النظرية النقدية والبلاغية في كتاب "منهاج البلغاء" للقرطاجني
بحث مقدم لنيل الإجازة العالية (الليسانس)
إعداد الطالب:
فخر الدين بن شاكر سماعيلوفيتش
تحت إشراف:
الأستاذ الدكتور محمد فايد هيكل
---
المقدمة
أعلى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. إياك نعبد وإياك نستعين. اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم. غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
آمينْ.
لو أراد إنسان حصر جهود علماء المسلمين في سبيل العناية بقواعد اللغة العربية وفنونها لعجز عن ذلك مهما حاول. فقد مثّل القرآن الكريم حافزا لا مثيل له في اللغات الأخرى حيث حمل أفراد الأمة الإسلامية على المحافظة بهذه اللغة وكل ما يتعلق بها. والكتاب الذي هو موضوع بحثنا ليس إلا واحد من الأمثلة على جهود جهابذة هذه الأمة في سبيل العناية باللغة العربية.(1/1)
فالنقد الأدبي بتعمقه في خفايا اللغة يبرز لنا مواطن ضعف أساليب الشعراء والكتاب، وبذلك يرفع ويميز الأسلوب الإلهي القرآني عن أساليب البشر ويبيّن عجزهم عن الإتيان بشيء يشبه هذا الكتاب المعظّم. فإنهم لم ينجحوا ولن ينجحوا في الإتيان بمثله مهما اجتهدوا في سبيل ذلك. وكل هذه الأمور يجلي لنا أهمية دراسة النقد الأدبي والتعمق في مسائله وتدبّر آراء النقاد والبلاغيين، الذين يعد صاحب "منهاج البلغاء" – حازم القرطاجني – من أبرزهم. والأمر الذي يزيد أهمية دراسة مسائل "المنهاج" في هذا العصر هو أنه بقي شبه مجهول في أوساط المباحثات النقدية، ولم يعط حقه من الاهتمام في مجال البلاغة. وسنبين سبب ذلك وأثره في أثناء تناولنا لمسائل الكتاب.
وفي هجرة حازم من الأندلس وسقوط تلك البلاد في أيدي النصارى ما يذكرنا بما يحدث في هذا العصر في تلك القارة نفسها. فقد واصل النصارى انتزاع الأراضي من المسلمين في أوربا وتهجيرهم من بيوتهم، ومن ثم طمس الآثار الإسلامية في أي مكان احتلوه. فلم يختلف منهجهم في ذلك منذ عصر حازم القرطاجني حتى الآن، حيث إن الوضع في أوربا الشرقية الآن شبيه بالوضع في الأندلس إبان سقوطها تماما، فلم يبق للمسلمين هناك سوى تذكر أمجادهم القديمة وقصورهم الماضية التي يسودها الآن غيرهم. وهجرة حازم لها أثرها في بناء نفسيته الشاعر، كما أثر ذلك على شخصيته العلمية. وكان مما ساعدني على أدراك آلامه وأحزانه أن قومي الآن يعيش في أوربا أيام الأندلس نفسها، حيث إننا نشاهد بأعيننا سقوط مدن المسلمين في براثن الأعداء وإجلاءها من سكانها بتهجيرهم إلى بلدان العالم المتفرقة، ونسأل الله العافية.(1/2)
وعنوان بحثي هذا هو "النظرية النقدية والبلاغية في كتاب منهاج البلغاء للقرطاجني". وحرصت فيه على ذكر أهم مسائل هذا الكتاب، ولا سيما التي اختص بها حازم في نقده، مع دراسة تلك المسائل وذكر الآراء المشابهة لها (إن وجدت) كآراء فلاسفة اليونان، أو بعض نقاد العرب. وكان المفروض أن أميّز بين النظريات النقدية والنظريات البلاغية، إلا أنني وجد ذلك متعذرا علي لعدة أمور:
أن النقد لم يفصل فصلاً واضحا في عصر المؤلف عن البلاغة.
أن ما نسميه اليوم بالقضايا النقدية قد اشتمل على مسائل البلاغية والعكس، فقد رأينا حازما يعتمد على أصول وقواعد فنية بلاغية في بعض المباحث النقدية.
أن هذه القضايا لم تفصل في عنوان الكتاب كذلك، حيث قيل فيه: القضية النقدية والبلاغية، ولم يقل: القضية النقدية والقضية البلاغية.
وقد قسمت بحثي، بعد المقدمة، إلى التمهيد والبابين. وتناولت في التمهيد الحالة السياسية والثقافية في عصر المؤلف؛ وفي الباب الأول حياة حازم وكتابه، ثم انتقلت إلى الباب الثاني ودراسة بعض القضايا النقدية والبلاغية في كتاب حازم. وقسمت هذا الباب على تسعة فصول تتحدث عن أهم قضايا نقدية في "منهاج البلغاء" وتحدثت في الخاتمة عن انفراد حازم والفرق بينه وبين الاتجاه المشرقي في النقد.
وبعد، فإني أحمد الله أن يسر لي دراسة العلوم الإسلامية والعربية، ثم أشكر والديّ اللذين آثرا على نفسيهما بإرسال ابنهما إلى هذه البلاد البعيدة لطلب العلم ولم يغلبهم في ذلك الشفقة الأبوية، كما أشكر كل من ساعدني في سبيل طلب العلم من القائمين على هذه الجامعة المباركة، وأشكر مشرفي الأستاذ الدكتور محمد فايد هيكل الذي كانت توجيهاته وإرشاداته خير معين لي في أثناء هذا البحث.
---
التمهيد
أعلى
الحالة السياسة والثقافية في عصر حازم القرطاجني
1= الوضع السياسي والثقافي بالأندلس في أول القرن السابع/الثالث عشر(1/3)
كان لسنة 609/1212 أثرها الكبير في تاريخ الأندلس، حيث تحول الوضع في جنوبي الجزيرة الإيبيرية تحولا كاملا، فأصبح النصارى متحدين بعد انقسامهم، متعاونين بعد تخاذلهم، وكان كل من قوادهم يساهم في مطاردة المسلمين وإخراجهم من الجزيرة، راجين بذلك إعادة سيادتهم وحكمهم على تلك البلاد.
وكانت معركة عقاب (سنة 609/1212) قاضية على حكم بني عبد المؤمن من الموحدين على الأندلس والمغرب جميعا، ومما زاد سلطتهم فسادا وانهيارا عدم تعاون أشياخ الموحدين في أمور السلطة وإدارة شؤون الدولة. وظهرت هناك فتن كثيرة كانت سببا في انقسام البلاد. وخرج محمد بن هود عن الموحدين سنة 625/1229، وزاد ذلك الدولة ضعفا وإرهاقا. واجتاحت مرسية الفتن والثورات، وسانده في ذلك العباسيون ولقب بالمتوكل، واستطاع أن يمد نفوذه على جبان وقرطبة والمرية وباجة وغرناطة في حدود ثلاث سنوات. وحاول بمفرده أن يقف في وجه الصليبيين بقيادة فردناند الثالث، فحرص على فرض سلطته على الساحل كله وعلى الولايات الجنوبية الواقعة بين الجزيرة والمرية من جهة، وبين قرطبة وغرناطة من جهة أخرى. ولم يسانده في هذه المهمة أي من ملوك وأمراء المسلمين في الجزيرة فعارضه خصمه ابن الأحمر ملك غرناطة، ووقف في وجهه بعض الأمراء الموحدين المقيمين إلى ذلك العهد بجنوبي أسبانيا. وتوّج كل ذلك بالفتن والحروب الداخلية التي كانت فرصة سانحة لملك أسبانيا فردناند الثالث للاستيلاء على كثير من القواعد والمدن، وبالخصوص على قرطبة سنة 663/1236.(1/4)
وقد أصابت هذه التغييرات المؤلمة الحياة الفكرية في الأندلس، وسببت في هجرة كثير من الأسر العلمية الأدبية على الهجرة. وكان هؤلاء العلماء يقيمون إما بالمغرب بمرّاكش أو بإفريقية، وإما بالمشرق بسوريا أو بمصر أو بالحجاز، وكانت هذه الهجرة بلا شك سببا من أسباب انقراض الحياة الفكرية الإسلامية هناك. وقد تم هذا تدريجيا، مع أننا لاحظنا بعض التجمعات العلمية في مراكز كثيرة في جنوبي البلاد.
2- المغرب الأقصى في العهد الموحدي بين سنة 633/1236 وسنة 638/1242(1/5)
كانت الحالة في المغرب الأقصى في هذه الفترة مضطربة جدا، لما كان ينتاب تلك البلاد من حوادث وفتن، سببت في الفوضى والفزع. وكانت الحياة بمراكش - مكان استقرار حازم - مضطربة أي اضطراب، حيث كانت تهزها فتن مستمرة وحوادث متصلة، فالسلطة الموحدية كانت على وشك الانهيار، ولم يستطع الخليفة الشاب الرشيد أن يجد استقرارا ولا أمنا بالرغم مما بذله من جهود لتدارك الأمر. فإنه عفا عن كثير من الموحدين، وأعاد ما أزاله المأمون والده من رسوم المهدي بن تومرت وسنته سنة 632/1234 في بدء ولايته. ولكن كل ذلك لم يمنع خصومه من مشاغبته ومقاومته؛ وبعد فتن داخلية التي أتيحت لأعداء الرشيد الاستيلاء على مراكش، قاعدة الخلافة الموحدية. واستطاع الرشيد قمع هذه الفتنة والرجوع إلى العاصمة سنة 633/1236، وتفرق بعد ذلك أعداؤه. ولم يكن ذلك دليلا على حل الأزمة في المغرب الأقصى، فقد أدت هجمات العناصر البربرية الأخرى إلى سقوط الدولة الموحدية وقيام الدولة المرينية مكانها. وقد ساعد على هذا أحداث كثيرة، منها استقلال أمير تلمسان، وتأسيسه مملكة مستقلة في حدود سنة 1235-1236، هي مملكة عبد الوادي. وانفصل عن الموحدين بإفريقية الوالي الحفصي معلنا بذلك استقلاله. وظهرت مناوأته للمأمون ولابن الرشيد من بعده، حيث زحف على قسنطينة وبجاية وأخضعهما لطاعته. واستطاع أبو زكريا الأول أن يضم تحت سلطته بلاد إفريقية، وسمي ذلك بالبلاد الحفصية فيما بعد. وسببت نزعتهم التوسعية القلق المستمر للخلفاء الموحدين.
3- الحالة السياسية بإفريقية لعهد أبي زكرياء الأول وابنه المستنصر
إذا انتقلنا إلى تونس، آخر مستقر حازم القرطاجني، نجد فيها حالة سياسية متأججة. فالدولة الحفصية لم تعد تفكر في تحسين حالها وصيانة استقرارها فحسب، بل فكرت في بسط نفوذها على ما وراء بلاد إفريقية.(1/6)
فبعد موت الرشيد وتولي أخيه السعيد مقاليد الحكم، خرج أبو زكرياء، وهو من أخص أتباع مذهب الموحدين، وسعى في سبيل توسيع نفوذهم في بلاد المغرب وإفريقية، وفتح عددا من المدن والأقاليم. وقد قضى هذا الأمر على الدولتين المرينية والنصرية - وبهذا أصبح أبو زكرياء أقوى الأمراء نفوذا وسلطانا في شمالي إفريقية.
وورد مدينة تونس - عاصمة الحفصيين - فريق من رجال الفكر والأدب، حيث انحدروا هناك من مختلف أنحاء الأندلس، وكان من بينهم العلامة حازم القرطاجني، الذي سعى سعيه نحو تكوين نخبة من العلماء والأدباء، فساعد ذلك على نشر المناهج الأندلسية في بلاد تونس. وسبب ذلك حسد بعض رجال الدولة الحفصية، الذين أخذوا يمكرون ويحوكون الدسائس، ولكن حازما لم يغفل عن ذلك، وأخذ الحيطة والحذر، فاجتهد وأخلص في عمله فوثق به المستنصر وأعطاه المكانة المرموقة في قصره.
---
الباب الأول: حازم القرطاجني وكتابه
أعلى
الفصل الأول: التعريف بشخصية حازم القرطاجني
المبحث الأول: حياة حازم
1 - حازم وبيئته(1/7)
ولد أبو الحسن حازم بن محمد بن حسن القرطاجني عام 608/ 1211 بمدينة قرطاجنة، (Cartaghène, Cartagena) من سواحل كورة تدمير، الواقعة في شرقي الأندلس. عاش في طفولته وشبابه عيشا رغدا، حيث كان أبوه ذا مكانة عالية في قرطاجنة، متوليا فيها خطة القضاء حتى وفاته سنة 637/1234. بدأ حازم، ككل الأطفال في عصره، بحفظ القرآن، وتخرج في قراءته على شيوخ أجلاء من قراء بلده. وكان لوالده دور مشاهد في تكوين شخصيته العلمية، حيث كان معلمه الأول، وموجهه لمعرفة العربية وتعلم قواعدها، ورائده في الأخذ بأطراف العلوم الفقهية والحديثية. ولما يفع حازم أقبل على دراسة العلوم الشرعية واللغوية، وكان ذلك سببا في ترداده المستمر على مرسية القريبة للأخذ عن العلماء مثل الطرسوني والعروضي. "وهناك درس كثيرا من أمهات الكتب حتى فاق نظراءه. واكتملت عناصر ثقافته فكان فقيها مالكي المذهب كوالده، نحويا بصريا كعامة علماء الأندلس، حافظا للحديث، راوية للأخبار والأدب، شاعرا".
ولم يقتصر حازم على ذلك، بل حرص على الاستزادة من المعرفة والأخذ عن أعلام عصره المقيمين بجنوبي الجزيرة. وسافر في سبيل طلب العلم إلى غرناطة وإشبيلية، حتى جمع كثيرا من الإجازات والأسانيد. "واتصل آخر الأمر بشيخه الجليل عمدة الحديث والعربية"-أبي علي ابن الشلوبين.
ولعل شيخه الشلوبين لاحظ فيه استعداداً للأخذ بالعلوم العقلية، فلم يجعل منه راوية كابن الأبار، أو لغويا نحويا فقط، فيقتصر على تدريس كتاب سيبويه، بل وجهه إلى مطالعة كتب الفلسفة الهيلينية، وأشار له بدراسة كتب المنطق والخطابة والشعر.
