ومائة وسبع وستين سنة. وقال بطليموس: إنه يتمها في ستة وثلاثين ألف سنة، وقال الأعلم والمحقق الطوسي: إنه يتمها في خمسة وعشرين ألف سنة ومائتي سنة.
حسين بن مساعد:
(دعاني والغرام بحسنهنه ... فلست عن الهوى ألوى الأعنه)
(كفاني في المحبة ما ألاقي ... وشاهدي الدموع وسحهنه)
(ألا أبلغ ظباء الحي عني ... سلام متيم بفراقهنه)
(وإن مرت نياقك في ذراها ... فقف بي ساعة بطلولهنه)
(سكناها بأفئدة خوال ... من التفريق كانت مطمئنه)
(رعى الله الظباء وإن بظلم ... أراق دمي ظبا ألحاظهنه)
(فدعني والصبابة يا عذولي ... فإن اللوم يغريني بهنه)
(ومات الجابري بهن مضنى ... مصادا حل في أشراكهنه)
مضغت أعرابية علكا ثم طرحته وقالت: تعسا له: تعب الأضراس، وخيبة الحنجرة.
أعلم أن أرباب القلوب على أن الاسم هو الذات مع صفة معينة وتجل خاص، وهذا الاسم هو الذي وقع فيه التشاجر أنه هو عين المسمى أو غيره. وليس التشاجر في مجرد اللفظ كما ظنة المتكلمون، فسودوا قراطيسهم، وأفعموا كراريسهم بما لا يجدي بطائل، ولا يفوق العالم به الجاهل.
قال أبقراط لرجل رآه يتكلم مع امرأة: تنح عن الفخ لا تقع فيه. وسئل: أي السباع شر؟ فقال النساء.
قيل للجنيد: ما الدليل على وجوده تعالى؟ فقال: أغنى الصباح عن المصباح.
اجتمع جماعة على البهلول، فقال أحدهم: أتعرف من أنا؟ فقال البهلول: أي والله، وأعرف نسبك، أنت كالكمأة لا أصل نابت، ولا فرع ثابت.
لبعضهم:
(رفعت رايتي على العشاق ... واقتدى بي جميع تلك الرفاق)
(وتنحى أهل الهوى عن طريقي ... وانثنى عزم من يروم لحاقي)(2/305)
(ضربت سكة المحبة باسمي ... ودنت لي منابر العشاق)
(كان للقوم في الزجاجة باق ... أنا وحدي شربت ذاك الباقي)
(شربة لا أزل سكران منها ... ليت شعري ماذا سقاني الساقي)
من كلام بعض الحكماء:
صاحب القناعة عزيز في عاجله، مصاب في آجله.
من كلامهم: اليأس يعز الأسير، ويذلك الأمير.
القناعة ملك خفي، والرضا بالقضاء عيش هني.
قال بعض الأدباء: أحسن الشعر ما كان إلى القلب أسرع منه إلى الأذن.
أسلم مجوسي، فسئل عن الإسلام، فقال: دين من دخل فيه قطعوا كمرته، ومن خرج منه قطعوا رقبته [ومعنى قطعوا كمرته: منع من الزنا] .
(تعريف الحكمة)
الحكمة عندهم هي العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه، وارتباط الأسباب بالمسببات، وأسرار انضباط نظام الموجودات، والعمل بمقتضاه، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
والحكمة المنطوق بها هي علوم الشريعة والطريقة. والحكمة المسكوت عنها هي أسرار الحقيقة التي لا يفهمها علماء الرسوم والعوام على ما ينبغي فتضرهم أو تهلكهم.
والحكمة المجهولة عندهم هي ما خفي عليهم وجه الحكمة في إيجاده، كإيلام بعض العباد، وموت الأطفال، والخلود في النار، فيجب الإيمان به، والرضا بوقوعه، واعتقاد كونه حقا وعدلا. قاله في الاصطلاحات.
من أمثال العرب قولهم: الحديث ذو شجون. يريد أنه يذكر بعضه ببعض.
(تقسيم النفس، وتعريفها)
النفس الإنسانية إن كانت مسخرة للقوة البهيمية، مائلة إلى الطبيعة البدنية فهي النفس الأمارة التي تأمر باللذات والشهوات الحسية، وتجذب القلب إلى الجهة السفلية، وهي مأوى الشر ومنبع الأخلاق الدنيئة، والأفعال الرديئة، قال الله تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء} .(2/306)
وإن كانت حاكمة على القوة البهيمية، منقادة للقوة الملكية، راسخة فيها الأخلاق المرضية، فهي النفس المطمئنة المترقية إلى جانب عالم القدس، المتنزهة عن جانب الرجس، الواظبة على الطاعات التي طال شوقها إلى حضرة رفيع الدرجات، حتى خاطبها بقوله: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} .
