طرف ، وملح ، وفوائد متنوعة
1- 100
عبد الرحمن بن صالح السديس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على أفضل عباد الله محمد بن عبد الله ، أما بعد :
فهذه بعض الطرف ، والملح ، والفوائد قد مرت عليّ ، وأعجبتني فرأيت جمعها لعلها تعود بالنفع على من قرأها ، وترفع الملل عن من به شيء منه ..
1- في وفيات الأعيان 4/269 في ترجمة الباقلاني:
وكان كثير التطويل في المناظرة مشهورا بذلك عند الجماعة ، وجرى يوما بينه ، وبين أبي سعيد الهاروني مناظرة ، فأكثر القاضي أبو بكر المذكور فيها الكلام ، ووسع العبارة ، وزاد في الإسهاب ، ثم التفت إلى الحاضرين ، وقال: اشهدوا علي أنه إن أعاد ما قلت لا غير لم أطالبه بالجواب !
فقال الهاروني: اشهدوا علي أنه إن أعاد كلام نفسه سلمت له ما قال!
2- مروج الذهب للمسعودي 4/239 [ط: عبد الحميد](1/1)
وكان أبو خليفة ـ الفضل بن الحباب الجمحي ـ لا يتكلف الإعراب بل قد صار له كالطبع لدوام استعماله إياه من عنفوان حداثته ، وكان ذا محل من الإسناد ، وله أخبار ونوادر حسان قد دونت منها أن بعض عمال الخراج بالبصرة كان مصروفا عن عمله ، وأبو خليفة مصروفا عن قضائه فبعث العامل إلى أبي خليفة أنا مبرمان النحوي صاحب أبي العباس المبرد قد زارني في هذا اليوم إلى بعض النهار ، والبساتين ، فأتوه مبكرين مع من حضرنا من أصحابنا ، وسألوه الحضور معهم ، فجلسوا في سمارية متفكهين قد غير ظواهر زيهم حتى أتوا نهرا من أنهار البصرة ، واستحسنوا بعض البساتين فقدموا إليه ، وخرجوا إلى الشط ، وجلسوا تحت النخل على شط النهر ، وقدم إليهم ما حمل معهم من الطعام ، وكان أيام المبادي ، وهي الأيام التي يثمر فيها الرطب فيكبسونه في القواصر تمرا ، وتكون حينئذ البساتين مشحونة بالرجال ممن يعمل في التمر من الأَكَرَة ، وهم الزراع وغيرهم ، فلما أكلوا ، قال بعضهم لأبي خليفة ـ غير مكن له خوفا أن يعرفه من حضر ممن ذكرنا من الأَكَرَة ، والعمال في النخل ـ: أخبرني أطال الله بقاءك عن قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } هذه الواو ما موقعها من الإعراب ؟
قال أبو خليفة : موقعها رفع ، وقوله: قوا هو أمر للجماعة من الرجال .
قال له: كيف تقول للواحد من الرجال ، وللاثنين ؟
قال يقول للواحد من الرجال: قِ ، وللاثنين : قيا ، وللجماعة قوا .
قال كيف تقول للواحدة من النساء ، وللاثنتين منهن وللجماعة منهن ؟
قال أبو خليفة : يقال للواحدة : قي ، وللاثنتين : قيا ، وللجماعة : قين .
قال : فأسألك أن تعجل بالعجلة ، كيف يقال للواحد من الرجال ، والاثنين والجماعة ، والواحد من النساء ، والاثنتين منهن ، والجماعة منهن ؟(1/2)
قال أبو خليفة عجلان [بسرعة]: قِ قيا قوا قي قيا قين ، وكان بالقرب منهم جماعة من الأكرة فلما سمعوا ذلك استعظموه ، وقالوا : يا زنادقة ! أنتم تقرءون القرآن بحروف [بقراءة] الدجاج ! ، وعدوا عليهم ، فصفعوهم فما تخلص أبو خليفة ، والقوم الذين كانوا معه من أيديهم إلا بعد كدٍ طويل . اهـ.
* من فوائد هذه الحكاية تجنب الكلام فيما لا يُفهم عند من لا يَفهم . ، ومعروف ما قال علي وابن مسعود رضي الله عنها في هذا .
* القاعدة في فعل الأمر أنه يبنى على ما يجزم به مضارعه .
3- قال ابن محرز في معرفة الرجال 1/163:
سمعت يحيى بن معين يقول: ـ وذكر أبا سليمان الجرجاني ـ فقال: أبو جرجان ينبغي أن نهدم حول داره أربعين دارا هكذا ، وأربعين دارا هكذا ، وأربعين دارا هكذا ، وأربعين دارا هكذا ، فقال أبو خيثمة : يا أبا زكريا فيدخل دارك في هذا الهدم ؟!
قال : لا أبالي يبدأ بداري أولاً حتى تطهر تلك البلاد منه .
4- تغيير أسماء أهل البدع
في الوافي للصفدي 7/13: [عن شيخ الإسلام ابن تيمية]
وسمعته يقول عن نجم الدين الكاتبي المعروف بدَبيران ـ بفتح الدال المهملة وكسر الباء الموحدة ـ وهو الكاتبي صاحب التواليف البديعة في المنطق ، فإذا ذكره لا يقول إلا : دُبيران بضم الدال وفتح الباء ،
وسمعته يقول: ابن المنجس يريد ابن المطهر الحلي . اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الأصناف ، ويقدم شرار المسلمين كالرافضة ، والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والإيمان .. مجموع الفتاوي 28 /525 .
وقال رحمه الله 2/471:
.. ولهذا كان الفاجر التلمساني الملقب بالعفيف ..
ونحوها في 2/201و259و268و273 .
ومن كلام تلميذه الإمام ابن القيم :
.. كما قاله أفضل متأخريهم عندهم وأجهلهم بالله وأكفرهم نصير الكفر والشرك الطوسي..
الصواعق المرسلة 3/991
وفي 3/1077:(1/3)
وكان مشار هذه الفرقة وعالمها الذي يرجعون إليه زعيمها الذي يعولون عليه شيخ شيوخ المعارضين بين الوحي والعقل وإمامهم في وقته نصير الكفر والشرك الطوسي فلم يعلم في عصره أحد عارض بين العقل والنقل معارضته فرام إبطال السمع بالكلية وإقامة الدعوة الفلسفية وجعل الإشارات بدلا عن السور والآيات وقال هذه عقليات قطعية برهانية قد عارضت تلك النقليات الخطابية واستعرض علماء الإسلام وأهل القرآن والسنة على السيف فلم يبق منهم إلا من أعجزه قصدا لإبطال الدعوة الإسلامية وجعل مدارس المسلمين وأوقافهم للنجسة السحرة والمنجمين والفلاسفة ..
وفي 3/1122:
.. ثم إمامهم في زمانه نصير الكفر والشرك الطوسي وما جرى على المسلمين منه من قتل خليفتهم وعلمائهم وعبادهم ، وإذا اعتبرت أحوال القوم رأيت عوام اليهود والنصارى أقل فسادا في الدين والدنيا من أئمة هؤلاء المعارضين لنصوص الأنبياء بعقولهم..
5- في اختصار المقريزي لكتاب الوتر لمحمد بن نصر ص 326:
وقال معاذ القارئ في قنوته : اللهم قحط المطر ، فقالوا: آمين !
، فلما فرغ من صلاته قال قلت: اللهم قحط المطر ،
فقلتم: آمين ! ألا تسمعون ما أقول ، ثم تقولون: آمين .
*معاذ القارئ صحابي صغير رضي الله عنه ، قيل: إنه ممن أقامه عمر يصلي بالناس التراويح .
فإن كان هذا في زمانهم فلا عجب مما نسمعه في زماننا .
6- في الأذكياء لابن الجوزي ص 216:
حكى لنا بعض إخواننا أن شاعرا كان في بلد فقدم عليهم شاعر آخر ، فأراد أن يكسر عليه شوكته ، فقال لأهل البلد :
وتشابهت سور القرآن عليكم ** فقرنتم الأنعام بالشعراء !
7- في الأذكياء لابن الجوزي ص 218:
وصف لشاعر طِيْب خراسان ، فلما سافر إليها لم تعجبه ، فقال :
تمنينا خراسانا زمانا ** فلم نعط المنى ، والصبر عنها
فلما أن أتيناها سراعا ** وجدناها بحذف النصف منها !
8- في الأذكياء لابن الجوزي ص106:(1/4)
كان الأعمش إذا صلى الفجر جاءه القراء فقرأوا ، وكان أبو حصين إمامهم ، فقال الأعمش يوما: إن أبا حصين يتعلم القراءة منا لا يقوم من مجلسه كل يوم حتى يفرغ ويتعلم بغير شكر ، ثم قال لرجل ممن يقرأ عليه : إن أبا حصين يكثر أن يقرأ بالصافات في صلاة الفجر ، فإذا كان غدا فاقرأ عليّ الصافات ، واهمز الحوت ؛ فلما كان من الغد قرأ عليه الرجل الصافات ، وهمز الحوت ، ولم يأخذ عليه الأعمش ، فلما كان بعد يومين ، أو ثلاثة قرأ أبو حصين بالصافات في الفجر ، فلما بلغ الحوت همز ، فلما فرغوا من صلاتهم ، ورجع الأعمش إلى مجلسه دخل عليه بعض إخوانه ، فقال الأعمش: يا أبا فلان لو صليت معنا الفجر لعلمت ما لقي الحوت من هذا المحراب ؛ فعلم أبو حصين ما لذي فعل به ، فأمر بالأعمش ، فسحب حتى أخرج من المسجد . قال : وكان أبو حصين عظيم القدر في قومه بني أسد . اهـ.