وأعجب حازم بسعة اطلاع أستاذه فأقبل على دراسة ما أشار عليه به من مصنفات شيخه ابن رشد، وكتب غيره من الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا. وذكر السيوطي أن عدد شيوخه بلغ ألفا، ولكننا لا نجد في تلك المصادر من ذُكر باسمه غير الطرسوني والعروضي والشلوبين.(1/8)
وانعكست هذه المؤثرات – من سعة الاطلاع والأخذ عن أعلام أفذاذ – على شخصية حازم القرطاجني، حيث تزيّن بكمّ هائل من العلوم اللسانية والحديثية والفقهية. وأورد السيوطي في ذلك أقوال بعض معاصريه حيث ذكر بعد اسمه ونسبه أنه "شيخ البلاغة والأدب. قال أبو حيان: هو أوحد زمانه في النظم والنثر والنحو واللغة والعروض وعلم البيان." ونقل أيضا عن ابن رشيد قوله: "حبر البلغاء، وبحر الأدباء، ذو اختيارات فائقة، واختراعات رائقة، لا نعلم أحدا ممن لقيناه جمع من علم اللسان ما جمع، ولا أحكم من معاقد علم البيان ما أحكم؛ من منقول ومبتدع. وأما البلاغة فهو بحرها العذب، والمتفرد بحمل روايتها، أميرا في الشرق والغرب. وأما حفظ لغات العرب وأشعارها، فهو حماد راويتها، وحمال أوقارها. يجمع إلى ذلك جودة التصنيف وبراعة الخط، ويضرب بسهم في العقليات، والدراية أغلب عليه من الرواية.". وأورد هذا القول، كذلك، المقري في "أزهار الرياض" عند ترجمته لحازم القرطاجني.
2 - هجرته إلى تونس
توالت مدن شرقي الأندلس سقوطا في براثن النصارى، فاضطرّ جمع من الأسر العلمية الأندلسية إلى مغادرة البلاد، والهجرة إلى المغرب أو بلاد الشام والحجاز، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وكان من بين هؤلاء العلماء مترجَمُنا حازم القرطاجني، حيث اضطر إلى مفارقة قرطاجنة بعد أن دفن فيها أباه بزمن يسير. ولا نملك أخباراً عن توقيت هجرته، لكن يقدر الباحثون أنها وقعت بين سنة 633-637/1236-1239. ولم يقصد حازم تونس توّا، بل مكث بمراكش بعض الوقت، واتصل بالسلطان الموحدي الرشيد أبي محمد عبد الواحد بن المأمون. ولا بد من الإشارة هنا إلى الحركة الثقافية والعلمية التي لوحظت رغم الاضطرابات والفوضى التي كانت تهز المغرب آنذاك. "وذلك أن الرشيد كان يولي هذا الجانب من الحياة في دولته عناية خاصة"، حيث كان يغدق على العلماء المقيمين بفاس أموالا كثيرة.(1/9)
ثم ينتقل حازم إلى إفريقية (أي بلاد تونس) فيرد قصر المأمون الحفصي – أبي زكرياء الأول، وينشده قصيدته الطويلة التي أعلن فيها بيعته وطلب من الأمير حمايته واستصرخه، كما فعل ذلك ابن الأبار لإنقاذ الأندلس المنكوبة المغلوبة. وكانت له مكانة مرموقة في بلاط المستنصر، كما سبق ذكر ذلك. قال ابن سعيد واصفا مكانة حازم: "وهو الآن تحت إحسان المقام الإمامي المستنصري – خلد الله دولته وأبقى على الكل بركته – وقد تشرف بالحضور في المجلس الكريم، وأخذ معه فيما تجذبه المذاكرة من النثير والنظيم".
وبقي حازم يعيش في ظل الحفصيين إلى أن توفاه الله ليلة السبت 24 من رمضان، سنة 684 / 23 نوفمبر 1285.
المبحث الثاني: مصنفات حازم
لاحظنا فيما سبق مدى اتساع آفاق حازم وتنوع معارفه وتباينها، مع دقته وتعمقه في تحليل مسائل العلوم التي كان يتقنها. وتنقسم الآثار التي خلفها ثلاثة أقسام مختلفة، وهي: القسم الأدبي – أي ما خلفه حازم من الأشعار مما أمكن الوقوف عليه؛ وقسمان علميان أحدهما في النحو والآخر في البلاغة والنقد.
1- القسم الأول: الآثار الشعرية
يظهر لمن يقلب صفحات حياة حازم شدة اهتمام هذا العالم النحرير بالشعر. فإننا نرى مدائحه منذ شبابه تتجه إلى الأمير الموحدي الرشيد، ثم إلى عدد من الأمراء الحفصيين، وله منظومة طويلة، أربت على الألف بيت – وقد شهد لها النقاد في القديم والحديث بالتفوق والجودة.
ونلاحظ في شعره عموما أنه يتراوح بين قصيدة ومقصورة؛ وأغراض هذه الآثار متنوعة بين صوفية ووصفية وهزلية وصناعية بلاغية وجديّة.
- فمن أشعاره الصوفية قصيدة مطلعها:
سبحان من سبحته الشهب والفلك والشمس والبدر والإصباح والحلك
-وأما شعره الوصفي، فقد أورد المقري قصيدة وصفية لحازم في اثنين وثلاثين بيتا وطالعها:
أَدِرِ المُدامة فالنسيم مؤرَّج والروض مرقوم البرود مدبَّجُ
وله في هذا الغرض ست مقاطيع، مما أمكن الوقوف عليه من الشعر.(1/10)
-ويمثل شعر الهزل عند حازم غرض النسيب، وهذا يبدو في طوالع القصائد، مثل قوله:
سلطان حسن عليه للصبا علم إذا رأته جيوش الصبر تنهزم
-أما النظم الصناعي البديعي، فله في ذلك ثلاث مقاطيع، وهي تظهر لنا مدى ولوع حازم بهذا الضرب من النظم. ونلفت النظر إلى إحدى تلك المقطوعات، والتي تضمنت لغزا تتعلق بقولك – ألغز له، وهي:
يا مَن له فكرٌ منيـ ـر يهتدى بسراجه
ما جمعٌ إن تأمر به أضحى كقولك: حاجه
- وتنقسم أشعاره الجدية إلى مراث ومدائح. أما المراثي، فنملك منها الآن قصيدا ومقطوعة فحسب، ونورد من ذلك مطلع القصيد:
لا تبك حزنا ليوم بين وذكر ريم برامتين
وهي في رثاء الإمام الحسين بن علي، كالمقطوعة السابق ذكرها.
- وقد أكثر حازم النظم في غرض المديح، ومن القصائد التي قالها في هذا الغرض منظومته الطويلة ذات تسعة وتسعين بيتا، ضمنها الشاعر معلقة امرئ القيس، وصرف معناها إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، مطلعها:
لعينك قل إن زرت أفضل مرسل "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"
"ولما اشتملت عليه هذه القصيدة من خصائص، كانت في عصره أشهر ما علم من نظمه، وتلقفها الناس بالرواية طبقة عن طبقة وجيلا بعد جيل."
ومن أطول مدائح حازم وأجودها وأشهرها قصيدته المقصورة، التي تحتوي على ستة وألف بيت، ذكر في مقدمتها أنه عارض بها مقصورة ابن دريد. وكان داعي نظم هذه القصيدة والغرض فيها هو مدح المستنصر بالله الحفصي على تجديده الحنايا وإيصاله الماء من زغوان إلى تونس، ثم استصراخه والاستنجاد لغزو النصارى وتطهير بلاد الأندلس منهم. وبدأ حازم مقصورته بمقدمة غزلية جريا على التقاليد العربية، وطالعها:
لله ما قد هجت يا يوم النوى على فؤادي من تباريح الهوى(1/11)
ولهذه المقصورة أهمية فائقة تجعلها جديرة بالدرس والتحليل حيث إنها تمتاز بخصائص لغوية وجوانب تاريخية وجغرافية، لذا أقبل عليها العلماء، من عصر حازم، فوضع عليها شروح عديدة؛ منها شرح أبي القاسم الشريف الحسني القاضي بغرناطة المسمى: "رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة".
ولم يترك هذا النظم البديعي دون عناية في هذا العصر-فقد اعتنى المعاصرون به من ناحيتين – ناحية أدبية صرفة، وأخرى تاريخية جغرافية. فمن النوع الأول من الدارسين الدكتور محمد مهدي علام الذي حقق نص المقصورة، وتحدث عن فن المقصورة، مقارنا بينها وبين المقامة في النثر، ووضع ابن دريد مقام بديع الزمان، وحازما مع الحريري، وتحدث عن تفوق حازم في هذا الفن وعلو شأنه فيه.
ومن الصنف الثاني المستشرق قومز. فهو إنما ركز على الأبيات التي تصور حياة الشاعر بمرسية وقرطاجنة وأريوله، وذلك لكي يستخرج منها ما احتوت عليه من معلومات تاريخية وجغرافية هامة. وقد لاحظ قومز الأهمية البالغة لهذا النص في دراسة التسميات العربية للأماكن في أسبانيا، حيث اشتملت على ما يربو على مائة تسمية للمواضع في تلك البلاد.
تلك هي جملة آثار حازم الشعرية، وعند التعمق في خصائصها نرى ميل حازم إلى مناهج المجددين السابقين من الشعراء العرب، فلذلك نراه يفضل المتنبي عليهم جميعا، وينحى منحاه في النظم، ويسير في استعاراته وتشبيهاته على طريقة ابن المعتز. وبرع حازم في مذهب المعاني والجري على الأساليب البيانية والبديعية، وحثه ذلك على اقتفاء غيره من الشعراء ومسابقتهم، فوضع معارضاته العديدة.
2- القسم الثاني: الآثار النحوية
يعتبر حازم، كما أورد ذلك السيوطي والمقري من مشاهير النحاة، وله مؤلفان:
- رسالة في الرد على كتاب المقرِّب لابن عصفور أسماها "شد الزناد على جحفلة الحمار"، وهذا المؤلف مفقود بكامله، وإلا لكان بإمكاننا كشف مذهب حازم في النحو.(1/12)
-ولكن هناك مؤلفا نحويا وصل إلينا كاملا، وهو قصيدته النحوية، وتحتوي على تسعة عشر ومائتي بيت، ويظهر أن حازما أراد بها وضع متن في علوم العربية، وطالعها:
الحمد لله مُعلي قدر من علما وجاعل العقل في سبل الهدى علما
وابتدأها حازم بذكر مدينة تونس، ومدح المستنصر، ثم تحول إلى موضوعه الأصلي، فيتحدث عن المباحث النحوية العديدة، إلى أن ينقطع الحديث بعد الإشارة إلى الخلاف الواقع بين زعيم البصرة سيبويه وزعيم الكوفة الكسائي حول المسألة الزنبورية، وعقب على هذه المناظرة بقوله:
والغبن في العلم أشجى محنة علمت وأبرح الناس شجوا عالمٌ هضما
3- القسم الثالث: الآثار البلاغية والنقدية
يظهر أن حازما خلّف ثلاثة أو أربعة مؤلفات في فنون البلاغة والشعر:
-فنجد عند السيوطي ذكرا لكتاب في التجنيس وأن لابن الرشيد شرحا عليه، وهذا الكتاب مفقود حتى الآن.
-وله كتاب في العروض وعلم القوافي لم يصرِّح باسمه، ويُظَنّ أن أكثره مفقود. أشار الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة إلى أنه وجد مع نص المنهاج كتابا آخر سماه حازم كتاب القوافي، الذي لا يعدو ثلاث ورقات صنفت للأمير المستنصر. ويجوز أن يكون المقدار الموجود هو المتن الذي عقّب عليه ابن رشيد بالشرح، ثم فقد بقية الكتاب. وينسب المقري للرحالة ابن رشيد شرحا على كتاب القوافي لحازم سماه "وصف القوادم بالخوافي في شرح كتاب القوافي".
ومن هذا النوع من الآثار كتابه المنهاج الذي سنقف عنده بشيء من التفصيل في الفصل القادم بمشيئة الله تعالى.
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب
لاشك أن كتاب المنهاج واحد من أهم كتب التراث العربي عامة، وكتب التراث الأندلسي خاصة. ولكنه مع هذه الأهمية بقي مجهولا على مدى العصور.(1/13)
وهذا أدى إلى إهماله في العصور المتأخرة، حتى ما نكاد نجد ذكره في مؤلفات القائمين بالنهضة الأدبية والنقدية في العصر الحديث. والنسخة التي بين أيدينا قد نشرت من المخطوطة الوحيدة التي عثر عليها في المكتبة الصادقية بتونس، وقد قام بتحقيقه وتحليله الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، ونشر في دار الكتب الشرقية؛ فسد نشره ثغرة واسعة في التراث الأندلسي وصار للأندلس ذكر في هذا الباب كان مطموسا..." والنسخة الموجودة قد سقط منها القسم الأول بكامله مع بداية القسم الثاني وشيء يسير من آخر الكتاب (القسم الرابع).
وقد استنتج الباحثون مما نقله الزركشي وغيره من العلماء من القسم الأول المفقود أنه كان يتناول القول – أي: الألفاظ، وتناول القسم الثاني المعاني والثالث المباني، بينما تناول الرابع الأسلوب.
وإذا تصفحنا الكتاب نجد أنه يبدأ بالقسم الذي يليه المنهج، وفي المنهج معلم أو معرف، وفي المعلم تتناوب الإضاءة والتنوير. وألحق ببعض المناهج أو المعارف أو المعالم: المأم أو المآم.
1- عنوان الكتاب ونسبته
رغما من ذيوع صيت هذا الكتاب وشهرته، فإننا نلحظ في عنوانه الاختصار والتبديل عند كثير من المصادر التي ذكرت المنهاج. يقول الشيخ ابن الخوجة إن المخطوط الوحيد اليوم يحمل اسم "المناهج الأدبية"، وإنه من وضع بعض القراء والنساخ.
ومما يشهد على هذه التسمية ما اعتمده السبكي في كتابه "عروس الأفراح"؛ فإنه ذكر منهاج البلغاء وسراج الأدباء عند كلامه عن قضية التفريق بين التشبيه والاستعارة. ووافقه في هذه التسمية الزركشي في البرهان.