وإن لم يكن فيها شيء من الأخلاق الفاضلة، ولا الرذائل المهلكة لها، بل تميل إلى الخير تارة، وإلى الشر أخرى، وإذا صدر منها شيء لامت نفسها، فهي النفس اللوامة التي حصلت من النور على مقدار ما تتنبه به من سنة الغفلة، فبدأت بإصلاح حالها من جهة الربوبية والحقيقة، وكلما أساء طبعها الأصلي تداركها نور التنبيه فأنابت واستغفرت ربها، وأقبلت عليه، ولهذا أقسم الله بها فقال {ولا أقسم بالنفس اللوامة} .
الخالدي:
(هتف الديك بالدجى فاسقيها ... خمرة تترك المقل سفيها)
(لست أدري من رقة وصفاء ... هي في كأسها أم الكأس فيها)
أتى المنصور برجل أذنب، فأمر بقتله، فقال: إن الله يأمرك بالعدل والإحسان، فإن أخذت في غيري بالعدل فخذ في بالإحسان، فأمر بإطلاقه.
قيل لبعض الحكماء: ما الشيء الذي لا يجوز أن يقال وإن كان حقا؟ فقال: ذكرا الرجل مآثره.
شكا يزيد بن أسيد إلى المنصور ما أصابه من العباس أخي المنصور فقال له المنصور: اجمع إحساني إليك مع إساءة أخي فإنهما يتعادلان، فقال يزيد: إذا كان إحسانكم إلينا جزاء لإساءتكم، كانت الطاعة منا لكم تفضلا.
وصف أعرابي امرأة فقال: هي أرق من الهواء، وأحسن من النعماء، تكاد العيون تأكلها، والقلوب تشربها، فكأنما خاصمت الولدان فهربت من رضوان.
قال إسكندر لابنه: يابن الحجامة، فقال: أما هي فقد أحسنت الاختيار، وأما أنت فلا.
قال الأطباء: كل حيوان إذا خصى زال صنانه، كالتيس ونحوه، إلا الإنسان فإنه يزداد نتنا وصنانا.
قال الفرزدق: ربما أتت علي ساعة كان قلع ضرسي أهون علي من أن أقول بيتا.(2/307)
(هل الأرض شفافة؟)
القول بأن الأرض شفافة يلزمه ألا يقع خسوف أصلا، إذ لو كان ينفذ فيها شعاع الشمس فأي شيء يحجب نورها عن القمر؟ ولعل القول بأنها شفافة من قبيل طغيان القلم، وتفسير الشفاف بما لا لون له ولا ضوء مما لا يساعد الاصطلاح.
لبعضهم:
(لقد هتفت في جنح ليل حمامة ... على فنن وهنا وإني لنائم)
(كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم)
لآخر:
(بقيت غداة النوى حائرا ... وقد حان ممن أحب الرحيل)
(فلم تبق لي دمعة في الشئون ... إلا غدت فوق دمعي تسيل)
(فقال نصيح من القوم لي ... وقد كاد يقضي علي العويل)
(ترفق بدمعك لا تفنسه ... فبين يديك بكاء طويل)
(في وصف الكتاب:)
قال الرياشي: قال لي الأصمعي: ألا أدلك على لسان يكون في كمك، وروضة سكانها حجرك، وأخرس يعلمك إذا شيئت، وينقطع عنك إذا سئمت؟ قلت: وما ذاك؟ قال: هو كتابك، فعليك به.
(الشريف الرضي:)
(أأبقي كذا نضو الهموم كأنما ... سقتني الليالي من عقابيلها سما)
(وأكبر آمالي من الدهر أنني ... أكون خليا لا سرورا ولا غما)
(فلا جامعا مالا ولا مدركا علا ... ولا محرزا أجرا ولا طالبا علما)
(كأرجوجة بين الخصاصة والغنى ... ومنزلة بين الشقاوة والنعمى)
(لبعض الأعراب:)
(شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا)(2/308)
(وذاك لأن النوم يغشى عيونهم ... سراعا ولا يغشى لنا النوم أعينا)
(إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا)
(فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا)
(لبعض الأعراب:)
(ألا إن لي نفسين نفسا تقول لي ... تمتع بليلى ما بدا لك لينها)
(ونفسا تقول استبق ودك واتئد ... ونفسك لا تطرح على ما يهينها)
(من كلام بعض الحكماء:)
خير الأمور ثلاثة: الحياة، وضعف الحياة، وما هو خير من الحياة: فأما الحياة: فالراحة وحسن العيش. وأما ضعف الحياة: فالمحمدة وحسن الثناء. وأما ما هو خير من الحياة: فرضوان الله تعالى.