ورويت الحكاية بسياق مختلف في سير أعلام النبلاء 5/414.
من فوائد هذه الحكاية :
* إن ينتبه الطالب لفضل شيخه عليه ، وأن يكثر من الدعاء له ، وشكره ، الثناء عليه ، وألا يتنكر له بعد أن ينتهي من الاستفادة منه .
* لما قرأت هذه الحكاية تعجبت فقلت: وقد كانوا يعانون مما نعاني منه ! فبعض الأئمة يمكث في الإمامة سنين طويلة ، ولا يعدو بعض السور ، والمقاطع يكررها حتى كأنه لم ينزل من القرآن غيرها !
9- في تاريخ الدوري3/77 ترجمة رقم (309)
سمعت يحيى [بن معين]يقول: وذكرتُ له شيخنا كان يلزم سفيان بن عيينة يقال له: ابن مناذر (1) ؟
فقال: أعرفه كان صاحب شعر ، ولم يكن من أصحاب الحديث ، وكان يرسل العقارب في مسجد الحرام حتى تلسع الناس !! ، وكان يَصبُ المداد [الحبر] في المواضع التي يتوضى منها حتى تسود وجوه الناس !! ليس يروى عنه رجل فيه خير.
__________
(1) ... محمد بن مناذر مولى بني صبير بن يربوع شاعر معروف .
مترجم في : الأنساب [مخطوط ص :أ326]، ومعجم الأدباء 5/447، والوافي 5/43 .(1/5)
10- قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ الفتاوي 4/73ـ وابن الفارض ـ من متأخري الاتحادية ـ صاحب القصيدة التائية المعروفة :بـ "نظم السلوك" ، وقد نظم فيها الاتحاد نظما رائق اللفظ ؛ فهو أخبث من لحم خنزير في صينية من ذهب ، وما أحسن تسميتها بنظم : "الشكوك " الله أعلم بها وبما اشتملت عليه ، وقد نفقت كثيرا ، وبالغ أهل العصر في تحسينها ، والاعتداد بما فيها من الاتحاد ، لما حضرته الوفاة أنشد:
إن كان منزلتي في الحب عندكم * ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي
أمنية ظفرت نفسي بها زمنا * واليوم أحسبها أضغاث أحلام .اهـ
من فوائد هذا النقل :
* إنصاف المخالف ، فقد وصف النظم بأنه : رائق اللفظ .
* هذا التشبيه اللطيف المليح من شيخ الإسلام يبين ويقرب حال النظم من حيث اللفظ ، والمحتوى .
11- قال ابن القيم في بدائع الفوائد 2/822 ط: عالم الفوائد [في عرض كلامه عن فضول المخالطة]
ومنهم من مخالطته حمى الروح ، وهو الثقيل البغيض العثل الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك ، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك ، ولا يعرف نفسه ؛ فيضعها في منزلتها ، بل إن تكلم ؛ فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين ، مع إعجابه بكلامه ، وفرحه به ، فهو يحدث من فيه كلما تحدث ، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس ! ، وإن سكت ، فأثقل من نصف الرحى العظيمة التي لا يطاق حملها ، ولا جرها على الأرض. ويذكر عن الشافعي ـ رحمه الله ـ أنه قال: ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر .
ورأيت يوما عند شيخنا ـ قدس الله روحه ـ رجلا من هذا الضرب ، والشيخ يحتمله ، وقد ضعفت القوى عن حمله ، فالتفت إليّ ، وقال: مجالسة الثقيل حمى الرِّبْع ، ثم قال: لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى ، فصارت لها عادة ، أو كما قال .(1/6)
وبالجملة ، فمخالطة كل مخالف حمى للروح فعرضية ، ولازمة ، ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب ، وليس له بد من معاشرته ، ومخالطته ، فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا .اهـ
وينظر ما قبله وبعده فهو نفيس.
12- قال العلامة أبو محمد ابن حزم في الفصل 4/156:
وقالوا: إن إبليس لم يكفر بمعصيته الله في ترك السجود لآدم ، ولا بقوله ـ عن آدم ـ : أنا خير منه ، وإنما كفر ؛ بجحد لله تعالى كان في قلبه .
قال أبو محمد: هذا خلاف للقرآن ، وتكهن لا يعرف صحته إلا من حدثه به إبليس عن نفسه على أن الشيخ غير ثقة فيما يحدث به .
13- قال العلامة الخليلي في الإرشاد 3/974:
سمعت محمد بن عبد الله لحافظ يقول: سمعت أحمد بن سهل الفقيه البخاري ببخارى يقول: سمعت قيس بن أنيف يقول: سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول: ورد ها هنا شاب من أهل الري فقال: والله لا أخرج من بغلان حتى أكبر على أبي رجاء أربع تكبيرات !
قال: والمسكين توفي ها هنا ، فكبرتُ عليه أربعا ، وزدت الخامسة .
14- قال العلامة الخليلي في الإرشاد 1/241:
سمعت عبد الله بن محمد الحافظ ، وعبيد الله بن محمد بن بدر يقولان: سمعنا أحمد بن كامل القاضي يقول: سمعت أبا العيناء الضرير يقول: أتيت عبد الله بن داود الخريبي ـ وكان قد أمسك عن الرواية ـ فقلت: حدثني ، فقال: يا غلام مُرّ ، وأقرأ القرآن . فقلت: قد قرأت.
فقال: هات {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } (71) سورة يونس .
فقرأت ، وجودت .
فقال: أحسنت مُرّ ، وتعلم بعد القرآن الفرائض.
فقلت: قد تعلمت.
فقال: أيهما اقرب إليك ابن أخيك أم ابن عمك ؟
فقلت ابن أخي.
فقال: ولم قلت؟
فقلت: لأنه ولدته أمي .
فقال: يا غلام تعلم بعد هذين العربية .
فقلت: تعلمت العربية قبل القرآن ، والفرائض .
فقال: قول عمر: (يا لله يالمسلمين) لِمَ فتح الأولى ، وكسر الثانية ؟
فقلت: فتح الأولى للاستغاثة ، وكسر الثانية للاستنصار .(1/7)
فقال: يا غلام لو كنت محدثا أحدا لحدثتك . !
15- قال العلامة الخليلي في الإرشاد 2/594:
سمعت عبد الله بن محمد القاضي الحافظ يقول: سمعت محمد بن عبد الله الشافعي يقول: سمعت حمدون بن أحمد السمسار يقول: كنا عند علي بن الجعد ، فقام رجل فسأله عن حديث لشعبة عن فرات القزاز ، فلم يحسن أن يسأل ، وصحف ، فقال: شعبة عن قراءة القرآن ، فضحك علي بن الجعد ثم أنشأ يقول:
لم يركبوا الخيل إلا بعدما كبروا ** وهم ثقال على أكتافها عُنفُ
16- في الآداب الشرعية لابن مفلح 1/475:
قال سندي: سأل رجل أبا عبد الله فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي ؟
فقال: لا تطلقها .
قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته .
قال: حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه .
17- سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي 2/334:
قلت: بشر بن يحيى بن حسان ؟
قال: خراساني من أصحاب الرأي كان لا يقبل العلم ، وكان أعلى أصحاب الرأي بخراسان ، فقدم علينا ، فكتبنا عنه ، وكان يناظر ، فاحتجوا عليه بطاووس ، فقال بالفارسية :يحتجون علينا بالطيور !
قال أبو زرعة: كان جاهلا ، بلغني أنه ناظر إسحاق بن راهويه في القرعة ، فاحتج عليه إسحاق بتلك الأخبار الصحاح ، فأفحمه ، فانصرف ففتش كتبه فوجد في كتبه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن القزع"
فقال لأصحابه: قد وجدت حديثا أكسر به ظهره ، فأتى إسحاق ، فأخبره .
فقال إسحاق: إنما هذا القزع ! أنه يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض .
18- قال ابن عبد البر في بهجة المجالس 1/295:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوما وليلة والضيافة ثلاثة أيام وما زاد فهو صدقة ولا يحل أن يثوي غيره حتى يحرجه" .
قيل للأوزاعي: رجل قدم إلى ضيفه الكامخ ، والزيتون ، وعندهم اللحم ، والعسل ، والسمن ؟
فقال: لا يؤمن هذا بالله ، ولا باليوم الآخر .(1/8)
19- في سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي 2/410:
وسمعت أبا زرعة يقول: قلنا ليحيى بن معين: أن سويد بن سعيد يحدث عن ابن أبي الرجال عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من قال في ديننا برأيه فاقتلوه ".
فقال يحيى: سويد ينبغي أن يبدأ به فيقتل ..
وهو في العلل 1/457 بنحوه مختصرا .
20- قال ابن محرز في معرفة الرجال 1/127:
وسمعت يحيى وذكر حسين الخياط ؟
قال : أخذ حجة من آل المطلب بن عبد الله بن مالك ، فذهب إلى الأهواز فقعد بها !
فقال أبو خيثمة : يا أبا زكريا إنه يحدث !
فقال: ما يكتب عنه إلا من لعنه الله وغضب عليه !
21- قال ابن محرز في معرفة الرجال 1/127:
سمعت يحيى وسئل عن سويد بن سعيد الأنباري ؟
فقال: مولى الجواسنة ! ليس بشيء إلا أن يحدث من حفظه .