فلا اعتبار – إذن - بما ورد من عنوان الكتاب بصيغ مختصرة عند الصفدي في كتابه الوافي وعند السيوطي في مؤلفاته الثلاثة: المزهر والإتقان والاقتراح وعند المقري في كتابه الأزهار، فإن هذه التسميات كانت على سبيل الاختصار لتسهيل الإحالة عليه، مع الإشارة إليه بصيغ سراج البلغاء، منهاج البلغاء، والمنهاج.(1/14)
ولنثبت نسبة الكتاب إلى حازم يكفي أن نعتمد على الإحالات التي أوردتها المصادر التي عنيت بالمنهاج، فإن النصَّين اللذين أوردهما الزركشي في الفصل الذي عنون له بالالتفات والآخر بعنوان نفي الشيء رأسا في كتابه البرهان يتطابقان تماما على ما نجده في منهاج البلغاء اليوم.
2 – مميزات الكتاب
تذكرنا موضوعات كتاب المنهاج لحازم بمؤلفات من قبله من النقاد والبلاغيين أمثال الخطابي 388/998، والجرجاني (474/1081-1082) وغيرهما. ولكن هناك أشياء تميز هذا الكتاب عن غيره من المؤلفات النقدية. فأول شيء نلحظه عند تصفح المنهاج وقراءته هو الطريقة الترتيبية التي جرى عليها القرطاجني فيه. فالأقسام الثلاثة الباقية من الكتاب تتفق تماما في عدد الأبواب – المناهج التي تحوي العديد من الفصول. والنظريات أو القواعد البلاغية تأتي غالبا في نهاية الأبواب، ويعنون لها حازم بمآم. ونراه يخالف بقية المؤلفين في تسمية الفصول؛ فهو لا يسميها مطلبا ولا مقصدا، بل يطلق عليها مصطلحا خاصا به – وهو المعلم أو المعرف. أما الفقرات المتشعبة من الفصول، فإنه لا يرقمها تسهيلا على القارئ، لأن ذلك لم يكن معتادا في عصره، ولكنه ميز بين فقرة وأخرى بتسميتها إضاءة وتنويرا على التناوب. وهذا الترتيب يدلنا على الاتجاه المنطقي الذي كان يسير عليه حازم. وهو قد أضاف إلى هذا الاتجاه ثقافته العربية الواسعة - تنطق بذلك الشواهد المتنوعة الذي طرز بها كتابه. فهو يستدل أحيانا بالاستعمالات القرآنية وأحيانا أخرى بأشعار القدامى والمحدثين من الشعراء. ولا نجد في كتابه أي نص للكتاب أمثال ابن المقفع وابن قتيبة، وذلك أن المنهاج كتاب يهتم بنقد الشعر بالدرجة الأولى.(1/15)
وبالرغم من الطريقة التي اتبعها القرطاجني في تقسيم الكتاب، فإننا نجد فيه جوانب من التعقد والغموض. ويرجع ذلك إلى لغته المستعصية التي ملؤها المصطلحات المنطقية والفلسفية التي لا يعرفها إلا من غاص في أعماق تلك العلوم. وهو، كذلك، يوظف بعض المصطلحات البلاغية على غير ما عهد عند عامة البلاغيين، كما أنه أوجد بعض المصطلحات الخاصة به.
ولم يمثل كتاب المنهاج مجرد سرد لمعلومات السابقين، بل نجد صاحبه حريصا على التعمق في أثناء بحث مسائل الكتاب، فهو إنما يعيد ما بناه السابقون ويقوي دعائمه، مما أكسبه الشهرة الواسعة في عصره وثناء المعاصرين عليه، مما سنذكره في الفصول اللاحقة بإذن الله.
ويجدر بنا أن نذكر أنه أخلى القواعد التي يبحثها من الشواهد والأمثال في غالب الأمر، مما زاد طريقته المنطقية غموضا، ولكن، مهما تكن صعوبة المنهاج فإنه استطاع في القرن 7/13 أن يكمل بوضوح سائر كتب النقد والبلاغة المعروفة في ذلك العصر.
3 - أسلوب الكتاب(1/16)
استدرك حازم هذا النقص - الذي نتج عن قلة الاستشهاد والاستدلال - بأسلوبه الرائع في التأليف. يدل على ذلك قول ابن القوبع الذي أورده محقق المنهاج في المدخل. فكلامه متسق سلس، فيه ميل إلى التفصيل والتحليل عند قصد شرح المسائل المعقدة. ولم يلجأ حازم إلى التشويق في أثناء إيراد المسائل، كما نرى ذلك عند ابن رشيق في العمدة، بل أراد أن يكون كتابه علميا، يتصف بالجد والبساطة، معتمدا في الغالب على الجمل القصيرة. وإذا قصد إطالتها، نسج فيها جملا اعتراضية على وجه بديع من الترابط والائتلاف التام فيما بينها، ولكنها مع ذلك أكثر وضوحا من غيرها. والمثال على ذلك قوله في الفصل الخامس من النهج الثالث للقسم الرابع الأخير من الكتاب: "لما كانت الأغراض الشعرية يوقع في واحد منها الجملة الكبيرة من المعاني والمقاصد وكانت لتلك المعاني جهات فيها توجد مسائل منها تقتنى كجهة وصف المحبوب وجهة وصف الخيال وجهة وصف الطلول وجهة وصف يوم النوى وما جرى مجرى ذلك في غرض النسيب وكانت تحصل للنفس بالاستمرار على تلك الجهات والنقلة من بعضها إلى بعض بكيفية الاطراد في المعاني صورة وهيئة تسمى الأسلوب وجب أن تكون نسبة الأسلوب إلى المعاني نسبة النظم إلى الألفاظ".
4 - تأثره بالثقافة اليونانية ومزجها بالثقافة العربية
نلحظ بين النقاد القدامى من اعتنى بكتاب الشعر لأرسطو – مثل قدامة وابن رشيق، كما نلحظ منهم قلة قليلة قصدت إلى الجمع بين الطريقتين الهيلينية والعربية والمقارنة بينهما، مثل ابن الهيثم (المتوفى سنة 430/1038)، ومترجمنا حازم القرطاجني. فكتاب الشعر لأرسطو قد أثر تأثيرا عميقا في عمل صاحب المنهاج، حيث جهد أن ينتفع بهذا الكتاب – أو بالصور التي عرفها منه – أعظم انتفاع.(1/17)
والمثال على ذلك ما نجده من كلام حازم في القسم الثاني من كتابه "عما به تتقوّم صنعتا الشعر والخطابة من التخييل والإقناع"، وقد أكثر فيه القرطاجني الاهتمام بالصناعة الشعرية، فهو يعرف الشعر بأنه "كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكرّه إليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيئة تأليف الكلام أو قوة صدقه أو قوة شهرته أو بمجموع ذلك". "وهو ينقل في هذا الفصل كثيرا عن الفارابي وابن سينا، ويزيد على ما ينقله محاولة جديدة لتحديد معنى التخييل وتفصيل أنواعِه ووصف عمل الشاعر فيه. وفي ذلك كله نجد التأثير اليوناني واضحا، بل نجد كلام حازم استمرارا لكلام ابن سينا، لولا أن هذا فيلسوف يكتب في الشعر، وذاك شاعر يعتمد على الفلسفة. وكما يصرح حازم بذكر ابن سينا والفارابي يشير إلى أرسطوطاليس مؤكدا أن القوانين التي وضعها غير كافية لأن تطبق على أشعار العرب".(1/18)
و تقسيم حازم للشعر إلى طريقتين – طريقة الجد وطريقة الهزل يوحي باستفادته من أرسطو. وكان متى مترجم كتاب الشعر قد أشاع ترجمة "الكوميديا والتراجيديا" بالمدح والهجاء، وأوقع ذلك في الخطأ من جاء بعده. فنرى ابن سينا يعبر عن هاتين الطريقتين بـ"الطراغوذيا والقوموذيا"، وابن رشد يستبقيهما. "ويبدو أن كلمتي "المديح والهجاء" قد أوقعتا قدامة أيضا في شيء من الاضطراب، إذ ترك ذكر الفخر في فنون الشعر، وعد الرثاء لونا من المديح." وحرص حازم على أن ينتفع من الشعر اليوناني في هذا الباب، فاعتمد على ما لاحظه أرسطو من أن الشعراء الأخيار مالوا إلى محاكاة الفضائل، بينما مال الأرذال إلى محاكاة الرذائل، وما فهمه من تلخيص ابن سينا أن التراجيديا محاكاة ينحى بها منحى الجد والكوميديا محاكاة ينحى بها منحى الهزء والاستخفاف، فجعل ذلك عمدة في تقسيم الشعر العربي إلى طريقتين – الجد والهزل. واستطاع حازم بهذا أن يطبق بإخلاص تقسيم أرسطو هذا للشعر اليوناني على الشعر العربي الغنائي.
وفصل القول في هذه القضية أن كتاب المنهاج يمثل ملتقى التيارين العربي واليوناني، حيث أحسن حازم في الاستفادة من الثقافة اليونانية ومزجها بالعربية، مع ملاحظة أن التيار اليوناني كان غالبا عليه.
5 - منزلته بين الكتب البلاغية والنقدية الأخرى
عد الزركشي تفسير ابن النقيب وكتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء لحازم الأندلسي أجمع كتب في علم البيان والبديع. وقد جاء حازم في أخريات ازدهار الثقافة العربية في الأندلس والمغرب، ولا نجد عنده التأثر بضعف أمر المسلمين آنذاك، بل سجل لنا ناحية واسعة من نواحي نضج العصر الذي كان قد أوشك نجمه بالغروب.(1/19)
ويعتبر بعض الباحثين هذا الكتاب ختاما للدراسة البلاغية والنقدية الجادة (باستثناء العصر الحديث)، كما أن علمي الفلسفة والاجتماع لم يتقدما خطوة بعد ابن رشد وابن خلدون. ويمثل كتاب منهاج البلغاء قمة من قمم النقد الأدبي عند العرب؛ فصاحبه قد اطلع على أفضل ثمار النقد إلى عصره – حيث نجد أنه يشير إلى آراء الآمدي (371/981) والخفاجي (466/1073) وغيرهما. وهذا الكتاب قد توج واستدرك جملة تآليف هذا الفن التي تقدمته. وفوق كل ذلك نجد لحازم آراء أصلية ونظريات شخصية لم يتطرق إليها غيره، حيث ينبِّهنا على ذلك بنفسه.
ويظهر لنا عند قراءة آخر موضع وصل إلينا من كتابه، وهو "معرف دال على طرق المعرفة بمبلغ هذا الكتاب من أصول هذه الصناعة أن صاحبه يقصد إلى "بلاغة تعضدها الأصول المنطقية الحكمية"؛ "فنتبين من ذلك جليا أن لكتاب حازم من علم البلاغة ناحية خاصة يحتلها من بين الكتب المشهورة، ويمكن أن ننزلها من العلم منزلة الأصول من الفروع، أو منزلة فلسفة العلم من العلم، كمنزلة رسالة الإمام الشافعي من علم الفقه، أو منزلة مقدمة ابن خلدون من علم التاريخ
6 - قلة اهتمام الناس بهذا الكتاب وسبب ذلك
رأينا فيما سبق قيمة كتاب المنهاج وتفوقه على الكتب البلاغية والنقدية التي سبقته. ولكنه مع كل هذا لم ينل ما يستحقه من اهتمام العلماء على مد العصور. فقد ظل شبه مجهول إلى هذا العصر، فوصل إلينا مبتورا، منقوصا، في نسخة لا ثاني لها. ويعيد الباحثون هذا الأمر إلى عدة أمور. فالأدب قد بدأ بالانهيار بعد عصر حازم، مما أدى إلى إهمال هذا الكتاب. ونجد على ذلك دليلا في كلام القرطاجني حيث أشار إلى هوان منزلة الشعر في المجتمع؛ فكان من سوء حظ هذا الكتاب أننا لا نرى خلفا لنظريات حازم في العصور التي تلت عصره، بل لا نرى من أحسن الانتفاع به.(1/20)
ورأى العلامة الدكتور محمد الفاضل ابن عاشور أن السبب في ذلك تفرد حازم بنظرية علم "أصول البلاغة" أو "فلسفة البلاغة". وقال في هذا الصدد: "وهذا إنما يرجع إلى التناسب الوضعي، كان رابطا بين الفنون والكتب، في وحدة الثقافة الإسلامية: هو الذي بمقتضاه اتخذ كل فن من الفنون: الشرعية، والأدبية، والحكمية، زيادة على كيانه الذاتي، قواما تناسبيا في ما يصل عامة الفنون بعضها ببعض، في الغايات العملية، الراجعة إلى عمود الثقافة الإسلامية: وهو المعرفة العالَمية الكلية. فإن كل علم من العلوم قد اكتسب من استناده إلى العلوم الأخرى، من فصيلته ومن غير فصيلته، ما جعله، في غاياته واستمداداته، مرتبطا بوضع عام تتصرّف بمقتضاه العلوم تصرفا تناسبيا توالديا، لا يتمكن بعده لعلم منها أن ينفصل عن وحدة الحركة التصرّفية، حتى يضرب عليه بذلك حاجز يحجزه عن أن يمتدّ بعيدا، إلى ناحية يحتلّ بامتداده إليها وضعه من سائر العلوم المنتظمة معه في الوحدة الكبرى. ويكون ذلك قاضيا على محاولات كثيرة تتّجه إلى أن تدخل على علم من العلوم توجيهات، وأنظارا، تعتمد في استنباطها على صميم العلم بذاته، ولا تلوي على نواحي الترابط التي بينه وبين غيره، فتأتي الحركة الكبرى، في مدارها الأوسع، نافية لتلك العناصر الجديدة، التي لم تتخذ لنفسها ما يصلها بمدار الحركة، ويزلفها إليه. فبذلك تبقى خارج المدار، منفردة، تسبح، حول نفسها سبحا طويلا، لا تزال تبتعد به عن الاتصال بما تهفو إلى الاتصال به، حتى تتضاءل، وتختفي، ثم تهوي في كلالة، إلى الأفق المظلم، الذي يزخر بأوضاع فكرية كثيرة، لم تستطع الثبات حول المدار الأوسع، في الأفق الأعلى."
وهذا ما قد حدث بين حازم وسائر علماء البلاغة. فإنهم قد أوصلوا هذا العلم إلى أوجه وقمته وربطوه بإعجاز القرآن، وشيدوا بناءه وأثبتوا دعائمه.(1/21)
ثم جاء حازم يستجلي روحه ويستخرج أصوله دون النظر إلى الظواهر التي اهتم بها من قبله، فلم يصل جهوده بجهود السابقين من البلاغيين والنقاد. فلذلك وقف كتاب المنهاج من علم البلاغة موقف المهين المتعالي، مما أحدث الجفوة والنبوة بينه وبين علم البلاغة. "فلا هو صحّ له ما يريد من تأصيل نظرياته العليا، ولا علم البلاغة استفاد من تلك النظريات زهرة وتجدداً، لأنها بقيت بعيدة عنه..."
