63- قولهم في الذم:
وذكر أعرابي قومًا فقال: "أولئك سُلِخَت أقفاؤهم بالهِجاء، ودُبِغَت وجوههم باللؤم، لبأسهم في الدنيا المَلَامة، وزادهم إلى الآخرة النَّدامة".
وذكر أعرابي قومًا فقال: "لهم بيوتٌ تدخل حَبْوًا، إلى غير نَمارق1َ، ولا وسائِدَ، فُصُحُ الألسُن برَدِّ السائل، جِعَاد الأكفِّ عن النائِل2".
وقال أعرابي: "لقد صَغَّر فلانا في عيني عِظَمُ الدنيا في عينه، وكأنما يرى السائل إذا أتاه ملك الموت إذا رآه".
وسئل أعرابي عن رجل فقال: "ما ظنكم بِسكِّير لا يَفِيق، يتَّهم الصديق، ويعصي الشفيق، لا يكون في موضع إلا حَرُمت فيه الصلاة، ولو أفْلتت كلمة سوء لم تَضِر إلا إليه، ولو نزلت لعنة من السماء لم تقع إلا عليه".
__________
1 النمارق جمع نمرقة "بالضم": وهي الوسادة الصغيرة.
2 النائل: العطاء، وهو جعد اليدين أو الأنامل "كشمس": أي بخيل، وقد جمعوا جعد الشعر على جعاد ككتاب كما في اللسان، فليكن هذا مثله، وقد جاء في الأصل "جعد" بدون ألف، وأراه محرفا؛ إذ لا يجمع جعد "بالفتح" على جعد بضم فسكون، ولا على جعد بضمتين.(3/292)
وذكر أعرابي رجلا فقال: "إن فلانا ليُعْدِي بِإِثْمه، مَنْ تسمَّى باسمه، ولئن خيَّبني فلربَّ باقيةٍ قد ضاعت في طلب رجل كريم".
وذكر أعرابي رجلا فقال: "تغدوا إليه مَرَاكبُ الضلالة، فترجع من عنده ببذور الآثام، مُعْدِم مما تحب، مُكْثِر مما تكره، صاحب السوء قطعة من النار".
وقال أعرابي لرجل: "أنت والله ممن إذا سأل ألحف، وإذا سُئِل سوَّف وإذا حدث حلف، وإذا وعد أخلف، تنظر نظر حسود، وتُعْرِض إعراض حقود".
وسافر أعرابي إلى رجل فحرمه، فقال لمَّا سئل عن سفره: "ما رَبِحْنا في سفرنا إلا ما قصَرنا من صلاتنا، فأما الذي لقينا من الهواجر1، ولقيت منا الأباعر، فعقوبة لنا فيما أفَسْدَنا من حسن ظننا"، ثم أنشأ يقول:
رجعنا سالمين كما خرجنا ... وما خابت سَرَيَّةُ سَالمينا
وذكر أعرابي رجلا فقال: "كان إذا رآني قرَّب من حاجب حاجبا، فأقول له: لا تقبِّح وجهك إلى قبحه، فوالله ما أتيتك لطمعٍ راغبا، ولا لخوف راهبا".
وذمّ أعرابي رجلا فقال: "عبد الفعال، حُرّ المقال، عظيم الرُِّواق، دَنِيء الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه".
وقال أعرابي: "دخلت البصرة، فرأيت ثيات أحرار على أجساد عبيد، إِقْبَال
__________
1 الهواجر جمع هاجرة: وهي شدة الحر.(3/293)
حظهم إدبار حظ الكرام، شجر أصوله عند فروعه، شغلهم عن المعروف رغبتهم في المنكر".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "ذاك سُمّ المجالس، أعيا ما يكون عند جلسائه، أبلغُ ما يكون عند نفسه".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "ذلك من يداوي عقله من الجهل، أحوج منه إلى من يداوي عقله من المرض، إنه لا مرض أوجع من قِلَّة عقل".
وذكر أعرابي رجلًا لم يدرك بثأره فقال: "كيف يُدْرِك بثأره مَنْ في صدره من البَلْغَم حشو مُرَقَّعة، لو دُقَّت بوجهه الحجارة لرَضَّها1، ولو خلا بالكعبة لسرقها".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "تسهر والله زوجته جوعًا إذا سهِر الناس شبعًا، ثم لا يخاف مع ذلك عاجلَ عارٍ، ولا آجل نارٍ، كالبهيمة أكلت ما جمعت، ونكحت ما وجدت".
وسمع أعرابي رجلًا يَزْعَق فقال: "ويحك! إنما يستجاب لمؤمن أو مظلوم، ولست بواحد منهما، وأراك يخِفّ عليك ثِقْل الذنوب، فيَحُسن عندك مقابح العيوب".
__________
1 رضها: دقها.(3/294)
وذكر أعرابي رجلًا بِضَعف فقال: "سيئ الرَّويَّة، قليل التقيَّة، كثير السِّعاية، ضعيف النكاية".
وذكر أعرابي رجلا فقال: "عليه كل يوم من فعله شاهد بفسقه، وشهادات الأفعال أعدل من شهادات الرجال".
وذكر أعرابي رجلا بِذِلَّة فقال: "عاش خاملا، ومات مَوْتُورا".
وقال أعرابي لرجل شريف البيت دنيء الهمة: "ما أحوجك أن يكون عرضك لمن يصونه، فتكون فوق ما أنت دونه".
وذكر أعرابي رجلا فقال: "إن حَدَّثْتَه يسابقك إلى ذلك الحديث، وإن سكت عنه أخذ في التُّرُّهَات1".
وذكر أعرابي رجلا راكبا هواه فقال: "والله لهو أقصد إلى ما يهواه، من الطُّرق إلى المياه، وأقْفَره ذلك أو أغناه".
وقال أعرابي: "ليت فلانًا أقالني من حسن ظني به، فأختم بصواب إذ بدأت بخطأ، ولكن من لم تُحْكِمْه التجارب، أسرعُ بالمدح إلى من يستوجب الذم، وبالذم إلى من يستوجب المدح".
__________
1 الترهات جم ترهة: وهي الباطل.(3/295)
وقال أعرابي لرجل: "هل أنت إلا أنت لم تَغَيَّر؟ ولو كنت من حديد مُحْمًى ووُضِعت على عين لم تَذُب".
وقال أعرابي لأخيه: "قد كنت نهيتك أن تدِّنس عرضك بعرض فلان، وأعلمك أنه سمين المال، ومهزول المعروف، من المرزوقين فجأة، قصير عمر الغِنَي، طويل عمر الفقر".
وقلا أعرابي: "لا ترك الله مُخًّا في سُلَامَى1 ناقةٍ حملتني إليك، وللدَّاعِي عليها أحق بالدعاء عليه، إذ كلفها المسير إليك".
وذكر أعرابي رجلا فقال: "لا يُؤْنِس جارا، ولا يُؤْهِل دارا، ولا يبعث نارا".
وذكر أعرابي امرأة قبيحة فقال: "تُرْخِي ذيلها على عُرْقُوبَي نعامة، وتُسْدِل خمارها على وجه كالجِعالة2".
وقال أعرابي لامرأة: "والله إنك لمشرفة الأذنين، جاحظة العينين، ذات خلق متضائل: يعجبك الباطل، إن شبعت بطرت، وإن جعت صخبت3، وإن رأيت حسنا دفنته، وإن رأيت سيئًا أذعته، تكرمين من حَقَرك، وتَحْقِرين من أكرمك".
"العقد الفريد 2: 90- 93".
__________
1 السلاميات: عظام الأصابع.
2 الجعالة: خرقة ينزل بها القدر.
3 الصخب: شدة الصوت.(3/296)
وسأل أعرابي رجلا فحرمه، فقال له أخوه: "نزلت والله بواد غير ممطور، وأتيت رجلا بك غير مسرور، فلم تُدْرِك ما سألت، ولا نِلْتَ ما أمَّلت، فارتحل بِنَدَم، أو أَقِم على عَدَم".
"العقد الفريد 2: 92، وزهر الآداب 2: 5".
ودخلت أعرابية على حَمْدونة بنت المهدي، فلما خرجت سُئِلت فقالت: "والله لقد رأيتها فما رأيت طائِلا، كأنَّ بطنها قِرْبة، كأن ثديها دُبَّة، كأن استها رفعَة1، كأن وجهها وجه ديك قد نَفَش عِفَريَتَهُ2 يقاتل ديكًا".
"العقد الفريد 2: 92، والأمالي 2: 156".
وذم أعرابي رجلا فقال: "أفسد آخرته بصلاح دنياه، ففارق ما أصلح غير راجع إليه وقَدِم على ما أفسد غيرَ منتقل عنه، ولو صَدَق رجل نفسه ما كَذبته، ولو ألقى زِمَامه أوطأه راحِلته".
"زهر الآداب 2: 6".
قال الأصمعي: سمعت أعرابية تقول لرجل تخاصمه: "والله لو صُوِّر الجهل لأظلم معه النهار، ولو صُوِّر العقل لأضاء معه الليل، وإنك من أفضلهما لمُعْدِم فخفِ الله، واعلم أن من ورائك حَكَما لا يحتاج المُدَّعى عنده إلى إحضار بَيِّنَةٍ".
"زهر الآداب 3: 163".
وقال أعرابي يَعِيب قومًا: "هم أقل الناس ذُنُوبا إلى أعدائهم، وأكثر جُرْمًا إلى أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويُفْطِرون على الفحشاء".
"البيان والتبيين 3: 230، العقد الفريد 2: 90".
__________
1 شجرة عظيمة.
2 عفرية الديك: ريش عنقه.(3/297)
ووصف أعرابي رجلا فقال: "صغير القدر، قصير الشَّبْر1، ضيِّق الصدر، لئيم النَّجر2، عظيم الكبر، كثير الفخر".
"البيان والتبيين 1: 157، والعقد الفريد 2: 91".
وذكر أعرابي أمير فقال: " يقضي بالعشوة، ويطيل النَّشْوَة، ويقبل الرشْوَة3".
"البيان والتبيين 2: 50، والعقد الفريد 2: 91".
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أعرابيًّا يقول: "اللهم اغفر لأم أوفَى" قال: "ومَنْ أم أوفى؟ "، قال. "امرأتي، وإنها لحمقاء مِرْغَامَة4، أكُولٌ قامَّةٌ5 لا تَبْقَى لها حامَّة6، غير أنها حسناء فلا تُفْرَك7، وأم غلمان فلا تترك".
"البيان والتبيين 2: 47".
عن عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت امرأة من العرب تخاصم زوجها وهي تقول: "والله إن شُرْبك لاشْتِفَاف8، وإن ضِجْعَتَك لانْجِعَاف9، وإن شِمْلَتَك لالْتِفَافَ، وإنك لَتَشْبَع ليلة تُضَاف، وتنام ليلة تخاف"، فقال لها: "والله إنك لَكَرْوَاء الساقين10، قَعْوَاء الفخذين11، مَقَّاء الرُّفْغَيْن12، مُفَاضة الكَشْحَين13 ضَيفُك جائع، وشَرُّك شائع". "الأمالي 1: 104".
__________
1 الشبر: القد.
2 النجر: الأصل.
3 العشوة والنشوة والرشوة بتثليث الشين في الثلاثة، العشوة: ركوب الأمر على غير بيان، والنشوة: السكر، والرشوة: الجعل والبرطيل "بكسر الباء".
4 المرغامة: المغضبة ليعلها.
5 قامة: اسم فاعل، من قم: أي أكل ما على الحوان، وقمه: كنسه.
6 الحامة: الخاصة.
7 فرك زوجته وفركته كسمع، وكنصر شاذ: أبغضته، ورجل مفرك بالتشديد تبغضه النساء وامرأة مفركة: يبغضها الرجال.
8 اشتف ما في الإناء: شربه كله.
9 الانجعاف: الانصراع.
10 الكرواء: الدقيقة الساقين.
11 القعواء: الدقيقة، أو الدقيقة الفخذين، وقيل هي المتباعدة ما بين الفخذين "كالفجواء".
12 الرفغ: أصل الفخذ، والمقاء: الدقيقة الفخذين، أو الطويلة من المقق بالتحريك وهو الطول.
13 المفاضة: المسترخية، والكشحان: الخاصرتان.(3/298)
عن عبد الرحمن عن عمه قال: مر أعرابي برجل يكنى أبا الغَمر -وكان ضخما جسيما، وكان بوابا لبعض الملوك-فقال: "أَعِنِ الفقير الحسِير، فقال: ما ألحفَ سائِلَكم، أو أكثر جِائَعَكم، أراحنا الله منكم"، فقال له الأعرابي: "لو فُرِّق قوت جسمك في جسوم عشرة منا، لكفانا طعامك في يوم شهرا، وإنك لعظيم السَّرْطَة1، شديد الضَّرْطَة، لو ذُرِّي بَحَبْقَتِكَ بَيْدَر، لَكَفَتْه ريح الجِرْبِيَاء2".
"الأمالي 1: 266".
__________
1 البلعة، من سرطة كنصر وفرح: ابتلعه.
2 الحبقة: الضرطة، والبيدر: الموضع الذي تداس فيه الحبوب، والجربياء: ريح الشمال الباردة.(3/299)
64- قولهم في الغزل:
سئل أعرابي عن امرأة فقال: "هي أرق من الهواء، وأطيب من الماء، وأحسن من النعماء، وأبعد من السماء". "الأمالي 1: 201، والعقد الفريد 2: 94".
وذكر أعرابي امرأة فقال: "لها جلد من لؤلؤ، مع رائحة المسك، وفي كل عضو منها شمس طالعة".
وذكر أعرابي امرأة فقال: "كاد الغزال أن يكونها، لولا ما تَمَّ منها وما نَقَصَ منه".
وذكر أعرابي نِسْوَةً خَرَجْنَ متنزهات فقال: "وجوه كالدنانير، وأعناق كأعناق اليَعَافِير1، وأوساط كأوساط الزَّنَابير، أقْبَلْنَ إلينا بِحُجُول2 تخفِقُ، وأوشحة تُعَلَّق، وكم أسير لهن وكم مُطْلَق".
__________
1 اليعاقير جمع يعقور: وهو ولد البقرة الوحشية؟
2 الحجول جمع حجل بالكسر والفتح: وهو الخلخال. والأوشحة جمع وشاح بالضم والكسر: أديم عريض يرصع بالجواهر، تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها.(3/299)
ووصف أعرابي امرأة حسناء فقال: "تَبْسِم عن خَمْش1 اللِّثات، كأَقَاحِي النبات، فالسعيد من ذاقه، والشقي من راقه".
وذكر أعرابي امرأة فقال: "هي السُّقم الذي لا برء منه، والبرء الذي لا سقم معه وهي أقرب من الحشا، وأبعد من السَّما".
ووصف أعرابي امرأة فقال: "بيضاء جعدة2 لا يمس الثوب منها إلا مُشَاشَة3 كتفيها، وحَلَمَةُ ثدييها، ورضْفَيْ ركبتيها، ورانِفَتَي أَلْيتيها، وأنشد:
أبت الروادف والثُّديُّ لِقُمْصِها ... مس البطون وأن تمس ظهورا
وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... نبَّهْنَ حاسدة وهِجْنَ غيورا
وذكر أعرابي امرأة فقال: "تلك شمس باهت بها الأرض شمس سمائها، وليس لي شفيع في اقتضائها4، وإن نفسي لَكًتُوم لدائها، ولكنها تفيض عند امتلائها".
وقال أعرابي في امرأة ودّعها للمسير: "والله ما رأيت دمعة تَرَقْرَق من
__________
1 خدش، والأقاحي جمع أقحوان بالضم: وهو نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض، ووسطه صفر، وراقه: أعجبه.
2 الجعد من الشعر: خلاف السبط، أو القصير منه، ورجل جعد الشعر والأنثى جعدة، والجعد أيضًا المدمج الحلق لمجتمع بعضه إلى بعض، والجعد إذا ذهب به مذهب المدح فله معنيان مستحبان: أحدهما أن يكون معصوب الجوارح شديد الأسر والحلق غير مسترخ ولا مضطرب، والثاني أن يكون شعره جعدًا غير سبط لأن سبوطة الشعر هي الغالبة على شعور العجم من الروم والفرس، وجعودة الشعر هي الغالبة على شعور العرب.
3 المشاشة: رأس العظم، والرضف: عظام في الركبة كالأصابع المضمومة قد أخذ بعضها بعضًا، والرانفة: أسفل الألية عند القيام.
4 اقتضى دينه وتقاضاه بمعنى.(3/300)
عين بإثمد1 على ديباجه خَدّ، أحسن منه عبرة أمطرتها عينها، فأعشت بها قلبي".
وقال أعرابي: "إن لي قلبا مَرُوعا2، وعينا دموعا، فماذا يصنع كل واحد منهما بصاحبه، مع أن داءهما دواؤهما، وسُقمهما شفاؤهما؟ ".
وقال أعرابي: "ما أشد جولة الرأي عند الهوى، وفِطَام النفس عن الصبا! ولقد تقطعت كبدي! لوم العاذلين للعاشقين قِرَطَة في آذانهم، ولوعات الحب نيران في أيدانهم، مع دموع على المَغاني3، كَغُروب السَّوَاني".
وذكر أعرابي امرأة فقال: "لقد نعمت عين نظرت إليها، وشقي قلب تفجَّع عليها، ولقد كنت أزورها عند أهلها، فيرحِّب بي طرفها، ويتجهَّمني لسانها" قيل له: فما بلغ من حُبِّك لها؟ قال: "إني ذاكر لها وبيني وبينها عَدْوَة الطائر، فأجد لذكرها ريح المسك".
وقال أعرابي: "الهوى هوان، ولكن غُلِط باسمه، وإنما يعرف من يقول، من أبكته المنازل والطُلُول".
وذكر أعرابي امرأة فقال: "إن لساني لذكرها لذلول، وإن حبها لقلبي لقتول، وإن قصير الليل بها ليطول".
__________
1 الإثمد: الكحل، والديباجة: الخد.
2 مفزء.
3 المغاني جمع مغنى: وهو المنزل، والغروب جمع غرب كشمس: وهو الدلو العظيمة، والسواني جمع سانية: وهي الناقة يسقى عليها، والغرب وأداته.(3/301)
ووصف أعرابي نساء ببلاغة وجمال فقال: "كلامهن أقتل من النَّبل، وأوقع بالقلب من الوَبْل بالمَحْل، فروعُهن أحسن من فروع النخل".
"العقد الفريد 2: 93 – 95".
وقال أعرابي: "دخلت البصرة، فرأيت أعينا دُعْجًا1، وحواجب زُجًّا، يَسْحَبْنَ الثياب، ويَسْلُبْنَ الألباب".
"العقد الفريد 2: 93، وزهر الآداب 3: 17".
وذكر أعرابي نساء فقال: "ظَعَائِن2 في سَوَالِفِهن طول، غير قبيحات العُطُول3 إذا مشين أسبلن الذيول، وإن رَكِبن أثقلن الحمول4".
"زهر الآداب 3: 17".
وقال أعرابي: "لقد رأيت بالبصرة بُرُودا كأنها صبغت بأنوار الربيع، فهي تروع5، واللابس لها أروع".
"العقد الفريد 2: 96".
وقال أعرابي: "شيَّعنا الحيَّ وفيهم أدوية السِّقام6، فقرأن بالحدق السلام، وخرست الألسن عن الكلام". "الأمالي 2: 50".
وسئلت أعرابية عن الهوى فقالت: "لا مُتِّع الهوى بملكه، ولا مُلِّيَ7
__________
1 دعجا جمع دعجاء وصف من الدعج بالتحريك: وهو سواد العين مع سعتها وزجا جمع زجاء من الزجج بالتحريك أيضًا: وهو دقة الحاجبين في طول.
2 ظعائن جمع ظعينة: والظعينة في الأصل وصف للمرأة في هودجها ثم سميت بهذا الاسم وإن كانت في بيتها لأنها تصير مظعونة، وهي فعيلة بمعنى مفعولة لأن زوجها يظعن بها، والسوالف جمع سالفة: وهي ناحية مقدم العنق من لدن معلق القرط إلى نقرة الترقوة.
3 عطلت المرأة كفرح عطلا بالتحريك وعطولا: إذا لم يكن عليها حلي.
4 الحمول: الهوادج: أو الإبل عليها الهوادج جمع حمل بالكسر ويفتح.
5 تعجب.
6 أي المحبوبات المداوية للسقام.