فقيل له : يا أبا زكريا : ما مولى الجواسنة ؟
فقال: حدث بحديث الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة : " لا يليكم بعد عمر إلا أصعر أبتر مولى الجواسنة .
فقيل له : إنما هو مولي الحق استه .
فقال : اسكت حذيفة كان يسفه .
22- في معجم المناهي اللفظية ص 17 : ـ وهو يعدد جملة التراجم الجامعة لكتابة ـ
11- مصطلحات إفرنجية ، وعبارات وافدة أعجمية ، وأساليب مولدة لغة ، مرفوضة شرعا ،
وحمَّالة الحطب في هذا : صاحبة الجلالة : (( الصحافة )) فَلِجُلِّ الكاتبين من الصحفيين ولعٌ شديد بها ، وعن طريقهم استشرت بين المسلمين.
23- قال ابن القيم في أعلام الموقعين 4/208:
وكثير منهم [ صنف من المفتين ] نصيبهم مثل ما حكاه أبو محمد بن حزم قال: كان عندنا مفت قليل البضاعة ، فكان لا يفتي حتى يتقدمه من يكتب الجواب ، فيكتب تحته: جوابي مثل جواب الشيخ .
فقدر أن اختلف مفتيان في جواب ، فكتب تحتهما جوابي مثل جواب الشيخين ، فقيل له: إنهما قد تناقضا ! فقال: وأنا أيضا تناقضت كما تناقضا !.(1/9)
وقد أقام الله سبحانه لكل عالم ، ورئيس ، وفاضل من يظهر مماثلته ، ويرى الجهال ، وهم الأكثرون مساجلته ، ومشاكلته ، وأنه يجري معه في الميدان ، وأنهما عند المسابقة كفرسي رهان ، ولا سيما إذا طول الأردان ، وأرخي الذوائب الطويلة وراءه كذنب الأتان ، وهدر باللسان ، وخلا له الميدان الطويل من الفرسان ،
فلو لبس الحمار ثياب خز * لقال الناس يا لك من حمار
وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل لا بالفضل ، وبالمناصب لا بالأهلية قد غرهم عكوف من لا علم عنده عليهم ، ومسارعة أجهل منهم إليهم تعج منهم الحقوق إلى الله تعالى عجيجا ، وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجا ، فمن أقدم بالجرأة على ما ليس له من : فتيا ، أو قضاء ، أو تدريس استحق اسم الذم ، ولم يحل قبول فتياه ، ولا قضائه هذا حكم دين الإسلام
وإن رغمت أنوف من أناس * فقل يا رب لا ترغم سواها .
24- في التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 1 /92:
وقد ذكر النحويون في الوقف على تاء التأنيث هاء ،
أن رجلا نادى يا أهل سورة البقرت ـ بإثبات التاء في الوقف ، وهي لغة ـ ، فأجابه مجيب: ما أحفظ منها ولا آيتْ : محاكاة للغته .
وينظر : شرح قطر الندى ص280.
25- في طبقات الحنابلة 2/392:
قال الخلال أخبرني محمد بن أحمد الطرسوسي قال: سمعت محمد بن يزيد المستملي يقول: سأل رجل أحمد بن حنبل فقال: أكتب كتب الرأي ؟
قال: لا تفعل ، عليك بالآثار ، والحديث.
فقال له السائل: إن عبدالله بن المبارك قد كتبها .
فقال له أحمد: ابن المبارك لم ينزل من السماء ! إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق .
26- قال المروذي في الورع ص118:(1/10)
وسمعت أبا عبد الله يقول: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن " التبتل " ، فمن رغب عن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - = فهو على غير الحق ، ومن رغب عن فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمهاجرين والأنصار = فليس هو من الدين في شيء ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إني مكاثر بكم الأمم". ويعقوب في حزنه قد تزوج ، وولد له والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" حبب إلي النساء " ، وأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - تزوجوا .
قلت: إنهم يقولون: قد ضاق عليهم الكسب من وجهه .
فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد زوج على خاتم لمن ليس عنده شيء .
قلت: وعلى سورة .
قال: دع هذا .
قلت: أو ليس هو صحيحا .
قال: دعه ، إذا نهيتك عن شيء فانته ، ينبغي أن يتزوج الرجل ، فإن كان عنده انفق عليها ، وإن لم يكن عنده صبر .
قلت: أنتم تقولون لي: إن لم أجد ما أنفق أطلق ، وقع لي عمل ، وكان مهرها ألف درهم ، وليس عندي شيء .
فضحك ثم قال: تزوج على خمسة دراهم ابن المسيب زوج ابنته على درهمين.
قلت: لا يرضى أهلي مني أن أتزوج على خمسة دراهم.
قال: ها جئتني بأمر الدنيا فهذا شيء آخر .
قلت: إن إبراهيم ابن ادهم يحكي عنه أنه قال: لروعة صاحب عيال .. فما قدرت أن أتم الحديث حتى صاح بي ، وقال: وقعنا في بنيات الطريق انظر عافاك الله ما كان عليه محمد وأصحابه.
قلت: لأبي عبد الله: أن الفضيل يروي عنه أنه قال: لا يزال الرجل في قلوبنا حتى إذا اجتمع على مائدته جماعة زل عن قلوبنا .(1/11)
قال: دعني من بنيات الطريق العلم هكذا يؤخذ انظر ـ عافاك الله ـ ما كان عليه محمد وأصحابه ، ثم قال: هو ذا أهل زمانك الصالحون ، هل تجد فيهم إلا من هو متزوج ، ثم قال: ليتق الله العبد ، ولا يطعمهم إلا طيبا ، لبكاء الصبي بين يدي أبيه متسخطا يطلب منه خبزا أفضل من كذا وكذا يراه الله بين يديه ، ثم قال: هو ذا عبد الوهاب كن مثل هؤلاء ، لو ترك الناس التزويج من كان يدفع العدو .
وقال لي أبو عبد الله: صاحب العيال إذا تسخط ولده بين يديه يطلب منه الشيء أين يلحق به المتعبد الأعزب .
27- وقال المروذي في أخبار الشيوخ ص41: سمعت إسحاق بن حنبل ـ ونحن بالعسكر [سامرا] ـ يناشد أبا عبد الله ، ويسأله الدخول على الخليفة ليأمره ، وينهاه ، وقال له: إنه يقبل منك ، هذا إسحاق بن راهويه يدخل على ابن طاهر ، فيأمره ، وينهاه .
فقال له أبو عبد الله: تحتج علي بإسحاق ؟! فأنا غير راض بفعاله ...
وهو في الآداب الشرعية 3/464، ووقع هناك : مكان إسحاق بن حنبل إسحاق بن إبراهيم! .
28- قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 1/291: أنبأنا الوالد السعيد ، عن يوسف القواس ، حدثنا أحمد بن عيسى بن السكين قال: سمعت أبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم لؤلؤا يقول: مررت في الطريق ، فإذا بشر المريسي ، والناس عليه مجتمعون ، فمر يهودي ، فأنا سمعته يقول: لا يفسد عليكم كتابكم ، كما أفسد أبوه علينا التوراة ، يعني: أن أباه كان يهوديا. اهـ .
29- سؤالات البرذعي لأبي زرعة 2/443 : قلت: عمر بن عبد الله بن أبي خثعم ؟
قال : واهي الحديث حدث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث لو كانت في خمسمائة حديث لأفسدتها.
30- الآداب الشرعية 2/152:
وقال أبو حيان النحوي المتأخر المشهور في أثناء كلام له:
وأما إن كان صاحب تصانيف ، وينظر في علوم كثيرة = فهذا لا يمكن أن يبلغ الإمامة في شيء منها ،(1/12)
وقد قال العقلاء: ازدحام العلوم مضلة للمفهوم ، ولذلك تجد من بلغ الإمامة من المتقدمين في علم من العلوم لا يكاد يشتغل بغيره ، ولا ينسب إلى غيره ، وقد نظمت أبياتا في شأن من ينهز بنفسه ، ويأخذ العلم من الصحف بفهمه :
يظن الغمر أن الكتب تهدي * أخا فهم لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها * غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ * ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس العلوم عليك حتى * تصير أضل من توما الحكيم (1)
أشرت إلى قول بعضهم :
قال حمار الحكيم توما * لو أنصفوني لكنت أركب
لأنني جاهل بسيط * وصاحبي جاهل مركب
ترجمة توما في الدرر الكامنة 2/75 قيل: هو المعني في الأبيات.
31- سؤالات البرذعي 2/575:
قلت : لأبي زرعة قرة بن حبيب تغير؟
فقال: نعم كنا أنكرناه بآخره ، غير أنه كان لا يحدث إلا من كتابه ، ولا يحدث حتى يحضر ابنه ، ثم تبسم ، فقلت: لم تبسمت؟
قال: أتيته ذات يوم ، وأبو حاتم ، فقرعنا عليه الباب ، واستأذنا عليه ، فدنا من الباب ليفتح لنا ، فإذا ابنته قد خـ[ـا]فت ، وقالت له: يا أبة إن هؤلاء أصحاب الحديث ، ولا آمن أن يلغطوك ، أو يدخلوا عليك ما ليس من حديثك ، فلا تخرج إليهم حتى يجيء أخي ـ تعني علي بن قرة ـ فقال لها: أنا أحفظ فلا أمكنهم ذاك .