وهذا قد حدث بين حازم وسائر علماء البلاغة. فإنهم قد أوصلوا هذا العلم إلى أوجه وقمته وربطوه بإعجاز القرآن، كما أنهم شيدوا بناءه وأحكموا صنعته.
ومع كل ذلك، فإن الصعوبة الكامنة في كتاب المنهاج أدت بلا شك إلى نفور الناس منها وعدولهم إلى مباحث البلاغة المدرسية التي أرست قواعدها واستوفت حاجاتها من الشرح والتبسيط.
---
الباب الثاني: القضايا النقدية والبلاغية في كتاب منهاج البلغاء
أعلى
الفصل الأول: ماهية الشعر
سبقت الإشارة إلى أن كتاب المنهاج تنصب مباحثه على نقد الشعر، حيث يمتد هذا الموضوع على جميع فصول الكتاب. لذا نلاحظ أن المفهوم الكلي للشعر متفرق عبر الكتاب، في أثناء مناقشته للمسائل النقدية المختلفة.
قد عرّف حازم الشعر بأنه "كلام موزون مقفّى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكرّه إليها ما قصد تكريهه، لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيأة تأليف الكلام، أو قوة صدقه أو قوة شهرته، أو بمجموع ذلك." فهو يعترف بأن الشعر "كلام موزون مقفى"، لكنه صب اهتمامه في هذا التعريف على ناحية التأثير، أي حمل الشعر على التحبيب والتنفير، كما لاحظنا ذلك في تعريفه السابق.(1/22)
وهناك عناصر تكفل للشعر هذا الفعل، منها: حسن التخييل أو المحاكاة أو الصدق أو الاغتراب، كما يظهر ذلك من قوله: "فأفضل الشعر ما حسنت محاكاته وهيأته، وقويت شهرته أو صدقه، أو خفي كذبه، وقامت غرابته". وأردأ الشعر ما كان ضد ذلك. وهذا القسم جدير بألا يسمى شعرا، وإن كان موزونا مقفى، إذ المقصود بالشعر معدوم منه.
ذلك هو تعريف الشعر بالنسبة لتأثيره.
وأما من حيث الإبداع، فتتولد المعاني الشعرية من قيام هذا الفن بوصف حالات النفس وانفعالاتها وتأثراتها؛ فهناك ظواهر تسير بالنفس بين قبض وبسط، وحركات النفس بسائط ومركبات، تتضمن الارتياح والاكتراث وما تركب منهما – وهي الطرق الشاجية؛ والأنواع التي تقع تحت هذه الأجناس هي: الاستغراب والاعتبار والرضى والغضب والنزاع والنزوع والخوف والرجاء.
وهذا الإبداع لا يتأتى على أكمل الوجوه إلا بحصول ثلاثة أشياء، وهي: المهيئات والأدوات والبواعث.
أما المهيئات فأهمها البيئة ذات الهواء الطلق، والمطعم الطيب، والمناطق الأنيقة، والترعرع بين الفصحاء الذين دربوا على الإحساس بالإيقاع وحفظ الكلام الموزون.
والأدوات هي العلوم المتعلقة بالألفاظ والعلوم المتعلقة بالمعاني.
والبواعث تنقسم إلى أطراب وآمال. فالأطراب كعوامل الحنين والآمال كالاستشراف إلى العطاء وما أشبه.
وبجانب هذه العوامل، لا بد لكمال إبداع الشعر من توفر قوى داخلية، وهي ثلاثة:
القوة الحافظة، وهي أن تكون خيالات الفكر منتظمة متمايزة، تلبس الموضوع صورة جلية حقيقية، مع تجنب جميع ما يعكرها ويكسبها الغموض وعدم الانتظام.
القوة المائزة هي التي يميز بها الشاعر ما يلائم موضوعه ونظمه وأسلوبه وغرضه مما لا يلائم ذلك.
القوة الصانعة هي التي تضم الألفاظ والمعاني والتركيبات النظمية والمذاهب الأسلوبية بعضها إلى بعض.
وإذا اجتمعت هذه القوى جميعها في الشاعر، سمي ذلك بالطبع الجيد في صناعة الشعر.(1/23)
وتبدو لنا من جملة ما سبق سيطرة حازم على مختلف جوانب النقد التي نجدها في أماكن متفرقة على مرّ الزمان. فهو قد استفاد من النقاد الفلاسفة في تعريف الشعر وتعلقه بحركات النفس، كما أخذ عن الجاحظ القول بأثر البيئة والعرق، ووقف في صف النقاد الذين قالوا بحاجة الشاعر إلى الثقافة (العلوم). وأما حديثه عن القوى الحافظة والمائزة والصانعة فهو قياس على ما نجده عند الفلاسفة (وخاصة ابن سينا) من الحديث عن قوى النفس: قوة الفنطاسيا والقوة المصورة والقوة المخيلة والقوة الوهمية والقوة الحافظة الذاكرة. فأحسن حازم الجمع بين هذه النظريات المتبعثرة واستخلص منها تصوره لماهية الشعر، التصور الذي يتسم بغاية الدقة والإتقان.
الفصل الثاني: تقسيم الشعر
المبحث الأول: طرق الشعر (جد وهزل)
تقدم الحديث عن التأثير الأرسطي على نقد حازم في تقسيمه طرق الشعر إلى جدِّي وهزلي، وفي هذا الفصل سنتناول مفهوم حازم لهاتين الطريقتين وما يختص به كل منهما.
ينقسم الشعراء من هذه الحثيثة إلى منهجين: الجد والهزل، "فأما طريقة الجدّ فهي مذهب في الكلام تصدر الأقاويل فيه عن مروءة وعقل بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك.
وأما طريقة الهزل فإنها مذهب في الكلام تصدر الأقاويل فيه عن مجون وسخف بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك."
ويجب في الطريقة الأولى أن يُتجنّب الهزل، أي الساقط والمولد من الألفاظ، ويعتمد على العربي المحض الصريح في الفصاحة، ويعتمد فيها من المعاني ما لا يشين ذكره ولا يسقط من مروءة المتكلم، ويُتحرّى فيها المتانة والرصانة.
وأما الطريقة الهزلية، فقد تقتبس شيئا من الطريقة الجدية (بغير العكس). وقد قال سقراط: "حكاية الهزل لذيذة سخيف أهلها، وحكاية الجدّ مكروهة، وحكاية الممزوج منهما معتدل. ولا يقبل شاعر يحكي كل جنس، بل نطرده وندفع ملاحته وطيبه، ونقبل على شاعرنا الذي يسلك مسلك الجد فقط".
المبحث الثاني: أغراض الشعر(1/24)
أشار حازم في مستهل حديثه عن تقسيم الأغراض الشعرية إلى أقوال النقاد السابقين حول هذه القضية، وأورد اختلافهم في ذلك.
فقسم بعضهم الأغراض إلى ستة أقسام: "مدح وهجاء ونسيب ورثاء ووصف وتشبيه". وحصرها بعض آخر إلى خمسة، حيث أرجع التشبيه إلى معنى الوصف.
ولم يعجب حازم بهذا التقسيم، وألزم أصحاب هذا الرأي أن يدخلوا قسم الوصف في الذم أو الحمد. فذلك متعين وإن لم تكن تلك الأوصاف مما يحتاج الناس إلى حمد موصوفاتها أو ذمها؛ إذ "في كل الحالات يصل إليها من ذلك شيء."
ثم استأنف في إيراد أقوال النقاد في الأغراض، فهي عند فريق أربعة: "الرغبة والرهبة والطرب والغضب"، وعند فريق آخر: "الشعر كله في الحقيقة راجع إلى معنى الرغبة والرهبة."
وبعد هذا السرد القصير بدأ حازم في بيان طريقته الخاصة في هذا التقسيم وقال: "وهذه التقسيمات كلها غير صحيحة لكون كل قسم منها لا يخلو من أن يكون فيه نقص أو تداخل. وأنا أذكر الوجه الصحيح والمأخذ المستقيم في القسمة التي لا نقص فيها ولا تداخل."(1/25)
وهو يطلب بهذا مبدأ الوحدة الذي طلبه قدامة عندما جعل أغراض الشعر نابعة من منبع واحد أخلاقي هو الفضيلة (وما يناقضها) وأنها تتجسم في صورة واحدة هي المدح (وما يناقضه). لكنه سلك طريقا جديدة في تصوير فذه الوحدة فقال: "إن الأقاويل الشعرية لما كان القصد بها استجلاب المنافع واستدفاع المضار ببسطها النفوس إلى ما يراد من ذلك وقبضها عما يراد بما يخيل لها فيه من خير أو شر، وكانت الأشياء التي يرى أنها خيرات أو شرور منها ما حصل ومنها ما لم يحصل، وكان حصول ما من شأنه أن يطلب يسمى ظفرا، وفوته في مظنّته الحصول يسمّى إخفاقا، وكان حصول ما كان من شأنه أن يُهرب عنه يسمى أذاة أو رزءا، وكفايته في مظنة الحصول تسمى نجاة، سمي القول في الظفر والنجاة تهنئة، وسمي القول بالإخفاق إن قصد تسلية النفس عنه تأسيا، وإن قصد تحسرها تأسُّفا، وسمي القول في الرزء إن قصد استدعاء الجلد على ذلك تعزية، وإن قصد استدعاء الجزع من ذلك سمي تفجيعا، فإن كان المظفور به على يدي قاصد للنفع جوزي على ذلك بالذكر الجميل وسمي ذلك مديحا، وإن كان الضار على يدي قاصد لذلك فأدى ذلك إلى ذكر قبيح سمي ذلك هجاء، وإذا كان الرزء بفقد شيء فندب ذلك سمي ذلك رثاء."
وعَقِبَ هذا قسم المنافع إلى ما يكون بالنسبة والملاءمة – وإلى ما يكون بالفعل والاعتماد. فما تعلق من تلك المنافع بهوى النفس سمي نسيبا، وما كان متعلقا بالأشياء المستدعية رضى النفس سمي مديحا، وإذا تعلق الذكر القبيح بالأشياء المنافرة لهوى النفس والأشياء المباعدة رضاها فكلاهما داخل في قسم الهجاء.(1/26)
ولما أورد الأقسام الفرعية للشعر مثل التوبيخ والإعتاب، توجه إلى تقسيم "الأقوال فيما حصل مما شأنه أن يطلب أو يهرب عنه إلى تهان وما معها، وتعاز وما معها، ومدائح وما معها." وبعد التقسيمات الكثيرة الصعبة، عاد حازم إلى ذكر هذه الأغراض الأربعة مديحا أنها "أمهات الطرق الشعرية" – وأن كل ذلك يرجع إلى ما سببه الارتياح أو الاكتراث أو هما معا.
وقد عانى صاحب المنهاج معاناة شديدة في هذه التقسيمات المنطقية حتى يتسنى له إدخال النسيب ضمن الأغراض الأساسية للشعر، "وهو ذلك الفن الذي أبى الخضوع تماما لقسمة قدامة من قبل".
ولعل هناك سبيلا آخر يؤدي إلى وحدة الانطلاق. فلو قال القرطاجني بأن الغرض الشعري الواحد صورة لحالة نفسية في لحظة ما، لتحقق له ذلك دون اللجوء إلى هذه المشقة في التقسيمات والتفريعات، ولكانت تفريعاته أسهل وأبسط، ونظرياته أقرب للفهم والقبول.
ولحازم في تقسيم أغراض الشعر مكانة خاصة بين سائر النقاد وفضل سبق إلى ناحية من هذه القضية. فبتتبع كل المحاولات لتقسيم الشعر نلاحظ أنها تنصب كلها على جانب الشكر والصورة النهائية للشعر، ولم تتعرض للبواعث إلى الأقوال الشعرية. والذي دفعه إلى ذلك هو فكرته عن التخييل، فمعاني الشعر عنده "ترجع إلى وصف أحوال الأمور المحركة إلى القول، أو إلى وصف أحوال المتحركين لها، أو إلى وصف أحوال المحركات والمحركين مع. وأحسن القول وأكمله ما اجتمع فيه وصف لحالين."
ومضى في هذا الاتجاه وبين أغراض الشعر من ناحية البواعث على قولها؛ فعلى سبيل المثال، "الارتياح للأمر السار إذا كان صادرا عن قاصد لذلك أرضى فحرّك إلى المدح..."(1/27)
وقد بنى حازم نظريته في تقسيم الأغراض على أساس النظر إلى البواعث، فلذلك لم يرتض تقسيمات المتقدمين، كما سبق بيان ذلك. وجاء منهجه هذا متسما بالدقة المتناهية، التي نتجت عن سعة ثقافته وعمق اطلاعه، وبفضل هذه الثقافة نراه يخطو خطوة بعيدة أمام من قبله من النقاد في ربط الأغراض بالانفعالات النفسية التي تبعث على قول الشعر، ومن ثم تقسيم الشعر بالنظر إلى تلك البواعث.
الفصل الثالث: ملاءمة الأوزان للأغراض
قدم حازم لحديثه عن هذه القضية ببيان واسع عن علم العروض، يهمنا منه نتيجته التي توصل إليها من أن للوزن ميزته في السمع وصفة أو صفات تخصه وتكسبه رصانة في السمع أو طيش، أو تكسبه سباطة وسهولة أو جعودة وتوعرا. وهذا ناتج عن كيفية تركيب الأوزان واختلافها لجميع الأوزان (الأخرى) 1) بحسب أعداد المتحركات والسواكن، 2) وبحسب نسبة عدد المتحركات إلى عدد السواكن، 3) وبحسب وضع بعضها من بعض وترتيبها – 4) وبحسب مظان الاعتماد فيها.
والأغراض الشعرية لها علاقة في التلاؤم مع الأوزان – فالمقاصد التي يقصد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد تليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة."
ويؤكد حازم أن كل غرض من أغراض الشعر يوجب نوعا معيّنا من الأوزان. فإذا قصد الشاعر الفخر استدعى ذلك الأوزان الفخمة الباهية الرصينة؛ وإذا كان قصده هزليا أو استفخافيا أو نحو ذلك جاء بما يناسبه "من الأوزان الطائشة القليلة البهاء."(1/28)
وأشار في نهاية الفقرة التي اعتنى فيها بأوجه المناسبات المذكورة إلى طريقة اليونانيين في مناسبة الأغراض للأوزان، كما أورد قول ابن سينا في ذلك. فإذن: "العروض الطويل تجد فيه أبدا بهاء وقوة. وتجد للبسيط سباطة وطلاوة. وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب سباطة وسهولة، وللمديد رقة ولينا مع رشاقة، وللرمل لينا وسهولة، ولما كان في المديد والرمل من اللين كان أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من أغراض الشعر."