7 ملاه الله حبيبه تملية: متعه به وأعاشه معه طويلًا.(3/302)
بسلطانه، وقبض الله يده، وأوهن عضده، فإنه جائر لا ينصف في حكم، أعمى لا ينطق بعدل، ولا يُقَصِّر في ظلم، ولا يرعوي لذمّ، ولا ينقاد لحقّ، ولا يُبقي على عقل وفهم. لو ملك الهوى وأطيع، لردَّ الأمور على أدبارها، والدنيا على أعقابها".
وسئل أعرابي عن الهوى فقال: "هو داء تداوى به النفوس الصَّحَاح، وتُسَلُّ منه الأرواح، وهو سُقْم مُكْتَتَم، وحَمِيم1 مُضْطَرم، فالقلوب له مُنْضَجة، والعيون ساكِبَة".
"زهر الآداب 3: 18".
ووصف أعرابي امرأة يحبها فقال: "هي زينة الحضور، وباب من أبواب السرور، ولذكرها في المغيب، والبعد عن الرقيب، وأشهى إلينا من كل ولد ونسيب، وبها عرف فضل الحور العين، واشتيق بها إليهن يوم الدين".
"زهر الآداب 3: 244".
ووصف أعرابي نساء فقال:
"يَلْتَثِمْنَ على السبائك2، ويَتَّشِحَنَ على النَّيَازِك3، ويَأْتَزِرْنَ على العَوَانِك4 ويَرْتَفِقْنَ على الأرائك5، ويتهادين على الدَّرَانِك6، وابتسامهن وَمِيض عن وَلِيع كالإغريض7، وهُنَّ إلى الصبا صُوٌر، وعن الخَنَا نور8".
"الأمالي 1: 44، وزهر الآداب 3: 18".
__________
1 الحميم: الماء الحار. وفي الأصل: "وحمى" وأراه محرفًا عن حميم، ويناسبه قوله بعد: "وللعيون ساكبة".
2 اللئام على الفم، واللفام على طرف الأنف، تلثمت المرأة وتلفمت، والسبائك هنا الأسنان شبهها لبياضها بالسبائك.
3 النيازك جمع نيزك كجعفر: وهو الرمح القصير.
4 العوانك جمع عانك: وهو رمل منعقد يشقى فيه البعير لا يقدر على السير.
5 الأرائك جمع أريكة: وهي السرر أو الفراش، وارتفق: اتكأ على مرفق يده، أو على المخدة.
6 يتهادين: يمشين مشيا ضعيفًا، والدرانك: الطنافس جمع درنوك كعصفور، ودرنك كزبرج.
7 الوميض: اللمعان الخفي، والوليع: الطلع، كأنه نظم اللؤلؤ في شدة بياضه. قال الشاعر يصف ثغر امرأة: وتبسم عن نير كالوليع، والإغريض: الطلع حين ينشق عن كافوره، والبرد "بتحريك الراء".
8 صور: موائل، ومنه قيل للمائل العنق أصور، ونور: نافرات من الريبة جمع نورا كسحاب.(3/303)
قولهم في الوصف:
65- أعرابي يصف مطرا:
عن عبد الرحمن عن عمّه قال: سئل أعرابي عن مطر فقال:
"استقلّ سُدُّ مع انتشار الطفل1، فشصا واحْزَأَلَّ2، ثم اكْفَهَرَّتْ أرجاؤه، واحْمَوْمَت أَرْحَاؤه، وابْذَعَرَّتْ فَوَارِقُه3، وتضاحكت بَوَارِقُه، واستطار وَادِقُه، وارْتَتَقَتْ جُوَبَه، وارْتَعَنَ هَيْدَبُه4، وحَشَكَت أخلافه، واستقلَّت أرافه، وانتشرت أكْنَافه5؛ فالرعد مرتجس، والبرق مختلس، والماء منبجس6، فَأَتْرَع الغدر، وانْتَبَثَ الوُجُر7 وخَلَطَ الأوعال بالآجال، وقَرَن الصِّيران بالرِّئَال8،
__________
1 استقل: ارتفع، والسد: السحاب الذي يسد الأفق: والطفل: العشي إلى حد المغرب.
2 شصا: ارتفع، واحزأل مثله.
3 المكفهر من السحاب: الذي يركب بعضه بعضا، وأرجاؤه: نواحيه جمع رجا كعصا، واحمومت: اسودت، وأرجاؤه: أوساطه: جمع رجا كعصا، وابذعرت تفرقت: والفوارق جمع فارق، وهو السحاب الذي ينقطع من معظم السحاب، وأصله في الإبل، يقال ناقة فارق: وهي التي تندعن الإبل عند نتاجها.
4 استطار: انتشر، والودق الذي يكون فيه الودق "كشمس" وهو المطر العظيم القطر، وارتتقت: التأمت، وجوبه: فرجه، وارتعن: استرخى، والهيدب: الذي يتدلى ويدنو من الأرض مثل هدب القطيفة
5 حشكت: امتلأت، والأخلاف جمع خلف كحمل، وهو الناقة كالضرع للبقرة، أردافه: مآخيره والأكناف: النواحي.
6 مرتجس: مصوت من الرجس كحمل وهو الصوت، مختلس: كأنه يختلس البصر لشدة لمعانه، منبجس: منفجر.
7 أترع: ملأ والغدر جمع غدير، والوجر جمع وجار ككتاب وسحاب: وهو حجر الضبع والثعلب، وانتبث: أخرج نبيشتها وهو تراب البئر والقبر، أي أنه لشدته هدم الوجر حتى أخرج ما بداخلها من التراب.
8 الأوعال جمع وعل، "كشمس وكتف ودئل": التيس الجبلي، والآجال جمع إجل كحمل وهو القطيع من البقر أي أنه لشدته جمع بين الوعول -وهي تسكن الجبال- وبين البقر، وهي تسكن القيعان والرمال، والصيران جمع صوار كشجاع، وصيار ككتاب وهو القطيع من البقر، والرئال جمع رأل كشمس فرخ النعام، فالرئال تسكن الجلد "بالتحريك وهي الأرض الصلبة المستوية المتن" والصيران تسكن الرمال والقيعان، فقرن بينهما.(3/304)
فللأودية هدير، وللشِّراج خرير، وللتِّلاع زفير1، وحَطَّ النبع والعُتْمُ، من القُلُل الشُّمُّ، إلى القيعان الصُّحْم2، فلم يبقَ في القلل إلا مُعْصِم مُجْرَنْثِم، أو داحض مُجَرْجَم3، وذلك من فضل رب العالمين، على عباده المُذْنِبِين".
"الأمالي: 1: 173".
__________
1 هدير: أي صوت كهدير الإبل، الشراج جمع شرج كشمس وهو مسيل الماء من الحرة إلى السهل. والتلاع: مسايل الماء من الجبال حتى ينصب في الوادي.
2 النبع: شجر يتخذ منه القسي ينبت في الجبال، والعتم: الزيتون الجبلي كقفل وعنق، والقلل: أعالي الجبال جمع قلة كفرصة، والشم: المرتفعة جمع شماء والقيعان جمع قاع: وهي أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام، والصحم: التي تعلوها حمرة جمع أصحم.
3 المعصم: الذي قد تمسك بالجبال وامتنع فيها "ويقال للرجل الذي يمسك بعرف فرسه خوف السقوط: معصم" مجرنثم: متقبض، الداحض: الذي يفحص برجليه عند الموت والمجرجم: المصروع.(3/305)
66- أعرابي يصف مطرا:
عن الأصمعي قال: سمعت أعرابيًّا من غَنِيٍّ يذكر مطرا أصاب1 بلادهم في غِبِّ جَدْب فقال:
"تدارك ربك خلقه، وقد كَلِبَت الأَمْحَال، وتقاصرت الآمال، وعكف الياس، وكُظِمَت الأنفاس، وأصبح الماشي مُصْرِمًا2، والمُتْرب مُعْدِما، وجُفِيَت الحلائل، وامْتُهِنَت العَقَائل، فأنشأ سحابا رُكَاما3، كَنَهْوَرا سَجَّاما، بُرُوقه متأَلِّقَة، ورُعُوده مُتَقَعْقِعَة، فَسَحَّ ساجيا4 راكدا، ثلاثا غير ذي فواق، ثم أمر ربك الشَّمال، فَطَحَرت5 رُكامَه، وفَرَّقت جَهامَه، فانقشع محمودا، وقد أحيا وأَغنَى، وجاد فأَرْوَى، والحمد لله الذي لا تُكَتّ نعمه، ولا تَنْفَد قِسَمُه، ولا يَخِيب سائله، ولا يَنْزُر6 نائلُه".
"الأمالي 1: 176".
__________
1 صاب: جاد، وكلبت: اشتدت، والأمحال جمع محل كشمس وهو القحط. وعكف: أقام.
2 الماشي: صاحب الماشية، مشى الرجل وأمشى: كثرت ماشيته، والمصرم: المقارب المال المقل، والمترب المغني الذي له المال مثل التراب كثرة، ويقال: أترب الرجل إذا كثر ماله "وقل أيضًا: ضد" وترب كفرح إذا افتقر كأنه لصق بالتراب، وامتهنت: استخدمت واعتملت، والعقائل جمع عقيلة، وأنشأ أحدث، والنشء: السحاب أول ما يخرج.
3 الركام: المتراكم، والكنهور من السحاب قطع كأنها الجبال، أو المتراكم منه، واحدته كنهورة، وسجام: صباب، ومتألقة: لامعة، ومتقعقعة: مصوتة.
4 سح: صب، ساجيا: ساكنا، وراكدا: ثابتا، والفواق: أن يصب صبة ثم يسكن، ثم يصب أخرى ثم يسكن مأخوذ من فواق الناقة وهو ما بين الحلبتين، كأنه يحلب حلبة ثم يسكن، ثم يحلب أخرى ثم يسكن.
5 طحرت: أذهبت وأبعدت، والجهام: السحاب الذي قد هراق ماءه، تكت: تحصى.
6 ينزر: يقل، ومنه قيل: امرأة نزور: إذا كانت قليلة الولد.(3/305)
67- أعرابي يصف مطرا:
عن الأصمعي قال: "سألت أعرابيًّا من بني عامر بن صَعْصَعْة عن مطر صَابَ بلادهم فقال:
"نشأ عارضًا1، فطلع ناهضًا، ثم ابتسم وامضًا، فًأعَسَّ في الأقطار فأَسْجَاها، وامتدَّ في الآفاق فغطَّاها، ثم ارتجز2 فَهَمْهَمَ، ثم دَوَى فأظلم، فأَرَكَّ وَدَثَّ، وبَغَشَ وطَشَّ ثم قَطْقَطَ3 فأفرط، ثم دَيَّم فأغْمَطَ، ثم رَكَد فأنجم، ثم وَبَل فَسَجَم، وجاد فأنعم، فَقَمَسَ الرُّبا4 وأفرط الزُّبَى، سبعًا تباعًا، ما يريد انقشاعًا، حتى إذا ارتوت الحُزُون5 وتَضَحْضَحَت المتون، ساقه ربُّك إلى حيث شاء، كما جلبه من حيث شاء".
"بلوغ الأرب 3: 249".
__________
1 العارض: السحاب المعترض في الآفاق، وومض البرق كوعد: لمع خفيفًا ولم أجد في كتب اللغة "أعس" وإنما الذي فيها "عسعس السحاب: دنا من الأرض" وأسجاها: غطاها، وفي الأصل "أسحاها" بالماء وهو تصحيف.
2 ارتجز الرعد: صات، وارتجز السحاب: تحرك بطيئًا لكثرة مائه، وهمهم الرعد: إذا سمعت له دويًّا، والهمهمة: كل صوت معه بحح، وأرك: أتى بالرك "بفتح الراء ويكسر" وهو المطر القليل أو هو فوق الدث، والدث بالفتح: المطر الضعيف، والبغشة بالفتح: المطرة الضعيفة وقد بغشت السماء كمنع، والطش: المطر الضعيف وهو فوق الرذاذ، وطشت السماء كنصر وضرب.
3 القطقط بالكسر: المطر المتتابع العظيم القطر، وقد قطقطت السماء، والديمة بالكسر: مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق، أو يدوم أيامًا، وقد ديمت السماء. أغمط: دام ولازم، وأنجمت السماء: أسرع مطرها ودام، والوبل: المطر الشديد الضخم القطر، وقد وبلت السماء كوعد: أمطرته، وسجم كدخل: سال وانصب.
4 قمس الربا: كنصر وضرب: غوصها، وأفرطها: ملأها حتى فاضت، والزبى جمع زبية كفرصة، وهي الرابية لا يعلوها الماء، وحفرة تحقر لصيد الأسد "وهو المراد هنا" سميت بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في موضع عال.
5 الحزون جمع حزن كشمس وهو الغليظ من الأرض، والمتون جمع متن كشمس: وهو ما صلب من الأرض وارتفع، والضحضح والمتضحضح والضحضاح: الماء القليل، وقيل هو ما لا غرق فيه، وقيل هو الماء إلى الكعبين أو إلى أنصاف السوق -وفي لغة هذيل الكثير- وقد تضحضح الماء، والتضحضح أيضًا جري السراب، تضحضح إذا ترقرق.(3/306)
68- ثلاثة غِلمة من الأعراب يصفون مطرا:
عن الأصمعي قال: مررت بغلمة من الأعراب يتماقَلون1 في غدير، فقلت لهم: أيكم يصف لي الغيث وأعطيه درهما؟ فخرجوا إليّ فقالوا: كلنا، وهم ثلاثة، فقلت لهم: صفوا، فأيكم ارتضيت وصفه أعطيته الدرهم، فقال أحدهم:
"عَنَّ لنا عارض قصرًا2، تسوقه الصَّبا، وتَحْدُوه الجنوب، يَحْبُو حَبْوَ المُعْتَنِك3؛ حتى إذا ازْلَأَمَّت4 صدوره، وانتحلت خُصُوره، ورجَّع هديره، وصعق زئيره، واستقل نشاطه5، وتلامّ خصاصه، وارتعج ارتعاصه، وأوفدت سِقَابُه6، وامتدت أطنابه، تدارك ودقه، وتألق برقه، وحفزت تواليه7، وانسفحت عَزَالِيه، فغادر الثَّرى عَمِدًا8، والعَزَاز ثَئِدًا، والحُثُّ عِقَدًا9، والضَّحَاضِح متواصية، والشِّعَاب متداعية".
__________
1 يتغاطون في الماء.
2 عن: عرض، والقصر: العشي، والصبا: ريح تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار.
3 عنك الرمل كنصر: تعقد ارتفع فلم يكن فيه طريق، ورملة عانك: فيها في تعقد لا يقدر البعير على المشي فيها إلا أن يحبو، واعتنك البعير واستعنك: حبا في العانك فلم يقدر على السير. وقال رؤبة:
أفَرُبَّمَا نَجَّيْتَ مِنْ تِلْكَ الدُوَكْ ... أَوْدَيْتُ إِنْ لَمْ تَحْبُ حَبْوَ المُعْتَنِكْ
4 ازلأمت: ارتفعت، والخصور جمع خصر: وهو وسط الإنسان، والترجيع: ترديد الصوت في الحلق.
5 النشاص ككتاب وسحاب: السحاب المرتفع، أو المرتفع بعضه فوق بعض وخصاصه: فرجه، وأصله الفرج بين الأثافي والثقب الصغير وكل خلل أو خرق في باب ومنخل وبرقع ونحوه، وارتعج: ارتعد، وارتعص: تلوى وانتفض، وارتعص الرمح: اشتد اهتزازه.
6 أوفدت: أشرقت، والسقاب جمع سقب كشمس وهو عمود الخباء، والأطناب جمع طنب كعنق وهو حبل طويل يشد به الوتد.
7 حفزه كضربه: دفعه من خلفه، والتوالي: الأعجاز والمآخير، والعزالي بكسر اللام وفتحها جمع عزلاء: وهي مصب الماء من الراوية ونحوها، وانسفحت: انصبت، من سفح الدم أراقه.
8 عمد الثرى كفرح: بلله المطر حتى إذا قبضت عليه تعقد لندوته، والعزاز: الأرض الصلبة مكان ثئد: ند من الثأد بالتحريك وهو الندى.
9 الحث: اليابس الخشن من الرمل، والعقد ككتف وجبل: ما تعقد من الرمل وتراكم، والضحضح كجعفر والضحضاح: الماء اليسير، متواصية: متواصلة، والشعاب جمع شعبة كفرصة: وهي المسيل في الرمل، وما عظم من سواقي الأودية، وصدع في الجبل يأوي إليه المطر.(3/307)
وقال الآخر: "تراءت المَخَايل1 من الأقطار، تَحِنُّ حَنِين العِشَار، وتَتَرامي بشهب النار، وقواعدها متلاحِكَة2، وبواسِقُها متضاحِكَة، وأرجاؤها متقاذِفَة، وأعجازها مترادِفَة، وأرحاؤها متراصفة، فوصلت الغرب بالشرق، والوَبْل بالوَدْق، سحًّا دراكًا3، متتابعًا لكَّاكًا، فضحضحت الجَفَاجِف4، وأنهَّرت الصفَاصِف، وحوَّضت الأصالف، ثم أقلعت محمودة الآثار، مَوْمُوقة الخِْيار".
فقال الثالث: والله ما خِلْتُه بلغ خُمْسًا، فقال: هلمَّ الدرهم أصفه لك، فقلت: لا، أو تقول كما قالا، قال: لأَبُذَّنَّهَما5 وصفًا، ولأُوقِفَنَّهما رصفًا، فقلت: هاتِ لله أبوك، فقال: "بينما الحاضر بين الباس والإبلاس، قد غَمَرهم الإشفاق، رَهْبَة الإِمْلاق، وقد جفت الأنواء6، ورفرف البلاء، واستولى القُنُوط على القلوب، وكثُر الاستغفار من الذنوب، ارتاح ربك لعباده، فأنشأ سحابًا مُسْتَجْهِرًا7 كَنَهْوَرًا مُعْنَوْنِكًا مُحْلَوْلِكًا، ثم استقل وأخزَأَلَّ، فصار كالسماء دون السماء،
__________
1 مخايل جمع مخيلة "بضم الميم وكسر الخاء" والمخيلة والمخيلة "بتشديد الياء المكسورة" السحابة التي تحسبها ما طرة، والعشار جمع عشراء كنفساء: وهي الناقة التي مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية، أو هي كالنفساء من النساء، والشهب جمع شهاب ككتاب: وهو شعلة من نار ساطعة.
2 قواعدها: أسافلها، وأصله من قواعد البيت: أي أساسه، متلاحكة: أي قد اشتد التئامها، والمتلاحكة: الناقة الشديدة الخلق، وبواسقها: أعاليها جمع باسقة، من بسق: أي طال وارتفع، ومتضاحكة أي يضحك فيها برقها، متقاذفة: أي يقذف بعضها بعضا بالمطر، وأرحاؤها: أوساطها، متراصفة: متراكمة قد رصف بعضها فوق بعض.
3 أي صبا متتابعة، ولكاكا: متزاحما من اللكاك ككتاب وهو الزحام.
4 الجفاجف جمع جفجف كجعفر: وهي الأرض المرتفعة ليست بالغليظة، وضحضحها: جعلت فيها ضحاضح والصفاصف جمع صفصف كجفر: وهو المحتوى من الأرض، وأنهر الماء: أساله، والأصلف والصلفاء: ما صلب من الأرض، والجمع أصالف، وحوضت جعلت فيها حياضًا.
5 بذة: فاته وغلبه، والحاضر: ساكن الحضر، والباس: العذاب والشدة، والإبلاس: التحير واليأس: والإشفاق: الخوف، والإملاق: الفاقة.
6 الأنواء جمع نوء: وهو في الأصل سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله في ساعته من المشرق، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إليها.
7 مستجهرا: لم أجد هذه الكلمة في كتب اللغة، وربما كان الأصل: "مستنهرا" من استنهر الشيء إذا اتسع، والمحلوك: الشديد السواد، وقد تقدم معنى اعتنك واستعنك: واعنونك افعوعل من هذه المادة، ولم أجده في كتب اللغة.(3/308)
وكالأرض المَدْحُوَّة1 في لوح الهواء، فأَحْسَبَ السُّهُول وأتْأَقَ الهُجُول، وأحيا الرجاء، وأمات الضَّرَّاء، وذلك من فضل رب العالمين".