وشر الأمور ثلاثة: الموت، وضعف الموت، وما هو شر من الموت: أما الموت فالفاقة والفقر. وأما ضعف الموت: فالمذمة وسوء الثناء. وأما ما هو شر من الموت: فسخط الله تعالى.
(حقيقة النفس)
المذاهب في حقيقة النفس - أعني ما يشير إليه كل أحد بقوله أنا - كثيرة. والدائر منها على الألسنة، والمذكور في الكتب المشهورة أربعة عشر مذهبا: الأول: هذا الهيكل المحسوس، المعبر عنه بالبدن. . الثاني: أنها القلب: أعني العضو الصنوبري اللحماني المخصوص. . الثالث: أنها الدماغ. . الرابع أنها أجزاء لا تتجزى في القلب، وهو مذهب النظام ومتابعيه. . الخامس أنها الأعضاء الأصلية المتولدة من المني ... السادس أنها المزاج. . السابع أنها الروح الحيواني. ويقرب منه ما قيل: إنها جسم لطيف سار في البدن سريان الماء في الورد، والدهن في السمسم. . الثامن: أنها الماء. . التاسع: أنها النار والحرارة الغريزية. . العاشر: أنها النفس. . الحادي عشر: أنها هي الواجب، تعالى عما يقولون علوا كبيرا. . الثاني عشر: أنها الأركان الأربعة. . الثالث عشر: أنها صورة نوعية قائمة بمادة البدن، وهو مذهب الطبيعيين. . الرابع عشر: أنها جرم مجرد عن المادة الجسمانية وعوارض الجسمانيات، لها تعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف. والموت هو قطع هذا التعلق. وهذا هو مذهب الحكماء الإلهيين، وأكابر الصوفية، والإشراقيين، وعليه(2/309)
استقر رأي المحققين من المتكلمين، كالإمام الرازي، والغزالي، والمحقق الطوسي، وغيرهم من الأعلام، وهو الذي أشارت إليه الكتب السماوية، وانطوت عليه أنباء النبوة، وقادت إليه الإيماءات الحسية والمكاشفات الذوقية.
قال الرشيد للفضيل: ما أزهدك! قال أنت أزهد مني يا أمير المؤمنين، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأني زهدت في الفاني وزهدت أنت في الباقي.
قال بعض العرب: إن من كمال اليقظة إظهار الغفلة مع تمام الحذرة.
لبعضهم:
(إن يكن نالك الزمان يبلوي ... عظمت عندها الأمور وجلت)
(وأتت بعدها مصائب أخرى ... سئمت عندها النفوس وملت)
(فاصطبر وانتظر بلوغ مداها ... فالرزايا إذا توالت تولت)
لبعضهم:
(ووالله ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جد جد البين أم أنا غالبه)
(فإن أستطع أغلب وإن غلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه)
سمع الأصمعي بعض الأعراب ينشد:
(أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف شر ما يأتي به القدر)
(وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر)
فقال: كأنه مأخوذ من قوله تعالى: {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} .
قال الراغب:
سمى الطريق صراطا على توهم أنه يبتلع سالكه، أو يبلعه سالكه، كما يقال: أكلته المفازة، إذا أضمرته وأهلكته، وأكل المفازة إذا قطعها، ولذلك يسمى لقما - بفتحتين - لأنه يلتقمهم، أو يلتقمونه.
عن ابن مسعود أنه قال: الصلاة مكيال، فمن وفى وفي له، ومن طف فقد سمعتم ما قال الله تعالى في المطففين.(2/310)
لأبي نصر الفارابي:
(نظرت بنور العلم أول نظرت ... فغبت عن الأكوان وارتفع اللبس)
(وما زال قلبي لائذا بحماكم ... وحضرتكم حتى فنت فيكم النفس)
(فصار بكم ليلي نهارا وظلمتي ... ضياء ولاحت من ضيائكم الشمس)
قال لقمان الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: الشجاع عند الحرب، والحلم عند الغضب، وأخوك عند حاجتك إليه.