وعلى هذا، فالشاعر القوي إذا نظم شعرا على الوافر "اعتدل كلامه وزال عنه ما يوجد فيه مع غيره من الأعاريض القوية من قوة العارضة وصلابة النبع." والمثال على ذلك أبو العلاء المعري، "فإنه إذا سلك الطويل توعر في كثير من نظمه حتى يتبغّض، وإذا سلك الوافر اعتدل كلامه وزال عنه التوعر"
ويبدو تأثره بالثقافة اليونانية في هذا المجال واضحا. فهو يصرِّح بأن أصل هذه النظرية مستوحى من كلام ابن سينا، حيث قال: "وهذا ما ذكرته من تخييل الأغراض بالأوزان قد نبه عليه ابن سينا في غير موضع من كتبه، ومن ذلك قوله في الشفاء، في تعديد الأمور التي تجعل القول مخيّلا: ((والأمور التي تجعل القول مخيلا: منها أمور تتعلق بزمان القول وعدد زمانه وهو الوزن، ومنها أمور تتعلق بالمسموع من القول، ومنها أمور تتعلق بالمفهوم من القول، ومنها أمور تتردد بين المسموع والمفهوم))."
الفصل الرابع: نظم الشعر(1/29)
خصص حازم باباً كاملا في كتابه للكلام عن النظم، وهو عنده شامل لصناعة الشعر كلها. وقد عرّفه في أول الباب قائلا: "النظم صناعة آلتها الطبع. والطبع هو استكمال للنفس في فهم أسرار الكلام، والبصيرة بالمذاهب والأغراض التي من شأن الكلام الشعري أن ينحى به نحوها؛ فإذا أحاطت بذلك علما قويت على صوغ الكلام بحسبه عملا، وكان النفوذ في مقاصد النظم وأغراضه وحسن التصرف في مذاهبه وأنحائه إنما يكونان بقوى فكرية واهتداءات خاطرية تتفاوت فيها أبكار الشعراء."
ولكي يكون الشعر مكتملا، لا بد من وجود بعض القوى الضرورية. قال حازم: "اعلم أن خير الشعر ما صدر عن فكر وَلِع بالفن"، وهو لا يريد بذلك أن الشعر يصدر عن فكر، فقد قرر أنه وليد حركات النفس، وإنما يريد أن يكون لدى الشاعر صدق الإحساس بالتجربة الشعرية. "ولهذا كان أفضل النسيب ما صدر عن سجية نفس شجية". ويستدرك حازم على هذه الفكرة حيث يجعل الخيال قادراً على تعويض تلك التجربة؛ والخيال إنما يتأتى عن طريق الثقافة ودراسة طرق السابقين حتى تصبح للشاعر "قوة على التشبه" (identification). والشعراء في هذه القوة قسمان:
"فأما من ينسحب تأثير تلك القوة على جميع كلامه أو أكثره فهم الذين لا تحتاج فيهم تلك القوة إلى معاونة من أمر خارج عن الذهن من الأمور الباعثة على قول الشعر، لتوفير تلك القوة فيهم على كل حال. ومن أيمة هذا الصنف: الشريف ومهيار وابن خفاجة.
وأما من لا ينسحب تأثير تلك القوة التشبيهية إلا على الأقلّ من كلامه فهم الذين تحتاج تلك القوة فيهم إلى معاونة بالأمور الباعثة على قول الشعر."
وهذه القوى التي تحتاج إليها الشاعر لنظم الشعر عشر:
القوة على التشبيه فيما لا يجري على السجية ولا يصدر عن قريحة بما يجري على السجية ويصدر عن قريحة.
القوة على تصور كليات الشعر والمقاصد الواقعة فيها والمعاني الواقعة في تلك المقاصد...(1/30)
القوة على تصور صورة للقصيدة تكون بها أحسن ما يمكن (من حيث توالي أجزائها).
القوة على تخيل المعاني بالشعور بها...
القوة على ملاحظة الوجوه التي يقع بها التناسب بين المعاني.
القوة على التهدي إلى العبارات الحسنة الوضع والدلالة على تلك المعاني.
القوة على التخيّل في تسيير تلك العبارات متّزنة...
القوة على الالتفات من حيّز إلى حيّز والخروج منه إليه والتوصل به إليه.
القوة على تحسين وصل بعض الفصول ببعض والأبيات ببعضها.
القوة المائزة حسنَ الكلام من قبيحه بالنظر إلى نفس الكلام وموضعه.
ومن هذه التقسيمات يظهر لنا مرة أخرى شغف حازم بالتقسيمات المنطقية. ولو اكتفى بذكر قوة الخيال – وهي قوة واحدة التي بإمكانها أن تحقق أكثر مما أراد حازم – حسب رأي الدكتور إحسان عباس - لما احتاج إلى كل هذا الالتواء. ثم يمضي حازم في هذه التقسيمات فيرى أن الذي اجتمعت في هذه القوى فهو الشاعر في الحقيقة أو الشاعر الكامل. وهذه الطائفة هم الشعراء الذين يقوون على تصوّر كليات المقولات؛ والمرتبة الثانية هم الذين حصل لهم قسط متوسط من هذه القوى وهم الذين تغلب فيهم الدربة على الخيال؛ والمرتبة الثالثة هم الذين حصل لهم قسط قليل من تلك القوى، وهم أدعياء الشعراء ومن المتلصّصون الغيورون على معاني غيرهم – "وهم شر العالم نفوسا وأسقطهم همماً وهم النقلة للألفاظ والمعاني على صورها في الموضع المنزل منه من غير أن يغيّروا في ذلك ما يعتدّ به."(1/31)
وإذا أراد الشاعر نظم الشعر والزمان مُنْسَجِمٌ له، فعليه أن يأخذ بوصية أبي تمام للبحتري. ومن ثم يحضر الشاعر مقصده في خياله وذهنه ويتخيل المعاني التي هي عمدة، ثم يقسمها في فصول مرتبة، مختاراً الوزن المناسب. وعلى الشاعر أن يتجنب الحالات النفسية التي تقف بينه وبين نظم الشعر كالكسل في الخاطر أو التشتت فيه أو الاستيلاء السهو عليه أو تكليفه لمواد العبارات (لأنها قليلة)، وأن يحذر حين يصوغ الشعر من أن يكون قدر الوزن فوق قدر المعنى أو العكس، أو يكون المعنى دقيقا داعيا إلى إيراد العبارة عنه على صورة يقلّ ورودها عفواً، أو يكون المعنى من المعاني التي يقلّ التعبير عنها في اللسان، فلا يتمكن الخاطر من إيرادها موزونة إلا بعد كدّ وتعب.
وينقسم الشعراء بالنظر إلى عملية النظم إلى قسمين:
شاعر مروٍّ الذي يحتاج لروية قبل أن ينظم وحال النظم وعند الفراغ، وبعد الفراغ من النظم. ومعنى ذلك أنه يعتمد على قوة التخييل والقوة الناظمة وقوة الملاحظة وقوة الاستقصاء. وقد تُحدث الروية تغييراً في العبارة أو معنى لكي لا يواطئ الشاعر من سبقه، و"طلباً للغاية القصوى من الإبداع".
شاعر مرتجل، حيث تكون أحسن حالات شعره أن يأتي مستقصى مقترن المعاني، وأسوأ حالاته أن يكون شعره غير مستقصى ولا مقترن.
وأما بالنسبة إلى العبارة، فيجب أن يراعي الشاعر فيها حسن التأليف وتلاؤمه (في الحروف والكلمات)، والتسهل في العبارات وترك التكلف، وإيثار حسن الوضع والمبنى وتجنب ما يقبح من ذلك، وتجنب الزيادة والحشف، كما أن عليه اختيار العبارات المستعذبة الجزلة.(1/32)
ويختم بذلك صاحب المنهاج حديثه عن قضية النظم وتقسيماته. ونحس في هذه الفصول كلها أن حازما يتكلم بلسان الشاعر مبيّنا المعاناة في سبيل نظم الشعر ومبديا التجارب في ذلك. ومن ناحية أخرى نراه يعبر بلغة الفلاسفة حين حاول أن يطبق مبدأ الوحدة الأرسطي على الشعر العربي. ولكن الوحدة لم تكن "وحدة تكامل" كتلك التي رسمها أرسطو، بل كانت وحدة تسلسل، مما يتبين لنا من عنوان فصل يتكلم فيه المؤلف عن النظم: "في الإبانة عمّا يجب في تقدير الفصول وترتيبها ووصل بعضها ببعض وتحسين هيئاتها، وما تعتبر به أحوال النظم في جميع ذلك من حيث يكون ملائماً للنفوس أو منافراً لها."
الفصل الخامس: المفاضلة بين الشعراء
عدّ الدكتور إحسان عباس حازما أقرب النقاد العرب إلى الواقع في فهمه لمبدأ المفاضلة. فهو قد استطاع أن يحقق ما عجز عنه من سبقه من النقاد، وأن يضع ضوابط واقعية لهذه العملية.
إن المفاضلة عند القرطاجني أمر تقريبي لا قطعي، حيث إن الوصول في المفاضلة إلى درجة الجزم أمر غير ممكن، فالترجيح في ذلك على سبيل التقريب. وسبب ذلك يكمن في الأمور التالية:
أن الشعر يختلف باختلاف أنماطه وطرقه، فشاعر يحسن في النمط الذي يقصد فيه الجزالة والمتانة من الشعر، ولا يحسن طريقة الرقة واللطافة؛ وآخر يحسن في النسيب دون غيره من الأغراض.
أن الشعر يختلف بحسب اختلاف الأزمان وما فيها من الأمور يولع الناس بالتعلق بها في أشعارهم، فهناك زمن تشيع فيه وصف القيان والخمر وما ناسب ذلك ويجيدون فيه، وزمان آخر يشيع فيه وصف الحروب أو الغارات، أو نيران القرى وإطعام الضيوف...
أن الشعر يختلف بحسب الأمكنة وما يوجد فيها مما شأنه أن يوصف؛ فبعض الشعراء يحسن في وصف الوحش (البادية) بينما يحسن البعض الآخر وصف الروض أو الخمر (الحاضرة).
أن الشعر يختلف بحسب اختلاف أحوال القائلين وأحوال ما يتعرّضون للقول فيه، فواحد يحسن الفخر، والآخر يحسن المدح...(1/33)
– 6) أن الشعر يختلف بحسب اختلاف الأشياء فيما يليق بها من الأوصاف والمعاني، كما يختلف بحسب ما يختص به كل أمة من اللغة المتعارفة عندها...
وإذا أخذت هذه الأمور بعين الاعتبار، "فواجب أن يضاف الثناء على الشاعر إذا أحسن في وصف ما ليس معتاداً لديه ولا مألوفاً في مكانه ولا هو من طريقه ولا مما احتنك فيه ولا ممّا ألجأته إليه الضرورة، وكان مع ذلك متكلما باللغات التي يستعملها في كلامه. وبالجملة إذا أخذ في مأخذ ليس ممّا ألِفَه ولا اعتاده فإن الشاعر إذا أخذ في مأخذ ليس ممّا ألفه ولا اعتاده فساوى في الإحسان فيه من قد ألفه واعتاده، كان قد أربى عليه في الفضل إرباء كثيرا، وإن كان شعرهما متساويا." بمعنى أنه إذا اجتمع الشاعران في غرض ووزن وقافية، يحكم بالتفضيل للذي قال في الغرض الذي لم يألفه على الذي قال في الغرض الذي ألفه وإن تساويا في الجودة.
ردَّ حازم على الذين يفضلون المتقدمين على المتأخرين بمجرد تقدم زمانهم، ويخرج أمثال هؤلاء من دائرة الصناعة النقدية جملة. وقال إننا نقيم المفاضلة بين الشعراء إذا كانت البواعث والمهيئات عند بعضهم أكبر منها عند بعض آخر. قال صاحب المنهاج خاتما حديثه عن المفاضلة وواضعا المعيار النهائي لها: "فأما المفاضلة بين جماهير شعراء توفّرت لهم الأسباب المهيّئة لقول الشعر والأسباب الباعثة على ذلك، وقد أومأت إليها في صدر الكتاب، وبين جماهير شعراء لم تتوفّر لهم الأسباب المهيئة ولا البواعث، فلا يجب أن نتوقّف فيها بل نحكم حكما جزما أن الّذين توفّرت لهم الأسباب المهيئة والباعثة أشعر من الذين لم تتوفّر لهم. وذلك كما نفضّل شعراء العراق على شعراء مصر. ولا نتوقّف في ذلك، إذ لا مناسبة بين الفريقين في الإحسان في ذلك، كما لا تناسب بينهم في توفر الأسباب، وإن كان أكثر تلك الأسباب أيضا في الصقع العراقي قد تغير عما كان عليه في الزمان المتقدّم."
الفصل السادس: معاني الشعر(1/34)
جعل حازم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، منبع الشعر واحداً، حيث إنه وليد حركات النفس، وذلك رغبة منه في تطبيق الوحدة الأرسطية في عمله النقدي. هذه الحركات النفسية تشتمل على ثلاثة عناصر: 1-العوامل المحركة؛ 2-المتحركين؛ 3-العوامل المتحركة والمتحركين معاً. "فمعاني الشعر، على هذا التقسيم، ترجع إلى وصف أحوال الأمور المحرِّكة إلى القول أو إلى وصف أحوال المتحرِّكين لها أو إلى وصف أحوال المحرِّكات والمحركين معاً. وأحسن القول وأكمله ما اجتمع في وصف الحالين."
وبما كانت الغاية الكبرى من المعاني الشعرية هي إحداث التأثير والانفعال في النفوس الإنسانية بحملها على فعل الشيء أو التجنب منه (كما تقرّر ذلك عند تعريف الشعر) فإن أدخل المعاني في الصناعة الشعرية وأعرقها فيها هي ما اشتدت علقته بأغراض الإنسان واشتركت فيها نفوس الخاصة والعامة بحكم الفطرة أو العادة.
