5- ومَنْ عَصَى اللهَ انْتَهَىَ مُتَبَّبَا
6- إذَا رَأَى ما آلَ مِمَّا اسْتَجْلَبَا
7- لاَ أَيْنَ فِيهِ [قامَ] (8) حَتَّى يَغْلِبَا
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "يَدَعْ".
(2) فى المخطوط والدّيوان المطبوع: "للشّاعِبِين شُعَبَا"، والمثبت يتّفق مع الشرح واللّسان (ش غ ب).
(3) فى المخطوط: "ألاّ تَرْحُبَا" بالحاء المهملة، والمثبت من الدّيوان المطبوع متفقًا مع الشرح.
(4) فى المخطوط: "الجبين" ولا يستقيم به الوزن ولا المعنى فى السياق؛ فالتقليد للجِيدِ، وهو الوارد فى المطبوع.
(5) فى المخطوط: "واسْتَرْحَبَا" بالحاء المهملة، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(6) البيت فى اللّسان والتاج (ش غ ب).
(7) فى المخطوط: "والرَّحْبُ، مجزوم الحاء، وقال:
... ... فغيرُك مستحيا وغيرك يرحُبُ
يعنى بالرَّحْب: الحَيَاء والعَفْو، والمثبت من اللّسان والتاج (ر ج ب).
(8) إضافة من الدّيوان المطبوع.
التَّبُّ: الخَسَارُ، يقولُ: تَبًّا لفُلاَنٍ، نَصَبَهُ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ مَحْمُولٌ عَلى فِعْلِهِ، كَمَا تقولُ: سَقْيًا لِفُلاَنٍ، مَعْنَاهُ: سُقِىَ فُلاَنٌ سَقْيًا، ولَمْ يُجْعَلِ اسْمًا مُسْنَدًا إلى ما قَبْلِه، مثل لفُلاَنٍ، فَتَبَبْتُ القَوْمَ: [قلتُ](1) لَهُم: تَبًّا لكُم، ويقالُ: تَبًّا لِفُلاَنٍ تَتْبيبًا.
والتَّبَابُ: الهَلاَكُ، وهؤلاء كَلِمَاتٌ شَتَّى عُمْدَةٌ لِمَا قَبْلَهُنَّ ولاَ يُفْرَدْنَ، وقالَ:
أَبَى طُولُ الحَيَاةِ وإنْ تَأَبَّى تُصَيِّرُهُ الدُّهُورُ إلى تَبابِ
ويقالُ: اسْتَجْلَبْت هذا الأَمْرَ، أى لاَ أين، كما تقولُ: أَيْنَ تَذْهَبُ، فيقولُ: لاَ أَيْنَ فِيهِ، أى فى القَضَاءِ.
* ... * ... *
__________
(1) إضافة يستقيم بها المعنى.
-51-
وقالَ [يُخَاطِبُ العَجَّاجَ أَبَاهُ ويُعَاتِبُه](1):
1- مالِىَ إلاَّ ما اجْتَنَى احْتِرَافِى
2- ورَجَعَ المَرْجُوعُ(2) واصْطِرَافِى(3)(2/109)
3- لِمَا عَلِمْتُ أَنَّنِى مُوَافِ
4- رِبًا وأَنَّ السَّعْىَ ذُو أَشْفَافِ
/ احْتِرَافُهُ: كَسْبُهُ.
واصْطِرَافُهُ: ابْتِغَاؤُهُ وطَلَبُهُ.
والأَشْفَافُ: الرِّبْحُ، وفى غَيْرِ هذا المَوْضِعِ: النُّقْصَانُ، وهو مِنَ الأَضْدَادِ، واحِدهُ: شَِفٌّ.
5- تَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ مَعَ الأُلاَّفِ
6- تَعْدُو عَلَىَّ مِنْ حِمَى القَطَّافِ
7- عَاتِقَةٌ مِنْ عَاتِقِ السُّلاَفِ
8- بِمَزْبَدٍ مِثْلِ دَمِ الأَجْوَافِ
الأُلاّفُ: الذين يَتَأَلَّفُون النّاسَ.
وحِمَى القَطَّافِ: ما حَمُوا ومَنَعُوا.
والعَاتِقَةُ، والعَاتِقُ: القَدِيمَةُ، وقالَ:
أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ(4)
ويقالُ: هى الّتِى لَمْ يُفَضَّ خِتامُها(5)، والخَمْرُ العَتِيقُ: التى عُتِّقَتْ زَمَانًا حتّى عَتُقَتْ، وقالَ الأَعْشَى:
وسَبِيئَةٍ مِمَّا تُعَتِّقُ بَابِلٌ كَدَمِ الذّبِيحِ سَلَبْتُهَا جِرْيَالَهَا(6)
والعَاتِقُ مِنَ الزِّقَاقِ: الوَاسِعُ الجَيِّدُ، وقالَ لَبِيدٌ:
__________
(1) الأرجوزة بالدّيوان المطبوع (99- 101) تحت رقم (37)، وما بين الحاصرتين إضافة منه، وانظر أسباب عتابه لأبيه العجّاج فى "خزانة الأدب 2/45".
(2) فى نسخة الضرير: "ورجعى المرجوع.." أى: ما رددت عن نفسى وكسبت.
(3) رواية خزانة الأدب 8/486: "بِغَيْرِ لا عَصْفٍ ولا اصْطِرافِ".
(4) عجز بيت لحسّان بن ثابت، صدره كما فى ديوانه/362، واللسان (ع ت ق):
"كالمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِماءِ سَحَابَةٍٍ".
(5) فى اللِّسان (ع ت ق): "وقيل: هى التى لم يَفُضَّ أَحَدٌ خِتَامَها".
(6) ديوان الأعشى/27، واللّسان (ع ت ق).
أُغْلِى السِّبَاءَ بِكُلِّ أَدْكَنَ عَاتِقٍ أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتَامُهَا(1)
والسُّلافَةُ مِنَ الخَمْرِ:أَخْلَصُهَا وأَفْضَلُهَا، وذَلِكَ إذا تَحَلَّبَ [من العِنَبِ](2) من غَيْرِ عَصْرٍ ولاَ مَرْثٍ، وكذَلِكَ مِنَ التَّمْرِ والزَّبِيبِ ونَحْوِه.(2/110)
9- لَرُحْتُ أَمْشِى لَيِّنَ الأَعْطَافِ
10- ما بِىَ مِنْ قَيْدٍ ولاَ سِنَافِ
11- رَجَزْتُ بِى غَيْرُكَ ذُو الإِسْرَافِ
12- وأُمَّهَاتُ الرَّجَزِ القَوَافِى
هذَا مَثَلٌ، ولاَ رَحْلَ للإِنْسَانِ فيكُونُ له سِنَافٌ، والسِّنَافُ للبَعِيرِ بمَنْزِلَةِ اللَّبَبِ للدَّابَّةِ، بَعِيرٌ مِسْنَافٌ: يُؤَخِّرُ الرَّحْلَ، وأَسْنَفْت البَعِيرَ: شَدَدْتُهُ بالسِّنَافِ، وسَنَفْتُهُ أَيْضًا، وفَرَسٌ(3) مُسْنِفَةٌ: إذا كانَتْ تَتَقَدَّمُ الخَيْلَ فى سَيْرِها، فإذا سَمِعْتَ فى شِعْرٍ: مُسْنِفَةٌ، بِكَسْرِ النُّونِ، فإِنَّما يَعْنِى فَرَسًا، وإِذَا سَمِعْتَ: مُسْنَفَةٌ، بفَتْحِ النُّونِ، فإنَّما يَعْنِى النَّاقَةَ.
وقوله: القَوافِى، يريدُ إنّما يبنى علَى القَوَافِى.
13- نَقْدَ المُجِيزِ وَرِقَ الصَّرَّافِ
14- وأَنَا إلاَّ بالعِتَابِ عَافِ
/ 15- وأَنَا عَمَّا عِفْتُ ذُو اعْتِيَافِ
16- وأَنَا فى المَنْطِقِ ذُو احْتِيَافِ
الوَرِقُ: اسْمٌ للدَّرَاهِمِ، وكذَلِك الرِّقَةُ، تقولُ: أَعْطاهُ ألْفَ دِرْهَمٍ رِقَةً لاَ يُخَالِطُهَا شَىءٌ مِنَ المالِ غَيْرُهَا، يقولُ: فَأَنَا أَعْفُو عَمَّا كانَ مِنْكَ إلاَّ بِمُعَاتَبَةٍ لَكَ.
__________
(1) البيت فى شرح ديوان لبيد/314، واللّسان (ع ت ق)، والسِّباءُ: الشّراءُ. والأَدْكَنُ: الزِّقُّ الأَغْبَرُ. والعاتِقُ: الخالِصُ. والجَوْنَةُ: الخابِيَةُ المَطْلِيَّةُ بالقَار. وخِتَامُها: طِينُها.
(2) زيادة من التاج (س ل ف) والنص فيه.
(3) هذا الكلام فى التاج (س ن ف) محكى عن ابن دريد، والجوهرى بعبارة أوضح.
وعِفْتُ: مِنْ عَافَ الشَّىءَ، يعَافُهُ عِيَافًا: إذَا كَرِهَهُ.(2/111)
واحْتِيَافٌ: افْتِعَالٌ مِنَ الحَيْفِ، وهو المَيْلُ، حَافَ يَحِيفُ حَيْفًا، ورَجُلٌ حائِفٌ، وقَوْمٌ حَافَةٌ وحُيَّفٌ، وقالَ أبو عُبَيْدٍ: تَحَيَّفْتُ الشَّىءَ: إذَا أَخَذْتَ مِنْ جَوَانِبِهِ، وقالَ أبُو عَمْرٍو: تَحَيَّفْتُ: أى أَكَلْت مِنْهُ مِنْ جَوَانِبِه(1).
17- سَوْفَ يُوَفِّينَا مَلِيكٌ (2) وَافِ
18- بِسَعْيِنَا ما كانَ مِنْ إلْهَافِ
19- جَازَاهُ أَنْ جَازَاهُ أوْ يُعَافِ
20- إنَّكَ لَمْ تُنْصِفْ أَبَا الجَحَّافِ
تقولُ: وَفَى يَفِى وَفَاةً، وتقولُ: وَفَيْتُ بِعَهْدِكَ، ولُغَةُ أَهْلِ تِهَامَةَ: أَوْفَيْتُ بِعَهْدِكَ، وتقولُ: وفَى وهو وَافٍ، وكُلُّ شَىءٍ بَلَغَ تَمَامَ الكَلاَمِ فَقَدْ وَفَى وتَمَّ، وكذلك دِرْهَمٌ وَافٍ؛ لأَنَّهُ دِرْهَمٌ وَفَى مِثْقالاً، وكَيْلٌ وَافٍ، وَرَجُلٌ وَافٍ: ذُو وفاءٍ.
والإلْهَافُ: الشِّدَّةُ.
21- وكانَ يَرْضَى مِنْكَ بالإنْصَافِ
22- وهْوَ عَلَيْكَ واسِعُ العِطَافِ
23- غَادِيَةٌ بالنَّفْعِ وانْتَ حَافِ
24- عَنْهُ ولاَ يَخْفَى الذى يُخَافِ
العِطَافُ: الرِّدَاءُ، وإنَّمَا ضَرَبَهُ مَثَلاً، يقولُ: يَغْدُو عَلَيْكَ بالنَّفْعِ مِنْهُ، وأَنْتَ حَافٍ.
25- كَيْفَ تَلُومُهُ علَى الإِلْطَافِ
26- وأَنْتَ لَوْ مُلِّكْتَ بالإِتْلاَفِ
27- شُبْتَ لَهُ شَوْبًا مِنَ الذُّعَافِ
28- وهْوَ لأَعْدَائِكَ ذُو قِرَافِ(3)
بالإِتْلاَفِ: البَاءُ مُقْحَمَةٌ، وأَرَادَ الإِتْلاَفَ، يقولُ: لوْ مُلِّكْتَ هَلاَكَهُ أَهْلَكْتَهُ.
والشَّوْبُ: /الخَلْطُ، شَابَ يَشُوبُ شَوْبًا.
والذُّعَافُ، يُقال: الذُّعَافُ، والزُّعَافُ: السَّمُّ القَاتِلُ.
__________
(1) لفظ أبى عمرو فى الجيم 1/195 "تقول: تحيَّفْتُ منه، أى: أكلتُ منه من حَواليه".
(2) فى الدّيوان المطبوع: "عَلَيْكَ".
(3) اللّسان والتاج (ق ذ ف).
والقِرافُ هاهُنَا: الحَرْبُ، يقولُ: فَأَنَا علَى أَعْدَائِكَ كالحَرْبِ.(2/112)
29- قُذَافَةٍ (1) بِحَجَرِالقُذَّافِ
30- ولاَ تَشِنْ قَوْلَكَ بالإِخْلاَفِ
31- رُكِّبْتَ مِنْ جَنَاحِكَ الغُدَافِ (2)
32- مِنَ القُدَامَى لاَ مِنَ الخَوَافِى (3)
القَذْفُ: الرَّمْىُ مِنْ كُلِّ شَىءٍ، نحو الرَّمْىِ بالسِّهَامِ والحَصَى والكَلاَمِ، ويقالُ للمَنْجَنِيقِ: قَذَّافٌ، وحكَى الجَرْمِىُّ فى غَيْرِ هذا أنَّ القَذَّافَ المُتَوَضَّأُ، والقَذَّافُ: الشَّعَرُ الطَّوِيلُ الأَسْوَدُ.
والقُدَامَى: أَرْبَعُ رِيشَاتٍ فى أوَّلِ الجَنَاحِ، ثمّ المَنَاكِبُ أَرْبَعٌ، ثمّ الخَوافِى أَرْبَعٌ، وهو أَرْدَأُ الرِّيشِ؛ لأَنَّهُمْ يَخْفَيْن إذا وقَعَ الطَّائِرُ.
33- فى يَوْمِ رَكْضِ الغَارَةِ الوُلاَّفِ (4)
34- بَازٍ حِيَالَ (5) كَلِبِ الخُطَّافِ
35- يَنْمِى إلى طايِفِهِ الشِّنْعَافِ(6)
36- بَيْنَ حَوَامِى رُتَبِ النِّيَافِ
الوُلاَّفُ: المُتَتَابِعَةُ.
والكَلِبُ: الشَّدِيدُ.
__________
(1) فى اللّسان (ق ذ ف): "قَذَّافَةٌ"، والقَذَّافَةُ والقَذَّافُ جمع: ما يُرْمى به الشّىءُ فَيَبْعُدُ. ورواية المشطور فى التاج (ق ذ ف): "قَذَّافَةٌ بِحَجَرِ القِذَافِ".
(2) فى اللّسان والتاج (غ د ف): "رُكِّبَ فى جَنَاحِكَ الغُدافِ"، وفى اللّسان والتاج (ق د م):
"خُلِقْتُ من جَناحِك الغُدافِى". وجَناحٌ غُدافٌ: أسودُ طويلٌ.
(3) هكذا رواية المشطور فى اللّسان (ق د م) وفيه وفى التاج (غ د ف): "مِنَ القُدَامَى ومِنَ الخَوافِى".
(4) فى اللّسان والتاج (و ل ف): "الوِلاَفِ" بكسر الواو وتخفيف اللاّم. قال ابنُ الأعرابىّ: أرادَ بالوِلافِ: الاعْتِزاء والاتِّصال.
(5) فى المخطوط: "بازِى حِبَال"، والمثبت من الدِّيوان المطبوع. وروايته فى التاج:"بازى جِبالٍ كَلِبِ الخُطّافِ".
(6) فى المخطوط: "السِّنعاف" بالسّين، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
والخُطَّافُ: مِخْلَبٌ.
والطَّايِفُ: الحَبْلُ، وسَطُه.
والشِّنْعَافُ: الطَّوِيلُ.(2/113)
وحَوَامِيهِ: ما يَحْمِيهِ مِنَ الحِبالِ الصِّغَارِ.
والرُّتَبُ: مثلُ الدَّرَجِ.
والنِّيَافُ: المُرْتَفِعُ.
37- لاَ تُعَجِّلَنِّى(1) الحَتْفَ ذَا الإتْلاَفِ
38- والدَّهْرَ (2) إنَّ الدَّهْرَ ذو ازْدِلاَفِ
39- بالمَرْءِ ذُو عَصْفٍ وذو انْصِرَافِ
40- لَوْ كانَ أحْجَارٌ مَعَ الأَجْدَافِ
ازْدِلاَفُه: دُنُوُّه.
والعَصْفُ: الكَسْبُ، يُقالُ: عَصَفَ لِعيالِهِ وجَرَحَ لَهُمْ.
وانَصِرَافُ الدَّهْرِ: تَصَرُّفُه.
والأَجْدَافُ: جَمَاعَةُ جَدَفٍ، وهو القَبْرُ.
41- تَعْفُو علَى جُرْثُومِهِ العَوافِى
42- تَضْرِبُهَا الأَمْطَارُ والسَّوافِى
43- قَدِ اعْتَرَفْتُ حِينَ لا اعْتِرَافِ (3)
44- أَنَّكَ تَعْنُونِىَ بِالإلْحَافِ
/ جُرْثُومَتُه: قَبْرُهُ.
والسَّوَافِى: الرِّيَاحُ تسْفِى عَلَيْهِ التُّرَابَ.
وتَعْنُونِى: تَسُوسُنِى به، وتَعْنُونِى: تُجْزِينى أَيْضًا.
والإلْحَافُ: الإلْحَاحُ.
45- وإِنْ تَشَكَّيْتُ مِنَ الإسْخَافِ(4)
46- لَمْ أَرَ عَطْفًا مِنْ أَبٍ عَطَّافِ
47- فَلَيْتَ حَظِّى مِنْ جَدَاكَ(5) الضَّافِى
__________
(1) رواية خزانة الأدب 2/42، ورواية الدّيوان المطبوع: "لا تُعْجِلَنَّ".
(2) فى الدِّيوان المطبوع: "والدَّهْرُ" بضمّ الرّاء.
(3) رواية المشطور فى اللّسان (لا): "لَقَدْ عَرَفْتُ.."، وروايته فى خزانة الأدب 4/50: "وقَدْ عَرَفْتُ..".
(4) فى المخطوط: "الإسْحَافِ"، وفى الدّيوان المطبوع: "الإنْحافِ" وكلاهما تحريف، والمثبت من التاج واللّسان (س خ ف)، وخزانة الأدب 2/42. وأَسْخَفَ الرَّجُلُ: رَقَّ مالُه وقَلَّ.
(5) اللّسان والتاج (ك ف ف)، وفيهما: "نَدَاكَ" وهما بمعنًى.
48- والنَّفْعُ (1) أَنْ تَتْرُكَنِى كَفَافِ
الإسْخَافُ: الإقْلاَلُ.
والجَدَا: العَطَاءُ.
والضَّافِى: السَّرِيعُ، ولاَ أَرَاهُ إلاَّ السَّابِغُ.
49- لَيْسَتْ قُوَى حَبْلِىَ بالضِّعَافِ(2/114)
50- لَوْلاَ تَوَقِّىَّ (2) علَى الإِشْرَافِ
51- أَقْحَمْتَنِى فى النَّفْنَفِ النَّفْنَافِ
52- فى مِثْلِ مَهْوَى هُوَّةِ الوَصَّافِ
يَقولُ: لَوْلاَ تَوقِّىَّ فى مَعْصِيَتِى إيَّاكَ الإشْرَاف على النَّارِ.
والنَّفْنَافُ: البَعِيدُ.
والهُوَّةُ: البِئْرُ.
والوَصَّافُ: الذى يَصِفُ هَوْلَ هذه الهُوَّةِ.
53- قَوْلُكَ أَقْوَالاً مَعَ التَّحْلاَفِ
54- فِيهِ ازْدِهَافٌ أَيَّما ازْدِهافِ
55- واللهِ (3) بين القَلْبِ والأَضْعَافِ
56- وإِنْ أَصَابَ العَيْشَ واسْتِحْصَافِى (4)
الازْدِهَافُ: الشِّدَّةُ والأَذَى.
والأَضْعَافُ: الجَوَانِحُ، واحِدُها: ضِعْفٌ.
والاسْتِحْصَافُ: الشِّدَّةُ والإِحْكَامُ.
57- جَعَلْتَ مِنْ لَوْلائِه (5) الحافِى
58- تَحْسِبُنِى أَغْتَرِفُ(6) اغْتِرَافِى
59- مِنْ زَبَدٍ آذِيِّهِ قَصَّافِ
60- علَى الجَنَابَيْنِ لَهُ نَوافِ
اللَّوْلاَءُ، واللأْوَاءُ، والشَّصَاصَاءُ: واحِدٌ، وهو الشِّدَّة.
__________
(1) اللّسان (ك ف ف)، وفيه: "والنَّفْعَ" منصوبة عطفا على"حَظِّى"، وفى التاج:"والفَضْلِ"عَطْفًا على "جَدَاك".
(2) فى المخطوط، وفى الخزانة 2/43:"تَوَفِّىَّ" بالفاء، والمثبت رواية الديوان المطبوع، ورجحناها لمناسبة الشرح.
(3) هكذا أيضًا فى التاج (ض ع ف) بالكسر، وفى اللّسان (ض ع ف): "واللهُ.." مرفوعة.
(4) فى المخطوط: "واسْتِصْحَافِى"، والمثبت من الدّيوان المطبوع، وهو متّفقٌ مع الشرح.
(5) فى الدّيوان المطبوع: "لأْوائِه" وهما بمعنًى واحد.
(6) فى المخطوط: "يَغْتَرِف"، والمثبت من الدِّيوان المطبوع؛ متفقًا مع الشرح.
وقَوْلُه: تَحْسِبُنِى: يقولُ: تَحْسِبُنِى إنَّمَا أَغْتَرِفُ المَالَ مِنْ بَحْرِ زَبَدٍ قَصَّافِ المَوْجِ.
وقَصْفُهُ: صَوْتُهُ.
وأَذِيُّهُ: مَوْجُهُ.
وجَنَابَاهُ: جَانِبَاهُ.
والنَّوَافِى: ما أَلْقَى مِنْ عُبَابِه ونَفَائِهِ.
/ 61- ودُفَعٍ تَعْمِينَ بالأَصْدَافِ(2/115)
62- شَيْبًا وذَاكَ الشَّيْبُ ذو أَضْعَافِ
63- بَرِيتَ مِنِّى عَصَبَ الأَطْرَافِ
64- بالجَهْلِ والنَّحْضَ عَنِ الأَكْتَافِ
دُفَعُ المَاءِ: جَرْيُهُ دُفْعَةً دُفْعَةً.
وتَعْمِينَ: تَرْمِينَ بالأَصْدَافِ.
والأَطْرَافُ: اليَدَانِ والرِّجْلاَنِ.
والنَّحْضُ: اللَّحْمُ.
65- قَوْلُكَ لِى مَارِسْ عَنِ الضِّعَافِ
66- عَوَاصِفًا مِنْ شَمْأَلٍ مِعْصَافِ
67- مُلْتَحِفًا وغَيْرَ ذِى الْتِحَافِ
68- فَهَلْ أَرَى عَتْبًا علَى اخْتِلاَفِ
مَارِسْ: مِنَ المُمَارَسَةِ، رَجُلٌ مَرِسٌ: أى شَدِيدُ المُعَالَجَةِ، ذُو جَلَدٍ وقُوَّةٍ، وامْتَرَسَتِ الأَلْسُنُ فى الخُصُومَاتِ: إذَا أَخَذَ بَعْضُهَا بَعْضًا.
والعَاصِفُ، والمُعْصِفَاتُ: الرِّيَاحُ التى تُثِيرُ التُّرابَ.
والشَّمْأَلُ: الرِّيحُ التى تَهُبُّ مِنْ يَسَارِ القِبْلَةِ.
والعَتْبُ: المَوْجِدَةُ، تقولُ: عَتَبْتُ على فلاَنٍ عَتْبًا، ومَعْتَبَةً: أى وَجَدْتُ عَلَيْهِ، وقَدْ أَعْتَبَنِى: أى تَرَكَ ما كُنْتُ أَجِدُ عَلَيْهِ، ورَجَعَ إلى مَسَرَّتِى، وهو مُعْتِبٌ: راجِعٌ عَنِ الإِسَاءَة، وقَدْ أَعْطَانِى فُلاَنٌ العُتْبَى: أى أَعْتَبَنِى، وقال الشَّاعِرُ: - يَذْكُرُ مَوْجِدَة أخِيهِ العَاتِب -:
لَكَ العُتْبَى وحَيَّانا خَلِيلِى
69- إنْ طَالَ هذا أوْ كَفَانِى كافِى
70- حتّى إذَا ما نَحَلَتْ أكْنَافِى(1)
__________
(1) فى المخطوط: "أكتافى" بالتاء تحريف، والمثبت من الدّيوان المطبوع؛ متفقًا مع الشرح.
وقد ذكره الصاغانى فى التكملة (ذ ف ف) فى ثمانية مشاطير.
71- وإِضْتُ أَمْشِى مَشْيَةَ الدِّلاَفِ (1)
72- والْتَفَّ خِيسُ العَكَرِ الألْفَافِ
أكْنَافُهُ: نَواحِيهِ وجَوَانِبُه.
وقَوْلُهُ: إضْتُ: صِرْتُ، آضَ يَئِيضُ أَيْضًا.
والدِّلاَفُ: الذى يَدْلِفُ فى مَشْيِهِ، وهو أنْ يُقَارِبَهُ مِنْ كِبَرٍ أوْ مَرَضٍ.
والعَكَرُ: المَالُ مِنَ الإبِلِ.(2/116)
والخِيسُ: الجَمَاعَةُ مِنْها، شَبَّهَهَا بالخِيسِ، وهى الأَجَمَةُ.
والأَلْفَافُ: جَمَاعَةُ لِفٍّ، وهو المُلْتَفُّ.
73- حَوْلاً (2) بِحَوْلِ اللهِ لاَ اعْتِصَافِى
74- ذَاكَ الذى يَزْعُمُهُ ذِفَافِى
/ 75- رَمَيْتَ بِى رَمْيَكَ بالخَذَّافِ
76- كَلاَّ ورَبِّ النُّقَّلِ الوُجَّافِ
اعْتِصَافُهُ: اكْتِسَابُهُ.
والذِّفَافُ: الشَّرُّ، يقالُ: ذَافَّهُ: إذَا شَارَّهُ.
والخَذْفُ: رَمْيُكَ بِحَصَاةٍ أوْ نَوَاةٍ أوْ نحوِ ذَلِكَ، تَأْخُذُه بَيْنَ سَبَّابَتَيْكَ تَخْذِفُ بِهِ، أوْ تُحَوِّلُهُ مِخْذَفَةً تَضْرِبُ بِهَا بَيْنَ إبْهَامِكَ والسَّبَّابَةِ، ويَجُوزُ أَنْ يقالَ لَهَا: خَذَّافٌ، كما قالَ: قَذَّافَةٌ بِحَجَرِ القَذَّافِ.
والقَذّافُ: المَنْجَنِيقُ.
والنُّقَّلُ: البَعِيرُ يُنَاقِلُ المَشْىَ.
والوُجَّافُ [جَمْعُ الوَجَّافِ] وهو: فَعَّالٌ، مِنَ الوَجِيفِ، وهو السَّيْرُ السَّرِيعُ.
77- بِذَاتِ عِرْقٍ دَامِىَ الأَخْفَافِ
78- لأَضَعَنْ سَيْفِى ولا َ أُجَافِى
79- فى أَسْؤُقِ العِيطِ على الإنْصَافِ
80- فإِنْ تُضِئْ نَارَكَ للعَوَافِى
81- لاَ يَعْشُها(3) جَارِى ولاَ أَضْيَافِى
82- ذَاكَ التَّغَانِى عَنْكَ والتَّشَافِى
__________
(1) فى التكملة (ذ ف ف): ".. مشية الدُّلاّفِ".
(2) فى التكملة (ذ ف ف): "حَرْفًا بحول الله.." وما هنا أنسب للمعنى.
(3) كذا فى المخطوط، وهو من قولهم: عشا إلى النار، وعَشَاها: إذا رآها ليلا على بعد، فقصَدَها مُستضيفًا. وفى المطبوع: "لا يَصْلِها".
العِيطُ: جَمْعُ أَعْيَطَ وعَيْطَاءَ، جَمَلٌ أَعْيَطُ ونَاقَةٌ عَيْطَاءُ، وهُمَا الطَّويلا الرَّأْسِ والعُنُقِ، يُوصَفُ بِهِ حُمُرُ الوَحْشِ، قالَ العَجَّاجُ يَصِفُ الفَرَسَ بأَنَّهُ يَعْفُِرُ عَلَيْه:
* فهوَ يكُبُّ العِيطَ مِنْهَا للذَّقَنْ *
* بِأُذُنٍ أو بِشَبِيهٍ بالأُذُنْ *(1)(2/117)
ويقالُ للنّاقَةِ إذا لَمْ تَحْمِلْ سَنَوَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُقْرٍ: قَدِ اعْتَاطَتْ، ورُبَّمَا كانَ اعْتِيَاطُهَا مِنْ كَثْرَةِ شَحْمِهَا، يقالُ: ناقَةٌ عَائِطٌ، وقَدْ عَاطَتْ تَعِيطُ عَيَطَانًا، ونَاقَةٌ عَائِطٌ، وعِيطٌ، وعَوَائِطُ، وقالَ أُسَامَةُ ابنُ الحَارِثِ الهُذَلِىُّ:
وبالبُزْلِ قَدْ دَمَّهَا نَيُّهَا وذَاتِ المُدَارَأَةِ العَائِطِ(2)
وقالَ ابنُ السِّكِّيتِ: يقالُ: عائِطُ عُوطٍ، وعَائِطُ عِيطٍ: إذا اعْتَاطَت(3) النّاقَةُ [أعوامًا] فلَمْ تَحْمِلْ، يقولُ: لأَنْحَرَنَّ التى لَمْ تَحْمِلْ مِنَ الإبِلِ، واستغنى عَنْكَ وقد اشتفيت ولاَ أُجَافِى الضَّرْبَ عَنِ الإبِلِ، يقالُ: جَافَى عَنْهُ: إذَا ضَرَبَهُ ضَرْبًا خَفِيفًا.
* ... * ... *
-52-
وقالَ [فى مَدِيحِ تَميمٍ ونَفْسِهِ](4): ...
/ 1- إنَّا إذَا ما الحَرْبُ حُدَّ نَابُهَا
2- وصَرَّ فِى قَصَرِها أَشْنَابُهَا(5)
3- نَرُدُّهَا مُفَلَّلاً كُلاَّبُهَا
4- بِأُسْدِ غَابٍ فى الأَكُفِّ غَابُهَا
__________
(1) المشطوران فى مجموع أشعار العرب 2/89.
(2) البيت فى شرح أشعار الهذليين 3/1289: وذاتُ المُدَارَأَة العائط: يعنى النّاقَةَ التى بها اعْتِراضٌ وشِدّةُ نَفْسٍ. ويُرْوَى: "وذات المداراة والعائط".
(3) فى المخطوط: "إذا اعتاط الناقةُ فلم تحمل"، والتصحيح والزيادة من إصلاح المنطق/37 والنص فيه.
(4) الأرجوزة بالدّيوان المطبوع (19، 20) تحت رقم (7)، وما بين الحاصرتين إضافة منه.
(5) فى المخطوط: "وصَرَّ لقصر أسبابها"، والمثبت رواية الدّيوان المطبوع.
5- غَابُ وشِيجٍ سَلِبٍ كِعَابُهَا
6- عُذَافِرَاتٍ(1) غُلُبٍ رِقَابُها(2)
الوَشِيجُ مِنَ القَنَا والقَصَبِ: ما يَنْبُتُ فى الأَرْضِ مُعْتَرِضًا مُلْتَفًّا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وهو من القَنَا أَصْلَبُهُ.
والسَّلِبُ الجمْعُ سُلُبٌ: الطِّوَالُ.(2/118)
والكِعَابُ، - والوَاحِدُ كَعْبٌ - مِنَ القَصَبِ والقَنَا: أُنْبُوبُ ما بَيْنَ العُقْدَتَيْنِ.
7- قَدْ طَالَ بَعْدَ بُزْلِهَا صِعَابُهَا
8- عَوَاتِرٌ يَزِيدُها اضْطِرَابُهَا
9- لِينًا إذَا ما نَشِبَتْ حِرَابُهَا
10- والجُنْدُ(3) تَعْدُو لَيِّنًا جِنَابُهَا
تَقُولُ: جَمَلٌ بازِلٌ، ونَاقَةٌ بازِلٌ، ولاَ يُقالُ بَازِلَةٌ؛ لأَنَّ هذا شَىءٌ لَيْسَ فيه إحْدَاثٌ ولاَ فِعْلٌ، إنَّمَا هو شَىءٌ يَنْزِلُ بِهَا، والفِعْلُ بَزَلَ يَبْزُلُ بُزُولاً، والجَمْعُ فى الذُّكْرَانِ: بُزَّلٌ، وفى الإِنَاثِ: بَوَازِلُ، وبُزُلٌ يَشْتَرِكُ فيهَا الذُّكْرَانُ والإِنَاثُ، يقالُ: بَزَلَ نَابُهُ، ونَابُهُ بازِلٌ، وطَلَعَ بَازِلُهُ، وسُئِلَت ابْنَةُ الخُسِّ(4): هَلْ تُلْقَحُ البَازِلُ؟ قالَتْ: نَعَم، وهو رَازِمٌ، أى وإِنْ كانَ لاَ يَقْوَى علَى القِيَامِ من الضَّعْفِ والهُزَالِ.
__________
(1) العُذَافِرةُ: النّاقَةُ الصُّلبة الشّديدَةُ.
(2) فى المخطوط: "عاتبا رقابها"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(3) فى الدّيوان المطبوع: "والخَيْلُ".
(4) هند بنت الخُسِّ بن حابس بن قُريط الإياديّة: فصيحة جاهليّة أدركت القلمس، أحد حكام العرب فى الجاهليّة، ومدحته بأبيات، يقال لها: بنت الخسّ وابنة الخسّ، كانت ترد سوقَ عكاظ ولها أخبار فيه.
والصِّعَابُ: جَمْعُ صَعْبٍ، وهو نَقِيضُ الذَّلُول(1)، والأُنْثَى صَعْبَةٌ، وإصْعَابُه: [أنّه](2) لَمْ يُرْكَبْ قَطّ، ولَمْ يَمْسَسْهُ حَبْلٌ، فذَلِكَ الجَمَلُ، والفَحْلُ مُصْعَبٌ، وبِهِ سُمِّىَ الرَّجُلُ المُسَوَّدُ مُصْعَبًا، وكُلُّ ما اشّتَدِّ وصَعُبَ فلَمْ يُطَقْ فهو مُصْعَبٌ، أى شَدِيدٌ.
والعَوَاتِرُ: جَمْعُ عَاتِرٍ، وهى الصُّلْبَةُ، عَتَرَ الرُّمْحُ يَعْتِرُ عَتْرًا وعَتَرَانًا: إذا اضْطَرَبَ وتَرَاءَى فى اهْتِزَازِه، قالَ:
* وكُلُّ خَطِّىٍّ إذَا هُزَّ عَتَرْ *(3)(2/119)
ويُرْوَى: "إذا ما سُنِّنَتْ حِرابُهَا"، وسُنِّنَتْ: حُدِّدَتْ.
/ 11- عَدْوَ المَخَاضِ سَرَّهَا جَنَابُهَا
12- وحالَ دُونَ عَقْرِهَا ضِرَابُهَا
13- ظَلَّتْ بِأَرْضٍ سَامِقٍ أَعْشَابُهَا
14- مِنَ الرَّبِيعِ صَخِبٍ (4) ذُبَابُها
15- إنِّى إذَا مَا عُصْبَةٌ أَنْتَابُهَا
16- ظَالِمَةٌ قَدْ سَرَّنِى سِبَابُهَا
المَخَاضُ: اسْمٌ يَجْمَعُ النُّوقَ الحَوَامِلَ، وهُنَّ شُوَّلٌ ما دَامَ الفَحْلُ فِيهَا، فإذَا نُتِجَ بَعْضٌ وانْتُظِرَ بَعْضٌ فَهُنَّ عِشَارٌ.
17- أَصْدُقُهَا الشَّتْمَ ولاَ أَهَابُهَا
18- حتّى تُرَى جَاحِرَةً كِلاَبُهَا
19- إذا القَوافِى كُوِّرَتْ أَذْنَابُهَا
20- وَجَدْتَهَا مُفَتَّحًا أَبْوَابُهَا
21- مُقْبِلَةً تُسِيلُهَا شِعَابُهَا
جَاحِرَة: دَخَلَتْ جِحَرَتَهَا، وقالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
__________
(1) فى المخطوط "نقيض المذكور"، والمثبت من اللّسان (ص ع ب) ولفظه: "الصَّعْبُ من الدَّوابِّ: نقيضُ الذَّلُولِ".
(2) إضافة يقتضيها السِّياق.
(3) اللّسان والتاج (ع ت ر) وفى الأساس (ع ت ر) نسب إلى العجاج، وروايته فى ديوانه/39:
* فى سَلِبِ الغابِ إذا هُزّ عَتَرْ * (المراجع)
(4) فى المخطوط تُقْرَأُ: "صيحت"، والمثبت من المطبوع؛ لمناسبة السياق.
فأَلْحَقَه بالهَادِياتِ ودُونَهُ جَوَاحِرُهَا فِى صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ(1)
والشِّعَابُ: واحِدُهَا: شُعْبَةٌ، مَسِيلُ المَاءِ فى ارْتِفَاعِ قَرَارَةِ الرَّمْلِ، واشْتَعَبَ النَّهْرُ: تَشَعَّبَتْ مِنْهُ أَنْهَارٌ.
* ... * ... *
__________
(1) اللّسان والتاج (ج ح ر) وديوانه/22 والرواية: "فَأَلْحَقَنا..".
-53-
وقالَ [يَهْجُو المُهَلَّبَ وأَصْحَابَهُ، ويَمْدَحُ خِنْدِفًا وقَيْسًا](1):
1- هَلْ تُبْكِيَنْكَ الدِّمَنُ الدُّرُوسُ
2- كَأَنَّهُنَّ الوَرَقُ المَطْرُوسُ
3- إذْ مَرْكَبِى ونَاقَتِى حَبِيسُ
4- أَرْكَبُ حِينَ يَحْصَدُ المَرِيسُ(2/120)
الدِّمْنُ: ما تَلَبَّدَ مِنَ السِّرْقِينِ فصَارَ كِرْسًا على وَجْهِ الأَرْضِ، [وكذلك](2) ما اخْتَلَطَ مِنَ الطِّينِ والبَعَرِ عِنْدَ الحَوْضِ فَتَلَبَّدَ، قالَ لَبِيدٌ:
رَاسِخُ الدِّمْنِ على أَعْضَادِهِ ثَلَمَتْهُ كُلُّ رِيحٍ وسَبَلْ(3)
ومِنْهُ قَوْلُ عَلِىِّ بنِ أبى طَالِبٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْه -: "فَقَدْ تَصَافَيْتُمْ علَى الزِّبْلِ ونَبَتَ المَرْعَى علَى دِمَنِكُم"، واسْمُ البُقْعَةِ وخُصُوصِ المَوْضِعِ الدِّمْنَةُ، والجَمْعُ [الدِّمَنُ](4)، /قالَ الأَعْشَى:
ومِنْ آجِنٍ أَوْلَجَتْهُ الجَنُو بُ دِمْنَةَ أعْطانِهِ فَانْدَفَنْ(5)
__________
(1) الأرجوزة بالدّيوان المطبوع (74 – 77) تحت رقم (27)، وما بين الحاصرتين إضافة منه.
- والمُهَلَّب، هو المُهَلّب بن أبى صفرة ظالم بن سراق الأزدىّ العتكىّ، أبو سعيد (83هـ = 702م): أمير بطّاش، جواد، ولد فى دبا، ونشأ بالبصرة، وقدم المدينة مع أبيه فى أيّام عمر. وَلِىَ إمارة البصرة لمصعب بن الزّبير، حارب الأزارقة تسعة عشر عامًا، وتمّ له الظفر بهم، ولاّه عبد الملك بن مروان ولاية خراسان، فقدمها سنة 79هـ ومات فيها.
(2) إضافة من اللّسان.
(3) اللّسان (دم ن)، وشرح ديوان لبيد/ 184. والضمير فى أعضاده للحوض المذكور قبلا، وأعضاده: جانباه. والسَّبَلُ: المَطَرُ.
(4) إضافة من اللّسان (د م ن).
(5) ديوان الأَعْشى ص 19.
والدَّرْسُ: بَقِيَّةُ أَثَرِ الشّىءِ الدَّارِسِ، يقولُ: ما بَقِىَ فى الدَّارِ إلاَّ دَرْسُ نُؤْى ورَسْمٌ، فإذَا أَرَدْتَ المَصْدَرَ قُلْتَ: دَرَسَ يَدْرُسُ دُرُوسًا، ويقولُونَ: دَرَسَتْهُ الرِّيَاحُ، لا عَفَتْه، ودَرَسَهُ القَوْمُ: أى أَبْلَوْا أَثَرَهُ، وقالَ سَلاَمَةُ بنُ جَنْدَلٍ:
رَحْبُ المَدارِسِ مَدْروسٌ مَعَاطِفُه
والمَطْرُوسُ: الكِتَابُ المَمْحُوُّ الذى يُسْتَطَاعُ أَنْ تُعاد فِيهِ الكِتَابَةُ، وفِعْلُكَ بِهِ التَّطْرِيسُ.(2/121)
والإحْصَادُ: الإِحْكَامُ، والحَصَدُ: مَصْدَرُ الشَّىءِ الأَحْصَدِ، وهو المُحْكَمُ فَتْلُه وصَنْعَتُهُ مِنَ الحِبَالِ والأَوْتَارِ والدُّرُوعِ، ويقالُ للخَلْقِ الشَّدِيدِ: أَحْصَدُ فهو مُحْصَدٌ وحَصِدٌ ومُسْتَحْصِدٌ، وكَذَلِكَ وَتَرٌ أَحْصَدُ: شَدِيدُ الفَتْلِ، قالَ الجَعْدِىُّ:
كما أثْقَلَتِ الظَّبْىُ بعد الجَرِيـ ـضِ مِنْ نَزِعٍ أَحْصَدَ مُسْتَأْرِبِ(1)
أى شَدِيدٍ مُحْكَمٍ، وقالَ [آخرُ](2):
خُلِقْتَ مَشْرُورًا مُمَرًّا مُحْصَدَا (3)
والدِّرْعُ الحَصْدَاءُ: هى المُحْكَمَةُ.
والمَرِيسُ: مِنَ المُمَارَسَةِ، أى المُعَالجَة، ورَجُلٌ مَرِسٌ: أى ذُو جَلَدٍ وقُوَّةٍ، قالَ الأَعْشَى:
وَلَّى جَمِيعًا يُنادِى ظِلَّه فَرَقًا ثم انْثَنَى مَرِسًا قد آدَهُ الحَنَقُ(4)
__________
(1) عجز البيت فى اللّسان (ح ص د) والمقاييس 1/91، والبيت بتمامه فى الديوان ص 45 برواية:
كما أثْقَلَت الظَّبْىُ بعد الجَريـ ـضِ من جِبْذِ أَخْضَرَ مُسْتَأْرِبِ
والجَريضُ: الرِّيقُ الذى يغصّ به. والجِبْذُ: العود الصغير. والمُسْتَأْرِبُ: الشّديد الوثوق.
(2) إضافة من اللّسان (ح ص د) يقتضيها السّياق.
(3) اللّسان (ح ص د) بدون نسب.
(4) لم أجده فى ديوان الأعشى، وهو فى اللسان (ح ن ق) غير معزو، وفى المخطوط "ثم انثنى فرقا.." والمثبت من اللسان وهو المناسب للاستشهاد به. (المراجع)
5- عَوْصَاءُ لاَ يَسْطِيعُهَا(1) الضُّغْبُوسُ
6- مِنِّى ولَوْ أَسَّسَهُ إِبْلِيسُ
7- وحاجَةً لِهَمِّهَا قَسِيسُ
8- كَأَنَّهَا مِنْ وَصَبٍ رَسِيسُ
عَوْصَاءُ: خطَّةٌ شَدِيدَةٌ شَاقَّةٌ.
وضُغُبُوسٌ: ضَعِيفٌ، والضَّغَابِيسُ: نَبْتٌ كَأَنَّهُ نَبْتُ اللُّوبِيَاءِ.
وقَسِيسٌ: مِنْ قَوْلِكَ: تَقَسَّسْتُ أَثَرَ الرَّجُلِ: تَتَبَّعْتَه.
والوَصَبُ: سَقَمُ المَرَضِ وتكَسُّره.(2/122)
والرَّسُّ، والرَّسِيسُ: الشَّىءُ الثّابِتُ، وأَخَذَهُ رَسُّ الحُمَّى ورَسِيسُهَا، وذَلِكَ حِينَ تَبْدَأ، وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:
رَسِيسَ الهَوَى مِنْ طُولِ ما يَتَذَكَّرُ(2)
9- فى الجِسْمِ أوْ صَهْباءُ خَنْدَرِيسُ
10- يَلْتَاحُ فِيهَا المَعِكُ البِرْعِيسُ
/ 11- إذا اسْتَخَفَّ الخَلِطُ اللَّقُوسُ
12- مارَسَهَا مِنِّى ولِى شَرِيسُ
الصَّهْبَاءُ: التى فى لَوْنِهَا حُمْرَةٌ.
والخَنْدَرِيسُ: القَدِيمَةُ.
ويَلْتَاحُ: الالْتِيَاحُ: التَّغْيِيرُ.
والمَعِكُ: الشَّدِيدُ المِرَاسِ والخُصُومَةِ.
البِرْعِيسُ: الأكُولُ.
والخَلِطُ: يقالُ: اخْتَلَطَ الرَّجُلُ: إذَا غَضِبَ واشْتَدَّ غَضَبُهُ، والفَرَسُ السَّيِّئ الخُلُقِ.
ومارَسَهَا: عَالَجَهَا.
والشَّرِيسُ: العَسِرُ.
13- نَقْفٌ لِحَيَّاتِ العِدَى حَسُوسُ
14- لاَ سَيِّئُ الحِرْصِ ولاَ يَؤُوسُ
15- للمُصْعَبَاتِ مِجْذَبٌ هَرُوسُ
16- لَمَّا رَأَتْنِى بَعْدَمَا أَمِيسُ
النَّقْفُ: البَصِيرُ العَالِمُ.
واليَؤُوسُ: القَنُوطُ.
__________
(1) فى المخطوط: "يستطيعها"، والمثبت من المطبوع وهو ما يستقيم به الوزن.
(2) فى اللّسان (ر س س): "قال أبو مالك: رَسِيسُ الحُمَّى: أَصْلُها، قال ذُو الرُّمَّة:
إذا غَيَّرَ النَّأْىُ المُحِبِّينَ لم أَجِدْ رَسِيسَ الهَوَى من ذِكْرِ مَيَّةَ يَبْرَحُ
أى أَثَبَتَهُ. والرَّسِيسُ: الشّىءُ الثَابِتُ الذى قد لَزِمَ مكانَه، وأنشد:
رَسِيسَ الهَوَى من طُولِ ما يتذكّرُ "
والمُصْعَبَاتُ: دَوَاهِى الرِّجَالِ.
وأَمِيسُ: أَتَبَخْتَرُ.
17- فى الرَّيْطِ يَكْفِى لِبْسَتِى التَّحْلِيسُ
18- ومَحَّ مِنْ لَوْنِ الشَّبَابِ الطُّوسُ
19- ونَسِيَتْ غَيْسَانَهَا (1) العَرُوسُ
20- وحَسَرَ الأَسْوَدُ والحَلِيسُ
الرَّيْطُ: واحِدَتُهُ رَيْطَةٌ، وهى مُلاَءَةٌ لَيْسَتْ بلِفْقَيْنِ، كَأَنَّهَا نَسْجٌ واحِدٌ.
وغَيْسَانُها: نِعْمَةُ الشَّبَابِ، وأَنْشَدَ:(2/123)
* بَيْنَا الفَتَى يَخْبِطُ فى غَيْسَاتِهِ *
* إذْ أُصْعِدَ الدَّهْرُ إلى عِفْراتِهِ *
* فاجْتَاحَهَا بشَفْرَتَىْ مِبْرَاتِهِ *(2)
والحَلِيسُ: الخَلِيطُ بَيَاضُه بِسَوَادِهِ، يُرِيدُ نَاصِيَتَهُ، يقولُ: صَارَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَيَاضًا.
21- مِنْ لِمَّتِى والفَرَعُ المَلْمُوسُ
22- عَنْ هَامَةٍ كَأَنَّهَا كُرْدُوسُ
23- وقَدْ تَرَانِى البَقَرُ (3) الكُنُوسُ
24- ومَا لِغِرَّاتِ (4) المَهَا تَجْرِيسُ
اللِّمَّةُ: شَعَرُ الرَّأْسِ إذا كانَ فَوْقَ الوَفْرَةِ.
والفَرَعُ: الشَّعَرُ المُتَفَرِّقُ.
والمَلْمُوسُ: المَطْلُوبُ.
__________
(1) فى المخطوط: "غَيْسَاتَهَا"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
وفى اللّسان (غ ى س): "قال الأزهرىّ: النّونُ والتّاءُ لَيْسَتا من أصل الحَرْفِ، من قال: غَيْسَاتٌ فهى تاء فَعْلاتٍ، ومن قال: غَيْسَانُ فهى نونُ فَعْلانَ" وانظر اللسان (غ س ن).
(2) الرّجز فى اللسان (غ ى س) وروايته فيها:"غَيْساته" وزاد مشطورًا بين الأول والثانى، وهو:
* تَقَلُّبَ الحَيَّةِ فى قِلاَتِهِ *
وأنشده أيضا فى (غ س ن) برواية: " * يخبِطُ فى غُسْناتِه * " (المراجع)
(3) فى المخطوط: "النَّقْرُ" تحريف، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(4) فى المخطوط: "وما بِغِرّات"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
والكُرْدُوسُ: فِقْرَةٌ من فقَارِ الظَّهْرِ إذا عَظُمَ، والجَمِيعُ: الكَرَادِيسُ، يُقالُ: كُلُّ عَظْمٍ عَظُمَتْ نَحْضَتُهُ فهو كُرْدُوسٌ، ويقالُ لكِسْرَى الفَخِذِ: كُرْدُوسٌ، يَعْنِى رَأْسَ الفَخِذِ،/ ويُسَمَّى الكِسْرُ الأَعْلَى: كُرْدُوسًا؛ لعِظَمِ هَامَتِهِ كَأَنَّهَا ضِلَعٌ مثل العَظْمِ.
والبَقَرُ: النِّساءُ هاهُنا.(2/124)
الكُنُوسُ: الوَالِجَاتُ الكُنُس، حَيْثُ تَستَظلُّ فِيهِ البَقَرُ والظِّبَاءُ وغَيْرُهَا مِنْ حَرِّ يَوْمِهَا، ثُمَّ يَذْهَبُ إذَا أَمْسَى، فإذَا صَارَ لَهَا مَأْلَفًا فهو تَرَيُّحُهَا، يقالُ: كَنَسَتِ الظِّبَاءُ تَكْنِسُ، وتَكَنَّسَتْ: إذَا دَخَلَتْ الكِنَاسَ، وقالَ لَبِيدٌ فى مَعْنَى دُخُول [الكِنَاسِ](1):
شاقَتْكَ ظُعْنُ الحَىِّ يَوْمَ تحَمَّلوُا فَتَكَنَّسُوا قُطُنًا تَصِرُّ خِيَامُهَا(2)
وأَرَادَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا الهَوَادِجَ [التى جُلِّلَتْ](3) بثِياب قُطْنٍ.
والتَّجْرِيسُ: الدَّهَاءُ والتَّجْرِبَةُ، يقالُ: جَرَّسَتْهُ الدُّهُورُ ونَقَّحَتْهُ: إذَا جَرَّبَهَا.
25- أَزْمَانَ شَيْطَانُ الصِّبَا نَطِيسُ
26- عَادَ الهَوَى فى طَوْقِهِ تَنْجِيسُ
27- لاَ يَبْعُدَنْ عَهْدُ الصِّبَا المَرْغُوسُ
28- لَذَّاتُهُ واللَّعِبُ التَّدْلِيسُ
قالَ ابنُ السِّكِّيتِ: النَّطْسُ، والنَّطِسُ: المُبَالِغُ فى الشَّىءِ(4).
والنِّطَاسِىُّ، والنِّطِّيسُ: العَالِمُ بالطِّبِّ.
والتَّنْجِيسُ: مِنَ النَّجْسِ، وهو اتِّخَاذُ عُوذَةٍ للصَّبِىِّ، والفَاعِلُ يُقَالُ لَهُ: المُنَجِّسُ، يقولُ: نَجَّسْتُ الصَّبِىَّ تَنْجِيسًا، وقال:
__________
(1) بياض بالمخطوط، وما بين الحاصرتين إضافة عن اللّسان (ك ن س) يقتضيها السّياق.
(2) البيت فى اللّسان (ك ن س)، وفى شرح ديوان لبيد/300 روايته: ".. حينَ تَحَمَّلُوا..".
(3) إضافة من اللّسان (ك ن س).
(4) إصلاح المنطق/99.
وجَارِيَةٍ مَلْبُوبَةٍ(1) ومُنَجِّسٍ وطَارِقَةٍ فى طَرْقِهَا لَمْ تُسَدَّدِ(2)
يَصِفُ أَهْلَ الجاهِلِيَّة أَنَّهم كَانُوا بَيْنَ كَاهِنٍ ومُنَجِّسٍ، وإنْ قيلَ: نجس ينجسُ نَجَاسَةً كانَ قِياسًا، فيريدُ رُؤْبَةُ أنَّ العُوذَةَ فى عُنُقِه أَيَّامَ صِبَاهُ لاَ تُفَارِقُهُ.(2/125)
والمَرْغُوسُ: مِنَ الرّغْسِ، وهو البَرَكَةُ والنَّمَاءُ، تَقُولُ: امْرَأَةٌ مَرْغُوسَةٌ: ولُودٌ، ورَجُلٌ مَرْغُوسٌ: كَثيرُ الخَيْرِ، ويقالُ: رَغَسَهُ اللهُ يَرْغَسُهُ: إذَا جَعَلَ مالَهُ نَامِيًا كَثِيرًا، وفى الحَديثِ: "أَنَّ رَجُلاً رَغَسَهُ اللهُ"(3) أى: أكْثَرَ مَالَهُ وبارَكَ فِيهِ، وقالَ أبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِىُّ: رَغَسْتُ بَيْنَهُمْ بِشَرٍّ، وهو الفَسَادُ، تقولُ: رَغَسَ بَيْنَهُمْ يَرْغَسُ، وهو الشَّغْبُ، والرَّغْسُ أيضًا: المُبَارَكُ(4)، /ويُرِيدُ رُؤْبَةُ بالمَرْغُوسِ: أَنَّهُ مُنَعَّمٌ كثيرٌ طَيِّبٌ.
والتَّدْلِيسُ، والتَّدْنِيسُ يُقالاَنِ جَمِيعًا.
29- بَلْ بَلْدَةٍ تُمْسِى عَلَيْهَا العِيسُ
30- كَأَنَّهُنَّ الزَّوْرَقُ القَمُوسُ
31- فى المَاءِ لَوْلاَ العَرَقُ التَدْبِيسُ
32- يَجْرِى بِتَيْهَا آلُهَا المَأْلُوسُ
__________
(1) فى المخطوط: "مَلْبُونة" بالنون، والمثبت من اللسان والتاج والتكملة (ل ب ب). والملبوبة: الموصوفة باللب.
(2) اللّسان (ن ج س) غير منسوب، ونسبه فى (ل ب ب) لحسّان وروايته فيها:
وجارِيَةٍ مَلْبُوبَةٍ ومُنَجِّسٍ وطارِقَةٍ فى طَرْقهَا لم تُسَدَّدِ
وفى التكملة (ل ب ب):"وحازية" وهى الكاهنة، وأراه أنسب لقوله بَعْدُ: "وطارِقةٍ فى طَرْقِها" والطَّرقُ بالحصى من الكهانة. (المراجع).
(3) اللّسان (ر غ س)، وفيه: "وفى الحديث: أنّ رَجُلاً رَغَسَهُ اللهُ مالاً وولَدًا"، أى وسّع عليه، والحديث فى صحيح مسلم 4/2112ط. الحلبى.
(4) الجيم 2/4 ، 12 ، 34.
العِيسُ: جَمْعُ أَعْيَسَ وعَيْسَاءَ، وهى: الإِبِلُ التى فى لَوْنِهَا بَيَاضٌ مُشْرَبٌ صَفَاءً فى ظُلْمَةٍ خَفِيَّةٍ(1).
والزَّوْرَقُ القَمُوسُ: يُرِيدُ كأَنَّ مَرْكَبًا يَنْغَطُّ فى المَاءِ ثمَّ يرْتَفِعُ، يَعْنِى السَّرَابَ.(2/126)
والتَّيْهَاءُ مِنَ الأَرْضِ: التى لاَ يُهْتَدَى فِيهَا، أَرْضٌ تَيْهَاءُ تِيهٌ، وتَوْهَاءُ، ومَتْيَهَةٌ.
وآلُهَا: سَرَابُهَا.
والمَأْلُوسُ: الرَّجُلُ مِنَ النّاسِ الذَّاهِبُ العَقْلِ المَجْنُونُ، فشَبَّهَ اضْطِرَابَ السَّرَابِ بالمَجْنُونِ الذى يَذْهَبُ فى كُلِّ وَجْهٍ.
33- لَيْسَ عَلَى حَيْزُومِهَا لُبُوسُ
34- بالوَصْلِ مِنْ مَوْصُولِهَا شَطُوسُ
35- دَوِيَّةٌ وعَقَدٌ مَدْهُوسُ(2)
36- أوْ شَاخِصٌ مُوَشَّحٌ مَطْمُوسُ
حَيْزُومُهَا: وَسَطُهَا، وكذَلِكَ الحَيْزُومُ: وسطُ الظَّهْرِ والصَّدْرِ الذى تَلْتَقِى فِيهِ رُؤُوسُ الجَوَانِحِ فَوْقَ الرُّهَابَةِ وبِحِيالِ الكَاهِلِ، يريدُ هذه النّدَاةُ عَارِيَةٌ لاَ شَىءَ فِيهَا.
والدَّوِيَّةُ، وهى الدَّوُّ أَيْضًا: المَفَازَةُ المَلْسَاءُ، كَأَنَّهَا الرَّاحَةُ بِلُغَةِ تَمِيمٍ، وأَهْلُ الحِجَازِ يقولُونَ: دَاويَّة.
والعَقَدُ: الوَحْلُ المُتَرَاكِمُ.
والمَدْهُوسُ: اللَّيِّنُ المَوْطُوءُ.
والشَّاخِصُ: السّائرُ وقَدْ وشَّحَهُ السَّرَابُ وطَمَسَهُ.
37- جَابَ(3) بِرَحْلِى حَرَجٌ لَدِيسُ
38- مِنَ العَنَاقِ الرُّبْعِ أو سَدِيسُ
39- بالمَنْكِبَيْنِ قُذَفَى رَعُوسُ
40- إذَا انْتَهَى عَنْ قَصْدِه نَعُوسُ
__________
(1) فى المخطوط: "فى ظلمة جفنه" تحريف، والتصحيح من اللّسان (ع ى س).
(2) فى الدِّيوان المطبوع: "مَرْهُوسُ" بالرَّاء، وهو أيضا المَوْطُوء.
(3) فى المخطوط "جائب..." والمثبت من الدّيوان المطبوع، وبه يستقيم الوزن.
جَابَ: مِنَ الجَوْبِ، وهو قَطْعُ الشَّىءِ، كَمَا يُجَابُ الجَيْبُ، تقولُ: جَيْبٌ مَجُوبٌ ومُجَيِّبٌ(1)، جُبْتُ المَفَازَةَ: أى قَطَعْتُهَا، وجُبْتُ الظَّلاَمَ: قَطَعْتَهُ، وَجُبْتُ القَمِيصَ، وكُلُّ مجُوَّفٍ(2) /قُطِعَ وسطُهُ فهو مُجَوَّبٌ.
والحَرَجُ: الطَّوِيلَةُ.
واللَّدِيسُ: النَّاقَةُ المَلْدُوسَةُ باللَّحْم.(2/127)
والرُّبْعُ: جَمَاعَةُ رِبَاعٍ.
والسَّدِيسُ: بَعْدَ الإِرْبَاعِ.
وقُذَفَى: سَرِيعَةُ التَّقَاذُفِ فى سَيْرِهَا، كما قالُوا: جَمَزَى، ووَثَبَى، ومَرَطَى، وبَشَكَى.
والرَّعُوسُ: التى تَهُزُّ رَأْسَهَا فى سَيْرِهَا.
41- وقَدْ أَتَى بَعْدَ السُّرَى التَّعْرِيسُ
42- والهَامُ والبُومُ لَهُ تَغْلِيسُ
43- لَمْ أَدْرِ ما قالَ الصَّدَى المَرْمُوسُ (3)
44- كَأَنَّهَا ذُو وَقَفٍ مَنْخُوسُ (4)
أَتَى: حَانَ.
والسُّرَى: سَيْرُ اللَّيْلِ، تقولُ: سَرَى يَسْرِى سُرًى، وسَرْيًا، وسَرْيَةً، وسُرْيَةً، والعَرَبُ تُؤَنِّثُ السُّرَى أَيْضَا.
والتَّعْرِيسُ: نُزولُ القَوْمِ فى سَفَرٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، يَقَعُونَ وَقْعَةً ثمَّ يَرْتَحِلُونَ، وهو النُّزُولُ قَبْلَ الفَحْرِ.
وذُو وَقَفٍ: يَعْنِى ثَوْرًا، ويُرْوَى: "رَفَق".
والمَنْخُوسُ: المُطَرَّد(5).
45- مُحْمَلِّجٌ فى أَرْبَعٍ جَسِيسُ
46- بِصُلْبِ رَهْبَى وِرْدُهُ تَغْلِيسُ (6)
47- يَقِيهِ حَيْثُ أُكْرِبَ الدَّخِيسُ
__________
(1) كذا فى المخطوط، والذى فى اللسان والتاج (ج و ب): "جَيْبٌ مَجُوبٌ، ومُجَوَّبٌ".
(2) لفظه فى التاج (ج و ب): "وكلُّ مُجوَّفٍ وَسَطُه فهو مُجَوَّبٌ".
(3) المَرْمُوسُ: المَدْفونُ.
(4) فى المخطوط: "منحوس" بالحاء المهملة، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(5) فى المخطوط: "الطرد" تحريف، والتصحيح عن القاموس واللسان (ن خ س) وفيهما: "والدابة المنخوسة يتطيَّر بها".
(6) أى فى ظلامِ آخِرِ اللّيْلِ.
48- وَأَبُ الحَوَامِى مِقْرَعٌ مَلْطِيسُ
مُحْمَلِّجٌ: مُدْمَجٌ مَفْتُولٌ.
ورَهْبَى: مِنْ دَارَاتِ العَرَبِ.
وإِكْرَابُهُ: إِدْمَاجُهُ.
والدَّخِيسُ: ما دَخَلَ مِنْ حَوْشَبِه، وهو العَظْمُ الذى فى الحَافِرِ المُقَعَّبِ.
وحَوَامِى الحَافِرِ: مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وشِمَالِهِ التى تَقِى نُسُورَه الأَرْضَ.
والمِقْرَعُ: الصُّلْبُ.(2/128)
والمِلْطِيسُ: المِدَقُّ، واللَّطْسُ: الدَّقُّ.
49- لَوَّحَهُنَّ العَطَشُ النَّسِيسُ
50- عَنْ مَشْرَعٍ دَانٍ لَهُ النَّامُوسُ
لَوَّحَهُنَّ: غَيَّرَهُنَّ وأَضْمَرَهُنَّ.
والنَّسِيسُ: العَطَشُ الجَاهِدُ، يُرِيدُ جَلاَهُنَّ عَنْ مَشْرَعٍ مِنْهُ.
النّامُوسُ: أى القُتْرَةُ، وهى الرُّجْبَةُ، والعَقَّةُ، والبُرْأَةُ، والزُّبْيَةُ،/ وهى حَفِيرَةُ الصَّائِدِ التى يَسْتَتِرُ فِيهَا.
51- وحَيْثُ يُخْشَى مُنْطَوٍ جَلُوسُ
52- باللَّيْلِ فى قُتْرَتِهِ حَلُوسُ
53- مِنَ الشَّقَا مُحْتَرِقٌ جَسُوسُ (1)
54- مُجَوَّعٌ طَاوِى الحَشَا لَحُوسُ
جَلَسَ بالمَكَانِ: إذَا أَقَامَ بِهِ وعَرَّسَ.
وجَسُوسٌ: طَالِبٌ.
55- لَيْسَ لَهُ فى الحَىِّ هَلْبَسِيسُ
56- قَدْ نَالَ مِنْهُ الجُوعُ والتَّفْلِيسُ
57- والمَطْعَمُ المُوجِبُ واللَّهِيسُ
58- ثمّ انْدَرَى مُكَدَّحٌ شَمُوسُ
يقالُ: مالَهُ هَلْبَسِيسَةٌ، ولاَ خَرْبَصِيصَةٌ، ولاَ قُذَعْمِلَةٌ، ولاَ قِرْطَعْبَةٌ، ولاَ طِحْرِمَةٌ، ولاَ طِحْرِبَةٌ، أى ما عَلَيْه شَىءٌ له قَدْرٌ، أى هو طَفِيفٌ، وقالَ اللِّحيَانِىُّ: طرور وطَحْرَة، وقيل: طحْرِيرَة.
والمُوجِبُ: الذى يَأكُلُ الوَجْبَةَ، أى أَكْلَةً فى اليَوْمِ.
واللَّهِيسُ(2): لاَ يُشَارِكُ فى مَأْكَلٍ.
__________
(1) فى المخطوط: "حَسُوسُ" بالحاء المهملة، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(2) الذى فى اللسان (ل هـ س):"المُلاهِس: المزاحم على الطعام من الحرص، وفلان يلاهِسُ بنى فلان: إذا كان يغشى طعامهم" (المراجع).
والمُكَدَّحُ: حِمَارٌ كَدَّحَتْهُ(1) أُتْنُهُ.
59- ذُو جُبَبٍ(2) كَأَنَّهَا فُؤُوسُ
60- وانْدَرَعَتْ خَائِفَةٌ وَهُوسُ
61- فَأَخْطَأَ الرَّامِى وحَفَّ الخِيسُ(3)
62- وانْصَاعَ مِنْ وَجْسٍ لَهُ تَوْجِيسُ(2/129)
جُبَبُ الحَوَافِرِ: واحِدُهَا جُبَّةٌ، وهى بَياضٌ يَطَأُ(4) فِيهِ الدَّابَّةُ بحَافِرِهِ حتى تَبْلُغَ الأَشَاعِرَ، والنَّعْتُ مُجَبَّب، قالَ مَرّارُ بنُ مُنْقِذ:
سائلٍ شِمراخُه ذِى جُبَبٍ سَلِطِ السُّنْبُكِ فى رُسْغٍ عَجُرْ(5)
والانْدِرَاعُ: السُّرْعَةُ.
والوَهُوسُ: الذى يَدُقُّ كُلَّ شَىْءٍ.
وقَوْلُه: "فأَخْطَأَ الرَّامِى" يُرِيدُ رَمَى فَأَخْطَأَ، فَنَفَرَتْ، فَسَمِعَتْ للأَجَمَةِ حَفِيفًا من سيره.
وانْصِيَاعُهُ: مُرُورُه على جِهَتهِ.
63- حَابٍ بِلَحْيَىْ رَأْسِهِ رَدُوسُ
64- عَلَى صَلاَهَا مِعْطَفٌ عَجُوسُ
65- أَقْلَحُ إنْ عَاصَيْنَهُ نَهُوسُ
66- بَلْ عَلِمَ العَالِمُ والقِسِّيسُ
/ الحَابِى: الغَلِيظُ.
والرَّدُوسُ: الرَّامِى بِلَحْيَىْ رَأْسِهِ: على أكْفَالِهَا.
والصَّلَوانِ: مُكْتَنَفَا الذَّنَبِ عَنْ يَمِينٍ وشِمَالٍ.
والعَجُوسُ: الّلازِمُ.
والقَلَحُ: صُفْرَةٌ فى الأَسْنَانِ.
والنَّهُوسُ: العَضُوضُ.
قِسِّيسٌ: يَتَقَسَّسُ الأَخْبارَ: يَتَتَبَّعُهَا.
والقَتَّاتُ: النَّمَّامُ، غير أنَّ النَّمَّامَ يكْذِبُ عَنْكَ، وهذان يُضِيفَانِ الكَذِبَ إلى مَنْ لَمْ يَسْمَعَاهُ مِنْهُ.
__________
(1) كَدَّحَتْه: عَضَّضَتْهُ.
(2) فى المخطوط: "حُبَبٌ" بالحاء المهملة، والمثبت من الدِّيوان المطبوع، وهو الصّوابُ.
(3) الخِيسُ: الشَّجَرُ الكثيرُ المُلْتَفُّ.
(4) كذا فى المخطوط، وهو لفظ الليث كما فى اللسان والتاج (ج ب ب).
(5) البيت من قصيدة له فى المفضليات (مف 16/9) وأنشده اللسان فى (ع ج ر) والمقاييس 4/231، وفى المخطوط: "سَعِيد قَدْرُه ذى جَبَبٍ". والتصحيح مما سبق (المراجع).
67- أنَّ امْرَءًا حَارَبَنَا مَمْسُوسُ
68- بِئْسَ الخَلِيطُ الحَرِبُ(1) المَدْسُوسُ
69- ما بَالُ أَقْوَامٍ لَهُمْ حَسِيسُ
70- بَيَّنَ فى رُؤُوسِهِمْ تَنْكِيسُ
المَمْسُوسُ: المَجْنُونُ، يُقالُ: بِهِ مَسٌّ، وهو مَمْسُوسٌ.(2/130)
والدَّسُّ: قالَ أبُو عَمْرٍو: وشَرُّ الهِناء(2) الدَّسُّ، وهو أَنْ تَهْنِئَ بَعْضًا وتَتْرُكَ بَعْضًا، تَهْنِئ ما ظَهَرَ مِنْهُ، وتَتْرُك ما غَطَّى عَلَيْهِ الوَبَرُ(3) يقالُ: دَسَّ يَدُسُّ.
71- وهَاجِسٌ مِنْ أَمْرِهِمْ مَهْجُوسُ
72- ثَوَى(4) عَليْهِ الغَيْظُ والتَّأْيِيسُ
73- يَوْمَ يَنِى المُهَلَّبُ البَئِيسُ (5)
74- أَصْلاَهُمُ ما يَصْطَلِى المَجُوسُ
الهَجْسُ: ما وَقَعَ فى خَلَدِكَ، تقولُ: هَجَسَ فى نَفْسِى هَمٌّ وأَمْرٌ، وقالَ:
فَطَأْطَأَتِ النَّعَامَةُ من قَرِيبٍ وقَدْ وقَّرْتُ هَاجِسَهَا وهَجْسِى(6)
النَّعَامَةُ: اسْمُ فَرَسِهِ.
وثَوَى: أَقامَ، ثَوَى يَثْوِى، ويقالُ للمَقْبُورِ: قَدْ ثَوَى، ويقالُ للغَرِيبِ الذى قَدْ أَقَامَ بِبَلْدَةٍ: هو ثَاوٍ، والمَثْوَى: المَوْضِعُ، ورَوَى أبُو عُبَيْدٍ: وأَثْوَى، والثَّوَاءُ: طُولُ الإِقَامَةِ، ورَبُّ البَيْتِ: أبُو مَثْوَاى، ورَبَّةُ البَيْتِ: أمُّ مَثْوَاى.
__________
(1) هكذا فى المخطوط والدّيوان المطبوع بالحاء المهملة، ولعلّها "الجَرِبُ" بالجيم.
(2) فى المخطوط: "شر الهيئة" ولعلها الهِنْئَة، والمثبت لفظ أبى عمرو فى الجيم 1/248.
(3) فى المخطوط: "الدبر" تحريف، والتصحيح من الجيم 1/248.
(4) فى الدّيوان المطبوع: "يَثْوِى".
(5) فى المخطوط: "اللَّئِيسُ" تحريف، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(6) البيت فى اللّسان (هـ ج س) غير منسوب، ورواية صدره: "وطَأْطَأَتِ النَّعَامَةُ من بَعِيدٍ".
75- جَرَتْ عَلَيْهِ اللُّجْمُ والعَطُوسُ(1)
76- بِنَا يُدَاوِى الفَقَمُ الشَّخِيسُ
77- والشَّغْبُ حتَّى يَسْمَحَ الضَّرِيسُ
78- إنَّا إذَا ما هَوَّسَ الهَوِيسُ
اللُّجَمُ: الشُّؤْمُ، شَىءٌ يَتَطَيَّرونَ [منه](2)، واللُّجَمُ: دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ من القَطاةِ تَكُونُ فى/ الرَّمْلِ.
وفَقُمَ الأمْرُ(3): إذَا اشْتَدَّ.
والشَّخِيسُ: المُخالِفُ للإِنْسَانِ.(2/131)
والضَّرِيسُ: المُمْتَنِعُ الشَّدِيدُ.
ومُسَامَحَتُه: انْقِيَادُهُ.
والهَوَسُ: الفَسَادُ، والهَوَسُ: الاخْتِلاَطُ والفَسَادُ.
79- أَعْطَى مُنَانَا المُتْرَفُ العِتْرِيسُ
80- حتَّى يُلِينَ سَأْوَهُ التَّوْكِيسُ
81- وحَشَّ نَارَ الفِتْنَةِ التَّأْسِيسُ
82- وَقُودُهَا واللَّهَبُ المَقْبُوسُ
تقولُ: حَشَشْتُ النّارَ بالحَطَبِ، وأَنَا أُحُشُّهَا حَشًّا، وهو ضَمُّكَ ما تَفَرَّقَ مِنَ الحَطَبِ إلى النَّارِ، وقالَ:
تُحَشُّ بِأَوْصَالٍ مِنَ القَوْمِ بَيْنَهَا وبَيْنَ الرِّجَالِ المُوقِدِيهَا مَحَارِمُ
والعِتْرِيسُ: القَاهِرُ، والعَتْرَسَةُ: الغَلَبَةُ، تقولُ: أَعْطانَا وأَقَرَّ بِحُكْمِنَا.
والتَّوْكِيسُ: البَخْسُ، والنُّقْصَانُ، والظُّلْمُ.
83- هَذَا أَوَانَ قَرَّتِ النُّفُوسُ
84- أَلْقَتْ عَصَاهَا الفِتْنَةُ المَؤُوسُ
85- وبَائِقَاتٌ رَيْبُهَا رَبِيسُ
86- وارْفَضَّ عَنْهَا أَمْرُهَا المَرْجُوسُ
المَؤُوسُ: المُفْسِدُ، ورَجُلٌ مَئِيسٌ: مُفْسِدٌ بَيْنَ النَّاسِ، مَأَسْتُ بَيْنَهُمْ أمْأَسُ.
__________
(1) فى اللسان: "العَاطُوسُ: دابَّةٌ يُتَشاءَمُ بها". وفيه أيضًا: "اللُّجْمَةُ: ما تَطَيَّرْتَ منه.. ويقال للمَوْتِ: لُجَمٌ عَطُوسٌ".
(2) إضافة تستقيم بها العبارة.
(3) فى المخطوط: "فقم الأهواء"، والمثبت عن اللسان (ف ق م).
البائِقَاتُ: الدَّوَاهِى والأُمُورُ الشَّدِيدَةُ، تقولُ: بَاقَتْهُمْ بَائِقَةٌ تَبُوقُهُمْ بُؤُوقًا: أى نَزَلَتْ بِهِمْ نَازِلَةٌ شَدِيدَةٌ.
والرَّيْبُ: صَرْفُ الدَّهْرِ، والرَّيْبُ: مَا رَابَكَ مِنْ أَمْرٍ تَخَوَّفْتَ عَاقِبَتَهُ، والرَّيْبُ: الشَّكُّ.
ورَبِيسٌ: أى عَظِيمٌ.
وأراد [بارْفَضَّ] (1): انْكَسَر وتَفَرَّقَ.
والمَرْجُوسُ: مِنَ الرِّجْسِ.
87- وغَيْرُنَا مِنْهَا بِهِ تَدْنِيسُ
88- ضَلاَلَةٌ فى الدِّينِ أو تَطْفِيسُ
89- مِنَّا الرَّئِيسُ ولَنَا الرُّؤُوسُ(2/132)
90- وَلَجَبُ الأَجْنَادِ والخَمِيسُ
يقولُ: خَرَجْنَا مِنْهَا مُسْلِمِينَ ودَنَّسَتْ غَيْرَنا.
تَطْفِيسٌ:مِنَ الطَّفَسِ، وهو قَذَرُ/ الإِنْسَانِ إِذَا لَمْ يَتَعَهَّدْ نَفْسَهُ بِغَسْلٍ ولاَ بِتَنَظُّفٍ، تقولُ: إنَّهُ لَطَفِسٌ، وإنَّهَا لَطَفِسَةٌ: إذا كانَا كَذَلِكَ.
واللَّجَبُ: صَوْتُ العَسْكَرِ، يُقال: عَسْكَرٌ لَجِبٌ. قال:
فى عَسْكَرٍ لَجِبٍ للمَوْتِ جَرَّار
وسَحَابٌ لَجِبٌ بالرَّعْدِ، ولَجَبُ الأَمْواجِ كذَلِكَ.
والجُنْدُ، والأَجْنَادُ: مَعْرُوفٌ، وكُلُّ صِنْفٍ مِنَ الخَلْقِ جُنْدٌ على حِدَةٍ.
والخَمِيسُ: الجَيْشُ الكَثِيرُ.
91- وقَيْسُنَا أَفْضَلُ مَنْ يَقِيسُ
92- مَجْدًا وفِينَا البَاذِخَاتُ الشُّوسُ
93- بِهِمْ تُرَادِى، وبِهِمْ نَرِيسُ
94- فى كُلِّ يَوْمٍ تَحْتَهُمْ فَرِيسُ
مَجْدٌ بَاذِخٌ: طَوِيلٌ عَالٍ قاهِرٌ - واللهُ ذُو العَلاَءِ والبَاذِخ- والفِعْلُ بَذَخْتُ بُذُوخًا، والبَاذِخُ: الجَبَلُ الطَّوِيلُ، والجَمْعُ: البَوَاذِخُ والبَاذِخَاتُ.
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق عن اللسان (ر ف ض).
ومكَانٌ شَأْسٌ(1): هو الخَشِنُ مِنَ الحِجَارَةِ، والجَمِيعُ: أَمْكِنَةٌ شُوسٌ، فَقَدْ شَئِسَ شَأَسًا، ويَقُولُونَ: شَأْسٌ جَأْسٌ، مثلُ حَسَن بَسَن.