فقالت: لست أدعك تخرج فإني لا آمنهم عليك ، فما زال قرة يجتهد ، ويحتج عليها في الخروج ، وهي تمنعه ، وتحتج عليه في ترك الخروج إلى أن يجيء علي بن قرة ، حتى غلبت عليه ، ولم تدعه .
قال أبو زرعة: فانصرفنا ، وقعدنا حتى وافى ابنه علي ، قال أبو زرعة: فجعلت أعجب من صرامتها ، وصيانتها أباها.
32- سؤالات البرذعي 2/420:
قلت ابن مناذر (1) رجل كان يلزم ابن عيينة ؟
قال: نعم ، له قصة كان افتتن بابن لعبد الوهاب الثقفي ، وكان يقول فيه الأشعار نسال الله الستر والعافية.
قلت: فتراه مع هذا البلاء كان يكذب في الحديث؟
قال: أما هذا فلا أعلمه .(1/13)
وحضرت أبا زرعة بعد ما قال لي هذه بأيام عند أبي حاتم ، وهو يقول: تكلمت بكلمة منذ أيام مع هذا [البرذعي] أتعبتني ، وأنا عليها من النادمين : ذكرت ابن مناذر ، فقلت: كان افتتن بابن لعبد الوهاب الثقفي = فندمت ، لم أطلق هذه اللفظة في أحد.
33- تنبيه الرجل العاقل 2/580:
وقال جندب بن عبد الله : " دخل عليّ فتية حزاورة أيام النهر ، فقالوا : ندعوك إلى كتاب الله ، قال : قلت: أنتم ؟!
قالوا : نحن ، قلت: أنتم ؟!
قالوا : نحن .
قلت : يا أخباث خليقة الله ! في اتباعنا تخافون الضلالة ، أم في غير سنتنا تلتمسون الهدى ؟!
اخرجوا عني ".
34- الورع لابن أبي الدنيا ـ رحمه الله ـ ص 100
قال ابن أبي الدنيا: قرأت في كتاب أبي جعفر الأدمي بخطه قال: كنت باليمن في بعض أسفاري فإذا رجل معه ابن له شاب، فقال إن هذا أبي، وهو من خير الآباء ، وقد يصنع شيئا أخاف عليه منه !
قلت: وأي شيء يصنع ؟
قال: لي بقر تأتيني مساء فأحلبها ، ثم أتي أبي وهو في الصلاة ، فأحب أن يكون عيالي يشربون فضله ، ولا أزال قائما عليه ، والإناء في يدي ، وهو مقبل على صلاته ، فعسى أن لا ينفتل ، ويقبل علي حتى يطلع الفجر ! قلت للشيخ: ما تقول ؟
قال: صدق ، وأثنى على ابنه ، وقال لي: أخبرك بعذري ، إذا دخلت في الصلاة ، فاستفتحت القرآن ذهب بي مذاهب ، وشغلني حتى ما أذكره حتى أصبح !
قال سلامة : فذكرت أمرهما لعبد الله بن مرزوق ، فقال: هذان يدفع بهما عن أهل اليمن .
قال: وذكرت أمرهما لابن عيينة ، فقال: هذان يدفع بهما عن أهل الدنيا.اهـ
قلت: نسأل الله العفو ، والستر ! ما حالنا اليوم ؟!
35- قال الخطيب البغدادي في تأريخ بغداد 7/60:(1/14)
حدثني الأزهري أخبرنا الحسن بن الحسين الفقيه الهمذاني حدثني الزبير بن عبد الواحد حدثني يوسف بن يعقوب بن مهران الأنماطي ببغداد حدثنا داود بن علي الأصبهاني حدثنا أبو ثور قال سمعت الشافعي يقول: قلت لبشر المريسي: ما تقول في رجل قتل ، وله أولياء صغار ، وكبار ، هل للأكابر أن يقتلوا دون الأصاغر ؟
فقال: لا .
فقلت له: فقد قتل الحسنُ بن علي بن أبي طالب ابنَ ملجم ، ولعلي أولاد صغار .
فقال: أخطأ الحسن بن علي !
فقلت: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ ؟!
قال: وهجرته من يومئذ . اهـ
قلت: هذا من تعظيمه للعلم وللصحابة ، وأدبه معهم ، وهذا قل في المتأخرين !
قال أبو شامة في مختصر المؤمل ص114: ومن العجب أن كثيرا منهم إذا ورد على مذهبهم أثر عن بعض أكابر الصحابة ، يقول مبادرا بلا حياء ولا حشمة : "مذهب الشافعي الجديد أن قول الصحابي ليس بحجة "... الخ
وفي سبل السلام شيء من ذا كقوله : في قتل الغيلة : وأما حكم عمر ـ رضي الله عنه ـ ففعل صحابي لا تقوم به الحجة .
وقوله في حديث التراويح : وأما قوله ـ يعني عمر رضي الله عنه ـ نعم البدعة ، فليس في البدعة ما يمدح بل كل بدعة ضلالة ! وغير ذلك ..
أقول: لينتبه طالب العلم من الوقوع في مثل هذه العبارات ، لما فيها من سوء الأدب ، ولما تدخله على قائلها من العجب ، والغرور .
36- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية 2/344:(1/15)
وأما الحجة التي ذكرها [الرازي] عن ابن الهيصم فلم يذكر ألفاظها ، لكن ذكر أنه نظمها أحسن من نظمه ونحن في جميع ما نورده نحكي ألفاظ المحتجين بعينها ، فإن التصرف في ذلك قد يدخله خروج عن الصدق ، والعدل: إما عمدا ، وإما خطأ ، فإن الإنسان إن لم يتعمد أن يلوي لسانه بالكذب ، أو يكتم بعض ما يقوله غيره ،لكن المذهب الذي يقصد الإنسان إفساده = لا يكون في قلبه من المحبة له ما يدعوه إلى صوغ أدلته على الوجه الأحسن حتى ينظمها نظما ينتصر به ، فكيف إذا كان مبغضا لذلك ، والله أعلم بحقيقة ما قاله ابن الهيصم ، وما نقله هذا عنه لكن نحن نتكلم على ما وجدناه مع العلم بأن الكرامية فيهم نوع بدعة في مسألة الإيمان ، وغيرها ، كما في الأشعرية أيضا بدعة ، لكن المقصود في هذا المقام ذكر كلامهم ، وكلام النفاة. (1) اهـ
ابن الهيصم اسمه محمد من الكرامية له كتاب "جمل الكلام" .
37- قال أبو نعيم في الحلية 9/106:
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا محمد بن عبدالرحمن بن عبدالحكم قال: سمعت الشافعي يقول: من حدث عن أبي جابر البياضي بيض الله عينيه.اهـ
قلت: يعني أعماها ، وأبو جابر هو: محمد بن عبدالرحمن: متهم بالكذب.
38- قال أبو نعيم في الحلية 9/117:
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن أحمد بن موسى الخياط ـ بالرملة ـ وعلي ، عن الربيع: قال سمعت الشافعي يقول: ما نظر الناس إلى شيء هم دونه إلا بسطوا ألسنتهم فيه.
قلت: صدق ـ رحمه الله ـ وهذا اليوم في الناس كثير.
39- قال أبو نعيم في الحلية 9/117:
حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما أوردت الحق ، والحجة على أحد ، فقبلها مني = إلا هبته ، واعتقدت مودته ، ولا كابرني أحد على الحق ، ودفع الحجة الصحيحة إلا سقط من عيني ، ورفضته.
__________
(1) ... بداية المسألة ، وتفاصيلها 2/319.(1/16)
40- قال أبو نعيم في الحلية 9/117:
حدثنا الحسن بن سعيد ثنا زكريا الساجي ثنا الحارث بن محمد الأموي عن أبي ثور قال: كنت من أصحاب محمد بن الحسن ، فلما قدم الشافعي علينا جئت إلى مجلسه شبه المستهزئ ، فسألته عن مسألة من الدور ، فلم يجبني ، وقال: كيف ترفع يديك في الصلاة ؟ فقلت: هكذا .
فقال: أخطأت .
فقلت: هكذا .
فقال: أخطأت .
فقلت: وكيف أصنع ؟
قال: حدثني سفيان [عن الزهري] عن سالم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا ركع وإذا رفع ".
قال أبو ثور : فوقع في قلبي من ذلك ، فجعلت أزيد في المجيء إلى الشافعي ، وأقصر من الاختلاف إلى محمد بن الحسن ، فقال: أجل الحق معه ؟
قال: وكيف ذلك ؟
قال قلت: كيف ترفع يديك في الصلاة ، فأجابني نحو ما أخبرت الشافعي ، فقلت: أخطأت .
فقال: كيف أصنع ؟
فقلت: حدثني الشافعي عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - :" كان يرفع يديه حذو منكبيه ، إذا ركع ، وإذا رفع ". قال أبو ثور : فلما كان بعد شهر ، وعلم الشافعي أني قد لزمته للتعلم منه ،
قال: يا أبا ثور مسألتك في الدور ، وإنما منعني أن أجيبك يومئذ ، لأنك كنت متعنتا.اهـ .
قلت: من فوائده الإعراض عن إجابة المتعنت ، وتبيين جهله ليعرف قدر نفسه ، وإرشاده لما هو أولى .
في الآداب الشرعية 2/72:
قال المروذي قال أبو عبد الله: سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم؟
فقلت له: أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا ؟!
وقال أيضا :قال أبو عبد الله: سأل بشر بن السري سفيان الثوري: عن أطفال المشركين ؟ فصاح به ، وقال: يا صبي أنت تسأل عن ذا ؟!
