا له فأبى أن ينام ، وقال : افرشوا لى عند التلعة الحمراء ، واضربوا لى عليها خباء ، ثم أرسلت إليه : هلم شريطتى عليك في المسائل الثلاث ، فأرسل إليها أن سلى عما شئت ، فقالت : مم تختلج شفتاك ؟ فقال : لشربي المشعشعات ، قالت : فمم يختلج كشحاك ؟ قال : للبسى الحبرات .
قالت : فمم تختلج فخذاك ؟ قال : لركضي المطهمات (3) ، فقالت : هذا زوجي لعمري ، فعليكم به .
فاهديت إليه الجارية .
فقال ابن هبيرة : حسبكم ، فلا خير في الحديث سائر الليلة بعد حديث أبى عمرو ، ولن يأتينا أحد منكم بأعجب منه ، فانصرفنا وأمر لى بجائزة .
__________
(1) اللحاء : لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز من البعير .
(2) والضريب : هو اللبن يحلب من عدة لقاح ، وفى الاغانى : (الصريف) .
وهو الحلب الحار ساعة يصرف من الضرع ، والرثيئة : اللبن الحليب يصب عليه اللبن الحامض ، فيروب من ساعته .
(3) المطهمات : الخيل التامة الحسن .
(*)(20/217)
(476) الاصل : وقال عليه السلام في كلام له : ووليهم وال فأقام واستقام ، حتى ضرب الدين بجرانه .
الشرح : الجران : مقدم العنق ، وهذا الوالى هو عمر بن الخطاب .
وهذا الكلام من خطبة خطبها في أيام خلافته طويلة ، يذكر فيها قربه من النبي صلى الله عليه وآله واختصاصه له ، وإفضاءه بأسراره إليه ، حتى قال فيها : فاختار المسلمون بعده بآرائهم رجلا منهم ، فقارب وسدد حسب استطاعته على ضعف وحد كانا فيه ، وليهم بعده وال ، فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ، على عسف وعجرفيه كانا فيه ، ثم اختلفوا ثالثا لم يكن يملك من أمر نفسه شيئا ، غلب عليه أهله فقادوه إلى أهوائهم كما تقود الوليدة البعير المخطوم ، فلم يزل الامر بينه وبين الناس يبعد تارة ويقرب أخرى حتى نزوا عليه فقتلوه ثم جاءوا بى مدب الدبا ، يريدون بيعتى .
وتمام الخطبة معروف ، فليطلب من الكتب الموضوعة لهذا الفن .(20/218)
(477) الاصل : وقال عليه السلام : يأتي على الناس زمان عضوض ، يعض الموسر فيه على ما في يديه ، ولم يؤمر بذلك ، قال الله سبحانه : (ولا تنسوا الفضل بينكم) ، ينهد فيه الاشرار ، ويستذل الاخيار ، ويبايع المضطرون ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع المضطرين .
الشرح : زمان عضوض ، أي كلب على الناس ، كأنه يعضهم ، وفعول للمبالغة ، كالنفور العقوق ، ويجوز أن يكون من قولهم بئر عضوض ، أي بعيدة القعر ضيقه ، وما كانت البئر عضوضا ، فأعضت كقولهم : ما كانت جرورا فاجرت ، وهى كالعضوض .
وعض فلان على ما في يده أي بخل وأمسك .
وينهد فيه الاشرار ، ينهضون إلى الولايات والرياسات ، وترتفع أقدارهم في الدنيا ، ويستذل فيه أهل الخير والدين .
ويكون فيه بيع على وجه الاضطرار والالجاء ، كمن بيعت (1) ضيعته ، وهو ذليل ضعيف ، من رب ضيعة مجاورة لها ذى ثروه وعز وجاه فيلجئه بمنعه الماء واستذلاله الاكره والوكيل إلى أن يبيعها عليه ، وذلك منهى عنه ، لانه حرام محض .
__________
(1) ب : (بيع) .
(*)(20/219)
(478) الاصل : وقال عليه السلام : يهلك في رجلان : محب مفرط ، وباهت مفتر .
قال الرضى رحمه الله تعالى : وهذا مثل قوله عليه السلام : يهلك في اثنان : محب غال ، ومبغض قال .
الشرح : قد تقدم شرح مثل هذا الكلام ، وخلاصه هذا القول : إن الهالك فيه المفرط ، والمفرط أما المفرط فالغلاة ، ومن قال بتكفير أعيان الصحابة ونفاقهم أو فسقهم ، وأما المفرط فمن استنقص به عليه السلام أو أبغضه أو حاربه أو أضمر له غلا ، ولهذا كان أصحابنا أصحاب النجاة والخلاص والفوز في هذه المسألة ، لانهم سلكوا طريقة مقتصدة ، قالوا : هو أفضل الخلق في الاخرة ، وأعلاهم منزلة في الجنة ، وأفضل الخلق في الدنيا ، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب ، وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه فانه عدو لله سبحانه وخالد في النار مع الكفار والمنافقين ، إلا أن يكون ممن قد ثبتت توبته ، ومات على توليه وحبه .
فأما الافاضل من المهاجرين والانصار الذين ولوا الامامة قبله فلو إنه أنكر امامتهم(20/220)
وغضب عليهم ، وسخط فعلهم ، فضلا عن أن يشهر عليهم السيف ، أو يدعو إلى نفسه ، لقلنا : إنهم من الهالكين ، كما لو غضب عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، لانه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : (حربك حربى ، وسلمك سلمى ، ، وإنه قال : (اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه) ، وقال له : (لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك الا منافق) ، ولكنا رأينا رضى إمامتهم وبايعهم وصلى خلفهم وأنكحهم وأكل من فيئهم ، فلم يكن لنا أن نتعدى فعله ، ولا نتجاوز ما اشتهر عنه ، إلا ترى إنه لما برئ من معاوية برئنا منه ، ولما لعنه لعناه ، ولما حكم بضلال أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص وعبد الله ابنه وغيرهما حكمنا أيضا بضلالهم ! والحاصل إنا لم نجعل بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله إلا رتبه النبوة ، وأعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه (1) ، ولم نطعن في أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا انه طعن فيهم ، وعاملناهم بما عاملهم عليه السلام به .
[ فصل فيما قيل في التفضيل بين الصحابة ] والقول بالتفضيل قول قديم ، قد قال به كثير من الصحابة والتابعين ، فمن الصحابة عمار ، والمقداد ، وأبو ذر ، وسلمان ، وجابر بن عبد الله ، وأبى بن كعب ، وحذيفة ، و بريدة ، وأبو أيوب ، وسهل بن حنيف ، وعثمان بن حنيف ، وأبو الهيثم بن التيهان ، و خزيمة بن ثابت ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة ، والعباس بن عبد المطلب وبنوه ، وبنو هاشم كافة ، وبنو المطلب كافة .(20/221)
وكان الزبير من القائلين به في بدء الامر ، ثم رجع ، وكان من بنى أمية قوم يقولون بذلك ، منهم خالد بن سعيد بن العاص ، ومنهم عمر بن عبد العزيز .
وأنا اذكر هاهنا الخبر المروى المشهور عن عمر ، وهو من رواية ابن الكلبى ، قال : بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه ، دخل حاجبه ومعه امرأة أدماء طويلة حسنة الجسم والقامة ، ورجلان متعلقان بها ، ومعهم كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر ، فدفعوا إليه الكتاب ، ففضه فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ، من ميمون بن مهران ، سلام عليك ورحمه الله وبركاته ، أما بعد ، فإنه ورد علينا امر ضاقت به الصدور ، وعجزت عنه الاوساع (1) ، وهربنا بأنفسنا عنه ، ووكلناه إلى عالمه ، لقول الله عز وجل : (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (2) ، وهذه المرأة والرجلان أحدهما زوجها والاخر أبوها ، وإن أباها يا أمير المؤمنين زعم إن زوجها حلف بطلاقها إن على بن أبى طالب عليه السلام خير هذه الامة وأولاها برسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنه يزعم أن ابنته طلقت منه ، وإنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه صهرا ، وهو يعلم إنها حرام عليه كأمه .
وإن الزوج يقول له : كذبت وأثمت ، لقد بر قسمي ، وصدقت مقالتي ، وإنها امرأتي على رغم أنفك ، وغيظ قلبك ، فاجتمعوا إلى يختصمون في ذلك ، فسألت الرجل عن يمينه ، فقال : نعم ، قد كان ذلك ، وقد حلفت بطلاقها إن عليا خير هذه الامة وأولاها برسول الله صلى الله عليه وآله ، عرفه من عرفه ، وأنكره من أنكره ، فليغضب من
__________
(1) الاوساع : جمع وسع ، وهو الطاقة .
(2) سورة النساء 83 .
(*)(20/222)
غضب ، وليرض من رضى ، وتسامع الناس بذلك ، فاجتمعوا له ، وإن كانت الالسن مجتمعة فالقلوب شتى ، وقد علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم ، وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة ، فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله ، وإنهما تعلقا بها ، وأقسم أبوها ألا يدعها معه ، وأقسم زوجها ألا يفارقها ولو ضربت عنقها إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه ، فرفعناهم إليك يا أمير المؤمنين ، احسن الله توفيقك وأرشدك ! وكتب في أسفل الكتاب إذا ما المشكلات وردن يوما فحارت في تأملها العيون وضاق القوم ذرعا عن نبأها فأنت لها أبا حفص أمين لانك قد حويت العلم طرا وأحكمك التجارب والشئون وخلفك الاله على الرعايا فحظك فيهم الحظ الثمين .
قال : فجمع عمر بن عبد العزيز بنى هاشم وبنى أمية وأفخاذ قريش ، ثم قال لابي المرأة : ما تقول أيها الشيخ ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، هذا الرجل زوجته ابنتى ، وجهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها ، حتى إذا أملت خيره ، ورجوت صلاحه ، حلف بطلاقها كاذبا ، ثم أراد الاقامة معها ، فقال له عمر : يا شيخ ، لعله لم يطلق امرأته ، فكيف حلف ؟ قال الشيخ : سبحان الله ، الذى حلف عليه لابين حنثا وأوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك ، مع سنى وعلمي ، لانه زعم أن عليا خير هذه الامة وإلا فامرأته طالق ثلاثا ، فقال للزوج : ما تقول ؟ أهكذا حلفت ؟ قال : نعم ، فقيل : إنه لما قال نعم ، كاد المجلس يرتج بأهله ، وبنو أمية ينظرون إليه شزرا ، إلا إنهم لم ينطقوا بشئ ، كل ينظر إلى وجه عمر .(20/223)
فأكب عمر مليا ينكت الارض بيده والقوم صامتون ينظرون ما يقوله ، ثم رفع رأسه وقال : إذا ولى الحكومة بين قوم أصاب الحق والتمس السدادا وما خير الامام إذا تعدى خلاف الحق واجتنب الرشادا .
ثم قال للقوم : ما تقولون في يمين هذا الرجل ؟ فسكتوا ، فقال : سبحان الله ! قولوا .
فقال رجل من بنى أمية : هذا حكم في فرج ، ولسنا نجترئ على القول فيه ، وأنت عالم بالقول ، مؤتمن لهم وعليهم ، قل ما عندك ، فإن القول ما لم يكن يحق باطلا ويبطل حقا جائز على في مجلسي .
قال : لا أقول شيئا ، فالتفت إلى رجل من بنى هاشم من ولد عقيل بن أبى طالب ، فقال له : ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي ؟ فاغتنمها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن جعلت قولى حكما ، أو حكمي جائزا قلت ، وإن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لى ، وأبقى للمودة ، قال : قل وقولك حكم ، وحكمك ماض .
فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا : ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا ، ونحن من لحمتك وأولى رحمك ، فقال عمر : اسكتوا ، إعجزا ولؤما ! عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له .
قالوا : لانك لم تعطنا ما أعطيت العقيلى ، ولا حكمتنا كما حكمته ، فقال عمر : إن كان أصاب وأخطأتم ، وحزم وعجزتم ، وأبصر وعميتم ، فما ذنب عمر ، لا أبا لكم ! أتدرون ما مثلكم ؟ قالوا : لا ندرى ، قال : لكن العقيلى يدرى ، ثم قال : ما تقول يا رجل ، قال : نعم يا أمير المؤمنين ، كما قال الاول : دعيتم إلى أمر فلما عجزتم تناوله من لا يداخله عجز فلما رأيتم ذاك ابدت نفوسكم نداما وهل يغنى من القدر الحذر ! فقال عمر : أحسنت وأصبت ، فقل ما سألتك عنه .
قال : يا أمير المؤمنين ،(20/224)
بر قسمه ، ولم تطلق امرأته ، قال : وإنى علمت ذاك ؟ قال : نشدتك الله يا أمير المؤمنين ، ألم تعلم إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام وهو عندها في بيتها عائد لها : يا بنية ، ما علتك قالت : الوعك يا أبتاه - وكان على غائبا في بعض حوائج النبي صلى الله عليه وآله - فقال لها : أتشتهين شيئا ؟ قالت : نعم أشتهى عنبا ، وأنا اعلم إنه عزيز ، وليس وقت عنب ، فقال صلى الله عليه وآله : ان الله قادر على أن يجيئنا به ، ثم قال : اللهم ائتنا به مع أفضل أمتى عندك منزلة ، فطرق على الباب ، ودخل ومعه مكتل قد ألقى عليه طرف ردائه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ما هذا يا على ؟ قال : عنب التمسته لفاطمة ، فقال : الله أكبر الله أكبر ، اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي ، ثم قال : كلى على اسم الله يا بنية ، فأكلت ، وما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى استقلت وبرأت ، فقال عمر : صدقت وبررت ، أشهد لقد سمعته ووعيته ، يا رجل ، خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه .
ثم قال : يا بنى عبد مناف ، والله ما نجهل ما يعلم غيرنا ، ولا بنا عمى في ديننا ، ولكنا كما قال الاول : تصيدت الدنيا رجالا بفخها فلم يدركوا خيرا بل استقبحوا الشرا وأعماهم حب الغنى واصمهم فلم يدركوا إلا الخسارة والوزرا قيل : فكأنما القم بنى أمية حجرا ، ومضى الرجل بامرأته .
وكتب عمر إلى ميمون بن مهران : عليك سلام فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإنى قد فهمت كتابك ، وورد الرجلان والمرأة ، وقد صدق الله يمين الزوج ، وأبر قسمه ، وأثبته على نكاحه ، فاستيقن ذلك ، واعمل عليه ، والسلام عليك ورحمه الله وبركاته .(20/225)
فاما من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرنى وزيد بن صوحان ، وصعصعة أخيه وجندب (1) الخير ، وعبيدة السلمانى ، وغيرهم ممن لا يحصى كثرة ، ولم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله ، ولم تكن مقالة الامامية ومن نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الاشتهار ، فكان القائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعة ، وجميع ما ورد من الاثار والاخبار في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة ، فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم ، ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم : نحن الشيعة حقا .
فهذا القول هو أقرب إلى السلامة وأشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفي الافراط والتفريط إن شاء الله .
__________
(1) في د (وحبيب .
(*)(20/226)
(479) الاصل : وسئل عن التوحيد والعدل ، فقال : التوحيد ألا تتوهمه ، والعدل ألا تتهمه .
الشرح : هذان الركنان هما ركنا علم الكلام ، وهما شعار أصحابنا المعتزلة ، لنفيهم المعاني القديمة التى يثبتها الاشعري وأصحابه ، ولتنزيههم البارئ سبحانه عن فعل القبيح .
ومعنى قوله : (ألا تتوهمه) أي ألا تتوهمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة ، أو مالئا لكل الجهات كما ذهب إليه قوم ، أو نورا من الانوار ، أو قوة ساريه في جميع العالم ، كما قاله قوم ، أو من جنس الاعراض التى تحل الحال أو تحل المحل ، وليس بعرض كما قاله النصارى وغلاة الشيعة ، أو تحله المعاني والاعراض ، فمتى توهم على شئ من هذا فقد خولف التوحيد ، وذلك لان كل جسم أو عرض أو حال في محل أو محل الحال ، أو مختص بجهة ، لا بد أن يكون منقسما في ذاته ، لا سيما على قول من نفى الجزاء مطلقا ، وكل منقسم فليس بواحد ، وقد ثبت إنه واحد .
وأضاف أصحابنا إلى التوحيد نفى المعاني القديمة ، ونفى ثان في الالهية ، ونفى الرؤية ، ونفى كونه مشتهيا أو نافرا أو ملتذا (1) أو آلما أو عالما بعلم محدث ، أو قادرا بقدرة محدثة ، أو حيا بحياة محدثة ، أو نفى كونه عالما بالمستقبلات أبدا ، أو نفى كونه عالما بكل معلوم أو قادرا
__________
(1) في د (متلذذا) .
(*)(20/227)
على كل الاجناس وغير ذلك من مسائل علم الكلام التى يدخلها أصحابنا في الركن الاول ، وهو التوحيد .
وأما الركن الثاني فهو ألا تتهمه ، أي لا تتهمه في إنه أجبرك على القبيح ، ويعاقبك عليه ، حاشاه من ذلك ! ولا تتهمه في إنه مكن الكذابين من المعجزات ، فاضل بهم الناس ، ولا تتهمه في إنه كلفك ما لا تطيقه ، وغير ذلك من مسائل العدل التى يذكرها أصحابنا مفصلة في كتبهم كالعوض عن الالم ، فإنه لا بد منه ، والثواب على فعل الواجب فإنه لا بد منه ، وصدق وعده ووعيده ، فإنه لا بد منه .
وجملة الامر أن مذهب أصحابنا في العدل والتوحيد ماخوذ عن أمير المؤمنين .
وهذا المواضع من الموضع التى قد صرح فيها بمذهب أصحابنا بعينه ، وفى فرش كلامه من هذا النمط ما لا يحصى .(20/228)
(480) الاصل : وقال عليه السلام : في دعاء استسقى به : اللهم اسقنا ذلل السحائب دون صعابها .
قال الرضى رحمه الله تعالى : وهذا من الكلام العجيب الفصاحة ، وذلك إنه عليه السلام شبه السحب ذوات الرعود والبوارق ، والرياح والصواعق ، بالابل الصعاب التى تقمص برحالها (1) ، وتتوقص بركبانها ، وشبه السحائب الخالية من تلك الزوابع بالابل الذلل التى تحتلب طيعة ، وتقتعد مسمحة .
الشرح : قد كفانا الرضى - رحمه الله - بشرحه هذه الكلمة مئونة الخوض في تفسيرها .
__________
(1) في د (بصاحبها) .
(*)(20/229)
(481) الاصل : وقيل له عليه السلام : لو غيرت شيبك يا أمير المؤمنين ! فقال : الخضاب زينة ، ونحن قوم في مصيبة برسول الله صلى الله عليه وآله .
الشرح : [ مختارات مما قيل من الشعر في الشيب والخضاب ] قد تقدم لنا في الخضاب قول كاف ، وأنا أستملح قول الصابى فيه : خضاب تقاسمناه بينى وبينها ولكن شأني فيه خالف شأنها فيا قبحه إذ حل منى بمفرقى ويا حسنه إذ حل منها بنانها وسحقا له عن لمتى حين شأنها وأهلا به في كفها حيث زانها .
وقال أبو تمام : لعب الشيب بالمفارق بل جد فأبكى تماضرا ولعوبا (1) خضبت خدها إلى لؤلؤ العقد دما إن رأت شواتى خضيبا (2) كل داء يرجى الدواء له إلا الفظيعين ميتة ومشيبا يا نسيب الثغام ذنبك أبقى حسناتي عند الحسان ذنوبا (3) * (همش) * (1) ديوانه 1 : 166 ، وتماضر ولعوب من أسماء النساء .
(2) الشواة : جلدة الرأس .
(3) الثغام : نبت أبيض يشبه الشيب .
(*)(20/230)
ولئن عبن ما رأين لقد أنكرن مستنكرا وعبن معيبا لو رأى الله إن في الشيب فضلا جاورته الابرار في الخلد شيبا .
وقال : فإن يكن المشيب طغى علينا وأودى بالبشاشة والشباب فإنى لست ادفعه بشئ يكون عليه أثقل من خضاب أردت بان ذاك وذا عذاب فسلطت العذاب على العذاب .
ابن الرومي : لم أخضب الشيب للغوانى أبغى به عندهم ودادا لكن خضابي على شباب لبست من بعده حدادا .
ومن مختار ما جاء من الشعر في الشيب وإن لم يكن فيه ذكر الخضاب قول أبى تمام : نسج المشيب له لفاعا مغدفا يققا فقنع مذرويه ونصفا نظر الزمان إليه قطع دونه نظر الشقيق تحسرا وتلهفا ما اسود حتى ابيض كالكرم الذى لم يبد حتى جئ كيما يقطفا لما تفوفت الخطوب سوادها ببياضها عبثت به فتفوفا ما كان يخطر قبل ذا في فكره للبدر قبل تمامه أن يكسفا .
وقال أيضا : غدا الهم مختطا بفودى خطة طريق الردى منها إلى الموت مهيع (1)
__________
(1) ديوانه 2 : 324 .
(*)(20/231)
هو الزور يجفى و المعاشر يجتوى وذو الالف يقلى والجديد يرقع له منظر في العين أبيض ناصع ولكنه في القلب أسود أسفع ونحن نرجيه على الكره والرضا وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع .
وقال أيضا : شعلة في المفارق استودعتني في صميم الاحشاء ثكلا صميما (1) تستثير الهموم ما اكتن منها صعدا وهى تستثير الهموما غره مرة ألا إنما كنت أغر أيام كنت بهيما دقة في الحياة تدعى جلالا مثل ما سمى اللديغ سليما حلمتنى زعمتم وأرانى قبل هذا التحليم كنت حليما .
وقال الصابى : وذكر الخضاب خضبت مشيبي للتعلق بالصبا وأوهمت من أهواه إنى لم أشب فلما ادعى منى العذار شبيبه إذا صلعى قد صاح من فوقه كذب فكم طرة طارت ودانت ذوائب وكم وجنة حالت وماء بها نضب شواهد بالتزوير يحوين ربها فهجرانه عند الاحبة قد وجب .
البحترى : بان الشباب فلا عين ولا أثر إلا بقية برد منه أسمال قد كدت أخرجه عن منتهى عددي يأسا وأسقطه إذ فات من بالى سوء العواقب يأس قبله أمل وأعضل الداء نكس بعد إبلال والمرء طاعة أيام تنقله تنقل الظل من حال إلى حال
__________
(1) ديوانه 3 : 223 .
(*)(20/232)
(482) الاصل : وقال عليه السلام : ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجرأ ممن قدر فعف ، لكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة .
[ نبذ وحكايات حول العفة ] الشرح : قد تقدم القول في العفة ، وهى ضروب : عفة اليد ، وعفة اللسان ، وعفة الفرج ، وهى العظمى ، وقد جاء في الحديث المرفوع : (من عشق فكتم وعف وصبر فمات مات شهيدا ودخل الجنة) .
وفى حكمة سليمان بن داود : إن الغالب لهواه أشد من الذى يفتح المدينة وحده .
نزل خارجي على بعض إخوانه منهم مستترا من الحجاج ، فشخص المنزول عليه لبعض حاجاته وقال لزوجته : يا ظمياء ، أوصيك بضيفي هذا خيرا - وكانت من أحسن الناس - فلما عاد بعد شهر قال لها : كيف كان ضيفك ؟ قالت : ما أشغله بالعمى عن كل شئ ، وكان الضيف أطبق جفنيه فلم ينظر إلى المرأة ولا الى منزلها إلى أن عاد زوجها .(20/233)
وقال الشاعر : إن أكن طامح اللحاظ فإنى والذى يملك القلوب عفيف .
خرجت امرأة من صالحات نساء قريش إلى بابها لتغلقه ، ورأسها مكشوف ، فرآها رجل أجنبي فرجعت وحلقت شعرها ، وكانت من أحسن النساء شعرا ، فقيل لها في ذلك ، قالت : ما كنت لادع على رأسي شعرا رآه من ليس لى بمحرم .
كان ابن سيرين يقول : ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله وإنى لارى المرأة في المنام وأعلم إنها لا تحل لى فأصرف بصرى عنها .
وقال بعضهم : وإنى لعف عن فكاهة جارتي وإنى لمشنوء إلى اغتيابها إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها صديقا ولم تأنس إلى كلابها ولم أك طلابا أحاديث سرها ولا عالما من أي حوك ثيابها دخلت بثينه على عبد الملك بن مروان ، فقال : ما أرى فيك يا بثينة شيئا مما كان يلهج به جميل ! فقالت : إنه كان يرنو الى بعينين ليستا في رأسك يا أمير المؤمنين ، قال : فكيف صادفته في عفته ؟ قالت : كما وصف نفسه إذ قال : لا والذى تسجد الجباة له ما لى بما ضم ثوبها خبر (1) ولا بفيها ولا هممت به ما كان إلا الحديث والنظر وقال أبو سهل الساعدي : دخلت على جميل في مرض موته ، فقال : يا أبا سهل ، رجل يلقى الله ولم يسفك دما حراما ، ولم يشرب خمرا ، ولم يأت فاحشه ، أترجو له الجنة ؟ قلت : إى والله فمن هو ؟ قال : إنى لارجو أن أكون أنا ذلك ، فذكرت له بثينة ،
__________
(1) ديوانه 89 ، 90 .
(*)(20/234)
فقال : إنى لفى آخر يوم من أيام الدنيا ، وأول يوم من أيام الاخرة ، لا نالتنى شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة معها أو مع غيرها قط .
قال الشاعر : قالت وقلت ترفقي فصل حبل امرئ بوصالكم صب صادق إذا بعلى فقلت لها الغدر شئ ليس من شعبى ثنتان لا أصبو لوصلهما عرس الصديق وجاره الجنب أما الصديق فلست خائنه والجار أوصاني به ربى .
يقال إن امرأة ذات جمال دعت عبد الله بن عبد المطلب إلى نفسها لما كانت ترى على وجهه من النور ، فأبى وقال : أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فاستبينه فكيف بالامر الذى تبغينه يحمى الكريم عرضه ودينه راود توبة بن الحمير ليلى الاخيلية مرة عن نفسها ، فاشمأزت منه وقالت : وذى حاجة قلنا له لا تبح بها فليس إليها ما حييت سبيل (1) لنا صاحب لا ينبغى أن نخونه وأنت لاخرى صاحب وخليل .
ابن ميادة : موانع لا يعطين حبه خردل وهن زوان في الحديث اوانس ويكرهن أن يسمعن في اللهو ريبة كما كرهت صوت اللجام الشوامس .