والرَّدْىُ: أَنْ يَأْخُذَ صَخْرَةً أَوْ شَيْئًا صُلْبًا فيَرْدِى بِهِ حَائِطًا أو شيئًا لِيَكْسِرَهُ، والمِرْدَاةُ: هى الصَّخْرَةُ التى يُرْدَى بِهَا الشَّىءُ لِيُكْسَرَ بِهَا، وتقولُ: فُلاَنٌ مِرْدَى حَرْبٍ: أى بِهِ يُصَادَمُ الحَرْبُ، والمُرَادِى: هو الذى يُرادِى(2).
ونَرِيسُ: أى نَفْخَرُ، وقالَ أبو عَمْرو(3): الرَّيَسَانُ: مِشْيَةُ الفاخِرِ، رَاسَ يَرِيسُ: فَخَر يَفْخَرُ.
95- مُقَصَّبٌ أَوْ جَسَدٌ مَحْدُوسُ
96- وخِنْدِفٌ ورَاءَهَا القُدْمُوسُ
97- تَزِلُّ عَنْ نَطْحَتِهِ الفُطُوسُ
98- وقُرْبُهَا وَوِرْدُهَا غَمُوسُ(2/133)
المَحْدُوسُ: المَصْرُوعُ.
والقُدْمُوسُ: المُتَقَدِّمُ.
والفُطُوسُ: جَمَاعَةُ فَطْسَاءَ: حِجَارَةٌ ضِخَامٌ، ضَرَبَهُ مثلا، ومِنْهُ الفِطِّيسُ: [للمِطْرَقةِ العظيمة] (4).
99- ضَرْبٌ وطَعْنٌ بالقَنَا نَحِيسُ
100- مُعْتَرِضٌ أوْ مِسْعَرٌ دَعُوسُ
/ 101- يَحْنِبُ عَنْ حَنَقِها تُيُوسُ
* ... * ... *
__________
(1) فى المخطوط: "شاس" غير مهموز، وفى اللسان (ش أ س) قال: "وفى المحكم: مكانٌ شأس مثل شأز: خشن من الحجارة.. قال أبو منصور، وقد يخفَّفُ، فيقال: شاسٌ وشازٌ".
(2) بياض بالمخطوط، وفى اللسان (ر د ى): "رادَيْتُ عن القَوْمِ مراداة: إذا راميت بالحجارة".
(3) فى المخطوط: "قال ابن عمر: الريسان: نسبة الفخر" وهو تحريف، والتصحيح من الجيم 1/304 والنص فيه لأبى عمرو الشيبانى. (المراجع).
(4) زيادة يقتضيها السياق، عن اللسان (ف ط س).
-54-
وقالَ يَمْدَحُ بِلاَلَ بنَ أَبِى بُرْدَةَ، وهو عامِرُ بنُ عبد الله بنِ قَيْس (1):
1- أَتْعَبَتْنِى والهَوَى ذُو تَعْبِ(2)
2- لَوَّامَةٌ هَاجَتْ بِلَوْمٍ سَهْبِ
3- بَاتَتْ تُذَكِّى كاللَّظَى فى العَطْبِ
4- لاَ تَرْفَئِنُّ أبَدًا عَنْ رُعْبِ
السَّهْبُ: الكَثِيرُ الوَاسِعُ الأَطْرَافِ، ويقالُ: أَسْهَبَ فهوَ مُسْهِبٌ ومُسْهَبٌ على غَيْرِ قياسٍ، وكَذَا أَلْفَجَ فهو مُلْفَجٌ: إذَا افْتَقَرَ، وأَحْصَنَ فهوَ مُحْصَنٌ: إذا تزوَّجَ.
وخَفَّفَ التَّعَبَ كَمَا قالُوا فى شَعَرٍ شَعْرٌ، وما كانَ على ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ ثَانِيهِ حَرْفُ حَلْقٍ حُرِّكَ وسُكِّنَ.
وتُذَكِّى: تُلْهِبُ. ...
وتَرْفَئِنُّ: تَسْكُنُ.
ورُعْبُهُ: مِلْؤُهَا إيَّاهُ غَضَبًا.
5- تَخْشَى عَلَىَّ والشَّفِيقُ مُشْبِ (3)
6- والمَوْتُ قِرْنٌ مُولِعٌ بالغَصْبِ
7- مِنْ سُعْرِهَا النَّارَ التى لاَ تُخْبِى
8- ولاَ تَحَدَّى (4) بالرُّقَى والصَّخْبِ(2/134)
المُشْبِى: المُشْفِقُ هاهُنا، والمُشْبِى فى هذا المُكْرِمُ، إذا ولَدَ كِرَامًا فَقَدْ أَشْبَى، قالَ الضّرارُ:
كَرِيمٌ أجَادَ الخَالِدانِ كِلاَهُمَا بِهِ فَهْوَ مُشْبٍ فى الذرى الذوائب
__________
(1) الأرجوزة رقم (5 مع 6) ص 15 - 19 بالدِّيوان المطبوع.
- عامِرُ بن أبى موسى عبد الله بن قَيْس الأشعرىّ، أبو بُرْدَة (103هـ = 721م): قاضى الكوفة، كانت له مكارم ومآثر وأخبار.
- وبلال بن عامر بن أبى موسى الأشعرى، المعروف بابن أبى بُرْدة (نحو 126هـ = 744م): أمير البصرة وقاضيها، كان راوية فصيحا أديبا، ولاّه خالد القسرى سنة 109هـ، فأقام إلى أن قدم يوسف بن عمر الثقفى فعزله وحبسه، فمات سجينا.
(2) رواية المشطور فى الدّيوان المطبوع: "أَتَعْتُبَنِّى والهَوَى ذُو عَتْبِ".
(3) رواية المشطور فى اللّسان (ش ب ا): "يُشْبِى عَلَىَّ والكريمُ يُشْبِى".
(4) فى الدّيوان المطبوع: "ولا تَحَرَّى" بالرّاء.
وقالَ ذُو الإِصْبَعِ [العَدْوَانِىّ](1):
وهُمْ مَنْ وَلَدُوا أَشْبَوا بِسِرِّ الحَسَبِ المَحْضِ(2)
وتَحَدَّى: مِنَ الحِدَّةِ.
9- قَبْلَكِ أَعْيَا الحَارِشِينَ ضَبِّى
10- لاَ تَعْدِلِينِى(3) واسْتَحِى بإِزْبِ
11- كَزِّ المُحَيَّا آنِحٍ(4) إِرْزَبِّ
12- وَغْلٍ ولاَ هَوْهَاءَةٍ نِخَبِّ
هذَا مَثَلٌ، يقولُ: أُعْيِىَ مَنْ يَسْتَخْرِجُ سِرِّى.
والحَارِشُونَ: الذين يَصِيدُونَ الضِّبَابَ، تقولُ: احْتَرشْتُ الضَّبَّ: وهو أنْ تَحْرِشَهُ فى جُحْرِهِ فَتُهَيِّجَهُ، فإذَا خَرَجَ قَرِيبًا هَدَمْتَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الجُحْرِ، ورُبَّمَا حَارَشَ الضَّبُّ الأَفْعَى، إذَا أرَادَتْ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ قَابَلَهَا، والضَّبُّ الأَحْرَشُ: الخَشِنُ، وكأَنَّهُ مُحَزَّزٌ.
والإِزْبُ: القَصِيرُ اللَّئِيمُ، /يقولُ: لاَ تَعْذِلِينِى بإِزْبٍ واسْتَحِى.(2/135)
كَزٌّ: مِنَ الكزَازِ، وهو اليُبْسُ والانْقِبَاضُ، رَجُلٌ كَزٌّ: قَلِيلُ الخَيْرِ والمُؤَاتَاةِ.
والمُحَيَّا: الوَجْهُ.
والآنِحُ: [على مثال فاعِل، والأَنُوحُ، والأَنّاحُ: الذى إذا سُئِلَ تَنَحْنَحَ بُخْلا، والفعل كالفِعل، والمصدر كالمَصْدَر، والهاء فى كل ذلك لغة أو بدل، وكذلك الأُنَّح بالتشديد](5).
__________
(1) إضافة من اللّسان.
(2) اللّسان (ش ب ا)، والرّواية فيه: "وهُمْ إِنْ ولَدُوا..".
(3) فى المخطوط واللسان (و غ ب): "تعذلينى" بالذال المعجمة، والمثبت من التاج (و غ ب) بالدال المهملة، وفى هامش اللسان (و غ ب) ط. دار المعارف: "قوله لا تعذلينى" بالذال المعجمة من العذل واللوم لا معنى له هنا، والصّواب "لا تعدلينى" بالدال المهملة، أى لا تسوّى بينى وبين غيرى.
(4) فى اللّسان (أن ح، ر ز ب، و غ ب): "أُنَّحٍ"، وأيضا فى التاج (أ ن ح، و غ ب).
(5) غير مقروء فى المخطوط، وما بين الحاصرتين أثبتناه من اللسان (أ ن ح).
والإِرْزَبُّ: القَصِيرُ مَعَ غِلَظٍ وشِدَّةٍ، وأَنْشَدَ الجَرْمِىُّ عَنْ أبِى عُبَيْدَةَ لرَجُلٍ مِنْ طُهَيَّةَ:
* إنَّ لَهَا لَرَكَبًا إرْزَبَّا *
* كَأنَّهُ جَبْهَةُ ذَرَّى حَبَّا *(1)
يَصِفُ فَرْجَ امْرَأَةٍ، وحَكَى أبُو عَمْرٍو أنَّ الإِرْزَبَّ: الشَّدِيدُ فى البُخْلِ المُنْقَبِضُ الخَبُّ، وأَنْشَدَ:
* كَيْفَ قَرَيْتَ شَيْخَكَ الإرْزَبَّا *
* لَمَّا أَتَاكَ يابِسًا قِرْشَبَّا *
* وقَدْ عَلاَهُ بالقَفِيلِ ضَرْبَا *(2)
وقيلَ: هو المُجْتَمِعُ الخَلْقِ المعزّز الجَافِى.
والوَغْلُ: الضَّعِيفُ.
والهَوْهَاءَةُ: الذَّاهِبُ الفُؤَادِ، وكَذِلكَ النِّخَبُّ.
13- ولاَ بِبِرْشَاعِ الوِخَامِ وَغْبِ (3)
14- على الضِّجَاعَيْنِ حَضَاجَ (4) الوَطْبِ
15- وَيْحَكِ إذَا (5) وَعَّرْتِ كُلَّ ثَقْبِ (6)
16- فالْتَمِسِى ضَرْبِى وأَيْنَ ضَرْبِى
البِرْشَاعُ: الجَافِى الغَلِيظُ.(2/136)
والوِخَامُ: الثَّقِيلُ.
__________
(1) اللّسان ( ر ز ب).
(2) الرّجز فى اللّسان والتاج (ق ر ش ب): غير منسوب، وروايته:
* كَيْفَ قَرَيْتَ شَيْخَكَ الأَزَبَّا *
* لَمّا أَتَاكَ يَابِسًا قِرْشَبَّا *
* قُمْتَ إليه بالقَفِيلِ ضَرْبَا *
(3) هكذا روايته فى المخطوط، والديوان المطبوع، واللّسان (ب ر ش ع)، والتاج (و غ ب) ومقاييس اللّغة 6/127، وفى اللّسان (و غ ب): "ولا بِبِرْشام الوِخَامِ وَغْبِ". البِرْشَامُ: حِدَّةُ النَّظَرِ. والبِرْشاعُ: الأهْوَجُ.
(4) فى الديوان المطبوع: "انْضِجَاعَ".
(5) فى الديوان المطبوع: "وَيْحَكِ إنْ ..".
(6) فى الدّيوان المطبوع: "كلّ نَقْب" بالنّون.
والوَغْبُ: الذى يُوغِبُ كُلَّ شَىءٍ فى جَوْفِهِ، يأْكُلُهُ، ويُرْوَى: بِبِرْشَام(1) وَغْب، وهو الثَّقِيلُ أَيْضًا(2)، وتَرَنْفَح فى جلستِه ونَوْمِهِ وفَرْشَطَ(3).
والضِّجَاعَانِ: وطْبَاهُ يُضَاجِعُهَا لاَ يَسْقِى أَحَدًا مِنْهُمَا.
وحَضَاجُ الوَطْبِ: سُقُوطُهُ، وحَضَجَهُ يَحْضُجُهُ حَضْجًا.
وأَوْعَرْتِ: مِنَ الوُعُورَةِ والغِلَظِ والخُشْنَةِ.
17- لِحَسَبٍ أوْ لِخَصِيمٍ شَغْبِ
18- مُقْتَصِدًا أوْ فى شِقَاقِ اللَّحْبِ(4)
19- أَبْقَى فَعِنْدِى مِنْ زَمَاعٍ حَسْبِى
20- وتَحْتَ كَشْحِى ورِدَائِى العَصْبِ(5)
يقولُ: إذَا سَلَكْتِ فى كُلِّ عَرُوضٍ صَعْبَةٍ مِنَ الكَلاَمِ، يَعْنِى كَلاَمَكِ، فَالْتَمِسِى مثلى فاطلبيه، وأين مثلى؟ يقول: يكفى خَصِيمه مُقْتصِدًا بأَهْون السَّعْى، أو بأَوْضح الحُجَّةِ.
واللَّحْبُ: التَّأثِيرُ فى الأَرْضِ، لحَبَ الطَّريقَ: بيَّنَها.
والزَّمَاعُ: الرَّأْىُ، /يقولُ: أَبْقَى مِنْ كَلاَمِكِ.
21- هَمٌّ كَتَصْمِيمِ الحُسَامِ العَضْبِ
22- عَاذِلَ هَلْ قَصْبٌ بِغَيْر ِ قَصْبِ
23- شَافِيكِ أوْ قَوْلٌ بِلَدْغِ اللَّسْبِ(6)
24- لَمَّا رَأَتْنِى طَارَ عَنِّى لِعْبِى(2/137)
التَّصِمِيمُ: يُقالُ: سَيْفٌ مُصَمِّمٌ: إذَا كَانَ يُصَمِّمُ فى ضَرِيبَتِهِ ويَقْطَعُ العِظَامَ، وكذَلِكَ الجراءة، والمُطَبِّقُ يَقْطَعُ المَفْصِلَ، والسُّرَاطُ، والسَّقَّاطُ: يَسْقُطُ مِنْ ورَاءِ الضَّرِيبَةِ.
__________
(1) فى المخطوط: بالحاء المهملة "ببرشاح"، والمثبت رواية اللسان (و غ ب).
(2) فى اللسان (و غ ب): "البرشام: حدّة النظر".
(3) فَرْشَطَ الرَّجُلُ فَرْشَطَةً: أَلْصَقَ أَلْيَتَيْهِ بالأَرْضِ وتَوَسَّدَ سَاقَيْهِ.
(4) رواية الدّيوان المطبوع: "مُقْتَصِدٍ أو فى اشْتِقاقٍ لَحْبِ".
(5) رواية الدّيوان المطبوع: ".. ورِدَاءِ العَصْبِ".
(6) رواية الدّيوان المطبوع: "شَافِيكِ أو لَدْغٌ بقَوْلٍ لَسْبِ".
والقَصْبُ: الشَّتْمُ.
شَافِيكِ، يقولُ: هَلْ يشْفِيكِ شَتْمُكِ إيَّاىَ، ولاَ أَشْتُمُكِ أوْ ألْدَغُكِ بالقَوْلِ؟
واللَّدْغُ، والنَّدْغُ، واللَّسْبُ واحِدٌ، ومِنْهُ: أَبَرَتْهُ العَقْرَبُ، ولَسَبَتْهُ، ووكَعَتْهُ، ووشَقَتْهُ، ووخَزَتْهُ.
25- وانْعَاجَ شَيْطَانُ التَّصَابِى المُصْبِى
26- وصَارَ فَيْنَانُ اللِّمَامِ الهُدْبِ
27- قَرْعًا كَمِرْعِزَّى الفِرَاخِ الزُّغْبِ
28- قُلْتُ أُعَزِّيهَا وشَجْبِى شَجْبِى
القَرَعُ: الشَّعَرُ المُتَفَرِّقُ، كذاك الهَرَامِيلُ، والعَناصِى، واحِدُهَا: عُنْصِيَة وعُنْصُوَة.
وشَجْبُهُ: هَمُّهُ، والشَّجْبُ: الهَلاَكُ.
ويقالُ: مِرْعِزَّى مَقْصُورٌ مُشَدَّدٌ، ويُخَفَّفُ لِيُمَدَّ مِرْعِزَاءُ(1)، وكذلِكَ بَاقِلَّى وبَاقِلاَءُ.
29- لاَ تَحْسَبِينِى حَجَرًا مِنْ هَضْبِ
30- يَكْسِرُ ما يُرْدَى بِهِ ويُنْبِى
31- عَنْ مَتْنِهِ مِرْدَاةَ كُلِّ صَقْبِ
32- وقَدْ تَطَوَّيْتُ انْطِوَاءَ الحِضْبِ(2)(2/138)
الهَضْبُ: جَمْعُ هَضْبَةٍ، وهو كُلُّ جَبَلٍ خُلِقَ مِنْ صَخرةٍ واحِدَةٍ، كُلُّ صَخْرَةٍ رَاسِيَةٍ تُسَمَّى هَضْبَةً إذَا كانَتْ ضَخْمَةً، والجَمْعُ: الهِضَابُ، ويروى: يَكْسِرُ ويُنْبِى، يَرُدّ ويصْرِفُ.
والمَتْنُ مِنَ الأَرْضِ: ما ارْتَفَعَ وصَلُبَ، والجَمِيعُ: المِتَانُ.
والمِرْدَاةُ: الحَجَرُ الذى يُرْدَى بِهِ.
والصَّقْبُ: الجَبَلُ الطَّوِيلُ.
والحِضْبُ: حَيَّةٌ دَقِيقَةٌ.
/ 33- بَيْنَ قَتَادِ رَدْهَةٍ وشِقْبِ (3)
34- بَعْدَ مَدِيدِ الجِسْمِ مُصْلَهِبِّ
35- كالرُّمْحِ فى حَدِّ السِّنَانِ الذِّرْبِ
36- ذَاكَ وإِنْ غَبَّى لِىَ المُغَبِّى(4)
__________
(1) المِرْعِزَّى: الزَّغَبُ الذى تحت شَعَرِ العَنْزِ، وكذلك المِرْعِزَاء.
(2) اللّسان والتاج (ح ض ب).
(3) اللّسان والتاج (ح ض ب).
(4) رواية الدّيوان المطبوع: "ذَاكَ وإنْ عَبَّى لِىَ المُعَبِّ" بالعين المهملة.
القَتَادُ: دِقُّ العِضَاهِ.
والرَّدْهَةُ: المَاءُ يكُونُ فى رَأْسِ الصَّخْرَةِ وفى رَأْسِ الجَبَلِ يَغْدِرُهُ المَطَرُ.
والشِّقْبُ، والشِّعْبُ، واللِّصْبُ واحِدٌ، وهو الفُرْجَةُ تكونُ فى الجَبَلِ نَافِذَةً، ورُبَّما كانَ بَيْنَ الجَبَلَيْنِ.
المُصْلَهِبُّ: الشَّدِيدُ.
والذِّرْبُ: أرادَ الذَّرَِبَ، وهو الحِدِيدُ المَاضِى.
وغَبَّى لِىَ: غَطَّى لِى بَلِيَّة.
37- وطَحْطَحَ الجِدُّ غثاءَ(1) القِشْبِ
38- أَلْقَيْتُ أَقْوالَ الرِّجَالِ الكُذْبِ
39- ولَسْتُ أُضْوِى وبِلاَلٌ حِزْبِى(2)
40- وأَنَا(3) مُبْدٍ لِلأَمِيرِ أَدْبِى
يقولُ: لاَ يَكُونُ حَظِّى ضَاوِيًا، أى: خَسِيسًا قَلِيلاً.
والأَدْبُ: العَجَبُ، يريدُ شِعْرَهُ.
41- غَيَّرَ بَالِى وأَطالَ ذَبِّى
42- نِاجِيَةُ الرَّامِى بِقَوْلٍ صَعْبِ(4)(2/139)
البَالُ: بَالُ النَّفْسِ، وهو الاكْتِرَاثُ، ومِنْهُ اشْتُقَّ:ما بَالَيْتُ، ولَمْ يَخْطُرْ بِبَالِى، ولَمْ يَكْرِثْنِى، والمَصْدَرُ البَالَةُ والمُبَالاَةُ، و[مِنْ](5) مَوَاعِظِ الحَسَنِ: لاَ يُبَالِيهُم اللهُ بَالَةً، وتقول:لَمْ أُبَالِ، ولَمْ أَبِلْ على القَصْرِ.
والبَالُ: رَخَاءُ النَّفْسِ والعَيْشِ، تقولُ: إنَّهُ رَخِىُّ البَالِ، ونَاعِمُ البَالِ.
والرَّجُلُ يَذُبُّ فى الحَرْبِ وغَيْرِهَا عَن حَرِيمِهِ وأَصْحَابِه: أى يَدْفَعُ عَنْهُمْ ذَبًّا.
ونَاجِيَةُ الرَّامِى: حاجِبُ بِلال.
43- ولَيْسَ عِرْضِى بِطَرِيقِ السَّبِّ
44- والعَبْدُ حَيَّانُ بنُ ذَاتِ القُنْبِ
45- يَا عَجَبًا ما خَطْبُهُ وخَطْبِى
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "لِحَاءَ".
(2) فى مقاييس اللّغة 3/376: "وكَيْفَ أُضْوَى وبِلالٌ حِزْبى".
(3) فى الدّيوان المطبوع: "فَأَنَا".
(4) المشطوران 41، 42 فى اللّسان (م ل غ) برواية:
* غَيَّرَ آلِى وأَطالَ ذَبِّى *
* غَثِيثَةُ المِلْغِ بِقَوْلٍ خِبِّ *
(5) إضافة يقتضيها السّياق.
46- وأَنَا يَطْوِى بالأَمِيرِ قَلْبِى(1)
عِرْضِى: أى حَسَبِى، تقولُ: اعْتَرَض فُلانٌ عِرْضًا: إذَا وقَعَ فِيهِ وانْتَقَصَهُ ونحو ذلك، واعْتَرَضَ فلانٌ عِرْضَه: إذَا قَابَلَهُ وسَاوَاهُ فى الحَسَبِ.
والسَّبُّ: /الشَّتْمُ، مِنْ قَوْلِكَ: سَبَّنِى فُلاَنٌ: شَتَمَنِى، والسِّبَابُ: المُشَاتَمَةُ.
والقُنْبُ: كِنَايَة عَنِ الشَّتْمِ، والقُنْبُ: جِرَابُ قَضِيبِ الدَّابَّةِ، وإذَا كُنِىَ عَمَّا يُخْفَضُ مِنَ المَرْأَةِ قيلَ: قُنْبُهَا، والقُنْبُ: شِرَاعٌ ضَخْمٌ مِنْ أَعْظَمِ شُرُعِ السَّفِينَةِ.
والخَطْبُ: سَبَبُ الأُمُورِ، تقولُ: ما أَمْرُكَ: ما خَطْبُكَ، وتقولُ: هذَا خَطْبُ أَمْرٍ جَلِيلٍ، أوْ خَطْبٌ يَسِيرٌ، والجَمْعُ: الخُطُوبُ.
47- مِنْ فَرْطِ(2) إشْفَاقِى وفَرْطِ حُبِّى(2/140)
48- نَصِيحَةً لاَقَتْ لُبَابَ اللُّبِّ
49- وقُلْتُ (3) والأَقْوَالُ ذَاتُ غِبِّ
50- إنِّى ورَبِّ مَشْرِقٍ وغَرْبِ
الفَرْطُ: ما تَجاوَزَ قَدْرهُ.
واللُّبَابُ: الخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَىءٍ، ولُبُّ الرَّجُلِ: ما جُعِلَ فى قَلْبِهِ مِنَ العَقْلِ.
والغِبُّ: مِنْ غَبَّتِ الأُمُورُ: صَارَتْ إلى أواخِرِهَا.
51- وحَرَمِ اللهِ وبَيْتِ الحُجْبِ
52- بِحَيْثُ يَدْعُو الطَّائِفُ(4) المُلَبِّى
53- لاَقَيْتُ أَعْجَابًا فَهِجْنَ عُجْبِى
54- لاَقَيْتُ مَطْلاً كَنُعَاسِ الكَلْبِ
المُلَبِّى: الذى يُنَادِى فى الحَجَّ بالتَّلْبِيَةِ، يقولُ: لَبَّيْكَ اللّهُمَّ لَبَّيْكَ.
__________
(1) رواية الدّيوان المطبوع: "وأَنَا يُبْدِى للأَمِيرِ قَلْبِى".
(2) فى الدّيوان المطبوع: "لِفَرْطِ".
(3) فى الدّيوان المطبوع: "فَقُلْتُ".
(4) فى المخطوط: "الطّالِبُ"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
والأَعْجَابُ: جَمْعُ عَجَبٍ(1)، مِثْلُ جَبَلٍ وأَجْبَال، يقالُ: أَمْرٌ عَجِيبٌ، عَجَبٌ عُجَابٌ، وقَدْ يقالُ: عَجَّابٌ بالتَّشْدِيدِ، حَكَاهُ ابنُ السِّكِّيتِ، وقالَ الخَلِيلُ: بَيْنَ العَجِيبِ والعُجَابِ فَرْقٌ، فَأَمَّا العَجِيبُ والعَجَبُ يكونُ مِثْلَهُ، وأَمَّا العُجَابُ فالذى يُجَاوِزُ حَدَّ العَجَبِ، مثلُ الطَّوِيلِ والطُّوَالِ، فالطَّوِيلُ فى النَّاسِ كَثِيرٌ، والطُّوَالُ: الأَهْوَجُ الطُّولِ، المَشْهُورُ فى الطُّولِ.
55- وعِدَةٌ عُجْتُ عَلَيْهَا صَحْبِى
56- كالنَّحْلِ فى مَاءِ الفُرَاتِ العَذْبِ(2)
57- حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يكونَ رَبِّى
58- يَطْلُبُنِى مِنْ عَمَلٍ (3) بِذَنْبِ
عُجْتُ: عَطَفْتُ، والعَوْجُ: العَطْفُ، وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:
خَلِيلَىّ عُوجَا بارَكَ اللهُ فِيكُمَا /علَى دَارِ مَىٍّ مِنْ صُدورِ الرّكائِبِ(4)
وكالنَّحْلِ: أرَادَ كَعَسَلِ النَّحْلِ، فاكْتَفَى بالنَّحْلِ.(2/141)
59- وأَنَا (5) أَرْجُو عِنْدَ عَضِّ اللَّزْبِ
60- قَبْلَ التَّنَائِى وافْتِرَاقِ الشَّعْبِ
61- سُقْيَاكَ مِنْ سَيْلِ الفُرَاتِ(6) الثَّغْبِ
62- إذْ عَضَّ دَيْنٌ مَسَّنِى بِكَرْبِ
اللَّزَبُ: جَمْعُ لَزْبَةٍ، وهو الشِّدَّةُ والقَحْطُ والضِّيقُ، وهى اللَّزْبَةُ، واللَّزْبَاتُ.
__________
(1) العَجَبُ: إنْكارُ ما يَرِدُ عليك لِقِلَّةِ اعْتِيَادِه.
(2) رواية الدّيوان المطبوع: "كالنَّحْلِ بالمَاءِ الرُّضَابِ العَذْبِ".
(3) فى المخطوط: "من عَمَلِى"، والمثبت رواية الدّيوان المطبوع، واللّسان (ج أ ب)، وأورد اللّسان مشطورًا آخر بعده: "واللهُ رَاعٍ عَمَلِى وجَأْبِى".
(4) البيت فى ديوان ذى الرُّمّة 1/187، ورواية صدره: "خَلِيلَىّ عُوجَا اليومَ حتّى تُسَلِّمَا".
(5) فى الديوان المطبوع: "فأنا". ...
(6) فى الدّيوان المطبوع: "من سَيْبِ الفُرَاتِ".
والشَّعْبُ: ما تَشَعَّبَ مِنْ قَبَائِلِ العَرَبِ والعَجَمِ، الجَمِيعُ: الشُّعُوبُ، يقالُ: العَرَبُ شَعْبٌ، والمَوَالِى شَعْبٌ، والتُّرْكُ شَعْبٌ، والجَميعُ: الشُّعُوبُ.
والثَّغْبُ: مَاءٌ صَافٍ مُسْتَنْقَعٌ فى صَخْرَةٍ أو جَلْهَةٍ، قليلٌ، والجَميعُ: الثُّغْبَانُ، فَجَعَلَهُ فى سَيْلِ الفُرَاتِ.
63- مُعْتَمِدُ الحِنْوِ مُلِحُّ القِتْبِ
64- كَأَنَّ وَسْقَ جَنْدَلٍ وتُرْبِ
65- عَلَىَّ مِنْ تَنْحِيبِ ذَاكَ النَّحْبِ(1)
66- وأَخْذِنَا دَيْنًا بِدَيْنٍ يُرْبِى
الحِنْوُ: كُلُّ شَىءٍ فِيهِ اعْوِجَاجٌ، والجَمِيعُ: الأَحْنَاءُ، تقولُ: حِنْوُ الحِجَاجِ، وحِنْوُ اللَّحْىِ، وحِنْوُ الأَضْلاَعِ، وفى الإِكَافِ والقُتُبِ والسُّرُجِ: كُلُّ خَشَبَةٍ قَدِ انْحَنَتْ فهى حِنْوٌ، وفى القِفَارِ والجِبَالِ والأَوْدِيَةِ، وكُلُّ مُعْوَجٍّ واعْوِجَاجٍ فهو حِنْوٌ.(2/142)
والقِتْبُ: قُتَيْبٌ صَغيرٌ يكُونُ للبَعِيرِ السَّانِى، وقالَ أبو عُبَيْدٍ: القِتْبُ: جَمِيعُ أَدَاةِ السَّانِيَةِ، وقالَ لَبِيدٌ:
حتّى تَحَيَّرَتِ الدِّبارُ كَأَنَّهَا زَلَفٌ وأُلْقِىَ قِتْبُهَا المَحْزومُ(2)
والوَسْقُ: وِقْرُ البَعِيرِ، وهو سِتُّونَ صَاعًا، وقيلَ: الوَسْقُ: العِدْلُ، وأَوْسَقْتُ البَعِيرَ: أَوْقَرْتَهُ.
والنَّحْبُ: النَّذْرُ، والمُنَاحَبَةُ: المُرَاهَنَةُ والمُخَاطَرَةُ.
67- وعَضَّ بالكَاهِلِ شَرُّ جِلْبِ
68- ونَحْنُ أسْآرُ السِّنِينَ الجُدْبِ
69- تَبْرِى مَبَارِيهِنَّ بَعْدَ الشَّذْبِ
70- مِنْ عِضَةِ الخَشْبِ لِحَاءَ الخُشْبِ
الكَاهِلُ: مُقَدَّمُ أَعْلَى الظَّهْرِ مِمَّا يلَىِ العُنُقَ، وهوَ الثُّلُثُ الأَعْلَى، فِيهِ سِتُّ فَقارَاتٍ.
__________
(1) المشطوران 64، 65 باللّسان (و س ق).
(2) البيت فى اللّسان (ح ز م)، وفى شرح ديوان لبيد/123. والزَّلَفُ: جمع زَلَفَةٍ، وهى مَصْنَعَةُ الماءِ المُمْتَلِئَة.
/ وجِلْبُ الرَّحْلِ: نَفْسُ جنب الرَّحْل، وأَحْنَاؤُه(1)، ما يُوسَرُ بهِ ويُسَدُّ سِوَى صَفْقِه واتِّسَاعِه.
والشَّذْبُ: قَشْرُ الشَّجَرِ، والشَّذْبُ المَصْدَرُ، والفِعْلُ يَشْذُبُ، وهو القَطْعُ عَنِ الشَّجَرِ، وكذَلِكَ تَنْحِيَةُ شَىءٍ عَنْ شَىءٍ.
71- حتّى تُرِكْنَا جَزَرًا للذِّئْبِ
72- وانْحَطَّ (2) هَزْلِى مِنْ بِلاَدٍ جُرْبِ
73- تَقْطَعُ بَيْنَ صَرَدٍ وسَغْبِ(3)
74- حتّى اسْتَغَاثُوا بَعْدَ عَيْشٍ جَشْبِ
إذَا كانَتِ الأَرْضُ مَحْلَةً فهى جَرْباءُ.
والصَّرَدُ: مِنَ التَّصَرُّدِ، مِنَ التَّصْرِيدِ، وهوَ دُونَ الرِّىِّ، وقالَ النَّابِغَةُ:
وتَسْقِى إذَا ما شِئْتَ غَيْرَ مُصَرَّدِ وكأسُكَ فى حَافَاتِهَا المِسْكُ كَارِعُ(4)(2/143)
والصَّرَدُ: مَصدَرُ الشَّىءِ الصَّرِدِ مِنَ البَرْدِ، يقالُ: صَرِدْتُ، صَرِدَ صَرَدًا، وقَوْمٌ صَرْدَى، ويَوْمٌ صَرِدٌ، ولَيْلَةٌ صَرِدَةٌ.
والسَّغْبُ: يُرِيدُ السَّغَبَ، كَمَا يقالُ: شَعْرٌ وشَعَرٌ؛ لأَنَّهُ مِنْ حُرُوفِ الحَلْقِ. والسَّغَبُ: الجُوعُ، والسَّاغِبُ: الجَائِعُ، تقولُ: سَغَبَ يَسْغُبُ سَغْبًا، وهو ساغِبٌ، ذُو مَسْغَبَةٍ، وفى القُرآنِ [الكَرِيم]: { فِى يَوْمٍ ذى مَسْغَبَةٍ } (5) يَصْرِفُ الجُوعَ.
والجَشْبُ، وهو الجَشِيبُ، أى الغَلِيظُ.
75- بِمُسْتَغَاثٍ مِنْكَ غَيْرِ جَدْبِ
76- وأَنْتَ والأَزْمَانُ ذَاتُ عَتْبِ
__________
(1) فى اللسان (ح ن ا): حِنْو الرَّحْلِ والقَتَبِ والسَّرْجِ: كُلُّ عُودٍ مُعْوَجٍّ من عيدانه.
(2) فى الدّيوان المطبوع: "وحَطَّ".
(3) فى الدّيوان المطبوع: "وشَعْبِ".
(4) البيت فى ديوان النّابغة/82، وروايته فى الدّيوان:
وتُسْقِى إذا ما شئْتَ غَيْرَ مُصَرَّدٍ بِزَوْراءَ فى حَافَاتِها المِسْكُ كانِعُ
التّصْرِيَةُ: شُرْبٌ دون الرّىّ. وزَوْراء: دارٌ بالحِيرَة للنّعمان. وكانِعٌ: دانٍ بعضُه من بَعْضٍ.
(5) البلد، الآية 14.
77- ذُو نَجَبٍ عِنْدَ انْتِجَابِ النَّجْبِ
78- أَرْوَعُ وَهَّابٌ جَزِيلُ الوَهْبِ
الأَرْوَعُ مِنَ الرِّجَالِ: مَنْ لَهُ جِسْمٌ وجَهَارَةٌ وفَضْلٌ وسُودَدٌ مع ذَلِكَ، وهو بَيِّنُ الرَّوَعِ والعِياسِ والإسافِ، ومِنْه: رَوِعَ يَرْوَعُ رَوَعًا.
والجَزِيلُ، والجَزْلُ: الكَثِيرُ العَطَاءِ، رَجْلٌ جَزْلُ العَطَاءِ، وعَطَاءٌ جَزْلٌ: جَزِيلٌ.
79- تُورِى وبَعْضُ القَادِحِينَ يُكْبِى
80- فَلاَ تَرُدَّنَّ مِدْحَتِى ونَدْبِى
81- ورَغْبَتِى فى وصْلِكُمْ وحَطْبِى
82- فى حَبْلِكُمْ لاَ أئْتَلِى وَرَغْبِى(2/144)
/تُورِى: مِنْ أَوْرَى فلاَنٌ زَنْدًا، وأَوْرَيْتُ زَنْدَتَهُ، والرَّجُلُ الكَرِيمُ يقالُ لَهُ: وارِى الزِّنادِ، ويقالُ: ورَى الزَّنْدُ يَرِى، مثل وَلَى يَلِى، وورَى يَرِى وَرْيًا ووِرْيًا، ووَرَتِ الزَّنْدُ تُورِى أيضًا.
والقَادِحينَ: مِنَ القَدْحِ، وهو قَدْحُكَ بالزَّنْدِ، وبالقَدَّاحِ، وهو الحَجَرُ الذى يُورِى النّارَ، والمقدحُ: الحديدةُ التى تَقْدَحُ بِهَا، والقَدْحُ: فِعْلُ القَادِحِ.
ويُكْبِى: لاَ يُورِى، والفِعْلُ مِنْهُ كَبَا يَكْبُو الزَّنْدُ كَبْوًا، ولُغَةٌ أُخْرَى يكبى إكْبَاءً.
83- إِلَيْكَ فارْبُبْ نِعْمَةَ المُرْتَبِّ
84- واذْكُرْ أُمُورًا غَيْرُهَا فى الغِبِّ(1)
85- مَنْ(2) أَبَى مِنْ مَنْعِكَ التَّأَبِّى
86- وأَخْرَجَ الضِّغْنَ ضَغِينَ الخَِبِّ
تقولُ: رَبَبْتُ النِّعْمَةَ عِنْدَ فُلانٍ رَبًّا: إذَا زِدْتَ فِيهَا لِئَلاَّ يَعْفُوَ أَثَرُهَا.
والغِبُّ: عَاقِبَةُ الأَمْرِ.
والضِّغْنُ، والضَّغِينَةُ: الحِقْدُ.
والخَبُّ: الفَسَادُ، ورَجُلٌ خَبٌّ وامْرَأَةٌ خَبَّةٌ.
والتَّخْبِيبُ: إفْسَادُ رَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ أوْ أَمِيرٍ، تقولُ: خَبَّبَهَا فَأَفْسَدَهَا.
__________
(1) رواية الدّيوان المطبوع: "واذْكُرْ أُمُورًا خَيْرُها فى العَقْبِ".
(2) فى الدّيوان المطبوع: "فإنْ".
87- ودَارَ دَوَّارُ الرَّحَى فى القُطْبِ
88- فإِرْبُكَ الغَالِبُ كُلَّ إِرْبِ
89- وطِبُّكَ الغَالِبُ كُلَّ طِبِّ
90- قَدْ عَلِمَ المُوقِدُ نَارَ الحَرْبِ
قُطْبُ الرَّحَى: هى الحَدِيدَةُ التى فى الطَّبَقِ الأَسْفَلِ مِنَ الرَّحَيَيْنِ يَدُورُ عَلَيْهَا الطَّبَقُ الأَعْلَى.
والإرْبُ: مَصْدَرُ الأَرِيبِِ: العاقل، وأَجْوَدُهُ الإرْبَةُ، والفِعْلُ أَرُبَ، يقولُ: إذَا ظَهَرَتْ صَفَائِنُ الرِّجَالِ وصَارَتِ الأُمُورُ إلى مَصَائِرِها فَرَأيُكَ أَحْزَمُ الآرَاءِ.
91- أَنَّكَ وَثَّابٌ مَخُوفُ الوَثْبِ(2/145)
92- تَعْتَزُّ أَعْنَاقَ الرِّقَابِ الرُّقْبِ
93- مِنَ القُرُومِ(1) والأُسُودِ الغُلْبِ
94- بِمِقْصَلِ النَّابِ جَرِىءِ الخَلْبِ(2)
الاعْتِزَازُ: الغَلَبَةُ والقَهْرُ.
والرُّقْبُ: جَمْعُ أَرْقَبَ، وهو الغَلِيظُ الرَّقَبَةِ.
والقُرومُ(3)، والفُحولُ: /المصاعبُ، وهىَ المُكْرَمَةُ التى لاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وتقول للفِحْلَةِ.
والمِقْصَلُ: القَاطِع.
والخَلْبُ: الجَرْحُ بالمِخْلَبِ، ومِنْهُ: "إنْ لَمْ تَغْلِبْ فَاخْلِبْ".(4)
95- تَجْذِبُ أوْ تَصْرَعُ قَبْلَ الجَذْبِ(5)
96- فاعْلَمْ(6) بِأَنِّى دَائِبٌ لِدَأْبِى
__________
(1) فى المخطوط: "القرون" بالنّون، والمثبت من الدّيوان المطبوع، ويتّفق مع الشّرح.
(2) فى الدّيوان المطبوع: "حَدِيدِ الخَلْبِ".
(3) فى اللسان (ق ر م): "القَرْمُ: الفَحْلُ الذى يُتْركُ من الرُّكوب والعَمَلِ ويُودَعُ للفِحْلَةِ، والجَمع: قُرومٌ.
(4) المثل فى اللّسان (خ ل ب): "إذا لم تَغْلِبْ فاخْلِبْ" بالكسر، وحُكِىَ عن الأصمعىّ "فاخْلُبْ". من قاله بالضّمِّ فمعناه: فاخْدَعْ، ومن قاله: فاخْلِبْ، بالكسر، فمعناه: فانْتِشْ قليلاً شيئًا يسيرًا بعد شىء.
(5) رواية الدّيوان المطبوع: "يَجْذِبُ أو يَصْرَعُ قَبْلَ الجَذْبِ".
(6) فى الدّيوان المطبوع: "واعْلَمْ".
97- والوَجْهِ مِنْ أَبَابَةِ(1) المُؤْتَبِّ
98- حَانَ انْطِلاَقِى وأَجَدَّ صَحْبِى
أَبَابَة: تَهْيِئَةٌ.
والمُؤْتَبُّ: المُتَهِّيءُ، وقالَ العَجَّاجُ:
*يا إبلَ السَّعْدِىِّ إِنْ تَأْتَبِّى *(2)
يريدُ إِنْ تَهيَّئِى.
99- لأَرْضِ قَوْمِى أَوْ جِبَالِ الدَّرْبِ
100- وأَنَا (3) رَامٍ عَرْضَ كُلِّ سَهْبِ
101- إنْ شَاءَ رَبُّ العِزَّةِ(4) المُسَبِّى
102- إِمَّا بِأَعْنَاقِ القِلاَصِ(5) الصُّهْبِ
سُهُوبُ الفَلاَةِ: نَواحِيهَا التى لا مَسْلَكَ فِيهَا، وقالَ: سُهُوبُ مَهَامِهَ، ولَهَا سُهُوبٌ.
والمُسَبِّى: أرَادَ المُسَبِّبَ.(2/146)
والقِلاَصُ: الوَاحِدُ: قَلُوصٌ، الأُنْثَى مِنَ الإِبِلِ والنَّعَامِ.
والصُّهْبُ: أَلْوَانُ الإِبِلِ، وهى حُمْرَةٌ فى اللَّوْنِ الظَّاهِرِ وفى البَاطِنِ أَسْوَدُ، بَعِيرٌ صُهْبٌ صُهَابِىٌّ، ونَاقَةٌ صَهْبَاءُ صُهَابيَّةٌ، وقالَ:
صُهَابِيَّةٌ وُرْقٌ بَعْدَ مَسِيرِهَا(6)
103- والعِيسُ قَدْ نَأَيْنَ(7) بَعْدَ القُرْبِ
104- أَوْ يَطَّلِعْنَ جَانِبًا عَنْ جَنْبِ
105- كُلُّ سَرَنْدَاةٍ نَعُوبِ النَّعْبِ
106- عَيْرَانَةٍ كالمِسْحَلِ الأَقَبِّ
العِيسُ: جَمْعُ أَعْيَسَ وعَيْسَاءَ، وهى الإِبِلُ التى فِيهَا لَوْنٌ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ صَفَاءً فى ظُلْمَةٍ خَفِيَّةٍ.
نَأَيْنَ: بَعُدْنَ، والتَّنَائِى: البُعْدُ.
والسَّرَنْدَاةُ: الجَرِيئَةُ.
والنَّعُوبُ: التى تَنْعَبُ برَأسِهَا.
والمِسْحَلُ: الحِمَارُ الوَحْشِىُّ.
__________
(1) فى المخطوط: "أنابة" بالنون، والمثبت من الديوان المطبوع.
(2) مجموع أشعار العرب 2/75.
(3) فى الدّيوان المطبوع: "فأَنَا".
(4) فى الدّيوان المطبوع: "رَبُّ القُدْرَةِ".
(5) فى الدّيوان المطبوع: "بأعْناقِ المَهَارَى".
(6) اللّسان (ص هـ ب)، وروايته: "صُهَابِيَّةٌ زُرْقٌ بَعِيدٌ مَسِيرُها".
(7) فى الدّيوان المطبوع: "قَدْ يَنْأَيْن".
والعَيْرَانَةُ: الأَتَانُ مِنْ حُمُرِ الوَحْشِ.
والأَقَبُّ: الضَّامِرُ.
107- أَلْحَقَ طَىَّ بَطْنِهِ بالقُصْبِ
108- قَعْدَاؤُهُ (1) مِقْرَاةَ كُلِّ عَلْبِ
109- فى أَرْبَعٍ مِثْلِ عُجامِ القَسْبِ(2)
110- مَعْلاً بِتَقْرِيبٍ وشدٍّ نَهْبِ
/ القُصْبُ: الأَمْعَاءُ.
والمِقْرَاةُ: الخَفْضُ مِنَ الأَرْضِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ المَاءُ ويَثْبُتُ.
وعَلْبُ، والجَمْعُ: الأَعْلابُ، وهو ما كانَ حَوَالَيْهِ مِنْ غِلَظٍ لاَ يُنْبِتُ.
فى أَرْبعٍ: أرادَ أَرْبَعَ أُتْنٍ، شَبَهُهُنَّ بالنّوَى لمَلاَسَتِهِنَّ وإدْمَاجِهِنّ.
وواحِدُ العُجَامِ: عَجَمَةٌ(3).(2/147)
والقَسْبُ: الصُّلْبُ الشَّدِيدُ، يقالُ: إِنَّهُ لَقَسْبُ العَِلْبَاءِ صَلْهَبُ العَقَبِ.
والقَصْبُ، والمَعْلُ: السُّرْعَةُ.
والشَّدُّ: العَدْوُ والشِّدَّةُ.
والنَّهْبُ: مِنَ المُنَاهَبَةِ، وهى المُبَاراةُ فى الحُضْرِ والجَرْىِ، فَرَسٌ تُنَاهِبُ فَرَسًا، قالَ العَجَّاجُ:
*وإِنْ تُنَاهِبْهُ تَجِدْهُ مِنْهَبَا *(4)
وتقولُ للفَرَسِ الجَوَادِ: إنَّهُ لَيَنْهَبُ الغَايَةَ والشَّوْطَ، وإنَّهُ لَمِنْهَبٌ.
111- نَهْدٍ كَكَرِّ الأَنْدَرَانِ الشَّطْبِ
112- أَجْرَدَ بَسْبَاسٍ (5) خَفِيفِ الهُلْبِ
113- بَجَابِجِ البُدْنِ جَرِيمِ الشَّرْبِ (6)
114- يَرْمِى جَلاَذِىَّ(7) الصُّوَى بِوَأْبِ
نَهْدٌ: ضَخْمٌ.
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "تَعْدَاؤُهُ".
(2) اللّسان والتاج (ع ج م).
(3) العُجَامُ: نَوَى التَّمْرِ والنَّبِقِ.
(4) مجموع أشعار العرب 2/74، واللّسان (ن هـ ب)، وفيه: "قال العَجّاجُ يَصِفُ عَيْرًا وأُتُنَهُ".
(5) فى الدّيوان المطبوع: "بَصْبَاصٍ" بالصّاد.
(6) رواية الدّيوان المطبوع: "دُمالِجِ البُدْنِ جَرِيمِ الشَّذْبِ".
(7) فى المخطوط: "جَلادِىّ" بالدّال المهملة، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
والكَرُّ: حَبْلٌ مَضْفورٌ مِنْ جُلُودٍ، نِسْبَةٌ إلى الأَنْدَرِ بالشَّامِ، ويُعْمَلُ بِهَا شُكُلُ الدَّوَابِّ مِنْ جُلُودٍ.
والبَسْبَاسُ: الخَفِيفُ.
والهُلْبُ: شَعَرُ الذَّنَبِ.
وبَجَابِجُ، وبَجْبَاجٌ: ضَخْمٌ.
والجَرِيمُ: العَظِيمُ الجِرْمِ، وهو البَدَنُ، أرادَ هاهُنا كَثِيرَ الشّرْبِ.
والجَلاَذِىُّ: الغِلاَظُ، واحِدُها: جلذاةٌ.
والصُّوَى: الأَعْلاَمُ.
والوَأْبُ: الحَافِرُ المُقَعَّبُ، وقَدَحٌ وَأْبٌ: إذَا كانَ مُقَعَّرًا كَثِيرَ الأَخْذِ مِنَ الشَّرَابِ، وقِدْرٌ وَأْبَةٌ ووَئِيبَةٌ.
115- بِمُكْرَبِ القَيْنِ قَرُوعِ العقْبِ (1)
116- صُلْبِ الحَوَامِى فى دَخِيسِ الجُبِّ(2/148)
117- ورُبَّمَا زَعْزَعْتُ لَيْلَ الرَّكْبِ(2)
118- بِشَوْقَبِيَّاتِ الصُّدُورِ حُقْبِ
مُكْرَبٌ: مُوثَقٌ.
والقَيْنُ: ما فَوْقَ الرُّسْغِ، وهو مَوْضِعُ القَيْدِ.
والقَرُوعُ: الصُّلْبُ.
والعَقْبُ: الحَافِرُ.
وحَوَامِيهِ: جَوانِبُهُ التى تَحْمِى الأَرْضَ النسور أَنْ تَأْكُلَهَا.
والجُبُّ: جُبَّةُ الحَافِرِ/ وهى ظاهِرُهُ.
والدَّخِيسُ: ما انْدَخَسَ فِيهِ، أى دَخَلَ.
والزَّعْزَعَةُ: السَّيْرُ الرَّفِيعُ.
والرَّكْبُ: قالَ ابنُ السِّكِّيتِ: جَمْعُ رَاكِبٍ، وهو صَاحِبُ البَعِيرِ خاصَّةً، ولاَ يَكُونُ الرَّكْبُ إلاَّ أَصْحَابَ الإِبِلِ.
والشَّوْقَبُ: الطَّوِيلُ جدًّا مِنَ الإِبِلِ والرِّجَالِ والنَّعَامِ.
والحُقْبُ: جَمْعُ حَقْبَاءَ، البَيْضَاءُ الحَقْوَيْنِ رَقِيقَتُهُمَا.
119- يَسْحَجْنَ تَسْحِيجَ قِدَاحِ القُضْبِ
120- مُنْصَلِتًا كالأَجْدَلِ المُنْصَبِّ
121- حتّى يَثُوبَ المَالُ بَعْدَ النَّكْبِ
122- مِنْ رِبْحِ بَيْعٍ أوْ يَكُونَ كَسْبِى
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "القَعْبِ".
(2) رواية المشطور فى الدّيوان المطبوع: "ورُبَّمَا زَعْزَعْتُ لَيْلاً رَحْبِى".
السَّحْجُ: الخَبُّ فى السَّيْرِ حتى تُبْرى قوائِمها كما تُبْرى القِداحُ.
123- مِنْ مَلِكٍ أَزْهَرَ غَيْرِ لِصْبِ
124- بَلْجٍ يَحْنُو(1) ضَيْفَهُ بالرُّحْبِ
125- مُتَّسِعِ الذَّرْعِ رَخِىِّ السَّرْبِ
126- بالخَيْرِ يُعْطِى وهْوَ غَيْرُ جَأْبِ(2)
الأَزْهَرُ: القَمَرُ، تقولُ: زَهَرَ يَزْهَرُ زَهْرًا، وهو بِكُلِّ لَوْنٍ أَبْيَضَ، كالدُّرَّةِ الزَّهْرَاءِ.
واللِّصْبُ: البَخِيلُ الضَّيِّقُ.
والرُّحْبُ: السَّعَةُ.
ورَخِىُّ السَّرْبِ: يُرِيدُ الواسِعَ.
والجَأْبُ: الجَافِى الغَلِيظُ.
127- كالمَشْرَفِىِّ المُهَرَاقِ الغَرْبِ
128- ورُبَّمَا عِنْدَ الأُمُورِ النُّصْبِ
129- مَنْجَاتِها(3) وعِنْدَ خَوْفِ الرَّهْبِ(2/149)
130- ثَبَّتَّ نَعْلِى ورَفَعْتَ كَعْبِى
المَشْرَفِىُّ: سَيْفٌ مَنْسُوبٌ إلى مَشَارِفَ، وهى قُرًى مِنْ أَرْضِ العَرَبِ تَدْنُو مِنَ الرِّيفِ، رَوَى ذَلِكَ أبُو عُبَيْدٍ، وقالَ الأَصْبَهَانِىُّ: حَكَاهُ عَنْ أبِى عَمْرٍو الشَّيْبَانِىِّ: المَشْرَفِىُّ مَنْسُوبٌ إلى مَشْرَفٍ، وهو رَجُلٌ كانَ يَعْمَلُهَا.
والمُهَرَاقُ: الهَاءُ مُتَحَرِّكَةٌ لأَنَّهَا لَيْسَتْ بأَصْلِيَّةٍ، إنَّمَا هى بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ أَرَاق، وهَرَقْتُ مِثْلُ أَرَقْتُ، ومَنْ قالَ: أَهْرَقْتُ فهو خَطَأٌ فى القِيَاسِ.
والغَرْبُ: الحَدُّ.
ويقالُ: رَهْبٌ، ورُهْبٌ ورَهْبَةٌ ورَهْبَاءُ: الخَوْفُ، تقولُ: الرَّهْبَاءُ مِنَ اللهِ والرَّغْبَاءُ إِلَيْهِ.
/ 131- فَاجْبُرْ جَنَاحِى يَسْتَقِمْ لِى صُلْبِى
132- ولَيْسَ رِيشٌ رِشْتَهُ بِلَغْبِ
133- واخْتِمْ مِطَالِى بِنَجَازٍ وجْبِ
134- أَشْكُرْ لِنُعْمَاكَ ويَكْرَعْ ثِلْبِى
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "يُحَيِّى".
(2) مقاييس اللغة 1/500.
(3) فى المخطوط: "مَرْحاتِها"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
اللَّغْبُ: أَنْ يُرَاشَ السَّهْمُ بِبَطْنَيْنِ، وهو اللَّغْبُ واللُّغَابُ، فإذَا رِيشَ بِظَهْرٍ وبَطْنٍ فذَلِكَ اللُّؤَامُ، وهو أَشَدُّ وأَجْوَدُ.
وَجْبٌ: وَاجِبٌ.
وتقولُ: كَرِعَ الإِنْسَانُ فى المَاءِ، وهو يَكْرَعُ كُرُوعًا: إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ.
ثِلْبٌ: كِبَرٌ، ويكونُ: أَوْرِدْنِى مَعْرُوفَك حتّى أغْتَمِسَ فِيهِ كَمَا يَكْرَعُ البَعِيرُ فى المَاءِ فَيَغْمِسَ عَثَانِينَهُ.
135- مُنْغَمِسَ (1) العُثْنُونِ فى مَعَبِّ
136- فى غَرِقِ الحَوْضِ رِوَاءِ (2) الشِّرْبِ
137- ومَنْ تَرَجَّى مِنْ نَدَاكَ (3) الخِصْبِ
138- أُسْقِىَ أَنْواءَ(4) الرَّبِيعِ السَّكْبِ
139- وانْكَشَفَتْ عَنْهُ نُحُوسُ الشَّصْبِ(5)
* ... * ... *
__________(2/150)
(1) فى المخطوط: "مُغْتَمِسَ"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(2) فى الدّيوان المطبوع: "رَوِىِّ".
(3) فى الدّيوان المطبوع: "من جَدَاكَ".
(4) فى الدّيوان المطبوع: "بُوقَاتِ".
(5) الشّصْبُ: الشِّدَّةُ والجَدْبُ.
-55-
وقالَ، وكانَ المَنْصُورُ اتَّهَمَ بَنِى تَمِيمٍ أَنَّهُمْ آوَوْا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَلِىٍّ حِين خُلِعَ (1):
1- هَلْ تَعْرِفُ الدّارَ عَفَتْ أَنْدَابُهَا
2- فَهَاجَ شَوْقًا شَائِقًا ذَهَابُهَا
3- فَدَمْعُ عَيْنِى لاَ يَنِى تَسْكَابُهَا
4- ذَكَّرَهَا مِنْ طَرَبٍ أَطْرَابُهَا
عَفَتْ: دَرَسَتْ.
وأَنْدَابُهَا: آثَارُهَا، الوَاحِدُ: نَدَبٌ.
لاَ يَنِى: مِنَ الوَنَى، وهى الفَتْرَةُ، ومِنْهُ التَّوَانِى، وتقولُ: فُلاَنٌ لاَ يَنِى فى أَمْرِه: أى لاَ يَفْتُرُ ولاَ يَعْجَزُ، وقالَ:
* فَمَا وَنَى مُحَمَّدٌ مُذْ أَنْ غَفَرْ *
* لَهُ الإِلَهُ مَا مَضَى ومَا غَبَرْ* (2)
ونَى يَنِى وَنْيًا وَوَنًا، والأَوَّلُ أَجْوَدُ، وتقولُ العَرَبُ: لاَ يَنِى فُلاَنٌ يَفْعَلُ كَذَا وكَذَا: أى لاَ يَزَالُ، وتقولُ: نَاقَةٌ وَانِيَةٌ: إذَا كانَتْ طَلِيحَةً مَعِيبَةً، والفِعْلُ ونَتْ وَنْيًا، لاَ يقالُ إلاَّ هَكَذا.
والطَّرَبُ: ذَهَابُ الحُزْنِ وحُلُولُ الفَرَحِ، طَرِبَ يَطْرَبُ طَرَبًا، وهو طَرِبٌ، والطَّرَبُ: خِفَّةٌ تَعْتَرِى الإِنْسَانَ فى الفَرَحِ والحُزْنِ، وهو مِنَ /الأَضْدَادِ، وقالَ الشَّاعِرُ:
وأُرَانِى طَرِبًا فى إِثْرِهِمْ طَرَبَ الوَالِهِ أو كالمُخْتَبَلْ(3)
5- والبِيضُ حَيْثُ أَرِجَتْ أَطْبَابُهَا
__________
(1) الأرجوزة بالدّيوان المطبوع 20 -23 تحت رقم (8).
- وعبد الله بن علىّ، هو عبد الله بن علىّ بن عبد الله بن العبّاس الهاشمىّ العبّاسىّ (147هـ = 764م): أمير، هو عمّ الخليفة أبى جعفر المنصور، وهو الذى هزم مروان بن محمّد بالزّاب، وتبعه إلى دمشق وفتحها ومهّدها لدخول السّفّاح.(2/151)
(2) الرّجز للعجّاج، وهو فى شرح ديوانه ص8، وبعد المشطورين:
* أَنْ أظْهَرَ الدِّينَ بِهِ حتّى ظَهَرْ *
(3) البيت فى اللّسان (ط ر ب) منسوب للنابغة الجعدى، وهو فى ديوانه 119.
6- ذَكِىَّ مِسْكٍ شَبَهٍ(1) مَلاَبُهَا(2)
7- كَأَنَّهَا مِنْ طُولِ مَا يَنْتَابُهَا
8- إِنْجِيلُ أَحْبَارٍ وَحَى كُتَّابُهَا
أَرِجَتْ: فَاحَتْ، وفُلانٌ طَيِّبُ الأَرَجِ، والأَرِيجَةِ، والنَّشْرَةِ(3)، والعَرَقِ.
والرُّبَا، والأَطْبَابُ: طَرَائِقُ مِنْ رَمْلٍ، الواحِدَة: طِبَّةٌ وطِبَابَةٌ.
وشَبَه: رفع ريحه.
ويَنْتَابُهَا: يَعْنِى مِنَ الرِّيَاحِ والمَطَرِ.
ووَحَى: كَتَبَ، شَبَّهَ آثَارَ الدِّيَارِ بِهَا.
9- وقَدْ تُرَى مُؤْتَلِفًا أَتْرَابُهَا
10- أَزْمَانَ أَرْوَى رُؤْدَةٌ شَبَابُهَا
11- مَهَاةُ حُسْنٍ عَذْبَةٌ عِذَابُهَا(4)
12- يُلْقَى بِعِطْفَىْ شَارِبٍ (5) أَخْطَابُهَا
الأَتْرَابُ: واحِدُهَا تِرْبٌ، وهو الشِّبْهُ، هذه تِرْبُ هذه، وقَوْلُ اللهِ جَلَّ وعَزَّ: { عُرُبًا أَتْرَابًا } (6)، أى نشاطا(7) أَمْثَالاً، وتقولُ: هُمَا تِرْبَانِ.
والرَّؤُودَةُ: الجَارِيَةُ أَرْطَبُ ما يكونُ وأَرْخَصُ، والواحِدَةُ: رَؤُودَةٌ ورُؤْدٌ.
والمَهَا: إنَاثُ بَقَرِ الوَحْشِ، والولاّدَة مِنْها [والمَهَا](8) مَقْصُورٌ: البِلَّوْرُ، والقِطْعَةُ مِنْهَا مَهَاةٌ، وقالَ بَعْضُهُم: الدُّرُّ، وأَنْشَدَ لبَعْضِ القُرَشِيِّينَ:
وهُمْ لِعَمْرِكَ فى الهيَاجِ إذَا غَدَوْا أَبْهَى وأَحْسَنُ مِنْ مَهَا الأَصْدَافِ
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "شَيَهٍ" بالياء.
(2) المَلاَبُ: ضَرْبٌ من الطِّيب، فارسىّ. وقيل: الزَّعْفَرانُ.
(3) النَّشْرُ: الرِّيحُ.
(4) رواية الدّيوان المطبوع: "مَهَاةٌ خُنْسٍ عَذْبَةٌ رُضَابُهَا".
(5) فى الدّيوان المطبوع: "بعِطْفَىْ شارِعٍ".
(6) الواقعة، الآية 37.(2/152)
(7) هكذا فى المخطوط، وفى اللسان (ع ر ب): "العَرِبَةُ والعَرُوب كلتاهما: المرأة الضّحّاكة، وقيل: هى المتحبِّبة إلى زَوْجِها".
(8) بياض بالمخطوط، وما بين الحاصرتين أثبتناه من اللسان (م هـ ا).
والمَهَاءُ ممدُودٌ: عَيْبٌ وأَوْدٌ يكونُ فى القِدْحِ، وقالَ:
يُقِيمُ مَهَاءَهُنَّ بإصْبَعَيْهِ(1)
والعِذَابُ: الأَسْنَانُ، ويُرْوَى: بِعِطْفَىْ شارِعٍ، وهو مَوْضِعٌ.
وعِطْفَاهُ: جَانِبَاهُ.
وأَخْطَابُهَا: جَمَاعَةُ خِطْبٍ، وهو الخَاطِبُ، يُقالُ للخَاطِبِ: خِطْبٌ، وللمَرْأَةِ المَخْطُوبَةِ: خِطْبٌ، يُرِيدُ أَنَّهَا مَصُونَةٌ.
13- مَزْؤُودَةٌ لاَ يَنْجَلِى غُرَابُها(2)
14- فَقَدْ مَضَى مِنْ حِجَجٍ أَحْقَابُهَا
15- وبَلْدَةٍ مُغْبَرَّةٍ أَقْرَابُهَا
16- لَمَّاعَةٍ مَوْصُولَةٍ سِهَابُهَا
/ الأَحْقَابُ: الوَاحِدُ حُقْبٌ، ويُجْمَعُ أَيْضًا على أَحْقِبَةٍ، والحُقْبُ والحُقُبُ: ثَمانُونَ سَنَةً، والجَمِيعُ: الأَحْقَابُ، قالَ اللهُ تَعَالَى: { لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا } (3)، قالَ الأَعْشَى:
بَنَاهُ سُلَيْمَانُ بنُ دَاودَ حِقْبَةً لَهُ أَزَجٌ عَالٍ وَطَىٌّ مُوَثَّقُ(4)
وأَقْرَابُهَا: نَوَاحِيهَا. ...
واللَّمَّاعَةُ: يَعْنِى السَّرَابَ.
وسِهَابٌ: جَمْعُ سَهْبٍ، وهو ما اتَّسَعَ وبَعُدَ.
17- بِأَرْضِ حَرٍّ قَذَفٍ يَبَابُهَا
18- يَجْرِى بِضَحْضَاحِ الضُّحَى سَرَابُهَا
19- إذَا عَلاَهَا(5) اطَّرَدَتْ حِدَابُها
20- تَعْوِى بِسِقْطَىْ مُقْفَرٍ ذِئَابُهَا
يقالُ: سَبْسَبٌ قَذُوفٌ، وبَلْدَةٌ قَذَفٌ وقَذُوفٌ، أى بَعِيدَةٌ تَقْذِفُ بِمَنْ يَسْلُكُهَا.
__________
(1) اللسان (م هـ ا).
(2) رواية المخطوط: "مَؤونَةٌ لا يَنْجَلِى عَذَابُها"، وما أثبتناه رواية الدّيوان المطبوع.
(3) النّبأ، الآية 23.
(4) ديوانه/217.
(5) فى الدّيوان المطبوع: "إذا عُلاَهُ".(2/153)
والضَّحْضَاحُ مِنَ المَاءِ: ما لاَ غَرْفَ فيه إلاّ غَمْرٌ(1)، ويقالُ: بَلِ الضَّحْضَاحُ: المَاءُ إلى الكَعْبَيْنِ وإلى أَنْضَادِ(2) السُّوقِ.
والضَّحْضَحَةُ، والتَّضَحْضُحُ: جَرْىُ السَّرَابِ، وفى الحَديثِ: "إنَّ فُلاَنًا فى ضَحْضاحٍ مِنْ نَارٍ"، وهو حَدِيثُ أَبِى طَالِبٍ، قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ إنَّ عَمَّكَ أبَا طَالِبٍ كانَ يَقْتُلُ ويَحْمِيكَ، فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ؟ فقالَ: "أَجَلْ، إنَّهُ فى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، ولَوْلاَ ذَاكَ كانَ فى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ"(3)، شَبَّهَ رُؤْيَةَ السَّرَابِ بالمَاءِ الرَّقِيقِ المُطَّرِدِ.
والحِدَابُ: النُّشُورُ.
وسِقْطَا الرَّمْلِ: مَسْقَطَاهُ.
21- يَحْبُو بِحَابٍ ضَفِرٍ أَصْلاَبُهَا (4)
22- إلَى نِعَافٍ جُنَّحٍ أَنْصَابُهَا
23- تَعَسَّفَتْهَا قُلُصٌ تَجْتَابُهَا
24- إلى دِفَانٍ(5) سُدُمٍ أَشْرَابُهَا
تَحْبُو: تَدْنُو وتَرْتَفِعُ.
والحَابِى مِنَ الرَّمْلِ: ما ارْتَفَعَ.
والضَّفِرُ مِنْه: المُتَرَاكِمُ.
وأَصْلاَبُهَا: مُتُونُهَا.
ونِعَافُ الجَبَلِ: ما انْحَدَرَ عَنِ السَّفْحِ وارْتَفَعَ عَنِ المَسِيلِ.
وجُنَّحٌ: مَوَائِلُ.
وأَنْصَابُهَا: أَعْلاَمُهَا.
__________
(1) هكذا فى المخطوط. وفى اللّسان: "الضَّحْضَاحُ من الماءِ: ما لاَ غَرَقَ فيه ولا له غَمْرٌ".
(2) هكذا فى المخطوط بالضّاد والدّال، وفى اللّسان: "أنصاف" بالصّاد والفاء.
(3) رواية الحديث فى صحيح مسلم 1/195ط. الحلبى: "أنّ العبّاس بن عبد المطلب قال: يا رسول الله، هل نَفعْت أبا طالب بشىء، فإنّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم هو فى ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان فى الدَّرك الأسفل من النار".
(4) فى المخطوط: "تَحْبُو لِحَابٍ صَفِرٍ أَصْلابُها"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(5) فى المخطوط: "دِفافٍ" بالفاء، والمثبت من الدّيوان المطبوع ويتّفق مع الشّرح.(2/154)
والتَّعَسُّفُ: رُكُوبُ الأَمْرِ مِنْ غَيْرِ تَدْبِيرٍ، ورُكُوبُ المَفَازَةِ /مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ:
قَدْ أَعْسِفُ النّازِحَ المَجْهولَ مَعْسِفُهُ فِى ظِلِّ أَعْسَفَ يَدْعُو هَامَهُ البُومُ(1)
والقُلُصُ: الوَاحِدُ قَلُوصٌ، وهى الأُنْثَى مِنَ الإِبِلِ والنَّعَامِ.
وتَجْتَابُهَا: تَقْلَعُهَا.
والدِّفَانُ: المِيَاهُ المُنْدَفِنَةُ، وكذَلِكَ الأَسْدَامُ.
والأَشْرَابُ: جَمْعُ شِرْبٍ، وهو المَاءُ بِعَيْنِهِ.
25- عَلَيْهِ مِنْ رِيشِ القَطَا أزْغَابُهَا
26- إذَا المَهَارِى دَمِيَتْ أَنْقَابُهَا
27- فى سُبُلٍ ضَحَّاكَةٍ نِقَابُهَا
28- وقَدْ يُلِدُّ رَائِدًا جَنَابُهَا(2)
29- يَحْلِى بِنَضَّاحِ النَّدَى أَعْشَابُهَا
30- تَرَاوَحَتْهَا خُلَّجٌ أَهْوَابُهَا
أَزْغَابُهَا: جَمْعُ زَغَبٍ، وهو صِغَارُ الرِّيشِ الذى لاَ يَجُودُ، تقولُ: رَجُلٌ زَغِبُ الشَّعَرِ، ورَقَبَةٌ زَغْبَاءُ.
والزَّغَبُ: ما يَعْلُو رِيشَ الفَرْخِ، والزُّغَابَةُ: أَصْغَرُ الزَّغَبِ، تقولُ: ما أَصَبْتُ مِنْ فُلاَنٍ زُغَابَةً، وتقولُ: زَغَّبَ الفَرْخُ تَزْغِيبًا.
والأَنْقَابُ: جَمْعُ نَقْبٍ، وقَدْ نَقِبَ الخُفُّ، وهو يَنْقَبُ نَقَبًا: إذَا تَخَرَّقَ، وكَذَلِك خُفُّ فِرْسِنِ البَعِيرِ، فهو نَقِبٌ.
وضَحَّاكَةٌ: يقالُ: طَرِيقٌ ضَحَّاكٌ ونَهَّامٌ ووَضَّاحٌ: إذا كانَ بَيِّنًا.
ونِقَابُهَا: الواحِدُ نَقْبٌ ونُقْبٌ، وهو طَرِيقٌ ظَاهِرٌ على رُؤوسِ جِبَالٍ فى(3)، أو دَوَابّ لاَ تَزُوغُ علَى الأَبْصَارِ، وهو المَنْقَبَةُ.
وجَنَابُ القَوْمِ: فِناؤُهم.
والجِنابُ: المُجَانَبَةُ.
والنَّضْحُ: الرَّشُّ.
__________
(1) اللّسان (ع س ف)، ورواية عجز البيت: "فى ظِلِّ أَغْضَفَ..".
(2) غير مقروء فى المخطوط، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(3) بياض بالمخطوط.(2/155)
والأَعْشَابُ:جَمْعُ عُشْبٍ، وهو الكَلأُ الرَّطْبُ، وهو سَرَعَانُ الكَلأِ فى الرَّبِيعِ، ثُمَّ يَهِيجُ ولاَ بَقَاءَ لَهُ.
وتَرَاوَحَتْهَا: تَدَاوَلَتْهَا الأَمْطَارُ مَرَّةً هذا ومَرَّةً هذا.
والرَّوَاحُ: العَشِىُّ.
والأَهْوَابُ: جَمْعُ هَوْبٍ، وهى الرِّيحُ.
واخْتِلاَجُهَا: إِقْبَالُهَا وإِدْبَارُهَا.
/ 31- فَلاَ تَنِى سَارِيَةٌ تَنْتَابُهَا
32- وغَادِيَاتٌ سُحَّجٌ أَهْبَابُهَا
33- ودَجْنُ غَيْنٍ حَرِجٍ ذِهَابُهَا
34- يَنْهَضُ مِنْ عَوْرَتِهِ سَحَابُهَا
فَلاَ تَنِى: أى تَفْتُرُ.
والسَّارِيَةُ: السّحَابَةُ، وهوَ ما سَرَى عَلَيْهَا لَيْلاً.
والغَادِيَاتُ نَهارًا.
والسُّحَّجُ: التى تَسْحَجُ آثارَهَا مِنَ الرِّيحِ ووُجُوهَهَا.
وأَهْبَابُها: جَمْعُ هَبُوبٍ.
والدَّجْنُ: إِلْبَاسُ الغَيْمِ.
وغَيْنُ السَّحَابِ: مِمَّا يَلِى المَغْرِبَ.
والذِّهَابُ: اسْمٌ للمَطَرِ قَلِيلُهُ وكَثِيرُهُ، والمَطَرُ الجَوْدُ يقالُ لَهُ: الذِّهْبَةُ.
35- تَبْرَقُ حِينَ يَسْتَوِى رَبَابُهَا
36- مِنْ حَوْمِ غَيْنٍِ سَرِبٍ أَسْرَابُهَا
37- فى دِيَمٍ تَسَاقَطَتْ أَهْدَابُهَا
38- وقَدْ تَرَى حَيًّا (1) رُكَامًا لاَبُهَا
الرَّبَابُ: الذى تَرَاهُ كَأَنَّهُ دُونَ السَّحَابِ، وهو المُتَكَاثِفُ.
والحَوْمُ: مُعْظَمُ السَّحَابِ.
والسَّرِبُ: السَّائِلُ.
وأَسْرَابُهَا: مَخَارِجُ مَطَرِهَا.
والغَيْنُ: غَيْنُ السَّحَابِ.
والدِّيمَةُ: مَطَرٌ تمكُثُ اليَوْمَ والأَيَّامَ على شَىءٍ واحِدٍ.
وأَهْدَابُ السَّحَابِ: ما دَنَا مِنَ الأَرْضِ.
والرُّكَامُ: الكَثِيرُ.
والَّلابُ: جَمْعُ لاَبَةٍ، وهى الحَرَّةُ، فَشَبَّهَ الإِبِلَ فى كَثْرَتِهَا بِهَا.
... ... 39- بِهَا وأَنْضَادًا رَسَتْ هِضَابُهَا
40- والخَيْلُ تَعْدُو القَفَزَى عِرَابُهَا
41- بِأُسْدِ غَابٍ يُتَّقَى تَوْثَابُهَا
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "حَرًّا".(2/156)
42- تَضْبِرُ حِينَ تُبْتَلَى (1) ضِرَابُهَا
الأَنْضَادُ: الأَشْرَافُ.
وهِضَابٌ: جِبَالٌ، يُرِيدُ حلّت أنْسَابها.
والجَمَزَى، والوَثَبَى، والوَلَقَى: مِنَ السُّرْعَةِ.
والمَرَطَى، والخَيْزَلَى: التَّثَنِّى فى المَشْىِ، يقالُ: خَيْزَلَى وخَوْزَلَى. والهَيْدَبَى: السَّرِيعُ.
والهِرْبَذَى: الاخْتِيَالُ فى المَشْىِ.
والغَابُ: جَمْعُ غَابَةٍ، وهى مِثْلُ الأَجَمَةِ.
والضَّبْرُ: الوَثْبُ.
وتُبْتَلَى: تُخْتَبَرُ.
/ 43- فى أَجَمٍ مِنَ الرِّمَاحِ غَابُهَا
44- وقُلْتُ حِدًّا يَرْتَمِى إِعْتَابُها(2)
45- فى كُلِّ نَحْوٍ تَنْتَحِى (3) جَوَابُهَا
46- إذَا القَوَافِى أَسْمَحَ اقْتِضَابُهَا
الآجَامُ: الحُصُونُ، واحِدُهَا: أُجُمٌ.
والحِدُّ: الحِقَافُ، أَرادَ قَوافِىَ ماضِيَةً.
وإِعْتَابُهَا: بَقَاؤُهَا. ...
وتَنْتَحِى: تَقْصِدُ وتَعْمِدُ.
واقْتِضَابُ الشِّعْرِ، كَاقْتِضَابِ الإِبِلِ، وهو أنْ يُقْتَضَبَ البَعِيرُ صَهْبًا لِيُرَاضَ حتّى يَذِلَّ.
47- سَامَحَ أوْ يَنْتَحِبُ انْتِحَابُهَا
48- مِنْ نُجُبٍ غَادِيَّةٍ أَحْسَابُهَا
49- وغَارَةٍ مُسْتَوْعِبٍ إيعَابُهَا
50- فى فِتْنَةٍ يَلْتَهِبُ الْتِهَابُهَا
قَوْلُهُ: وغَارَةٍ مُسْتَوْعِبٍ: يُرِيدُ أَنَّهَا شَمِلَتِ النَّاسَ، إذَا بالَغَ الأَسَدُ فى الشَّىءِ فقَدِ اسْتَوْعَبَهُ.
51- شَهْبَاءَ فى مُسْتَوْقِدٍ شِهَابُهَا
52- تَحْمِى إذَا تَحَزَّبَتْ أَحْزَابُهَا
53- قُمْنَا بِهَا حتّى خَبَا أَجْلاَبُهَا
54- واجْتَحَرَتْ مِنْ خَوْفِنَا أَحْضَابُهَا
تَحَزَّبَ القَوْمُ: إذا اجْتَمَعُوا فَصَارُوا أَحْزَابًا، وحَزَّبَ فُلانٌ أَحْزَابًا: إذَا جَمَعَهُم، وقالَ العَجَّاجُ:
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "يُبْتَلَى".
(2) رواية المشطور فى الدّيوان المطبوع: "وقُلْتُ جِدًّا يَرْتَمِى إعْتَابُهَا".
(3) فى الدّيوان المطبوع: "يَنْتَحِى".(2/157)
* لَقَدْ وَجَدْتُ مُصْعَبًا مُسْتَصْعَبَا *
* حِينَ رَمَى الأَحْزَابَ والمُحَزَّبَا * (1)
وخَبَا: سَكَنَ.
وأَجْلاَبُهَا: يُرِيدُ غلبنا مِنَ الجَلَبَةِ والتكْثِير.
واجْتَحَرَتْ: دَخَلَتِ الجِحَرَةَ.
والأَحْضَابُ: الحَيَّاتُ، واحِدُهَا: حَِضْبٌ.
55- وطَارَ فى طَيَّارِهِ ضَبَابُهَا
56- عَنَّا وقَدْ أَرْهَبَهَا إِرْهَابُهَا
57- وقَدْ عَلِمْنَا أَنَّنَا أَصْحَابُهَا
58- لَمَّا عَوَتْ مِنْ كَلَبٍ كِلاَبُهَا
الضَّبَابُ: كالغَمَامِ يَغْشَى الأَرْضَ بالغَداةِ، وتقولُ: أَضَبَّتِ السَّمَاءُ، وسَمَاءٌ مُضِبَّةٌ، وأَضَبَّ يَوْمُنَا، ويَوْمٌ مُضِبٌّ.