وأحق هذه المعاني بالتعبير عنها في الأغراض الشعرية هي ما كان معروفا ومؤثراً في آن واحد، أو كان مؤثرا بعد معرفته وإدراكه. وأحسن الأشياء التي تجمع المعرفة والتأثير معا هي التي فطرت النفوس على استلذاذها أو التألم منها. وهذا يعني أن الشعر من هذه الناحية يهتم بأمور ثلاثة: 1-ما هو مفرح كلقاء الأحبة واجتلاء الروض والماء؛ 2-ما هو مفجع كالتفرّق والتوحش؛ 3- وما هو مستطاب كلذة قد انصرفت فيلتذ الإنسان لتخيلها ويتألم لفقدها. فهذه الأمور تتصوّر بالفطرة، ولذلك يمكن أن نسميها المتصورات الأصلية، وما كان بخلاف ذلك نسميه بالتصورات الدخيلة، وهي التي لا يوجد لها في فطرة النفوس أثر من فرح أو شجو، وإنما هي مكتسبة، كتلك الأغراض التي لا تقع إلا في العلوم والصناعات والمهن.(1/35)
ثم يؤكد حازم على أن بعض هذه المعاني المعروفة لا يحسن إيراده في الشعر – كالمعاني المتعلقة بصنائع أهل المهن – وذلك لضعتها. وقد يحصل عكس ذلك أيضا، فمن المعاني التي ليست معروفة عند الجمهور ما يستحسن إيراده في الشعر، وذلك إذا كان مما فطرت النفوس على الحنين إليه أو التألم منه، مثل الأخبار القديمة المستحسنة وطرف التاريخ المستغربة.
وليس الأمر كذلك في الأغراض المتعلقة بالمسائل العلمية. فإن أكثر الجمهور لا يمكن تعريفهم إياها، ثم أن أمكن ذلك عند بعضهم، فإنه يتوقف عند الإدراك الذهني، وهذا النوع التعلق بالإدراك الذهني لا يصلح للشعر؛ بل قد يُجعل تبعا للإدراك الحسي ليكون مثالاً له، أو ينظّر حكم في تلك بحكم في هذه – ولا يوردها في كلامه إلا من يريد التمويه بأنه شاعر عالم. "والشاعر الحق لا يدرج في شعره إلا المعاني التي تحرِّك الجمهور وتؤثر في النفوس؛ لذلك يمكن القول على وجه الإجمال (مع استثناءين سبقا) إن المعاني الجمهورية في المادة الأصلية للشعر، وهي التي لا يتألف كلام فصيح إلا منها؛ وقد ترد فيها معان أوائل (مقصودة في نفسها) أو معان ثوان (أي استدلالات تقوي المعني الأوائل)؛ ولذلك كانت خير التصورات ما صلحت لإيراد النوعين من هذه المعاني متعقبين، وذلك لا يكون أيضا إلا بالعودة إلى المعاني الجمهورية القائمة في أصل الفطرة الإنسانية".
قضية السرقة
هذه القضية متصلة ببحث المعاني، واتسم نقد حازم أن مرّ بها مرورا عابرا، فجاءت كأنها قضية جانبية...(1/36)
وفي أثناء بحث هذه القضية قسّم القرطاجني المعني من حيث كونها قديمة متداولة وجديدة مخترعة إلى ثلاثة أقسام: فالقسم الأول هو ما بتداوله الناس من تشبيه الشجاع بالأسد والكريم بالغمام. ومثل هذا لا تدخله السرقة لأن معانيه ثابتة في وجدان الناس "من قسمة في خواطرهم سواء ولا فضل فيها لأحد على أحد إلا بحسن تأليف اللفظ، فإذا تساوى تأليفا الشاعرين في ذلك فإنه يسمى الاشتراك". ويتفرع من هذا النوع القسم الثاني، وهي المعاني التي قلّت في أنفسها أو بالإضافة إلى غيرها، ويجوز للشاعر أن يتعرض له بشروط: "منها أن يركّب الشاعر على المعنى معنى آخر، ومنها أن يزيد عليه زيادة حسنة، ومنها أن ينقله إلى موضع أحق به من الموضع الذي هو فيه". وأسمى مراتب المعاني هو القسم الثالث الذي يتمثل في استنباط المعاني؛ "من بلغها فقد بلغ الغاية القصوى من ذلك، لأن ذلك يدل على نفاذ خاطره وتوقّد فكره حيث استنبط معنى غريبا واستخرج من مكامن الشعر سرا لطيفا". "وهذا النوع المبتكر لا يمكن أن يسرق وإنما يتحاماه الشعراء لضيق المجال في إخفاء السرقة".
وهذه المعاني وأنواعها تجعل الشعراء على أربع مراتب بالنظر إلى وجود هذه المعني في أشعارهم، وهي: اختراع، واستحقاق، وشركة، وسرقة. "فالاختراع هو الغاية في الاستحسان، والاستحقاق تال له، والشركة منها ما يساوي الآخر فيه الأول فهذا لا عيب فه، ومنها ما ينحط فيه الآخر عن الأول فهذا معيب، والسرقة كلها معيبة وإن كان بعضها أشد قبحا من بعض"
الفصل السابع: التخييل والمحاكاة
تحتل قضية التخييل والمحاكاة حيزا هاما في كتاب "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" حيث اهتم صاحب هذا الكتاب بها اهتماما خاصا. ويمكننا أن نعدها كذلك من أهم وآصل قضايا هذا الكتاب.(1/37)
وأول من استعمل كلمة "التخييل" هو الفيلسوف الفارابي – في أغلب الظن، واستعملها ابن سينا تفسيرا لكلمة المحاكاة التي وردت في ترجمة متى. "وقد تأثر الفيلسوفان في وضع هذا الاصطلاح وتحديد معناه بنواح ثلاث من فلسفة أرسطو:
الأولى: "المنطق"، فأرسطو قد تحدث عن أنواع المقدمات وأن منها مقدمات يقينية (البرهانية)، ومقدمات ممكنة (الخطابية). فلم ير المنطقيون العرب صعوبة في عد الشعر مؤلفا من مقدمات مخيلة.
والناحية الثانية: علم النفس، فقد لاحظ الشراح العرب أن الشعر لا يخاطب الفكر، بل يخاطب المخيلة فينبه صور المحسوسات المختزنة فيها؛ فلأن المخيلة عند أرسطو تواجه قوة الإحساس، كان التخييل يعتمد على المحسوسات؛ ولأنها وثيقة الاتصال بالانفعالات تتأثر بها وتؤثر فيها، كان الشعر شديد التحريك للانفعال.
والناحية الثالثة: فلسفته الأولى، فقد استطاع الشراح العرب أن يردوا فلسفة أرسطو في الشعر إلى فلسفته العامة، وأن ينظروا إلى التخييل على أنه "العلة الصورية" للشعر، وإلى المعاني والأفكار على أنها علته المادية، ومن هنا أصبح التخييل هو الحقيقة الذاتية التي تميزه عن غيره من الكلام مما ليس بشعر، وجاز للشاعر أن يستخدم التصديقات الخطابية إذا صاغها في عبارة مخيلة."
وملخص فكرة أرسطو في المحاكاة أنها "تلك الفكرة التي نعبر عنها تعبيراً مبهماً حين نقول عن الشاعر أو الأديب: إنه مرآة عصره، أو حين نقول عن الأديب أو الفن عامة: إنه يعكس واقع الحياة ممتزجا برغبات الإنسان وآماله ومعتقداته."وإذن، "فليست المحاكاة عنده مجرد تقليد للواقع، بل هو يحاكي أيضا ما يقدر كونه، وما يعتقد أنه كان وإن لم يكن في الحقيقة. فهذه فكرة من الأفكار الضخمة الخالدة في التراث النقدي، لا تزال تتناول بالدرس وتؤلف فيها الكتب..."(1/38)
وقد أخذ أرسطو الكلمة عن أستاذه أفلاطون، ولم ير الحاجة إلى تعريف هذه الظاهرة ولا إلى تحديدها، والمعلوم أن أفلاطون يعد الفن محاكاة للأشياء المحسة "فيرسم لها نسخة تجيء من مراتب الوجود في منزلة أدنى من الشيء المحس نفسه الذي عمد الفن إلى تصويره، فإذا عرفنا أن الأشياء المحسة بدورها لا تزيد على كونها نسخات لأصول عقلية ثابتة، أدركنا كم يبعد الفنان بفنه عن الحقيقة – تلك هي المحاكاة عند أفلاطون، وأما أرسطو فقد أخذ مبدأ المحاكاة، لكنه جعل المحاكاة محاكاة – لا للأشياء المحسة – بل للشخصيات والانفعالات والأفعال، أعني أن محاكاة الفن للحقيقة عنده لا تكون محاكاة للعالم المحسوس، بل تكون محاكاة لدنيا الحياة العقلية داخل الإنسان.
فأرسطو يجعل المحاكاة قوام الشعر – وهو عنده يشمل الموسيقى والرقص بالإضافة إلى الكلام المنظوم."
ولنعد إلى القرطاجني ورؤيته لهذه القضية النقدية القديمة. وأول شيء نلاحظه عند كلامه عن التخييل أنه يجعله من مقومات الشعر تبعا لأرسطو، حيث قال في تعريف الشعر: "الشعر كلام مخيل موزون..." ثم إذا نظرنا إلى تعريف هذا العالم للتخييل والمحاكاة نجد أنه يريد بهذين اللفظين ما يريده بهما الفلاسفة المسلمون تماما. فالتخييل والمحاكاة عنده – هما الشيء الواحد وإن اختلفت جهة التسمية. فالتخييل – كما عرفه بنفسه – هو "أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها، أو بصور شيء آخر بها انفعالا من غير روية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض."
ويوحي قوله: "ينفعل لتخيلها وتصورها أو تصور شيء آخر بها" أنه يقسم المحاكاة إلى محاكاة الشيء في نفسه، وهي الوصف؛ ومحاكاة الشيء في غيره، وهي التشبيه؛ وقد جاء تأكيد ذلك في أثناء كلامه في هذا الموضوع بوضوح.(1/39)
ويظهر ولوع حازم بالتقسيمات المنطقية بشكل كبير في هذه المسألة. فنحن نراه يقسم التخييل (المحاكاة) من عدة زوايا وعلاقات. فمن أهم تلك التقسيمات أن التخييل بالنسبة إلى الشعر قسمان: تخييل ضروري وتخييل غير ضروري، ولكنه أكيد أو مستحب. وهذا التخييل يقع في الشعر من جهة المعنى، والأسلوب، واللفظ، ومن جهة النظم والوزن.
وقسّم المحاكاة من حيث الغاية إلى محاكاة تحسين، ومحاكاة تقبيح، ومحاكاة مطابقة، وربما كانت الأخيرة في قوة الأوليين. ولم يخف القرطاجني انه اعتمد في هذا التقسيم على قول ابن سينا وكل هذا هو إيجاز لقول أرسطو إن الرسام أو الشاعر قد ينقل الشيء كما هو أو أدنى مما هو أو كما يجب أن يكون.
وفصل حازم القول في أحكام التحسين والتقبيح. فلكي نعرف طريقة التحسين والتقبيح يجب أن تكون موضوعات صناعة الشعر هي الأشياء التي لها انتساب إلى ما يفعله الإنسان ويطلبه ويعتقده. وطرق تعلق تحسين المحاكاة وتقبيحها بالشيء أو فعله أو اعتقاده من أربع جهات: الدين، العقل، المروءة (الخلق)، المصلحة (ويسميها القرطاجني الحظ العاجل). وولّد من متعلقات التحسين والتقبيح أربع وعشرين صورة.
وتحدث حازم عن المحاكاة التشبيهية ونظر إليها من جهات، فمن ذلك جهة الوجود والفرض؛ "وينبغي أن تكون المحاكاة على الوجه المختار بأمر موجود لا مفروض"، وألزم أن تكون المحاكاة بالمحسوس، و"أن تكون المحاكاة التي يقصد بها وضوح الشبه متصرفة إلى جنس الشيء الأقرب كتشبيه أيطل الفرس بأيطل الظبي" أو "الجنس الذي يلي الجنس الأقرب كتشبيه الأشياء الحيوانية بالأشياء النباتية، نحو تشبيه قلوب الطير رطبة بالعناب ويابسة بالحشف"؛ وأن يكون المثال المحاكى به معروفاً عند جميع العقلاء أو أكثرهم، وأن يقع التشبيه على أشهر الصفات.(1/40)
وإذا لم يُقصد بالمحاكاة تحسين ولا تقبيح سمي ذلك مطابقة، والمذهب الأمثل فيها محاكاة الحسن بالحسن والقبيح بالقبيح، وأي تفاوت في المقدار أو اللون قد يفسد المحاكاة؛ وأما الهيئة فلا يلتفت فيها إلى التفاوت لأن الهيئة تؤخذ جملة ولا تؤخذ تفصيلا.
وبيّن بإسهاب أحكام كل من محاكاة الشيء في نفسه ومحاكاة الشيء في غيره. ولم يسلم مرة أخرى من كثرة التفريعات، فهو يذكر أن النوع الأول (محاكاة الشيء نفسه) قد تدرك بالحس وقد لا تدرك، ولكن طريقة الشاعر في وصفها يجب أن تكون حسية دائما، بأن يخيل الشيء الموصوف بما يحيط به من هيئات وأحوال محسوسة، فيكون "تخييل الشيء من جهة ما يستبينه الحس من آثاره والأحوال اللازمة له حال وجوده والهيئات المشاهدة لما التبس به ووجد عنده. وكل ما لم يحدد من الأمور غير المحسوسة بشيء من هذه الأشياء، ولا خصص بمحاكاة حال من هذه الأحوال بل اقتصر على إفهامه بالاسم الدال عليه، فليس يجب أن يعتقد في ذلك الإفهام أنه تخيل شعري أصلا، لأن الكلام كله كان يكون تخييلا بهذا الاعتبار."