قال بعضهم: ثلاثة ليس فيهن حيلة: فقر يخالطه كسل، وعداوة يداخلها حسد، ومرض يمازجه هرم.
قال الحسن بن سهل: ثلاثة أشياء تذهب ضياعا: دين بلا علم، وقدرة بلا فعل، ومال بلا بذل.
وقال بعضهم: إذا استغنى الرجل وحسنت حاله ابتلى به أربعة: خادمه القديم يستغني عنه، وامرأته يتسرى عليها، وداره يهدمها ويبني غيرها، ودابته يستبدل بها.
قالت امرأة لزوجها: والله ما يقيم الفأر في بيتك إلا لحب الوطن.
قال الأحنف بن قيس: لا تحمد العجلة إلا في أربع: تزويج القرابة إذا وجد لها كفء، ودفن الميت، وركوب مالا بد منه من الهول، وصنيعة المعروف.
قال المأمون: الرجال ثلاثة: رجل كالغذاء لا يستغني عنه، ورجل كالدواء قد يحتاج إليه. ورجل كالداء نعوذ بالله منه.
قال بعضهم: من منع نفسه من أربعة سعد: العجلة، واللجاج، والتواني، والعجب.
السعد خلاف النحس، وإذا كان الوصف للإنسان فهو مقابل للشقي، لكن يختلف الفعل فيهم، فإن الماضي في الأول مفتوح العين، وفي الثاني مكسورها.
في كليلة ودمنة: ينبغي أن ينفق ذو المال ماله في ثلاثة مواضع: في الصدقة إن أراد الآخرة، وفي مصانعة السلطان وأعوانه إن أراد الدنيا، وفي النساء إن أراد العيش.
في دملج:
(ومضروب بلا جرم ... مليح اللون معشوق)(2/311)
(له شكل الهلال على ... رشيق القد ممشوق)
(وأكثر ما يرى أبدا ... على الأمشاط في السوق)
الغذاء الذي لا غناء عنه في قوام البدن لا بد منه، فليقتصر على مالا يمكن التبلغ بأقل منه، وهو أكل الصالحين، وعلى هذا روى: عند أكل الصالحين تنزل الرحمة.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: من كرم المرء أربع خصال: ملكته للسانه، وإقباله على شأنه، وحبه لأوطانه، وحفظه لقديم إخوانه.
وقال عليه السلام: لا خير في صحبة من إن حدثك كذبك، وإن حدثته كذبك، وإن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك اتهمك، وإن أنعمت عليك كفرك، وإن أنعم عليك من بنعمته.
(حكم مأثورة)
من أشرف فعال الكرام غفلتهم عما يعلمون
من سعادة المرء أن يكون خصمه عاقلا
لسان الجاهل مالك له ... لكل قوم يوم. .
موت الخير راحة لنفسه، وموت الشرير راحة لغيره ...
خير مالك ما وقاك، وشره ما وقتيه ... خير ما جربت ما وعظك. .
خير الأوطان أعونها على الزمان ... خير البلاد ما حملك.
فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها ...
ظلم الضعيف أفحش الظلم ...
من التوفيق التوقف عند الحيرة ... خاطر بنفسه من استبد برأيه. .
قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. . صلاح نفسك معرفتك بفسادها. .
ارع حق من عظمك لغير حاجة إليك. .
اعرف أخاك بأخيه قبلك
قارب الناس في عقولهم تسلم من غوائلهم
دع ما شاء القلب لا ما شاء الرب ... لا تنكح خاطب سرك
لا تفتح بابا يعيبك سده، ولا ترسل سهما يعجزك رده(2/312)
لا تستح من إعطاء القليل، فإن المنع أقل منه
لا تكن كالجراد يأكل ما وجده، ويأكله ما وجده
لا تكن رطبا فتعصر، ولا يابسا فتكسر
لا يزيدنك لطف الحسود إلا وحشة منه ... إذا قبح السؤال حسن المنع
لا تشرب السم اتكالا على ما عندك من الترياق
لا تتهاون بالأمر الصغير إذا كان يقبل النمو
لا تقل مالا تعلم فتهتم بما لا تعلم
لا تصحب الأشرار فإنهم يمنون عليك بالسلامة منهم
إذا فاتك الأدب فالزم الصمت
إذا اشتبه عليك أمران فاجتنب أقربهما من هواك
إذا لم يكن ما تريد فرد ما يكون
مر حاتم الطائي ببلاد بني عنزة، فناداه أسير في أيديهم: يا أبا سفانة قتلني الإسار والقمل، فقال: ويحك، والله لقد أسأت إذ نوهت بي في غير بلادي، ثم نزل فشد نفسه مكانه في القد وأطلقه، ولم يزل إلى أن بلغ الخبر قومه ففدوه بمال كثير.