وأَرْهَبَهَا: أى أَخَافَهَا.
/ 59- كَانَ عَلَيْنَا بالشَّبَا عِقَابُهَا
60- وحُسَّدٌ لَمْ يَنْكِنَا تَكْذَابُهَا
61- إنَّ تَمِيمًا بَرِئَتْ عِتَابُهَا
62- مِنْ كُلِّ عَيْبٍ مُعْتَبٍ أَعْيَابُهَا
شَبَاةُ كُلِّ شَىءٍ: حَدُّهُ، أرادَ الأَسِنَّةَ والسّيُوفَ.
ويَنْكِنَا: يُعادِلُ مَكانَنا فى العِزّ، ونكأ، ونَكَيْتُ نِكَايَةً، ونَكَأْتُ الجُرْحَ والقَرْحَةَ أَنْكؤُها: إذا قَرَفْتَهَا وقَشَرْتَهَا بَعْدَمَا كادَتْ تَبْرَأُ، وقال: أخت عبد المسيح نَكَأَتْ منِّى يوم باعوث قَرْحَةً.
والعِتَابُ: جَمْعُ عَتَبَةٍ.
وعَيْبَةُ الرَّجُلِ: مَوْضِعُ سِرِّهِ، وفى حَدِيثِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: "الأَنْصَارُ عِيالِى وكَرِشِى".
والكَرِشُ: العَدَدُ الكَثِيرُ.
نِصَابُ كُلِّ شَىءٍ: أَصْلُهُ، مَرْجِعُهُ الذى يَرْجِعُ إلَيْهِ، تقولُ: رَجَعَ إلى مُرَكَّبِهِ ومَنْصِبِه، ومَنْصِبُ الرَّجُلِ: مُرَكَّبُهُ فى قَومِهِ، وأَصْلُ مَنْبِتِهِ وحَسَبِهِ.
ومَآبُهَا: مَرْجِعُهَا.
73- خَلِيفَةُ اللهِ الذى إجْلاَبُهَا
__________
(1) اللسان (ح ز ب)، وشرح ديوان العجّاج ص94، ورواية المشطورين فيه:
* لَقَدْ وجَدْتُمْ مُصْعَبًا مُسْتَصْعَبَا *(2/158)
* حين رَمَى الأَحْزابَ والمُحَزِّبَا *
74- إلَيْهِ حِينَ يَرْتَمِى عُبَابُهَا
75- أوْ حَفَشَتْ مِنْ ثَغَبٍ ثِغَابُهَا(1)
76- بالسَّيْلِ حتّى اسْتَجْمَعَتْ رِغَابُهَا(2)
إجْلاَبُهَا: اجْتِمَاعُهَا.
وعُبَابُهَا: شَبَّهَ كَثْرَتَهُمْ بِعبَابِ البَحْرِ، وهو أَمْوَاجُهُ.
/ وحَفَشَتْ: سَالَتْ.
والثَّغَبُ: المَسَايِلُ.
والرِّغَابُ: المَمْلُوءُ، ورَغَبْتُ الوَادِى والحَوْضَ: إذَا مَلأْتَهُ.
77- دَوَالِقًا يَنْثَعِبُ انْثِعَابُهَا
78- إلى جَبًى وَاسِعَةٍ رِحَابُهَا
79- تَسْقِى وتُسْقَى الدِّفِقَى ذِنَابُهَا
80- كَمْ مِنْ عِدًى مَذْرُوبَةٍ أَذْرَابُهَا
الدَّوَالِقُ: السَّوَائِلُ السَّرَائِعُ، يقالُ: سَيْفٌ دالِقٌ: إذَا كانَ سَرِيعَ السَّلَّةِ.
والانْثِعَابُ: السَّيَلاَنُ، كانْثِعَابِ الدَّمِ مِنَ الأَنْفِ، ومِنْهُ اشْتُقَّ مَثْعَبُ المَطَرِ، وتقولُ: ثَعَبَ المَاءُ، وأَنَا أَثْعبُهُ ثَعْبًا: إذا فَجَّرْتَه فَانْثَعَبَ.
والجَبَى: مَحْفرُ البِئْرِ تَراهُ مِنْ بَعِيدٍ، تقولُ: أَرَى جَبَى حَوْضٍ، وجَبَى بِئْرٍ.
والجِبَى بِكَسْرِ الجِيمِ: ما جَمَعْتَ فى الجُبَى مِنَ المَاءِ، ويقالُ لَهُ أَيْضًا: جَبْوَةٌ وجِبَاوَةٌ.
والدِّفِقَى: السَّرِيعُ الانْصِبَابِ، وهوَ الكَثْرَةُ والسَّعَةُ مِنَ التَّدَفُّقِ.
وذِنَابُهَا: دِلاَؤُهَا، واحِدُهَا: ذَنُوبٌ.
وأَذْرَابُهَا: مَنَاكِرُهَا وحُسَّادُهَا، رَجُلٌ ذَرِبٌ: إذا كانَ دَاهِيًا مُنْكِرًا.
ومَذْرُوبَةٌ: مُحَدَّدَةٌ.
81- إذَا القُرُومُ اصْطَخَبَ اصْطِخَابُهَا
82- وأَصْلَقَتْ مِنْ حَرَدٍ أَنْيَابُهَا
83- أَسْكَتَ خَوْفَ رَدِّنَا قَبْقَابُهَا
84- وإنْ تَمِيمٌ بَذِخَتْ صِعَابُهَا
__________
(1) فى المخطوط: ".. من سَغَبٍ سِغَابُهَا" بالسّين، والصّحيح ما أثبتناه من الدِّيوان المطبوع.
(2) فى المخطوط: "رِعَابُهَا" بالعين المهملة، والمثبت من الدّيوان المطبوع.(2/159)
القُرُومُ: الفُحُولُ المُصْعَبَةُ التى قَدْ أُقْرِمَتْ، أى تُرِكَتْ حتّى اسْتَقْرَمَتْ، أى صَارَتْ مُقْرَمَةً، أى مُكْرَمَةٌ لاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَىءٌ، أى تُتْرَكُ للفِحْلَةِ.
والاصْطِخَابُ: لُجَّةُ أصْوَاتِهَا واصْطِفَاقُهُ عِنْدَ الهيَاجِ.
وأَصْلَقَتْ: يقالُ: أَصْلَقَ الفَحْلُ بأَنْيَابِهِ يُصْلِقُ إِصْلاَقًا: إذا ضَرَبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ مِنَ الحَرَدِ، وهو الغَيْظُ وعِزَّةُ النَّفْسِ.
وأَسْكَتَ: سَكَتَ، بِمَعْنًى واحِدٍ.
وقَبْقَابُهَا: قَرْعُهَا /أنْيَابَهَا، والقَبْقَابُ أَيْضًا: الهَدِيرُ.
85- أَذَلَّ أَعْنَاقَ العِدَا جِذَابُهَا (1)
86- بالحَصْدِ أوْ مُخْتَنِقٍ سِآبُهَا
87- وكَسْرُهَا الأَعْنَاقَ واعْتِصَابُهَا
88- غَرْسًا وهَرْسًا مَعِكًا جِرَابُهَا
جِذَابُهَا: مَحارِمُها.
والحَصْدُ: القَيْدُ واللَّىُّ.
والسِّآبُ، والسَّأْبُ جَمِيعًا: الخَنْقُ، سَأَبَهُ، وسَأَتَهُ.
والغَرْسُ أيضًا: القَيْدُ، وغَرَسْتُ البَعِيرَ أَغْرِسُهُ غَرْسًا: وهو أنْ تَشُدَّ عُنُقَهُ مَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا وهو بارِكٌ.
والهَرْسُ: الدَّقُّ.
والجِرَابُ: جَمَاعَةُ أَجْرَبَ.
89- يَنْفَلُّ مِنْ قَارِفِهَا ذِنَابُهَا(2)
90- وعَلِمَتْ(3) فى نَائِبٍ يَنْتَابُهَا
91- وأُمَّةٍ تَحَزَّبَتْ أَحْزَابُهَا
92- مِنْ سَاسَةِ النّاسِ ومَنْ أَرْبَابُهَا
القَرْفُ: مِنَ الذَّنْبِ والجُرْمِ، ويُقْرَفُ بِسُوءٍ: يُرْمَى بِهِ ويُظَنُّ، وهو يَقْتَرِفُ جُبْنًا: أى يأتِيهِ ويَفْعَلُهُ، وتقولُ: فُلانٌ قَرَفَنِى، وهؤلاَءِ جَمِيعًا قَرَفَنِى: أى بِهِم أَظُنُّ، وعِنْدَهُمْ أَظُنُّ بُغْيَتِى وطِلْبَتِى.
__________
(1) فى المخطوط: "حِدَابُها" بالحاء والدّال المهملتين، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(2) فى المخطوط: "ذِيَابُها" بالياء، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(3) فى الدّيوان المطبوع: "وغَلَبَتْ".(2/160)
والسَّائِسُ: الوَالِى يسُوسُ رَعِيَّتَهُ وأَمْرَهُمْ.
وأَرْبَابُهَا: مُلاَّكُهَا، وكُلُّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا فهو رَبُّهُ، رَبُّ الدَّارِ، ورَبَّةُ البَيْتِ.
/ الطُّنْبُ: حَبْلُ الخِبَاءِ والسُّرَادِقِ ونَحْوِهِما.
والخَالِدَاتُ: الحِجَارَةُ والجِبَالُ.
والرُّسَّبُ، والرُّسُوبُ: وهو الذَّهَابُ فى المَاءِ بِبُعْدٍ، رَسَبَ يَرْسُبُ.
والشَّغْبُ: مِنَ الشَّغَبِ، وهوَ تَهْيِيجُ الشَّرِّ.
وخَفَقَتْ: مِنَ الخَفْقِ، وهو اضْطِرَابُ الشَّىءِ العَرِيضِ، تقولُ: رَأَيْنَاهُمْ وأَعْلاَمُهُمْ تَخْفِقُ، وتُسَمَّى الأَعْلاَمُ: خَوَافِقُ.
والحَصِدُ: المُحْكَمُ الفَتْلِ والصَّنْعَةِ مِنَ الجِبَالِ والأَوتَارِ والدُّرُوعِ.
والعُقَابُ: العَلَمُ، والضَّخْمُ، تَشْبِيهًا بالعُقَابِ الطَّائِرِ.
107- إذَا الأُمُورُ عَلِمَتْ أَطْبَابُهَا
108- وطَاحَ عَنْ مُصْدَقِنَا تَكْذَابُهَا
109- وإِنْ جَرَى فى غِيَّةٍ آلاَبُهَا
110- لَمْ نضعف (1) حتّى رَجَعَتْ أَلْبَابُهَا
أَطْبَابُهَا: جَمَاعَةُ طَبٍّ، وهو العَالِمُ الرَّفِيقُ.
والطَّائِحُ: الهَالِكُ المُشْرِفُ على الهَلاَكِ، وكُلُّ شَىءٍ ذَهَبَ وفَنِىَ فقَدْ طَاحَ يَطِيحُ طَيْحًا، وطَوْحًا، لُغَتَانِ، وتقولُ: قَدْ طَوَّحُوا بفُلاَنٍ، وطَيَّحُوا: إذَا حَمَلُوهُ علَى رُكُوبِ مَفَازَةٍ يَخَافُ هَلاَكَهُ فِيهَا.
111- وإِنْ عُصِينَا كَبَّهَا كَبَابُهَا
112- وتَلَّهَا فى تِبَّةٍ تَبَابُهَا
113- والحَرْبُ حِينَ يَلْتَقِى آشَابُهَا
114- وسَمُّها (2) شَعْشَاعُهُ لُعَابُهَا
تقولُ: كَبَبْتُ فُلانًا لِوَجْهِهِ فانْكَبَّ، وكَبَبْتُ القَصْعَةَ: أى قَلَبْتَهَا على وَجْهِهَا.
وتَلَّهَا: صَرَعَهَا.
والتَّبَابُ: الخَسَارَةُ.
والتِّبَّةُ: الحَسْرَةُ.
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "لم نَغْوِ".
(2) فى المخطوط: "والسَّمُّ"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.(2/161)
والآشَابُ: جَماعَةُ أَشَبٍ، وهو شِدَّةُ التِفَافِ القَوْمِ والشَّجَرِ حتى لاَ مَجَازَ فِيهِ، وغَيْضَةٌ أَشِبَةٌ.
115- تَزِلُّ عَنْ هَضْبَتِنَا سِقَابُهَا(1)
116- وعَنْ جِبالٍ صَعْبَةٍ شِقَابُهَا
سِقَابُهَا: مَعَاوِلُ.
وشِقَابُهَا: جَمْعُ شَقْبٍ، وهو الشِّعْبُ فى الجَبَلِ، غِيرَانٌ تكُونُ فى لُهُوبِها ولُصُوبِ الأَوْدِيَةِ تُوكِرُ فِيهَا الطَّيْرُ، وقالَ:
* وصَبَّحْتُ والطَّيْرُ فى شِقَابِهَا *
* جُمَّةَ طَيَّارٍ /إذا طَمَا بِهَا *(2)
* ... * ... *
__________
(1) فى الدّيوان المطبوع: "شِعَابُهَا".
(2) اللّسان والتاج (ش ق ب) برواية:
* فَصَبَّحَتْ والطَّيْرُ فِى شِقَابِهَا *
* جُمَّةَ تَيّارٍ إذا ظَمَا بِهَا *
-56-
وقالَ فى مَدْحِ تَمِيمٍ فى أَيَّامِ العَصَبِيَّةِ قَبْلَ دَوْلَةِ السُّودَان (1):
1- هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كَرَسِّ الأَسْقَامْ
2- ومَنْزِلٍ بَالٍ كَخَطِّ الأَقْلاَمْ
3- والدَّهْرُ يَهْوِى بالفَتَى فى أَسْوَامْ
4- إلَى تَقَضِّى أَجَلٍ أوْ إِهْرَامْ
يقالُ: أَخَذَهُ رَسُّ الحُمَّى ورَسِيسُهَا، وذَلِكَ حِينَ تَبْدَأُ.
وسَوْمُ الدَّهْرِ: حربُه وتَصَرُّفُهُ.
5- ومِنْ عَنَاءِ المَرْءِ طُولُ التَّهْيَامْ
6- وبَلْدَةٍ فى ضَاحِلٍ وأَقْتَامْ(2)
7- عَلَى هَوَادِيهَا أُرُومُ الآرَامْ
8- خَوْصَاءَ تَرْمِى رَكْبَهَا بالأَجْرَامْ
هَوَادِيهَا: أَوَائِلُهَا.
والأُرُومُ: الأَعْلاَمُ، وكذَلِكَ الآرَامُ.
والتَّهْيَامُ: التَّحَيُّرُ.
والضَّاحِلُ: السَّرَابُ، شَبَّهَهُ بالمَاءِ.
والضَّحْلُ: الرَّقِيقُ.
والخَوْصَاءُ: يُرِيدُ الحَارَّةَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ظَهِيرَةٌ خَوْصَاءُ: أى أَشَدُّ الظَّهَائِرِ حَرًّا، لاَ تَقْدِرُ أَنْ تُحِدَّ طَرْفَكَ إلاَّ مُتَخَاوِصًا، قالَ الشَّاعِرُ:
حِينَ لاَحَ الظَّهِيرَةُ الخَوْصَاءُ (3)
والأَجْرَامُ: الأَجْسَامُ.
ويقالُ: الخَوْصَاءُ: الغَائِرَةُ المَاءِ.(2/162)
9- بَيْنَ البَيَادِى مِنْ صَدَاهَا الهَيَّامْ
10- مِنْ صَائِحِ الهَامِ وبُومِ الأَبْوَامْ
11- بَادَرْتُ وِرْدًا مِنْ قَطَاهِا النّأّمْ
12- إلى مُحِيلاَتِ المَسَاقِى أَسْدَامْ
بَيْنَ البَيَادِى: يَعْنِى صَوْتَ الصَّدَى والعير ثمّ الذّكَرُ مِنَ الهَامِ.
__________
(1) الأرجوزة بالدّيوان المطبوع 136 – 139 تحت رقم (49).
(2) أَقْتَام: سَوَادٌ.
(3) اللّسان والتاج (خ وص) غير منسوب.
والصَّدَى: الدِّمَاغُ نَفْسُهُ، ويقالُ: بَلْ هوَ المَوْضِعُ الذى جُعِلَ فيه السَّمْعُ مِنَ الدِّماغِ، ولذَلِكَ تقولُ العَرَبُ: أَصَمَّ اللهُ صَدَى فُلاَنٍ، ويقالُ: بَلْ هو أَصَمَّ اللهُ صَدَاهُ، مِنْ صَدَى الصَّوْتِ، كقَوْلِ الشَّاعِرِ فى وَصْفِ الدِّيَارِ التى لاَ تُكَلِّمُ ولاَ /تُجِيبُ، ولاَ يُسْمَعُ لَهَا صَدًى:
صَمَّ صَدَاهَا وعَفَا رَسْمُهَا واسْتعْجَمَتْ عَنْ مَنْطِقِ السَّائِلِ(1)
وقالَ العَجَّاجُ فِيمَنْ يقولُ الصَّدَى: الدِّمَاغُ:
*لِهَامِهِم أَرُضُّهُ ، وأَنْقَخُ*
*أُمَّ الصَّدَى عَنِ الصَّدَى وأَصْمَخُ*(2)
والهَيَّامُ: الذى يهيمُهُمْ.
والوِرْدُ: العَطَشُ هاهُنا، والوِرْدُ: المَاءُ بِعَيْنهِ.
والنَّأّمُ: الذى يَنِمُّ، ونَئِيمُهُ: أَصْوَاتُهُ.
والمُحِيلاَتُ: التى قَدْ أَتَتْ عَلَيْها أَحْوَالٌ لاَ تُورَدُ.
وأسْدَامٌ: دَوَانٍ.
13- مِنْ دَاثِرٍ دَفْنٍ ومِنْ دَاوٍ طَامْ
14- يَصْدُرْنَ فى عَارِى المَعَارِى نَهَّامْ
15- بقُلُصٍ يَصْدُعْنَ بَيْنَ الأَوْجَامْ
16- ضَرْحَ المَعَالِى عَنْ قِيَاسِ الأَنْشَامْ
الدّاثِرُ: الدَّارِسُ.
والدَّاوِى: ما رَكِبَتْهُ الدَّاوِيَةُ، وهى كالجُلَيْدَةِ تَرْكَبُ المَاءَ مِنْ طُولِ أُجُونِهِ، وقَدْ تَرْكَبُ أَيْضًا اللَّبَنَ.
والطَّامِى: الكَثِيرُ المُرْتَفِعُ.
والعَارِى: أَرَادَ طَرِيقًا ظَاهِرًا.
مَعَارِيهِ: ظُهُورُهُ.(2/163)
وطَرِيقٌ نَهَّامٌ، وحَنَّانٌ، وضَحُوكٌ: إذَا كانَ واضِحًا.
والقُلُصُ: النُّوقُ.
ويَصْدُعْنَ: يَمْضِينَ.
والأَوْجَامُ: الوَاحِدُ: وَجَمٌ، وهى عَلامَاتٌ وأبْنِيَةٌ عَالِيَةٌ يَهْتَدُونَ بِهَا فى الصَّحَارِى، ويقالُ: بَلْ هى مَقْطَرُ الرَّمْلِ.
__________
(1) البيت فى اللّسان (ص د ى) منسوب لامرئ القيس، وهو فى ديوانه/119.
(2) المشطوران فى شرح ديوان العجّاج ص460، بينما نسبهما اللّسان فى مادة (ص د ى) لرؤبة وليسا فى ديوانه.
والضَّرْحُ: تقولُ: ضَرَحْتُهُ عنِّى، أى: رَمَيْتُ بِهِ عَنِّى.
والمَعَالِى: المَرَامِى تَعْلُو بالسَّهْمِ.
والأَنْشَامُ: جَمْعُ نَشَمَةٍ، شَجَرٌ تُتَّخَذُ مِنْهُ القِسِىُّ.
17- تَرَى ذُرَى أَصْوائِهَا فى الآكَامْ
18- يَقْمِصْنَ فى الآلِ اهْتِزَازَ الدُّوَّامْ
19- وقُلْتُ أَقْوَالَ مُحِيطٍ عَمَّامْ
20- لاَ يَنْبَغِى الذِّكْرُ بِضِبْسٍ شَتَّامْ
الذُّرَى: الأَعَالِى، الواحِدَةُ: ذُِرْوَةٌ.
والصُّوَى: الواحِدَة: صُوَّةٌ، الحِجَارَةُ المَجْمُوعَةُ كَأَنَّهَا عَلاَمَاتٌ فى الطَّرِيقِ، والجَمْعُ أَيْضًا: أَصْوَاءٌ.
والآكَامُ: الواحِدَةُ أَكَمَةٌ، تَلٌّ مِنَ القُفِّ، أَكَمَةٌ، وأَكَمٌ، وآكَامٌ، وأُكُمٌ، وهو مِنْ حَجَرٍ واحِدٍ.
ويَقْمِصْنَ: أَصْلُهُ /أَنْ لاَ تَرَاهُ يَسْتَقِرّ فى مَوْضِعٍ، تَرَاهُ يَقْمِصُ فَيَثِبُ مِنْ مَكَانِهِ مِنْ غَيْرِ صَبْرٍ.
والآلُ: السَّرَابُ.
وعَمَّامٌ: أى يَعُمُّ.
والضِّبْسُ: الخَبِيثُ الضَّيِّقُ.
21- ومِدْحَتِى قَوْمِى بمَنْعِى الأَحْشَامْ
22- إنَّ تَمِيمًا بمُنًى بالإِتْمَامْ
23- ونَجَلَتْ كُلُّ حَصَانٍ مِتْآمْ
24- لَهُ عَلَى رَغْمِ الحَسُودِ الرَّغَّامْ
الأَحْشَامُ: حَرِيمُهُ وما يَحِقُّ لَهُ أنْ يَغْضَبَ لَهُ.
ونَجَلَتْ: وَلَدَتْ، والنَّجْلُ: الوَلَدُ.
مِتْآمٌ: مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَلِدَ التَّوَائِمَ.(2/164)
25- بِكُلِّ مَحْمُودِ الدَّسِيعِ هِلْقَامْ
26- إنَّ تَمِيمًا تُبْتَلَى بِأَقْوَامْ
27- لَيْسُوا بِأَخْوَالٍ ولاَ بِأَعْمَامْ
28- لَنَا إذَا اهْتَزَّ الشَّبَا فى الأَشْطَامْ
الدَّسِيعُ: كَرَمُ فِعَالِ الرَّجُلِ فى أُمُورِهِ.
والهِلْقَامُ: سَيِّدُ القَوْمِ، وقالَ الفَقِيرُ بنُ حَكِيمٍ، ولاَمَهُ:
* وإنْ خَطِيبُ مَجْلِسٍ أَلَمَّا *
* بِخُطَّةٍ كُنْتُ لَهَا هِلْقَمَّا *
* وبالحَمَالاَتِ لَهَا لِهَمَّا * (1)
وقيلَ: الهِلْقَامُ: الخَطِيبُ الأَفْوَهُ.
والشَّبَا: الأَسِنَّةُ.
والأَشْطَامُ: أرادَ الأَشْطَانَ، أَبْدَلَ المِيمَ مِنَ النُّونِ.
29- لاَ يَتَوَقُّونَ حُدُودَ الإسْلاَمْ
30- مِنْ رِقَّةِ الدِّينِ وبُعْدِ الأَرْحَامْ
31- أَخْبَثُ أَحْزَابٍ وشَرُّ أَحْزَامْ
32- نَاصِرُهُمْ مِنْ فاسِقٍ وخَدَّامْ
أرادَ أَحْزَابَ أيضًا، أقامَ المِيمَ مَقَامَ البَاءِ.
والخُدَّامُ: العَبِيدُ.
33- مِنْهُمْ لُكَيْزٌ وَهْىَ شَنُّ الأَصْرَامْ
34- ونُكْرُهَا العَادُّون طُورَ الأَقْسَامْ
35- والأَسْدُ والأَسْدُ صِِغَارُ الأَحْلاَمْ
36- رُدُّوا إلى قَمَاءَةٍ وأَلآمْ
لُكَيْزٌ: عَبْدُ القَيْسِ.
والأَصْرَامُ: بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ، واحِدُهَا: صِرْمٌ.
والقَمَاءَةُ: القِصَرُ والذِّلَّةُ، رَجُلٌ قَمِىءٌ وامْرَأَةٌ قَمِيئَةٌ، وقَدْ قَمُؤَ قَمَاءَةً وقَمَاءً.
وأَلآمٌ: جَمْعُ لُؤْمٍ.
/ 37- سُدُّوا علَى أَفْواهِكُمْ بالفَدَّامْ(2)
38- عُبَّادُ نَصْرَانِيَّةٍ وأَصْنَامْ
39- مَحَاجِزٌ عَنْ زَحْمِ رُكْنٍ زَحَّامْ
40- مِنَّا لأَرْكَانِ الأَعَادِى رَتَّامْ
رَتَمَهُ: دَقَّهُ، والرَّتْمُ: الدَّقُّ.
41- أَيْهَاتَ لاَ يَدْنُونَ إلاَّ للِرَّامْ
42- ولَوْ دَنَوْا قِضْنَا يآفِيخَ الهَامْ
43- بِكُلِّ غَرْبَىْ قَلَعِىٍّ صَمْصَامْ
44- وأَذْرُعَ القَوْمِ بِخَفْقِ جَذَّامْ(2/165)
قِضْنَا: شَقَقْنَا، ويقالُ للبَيْضَةِ: قَدْ قَاضَها الفَرْخُ، وقَاضَهَا الطَّيْرُ: إذا شَقَّهَا عَنِ الفَرْخِ، فانْقَاضَتْ: أى فانْشَقَّتْ، وقالَ:
__________
(1) الرَّجَز فى اللّسان والتاج (هـ ل ق م) غير منسوب، ورواية المشطورين الأوّل والثانى فيهما:
* فَإنْ خَطِيبُ مَجْلِسٍ أَرَمَّا *
* بخُطْبَةٍ كُنْتُ لَهَا هِلْقَمَّا *
(2) الفَدَّامُ: ما يوضع فى فم الإبريق. والفَدَّامُ: الخِرْقَةُ التى يَشُدُّ بها المَجُوسِىّ فَمَهُ.
إذَا شِئْتَ أَنْ تَلْقَى مَقِيضًا بِقَفْرَةٍ مُفَلَّقَةٍ خِرْشَاؤُهَا عَنْ جَنِينِهَا(1)
ومُقَدَّمُ الرَّأْسِ: اليَافُوخُ، ومَنْ هَمَزَ اليأْفُوخَ فعَلَى تَقْدِيرِ يَفْعُول، ورَجُلٌ يأفُوخٌ(2): إذا شُجَّ فى يَأْفُوخِهِ، ومَنْ لَمْ يُرِدْ تَلْيِينَ الهَمْزَةِ فهو على تَقْدِيرِ فاعُولٍ مِنَ اليَفْخِ(3)، والهَمْزُ أَحْسَنُ وأَصْوَبُ، وقالَ الشَّاعِرُ:
* ضرب يآفيخ وطعنا بقرا *
وهى اليآفِيخُ.
والغَرْبَانِ: حَدُّ السَّيْفِ.
والقَلَعِىُّ: السَّيْفُ المَنْسُوبُ إلى قَلَعَةَ لِعِتْقِهِ.
والصَّمْصَامُ: السَّيْفُ، مِنَ العَرَبِ مَنْ يَجْعَلُه اسْمًا مَعْرِفَةً للسَّيْفِ الذى يُصَمِّمُ فى العظام: أى يَمْضِى فِيهَا، قالَ الكُمَيْتُ:
وأَراكَ حينَ تُهَزُّ عِنْدَ ضَرِيبَةٍ فى النَّائِبَاتِ مُصَمِّمًا كمُطَبِّق(4)
وقالَ أبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِىُّ: صَممَ وصَمْصَمَ، ويقالُ: أوّلُ من سَمّى السَّيفَ السّلام.
والخَفْقُ: الضَّرْبُ.
وجَذَّامٌ: جَمْعُه جَذَمَةٌ، وجَذَمَهُ: إذَا قَطَعَهُ.
45- إذَا رَجَمْنَا جَمْعَهُمْ بِمِرْجَامْ
46- مِرْدًى لعَيْزَارِ الجِبالِ هَدَّامْ
47- وقَدْ رَأَوْا فى مُسْتَهِلٍّ زَمْزَامْ
48- فِى(5) لَجَبِ مَجْرٍ كَأَرْكَانِ الدَّامْ
المِرْدَى: الصَّخْرَةُ التى يُرْدَى بِهَا الشَّىءُ، أى يُضْرَبُ فَيَكْسِرُ ما صَادَفَ.
__________(2/166)
(1) البيت فى اللّسان والتاج (ق ى ض) غير منسوب.
(2) هكذا فى المخطوط بالياء، وفى اللّسان (أ ف خ): "ورَجُلٌ مَأْفُوخٌ..".
(3) فى المخطوط: "من النَّفْخِ" بالنّون، والمثبت من اللّسان (أ ف خ) وهو الصواب.
(4) البيت فى الموسوعة الشّعريّة، الإصدار الثانى – الإمارات العربية المتحدة، أبو ظبى 1997 - 2001م، ونسبته للكميت بن زيد الأسدى، وفيها "فأراك" بدلا من "وأراك"، ولم أعثر عليه فى ديوان الكميت.
(5) فى الدّيوان المطبوع: "ذى".
والعَيْزَارُ: / الصُّلْبُ الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَىءٍ، حَكَاهُ ابنُ الأَعْرَابِىِّ.
مُسْتَهِلٌّ: مِنَ الهَلِّ، تقولُ: هَلَّ السَّحَابُ بالمَطَرِ هَلاًّ، وانْهَلَّ المَطَرُ انْهِلاَلاً، وهو مِنْ شِدَّةِ انْصِبَابِهِ، ويَتَهَلَّلُ السَّحَابُ بِبَرْقِهِ: أى يَتَلأْلأُ.
والزَّمْزَامُ: الرَّعْدُ، يُزَمْزِمُ ثمّ يُهَدْهِدُ، وقالَ:
* تمدّ بينَ الشَّجْرِ والغَلاَصِمِ*
* هَدًّا كَهَدِّ الرَّعْدِ ذِى الزَّمَازِمِ * (1)
واللَّجِبُ: ذُو الصَّوْتِ.
والمَجِرُ: الكَثِيرُ الذّهمِ، شَبَّهَ الحِسَّ بالسَّحَابِ المَاطِرِ الرَّاعِدِ.
والدَّامُ: إذَا دفعت حَائِطًا فدامته بِمَرَّةٍ على شَىْءٍ فى وَهْدَةٍ، تَقُولُ: دَامَتْهُ عليه، وتَداءَمَتِ الأَمْرَاحُ عَلَيْهِ والهُمُومُ.
49- كَتِيبَةً للتَّرْجُمَانِ المِقْدَامْ(2)
50- خَاضَ بِهَا أَشْجَعُ غَيْرُ خَيَّامْ
51- مُنَازِلٌ عَنْ حُرُمَاتِ الأَحْرَامْ
52- لَيْسَ بِوَقَّافٍ ولاَ بِوَجَّامْ
التَّرْجُمَانُ بنُ هُرَيْم بن أبى طحْمَة.
خَيَّامٌ: جَبَانٌ، يَخِيمُ، عن العَرَب، أى يَجْبُنُ.
الوَجْمُ: الحُزْنُ.
والكَتِيبَةُ: جَمَاعَةٌ مِنَ الخَيْلِ مُسْتَحْيَزَةٌ فى حَيِّزٍ، تَكَتَّبُوا: تَجَمَّعُوا.
53- إذَا الكُمَاةُ اسْتَمْسَكُوا بالأَعْصَامْ
54- وكَعْكَعَ الهَيْبَةُ أَهْلَ الإحْجَامْ
55- بِهِ حَمَى اللهُ اجْتِلاَءَ الآرَامْ(3)(2/167)
56- مِنَ النِّسَاءِ المُشْفِقَاتِ الحُوَّامْ
الكَمِىُّ: واحِدُ الكُمَاةِ، الشُّجَاعُ، سُمِّى بذَلِكَ إذَا تَكَمَّى فى سِلاَحِهِ، أى تَغَطَّى بِهِ، وتقولُ: تَكَمَّتْهُمُ الفِتْنَةُ والشَّرُّ: إذَا غَشِيَهُمْ، وقالَ العَجَّاجُ:
__________
(1) المشطوران فى اللّسان (ز م م)، ورواية الأوّل:
* يَهِدُّ بَيْنَ السَّحْرِ والغَلاصِمِ *
(2) فى المخطوط: "الصّقْدام"، والمثبت من الدّيوان المطبوع.
(3) فى الدّيوان المطبوع: "الأَرْآمْ".
* بَلْ لَوْ شَهِدْتَ النّاسَ إذْ تُكُمُّوا *(1)
الأَعْصَامُ: ما يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ ويَتَعَلَّقُونَ بِهِ.
وتَكَعْكَعَ: إذَا تَلَكَّأَ وجَبُنَ.
والإِحْجَامُ: النُّكُوصُ عَنِ الشَّىءِ هَيْبَةً.
والآرَامُ: البِيضُ، شَبَّهَ النِّسَاءَ بِهِنَّ.
والحُوَّامُ: يَحُمْنَ لاَ يَدْرِينَ أين يَذْهَبْنَ.
57- وزَلَّ عَنَّا مُعْضِلاَتُ الأَيَّامْ
58- وشُبَهُ العَارِ وسَوْآتُ العَامْ
/ 59- فارْتَدَّ عَنَّا نابُ كُلِّ كَدَّامْ(2)
60- وقَدْ رَأَوْا أُسْدًا كَأُسْدِ الآجَامْ
61- وهَابَتِ الآسُدَ أُسْدُ الإِحْجَامْ
62- ونَكَلُوا بَعْدَ اللِّفَافِ الضَّمَّامْ
63- نَجَوْا فِرَارًا واتَّقَوا بالأَقْزَامْ
64- والحَكَمُ العَمْرِىُّ خَيْرُ الأَحْكَامْ
الأَقْزَامُ: السَّفِلَةُ، وكذلك الخَمَّانُ، والحُثَالَةُ، والشَّرَطُ.
65- يَمْضِى إذَا كَلَّتْ وُجُوهُ الأَكْهَامْ
66- أَزْهَرُ ذُو حَمِيَّةٍ وإعْلاَمْ
67- كَهْفُ المُرَادِينَ وكَهْفُ الأَيْتَامْ
68- يَصْدُقُ فى البَأْسِ وعِنْدَ الإطْعَامْ
الأَكْهَامُ: واحِدُها كَهْمٌ، وهو البَطِىءُ عَنِ النُّصْرَةِ والحَرْبِ، ويقالُ: قَدْ كَهَّمَتْهُ الشَّدَائِدُ: إذَا نَكَّصَتْهُ عَنِ الإِقْدَامِ.
والكَهْفُ: الرَّجُلُ الذى يُلْجَأْ إِلَيْهِ، مثل كَهْفِ الجَبَلِ، وهى المَغَارةُ فيهِ، إلاَّ أنَّهُ واسِعٌ، قالَ الشَّاعِرُ:(2/168)
وكُنْتَ لَهُمْ كَهْفًا حَصِينًا وجَنَّةً يَؤُولُ إِلَيْهَا كَهْلُهَا ووَلِيدُهَا
69- تَعَجَّلَ المَعْبُوطُ قَبْلَ الإعْتَامْ
70- للضَّيْفِ والجَارِ ومَلْقَى جَثَّامْ
71- قَدْ عَلِمَتْ ذَاكَ نِسَاءُ الأَبْرَامْ
72- وسَارَ جَبْهَانُ بِرَأْسٍ صَدَّامْ
__________
(1) اللّسان (ك م ى)، وشرح ديوان العجّاج ص 422.
وتُكُمُّوا: قُتِلَ كَمِيُّهُم.
(2) الكَدَّامُ: العَضُوضُ.
اللَّحْمُ العَبِيطُ: الطَّرِىُّ؛ لأَنَّهُ عَبْطُ سَاعَتِه، ودَمٌ عَبِيطٌ: أى طَرِىٌّ، وتقولُ: ماتَ فُلاَنٌ عَبْطَةً: أى شَابًّا صَحِيحًا، واعْتَبَطَهُ المَوْتُ، وقالَ أُمَيَّةُ بنُ أَبِى الصَّلْتِ الثَّقَفِىُّ:
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هبطًا فالمَوْتُ كَأْسٌ فَالمَرْءُ ذَائِقُهَا(1)
والعَبْطُ: أنْ تَعْبِطَ شَاةً أوْ نَاقَةً صَحِيحَةً فَتَنْحَرُهَا مِنْ غَيْرِ دَاءٍ ولاَ كَسْرٍ، والعَبِيطُ: الطَّرِىُّ مِنْ كُلِّ شَىءٍ، تقولُ: عَبَطْتُ النَّاقَةَ عَبْطًا، واعْتَبَطَهَا اعْتِبَاطًا: إذَا نَحَرْتَهَا مِنْ غَيْرِ دَاءٍ وهى سَمِينَةٌ.
وتقولُ: أَعْتَمَ القَوْمُ: إذَا صَارُوا فى ذَلِكَ الوَقْتِ، وعَتَّمُوا تَعْتِيمًا: إذَا سَارُوا فى ذَلِكَ الوَقْتِ، أوْ وَرَدُوا وصَدَرُوا فى تِلْكَ /السَّاعَةِ، وتقولُ: جَاءَهُمْ ضَيْفٌ غَانِمٌ: أى مُغْنِمٌ فى تِلْكَ السَّاعَةِ، وقالَ الرَّاجِزُ:
* يَبْنِى العُلاَ ويَبْتَنِى العَطَارِمَا *
* قِرَاهُ للضَّيْفِ يَئُوبُ غَانِمَا *(2)
والأَبْرَامُ: البُخَلاَءُ الذين لاَ يهدُون فى المَيْسِر(3)، واحِدُهُمْ: بَرَمٌ.
وعَوْنُ بنُ جَبْهان: الذى أَخَذَ البَصْرَةَ للمَأْمُونِ مِنْ مُحَمَّدٍ، وكانَ مَنْصُورُ بنُ المَهْدِىِّ وَاليَهُ عَلَيْهَا.
__________
(1) البيت فى اللّسان والتاج (ع ب ط)، وروايته فيهما:
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرَمًا للمَوْتِ كَأْسٌ والمَرْءُ ذَائِقُهَا(2/169)
فى التاج: ".. فالمَرْءُ ذَائِقُها".
(2) هكذا فى المخطوط، وفى اللّسان (ع ت م): "قال ابنُ برّىّ: ويقال جاءَنَا ضَيْفٌ عاتِمٌ، إذا جاء ذلك الوَقْتَ، قال الرّاجِزُ:
* يَبْنِى العُلاَ ويَبْتَنِى المَكَارِمَا *
* أَقْرَاهُ للضَّيْفِ يَئُوبُ عاتِمَا * ".
وكذلك رُوى المشطوران فى التاج (ع ت م).
(3) فى اللّسان (ب رم): "الأَبْرَامُ: البُخَلاَءُ الذين لا يَدْخُلُونَ مع القَوْمِ فى المَيْسِر".
73- مِنْ نَقَرٍ يَأْبَوْنَ ظُلْمَ الظَّلاَّمْ
74- يَمْضِى بِهِمْ فى عَارِضٍ ذِى قُدَّامْ
75- والخَيْلُ مِنْ نَقْرَتِهَا وإجْذَامْ (1)
76- يُدْمِى الشَّكِيمُ أُدْمَهَا بالإِئْزَامْ
النَّقْرُ: التَّسْكِينُ باللِّسَانِ.
والإجْذَامُ: مِنْ قَوْلِهِمْ: أَجْذَمَ الشَّكِيمُ ما اعْتَرَضَ فى فَمِ الدَّابَّةِ.
والأَزْمُ: العَضُّ.
77- مِنْ جَذْبِهِمْ ودَعْسِهَا فى الإِلْجامْ
78- مِنْ نَصْرِهِمْ وثَبْتِنَا بالإقْدَامْ
79- ولَغَطُ الجَيْشِ مُصِمُّ الإِصْمَامْ
80- كَأَنَّ أَصْوَاتَهُمْ فى حَمَّامْ
الدَّعْسُ: شِدَّةُ الوَطْءِ.
واللَّغَطُ: أَصْوَاتٌ مُبْهَمَةٌ لاَ تُفْهَمُ، تقولُ: سَمِعْتُ لَغَطَ القَوْمِ.
81- إذَا الْتَقَوْا فى لَجَّةٍ وغَمْغَامْ
82- والمِشْوَذُ(2) السَّامِى بِرَدِّ أَوْهَامْ
83- مُبَارَكٌ يَمْلأُ عَيْنَ المُعْتَامْ
84- مُطَوَّقٌ أَوْقَ الأُمُورِ الأَعْظَامْ
اللَّجَّةُ: ارْتِفاعُ الأَصْوَاتِ.
والغَمْغَامُ: غَمْغَمَةٌ: كَلاَمٌ لاَ يُفْهَمُ.
والمُعْتَامُ: المُخْتارُ، يقالُ: اعْتَمْتُ الشَّىءَ، واعْتَمَيْتُهُ، واخْتَرْتُهُ.
والأَوْقُ: الثِّقَلُ.
85- بِكُلِّ نَهَّاضٍ بِهِنَّ قَوَّامْ
86- لَيْسَ على شَىءٍ مَضَى بِلَوَّامْ
87- مُفَرِّجٌ غَمَّ الأُمُورِ الأَعْقَامْ
88- باللهِ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ العَمَّامْ
89- كاللَّيْثِ يَحْمِيهِ افْتِرَاشُ الأَوْضَامْ
90- إذَا شَحَا عَضَّ بِنَابَىْ ضَغَّامْ(2/170)
/ الأَعْقَامُ: الشَّدَائِدُ، ومِنْهُ عُقْمُ أَرْحَامِ النِّسَاءِ.
[الوَضَمْ](3): كُلُّ ما جَعَلْتَهُ إلى الأَرْضِ دُونَكَ فهو وَضَمٌ.
والضَّغْمُ: العَضُّ بالفَمِ كُلِّهِ.
وشَحَا فَاهُ: فَتَحَهُ.
91- مَضْغًا ويُهْوِى فى لُهَامٍ ضَمْضَامْ
__________
(1) الإجْذامُ: السُّرعَةُ فى السَّيْرِ. أَجْذَمَ البَعيرُ فى سَيْرِه: أى أَسْرَعَ.
(2) فى المخطوط: "والمِسْوَرُ".
(3) إضافة يقتضيها السِّياق.
92- يَرُدُّ عَنْهُ بالزَّئِيرِ الهَمْهَامْ
93- ويَخْتَلِى بالفَصْلِ كُلَّ ضِرْغَامْ
94- والصِّيدُ يَخْضَعْنَ(1) لَهُ باسْتِسْلاَمْ
اللُّهَامُ: الذى يَلْتَهِمُ كُلَّ شَىءٍ، وهو ابْتِلاَعُهُ إيَّاهُ بِمَرَّةٍ، وقالَ الشَّاعِرُ(2):
... ... ذُبَابٌ طَارَ فى لَهَواتِ لَيْثٍ كَذَاكَ اللَّيْثُ يَلْتَهِمُ الذُّبابَ
والضَّمْضَامُ، والضَّغَامُ واحِدٌ، وضَمَّ الشّىءَ وضَمْضَمَه، وكَفَّهُ وكَفْكَفَهُ بِمَعْنًى.
ويَخْتَلِى: أى يَقْطَعُ ويُبِينُ.
والقَصْلُ أيضًا: قَطْعُ الشَّىءِ مِنْ وَسَطِهِ وأَسْفَل من ذَلِك قَطْعًا وَحِيًّا، قالَ:
*مَعَ اقْتِصَالِ القَصَرِ العَرادِمِ *(3)
95- وجَاءَ دُفَّاعُ الرِّبَابِ الأَيْتَامْ
96- وزَخَرَتْ سَعْدٌ بِعِزٍّ قَمْقَامْ
97- كاللَّيْلِ يَكْفِيكَ قُروحُ (4) الأَهْضَامْ
98- يَهْدِيهِمْ هَوَادِيهِمْ وتمُّهَا التَّامْ(5)
الدُّفَّاعُ: الشَّىءُ العَظِيمُ الذى يَدْفَعُ العَظِيمَ مِنَ الشَّىءِ.
والأَهْضَامُ: أَهْضَامُ الوَادِى: خُفُوضُهُ وارْتِفَاعُهُ.
والقَمْقَامُ: الكَثِيرُ، ومِنْهُ: قَمْقَمَ اللهُ عَصَبَهُ: أى جَمَعَهُ.
99- بَنُو نُجُومٍ نُوِّرَتْ وأَعْلاَمْ
100- مَعَاقِلاً للنَّاسِ عِنْدَ الإعْزَامْ(6)
101- قَوْمٌ لَهُمْ هَامَةُ عِزٍّ صِلْدَامْ (7)
102- ونَادِخٌ جَاشَ بِطِمٍّ طَمَّامْ
103- بِهِمْ خَزَمْنَا أَنْفَ كُلِّ قَمْقَامْ
* ... * ... *
-57-
__________(2/171)
(1) فى الدِّيوان المطبوع: "يَخْفِضْنَ".
(2) نسب البيت فى الموسوعة الشّعرية للفرزدق، ولم أعثر عليه بديوانه.
(3) اللّسان والتاج (ق ص ل).
(4) فى الدّيوان المطبوع: "قُرُومُ".
(5) رواية الدّيوان المطبوع: "يَهْدِى هَوَادِيهِم بِتِمِّهَا التَّامْ".
(6) رواية الدّيوان المطبوع: "مَعَاقِلٌ للنّاسِ عِنْدَ الإعْدَامْ".
(7) الصِّلْدَامُ: الشَّدِيدُ.
وقالَ [فى نَفْسِهِ](1):
1- قَالَتْ سُلَيْمَى إذْ رَأَتْ حُفُوفِى
2- مَعَ اضْطِرَابِ اللَّحْمِ والشُّسُوفِ(2)
3- أَحْدَبُ كالمُقَيَّدِ المَكْتُوفِ
4- ما شَأْنُ أَعْلَى رَأْسِكَ المَنْتُوفِ
/ حُفُوفٌ: قَشَفٌ حَفَّ بِرَأْسِهِ إذا غَبَّ الدُّهْنُ.
والشُّسُوفُ: الهُزَالُ، والشَّاسِفُ أكْثَرُ مِنَ الشَّارِبِ.
5- فَقُلْتُ بَيْنَ الخَفْضِ والتَّأْسِيفِ
6- غَيَّرَ لَوْنَ اللِّمَّةِ الخَصِيفِ
7- وداجِيًا كالكَرْمِ ذِى القُطُوفِ
8- أَثْمَرَ فى مَاءِ النَّدَى النَّطُوفِ
الأَسَفُ: الحُزْنُ، والأَسَفُ: الغَضَبُ.
والخَصِيفُ: اخْتِلاَفُ اللَّوْنَيْنِ، وهو رَمَادٌ فِيهِ سَوَادٌ وبَيَاضٌ.
والنَّطُوفُ: السَّائِلُ القَاطِرُ.
9- حَفْزُ اللَّيَالِى أَمَدَ التَّرْلِيفِ (3)
10- والدَّهْرُ إنْ أَضْعَفَ ذُو تَضْعيفِ
11- بَاقٍ يُدَانِى القَيْدَ للرُّسُوفِ
12- أوْ نَاجِلُ الأَتْلاَفِ للتَّلِيفِ(4)
حَفْزُ اللَّيَالِى: إزْعاجُهَا وَحَثُّهَا.
والأَمَدُ: الغَايَةُ.
والتَّرْلِيفُ: يَقْرُبُ مِنَ الهَرَمِ.
والرُّسُوفُ: تَقَارُبُ الخَطْوِ، كما يَرْسُفُ المُقَيَّدُ.
نَاجِلٌ: نَدِىٌّ.
والأتْلاَفُ: جَمْعُ تَلَفٍ.
13- بَعْدَ اضْطِرَابِ العُنُقِ الغِطْريفِ
14- فى دَغْفَلِىِّ عَيْشِنَا المَغْدُوفِ
15- فُقُلْ لذَاكَ الوَالِهِ المَشْعُوفِ
16- إنَّ الذى تَرْجُو مِنَ الصَّدُوفِ
الغَطْرَفَةُ فى المَشْىِ: السُّرْعَةُ.
والعَيْشُ الدّغْفَلُ، والفِدَمْلُ واحِدٌ: وهو الواسِعُ.
__________(2/172)
(1) الأرجوزة بالدّيوان المطبوع 101 ، 102 تحت رقم (38)، وما بين الحاصرتين إضافة منه.
(2) المشطوران 1، 2 باللّسان (ح ف ف)، ورواية الأوّل: "قالت سُلَيْمَى أَنْ رَأَتْ حُفُوفِى".
(3) هكذا فى المخطوط بالرّاء، وفى الدّيوان المطبوع: "التَّدْلِيفِ" بالدّال المهملة، وفى اللّسان (ح ف ز): "التَّزييفِ".
(4) فى الدّيوان المطبوع: "للتَّتْلِيفِ".
والمَغْدُوفُ: الشَّامِلُ بالسَّعَةِ.
والوَلَهُ: ذَهَابُ العَقْلِ مِنْ فُقْدَانِ حَبِيبٍ، وَلِهَتْ تَوْلَهُ وَلَهًا، ووَلِهَتْ تَلِهُ وَلَهًا، وامْرَأَةٌ والِهَةٌ، وهى وَالِهٌ مُوَلَّهَة.
والشَّعفُ: دَاءٌ يَتَمَعَّطُ مِنْه خُرْطُومُ البَّعِيرِ وشَعَرُ عَيْنَيْهِ، فاسْتُعِيرَ هاهُنَا.
والصَّدُوفُ: اسْمُ امْرَأَةٍ، وصَدَفَتْ: أَعْرَضَتْ .
17- كَالْبَرْقِ بَيْنَ القَيْظِ والمَصِيفِ
18- أَبْعَدَ حِلْمَ المُسْلِمِ الحَنِيفِ
/ 19- سَيْبُكِ ذَاتَ العِقْدِ والسُّيُوفِ
20- بِمُقْلَتَىْ مَكْحُولَةِ الذَّرِيفِ
يَعْنِى كَبَرْقِ الخُلَّبِ لاَ مَطَرَ فِيهِ، يكُونُ فى الحَرِّ والصَّيْفِ.
21- صَفْرَاءُ فى بَيْضَاءَ كالنَّزِيفِ
22- تَسْقِى بِأَذْكَى مِسْكِهَا المَدُوفِ
23- حُرَّ المُحَيَّا لَيِّنَ الغُضْرُوفِ
24- كَأَنَّ تَحْتَ المِرْطِ والشُّفُوفِ
قَوْلُهُ: المَدُوفُ: مِنَ الدَّوْفِ، وهو خَلْطُكَ الزَّعْفَرَانَ أوِ الدَّواءَ بِمَاءٍ لِيَلْتَبِكَ، يُرِيدُ أَنَّها تَسْقِى وَجْهَهَا مِنْ مِسْكٍ ذَكِىٍّ.
والمُحَيَّا: الوَجْهُ.
والغُضْرُوفُ: ما لاَنَ مِنَ الأَنْفِ، هذا كما قالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مَارِنُها بالمِسْكِ مَرْثُومُ(1)
والمِرْطُ: الإِزَارُ يكونُ مِنْ خَزٍّ وغَيْرِهِ.
وشُفُوفٌ: جَمْعُ شَفٍّ، ثَوْبٌ رَقِيقٌ.
25- رَمْلاً حَبَا مِنْ عُقَدِ الغَرِيفِ
26- إلى عِنَانَىْ ضَامِرٍ لَطِيفِ
27- عَجْزَاءُ رَمْلٍ وَعْثَةُ الرَّدِيفِ
28- تَجْلُو نَقِيًّا مُظْلِمَ الشُّفُوفِ(2/173)
عَجْزَاءُ: يُرِيدُ العَجِيزَةَ.
والوَعْثَةُ: الوَثِيرَةُ.
__________
(1) تمام البيت فى ديوان ذى الرُّمّةِ 1/395:
تَثْنِى النِّقَابَ على عِرْنِينِ أَرْنَبَةٍ شَمَّاءَ مارِنُها بالمِسْكِ مَرْثُومُ
العِرْنِينُ: الأَنْفُ كُلُّه. والأَرْنَبَةُ. مُقَدَّمُ الأَنْفِ. والمارِنُ: ما لانَ من الأَنْفِ. ومَرْثُومٌ: مَطْلِىٌّ.
وقَوْلُهُ: تَجْلُو نَقِيًّا: أرادَ أَسْنَانَهَا.
ومُظْلِمٌ: أرادَ لِثاتَها أشَفَّتِ الإثْمِدَ مَعَ نَقَاءِ ثَغْرِهَا.
* ... * ... *
وحَسْبنَا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ.
فهرس أراجيز الجزء الثالث
مسلسل ... مطلع الأرجوزة ... رقمها ... عدد مشاطيرها ... الصفحة
1 ... قَدْ بَكَرَتْ باللَّوْمِ أُمُّّ عَتَّابْ ... 48 ... 241 ... 236
2 ... ذكَرْتَ أذْكارًا فهاجَتْ شَجْبَا ... 39 ... 134 ... 86
3 ... ولَمْ نَدَعْ للشّاغِبِين شَغَبَا ... 50 ... 7 ... 281
4 ... إنَّا إذا ما الحَرْبُ حُدَّ نَابُهَا ... 52 ... 21 ... 294
5 ... هَلْ تَعْرِفُ الدّارَ عَفَتْ أَنْدَابُهَا ... 55 ... 116 ... 334
6 ... أَتْعَبْتَنِى والْهَوَى ذُو تَعْبِ ... 54 ... 139 ... 314
7 ... هَلْ تَعْرِِفُ الدّارَ بذاتِ العَنْكَثِ ... 34 ... 63 ... 35
8 ... قُلْتُ وأَقْوالِى يَسُؤْنَ الكُشَّحَا ... 40 ... 100 ... 106
9 ... إنِّى على جَنَابَةِ التَّنَحِّى ... 49 ... 56 ... 272
10 ... قَدْ عَرَّضَتْ أَرْوَى بِقوْلٍ إفْنادْ ... 35 ... 137 ... 48
11 ... وبَلْدَةٍ يَدْعُو صَدَاهَا هِنْدَا ... 41 ... 89 ... 123
12 ... يا بَكْرُ قد عَجَّلْتَ لَوْمًا باكِرَا ... 44 ... 252 ... 155
13 ... يا صَاحِ هاجَتْكَ الدِّيارُ الأكْراسْ ... 46 ... 77 ... 196
14 ... دَعَوْتُ رَبَّ العِزَّةِ القُدُّوسَا ... 47 ... 160 ... 208
15 ... هَلْ تُبْكِيَنْكَ الدِّمَنُ الدُّروسُ ... 53 ... 101 ... 297(2/174)
16 ... إنِّى وليس الحَقُّ بالتَّوْقِيعِ ... 42 ... 48 ... 139
17 ... تَأَبَّدَتْ مَعْقُلَةٌ فَواحِفُ ... 45 ... 57 ... 188
18 ... مالِىَ إلاَّ ما اجْتَنَى احْتِرافِى ... 51 ... 82 ... 283
19 ... قالَتْ سُلَيْمَى إذْ رأَتْ حُفوفِى ... 57 ... 28 ... 364
20 ... كيْفَ إذا مَوْلاكَ لم يَصِلْكَا ... 33 ... 63 ... 27
مسلسل ... مطلع الأرجوزة ... رقمها ... عدد مشاطيرها ... الصفحة
21 ... قُلْتُ إذا القَوْلُ اسْتَتَبَّ أَجْمَلُهْ ... 43 ... 77 ... 147
22 ... لَمَّا رَأَتْنِى أمُّ عَمْرٍو لم أَنَمْ ... 37 ... 36 ... 78
23 ... هاجَكَ من أَرْوَى كَرَسِّ الأَسْقَامْ ... 56 ... 103 ... 350
24 ... قُلْتُ إذا مُسْتَمِعٌ أَرَمَّا ... 38 ... 21 ... 83
25 ... يا هَالَ ذَاتَ المَنْطِقِ النَّمْنَامِ ... 32 ... 196 ... 1
26 ... يا حَرْبُ يا بنَ حَكَمٍ للمُعْتَمِى ... 36 ... 26 ... 74
* ... * ... *
مراجع هذا الجزء
(أ) الكتب والمعاجم
1- أراجيز العرب، محمد توفيق البكرى
2- أساس البلاغة، الزمخشرى
3- إصلاح المنطق، ابن السّكيت
4- الأعلام، الزّركلى
5- الأمالى، لأبى على القالى
6- تاج العروس، الزبيدى
7- تاريخ الطبرى، ابن جرير الطبرى
8- التكملة، الزبيدى
9- تهذيب اللغة، الأزهرى
10- جمهرة أنساب قريش، ابن حزم
11- جمهرة اللغة، ابن دريد
12- خزانة الأدب، البغدادى
13- الصّحاح، الجوهرى
14- العباب، الصاغانى
15- العبر فى خبر من غبر، الذهبى
16- الفائق فى غريب الحديث، الزمخشرى
17- الكامل، المبرد
18- كتاب الجيم، الشيبانى
19- القاموس المحيط، الفيروزابادى
20- لسان العرب، ابن منظور
21- مجمع الأمثال، الميدانى
22- المخصص، ابن سيده
23- معجم البلدان، ياقوت الحموى
24- المعجم الكبير، مجمع اللغة العربية
25- معجم ما استعجم، البكرى
26- مقاييس اللغة، ابن فارس
27- النهاية فى غريب الحديث، ابن الأثير
* ... * ... *
(ب) دواوين الشّعر(2/175)
1- ديوان أبى النجم العجلى، ط. دار صادر بيروت 1998
2- ديوان الأعشى، شرح وتعليق د. محمد حسين، مكتبة الآداب
3- ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبو الفضل، ط. دار المعارف 1984
4- ديوان أوس بن حجر، تحقيق د. محمد يوسف نجم، بيروت 1960
5- ديوان جرير، بشرح محمد بن حبيب، تحقيق د.نعمان محمد أمين طه، ط.دار المعارف 1986
6- ديوان حسّان بن ثابت، القاهرة 1929.
7- ديوان الحطيئة، تحقيق د. نعمان محمد أمين طه، ط. الحلبى القاهرة 1958
8- ديوان حميد بن ثور، ط. الدار القومية، القاهرة
9- ديوان ذى الرّمّة، تحيق د. عبد القدوس أبو صالح، دمشق 1973
10- ديوان الطرمّاح، تحقيق د. عزة حسن
11- ديوان عمر بن أبى ربيعة، دار صادر بيروت 1966
12- ديوان الفرزدق، ط. بيروت 1960
13- ديوان كثيِّر، جمع وشرح د. إحسان عباس، دار الثقافة بيروت 1971
14- ديوان المثقب العبدى، تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، مطبعة المعارف بغداد 1956
15- ديوان النابغة الجعدى، تحقيق د. واضح الصّمد بيروت 1998
16- ديوان النابغة الذبيانى، تحقيق وشرح كرم البستانى، بيروت 1963
17- شرح أشعار الهذليين للسّكرى، تحقيق عبد الستار فراج، دار العروبة القاهرة
18- شرح ديوان زهير، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة 1944
19- شرح ديوان العجّاج للأصمعى، تحقيق د. عزة حسن، ط. بيروت
20- شرح ديوان علقمة للأعلم الشَّنْتَمَرِى، باريس 1925
21- شرح ديوان عنترة، تحقيق عبد المنعم عبد الرؤوف شلبى، المكتبة التجارية القاهرة
22- شرح ديوان لبيد، تحقيق د. إحسان عباس، الكويت 1962
23- شرح المفضليات للتبريزى، تحقيق على محمد البجاوى، نهضة مصر القاهرة. وتحقيق: أحمد شاكر وعبد السلام هارون (ط. دار المعارف)
24- شعر الأخطل، المكتبة الكاثوليكية بيروت
25- شعر الراعى النميرى، مطبعة المجمع العلمى العراقى 1980
26- الصبح المنير فى شعر أبى بصير، مطبعة آدُلف هلزهوسن، بيانة 1927(2/176)
27- مجموع أشعار العرب - ديوان رؤبة بن العجّاج، ط. ليبسيغ 1903
28- مجموع أشعار العرب - ديوان العجاج
29- هاشميات الكميت. ليدن 1904
* ... * ... *
كلماتى مع الخالدين الدكتور : محمود حافظ
رئيس مجمع اللغة العربية - مجمع اللغة العربية - القاهرة
15 ش عزيز أباظة - الزمالك - 1427هـ = 2006م
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً
المحاضرات العلمية
ثانيًا
الإنجازات العلمية والمنجزات
المجمعية لعدد من المجمعيين
تصدير
هذا كتاب يحوى بين دفتيه كلمات ألقيتها فى مؤتمرات مجمع اللغة العربية وفى مناسبات أخرى مجمعية شملت موضوعات علمية ولغوية وثقافية تشغل اهتمامات اللغويين والمثقفين ومن يحرصون على ريادة اللغة العربية وتقدمها وتطورها.
ومن بين هذه الموضوعات التى عنى بها المجمع عناية كبيرة موضوع قضية التعريب ونقل العلوم إلى اللغة العربية فى التعليم العالى والجامعى بوصفها قضية قومية وثيقة الصلة بكياننا القومى والعربى.
يضم هذا الكتاب نبذة ضافية عن الأعمال العلمية والإنجازات المجمعية لعدد من العلماء الأعلام الذين شرفوا بعضوية المجمع، ودورهم فى النهضة العلمية والثقافية وما أضافوا إليه من خبرتهم اللغوية.
وقد رأيت فى نشر هذه الصفحات الناصعة الوضاءة لأعمالهم وإنجازاتهم وفاءً لما قدموه للعلم وللمجمع وحفزًا لشباب العلماء فى أن يقتدوا بهم ويسيروا على نهجهم فى العطاء الفياض والعمل المثمر البناء.
وعلى الله قصد السبيل
دكتور محمود حافظ
فهرس المحتويات
الموضوع ... الصفحة
تصدير .................................................... ... أ
أولا : المحاضرات العلمية.................................. ... 1
كلمة حفل الاستقبال عضوًا بالمجمع......................... ... 3
اللغة العربية فى خدمة علوم الأحياء ....................... ... 15(2/177)
اللغة العربية فى مؤسسات التعليم العام والتعليم العالى ووسائل النهوض بها .................................. ... 35
المجمع المصرى للثقافة العلمية فى تاريخه ومنجزاته ودوره فى نشر الثقافة العلمية فى مصر....................... ... 71
معاجمنا العلمية المتخصص بين الأصالة والمعاصرة........ ... 83
الترجمة بين الماضى والحاضر وأهميتها فى نقل العلوم إلى اللغة العربية........................................... ... 103
قضية التعريب فى مصر................................... ... 123
ثانيًا: الإنجازات العلمية والمنجزات المجمعية لعدد من المجمعيين.................................................. ... 155
( الدكتور عبد الحليم منتصر.............................. ... 157
( الدكتور محمود توفيق حفناوى........................... ... 167
( الدكتور سليمان حزين................................... ... 183
( الدكتور عبد العظيم حفنى صابر......................... ... 195
( الدكتور أبو شادى الروبى............................... ... 205
( الدكتور عبد الرازق عبد الفتاح.......................... ... 217
( الدكتور أحمد مدحت إسلام.............................. ... 225
( الدكتور عبد العزيز صالح............................... ... 231
( الدكتور أحمد مستجير مصطفى.......................... ... 237
( الدكتور شفيق إبراهيم بلبع............................... ... 245
الدكتور عبد الحليم منتصر (1)
...(2/178)
لست فى حاجة إلى القول إن مصر فقدت برحيل العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبد الحليم بدر منتصر قمة من قممنا الشامخة وواحدا من جيل العمالقة فى مجال العلم والفكر والثقافة قلَّ أن يكون له ضريب بين العلميين المعاصرين، وقد أسهم فى بناء النهضة العلمية فى مصر وإرساء قواعدها ودفع حركتها خطوات فسيحة إلى الأمام على مدى أكثر من نصف قرن وستظل بحوثه ودراساته وأعماله ومقالاته التى جاوزت الأربعمئة فى مجال العلم والثقافة واللغة شاهدا على عمق فكره وسعة أفقه كتبها بلغة يملك ناصيتها ودبجها ببراعة فى مكنة واقتدار ولعله فى ذلك أيضا كان نسيج وحدة بين العلميين.
... وغير خاف أن الفقيد العزيز بذل الكثير من نور عينيه ليضىء لوطنه وبنيه مصابيح الحياة وأخذ بيد الطلائع من شباب علمائنا فى رحاب الجامعة وعنى بتنشئة أجيال منهم تزهو بهم مصر اليوم وتعلو. وقد مضى يحقق هذا الهدف وما كان ليميل عنه إصبعا إلا ليميل إليه ميلا.
... عرفت الفقيد العزيز منذ عام ألف وتسعمئة واثنين وعشرين أى منذ سبعين سنة حين جمعتنا مدرسة فارسكور الابتدائية وامتدت صلاتنا العلمية والأخوية فى رحاب الجامعة والجمعيات العلمية والثقافية وفى هذا المحراب حتى قبيل رحيله.
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل تأبينه، مجلة المجمع، العدد (79).
... ...(2/179)
ولد الراحل الكريم فى 2 سبتمبر عام 1908م فى قرية الغوابيين بالقرب من فارسكور بمحافظة دمياط من عائلة لها مركز الصدارة فى هذه القرية ولها أرضها وزراعتها ونشأ فى بيت من بيوت العلم والأدب والعرفان، وقضى بهذه القرية طفولته بين مروجها الخضراء وظلالها الوارفة وعطرها وأريجها ، وكانت لهذه الطبيعة الخلابة انعكاساتها عليه فأحبها وظلت هذه الأحاسيس تنمو معه فى صباه وشبابه وما إن أتمَّ دراسته الثانوية فى مدرسة المنصورة الثانوية ومدرسة الجيزة الثانوية حتى التحق بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) ليتخرج فيها عام 1931م متخصصا فى علم النبات متتلمذا على عالم النبات الشهير أوليفر، وكأن الفقيد بدراسته لهذا العلم وشغفه به قد استجاب تلقائيا لما كان قد احتشد فى خلفيته الأولى واختزنه فى وجدانه من حب لتلك البيئة النباتية التى نشأ فيها وعاش بين ظلالها ومروجها. وبعد ذلك تابع الدكتور منتصر دراسته العالية فى علم النبات ليحصل على درجة الماجستير فى عام 1933م، ثم أوفد فى بعثة إلى إنجلترا وسويسرا ليستزيد من العلم فى مجال تخصصه لدى بعض العلماء البارزين فى علم النبات ومنهم العالم سالزبورى ، ثم يعود ليحصل على درجة دكتوراه الفلسفة فى علم النبات عام 1935م ، وكان أول من حصل على هذه الدرجة من الجامعة المصريةِ، عُيَّن بعدها مدرسا بكلية العلوم بجامعة القاهرة ثم أستاذا مساعدا ثم تلقفته جامعة إبراهيم (عين شمس حاليا) أستاذا لعلم النبات بكلية العلوم بها عند إنشائها عام 1950م ثم عميدا لهذه الكلية عام 1954م.
...(2/180)
وإبان حياته العلمية واصل الدكتور منتصر بحوثه فى مجال علم النبات وأنشأ مدرسة علمية رائدة فى البيئة النباتية تخرج فيها العشرات من الحاصلين تحت إشرافه على درجتى الماجستير والدكتوراه والمئات من حملة البكالوريوس فى علم النبات. وقد تناولت بحوثه دراسات حول البيئة النباتية فى مصر وبخاصة البيئة الصحراوية وعلاقة النبات بالتربة والعلاقة بين الكائنات الدقيقة والنباتات الراقية ، ومن بين بحوثه المبتكرة بيئة بحيرة المنزلة، التربة والنبات فى مريوط، العلاقة بين عوامل التربة ونمو الجذور، أثر الكائنات المجهرية فى التربة على نمو النبات، تغذية النبات فى أرض غير مستصلحة، المقاومة الأحيائية لبعض الأمراض النباتية. كما نشر مع أحد زملائه مؤلفا ضخما عن نباتات مصر، ومن مؤلفاته أيضا : حياة النبات، الوراثة والجنس، أصول علم النبات، صحارى مصر. ومن ترجماته فى مجال تخصصه: تشريح النبات، بيئة النبات.
... ويعتبر الدكتور منتصر بحق رائد علم البيئة النباتية فى مصر ومن طلبته فى هذا المجال علماء بارزون وأساتذة كبار فى الجامعات المصرية والعربية طالما اختلفوا إلى مجلسه وأخذوا عنه ونهلوا من نبعه كؤوسا مترعة من العلم والمعرفة.
...(2/181)
وهو أيضا رائد من رواد النهضة العلمية فى مصر وأحد قادة نشر الثقافة العلمية باللغة العربية. قاد دعوة موفقة لتعريب العلم وتدريس العلوم فى الجامعات باللغة العربية وظل ينشر هذه الدعوة فى دأب وإصرار على مدى أكثر من أربعين عاما، وكان قد أنشأ فى مطلع الثلاثينيات جمعية أنصار اللغة العربية بكلية العلوم وقد نجحت هذه الدعوة وصاحب ذلك إنشاء مجلة (رسالة العلم) التى سرعان ما اجتذبت إليها الكثيرين المشتغلين بالعم ينشرون فيها بحوثهم ونتائج أعمالهم العلمية. باللغة العربية مع ترجمة المصطلحات العلمية. وقد رأس الفقيد تحرير هذه المجلة الرائدة عدة عقود وكان يكتب مقالها الافتتاحى كل ثلاثة شهور على مدى هذه السنوات الطوال. وقد تناولت هذه المقالات موضوعات على جانب كبير من الأهمية جادت بها قريحته الوقادة، منها على سبيل المثال : ثورة العلم ، تنظيم البحث العلمى فى مصر، العلم فى خدمة الاقتصاد القومى، البحث العلمى ومشروعات الإصلاح، التخطيط العلمى للوطن العربى، الجامعات بين البحث العلمى والتعليم، السباق الدولى فى البحث العلمى، الموارد العلمية فى البلاد العربية، تطور الفكر العلمى ومسايرة اللغة العربية، التعبئة العلمية، بعض اتجاهات البحث العلمى.
...(2/182)
ويجدر بى أن أشير إلى مقتطفات من كلمة الفقيد التى صدر بها أول عدد من رسالة العلم عام 1934م إذ قال: "ثم بدأت الطلائع الأولى تتخرج فى كلية العلوم حاملة علم الجهاد فى ميادين العلم والعرفان مؤدية واجبها نحو الوطن ونحو العلم، وكان لها أن تفكر فى إخراج صحيفة عامية تكون أداة اتصال بين الخريجين وترجمانا صادقا لبحوثهم ومختلف ميادين نشاطهم العلمى وأن تكون أداة لنشر العلوم بلغتنا القومية فإن لغة الدراسة بالكلية أجنبية ونحن نرجو مخلصين أن تتهيأ الظروف للغة العربية لتكون لغة العلم فى هذا البلد، ولعلى إذ أردد هذه الأمنية الصادقة من أعماق قلبى إنما أضرب على قيثارة شجية تترنم بها أفئدتنا جميعا فمن ذا الذى لا تردد مشاعره هذا الذى أرتجيه والذى آمل أن يحققه الزمن فى المستقبل القريب. فاللغة العربية إنما هى أمانة فى أعناقنا وواجبنا إنماء ثروتها العلمية". تلك كانت كلمة الفقيد منذ نحو ستين عامًا تنم ـ كما قال عنه المغفور له الأستاذ مصطفى نظيف ـ عن غيرة صادقة تحتشد فى صدره على العلم وعلى اللغة العربية وعلى الجامعة، صارت فيه طبيعة تشهد عليها تصانيفه وتآليفه باللغة العربية وسعيه المتواصل فى أن تكون هذه اللغة لغة العلم والتعليم فى الجامعة.
...(2/183)
وفى سبيل نشر الثقافة العلمية باللغة العربية اضطلع الدكتور منتصر بالإشراف على عدد كبير من الكتب السنوية ومجموعات المحاضرات والدراسات التى تنشرها الجمعيات والهيئات العلمية والاتحاد العلمى المصرى والعربى بما يقدر بأكثر من ثلاثين مجلدا ضخما، كما قام بنشر عدد من الكتب العلمية المبسطة والمقالات العديدة فى الصحف والمجلات لا فى مصر وحدها بل فى كثير من البلاد العربية. وقد نشرت له دراسات عديدة فى سلسلة اقرأ وتراث الإنسانية والثقافة والرسالة والعلوم وغيرها مما يجاوز بضع مئات، وما لو عنى بجمعه لملأ مجلداتٍ ضخمةً كتبها منذ فجر شبابه وحتى قبيل رحيله بأسلوب يتسم بالعمق والرصانة ويعكس ثقافة واسعة وقريحة وقادة.
... ومن بين الكتب التى تزيد على الثلاثين كتابا التى ألفها أو ترجمها أو راجعها كتب: العلم فى حياتنا اليومية (جزآن)، قادة العلم فى العصر الحديث (جزآن)، تاريخ العلم عند العرب، فجر الحياة، العلم الإغريقى، العلم وأصل الكائنات، الكشف والفتح، العلم والإنسان الحديث، الحياة على مر العصور، أصل الأنواع (جزآن)، العلم المصنوع من حولنا، الجنس البشرى يتطور.
...(2/184)
وللفقيد دور كبير فى نشر الاهتمام بتاريخ العلوم والإسهام مع الأستاذ الكبير المغفور له الأستاذ مصطفى نظيف فى إنشاء الجمعية المصرية لتاريخ العلوم وإصدار مجلة لها حَوَت العديد من المقالات والدراسات عن علماء العرب الأعلام والتراث العلمى العربى، وقد بدأت هذه الجمعية تعاود نشاطها فى السنوات الأخيرة وتنشر المحاضرات التى تلقى بها. وقد ألَّف الدكتور منتصر أول كتاب يعتدُّ به لتدريس تاريخ العلم بالجامعات وحمل على كتفيه فى تفان منقطع النظير الدعوة للاهتمام بهذا العلم وقام بتدريسه عدة سنوات من منطلق واع مستنير يرى فى دراسة تاريخ أسلافنا من العلماء العرب وأمجادهم فى العصور الذهبية للنهضة العلمية الإسلامية ما يحفز على بناء حاضر مجيد ومستقبل زاهر يعيد للأمة العربية سابق مجدها وعظمتها ، وفى سبيل دعوته للتعريف بالعلماء العرب ونشر أعمالهم كتَبَ وحاضر وأذاع العديد من الأحاديث والمقالات والمحاضرات فى المجلات والصحف المختلفة والإذاعة، وقد تُرجِم عددٌ كبيرٌ من أحاديثه تلك وأذيع ضمن الإذاعات الموجهة لتعريف الأجانب بالعلماء العرب وتجلية أعمالهم كما شارك فى وضع دليل ببليوجرافى لأعمال هؤلاء العلماء.
... أما نشاط الفقيد فى مجمع اللغة العربية والذى امتد سنين طويلة منذ انتخابه عضوًا به عام 1958م فتشهد عليه جهوده البارزة فى ترجمة المصطلحات العلمية، وقد أشرف وشارك فى ترجمة ألوف منها إبان عضويته فى لجان العلوم الطبيعية بالمجمع من فيزيقا ورياضياتٍ وكيمياءٍ وچيولوچيا وأحياء وطب فضلا عن عضويته فى لجنة ألفاظ الحضارة ولجنة المعجم الكبير ولجنة تيسير الكتابة ولجنة إحياء التراث العربى ـ كما اشترك فى ترجمة خمسةَ عشرَ ألفَ مصطلحٍ علمىٍّ إبان عمله أمينا عاما للاتحاد العلمى المصرى والعربى وشارك أيضا فى وضع قاموس يضم نحو خمسة وثلاثين ألف مصطلح أصدرته هيئة التدريب الفنى للقوات المسلحة.
...(2/185)
كما كان للفقيد إسهاماته فى أعمال مجلس المجمع ومؤتمراته. ومن إنجازاته تحقيق كتاب الشفاء لابن سينا، ومن الكلمات والدراسات التى ألقاها بالمجمع أو نشرها بمجلته: مشكلة المصطلحات العلمية والطريقة العلمية لحلها، التفكير العلمى الإسلامى، العلم وغزو الفضاء، حاجتنا إلى معجم علمى عربى، تطوير الفكر العلمى ومسايرة اللغة العربية له، وذلك بالإضافة إلى كلماته فى استقبال عدد من الأعضاء الجدد وكلماته فى تأبين من مضى إلى رحاب الخالدين.
... وإذا كان الدكتور منتصر قد أبلى أحسن البلاء فى هذا المحراب وعلى الصعيد الوطنى فقد امتد نشاطه إلى الساحة العربية، فقد اختارته الكويت فى أوائل الستينيات مديرا لجامعتها المنشأة فوضع لَبِنَتَها الأولى وأرسى قواعدها وعاد للوطن عام 1964م. ثم أرادت المملكة العربية السعودية أن تستفيد بخبرته الجامعية الواسعة فأعير إليها مستشارا لشؤون الجامعات بها عام 1975م ومضى بها بضع سنوات ليعود إلى المجمع ليواصل رسالته العلمية واللغوية، وإلى جامعة عين شمس ليعمل أستاذًا متفرغا بكلية العلوم بها إلى أن ودع الحياة.
...(2/186)
وعلى الساحة الدولية أيضا كان للفقيد نشاط كبير فهو عضو جمعية البيئة النباتية البريطانية وجمعية علم البيئة النباتية الأمريكية وجمعية تقدم العلوم الأمريكية وعضو الجمعية الدولية لعلم البيئة الصحراوية بالهند ومثَّل مصر فى العديد من المؤتمرات العلمية، فضلاً عن نشاطه على الصعيد القومى فهو عضو بالمجمع العلمى المصرى ورئيس سابق وعضو بالأكاديمية المصرية للعلوم والجمعية النباتية المصرية كما كان نقيبا للمهن العلمية لعدة سنين ورئيسا لجمعية خريجى كليات العلوم وأمينا عاما للاتحاد العلمى المصرى والعربى وللمؤتمرات والدورات العلمية التى ينظمها الاتحاد، كما شغل منصب الأستاذية بمعهد الدراسات الإسلامية وبمعهد الدراسات العربية. وقد نال الدكتور منتصر جائزة الدولة التقديرية عام 1987م وكان قد سبق أن نال جائزة التفوق العلمى عن كتابه "حياة النبات" عام 1938م.