آخر : بيض أوانس ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام
__________
(1) أمالى القالى 1 : 88 .
(*)(20/235)
يحسبن من لين الكلام زوانيا ويصدهن عن الخنا الاسلام في الحديث المرفوع : (لا تكونن حديد النظر إلى ما ليس لك ، فإنه لا يزنى فرجك ما حفظت عينيك ، وإن استطعت ألا تنظر إلى ثوب المرأة التى لا تحل لك فافعل ولن تستطيع ذلك إلا بإذن الله) .
كان ابن المولى الشاعر المدنى موصوفا بالعفة وطيب الازار ، فأنشد عبد الملك شعرا له من جملته : وأبكى فلا ليلى بكت من صبابة لباك ولا ليلى لذى البذل تبذل وأخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا وإن أذنبت كنت الذى أتنصل .
فقال عبد الملك : من ليلى هذه ؟ إن كانت حرة لازوجنكها ، وإن كانت أمة لاشترينها لك بالغة ما بلغت ، فقال : كلا يا أمير المؤمنين ، ما كنت لاصعر وجه حر أبدا في حرته ولا في أمته ، وما ليلى التى أنست بها إلا قوسى هذه سميتها ليلى لان الشاعر لا بد له من النسيب .
ابن الملوح المجنون : كان على أنيابها الخمر مجة بماء الندى من آخر الليل غابق (1) وما ذقته إلا بعينى تفرسا كما شيم من أعلى السحابة بارق .
هذا مثل بيت الحماسة : بأعذب من فيها وما ذقت طعمه ولكننى فيما ترى العين فارس (2) شاعر : ما إن دعاني الهوى لفاحشة إلا نهانى الحياء والكرم
__________
(1) ديوانه 203 .
(2) لابي صغيرة البولانى ، ديوان الحماسة 3 : 1281 - بشرح المرزوقى .
(*)(20/236)
ولا إلى محرم مددت يدى ولا مشت بى لريبة قدم .
العباس بن الاحنف : اتأذنون لصب في زيارتكم فعندكم شهوات السمع والبصر (1) لا يضمر السوء إن طال الجلوس به عف الضمير ولكن فاسق النظر .
قال بعضهم : رأيت امرأة مستقبلة البيت في الموسم ، وهى في غاية الضر والنحافة رافعة يديها تدعو ، فقلت لها هل لك من حاجة ؟ قالت : حاجتى أن تنادى في الموقف بقولى : تزود كل الناس زادا يقيمهم وما لى زاد والسلام على نفسي .
ففعلت ، وإذا أنا بفتى منهوك ، فقال : أنا الزاد ، فمضيت به إليها ، فما زادوا على النظر والبكاء ، ثم قالت له : انصرف مصاحبا ، فقلت : ما علمت إن التقاءكما يقتصر فيه على هذا ، فقالت : أمسك يا فتى ، أما علمت إن ركوب العار ودخول النار شديد .
قال بعضهم : كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني منه الحياء وخوف الله والحذر وكم خلوت بمن أهوى فيقنعني منه الفكاهة والتحديث والنظر أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم وليس لى في حرام منهم وطر كذلك الحب لا إتيان معصية لا خير في لذة من بعدها سقر .
قال محمد بن عبد الله بن طاهر لبنيه : اعشقوا تظرفوا ، وعفوا تشرفوا .
وصف اعرابي امرأة طرقها ، فقال : ما زال القمر يرينيها فلما غاب أرتنيه ، فقيل : فما كان بينكما ؟ قال : ما أقرب ما أحل الله مما حرم ، إشارة في غير باس ، ودنو من غير مساس ، ولا وجع أشد من الذنوب .
__________
(1) ديوانه 147 .
(*)(20/237)
كثير عزة : وإنى لارضى منك يا عز بالذى لو أبصره الواشى لقرت بلابله بلا وبالا أستطيع وبالمنى وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله وبالنظرة العجلى وبالحول ينقضى أواخره لا نلتقي وأوائله .
وقال بعض الظرفاء : كان أرباب الهوى يسرون فيما مضى ، ويقنعون بان يمضغ أحدهم لبانا قد مضغته محبوبته ، أو يستاك بسواكها ، ويرون ذاك عظيما ، واليوم يطلب أحدهم الخلوة وإرخاء الستور ، كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا هريرة .
وقال أحمد بن أبى عثمان الكاتب : وإنى ليرضيني المرور ببابها واقنع منها بالوعيد وبالزجر .
قال يوسف بن الماجشون : انشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن : إذا قلت هاتى نولينى تبسمت وقالت معاذ الله من فعل ما حرم فما نولت حتى تضرعت حولها وعرفتها ما رخص الله في اللمم .
فضحك وقال : إن كان وضاح لفقيها في نفسه .
قال آخر : فقالت بحق الله إلا أتيتنا إذا كان لون الليل لون الطيالس فجئت وما في القوم يقظان غيرها وقد نام عنها كل وال وحارس فبتنا مبيتا طيبا نستلذه جميعا ولم أمدد لها كف لامس .
مرت امرأة حسناء بقوم من بنى نمير مجتمعين في ناد لهم ، فرمقوها بأبصارهم ، وقال قائل منهم : ما أكملها لو لا إنها رسحاء (1) ! فالتفتت إليهم ، وقالت : والله
__________
(1) الرسحاء : القبيحة .
(*)(20/238)
يا بنى نمير ، ما أطعتم الله ولا الشاعر ، قال الله تعالى : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) (1) .
وقال الشاعر : فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا (2) فأخجلتهم .
وقال أبو صخر الهذلى من شعر الحماسة : لليلة منها تعود لنا من غير ما رفث ولا أثم أشهى إلى نفسي ولو برحت مما ملكت ومن بنى سهم .
آخر : وما نلت منها محرما غير أننى أقبل بساما من الثغر أفلجا والثم فاها آخذا بقرونها وأترك حاجات النفوس تحرجا .
وأعف من هذا الشعر قول عبد بنى الحسحاس على فسقه : لعمر أبيها ما صبوت ولا صبت إلى وإنى من صبا لحليم سوى قبله استغفر الله ذنبها ساطعم مسكينا لها وأصوم .
وقال آخر : ومجدولة جدل العناق كأنما سنا البرق في داجى الظلام ابتسامها ضربت لها الميعاد ليست بكنة ولا جارة يخشى على ذمامها فلما التقينا قالت الحكم فاحتكم سوى خلة هيهات منك مرامها فقلت معاذ الله أن أركب التى تبيد ويبقى في المعاد أثامها .
__________
(1) سورة النور 30 .
(2) لجرير ، ديوانه 75 .
(*)(20/239)
قوله : (ليست بكنة * ولا جارة يخشى على ذمامها) ، مأخوذ من قول قيس بن الخطيم : ومثلك قد أحببت ليست بكنة ولا جارة ولا حليلة صاحب (1) وهذا الشاعر قد زاد عليه بقوله : (ولا حليلة صاحب) .
وأنشد ابن مندويه لبعضهم : أنا زانى اللسان والطرف ألا إن قلبى يعاف ذاك ويابى لا يرانى الاله أشرب إلا كل ما حل شربه لى وطابا .
آخر : نلهو بهن كذا من غير فاحشة لهو الصيام بتفاح البساتين بشار بن برد : قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم ما في التزام ولا في قبلة حرج (2) من راقب الناس لم يظفر بحاجته وفاز بالطيبات الفاتك اللهج .
البيت الاخر مثل قول القائل : من راقب الناس مات هما وفاز باللذة الجسور .
أبو الطيب المتنبي : وترى الفتوة والمروة والابوة في كل مليحة ضراتها (3) هن الثلاث المانعاتى لذتي في خلوتي لا الخوف من تبعاتها إنى على شغفي بما في خمرها لاعف عما في سراويلاتها .
__________
(1) ديوانه 36 .
(2) ديوانه 2 : 75 ، 76 .
(3) ديوانه 1 : 227 .
(*)(20/240)
كان الصاحب رحمه الله يستهجن قوله : (عما في سراويلاتها) ، ويقول : إن كثيرا من العهر أحسن من هذه العفة ، ومعنى البيت الاول أن هذه الخلال الثلاث تراهن الملاح ضرائر لهن لانهن يمنعنه عن الخلوة بالملاح والتمتع بهن .
ثم قال : إن هذه الخلال هي التى تمنعه لا الخوف من تبعاتها ، وقال قوم : هذا تهاون بالدين ، ونوع من الالحاد .
وعندي أن هذا مذهب للشعراء معروف ، لا يريدون به التهاون بالدين ، بل المبالغة في وصف سجاياهم وأخلاقهم بالطهارة ، وإنهم يتركون القبيح لانه قبيح ، لا لورود الشرع به ، وخوف العقاب منه ، ويمكن أيضا أن يريد بتبعاتها تبعات الدنيا ، أي لا أخاف من قوم هذه المحبوبة التى أنست بها ، ولا أشفق من حربهم وكيدهم ، فأما عفة اليد وعفة اللسان فهما باب آخر ، وقد ذكرنا طرفا صالحا من ذلك في الاجزاء المتقدمة عند ذكرنا الورع .
وفي الحديث المرفوع : (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يترك ما لا بأس به حذار ما به البإس) .
وقال أبو بكر في مرض موته : إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأخذ لهم درهما ولا دينارا ، وأكلنا من جريش الطعام ، ولبسنا من خشن الثياب ، وليس عندنا من فئ المسلمين إلا هذا الناضح ، وهذا العبد الحبشى ، وهذه القطيفة ، فإذا قبضت فادفعوا ذلك إلى عمر ليجعله في بيت مال المسلمين ، فلما مات حمل ذلك إلى عمر ، فبكى كثيرا ثم قال : رحم الله أبا بكر ، لقد أتعب من بعده ! قال سليمان بن داود : يا بنى إسرائيل ، أوصيكم بأمرين أفلح من فعلهما ، لا تدخلوا أجوافكم إلا الطيب ، ولا تخرجوا من أفواهكم إلا الطيب .(20/241)
وقال بعض الحكماء : إذا شئت أن تعرف ربك معرفة يقينية فاجعل بينك وبين المحارم حائطا من حديد ، فسوف يفتح عليك أبواب معرفته .
و مما يحكى من ورع حسان بن أبى سنان إن غلاما له كتب إليه من الاهواز : إن قصب السكر أصابته السنة آفه فابتع ما قدرت عليه من السكر ، فإنك تجد له ربحا كثيرا فيما بعد ، فابتاع ، وطلب منه ما ابتاعه بعد قليل بربح ثلاثين ألف درهم ، فاستقال البيع من صاحبه ، وقال : إنه لم يعلم ما كنت أعلم حين اشتريته منه ، فقال البائع : قد علمت الان مقدار الربح ، وقد طيبته لك واحللتك ، فلم يطمئن قلبه ، وما زال حتى رده عليه .
يقال إن غنم الغارة اختلطت بغنم أهل الكوفة ، فتورع أبو حنيفة أن يأكل اللحم ، وسأل كم تعيش الشاة ؟ قالوا : سبع سنين ، فترك أكل لحم الغنم سبع سنين .
ويقال : إن المنصور حمل إليه بدرة فرمى بها إلى زاوية البيت ، فلما مات جاء بها ابنه حماد بن أبى حنيفة إلى أبى الحسن بن أبى قحطبة ، وقال : إن أبى إوصانى أن أرد هذه عليك ، وقال : إنها كانت عندي كالوديعة ، فاصرفها فيما أمرك الله به ، فقال أبو الحسن : رحم الله أبا حنيفة ! لقد شح بدينه إذ سخت به نفوس أقوام .
وقال سفيان الثوري : انظر درهمك من أين هو ، وصل في الصف الاخير .
جابر ، سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لكعب بن عجرة : (لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت ، النار أولى به) .
الحسن : لو وجدت رغيفا من حلال لاحرقته ثم سحقته ثم جعلته ذرورا ، ثم داويت به المرضى .(20/242)
عائشة ، قالت : يا رسول الله ، من المؤمن ؟ قال : من إذا أصبح نظر إلى رغيفيه كيف يكتسبهما ، قالت : يا رسول الله ، أما إنهم لو كلفوا ذلك لتكلفوه ، فقال لها : إنهم قد كلفوه ، ولكنهم يعسفون الدنيا عسفا .
حذيفة بن اليمان يرفعه : إن قوما يجيئون يوم القيامة ولهم من الحسنات كأمثال الجبال ، فيجعلها الله هباء منثورا ، ثم يؤمر بهم إلى النار ، فقيل : خلهم لنا يا رسول الله ، قال : إنهم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون أهبه من الليل ، ولكنهم كانوا إذا عرض عليهم الحرام وثبوا عليه(20/243)
(483) الاصل : وقال عليه السلام : القناعة مال لا ينفد قال : وقد روى بعضهم هذا الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله .
الشرح : قد تقدم القول في هذا المعنى ، وقد تكررت هذه اللفظة بذاتها في كلامه عليه السلام .
ومن جيد القول في القناعة قول الغزى : أنا كالثعبان جلدى ملبسى لست محتاجا إلى ثوب الجمال فالخمول العز والياس الغنى والقنوع الملك ، هذا ما بدا لى .
وقال أيضا لا تعجبن لمن يهوى ويصعد في دنياه فالخلق في أرجوحة القدر واقنع بما قل فالاوشال صافية ولجة البحر لا تخلو من الكدر(20/244)
(484) الاصل : وقال عليه السلام لزياد بن أبيه وقد استخلفه لعبد الله بن العباس على فارس وأعمالها ، في كلام طويل كان بينهما نهاه فيه عن تقديم الخراج : استعمل العدل ، واحذر العسف والحيف ، فإن العسف يعود بالجلاء ، والحيف يدعو الى السيف .
الشرح : قد سبق الكلام في العدل والجور .
وكانت عادة أهل فارس في أيام عثمان أن يطلب الوالى منهم خراج أملاكهم قبل بيع الثمار على وجه الاستسلاف ، أو لانهم كانوا يظنون إن أول السنة القمرية هو مبتدأ وجوب الخراج حملا للخراج التابع لسنة الشمس على الحقوق الهلالية التابعة لسنة القمر ، كأجرة العقار ، وجوالى أهل الذمة ، فكان ذلك يجحف بالناس ويدعو إلى عسفهم وحيفهم .
وقد غلط في هذا المعنى جماعة من الملوك في كثير من الاعصار ، ولم يعلموا فرق ما بين السنتين ، ثم تنبه له قوم من أذكياء الناس فكبسوا وجعلوا السنين واحدة ، ثم أهمل الناس الكبس ، وانفرج ما بين السنة القمرية والسنة الخراجية التى هي سنة الشمس انفراجا كثيرا .
واستقصاء القول في ذلك لا يليق بهذا الموضع ، لانه خارج عن فن الادب الذى هو موضوع كتابنا هذا .(20/245)
(485) الاصل : وقال عليه السلام : أشد الذنوب ما استخف بها صاحبها .
الشرح : عظم المصيبة على حسب نعمة العاصى ، ولهذا كان لطم الولد وجه الوالد كبيرا ليس كلطمة وجه غير الوالد .
ولما كان البارئ تعالى اعظم المنعمين ، بل لا نعمة إلا وهى في الحقيقة من نعمه ، ومنسوبة إليه ، كانت مخالفته ومعصيته عظمه جدا ، فلا ينبغى لاحد ان يعصيه في أمر وإن كان قليلا في ظنه ، ثم يستقله ويستهين به ، ويظهر الاستخفاف وقله الاحتفال بمواقعته ، فإنه يكون قد جمع الى المعصية معصية أخرى ، وهى الاستخفاف بقدر تلك المعصية التى لو أمعن النظر لعلم إنها عظيمة ، ينبغى له لو كان رشيدا أن يبكى عليها الدم فضلا عن الدمع ، فلهذا قال عليه السلام : (أشد الذنوب ما استخف بها صاحبها) .(20/246)
(486) الاصل : وقال عليه السلام : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا .
الشرح : تعليم العلم فرض كفاية ، وفي الخبر المرفوع : (من علم علما وكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) .
وروى معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وآله قال : (تعلموا العلم فإن تعلمه خشية الله ، ودراسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وطلبه عبادة ، وتعليمه صدقة ، وبذله لاهله قربة ، لانه معالم الحلال والحرام ، وبيان سبيل الجنة ، والمؤنس في الوحشة ، والمحدث في الخلوة ، والجليس في الوحدة ، والصاحب في الغربة ، والدليل على السراء ، والمعين على الضراء ، والزين عند الاخلاء ، والسلاح على الاعداء) .
ورئى واصل بن عطاء يكتب من صبى حديثا ، فقيل له : مثلك يكتب من هذا ! فقال : أما إنى أحفظ له منه ، ولكني أردت أن أذيقه كأس الرياسة ، ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم .(20/247)
وقال الخليل : العلوم أقفال ، والسؤالات مفاتيحها .
وقال بعضهم : كان أهل العلم يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه ويبذلون لهم دنياهم ، واليوم قد بذل أهل العلم علمهم لاهل الدنيا فزهدوا فيه وضنوا عنهم بدنياهم .
وقال بعضهم : ابذل علمك لمن يطلبه ، وادع إليه من لا يطلبه ، وإلا كان مثلك كمن أهديت له فاكهة فلم يطعمها ولم يطعمها حتى فسدت .(20/248)
(487) الاصل : وقال عليه السلام : شر الاخوان من تكلف له .
الشرح : إنما كان كذلك لان الاخاء الصادق بينهما يوجب الانبساط ، وترك التكلف ، فإذا احتيج إلى التكلف له فقد دل ذلك على إن ليس هناك إخاء صادق ، ومن ليس بأخ صادق فهو من شر الاخوان .
وروى ابن ناقيا في كتاب (ملح الممالحة) ، قال : دخل الحسن بن سهل على المأمون ، فقال له : كيف علمك بالمروءة ؟ قال : ما أعلم ما يريد أمير المؤمنين فأجيبه ؟ قال : عليك بعمرو بن مسعدة ، قال : فوافيت عمرا وفى داره صناع ، وهو جالس على آجرة ينظر إليهم ، فقلت : إن أمير المؤمنين يأمرك أن تعلمني المروءة ، فدعا بأجرة فأجلسني عليها ، وتحدثنا مليا ، وقد امتلات غيظا من تقصيره بى ، ثم قال : يا غلام عندك شئ يؤكل ؟ فقال : نعم ، فقدم طبقا لطيفا ، عليه رغيفان وثلاث سكرجات ، في إحداهن خل ، وفى الاخرى مرئ ، وفي الاخرى ملح ، فأكلنا ، وجاء الفراش فوضأنا ، ثم قال : إذا شئت ! فنهضت متحفظا ، ولم أودعه ، فقال لى : إن رأيت أن تعود إلى في يوم مثله ! فلم أذكر للمأمون شيئا مما جرى ، فلما كان في اليوم الذى وعدني فيه لقياه(20/249)
سرت إليه فاستؤذن لى عليه ، فتلقاني على باب الدار ، فعانقني ، وقبل بين عينى ، وقدمني أمامه ، ومشى خلفي حتى أقعدنى في الدست ، وجلس بين يدى ، وقد فرشت الدار ، وزينت بأنواع الزينة ، وأقبل يحدثنى ويتنادر معى إلى أن حضرت وقت الطعام ، فأمر فقدمت أطباق الفاكهة ، فأصبنا منها ، ونصب الموائد ، فقدم عليها أنواع الاطعمة من حارها وباردها ، وحلوها وحامضها ، ثم قال : أي الشراب أعجب إليك ؟ فاقترحت عليه ، وحضر الوصائف للخدمة ، فلما أردت الانصراف حمل معى جميع ما أحضر من ذهب وفضة وفرش وكسوة ، وقدم إلى البساط فرس بمركب ثقيل ، فركبته وأمر من بحضرته من الغلمان الروم والوصائف حتى سعوا بين يدى ، وقال : عليك بهم فهم لك .
ثم قال : إذا زارك أخوك فلا تتكلف له ، واقتصر على ما يحضرك ، وإذا دعوته فاحتفل به واحتشد ، ولا تدعن ممكنا ، كفعلنا إياك عند زيارتك إيانا ، وفعلنا يوم دعوناك .(20/250)
(488) الاصل : وقال عليه السلام في كلام له : إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه .
الشرح : ليس يعنى أن الاحتشام علة الفرقة ، بل هو دلالة وإمارة على الفرقة لانه لو لم يحدث عنه ما يقتضى الاحتشام لانبسط على عادته الاولى ، فالانقباض إمارة المباينة .
هذا آخر ما دونه الرضى أبو الحسن رحمه الله من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في (نهج البلاغة) قد أتينا على شرحه بمعونة الله تعالى .
ونحن الان ذاكرون ما لم يذكره الرضى مما نسبه قوم إليه ، فبعضه مشهور عنه ، وبعضه ليس بذلك المشهور ، لكنه قد روى عنه ، وعزى إليه ، وبعضه من كلام غيره من الحكماء ، ولكنه كالنظير لكلامه ، والمضارع لحكمته ، ولما كان ذلك متضمنا فنونا من الحكمة نافعة ، رأينا ألا نخلى هذا الكتاب عنه ، لانه كالتكملة والتتمة لكتاب (نهج البلاغة) .(20/251)
وربما وقع في بعضه تكرار يسير شذ عن أذهاننا التنبه له ، لطول الكتاب وتباعد أطرافه ، وقد عددنا ذلك كلمة كلمة ، فوجدناه ألف كلمة .
فإن اعترضنا معترض وقال : فإذا كنتم قد أقررتم بأن بعضها ليس بكلام له ، فلماذا ذكرتموه ، وهل ذلك إلا نوع من التطويل ! أجبناه وقلنا : لو كان هذا الاعتراض لازما لوجب الا نذكر شيئا من الاشباه والنظائر لكلامه ، فالعذر هاهنا هو العذر هناك ، وهو إن الغرض بالكتاب الادب والحكمة ، فإذا وجدنا ما يناسب كلامه عليه السلام ، وينصب في قالبه ويحتذى حذوه ، ويتقبل منهاجه ، ذكرناه على قاعدتنا في ذكر النظير عند الخوض في شرح نظيره .
وهذا حين الشروع فيها خالية عن الشرح لجلائها ووضوحها ، وإن أكثرها قد سبقت نظائره وأمثاله ، وبالله التوفيق .(20/252)
الحكم المنسوبة(20/253)
الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين على بن أبى طالب 1 - كان كثيرا ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل : أشهد أن السموات والارض وما بينهما آيات تدل عليك ، وشواهد تشهد بما إليه دعوت .
كل ما يؤدى عنك الحجة ويشهد لك بالربوبية ، موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك .
علوت بها عن خلقك .
فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر ، وكفاها رجم الاحتجاج ، فهى مع معرفتها بك ، وولهها إليك ، شاهدة بإنك لا تأخذك الاوهام ، ولا تدركك العقول ولا الابصار .
أعوذ بك أن أشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك ، لا إله إلا أنت ، واحدا احدا ، فردا صمدا ، ونحن لك مسلمون .
2 - إلهى ، كفانى فخرا أن تكون لى ربا ، وكفاني عزا أن اكون لك عبدا ، أنت كما أريد ، فاجعلني كما تريد .
3 - ما خاف امرؤ عدل في حكمه ، وأطعم من قوته ، وذخر من دنياه لاخرته .
4 - أفضل على من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره .
5 - لو لا ضعف اليقين ما كان لنا أن نشكو محنة يسيرة نرجو في العاجل سرعة زوالها ، وفي الاجل عظيم ثوابها ، بين أضعاف نعم لو اجتمع أهل السموات والارض على إحصائها ما وفوا بها فضلا عن القيام بشكرها .
6 - من علامات المأمون على دين الله بعد الاقرار والعمل ، الحزم في أمره ، والصدق في قوله ، والعدل في حكمه ، والشفقة على رعيته ، لا تخرجه القدرة إلى خرق (1) ، ولا اللين إلى ضعف ، ولا تمنعه العزة من كرم عفو ، ولا يدعوه العفو الى(20/255)
إضاعة حق ، ولا يدخله الاعطاء في سرف ، ولا يتخطى به القصد (1) إلى بخل ، ولا تأخذه نعم الله ببطر .
7 - الفسق نجاسة في الهمة ، وكلب في الطبيعة (2) .
8 - قلوب الجهال تستفزها (3) الاطماع ، وترتهن بالآماني ، وتتعلق بالخدائع .
وكثرة الصمت زمام اللسان ، وحسم (4) الفطنة ، وإماطة الخاطر (5) ، وعذاب الحس .
9 - عداوة الضعفاء للاقوياء ، والسفهاء للحلماء والاشرار للاخيار ، طبع لا يستطاع تغييره .
10 - العقل في القلب ، والرحمة في الكبد ، والتنفس في الرئة .
11 - إذا أراد الله بعبد خيرا حال بينه وبين شهوته ، وحجز بينه وبين قلبه ، وإذا أراد به شرا وكله إلى نفسه .
12 - الصبر مطية لا تكبو ، والقناعة سيف لا ينبو .
13 - رحم الله عبدا اتقى ربه ، وناصح نفسه وقدم توبته ، وغلب شهوته ، فإن أجله مستور عنه ، وأمله خادع له ، والشيطان موكل به .
14 - مر بمقبرة فقال : السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة ، والمحال المقفرة (6) ، من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، انتم لنا فرط (7) ، ونحن لكم تبع (8) نزوركم عما قليل ، ونلحق بكم بعد زمان قصير .
اللهم اغفر لنا ولهم ، وتجاوز عنا وعنهم .
__________
(1) القصد : أمر بين الافراط والتفريط .
(2) الطبع والطبيعة : السجية .
(3) استفزه واستخفه : أخرجه عن دارة الحزم وضبط الامر والاخذ فيه بالثقة .
(4) الحسم : القطع ، والفطنة : الذكاء وحدة الفهم .
(5) إماطة الخاطر ، الاماطة : الابعاد والازالة ، والخاطر ما يخطر بالبال من التعقلات .
(6) أقفر المكان : خلا .
(7) فرط القوم يفرطهم ، تقدمهم إلى الورد ، والفرط بالتحريك : المتقدم إلى الماء .
(8) التبع : التابع .
(*)(20/256)
الحمد لله الذى جعل الارض كفاتا ، أحياء وأمواتا (1) .
والحمد لله الذى منها خلقنا ، وعليها ممشانا ، وفيها معاشنا ، وإليها يعيدنا .
طوبى لمن ذكر المعاد ، وقنع بالكفاف ، وأعد للحساب ! 15 - إنكم مخلوقون اقتدارا ، ومربوبون اقتسارا (2) ، ومضمنون أجداثا (3) ، وكائنون رفاتا (4) ، ومبعوثون أفرادا ، ومدينون حسابا .