قال أفلاطون: الملك كالنهر، والأمراء كالسواقي، فإن كان عذبا عذبت، وإن كان ملحا ملحت.
(تعريف البلاغة)
سئل ابن المقفع: ما البلاغة؟ فقال: الإيجاز من غير عجز، والإطناب في غير خطل ... وسئل مرة أخرى عنها فقال: هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها.
من كلام الحكماء: الأماني أحلام المستيقظين. . المنية تضحك من الأمنية ... السلم سلم السلامة ... الرشوة رشاء الحاجة ... الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع ... البرايا أهداف البلايا ...
مر الفرزدق بزياد الأعجم وهو قائم بنشد، فقال له: تكلمت يا أغلف {فقال: ما أسرع ما أخبرتك بها أمك} ! ... من أعز فلسه أذل نفسه ... من كانت حياتك به فمت دونه ... من تأنى أصاب ما تمنى ... العفو عن المقر لا عن المصر ...(2/313)
قال بعض القضاة: إذا جاءك الخصم وقد فقئت عينه، فلا تحكم له إلى أن يجيء خصمه، فلعله يأتيك وقد فقئت عيناه معا.
قال أفلاطون: الظفر شافع المذنبين لدى الكرماء. . ومن كلامه: إذا صار عدوك في قبضتك فقد خرج من جملة أعدائك، ودخل في عدة حشمك.
(وفاء أعرابي)
أتي الحجاج بقوم كانوا قد خرجوا عليه، فأمر بقتلهم وبقي منهم واحد، فأقيمت الصلاة، فقال الحجاج لقتيبة بن مسلم: ليكن عندك، وتغدو به علينا، قال فخرجت والرجل معي، فلما كنا في الطريق قال لي: هل لك في خير؟ قلت وما هو؟ قال إن عندي ودائع للناس، وإن صاحبك لقاتلي، فهل لك أن تخلي سبيلي؛ لأودع أهلي، وأعطي كل ذي حق حقه، وأوصي بما علي ولي، والله تعالى كفيل لي أن أرجع إليك بكرة. قال فتعجبت من قوله وتضاحكت. قال: فأعاد علي القول وقال: يا هذا، الله كفيل أن أعود إليك. ومازال يلح إلى أن قلت: اذهب. فلما توارى عني كأنني انتبهت، فقلت: ما صنعت بنفسي، ثم أتيت أهلي فباتوا بأطول ليلة، فلما أصبحنا إذا برجل يقرع الباب. فخرجت وإذا به، فقلت رجعت؟ فقال: جعلت الله كفيلا ولا أرجع! فانطلقت، فلما بصر بي الحجاج قال: أين الأسير؟ قلت: بالباب أصلح الله الأمير، فأحضرته وقصصت عليه القصة، فجعل يردد نظره فيه، ثم قال وهبته لك، فانصرفت به، فلما خرجت من الدار قلت له: اذهب أين شئت، فرفع بصره في السماء وقال: اللهم لك الحمد، ولا قال لي أحسنت ولا أسأت، فقلت في نفسي مجنون ورب الكعبة. فلما كان في اليوم الثاني جاءني فقال: يا هذا جزاك الله عني أفضل الجزاء، والله ما ذهب عني أمس ما صنعت، ولكن كرهت أن أشرك في حمد الله أحدا.
في كتاب الجواهر: ارتجل علي بن أبي طالب عليه السلام تسع كلمات، قطعت أطماع البلغاء عن واحدة منهن: ثلاث في المناجاة، وثلاث في العلم، وثلاث في الأدب.
أما التي في المناجاة فقوله: كفاني عزا أن تكون لي ربا، وكفاني فخرا أن أكون لك عبدا، كنت لي كما أحب فوفقتني لما تحب.
وأما التي في العلم فقوله: المرء مخبوء تحت لسانه، ما ضاع امرؤ عرف قدره، تكلموا تعرفوا.(2/314)
وأما التي في الأدب، فقوله: أنعم على من شئت تكن أميره، واستعن بمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.