... هذه صفحات ناصعة وضاءة من حياة فقيد المجمع المغفور له الأستاذ الدكتور عبد الحليم منتصر الذى كان ـ رحمه الله ـ أحد علمائنا الأعلام فى بناء النهضة العلمية والثقافية فى مصر على مدى نيف ونصف قرن كما كان فارسا من فرسان اللغة العربية وحماتها طالما شهدنا بعمق فكره وأصالة علمه وطلاقة لسانه ورواء بيانه. لقد مضيتَ أيها الفقيد العزيز هادئا إلى رحاب الخالدين ولا أحسبك ودعت الحياة إلا راضيا بعد أن قدمت لوطنك أجل الأعمال ونشَّأت أجيالا من أبنائك وأتباعك وحوارييك يترسمون خطاك ويسيرون على نهجك ويواصلون رسالتك الخالدة.
لعمرى لئن خَطَفتْك المنايا وَوَارتك تحت ظلام الحفر
فما زلتَ فى كل نفس تعيش عبيرًا زَكَا وضياءً غمر
رحمك الله رحمة واسعة وأنزلك منازل الصديقين والشهداء،
إنه نعم المولى ونعم النصير.
- - - - -
الدكتور محمود توفيق حفناوى (1)(2/187)
كان الفقيد العظيم الأستاذ الدكتور محمود توفيق حفناوى رائدًا بارزًا من رواد الحركة العلمية فى مصر، أبلى أحسن البلاء فى ميدان العلوم الزراعية، وأدى لوطنه أجلّ الأعمال، وأنشأ جيلا بل أجيالا من العلماء والزراعيين تفخر بهم مصر والعالم العربى.
عرفت الفقيد العظيم قرابة عشرين عاما ولكن معرفتى به توطدت وازدادت آصرة المودة والصداقة بيننا عاما بعد عام، وكان حينذاك قد أوصانى بابنه خيرا، والذى كان فى مستهل حياته طالبا بكلية العلوم يدرس علوم الحياة، ثم تخصص بعد ذلك فى دراسة علم الحشرات، وكان لى بمثابة الابن الروحى تعهدته بالرعاية العلمية والتشجيع المتصل لما لمسته فيه من مخايل الذكاء وصفاء الذهن والقريحة الوقادة، وكأنه صورة مصغرة من والده العظيم، وحصل ذلك النابغة على درجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الأولى، ثم تابع دراسته العليا معى، فحصل على درجة الماجستير ثم درجة الدكتوراه فى زمن قياسى، دليلا على نبوغه وتفوقه. ولا يمكن أن أصف فى كلمات كيف كان والده يتابع فى فرحة غامرة فلذة كبده وهو يدرج فى مدارج الرقى مرحلة إثر مرحلة، وكان يسألنى دائما عن مدى تقدمه كلما التقينا فى رحاب هذا المجمع، وكان يقول لى: إن ابنى توفيق هو الوحيد بين أبنائى الذى سلك الطريق العلمى والأكاديمى نفسه الذى مضيت فيه فى مستهل حياتى. وكان دائم الدعاء له بالتوفيق والسداد. ولم أره قلقا تنتابه الهواجس كما رأيته حين شد ابنه الرحال إلى نيروبى فى كينيا للعمل بالمركز الدولى لبحوث الحشرات وهو مركز يختار الصفوة الممتازة من شباب الباحثين النابغين، لللقيام بالبحوث العلمية فيه؛ لم أره قلقا كما رأيته فى تلك الأيام كأنه كان يقرأ صحف الغيب ويتوجس من شىء يخبئه القدر، وهو الذى امتحنه
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل تأبينه يوم الأربعاء 28 من ذى القعدة سنة 1397هـ، الموافق 9 من نوفمبر سنة 1977م. مجلة المجمع، العدد (40).(2/188)
ربه قبل ذلك بسنوات، حين فقد وحيدته وحبيبته فى كارثة من كوارث الطيران، فكانت نائبة كبرى من نوائب الدهر هدت من كيانه، وعصفت بكل أركانه.
وكان القدر امتحن هذا الشيخ المكلوم مرة أخرى منذ سنة وبضعة أشهر حين فقد قرة عينه، ولده النابغة الدكتور توفيق بعيدا عن الوطن فى نيروبى، فى حادثة أليمة من حوادث السيارات، وهو الذى رحل إليها بغية الاستزادة من العلم والمعرفة ـ ويعلم الله كم أخذتنا الحيرة ونحن نفكر مع أسرته الكريمة كيف ننقل خبر هذه الفاجعة الأليمة إلى الفقيد، وقلوبنا واجفة، ونحن نعلم شدة وقعها عليه كما نعلم كم كان هذا الابن أثيرًا لديه، بل كان أملَه المرتقب وأمنيتَه المبتغاة.
ولا أكون مبالغا إذا قلت : إن هذه النازلة التى نزلت بالفقيد قد عجلت بمنيته؛ فقد حطمت كيانه وقوضت بنيانه وأفقدته الرغبة فى الحياة وكان يردد بين الآن والآخر فى هذا المكان ونحن نتابع عملنا بالمجمع أنه برم بالحياة وسئمها، بعد الذى نزل به من ملمات ولم أكن أدرى وأنا أشد على يده قبيل وفاته أنى أودعه الوداع الأخير وأن هذه الروح الزكية الطاهرة ستمضى إلى بارئها بعد قليل لتصبح فى ذمة التاريخ ذكرى.
جرت عادة الدنيا بكل الذى نرى إذا لم يكن يومًا عن الخطب مبعد فصبرا وتسليما لكل ملمة وليس لها صرف لما تتعود(2/189)
ولد الفقيد فى الحادى والثلاثين من شهر مارس عام 1894م وتلقى أول تعليمه فى الكُتّاب شأن الكثيرين فى ذلك الزمان، ثم التحق بمدرسة الناصرية ليتلقى تعليمه الابتدائى، ثم بالمدرسة السعيدية ليتابع دراسته فى المرحلة الثانوية، وفى كلتا المرحلتين كان شديد الإقبال على درسه جادا فى عمله يزينه عقل راجح ورزانة بادية وكان متفوقا على أقرانه، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة الزراعة العليا، ساقه إليها ميل طبيعى نحو العلوم الزراعة، وتابع دراسته فى جد ومثابرة ومضى يرقى من سنة إلى أخرى لافتًا إليه الأنظار لنبوغه وتفوقه حتى حصل على دبلوم الزراعة العليا عام 1917م، وكان ترتيبه الأول بين زملائه من الخريجين فى ذلك العام. وبعد تخرجه عين بوزارة الزراعة، وقضى بها أربع سنوات بالوظائف الفنية بمصلحة البساتين إلى أن أوفد فى بعثة علمية إلى جامعة كمبردج بإنجلترا عام 1921م وهناك برزت مواهبه وتفتقت قريحته، وخلال السنوات الثلاث التى قضاها بتلك الجامعة العريقة بهر أساتذته بتحصيله، وسعة اطلاعه وخلقه، وحصل فى النهاية على درجة تربيوس فى العلوم البيولوچية بمرتبة الشرف الأولى عام 1924م، وهو العربى الوحيد الذى حصل على هذه المرتبة من هذه الجامعة على أرجح الأقوال.
وقد كتب أحد أساتذته بجامعة كمبردج يقول عنه : "كان طالبا ممتازا متمكنا أعظم تمكن من مادته، ذلك إلى جانب ما يملكه من قدرة وسعة تفكير يبلغان أعلى المستويات ".(2/190)
وعاد الفقيد بعد ذلك إلى الوطن فعين عام 1924م مدرسا للمواد البيولوچية والوراثية بمدرسة الزراعة العليا، ثم كبيرًا للأخصائيين بوزارة الزراعة (مصلحة البساتين) عام 1926م، وفى العام التالى عُيِّن أستاذًا مساعدًا لعلم النبات بكلية العلوم بالجامعة. وفى عام 1930م اختير لكفاءته البارزة ناظرًا لمدرسة الزراعة العليا، ولم تكن سِنُّه قد جاوزت السادسة والثلاثين بعد، وعندما انتظمت هذه المدرسة فى عقد الكليات الجامعية عام 1935م اختير الفقيد عميدا لها فكان بذلك أول عميد لكلية الزراعة بجامعة القاهرة، ولم تمض سنوات أربع حتى سعت إليه الوزارة فعين وزيرًا للزراعة ، وفى عام 1944م عاد إلى وزارة الزراعة مستشارا فنيا لها، ثم أهَّلَتْه مكانته العلمية الدولية وذيوع صيته كعالم زراعى من الطراز الأول إلى اختياره بعد ذلك مديرا إقليميا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة عام 1946م، وظل فى هذا المنصب الكبير أحد عشر عاما يشغله بجدارة واقتدار.
... تمرس الفقيد بالبحث العلمى والزراعى سنين طويلة، وأبلى فيه بلاء حسنا ونشر الكثير من البحوث القيمة؛ طرق فى بعضها آفاقا جديدة لم يسبقه إليها أحد فى مصر، وكان رائدًا فى أكثر من مجال من مجالات العلوم الزراعية، ويمكن القول دون مجاوزة للحقيقة إن أول بحوث علمية زراعية أجريت فى مصر بيد المصريين قد أجراها الفقيد؛ إذ لم ينشر أو يكتب قبله فى علوم الزراعة إلا مشاهدات أو مقالات أساسها الخبرة وليس العلم والبحث العلمى المدعم بالأرقام، وقد نشر أول بحوثه منذ نحو ستين عاما ولم يمض على تخرجه إلا مدة وجيزة مما يدل على تأصل روح العلم والبحث العلمى فيه.
...(2/191)
وبنظرة فاحصة لهذه البحوث يتبين أن الفقيد كان يضع يده على الموضوعات الزراعية البكر، وتناولها بالدراسة الجادة والتمحيص الدقيق وشق فيها دروبا جديدة للباحثين من بعده؛ فبحثه عن الفلورا المصرية الذى نشر فى عام 1922م هو أول ما كتبه مصرى لتعريف النباتات المصرية، وقد تبعه الكثيرون من الباحثين فى الفلورا المصرية التى لم يكن قد كتب عنها من قبل إلا قليل من الأجانب الزائرين، أمثال " دليل" إبان الحملة الفرنسية ثم " شوينفورت" ، و"سترا سبيرجر" منذ عشرات السنين، وقد تبع الفقيد الكثيرون فى تعريف النباتات المصرية مثل "أوليفر"، و "تاكهولم"، و"دارز"، و"حسيب" وغيرهم.
... كما أن استنباط الفقيد لنوع جديد من اللوبيا المنيعة على مرض الصدأ وهو أخطر الآفات التى كانت تقضى على المحصول فى بلادنا كان أول استنباط لمحصول فى مصر منيع لا تصبيه الأمراض، ذى صفات خاصة مطلوبة. وقد مضى الباحثون إثر هذا فى استنباط محاصيل عدة لها صفة المناعة فاستنبطت أنواع القمح المنيعة على الصدأ وأصناف القطن المبكرة التفتح وغير ذلك مما درّ على البلاد فوائد جمة، ووفر ملايين الجنيهات كانت تذهب هباء كل عام ضحية أمراض النبات.
...(2/192)
وفى مجال التعليم ـ تعليم العلوم الزراعية خاصة ـ كان الفقيد معلما ورائدا ومجددا من الطراز الأول فقد خص مدرسة الزراعة العليا بعنايته البالغة عندما ولى أمرها وعمادتها سنة 1930م، وبذل جهودا متصلة خلال سنين عدة لتطوير برامج الدراسة بها وأحوالها، وكانت الدراسة بهذا المعهد تكاد أن تكون مقصورة على المواد العلمية الزراعية والتطبيقية التى اكتسبت بالخبرة والتجربة وعلى القليل من العلوم البيولوچية الأصلية لذلك لم يجد الفقيد بدا من تغيير هذا الوضع بأكمله وأدخل من المواد والموضوعات ما هو ضرورى لتفهم العلوم الزراعية وإرسائها على أسس علمية رصينة وحديثة ومن بين هذه المواد والمقررات العلمية التى أدخلها الفقيد فى الدراسة لأول مرة، أو المواد التى عمل على تطويرها: مادة الأراضى والمخصبات، وكيمياء التغذية والكيمياء الحيوية والوراثة وتربية الحيوان والنحالة والصناعات الزراعية، وإنشاء وتنسيق الحدائق والنباتات الزهرية وتصنيف النبات، كما أنشا عددا من الأقسام الجديدة لهذه المواد وبذلك تحولت مدرسة الزراعة العليا إلى كلية زراعة حديثة تجرى البحوث العالية وتأخذ بأسباب العلوم الحديثة ، ولها من المقومات ما تواكب به مقتضيات العصر وتؤدى رسالتها نحو المجتمع على خير وجه.(2/193)
كما عنى الفقيد بتنشئة جيل قوى من العلماء فى شتى العلوم الزراعية بالتنمية الذاتية من ناحية وبإرسال البحوث إلى أوربا وأمريكا للتخصص فى العلوم الزراعية المختلفة، وبذلك أنشأ قاعدة علمية راسخة وسدَّ نقصا كبيرا فى بيئة التدريس والباحثين المؤهلين. وما من أستاذ من الأساتذة المرموقين بالكليات الزراعية أو فى معاهد البحوث أو الزراعيين البارزين فى مختلف القطاعات إلا تتلمذ على الفقيد. وقد أسهم هؤلاء بقسط كبير فى النهوض بالتعليم الزراعى وبالبحوث العلمية الهادفة نحو تدعيم ثروتنا الزراعية واقتصادنا القومى، وقد بلغ الكثيرون منهم مكان الصدارة بين العلماء والوزراء، وشغلوا مناصبهم بجدارة فائقة.
... كما أن الفقيد هو أول من أنشأ قسم الدراسات العليا لدرجتى الماجستير والدكتوراه بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، وقد تخرج فيه الكثيرون من المتخصصين فى مصر والبلاد العربية.
وعندما تولى الدكتور توفيق حفناوى وزارة الزراعة منذ ثمانية وثلاثين عاما أخذ يسوس أمورها بحنكة بالغة، ودراية كبيرة، وقام بأعمال مجيدة وإنجازات رائعة، كان لها أحسن الأثر فى تنمية ثروتنا الزراعية والحفاظ عليها. ويجدر بى فى هذا المقام أن أذكر بعضا منها :
... فقد لاحظ تدهور سلالات المحاصيل الزراعية، خاصة القطن، ووجد أن سبب ذلك هو زراعة السلالات المختلفة متجاورة ولذلك قسَّم الجمهورية إلى مناطق، وخصَّ كل منطقة بصنف من أصناف القطن يزدهر نموه فيها؛ وصدر تبعا لذلك قانون بتحديد مناطق زراعة أصناف القطن وذلك تفاديا لتدهوره وحفاظا على السلالات نقية دون خلط ميكانيكى أو تلقيح نباتى.
...(2/194)
كما عمل الفقيد على تحسين صفات الحيوانات المصرية من حيث كمية الإدرار والدسم واللحم، وخاصة فى الأبقار والجاموس، وذلك بتربية سلالات تحمل هذه الصفات؛ كما شجع البحوث لاستنباط أنواع من المحاصيل منيعة على الإصابة بالأمراض. وكان الفقيد من أوائل المفكرين فى زراعة الفاكهة فى الأرض الرملية فى مصر وإخراج هذه الأفكار إلى حيز التنفيذ، بإنشائه مزارع أنشاص والجبل الأصفر وغيرها، مما أضاف قدرا كبيرا إلى إنتاج الفاكهة وخاصة الحمضيات.
... كما درس الفقيد ما نحتاجه من المحصول الخشبى ووجَّه الأنظار إلى سد النقص من الأخشاب المحلية؛ فسن قانون الأشجار الخشبية مما أفاد البلاد فائدة كبيرة، وشجع البحوث لانتخاب الأصناف الصالحة للتصنيع. وكذلك استقدم الفقيد الكثير من النباتات الاقتصادية والتى لم تكن معروفة فى مصر إبان رحلته الشهيرة إلى إندونيسيا وسيلان عام 1933م، وكتب فى ذلك مع بعض معاونيه تقريرا قيما نشر عام 1935م. وقد ذيله ببيانات مستفيضة بأسماء النباتات التى استقدمها من هذه البلاد النائية من بلاد الشرق الأقصى، وقد أحصيت منها بضع مئات بين شجر وبذور، وقد كتب عن كل نوع وصفا موجزا للنبات ، تضمن فائدته والهدف من استقدامه واسمه باللغة اللاتينية، والتقرير مرجع علمى يعتد به عن نباتات هذه البقاع، وقد أفادت مصر منه فائدة علمية وعملية.
... وكان الفقيد من أوائل من نادوا باستخدام المياه الجوفية فى رىّ الحياض ريا صيفيا لاستكمال استغلالها فى زراعة محاصيل صيفية، بالإضافة إلى المحاصيل الشتوية التى تنتجها بالرى الحوضى.
...(2/195)
إنّ المجتمع الدولى قد قدّر الفقيد حق قدره لخبراته الزراعية الواسعة وعمله الغزير فانتُخب عام 1946م مديرا للمركز الإقليمى لدول الشرق الأوسط التابع لمنظمة الأغذية والزراعة، وهى إحدى المنظمات الدولية لهيئة الأمم المتحدة، وظل يشغل هذا المنصب أحد عشر عاما طاف خلالها ببلاد الشرق الأوسط، وأجرى دراسات رائدة عن نظمها الزراعية، ويسر لها الكثير من أمورها؛ وسرعان ما انضمت هذه البلاد إلى المنظمة الدولية وحصلت بجهوده على خدمة الأخصائيين لها ، وقد فتح الباب على مصراعيه للعلماء والمتخصصين للعمل فى هذه البلاد واكتساب الخبرات بها، وإفادتها فى الوقت نفسه من تجاربهم وخبراتهم. كما جعل الفقيد مدينة القاهرة مقرا للمركز الإقليمى للمنظمة الدولية، مما أتاح لها أن تكون الإشعاع الزراعى لمنظمة الشرق الأوسط.
... وإبان عمل الفقيد فى هذا المركز الدولى للأغذية والزراعة كان مما يشغل باله الزيادة المطردة فى عدد السكان، مع ضيق الرقعة الزراعية فى مصر؛ فاتجه اهتمامه إلى موضوع تنظيم النسل كأحد الوسائل التى تساعد فى حل هذه المشكلة، مستهدفا تحقيق مستوى معيشى مناسب لأفراد الشعب، وكتب فى ذلك كثيرا، كما ألقى محاضرة فى هذا الموضوع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بدعوة منها فى الثانى من فبراير عام 1951 عنوانها "هل الإصلاح الاجتماعى يحتاج إلى تنظيم النسل فى مصر؟" وقد نشرت هذه المحاضرة فى كتيب قيم استعرض فيه المحاضر زيادة النسل فى العالم، والإنتاج العالمى من الغذاء وكفايته ثم تناول الموقف فى مصر والإنتاج المحلى والرقعة الزراعية وكفاية المحصول، وبعد ذلك عالج الموضوع اقتصاديا واجتماعيا وركز على ضرورة تنظيم النسل، واقترح الحلول العملية المناسبة لذلك.
...(2/196)
لقد شرف الفقيد الكريم بعضوية هذا المجمع الموقر ـ مجمع الخالدين ـ عام 1962م وقد استقبله فى ذلك الحين رائد عظيم من رواد الأدب والشعر هو المغفور له الأستاذ عزيز أباظة، ويطيب لى أن أنقل هنا سطورا من كلمته الرائعة فى وصف الفقيد؛ إذ قال : "إنه رجل أسنى الله حظه من قوة الحجة ومن سداد المنطق، يلقى بحجته الفاصلة هادئا كأنما هى حجة داحضة، ويصدع بمنطقه المستحصد مخافتا، ويظفر بالدليل من أقرب سبيل ، ثم يدفع به إلى صميم مستقره دون ما انشغال بالحواشى أو تحف بالفضول كل ذلك فى غير تظاهر أو دعوى ".
... ثم بعد ذلك قال مخاطبا الفقيد: " إن المجمع حين آثرك فضمك إليه كان على بينة من أنه يشد أزره منك برجل لغة ونحو وبلاغه وأدب، وكان على بينة أيضا ، وذلك على خلاف ما استقر فى أذهان العامة، من أن هذه المجامع ليست مقصورة على خلفاء الأصمعى وأبى عبيدة وسيبويه، ولكنها تقوم على جهود هؤلاء تظاهرها وتظافرها جهود العلماء فى ألوان العلوم كافة. ومن أجل ذلك لن يشق عليك المجمع ولن يكلفك أن تبسط له علمك ديابيج الجاحظ وعبد القاهر، ولكنه مقتضيك أن تحيل معارفك إلى معان واضحة، وذلك هو أسلوب العلماء ".
... ومنذ ذلك التاريخ وطوال خمسة عشر عاما إلى أن وافاه الأجل المحتوم ظل الفقيد العزيز يعمل فى لجان المجمع وجلساته ومؤتمراته فى همة لا تعرف الكلل، وقلما تخلف يوما عن اجتماعات لجنة علوم الأحياء والزراعة، التى كان فيها الركن الركين والرأى الصائب والفكر السديد وخاصة فى مصطلحات النبات والزراعة، لخبرته الواسعة وعلمه الغزير فى هذا المجال، وكنا نستعجل لقاء الأربعاء لنسعد بالاستماع إليه والإنصات له فقد كان رحمه الله حلو المعشر كريم الصحبة، نبيلا بكل معنى الكلمة، عالما بكل معنى العلم.
... ...(2/197)
وقد قامت لجنة علوم الأحياء والزراعة التى شرفنا بصحبته فيها ـ قامت بفضل جهوده وتوجيهاته بإنجاز نحو عشرة آلاف مصطلح فى علوم الحيوان والنبات والوراثة والزراعة، أضيف إلى هذا ما كان يحول للجنة من أسماء النبات والحيوان التى ترد بالمعاجم اللغوية التى يصدرها المجمع كالمعجم الوسيط والمعجم الكبير.
... وكان رحمه الله دائم البحث فى القرآن الكريم لتحقيق أسماء النباتات الواردة فيه ويحاول معرفة مدلولها فى العلم الحديث كما كان كثير الرجوع إلى دوائر المعارف وأعمال المستشرقين للاستزادة من المعرفة فى العلوم البيولوچية وتقصى الحقائق العلمية... وجمع طوال حياته مكتبة عامرة بالكتب والمراجع العلمية والمعاجم اللغوية ، ومنها أمهات الكتب القديمة فى علوم النبات والزراعة، وقد تفضل رحمه الله بإهداء بعض هذه الكتب إلى مكتبة المجمع، كما زخرت مكتبة الفقيد بكتب أخرى كثيرة فى مختلف العلوم والآداب والفنون، فقد كان قارئا مستوعبا ممتازا، وكان يطرق فى حديثه معنا أبوابا كثيرة من المعارف الإنسانية.
... ومنذ نحو أربع سنوات كتب كتابا عن "مصر والعرب عبر التاريخ"، ضمنه لمحات تاريخية وبيولوچية، وكان يعتقد أن التاريخ كان فى أول أمره سردا لفتوحات الملوك ومغامرات القواد، ثم أخذ المؤرخون يفسرون التاريخ بالنظريات الاقتصادية وهو اتجاه صحيح، ولكن هناك عوامل كثيرة أثرت فى التاريخ، وغيرت من اتجاهاته فهو يقول : يعرف الذين درسوا بإعجاب معارك الإسكندر ونابليون وجنكزخان أن البعوضة أو البرغوت أو القمل بما نقلته من أمراض مميتة من أوبئة فتكت وقتلت من الناس والمحاربين أضعاف ما قتله هؤلاء القواد العظام مجتمعين، وغيرت مجرى الحروب وبالتالى مجرى التاريخ.
...(2/198)
وبالكتاب عرض لما كان للمصريين من فضل فى ابتكار التحليل النفسى والعلاج النفسانى، قبل ظهور فرويد بمئات السنين، كما تناول الكتاب موضوع اختلاط المصريين بالعرب ونتائج هذا التهجين، وبالكتاب لمحات تاريخية أخرى غاية فى الطرافة تعكس اهتمامات الفقيد بمختلف المعارف الإنسانية.
... وقبل أن تدركه المنية بنحو عامين ناقش الفقيد معنا فى لجنة علوم الأحياء والزراعة فكرة هو صاحبها، وهى أن طلابنا فى المعاهد والجامعات فى حاجة ماسة إلى معجم بيولوچى وسيط على غرار معاجم بنجوين، يتداولونه ويستعملون منه مصطلحات صحيحة أقرها المجمع فى علوم الأحياء والزراعة. ولما عرضت هذه الفكرة ـ فكرة إنشاء معجم من هذا النوع ـ على مكتب المجمع وافق عليها، وقد بدأ العمل لتحقيقها فعلا وتأمل اللجنة أن يتم إنجاز هذا المشروع الذى اقترحه الفقيد فى وقت ليس ببعيد(1).
... ويجدر بى أن أشير هنا فى هذا المقام إلى أن اهتمام الفقيد بترجمة المصطلحات العلمية وتعريبها ووضع المقابلات الصحيحة لها باللغة العربية يرجع إلى أمد بعيد، فمنذ أكثر من خمسين سنة عندما عاد الفقيد من البعثة عام 1924م وبعد تغيير الدراسة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية فى مدرسة الزراعة العليا قام بترجمة المصطلحات العلمية الإنجليزية ونقلها إلى العربية، وألف كتابين فى علم الحيوان وفى علم النبات باللغة العربية؛ فكان رحمه الله من أوائل من كتب عن هذه العلوم باللغة العربية فى معاهدنا العلمية.
__________
(1) تم بعد ذلك إنجاز هذا المعجم بجزأيه.
...(2/199)
وقد امتد نشاط الفقيد إلى بعض الهيئات والجمعيات العلمية فى مصر؛ فكان عضوا بالأكاديمية المصرية للعلوم ورئيسا لها، وعضوا بالمجمع المصرى للثقافة العلمية، كما انتخب رئيسا للجمعية المصرية لعلم الحشرات عام 1940م، وقد ظل فى رئاسته للجمعية قرابة عشرين عاما، وكان كذلك من الرعيل الأول الذى أسس أول مجلس للبحوث العلمية فى مطلع الثلاثينيات، والذى تحول بعد ذلك إلى المركز القومى للبحوث، أكبر قلعة للبحث العلمى فى مصر فى الوقت الحاضر، كما اشترك فى الكثير من المؤتمرات العلمية المحلية والدولية، وأسهم فيها بعلمه وخبرته.
... وهكذا كان الفقيد ممن أرسوا قواعد النهضة العلمية فى مصر وسار بها شوطا بعيدا نحو التقدم، كما كان له دور كبير فى النهوض بثروتنا النباتية، وجهود رائعة مذكورة فى الميدان الزراعى فى مصر بالفضل والسبق والريادة فهو أبو الزراعيين بحق وعميدهم وإمامهم.
... إذا كان سجل أعمال الراحل الكريم زاخرا هكذا بهذه الصفحات الناصعة الوضاءة، وإذا كان تاريخ الزراعة فى مصر حين يكتب سيكون الفقيد من معالمه الشاخصة ودعائمه الراسخة، فإنه أيضا كان ذا خلق عظيم. ... كان طيب القلب دمث الطبع، رفيع النفس رقيق الحاشية عف اللسان، سمحا فى قوله وعمله، سمحا فى لقائه وحديثه، سمحا فى الشدائد؛ امتحن فى فلذة كبده فصبر وامتثل لقضاء الله ، امتحن حين عصفت به المقادير واستُولى على أرضه التى فلحها وأصلحها وسواها وأنفق عليها كل ماله وجل معاشه فصبر، وامتثل لما خبأه له القدر وكان شديد الإيمان بالله وبما قسم له.
أستاذى الفقيد العظيم:(2/200)
لقد مضيتَ هادئا إلى الرفيق الأعلى كما كنتَ هادئا فى حياتك؛ ولا أحسبك ودعت الحياة إلا راضيا ، بعد أن قدمت لوطنك جلائل الأعمال، ونشَّأْتَ أجيالا من أتباعك وحواريِّيك يترسمون خطاك ويسيرون على نهجك ويواصلون رسالتك الخالدة، ولن ننسى أيها الراحل العزيز أنك كنت لنا فى هذا المحراب إشعاعا وإشراقا، نتحلق حولك ونستمتع بطلاوة حديثك، وعمق فكرك وأصالة علمك ورجاحة عقلك.
رحمك الله رحمة واسعة، وأنزلك منازل الأطهار والأبرار.
- - - - -
الدكتور سليمان حزين (1)
فقدت مصر والمجتمع العلمي والثقافي قمة من قممنا العلمية الشامخة ورائدًا من رواد ذلك الجيل الأشم - جيلِ العمالقة الذى أسهم فى بناء النهضة العلمية والثقافية فى مصر ودفع حركتَها خطواتٍ فسيحةً إلى الأمام على مدى خمسة وستين عامًا من حياته العلمية التى زخرت بأروعِ الإنجازات وأجلّ الأعمال، أداها بهمة منقطعة النظير حتى آخر يوم فى حياته - بذل الكثير من عصارة فكره وعلمه لتنشئة جيل بل أجيال من شباب العلماء ينتشرون فى كل رجًا من الأرجاء. وستظل بحوثُه ودراساتُه ومقالاتُه التى ربت على الخمسمائة فى مجالات العلم والثقافة شاهدًا على عمق فكره وسعة أفقه ورجاحةِ عقله كتبها بلغة عربيةِ وأجنبيةٍ يملك ناصيتَها دبَّجَها ببراعة فى مُكنة واقتدار- كان فى ذلك كله نسيجَ وحدِهِ بين العلماء ورواد الثقافة المعاصرين لا فى مصر وحدها بل فى الوطن العربى قاطبةً. إنه العالم الموسوعى المغفوُر له - بإذن الله - الأستاذ الدكتور سليمان حزين عميدُ الثقافة العربية وإمامُ الجغرافيين فى مصر وشيخُهم المعلى فى الوطن العربى.
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل تأبينه فى يوم الاثنين 7 من ذى الحجة سنة 1420هـ، الموافق 13 من مارس سنة 2000م مجلة المجمع، العدد (92).(2/201)
عرفت الفقيدَ العظيمَ منذ ثلاثة وستين عامًا سنة ست وثلاثين وتسعمائة وألف (1936م) - كان قد عاد منذ قليل من بعثتِه بإنجلترا بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة مانشستر عام ألف وتسعمائة وخمسة وثلاثين (1935م) - كان شابا فى السابعة والعشرين من عمره متوقد الذكاء يتدفق نشاطًا وحيوية حضر إلينا فى كلية العلوم لنشارك معا فى رحلة إلى اليمن كنا نعد العدةَ لها ، وكان ـ رحمه الله ـ قد حصل على منحةٍ من جامعة القاهرة للسفر إلى اليمن لدراسة تضاريسها وصخورِها ولإثبات نظريةٍ كان قد توصل إليها إبان دراسته لدرجة الدكتوراه، وكان هدفُنا نحن من هذه الرحلة التى استمرت سبعةَ أشهر هو دراسةَ الفونة الحشريةِ باليمن واستجلاءَ نظريةٍ عن هجرة الجراد الصحراوى الذى يغير على مصر والأقطار العربية من هذه المناطق النائية.
تعددت اللقاءات مع الفقيد قبيلَ الرحلة وبعدها وكنا متقاربين فى السن وازدادت آصرة المودة بيننا عندما عملنا معا فى هذا المجمع العريق نسوس أمورَه معًا قرابةَ أربعين عامًا حتى قبيل رحيلِه وانتقالِه إلى جوار ربه مع الصدِيّقين والشهداء، وقد عرفت خلال هذه السنوات جوانبَ من شخصيتِه الفذةِ والخَيّرة وعلى فكرِه الثاقب وبصيرتِه النافذة وما حباه الله من نفحة من علمه وقبسٍ من نوره رفعاه إلى مصاف الرواد والمفكرين العظام وعلماء مصر الأعلام.
مولده ونشأته:(2/202)
وُلد - رحمه الله - فى الرابع والعشرين من شهر مايو عام ألف وتسعمائة وتسعة (1909م) على ضفاف النيل فى مدينة وادى حلفا حيث كان والدهُ يعمل فى حقل التعليم، ولم يلبث الأبُ أن عاد إلى قريتهِ (الوفائية) مسقطِ رأسه فى محافَظِة البحيرة ومعه الصبىُّ سليمان لينشأ فى ريف مصر يتفيأ ظلالَه ويعيش بين مروجه الخضراء ويتنفس عطرَه وأريجَه – ثم يلتحقُ بكُتَّاب القرية ويحفظُ على يد الشيخ عبد الله شيحة ما تيسر من القرآن الكريم ويتعلمُ مبادئ علم الحساب وقواعدَ اللغة العربية، وكان اتجاهُ الأسرة وقد لمست فى ابنها النجابةَ وبدت عليه مخايلُ الذكاء أن يسلك طريقَ الأزهر ليكون بين علمائه فى قابل الأيام – ولكن الفتى آثر التعليمَ العام فيلتحقُ بالمدرسة الابتدائية وتتفتحُ ملكاتُه ويحصلُ على الشهادة الابتدائية بتفوق ثم يمضى إلى مدرسة طنطا الثانوية ليلتقى بأساتذةٍ فى اللغة علماء، بينهم الشيخُ محمد هاشم عطية والشيخُ أحمد خاطر فيزدادُ شغفًا بلغة القرآن ويُقبلُ على آدابها شعرًا ونثرًا ليحفظَ منه الكثيرَ ويحاولُ فى هذه السن الباكرة أن يكون شاعرًا – ولكنه انصرف إلى دراسته وحصل على شهادة البكالوريا عام خمسة وعشرين وتسعمائة وألف (1925م)، وكانت الجامعةُ المصريةُ فى صورتها الجديدة (الحكومية) قد أنشئت وفتحت كليةُ الآداب بها بابَ القبول لأول دفعة من الطلاب فيعزفون عنها فمستقبلُ خريجها مجهول، ولكن سليمان يكون ثانَى اثنين يغامران بالالتحاق بها فقد تحركت فيه روحُ الشاعر القديم التى تتطلع دائمًا إلى ما وراء الأفق وتَبعه بعد ذلك فئةٌ أخرى من الطلاب.
حياته العلمية بالجامعة وريادته للثقافة العربية:
يتابع الفقيدُ حياتَه العلمية بكلية الآداب بجامعة القاهرة فى قسمين من أقسامها هما قسم الجغرافيا (والعلوم السياسية)، وقسم الاجتماع(2/203)
(والدراسة الفلسفية) وأتم دراستَه بالقسمين فى آن واحد وحصل على ليسانس الآداب فى الجغرافيا فى يوليه 1929م وليسانس الآداب فى الاجتماع فى سبتمبر من نفس العام وكلاهما بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، و فى أثناء دراستِه كان كثيرَ التردد على قسم اللغة العربية - اللغةِ التى يعشقها - وتنشأ بينه وبين عميدِ الأدب العربى مودةٌ ويصبح من مريديه والمقربين إليه. وبعد تخرجه توفده جامعة القاهرة فى بعثةٍ علميةٍ إلى إنجلترا فى يولية 1930م حيث حصل على درجة الماجستير من جامعة ليفربول عام 1933م وعلى درجة الدكتوراه من جامعة مانشستر عام 1935م. ومن هذه الجامعة حصل على جائرة ومنحة لانجتون لدراسات ما بعد الدكتوراه. وكان المصرى الوحيدَ الذى يحصل على هذه الجائزةِ والمنحة المتميزةِ وقدُرها (1000) ألفُ جنيهٍ إسترلينى سنويًّا لمدة ثلاث سنوات.
واستمرت دراستُه فى البعثة العلمية خمسةَ أعوام ونصف العام فى جامعات إنجلترا وفرنسا وألمانيا والنمسا وتوطدت صلاتُه العلميةُ مع عدد من العلماء فى هذه الجامعات.
وما إن عاد رحمه الله إلى أرض الوطن حتى عين مدرسًا بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وكان كالعهد به طلقَ اللسان والبيان وطرازًا فريدًا فى الدرس والتدريس - وحين أنشئت جامعةُ الإسكندرية وقع عليه الاختيارُ لإنشاء قسم الجغرافيا بها وكان أولَ رئيسٍ له، وبعد ثلاث سنوات فى عام 1950م يعين مديرًا عامًّا ثم وكيلَ وزارة للثقافة بوزارة المعارف فينهضُ بإدارتها نهضةً شاملة ويوطدُ علاقات مصر الثقافية بالبلاد العربية والعالم الخارجى بفضل ما عُرف عنه من سعةِ الأفق وعمقٍ فى الفكر وسدادٍ فى الرأى.(2/204)
ويكونُ من حظ التعليم الجامعى أن يعودُ الدكتور حزين إلى ميدانه مرةً أخرى حين يُعهد إليه بإنشاء جامعة أسيوط ويعينُ مديرًا لها عام 1955م وظل بها عشَر سنوات متصلةٍ ينميها ويطورُها بعد أن بدأت الدراسةُ بها عام 1956م حتى استقرت وتبوأت مكانتَها بين زميلتيها بالقاهرة والإسكندرية حاملةً مشعلَ العلم والثقافة فى صعيد مصر.
حين يؤرَّخُ للتعليم الجامعى وللثقافة العربية فسيكون الدكتورُ حزين من قممها الشامخة ومعالمها البارزة فقد تعددت أعمالُه الإنشائيةُ العلميةُ والثقافيةُ الرائدة على الصعيدين القومى والدولى فقد أنشأ المركزَ الثقا فى المصرى فى بريطانيا وكان أولَ مديرٍ له عام 1943م بلندن، كما شارك فى الدراسات الخاصة بإنشاء هيئة اليونسكو والتى عقدت فى لندن وباريس عام 1944م ثم إنشاءِ المركز المصرى للثقافة العربية والإسلامية بمدريد عام 1950م و فى عام 1947م كان مؤسسًا مشاركًا لكل من متحفِ الحضارةِ المصرى بالقاهرة ومعهدِ الدراسات السودانية (حاليًّا معهد الدراسات الإفريقية) بجامعة القاهرة.
كما قام الدكتور حزين على شؤون التعاونِ الثقافى بين مصر والدول العربية و فى مقدمتها المملكةُ العربيةُ السعودية والكويتُ، وله دورٌ تاريخى فى بناء الثقافةِ العربيةِ. وفى عام 1965م يختارُ وزيرًا للثقافة فيسوس أمورَها فى مكنة واقتدار ويضفى عليها الكثير من خبرِته الواسعة.
ولا يكاد الدكتور حزين يتركُ الوزارة حتى تسعى إليه هيئةُ الأمم عرفانًا بفضله وغزير علمه فتسند إليه إدارة المركز الديموغرافى بالقاهرة (1968 – 1980م) وهو المركزٌ المتخصصٌ فى بحوث ودراسات السكان فى دول إفريقيا والشرق الأوسط فنهض بالأمانة على خير وجه وأبلى فيه أحسن البلاء على مدى سنين عددا.
نشاطه فى الجمعيات والهيئات العلمية:(2/205)
وقد امتد نشاط الدكتور حزين إلى العديد من الهيئات والجمعيات العلمية التى سعدت برئاسته مثل المجلس الأعلى للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية (1954م) والاتحاد الأفروأسيوى للجغرافيين (1956م) والاتحاد الجغرا فى العربى (1962م) واللجنة الدائمة للشؤون الاجتماعية بجامعة الدول العربية لمدة (20) عشرين عامًا متصلة (1956 – 1976م) أو سعدت بعضويته مثل مجمع البحوث الإسلامية مند إنشائه (1961م) والمجلس الأعلى للثقافة.
وجدير بالذكر أن الدكتور حزين تبرع بمكتبته للجمعية الجغرافية أقدم الجمعيات العلمية فى مصر (1875م) بعد المجمع العلمى المصرى ورأسها سنوات طويلةً ونهض برسالتها العلمية والثقافية حتى غدت صرحا شامخًا للدراسات والبحوث الجغرافية.
كما رأس المجمعَ العلمىَّ المصرىَّ أقدم المجامع العلمية فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية (1798م) وامتدت رئاستُه لهذا الصرح العلمى العريق (35) خمسةً وثلاثين عامًا حتى يوم رحيله، وقد عمل رحمه الله على رفعته وتطويره وتحسين مبناه وتجديد مرافقه وتوثيق مكتبته الضخمة بالحاسب الآلى وأضفى عليه من شخصيتهِ الفذةِ المعطاءة وعلمِه الغزير وثقافتِه الواسعة ما جعله اليومَ درةً لامعة بين المجامع والجمعيات العلمية والثقافية فى مصر ينشر نورَ العلم ويعلى منارَه منذ نشأته حتى اليوم وذلك بفضل جهوده وجهود أعضائه من علماء مصر الأعلام.
وهناك هيئتان كبيرتان كان فيهما ـ رحمه الله ـ قطبا وفارسَ ميدان هما مجمعُ اللغة العربية والمجالسُ القومية المتخصصة – ففى مجمع الخالدين كان مقررًا للجنة مصطلحات الجغرافيا ومقررًا للجنة التربية وعلم النفس وقد أشرف فيهما على دراسةِ الآلاف من المصطلحات ووضعِ المقابلات العربيةِ لها وشروحِها - وتجلت قدرتُه فى هذا المجال فى صوغِ المصطلح العلمى صوغًا دقيقًا ساعده فى ذلك حصيلتُه الفائقة من اللغات العربية والإنجليزيةِ والفرنسية.(2/206)
و فى المجالس القومية كان مقررَ المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى منذ نشأته عام 1974م ورئيسًا لشعبة الثقافة بالمجلس القومى للثقافة وقد أدى فيهما أجلَّ الخِدمات بعلمه وريادته وترك بصماتٍ واضحةً ومؤثرةً فى تأصيلِ وتطويرِ التوجيه العلمى الإستراتيجى فى مصر، وكان يقودُ كافَّة أعمالِ تلك النخبةِ المتميزةِ من علماء مصر وأساتذتها أعضاء المجلس وشُعبِه المختلفة.
بحوثه ومؤلفاته ومدرسته العلمية:
وقد أثرى الدكتور حزين المكتبةَ العلمية بالعديد من المؤلفات التى زادت على مائةِ مؤلفٍ علمى باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية منشورةً فى العديد من المجلات والدوريات والمؤتمرات العلمية الدولية فى مصر والخارج والتى بلغت نحو مائةِ مؤتمر، ودلت هذه البحوث والمؤلفات على المدى الذى ذهب إليه ـ رحمه الله ـ فى خدمة العلم وطلابه وقدم من خلالها ربطًا فريدًا بين الدراسات الجغرافية الطبيعية والدراساتِ الجغرافية البشرية وحقق بأسلوبه هذا تكاملا علميًّا وبروزًا حضاريًّا وخدماتٍ مثلى للدارسين - وهو صاحبُ مدرسةٍ فى البحوث والدراسات الجغرافية بدأ نشرُها منذ عام 1936م وعلى مدى 60 عامًا هذا عدا المئات من الأحاديث والمقالات والمحاضرات التى نشرها أو ألقاها وأثرى بها حياتَنا الفكرية وعالج فيها الكثيرَ من مشكلاتنا القومية وقضايانا العلمية والاجتماعية والثقافية، عالجها بحكمته البالغة وفكره المستنير.
ومن أبرز مؤلفاته:
1- نشأةُ الحضارة فى مصر (1939م).
2- مكانة مصر فى حضارات عصر ما قبل التاريخ (1941م) وهو مؤلف ضخم يقع فى 500 صفحة ويعد من كتب العيون بالنسبة للباحثين والدارسين وكان لهذا الكتاب أثرهُ الواضحُ فى أن يحتل صاحبُه مكانتَه البارزةَ بين علماء ما قبل التاريخ، وكان الفقيد قد ضمّن هذا المؤلفَ ما توصل إليه من نتائج عندما قام بحفائرِ للكشف عن آثار ما قبل التاريخ فى الفيوم (1937- 1939م).(2/207)
3- بحثٌ عن تطورات المناخ فى شبه جزيرة سيناء.
4- بحثٌ عن نهر النيل وتطوره الفيزيوغرافى - ذلك النهر الخالد الذى عشقه وكتب عنه الكثير وعن أثرِه فى الحضارة المصرية.
5- مؤلفٌ عن حضارة مصر - أرض الكنانة ويقع فى 327 صفحة (1991م).
6- مؤلف عن أرض العروبة : رؤيةٌ تاريخيةٌ فى الزمان والمكان ويقع فى 402 صفحة (1993م).
7- ومؤلفٌ آخر ضخم عن مستقبل الثقافةِ فى مصر العربية ويقع فى 532 صفحة (1994م).
هذا عدا العديد من مؤلفات وبحوث أخرى جغرافيةٍ وتاريخيةٍ لها قيمتُها العلميةُ البالغة، أورد منها 27 مؤلفًا فى سيرتِه الذاتية العطرة.
ولبحوثه وإنجازاته الرائدة ومكانته العلمية البارزة نال العديدَ من الجوائز أبرزُها جائزةُ الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 1971م وعلى أوسمةٍ من مصر والأردن وسوريا والعراق وفرنسا إذ تجاوز فى آثاره ونظرياته الجديدة نطاقَ وطنهِ فنال تقديرَ الهيئات العلمية العالمية وارتفع بعلمه إلى مصاف العلماء الأفذاذ.
إذا كانت حياةُ الراحل الكريم المغفورِ له الأستاذِ الدكتور سليمان حزين عميدِ الجغرافيين والثقافة العربية حافلةً هكذا بصفحاتٍ ناصعةٍ وضّاءةٍ تعكس أعمالَه ومنجزاتِه العلميةَ الباهرة فإنه أيضًا كان على خلق عظيم. كان طيبَ القلب دمثَ الطبع رفيعَ النفس رقيقَ الحاشية سمحًا فى قوله وعمله سمحًا فى لقائه وحديثِه كان خيّرًا وصالحًا وكريمًا يتمسك بالدين وذا ثقافةٍ إسلامية واسعة.
أيها الراحل الكريم:
لقد مضيت هادئًا إلى الرفيق الأعلى ولا أحسبك إلا راضيا بعد أن قدمت لوطنك أجلَّ الأعمال ونشّأت أجيالا من أبنائِك وحوارييك سوف يترسمون خطاك ويسيرون على نهجك ويواصلون رسالتك الخالدة. ولن ننسى أنك فى هذا المحراب كنت إشعاعًا وإشراقًا يتحلق حولك كوكبة من تلاميذك وزملائك يسعدون بطلاوة حديثِك وعمقِ فكرِك وثقافتك الواسعة. ويطيب لى فى هذا المقام قول شاعر كريم فى راحل عظيم وأقول :(2/208)
أرحلت حقًّا عن مجالس علمنا كيف الوداعُ وأنت باق بيننا كنت الحديثَ العذبَ فى أعماقنا قد مجدوا فيك الأصالة والنهى وعزيمةً جبارةً وزكانةً ... كلا لذلك لن أقول وداعًا علمًا أصيلا قد بَنَيْتَ قلاعًا نهفو إليه نمتع الأسماعا وخلائقًا علويةً وطباعا لماحة وتوقدا لماعا
رحمك الله أيها الراحل العظيم رحمةً واسعة وطيب ثراك ورضى عنك وأرضاك، فقد كنت فى الحياة نورًا يهدى الناس سواء السبيل، ستظل فى الممات ذكرى تنفع المؤمنين.
الدكتور عبد العظيم حفنى صابر (1)
نحن اليوم أمام ذكرى عالم من علماء المجمع الأعلام ودعته مصر منذ أيام ذلكم هو المغفُور له الأستاذ الدكتور عبد العظيم حفنى صابر رائدُ العلوم الصيدلية فى مصر والعالمِ العربى – مضى إلى الرفيق الأعلى بعد أن أبلى فى حياته الدنيا أحسن البلاء وأدى لوطنه وللعلم والمجمع والجامعة أجلَّ الأعمال والمنجزات على مدى نيف وستين عاما بذل خلالها الكثير من عصارةِ فكره وعلمِه ليثرى معارفنا عن علوم الصيدلة وعن النباتات الطبية والعقاقير، وأخذ بيد الطلائع من شباب علمائنا لتنشئة أجيال منهم تفخر بهم مصرُ اليوم وتزهو – وحين يؤرَّخ لعلوم الصيدلة فى مصر فسيكون الدكتور حفنى صابر من معالمها البارزة ورموزها الشاخصة – ولاشك أنه كان بين معاصريه من علماء الصيدلة أرسخَهم قدما وأعمقهم أثرا وأغزرهم معرفة وعلمًا.
عرفت الفقيدَ العزيز منذ نحو خمسين عاما حين كان رئيسا للاتحاد العام لطلاب جامعة فؤاد الأول وكنتُ رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بالاتحاد ورئيسا لاتحاد كلية العلوم بالجامعة – وقد أدت طبيعة العمل المشترك بالجامعة إلى توثيق آصرة المودة بيننا وازداد رباطنا فى رحاب الجمعيات والمؤتمرات العلمية وفى هذا المحراب على مدى سنوات عديدة كان خلالها مثلا يحتذى فى العطاء والخلق الرفيع والقدوة الصالحة.
__________(2/209)
(1) من كلمة ألقيت فى حفل تأبينه يوم الاثنين3 من المحرم سنة 1420هـ، الموافق 19 من أبريل سنة 1999م. مجلة المجمع، العدد (89).
ولد الفقيدُ فى إحدى قرى مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية فى السابع عشر من يناير عام 1908م ، وفى كتّاب القرية تعلم القراءة والكتابة وحفظ جزأين من القرآن الكريم ثم تابع دراستَه الابتدائيةَ بمدرسة محمد على بالقاهرة، وبعد أن أنهى هذه المرحلةَ التحق بالمدرسة الخديوية وحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية عام 1925م وكانت جامعة فؤاد الأول قد فتحت أبوابها فى ذلك العام لاستقبال الطلاب بعد تطويرها فبادر الفقيد بالالتحاق بكلية العلوم بالدراسة الإعدادية لكلية الطب لمدة عام ينتقل بعدها إلى كلية الطب لدراسة علوم الصيدلة ولم تكن لعلوم الصيدلة كلية مستقلة كما هو الحال الآن، وقد تابع دراسته بشغف كبير يعكس رغبته المبكرة فى دراسة هذا العلم وحصل على درجة البكالوريوس فى الصيدلة والكيمياء الصيدلية عام 1929م أوفد بعدها فى بعثة علمية إلى جامعة لندن ليتابع دراسته العالية ويحصل على درجة دكتوراه الفلسفة فى العقاقير ليعود بعد ذلك مدرسا بقسم العقاقير بكلية الصيدلة بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) عام 1934م، وكان قبل إيفاده فى البعثة معيدا بهذا القسم.
بحوثه العلمية:
وما إن انتظم فى سلك أعضاء هيئة التدريس بالكلية حتى بدأ نشاطاً ملاحظاً فى البحوث العلمية فى علم العقاقير والنباتات الطبية حتى غدا فى نهاية المطاف أكبرَ حجةٍ علمية فى هذا المجال فى مصر والوطن العربى وبلغ عددُ هذه البحوث أكثر من مئة وعشرين بحثا. وقد تناولت هذه البحوث دراسات هادفةً كميةً وتحليلية لبعض العقاقير والنباتات الطبية فى مصر شملت تركيبها الكيميائى وتأثيرها الطبى والفارماكولوچى بالإضافة إلى دراسة الألكاليدات فى بعض هذه النباتات كالداتورا وغيرِها، ومنها بحوث لها قيمتها العلمية والتطبيقية العالية.
ومن مؤلفاته الأخرى:(2/210)
1- كتاب بالإنجليزية عن دراسة العقاقير – يعد مرجعًا علميا هاما فى هذا المجال.
2- كتاب باللغة العربية عن الغذاء والدواء فى القرآن الكريم بالاشتراك مع زميل، وأصدره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
3- كتاب بالعربية عن تاريخ الصيدلة بالاشتراك مع زميلين، وأصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
4- قاموس عربى إنجليزى وإنجليزى عربى للمصطلحات والألفاظ التى درست فى دستور الأدوية المصرى.
5- دراسة عن النباتات الطبية العربية وما يجب نحوها عام (1970م).
6- العقاقير عند العرب (1976م).
7- النباتات الطبية والعوامل المؤثرة فى إنتاج العقاقير ( 1969م).
8- تاريخ الصيدلة فى مصر، بالإنجليزية (1972م).
9- تعليم العلوم الصيدلية فى مصر ولمحة تاريخية عنه ( 1972م).
مدرسته العلمية وأعماله الإنشائية:
أنشأ الفقيد مدرسةً علميةً متميزة أشرف فيها على 23 رسالة لدرجتى الماجستير والدكتوراه فى علم العقاقير والنباتات الطبية وتخرج على يديه المئات من المشتغلين بعلوم الصيدلة والعقاقير منهم اليوم أساتذة وعلماء كبار بالجامعات ومراكز البحوث منهم الأستاذ الدكتور جمال مهران الخبير بلجنة الكيمياء والصيدلة بالمجمع (1). وكان من طلبة الفقيد أيضًا المغفورُ له الأستاذ الدكتور سعد الدين كراوية الخبير بالمجمع فى اللجنة نفسها.
وقد عنى الفقيد بقسم العقاقير - الذى كان يرأسه - عناية بالغة واهتم بتطويره ونموه حتى غدا أهم الأقسام فى هذا الفرع بالجامعات المصرية من حيث برامج الدراسة فيه ومكانتُه العالمية وعلماؤه الأعلام. ومن بين إنجازاته إنشاء حديقة للنباتات الطبية بكلية الصيدلة شملت 300 نوع منها مصنفةً ومعرفةً.
__________
(1) ألقى الدكتور جمال مهران كلمة فى رثاء الفقيد الدكتور عبد العظيم حفنى صابر بالمجمع فى ذلك اليوم بمناسبة حفل تأبينه.(2/211)
ـ وجدير بالذكر أن الفقيدَ الكريمَ قضى فى رحاب الجامعة أكثر من (60) ستين عاما شغل خلالها مناصب مختلفةً فى السّلّم الوظيفى لهيئة التدريس بالجامعة تدرج فيها حتى عين أستاذاً لعلم العقاقير بكلية الصيدلة - جامعة القاهرة (فؤاد الأول سابقا) عام 1949م ثم عميدا للكلية نفسها عام 1956م واستمر يشغل العمادةَ عشرَ سنوات متتالية ثم أستاذًا متفرغًا حتى قبيل وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى.
نشاطه فى أكاديمية البحث العلمى والتكنولوچيا :
كان للفقيد نشاطٌ مرموقٌ بأكاديمية البحث العلمى حيث عمل مشرفا على تنفيذ البرنامج القومى للنباتات الطبية فى الخطة الخمسية الأولى والخطة الخمسية الثانية (1982-1992م) – مع زميله العالم الكبير الأستاذ الدكتور شفيق بلبع ، كما كان عضوا بالمجلس القومى لبحوث العلوم الأساسية بالأكاديمية وكذلك عضوا باللجنة القومية لتاريخ وفلسفة العلوم ومقررا للجنة لبضع سنوات بالأكاديمية.
نشاطه بالجمعيات العلمية وباتحاد الطلاب:
كان الفقيدُ منذ حياتِه المبكرة توَّاقا للعمل العام، فبعد تخرجه بشهور كان أحدَ الأعضاء المؤسسين للجمعية الصيدلية المصرية عام 1930م التى كان من أهدافها العملُ على النهوض بالعلوم والبحوث الصيدلية ونشر الثقافة العلمية فى هذا المجال وتشجيع العمل على إقامة الصناعات الصيدلية والدوائية – كما كان من أهدافها الارتفاعُ بمهنة الصيدلة ، وقصَر الاشتغال بها على المؤهلين جامعيا، كما اشترك فى تأسيس الجمعية التعاونية لإنتاج وتوريد الأدوية والتى كان الهدفُ من تأسيسها هو كسر الاحتكار الأجنبى، وقد شغل الفقيد منصبَ أولِ أمينٍ عامٍّ لهذه الجمعية.
وكان أيضا عضوًا فى الجمعية النباتية المصرية وجمعية العقاقير الأمريكية وفى الجمعية العربية لأبحاث النباتات الطبية وفى المجمع العلمى المصرى وفى الأكاديمية المصرية للعلوم.(2/212)
وامتد نشاطُ الفقيد إلى مجالات جامعية أخرى فقد اشترك فى تأسيس اتحاد طلاب الصيدلة، وقد انضم هذا الاتحادُ إلى الاتحاد العام لطلاب الجامعة وانتخب الدكتور عبد العظيم حفنى صابر رئيساً للاتحاد العام لطلاب جامعة فؤاد الأول وكان للاتحاد نشاطٌ ثقافى ورياضى واجتماعى كبير فى الداخل والخارج - كما انتخب رئيسًا لنادى أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وقد قام بخِدْمات وأعمالٍ جليلةٍ للاتحاد والأعضاء على مدى سنوات عديدة.
المؤتمرات الصيدلية المحلية والدولية:
شارك الفقيد فى جميع المؤتمرات الصيدلية التى عقدت فى مصر ، كما شارك فى المؤتمرات الدولية والعربية الآتية :
1- مؤتمرات اتحاد الصيادلة العرب، فى الأعوام 70 و72 و74 و1976م...إلخ.
2- المؤتمر الدولى للصيدلة المنعقد فى فيينا عام 1981م.
3- المؤتمر الدولى السادس عشر للاتحاد الدولى لتاريخ وفلسفة العلوم – بوخارست – بولندا 1981م.
4- المؤتمرات الصيدلية السنوية فى بريطانيا 1932م – 1934م.
نشاطه وأعماله بمجمع اللغة العربية:
وفى هذا المحراب فى مجمع اللغة العربية كان للفقيد نشاطٌ علمى ولغوى مرموق استمر أكثر من (45) خمسة وأربعين عامًا؛ فقد اختير خبيرا للجنة الأحياء والزراعة عام 1948م واختير خبيرا للجنة الكيمياء والصيدلة عام 1967م ثم عين عضوا بمجمع الخالدين عام 1985م وكان خلال هذه السنوات مثلا يحتذى فى العطاء والفكر المستنير والخبرة الواسعة ، وقد أنجز مع زملائه آلاف المصطلحات العلمية فى اللجنتين – كما اشترك فى الإشراف على إصدار معجم مصطلحات علوم الأحياء والزراعة ومعجم الكيمياء والصيدلة.
وقام بتمثيل المجمع فى ندوة تعريب مصطلحات علم الكيمياء التى أقامتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فى عمان بالأردن عام 1982م.(2/213)
وفى يوم استقباله عضوًا جديدًا بالمجمع قال عنه المغفور له الأستاذ الدكتور حامد جوهر: " إنه ليسعد كثيرا بانضمام أعضاء جدد إلى المجمع يحملون معنا الأمانة ويحملون الشعلة ويشتركون معنا فى خدمة لغة القرآن الكريم ، ولكن سعادتى اليوم مضاعفة إذ أقدم لكم أخا عزيزا وصديقا قديما هو الأستاذ الدكتور عبد العظيم حفنى صابر، أول عضو يمثل العلوم الصيدلية فى المجمع ، والدكتور صابر ليس غريبا على المجمع فهو أقدم الخبراء بالمجمع منذ عام 1948م".
مظاهر التقدير العلمى للفقيد فى الداخل والخارج :
1- نال الميدالية الذهبية لأحسن البحوث التى ألقيت فى مؤتمر اتحاد الصيادلة العرب، بدمشق عام 1970م.
2- نال الميدالية الذهبية من جمعية الصيدلة المصرية عام 1971م.
3- منح وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1973م تقديرا لجهوده الممتازة فى إصدار دستور الأدوية المصرية.
4- منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1980م.
5- اختير مرتين رئيسا للجنة الدائمة لدستور الأدوية المصرى.
6- اختير مشرفا على المشروع القومى للنهوض بالنباتات الطبية وزراعتها فى مصر.
7- اختير رئيسا فخريا مدى الحياة للجمعية العربية لبحوث النباتات الطبية.
8- انتخب عضوا بمجمع اللغة العربية ، مجمع الخالدين عام 1985م.
9- نال جائزة الدولة التقديرية فى العلوم لعام 1985م.
إذا كانت حياةُ الفقيد حافلةً هكذا بالخصوبة والعطاء وبالمنجزات العلمية البارزة حتى غدا رائد العلوم الصيدلية فى مصر والعالم العربى وشيخَ علمائها فإنه كذلك كان على خُلُقٍ عظيم ، كان هادئَ الطبع رقيقَ الحاشية جمَّ التواضع عفَّ اللسان، طيب الخلق وحلوَ الشمائل والسجايا وكان صالحاً وتقيا.
تغمدك الله أيها الراحلُ الكريم بواسع رحمته
وأنزلك منازل الأطهار والأبرار.
- - - - -
الدكتور أبو شادى الروبى (1)(2/214)
الدكتور أبو شادى الروبى عَلَمٌ من أعلام الطب فى مصر أسهم فى بناء النهضة العلمية والطبية والثقافية ودفع حركتها خطوات فسيحة إلى الأمام.
عمل جاهدًا طوال قرابة نصف قرن ينشر نور العلم ويُعلى مناره، ويأخذ بيد الطلائع من شباب علمائنا وأطبائنا فى رحاب الجامعة والمؤسسات الطبية والعلمية الأخرى، ويُعنى بتنشئة أجيال منهم يعلمهم ويدربهم لتتَّقِد فيهم جذوة العلم والعرفان. وقد مضى طوال حياته يحقق هذا الهدف ويوليه عنايته البالغة.
عرفتُ الفقيد العزيز قرابة ثلاثين عامًا فى رحاب الجامعة، وفى الجمعيات العلمية والثقافية، وفى هذا المحراب حين توثقت آصرة المحبة والمودة بيننا، وكان خلال هذه السنوات مثلاً يحتذى فى العطاء والوفاء والعمل المثمر البناء.
ولد الفقيد العزيز فى الخامس من شهر مارس عام 1925م فى حىّ القلعة بين مساجده وآثاره الإسلامية والعربية، فنشأ نشأة طيبة تمسك فيها بأهداب الدين وفضائله، عاش فى بيت علمٍ وأدبٍ وكرم فى المَحْتِد. فقد كان جده المرحوم محمد أبو شادى المحامى ممن رافقوا سعد زغلول فى حياته السياسية – والفقيد ابنٌ وحيدٌ تكبره ثلاث شقيقات وقد سُمى أبا شادى تيمنًا باسم خاله الدكتور أحمد زكى أبو شادى عميد كلية الطب بجامعة الإسكندرية – وهو الأديب الشاعر الطبيب الشهير مؤسس مدرسة أبولو مع الدكتور إبراهيم ناجى.
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل تأبينه يوم الاثنين 29 من شعبان سنة 1418هـ الموافق 29 من ديسمبر سنة 1997م. مجلة المجمع، العدد (84).(2/215)
التحق الفقيد بمدرسة الحلمية الابتدائية وما إن أتم دراسته بها حتى مضى إلى مدرسة الحلمية الثانوية ومدرسة بمباقادن الثانوية، وهنا تفجرت ملكاته وتبدَّى ذكاؤه اللماح، وولعه الشديد باللغة العربية الذى بدأ فى سن مبكرة، وكذلك تفوقه فى اللغة الإنجليزية، فحصل على جائزة الثقافة العامة فى اللغة الإنجليزية وهو فى الرابعة عشرة من عمره، ثم على جائزة الأدب التوجيهى فى اللغة العربية لطلبة التوجيهية (الثانوية العامة) عام 1941م، وكانت حول مسابقة فى قراءة عشرة كتب لأدباء معاصرين منها "الأيام" لطه حسين ، و"المنتخبات" للطفى السيد، و"وحى الرسالة" للزيات ، و" فيض الخاطر" لأحمد أمين ، و" تحرير المرأة " لقاسم أمين ، و"أهل الكهف" لتوفيق الحكيم ، و"ديوان إسماعيل صبرى". وقد امتحنه فى التوجيهية المرحوم الدكتور طه حسين والمرحوم الأستاذ على الجارم، واستمر ولعه باللغة العربية حتى اليوم وكذلك نهمه الشديد فى القراءة فى شتى فروع المعرفة من طب وعلم وثقافة وفلسفة وموسيقى وتاريخ ولغة.
وبعد أن أنهى الدكتور الروبى دراسته الثانوية بتفوق، حيث كان خامس التوجيهية عام 1941م التحق بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) ونال درجة بكالوريوس العلوم فى الكيمياء والأحياء عام 1946م، ثم انتقل إلى كلية الطب وتخرج فيها عام 1950م وحصل على درجة البكالوريوس فى الطب والجراحة، ثم واصل دراسته العالية فحصل على دبلوم طب المناطق الحارة عام 1952م، ثم على دبلوم الأمراض الباطنة عام 1953م، ثم حصل على درجة الدكتوراه فى طب المناطق الحارة عام 1955م، عين بعدها مدرسًا بكلية الطب عام 1956م ومضى فى مدارج الرقى أستاذًا مساعدًا فأستاذًا ورئيسًا لقسم الأمراض المتوطنة ولمجلس أقسام الباطنة بكلية طب جامعة القاهرة وذلك حتى عام 1985م، ولما بلغ السن القانونية (الستين) أصبح أستاذًا متفرغًا عام 1986م وظل يشغل هذا المنصب حتى لقى وجه ربه.(2/216)
وإبّان حياته الجامعية سافر فى عدة بعثات ومهمات علمية للدراسة، واكتساب الخبرة العلمية، وبصفة خاصة فى أمراض الجهاز الهضمى حتى غدا من رُوّاده وأساطينه فى مصر والعالم العربى. ففى عامى 1959م و 1960م توفر على دراسات أمراض الجهاز الهضمى فى بريطانيا ، ودرس النظائر المشعة عام 1964م بالقاهرة وعلوم المناعة عام 1966م ببيروت ، ومناظير الألياف الزجاجية الضوئية فى طوكيو عام 1969م، والوسائل الحديثة فى تشخيص وعلاج أمراض الجهاز الهضمى ببرستول بإنجلترا عام 1983م ، كما شارك فى المئات من المؤتمرات والندوات، ومجموعات العمل العلمية العالمية.
وقد ساعد ذلك فى إغناء معارفه الطبية العلمية والعملية، فأنشأ مدرسة يعتد بها فى طب المناطق الحارة، وأشرف على العديد من طلاب الدراسات العليا لدرجتى الماجستير والدكتوراه فى هذا المجال، وعمل على تدريب الكثيرين منهم. وكان للدكتور الروبى نشاط بحثى كبير، فقد نشر ثمانين (80) بحثًا علميًّا فى مجالات الطب الباطني، وبخاصة فى أمراض المناطق الحارة والحُمَّيَات، وأمراض الجهاز الهضمى والكبد.
وقد ألَّف الدكتور الروبى عددًا من الكتب فى الطب وتاريخه، كتبها بلغة عربية اتَّسمت بالسلاسة والوضوح والمكنة والاقتدار، منها كتاب عن طب المناطق الحارة والأمراض المعدية ، وكتاب عن الكبد والمرارة والبنكرياس وأمراضها وعلاجها والوقاية منها ، وكتاب عن الجهاز الهضمى وأمراضه والوقاية منها – وعن تاريخ الطب نشر كتاب(2/217)
" الموجز فى تاريخ الطب والصيدلة عند العرب "، وكتاب "محاضرات فى تاريخ الطب العربى" ويضم إحدى عشرة محاضرة منها "الأرجوزة فى الطب لابن سينا"، والتراث الطبى عند العرب" و "الطب الروحانى للرازى" و "ابن النفيس فيلسوفًا". كما اشترك فى مؤلف كبير عن تاريخ الطب فى مصر ضمن "موسوعة تاريخ الحركة العلمية فى مصر" التى أصدرتها أكاديمية البحث العلمى، ومن فرط ولعه بتاريخ الطب عند العرب فإنه كما يقول عنه أستاذنا الدكتور حسن إبراهيم عندما استقبله عضوًا بالمجمع : يكاد يحفظ كتاب القانون فى الطب لابن سينا عن ظهر قلب"، وشارك أيضًا فى تحقيق "الكليات" فى الطب لابن رشد – كما كتب العديد من المقالات والدراسات منها "الطب عند المسلمين" فى موسوعة الحضارة الإسلامية، "نحو طب متكامل" ، و"مستقبل الإنسان"، و"ابن رشد طبيبًا"، و"حركة الترجمة وتعريب الطب" وغيرها. وكذلك أعد مقررًا شاملاً عن تاريخ الطب قام بتدريسه سنين عدة لطلبة كليات الطب بجامعات القاهرة وأسيوط وقناة السويس.
ومن إنجازاته البارزة إنشاء وحدة مناظير وفحوص الجهاز الهضمى والكبد بكلية الطب بجامعة القاهرة ومستشفى قصر العينى، وعمل على تطويرها وإدارتها وهى أكبر وحدة من نوعها فى منطقة الشرق الأوسط، تفْحَصُ أكثر من عشرة آلاف مريض سنويًا، وقد درس فيها مئات الأطباء من مصر والبلاد العربية الإفريقية، وهو أول من أدخل مناظير الجهاز الهضمى فى مصر، وكان أول من اشترى منظارًا للجامعة على نفقته الخاصة، وأهداه للكلية والقسم، ورفض أن يكون العمل بالمنظار وسيلة للكسب فى عيادته الخاصة وكان ذلك فيما أَعتقد انطلاقًا من نفس أبيِّة شماء، تموج بفيض من نوازع القناعة والخير.(2/218)
إذا كان الدكتور الروبى ـ طيب الله ثراه ـ قد بلغ شأوًا بعيدًا فى ميدان الطب ، وتألق بين أقرانه المعاصرين حتى غدا من أغزرهم علمًا وأعمقهم أثرا، ومن أرفعهم منزلة وقدرًا، فإن نشاطه وفكره امتدَّا إلى آفاق رحبة من المعارف الإنسانية، من أدب وثقافة وفلسفة وفن ولغة وتراث علمى عربى – كان شغفه بالأدب كبيرًا، فهو يقول عن نفسه:
"كانت اهتماماتى متعددة، وكان لى نزوع مبكر إلى الأدب، واشتغلت بالكتابة زمنًا حتى كدت أن أترك دراسة الطب لأعمل بالصحافة" (وكان قد مارسها محررًا بالقطعة بدار أخبار اليوم لعدة سنوات). ويستطرد قائلا: "كان عزائى فى تلك الفترة القلقة من حياتى كلمة قرأتها لأديب روسيا العظيم (شيخوف) وكان أيضًا طبيبًا ممارسًا قبل أن يكون أديبًا وجمع بين المهنتين سنوات أفادت فيها كل واحدة من الأخرى وكان (شيخوف) يقول فى ذلك: "الطب زوجتى والأدب معشوقتى عندما أملُّ إحداها أقضى الليلة مع الأخرى". وهكذا عشت أيامى وليالى موزع الولاء والعشق بين الاثنين وشيئًا فشيئًا تعددت المعشوقات، تطرق الأدب إلى الفن وتطلع العلم إلى الفلسفة. واليوم تأتى اللغة وعاء كل فكر ومفتاح كل قول تطالبه هى الأخرى بنصيبها، بل بأن تكون لها الخطوة الأولى". وكانت هذه كلمات منه يوم استقباله عضوًا بمجمع الخالدين.
ومن اللافت للنظر حقًّا أنه كان ـ رحمه الله ـ شديد الاهتمام بالفلسفة ومناهجها وكان رأيه أن قراءة الفلسفة بالنسبة له أصعب وأعمق من قراءة كتب وبحوث الطب، وكان من أكثر ما حبَّبه فى الفلسفة من كتب (ويل ديورانت) : كتابه " قصة الفلسفة "، وكتاب " الابتهاج بالفلسفة "، و"المجتمع المنفتح وأعداؤه"، حيث تعلم منها طريقة البحث والمنهج العلمى فى حرية النقد والإبداع وحرية التخمينات والتقنيات.(2/219)
وفى محاضراته الرائعة عن "فلسفة العلم قديمًا وحديثًا"، التى ألقاها بالجمعية المصرية لتاريخ وفلسفة العلوم، ونشرت فى كتاب استعرض فى شمولية تاريخية باهرة قال: "العلم ما قبل أرسطو، والمنهج الاستقرائى – الاستنباطى الأرسطى – ثم تحفظات على أرسطو فى القرن السابع عشر، ثم طبيعة المعرفة العلمية بين الشك واليقين فى القرن الثامن عشر – ثم منهج البحث العلمى، المنهج الفرضى الاستنباطى فى مواجهة المذهب الاستقرائى فى القرن التاسع عشر – ثم يناقش آراء (كارل بوير) وأفكاره فى إعادة صياغة المنهج الفرضى – الاستنباطى فى مواجهة المذهب الاستقرائى فى مطالع القرن العشرين –" وفى خاتمة كتابه استعرض آراء بعض فلاسفة العلم والمنطق "كيف ينمو العلم ويتقدم".(2/220)
وقبل وفاته نشر رائعته الأخيرة "من منطق الفلاسفة إلى منطق الأطباء"، وكانت هى أيضًا محاضرة ضافية ألقاها بالجمعية المصرية لتاريخ وفلسفة العلوم عام 1992م وفيها تبدَّى عمق فكره وقراءاته الواسعة فى فلسفة العلم وعلوم المنطق – وقد شملت محاضرته عرضًا شائقًا عن منطق الفلاسفة ومنطق الرياضيين، ثم منطق العلماء، وأخيرًا منطق الأطباء الذى قال فيه: "إن المنطق يقوم بدور أساسى فى الطب علمًا وعملا أولا على المستوى النظري، أى فى بناء النظريات ومدى صحتها. وثانيًا على المستوى العلمى كما فى البحوث الطبية وإجراء التجارب. وثالثا على المستوى الأخلاقى، وهو موضوع حساس وشائك يرتبط بالقيم والمعنويات، ويمتد من الدين إلى السياسة مرورًا بعلوم التاريخ والاجتماع والاقتصاد، إلا أن أهم مجال لدور المنطق فى الاستعمال اليومى للأطباء الممارسين هو دوره فى التشخيص. وسأكتفى بهذه الكلمات عن ميول الفقيد الفلسفية، التى ذكرها أيضًا وحللها فى مكنة واقتدار أستاذنا الجليل الدكتور شوقى ضيف. وكتب عنها كذلك بجلاء زميلنا الأستاذ الدكتور كمال دسوقى بصحيفة الأهرام الغراء، وتكلم عنها الأستاذ الدكتور عبد الحافظ حلمى فى كلمته فى حفل تأبين الفقيد فى لجنة الثقافة العلمية منذ أيام.(2/221)
كان الدكتور أبو شادى الروبى أيضًا فارسًا فى ميدان الثقافة العلمية أبلى فيها أحسن البلاء وعمل على نشرها بآرائه وأفكاره وكتبه ورسائله ومحاضراته فى مختلف الهيئات والجمعيات. ولعل أهم إنجاز عملى فى هذا المجال إسهامه الفعال فى إنشاء لجنة الثقافة العلمية فى المجلس الأعلى للثقافة، وكانت له فيها صولات وجولات فى نشرها وتأصيلها وترسيخها بين جمهرة الشباب والمتعلمين، من منطلق واعٍ مستنير يرى فى الثقافة العلمية أداة ودعوة للإنسان مؤداها أن يعيش عصره بمشكلاته وأحداثه العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وأن يكون له منها رأى وموقف. وأن ينفتح على آفاق رحبة من العلم والمعارف الإنسانية، وأن يلم بفنونه وتراثه وأمجاده، وأن يجعل من الأسلوب العلمى والتفكير العلمى المنهاج والنبراس. والأمل كبير أن يواصل القائمون على هذا الصرح الثقافى رسالته ويترسَّموا خطاه، وأن يرعوا " منتدى أصدقاء الثقافة العلمية " الذى أنشأه وتبنّاه.
كان الفقيد أيضًا ذا ولع شديد بالموسيقى؛ ملكت عليه كل جوانحه منذ سنٍّ مبكرة، فالتحق بمعهد شولتز للموسيقى وهو طالب صغير ليتعلم العزف على الكمان، وقد واصل دراسته لهذا الفن الرفيع حتى برع فيه – وقد تأثر كذلك بالموسيقى الكلاسيكية الروسية لاحتوائها على أنغام من الشرق، مثل كلاسيكية كورساكوف "شهرزاد"، ومعزوفة "مغامرات عنترة"، وقد دفعه هذا إلى السفر إلى روسيا وزيارة الجمهوريات الإٍسلامية لمعرفة تأثير الشرق فى روائع الموسيقى الكلاسيكية الروسية – ومن الطريف أن من أوائل مقالاته فى الصحافة وهو طالب كانت عن الموسيقار تشيكوفسكي، واستعار عنوانها من مقولته الشهيرة " لولا الموسيقى لَجُننتُ "، وكان تعليق الموسيقار محمد عبد الوهاب أن قراءة هذه المقالة يعطيه الإحساس بأنه يستمع إلى لحن موسيقى جميل.(2/222)
وإذا كان الفن الرفيع قد ملك عليه جوانحه ووجدانه فقد ملكت اللغة العربية عليه كذلك عقله وجنانه فى سن مبكرة أيضًا، وقد ألمحت إلى ذلك فى مطلع حديثى عندما فاز بجائزة الأدب فى اللغة العربية ولمَّا يبلغ الرابعة عشرة. وعندما شُغل بعد ذلك بالكتابة الصحفية وبالقراءة الواسعة فى كتب الأدب والثقافة وفى المتون، وفى تأليف العديد من الكتب باللغة العربية – كانت هذه الخلفية سبيله إلى مجمع الخالدين عندما رشحه المغفور له الدكتور محمد كامل حسين عضو المجمع خبيرًا بلجنة الطب عام 1972م ثم انتخب عضوًا بالمجمع عام 1987م، وظل خلال هذه السنوات الطوال يسهم بجهود بارزة فى إنجاز الآلاف من المصطلحات الطبية، وفى إصدار معجم كبير فى هذا المجال وكذلك فى مصطلحات الموسيقى وألفاظ الحضارة كان له باع طويل.
ومع هذا العالم الموسوعى والطبيب الأديب المتعدد المواهب والثقافات لم يكن غريبًا أن يفوز بعدة جوائز منها جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الطبية عام 1993م، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1985م ، وجائزة الجمعية المصرية للجهاز الهضمى فى استخدام المناظير عام 1974م، ودرع نقابة الأطباء، والميدالية الذهبية من وزارة الصحة عام 1986م، وذلك عدا الجائزتين فى اللغتين العربية والإنجليزية اللتين فاز بهما فى مقتبل عمره.
كما أفسحت له مختلف الهيئات والجمعيات والمجامع العلمية والطبية مكانا لعضويته بها أو رئاسته لها، وهى تربو على الثلاثين عددًا سأذكر بعضًا منها على سبيل المثال:(2/223)
عضويته بمجمع الخالدين، والمجالس القومية المتخصصة، والمجمع العلمى المصري، ومجلس البحوث الطبية بأكاديمية البحث العلمى والتكنولوچيا، ومعهد طب المناطق الحارة، ومعهد تيودور بلهارس، والهيئة العليا للأدوية. كما كان نائبًا لرئيس المجمع المصرى للثقافة العلمية، وللجمعية المصرية للكبد، وعضوًا باللجنة القومية، والجمعية المصرية لتاريخ وفلسفة العلوم، ومستشارًا لهيئات دولية، وممثلا لمصر فى هيئة الصحة العالمية وغيرها.