ويضع حازم ضوابط "المحاكاة التامة"؛ فهي في الوصف "استقصاء الأجزاء التي بموالاتها يكمل تخييل الشيء الموصوف. وفي الحكمة استقصاء أركان العبارة عن جملة أجزاء المعنى الذي جعل مثالا لكيفيات مجاري الأمور والأحوال وما تستمرّ عليه أمور الأزمنة والدهور. وفي التاريخ استقصاء أجزاء الخبر المحاكى وموالاتها على حدّ ما انتظمت عليه حال وقوعها، كقول الأعشى:
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به في جَحْفَلٍ كسواد الليل جرّار
إذ سامه خِطَّتي خَسْفٍ، فقال له: قل ما تشاء فإني سامع حار
فقال: غدر وثكل أنت بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار
فشك غير طويل، ثم قال له: اقتل أسيرك إني مانع جاري
فهذه محاكاة تامة؛ ولو أخلّ بذكر بعض أجزاء هذه الحكاية لكانت ناقصة، ولو لم يورد ذكرها إلا إجمالا لم تكن محاكاة ولك إحالة محضة.(1/41)
وعند بيان سبب قوة المحاكاة الشعرية على التأثير، يعود حازم أيضا إلى ابن سينا وينقل ما قاله أرسططاليس في التذاذ النفوس وانفعالها بالمحاكاة من حيث هي محاكاة، وبما زاد فيها من طبيعة التوافق الموسيقي. وقد فسّر حازم هذا التوافق الموسيقي بتلذذ السمع بجمال العبارة الشعرية وذلك يشبه ابتهاج العين برؤية الأشربة "في الآنية التي تشف عنها كالزجاج والبلور"، مما لا يتأتى عند رؤيتها في آنية خزفية. "وهذا الجمال يعتمد على اختيار مادة اللفظ وتلاؤم التركيب، وفي هذا تنفرد الأقاويل الشعرية عن غيرها من الأقاويل"، إلا أن هذه المحاكاة ليست أبداً على درجة واحدة من التأثير، فإن ذلك مقيد ومتوقف على مقدار الإبداع فيها كما استعداد النفس لقبولها. والاستعداد النفسي نوعان: هو إما حالة معينة تكون فيها النفس مستعدة لتقبل محاكاة ملائمة لتلك الحالة، أو هو استعداد عام، أو الاعتقاد بالشعر. وهذا ما قد فقد في عصر حازم بفقدان الشعر، مما سبق بيانه. فهناك أناس حرموا فهم الشعر، وحرموا التحرك النفسي للمحاكاة الشعرية.
وفي خاتمة حديثه عن مسألة التخييل والمحاكاة يطرح صاحب المنهاج سؤالا دقيقا، ثم يجيب عنه ويرد شبه المعترضين على رأيه.
والسؤال هو: لماذا لا يكون التذاذ الناس بالشيء المحكي نفسه أكثر من التذاذهم بالمحاكاة نفسها؟ لمَ لا تكون اللذة الناجمة عن رؤية امرأة جميلة أكبر بكثير من رؤية تمثال فني لتلك المرأة؟ فيجيب بأن اللذة حاصلة في الحالتين إلا أنه تختلف طبيعتها. فاللذة الحاصلة من رؤية الشيء نفسه نابعة من حسن ذاك الشيء، بينما تحصل اللذة من رؤية تمثال ذاك الشيء من أمرين: من تعجيب النفس، ولأن الشيء المحكي قد لا يكون جميلا في الحالات كلها، ولكن تخييله بالمحاكاة قد يجعله حسنا في كل حال.(1/42)
وضرب الدكتور إحسان عباس مثالا من الطبيعة تبسيطا لهذه المسألة، حيث قال: "إن منظر الشمعة أو المصباح ربما كان جميلا، ولكن انعكاس صورة الشمعة أو المصباح على صفحة مائية صافية أجمل بكثير من الشيئين في الواقع، أولاً لحدوث اقترانات جديدة (بين الضوء وصفحة الماء) وثانيا لأن هذا الصورة أقل تكرارا من رؤية الشمعة نفسها، والنفس إلى ذلك أميل ذهابا من الاستطراف"
هذه هي أهم القواعد التي رسمها القرطاجني لقضية المحاكاة والتخييل. وقد استوحى هذه القواعد من الشعر العربي، ولا سيما من الشعر الأندلسي الذي اهتم بالوصف اهتماما كبيرا. "ولم يكن أما حازم شيء من النماذج الأدبية التي رسم أرسطو قواعده على صورتها، فلم يتعسّف في تطبيق هذه القواعد على الشعر العربي، بل حاول أن يطبق الأصل الأرسطي في "المحاكاة" على الشعر العربي، مؤمناً بقيمة هذا الشعر، وبأن أرسطو نفسه لو وجد في شعر اليونانيين مثل ما في أشعار العرب لزاد على ما وضعه من القوانين الشعرية. وأظهر ما يلاحظ في تحليل حازم للمحاكاة الشعرية جانبان: دقة المحاكاة؛ وحسيتها؛ مع ما تستتبعه الدقة والحسية من تفصييل وترتيب."
ويعد حازم شد النقاد توسعا في مسألة التخييل والمحاكاة، فهو إنما توسع في تطبيق هذه النظرية على الشعر أكثر مما توسع أرسطو. فكما يقول الدكتور شكري عياد: "أرسطو لم يبحث إلا صورة واحدة للمحاكاة الشعرية وهي المأساة اليونانية، أما حازم فقد طبقها على ألوان كثيرة من الفن القولي: طبقها على محاكاة المحسوسات مما لم يوجد مثاله في الشعر اليوناني وطبقها على الحكم الشعرية، وطبقها على القصص أيضا."
الفصل الثامن: قضية الصدق والكذب
ليس من الضروري عند حازم أن تكون الأقاويل الشعرية صادقة أو كاذبة أبداً. فالذي تتقوم به الصناعة الشعرية، وهو التخييل، غير مناقض لواحد من الطرفين (الصدق والكذب).(1/43)
وتجنب صاحب المنهاج الخوض في الاختلافات الواردة في هذه المسألة، بل اقتصر على القول الصحيح في الشعر، "بأن مقدماته تكون صادقة وتكون كاذبة، وليس يعد شعرا من حيث هو صدق ولا من حيث هو كذب بل من حيث هو كلام مخيل."
وكثيرا ما نرى حازما يردد هذا القول في مباحث كتابه؛ ففي موضع يشير إلى الفرق بين الأسلوب الشعري والأسلوب الخطابي من حيث وقوع الصدق والكذب فيهما: "فالشعر إذن قد تكون مقدماته يقينية ومشهورة ومظنونة. ويفارق البرهان والجدل والخطابة بما فيه من التخييل والمحاكاة، ويختص بالمقدمات المموهة الكذب. فيكون شعرا أيضا ما هذه صفته باعتبار ما فيه من المحاكاة والتخييل، لا من جهة ما هو كاذب، كما لم يكن شعرا من جهة ما هو صادق، بل بما فيه أيضا من التخييل." ولم يجوز حازم وقوع الكذب في الشعر مطلقا، بل اشترط أن يكون خفيا حتى يكون الشعر حسنا.
وبيّن أن الشاعر قد يرجع إلى الكذب إذا لم يعوزه الكلام الصادق المشتهر في مقصده: "فقد يريد تقبيح حسن وتحسين قبيح، فلا يجد من القول الصادق في هذا ولا المشتهر، فيضطرّ حينئذ إلى استعمال الأقاويل الكاذبة." وأما إذا أراد تحسين حسن وتقبيح قبيح، فباب الصدق واسع أمامه. "وأكثر أقوال الشعراء في هذين القسمين" صادقة، إلا إذا قصدوا المبالغة في كلامهم.
وإذا نظرنا إلى الشعر من زاوية الصدق والكذب، فينقسم الشيء الحسن قسمين: ما هو أحسن في معناه، وما يكون هناك أحسن منه؛ وكذلك القبيح قسمان: ما هو أقبح في معناه، وما قد يوجد أقبح منه. "وهذا ينبغي أن تكون الأقوال فيهما صادقة في الأولى والأكثر." وأما الحسن والقبيح اللذان يوجد ما يساويهما أو ما هو أكبر منهما، فالأقاويل الشعرية ترد فيها صادقة وكاذبة، بحسب درجة الاقتصاد أو المبالغة فيها.(1/44)
وقد يرد القول الصادق في تحسين القبيح وتقبيح الحسن، إذ قد توجد في الشيء الحسن جوانب قبيحة، والقبيح، وإن لم يوجد أقبح منه، قد يوجد في وصف مستحسن. وأورد في هذا المقام قول الجاحظ: "ليس شيء إلا وقد وله وجهان وطريقتان. فإذا مدحوا ذكروا أحسن الوجهين، وإذا ذموا ذكروا أقبحهما."
وأما من حيث وقوع الكذب في الشعر، فمن الأقاويل الشعرية ما هو صدق محض، ومنها ما هو كذب محض. وقد يعرف هذا الكذب من ذات القول، وقد لا يعرف. والذي لا يعرف من ذات القول ينقسم إلى ما لا يلزم معرفة كذبه من خارج القول، وإلى ما يعرف من خارج القول أنه كذب لا محالة.
فالاختلاق الإمكاني – كأن يصف الشاعر حبّه وشجاه من غير أن يحب أو يحس بالشجى – هو مما لا يعرف كذبه من ذات القول، وقد لا يعلم من خارجه أيضا. والاختلاق الامتناعي والإفراط الامتناعي والاستحالي مما يعرف أنه كذب ولا بد.
والإفراط الإمكاني لا يوصف بالكذب لعدم وجود قرينة لمعرفة صدقه أو كذبه لا من ذات القول ولا من بديهة العقل.
بعد هذه التفريعات يشرع حازم في بيان أنواع أغراض الشعر من هذه الحيثية نفسها – وأن من تلك الأغراض حاصلة وغير حاصلة. وتكون الأقاويل في كلا النوعين اقتصادية وتقصيرية وإفراطية. والأقاويل الحاصلة تكون صادقة في حالتي الاقتصاد والتقصير، وما كان إمكانيا من هذا النوع يحتمل الصدق والكذب.
والأصناف الكاذبة هي: الحاصل الممتنع والحاصل المستحيل والمختلق المقصر والمختلق الاقتصادي والمختلف الإمكاني والمختلق الامتناعي والمختلق الاستحالي.
وإذا تأملنا هذه الأنواع نلاحظ أن ما يدخل فيه الكذب أكثر مما يدخل فيه الصدق. لذلك كان لا بد لحازم أن يرجع حيث بدأ – أي إلى البيان بأن الاعتبار في الشعر لا يكون بالنظر إلى الصدق والكذب، بل بالنظر إلى التخييل، وأن الصدق والكذب والشهرة والظن أمور ترجع إلى المفهومات لا إلى المدلولات.(1/45)
ولم يقف حازم عند هذا الحد، بل صرّح بأن الصدق أقدر على التحريك من الكذب، وأن تحريك الأقاويل الصادقة عام وقوي، والكاذبة خاص، ولذلك كان ضعيفا.
ثم خرج إلى بيان "أن من قال: إن مقدمات الشعر لا تكون إلا كاذبة كاذب"، وهو في هذا مترسم ما قرأه عند ابن سينا.
وخلاصة رأي حازم في هذه القضية "أن الشعر إنما ينظر إليه من ناحية تأثيره وقدرته على إحداث الانفعال النفساني، فقد يكون صادقا والصدق فيه عاجز عن إحداث الانفعال، وحينئذ يكون الكاذب القادر على إحداث الانفعال خيرا منه."
وفي هذا السياق هاجم حازم المتكلمين الذين زعموا أن الشعر لا يكون إلا كاذبا، وردّ عذرهم إلى ضعف بضاعتهم، وأنهم – عند الكلام في إعجاز القرآن - احتاجوا إلى معرفة الفصاحة والبلاغة، وظنوا أن ذلك يتأتى في يوم وليلة. فبين القرطاجني أن إتقان صناعة العلمين يتطلب وقتا ليس بيسير، "فهي البحر الذي لم يصل أحد إلى نهايته مع استنفاد الأعمار فيها."
وبهذا التقسيم والتفريع خرج حازم من الاختلافات التي دارت بين النقاد حول قضية الصدق والكذب. وكأنه يشير إلى ما كان عليهم أن يفعلوا – فبدلا من أن يسألوا هل هذا صدق أو كذب كان عليهم أن يبحثوا عن المحاكاة ودرجة تأثيرها في الشعر.
الفصل التاسع: مذهب المطابقة والمقابلة والتقسيم والتفريع
جاء القرطاجني ببعض القوانين الجزئية التي تساعد على الإتيان بالكلام على أمثل صورة. وبدأ كلامه في هذه المسائل بقوله: وأما المتخالفات والمتضادّات فالصيغ فيها تقسيمية وتفسيرية. وبعد هذا التقسيم دخل في شيء من التفصيل فتحدث عن الطباق وخالف قدامة في تسميته بالتكافؤ، وقسّم المطابقة إلى محضة وغير محضة (كلمتان متضادتان). هذا عن التضاد.
وأما المخالف فهو الذي يقارَن بما يقرب من مضاده كمقابلة الأبيض بالأحمر. ولم يخف حازم عند تعرضه لهذه المسائل إعجابه ببيت المتنبي:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي(1/46)
فهذا البيت قد اشتمل على صفتي المطابقة: المحضة وغير المحضة.
ورأى أنه مما يجري مجرى المطابقة تخالف وضع الألفاظ لتخالفٍ في وضع المعاني مثل:
أنت للمال إذا أصلحته فإذا أنفقته فالمال لك
وتناول المقابلة مُورِداً في ذلك أقوال قدامة وابن سنان الخفاجي واستشهاداتهم. وفرّق بين المقابلة الصحيحة والمقابلة الفاسدة.
ومما تعرض له من هذه المسائل الجزئية: التقسيم وضروبه، والتفسير وأنواعه. وأوجب أن يتحرّى في التفسير مطابقة المفسِّر المفسَّر. والمثال على ما جاء فيه التفسير غير مطابق للمفسَّر قول بعضهم:
فيا أيها الحَيَرَان في ظلم الدجى ومن خاف أن يلقاه بغي من العدا
تعالَ إليه تلق من نور وجهه ضياء، ومن كفيه بحرا من الندى
قال: "فمقابلة ما في عجز البيت الأول بما في عجز الثاني غير صحيحة. والتسامح في إيراد التفسير على مثل هذا مُخِلٌّ بوضع المعاني ومُذْهِب لطلاوة الكلام، فينبغي أن يُتحرّز منه وألا يتسامح في مثله."