فرحم الله امرأ اقترف فاعترف ، ووجل فعقل ، وحاذر (5) فبادر ، وعمر فاعتبر ، وحذر فازدجر ، وأجاب فأناب ، وراجع فتاب ، واقتدى فاحتذى (6) ، وتأهب للمعاد ، واستظهر بالزاد ، ليوم رحيله ، ووجه سبيله ولحال حاجته ، وموطن فاقته ، فقدم أمامه لدار مقامه ، فمهدوا لانفسكم على سلامه الابدان وفسحة الاعمار ، فهل ينتظر أهل غضارة (7) الشباب إلا حوانى الهرم ، وأهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم ، وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء واقتراب الفوت ، ومشارفة الانتقال ، وأشفاء الزوال ، وحفز الانين (8) ورشح الجبين ، وامتداد العرنين (9) ، وعلز القلق (10) ، وقيظ الرمق (11) ، وشدة المضض ، وغصص الجرض (12) .
16 - ثلاث منجيات : خشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الفقر والغنى ، والعدل في الغضب والرضا .
__________
(1) قوله : (كفاتا أحياء وأمواتا) ، أي جعل الارض مجمع لنا في حياتنا ومماتنا ، الكفاة بالكسر : الموضع يكفت فيه الشئ ، أي يضم ويجمع ، والارض كفات لنا .
(2) قسره : قهره .
(3) الجدث : القبر .
(4) رفاتا ، رفته : كسره ودقه ، والرفات الحطام .
(5) الحذر : الاحتراز .
(6) د : (اهتدى) .
(7) الغضارة : النعمة والسعة والخصب .
(8) الحفز : الحث والاعجال .
(9) العرنين : الانف ، فإنه يمتد عند الموت .
(10) العلز : القلق والخفة .
(11) القيظ بالقاف : شدة الحر : وبالفاء : الموت .
والرمق : بقية الحياة .
(12) الغصة : ما اعترض في الحلق : والجرض : الريق .
(*)(20/257)
17 - إياكم والفحش ، فان الله لا يحب الفحش ، وأياكم والشح ، فإنه أهلك من كان قبلكم ، هو الذى سفك دماء الرجال ، وهو الذى قطع أرحامها ، فاجتنبوه .
18 - إذا مات الانسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم كان علمه الناس فانتفعوا به ، وولد صالح يدعو له .
19 - إذا فعلت كل شئ فكن كمن لم يفعل شيئا .
20 - سأله رجل ، فقال : بماذا أسوء عدوى ؟ فقال : بأن تكون على غاية الفضائل ، لانه إن كان يسوءه أن يكون لك فرس فارة ، أو كلب صيود ، فهو لان تذكر بالجميل وينسب إليك أشد مساءة .
21 - إذا قذفت بشئ فلا تتهاون به وإن كان كذبا ، بل تحرز من طرق القذف جهدك ، فإن القول وإن لم يثبت يوجب ريبة وشكا .
22 - عدم الادب سبب كل شر .
23 - الجهل بالفضائل عدل الموت .
24 - ما أصعب على من استعبدته الشهوات أن يكون فاضلا ! 25 - من لم يقهر حسده كان جسده قبرا لنفسه .
26 - إحمد من يغلظ عليك ويعظك ، لا من يزكيك ويتملقك .
27 - إختر أن تكون مغلوبا وأنت منصف ، ولا تختر أن تكون غالبا وأنت ظالم .
28 - لا تهضمن محاسنك بالفخر والتكبر .
29 - لا تنفك المدنية من شر ، حتى يجتمع مع قوة السلطان قوة دينه وقوة حكمته .(20/258)
30 - إذا أردت أن تحمد فلا يظهر منك حرص على الحمد .
31 - من كثر همه سقم بدنه ، ومن ساء خلقه عذب نفسه ، ومن لاحى الرجال سقطت مروءته ، وذهبت كرامته ، وأفضل إيمان العبد أن يعلم إن الله معه حيث كان .
32 - كن ورعا تكن من أعبد الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما ، ولا تكثرن الضحك ، فإن كثرته تميت القلب ، وأخرس لسانك ، واجلس في بيتك ، وابك على خطيئتك .
33 - إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، ولا يزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ، وعما عمل فيما علم ! 34 - في التجارب علم مستانف ، والاعتبار يفيدك الرشاد ، وكفاك أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك وعليك ، لاخيك مثل الذى عليه لك .
35 - الغضب يثير كامن الحقد ، ومن عرف الايام لم يغفل الاستعداد ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول .
36 - اسكت واستر تسلم .
وما أحسن العلم يزينه العمل ، وما أحسن العمل يزينه الرفق ! 37 - اكبر الفخر ألا تفخر .
38 - ما أصعب اكتساب الفضائل وأيسر إتلافها ! 39 - لا تنازع جاهلا ، ولا تشايع مائقا (1) ، ولا تعاد مسلطا .
40 - الموت راحة للشيخ الفاني من العمل ، وللشاب السقيم من السقم ، وللغلام (2)
__________
(1) الموق : الحمق .
(2) د : (الغلام) .
(*)(20/259)
الناشئ من استقبال الكد والجمع لغيره ، ولمن ركبه (1) الدين لغرمائه ، وللمطلوب بالوتر ، وهو في جملة الامر أمنية كل ملهوف مجهود .
41 - ما كنت كاتمه عدوك من سر ، فلا تطلعن عليه صديقك ، واعرف قدرك يستعل أمرك ، وكفى ما مضى مخبرا عما بقى ! 42 - لا تعدن عده تحقرها قلة الثقة بنفسك ، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا .
43 - اتق العواقب عالما بان للاعمال جزاء وأجرا ، واحذر تبعات الامور بتقديم الحزم فيها .
44 - من استرشد غير العقل اخطأ منهاج الرأى ، ومن اخطاته وجوه المطالب خذلته الحيل ، ومن أخل بالصبر أخل به حسن العاقبة ، فإن الصبر قوة من قوى العقل ، وبقدر مواد العقل وقوتها يقوى الصبر .
45 - الخطأ في إعطاء من لا يبتغى ومنع من يبتغى واحد .
46 - العشق مرض ليس فيه أجر ولا عوض .
47 - أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب ، وقائل كلمة الزور ومن يمد بحبلها في الاثم سواء .
48 - الخصومة تمحق الدين .
49 - الجهاد ثلاثة : جهاد باليد ، وجهاد باللسان ، وجهاد بالقلب ، فأول ما يغلب عليه من الجهاد يدك ثم لسانك ، ثم يصير إلى القلب ، فإن كان لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا نكس فجعل أعلاه أسفله (2) .
__________
(1) أي أعلاه .
(2) انظر القضاعى 265 .
(*)(20/260)
50 - ما أنعم الله على عبد نعمة فشكرها بقلبه إلا استوجب المزيد عليها قبل ظهورها على لسانه .
51 - الحاجة مسألة ، والدعاء زيادة ، والحمد شكر ، والندم توبة .
52 - لن وأحلم تنبل (1) ، ولا تكن معجبا فتمقت وتمتهن .
53 - ما لى أرى الناس إذا قرب إليهم الطعام ليلا تكلفوا إنارة المصابيح ليبصروا ما يدخلون بطونهم ، ولا يهتمون بغذاء النفس بأن ينيروا مصابيح البابهم بالعلم ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب في اعتقاداتهم واعمالهم .
54 - الفقر هو أصل حسن سياسة الناس ، وذلك إنه إذا كان من حسن السياسة أن يكون بعض الناس يسوس ، وبعضهم يساس ، وكان من يساس لا يستقيم أن يساس من غير أن يكون فقيرا محتاجا ، فقد تبين أن الفقر هو السبب الذى به يقوم حسن السياسة .
55 - لا تتكلم بين يدى أحد من الناس دون ان تسمع كلامه (2) ، وتقيس ما في نفسك من العلم إلى ما في نفسه ، فإن وجدت ما في نفسه أكثر ، فحينئذ ينبغى لك أن تروم زيادة الشئ الذى به يفضل على ما عندك .
56 - إذا كان اللسان آلة لترجمة ما يخطر في النفس ، فليس ينبغى أن تستعمله فيما لم يخطر فيها .
57 - إذا كان الاباء هم السبب في الحياة ، فمعلمو الحكمة والدين هم السبب في جودتها .
58 - وشكا إليه رجل تعذر الرزق ، فقال : مه ، لا تجاهد الرزق جهاد المغالب ، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم ، فإن ابتغاء الفضل من السنة ، والاجمال
__________
(1) النبل : الشرف والفضيلة .
(2) د : (قوله) .
(*)(20/261)
في الطلب من العفة ، وليست العفة دافعة رزقا ، ولا الحرص جالبا فضلا ، لان الرزق مقسوم ، وفي شدة الحرص اكتساب المآثم .
59 - إذا استغنيت عن شئ فدعه وخذ ما أنت محتاج إليه .
60 - العمر أقصر من أن تعلم كل ما يحسن بك علمه ، فتعلم الاهم فالاهم .
61 - من رضى بما قسم له استراح قلبه وبدنه (1) .
62 - أبعد ما يكون العبد من الله إذا كان همه بطنه وفرجه .
63 - ليس في الحواس الظاهرة شئ أشرف من العين فلا تعطوها سؤلها (2) ، فيشغلكم عن ذكر الله .
64 - ارحموا ضعفاءكم فالرحمة لهم سبب رحمة الله لكم .
65 - إزالة الجبال أسهل من إزالة دولة قد أقبلت ، فاستعينوا بالله واصبروا ، فإن الارض لله يورثها من يشاء .
66 - قال له عثمان في كلام تلاحيا فيه حتى جرى ذكر أبى بكر وعمر : أبو بكر وعمر خير منك ، فقال : أنا خير منك ومنهما ، عبدت الله قبلهما ، وعبدته بعدهما .
67 - أوثق سلم يتسلق (3) عليه إلى الله تعالى أن يكون خيرا .
68 - ليس الموسر من كان يساره باقيا عنده زمانا يسيرا ، وكان يمكن أن يغتصبه (4) غيره منه ، ولا يبقى بعد موته له ، لكن اليسار على الحقيقة هو الباقي دائما عند مالكه ، ولا يمكن أن يؤخذ منه ، ويبقى له بعد موته ، وذلك هو الحكمة .
69 - الشرف اعتقاد المنن في اعناق الرجال (5) .
__________
(1) د : (نفسه) .
(2) ا : (سؤالها) .
(3) تسلق الشئ : علاه .
(4) د : (يقبضه) .
(5) المنن : اصطناع المعروف في أعناق الناس .
(*)(20/262)
70 - يضر الناس انفسهم في ثلاثة أشياء : الافراط في الاكل إتكالا على الصحة ، وتكلف حمل ما لا يطاق إتكالا على القوة ، والتفريط في العمل اتكالا على القدر .
71 - أحزم الناس من ملك جده هزله ، وقهر رأيه هواه ، وأعرب عن ضميره فعله ، ولم يخدعه رضاه عن حظه ، ولا غضبه عن كيده .
72 - من لم يصلح خلائقه ، لم ينفع الناس تأديبه .
73 - من اتبع هواه ضل ، ومن حاد ساد ، وخمود الذكر أجمل من ذميم الذكر (1) .
74 - لهب الشوق أخف محملا من مقاساة الملالة .
75 - بالرفق تنال الحاجة ، وبحسن التأني تسهل المطالب .
76 - عزيمة الصبر تطفئ نار الهوى ، ونفى العجب يؤمن به كيد الحساد .
77 - ما شئ أحق بطول سجن من لسان .
78 - لا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة .
79 - لكل شئ ثمرة ، وثمرة المعروف تعجيل السراح (2) .
80 - إياكم والكسل ، فإنه من كسل لم يؤد لله حقا .
81 - احسبوا كلامكم من أعمالكم ، وأقلوه إلا في الخير .
82 - أحسنوا صحبة النعم فإنها تزول ، وتشهد على صاحبها بما عمل فيها .
83 - أكثروا ذكر الموت ، ويوم خروجكم من قبوركم ، ويوم وقوفكم بين يدى الله عز وجل ، يهن عليكم المصاب (3) .
__________
(1) د : (الفكر) .
(2) أي تعجيل سراح طالب المعروف ، وهو قضاء حاجته ، وورد في الاثر : خير البر عاجله .
(3) د : (تهن عليكم المصائب) .
(*)(20/263)
84 بحسب مجاهدة النفوس وردها عن شهواتها ومنعها عن مصافحة (1) لذاتها ومنع ما أدت إليه العيون الطامحة من لحظاتها - تكون المثوبات والعقوبات ، والحازم من ملك هواه ، فكان بملكه له قاهرا ، ولما قدحت الافكار من سوء الظنون زاجرا ، فمتى لم ترد النفس عن ذلك هجم عليها الفكر بمطالبة ما شغفت (2) به ، فعند ذلك تأنس بالاراء الفاسدة ، والاطماع الكاذبة ، والاماني المتلاشية ، وكما إن البصر إذا اعتل (3) رأى أشباحا وخيالات لا حقيقة لها ، كذلك النفس إذا اعتلت بحب الشهوات وانطوت على قبيح الارادات ، رأت الاراء الكاذبة ، فإلى الله سبحانه نرغب في إصلاح ما فسد من قلوبنا ، وبه نستعين على إرشاد نفوسنا ، فان القلوب بيده يصرفها كيف شاء (4) .
85 - لا تؤاخين الفاجر ، فإنه يزين لك فعله ، ويود لو إنك مثله ، ويحسن لك أقبح خصاله ، ومدخله ومخرجه من عندك شين وعار ونقص ، ولا الاحمق فإنه يجهد لك نفسه ولا ينفعك ، وربما أراد أن ينفعك فضرك ، سكوته خير لك من نطقه ، وبعده خير لك من قربه ، وموته خير لك من حياته ، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه شئ ، ينقل حديثك ، وينقل الحديث إليك ، حتى إنه ليحدث بالصدق فلا يصدق .
86 - ما استقصى كريم قط ، قال تعالى في وصف نبيه : (عرف بعضه واعرض عن بعض) (5) .
87 - رب كلمة يخترعها حليم مخافة ما هو شر منها ، وكفى بالحلم ناصرا .
88 - من جمع ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ، ولا عن النار مهربا ، من عرف الله فأطاعه ، وعرف الشيطان فعصاه ، وعرف الحق فاتبعه ، وعرف الباطل فاتقاه ، و عرف الدنيا فرفضها ، وعرف الاخرة فطلبها .
__________
(1) ب : (مسافحة) .
(2) شغفت : رغبت وأرغمت .
(3) اعتل : أصابته العلة .
(4) ب : (كيفما شاء) .
(5) سورة التحريم : 3 .
(*)(20/264)
89 - من استحيا من الناس ولم يستحى من نفسه فليس لنفسه عند نفسه قدر .
90 - غايه الادب أن يستحى الانسان من نفسه .
91 - البلاغة النصر بالحجة ، والمعرفة بمواضع الفرصة ، ومن البصر (1) بالحجة أن تدع الافصاح بها إلى الكناية عنها إذا كان الافصاح أوعر طريقة ، وكانت الكناية أبلغ في الدرك وأحق بالظفر .
92 - إياك والشهوات ، وليكن مما تستعين به على كفها علمك بإنها ملهية لعقلك ، مهجنة (2) لرأيك ، شائنة لغرضك ، شاغلة لك عن معاظم أمورك ، مشتدة بها التبعة عليك في آخرتك .
إنما الشهوات لعب ، فإذا حضر اللعب غاب الجد ، ولن يقام الدين وتصلح الدنيا إلا بالجد ، فإذا (3) نازعتك نفسك إلى اللهو واللذات ، فاعلم إنها قد نزعت بك إلى شر منزع ، وأرادت بك افضح الفضوح ، فغالبها مغالبة ذلك ، وامتنع منها امتناع ذلك ، وليكن مرجعك منها إلى الحق ، فإنك مهما تترك من الحق لا تتركه إلا إلى الباطل ، ومهما تدع من الصواب لا تدعه إلا إلى الخطأ ، فلا تداهنن هواك في اليسير فيطمع منك في الكثير .
وليس شئ مما أوتيت فاضلا عما يصلحك ، وليس لعمرك وإن طال فضل عما ينو بك من الحق اللازم لك ، ولا بما لك وإن كثر فضل عما يجب عليك فيه ، ولا بقوتك وإن تمت فضل عن أداء حق الله عليك ، ولا برأيك وإن حزم فضل عما لا تعذر بالخطأ فيه ، فليمنعنك علمك بذلك من أن تطيل لك عمرا في غير نفع ، أو تضيع لك مالا في غير حق ، أو أن تصرف لك قوة في غير عبادة ، أو تعدل لك رأيا في غير رشد .
__________
(1) كذ في د ، وفى ا ، ب : (النصر) تحريف .
(2) مهجنة : مقبحة .
(3) د : (وإن) .
(*)(20/265)
فالحفظ الحفظ لما أوتيت ، فإن بك الى صغير ما أوتيت الكثير منه أشد الحاجة .
وعليك بما أضعته منه أشد الرزية ، ولا سيما العمر الذى كل منفذ سواه مستخلف .
وكل ذاهب بعده مرتجع .
فإن كنت شاغلا نفسك بلذه فلتكن لذتك في محادثة العلماء ودرس كتبهم ، فإنه ليس سرورك بالشهوات بالغا منك مبلغا إلا وأكبابك على ذلك ، ونظرك فيه بالغة منك ، غير أن ذلك يجمع إلى عاجل السرور تمام السعادة ، وخلاف ذلك يجمع إلى عاجل الغى وخامة العاقبة ، وقديما قيل : أسعد الناس أدركهم لهواه إذا كان هواه في رشده ، فإذا كان هواه في غير رشده .
فقد شقى بما أدرك منه .
وقديما قيل : عود نفسك الجميل ، فباعتيادك إياه يعود لذيذا .
93 - وكل ثلاث بثلاث : الرزق بالحمق ، والحرمان بالعقل ، والبلاء بالمنطق ، ليعلم ابن آدم أن ليس له من الامر شئ .
94 - ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك : عبدك ، وزوجتك ، وابنك .
وقد روينا هذه الكلمة لعمر فيما تقدم (1) .
95 - للمنافقين علامات يعرفون بها : تحيتهم لعنة ، وطعامهم تهمة ، وغنيمتهم غلول ، لا يعرفون المساجد إلا هجرا ، ولا يأتون الصلاة الا دبرا (2) ، مستكبرون لا يألفون ولا يؤلفون ، خشب بالليل صخب (3) بالنهار .
__________
(1) ا : (قدمناه) .
(2) دبرا ، أي في آخر وقتها .
(3) في اللسان : وفى الحديث في ذكر المنافقين (خشب بالليل ، صخب بالنهار ، أراد أنهم ينامون كأنهم خشب مطروحة) .
(*)(20/266)
96 - الحسد حزن لازم ، وعقل هائم ، ونفس دائم ، والنعمة على المحسود نعمة ، وهى على الحاسد نقمة .
97 - يا حملة العلم ، أتحملونه ! فإنما العلم لمن علم ثم عمل ، ووافق عمله علمه ، وسيكون أقوام يحملون العلم ، لا يجاوز تراقيهم ، تخالف سريرتهم علانيتهم ، ويخالف عملهم علمهم ، يقعدون حلقا ، فيباهي بعضهم بعضا ، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله سبحانه .
98 - تعلموا العلم صغارا تسودوا به كبارا ، تعلموا العلم ولو لغير الله ، فإنه سيصير لله .
العلم ذكر لا يحبه إلا ذكر من الرجال .
99 - ليس شئ أحسن من عقل زانه علم ، ومن علم زانه حلم ، ومن حلم زانه صدق ، ومن صدق زانه رفق ، ومن رفق زانه تقوى .
إن ملاك العقل ومكارم الاخلاق صون العرض ، والجزاء بالفرض ، والاخذ بالفضل ، والوفاء بالعهد ، والانجاز للوعد .
ومن حاول أمرا بالمعصية كان أقرب إلى ما يخاف ، وأبعد مما يرجو .
100 - أذا جرت المقادير بالمكاره سبقت الافة إلى العقل فحيرته ، وأطلقت الالسن بما فيه تلف الانفس .
101 - لا تصحبوا الاشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم .
102 - لا تقسروا أولادكم على آدابكم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم .
103 - لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده ، فإن الناس لا يسألون في كم فرغ من العمل ، إنما يسألون عن جودة صنعته .
104 - ليس كل ذى عين يبصر ، ولا كل ذى أذن يسمع ، فتصدقوا على أولى العقول الزمنة (1) ، والالباب الحائرة ، بالعلوم التى هي أفضل صدقاتكم ، ثم تلا : (إن الذين
__________
(1) الزمانة : العاهة .
(*)(20/267)
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم اللاعنون) (1) .
105 - من أتت عليه الاربعون من السنين قيل له : خذ حذرك من حلول المقدور فإنك غير معذور ، وليس ابناء الاربعين بأحق بالحذر من أبناء العشرين ، فإن طالبهما واحد ، وليس عن الطلب براقد ، وهو الموت ، فاعمل لما أمامك من الهول ، ودع عنك زخرف القول .
106 - سئل عن القدر فقال : أقصر أم أطيل ؟ قيل : بل تقصر ، فقال : جل الله أن يريد الفحشاء ، وعز عن أن يكون له في الملك إلا ما يشاء .
107 - من علم أنه يفارق الاحباب ، ويسكن التراب ، ويواجه الحساب ، ويستغنى عما ترك ، ويفتقر إلى ما قدم ، كان حريا بقصر الامل ، وطول العمل .
108 - المؤمن لا تختله كثرة المصائب ، وتواتر النوائب عن التسليم لربه والرضا بقضائه ، كالحمامة التى تؤخذ فراخها من وكرها ثم تعود إليه .
109 - ما مات من أحيا علما ، ولا افتقر من ملك فهما .
110 - العلم صبغ النفس ، وليس يفوق صبغ الشئ حتى ينظف من كل دنس .
111 - اعلم إن الذى مدحك بما ليس فيك ، إنما هو مخاطب غيرك ، وثوابه وجزاؤه قد سقطا عنك .
112 - إحسانك إلى الحر يحركه على المكافأة ، وإحسانك إلى النذل يبعثه على معاودة المسألة .
__________
(1) سورة البقرة 159 .
(*)(20/268)
113 - الاشرار يتتبعون مساوئ الناس ، ويتركون محاسنهم ، كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة .
114 - موت الرؤساء أسهل من رياسة السفله .
115 - ينبغى لمن ولى أمر قوم أن يبدأ بتقويم نفسه قبل أن يشرع في تقويم رعيته ، وإلا كان بمنزلة من رام استقامة ظل العود قبل أن يستقيم ذلك العود .
116 - إذا قوى الوالى في عمله حركته ولايته على حسب ما هو مركوز في طبعه من الخير والشر .
117 - ينبغى للوالى أن يعمل بخصال ثلاث : تأخير العقوبة منه في سلطان الغضب ، والاناة فيما يرتئيه (1) من رأى ، وتعجيل مكافأة المحسن بالاحسان ، فإن في تأخير العقوبة إمكان العفو ، وفي تعجيل المكافأة بالاحسان طاعة الرعية ، وفى الاناة انفساح الرأى وحمد العاقبة ووضوح الصواب .
118 - من حق العالم على المتعلم ألا يكثر عليه السؤال ، ولا يعنته في الجواب ، ولا يلح عليه إذا كسل ، ولا يفشى له سرا ، ولا يغتاب عنده أحدا ، ولا يطلب عثرته ، فإذا زل تأنيت أوبته (2) ، وقبلت معذرته ، وأن تعظمه وتوقره ما حفظ أمر الله وعظمه ، وألا تجلس أمامه ، وإن كانت له حاجة سبقت غيرك إلى خدمته فيها .
ولا تضجرن من صحبته ، فإنما هو بمنزلة النخلة ينتظر متى يسقط عليك منها منفعة .
وخصه بالتحية ، واحفظ شاهده وغائبه ، وليكن ذلك كله لله عز وجل ، فإن العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله ، وإذا مات العالم ثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه .
وطالب العلم تشيعه الملائكة حتى يرجع .
__________
(1) يرتئيه ، افتعال من الرأى ، أي فيما يفكر فيه غ وفى د : (يربيه) .
(2) زل : عثر .
وأوبته ، أي رجوعه إلى الحق .
(*)(20/269)
119 - وصول معدم خير من جاف (1) مكثر ، ومن أراد أن ينظر ما له عند الله فلينظر ما لله عنده .
120 - لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا أكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولا اعتمارا ، ولكن عقلوا عن الله أمره فحسنت طاعتهم ، وصح ورعهم وكمل يقينهم ، ففاقوا غيرهم بالحظوة ورفيع المنزلة .
121 - ما من عبد إلا ومعه ملك يقيه ما لم يقدر له ، فإذا جاء القدر خلاه وإياه .
122 - إن الله سبحانه أدب نبيه صلى الله عليه وآله بقوله : (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (2) ، فلما علم إنه قد تأدب ، قال له : (وإنك لعلى خلق عظيم) (3) ، فلما استحكم له من رسوله ما أحب قال : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (4) .
123 - كنت أنا والعباس وعمر نتذاكر المعروف ، فقلت أنا : خير المعروف ستره ، وقال العباس : خيره تصغيره ، وقال عمر : خيره تعجيله ، فخرج علينا رسول الله ، فقال : فيم أنتم ؟ فذكرنا له ، فقال : خيره أن يكون هذا كله فيه .
124 - العفو يفسد من اللئيم بقدر ما يصلح من الكريم .
125 - إذا خبث الزمان كسدت الفضائل وضرت ، ونفقت الرذائل ونفعت ، وكان خوف الموسر أشد من خوف المعسر .
126 - انظر إلى المتنصح (5) إليك ، فإن دخل من حيث يضار الناس فلا تقبل
__________
(1) الوصول ، فعول ، من الصلة ، وهى العطية والجافي ضد الوصول .
(2) سورة البقرة 67 .
(3) سورة القلم 40 .
(4) سورة الاعراف 199 .
(5) المتنصح : المتشبه بالنصحاء .
(*)(20/270)
نصيحته وتحرز منه ، وأن دخل من حيث العدل والصلاح فاقبلها منه .
127 - اعداء الرجل قد يكونوا أنفع من إخوانه لانهم يهدون إليه عيوبه فيتجنبها ويخاف شماتتهم به فيضبط نعمته ويتحرز من زوالها بغايه طوقه .
128 - المرآة التى ينظر الانسان فيها إلى أخلاقه هي الناس ، لانه يرى محاسنه من أوليائه منهم ، ومساويه من أعدائه فيهم .