قال: فملأَ والله اليَفَعُ صدري، فأعطيت كل واحد درهمًا، وكتبت كلامهم.
"بلوغ الأرب 3: 252".
__________
1 المبسوط، واللوح: الهواء وأحسبها: أرواها، من أحسبه إذا أطعمه وسقاه حتى شبع وروي، وأتأق: ملأ، والهجول جمع هجل كشمس: وهو المطمئن من الأرض، واليفع واليافع: الشاب.(3/309)
69- أعرابي يصف مطرا:
عن الأصمعي قال: سألت أعرابيًّا عن مطر صابَهم بعد جَدْب فقال:
"ارتاح لنا ربك بعد ما استولى علىّ الظنون، وخامر القلب القُنُوط، فأنشأ بِنَوْء الجَبْهَة1 قَزَعَةً كالفَرْضِ من قِبَل العين، فاحْزَأَلَّت عند ترجُّل النهار، لإِزْمِيم السِّرار2؛ حتى إذا نهضت في الأفق طالعة، أمر مسخِّرها الجنوب فتَنَسَّمَت لها، فانتشرت أحضانها، واحْمَوْمَت أركَانُها، وبَسَقَ عنانها3 واكْفَهَرَّت رحاها، وانبعجت كُلَاها، وذَمَرَت أُخْرَاها أولاها، ثم استطارت عَقَائِقُها، وتَقَعْقَعَت صواعقها، ثم ارْثَعَنَّتْ4 جوانبها، وتداعت سواكبها، ودَرَّت حوالبها فكانت الأرض طَبقًا5، سَحَّ فَهَضَبَ، وعَمَّ فأحْسَبَ، فَعَلَّ القِيعَان، وضَحْضَحَ الغِيطان، وجَوَّخ الأضواج6، وأترع الشراج، فالحمد لله الذي جعل كِفَاءَ إساءتنا إحسانًا، وجزاءً ظلمنا غُفْرَانًا".
"بلوغ الأرب 3: 253".
__________
1 الجبهة: منزل للقمر، قزعة: قطعة من السحاب والفرض: الترس، والعين: القبلة، ترجل النهار: ارتفع.
2 الإزميم: ليلة من ليالي المحاق -والمحاق مثلثة: ثالث ليال من آخر الشهر- والسرار: آخر ليلة من الشهر، وأحضانها جمع حضن كحمل: وهو جانب الشيء وناحيته، واحمومت: اسودت.
3 بسق: ارتفع، والعنان: السحاب، رحاها؛ وسطها، وانبعجت؛ انشقت، والكلية من السحاب: أسفله -ومن المزادة رقعة مستديرة تخرز عليها تحت العروة- وذمرت: حضت، والتذامر: التحاض على القتال، وعقائقها بروقها المشبهة للعقائق.
4 ارثعن المطر: ثبت وجاد.
5 غيث طبق: عام واسع يطبق الأرض، وهضب كضرب:
6 جوخ السيل الوادي: إذا كسر جنبتيه واقتلع أجرافه، وفي الأصل "خوخ" وهو تصحيف والأضواج جمع ضوج كشمس: وهو منعطف الوادي، والشراج جمع شرج كشمس أيضًا: وهو مسيل الماء من الحرة "بفتح الحاء" إلى السهل.(3/309)
70- أعرابي يصف مطرًا:
عن عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيًّا من بني عامر بن لُؤَيِّ بن صَعْصَعَةَ يصف مطرًا فقال:
"نشأ عند القصر، بنَوْء الغَفْر1، حَبِيٍّا عارضًا، ضاحكًا وامضًا، فَكَلَا ولا2 ما كان، حتى شَجِيت به أقطار الهواء، واحتجبت به السماء، ثم أطرق3 فاكْفَهرَّ، وتراكم فادْلَهَمَّ، وبسق فازْلَأَمَّ، ثم حَدَتْ به الريح، فحنَّ، فالبرق مُرْتَعِج، والرعد مُتَبَوِّج4، والخَرْج متبعِّج، فأَثْجَم ثلاثًا، متحيِّرًا هثْهَاثًا5، أخلافه حاشِكَة، ودُفَعه متواشكة، وسَوَامُه متعاركة، ثم وَدَّع مُنْجِمًا6، وأقلع مُتْهَمًا، محمود البلاء، مُتْرِع النِّهاء، مشكور النَّعماء، بِطَوْلِ7 ذي الكبرياء".
"بلوغ الأرب 3: 254".
__________
1 القصر: العشي، والغفر: منزل القمر، والحبي: السحاب يشرف من الأفق على الأرض، أو الذي بعضه فوق بعض.
2 قال في اللسان: "والعرب إذا أرادوا تقليل مدة فعل أو ظهور شيء خفي قالوا: كان فعله كلا، وربما كرروا فقالوا كلا ولا، قال الشاعر: يكون نزول القوم فيها كلا ولا:"، والشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، وقد شجي به كرضي.
3 هو من أطرقت الإبل: تبع بعضها بعضا، وادلهم: اسود.
4 التبوج: الصياح، والخرج: السحاب أول ما ينشأ، متبعج: متشقق.
5 الثهاث: السريع، حاشكة: كثيرة الماء، متواشكة: يسارع بعضها بعضًا، والسوام: الإبل الراعية.
6 أنجم المطر وغيره: أقلع، ومتهمًا: أي سائر نحو تهامة، والنهاء جمع نهى بالكسر والفتح وهو القدير.
7 أي بفضله وقدرته.(3/310)
71- أعرابي يصف مطرا:
عن أبي عبيدة قال: خرج النعمان في بعض أيامه في عقب سماء، فلقي أعرابيا على ناقة، فأمر فأُتي به، قال: كيف تركت الأرض وراءك؟ فقال:
"فِيح رُحاب1، منها السهول ومنها الصِّعاب، منشوطة بحبالها، حاملة لأثقالها"، قال: إنما سألتك عن السماء! قال:
"مُطِلَّة2 مستقلة، على غير سقاب ولا أطناب، يختلف عصراها، ويتعاقب سِرَاجاها، قال: ليس عن هذا أسألك! قال: فَسَلْ ما بدا لك، قال: هل صاب الأرض غيث؟ قال:
"نعم: أغمضت3 السماء في أرضنا ثلاثا رَهْوًا، فَثَّرت وأرْزَغَتْ، ورَسَّغَت، ثم خرجت من أرض قومي أقرؤها4، فإذا هي متواصية، لا خَطِيطة بينها، حتى هبطت بعشار، فتداعى السحاب من الأقطار، فجاءنا بالسيل الخرَّار، فعفا5 الآثار، وملأ الجِفَار، وقوَّر عالي الأشجار، فأحجر الحضَّار، ومنع السُّفَّار، ثم أقلع عن نفع وإضرار، فلما اتلأَبَّت6 لي القيعان، ووَضَحَت السُّبُل في الغيطان، وفات العَنَانُ، من أقطار الأعنان، فلم أجد وَزَرًا إلا الغِيران، ففات وِجار الضبُع، فغادرتُ السهول
__________
1 فيح جمع فيحاء: واسعة، وكذا رحاب، منشوطة: مشدودة، من نشط الحبل كنصر عقده "وأنشطه: حله".
2 مطلة: مرتفعة، وكذا مستقلة، والسقاب جمع سقب كشمس: وهو عمود الخباء، والعصران: الليل والنهار، وسراجاها: الشمس والقمر.
3 أي دامت ولازمت، والرهو: السكون والثرة من العيون: الغزيرة كالثرارة، وقد ثرت هي، والرزغة بالتحريك: الوحل، وأرزغ المطر الأرض بلها ولم تسل، ورسغ المطر: كثر وثرى الأرض حتى تبلغ يد الحافر عنه إلى أرساغه.
4 أتتبعها، والخطيطة: الأرض لم تمطر بين ممطورتين، أو التي مطر بعضها، وعشار: موضع.
5 محاها وطمسها، والجفار جمع جفر كشمس: البئر التي لم تطو، وقورها: قطع من وسطها خرقا مستديرا، وأحجر، من أحجر الضب: أي أدخله في جحره، والحضار جمع حاضر وهو المقيم في الحضر، والسفار جمع سافر وهو المسافر لا فعل له.
6 استقامت، والعنان: السحاب والأعنان من السماء: نواحيها والوزر الملجأ، والغيران جمع غار: وهو الكهف في الجبل، والوجار بالكسر والفتح: جحر الضبع وغيرها.(3/311)
كالبحار، تتلاطم بالتيار، والحزُون متلفِّعة بالغُثَاء1، والوحوش مقذوفة على الأرجاء، فما زلت أطأ السماء، وأخوض الماء، حتى وطِئْت أرضكم".
"بلوغ الأرب 3: 257".
__________
1 الغثاء: البالي من ورق الشجر المخالط لزبد السيل.(3/312)
72- أعرابي يصف مطرا:
عن أبي عبيد قال: وقف أعرابي على قوم من الحاج فقال:
"يا قومي بدا شأني، والذي ألْفَجَني1 إلى مسألتكم، إن الغيث كان قد قوي عنَّا ثم تكرْفَأ السحاب، وشَصَا الرَّبَاب، وادْلَهَمَّ سَيِّقه2، فارتجس رَيقْه، وقلنا: هذا عام باكر الوَسْمِيِِّ3، محمود السُّمِي، ثم هبَّت له الشمال، فحزَأَلَّت طَخَارِيرُه4، وتفزَّع كِرْفِئُه متباشرا، ثم تتابع لمعان البرق؛ حيث تَشِيمُه الأبصار، وتجده النظَّار، ومَرَتِ5 الجُنُوب ماءه، فقوَّض الحي مُزْلَئِمِيِّن نحوه، فَسَرَّحنا المال فيه وكان وخمًا وَخيمًا، فأساف المال، وأضفَّ الحال، فرحِم الله امرأ جاد بِمَيْر، أو دل على خَيْر".
"بلوغ الأرب 3: 258".
__________
1 ألجأني، وقوى المطر: احتبس، وتكرفأ: تراكم، وشصا: ارتفع، والرباب: السحاب الأبيض
2 ادلهم: اسود، والسيق: السحاب لا ماء فيه، والريق: تردد الماء على وجه الأرض.
3 الوسمي: مطر الربيع الأول، سمي بذلك لأنه يسم الأرض بالنبات، والسمي جمع سماء: وهو المطر أو المطرة الجيدة.
4 الطخارير جمع طخرور كعصفور بالخاء والحاء: اللطخ من السحاب، والكرفئ: السحاب المرتفع المتراكم، وتقزع: تفرق وانقشع، وشام البرق: نظر إليه أين يقصد.
5 هو من مرى الناقة كرمى: مسح ضرعها لتدر، مزلئمين: ماضين مرتحلين إليه، وأساف المال: أهلكه، والسواف كجبان وشجاع: الموت في الناس والمال، ساف سوفا أي هلك، وأسافه الله، ويقال أيضًا أساف الرجل: وقع في ماله السواف أي الموت: وأضف من الضفف كسبب وهو الضيق والشدة، أصابهم من العيش ضفف أي شدة.(3/312)
73- أعرابي يصف مطرا:
عن عبد الرحمن عن عمه قال:
قال أبو مُجِيب -وكان أعرابيا من بني ربيعة بن مالك: "لقد رأيتُنا في أرضٍ(3/312)
عَجْفَاء1، وزمان أَعْجَف، وشجر أَعْسَم، في قُفٍّ غليظ فبينما نحن كذلك؛ إذ أنشأ الله تعالى من السماء غيثًا مستكِفًّا2 نَشْؤُه، مُسْبَلَةً عَزَالِيه، ضِخَامًا قطرهُ، جَوْدًا صوبُه زاكيًا، أنزله الله تعالى رزقًا لنا، فَعَيَّش به أموالَنا، ووَصَل به طرقنا، وأصابنا وإنا لَبِنَوْطِةٍ3 بعيدة الأرجاء، فاهْرَمَّعَ مطرها، حتى رأيتنا وما نرى غير السماء والماء وضَهَوَات الطَّلح4، وضرب السيل النِّجَاف، وملأ الأودية فَزَعَبَها، فما لبثنا إلا عشرا، حتى رأيتها روضة تَنْدَى".
"بلوغ الأرب 3: 259".
__________
1 ليس بها نبات، وأصله من العجف بالتحريك وهو الهزال، وأعسم: يابس، وأصله من العسم بالتحريك وهو يبس في مفصل الرسغ تعوج منه اليد والقدم، والقف: ما غلظ من الأرض وارتفع، لم يبلغ أن يكون جبلا: وأنشأ الله السحاب: رفعه.
2 مستكفا: مستديرا كالكفة، "والكفة بالكسر وبضم كل مستدير"، وصوبه: مطره.
3 النوطة: الأرض يكثر بها الطلح "والطلح: شجر عظام" والموضع المرتفع عن الماء، أو ليس بواد ولا تلعة بل بين ذلك، واهرمع: كثر وأسرع.
4 الضهوة: بركة الماء، والنجاف جمع نجف بالتحريك وبهاء: مكان لا يعلوه الماء، أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها، وزعبها: ملأها.(3/313)
74- أعرابي يصف مطرا:
ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال:
"أصابتك سماء في وجهك يا أعرابي"، قال: "نعم يا أمير المؤمنين، غير أنها سحَّاء طَحْنَاء وَطْفَاء1، كأن هَوَادِيَها الدِّلاء، مُرْجَحِنَّة النواحي، موصولة بالآكام تكاد تمسُّ هَامَ الرجال، كثير زَجَلُها2، قاصف رعدُها، خاطف3 برقها، حَثِيث وَدْقُها، بَطِيء مسيرها، مُثْعَنْجِرُ قطرها، مظلم نَوْؤُهَا، قد لجِئت الوحش إلى أوطانها، تبحث عن أصولها بأظلافها، متجمعة بعد شتاتها، فلولا اعتصامنا يا أمير المؤمنين
__________
1 سحابة وطفاء: مسترخية لكثرة مائها، أو هي الدائمة السح الحثيثة، هواديها: أوائلها ومقادمها، مرجحنة: ثقيلة مهتزة.
2 الزجل: الجلبة ورفع الصوت، مثعنجر: سائل منصب، ولجأ إليه كمنع وفرح، وأظلاف جمع ظلف بالكسر وهو للبقرة والشاة والظبي وشبهها كالقدم لنا، والقنن جمع قنة، وهي قمة الجبل.
3 زدت هذه الكلمة كي يستقيم بها الكلام والظاهر أنها سقطت من الأصل في الطبع.(3/313)
بِعِضَاهِ الشجر، وتعلُّقنا بِقُنَن الجبال، لكنا جُفَاء1 في بعض الأودية، ولَقَمِ الطريق، فأطال الله للأمة بقاءك، ونسألها في أَجَلِك ببركتك، وعاد الله بك على رعيتك، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد".
فقال سليمان: "لَعَمْرُ أبيك لئن كانت بديهة لقد أُحسنت، وإن كانت مُحَبَّرَةً لقد أجدت" قال: بل محبرة مَهْدُورة يا أمير المؤمنين، قال: "يا غلام أعطِه، فوالله لَصِدْقه أعجب إلينا من صِفًته".
"العقد الفريد 2: 96".
__________
1 الجفاء: الزبد، ولقم الطريق: معظمه ووسطه، وفي الأصل: "لغم" وهو تحريف.(3/314)
75- أعرابية تصف مطرا:
عن الأصمعي قال: "كان شيخ من الأعراب في خِبائِه، وابنه له بالفِنا1، إذا سمع رعدًا فقال: ما تَرَين يا بُنَيَّة؟ قالت: أراها حوَّاء قَرْحاء2، كأنها أقرَابُ أتانٍ قَمْرَاء، ثم سمع راعدة أخرى فقال: كيف ترينها؟ قالت: أراها جَمَّة التَّرْجاف3 متساقطةَ الأكناف تتألق بالبرق الوَلَّافِ، قال: هلُمِّي المِغْرَفَة، انْتَئِى4 نُؤْيًا".
"بلوغ الأرب 3: 251".
__________
1 الفناء: ما اتسع أمام الدار.
2 حواء: وصف من الحوة بالضم وهي حمرة إلى السواد، والقرحة بالضم: وجه الفرس دون الغرة، والوصف منه أقرح وقرحاء، والأقراب جمع قرب كقفل عتق: وهو الخاصرة، والقمرة بالضم: بياض فيه كدرة، حمار أقمر، وأتان قمراء.
3 كثيرة الاضطراب، الولاف: المتتابع، من ولف البرق كوعد ولفًا وولافا بالكسر: تتابع.
4 النؤي: الحفير حول الحياء يمنع السيل، وانتأيته عملته.(3/314)
76- أعرابية تصف مطرا:
عن الأصعمي قال: كان أعرابي ضرير تقوده ابنته، وهي ترعى غُنَيْمات لها، فرأت سحابا فقالت: يا أبت جاءتك السماء، فقال: كيف ترينها؟ قالت: كأنها فرس دَهْمَاء1 تَجُرّ جِلَالَها، قال: ارَعْى غنيماتِك، فرعت مَلِيّا، ثم قالت: يا أبت جاءتك السماء، قال: كيف ترينها: قالت؟ كأنها عين جمل طَرِيف2 قال: ارعَي
__________
1 سوداء، والجلال جمع جل بالضم والفتح: ما تلبسه الدابة لتصان به.
2 الجمل ينتقل من مرعى إلى مرعى.(3/314)
غنَيْمَاتك، فرعت مليًا، ثم قالت: يا أبت جاءتك السماء، قال: كيف ترينها؟ قالت: سُطِحَت وابْيَضَّتْ، قال: أدخلي غنيماتك، قال فجاءت السماء بشيء شَطَأَ1 له الزرع وأينع، وخَضِرَ ونِضَُر".
"بلوغ الأرب 2603".
__________
1 شطأ الزرع: أخرج شطأه، أي فراخه.(3/315)
77- أعرابي يصف أرضا:
ووصف أعرابي أرضا أحمدها فقال:
"خَلَع شِيحُها، وأبقل رِمْثُها، وخضب عَرْفَجُها1، واتَّسق نبتُها، واخضرَّت قُرْيَانُها، وأخْوَصَت بُطْنَانها2، وأَحْلَسَت أكمامُها، واعتمَّ نَبْتُ جَراثيمها3، وأجْرَتْ بَقْلَتها وذُرَقتها وخُبَّازَتها4، واحْوَرَّت خَوَاصِر إبلها، وشَكِرت حَلُوبَتُها، وسَمِنَت قَتُوبتها5، وعَمِد ثَرَاها. وعَقِدت تَنَاهِيها، وأماهَتْ ثمارُها. وَوَثِقَ الناس بِصَائِرَتها6".
"البيان والتبيين 2: 77".
__________
1 خلع الشيح: أورق "والخالع من العضاه: الذي لا يسقط ورقه أبدا، والعضاه ككتاب: كل شجر له شوك" والرمث. مرعى للإبل وشجر يشبه الغضا، والعوفج: شجر سهلي، وخضب الشجر كضرب وسمع وعني: اخضر.
2 القريان: مجاري الماء من الربو إلى الرياض جمع قرى كغنى، وأخوص العرفج: تفطر بورق، وأخوصت النخلة: أخرجت الخوص، والبطنان جمع باطن وهو الغامض من الأرض أي المطمئن منها.
3 أحلس النبت: غطى الأرض بكثرته، أحلست الأرض فهي محلسة: صار النبات عليها كالحلس كثرة الحلس كحمل كساء على ظهر البعير -والجراثيم جمع جرثومة بالضم، وجرثومة الشيء: أصله، واعتم: أي كأنه لبس عمامة.
4 أجرت البقلة: صارت لها جراء -وجراء ككتاب جمع جرو بالتثليث وهو صغير كل شيء- والذرقة واحدة الذرق وهو نبات مثل الكرات الجبلي الدقاق في رأسه حلو يؤكل رطبا تحبه الرعاة يأتون به أهليهم: والخبازة والخبازى: النبت المعروف.
5 أحورت: ابيضت وذلك من الشد على خواصرها لئلا تحبط "والحبط بالتحريك: انتفاخ بطنها من مرعى ترعاه" والحلوبة: المحلوبة، وشكرت الناقة: امتلأ ضرعها، والدابة: سمنت، والقتوبة: الإبل التي تقتبها "وأقتب الناقة: شد عليها القتب "بالتحريك" وهو إكاف صغير على قدر سنام البعير".