ثمّ تحدث عن التفريع في آخر مأمّ من هذا المنهج، فعرّفه بأنه "أن يصف الشاعر شيئا بوصف ما. ثم يلتفت إلى شيء آخر يوصف بصفة مماثلة، أو مشابهة، أو مخالفة لما يوصف به الأول، ليستدرج من أحدهما إلى الآخر، ويستطرد به إليه على جهة تشبيه أو مفاضلة أو التفا ت أو غير ذلك ممّا يناسب به بين بعض المعاني وبعض، فيكون ذكر الثاني كالفرع عن ذكر الأول." ومثّل على ذلك بقول الكميت:
أحلامكم لسقام الجهل شافية كما دماؤكم يشفى بها الكَلَب
وطلب أن تكون النُّقلة بين المعنيين متناسبة، وأن يكون بينهما اتصال وحسن اقتران وإلا كان حشوًا، والتفريع يحسن في البيت الواحد وفي غير كثرة حتى لا ينقلب إلى عكس المقصود منه.(1/47)
لايختلف المؤلفون المحدثون في أن كتاب "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" من أفضل كتب النقد وأكملها. ولا عجب في ذلك إذا علمنا أن القرطاجني كاتب يتمتع بقدر هائل من الثقافة العامة وجوانب علمية متنوعة. وعرفنا منه أنه قد اطلع على آثار النقاد والبلاغيين العرب، كما أنه اطلع على المؤلفات الهيلينية ، ثم أضاف إلى ذلك ذوقه الأدبي الشعري، الذي اكتسبه من كثرة اطلاعه على أشعار السابقين. وأدى كل هذه إلى أن وجدنا أنفسنا أمام ناقد بارع، صاحب آراء جديدة لم يسبقه إليها أحد من متقدميه. ونقده قد اعتمد على دعامتين أساسيتين هما:
الأخذ بالمبادئ الأرسطية في الشعر وأحيان في الخطابة، وقد ارتسم ذلك في التزامه بمبدأ الوحدة في قضية منبع الشعر حين جعله وليد قوة واحدة، وهي حركات النفس، وغير ذلك من المسائل التي سبق ذكرها.
اعتماده على الذوق الأدبي الرفيع، الصادر عن نفس شاعرة. فقد ساعده ذلك على توجيه بعض نظريات أرسطو وتكييفها وفق طبيعة الشعر العربي، مما تبين لنا في غير موضع من هذا البحث.
لذلك فإن نقد حازم يحمل الشمولية التي لا نجدها عند غير من أصحاب هذا الفن.، "فقد استطاع أن يجيب على أكثر المشكلات الهامة التي عرضت للنقد الأدبي على مرّ الزمن، على منهج قائم على منطق خاص لصاحبه..."
1- ما انفرد به حازم
سبق أن ذكرنا أن كتاب المنهاج لم يكن مجرد إعادة لكتابات السابقين وتوجيها لكلامهم؛ بل استطاع في مؤلفه أن يعيد بناء النقد الأدبي ويقيمه على أركان سليمة. وقد تفرد حازم بمسائل نقدية وبلاغية كثيرة. فمن ذلك أننا لاقينا في أول ناقد يتحدث عما يسمى اليوم "التجربة الشعرية" المستمدة من الواقع، وذلك حين يردّ الشعر إلى العوامل النفسية دون غيرها.(1/48)
ومن ناحية الأسلوب، تفرد حازم بتناوله لقضايا كتابه بأسلوب حكمي فلسفي دقيق؛ ويستعمل كثيراً من المصطلحات الفلسفية، وخاصة مصطلحات المناطقة. ولا يتعرض حازم في ملاحظاته النقدية والبلاغية إلى أنظار المتكلمين، "الذين بسسب انشغالهم بمشكلة الإعجاز في القرآن يظنون أنهم يقدرون على القول في هذا الفن". فهو يضعف مذاهبهم، كما سبق ذلك في موضعه، ويصرف الدارسين عنها.
وفي مجال المصطلحات، فقد أحدث حازم بعض المصطلحات الخاصة به؛ فمن ذلك التسويم والتحجيل، اللذان ذكرهما عند حديثه عن أقسام القصيدة، فالتسويم هو اعتماد الأغراض الأصلية في رؤوس الفصول، والتحجيل هو تذييل أواخر الفصول بالأبيات الحكمية والاستدلالية.
وما يلفت النظر خاصة من هذه التجديدات، هو التسميات التي يطلقها حازم على فصول كتابه. قال الدكتور إحسان عباس محلّلا ومعلّلا هذه المصطلحات: "فالمنهاج (أو المنهاج) هو الطريق الواسعة ولذلك كان كل فصل بهذا العنوان (في الإبانة عن ماهيته)، وعلى طول هذا الطريق "معلم" أي إشارة تدل على "طرق العلم" و"معرف" أي إشارة تدل على "معرفة"، والفرق بين الاثنين أن العلم يومئ إلى القواعد التي تستند إلى شئون الذهن والقواعد المتصلة بالتفريعات المنطقية، وأن المعرف يدلّ في الغالب على التقديرات النفسية، أما "المأم" فإنه يدل على مذهب يفضي إلى غاية أو مقصد. وهذه المصطلحات الثلاثة متصلة من عنوان الكتاب بلفظة "منهاج البلغاء"؛ غير أن الساري على الطريق بحاجة إلى "سراج" (القسم الثاني من العنوان) وهذا السراج هو الذي يمنح الماشي على المنهاج "إضاءة" و"تنويرا" والفرق بينهما أن الإضاءة أقل سطوعا من التنوير، لكل فقرة تحمل عنوان إضاءة هي بسط لفكرة فرعية، وكل تنوير فهو مزيد بسط لفكرة جزئية قد تجيء في الإضاءة نفسها."
2- الفرق بينه وبين الاتجاه المشرقي(1/49)
أول ما يميز عمل حازم القرطاجني عن غيره من العلماء أنه لم يبحث البلاغة على الطريقة المدرسية مثل ما فعل السكاكي ومن سبقه من البلاغيين. فهو، بخلاف المشارقة، قد بنى نظريته النقدية على أسس منطقية حكمية، وعلى ذوقه النابع عن نفس شاعرة.
ففي مسألة مصدر الشعر قد اختلف حازم اختلافا شديدا مع ناقد كبير آخر، هو عبد القاهر الجرجاني. "فإن الجرجاني الناقد جعل الشعر مربوطا بالعقل، من جهة المعاني حتى في حالة التخييل، وبذلك قصر التخييل على الحيل العقلية في رفع درجة الشيء المخيل إلى درجة المعقول؛ ومن ثمّ كان التذاذ الناشئ عن تذوق الشعر لديه أمرا عقليا. أما حازم فإنه استطاع لدقته أن يميز بين الحيل التمويهية والتخييل..."
وكذلك نرى حازما يتخطّى الخلاف الشديد والعقيم في قضية الصدق والكذب، يمنح التخييل ومقداره في الكلام الأهمية القصوى في العمل الشعري؛ كما أنه تجاوز القضية الأخرى المعقدة حول اللفظ والمعنى، والتي شغلت كثيرا من النقاد المشرقيين.
ومن ناحية أخرى نرى حازما يتأثر بقدامة في مواطن عدة، واستطاع هذا الأخير أن يضلله في غير موطن، ولكن القرطاجني نجح في التخلص مما أوقعه في قدامة حيث أتى بالرأي الذي لا يتعارض مع رأي قدامة ولا مع الأسس النقدية التي يتبناها.
وبعد كل هذا أقول إن كتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء بحر لم يخرج لآلؤه عن صدفاتها حتى الآن. وقد سنحت لي الفرصة للبحث فيه واستكشاف مكامنه، فبان لي من خلال ذلك طرف من قيمة هذا الكتاب وفائدته العظمى.(1/50)
رغما من أنه قد اتفق الباحثون على أن أسلوب الكتاب صعب جدا، فإن اللذة الحاصلة من فهم مسألة غامضة أو قضية معقدّة بتشعبها، إنها أكبر بقدر تعقد تلك المسألة. وهذا كله يعني أن هذا الكتاب الثمين يحتاج إلى وقفة أوسع وقتا ومساحة من هذا البحث المتواضع، فإن البحث فيه لا يزال جديدا، ويظل هذا المؤلف منتظرا جهوداً أخرى التي سيزيل الحاجز بينه وبين الدارسين، وستجعله على حد سواء مع المؤلفات النقدية الأخرى، في تناوله في المناهج المدرسية على اختلاف مستوياتها.
وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين!
---
الفهارس
أعلى
فهرس القوافي
صدر البيت قافيته بحره
أزورهم يغري بي البسيط
أحلامكم الكَلَب البسيط
أَدِرِ المُدامة مدبَّجُ الكامل
يا مَن بسراجه مجزوء الكامل
فيا أيها العدا الطويل
كن جرّار البسيط
أنت فالمال لك الرمل
سبحان والحلك البسيط
لعينك ومنزل الطويل
والغبن هضما البسيط
الحمد لله علما البسيط
سلطان تنهزم البسيط
لا تبك برامتين البسيط
لله الهوى الرجز
فهرس الأعلام والأماكن
---
فهرس المصادر والمراجع
ابن تقي الدين السبكي. عروس الأفراح – ضمن شروح التلخيص. مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر، 1937.
أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي. الكليات؛ معجم في المصطلحات والفروق اللغوية. مؤسسة الرسالة. الطبعة الثانية. 1413/1993.
أبو الحسن حازم القرطاجني. منهاج البلغاء وسراج الأدباء. تقديم وتحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة. دار الكتب الشرقية (بدون تاريخ)؛.
- ديوان حازم القطاجني؛ تحقيق عثمان الكعاك، المكتبة الأندلسية، نشر وتوزيع دار الثقافة بيروت - لبنان، 1964.
- قصائد ومقطعات. تقديم وتحقيق الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة. الدار التونسية للنشر، 1972.
أبو على الحسن بن رشيق القيرواني. العمدة في صناعة الشعر ونقده. تصحيح السيد: محمد بدر الدين النعساني الحلبي؛ 1225/1908؛ مطبعة السعادة – مصر.(1/51)
أبو الفرج قدامة بن حعفر. نقد الشعر. تحقيق وتعليق الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي. مكتبة الكليات الأزهرية. الطبعة الأولى 1399/1979.
الأعشى. ديوان الأعشى. دار صادر – بيروت، 1966.
أرسطوطاليس. كتاب أرسطوطاليس في الشعر، ترجمة أبي بشر متّى بن يونس. حققه مع ترجمة حديثة ودراسة لتأثيره في البلاغة العربية الدكتور شكري محمد عيّاد. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر – القاهرة 1386/1967.
بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. البرهان في علوم القرآن. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. عيسى البابي الحلبي وشركاه؛ الطبعة الثالثة.
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم. الطبعة الأولى، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه سنة 1384/1964
- كتاب الاقتراح في علم أصول النحو. تحقيق وتعليق الدكتور أحمد محمد قاسم. مطبعة السعادة القاهرة 1396/1976.
- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، منشورات المكتبة العصرية، صيدا- بيروت 1986.
خير الدين الزركلي. الأعلام؛ قاموس لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستغربين والمستشرقين؛ الطبعة الثالثة (بدون تاريخ)
شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني. أزهار الرياض في أخبار عياض؛ صندوق إحياء التراث الإسلامي، المشترك بين المملكة المغربية والإمارات العربية المتحدة (بدون تاريخ)
- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب. تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار صادر بيروت 1388/1968.
عبد الرحمن البرقوقي، شرح ديوان أبي الطيب المتنبي؛ حقق النصوص وهذّبها وعلق حواشيها وقدم لها الدكتور عمر فاروق الطبّاع. شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت- لبنان، (بدون تاريخ).
فتحي محمد أبو عيسى. شعر حازم القرطاجني بين رؤيته النقدية وممارسته الإبداعية؛ دار التضامن للطباعة، 1984.
مجمع اللغة العربية. المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية – إسطنبول، تركيا. (بدون تاريخ).(1/52)
محمد رضوان الداية. تاريخ النقد الأدبي في الأندلس. مؤسسة الرسالة – بيروت، 1401/1981.
محمد محفوظ. تراجم المؤلفين التونسيين؛ دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1405/1985، بيروت-لبنان.
محمد مصطفى هدارة. مشكلة السرقات في النقد العربي. المكتب الإسلامي (بدون تاريخ).
المصادر الأجنبية:
Aristotel. RETORIKA 1/2/3 = ?????? ????????? ‘???c???????. Preveo sa starogr?kog, pogovor i komentari MARKO VI?I?. Svetovi / Novi Sad 1997.
Hasan Kale?i, Kamil Buhi. Srpskohrvatsko-arapski rje?nik. Sarajevo, 1988.
Merriam Webster’s Collegiate Dictionary Tenth Edition. Librarie du Liban publishers.
Teufik Mufti?. Arapsko-srpskohrvatski rje?nik. Sarajevo, 1973.
---
فهرس الموضوعات
المقدمة
التمهيد
الحالة السياسة والثقافية في عصر حازم القرطاجني
1= الوضع السياسي والثقافي بالأندلس في أول القرن السابع/الثالث عشر
2- المغرب الأقصى في العهد الموحدي بين سنة 633/1236 وسنة 638/1242
3- الحالة السياسية بإفريقية لعهد أبي زكرياء الأول وابنه المستنصر
الباب الأول: حازم القرطاجني وكتابه
الفصل الأول: التعريف بشخصية حازم القرطاجني
المبحث الأول: حياة حازم
1 - حازم وبيئته
2 - هجرته إلى تونس
المبحث الثاني: مصنفات حازم
1- القسم الأول: الآثار الشعرية
2- القسم الثاني: الآثار النحوية
3- القسم الثالث: الآثار البلاغية والنقدية
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب
1- عنوان الكتاب ونسبته
2 – مميزات الكتاب
3 - أسلوب الكتاب
4 - تأثره بالثقافة اليونانية ومزجها بالثقافة العربية
5 - منزلته بين الكتب البلاغية والنقدية الأخرى
6 - قلة اهتمام الناس بهذا الكتاب وسبب ذلك
الباب الثاني: القضايا النقدية والبلاغية في كتاب منهاج البلغاء
الفصل الأول: ماهية الشعر
الفصل الثاني: تقسيم الشعر
المبحث الأول: طرق الشعر (جد وهزل)
المبحث الثاني: أغراض الشعر(1/53)
الفصل الثالث: ملاءمة الأوزان للأغراض
الفصل الرابع: نظم الشعر
الفصل الخامس: المفاضلة بين الشعراء
الفصل السادس: معاني الشعر
قضية السرقة
الفصل السابع: التخييل والمحاكاة
الفصل الثامن: قضية الصدق والكذب
الفصل التاسع: مذهب المطابقة والمقابلة والتقسيم والتفريع
الفهارس
فهرس القوافي
فهرس الأعلام والأماكن
فهرس المصادر والمراجع
المصادر الأجنبية:
فهرس الموضوعات(1/54)