129 - انظر وجهك كل وقت في المرآة ، فإن كان حسنا فاستقبح أن تضيف إليه فعلا قبيحا وتشينه به ، وإن كان قبيحا فاستقبح أن تجمع بين قبحين .
130 - موقع الصواب من الجهال مثل موقع الخطأ من العلماء .
131 - ذك قلبك بالادب كما تذكى النار بالحطب .
132 - كفر النعمة لؤم وصحبة الجاهل شؤم .
133 - عاديت من ماريت .
134 - لا تصرم (1) أخاك على ارتياب ، ولا تقطعه دون استعتاب .
135 - خير المقال ما صدقه الفعال .
136 - إذا لم ترزق غنى فلا تحرمن تقوى .
137 - من عرف الدنيا لم يحزن للبلوى .
138 - دع الكذب تكرما إن لم تدعه تأثما .
139 - الدنيا طواحة طراحة فضاحة ، آسية جراحة .
140 - الدنيا جمة المصائب ، مرة المشارب ، لا تمتع صاحبا بصاحب .
141 - المعتذر من غير ذنب ، يوجب على نفسه الذنب .
__________
(1) لا تصرم : لا تقطع ، أي لا تهجره لمجرد التهمة ، غير متيقن تقصيره .
(*)(20/271)
142 - من كسل لم يؤد حقا .
143 - كثرة الجدال تورث الشك .
144 - خير القلوب أوعاها .
145 - الحياء لباس سابغ ، وحجاب مانع ، وستر من المساوئ واق ، وحليف للدين ، وموجب للمحبة ، وعين كالئة تذود عن الفساد ، وتنهى عن الفحشاء ، والعجلة في الامور مكسبة للمذلة ، وزمام للندامة ، وسلب للمروءة ، وشين للحجى ، ودليل على ضعف العقيدة .
146 - إذا بلغ المرء من الدنيا فوق قدره تنكرت للناس أخلاقه .
147 - لا تصحب الشرير فان طبعك يسرق من طبعه شرا وأنت لا تعلم .
148 - موت الصالح راحة لنفسه ، وموت الطالح راحة للناس .
149 - ينبغى للعاقل أن يتذكر عند حلاوة الغذاء مرارة الدواء .
150 - إن حسدك أخ من إخوانك على فضيله ظهرت منك فسعى في مكروهك فلا تقابله بمثل ما كافحك به ، فتعذر نفسه في الاساءة إليك ، وتشرع له طريقا إلى ما يحبه فيك ، لكن اجتهد في التزيد من تلك الفضيلة التى حسدك عليها ، فإنك تسوءه من غير أن توجده حجة عليك .
151 - إذا أردت أن تعرف طبع الرجل فاستشره ، فإنك تقف من مشورته على عدله وجوره ، وخيره وشره .
152 - يجب عليك أن تشفق على ولدك أكثر من إشفاقه عليك .
153 - زمان الجائر من السلاطين والولاة أقصر من زمان العادل ، لان الجائر مفسد ، والعادل مصلح ، وإفساد الشئ أشرع من إصلاحه .(20/272)
154 - إذا خدمت رئيسا فلا تلبس مثل ثوبه ، ولا تركب مثل مركوبه ، ولا تستخدم كخدمه ، فعساك تسلم منه .
155 - لا تحدث بالعلم السفهاء فيكذبوك ، ولا الجهال فيستثقلوك ، ولكن حدث به من يتلقاه من أهله بقبول وفهم يفهم عنك ما تقول ، ويكتم عليك ما يسمع ، فإن لعلمك عليك حقا ، كما إن عليك في مالك حقا : بذله لمستحقه ، ومنعه عن غير مستحقه .
156 - اليقين فوق الايمان ، والصبر فوق اليقين ، ومن أفرط رجاؤه غلبت الامانى على قلبه واستعبدته .
157 - إياك وصاحب السوء ، فإنه كالسيف كالمسلول يروق منظره ، ويقبح أثره .
158 - يا بن آدم احذر الموت في هذه الدار قبل أن تصير إلى دار تتمنى الموت فيها فلا تجده .
159 - من أخطأه سهم المنية قيده الهرم .
160 - من سمع بفاحشة فأبداها كان كمن أتاها .
161 - العاقل من اتهم رأيه ولم يثق بما سولته له نفسه .
162 - من سامح نفسه فيما يحب اتعبها فيما لا يحب .
163 - كفى ما مضى مخبرا عما بقى ، وكفى عبرا لذوى الالباب ما جربوا .
164 - أمر لا تدرى متى يغشاك ، ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك !(20/273)
165 - ليس في البرق الخاطف مستمتع (1) لمن يخوض في الظلمة .
166 - إذا أعجبك ما يتواصفه الناس من محاسنك ، فانظر فيما بطن من مساوئك ، ولتكن معرفتك بنفسك أوثق عندك من مدح المادحين لك .
167 - من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك .
168 - إذا تشبه صاحب الرياء بالمخلصين في الهيئة كان مثل الوارم الذى يوهم الناس إنه سمين ، فيظن الناس ذلك فيه وهو يستر ما يلقى من الالم التابع للورم .
169 - إذا قويت نفس الانسان انقطع إلى الرأى ، وإذ ضعفت انقطع إلى البخت .
170 - الرغبة إلى الكريم تحركه على البذل ، وإلى الخسيس تغريه بالمنع .
171 - خيار الناس يترفعون عن ذكر معايب الناس ، ويتهمون المخبر بها ، ويأثرون (3) الفضائل ، ويتعصبون لاهلها ، ويستعرضون مآثر الرؤساء ، وأفضالهم عليهم ، ويطالبون انفسهم بالمكافأة عليها وحسن الرعايه لها .
172 - لكل شئ قوت ، وأنتم قوت الهوام ، ومن مشى على ظهر الارض فإن مصيره إلى بطنها .
173 - من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه ، وحنينه إلى أوطانه ، وحفظه قديم إخوانه لا
__________
(1) مستمتع : موضع متعة .
(2) الخسيس : اللئيم البعيد عن مكارم الاخلاق .
(3) يأثرون الفضائل : يستأثرون بها .
(*)(20/274)
174 ومن دعائه : اللهم إن كنا قد قصرنا عن بلوغ طاعتك فقد تمسكنا من طاعتك بأحبها إليك ، لا إله إلا أنت جاءت بالحق من عندك .
175 - أصابت الدنيا من أمنها وأصاب الدنيا من حذرها .
176 - ووقف على قوم أصيبوا بمصيبة ، فقال : إن تجزعوا فحق الرحم بلغتم ، وإن تصبروا فحق الله أديتم .
177 - مكارم الاخلاق عشر خصال : السخاء ، والحياء ، والصدق ، وأداء الامانة ، والتواضع ، والغيرة ، والشجاعة ، والحلم ، والصبر ، والشكر .
178 - من أداء الامانة المكافأة على الصنيعة لانها كالوديعة عندك .
179 - الخير النفس تكون الحركة في الخير عليه سهلة متيسرة ، والحركة في الاضرار عسرة بطيئة ، والشرير بالضد من ذلك .
180 - البخلاء من الناس يكون تغافلهم عن عظيم الجرم أسهل عليهم من المكافأة على يسير الاحسان .
181 - مثل الانسان الحصيف (1) مثل الجسم الصلب الكثيف ، يسخن بطيئا ، وتبرد تلك السخونة بأطول من ذلك الزمان .
182 - ثلاثه يرحمون : عاقل يجرى عليه حكم جاهل ، وضعيف في يد ظالم قوى ، وكريم قوم احتاج إلى لئيم .
183 - من صحب السلطان وجب أن يكون معه كراكب البحر ، إن سلم بجسمه من الغرق لم ، يسلم بقلبه من الفرق (2) .
__________
(1) الحصيف : المتمكن من نفسه ، المستحكم عقله .
(2) الفرق : الخوف .
(*)(20/275)
184 - لا تقبلن في استعمال عمالك وأمرائك شفاعة إلا شفاعة الكفاية والامانة .
185 - إذا استشارك عدوك فجرد له النصيحة ، لانه باستشارتك قد خرج من عدواتك ودخل في مودتك .
186 - العدل صورة واحدة ، والجور صور كثيرة ، ولهذا سهل ارتكاب الجور وصعب تحرى العدل ، وهما يشبهان الاصابة في الرماية والخطأ فيها ، وإن الاصابة تحتاج إلى ارتياض (1) وتعهد ، والخطأ لا يحتاج إلى شئ من ذلك .
187 - لا يخطئ المخلص في الدعاء إحدى ثلاث : ذنب يغفر ، أو خير يعجل ، أو شر يؤجل .
188 - لا ينتصف ثلاثة : من ثلاثة بر من فاجر ، وعاقل من جاهل ، وكريم من لئيم .
189 - اشرف الملوك من لم يخالطه البطر .
ولم يحل عن الحق ، وأغنى الاغنياء من لم يكن للحرص أسيرا ، وخير الاصدقاء من لم يكن على إخوانه مستصعبا ، وخير الاخلاق أعونها على التقى والورع .
190 - أربع القليل منهن كثير : النار ، والعداوة ، والمرض ، والفقر .
191 - أربعة من الشقاء : جار السوء ، وولد السوء ، وامرأة السوء ، والمنزل الضيق .
192 - أربعة تدعو إلى الجنة : كتمان المصيبة ، وكتمان الصدقة ، وبر الوالدين ، والاكثار من قول لا إله إلا الله .
__________
(1) ارتياض : مران .
(*)(20/276)
193 لا تصحب الجاهل ، فإن فيه خصالا فاعرفوه بها : يغضب من غير غضب ، ويتكلم في غير نفع ، ويعطى في غير موضع الاعطاء ، ولا يعرف صديقه من عدوه ، ويفشى سره إلى كل احد .
194 - إياك ومواقف الاعتذار ، فرب عذر أثبت الحجة على صاحبه وإن كان بريئا .
195 - الصراط ميدان يكثر فيه العثار ، فالسالم ناج ، والعاثر .
196 - لا يعرف الفضل لاهل الفضل إلا أولو الفضل .
197 - إن لله عبادا في الارض كأنما رأوا أهل الجنة في جنتهم وأهل النار في نارهم : اليقين وأنواره لامعة على وجوههم .
قلوبهم محزونة ، وشرورهم مامونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياما قليلة لراحة طويلة ، أما الليل فصافون أقدامهم (1) ، تجرى دموعهم على خدودهم ، يجارون (2) إلى الله سبحانه بادعيتهم ، قد حلا في أفواههم ، وحلا في قلوبهم طعم مناجاته ولذيذ الخلوة به ، قد أقسم الله على نفسه بجلال عزته ليورثنهم المقام الاعلى في مقعد صدق عنده ، وأما نهارهم فحلماء علماء ، بررة ، أتقياء ، كالقداح ينظر إليهم الناظر فيقول : مرضى ، وما بالقوم من مرض ، أو يقول : قد خولطوا ، ولعمري لقد خالطهم أمر عظيم جليل .
198 - عاتبه عثمان فأكثر وهو ساكت ، فقال : ما لك لا تقول ! قال : إن قلت لم أقل إلا ما تكره ، وليس لك عندي إلا ما تحب .
199 - بليت في حرب الجمل بأشد الخلق شجاعة ، وأكثر الخلق ثروة وبذلا ، وأعظم الخلق في الخلق طاعة ، وأوفى الخلق كيدا وتكثرا (3) ، بليت بالزبير ، لم يرد وجهه قط ،
__________
(1) صافون أقدامهم ، كناية عن كونهم مصلين .
(2) جأر الرجل إلى الله : تضرع .
(3) ا : (وتكبرا) .
(*)(20/277)
وبيعلى بن منية يحمل المال على الابل الكثيرة ويعطى كل رجل ثلاثين دينارا وفرسا على أن يقاتلني ، وبعائشة ما قالت قط بيدها هكذا إلا واتبعها الناس ، وبطلحة لا يدرك غوره (1) ، ولا يطال مكره .
200 - بعث عثمان بن حنيف إلى طلحة والزبير ، فعاد فقال : يا أمير المؤمنين ، جئتك بالخيبة ، فقال : كلا ! أصبت خيرا وأجرت ، ثم قال : إن من العجب انقيادهما لابي بكر وعمر وخلافهما على ، أما والله إنهما ليعلمان إنى لست بدون واحد منهما ، اللهم عليك بهما .
201 - الرزق مقسوم ، والايام دول والناس شرع (2) سواء ، آدم أبوهم ، وحواء أمهم .
202 - قوت الاجسام الغذاء ، وقوت العقول الحكمة ، فمتى فقد واحد منهما قوته بار واضمحل .
203 - الصبر على مشقة العباد (3) يترقى بك إلى شرف الفوز الاكبر .
204 - الروح حياة البدن والعقل حياة الروح .
205 - حقيق بالانسان (4) أن يخشى الله بالغيب ، ويحرس نفسه من العيب ، ويزداد خيرا مع الشيب .
206 - أفضل الولاة من بقى بالعدل ذكره ، واستمده من يأتي بعده .
207 - قدم العدل على البطش تظفر بالمحبة ، ولا تستعمل الفعل حيث ينجع (5) القول .
__________
(1) يقال : بئر لا يدرك غورها ، إذا كانت عميقة جدا ، والمراد هنا أنه لا يعرف ما في أطواء نفسه .
(2) شرع ، أي متساوون .
(3) د : (العبادة) .
(4) ب : (الاحسان) : تحريف .
(5) ينجع : بنفع .
(*)(20/278)
208 - البخيل يسخو من عرضه بمقدار ما يبخل به من ماله ، والسخى يبخل من عرضه بمقدار ما يسخو به من ماله .
209 - فضل العقل على الهوى ، لان العقل يملكك الزمان ، والهوى يستعبدك للزمان .
210 - كل ما حملت عليه الحر احتمله ، ورآه زيادة في شرفه ، إلا ما حطه جزءا (1) من حريته ، فإنه يأباه ولا يجيب إليه .
211 - إذا منعك اللئيم البر مع إعظامه حقك كان أحسن من بذل السخى لك إياه مع الاستخفاف بك .
212 - الملك كالنهر العظيم ، تستمد منه الجداول ، فإن كان عذبا عذبت ، وإن كان ملحا ملحت .
213 - الفرق بين السخاء والتبذير إن السخى يسمح بما يعرف مقداره ومقدار الرغبة فيه إليه ، ويضعه بحيث يحسن وضعه ، وتزكو عارفته ، والمبذر يسمح بما لا يوازن به رغبة الراغب ، ولا حق القاصد ، ولا مقدار ما أولى ، ويستفزه (2) لذلك خطره من خطراته ، والتصدي لاطراء مطر له بينهما بون بعيد .
214 - لا تلاج الغضبان ، فإنك تقلقه (3) باللجاج ، ولا ترده إلى الصواب .
215 - لا تفرح بسقطة غيرك ، فإنك لا تدرى ما تتصرف الايام بك .
216 - قليل العلم إذا وقر في القلب كالطل يصيب الارض المطمئنة فتعشب .
217 - مثل المؤمن الذى يقرأ القرآن كمثل الاترجه ريحها طيب ، وطعمها
__________
(1) ب : (جزاء) .
(2) استفزه : أخرجه .
(3) تقلقه : تحركه .
(*)(20/279)
طيب ، ومثل المؤمن الذى لا يقرأ القرآن كمثل الريحانة ، ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل الفاجر الذى لا يقرا القرآن مثل الحنظلة طعمها مرو لا ريح لها .
218 - المؤمن إذا نظر اعتبر ، وإذا سكت تفكر ، وإذا تكلم ذكر ، وإذا استغنى شكر ، وإذا أصابته شدة صبر ، فهو قريب الرضا ، بعيد السخط ، يرضيه عن الله اليسير ، ولا يسخطه البلاء الكثير ، قوته لا تبلغ به ، ونيته تبلغ ، مغموسة في الخير يده ، ينوى كثيرا من الخير ، ويعمل بطائفة منه ، ويتلهف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به ! والمنافق إذا نظر لها ، وإذا سكت سها ، وإذا تكلم لغا ، وإذا أصابه شدة شكا ، فهو قريب السخط بعيد الرضا ، يسخطه على الله اليسير ، ولا يرضيه الكثير ، قوته تبلغ ونيته لا تبلغ ، مغموسة في الشر يده ، ينوى كثيرا من الشر ، ويعمل بطائفة منه فيتلهف على ما فاته من الشر كيف لم يأمر به ، وكيف لم يعمل به ! على لسان المؤمن نور يسطع ، وعلى لسان المنافق شيطان ينطق .
219 - سوء الظن يدوى (1) القلوب ، ويتهم المأمون ، ويوحش المستأنس ، ويغير مودة الاخوان .
220 - إذا لم يكن في الدنيا إلا محتاج فاغنى الناس أقنعهم بما رزق .
221 - قيل له : إن درعك صدر لا ظهر لها ، إنا نخاف ان تؤتى من قبل ظهرك ، فقال : إذا وليت فلا واءلت (2) .
222 - أشد الاشياء الانسان ، لان أشدها - فيما يرى - الجبل ، والحديد
__________
(1) يدوى : يصيبه بالداء .
والدوى : المرض ، وأدويته : أمرضته .
(2) واءل : خلص ونجا .
(*)(20/280)
ينحت الجبل ، والنار تأكل الحديد ، والماء يطفى النار ، والسحاب يحمل الماء ، والريح يفرق السحاب ، والانسان يتقى من الريح .
223 - إنما الناس في نفس معدود ، وأمل ممدود ، وأجل محدود ، فلا بد للاجل أن يتناهى ، وللنفس أن يحصى ، وللامل أن ينقضى ، ثم قرأ : (وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين) (1) .
224 - اللهم لا تجعل الدنيا لى سجنا ، ولا فراقها على حزنا ، أعوذ بك من دنيا تحرمنى الاخرة ، ومن أمل يحرمني العمل ، ومن حياة تحرمنى خير الممات .
225 - تعطروا بالاستغفار لا تفضحكم رائحة الذنوب .
226 - للنكبات غايات تنتهى إليها ، ودواؤها الصبر عيها وترك الحيلة في إزالتها ، فإن الحيلة في ازالتها قبل انقضاء مدتها سبب لزيادتها .
227 - لا يرضى عنك الحاسد حتى يموت أحدكما .
228 - لا يكون الرجل سيد قومه حتى لا يبالى أي ثوبيه لبس ! 229 - كتب إلى عامل له : اعمل بالحق ليوم لا يقضى فيه إلا بالحق .
230 - نظر إلى رجل يغتاب آخر عند ابنه الحسن ، فقال : يا بنى نزه سمعك عنه ، فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك .
231 - احذروا الكلام في مجالس الخوف ، فإن الخوف يذهل العقل الذى منه نستمد ، ويشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذى نروم نصرته .
واحذر الغضب ممن يحملك عليه ، فإنه مميت للخواطر (2) ، مانع من التثبت .
واحذر من تبغضه فإن بغضك له يدعوك إلى الضجر به ، وقليل الغضب كثير في أذى النفس والعقل ، والضجر مضيق
__________
(1) سورة الانفطار 110 ، 11 .
(2) الخواطر جمع خاطر ، وهو ما يخطر ببالك .
(*)(20/281)
للصدر ، مضعف لقوى العقل ، واحذر المحافل التى لا أنصاف لاهلها في التسوية بينك وبين خصمك في الاقبال والاستماع ، ولا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم لك وعليك ، واحذر حين تظهر العصبية لخصمك بالاعتراض عليك وتشييد قوله (1) وحجته ، فإن ذلك يهيج العصبية ، والاعتراض على هذا الوجه يخلق الكلام ، ويذهب بهجة المعاني .
واحذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك ، واحذر استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفظ ، ورب صغير غلب كبير ! 232 - لا تقبل الرياسة على أهل مدينتك ، فإنهم لا يستقيمون لك إلا بما تخرج به من شرط الرئيس الفاضل .
233 - لا تهزأ بخطأ غيرك ، فإن المنطق لا يملكه ، واقلل من الخطأ الذى أنت فيه بقدر الصبر ، واجعل العقل والحق أماميك تنل البغية بهما .
234 - الرأى يريك غاية الامر مبدأه .
235 - الخير من الناس من قدر على أن يصرف نفسه كما يشاء ويدفعها عن الشرور ، والشرير من لم يكن كذلك .
236 - السلطان الفاضل هو الذى يحرس الفضائل ، ويجود بها لمن دونه ، ويرعاها من خاصته وعامته ، حتى تكثر في أيامه ، ويتحسن بها من لم تكن فيه .
237 - للكريم رباطان : أحدهما الرعاية لصديقه وذوى الحرمة به ، والاخر الوفاء لمن ألزمه الفضل ما يجب له عليه .
238 - إذا تحركت صورة الشر ولم تظهر ولدت الفزع ، فإذا ظهرت ولدت الالم ، وإذا تحركت صورة الخير ولم تظهر ولدت الفرج ، فإذا ظهرت ولدت اللذة .
__________
(1) قوله : (وتشييد قوله) أي تحصينها وصونها عن تطرق الخلل إليها ، وأصل التشييد طلاء الحائط بالجص والطين لئلا يبقى به ثقب .
(*)(20/282)
239 الفرق بين الاقتصاد والبخل ، ان الاقتصاد تمسك الانسان بما في يده خوفا على حريته وجاهه من المسألة ، فهو يضع الشئ موضعه ، ويصبر عما لا تدعو ضرورة إليه ، ويصل صغير بره بعظيم بشره ، ولا يستكثر من المودات خوفا من فرط الاجحاف به ، والبخيل لا يكافئ على ما يسدى إليه ، ويمنع أيضا اليسير من استحق الكثير ، ويصبر لصغير ما يجرى عليه على كثير من الذلة .
240 - لا تحتقرن صغيرا يمكن ان يكبر ، ولا قليلا يمكن أن يكثر .
241 - ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا ، ولقد كنت أظلم قبل ظهور الاسلام ، ولقد كان أخى عقيل يذنب أخى جعفر فيضربنى .
242 - لو كسرت لى الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الانجيل بانجيلهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى تزهر (1) تلك القضايا إلى الله عز وجل وتقول : يا رب ، إن عليا قضى بين خلقك بقضائك .
243 - مر بدار بالكوفة في مراد تبنى فوقعت منها شظية (2) على صلعته فأدمتها ، فقال : ما يومى من مراد بواحد ! اللهم لا ترفعها ، قالوا : فو الله لقد رأينا تلك الدار بين الدور كالشاة الجماء (3) بين الغنم ذوات القرون .
244 - أقتل الاشياء لعدوك ألا تعرفه إنك اتخذته عدوا .
245 - الخيرة في ترك الطيرة .
246 - قيل له في بعض الحروب : إن جالت الخيل أين نطلبك ؟ قال : حيث تركتمونى .
247 - شفيع المذنب اقراره ، وتوبته اعتذاره .
__________
(1) تزهر : تضئ وتتلالا .
(2) الشظية : الفلقة من العصا .
(3) شاة جماء : لا قرون لها .
(*)(20/283)
248 قصم ظهرى رجلان : جاهل متنسك (1) وعالم متهتك .
249 - ألا أخبركم بذات نفسي ، أما الحسن ففتى من الفتيان ، وصاحب جفنة وخوان ، ولو التقت حلقتا البطان (2) لم يغن عنكم في الحرب غناء عصفور ، وأما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو وظل باطل ، وأما أنا والحسين فنحن منكم وأنتم منا .
250 - قال في المنبرية : صار ثمنها تسعا على البديهة (3) وهذا من العجائب .
251 - جاء الاشعث إليه وهو على المنبر ، فجعل يتخطى رقاب الناس حتى قرب منه ثم قال : يا أمير المؤمنين ، غلبتنا هذه الحمراء على قربك - يعنى العجم - فركض المنبر برجله ، حتى قال صعصعة بن صوحان : ما لنا وللاشعث ! ليقولن أمير المؤمنين عليه السلام اليوم في العرب قولا لا يزال يذكر ، فقال عليه السلام : من يعذرني من هؤلاء الضياطرة ! يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار (4) ، ويهجر قوما للذكر ، أفتأمرونني أن أطردهم ، ما كنت لاطردهم فأكون من الجاهلين ! أما والذى فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا .
252 - كان إذا رأى ابن ملجم يقول : اريد حياته (5) ...
البيت فيقال له : فاقتله ، فيقول ، كيف أقتل قاتلي ! 253 - إلهى ما قدر ذنوب أقابل بها كرمك ، وما قدر عبادة أقابل بها نعمك ، وإنى لارجو أن تستغرق ذنوبي في كرمك ، كما استغرقت أعمالي في نعمك .
__________
(1) المتنسك : متكلف النسك والتقوى .
(2) التقت حلقتا البطان : مثل ، والبطان : الحزام الذى يجعل تحت بطن البعير ، فإذا التقت حلقتاه دل على اضطراب العقد وانحلالها .
(3) المنبرية : إشارة إلى مسألة من مسائل الميراث .
(4) الضيطر : الرجل الفخم الذى لا غناء عنده ، وجمعه ضياطرة .
(5) يشير إلى قول عمر بن معد يكرب : أريد حياته ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد .
(*)(20/284)
254 - إذا غضب الكريم فألن له الكلام ، وإذا غضب اللئيم فخذ له العصا .
255 - غضب العاقل في فعله ، وغضب الجاهل في قوله .
256 - رأى رجلا يحدث منكر الحديث ، فقال : يا هذا ، أنصف أذنيك من فمك ، فإنما جعل الاذنان اثنتين ، والفم واحدا ، لتسمع أكثر مما تقول .
257 إياك وكثرة الاعتذار ، فإن الكذب كثيرا ما يخالط المعاذير .
258 - اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك .
259 - سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الاكياس .
260 - مروا الاحداث بالمراء والجدال ، والكهول بالفكر ، والشيوخ بالصمت .
261 - عود نفسك الصبر على جليس السوء ، فليس يكاد يخطئك .
262 - يا بنى إن الشر تاركك إن تركته .
263 لا تطلبوا الحاجة إلى ثلاثة : إلى الكذوب ، فإنه يقربها وإن كانت بعيده ، ولا إلى أحمق ، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، ولا إلى رجل له إلى صاحب الحاجة حاجة ، فإنه يجعل حاجتك وقايه لحاجته .
264 - إياك وصدر المجلس فإنه مجلس قلعة (2) .
265 - احذروا صولة الكريم إذا جاع ، وصولة اللئيم إذا شبع .
266 - سرك دمك فلا تجرينه إلا في أوداجك .