6 عمد الثرى: بلله المطر حتى إذا قبضت عليه تعقد لندوته، والتناهي جمع تنهية: وهي مستقر السيل حيث ينتهي الماء من الوادي، وعقدت تناهيها: أن يمر السيل مقبلا حتى إذا انتهى منتهاه دار بالأبطح حتى يلتقي طرفا السيل، وأماهت ثمارها: أي كثر ماؤها والصائرة: المطر والكلأ.(3/315)
78- رائد يصف أرضا جدبة:
قال أبو المجيب: وصف رائد أرضا جدبة فقال:
"اغبرَّتْ جادَّتها1، وذرع مَرْتَعها، وقَضِم شجرها، ورَقَّت كَرِشها، وخَور عظمها. والتقى سَرْحاها2. وتميّز3 أهلها؟ ودخل قلوبهم الوَهَل. وأموالهم الهَزْلُ".
"البيان والتبيين 2: 77".
__________
1 الجادة: الطريق إلى الماء، وذرع المرتع: بعد عن الماء، وقضم شجرها: تكسر، يقال: سيف قضم كفرح: أي طال عليه الدهر فتكسر حده، وقضم السن: انصدع وتثلم، وإذا لم يكن للجمال مرعى إلا الشجر وحده رقت أكراشه.
2 يعني أنه إذا أكل كل ساوح ما يليه، التقيا عند الماء.
3 تفرقوا في طلب الكلأ، والوهل: الفزع، والهزل: موت مواشي الرجل.(3/316)
79- رائدا يصف أرضا:
عن محمد بن كُناسة قال: أخبرني بعض فصحاء أعراب طيئ قال:
"بعث قوم رائدا. فقالوا: ما وراءك؟ قال: عشب وتعاشيب1، وكَمْأَة متفرقة شِيبٌ، تقلعها بأخفافها النِّيب2"، قالوا: لم تصنع شيئًا، هذا كذب! فأرسلوا آخر، فقالوا: ما وراءك؟ قال: "عشب ثَأْد مَأْدَمَوْلِيُّ3 وعَهْد. متدارك جَعْد4، كأفخاذ نساء بني سعد، تشبَع منه النِّيب وهي تُعَدُّ5".
"البيان والتبيين 2: 79".
__________
1 العشب: الكلأ الرطب، والتعاشيب: القطع المتفرقة منه.
2 النيب جمع ناب: وهو الناقة المسنة.
3 جاء في اللسان: "قال الأصمعي: قيل لبعض العرب: أصب لنا موضعًا أي أطلب فقال رائدها: وجدت مكانا ثئدا مئدا "بفتح فكسر" وقال زيد بن كثوة: بعثوا رائدا فجاء وقال: عشب ثأد مأد "بفتح فسكون" كأنه أسوق بني سعد" وثئد النبت كفرح: ندى فهو ثئد، ومأد كمنع اهتز وتروى وجرى فيه الماء وتنعم ولان والمأد: الناعم من كل شيء، والمولي: الذي أصابه الولى "والمولي: المطر الذي يأتي بعد المطر"، والعهد: أول مطر الوعى "الوسمى: أول مطر الربيع".
4 من قولهم: زبد جعد: أي متراكب مجتمع قد صار بعضه فوق بعض.
5 يعني أن العشب قد طال وتم، والنيب تشبع منه وهي تعد: لأنها تتناوله وهي قائمة لا تبرح مكانها ولا تطأطئ رأسها.(3/316)
80- رائد يصف أرضا:
وبعث رجل أولاده يرتادون في خِصْب. فقال أحدهم: "رأيت بقلا. وماء غيلا1. يسيل سيلا. وخُوصه تميل ميلا، ويحسبها الرائد ليلا" وقال الثاني: "رأيت دِيمة على دِيمة، في عهدها غير قديمة. وكَلأً تشبَع منه النَّاب قبل الفطيمة".
"البيان والتبيين 2: 79".
وروى هذا الوصف عن ابن الكلبي بصورة أخرى قال:
"خطب هندَ بنة الخُسِّ الإيادية ثلاثةُ نَفَر من قومها، وارتَضَت أنسابَهم وجمالَهم، وأرادت أن تَسْبُر عقولهم، فقالت: لهم: "إني أريد أن ترتادوا لي مرعًى، فلما أتَوْها قالت لأحدهم: ما رأيت؟ قال: رأيت بقلا وبُقِيلا، وماء غَدَقًا2 سَيْلا، يحسبه الجاهل ليلا، قالت: أمْرَعتَ3، قال الآخر: رأيت ديمة بعد ديمة، على عهادٍ غير قديمة، فالناب تشبع قبل الفطيمة، قال الثالث: رأيت غيثا ثَعْدًا مَعْدًا4، متراكما جعدًا، كأفخاذ نساء بني سعد، تشبع منه النِّيب وهي تُعَدّ".
"بلوغ الأرب 2: 256".
__________
1 الغيل: الماء الذي يجري بين الشجر.
2 الغدق: الماء الكثير.
3 أمرعه أصابه مريعًا كخصيب وزنا ومعنى.
4 الغيث: المطر والكلأ، وقيل: الأصل المطر ثم سمي ما ينبت به غيثا، والمراد هنا الثاني، وبقل ثعد معد: غض رطب رخص.(3/317)
81- أعرابي يصف أرضه وماله:
عن أبي عمرو بن العلاء قال: لقيت أعرابيا بمكة فقلت له: ممن أنت؟ قال: أسدي، قلت: ومن أيهم؟ قال: نَهْدي، قلت: من أي البلاد؟ قال: من عُمان،(3/317)
قلت: فأنَّي لك هذه الفصاحة؟ قال: "إنا سكنَّا قُطْرًا لا نسمع فيه ناجِخَة التيار1" قلت: صِفْ لي أرضك، قال: "سِيفٌ أَفْيَح، وفضاء صَحْصَح، وجبل صَرْدَح، ورَمْل أصبح2"، قلت: فما مالُك؟ قال: النخل، قلت: فأين أنت من الإبل؟ قال: "إن النخل حَمْلُها غِذاء، وسَعَفُها3 ضِياء، وجِذْعها بناء، وكَرَبُها صِلَاء، ولِيفها رِشَاء، وخُوصُها وِعاء، وقَرْوُها إناء".
"ذيل الأمالي ص17".
__________
1 الناجخة: الصوت، والتيار: الموج.
2 السيف: ساحل البحر، وساحل الوادي، أو لكل ساحل سيف، أو إنما يقال ذلك لسيف عمان، وأفيح: واسع، والصحيح: ما استوى من الأرض، والصردح: الصلب، والأصبح: الذي يعلو بياضه حمرة.
3 السعف: جريد النخل أو ورقه، والكرب: أصول السعف الغلاظ العراض، والرشاء: الحبل، والقرو: أسفل النخلة ينقر فينتبذ فيه -أي يتخذ فيه النبيذ.(3/318)
82- أعرابي يصف بلدًا:
وذكر أعرابي بلدا فقال: "بلد كالتُّرس، ما تمشى فيه الرياح إلا عابرات سبيل، ولا يمر فيه السفر إلا بأدلّ دليل". "العقد الفريد 2: 80".
وقال أعرابي: "مررت ببلد ألقى به الصيف1 بِقَاعَه، فأظهر غَدِيرا يَقْصُر الطَّرْف عن أرجائِه، وقد نَفَتِ الريح القَذَى عن مائِه، فكأنه سلاسل دِرْعٍ ذات فُضُول2".
"العقد الفريد 2: 96".
وسئل أعرابي عن مسافة ما بين بلدين فقال: "عمر ليلة، وأَدِيم3 يوم".
وقال آخر: "سواد ليلة، أو بياض يوم".
"البيان والتبيين 2: 51، والعقد الفريد 2: 97".
وقال آخر: "إن المسافر ومَتَاعَه لعَلَى قَلَت4 إلا ما وَقَى الله".
"العقد الفريد 2: 52".
__________
1 الصيف كسيد ويخفف: المطر يجيء في الصيف أو بعد الربيع كالصيفي.
2 جمع فضل: وهو الزيادة.
3 أديم النهار: عامته أو بياضه.
4 القلت: الهلاك.(3/318)
83- أعرابي يصف أشد البرد:
سئل أعرابي فقيل له: ما أشد البرد؟ قال: ريح جِرْبِيَاء، في طلّ عَمَاءٍ، غِبِّ سماء1".
"البيان والتبيين 1: 163".
__________
1 الجربياء: ريح الشمال الباردة، أو الريح بين الجنوب والصبا، والعماء: السحاب المرتفع: أو الكثيف، أو الممطر، في غب سماء، أي عقب مطر.(3/319)
84- أعرابي يصف إبلا:
وقال: سمعت أعرابيا يصف إبلا فقال:
"إنها لِعَظَام الحناجر، سِبَاطُ المَشَافِر، كُوم بَهَازِر1، نُكْد خَنَاجِر2، أجوافُها رِغَاب3، وأعطانُها رِحَاب، تُمْنَع من البُهَم4 وتُبْذَل للجُمَم".
"الأمالي 1: 52"
__________
1 الحنجرة والحنجور كعصفور: الحلقوم، وجمعه حناجر، والمشافر جمع مشفر كمنبر: وهو البعير كالشقة للإنسان، والكوم: العظام الأسنمة جمع أكوم وكوماء والبهازر جمع بهزرة كبندقة: وهي العظيمة من النوق.
2 النكد: الغزيرات اللبن من الإبل "والتي لا لبن لها أيضا ضد"، والحناجر: الغزيرات اللبن جمع خنجر كجعفر وبهاء وخنجورة بالضم.
3 رغاب: واسعة، وأعطانها: مباركها عند الماء جمع عطن كسبب.
4 البهم جمع بهمة كفرصة: وهو الشجاع الذي لا يدري من أين يؤتى، من شدة بأسه، والجمم جمع جمة كقبة، وهم القوم يسألون في الديات.(3/319)
85- أعرابي يصف ناقة:
ووصف أعرابي ناقة فقال: "إذا كحالَّت عينها، وألِلَت1 أذنها، وسَجِح2 خدُّها، وهَدِل3 مِشْفَرُها، واستدارت جُمْجُمتها، فهي الكريمة".
"الأمالي 1: 217".
__________
1 أل البعير: نصب أذنيه وحددهما.
2 سجح: سهل وحسن.
3 هدل: استرخى.(3/319)
86- أعرابي يصف خيلا:
وقال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: "خرجت علينا خيل مستطيرة النَّقْع1، كأن هَوادِيَهَا2 أعلام، وآذانها أطراف أقلام، وفرسانها أُسُود آجام".
__________
1 الغبار.
2 أوائلها.(3/320)
87- أعرابي يصف خيلا:
وذكر أعرابي خيلا فقال: "والله ما انْحَدَرَتْ في وادٍ إلا ملأت بَطْنَه، ولا رَكِبَت بطن جبل إلا أَسْهَلَتْ حَزْنَهُ".
"العقد الفريد 2: 95".(3/320)
88- أعرابي يصف خيلا:
عن عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا يصف خيلا فقال: "سِبَاط الخَصَائل1. ظِمَاء المَفَاصل، شِدَاد الأبَاجِل2، قُبُّ الأياطِل، كِرام النَّواجِل3".
"الأمالي 1: 52".
__________
1 الخصائل جمع خصيلة: وهي كل قطعة من اللحم مستطيلة أو مجتمعة، وقيل: هي ما انماز من لحم الفخذ بعضه من بعض، وسباط جمع سبط ككتف وشمس، رجل سبط الجسم إذا كان حسن القد والاستواء: وظماء: ضمر.
2 الأباجل جمع أبجل: وهو عرق غليظ في الرجل أو في اليد، يريد أنها شداد القوائم.
3 الأياطل جمع أيطل: وهو الخاصرة، قب جمع أقب، وصف من القبب كسبب وهو دقة الخصر وضمور البطن، والنواجل جمع ناجلة، من نجلته: أي ولدته.(3/320)
89- أعرابي يصف فرسا:
ووصف بعض الأعراب فرسا فقال: "قد انتهى ضُمُوره، وذَبَُل فَرِيرُه1، وظهر حصيره2، وتفلَّقت غُرُوره3، واسترخت شاكِلَتُه4، يُقبل بزُوْر الأسد، ويدبر بِعَجُز الذئب".
"البيان والتبيين 3: 233، والأمالي 3: 256".
__________
1 الفرير: موضع المجسة من معرفة الفرس.
2 الحصير: عرق يمتد معترضًا على جنب الدابة إلى ناحية بطنها، أو لحمة كذلك.
3 الغرور: الغصون التي في جلده، واحدها غر بالفتح.
4 الشاكلة من الفرس: الخلد بين عرض الخاصرة والثفنة -والثفنة كفرحة: الركبة.(3/320)
90- أعرابي يصف خاتمًا:
وقال أعرابيا يصف خاتمًا: "شَفَّ1 تقدير حَلْقته، ودُوِّر كرسي فضته، وأحكم تركيبه، وأتقن تدبيره، فبه يتم المُلْك، وينفُذ الأمر، ويَكْرُم الكتاب، ويَشْرُف المكتوب إليه".
"العقد الفريد 2: 97".
__________
1 رق.(3/321)
91- أعرابي يصف أطيب الطعام:
وقال عبد الملك لأعرابي: "ما أطيب الطعام؟ "، فقال: "بكرة سَنِمَة1، مُعْتَبَطَة غير ضَمِنَة، في قدورٍ رَذِمَة2، بشِفارٍ خَذِمة3، في غداة شبِمة4، فقال عبد الملك: وأبيك لقد أطيبتَ5.
"البيان والتبيين 1: 163".
__________
1 البكرة: الفتية من الإبل، والسنمة: العظيمة السنام، وفعله كفرح، عبط الذبيحة كضرب واعتبطها: نحرها من غير علة وهي سمينة فتية، والضمنة: الزمنة والمتلاة في جسدها من السمنة كفرصة وهي المرض.
2 رذمت القصعة كفرح فهي رذمة ورذوم كصبور: امتلأت وتصببت جوانبها.
3 شفار جمع شفرة "بالفتح": وهي السكين العظيم، وخذمه كضربه: قطعه، وسيف خذم ككتف وصبور ومعظم: قاطع.
4 الغداة: البكرة "بالضم" أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، وشبمة: باردة، وفعلها كفرح.
5 أطاب الشيء وأطيبه: وجده طيبا.(3/321)
92- أعرابي يصف السويق:
وعاب رجل السَّوِيق1 بحضرة أعرابي فقال: "لا تَعِبْه، فإنه عُدَّة المسافر، وطعام العَجْلَان، وغذاء المُبَكِّر، وبُلْغَة2 المريض، ويَسْرُو3 فؤاد الحزين، ويَرُدُّ من نفس المحدود4، وجيِّد في التسمين، ومنعوت في الطِّبّ، وقَفَارُه5، يحلو البَلْغَم، وملتوته يصفِّي الدم، وإن شئت كان شرابًا، وإن شئت كان طعامًا، وإن شئت فَثَرِيدًا، وإن شئت فَخَبِيصًا6".
"الأمالي 2: 197".
__________
1 السويق: ما يعمل من الحنطة والشعير.
2 ما يتبلغ به.
3 يسرو: يكشف ما عليه.
4 المحدود: الذي قد حد أي قد ضرب الحد.
5 القفار: الذي لم يلت بشيء من أدم، لا زيت ولا سمن ولا لبن. يقال طعام قفار.
6 الخبيص: نقي الدقيق يخلط بالعسل.(3/321)
93- أعرابي يصف الجمال:
وقيل لأعرابي ما الجمال؟ قال: "طول القامة، وضخم1 الهامة، ورَحْب2 الشِّدق، وبُعْد الصوت". وسئل آخر: ما الجمال؟ قال: "غُثُور العينين، وإشراف الحاجبين، ورُحْب الشِّدقين".
"البيان والتبيين 1: 67".
__________
1 ضخم ككرم ضخمًا وضخامة فهو ضخم.
2 رحب ككرم وسمع رحبًا بالضم ورحابة فهو رحب بالفتح.(3/322)
94- أبو المِخَشّ يصف ابنه:
وسأل جعفر بن سليمان أبا المخش عن ابنه المخش1 -وكان جزع عليه جزعًا شديدًا- قال: صف لي المخش، فقال: "كان أشدق خُرْطُمَانِيًا2، سائلا لُعَابُه، كأنما ينظر من قَلْتَين3، كأن تَرْقُوته بُِوَان، أو خالِفَه، كأن مَنْكِبه كِرْكِرة جملٍ ثَقَالٍ4، فقأ الله عينيَّ إن كنت رأيت قبله أو بعده مثله".
"البيان والتبيين 1: 67".
__________
1 المخش في الأصل: الجريء على العمل في الليل.
2 أشدق: واسع الشدقين: خرطمانيا: طويلا.
3 القلت: النقرة في الجبل.
4 البوان: عمود الخباء، والخالفة: عمود من أعمدة البيت في مؤخرة، والكركرة: رحى زور البعير وبعير ثقالي: بطيء.(3/322)
95- أعرابي يصف بنيه:
عن عبد الرحمن عن عمه قال: قلت لأعرابي بِحِمَى الرَّبَذَة: ألك بَنُون؟ قال: نعم، وخالقهم لم تَقُم عن مثلهم مُنْجبَةٌ، فقلت: صِفهم لي، فقال: "جَهْم! وما جَهْم؟(3/322)
يُنْضِى الوَهْم، ويصُدُّ الدَّهْمَ1، ويَفْرِى الصفوف، ويَعُلُّ السيوف2"، قلت: ثم مَنْ؟ قال: "غَشَمْشَم! وما غشمشم؟ ماله مُقَسَّم، وقِرْنه مَجَرْجَم3، جِذْلُ حِكاكٍ4، ومِدْرَهُ لِكَاك5"، قلت: ثم مَنْ؟ قال: "عَشَرَّب! وما عشرب؟ ليث مُحَرَّب، وسِمَامٌ مُقُشَّب6، ذِكْرُه باهر، وخصمه عائر، وفناؤه رُحَاب7، ودَاعيه مُجاب" قلت: صف لي نفسك، فقال: "ليث أبو رَيَابل8، ركَّاب مُعَاضِل عَسَّاف9 مَجَاهِل، حَمَّال أعباء، نَهَّاض بِبَزْلاء10".
"الأمالي 2: 53".
__________
1 ينضى: يهزل، الوهم: الضخم العظيم من الإبل، والدهم: العدد الكثير.
2 يفري يشق، ويعل: أي يوردها الدماء ثانية، مأخوذ من العلل في الشرب.
3 المجرجم: المصروع.
4 الجذل: أصل الشجرة، وذلك أن الإبل الجرب تحتك به فتجد له لذة، والمعنى أنه ممن يستشفى به في الأمور بمنزلة ذلك الجذل الذي تستشفي به الإبل.
5 المدره: لسان القوم، والمتكلم عنهم، والدافع عنهم، يقال: درهته عني ودرأته: أي دفعته، واللكاز: الزحام.
6 المحرب: المغضب الذي قد اشتد غضبه واحتد، وحربت السكين: إذا أحددته، ومقشب: مخلوط.
7 باهر غالب، ورحاب: متسع.
8 ريابل جمع ريبال بالكسر يهمز ولا يهمز: وهو الأسد، والمعاضل: الدواعي.
9 العساف: الذي يركب الطريق على غير هداية، والأعباء: الأثقال.
10 البزلاء: الرأي الجيد الذي يبزل "بضم الزاي" عن الصواب: أي يشق عنه.(3/323)
96- أعرابي يصف أخويه:
عن العُتْبَى قال أخْبَرَنِي أعرابي عن إخوة ثلاثة، قال: قلت لأحدهم: أخبرني عن أخيك زيد فقال: "أزيدٍ إِنِيه1؟ والله ما رأيت أحدا أسكن فَوْرا، ولا أبعد غَوْرا، ولا آخَذَ لذنب حُجَّة قد تقدم رأسها من زيد"، فقلت: أخبرني عن أخيك زائدا قال: "كان والله شديد العُقْدة، ليِّن العَطْفةِ، ما يرضيه أقل مما يُسْخِطه، فقلت: فأخبرني عن نفسك، فقال: "والله إن أفضل ما فيَّ لمعرفتي بفضلها، وإني مع ذلك لغير منتشر2 الرأي، ولا مَخْذُول العَزْم".
"الأمالي 2: 14".
__________
1 قال أبو علي القالي: "هذه الزيادة تلحق في الاستفهام في آخر الكلمة إذا أنكرت أن يكون رأي المتكلم على ما ذكر، أو يكون على خلاف ما ذكر" انظر هذا المبحث في الأمالي 2: 15.
