أمرهم ولم يذكر رسول الله ص في خطبة لا يوم الجمعة ولا غيرها عاتبه على ذلك قوم من خاصته وتشاءموا بذلك منه وخافوا عاقبته فقال والله ما تركت ذلك علانية إلا وأنا أقوله سرا وأكثر منه لكني رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره اشرأبوا واحمرت ألوانهم وطالت رقابهم والله ما كنت لآتي لهم سرورا وأنا أقدر عليه والله لقد هممت أن أحظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم نارا فإني لا أقتل منهم إلا آثما كفارا سحارا لا أنماهم الله ولا بارك عليهم بيت سوء لا أول لهم ولا آخر والله ما ترك نبي الله فيهم خيرا استفرع نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس . فقام إليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال وفقك الله يا أمير المؤمنين أنا أول من أعانك في أمرهم فقام عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي فقال والله ما قلت صوابا ولا هممت برشد أ رهط رسول الله ص تعيب وإياهم تقتل والعرب حولك والله لو قتلت عدتهم أهل بيت من الترك مسلمين ما سوغه الله لك والله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره فقال اجلس أبا صفوان فلست بناموس . فبلغ الخبر عبد الله بن العباس فخرج مغضبا ومعه ابنه حتى أتى المسجد فقصد قصد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله ص ثم قال أيها الناس إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله ص ولا آخر فيا عجبا كل العجب لافترائه ولكذبه والله إن أول من أخذ الإيلاف وحمى عيرات
[ 129 ](1/5828)
قريش لهاشم وإن أول من سقى بمكة عذبا وجعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب والله لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش وإن كنا لقالتهم إذا قالوا وخطباءهم إذا خطبوا وما عد مجد كمجد أولنا ولا كان في قريش مجد لغيرنا لأنها في كفر ماحق ودين فاسق وضلة وضلالة في عشواء عمياء حتى اختار الله تعالى لها نورا وبعث لها سراجا فانتجبه طيبا من طيبين لا يسبه بمسبة ولا يبغي عليه غائلة فكان أحدنا وولدنا وعمنا وابن عمنا ثم إن أسبق السابقين إليه منا وابن عمنا ثم تلاه في السبق أهلنا ولحمتنا واحدا بعد واحد . ثم إنا لخير الناس بعده وأكرمهم أدبا وأشرفهم حسبا وأقربهم منه رحما . وا عجبا كل العجب لابن الزبير يعيب بني هاشم وإنما شرف هو وأبوه وجده بمصاهرتهم أما والله إنه لمسلوب قريش ومتى كان العوام بن خويلد يطمع في صفية بنت عبد المطلب قيل للبغل من أبوك يا بغل فقال خالي الفرس ثم نزل . خطب ابن الزبير بمكة على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر فقال إن هاهنا رجلا قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله ويفتي في القملة والنملة وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله ص ومن وقاه بيده .
[ 130 ]
فقال ابن عباس لقائده سعد بن جبير بن هشام مولى بني أسد بن خزيمة استقبل بي وجه ابن الزبير وارفع من صدري وكان ابن عباس قد كف بصره فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال يا ابن الزبير
قد أنصف القارة من راماها
إنا إذا ما فئة نلقاها
نرد أولاها على أخراها
حتى تصير حرضا دعواها(1/5829)
يا ابن الزبير أما العمى فإن الله تعالى يقول فَإِنَّها لا تَعْمَى اَلْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى اَلْقُلُوبُ اَلَّتِي فِي اَلصُّدُورِ وأما فتياي في القملة والنملة فإن فيها حكمين لا تعلمها أنت ولا أصحابك وأما حملي المال فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله فأخذناها بحقنا وأما المتعة فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بردي عوسجة وأما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما فما أنصفا الله ولا محمدا من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما وأما قتالنا إياكم فإنا لقينا زحفا فإن كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا وايم الله لو لا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن عبد العزى عظما إلا كسرته . فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن بردي عوسجة فقالت أ لم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم فإنهم كعم الجواب إذا بدهوا فقال بلى وعصيتك .
[ 131 ]
فقالت يا بني احذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الإنس والجن واعلم أن عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها فإياك وإياه آخر الدهر فقال أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي
يا ابن الزبير لقد لاقيت بائقة
من البوائق فالطف لطف محتال
لاقيته هاشميا طاب منبته
في مغرسيه كريم العم والخال
ما زال يقرع عنك العظم مقتدرا
على الجواب بصوت مسمع عال
حتى رأيتك مثل الكلب منجحرا
خلف الغبيط وكنت الباذخ العالي
إن ابن عباس المعروف حكمته
خير الأنام له حال من الحال
عيرته المتعة المتبوع سنتها
و بالقتال وقد عيرت بالمال
لما رماك على رسل بأسهمه
جرت عليك بسيف الحال والبال
فاحتز مقولك الأعلى بشفرته
حزا وحيا بلا قيل ولا قال
و اعلم بأنك إن عاودت غيبته(1/5830)
عادت عليك مخاز ذات أذيال
و روى عثمان بن طلحة العبدري قال شهدت من ابن عباس رحمه الله مشهدا ما سمعته من رجل من قريش كان يوضع إلى جانب سرير مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير المدينة سرير آخر أصغر من سريره فيجلس عليه عبد الله بن عباس إذا دخل وتوضع الوسائد فيما سوى ذلك فأذن مروان يوما للناس وإذا سرير آخر قد أحدث تجاه سرير مروان فأقبل ابن عباس فجلس على سريره وجاء عبد الله بن الزبير فجلس على السرير المحدث وسكت مروان والقوم فإذا يد ابن الزبير
[ 132 ](1/5831)
تتحرك فعلم أنه يريد أن ينطق ثم نطق فقال إن ناسا يزعمون أن بيعة أبي بكر كانت غلطا وفلتة ومغالبة ألا إن شأن أبي بكر أعظم من أن يقال فيه هذا ويزعمون أنه لو لا ما وقع لكان الأمر لهم وفيهم والله ما كان من أصحاب محمد ص أحد أثبت إيمانا ولا أعظم سابقة من أبي بكر فمن قال غير ذلك فعليه لعنة الله فأين هم حين عقد أبو بكر لعمر فلم يكن إلا ما قال ثم ألقى عمر حظهم في حظوظ وجدهم في جدود فقسمت تلك الحظوظ فأخر الله سهمهم وأدحض جدهم وولي الأمر عليهم من كان أحق به منهم فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجا من القرية فأصابوا منه غرة فقتلوه ثم قتلهم الله به قتلة وصاروا مطرودين تحت بطون الكواكب . فقال ابن عباس على رسلك أيها القائل في أبي بكر وعمر والخلافة أما والله ما نالا ولا نال أحد منهما شيئا إلا وصاحبنا خير ممن نالا وما أنكرنا تقدم من تقدم لعيب عبناه عليه ولو تقدم صاحبنا لكان أهلا وفوق الأهل ولو لا أنك إنما تذكر حظ غيرك وشرف امرئ سواك لكلمتك ولكن ما أنت وما لا حظ لك فيه اقتصر على حظك ودع تيما لتيم وعديا لعدي وأمية لأمية ولو كلمني تيمي أو عدوي أو أموي لكلمته وأخبرته خبر حاضر عن حاضر لا خبر غائب عن غائب ولكن ما أنت وما ليس عليك فإن يكن في أسد بن عبد العزى شي ء فهو لك أما والله لنحن أقرب بك عهدا وأبيض عندك يدا وأوفر عندك نعمة ممن أمسيت تظن أنك تصول به علينا وما أخلق ثوب صفية بعد والله المستعان على ما تصفون .
[ 133 ](1/5832)
أوصى معاوية يزيد ابنه لما عقد له الخلافة بعده فقال إني لا أخاف عليك إلا ممن أوصيك بحفظ قرابته ورعاية حق رحمه من القلوب إليه مائلة والأهواء نحوه جانحة والأعين إليه طامحة وهو الحسين بن علي فاقسم له نصيبا من حلمك واخصصه بقسط وافر من مالك ومتعه بروح الحياة وأبلغ له كل ما أحب في أيامك فأما من عداه فثلاثة وهم عبد الله بن عمر رجل قد وقذته العبادة فليس يريد الدنيا إلا أن تجيئه طائعة لا تراق فيها محجمة دم وعبد الرحمن بن أبي بكر رجل هقل لا يحمل ثقلا ولا يستطيع نهوضا وليس بذي همة ولا شرف ولا أعوان وعبد الله بن الزبير وهو الذئب الماكر والثعلب الخاتر فوجه إليه جدك وعزمك ونكيرك ومكرك واصرف إليه سطوتك ولا تثق إليه في حال فإنه كالثعلب راغ بالختل عند الإرهاق والليث صال بالجراءة عند الإطلاق وأما ما بعد هؤلاء فإني قد وطئت لك الأمم وذللت لك أعناق المنابر وكفيتك من قرب منك ومن بعد عنك فكن للناس كما كان أبوك لهم يكونوا لك كما كانوا لأبيك . خطب عبد الله بن الزبير أيام يزيد بن معاوية فقال في خطبته يزيد القرود يزيد الفهود يزيد الخمور يزيد الفجور أما والله لقد بلغني أنه لا يزال مخمورا يخطب الناس وهو طافح في سكره فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فما أمسى ليلته حتى جهز جيش الحرة وهو عشرون ألفا وجلس والشموع بين يديه وعليه ثياب معصفرة والجنود تعرض عليه ليلا فلما أصبح خرج فأبصر الجيش ورأى تعبيته فقال
أبلغ أبا بكر إذا الجيش انبرى
و أخذ القوم على وادي القرى
[ 134 ]
عشرين ألفا بين كهل وفتى
أ جمع سكران من القوم ترى
أم جمع ليث دونه ليث الشرى
لما خرج الحسين ع من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن عباس بيده على منكب ابن الزبير وقال
يا لك من قبرة بمعمر
خلا لك الجو فبيضي واصفري
و نقري ما شئت أن تنقري
هذا الحسين سائر فأبشري(1/5833)
خلا الجو والله لك يا ابن الزبير وسار الحسين إلى العراق فقال ابن الزبير يا ابن عباس والله ما ترون هذا الأمر إلا لكم ولا ترون إلا أنكم أحق به من جميع الناس فقال ابن عباس إنما يرى من كان في شك ونحن من ذلك على يقين ولكن أخبرني عن نفسك بما ذا تروم هذا الأمر قال بشرفي قال وبما ذا شرفت إن كان لك شرف فإنما هو بنا فنحن أشرف منك لأن شرفك منا وعلت أصواتهما فقال غلام من آل الزبير دعنا منك يا ابن عباس فو الله لا تحبوننا يا بني هاشم ولا نحبكم أبدا فلطمه عبد الله بن الزبير بيده وقال أ تتكلم وأنا حاضر فقال ابن عباس لم ضربت الغلام والله أحق بالضرب منه من مزق ومرق قال ومن هو قال أنت . قال واعترض بينهما رجال من قريش فأسكتوهما .
[ 135 ]
دخل عبد الله بن الزبير على معاوية فقال اسمع أبياتا قلتها عاتبتك فيها قال هات فأنشده
لعمري ما أدري وإني لأوجل
على أينا تعدو المنية أول
و إني أخوك الدائم العهد لم أزل
إن أعياك خصم أو نبا بك منزل
أحارب من حاربت من ذي عداوة
و أحبس يوما إن حبست فأعقل
و إن سؤتني يوما صفحت إلى غد
ليعقب يوم منك آخر مقبل
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني
يمينك فانظر أي كف تبدل
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته
على طرف الهجران إن كان يعقل
و يركب حد السيف من أن تضيمه
إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل
و كنت إذا ما صاحب مل صحبتي
و بدل شرا بالذي كنت أفعل
قلبت له ظهر المجن ولم أقم
على الضيم إلا ريثما أتحول
و في الناس إن رثت حبالك واصل
و في الأرض عن دار القلى متحول
إذا انصرفت نفسي عن الشي ء لم تكد
إليه بوجه آخر الدهر تقبل(1/5834)
فقال معاوية لقد شعرت بعدي يا أبا خبيب وبينما هما في ذلك دخل معن بن أوس المزني فقال له معاوية إيه هل أحدثت بعدنا شيئا قال نعم قال قل فأنشد هذه الأبيات فعجب معاوية وقال لابن الزبير أ لم تنشدها لنفسك آنفا فقال أنا سويت المعاني وهو ألف الألفاظ ونظمها وهو بعد ظئري فما قال من شي ء فهو لي وكان ابن الزبير مسترضعا في مزينة فقال معاوية وكذبا يا أبا خبيب فقام عبد الله فخرج .
[ 136 ]
و قال الشعبي فقد رأيت عجبا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير فقام القوم بعد ما فرغوا من حديثهم فقالوا ليقم كل واحد منكم فليأخذ بالركن اليماني ثم يسأل الله تعالى حاجته فقام عبد الله بن الزبير فالتزم الركن وقال اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة بيتك هذا ألا تخرجني من الدنيا حتى ألي الحجاز ويسلم علي بالخلافة وجاء فجلس . فقام أخوه مصعب فالتزم الركن وقال اللهم رب كل شي ء وإليك مصير كل شي ء أسألك بقدرتك على كل شي ء ألا تميتني حتى ألي العراق وأتزوج سكينة بنت الحسين بن علي ثم جاء فجلس . فقام عبد الملك فالتزم الركن وقال اللهم رب السموات السبع والأرض ذات النبت والقفر أسألك بما سألك به المطيعون لأمرك وأسألك بحق وجهك وبحقك على جميع خلقك ألا تميتني حتى ألي شرق الأرض وغربها لا ينازعني أحد إلا ظهرت عليه ثم جاء فجلس . فقام عبد الله بن عمر فأخذ بالركن وقال يا رحمان يا رحيم أسألك برحمتك التي سبقت غضبك وبقدرتك على جميع خلقك ألا تميتني حتى توجب لي الرحمة . قال الشعبي فو الله ما خرجت من الدنيا حتى بلغ كل من الثلاثة ما سأل وأخلق بعبد الله بن عمر أن تجاب دعوته وأن يكون من أهل الرحمة .
[ 137 ](1/5835)
قال الحجاج في خطبته يوم دخل الكوفة هذا أدب ابن نهية أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب . قال ابن ماكولا في كتاب الإكمال يعني مصعب بن الزبير وعبد الله أخاه وهي نهية بنت سعيد بن سهم بن هصيص وهي أم ولد أسد بن عبد العزى بن قصي وهذا من المواضع الغامضة . وروى الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش قال قدم وفد من العراق على عبد الله بن الزبير فأتوه في المسجد الحرام فسلموا عليه فسألهم عن مصعب أخيه وعن سيرته فيهم فأثنوا عليه وقالوا خيرا وذلك في يوم جمعة فصلى عبد الله بالناس الجمعة ثم صعد المنبر فحمد الله ثم تمثل
قد جربوني ثم جربوني
من غلوتين ومن المئين
حتى إذا شابوا وشيبوني
خلوا عناني ثم سيبوني
أيها الناس إني قد سألت هذا الوفد من أهل العراق عن عاملهم مصعب بن الزبير فأحسنوا الثناء عليه وذكروا عنه ما أحب ألا إن مصعبا اطبى القلوب حتى لا تعدل به والأهواء حتى لا تحول عنه واستمال الألسن بثنائها والقلوب بنصائحها والأنفس بمحبتها وهو المحبوب في خاصته المأمون في عامته بما أطلق الله به لسانه من الخير وبسط به يديه من البذل ثم نزل . وروى الزبير قال لما جاء عبد الله بن الزبير نعي المصعب صعد المنبر فقال
[ 138 ](1/5836)
الحمد لله الذي له الخلق والأمر يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء إلا وإنه لم يذلل الله من كان الحق معه ولو كان فردا ولم يعزز الله ولي الشيطان وحزبه وإن كان الأنام كلهم معه إلا وإنه قد أتانا من العراق خبر أحزننا وأفرحنا أتانا قتل المصعب رحمه الله فأما الذي أحزننا فإن لفراق الحميم لذعة يجدها حميمه عند المصيبة ثم يرعوي بعدها ذو الرأي إلى جميل الصبر وكرم العزاء وأما الذي أفرحنا فإن قتله كان عن شهادة وإن الله تعالى جعل ذلك لنا وله ذخيرة ألا إن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه وباعوه بأقل الثمن فإن يقتل المصعب فإنا لله وإنا إليه راجعون ما نموت جبحا كما يموت بنو العاص ما نموت إلا قتلا قعصا بالرماح وموتا تحت ظلال السيوف ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه ولا يبيد فإن تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ الأشر البطر وإن تدبر عني لا أبكي عليها بكاء الخرف المهتر وإن يهلك المصعب فإن في آل الزبير لخلفا ثم نزل . وروى الزبير بن بكار قال خطب عبد الله بن الزبير بعد أن جاءه مقتل المصعب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لئن أصبت بمصعب فلقد أصبت بإمامي عثمان فعظمت مصيبته ثم أحسن الله وأجمل ولئن أصبت بمصعب فلقد أصبت بأبي الزبير فعظمت مصيبته فظننت أني لا أجيزها ثم أحسن الله وسلم واستمرت مريرتي وهل كان مصعب إلا فتى من فتياني ثم غلبه البكاء فسالت دموعه وقال كان والله سريا مريا ثم قال
[ 139 ]
هم دفعوا الدنيا على حين أعرضت
كراما وسنوا للكرام التأسيا(1/5837)
و روى أبو العباس في الكامل أن عروة لما صلب عبد الله جاء إلى عبد الملك فوقف ببابه وقال للحاجب أعلم أمير المؤمنين أن أبا عبد الله بالباب فدخل الحاجب فقال رجل يقول قولا عظيما قال وما هو فتهيب فقال قل قال رجل يقول قل لأمير المؤمنين أبو عبد الله بالباب فقال عبد الملك قل لعروة يدخل فدخل فقال تأمر بإنزال جيفة أبي بكر فإن النساء يجزعن فأمر بإنزاله قال وقد كان كتب الحجاج إلى عبد الملك يقول إن خزائن عبد الله عند عروة فمره فليسلمها فدفع عبد الملك إلى عروة وظن أنه يتغير فلم يحفل بذلك كأنه ما قرأه فكتب عبد الملك إلى الحجاج ألا يعرض لعروة . ومن الكلام المشهور في بخل عبد الله بن الزبير الكلام الذي يحكى أن أعرابيا أتاه يستحمله فقال قد نقب خف راحلتي فاحملني إني قطعت الهواجر إليك عليها فقال له ارقعها بسبت واخصفها بهلب وأنجد بها وسر بها البردين فقال إنما أتيتك مستحملا لم آتك مستوصفا لعن الله ناقة حملتني إليك قال إن وراكبها .
[ 140 ]
و هذا الأعرابي هو فضالة بن شريك فهجاه فقال
أرى الحاجات عند أبي خبيب
نكدن ولا أمية بالبلاد
من الأعياص أو من آل حرب
أغر كغرة الفرس الجواد(1/5838)
دخل عبد الله بن الزبير على معاوية فقال يا أمير المؤمنين لا تدعن مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه ويضرب صفاتهم بمعوله أما والله إنه لو لا مكانك لكان أخف على رقابنا من فراشه وأقل في أنفسنا من خشاشة وايم الله لئن ملك أعنة خيل تنقاد له لتركبن منه طبقا تخافه . فقال معاوية إن يطلب مروان هذا الأمر فقد طمع فيه من هو دونه وإن يتركه يتركه لمن فوقه وما أراكم بمنتهين حتى يبعث الله عليكم من لا يعطف عليكم بقرابة ولا يذكركم عند ملمة يسومكم خسفا ويسوقكم عسفا . فقال ابن الزبير إذن والله يطلق عقال الحرب بكتائب تمور كرجل الجراد تتبع غطريفا من قريش لم تكن أمه راعية ثلة . فقال معاوية أنا ابن هند أطلقت عقال الحرب فأكلت ذروة السنام وشربت عنفوان المكرع وليس للآكل بعدي إلا الفلذة ولا للشارب إلا الرنق .
[ 141 ]
فسكت ابن الزبير . قدم عبد الله بن الزبير على معاوية وافدا فرحب به وأدناه حتى أجلسه على سريره ثم قال حاجتك أبا خبيب فسأله أشياء ثم قال له سل غير ما سألت قال نعم المهاجرون والأنصار ترد عليهم فيئهم وتحفظ وصية نبي الله فيهم تقبل من محسنهم وتتجاوز عن مسيئهم . فقال معاوية هيهات هيهات لا والله ما تأمن النعجة الذئب وقد أكل أليتها . فقال ابن الزبير مهلا يا معاوية فإن الشاة لتدر للحالب وإن المدية في يده وإن الرجل الأريب ليصانع ولده الذي خرج من صلبه وما تدور الرحى إلا بقطبها ولا تصلح القوس إلا بمعجسها . فقال يا أبا خبيب لقد أجررت الطروقة قبل هباب الفحل هيهات وهي لا تصطك لحبائها اصطكاك القروم السوامي فقال ابن الزبير العطن بعد العل والعل بعد النهل ولا بد للرحاء من الثفال ثم نهض ابن الزبير . فلما كان العشاء أخذت قريش مجالسها وخرج معاوية على بني أمية فوجد عمرو
[ 142 ](1/5839)
بن العاص فيهم فقال ويحكم يا بني أمية أ فيكم من يكفيني ابن الزبير فقال عمرو أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين قال ما أظنك تفعل قال بلى والله لأربدن وجهه ولأخرسن لسانه ولأردنه ألين من خميلة . فقال دونك فاعرض له إذا دخل فدخل ابن الزبير وكان قد بلغه كلام معاوية وعمرو فجلس نصب عيني عمرو فتحدثوا ساعة ثم قال عمرو
و إني لنار ما يطاق اصطلاؤها
لدي كلام معضل متفاقم
فأطرق ابن الزبير ساعة ينكت في الأرض ثم رفع رأسه وقال
و إني لبحر ما يسامى عبابه
متى يلق بحري حر نارك يخمد
فقال عمرو والله يا ابن الزبير إنك ما علمت لمتجلبب جلابيب الفتنة متأزر بوصائل التيه تتعاطى الذرى الشاهقة والمعالي الباسقة وما أنت من قريش في لباب جوهرها ولا مؤنق حسبها . فقال ابن الزبير أما ما ذكرت من تعاطي الذرى فإنه طال بي إليها وسما ما لا يطول بك مثله أنف حمي وقلب ذكي وصارم مشرفي في تليد فارع وطريف مانع إذ قعد بك انتفاخ سحرك ووجيب قلبك وأما ما ذكرت من أني لست من قريش في لباب جوهرها ومؤنق حسبها فقد حضرتني وإياك الأكفاء العالمون بي وبك فاجعلهم بيني وبينك .
[ 143 ](1/5840)
فقال القوم قد أنصفك يا عمرو قال قد فعلت . فقال ابن الزبير أما إذ أمكنني الله منك فلأربدن وجهك ولأخرسن لسانك ولترجعن في هذه الليلة وكان الذي بين منكبيك مشدود إلى عروق أخدعيك ثم قال أقسمت عليكم يا معاشر قريش أنا أفضل في دين الإسلام أم عمرو فقالوا اللهم أنت قال فأبي أفضل أم أبوه قالوا أبوك حواري رسول الله ص وابن عمته قال فأمي أفضل أم أمه قالوا أمك أسماء بنت أبي بكر الصديق وذات النطاقين قال فعمتي أفضل أم عمته قالوا عمتك سلمى ابنة العوام صاحبة رسول الله ص أفضل من عمته قال فخالتي أفضل أم خالته قالوا خالتك عائشة أم المؤمنين قال فجدتي أفضل أم جدته فقال جدتك صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ص قال فجدي أفضل أم جده قالوا جدك أبو بكر الخليفة بعد رسول الله ص فقال
قضت الغطارف من قريش بيننا
فاصبر لفصل خصامها وقضائها
و إذا جريت فلا تجار مبرزا
بذ الجياد على احتفال جرائها
أما والله يا ابن العاص لو أن الذي أمرك بهذا واجهني بمثله لقصرت إليه من سامي بصره ولتركته يتلجلج لسانه وتضطرم النار في جوفه ولقد استعان منك بغير واف ولجأ إلى غير كاف ثم قام فخرج . وذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن الحجاج لما حاصر ابن الزبير لم يزل يزحف حتى ملك الجبل المعروف بأبي قبيس وقد كان بيد ابن الزبير فكتب
[ 144 ](1/5841)
بذلك إلى عبد الملك فلما قرأ كتابه كبر وكبر من كان في داره حتى اتصل التكبير بأهل السوق فكبروا وسأل الناس ما الخبر فقيل لهم إن الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة وظفر بأبي قبيس فقال الناس لا نرضى حتى يحمل أبو خبيب إلينا مكبلا على رأسه برنس راكب جمل يطاف به في الأسواق تراه العيون . وذكر المسعودي أن عمة عبد الملك كانت تحت عروة بن الزبير وأن عبد الملك كتب إلى الحجاج يأمره بالكف عن عروة وذلك قبل أن يقتل عبد الله وألا يسوءه إذا ظفر بأخيه في ماله ولا في نفسه قال فلما اشتد الحصار على عبد الله خرج عروة إلى الحجاج فأخذ لعبد الله أمانا ورجع إليه فقال هذا عمرو بن عثمان وخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد وهما فتيا بني أمية يعطيانك أمان عبد الملك ابن عمهما على ما أحدثت أنت ومن معك وأن تنزل أي البلاد شئت ولك بذلك عهد الله وميثاقه فأبى عبد الله قبول ذلك ونهته أمه وقالت لا تموتن إلا كريما فقال لها إني أخاف إن قتلت أن أصلب أو يمثل بي فقالت إن الشاة بعد الذبح لا تحس بالسلخ . وروى المسعودي أن عبد الله بن الزبير بعد موت يزيد بن معاوية طلب من يؤمره على الكوفة وقد كان أهلها أحبوا أن يليهم غير بني أمية فقال له المختار بن أبي عبيد اطلب رجلا له رفق وعلم بما يأتي وتدبر قوله إياها يستخرج لك منها جندا تغلب به أهل الشام فقال أنت لها فبعثه إلى الكوفة فأتاها وأخرج ابن مطيع منها وابتنى لنفسه دارا وأنفق عليها مالا جليلا وسأل عبد الله بن الزبير أن يحتسب له به من مال العراق فلم يفعل فخلعه وجحد بيعته ودعا إلى الطالبيين .
[ 145 ]
قال المسعودي وأظهر عبد الله بن الزبير الزهد في الدنيا وملازمة العبادة مع الحرص على الخلافة وشبر بطنه فقال إنما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك الشبر وظهر عنه شح عظيم على سائر الناس ففي ذلك يقول أبو حمزة مولى آل الزبير
إن الموالي أمست وهي عاتبة(1/5842)
على الخليفة تشكوا الجوع والحربا
ما ذا علينا وما ذا كان يرزؤنا
أي الملوك على ما حولنا غلبا
و قال فيه أيضا
لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد
أفضلت فضلا كثيرا للمساكين
ما زلت في سورة الأعراف تدرسها
حتى فؤادي مثل الخز في اللين
و قال فيه شاعر أيضا لما كانت الحرب بينه وبين الحصين بن نمير قبل أن يموت يزيد بن معاوية
فيا راكبا إما عرضت فبلغن
كبير بني العوام إن قيل من تعني
تخبر من لاقيت أنك عائذ
و تكثر قتلى بين زمزم والركن
و قال الضحاك بن فيروز الديلمي
تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة
و بطنك شبر أو أقل من الشبر
و أنت إذا ما نلت شيئا قضمته
كما قضمت نار الغضا حطب السدر
فلو كنت تجزي أو تثيب بنعمة
قريبا لردتك العطوف على عمرو
قال هو عمرو بن الزبير أخوه ضربه عبد الله حتى مات وكان مباينا له .
[ 146 ](1/5843)
كان يزيد بن معاوية قد ولى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان المدينة فسرح الوليد منها جيشا إلى مكة لحرب عبد الله بن الزبير عليه عمرو بن الزبير فلما تصاف القوم انهزم رجال عمرو وأسلموه فظفر به عبد الله فأقامه للناس بباب المسجد مجردا ولم يزل يضربه بالسياط حتى مات . وقد رأيت في غير كتاب المسعودي أن عبد الله وجد عمرا عند بعض زوجاته وله في ذلك خبر لا أحب أن أذكره . قال المسعودي ثم إن عبد الله بن الزبير حبس الحسن بن محمد بن الحنفية في حبس مظلم وأراد قتله فأعمل الحيلة حتى تخلص من السجن وتعسف الطريق على الجبال حتى أتى منى وبها أبوه محمد بن الحنفية . ثم إن عبد الله جمع بني هاشم كلهم في سجن عارم وأراد أن يحرقهم بالنار وجعل في فم الشعب حطبا كثيرا فأرسل المختار أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف فقال أبو عبد الله لأصحابه ويحكم إن بلغ ابن الزبير الخبر عجل على بني هاشم فأتى عليهم فانتدب هو نفسه في ثمانمائة فارس جريدة فما شعر بهم ابن الزبير إلا والرايات تخفق بمكة فقصد قصد الشعب فأخرج الهاشميين منه ونادى بشعار محمد بن الحنفية وسماه المهدي وهرب ابن الزبير فلاذ بأستار الكعبة فنهاهم محمد بن الحنفية عن طلبه
[ 147 ](1/5844)
و عن الحرب وقال لا أريد الخلافة إلا إن طلبني الناس كلهم واتفقوا علي كلهم ولا حاجة لي في الحرب . قال المسعودي وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون وأن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار . قال المسعودي وخطب ابن الزبير يوم قدم أبو عبد الله الجدلي قبل قدومه بساعتين فقال إن هذا الغلام محمد بن الحنفية قد أبى بيعتي والموعد بيني وبينه أن تغرب الشمس ثم أضرم عليه مكانه نارا فجاء إنسان إلى محمد فأخبره بذلك فقال سيمنعه مني حجاب قوي فجعل ذلك الرجل ينظر إلى الشمس ويرقب غيبوبتها لينظر ما يصنع ابن الزبير فلما كادت تغرب حاست خيل أبي عبد الله الجدلي ديار مكة وجعلت تمعج بين الصفا والمروة وجاء أبو عبد الله الجدلي بنفسه فوقف على فم الشعب واستخرج محمدا ونادى بشعاره واستأذنه في قتل ابن الزبير فكره ذلك ولم يأذن فيه وخرج من مكة فأقام بشعب رضوى حتى مات .
[ 148 ]
و روى المسعودي عن سعيد بن جبير أن ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له ابن الزبير إلام تؤنبني وتعنفني(1/5845)
قال ابن عباس إني سمعت رسول الله ص يقول بئس المرء المسلم يشبع ويجوع جاره وأنت ذلك الرجل فقال ابن الزبير والله إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة وتشاجرا فخرج ابن عباس من مكة خوفا على نفسه فأقام بالطائف حتى مات . وروى أبو الفرج الأصفهاني قال أتى فضالة بن شريك الوالبي ثم الأسدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير فقال نفدت نفقتي ونقبت ناقتي فقال أحضرنيها فأحضرها فقال أقبل بها أدبر بها ففعل فقال ارقعها بسبت واخصفها بهلب وأنجد بها يبرد خفها وسر البردين تصح فقال فضالة إني أتيتك مستحملا ولم آتك مستوصفا فلعن الله ناقة حملتني إليك فقال إن وراكبها فقال فضالة
أقول لغلمة شدوا ركابي
أجاوز بطن مكة في سواد
فما لي حين أقطع ذات عرق
إلى ابن الكاهلية من معاد
سيبعد بيننا نص المطايا
و تعليق الأداوي والمزاد
و كل معبد قد أعلمته
مناسمهن طلاع النجاد
[ 149 ]
أرى الحاجات عند أبي خبيب
نكدن ولا أمية بالبلاد
من الأعياص أو من آل حرب
أغر كغرة الفرس الجواد(1/5846)
قال ابن الكاهلية هو عبد الله بن الزبير والكاهلية هذه هي أم خويلد بن أسد بن عبد العزى واسمها زهرة بنت عمرو بن خنثر بن روينة بن هلال من بني كاهل بن أسد بن خزيمة قال فقال عبد الله بن الزبير لما بلغه الشعر علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته . وروى أبو الفرج قال كانت صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب فمشى ابن الزبير إليها فذكر لها أن خروجه كان غضبا لله عز وجل ولرسوله ص وللمهاجرين والأنصار من أثرة معاوية وابنه بالفي ء وسألها مسألة زوجها عبد الله بن عمر أن يبايعه فلما قدمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير وعبادته واجتهاده وأثنت عليه وقالت إنه ليدعو إلى طاعة الله عز وجل وأكثرت القول في ذلك فقال لها ويحك أ ما رأيت البغلات الشهب التي كان يحج معاوية عليها وتقدم إلينا من الشام قالت بلى قال والله ما يريد ابن الزبير بعبادته غيرهن
[ 150 ](1/5847)
462
وَ قَالَ ع : مَا لاِبْنِ آدَمَ وَ اَلْفَخْرِ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ وَ آخِرُهُ جِيفَةٌ وَ لاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ وَ لاَ يَدْفَعُ حَتْفَهُ قد تقدم كلامنا في الفخر وذكرنا الشعر الذي أخذ من هذا الكلام وهو قول القائل
ما بال من أوله نطفة
و جيفة آخره يفخر
يصبح ما يملك تقديم ما
يرجو ولا تأخير ما يحذر(1/5848)
فصل في الفخر وما قيل في النهي عنه
و قال بعض الحكماء الفخر هو المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان وذلك نهاية الحمق لمن نظر بعين عقله وانحسر عنه قناع جهله فأعراض الدنيا عارية مستردة لا يؤمن في كل ساعة أن ترتجع والمباهي بها مباه بما في غير ذاته . وقد قال لبعض من فخر بثروته ووفره إن افتخرت بفرسك فالحسن والفراهة له دونك وإن افتخرت بثيابك وآلاتك فالجمال لهما دونك وإن افتخرت بآبائك
[ 151 ]
و سلفك فالفضل فيهم لا فيك ولو تكلمت هذه الأشياء لقالت لك هذه محاسننا فما محاسنك . وأيضا فإن الأعراض الدنيوية كما قيل سحابة صيف عن قليل تقشع وظل زائل عن قريب يضمحل كما قال الشاعر
إنما الدنيا كرؤيا فرحت
من رآها ساعة ثم انقضت
بل كما قال تعالى إِنَّما مَثَلُ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ اَلسَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ اَلْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ اَلنَّاسُ وَ اَلْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ اَلْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ اِزَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ . وإذا كان لا بد من الفخر فليخفر الإنسان بعلمه وبشريف خلقه وإذا أعجبك من الدنيا شي ء فاذكر فناءك وبقاءه أو بقاءك وفناءه أو فناءكما جميعا وإذا راقك ما هو لك فانظر إلى قرب خروجه من يدك وبعد رجوعه إليك وطول حسابك عليه وقد ذم الله الفخور فقال وَ اَللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ
[ 152 ](1/5849)
463
اَلْغِنَى وَ اَلْفَقْرُ بَعْدَ اَلْعَرْضِ عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى أي لا يعد الغني غنيا في الحقيقة إلا من حصل له ثواب الآخرة الذي لا ينقطع أبدا ولا يعد الفقير فقيرا إلا من لم يحصل له ذلك فإنه لا يزال شقيا معذبا وذاك هو الفقر بالحقيقة . فأما غنى الدنيا وفقرها فأمران عرضيان زوالهما سريع وانقضاؤهما وشيك . وإطلاق هاتين اللفظتين على مسماهما الدنيوي على سبيل المجاز عند أرباب الطريقة أعني العارفين
[ 153 ](1/5850)
464
وَ سُئِلَ عَنْ أَشْعَرِ اَلشُّعَرَاءِ فَقَالَ ع إِنَّ اَلْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ تُعْرَفُ اَلْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ وَ لاَ بُدَّ فَالْمَلِكُ اَلضِّلِّيلُ قال يريد إمرأ القيس(1/5851)
في مجلس علي بن أبي طالب
قرأت في أمالي ابن دريد قال أخبرنا الجرموزي عن ابن المهلبي عن ابن الكلبي عن شداد بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن العنبري عن ابن عرادة قال كان علي بن أبي طالب ع يعشي الناس في شهر رمضان باللحم ولا يتعشى معهم فإذا فرغوا خطبهم ووعظهم فأفاضوا ليلة في الشعراء وهم على عشائهم فلما فرغوا خطبهم ع وقال في خطبته اعلموا أن ملاك أمركم الدين وعصمتكم التقوى وزينتكم الأدب وحصون أعراضكم الحلم ثم قال قل يا أبا الأسود فيم كنتم تفيضون فيه أي الشعراء أشعر فقال يا أمير المؤمنين الذي يقول
و لقد أغتدي يدافع ركني
أعوجي ذو ميعة إضريج
[ 154 ]
مخلط مزيل معن مفن
منفح مطرح سبوح خروج
يعني أبا دواد الإيادي فقال ع ليس به قالوا فمن يا أمير المؤمنين فقال لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السابق منهم ولكن إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة ولا رهبة قيل من هو يا أمير المؤمنين قال هو الملك الضليل ذو القروح قيل إمرؤ القيس يا أمير المؤمنين قال هو قيل فأخبرنا عن ليلة القدر قال ما أخلو من أن أكون أعلمها فأستر علمها ولست أشك أن الله إنما يسترها عنكم نظرا لكم لأنه لو أعلمكموها عملتم فيها وتركتم غيرها وأرجو أن لا تخطئكم إن شاء الله انهضوا رحمكم الله . وقال ابن دريد لما فرغ من الخبر إضريج ينبثق في عدوه وقيل واسع الصدر ومنفح يخرج الصيد من مواضعه ومطرح يطرح ببصره وخروج سابق . والغاية بالغين المعجمة الراية قال الشاعر
و إذا غاية مجد رفعت
نهض الصلت إليها فحواها
و يروى قول الشماخ
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها غرابة باليمين
بالغين والراء أكثر فأما البيت الأول فبالغين لا غير أنشده الخليل في عروضه وفي حديث طويل في الصحيح فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا والميعة أول جري الفرس وقيل الجري بعد الجري
[ 155 ](1/5852)
اختلاف العلماء في تفضيل بعض الشعراء على بعض
و أنا أذكر في هذا الموضع ما اختلف فيه العلماء من تفضيل بعض الشعراء على بعض وأبتدئ في ذلك بما ذكره أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب الأغاني قال أبو الفرج الثلاثة المقدمون على الشعراء إمرؤ القيس وزهير والنابغة لا اختلاف في أنهم مقدمون على الشعراء كلهم وإنما اختلف في تقديم بعض الثلاثة على بعض . قال فأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن أبي قبيس عن عكرمة بن جرير عن أبيه قال شاعر أهل الجاهلية زهير . قال وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة عن هارون بن عمر عن أيوب بن سويد عن يحيى بن زياد عن عمر بن عبد الله الليثي قال قال عمر بن الخطاب ليلة في مسيره إلى الجابية أين عبد الله بن عباس فأتي به فشكا إليه تخلف علي بن أبي طالب ع عنه قال ابن عباس فقلت له أ ولم يعتذر إليك قال بلى قلت فهو ما اعتذر به قال ثم أنشأ يحدثني فقال إن أول من راثكم عن هذا الأمر أبو بكر إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة قال أبو الفرج ثم ذكر قصة طويلة ليست من هذا الباب فكرهت ذكرها ثم قال يا ابن عباس هل تروي لشاعر الشعراء قلت ومن هو قال ويحك شاعر الشعراء الذي يقول
فلو أن حمدا يخلد الناس خلدوا
و لكن حمد الناس ليس بمخلد
[ 156 ]
فقلت ذاك زهير فقال ذاك شاعر الشعراء قلت وبم كان شاعر الشعراء قال إنه كان لا يعاظل الكلام ويتجنب وحشيه ولا يمدح أحدا إلا بما فيه . قال أبو الفرج وأخبرني أبو خليفة قال ابن سلام وأخبرني عمر بن موسى الجمحي عن أخيه قدامة بن موسى وكان من أهل العلم أنه كان يقدم زهيرا قال فقلت له أي شعره كان أعجب إليه فقال الذي يقول فيه
قد جعل المبتغون الخير في هرم
و السائلون إلى أبوابه طرقا(1/5853)
قال ابن سلام وأخبرني أبو قيس العنبري ولم أر بدويا يفي به عن عكرمة بن جرير قال قلت لأبي يا أبت من أشعر الناس قال أ عن أهل الجاهلية تسألني أم عن أهل الإسلام قال قلت ما أردت إلا الإسلام فإذا كنت قد ذكرت الجاهلية فأخبرني عن أهلها فقال زهير أشعر أهلها قلت فالإسلام قال الفرزدق نبعة الشعر قلت فالأخطل قال يجيد مدح الملوك ويصيب وصف الخمر قلت فما تركت لنفسك قال إني نحرت الشعر نحرا . قال وأخبرني الحسن بن علي قال أخبرنا الحارث بن محمد عن المدائني عن عيسى بن يزيد قال سأل معاوية الأحنف عن أشعر الشعراء فقال زهير قال وكيف ذاك قال ألقى على المادحين فضول الكلام وأخذ خالصه وصفوته قال مثل ما ذا قال مثل قوله
و ما يك من خير أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبل
و هل ينبت الخطي إلا وشيجه
و تغرس إلا في منابتها النخل
قال وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا
[ 157 ]
عبد الله بن عمرو القيسي قال حدثنا خارجة بن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه عن ابن عباس قال خرجت مع عمر في أول غزاة غزاها فقال لي ليلة يا ابن عباس أنشدني لشاعر الشعراء قلت من هو قال ابن أبي سلمى قلت ولم صار كذلك قال لأنه لا يتبع حوشي الكلام ولا يعاظل في منطقه ولا يقول إلا ما يعرف ولا يمدح الرجل إلا بما فيه أ ليس هو الذي يقول
إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية
إلى المجد من يسبق إليها يسود
سبقت إليها كل طلق مبرز
سبوق إلى الغايات غير مزند
قال أي لا يحتاج إلى أن يجلد الفرس بالسوط .