إذا كان سجل الراحل الكريم زاخرًا هكذا بهذه الصفحات الناصعة الوضاءة التى تعكس أعماله وإنجازاته الباهرة ، وإذا كان تاريخ الطب والعلم والثقافة فى مصر حين يُكتب سيكون الفقيد من معالمه الشامخة ودعائمه الراسخة، فإنه أيضًا كان على خلق عظيم. كان طيِّب القلب، دمث الطبع، حلو الشمائل والسجايا، رفيع النفس، رقيق الحاشية،جم التواضع، عف اللسان، سمحًا فى قوله وعمله، سمحًا فى لقائه وحديثه، سمحًا فى أخذه ورده، كان خيِّرًا وكريمًا مع مرضاه، عطوفًا ودودًا، خدومًا إلى أبعد الحدود.
أيها الراحل الكريم :
لقد مضيتَ فجأة إلى رحاب الخالدين ويعلم الله كم تفطَّرت عليك قلوب وسالت عليك دموع، مضيتَ بعد أن قدمتَ لوطنك أجلَّ الأعمال، ونشَّأتَ أجيالاً من أبنائك وحواريِّيك، سوف يترسَّمون خطاك، ويسيرون على نهجك ويواصلون رسالتك الخالدة ، ولن ننسى أنك كنت لنا فى هذا المحراب إشعاعًا وإشراقًا، نستمتع بطلاوة حديثك وعمق فكرك وأصالة علمك ورجاحة عقلك.
أيها الراحل العظيم:
قد مجدوا فيك الأصالة والنهى وخلائقًا علوية وطباعا
وعزيمة جبارة وزكانة لماحة وتوقدًا لماعا
وأزحت عنا عبء كل وجيعة تأسو الجراح تضمد الأوجاعا
رحمك الله أيها الزميل العزيز رحمة واسعة
وأسكنك فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.
- - - - -
الدكتور عبد الرازق عبد الفتاح (1)(2/224)
عالم من علماء مصر البارزين فى العلوم الهندسية أسهمَ فى بناء النهضة العلمية والتعليمية فى مصر، وله فى حياتنا الجامعية إنجازات يعتد بها ستظل شاخصة تشهد بعلمه وخبرته الواسعة..
ولد الزميل فى العشرين من شهر يونيه عام 1919م فى مدينة بنها وتعلم فى مدارسها فى مراحل حياته المبكرة، وبعد ذلك تَبيَّنْت فى مراحل تالية اتجاهاتُه الفنية والهندسية فتابع دراسته فى هذا المجال وحصل على دبلوم فى الهندسة الميكانيكية عام 1940م ثم على البكالوريوس فى الهندسة عام 1954م من جامعة عين شمس، وبعد ذلك سافر فى إجازة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية على نفقته الخاصة ليتابع دراسته العالية لمدة أربع سنوات حصل خلالها على درجة الماجستير فى الهندسة الميكانيكية من جامعة وين بدترويت ثم على درجة الدكتوراه فى هذا التخصص من جامعة متشيجان آن أربر عام 1960م، وقد حصل على هذه الدرجة فى سنتين وثلاثة شهور وهو زمن قياسى للحصول على درجة الدكتوراه لم يحدث فى تاريخ هذه الجامعة حتى الآن.
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل استقباله عضوًا بالمجمع يوم الأربعاء 25 من رمضان سنة 1408هـ، الموافق 11 من مايو سنة 1988م. مجلة المجمع، العدد (65).
وكان إبان دراسته قد لفت إليه أنظار أساتذته لنبوغه وتفوقه؛ وتجدر الإشارة إلى أنه بعد مناقشته فى رسالته للدكتوراه اتصل به معهد العلوم والتكنولوچيا بالجامعة وعهد إليه بالإسهام فى إنتاج وحدة تسخين بالقوس الكهربائى لدرجات حرارة تزيد على (54000م) أربعة آلاف درجة مئوية، وكان هذا إنجازًا علميًّا كبيرًا له قيمته التطبيقية فى الصناعة شأنه فى ذلك شأن الاختراع الذى توصل إليه زميلنا ببحوثه الرائدة لتحسين محركات الديزل، وقد سجل الاختراع باسمه وبرقم معين بواشنجطن فى السادس عشر من فبراير عام 1962م، وبعد ذلك تابع بحوثه فى أثناء مهمة علمية أُوفِدَ فيها إلى كلية الطيرانيات بكرانفيلد بإنجلترا عام 1963م.(2/225)
وبعد عودته من دراساته بالخارج ولخبرته السابقة فى التعليم الفنى بوزارة التعليم عين عميدا لكلية التكنولوچيا والتربية ثم وكيلا للبعثة التعليمية فى بون بألمانيا الغربية فعميدا لكلية التكنولوچيا مرة ثانية فوكيلا لوزارة التعليم العالى فرئيسا لجامعة حلوان فى عام 1975م حتى 1979م وهى الجامعة التى أنشأها ورعاها وثبت أقدامها وهو يعمل الآن أستاذًا متفرغًا بكلية الهندسة والتكنولوچيا بهذه الجامعة وهو اليوم على مشارف السبعين من عمره.
وقد حفلت حياته بالكثير من الإنجازات العلمية والهندسية والثقافية؛ ففى مجال البحث العلمى له بحوث رائدة فى موضوع الاحتراق ومحركات الديزل وتصميم غرف الاحتراق وتأثير الأجسام غير الانسيابية على دوران الهواء وغير ذلك من بحوث فى الهندسة المكيانيكية. ومن بين دراساته الهامة دراسة عن " استراتيجية التعليم الفنى فى العالم العربى (1972م)، دراسة عن الجامعة التكنولوچية (1975م) ويراها ضرورة لتطور المجتمعات، دراسة عن التطور الاقتصادى وعلاقته بالتعليم الفنى والهندسى نظرة حديثة (مؤتمر المعلمين العرب الأول ، بغداد 1975م) ، دراسة عن العلاقة بين التنمية الصناعية والتعليم الهندسى والفنى دمشق (1978م)، دراسة عن السياسة التكنولوچية وقضية الاختيار (1984م) وغير ذلك من الدراسات الهادفة.
وللدكتور عبد الرازق مدرسة علمية رائدة فى مجال تخصصه أشرف فيها ولا يزال يشرف على عدد من طلاب الدراسات العليا فى جامعات القاهرة وعين شمس وحلوان، وقد حصل بعض هؤلاء على درجتى الماجستير والدكتوراه. وقد كان للبحوث التى أجريت نتائج علمية وتطبيقية على جانب كبير من الأهمية الاقتصادية والهندسية مثل رفع كفاءة المحركات وازدياد سرعتها وكذلك خفض درجة حرارة العادم ونسبة غاز أول أكسيد الكربون السام من المحركات وغير ذلك من النتائج المهمة.(2/226)
وقد امتد النشاط العلمى والفكرى للدكتور عبد الرازق إلى ساحة المجالس القومية المتخصصة وغيرها من الهيئات العلمية والثقافية التى يشرف بعضويتها وتشرف به، فقد أعد للمجلس القومى للتعليم والبحث العلمى فى شعبه عن التعليم الجامعى والبحث العلمى والتعليم العام عدة موضوعات كانت قمة فى الأداء والاستقصاء من بينها " دور العلم والعلماء فى صنع القرار " (يناير 1985م) ، " دور البحث العلمى فى إنتاج الطاقة واستخدامها " (مايو 1985م)، " الارتقاء التكنولوچى وإدارة الموارد"، "نحو سياسة مستقبلية للتعليم "، وذلك بالإضافة إلى مشاركته الفعالة بالرأى الحر المستنير والبصيرة النافذة فى كل ما تصدى له المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى من مشكلات علمية وتعليمية وقضايا قومية على مدى سنوات طوال.
ونشاط الزميل فى مجال التأليف والترجمة والمراجعة نشاط مقدور، فقد نقل إلى اللغة العربية كتابا عن الديناميكا الحرارية(1968م)، وله مؤلف قيم عن ترشيد الطاقة (1985م)، وراجع عددا من الكتب المترجمة إلى العربية منها التفاضل والتكامل، الحرارة والديناميكا الحرارية الكلاسيكية، تحليل المتجهات، طرق الحسابات للمشتغلين بالصناعة وغيرها؛ كما قام بالإشراف العلمى والمراجعة على المعجم الموحد الشامل للمصطلحات الفنية للهندسة والتكنولوچيا والعلوم الذى أصدرته مؤسسة الكويت للتقدم العلمى عام 1986م، وأشرف كذلك إشرافا علميا على قاموس مصطلحات الكومبيوتر، الذى أصدرته مؤسسة الأهرام للترجمة العلمية والنشر عام 1987م، كما أسهم فى هذا المجال إبان عضويته خبيرا فى لجنة مصطلحات العلوم الهندسية بمجمع اللغة العربية مع المغفور له إمام العلماء والمهندسين الأستاذ الدكتور إبراهيم أدهم الدمرداش طيب الله ثراه، وسيواصل زميلنا عطاءه السخى فى هذه اللجنة وغيرها إن شاء الله عضوًا بمجمع الخالدين.(2/227)
ومنذ الستينيات شارك الدكتور عبد الرازق عبد الفتاح فى الكثير من المؤتمرات والاجتماعات العلمية العربية والدولية؛ فمنها فى بغداد مؤتمر المهندسين العرب (1964م) ومؤتمر "التربيون العرب" (1975م) وفى الكويت مؤتمر هجرة العلماء العرب (1975م) وفى الجزائر مؤتمر استراتيجيات التكنولوچيا (1979م). كما شارك فى مؤتمرات اتحاد الجامعات العربية (1976– 1979م ) وكذلك فى مؤتمر للتخطيط بتشيكوسلوفاكيا، ومؤتمر تدريس العلوم الإنسانية للمشتغلين بالعلوم الهندسية برومانيا (1972م)، ومؤتمر التكنولوچيا المناسبة فى سان سلفادور (1978، 1980م ) ومؤتمر رؤساء الجامعات بكوستاريكا (1980م) ومؤتمر تحسين التعليم الجامعى بدبلن بأيرلندا (1983م)، كما حضر اجتماعات خبراء اليونسكو فى باريس لدراسة التعليم الفنى العالى (1977م) ولإعداد المهندسين (1978م)، وذلك بالإضافة إلى مؤتمرات أخرى عقدت بمصر والخارج فى مجال الهندسة الميكانيكية. كما قام بزيارات علمية إلى الاتحاد السوفيتى وأستراليا ومعظم البلاد الأوربية والأمريكية والعربية لدراسة نظم التعليم الفنى أو لعقد اتفاقيات ثقافية أو أستاذًا زائرًا فى بعض الجامعات.
وزميلنا عضو بعدة جمعيات وهيئات علمية وثقافية فى الداخل والخارج منها عضويته فى نقابة المهندسين منذ عام 1964م وفى مجلسها الأعلى وكان أمينا عاما ووكيلا لها لبضع سنوات وهو عضو بالأكاديمية المصرية للعلوم وبالمجمع العلمى المصرى وبجمعية المهندسين المصرية منذ عام 1961م وجمعية المهندسين الميكانيكيين الأمريكية وبالجمعية الدولية للاحتراق وبمجالس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوچيا، كما أنه عضو بالمجلس القومى للتعليم والبحث العلمى وبشعبة الصناعة بالمجلس القومى للإنتاج وله فى كل هذه الجمعيات والهيئات نشاط كبير يتسم بسداد الرأى وسعة الأفق.(2/228)
ونظرا لمكانته العلمية المرموقة وإنجازاته الكبيرة فى مجال العلوم الهندسية على الصعيدين القومى والدولى ولجهوده المتصلة التى استمرت أكثر من ثلاثين عاما فى الارتقاء بالتعليم الفنى وتطويره فى مصر ولأعماله الإنشائية التى توَّجَها بإنشاء جامعة حلوان التى شرفت برئاسته بضع سنوات أرسى خلالها قواعدها ونهض بها نهضة كبيرة فقد نال جائزة الدولة التقديرية فى العلوم عام 1984م(1)، ومنحته الدولة وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1979م، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1985م.
هذه لمحة عن حياة هذا العالم الجليل الدكتور عبد الرازق عبد الفتاح عضو مجمع الخالدين وهى حياة حافلة بالعطاء والعمل المثمر البناء.
...
- - - - -
__________
(1) وكذلك جائزة مبارك فى العلوم التكنولوچية المتقدمة لعام 2003م.
الدكتور أحمد مدحت إسلام (1)
عالم من علمائنا الأعلام برز على الصعيدين القومى والدولى ورائد من رواد علوم الكيمياء، له فى حياتنا العلمية والجامعية إنجازات يعتد بها.
...(2/229)
ولد الدكتور أحمد مدحت إسلام فى عام 1924م بالقاهرة وتعلم فى مدارسها، وبعد أن أتم دراسته الابتدائية والثانوية، التى شملت فى المرحلة الأولى ثلاث سنوات بمدرسة البومبرسى الفرنسية فى شبرا، مضى إلى الجامعة والتحق بكلية العلوم بجامعة القاهرة عام 1942م، حيث أهَّله مجموعه للحصول على نصف مجانية فى العام الأول، ثم على مجانية كاملة طوال سنوات دراسته الأخرى لامتيازه وتفرده . وقد نال الدكتور إسلام درجة البكالوريوس فى العلوم، فى الكيمياء، الدرجة الخاصة مع مرتبة الشرف عام 1946م، وعمل عقب تخرجه فى شركة " شل للبترول" ، وبعد ثلاثة أشهر عين معيدًا بقسم الكيمياء بجامعة القاهرة، حيث تابع دراسته العليا لدرجة الماجستير فى الكيمياء العضوية فى موضوع " كيمياء التفاعلات الضوئية"، تحت إشراف عالمين كبيرين هما: المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد مصطفى، والعالم الألمانى شورلز، وحصل على هذه الدرجة عام 1951م. وفى تلك السنة نفسها سافر إلى إنجلترا فى بعثة علمية رشح لها من جامعة محمد على (جامعة أسيوط حاليا) للحصول على درجة الدكتوراه، وقد حصل عليها فى "الكيمياء العضوية التحليلية" من جامعة جلاسجو عام 1954م . وقد عين بعد عودته من الخارج مدرسًا بجامعة عين شمس، وحين بدأت الدراسة بجامعة أسيوط عام 1957م نقل إليها حيث شارك مع زملائه فى إنشاء الأقسام العلمية بالجامعة وتوفير التجهيزات المعملية بها، وفى عام 1959م ، عين أستاذًا مساعدًا بها، ثم جذبته جامعة الأزهر عند إنشائها فرحل إليها عام 1964م أستاذًا بكلية الهندسة، ثم
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل استقباله عضوًا بالمجمع يوم الأربعاء 19 من ربيع الآخر سنة 1411 هـ، الموافق 7 من نوفمبر سنة 1990م مجلة المجمع، العدد (75).(2/230)
رئيسًا لقسم الكيمياء بها ثم وكيلاً للكلية، وقد كان من أوائل أعضاء هيئة التدريس، الذين شاركوا فى إنشاء الأقسام العلمية ، بكليات الطب والهندسة والزراعة بجامعة الأزهر، وفى عام 1970م عين الدكتور إسلام عميدًا لكلية العلوم بجامعة الأزهر، وكان أول عميد لها، واستمر فى هذا المنصب ست سنوات، وكانت له فيها إنجازات تعتد بها تعكس أفقه الواسع وبصيرته النافذة، وقد قام خلال خدمته الطويلة، التى بلغت ثمانية وثلاثين عامًا عضوًا بهيئة التدريس بجامعات القاهرة وعين شمس وأسيوط والأزهر، بإنشاء مدرسة علمية رائدة تعد من أكبر المدارس العلمية فى علوم الكيمياء فى مصر، حيث أشرف على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه، وبلغ عدد الطلاب الذين حصلوا على هاتين الدرجتين ـ الماجستير والدكتوراه ـ تحت إشرافه، أكثر من مئتين من الطلاب، يشغل الكثير منهم الآن مراكز هامة فى الدولة، ومنهم أساتذة حاليون بالجامعات، ومنهم قيادات بالقوات المسلحة. وجدير بالذكر أن إحدى رسائل الدكتوراه التى شارك فى الإشراف عليها كانت فى مجال الحرب الكيماوية، لأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية ، بالإضافة إلى أعمال أخرى هامة فى هذا المجال. وقد بلغ عدد البحوث العلمية التى قام بنشرها ما يزيد على مئة بحث فى مجال الكيمياء العضوية التخليقية وبعض تطبيقاتها، ونشرت هذه البحوث فى المجلات العلمية المتخصصة فى أوربا وأمريكا .
...(2/231)
وإبان حياته العلمية الثرية امتد نشاط الدكتور إسلام إلى آفاق رحبة من العلم التطبيقى، حيث عمل خبيرا لشركة النصر للكيماويات الدوائية بالمؤسسة المصرية العامة للأدوية، وشارك فى الأعمال الإنشائية التى كانت تجرى بها فى أوائل الستينيات، وبخاصة فى إنشاء معامل للبحوث والرقابة الدوائية بها. وفى مرحلة تالية عمل مستشارًا للبحوث لهذه الشركة وبرز جهده الخلاق مستحدثًا طريقة صناعية جديدة لتحضير مشتق الفينامليون الذى يساعد على سيولة الدم ، وقد أشرف على تحضير ربع طن منها، كما حصل مع آخرين على براءة اختراع لطريقة اقتصادية لتصنيع حمض الستريك.
... وفى مجال التأليف والترجمة والنشر ضرب سهمًا فى هذا المجال، وله أكثر من جهد مشكور أَغنَى به المكتبة العلمية والثقافية العربية، ففى علوم الكيمياء شارك فى تأليف عدة كتب منها: الكيمياء الصناعية، والكيمياء الطبيعية، والكيمياء غير العضوية، وأسس علم الكيمياء، والكيمياء المعملية .
...(2/232)
وقد أعيد طبع هذه الكتب عدة مرات ومازالت شائعة الاستعمال، لا فى مصر وحدها بل فى كثير من البلاد العربية الأخرى، وهى من مطبوعات دار المعارف. ومن بين مؤلفاته أيضا كتاب باللغة الإنجليزية فى الكيمياء العملية. وقد امتد نشاطه كذلك فى مجال تطبيق العلوم، ونشر الثقافة العلمية باللغة العربية وألَّف عدة كتب منها " الكيمياء عند العرب" (دار المعارف) بيَّن فيه فضل بعض العلماء الأفذاذ مثل: جابر بن حيان، وأبى بكر الرازى على علوم الكيمياء، ودورهما التاريخى فى إرساء القاعدة العلمية والمنهج العلمى والتقنية للتجارب العلمية، وكتاب " رسالة كوكب"، (دار الفكر العربى) يتناول فيه أخطار الاستخدام غير الرشيد للعلم، وكتاب " الفن عند الكيمياء" (عالم المعرفة) يشرح فيه استخدام الجزيئات الكيميائية فى نقل المعلومات فى أجسام الكائنات الحية، وكتاب "هل نحن وحدنا فى هذا الكون" (الأهرام) يتناول فيه الطرق الممكنة للاتصال بين الحضارات فى هذا الكون الرحب، وكتاب "التلوث مشكلة العصر" (عالم المعرفة) يتناول مشكلات تلوث الهواء والماء، وارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، ومشكلة ثقب الأوزون، والتلوث فى المبيدات والمخصبات ونفايات البترول وغيرها، وكتاب "علماء العرب والمسلمين"، بتكليف من مجمع البحوث الإسلامية، يتناول فيه الأعمال العلمية لنحو خمسين عالمًا من علماء العرب والمسلمين فى مجالات الفلسفة والفيزيقا، والكيمياء، والرياضيات، وغيرها من فروع العلم، وبالإضافة إلى ذلك ترجم الدكتور إسلام بعض الكتب العلمية من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية لمؤسسة الأهرام منها، كتاب " أسس الكيمياء العضوية" ألف صفحة، وكتاب "ميكانيكا التفاعلات العضوية" ثلاثمائة صفحة، وهما من المراجع العلمية فى هذا المجال.
...(2/233)
أما جهوده فى مجمع اللغة العربية فهى كثيرة حقا، امتدت قرابة عشرين عامًا، عمل خلالها خبيرًا له وزنه وباعه الطويل فى لجنة الكيمياء والصيدلة، ولجنة النفط . وشارك فى إنجاز عدة آلاف من المصطلحات العلمية ونقلها مع شروحها إلى اللغة العربية، مقرونا بالبحث الدءوب عن أدق المقابلات العربية لها، كما شارك فى إنجازات معجم الكيمياء والصيدلة الذى أصدره المجمع فى السنوات الأخيرة تقديرًا لمكانته العلمية.
... وقد انتخب الدكتور أحمد مدحت إسلام عضوًا بالجمعية الكيميائية البريطانية والأكاديمية المصرية للعلوم، وبالجمعية الكيميائية المصرية، وبالمجمع العلمى المصرى، كما أنه عضو بمجلس البحوث الأساسية بأكاديمية البحث العلمى والتكنولوچيا، وكان له دور بارز فى تأسيس نادى هيئة التدريس، بجامعة الأزهر، وعمل أمينًا له كما أن له نشاطًا رياضيًّا كبيرًا فى نادى الشمس، وقد عمل وكيلا له طوال عشر سنوات يهتم فيه بمختلف النواحى الرياضية والثقافية، وجدير بالذكر أن للدكتور إسلام ولعا شديدًا بالموسيقى، ولعل نشأته الأولى فى شبرا، حين كانت تزخر فى العشرينيات بالحدائق يتنسم عطرها وأريجها فى روحاته وغدواته، قد أرهفت حسه ووجدانه، فى ذلك لم يكن غريبا، بعد أن شب عن الطوق ـ أن يعشق الموسيقى فيصبح بعد سنوات عازفًا مجيدا؛ وما زلت أذكر عزفه الذى كان يأخذ بمجامع القلوب بكلية العلوم، أيام أن كان طالبًا بها ومازال يحتفظ بين مكتبته العلمية والثقافية بمجموعة من أعمال أهم العازفين والمساترة العالية.
هذه لمحة عن حياة هذا العالم الجليل الذى نستقبله اليوم، ونفسح له مكانًا ومكانة فى هذا المحراب زميلاً وعضوا بمجمع اللغة العربية، مجمع الخالدين.
- - - - -
الدكتور عبد العزيز صالح (1)(2/234)
عندما حان وقت الترشيح لعضوية المجمع من بين علماء مصر البارزين لمع فى ذهنى اسم عالم جليل برز فى علوم الآثار والتاريخ القديم وأبلى فيهما أحسن البلاء حتى غدا بين العلماء المعاصرين له فى هذا المجال أرسخهم قدما وأعمقهم أثرا وأعلاهم منزلة وقدرا، وهو العالم الموسوعى الأستاذ الدكتور عبد العزيز صالح، العميد السابق لكلية الآثار بجامعة القاهرة الذى نستقبله اليوم عضوا بمجمع الخالدين.
ولد الزميل الدكتور عبد العزيز صالح فى الثالث عشر من مايو عام 1921م ونشأ بحى الخليفة بالقاهرة، ذلك الحى الشعبى القديم الذى قامت فيه آثار إسلامية كثيرة متميزة تقدمتها مساجد ومشاهد بعض السيدات من عترة الرسول الكريم ومنهن سكينة، ورقية، وعائشة، ونفيسة، وبعض آثار شخصيات أخرى مثل صلاح الدين وشجرة الدر وقايتباى وشيخون والسلطان حسن وكثير مما من شأنه أن يزكى فى النفوس روح التدين وعبق التاريخ وحب الفنون الإسلامية.
وبعد أن حفظ ما تيسر من سور القرآن الكريم فى كُتّاب الحى ومدرسته الأولية بدأ تلميذنا دراسته النظامية فى مدرسة بنباقادن الابتدائية، وكانت هى وسميّتهُا بنباقادن الثانوية ضمن خمس مدارس تتبع الخاصة الملكية وتحرص على تميز مستوى الدراسة فيها ، كما تنمى الاستعدادات الشخصية لتلاميذها ـ ونظرا لتفوقه الأدبى واللغوى فقد كوفئ تلميذنا حينذاك بعدة مؤلفات وجوائز.
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل استقباله عضوًا بالمجمع يوم الأربعاء 8 من جمادى الآخرة سنة 1413هـ، الموافق 2 من ديسمبر سنة 1992م، مجلة المجمع، العدد (77).(2/235)
وفى دراسته الجامعية تخرج فى قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول ثم أكمل دراسته فى علم المصريات القديمة فى المعهد العالى للآثار بالجامعة نفسها ـ وتزامنت بعض دراساته لعلم المصريات القديمة مع دراسة أخرى لدبلوم التربية والعمل لبضع سنوات مدرسا فى التعليم العام، ونشر أولى مقالاته فى عام 1950م بعنوان " آثار شارع المعز لدين الله "، حيث شبه هذا الشارع بسجل مفتوح سطرت على صفحاته عن يمين وعن شمال معالم مجد قديم جمع بين مطالب الدنيا ومطالب الدين وشهد بروعة الفن الإنشائى والزخرفى المصرى فى عصوره الإسلامية المتعاقبة ـ وتوالت بعد ذلك بحوثه ومقالاته منذ تعيينه مدرسًا مساعدًا بكلية الآداب بجامعة القاهرة فى عام 1953م، ثم أتم رسالته للدكتوراه عن "التربية والتعليم فى مصر القديمة " وأجيزت بتفوق فى يونيه عام 1956م؛ وقد نشرها باسمه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية فى عام 1966م، وكانت هى الرسالة الأولى الموسعة فى ميدانها العلمى بمصر والخارج بعد أن كان أغلب ما يستشهد به فى تاريخ التربية والتعليم فى العالم القديم يستقى عادة من تراث الإغريق والرومان والصين دون مصر وحضارتها التليدة إلا فى مقالات قصيرة متفرقة.
أصدر الأستاذ الدكتور عبد العزيز صالح (46) ستة وأربعين كتابًا وبحثًا علميًّا منشورًا فى مصر والخارج باللغتين العربية والإنجليزية فى مجالات التاريخ والتربية والتعليم واللغات والآداب والعقائد والفنون فى الحضارة المصرية والحضارات الشرقية القديمة.(2/236)
وقد اتسمت هذه الدراسات بأمانة الأداء والصدق العلمى وعمق التحليل واتساع الأفق، كما عبَّرت عن مدرسة فكرية مصرية متميزة تنفذ إلى روح الحضارة المصرية القديمة وتكشف عن حقيقة جوهرها فيما تبحث فيه من تاريخها وخصائص عقائدها ولغتها وآدابها وفنونها مع عقد المقارنات الموضوعية بينها وبين واقع الحياة الفعلية فى البيئات والمجتمعات المصرية والشرقية استهدافا لما يربط بين حاضرها وماضيها.
وقد صَوَّبت هذه الدراسات ذات المنهج العلمى الواضح المتكامل عديدًا من المفاهيم الأجنبية عن الحضارة المصرية القديمة وخرجت بنظريات وآراء جديدة موثقة عدلت بها بعض المسلمات التقليدية فى ميدانها، كما قدمت بعض الحلول للمشكلات التاريخية المتعلقة بها.
والكشوف الأثرية العلمية التى أجراها الأستاذ الدكتور عبد العزيز صالح ذات أهمية بالغة فقد كان له دوره فى الكشف عام 1955م عن برديات مصرية بمنطقة تونة الجبل بالمنيا تضمنت نصوصا ديموطية تضيف الجديد عن نظم المعاملات فى القانون المصرى القديم، كما كشف فى هضبة الجيزة منذ عام 1970م عن آثار حى سكنى صناعى لقطاع من الطبقة العاملة المتصلة بمعبد شعائر الهرم الثالث. وقد تضمن هذا الكشف مصنعا لبردى يعتبر فريدا فى نوعه كما عبرت بقايا مساكن هذا الحى عن المستوى الاقتصادى والحرفى لأصحابها خلال القرن 23 قبل الميلاد.
ومنذ عام 1976م توالت بحوثه ودراساته العملية للكشف عن المعالم الحضارية الرئيسية لمدينة أونو القديمة (أى هليوبوليس وعين شمس) أولى المراكز الكبرى للفكر والثقافة الجامعة فى العالم القديم، وكشف منها حتى الآن عن بقايا 140 وحدة سكنية وإدارية وصناعية لقطاع من الطبقة الوسطى الدينية والمدنية خلال القرنين 12-11 قبل الميلاد، كما كشف عن بقايا ثلاثة معابد وحصن ملكى من عصر الرعامسة، وكان لذلك كله صدى علمى كبير فى الأوساط الأثرية العالمية.(2/237)
وتجاوز العطاء العلمى للدكتور صالح نطاق الحضارة المصرية القديمة فأصدر دراسات موسعة عن تاريخ وحضارة العراق وعن الحضارات العربية القديمة فى شبه الجزيرة العربية بشمالها وجنوبها وبخاصة فيما يتعلق بحياتها الاجتماعية والصلات اللغوية والثقافية بين مصر القديمة وبينها ـ كما ألقى الضوء عن وجود تأثيرات معمارية وفنية مصرية قديمة واضحة فى بعض المنشآت المعمارية للحيانيين والأنباط القدماء فى مدائن صالح بشمال الحجاز منذ القرن الخامس قبل الميلاد وحتى القرن الأول الميلادى وذلك مما أرجع العلاقات الحضارية بين مصر وبينها إلى ما قبل بداية العصور الإسلامية بنحو ألف ومائتى عام وهو أمر له أهميته البالغة.
وللأستاذ الدكتور عبد العزيز صالح نشاط كبير فى الكثير من الهيئات الأدبية والفكرية والثقافية على الصعيدين القومى والعربى وعلى الساحة الدولية، فهو عضو بالمجلس القومى للثقافة وعضو فى شُعَبِ التعليم الجامعى والثقافة والعلوم الإنسانية والتراث الحضارى والأثرى بالمجالس القومية المتخصصة وعضو بالمجمع العلمى المصرى ونائب رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ورئيس شعبة البرديات المصرية القديمة فى مركز الدراسات البردية بجامعة عين شمس، وعضو لجنة الموسوعة الأفريقية للأعلام باليونسكو، وعضو اللجنة التأسيسية للمؤتمرات الدولية لعلم المصريات، كما أنه عضو فى جمعيات بريطانية وكندية وألمانية عالمية متخصصة فى الآثار وتاريخ الحضارة، وقد حاضر وشارك فى عدة ندوات ومؤتمرات عقدت فى كمبردج ببريطانيا وجرينوبل بفرنسا وبرلين وتوبنجن ومونستر وميونيخ بألمانيا ومكسيكوسيتى بالمكسيك وتورنتو بكندا، بالإضافة إلى بلاد عربية عديدة وبخاصة المملكة العربية السعودية التى رأس فيها أيضا قسم التاريخ بجامعتى الملك عبد العزيز والملك سعود.(2/238)
وقد عمل الأستاذ الدكتور صالح مقررا للجنة مشروع معجم مصطلحات الآثار فى التعليم العالى بمكتب تنسيق التعريب بالرباط عام 1986م، كما كتب مجموعة من البحوث المتخصصة فى قاموس القرآن الكريم الذى تنجزه حاليا(1) مؤسسة التقدم العلمى بالكويت.
وتكريمًا له وتقديرا لمكانته العلمية فقد خصصت هيئة لآثار المصرية العدد الخاص بعام 1986م فى مجلة حولياتها الأثرية ليصدر باسمه. وقد نال جائزة الدولة التشجيعية لعام 1962م ثم كرمته الدولة أيضا بنيل جائزة الدولة التقديرية لعام 1986م.
هذه لمحة عن حياة هذا العالم الموسوعى
عضو مجمع اللغة العربية، مجمع الخالدين.
__________
(1) أى فى سنة 1992م، وقت إلقاء الكلمة.
الدكتور أحمد مستجير مصطفى (1)
منذ عدة سنوات كان يشغل مقعد العلوم الزراعية بالمجمع عالم من جيل العمالقة هو المغفور له الأستاذ الدكتور محمود توفيق حفناوى. ومنذ رحيله ظل هذا المقعد شاغرًا لمدة طويلة إلى أن اختير الأستاذ الدكتور أحمد مستجير مصطفى عميد كلية الزراعة بجامعة القاهرة ليشغل هذا المقعد عن جدارة..
وغنى عن البيان أن الدكتور أحمد مستجير عالم من صفوة علمائنا برز فى مجال العلوم الزراعية وسطع نجمه فى السنوات الأخيرة من كثرة ما ألَّف وترجم فى علوم الوراثة وفروعها المستحدثة وكذلك فى الأدب والشعر.
ولد زميلنا فى الأول من ديسمبر عام 1934م فى قرية الصلاحات التابعة لمركز دكرنس بمحافظة الدقهلية، نشأ فى بيت من بيوت العلم والأدب، وكان والده مدرسا للغة العربية وبالبيت مكتبة غنية بالكتب الأدبية والدينية أقبل عليها مع إخوته السبعة وهم فى الطفولة والشباب الباكر بشغف ملحوظ بالقراءة، وقد رسخت هذه الرغبة فى القراءة والاستزادة من المعرفة فى ذهنه ووجدانه فى مراحل حياته بعد ذلك.(2/239)
قضى الدكتور مستجير طفولته بهذه القرية بين مروجها الخضراء وظلالها الوارفة وعطرها وأريجها وكانت لهذه الطبيعة الخلابة انعكاساتها عليه فأحبها وعشقها، وظلت هذه الأحاسيس تنمو معه أيضا فى صباه وشبابه جنبا إلى جنب مع عشقه للقراءة ـ وما إن أتم دراسته الابتدائية بمدرسة المطرية ودراسته الثانوية بتفوق بمدرسة الملك الكامل الثانوية بالمنصورة حتى التحق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة وكأنه بدراسته فى هذه الكلية قد استجاب تلقائيا لما كان قد احتشد فى خلفيته الأولى واختزنه فى وجدانه من حب لتلك البيئة النباتية فى قريته التى نشأ فيها وأحبها وعاش بين ظلالها ومروجها.
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل استقباله عضوًا بالمجمع يوم الأربعاء 19 من رجب سنة 1415هـ، الموافق 21 من ديسمبر سنة 1994م مجلة المجمع، العدد (78).
وبعد تخرجه فى كلية الزراعة عام 1954م وكان ترتيبه الخامس على الدفعة عمل خبيرا زراعيا بوزارة العدل ثم حصل على منحة بالمركز القومى للبحوث لحصوله على تقدير جيد جدًّا فى درجة البكالوريوس. وقد تابع دراسته العالية بالمركز لدرجة الماجستير فى تربية الحيوان، وبعد حصوله على هذه الدرجة سافر عام 1960م إلى بريطانيا ليلتحق بمعهد الوراثة بجامعة إدنبره باسكتلندا وحصل أولا على دبلوم وراثة الحيوان عام 1961م بدرجة الامتياز لأول مرة فى تاريخ المعهد ثم حصل على درجة دكتوراه الفلسفة عام 1963م ـ وبعد عودته إلى الوطن عين مدرسا ثم أستاذًا مساعدًا ثم أستاذاً لعلم الوراثة وتربية الحيوان عام 1974م بكلية الزراعة بجامعة القاهرة؛ وبعد ذلك انتخب عميدا للكلية عام 1986م، ولا يزال يشغل هذا المنصبَ حتى الآن (1) بعد إعادة انتخابه للمرة الثالثة.(2/240)
وقد حفلت حياته العلمية التى امتدت أربعين عاما بنشاط كبير وإنجازات رائدة، فقد أنشأ مدرسة علمية يعتد بها فى مجال علوم الوراثة وتربية الحيوان ونشر أكثر من أربعين بحثا بالمجلات المصرية والعالمية تناولت دراسة وراثة الصفات المرتبطة بالجنس والانتخاب العائلى والتحسين الوراثى فى الحيوان، وأهمية التلقيح الاصطناعى وقيمته فى رفع إنتاج اللبن واللحم فى مصر وإمكان استخدام الهندسة الوراثية والتكنولوچيا الحيوية فى مجال الإنتاج النباتى والحيوانى فى مصر، وغير ذلك من البحوث العلمية والتطبيقية التى تخدم الاقتصاد القومى.
وقد حصل الدكتور مستجير بهذا الإنتاج العلمى المرموق على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الزراعية عام 1974م وعلى وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما حصل على جائزة أفضل كتاب علمى مترجم عام 1993م.
__________
(1) فى سنة 1994م، وقت إلقاء هذه الكلمة.
بالإضافة إلى بحوثه العلمية فى مجال تخصصه فقد لفت الدكتور مستجير إليه الأنظار لثقافته العلمية والأدبية وجهوده الفائقة فى التأليف والترجمة ونقله إلى اللغة العربية كتبا هامة فى العلم والأدب والفلسفة. وقد بلغت جملة كتبه المؤلفة والمترجمة (31) واحدًا وثلاثين كتابًا منها أربعة كتب مؤلفة فى التحسين الوراثى للحيوان، و(20) عشرون كتابا مترجما فى العلوم والفلسفة، و(7) سبعةُ كتب فى الأدب منها خمسة كتب مؤلفة واثنان مترجمان.(2/241)
ويقول الدكتور مستجير إنه شغف بالترجمة إلى العربية منذ تخرجه فى الجامعة؛ وأول كتاب نقله إلى العربية لمؤلفه سوليفان كان عن فلسفة العلم، وقد تأثر بما جاء فيه إلى حد كبير ـ ومن بين كتبه الأخرى المترجمة قصة الكم المثيرة (1969م)، المشاكلُ الفلسفية للعلوم النووية (1971م)، صراعُ العلم والمجتمع (1974م)، الربيع الصامت (1974م)، صناعة الحياة (1985م)، التطور الحضارى للإنسان (1987م)، طبيعة الحياة (1988م)، هندسة الحياة (1990م)، الهندسةُ الوراثية للجميع (1990م)، ثقبُ الأوزون (1991م)، البيئة وقضاياها(1991م)، الانقراض الكبير (1992م)، الفيزياء والفلسفة (1993م)، التاريخ العاصف لعلم وراثة الإنسان (1993م)، الهندسة الوراثية وأمراض الإنسان(1994م)، ومن بين الكتب التى ألفها الدكتور مستجير فى الأدب: فى بحور الشعر ـ الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربى (1980م)، مدخل رياضى فى عروض الشعر العربى (1987م)، عزف ناىٍ قديم (1980م)، أحاديث الاثنين (1990م)، هذا عدا المقالات العديدة التى نشرت فى مجلتى " إبداع "، " الشعر" عن الصياغة الرياضية لعروض الشعر العربى، ومن يقرأ هذه الكتب المتنوعة يلحظ فيها عمق الفكر وسلاسة اللغة ووضوح المعنى ورصانة الأسلوب.(2/242)
ويقول الدكتور مستجير أيضا إنه كان يكتب الزجل ويحفظ الكثير منه وهو بعدُ تلميذ فى المدرسة الابتدائية، ثم بدأ يكتب الشعر إبان دراسته الجامعية وظل يكتب لمجرد الترويح عن الانفعالات حتى سن الخامسة والثلاثين ونشر بعض ما كتب من الشعر فى ديوانين صغيرين هما "عزف ناى قديم "، "هل ترجع أسراب البط"، ثم استطرد يقول: قبل أن أنشر الديوان الأول ـ وكنت قد أصبحت عضوا فى اتحاد الكتاب ـ رأيت أن أعرف إن كانت ثمة أخطاء عروضية فقمت بدراسة العروض فلم أجد فيما كتبته أية أخطاء عروضية وبذلك قمت بنشر الديوان ـ ثم يقول:" كنت أقوم بتدريس البرمجة للكمبيوتر لطلبة الدراسات العليا بالكلية ـ وفى محاضرة كنت ألقيها قلت إن الكمبيوتر لا شك يستطيع أن يعرف إن كان البيت مكسورا أم لا وبدأت حينئذ دراسةً حاولت فيها إخضاع البحور للأرقام وكللت الدراسة بالنجاح ونشرت كتيبا فى الموضوع عنوانه " فى بحور الشعر: الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربى" ـ بعد أن عرضتُ هذا الكتيب على المرحوم الأستاذ الكبير على النجدى ناصف عضو هذا المجمع الموقر أصرَّ على أن يكتب له مقدمة ـ وبعد ذلك قمت بتطوير الفكرة لتظهر فى كتاب (166 صفحة ) عام 1988م عنوانه "مدخلٌ رياضى إلى عروض الشعر العربى".
وللدكتور مستجير أيضا نشاط ملحوظ فى عدة جمعيات ولجان علمية وأدبية منها عضويته بالجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيوانى، الجمعية المصرية لعلوم الوراثة، الجمعية المصرية للنقد الأدبى، اتحاد الكتاب، المنظمة العربية للتنمية الزراعية، لجنة المعجم العربى الزراعى (الإنتاج الحيوانى)، لجنة الكتب والموسوعات بأكاديمية البحث العلمى، لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة.
...(2/243)
هذه لمحة عن حياة علمية وثقافية بالغة الثراء لعالم موسوعى جليل هو الأستاذ الدكتور أحمد مستجير عميدُ كلية الزراعة بجامعة القاهرة ورائد من رواد علوم الوراثة فى مصر الذى نستقبله اليوم عضوا بمجمع الخالدين والذى يبدأ عامه الحادى والستين بعد بضعة أيام.
... وإنى على يقين أنه بعلمه وخبرته ومكانته سيكون خير عون للمجمع ليمضى بقيادته الرشيدة وعلمائه الأعلام فى مسيرته الرائدة نحو إعلاء شأن اللغة العربية ودفعها إلى آفاق رحبة من التطور لتواكب الإيقاع السريع الذى نشهده اليوم فى ثورة المعلومات وفى تقدم العلم والمعرفة.
وفى ختام كلمتى أرجو الله أن يوفقه فيما هو مقدم عليه من مهام ومن أعمال مجمعية يضيف بها إلى سجل أعماله وإنجازاته العظيمة، ومنجزاته الرائدة.
- - - - -
الدكتور شفيق إبراهيم بلبع (1)
الأستاذ الدكتور شفيق بلبع عالم من علماء الصفوة والرواد فى العلوم الصيدلية فى مصر والعالم العربى، أكسب بعلمه وخبرته الوسعة فى هذا المجال مكانة علمية عالمية.(2/244)
ولد زميلنا الأستاذ الدكتور شفيق بلبع فى الثالث عشر من شهر فبراير عام 1920م بمدينة دمنهور. وفى ضيعة والده ومزارعه الواسعة عاش طفولته بين مروجها ونباتاتها الخضراء وظلالها الوارفة، وكانت لهذه الطبيعة الخلابة انعكاساتها عليه فأحبها وعشق نباتها وعطرها وأريجها، وظلت هذه الأحاسيس تنمو معه فى صباه وشبابه فما إن أتم دراسته الابتدائية والثانوية فى مدارس دمنهور عام 1938م حتى مضى إلى كلية الزراعة بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا). وبعد أربع سنوات أى عام 1942م حصل على درجة البكالوريوس فى العلوم الزراعية واتجه بعد ذلك إلى زراعة النباتات الطبية والعطرية وإنتاجها فى المزارع التى يمتلكها والده، إلا أنه واجه بعض المشكلات الفنية فى هذا المجال فاتجه إلى كلية الصيدلة بجامعة القاهرة وتقدم للحصول على دبلوم فى النباتات الطبية والعطرية، لكن نصحه بعض أساتذة الكلية بالدراسة للحصول على درجة البكالوريوس فى العلوم الصيدلية.
__________
(1) من كلمة ألقيت فى حفل استقباله عضوًا بالمجمع يوم الاثنين 14 من شعبان سنة 1420هـ، الموافق 22 من نوفمبر سنة 1999م مجلة المجمع، العدد (88).(2/245)
وفى كلية الصيدلة تفوق الدكتور بلبع فى دراسته على أقرانه بما رسخ فى خلفيته من علوم ومعارف تلقاها إبان دراسته بكلية الزراعة ويتصل بعضها ـ وبخاصة علومُ النبات والكيمياء ـ بالعلوم الصيدلية، ووجد ضالته فى النباتات الطبية والعطرية وعلم العقاقير فشغف بهما وتخصص فيهما بعد ذلك فى دراسته العليا بعد حصوله على درجة البكالوريوس فى العلوم الصيدلية عام 1946م، وقد كان لدراسته الجامعية المزدوجة وحصوله على درجتى بكالوريوس الزراعة وبكالوريوس الصيدلة مزايا كثيرة وفوائدُ جمة، كان لها تأثير إيجابى واضح على مسيرته العلمية والأكاديمية ـ وقد تابع الدكتور بلبع دراسته العليا فحصل على درجة الماجستير فى علم العقاقير عام 1950م، سافر بعدها فى بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة بجامعة فلوريدا، وحصل منها على درجة دكتوراه الفلسفة فى علم العقاقير عام 1953م.
وبعد عودته انضم إلى هيئة التدريس بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة مدرسا، فأستاذًا مساعدًا، فأستاذ كرسى كيمياء العقاقير عام 1964م، فرئيسًا لقسم العقاقير، فعميدًا لكلية الصيدلة عام 1966م لِسِتِّ سنوات متصلة، عين بعدها أمينًا عامًّا للمجلس الأعلى للجامعات حتى عام 1978م حين اختير رئيسا لجامعة المنصورة. وفى عام 1980م بلغ عامه الستين فعين أستاذًا متفرغًا بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة حتى الآن(1)، وفى ذاك الآن أيضًا عين الدكتور بلبع وكيلا لمجلس الشورى ـ وفى جميع هذه المناصب التى تقلدها تميز الدكتور بلبع بسعة الأفق والعمل البناء والفكر الثاقب والبصيرة النافذة والتحلى بمكارم الأخلاق.
__________
(1) فى عام 1999م وقت إلقاء هذه الكلمة.(2/246)
وقد حفلت حياته العلمية التى امتدت أكثر من خمسين عامًا حتى اليوم بنشاط علمى كبير وإنجازات وأعمال إنشائية بارزة فى مجال تخصصه، فله ما يزيد على (160) مئة وستين بحثًا علميًّا فى مجال العقاقير والنباتات الطبية نشرت فى أكبر المجالات العلمية المتخصصة المصرية والعالمية تناولت فصل المكونات الفعالة من بعض النباتات فى صورة نقية بغرض استخدامها فى العلاج، واستحداث طرق جديدة ودقيقة مبتكرة لتقييم المكونات الفعالة فى عدد من النباتات الطبية والعطرية وقد أدخل الدكتور بلبع زراعة أكثر من خمسة وعشرين نوعًا من النباتات الطبية والعطرية فى مصر لأول مرة استجلبها من الخارج وتأقلمت فى البيئة المصرية ـ كما شملت دراستُه وبحوثه ما يزيد على (80) ثمانين نوعًا من النباتات الطبية والعطرية التى تنمو بريًّا فى مصر؛ وقد ركز اهتمامه على النباتات ذات الفائدة الاقتصادية مثل السكران المصرى وحشيشة الليمون والبلادونا والداتورة وحلفا البر والخلة والشطة والنعناع وزيوت الموالح والسبيرثروم والبلانتاجو وغيرها، وقد قام بدراسة التركيب الكيميائى لبعض المكونات الفعالة ومعرفة خواصها الفيزيقية بهدف استخدامها فى العلاج.
وللدكتور بلبع مدرسة علمية رائدة فى كلية الصيدلة بجامعة القاهرة تخرج فيها العديد من تلاميذه الذين يشغلون الآن وظائف الأساتذة بالجامعات والباحثين والعاملين فى المؤسسات الصيدلية ومصانع الأدوية ومراكز البحوث فى مجال العقاقير والنباتات الطبية ذات الأهمية الاقتصادية، وحصل العديد من طلبته على درجتى الماجستير والدكتوراه تحت إشرافه.
ومن أعماله الإنشائية البارزة:
ـ إسهامه فى إنشاء أول محطة تجارب نموذجية للنباتات الطبية والعطرية فى مصر والوطن العربى مجهزة تجهيزًا متميزًا لإجراء الدراسات والبحوث العلمية والحقلية فى هذا المجال.(2/247)
ـ كما أسهم فى إنشاء معشبة للنباتات الطبية والعطرية لضم الأنواع المختلفة التى تنمو فى مصر بريًّا أو التى جرى إدخالُها وزراعتها وأقلمتُها فى مصر.
ـ أشرف على إنشاء قسم العقاقير والنباتات الطبية فى شعبة الصيدلة بكلية الطب بجامعة المنصورة، وهو الذى أنشأ هذه الشعبة عام 1966م، وأشرف على تطويرها حتى أصبحت كليةً للصيدلة قائمةً بذاتها بهذه الجامعة.
ـ كما أشرف على إنشاء شعبة للصيدلة وتجهيزها وإقامة قسم للعقاقير والنباتات الطبية بجامعة الأزهر.
ـ وأسهم كذلك فى إقامة نظام يكفل تبادل المعلومات عن النباتات الطبية والعطرية وبذورها مع محطات ومراكز بحثية تعمل فى هذا المجال فى بلاد مختلفة من العالم.
الكتب والمؤلفات العلمية:
وللدكتور بلبع عدد من الكتب بين التأليف والترجمة منها:
1- مكونات النباتات الطبية، (645) صفحة باللغة الإنجليزية، وهو أول كتاب من نوعه على المستوى المحلى والعالمى، وقد طلبت دار النشر الأمريكية جون وايلى أن تقوم بإصدار طبعة منه ونشر الكتاب فى مصر بمطبعة دار الشعب للطباعة والنشر.
2-كيمياء العقاقير، باللغة الإنجليزية. الناشر: دار الشعب للطباعة والنشر.
3- النباتات الطبية والعطرية، باللغة العربية. الناشر: الجهاز المركزى للكتب الجامعية.
4- التعليم الجامعى وسوق العمل فى مصر ( بالاشتراك) 560 صفحة إصدار المعهد الدولى لتخطيط التعليم التابع لمنظمة اليونسكو بباريس.
5- تاريخ العلوم الصيدلية (بالاشتراك)، باللغة العربية. إصدار أكاديمية البحث العلمى والتكنولوچيا.
6- شارك فى ترجمة كتابين عالميين فى علم العقاقير النظرى والعملى تأليف: ت. واليس، الأستاذ بجامعة لندن.
مظاهر التقدير العلمى فى الداخل والخارج:(2/248)
ولمكانته العلمية البارزة وبحوثه العلمية والتطبيقية الرائدة نال الأستاذ الدكتور شفيق بلبع جائزة الدولة التقديرية فى العلوم عام 1982م، وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1983م، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1978م، وعلى الميدالية الذهبية لأحسن بحث فى العقاقير عام 1972م من اتحاد الصيادلة العربى، وعلى جائزة نيوكومب التذكارية لأحسن بحث فى العقاقير على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1954م.
... وامتد نشاط الدكتور بلبع وخبرته العلمية الواسعة على الساحة القومية فاختير مستشارًا ورئيسًا وعضوًا فى عدد كبير من الهيئات العلمية والمجالس العليا والجمعيات واللجان القومية ومنها:
ـ عضو المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى، ومقرر شعبة التعليم الجامعى بالمجالس القومية المتخصصة.
ـ رئيس الأكاديمية المصرية للعلوم.
ـ مستشار مركز الأبحاث والرقابة الدوائية.
ـ مستشار النباتات الطبية والعطرية لوزارة الزراعة.
ـ عضو المجلس الأعلى لقطاع الدواء.
ـ نائب رئيس مجلس البحوث الطبية بأكاديمية البحث العلمى.
ـ رئيس اللجنة التنفيذية للبعثات.
ـ رئيس اللجنة الثقافية والتبادل الثقافى بالمجلس الأعلى للجامعات.
ـ عضو المجمع العلمى المصرى.
ـ عضو الجمعية الكيميائية الأمريكية الشرقية، والجمعية الأمريكية للنباتات الطبية والعقاقير، وعضو الاتحاد الدولى للصيدلة، والجمعية الأوربية للنباتات الطبية، والجمعية الصيدلية المصرية، والشعبة القومية للكيمياء البحتة والتطبيقية بأكاديمية البحث العلمى.(2/249)
وهذا قدر يسير من كثير من الهيئات التى ينتمى إليها ويوجه نشاطه إليها، هذا فضلا عن أنه كان عميدًا لكلية الصيدلة بجامعة القاهرة، ورئيسًا لجامعة المنصورة، وأمينًا عامًّا للمجلس الأعلى للجامعات، ووكيًلا لمجلس الشورى. وقد اتسمت حياته العلمية التى امتدت أكثر من خمسين عامًا بالخصوبة والنماء والإنتاج العلمى الغزير والخبرة الواسعة، الأمر الذى هيأ له الريادة فى مجال تخصصه وأسبغ عليه مكانةً علميةً بارزةً على الصعيدين القومى والعالمى.
... هذا عرض موجز لحياةٍ علميةٍ حافلةٍ لعالم جليل هو الأستاذ الدكتور شفيق بلبع الذى يسعد به المجمع عضوًا جديدًا بين علمائه البارزين.
- - - - -
الترجمة بين الماضى والحاضر
وأهميتها فى نقل العلوم إلى اللغة العربية (1)
... بدا فى السنوات الأخيرة اهتمام كبير بقضية الترجمة ونشطت الدعوة لعودتها إلى سابق نهضتها وازدهارها وذلك لما لمسه المشتغلون بالعلم والأدب والثقافة من أزمة حادة تحدق بهذا الرافد الحيوى من روافد المعرفة الإنسانية الذى طالما أدى دورًا بارزًا فى نشر نور العلم وإعلاء مناره بما يتيحه من اتصال بمختلف الثقافات والتفاعل بينها. وبوصفه إطلالة حضارية منيرة على آفاق رحبة من الفكر العالى الذى تتقافز خطواته فى مدارج التقدم والرقى.
كما أن اللغة العربية تزداد غَناءً وثراء بالترجمة وتتسع آفاقها بالحصيلة الجديدة التى تضاف إلى مذخور تراثها وتصبح أقدر على تأدية رسالتها فى عصر العلم والتقدم العلمى والتكنولوچى بفضل عملية التلاحم التى تضطلع بها الترجمة.
__________
(1) ألقى هذا البحث فى الجلسة الخامسة لمؤتمر المجمع فى الدورة 60، المنعقدة يوم السبت 21 من شوال سنة 1414هـ، الموافق 2 من أبريل سنة 1994م، مجلة المجمع، العدد (78).
...(2/250)
وإذا كانت الترجمة إلى العربية قد بدأت فى واقع الأمر فى مطالع عصر بنى أمية على يد خالد بن يزيد بن معاوية حين ترجم من اليونانية إلى العربية، وحين أجاز الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز ترجمة الكتب الطبية لحاجة الناس إلى الطب إلا أن الترجمة لم تبلغ شأوًا بعيدًا من التقدم والازدهار إلا إبَّان حكم بنى العباس وبخاصة فى عهد الرشيد والمأمون حين تألقت فى سماء الأمة الإسلامية نهضة علمية عربية عارمة كانت الترجمة لحمتها وسداها، بدأت فى منتصف القرن الثامن الميلادى واتسعت حركتها فى عصر الخليفة المأمون (786 ـ 833م) فى القرن الثانى الهجرى والتاسع الميلادى حين أخذ المسلمون ينهلون من موارد العلم كؤوسا مترعة ويترجمون كتب الإغريق والهند والفرس وينقلون إلى اللغة العربية مختلف الذخائر العلمية؛ واستمرت هذه الحركة فى ازدهار ملحوظ حتى نهاية القرن الحادى عشر، وعن طريقها انتقل إلى اللغة العربية تراث الأمم ذات الحضارات القديمة. وتلت ذلك نهضة علمية خصبة واسعة تميز الإنتاج فيها بالجدة والأصالة وبإضافات جادة أضافها العلماء العرب إلى هذه التراجم من مبتكراتهم. وكان هذا نتيجة تفاعل التراث الأجنبى الدخيل مع التراث العربى الأصيل. وقد ذهب بعض المستشرقين الغربيين مثل ويل ديورانت إلى أن الإسلام قد احتل مكان الصدارة والقيادة الفكرية والعلمية فى العالم طوال خمسة قرون من الزمان بدأت بمنتصف القرن الثامن وانتهت بمنتصف القرن الثالث عشر الميلادى.
...(2/251)
وإذا كانت أمة العرب قد اتصلت بالأمم ذات الحضارات وترجمت تراثها إبان يقظتهم فى عصر الإسلام الذهبى أيام بنى العباس فإن أوربا فعلت الشىء نفسه فى عصر النهضة التى بدأت منذ القرن الحادى عشر، وبلغت ذروتها إبان القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وذلك بعد أن أفاقت من سبات عميق امتد عدة قرون ـ وحين استيقظت أوربا فى مطلع القرن الحادى عشر ارتدت إلى ماضيها وجدَّتْ فى إحياء تراثه وحين أدركت أنها لا تجيد لغة أجدادها من اليونان لجأت إلى تراث العرب المسلمين وما نقلوه عن أمة اليونان وما أضافوا إليه؛ بدأوا فى نقله من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية التى كانت لغة العلم فى أوربا فى ذلك العصر. وتم ذلك فى حركتين من أوسع حركات الترجمة فى تاريخ النهضات؛ وبدأت الحركة الأولى فى صقلية وهى تحت الحكم العربى إبان النصف الأخير من القرن الحادى عشر الميلادى واستمرت قرنا من الزمان، وكان رائد هذه الحركة قسطنطين الإغريقى (1087م). أما الحركة الثانية فكانت فى إسبانيا وكانت أوسع نطاقا وأكثر شمولا، بدأت فى النصف الأول من القرن الثانى عشر وامتدت بضعة قرون، وكان رائدها مونسنيور رايموند مارتينى، رئيس أساقفة طليطلة، وفى مطلع القرن السابع عشر بدأ عصر بناءٍ وتجديدٍ وابتكارٍ استغرق مجالات الفكر فى اتجاهات عدة.
... هذه لمحة خاطفة عن أهمية الترجمة فى إيقاظ أوربا من سباتها الذى طال قرونا من الزمان.(2/252)
أما فى عالمنا العربى فقد اتسع نطاق حركة الترجمة ببداية اليقظة العلمية الإسلامية وبخاصة بعد إنشاء دار الحكمة التى تعهدها المأمون بالرعاية والنماء، وكانت تضم العديد من المترجمين من اليونانية والفارسية وغيرها ـ وكما يقول الدكتور الطويل فى مؤلفه القيم عن العرب والعلم فى عصر الإسلام الذهبى ـ كان المترجمون فى العادة يجيدون اللغة التى ينقلون عنها إجادتهم للغة التى ينقلون إليها، وكان أغلبهم يلتزمون الدقة ويتوخون الأمانة فيما ينقلون. ومن أبرز المترجمين فى ذلك العهد بل أبرزهم جميعا حنين بن إسحاق، الذى كان يجيد ثلاث لغات غير العربية هى الفارسية واليونانية والسريانية ـ وكان بشهادة المؤرخين جيد الأسلوب واضح المعنى وكان يستعمل المصطلحات العلمية بألفاظها الأجنبية أى بتعريبها مع شرحٍ لمعناها ـ وكثيرا ما نهض حنين بإصلاح أو إعادة ترجمات ابن البطريق عن اليونانية، وكان لا يجيدها برغم تمكنه من اللاتينية، وقام بالعمل نفسه مع ترجمات اصطفان بن باسيل.
... ومما يؤثر عن حنين أيضا ـ كما يقول أستاذنا الكبير الدكتور إبراهيم مدكور ـ أنه انطلق بأمر الخليفة المأمون إلى القسطنطينية باحثا عن الكتب والمراجع وبوجه خاص عن مؤلفات جالينوس، ولا أظن أن جالينوس أُحْيىَ إلا على يديه وعلى أيدى من عاونوه من مترجمين وتلاميذ ـ وإذا كانت القرون الوسطى المسيحية قد عرفت شيئا فى القرن الثالث عشر للميلاد عن الطب اليونانى إنما عرفته عن طريق الطب العربى ـ وإذا رجعنا إلى كتاب الفهرست لابن النديم لوجدنا طائفة قيمة من تلك الترجمات التى كانت دعامة الحركة الفكرية والعلمية فى القرن الثالث الهجرى أو العاشر الميلادى ـ وفى جو هذه الترجمة تخرج أكبر طبيب عربى هو أبو بكر الرازى ـ وجملة القول كان حنين بن إسحاق ومدرسته خير من يمثل الثقافة اليونانية ومن قدمها إلى قراء العربية.
...(2/253)
وجدير بالذكر أن سخاء الخلفاء والموسرين من محبى العلم فى معاملة هؤلاء المترجمين بلغ درجة عالية إلى حد أن حنين كان يتقاضى وزن ترجماته ذهبا ـ كان ذلك من منطلق تقدير عميق للترجمة ونقل تراث الأمم ذات الحضارات القديمة بعلومها ومعارفها إلى لغة العرب ـ وبالإضافة إلى حنين شيخ المترجمين فى عصره كان هناك مترجمون آخرون أمثال يوحنا بن البطريق، وثابت بن قره، وقسطا بن لوقا البعلبكى، وجورجيس بن جبريل، ويوحنا ابن ماسويه وغيرهم.
... ومن بين ما نقل من علوم الفرس الفلك والطب والهندسة والجغرافيا، وعن علوم الهند الرياضيات والفلك والطب وحساب المثلثات وعلم النجوم والخرائط ، وعن علوم اليونان الطب والفلك والرياضيات وعلوم الفيزياء وعلوم الحياة ـ وقد تفاعلت كل هذه العلوم مع التراث العربى فكان نتاجا اتسم بالأصالة والابتكار والعمق والشمول وحمل لواءه علماء أعلام أمثال الرازى ( 865 – 925م) وابن سينا ( 980– 1037م) ولهم صورتان تزدان بهما القاعة الكبرى لمدرسة الطب بباريس، والبيرونى (973 – 1043م) وابن الهيثم (965 – 1038م) الذى سبق فرانسيس باكون بقرون فى وضع المنهج العلمى للبحث وغيرهم ـ بذلك كان هذا العصر عصر الإسلام الذهبى الذى ازدهرت فيه العلوم والمعارف وتألقت فيه نهضة فكرية امتدت خمسة قرون من الزمان من القرن الثامن حتى القرن الثالث عشرالميلادى.
... ومما يدعو إلى الأسى أن هذا العصر الذهبى من عصور الإسلام أعقبه تراجع حضارى بتأثير الغزوات والغارات الأجنبية على العالم العربى مما هيأ للاستعمار بعد ذلك أن يفرض سلطانه عليه سنين طويلة، وبذلك تقلص دور العالم العربى فى ريادته العلمية العالمية وفى أعماله الخالدة فى مجال الترجمة إلى العربية.
قضية الترجمة فى مصر
...(2/254)
وبالمثل شهدت مصر تراجعا حضاريا امتد لبضعة قرون إلى مطالع القرن التاسع عشر فى عصر محمد على، حين بدأت حركة للترجمة لم تلبث حتى اتسع نطاقها وازدهرت وحمل لواءها رفاعة رافع الطهطاوى وهو الشيخ الأزهرى الذى أُوفد إلى فرنسا عام 1826م / 1241هـ، على رأس ثلاثة من الأئمة الوعاظ ليصحبوا البعثة التى أوفدها محمد على ليتعلم طلابها علوم الغرب رغبة منه فى النهوض بمصر، ولكن طموح الشيخ يأبى إلا أن يُقبل فى شغف ملحوظ على تعلم اللغة الفرنسية وأن يتتلمذ على بعض أساتذة باريس مثل شفالييه، وأن يجول بين علوم الغرب بقدر ما جال بين علوم العربية، وأن يجمع بين ثقافتين عريقتين كان للجمع بينهما فى فكره وعقله آثار بعيدة بعد عودته إلى مصر. وفى أثناء إقامته فى باريس ترجم رفاعه اثنى عشر كتابا ورسالة فى أصول المعارف، ومقدمة جغرافية طبيعية وعلم سياسة الصحة وفى علم الهندسة وغيرها، وكان يلتقى بعدد من المستشرقين أبرزهم سلفستر دى ساسى ، كوسان دى برسفال، ورينو وغيرهم، ليعرض عليهم نشاطه وترجماته.
... وعاد الطهطاوى إلى مصر عام 1831م وهو يموج بآمال عريضة نحو آفاق رحبة من التقدم لمصرمثل الذى شهده واستوعبه فى الغرب، ورأى أن السبيل للاستفادة من علوم الغرب ومعارفه هو الترجمة. ومضى يعمل على إنشاء مدرسة الألسن عام 1835م لإعداد طبقة من المترجمين الذين يتقنون اللغتين العربية واللغات الأوربية. وبعد أن تحقق أمله أخذ رفاعة مع تلاميذه يترجمون الكتب فى مختلف فروع العلم والمعرفة حتى بلغ عدد ما ترجموه نحو ألفين من الكتب والرسائل فى الجغرافيا والفلك والتاريخ والأدب والاجتماع والصحة والهندسة والمعادن وفنون الحرب والصناعة وغيرها، وفى عام 1841م تمت الاستعانة بخريجى مدرسة الألسن فى إنشاء قلم للترجمة، وضم أربعة أقسام: الأول لترجمة الرياضيات، والثانى للعلوم الطبية والطبيعية، والثالث للعلوم الاجتماعية، والرابع للترجمة التركية.
...(2/255)
وكان منهج الطهطاوى فى ترجمة المصطلحات أو المفردات الأجنبية هو أن يحدد فى ذهنه معانى هذه المفردات ثم ينقب عن ما يتلاءم معها من المفردات العربية، وكان فى جهوده هذه يلجأ إلى المعجم العربى فيأخذ منه ما يصح معناه ليكون ترجمة للمعنى الأجنبى، وفى بعض الأحيان يلجأ إلى اللغة الدارجة فى مصر فيستخدمها، وفى أحيان أخرى يلجأ إلى تعريب المصطلح الأجنبى فيضعه بنصه مع بعض تعديل يتلاءم مع النطق العربى. وكان من رأيه أن هذه المصطلحات المعربة يمكن أن تأخذ طريقها إلى اللغة العربية كغيرها من المصطلحات المعربة عن اليونانية والفارسية وغيرهما.
... ومسايرَةً لحركة الترجمة التى بدأت فى ذلك العصر قامت كلية الطب والصيدلة فى عهد رئيسها كلوت بك عام1833م بترجمة (86) ستة وثمانين كتابا أجنبيا فى عدة تخصصات لتعليم الطب والصيدلة باللغة العربية. وبعد نجاح هذه الكتب فى مصر نجاحا يناسب عصرها وجدت طريقها كذلك إلى تركيا والجزائر وتونس ومراكش ـ كما قام عدد من المبعوثين الأوائل بعد عودتهم من بعثاتهم بالخارج من فرنسا بالتدريس فى المعاهد العليا باللغة العربية، وقدموا مع غيرهم ممن عاصروا مدرسة الطهطاوى رصيدًا كبيرًا من ترجماتهم ومؤلفاتهم بالعربية، منهم على سبيل المثال محمد على البقلى الذى ألف وترجم فى الجراحة، ومحمد الشافعى فى الأمراض الباطنة، ومحمد ندى فى الحيوان والنبات والفيزياء والچيولوچيا، وعلى رياض فى الصيدلة والسموم، ومحمد الدرى فى الأمراض الوبائية، ومحمد بيومى فى الحساب والجبر والهندسة الوصفية، ومحمود الفلكى الذى عاد من بعثته من فرنسا عام 1859م وترجم وألف فى الفلك والرياضيات.
...(2/256)
وفى عام 1873م مضى الطهطاوى شيخُ المترجمين فى عصره إلى جوار ربه بعد أن نبَّه الأذهان فى مصر إلى الترجمة وعظَّم شأنها فى الارتقاء بالأمة وفتح النوافذ على الثقافة والمعارف الأوربية وعلوم من سبقونا فى مضمار الحضارة الحديثة، وبعد أن خلف الكثيرين من تلاميذه وحواريه ليواصلوا الرسالة ولتستمر الترجمة رافدا للثقافة المصرية مواكبا لليقظة الفكرية والاجتماعية، فظهرت فى ذلك الوقت مجلة المقتطف عام 1885م وكانت قد أنشئت فى بيروت عام 1876م قبل انتقالها إلى القاهرة، ولم يكن تحريرها قائما فى أكثره إلا على الترجمة لاهتمامها بنقل علوم الغربيين وصناعاتهم ووسائل تقدمهم العلمى إلى الوطن العربى، وقد استمر المقتطف فى نشاطه هذا قرابة خمسين عامًا.
... وفى عام 1914م أنشئت لجنة التأليف والترجمة والنشر فى مصر التى كانت تضم نخبة من أساطين العلم والفكر والثقافة، وقد زودت هذه اللجنة على مدى ثلاثين عاما ونيف المكتبة العربية بطائفة كبيرة من التراجم والمؤلفات. كذلك قامت الإدارات الثفافية بوزارة التربية والتعليم التى تَوالَى على رئاستها والإشراف عليها عدد من أقطاب الحركة الفكرية والثقافية أمثال الدكتور طه حسين، والدكتور سليمان حزين، والدكتور حسين مؤنس وغيرهم ـ قامت هذه الإدارات الثقافية بجهود فائقة فى ميدان الترجمة التى خُصِّصتْ لها إدارة أصدرت عدة مئات من الكتب معظمها فى الأدب والفن وأقلها فى مجال العلوم، ويتعاون مع الإدارة الثقافية بالجامعة العربية. وبدءًا من عام 1955م صدرت ترجمات عربية أذكر منها من الكتب العلمية كتاب تطور الزراعة فى الشرق الأوسط ترجمة الأستاذ مصطفى نظيف وراجعه الأمير مصطفى الشهابى عدا قصة الحضارة تأليف ول ديورانت والتى ترجمت وصدر منها (22) اثنان وعشرون جزءا.
...(2/257)
وقد توجت الإدارة الثقافية بوزارة التربية والتعليم جهودها بإنشاء مشروع الألْف كتاب بإشراف الدكتور حسين مؤنس فى 16 أغسطس من عام 1955م لتشجيع الترجمة وإصدار كتب مبسطة مترجمة على غرار ما يصدر فى السلاسل الأوروبية الشهيرة (مثل سلسلة بنجوين وغيرها). وقد نجح المشروع نجاحا كبير وأوشك عدد الكتب التى صدرت عنه على الألف كتاب. ومن الأسف الشديد أن توقف هذا المشروع بعد الستينات مثل غيره من الجهود التى سبقته، ولو أنه يبدو أن هيئة الكتاب قد بدأت حديثا مجموعة الألف كتاب الثانية. وانتهج المجلس الأعلى للثقافة هذا النهج؛ فقد احتفل بإصدار الألف الأولى من المشروع القومى للترجمة فى شهر فبراير 2006م.
... مما تجدر الإشارة إليه أنْ واكبت هذه الجهود إن لم تكن سبقتها جهود أخرى لتشجيع ترجمة الكتب العلمية بالذات. ورحم الله أستاذنا المجمعى الدكتور أحمد زكى، عالم الكيمياء واللغوى الأديب حين بدأت دعوته فى الثلاثينيات بضرورة البدء فى ترجمة أمهات الكتب العلمية إلى اللغة العربية كخطوة نحو تعريب التعليم الجامعى ـ ومن تابع كتاباته فى مجلة العربى رأى كيف كانت اللغة العربية بترائها وعطائها طوع قلمه ويراعه يطرق بها مختلف الموضوعات العلمية ويصف بها المستحدث من علوم العصر فى مكنة واقتدار. وهكذا فعل زميله العلامة الدكتور على مشرّفه، منذ ولى عمادة كلية العلوم بجامعة القاهرة كان يقول إننا فى أشد الحاجة إلى استعادة عصر المأمون، ومضى يختار الكتب المقررة وهى التى يقولون عنها فى الأزهر " كتب المتون" ويوزعها على أساتذة الكلية، ويواصل هو بجهد فائق مراجعة ما يترجمون فى الفيزيقاء والفلك والرياضيات. وقد صدرت هذه الكتب وأخذت طريقها فى حينها إلى المكتبة العلمية العربية ـ وقد هبط الحماس لهذه الحركة بعد وفاته فى مطلع الخمسينيات.
...(2/258)
وهناك جهد مماثل قام به المجلس الأعلى للعلوم عند إنشائه عام 1956م حين وضع برنامجا لترجمة أهم الكتب المرجعية فى العلوم الأساسية كإسهام فى تعريب التعليم الجامعى وقدم بالفعل أكثر من ثلاثين كتابا تعد من المراجع العلمية الرئيسية فى علوم الكيمياء والفيزياء والحيوان والنبات والحشرات والرياضيات وغيرها، وزود الكثير منها بكشافات تضم المصطلحات العلمية الأجنبية ومقابلاتها باللغة العربية. ومن المحزن حقا أنه لم يمض على هذا العمل والإنجاز بضع سنوات حين ألغى المجلس الأعلى للعلوم عام 1961م حتى أهملت هذه الكتب وطواها النسيان، إذ إن عدم التدريس بالعربية قد وأد الكثير منها وأجهض الجهود المضنية التى بذلت فى سبيل إنجازها.
... وتجربة أخرى شبيهة قامت بها مؤسسة فرانكلين فى مصر بدأتها فى الستينات حين أخرجت إلى المكتبة العلمية العربية عدة مئات من الكتب المترجمة، وبالمثل طواها النسيان بعد أن توقف نشاط هذه المؤسسة ورحلت عن مصر.
... ومما يشيع فى النفس بعض الأمل وسط هذا الأسى على ما فات ما يقوم به مركز الأهرام للترجمة العلمية فى الوقت الحاضر ومنذ سنوات من نشاط فى هذا المجال، إذ يقوم على ترجمة كتب فى الرياضيات والكيمياء والتكنولوچيا والطب وعلوم الأحياء والحاسب الآلى وغيرها، وقد أنجز منها أعدادا كبيرة.
...(2/259)
كما تجدر الإشارة إلى الجهود التى تقوم بها كلية الألسن وغيرها من المعاهد التى تُدَرِّس مادة الترجمة بأقسامها ولكن نريدها قادرة تماما على تدريب وتخريج المترجم الكفء الذى أُعد إعدادًا كافيًا للاضطلاع بمهمة الترجمة على أعلى مستوى، وبخاصة الترجمة العلمية التى نحن فى أشد الحاجة إليها فى هذا العصر، عصر العلم ـ ولكنه مما يثلج الصدر الدعوة التى يتبناها المجلس القومى للثقافة والإعلام بشأن ضرورة إنشاء معهد لتخريج المترجمين، وإحياء دور الحكمة لترجمة الثقافات العالمية ـ وكذلك توصية مجمع اللغة العربية فى مؤتمره الماضى (1993م) فى دورته التاسعة والخمسين بضرورة إنشاء هيئة علمية لتعريب العلوم وإصدار معاجم جديدة فى فروع العلم الحديثة والمستحدثة.
... وفى مجال ترجمة المصطلحات ونقلها إلى اللغة العربية لست فى حاجة إلى تأكيد الدور الرائد الذى يقوم به مجمعنا فى هذا المجال شأنه فى ذلك شأن أشقائه فى الوطن العربى، وقد أنجز مجمعنا حتى الآن ما يربو على مائة ألف مصطلح غالبيتها العظمى مصطلحات مترجمة، وأقل القليل معرَّب، وأكثر من نصفها أى (55) خمسة وخمسين ألف مصطلح من المصطلحات العلمية تضمنتها عشرة معاجم علمية متخصصة. وهناك غيرها تحت الإعداد ـ وغنى عن البيان أن هذه الثروة من المصطلحات العلمية مع غيرها من مصطلحات تزخر بها معاجم أخرى كمعاجم شرف والمعلوف وأحمد عيسى ومصطفى الشهابى والمورد للبعلبكى وغيرها ستبقى جميعا معينا زاخرًا يغذّى حركة تعريب العلم والتعليم التى يتصدى لها مؤتمر المجمع فى هذه الدورة المباركة.
سادتى العلماء الأجلاء :
... على الرغم من بارقات الأمل التى أشرت إليها فإن الراصدين لحركة الترجمة بمعناها الواسع يرون تراجعا ملحوظا فى تيارها ونشاطها منذ الستينات من هذا القرن لا فى مصر وحدها بل لا أجاوز الحقيقة إذا قلت إنه كذلك فى الوطن العربى.
...(2/260)
وقد حفلت الصحف فى السنوات الأخيرة بالدعوة إلى الاهتمام بقضية الترجمة وإحياء حركتها، وقد تصدت لها أقلام عدد من الكتاب وكتبوا مقالات عدة حولها باعتبارها إحدى الدعامات لنهضة علمية شاملة فى عالم يتقدم بخطى سريعة فى مختلف المجالات العلمية والتكنولوچية ونريد اللحاق به. ولأهمية الترجمة يحُتفل بيوم المترجم فى الثلاثين منسبتمبر كل عام. كما أنشىء اتحاد دولى للمترجمين بدأ أعماله عام 1953م ويعقد مؤتمرا كل ثلاث سنوات ليناقش دراسات وبحوثا تتناول موضوع الترجمة والمترجمين، وقد عقد هذا الاتحاد مؤتمره الأخير (الثالث عشر) فى مدينة برايتون بإنجلترا فى المدة من 6 إلى 13 أغسطس 1993م وشارك فى أعماله مترجمون من مصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين ولبيبا والجزائر وتونس والمغرب بالإضافة إلى مترجمين عرب مقيمين فى النمسا وهولندا وإنجلترا وأستراليا.
... ومن منطلق اهتمام كثير من الدول بموضوع الترجمة أقامت اليابان جهازًا ضخمًا للترجمة من شتى اللغات الحية لمسايرة التيارات الفكرية العالمية، وبهذا هيأت لأهلها روافد خصبة من المعرفة الإنسانية وأحرزت تقدما أذهل العالم فى مختلف المجالات ـ كما أن دولة صغيرة مثل المجر (10مليون نسمة ) أنشأت هيئة قومية عليا للترجمة منذ 1946م ودارا خاصة للنشر تعنى بترجمة ونشر عيون التراث الإنسانى الفكرى والأدبى والعلمى.
...(2/261)
وفى إحصائية لمنظمة اليونسكو عن تراجع الترجمة فى الوطن العربى ذُكر أن نصيب هذا الوطن من إنتاج الكتب المترجمة فى عام 1970م كان 11 فى الألف بالنسبة لما أنتج فى سائر أنحاء العالم، وكان نصيب الدول الأفريقية 7 فى الألف ودول نامية أخرى 6 فى الألف، أما فى عام 1986م أى بعد ستة عشر عاما تراجع ما ترجم فى الوطن العربى إلى 6 فى الألف لتحتل بذلك المركز الأخير بينما تقدمت الدول الأفريقية إلى 12 فى الألف والدول النامية الأخرى إلى 13 فى الألف. وليس التراجع فى الكم فقط بل فى الكيف أيضا. وقد تقلص الإنتاج المترجم فى مجال العلوم الأساسية إلى درجة لافتة للأنظار.
... وفى دراسة إحصائية أخرى مماثلة عن ما تصدره بعض الدول من كتب مترجمة ومؤلفة كل عام ذكر أن اليابان ( نحو 115 مليون نسمة ) لا تزال تحتل المركز الأول فى العالم للسنة الثالثة عشرة على التوالى بإصدارها نحو 32 ألف كتاب أو عنوان جديد سنويا. وتحتل روسيا (120 مليون نسمة) المرتبة الثانية بإصدار 28 ألف كتاب فى العام، تليها الصين(1.2 مليار نسمة) 27 ألف كتاب، ثم ألمانيا، ثم الولايات المتحدة. وتصدر تايوان 14 ألف كتاب، سنويا منها 11 ألف عنوان مترجم، وتصدر هولندا 6 آلاف عنوان منها 4 آلاف عنوان مترجم.