و2/73: وقال أحمد بن حبان القطيعي: دخلتُ على أبي عبد الله ، فقلت: أتوضأ بماء النورة ؟
فقال: ما أحب ذلك .
فقلت: أتوضأ بماء الباقلاء ؟
قال : ما أحب ذلك .
قال: ثم قمت ، فتعلق بثوبي ، وقال: أيش تقول إذا دخلت المسجد ؟
فسكتُ .(1/17)
فقال: أيش تقول: إذا خرجت من المسجد ؟
فسكت.
فقال: اذهب فتعلم هذا . اهـ
قلت: يعني الإمام ـ رحمه الله ـ أنك تركت ما فيه سنة ثابتة ، وتحتاجه كل يوم مرارا ، وجئت تسأل عما قد لا تحتاجه أبدا ، وليس فيه أثر .
41- ملخص مسند يعقوب بن شيبة [ص36/أ]:
وقال بشر بن عاصم: قلت لسعيد بن المسيب يا أبا محمد : ما يمنعك أن تخرج كما يخرج أهل المدينة إلى تلك الشعاب والأودية ـ قال: ولهم زمان يخرجون فيه إلى تلك الشعاب يصيبون من الثوم ـ ؟
قال : لا والله ، لا أبيع خمسا وعشرين ومائة صلاة كل يوم بأكلة من ثوم !
42- قال أبو نعيم في الحلية 9/118:
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا عبدالعزيز بن أي رجاء ثنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: وددت أن الخلق يتعلمون هذا العلم ولا ينسب إلي منه شيء .
حدثنا إبراهيم بن أحمد المقري ثنا أحمد بن محمد بن عبيد الشعراني قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: دخلت على الشافعي ـ وهو عليل ـ فسأل عن أصحابنا ، وقال: يا بني لوددت أن الخلق كلهم تعلموا ـ يريد كتبه ـ ولا ينسب إلي منه شيء.
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم حدثني حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: وددت أن كل علم أعلمه يعلمه الناس أوجر عليه ، ولا يحمدوني. اهـ.
قلت: هذا دليل على كمال الصدق والنصح ، فما بال بعض طلبة العلم اليوم يخافون من إظهار ما عندهم مخالفة أن يسبقوا إلى نشره ، أو نشر بعضه ؟!
وقد تكون فيه لفته لمن يكتب باسم مستعار في المنتديات!
43- قال أبو نعيم في الحلية 9/120
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا عبدالعزيز بن أبي رجاء قال سمعت الربيع يقول مرض الشافعي فدخلت عليه فقلت: يا أبا عبدالله قوى الله ضعفك ،
فقال: يا أبا محمد لو قوى الله ضعفي على قوتي أهلكني!
قلت: يا أبا عبدالله ما أردت إلا الخير .
فقال: لو دعوت الله علي لعلمت أنك لم ترد إلا الخير.اهـ .
قلت: علم صدق مودته ، فتجاوز الألفاظ .(1/18)
44- وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله بن أبي سعد الكراني، أن عبد الله بن سعيد بن زرارة ، حدثه عن محمد بن إبراهيم السياري، قال: لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون ، أذن له ، فدخل عليه وعنده إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، وكان العتابي شيخاً جليلاً نبيلاً ، فسلم فرد عليه وأدناه ، وقربه حتى قرب منه ، فقبل يده: ثم أمره بالجلوس فجلس ، وأقبل عليه يسائله عن حاله ، وهو يجيبه بلسان ذلق طلق، فاستظرف المأمون ذلك ، وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح ، فظن الشيخ أنه استخف به ، فقال: يا أمير المؤمنين: الإيناس قبل الإبساس !
فاشتبه على المأمون قوله ، فنظر إلى إسحاق مستفهماً ، فأومأ إليه ، وغمزه على معناه حتى فهم ،
فقال: يا غلام ، ألف دينار! فأتي بذاك ، فوضعه بين يدي العتابي ، وأخذوا في الحديث ، وغمز المأمون إسحاق بن إبراهيم عليه ، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق ، فبقي العتابي متعجباً ، ثم قال: يا أمير المؤمنين ، أتأذن لي في سؤال هذا الشيخ عن اسمه؟ قال: نعم سل.
فقال لإسحاق: يا شيخ من أنت ؟ وما اسمك ؟ قال: أنا من الناس ، واسمي كل بصل.
فتبسم العتابي وقال: أما النسب فمعروف ، وأما الاسم فمنكر !.
فقال إسحاق: ما أقل إنصافك ، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل؟ واسمك كل ثوم ،
وكل ثوم من الأسماء ، أو ليس البصل أطيب من الثوم ؟!
فقال له العتابي: لله درك ، ما أحجك ، أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أصله بما وصلتني به ؟ فقال له المأمون: بل ذلك موفر عليك ونأمر له بمثله .
فقال له إسحاق: أما إذا أقررت بهذا ، فتوهمني تجدني ، فقال: ما أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي تناهى إلينا خبره ، قال: أنا حيث ظننت.
وأقبل عليه بالتحية والسلام ، فقال المأمون ، وقد طال الحديث بينهما: أما إذ قد اتفقتما على المودة ، فانصرفا متنادمين.
فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده.(1/19)
انتهى من الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني[ص 8469 من النسخة الإلكترونية] ، وأخرجه الخطيب في تأريخ بغداد 12/489 عن الحسن بن الحسين النعالي عن أبي الفرج به .
والحكاية في تأريخ الطبري 5/204.
قلت: في لسان العرب: الكُلْثُوم: الكثير لحم الخدّين والوجه . و الكَلْثمة: اجتماع لحم الوجه . وجارية مُكَلْثَمة: حَسَنة دوائر الوجه ذات وجنتين فاتَتْهما سُهولة الخدَّين ، ولم تلزمهما جُهومة القُبْح . ووجه مُكَلْثَمٌ: مُستدير كثير اللحم ، وفيه كالجَوْز من اللحم، وقيل: هو المتقارب الجَعْدُ المُدَوَّر، ... و كُلْثُوم: رجل . و أُمُّ كُلْثُوم: امرأَة .
45- قال أبو نعيم في الحلية 9/124
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم ثنا حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: كل ما قلت لكم ، فلم تشهد عليه عقولكم ، وتقبله ، وتراه حقا = فلا تقبلوه فإن العقول مضطرة إلى قبول الحق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تنبيه الرجل العاقل 1/389:
.. وأعلم أن هذا الكلام لكونه باطلا يستثقله القلب العاقل.
46- قال أبو نعيم في الحلية 9/138:
حدثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن عبدالله النسائي ثنا الربيع قال: سمعت الشافعي : .. ـ في ذكر هؤلاء القوم الذين يبكون عند القراءة ـ فقال: قرأ رجل ، وإنسان حاضر (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) ، فجعل الرجل يبكي ! فقيل له: يا بغيض هذا موضع البكاء ؟!
47- قال أبو نعيم في الحلية 9/143:
حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن حمدان ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا أحمد ابن سلمة بن عبدالله النيسابوري قال: قال أبو بكر وراق الحميدي : سمعت الحميدي يقول: قال: محمد بن إدريس الشافعي خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة ، حتى كتبتها ، وجمعتها ، ثم لما حان انصرافي مررت على رجل في الطريق ، وهو محتب بفناء داره أزرق العين ناتىء الجبهة سناط ، فقلت له: هل من منزل ؟
فقال: نعم.(1/20)
قال الشافعي: وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة ، فأنزلني ، فرأيته أكرم ما يكون من رجل ، بعث إلي بعشاء ، وطيب ، وعلف لدابتي ، وفراش ، ولحاف ، فجعلت أتقلب الليل أجمع ما أصنع بهذه الكتب إذا رأيت النعت في هذا الرجل ، فرأيت أكرم رجل ، فقلت: أرمي بهذه الكتب ، فلما أصبحت ، قلت للغلام: أسرج ، فأسرج ، فركبت ، ومررت عليه ، وقلت له: إذا قدمت مكة ، ومررت بذي طوى ، فاسأل عن محمد بن إدريس الشافعي ، فقال لي الرجل: أمولى لأبيك أنا ؟
قال: قلت: لا .
قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟
فقلت: لا .
فقال: أين ما تكلفته لك البارحة ؟
قلت: وما هو ؟
قال: اشتريت لك طعاما بدرهمين ، وإداما بكذا ، وكذا ، وعطرا بثلاثة دراهم ، وعلفا لدابتك بدرهمين ، وكراء الفرش ، واللحاف درهمان !
قال: قلت يا غلام اعطه ، فهل بقي من شيء ؟
قال: كراء البيت فإني قد وسعت عليك ، وضيقت على نفسي .
قال الشافعي: فغبطت بتلك الكتب ، فقلت له بعد ذلك: هل بقي لك من شيء ؟
قال: امض أخزاك الله ، فما رأيت قط شرا منك !
48- قال أبو نعيم في الحلية 9/146:
حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر قال: سمعت أبا القاسم الزيات يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: .. ما رفعت أحدا فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه.
49- قال القاضي الأديب الحسن الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص251:
أخبرني أبي ، أن القاسم بن نصر المخرمي حدثهم ، قال: سمعت علي بن المديني يقول: قدمت الكوفة ، فعنيت بحديث الأعمش ، فجمعتها ، فلما قدمت البصرة لقيت عبد الرحمن ، فسلمت عليه ، فقال: هات يا علي ما عندك ، فقلت: ما أحد يفيدني عن الأعمش شيئا !