كفعل جواد يسبق الخيل عفوه
السراع وإن يجهد ويجهدن يبعد
فلو كان حمدا يخلد الناس لم تمت
و لكن حمد الناس ليس بمخلد(1/5854)
أنشدني له فأنشدته حتى برق الفجر فقال حسبك الآن اقرأ القرآن قلت ما أقرأ قال الواقعة فقرأتها ونزل فأذن وصلى . وقال محمد بن سلام في كتاب طبقات الشعراء دخل الحطيئة على سعيد بن العاص متنكرا فلما قام الناس وبقي الخواص أراد الحاجب أن يقيمه فأبى أن يقوم فقال سعيد دعه وتذاكروا أيام العرب وأشعارها فلما أسهبوا قال الحطيئة ما صنعتم شيئا فقال سعيد فهل عندك علم من ذلك قال نعم قال فمن أشعر العرب قال الذي يقول
قد جعل المبتغون الخير في هرم
و السائلون إلى أبوابه طرقا
قال ثم من قال الذي يقول
[ 158 ]
فإنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
يعني زهيرا ثم النابغة ثم قال وحسبك بي إذا وضعت إحدى رجلي على الأخرى ثم عويت في أثر القوافي كما يعوي الفصيل في أثر أمه قال فمن أنت قال أنا الحطيئة فرحب به سعيد وأمر له بألف دينار . قال وقال من احتج لزهير كان أحسنهم شعرا وأبعدهم من سخف وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل من المنطق وأشدهم مبالغة في المدح وأبعدهم تكلفا وعجرفية وأكثرهم حكمة ومثلا سائرا في شعره . و
قد روى ابن عباس عن النبي ص أنه قال أفضل شعرائكم القائل ومن من يعني زهيرا وذلك في قصيدته التي أولها أ من أم أوفى يقول فيها
و من يك ذا فضل فيبخل بفضله
على قومه يستغن عنه ويذمم
و من لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
و من هاب أسباب المنايا ينلنه
و لو نال أسباب السماء بسلم
و من يجعل المعروف من دون عرضه
يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
فأما القول في النابغة الذبياني فإن أبا الفرج الأصفهاني قال في كتاب الأغاني كنية النابغة أبو أمامة واسمه زياد بن معاوية ولقب بالنابغة لقوله
فقد نبغت لهم منا شئون
و هو أحد الأشراف الذين غض الشعر منهم وهو من الطبقة الأولى المقدمين على سائر الشعراء .
[ 159 ](1/5855)
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو نعيم قال شريك عن مجالد عن الشعبي عن ربعي بن حراش قال قال لنا عمر يا معشر غطفان من الذي يقول
أتيتك عاريا خلقا ثيابي
على خوف تظن بي الظنون
قلنا النابغة قال ذاك أشعر شعرائكم . قلت قوله أشعر شعرائكم لا يدل على أنه أشعر العرب لأنه جعله أشعر شعراء غطفان فليس كقوله في زهير شاعر الشعراء ولكن أبا الفرج قد روى بعد هذا خبرا آخر صريحا في أن النابغة عند عمر أشعر العرب قال حدثني أحمد وحبيب عن عمر بن شبة قال حدثنا عبيد بن جناد قال حدثنا معن بن عبد الرحمن عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي عن جده عن الشعبي قال قال عمر يوما من أشعر الشعراء فقيل له أنت أعلم يا أمير المؤمنين قال من الذي يقول
إلا سليمان إذ قال المليك له
قم في البرية فاحددها عن الفند
و خيس الجن إني قد أذنت لهم
يبنون تدمر بالصفاح والعمد
قالوا النابغة قال فمن الذي يقول
أتيتك عاريا خلقا ثيابي
على خوف تظن بي الظنون
قالوا النابغة قال فمن الذي يقول
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
و ليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني خيانة
لمبلغك الواشي أغش وأكذب
[ 160 ]
قالوا النابغة قال فهو أشعر العرب . قال وأخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني علي بن محمد المدائني قال قام رجل إلى ابن عباس فقال له أي الناس أشعر قال أخبره يا أبا الأسود فقال أبو الأسود الذي يقول
فإنك كالليل الذي هو مدركي
و إن خلت أن المنتأى عنك واسع
يعني النابغة . قال أبو الفرج وأخبرني أحمد وحبيب عن عمر عن أبي بكر العليمي عن الأصمعي قال كان يضرب للنابغة قبة أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها فأنشده مرة الأعشى ثم حسان بن ثابت ثم قوم من الشعراء ثم جاءت الخنساء فأنشدته
و إن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار(1/5856)
فقال لو لا أن أبا بصير يعني الأعشى أنشدني آنفا لقلت إنك أشعر الإنس والجن فقام حسان بن ثابت فقال أنا والله أشعر منها ومن أبيك فقال له النابغة يا ابن أخي أنت لا تحسن أن تقول
فإنك كالليل الذي هو مدركي
و إن خلت أن المنتأى عنك واسع
خطاطيف حجن في حبال متينة
تمد بها أيد إليك نوازع
قال فخنس حسان لقوله . قال وأخبرني أحمد وحبيب عن عمر عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء
[ 161 ]
قال حدثني رجل سماه أبو عمرو وأنسيته قال بينما نحن نسير بين أنقاء من الأرض فتذاكرنا الشعر فإذا راكب أطيلس يقول أشعر الناس زياد بن معاوية ثم تملس فلم نره . قال وأخبرني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن الأصمعي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول ما ينبغي لزهير إلا أن يكون أجيرا للنابغة . قال أبو الفرج وأخبرنا أحمد عن عمر قال قال عمرو بن المنتشر المرادي وفدنا على عبد الملك بن مروان فدخلنا عليه فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف عليه فقال له عبد الملك ما كنت حريا أن تفعل ولا تعتذر ثم أقبل على أهل الشام فقال أيكم يروي اعتذار النابغة إلى النعمان في قوله
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
و ليس وراء الله للمرء مذهب
فلم يجد فيهم من يرويه فأقبل علي وقال أ ترويه قلت نعم فأنشدته القصيدة كلها فقال هذا أشعر العرب . قال وأخبرني أحمد وحبيب عن عمر عن معاوية بن بكر الباهلي قال قلت لحماد الراوية لم قدمت النابغة قال لاكتفائك بالبيت الواحد من شعره لا بل بنصف البيت لا بل بربع البيت مثل قوله
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
و ليس وراء الله للمرء مذهب
و لست بمستبق أخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
ربع البيت يغنيك عن غيره فلو تمثلت به لم تحتج إلى غيره . قال وأخبرني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن هارون بن عبد الله
[ 162 ](1/5857)
الزبيري قال حدثني شيخ يكنى أبا داود عن الشعبي قال دخلت على عبد الملك وعنده الأخطل وأنا لا أعرفه وذلك أول يوم وفدت فيه من العراق على عبد الملك فقلت حين دخلت عامر بن شراحيل الشعبي يا أمير المؤمنين فقال على علم ما أذنا لك فقلت هذه واحدة على وافد أهل العراق يعني أنه أخطأ قال ثم إن عبد الملك سأل الأخطل من أشعر الناس فقال أنا فعجلت وقلت لعبد الملك من هذا يا أمير المؤمنين فتبسم وقال الأخطل فقلت في نفسي اثنتان على وافد أهل العراق فقلت له أشعر منك الذي يقول
هذا غلام حسن وجهه
مستقبل الخير سريع التمام
للحارث الأكبر والحارث
الأصغر فالأعرج خير الأنام
ثم لعمرو ولعمرو وقد
أسرع في الخيرات منه أمام
قال هي أمامة أم عمرو الأصغر بن المنذر بن إمرئ القيس بن النعمان بن الشقيقة
خمسة آباء هم ما هم
أفضل من يشرب صوب الغمام
و الشعر للنابغة فالتفت إلي الأخطل فقال إن أمير المؤمنين إنما سألني عن أشعر أهل زمانه ولو سألني عن أشعر أهل الجاهلية كنت حريا أن أقول كما قلت أو شبيها به فقلت في نفسي ثلاث على وافد أهل العراق . قال أبو الفرج وقد وجدت هذا الخبر أتم من هذه الرواية ذكره أحمد بن الحارث الخراز في كتابه عن المدائني عن عبد الملك بن مسلم قال كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أنه ليس شي ء من لذة الدنيا إلا وقد أصبت منه ولم يبق
[ 163 ](1/5858)
عندي شي ء ألذ من مناقلة الإخوان الحديث وقبلك عامر الشعبي فابعث به إلي فدعا الحجاج الشعبي فجهزه وبعث به إليه وقرظه وأطراه في كتابه فخرج الشعبي حتى إذا كان بباب عبد الملك قال للحاجب استأذن لي قال من أنت قال أنا عامر الشعبي قال يرحمك الله قال ثم نهض فأجلسني على كرسيه فلم يلبث أن خرج إلي فقال ادخل يرحمك الله فدخلت فإذا عبد الملك جالس على كرسي وبين يديه رجل أبيض الرأس واللحية جالس على كرسي فسلمت فرد علي السلام فأومأ إلي بقضيبه فجلست عن يساره ثم أقبل على ذلك الإنسان الذي بين يديه فقال له من أشعر الناس فقال أنا يا أمير المؤمنين قال الشعبي فأظلم ما بيني وبين عبد الملك فلم أصبر أن قلت ومن هذا الذي يزعم أنه أشعر الناس يا أمير المؤمنين فعجب عبد الملك من عجلتي قبل أن يسألني عن حالي فقال هذا الأخطل فقلت يا أخطل أشعر والله منك الذي يقول
هذا غلام حسن وجهه
مستقبل الخير سريع التمام
الأبيات قال فاستحسنها عبد الملك ثم رددتها عليه حتى حفظها فقال الأخطل من هذا يا أمير المؤمنين قال هذا الشعبي فقال والجيلون ما استعذت بالله من شر إلا من هذا أي والإنجيل صدق والله يا أمير المؤمنين النابغة أشعر مني قال الشعبي فأقبل عبد الملك حينئذ علي فقال كيف أنت يا شعبي قلت بخير يا أمير المؤمنين فلا زلت به ثم ذهبت لأصنع معاذير لما كان من خلافي مع ابن الأشعث على الحجاج فقال مه إنا لا نحتاج إلى هذا المنطق ولا تراه منا في قول ولا فعل حتى تفارقنا ثم أقبل علي فقال ما تقول في النابغة قلت يا أمير المؤمنين قد فضله عمر بن الخطاب
[ 164 ](1/5859)
في غير موطن على جميع الشعراء ثم أنشدته الشعر الذي كان عمر يعجب به من شعره وقد تقدم ذكره قال فأقبل عبد الملك على الأخطل فقال له أ تحب أن لك قياضا بشعرك شعر أحد من العرب أم تحب أنك قلته قال لا والله يا أمير المؤمنين إلا أني وددت أني كنت قلت أبياتا قالها رجل منا ثم أنشده قول القطامي
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل
و إن بليت وإن طالت بك الطيل
ليس الجديد به تبقى بشاشته
إلا قليلا ولا ذو خلة يصل
و العيش لا عيش إلا ما تقر به
عين ولا حال إلا سوف تنتقل
إن ترجعي من أبي عثمان منجحة
فقد يهون على المستنجح العمل
و الناس من يلق خيرا قائلون له
ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل
قد يدرك المتأني بعض حاجته
و قد يكون مع المستعجل الزلل
قال الشعبي فقلت قد قال القطامي أفضل من هذا قال وما قال قلت قال
طرقت جنوب رحالنا من مطرق
ما كنت أحسبها قريب المعنق
إلى آخرها فقال عبد الملك ثكلت القطامي أمه هذا والله الشعر قال فالتفت إلى الأخطل فقال يا شعبي إن لك فنونا في الأحاديث وإنما لي فن واحد فإن رأيت ألا تحملني على أكتاف قومك فأدعهم حرضا فقلت لا أعرض لك في شي ء من الشعر أبدا فأقلني هذه المرة فقال من يتكفل بك قلت
[ 165 ]
أمير المؤمنين فقال عبد الملك هو علي أنه لا يعرض لك أبدا ثم قال عبد الملك يا شعبي أي نساء الجاهلية أشعر قلت الخنساء قال ولم فضلتها على غيرها قلت لقولها
و قائلة والنعش قد فات خطوها
لتدركه يا لهف نفسي على صخر
ألا هبلت أم الذين غدوا به
إلى القبر ما ذا يحملون إلى القبر
فقال عبد الملك أشعر منها والله التي تقول
مهفهف أهضم الكشحين منخرق
عنه القميص بسير الليل محتقر
لا يأمن الدهر ممساه ومصبحه
من كل أوب وإن يغز ينتظر(1/5860)
قال ثم تبسم عبد الملك وقال لا يشقن عليك يا شعبي فإنما أعلمتك هذا لأنه بلغني أن أهل العراق يتطاولون على أهل الشام ويقولون إن كان غلبونا على الدولة فلم يغلبونا على العلم والرواية وأهل الشام أعلم بعلم أهل العراق من أهل العراق ثم ردد علي أبيات ليلى حتى حفظتها ثم لم أزل عنده أول داخل وآخر خارج فكنت كذلك سنين وجعلني في ألفين من العطاء وجعل عشرين رجلا من ولدي وأهل بيتي في ألف ألف ثم بعثني إلى أخيه عبد العزيز بمصر وكتب إليه يا أخي قد بعثت إليك بالشعبي فانظر هل رأيت قط مثله . قال أبو الفرج الأصبهاني في ترجمة أوس بن حجر إن أبا عبيدة قال كان أوس شاعر مضر حتى أسقطه النابغة قال وقد ذكر الأصمعي أنه سمع أبا عمرو بن العلاء يقول كان أوس بن حجر فحل العرب فلما نشأ النابغة طأطأ منه . وقال محمد بن سلام في كتاب طبقات الشعراء وقال من احتج للنابغة كان أحسنهم
[ 166 ]
ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام وأجزلهم بيتا كأن شعره كلام ليس بتكلف والمنطق على المتكلم أوسع منه على الشاعر لأن الشاعر يحتاج إلى البناء والعروض والقوافي والمتكلم مطلق يتخير الكلام كيف شاء قالوا والنابغة نبغ بالشعر بعد أن احتنك وهلك قبل أن يهتر . قلت وكان أبو جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد العلوي البصري يفضل النابغة واستقرأني يوما وبيدي ديوان النابغة قصيدته التي يمدح بها النعمان بن المنذر ويذكر مرضه ويعتذر إليه مما كان اتهم به وقذفه به أعداؤه وأولها
كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا
و همين هما مستكنا وظاهرا
أحاديث نفس تشتكي ما يريبها
و ورد هموم لو يجدن مصادرا
تكلفني أن يغفل الدهر همها
و هل وجدت قبلي على الدهر ناصرا
يقول هذه النفس تكلفني ألا يحدث لها الدهر هما ولا حزنا وذلك مما لم يستطعه أحد قبلي .
أ لم تر خير الناس أصبح نعشه
على فتية قد جاوز الحي سائرا(1/5861)
كان الملك منهم إذا مرض حمل على نعش وطيف به على أكتاف الرجال بين الحيرة والخورنق والنجف ينزهونه .
و نحن لديه نسأل الله خلده
يرد لنا ملكا وللأرض عامرا
و نحن نرجي الخير إن فاز قدحنا
و نرهب قدح الدهر إن جاء قامرا
لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا
و أصبح جد الناس بعدك عاثرا
و ردت مطايا الراغبين وعريت
جيادك لا يحفي لها الدهر حافرا
[ 167 ]
رأيتك ترعاني بعين بصيرة
و تبعث حراسا علي وناظرا
و ذلك من قول أتاك أقوله
و من دس أعداء إليك المآبرا
فآليت لا آتيك إن كنت مجرما
و لا أبتغي جارا سواك مجاورا
أي لا آتيك حتى يثبت عندك أني غير مجرم .
فأهلي فداء لامرئ إن أتيته
تقبل معروفي وسد المفاقرا
سأربط كلبي إن يريبك نبحه
و إن كنت أرعى مسحلان وحامرا
أي سأمسك لساني عن هجائك وإن كنت بالشام في هذين الواديين البعيدين عنك .
و حلت بيوتي في يفاع ممنع
تخال به راعي الحمولة طائرا
تزل الوعول العصم عن قذفاته
و يضحي ذراه بالسحاب كوافرا
حذارا على ألا تنال مقادتي
و لا نسوتي حتى يمتن حرائرا
يقول أنا لا أهجرك وإن كنت من المنعة والعصمة على هذه الصفة .
أقول وقد شطت بي الدار عنكم
إذا ما لقيت من معد مسافرا
ألا أبلغ النعمان حيث لقيته
فأهدى له الله الغيوث البواكرا
و أصبحه فلجا ولا زال كعبه
على كل من عادى من الناس ظاهرا
و رب عليه الله أحسن صنعه
و كان على كل المعادين ناصرا
فجعل أبو جعفر رحمه الله يهتز ويطرب ثم قال والله لو مزجت هذه القصيدة بشعر البحتري لكادت تمتزج لسهولتها وسلامة ألفاظها وما عليها من الديباجة والرونق من يقول إن إمرأ القيس وزهيرا أشعر من هذا هلموا فليحاكموني .
[ 168 ](1/5862)
فأما إمرؤ القيس بن حجر فقال محمد بن سلام الجمحي في كتاب طبقات الشعراء أخبرني يونس بن حبيب أن علماء البصرة كانوا يقدمونه على الشعراء كلهم وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى وأن أهل الحجاز والبادية يقدمون زهيرا والنابغة . قال ابن سلام فالطبقة الأولى إذن أربعة قال وأخبرني شعيب بن صخر عن هارون بن إبراهيم قال سمعت قائلا يقول للفرزدق من أشعر الناس يا أبا فراس فقال ذو القروح يعني إمرأ القيس قال حين يقول ما ذا قال حين يقول
وقاهم جدهم ببني أبيهم
و بالأشقين ما كان العقاب
قال وأخبرني أبان بن عثمان البجلي قال مر لبيد بالكوفة في بني نهد فأتبعوه رسول يسأله من أشعر الناس فقال الملك الضليل فأعادوه إليه فقال ثم من فقال الغلام القتيل يعنى طرفة بن العبد وقال غير أبان قال ثم ابن العشرين قال ثم من قال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه . قال ابن سلام واحتج لإمرئ القيس من يقدمه فقال إنه ليس قال ما لم يقولوه ولكنه سبق العرب إلى أشياء ابتدعها استحسنتها العرب فاتبعه فيها الشعراء منها استيقاف صحبه والبكاء في الديار ورقة النسيب وقرب المأخذ وتشبيه النساء بالظباء وبالبيض وتشبيه الخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد وأجاد في النسيب وفصل بين النسيب وبين المعنى وكان أحسن الطبقة تشبيها . قال وحدثني معلم لبني داود بن علي قال بينا أنا أسير في البادية إذا أنا برجل على ظليم قد زمه وخطمة وهو يقول
[ 169 ]
هل يبلغنيهم إلى الصباح
هقل كأن رأسه جماح
قال فما زال يذهب به ظليمه ويجي ء حتى أنست به وعلمت أنه ليس بإنسي فقلت يا هذا من أشعر العرب فقال الذي يقول
أ غرك مني أن حبك قاتلي
و أنك مهما تأمري القلب يفعل
يعني إمرأ القيس قلت ثم من قال الذي يقول
و يبرد برد رداء العروس
بالصيف رقرقت فيه العبيرا
و يسخن ليلة لا يستطيع
نباحا بها الكلب إلا هريرا(1/5863)
ثم ذهب به ظليمه فلم أره . قال وحدث عوانة عن الحسن أن رسول الله ص قال لحسان بن ثابت من أشعر العرب قال الزرق العيون من بني قيس قال لست أسألك عن القبيلة إنما أسألك عن رجل واحد فقال حسان يا رسول الله إن مثل الشعراء والشعر كمثل ناقة نحرت فجاء إمرؤ القيس بن حجر فأخذ سنامها وأطائبها ثم جاء المتجاوران من الأوس والخزرج فأخذا ما والى ذلك منها ثم جعلت العرب تمزعها حتى إذا بقي الفرث والدم جاء عمرو بن تميم والنمر بن قاسط فأخذاه
فقال رسول الله ص ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها خامل يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار . فأما الأعشى فقد احتج أصحابه لتفضيله بأنه كان أكثرهم عروضا وأذهبهم في فنون الشعر وأكثرهم قصيدة طويلة جيدة وأكثرهم مدحا وهجاء وكان أول من سأل
[ 170 ]
بشعره وإن لم يكن له بيت نادر على أفواه الناس كأبيات أصحابه الثلاثة . وقد سئل خلف الأحمر من أشعر الناس فقال ما ينتهى إلى واحد يجمع عليه كما لا ينتهى إلى واحد هو أشجع الناس ولا أخطب الناس ولا أجمل الناس فقيل له يا أبا محرز فأيهم أعجب إليك فقال الأعشى كان أجمعهم . قال ابن سلام وكان أبو الخطاب الأخفش مستهترا به يقدمه وكان أبو عمرو بن العلاء يقول مثله مثل البازي يضرب كبير الطير وصغيره ويقول نظيره في الإسلام جرير ونظير النابغة الأخطل ونظير زهير الفرزدق . فأما قول أمير المؤمنين ع الملك الضليل فإنما سمي إمرؤ القيس ضليلا لما يعلن به في شعره من الفسق والضليل الكثير الضلال كالشريب والخمير والسكير والفسيق للكثير الشرب وإدمان الخمر والسكر والفسق فمن ذلك قوله
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا
فألهيتها عن ذي تمائم محول
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له
بشق وتحتي شقها لم يحول
و قوله
سموت إليها بعد ما نام أهلها
سمو حباب الماء حالا على حال
فقالت لحاك الله إنك فاضحي
أ لست ترى السمار والناس أحوالي
فقلت لها تالله أبرح قاعدا(1/5864)
و لو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
[ 171 ]
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت
هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا
و رضت فذلت صعبة أي إذلال
حلفت لها بالله حلفة فاجر
لناموا فما إن من حديث ولا صالي
فأصبحت معشوقا وأصبح بعلها
عليه القتام كاسف الوجه والبال
و قوله في اللامية الأولى
و بيضة خدر لا يرام خباؤها
تمتعت من لهو بها غير معجل
تخطيت أبوابا إليها ومعشرا
علي حراصا لو يسرون مقتلي
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها
لدى الستر إلا لبسة المتفضل
فقالت يمين الله ما لك حيلة
و ما إن أرى عنك الغواية تنجلي
فقمت بها أمشي نجر وراءنا
على إثرنا أذيال مرط مرجل
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل
هصرت بفودي رأسها فتمايلت
علي هضيم الكشح ريا المخلخل
و قوله
فبت أكابد ليل التمام
و القلب من خشية مقشعر
فلما دنوت تسديتها
فثوبا نسيت وثوابا أجر
و لم يرنا كالئ كاشح
و لم يبد منا لدى البيت سر
و قد رابني قولها يا هناه
ويحك ألحقت شرا بشر
[ 172 ]
و قوله
تقول وقد جردتها من ثيابها
كما رعت مكحول المدامع أتلعا
لعمرك لو شي ء أتانا رسوله
سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
فبتنا نصد الوحش عنا كأننا
قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا
تجافى عن المأثور بيني وبينها
و تدني علي السابري المضلعا
و في شعر إمرئ القيس من هذا الفن كثير فمن أراده فليطلبه من مجموع شعره
[ 173 ](1/5865)
465
وَ قَالَ ع : أَلاَ حُرٌّ يَدَعُ هَذِهِ اَللُّمَاظَةَ لِأَهْلِهَا إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلاَّ اَلْجَنَّةَ فَلاَ تَبِيعُوهَا إِلاَّ بِهَا اللماظة بفتح اللام ما تبقى في الفم من الطعام قال يصف الدنيا
لماظة أيام كأحلام نائم
و لمظ الرجل يلمظ بالضم لمظا إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه وأخرج لسانه فمسح به شفتيه وكذلك التلمظ يقال تلمظت الحية إذا أخرجت لسانها كما يتلمظ الآكل . وقال ألا حر مبتدأ وخبره محذوف أي في الوجود وألا حرف قال
ألا رجل جزاه الله خيرا
يدل على محصلة تبيت
ثم قال إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها من الناس من يبيع نفسه بالدراهم والدنانير ومن الناس من يبيع نفسه بأحقر الأشياء وأهونها ويتبع هواه فيهلك وهؤلاء في الحقيقة أحمق الناس إلا أنه قد رين على القلوب فغطتها الذنوب وأظلمت الأنفس بالجهل وسوء العادة وطال الأمد أيضا على القلوب فقست ولو أفكر الإنسان حق الفكر لما باع نفسه إلا بالجنة لا غير
[ 174 ](1/5866)
466
وَ قَالَ ع : مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَ طَالِبُ دُنْيَا تقول نهم فلان بكذا فهو منهوم أي مولع به وهذه الكلمة
مروية عن النبي ص منهومان لا يشبعان منهوم بالمال ومنهوم بالعلم والنهم بالفتح إفراط الشهوة في الطعام تقول منه نهمت إلى الطعام بكسر الهاء أنهم فأنا نهم وكان في القرآن آية أنزلت ثم رفعت لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب . فأما طالب العلم العاشق له فإنه لا يشبع منه أبدا وكلما استكثر منه زاد عشقه له وتهالكه عليه مات أبو عثمان الجاحظ والكتاب على صدره . وكان شيخنا أبو علي رحمه الله في النزع وهو يملي على ابنه أبي هاشم مسائل في علم الكلام وكان القاضي أحمد بن أبي دواد يأخذ الكتاب في خفه وهو راكب فإذا جلس في دار الخليفة اشتغل بالنظر فيه إلى أن يجلس الخليفة ويدخل إليه وقيل ما فارق ابن أبي دواد الكتاب قط إلا في الخلاء وأعرف أنا في زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام إلا وقت السحر صيفا وشتاء مكبا على كتاب صنفه وكانت وسادته التي ينام عليها الكتاب
[ 175 ](1/5867)
467
وَ قَالَ ع : عَلاَمَةُ اَلْإِيمَانِ اَلْإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ اَلصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى اَلْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ وَ أَلاَّ يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ عَمَلِكَ وَ أَنْ تَتَّقِيَ اَللَّهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ قد أخذ المعنى الأول القائل
عليك بالصدق ولو أنه
أحرقك الصدق بنار الوعيد
و ينبغي أن يكون هذا الحكم مقيدا لا مطلقا لأنه إذا أضر الصدق ضررا عظيما يؤدي إلى تلف النفس أو إلى قطع بعض الأعضاء لم يجز فعله صريحا ووجبت المعاريض حينئذ . فإن قلت فالمعاريض صدق أيضا فالكلام على إطلاقه قلت هي صدق في ذاتها ولكن مستعملها لم يصدق فيما سئل عنه ولا كذب أيضا لأنه لم يخبر عنه وإنما أخبر عن شي ء آخر وهي المعاريض والتارك للخبر لا يكون صادقا ولا كاذبا فوجب أن يقيد إطلاق الخبر بما إذا كان الضرر غير عظيم وكانت نتيجة الصدق أعظم نفعا من تلك المضرة . قال ع وألا يكون في حديث فضل عن علمك متى زاد منطق الرجل على علمه فقد لغا وظهر نقصه والفاضل من كان علمه أكثر من منطقه قوله وإن تتقي الله في حديث غيرك أي في نقله وروايته فترويه كما سمعته من غير تحريف
[ 176 ](1/5868)
468
وَ قَالَ ع : يَغْلِبُ اَلْمِقْدَارُ عَلَى اَلتَّقْدِيرِ حَتَّى تَكُونَ اَلآْفَةُ فِي اَلتَّدْبِيرِ قال وقد مضى هذا المعنى فيما تقدم برواية تخالف بعض هذه الألفاظ قد تقدم هذا المعنى وهو كثير جدا ومن جيده قول الشاعر
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه
و لكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى تبلغ النفس عذرها
و قلقل يبغي العز كل مقلقل
و قال أبو تمام
و ركب كأطراف الأسنة عرسوا
على مثلها والليل تسطو غياهبه
لأمر عليهم أن تتم صدوره
و ليس عليهم أن تتم عواقبه
و قال آخر
فإن بين حيطانا عليه فإنما
أولئك عقالاته لا معاقله
[ 177 ](1/5869)
469
وَ قَالَ ع : اَلْحِلْمُ وَ اَلْأَنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ اَلْهِمَّةِ قد تقدم هذا المعنى وشرحه مرارا . وقال ابن هانئ
و كل أناة في المواطن سؤدد
و لا كأناة من تدبر محكم
و من يتبين أن للسيف موضعا
من الصفح يصفح عن كثير ويحلم
و قال أرباب المعاني علمنا الله تعالى فضيلة الأناة بما حكاه عن سليمان سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ اَلْكاذِبِينَ . وكان يقال الأناة حصن السلامة والعجلة مفتاح الندامة . وكان يقال التأني مع الخيبة خير من التهور مع النجاح . وقال الشاعر
الرفق يمن والأناة سعادة
فتأن في أمر تلاق نجاحا
[ 178 ]
و قال من كره الأناة وذمها لو كانت الأناة محمودة والعجلة مذمومة لما قال موسى لربه وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى . وأنشدوا
عيب الأناة وإن سرت عواقبها
أن لا خلود وأن ليس الفتى حجرا
و قال آخر
كم من مضيع فرصة قد أمكنت
لغد وليس له غد بمواتي
حتى إذا فاتت وفات طلابها
ذهبت عليها نفسه حسرات
[ 179 ](1/5870)
470
وَ قَالَ ع : اَلْغِيبَةُ جُهْدُ اَلْعَاجِزِ قد تقدم كلامنا في الغيبة مستقصى . وقيل للأحنف من أشرف الناس قال من إذا حضر هابوه وإذا غاب اغتابوه . وقال الشاعر
و يغتابني من لو كفاني اغتيابه
لكنت له العين البصيرة والأذنا
و عندي من الأشياء ما لو ذكرتها
إذا قرع المغتاب من ندم سنا
و قد نظمت أنا كلمة الأحنف فقلت
أكل عرضي إن غبت ذما فإن أبت
فمدح ورهبة وسجود
هكذا يفعل الجبان شجاع
حين يخلو وفي الوغى رعديد
لك مني حالان في عينك الجنة
حسنا وفي الفؤاد وقود
[ 180 ](1/5871)
471
وَ قَالَ ع : رُبَّ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ اَلْقَوْلِ فِيهِ طالما فتن الناس بثناء الناس عليهم فيقصر العالم في اكتساب العلم اتكالا على ثناء الناس عليه ويقصر العابد في العبادة اتكالا على ثناء الناس عليه ويقول كل واحد منهما إنما أردت ما اشتهرت به للصيت وقد حصل فلما ذا أتكلف الزيادة وأعاني التعب وأيضا فإن ثناء الناس على الإنسان يقتضي اعتراء العجب له وإعجاب المرء بنفسه مهلك . واعلم أن الرضي رحمه الله قطع كتاب نهج البلاغة على هذا الفصل وهكذا وجدت النسخة بخطه وقال هذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المنتزع من كلام أمير المؤمنين ع حامدين لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه وتقريب ما بعد من أقطاره مقررين العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الأبواب لتكون لاقتناص الشارد واستلحاق الوارد وما عساه أن يظهر لنا بعد الغموض ويقع إلينا بعد الشذوذ وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير . ثم وجدنا نسخا كثيرة فيها زيادات بعد هذا الكلام قيل إنها وجدت في نسخة كتبت في حياة الرضي رحمه الله وقرئت عليه فأمضاها وأذن في إلحاقها بالكتاب نحن نذكرها
[ 181 ](1/5872)
472
وَ قَالَ ع : اَلدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا وَ لَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا قال أبو العلاء المعري مع ما كان يرمى به في هذا المعنى ما يطابق إرادة أمير المؤمنين ع بلفظه هذا
خلق الناس للبقاء فضلت
أمة يحسبونهم للنفاد
إنما ينقلون من دار أعمال
إلى دار شقوة أو رشاد
[ 182 ](1/5873)
473
وَ قَالَ ع : إِنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُونَ فِيهِ وَ لَوْ قَدِ اِخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَوْ كَادَتْهُمُ اَلضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ قال الرضي رحمه الله تعالى وهذا من أفصح الكلام وأغربه والمرود هاهنا مفعل من الإرواد وهو الإمهال والإنظار فكأنه ع شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها هذا إخبار عن غيب صريح لأن بني أمية لم يزل ملكهم منتظما لما لم يكن بينهم اختلاف وإنما كانت حروبهم مع غيرهم كحرب معاوية في صفين وحرب يزيد أهل المدينة وابن الزبير بمكة وحرب مروان الضحاك وحرب عبد الملك ابن الأشعث وابن الزبير وحرب يزيد ابنه بني المهلب وحرب هشام زيد بن علي فلما ولي الوليد بن يزيد وخرج عليه ابن عمه يزيد بن الوليد وقتله اختلف بنو أمية فيما بينهما وجاء الوعد وصدق من وعد به فإنه منذ قتل الوليد دعت دعاة بني العباس بخراسان وأقبل
[ 183 ]
مروان بن محمد من الجزيرة يطلب الخلافة فخلع إبراهيم بن الوليد وقتل قوما من بني أمية واضطرب أمر الملك وانتشر وأقبلت الدولة الهاشمية ونمت وزال ملك بني أمية وكان زوال ملكهم على يد أبي مسلم وكان في بدايته أضعف خلق الله وأعظمهم فقرا ومسكنة وفي ذلك تصديق قوله ع ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم
[ 184 ](1/5874)
474
وَ قَالَ ع فِي مَدْحِ اَلْأَنْصَارِ هُمْ وَ اَللَّهِ رَبَّوُا اَلْإِسْلاَمَ كَمَا يُرَبَّى اَلْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِم بِأَيْدِيهِمُ اَلسِّبَاطِ وَ أَلْسِنَتِهِمُ اَلسِّلاَطِ الفلو المهر ويروى بأيديهم البساط أي الباسطة والأولى جمع سبط يعني السماح وقد يقال للحاذق بالطعن إنه لسبط اليدين يريد الثقافة وألسنتهم السلاط يعني الفصيحة . وقد تقدم القول في مدح الأنصار ولو لم يكن إلا
قول رسول الله ص فيهم إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع ولو لم يكن إلا ما قاله لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له لأغزونك في كذا وكذا من الخيل يتوعده
فقال ع يكفي الله ذلك وأبناء قيلة لكان فخرا لهم وهذا عظيم جدا وفوق العظيم ولا ريب أنهم الذين أيد الله بهم الدين وأظهر بهم الإسلام بعد خفائه ولولاهم لعجز المهاجرون عن حرب قريش والعرب وعن حماية رسول الله ص ولو لا مدينتهم لم يكن للإسلام ظهر يلجئون عليه ويكفيهم فخرا يوم حمراء الأسد
[ 185 ]
يوم خرج بهم رسول الله ص إلى قريش بعد انكسار أصحابه وقتل من قتل منهم وخرجوا نحو القوم والجراح فيهم فاشية ودماؤهم تسيل وإنهم مع ذلك كالأسد الغراث تتواثب على فرائسها وكم لهم من يوم أغر محجل وقالت الأنصار لو لا علي بن أبي طالب ع في المهاجرين لأبينا لأنفسنا أن يذكر المهاجرون معنا أو أن يقرنوا بنا ولكن رب واحد كألف بل كألوف . وقد تقدم ذكر الشعر المنسوب إلى الوزير المغربي وما طعن به القادر بالله الخليفة العباسي في دينه بطريقه وكان الوزير المغربي يتبرأ منه ويجحده وقيل إنه وجدت مسودة بخطه فرفعت إلى القادر بالله . ومما وجد بخطه أيضا وكان شديد العصبية للأنصار ولقحطان قاطبة على عدنان وكان ينتمي إلى الأزد أزد شنوءة قوله
إن الذي أرسى دعائم أحمد
و علا بدعوته على كيوان
أبناء قيلة وارثو شرف العلا
و عراعر الأقيال من قحطان
بسيوفهم يوم الوغى وأكفهم(1/5875)
ضربت مصاعب ملكه بجران
لو لا مصارعهم وصدق قراعهم
خرت عروش الدين للأذقان
فليشكرن محمد أسياف من
لولاه كان كخالد بن سنان
و هذا إفراط قبيح ولفظ شنيع والواجب أن يصان قدر النبوة عنه وخصوصا البيت الأخير فإنه قد أساء فيه الأدب وقال ما لا يجوز قوله وخالد بن سنان كان من بني عبس بن بغيض من قيس عيلان ادعى النبوة وقيل إنه كانت تظهر عليه آيات ومعجزات ثم مات وانقرض دينه ودثرت دعوته ولم يبق إلا اسمه وليس يعرفه كل الناس بل البعض منهم
[ 186 ](1/5876)
475
وَ قَالَ ع : اَلْعَيْنُ وِكَاءُ اَلسَّتَهِ اَلسَّهِ قال الرضي رحمه الله تعالى وهذه من الاستعارات العجيبة كأنه شبه السته بالوعاء والعين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي ص وقد رواه قوم لأمير المؤمنين ع وذكر ذلك المبرد في الكتاب المقتضب في باب اللفظ المعروف قال الرضي وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية المعروف أن هذا من كلام رسول الله ص ذكره المحدثون في كتبهم وأصحاب غريب الحديث في تصانيفهم وأهل الأدب في تفسير هذه اللفظة في مجموعاتهم اللغوية ولعل المبرد اشتبه عليه فنسبه إلى أمير المؤمنين ع والرواية بلفظ التثنية
العينان وكاء السته والسته الاست .