2 أي مفرقة.(3/323)
قولهم في الدعاء:
97- دعاء أعرابي:
قال أبو حاتم: أملى علينا أعرابي يقال له مَرْثَد:
"اللهم اغفر لي، والجِلْد بارد، والنفسُ رَطْبة، واللسان منطلق، والصحف منشورة، والأقلام جارية، والتوبة مقبولة، والأنفس مِرِّيحَة1، والتضرع مرجُوّ، قبل آنِ الفراق، وحَشَكِ النفس2، وعَلَزِ الصدر3، وتَزَيُّل الأوصال4، ونُصُول الشعر، واحتياف5 التراب، وقبل أن لا أقدر على استغفارك حين يَفْنى العمل، ويحضر الأجل، وينقطع الأمل.
أعنِّي على الموت وكُرْبَته، وعلى القبر وغَمَّتِه6، وعلى الميزان وخِفَّته، وعلى الصِّراط وزَلَّته، وعلى يوم القيامة وروعته، اغفر لي مغفرة عَزْمًا، لا تغادر ذنبًا، ولا تدعَ كربا، اغفر لي جميع ما افترضت عليّ ولم أُؤَدِّه إليك، اغفر لي جميع ما تُبْتُ إليك منه ثم عُدْتُ فيه.
يا رب تظاهرتْ7 عليّ منك النِّعم، وتداركتْ عندك منِّي الذنوب، فلك الحمد على النعم التي تظاهرت، وأستغفرك للذنوب التي تداركت، وأمسيت عن عذابي غنيًّا، وأصبحت إلى رحمتك فقيرا.
__________
1 مرح كفرح: أشر وبطر ونشط واختال وتبختر فهو مرح ومريح.
2 الحسك: شدة النزع.
3 العلز: قلق وخفة وهلع يصيب المريض والمحتضر.
4 تزيلت وتزايلت: تفرقت، والأوصال: المفاصل.
5 الاحتياف: افتعال من الحيف وهو الجور، والمراد أكل تراب القبر الجثة، والذي في كتب اللغة "التحيف" تحيفت الشيء: إذا تنقصته من حافاته.
6 فعله من غم الشيء: أي غطاء فانغم، أو هي "غمته" بالضم: أي بلائه وكرب عذابه.
7 من تظاهروا إذا تعاونوا: أي تتابعت(3/324)
اللهم إني أسألك نجاح الأمل، عند انقطاع الأجل، اللهم اجعل خير عملي ما ولي أجلي، اللهم اجعلني من الذين إذا أعطيتهم شكروا، وإذا ابتليتهم صبروا، وإذا أذْكرتهم ذكروا، واجعل لي قلبًا توَّابًا أوَّابًا، لا فاجرا ولا مُرْتَابًا، اجعلني من الذين إذا أحسنوا ازدادوا، وإذا أساءوا استغفروا.
اللهم لا تحقِّق عليّ العذاب1، ولا تقطع بي الأسباب، واحفظني في كل ما تحيط به شفقتي، وتأتي من ورائه سَبْحَتي2، وتعجَِز عنه قوَّتِي، أدعوك دعاء ضعيفٍ عَمَلُه، متظاهِرَة ذُنُوبه، ضنينٍ على نفسه، دعاءَ مَنْ بَدَنُه ضعيف، ومُنَّتُه3 عاجزة، قد انتهت عُدَّته، وخَلَقَت4 جِدَّته، وتمَّ ظِمْؤُه. اللهم لا تخيِّبني وأنا أرجوك، ولا تعذِّبني وأنا أدعوك، والحمد لله على طول النَّسِيئَة5، وحسن التِّباعة6، وتشنُّج العروق، وإساغة الريق، وتأخر الشدائد، والحمد لله على حِلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد قدرته، والحمد لله الذي لا يُودَي7 قتيله، ولا يخيبُ سُولُه، ولا يُرَدّ رَسُولُه، اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذلِّ إلا لك، وأعوذ بك أن أقول زورا، أو أغْشَى فُجُورًا، أو أكون بك مغرورا، وأعوذ بك من شماتة الأعداء، وعُضَال الداء، وخَيْبَة الرجاء، وزوال النِّعْمَة".
"العقد الفريد 2: 77، والبيان والتبيين 3: 224-137-138".
__________
1 يشير إلى قوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} .
2 فعلة من السبح: وهو التقلب والانتشار في الأرض، والإبعاد في السير، والتصرف في المعاش.
3 المنة: القوة.
4 خلق الثوب كنصر وكرم وسمع، بل، والظم: ما بين الشربتين والوردين.
5 الإمهال والتأخير.
6 التباعة مثل التبعة بفتح فكسر. قال الشاعر:
أكلت حنيفة ربها ... زمن التقحم والمجاعة
لم يحذروا من ربهم ... سوء العواقب والتباعة
"لأنهم كانوا قد اتخذوا إلها من حيس فعبدوه زمنا، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه"، والحيس كشمس: تمر يخلط بالسمن واللبن المخيض فيعجن شديدًا، ثم يندر منه نواه.
7 ودى القتيل كوعى: أعطى ديته، والسول: وهو ما سألته.(3/325)
98- دعاء أعرابي:
ودعا أعرابي وهو يطوف بالكعبة فقال:
"إلهي مَنْ أولى بالتقصير والزلل مني وأنت خلقتني؟ ومن أولى بالعفو منك عني وعلمك بي ماضٍ، وقضاؤك بي محيط؟ أطعتك بقوتك والمنَّة لك، وعصيتك بعلمك، فأسألك يا إلهي -بوجوب رحمتك وانقطاع حجتي، وافتقاري إليك وغناك عني- أن تغفر لي وترحمني.
إلهي لم أُحْسِن حتى أعطيتني، فتجاوز عن الذنوب التي كتبت عليّ، اللهم إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك: شهادة أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، ولم نَعْصِك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك، فاغفر لي ما بين ذلك.
اللهم إنك آنَسُ المُؤْنِسِين لأوليائك، وأحضرهم للمتوكلين عليك، إلهي أنت شاهدهم وغائبهم، والمطلِّع على ضمائرهم، وسِرِّي لك مكشوف، وأنا إليك ملهوف، إذا أَوْحَشَتْنِي الغُرْبَة آنَسَنِي ذِكْرُك، وإذا أَكَبَّت عليّ الغموم لَجَأت إلى الاستجارة بك؛ علمًا بأن أَزِمَّة الأمور كلِّها بيدك، ومصدرها عن قضائك، فأقْلِلْني1 إليك مغفورا لي، معصوما بطاعتك بقية عمري، يا أرحم الراحمين".
__________
1 أقله: حمله.(3/326)
99- دعاء أعرابي:
وقال الأصمعي: حَجَجت فرأيت أعرابيا يطوف بالكعبة ويقول:
يا خير مَوْفُود سَعَى إليه الوُفَّد1، قد ضَعُفت قوتي، وذهبت مُنَّتي، وأتيت إليك بذنوب لا تغسِلها الأنهار، ولا تحملها البحار، أستجير برضاك من سُخْطِك، وبعفوك من عقوبتك، ثم التفت فقال: "أيها المشفقون، ارحموا من شَمِلته الخَطَايا،
__________
1 وفد إليه وعليه: قدم، وهم وفود ووفد كشمس وركع وأوفاد.(3/326)
وغمَرَته البلايا، ارحموا من قطع البلاد، وخلَّف ما مَلَك من التِّلاد. ارحموا من وبَّخته الذنوب، وظَهَرت منه العيوب، ارحموا أسير ضُرٍّ، وطريد فقر، أسألكم بالذي أعملتم الرَّغبة إليه، إلا ما سألتم الله أن يهب لي عظيم جُرْمِي"، ثم وضع في حَلْقه بالباب خَدَّه وقال: ضَرَعَ خدِّي لك، وذلَّ مقامي بين يديك، ثم أنشأ يقول:
عظيم الذنب مكروب ... من الخيرات مسلوب
وقد أصبحت ذا فقر ... وما عندك مطلوب(3/327)
100- دعاء أعرابي:
وسمع أعرابي بعرفات عَشَيَّة عرفة وهو يقول:
"اللهم إن هذه عشية من عشايا محبَّتِك، وأحد أيام زُلْفَتِك1، يأمُل فيها من لَجَأَ إليك من خلقك أن لا يُشْرَك بك شيئًا، بكل لسان فيها يُدْعَى، ولكل خير فيها يُرْجَى، أتتك العُصَاة من البلد السَّحِيق2، ودعتك العُنَاة3 من شُعَب المَضِيق، رجاء ما لا خُلْفَ له من وعدك، ولا انقطاع له من جزيل عطائك، أبدت لك وجوهها المَصُونة، صابرة على وَهَجِ السَّمَائِم4، وبَرْد الليالي، ترجو بذلك رضوانك، يا غفار، يا مُسْتَزَادًا من نعمه، ومُسْتَعَاذًا من نِقَمِه، ارْحَمْ صوتَ حزين دعاك بزفير وشهيق".
ثم بسط كلتا يديه إلى السماء وقال: "اللهم إن كنت بسطتُ يدي إليك داعيًا
__________
1 الزلفة: القربة.
2 البعيد.
3 العناة جمع عان من عنا: أي ذل وخضع، وفي رواية الأمالي: "أتتك الضوامر من الفج العميق، وجابت إليك المهارق من شعب المضيق" والضوامر الإبل المهزولة، والمهارق جمع مهرق "بضم الميم وفتح الراء": الصحراء الملساء.
4 السمائم جمع سموم كصبور: وهي الريح الحارة تكون غالبًا بالنهار، وفي رواية الأمالي: "على لفح السمائم، وبرد ليل التمائم" -وليل التمام "ككتاب" وليل تمامي: أطول ليالي الشتاء- وفي رواية الأمالي: "نعمتك تظاهرها على عند القفلة، فكيف أيأس منها عند الرجعة" -وأصل الغفل "بالتحريك": والرجوع من السفر: ويطلق على الابتداء في السفر كما هنا تفاؤلا بالرجوع.(3/327)
فطالما كَفَيْتَنِي ساهيًا، بنعمتك التي تظاهرتْ عليَّ عِنْد الغفلة، فلا أيأس بها عند التوبة، لا تقطع رجائِي منك لما قدَّمت من اقتراف1 آثامك، وإن كنت لا أصِل إليك إلا بك، فهب لي يا ربِّ الصلاح في الولد، والأمْنَ في البلد، والعافية في الجسد وعافِنِي من شرّ الحسد، ومن شر الدهر النَّكَد2".
"العقد الفريد 2: 77، والأمالي 2: 323".
__________
1 اقترف الذنب: أتاه وفعله.
2 يقال: رجل نكد ككتف وسبب وشمس وأنكد: شؤم عسر.(3/328)
101- دعاء أعرابي:
ودعا أعرابي فقال: "يا عِمَاد من لا عماد له، ويا رُكْنَ من لا ركن له، ويا مُجِيرَ الضَّعْفَى1، ويا منقذ الهَلْكَى، ويا عظيم الرجاء، أنت الذي سبَّح لك سَوَادُ الليل، وبياض النهار، وضوء القمر، وشعاع الشمس، وحفيف الشجر، ودَوَيّ الماء2 يا مُحْسِن، يا مُجْمِل، يا مُفْضِل، لا أسألك الخير بخيرهم عندك، ولكني أسألك برحمتك، فاجعل العافية لي شعارا ودثارا3، وجُنَّةً دون كل بلاء".
__________
1 الضعفى جمع ضعيف.
2 المعنى: آن هذه الكائنات تدعوا المتأمل فيها إلى تسبيحه جل شأنه.
3 الشعار: ما يلبس على شعر الجسد، والدثار: ما يلبس فوق الشعار، والجنة: الوقاية.(3/328)
102- دعاء أعرابي:
وقال الأصمعي: سمعت أعرابيًّا في فلاة من الأرض، وهو يقول في دعائه:
"اللهم إن استغفاري إياك مع كثرة ذنوبي لَلُؤُم، وإن تركي الاستغفار مع معرفتي بِسَعَة رحمتك لَعَجْز، إلهي كم تحبَّبَت إليّ بنعمتك، وأنت غنيّ عنِّي، وكم أتبغَّض إليك بذنوبي، وأنا فقير إليك، سبحان من إذا توعَّد عفا، وإذا وَعَدَ وَفَى".(3/328)
103- دعاء أعرابي:
قال: وسمعت أعرابيا يقول في دعائه: "اللهم إن ذنوبي إليك لا تضرك؛ وإن رحمتك إياي لا تَنْقُصُك، فاغفر لي ما لا يضرك، وهب لي ما لا يَنْقُصُك".(3/329)
104- دعاء أعرابي:
وقال: سمعت أعرابيا وهو يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك عمل الخائفين، وخوف العاملين حتى أَتَنَعَّم بترك النعيم1 طمعا فيما وعدت. وخوفا مما أوعدت اللهم أَعِذْنِي من سَطَوَاتك، وأَجِرْنِي من نِقْمَاتك، سبقت لي ذنوب، وأنت تغفر لمن يَحُوب2، إليك بك أتوسَّلُ، ومنك إليك أَفِرُّ".
__________
1 أي في الدنيا
2 حاب يحوب: أثم.(3/329)
105- دعاء أعرابي:
وقال: سمعت أعرابيا يقول: "اللهم إن قوما آمنوا بك بألسنتهم، لِيَحْقِنُوا دماءهم، فأدركوا ما أمَّلوا، وقد آمنا بك بقلوبنا، لتجيرنا من عذابك، فأَدْرِك منا ما أَمَّلنا".(3/329)
106- دعاء أعرابي:
قال: ورأيت أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة، رافعا يديه إلى السماء، وهو يقول: "ربِّ أتراك معذِّبَنا، وتوحيدُك في قلوبنا؟ وما إخالك نفعل! ولئن فعلت لِتَجْمَعُنا مع قوم طالما أبغضناهم لك".(3/329)
107- دعاء أعرابي:
وقال: سمعت أعرابيا يقول في صلاته: "الحمد لله حمدا لا يَبْلَى جديده، ولا يُحْصَى عديده1. ولا يبلغ حدوده، اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره، واجعل القبر خير بيت نَعْمُرُه، واجعل ما بعده خيرا لنا منه. اللهم إن عينيّ قد اغْرَوْرَقَتا دموعا من خشيتك، فاغفر الزَّلَّة، وعُدْ بحلمك، على جهل مَنْ لم يرجُ غيرك".
__________
1 عدده(3/330)
108- دعاء أعرابي:
وقال: رأيت أعرابيا أخذ بحلقتيّ باب الكعبة وهو يقول:
"سائلك عند بابك، ذهبت أيامه، وبقيت آثامه، وانقطعت شهوته، وبقيت تَبَاعَتُه، فارضَ عنه، وإن لم ترضَ عنه فاعفُ عنه غير راضٍ".(3/330)
109- دعاء أعرابي:
قال: ودعا أعرابي عند الكعبة فقال: "اللهم إنه لا شرف إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، فأعطني ما أستعين به على شرف الدنيا والآخرة".(3/330)
110- دعاء أعرابي:
عن طاوُس قال: "بينا أنا بمكة إذ دفعت إلى الحجاج بن يوسف، فثَنَى لي وِسَادًا فجلست، فبينا نحن نتحدث إذ سمعت صوت أعرابي في الوادي رافعا صوته بالتلبية،(3/330)
فقال الحجاج. عليّ بالمُلَبِّي. فأُتِي به فقال: من الرجل؟ قال: من أفناء الناس1 قال: ليس عن هذا سألتك. قال: نعم سألتني. قال: مِن أي البُلدان أنت؟ قال: من أهل اليمن. قال له الحجاج. فكيف خلَّفت محمد بن يوسف -يعني أخاه وكان عامِلَه على اليمن- قال: خلفته عظيما جَسِيما خَرَّاجًا ولَّاجا. فقال: ليس عن هذا سألتك، قال: نعم سألتني، قال: كيف خلَّفت سيرته في الناس؟ قال: خلَّفته ظلوما غشوما2، عاصيا للخالق، مطيعا للمخلوق، فازْوَّر3 من ذلك الحجاج، وقال.
ما أقدمك لهذا، وقد تعلم مكانته مني! فقال له الأعرابي: أَفَتَرَاهُ بمكانةٍ منك أعزَّ مني بمكانتي من الله تبارك وتعالى، وأنا وافد بيته، وقاضي دَيْنِه، ومصَدِّق نبيه صلى الله عليه وسلم؟ فَوَجَم4 لها الحجاج، ولم يُحِر له جوابا5، حتى خرج الرجل بلا إذن.
قال طاوس: فتبعته حتى أتى المُلْتَزِم فتعلق بأستار الكعبة، فقال: بك أعوذ، وإليك ألوذ، فاجعل لي في اللَّهَف إلى جوارك، والرِّضا بضَمَانك، مندوحةً6، عن منع الباخلين، وغِنًى عما في أيدي المستأثِرِين، اللهم عُدْ بِفَرَجك القريب، ومعروفك القديم، وعادتك الحسنة".
قال طاوس: ثم اختفى في الناس، فألفيته بعرفات قائما على قدميه وهو يقول: "اللهم إن كنت لم تقبل حجِّى ونَصَبي7 وتَعَبِي، فلا تَحْرِمْنِي أجر المُصَاب على مُصِيبَته، فلا أعلم مصيبة أعظم ممن ورد حَوْضك، وانصرف محروما من وجه رغبتك".
__________
1 يقال: هو من أفناء الناس" إذا لم يعلم من هو، واحده فنو كحمل أو فنا كعصا.
2 ظلوما.
3 ازور: انحرف ومال: أي غضب منه.
4 وجم: سكت على غيظ.
5 أي لم يرده.
6 أي متسعا.
7 في الأصل "ونسبي" وأراه محرفا عن "نصبي" ويؤيده قوله بعد "وتعبي".(3/331)
111- دعاء أعرابي:
وقال الأصمعي. رأيت أعرابيا يطوف بالكعبة وهو يقول:
"إلهي عجَّتْ1 إليك الأصوات، بضروبٍ من اللغات، يسألونك الحاجات وحاجتي إليك إلهي أن تذكرني على طول البكاء، إذا نَسِيَني أهل الدنيا، اللهم هب لي حقك، وأرضِ عني خلقك، اللهم لا تُعْيِني في طلب ما لم تقدِّره لي، وما قدرته لي فيسِّره لي".
__________
1 عج يعج بكسر العين وفتحها: صاح ورفع صوته.(3/332)
112- دعاء أعرابي:
قال: ودعت أعرابيه لابن لها وجَّهته إلى حاجة فقالت: "كان الله صاحبك في أمرك، وخليفتك في أهلك، ووَلِي نُجْح طَلِبتك1، امضِ مُصَاحِبًا مَكْلُوءًا2، لا أشمت الله بك عدوًّا، ولا أرى مُحِبِّيك فيك سوءًا".
"العقد الفريد 2: 76-79".
__________
1 النجح: النجاح، والطلب: ما طلبته.
2 من كلأه كمنعه: حرسه.(3/332)
113- دعاء أعرابي:
وقال الأصمعي: خرجت أعرابية إلى مِنًى فقطع بها الطريق فقالت:
"يارب. أعطيتَ وأخذتَ، وأنعمتَ وسلبتَ، وكل ذلك منك عدل وفضل، والذي عظَّم على الخلائق أمرك، لا بَسَطْتُ لساني بمسألة أحدٍ غيرك، ولا بذلت رغبتي إلا إليك، يا قُرَّة أعين السائلين: أغْنِنِي بجودٍ منك أتبحبح1 في فَرَاديس
__________
1 تبحبح: تمكن في المقام والحلول، وتبحيح الدار: توسطها، والفراديس جمع فردوس وهو البستان.(3/332)
نعمته وأتقلب في رواق نضرته1 احملني من الرجلة2، وأغنني من العيلة، واسدل على سترك الذي لا تخرقه الرماح، ولا تزيله الرياح، إنك سميع الدعاء".
"البيان والتبيين: 2: 78، والعقد الفريد 3: 138".
__________
1 في الأصل "راووق" وهو المصفاة، وأراه محرفا عن "رواق" وهو الفسطاط، والنضرة: النعمة والغنى.