... أما الدول العربية (22 دولة :150 - 170 مليون نسمة) فيصل مجموع ما تصدره تسعة آلاف كتاب جديد سنويا فى الوقت الذى يبلغ ما تصدره إسرائيل (3.5 مليون نسمة) عشرة آلاف كتاب بالعبرية سنويا معظمها مترجم عن لغات أخرى.
... ومع ذلك فليس ببعيد أن يدور الزمن دورته وتعود للعالم العربى القيادة والريادة الفكرية كما كان، وأن يحتل المكان اللائق به تحت الشمس.
مقترحات وتوصيات:
... مستعينا بما صدر عن المجالس القومي المتخصصة من توجيهات وتوصيات فى موضوع الترجمة ومستعينا بما قرأت فى مختلف المصادر وبما تأملت واستوعبت أقول:
...(2/262)
إن موقع مصر الجغرافى والحضارى بين قارات ثلاث وبحرين عظيمين يجعل اتصالها بالعالم الخارجى أمرًا طبيعيًا يؤكد ذاتيتها الثقافية من جهة ويحقق طموحها لمواكبة الإيقاع السريع الذى نشهده اليوم فى حركة العلم والبحث العلمى وملاحقة التطورات الحديثة فى مجال العلم والتكنولوچيا. ومن هنا يصبح للترجمة أهمية خاصة تقتضى التفكير فى وضع سياسة عامة تتجاوز الجهود الفردية إلى تنظيم جماعى يخلق تيارًا مستمرًا للترجمة ونقل مختلف العلوم والمعارف إلى اللغة العربية.
ولتحقيق ذلك يمكن التوصية بما يلى:
... أولا :ـ أن توجه الدولة عناية خاصة لإنشاء مجلس أو هيئة عامة للترجمة فى مصر تضم صفوة من العلماء والمفكرين تقوم بوضع خطة قومية للترجمة تستهدف :
1- حصر ما ترجم إلى اللغة العربية من مختلف العلوم وتصنيفه وتقويمه ويمكن الاستعانة فى ذلك بالوسائل الإلكترونية الحديثة (الحاسب الآلى أو الحاسوب) تمهيدا لإنشاء بنك للمعلومات الخاصة بالترجمة من حيث تخزينها والتعامل معها واسترجاعها.
2- تحديد المجالات والأولويات لما يمكن ترجمته من الإنتاج العلمى والفكرى إلى العربية.
3- توفير الأدوات الأساسية للترجمة من معاجم ومصطلحات وبما قامت به المجامع اللغوية فى هذا المجال.
4- العمل على الاعتراف بمهنة الترجمة بين المهن العلمية المتخصصة التى يؤهل أصحابها تأهيلا علميًا يضمن إيجاد حركة موسعة وتيارًا مستمرًا لها. كما يعمل المترجمون على تكوين اتحاد لهم يرتبط بالاتحاد الدولى للمترجمين وكذلك العمل على الحصول على حق الترجمة وفقًا للاتفاقية الدولية لليونسكو لحقوق التأليف.
ثانيًا :ـ العمل على تنسيق جهود الترجمة مع البلاد العربية والدعوة إلى إنشاء مركز عربى لنقل علوم وثقافات العالم إلى اللغة العربية.(2/263)
ثالثًا :ـ العمل على إنشاء معهد قومى لتدريب وتخريج المترجمين الأكفاء القادرين على الاضطلاع بمهة الترجمة على أعلى مستوى وبخاصة فى الترجمة العلمية مع دعم أقسام الترجمة فى الكليات والمعاهد الخاصة بذلك.
سيدى الرئيس ـ سادتى العلماء:
... هذه لمحة سريعة أو عرض متواضع لقضية الترجمة فى ماضيها وحاضرها وأهميتها فى نقل العلوم إلى اللغة العربية فى مصر مع رؤية مستقبلية لما يمكن أن نفعله للنهوض بها ولتعود إلى سابق مجدها وعظمتها أيام المأمون يوم تسنَّمنا القمة وعلمنا الآخرين، والله ولى التوفيق.
المراجع
1- المجامع العربية والمصلح العلمى – للدكتور إبراهيم بيومى مدكور. مؤتمر تعريب التعليم الجامعى والعالى، مطبوعات اتحاد الجامعات العربية بالقاهرة 1980م.
2- الترجمة والنقل إلى العربية - للدكتور منصور فهمى. مجلة مجمع اللغة العربية العدد (12).
3- الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى (1801– 1873م)، كتاب عن ندوةٍ نظمتها كلية الألسن جامعة عين شمس 1976م به ثمان عشرة موضوعا منها: رفاعة والألسن - للدكتور عبد السميع محمد أحمد، رفاعة والترجمة - للأستاذ أحمد خاكى.
4- تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه - للدكتور عبد الحليم منتصر، دار المعارف 1967م.
5- قضية تعريب التعليم العالى والجامعى فى مصر - للدكتور محمود حافظ، مجلة مجمع اللغة العربية العدد (56) 1985م.
6- نقل العلوم إلى العربية - للأستاذ مصطفى نظيف، مجلة مجمع اللغة العربية العدد (7).
7- نشر الكتب العلمية باللغة العربية - للدكتور كامل منصور ، كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية العدد (31) لسنة 1961م.
8- معاجمنا العلمية المتخصصة - للدكتور محمود حافظ، مجلة مجمع اللغة العربية العدد (76).
9- نحو خطة مستقبلية للترجمة فى مصر وموضوعات أخرى عن الترجمة- للدكتور توفيق الطويل والدكتور إبراهيم زكى خورشيد وآخرين، المجالس القومية المتخصصة (شعبة الثقافة 1984م).(2/264)
10- مقالات عن قضية الترجمة فى مصر - للأستاذ سامى خشبة وأساتذة آخرين، صحيفة الأهرام مارس 1990م، أكتوبر 1993م، يناير 1994م.
- - - - -
اللغة العربية فى مؤسسات
التعليم العام والتعليم العالى
ووسائل النهوض بها فى مصر (1)
تقديم:
... شهدت مصر فى السنوات الأخيرة قلقا بالغا لدى المشتغلين بأمور الثقافة والتعليم فى مصر عن مستوى اللغة العربية الذى بلغ درجة من الضعف والاستهانة تبدت فى جميع مراحل التعليم العام والتعليم العالى، وأشاعت الألم والحسرة بين سدنة اللغة العربية والقائمين عليها. ولا يكاد يمر يوم دون أن تتصدى أقلام لمأساة اللغة العربية، فمن قائل إن مجرد إلقاء نظرة عابرة على أوراق إجابة التلاميذ وكذلك الطلبة فى الجامعات يجعلنا نقف على حال اللغة العربية فى مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا بل وفى كل مناحى حياتنا من هبوطٍ فى مستواها ومعرفة متدنية بها.
...(2/265)
وفى ربع القرن الأخير وما قبله كانت اللغة العربية هى اللغة الفصحى، وكان معتنى بها تدريسا وتلقينا وكتابة وإذاعة، وأصبح الآن بين اللغة ودارسيها والناطقين بها جفوة صارمة وحلت محلها اللغة الدارجة أو خليط بين الفصحى والعامية ـ حالٌ يجعلنا نأسى حقا ونحن نرى المستوى اللغوى والثقافى يترنح على الألسنة صباح مساء ـ ومن قائل آخر إن اللغة العربية المعاصرة بجانب ما هى فيه من محنة فإنها تعانى اليوم من أزمة حادة تتمثل فى عزلة اللغة العربية بمفرداتها وكلماتها وأصالتها عما يجرى اليوم على الألسنة فى كل مكان، فالكثير مما نأكل وما نلبس وما نتداوى به وما نستخدمه من أدوات الصناعة والزراعة ومختلف الفنون وما يقع عليه بصرنا وما تسمعه آذاننا وما تلمسه أيدينا مستورد أو مصنوع بلفظه الأجنبى، ويطلبه الناس بلفظه الدخيل على اللغة، وأصبح كل ذلك جزءا من حياتنا، وتلك هى الخطورة الكامنة التى تحدق باللغة العربية والتى تدعو اليوم إلى وقفة صارمة قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا.
لماذا يجب الاهتمام باللغة العربية؟
__________
(1) نشر هذا البحث بمجلة مجمع اللغة العربية، العدد (65).
...(2/266)
لست فى حاجة إلى القول إن اهتمامنا باللغة العربية ينبع من عقيدة دينية ثم من عاطفة وطنية وقِيَم حضارية وضرورات اجتماعية؛ هى وعاء الفكر ووسيلة الاتصال والتفاهم ورابطة القومية ، هى اللسان المبين الذى حفظه الله مع الذكر الحكيم وهو الوعاء الذى يحوى خبرات أهلها وتجاربهم ومعارفهم وفنونهم ومُثُلهم العليا وسائر ضروب ما تنتجه قرائحهم، والذى يحفظ كل ذلك من جيل إلى جيل عبر العصور، واللغة العربية إلى هذا كله الأداة الأساسية التى نستخدمها فى نقل مختلف العلوم والفنون والمعارف إلى الناشئة فى مراحل تعليمهم العام والعالى والجامعى وهى كذلك أداة نشر الثقافة بأوسع معانيها وتراثنا وحضارتنا عن طريق مختلف وسائل الإعلام، كما هى الأداة التى يستخدمها الإنسان فى تثقيف نفسه بنفسه وفى تعلمه الذاتى مدى حياته، ومن هنا تبدو أهمية اللغة العربية وأهمية تعلمها وتعليمها لا باعتبارها مادة دراسية مقررة فحسب ولكن باعتبارها محورًا أساسيًّا فى بناء الإنسان بكل جوانبه ومحورًا للعملية التعليمية فى كل مراحل التعليم ومحورا للنشاط الإنسانى فى المجتمع، وفوق كل ذلك الاعتبار الدينى، فكل شعائر الإسلام وأركانه تدعو إلى تعلم اللغة العربية، ثم كان القرآن الكريم الباعث إلى أكثر العلوم العربية الخالصة سواء العلوم الدينية من تفسير وحديث وفقه وتشريع أو العلوم الدنيوية من نحو ولغة وبلاغة وغيرها، وقد حمل الأزهر الشريف فى مصر هذه الرسالة السامية أكثر من ألف عام.
...(2/267)
وعن عظمة اللغة العربية وعبقريتها ما شهد به المستشرقون المنصفون فقد قال المستشرق جرونباوم فى مقدمته لكتاب "تراث الإسلام": إن اللغة العربية هى محور التراث العربى الزاهر، وهى لغة عبقرية لا تدانيها لغة فى مرونتها واشتقاقاتها، وهذه العبقرية فى المرونة والاشتقاق اللذين ينبعان من ذات اللغة جعلتها تتسع لجميع مصطلحات الحضارة القديمة بما فيها من علوم وفنون وآداب، وأتاحت لها القدرة على وضع المصطلحات الحديثة لجميع فروع المعرفة، كما يقول المستشرق الألمانى بروكلمان الذى أرَّخ للفكر والتأليف العربيين فى العصر الجاهلى حتى الآن فى سلسلة كتبه الشهيرة " تاريخ الأدب العربى"، يقول إنه بفضل القرآن بلغت اللغة العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أى لغة أخرى.
لمحة تاريخية عن اللغة العربية فى مصر:
... عرفت مصر اللغة العربية بعد الفتح العربى إبان القرن السابع الميلادى (عام 640م)، وعندما دخلها العرب كانت اللغتان القبطية واليونانية سائدتين فى البلاد، وقد استقدم الفاتحون معهم مترجمين للتفاهم مع أهل البلاد ذلك الوقت. وقد استمر الحال على هذا المنوال قرابة قرن من الزمان إلى أن صدر أمر بإحلال اللغة العربية فى الهيئات الحكومية. وابتدأت اللغة العربية تتغلغل فى البلاد مع انتشار أهلها، ووفد على مصر بعض العلماء العرب الذين كتبوا وألَّفوا بالعربية مثل ابن يونس (ولد فى مصر) فى القرن العاشر، والبغدادى فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر وغيرهما، وقد عاشت اللغة العربية مع اللغة القبطية عدة قرون فى مصر إلا أن هذه الأخيرة أخذت تنحسر رويدا رويدا بحلول أواخر القرن الثامن عشر، وكانت العربية قد استقرت وعمَّ استعمالها فى مصر كلها.
...(2/268)
وفى أوائل القرن التاسع عشر بدأ الحكم التركى لمصر وتعصبت العناصر التركية التى تولَّت الحكم للغتهم، وتخلف تعليم اللغة العربية وشاعت العامية حتى فى المكاتبات الرسمية، ثم جاء الاحتلال البريطانى (1882م) وقصر اهتمامه على المرحلة الابتدائية من التعليم فتراجعت اللغة العربية إلى معقلها بالأزهر ودار العلوم، وأخذ المحتلون يحاربون اللغة ويفرضون لغتهم على مواد التعليم كله لتجذب المتعلمين بها إلى حظيرة ذوى الثقافة الإنجليزية، ورأوا أن إحلال العامية المصرية محل اللغة العربية قد يحقق مآربهم، فنادوا بذلك صراحة، وقد أثار ذلك الشعور الوطنى الذى ظل يعتمل فى صدور الوطنيين المخلصين من قادة الشعب إلى أن قامت ثورة عام 1919م وصدر فى أعقابها دستور 1923م فأعاد سعد زغلول بجرة قلم اللغةَ العربيةَ لغةً للتعليم فى جميع المدارس الحكومية؛ ثم إخضاع التعليم الأجنبى للإشراف المصرى ومحاربة الدعوة إلى استخدام العامية ـ وتقلص بذلك نفوذ دنلوب وغيره من المستشارين البريطانيين الذين كانوا نكبة على التعليم بصفة عامة وعلى اللغة العربية بصفة خاصة.
... وبدأت بعد ذلك نهضة علمية وتعليمية تمثلت فى إنشاء الجامعة المصرية عام 1925م والتوسع فى إنشاء المدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد العليا، ثم صدر المرسوم الملكى بإنشاء مجمع اللغة العربية عام 1932م فكان نصرًا كبيرًا للغة العربية والحفاظ على سلامتها والعمل على أن تكون وافية بمطالب العلوم والفنون فى تقدمها ملائمة لحاجات الحياة فى العصر الحاضر.
اللغة العربية فى التعليم العام فى مصر(1)
الوضع الحالى لتعليم اللغة العربية:
__________
(1) ألقيت هذه المحاضرة فى يوم السبت 19/4/1988م فى افتتاح الموسم الثقافى لمجمع اللغة العربية الأردنى بعمان.(2/269)
اهتمت مصر فى ربع القرن الأخير وقبل ذلك بسنوات بالتعليم العام فزاد عدد المدارس وانتشرت فى كل رجا من الأرجاء فى الحضر والريف على حد سواء. وفى العام الدراسى 1985 - 1986م بلغ عدد المدارس الحكومية فى المراحل المختلفة من التعليم العام ابتدائية وإعدادية وثانوية وفنية (17586) مدرسة، وبلغ عدد الطلاب فى هذه المراحل أيضًا (9.178.792) طالبًا وطالبة. وقد تضخم عدد الطلاب فى المدرسة الواحدة إلى نحو ألفين (2000) وبخاصة فى المرحلة الثانوية، الأمر الذى يعوق عملية الإشراف والإدارة السليمة كما ارتفعت كثافة الفصول المدرسية حيث يصل العدد فيها إلى ستين (60) تلميذا، الأمر الذى يؤثر سلبًا على العملية التعليمية ومستوى الأداء.
... وتتصدر اللغة العربية مناهج الدراسة فى هذه المراحل من التعليم العام، ويقوم بالتدريس عدة آلاف من المدرسين من ذوى المؤهلات والمستويات المختلفة مما سنعرض له فى حينه، ولكن الحقيقة اللافتة للنظر فى هذا المقام أن العجز فى مدرسى اللغة العربية فى مراحل
التعليم العام عدا المرحلة الابتدائية ( الإعدادى والثانوى العام والثانوى الفنى ودور المعلمين والمعلمات) طبقًا لإحصائية 85/1986م يبلغ 12.742 مدرسًا ومدرسة، وذلك أيضًا له أثره وانعكاساته على العملية التعليمية.
المشكلات الأساسية فى تعليم اللغة العربية:
يجابه تعليم اللغة العربية فى مراحل التعليم العام فى مصر فى الوقت الحاضر ومنذ سنوات عدة مشكلات أو صعوبات نتناولها فيما يلى:
أولا - معلم اللغة العربية وضعف مستواه وإعداده:
...(2/270)
على الرغم من تقدم الوسائل التكنولوچية الحديثة واستخدام المواد التعليمية المبرمجة فى تعليم اللغة إلا أن المعلم كان وما زال وسيظل أساسًا مكينًا من أسس العملية التعليمية والتربوية، ولا شك أنه يحتل قلب المشكلة أو حجر الزاوية فيها، ومن الملاحظ فى مصر أن مُعلمى اللغة العربية يتم إعدادهم فى الوقت الحاضر فى عدد من الكليات هى كلية دار العلوم وكليات اللغة العربية بجامعة الأزهر وأقسام اللغة العربية بكليات الآداب وأقسام اللغة العربية بكليات التربية، وكانت دار العلوم – وما زالت - منذ إنشائها من أهم الينابيع التى تزود التعليم العام فى كل مراحله بمدرسى اللغة العربية، وكانوا مؤهلين تأهيلا كاملا لتدريس هذه اللغة إذ كانوا مزوَّدين فى مراحل تعليمهم السابقة بأسس قوية تتمثل فى حفظ القرآن الكريم والدراسات الدينية والعربية العميقة، ولكنها فى بداية انضمامها إلى جامعة القاهرة ـ خلافًا لما هو حادثٌ الآن ومنذ سنوات ـ كانت تستقبل طلابها من حملة الثانوية العامة من ذوى المجاميع المنخفضة فأدى ذلك إلى ضعف مستواهم فى اللغة العربية خلال تلك الفترة، وكذلك أصبح الحال بالنسبة لطلاب أقسام اللغة العربية وخريجيها فى الكليات الأخرى. ومما زاد الحال سوءًا أن الغالبية العظمى من هؤلاء الخريجين كانوا يوجهون إلى تدريس اللغة العربية دون تأهيل تربوى ودون تدريب على طرق التدريس ولكنْ - ولله الحمد – عاد إلى هذه الكلية سابق مجدها وأخذت فى الازدهار مرة أخرى.
...(2/271)
ومن المشاهَد أيضًا ضعف إقبال الطلبة على كليات اللغة العربية وأقسامها بالجامعات المصرية وقبول أقل الطلبة مجموعًا سدًّا للحاجة كمًّا لا كيفًا ـ الأمر الذى أدى إلى عجز ظاهر فى مدرسى اللغة العربية اللازمين لمراحل التعليم العام وضعف مستواهم. وقد زاد المشكلة حدة الأعداد الكبيرة التى تعار للتدريس فى الأقطار الأخرى، وهؤلاء يتم اختيارهم من أكفأ العناصر وأكثرها خبرة، وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن تعدد الكليات التى يتخرج فيها معلمو اللغة العربية أدى إلى عدم التناسق بين المناهج والمقررات الدراسية بهذه الكليات واهتمام أغلب هذه الكليات باللغة كلغة وعدم اهتمامها باللغة ومكوناتها كجزء لا يتجزأ من حياة الإنسان فى مراحل نموه المختلفة وفى مستوياته الحضارية المتباينة. وغنى عن البيان أن اللغة كالكائن الحى تتأثر بالبيئة والمناخ الذى تحيا فيه، وهى تنمو وتتطور فى مضمون صورها فتخشن فى ظل البداوة وترق وتلين فى ظل الترف والمدنية، وتتأثر برقى الثقافة وتقدم العلوم والمعارف.
ثانيا - ازدواج اللغة :
... وهذه أيضًا تمثل مشكلةً فى تعليم اللغة العربية، فهناك لغة التخاطب أو العامية التى يتعامل بها الناس فى حياتهم اليومية العامة والخاصة، وهناك لغة الكتابة فى معاهد التعليم وفى الكتب والصحف وغيرها من المجلات، ولا شك أن للغة التخاطب تأثيرها القوى بما تتمتع به من نفاذ وأداء وسعة انتشار وتلقائية ومزاحمة للغة الفصحى فى وسائل الإعلام، وهذه تغزو الصغير والكبير وتحاضر المتكلم فى كل بيت بل فى كل فصل من فصول الدراسة فى المدارس والمعاهد وغيرها من مجالات الحياة المختلفة.
ثالثا - مشكلات وصعوبات أخرى، وتتمثل فى :
افتقار كتب القراءة إلى التدرج اللغوى والتخطيط العلمى السليم لها حتى ينتقل فيها التعليم انتقالا طبيعيًّا من خطوة إلى الخطوة التى تليها.
عدم توافر معجم لغوى حديث لأى مرحلة من مراحل التعليم العام.(2/272)
عدم توافر مواد القراءة الحرة للتلميذ فى مختلف المراحل وبخاصة فى مرحلة الطفولة، ويتصل بذلك قلة العناية بالمكتبات المدرسية واختيار الكتب الصالحة والمشوقة.
ازدحام مناهج النحو بكثير من القواعد مع صعوبتها.
اضطراب المستوى اللغوى بين كتب المواد بل بين كتب اللغة العربية فى الصفوف المختلفة.
قلة الاهتمام بين مدرسى اللغة العربية وغيرهم من مدرسى المواد الأخرى باستخدام اللغة العربية الصحيحة فى تدريسهم.
قلة استخدام الوسائل والمعينات التعليمية الحديثة فى تعليم اللغة.
هذه هى أهم المشكلات أو الصعوبات التى تواجه اللغة العربية
وتعليمها فى مصر فى الوقت الحاضر وتحتاج إلى تضافر الجهود وإلى إجراء الدراسات العلمية الحادة فى جميع الهيئات والمؤسسات والجامعات التى تعمل فى مجال تعليم اللغة العربية وذلك للنهوض بها وارتقائها. وتجدر الإشارة هنا إلى الدور البناء الذى يقوم به مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمجامع العربية الأخرى فى هذا المجال، ويرى البعض ضرورة إنشاء مركز لتطوير تدريس اللغة العربية أسوة بمراكز تطوير اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
اعتبارات مهمة فى تدريس اللغة العربية:
... هناك أمور أو اعتبارات مهمة فى تدريس اللغة العربية وتعليمها لا تلقى العناية الكافية ويجب الأخذ بها للنهوض باللغة العربية.
ومن هذه الاعتبارات:
1- أن يستقر فى أذهان القائمين على تدريس اللغة العربية والمخططين لمناهجها الدراسية وأهدافها أن اللغة العربية عنصر أساسى من مقومات الأمة والشخصية العربية، وأنها لغة القرآن الكريم والتراث الحضارى الإسلامى، وأنها وعاء للمعرفة بكل جوانبها ووسيلة للتفكير والتعبير، ولا تكون مجرد مادة مستقلة بذاتها للدراسة، وأن ترتبط بالمجتمع وتتفاعل معه لتكون أداة سهلة وطيّعة للتعبير عن مشكلاته وقضاياه القومية.(2/273)
2- أن يكون البدء بتعليم اللغة عن طريق نقل الطفل أو التلميذ فى المرحلة الأولى من مراحل التعليم العام نقلا رفيقا متدرجا من لغته المختلطة إلى اللغة السليمة بعناصرها الأساسية الأربعة وهى الحديث والاستماع والقراءة والكتابة، ويكون ذلك عن طريق المران والتدريب والاستخدام مع الإفادة من القدر المشترك بين العامية والفصحى ومع ترقية العامية إلى الفصحى فى تدرج وفى رفق (مثل: حنسأل تصبح سنسأل، كدا تصبح كذا، ده تصبح ذا أو هذا). ومعنى هذا أن هناك هدفين يجب العمل على تحقيقهما، أحدهما تشجيع استخدام القدر المشترك بين العامية والفصحى، وثانيهما ترقية العامية بردها فى ذهن التلميذ إلى أصولها العربية ما أمكن ذلك، وعن طريق المران أيضا ننقل التلميذ رويدا رويدا إلى التشكيلات السليمة فى اللغة الفصيحة.
3- تنمية الميل للقراءة والاطلاع كهدف أساسى من أهداف التعليم بل وسيلة تعليم الإنسان نفسه بنفسه.
4- ضرورة التخطيط لكتب القراءة فلها فى كل مرحلة من مراحل التعليم العام وظيفتها؛ ففى المرحلة الأولى على سبيل المثال يكتسب التلميذ عن طريقها المهارات الأولية ثم تزاد التراكيب فى علاقاتها ومستوياتها مسايرة نضج التلميذ وخبرته، ويزداد تبعا لذلك المحصول اللغوى عند التلميذ.
5- لابد من التنسيق بين مناهج اللغة العربية فى مراحل التعليم العام الثلاث لإيجاد تكامل دقيق يوحِّد غايتها ويراعى تدرجها ويوجِّه طريقة التدريس فيها ويحميها من التكرار، كما ينبغى أن تعكس هذه المناهج مفهوم الحياة فى البيئة وأن تترك للمدرس مجالا للتجديد والابتكار.(2/274)
6- مراعاة التنسيق أيضا فى تأليف كتب اللغة العربية للمراحل الثلاث بحيث تؤلف الكتب وحدة متصلة تحقق أهداف كل مرحلة بطريقة متوازنة من ناحية التركيز أو الإسهاب أو البساطة أو التعمق وغزارة المادة أو قلتها وتعدد الأمثلة و ندرتها، إلى غير ذلك من عناصر تأليف الكتب المدرسية، ويكون الكتاب فى كل مرحلة قادرا على جذب انتباه الطالب مثيرا لملكاته حتى يحبه ويألفه ويأنس إليه.
7- ضرورة إيجاد تكامل بين تدريس اللغة العربية وتدريس المواد الأخرى من حيث الحرص على استخدام اللغة الفصحى فى جميع مواد الدراسة.
8- العمل على تيسير قواعد النحو للمراحل الثلاث وكذلك الرسم الإملائى لكل مرحلة من هذه المراحل.
9- الارتفاع بمستوى مدرس اللغة العربية وتأهيله علميًّا وثقافيَّا ولُغويًّا وتربويًّا.
اللغة العربية فى التعليم العالى والجامعى فى مصر
... إذا كانت اللغة العربية فى التعليم العام قد أقلقت بال القائمين عليها وشغلتهم إلى حد كبير لما بلغته من الضعف والاستهانة فإن حالها فى التعليم العالى والجامعى هو بمثل السوء إن لم يزد عليه، ويتردى يوما بعد يوم؛ لذلك كان الاهتمام باللغة العربية والنهوض بها واتخاذها سليمة فصحى لغةً للعلم والتعليم فى هذه المرحلة العالية من التعليم مضاعفا.
...(2/275)
وقد كانت مصر بين الدول العربية التى تخطت عوائق اللغة منذ أمد طويل، واستمسكت بلغتها العربية القومية فى تعليمها العالى الحديث منذ بداية إنشائه، فقد نصَّت لائحة الجامعة المصرية الأولى (الأهلية) الصادرة فى عام 1908م على أن تكون لغة التعليم فيها " هى اللغة العربية دون سواها لتكون واسطة لنشر المعارف وترقية العلوم بين الناطقين بالضاد ولكى ترتقى اللغة العربية نفسها بهذه الوسيلة ". وقد حافظت القوانين المتتابعة لتنظيم الجامعات فيما بعد على روح هذا المفهوم حيث نصَّت المادة 168 من القانون رقم 49 لسنة 1972م المعمول به حاليًّا على أن "اللغة العربية هى لغة التعليم فى الجامعات الخاضعة لهذا القانون وذلك ما لم يقرر مجلس الجامعة فى أحوال خاصة استعمال لغة أخرى".
... ومما تجدر الإشارة إليه ومن قبيل الخلفية فإن جهود مصر فى سبيل نقل العلوم الحديثة إلى العربية فى التعليم العالى بغية استعمالها فى التدريس قد بدأت منذ النصف الأول من القرن الماضى حيث عرَّبت كلية الطب والصيدلة فى عهد رئيسها كلوت بك عام1833م ستة وثمانين(86) كتابًا أجنبيًا فى عدة تخصصات لتعليم الطب والصيدلة، وبعد نجاح هذه الكتب فى مصر نجاحا يناسب عصرها وجدت سبيلها كذلك إلى تركيا والجزائر وتونس ومراكش؛ كما قام عدد من المبعوثين الأوائل بعد عودتهم من بعثاتهم بالخارج من فرنسا بالتدريس فى المعاهد العليا باللغة العربية وقدموا إلى مكتبتنا العلمية رصيدا ذا بال من معرباتهم ومؤلفاتهم منهم على سبيل المثال:
...(2/276)
الجرَّاح محمد على البقلى الذى ألَّف كُتبًا عربية فى الجراحة، محمد الشافعى فى الأمراض الباطنية، محمد ندى فى النبات والحيوان والچيولوچيا والفيزياء، على رياض فى الصيدلة والسموم، محمد الدرى فى الأمراض الوبائية، محمد بيومى فى الحساب والجبر والهندسة الوصفية، محمود الفلكى الذى عاد من بعثته فى فرنسا عام 1859م وتقلد بعد ذلك منصب الأستاذية فى العلوم الرياضية والفلكية بمدرسة المهندسخانه ـ وقد شارك علماء اللغة فى هذه النهضة العلمية فكان منهم خبراء وعلماء متخصصون، مثل محمد عمر التونسى مؤلف معجم الشذور الذهبية فى الألفاظ الطبية، إبراهيم الدسوقى الخبير فى مصطلحات العلوم الرياضية، رائد الترجمة إلى اللغة العربية وشيخ المترجمين فى عصره رفاعة رافع الطهطاوى (1801 – 1873م ) فى ألفاظ الحضارة والفنون والعلوم الحديثة وغيرهم.
...(2/277)
بعد ذلك توقفت المسيرة ونكبت مصر بالاحتلال البريطانى عام 1882م وجثم على صدرها لسنوات عدة وعزلت اللغة العربية عزلا تامًّا عن تدريس العلوم الحديثة التى فرض المستعمر دراستها بلغته ومهَّدَ لهذا الانقلاب وسايره ترسيخ لفكرة عجز العربية عن تدريس أى علم حديث وملاحقة التقدم العلمى، وقد روج لهذه الدعوة عدد من المثقفين قبيل الثورة العرابية (1882م)، واحتدم الصراع بين حماة الشخصية القومية الذين يرون أن فى إضاعة اللغة تسليمًا للذات واستعبادًا فكريًّا وثقافيًّا ووجدانيًّا للمستعمر، وبين الدعاة إلى لغة أجنبية، وبقدر ما رفض الضمير الوطنى التخلى عن لغة الأمة والتفريط فى لسانها عَجَز عن التصدى لفرض اللغة العربية على المجال العلمى، ولكن لم يقف علماؤنا مكتوفى الأيدى أمام هذا الوضع المثير، فقامت دعوة حَمَلَ لواءها عبد الله نديم فى مجلة " الأستاذ " عام 1892م للمضى فى تعريب المصطلحات العلمية لاستخدامها فى تعليم العلوم الحديثة، ووجدت هذه الدعوة استجابة عملية فى اجتماعٍ رأسَه محمد توفيق البكرى فى أوائل عام 1893م ؛ وحضره عدد من أئمة الكتاب والعلماء، منهم الشيخ محمد عبده والشيخ الشنقيطى وحمزة فتح الله وحفنى ناصف، ووضعوا لائحة لمجمع لغوى علمى، وتدارسوا فى سبع جلسات عددا من المصطلحات العلمية، وفى العام نفسه ظهرت مجلة " المهندس " وقدمت تجربة عملية لكتابة البحوث العلمية باللغة العربية الفصحى دحضًا للقائلين بعجزها فى مجال البحث والتدريس، ثم تتابعت الجهود بعد ذلك فى هذا السبيل إلى أن أنشئت الجامعة المصرية الأولى عام 1908م.
إنشاء الجامعة المصرية:
...(2/278)
كان إنشاء الجامعة المصرية فى تكوينها الأهلى عام 1908م وفى تكوينها الحكومى عام 1925م فاتحةً لنهضةٍ علميةٍ وثقافيةٍ حديثةٍ فى مصر، وكان التدريس فيها أساسًا باللغة العربية التى استعادت مكانتها مرة ثانية، وقد استدعت الضرورة فى ذلك الوقت استقدام عدد قليل من العلماء الأجانب والمستشرقين للتدريس بالجامعة فى بعض العلوم وفى الإنسانيات، ولكن كان الخريجون الأوائل من النابهين ومن العائدين المؤهلين من البعثات الدراسية الخارجية يقومون بنقل محاضرات الأساتذة الأجانب إلى اللغة العربية وتلخيصها للطلاب وبخاصة لهؤلاء الذين يتابعون دراساتهم فى العلوم الإنسانية ـ وفى السنوات التالية أخذ عدد المصريين العائدين من بعثاتهم بالخارج يزداد ازديادًا مطَّردًا، ولم يلبث هؤلاء أن تولوا مهام التدريس بالجامعة فى معظم الكليات والمعاهد العليا باللغة العربية.
...(2/279)
ومع تطور النهضة العلمية والتعليمية، واتساعها فى مصر فى الثلاثين سنة الأخيرة أصبح لدينا فى مصر فى الوقت الحاضر (12) اثنتا عشرة جامعة، ولبعض هذه الجامعات فروع إقليمية تضم عددًا من الكليات المتخصصة، وإلى أن تكتمل كلياتها ستصبح فى وقت قريب جامعات إقليمية جديدة قائمة بذاتها ـ ويبلغ عدد الكليات والمعاهد الجامعية فى مصر (171) مئة وواحدًا وسبعين معهدًا وكلية بالإضافة إلى (31) واحد وثلاثين معهدا عاليا تابعا لوزارة التعليم العالى وتحت إشرافها، كما أن فى مصر الآن نحو (200) مئتين من مراكز ومعاهد البحث العلمى، ويبلغ عدد الطلاب فى هذه الكليات والمعاهد نحو (56000) ستمائة وخمسين ألف طالب، وبين هؤلاء الطلاب نحو نصف المليون (500 ألف طالب) يتلقون محاضراتهم ودروسهم باللغة العربية، ومن بين هؤلاء أيضًا عدة آلاف يتخصصون فى اللغة العربية وآدابها فى (15) خمسة عشر قسمًا بكليات الآداب (20) وعشرين قسمًا بكليات التربية، بالإضافة إلى أقسام أخرى فى كليات البنات بجامعتى عين شمس والأزهر وكلية دار العلوم وكلية اللغة العربية بالأزهر ومعاهد المعلمين والمعلمات، وباستثناء طلاب التخصص فى اللغة العربية فإنَّ باقى طلاب الجامعات والمعاهد العليا الذين يدرسون مقرراتهم باللغة العربية يدرسونها فى علوم التاريخ والجغرافيا والآثار والفلسفة والاجتماع وعلم النفس والتربية والاقتصاد والتجارة والقانون والسياسة والفنون والإنسانيات بصفة عامة وعلوم الزراعة وغيرها، وذلك فى كلياتها ومعاهدها المعنية، ويقوم بالتدريس لهؤلاء قرابة عشرين ألفًا من أعضاء هيئة التدريس والمعيدين.
...(2/280)
ويرى المهتمون بموضوع اللغة العربية والراصدون لحركاتها ومستواها فى التعليم العالى والجامعى فى مصر فى الوقت الحاضر أن واقع الحال يعكس صورة قاتمة تتمثل فيما يلى، وقد تردد ذلك فى مؤتمر الإسكندرية الذى عقد فى عام 1981م عن اللغة العربية وفى غيره من المؤتمرات والندوات :
ـ شيوع استخدام اللغة العامية فى المحاضرات والمناقشات ولا تستثنى من ذلك دروس اللغة العربية وآدابها.
ـ قلة الاهتمام بدراسة التراث العربى دراسة أصيلة فى فروع اللغة والأدب والنقد والبلاغة، وكذلك بالدراسات الحديثة فى هذه الميادين.
ـ تلقين القواعد الجامدة فى دراسة النحو وعدم الاهتمام بالجانب التطبيقى فى تدريسه.
ـ قلة العناية باختيار النصوص الأدبية، وبتدريس العلوم اللغوية الحديثة بفروعها المختلفة.
ـ الاعتماد كليًّا على الكتاب الجامعى المقرر فى مواد اللغة العربية وآدابها وعزوف الطلاب عن الاطلاع فى المصادر والمراجع الأصلية.
ـ عدم الاهتمام باستخدام الوسائل السمعية فى تحسين الأداء عند الطلاب.
ـ عدم الاهتمام بالندوات العلمية فى داخل الكليات والأقسام المتخصصة وعدم رعاية المواهب الأدبية واللغوية بين الطلاب، والعمل على تشجيعها.
ـ قلة الاهتمام برعاية المدرس الجامعى أو العالى المتخصص فى اللغة العربية وآدابها رعاية علمية لرفع كفاءته من حيث ثقافته العامة ووصله بالتراث والتطور الحديث فى فرع تخصصه.
كليات ومعاهد يجرى فيها التدريس باللغة الأجنبية
...(2/281)
من بين مجموع الطلاب الذين يتعلمون فى الكليات الجامعية والمعاهد العليا فى مصر فى الوقت الحاضر توجد نسبة تصل إلى نحو (23?) ثلاثة وعشرين من المئة من هؤلاء أى ما يقرب من مئة وخمسين ألف طالب يتلقون دروسهم حتى اليوم فى معظم المقررات الدراسية بلغة أجنبية هى الإنجليزية فى كلية الطب البشرى والبيطرى وطب الأسنان والصيدلة وكليات العلوم والهندسة والمعاهد العليا للتمريض، والعلاج الطبيعى، وهذه مسألة تشغل بال الكثيرين من علمائنا والمهتمين بأمور العلم والتعليم فى الجامعة والمعاهد، وطال فيها الحوار والجدل بين فريقين طوال نصف قرن أو يزيد منذ إنشاء الجامعة؛ فريق يدعو إلى استخدام اللغة العربية لغةً للتعليم فى هذه الكليات من منطلق واع مستنير يستشرف الآفاق الرحبة لهذه اللغة الجزلة المعطاءة، ويرى فى قوتها وحيويتها الدافقة وتراثها وشمولها قدرة فائقة على استيعاب التطور المتلاحق فى قطاعات العلم والمعرفة، ويراها أداة طيعة للتعامل مع عصر العلم والتكنولوچيا الذى نعيشه اليوم، الأمر الذى ينهض بالتعليم الجامعى ومستواه والأخذ فى الهبوط والتردى، وفريق آخر وهو قل لا كثر يناهض فكرة التدريس باللغة العربية من ادعاءٍ ظالم بأن اللغة العربية تقصر عن الوفاء بمطالب العلم الحديث وتنأى بالدارس عن مواكبة الإيقاع السريع الذى نشهده اليوم فى هذا العصر لحركة العلم والتقدم العلمى.
...(2/282)
وقد فات هؤلاء المعارضين أن الدعوة إلى استخدام اللغة العربية تستمد جذورها من تلك النهضة الإسلامية التى تألقت فى سماء الأمة العربية منذ ألف عام ونيّف، وبلغت أوجها فى عصر المأمون (786 –833 م ) حين أخذ المسلمون ينهلون من موارد العلم ويترجمون الكتب الإغريقية والسريانية والفارسية، وينقلون إلى اللغة العربية مختلف الذخائر العلمية، وقد حمل لواء هذه الحركة العلمية العارمة التى امتدت بعد ذلك بضعة قرون عدد من العلماء العرب الأعلام الذين كتبوا أعظم المؤلفات والموسوعات فى علوم الكيمياء والفيزياء والرياضيات والفلك والحيوان والنبات والطب والصيدلة وغيرها.
... ويطيب لى فى هذا المقام أن أشيد بعمل أثلج صدور المهتمين بأمور اللغة العربية الذى صدر عن المؤتمر العشرين لاتحاد الأطباء العرب فى جلسته الختامية التى عقدت بالقاهرة فى الثانى والعشرين من يناير عام 1988م خاصا بتعريب مناهج كليات الطب وأن يكون عام 1988م عام بدء تعريب الطب فى كلياته المختلفة فى الوطن العربى على أن يتم ذلك تدريجيًّا فى السنوات الخمس القادمة، كما أوصى المؤتمر بأن تكون البحوث فى مؤتمر اتحاد الأطباء العرب باللغة العربية، وبمناشدة منظمة الصحة العالمية عقد اجتماع لعمداء كليات الطب فى العالم العربى لمناقشة موضوع البدء فى عملية التعريب.
... ولا شك أن هذه خطوة إيجابية على الطريق ودعوة صادقة نحو تصحيح المسار تضاف إلى ما سبق من دعوات انطلقت من العديد من المؤتمرات والندوات التى توالى عقدها فى البلاد العربية طوال ربع قرن أو يزيد، والتى كانت ولا تزال تستنهض الهمم بضرورة إسراع الجامعات العربية فى استخدام اللغة العربية فى تعليمها العالى والجامعى فى القطاعات التى لا تزال عزوفة عن هذا المطلب القومى، وذلك لاعتبارات قومية وعلمية واجتماعية، إذ إن الفكر الأصيل لا يخلق فى الأمة إلا إذا كانت تعلم بلغتها.
...(2/283)
ومشكلة التعليم بلغة أجنبية فى بعض كلياتنا الجامعية ومعاهدنا العالية ذات جوانب ثلاثة تتمثل فى الأستاذ والكتاب والطالب: فبالنسبة للأستاذ فقد درج منذ سنوات بعد عودته من البعثة من الخارج مؤهلا بالدكتوراه أو حصوله عليها من جامعاتنا المصرية ـ درج على تدريس مختلف العلوم باللغة الإنجليزية، وتجذبه فى ذلك المادة العلمية المتاحة فى مراجعها الأجنبية، ويخشى استخدام اللغة العربية فيحتاج إذن إلى بذل جهود مضاعفة فى الترجمة والإعداد هو فى غنى عنها حين يستخدم اللغة الأجنبية، ويا ليت هذه اللغة لغة سليمة حقا. وقد زاد سوء الحال بتكدس الطلاب بالآلاف مما جعل مهمة الأستاذ بالغة الصعوبة وعجز الطلاب عن استيعاب المادة العلمية وفهمها وهضمها تماما بهذه اللغة الأجنبية؛ ويكفى أن نطلع على أوراق إجاباتهم فى كليات الطب والعلوم والهندسة وغيرها لنرى ضعف المستوى اللغوى والعلمى فى هذه الأيام، ومع ذلك نرى عزوفا عن التدريس باللغة العربية. ومما تجدر الإشارة إليه أن الستينيات وأوائل السبعينيات فى مصر قد شهدت محاولات جادة للتدريس باللغة العربية للسنوات الأولى والإعدادية فى بعض هذه الكليات، وكانت النتائج عظيمة من حيث استيعاب الطلاب للمادة العلمية وتفهمها فى سهولة ويسر، ولكن عدل هذا الاتجاه بعد سنوات قليلة وعادت الأمور سيرتها الأولى، وكان عدمُ توافر المراجع العلمية الحديثة باللغة العربية ترجمةً وتأليفًا وتعريبا للمصطلحات العلمية أحد الأسباب فى هذه النكسة، أضف إلى ذلك افتقار المدرس الجامعى والعالى إلى التأهيل الأمثل للتدريس بالعربية السليمة بدلا من ذلك الخليط من لغة أجنبية ضعيفة متردية وعربية عامية دارجة. ويجدر بى أن أشير هنا إلى أن بين الدراسات الرائعة التى كتبها العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة رئيس المجمع الأردنى الموقر دراسة قيمة حقا فى موضوع تأهيل أعضاء هيئة التدريس بالجامعة للتدريس باللغة(2/284)
العربية وهى دراسة جديرة بالعناية والاهتمام من القائمين على تعليمنا العالى والجامعى.
... وبالنسبة للكتاب فلا تزال المكتبة العربية فى مصر فقيرة حتى اليوم فى الكتب والمراجع العلمية الحديثة المؤلفة باللغة العربية أو المترجمة إليها بكليات العلوم والطب والهندسة وبعض المعاهد، باستثناء بعض المقررات الدراسية فى بعض هذه الكليات إذ لها كتبها بالعربية لأنها تدرس بهذه اللغة، وسبب ذلك الذى نشهده من قلة المستحدث من المراجع العلمية العربية هو العزوف عن التأليف أو الترجمة فى غيبة الحافز الذى يدفع إلى ذلك. ومردُّ ذلك أيضا إلى الأزمة التى تمرُّ بها حركة الترجمة بوجه عام. وغنى عن البيان أن الترجمة ضرورية لتحقيق التواصل الفكرى الدائم بيننا وبين العالم الغربى الذى تتقافز خطواته فى معارج الرقى والتقدم، كما أن اللغة العربية تزداد غنى وثراء بالترجمة وتتسع آفاقها بالحصيلة الجديدة التى تضاف إلى مذخور تراثها وتصبح أقدر على تأدية رسالتها فى عصر العلم والتقدم العلمى والتكنولوچى بفضل عملية التلاحم التى تضطلع بها الترجمة، ولا شك أن لكل ذلك انعكاساته الإيجابية على التعليم باللغة العربية فى جامعاتنا ومعاهدنا العالية.
...(2/285)
والجدير بالذكر أن الترجمة قد ازدهرت فى مصر فى عصور سابقة؛ فى عصر رفاعة الطهطاوى الذى سبقت الإشارة إليه وإلى أثره العميق فى النهضة العلمية والثقافية الحديثة فى مصر، أو فى أيام "المقتطف" حين كان يحفل بمختلف التراجم العلمية والمصطلحات باللغة العربية، أو فى أيام لجنة التأليف والترجمة والنشر فى مصر والتى كانت تضم نخبة من أساطين العلم والفكر والأدب من بينهم شيخ المجمعين الأستاذ الدكتور إبراهيم مدكور رئيس مجمع القاهرة، وقد زودت هذه اللجنة على مدى ثلاثين عاما المكتبة العربية بطائفة من الكتب والمؤلفات والتراجم، أو فى أيام المجلس الأعلى للعلوم فى أواخر الخمسينيات حين أشرف على برنامج لترجمة أمهات الكتب والمراجع فى العلوم الأساسية الجامعية؛ إسهاما فى تدريسها باللغة العربية، وهكذا فعلت مؤسسة "فرانكلين"، ومشروع "الألف كتاب" الذى نهضت به الإدارة الثقافية بوزارة التربية والتعليم فى الستينيات، ولكن من المؤسف حقا أن الكثير من هذه الكتب والمراجع الجامعية التى نقلت إلى العربية قد أهملت وطواها النسيان إذ إن عدم التدريس باللغة العربية قد وأد معظمها وأجهض الجهود المضنية التى بذلت فى سبيل إنجازها، ومع ذلك فقد شهدت السنوات الأخيرة بادرة طيبة بالنسبة للكتاب العلمى العربى وبالنسبة لاتخاذ اللغة العربية لغة للتدريس لبعض المقررات فى بعض كليات العلوم والهندسة والطب البيطرى فى بعض الجامعات والمعاهد العليا، وهى حركة مباركة نرجو لها النماء والازدهار.(2/286)
وبالنسبة للطالب فقد شهدت العشرون سنة الماضية ازديادًا هائلاً فى أعداد الطلاب الملتحقين بالتعليم العالى والجامعى، ومن بينهم الذين يتلقون تعليمهم بلغة أجنبية، وامتلأت قاعات الدرس بحشود منهم؛ الأمر الذى أدى إلى ضعف بالغ فى التحصيل واستيعاب المادة العلمية وفهمها وانعدام الصلة بين الطالب والأستاذ. وكان لكل ذلك أثره العميق فى ضعف مستوى الطلاب وتكوينهم العلمى، ولو كان التدريس باللغة العربية لاختلفت الصورة وارتقى تحصيل الطلاب وارتفع مستواهم العلمى مع العمل على رفع مستواهم أيضًا فى اللغة العربية عن طريق وضع مناهج متطورة وبرامج تعليمية لتدريس اللغة العربية وقواعدها الأساسية.
هيئات علمية ولغوية فى مصر
تعمل على النهوض باللغة العربية
... تشهد مصر منذ سنين نشاطا ملحوظا من هيئات علمية ولغوية تعمل جاهدة فى صبر وأناة على اتخاذ اللغة العربية لغة للعلم وتطبيقاته، وفى مقدمة هذه الهيئات مجمع اللغة العربية الذى يقوم، من بين مهامه اللغوية والعلمية الكبرى، بمهمة وضع المصطلحات العلمية ويؤدى بذلك خدمة جليلة ومؤثرة للمشتغلين بالتعليم العالى والجامعى، وقد أنجز المجمع من هذه المصطلحات أكثر من ثلاثين ألف مصطلح علمى فى مجالات الكيمياء والطب والصيدلة والفيزيقا والأحياء والزراعة والچيولوچيا والهندسة والرياضيات والحاسبات الإلكترونية وغيرها، وذلك بالإضافة إلى علوم الأدب والفنون والعلوم الاجتماعية واللغويات وغيرها، وقد أخرج للمكتبة العربية عددا من المعاجم المتخصصة فى هذه العلوم جميعا والعلوم الحديثة بوجه خاص، وهذه المصطلحات والإنجازات تأخذ طريقها رويدًا رويدًا إلى الجامعات والمعاهد العليا وإلى كتب المترجمين والمؤلفين الذين يدرسون باللغة العربية فى بعض الكليات الجامعية، كما أنها تكون رصيدًا ذا بالٍ حين يعدل عن التدريس بلغة أجنبية لتحل محلها اللغة العربية.
...(2/287)
ولا شك أن الذخيرة اللغوية والعلمية التى تحفل بها المجامع الأخرى للغة العربية فى الأردن ودمشق وبغداد، وهيئة التعريب بالرباط، وكذلك المعاجم العربية الأخرى مثل معجم شرف فى العلوم الطبية والطبيعية ومعجم المعلوف فى الحيوان ومعجم أحمد عيسى والأمير الشهابى فى النبات والمعاجم الحديثة الأخرى كلها تقوم بدور بارز فى تعريب المصطلحات العلمية على اتساع العالم العربى كله.
... ومن الهيئات التى تعنى كذلك بهذا الموضوع الاتحاد العلمى المصرى والجمعيات العلمية فى مصر وكذلك مركز الأهرام للترجمة العلمية.
اللغة الأجنبية فى برامج التدريس باللغة العربية
... إذا كنا نعمل على إحلال اللغة العربية محل اللغة الأجنبية فى التدريس لطلبة بعض الكليات الجامعية والمعاهد فليس معنى ذلك أننا نريد الانغلاق على أنفسنا، بل العكس هو الصحيح – هو الانفتاح على العالم الخارجى، على علمه ومنجزاته الحديثة فى العلم وتطبيقاته؛ ولا يتسنى ذلك إلا بإتقان لغة أجنبية كالإنجليزية أو الفرنسية نطل بها إطلالات نيرة على إنجازات العلم الحديث وآفاقه الرحبة، ولذلك وجب الاهتمام بتعلم لغة أجنبية، وليكن ذلك ضمن برامج التدريس بالجامعة، وإذا كان ذلك ضروريًّا لطالب المرحلة الجامعية الأولى فهو أساسى وحتمى لطلاب الدراسات العليا. وجدير بالذكر أن الجامعات المصرية تولى اهتمامًا فى الوقت الحاضر بتدريس اللغة الأجنبية جنبًا إلى جنبٍ مع برامج الدراسة الأخرى.
وسائل النهوض باللغة العربية فى التعليم
العام والتعليم العالى والجامعى فى مصر..
مقترحات وتوصيات:
...(2/288)
بعد أن تبين بوضوح أن لغتنا تعانى أزمة حقيقية أقلقت بال المشتغلين بأمور الثقافة والتعليم والقائمين عليها فى مصر، وبدت آثارها جلية بين جمهرة الطلاب فى تعليمنا العام والعالى ـ بعد أن تبين ذلك أولت المجامع والهيئات العلمية والثقافية واللغوية موضوع اللغة العربية ووسائل النهوض بها اهتمامًا بالغًا ، تمثل فى نداءات وتحذيرات تدق ناقوس الخطر جرت بها أقلام العلماء والكتاب، ووضحت فى العديد من الدراسات التى حفلت بها الندوات والمؤتمرات على مدى سنوات طوال، كانت أقربها ندوة تعريب لغة العلم فى التعليم الجامعى، التى عقدها الاتحاد العلمى المصرى عام 1982م ورأسها وتحدث فيها أستاذنا الجليل الدكتور إبراهيم مدكور رئيس مجمع القاهرة ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية، ومؤتمر جامعة الإسكندرية عام 1981م عن اللغة العربية فى الجامعات، أضف إلى ذلك دراسات أخرى تبناها المجلس القومى للتعليم والمجلس القومى للثقافة فى مصر، وكذلك دراسات على الصعيد العربى جاءت فى أعمال المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وجدير بالذكر أن أنوه بذلك المعين الفياض من الدراسات الرائدة التى زخرت بها كتب مجمع اللغة العربية الأردنى وبخاصة ما سطره فى حنكة واقتدار عن موضوع اللغة العربية وتعريب التعليم العالم الأجلّ الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة رئيس المجمع والذى جاء قمة فى الأداء والاستقصاء.
... وقد حفلت كل هذه الدراسات والندوات والمؤتمرات بالكثير من الآراء والاقتراحات استعنت بها فيما أنا بصدده من إعداد توصيات أنهى بها محاضرتى المتواضعة أملا فى أن تجد هذه التوصيات طريقها نحو التنفيذ لننهض باللغة العربية ونرتفع بمستواها من منطلق قومى وعلمى واجتماعى.
وبالنسبة للغة العربية فى التعليم العام نوصى بما يلى:
...(2/289)
ـ ضرورة إعادة تقويم مناهج اللغة العربية ومحتواها وطرق تدريسها واختباراتها فى مراحل التعليم العام تقويما موضوعيا شاملا بما يقضى على القصور فيما أصبح عليه المستوى اللغوى والتعبيرى العربى الذى يخرج به الطلاب ويلتحقون بعده بالتعليم العالى والجامعى.
ـ أن يكون البدء بتعليم اللغة العربية عن طريق الطفل أو التلميذ فى المرحلة الأولى من مراحل التعليم العام نقلا رفيقًا متدرجًا من لغته المختلطة إلى اللغة السليمة بعناصرها الأساسية الأربعة، وهى الحديث والاستماع والقراءة والكتابة، والعمل الدائب على نقل التلميذ من لغة التخاطب إلى اللغة العربية الصحيحة.
ـ الحرص على استخدام اللغة العربية الفصحى فى تدريس جميع المواد حتى لا يقتصر استخدامها على دروس اللغة العربية فتبدو للطلاب غريبة عنهم.
ـ ضرورة التنسيق بين مناهج اللغة العربية فى مراحل التعليم العام الثلاث بحيث يراعى تكاملها وتدرجها، كما يراعى التنسيق فى كتب اللغة العربية بحيث تؤلف هذه الكتب وحدة متصلة.
ـ العمل على تنمية الميل للقراءة والاطلاع فى التلميذ كهدف أساسى من أهداف التعليم، بل هو وسيلة تعليم الإنسان نفسه بنفسه، وإتاحة فرص الاستماع إلى مختارات من القراءة شعرًا ونثرًا وحوارًا ونصوصًا وقصصًا، مع توافر مواد للقراءة الحرة للتلميذ فى مختلف المراحل وبخاصة فى مرحلة الطفولة.
ـ العناية بتحفيظ التلاميذ فى مراحل التعليم العام قدرًا مناسبًا من القرآن الكريم ليستقيم لسانهم وترسخ اللغة العربية السامية فى وجدانهم، مع الاهتمام بالثقافة الدينية الإسلامية وحفز الشباب إلى دراستها.
ـ توجيه الجهود إلى إعداد معاجم لغوية حديثة وعصرية ومصورة ملائمة لمختلف مراحل التعليم العام وكذلك العناية بالمكتبات المدرسية واختيار الكتب المشوقة للتلميذ.
ـ استخدام الوسائل والمعينات التعليمية والتقنيات الحديثة فى تعليم اللغة العربية.(2/290)
ـ توجيه الاهتمام بالخط العربى وتيسير الحروف والتقليل من صورها بما يحفظ لها جمالها وبما لا يبعدها عن الاتصال بالتراث، وذلك للأهمية البالغة فى اقتصاديات الطباعة واقتصاديات مبادئ القراءة والكتابة.
ـ ضرورة تيسير قواعد النحو والصرف والرسم الإملائى وكتبها، ونشرها بين الدارسين لتجنب أخطاء التحدث والكتابة.
ـ الاهتمام الدائب والمستمر برفع المستوى اللغوى والثقافى والتربوى لمدرِّسى اللغة العربية فى مراحل التعليم العام ليرتفع بذلك مستوى تأهيلهم للتدريس، ويشمل هذا أيضا مدرسى المواد الأخرى.
ـ ضرورة العمل على إنشاء مركز قومى لتطوير تعليم اللغة العربية يدرس واقعها ويطور مناهجها وطرق تدريسها ويعنى بتأهيل مدرسيها، كما يضع سياسة تأليف الكتب والمراجع ويعمق الاستفادة من بحوث مجمع اللغة العربية واتحاد المجامع اللغوية العربية، ويضع السياسة اللازمة لترقية المستوى اللغوى لجمهرة المواطنين.
ـ الدعوة بأن تكون لغة الصحافة وأجهزة الإعلام المسموعة والمرئية ودور النشر هى اللغة العربية الصحيحة وذلك للقضاء على ظواهر الانحراف فى الأداء اللغوى وعلى الخروج على القواعد وتحريف الألفاظ والعبارات، وكذلك الدعوة إلى أن يهتم المتحدثون والخطباء بالحديث باللغة العربية بصفائها ونقائها.
وبالنسبة للغة العربية فى التعليم العالى والجامعى نوصى بما يلى:
ـ وضع الخطة المناسبة لتعميم استخدام اللغة العربية فى مرحلة التعليم العالى والجامعى فى كافة العلوم والتخصصات، ومنع استخدام اللغة العامية فى المحاضرات الجامعية، وهذا أشد لزوما فى دروس اللغة العربية وآدابها.
ـ ضرورة الاهتمام بدراسة التراث العربى دراسة أصيلة فى فروع اللغة والأدب والنقد والبلاغة، وكذلك الاهتمام بالدراسات الحديثة المتطورة فى هذه المجالات.(2/291)
ـ العناية فى اختيار النصوص الأدبية اختيارًا دقيقًا، والاهتمام فى تدريسها بالتذوق وإبراز القيمة الفنية والجمالية، بحيث لا يطغى المحتوى التاريخى أو الاجتماعى على النص.
ـ الحد من الاعتماد كليًّا على الكتاب الجامعى المقرر فى مواد اللغة العربية وآدابها، وتوجيه الطلاب إلى المصادر والمراجع الأصيلة فى كل مادة.
ـ العناية بتدريس العلوم اللغوية الحديثة بفروعها المختلفة وإيفاد مبعوثين للتخصص فيها لسداد النقص الكبير فى القائمين على تدريسها.
ـ الاهتمام برعاية المدرس الجامعى والعالى المتخصص فى اللغة العربية رعاية علمية لرفع كفاءته من حيث ثقافته العامة، ووصله بالتراث وبالتطور الحديث فى فرع تخصصه.
ـ العناية بتأهيل أعضاء هيئة التدريس بالكليات الجامعية والمعاهد العليا (من غير المتخصصين فى اللغة العربية) للتدريس باللغة العربية السليمة ووضع برامج متطورة عن طرق تدريسها.
ـ دعم المكتبات الرئيسية بالجامعات ومكتبات الكليات والأقسام المتخصصة لتوفير المصادر الرئيسية فى اللغة العربية وآدابها.
وبالنسبة للكليات الجامعية والمعاهد العليا التى يجرى فيها التدريس بلغة أجنبية نوصى بما يلى:
ـ دعوة الهيئات الأكاديمية المختصة وفى مقدمتها المجلس الأعلى للجامعات إلى تعريب التعليم فى هذه الكليات والمعاهد، وأن يخطط لذلك ويعد العدة للمضى فى هذا العمل القومى مع التدرج فى تنفيذه، وذلك تحقيقًا وإعمالاً للنص الذى ورد فى هذا الشأن فى قانون الجامعات.(2/292)
ـ التوسع فى تعريب المصطلحات العلمية ووضع المقابلات العربية المناسبة لها وبخاصة فى المستحدث من فروع العلم والتكنولوچيا ومتابعة الجهود الكبيرة التى يقوم بها مجمع اللغة العربية والمجامع العربية الشقيقة الأخرى فى هذا المجال، مع حفز العلماء والباحثين على استخدام هذه المصطلحات وإشاعتها فى محاضراتهم وكتبهم ومؤلفاتهم ودراستهم الجامعية، وضرورة العمل على توحيد المصطلحات العلمية فى الوطن العربى.
ـ ضرورة التوسع فى وضع المعاجم العلمية المتخصصة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية؛ وقد أسهم مجمع اللغة العربية والمجامع العربية الأخرى بقسط كبير فى هذا السبيل، وكان أقربها معجم الحاسوب أو الحاسبات الإلكترونية الذى صدر حديثا عن مجمع القاهرة.
ـ توجيه عناية خاصة إلى ترجمة مجموعات متكاملة من أمهات الكتب والمراجع العلمية الأجنبية، مع ضرورة التفكير فى إنشاء مركز قومى للترجمة يتولى جمع المعلومات وتبادلها وتنشيط حركة الترجمة والتأليف والنشر ورعايتها، ويلاحق التزايد الكبير فى العلوم المستحدثة.
ـ مضاعفة جهود إحياء عيون التراث العربى العلمى وتحقيقه ونشره وتحديث معالجته فى دراسات مقارنة تجمع بين التأصيل والمعاصرة ، وتوصية الجامعات بتضمين العلوم مختاراتٍ منتقاةً من مصادر التراث العلمى المتميز التى زاوجت بين الثراء اللغوى وبين الإبداع العلمى.
ـ زيادة المواد العلمية والفنية والثقافية التى تقدم باللغة الفصحى فى مختلف أجهزة الإعلام، مع العناية بحسن انتقائها ومسايرتها روح العصر.(2/293)
ـ مع الدعوة إلى التعريب، فإنه يلزم توجيه عناية خاصة إلى تعليم اللغات الأجنبية فى المرحلة الجامعية، بل فى مرحلة التعليم العام أيضا وبعد ذلك فى مرحلة الدراسات العليا، وفى هذه المرحلة الأخيرة يتحتم إتقان لغة أجنبية (الإنجليزية) وإجادتها حديثًا وكتابةً وفكرًا لطلاب هذه المرحلة، ووضع البرامج الكفيلة بذلك ليتاح الانفتاح على العالم الخارجى والاتصال بالتطور العلمى ومنجزات العصر.
... هذا عرض متواضع عن قضية اللغة العربية فى التعليم العام والتعليم العالى والجامعى فى مصر فى الوقت الحاضر، ألمحت فيه إلى تاريخها وواقعها والمشكلات التى تحيط بها وتحاصرها، وأتبعت ذلك بتوصيات واقتراحات تهدف إلى حل هذه المشكلات وإلى النهوض باللغة العربية والارتفاع بمستواها باعتبارها قضية قومية وثيقة الصلة بكياننا العربى وانتمائنا الوطنى.
المراجع
1- اللغة العربية والتعريب - للدكتور عبد الكريم خليفة، منشورات مجمع اللغة العربية الأردنى 1987م.
2- تأهيل أعضاء هيئة التدريس بالعربية - للدكتور عبد الكريم خليفة، مجلة مجمع اللغة العربية الأدرنى 1980م.
3- المجامع العربية والمصطلح العلمى - للدكتور إبراهيم بيومى مدكور، مطبوعات اتحاد الجامعات العربية، مؤتمر تعريب التعليم الجامعى والعالي1980م.
4- اللغة العربية فى الجامعات: واقعها ووسائل الارتقاء بها. مؤتمر جامعة الإسكندرية – كلية الآداب ديسمبر 1981م.
5- وسائل تطوير وإعداد معلمى اللغة العربية فى الوطن العربي، كتاب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – الرياض 1977م.
6- تحديث التعليم قبل الجامعى، مطبوعات المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى – الدورة الرابعة عشر 1986/1987م.
7- مناهج اللغة العربية ووسائل النهوض بها فى التعليم العام، مطبوعات المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى – الدورة السابعة 1979/1980م.(2/294)
8- إعداد معلم اللغة العربية، مطبوعات المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى – الدورة الثامنة 1980/1981م.
9- قضية تعريب التعليم العالى والجامعى فى مصر - للدكتور محمود حافظ، مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1986
10- العربية لغة العلم - للدكتور محمد ولى، كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية عدد (4) 1934م.
11- العربية لغة علمية - للدكتور إسماعيل مظهر، كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية – عدد (10) 1940م.
12- تعريب العلم - للدكتور عبد الحليم منتصر، كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية عدد (31) 1960م.
13- نشر الكتب العلمية باللغة العربية – للدكتور كامل منصور، كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية عدد (31) 1961م.
14- مشكلات التعليم الجامعى فى البلاد العربية. الحلقة الأولى: بنغازى 1964م، الحلقة الثانية: بيروت 1964م.
15- تعريب التعليم العالى فى الوطن العربي، مؤتمر بغداد مارس 1978م، مطبوعات اتحاد الجامعات العربية.
16- اللغة العربية ودراسة العلوم بالجامعة – للدكتورة عائشة عبد الرحمن، المجالس القومية المتخصصة (شعبة الثقافة) 1981م.
17- مستقبل التعليم الجامعى والبحث العلمى فى مصر – للدكتور كامل منصور والدكتور عبد الحافظ حلمى وآخرين، مطبوعات المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى 1979م.
18- اللغة العربية فى خدمة علوم الإحياء – للدكتور محمود حافظ، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1979م.
19- اللغة العربية والتعليم الجامعى – للدكتور حسين نصار، المجالس القومى المتخصصة (شعبة الثقافة) 1981م.
20- تعريب التعليم الجامعى فى مجالات المصطلح العلمى والترجمة والتأليف - للدكتور عبد الحليم منتصر، مطبوعات اتحاد الجامعات العربية، مؤتمر تعريب التعليم الجامعى والعالى 1980م.
21- اللغة العربية فى التعليم والثقافة – للدكتور محمود الشنيطى، المجالس القومية المتخصصة (شعبة الثقافة) 1981م.(2/295)
22- لغة تدريس العلوم فى الجامعات – للدكتور عبد الحافظ حلمى محمد، مطبوعات اتحاد الجامعات العربية ، مؤتمر تعريب التعليم الجامعى والعالى القاهرة 1980م.
23- تعريب لغة العلم فى التعليم الجامعى – ندوة رأسها وتحدث فيها الدكتور إبراهيم بيومى مدكور وآخرون، كتاب الدورة الثامنة للاتحاد العلمى المصرى.
24- العربية لغة العلوم والتقنية – للدكتور عبد الصبور شاهين، دار الإصلاح والنشر - المملكة العربية السعودية - الطبعة الأولى 1983م.
- - - - -
اللغة العربية
فى خدمة علوم الأحياء(1)
منذ أكثر من ألف عام تألقت فى سماء الأمة العربية نهضة علمية إسلامية بلغت أوجها فى عصر الخليفة المأمون (786 ـ 833م) حين أخذ المسلمون ينهلون من موارد العلم، ويترجمون الكتب الإغريقية والسريانية والفارسية، وينقلون إلى اللغة العربية مختلف الذخائر العلمية، وقد حمل لواء هذه الحركة العلمية العارمة التى امتدت بعد ذلك بضعة قرون عدد من العلماء العرب الأعلام قاموا بأروع الإنجازات العلمية وكتبوا أعظم المؤلفات والموسوعات وأضافوا إلى هذه التراجم الكثير من مبتكراتهم، مما جعل بعض المنصفين من المؤرخين يعترفون بأنه لولا أعمال هؤلاء العلماء العرب لاضطر علماء النهضة الأوربية أن يبدأوا من حيث بدأ هؤلاء ولتأخر سير المدنية طويلا.
كان ذلك العصر عصرًا ذهبيًّا بالنسبة للغة العربية لغةً للعلم، زخرت بآلاف المقابلات والمصطلحات والمأثورات فى مختلف فروع العلم التى تناولها العلماء العرب بالدراسة، وبرزوا فيها، وعلَّموا غيرهم، وأخذ عنهم علماء عصر النهضة الأوربية ما شاء لهم أن يأخذوا من هذا المَعِين الزَّاخر بالمعارف العلمية والإنسانية، ولو أنهم كثيرا ما تناسوا فضلهم.(2/296)
وكانت علوم الأحياء من بين هذه العلوم التى أَوْلاها العلماءُ اهتمامَهم دراسة وبحثًا وتأليفًا باللغة العربية، مما كان له أبعد الأثر على الأجيال المتعاقبة التى جاءت من بعدهم عبر عدة قرون، وما زلنا - نحن المشتغلين بعلوم الأحياء - حتى اليوم نترع من نبعهم الفياض وأسفارهم الجزلة المعطاءة كؤوس العلم واللغة والمعرفة، تبهرنا فيها تلك الثروة اللغوية الهائلة فى علوم النبات والزراعة والحيوان والحشرات.
__________
(1) انظر التعقيبات على البحث فى محاضر جلسات مؤتمر الدورة الخامسة والأربعين (جلسة الثلاثاء 7 من ربيع الآخر سنة 1399هـ، الموافق 3 من مارس سنة 1979م).
ففى كتاب الشفاء لابن سينا (ولد فى 371هـ/980م) الذى يقع فى أكثر من عشرين مجلدا، وكُتِب فى فترة تعدُّ من أزهى عصور الحضارة العلمية والإسلامية وترجم إلى اللاتينية واللغات الأوربية، تناول الشيخ الرئيس - فى بعض فصوله - دراسة النباتات الشجرية والعشبية والزهرية والفطرية والطحلبية. وذكر الأجناس المختلفة من النبات والأنواع المختلفة من الجنس الواحد، وكذلك الآراء والنظريات حول تولد النبات والأنوثة والذكورة فيه، كما تكلم عن الثمار فى النباتات المختلفة وعن التطعيم وعن ظاهرة المسانهة فى الأشجار والنخيل، وذلك بأن تحمل الشجرة سنة حملا ثقيلا وسنة حملا خفيفا أو تحمل سنة ولا تحمل أخرى.
وفى الجزء الخاص بالحيوان وصف رائع لمختلف أنواع الحيوان والطير؛ وعن الحيوانات المائية يقول ابن سينا: إن منها ذات ملاصق تلزمها كأنواع من الأصداف، ومنها متبرئة أى متحررة الأجساد مثل السمك والضفادع، واللاصقة منها التى لا تبرح كالإسفنج، كما تكلم عن العظام والغضاريف والشرايين والأوردة والأغشية والأعصاب، وتناول بإسهاب التشريح المقارن والأجهزة الداخلية فى الحيوانات المختلفة ومنها الطيور والأسماك.(2/297)
وفى كتاب الحيوان للجاحظ (أبى عثمان عمرو بن بحر 775 ـ 868م) وهو سفر ضخم فى سبعة أجزاءٍ دراسةٌ موسوعيةٌ قَلَّ أن يكون لها ضريب فى ذلك الزمان، اتسمت بالسعة والشمول والدراسة الحادة الدقيقة، وقد طوع الشيخ اللغة المنثورة لمقتضيات الوصف العلمى على أروع صورة، وعنى باختيار اللفظ ليعبر عن سلوك الحيوان أدق تعبير كما ظهرت فى كتابته القدرة على التمييز والبراعة فى الوصف، فتراه فى مقدمة الكتاب يقسم الحيوان إلى فصيح وأعجم، فالفصيح هو الإنسان والأعجم هو الحيوان.
ثم يستطرد ويقول: من الحيوان الأعجم ما يرغو وينغو وينهق ويصهل ويشمخ ويخور ويبغم ويعوى وينبح ويزقو ويصفر ويهدر ويوصوص ويوقوق وينعب ويزأر ويبح ويكش.
والكتاب فى فصوله المختلفة ملىء بمباحث عدة عن تقسيم الحيوان ومميزات كل قسم وعن تكوين البيضة من الفروج وعن بيض الطيور وعن بناء العش ورعاية الأبوين للصغار وعن الطيور وأنواعها، كما تناول بالدراسة الكثير من الحشرات كالذباب والنحل والزنابير والفراش والخنافس والجراد، كما تحدث عن سمك القرش والقرد والخفاش والأفاعى وحيوانات أخرى كثيرة وَصَفَ حياتها وطبائعها. وكان يسجل مشاهداته على سلوك الحيوانات من واقع التجارب التى يجريها عليها حيث كان يضعها تحت ناقوس زجاجى ويرقب حركتها وسلوكها؛ كما كان يقوم بتشريح الحيوان ليستجلى أجهزته الداخلية؛ وكان الجاحظ بذلك العلم الموسوعى والتجريبى رائدا له مكانته فى هذا المجال.(2/298)
ومن أروع ما كتب فى علم النبات باللغة العربية منذ أكثر من ألف سنة كتاب النبات للدينورى (أحمد بن داود أبى حنيفة، المتوفَّى سنة 280هـ/ 895م) والملقب بشيخ النباتيين العرب الذى أخذ عنه علماء النبات الذين جاءوا من بعده، وكان مرجعًا لكثير من دراساتهم وبحوثهم، فقد وصف مئات النباتات وصفًا دقيقًا مشيرًا إلى استعمالاته ومواطن نموه وحياته، وكما يقول الدكتور منتصر: لعل كتاب النبات للدينورى - ويعنينا منه الجزء الخامس - لم يصنف مثله فى اللغة العربية حتى عصره، وفيه أسماء النباتات مصنفة على حروف المعجم، وقد اعتمد فى روايته على المصادر العربية الأصيلة. وكتاب آخر فى علم النبات يثير الإعجاب حقا هو" الجامع لصفات أشتات النبات للإدريسى" (محمد بن محمد بن عبد الله الأندلسى الحسينى الشهير بالإدريسى)، الذى ولد عام 1099م فى أواخر القرن الخامس الهجرى وعاش ثمانين عامًا. ويقع الكتاب فى جزأين ضمن الجزء الأول (360) ثلاث مئة وستين نباتًا، كما اشتمل الجزء الثانى على ما يقرب من (300) ثلاث مئة نبات تنتهى بانتهاء حروف المعجم، وقد وصفها وصفا رائعًا ووصف منافعها وخواصها وحقق أسماءها بلغات مختلفة، وأورد هذه الأسماء باللغات السريانية واليونانية والفارسية والهندية واللاتينية، وذكر أنه أضاف إلى قائمته النباتية أنواعًا أغفلَها مَن سبقوه مثل التمرهندى والقرنفل والمحلب وغيرها.(2/299)
وفى كتاب المخصص لابن سيده (أبى الحسن على بن إسماعيل النحوى المتوفى عام 458هـ وعمره ستون سنة)، ذلك الكتاب الموسوعى الذى يقع فى سبعة عشر جزءًا والذى كتبه إبان القرن الخامس الهجرى بلغة عربية أصيلة يعنينا ما جاء فى بعض أجزائه خاصا بالحيوان والنبات، ففى الجزء السادس تكلم عن الخيل وصفاتها وفى الجزأين السابع والثامن تناول بالوصف والدراسة الإبل والغنم والماعز والطيور والنحل والنمل والعناكب والسباع وغيرها من أنواع الحيوان وأشار إلى حياتها وعاداتها وألوانها وأمراضها، ثم تكلم فى الجزء العاشر والجزء الثانى عشر عن الكلأ والشجر والعشب والحنظل والبصل ونبات القطن وبعض العقاقير وغيرها. وقد عنى بالأوصاف الدقيقة للأعضاء فى الكائنات من حيوانية أو نباتية، والكتاب ذو قيمة علمية ولغوية للدارسين لعلم الشكل أو الهيئة فى مجال علوم الأحياء.
وإبان القرن السادس الهجرى كتب البغدادى (موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف 557 – 629هـ ) كتابه المعروف " الإفادة والاعتبار" فى الأمور المشاهدة والأحوال المعاينة فى أرض مصر، وقد وصف فيه الكثير من حيوانات مصر ونباتاتها، وكان وصفه دقيقا فى بعض الأحيان مع قدرة فائقة على المقارنة والاستنتاج.(2/300)
وفى القرن السابع الهجرى ألَّفَ ابن البيطار (أبو محمد عبد الله أحمد ضياء الدين الأندلسى الملقى 575 – 641هـ ) إمامُ النباتيين والعَشَّابين كتابَه الأشهر من بين مؤلفاته الكثيرة " الجامع لمفردات الأدوية والأغذية " ثمرة من ثمرات دراساته الواعية العلمية والعملية فى أربعة أجزاء، وقد جمع فيه من مؤلفات العرب والإغريق ومن تجاربه الخاصة كلَّ ما يتعلق بالنباتات الطبية وبعض الحيوانات التى تُتَّخذ منها عقاقير لعلاج الأمراض، وكانت طريقته فى الدراسة والإعداد لهذا العمل الكبير أن يذكر اسم النبات أو الحيوان باللغات المختلفة ثم يصف أجزاءه وصفًا علميًّا دقيقًا مستعينًا بما سبق أن قاله علماء الإغريق (أمثال جالينوس أو ديموقراطيس أو ديسقوريدوس) أو العلماء العرب (أمثال ابن سينا أو ابن رضوان) عن منافعه وطريقة تحضير الدواء ثم طريقة الاستعمال، وقد ذكر كل ذلك مرتبًا ترتيبًا هجائيًّا، وبهذه الطريقة سرد ابن البيطار المئات من النباتات والكثير من الحيوانات، واعتمد فى حالات عدة على المشاهدة والتجربة، كما أنه كان صادقًا ودقيقًا فى النقل عن غيره من ذوى العلم والخبرة.
وفى هذا المجال أيضًا ألف القرطبى (أبو عمران موسى بن عبد الله) كتابه " شرح أسماء العقَّار " وقد كتب المخطوط بخط ابن البيطار، وبلغ عدد العقاقير التى شرحها القرطبى نحو (400) أربع مئة عقار وجُلّها من النباتات وبعضها من الحيوانات التى تتخذ منها العقاقير، وقد رتب الأسماء على حروف المعجم بادئًا بالأترج (التفاح المائى) والأقحوان، ومنتهيا باليتوع ( كل نبات له لبن يسيل إذا قطع) Euphorbia والياسمين.(2/301)
وفى كتاب داود بن عمر الأنطاكى ( توفى عام 1600م) المعروف باسم " تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب"، الذى اختص أساسًا بدراسة الطب العلاجى وتحضير الأدوية والوصفات فى إسهاب استغرق سبع مئة صفحة، يعنينا منه فى المقام الأول الباب الثالث الذى تضمن المفردات والأقرباذينيات مرتبة على حروف المعجم، إذ أورد عدة مئات من أسماء النبات وعشرات من أسماء الحيوان مع وصف شامل دقيق لها والعقاقير المتخذة منها، وقد ذكر هذه الأسماء باللغات المختلفة.