[ 187 ]
و قد جاء في تمام الخبر
في بعض الروايات فإذا نامت العينان استطلق الوكاء والوكاء رباط القربة فجعل العينين وكاء والمراد اليقظة للسته كالوكاء للقربة ومنه
الحديث في اللقطة احفظ عفاصها ووكاءها وعرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها والعفاص السداد والوكاء السداد وهذه من الكنايات اللطيفة(1/5877)
فصل في ألفاظ الكنايات وذكر الشواهد عليها
و قد كنا قدمنا قطعة صالحة من الكنايات المستحسنة ووعدنا أن نعاود ذكر طرف منها وهذا الموضع موضعه فمن الكناية عن الحدث الخارج وهو الذي كنى عنه أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص الكناية التي ذكرها يحيى بن زياد في شعره قيل إن يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وحمادا الراوية جلسوا على شرب لهم ومعهم رجل منهم فانحل وكاؤه فاستحيا وخرج ولم يعد إليهم فكتب إليه يحيى بن زياد
أ من قلوص غدت لم يؤذها أحد
إلا تذكرها بالرمل أوطانا
خان العقال لها فانبت إذ نفرت
و إنما الذنب فيها للذي خانا
منحتنا منك هجرانا ومقلية
و لم تزرنا كما قد كنت تغشانا
خفض عليك فما في الناس ذو إبل
إلا وأينقه يشردن أحيانا
و ليس هذا الكتاب أهلا أن يضمن حكاية سخيفة أو نادرة خليعة فنذكر فيه ما جاء في هذا المعنى وإنما جرأنا على ذكر هذه الحكاية خاصة كناية أمير المؤمنين ع أو رسول الله ص عنها ولكنا نذكر كنايات كثيرة في غير هذا المعنى مستحسنة ينتفع القارئ بالوقوف عليها .
[ 188 ]
يقال فلان من قوم موسى إذا كان ملولا إشارة إلى قوله تعالى وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ . قال الشاعر
فيا من ليس يكفيه صديق
و لا ألفا صديق كل عام
أظنك من بقايا قوم موسى
فهم لا يصبرون على طعام
و قال العباس بن الأحنف
كتبت تلوم وتستريث زيارتي
و تقول لست لنا كعهد العاهد
فأجبتها ودموع عيني سجم
تجري على الخدين غير جوامد
يا فوز لم أهجركم لملالة
عرضت ولا لمقال واش حاسد
لكنني جربتكم فوجدتكم
لا تصبرون على طعام واحد
و يقولون للجارية الحسناء قد أبقت من رضوان قال الشاعر
جست العود بالبنان الحسان
و تثنت كأنها غصن بان
فسجدنا لها جميعا وقلنا
إذ شجتنا بالحسن والإحسان
حاش لله أن تكوني من الإنس
و لكن أبقت من رضوان(1/5878)
و يقولون للمكشوف الأمر الواضح الحال ابن جلا وهو كناية عن الصبح ومنه ما تمثل به الحجاج
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
و منه قول القلاخ بن حزن
[ 189 ]
أنا القلاخ بن القلاخ ابن جلا . ومنه قولهم فلان قائد الجمل لأنه لا يخفى لعظم الجمل وكبر جثته وفي المثل ما استتر من قاد جملا وقالوا كفى برغائها نداء ومثل هذا قولهم ما يوم حليمة بسر يقال ذلك في الأمر المشهور الذي لا يستر ويوم حليمة يوم التقى المنذر الأكبر والحارث الغساني الأكبر وهو أشهر أيام العرب يقال إنه ارتفع من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهارا وحليمة اسم امرأة أضيف اليوم إليها لأنها أخرجت إلى المعركة مراكن الطيب فكانت تطيب بها الداخلين إلى القتال فقاتلوا حتى تفانوا . ويقولون في الكناية عن الشيخ الضعيف قائد الحمار وإشارة إلى ما أنشده الأصمعي
آتي الندي فلا يقرب مجلسي
و أقود للشرف الرفيع حماري
أي أقوده من الكبر إلى موضع مرتفع لأركبه لضعفي ومثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن لأنه إذا قام عجن في الأرض بكفيه قال الشاعر
فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا
و شر خصال المرء كنت وعاجن
قالوا الكنتي الذي يقول كنت أفعل كذا وكنت أركب الخيل يتذكر ما مضى من زمانه ولا يكون ذلك إلا عند الهرم أو الفقر والعجز . ومثله قولهم للشيخ راكع قال لبيد
أخبر أخبار القرون التي مضت
أدب كأني كلما قمت راكع
و الركوع هو التطأطؤ والانحناء بعد الاعتدال والاستواء ويقال للإنسان إذا انتقل من الثروة إلى الفقر قد ركع قال
لا تهين الفقير علك أن تركع
يوما والدهر قد رفعه
[ 190 ]
و في هذا المعنى قال الشاعر
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه
يوما فتدركه الحوادث قد نما
يجزيك أو يثني عليك وإن من
يثني عليك بما فعلت فقد جزى
و مثله أيضا
و أكرم كريما إن أتاك لحاجة
لعاقبة إن العضاه تروح(1/5879)
تروح الشجر إذا انفطر بالنبت يقول إن كان فقيرا فقد يستغنى كما إن الشجر الذي لا ورق عليه سيكتسى ورقا ويقال ركع الرجل أي سقط . وقال الشاعر
خرق إذا ركع المطي من الوجى
لم يطو دون رفيقه ذا المرود
حتى يئوب به قليلا فضله
حمد الرفيق نداك أو لم يحمد
و كما يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه كذلك يقولون يحجل في قيده لتقارب خطوه قال أبو الطمحان القيني
حنتني حانيات الدهر حتى
كأني خاتل أدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني
و لست مقيدا أني بقيد
و نحو هذا قولهم للكبير بدت له الأرنب وذلك أن من يختل الأرنب ليصيدها يتمايل في مشيته وأنشد ابن الأعرابي في النوادر
و طالت بي الأيام حتى كأنني
من الكبر العالي بدت لي أرنب
و نحوه يقولون للكبير قيد بفلان البعير أي لا قوة ليده على أن يصرف البعير تحته على حسب إرادته فيقوده قائد يحمله حيث يريد .
[ 191 ]
و من أمثالهم لقد كنت وما يقاد بي البعير يضرب لمن كان ذا قوة وعزم ثم عجز وفتر . ومن الكنايا عن شيب العنفقة قولهم قد عض على صوفه . ويكنون عن المرأة التي كبر سنها فيقولون امرأة قد جمعت الثياب أي تلبس القناع والخمار والإزار وليست كالفتاة التي تلبس ثوبا واحدا . ويقولون لمن يخضب يسود وجه النذير وقالوا في قوله تعالى وَ جاءَكُمُ اَلنَّذِيرُ إنه الشيب وقال الشاعر
و قائلة لي اخضب فالغواني
تطير من ملاحظة القتير
فقلت لها المشيب نذير موتي
و لست مسودا وجه النذير
و زاحم شاب شيخا في طريق فقال الشاب كم ثمن القوس يعيره بانحناء الظهر فقال الشيخ يا ابن أخي إن طال بك عمر فسوف تشتريها بلا ثمن . وأنشد لابن خلف
تعيرني وخط المشيب بعارضي
و لو لا الحجول البلق لم تعرف الدهم
حنى الشيب ظهري فاستمرت مريرتي
و لو لا انحناء القوس لم ينفذ السهم
و يقولون لمن رشا القاضي أو غيره صب في قنديله زيتا وأنشد
و عند قضاتنا خبث ومكر
و زرع حين تسقيه يسنبل
إذا ما صب في القنديل زيت(1/5880)
تحولت القضية للمقندل
و كان أبو صالح كاتب الرشيد ينسب إلى أخذ الرشا وكان كاتب أم جعفر .
[ 192 ]
و هو سعدان بن يحيى كذلك فقال لها الرشيد يوما أ ما سمعت ما قيل في كاتبك قالت ما هو فأنشدها
صب في قنديل سعدان
مع التسليم زيتا
و قناديل بنيه
قبل أن تخفى الكميتا
قالت فما قيل في كاتبك أشنع وأنشدته
قنديل سعدان علا ضوءه
فرخ لقنديل أبي صالح
تراه في مجلسه أحوصا
من لمحه للدرهم اللائح
و يقولون لمن طلق ثلاثا قد نحرها بمثلثه . ويقولون أيضا أعطاها نصف السنة . ويقولون لمن يفخر بآبائه هو عظامي ولمن يفخر بنفسه هو عصامي إشارة إلى قول النابغة في عصام بن سهل حاجب النعمان
نفس عصام سودت عصاما
و علمته الكر والإقداما
و جعلته ملكا هماما
و أشار بالعظامي إلى فخره بالأموات من آبائه ورهطه وقال الشاعر
إذا ما الحي عاش بعظم ميت
فذاك العظم حي وهو ميت
و نحو هذا أن عبد الله بن زياد بن ظبيان التميمي دخل على أبيه وهو يجود بنفسه فقال أ لا أوصي بك الأمير فقال إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت ويقال إن عطاء بن أبي سفيان قال ليزيد بن معاوية أغنني عن غيرك قال
[ 193 ]
حسبك ما أغناك به معاوية قال فهو إذن الحي وأنت الميت ومثل قولهم عظامي قولهم خارجي أي يفخر بغير أولية كانت له قال كثير لعبد العزيز
أبا مروان لست بخارجي
و ليس قديم مجدك بانتحال
و يكنون عن العزيز وعن الذليل أيضا فيقولون بيضة البلد فمن يقولها للمدح يذهب إلى أن البيضة هي الحوزة والحمى يقولون فلان يحمي بيضته أي يحمي حوزته وجماعته ومن يقولها للذم يعني أن الواحدة من بيض النعام إذا فسدت تركها أبواها في البلد وذهبا عنها قال الشاعر في المدح
لكن قائله من لا كفاء له
من كان يدعى أبوه بيضة البلد
و قال الآخر في الذم
تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا
و ابنا نزار فأنتم بيضة البلد
و يقولون للشي ء الذي يكون في الدهر مرة واحدة هو بيضة الديك قال بشار(1/5881)
يا أطيب الناس ريقا غير مختبر
إلا شهادة أطراف المساويك
قد زرتنا زورة في الدهر واحدة
ثني ولا تجعليها بيضة الديك
و يكنون عن الثقيل بالقذى في الشراب قال الأخطل يذكر الخمر والاجتماع عليها
و ليس قذاها بالذي قد يضيرها
و لا بذباب نزعه أيسر الأمر
و لكن قذاها كل جلف مكلف
أتتنا به الأيام من حيث لا ندري
[ 194 ]
فذاك القذى وابن القذى وأخو القذى
فإن له من زائر آخر الدهر
و يكنون أيضا عنه بقدح اللبلاب قال الشاعر
يا ثقيلا زاد في الثقل
على كل ثقيل
أنت عندي قدح اللبلاب
في كف العليل
و يكنون عنه أيضا بالقدح الأول لأن القدح الأول من الخمر تكرهه الطبيعة وما بعده فدونه لاعتياده قال الشاعر
و أثقل من حضين باديا
و أبغض من قدح أول
و يكنون عنه بالكانون قال الحطيئة يهجو أمه
تنحي فاقعدي عني بعيدا
أراح الله منك العالمينا
أ غربالا إذا استودعت سرا
و كانونا على المتحدثينا
قالوا وأصله من كننت أي سترت فكأنه إذا دخل على قوم وهم في حديث ستروه عنه وقيل بل المراد شدة برده . ويكنون عن الثقيل أيضا برحى البزر قال الشاعر
و أثقل من رحى بزر علينا
كأنك من بقايا قوم عاد
و يقولون لمن يحمدون جواره جاره جار أبي دواد وهو كعب بن مامة الإيادي كان إذا جاوره رجل فمات وداه وإن هلك عليه شاة أو بعير أخلف عليه فجاوره أبو دواد الإيادي فأحسن إليه فضرب به المثل . ومثله قولهم هو جليس قعقاع بن شور وكان قد قدم إلى معاوية فدخل عليه والمجلس غاص بأهله ليس فيه مقعد فقام له رجل من القوم وأجلسه مكانه فلم
[ 195 ]
يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم معاوية ومعاوية يخاطبه حتى أمر له بمائة ألف درهم فأحضرت إليه فجعلت إلى جانبه فلما قام قال للرجل القائم له من مكانه ضمها إليك فهي لك بقيامك لنا عن مجلسك فقيل فيه
و كنت جليس قعقاع بن شور
و لا يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن إن نطقوا بخير
و عند الشر مطراق عبوس
أخذ قوله ولا يشقى بقعقاع جليس من(1/5882)
قول النبي ص هم القوم لا يشقى بهم جليسهم . ويكنون عن السمين من الرجال بقولهم هو جار الأمير وضيف الأمير وأصله أن الغضبان بن القبعثرى كان محبوسا في سجن الحجاج فدعا به يوما فكلمه فقال له في جملة خطابه إنك لسمين يا غضبان فقال القيد والرتعة والخفض والدعة ومن يكن ضيف الأمير يسمن . ويكني الفلاسفة عن السمين بأنه يعرض سور حبسه وذلك أن أفلاطون رأى رجلا سمينا فقال يا هذا ما أكثر عنايتك بتعريض سور حبسك . ونظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة فقال أرى عليك قطيفة محكمة قال نعم ذاك عنوان نعمة الله عندي . ويقولون للكذاب هو قموص الحنجرة وأيضا هو زلوق الكبد وأيضا لا يوثق بسيل بلقعه وأيضا أسير الهند لأنه يدعي أنه ابن الملك وإن كان من أولاد السفلة . ويكنى عنه أيضا بالشيخ الغريب لأنه يحب أن يتزوج في الغربة فيدعي أنه ابن خمسين سنة وهو ابن خمس وسبعين .
[ 196 ]
و يقولون هو فاختة البلد من قول الشاعر
أكذب من فاختة
تصيح فوق الكرب
و الطلع لم يبد لها
هذا أوان الرطب
و قال آخر في المعنى
حديث أبي حازم كله
كقول الفواخت جاء الرطب
و هن وإن كن يشبهنه
فلسن يدانينه في الكذب
و يكنون عن النمام بالزجاج لأنه يشف على ما تحته قال الشاعر
أنم بما استودعته من زجاجة
يرى الشي ء فيها ظاهرا وهو باطن
و يكنون عنه بالنسيم من قول الآخر
و إنك كلما استودعت سرا
أنم من النسيم على الرياض
و يقولون إنه لصبح وإنه لطيب كله في النمام ويقولون ما زال يفتل له في الذروة والغارب حتى أسمحت قرونته وهي النفس والذروة أعلى السنام والغارب مقدمه . ويقولون في الكناية عن الجاهل ما يدري أي طرفيه أطول قالوا ذكره ولسانه وقالوا هل نسب أبيه أفضل أم نسب أمه . ومثله لا يعرف قطانه من لطانه أي لا يعرف جبهته مما بين وركيه . وقالوا الحدة كنية الجهل والاقتصاد كنية البخل والاستقصاء كنية الظلم .
[ 197 ](1/5883)
و قالوا للجائع عضه الصفر وعضه شجاع البطن . وقال الهذلي
أرد شجاع البطن قد تعلمينه
و أوثر غرثى من عيالك بالطعم
مخافة أن أحيا برغم وذلة
و للموت خير من حياة على رغم
و يقولون زوده زاد الضب أي لم يزوده شيئا لأن الضب لا يشرب الماء وإنما يتغذى بالريح والنسيم ويأكل القليل من عشب الأرض . وقال ابن المعتز
يقول أكلنا لحم جدي وبطة
و عشر دجاجات شواء بألبان
و قد كذب الملعون ما كان زاده
سوى زاد ضب يبلع الريح عطشان
و قال أبو الطيب
لقد لعب البين المشت بها وبي
و زودني في السير ما زود الضبا
و يقولون للمختلفين من الناس هم كنعم الصدقة وهم كبعر الكبش قال عمرو بن لجأ
و شعر كبعر الكبش ألف بينه
لسان دعي في القريض دخيل
و ذلك لأن بعر الكبش يقع متفرقا . وقال بعض الشعراء لشاعر آخر أنا أشعر منك لأني أقول البيت وأخاه وتقول البيت وابن عمه فأما قول جرير في ذي الرمة إن شعره
بعر ظباء ونقط عروس
فقد فسره الأصمعي فقال يريد أن شعره حلو أول ما تسمعه فإذا كرر إنشاده ضعف لأن أبعار الظباء أول ما تشم توجد لها رائحة ما أكلت من الجثجاث والشيح
[ 198 ]
و القيصوم فإذا أدمت شمها عدمت تلك الرائحة ونقط العروس إذا غسلتها ذهبت . ويقولون أيضا للمختلفين أخياف والخيف سواد إحدى العينين وزرق الأخرى ويقولون فيهم أيضا أولاد علات كالإخوة لأمهات شتى والعلة الضرة . ويقولون فيهم خبز كتاب لأنه يكون مختلفا قال شاعر يهجو الحجاج بن يوسف
أ ينسى كليب زمان الهزال
و تعليمه سورة الكوثر
رغيف له فلكة ما ترى
و آخر كالقمر الأزهر
و مثله
أ ما رأيت بني سلم وجوههم
كأنها خبز كتاب وبقال
و يقال للمتساوين في الرداءة كأسنان الحمار قال الشاعر
سواء كأسنان الحمار فلا ترى
لذي شيبة منهم على ناشئ فضلا
و قال آخر
شبابهم وشيبهم سواء
فهم في اللؤم أسنان الحمار
و أنشد المبرد في الكامل لأعرابي يصف قوما من طيئ بالتساوي في الرداءة(1/5884)
و لما أن رأيت بني جوين
جلوسا ليس بينهم جليس
يئست من الذي أقبلت أبغي
لديهم إنني رجل يئوس
إذا ما قلت أيهم لأي
تشابهت المناكب والرءوس
قال فقوله ليس بينهم جليس هجاء قبيح يقول لا ينتجع الناس معروفهم
[ 199 ]
فليس بينهم غيرهم ويقولون في المتساويين في الرداءة أيضا هما كحماري العبادي قيل له أي حماريك شر قال هذا ثم هذا ويقال في التساوي في الشر والخير هم كأسنان المشط ويقال وقعا كركبتي البعير وكرجلي النعامة . وقال ابن الأعرابي كل طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الأخرى إلا النعام فإنه متى كسرت إحدى رجليه جثم فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه
و إني وإياه كرجلي نعامة
على ما بنا من ذي غنى وفقير
و قال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وقد تنافرا إليه أنتما كركبتي البعير فلم ينفر واحدا منهما فقالا فأينا اليمنى فقال كل منكما يمنى . وسأل الحجاج رجلا عن أولاد المهلب أيهم أفضل فقال هم كالحلقة الواحدة . وسئل ابن دريد عن المبرد وثعلب فأثنى عليهما فقيل فابن قتيبة قال ربوة بين جبلين أي خمل ذكره بنباهتهما . ويكنى عن الموت بالقطع عند المنجمين وعن السعاية بالنصيحة عند العمال وعن الجماع بالوطء عند الفقهاء وعن السكر بطيب النفس عند الندماء وعن السؤال بالزوار عند الأجواد وعن الصدقة بما أفاء الله عند الصوفية . ويقال للمتكلف بمصالح الناس إنه وصي آدم على ولده وقد قال شاعر في هذا الباب
فكأن آدم عند قرب وفاته
أوصاك وهو يجود بالحوباء
ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم
و كفيت آدم عيلة الأبناء
و يقولون فلان خليفة الخضر إذا كان كثير السفر قال أبو تمام
[ 200 ]
خليفة الخضر من يربع على وطن
أو بلدة فظهور العيس أوطاني
بغداد أهلي وبالشام الهوى وأنا
بالرقتين وبالفسطاط إخواني
و ما أظن النوى ترضى بما صنعت
حتى تبلغ بي أقصى خراسان(1/5885)
و يقولون للشي ء المختار المنتخب هو ثمرة الغراب لأنه ينتفي خير الثمر . ويقولون سمن فلان في أديمه كناية عمن لا ينتفع به أي ما خرج منه يرجع إليه وأصله أن نحيا من السمن انشق في ظرف من الدقيق فقيل ذلك قال الشاعر
ترحل فما بغداد دار إقامة
و لا عند من أضحى ببغداد طائل
محل ملوك سمنهم في أديمهم
و كلهم من حلية المجد عاطل
فلا غرو أن شلت يد المجد والعلى
و قل سماح من رجال ونائل
إذا غضغض البحر الغطامط ماءه
فليس عجيبا أن تغيض الجداول
و يقولون لمن لا يفي بالعهد فلان لا يحفظ أول المائدة لأن أولها يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . ويقولون لمن كان حسن اللباس ولا طائل عنده هو مشجب والمشجب خشبة القصار التي يطرح الثياب عليها قال ابن الحجاج
لي سادة طائر السرور بهم
يطرده اليأس بالمقاليع
مشاجب للثياب كلهم
و هذه عادة المشاقيع
جائزتي عندهم إذا سمعوا
شعري هذا كلام مطبوع
[ 201 ]
و إنهم يضحكون إن ضحكوا
مني وأبكي أنا من الجوع
و قال آخر
إذا لبسوا دكن الخزوز وخضرها
و راحوا فقد راحت عليك المشاجب
و روي أن كيسان غلام أبي عبيدة وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئا فلما وافى البصرة قيل له كيف وجدته قال وجدته مشجبا من حيث ما أتيته وجدته . ويكنون عن الطفيلي فيقولون هو ذباب لأنه يقع في القدور قال الشاعر
أتيتك زائرا لقضاء حق
فحال الستر دونك والحجاب
و لست بواقع في قدر قوم
و إن كرهوا كما يقع الذباب
و قال آخر
و أنت أخو السلام وكيف أنتم
و لست أخا الملمات الشداد
و أطفل حين يجفى من ذباب
و ألزم حين يدعى من قراد
و يكنون عن الجرب بحب الشباب قال الوزير المهلبي
يا صروف الدهر حسبي
أي ذنب كان ذنبي
علة خصت وعمت
في حبيب ومحب
دب في كفيه يا من
حبه دب بقلبي
فهو يشكو حر حب
و شكاتي حر حب(1/5886)
و يكنون عن القصير القامة بأبي زبيبة وعن الطويل بخيط باطل وكانت كنية مروان بن الحكم لأنه كان طويلا مضطربا قال فيه الشاعر
لحا الله قوما أمروا خيط باطل
على الناس يعطي من يشاء ويمنع
و في خيط باطل قولان أحدهما أنه الهباء الذي يدخل من ضوء الشمس في الكوة
[ 202 ]
من البيت وتسميه العامة غزل الشمس والثاني أنه الخيط الذي يخرج من في العنكبوت وتسميه العامة مخاط الشيطان . وتقول العرب للملقو لطيم الشيطان . وكان لقب عمرو بن سعيد الأشدق لأنه كان ملقوا . وقال بعضهم لآخر ما حدث قال قتل عبد الملك عمرا فقال قتل أبو الذبان لطيم الشيطان وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ اَلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ . ويقولون للحزين المهموم يعد الحصى ويخط في الأرض ويفت اليرمع قال المجنون
عشية ما لي حيلة غير أنني
بلقط الحصى والخط في الدار مولع
أخط وأمحو كل ما قد خططته
بدمعي والغربان حولي وقع
و هذا كالنادم يقرع السن والبخيل ينكت الأرض ببنانه أو بعود عند الرد قال الشاعر
عبيد إخوانهم حتى إذا ركبوا
يوم الكريهة فالآساد في الأجم
يرضون في العسر والإيسار سائلهم
لا يقرعون على الأسنان من ندم
و قال آخر في نكت الأرض بالعيدان
قوم إذا نزل الغريب بدارهم
تركوه رب صواهل وقيان
لا ينكتون الأرض عند سؤالهم
لتطلب العلات بالعيدان
و يقولون للفارغ فؤاد أم موسى .
[ 203 ]
و يقولون للمثري من المال منقرس وذلك أن علة النقرس أكثر ما تعتري أهل الثروة والتنعم . حكى المبرد قال كان الحرمازي في ناحية عمرو بن مسعدة وكان يجري عليه فخرج عمرو بن مسعدة إلى الشام وتخلف الحرمازي ببغداد فأصابه النقرس فقال
أقام بأرض الشام فاختل جانبي
و مطلبه بالشام غير قريب
و لا سيما من مفلس حلف نقرس
أ ما نقرس في مفلس بعجيب
و قال بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب
تواضع النقرس حتى لقد
صار إلى رجل ابن زيدان
علة إنسان ولكنها
قد وجدت في غير إنسان(1/5887)
و يقولون للمترف رقيق النعل وأصله قول النابغة
رقاق النعال طيب حجزاتهم
يحيون بالريحان يوم السباسب
يعني أنهم ملوك والملك لا يخصف نعله وإنما يخصف نعله من يمشي وقوله طيب حجزاتهم أي هم أعفاء الفروج أي يشدون حجزاتهم على عفة وكذلك قولهم فلان مسمط النعال أي نعله طبقة واحدة غير مخصوف قال المرار بن سعيد الفقعسي
وجدت بني خفاجة في عقيل
كرام الناس مسمطة النعال
و قريب من هذا قول النجاشي
و لا يأكل الكلب السروق نعالنا
و لا ينتقي المخ الذي في الجماجم
[ 204 ]
يريد أن نعالهم سبت والسبت جلود البقر المدبوغة بالقرظ ولا تقربها الكلاب وإنما تأكل الكلاب غير المدبوغ لأنه إذا أصابه المطر دسمه فصار زهما . ويقولون للسيد لا يطأ على قدم أي هو يتقدم الناس ولا يتبع أحدا فيطأ على قدمه . ويقولون قد اخضرت نعالهم أي صاروا في خصب وسعة قال الشاعر
يتايهون إذا اخضرت نعالهم
و في الحفيظة أبرام مضاجير
و إذا دعوا على إنسان بالزمانة قالوا خلع الله نعليه لأن المقعد لا يحتاج إلى نعل . ويقولون أطفأ الله نوره كناية عن العمى وعن الموت أيضا لأن من يموت فقد طفئت ناره . ويقولون سقاه الله دم جوفه دعاء عليه بأن يقتل ولده ويضطر إلى أخذ ديته إبلا فيشرب ألبانها . ويقولون رماه الله بليلة لا أخت لها أي ليلة موته لأن ليلة الموت لا أخت لها . ويقولون وقعوا في سلا جمل أي في داهية لا يرى مثلها لأن الجمل لا سلا له وإنما السلا للناقة وهي الجليدة التي تكون ملفوفة على ولدها . ويقولون صاروا في حولاء ناقة إذ صاروا في خصب . وكانوا إذا وصفوا الأرض بالخصب قالوا كأنها حولاء ناقة .
[ 205 ]
و يقولون لأبناء الملوك والرؤساء ومن يجري مجراهم جفاة المحز قال الشاعر
جفاة المحز لا يصيبون مفصلا
و لا يأكلون اللحم إلا تخذما(1/5888)
يقول هم ملوك وأشباه الملوك لا حذق لهم بنحر الإبل والغنم ولا يعرفون التجليد والسلخ ولهم من يتولى ذلك عنهم وإذا لم يحضرهم من يجزر الجزور تكلفوا هم ذلك بأنفسهم فلم يحسنوا حز المفصل كما يفعله الجزار وقوله
و لا يأكلون اللحم إلا تخذما
أي ليس بهم شره فإذا أكلوا اللحم تخذموا قليلا قليلا والخذم القطع وأنشد الجاحظ في مثله
و صلع الرءوس عظام البطون
جفاة المحز غلاظ القصر
لأن ذلك كله أمارات الملوك وقريب من ذلك قوله
ليس براعي إبل ولا غنم
و لا بجزار على ظهر وضم
و يقولون فلان أملس يكنون عمن لا خير فيه ولا شر أي لا يثبت فيه حمد ولا ذم . ويقولون ملحه على ركبته أي هو سيئ الخلق يغضبه أدنى شي ء قال
لا تلمها إنها من عصبة
ملحها موضوعة فوق الركب
و يقولون كناية عن مجوسي هو ممن يخط على النمل والنمل جمع نملة وهي قرحة بالإنسان كانت العرب تزعم أن المجوسي إذا كان من أخته وخط عليها برأت قال الشاعر
و لا عيب فينا غير عرق لمعشر
كرام وأنا لا نخط على النمل
[ 206 ]
و يقولون للصبي قد قطفت ثمرته أي ختن وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير
ما زال عصياننا لله يرذلنا
حتى دفعنا إلى يحيى ودينار
إلا عليجين لم تقطف ثمارها
قد طالما سجدا للشمس والنار(1/5889)
و يقولون قدر حليمة أي لا غليان فيها . ويقولون لمن يصلي صلاة مختصرة هو راجز الصلاة . وقال أعرابي لرجل رآه يصلي صلاة خفيفة صلاتك هذه رجز . ويقولون فلان عفيف الشفة أي قليل السؤال وفلان خفيف الشفة كثير السؤال . وتكني العرب عن المتيقظ بالقطامي وهو الصقر . ويكنون عن الشدة والمشقة بعرق القربة يقولون لقيت من فلان عرق القربة أي العرق الذي يحدث بك من حملها وثقلها وذلك لأن أشد العمل كان عندهم السقي وما ناسبه من معالجة الإبل . وتكني العرب عن الحشرات وهوام الأرض بجنود سعد يعنون سعد الأخبية وذلك لأنه إذا طلع انتشرت في ظاهر الأرض وخرج منها ما كان مستترا في باطنها قال الشاعر
قد جاء سعد منذرا بحره
موعدة جنوده بشره
و يكني قوم عن السائلين على الأبواب بحفاظ سورة يوسف ع لأنهم يعتنون بحفظها دون غيرها وقال عمارة يهجو محمد بن وهيب
تشبهت بالأعراب أهل التعجرف
فدل على ما قلت قبح التكلف
[ 207 ]
لسان عراقي إذا ما صرفته
إلى لغة الأعراب لم يتصرف
و لم تنس ما قد كان بالأمس حاكه
أبوك وعود الجف لم يتقصف
لئن كنت للأشعار والنحو حافظا
لقد كان من حفاظ سورة يوسف
و يكنون عن اللقيط بتربية القاضي وعن الرقيب بثاني الحبيب لأنه يرى معه أبدا قال ابن الرومي
موقف للرقيب لا أنساه
لست أختاره ولا آباه
مرحبا بالرقيب من غير وعد
جاء يجلو علي من أهواه
لا أحب الرقيب إلا لأني
لا أرى من أحب حتى أراه
و يكنون عن الوجه المليح بحجة المذنب إشارة إلى قول الشاعر
قد وجدنا غفلة من رقيب
فسرقنا نظرة من حبيب
و رأينا ثم وجها مليحا
فوجدنا حجة للذنوب
و يكنون عن الجاهل ذي النعمة بحجة الزنادقة قال ابن الرومي
مهلا أبا الصقر فكم طائر
خر صريعا بعد تحليق
لا قدست نعمى تسربلتها
كم حجة فيها لزنديق
و قال ابن بسام في أبي الصقر أيضا
يا حجة الله في الأرزاق والقسم
و عبرة لأولى الألباب والفهم
تراك أصبحت في نعماء سابغة(1/5890)
إلا وربك غضبان على النعم
فهذا ضد ذلك المقصد لأن ذاك جعله حجة على الزندقة وهذا جعله حجة على قدرة البارئ سبحانه على عجائب الأمور وغرائبها وأن النعم لا قدر لها عنده سبحانه حيث جعلها عند أبي الصقر مع دناءة منزلته وقال ابن الرومي
[ 208 ]
و قينة أبرد من ثلجه
تبيت منها النفس في ضجه
كأنها من نتنها صخة
لكنها في اللون أترجه
تفاوتت خلقتها فاغتدت
لكل من عطل محتجه
و قد يشابه ذلك قول أبي علي البصير في ابن سعدان
يا ابن سعدان أجلح الرزق في أمرك
و استحسن القبيح بمره
نلت ما لم تكن تمنى إذا ما
أسرفت غاية الأماني عشره
ليس فيما أظن إلا لكيلا
ينكر المنكرون لله قدره
و للمفجع في قريب منه
إن كنت خنتكم المودة غادرا
أو حلت عن سنن المحب الوامق
فمسخت في قبح ابن طلحة إنه
ما دل قط على كمال الخالق
و يقولون عرض فلان على الحاجة عرضا سابريا أي خفيفا من غير استقصاء تشبيها له بالثوب السابري والدرع السابرية وهي الخفيفة . ويحكى أن مرتدا مر على قوم يأكلون وهو راكب حمارا فقالوا انزل إلينا فقال هذا عرض سابري فقالوا انزل يا ابن الفاعلة وهذا ظرف ولباقه . ويقولون في ذلك وعد سابري أي لا يقرن به وفاء وأصل السابري اللطيف الرقق . وقال المبرد سألت الجاحظ من أشعر المولدين فقال القائل
كأن ثيابه أطلعن
من أزراره قمرا
يزيدك وجهه حسنا
إذا ما زدته نظرا
بعين خالط التفتير
في أجفانها الحورا
[ 209 ]
و وجه سابري لو
تصوب ماؤه قطرا(1/5891)
يعني العباس بن الأحنف . وتقول العرب في معنى قول المحدثين عرض عليه كذا عرضا سابريا عرض عليه عرض عالة أي عرض الماء على النعم العالة التي قد شربت شربا بعد شرب وهو العلل لأنها تعرض على الماء عرضا خفيفا لا تبالغ فيه . ومن الكنايات الحسنة قول أعرابية قالت لقيس بن سعد بن عبادة أشكو إليك قلة الجرذان في بيتي فاستحسن منها ذلك وقال لأكثرنها املئوا لها بيتها خبزا وتمرا وسمنا وأقطا ودقيقا . وشبيه بذلك ما روي أن بعض الرؤساء سايره صاحب له على برذون مهزول فقال له ما أشد هزال دابتك فقال يدها مع أيدينا ففطن لذلك ووصله . وقريب منه ما حكي أن المنصور قال لإنسان ما مالك قال ما أصون به وجهي ولا أعود به على صديقي فقال لقد تلطفت في المسألة وأمر له بصلة . وجاء أعرابي إلى أبي العباس ثعلب وعنده أصحابه فقال له ما أراد القائل بقوله
الحمد لله الوهوب المنان
صار الثريد في رءوس القضبان
فأقبل ثعلب على أهل المجلس فقال أجيبوه فلم يكن عندهم جواب وقال له نفطويه الجواب منك يا سيدي أحسن فقال على أنكم لا تعلمونه قالوا لا نعلمه فقال الأعرابي قد سمعت ما قال القوم فقال ولا أنت أعزك الله تعلمه فقال ثعلب أراد أن السنبل قد أفرك قال صدقت فأين حق الفائدة فأشار إليهم ثعلب
[ 210 ]
فبروه فقام قائلا بوركت من ثعلب ما أعظم بركتك . ويكنون عن الشيب بغبار العسكر وبرغوة الشباب قال الشاعر
قالت أرى شيبا برأسك قلت لا
هذا غبار من غبار العسكر
و قالت آخر وسماه غبار وقائع الدهر
غضبت ظلوم وأزمعت هجري
وصبت ضمائرها إلى الغدر
قالت أرى شيبا فقلت لها
هذا غبار وقائع الدهر
و يقولون للسحاب فحل الأرض . وقالوا القلم أحد اللسانين ورداءة الخط أحد الزمانتين . قال وقال الجاحظ رأيت رجلا أعمى يقول في الشوارع وهو يسأل ارحموا ذا الزمانتين قلت وما هما قال أنا أعمى وصوتي قبيح وقد أشار شاعر إلى هذا فقال
اثنان إذا عدا
حقيق بهما الموت(1/5892)
فقير ما له زهد
و أعمى ما له صوت
و
قال رسول الله ص إياكم وخضراء الدمن فلما سئل عنها قال المرأة الحسناء في المنبت السوء و
قال ع في صلح قوم من العرب إن بيننا وبينهم عيبة مكفوفة أي لا نكشف ما بيننا وبينهم من ضغن وحقد ودم و
قال ع الأنصار كرشي وعيبتي أي موضع سري وكرشي جماعتي .