قال: فغضب ، فقال: هذا كلام أهل العلم ، ومن يضبط العلم ، ومن يحيط به ؟!
مثلك يتكلم بهذا ؟!
أمعك شيء تكتب فيه ؟
قلت: نعم .
قال: اكتب.
قلت: ذاكرني فلعله عندي !
قال: اكتب لست أملي عليك إلا ما ليس عندك .
قال: فأملى علي ثلاثين حديثا لم أسمع منها حديثا !
،(1/21)
ثم قال: لا تَعُدْ .
قلت: لا أعود ، قال علي: فلما كان بعد سنة جاء سليمان إلى الباب ، فقال: امض بنا إلى عبد الرحمن ، حتى أفضحه اليوم في المناسك !
قال علي: ـ وكان سليمان من أعلم أصحابنا بالحج ـ قال: فذهبنا ، فدخلنا عليه ، فسلمنا ، وجلسنا بين يديه ، فقال: هاتا ما عندكما ، وأظنك يا سليمان صاحب الخطبة .
قال: نعم ، ما أحد يفيدنا في الحج شيئا ! ، فأقبل عليه بمثل ما أقبل عليَّ ،
ثم قال: يا سليمان ، ما تقول في رجل قضى المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ، فوقع على أهله ؟
فاندفع سليمان فروى" يتفرقان حيث اجتمعا ويجتمعان حيث تفرقا"
قال اروِ ، ومتى يجتمعان ؟ ومتى يفترقان ؟
قال: فسكت سليمان .
فقال: اكتب ، وأقبل يلقي عليه المسائل ، ويملي عليه ، حتى كتبنا ثلاثين مسألة ، في كل مسألة يروي الحديث ، والحديثين ، ويقول: سألت مالكا ، وسألت سفيان ، وعبيدالله بن الحسن .
قال: فلما قمت ، قال: لا تعد ثانيا تقول ما قلت .
فقمنا ، وخرجنا ، قال فأقبل عليَّ سليمان ، فقال: أيش خرج علينا من صلب مهدي هذا ؟!
كأنه كان قاعدا معهم سمعت مالكا ، وسفيان ، وعبيد الله .اهـ.
قلت: وأخرجه من طريقة الخطيب في الجامع 2/417، والتاريخ 10/245.
الإمام عبدالرحمن بن مهدي من أكابر علماء هذه الأمة في الفقه ، والحديث ، ومن العباد الورعين ، والأئمة الصادقين ، والعلماء العاملين ، تخرج عليه الأئمة الكبار كيحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وأبي حفص الفلاس ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي خيثمة ، وطبقتهم.
وسليمان ـ أظنه ـ ابن حرب الإمام الثقة الأزدي البصري قاضي مكة .
50- قال الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/415:(1/22)
أنا الحسن بن أبي بكر ، أنا أحمد بن إسحاق بن بنجاب الطيبي ، والحسن بن علي بن زياد ، نا أبو نعيم ضرار بن صرد ، نا عبد العزيز بن أبي حازم قال: قال أبي:" كان الناس فيما مضى من الزمان الأول إذا لقي الرجل من هو أعلم منه قال: اليومَ يومُ غُنمي ، فيتعلم منه ،
وإذا لقي من هو مثله قال: اليوم يوم مذاكرتي ، فيذاكره ،
وإذا لقي من هو دونه علمه ، ولم يَزهُ عليه .
قال: حتى صار هذا الزمان ، فصار الرجل يعيب من فوقه ابتغاء أن ينقطع منه ، حتى لا يرى الناس أن له إليه حاجة !
وإذا لقي من هو مثله لم يذاكره ، فهلك الناس عند ذلك.اهـ
قلت: أبو حازم هو : سلمة بن دينار الأعرج من صغار التابعين ثقة من الزهاد تولى قضاء المدينة ، قال ابن خزيمة ثقة لم يكن في زمانه مثله .
و رحم الله أبا حازم قال هذا في زمانه ! فكيف لو رآى زماننا ؟!
وروي نحو هذا الكلام عن الخليل بن أحمد في جامع بيان العلم لابن عبد البر 1/133.
وذكره الإمام عبد الرحمن بن مهدي كما في ترجمته من الحلية .
و ضرار بن صرد جرحه كثير من الأئمة ، وقواه أبو حاتم ، ولا يخفى أن العلماء يقبلون في حكاية مثل هذه الأخبار ما لا يقبلون في أمر الحلال والحرام .
51- قال أبو نعيم في حلية الأولياء 9/12:
حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبدالرحمن بن محمد ، ثنا عبدالرحمن بن عمر ، حدثني يحيى بن عبدالرحمن بن مهدي: أن أباه قام ليلة ـ وكان يُحيي الليل كله ـ ، فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش ، فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ، فقال: هذا مما جنى عليّ هذا الفراش ، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض وجلده شيئا شهرين ، فقرح فخذاه جميعا . اهـ
قلت: رحمه الله من إمام عظيم ، هكذا كان سلفنا الصالح في الاجتهاد في العبادة ، ومحاسبة النفس عند أدنى خلل ، فزكت نفوسهم ، وعلت هممهم ، وبقي ذكرهم لمن بعدهم ..(1/23)
فياليت شعري : كم من الأخيار ، وطلبة العلم اليوم من يتخلف عن صلاة الفجر مرارا ، وتكرارا ، مع أنه لم يحيي الليل ، ولا عشره ، بل ولا عشر عشره !
ثم أتراه بعد ذلك يتألم ؟ أو يحزن ؟ أو يعاقب نفسه لئلا تعود !!
وممن روي عنه أنه سلك مسلك المحاسبة والعقاب لنفسه لتنزجر الإمام عبد الله بن وهب ،
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا حرملة سمعت ابن وهب يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما ، فأجهدني فكنت اغتاب ، وأصوم ، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم ، فمنْ حُبِ الدراهم تركتُ الغيبة .
قلت [الذهبي] : هكذا والله كان العلماء ، وهذا هو ثمرة العلم النافع . سير أعلام النبلاء 9/228 .
52- قال الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/412:
حدثني أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي مُذاكرةً ، قال: سمعت الحسن بن علي المقرئ ، يقول: سمعت أبا الحسين بن فارس اللغوي ، يقول: سمعت الأستاذ ابن العميد ، يقول: ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة ، والوزارة التي أنا فيها حتى شاهدتُ مذاكرةَ سليمان بن أحمد الطبراني ، وأبي بكر الجعابي بحضرتي ، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه ، وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته ، وذكاء أهل بغداد حتى ارتفعت أصواتها ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه ، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي ، فقال: هاته ، فقال: نا أبو خليفة نا سليمان بن أيوب ..، ـ وحدث بالحديث ـ فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب ! ، ومني سمع أبو خليفة ، فاسمع مني حتى يعلو إسنادك فإنك تروي عن أبي خليفة عني !
فخجل الجعابي ، وغلبه الطبراني ، قال ابن العميد: فوددت في مكاني أن الوزارة ، والرئاسة ليتها لم تكن لي ، وكنت الطبراني ، وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث ، أو كما قال.. اهـ(1/24)
صدق ، والله هذه اللذة ، لا لذة الشهوات والمناصب الزائلة ، قال الإمام إبراهيم بن أدهم: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف. حلية الأولياء 7/370.
وقال ابن القيم: حدثني شيخنا [ابن تيمية] قال: ابتدأني مرض فقال لي الطبيب: إن مطالعتك ، وكلامك في العلم يزيد المرض ! ، فقلت له: لا أصبر على ذلك ، وأنا أحاكمك إلى علمك ! أليست النفس إذا فرحت ، وسرت قويت الطبيعة = فدفعت المرض ؟
فقال: بلى .
فقلت له: فإن نفسي تسر بالعلم ؛ فتقوى به الطبيعة ، فأجد راحة .
فقال : هذا خارج عن علاجنا ، أو كما قال.
روضة المحبين ص70 ، ومفتاح دار السعادة 1/250.
53- قال البرذعي في سؤالاته 2/550:
سألت أبا زرعة عن حديث ابن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم في عشر ذي الحجة ؟
فأبى أن يقرأه عليّ ، وقال لي: فيه كلام أخاف أن لا يصح فلما ألححت عليه ، قال: فأخره حتى تخرج العشر ، فإني أكره أن أحدث بمثل هذا في العشر يعني حديث أبي غسان عن جميع بن عمر . اهـ
مثال عظيم على اغتنام الأيام الفاضلة ، والحذر مما قد يكون فيه شيء من النقص في الزمان الفاضل.
54- زاد المعاد 1/313:
.. وقال المروذي: من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيا ؟
قال: ما أعرف هذا .
قلت له: يحكى عن أبي ثور أنه قال: هو عاص .
قال: لعله ذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم :"اجعلوها في بيوتكم". اهـ
قلت : رحم الله هذا الإمام انظر كيف يبحث له عن مخرج ، وتأويل ، ولو كان بعض (...) لبادر بالتخطئة ، والتجهيل.
55- قال زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا ابن عرعرة قال: كنت عند يحيى بن سعيد ، وعنده بلبل ، وابن المديني ، وابن أبي خدويه ، فقال علي ليحيى ما تقول في طارق ، وابن مهاجر ؟
فقال: يجريان مجرى واحداً .
فقال الشاذكوني: نسألك عما لا تدري ، وتكلف لنا ما لا تحسن !(1/25)
حديث إبراهيم بن مهاجر خمس مئة عندك عنه مئة ، وحديث طارق مئة عندك منها عشرة .