267 - وسئل عن الفرق بين الغم والخوف ، فقال : الخوف مجاهدة الامر المخوف قبل وقوعه ، والغم ما يلحق الانسان من وقوعه .
__________
(1) الحمق : ضعف العقل .
(2) مجلس قلعة ، إذا كان صاحبه يحتاج إلى قيام .
(*)(20/285)
268 - المعروف كنز فانظر عند من تودعه .
269 - إذا أرسلت لبعر فلا تأت بتمر فيؤكل تمرك وتعنف على خلافك (1) .
270 - إذا وقع في يدك يوم السرور فلا تخله فإنك إذا وقعت في يد يوم الغم لم يخلك .
271 - إذا أردت أن تصادق رجلا فانظر : من عدوه ؟ 272 - الانقباض من الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط مجلبة لقرين السوء ، فكن بين المنقبض والمسترسل ، فإن خير الامور أوساطها .
273 - أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ، لا يقولها بعدى إلا كذاب .
274 - أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدى فهزها ، وقال : ما أول نعمة أنعم الله بها عليك ؟ قلت : إن خلقني حيا ، وأقدرني ، وأكمل حواسي ومشاعري وقواى ، قال : ثم ماذا ؟ قلت : أن جعلني ذكرا ، ولم يجعلني أنثى ، قال : والثالثة : قلت : إن هداني للاسلام ، قال : والرابعة ؟ قلت : (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (2) .
275 - اللهم إنى أسألك إخبات المخبتين ، وإخلاص الموقنين ، ومرافقة الابرار ، والعزيمة في كل بر ، والسلامة من كل إثم ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
276 - لما ضربه ابن ملجم وأوصى ابنيه بما أوصاهما قال لابن الحنفية : هل فهمت ما أوصيت به أخويك ؟ قال : نعم ، قال : فإنى أوصيك بمثله وبتوقير أخويك ، واتباع أمرهما ، وألا تبرم أمرا دونهما ، ثم قال لهما : أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما ، وقد علمتما إن أباكما كان يحبه فأحباه .
277 - أما هذا الاعور - يعنى الاشعث - فإن الله لم يرفع شرفا إلا حسده ، ولا أظهر فضلا إلا عابه وهو يمنى نفسه ويخدعها ، يخاف ويرجو ، فهو بينهما لا يثق
__________
(1) هذه الحكمة ساقطة من ب ، وأثبتها من ا ، د .
(2) سورة النحل 18 .
(*)(20/286)
بواحد منهما ، وقد من الله عليه بأن جعله جبانا ، ولو كان شجاعا لقتله الحق ، وأما هذا الاكثف عند الجاهلية - يعنى جرير بن عبد الله البجلى - فهو يرى كل أحد دونه ، ويستصغر كل أحد ويحتقره ، قد ملئ نارا ، وهو مع ذلك يطلب رئاسة ، ويروم إمارة ، وهذا الاعور يغويه ويطغيه ، إن حدثه كذبه ، وإن قام دونه نكص عنه ، فهما كالشيطان إذ قال للانسان : اكفر فلما كفر قال : إنى برئ منك إنى اخاف الله رب العالمين .
278 - بلوغ أعلى المنازل بغير استحقاق من أكبر أسباب الهلكة .
279 - الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب ، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الاذان .
280 - الكرم حسن الفطنة ، واللؤم سوء التغافل .
281 - أسوأ الناس حالا من اتسعت معرفته ، وبعدت همته ، وضاقت قدرته (1) .
282 - أمران لا ينفكان من الكذب : كثرة المواعيد ، وشدة الاعتذار .
283 - عادة النوكى (2) الجلوس فوق القدر ، والمجئ في غير الوقت .
284 - العافية الملك الخفى .
285 - سوء حمل الغنى يورث مقتا ، وسوء حمل الفاقة يضع شرفا .
286 - لا ينبغى لاحد أن يدع الحزم لظفر ناله عاجز ، ولا يسامح نفسه في التفريط لنكبة دخلت على حازم .
287 - ليس من حسن التوكل ان يقال العاشر عثرة ، ثم يركبها ثانية .
__________
(1) هذه الحكمة ساقطة من ب ، وأثبتها من ا ، د .
(2) النوك : الحمق .
(*)(20/287)
288 سوء القالة في الانسان إذا كان كذبا نظير الموت لفساد دنياه ، فإن كان صدقا فأشد من الموت لفساد آخرته .
289 - ترضى الكرام بالكلام ، وتصاد اللئام بالمال ، وتستصلح السفلة بالهوان .
290 - لا يزال المرء مستمرا ما لم يعثر ، فإذا عثر مرة لج به العثار ولو كان في جدد .
291 - المتواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها ، والمتكبر كالربوة لا يقر عليها قطرها ، ولا قطر غيرها .
292 - لا يصبر على الحرب ويصدق في اللقاء الا ثلاثة : مستبصر في دين ، أو غيران على حرمة ، أو ممتعض من ذل .
293 - مجاوزتك ما يكفيك فقر لا منتهى له .
294 - قيل له : أي الامور أعجل عقوبة ، وأسرع لصاحبها صرعة ؟ فقال : ظلم من لا ناصر له إلا الله ، ومجازاة النعم بالتقصير ، واستطالة الغنى على الفقير .
295 - الجماع للمحن جماع ، وللخيرات مناع ، حياء يرتفع ، وعورات تجتمع ، أشبه شئ بالجنون ، ولذلك حجب عن العيون ، نتيجته ولد فتون ، إن عاش كد ، وإن مات هد .
296 - ما شئ أهون من ورع ، وإذا رابك أمر فدعه .
297 - إذا أتى على يوم لا أزداد فيه عملا يقربني إلى الله ، فلا بورك لى في طلوع شمس ذلك اليوم .
298 - أشرف الاشياء العلم ، والله تعالى عالم يحب كل عالم .(20/288)
299 - ليت شعرى أي شئ أدرك من فاته العلم ! بل أي شئ فات من أدرك العلم ! 300 - لا يسود الرجل حتى لا يبالى في أي ثوبيه ظهر .
301 - سمع رجلا يدعو لصاحبه ، فقال : لا أراك الله مكروها ، فقال : إنما دعوت له بالموت ، لان من عاش في الدنيا لا بد أن يرى المكروه .
302 - من صفة العاقل ألا يتحدث بما يستطاع تكذيبه فيه .
303 - السعيد من وعظ بغيره ، والشقى من اتعظ به غيره .
304 - ذو الهمة وإن حط نفسه يأبى إلا علوا ، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها ، وتأبى إلا ارتفاعا .
305 - الدين غل الله في أرضه ، إذا أراد أن يذل عبدا جعله في عنقه .
306 - العاقل إذا تكلم بكلمة أتبعها حكمة ومثلا ، والاحمق إذا تكلم بكلمة أتبعها حلفا .
307 - الحركة لقاح الجد العظيم .
308 ثلاثة لا يستحى من الختم عليها : المال لنفى التهمة ، والجوهر لنفاسته ، والدواء للاحتياط من العدو .
309 - إذا أيسرت فكل الرجال رجالك ، وإذا أعسرت أنكرك أهلك .
310 - من الحكمة جعل المال في أيدى الجهال ، فإنه لو خص به العقلاء لمات
__________
(1) هذه الحكمة ساقطة من ا .
(*)(20/289)
الجهال جوعا ، ولكنه جعل في أيدى الجهال ، ثم استنزلهم عنه العقلاء بلطفهم وفطنتهم .
311 - ما رد أحد أحدا عن حاجة إلا وتبين العز في قفاه ، والذل في وجهه .
312 - ابتداء الصنيعة نافلة ، وربها (1) فريضة .
313 - الحاسد المبطن للحسد كالنحل يمج الدواء ، ويبطن الداء .
314 - الحاسد يرى زوال نعمتك نعمة عليه .
315 - التواضع إحدى مصايد الشرف .
316 - تواضع الرجل في مرتبته ذب للشماتة عنه عند سقطته .
317 - رب صلف أدى إلى تلف .
318 - سوء الخلق يعدى ، وذاك إنه يدعو صاحبك إلى أن يقابلك بمثله .
319 - المرءوة التامة مباينة العامة .
320 - أسوأ ما في الكريم أن يمنعك نداه ، وأحسن ما في اللئيم أن يكف عنك أذاه .
321 - السفلة إذا تعلموا تكبروا ، وإذا تمولوا استطالوا ، والعلية إذا تعلموا تواضعوا ، وإذا افتقروا صالوا .
322 - ثلاث لا يستصلح فسادهن بحيلة أصلا : العداوة بين الاقارب ، وتحاسد الاكفاء وركاكة الملوك .
323 - السخى شجاع القلب ، والبخيل شجاع الوجه .
__________
(1) ربها : أي جمعها .
(*)(20/290)
324 العزلة توفر العرض وتستر الفاقة ، وترفع ثقل المكافأة .
325 - ما احتنك أحد قط إلا أحب الخلوة والعزلة .
326 - خير الناس من لم تجربه .
327 - الكريم لا يلين على قسر ، ولا يقسو على يسر .
328 - المرأة إذا أحبتك آذتك ، وإذا أبغضتك خانتك وربما قتلتك ، فحبها أذى ، وبغضها داء بلا دواء .
329 - المرأة تكتم الحب أربعين سنة ، ولا تكتم البغض ساعة واحدة .
330 - الممتحن كالمختنق ، كلما ازداد اضطرابا ازداد اختناقا .
331 - كل ما لا ينتقل بانتقالك من مالك فهو كفيل بك .
332 - أجل ما ينزل من السماء التوفيق ، وأجل ما يصعد من الارض الاخلاص .
333 - إثنان يهون عليهما كل شئ : عالم عرف العواقب ، وجاهل يجهل ما هو فيه .
334 - شر من الموت ما إذا نزل تمنيت بنزوله الموت ، وخير من الحياة ما إذا فقدته أبغضت لفقده الحياة .
335 - ما وضع أحد يده في طعام أحد إلا ذل له .
336 - المرأة كالنعل يلبسها الرجل إذا شاء ، لا إذا شاءت .
337 - أبصر الناس لعوار الناس المعور .
338 - العجب ممن يخاف عقوبة السلطان وهى منقطعة ، ولا يخاف عقوبة الديان وهى دائمة .(20/291)
339 - من عرف نفسه فقد عرف ربه .
340 - من عجز عن معرفة نفسه فهو عن معرفة خالقه أعجز .
341 - لو تكاشفتم لما تدافنتم .
342 - شيطان كل إنسان نفسه .
343 - إن لم تعلم من أين جئت ، لم تعلم إلى أين تذهب ! 344 - غاية كل متعمق في معرفة الخالق سبحانه الاعتراف بالقصور عن إدراكها .
345 - الكمال في خمس : إلا يعيب الرجل أحدا بعيب فيه مثله حتى يصلح ذلك العيب من نفسه ، فإنه لا يفرغ من إصلاح عيب من عيوبه حتى يهجم على آخر فتشغله عيوبه عن عيوب الناس ، وألا يطلق لسانه ويده حتى يعلم أفى طاعة ذلك أم في معصية ، وألا يلتمس من الناس إلا ما يعطيهم من نفسه مثله ، وأن يسلم من الناس باستشعار مداراتهم وتوفيتهم حقوقهم ، وأن ينفق الفضل من ماله ، ويمسك الفضل من قوله .
346 - صديق البخيل من لم يجربه .
347 - من الخيط الضعيف يفتل الحبل الحصيف (1) ، ومن مقدحة (2) صغيرة تحترق مدينة كبيرة ، ومن لبنة لبنة (3) تبنى قرية حصينة .
348 - محب الدراهم معذور وإن أدنته من الدنيا ، لانها صانته عن أبناء الدنيا .
__________
(1) الحصيف : المحكم .
(2) المقدحة : ما يقدح بها النار .
(3) اللبنة : التى يبنى بها .
(*)(20/292)
349 عجبا لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح ! وعجبا لمن قيل فيه الشر وليس فيه كيف يغضب ! 350 - ثلاث موبقات : الكبر فإنه حط أبليس عن مرتبته ، والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة ، والحسد فإنه دعا ابن آدم إلى قتل أخيه .
351 - الفطام عن الحطام شديد (1) .
352 - إذا أقبلت الدنيا أقبلت على حمار قطوف ، وإذا أدبرت أدبرت على البراق .
353 - أصاب متأمل أو كاد ، وأخطأ مستعجل أو كاد .
354 - سته لا تخطئهم الكآبة : فقير حديث عهد بغنى ، ومكثر يخاف على ماله ، وطالب مرتبة فوق قدره ، والحسود ، والحقود ، ومخالط أهل الادب وليس بأديب .
355 - طلبت الراحة لنفسي فلم أجد شيئا أروح من ترك ما لا يعنينى ، وتوحشت في القفر البلقع فلم أر وحشة أشد من قرين السوء ، وشهدت الزحوف (2) ولقيت الاقران ، فلم أر قرنا أغلب من المرأة ، ونظرت إلى كل ما يذل العزيز ويكسره ، فلم أر شيئا أذل له ولا أكسر من الفاقة .
356 - أول رأى العاقل آخر رأى الجاهل .
357 - المسترشد موقى ، والمحترس ملقى .
358 - الحر عبد ما طمع ، والعبد حر ما قنع .
__________
(1) ب : (شد) .
(2) زحف إليه : خف ومشى ، والزحف : الجيش يمشى إلى العدو .
(*)(20/293)
359 - ما أحسن حسن الظن إلا أن فيه العجز ، وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم .
360 - ما الحيلة فيما أعنى (1) إلا الكف عنه ، ولا الرأى فيما ينال إلا اليأس منه .
361 - الاحمق إذا حدث ذهل ، وإذا حدث عجل ، وإذا حمل على القبيح فعل .
362 - إثبات الحجة على الجاهل سهل ، ولكن إقراره بها صعب .
363 - كما تعرف أواني الفخار بامتحانها بأصواتها فيعلم الصحيح منها من المكسور ، كذلك يمتحن الانسان بمنطقه فيعرف ما عنده .
364 - احتمال الفقر أحسن من احتمال الذل ، لان الصبر على الفقر قناعة ، والصبر على الذل ضراعة (2) .
365 - الدنيا حمقاء لا تميل إلا إلى أشباهها .
366 - السفر ميزان الاخلاق .
367 - العقل ملك والخصال رعيته ، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها .
368 - الكذاب يخيف نفسه وهو آمن .
369 - لو لا ثلاث لم يسلل سيف : سلك أدق من سلك ، ووجه أصبح من وجه ، ولقمة أسوغ من لقمة .
370 - قد يحسن الامتنان بالنعمة وذلك عند كفرانها ، ولو لا إن بنى اسرائيل
__________
(1) ا : (أعيا) .
(2) ضرع إليه ضراعة : ذل وخضع .
(*)(20/294)
كفروا النعمة لما قال الله لهم : (اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم) (1) .
371 - إذا تناهى الغم انقطع الدمع .
372 - إذا ولى صديقك ولايه فاصبته على العشر من صداقته فليس بصاحب سوء .
373 - أعجب الاشياء بديهة أمن وردت في مقام خوف .
374 - الحرص محرمة (2) والجبن مقتلة ، وإلا فانظر فيمن رأيت وسمعت : أمن قتل في الحرب مقبلا أكثر ، أم من قتل مدبرا ! وانظر : أمن يطلب بالاجمال والتكرم أحق أن تسخو نفسك له أم من يطلب بالشره والحرص ! 375 - إذا كان العقل تسعه أجزاء احتاج إلى جزء من جهل ليقدم به صاحبه على الامور ، فإن العاقل أبدا متوان مترقب متخوف .
376 - عمل الرجل بما يعلم إنه خطأ هوى ، والهوى آفة العفاف ، وترك العمل بما يعلم إنه صواب تهاون ، والتهاون آفة الدين ، وإقدامه على ما لا يدرى أصواب هو أم خطأ لجاج واللجاج آفة العقل .
377 - ضعف العقل أمان من الغم .
378 - لا ينبغى للعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت ، ولا طعاما حتى يستمرئه ، ولا صديقا حتى يستقرضه ، وليس من حسن الجوار ترك الاذى ، ولكن حسن الجوار الصبر على الاذى .
379 - لا يتأدب العبد بالكلام إذا وثق بأنه لا يضرب .
380 - الفرق بين المؤمن والكافر الصلاة ، فمن تركها وادعى الايمان كذبه فعله ، وكان عليه شاهد من نفسه .
__________
(1) سورة البقرة 122 .
(2) أي سبب للحرمان .
(*)(20/295)
381 - من خاف الله خافه كل شئ .
382 - من النقص أن يكون شفيعك شيئا خارجا عن ذاتك وصفاتك .
383 - ويلى على العبد اللئيم عبد بنى ربيعة ! نزع به (1) عرق الشرك العبشمى إلى مساءتى ، وتذكر دم الوليد وعتبة وشيبة أولى له ، والله ليريني في موقف يسوءه ثم لا يجد هناك فلانا وفلانا - يعنى سالما مولى حذيفة .
384 - أنا قاتل الاقران ، ومجدل الشجعان ، أنا الذى فقأت عين الشرك ، وثللت عرشه ، غير ممتن على الله بجهادي ، ولا مدل إليه بطاعتي ، ولكن أحدث بنعمة ربى .
385 - الصوم عبادة بين العبد وخالقه ، لا يطلع عليها غيره ، وكذلك لا يجازى عنها غيره .
386 - طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ! طوبى لمن لا يعرف الناس ! ولا يعرفه الناس طوبى لمن كان حيا كميت ، وموجودا كمعدوم ، قد كفى جاره خيره وشره ، لا يسأل عن الناس ، ولا يسأل الناس عنه .
387 - ما السيف الصارم في كف الشجاع باعز له من الصدق .
388 - لا يكن فقرك كفرا ، وغناك طغيانا .
389 - ثمرة القناعة الراحة ، وثمرة التواضع المحبة .
390 - الكريم يلين إذا استعطف ، واللئيم يقسو إذا لوطف .
391 - أنكى لعدوك ألا تريه إنك اتخذته عدوا .
392 - عذابان لا يأبه الناس لهما : السفر البعيد ، والبناء الكثير .
__________
(1) نزع به عرق الشر : جذبه إليه .
(2) عبشمى ، نسبة إلى عبد شمس .
(*)(20/296)
393 - ثلاثة يؤثرون المال على أنفسهم : تاجر البحر ، وصاحب السلطان ، والمرتشي في الحكم .
394 - أعجز الناس من قصر في طلب الصديق ، وأعجز منه من وجده فضيعه (1) .
395 - أشد المشاق وعد كذاب لحريص .
396 - العادات قاهرات ، فمن اعتاد شيئا في سره وخلوته فضحه في جهره وعلانيته .
397 - الاخ البار مغيض الاسرار .
398 - عدم المعرفة بالكتابة زمانة خفية .
399 - قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الاساءة .
400 - ركوب الخيل عز ، وركوب البراذين لذة ، وركوب البغال مهرمة ، وركوب الحمير مذلة .
401 - العقل يظهر بالمعاملة ، وشيم الرجال تعرف بالولاية .
402 - قال له قائل : علمني الحلم ، فقال : هو الذل ، فاصطبر عليه إن استطعت .
403 - قلتم : إن فلانا أفاد مالا عظيما ، فهل أفاد أياما ينفقه فيها ! 404 - عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه .
405 - المريض يعاد - والصحيح يزار .
406 - الشئ الذى لا يحسن أن يقال وإن كان حقا ، مدح الانسان نفسه .
__________
(1) هذه الحكمة ساقطة من ا .
(*)(20/297)
407 - الشئ الذى لا يستغنى عنه بحال من الاحوال التوفيق .
408 - أوسع ما يكون الكريم مغفرة ، إذا ضاقت بالذنب المعذرة .
409 - ستر ما عاينت أحسن من إشاعة ما ظننت .
410 - التكبر على المتكبرين هو التواضع بعينه .
411 - إذا رفعت أحدا فوق قدره فتوقع منه أن يحط منك بقدر ما رفعت منه .
412 - إساءة المحسن أن يمنعك جدواه ، واحسان المسئ أن يكف عنك أذاه .
413 - اللهم إنى استعديك على قريش ، فإنهم اضمروا لرسولك صلى الله عليه وآله ضروبا من الشر والغدر ، فعجزوا عنها ، وحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بى ، والدائرة على .
اللهم احفظ حسنا وحسينا ، ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا ، فإذا توفيتنى فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد .
414 - قال له قائل : يا أمير المؤمنين ، أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ترك ولدا ذكرا قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه ؟ أمرها قال : لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت ، أن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وسلم وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حيا على صرف الامر عن أهل بيته بعد موته ، ولو لا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلما إلى العز والامرة ، لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا ،(20/298)
ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا ، وبازلها (1) بكرا ، ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة (2) ، فحسن في عيونها من الاسلام ما كان سمجا ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا ، وقالت : لو لا إنه حق لما كان كذا ، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الامراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والاحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف .
وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذاك لم يكن يقرب ما قربت ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سببا للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة .
اللهم إنك تعلم إنى لم أرد الامرة ، ولا علو الملك والرياسة ، وإنما أردت القيام بحدودك ، والاداء لشرعك ، ووضع الامور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها ، والمضى على منهاج نبيك ، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك .
415 - البر ما سكنت إليه نفسك ، واطمأن إليه قلبك ، والاثم ما جال في نفسك وتردد في صدرك .
416 - الزكاة نقص في الصورة ، وزيادة في المعنى .
417 - ليس الصوم الامساك عن المأكل والمشرب ، الصوم الامساك عن كل ما يكرهه الله سبحانه .
__________
(1) البازل : الذى فطرنا به .
(2) المخمصة : الجوع .
(*)(20/299)
418 - إذا كان الراعى ذئبا ، فالشاة من يحفظها ! 419 - كل شئ يعصيك إذا اغضبته إلا الدنيا ، فإنها تطيعك إذا أغضبتها .
420 - رب مغبوط بنعمة هي داؤه ، ومرحوم من سقم هو شفاؤه .
421 - إذا أراد الله أن يسلط على عبد عدوا لا يرحمه سلط عليه حاسدا .
422 - شرب الدواء للجسد كالصابون للثوب ، ينقيه ولكن يخلقه .
423 - الحسد خلق دنئ ، ومن دناءته إنه موكل بالاقرب فالاقرب .
424 - لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نبى الله موسى ، وقد سمعتم قوله : (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) (1) .
425 - استغفر الله مما أملك ، واستصلحه فيما لا أملك .
426 - إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب ، قعدت وأنت كبير حيث تكره .
427 - الولد العاق كالاصبع الزائدة ، إن تركت شانت ، وإن قطعت آلمت .
428 - خرج العز والغنى يجولان فلقيا القناعة فاستقرا .
429 - الصديق نسيب الروح ، والاخ نسيب الجسم .
430 - جزية المؤمن كراء منزله ، وعذابه سوء خلق زوجته .
431 - الوعد وجه والانجاز محاسنه .
432 - أنعم الناس عيشا من عاش في عيشة غيره .
433 لا تشاتمن أحدا ، ولا تردن سائلا ، إما هو كريم تسد خلته ، أو لئيم تشترى عرضك منه .
__________
(1) سورة الكهف 66 .
(*)(20/300)
434 - النمام سهم قاتل .
435 - ثلاثة أشياء لا دوام لها : المال في يد المبذر ، وسحابة الصيف ، وغضب العاشق .
436 - الزاهد في الدينار والدرهم اعز من الدينار والدرهم .
437 - رب حرب أحييت بلفظة ، ورب ود غرس بلحظة .
438 - إذا تزوج الرجل فقد ركب البحر ، فإن ولد له فقد كسر به .
439 - صلاح كل ذى نعمة في خلاف ما فسد عليه .
440 - أنعم الناس عيشة من تحلى بالعفاف ، ورضى بالكفاف (1) ، وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف .
441 - التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد .
442 - ينبغى للعاقل أن يمنع معروفه الجاهل واللئيم والسفيه ، أما الجاهل فلا يعرف المعروف ولا يشكر عليه ، وأما اللئيم فأرض سبخة لا تنبت ، وأما السفيه فيقول : إنما أعطاني فرقا من لساني .
443 - خير العيش ما لا يطغيك ، ولا يلهيك .
444 - ما ضرب الله العباد بسوط أوجع من الفقر .
445 - إذا أراد الله أن يزيل عن عبد نعمة كان أول ما يغير منه عقله .
446 - خير الدنيا والاخرة في خصلتين : الغنى والتقى : وشر الدنيا والاخرة في خصلتين : الفقر والفجور .
447 - ثمانية إذا أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم : الاتى طعاما لم يدع إليه ،
__________
(1) الكفاف : القليل .
(*)(20/301)
والمتامر على رب البيت في بيته ، وطالب المعروف من غير أهله ، والداخل بين أثنين لم يدخلاه ، والمستخف بالسلطان ، والجالس مجلسا ليس له بأهل ، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه ، ومن جرب المجرب .
448 - أنفس الاعلاق (1) عقل قرن إليه حظ .
449 - اللطافة في الحاجة أجدى من الوسيلة .
450 - احتمال نخوة الشرف أشد من احتمال بطر الغنى ، وذلة الفقر مانعة من الصبر ، كما إن عز الغنى مانع من كرم الانصاف ، إلا لمن كان في غريزته فضل قوة ، وأعراق تنازعه إلى بعد الهمة .
451 - أبعد الناس سفرا من كان في طلب صديق يرضاه .
452 - استشارة الاعداء من باب الخذلان .
453 - الجاهل يعرف بست خصال : الغضب من غير شئ ، والكلام في غير نفع ، والعطية في غير موضعها ، وألا يعرف صديقه من عدوه ، وإفشاء السر ، والثقة بكل أحد .
454 - سوء العادة كمين لا يؤمن .
455 - العادة طبيعة ثانية غالبة .
456 - التجنى وافد القطيعة .
457 - صديقك من نهاك ، وعدوك من أغراك .
458 - يا عجبا من غفلة الحساد عن سلامة الاجساد ! 459 - من سعادة المرء أن يطول عمره ، ويرى في أعدائه ما يسره .
460 - الضغائن تورث كما تورث الاموال .
__________
(1) الاعلاق : الاشياء النفيسة القيمة .
(*)(20/302)
461 - رب عزيز أذله خرقه ، وذليل أعزه خلقه .
462 - لا يصلح اللئيم لاحد ، ولا يستقيم إلا من فرق أو حاجة ، فإذا استغنى أو ذهب خوفه عاد إليه جوهره .
463 - ثلاثة في المجلس وليسوا فيه : الحاقن ، والضيق الخف ، والسئ الظن بأهله .