[ 211 ]
و يقال جاء فلان ربذ العنان أي منهزما . وجاء ينفض مذرويه أي يتوعد من غير حقيقة . وجاء ينظر عن شماله أي منهزما . وتقول فلان عندي بالشمال أي منزلته خسيسة وفلان عندي باليمين أي بالمنزلة العليا قال أبو نواس
أقول لناقتي إذ بلغتني
لقد أصبحت عندي باليمين
فلم أجعلك للغربان نهبا
و لم أقل اشرقي بدم الوتين
حرمت على الأزمة والولايا
و أعلاق الرحالة والوضين
و قال ابن ميادة
أبيني أ في يمنى يديك جعلتني
فأفرح أم صيرتني في شمالك
و تقول العرب التقى الثريان في الأمرين يأتلفان ويتفقان أو الرجلين قال أبو عبيدة والثرى التراب الندي في بطن الوادي فإذا جاء المطر وسح في بطن الوادي حتى يلتقي نداه والندى الذي في بطن الوادي يقال التقى الثريان . ويقولون هم في خير لا يطير غرابه يريدون أنهم في خير كثير وخصب عظيم فيقع الغراب فلا ينفر لكثرة الخصب . وكذلك أمر لا ينادى وليده أي أمر عظيم ينادى فيه الكبار دون الصغار . وقيل المراد أن المرأة تشتغل عن وليدها فلا تناديه لعظم الخطب ومن هذا قول الشاعر يصف حربا عظيمة
[ 212 ]
إذا خرس الفحل وسط الحجور
و صاح الكلاب وعق الولد
يريد أن الفحل إذا عاين الجيش والبارقة لم يلتفت لفت الحجور ولم يصهل وتنبح الكلاب أربابها لأنها لا تعرفهم للبسهم الحديد وتذهل المرأة عن ولدها رعبا فجعل ذلك عقوقا . ويقولون أصبح فلان على قرن أعفر وهو الظبي إذا أرادوا أصبح على خطر وذلك لأن قرن الظبي ليس يصلح مكانا فمن كان عليه فهو على خطر قال إمرؤ القيس
و لا مثل يوم بالعظالى قطعته(1/5893)
كأني وأصحابي على قرن أعفرا
و قال أبو العلاء المعري
كأنني فوق روق الظبي من حذر
و أنشد ابن دريد في هذا المعنى
و ما خير عيش لا يزال كأنه
محلة يعسوب برأس سنان
يعني من القلق وأنه غير مطمئن . ويقولون به داء الظبي أي لا داء به لأن الظبي صحيح لا يزال والمرض قل أن يعتريه ويقولون للمتلون المختلف الأحوال ظل الذئب لأنه لا يزل مرة هكذا ومرة هكذا ويقولون به داء الذئب أي الجوع .
[ 213 ]
و عهد فلان عهد الغراب يعنون أنه غادر قالوا لأن كل طائر يألف أنثاه إلا الغراب فإنه إذا باضت الأنثى تركها وصار إلى غيرها . ويقولون ذهب سمع الأرض وبصرها أي حيث لا يدرى أين هو . وتقولون ألقى عصاه إذا أقام واستقر قال الشاعر
فألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قر عينا بالإياب المسافر
و وقع القضيب من يد الحجاج وهو يخطب فتطير بذلك حتى بان في وجهه فقام إليه رجل فقال إنه ليس ما سبق وهم الأمير إليه ولكنه قول القائل وأنشده البيت فسري عنه . ويقال للمختلفين طارت عصاهم شققا . ويقال فلان منقطع القبال أي لا رأي له . وفلان عريض البطان أي كثير الثروة . وفلان رخي اللب أي في سعة . وفلان واقع الطائر أي ساكن . وفلان شديد الكاهل أي منيع الجانب . وفلان ينظر في أعقاب نجم مغرب أي هو نادم آيس قال الشاعر
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر
مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
و سقط في يده أي أيقن بالهلكة . وقد رددت يده إلى فيه أي منعته من الكلام . وبنو فلان يد على بني فلان أي مجتمعون .
[ 214 ]
و أعطاه كذا عن ظهر يد أي ابتداء لا عن مكافأة . ويقولون جاء فلان ناشرا أذنيه أي جاء طامعا . ويقال هذه فرس غير محلفة أي لا تحوج صاحبها إلى أن يحلف أنها كريمة قال
كميت غير محلفة ولكن
كلون الصرف عل به الأديم(1/5894)
و تقول حلب فلان الدهر أشطره أي مرت عليه صروبه خيره وشره . وقرع فلان لأمر ظنبوبه أي جد فيه واجتهد . وتقول أبدى الشر نواجذه أي ظهر . وقد كشفت الحرب عن ساقها وكشرت عن نابها . وتقول استنوق الجمل يقال ذلك للرجل يكون في حديث ينتقل إلى غيره يخلطه به . وتقول لمن يهون بعد عز استأتن العير . وتقول للضعيف يقوى استنسر البغاث . ويقولون شراب بأنقع أي معاود للأمور وقال الحجاج يا أهل العراق إنكم شرابون بأنقع أي معتادون الخير والشر والأنقع جمع نقع وهو ما استنقع من الغدران وأصله في الطائر الحذر يرد المناقع في الفلوات حيث لا يبلغه قانص ولا ينصب له شرك
[ 215 ](1/5895)
حديث عن إمرئ القيس
و نختم هذا الفصل في الكنايات بحكاية رواها أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني قال أبو الفرج أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني ابن عمي قال حدثنا أحمد بن عبد الله عن الهيثم بن عدي قال وحدثني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة أميرا على العراق فأرسل إلى عشرة من وجوه أهل الكوفة أنا أحدهم فسرنا عنده فقال ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمرو فقلت أصلح الله الأمير أ حديث حق أم حديث باطل قال بل حديث حق فقلت إن إمرأ القيس كان آلى ألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنتين فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة له كأنها البدر لتمه فأعجبته فقال لها يا جارية ما ثمانية وأربعة واثنتان فقالت أما ثمانية فأطباء الكلبة وأما أربعة فأخلاف الناقة وأما اثنتان فثديا المرأة فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها وشرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك وعلى أن يسوق إليها مائة من الإبل وعشرة أعبد وعشر وصائف وثلاثة أفراس ففعل ذلك ثم بعث عبدا إلى المرأة وأهدى إليها معه نحيا من سمن ونحيا من عسل وحلة من عصب فنزل العبد على بعض المياه ونشر الحلة فلبسها فتعلقت بسمرة فانشقت وفتح النحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا ثم قدم على المرأة وأهلها خلوف فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها
[ 216 ](1/5896)
هديتها فقالت أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين وأن أخي ذهب يراعي الشمس وأن سماءكم انشقت وأن وعاءيكم نضبا . فقدم الغلام على مولاه فأخبره فقال أما قولها أن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه وأما قولها إن أمي ذهبت تشق النفس نفسين فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء وأما قولها إن أخي ذهب يراعي الشمس فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به وأما قولها إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت به انشق وأما قولها إن وعاءيكم نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا فاصدقني فقال يا مولاي إني نزلت بماء من مياه العرب فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك ونشرت الحلة ولبستها وتجملت بها فتعلقت بسمرة فانشقت وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء فقال أولى لك ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه العبد يسقي الإبل فعجز فأعانه إمرؤ القيس فرمى به العبد في البئر وخرج حتى أتى إلى أهل الجارية بالإبل فأخبرهم أنه زوجها فقيل لها قد جاء زوجك فقالت والله ما أدري أ زوجي هو أم لا ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا فأكل ما أطعموه فقالت اسقوه لبنا حازرا وهو الحامض فسقوه فشرب فقالت افرشوا له عند الفرث والدم ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه أني أريد أن أسألك فقال لها سلي عما بدا لك فقالت مم تختلج شفتاك قال من تقبيلي إياك فقالت مم يختلج كشحاك قال لالتزامي إياك قالت فمم يختلج فخذاك
[ 217 ](1/5897)
قال لتوركي إياك فقالت عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا . قال ومر قوم فاستخرجوا إمرأ القيس من البئر فرجع إلى حيه وساق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته فقيل لها قد جاء زوجك فقالت والله ما أدري أ زوجي هو أم لا ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا فلما أتوه بذلك قال وأين الكبد والسنام والملحاء وأبى أن يأكل فقالت اسقوه لبنا حازرا فأتي به فأبى أن يشربه وقال فأين الضريب والرثيئة فقالت افرشوا له عند الفرث والدم ففرشوا له فأبى أن ينام وقال افرشوا لي عند التلعة الحمراء واضربوا لي عليها خباء ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث فأرسل إليها أن سلي عما شئت فقالت مم تختلج شفتاك فقال لشربي المشعشعات قالت فمم يختلج كشحاك قال للبسي الحبرات قالت فمم تختلج فخذاك قال لركضي المطهمات فقالت هذا زوجي لعمري فعليكم به فأهديت إليه الجارية . فقال ابن هبيرة حسبكم فلا خير في الحديث سائر الليلة بعد حديث أبي عمرو ولن يأتينا أحد منكم بأعجب منه فانصرفنا وأمر لي بجائزة
[ 218 ](1/5898)
476
وَ قَالَ ع فِي كَلاَمٍ لَهُ : وَ وَلِيَهُمْ وَالٍ فَأَقَامَ وَ اِسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ اَلدِّينُ بِجِرَانِهِ الجران مقدم العنق وهذا الوالي هو عمر بن الخطاب . وهذا الكلام من خطبة خطبها في أيام خلافته طويلة يذكر فيها قربه من النبي ص واختصاصه له وإفضاءه بأسراره إليه حتى
قال فيها فاختار المسلمون بعده بآرائهم رجلا منهم فقارب وسدد حسب استطاعته على ضعف وحد كانا فيه وليهم بعده وال فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه على عسف وعجرفية كانا فيه ثم اختلفوا ثالثا لم يكن يملك من أمر نفسه شيئا غلب عليه أهله فقادوه إلى أهوائهم كما تقود الوليدة البعير المخطوم فلم يزل الأمر بينه وبين الناس يبعد تارة ويقرب أخرى حتى نزوا عليه فقتلوه ثم جاءوا بي مدب الدبا يريدون بيعتي . وتمام الخطبة معروف فليطلب من الكتب الموضوعة لهذا الفن
[ 219 ](1/5899)
477
وَ قَالَ ع : يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ اَلْمُوسِرُ فِيهِ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ لا تَنْسَوُا اَلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ يَنْهَدُ تَنْهَدُ فِيهِ اَلْأَشْرَارُ وَ يُسْتَذَلُّ تُسْتَذَلُّ اَلْأَخْيَارُ وَ يُبَايِعُ اَلْمُضْطَرُّونَ وَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ ص عَنْ بَيْعِ اَلْمُضْطَرِّينَ زمان عضوض أي كلب على الناس كأنه يعضهم وفعول للمبالغة كالنفور العقوق ويجوز أن يكون من قولهم بئر عضوض أي بعيدة القعر ضيقة وما كانت البئر عضوضا فأعضت كقولهم ما كانت جرورا فأجرت وهي كالعضوض . وعض فلان على ما في يده أي بخل وأمسك . وينهد فيه الأشرار ينهضون إلى الولايات والرئاسات وترتفع أقدارهم في الدنيا ويستذل فيه أهل الخير والدين ويكون فيه بيع على وجه الاضطرار والإلجاء كمن بيعت ضيعته وهو ذليل ضعيف من رب ضيعة مجاورة لها ذي ثروة وعز وجاه فيلجئه بمنعه الماء واستذلاله الأكرة والوكيل إلى أن يبيعها عليه وذلك منهي عنه لأنه حرام محض
[ 220 ](1/5900)
478
وَ قَالَ ع : يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وَ بَاهِتٌ مُفْتَرٍ قال الرضي رحمه الله تعالى : وهذا مثل قوله ع يَهْلِكُ فِيَّ اِثْنَانِ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ غَالٍ وَ مُبْغِضٌ قَالٍ قد تقدم شرح مثل هذا الكلام وخلاصة هذا القول أن الهالك فيه المفرط والمفرط أما المفرط فالغلاة ومن قال بتكفير أعيان الصحابة ونفاقهم أو فسقهم وأما المفرط فمن استنقص به ع أو أبغضه أو حاربه أو أضمر له غلا ولهذا كان أصحابنا أصحاب النجاة والخلاص والفوز في هذه المسألة لأنهم سلكوا طريقة مقتصدة قالوا هو أفضل الخلق في الآخرة وأعلاهم منزلة في الجنة وأفضل الخلق في الدنيا وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه فإنه عدو لله سبحانه وخالد في النار مع الكفار والمنافقين إلا أن يكون ممن قد ثبتت توبته ومات على توليه وحبه . فأما الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله فلو أنه أنكر إمامتهم
[ 221 ]
و غضب عليهم وسخط فعلهم فضلا عن أن يشهر عليهم السيف أو يدعو إلى نفسه لقلنا إنهم من الهالكين كما لو غضب عليهم رسول الله ص لأنه قد ثبت
أن رسول الله ص قال له حربك حربي وسلمك سلمي و
أنه قال اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و
قال له لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ولكنا رأينا رضي إمامتهم وبايعهم وصلى خلفهم وأنكحهم وأكل من فيئهم فلم يكن لنا أن نتعدى فعله ولا نتجاوز ما اشتهر عنه أ لا ترى أنه لما برئ من معاوية برئنا منه ولما لعنه لعناه ولما حكم بضلال أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص وعبد الله ابنه وغيرهما حكمنا أيضا بضلالهم . والحاصل أنا لم نجعل بينه وبين النبي ص إلا رتبة النبوة وأعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه ولم نطعن في أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم وعاملناهم بما عاملهم ع به(1/5901)
فصل فيما قيل في التفضيل بين الصحابة
و القول بالتفضيل قول قديم قد قال به كثير من الصحابة والتابعين فمن الصحابة عمار والمقداد وأبو ذر وسلمان وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وحذيفة وبريدة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وأبو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنوه وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة .
[ 222 ]
و كان الزبير من القائلين به في بدء الأمر ثم رجع وكان من بني أمية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص ومنهم عمر بن عبد العزيز . وأنا أذكر هاهنا الخبر المروي المشهور عن عمر وهو من رواية ابن الكلبي قال بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه دخل حاجبه ومعه امرأة أدماء طويلة حسنة الجسم والقامة ورجلان متعلقان بها ومعهم كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر فدفعوا إليه الكتاب ففضه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران سلام عليك ورحمة الله وبركاته أما بعد فإنه ورد علينا أمر ضاقت به الصدور وعجزت عنه الأوساع وهربنا بأنفسنا عنه ووكلناه إلى عالمه لقول الله عز وجل وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اَلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وهذه المرأة والرجلان أحدهما زوجها والآخر أبوها وإن أباها يا أمير المؤمنين زعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب ع خير هذه الأمة وأولاها برسول الله ص وأنه يزعم أن ابنته طلقت منه وأنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه صهرا وهو يعلم أنها حرام عليه كأمه وإن الزوج يقول له كذبت وأثمت لقد بر قسمي وصدقت مقالتي وإنها امرأتي على رغم أنفك وغيظ قلبك فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلك فسألت الرجل عن يمينه فقال نعم قد كان ذلك وقد حلفت بطلاقها أن عليا خير هذه الأمة وأولاها برسول الله ص عرفه(1/5902)
من عرفه وأنكره من أنكره فليغضب من
[ 223 ]
غضب وليرض من رضي وتسامع الناس بذلك فاجتمعوا له وإن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى وقد علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة فاحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله وإنهما تعلقا بها وأقسم أبوها ألا يدعها معه وأقسم زوجها ألا يفارقها ولو ضربت عنقها إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه فرفعناهم إليك يا أمير المؤمنين أحسن الله توفيقك وأرشدك . وكتب في أسفل الكتاب
إذا ما المشكلات وردن يوما
فحارت في تأملها العيون
و ضاق القوم ذرعا عن نباها
فأنت لها أبا حفص أمين
لأنك قد حويت العلم طرا
و أحكمك التجارب والشئون
و خلفك الإله على الرعايا
فحظك فيهم الحظ الثمين
قال فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أمية وأفخاذ قريش ثم قال لأبي المرأة ما تقول أيها الشيخ قال يا أمير المؤمنين هذا الرجل زوجته ابنتي وجهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها حتى إذا أملت خيره ورجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذبا ثم أراد الإقامة معها فقال له عمر يا شيخ لعله لم يطلق امرأته فكيف حلف قال الشيخ سبحان الله الذي حلف عليه لأبين حنثا وأوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك مع سني وعلمي لأنه زعم أن عليا خير هذه الأمة وإلا فامرأته طالق ثلاثا فقال للزوج ما تقول أ هكذا حلفت قال نعم فقيل إنه لما قال نعم كاد المجلس يرتج بأهله وبنو أمية ينظرون إليه شزرا إلا أنهم لم ينطقوا بشي ء كل ينظر إلى وجه عمر .
[ 224 ]
فأكب عمر مليا ينكت الأرض بيده والقوم صامتون ينظرون ما يقوله ثم رفع رأسه وقال
إذا ولي الحكومة بين قوم
أصاب الحق والتمس السدادا
و ما خير الإمام إذا تعدى
خلاف الحق واجتنب الرشادا(1/5903)
ثم قال للقوم ما تقولون في يمين هذا الرجل فسكتوا فقال سبحان الله قولوا فقال رجل من بني أمية هذا حكم في فرج ولسنا نجترئ على القول فيه وأنت عالم بالقول مؤتمن لهم وعليهم قل ما عندك فإن القول ما لم يكن يحق باطلا ويبطل حقا جائز علي في مجلسي . قال لا أقول شيئا فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب فقال له ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي فاغتنمها فقال يا أمير المؤمنين إن جعلت قولي حكما أو حكمي جائزا قلت وإن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي وأبقى للمودة قال قل وقولك حكم وحكمك ماض . فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا ما أنصفتنا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا ونحن من لحمتك وأولى رحمك فقال عمر اسكتوا أ عجزا ولؤما عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له قالوا لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي ولا حكمتنا كما حكمته فقال عمر إن كان أصاب وأخطأتم وحزم وعجزتم وأبصر وعميتم فما ذنب عمر لا أبا لكم أ تدرون ما مثلكم قالوا لا ندري قال لكن العقيلي يدري ثم قال ما تقول يا رجل قال نعم يا أمير المؤمنين كما قال الأول
دعيتم إلى أمر فلما عجزتم
تناوله من لا يداخله عجز
فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم
نداما وهل يغني من القدر الحذر
فقال عمر أحسنت وأصبت فقل ما سألتك عنه قال يا أمير المؤمنين
[ 225 ]
بر قسمه ولم تطلق امرأته قال وأنى علمت ذاك قال نشدتك الله يا أمير المؤمنين أ لم تعلم(1/5904)
أن رسول الله ص قال لفاطمة ع وهو عندها في بيتها عائد لها يا بنية ما علتك قالت الوعك يا أبتاه وكان علي غائبا في بعض حوائج النبي ص فقال لها أ تشتهين شيئا قالت نعم أشتهي عنبا وأنا أعلم أنه عزيز وليس وقت عنب فقال ص إن الله قادر على أن يجيئنا به ثم قال اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة فطرق علي الباب ودخل ومعه مكتل قد ألقى عليه طرف ردائه فقال له النبي ص ما هذا يا علي قال عنب التمسته لفاطمة فقال الله أكبر الله أكبر اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي ثم قال كلي على اسم الله يا بنية فأكلت وما خرج رسول الله ص حتى استقلت وبرأت فقال عمر صدقت وبررت أشهد لقد سمعته ووعيته يا رجل خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه ثم قال يا بني عبد مناف والله ما نجهل ما يعلم غيرنا ولا بنا عمى في ديننا ولكنا كما قال الأول
تصيدت الدنيا رجالا بفخها
فلم يدركوا خيرا بل استقبحوا الشرا
و أعماهم حب الغنى وأصمهم
فلم يدركوا إلا الخسارة والوزرا
قيل فكأنما ألقم بني أمية حجرا ومضى الرجل بامرأته . وكتب عمر إلى ميمون بن مهران عليك سلام فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد فهمت كتابك وورد الرجلان والمرأة وقد صدق الله يمين الزوج وأبر قسمه وأثبته على نكاحه فاستيقن ذلك واعمل عليه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
[ 226 ](1/5905)
فأما من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني وزيد بن صوحان وصعصعة أخيه وجندب الخير وعبيدة السلماني وغيرهم ممن لا يحصى كثرة ولم تكن لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر إلا لمن قال بتفضيله ولم تكن مقالة الإمامية ومن نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الاشتهار فكان القائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعة وجميع ما ورد من الآثار والأخبار في فضل الشيعة وأنهم موعودون بالجنة فهؤلاء هم المعنيون به دون غيرهم ولذلك قال أصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم نحن الشيعة حقا فهذا القول هو أقرب إلى السلامة وأشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفي الإفراط والتفريط إن شاء الله
[ 227 ](1/5906)
479
وَ سُئِلَ عَنِ اَلتَّوْحِيدِ وَ اَلْعَدْلِ فَقَالَ اَلتَّوْحِيدُ أَلاَّ تَتَوَهَّمَهُ وَ اَلْعَدْلُ أَلاَّ تَتَّهِمَهُ هذان الركنان هما ركنا علم الكلام وهما شعار أصحابنا المعتزلة لنفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري وأصحابه ولتنزيههم البارئ سبحانه عن فعل القبيح . ومعنى قوله ألا تتوهمه أي ألا تتوهمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات كما ذهب إليه قوم أو نورا من الأنوار أو قوة سارية في جميع العالم كما قاله قوم أو من جنس الأعراض التي تحل الحال أو تحل المحل وليس بعرض كما قاله النصارى وغلاة الشيعة أو تحله المعاني والأعراض فمتى توهم على شي ء من هذا فقد خولف التوحيد وذلك لأن كل جسم أو عرض أو حال في محل أو محل الحال أو مختص بجهة لا بد أن يكون منقسما في ذاته لا سيما على قول من نفى الجزاء مطلقا وكل منقسم فليس بواحد وقد ثبت أنه واحد وأضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة ونفي ثان في الإلهية ونفي الرؤية ونفي كونه مشتهيا أو نافرا أو ملتذا أو آلما أو عالما بعلم محدث أو قادرا بقدرة محدثة أو حيا بحياة محدثة أو نفي كونه عالما بالمستقبلات أبدا أو نفي كونه عالما بكل معلوم أو قادرا
[ 228 ](1/5907)
على كل الأجناس وغير ذلك من مسائل علم الكلام التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول وهو التوحيد . وأما الركن الثاني فهو ألا تتهمه أي لا تتهمه في أنه أجبرك على القبيح ويعاقبك عليه حاشاه من ذلك ولا تتهمه في أنه مكن الكذابين من المعجزات فأضل بهم الناس ولا تتهمه في أنه كلفك ما لا تطيقه وغير ذلك من مسائل العدل التي يذكرها أصحابنا مفصلة في كتبهم كالعوض عن الألم فإنه لا بد منه والثواب على فعل الواجب فإنه لا بد منه وصدق وعده ووعيده فإنه لا بد منه . وجملة الأمر أن مذهب أصحابنا في العدل والتوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين وهذا المواضع من الموضع التي قد صرح فيها بمذهب أصحابنا بعينه وفي فرش كلامه من هذا النمط ما لا يحصى
[ 229 ](1/5908)
480
وَ قَالَ ع فِي دُعَاءٍ اِسْتَسْقَى بِهِ اَللَّهُمَّ اِسْقِنَا ذُلُلَ اَلسَّحَائِبِ اَلسَّحَابِ دُونَ صِعَابِهَا قال الرضي رحمه الله تعالى وهذا من الكلام العجيب الفصاحة وذلك أنه ع شبه السحب ذوات الرعود والبوارق والرياح والصواعق بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها وتتوقص بركبانها وشبه السحائب الخالية من تلك الزوابع بالإبل الذلل التي تحتلب طيعة وتقتعد مسمحة قد كفانا الرضي رحمه الله بشرحه هذه الكلمة مئونة الخوض في تفسيرها
[ 230 ](1/5909)
481
وَ قِيلَ لَهُ ع لَوْ غَيَّرْتَ شَيْبَكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع اَلْخِضَابُ زِينَةٌ وَ نَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص يُرِيدُ وَفَاةَ رَسُولِ اَللَّهِ ص(1/5910)
مختارات مما قيل من الشعر في الشيب والخضاب
قد تقدم لنا في الخضاب قول كاف وأنا أستملح قول الصابي فيه
خضاب تقاسمناه بيني وبينها
و لكن شأني فيه خالف شأنها
فيا قبحه إذ حل مني بمفرقي
و يا حسنه إذ حل منها بنانها
و سحقا له عن لمتي حين شانها
و أهلا به في كفها حيث زانها
و قال أبو تمام
لعب الشيب بالمفارق بل جد
فأبكى تماضرا ولعوبا
خضبت خدها إلى لؤلؤ العقد
دما أن رأت شواتي خضيبا
كل داء يرجى الدواء له
إلا الفظيعين ميتة ومشيبا
يا نسيب الثغام ذنبك أبقى
حسناتي عند الحسان ذنوبا
[ 231 ]
و لئن عبن ما رأين لقد أنكرن
مستنكرا وعبن معيبا
لو رأى الله أن في الشيب فضلا
جاورته الأبرار في الخلد شيبا
و قال
فإن يكن المشيب طغى علينا
و أودى بالبشاشة والشباب
فإني لست أدفعه بشي ء
يكون عليه أثقل من خضاب
أردت بأن ذاك وذا عذاب
فسلطت العذاب على العذاب
ابن الرومي
لم أخضب الشيب للغواني
أبغي به عندهم ودادا
لكن خضابي على شباب
لبست من بعده حدادا
و من مختار ما جاء من الشعر في الشيب وإن لم يكن فيه ذكر الخضاب قول أبي تمام
نسج المشيب له لفاعا مغدفا
يققا فقنع مذرويه ونصفا
نظر الزمان إليه قطع دونه
نظر الشقيق تحسرا وتلهفا
ما اسود حتى ابيض كالكرم الذي
لم يبد حتى جي ء كيما يقطفا
لما تفوفت الخطوب سوادها
ببياضها عبثت به فتفوفا
ما كان يخطر قبل ذا في فكره
للبدر قبل تمامه أن يكسفا
و قال أيضا
غدا الهم مختطا بفودي خطة
طريق الردى منها إلى الموت مهيع
[ 232 ]
هو الزور يجفى والمعاشر يجتوى
و ذو الإلف يقلى والجديد يرقع
له منظر في العين أبيض ناصع
و لكنه في القلب أسود أسفع
و نحن نرجيه على الكره والرضا
و أنف الفتى من وجهه وهو أجدع
و قال أيضا
شعلة في المفارق استودعتني
في صميم الأحشاء ثكلا صميما
تستثير الهموم ما اكتن منها
صعدا وهي تستثير الهموما
غرة مرة ألا إنما كنت
أغر أيام كنت بهيما
دقة في الحياة تدعى جلالا(1/5911)
مثل ما سمي اللديغ سليما
حلمتني زعمتم وأراني
قبل هذا التحليم كنت حليما
و قال الصابي وذكر الخضاب
خضبت مشيبي للتعلق بالصبا
و أوهمت من أهواه أني لم أشب
فلما ادعى مني العذار شبيبة
إذا صلعي قد صاح من فوقه كذب
فكم طرة طارت ودانت ذوائب
و كم وجنة حالت وماء بها نضب
شواهد بالتزوير يحوين ربها
فهجرانه عند الأحبة قد وجب
البحتري
بان الشباب فلا عين ولا أثر
إلا بقية برد منه أسمال
قد كدت أخرجه عن منتهى عددي
يأسا وأسقطه إذ فات من بالي
سوء العواقب يأس قبله أمل
و أعضل الداء نكس بعد إبلال
و المرء طاعة أيام تنقله
تنقل الظل من حال إلى حال
[ 233 ](1/5912)
482
وَ قَالَ ع : مَا اَلْمُجَاهِدُ اَلشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ لَكَادَ اَلْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ(1/5913)
نبذ وحكايات حول العفة
قد تقدم القول في العفة وهي ضروب عفة اليد وعفة اللسان وعفة الفرج وهي العظمى و
قد جاء في الحديث المرفوع من عشق فكتم وعف وصبر فمات مات شهيدا ودخل الجنة و
في حكمة سليمان بن داود أن الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده . نزل خارجي على بعض إخوانه منهم مستترا من الحجاج فشخص المنزول عليه لبعض حاجاته وقال لزوجته يا ظمياء أوصيك بضيفي هذا خيرا وكانت من أحسن الناس فلما عاد بعد شهر قال لها كيف كان ضيفك قالت ما أشغله بالعمى عن كل شي ء وكان الضيف أطبق جفنيه فلم ينظر إلى المرأة ولا إلى منزلها إلى أن عاد زوجها .
[ 234 ]
و قال الشاعر
إن أكن طامح اللحاظ فإني
و الذي يملك القلوب عفيف
خرجت امرأة من صالحات نساء قريش إلى بابها لتغلقه ورأسها مكشوف فرآها رجل أجنبي فرجعت وحلقت شعرها وكانت من أحسن النساء شعرا فقيل لها في ذلك قالت ما كنت لأدع على رأسي شعرا رآه من ليس لي بمحرم . كان ابن سيرين يقول ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله وإني لأرى المرأة في المنام وأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها . وقال بعضهم
و إني لعف عن فكاهة جارتي
و إني لمشنوء إلي اغتيابها
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها
صديقا ولم تأنس إلي كلابها
و لم أك طلابا أحاديث سرها
و لا عالما من أي حوك ثيابها
دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان فقال ما أرى فيك يا بثينة شيئا مما كان يلهج به جميل فقالت إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك يا أمير المؤمنين قال فكيف صادفته في عفته قالت كما وصف نفسه إذ قال
لا والذي تسجد الجباه له
ما لي بما ضم ثوبها خبر
و لا بفيها ولا هممت به
ما كان إلا الحديث والنظر(1/5914)
و قال أبو سهل الساعدي دخلت على جميل في مرض موته فقال يا أبا سهل رجل يلقى الله ولم يسفك دما حراما ولم يشرب خمرا ولم يأت فاحشة أ ترجو له الجنة قلت إي والله فمن هو قال إني لأرجو أن أكون أنا ذلك فذكرت له بثينة
[ 235 ]
فقال إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة لا نالتني شفاعة محمد إن كنت حدثت نفسي بريبة معها أو مع غيرها قط . قال الشاعر
قالت وقلت ترفقي فصلي
حبل امرئ بوصالكم صب
صادق إذا بعلي فقلت لها
الغدر شي ء ليس من شعبي
ثنتان لا أصبو لوصلهما
عرس الصديق وجارة الجنب
أما الصديق فلست خائنه
و الجار أوصاني به ربي
يقال إن امرأة ذات جمال دعت عبد الله بن عبد المطلب إلى نفسها لما كانت ترى على وجهه من النور فأبى وقال
أما الحرام فالممات دونه
و الحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه
يحمي الكريم عرضه ودينه
راود توبة بن الحمير ليلى الأخيلية مرة عن نفسها فاشمأزت منه وقالت
و ذي حاجة قلنا له لا تبح بها
فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه
و أنت لأخرى صاحب وخليل
ابن ميادة
موانع لا يعطين حبة خردل
و هن زوان في الحديث أوانس
و يكرهن أن يسمعن في اللهو ريبة
كما كرهت صوت اللجام الشوامس
آخر
بيض أوانس ما هممن بريبة
كظباء مكة صيدهن حرام
[ 236 ]
يحسبن من لين الكلام زوانيا
و يصدهن عن الخنا الإسلام
في الحديث المرفوع لا تكونن حديد النظر إلى ما ليس لك فإنه لا يزني فرجك ما حفظت عينيك وإن استطعت ألا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك فافعل ولن تستطيع ذلك إلا بإذن الله . كان ابن المولى الشاعر المدني موصوفا بالعفة وطيب الإزار فأنشد عبد الملك شعرا له من جملته
و أبكي فلا ليلى بكت من صبابة
لباك ولا ليلى لذي البذل تبذل
و أخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا
و إن أذنبت كنت الذي أتنصل(1/5915)
فقال عبد الملك من ليلى هذه إن كانت حرة لأزوجنكها وإن كانت أمة لأشترينها لك بالغة ما بلغت فقال كلا يا أمير المؤمنين ما كنت لأصعر وجه حر أبدا في حرته ولا في أمته وما ليلى التي أنست بها إلا قوسي هذه سميتها ليلى لأن الشاعر لا بد له من النسيب . ابن الملوح المجنون
كأن على أنيابها الخمر مجه
بماء الندى من آخر الليل غابق
و ما ذقته إلا بعيني تفرسا
كما شيم من أعلى السحابة بارق
هذا مثل بيت الحماسة
بأعذب من فيها وما ذقت طعمه
و لكنني فيما ترى العين فارس
شاعر
ما إن دعاني الهوى لفاحشة
إلا نهاني الحياء والكرم
[ 237 ]
و لا إلى محرم مددت يدي
و لا مشت بي لريبة قدم
العباس بن الأحنف
أ تأذنون لصب في زيارتكم
فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء إن طال الجلوس به
عف الضمير ولكن فاسق النظر
قال بعضهم رأيت امرأة مستقبلة البيت في الموسم وهي في غاية الضر والنحافة رافعة يديها تدعو فقلت لها هل لك من حاجة قالت حاجتي إن تنادي في الموقف بقولي
تزود كل الناس زادا يقيمهم
و ما لي زاد والسلام على نفسي
ففعلت وإذا أنا بفتى منهوك فقال أنا الزاد فمضيت به إليها فما زادوا على النظر والبكاء ثم قالت له انصرف مصاحبا فقلت ما علمت أن التقاء كما يقتصر فيه على هذا فقالت أمسك يا فتى أ ما علمت أن ركوب العار ودخول النار شديد . قال بعضهم
كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني
منه الحياء وخوف الله والحذر
و كم خلوت بمن أهوى فيقنعني
منه الفكاهة والتحديث والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم
و ليس لي في حرام منهم وطر
كذلك الحب لا إتيان معصية
لا خير في لذة من بعدها سقر
قال محمد بن عبد الله بن طاهر لبنيه اعشقوا تظرفوا وعفوا تشرفوا . وصف أعرابي امرأة طرقها فقال ما زال القمر يرينيها فلما غاب أرتنيه فقيل فما كان بينكما قال ما أقرب ما أحل الله مما حرم إشارة في غير بأس ودنو من غير مساس ولا وجع أشد من الذنوب .