فأقبل بعضنا على بعض ، وقلنا : هذا ذُلٌ ،
فقال يحيى: دعوه فإن كلمتموه لم آمن أن يَقْرِفَنا بأعظم من هذا !
سير أعلام النبلاء 10/681
56- قال إبراهيم بن أورمة: كان الطيالسي بأصبهان ، فلما أراد الرجوع بكى !
فقالوا له: إن الرجل إذا رجع إلى أهله فرح .
قال: لا تدرون إلى من أرجع ! أرجع إلى شياطين الإنس ابن المديني ، والشاذكوني ، والفلاس .
سير أعلام النبلاء 10/681
57- روى الخطيب في تاريخ بغداد 10/241 بسنده عن أبي بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يسأل عن عبد الرحمن بن مهدي ... ، فذكر لأبي عبد الله عن إنسان أنه يحكي عنه القدر !
قال: ويَحل له أن يقول هذا ؟!
هو سمع هذا منه ؟!
ثم قال: يجيء إلى إمام من أئمة المسلمين يتكلم فيه !! اهـ
قلت: هذا كذب بلا شك:
قال الدوري: سمعت يحيى ـ ابن معين ـ يقول: كان حماد بن زيد ، وعبد الرحمن بن مهدي من أبعد الناس من القدر ، قال: جاءوا إلى عبد الرحمن ، فقالوا له: قُلِ السحاق بقدر ! ـ يعنى: سِحاق النساء ـ ، فقال: لا أقول يستخف بي ، ولكنه قال: كل شيء بقدر . اهـ من تاريخ الدوري 2/360
58- قال الشاطبي في الموافقات 1/60:
كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما يكون حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى ، لا من جهة أخرى ، فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى فبالتبع ، والقصد الثاني لا بالقصد الأول ، والدليل على ذلك أمور:
أحدها: ما تقدم في المسألة قبل أن كل علم لا يفيد عملا فليس في الشرع ما يدل على استحسانه ، ولو كان له غاية أخرى شرعية ؛ لكان مستحسنا شرعا ، ولو كان مستحسنا شرعا لبحث عنه الأولون من الصحابة والتابعين ، وذلك غير موجود فما يلزم عنه كذلك.(1/26)
والثاني: أن الشرع إنما جاء بالتعبد ، وهو المقصود من بعثة الأنبياء عليهم السلام كقوله تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) ( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله ) الآيات (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ) ... وما أشبه ذلك من الآيات التي لا تكاد تحصى كلها دال على أن المقصود التعبد لله.
والثالث: ما جاء من الأدلة الدالة على أن روح العلم هو: العمل ، و إلا فالعلم عارية ، وغير منتفع به ، فقد قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ، وقال (وإنه لذو علم لما علمناه ) قال قتادة: يعني: لذو عمل بما علمناه ..
والأدلة على هذا المعنى أكثر من أن تحصى ، وكل ذلك يحقق أن العلم وسيلة من الوسائل ليس مقصودا لنفسه من حيث النظر الشرعي ، وإنما هو وسيلة إلى العمل ، وكل ما ورد في فضل العلم ، فإنما هو ثابت للعلم من جهة ما هو مكلف بالعمل به .
59- قال أبو سفيان المستملي سألتُ أحمد عن مسألة فأجابني فيها ، فلما كان بعد مدة سألته عن تلك المسألة بعينها ، فأجابني بجواب خلاف الجواب الأول ، فقلت له: أنت مثل أبي حنيفة الذي كان يقول في المسألة الأقاويل !
فتغير وجهه ، وقال: يا موسى ليس لنا مثل أبي حنيفة ، أبو حنيفة كان يقول بالرأي ، وأنا أنظر في الحديث ، فإذا رأيت ما أحسن ، أو أقوى أخذت به ، وتركت القول الأول . المُسَوّدة ص470 .
60- سئل شيخ الإسلام ابن تيمية 21/38:
هل البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود الطيالسي والدارمي والبزار والدار قطني والبيهقي وابن خزيمة وأبو يعلى الموصلي ، هل كان هؤلاء مجتهدين لم يقلدوا أحدا من الأئمة أم كانوا مقلدين ، وهل كان من هؤلاء أحد ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة ؟
فأجاب ، الحمد لله رب العالمين :
أما البخاري ، وأبو داود فإمامان في الفقه من أهل الاجتهاد ،(1/27)
وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم ؛ فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء ، ولا هم من الأئمة المجتهدين على الإطلاق ، بل هم لا يميلون إلى قول أئمة الحديث كالشافعي وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأمثالهم .
ومنهم من له اختصاص ببعض الأئمة كاختصاص أبي داود ، ونحوه بأحمد بن حنبل ، وهم إلى مذاهب أهل الحجاز : كمالك ، وأمثاله أميل منهم إلى مذاهب أهل العراق كأبي حنيفة ، والثوري ، وأما أبو داود الطيالسي فأقدم من هؤلاء كلهم من طبقة يحيى ابن سعيد القطان ، ويزيد بن هارون الواسطي ، وعبد الله بن داود ، ووكيع بن الجراح ، وعبد الله بن أدريس ، ومعاذ بن معاذ ، وحفص بن غياث ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأمثال هؤلاء من طبقة شيوخ الإمام أحمد ، وهؤلاء كلمهم يعظمون السنة والحديث ، ومنهم من يميل إلى مذهب العراقيين :كأبي حنيفة ، والثوري ، ونحوهما كوكيع ، ويحيى بن سعيد ، ومنهم من يميل إلى مذهب المدنيين مالك ، ونحوه: كعبد الرحمن بن مهدي .
وأما البيهقي فكان على مذهب الشافعي منتصرا له في عامة أقواله ، والدار قطني هو أيضا يميل إلى مذهب الشافعي ، وأئمة السند ، والحديث لكن ليس هو في تقليد الشافعي كالبيهقي مع أن البيهقي له اجتهاد في كثير من المسائل ، واجتهاد الدارقطني أقوى منه فإنه كان أعلم ، وأفقه منه .
61- قال علم الدين السخاوي في جمال القراء 2/480
في الكتاب الثامن (مراتب الأصول ، وغرائب الفصول):
وكان ـ أبو القاسم الشاطبي ـ لا يسجد إذا قرئت عليه السجدة ، ولا يسجد أحد ممن يقرأ عليه ، وكذلك كانت سنة أشياخه ، والله أعلم ، لأنه كان شديد الاقتداء بمن أخذ عنه .
والسبب في ذلك أن حال المقرئ ، والمعلم يخالف حال من يتلو القرآن لنفسه ، ولو كلف المقرئ ، والمعلم ذلك ؛ لأفضاء الأمر إلى الحرج ، والمشقة ..(1/28)
حتى قال بعض شيوخنا ـ وكان قد قرأ على خلق كثير ، وجم غفير ـ لم يكن أحد منهم يسجد إلا شيخ صالح ، يعني غير متحقق بالإقراء ،ولا معرفة له بطريقهم ، وعلى هذه الصفة كان شيخنا أبو الجيوش عساكر ـ رحمه الله ـ كان يسجد ، وكان من عوام المقرئين ، وكان شيخنا أبو الجود ـ رحمه الله ـ لا يسجد ، وكذلك كان الغزنوي ـ رحمه الله ـ ، ولأن المقرئ يعلم الناس العلم ، والقارئ متعلم .
62- في وفيات الأعيان 1/52:
في ترجمة : إبراهيم بن هلال الحراني الصابئ صاحب الرسائل المشهورة
قال ابن خلكان: .. وكان متشددا في دينه ، وجهد عليه عز الدولة أن يسلم ، فلم يفعل ، وكان يصوم شهر رمضان مع المسلمين ، ويحفظ القرآن الكريم أحسن حفظ . اهـ .
قلت: عجيب هذا ! صابئ كافر لا يرجو ثوابا ، ولا يخاف عقابا يحفظ القرآن !!
و يفرط كثير ـ لا أقول من عامة المسلمين ـ بل من طلبة العلم في حفظه مع أنهم أعرف الناس بفضله ، وأهميته ..
63- قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في تحفة المولود ص 242-243 :
وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله ، وترك تأديبه ، وإعانته له على شهواته ، ويزعم أنه يكرمه ، وقد أهانه ، وأنه يرحمه ، وقد ظلمه ، وحرمه ، ففاته انتفاعه بولده ، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة .
وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء .
... فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء ، وإهمالهم ، واستسهالهم شرر النار بين الثياب ، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون !
فكم من والد حرم والده خير الدنيا والآخرة ، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة ، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله ، وإضاعتهم لها ، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم ، وحرم الأولاد خيرهم ، ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء .
64- في معرفة الثقات للعجلي ص201:
[(1/29)
الإمام عبد الرحمن بن مهدي] قال له رجل: يا أبا سعيد لو قيل لك: أدخل الجنة بلا حساب ، ولا يكون لك رياسة ؟ أو قيل لك: يكون لك رياسة الدنيا وأمرك إلى الله أيهما أحب إليك ؟ فقال له: بالله اسكت . اهـ
قلت: ما أجمله من الجواب ! ، وما أكثر الأسئلة التي تحتاج لمثله.