464 - وسئل : ما أبقى الاشياء في نفوس الناس ؟ فقال : أما في أنفس العلماء فالندامة على الذنوب ، وأما في نفوس السفهاء فالحقد .
465 - إذا انقضى ملك قوم خيبوا في آرائهم .
466 - الضعيف المحترس من العدو القوى أقرب إلى السلامة من القوى المغتر بالعدو الضعيف .
467 - الحزن سوء استكانه ، والغضب لؤم قدره .
468 - كل ما يؤكل ينتن ، وكل ما يوهب يأرج .
469 - الطرش في الكرام ، والهوج في الطوال ، والكيس في القصار ، والنبل في الربعة ، وحسن الخلق في الحول ، والكبر في العور ، والبهت في العميان ، والذكاء في الخرس .
470 - ألام الناس من سعى بانسان ضعيف إلى سلطان جائر .
471 - أعسر الحيل تصوير الباطل في صورة الحق عند العاقل المميز .
472 - الغدر ذل حاضر ، والغيبة لؤم باطن .
473 - القلب الفارغ يبحث عن السوء واليد الفارغة تنازع إلى الاثم .
474 - لا كثير مع أسراف ، ولا قليل مع احتراف ، ولا ذنب مع اعتراف .(20/303)
475 - المتعبد على غير فقه كحمار الرحا يدور ولا يبرح .
476 - المحروم من طال نصبه ، وكان لغيره مكسبة .
477 - في الاعتبار غنى عن الاختبار .
478 - وغيظ البخيل على الجواد اعجب من بخله .
479 - أذل الناس معتذر إلى اللئيم .
480 - أشجع الناس أثبتهم عقلا في بداهة الخوف .
481 - المعتذر منتصر ، والمعاتب مغاضب .
482 - المروءة بلا مال كالاسد الذى يهاب ولم يفترس ، وكالسيف الذى يخاف وهو مغمد ، والمال بلا مروءة كالكلب الذى يجتنب عقرا ولم يعقر .
483 - عليكم بالادب ، فإن كنتم ملوكا برزتم ، وإن كنتم وسطا فقتم ، وإن أعوزتكم المعيشة عشتم بأدبكم .
484 - الملوك حكام على الناس ، والعلماء حكام على الملوك .
485 - لا ينبغى للعاقل أن يكون إلا في إحدى منزلتين : إما في الغاية القصوى من مطالب الدنيا ، وإما في الغاية القصوى من الترك لها .
486 - من أفضل اعمال البر الجود في العسر ، والصدق في الغضب ، والعفو عند القدرة .
487 - إن الله أنعم على العباد بقدر قدرته ، وكلفهم من الشكر بقدر قدرتهم .
488 - العيش في ثلاث : صديق لا يعد عليك في أيام صداقتك ما يرضى به أيام عداوتك ، وزوجة تسرك إذا دخلت عليها وتحفظ غيبك إذا غبت عنها ، وغلام يأتي على ما في نفسك كأنه قد علم ما تريد .(20/304)
489 - تحتاج القرابة إلى مودة ولا تحتاج المودة إلى قرابة .
490 - الصابر على مخالطة الاشرار وصحبتهم ، كراكب البحر إن سلم ببدنه من التلف ، لم يسلم بقلبه من الحذر .
491 - لاخيك عليك إذا حزبه أمر أن تشير عليه بالرأى ما أطاعك ، وتبذل له النصر إذا عصاك .
492 - الغيبة ربيع اللئام .
493 - أطول الناس نصبا الحريص إذا طمع ، والحقود إذا منع .
494 - الشريف دون حقه يقتل ويعطى نافلة فوق الحق عليه .
495 - اجعل عمرك كنفقة دفعت إليك ، فكما لا تحب أن يذهب ما تنفق ضياعا ، فلا تذهب عمرك ضياعا .
496 - من أظهر شكرك فيما لم تأت إليه ، فاحذر أن يكفرك فيما أسديت إليه .
497 - لا تستعن في حاجتك بمن هو للمطلوب إليه أنصح منه لك .
498 - لا يؤمننك من شر جاهل قرابة ولا جوار ، فإن أخوف ما تكون لحريق النار اقرب ما تكون إليها .
499 - كن في الحرص على تفقد عيوبك كعدوك .
500 - عليك بسوء الظن ، فإن أصاب فالحزم وإلا فالسلامة .
501 - رضا الناس غايه لا تدرك ، فتحر الخير بجهدك ، ولا تبال بسخط من يرضيه الباطل .(20/305)
502 - لا تماكس في البيع والشراء ، فما يضيع من عرضك أكثر مما تنال من عرضك .
503 - الدين رق فلا تبذل رقك لمن لا يعرف حقك .
504 - احذر كل الحذر أن يخدعك الشيطان فيمثل لك التوانى في صورة التوكل ، ويورثك الهوينى بالاحالة على القدر ، فإن الله أمر بالتوكل عند انقطاع الحيل ، وبالتسليم للقضاء بعد الاعذار ، فقال : (خذوا حذركم (1)) ، (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (2)) ، وقال النبي صلى الله عليه وآله : (اعقلها وتوكل) .
505 - لا تصحب في السفر غنيا ، فإنك إن ساويته في الانفاق أضر بك ، وإن تفضل عليك استذلك .
506 - إذا سألت كريما حاجة فدعه يفكر ، فإنه لا يفكر إلا في خير ، وإذا سألت لئيما حاجة فغافصه (3) فإنه إذا (4) فكر عاد إلى طبعه .
507 - ما أقبح بالصبيح الوجه أن يكون جاهلا ، كدار حسنة البناء وساكنها شر ، وكجنة يعمرها بوم ، أو صرمة يحرسها ذئب .
508 - قبيح بذى العقل أن يكون بهيمة وقد أمكنه أن يكون إنسانا ، وقد أمكنه أن يكون ملكا ، وأن يرضى لنفسه بقنية معارة وحياة مستردة ، وله أن يتخذ قنية مخلدة وحياة مؤبدة .
509 - الذى يستحق اسم السعادة على الحقيقة سعادة الاخرة ، وهى أربعة أنواع : بقاء بلا فناء ، وعلم بلا جهل ، وقدرة بلا عجز ، وغنى بلا فقر .
__________
(1) سورة النساء 71 .
(2) سورة البقرة 95 .
(3) غافصه : أي أخذه على غرة .
(4) ب : (إن فكر) .
(*)(20/306)
510 - ما خاب من استخار .
511 - الدين قد كشف عن غطاء قلبه ، يرى مطلوبه قد طبق الخافقين فلا يقع بصره على شئ إلا رآه فيه .
512 - من غرس النخل أكل الرطب ، ومن غرس الصفصاف والعليق عدم ثمرته ، وذهبت ضياعا خدمته .
513 - إذا أردت العلم والخير فانفض عن يدك أداه الجهل والشر ، فإن الصائغ لا يتهيأ له الصياغة إلا إذا ألقى أداة الفلاحة عن يده .
514 - الصبر مفتاح الفرج .
515 - غايه كل متعمق في علمنا أن يجهل .
516 - ستعرف الحال على حقيقتها ، ولكن حيث لا تستطيع أن تذاكر أحدا بها .
517 - السعادة التامة بالعلم ، والسعادة الناقصة بالزهد ، والعبادة من غير علم ولا زهادة تعب الجسد .
518 - الامال مطايا ، وربما حسرت ، ونقبت اخفافها .
519 - حب الرياسة شاغل عن حب الله سبحانه .
520 - يا أبا عبيدة ، طال عليك العهد فنسيت ، أم نافست فأنسيت ؟ لقد سمعتها ووعيتها فهلا رعيتها ! 521 - قال : لما سمعت خطبة عمر بالمدينة التى شرح فيها قصة السقيفة : معذرة ورب الكعبة ، ولكن بعد ماذا ! هيهات علقت معالقها ، وصر الجندب .
522 - أول من جرأ الناس علينا سعد بن عبادة ، فتح بابا ولجة(20/307)
غيره ، وأضرم نارا كان لهبها عليه ، وضوءها لاعدائه .
523 - ما لنا ولقريش ! يخضمون الدنيا باسمنا ، ويطئون على رقابنا ، فيا لله وللعجب ! من اسم جليل لمسمى ذليل ! 524 - الخير كله في السيف ، وما قام هذا الدين إلا بالسيف ، أتعلمون ما معنى قوله تعالى : (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) ؟ هذا هو السيف .
525 - لم يفت من لم يمت .
526 - من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء ، فإنه لو غص بغيره لاساغ الماء غصته .
527 - من ضن بعرضه فليدع المراء .
528 - من أيقظ فتنة فهو آكلها .
529 - من أثرى كرم على أهله ، ومن أملق هان على ولده .
530 - من أمل أحدا هابه ، ومن جهل شيئا عابه .
531 - أسوأ الناس حالا من لا يثق بأحد لسوء ظنه ، ولا يثق به أحد لسوء أثره .
532 - أحب الناس إليك من كثرت أياديه عندك ، فإن لم يكن فمن كثرت أياديك عنده .
533 - من طال صمته اجتلب من الهيبة ما ينفعه ، ومن الوحشة ما لا يضره .
534 - من زاد عقله نقص حظه ، وما جعل الله لاحد عقلا وافرا إلا احتسب به عليه من رزقه .
535 - من عمل بالعدل فيمن دونه ، رزق العدل ممن فوقه .(20/308)
536 - من طلب عزا بظلم وباطل أورثه الله ذلا بإنصاف وحق .
537 - من وطئته الاعين ، وطئته الارجل .
538 - ينادى مناد يوم القيامة : من كان له أجر على الله فليقم ، فيقوم العافون عن الناس ، ثم تلا : (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) .
539 - اصحب الناس باى خلق شئت يصحبوك بمثله .
540 - كأنك بالدنيا لم تكن ، وكأنك بالاخرة لم تزل .
541 - قال لمريض أبل من مرضه : إن الله ذكرك فاذكره ، وأقالك فاشكره .
542 - الدار دار من لا دار له ، وبها يفرح من لا عقل له ، فانزلوها منزلتها .
543 - لا تستصغرن أمر عدوك إذا حاربته ، فإنك إن ظفرت به لم تحمد ، وإن ظفر بك لم تعذر ، والضعيف المحترس من العدو القوى أقرب إلى السلامة من القوى المغتر بالضعيف .
544 - لا تصحب من تحتاج إلى أن تكتمه ما يعرف الله منك .
545 - لا تسأل غير الله فإنه إن أعطاك أغناك .
546 - الصاحب كالرقعة في الثوب ، فاتخذه مشاكلا .
547 - إياك وكثرة الاخوان ، فإنه لا يؤذيك إلا من يعرفك .
548 - دع اليمين لله إجلالا ، وللناس إجمالا .
549 - العادات قاهرات ، فمن اعتاد شيئا في سره فضحه في علانيته .
550 - إذا كان لك صديق ولم تحمد إخاءه ومودته ، فلا تظهر ذلك للناس ، فإنما هو بمنزلة السيف الكليل في منزل الرجل ، يرهب به عدوه ، ولا يعلم العدو أصارم هو أم كليل !(20/309)
551 - دع الذنوب قبل أن تدعك .
552 إذا نزل بك مكروه فانظر ، فإن كان لك حيلة فلا تعجز ، وإن لم يكن فيه حيلة فلا تجزع .
553 - تعلموا العلم ، فإنه زين للغنى وعون للفقير ، ولست أقول إنه يطلب به ولكن يدعوه إلى القناعة .
554 - لا ترضين قول أحد حتى ترضى فعله ، ولا ترض فعله حتى ترضى عقله ، ولا ترض عقله حتى ترضى حياءه ، فإن الانسان مطبوع على كرم ولؤم ، فإن قوى الحياء عنده قوى الكرم ، وإن ضعف الحياء قوى اللؤم .
555 - تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظا ، فلان يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم .
556 - اجعل سرك إلى واحد ، ومشورتك إلى ألف .
557 - إن الله خلق النساء من عى وعورة ، فداووا عيهن بالسكوت ، واستروا العورة بالبيوت .
558 - لا تعدن عدة لا تثق من نفسك بإنجازها ، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا .
واعلم أن للاعمال جزاء فاتق العواقب ، وان للامور بغتات فكن على حذر .
559 - لا تجاهد الطلب جهاد المغالب ، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم ، فإن ابتغاء الفضل من السنة ، والاجمال في الطلب من العفة ، وليست العفة برافعة رزقا ، ولا الحرص بجالب فضلا .
560 - من لم تستقم له نفسه ، فلا يلومن من لم يستقم له .(20/310)
561 - من رجى الرزق لديه صرفت أعناق الرجال إليه .
562 - من انتجعك مؤملا فقد أسلفك حسن الظن .
563 - إذا شئت أن تطاع فاسأل ما يستطاع .
564 - من أعذر كمن أنجح .
565 - من كانت الدنيا همه كثر في القيامة غمه .
566 - من أجمل في الطلب أتاه رزقه من حيث لا يحتسب .
567 - من ركب العجلة لم يأمن الكبوة .
568 - من لم يثق لم يوثق به .
569 - من أفاده الدهر أفاد منه (1) 570 - من أكثر ذكر الضغائن اكتسب العداوة .
571 - من لم يحمد صاحبه على حسن النية لم يحمده على حسن الصنيعة .
572 - تأمل ما تتحدث به ، فإنما تملى على كاتبيك صحيفة يوصلانها إلى ربك ، فانظر على من تملى ، وإلى من تكتب .
573 - أقم الرغبة إليك مقام الحرمة بك ، وعظم نفسك عن التعظم ، وتطول ولا تتطاول .
574 - عاملوا الاحرار بالكرامة المحضة ، والاوساط بالرغبة والرهبة ، والسفلة بالهوان .
575 - كن للعدو المكاتم أشد حذرا منك للعدو المبارز .
576 - احفظ شيئك ممن تستحيى أن تسأله عن مثل ذلك الشئ إذا ضاع لك .
__________
(1) أفاد : أي استفاد .
(*)(20/311)
577 - إذا كنت في مجلس ولم تكن المحدث ولا المحدث فقم .
578 - لا تستصغرون حدثا (1) من قريش ، ولا صغيرا من الكتاب ، ولا صعلوكا من الفرسان .
ولا تصادقن ذميا ولا خصيا ولا مؤنثا ، فلا ثبات لموداتهم .
579 - لا تدخل في مشورتك بخيلا فيقصر بفعلك ، ولا جبانا فيخوفك ما لا تخاف ، ولا حريصا فيعدك ما لا يرجى ، فإن الجبن والبخل والحرص طبيعة واحدة ، يجمعها سوء الظن بالله تعالى .
580 - لا تكن ممن تغلبه نفسه على ما يظن ، ولا يغلبها على ما يستيقن .
581 - اعص هواك والنساء وافعل ما بدا لك .
582 - ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك .
583 - كل من الطعام ما تشتهى ، والبس من الثياب ما يشتهى الناس .
584 - ولتكن دارك أول ما يبتاع وآخر ما يباع .
585 - من كان في يده شئ من رزق الله سبحانه فليصلحه ، فإنكم في زمان إذا احتاج المرء فيه إلى الناس كان أول ما يبذله لهم دينه .
586 - ابذل لصديقك مالك ، ولمعرفتك رفدك ومحضرك ، وللعامة بشرك وتحننك ، ولعدوك عدلك وإنصافك ، واضنن بدينك وعرضك عن كل أحد .
587 - جالس العقلاء اعداء كانوا أو أصدقاء ، فإن العقل يقع على العقل .
588 - كن في الحرب بحيلتك أوثق منك بشدتك ، وبحذرك أفرح منك بنجدتك ، فإن الحرب حرب المتهور ، وغنيمة المتحذر .
589 - النعم وحشية فقيدوها بالمعروف .
__________
(1) حدثا ، أي صغير السن .
(*)(20/312)
590 - إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقى الله فاصنعها إلى من يتقى العار .
591 - لا تشتغل بالرزق المضمون عن العمل المفروض .
592 - إذا اكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنك ذاك ، فإن زوال الكرامة بزوالهما ، ولكن ليعجبك إن أكرمك الناس لدين أو أدب .
593 - ينبغى لمن لم يكرم وجهه عن مسألتك أن تكرم وجهك عن رده .
594 - إياك ومشاورة النساء ، فإن رأيهن إلى أفن ، وعزمهن إلى وهن ، واكفف من أبصارهن بحجابك إياهن ، فإن شدة الحجاب خير لك من الارتياب ، وليس خروجهن بأشد عليك من دخول من لا تثق به عليهن ، وإن استطعت ألا يعرفن غيرك فافعل ، ولا تمكن امرأة من الامر ما جاوز نفسها ، فإن ذلك أنعم لبالها ، وأرخى لحالها ، وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فلا تعد بكرامتها نفسها ، ولا تعطها أن تشفع لغيرها ، ولا تطل الخلوة معهن فيملنك وتملهن ، واستبق من نفسك بقية ، فإن إمساكك عنهن وهن يردنك ذلك باقتدار ، خير من أن يهجمن منك على انكسار .
وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة ، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم .
595 - إذا أردت أن تختم على كتاب ، فأعد النظر فيه ، فإنما تختم على عقلك .
596 - إن يوما اسكر الكبار وشيب الصغار لشديد .
597 - كم من مبرد له الماء والحميم يغلى له .
598 - الصلاة صابون الخطايا .
599 - إن امرأ عرف حقيقة الامر ، وزهد فيه لاحمق ، وإن امرأ جهل حقيقة الامر مع وضوحه لجاهل .(20/313)
600 - إذا قال أحدكم : والله ، فلينظر ما يضيف إليها .
601 - رأيك لا يتسع لكل شئ ، ففرغه للمهم من أمورك ، ومالك لا يغنى الناس كلهم فاخصص به أهل الحق ، وكرامتك لا تطيق بذلها في العامة ، فتوخ بها أهل الفضل ، وليلك ونهارك لا يستوعبان حوائجك ، فأحسن القسمة بين عملك ودعتك .
602 - أحى المعروف بإماتته .
603 - أصحبوا من يذكر إحسانكم إليه ، وينسى أياديه عندكم .
604 - جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم .
605 - إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم .
606 - لا تثقن كل الثقة بأخيك ، فإن سرعة الاسترسال لا تقال .
607 - انتقم من الحرص بالقناعة ، كما تنتقم من العدو بالقصاص .
608 - إذا قصرت يدك عن المكافأة ، فليطل لسانك بالشكر .
609 - من لم ينشط لحديثك فارفع عنه مؤنة الاستماع منك .
610 - الزمان ذو ألوان ، ومن يصحب الزمان ير الهوان .
611 - لا تزهدن في معروف ، فإن الدهر ذو صروف ، كم من راغب أصبح مرغوبا إليه ، ومتبوع أمسى تابعا .
612 - إن غلبت يوما على المال فلا تغلبن على الحيلة على كل حال .
613 - كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا .
614 - لا تكونن المحدث من لا يسمع منه ، والداخل في سر اثنين لم يدخلاه(20/314)
فيه ، ولا الاتى وليمة لم يدع إليها ، ولا الجالس في مجلس لا يستحقه ، ولا طالب الفضل من أيدى اللئام ، ولا المتحمق في الدالة ، ولا المتعرض للخير من عند العدو .
615 - اطبع الطين ما دام رطبا ، واغرس العود ما دام لدنا .
616 - خف الله حتى كأنك لم تطعه ، وارج الله حتى كأنك لم تعصه .
617 - لا تبلغ في سلامك على الاخوان حد النفاق ، ولا تقصرهم عن درجة الاستحقاق .
618 - انصح لكل مستشير ، ولا تستشير إلا الناصح اللبيب .
619 - ما أقبح بك أن ينادى غدا : يا أهل خطيئة كذا ، فتقوم معهم ، ثم ينادى ثانيا : يا أهل خطيئة كذا ، فتقوم معهم .
ما أراك يا مسكين الا تقوم مع أهل كل خطيئة ! 620 - ما أصاب أحد ذنبا ليلا إلا أصبح وعليه مذلته .
621 - الاستغفار يحت الذنوب حت الورق ، ثم تلا قوله تعالى : (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) (1) .
622 - أيها المستكثر من الذنوب ، إن أباك اخرج من الجنة بذنب واحد .
623 - إذا عصى الرب من يعرفه سلط عليه من لا يعرفه .
624 - لقاء أهل الخير عمارة القلوب .
625 - أنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعضد من المنكب ، وكالذراع
__________
(1) سورة النساء 110 .
(*)(20/315)
من العضد ، وكالكف من الذراع ، ربانى صغيرا ، وآخاني كبيرا ، ولقد علمتم أنى كان لى منه مجلس سر لا يطلع عليه غيرى ، وإنه أوصى إلى دون أصحابه وأهل بيته ، ولاقولن ما لم أقله لاحد قبل هذا اليوم ، سألته مرة أن يدعو لى بالمغفرة فقال : أفعل ، ثم قام فصلى ، فلما رفع يده للدعاء استمعت عليه ، فإذا هو قائل : اللهم بحق على عندك اغفر لعلى ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذا ؟ فقال : أواحد أكرم منك عليه فاستشفع به إليه .
626 - والله ما قلعت باب خيبر ، ودكدكت (1) حصن يهود بقوه جسمانية بل بقوه إلهية .
627 - يا بن عوف ، كيف رأيت صنيعك مع عثمان ! رب واثق خجل ، ومن لم يتوخ بعمله وجه الله عاد مادحه من الناس له ذاما .
628 - لو رأيت ما في ميزانك لختمت على لسانك .
629 - ليس الحلم ما كان حال الرضا ، بل الحلم ما كان حال الغضب .
630 - ليس شئ أقطع لظهر أبليس من قول : (لا إله إلا الله) ، كلمه التقوى .
631 - لا تحملوا ذنوبكم وخطاياكم على الله ، وتذروا أنفسكم والشيطان .
632 - إن أخوف ما أخاف على هذه الامة من الدجال ، أئمة مضلون وهم رؤساء أهل البدع .
633 - إذا زللت فارجع ، وإذا ندمت فاقلع ، وإذا أسأت فاندم ، وإذا مننت فاكتم ، وإذا منعت فأجمل ، ومن يسلف المعروف يكن ربحه الحمد .
__________
(1) دكدك الحصن : هذه .
(*)(20/316)
634 - استشر عدوك تجربة لتعلم مقدار عداوته .
635 - لا تطلبن من نفسك العام ما وعدتك عاما أول .
636 - أطول الناس عمرا من كثر علمه ، فتأدب به من بعده ، أو كثر معروفه فشرف به عقبه .
637 - استهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه .
638 - لا دين لمن لا نية له ، ولا مال لمن لا تدبير له ، ولا عيش لمن لا رفق له .
639 - من اشتغل بتفقد اللفظة ، وطلب السجعة (1) ، نسى الحجة .
640 - الدنيا مطية المؤمن ، عليها يرتحل إلى ربه ، فأصلحوا مطاياكم تبلغكم إلى ربكم .
641 - من رأى إنه مسئ فهو محسن ، ومن رأى إنه محسن فهو مسئ .
642 - سيئة تسوءك خير من حسنة تعجبك .
643 - اطلبوا الحاجات بعزة الانفس ، فإن بيد الله قضاءها .
644 - عذب حسادك بالاحسان إليهم .
645 - اظهار الفاقة من خمول الهمة .
646 - يا عالم قد قام عليك حجة العلم ، فاستيقظ من رقدتك .
647 - الرفق يفل حد المخالفة .
648 - أرجح الناس عقلا ، وأكملهم فضلا ، من صحب أيامه بالموادعة ، وإخوانه بالمسالمة ، وقبل من الزمان عفوه .
__________
(1) أي من طلب تزيين الكلام .
(*)(20/317)
649 - الوجوه إذا كثر تقابلها ، اعتصر بعضها ماء بعض .
650 - أداء الامانة مفتاح الرزق .
651 - حصن علمك من العجب ، ووقارك من الكبر ، وعطاءك من السرف ، وصرامتك من العجلة ، وعقوبتك من الافراط ، وعفوك من تعطيل الحدود ، وصمتك من العى ، واستماعك من سوء الفهم ، واستئناسك من البذاء ، وخلواتك من الاضاعة ، وغراماتك من اللجاجة وروغانك من الاستسلام ، وحذراتك من الجبن .
652 - لا تجد للموتور المحقود أمانا من أذاه أوثق من البعد عنه ، والاحتراس منه .
653 - إحذر من أصحابك ومخالطيك الكثير المسألة ، الخشن البحث ، اللطيف الاستدراج ، الذى يحفظ أول كلامك على آخره ، ويعتبر ما أخرت بما قدمت ، ولا تظهرن له المخافة فيرى إنك قد تحرزت وتحفظت .
واعلم أن من يقظة الفطنة إظهار الغفلة مع شدة الحذر ، فخالط هذا مخالطة الامن ، وتحفظ منه تحفظ الخائف ، فإن البحث يظهر الخفى ، ويبدى المستور الكامن .
654 - من سره الغنى بلا سلطان ، والكثرة بلا عشيرة ، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته ، فإنه واجد ذلك كله .
655 - الشيب أعذار الموت .
656 - من ساس نفسه بالصبر على جهل الناس صلح أن يكون سائسا .
657 - لله تعالى كل لحظه ثلاثه عساكر : فعسكر ينزل من الاصلاب إلى الارحام ، وعسكر ينزل من الارحام إلى الارض ، وعسكر يرتحل من الدنيا إلى الاخرة .(20/318)
658 - اللهم ارحمنى رحمه الغفران ، إن لم ترحمني رحمة الرضا .
659 - إلهى كيف لا يحسن منى الظن وقد حسن منك المن ، إلهى إن عاملتنا بعدلك لم يبق لنا حسنة ، وإن أنلتنا فضلك لم يبق لنا سيئة .
660 - العلم سلطان ، من وجده صال به ، ومن لم يجده صيل عليه .
661 - يا بن آدم إنما أنت أيام مجموعة ، فإذا مضى يوم مضى بعضك .
662 - حيث تكون الحكمة تكون خشيه الله ، وحيث تكون خشيته تكون رحمته .
663 - اللهم إنى أرى لدى من فضلك ما لم أسألك ، فعلمت إن لديك من الرحمة ما لا أعلم فصغرت قيمة مطلبي فيما عاينت ، وقصرت غاية أملى عند ما رجوت ، فإن ألحفت في سؤالي فلفاقتى إلى ما عندك ، وإن قصرت في دعائي فبما عودت من ابتدائك .
664 - من كان همته ما يدخل جوفه كانت قيمته ما يخرج منه .
665 - يقول الله تعالى : يا بن آدم ، لم أخلقك لاربح عليك ، إنما خلقتك لتربح على ، فاتخذني بدلا من كل شئ فإنى ناصر لك من كل شئ .