[ 238 ]
كثير عزة(1/5916)
و إني لأرضى منك يا عز بالذي
لو أبصره الواشي لقرت بلابله
بلا وبألا أستطيع وبالمنى
و بالوعد حتى يسأم الوعد آمله
و بالنظرة العجلي وبالحول ينقضي
أواخره لا نلتقي وأوائله
و قال بعض الظرفاء كان أرباب الهوى يسرون فيما مضى ويقنعون بأن يمضغ أحدهم لبانا قد مضغته محبوبته أو يستاك بسواكها ويرون ذاك عظيما واليوم يطلب أحدهم الخلوة وإرخاء الستور كأنه قد أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا هريرة . وقال أحمد بن أبي عثمان الكاتب
و إني ليرضيني المرور ببابها
و أقنع منها بالوعيد وبالزجر
قال يوسف بن الماجشون أنشدت محمد بن المنكدر قول وضاح اليمن
إذا قلت هاتي نوليني تبسمت
و قالت معاذ الله من فعل ما حرم
فما نولت حتى تضرعت حولها
و عرفتها ما رخص الله في اللمم
فضحك وقال إن كان وضاح لفقيها في نفسه . قال آخر
فقالت بحق الله إلا أتيتنا
إذا كان لون الليل لون الطيالس
فجئت وما في القوم يقظان غيرها
و قد نام عنها كل وال وحارس
فبتنا مبيتا طيبا نستلذه
جميعا ولم أمدد لها كف لامس
مرت امرأة حسناء بقوم من بني نمير مجتمعين في ناد لهم فرمقوها بأبصارهم . وقال قائل منهم ما أكملها لو لا أنها رسحاء فالتفتت إليهم وقالت والله
[ 239 ]
يا بني نمير ما أطعتم الله ولا الشاعر قال الله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ . وقال الشاعر
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فأخجلتهم . وقال أبو صخر الهذلي من شعر الحماسة
لليلة منها تعود لنا
من غير ما رفث ولا إثم
أشهى إلى نفسي ولو برحت
مما ملكت ومن بني سهم
آخر
و ما نلت منها محرما غير أنني
أقبل بساما من الثغر أفلجا
و الثم فاها آخذا بقرونها
و أترك حاجات النفوس تحرجا
و أعف من هذا الشعر قول عبد بني الحسحاس على فسقه
لعمر أبيها ما صبوت ولا صبت
إلي وإني من صبا لحليم
سوى قبلة أستغفر الله ذنبها
سأطعم مسكينا لها وأصوم
و قال آخر(1/5917)
و مجدولة جدل العناق كأنما
سنا البرق في داجي الظلام ابتسامها
ضربت لها الميعاد ليست بكنة
و لا جارة يخشى على ذمامها
فلما التقينا قالت الحكم فاحتكم
سوى خلة هيهات منك مرامها
فقلت معاذ الله أن أركب التي
تبيد ويبقى في المعاد أثامها
[ 240 ]
قوله ليست بكنة ولا جارة يخشى علي ذمامها مأخوذ من قول قيس بن الخطيم
و مثلك قد أحببت ليست بكنة
و لا جارة ولا حليلة صاحب
و هذا الشاعر قد زاد عليه بقوله ولا حليلة صاحب . وأنشد ابن مندويه لبعضهم
أنا زاني اللسان والطرف إلا
أن قلبي يعاف ذاك ويأبى
لا يراني الإله أشرب إلا
كل ما حل شربه لي وطابا
آخر
نلهو بهن كذا من غير فاحشة
لهو الصيام بتفاح البساتين
بشار بن برد
قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم
ما في التزام ولا في قبلة حرج
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
و فاز بالطيبات الفاتك اللهج
البيت الآخر مثل قول القائل
من راقب الناس مات هما
و فاز باللذة الجسور
أبو الطيب المتنبي
و ترى الفتوة والمروءة والأبوة
في كل مليحة ضراتها
هن الثلاث المانعاتي لذتي
في خلوتي لا الخوف من تبعاتها
إني على شغفي بما في خمرها
لأعف عما في سراويلاتها
[ 241 ](1/5918)
كان الصاحب رحمه الله يستهجن قوله عما في سراويلاتها ويقول إن كثيرا من العهر أحسن من هذه العفة ومعنى البيت الأول أن هذه الخلال الثلاث تراهن الملاح ضرائر لهن لأنهن يمنعنه عن الخلوة بالملاح والتمتع بهن ثم قال إن هذه الخلال هي التي تمنعه لا الخوف من تبعاتها وقال قوم هذا تهاون بالدين ونوع من الإلحاد وعندي أن هذا مذهب للشعراء معروف لا يريدون به التهاون بالدين بل المبالغة في وصف سجاياهم وأخلاقهم بالطهارة وأنهم يتركون القبيح لأنه قبيح لا لورود الشرع به وخوف العقاب منه ويمكن أيضا أن يريد بتبعاتها تبعات الدنيا أي لا أخاف من قوم هذه المحبوبة التي أنست بها ولا أشفق من حربهم وكيدهم فأما عفة اليد وعفة اللسان فهما باب آخر وقد ذكرنا طرفا صالحا من ذلك في الأجزاء المتقدمة عند ذكرنا الورع . و
في الحديث المرفوع لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يترك ما لا بأس به حذار ما به البأس . وقال أبو بكر في مرض موته إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأخذ لهم درهما ولا دينارا وأكلنا من جريش الطعام ولبسنا من خشن الثياب وليس عندنا من في ء المسلمين إلا هذا الناضح وهذا العبد الحبشي وهذه القطيفة فإذا قبضت فادفعوا ذلك إلى عمر ليجعله في بيت مال المسلمين فلما مات حمل ذلك إلى عمر فبكى كثيرا ثم قال رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده . قال سليمان بن داود يا بني إسرائيل أوصيكم بأمرين أفلح من فعلهما لا تدخلوا أجوافكم إلا الطيب ولا تخرجوا من أفواهكم إلا الطيب .
[ 242 ](1/5919)
و قال بعض الحكماء إذا شئت أن تعرف ربك معرفة يقينية فاجعل بينك وبين المحارم حائطا من حديد فسوف يفتح عليك أبواب معرفته . ومما يحكى من ورع حسان بن أبي سنان أن غلاما له كتب إليه من الأهواز أن قصب السكر أصابته السنة آفة فابتع ما قدرت عليه من السكر فإنك تجد له ربحا كثيرا فيما بعد فابتاع وطلب منه ما ابتاعه بعد قليل بربح ثلاثين ألف درهم فاستقال البيع من صاحبه وقال إنه لم يعلم ما كنت أعلم حين اشتريته منه فقال البائع قد علمت الآن مقدار الربح وقد طيبته لك وأحللتك فلم يطمئن قلبه وما زال حتى رده عليه . يقال إن غنم الغارة اختلطت بغم أهل الكوفة فتورع أبو حنيفة أن يأكل اللحم وسأل كم تعيش الشاة قالوا سبع سنين فترك أكل لحم الغنم سبع سنين . ويقال إن المنصور حمل إليه بدرة فرمى بها إلى زاوية البيت فلما مات جاء بها ابنه حماد بن أبي حنيفة إلى أبي الحسن بن أبي قحطبة وقال إن أبي أوصاني أن أرد هذه عليك وقال إنها كانت عندي كالوديعة فاصرفها فيما أمرك الله به فقال أبو الحسن رحم الله أبا حنيفة لقد شح بدينه إذ سخت به نفوس أقوام . وقال سفيان الثوري انظر درهمك من أين هو وصل في الصف الأخير .
جابر سمعت النبي ص يقول لكعب بن عجرة لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت النار أولى به . الحسن لو وجدت رغيفا من حلال لأحرقته ثم سحقته ثم جعلته ذرورا ثم داويت به المرضى .
[ 243 ]
عائشة قالت يا رسول الله من المؤمن قال من إذا أصبح نظر إلى رغيفيه كيف يكتسبهما قالت يا رسول الله أما إنهم لو كلفوا ذلك لتكلفوه فقال لها إنهم قد كلفوه ولكنهم يعسفون الدنيا عسفا
حذيفة بن اليمان يرفعه أن قوما يجيئون يوم القيامة ولهم من الحسنات كأمثال الجبال فيجعلها الله هباء منثورا ثم يؤمر بهم إلى النار فقيل خلهم لنا يا رسول الله قال إنهم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون أهبة من الليل ولكنهم كانوا إذا عرض عليهم الحرام وثبوا عليه
[ 244 ](1/5920)
483
وَ قَالَ ع : اَلْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَ يَنْفَدُ قال وقد روى بعضهم هذا الكلام عن رسول الله ص قد تقدم القول في هذا المعنى وقد تكررت هذه اللفظة بذاتها في كلامه ع . ومن جيد القول في القناعة قول الغزي
أنا كالثعبان جلدي ملبسي
لست محتاجا إلى ثوب الجمال
فالخمول العز واليأس الغنى
و القنوع الملك هذا ما بدا لي
و قال أيضا
لا تعجبن لمن يهوى ويصعد في
دنياه فالخلق في أرجوحة القدر
و اقنع بما قل فالأوشال صافية
و لجة البحر لا تخلو من الكدر
[ 245 ](1/5921)
484
وَ قَالَ ع لِزِيَادِ اِبْنِ أَبِيهِ وَ قَدِ اِسْتَخْلَفَهُ لِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ عَلَى فَارِسَ وَ أَعْمَالِهَا فِي كَلاَمٍ طَوِيلٍ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهَاهُ فِيهِ عَنْ تَقْدِيمِ تَقَدُّمِ اَلْخَرَاجِ . اِسْتَعْمِلِ اَلْعَدْلَ وَ اِحْذَرِ اَلْعَسْفَ وَ اَلْحَيْفَ فَإِنَّ اَلْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلاَءِ وَ اَلْحَيْفَ يَدْعُو إِلَى اَلسَّيْفِ قد سبق الكلام في العدل والجور وكانت عادة أهل فارس في أيام عثمان أن يطلب الوالي منهم خراج أملاكهم قبل بيع الثمار على وجه الاستسلاف أو لأنهم كانوا يظنون أن أول السنة القمرية هو مبتدأ وجوب الخراج حملا للخراج التابع لسنة الشمس على الحقوق الهلالية التابعة لسنة القمر كأجرة العقار وجوالي أهل الذمة فكان ذلك يجحف بالناس ويدعو إلى عسفهم وحيفهم . وقد غلط في هذا المعنى جماعة من الملوك في كثير من الأعصار ولم يعلموا فرق ما بين السنتين ثم تنبه له قوم من أذكياء الناس فكبسوا وجعلوا السنين واحدة ثم أهمل الناس الكبس وانفرج ما بين السنة القمرية والسنة الخراجية التي هي سنة الشمس انفراجا كثيرا . واستقصاء القول في ذلك لا يليق بهذا الموضع لأنه خارج عن فن الأدب الذي هو موضوع كتابنا هذا
[ 246 ](1/5922)
485
وَ قَالَ ع : أَشَدُّ اَلذُّنُوبِ مَا اِسْتَخَفَّ بِهَا صَاحِبُهَا صَاحِبُهُ عظم المصيبة على حسب نعمة العاصي ولهذا كان لطم الولد وجه الوالد كبيرا ليس كلطمة وجه غير الوالد . ولما كان البارئ تعالى أعظم المنعمين بل لا نعمة إلا وهي في الحقيقة من نعمه ومنسوبة إليه كانت مخالفته ومعصيته عظمة جدا فلا ينبغي لأحد أن يعصيه في أمر وإن كان قليلا في ظنه ثم يستقله ويستهين به ويظهر الاستخفاف وقلة الاحتفال بمواقعته فإنه يكون قد جمع إلى المعصية معصية أخرى وهي الاستخفاف بقدر تلك المعصية التي لو أمعن النظر لعلم أنها عظيمة ينبغي له لو كان رشيدا أن يبكي عليها الدم فضلا عن الدمع فلهذا قال ع أشد الذنوب ما استخف بها صاحبها
[ 247 ](1/5923)
486
وَ قَالَ ع : مَا أَخَذَ اَللَّهُ عَلَى أَهْلِ اَلْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ اَلْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا تعليم العلم فرض كفاية و
في الخبر المرفوع من علم علما وكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار و
روى معاذ بن جبل عن النبي ص قال تعلموا العلم فإن تعلمه خشية الله ودراسته تسبيح والبحث عنه جهاد وطلبه عبادة وتعليمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام وبيان سبيل الجنة والمؤنس في الوحشة والمحدث في الخلوة والجليس في الوحدة والصاحب في الغربة والدليل على السراء والمعين على الضراء والزين عند الأخلاء والسلاح على الأعداء . ورئي واصل بن عطاء يكتب من صبي حديثا فقيل له مثلك يكتب من هذا فقال أما إني أحفظ له منه ولكني أردت أن أذيقه كأس الرئاسة ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم .
[ 248 ]
و قال الخليل العلوم أقفال والسؤالات مفاتيحها . وقال بعضهم كان أهل العلم يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه ويبذلون لهم دنياهم واليوم قد بذل أهل العلم علمهم لأهل الدنيا فزهدوا فيه وضنوا عنهم بدنياهم . وقال بعضهم ابذل علمك لمن يطلبه وادع إليه من لا يطلبه وإلا كان مثلك كمن أهديت له فاكهة فلم يطعمها ولم يطعمها حتى فسدت
[ 249 ](1/5924)
487
وَ قَالَ ع : شَرُّ اَلْإِخْوَانِ مَنْ تَكَلَّفُ تُكُلِّفَ لَهُ إنما كان كذلك لأن الإخاء الصادق بينهما يوجب الانبساط وترك التكلف فإذا احتيج إلى التكلف له فقد دل ذلك على أن ليس هناك إخاء صادق ومن ليس بأخ صادق فهو من شر الإخوان . وروى ابن ناقيا في كتاب ملح الممالحة قال دخل الحسن بن سهل على المأمون فقال له كيف علمك بالمروءة قال ما أعلم ما يريد أمير المؤمنين فأجيبه قال عليك بعمرو بن مسعدة قال فوافيت عمرا وفي داره صناع وهو جالس على آجرة ينظر إليهم فقلت إن أمير المؤمنين يأمرك أن تعلمني المروءة فدعا بآجرة فأجلسني عليها وتحدثنا مليا وقد امتلأت غيظا من تقصيره بي ثم قال يا غلام عندك شي ء يؤكل فقال نعم فقدم طبقا لطيفا عليه رغيفان وثلاث سكرجات في إحداهن خل وفي الأخرى مري ء وفي الأخرى ملح فأكلنا وجاء الفراش فوضأنا ثم قال إذا شئت فنهضت متحفظا ولم أودعه فقال لي إن رأيت أن تعود إلي في يوم مثله فلم أذكر للمأمون شيئا مما جرى فلما كان في اليوم الذي وعدني فيه لقياه
[ 250 ](1/5925)
سرت إليه فاستؤذن لي عليه فتلقاني على باب الدار فعانقني وقبل بين عيني وقدمني أمامه ومشى خلفي حتى أقعدني في الدست وجلس بين يدي وقد فرشت الدار وزينت بأنواع الزينة وأقبل يحدثني ويتنادر معي إلى أن حضرت وقت الطعام فأمر فقدمت أطباق الفاكهة فأصبنا منها ونصبت الموائد فقدم عليها أنواع الأطعمة من حارها وباردها وحلوها وحامضها ثم قال أي الشراب أعجب إليك فاقترحت عليه وحضر الوصائف للخدمة فلما أردت الانصراف حمل معي جميع ما أحضر من ذهب وفضة وفرش وكسوة وقدم إلى البساط فرس بمركب ثقيل فركبته وأمر من بحضرته من الغلمان الروم والوصائف حتى سعوا بين يدي وقال عليك بهم فهم لك ثم قال إذا زارك أخوك فلا تتكلف له واقتصر على ما يحضرك وإذا دعوته فاحتفل به واحتشد ولا تدعن ممكنا كفعلنا إياك عند زيارتك إيانا وفعلنا يوم دعوناك
[ 251 ](1/5926)
488
وَ قَالَ ع فِي كَلاَمٍ لَهُ : إِذَا اِحْتَشَمَ اَلْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَقَدْ فَارَقَهُ قال الرضي يقال حشمه وأحشمه إذا أغضبه وقيل أخجله أو احتشمه طلب ذلك وهو مظنة مفارقته ليس يعني أن الاحتشام علة الفرقة بل هو دلالة وأمارة على الفرقة لأنه لو لم يحدث عنه ما يقتضي الاحتشام لانبسط على عادته الأولى فالانقباض أمارة المباينة . هذا آخر ما دونه الرضي أبو الحسن رحمه الله من كلام أمير المؤمنين ع في نهج البلاغة قد أتينا على شرحه بمعونة الله تعالى . ونحن الآن ذاكرون ما لم يذكره الرضي مما نسبه قوم إليه فبعضه مشهور عنه وبعضه ليس بذلك المشهور لكنه قد روي عنه وعزي إليه وبعضه من كلام غيره من الحكماء ولكنه كالنظير لكلامه والمضارع لحكمته ولما كان ذلك متضمنا فنونا من الحكمة نافعة رأينا ألا نخلي هذا الكتاب عنه لأنه كالتكملة والتتمة لكتاب نهج البلاغة .
[ 252 ]
و ربما وقع في بعضه تكرار يسير شذ عن أذهاننا التنبه له لطول الكتاب وتباعد أطرافه وقد عددنا ذلك كلمة كلمة فوجدناه ألف كلمة . فإن اعترضنا معترض وقال فإذا كنتم قد أقررتم بأن بعضها ليس بكلام له فلما ذا ذكرتموه وهل ذلك إلا نوع من التطويل . أجبناه وقلنا لو كان هذا الاعتراض لازما لوجب ألا نذكر شيئا من الأشباه والنظائر لكلامه فالعذر هاهنا هو العذر هناك وهو أن الغرض بالكتاب الأدب والحكمة فإذا وجدنا ما يناسب كلامه ع وينصب في قالبه ويحتذي حذوه ويتقبل منهاجه ذكرناه على قاعدتنا في ذكر النظير عند الخوض في شرح نظيره . وهذا حين الشروع فيها خالية عن الشرح لجلائها ووضوحها وإن أكثرها قد سبقت نظائره وأمثاله وبالله التوفيق
[ 253 ](1/5927)
الحكم المنسوبة
[ 254 ]
[ 255 ]
الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع
1 كان كثيرا ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل أشهد أن السماوات والأرض وما بينهما آيات تدل عليك وشواهد تشهد بما إليه دعوت كل ما يؤدي عنك الحجة ويشهد لك بالربوبية موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك علوت بها عن خلقك فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر وكفاها رجم الاحتجاج فهي مع معرفتها بك وولهها إليك شاهدة بأنك لا تأخذك الأوهام ولا تدركك العقول ولا الأبصار أعوذ بك أن أشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك لا إله إلا أنت واحدا أحدا فردا صمدا ونحن لك مسلمون
2 إلهي كفاني فخرا أن تكون لي ربا وكفاني عزا أن أكون لك عبدا أنت كما أريد فاجعلني كما تريد
3 ما خاف امرؤ عدل في حكمه وأطعم من قوته وذخر من دنياه لآخرته
4 أفضل على من شئت تكن أميره واستغن عمن شئت تكن نظيره واحتج إلى من شئت تكن أسيره
5 لو لا ضعف اليقين ما كان لنا أن نشكو محنة يسيرة نرجو في العاجل سرعة زوالها وفي الآجل عظيم ثوابها بين أضعاف نعم لو اجتمع أهل السماوات والأرض على إحصائها ما وفوا بها فضلا عن القيام بشكرها
6 من علامات المأمون على دين الله بعد الإقرار والعمل الحزم في أمره والصدق في قوله والعدل في حكمه والشفقة على رعيته لا تخرجه القدرة إلى خرق ولا اللين إلى ضعف ولا تمنعه العزة من كرم عفو ولا يدعوه العفو إلى
[ 256 ]
إضاعة حق ولا يدخله الإعطاء في سرف ولا يتخطى به القصد إلى بخل ولا تأخذه نعم الله ببطر
7 الفسق نجاسة في الهمة وكلب في الطبيعة
8 قلوب الجهال تستفزها الأطماع وترتهن بالأماني وتتعلق بالخدائع وكثرة الصمت زمام اللسان وحسم الفطنة وإماطة الخاطر وعذاب الحس
9 عداوة الضعفاء للأقوياء والسفهاء للحلماء والأشرار للأخيار طبع لا يستطاع تغييره
10 العقل في القلب والرحمة في الكبد والتنفس في الرئة(1/5928)
11 إذا أراد الله بعبد خيرا حال بينه وبين شهوته وحجز بينه وبين قلبه وإذا أراد به شرا وكله إلى نفسه
12 الصبر مطية لا تكبو والقناعة سيف لا ينبو
13 رحم الله عبدا اتقى ربه وناصح نفسه وقدم توبته وغلب شهوته فإن أجله مستور عنه وأمله خادع له والشيطان موكل به
14 مر بمقبرة فقال السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع نزوركم عما قليل ونلحق بكم بعد زمان قصير اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز عنا وعنهم
[ 257 ]
الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا والحمد لله الذي منها خلقنا وعليها ممشانا وفيها معاشنا وإليها يعيدنا طوبى لمن ذكر المعاد وقنع بالكفاف وأعد للحساب
15 إنكم مخلوقون اقتدارا ومربوبون اقتسارا ومضمنون أجداثا وكائنون رفاتا ومبعوثون أفرادا ومدينون حسابا فرحم الله امرأ اقترف فاعترف ووجل فعقل وحاذر فبادر وعمر فاعتبر وحذر فازدجر وأجاب فأناب وراجع فتاب واقتدى فاحتذى وتأهب للمعاد واستظهر بالزاد ليوم رحيله ووجه سبيله ولحال حاجته وموطن فاقته فقدم أمامه لدار مقامه فمهدوا لأنفسكم على سلامة الأبدان وفسحة الأعمار فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني الهرم وأهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء واقتراب الفوت ومشارفة الانتقال وإشفاء الزوال وحفز الأنين ورشح الجبين وامتداد العرنين وعلز القلق وقيظ الرمق وشدة المضض وغصص الجرض
16 ثلاث منجيات خشية الله في السر والعلانية والقصد في الفقر والغنى والعدل في الغضب والرضا
[ 258 ]
17 إياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش وإياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم هو الذي سفك دماء الرجال وهو الذي قطع أرحامها فاجتنبوه(1/5929)
18 إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم كان علمه الناس فانتفعوا به وولد صالح يدعو له
19 إذا فعلت كل شي ء فكن كمن لم يفعل شيئا
20 سأله رجل فقال بما ذا أسوء عدوي فقال بأن تكون على غاية الفضائل لأنه إن كان يسوءه أن يكون لك فرس فاره أو كلب صيود فهو لأن تذكر بالجميل وينسب إليك أشد مساءة
21 إذا قذفت بشي ء فلا تتهاون به وإن كان كذبا بل تحرز من طرق القذف جهدك فإن القول وإن لم يثبت يوجب ريبة وشكا
22 عدم الأدب سبب كل شر
23 الجهل بالفضائل عدل الموت
24 ما أصعب على من استعبدته الشهوات أن يكون فاضلا
25 من لم يقهر حسده كان جسده قبرا لنفسه
26 احمد من يغلظ عليك ويعظك لا من يزكيك ويتملقك
27 اختر أن تكون مغلوبا وأنت منصف ولا تختر أن تكون غالبا وأنت ظالم
28 لا تهضمن محاسنك بالفخر والتكبر
29 لا تنفك المدنية من شر حتى يجتمع مع قوة السلطان قوة دينه وقوة حكمته
[ 259 ]
30 إذا أردت أن تحمد فلا يظهر منك حرص على الحمد
31 من كثر همه سقم بدنه ومن ساء خلقه عذب نفسه ومن لاحى الرجال سقطت مروءته وذهبت كرامته وأفضل إيمان العبد أن يعلم أن الله معه حيث كان
32 كن ورعا تكن من أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما ولا تكثرن الضحك فإن كثرته تميت القلب وأخرس لسانك واجلس في بيتك وابك على خطيئتك
33 إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر ولا يزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعما عمل فيما علم
34 في التجارب علم مستأنف والاعتبار يفيدك الرشاد وكفاك أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك وعليك لأخيك مثل الذي عليه لك
35 الغضب يثير كامن الحقد ومن عرف الأيام لم يغفل الاستعداد ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول(1/5930)
36 اسكت واستر تسلم وما أحسن العلم يزينه العمل وما أحسن العمل يزينه الرفق
37 أكبر الفخر ألا تفخر
38 ما أصعب اكتساب الفضائل وأيسر إتلافها
39 لا تنازع جاهلا ولا تشايع مائقا ولا تعاد مسلطا
40 الموت راحة للشيخ الفاني من العمل وللشاب السقيم من السقم وللغلام
[ 260 ]
الناشئ من استقبال الكد والجمع لغيره ولمن ركبه الدين لغرمائه وللمطلوب بالوتر وهو في جملة الأمر أمنية كل ملهوف مجهود
41 ما كنت كاتمه عدوك من سر فلا تطلعن عليه صديقك واعرف قدرك يستعل أمرك وكفى ما مضى مخبرا عما بقي
42 لا تعدن عدة تحقرها قلة الثقة بنفسك ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا
43 اتق العواقب عالما بأن للأعمال جزاء وأجرا واحذر تبعات الأمور بتقديم الحزم فيها
44 من استرشد غير العقل أخطأ منهاج الرأي ومن أخطأته وجوه المطالب خذلته الحيل ومن أخل بالصبر أخل به حسن العاقبة فإن الصبر قوة من قوى العقل وبقدر مواد العقل وقوتها يقوى الصبر
45 الخطأ في إعطاء من لا يبتغي ومنع من يبتغي واحد
46 العشق مرض ليس فيه أجر ولا عوض
47 أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب وقائل كلمة الزور ومن يمد بحبلها في الإثم سواء
48 الخصومة تمحق الدين
49 الجهاد ثلاثة جهاد باليد وجهاد باللسان وجهاد بالقلب فأول ما يغلب عليه من الجهاد يدك ثم لسانك ثم يصير إلى القلب فإن كان لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا نكس فجعل أعلاه أسفله
[ 261 ]
50 ما أنعم الله على عبد نعمة فشكرها بقلبه إلا استوجب المزيد عليها قبل ظهورها على لسانه
51 الحاجة مسألة والدعاء زيادة والحمد شكر والندم توبة
52 لن واحلم تنبل ولا تكن معجبا فتمقت وتمتهن(1/5931)
53 ما لي أرى الناس إذا قرب إليهم الطعام ليلا تكلفوا إنارة المصابيح ليبصروا ما يدخلون بطونهم ولا يهتمون بغذاء النفس بأن ينيروا مصابيح ألبابهم بالعلم ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب في اعتقاداتهم وأعمالهم
54 الفقر هو أصل حسن سياسة الناس وذلك أنه إذا كان من حسن السياسة أن يكون بعض الناس يسوس وبعضهم يساس وكان من يساس لا يستقيم أن يساس من غير أن يكون فقيرا محتاجا فقد تبين أن الفقر هو السبب الذي به يقوم حسن السياسة
55 لا تتكلم بين يدي أحد من الناس دون أن تسمع كلامه وتقيس ما في نفسك من العلم إلى ما في نفسه فإن وجدت ما في نفسه أكثر فحينئذ ينبغي لك أن تروم زيادة الشي ء الذي به يفضل على ما عندك
56 إذا كان اللسان آلة لترجمة ما يخطر في النفس فليس ينبغي أن تستعمله فيما لم يخطر فيها
57 إذا كان الآباء هم السبب في الحياة فمعلمو الحكمة والدين هم السبب في جودتها
58 وشكا إليه رجل تعذر الرزق فقال مه لا تجاهد الرزق جهاد المغالب ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة والإجمال
[ 262 ]
في الطلب من العفة وليست العفة دافعة رزقا ولا الحرص جالبا فضلا لأن الرزق مقسوم وفي شدة الحرص اكتساب المآثم
59 إذا استغنيت عن شي ء فدعه وخذ ما أنت محتاج إليه
60 العمر أقصر من أن تعلم كل ما يحسن بك علمه فتعلم الأهم فالأهم
61 من رضي بما قسم له استراح قلبه وبدنه
62 أبعد ما يكون العبد من الله إذا كان همه بطنه وفرجه
63 ليس في الحواس الظاهرة شي ء أشرف من العين فلا تعطوها سؤلها فيشغلكم عن ذكر الله
64 ارحموا ضعفاءكم فالرحمة لهم سبب رحمة الله لكم
65 إزالة الجبال أسهل من إزالة دولة قد أقبلت فاستعينوا بالله واصبروا ف إِنَّ اَلْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ(1/5932)
66 قال له عثمان في كلام تلاحيا فيه حتى جرى ذكر أبي بكر وعمر أبو بكر وعمر خير منك فقال أنا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما
67 أوثق سلم يتسلق عليه إلى الله تعالى أن يكون خيرا
68 ليس الموسر من كان يساره باقيا عنده زمانا يسيرا وكان يمكن أن يغتصبه غيره منه ولا يبقى بعد موته له لكن اليسار على الحقيقة هو الباقي دائما عند مالكه ولا يمكن أن يؤخذ منه ويبقى له بعد موته وذلك هو الحكمة
69 الشرف اعتقاد المنن في أعناق الرجال
[ 263 ]
70 يضر الناس أنفسهم في ثلاثة أشياء الإفراط في الأكل اتكالا على الصحة وتكلف حمل ما لا يطاق اتكالا على القوة والتفريط في العمل اتكالا على القدر
71 أحزم الناس من ملك جده هزله وقهر رأيه هواه وأعرب عن ضميره فعله ولم يخدعه رضاه عن حظه ولا غضبه عن كيده
72 من لم يصلح خلائقه لم ينفع الناس تأديبه
73 من اتبع هواه ضل ومن حاد ساد وخمود الذكر أجمل من ذميم الذكر
74 لهب الشوق أخف محملا من مقاساة الملالة
75 بالرفق تنال الحاجة وبحسن التأني تسهل المطالب
76 عزيمة الصبر تطفئ نار الهوى ونفي العجب يؤمن به كيد الحساد
77 ما شي ء أحق بطول سجن من لسان
78 لا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة
79 لكل شي ء ثمرة وثمرة المعروف تعجيل السراح
80 إياكم والكسل فإنه من كسل لم يؤد لله حقا
81 احسبوا كلامكم من أعمالكم وأقلوه إلا في الخير
82 أحسنوا صحبة النعم فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها
83 أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من قبوركم ويوم وقوفكم بين يدي الله عز وجل يهن عليكم المصاب
[ 264 ](1/5933)
84 بحسب مجاهدة النفوس وردها عن شهواتها ومنعها عن مصافحة لذاتها ومنع ما أدت إليه العيون الطامحة من لحظاتها تكون المثوبات والعقوبات والحازم من ملك هواه فكان بملكه له قاهرا ولما قدحت الأفكار من سوء الظنون زاجرا فمتى لم ترد النفس عن ذلك هجم عليها الفكر بمطالبة ما شغفت به فعند ذلك تأنس بالآراء الفاسدة والأطماع الكاذبة والأماني المتلاشية وكما أن البصر إذا اعتل رأى أشباحا وخيالات لا حقيقة لها كذلك النفس إذا اعتلت بحب الشهوات وانطوت على قبيح الإرادات رأت الآراء الكاذبة فإلى الله سبحانه نرغب في إصلاح ما فسد من قلوبنا وبه نستعين على إرشاد نفوسنا فإن القلوب بيده يصرفها كيف شاء
85 لا تؤاخين الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله ويحسن لك أقبح خصاله ومدخله ومخرجه من عندك شين وعار ونقص ولا الأحمق فإنه يجهد لك نفسه ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك فضرك سكوته خير لك من نطقه وبعده خير لك من قربه وموته خير لك من حياته ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه شي ء ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنه ليحدث بالصدق فلا يصدق
86 ما استقصى كريم قط قال تعالى في وصف نبيه عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ
87 رب كلمة يخترعها حليم مخافة ما هو شر منها وكفى بالحلم ناصرا
88 من جمع ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ولا عن النار مهربا من عرف الله فأطاعه وعرف الشيطان فعصاه وعرف الحق فاتبعه وعرف الباطل فاتقاه وعرف الدنيا فرفضها وعرف الآخرة فطلبها
[ 265 ]
89 من استحيا من الناس ولم يستحي من نفسه فليس لنفسه عند نفسه قدر
90 غاية الأدب أن يستحي الإنسان من نفسه
91 البلاغة النصر بالحجة والمعرفة بمواضع الفرصة ومن البصر بالحجة أن تدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها إذا كان الإفصاح أوعر طريقة وكانت الكناية أبلغ في الدرك وأحق بالظفر(1/5934)
92 إياك والشهوات وليكن مما تستعين به على كفها علمك بأنها ملهية لعقلك مهجنة لرأيك شائنة لغرضك شاغلة لك عن معاظم أمورك مشتدة بها التبعة عليك في آخرتك إنما الشهوات لعب فإذا حضر اللعب غاب الجد ولن يقام الدين وتصلح الدنيا إلا بالجد فإذا نازعتك نفسك إلى اللهو واللذات فاعلم أنها قد نزعت بك إلى شر منزع وأرادت بك أفضح الفضوح فغالبها مغالبة ذلك وامتنع منها امتناع ذلك وليكن مرجعك منها إلى الحق فإنك مهما تترك من الحق لا تتركه إلا إلى الباطل ومهما تدع من الصواب لا تدعه إلا إلى الخطإ فلا تداهنن هواك في اليسير فيطمع منك في الكثير وليس شي ء مما أوتيت فاضلا عما يصلحك وليس لعمرك وإن طال فضل عما ينوبك من الحق اللازم لك ولا بمالك وإن كثر فضل عما يجب عليك فيه ولا بقوتك وإن تمت فضل عن أداء حق الله عليك ولا برأيك وإن حزم فضل عما لا تعذر بالخطإ فيه فليمنعنك علمك بذلك من أن تطيل لك عمرا في غير نفع أو تضيع لك مالا في غير حق أو أن تصرف لك قوة في غير عبادة أو تعدل لك رأيا في غير رشد
[ 266 ]
فالحفظ الحفظ لما أوتيت فإن بك إلى صغير ما أوتيت الكثير منه أشد الحاجة وعليك بما أضعته منه أشد الرزية ولا سيما العمر الذي كل منفذ سواه مستخلف وكل ذاهب بعده مرتجع فإن كنت شاغلا نفسك بلذة فلتكن لذتك في محادثة العلماء ودرس كتبهم فإنه ليس سرورك بالشهوات بالغا منك مبلغا إلا وإكبابك على ذلك ونظرك فيه بالغه منك غير أن ذلك يجمع إلى عاجل السرور تمام السعادة وخلاف ذلك يجمع إلى عاجل الغي وخامة العاقبة وقديما قيل أسعد الناس أدركهم لهواه إذا كان هواه في رشده فإذا كان هواه في غير رشده فقد شقي بما أدرك منه وقديما قيل عود نفسك الجميل فباعتيادك إياه يعود لذيذا
93 وكل ثلاث بثلاث الرزق بالحمق والحرمان بالعقل والبلاء بالمنطق ليعلم ابن آدم أن ليس له من الأمر شي ء(1/5935)
94 ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك عبدك وزوجتك وابنك وقد روينا هذه الكلمة لعمر فيما تقدم
95 للمنافقين علامات يعرفون بها تحيتهم لعنة وطعامهم تهمة وغنيمتهم غلول لا يعرفون المساجد إلا هجرا ولا يأتون الصلاة إلا دبرا مستكبرون لا يألفون ولا يؤلفون خشب بالليل صخب بالنهار
[ 267 ]
96 الحسد حزن لازم وعقل هائم ونفس دائم والنعمة على المحسود نعمة وهي على الحاسد نقمة
97 يا حملة العلم أ تحملونه فإنما العلم لمن علم ثم عمل ووافق عمله علمه وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف عملهم علمهم يقعدون حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله سبحانه
98 تعلموا العلم صغارا تسودوا به كبارا تعلموا العلم ولو لغير الله فإنه سيصير لله العلم ذكر لا يحبه إلا ذكر من الرجال
99 ليس شي ء أحسن من عقل زانه علم ومن علم زانه حلم ومن حلم زانه صدق ومن صدق زانه رفق ومن رفق زانه تقوى إن ملإك العقل ومكارم الأخلاق صون العرض والجزاء بالفرض والأخذ بالفضل والوفاء بالعهد والإنجاز للوعد ومن حاول أمرا بالمعصية كان أقرب إلى ما يخاف وأبعد مما يرجو
100 إذا جرت المقادير بالمكاره سبقت الآفة إلى العقل فحيرته وأطلقت الألسن بما فيه تلف الأنفس
101 لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم
102 لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم
103 لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده فإن الناس لا يسألون في كم فرغ من العمل إنما يسألون عن جودة صنعته
104 ليس كل ذي عين يبصر ولا كل ذي أذن يسمع فتصدقوا على أولي العقول الزمنة والألباب الحائرة بالعلوم التي هي أفضل صدقاتكم ثم تلا إِنَّ اَلَّذِينَ
[ 268 ](1/5936)
يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ اَلْبَيِّناتِ وَ اَلْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي اَلْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ . . . اَللاَّعِنُونَ
105 من أتت عليه الأربعون من السنين قيل له خذ حذرك من حلول المقدور فإنك غير معذور وليس أبناء الأربعين بأحق بالحذر من أبناء العشرين فإن طالبهما واحد وليس عن الطلب براقد وهو الموت فاعمل لما أمامك من الهول ودع عنك زخرف القول
106 سئل عن القدر فقال أقصر أم أطيل قيل بل تقصر فقال جل الله أن يريد الفحشاء وعز عن أن يكون له في الملك إلا ما يشاء
107 من علم أنه يفارق الأحباب ويسكن التراب ويواجه الحساب ويستغني عما ترك ويفتقر إلى ما قدم كان حريا بقصر الأمل وطول العمل
108 المؤمن لا تختله كثرة المصائب وتواتر النوائب عن التسليم لربه والرضا بقضائه كالحمامة التي تؤخذ فراخها من وكرها ثم تعود إليه
109 ما مات من أحيا علما ولا افتقر من ملك فهما
110 العلم صبغ النفس وليس يفوق صبغ الشي ء حتى ينظف من كل دنس
111 اعلم أن الذي مدحك بما ليس فيك إنما هو مخاطب غيرك وثوابه وجزاؤه قد سقطا عنك
112 إحسانك إلى الحر يحركه على المكافأة وإحسانك إلى النذل يبعثه على معاودة المسألة
[ 269 ]
113 الأشرار يتتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة
114 موت الرؤساء أسهل من رئاسة السفلة
115 ينبغي لمن ولي أمر قوم أن يبدأ بتقويم نفسه قبل أن يشرع في تقويم رعيته وإلا كان بمنزلة من رام استقامة ظل العود قبل أن يستقيم ذلك العود
116 إذا قوي الوالي في عمله حركته ولايته على حسب ما هو مركوز في طبعه من الخير والشر(1/5937)
117 ينبغي للوالي أن يعمل بخصال ثلاث تأخير العقوبة منه في سلطان الغضب والأناة فيما يرتئيه من رأي وتعجيل مكافأة المحسن بالإحسان فإن في تأخير العقوبة إمكان العفو وفي تعجيل المكافأة بالإحسان طاعة الرعية وفي الأناة انفساح الرأي وحمد العاقبة ووضوح الصواب
118 من حق العالم على المتعلم ألا يكثر عليه السؤال ولا يعنته في الجواب ولا يلح عليه إذا كسل ولا يفشي له سرا ولا يغتاب عنده أحدا ولا يطلب عثرته فإذا زل تأنيت أوبته وقبلت معذرته وأن تعظمه وتوقره ما حفظ أمر الله وعظمه وألا تجلس أمامه وإن كانت له حاجة سبقت غيرك إلى خدمته فيها ولا تضجرن من صحبته فإنما هو بمنزلة النخلة ينتظر متى يسقط عليك منها منفعة وخصه بالتحية واحفظ شاهده وغائبة وليكن ذلك كله لله عز وجل فإن العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه وطالب العلم تشيعه الملائكة حتى يرجع
[ 270 ]
119 وصول معدم خير من جاف مكثر ومن أراد أن ينظر ما له عند الله فلينظر ما لله عنده
120 لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا أكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولا اعتمارا ولكن عقلوا عن الله أمره فحسنت طاعتهم وصح ورعهم وكمل يقينهم ففاقوا غيرهم بالحظوة ورفيع المنزلة
121 ما من عبد إلا ومعه ملك يقيه ما لم يقدر له فإذا جاء القدر خلاه وإياه
122 إن الله سبحانه أدب نبيه ص بقوله خُذِ اَلْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ اَلْجاهِلِينَ فلما علم أنه قد تأدب قال له وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فلما استحكم له من رسوله ما أحب قال وَ ما آتاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(1/5938)
123 كنت أنا والعباس وعمر نتذاكر المعروف فقلت أنا خير المعروف ستره وقال العباس خيره تصغيره وقال عمر خيره تعجيله فخرج علينا رسول الله فقال فيم أنتم فذكرنا له فقال خيره أن يكون هذا كله فيه
124 العفو يفسد من اللئيم بقدر ما يصلح من الكريم
125 إذا خبث الزمان كسدت الفضائل وضرت ونفقت الرذائل ونفعت وكان خوف الموسر أشد من خوف المعسر
126 انظر إلى المتنصح إليك فإن دخل من حيث يضار الناس فلا تقبل
[ 271 ]
نصيحته وتحرز منه وإن دخل من حيث العدل والصلاح فاقبلها منه
127 أعداء الرجل قد يكونوا أنفع من إخوانه لأنهم يهدون إليه عيوبه فيتجنبها ويخاف شماتتهم به فيضبط نعمته ويتحرز من زوالها بغاية طوقه
128 المرآة التي ينظر الإنسان فيها إلى أخلاقه هي الناس لأنه يرى محاسنه من أوليائه منهم ومساويه من أعدائه فيهم
129 انظر وجهك كل وقت في المرآة فإن كان حسنا فاستقبح أن تضيف إليه فعلا قبيحا وتشينه به وإن كان قبيحا فاستقبح أن تجمع بين قبحين
130 موقع الصواب من الجهال مثل موقع الخطإ من العلماء
131 ذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب
132 كفر النعمة لؤم وصحبة الجاهل شؤم
133 عاديت من ماريت
134 لا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب
135 خير المقال ما صدقه الفعال
136 إذا لم ترزق غنى فلا تحرمن تقوى
137 من عرف الدنيا لم يحزن للبلوى
138 دع الكذب تكرما إن لم تدعه تأثما
139 الدنيا طواحة طراحة فضاحة آسية جراحة
140 الدنيا جمة المصائب مرة المشارب لا تمتع صاحبا بصاحب
141 المعتذر من غير ذنب يوجب على نفسه الذنب
[ 272 ]
142 من كسل لم يؤد حقا
143 كثرة الجدال تورث الشك
144 خير القلوب أوعاها(1/5939)
145 الحياء لباس سابغ وحجاب مانع وستر من المساوئ واق وحليف للدين وموجب للمحبة وعين كالئة تذود عن الفساد وتنهى عن الفحشاء والعجلة في الأمور مكسبة للمذلة وزمام للندامة وسلب للمروءة وشين للحجى ودليل على ضعف العقيدة
146 إذا بلغ المرء من الدنيا فوق قدره تنكرت للناس أخلاقه
147 لا تصحب الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه شرا وأنت لا تعلم
148 موت الصالح راحة لنفسه وموت الطالح راحة للناس
149 ينبغي للعاقل أن يتذكر عند حلاوة الغذاء مرارة الدواء
150 إن حسدك أخ من إخوانك على فضيلة ظهرت منك فسعى في مكروهك فلا تقابله بمثل ما كافحك به فتعذر نفسه في الإساءة إليك وتشرع له طريقا إلى ما يحبه فيك لكن اجتهد في التزيد من تلك الفضيلة التي حسدك عليها فإنك تسوءه من غير أن توجده حجة عليك
151 إذا أردت أن تعرف طبع الرجل فاستشره فإنك تقف من مشورته على عدله وجوره وخيره وشره
152 يجب عليك أن تشفق على ولدك أكثر من إشفاقه عليك
153 زمان الجائر من السلاطين والولاة أقصر من زمان العادل لأن الجائر مفسد والعادل مصلح وإفساد الشي ء أشرع من إصلاحه
[ 273 ]
154 إذا خدمت رئيسا فلا تلبس مثل ثوبه ولا تركب مثل مركوبه ولا تستخدم كخدمه فعساك تسلم منه
155 لا تحدث بالعلم السفهاء فيكذبوك ولا الجهال فيستثقلوك ولكن حدث به من يتلقاه من أهله بقبول وفهم يفهم عنك ما تقول ويكتم عليك ما يسمع فإن لعلمك عليك حقا كما أن عليك في مالك حقا بذله لمستحقه ومنعه عن غير مستحقه
156 اليقين فوق الإيمان والصبر فوق اليقين ومن أفرط رجاؤه غلبت الأماني على قلبه واستعبدته
157 إياك وصاحب السوء فإنه كالسيف كالمسلول يروق منظره ويقبح أثره
158 يا ابن آدم احذر الموت في هذه الدار قبل أن تصير إلى دار تتمنى الموت فيها فلا تجده
159 من أخطأه سهم المنية قيده الهرم
160 من سمع بفاحشة فأبداها كان كمن أتاها(1/5940)
161 العاقل من اتهم رأيه ولم يثق بما سولته له نفسه
162 من سامح نفسه فيما يحب أتعبها فيما لا يحب
163 كفى ما مضى مخبرا عما بقي وكفى عبرا لذوي الألباب ما جربوا
164 أمر لا تدري متى يغشاك ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك
[ 274 ]
165 ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة
166 إذا أعجبك ما يتواصفه الناس من محاسنك فانظر فيما بطن من مساوئك ولتكن معرفتك بنفسك أوثق عندك من مدح المادحين لك
167 من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك
168 إذا تشبه صاحب الرياء بالمخلصين في الهيئة كان مثل الوارم الذي يوهم الناس أنه سمين فيظن الناس ذلك فيه وهو يستر ما يلقى من الألم التابع للورم
169 إذا قويت نفس الإنسان انقطع إلى الرأي وإذ ضعفت انقطع إلى البخت
170 الرغبة إلى الكريم تحركه على البذل وإلى الخسيس تغريه بالمنع
171 خيار الناس يترفعون عن ذكر معايب الناس ويتهمون المخبر بها ويأثرون الفضائل ويتعصبون لأهلها ويستعرضون مآثر الرؤساء وإفضالهم عليهم ويطالبون أنفسهم بالمكافأة عليها وحسن الرعاية لها
172 لكل شي ء قوت وأنتم قوت الهوام ومن مشى على ظهر الأرض فإن مصيره إلى بطنها
173 من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه وحنينه إلى أوطانه وحفظه قديم إخوانه
[ 275 ]
174 ومن دعائه اللهم إن كنا قد قصرنا عن بلوغ طاعتك فقد تمسكنا من طاعتك بأحبها إليك لا إله إلا أنت جاءت بالحق من عندك
175 أصابت الدنيا من أمنها وأصاب الدنيا من حذرها
176 ووقف على قوم أصيبوا بمصيبة فقال إن تجزعوا فحق الرحم بلغتم وإن تصبروا فحق الله أديتم
177 مكارم الأخلاق عشر خصال السخاء والحياء والصدق وأداء الأمانة والتواضع والغيرة والشجاعة والحلم والصبر والشكر
178 من أداء الأمانة المكافأة على الصنيعة لأنها كالوديعة عندك(1/5941)
179 الخير النفس تكون الحركة في الخير عليه سهلة متيسرة والحركة في الإضرار عسرة بطيئة والشرير بالضد من ذلك
180 البخلاء من الناس يكون تغافلهم عن عظيم الجرم أسهل عليهم من المكافأة على يسير الإحسان
181 مثل الإنسان الحصيف مثل الجسم الصلب الكثيف يسخن بطيئا وتبرد تلك السخونة بأطول من ذلك الزمان
182 ثلاثة يرحمون عاقل يجري عليه حكم جاهل وضعيف في يد ظالم قوي وكريم قوم احتاج إلى لئيم
183 من صحب السلطان وجب أن يكون معه كراكب البحر إن سلم بجسمه من الغرق لم يسلم بقلبه من الفرق
[ 276 ]
184 لا تقبلن في استعمال عمالك وأمرائك شفاعة إلا شفاعة الكفاية والأمانة
185 إذا استشارك عدوك فجرد له النصيحة لأنه باستشارتك قد خرج من عدواتك ودخل في مودتك
186 العدل صورة واحدة والجور صور كثيرة ولهذا سهل ارتكاب الجور وصعب تحري العدل وهما يشبهان الإصابة في الرماية والخطأ فيها وإن الإصابة تحتاج إلى ارتياض وتعهد والخطأ لا يحتاج إلى شي ء من ذلك
187 لا يخطئ المخلص في الدعاء إحدى ثلاث ذنب يغفر أو خير يعجل أو شر يؤجل
188 لا ينتصف ثلاثة من ثلاثة بر من فاجر وعاقل من جاهل وكريم من لئيم
189 أشرف الملوك من لم يخالطه البطر ولم يحل عن الحق وأغنى الأغنياء من لم يكن للحرص أسيرا وخير الأصدقاء من لم يكن على إخوانه مستصعبا وخير الأخلاق أعونها على التقى والورع
190 أربع القليل منهن كثير النار والعداوة والمرض والفقر
191 أربعة من الشقاء جار السوء وولد السوء وامرأة السوء والمنزل الضيق
192 أربعة تدعو إلى الجنة كتمان المصيبة وكتمان الصدقة وبر الوالدين والإكثار من قول لا إله إلا الله
[ 277 ]
193 لا تصحب الجاهل فإن فيه خصالا فاعرفوه بها يغضب من غير غضب ويتكلم في غير نفع ويعطي في غير موضع الإعطاء ولا يعرف صديقه من عدوه ويفشي سره إلى كل أحد(1/5942)
194 إياك ومواقف الاعتذار فرب عذر أثبت الحجة على صاحبه وإن كان بريئا
195 الصراط ميدان يكثر فيه العثار فالسالم ناج والعاثر هالك
196 لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل
197 إن لله عبادا في الأرض كأنما رأوا أهل الجنة في جنتهم وأهل النار في نارهم اليقين وأنواره لامعة على وجوههم قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة صبروا أياما قليلة لراحة طويلة أما الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله سبحانه بأدعيتهم قد حلا في أفواههم وحلا في قلوبهم طعم مناجاته ولذيذ الخلوة به قد أقسم الله على نفسه بجلال عزته ليورثنهم المقام الأعلى في مقعد صدق عنده وأما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء كالقداح ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى وما بالقوم من مرض أو يقول قد خولطوا ولعمري لقد خالطهم أمر عظيم جليل
198 عاتبه عثمان فأكثر وهو ساكت فقال ما لك لا تقول قال إن قلت لم أقل إلا ما تكره وليس لك عندي إلا ما تحب
199 بليت في حرب الجمل بأشد الخلق شجاعة وأكثر الخلق ثروة وبذلا وأعظم الخلق في الخلق طاعة وأوفى الخلق كيدا وتكثرا بليت بالزبير لم يرد وجهه قط
[ 278 ]
و بيعلى بن منية يحمل المال على الإبل الكثيرة ويعطي كل رجل ثلاثين دينارا وفرسا على أن يقاتلني وبعائشة ما قالت قط بيدها هكذا إلا واتبعها الناس وبطلحة لا يدرك غوره ولا يطال مكره
200 بعث عثمان بن حنيف إلى طلحة والزبير فعاد فقال يا أمير المؤمنين جئتك بالخيبة فقال كلا أصبت خيرا وأجرت ثم قال إن من العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي أما والله إنهما ليعلمان أني لست بدون واحد منهما اللهم عليك بهما
201 الرزق مقسوم والأيام دول والناس شرع سواء آدم أبوهم وحواء أمهم
202 قوت الأجسام الغذاء وقوت العقول الحكمة فمتى فقد واحد منهما قوته بار واضمحل(1/5943)
203 الصبر على مشقة العباد يترقى بك إلى شرف الفوز الأكبر
204 الروح حياة البدن والعقل حياة الروح
205 حقيق بالإنسان أن يخشى الله بالغيب ويحرس نفسه من العيب ويزداد خيرا مع الشيب
206 أفضل الولاة من بقي بالعدل ذكره واستمده من يأتي بعده
207 قدم العدل على البطش تظفر بالمحبة ولا تستعمل الفعل حيث ينجع القول
[ 279 ]
208 البخيل يسخو من عرضه بمقدار ما يبخل به من ماله والسخي يبخل من عرضه بمقدار ما يسخو به من ماله
209 فضل العقل على الهوى لأن العقل يملكك الزمان والهوى يستعبدك للزمان
210 كل ما حملت عليه الحر احتمله ورآه زيادة في شرفه إلا ما حطه جزءا من حريته فإنه يأباه ولا يجيب إليه
211 إذا منعك اللئيم البر مع إعظامه حقك كان أحسن من بذل السخي لك إياه مع الاستخفاف بك
212 الملك كالنهر العظيم تستمد منه الجداول فإن كان عذبا عذبت وإن كان ملحا ملحت
213 الفرق بين السخاء والتبذير أن السخي يسمح بما يعرف مقداره ومقدار الرغبة فيه إليه ويضعه بحيث يحسن وضعه وتزكو عارفته والمبذر يسمح بما لا يوازن به رغبة الراغب ولا حق القاصد ولا مقدار ما أولى ويستفزه لذلك خطرة من خطراته والتصدي لإطراء مطر له بينهما بون بعيد
214 لا تلاج الغضبان فإنك تقلقه باللجاج ولا ترده إلى الصواب
215 لا تفرح بسقطة غيرك فإنك لا تدري ما تتصرف الأيام بك
216 قليل العلم إذا وقر في القلب كالطل يصيب الأرض المطمئنة فتعشب
217 مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها
[ 280 ]
طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها(1/5944)
218 المؤمن إذا نظر اعتبر وإذا سكت تفكر وإذا تكلم ذكر وإذا استغنى شكر وإذا أصابته شدة صبر فهو قريب الرضا بعيد السخط يرضيه عن الله اليسير ولا يسخطه البلاء الكثير قوته لا تبلغ به ونيته تبلغ مغموسة في الخير يده ينوي كثيرا من الخير ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به والمنافق إذا نظر لها وإذا سكت سها وإذا تكلم لغا وإذا أصابه شدة شكا فهو قريب السخط بعيد الرضا يسخطه على الله اليسير ولا يرضيه الكثير قوته تبلغ ونيته لا تبلغ مغموسة في الشر يده ينوي كثيرا من الشر ويعمل بطائفة منه فيتلهف على ما فاته من الشر كيف لم يأمر به وكيف لم يعمل به على لسان المؤمن نور يسطع وعلى لسان المنافق شيطان ينطق
219 سوء الظن يدوي القلوب ويتهم المأمون ويوحش المستأنس ويغير مودة الإخوان
220 إذا لم يكن في الدنيا إلا محتاج فأغنى الناس أقنعهم بما رزق
221 قيل له إن درعك صدر لا ظهر لها إنا نخاف أن تؤتى من قبل ظهرك فقال إذا وليت فلا واءلت
222 أشد الأشياء الإنسان لأن أشدها فيما يرى الجبل والحديد
[ 281 ]
ينحت الجبل والنار تأكل الحديد والماء يطفي النار والسحاب يحمل الماء والريح يفرق السحاب والإنسان يتقي من الريح
223 إنما الناس في نفس معدود وأمل ممدود وأجل محدود فلا بد للأجل أن يتناهى وللنفس أن يحصى وللأمل إن ينقضي ثم قرأ وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ
224 اللهم لا تجعل الدنيا لي سجنا ولا فراقها علي حزنا أعوذ بك من دنيا تحرمني الآخرة ومن أمل يحرمني العمل ومن حياة تحرمني خير الممات
225 تعطروا بالاستغفار لا تفضحكم رائحة الذنوب
226 للنكبات غايات تنتهي إليها ودواؤها الصبر عليها وترك الحيلة في إزالتها فإن الحيلة في إزالتها قبل انقضاء مدتها سبب لزيادتها
227 لا يرضى عنك الحاسد حتى يموت أحدكما
228 لا يكون الرجل سيد قومه حتى لا يبالي أي ثوبيه لبس(1/5945)
229 كتب إلى عامل له اعمل بالحق ليوم لا يقضى فيه إلا بالحق
230 نظر إلى رجل يغتاب آخر عند ابنه الحسن فقال يا بني نزه سمعك عنه فإنه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك
231 احذروا الكلام في مجالس الخوف فإن الخوف يذهل العقل الذي منه نستمد ويشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذي نروم نصرته واحذر الغضب ممن يحملك عليه فإنه مميت للخواطر مانع من التثبت واحذر من تبغضه فإن بغضك له يدعوك إلى الضجر به وقليل الغضب كثير في أذى النفس والعقل والضجر مضيق
[ 282 ]
للصدر مضعف لقوى العقل واحذر المحافل التي لا إنصاف لأهلها في التسوية بينك وبين خصمك في الإقبال والاستماع ولا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم لك وعليك واحذر حين تظهر العصبية لخصمك بالاعتراض عليك وتشييد قوله وحجته فإن ذلك يهيج العصبية والاعتراض على هذا الوجه يخلق الكلام ويذهب بهجة المعاني واحذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك واحذر استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفظ ورب صغير غلب كبير
232 لا تقبل الرئاسة على أهل مدينتك فإنهم لا يستقيمون لك إلا بما تخرج به من شرط الرئيس الفاضل
233 لا تهزأ بخطإ غيرك فإن المنطق لا يملكه وأقلل من الخطإ الذي أنت فيه بقدر الصبر واجعل العقل والحق إماميك تنل البغية بهما
234 الرأي يريك غاية الأمر مبدأه
235 الخير من الناس من قدر على أن يصرف نفسه كما يشاء ويدفعها عن الشرور والشرير من لم يكن كذلك
236 السلطان الفاضل هو الذي يحرس الفضائل ويجود بها لمن دونه ويرعاها من خاصته وعامته حتى تكثر في أيامه ويتحسن بها من لم تكن فيه
237 للكريم رباطان أحدهما الرعاية لصديقه وذوي الحرمة به والآخر الوفاء لمن ألزمه الفضل ما يجب له عليه
238 إذا تحركت صورة الشر ولم تظهر ولدت الفزع فإذا ظهرت ولدت الألم وإذا تحركت صورة الخير ولم تظهر ولدت الفرج فإذا ظهرت ولدت اللذة
[ 283 ](1/5946)
239 الفرق بين الاقتصاد والبخل أن الاقتصاد تمسك الإنسان بما في يده خوفا على حريته وجاهه من المسألة فهو يضع الشي ء موضعه ويصبر عما لا تدعو ضرورة إليه ويصل صغير بره بعظيم بشره ولا يستكثر من المودات خوفا من فرط الإجحاف به والبخيل لا يكافئ على ما يسدى إليه ويمنع أيضا اليسير من استحق الكثير ويصبر لصغير ما يجري عليه على كثير من الذلة
240 لا تحتقرن صغيرا يمكن أن يكبر ولا قليلا يمكن أن يكثر
241 ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه حتى يوم الناس هذا ولقد كنت أظلم قبل ظهور الإسلام ولقد كان أخي عقيل يذنب أخي جعفر فيضربني
242 لو كسرت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى تزهر تلك القضايا إلى الله عز وجل وتقول يا رب إن عليا قضى بين خلقك بقضائك
243 مر بدار بالكوفة في مراد تبنى فوقعت منها شظية على صلعته فأدمتها فقال ما يومي من مراد بواحد اللهم لا ترفعها قالوا فو الله لقد رأينا تلك الدار بين الدور كالشاة الجماء بين الغنم ذوات القرون
244 أقتل الأشياء لعدوك ألا تعرفه أنك اتخذته عدوا
245 الخيرة في ترك الطيرة
246 قيل له في بعض الحروب إن جالت الخيل أين نطلبك قال حيث تركتموني
247 شفيع المذنب إقراره وتوبته اعتذاره
[ 284 ]
248 قصم ظهري رجلان جاهل متنسك وعالم متهتك
249 أ لا أخبركم بذات نفسي أما الحسن ففتى من الفتيان وصاحب جفنة وخوان ولو التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب غناء عصفور وأما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو وظل باطل وأما أنا والحسين فنحن منكم وأنتم منا
250 قال في المنبرية صار ثمنها تسعا على البديهة وهذا من العجائب(1/5947)
251 جاء الأشعث إليه وهو على المنبر فجعل يتخطى رقاب الناس حتى قرب منه ثم قال يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك يعني العجم فركض المنبر برجله حتى قال صعصعة بن صوحان ما لنا وللأشعث ليقولن أمير المؤمنين ع اليوم في العرب قولا لا يزال يذكر فقال ع من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار ويهجر قوما للذكر أ فتأمرونني أن أطردهم ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا
252 كان إذا رأى ابن ملجم يقول أريد حياته البيت فيقال له فاقتله فيقول كيف أقتل قاتلي
253 إلهي ما قدر ذنوب أقابل بها كرمك وما قدر عبادة أقابل بها نعمك وإني لأرجو أن تستغرق ذنوبي في كرمك كما استغرقت أعمالي في نعمك
[ 285 ]
254 إذا غضب الكريم فألن له الكلام وإذا غضب اللئيم فخذ له العصا
255 غضب العاقل في فعله وغضب الجاهل في قوله
256 رأى رجلا يحدث منكر الحديث فقال يا هذا أنصف أذنيك من فمك فإنما جعل الأذنان اثنتين والفم واحدا لتسمع أكثر مما تقول
257 إياك وكثرة الاعتذار فإن الكذب كثيرا ما يخالط المعاذير
258 اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك
259 سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الأكياس
260 مروا الأحداث بالمراء والجدال والكهول بالفكر والشيوخ بالصمت
261 عود نفسك الصبر على جليس السوء فليس يكاد يخطئك
262 يا بني إن الشر تاركك إن تركته
263 لا تطلبوا الحاجة إلى ثلاثة إلى الكذوب فإنه يقربها وإن كانت بعيدة ولا إلى أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ولا إلى رجل له إلى صاحب الحاجة حاجة فإنه يجعل حاجتك وقاية لحاجته
264 إياك وصدر المجلس فإنه مجلس قلعة
265 احذروا صولة الكريم إذا جاع وصولة اللئيم إذا شبع
266 سرك دمك فلا تجرينه إلا في أوداجك(1/5948)
267 وسئل عن الفرق بين الغم والخوف فقال الخوف مجاهدة الأمر المخوف قبل وقوعه والغم ما يلحق الإنسان من وقوعه
[ 286 ]
268 المعروف كنز فانظر عند من تودعه
269 إذا أرسلت لبعر فلا تأت بتمر فيؤكل تمرك وتعنف على خلافك
270 إذا وقع في يدك يوم السرور فلا تخله فإنك إذا وقعت في يد يوم الغم لم يخلك
271 إذا أردت أن تصادق رجلا فانظر من عدوه
272 الانقباض من الناس مكسبة للعداوة والانبساط مجلبة لقرين السوء فكن بين المنقبض والمسترسل فإن خير الأمور أوساطها
273 إنا عبد الله وأخو رسول الله لا يقولها بعدي إلا كذاب
274 أخذ رسول الله ص بيدي فهزها وقال ما أول نعمة أنعم الله بها عليك قلت أن خلقني حيا وأقدرني وأكمل حواسي ومشاعري وقواي قال ثم ما ذا قلت أن جعلني ذكرا ولم يجعلني أنثى قال والثالثة قلت أن هداني للإسلام قال والرابعة قلت وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اَللَّهِ لا تُحْصُوها
275 اللهم إني أسألك إخبات المخبتين وإخلاص الموقنين ومرافقة الأبرار والعزيمة في كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار
276 لما ضربه ابن ملجم وأوصى ابنيه بما أوصاهما قال لابن الحنفية هل فهمت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال فإني أوصيك بمثله وبتوقير أخويك واتباع أمرهما وألا تبرم أمرا دونهما ثم قال لهما أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه فأحباه
277 أما هذا الأعور يعني الأشعث فإن الله لم يرفع شرفا إلا حسده ولا أظهر فضلا إلا عابه وهو يمني نفسه ويخدعها يخاف ويرجو فهو بينهما لا يثق
[ 287 ](1/5949)
بواحد منهما وقد من الله عليه بأن جعله جبانا ولو كان شجاعا لقتله الحق وأما هذا الأكثف عند الجاهلية يعني جرير بن عبد الله البجلي فهو يرى كل أحد دونه ويستصغر كل أحد ويحتقره قد ملئ نارا وهو مع ذلك يطلب رئاسة ويروم إمارة وهذا الأعور يغويه ويطغيه إن حدثه كذبه وإن قام دونه نكص عنه فهما كالشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بري ء منك إني أخاف الله رب العالمين
278 بلوغ أعلى المنازل بغير استحقاق من أكبر أسباب الهلكة
279 الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان
280 الكرم حسن الفطنة واللؤم سوء التغافل
281 أسوأ الناس حالا من اتسعت معرفته وبعدت همته وضاقت قدرته
282 أمران لا ينفكان من الكذب كثرة المواعيد وشدة الاعتذار
283 عادة النوكى الجلوس فوق القدر والمجي ء في غير الوقت
284 العافية الملك الخفي
285 سوء حمل الغنى يورث مقتا وسوء حمل الفاقة يضع شرفا
286 لا ينبغي لأحد أن يدع الحزم لظفر ناله عاجز ولا يسامح نفسه في التفريط لنكبة دخلت على حازم
287 ليس من حسن التوكل أن يقال العاشر عثرة ثم يركبها ثانية
[ 288 ]
288 سوء القالة في الإنسان إذا كان كذبا نظير الموت لفساد دنياه فإن كان صدقا فأشد من الموت لفساد آخرته
289 ترضى الكرام بالكلام وتصاد اللئام بالمال وتستصلح السفلة بالهوان
290 لا يزال المرء مستمرا ما لم يعثره فإذا عثر مرة لج به العثار ولو كان في جدد
291 المتواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها والمتكبر كالربوة لا يقر عليها قطرها ولا قطر غيرها
292 لا يصبر على الحرب ويصدق في اللقاء إلا ثلاثة مستبصر في دين أو غيران على حرمة أو ممتعض من ذل
293 مجاوزتك ما يكفيك فقر لا منتهى له
294 قيل له أي الأمور أعجل عقوبة وأسرع لصاحبها صرعة فقال ظلم من لا ناصر له إلا الله ومجازاة النعم بالتقصير واستطالة الغني على الفقير(1/5950)
295 الجماع للمحن جماع وللخيرات مناع حياء يرتفع وعورات تجتمع أشبه شي ء بالجنون ولذلك حجب عن العيون نتيجته ولد فتون إن عاش كد وإن مات هد
296 ما شي ء أهون من ورع وإذا رابك أمر فدعه
297 إذا أتى علي يوم لا ازداد فيه عملا يقربني إلى الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم
298 أشرف الأشياء العلم والله تعالى عالم يحب كل عالم
[ 289 ]
299 ليت شعري أي شي ء أدرك من فاته العلم بل أي شي ء فات من أدرك العلم
300 لا يسود الرجل حتى لا يبالي في أي ثوبيه ظهر
301 سمع رجلا يدعو لصاحبه فقال لا أراك الله مكروها فقال إنما دعوت له بالموت لأن من عاش في الدنيا لا بد أن يرى المكروه
302 من صفة العاقل ألا يتحدث بما يستطاع تكذيبه فيه
303 السعيد من وعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره
304 ذو الهمة وإن حط نفسه يأبى إلا علوا كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعا
305 الدين غل الله في أرضه إذا أراد أن يذل عبدا جعله في عنقه
306 العاقل إذا تكلم بكلمة أتبعها حكمة ومثلا والأحمق إذا تكلم بكلمة أتبعها حلفا
307 الحركة لقاح الجد العظيم
308 ثلاثة لا يستحي من الختم عليها المال لنفي التهمة والجوهر لنفاسته والدواء للاحتياط من العدو
309 إذا أيسرت فكل الرجال رجالك وإذا أعسرت أنكرك أهلك
310 من الحكمة جعل المال في أيدي الجهال فإنه لو خص به العقلاء لمات
[ 290 ]
الجهال جوعا ولكنه جعل في أيدي الجهال ثم استنزلهم عنه العقلاء بلطفهم وفطنتهم
311 ما رد أحد أحدا عن حاجة إلا وتبين العز في قفاه والذل في وجهه
312 ابتداء الصنيعة نافلة وربها فريضة
313 الحاسد المبطن للحسد كالنحل يمج الدواء ويبطن الداء
314 الحاسد يرى زوال نعمتك نعمة عليه
315 التواضع إحدى مصايد الشرف
316 تواضع الرجل في مرتبته ذب للشماتة عنه عند سقطته
317 رب صلف أدى إلى تلف
318 سوء الخلق يعدي وذاك أنه يدعو صاحبك إلى أن يقابلك بمثله(1/5951)
319 المروءة التامة مباينة العامة
320 أسوأ ما في الكريم أن يمنعك نداه وأحسن ما في اللئيم أن يكف عنك أذاه
321 السفلة إذا تعلموا تكبروا وإذا تمولوا استطالوا والعلية إذا تعلموا تواضعوا وإذا افتقروا صالوا
322 ثلاث لا يستصلح فسادهن بحيلة أصلا العداوة بين الأقارب وتحاسد الأكفاء وركاكة الملوك
323 السخي شجاع القلب والبخيل شجاع الوجه
[ 291 ]
324 العزلة توفر العرض وتستر الفاقة وترفع ثقل المكافأة
325 ما احتنك أحد قط إلا أحب الخلوة والعزلة
326 خير الناس من لم تجربه
327 الكريم لا يلين على قسر ولا يقسو على يسر
328 المرأة إذا أحبتك آذتك وإذا أبغضتك خانتك وربما قتلتك فحبها أذى وبغضها داء بلا دواء
329 المرأة تكتم الحب أربعين سنة ولا تكتم البغض ساعة واحدة
330 الممتحن كالمختنق كلما ازداد اضطرابا ازداد اختناقا
331 كل ما لا ينتقل بانتقالك من مالك فهو كفيل بك
332 أجل ما ينزل من السماء التوفيق وأجل ما يصعد من الأرض الإخلاص
333 اثنان يهون عليهما كل شي ء عالم عرف العواقب وجاهل يجهل ما هو فيه
334 شر من الموت ما إذا نزل تمنيت بنزوله الموت وخير من الحياة ما إذا فقدته أبغضت لفقده الحياة
335 ما وضع أحد يده في طعام أحد إلا ذل له
336 المرأة كالنعل يلبسها الرجل إذا شاء لا إذا شاءت
337 أبصر الناس لعوار الناس المعور
338 العجب ممن يخاف عقوبة السلطان وهي منقطعة ولا يخاف عقوبة الديان وهي دائمة
[ 292 ]
339 من عرف نفسه فقد عرف ربه
340 من عجز عن معرفة نفسه فهو عن معرفة خالقه أعجز
341 لو تكاشفتم لما تدافنتم
342 شيطان كل إنسان نفسه
343 إن لم تعلم من أين جئت لم تعلم إلى أين تذهب
344 غاية كل متعمق في معرفة الخالق سبحانه الاعتراف بالقصور عن إدراكها(1/5952)
345 الكمال في خمس ألا يعيب الرجل أحدا بعيب فيه مثله حتى يصلح ذلك العيب من نفسه فإنه لا يفرغ من إصلاح عيب من عيوبه حتى يهجم على آخر فتشغله عيوبه عن عيوب الناس وألا يطلق لسانه ويده حتى يعلم أ في طاعة ذلك أم في معصية وألا يلتمس من الناس إلا ما يعطيهم من نفسه مثله وأن يسلم من الناس باستشعار مداراتهم وتوفيتهم حقوقهم وأن ينفق الفضل من ماله ويمسك الفضل من قوله
346 صديق البخيل من لم يجربه
347 من الخيط الضعيف يفتل الحبل الحصيف ومن مقدحة صغيرة تحترق مدينة كبيرة ومن لبنة لبنة تبنى قرية حصينة
348 محب الدراهم معذور وإن أدنته من الدنيا لأنها صانته عن أبناء الدنيا
[ 293 ]
349 عجبا لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح وعجبا لمن قيل فيه الشر وليس فيه كيف يغضب
350 ثلاث موبقات الكبر فإنه حط إبليس عن مرتبته والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة والحسد فإنه دعا ابن آدم إلى قتل أخيه
351 الفطام عن الحطام شديد
352 إذا أقبلت الدنيا أقبلت على حمار قطوف وإذا أدبرت أدبرت على البراق
353 أصاب متأمل أو كاد وأخطأ مستعجل أو كاد
354 ستة لا تخطئهم الكآبة فقير حديث عهد بغنى ومكثر يخاف على ماله وطالب مرتبة فوق قدره والحسود والحقود ومخالط أهل الأدب وليس بأديب
355 طلبت الراحة لنفسي فلم أجد شيئا أروح من ترك ما لا يعنيني وتوحشت في القفر البلقع فلم أر وحشة أشد من قرين السوء وشهدت الزحوف ولقيت الأقران فلم أر قرنا أغلب من المرأة ونظرت إلى كل ما يذل العزيز ويكسره فلم أر شيئا أذل له ولا أكسر من الفاقة
356 أول رأي العاقل آخر رأي الجاهل
357 المسترشد موقى والمحترس ملقى
358 الحر عبد ما طمع والعبد حر ما قنع
[ 294 ]
359 ما أحسن حسن الظن إلا أن فيه العجز وما أقبح سوء الظن إلا أن فيه الحزم
360 ما الحيلة فيما أعنى إلا الكف عنه ولا الرأي فيما ينال إلا اليأس منه(1/5953)
361 الأحمق إذا حدث ذهل وإذا حدث عجل وإذا حمل على القبيح فعل
362 إثبات الحجة على الجاهل سهل ولكن إقراره بها صعب
363 كما تعرف أواني الفخار بامتحانها بأصواتها فيعلم الصحيح منها من المكسور كذلك يمتحن الإنسان بمنطقه فيعرف ما عنده
364 احتمال الفقر أحسن من احتمال الذل لأن الصبر على الفقر قناعة والصبر على الذل ضراعة
365 الدنيا حمقاء لا تميل إلا إلى أشباهها
366 السفر ميزان الأخلاق
367 العقل ملك والخصال رعيته فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها
368 الكذاب يخيف نفسه وهو آمن
369 لو لا ثلاث لم يسلل سيف سلك أدق من سلك ووجه أصبح من وجه ولقمة أسوغ من لقمة
370 قد يحسن الامتنان بالنعمة وذلك عند كفرانها ولو لا أن بني إسرائيل
[ 295 ]
كفروا النعمة لما قال الله لهم اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ اَلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
371 إذا تناهى الغم انقطع الدمع
372 إذا ولي صديقك ولاية فأصبته على العشر من صداقته فليس بصاحب سوء
373 أعجب الأشياء بديهة أمن وردت في مقام خوف
374 الحرص محرمة والجبن مقتلة وإلا فانظر فيمن رأيت وسمعت أ من قتل في الحرب مقبلا أكثر أم من قتل مدبرا وانظر أ من يطلب بالإجمال والتكرم أحق أن تسخو نفسك له أم من يطلب بالشره والحرص
375 إذا كان العقل تسعة أجزاء احتاج إلى جزء من جهل ليقدم به صاحبه على الأمور فإن العاقل أبدا متوان مترقب متخوف
376 عمل الرجل بما يعلم أنه خطأ هوى والهوى آفة العفاف وترك العمل بما يعلم أنه صواب تهاون والتهاون آفة الدين وإقدامه على ما لا يدري أ صواب هو أم خطأ لجاج واللجاج آفة العقل
377 ضعف العقل أمان من الغم
378 لا ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت ولا طعاما حتى يستمرئه ولا صديقا حتى يستقرضه وليس من حسن الجوار ترك الأذى ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى
379 لا يتأدب العبد بالكلام إذا وثق بأنه لا يضرب(1/5954)
380 الفرق بين المؤمن والكافر الصلاة فمن تركها وادعى الإيمان كذبه فعله وكان عليه شاهد من نفسه
[ 296 ]
381 من خاف الله خافه كل شي ء
382 من النقص أن يكون شفيعك شيئا خارجا عن ذاتك وصفاتك
383 ويلي على العبد اللئيم عبد بني ربيعة نزع به عرق الشرك العبشمي إلى مساءتي وتذكر دم الوليد وعتبة وشيبة أولى له والله ليريني في موقف يسوءه ثم لا يجد هناك فلانا وفلانا يعني سالما مولى حذيفة
384 أنا قاتل الأقران ومجدل الشجعان أنا الذي فقأت عين الشرك وثللت عرشه غير ممتن على الله بجهادي ولا مدل إليه بطاعتي ولكن أحدث بنعمة ربي
385 الصوم عبادة بين العبد وخالقه لا يطلع عليها غيره وكذلك لا يجازي عنها غيره
386 طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس طوبى لمن لا يعرف الناس ولا يعرفه الناس طوبى لمن كان حيا كميت وموجودا كمعدوم قد كفى جاره خيره وشره لا يسأل عن الناس ولا يسأل الناس عنه