ويزخر كتاب القزوينى (أبى عبد الله زكريا بن محمد بن محمود 605 – 682هـ ) " عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات " الذى كتبه إبان حياته التى امتدت سبعة وسبعين عامًا فى القرن السابع الهجرى بالكثير من المعارف عن الحيوان والنبات ووصف أنواعًا منها تعد بالمئات وبخاصة ما تتخذ منها عقاقير تستعمل فى الطب، وشملت دراساته الطيور والحشرات والأسماك والحيوانات المائية الأخرى، كما تحدث عن سلوك الحيوان وحياته وطبائعه وكيف يجمع غذاءه ويدخر قُوتَه ويصنع بيوته، وقد طبع هذا الكتاب على هامش كتاب الحيوان للدميرى وأعيد طبعه عدة مرات وترجم إلى عدة لغات.(2/302)
و"حياة الحيوان الكبرى" لكمال الدين الدميرى (742 – 808هـ) كتاب فى جزأين كتبه فى القرن الثامن الهجرى زاخر بالمعلومات عن الحيوان، يقول الدميرى إنه جمعها من ستين وخمس مئة كتاب وتسعة وتسعين ديوانًا من دواوين شعراء العرب وجعله نسختين كبرى وصغرى، فى كبراه زيادة التاريخ وتعبير الرؤيا، ورتَّبَه على حروف المعجم مُتَّبعًا الطريقة التى جرى عليها أسلافه من العلماء العرب. فبدأ بالكلام عن الأسد ذاكرًا أسماءه التى جرت على ألسنة العرب وشكْلَه وعاداته وطبائعه مستشهدا بأبيات من الشعر ونوادر وطرائف تتعلق بهذا الحيوان، ثم يذكر أمثلة أخرى كالأربد ( ضرب من الحيات ) والأرضة، والأرقم (حية فيها بياض وسواد كأنه رقْم أى نقش)، ثم يمضى إلى الحروف التالية معالجًا المئات من أنواع الحيوان، وقد بلغ عدد الحيوانات التى تناولها بالدراسة والاستشهاد نحو(860) ثمان مئة وستين نوعًا، ضمَّ الجزء الأول من كتابه منها نحو(380) ثلاث مئة وثمانين نوعًا، وضمَّ الجزء الثانى الأنواع الباقية.
وبالإضافة إلى ما حوى الكتاب من وصف للحيوان وحياته وسلوكه وموطنه، فقد وصف الكتاب بأنه جمع ما بين أحكامٍ شرعية وأخبار نبوية ومواعظ نافعة وفوائد بارعة وأمثال سائرة وأبيات نادرة وخواص عجيبة وأسرار غريبة، وبه تراجم نخبة من الشعراء والعلماء والفلاسفة، وقد طبعت عدة مختصرات لهذا الكتاب وترجم أكثره إلى اللغة الإنجليزية، وطبع فى لندن وبمباى فى عامى 1906م، 1908م، كما عنى بنشره المحققون وطبع كاملا منقحًا عدة مرات فى العصر الحديث.
هذه لمحة سريعة لمنجزات رائدة خالدة فى علوم الأحياء جاءت بلسان عربى مبين، وقام بها أسلافنا من الناطقين بالضاد وجادت بها قرائحهم الوقادة وعقولهم النيّرة وظلت مشعلاً وضاءً وبحرًا زاخرًا بالمعرفة عبر عدة قرون إبان العصور العلمية الإسلامية الزاهرة وما بعدها لغيرهم إبان عصر النهضة الأوربية.(2/303)
ودار الزمن دورته وخيَّم على الأمة العربية طوال القرون الثلاثة التى سبقت القرن التاسع عشر تخلُّفٌ رهيبٌ نتيجةً لاستعمارٍ متحكمٍ جَثَمَ على صدورها وقطَع أوصالها وانعكست آثاره على اللغة والعلوم والمعارف الإنسانية كلها، وفى القرن التاسع عشر بدأت صحوة عربية للحاق بركب الحضارة ودعوة قوية أن تعيد الأمة للغة العربية سابق مجدها، وبدأت فى مصر وكذلك فى شقيقاتها العربيات حركة فى هذا السبيل على يد عدد من المصلحين والمجددين، ومع بداية القرن العشرين نشطت حركة التعريب وجمْع المصطلحات العلمية وتحقيقها وإصدار بعض المعاجم المتخصصة. ووجدنا فى مجال علوم الأحياء عددًا من الرواد قاموا بجهود ضخمة يطيب لى أن أذكر منها " معجم أسماء النبات" للدكتور أحمد عيسى، الذى صدر فى شهر يناير من عام 1926م، ولا شك أنه أنفق فيه سنين عددًا فى إعداده قبل ذلك، ويقول إنَّ مما عنى به عناية خاصة وبذل الجهد فى جمعه وتحقيقه أسماءَ النبات ومرادفاتها فى جميع العصور ومن مختلف البلدان العربية اللغة، كمصر والسودان، وبلاد العرب واليمن والعراق وسوريا وفلسطين وبلاد المغرب.. وذكر الدكتور عيسى فى مقدمة معجمه أن لغويّى العرب قد عنوا بالنبات وأسمائه ولهم فى ذلك التصانيفُ الممتعة التى زادوا عليها ما اقتبسوه من نبات الهند وفارس واليونان وغيرها من البلدان، فامتلأت أسفارهم بالعربى الفصيح والمعرب والمولَّد. وقد جمع ذلك كله فى معجمه وأراد بذلك أن يكون المعجم شاملا كل ما عرف من أسماء النبات فى المصنفات العربية مهما اختلفت جنسية الكلمة، وأن يكون المعجم مرجعًا لتحقيق الكلمات التى أتت بها المصنفات العربية ولم تكن معروفة الأصل مقتصرًا على معرفة أسماء النبات ـ ولا شك أن معجم أسماء النبات لأحمد عيسى إنجاز علمى ولغوى ضخم لا غنى عنه للمشتغلين بعلم النبات أو العاملين فى مجال التعريب ونقْلِ هذا العلم إلى اللغة العربية.(2/304)
وفى العام نفسه أى عام 1926م صدر قاموس الدكتور محمد شرف فى العلوم الطبية والطبيعية ومن بينها علوم الحيوان والنبات، وقد شمل المصطلحات باللغة الإنجليزية ومقابلاتها وشروحها باللغة العربية، وقد عنى هو كذلك أشد العناية بالرجوع إلى ما كتبه الأسلاف من العرب فى هذا الشأن وما كتبه المستشرقون؛ ثم يقول إنه لم يُثِبت اصطلاحا أو مفردًا بالعربية قبل أن يتثبَّت من صحته وموافقته، فإن لم يعثر له على نظير بالعربية جعل له اسما مناسبًا على نسق أسلوب العرب فى الأندلس أو عرَّب اسمَه حسب الأصول اللغوية المتبعة، ويقع هذا القاموس فيما يقرب من ألْفِ صفحةٍ ويضُم أكثر من أربعين ألف مصطلح، بينها عدد لا يستهان به من علوم الأحياء، وهو عمل علمى ولُغوى من الطراز الأول يعتبر قمة فى الأداء والاستقصاء.
ويجدر بى فى هذا المقام أيضا أن أشير إلى عملين جليلين آخرين أسهمت اللغة العربية بهما كذلك فى خدمة علوم الأحياء وهما" معجم الحيوان " للفريق أمين المعلوف و"معجم الألفاظ الزراعية" للأمير مصطفى الشهابى، والأول صدر عام 1932م ولو أنه يقول إنه بدأ فى جمع مادته ونشرها منذ عام 1908م فى مجلة المقتطف. وقد تناول وصْفَ ما يقرب من 1500 نوع من أنواع الحيوانات وصفًا علميًّا أوْجَزَ فيه أو أسْهَبَ حسب مقتضى الحال مشيرًا إلى اسم الحيوان فى البلاد العربية المختلفة وفى بلاد الهند وفارس، وأوضح الأسانيد التى أخذ عنها، وقد توخى الأمانة فى النقل كما يقول، وإيراد أفصح الألفاظ أولا ثم الفصيح ثم ما عرَّبتْه العرب ثم المولَّد ثم ما عرَّبَه المولدون واسم الحيوان موضَّحًا باللغتين الإنجليزية واللاتينية.(2/305)
أما " معجم الألفاظ الزراعية" للأمير مصطفى الشهابى فقد صدر عام 1943م، ولكنه ظل يجمع ويحقق مادته طوال عشرين سنة قبل ذلك التاريخ. ويشتمل المعجم على تسعة آلاف لفظ فرنسى أو علمى وضع أمامها ما يقابلها بالعربية، ويقول إن من الألفاظ العربية. المذكورة ثلاثة آلاف لفظ على الأقل هى من وضعه أو تحقيقه لم يسبقه إليها أحد من أصحاب المعجمات الأعجمية العربية. وهذا المعجم غنى بألفاظ العلوم الزراعية على اختلافها كزراعة الحبوب وأبحاث التربة وزراعة البساتين وتربية الخيل والأنعام والنحل والطيور، وما له صلة بالزراعة كالحشرات والحيوانات، كما يتناول أهم الفصائل النباتية وأسماء التصنيف فى علم الحيوان والأسماء العلمية للنباتات والحيوانات الزراعية مع ذكر فصائلها بالعربية. وقد عمد فى إيجاد أصلح الألفاظ العربية إلى كتب اللغة، وأخرج منها ما له علاقة بالعلوم الزراعية من الكلم، وكذلك فعل بكتب الفلاحة العربية واليونانية، كما راجع مفردات ابن البيطار ورسائل الأصمعى فى الخيل والنبات والشجر، وألفاظًا محققة ومصطلحات من معاجم ومصادر أخرى عدة.
هذه أمثلة فقط لجهودٍ رائدةٍ لنَفَرٍ من العلماء فى الوطن العربى فى مجال علوم الأحياء سبقتها وتَلَتْها جهود أخرى قيمة فى هذا المجال.(2/306)
ولكن لعل أعظم إنجاز قومى وعربى أخذ بيد اللغة العربية وخطا بها خطواتٍ فسيحةً إلى الأمام، بل انطلق بها إلى آفاق رحبة لتواكب عصر العلم ومقتضيات التطور هو إنشاء المجامع اللغوية بالوطن العربى. ففى مصر وفى بداية الثلاثينيات عام 1932م أنشئ مجمع اللغة العربية بالقاهرة؛ ولو أن محاولات أخرى جادة فى هذا السبيل قد سبقت إنشاءه فى مطلع هذا القرن، وسبقت هذه المحاولات دعوة إلى ذلك أيضا فى أخريات القرن التاسع عشر. وقد تحقق بإنشاء هذا المجمع أمل عزيز طالما تطلع إليه أهل العلم واللغة والأدب فى مصر ليقوم بدوره البَنَّاء نحو اللغة والحفاظ عليها وعلى أصالتها وتراثها، وليحمل على كتفيه عبء النهوض بها وتطورها وجعلها وافية بمطالب العلوم والآداب والفنون، وملائِمَةً للحياة العصرية المتطورة، ودراسة المصطلحات، وغير ذلك من المهام فى مختلف المجالات.
وقد اهتم العلميون بصفة خاصة بإنشاء مجمع اللغة العربية نظرًا للدور الرئيسى الذى يمكن أن يقوم به فى مصر بل فى الوطن العربى كله فى تعريب العلم، وكذلك للعون الكبير الذى يمكن أن يقدمه لهم فى مجال المصطلحات العلمية السليمة. وقد سار المجمع فى هذين الاتجاهين شوطًا بعيدًا بنشاط ملحوظ ودفع حركة النشر والترجمة والتعريب خطوات فسيحة إلى الأمام، وشاع استعمال المصطلحات العلمية السليمة فى المؤلفات العلمية فى مجال علوم الأحياء وغيرها.(2/307)
ومن بين لجان المجمع الثلاثين التى تضطلع بمختلف أنواع النشاط العلمى واللغوى والأدبى لجنةُ علوم الأحياء والزراعة التى امتد نشاطها الملحوظ قرابة ثلاثين عاما حتى اليوم(1)، توفرت خلالها على دراسة مصطلحات علوم النبات والحيوان والحشرات والوراثة وعلوم البحار والزراعة، ووضعت بحوثًا قيّمةً فى بعض هذه المجالات. وقد بلغت جملة المصطلحات العلمية فى علوم الأحياء التى درستها اللجنة ووضعت لها المقابلات المناسبة باللغة العربية وشرحت معانيها نحو عشرة آلاف مصطلح علمى، وقد نشر نحو أربعة آلاف منها ظهرت فى مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التى يصدرها المجمع كل عام.
__________
(1) أى فى وقت إلقاء هذا البحث : مارس 1979م.(2/308)
كما حققت اللجنة مئات الألفاظ من أسماء النبات والحيوان المحولة إليها من لجان المعجمات اللغوية بالمجمع، وأضافت إليها الشروح والدلالات فى العلم الحديث، كما وضعت بحوثا قَيّمة فى أنواع الحيتان والثعابين والألفاظ الخاصة بالنخيل، ونُشِرتْ كلها فى مجلة المجمع، كما قامت اللجنة بوضع مصطلحات التحضيرات الخاصة بالفحص المجهرى (الميكروتكنيك)، وكذلك نظرت فى المصطلحات التى أصدرتْها منظمة الأغذية والزراعة الخاصة بالبيئة النباتية وأبدت فيها رأيها العلمى، وراجعت بعضَها مراجعةً علميةً ولغوية، هذا بالإضافة إلى ما تقوم به اللجنة من البحث المستمر فى أمهات الكتب القديمة التى كتبها أسلافنا العرب فى علوم الأحياء ومختلف المعاجم والمراجع، مما يساعدها فى عملها وييسر لها إنجازاتها. وأمام اللجنة حاليًّا(1) مشروع لوضع معجم وسيط فى علم الأحياء على غرار معاجم " بنجوين"، وقد اتخذ المجمع الخطوات اللازمة للسير فيه بعد أن ناقش الدوافع لهذه الفكرة التى كان قد أبداها المغفور له الدكتور محمود توفيق حفناوى عضو المجمع، وهى أن طلابنا فى المعاهد والجامعات فى حاجة ماسة إلى معجم وجيز فى علوم الأحياء والزراعة يتداولونه ويستعملون منه مصطلحات صحيحة أقرَّها المجمع، والأمل معقود أن يتم تنفيذ هذا المشروع فى زمن ليس ببعيد.
ومن أهم إسهامات اللغة العربية فى خدمة علوم الأحياء من خلال المجمع ودراساته هو وضع قاعدة موحدة للتصنيف البيولوچى، ووضع أسماء مقابلة لحلقات التصنيف المختلفة فى عالمى النبات والحيوان ، وقد كان لإقرار هذه الأسماء من قِبَل مجمعنا أكبر الأثر فى القضاء على حيرة كانت شائعة لدى المؤلفين والدارسين، وأصبح اليوم كلُّ اسم عربى يدل اصطلاحيا على حلقة واحدة معلومة من حلقات التصنيف على غرار الأسماء الأجنبية المقابلة لها.
__________
(1) فى ذلك الوقت 1979م.(2/309)
وقد أقر المجمع كذلك القواعد الآتية فى ترجمته أسماء المواليد والأعيان من نبات وحيوان وتعريبها، وهو من بحث للأمير مصطفى الشهابى عضو المجمع؛ وهو ما تأخذ به لجنة علوم الأحياء والزراعة فى عملها ما أمكن.
الأولى: ترجمة الألفاظ العلمية بمعانيها هو المجال الأوسع فى حلقات التصنيف العليا، وهى الشُّعَب والطوائف والرتب، فنقول: المفصليات أو مفصلية الأرجل لشعبة Arthropoda .
الثانية: أسماء القبائل والفصائل النباتية أو الحيوانية تكون عربية أو معرَّبة على حسب اسم النبات أو الحيوان الذى تنسب إليه، فنقول: الخبازية لفصيلة Malvaceae.
الثالثة: أجناس المواليد التى ليس لها أسماء عربية تُعرَّب أسماؤها العلمية إذا كانت منسوبة إلى الأعلام مثل زهرة دهلية Dahlia من الفصيلة المركبة، وهى باسم عالم نباتى سويدى، وتترجم بمعانيها إذا أمكن ترجمتها فى كلمة عربية سائغة مثل جنس Formica وترجمته: نمل، وإذا لم يكن ذلك ممكنا رجَّح تعريبها.
الرابعة: لا مجال للتعريب فى الألفاظ العلمية الدالة على أنواع النبات، لأن جميع الألفاظ أو معظمها نعوت أو صفات تترجم ترجمة فى جميع اللغات الحية فنقول مثلا خبازة مجعدة لكلمتى Malva crispa.
الخامسة: يوجد مجال فى الترجمة أو التعريب جميعًا فى الألفاظ الدالة على السلالات والأصناف أو الضروب ، وقد أشار المجمع إلى ضرورة الازدواج أى ذكر الأسماء العلمية اللاتينية فى الدراسات العليا وفى حالة احتمال أى لبس.
وحيث توجد ترجمات معقولة مستساغة لأسماء المجموعات التصنيفية الحيوانية النباتية فلا مجال للتعريب، ومن أمثلة ذلك الفقاريات والأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور فى طوائف الحيوان، كذلك لا مجال للتعريب فى غشائية الأجنحة وحرشفيات الأجنحة وذوات الجناحين من رتب الحشرات وكذلك الزهرية وذوات الفلقتين وذوات الفلقة الواحدة وما إليها فى النبات.(2/310)
وعلى أى حال، فإن لجنة علوم والأحياء والزراعة فى أعمالها التصنيفية وغير التصنيفية أخذت على نفسها أن تقصِر التعريب على مقتضيات الضرورة، وأجازتْه عندما يتناول المصطلح اسما شاع استعماله بين اللغات العالمية، وهناك بعض التوصيات حول أسلوب اختيار المصطلحات العلمية ستعرض على المؤتمر الموقر تستهدى بها اللجنة فى عملها، ومع ذلك فإن اللجنة حين تتصدى لترجمة مصطلح فى علوم الأحياء والزراعة أو تعريبه تدرس المصطلح معنًى ومبنًى وأصلَه اللاتينىَّ أو اليونانىَّ، وتبحث عن أفضل المقابلات له، وقد ترجع فى ذلك إلى المعاجم اللغوية القديمة والحديثة، وقد تجد مقابلا أو مأثورًا دقيقًا غير مطروق فى الكتب القديمة، فتأخذ به ليشيع استعماله، ويمر المصطلح بمراحل عدة من الدراسة والمناقشة والتمحيص كفيلة بصقله وصوغه الصياغة المثلى، وقد أقر المجمع من هذه المصطلحات نحو(10000) عشرة آلاف مصطلح باللغة العربية الفصحى أدت إلى علوم الأحياء خدماتٍ جليلةً حقًّا.
ويجدر بى فى هذا المقام أن أشير إلى الجهود الرائدة البَنَّاءة التى قامت بها المجامع العربية فى دمشق وبغداد فى سنوات حياتها الطويلة، لا سيما فى مجال المصطلحات، وكذلك إلى جهود مكتب تنسيق التعريب بالرباط والهيئات العلمية واللغوية الأخرى المعنية بموضوع المصطلحات العلمية، وأملنا كبير إن شاء الله فى المجمع الأردنىّ الوليد.
ولعل أهمَّ ما يشغل البال بالنسبة لموضوع المصطلحات العلمية هو توحيدها فى الوطن العربى، وهو أمل طالما تطلع إليه المشتغلون بعلوم الأحياء والعلوم الأخرى، للقضاء على بلبلة قائمة فى استعمال المصطلح الواحد بمقابلات مختلفة فى البلاد العربية ، ونحن على يقين أن اتحاد المجامع اللغوية - وهو يحمل على كتفيه هذه المهمة الجليلة -سَيُولِيها عنايته البالغة.(2/311)
ولست فى حاجة إلى القول : إنه إذا كانت حركة التعريب العلمى والنقل إلى اللغة العربية فى علوم الأحياء والزراعة قد خطت خطوات فسيحة إلى الأمام فى ربع القرن الأخير، مع ظهور المئات من الكتب والمؤلفات العربية فى هذا المجال فى الوطن العربى، فإن اللغة العربية كانت - ولا شك - المعين الذى لا ينضب والبحر الذى اغترف منه المؤلفون والدارسون آلاف المصطلحات والمقابلات التى زخرت بها كتبهم وأسفارهم ، مما ينهض دليلا ساطعًا على قوة هذه اللغة وثرائها وشمولها واتساع آفاقها وقدراتها الفائقة على استيعاب التطور المتلاحق فى شتى قطاعات العلم والمعرفة، ودحضًا للفرية التى انتشرت بين بعض المتعلمين من أن اللغة العربية تقصر أحيانًا عن الوفاء بمطالب العلم الحديث والإيقاع السريع الذى نشهده فى هذا العصر لحركة العلم والتقدم العلمى.
تحية إلى مجامعنا اللغوية فى الوطن العربى فى بغداد ودمشق وعمان والقاهرة، هيئات مباركة قوامة على اللغة، وتحية إلى علمائها الأعلام الذين يعملون جادين مخلصين ليعيدوا إلى اللغة العربية سالف مجدها وهُم بالِغُوه بإذن الله.
- - - - -
المجمع المصرى للثقافة العلمية
تاريخه ومنجزاته ودوره
فى نشر الثقافة العلمية فى مصر (1)
تمهيد:
... نشطت الحركة العلمية فى مصر بعد إنشاء الجامعة المصرية عام 1925م وكانت هناك رغبة جامحة فى اللحاق بركب الدول المتقدمة، بعد أن عانت مصر من احتلال مقيت جثم على صدرها فى أواخر القرن التاسع عشر، واستمر سنين عدة أخمد خلالها جذوة العلم والحركة العلمية.
...(2/312)
وعند التفكير فى إنشاء مجمع للثقافة العلمية فى مصر، بجانب الجامعة المصرية لم يكن فى مصر سوى عدد قليل جدا من الجمعيات العلمية ذات النشاط العلمى المرموق فى البلاد، ويجدر بى أن أذكر منها المجمع العلمى المصرى الذى أنشئ عام 1798م، على غرار المجمع العلمى الفرنسى، إبان الحملة الفرنسية والذى واكب إنشاؤه بدء الحركة العلمية فى مصر فى العصر الحديث، وكان الغرض من إنشائه تحقيق غرضين:
... الأول: نشر نور العلم فى كل رجا من أرجاء مصر،
__________
(1) نشر بمجلة مجمع اللغة العربية بالعدد (75) بتاريخ جمادى الآخرة سنة 1415هـ / نوفمبر سنة 1994م.
والثانى: بحث أحداث مصر التاريخية ومرافقها وطبيعتها وكل ما يتصل بها، وقد قام علماء المجمع الذين وفدوا مع الحملة الفرنسية بإنجازاتهم الرائعة فى كتاب " وصف مصر"، ذلك السفر الأعظم الذى حوى بين دفتيه وصفا علميا دقيقا لكل ما حوته أرض مصر وماؤها وما أظلته سماؤها من كائنات، مما ظل وسيظل معينا ينهل منه كل من أراد أن يرجع إلى هذا المورد العظيم، وفى عام 1801م توقف نشاط المجمع العلمى، ثم بعثت فيه الحياة من جديد عام 1859م بمدينة الإسكندرية، ثم انتقل إلى القاهرة عام 1880م وظل حتى الآن يقوم برسالته العلمية ونشر المعارف الإنسانية؛ وفى عام 1875م أنشئت الجمعية الجغرافية لتقوم هى كذلك بدورها فى الحركة العلمية فى مصر والعمل فى ميدان الخدمات العلمية والثقافية بتنظيم المحاضرات ونشر المؤلفات وتشجيع البحث الجغرافى وإصدار المجلة الجغرافية العربية؛ ولا تزال تقوم بنشاطها المرموق فى هذا المجال محليا وإقليميا ودوليا منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.
...(2/313)
وقد واكب إنشاء الجمعية الجغرافية تقريبا فى مصر ظهور مجلة "المقتطف" فى بيروت عام 1876م أداة من أدوات نشر الثقافة العلمية فى الوطن العربى، وفى عام 1885م انتقلت هذه المجلة إلى القاهرة، وقد قامت بدور رئيس فى نشر الموضوعات العلمية والثقافية طوال خمسة وسبعين عاما باللغة العربية.
... ومع ذلك كانت الحركة العلمية إبان القرن التاسع عشر حركة محدودة بإنشاء هاتين الجمعيتين العلميتين وظهور مجلة المقتطف، على الرغم مما زاد عليها من نشاط فى حركة الترجمة التى قادها شيخ المترجمين رفاعة رافع الطهطاوى (1801 – 1875م) فى مواجهة أمر العلوم الجديدة ومحاولة إحلال العلوم محلها اللائق فى حياة المجتمع المصرى، لا سيما بعد إنشاء المطبعة والبدء فى تيسير حركة النشر وطبع الكتب والدوريات والمؤلفات فى مختلف العلوم والفنون وإرسال البعثات العلمية فى عصر محمد على (1805 – 1849م) والاهتمام كذلك بالعلوم والمعارف فى عصر إسماعيل (1862 – 1879م).
... وفى مطلع القرن العشرين نشطت الحركة العلمية فى مصر وأخذت أبعادا جديدة ؛ فأنشئت الجمعية المصرية لعلم الحشرات عام 1907م والجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع عام 1909م وتلا إنشاء هاتين الجمعيتين العلميتين إنشاء ثلاث جمعيات أخرى، هى: الجمعية الطبية المصرية عام 1916م، وجمعية خريجى المعاهد الزراعية عام 1918م، وجمعية المهندسين المصرية عام 1919م؛ وفى أواخر العشرينيات أنشئت الجمعية المصرية لعلم الحيوان عام 1927م، والجمعية الكيميائية المصرية عام 1928م، وكل هذه الجمعيات ـ ومنها خمس جمعيات علمية وثلاث جمعيات مهنية ـ تقوم بدور بارز فى تقدم علومها التخصصية ؛ كما أنها تعمل أيضا فى إطار أهدافها على نشر الثقافة العلمية فى مجال تخصصها، وهى تقوم برسالتها العلمية منذ إنشائها حتى اليوم.
المجمع المصرى للثقافة العلمية:
...(2/314)
عندما بدأ التفكير فى إنشاء المجمع المصرى للثقافة العلمية فى شهر يونيه من عام 1929م كانت بمصر تسع من الجمعيات العلمية جاء بيانها فى التمهيد السالف الذكر ولم تكن من بين هذه الجمعيات جمعية جعلت نشاطها كله أو جله يدور حول الثقافة العلمية بل كانت كل هذه الجمعيات جمعيات علمية متخصصة ولو أن جزءًا من نشاطها بالطبيعة كان ثقافيا علميا إلا أن ذلك لم يكن ليشفى علة أو ينقع غلة لدى المتعطشين لكؤوس مترعة من الثقافة العلمية يروون بها ظمأهم الذى طال بهم ردحا طويلا من الزمن.
... لذلك اجتمع نخبة من علماء مصر فى ذلك التاريخ وقد حباهم الله نفحة من علمه وقبسا من نوره وآمنوا بالعلم سلاحا ماضيا تشق به الأمم الناهضة طريقها نحو مدارج الرقى ووجدوا أنهم على أبواب نهضة علمية حديثة لاحت تباشيرها بإنشاء الجامعة المصرية وإنشاء عدة جمعيات علمية وأنه لا بد لهذه النهضة أن تفسح مكانا لنشر الثقافة العلمية وأنه ينبغى ألا تقصر مهمة العالم فى المجتمع الحديث على أن يقبع فى محراب العلم باحثا أو معلما بل عليه أن يؤدى رسالة العلم فى أوسع نطاق من جمهرة المتعلمين كما يشارك فى إبداء الرأى فى مشروعات وطنه ويتصدى لها بالعلم والخبرة لتقوم على الأسس العلمية السليمة وأن يصنع ذلك كله باللغة العربية.
...(2/315)
اجتمعت هذه النخبة بدار المقتطف وهى المجلة التى أسهمت بقسط كبير فى نشر العلم والثقافة العلمية فى ذلك الحين وعقدوا بها اجتماعاتهم التمهيدية التى تدارسوا فيها موضوع إنشاء المجمع وفى العاشر من شهر يناير عام 1930م قرَّ قرارهم على إنشاء المجمع المصرى للثقافة العلمية واكتمل اجتماعهم الرسمى الأول فى ذلك التاريخ واختاروا المغفور له الدكتور على إبراهيم (جراح مصر) أول رئيس للمجمع وبقية الأعضاء فى ذلك الوقت وهم السادة الأساتذة حسين سرى، د. محمد شاهين، أحمد حسنين، د. على توفيق شوشة، د. حسن صادق، د.خليل عبد الخالق، د.على مصطفى مشرفة، د. أحمد زكى، د. محمد شرف، د. أحمد زكى أبو شادى، د. عبد العزيز أحمد، د. على حسن (الفسيولوچى)، د. على حسن (الكيميائى)، محمود توفيق حفناوى، حسن زكى، أندراوس شخاشيرى، د. جورجى صبحى، د. محمد رضا مدور، إسماعيل مظهر، د. كامل منصور، سلامة موسى، فارس نمّر، فؤاد صروف.
...(2/316)
واتفق الجميع على وضع خطة عمل للمجمع وأخذوا أنفسهم قبل أن يأخذوا غيرهم بالشدة والحزم وجعلوا للعلم هيبته واحترامه وأحاطوا مجمعهم بالوقار مع البساطة ثم حزموا أمرهم فعقدوا مؤتمرهم الأول فى شهر مارس عام 1930م وتليت فى هذا المؤتمر محاضرات قيمة نشرت كلها بالكتاب الأول للمجمع، وكان استقبال جمهرة العلميين والمثقفين للفكرة رائعا وإقبالهم عظيما على الاستماع، مما ينهض دليلا على تعطش الكثيرين للمعرفة والاستزادة منها، وكان ذلك أيضًا من سمات العصر وكان نجاح هذا المؤتمر والإقبال عليه أمرا أثلج صدر القائمين على شئون هذا المجمع وشجعهم على المضى فى تأدية الرسالة التى وهبوا أنفسهم لها فأقاموا المؤتمر تلو المؤتمر متناولة هذه المؤتمرات شتى الموضوعات والمشروعات حتى كان عام 1935م فقرر أن يزيد المجمع عدد أعضائه إلى أربعين عضوا ثم بقى الحال على هذا تسعة أعوام أخرى، ثم رأى المجمع أن يفتح الباب لعضويته على مصراعيه فلم يلبث أن قفز عدد أعضائه إلى قرابة ثلاثمائة عضو تسابق إليها الشباب والشيوخ على السواء دليلا على الحماس للعلم وللهيئات التى تنشر نوره وتعلى مناره.
أغراض المجمع وأهدافه:
... نص دستور المجمع عند تأسيسه على أن تشمل أغراضه تحقيق:
1- نشر الثقافة العلمية. 2- بث الروح العلمية فى البيئة المصرية.
3- العناية باللغة العربية لغة العلم. 4- إبداء الرأى فى المشروعات القومية.
...(2/317)
والمتتبع لنشاط المجمع طوال قرابة خمسين عامًا منذ إنشائه حتى اليوم ليرى رأى العين وبالبصيرة النافذة أيضا أن المجمع كان حفيظا على الخطة التى رسمها لنفسه أمينا على الرسالة التى اؤتمن عليها فقد ظل يواصل مهمته السامية فى نشر الثقافة العلمية من خلال محاضراته ومؤتمراته السنوية التى لم تتوقف طيلة أكثر من نصف قرن وحفلت هذه المحاضرات بشتى أنواع العلم وألوان المعرفة وستبقى هذه المحاضرات شاهدا على جهودٍ مشكورةٍ لفئة من علماء هذا الوطن لتثقيف مواطنيهم وإلقاء الضوء لحل الكثير من المشاكل القومية.
... ولو استعرضنا كتب المجمع السنوية التى بلغت خمسة وستين مجلدا لوجدنا فيها رصيدًا متعاظمًا من قرائح علمائنا ومفكرينا ومنهلا فكريا وعلميا وثقافيا لا ينضب ـ صيغ كل ذلك فى نحو خمسمائة وخمسين محاضرة علمية فى مجالات الزراعة والصناعة والاقتصاد والطب والاجتماع والعلوم الإنسانية والبيولوچية والفيزيقية وغيرها، وفى السنوات الأخيرة اتسع نطاق مفهوم الثقافة العلمية فى المجمع بحيث أصبح يشمل موضوعات فى علم النفس وفى الشخصية المصرية وفى الموسيقى والفن التشكيلى ما دامت ملتزمة بالمنهج العلمى.
... وقد عمل المجمع أيضًا على بث الروح العلمية فى البيئة المصرية بجهوده المتواضعة؛ فكما قال أحد رؤساء المجمع السابقين وهو الدكتور أحمد رياض: "بقى المجمع وفيًّا لتلك الروح العلمية السامية التى أمْلت على الأعضاء فكرته فحمل لواء العلم مع الحاملين وجعل رسالته أمانة فى عنقه آلى على نفسه أن يؤديها إلى يوم الدين، ولم يبخل أعضاؤه بتقديم عصارة أذهانهم ونتيجة أبحاثهم مبسطة فى كثير من الأحيان إلى الجمهور المتعلم لتثقيفه ولتعويده الأسلوب العلمى أساسا للتفكير فالبحث ثم التطبيق وبذلك نسجوا الصلة بين العلم والمجتمع المصرى ثم وثقوها".
...(2/318)
ولعل أهم ما عنى به المجمع أن تكون اللغة العربية لغة للعلم فقد كان لها دائما أبرز مكان بين أغراض المجمع؛ إذ نص على نشر الثقافة العلمية باللغة العربية وكذلك خدمة اللغة العربية بكتابة المباحث العلمية بها ونشرها، كما نص على إنشاء رابطة للمشتغلين بالعلم من الناطقين بالعربية والمستعربين ونص أيضًا على أن لغة المجمع هى اللغة العربية، وإذا تليت محاضرة بغيرها فتتلى ترجمتها. وتمسَّك المجمع ومحاضروه بهذا النص تمسكا شديدًا إحياءً للغة العربية وإرجاعها إلى مجدها لغة للعلم ودحضًا للفرية التى انتشرت بين بعض المتعلمين أن اللغة العربية تقصر أحيانا عن الوفاء بمطالب العلم الحديث وإيقاع العصر لحركة العلم والتقدم العلمى، لذلك عمد المحاضرون إلى إحياء المهجور من كلام العرب حينا وإلى التعريب حينا آخر وإلى النحت كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا وخلقوا التراكيب وجددوا الأساليب ما شاءت لهم علومهم وفنونهم. وبمرور السنين كانت قد اتسعت حركة النشر والترجمة والتعريب فى مصر وأدلى مجمع اللغة العربية بدلوه فى هذا المجال فانعكس كل ذلك على محاضرى المجمع وأثرى لغتهم ومصطلحاتهم العلمية فى محاضراتهم ومباحثهم فازدادت هذه غنى وثراء، وهكذا مضى المجمع يدعم رسالة اللغة العربية لغة للعلم طيلة هذه السنوات الخمس والستين من عمره(1) وهذا عمل جد جليل.
تبسيط العلوم:
__________
(1) حيث إن إنشاء المجمع المصرى كان فى عام 1929م، والبحث كان فى سنة 1994م.
...(2/319)
عمل المجمع جاهدا على تبسيط العلوم فهو يحاول أن ينقل العلم الجاف أو العلم المعقد إلى علم يمكن أن يستسيغه ويتقبله الشخص المتعلم العادى أو غير المتخصص وأن يهضمه ويتمثله بسهولة، وهذا ما درج عليه المجمع منذ إنشائه. ومن المعروف أن العلم قد تشعبت فروعه وتنوعت مفاهيمه فوجد المجمع أنه من الخير أن ينهج هذا النهج لا سيما وأن الذين يلوذون به ويتفيأون ظلاله هم جمهرة المتعلمين متنوعى الثقافة والتعليم، فكلما كان العلم مبسطا كان الاستيعاب كبيرا وهذا هدف يصبو المجمع إلى تحقيقه بأن تصل الثقافة إلى المتعطشين لها والراغبين فيها كما حرص المجمع أن يعرض لكثير من الموضوعات التى تهم مصر فى كثير من النواحى ولكن بأسلوب علمى مبسط يجذب المناقشة والحوار ويقترح الحلول. وفى الواقع كانت هذه من أهم السمات التى تميز بها المجمع. والذى يمعن النظر فى مقالات المجمع التى تزخر بها كتبه يبهره المحتوى العلمى لهذه المقالات المكتوبة بلغة علمية سلسة بسيطة مفهومة غير مستعصية على ما فيها من دسامة وغنى وما تتناول من مشاكل وموضوعات على أعظم جانب من الأهمية والخطورة.
... وقد سبق للمجمع أن شجع أعضاءه على التأليف وخاصة على إخراج تلك الكتب التى تبسط العلم وتقربه إلى الأذهان، وقرر فى جلسة 17 من يناير 1935م مساعدة الأعضاء على طبع ما يقومون بتحضيره من الكتب العلمية، وقد حالت الحوائل أمام تنفيذ هذا القرار.
دعوة المجمع لإنشاء صحافة علمية:
... كان المجمع المصرى للثقافة العلمية أول هيئة دعت منذ ثلاثين عاما إلى إنشاء صحافة علمية تفسح مجالا لمسائل العلوم؛ فقد نادى الأستاذ الدكتور كامل منصور فى محاضرته الرئاسية للدورة التاسعة عشرة للمجمع عام 1949م: "نود أن نرى فى كل جريدة يومية صفحة علمية فى يوم مخصص من أيام الأسبوع مثلا وتكون هذه الصفحة تحت إشراف محرر علمى مسئول".
...(2/320)
وقد ردد الأستاذ فؤاد صروف وكيل المجمع فى خطاب له أيضًا أمنية دعا المجمع إلى تحقيقها وهى أن يجىء اليوم الذى يصبح فى كل صحيفة من صحفنا الكبيرة محرر علمى يشرف على ما ينشر فيها فى باب العلم.
... ولا شك أن المجمع حين يرى اليوم أن هذه الأمنية قد تحققت وأصبحت صحفنا الكبرى تحفل بأقسام علمية لها وزنها وبمحررين ورؤساء علميين يعتد بهم فى الحقل العلمى والإعلام العلمى وتفرد الصحف مساحات لا بأس بها للأخبار والمقالات العلمية وإن كانت حركة العلم والتقدم العلمى تستأهل اهتماما مضاعفا من صحافتنا اليومية والأسبوعية ـ حين يرى المجمع ذلك فإنه ليسعد اليوم حقا.
إبداء الرأى فى المشروعات القومية:
... من أهداف المجمع أيضا أن يتصدى بالرأى والمشورة والتخطيط العلمى لكثير من مشروعاتنا القومية وخلال هذه السنين الطويلة من عمره بذل علماؤه جهودا مخلصة فى بحث العديد من هذه المشروعات وإلقاء الضوء عليها واقتراح الحلول لمشاكلنا الاقتصادية، ومن أمثلة ما عالجه المجمع من موضوعات: السد العالى ومنخفض القطارة، الثروة المعدنية فى مصر، البترول، الرى، القناطر والسدود، تخطيط الاقتصاد القومى، التصنيع، الثروة الحيوانية، القطن، تنظيم البحث العلمى، التعليم الجامعى، عناصر الحركة العلمية فى مصر، استصلاح الأراضى، زراعة الصحراء، تعمير سيناء، بترول الشرق الأوسط ومقامه العالى، توليد القوة المحركة فى مصر ومشروع خزان أسوان، السماد الواجب صنعه من كهربة الخزان، إكثار النباتات الصحراوية ذات القيمة الغذائية،(2/321)
ضبط مياه النيل، سكان مصر، مشكلة الذباب فى مصر، بعض مظاهر الاقتصاد الموجه فى مصر، الوسائل العلمية الحديثة للكشف عن المعادن، بيولوچيا العواطف، اتجاهات جديدة فى الإصلاح الاجتماعى فى مصر، الثقافة العلمية وأثرها فى الصحة العامة، العربية لغة العلم، نهر النيل وتطوره الچيولوچى، النيل عند الفراعنة، التغذية والصحة العامة، وكثير من هذه المشروعات أولته الدولة اهتمامها ووجد طريقه نحو التنفيذ والمتابعة.
... وهكذا نرى أن المجمع طوال خمسة وستين عاما ظل ولا يزال يعمل فى إصرار وإيمان لإرساء قواعد الثقافة العلمية فى البلاد ونشرها وازدهارها بين جمهرة المتعلمين والمثقفين وبث الروح العلمية فى البيئة المصرية والعناية باللغة العربية لغةً للعلم، وأخذت جماعات العلماء التى وليت أمر هذا المجمع تعقد المؤتمر تلو المؤتمر زاخرا بشتى الموضوعات العلمية والثقافية. وبالجملة فقد كرست هذه الجماعات جهودها لتحقيق الهدف الأسمى الذى رسمته لنفسها وما كانت لتميل عنه
إصبعا إلا لتميل إليه ميلا.
... وهكذا مضى المجمع فى تأدية رسالته متألفا بين الجمعيات والهيئات العلمية وقَلَّ أن يكون له ضريب بين أقرانه من الجمعيات يحمل
لواء الثقافة العلمية ويرسى قواعدها فى البلاد حتى أصبح بهذه الميزة التى تفرد بها نسيج وحدة بين الجمعيات والهيئات العلمية فى مصر. ...
قضية التعريب فى مصر(1)
من بين الأهداف التى وضعها مجمع اللغة العربية بالقاهرة نصب عينيه منذ إنشائه العمل على تعريب العلم وذلك بوضع المصطلحات العلمية والمعاجم والاهتمام بالترجمة، وذلك من منطلق واع مستنير يعد تعريب العلم والتعليم فى مصر قضية وطنية لها أبعادها العلمية والاجتماعية والثقافية، وهى وثيقة الصلة بلغتنا القومية وكياننا العربى وكذلك بمستقبل الأجيال الصاعدة بمختلف مراحل التعليم فى مصر.
__________(2/322)
(1) ألقى موجز عن هذه المحاضرة فى ندوة بمدينة الرباط بالمغرب نظمها اتحاد المجامع العلمية اللغوية العربية سنة 1985م تحت عنوان: " تعريب التعليم العالى والجامعى "، ونشر هذا الموجز بمجلة المجمع فى العدد (56) سنة 19س85م وفى كتيب بالمجمع تحت عنوان: "آراء فى قضية التعريب ".
ـ وألقيت كاملة فى الجلسة السادسة من مؤتمر المجمع الدورة الثالثة والستين يوم الأربعاء 10 من ذى القعدة سنة 1417هـ، الموافق 19 من مارس سنة 1997م. ونشرت بمجلة المجمع فى العدد (84) سنة 1999م، كما طبعت فى كتيب تحت عنوان: " قضية التعريب فى مصر".
وفى سبيل ذلك كان موضوع تعريب العلوم والتعليم بؤرة الاهتمام فى المؤتمرات التى يعقدها المجمع منذ سنوات ـ وها هو يعيد الكرة هذا العام ويجعل التعريب الموضوع الرئيس لهذا المؤتمر والذى يتصدى له علماء المجمع والعلماء الأشقاء من المجامع اللغوية العربية بالدراسة والبحث والاستقصاء إيمانا بضرورته أو حتميته التى تزداد يوما بعد يوم بعد ازدياد الجفوة بين اللغة العربية ودارسيها والناطقين بها، وما يبدو فى الأفق من أزمة حادة تتمثل فى ابتعاد أو عزلة اللغة العربية بمفرداتها وكلماتها وأصالتها عما يجرى اليوم على الألسنة فى كل مكان ـ وكذلك ما يبدو من ترد وهبوط فى مستوى الخريجين والتعليم فى مراحله المختلفة ـ وأيضا ما نشهده اليوم من انتشار مدارس اللغات الأجنبية فى مصر والتى لا تولى اللغة العربية فى مناهجها إلا أقل القليل، وهو أمر جد خطير على مستقبل أبنائنا فكريا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا.(2/323)
والدعوة إلى التعريب واتخاذ اللغة العربية لغةً للعلم تنطلق من وعى أصيل يستشرف الآفاق الرحبة لهذه اللغة، ويرى فى قوتها وحيويتها وثرائها وشمولها قدرة فائقة على استيعاب التطور المتلاحق فى شتى قطاعات العلم والمعرفة وعلى مواكبة الإيقاع السريع فى حركة العلم والتقدم العلمى والتكنولوچى، وكذلك على مكنتها الهائلة على التعامل مع ذلك الفيض الغزير من المصطلحات العلمية الجديدة التى تزخر بها العلوم الحديثة والمستحدثة التى انبثقت من ثورة الاتصالات والإلكترونيات وثورة المعلومات والحاسبات والهندسة الوراثية والتكنولوچيا الحيوية وعلوم القضاء والبيئة وغيرها.
ومبعث الاهتمام أيضًا بالتعريب ونقل العلوم إلى اللغة العربية يستمد جذوره من تلك النهضة العلمية الإسلامية التى تألقت فى سماء الأمة العربية وبلغت أوجها فى عصر الخليفة المأمون (786 – 832م) حين أخذ المسلمون ينهلون من موارد العلم ويترجمون الكتب الإغريقية والسريانية والفارسية، وينقلون إلى اللغة العربية مختلف الذخائر العلمية وبذلك انتقل إلى لغة العرب تراث الأمم ذات الحضارات القديمة، وتلت ذلك نهضة علمية خصبة واسعة تميز الإنتاج العربى فيها بالجد والأصالة وبإضافات جادة أضافها عدد من العلماء الأعلام العرب إلى هذه التراجم من مبتكراتهم. وكان هذا نتيجة تفاعل التراث الأجنبى الدخيل مع التراث العربى الأصيل ـ كان هذا العصر عصرا ذهبيًا بالنسبة للغة العربية لغة للعلم زخرت بآلاف المصطلحات والمقابلات والمأثورات ـ وما زلنا نحن المشتغلين بالعلوم ننهل حتى اليوم من نبعهم الفياض كؤوسا مترعة بالعلم والمعرفة بلغة عربية جزلة معطاءة اتسعت آفاقها الرحبة لمختلف العلوم والفنون...(2/324)
وأحيانا ما يقف المرء معجبا بذلك الإنتاج الغزير لهؤلاء العلماء الأعلام أمثال ابن سينا (980- 1037م) وله مئتان وستة وسبعون كتابا، والرازى ( 854 – 932م) وله (224) مئتان وأربعة وعشرون كتابا، والكندى (185 – 252هـ ) وله (230) مئتان وثلاثون كتابا، وابن الهيثم (965 – 1038م) وله (200) مئتا كتاب.
الدعوة إلى التعريب فى مصر:
... وفى مصر ترجع الدعوة إلى تعريب العلوم والعمل فى سبيله إلى سنوات بعيدة خلت حين جدت مصر فى نقل العلوم الحديثة إلى العربية فى عصر محمد على وما بعده بغية استعمالها فى التدريس فى المدارس العليا. ومن هذه الجهود ما قامت به مدرسة الطب والصيدلة عام 1833م من ترجمة (86) ستة وثمانين كتابًا أجنبيًا فى عدة تخصصات لتعليم الطب والصيدلة. ولم تلبث هذه الكتب بعد نجاحها أن أخذت طريقها إلى تركيا والجزائر وتونس ومراكش.
... كما قام عدد من المبعوثين الأوائل بعد عودتهم من بعثاتهم فى فرنسا بالتدريس فى المعاهد العليا باللغة العربية وقدموا إلى مكتبتنا العلمية رصيدًا كبيرًا من كتبهم ومعرباتهم ومؤلفاتهم نذكر منهم على سبيل المثال :
...(2/325)
أحمد حسن الرشيدى أحد أعلام مدرسة الطب المصرية، ومن أعماله ومؤلفاته: رسالة عن تطعيم الجدرى، ضياء النيريين فى مداواة العينين، طالع السعادة والإقبال فى علم الولادة، الدراسة الأولية فى الجغرافيا الطبيعية، وأيضا محمد على البقلى الذى ألَّف كتبًا عربيةً فى الجراحة، محمد الشافعى فى الأمراض الباطنة، محمد ندى، ومن كتبه وترجماته: حُسْن البراعة فى فن الزراعة، الحجج البينات فى علم الحيوانات، نخبة الأذكياء فى علم الكيمياء، الأزهار البديعة فى علم الطبيعة. وعلى رياض فى الصيدلة والسموم، ومحمد الدرى فى الأمراض الوبائية، ومحمد بيومى فى الحساب والجبر والهندسة الوصفية، ومحمود الفلكى الذى عاد من بعثته فى فرنسا عام 1859م وتقلَّد بعد ذلك منصب الأستاذية فى العلوم الرياضية بمدرسة المهندسخانة ـ هذا بالإضافة إلى ذلك الرصيد الضخم من الكتب والتراجم والمؤلفات باللغة العربية التى قام بها أو أشرف عليها شيخ المترجمين فى عصره رفاعة رافع الطهطاوى (1801 – 1873م ) ومعاونوه فى العلوم الهندسية والرياضية والچيولوچية والفلكية والطبية والجغرافية وغيرها.
... ومما هو جدير بالذكر أن عددًا من اللغويين والمتخصصين كانوا يعاونون هؤلاء العلماء فى تعريبهم وترجماتهم ومؤلفاتهم وينقحون أعمالهم ويثرونها بمقابلات من التراث العلمى العربى للمصطلحات العلمية الأجنبية كما حدث فى أول معجم طبى اضطلع به عمر التونسى مع أعلام من مدرسة الطب هو معجم " الشذور الذهبية فى الألفاظ الطبية".
...(2/326)
وبذلك تجمعت فى مصر إبان النصف الأول من القرن التاسع عشر وما بعده بسنوات حصيلة ضخمة من علوم الغرب نقلها إلى اللغة العربية هؤلاء العلماء وأضافوا إليها من مبتكراتهم ومؤلفاتهم ومن التراث العلمى العربى، مما ساعد فى حركة التنوير وتدريس العلوم فى المدارس والمعاهد فى ذلك الوقت بلسان عربى مبين. ولا شك أن ازدهار حركة التعريب والترجمة كانت لها اليد الطولى فى هذه النهضة العلمية التى سادت فى ذلك العصر.
... ولكن مما يدعو إلى الأسى أن هذه المسيرة الوثابة فى تعريب علوم الغرب ونقلها إلى اللغة العربية قد توقفت بعد ذلك حين نكيت مصر بالاحتلال البريطانى عام 1882م وجثم على صدرها لسنوات عدة وعزلت اللغة العربية عزلا تاما عن تدريس العلوم الحديثة التى فرض المستعمر دراستها بلغته، وقد مهد لهذا الانقلاب ومسايرته ترسيخٌ لفكرة عجز اللغة العربية عن تدريس أى علم حديث وملاحقة التقدم العلمى، وقد روَّجَ لهذه الدعوة عدد من المثقفين قبيل الثورة العرابية، واحتدم الصراع بين حماة الشخصية الوطنية والدعاة إلى لغة أجنبية، وقد ثار ذلك الشعور الوطنى الذى ظل يعتمل فى صدور الوطنيين المخلصين الذين رفضوا التخلى عن لغة الأمة والتفريط فى لسانها، وعلى الرغم من ذلك عجز الضمير الوطنى عن التصدى لفرض اللغة العربية على المجال العلمى، ولكن لم يقف علماؤنا مكتوفى الأيدى أمام هذا الوضع المثير فقامت دعوة حمل لواءها عبد الله النديم فى مجلة الأستاذ عام 1892م للمضى فى تعريب المصطلحات العلمية لاستخدامها فى تعليم العلوم الحديثة، ووجدت هذه الدعوة استجابة عملية فى اجتماع رأَسَه محمد توفيق البكرى فى أوائل 1893م وحضره عدد من أئمة الكتاب والعلماء فى ذلك العصر ووضعوا لائحة لمجمع لغوى علمية وتدارسوا فى سبع جلسات، ومن بين ما تدارسوه عدد من المصطلحات العلمية. وفى العام نفسه (1893م) ظهرت مجلة "المهندس" وقدمت تجربة عملية لكتابة البحوث العلمية(2/327)
باللغة العربية الفصحى دحضًا للقائلين بعجزها فى مجال البحث والتدريس، ثم تتابعت الجهود بعد ذلك فى هذا السبيل إلى أن أسست الجامعة المصرية الأولى الأهلية عام 1908م.
إنشاء الجامعة المصرية:
... بدأ التفكير فى إنشاء الجامعة مع مطلع القرن العشرين ثم تبلورت الفكرة نتيجة الوعى الثقافى والسياسى فى عام 1908م حين تأسست الجامعة الأهلية واقتصرت الدراسة فيها على بعض فروع الأدب والفلسفة وكان قيامها ترسيخًا لفكرة الجامعة مشعلا للتنوير ومنارًا لنشر العلم والمعرفة فى البلاد، ثم تحولت إلى جامعة حكومية ـ الجامعة المصرية فى عام 1925م، وكانت بذلك فاتحة نهضة علمية وثقافية حديثة فى مصر. وكان التدريس أساسا باللغة العربية التى استعادت مكانتها مرة ثانية، وكما يقول أستاذنا الدكتور عبد العزيز صالح: قد استدعت الضرورة فى المراحل الأولى من إنشاء الجامعة استقدام عدد قليل من العلماء الأجانب والمستشرقين للتدريس بالجامعة فى بعض العلوم، وكانت تترجم محاضرات هؤلاء إلى اللغة العربية وتلخص للطلاب، وفى السنوات التالية أخذ عدد المصريين العائدين من بعثتهم بالخارج يزداد ازديادًا مطردًا، ولم يلبث هؤلاء أن تولوا مهام التدريس بالجامعة فى معظم الكليات والمعاهد العليا باللغة العربية باستثناء بعض الكليات.
...(2/328)
ومع تطور النهضة العلمية والتعليمية واتساعها فى مصر فى الخمسين سنة الأخيرة أصبح لدينا فى مصر فى الوقت الحاضر (25) خمس وعشرون جامعة بالإضافة إلى جامعة الأزهر، ولبعض هذه الجامعات فروع جامعية تضم عددًا من الكليات المتخصصة، وإلى أن تكتمل كلياتها ستصبح فى وقت قريب جامعات إقليمية جديدة قائمة بذاتها ـ وتضم هذه الجامعات مئتين وخمس عشرة (215) كليةً ومعهدًا جامعيًا يَدْرس بها قرابة المليون ونصف طالب، وذلك بالإضافة إلى (31) واحد وثلاثين من المعاهد العليا التابعة لوزارة التعليم ويدرس بها (400.000) أربعمائة ألف طالب، وبالجامعات المصرية أيضا أكثر من مئة ألف من طلاب الدراسات العليا.
... أما جامعة الأزهر فبها أكثر من عشرين كلية تضم ما يزيد على مئة ألف من الطلاب و(9000) تسعة آلاف من طلاب الدراسات العليا، وكل هذه الإحصاءات عن العام الجامعى 2004 ـ 2005م.
... وبالإضافة إلى هذه الجامعات الحكومية توجد الآن بمصر (10) عشر جامعات خاصة وأكثر من (200) مئتين من مراكز ومعاهد البحث العلمى.
وقد شهد ربع القرن الأخير فى مصر الجانب الأكبر من هذه الزيادة الهائلة فى أعداد الطلاب والكليات والمعاهد، وازدادت تبعا لذلك أعداد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ـ ومن بين هؤلاء الطلاب نحو (500.000) نصف المليون من الطلاب يدرسون مقرراتهم باللغة الإنجليزية، وهم طلاب كليات العلوم والهندسة والطب البشرى وطب الأسنان والصيدلة والطب البيطرى والمعهد العالى للتمريض ومعهد العلاج الطبيعى، ويقوم بالتدريس لهم نحو عشرين ألفا من الأساتذة، والأساتذة المساعدين، والمدرسين، والمدرسين المساعدين، والمعيدين، وذلك بخلاف أعداد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر.
...(2/329)
وهناك قلة قليلة من المقررات فى بعض هذه الكليات تدرس باللغة العربية ـ كما سيتضح فيما بعد ـ وجملة القول أن نحو 30? من مجموع طلاب المرحلة الجامعية الأولى فى مصر ونحو 50? من مجموع أعضاء هيئة التدريس فى هذه المرحلة يَدْرسون ويُدَرِّسُون باللغة الإنجليزية فى الوقت الحاضر، إذ تجذب الأستاذ المادة العلمية المتاحة فى مراجعها العلمية الأجنبية ، ويخشى استخدام اللغة العربية فيحتاج إلى جهود مضاعفة فى الترجمة والإعداد هو فى غنى عنها حين يستخدم اللغة الأجنبية، وياليت هذه اللغة لغة سليمة حقا. وقد زاد سوء الحال بتكدس الطلاب والآلاف مما جعل مهمة الأستاذ بالغة الصعوبة وعجز الطلاب عن استيعاب المادة العلمية وفهمها وهضمها تماما هذه اللغة الأجنبية، ويكفى أن نطلع على أوراق إجاباتهم لنرى المستوى العلمى واللغوى المتردى فى هذه الأيام، ومع ذلك نرى عزوفا عن التدريس بلغتنا القومية مع أن قانون الجامعات المصرية حرص على النص على أن تكون اللغة العربية لغة التعليم والتدريس، أما تأجيل إعمال هذا النص الذى منحه القانون فى بعض الأحوال فكان لأجل موقوت ولكنه للأسف استمر منذ إنشاء الجامعة حتى اليوم.
...(2/330)
وعلى الجانب الآخر نرى صورًا مشرقةً وضاءةً لأساتذة بجامعاتنا المصرية خاضوا التجربة ـ تجربة التدريس باللغة العربية فى عزم وإصرار، وأبلوا فيها أحسن البلاء دحضًا للفرية التى يروجها المعارضون لتعريب العلوم والطب بصفة خاصة وهى أن اللغة العربية قد تقصر عن الوفاء بمتطلبات التعبير والتدريس بها فى العلوم والطب وغيرها ، وعن ملاحقة التطور العلمى السريع فى هذا العصر ـ ومن بين هؤلاء العلماء عالم البيولوچيا والطب الدكتور محمد ولى، الذى ظل يُدَرِّس علم الحيوان والتشريح والأنسجة لطلاب إعداديات الطب، ولطلاب العلوم بجامعة القاهرة طوال خمسة وعشرين عاما بالعربية. ومازلنا نذكر له محاضرته "العربية لغة العلم " التى ألقاها عام 1934م بالمجمع المصرى للثقافة العلمية والتى فنَّد فيها حجج المعارضين للتدريس باللغة العربية فى الجامعات ـ وقد ناشد فى محاضرته مجمعَ اللغة العربية ـ وكان فى مراحل إنشائه الأولى ـ أن يتوجه بجهوده نحو جعل اللغة العربية لغة للعلم إلى أن قال من فرط إيمانه بالقضية: "ولا يكون هذا إلا إذا تشيد المجمع على أساس من هذا المبدأ ودق قلبه بما يبعثه فيه من الجد واليقين وسرت نفحات هذه النهضة العربية فى دمه فتخللت جميع أجزاء جسمه فأصبح علميا عربيا فى الشكل والجوهر وأملنا فى هذا المجمع كثير وثقتنا فيمن يقومون عليه عظيمة ". هذا ما قاله أستاذ جامعى كبير منذ أكثر من ستين عاما ـ ولو امتد به العمر حتى اليوم ليعرف كيف أن المجمع لازال يعمل جاهدا نحو تحقيق هذا الهدف ويعقد حوله المؤتمرات، منها مؤتمر هذا العام ـ كلها زاخرة بالدراسات والمحاضرات، آخرها المحاضرة القيمة لأستاذنا الجليل الدكتور شوقى ضيف عن "العربية لغة علم راسخة" والتى ألقاها فى المؤتمر الماضى.
...(2/331)
عالم آخر من علماء مصر البارزين آمن بالعربية لغة للعلم هو الأستاذ الدكتور أحمد زكى، عالم الكيمياء وعضو المجمع، واللغوى الأديب، ومن تابع محاضراته وكتاباته وبخاصة فى مجلة العربى لرأى كيف كانت اللغة العربية طوع قلمه يطرق بها مختلف الموضوعات العلمية ويصف بها المستحدث من علوم العصر فى مكنة واقتدار، وكانت كتاباته فى العلم بلغة الضاد قمة فى الأداء والاستقصاء. وكانت له جهود كبيرة فى الدعوة منذ الثلاثينيات إلى ترجمة أمهات الكتب العلمية الأجنبية إلى اللغة العربية.
... ومن بين هؤلاء العلماء أيضا الأساتذة مصطفى نظيف وإسماعيل مظهر والدكاترة إبراهيم مدكور، وعلى مشرفة، وكامل حسين، وكامل منصور، ومحمد مرسى أحمد، وعبد الحليم منتصر، وعلى محمد كامل الذى درس علوم الطاقة باللغة العربية بهندسة عين شمس، وعائشة عبد الرحمن التى كتبت عن اللغة العربية ودراسة العلوم بالجامعة، وعبد الحافظ حلمى محمد ومحمود حافظ وغيرهم، وهؤلاء ومن سبق ذكرهم قادوا المسيرة فى مصر فى الدعوة إلى تعريب العلوم وتعريب التعليم العالى والجامعى، وقد كتبوا مقالات كثيرة منها: العربية لغة علمية ، نقل العلوم إلى العربية، نشر الكتب العلمية باللغة العربية، لغة تدريس العلوم فى الجامعات، تعريب العلم. وكثيرا ما حاضر هؤلاء العلماء فى العلوم والطب باللغة العربية وحققوا كتبا رائدة من تراثنا العلمى العربى.
... ويجدر بى فى هذا المقام أن أنوه بجهود عالم جليل هو الأستاذ الدكتور محمد سليمان، أستاذ الطب الشرعى بجامعة القاهرة الذى درس هذا العلم باللغة العربية وقاد مع زملاء له من المؤمنين بتعريب الطب حركة جادة لتحقيق هذا الهدف. ومنذ سنوات فى مايو 1981م وافقت لجنة قطاع الدراسات الطبية التابعة للمجلس الأعلى للجامعات على السماح باستخدام اللغة العربية فى التدريس بكليات الطب.
...(2/332)
واهتماما بهذه القضية صدر قرار عن المؤتمر العشرين لاتحاد الأطباء العرب فى جلسته الختامية التى عقدت بالقاهرة فى الثانى والعشرين من يناير عام 1988م خاص " بتعريب مناهج كليات الطب، وأن يكون عام 1988م عام بدء تعريب الطب فى كلياته المختلفة فى الوطن العربى، على أن يتم ذلك تدريجيا فى السنوات العشر القادمة". كما أوصى المؤتمر أن تكون البحوث فى مؤتمرات اتحاد الأطباء العرب باللغة العربية ومناشدة منظمة الصحة العالية عقد اجتماع لعمداء كليات الطب فى العالم العربى لمناقشة موضوع البدء فى عملية تعريب الطب.
... وفيما أعلم عقدت عدة اجتماعات، وكان الجدل حول هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض؛ وكما يقول الأستاذ الدكتور أبو شادى الروبى عضو المجمع إنه حين عرض قرار وزراء الصحة العرب بضرورة التزام الجامعات بالانتهاء من تعريب الطب مع نهاية القرن الحالى ـ حين عرض هذا القرار على مجلس كلية الطب بجامعة القاهرة تبين أن 75? من الأساتذة للأسف رفضوا ما جاء به تجنيا على اللغة العربية أنها قد تقصر عن الوفاء بمتطلبات التدريس بها وقد تعزلهم عن التقدم العالى فى مجال الطب وبحوثه، وقد فاتهم أن جامعة دمشق تقوم بتدريس الطب باللغة العربية منذ أكثر من خمسين عاما ونيف حتى اليوم؛ كما أن معظم جامعات العالم تدرس العلوم والطب بلغاتها القومية.
...(2/333)
وفى هذا السياق أيضًا تجدر الإشارة إلى أن الستينيات وأوائل السبعينات قد شهدت محاولات جادة للتدريس باللغة العربية للسنوات الإعدادية بكلية الطب وكانت النتائج عظيمة من حيث استيعاب الطلاب للمادة العلمية وتفهمها فى سهولة ويسر، وللأسف الشديد عُدل عن ذلك وعاد التدريس باللغة الإنجليزية استجابة لما طالبت به كلية الطب فى أوائل السبعينيات. وربما كان عدم توافر المراجع العلمية الحديثة باللغة العربية ترجمةً وتأليفًا وتعريبًا أحد الأسباب فى هذه النكسة ـ أضف إلى ذلك افتقار المدرس الجامعى والعالى إلى التأهيل الأمثل للتدريس بالعربية السليمة بدلا من ذلك الخليط من لغة أجنبية ضعيفة متردية وعربية عامية دارجة. ويجدر بى أن أشير هنا أن بين الدراسات الرائعة التى كتبها العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة رئيس مجمع اللغة العربية الأردنى دراسة قيمة حقا فى موضوع تأهيل أعضاء هيئة التدريس بالجامعة للتدريس باللغة العربية وهى دراسة جديرة بالعناية والاهتمام.
أهمية الكتاب فى تعريب العلوم:
... من المشاهد أن المكتبة الجامعية فى مصر لا تزال كما قدمنا فقيرة حتى اليوم فى الكتب والمراجع العلمية الحديثة المؤلفة باللغة العربية أو المترجمة إليها بكليات العلوم والهندسة والطب بفروعه المختلفة والصيدلة وبعض المعاهد العليا، باستثناء بعض المقررات الدراسية فى بعض هذه الكليات، إذ لها كتبها بالعربية لأنها تدرس بهذه اللغة ـ وسبب ذلك الذى نشهده من قلة المستحث من المراجع العلمية العربية هو العزوف عن التأليف أو الترجمة فى غيبة الحافز الذى يدفع إلى ذلك ـ ومرد ذلك أيضا إلى الأزمة التى تمر بها حركة الترجمة بوجه عام.
...(2/334)
وغنى عن البيان أن الترجمة ضرورية لتحقيق التواصل الفكرى الدائم بيننا وبين العالم الغربى الذى تتقافز خطواته فى معارج الرقى والتقدم. كما أن اللغة العربية تزداد غنىً وثراءً بالترجمة وتتسع آفاقها بالحصيلة الجديدة التى تضاف إلى مذخور تراثها وتصبح أقدر على تأدية رسالتها فى عصر العلم والتقدم العلمى والتكنولوچى بفضل عملية التلاحم التى تضطلع بها الترجمة، ولا شك أن لكل ذلك انعكاساته الإيجابية على التعليم باللغة العربية فى جامعاتنا ومعاهدنا العالية.
... والجدير بالذكر أن الترجمة قد ازدهرت فى مصر فى عصور سابقة: فى عصر رفاعة الطهطاوى شيخ المترجمين الذى قاد أكبر حركة للترجمة فى عصره، وبلغ عدد ما ترجم نحو ألفين من الكتب والرسائل فى مختلف العلوم والفنون، وكان منهج الطهطاوى فى ترجمة المصطلحات أو المفردات الأجنبية هو أن يحدد فى ذهنه معانى هذه المفردات ثم ينقب عمَّا يتلاءم معها من المفردات العربية فى المعاجم العربية، وأحيانا يلجأ إلى تعريب المصطلح الأجنبى فيضعه بنصه مع بعض تعديل يتلاءم مع النطق العربى، وكان يرى أن هذه المصطلحات العربية يمكن أن تأخذ طريقها إلى اللغة العربية كغيرها. من المصطلحات المعربة عن اليونانية والفارسية وغيرها. وكان لهذه الجهود أثرها العميق فى النهضة العلمية والثقافية فى مصر.
...(2/335)
كما تجدر الإشارة إلى أيام " المقتطف " الذى بدأ نشاطه فى مصر عام 1985م وامتد أكثر من خمسين عاما، وكان يحفل بمختلف التراجم والموضوعات العلمية والمصطلحات باللغة العربية، أو إلى أيام لجنة التأليف والترجمة والنشر التى أنشئت عام 1914م وزودت المكتبة العربية على مدى ثلاثين عاما بطائفة من الكتب والمؤلفات والتراجم التى كانت عونًا كبيرًا للتعليم العالى والجامعى، أو إلى أيام المجلس الأعلى للعلوم فى أواخر الخمسينات (1956م) حين أشرف على برنامج لترجمة أمهات الكتب والمراجع فى العلوم الأساسية الجامعية إسهاما فى تدريسها باللغة العربية ودعما لحركة تعريب العلوم، وقد زود الكثير من هذه الكتب بكشافات تضم المصطلحات العلمية الأجنبية ومقابلاتها باللغة العربية ـ وهكذا فعلت مؤسسة فرانكلين حين بدأت فى الستينات فى ترجمة العديد من المؤلفات العلمية الرائدة إلى اللغة العربية بهدف الاستفادة بها فى التعليم الجامعى وكذلك فى نشر الثقافة العلمية، وهكذا فعل مشروع " الألف كتاب " الذى نهضت به وزارة الثقافة بوزارة التربية والتعليم وتولته بعد ذلك هيئة الكتاب، ولكن من المؤسف حقا أن الكثير من هذه الكتب والمراجع الجامعة التى نقلت إلى اللغة العربية قد أهملت وطواها النسيان، إذ أن العزوف عن التدريس بالعربية قد وأد معظمها وأجهض الجهود المضنية التى بذلت فى سبيل إنجازها.
بارقة أمل وتفاؤل:
... وسط هذا الأسى على ما فات يتبدى على الجانب الآخر ما يبعث على التفاؤل والأمل فقد بدأ تدريس بعض المقررات باللغة العربية فى بعض كليات العلوم والهندسة والطب البيطرى فى بعض الجامعات والمعاهد العليا تطمح إلى بعضها فيما يلى وهى بداية على طريق تعريب العلوم نرجو لها الاطراد والنماء :(2/336)
أولاً ـ فى كليات العلوم : تدريس الرياضيات فى السنتين الأولى والثانية باللغة العربية وكذلك علم البيئة النباتية وفسيولوچيا النبات بعلوم عين شمس. وتدريس علوم الكيمياء والفيزيقا والنبات والحيوان والچيولوچيا والرياضيات فى السنة الأولى بعلوم المنصورة باللغة العربية. وتدرس علوم السنة الإعدادية بعلوم الأزهر باللغة العربية وكذلك علوم الأجنة والتطور والبيئة والتصنيف فى السنوات الأخرى.
ثانيًا ـ فى كليات الهندسة : تدرس علوم السنة الإعدادية باللغة العربية وتشمل الرياضيات والفيزيقا والميكانيكا والكهرباء والهندسة الوصفية وغيرها، كما تدرس مقررات أخرى بالعربية فى خواص المادة والمساحة والحجوم والكميات فى السنتين الأولى والثانية بهندسة عين شمس، ويدرس كذلك علم السكك الحديدية والطرق وتخطيطها بالسنة الرابعة.
ثالثًا ـ فى كليات الطب البيطرى : تدرس علوم الوراثة وتربية الحيوان والاقتصاد الزراعى باللغة العربية.
رابعًا ـ فى كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان : عزوف واضح عن التدريس باللغة العربية حتى الآن. ولو أنه فى بعض المواد كالطب النفسى بجامعة عين شمس يجوز للطالب أن يجيب باللغة العربية، وتوجد كتب ومؤلفات فى هذا الفرع وفى غيره كالصحة العامة والأمراض العصبية والرمد، وتدرس بعض هذه المقررات باللغة العربية فى جامعة الأزهر وغيرها.
...(2/337)
وفى السنوات الأخيرة ظهرت حركة طيبة بكلية الطب بجامعة الأزهر حيث يقوم بعض أساتذتها بالتأليف باللغة العربية فى بعض تخصصاتهم من العلوم الطبية، منهم الأستاذ الدكتور محمد عبد العزيز محمد، الذى وضع أول كتاب ضخم (559 صفحة) عن العين وطب العيون باللغة العربية وكذلك أول كتاب لغوى رمدى وعنوانه: " الأصل العربى لمفردات طب العيون" أثبت فيه أن اللغة العربية هى الأم لجميع اللغات، وقد أشاد مجمع اللغة العربية بهذا المؤلَّف حين عكف على دراسته، كما نشر الدكتور عبد العزيز كتابا آخر عن أم الغلوق أو الجلوكوما (المياه الزرقاء) باللغة العربية، كذلك وضع الأستاذ الدكتور عبد اللطيف موسى عثمان ثلاثة مجلدات عن أمراض الجهاز العصبى باللغة العربية، والأستاذ الدكتور عبد المجيد إبراهيم اللبان وآخرون يعدون كتاباتهم فى تخصصات أخرى إسهاما منهم فى تعريب العلوم الطبية والطبيعية بجامعة الأزهر. ونرجو أن تمتد هذه الحركة المباركة إلى الجامعات الأخرى فى مصر.
دور مجمع اللغة العربية وهيئات أخرى
فى النهوض بتعريب العلوم فى مصر:
...(2/338)
تشهد مصر منذ سنين نشاطًا ملحوظًا من هيئات علمية ولغوية تعمل جاهدة فى صبر وأناة على اتخاذ اللغة العربية لغة للعلم وتطبيقاته. وفى مقدمة هذه الهيئات مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذى يقوم ـ من بين مهامه اللغوية والعلمية والأدبية الكبرى ـ بمهمة وضع المصطلحات العلمية. ويسير المجمع على نهج واضح ومستقر لوضع هذه المصطلحات يلتزم به، فحين تتصدى اللجان العلمية (20 لجنة) لترجمة مصطلح أو تعريبه تدرس المصطلح معنى ومبنى وأصله اللاتينى أو اليونانى، وتبحث عن أفضل المقابلات له باللغة العربية، وترجع فى ذلك إلى مختلف المعاجم اللغوية، وقد تجد مقابلا أو مأثورا دقيقا غير مطروق فى كتب العلم القديمة يؤدى المعنى فتأخذ به وتصطفيه ليشيع استعماله، ثم يُعرَّف المصطلح تعريفًا علميًا دقيقا. ويمر المصطلح فى مراحل من الدراسة والتمحيص كفيلة بصقله وصوغه الصياغة المثلى بدءًا باللجنة العلمية المتخصصة ثم بمجلس المجمع ثم بمؤتمره السنوى.
... وتجدر الإشارة إلى أن التقدم العلمى المذهل فى مجال العلم والمعرفة والذى نشهده اليوم فى ثورة المعلومات والحاسبات وثورة الاتصالات والإلكترونات والهندسة الوراثية والتكنولوچيا الحيوية وعلوم الفضاء والبيئة وغيرها كل ذلك جاء إلينا بسيل منهمر من المصطلحات الحديثة والمستحدثة ـ فإذا استعصى علينا أن نجد لها المقابلات العربية المناسبة لجأنا إلى التعريب كما عرَّب العرب قديما فأخذوا عن اليونانية والهندية والسوريانية والفارسية والتركية وكما عرَّب المحدثون عن الإسبانية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية، ومع ذلك فإن اللغة العربية كانت ولا تزال من الثراء بحيث يمكنها أن تستوعب الكثير مما تفرزه هذه الثورات العلمية الحديثة من مصطلحات.
...(2/339)
وقد أنجز المجمع أكثر من مئة وخمسين ألف مصطلح فى مختلف التخصصات، عدا عدة آلاف أخرى تحت الإعداد، ومن بين هذه المصطلحات نحو خمسة وخمسين ألف مصطلح علمى وتكنولوچى متخصص أخذ جزءٌ كبيرٌ منها طريقه نحو المعاجم العلمية المتخصصة التى أصدرها المجمع، وهى أربعة عشر معجما منها معجم الچيولوچيا ومعجم الفيزيقا ومعجم الحاسبات ومعجم الكيمياء والصيدلة ومعجم البيولوچيا فى علوم الأحياء والزراعة ومعجم النفط ومعجم المصطلحات الطبية ومعجم الهندسة ومعجم الرياضيات ومعجم الفيزيقا النووية ومعجم الهدرولوچيا ومعجم القانون ـ هذا بالإضافة إلى سبع وأربعين مجموعة من مجموعات المصطلحات التى أقرها المجمع.
... وغنى عن البيان أن هذه الحصيلة اللغوية الهائلة من المصطلحات العلمية المشروحة والمعرّفة تمثل دعما قويا لحركة تعريب العلوم والتعليم ومعينًا زاخرًا وعونًا للمؤلفين والمترجمين الذين ينقلون الكتب العلمية الأجنبية إلى اللغة العربية أو لأساتذة الجامعات والمعاهد الذين يُدرّسون علومهم باللغة العربية حين يكتمل الشوط وتخطو حركة التعريب فى كليات العلوم والطب والهندسة خطواتٍ فسيحةً إلى الأمام ويصبح التدريس فيها بلسان عربى مبين ـ وتحضرنى فى هذا المقام مقولةٌ لأستاذنا الجليل الدكتور شوقى ضيف " علينا التأكيد على أهمية تعريب العلوم لأن معنى ذلك التخلص من التبعية للغرب أو التبعية العلمية بعد أن تخلصنا من التبعية السياسية، وينبغى أن نتخذ الوسائل الممكنة للتخلص من هذه التبعية لكى تعود للعرب نهضتهم العلمية الحقيقية".
...(2/340)
وتجدر الإشارة هنا أيضًا إلى عمل معجمى يعد قمة فى الأداء والاستقصاء هو معجم العالم الطبيب الدكتور محمد شرف والذى أصدره عام 1926م فى العلوم الطبية والطبيعية شاملا أكثر من (40.000) أربعين ألف مصطلح إنجليزى ومقابلاتها وشروحها باللغة العربية ـ وكذلك إلى معاجم أخرى رائدة للمعلوف وأحمد عيسى ومصطفى الشهابى والبعلبكى وغيرها، وكذلك إلى بعض المعاجم القديمة وتمثل لنا عونًا كبيرًا فى نقل العلوم إلى اللغة العربية.
...(2/341)
ويقتضى الإنصاف أيضا أن أُلمِح إلى جهود الاتحاد العلمى المصرى الذى واصل نشاطه منذ نشأته عام 1956م فى اتخاذ اللغة العربية لغةً للعلم، وفى سبيل ذلك اهتم بموضوع المصطلحات العلمية وإيجاد المقابلات العربية المناسبة لها، وقد أنجز منها بضعة آلاف ونشرها الاتحاد فى كتبه. وقد أشرف على هذا العمل وحباه بعلمه وخبرته عالم جليل هو الأستاذ مصطفى نظيف، رئيس الاتحاد آنذاك وعضو مجمع اللغة العربية، وقد عاونه فى ذلك أستاذ جليل كنا معه هو الدكتور عبد الحليم منتصر الذى دفع بهذه المصطلحات إلى المؤتمرات العلمية العربية وكان آخرها مؤتمر بغداد عام 1966م ـ كما تجدر الإشارة إلى أن الجمعيات العلمية فى مصر والتى قفز عددها إلى مائة وعشرين جمعية علمية، الكثير منها ينشر دراساته وتُلقَى محاضراته باللغة العربية متخذًا العربية لغةً للعلم مثل الاتحاد العلمى المصرى والمجمع المصرى للثقافة العلمية وجمعية المهندسين والمجمع العلمى المصرى (بعض محاضراته) والجمعية المصرية لتاريخ وفلسفة العلوم والجمعية المصرية لتعريب العلوم التى يرأسها الأستاذ الجليل الدكتور عبد الحافظ حلمى عضو المجمع وتقوم بنشاط مرموق. أما الجمعيات التى تنشر بحوثها بلغة أجنبية فيلحق بالبحث ملخص باللغة العربية، وهذا يحدث أيضًا فى البحوث التى تنشر فى المجلات الجامعية والمجلات العلمية الأخرى والتى بلغت بضع مئات فى السنوات الأخيرة، ويكتب فيها الآلاف من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات ومراكز ومعاهد البحوث فى مصر ـ كما أن الرسالات العلمية لدرجتى الماجستير والدكتوراه والتى تكتب باللغة الإنجليزية تكون دائما مذيلة بملخصات إضافية باللغة العربية وتوجد من هذه الرسالات قرابة خمسين ألف رسالة حافلة بمادة علمية هائلة ومصطلحات علمية باللغة العربية.