666 - الرجاء للخالق سبحانه أقوى من الخوف ، لانك تخافه لذنبك ، وترجوه لجوده ، فالخوف لك والرجاء له .
667 - أسألك بعزة الوحدانية ، وكرم الالهية ، ألا تقطع عنى برك بعد مماتي ، كما لم تزل تراني أيام حياتي ، أنت الذى تجيب من دعاك ، ولا تخيب من رجاك ، ضل من يدعو إلا إياك ، فإنك لا تحجب من أتاك ، وتفضل على من(20/319)
عصاك ، ولا يفوتك من ناواك ، ولا يعجزك من عاداك ، كل في قدرتك ، وكل يأكل رزقك .
668 - لا تطلبن إلى أحد حاجة ليلا ، فإن الحياء في العينين .
669 - من ازداد علما فليحذر من توكيد الحجة عليه .
670 - العاقل ينافس الصالحين ليلحق بهم ، ويحبهم ليشاركهم بمحبته ، وإن قصر عن مثل عملهم ، والجاهل يذم الدنيا ولا يسخو بإخراج أقلها ، يمدح الجود ، ويبخل بالبذل ، يتمنى التوبة بطول الامل ، ولا يعجلها لخوف حلول الاجل ، يرجو ثواب عمل لم يعمل به ، ويفر من الناس ليطلب ، ويخفى شخصه ليشتهر ، ويذم نفسه ليمدح ، وينهى عن مدحه وهو يحب ألا ينتهى من الثناء عليه .
671 - الانس بالعلم من نبل الهمة .
672 - اللهم كما صنت وجهى عن السجود لغيرك ، فصن وجهى عن مسألة غيرك .
673 - من الناس من ينقصك إذا زدته ، ويهون عليك إذا خاصصته ، ليس لرضاه موضع تعرفه ، ولا لسخطه مكان تحذره ، فإذا لقيت أولئك فابذل لهم موضع المودة العامة ، وأحرمهم موضع الخاصة ، ليكون ما بذلت لهم من ذلك حائلا دون شرهم ، وما حرمتهم من هذا قاطعا لحرمتهم .
674 - من شبع عوقب في الحال ثلاث عقوبات : يلقى الغطاء على قلبه ، والنعاس على عينه ، والكسل على بدنه .
675 - ذم العقلاء أشد من عقوبة السلطان .
676 - يقطع البليغ عن المسألة أمران : ذل الطلب ، وخوف الرد .
677 - المؤمن محدث .(20/320)
678 - قل أن ينطق لسان الدعوى إلا ويخرسه كعام (1) الامتحان .
679 - انظر ما عندك فلا تضعه إلا في حقه ، وما عند غيرك فلا تأخذه إلا بحقه .
680 - إذا صافاك عدوك رياء منه فتلق ذلك بأوكد مودة ، فإنه إن ألف ذلك واعتاده خلصت لك مودته .
681 - لا تألف المسألة فيألفك المنع .
682 - لا تسأل الحوائج غير أهلها ، ولا تسألها في غير حينها ، ولا تسأل ما لست له مستحقا فتكون للحرمان مستوجبا .
683 - إذا غشك صديقك فاجعله مع عدوك .
684 - لا تعدن من إخوانك من آخاك في أيام مقدرتك للمقدرة ، واعلم أنه ينتقل عنك في أحوال ثلاث : يكون صديقا يوم حاجته إليك ، ومعرضا يوم غناء عنك ، وعدوا يوم حاجتك إليه .
685 - لا تسرن بكثرة الاخوان ما لم يكونوا أخيارا ، فإن الاخوان بمنزلة النار التى قليلها متاع ، وكثيرها بوار .
686 - كفاك خيانة أن تكون أمينا للخونة .
687 - لا تحقرن شيئا من الخير وإن صغر ، فإنك إذا رأيته سرك مكانه ، ولا تحقرن شيئا من الشر وإن صغر ، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه .
688 - يا بن آدم ، ليس بك غناء عن نصيبك من الدنيا : وأنت إلى نصيبك من الاخرة افقر .
__________
(1) الكعام : ما يشد به فم البعير .
(*)(20/321)
689 - معصية العالم إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ، وإذا ظهرت ضرت صاحبها والعامة .
690 - يجب على العاقل ان يكون بما أحيا عقله من الحكمة أكلف منه بما أحيا جسمه من الغذاء .
691 - أعسر العيوب صلاحا العجب واللجاجة .
692 - لكل نعمة مفتاح ومغلاق ، فمفتاحها الصبر ، ومغلاقها الكسل .
693 - الحزن والغضب أميران تابعان لوقوع الامر بخلاف ما تحب ، ألا إن المكروه إذا أتاك ممن فوقك نتج عليك حزنا ، وإن أتاك ممن دونك نتج عليك غضبا .
694 - أول المعروف مستخف ، وآخره مستثقل ، تكاد أوائله تكون للهوى دون الرأى ، وأوخره للرأى دون الهوى ، ولذلك قيل : رب الصنيعة أشد من الابتداء بها .
695 - لا تدع الله أن يغنيك عن الناس فإن حاجات الناس بعضهم إلى بعض متصلة كاتصال الاعضاء فمتى يستغنى المرء عن يده أو رجله ! ولكن ادع الله أن يغنيك عن شرارهم .
696 - احترس من ذكر العلم عند من لا يرغب فيه ، ومن ذكر قديم الشرف عند من لا قديم له ، فإن ذلك مما يحقدهما عليك .
697 - ينبغى لذوى القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا .
698 - لا تؤاخ شاعرا فإنه يمدحك بثمن ، ويهجوك مجانا .
699 - لا تنزل حوائجك بجيد اللسان ، ولا بمتسرع إلى الضمان .(20/322)
700 - كل شئ طلبته في وقته فقد فات وقته .
701 - إذا شككت في مودة انسان فاسأل قلبك عنه .
702 - العقل لم يجن على صاحبه قط ، والعلم من غير عقل يجنى على صاحبه .
703 - يا بن آدم ، هل تنتظر إلا هرما حائلا (1) ، أو مرضا شاغلا ، أو موتا نازلا ! 704 - ابنك يأكلك صغيرا ويرثك كبيرا ، وابنتك تأكل من وعائك ، وترث من أعدائك ، وابن عمك عدوك وعدو عدوك ، وزوجتك إذا قلت لها قومي قامت .
705 - إذا ظفرتم فأكرموا الغلبة ، وعليكم بالتغافل فإنه فعل الكرام ، وإياكم والمن فانه مهدمة للصنيعة ، منبهة للضغينة .
706 - من لم يرج إلا ما يستوجبه أدرك حاجته .
707 - بلغ من خدع الناس ، أن جعلوا شكر الموتى تجارة عند الاحياء ، والثناء على الغائب استمالة للشاهد .
708 - من احتاج إليك ثقل عليك ، ومن لم يصلحه الخير أصلحه الشر ، ومن لم يصلحه الطالى أصلحه الكاوى .
709 - من أكثر من شئ عرف به ، ومن زنى زنى به ، ومن طلب عظيما خاطر بعظمته ، ومن أحب أن يصرم (2) أخاه فليقرضه ثم ليتقاضه (3) ، ومن أحبك لشئ ملك عند انقضائه ، ومن عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار .
__________
(1) حائلا ، أي مانعا يمنعه من أداء عمله .
(2) يقطع مودته .
(3) يطلب منه ما اقترض .
(*)(20/323)
710 - من بلغ السبعين اشتكى من غير علة .
711 - في المال ثلاث خصال مذمومة : إما أن يكتسب من غير حلة ، أو يمنع إنفاقه في حقه ، أو يشغل بإصلاحه عن عبادة الله تعالى .
712 - يباعدك من غضب الله ألا تغضب .
713 - لا تستبدلن بأخ لك قديم أخا مستفادا ما استقام لك ، فإنك إن فعلت فقد غيرت ، وإن غيرت تغيرت نعم الله عليك .
714 - أشد من البلاء شماتة الاعداء .
715 - ليس يزنى فرجك إن غضضت طرفك .
716 - كما ترك لكم الملوك الحكمة والعلم فاتركوا لهم الدنيا .
717 - الهدية تفقأ عين الحكيم .
718 - ليكن أصدقاؤك كثيرا ، واجعل سرك منهم إلى واحد .
719 - يا عبيد الدنيا ، كيف تخالف فروعكم أصولكم ، وعقولكم أهواءكم ، قولكم شفاء يبرئ الداء ، وعملكم داء لا يقبل الدواء ، ولستم كالكرمة التى حسن ورقها ، وطاب ثمرها ، وسهل مرتقاها ، ولكنكم كالشجرة التى قل ورقها ، وكثر شوكها ، وخبث ثمرها ، وصعب مرتقاها .
جعلتم العلم تحت أقدامكم ، والدنيا فوق رءوسكم ، فالعلم عندكم مذال (1) ممتهن ، والدنيا لا يستطاع تناولها ، فقد منعتم كل أحد من الوصول إليها ، فلا أحرار كرام أنتم ، ولا عبيد أتقياء ، ويحكم يا أجراء السوء ! أما الاجر فتأخذون ، وأما العمل فلا تعملون ، إن عملتم فللعمل تفسدون ، وسوف تلقون ما تفعلون ، يوشك رب العمل أن ينظر في عمله الذى أفسدتم ، وفي أجره الذى أخذتم .
يا غرماء السوء ، تبدءون بالهدية قبل قضاء
__________
(1) الاذالة : الاهانة .
(*)(20/324)
الدين ، تتطوعون بالنوافل ولا تؤدون الفرائض ، إن رب الدين لا يرضى بالهدية حتى يقضى دينه .
720 - الدنيا مزرعة إبليس ، وأهلها أكرة حراثون له فيها .
721 - وا عجبا ممن يعمل للدنيا وهو يرزق فيها بغير عمل ، ولا يعمل للاخرة وهو لا يرزق فيها إلا بالعمل ! 722 - لا تجالسوا إلا من يذكركم الله رؤيته ، ويزيد في عملكم منطقه ، ويرغبكم في الاخرة عمله .
723 - كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع .
724 - ضرب الوالد الولد كالسماد للزرع .
725 - إذا أردت أن تصادق رجلا فاغضبه ، فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه .
726 - إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الاسلام ، ثم اجلس - يعنى السلام - فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك مع سهامهم ، وإن أفاضوا في غيره فخلهم وانهض .
727 - الاوطار تكسب الاوزار ، فارفض وطرك ، واغضض بصرك .
728 - إذا قعدت عند سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل ، فلعله أن يأتيه من هو آثر عنده منك ، فيريد أن تتنحى عن مجلسك ، فيكون ذلك نقصا عليك وشينا .
729 - ارحم الفقراء لقلة صبرهم ، والاغنياء لقلة شكرهم ، وارحم الجميع لطول غفلتهم .(20/325)
730 - العالم مصباح الله في الارض ، فمن أراد الله به خيرا اقتبس منه .
731 - لا يهونن عليك من قبح منظره ورث لباسه ، فإن الله تعالى ينظر إلى القلوب ويجازى بالاعمال .
732 - من كذب ذهب بماء وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمه ، ونقل الصخور من مواضعها أهون من تفهيم من لا يفهم .
733 - كنت في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله كجزء من رسول الله صلى الله عليه وآله ، ينظر إلى الناس كما ينظر إلى الكواكب في أفق السماء ، ثم غض الدهر منى ، فقرن بى فلان وفلان ، ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان ، فقلت : وا ذفراه (1) ! ثم لم يرض الدهر لى بذلك ، حتى أرذلني ، فجعلني نظيرا لابن هند وابن النابغة ! لقد استنت الفصال حتى القرعى .
734 - أما والذى فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الامي إلى أن الامة ستغدر بك من بعدى .
735 - لامته فاطمة على قعوده وأطالت تعنيفه ، وهو ساكت حتى أذن المؤذن ، فلما بلغ إلى قوله : (أشهد أن محمدا رسول الله) ، قال لها : أتحبين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا ؟ قالت : لا ، قال : فهو ما أقول لك .
736 - قال لى رسول الله صلى الله عليه وآله : إن اجتمعوا عليك فاصنع ما أمرتك ، وإلا فالصق كلكلك بالارض ، فلما تفرقوا عنى جررت على المكروه ذيلي ، وأغضيت على القذى جفنى ، والصقت بالارض كلكلى .
737 - الدنيا حلم والاخرة يقظة ، ونحن بينهما أضغاث احلام .
__________
(1) الذفر : الرائحة الخبيثة .
(*)(20/326)
738 - لما عرف أهل النقص حالهم عند أهل الكمال ، استعانوا بالكبر ليعظم صغيرا ، ويرفع حقيرا ، وليس بفاعل .
739 - لو تميزت الاشياء كان الكذب مع الجبن ، والصدق مع الشجاعة ، والراحة مع اليأس ، والتعب مع الطمع ، والحرمان مع الحرص ، والذل مع الدين .
740 - المعروف غل لا يفكه إلا شكر أو مكافأة .
741 - كثرة مال الميت تسلى ورثته عنه .
742 - من كرمت عليه نفسه هان عليه ماله .
743 - من كثر مزاحه لم يسلم من استخفاف به ، أو حقد عليه .
744 - كثرة الدين تضطر الصادق إلى الكذب والواعد إلى الاخلاف .
745 - عار النصيحة يكدر لذتها .
746 - أول الغضب جنون ، وآخره ندم .
747 - انفرد بسرك ولا تودعه حازما فيزل ، ولا جاهلا فيخون .
748 - لا تقطع أخاك إلا بعد عجز الحيلة عن استصلاحه ، ولا تتبعه بعد القطيعة وقيعة فيه ، فتسد طريقه عن الرجوع إليك ، ولعل التجارب أن ترده عليك وتصلحه لك .
749 - من أحس بضعف حيلته عن الاكتساب بخل .
750 - الجاهل صغير وإن كان شيخا ، والعالم كبير وإن كان حدثا .
751 - الميت يقل الحسد له ، ويكثر الكذب عليه .
752 - إذا نزلت بك النعمة فاجعل قرأها الشكر .(20/327)
753 - الحرص ينقص من قدر الانسان ولا يزيد في حظه .
754 - الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود .
755 - أبخل الناس بماله أجودهم بعرضه .
756 - لا تتبع الذنب العقوبة واجعل بينهما وقتا للاعتذار .
757 - اذكر عند الظلم عدل الله فيك ، وعند القدرة قدرة الله عليك .
758 - لا يحملنك الحنق على اقتراف الاثم فتشفى غيظك وتسقم دينك .
759 - الملك بالدين يبقى والدين بالملك يقوى .
760 - كان الحاسد إنما خلق ليغتاظ .
761 - عقل الكاتب في قلمه .
762 - اقتصر من شهوة خالفت عقلك بالخلاف عليها .
763 - اللهم صن وجهى باليسار ، ولا تبذل جاهى بالاقتار ، فاسترزق طالبي رزقك ، واستعطف شرار خلقك ، وابتلى بحمد من أعطاني ، وافتتن بذم من منعنى ، وأنت من وراء ذلك ولى الاعطاء والمنع ، إنك على كل شئ قدير .
764 - كل حقد حقدته قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله أظهرته في وستظهره في ولدى من بعدى ، ما لى ولقريش ! إنما وترتهم (1) بأمر الله وأمر رسوله ، أفهذا جزاء من اطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين ! 765 - عجبا لسعد وابن عمر ! يزعمان إنى أحارب على الدنيا ، أفكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحارب على الدنيا ! فإن زعما أن رسول الله صلى الله عليه وآله حارب لتكسير الاصنام ، وعبادة الرحمن ، فإنما حاربت لدفع الضلال والنهى عن
__________
(1) وترتهم : أحدثت عندهم وترا .
(*)(20/328)
الفحشاء والفساد ، أفمثلي يزن بحب الدنيا ! والله لو تمثلت لى بشرا سويا لضربتها بالسيف .
766 - اللهم أنت خلقتني كما شئت ، فارحمني كيف شئت ، ووفقني لطاعتك ، حتى تكون ثقتى كلها بك ، وخوفي كله منك .
767 - لا تسبن إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر .
768 - من لم يأخذ أهبة الصلاة قبل وقتها فما وقرها .
769 - لا تطمع في كل ما تسمع .
770 - من عاتب ووبخ فقد استوفى حقه .
771 - الجود الذى يستطاع أن يتناول به كل أحد ، هو أن ينوى الخير لكل أحد .
772 - من صحب السلطان بالصحة والنصيحة كان أكثر عدوا ممن صحبه بالغش والخيانة .
773 - من عاب سفله فقد رفعه ، ومن عاب كريما فقد وضع نفسه .
774 - الموالى ينصرون ، وبنو العم يحسدون .
775 - الصدق عز ، والكذب مذلة ، ومن عرف بالصدق جاز كذبه ، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه .
776 - إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها فإنها تتخطاك .
777 - نحن نريد إلا نموت حتى نتوب ، ونحن لا نتوب حتى نموت .
778 - أنزل الصديق منزلة العدو في رفع المؤنة عنه ، وأنزل العدو منزلة الصديق في تحمل المؤنة له .(20/329)
779 - أول عقوبة الكاذب أن صدقه يرد عليه .
780 - الادب عند الاحمق كالماء العذب في أصول الحنظل ، كلما ازداد ريا ازداد مرارة .
781 - إياكم وحمية الاوغاد ، فإنهم يرون العفو ضيما .
782 - الكريم لا يستقصى في محاقة المعتذر ، خوفا أن يجزى من لا يجد مخرجا من ذنبه .
783 - العفو عن المقر لا عن المصر .
784 - ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه .
785 - من جاد بماله فقد جاد بنفسه ، فإن لم يكن جاد بها بعينها فقد جاد بقوامها .
786 - الدين ميسم الكرام ، وطالما وقر الكرام بالدين ! 787 - الماضي قبلك هو الباقي بعدك ، والتهنئة بأجل الثواب أولى من التعزية بعاجل المصاب .
788 - مما تكتسب به المحبة أن تكون عالما كجاهل ، وواعظا كموعوظ .
789 - لا تحمدن الصبى إذا كان سخيا ، فإنه لا يعرف فضيله السخاء ، وإنما يعطى ما في يده ضعفا .
790 - خير الاخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك في المودة ، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها .
791 - عجبا للسلطان ، كيف يحسن ، وهو إذا أساء وجد من يزكيه ويمدحه !(20/330)
792 - إذا صادقت إنسانا وجب عليك أن تكون صديق صديقه ، وليس يجب عليك أن تكون عدو عدوه ، لان هذا إنما يجب على خادمه وليس يجب على على مماثل له .
793 - ليس تكمل فضيلة الرجل حتى يكون صديقا لمتعاديين .
794 - من سعادة الحدث إلا يتم له فضيلة في رذيلة .
795 - إذا منعت من شئ قد التمسته ، فليكن غيظك منه على نفسك في المسألة اكثر من غيظك على من منعك .
796 - الاسخياء يشمتون بالبخلاء عند الموت ، والبخلاء يشمتون بالاسخياء عند الفقر .
797 - ليس يضبط العدد الكثير من لا يضبط نفسه الواحدة .
798 - إذا أحسن أحد من أصحابك فلا تخرج إليه بغاية برك ، ولكن اترك منه شيئا تزيده إياه عند تبينك منه الزيادة في نصيحته .
799 - الوقوع في المكروه أسهل من توقع المكروه .
800 - الحسود ظالم ، ضعفت يده عن انتزاع ما حسدك عليه ، فلما قصر عليك بعث إليك تأسفه .
801 - أعم الاشياء نفعا موت الاشرار .
802 - الشئ المعزى للناس عن مصائبهم علم العلماء إنها نفعاء اضطرارية وتأسى العامة بعضها ببعض .
803 - العقل الاصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان .(20/331)
804 - يا عجبا للناس قد مكنهم الله من الاقتداء به ، فيدعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم ! 805 - سلوا القلوب عن المودات ، فإنها شهود لا تقبل الرشا .
806 - إنما يحزن الحسدة أبدا لانهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط ، بل ولما ينال الناس من الخير .
807 - العشق جهد عارض صادف قلبا فارغا .
808 - تعرف خساسة المرء بكثرة كلامه فيما لا يعنيه ، وإخباره عما لا يسأل عنه .
809 - لا تؤخر إنالة المحتاج إلى غد ، فإنك لا تعرف ما يعرض في غد .
810 - أن تتعب في البر ، فإن التعب يزول والبر يبقى .
811 - أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين .
812 - كفاك موبخا على الكذب علمك بإنك كاذب ، وكفاك ناهيا عنه خوفك من تكذيبك حال إخبارك .
813 - العالم يعرف الجاهل لانه كان جاهلا ، والجاهل لا يعرف العالم لانه لم يكن عالما .
814 - لا تتكلوا على البخت فربما لم يكن وربما كان وزال ، ولا على الحسب فطالما كان بلاء على أهله ، يقال للناقص : هذا ابن فلان الفاضل ، فيتضاعف غمه وعاره ، ولكن عليكم بالعلم والادب ، فإن العالم يكرم وإن لم ينتسب ، ويكرم وإن كان فقيرا ، ويكرم وإن كان حدثا .(20/332)
815 - خير ما عوشر به الملك قلة الخلاف وتخفيف المؤنة ، وأصعب الاشياء على الانسان أن يعرف نفسه ، وأن يكتم سره .
816 - العدل أفضل من الشجاعة ، لان الناس لو استعملوا العدل عموما في جميعهم لاستغنوا عن الشجاعة .
817 - أولى الاشياء أن يتعلمها الاحداث الاشياء التى إذا صاروا رجالا ا حتاجوا إليها .
818 - لا ترغب في اقتناء الاموال ، وكيف ترغب فيما ينال بالبخت لا بالاستحقاق ، ويأمر البخل والشره بحفظه والجود والزهد بإخراجه ! 819 - إذا عاتبت الحدث فاترك له موضعا من ذنبه ، لئلا يحمله الاخراج على المكابرة .
820 - ما انتقم الانسان من عدوه باعظم من أن يزداد من الفضائل .
821 - إنما لم تجتمع الحكمة والمال ، لعزة وجود الكمال .
822 - يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقر في قلبه ما يمنع السكران أن يجد مس الشوكة في يده .
823 - القنية (1) مخدومة ، ومن خدم غير نفسه فليس بحر .
824 - لا تطلب الحياة لتأكل ، بل اطلب الاكل لتحيا .
825 - إذا رأت العامة منازل الخاصة من السلطان حسدتها عليها ، وتمنت أمثالها ، فإذا رأت مصارعها بدا لها .
826 - الشئ الذى لا يستغنى عنه أحد هو التوفيق .
__________
(1) ما يقتنيه الانسان .
(*)(20/333)
827 - ليس ينبغى أن يقع التصديق إلا بما يصح ، ولا العمل إلا بما يحل ، ولا الابتداء إلا بما تحسن فيه العاقبة .
828 - الوحدة خير من رفيق السوء .
829 لكل شئ صناعة ، وحسن الاختبار صناعة العقل .
830 - من حسدك لم يشكرك على إحسانك إليه .
831 - البغى آخر مدة الملوك .
832 - لان يكون الحر عبدا لعبيده خير من أن يكون عبدا لشهواته .
833 - من أمضى يومه في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد بناه ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه .
834 - أرسل إليه عمرو بن العاص يعيبه باشياء ، منها إنه يسمى حسنا وحسينا : ولدى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لرسوله : قل للشانئ ابن الشانئ ، لو لم يكونا ولديه لكان أبتر ، كما زعمه أبوك ! 835 - قال معاوية لما قتل عمار واضطرب أهل الشام لروايه عمرو بن العاص كانت لهم : (تقتله الفئة الباغية) : إنما قتله من أخرجه إلى الحرب وعرضه للقتل ، فقال : أمير المؤمنين عليه السلام فرسول الله صلى الله عليه وآله إذن قاتل حمزه ! 836 - هذا يدى - يعنى محمد بن الحنفية - وهذان عيناى - يعنى حسنا وحسينا - وما زال الانسان يذب بيده عن عينيه ، قالها لمن قال له : إنك تعرض محمدا للقتل ، وتقدف به في نحور الاعداء دون أخويه .
837 - شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، ورزقت خيره وبره ، خذ إليك أبا الاملاك ، قالها لعبد الله بن العباس لما ولد ابنه على بن عبد الله .(20/334)
838 - ما يسرنى إنى كفيت أمر الدنيا كله ، لانى أكره عادة العجز .
839 - اجتماع المال عند الاسخياء أحد الخصبين ، واجتماع المال عند البخلاء أحد الجدبين .
840 - من عمل عمل أبيه كفى نصف التعب .
841 - المصطنع إلى اللئيم كمن طوق الخنزير تبرا ، وقرط الكلب درا ، وألبس الحمار وشيا ، والقم الافعى شهدا .
842 - الحازم إذا اشكل عليه (1) الرأى بمنزلة من أضل لؤلؤة ، فجمع ما حول مستقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها ، ولذلك الحازم يجمع وجوه الرأى في الامر المشكل ، ثم يضرب بعضه ببعض حتى يخلص إليه الصواب .
843 - الاشراف يعاقبون بالهجران لا بالحرمان .
844 - الشح أضر على الانسان من الفقر ، لان الفقير إذا وجد اتسع ، والشحيح لا يتسع وإن وجد .
845 - أحب الناس إلى العاقل أن يكون عاقلا عدوه ، لانه إذا كان عاقلا كان منه في عافية .
846 - عليك بمجالسة أصحاب التجارب ، فإنها تقوم عليهم بأغلى الغلاء ، وتأخذها منهم بأرخص الرخص .
847 - من لم يحمدك على حسن النية لم يشكرك على جميل العطية .
848 - لا تنكحوا النساء لحسنهن ، فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا لاموالهن
__________
(1) أشكل عليه الرأى : استبهم .
(*)(20/335)
فعسى أموالهن أن تطغيهن ، وانكحوهن على الدين ، ولامة سوداء خرماء (1) ذات دين أفضل .
849 - أفضل العبادة الامساك عن المعصية ، والوقوف عند الشبهة .
850 - ذم الرجل نفسه في العلانية مدح لها في السر .
851 - من عدم فضيلة الصدق في منطقه فقد فجع بأكرم أخلاقه .
852 - ليس يضرك أن ترى صديقك عند عدوك ، فإنه إن لم ينفعك لم يضرك .
853 - قل أن ترى أحدا تكبر على من دونه إلا وبذلك المقدار يجود بالذل لمن فوقه .
854 - من عظمت عليه مصيبة فليذكر الموت ، فإنها تهون عليه ، ومن ضاق به أمر فليذكر القبر فانه يتسع .