387 ما السيف الصارم في كف الشجاع بأعز له من الصدق
388 لا يكن فقرك كفرا وغناك طغيانا
389 ثمرة القناعة الراحة وثمرة التواضع المحبة
390 الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسو إذا لوطف
391 أنكى لعدوك ألا تريه أنك اتخذته عدوا
392 عذابان لا يأبه الناس لهما السفر البعيد والبناء الكثير
[ 297 ]
393 ثلاثة يؤثرون المال على أنفسهم تاجر البحر وصاحب السلطان والمرتشي في الحكم
394 أعجز الناس من قصر في طلب الصديق وأعجز منه من وجده فضيعه
395 أشد المشاق وعد كذاب لحريص
396 العادات قاهرات فمن اعتاد شيئا في سره وخلوته فضحه في جهره وعلانيته
397 الأخ البار مغيض الأسرار
398 عدم المعرفة بالكتابة زمانة خفية
399 قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة
400 ركوب الخيل عز وركوب البراذين لذة وركوب البغال مهرمة وركوب الحمير مذلة
401 العقل يظهر بالمعاملة وشيم الرجال تعرف بالولاية(1/5955)
402 قال له قائل علمني الحلم فقال هو الذل فاصطبر عليه إن استطعت
403 قلتم إن فلانا أفاد مالا عظيما فهل أفاد أياما ينفقه فيها
404 عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه
405 المريض يعاد والصحيح يزار
406 الشي ء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقا مدح الإنسان نفسه
[ 298 ]
407 الشي ء الذي لا يستغنى عنه بحال من الأحوال التوفيق
408 أوسع ما يكون الكريم مغفرة إذا ضاقت بالذنب المعذرة
409 ستر ما عاينت أحسن من إشاعة ما ظننت
410 التكبر على المتكبرين هو التواضع بعينه
411 إذا رفعت أحدا فوق قدره فتوقع منه أن يحط منك بقدر ما رفعت منه
412 إساءة المحسن أن يمنعك جدواه وإحسان المسي ء أن يكف عنك أذاه
413 اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم أضمروا لرسولك ص ضروبا من الشر والغدر فعجزوا عنها وحلت بينهم وبينها فكانت الوجبة بي والدائرة علي اللهم احفظ حسنا وحسينا ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم وأنت على كل شي ء شهيد
414 قال له قائل يا أمير المؤمنين أ رأيت لو كان رسول الله ص ترك ولدا ذكرا قد بلغ الحلم وآنس منه الرشد أ كانت العرب تسلم إليه أمرها قال لا بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت إن العرب كرهت أمر محمد ص وحسدته على ما آتاه الله من فضله واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ونفرت به ناقته مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته ولو لا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرئاسة وسلما إلى العز والإمرة لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا
[ 299 ](1/5956)
و لارتدت في حافرتها وعاد قارحها جذعا وبازلها بكرا ثم فتح الله عليها الفتوح فأثرت بعد الفاقة وتمولت بعد الجهد والمخمصة فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا وقالت لو لا أنه حق لما كان كذا ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين فكنا نحن ممن خمل ذكره وخبت ناره وانقطع صوته وصيته حتى أكل الدهر علينا وشرب ومضت السنون والأحقاب بما فيها ومات كثير ممن يعرف ونشأ كثير ممن لا يعرف وما عسى أن يكون الولد لو كان إن رسول الله ص لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة بل للجهاد والنصيحة أ فتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت وكذاك لم يكن يقرب ما قربت ثم لم يكن عند قريش والعرب سببا للحظوة والمنزلة بل للحرمان والجفوة اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة ولا علو الملك والرئاسة وإنما أردت القيام بحدودك والأداء لشرعك ووضع الأمور في مواضعها وتوفير الحقوق على أهلها والمضي على منهاج نبيك وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك
415 البر ما سكنت إليه نفسك واطمأن إليه قلبك والإثم ما جال في نفسك وتردد في صدرك
416 الزكاة نقص في الصورة وزيادة في المعنى
417 ليس الصوم الإمساك عن المأكل والمشرب الصوم الإمساك عن كل ما يكرهه الله سبحانه
[ 300 ]
418 إذا كان الراعي ذئبا فالشاة من يحفظها
419 كل شي ء يعصيك إذا أغضبته إلا الدنيا فإنها تطيعك إذا أغضبتها
420 رب مغبوط بنعمة هي داؤه ومرحوم من سقم هو شفاؤه
421 إذا أراد الله أن يسلط على عبد عدوا لا يرحمه سلط عليه حاسدا
422 شرب الدواء للجسد كالصابون للثوب ينقيه ولكن يخلقه
423 الحسد خلق دنئ ومن دناءته أنه موكل بالأقرب فالأقرب(1/5957)
424 لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى وقد سمعتم قوله هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً
425 أستغفر الله مما أملك وأستصلحه فيما لا أملك
426 إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب قعدت وأنت كبير حيث تكره
427 الولد العاق كالإصبع الزائدة إن تركت شانت وإن قطعت آلمت
428 خرج العز والغنى يجولان فلقيا القناعة فاستقرا
429 الصديق نسيب الروح والأخ نسيب الجسم
430 جزية المؤمن كراء منزله وعذابه سوء خلق زوجته
431 الوعد وجه والإنجاز محاسنه
432 أنعم الناس عيشا من عاش في عيشه غيره
433 لا تشاتمن أحدا ولا تردن سائلا إما هو كريم تسد خلته أو لئيم تشتري عرضك منه
[ 301 ]
434 النمام سهم قاتل
435 ثلاثة أشياء لا دوام لها المال في يد المبذر وسحابة الصيف وغضب العاشق
436 الزاهد في الدينار والدرهم أعز من الدينار والدرهم
437 رب حرب أحييت بلفظة ورب ود غرس بلحظة
438 إذا تزوج الرجل فقد ركب البحر فإن ولد له فقد كسر به
439 صلاح كل ذي نعمة في خلاف ما فسد عليه
440 أنعم الناس عيشة من تحلى بالعفاف ورضي بالكفاف وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف
441 التواضع نعمة لا يفطن لها الحاسد
442 ينبغي للعاقل أن يمنع معروفه الجاهل واللئيم والسفيه أما الجاهل فلا يعرف المعروف ولا يشكر عليه وأما اللئيم فأرض سبخة لا تنبت وأما السفيه فيقول إنما أعطاني فرقا من لساني
443 خير العيش ما لا يطغيك ولا يلهيك
444 ما ضرب الله العباد بسوط أوجع من الفقر
445 إذا أراد الله أن يزيل عن عبد نعمة كان أول ما يغير منه عقله
446 خير الدنيا والآخرة في خصلتين الغنى والتقى وشر الدنيا والآخرة في خصلتين الفقر والفجور
447 ثمانية إذا أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم الآتي طعاما لم يدع إليه
[ 302 ](1/5958)
و المتأمر على رب البيت في بيته وطالب المعروف من غير أهله والداخل بين اثنين لم يدخلاه والمستخف بالسلطان والجالس مجلسا ليس له بأهل والمقبل بحديثه على من لا يسمعه ومن جرب المجرب
448 أنفس الأعلاق عقل قرن إليه حظ
449 اللطافة في الحاجة أجدى من الوسيلة
450 احتمال نخوة الشرف أشد من احتمال بطر الغنى وذلة الفقر مانعة من الصبر كما أن عز الغنى مانع من كرم الإنصاف إلا لمن كان في غريزته فضل قوة وأعراق تنازعه إلى بعد الهمة
451 أبعد الناس سفرا من كان في طلب صديق يرضاه
452 استشارة الأعداء من باب الخذلان
453 الجاهل يعرف بست خصال الغضب من غير شي ء والكلام في غير نفع والعطية في غير موضعها وألا يعرف صديقه من عدوه وإفشاء السر والثقة بكل أحد
454 سوء العادة كمين لا يؤمن
455 العادة طبيعة ثانية غالبة
456 التجني وافد القطيعة
457 صديقك من نهاك وعدوك من أغراك
458 يا عجبا من غفلة الحساد عن سلامة الأجساد
459 من سعادة المرء أن يطول عمره ويرى في أعدائه ما يسره
460 الضغائن تورث كما تورث الأموال
[ 303 ]
461 رب عزيز أذله خرقه وذليل أعزه خلقه
462 لا يصلح اللئيم لأحد ولا يستقيم إلا من فرق أو حاجة فإذا استغنى أو ذهب خوفه عاد إليه جوهره
463 ثلاثة في المجلس وليسوا فيه الحاقن والضيق الخف والسيئ الظن بأهله
464 وسئل ما أبقى الأشياء في نفوس الناس فقال أما في أنفس العلماء فالندامة على الذنوب وأما في نفوس السفهاء فالحقد
465 إذا انقضى ملك قوم خيبوا في آرائهم
466 الضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي المغتر بالعدو الضعيف
467 الحزن سوء استكانة والغضب لؤم قدرة
468 كل ما يؤكل ينتن وكل ما يوهب يأرج
469 الطرش في الكرام والهوج في الطوال والكيس في القصار والنبل في الربعة وحسن الخلق في الحول والكبر في العور والبهت في العميان والذكاء في الخرس(1/5959)
470 ألأم الناس من سعى بإنسان ضعيف إلى سلطان جائر
471 أعسر الحيل تصوير الباطل في صورة الحق عند العاقل المميز
472 الغدر ذل حاضر والغيبة لؤم باطن
473 القلب الفارغ يبحث عن السوء واليد الفارغة تنازع إلى الإثم
474 لا كثير مع إسراف ولا قليل مع احتراف ولا ذنب مع اعتراف
[ 304 ]
475 المتعبد على غير فقه كحمار الرحى يدور ولا يبرح
476 المحروم من طال نصبه وكان لغيره مكسبه
477 في الاعتبار غنى عن الاختبار
478 غيظ البخيل على الجواد أعجب من بخله
479 أذل الناس معتذر إلى اللئيم
480 أشجع الناس أثبتهم عقلا في بداهة الخوف
481 المعتذر منتصر والمعاتب مغاضب
482 المروءة بلا مال كالأسد الذي يهاب ولم يفترس وكالسيف الذي يخاف وهو مغمد والمال بلا مروءة كالكلب الذي يجتنب عقرا ولم يعقر
483 عليكم بالأدب فإن كنتم ملوكا برزتم وإن كنتم وسطا فقتم وإن أعوزتكم المعيشة عشتم بأدبكم
484 الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك
485 لا ينبغي للعاقل أن يكون إلا في إحدى منزلتين أما في الغاية القصوى من مطالب الدنيا وأما في الغاية القصوى من الترك لها
486 من أفضل أعمال البر الجود في العسر والصدق في الغضب والعفو عند القدرة
487 إن الله أنعم على العباد بقدر قدرته وكلفهم من الشكر بقدر قدرتهم
488 العيش في ثلاث صديق لا يعد عليك في أيام صداقتك ما يرضى به أيام عداوتك وزوجة تسرك إذا دخلت عليها وتحفظ غيبك إذا غبت عنها وغلام يأتي على ما في نفسك كأنه قد علم ما تريد
[ 305 ]
489 تحتاج القرابة إلى مودة ولا تحتاج المودة إلى قرابة
490 الصابر على مخالطة الأشرار وصحبتهم كراكب البحر إن سلم ببدنه من التلف لم يسلم بقلبه من الحذر
491 لأخيك عليك إذا حزبه أمر أن تشير عليه بالرأي ما أطاعك وتبذل له النصر إذا عصاك
492 الغيبة ربيع اللئام
493 أطول الناس نصبا الحريص إذا طمع والحقود إذا منع(1/5960)
494 الشريف دون حقه يقتل ويعطي نافلة فوق الحق عليه
495 اجعل عمرك كنفقة دفعت إليك فكما لا تحب أن يذهب ما تنفق ضياعا فلا تذهب عمرك ضياعا
496 من أظهر شكرك فيما لم تأت إليه فاحذر أن يكفرك فيما أسديت إليه
497 لا تستعن في حاجتك بمن هو للمطلوب إليه أنصح منه لك
498 لا يؤمننك من شر جاهل قرابة ولا جوار فإن أخوف ما تكون لحريق النار أقرب ما تكون إليها
499 كن في الحرص على تفقد عيوبك كعدوك
500 عليك بسوء الظن فإن أصاب فالحزم وإلا فالسلامة
501 رضا الناس غاية لا تدرك فتحر الخير بجهدك ولا تبال بسخط من يرضيه الباطل
[ 306 ]
502 لا تماكس في البيع والشراء فما يضيع من عرضك أكثر مما تنال من عرضك
503 الدين رق فلا تبذل رقك لمن لا يعرف حقك
504 احذر كل الحذر أن يخدعك الشيطان فيمثل لك التواني في صورة التوكل ويورثك الهوينى بالإحالة على القدر فإن الله أمر بالتوكل عند انقطاع الحيل وبالتسليم للقضاء بعد الإعذار فقال خُذُوا حِذْرَكُمْ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى اَلتَّهْلُكَةِ وقال النبي ص اعقلها وتوكل
505 لا تصحب في السفر غنيا فإنك إن ساويته في الإنفاق أضر بك وإن تفضل عليك استذلك
506 إذا سألت كريما حاجة فدعه يفكر فإنه لا يفكر إلا في خير وإذا سألت لئيما حاجة فغافصه فإنه إذا فكر عاد إلى طبعه
507 ما أقبح بالصبيح الوجه أن يكون جاهلا كدار حسنة البناء وساكنها شر وكجنة يعمرها بوم أو صرمة يحرسها ذئب
508 قبيح بذي العقل أن يكون بهيمة وقد أمكنه أن يكون إنسانا وقد أمكنه أن يكون ملكا وأن يرضى لنفسه بقنية معارة وحياة مستردة وله أن يتخذ قنية مخلدة وحياة مؤبدة
509 الذي يستحق اسم السعادة على الحقيقة سعادة الآخرة وهي أربعة أنواع بقاء بلا فناء وعلم بلا جهل وقدرة بلا عجز وغنى بلا فقر
[ 307 ]
510 ما خاب من استخار(1/5961)
511 الدين قد كشف عن غطاء قلبه يرى مطلوبه قد طبق الخافقين فلا يقع بصره على شي ء إلا رآه فيه
512 من غرس النخل أكل الرطب ومن غرس الصفصاف والعليق عدم ثمرته وذهبت ضياعا خدمته
513 إذا أردت العلم والخير فانفض عن يدك أداة الجهل والشر فإن الصائغ لا يتهيأ له الصياغة إلا إذا ألقى أداة الفلاحة عن يده
514 الصبر مفتاح الفرج
515 غاية كل متعمق في علمنا أن يجهل
516 ستعرف الحال على حقيقتها ولكن حيث لا تستطيع أن تذاكر أحدا بها
517 السعادة التامة بالعلم والسعادة الناقصة بالزهد والعبادة من غير علم ولا زهادة تعب الجسد
518 الآمال مطايا وربما حسرت ونقبت أخفافها
519 حب الرئاسة شاغل عن حب الله سبحانه
520 يا أبا عبيدة طال عليك العهد فنسيت أم نافست فأنسيت لقد سمعتها ووعيتها فهلا رعيتها
521 قال لما سمعت خطبة عمر بالمدينة التي شرح فيها قصة السقيفة معذرة ورب الكعبة ولكن بعد ما ذا هيهات علقت معالقها وصر الجندب
522 أول من جرأ الناس علينا سعد بن عبادة فتح بابا ولجه
[ 308 ]
غيره وأضرم نارا كان لهبها عليه وضوءها لأعدائه
523 ما لنا ولقريش يخضمون الدنيا باسمنا ويطئون على رقابنا فيا لله وللعجب من اسم جليل لمسمى ذليل
524 الخير كله في السيف وما قام هذا الدين إلا بالسيف أ تعلمون ما معنى قوله تعالى وَ أَنْزَلْنَا اَلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ هذا هو السيف
525 لم يفت من لم يمت
526 من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء فإنه لو غص بغيره لأساغ الماء غصته
527 من ضن بعرضه فليدع المراء
528 من أيقظ فتنة فهو آكلها
529 من أثرى كرم على أهله ومن أملق هان على ولده
530 من أمل أحدا هابه ومن جهل شيئا عابه
531 أسوأ الناس حالا من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء أثره
532 أحب الناس إليك من كثرت أياديه عندك فإن لم يكن فمن كثرت أياديك عنده
533 من طال صمته اجتلب من الهيبة ما ينفعه ومن الوحشة ما لا يضره(1/5962)
534 من زاد عقله نقص حظه وما جعل الله لأحد عقلا وافرا إلا احتسب به عليه من رزقه
535 من عمل بالعدل فيمن دونه رزق العدل ممن فوقه
[ 309 ]
536 من طلب عزا بظلم وباطل أورثه الله ذلا بإنصاف وحق
537 من وطئته الأعين وطئته الأرجل
538 ينادي مناد يوم القيامة من كان له أجر على الله فليقم فيقوم العافون عن الناس ثم تلا فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اَللَّهِ
539 اصحب الناس بأي خلق شئت يصحبوك بمثله
540 كأنك بالدنيا لم تكن وكأنك بالآخرة لم تزل
541 قال لمريض أبل من مرضه إن الله ذكرك فاذكره وأقالك فاشكره
542 الدار دار من لا دار له وبها يفرح من لا عقل له فأنزلوها منزلتها
543 لا تستصغرن أمر عدوك إذا حاربته فإنك إن ظفرت به لم تحمد وإن ظفر بك لم تعذر والضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي المغتر بالضعيف
544 لا تصحب من تحتاج إلى أن تكتمه ما يعرف الله منك
545 لا تسأل غير الله فإنه إن أعطاك أغناك
546 الصاحب كالرقعة في الثوب فاتخذه مشاكلا
547 إياك وكثرة الإخوان فإنه لا يؤذيك إلا من يعرفك
548 دع اليمين لله إجلالا وللناس إجمالا
549 العادات قاهرات فمن اعتاد شيئا في سره فضحه في علانيته
550 إذا كان لك صديق ولم تحمد إخاءه ومودته فلا تظهر ذلك للناس فإنما هو بمنزلة السيف الكليل في منزل الرجل يرهب به عدوه ولا يعلم العدو أ صارم هو أم كليل
[ 310 ]
551 دع الذنوب قبل أن تدعك
552 إذا نزل بك مكروه فانظر فإن كان لك حيلة فلا تعجز وإن لم يكن فيه حيلة فلا تجزع
553 تعلموا العلم فإنه زين للغني وعون للفقير ولست أقول إنه يطلب به ولكن يدعوه إلى القناعة
554 لا ترضين قول أحد حتى ترضى فعله ولا ترض فعله حتى ترضى عقله ولا ترض عقله حتى ترضى حياءه فإن الإنسان مطبوع على كرم ولؤم فإن قوي الحياء عنده قوي الكرم وإن ضعف الحياء قوي اللؤم(1/5963)
555 تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظا فلأن يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم
556 اجعل سرك إلى واحد ومشورتك إلى ألف
557 إن الله خلق النساء من عي وعورة فداووا عيهن بالسكوت واستروا العورة بالبيوت
558 لا تعدن عدة لا تثق من نفسك بإنجازها ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا واعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب وأن للأمور بغتات فكن على حذر
559 لا تجاهد الطلب جهاد المغالب ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة والإجمال في الطلب من العفة وليست العفة برافعة رزقا ولا الحرص بجالب فضلا
560 من لم تستقم له نفسه فلا يلومن من لم يستقم له
[ 311 ]
561 من رجي الرزق لديه صرفت أعناق الرجال إليه
562 من انتجعك مؤملا فقد أسلفك حسن الظن
563 إذا شئت أن تطاع فاسأل ما يستطاع
564 من أعذر كمن أنجح
565 من كانت الدنيا همه كثر في القيامة غمه
566 من أجمل في الطلب أتاه رزقه من حيث لا يحتسب
567 من ركب العجلة لم يأمن الكبوة
568 من لم يثق لم يوثق به
569 من أفاده الدهر أفاد منه
570 من أكثر ذكر الضغائن اكتسب العداوة
571 من لم يحمد صاحبه على حسن النية لم يحمده على حسن الصنيعة
572 تأمل ما تتحدث به فإنما تملي على كاتبيك صحيفة يوصلانها إلى ربك فانظر على من تملي وإلى من تكتب
573 أقم الرغبة إليك مقام الحرمة بك وعظم نفسك عن التعظم وتطول ولا تتطاول
574 عاملوا الأحرار بالكرامة المحضة والأوساط بالرغبة والرهبة والسفلة بالهوان
575 كن للعدو المكاتم أشد حذرا منك للعدو المبارز
576 احفظ شيئك ممن تستحيي أن تسأله عن مثل ذلك الشي ء إذا ضاع لك
[ 312 ]
577 إذا كنت في مجلس ولم تكن المحدث ولا المحدث فقم
578 لا تستصغرن حدثا من قريش ولا صغيرا من الكتاب ولا صعلوكا من الفرسان ولا تصادقن ذميا ولا خصيا ولا مؤنثا فلا ثبات لموداتهم(1/5964)
579 لا تدخل في مشورتك بخيلا فيقصر بفعلك ولا جبانا فيخوفك ما لا تخاف ولا حريصا فيعدك ما لا يرجى فإن الجبن والبخل والحرص طبيعة واحدة يجمعها سوء الظن بالله تعالى
580 لا تكن ممن تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن
581 أعص هواك والنساء وافعل ما بدا لك
582 ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك
583 كل من الطعام ما تشتهي والبس من الثياب ما يشتهي الناس
584 ولتكن دارك أول ما يبتاع وآخر ما يباع
585 من كان في يده شي ء من رزق الله سبحانه فليصلحه فإنكم في زمان إذا احتاج المرء فيه إلى الناس كان أول ما يبذله لهم دينه
586 ابذل لصديقك مالك ولمعرفتك رفدك ومحضرك وللعامة بشرك وتحننك ولعدوك عدلك وإنصافك واضنن بدينك وعرضك عن كل أحد
587 جالس العقلاء أعداء كانوا أو أصدقاء فإن العقل يقع على العقل
588 كن في الحرب بحيلتك أوثق منك بشدتك وبحذرك أفرح منك بنجدتك فإن الحرب حرب المتهور وغنيمة المتحذر
589 النعم وحشية فقيدوها بالمعروف
[ 313 ]
590 إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقي الله فاصنعها إلى من يتقي العار
591 لا تشتغل بالرزق المضمون عن العمل المفروض
592 إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنك ذاك فإن زوال الكرامة بزوالهما ولكن ليعجبك إن أكرمك الناس لدين أو أدب
593 ينبغي لمن لم يكرم وجهه عن مسألتك أن تكرم وجهك عن رده(1/5965)
594 إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن واكفف من أبصارهن بحجابك إياهن فإن شدة الحجاب خير لك من الارتياب وليس خروجهن بأشد عليك من دخول من لا تثق به عليهن وإن استطعت ألا يعرفن غيرك فافعل ولا تمكن امرأة من الأمر ما جاوز نفسها فإن ذلك أنعم لبالها وأرخى لحالها وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة فلا تعد بكرامتها نفسها ولا تعطها أن تشفع لغيرها ولا تطل الخلوة معهن فيملنك وتملهن واستبق من نفسك بقية فإن إمساكك عنهن وهن يردنك ذلك باقتدار خير من أن يهجمن منك على انكسار وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم
595 إذا أردت أن تختم على كتاب فأعد النظر فيه فإنما تختم على عقلك
596 إن يوما أسكر الكبار وشيب الصغار لشديد
597 كم من مبرد له الماء والحميم يغلى له
598 الصلاة صابون الخطايا
599 إن امرأ عرف حقيقة الأمر وزهد فيه لأحمق وإن امرأ جهل حقيقة الأمر مع وضوحه لجاهل
[ 314 ]
600 إذا قال أحدكم والله فلينظر ما يضيف إليها
601 رأيك لا يتسع لكل شي ء ففرغه للمهم من أمورك ومالك لا يغني الناس كلهم فاخصص به أهل الحق وكرامتك لا تطيق بذلها في العامة فتوخ بها أهل الفضل وليلك ونهارك لا يستوعبان حوائجك فأحسن القسمة بين عملك ودعتك
602 أحي المعروف بإماتته
603 اصحبوا من يذكر إحسانكم إليه وينسى أياديه عندكم
604 جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم
605 إذا رغبت في المكارم فاجتنب المحارم
606 لا تثقن كل الثقة بأخيك فإن سرعة الاسترسال لا تقال
607 انتقم من الحرص بالقناعة كما تنتقم من العدو بالقصاص
608 إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر
609 من لم ينشط لحديثك فارفع عنه مؤنة الاستماع منك
610 الزمان ذو ألوان ومن يصحب الزمان ير الهوان
611 لا تزهدن في معروف فإن الدهر ذو صروف كم من راغب أصبح مرغوبا إليه ومتبوع أمسى تابعا(1/5966)
612 إن غلبت يوما على المال فلا تغلبن على الحيلة على كل حال
613 كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا
614 لا تكونن المحدث من لا يسمع منه والداخل في سر اثنين لم يدخلاه
[ 315 ]
فيه ولا الآتي وليمة لم يدع إليها ولا الجالس في مجلس لا يستحقه ولا طالب الفضل من أيدي اللئام ولا المتحمق في الدالة ولا المتعرض للخير من عند العدو
615 اطبع الطين ما دام رطبا واغرس العود ما دام لدنا
616 خف الله حتى كأنك لم تطعه وارج الله حتى كأنك لم تعصه
617 لا تبلغ في سلامك على الإخوان حد النفاق ولا تقصرهم عن درجة الاستحقاق
618 انصح لكل مستشير ولا تستشير إلا الناصح اللبيب
619 ما أقبح بك أن ينادي غدا يا أهل خطيئة كذا فتقوم معهم ثم ينادي ثانيا يا أهل خطيئة كذا فتقوم معهم ما أراك يا مسكين إلا تقوم مع أهل كل خطيئة
620 ما أصاب أحد ذنبا ليلا إلا أصبح وعليه مذلته
621 الاستغفار يحت الذنوب حت الورق ثم تلا قوله تعالى وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اَللَّهَ يَجِدِ اَللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
622 أيها المستكثر من الذنوب إن أباك أخرج من الجنة بذنب واحد
623 إذا عصى الرب من يعرفه سلط عليه من لا يعرفه
624 لقاء أهل الخير عمارة القلوب
625 أنا من رسول الله ص كالعضد من المنكب وكالذراع
[ 316 ]
من العضد وكالكف من الذراع رباني صغيرا وآخاني كبيرا ولقد علمتم أني كان لي منه مجلس سر لا يطلع عليه غيري وأنه أوصى إلي دون أصحابه وأهل بيته ولأقولن ما لم أقله لأحد قبل هذا اليوم سألته مرة أن يدعو لي بالمغفرة فقال أفعل ثم قام فصلى فلما رفع يده للدعاء استمعت عليه فإذا هو قائل اللهم بحق علي عندك اغفر لعلي فقلت يا رسول الله ما هذا فقال أ واحد أكرم منك عليه فأستشفع به إليه
626 والله ما قلعت باب خيبر ودكدكت حصن يهود بقوة جسمانية بل بقوة إلهية(1/5967)
627 يا ابن عوف كيف رأيت صنيعك مع عثمان رب واثق خجل ومن لم يتوخ بعمله وجه الله عاد مادحه من الناس له ذاما
628 لو رأيت ما في ميزانك لختمت على لسانك
629 ليس الحلم ما كان حال الرضا بل الحلم ما كان حال الغضب
630 ليس شي ء أقطع لظهر إبليس من قول لا إله إلا الله كلمة التقوى
631 لا تحملوا ذنوبكم وخطاياكم على الله وتذروا أنفسكم والشيطان
632 إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة من الدجال أئمة مضلون وهم رؤساء أهل البدع
633 إذا زللت فارجع وإذا ندمت فاقلع وإذا أسأت فاندم وإذا مننت فاكتم وإذا منعت فأجمل ومن يسلف المعروف يكن ربحه الحمد
[ 317 ]
634 استشر عدوك تجربة لتعلم مقدار عداوته
635 لا تطلبن من نفسك العام ما وعدتك عاما أول
636 أطول الناس عمرا من كثر علمه فتأدب به من بعده أو كثر معروفه فشرف به عقبه
637 استهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه
638 لا دين لمن لا نية له ولا مال لمن لا تدبير له ولا عيش لمن لا رفق له
639 من اشتغل بتفقد اللفظة وطلب السجعة نسي الحجة
640 الدنيا مطية المؤمن عليها يرتحل إلى ربه فأصلحوا مطاياكم تبلغكم إلى ربكم
641 من رأى أنه مسي ء فهو محسن ومن رأى أنه محسن فهو مسي ء
642 سيئة تسوءك خير من حسنة تعجبك
643 اطلبوا الحاجات بعزة الأنفس فإن بيد الله قضاءها
644 عذب حسادك بالإحسان إليهم
645 إظهار الفاقة من خمول الهمة
646 يا عالم قد قام عليك حجة العلم فاستيقظ من رقدتك
647 الرفق يفل حد المخالفة
648 أرجح الناس عقلا وأكملهم فضلا من صحب أيامه بالموادعة وإخوانه بالمسالمة وقبل من الزمان عفوه
[ 318 ]
649 الوجوه إذا كثر تقابلها اعتصر بعضها ماء بعض
650 أداء الأمانة مفتاح الرزق(1/5968)
651 حصن علمك من العجب ووقارك من الكبر وعطاءك من السرف وصرامتك من العجلة وعقوبتك من الإفراط وعفوك من تعطيل الحدود وصمتك من العي واستماعك من سوء الفهم واستئناسك من البذاء وخلواتك من الإضاعة وغراماتك من اللجاجة وروغانك من الاستسلام وحذراتك من الجبن
652 لا تجد للموتور المحقود أمانا من أذاه أوثق من البعد عنه والاحتراس منه
653 احذر من أصحابك ومخالطيك الكثير المسألة الخشن البحث اللطيف الاستدراج الذي يحفظ أول كلامك على آخره ويعتبر ما أخرت بما قدمت ولا تظهرن له المخافة فيرى أنك قد تحرزت وتحفظت واعلم أن من يقظة الفطنة إظهار الغفلة مع شدة الحذر فخالط هذا مخالطة الآمن وتحفظ منه تحفظ الخائف فإن البحث يظهر الخفي ويبدي المستور الكامن
654 من سره الغنى بلا سلطان والكثرة بلا عشيرة فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته فإنه واجد ذلك كله
655 الشيب إعذار الموت
656 من ساس نفسه بالصبر على جهل الناس صلح أن يكون سائسا
657 لله تعالى كل لحظة ثلاثة عساكر فعسكر ينزل من الأصلاب إلى الأرحام وعسكر ينزل من الأرحام إلى الأرض وعسكر يرتحل من الدنيا إلى الآخرة
[ 319 ]
658 اللهم ارحمني رحمة الغفران إن لم ترحمني رحمة الرضا
659 إلهي كيف لا يحسن مني الظن وقد حسن منك المن إلهي إن عاملتنا بعدلك لم يبق لنا حسنة وإن أنلتنا فضلك لم يبق لنا سيئة
660 العلم سلطان من وجده صال به ومن لم يجده صيل عليه
661 يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة فإذا مضى يوم مضى بعضك
662 حيث تكون الحكمة تكون خشية الله وحيث تكون خشيته تكون رحمته
663 اللهم إني أرى لدي من فضلك ما لم أسألك فعلمت أن لديك من الرحمة ما لا أعلم فصغرت قيمة مطلبي فيما عاينت وقصرت غاية أملي عند ما رجوت فإن ألحفت في سؤالي فلفاقتي إلى ما عندك وإن قصرت في دعائي فبما عودت من ابتدائك
664 من كان همته ما يدخل جوفه كانت قيمته ما يخرج منه(1/5969)
665 يقول الله تعالى : يا ابن آدم لم أخلقك لأربح عليك إنما خلقتك لتربح علي فاتخذني بدلا من كل شي ء فإني ناصر لك من كل شي ء
666 الرجاء للخالق سبحانه أقوى من الخوف لأنك تخافه لذنبك وترجوه لجوده فالخوف لك والرجاء له
667 أسألك بعزة الوحدانية وكرم الإلهية ألا تقطع عني برك بعد مماتي كما لم تزل تراني أيام حياتي أنت الذي تجيب من دعاك ولا تخيب من رجاك ضل من يدعو إلا إياك فإنك لا تحجب من أتاك وتفضل على من
[ 320 ]
عصاك ولا يفوتك من ناواك ولا يعجزك من عاداك كل في قدرتك وكل يأكل رزقك
668 لا تطلبن إلى أحد حاجة ليلا فإن الحياء في العينين
669 من ازداد علما فليحذر من توكيد الحجة عليه
670 العاقل ينافس الصالحين ليلحق بهم ويحبهم ليشاركهم بمحبته وإن قصر عن مثل عملهم والجاهل يذم الدنيا ولا يسخو بإخراج أقلها يمدح الجود ويبخل بالبذل يتمنى التوبة بطول الأمل ولا يعجلها لخوف حلول الأجل يرجو ثواب عمل لم يعمل به ويفر من الناس ليطلب ويخفى شخصه ليشتهر ويذم نفسه ليمدح وينهى عن مدحه وهو يحب ألا ينتهي من الثناء عليه
671 الأنس بالعلم من نبل الهمة
672 اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن مسألة غيرك
673 من الناس من ينقصك إذا زدته ويهون عليك إذا خاصصته ليس لرضاه موضع تعرفه ولا لسخطه مكان تحذره فإذا لقيت أولئك فابذل لهم موضع المودة العامة واحرمهم موضع الخاصة ليكون ما بذلت لهم من ذلك حائلا دون شرهم وما حرمتهم من هذا قاطعا لحرمتهم
674 من شبع عوقب في الحال ثلاث عقوبات يلقى الغطاء على قلبه والنعاس على عينه والكسل على بدنه
675 ذم العقلاء أشد من عقوبة السلطان
676 يقطع البليغ عن المسألة أمران ذل الطلب وخوف الرد
677 المؤمن محدث
[ 321 ]
678 قل أن ينطق لسان الدعوى إلا ويخرسه كعام الامتحان
679 انظر ما عندك فلا تضعه إلا في حقه وما عند غيرك فلا تأخذه إلا بحقه(1/5970)
680 إذا صافاك عدوك رياء منه فتلق ذلك بأوكد مودة فإنه إن ألف ذلك واعتاده خلصت لك مودته
681 لا تألف المسألة فيألفك المنع
682 لا تسأل الحوائج غير أهلها ولا تسألها في غير حينها ولا تسأل ما لست له مستحقا فتكون للحرمان مستوجبا
683 إذا غشك صديقك فاجعله مع عدوك
684 لا تعدن من إخوانك من آخاك في أيام مقدرتك للمقدرة واعلم أنه ينتقل عنك في أحوال ثلاث يكون صديقا يوم حاجته إليك ومعرضا يوم غناه عنك وعدوا يوم حاجتك إليه
685 لا تسرن بكثرة الإخوان ما لم يكونوا أخيارا فإن الإخوان بمنزلة النار التي قليلها متاع وكثيرها بوار
686 كفاك خيانة أن تكون أمينا للخونة
687 لا تحقرن شيئا من الخير وإن صغر فإنك إذا رأيته سرك مكانه ولا تحقرن شيئا من الشر وإن صغر فإنك إذا رأيته ساءك مكانه
688 يا ابن آدم ليس بك غناء عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر
[ 322 ]
689 معصية العالم إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت ضرت صاحبها والعامة
690 يجب على العاقل أن يكون بما أحيا عقله من الحكمة أكلف منه بما أحيا جسمه من الغذاء
691 أعسر العيوب صلاحا العجب واللجاجة
692 لكل نعمة مفتاح ومغلاق فمفتاحها الصبر ومغلاقها الكسل
693 الحزن والغضب أميران تابعان لوقوع الأمر بخلاف ما تحب إلا أن المكروه إذا أتاك ممن فوقك نتج عليك حزنا وإن أتاك ممن دونك نتج عليك غضبا
694 أول المعروف مستخف وآخره مستثقل تكاد أوائله تكون للهوى دون الرأي وأواخره للرأي دون الهوى ولذلك قيل رب الصنيعة أشد من الابتداء بها
695 لا تدع الله أن يغنيك عن الناس فإن حاجات الناس بعضهم إلى بعض متصلة كاتصال الأعضاء فمتى يستغني المرء عن يده أو رجله ولكن ادع الله أن يغنيك عن شرارهم
696 احترس من ذكر العلم عند من لا يرغب فيه ومن ذكر قديم الشرف عند من لا قديم له فإن ذلك مما يحقدهما عليك
697 ينبغي لذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا(1/5971)
698 لا تواخ شاعرا فإنه يمدحك بثمن ويهجوك مجانا
699 لا تنزل حوائجك بجيد اللسان ولا بمتسرع إلى الضمان
[ 323 ]
700 كل شي ء طلبته في وقته فقد فات وقته
701 إذا شككت في مودة إنسان فاسأل قلبك عنه
702 العقل لم يجن على صاحبه قط والعلم من غير عقل يجني على صاحبه
703 يا ابن آدم هل تنتظر إلا هرما حائلا أو مرضا شاغلا أو موتا نازلا
704 ابنك يأكلك صغيرا ويرثك كبيرا وابنتك تأكل من وعائك وترث من أعدائك وابن عمك عدوك وعدو عدوك وزوجتك إذا قلت لها قومي قامت
705 إذا ظفرتم فأكرموا الغلبة وعليكم بالتغافل فإنه فعل الكرام وإياكم والمن فإنه مهدمة للصنيعة منبهة للضغينة
706 من لم يرج إلا ما يستوجبه أدرك حاجته
707 بلغ من خدع الناس أن جعلوا شكر الموتى تجارة عند الأحياء والثناء على الغائب استمالة للشاهد
708 من احتاج إليك ثقل عليك ومن لم يصلحه الخير أصلحه الشر ومن لم يصلحه الطالي أصلحه الكاوي
709 من أكثر من شي ء عرف به ومن زنى زني به ومن طلب عظيما خاطر بعظمته ومن أحب أن يصرم أخاه فليقرضه ثم ليتقاضه ومن أحبك لشي ء ملك عند انقضائه ومن عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار
[ 324 ]
710 من بلغ السبعين اشتكى من غير علة
711 في المال ثلاث خصال مذمومة إما أن يكتسب من غير حله أو يمنع إنفاقه في حقه أو يشغل بإصلاحه عن عبادة الله تعالى
712 يباعدك من غضب الله ألا تغضب
713 لا تستبدلن بأخ لك قديم أخا مستفادا ما استقام لك فإنك إن فعلت فقد غيرت وإن غيرت تغيرت نعم الله عليك
714 أشد من البلاء شماتة الأعداء
715 ليس يزني فرجك إن غضضت طرفك
716 كما ترك لكم الملوك الحكمة والعلم فاتركوا لهم الدنيا
717 الهدية تفقأ عين الحكيم
718 ليكن أصدقاؤك كثيرا واجعل سرك منهم إلى واحد(1/5972)