...(2/342)
نشاط آخر مرموق ذو صلة بنقل العلوم إلى اللغة العربية يقوم به منذ سنوات مركز الأهرام للترجمة العلمية ولعله الوحيد من نوعه على نطاق كبير، ويعد اليوم أنشط هيئة علمية تقوم على أمر ترجمة كتب فى الرياضيات والكيمياء والتكنولوچيا والطب وعلوم الأحياء والحساب الآلى وغيرها، وقد صدر منها عدد كبير. كما أصدرت بعض المعاجم فى العلوم المستحدثة كالكمبيوتر، وكذلك عددًا من الموسوعات العلمية، وإذا كانت هيئة الكتاب أكبر هيئة حكومية فى هذا المجال إلا أن الكتب العلمية التى تصدرها هى قُلّ لا كُثر لا تكاد تشفى علة أو تنقع غلة.
... ومع كل النشاط الذى تقوم به هذه الهيئات وغيرها فى مصر فى نقل العلوم إلى اللغة العربية فلا زالت مصر والدول العربية فى المؤخرة بالنسبة لغيرها من الدول. وفى إحصائية لمنظمة اليونسكو عن تراجع الترجمة فى الوطن العربى ذكر أن نصيب هذا الوطن من إنتاج الكتب المترجمة فى عام 1970م كان 11 فى الآلف بالنسبة لما أُنتج فى سائر أنحاء العالم وكان نصيب الدول الإفريقية 7فى الألف أما فى عام 1986م أى بعد ستة عشر عامًا تراجع ما تُرجم فى الوطن العربى إلى 6 فى الألف، لتحتل بذلك المركز الأخير بينما تقدمت الدول الإفريقية إلى 12 فى الألف، وليس التراجع فى الكم فقط بل فى الكيف أيضا، وقد تقلص الإنتاج المترجم فى مجال العلوم الأساسية والتطبيقية إلى درجة لافتة للنظر.
...(2/343)
وفى دراسة إحصائية أخرى مماثلة عن ما تصدره بعض الدول من كتب مترجمة إلى لغاتها أو مؤلفة كل عام أذكر أن اليابان (نحو 115 مليون نسمة) لا تزال تحتل المركز الأول فى العالم للسنة الثالثة عشرة على التوالى بإصدارها نحو (32) اثنين وثلاثين ألف كتاب أو عنوان جديد سنويًا، وتحتل روسيا (120 مليون نسمة) المركز الثانى بإصدار (28) ثمانية وعشرين ألف كتاب فى العام، تليها الصين (1.20 مليار نسمة) وتصدر (27) سبعة وعشرين ألف كتاب، تليها ألمانيا ثم أمريكا، وتصدر تايوان (14) أربعة عشر ألف كتاب سنويا منها (11) أحد عشر ألف كتاب مترجم، وتصدر هولندا (6000) ستة آلاف عنوان منها (4000) أربعة آلاف عنوان مترجم.
... أما الدول العربية (22 دولة) بتعداد يصل إلى (170) مئة وسبعين مليون نسمة فيبلغ ما تصدره نحو تسعة آلاف كتاب جديد سنويا فى الوقت الذى يبلغ ما تصدره إسرائيل (3.5مليون نسمة) نحو عشرة آلاف كتاب بالعبرية سنويا معظمها مترجم عن لغات أخرى، ومع ذلك فليس ببعيد أن يدور الزمن دورته وتعود للعالم العربى الريادة الفكرية كما كان.
الاهتمام باللغات الأجنبية والانفتاح على التقدم العلمى العالمى:
...(2/344)
إذا كنا ندعو لقضية تعريب العلوم والتعليم بالجامعات ونعمل لها لتصبح حقيقة واقعة لاعتبارات قومية وعلمية واجتماعية إذ إن الفكر الأصيل لا يُخلق فى الأمة إلا إذا كانت تعلم بلغتها وتكتب وتؤلف بلغتها، فيجب فى الوقت نفسه ألا يتبادر إلى الذهن أننا نريد الانغلاق على أنفسنا بل العكس هو الصحيح، هو الانفتاح على العالم الخارجى، على علمه وفكره ومنجزاته الحديثة فى العلوم وتطبيقاتها ومواكبة الإيقاع السريع الذى نشهده فى هذا العصر عن حركة العلم والتقدم العلمى والتكنولوچى ـ ولا شك أن ذلك يعتمد فى المقام الأول على إتقان لغة أجنبية من اللغات الحية كالإنجليزية أو الفرنسية نطل بها إطلالات نيرة ومثمرة على العالم الخارجى وآفاقه العلمية الرحبة ـ علينا الاهتمام بتعليمها فى أثناء المرحلة الجامعية بل وفى مرحلة التعليم العام لأننا أصبحنا فى عصر لا يجوز فيه لخريج الجامعة طبيبا كان أم مهندسا أن يقف عند لغته القومية إذا أراد أن يتابع التقدم العلمى العالمى فى مجاله وتخصصه ـ وإلى عهد قريب كان تعريف الأمى فى اليابان من لا يعرف لغة أجنبية واليوم أضافوا إليها لغة الحاسوب ـ وإذا كان تعلم لغة أجنبية ضروريا لطالب المرحلة الجامعية ليتسع بها أفقه ويستعين بها على مزيد من الدرس والاطلاع الخارجى فإنه واجب أساسى وحتمى بالنسبة للأساتذة والمدرسين والباحثين وطلاب الدراسات العليا إذ لا يمكن أن يجرى أى منهم بحوثه أو ينشر إنجازاته وهو بمعزل عن منجزات العلم والعلماء فى كل مكان ودون أن يتم التواصل بينه وبين العلماء فى الخارج، ولن يتأتى ذلك دون إتقان لغة أجنبية حديثًا وكتابةً وفكرا. وتجدر الإشارة إلى أن برامج الدراسة فى كليات العلوم تشمل برنامجا خاصا لتدريس اللغة الإنجليزية لطلاب السنتين الأولى والثانية وبرنامجا لتدريس اللغة الألمانية لطلاب السنتين الثالثة والرابعة وآخر مكثفا لطلاب الدراسات العليا ـ ومع ذلك فلا زلنا بعيدين(2/345)
تماما عن ما نبتغيه من معرفة أو إتقان لغة أجنبية، ويلزم المزيد من الاهتمام والجدية فى هذا المجال.
الاهتمام باللغة العربية:
... لست فى حاجة إلى القول إن تعريب العلوم وكذلك تعريب التعليم يتطلب رفع مستوى اللغة العربية لدى القائمين عليها والمشتغلين بها والدارسين والمدرسين على حد سواء، بعد أن هبط هذا المستوى وبلغ درجة من الضعف والاستهانة تبدت فى مختلف مراحل التعليم وأشاعت الألم والحسرة بين سدنة اللغة العربية، وكثيرا ما تصدت أقلام لمأساة اللغة العربية، وإن مجرد إلقاء نظرة عابرة على أوراق إجابة التلاميذ وكذلك الطلبة فى الجامعات جعَلَنا نقف على حال اللغة العربية فى مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا بل وفى مناحٍ كثيرة من حياتنا من هبوط مستواها ومعرفة متدنية بها، ومما يدعو إلى الأسى أن الكثير مما نأكل وما نلبس وما نتداوى به وما نستخدمه من أدوات الصناعة والزراعة ومختلف الفنون وما يقع عليه بصرنا وما تسمعه آذاننا وما تلمسه أيدينا مستورد أو مصنوع بلفظه الأجنبى ويطلبه الناس بلفظه الدخيل على اللغة، وانتشرت كتابة اللافتات الأجنبية بحروف عربية وأصبح كل ذلك جزءًا من حياتنا، وتلك هى الخطورة الكامنة التى تحدق باللغة العربية والتى تدعو اليوم إلى وقفة صارمة قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا بعد أن كنا فى شبابنا بل فى أولى مراحل التعليم نقرأ كليلة ودمنة لابن المقفع والعبرات والنظرات للمنفلوطى.
...(2/346)
لذلك علينا من بين ما نعمل له للنهوض بقضية التعريب وحل مشاكلها، أن نعمل أيضا على تأهيل المدرسين بالجامعات والمعاهد لتدريس العلوم باللغة العربية من جهة وعلى رفع مستوى الطلاب بالجامعات من جهة أخرى، وذلك بوضع مناهج وبرامج متطورة لتدريس اللغة العربية وقواعدها الأساسية. ويجب أن يتم ذلك أيضًا فى جميع مراحل التعليم قبل الجامعى ليكتمل بذلك البناء اللغوى للطلاب على كل مستوياتهم ـ بل يذهب البعض إلى ضرورة العناية باللغة العربية فى مراحل الطفولة ليستقيم اللسان مبكرا نطقا وتعبيرا. وبهذا التكامل يستقيم الأمر لدى الأساتذة والطلاب على حد سواء ويصبح تعليم العلوم عربيا وبلسان عربى مبين.
... وفى معرض التدليل على ثراء اللغة العربية بالمصطلحات والمترادفات شدَّنى ما قاله الأستاذ الدكتور محمود الرخاوى مقرر لجنة التعريب باتحاد الأطباء العرب من أ ن هناك " علميًا " ما يثبت أن اللغة العربية الفصحى هى أم اللغات الهندية والأوربية وأصل الكلام، فاللغة العربية كانت الأصل والمنبع بينما تمثل اللغات الأخرى قنوات وروافد لها ( فمثلاً نحو 80? من أفعال اللغة السكسونية و 75? من أفعال اللاتينية تأتى من أصل عربى ) ويؤيد هذا أن عدد الجذور فى اللغة العربية يزيد على (16000) ستة عشر ألف جذر بينما اللغة السكسونية بها ما يزيد قليلا على ( 2000) ألفى جذر.
اقتراحات وتوصيات:
... قبل أن أختم كلمتى أود التأكيد على النقاط الآتية:(2/347)
أولا: علينا أن نستمر فى دعوتنا لتعريب العلوم والتعليم العالى والجامعى فى مصر وأن نعمل لذلك بجهد الطاقة حتى يصبح التعريب حقيقة واقعة وأن نتصدى بالحجج الدامغة لهؤلاء الذين يقفون ضد هذه القضية القومية ويعملون على عرقلة مسيرتها، وذلك من منطلق أن اللغة العربية قادرة على استيعاب مقتضيات التطور العلمى والتكنولوچى فى هذا العصر، وأن شعوبا شتى صغيرةً أو كبيرةً تستخدم لغتها فى تدريس العلوم وفى البحوث العلمية والتطبيقية دون أن يكون ذلك عائقا لها فى شىء.
ثانيًا: دعوة المجلس الأعلى للجامعات والمسؤولين عن التعليم العالى والجامعى فى مصر إلى تبنى هذه القضية ووضع خطة شاملة لها وتدرس وسائل تنفيذها وأن تسهم الجامعات إسهاما كبيرا فى تشجيع التأليف باللغة العربية والترجمة إليها وأن تُعد المكتبة العلمية العربية فى مختلف التخصصات وذلك للنهوض بمستوى التعليم والبحث العلمى.
ثالثًا: العمل على توحيد المصطلحات العلمية فى الوطن العربى للقضاء على بلبلةٍ قائمة فى استعمال المصطلح الواحد بمقابلات عربية مختلفة فى البلاد العربية وقد بدا ذلك واضحا فى الندوات التى ينظمها اتحاد المجامع اللغوية العربية ( وكانت آخر هذه الندوات فى دمشق فى ديسمبر 1996م لدراسة معجم البيولوچيا ) وفى المعاجم التى يقوم بإعدادها مكتب التنسيق بالرباط. ونأمل فى مضاعفة الجهود التى يقوم بها اتحاد المجامع اللغوية فى هذا السبيل.(2/348)
رابعًا: إنشاء هيئة أو مؤسسة كبرى للترجمة والتأليف تضع خطة دقيقة لها تحدد فيها الأولويات فى ترجمة العلوم والتكنولوچيا والعلوم الإنسانية مع ملاحقة التطور السريع فى حركة العلم والبحوث العلمية والتكنولوچية وذلك لخدمة تعريف العلوم وتعريب التعليم الجامعى ـ وتوجيه عناية خاصة إلى ترجمة مجموعات متكاملة من أمهات الكتب والمراجع العلمية الأجنبية فى مختلف التخصصات، وكذلك تشجيع التأليف فيها ـ ويلحق بهذه الهيئة معهد لإعداد المترجمين وتدريبهم.
خامسًا: ضرورة التوسع فى تعريب المصطلحات العلمية وفى وضع المعاجم العلمية المتخصصة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية وقد أسهم مجمع اللغة العربية فى ذلك بإصدار أربعة عشر معجما فى مختلف التخصصات العلمية وغيرها، وتحت الإعداد معجمات أخرى فى العلوم الحديثة والمستحدثة ـ ونوصى هنا أن يبادر المجمع بإهداء أعداد كبيرة من هذه المعاجم ومجموعات المصطلحات إلى مختلف الكليات الجامعية والمعاهد فى مصر للاستفادة بها فى تشجيع حركة التعريب ونقل العلوم إلى اللغة العربية بفكر عربى.
سادسًا: توجيه عناية خاصة إلى تعليم اللغات الأجنبية فى مراحل التعليم العام والتعليم العالى والجامعى ثم فى مرحلة الدراسات العليا ووضع البرامج الكفيلة بإتقانها ليتاح الانفتاح على العالم الخارجى ومتابعة التطور العلمى والتكنولوچى فى هذا العصر.
سابعًا: تكثيف العناية باللغة العربية فى جميع مراحل التعليم وبخاصة فى مرحلة التعليم الجامعى وتطوير برامجها وطرق تدريسها مع العمل على تأهيل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد العليا للتدريس باللغة العربية.
ثامنًا: التأكيد على ضرورة إعداد ملخصات باللغة العربية لجميع البحوث والدراسات التى تنشر باللغة الأجنبية فى المجلات العلمية، ودعوة الجمعيات إلى الالتزام بهذا الواجب القومى.(2/349)
تاسعًا: على الإعلام بروافده الثلاثة أن يكثف عنايته باللغة العربية فى برامجه وبين المشتغلين به والوافدين عليه بخطبهم وأحاديثهم.
... هذه اقتراحات وتوصيات حول استخدام اللغة العربية لغةً للعلم وللتعليم فى الجامعات والمعاهد طالما ردَّدتْها المؤتمراتُ والندواتُ واتحاد الجامعات ومنظمة اليونسكو واتحاد الأطباء العرب كما نص عليها قانون الجامعات ومنذ أكثر من (60) ستين عاما حتى اليوم فلا تزال القضية ـ قضية التعريب ـ قيد البحث ولم يتحقق الأمل الذى لا زلنا نتطلع إليه. ولا أرانى فى حاجة إلى التأكيد أنه إذا أريد لهذه القضية الحل فعلَى الدولة أن تحسمها بقرار سياسى مُلزِم يوفر لها كل الإمكانات ويضع لها الخطة والبرنامج للعمل والتنفيذ والانطلاق باعتبارها قضية قومية ووطنية وثيقة الصلة بكياننا العربى ومستقبل التعليم فى مصر.
واختم كلمتى بأبيات من قصيدة عن اللغة العربية للشاعر الراحل محمد البرعى يمجدها ويدعو فيها المجمع أن يأخذ بيدها مما ألَمَّ بها فيقول:
من خط بالقلم الحروف الأولى
لغة البيان وقد شَرفْتِ بأحمدٍ
الله نزَّلها عليه معلما
عاشت قرونا منذ أن ولد الهدى
الناطقون بها حماة تراثها
يا مَجْمَعَ الفصحى وحصنَ تراثها
قد كنتَ منذ نشأتَ قوة عزها واليوم قد هبَّتْ عليها عجمةٌ
فانهض وخذ بيد البيان فإنه ... الله خص بنورها التنزيلا
يدعو وينشر للحديث فصولا واختارها لغة تنير عقولا فتبوأت قمم اللغات أصولا صانوا حماها فتية وكهولا لا زلتَ ظِلاًّ للبيان ظليلا تقضى لها حقًّا عليك نبيلا كانت على لغة البيان وبيلا لم يرض غيرك للبيان كفيلا
- - - - -
كلمة حفل الاستقبال عضوًا بالمجمع (1)
بسم الله الرحمن الرحيم(2/350)
{ ? - ? - { - رضي الله عنه -? - - - ? - - ? - { - - - - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - - - - ?- رضي الله عنهم - - ? - - - رضي الله عنه - تم بحمد الله - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - } - ? - - رضي الله عنهم - - ? - - رضي الله عنه - - ? - - { ? - - سبحانه وتعالى - صدق الله العظيم ? قرآن كريم - - ? تمت - صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - - - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنهم - - ? - - - } }
صدق الله العظيم
سيدى العالم الجليل رئيس المجمع وشيخ المجمعيين:
سادتى العلماء الأجلاء أعضاء المجمع:
سيداتى وسادتى:
... لم يَدُر بخَلَدى فى يوم من الأيام أن أنال هذا الشرف العظيم الذى أنعمُ به اليوم والذى طالما هفت إليه قلوبٌ، وتطلعت إليه آمال، أو أحظى بهذه المكانة العزيزة التى تستمد عزتها وقدرها من شرف الانتساب إليكم، وإلى مجمعكم العظيم، مجمع الخالدين.
... ولكن هذه مشيئة الله ثم مشيئتكم إذ حبوتمونى هذا الشرف وتفضلتم بفيض من سماحتكم فأفسحتم لى مكانًا فى هذا المجمع الموقر كعبة العربية وحصنها الحصين، وإنى لا أكاد أجد الكلمات التى أعبر بها أصدق تعبير عما يجيش بصدرى من مشاعر الوفاء والامتنان والعرفان لاختياركم إياى عضوًا بهذا المجمع، فأشكركم أخلص الشكر وأعمقه على هذه الثقة الغالية التى طوقتم بها عنقى، وأعاهد الله وأعاهدكم على أن أبذل قصارى جهدى لخدمة أغراض هذا المجمع وتحقيق رسالته مترسمًا خطاكم سائرًا على هديكم... والله المستعان وهو نعم المولى ونعم النصير.
__________
(1) أقيم حفل الاستقبال فى يوم الاثنين غرة شهر ربيع الآخر سنة 1397هـ ، الموافق 21 من مارس سنة 1977م؛ مجلة المجمع، العدد (39).
...(2/351)
كما أوجه الشكر جزيلا وصادقا إلى أخى العالم الجليل الأستاذ الدكتور محمود مختار الذى نعمت بصحبته وزمالته فى رحاب الجامعة ومحراب العلم قرابة أربعين عامًا، كان خلالها مثلا رفيعًا للأستاذ الجامعى خلقًا وعلمًا، وللعميد الذى يسوس أمور كليته بالحنكة والاقتدار.
... شكرًا له على كلمته الكريمة الذى استقبلنى بها وقدمنى إليكم وعلى ما أسبغ علىّ من فضله وما أضفاه على شخصى من ثناء مستطاب هو أجدر به منى.
سيدى الرئيس ... . سادتى:
إن الإنسان ليشعر حقًّا بالزهو والفخار حين يؤذن له بدخول هذا المجمع العتيد، أو هذا الصرح الشامخ من صروح العربية التى تسطَعُ فى سمائه هذه النجوم الوضاءة، ويشمخ بهذه الصفوة من عمالقة اللغة والعلم والأدب.
هذا المجمع الذى حمل لواء العربية شامخًا ساطعًا فى الخافقين والذى بَهَرَنا بإنتاجه العظيم عبر خمسة وأربعين عامًا من عمره الزاهر، بهرنا بجهوده البارزة فى إعلاء لغة القرآن وفى الكشف عن طاقاتها المبدعة الخلاقة وتطويعها لمقتضيات العصر فى مختلف العلوم والفنون، والبحث عما فى بحرها الزاخر من الدرر واللآلئ ـ بهرنا بكل ذلك وهو لا يزال يؤدى رسالته العظيمة كما لم يؤدها مجمع من قبل، حتى أضحى بهذه الخلفية الرائعة نسيج وحده بين الهيئات اللغوية والعلمية لا فى مصر وحدها بل على الصعيد العربى كله.(2/352)
ولا أعدو الحقيقة أيها السادة الأعلام إذا قلت إنى - وقد عشت أكثر من أربعين عامًا معلمًا ومحاضرًا فى رحاب الجامعة ومحدثًا فى العديد من المؤتمرات والاجتماعات العلمية فى مصر والخارج - ما تهيبت موقفًا كالذى أقفه اليوم بين أيديكم، وكيف لا أتهيَّب هذا الموقف وأمامى هذه القمم الشامخة من جهابذة اللغة وهذه الصفوة الرائدة من أساطين العلم والأدب والذين بلغ بهم المجمع هذه المكانة الرفيعة التى يتسنمها اليوم، وأسبغوا عليه من العلم والفضل ما جعله أكبر مركز إشعاع لغوى ينشر نوره الوضاء فى كل رجا من أرجاء العالم العربى.
فلا غرو أن تكون عضويةٌ بهذا المجمع أمنيةً عزيزة المنال تظل تراود أفئدة المتطلعين إليها، والراجين فى تحقيقها سنوات وسنوات حتى يحظوا بها، وينعموا بهذا الشرف العظيم، شَرَفِ الانتساب إلى مجمع الخالدين.
ولا أعدو الحقيقة كذلك إذا قلت إنى لم أسعد بسنوات من عمرى كتلك التى قضيتها خبيرًا بهذا المجمع أتفيأ ظلاله وأترَع من نبعه اللغوى كؤوس العلم والمعرفة، وكانت تبهرنى كل يوم هذه اللغة الجزلة المعطاءة التى تزخر بكل ما نبتغيه من معان ومصطلحات، وهذه الثروة اللغوية الهائلة المليئة بآلاف الدرر من المرادفات والمقابلات، مما ينهض دليلا على قوة هذه اللغة وثرائها وشمولها واتساع آفاقها وقدراتها الفائقة على استيعاب التطور الذى نشهده فى هذا العصر فى شتى قطاعات العلم والمعرفة.(2/353)
وإن كنت قد سعدت بهذه السنوات خبيرًا فى لجنة علوم الأحياء والزراعة وأضفت إلى معارفى الكثير فإنى قبل ذلك سعدت أيضًا بسنوات ثلاث فى صحبة عالم جليل أُشرب حُبَّ اللغة وجمالَها، هو الأستاذ الدكتور أحمد عمار، قضيتها معه فى ترجمة أحد المعاجم العلمية ونقله إلى اللغة العربية. تعلمت منه الكثير وكنا مع زملاء لنا نتلهف إلى أيام اللقاء كل أسبوع؛ نجلس إليه ونأخذ عنه. وكان حقًّا مجلسًا يفيض لغة وأدبًا وعلمًا ما كنا لنميل عنه إصبعًا إلا لنميل إليه ميلا، وهكذا مرت السنوات الثلاث وقد أغدق علينا خلالها من علمه وفضله زادًا كبيرًا.
سيدى الرئيس... سادتى الأعضاء:(2/354)
فى أواخر الثلاثينيات من هذا القرن نبتت حركة مباركة بكلية العلوم بجامعة القاهرة مستهدية بهذا المجمع العظيم الذى كان قد سلخ من عمره بضع سنوات ـ نبتت حركة لترجمة المصطلحات وتعريبها فى مجال علوم الأحياء وخصوصًا فى علم الحيوان كان رائداها المغفور له الدكتور محمد ولىّ، من أشد المتعصبين للتدريس فى الجامعة باللغة العربية وقد أعجبنا به إعجابًا كبيرًا، ومازلنا فى كلية العلوم نذكر له محاضرته الرائعة وعنوانها " العربية لغة العلم" ، التى ألقاها عام1933م بالمجمع المصرى للثقافة العلمية ونشرت فى كتابه السنوى الرابع، والتى فنَّد فيها حجج الذين يدعون أن العربية لا تصلح أن تكون لغةً للعلم، ودعا فيها إلى التوسع فى حركة الترجمة والتعريب والنحت والاشتقاق، كما دعا إلى التدريس باللغة العربية بالجامعات وقد ناشد ـ رحِمَه اللهُ ـ فى هذه المحاضرة مجمع اللغة العربية، وكان فى مراحل إنشائه الأولى، أن يتوجه نحو تدعيم الثقافة العلمية العربية وجعْلِ اللغة العربية لغة العلم حقًّا، إلى أن قال من فرط حماسه: " ولا يكون هذا إلا إذا تشيد المجمع على أساس هذا المبدأ ودقَّ قلبه بما يبعثه فيه من الجد واليقين وسرَتْ نفحات هذه النهضة العربية فى دمه، فتخللت جميع أجزاء جسمه، فأصبح علميًّا عربيًّا فى الشكل وفى الجوهر، وأملنا فى هذا المجمع كبير وثقتنا فيمن يقومون عليه عظيمة " ، وليت العمر قد امتدَّ به حتى اليوم ليشهد الإنجازات الرائعة التى قام بها المجمع فى هذا السبيل.(2/355)
وقد قمنا معه حينذاك وخلال سنوات عدة بترجمة بعض المصطلحات فى علم الحيوان وتعريبها واستخدامها فى التدريس لطلبة الجامعة، وتأليف بعض الكتب فى هذا المجال باللغة العربية، وترجمة كتب أجنبية إلى العربية؛ وكان يشد أزرنا فى هذا السبيل أستاذٌ جليلٌ هو الدكتور كامل منصور، أحد الرواد الأوائل فى علم الحيوان ومُرسى قواعده فى مصر. ومضينا فى هذا الطريق مستمدين العون من عمل هذا المجمع العظيم، وما قام به السلف الصالح من معاجم، وعلى رأسها معجم الدكتور محمد شرف، ذلك العالم العملاق الذى أنجز بمفرده عملا عظيمًا يعتبر حتى اليوم قمة فى الأداء والاستقصاء.
وحين أُنشئ الاتحادُ العلمىُّ المصرىُّ عام 1955م كشعبة من شعب الاتحاد العلمىِّ العربىِّ برياسة العالم الكبير المغفور له الأستاذ مصطفى نظيف ـ طيب الله ثراه ـ نشطت حركة تعريب المصطلحات العلمية وترجمتها، وإيجاد المقابلات المناسبة لها، وقاد هذه الحركة العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبد الحليم منتصر، ودفع بهذه المصطلحات إلى المؤتمرات العلمية العربية التى عُقدت فى مصر وفى بعض البلاد العربية الشقيقة بمعاونة جامعة الدول العربية.
كل هذه الجهود المتواضعة والتى كان لى شرف الاشتراك فى جميع مراحلها استمدت جذورها من عمل هذا المجمع العظيم وانبثقت من رغبة جامحة تعتلج فى صدورنا للتدريس والتأليف باللغة العربية لطلبة الجامعات؛ إيمانًا منا بأن الطالب يستوعب المادة العلمية بلغة قومه بدرجة أعلى بكثير مما لو تلقاها بلغة أجنبية، وقد قام على ذلك بجامعاتنا الدليل تِلْو الدليل.(2/356)
ولا أرانى ياسيدى الرئيس وسادتى الأعضاء فى حاجة إلى القول إنه إذا كانت حركة التعريب العلمى والنقل إلى اللغة العربية وإحياء التراث العلمى العربى قد خَطَتْ خطوات فسيحة إلى الأمام فى ربع القرن الأخير، وظهر العديد من المعاجم العربية فى الوطن العربى وخرجت آلاف المصطلحات فى مختلف العلوم والفنون إلى النور؛ فإنكم أيها العلماء الأعلام من خلال هذا المجمع العظيم ومؤتمراته وقيادته الرشيدة قد قمتم وما زلتم تقومون بالدور الرئيس فى هذه الحركة المباركة التى تزداد اتساعًا وازدهارًا مُحققةً أهدافَها العُظمَى بالغة غاياتها النبيلة بإذن الله فى نشر التعليم باللغة العربية، وإعلاء شأن هذه اللغة ودحض الفرية التى يرددها بعض المتربصين بها، من أنها تقصر أحيانًا عن الوفاء بمطالب العلم الحديث والإيقاع السريع الذى نشهده فى هذا العصر لحركة العلم والتقدم العلمى.(2/357)
ويطيب لى فى هذه المناسبة أن أستعير ما سبق أن قاله عنها زميلى الأستاذ الدكتور محمود مختار من أن " مصر العربية الحديثة حين دخلت عصر العلم والتكنولوچيا كان من حسن الطالع أن وجدت لغة العلم والتكنولوچيا أداة طيعة فى ركابها، تمهد لها الطريق وتوفر لها مقومات السير فيه، وطرقت لغة العلم الحديث كل أبواب النشاط حتى أصبحت على حد تعبير الأستاذ الكبير الدكتور إبراهيم مدكور، رئيس المجمع " لغة نعيش معها فى الحقل والمنزل ونرى آثارها فى المصنع والمتجر، يرددها الأطفال فى مدارسهم ويُعنَى بها الشباب فى جامعاتهم، ويسجلها العلماء فى دراساتهم وبحوثهم". ومن حق المجمع علينا - نحن العلميين - أن ندين له بالفضل ونعترف له بالسبق وبُعدِ النظر؛ فقد أحسن بالفعل منذ نشأته وكأنه كان يقرأ صحف الغيب بما سيكون للغة العلم والتكنولوچيا من شأن فى حياتنا العلمية والتكنولوچية، فأورد لها نصًّا صريحًا فى لائحته يقول بأن: " من أهم أغراض هذا المجمع أن يجعل اللغة العربية وافية بمطالب العلوم والفنون فى تقدمها وملائمةً على العموم لحاجات الحياة فى العصر الحاضر".
وقد قطع المجمع شوطًا بعيدًا نحو تحقيق هذه الغاية، ولا أكون مبالغًا إذا قلت إنه يجتاز فى هذه الآونة عصره الذهبى.
سيدى الرئيس .. السادة الأعضاء:(2/358)
من التقاليد الكريمة التى أرساها هذا المجمع الموقر أن يتحدث العضو الجديد عن سلفه، وقد شاء اللهُ أن أشغل المقعد الذى كان يشغله المغفور له الأستاذ الدكتور مراد كامل، العالم الجليل الذى نذر حياته للعلم والبحث، وأنفق عمرَه غوّاصًا فى بحار المعرفة، أتقن عددًا كبيرًا من لغات الشرق والغرب قديمِها وحديثِها فأطلَّ بها على ثقافاتٍ متعددةٍ ونهَلَ كثيرًا من نبعها الفياض، وملأ صدره بعطرها وشذاها فكان موسوعيًّا بكل معنى الكلمة. وقلَّ أن يكونَ له ضريبٌ فى عدد اللغات واللهجات التى حذقها. وقد ظلّ فى محراب هذا المجمع عضوًا بمجلسه سنين عدة، وخبيرًا بلجانه طوال ربع قرن، يعطيه ويجزل له العطاء ويسهم فى نشاطه بعلمه الغزير وبحوثه اللغوية العميقة.
عرفت الفقيد قرابة خمسة عشر عامًا حين تزاملنا فى عضوية المجمع العلمى المصرى، وكنا نقوم على شئونه فى الأمانة العامة وكثيرًا ما التقينا وعرَفَ كلٌّ منا الآخر عن قرب.(2/359)
وُلدَ الفقيدُ فى عام 1907م، وتلقى تعليمه الابتدائى والثانوى فى مدارس الفرير والمارونية والمدرسة التوفيقية، ثم التحق بكلية الآداب بقسم اللغة العربية واللغات الشرقية بجامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1930م، ثم أوفدَتْهُ الجامعةُ فى بعثةٍ إلى جامعة توبنجن بألمانيا الغربية، فحصل على دبلوم فى اللغة اللاتينية وآدابها عام 1934م، وعلى دبلومٍ آخر فى اللغة اليونانية وآدابها فى العام نفسه. وفى العام التالى (1935م) نال الفقيد درجة الدكتوراه، ثم واصل دراسته بعد ذلك ونال درجة دكتوراه الأستاذية من الجامعة نفسها عام 1938م، وعاد بعد ذلك لينخرطَ فى سلك هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وظل يَرْقَى مدارجَ السُّلَّمَ الجامعى حتى أصبح أستاذًا ورئيسًا لقسم اللغات السامية بالكلية، ولمع لمعانًا كبيرًا وتألَّق فى المحيط العلمى واللغوى، وتلقفته هيئات كثيرة تبتغى علمه وخبرته. وعندما أعيد إنشاء مدرسة الألسن عام 1952م انتُدِب عميدًا لها، فأرسَى قواعدها قوية متينة، وساس أمورها بمهارة وحكمة، ونهض بها نهضة مباركة طوال ست سنوات متصلة.
وقد أتقن الفقيد لغاتٍ عدة؛ ومن بين اللغات التى كان يؤلف ويتحدث بها الألمانية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية. أما اللغات التى تدخل فى نطاق تخصصه فكانت منها البابلية والأشورية والكنعانية والفينيقية والحميرية والحيثية واللغة المصرية القديمة واللغة القبطية بلهجاتها المختلفة واللغات الأثيوبية، وكان يتحدث اللغة الأمهرية بطلاقة. وبالإجمال فقد بلغ عدد اللغات واللهجات التى كان يعرفها الفقيد نحو خمس وأربعين لغة ولهجة، أتقن عددًا كبيرًا منها.(2/360)
وكان ـ رحمه الله ـ ذا باعٍ طويلٍ فى البحث والاستقصاء والنشر والتأليف؛ فقد بلغ عدد مؤلفاته نحو مئةٍ وسبعين بحثًا تناولت مجالات عدة منها اللغويات، والآداب العالمية، ودراسة المخطوطات وتحقيقها، والبرديات والنقوش والفنون القديمة والحديثة، ودراسة الأديان وتاريخ الشرق وحضارته فى العصور القديمة والوسيطة والحديثة، وسِيَر العلماء، والمعاجم.
كما ألف عدة بحوث قيمة بالمجمع نشرت بمجلته منها: " علم الأصوات نشأته وتطوره" ، "الزمن فى الكيمياء عند العرب" ، " اللغة العربية لغة عالمية". كما أدلَى بدلوه سنين طويلة فى أعمال لجنة المعجم الكبير ولجنة اللهجات ولجنة الفنون، وقد عين الفقيد عضوا بالمجمع عام 1961م.
ولمكانة الفقيد العالمية، اختِيرَ عضوا بالأكاديمية الألمانية للآثار ببرلين عام 1959م، وعضوًا فخريًّا بالمعهد التشيكوسلوفاكى لدراسة الآثار المصرية بجامعة كارل ببراج عام1965م، وأستاذا مدى الحياة بجامعة فرايبورج بألمانيا، وأستاذًا زائرًا بجامعة انزبروك بالنمسا عام19 51م.
كما مُنِحَ الفقيدُ أوسمةً رفيعةً عدة ، تقديرًا لأعماله العلمية واللغوية من أثيوبيا وألمانيا الغربية وإيطاليا، وكذلك أسهَمَ الفقيدُ بجهود مرموقةٍ فى كثير من الجمعيات والهيئات العلمية المصرية التى عرفَتْ قدْرَه وشرُفَتْ بعضويته، ومنها المجمع العلمى المصرى (1950م)، ومعهد الدراسات الشرقية (1954م)، ومعهد الدراسات القبطية، وجمعية الآثار القبطية.
كما مثَّلَ الفقيدُ مصرَ وجامعةَ القاهرةِ فى الكثير من المؤتمرات والاجتماعات العلمية الدولية.
وفوقَ كلِّ هذا، فقد كان ـ رحمه الله ـ على خلق كريم، هادئ النفس، وديع القلب، حلو المعشر، عرَفَهُ الكثيرون صديقًا وفيًّا مخلصًا محبًّا للخير، كما حباه الله بديهةً حاضرةً وذكاءً حادًّا وقريحةً وقَّادة.
سيدى الرئيس ... سادتى الأعضاء:
...(2/361)
لا يمكننى فى هذه العجالة أن ألمَّ بمناقب المغفور له الدكتور مراد كامل وأعماله الخالدة، فقد جاء ذكرُها تفصيلا فى كتب المجمع عند استقباله وعند تأبينه، وكلها نماذجُ رائدةٌ من العمل العلمى واللغوى الرائع الذى يعكس عبقرية هذا العالم الفذّ المعطاء والذى ينهض دليلاً ناصعًا على عظمة الخالق حين يهب العِلْمَ والحكمةَ من يشاء.
... تغمَّدَ الله الفقيدَ بواسع رحمته، وأجْزَلَ له الثواب جزاء ما قدَّم لوطنه وللإنسانية من علم ينفع المؤمنين.
- - - - -
المراجع
1- اللغة العربية والتعريب - للدكتور عبد الكريم خليفة، منشورات مجمع اللغة العربية الأردنى 1987م.
2- تأهيل أعضاء هيئة التدريس بالعربية - للدكتور عبد الكريم خليفة، مجلة مجمع اللغة العربية الأدرنى 1980م.
3- المجامع العربية والمصطلح العلمى - للدكتور إبراهيم بيومى مدكور، مطبوعات اتحاد الجامعات العربية، مؤتمر تعريب التعليم الجامعى والعالي1980م.
4- اللغة العربية فى الجامعات: واقعها ووسائل الارتقاء بها. مؤتمر جامعة الإسكندرية – كلية الآداب ديسمبر 1981م.
5- وسائل تطوير وإعداد معلمى اللغة العربية فى الوطن العربي، كتاب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – الرياض 1977م.
6- تحديث التعليم قبل الجامعى، مطبوعات المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى – الدورة الرابعة عشر 1986/1987م.
7- مناهج اللغة العربية ووسائل النهوض بها فى التعليم العام، مطبوعات المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى – الدورة السابعة 1979/1980م.
8- إعداد معلم اللغة العربية، مطبوعات المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى – الدورة الثامنة 1980/1981م.
9- قضية تعريب التعليم العالى والجامعى فى مصر - للدكتور محمود حافظ، مطبوعات مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1986
10- العربية لغة العلم - للدكتور محمد ولى، كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية عدد (4) 1934م.(2/362)
11- العربية لغة علمية - للدكتور إسماعيل مظهر، كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية – عدد (10) 1940م.
12- تعريب العلم - للدكتور عبد الحليم منتصر. كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية عدد (31) 1960م.
13- نشر الكتب العلمية باللغة العربية – للدكتور كامل منصور. كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية عدد (31) 1961م.
14- مشكلات التعليم الجامعى فى البلاد العربية. الحلقة الأولى: بنغازى 1964م، الحلقة الثانية: بيروت 1964م.
15- تعريب التعليم العالى فى الوطن العربي. مؤتمر بغداد مارس 1978م. مطبوعات اتحاد الجامعات العربية
16- اللغة العربية ودراسة العلوم بالجامعة – للدكتورة عائشة عبد الرحمن. المجالس القومية المتخصصة (شعبة الثقافة) 1981م.
17- مستقبل التعليم الجامعى والبحث العلمى فى مصر – للدكتور كامل منصور والدكتور عبد الحافظ حلمى وآخرين. مطبوعات المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى 1979م.
18- اللغة العربية فى خدمة علوم الإحياء – للدكتور محمود حافظ. مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1979م.
19- اللغة العربية والتعليم الجامعى – للدكتور حسين نصار. المجالس القومى المتخصصة (شعبة الثقافة) 1981م.
20- تعريب التعليم الجامعى فى مجالات المصطلح العلمى والترجمة والتأليف - للدكتور عبد الحليم منتصر. مطبوعات اتحاد الجامعات العربية، مؤتمر تعريب التعليم الجامعى والعالى 1980م.
21- اللغة العربية فى التعليم والثقافة – للدكتور محمود الشنيطى. المجالس القومية المتخصصة (شعبة الثقافة) 1981م.
22- لغة تدريس العلوم فى الجامعات – للدكتور عبد الحافظ حلمى محمد. مطبوعات اتحاد الجامعات العربية ، مؤتمر تعريب التعليم الجامعى والعالى القاهرة 1980م.
23- تعريب لغة العلم فى التعليم الجامعى – ندوة رأسها وتحدث فيها الدكتور إبراهيم بيومى مدكور وآخرون، كتاب الدورة الثامنة للاتحاد العلمى المصرى.(2/363)
24- العربية لغة العلوم والتقنية – للدكتور عبد الصبور شاهين. دار الإصلاح والنشر ... المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى 1983م.
المراجع
1- المجامع العربية والمصلح العلمى – للدكتور إبراهيم بيومى مدكور. مؤتمر تعريب التعليم الجامعى والعالى، مطبوعات اتحاد الجامعات العربية بالقاهرة 1980م.
2- الترجمة والنقل إلى العربية - للدكتور منصور فهمى. مجلة مجمع اللغة العربية العدد (12).
3- الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى (180 – 1873)، كتاب عن ندوةٍ نظمتها كلية الألسن جامعة عين شمس 1976م به 18 موضوعا منها: رفاعة والألسن للدكتور عبد السميع محمد أحمد ، رفاعة والترجمة للأستاذ أحمد خاكى.
4- تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه - للدكتور عبد الحليم منتصر دار المعارف 1967م.
5- قضية تعريب التعليم العالى والجامعى فى مصر - للدكتور محمود حافظ، مجلة مجمع اللغة العربية العدد (56) 1985م.
6- نقل العلوم إلى العربية - للأستاذ مصطفى نظيف، مجلة مجمع اللغة العربية العدد (7).
7- نشر الكتب العلمية باللغة العربية - للدكتور كامل منصور ، كتاب المجمع المصرى للثقافة العلمية العدد (31) لسنة 1961م.
8- معاجمنا العلمية المتخصصة - للدكتور محمود حافظ، مجلة مجمع اللغة العربية العدد (76).
9- نحو خطة مستقبلية للترجمة فى مصر وموضوعات أخرى عن الترجمة- للدكتور توفيق الطويل والدكتور إبراهيم زكى خورشيد وآخرين، المجالس القومية المتخصصة (شعبة الثقافة 1984م).
10- مقالات عن قضية الترجمة فى مصر - للأستاذ سامى خشبة وأساتذة آخرين، صحيفة الأهرام مارس 1990م، أكتوبر 1993م، يناير 1994م.
معاجمنا العلمية المتخصصة
بين الأصالة والمعاصرة (1)
...(2/364)
قد لا يختلف اثنان فى أن العلم واللغة كائنان حيان متلازمان لا يفترقان فلا حياة لعلم بدون لغة تؤديه ولا سبيل إلى النهوض به والانطلاق به نحو آفاق رحبة من التقدم إلا بتدارس المشتغلين به بلغتهم الوطنية. وقد أتى على الأمة الإسلامية حين من الدهر تألقت فى سمائها نهضة علمية زاهرة بلغت أوجها منذ نيف وألف سنة فى عصر الخليفة المأمون (786 ـ 833م) حين أخذ المسلمون ينهلون من موارد العلم ويترجمون الكتب الإغريقية والسريانية والفارسية وينقلون إلى اللغة العربية مختلف الذخائر العلمية. وقد حمل لواء هذه الحركة العلمية العارمة التى امتدت بعد ذلك بضعة قرون عدد من العلماء العرب الأعلام قاموا بأروع الإنجازات العلمية وكتبوا أعظم المؤلفات وأضافوا إلى هذه التراجم الكثير من مبتكراتهم ـ كان ذلك العصر عصرا ذهبيا بالنسبة للغة العربية لغةً للعلم زخرت بآلاف المقابلات والمصطلحات والمأثورات فى مختلف فروع العلم التى تناولها العلماء العرب بالدراسة وبرزوا وعلَّموا غيرهم وأخذ عنهم علماء عصر النهضة الأوربية ما شاء لهم أن يأخذوا من هذا المعين الزاخر بالمعارف العلمية والإنسانية؛ كما أننا ما زلنا ـ نحن المشتغلين بالعلوم ـ ننهل حتى اليوم من نبعهم الفياض كئوسًا مترعة من العلم والمعرفة تبهرنا فيها تلك الثروة الهائلة من لغة العلم فى الكيمياء والفيزياء والطب والنبات والحيوان والفلك والرياضيات وعلوم الچيولوچيا والصيدلة وغيرها، وذلك فى كتب ابن سينا والبيرونى والكندى وابن حيان والزهراوى والرازى وابن الهيثم الذى سبق فرانسيس باكون بعدة قرون فى إرساء المنهج العلمى وابن النفيس الذى سبق هارفى فى الكشف عن الدورة
__________
(1) ألقى هذا البحث فى الجلسة الرابعة من جلسات مؤتمر المجمع فى الدورة 59 يوم السبت 25 من شوال سنة 1413هـ الموافق 17 من أبريل سنة 1993م. مجلة المجمع، العدد (76).(2/365)
الدموية الصغرى والإدريسى الذى حقق عدة مئات من أنواع النبات وأورد أسماءها باللغات السريانية واليونانية والفارسية والهندية واللاتينية، والجاحظ والخوارزمى والدينورى والبغدادى وابن سيده وابن البيطار والقرطبى والقزوينى والدميرى وغيرهم.
... وجدير بالذكر أن المعين الزاخر من المصطلحات والمقابلات التى حفلت بها كتب هؤلاء العلماء قد واكبت نهضة علمية معجمية حمل لواءها عدد من أسلافنا العلماء أمثال الخوارزمى (387هـ / 997م) وهو شيخ من شيوخ القرن الرابع الهجرى الذى يُعدُّ العصر الذهبى للثقافة الإسلامية والعلوم العربية ألمَّ بفروعها وأصولها واتسم بالطابع الموسوعى وألَّف كتابه الشهير " مفاتيح العلوم للخوارزمى". وقد برز فى علوم كثيرة أشهرها الرياضيات والفلك، وهو أول مَن ألف فى علم الجبر وفى علم الحساب، وقد ترجمت كتبه إلى اللاتينية. كما يرجع إليه الفضل فى التعريف بالأرقام الهندية، وكان يجيد العربية والفارسية وله ـ فيما يبدو ـ إلمام بالسريانية واليونانية.
... والخوارزمى رائد من رواد المعاجم العربية المتخصصة، ولكتابه " مفاتيح العلوم " شأن خاص فى توضيح تطور المصطلح العلمى العربى وتتبّع مصادره الأساسية من وضع أو تعريب؛ وقد كشف عنه حديثا المستشرق الهولندى (فان فولتن) فى أخريات القرن التاسع عشر واهتم به من بعده الدارسون والباحثون.
...(2/366)
وبعد بضعة قرون أخرج العالم الموسوعى الكبير التهانوى (محمد بن محمد بن صابر الفاروقى) مؤلَّفه الكبير الذى أسماه " كشاف اصطلاحات العلوم والفنون ". والتهانوى كما يقول أستاذى الدكتور إبراهيم مدكور فى بحثه الرائد عن المعجمات العربية المتخصصة عالِم من رجال القرن الثانى عشر الهجرى والثامن عشر الميلادى(1157هـ /1745م) ومن أعلام الفكر الإسلامى فى الهند، نشأ فى بيت عِلْم واستوعب العلوم المختلفة وألَمَّ بفروعها ومصطلحاتها واتسم بطابع موسوعى فسيح يذكرنا بكبار مفكرى الإسلام فى العصر الذهبى؛ ويعدُّ كشافه من أكبر المعجمات العربية المتخصصة المرتبة ترتيبا هجائيًّا، ويشتمل على مصطلحات فى العلوم المختلفة ومنها مصطلحات الرياضيات كالهندسة والحساب.
... وقد كان للعرب اليد الطولَى فى إخراج المعاجم، وقد بزُّوا غيرهم. ويقول المستشرق الإنجليزى (هاى وود) فى مؤلفه الشهير عن المعاجم العربية: " الحقيقة أن العرب فى مجال المعاجم يحتلون مكان المركز سواء فى الزمان أو المكان بالنسبة للعالم القديم وبالنسبة للشرق والغرب." ويؤكد فى موضع آخر أسبقية العرب لغيرهم كالهنود. كما ذكر (هاى وود) أيضًا فى مقال نشر فى مجلة جامعة درهام فى ديسمبر عام 1957م تأثر النشاط المعجمى الأوروبى فى عصر النهضة الحديثة بسابقه العربى، ومن يستعرض التاريخ المعجمى ير أن العربية غنية غناءً ملحوظًا بمعاجمها بل لا تكاد تجاريها أمة من الأمم فى القديم والحديث. وقد ألفت المعاجم فى وقت مبكر من تاريخها بدءا من القرن الثانى الهجرى وتنوعت تلك المعاجم بحيث لم تترك مجالا إلا طرقته وأغنته.
...(2/367)
وبعد هذه النهضة العارمة ونتيجة للاستعمار الذى جثم على صدر الأمة وردحًا من الزمان، ولمدة امتدت من القرن السادس عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر وخيَّم على الأمة العربية تخلفٌ رهيب انعكست آثاره على اللغة العربية والعلوم والمعارف الإنسانية ـ وفى مطلع القرن التاسع عشر بدأت صحوة عربية للحاق بركب الحضارة ودعوة قوية أن تعيد الأمة للعلم واللغة العربية سابق مجدها. وبدأ فى مصر (وكذلك فى شقيقاتها العربيات) نشاط مرموق فى حركة الترجمة والنقل إلى العربية ووضع المصطلحات، ففى عام 1833م وما بعده نمت فى مصر ترجمة (86) ستة وثمانين كتابا أجنبيا فى عدة فروع لعلوم الطب والصيدلة، كما قام عدد من المبعوثين الأوائل بعد عودتهم من فرنسا بالتدريس فى المعاهد العليا، وقدموا إلى المكتبة العلمية رصيدًا ذا بال من مُعرَّباتهم ومؤلفاتهم، منهم على سبيل المثال الجرَّاح محمد على البقلى الذى ألَّفَ عدة كتب فى الجراحة، محمد الشافعى فى الأمراض الباطنية، محمد ندى فى النبات والحيوان والچيولوچيا والفيزياء، وعلى رياض فى الصيدلة والسموم، محمد الدرى فى الأمراض الوبائية، محمد بيومى فى الحساب والجبر والهندسة الوصفية، محمود الفلكى الذى عاد من بعثته عام 1859م وكانت له إنجازات يُعتدُّ بها فى علم الفلك، وقد شارك علماء اللغة فى النهضة العلمية فكان منهم خبراء وعلماء متخصصون مثل محمد عمر التونسى مؤلف معجم الشذور الذهبية فى الألفاظ الطبية، إبراهيم الدسوقى الخبير فى مصطلحات العلوم الرياضية، وشيخ المترجمين فى عصره رفاعة رافع الطهطاوى (1801 ـ 1873م) فى ألفاظ الحضارة والفنون والعلوم الحديثة، وغيرهم من رواد القرن التاسع عشر.
...(2/368)
وفى أوائل القرن العشرين أنشئت الجامعة المصرية فى تكوينها الأهلى عام 1908م، ثم فى تكوينها الحكومى عام 1925م فكانت فاتحة لنهضة علمية وثقافية حديثة فى مصر، استعادت فيها اللغة العربية مكانتها مرة ثانية بعد احتلال بريطانى (1882م) باعد بين اللغة العربية والعلوم الحديثة، وقد واكب هذه النهضة نشاط فى حركة التعريب وجمْعِ المصطلحات وتحقيقها، وإصدار بعض المعاجم العلمية المتخصصة، نذكر منها معجم أسماء النبات للدكتور أحمد عيسى والذى صدر فى عام 1926م شاملا كلّ ما عرف من أسماء النبات فى المصنفات العربية - وفى العام نفسه صدر قاموس الدكتور محمد شرف فى العلوم الطبية والطبيعية. وقد شمل وضع مقابلات وشروح باللغة العربية للمصطلحات الأجنبية، وعنى أشد العناية بالرجوع إلى ما كتبه الأسلاف من العرب وما كتبه المستشرقون، ويضم هذا المعجم أكثر من أربعين ألف مصطلح؛ ومعجم آخر هو معجم الحيوان للفريق أمين المعلوف صدر فى عام 1932م ولو أنه يقول إنه بدأ فى جمع مادته منذ عام 1908م ويضم (1500) ألفا وخمس مئة من أنواع الحيوان موصوفة وصفا علميا باللغة العربية. وقد أورد اسم الحيوان باللغتين العربية واللاتينية؛ ومعجم رابع هو معجم الألفاظ الزراعية للأمير مصطفى الشهابى الذى صدر فى عام 1943م ولكنه ظل يجمع مادته ويحققها طوال عشرين عاما قبل ذلك التاريخ، ويشتمل المعجم على (9000) تسعة آلاف لفظ فرنسى أو علمى وما يقابله باللغة العربية. ويقول: إن من بين الألفاظ العربية المذكورة ثلاثة آلاف لفظ على الأقل هى من وضعه أو تحقيقه لم يسبقه إليها أحد من أصحاب المعجمات الأعجمية العربية.
...(2/369)
هذه أمثلة فقط لجهود معجمية رائدة لأربعة من العلماء فى الوطن العربى تلتها جهود أخرى قيمة فى إصدار المعاجم العلمية المتخصصة، ولعل كلمة معجم من أعجم الشىء أزال غموضه وأوضح مدلوله وهو ـ كما يقول الدكتور الجرح ـ دون كثير عنت، كلُّ قائمة تجمع كلمات من لغة ما على نسق منطقىٍّ ما وتهدف إلى ربط كل كلمة منها بمعناها وإيضاح علاقاتها بمدلولها. وهذا فهم عام لكلمة معجم يغطى كثيرا من ألوان النشاط المعجمى ويصدق عليها، سواء فى ذلك ما ذكره أستاذنا الجليل الدكتور مدكور من أنَّ مِن المعاجم ما اقتصر على المصطلح ولم يخلط به شيئا سواه، وهذا أساس المعجم العربى المتخصص أو ما التزم بالترتيب الأبجدى، وهذا دعامة التأليف المعجمى اليوم أو ما نَحَا نَحْوًا موسوعيًّا مهَّد لظهور دوائر المعارف الحديثة.
سادتى العلماء:
... لعل أعظم إنجاز قومى وعربى فى العصر الحديث أخذ بيد اللغة العربية وخطا بالنشاط المعجمى خطوات فسيحة إلى الأمام هو إنشاء المجامع اللغوية بالوطن العربى ففى مصر وفى عام 1932م صدر المرسوم الملكى بإنشاء مجمع اللغة العربية ولو أن محاولات أخرى جادة فى هذا السبيل قد سبقت إنشاءه فى مطلع هذا القرن حَمَل لواءها نادى دار العلوم عام 1908م ومجمع دار الكتب عام 1916م، وسبقت هذه المحاولات أيضا دعوة إلى ذلك فى أخريات القرن التاسع عشر عام 1892م فيما عرف باسم مجمع البكرى، وكان عبد الله النديم قد مهَّدَ لهذه الدعوة فى العام نفسه. وقد تحقق بإنشاء مجمعنا هذا أمل عزيز طالما تطلع إليه أهل العلم واللغة والأدب فى مصر ليقوم بدوره البنَّاء نحو اللغة العربية والحفاظ عليها وعلى أصالتها وتراثها، ونحو النهوض بها وتطورها وجعلها وافية بمطالب العلوم والآداب والفنون، وملائمة للحياة العصرية المتطورة ودراسة المصطلحات العلمية وإصدار المعجمات وغير ذلك فى مختلف المجالات.
...(2/370)
ولما كانت المعاجم العلمية المتخصصة تعتمد فى المقام الأول على المصطلحات العلمية فهى لحمتها وسداها، فقد اهتم مجمع اللغة العربية منذ نشأته بموضوع المصطلحات ووقف عليها قسطًا كبيرًا من جهوده ورسم على مرِّ السنين منهجًا واضحًا لوضع المصطلح العلمى والتعريف به، كما عمل على توحيده، وفى سبيل ذلك أنشأ المجمع لجانًا علميةً فى فروع العلم المختلفة، ودعا إليها كوكبة من العلماء والباحثين فى مختلف التخصصات، وقد تَوفَّر هؤلاء على إنجاز عشرات الآلاف من المصطلحات العلمية والفنية وهم يواصلون القيام بهذه المهمة حتى اليوم. وقد أخرج المجمع ما أقره منها فى (47) سبع وأربعين مجموعة من مجموعات المصطلحات التى يصدرها تضم أكثر من (100.000) مئة ألف مصطلح كان نصيب المصطلحات العلمية المتخصصة منها ما يزيد على ( 60.000) ستين ألف مصطلح علمى متخصص وذلك عدا عدة آلاف أخرى سيأتى دورها فى الطبع والإصدار بما قد يصل بحصيلة المصطلحات إلى أكثر من (150.000) مئة وخمسين ألف مصطلح فى شتى الفروع.
...(2/371)
ويسير المجمع على نهج واضح ومستقر لوضع المصطلحات العلمية يلتزم به، فحين تتصدى اللجان العلمية لترجمة مصطلح أو تعريبه تدرس المصطلح معنى ومبنى وأصله اللاتينى أو اليونانى وتبحث عن أفضل المقابلات له، وقد ترجع فى ذلك إلى المعاجم اللغوية القديمة والحديثة، وقد تجد مقابلا أو مأثورا دقيقا غير مطروق يؤدى المعنى فتأخذ به ليشيع استعماله مثل كلمة " أيض " بدلا من " تحول غذائى "، ثم يُعرَّف المصطلح تعريفًا علميًّا دقيقا، ويمر المصطلح فى مراحل من الدراسة والمناقشة والتمحيص كفيلة بصقله وصوغه الصياغة المثلى بدءًا باللجنة العلمية المختصة ثم مجلس المجمع ثم مؤتمره السنوى. وتلتزم اللجان العلمية فى عملها بما سبق أن أقره مجلس المجمع ومؤتمره فى الدورة الخامسة والأربعين من مبادئ أساسية عامة وتوصيات وقواعد أرساها خاصة بوضع المصطلحات العلمية كان قد تقدم بها للمجمع الأستاذ الدكتور محمود مختار شملت أربعة مبادئ عامة واثنتى عشرة توصية، منها الأخذ بالاشتقاق فقلنا: مؤكسد وأكسدة من أكسيد، وبالنحت فقلنا: كحللة أى تحلل بالكحول، وحلمأة أى تحلل بالماء، وبالسوابق فقلنا: لاهوائى وقبل فمى وفوق بنفسجية، وباللواحق فقلنا: غروانى وقلوانى. كما راعينا فى بعض الحالات أن يتفق المصطلح العربى مع الدلالة العلمية للمصطلح الأجنبى دون التقيد بدلالته اللفظية، فمثلا نقول فى مصطلحات النفط: مكتب الحفار مقابل Dog house، وممشى ضيق مقابل Cat’s walk، وبئر نائية مقابل Australian well، وغرفة كاتمة مقابل Dead room. كما راعينا أن يؤدى المصطلح الواحد بلفظ واحد ما أمكن ليكون صالحا للاشتقاق منه والنسبة والإضافة إليه وتثنيته وجمعه، وأن يتسم بالدقة والوضوح وبخاصة فى الألفاظ الأجنبية المتقاربة فى مدلولها. ومما تجدر الإشارة إليه أن التقدم المذهل فى مجال العلم والمعرفة والإيقاع السريع الذى نشهده اليوم فى ثورة العلوم الحديثة والمستحدثة كثورة(2/372)
الهندسة الوراثية والتكنولوچيا الحيوية وثورة المعلومات والحاسبات والاتصالات وعلوم الفضاء وغيرها، كل ذلك قد جاء إلينا بسيل منهمر من المصطلحات الجديدة، فإذا استعصى علينا أن نجد لها المقابلات العربية المناسبة لجأنا إلى التعريب كما عرّب العرب قديما فأخذوا عن اليونانية والهندية والسوريانية والفارسية والتركية، وكما عرب المحدثون عن الإسبانية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية، ومع ذلك فإن اللغة العربية كانت ولا تزال من الغناء والثراء بحيث تستوعب الكثير مما تفرزه هذه الثورات العلمية الحديثة من مصطلحات، وذلك مصداقا لما قاله المستشرق الألمانى (فون جرونباوم) فى مقدمته لكتاب " تراث الإسلام": إن اللغة العربية لغة عبقرية لا تدانيها لغة فى مرونتها واشتقاقها، وهذه العبقرية فى المرونة والاشتقاق اللذين ينبعان من ذات اللغة جعلتها تتسع لجميع مصطلحات الحضارة القديمة بما فيها من علوم وفنون وآداب، وأتاحت لها القدرة على وضع المصطلحات الحديثة لجميع فروع المعرفة. وكذلك يقول المستشرق الألمانى بروكلمان: " إنه بفضل القرآن بلغت اللغة العربية من الاتساع مدًى لا تكاد تعرفه أى لغة أخرى.
سادتى العلماء:
... بعد أن تكونت لدى المجمع منذ دوراته الأولى حصيلة ضخمة(2/373)
شملت عشرات الآلاف من المصطلحات العلمية المشروحة والمعرَّفة بدأ منذ أكثر من ربع قرن فى إصدار عدة معاجم علمية متخصصة تباعًا، فصدرت فى عام 1965م الطبعة الأولى من معجم الچيولوچيا (1500) مصطلح ثم أخذت اللجنة المختصة تنقح وتهذب وتضيف وتجدد بعد أن توافر لديها كم هائل من المصطلحات الحديثة فصدر المعجم فى طبعته الثانية الموسعة عام 1982م شاملا قرابة خمسة آلاف(5000) مصطلح فى مجالات الچيولوچيا الطبيعية وعلم الصخور وعلم البلورات والچيولوچيا الاقتصادية والچيوفيزيقا والچيولوچيا التطبيقية، وقد زود المعجم (640 صفحة من القطع الكبير ) بفهرس هجائى عربى شامل للمصطلحات، وبنحو( 238 ) رسمًا توضيحيا، كما عنى بتوحيد المصطلح ما أمكن وبدقة تعريفه.
معاجم الفيزيقا والحاسبات (ثلاثة معاجم، 6900 مصطلح):
... أصدر المجمع فى عام 1974م معجم الفيزيقا النووية والإلكترونيات شاملا (1200) ألفا ومئتى مصطلح علمى فى هذا المجال، ثم أتبع بمعجم الفيزيقا الحديثة الذى صدر الجزء الأول منه عام 1984م والجزء الثانى عام 1986م شاملين (5000) خمسة آلاف مصطلح علمى تناولت جميع فروع علم الفيزيقا وتطبيقاته. وقد زود كل من المعجمين بفهرس هجائى عربى للمصطلحات، وقد اتسمت جميع المصطلحات بالدقة العلمية والوضوح والالتزام الشديد بما أقره المجمع من قواعد ومبادئ بالنسبة لوضع المصطلحات العلمية.
... وبالنسبة لمعجم الحاسبات فقد صدر فى عام 1987م شاملا (700) سبعمائة مصطلح وهو ثمرة من ثمار العلم الحديث الذى يتناول المعالجة الإلكترونية للمعلومات، وقد ركز فى المعجم على المصطلحات الأساسية للحاسبات الإلكترونية التى أخذت تغزو اللغة العربية، واللجنة المختصة بصدد إخراج معجم وسيط فى هذا التخصص الحديث يكون أكثر شمولا ومواكبا للتقدم السريع والتطور المتلاحق فى هذا المجال.
معجم المصطلحات الطبية (900 مصطلح ):
...(2/374)
صدر الجزء الأول من هذا المعجم عام 1985م شاملا (4000) أربعة آلاف مصطلح، وصدر الجزء الثانى فى عام 1990م شاملا نحو (5000) خمسة آلاف مصطلح، وبصدد إعداد الجزء الثالث شاملا (4000) أربعة آلاف أخرى.
... وقد قامت اللجنة المختصة بمراجعة آلاف المصطلحات التى سبق إقرارها منذ الدورات الأولى للمجمع، وقد تبين افتقارها للمصطلحات الجديدة وبخاصة أن العلوم الطبية تتطور أيضًا بسرعة مذهلة، واستحدثت مصطلحات طبية لم تكن معروفة من قبل. وقد أخذت اللجنة ذلك فى الاعتبار عند إصدار المعجم حيث شمل هذه المصطلحات لتساير التقدم العلمى. وقد رجعت اللجنة إلى المعاجم الطبية الحديثة وبعض كتب الطب القديمة حتى تعبر تعبيرا دقيقا عن المعنى المقصود، وقد تحاشت اللجنة الإغراب والغموض.
معجم البيولوچيا فى علوم الأحياء والزراعة:
... صدر الجزء الأول من هذا المعجم فى عام 1984م شاملا (2700) ألفين وسبع مئة مصطلح، وصدر الجزء الثانى فى عام 1988م شاملا (4300) أربعة آلاف وثلاث مئة مصطلح، وبه فهرس هجائى كامل. واللجنة بصدد إعداد الجزء الثالث شاملا (4000) أربعة آلاف مصطلح.
... وقد أفادت اللجنة من بعض المعجمات والمصطلحات التى أحيلت إليها لفحصها، مثل معاجم الألفاظ النباتية للدماطى ومعجم أبسخرون الزراعى، وألفاظ النخيل ومصطلحات البيئة النباتية التى أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة، وقد أضافت إليها الشروح والدلالات فى العلم الحديث. كما قامت اللجنة بوضع مصطلحات الفحص المجهرى (الميكروتكنيك) وببحوث قيمة فى أنواع الحيتان والثعابين والمصطلحات الخاصة بها، وقد شمل المعجم كل هذه المصطلحات.
المعجم الحديث للكيمياء والصيدلة:
ضم هذا المعجم مصطلحات الجزء الأول والثانى بعد مراجعتها وإضافة عدد كبير من المصطلحات الحديثة والمستخدمة والتى سبق أن أعدتها اللجنة نحو (7000) سبعة ألاف مصطلح.
...(2/375)
شملت المصطلحات علوم الكيمياء العضوية وغير العضوية والفيزيقية والكيمياء التخليقية والصيدلية، وتميزت بعض هذه الفروع بوفرة فى المصطلحات الحديثة والمستحدثة. ونظرًا لتنوع التركيب الكيميائى للمادة فقد استدعى ذلك وضع نظام ييسر صوغ المصطلحات ترجمةً أو تعريبًا، وعندما استعصت الترجمة لجأت اللجنة إلى التعريب فى حالة المركبات الكيميائية والأحماض والمواد، وكلها تحتل جزءا كبيرا من المعجم لا سيما فى مصطلحات الكيمياء التخليقية والصيدلية.
معجم النفط :
... صدر هذا المعجم فى هذا العام 1993 شاملا (4500) أربعة آلاف وخمس مئة مصطلح وقد استغرق إعداد هذا المعجم عدة سنوات، وحوى المصطلحات العلمية والفنية والتكنولوچية المتصلة بالنفط وعمليات الحفر والاستكشاف والإنتاج والتسويق وغيرها، وفى بعض الحالات لجأت اللجنة العلمية للمعجم عند وضع المقابل العربى للمصطلح الأجنبى إلى ترجمة المعنى دون المبنى أى دون الدلالة اللفظية له.
معجم الهندسة الميكانيكية:
صدر فى سنة 1998م شاملاً أكثر من (2000) ألفى مصطلح. وهو معجم علمى متخصص فى مجال مصطلحات العلوم الهندسية.
معجم الرياضيات:
صدر الجزء الأول من هذا المعجم سنة 1995م وضم المصطلحات التي تبدأ بالخروف A, B, C. وصدر الجزء الثانى عام 2000م شاملاً المصطلحات التى تبدأ بالحروف D, E, F . ثم تلاهما فى عام 2001م الجزء الثالث وشمل المصطلحات التى تبدأ من حرف G حتى حرف Q.
...(2/376)
وهكذا نرى أن المجمع أصدر ثمانية معاجم علمية متخصصة فى علوم الكيمياء والفيزيقا والحاسبات والطب والبيولوچيا والأحياء والزراعة والچيولوچيا والنفط شملت (38600) ثمانية وثلاثين ألفًا وست مئة من المصطلحات العلمية، بالإضافة إلى (7200) سبعة آلاف ومئتى مصطلح لمعجمين قادمين فى علوم الهندسة والهيدرولوچيا والرياضيات بمجموع يصل إلى (45800) خمسة وأربعين ألفًا وثمان مئة مصطلح عدا (10.000) عشرة آلاف من المصطلحات الجديدة أعدتها اللجان العلمية وما زالت تضيف إليها توطئة لإصدار معاجم أخرى بحصيلة إجمالية تربو على (55.000) خمسة وخمسين ألف مصطلح فى مختلف العلوم المتخصصة. وهى بوجه عام تعكس التزاما دقيقا بقواعد العمل المعجمى وصوغ المصطلح العلمى، كما زخرت بالمئات من المصطلحات العلمية الحديثة.
معجم الهيدرولوچيا:
وضع هذا المعجم لجنة الهندسة بالمجمع وصدر فى عام 1984م وهو يشتمل على نحو (1700) ألف وسبعمائة مصطلح ، وضع أمامها المقابل الأجنبى.
معجم علم النفس والتربية:
صدر منه الجزء الأول عام 1984م واشتمل على مصطلحات تبدأ بالحروف اللاتينية من A إلى S ، والمجمع فى طريقه إلى إصدار الجزء الثانى منه.
معجم الموسيقا:
صدر هذا المعجم عام 2000م ويزيد عدد مصطلحات عن (1000) الألف مصطلح، وهو لم يتضمن جميع المصطلحات الموسيقية المتداولة فى كل بلدان العالم، واقتصر على أهم المصطلحات الموسيقية، وأكثرها شيوعا.
المعجم الجغرافى:
... صدر عام 1974م وبه كشاف للمصطلحات الأجنبية التى وردت به، وهو يضم أكثر من (1500) ألف وخمسمائة مصطلح مرتب هجائيا.
المعجم الفلسفى:
صدر هذا المعجم عام 1983م واشتمل على (1120) ألف ومائة وعشرين مصطلحًا فلسفيًا رتُبت على حسب الحروف الهجائية، ووضع معها المقابلات الفرنسية والإنجليزية، كما اشتمل على فهرس للمصطلحات الفرنسية وآخر للمصطلحات الإنجليزية.
معجم القانون:(2/377)
صدر هذا المعجم عام 1999م، وبلغ عدد مصطلحاته نحو (8000) ثمانية آلاف مصطلح رتبت ترتيبًا هجائيا عربيًا، وبوبت على حسب فروع علم القانون ووضع بعد كل باب فهرس فرنسى – عربى.
توصيات واقتراحات:
... أرى هنا أن أذكر ما عنّ لى من بعض التوصيات وكلها ترداد لأمل نتطلع إليه ويجول بخاطرنا.
أولاً: العمل على إصدار بقية المعجمات العلمية المتخصصة بالحصيلة المتوافرة لدى المجمع بالآلاف من المصطلحات فى مختلف فروع العلم.
ثانيًا: وضع سياسة تكفل توزيع هذه المعاجم على نطاق واسع بين معاهد العلم ليشيع استعمال ما بها من مصطلحات علمية دقيقة ولتدفع حركة تعريب العلم فى التعليم العالى والجامعى والتأليف والترجمة خطوات فسيحة إلى الأمام.
ثالثًا: الدعوة إلى إنشاء مؤسسة خاصة بالمعاجم العربية فى مختلف العلوم والفنون على أن تقوم بذلك مجامعنا اللغوية من خلال اتحاد المجامع اللغوية العربية، وهذه الدعوة ترداد لما اقترحه العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة فى بحثه القيم بمجلة المجمع الأردنى عام 1989م.
رابعًا: العمل على إصدار معاجم فى العلوم الحديثة والمستحدثة كعلوم الهندسة الوراثية والتكنولوچيا الحيوية والإلكترونيات وعلوم البيئة والمحيط الحيوى والمعلومات والاتصالات وعلوم الفضاء وغيرها. واللغة العربية قادرة بثرائها وتطورها على استيعاب مفرزات هذه الثورات العلمية والتكنولوچية العارمة ومعجم الحاسبات الذى أصدره المجمع بداية طيبة فى هذا السبيل.
خامسًا: توصية طالما ردَّدتْها المؤتمرات اللغوية وهى التأكيد على ضرورة توحيد المصطلحات العلمية فى المعاجم المتداولة بالوطن العربى للقضاء على بلبلة قائمة فى استعمال المصطلح الواحد بمقابلات مختلفة. وهى مهمة بالغة الأهمية لاتحاد المجامع اللغوية العربية.(2/378)
سادسًا: أمنية قد تبدو بعيدة المنال ولكنها عزيزة غالية كثيرا ما طافت بأخيلتنا وداعبت أحلامنا، وهى التصدى لإنجاز معجم شامل عملاق فى مختلف فروع العلم والمعرفة تتكاتف فى عمله الدول العربية ومجامعها اللغوية وجامعة الدول العربية التى سبق لها أن أسهمت بجهود معجمية فى هذا السبيل.
سادتى العلماء الأجلاء:
... هذه كلمة متواضعة عن معاجمنا العلمية المتخصصة التى
أصدرها مجمع اللغة العربية بالقاهرة تعكس جهودا قامت بها اللجان
العلمية وما زالت تواصل عملها على هدى من المبادئ التى أرساها المجمع بالنسبة للعمل العلمى المعجمى وعلى هدى من تراث علمى عربى مجيد وفيض من مبتكرات العلم الحديث، ومن منجزات رائدة لعلماء المجامع اللغوية بالوطن العربى يحدوها الأمل أن تسد هذه المعجمات فراغا فى المكتبة العلمية العربية. وهكذا يمضى المجمع قدما فى تأدية رسالته السامية نحو العلم واللغة.
وفى ختام كلمتى أتقدم بالشكر الجزيل والتحية الصادقة إلى أستاذى العالم الجليل وشيخ المجمعيين الدكتور إبراهيم مدكور، الذى يقود سفينة المجمع بفكره الثاقب وبصيرته النافذة وبحنكة ودربة ومكنة واقتدار. كما أتقدم بالشكر الجزيل والتحية الصادقة إليكم أيها العلماء الأجلاء سدنة اللغة العربية وحماتها الذين حملتم مع أجيال سبقت لواءها عاليًا خفاقا نحو السماكين ورفعتم علمها شامخا سامقا فى الخافقين.
المراجع
1- المعجمات العربية المتخصصة للدكتور إبراهيم مدكور، مجلة مجمع اللغة العربية العدد (34) نوفمبر 1974م.
2- مجمع القاهرة والمصطلح العلمى للدكتور إبراهيم مدكور، مجلة مجمع اللغة العربية العدد (42) 1978م. ... ...
3- دعوة إلى التزام خطة منهجية فى صوغ المصطلحات الطبية للدكتور أحمد عمار، مؤتمر المجمع يناير 1961م.
4- المصطلحات العلمية للدكتور حسنى سبح، الدورة 36 الجزء 3 لمؤتمر المجمع البحوث ص 59.(2/379)
5- حاجاتنا إلى معجم عربى موحد للدكتور عبد الحليم منتصر،الدورة 33 العدد (10) مؤتمر المجمع: بحوث ص 375.
6- مشكلة المصطلحات العلمية للدكتور عبد الحليم منتصر، العدد (13) من مجلة المجمع ص 203.
7- من قضايا المعجمية العربية المعاصرة للدكتور عفيفى عبد الرحمن، مجلة مجمع اللغة العربية الأردنى 1988م.
8- المعاجم الأوربية الحديثة ومدى ما تستفيده المفاهيم العربية منها للأستاذ لويس ماسنيون، الدورة 15 العدد (7) من مجلة المجمع ص359.
9- النشاط المعجمى العربى أصيل أم دخيل؟ للدكتور محمد سالم الجرح، مجلة المجمع العدد (28) نوفمبر 1971م.
10- حاجتنا إلى معجم مصفّى للدكتور محمد كامل حسين، الدورة 34 الجزء 9 مؤتمر المجمع البحوث والمحاضرات ص 411.
11- القواعد العامة لوضع المصطلحات العلمية، الدكتور محمد كامل حسين، العدد (11) مجلة المجمع.
12- المصطلح الچيولوچى للدكتور محمد يوسف حسن، مجلة المجمع العدد (32) 1973م.
13- اللغة العربية فى خدمة علوم الأحياء للدكتور محمود حافظ، ... الدورة 45 العدد (43) مجلة المجمع.
14- قضية تعريب التعليم العالى والجامعى فى مصر للدكتور محمود حافظ، العدد (56) مجلة المجمع مايو 1985م.
15- مجمع اللغة العربية والمصطلح العلمى للدكتور محمود مختار، العدد (53) مجلة المجمع.
16- ملاحظات شتى على معجمات حديثة للأمير مصطفى الشهابى، الجزء 3 للمؤتمر، البحوث ص 65.
17- توحيد المصطلحات العلمية فى البلاد العربية للأمير مصطفى الشهابى مجلة المجمع العدد (11).
18- اللغة العربية فى مؤسسات التعليم ووسائل النهوض بها فى مصر للدكتور محمود حافظ، مجلة المجمع العدد (65) نوفمبر 1989م.
الموضوع ... الصفحة
- شكر وتقدير ........................................... ... هـ
- تصدير ................................................. ... ز
أولا : المحاضرات العلمية.................................. ... 1(2/380)
- كلمة حفل الاستقبال عضوًا بالمجمع...................... ... 3
- اللغة العربية فى خدمة علوم الأحياء .................... ... 15
- اللغة العربية فى مؤسسات التعليم العام والعالى ووسائل النهوض بها ............................................ ... 35
- المجمع المصرى للثقافة العلمية فى تاريخه ومنجزاته ودوره فى نشر الثقافة العلمية فى مصر.................. ... 73
- معاجمنا العلمية المتخصصة بين الأصالة والمعاصرة..... ... 85
- الترجمة بين الماضى والحاضر وأهميتها فى نقل العلوم إلى اللغة العربية........................................ ... 105
- قضية التعريب فى مصر................................ ... 125
ثانيًا: الإنجازات العلمية والمنجزات المجمعية لعدد من المجمعيين.................................................. ... 157
- الدكتور عبد الحليم منتصر.............................. ... 159
- الدكتور محمود توفيق حفناوى........................... ... 169
- الدكتور سليمان حزين................................... ... 185
- الدكتور عبد العظيم حفنى صابر......................... ... 197
- الدكتور أبو شادى الروبى............................... ... 207
- الدكتور عبد الرازق عبد الفتاح.......................... ... 219
- الدكتور أحمد مدحت إسلام.............................. ... 227
- الدكتور عبد العزيز صالح............................... ... 233
- الدكتور أحمد مستجير مصطفى.......................... ... 239
- الدكتور شفيق إبراهيم بلبع............................... ... 247
- - - - -(2/381)