2 رجل كفرح فهو راجل ورجلان: إذا لم يكن له ظهير يركبه، والرجلة بالفتح وبكسر: شدة المشي، والعيلة: الفقر.(3/333)
114- أدعية شتى:
ومات ابن لأعرابي فقال: "اللهم إني وهبت له ما قصر فيه من برى، فهب لي ما قصر فيه من طاعتك، فإنك أجود وأكرم".
"العقد الفريد 2: 79، والبيان والتبيين 3: 138".
ووقف أعرابي في بعض المواسم فقال: "اللهم إني لك عليّ حقوقا فتصدف بها عليّ، وللناس تبعات قبلي فتحملها عني، وقد أوجبت لكل ضيف قرى1، وأنا شيفك الليلة، فأجعل فراي فيها الجنة".
"العقد الفريد 2: 78، والبيان والتبيين 2: 48".
وقال سفيان بن عيينة: سمعت أعرابيا يقول عشية عرفة:
"اللهم لا تحرمني مني خير ما عندك لشر ما عندي، وإن لم تتقبل تعني ونصبي، وفلا تحرمني أجر المصاب على مصيبة".
وقال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول لرجل: "أطعمك الله الذي أطعمتني له، فقد أحييتني بقتل جوعي، ودفت عني سوء ظني، فحفظك الله على كل جنب وفرج عنك كل كرب، وغفر لك كل ذنب".
"العقد الفريد 2: 84".
__________
1 قرى الضيف كرمي، قرى: أحسن إليه، والقرى أيضا: ما قري به الضيف.(3/333)
عن الأصمعي قال: رأيت أعرابيا يصلي وهو يقول: أسألك الغَفِيرة1 والناقة الغَزِيرة، الشرف في العشيرة، فإنها عليك يسيرة".
"الأمالي 2: 23".
عن عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيا يدعو لرجل فقال: "جَنَّبَك الله الأمَرَّيْن2، وكفاك شَرَّ الأجْوَفَين3، وأذاقك البَرْدِين4".
"الأمالي 2: 72، والبيان والتبيين 3: 137".
ودعا أعرابي فقال: "اللهم إني أسألكم البقاء، والنَّماء، وطيب الإِتاء5، وحَطَّ الأعداء، ورفع الأولياء".
"البيان والتبيين 1: 163".
وقال أعرابي: "اللهم لا تُنْزِلْنِي ماء سَوء، فأكونَ امْرَأَ سَوْء" وقال أعرابي.
"اللهم قِنِي عَثَرَات الكرام".
"البيان والتبيين 1: 215".
ووهب رجل لأعرابي شيئًا فقال: "جعل الله للمعروف إليك سبيلا، وللخير عليك دليلا، وجعل عندك رِفْدًا6 جَزِيلا، وأبقاك بقاءً طويلا، وأبلاك7 بلاء جميلا".
وقال الأصمعي: سمعت أعرابيا يدعو وهو يقول: اللهم ارزقني مالًا أَكْبِت8 به الأعداء، وبنين أصول بهم عَلَى الأقواياء".
"البيان والتبيين 3: 224".
__________
1 الغفيرة: المغفرة.
2 الأمران: الفقر والهرم، أو الجوع والعرى.
3 الأجوفان: البطن والفرج.
4 البردان: برد العين وبرد العافية.
5 الإتاء: الرزق، من أتت الشجرة أتوا وإتاء: طلع ثمرها، أو بدا صلاحها، أو كثر حملها.
6 الرفد: العطاء والصلة.
7 الإبلاء: الإنعام والإحسان، أبليت عنده بلاء حسنا، وأبلاه الله بلاء حسنا.
8 كبته: صرعه وأذله، ورد العدو بغيظه.(3/334)
ودعت أعرابية على رجل فقالت: "أمكن الله منك عدوّا حسودا، وفَجَع بك صديقا وَدُودا، وسلَّط عليك همّا يُضْنِيك، وجارًا يُؤْذيك".
"العقد الفريد 2: 91".
ودعا أعرابي فقال: "أعوذ بك من الفَوَاقر1 والبَوَاقر، ومن جارِ السوء، في دار المُقَامَة والظَّعْن، ومما يَنْكُس رَأس المرء، ويُغْرِي به لئام الناس".
وقال أعرابي: "أعوذ من سَقَم، وعداوة ذي رَحِم ودَعْوَاه، ومن فاجرٍ وجَدْوَاه2، وعمل لا ترضاه".
"البيان والتبيين 3: 136".
ودعت أعرابية لرجل فقالت: "كَبَتَ الله كلَّ عدو لك إلا نفسَك".
ودعا أعرابي فقال: "اللهم هب لي حَقَّك، وأرضِ عني خلقك".
وقال أعرابي: "اللهم إنك أمرتنا أن نَعْفُوا عمَّنْ ظَلَمْنا، وقد ظلمنا أنفسنا فاعفُ عنا".
"البيان والتبيين 3: 137".
وقال أعرابي: "منحكم الله مِنْحَةً ليست بِجَدَّاء، ولا نكداء، ولا ذات داء".
وقال أعرابي: "اللهم إنك حَبَسْتَ عنا قطر السماء، فذاب الشحم، وذهب اللحم ورقَّ العظم، فارْحَم أنينَ الآنَّة، وحنين الحانّة، اللهم ارْحَم تحيرها في مَرَاتِعِها، وأنينَها في مَرَابضهَا".
__________
1 الفواقر جمع فاقرة: وهي الداهية، والبواقر جمع باقرة: وهي الفتنة الصادعة للألفة الشاقة للعصا.
2 الجدوى: العطية.(3/335)
وحج أعرابي فقال: "اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأَخْرِجْه، وإن كان نائيًا فَقَرَّبْه، وإن كان قريبا فَيَسِّره".
"البيان والتبيين 3: 138".
ومات ولد لرجل من الأعراب فصلَّى عليه، فقال: "اللهم إن كنت تعلم أنه كريم الجِدِّين، سهل الخَدِّين، فاغفر له وإلاّ فلا".
"الأمالي 1: 202".
وقالت أعرابية لرجل: "رماك الله بليلة لا أُخْتَ لها" أي لا تعيش بعدها.
"الأمالي 1: 217".
ودعا أعرابي فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أفْتَقِر في غناك، أو أضِلَّ في هداك، أو أذِلَّ في عزِّك، أو أُضَامَ في سلطانك، أو أُضْطَهَدَ والأمرُ إليك".
وقال الأصمعي: سمعت أعرابية تقول: "اللهم ارزقني عمل الخائفين، وخوفَ العاملين، حتى أنْعَمَ بِتَرْكِ التنعم، رجاء لما وَعَدْتَ، وخوفا مما أَوْعَدْت".
وقال آخر: "اللهم من أراد بنا سوءا فأَحِطْه به كإحاطة القلائِد، بأعناق الولائد1، وأرْسِخه على هَامَتِه كرسوخ السِّجِّيل2، على هام أصحاب الفيل".
"زهر الآداب 3: 346".
__________
1 الولائد جمع وليدة: وهي الصبية.
2 السجيل: طين مطبوخ، يشير إلى قوله تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} وأبابيل أي جماعات.(3/336)
115- نوادر وملح لبعض الأعراب:
"غزا أعرابي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل له: ما رأيت مع رسول الله في غَزاتك هذه؟ قال: وَضع عنا نصف الصلاة1، وأرجو في الغزاة الأخرى أن يضع النصف الباقي".
ودخل أعرابي المسجد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس، فقام يصلي، فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا، "فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد تَحَجَّرْت2 واسعا يا أعرابي".
وخرج الحجاج متصيدا بالمدينة، فوقف على أعرابي يرعى إبلا له، فقال له: يا أعرابي، كيف رأيتَ سيرة أميركم الحجاج؟ قال له الأعرابي: غَشُوم ظَلُوم، لا حيَّاه الله، فقال: فَلِمَ لا شَكَوْتُمُوه إلى أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: فأظلم وأغشم! فبينا هو كذلك إذا أحاطت به الخيل، فَأَوْمَأَ الحجاج إلى الأعرابي، فأُخِذَ وحُمِلَ، فلما صار معه، قال: مَنْ هذا؟ قالوا له: الحجاج، فحرَّك دابته حتى صار بالقُرْبِ منه، ثم نَادَاه يا حجاج، قال: ما تشاء يا أعرابي؟ قال: السِرُّ الذي بيني وبينك أُحِبُّ أن يكون مكتومًا، فضحك الحجاج، وأمر بتَخْلِيَةِ سبيله.
"وخرج أبو العباس السفاح متنزِّهًا بالأنبار، فأَمْعَنَ في نزهته، وانْتَبَذَ من أصحابه، فوافى خِبَاءً لأعرابي، فقال له الأعرابي: ممن الرجل؟ قال: من كِنانة، قال: من أيّ كنانة؟ قال: من أبغض كنانة إلى كنانة، قال: فأنت إذن من قريش؟ قال:
__________
1 يعني صلاة القصر.
2 أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك.(3/337)
نعم، قال: فمن أي قريش؟ قال: من أبغض قريش إلى قريش، قال: فأنت إذن من ولد عبد المطلب؟ قال: نعم، قال: فمن أي ولد عبد المطلب؟ قال: من أبغض ولد عبد المطلب إلى ولد عبد المطلب، قال: فأنت إذن أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين، ووثب إليه، فاستحسن ما رأى منه، وأمر له بجائزة".
وولَّى يوسف بن عمر الثَّقَفي صاحب العراق أعرابيًّا على عمل له، فأصاب عليه خيانة فَعَزَله، فلما قَدِم عليه، قال له: يا عدوَّ الله، أَكَلْتَ مال الله، قال الأعرابي: فمال مَنْ آكُلُ إذا لم آكُلُ مال الله؟ لقد راوَدْتُ إبليس أن يعطيني فَلْسًا واحدا فما فعل، فضحك منه وخلَّى سبيله.
وأخذ الحجاج أعرابيا لصًا بالمدينة فأمر بضربه، فلما قرعهُ بسَوْط قال: يا رب شكرا، حتى ضربه سبعمائة سَوْط، فلقيه أشْعَب، فقال له: تَدْرِي لِمَ ضربك الحجاج سبعمائة سوط؟ قال: لماذا؟ قال: لكثرة شكرك، إن الله تعالى يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} ، قال: وهذا في القرآن؟ قال: نعم، فقال الأعرابي:
يا رب لا شكرا فلا تَزِدْنِي ... أَسَأْتُ في شكرِيَ فاعفُ عنِّي
بَاعِدْ ثواب الشاكرين مني
ونزل عبد الله بن جعفر إلى خيمة أعرابية ولها دجاجة، وقد دجنت1 عندها، فذبحتها وجاءت بها إليه، فقالت: يا أبا جعفر هذه دجاجة لي كنت أُدْجِنَها وأَعْلِفها من قُوِتي، وأَلْمِسُها في آناءِ الليل، فكأنما ألمس بنتي زَلَّت عن كبدي، فَنَذَرْتُ لله أن
__________
1 دجن الحمام والشاة وغيرهما كنصر: ألفت البيوت.(3/338)
أدفنها في أكرم بقعة تكون، فلم أجد تلك البقعة المباركة إلا بطنك، فأردت أن أدفنها فيه، فضحك عبد الله بن جعفر، وأمر لها بخمسمائة درهم".
وسُمِع أعرابي وهو يقول في الطواف: "اللهم اغفر لأمي"، فقيل له: مالك لا تذكر أباك؟ قال: أبي رجل يحتال لنفسه، وأما أمي فبائسة ضعيفة".
"وقال أبو زيد: رأيت أعرابيا كأن أنفه كُوز، من عِظَمه، فرآنا نضحك منه، فقال: ما يُضْحِكُكم؟ فوالله لقد كنت في قوم، ما كنت فيهم إلا أفطَسَ! ".
"وجِيء بأعرابي إلى السلطان ومعه كتاب قد كتب فيه قصته، وهو يقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} ، فقيل له يقال هذا يوم القيامة، قال: "هذا والله شرّ من يوم القيامة، إن يوم القيامة يُؤْتَى بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي".
"واشترى أعرابي غلاما فقيل للبائع: هل فيه من عيب؟ قال: لا؛ إلا أنه يبول في الفراش، قال، هذا ليس بعيب، إن وجد فراشا فَلْيَبُلْ فيه".
ومر أعرابي بقوم وهو يَنْشُدُ ابنًا له، فقالوا، صِفْهُ، قال: كأنه دُنَيْنِير، قالوا: لم نره، ثم لم يلبث القوم أن أقبل الأعرابي، وعلى عنقه جُعَل1، فقالوا، هذا الذي قلت فيه دُنَيْنِير؟ قال، القَرَنْبَى2 في عين أمِّها حسناء".
__________
1 الجعل: الحرباء.
2 القرنبى: دويبة من خشاش الأرض فوق الخنفساء إذا مسها أحد تقبضت فصارت مثل الكرة.(3/339)
وقيل لأعرابي، ما يمنعك أن تغزو؟ قال، والله إني لأُبْغِضُ الموت على فراشي، فكيف أن أمضي إليه رَكْضًا؟ ".
"وخرج أعرابي إلى الحج مع أصحاب له، فلما كان ببعض الطريق راجعا يريد أهله، لقيه ابن عمٍّ له، فسأله عن أهله ومنزله، فقال، اعلم أنك لما خرجت، وكانت لك ثلاثة أيام، وقع في بيتك الحريق، فرفع الأعرابي يديه إلى السماء، وقال: ما أحسنَ هذا يارب! تأمرنا بعمارة بيتك أنت، وتخرب بيوتنا! ".
وخرجت أعرابية إلى الحج، فلما كانت في بعض الطريق عَطِبت راحلتها، فرفعت يديها إلى السماء، وقالت، "يا رب أخرجتني من بيتي إلى بيتك، فلا بيتي ولا بيتك".
وعُرضت السجون بعد هلاك الحجاج، فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفًا، لم يجب على واحد منهم قتل ولا صَلْب، وفيهم أعرابي، أخذ يَبُول في أصل مدينة واسط، فكان فيمن أُطْلِق، فانشأ يقول:
إذا ما خرجنا من مدينة واسط ... خَرِينا وبُلْنَا لا نخاف عِقَابا
ونظر أعرابي إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان فقال: "والله لئن آثَرْتُمُوه لَتُمْسِكُنَّ منه بِذُنَابِي1 عيش أغبر".
ونظر أعرابي إلى رجل سمين فقال "أرى عليك قَطِيفة من نَسْج أضراسك".
__________
1 الذنابي: الذنب(3/340)
وقال أعرابي: "اللهم إني أسألك مِيتة كمِيتَة أبي خارِجَة، أكل بَذَجًا1، وشرب مِشْعَلًا2، ونام في الشمس، فمات دفآنَ شبعانَ رَيَّانَ".
وقيل لأبي المِخَشِّ الأعرابي: أَيَسُرُّك أنك خليفة، وأن أمَتَك حُرَّة، قال: لا والله ما يسرُّني، قيل له: ولِمَ؟ قال، "لأنها كانت تذهب الأُمَّة، وتضيع الأَمَة".
وحضر أعرابي سفرة سليمان بن عبد الملك، فجعل يمرّ إلى ما بين يديه، فقال له الحاجب مما يليك فَكُل يا أعرابي، فقال: من أجدب انتجع، فشقَّ ذلك على سليمان وقال للحاجب: إذا خرج عنا فلا يَعُدْ إلينا.
وشهد بعد هذا سُفرته أعرابي آخر، فمرَّ إلى ما بين يديه أيضا، فقال له الحاجب، مما يليك فَكُل يا أعرابي، قال: من أخصب تخيَّر، فأعجب ذلك سليمان، فقربه وأكرمه وقضى حوائجه.
"وحضر أعرابي سفرة سليمان بن عبد الملك، فلما أُتِي بالفَالُوذَج، جعل يُسرع فيه، فقال سليمان: أتدري ما تأكل يا أعرابي، فقال: بلى يا أمير المؤمنين إني لأجد ريقًا هنيئًا، ومُزْدَرَدًا3 ليِّنًا، وأظنه الصراط المستقيم الذي ذكره الله في كتابه، فضحك سليمان وقال: أَزِيدُك منه يا أعرابي؟ فإنهم يذكرون أنه يزيد في الدِّماغ، قال: كَذَبُوك يا أمير المؤمنين، لو كان كذلك لكان رأسك مثل رأس البغل! ".
"وحضر سفرة سليمان أعرابي، فنظر إلى شعره في لقمة الأعرابي، فقال: أرى
__________
1 البذج: ولد الضأن.
2 المشعل: شيء من جلود له أربع قوائم ينبذ فيه، وشرب مشعلا أي شرب ما فيه.
3 ازدرده: ابتلعه.(3/341)
شعرة في لقمتك يا أعرابي، قال: وإنك لَتراعيني مراعاة من يُبْصِر الشعرة في لقمتي! والله لا واكُلْتك أبدًا"، فقال: استرها يا أعرابي، فإنها زَلة، ولا أعود لمثلها".
وقال الأصمعي: قلت لأعرابي: أَتَهْمِزُ1 إسرائيل؟ قال: إني إذن لَرَجل سوء، قلت له: أفتجرُّ فلسطين؟ قال: إني إذًا لَقَوِي.
وسمع أعرابي إماما يقرأ: {وَلا تُنْكِحُوا 2 الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} –قرأها بفتح التاء- فقال: ولا إن آمنوا أيضا لم نَنْكِحْهم، فقيل له إنه يلحن وليس هكذا يُقرأ، فقال: "أخِّرُوه قَبَّحَه الله! لا تجعلوه إماما، فإنه يحلّ ما حرَّم الله".
"العقد الفريد 2: 100-105".
وخطب أعرابي فلما أعجله بعض الأمر عن التصدير بالتحميد، والاستفتاح بالتمجيد، قال: "أما بعد، بغير مَلَال لذكر الله، ولا إيثار غيره عليه، فإنا نقول كذا، ونسأل كذا" فرارا من أن تكون خطبته بَتْرَاء وشَوْهَاء3.
"البيان والتبيين 212: 215".
ودفعوا إلى أعرابية عِلْكًا4 لتمضُغه، فلم تفعل، فقيل لها في ذلك، فقالت: "ما فيه إلا تعب الأضراس، وخَيْبَة الحَنْجَرة".
"البيان والتبيين 2: 47".
__________
1 من معاني الهمز: الغمز.
2 أي تزوجوا.
3 وكانوا يسمون الخطبة التي لم يبتدئ صاحبها بالتحميد، ويستفتح كلامه بالتمجيد "البتراء" ويسمون التي لم توشح بالقرآن وتزين بالصلاة على النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- "الشوهاء".
4 العلك: اللبان "بالضم".(3/342)
وقيل لأعرابي: عند مَنْ تحب أن يكون طعامك؟ قال: "عند أم صبي راضع، أو ابن سبيل شاسع، أو كبير جائع، أو ذي رحم قاطع".
"البيان والتبيين 2: 49".
وقال أعرابي:
"لولا ثلاث هُنَّ عيش الدهر ... الماء والنوم وأم عمرو
لما خَشِيتُ من مَضِيق القبر"
"البيان والتبيين 2: 101".
وسمع أعرابي رجلا يقرأ سورة براءة فقال: "ينبغي أن يكون هذا آخر القرآن"، قيل له: ولِمَ؟ قال: "رأيت عهودا تُنْبَذ".
"البيان والتبيين 2: 169".
وسمع أعرابي رجلا يقرأ: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِر} 1، قالها بفتح الكاف، فقال الأعرابي: "لا يكون"، فقرأها عليه بضم الكاف وكسر الفاء، فقال الأعرابي: "يكون".
"البيان والتبيين 2: 174".
__________
1 ذات الألواح والدسر: هي السفينة، والدسر ما تشد به الألواح من المسامير وغيرها جمع دسار ككتاب، بأعيننا: بمرأى منا أي محفوظة، وقد قرئ كفر بالبناء الفاعل، أي الكافرين: أغرقوا عقابا لهم.(3/343)
الباب الرابع في خطب النكاح:
1- خطبة قريش في الجاهلية:
روى الجاحظ قال:
كانت خُطبة قريش في الجاهلية، يعني خطبة النساء:
"باسمك اللهم، ذُكِرَتْ1 فلانة، وفلان بها مشغوف، باسمك اللهم، لك ما سألت ولنا ما أعطيت".