719 يا عبيد الدنيا كيف تخالف فروعكم أصولكم وعقولكم أهواءكم قولكم شفاء يبرئ الداء وعملكم داء لا يقبل الدواء ولستم كالكرمة التي حسن ورقها وطاب ثمرها وسهل مرتقاها ولكنكم كالشجرة التي قل ورقها وكثر شوكها وخبث ثمرها وصعب مرتقاها جعلتم العلم تحت أقدامكم والدنيا فوق رءوسكم فالعلم عندكم مذال ممتهن والدنيا لا يستطاع تناولها فقد منعتم كل أحد من الوصول إليها فلا أحرار كرام أنتم ولا عبيد أتقياء ويحكم يا أجراء السوء أما الأجر فتأخذون وأما العمل فلا تعملون إن عملتم فللعمل تفسدون وسوف تلقون ما تفعلون يوشك رب العمل أن ينظر في عمله الذي أفسدتم وفي أجره الذي أخذتم يا غرماء السوء تبدءون بالهدية قبل قضاء
[ 325 ]
الدين تتطوعون بالنوافل ولا تؤدون الفرائض إن رب الدين لا يرضى بالهدية حتى يقضى دينه
720 الدنيا مزرعة إبليس وأهلها أكرة حراثون له فيها
721 وا عجبا ممن يعمل للدنيا وهو يرزق فيها بغير عمل ولا يعمل للآخرة وهو لا يرزق فيها إلا بالعمل
722 لا تجالسوا إلا من يذكركم الله رؤيته ويزيد في عملكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله
723 كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع
724 ضرب الوالد الولد كالسماد للزرع
725 إذا أردت أن تصادق رجلا فأغضبه فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه
726 إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الإسلام ثم اجلس يعني السلام فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك مع سهامهم وإن أفاضوا في غيره فخلهم وانهض
727 الأوطار تكسب الأوزار فارفض وطرك واغضض بصرك
728 إذا قعدت عند سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل فلعله أن يأتيه من هو آثر عنده منك فيريد أن تتنحى عن مجلسك فيكون ذلك نقصا عليك وشينا
729 ارحم الفقراء لقلة صبرهم والأغنياء لقلة شكرهم وارحم الجميع لطول غفلتهم
[ 326 ]
730 العالم مصباح الله في الأرض فمن أراد الله به خيرا اقتبس منه(1/5973)
731 لا يهونن عليك من قبح منظره ورث لباسه فإن الله تعالى ينظر إلى القلوب ويجازي بالأعمال
732 من كذب ذهب بماء وجهه ومن ساء خلقه كثر غمه ونقل الصخور من مواضعها أهون من تفهيم من لا يفهم
733 كنت في أيام رسول الله ص كجزء من رسول الله ص ينظر إلي الناس كما ينظر إلى الكواكب في أفق السماء ثم غض الدهر مني فقرن بي فلان وفلان ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان فقلت وا ذفراه ثم لم يرض الدهر لي بذلك حتى أرذلني فجعلني نظيرا لابن هند وابن النابغة لقد استنت الفصال حتى القرعى
734 أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أن الأمة ستغدر بك من بعدي
735 لامته فاطمة على قعوده وأطالت تعنيفه وهو ساكت حتى أذن المؤذن فلما بلغ إلى قوله أشهد أن محمدا رسول الله قال لها أ تحبين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا قالت لا قال فهو ما أقول لك
736 قال لي رسول الله ص إن اجتمعوا عليك فاصنع ما أمرتك وإلا فألصق كلكلك بالأرض فلما تفرقوا عني جررت على المكروه ذيلي وأغضيت على القذى جفني وألصقت بالأرض كلكلي
737 الدنيا حلم والآخرة يقظة ونحن بينهما أضغاث أحلام
[ 327 ]
738 لما عرف أهل النقص حالهم عند أهل الكمال استعانوا بالكبر ليعظم صغيرا ويرفع حقيرا وليس بفاعل
739 لو تميزت الأشياء كان الكذب مع الجبن والصدق مع الشجاعة والراحة مع اليأس والتعب مع الطمع والحرمان مع الحرص والذل مع الدين
740 المعروف غل لا يفكه إلا شكر أو مكافأة
741 كثرة مال الميت تسلي ورثته عنه
742 من كرمت عليه نفسه هان عليه ماله
743 من كثر مزاحه لم يسلم من استخفاف به أو حقد عليه
744 كثرة الدين تضطر الصادق إلى الكذب والواعد إلى الإخلاف
745 عار النصيحة يكدر لذتها
746 أول الغضب جنون وآخره ندم
747 انفرد بسرك ولا تودعه حازما فيزل ولا جاهلا فيخون(1/5974)
748 لا تقطع أخاك إلا بعد عجز الحيلة عن استصلاحه ولا تتبعه بعد القطيعة وقيعة فيه فتسد طريقه عن الرجوع إليك ولعل التجارب أن ترده عليك وتصلحه لك
749 من أحس بضعف حيلته عن الاكتساب بخل
750 الجاهل صغير وإن كان شيخا والعالم كبير وإن كان حدثا
751 الميت يقل الحسد له ويكثر الكذب عليه
752 إذا نزلت بك النعمة فاجعل قراها الشكر
[ 328 ]
753 الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في حظه
754 الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود
755 أبخل الناس بماله أجودهم بعرضه
756 لا تتبع الذنب العقوبة واجعل بينهما وقتا للاعتذار
757 اذكر عند الظلم عدل الله فيك وعند القدرة قدرة الله عليك
758 لا يحملنك الحنق على اقتراف الإثم فتشفي غيظك وتسقم دينك
759 الملك بالدين يبقى والدين بالملك يقوى
760 كأن الحاسد إنما خلق ليغتاظ
761 عقل الكاتب في قلمه
762 اقتصر من شهوة خالفت عقلك بالخلاف عليها
763 اللهم صن وجهي باليسار ولا تبذل جاهي بالإقتار فأسترزق طالبي رزقك وأستعطف شرار خلقك وأبتلى بحمد من أعطاني وأفتتن بذم من منعني وأنت من وراء ذلك ولي الإعطاء والمنع إنك على كل شي ء قدير
764 كل حقد حقدته قريش على رسول الله ص أظهرته في وستظهره في ولدي من بعدي ما لي ولقريش إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله أ فهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين
765 عجبا لسعد وابن عمر يزعمان أني أحارب على الدنيا أ فكان رسول الله ص يحارب على الدنيا فإن زعما أن رسول الله ص حارب لتكسير الأصنام وعبادة الرحمن فإنما حاربت لدفع الضلال والنهي عن
[ 329 ]
الفحشاء والفساد أ فمثلي يزن بحب الدنيا والله لو تمثلت لي بشرا سويا لضربتها بالسيف
766 اللهم أنت خلقتني كما شئت فارحمني كيف شئت ووفقني لطاعتك حتى تكون ثقتي كلها بك وخوفي كله منك
767 لا تسبن إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر
768 من لم يأخذ أهبة الصلاة قبل وقتها فما وقرها(1/5975)
769 لا تطمع في كل ما تسمع
770 من عاتب ووبخ فقد استوفى حقه
771 الجود الذي يستطاع أن يتناول به كل أحد هو أن ينوي الخير لكل أحد
772 من صحب السلطان بالصحة والنصيحة كان أكثر عدوا ممن صحبه بالغش والخيانة
773 من عاب سفلة فقد رفعه ومن عاب كريما فقد وضع نفسه
774 الموالي ينصرون وبنو العم يحسدون
775 الصدق عز والكذب مذلة ومن عرف بالصدق جاز كذبه ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه
776 إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها فإنها تتخطاك
777 نحن نريد ألا نموت حتى نتوب ونحن لا نتوب حتى نموت
778 أنزل الصديق منزلة العدو في رفع المئونة عنه وأنزل العدو منزلة الصديق في تحمل المئونة له
[ 330 ]
779 أول عقوبة الكاذب أن صدقه يرد عليه
780 الأدب عند الأحمق كالماء العذب في أصول الحنظل كلما ازداد ريا ازداد مرارة
781 إياكم وحمية الأوغاد فإنهم يرون العفو ضيما
782 الكريم لا يستقصي في محاقة المعتذر خوفا أن يجزي من لا يجد مخرجا من ذنبه
783 العفو عن المقر لا عن المصر
784 ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه
785 من جاد بماله فقد جاد بنفسه فإن لم يكن جاد بها بعينها فقد جاد بقوامها
786 الدين ميسم الكرام وطالما وقر الكرام بالدين
787 الماضي قبلك هو الباقي بعدك والتهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية بعاجل المصاب
788 مما تكتسب به المحبة أن تكون عالما كجاهل وواعظا كموعوظ
789 لا تحمدن الصبي إذا كان سخيا فإنه لا يعرف فضيلة السخاء وإنما يعطي ما في يده ضعفا
790 خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك في المودة وإن احتجت إليه لم ينقصك منها
791 عجبا للسلطان كيف يحسن وهو إذا أساء وجد من يزكيه ويمدحه
[ 331 ]
792 إذا صادقت إنسانا وجب عليك أن تكون صديق صديقه وليس يجب عليك أن تكون عدو عدوه لأن هذا إنما يجب على خادمه وليس يجب على مماثل له
793 ليس تكمل فضيلة الرجل حتى يكون صديقا لمتعاديين(1/5976)
794 من سعادة الحدث ألا يتم له فضيلة في رذيلة
795 إذا منعت من شي ء قد التمسته فليكن غيظك منه على نفسك في المسألة أكثر من غيظك على من منعك
796 الأسخياء يشمتون بالبخلاء عند الموت والبخلاء يشمتون بالأسخياء عند الفقر
797 ليس يضبط العدد الكثير من لا يضبط نفسه الواحدة
798 إذا أحسن أحد من أصحابك فلا تخرج إليه بغاية برك ولكن اترك منه شيئا تزيده إياه عند تبينك منه الزيادة في نصيحته
799 الوقوع في المكروه أسهل من توقع المكروه
800 الحسود ظالم ضعفت يده عن انتزاع ما حسدك عليه فلما قصر عليك بعث إليك تأسفه
801 أعم الأشياء نفعا موت الأشرار
802 الشي ء المعزي للناس عن مصائبهم علم العلماء أنها نقعاء اضطرارية وتأسي العامة بعضها ببعض
803 العقل الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان
[ 332 ]
804 يا عجبا للناس قد مكنهم الله من الاقتداء به فيدعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم
805 سلوا القلوب عن المودات فإنها شهود لا تقبل الرشا
806 إنما يحزن الحسدة أبدا لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط بل ولما ينال الناس من الخير
807 العشق جهد عارض صادف قلبا فارغا
808 تعرف خساسة المرء بكثرة كلامه فيما لا يعنيه وإخباره عما لا يسأل عنه
809 لا تؤخر إنالة المحتاج إلى غد فإنك لا تعرف ما يعرض في غد
810 إن تتعب في البر فإن التعب يزول والبر يبقى
811 أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين
812 كفاك موبخا على الكذب علمك بأنك كاذب وكفاك ناهيا عنه خوفك من تكذيبك حال إخبارك
813 العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما
814 لا تتكلوا على البخت فربما لم يكن وربما كان وزال ولا على الحسب فطالما كان بلاء على أهله يقال للناقص هذا ابن فلان الفاضل فيتضاعف غمه وعاره ولكن عليكم بالعلم والأدب فإن العالم يكرم وإن لم ينتسب ويكرم وإن كان فقيرا ويكرم وإن كان حدثا
[ 333 ](1/5977)
815 خير ما عوشر به الملك قلة الخلاف وتخفيف المئونة وأصعب الأشياء على الإنسان أن يعرف نفسه وأن يكتم سره
816 العدل أفضل من الشجاعة لأن الناس لو استعملوا العدل عموما في جميعهم لاستغنوا عن الشجاعة
817 أولى الأشياء أن يتعلمها الأحداث الأشياء التي إذا صاروا رجالا احتاجوا إليها
818 لا ترغب في اقتناء الأموال وكيف ترغب فيما ينال بالبخت لا بالاستحقاق ويأمر البخل والشره بحفظه والجود والزهد بإخراجه
819 إذا عاتبت الحدث فاترك له موضعا من ذنبه لئلا يحمله الإخراج على المكابرة
820 ما انتقم الإنسان من عدوه بأعظم من أن يزداد من الفضائل
821 إنما لم تجتمع الحكمة والمال لعزة وجود الكمال
822 يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقر في قلبه ما يمنع السكران أن يجد مس الشوكة في يده
823 القنية مخدومة ومن خدم غير نفسه فليس بحر
824 لا تطلب الحياة لتأكل بل اطلب الأكل لتحيا
825 إذا رأت العامة منازل الخاصة من السلطان حسدتها عليها وتمنت أمثالها فإذا رأت مصارعها بدا لها
826 الشي ء الذي لا يستغني عنه أحد هو التوفيق
[ 334 ]
827 ليس ينبغي أن يقع التصديق إلا بما يصح ولا العمل إلا بما يحل ولا الابتداء إلا بما تحسن فيه العاقبة
828 الوحدة خير من رفيق السوء
829 لكل شي ء صناعة وحسن الاختبار صناعة العقل
830 من حسدك لم يشكرك على إحسانك إليه
831 البغي آخر مدة الملوك
832 لأن يكون الحر عبدا لعبيده خير من أن يكون عبدا لشهواته
833 من أمضى يومه في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد بناه أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه
834 أرسل إليه عمرو بن العاص يعيبه بأشياء منها أنه يسمي حسنا وحسينا ولدي رسول الله ص فقال لرسوله قل للشانئ ابن الشانئ لو لم يكونا ولديه لكان أبتر كما زعمه أبوك(1/5978)
835 قال معاوية لما قتل عمار واضطرب أهل الشام لرواية عمرو بن العاص كانت لهم تقتله الفئة الباغية إنما قتله من أخرجه إلى الحرب وعرضه للقتل فقال أمير المؤمنين ع فرسول الله ص إذن قاتل حمزة
836 هذا يدي يعني محمد بن الحنفية وهذان عيناي يعني حسنا وحسينا وما زال الإنسان يذب بيده عن عينيه قالها لمن قال له إنك تعرض محمدا للقتل وتقذف به في نحور الأعداء دون أخويه
837 شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ورزقت خيره وبره خذ إليك أبا الأملاك قالها لعبد الله بن العباس لما ولد ابنه علي بن عبد الله
[ 335 ]
838 ما يسرني أني كفيت أمر الدنيا كله لأني أكره عادة العجز
839 اجتماع المال عند الأسخياء أحد الخصبين واجتماع المال عند البخلاء أحد الجدبين
840 من عمل عمل أبيه كفي نصف التعب
841 المصطنع إلى اللئيم كمن طوق الخنزير تبرا وقرط الكلب درا وألبس الحمار وشيا وألقم الأفعى شهدا
842 الحازم إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضل لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها ولذلك الحازم يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل ثم يضرب بعضه ببعض حتى يخلص إليه الصواب
843 الأشراف يعاقبون بالهجران لا بالحرمان
844 الشح أضر على الإنسان من الفقر لأن الفقير إذا وجد اتسع والشحيح لا يتسع وإن وجد
845 أحب الناس إلى العاقل أن يكون عاقلا عدوه لأنه إذا كان عاقلا كان منه في عافية
846 عليك بمجالسة أصحاب التجارب فإنها تقوم عليهم بأغلى الغلاء وتأخذها منهم بأرخص الرخص
847 من لم يحمدك على حسن النية لم يشكرك على جميل العطية
848 لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا لأموالهن
[ 336 ]
فعسى أموالهن أن تطغيهن وانكحوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل
849 أفضل العبادة الإمساك عن المعصية والوقوف عند الشبهة
850 ذم الرجل نفسه في العلانية مدح لها في السر(1/5979)
851 من عدم فضيلة الصدق في منطقه فقد فجع بأكرم أخلاقه
852 ليس يضرك أن ترى صديقك عند عدوك فإنه إن لم ينفعك لم يضرك
853 قل أن ترى أحدا تكبر على من دونه إلا وبذلك المقدار يجود بالذل لمن فوقه
854 من عظمت عليه مصيبة فليذكر الموت فإنها تهون عليه ومن ضاق به أمر فليذكر القبر فإنه يتسع
855 خير الشعر ما كان مثلا وخير الأمثال ما لم يكن شعرا
856 الق الناس عند حاجتهم إليك بالبشر والتواضع فإن نابتك نائبة وحالت بك حال لقيتهم وقد أمنت ذلة التنصل إليهم والتواضع
857 إن الله يحب أن يعفى عن زلة السري
858 من طال لسانه وحسن بيانه فليترك التحدث بغرائب ما سمع فإن الحسد لحسن ما يظهر منه يحمل أكثر الناس على تكذيبه ومن عرف أسرار الأمور الإلهية فليترك الخوض فيها وإلا حملتهم المنافسة على تكفيره
859 ليس كل مكتوم يسوغ إظهاره لك ولا كل معلوم يجوز أن تعلمه غيرك
[ 337 ]
860 ليس يفهم كلامك من كان كلامه لك أحب إليه من الاستماع منك ولا يعلم نصيحتك من غلب هواه على رأيك ولا يسلم لك من اعتقد أنه أتم معرفة بما أشرت عليه به منك
861 خف الضعيف إذا كان تحت راية الإنصاف أكثر من خوفك القوي تحت راية الجور فإن النصر يأتيه من حيث لا يشعر وجرحه لا يندمل
862 إخافة العبيد والتضييق عليهم يزيد في عبوديتهم وصيانتهم وإظهار الثقة بهم يكسبهم أنفة وجبرية
863 أضر الأشياء عليك أن تعلم رئيسك أنك أعرف بالرئاسة منه
864 عداوة العاقلين أشد العداوات وأنكاها فإنها لا تقع إلا بعد الإعذار والإنذار وبعد أن يئس إصلاح ما بينهما
865 لا تخدمن رئيسا كنت تعرفه بالخمول وسمت به الحال ويعرف منك أنك تعرف قديمه فإنه وأن سر بمكانك من خدمته إلا إنه يعلم العين التي تراه بها فينقبض عنك بحسب ذلك(1/5980)
866 إذا احتجت إلى المشورة في أمر قد طرأ عليك فاستبده ببداية الشبان فإنهم أحد أذهانا وأسرع حدسا ثم رده بعد ذلك إلى رأي الكهول والشيوخ ليستعقبوه ويحسنوا الاختيار له فإن تجربتهم أكثر
867 الإنسان في سعيه وتصرفاته كالعائم في اللجة فهو يكافح الجرية في إدباره ويجري معها في إقباله
868 ينبغي للعاقل أن يستعمل فيما يلتمسه الرفق ومجانبة الهذر
[ 338 ]
فإن العلقة تأخذ بهدوئها من الدم ما لا تأخذه البعوضة باضطرابها وفرط صياحها
869 أقوى ما يكون التصنع في أوائله وأقوى ما يكون التطبع في أواخره
870 غاية المروءة أن يستحيي الإنسان من نفسه وذلك أنه ليس العلة في الحياء من الشيخ كبر سنه ولا بياض لحيته وإنما علة الحياء منه عقله فينبغي إن كان هذا الجوهر فينا أن نستحيي منه ولا نحضره قبيحا
871 من ساس رعية حرم عليه السكر عقلا لأنه قبيح أن يحتاج الحارس إلى من يحرسه
872 لا تبتاعن مملوكا قوي الشهوة فإن له مولى غيرك ولا غضوبا فإنه يؤذيك في استخدامك له ولا قوي الرأي فإنه يستعمل الحيلة عليك لكن اطلب من العبيد من كان قوي الجسم حسن الطاعة شديد الحياء
873 لا تعادوا الدول المقبلة وتشربوا قلوبكم بغضها فتدبروا بإقبالها
874 الغريب كالفرس الذي زايل شربه وفارق أرضه فهو ذاو لا يتقد وذابل لا يثمر
875 السفر قطعة من العذاب والرفيق السوء قطعة من النار
876 كل خلق من الأخلاق فإنه يكسد عند قوم من الناس إلا الأمانة فإنها نافقة عند أصناف الناس يفضل بها من كانت فيه حتى أن الآنية إذا لم تنشف
[ 339 ]
و بقي ما يودع فيها على حاله لم ينقص كانت أكثر ثناء من غيرها مما يرشح أو ينشف
877 اصبر على سلطانك في حاجاتك فلست أكبر شغله ولا بك قوام أمره
878 قوة الاستشعار من ضعف اليقين(1/5981)
879 إذا أحسست من رأيك بإكداد ومن تصورك بفساد فاتهم نفسك بمجالستك لعامي الطبع أو لسيئ الفكر وتدارك إصلاح مزاج تخيلك بمكاثرة أهل الحكمة ومجالسة ذوي السداد فإن مفاوضتهم تريح الرأي المكدود وترد ضالة الصواب المفقود
880 من جلس في ظل الملق لم يستقر به موضعه لكثرة تنقله وتصرفه مع الطباع وعرفه الناس بالخديعة
881 كثير من الحاجات تقضى برما لا كرما
882 أصحاب السلطان في المثل كقوم رقوا جبلا ثم سقطوا منه فأقربهم إلى الهلكة والتلف أبعدهم كان في المرتقى
883 لا تضع سرك عند من لا سر له عندك
884 سعة الأخلاق كيمياء الأرزاق
885 العلم أفضل الكنوز وأجملها خفيف المحمل عظيم الجدوى في الملإ جمال وفي الوحدة أنس
886 السباب مزاح النوكى ولا بأس بالمفاكهة يروح بها الإنسان عن نفسه ويخرج عن حد العبوس
[ 340 ]
887 ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الهدية والرسول والكتاب
888 التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة
889 أنت مخير في الإحسان إلى من تحسن إليه ومرتهن بدوام الإحسان إلى من أحسنت إليه لأنك إن قطعته فقد أهدرته وإن أهدرته فلم فعلته
890 الناس من خوف الذل في ذل
891 إذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيا وإذا كان الإيجاز مقصرا كان الإكثار واجبا
892 بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد
893 الخلق عيال الله وأحب الناس إلى الله أشفقهم على عياله
894 تحريك الساكن أسهل من تسكين المتحرك
895 العاقل بخشونة العيش مع العقلاء آنس منه بلين العيش مع السفهاء
896 الانقباض بين المنبسطين ثقل والانبساط بين المنقبضين سخف
897 السخاء والجود بالطعام لا بالمال ومن وهب ألفا وشح بصحفة طعام فليس بجواد
898 إن بقيت لم يبق الهم
899 لا يقوم عز الغضب بذلة الاعتذار
900 الشفيع جناح الطالب
901 الأمل رفيق مؤنس إن لم يبلغك فقد استمتعت به
902 إعادة الاعتذار تذكير بالذنب
[ 341 ](1/5982)
903 الصبر في العواقب شاف أو مريح
904 من طال عمره رأى في أعدائه ما يسره
905 لا نعمة في الدنيا أعظم من طول العمر وصحة الجسد
906 الناس رجلان أما مؤجل بفقد أحبابه أو معجل بفقد نفسه
907 العقل غريزة تربيها التجارب
908 النصح بين الملأ تقريع
909 لا تنكح خاطب سرك
910 من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع الغنم الكثير
911 الدار الضيقة العمى الأصغر
912 النمام جسر الشر
913 لا تشن وجه العفو بالتقريع
914 كثرة النصح تهجم بك على كثرة الظنة
915 لكل ساقطة لاقطة
916 ستساق إلى ما أنت لاق
917 عاداك من لاحاك
918 جدك لا كدك
919 تذكر قبل الورد الصدر والحذر لا يغني من القدر والصبر من أسباب الظفر
920 عار النساء باق يلحق الأبناء بعد الآباء
921 أعجل العقوبة عقوبة البغي والغدر واليمين الكاذبة ومن إذا تضرع إليه وسئل العفو لم يغفر
[ 342 ]
922 لا ترد بأس العدو القوي وغضبه بمثل الخضوع والذل كسلامة الحشيش من الريح العاصف بانثنائه معها كيفما مالت
923 قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك ولا تفرط في مقاربته فتذل نفسك وناصرك وتأمل حال الخشبة المنصوبة في الشمس التي إن أملتها زاد ظلها وإن أفرطت في الإمالة نقص الظل
924 إذا زال المحسود عليه علمت أن الحاسد كان يحسد على غير شي ء
925 العجز نائم والحزم يقظان
926 من تجرأ لك تجرأ عليك
927 ما عفا عن الذنب من قرع به
928 عبد الشهوة أذل من عبد الرق
929 ليس ينبغي للعاقل أن يطلب طاعة غيره وطاعة نفسه عليه ممتنعة
930 الناس رجلان واجد لا يكتفي وطالب لا يجد
931 كلما كثر خزان الأسرار زادت ضياعا
932 كثرة الآراء مفسدة كالقدر لا تطيب إذ كثر طباخوها
933 من اشتاق خدم ومن خدم اتصل ومن اتصل وصل ومن وصل عرف
934 عجبا لمن يخرج إلى البساتين للفرجة على القدرة وهلا شغلته رؤية القادر عن رؤية القدرة(1/5983)
935 كل الناس أمروا بأن يقولوا لا إله إلا الله إلا رسول الله فإنه رفع قدره عن ذلك وقيل له فاعلم أنه لا إله إلا الله فأمر بالعلم لا بالقول
[ 343 ]
936 كل مصطنع عارفة فإنما يصنع إلى نفسه فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك وتممت به لذتك ووقيت به عرضك
937 ولدك ريحانتك سبعا وخادمك سبعا ثم هو عدوك أو صديقك
938 من قبل معروفك فقد باعك مروءته
939 إلى الله أشكو بلادة الأمين ويقظة الخائن
940 من أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحا وعند الخطإ عاذرا
941 من كثر حقده قل عتابه
942 الحازم من لم يشغله البطر بالنعمة عن العمل للعاقبة والهم بالحادثة عن الحيلة لدفعها
943 كلما حسنت نعمة الجاهل ازداد قبحا فيها
944 من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم ولو لا من يقبل الجود لم يكن من يجود
945 إخوان السوء كشجرة النار يحرق بعضها بعضا
946 زلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها خلق
947 أهون الأعداء كيدا أظهرهم لعداوته
948 أبق لرضاك من غضبك وإذا طرت فقع قريبا
949 لا تلتبس بالسلطان في وقت اضطراب الأمور عليه فإن البحر لا يكاد يسلم صاحبه في حال سكونه فكيف يسلم مع اختلاف رياحه واضطراب أمواجه
950 إذا خلي عنان العقل ولم يحبس على هوى نفس أو عادة دين أو عصبية لسلف ورد بصاحبه على النجاة
[ 344 ]
951 إذا زادك الملك تأنيسا فزده إجلالا
952 من تكلف ما لا يعنيه فاته ما يعنيه
953 قليل يترقى منه إلى كثير خير من كثير ينحط عنه إلى قليل
954 جنبوا موتاكم في مدافنهم جار السوء فإن الجار الصالح ينفع في الآخرة كما ينفع في الدنيا
955 زر القبور تذكر بها الآخرة وغسل الموتى يتحرك قلبك فإن الجسد الخاوي عظة بليغة وصل على الجنائز لعله يحزنك فإن الحزين قريب من الله(1/5984)
956 الموت خير للمؤمن والكافر أما المؤمن فيتعجل له النعيم وأما الكافر فيقل عذابه وآية ذلك من كتاب الله تعالى وَ ما عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ وَ لا يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً
957 جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك
958 من خاف إساءتك اعتقد مساءتك ومن رهب صولتك ناصب دولتك
959 من فعل ما شاء لقي ما شاء
960 يسرني من القرآن كلمة أرجوها لمن أسرف على نفسه قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ فجعل الرحمة عموما والعذاب خصوصا
[ 345 ]
961 الاستئثار يوجب الحسد والحسد يوجب البغضة والبغضة توجب الاختلاف والاختلاف يوجب الفرقة والفرقة توجب الضعف والضعف يوجب الذل والذل يوجب زوال الدولة وذهاب النعمة
962 لا يكاد يصح رؤيا الكذاب لأنه يخبر في اليقظة بما لم يكن فأحر به أن يرى في المنام ما لا يكون
963 يفسدك الظن على صديق قد أصلحك اليقين له
964 لا تكاد الظنون تزدحم على أمر مستور إلا كشفته
965 المشورة راحة لك وتعب على غيرك
966 حق كل سر أن يصان وأحق الأسرار بالصيانة سرك مع مولاك وسره معك واعلم أن من فضح فضح ومن باح فلدمه أباح
967 يا من ألم بجناب الجلال احفظ ما عرفت واكتم ما استودعت واعلم أنك قد رشحت لأمر فافطن له ولا ترض لنفسك أن تكون خائنا فمن يؤد الأمانة فيما استودع أخلق الناس بسمة الخيانة وأجدر الناس بالإبعاد والإهانة
968 لا تعامل العامة فيما أنعم به عليك من العلم كما تعامل الخاصة واعلم أن لله سبحانه رجالا أودعهم أسرارا خفية ومنعهم عن إشاعتها واذكر قول العبد الصالح لموسى وقد قال له هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا(1/5985)
969 لكل دار باب وباب دار الآخرة الموت
970 إن لك فيمن مضى من آبائك وإخوانك لعبرة وإن ملك الموت دخل
[ 346 ]
على داود النبي فقال من أنت قال من لا يهاب الملوك ولا تمنع منه القصور ولا يقبل الرشا قال فإذن أنت ملك الموت جئت ولم أستعد بعد فقال فأين فلان جارك أين فلان نسيبك قال ماتوا قال أ لم يكن لك في هؤلاء عبرة لتستعد
971 ما أخسر صفقة الملوك إلا من عصم الله باعوا الآخرة بنومة
972 إن هذا الموت قد أفسد على الناس نعيم الدنيا فما لكم لا تلتمسون نعيما لا موت بعده
973 انظر العمل الذي يسرك أن يأتيك الموت وأنت عليه فافعله الآن فلست تأمن أن تموت الآن
974 لا تستبطئ القيامة فتسكن إلى طول المدة الآتية عليك بعد الموت فإنك لا تفرق بعد عودك بين ألف سنة وبين ساعة واحدة ثم قرأ وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ اَلنَّهارِ الآية
975 لا بد لك من رفيق في قبرك فاجعله حسن الوجه طيب الريح وهو العمل الصالح
976 رب مرتاح إلى بلد وهو لا يدري أن حمامه في ذلك البلد
977 الموت قانص يصمي ولا يشوي
978 ما من يوم إلا يتصفح ملك الموت فيه وجوه الخلائق فمن رآه على معصية أو لهو أو رآه ضاحكا فرحا قال له يا مسكين ما أغفلك عما يراد بك اعمل ما شئت فإن لي فيك غمرة أقطع بها وتينك
[ 347 ]
979 إذا وضع الميت في قبره اعتورته نيران أربع فتجي ء الصلاة فتطفئ واحدة ويجي ء الصوم فيطفئ واحدة وتجي ء الصدقة فتطفئ واحدة ويجي ء العلم فيطفئ الرابعة ويقول لو أدركتهن لأطفأتهن كلهن فقر عينا فأنا معك ولن ترى بؤسا
980 استجيروا بالله تعالى واستخيروه في أموركم فإنه لا يسلم مستجيرا ولا يحرم مستخيرا
981 أ لا أدلكم على ثمرة الجنة لا إله إلا الله بشرط الإخلاص
982 من شرف هذه الكلمة وهي الحمد لله أن الله تعالى جعلها فاتحة كتابه وجعلها خاتمة دعوى أهل جنته فقال وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين(1/5986)
983 ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الهشيم وكالدار العامرة بين الربوع الخربة
984 أفضل الأعمال أن تموت ولسانك رطب بذكر الله سبحانه
985 الذكر ذكران أحدهما ذكر الله وتحميده فما أحسنه وأعظم أجره والثاني ذكر الله عند ما حرم الله وهو أفضل من الأول
986 ما أضيق الطريق على من لم يكن الحق تعالى دليله وما أوحشها على من لم يكن أنيسه ومن اعتز بغير عز الله ذل ومن تكثر بغير الله قل
987 اللهم إن فههت عن مسألتي أو عمهت عن طلبتي فدلني على مصالحي وخذ بناصيتي إلى مراشدي اللهم احملني على عفوك ولا تحملني على عدلك
988 مخ الإيمان التقوى والورع وهما من أفعال القلوب وأحسن أفعال الجوارح ألا تزال مالئا فاك بذكر الله سبحانه
[ 348 ]
989 اللهم فرغني لما خلقتني له ولا تشغلني بما تكفلت لي به ولا تحرمني وأنا أسألك ولا تعذبني وأنا أستغفرك
990 سبحان من ندعوه لحظنا فيسرع ويدعونا لحظنا فنبطئ خيره إلينا نازل وشرنا إليه صاعد وهو مالك قادر
991 اللهم إنا نعوذ بك من بيات غفلة وصباح ندامة
992 اللهم إني أستغفرك لما تبت منه إليك ثم عدت فيه وأستغفرك لما وعدتك من نفسي ثم أخلفتك وأستغفرك للنعم التي أنعمت بها علي فتقويت بها على معصيتك
993 اللهم إني أعوذ بك أن أقول حقا ليس فيه رضاك ألتمس به أحدا سواك وأعوذ بك أن أتزين للناس بشي ء يشينني عندك وأعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك وأعوذ بك أن يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني مني
994 يا من ليس إلا هو يا من لا يعلم ما هو إلا هو اعف عني
995 اللهم إن الآمال منوطة بكرمك فلا تقطع علائقها بسخطك اللهم إني أبرأ من الحول والقوة إلا بك وأدرأ بنفسي عن التوكل على غيرك(1/5987)
996 اللهم صل على محمد وآل محمد كلما ذكره الذاكرون وصل على محمد وآل محمد كلما غفل عن ذكره الغافلون اللهم صل على محمد وآل محمد عدد كلماتك وعدد معلوماتك صلاة لا نهاية لها ولا غاية لأمدها
997 سبحان الواحد الذي ليس غيره سبحان الدائم الذي لا نفاد له سبحان القديم الذي لا ابتداء له سبحان الغني عن كل شي ء ولا شي ء من الأشياء يغني عنه
[ 349 ]
998 يا الله يا رحمان يا رحيم يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام اعف عني وهذا حين انتهاء قولنا في شرح نهج البلاغة ولم ندرك ما أدركناه منه بقوتنا وحولنا فإنا عاجزون عما هو دونه ولقد شرعنا فيه وإنه لفي أنفسنا كالطود الأملس تزل الوعول العصم عن قذفاته بل كالفلك الأطلس لا تبلغ الأوهام والعقول إلى حدود غاياته فما زالت معونة الله سبحانه وتعالى تسهل لنا حزنه وتذلل لنا صعبه حتى أصحب أبيه وأطاع عصيه وفتحت علينا بحسن النية وإخلاص الطوية في تصنيفه أبواب البركات وتيسرت علينا مطالب الخيرات حتى لقد كان الكلام ينثال علينا انثيالا ويؤاتينا بديهة وارتجالا فتم تصنيفه في مدة قدرها أربع سنين وثمانية أشهر وأولها غرة شهر رجب من سنة أربع وأربعين وستمائة وآخرها سلخ صفر من سنة تسع وأربعين وستمائة وهو مقدار مدة خلافة أمير المؤمنين ع وما كان في الظن والتقدير أن الفراغ منه يقع في أقل من عشر سنين إلا أن الألطاف الإلهية والعناية السماوية شملتنا بارتفاع العوائق وانتفاء الصوارف وشحذت بصيرتنا فيه وأرهفت همتنا في تشييد مبانيه وتنضيد ألفاظه ومعانيه . وكان لسعادة المجلس المولوي المؤيدي الوزيري أجرى الله بالخير أقلامه وأمضى
[ 350 ](1/5988)
في طلى الأعداء حسامه في المعونة عليه أوفر قسط وأوفى نصيب وحظ إذ كان مصنوعا لخزانته وموسوما بسمته ولأن همته أعلاها الله ما زالت تتقاضى عنده بإتمامه وتحثه على إنجازه وإبرامه وناهيك بها من همة راضت الصعب الجامح وخففت العب ء الفادح ويسرت الأمر العسير وقطعت المدى الطويل في الزمن القصير . وقد استعملت في كثير من فصوله فيما يتعلق بكلام المتكلمين والحكماء خاصة ألفاظ القوم مع علمي بأن العربية لا تجيزها نحو قولهم المحسوسات وقولهم الكل والبعض وقولهم الصفات الذاتية وقولهم الجسمانيات وقولهم أما أولا فالحال كذا ونحو ذلك مما لا يخفى عمن له أدنى أنس بالأدب ولكنا استهجنا تبديل ألفاظهم وتغيير عباراتهم فمن كلم قوما كلمهم باصطلاحهم ومن دخل ظفار حمر . والنسخة التي بني هذا الشرح على نصها أتم نسخة وجدتها بنهج البلاغة فإنها مشتملة على زيادات تخلو عنها أكثر النسخ . وأنا أستغفر الله العظيم من كل ذنب يبعد من رحمته ومن كل خاطر يدعو إلى الخروج عن طاعته وأستشفع إليه بمن أنصبت جسدي وأسهرت عيني وأعملت فكري واستغرقت طائفة من عمري في شرح كلامه والتقرب إلى الله بتعظيم منزلته ومقامه أن يعتق رقبتي من النار وألا يبتليني في الدنيا ببلاء تعجز عنه قوتي وتضعف عنه طاقتي وأن يصون وجهي عن المخلوقين ويكف عني عادية الظالمين إنه سميع مجيب وحسبنا الله وحده وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلامه(1/5989)
فهرس الجزء العشرون
تتمة باب الحكم والمواعظ
409
410
411
412
413
المغيرة بن شعبة
إيراد كلام لأبي المعالي الجويني في أمر الصحابة والرد عليه
عمار بن ياسر وطرف من أخباره
414
415
نكت في مدح العقل وما قيل فيه
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
فصل في الاستغفار والتوبة
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
عبد الله بن الزبير وذكر طرف من أخباره
462
فصل في الفخر وما قيل في النهي عنه
463
464
في مجلس علي بن أبي طالب
اختلاف العلماء في تفضيل بعض الشعراء على بعض
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
فصل في ألفاظ الكنايات وذكر الشواهد عليها
حديث عن إمرئ القيس
476
477
478
فصل فيما قيل في التفضيل بين الصحابة
479
480
481
مختارات مما قيل من الشعر في الشيب والخضاب
482
نبذ وحكايات حول العفة
483
484
485
486
487
488
الحكم المنسوبة(1/5990)