لبعضهم:
(يا حسن الوجه توق الخنا ... لا تبدلن الزين بالشين)
(ويا قببيح الوجه كن محسنا ... لا تجمعن بين قبحين)
قال بعض الأمراء: دعوتان أرجو إحداهما بقدر ما أخاف الأخرى؛ دعوة مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته.
قال سقراط: من لم يصبر على تعب العلم صبر على شقاء الجهل.
وقع حريق في بيت كان فيه زين العابدين علي بن الحسين وهو في صلاته، فجعلوا يقولون له: يابن رسول الله، يابن رسول الله النار النار، فما رفع رأسه من سجوده حتى أطفئت، فقال له بعض خواصه: ما الذي ألهاك عنها؟ فقال: نار الآخرة. وكان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل يطوف به على فقراء المدينة يتصدق به عليهم ويقول: صدقة السر تطفئ غضب الرب.
ابن القرية يضرب به المثل في الحفظ، والقرية أمه، وهي بكسر القاف، وتشديد الراء المكسورة. وهي في الأصل حوصلة الطائر، وهو ممن قتلهم الحجاج.
ابن سناء الملك:
(سار الحبيب بليل حين ودعني ... ولم يدع لي صبرا ساعة البين)
(وقال إن كنت مشتاقا إلى نظري ... أجر المدامع حمرا قلت من عيني)
العفيف التلمساني:
(بحق هذه الأعين الساحرة ... وحق هذي الوجنة الزاهرة)
(خف في الهوى إثمي أيا قاتلي ... فاليوم دنيا وغدا آخره)
أوحى الله إلى داود عليه السلام: اذكرني في أيام سرائك حتى أستجيب لك في أيام ضرائك.
أنشد النابغة الذبياني عند النبي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] قوله:
(ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا)(2/315)
(ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا)
فقال له النبي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] : لا يفضض الله فاك، فكان من أحسن الناس ثغرا.
قال بعض ال
حكماء: العمر اقصر من أن تصرفه فيما لا يعنيك.
لبعضهم:
(من بأسياف هجرهم كلمونا ... ما عليهم لو أنهم كلمونا)
(أغلقوا باب نصحهم فتح الله ... لهم بالهناء فتحا مبينا)
(ملكوا رقنا فصرنا عبيدا ... ليتهم بعد رقنا كاتبونا)
(وغدونا لهم أرقا ولكن ... قد تغالوا في الهجر مذ فارقونا)
سئل اسطرخس الصامت عن سبب صمته فقال: لأني لم أندم عليه قط، وكم ندمت على الكلام.
ابن حجر:
(مزاج خمرة فيه جاء معتدلا ... فراح منه مزاج الراح منحرفا)
(ومذ غدا جسمه ماء برقته ... علمت والله أن القلب منه صفا)
سأل بعض الأنبياء ربه أن يكف عنه ألسنة الناس، فأوحى الله إليه: إن هذه خصلة لم أجعلها لنفسي، فكيف أجعلها لك؟
مثل نفس الإنسان في بدنه كمثل وال في بلده، وقواه وجوارحه أعوانه، والعقل له وزير ناصح، والشهوة فيه كعبد سوء جالب للشر.
لبعضهم:
(لقد قال الرسول وقال حقا ... وخير القول ما قال الرسول)
(إذا بدت الحوائج فاطلبوها ... إلى من وجهه حسن جميل)
قال بعض الحكماء: إن الله تعالى خلق الملائكة من عقل بلا شهوة، وخلق البهائم من شهوة بلا عقل، وخلق الإنسان من عقل وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم.
(حكم)
من دام كسله خاب أمله. من ركب جده غلب ضده. من أعمل اجتهاده حصل مراده.(2/316)
قيل لبعض الحكماء: أي إخوانك أحب إليك؟ قال من سد خللي، وقبل عللي، وغفر زللي.
من كلام عيسى عليه السلام: لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
من كلام بعض الحكماء: لا تستصغروا شيئا من المعروف إن قدرتم على اصطناعه، فإن اليسير في حال الحاجة أنفع لأهله من درك الكثير في حال الغنى عنه.
وفي الحديث:
" المجنون من يتمنى على الله جنته وهو مقيم على معصيته ".
يوم 14 من المحرم سنة 1060 هـ.
تم الكشكول؛ ويليه شرح الشيخ أحمد المنيني على قصيدة بهاء الدين العاملي المسماة " وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان ".(2/317)