__________
1 ذكر فلان فلانه ذكرا "بفتح فسكون": خطبها أو تعرض لخطبتها.(3/344)
2- خُطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في زواج السيدة فاطمة:
"الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المرهوب من عذابه، المرغوب فيما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميَّزهم بأحكامه، وأعزَّهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نَسَبًا لاحقًا، وأمرا مفترضا، وَوَشَّجَ1 به الأرحام، وألزمه الأنام، قال تبارك اسمه، وتعالى ذكره:
__________
1 وشجت العروق والأغصان كوعد: اشتبكت والتفت وتداخلت، ورحم واشجة ووشيجة: مشتبكة متصلة، وقد وشجها الله توشيجا، وفي الأصل: "وشيج به الأرحام" وأراه محرفا.(3/344)
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} ، فأَمْرُ الله يجري إلى قضائه، ولكل قضاء قَدَر، ولكل قَدَر أجل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} .
ثم إن ربي أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوّجتها إياه على أربعمائة مِثْقَال فِضَّة، إن رضي بذلك عليّ".(3/345)
3- خطبة الإمام عليّ كرم الله وجهه:
وخطب الإمام عليّ كرم الله وجهه حين تزوَّج بالسيدة فاطمة -رضي الله عنها- فقال: "الحمد لله الذي قَرُبَ من حَامِدِيه، ودنا من سائِلِيه، ووعد بالجنة من يتَّقِيه، وقطع بالنار عدد من يَعْصِيه. أحمده بجميع محامده وأياديه، وأشكره شكر مَنْ يعلم أنه خالقه وباريه، ومصوِّره ومُنْشِيه، ومميته ومحييه، ومقرِّبه ومنجيه، ومُثِيبُه ومجازيه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه، وأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله صلاة تُزْلِفُه وتُدْنِيه، وتعزّه وتُعْلِيه، وتشرِّفه وتجتبيه.
أما بعد: فإن اجتماعنا مما قَدَّره الله تعالى ورضيه، والنكاح ما أمر الله به وأذِن فيه، وهذا محمد -صلى الله عليه وسلم- قد زوَّجني فاطمة ابنته على صَدَاق أربعمائة درهم وثمانين درهمًا، ورضيت به فاسألوه، وكفى بالله شهيدا".(3/345)
4- خطبة عتبة بن أبي سفيان:
خطب عثمان بن عَنْبَسَة بن أبي سفيان إلى عتبة بن أبي سفيان ابنته، فأقعده على فخذه، وكان حَدَثًا فقال:
"أقرب قريب، خطب أحبَّ حبيب، لا أستطيع له رَدَّّا، ولا أجد من إسعافه بُدًّا، قد زوَّجْتُكَها وأنت أعزّ عليّ منها، وهي أَلْصَقُ بقلبي منك، فَأَكْرِمْهَا يَعْذُبْ على لساني ذِكْرُك، ولا تُهِنْهَا فَيَصْغُرَ عندي قَدْرُك، وقد قَرَّبتك مع قُربك، فلا تُبْعِدْ قلبي من قلبك".(3/345)
5- خطبة شبيب بن شيبة:
وقال العُتْبيّ: زوج شبيب بن شَيْبَة ابنَه بنت سِوَار1 القاضي، فقلنا: اليوم يَعُبُّ عُبَابُه2، فلما اجتمعوا تكلم فقال:
"الحمد لله، وصلى الله على رسول الله، أما بعد: فإن المعرفة منا ومنكم، بنا وبكم3، تمنعنا من الإكثار، وإن فلانا ذَكَرَ فلانة".
__________
1 هو سوار بن عبد الله من قضاة البصرة وخطبائها، انظر البيان والتبيين 1: 161، واقرأ في أمالي السيد المرتضي 4: 22 حديثا غريبا للجاحظ عنه في وقاره، وضبطه من نفسه وملكه من حركته.
2 لأن والدي العروسين خطيبان.
3 أي المعرفة منا بكم؛ والمعرفة منكم بنا.(3/346)
6- خطبة الحسن البصري:
"وكان الحسن البصري يقول في خطبة النكاح، بعد الحمد لله والثناء عليه:
"أما بعد: فإن الله جمع بهذا النكاح الأرحام المنقطعة، والأنساب المتفرِّقة، وجعل ذلك في سُنة من دينه، ومنهاج واضح من أمره، وقد خَطَب إليكم فلان، وعليه من الله نعمة، وهو يبذل من الصَّدَاق كذا، فاستخِيرُوا الله، ورُدُّوا خيرا، يرحمكم الله".(3/346)
7- خطبة ابن الفقير:
وقال العتبى: حضرت ابن الفقير خطب على نفسه امرأةً من باهلة فقال:
"وما حسن أن يمدح المرء نفسه ... ولكنَّ أخلاقًا تُذَّمُّ وتُمْدَحُ
وإن فلانة ذُكِرَتْ لي".(3/346)
8- خطبة عمر بن عبد العزيز:
وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز:
"وقد زَوَّجك أمير المؤمنين ابنته فاطمة"، قال: "جزاك الله يا أمير المؤمنين خيرا، فقد أجزلتَ العطية، وكَفيتَ المسألة".(3/347)
9- خطبة أخرى له:
وحَدَّث محمد بن عبيد الله القرشي عن أبي المِقْدام قال:
كانت قريش تستحسن من الخاطب الإطالة، ومن المخطوب إليه التقصير1، فشَهِدْت محمد بن الوليد بن عُتْبَة بن أبي سفيان خطب إلى عمر بن عبد العزيز أخته أم عمر بنت عبد العزيز، فتكلم محمد بن عبد الوليد بكلام جاز الحفظ، فقال عمر:
"الحمد لله ذي الكبرياء، وصلى الله على محمد خاتَم الأنبياء، أما بعد: فإن الرغبة منك دَعَتْك إلينا، والرغبة فيك أجابَتْك منا، وقد أحسن بك ظنًّا من أودعك كريمته، واختارك ولم يَخْتَر عليك، وقد زوجتُكها على كتاب الله: {َإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} .
__________
1 وكذلك روى الجاحظ في البيان والتبيين "1: 64" قال: "والسنة في خطبة النكاح أن يطيل الخاطب، ويقصر المجيب" والحصري في زهر الآداب "2: 31" قال الأصمعي: "كانوا يستحبون من الخاطب إلى الرجل حرمته الإطالة، لتدل على الرغبة، ومن المخطوب إليه الإيجاز ليدل على الإجابة".(3/347)
10- خطبة بلال:
وخطب بلال إلى قوم من خَثْعَم لنفسه ولأخيه، فحَمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أنا بلال وهذا أخي، كنا ضالَّيْن فهدانا الله، عبدين فأعتقنا الله، فقيرين فأغنانا الله، فإن تُزَوِّجُونا فالحمد لله، وإن تَرُدُّونا فالمستعانُ الله".(3/347)
11- خطبة خالد بن صفوان:
وزوَّج خالد بن صفوان مَوْلَاه من أمته، فقال له العبد: لو دعوْتَ الناس وخَطَبْتَ! قال: ادْعُهُم أنت، فدعاهم العبد، فلما اجتمعوا، تكلم خالد بن صفوان، فقال: "أما بعد: فإن الله أعظمُ وأجلُّ من أن يُذْكَر في نكاح هذين الكلبين، وأنا أُشْهِدكم أني زوَّجت هذه الزانية من هذا ابن الزانية".(3/348)
12- خطبة أعرابي:
وخطب الفضل الرَّقاشي إلى قوم من بني تميم فخطب لنفسه، فلما فرغ قام أعرابي منهم فقال:
"تَوَسَّلْتَ بحُرْمَة، وأوليتَ بحقّ، واستندت إلى خير، ودعوتَ إلى سُنَّة، فَفَرْضُك مقبول، وما سألتَ مَبْذُول، وحاجتك مقضية إن شاء الله تعالى".
قال الفضل: لو كان الأعرابي حمد الله في أوَّل كلامه، وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- لفصحني يومئذ".(3/348)
13- خطبة المأمون:
وقال يحيى بن أكثم: أراد المأمون أن يزوِّج ابنته من علي بن موسى الرضا، فقال: يا يحيى تكلم، فأَجْلَلْته أن أقول: "أنكحت"، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت الحاكم الأكبر، والإمام الأعظم، وأنت أَوْلَى بالكلام، فقال:
"الحمد لله الذي تصاغَرت الأمور بمشيئة، ولا إله إلا هو إقرارًا بربوبيته، وصلى الله على محمد عند ذكره، أما بعد: فإن الله قد جعل النكاح دِينًا، ورضيه حكمًا وأنزله وحيًا؛ ليكون سبب المناسبة، ألا وإني قد زوَّجت ابنة المأمون من علي بن موسى،(3/348)
وأَمْهَرْتُها أربعمائة درهم، اقتداءً بِسُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانتهاء إلى ما دَرَج إليه السَّلَف، والحمد لله ربِّ العالمين".
وخطب رجل إلى قوم، فأُتِيَ بمن يخطُب له، فاستفتح بحمد الله، وأطال، وصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأطال، ثم ذكر البَدْءَ وخَلْقَ السموات والأرض، واقتصَّ ذِكْرَ القرون، حتى ضَجِر مَنْ حَضَر، والتفت إلى الخاطب، فقال: ما اسمك أعزَّك الله؟ فقال: والله قد أُنْسِيتُ اسمِي من طول خطبتك، وهي طالِقٌ إن تزوجتها بهذه الخطبة، فضحك القوم، وعقدوا في مجلس آخر.
"مفتاح الأفكار ص62، ومواسم الأدب 2: 120، والعقد الفريد 2: 163، وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص28، والبيان والتبيين 1: 215، 217-2: 50: 130-3: 221، وزهر الآداب 2: 30، 31".(3/349)
الباب الخامس في خطب من أرتج عليهم
نوادر طريفة لبعض الخطباء
...
الباب الخامس في خطب من أرتج عليهم، ونوادر طريفة لبعض الخطباء:
روى الجاحظ قال: صَعِدَ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- المنبر، فأُرْتِج عليه، فقال:
"إنا أبا بكر وعمر كانا يُعِدَّان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أَحْوَج منكم إلى إمام خطيب".
وروى ابن عبد ربه قال: أول خطبة خطبها عثمان بن عفان أُرْتِجَ عليه، فقال: "أيها الناس: إن أوَّل كل مَرْكَبٍ صعب، وإن أَعِشْ تأتِكم الخطبُ على وجهها، وسيجعل الله بعد عُسْرٍ يُسْرًا إن شاء الله".
ولما قَدِم يزيد بن أبي سفيان الشأم واليًا عليها لأبي بكر، خطب الناس فأرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله، ثم أرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله، ثم أرتج عليه، فقال: "يأهل الشأم، عسى الله أن يجعل من بعد عسر يسرا، ومن بعد عِيٍّ بيانًا،(3/350)
وأنتم إلى إمام فاعل1، أحوج منكم إلى إمام قائل2"، ثم نزل، فبلغ ذلك عمرو بن العاص فاستحسنه.
وكان يزيد بن المُهَلَّب وَلَّى ثابت قُطْنَة3 بعض قرى خُراسان4، فلما صَعِدَ المنبر يوم الجمعة، قال: الحمد لله، ثم أرتج عليه، فنزل وهو يقول:
فإلَّا لا أكن فيكم خطيبًا فإنني ... بسيفي إذا جَدَّ الوَغَى لَخَطِيب
فقيل له: "لو قلتها فوق المنبر، لكنتَ أخطبَ الناس".
وخطب معاوية بن أبي سفيان لما وَلِيَ، فَحَصِر فقال:
"أيها الناس: إني كنت أعددتُ مقالا أقوم به فيكم، فَحُجِبْتُ عنه، فإن الله يَحُول بين المَرْءِ وقلبه، كما قال في كتابه5، وأنتم إلى إمام عَدْل، أَحْوَجُ منكم إلى إمام خطيب، وإني آمُرُكم بما أمر الله به ورسوله، وأنهاكم عما نهاكم الله عنه ورسوله، وأستغفر الله لي ولكم".
وصعد خالد بن عبد الله القَسْرِي يومًا المنبر بالبصرة ليخطب فأرتج عليه، فقال:
__________
1 في عيون الأخبار: "إمام عادل".
2 وفي أمالي السيد المرتضي أن هذا القول يروى لعثمان بن عفان، وفي وفي روايتها: "إما فعال" و"إما قوال" بصيغة المبالغة، وفي الأغاني أنه يروى لثابت قطنة، وفيه: "أمير فعال" و"أمير قوال".
3 هو ثابت بن كعب، ولقب قطنة لأن سهما أصابه في إحدى عينيه، فذهب بها في بعض حروب الترك، فكان يجعل عليها قطنة، وهو شاعر فارس شجاع من شعراء الدولة الأموية، وكان في صحابة يزيد بن المهلب، وكان يوليه أعمالا من أعمال الثغور، فيحمد فيها مكانه لكفايته وشجاعته، وقد مال إلى قول المرجئة، وله قصيدة في الإرجاء، انظر ترجمته في الأغاني ج13 ص47.
4 وفي رواية: أنه خطب على منبر سجستان، وفي رواية الطبري: "فخطب الناس فحصر فقال: "من يطع الله ورسوله فقد ضل" وأرتج عليه فلم ينطق بكلمة، فلما نزل عن المنبر قال البيت المذكور.
5 الآية الكريمة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَْ} .(3/351)
"أيها الناس: أما بعد، فإن هذا الكلام يجيء أحيانا، ويَعْزُب أحيانا، فَيَسِيح عند مجيئه سَيْبُه1، ويَعِزّ عند عُزُوبه طَلَبُه، ولربما كُوبر فأبى2، وعُولج فنأى، فالتأتِّي3 لمجيِّه، خير من التعاطي لأبِيِّه، وتركه عند تنكُّره، أفضل من طلبه عند تعذِّره، وقد يختلِج4 من الجريء جِنَانُه، وينقطع من الذَّرِب5 لسانه، فلا يُبْطِره ذلك ولا يَكْسِره، وسأعود فأقول إن شاء الله"، ثم نزل، فما رُئِي حصر أبلغ منه.
وصعد أبو العَنْبَسِ منبرا من منابر الطائف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد: فأرتج عليه، فقال: أتردون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: لا. قال: فما ينفعني ما أريد أن أقول لكم، ثم نزل؛ فلما كان في الجمعة الثانية، وصعد المنبر وقال: أما بعد: أرتج عليه، فقال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: نعم. قال: ما حاجتكم إلى أن أقول لكم ما عَلِمْتُم؟ ثم نزل؛ فلما كانت الجمعة الثالثة، قال: أما بعد: فأرتج عليه، قال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: بعضنا يدري، وبعضنا لا يدري، قال: فليخبر الذي يدري منكم الذي لا يدري، ثم نزل.
وولي اليمامة رجل من بني هاشم يُعْرَفُ بالدَّنْدَان، فلما صعد المنبر أرتج عليه، فقال:
__________
1 السيب: العطاء، وفي رواية: "فيتسبب عند مجيئه سبيه".
2 وفي رواية: "فعا" أي اشتد وصعب.
3 تأتي له: ترفق، وفي رواية: "فالتأني" بالنون.
4 يضطرب.
5 الحاد اللسان: وفي رواية: "ويرتج على البليغ لسانه"، وفي أخرى: "وقد يرتج على اللسن لسانه، ولا ينظره القول إذا اتسع، ولا يتيسر إذا امتنع، ومن لم تمكن له الخطوة، فخليق أن تعن له النهوة" وفي أخرى: "وقد يتعاصى على الذرب لسانه، ثم لا يكابر القول إذا امتنع، ولا يرد إذا اتسع، وأولى الناس من عذر على النبوة, ولم يؤاخذ على الكبوة، من عرف ميدانه، اشتهر إحسانه وسأعود وأقول".(3/352)
"حَيَّا الله هذه الوجوه، وجعلني فِدَاءها، إني قد أمرت طائِفِي بالليل أن لا يرى أحدًا إلا أتاني به، وإن كنت أنا هو"، ثم نزل.
وخطب عبد الله بن عامر1 بالبصرة في يوم أَضْحَى، فأرتج عليه، فمكث ساعة، ثم قال:
"والله لا أجمع عليكم عِيًّا ولُؤْمًا، من أخذ شاة من السوق فهي له، وثمنها عليّ".
قال الجاحظ: ولما حَصِرَ عبد الله بن عامر على منبر البصرة، شقَّ ذلك عليه، فقال له زياد: "أيها الأمير، إنك إن أقمت عامة من تَرَى، أصابه أكثر مما أصابك".
وكان سعيد بن بَحْدَل الكلبي على قِنَِّسْرِين2، فوثب عليه زُفَر بن الحارث، فأخرجهُ منها، وبايع لابن الزبير3، فلما قعد زفر على المنبر قال: "الحمد لله الذي أقعدني مقعد الغادر الفاجر"، وحَصِرَ، فضحك الناس من قوله.
وصعد عَدِيّ بن أَرْطَاة4 المنبر، فلما رأى جماعة الناس حَصِرَ فقال: "الحمد لله الذي يُطْعِمْ هؤلاء ويُسْقِهم".
وصعد رَوْح بن حاتم المنبر، فلما رآهم شَفَنُوا5 أبصارهم، وفتحوا أسماعهم نحوه،
__________
1 انظر هامش الجزء الأول ص355.
2 كورة بالشأم.
3 انظر هامش الجزء الثاني ص141
4 كان عامل يزيد بن عبد الملك على البصرة.
5 شفته كضربة وعلمه شفونا: نظر إليه بمؤخر عينيه، أو رفع طرفة ناظرًا إليه كالمتعجب أو كالكاره.(3/353)
حصر فقال: "نكِّسُوا رءوسكم، وغُضُّوا أبصاركم، فإن المنبر مَرْكَبٌ صعب، وإذا يَسَّرَ الله فَتْحَ قُفْلٍ تَيَسَّر".
وكان عبد ربه اليَشْكُرِي عاملا لعيسى بن موسى1 على المدائن، فصعد المنبر، فحمد الله وأرتج عليه، فسكت ثم قال: "والله إني لأكون في بيتي فتجيء على لساني ألف كلمة، فإذا قمت على أعوادكم هذه جاء الشيطان فمَحَاها من صدري، ولقد كنتُ وما في الأيام يوم أحَبُّ إليَّ من يوم الجمعة، فصرتُ وما في الأيام يومٌ أبغض إليَّ من يوم الجمعة، وما ذلك إلا لخطبتكم هذه".
وأرتج على مَعْن بن زائدة فضرب المنبر برجله، ثم قال: "فتى حُرُوب، لا فَتَى منابر".
وحدث عيسى بن عمر قال:
خطب أمير مرةً فانقطع فخَجِل، فبعث إلى قوم من القبائل عابُوا ذلك ولَفَّهم2، وفيهم يَرْبُوعِيٌّ جَلْد، فقال: اخْطُبوا، فقام واحد فمرَّ في الخطبة، حتى إذا بلغ "أما بعد" قال: أما بعد، أما بعد، ولم يدرِ ما يقول، ثم قال: فإن امرأتي طالقٌ ثلاثا لم أُرِدْ أن أُجَمِّع3 اليوم فمنعتني، وخطب آخر، فلما بلغ "أما بعد" بقِي ونظر فإذا إنسان ينظر إليه، فقال: لعنك الله! ترى ما أنا فيه، وتلمحُني ببصرك أيضًا! وقال أحدهم: رأيت القَرَاقِرَ4 من السفن تجري بيني وبين الناس، وصعد اليَرْبُوعِيُّ فخطب فقال: "أما بعد" فوالله ما أدري ما أقول، ولا فيم أقمتموني، أقول ماذا؟ "
__________
1 هو عيسى بن موسى ابن أخي المنصور وكان أمير الكوفة.
2 لفهم: جمعهم.
3 جمع الناس بالتشديد: أي شهدوا الجمعة، كما يقال: عيدوا: أي شهدوا العيد.
4 القراقر: جمع قرقور كعصفور: وهي السفينة أو الطويلة أو العظيمة.(3/354)
فقال بعضهم: قل في الزيت، فقال: "الزيت مبارك1، فكلوا منه وادَّهِنُوا".
قال: فهو قول الشُّطَّار2 اليوم، إذا قيل لِمَ فعلت ذا؟ فقل في شأن الزيت، وفي حال الزيت.
وروى الجاحظ أنه قيل لرجل من الوُجُوه: قم فاصْعَدِ المنبر وتكلم، فلما صَعِدَ حَصِرَ وقال: "الحمد لله الذي يرزق هؤلاء" وبقي ساكتا فأنزلوه. وصعد آخر، فلما استوى قائمًا، وقابل بوجهه وجوه الناس، وقعت عينُه على صَلعَة3 رجل فقال: "اللهم الْعَنْ هذه الصَّلْعَة".