855 - خير الشعر ما كان مثلا ، وخير الامثال ما لم يكن شعرا .
856 - الق الناس عند حاجتهم إليك بالبشر والتواضع ، فإن نابتك نائبة ، وحالت بك حال لقيتهم ، وقد أمنت ذلة التنصل إليهم والتواضع .
857 - إن الله يحب أن يعفى عن زلة السرى .
858 - من طال لسانه وحسن بيانه ، فليترك التحدث بغرائب ما سمع ، فإن الحسد لحسن ما يظهر منه يحمل أكثر الناس على تكذيبه ، ومن عرف أسرار الامور الالهية فليترك الخوض فيها ، وإلا حملتهم المنافسة على تكفيره .
859 - ليس كل مكتوم يسوغ إظهاره لك ، ولا كل معلوم يجوز أن تعلمه غيرك .
__________
(1) الخرماء : المقطوعة طرف الانف أو المثقوبة الاذن .
(*)(20/336)
860 - ليس يفهم كلامك من كان كلامه لك أحب إليه من الاستماع منك .
ولا يعلم نصيحتك من غلب هواه على رأيك ، ولا يسلم لك من اعتقد إنه أتم معرفة بما أشرت عليه به منك .
861 - خف الضعيف إذا كان تحت راية الانصاف أكثر من خوفك القوى تحت راية الجور ، فإن النصر يأتيه من حيث لا يشعر ، وجرحه لا يندمل (1) .
862 - إخافة العبيد والتضييق عليهم يزيد في عبوديتهم وصيانتهم ، وإظهار الثقة بهم يكسبهم أنفة وجبرية .
863 - أضر الاشياء عليك أن تعلم رئيسك إنك أعرف بالرياسة منه .
864 - عداوة العاقلين أشد العداوات وأنكاها ، فإنها لا تقع إلا بعد الاعذار والانذار ، وبعد أن يئس إصلاح ما بينهما .
865 - لا تخدمن رئيسا كنت تعرفه بالخمول ، وسمت به الحال ، ويعرف منك إنك تعرف قديمه ، فإنه وإن سر بمكانك من خدمته ، إلا إنه يعلم العين التى تراه بها ، فينقبض عنك بحسب ذلك .
866 - إذا احتجت إلى المشورة في أمر قد طرأ عليك فاستبده ببدايه الشبان ، فإنهم أحد أذهانا ، وأسرع حدسا ، ثم رده بعد ذلك إلى رأى الكهول والشيوخ ليستعقبوه ، ويحسنوا ، الاختيار له ، فإن تجربتهم أكثر .
867 - الانسان في سعيه وتصرفاته كالعائم في اللجة ، فهو يكافح الجرية في أدباره ، ويجرى معها في إقباله .
868 - ينبغى للعاقل أن يستعمل فيما يلتمسه الرفق ، ومجانبة الهذر ،
__________
(1) اندمل الجرح : تماثل للشفاء .
(*)(20/337)
فإن العلقة (1) تأخذ بهدوئها من الدم ما لا تأخذه البعوضة باضطرابها وفرط صياحها .
869 - أقوى ما يكون التصنع في أوائله ، وأقوى ما يكون التطبع في أواخره .
870 - غاية المروءة أن يستحيى الانسان من نفسه ، وذلك إنه ليس العلة في الحياء من الشيخ كبر سنه ولا بياض لحيته ، وإنما علة الحياء منه عقله ، فينبغي إن كان هذا الجوهر فينا أن نستحيى منه ولا نحضره قبيحا .
871 - من ساس رعية حرم عليه السكر عقلا ، لانه قبيح أن يحتاج الحارس إلى من يحرسه .
872 - لا تبتاعن مملوكا قوى الشهوة ، فإن له مولى غيرك ، ولا غضوبا فإنه يؤذيك في استخدامك له ، ولا قوى الرأى فانه يستعمل الحيلة عليك ، لكن اطلب من العبيد من كان قوى الجسم حسن الطاعة ، شديد الحياء .
873 - لا تعادوا الدول المقبلة ، وتشربوا قلوبكم بغضها ، فتدبروا بإقبالها .
874 - الغريب كالفرس الذى زايل شربه ، وفارق أرضه ، فهو ذاو لا يتقد وذابل لا يثمر .
875 - السفر قطعة من العذاب ، والرفيق السوء قطعة من النار .
876 - كل خلق من الاخلاق فإنه يكسد عند قوم من الناس ، إلا الامانة فإنها نافقة عند أصناف الناس يفضل بها من كانت فيه ، حتى إن الانية إذا لم تنشف
__________
(1) العلقة : دويبة في الماء تمص الدم .
(*)(20/338)
وبقى ما يودع فيها على حاله لم ينقص - كانت أكثر ثناء من غيرها مما يرشح أو ينشف .
877 - اصبر على سلطانك في حاجاتك ، فلست أكبر شغله ، ولا بك قوام أمره .
878 - قوة الاستشعار من ضعف اليقين .
879 - إذا احسست من رأيك بأكداد ، ومن تصورك بفساد ، فأتهم نفسك بمجالستك لعامي الطبع ، أو لسيئ الفكر ، وتدارك إصلاح مزاج تخيلك بمكاثرة أهل الحكمة ، ومجالسة ذوى السداد ، فإن مفاوضتهم تريح الرأى المكدود ، وترد ضالة الصواب المفقود .
880 - من جلس في ظل الملق ، لم يستقر به موضعه ، لكثرة تنقله وتصرفه مع الطباع ، وعرفه الناس بالخديعة .
881 - كثير من الحاجات تقضى برما لا كرما .
882 - أصحاب السلطان في المثل كقوم رقوا جبلا ثم سقطوا منه ، فأقربهم إلى الهلكة والتلف أبعدهم كان في المرتقى .
883 - لا تضع سرك عند من لا سر له عندك .
884 - سعة الاخلاق كيمياء الارزاق .
885 - العلم أفضل الكنوز وأجملها ، خفيف المحمل ، عظيم الجدوى ، في الملا جمال ، وفي الوحدة أنس .
886 - السباب مزاح النوكى ، ولا بأس بالمفاكهة ، يروح بها الانسان عن نفسه ، ويخرج عن حد العبوس .(20/339)
887 - ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها : الهدية ، والرسول ، والكتاب .
888 - التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة ، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة .
889 - أنت مخير في الاحسان إلى من تحسن إليه ، ومرتهن بدوام الاحسان إلى من أحسنت إليه ، لانك إن قطعته فقد أهدرته ، وإن اهدرته فلم فعلته ! 890 - الناس من خوف الذل في ذل .
891 - إذا كان الايجاز كافيا كان الاكثار عيا ، وإذا كان الايجاز مقصرا كان الاكثار واجبا .
892 - بئس الزاد إلى المعاد ، العدوان على العباد .
893 ، الخلق عيال الله ، وأحب الناس إلى الله أشفقهم على عياله .
894 - تحريك الساكن أسهل من تسكين المتحرك .
895 - العاقل بخشونه العيش مع العقلاء ، آنس منه بلين العيش مع السفهاء .
896 - الانقباض بين المنبسطين ثقل ، والانبساط بين المنقبضين سخف (1) .
897 - السخاء والجود بالطعام لا بالمال ، ومن وهب ألفا وشح بصحفة طعام فليس بجواد .
898 - إن بقيت لم يبق الهم .
899 - لا يقوم عز الغضب بذلة الاعتذار .
900 - الشفيع جناح الطالب .
901 - الامل رفيق مؤنس ، إن لم يبلغك فقد استمتعت به .
902 - إعادة الاعتذار تذكير بالذنب .
__________
(1) السخف : ضعف العقل ورقته .
(*)(20/340)
903 - الصبر في العواقب شاف أو مريح .
904 - من طال عمره ، رأى في أعدائه ما يسره .
905 - لا نعمة في الدنيا أعظم من طول العمر ، وصحة الجسد .
906 - الناس رجلان : إما مؤجل بفقد أحبابه ، أو معجل بفقد نفسه .
907 - العقل غريزة تربيها التجارب .
908 - النصح بين الملا تقريع .
909 - لا تنكح خاطب سرك .
910 - من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع الغنم الكثير .
911 - الدار الضيقة العمى الاصغر .
912 - النمام جسر الشر .
913 - لا تشن وجه العفو بالتقريع .
914 - كثرة النصح تهجم بك على كثرة الظنة .
915 - لكل ساقطة لاقطة .
916 - ستساق الى ما أنت لاق .
917 - عاداك من لاحاك .
918 - جدك لا كدك .
919 - تذكر قبل الورد الصدر ، والحذر لا يغنى من القدر ، والصبر من أسباب الظفر .
920 - عار النساء باق يلحق الابناء بعد الاباء .
921 - أعجل العقوبة عقوبة البغى والغدر واليمين الكاذبة ، ومن إذا تضرع إليه وسئل العفو لم يغفر .(20/341)
922 - لا ترد بأس العدو القوى وغضبه بمثل الخضوع والذل ، كسلامة الحشيش من الريح الغاصف بانثنائه معها كيفما مالت .
923 - قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك ، ولا تفرط في مقاربته فتذل نفسك وناصرك ، وتأمل حال الخشبة المنصوبة في الشمس التى إن أملتها زاد ظلها ، وإن أفرطت في الامالة نقص الظل .
924 - إذا زال المحسود عليه علمت أن الحاسد كان يحسد على غير شئ .
925 - العجز نائم ، والحزم يقظان .
926 - من تجرأ لك تجرأ عليك .
927 - ما عفا عن الذنب من قرع به .
928 - عبد الشهوة أذل من عبد الرق .
929 - ليس ينبغى للعاقل أن يطلب طاعة غيره ، وطاعة نفسه عليه ممتنعه .
930 - الناس رجلان : واجد لا يكتفى ، وطالب لا يجد .
931 - كلما كثر خزان الاسرار ، زادت ضياعا .
932 - كثرة الاراء مفسدة ، كالقدر لا تطيب إذ كثر طباخوها .
933 - من اشتاق خدم ، ومن خدم اتصل ، ومن اتصل وصل ، ومن وصل عرف .
934 عجبا لمن يخرج إلى البساتين للفرجة على القدرة ، وهلا شغلته رؤية القادر عن رؤية القدرة ! 935 - كل الناس أمروا بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، إلا رسول الله ، فإنه رفع قدره عن ذلك ، وقيل له : فاعلم أنه لا إله إلا الله ، فأمر بالعلم لا بالقول .(20/342)
936 - كل مصطنع عارفة فإنما يصنع إلى نفسه ، فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك وتممت به لذتك ، ووقيت به عرضك .
937 - ولدك ريحانتك سبعا ، وخادمك سبعا ، ثم هو عدوك أو صديقك .
938 - من قبل معروفك فقد باعك مروءته .
939 - إلى الله أشكو بلادة الامين ويقظة الخائن .
940 - من أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحا وعند الخطأ عاذرا .
941 - من كثر حقده قل عتابه .
942 - الحازم من لم يشغله البطر بالنعمة عن العمل للعاقبة ، والهم بالحادثة عن الحيلة لدفعها .
943 - كلما حسنت نعمة الجاهل ازداد قبحا فيها .
944 - من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم ، ولو لا من يقبل الجود لم يكن من يجود .
945 - اخوان السوء كشجرة النار ، يحرق بعضها بعضا .
946 - زلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها خلق 947 - أهون الاعداء كيدا أظهرهم لعداوته .
948 - أبق لرضاك من غضبك ، وإذا طرت فقع قريبا .
949 - لا تلتبس بالسلطان في وقت اضطراب الامور عليه ، فإن البحر لا يكاد يسلم صاحبه في حال سكونه ، فكيف يسلم مع اختلاف رياحه واضطراب أمواجه ! 950 - إذا خلى عنان العقل ، ولم يحبس على هوى نفس ، أو عادة دين ، أو عصبية لسلف ، ورد بصاحبه على النجاة .(20/343)
951 - إذا زادك الملك تأنيسا فزده إجلالا .
952 - من تكلف ما لا يعنيه فاته ما يعنيه .
953 - قليل يترقى منه إلى كثير خير من كثير ينحط عنه إلى قليل .
954 - جنبوا موتاكم في مدافنهم جار السوء ، فإن الجار الصالح ينفع في الاخرة كما ينفع في الدنيا .
955 - زر القبور تذكر بها الاخرة ، وغسل الموتى يتحرك قلبك ، فإن الجسد الخاوى عظة بليغة ، وصل على الجنائز لعله يحزنك ، فإن الحزين قريب من الله .
956 - الموت خير للمؤمن والكافر ، أما المؤمن فيتعجل له النعيم ، وأما الكافر فيقل عذابه ، وآية ذلك من كتاب الله تعالى : (وما عند الله خير للابرار (1)) ، (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما (2)) .
957 - جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك ، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك .
958 - من خاف إساءتك أعتقا مساءتك ، ومن رهب صولتك ناصب دولتك .
959 - من فعل ما شاء لقى ما شاء .
960 - يسرنى من القرآن كلمة أرجوها لمن أسرف على نفسه : (قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ (3)) فجعل الرحمة عموما والعذاب خصوصا .
__________
(1) سورة آل عمران 198 .
(2) سورة آل عمران 178 .
سورة الاعراف 156 .
(*)(20/344)
961 - الاستئثار يوجب الحسد ، والحسد يوجب البغضة ، والبغضة توجب الاختلاف ، والاختلاف يوجب الفرقة ، والفرقة توجب الضعف ، والضعف يوجب الذل ، والذل يوجب زوال الدولة ، وذهاب النعمة .
962 - لا يكاد يصح رؤيا الكذاب ، لانه يخبر في اليقظة بما لم يكن ، فأحر به أن يرى في المنام ما لا يكون .
963 - يفسدك الظن على صديق قد أصلحك اليقين له .
964 - لا تكاد الظنون تزدحم على أمر مستور الا كشفته .
965 - المشورة راحة لك وتعب على غيرك .
966 - حق كل سر أن يصان ، وأحق الاسرار بالصيانة سرك مع مولاك ، وسره معك ، واعلم إن من فضح فضح ، ومن باح فلدمه أباح .
967 - يا من ألم بجناب الجلال ، احفظ ما عرفت ، واكتم ما استودعت ، واعلم أنك قد رشحت لامر فافطن له ، ولا ترض لنفسك أن تكون خائنا ، فمن يؤد الامانة فيما استودع ، أخلق الناس بسمة الخيانة ، وأجدر الناس بالابعاد والاهانة ! 968 - لا تعامل العامة فيما أنعم به عليك من العلم ، كما تعامل الخاصة ، واعلم أن لله سبحانه رجالا أودعهم أسرارا خفية ، ومنعهم عن إشاعتها ، واذكر قول العبد الصالح لموسى وقد قال له : هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا .
قال : إنك لن تستطيع معى صبرا ، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ! 969 - لكل دار باب ، وباب دار الاخرة الموت .
970 - إن لك فيمن مضى من آبائك وإخوانك لعبرة ، وإن ملك الموت دخل(20/345)
على داود النبي ، فقال : من أنت ؟ قال : من لا يهاب الملوك ، ولا تمنع منه القصور ، ولا يقبل الرشا ، قال : فإذن أنت ملك الموت جئت ، ولم أستعد بعد ! فقال : فأين فلان جارك ، أين فلان نسيبك ؟ قال : ماتوا ، قال : ألم يكن لك في هؤلاء عبرة لتستعد ! 971 - ما أخسر صفقة الملوك إلا من عصم الله ، باعوا الاخرة بنومة .
972 - إن هذا الموت قد أفسد على الناس نعيم الدنيا ، فما لكم لا تلتمسون نعيما لا موت بعده ! 973 - انظر العمل الذى يسرك أن يأتيك الموت وأنت عليه فافعله الان ، فلست تأمن أن تموت الان .
974 - لا تستبطئ القيامة فتسكن إلى طول المدة الاتية عليك بعد الموت ، فإنك لا تفرق بعد عودك بين ألف سنة وبين ساعة واحدة ، ثم قرأ : (ويوم يحشرهم كان لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ...
) (1) الايه .
975 - لا بد لك من رفيق في قبرك ، فاجعله حسن الوجه طيب الريح ، وهو العمل الصالح .
976 - رب مرتاح إلى بلد وهو لا يدرى إن حمامه في ذلك البلد .
977 - الموت قانص يصمى ولا يشوى .
978 - ما من يوم إلا يتصفح ملك الموت فيه وجوه الخلائق ، فمن رآه على معصية أو لهو ، أو رآه ضاحكا فرحا ، قال له يا مسكين : ما أغفلك عما يراد بك ! إعمل ما شئت ، فإن لى فيك غمره أقطع بها وتينك (2) .
__________
(1) سورة يونس 45 .
(2) الوتين : عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه .
(*)(20/346)
979 - إذا وضع الميت في قبره اعتورته نيران أربع ، فتجئ الصلاة فتطفئ واحدة ، ويجئ الصوم فيطفئ واحدة ، وتجئ الصدقة فتطفئ واحدة ، ويجئ العلم فيطفئ الرابعة ، ويقول : لو أدركتهن لاطفأتهن كلهن ، فقر عينا فأنا معك ، ولن ترى بؤسا .
980 - إستجيروا بالله تعالى ، واستخيروه في أموركم ، فإنه لا يسلم مستجيرا ، ولا يحرم مستخيرا .
981 - ألا أدلكم على ثمرة الجنة ! لا إله إلا الله بشرط الاخلاص .
982 - من شرف هذه الكلمة وهى الحمد لله .
إن الله تعالى جعلها فاتحة كتابه ، وجعلها خاتمة دعوى أهل جنته ، فقال : وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .
983 - ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الهشيم ، وكالدار العامرة بين الربوع الخربة .
984 - أفضل الاعمال أن تموت ولسانك رطب بذكر الله سبحانه .
985 - الذكر ذكران : أحدهما ذكر الله وتحميده ، فما أحسنه وأعظم أجره ! والثانى ذكر الله عند ما حرم الله وهو أفضل من الاول ! 986 - ما أضيق الطريق على من لم يكن الحق تعالى دليله ، وما أوحشها على من لم يكن أنيسه ! ومن اعتز بغير عز الله ذل ، ومن تكثر بغير الله قل .
987 - اللهم إن فههت عن مسألتي ، أو عمهت عن طلبتي ، فدلني على مصالحي ، وخذ بناصيتى إلى مراشدي .
اللهم احملني على عفوك ، ولا تحملني على عدلك .
988 - مخ الايمان التقوى والورع ، وهما من أفعال القلوب ، وإحسن أفعال الجوارح ألا تزال مالئا فاك بذكر الله سبحانه .(20/347)
989 - اللهم فرغني لما خلقتني له ، ولا تشغلني بما تكفلت لى به ، ولا تحرمنى وأنا أسألك ، ولا تعذبني وأنا أستغفرك .
990 - سبحان من ندعوه لحظنا فيسرع ! ويدعونا لحظنا فنبطئ ! خيره إلينا نازل ، وشرنا إليه صاعد ، وهو مالك قادر .
991 - اللهم إنا نعوذ بك من بيات غفلة وصباح ندامة .
992 - أللهم إنى أستغفرك لما تبت منه إليك ثم عدت فيه ، واستغفرك لما وعدتك من نفسي ثم أخلفتك ، واستغفرك للنعم التى أنعمت بها على فتقويت بها على معصيتك .
993 - اللهم إنى أعوذ بك أن أقول حقا ليس فيه رضاك التمس به أحدا سواك ، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشئ يشيننى عندك ، وأعوذ بك أن أكون عبرة لاحد من خلقك ، وأعوذ بك ان يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني منى .
994 - يا من ليس إلا هو ، يا من لا يعلم ما هو ، إلا هو اعف عنى ! 995 - اللهم إن الامال منوطة بكرمك ، فلا تقطع علائقها بسخطك .
أللهم إنى أبرأ من الحول والقوة إلا بك ، وادرأ بنفسى عن التوكل على غيرك .
996 - اللهم صل على محمد وآل محمد ، كلما ذكره الذاكرون ، وصل على محمد وآل محمد كلما غفل عن ذكره الغافلون ، اللهم صل على محمد وآل محمد عدد كلماتك ، وعدد معلوماتك ، صلاة لا نهاية لها ، ولا غاية لامدها .
997 - سبحان الواحد الذى ليس غيره ، سبحان الدائم الذى لا نفاد له ، سبحان القديم الذى لا ابتداء له ، سبحان الغنى عن كل شئ ولا شئ من الاشياء يغنى عنه .(20/348)
998 - يا ألله يا رحمن يا رحيم يا حى يا قيوم يا بديع السموات والارض يا ذا الجلال والاكرام اعف عنى (1) .
وهذا حين انتهاء قولنا في شرح نهج البلاغة ، ولم ندرك ما أدركناه منه بقوتنا وحولنا ، فإنا عاجزون عما هو دونه ، ولقد شرعنا فيه وإنه لفى انفسنا كالطود الاملس تزل الوعول العصم (2) عن قذفاته (3) ، بل كالفلك الاطلس لا تبلغ الاوهام والعقول إلى حدود غاياته ، فما زالت معونة الله سبحانه وتعالى تسهل لنا حزنه ، وتذلل لنا صعبة ، حتى أصحب أبية ، وأطاع عصية ، وفتحت علينا - بحسن النية وإخلاص الطوية - في تصنيفه أبواب البركات ، وتيسرت علينا مطالب الخيرات ، حتى لقد كان الكلام ينثال علينا انثيالا ، ويواتينا بديهة وارتجالا ، فتم تصنيفه في مدة قدرها أربع سنين وثمانية أشهر ، وأولها غرة شهر رجب من سنة أربع وأربعين وستمائة .
وآخرها سلخ صفر من سنة تسع وأربعين وستمائة .
وهو مقدار مدة خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، وما كان في الظن و التقدير أن الفراغ منه يقع في أقل من عشر سنين ، إلا أن الالطاف الالهية والعناية السماوية ، شملتنا بارتفاع العوائق ، وانتفاء الصوارف ، وشحذت بصيرتنا فيه ، وأرهفت همتنا في تشييد مبانيه ، وتنضيد ألفاظه ومعانيه .
وكان لسعادة المجلس المولوي المؤيدى الوزيرى (4) أجرى الله بالخير أقلامه ، وأمضى
__________
(1) كذا كان عدد هذا الحكم على حسب المخطوطات التى وقعت لدينا .
وقد أشار إلى أن عددها ألف ، ولعل هنا سقطا ، أو أن حكمتين قد امتزجتا بفعل النساخ ، ونرجو حين تقع إلينا نسخ أخرى في الطبعة أن نصل إلى العدد الصحيح .
(2) الوعل : تيس الجبل ، والاعصم منه ما في ذراعيه أو أحدهما بياض وسائره أسود أو أحمر .
(3) القذفات : جمع قذفة ، وهو ما أشرف رؤس الجبال .
(4) هو مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن العلقمي وزير المعتصم بالله .
وانظر ترجمته في حواشى الجزء الاول 1 : 4 .
(*)(20/349)
في طلى الاعداء حسامه في المعونة عليه أوفر قسط ، وأوفى نصيب وحظ ، إذ كان مصنوعا لخزانته ، وموسوما بسمته ، ولان همته أعلاها الله ما زالت تتقاضى عنده باتمامه ، وتحثه على إنجازه وإبرامه ، وناهيك بها من همه راضت الصعب الجامح ، وخففت العبء الفادح ، ويسرت الامر العسير ، وقطعت المدى الطويل في الزمن القصير .
وقد استعملت في كثير من فصوله فيما يتعلق بكلام المتكلمين .
والحكماء خاصة الفاظ القوم ، مع علمي بأن العربية لا تجيزها ، نحو قولهم : المحسوسات ، وقولهم : الكل والبعض ، وقولهم : الصفات الذاتية ، وقولهم : الجسمانيات ، وقولهم : أما أولا فالحال كذا ، ونحو ذلك مما لا يخفى عمن له أدنى أنس بالادب ، ولكنا استهجنا تبديل الفاظهم وتغيير عباراتهم ، فمن كلم قوما كلمهم باصطلاحهم ، ومن دخل ظفار حمر (1) .
والنسخة التى بنى هذا الشرح على نصها اتم نسخة وجدتها بنهج البلاغة ، فإنها مشتملة على زيادات تخلو عنها أكثر النسخ .
وأنا استغفر الله العظيم من كل ذنب يبعد من رحمته ، ومن كل خاطر يدعو إلى لخزانته ، وموسوما بسمته ، ولان همته أعلاها الله ما زالت تتقاضى عنده باتمامه ، وتحثه على إنجازه وإبرامه ، وناهيك بها من همه راضت الصعب الجامح ، وخففت العبء الفادح ، ويسرت الامر العسير ، وقطعت المدى الطويل في الزمن القصير .
وقد استعملت في كثير من فصوله فيما يتعلق بكلام المتكلمين .
والحكماء خاصة الفاظ القوم ، مع علمي بأن العربية لا تجيزها ، نحو قولهم : المحسوسات ، وقولهم : الكل والبعض ، وقولهم : الصفات الذاتية ، وقولهم : الجسمانيات ، وقولهم : أما أولا فالحال كذا ، ونحو ذلك مما لا يخفى عمن له أدنى أنس بالادب ، ولكنا استهجنا تبديل الفاظهم وتغيير عباراتهم ، فمن كلم قوما كلمهم باصطلاحهم ، ومن دخل ظفار حمر (1) .
والنسخة التى بنى هذا الشرح على نصها اتم نسخة وجدتها بنهج البلاغة ، فإنها مشتملة على زيادات تخلو عنها أكثر النسخ .
وأنا استغفر الله العظيم من كل ذنب يبعد من رحمته ، ومن كل خاطر يدعو إلى الخروج عن طاعته ، واستشفع إليه بمن أنصبت جسدي ، وأسهرت عينى ، وأعملت فكرى ، واستغرقت طائفة من عمرى ، في شرح كلامه ، والتقرب إلى الله بتعظيم منزلته ومقامه ، أن يعتق رقبتي من النار ، وألا يبتليني في الدنيا ببلاء تعجز عنه قوتي ، وتضعف عنه طاقتي ، وأن يصون وجهى عن المخلوقين ، ويكف عنى عادية الظالمين ، إنه سميع مجيب ، وحسبنا الله وحده وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلامه ! (آخر الجزء العشرين تم الكتاب) (ولله الحمد كما هو أهله حمدا دائما لا انقضاء له ولا نفاد له آمين)
__________
(1) ظفار : قرية باليمن .
وحمر : تكلم بالحميرية ، وهو مثل يضرب للرجل يدخل في القوم فيأخذ بزيهم (الميداني 2 : 306) .
(*)(20/350)