وقيل لوازع اليَشْكُرِيّ: قم فاصعد المنبر وتكلم، فلما رأى جمع الناس قال: "لولا أن امرأتي -لعنها الله- حَمَلَتْنِي على إتيان الجمعة اليوم ما جَمَّعْتُ، وأنا أُشْهِدُكم أنها مني طالق ثلاثا".
ودُعِي أيوب بن القِرِّيَّة لكلام، فاحتبس القول عليه، فقال: "قد طال السَّمَرُ، وسقط القمر، واشْتَدَّ المطر، فماذا يُنْتَظَرُ؟ " فأجابه فتى من عبد القَيْس فقال: "قد طال الأَرَق، وسقط الشَفَق، وكثر اللَّثَق4 فلينْطِق من نَطَق".
__________
1 يشير إلى الآية الكريمة: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} .
2 الشطار جمع شاطر: وهو من أعيا أهله خبثًا، والمراد به هنا أهل الدعارة وأصحاب النوادر والتنكيت والفكاهات.
3 الصلع: موضع الصلع.
4 لثق يوما كفرح: ركدت ريحه وكثر نداه.(3/355)
وجاء في أمالي السيد المرتضي:
روى أن بعض خلفاء بني العباس -وأظنه الرشيد- صعد المنبر ليخطب، فسقطت على وجهه ذبابة، فطردها، فرجعت، فحَصِرَ وأُرْتِجَ عليه، فقال: أعوذ بالله السميع العليم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ 1 مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ثم نزل، فاستُحْسِن ذلك منه.
وروى أن رجلا صعد المنبر أيام يزيد بن معاوية، وكان واليًا على قوم فقال لهم: "أيها الناس: إني إن لم أكن فارسًا طَبًّا2 بهذا القرآن، فإن معي من أشعار العرب ما أرجو أن يكون خَلَفًا منه، وما أساء القائل أخو البَرَاجم حيث قال:
وما عاجِلَات الطير يُدْنِينَ للفتى ... رشادا، ولا من رَيْثِهِنَّ يَخِيبُ3
ورب أمور لا تَضِيرك ضَيْرَة ... وللقلب من مَخْشَاتِهِنّ وَجِيب4
ولا خير فيمن لا يُوَطِّنُ نفسه ... على نائبات الدهر حين تَنُوب
وفي الشكِّ تفريط وفي الحَزْمِ قُوَّةٌ ... ويُخْطِي الفتى في حَدْسِهِ ويُصِيبُ5
فقال رجل من كلب: إن هذا المنبر لم يُنْصَب للشعر، بل ليُحْمَد الله تعالى.
__________
1 وكانوا يطلون أصنامهم بالطيب والزعفران ويغلقون عليها الأبواب، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله.
2 ماهرا حاذقا.
3 كانت العرب تتيمن بالطير السانح، وهو ما ولاك ميامنه، بأن يمر من مياسرك إلى ميامنك، وتتشاءم بالبارح، وهو ما ولاك مياسره، بأن يمر من ميامنك إلى مياسرك، وذلك لأنه لا يمكنك رميه إلا بأن تنحرف له، وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير، فيعتمدها، وعاجلات الطير هي أن يخرج الإنسان من منزلة إذا أراد أن يزجر الطير، فما مر به أول ما يبصر فهو عاجلات الطير، وإن أبطأت عنه وانتظرها فقد راثت أي أبطأت، والأول عندهم محمود، والداني مذموم.
4 خشيه خشية ومخشاة: خافه، ووجب القلب وجيبا: خفق واضطرب.
5 الحدس: الظن والتخمين، والأبيات لضابئ بن الحارث البرجمي "انظر زهر الآدب 2: 88".(3/356)
ويُصَلَّي على النبي وآله عليهم الصلاة والسلام، وللقرآن، فقال: أَمَا لو أنشدتكم شعر رجل من كلب لسَرَّكم، فكُتِب إلى يزيد بذلك فعَزَلَه، وقال: قد كنت أراك جاهلًا أحمق، ولم أحسب أن الحمق يبلغ بك إلى هذا المبلغ، فقال له: أحمق مني مَنْ وَلَّاني!
وخطب عَتَّاب بن وَرْقَاء1 فَحَثَّ على الجهاد فقال: هذا كما قال الله تعالى في كتابه:
كتب القَتْلُ والقِتَالُ علينا ... وعلى الغَانِيَات جَرٌّ الذُّيولِ2
وخطب يومًا فقال: هذا كما قال الله تبارك وتعالى: "إنما يتفاضل الناس بأعمالهم، وكل ما هو آتٍ قريب" قالوا له: "إن هذا ليس من كتاب الله" قال: "ما ظننت إلا أنه من كتاب الله".
وخطب وَكِيع بن أبي سُودٍ3 بخُراسان فقال: "إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر" فقيل له: "إنها ستة أيام" فقال: "وأبيك لقد قُلتها وإني لأستقلّها".
وصعد المنبر فقال: "إنَّ ربيعة لم تزل غِضَابًا عَلَى الله مذ بعث نبيَّه من مُضَر،
__________
1 انظر الجزء الثاني ص433 و445.
2 البيت لعمر بن أبي ربية، وذلك أن مصعب بن الزبير بعد أن قتل المختار بن أبي عبيد الثقفي دعا امرأته –وهي بنت النعمان بن بشير- إلى البراء من المختار، فأبت فقتلها، فقال في ذلك ابن أبي ربيعة:
إن من أعظم الكبائر عندي ... قتل حسناء غادة عطبول
قتلت باطلا على غير ذنب ... إن لله درها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول
"والعطبول كعصفور: المرأة الفتية الجميلة الممتلئة الطويلة العنق".
3 انظر الجزء الثاني ص312.(3/357)
ألا وإن ربيعة قوم كُشْفٌ1، فإذا رأيتموهم فاطْعَنُوا الخيل في مَنَاخِرها، فإن فرسا لم يُطْعَن في مَنْخَِره إلا كان أَشَدَّ عَلَى فارسه من عدوّه2".
وضربت بنو مازن الحتاتَ بن يزيد المَجَاشِعيّ، فجاءت جماعة منهم، فيهم غالِبٌ أبو الفرزدق فقال: "يا قوم كونوا كما قال الله: لا يعجِزَ القوم إذا تعاونوا".
وخطب عديّ بن زياد الإِياديّ، فقال: "أقول لكم كما قال العبد الصالح لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} 3، قالوا له: "ليس هذا من قول عبد صالح، إنما هو من قول فرعون"، قال: من قاله فقد أحسن".
وروى الطبري أن عبد الله بن الزبير كان وَلَّى أخاه عبيدة على المدينة، ثم نزعه عنها، وكان سب عزله إياه أنه خطب الناس، فقال لهم: قد رأيتم ما صُنِع4 بقوم في ناقة قيمتها خَمْسُمَائِة درهم، فسمي مُقَوِّم الناقة، وبلغ ذلك ابن الزبير فقال: إن هذا لهو التكلف.
وروى الجاحظ وابن عبد ربه هذا الخبر فقالا: خطب والي اليمامة5، فقال: "إن الله لا يُقَارُّ6 عباده على المعاصي، وقد أهلك الله أمَّة عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم"، فسمي مقوِّم ناقة الله.
__________
1 كشف جمع أكشف: وهو من ينهزم في الحرب، ومن لا ترس معه في الحرب، ومن لا بيضة على رأسه.
2 وروى الطبري أن عبد الله بن خازم قال ذلك القول لأصحابه بخراسان، قال لهم: "إذا لقيتم الخيل فاطعنوها في مناخرها، فإنه لن يطعن فرس في نخزته إلا أدبر أورمى بصاحبه". "الطبري 7: 46".
3 الآية الكريمة: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى....} .
4 يشير إلى ثمود قوم صالح عليه السلام، انظر هامش الجزء الثاني ص352.
5 لعلها المدينة.
6 أي لا يقرهم.(3/358)
وخطب قُبَيْصَةُ، وهو خليفة أبيه1 على خراسان، وأتاه كتابه، فقال: "هذا كتاب الأمير، وهو والله أهل لأن أطيعه، وهو أبي وأكبر مني".
ودُعِي مُصْعَب بن حَيَّان ليخطب في نكاح فحَصِرَ فقال: "لَقِّنُوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله فقالت أم الجارية، عَجَّل الله موتك، ألهذا دعَوناك؟ ".
وخطب أمير المؤمنين الموالي -وهكذا لَقَبُه- خطبة نكاح فَحَصِرَ، فقال: "اللهم إنا نحمدك ونستعينك ولا نشرك بك".
وخطب قُتَيْبَة بن مسلم على مِنْبَر خُراسان، فسقط القضيب من يده، فتفاءَل له عدوّه بالشرّ، واغتمّ صديقه، فعرف ذلك قتيبة، فأخذه وقال: "ليس الأمر على ما ظن العدو، وخاف الصديق2، ولكنه كما قال الشاعر:
فألقت عَصَاهَا واسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى ... كما قََرَّ عينًا بالإِياب المُسَافِر3
وتكلم صَعْصَعَة عند معاوية فَعَرِق، فقال معاوية: بَهَرك4 القول! فقال صعصعة: إن الجياد نَضَّاحَة بالماء.
وشخص يزيد بن عمر بن هُبَيْرَة إلى هشام بن عبد الملك، فتكلم فقال هشام: ما مات من خَلَّف مثل هذا! فقال الأبرش الكلبي: ليس هناك، أما تَرَاه يَرْشَح جَبِينَه لضِيقَ صدره! قال يزيد: ما لذلك رَشَحَ، ولكن لجلوسِك في هذا الموضع.
__________
1 هو المهلب بن أبي صفرة، وكان واليا على خراسان، انظر الجزء الثاني ص285.
2 وفي رواية: "كما ساء الصديق، وسر العدو".
3 النوى: الغربة البعيدة.
4 أي غلبك.(3/359)
وقال عبيد الله بن زياد: "نِعْمَ الشيء الإمارة، لولا قَعْقَعَةُ البريد، والتشرُّف للخُطَب".
وقيل لعبد الملك بن مروان: عَجِل عليك المشيب يا أمير المؤمنين، فقال: كيف لا يَعْجَل عليّ، وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين؟ ".
"أو قال: شيبني صعود المنابر والخوف من اللحن".
"العقد الفريد 2: 162-163 و3: 256، وعيون الأخبار م2: ص247 و256 و259، وأمالي السيد المرتضي 4: 19-22، والأغاني 13: 47، 17؛ 111، وتاريخ الطبري ج7: ص90، ج8: 188، والبيان والتبيين 1: 74، 163، 186-2: 122، 126، 127، 129، 130، 131، والأمالي 1: 111، وتهذيب الكامل 1: 17، وسرح العيون ص125، 205، والصناعتين ص21".(3/360)
بدء الخطب وختامها:
قال ابن قُتَيبة في عيون الأخبار:
تتبعت خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدت أوائل أكثرها: "الحمد لله نحمده، ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، ووجدت في بعضها: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعته"، ووجدت كل خطبة مفتاحها الحمد، إلا خطبة العيد، فإن مفتاحها التكبير.
"عيون الأخبار م2: ص221".
وروى ابن عبد ربه في العقد قال:
"وكان آخر كلام أبي بكر الذي إذا تكلم به عرف أنه قد فرغ من خطبته:
اللهم اجعل خير زماني آخره، وخير عملي خواتِمَه، وخير أيامي يوم ألقاك".
وكان آخر كلام عمر الذي إذا تكلم به عرف أنه فرغ من خطبته: "اللهم لا تدعني في غَمْرة، ولا تأخذني على غِرَّة، ولا تجعلني من الغافلين".
وكان عبد الملك بن مروان يقول في آخر خطبته: "اللهم إن ذنوبي قد عَظُمت وجلّت أن تُحْصَى، وهي صغيرة في جنب عفوك فاعف عني".
"العقد الفريد 2: 133، 142".
تم بحمد الله(3/361)
فهرس ذيل الجمهرة:
الباب الأول
في خطب الأندلسيين والمغاربة
رقم الصفحة الخطبة أو الوصية
162 خطبة عبد الرحمن الداخل يوم حربه مع يوسف الفهري
163 عبد الرحمن الداخل ورجل من جند قنسرين
164 عبد الرحمن الداخل ورجل من جنده يهنئه بفتح سرقسطة
164 تأديب عبد الرحمن الأوسط لابنه المنذر
166 عبد الرحمن الأوسط وابنه المنذر أيضا
167 يعقوب بن عبد الرحمن الأوسط وأحد خدامه
168 وفاء الوزير ابن غانم لصديقه الوزير هاشم بن عبد العزيز
169 خطبة منذر بن سعيد البلوطي في الاحتفال بقدوم رسل ملك الروم
173 خطبة أخرى له
173 أحد حساد الرمادي الشاعر والمنصور بن أبي عامر
177 ابن اللبانة الشاعر وعز الدولة بن المعتصم بن صمادح
178 دفاع ابن الفخار عن القاضي الوحيدي بحضرة ابن تاشفين
179 موعظة ابن أبي رندقة الطرطوشي للأفضل بن أمير الجيوش
180 خطبة ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين
183 مقال لسان الدين ابن الخطيب في الحض على الجهاد
184 ما خاطب به لسان الدين تربة السلطان الكبير أبي الحسن المريني
187 وصية لسان الدين لأولاده
201 خطبة وعظية له
208 وصية موسى بن سعيد العنسي لابنه
217 خطبة ابن الزيات المنزوعة الألف
219 خطبة القاضي عياض التي ضمنها سور القرآن(3/362)
رقم الصفحة الخطبة أو الوصية
222 خطبة سعيد بن أحمد المقري التي ضمنها سور القرآن
224 خطبة الكفعمي التي ضمنها سور القرآن أيضا
الباب الثاني
في خطب ووصايا مجهول عصرها أو قائلها
226 خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة
230 وصية أعمى من الأزد لشاب يقوده
231 وصية رجل لآخر وقد أراد سفرا
231 وصية لابنه وقد أراد التزوج
232 وصية بعض العلماء لابنه
232 وصية لبعض الحكماء
232 وصية أخرى
233 وصية أخرى
233 عظة لبعض الحكماء
234 نصيحة لبعض الحكماء
234 كلمات شتى لبعض الحكماء
235 رجل من العرب والحجاج
236 أحد الوافدين على عمر بن عبد العزيز
236 كاتب وأمير
237 وصف الهلباجة
238 بعض البلغاء يصف رجلا
239 خمس جوار من العرب يصفن خيل آبائهن
241 رجل من العرب يصف مطرا
الباب الثالث
في نثر الأعراب
242 قولهم في الوعظ والتوصية
242 مقام أعرابي بين يدي سليمان بن عبد الملك(3/363)
رقم الصفحة الخطبة أو الوصية
243 أعرابي يصف هشام بن عبد الملك
243 خطبة أعرابي
244 خطبة أخرى
244 خطبة أخرى
244 أعرابية توصي ابنها وقد أراد السفر
245 أعرابية توصي ابنها
246 أعرابي يوصي ابنه
246 خطبة ينصح لابنه
246 خطبة ينصح لابنه
246 خطبة ينصح لأخيه
247 خطبة يعظ أخاه
247 خطبة يعظ صاحبه
247 خطبة يعظ أخاه
248 خطبة يعظ رجلا
248 خطبة يعظ رجلا
248 خطبة يعظ رجلا
248 كلام أعرابي لابن عمه
249 كلمات حكيمة للأعراب
254 أجوبة الأعراب
254 مجاوبة أعرابي للحجاج
255 مساءلة الحجاج أعرابيا فصيحا
255 مجاوبة أعرابي لعبد الملك بن مروان
256 مجاوبة أعرابي لخالد بن عبد الله القسري
256 أجوبة شتى
259 قولهم في الاستمناح والاستجداء
259 أعرابي يجتدي عتبة بن أبي سفيان
260 أعرابي يجتدي عمر بن عبد العزيز(3/364)
رقم الصفحة الخطبة أو الوصية
260 خطبة أعرابي بين يدي هشام بن عبد الملك
260 مقام أعرابي بين يدي هشام
261 أعرابي يستجدي عبيد الله بن زياد
262 أعرابية تستجدي عبد الله بن أبي بكرة
263 أعرابي يستجدي خالد بن عبد الله القسري
263 أعرابي يستجدي معن بن زائدة
264 خطبة الأعرابي السائل في المسجد الحرام
265 خطبة الأعرابي السائل في الجامع بالبصرة
265 صورة أخرى
266 صورة أخرى
266 أعرابي يستجدي
266 أعرابي يستجدي
267 أعرابي يستجدي
267 أعرابي يستجدي
268 أعرابية تستجدي
268 أعرابي يستجدي
268 أعرابي يستجدي
269 أعرابي يستجدي
269 أعرابي يستجدي
270 أعرابية تستجدي
270 أعرابي يستجدي
271 أعرابي يستجدي
271 أعرابي يستجدي
271 أعرابي يستجدي
271 أعرابي يستجدي
271 أعرابي يستجدي
272 أعرابي يستجدي
272 أعرابي يستجدي(3/365)
رقم الصفحة الخطبة أو الوصية
272 أعرابي يسأل رجلا حاجة له
273 قولهم في بكاء الموتى
273 أعرابية تبكي ابنها
274 حديث امرأة سكنت البادية قريبا من قبور أهلها
275 حديث امرأة مات ابنها بين يديها
276 قولهم في الشكوى
276 أعرابي يشكو حاله
277 كلمات شتى في الشكوى
282 قولهم في العتاب والاعتذار
283 قولهم في المدح
292 قولهم في الذم
299 قولهم في الغزل
304 قولهم في الوصف
304 أعرابي يصف مطرا
305 أعرابي يصف مطرا
306 أعرابي يصف مطرا
307 ثلاثة غلمة من الأعراب يصفون مطرا
309 أعرابي يصف مطرا
310 أعرابي يصف مطرا
311 أعرابي يصف مطرا
312 أعرابي يصف مطرا
312 أعرابي يصف مطرا
313 أعرابي يصف مطرا
314 أعرابية تصف مطرا
314 أعرابية تصف مطرا
315 أعرابية تصف أرضا(3/366)
رقم الصفحة الخطبة أو الوصية
316 رائد يصف أرضا جدبة
316 رائد يصف أرضا جدبة
317 رائد يصف أرضا جدبة
317 أعرابي يصف أرضه وماله
318 أعرابي يصف بلدا
319 أعرابي يصف أشد البرد
319 أعرابي يصف إبلا
319 أعرابي يصف ناقة
320 أعرابي يصف خيلا
320 أعرابي يصف خيلا
320 أعرابي يصف خيلا
320 أعرابي يصف فرسا
321 أعرابي يصف خاتما
321 أعرابي يصف أطيب الطعام
321 أعرابي يصف السويق
322 أعرابي يصف الجمال
322 أبو المخشن يصف ابنه
322 أعرابي يصف بنيه
323 أعرابي يصف أخويه
324 قولهم في الدعاء
324 دعاء أعرابي
326 دعاء أعرابي
326 دعاء أعرابي
327 دعاء أعرابي
328 دعاء أعرابي
328 دعاء أعرابي
329 دعاء أعرابي
329 دعاء أعرابي
329 دعاء أعرابي
329 دعاء أعرابي
330 دعاء أعرابي
330 دعاء أعرابي
330 دعاء أعرابي
330 دعاء أعرابي
332 دعاء أعرابي
332 دعاء أعرابي
332 دعاء أعرابي
333 أدعية شتى
337 نوادر وملح لبعض الأعراب
الباب الرابع
في خطب النكاح
344 خطبة قريش في الجاهلية
344 خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في زواج السيدة فاطمة
345 خطبة الإمام عل كرم الله وجهه
345 خطبة عتبة بن أبي سفيان(3/367)
رقم الصفحة الخطبة أو الوصية
346 خطبة شبيب بن شيبة
346 خطبة الحسن البصري
346 خطبة ابن الفقير
247 خطبة عمر بن عبد العزيز
347 خطبة أخرى له
347 خطبة بلال
348 خطبة خالد بن صفوان
348 خطبة أعرابي
348 خطبة المأمون
الباب الخامس
350 في خطب من أرتج عليهم ونوادر طريفة لبعض الخطباء
361 بدء الخطب وختامها
تم الكتاب بحسن توفيقه وعونه تعالى.(3/368)