65- ذكر أبو حيان في كتاب محاضرات العلماء : حدثنا القاضي أبو حامد أحمد بن بشر ، قال: كان الفراءُ يوما عند محمد بن الحسن ، فتذاكرا في الفقه ، والنحو ، ففضّل الفراء النحو على الفقه ، وفضّل محمد بن الحسن الفقه على النحو ، حتى قال الفراء: قلّ رجلٌ أنعَمَ النظرَ في العربيةِ وأرادَ علماً غيرَه إلا سهلَ عليهِ .
فقال محمد بن الحسن: يا أبا زكريا قد أنعمت النظرَ في العربيةِ ، وأسألُك عن بابٍ من الفقهِ .
فقال: هات على بركة الله تعالى .
فقال له: ما تقول في رجل صلى فسها في صلاته ، وسجد سجدتي السهو ، فسها فيهما ؟
فتفكر الفراء ساعة ، ثم قال: لا شيء عليه .
فقال له محمد: لم ؟
قال: لأن التصغير عندنا ليس له تصغير ! وإنما سجدتا السهو تمام الصلاة ، وليس للتمام تمام .
فقال محمد بن الحسن: ما ظننت أن آدميا مثلك . معجم الأدباء 1/ 42.
ينظر للمسألة الفقهية: المجموع 4/139، والشرح الكبير مع الإنصاف 2/6-7.
66- قال أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة ص90:
أخبرني محمد بن الحسين الآبري قال: أخبرنا الزبير بن عبد الواحد قال: قال علي بن يحيى الوراق: كان الشافعي ـ رحمة الله عليه ـ رجلا عطرا ، وكان يجيء غلامه كل غداة بغالية ، فيمسح بها الأسطوانة التي يجلس إليها ، وكان إلى جنبه إنسان من الصوفية ، وكان يسمى الشافعي البطال ! يقول: هذا البطال ، وهذا البطال .(1/30)
قال: فلما كان ذات يوم عمد إلى شاربه ، فوضع فيه قذرا ! ، ثم جاء إلى حلقة الشافعي ، فلما شم الشافعي الرائحة أنكرها ، وقال: فتشوا نعالكم ، فقالوا: ما نرى شيئا يا أبا عبد الله ، قال : فليفتش بعضكم بعضا ، فوجدوا ذلك الرجل ، فقالوا : يا أبا عبد الله هذا ، فقال له: ما حملك على هذا ؟
قال: رأيت تجبرك ، فأردت أن أتواضع لله عز وجل !
قال: خذوه فاذهبوا به إلى عبد الواحد ـ وكان على الشرطة ـ ، فقولوا له: قال لك أبو عبد الله: اعتقل هذا إلى وقت ننصرف ، قال: فلما خرج الشافعي دخل إليه فدعا به فضربه ثلاثين دِرة ، أو أربعين دِرة قال: هذا إنما تخطيت المسجد بالقذرة ، وصليت على غير الطهارة .
67- قال أبو سليمان الخطابي في كتاب العزلة ص91:
وأخبرني الحسن بن محمد بن عبدويه قال: أخبرني بعض أهل العلم قال: كان يختلف معنا رجل إلى أبي ثور ، وكان ذا سمت ، وخشوع ، فكان أبو ثور إذا رآه جمع نفسه ، وضم أطرافه ، وقيد كلامه ، فغاب عن مجلسه مدة ، فتعرف خبره ، فلم يوقف له على أثر ، ثم عاد إلى المجلس بعد مدة طويلة ، وقد نحل جسمه ، وشحب لونه ، وعلى إحدى عينيه قطعة شمع قد ألصقها بها فما كاد يتبينه أبو ثور ، ثم تأمله ، فقال له : ألست صاحبنا الذي كنت تأتينا ؟
قال: بلى.
قال: فما الذي قطعك عنا ؟
فقال: قد رزقني الله سبحانه الإنابة إليه ، وحبب إلى الخلوة ، وأنست بالوحدة ، واشتغلت بالعبادة .
قال له: فما بال عينك هذه ؟
قال: نظرت إلى الدنيا فإذا هي دار فتنة ، وبلاء قد ذمها الله تعالى إلينا ، وعابها ، وذم ما فيها ، فلم يمكني تغميض عيني كلتيهما عنها ، ورأيتني ، وأنا أبصر بإحداهما نحوا مما أبصر بهما جميعا ، فغمضت واحدة ، وتركت الأخرى .
فقال له أبو ثور: ومنذ كم هذه الشمعة على عينك ؟
قال: منذ شهرين ، أو نحوهما !
قال أبو ثور: يا هذا أما علمت أن لله عليك صلاة شهرين ، وطهارة شهرين !(1/31)
انظروا إلى هذا البائس قد خدعه الشيطان ، فاختلسه من بين أهل العلم ، ثم وكل به من يحفظه ، ويتعهده ويلقنه العلم.
قال أبو سليمان : فالعزلة إنما تنفع العلماء العقلاء ، وهي من أضر شيء على الجهال ، وقد روينا عن إبراهيم أنه قال لمغيرة: تفقه ثم اعتزل.
68- قال ابن علان في دليل الفالحين 1/229: وقد تتبعت الذين أردفهم النبي صلى الله عليه وسلم معه على دابته فبلغت بهم فوق الأربعين ، وجمعتهم في جزء سميه " تحفة الأشراف بمعرفة الإرداف" وقد نظمت اسم جماعة منهم ، وأوردته آخر ذلك الجزء وها هو:
لقد أردف المختار طه(1) جماعة * فسن لنا الإرداف إن طاق مركب
أبو بكر عثمان علي أسامة * سهيل سويد جبرئيل المقرب
صفية والسبطان ثم ابن جعفر * معاذ وقيس والشريد المهذب
وآمنة مع خولة وابن أكوع * وزيد أبو ذر سما ذاك جندب
معاوية زيد وخوات ثابت * كذاك أبو الدرداء في العد يكتب
وأبناء عباس وابن أسامة * صدي بن عجلان حذيفة صاحب
كذلك جا فيهم أبو هر من روى * ألوفا من الأخبار تروى وتكتب
وعد من الإرداف يا ذا أسامة * هو ابن عمير ثم عقبه يحسب
وأردف غلمانا ثلاثا كذا أبو * إياس وأنثى من غفار تقرب
وأردف شخصا ثم أردف ثانيا * وما سميا فيما روى يا مهذب
أولئك أقوام بقرب نبيهم * لقد شرفوا طوبى لهم يا مقرب
69- كان الوجيه [ هو : المبارك بن المبارك الضرير النحوي] قد التزم سماحة الأخلاق ، وسعة الصدر ، فكان لا يغضب من شيء ، ولم يره أحد قط حردان ، وشاع ذلك عنه ، وبلغ ذلك بعض الحرفاء ، فقال: ليس له من يغضبه ، ولو أغضب لما غضب ، وخاطروه على أن يغضبه ، فجاءه ، فسلم عليه ، ثم سأله عن مسألة نحوية ، فأجابه الشيخ بأحسن جواب ، ودله على محجة الصواب .
__________
(1) ... نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يصح أن من أسمائه طه أو يس ؛ بل هي من الحروف المقطعة في أوائل السور كـ "حم" ، و" ق" ألر ..(1/32)
فقال له: أخطأت ، فأعاد الشيخ الجواب بألطف من ذلك الخطاب ، وسهل طريقته ، وبين له حقيقته .
فقال له: أخطأت أيها الشيخ ، والعجب ممن يزعم أنك تعرف النحو ، ويهتدي بك في العلوم ، وهذا مبلغ معرفتك ، فلاطفه ، وقال: له يا بني لعلك لم تفهم الجواب ، وإن أحببت أن أعيد القول عليك بأبين من الأول فعلت .
قال له:كذبت ! لقد فهمتُ ما قلتَ ، ولكن لجهلك تحسب أنني لم أفهم .
فقال له الشيخ: وهو يضحك قد عرفت مرادك ، ووقفت على مقصودك ، وما أراك إلا وقد غُلبت ، فأد ما بايعت عليه ، فلست بالذي تغضبني أبدا ، وبعد يا بني : فقد قيل إن بقة جلست على ظهر فيل ، فلما أرادت أن تطير قالت له: استمسك فإني أريد الطيران ! فقال لها الفيل: والله يا هذه ما أحسست بك لما جلست ، فكيف أستمسك إذا أنت طرت !
والله يا ولدي ما تحسن أن تسأل ، ولا تفهم الجواب ، فكيف أستاء منك .
معجم الأدباء 5/44 .
70- قال الحافظ ابن رجب في الذيل على طبقات الحنابلة 1/443 (ط: العثيمين):(1/33)
أنبئت عن يوسف بن خليل الحافظ قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو القاسم عبد اللّه بن أبي الفوارس محمد بن علي بن حسن الخزاز الصوفي البغدادي ببغداد قال: سمعتُ القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول: كنتُ مجاورًا بمكة- حرسها الله تعالى- فأصابني يومًا من الأيام جوع شديد لم أجد شيئًا أدفع به عني الجوع ، فوجدتُ كيسًا من إبريسم مشدودًا بشرابة من إبريسم أيضًا ، فأَخذته وجئت به إلى بيتي ، فحللته فوجدتُ فيه عقدًا من لؤلؤ لم أرَ مثله ، فخرجتُ فإذا الشيخ ينادي عليه ، ومعَه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول: هذا لمن يَرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به ، وأرد عليه الكيس ، فقُلت له: تعالى إليّ ، فأخذته ، وجئت به إلى بيتي ، فأعطاني علامة الكيس ، وعلامة الشرابة ، وعلامة اللؤلؤ وعَدَدَه ، والخيط الذي هو مَشدُود به ، فأخرجته ، ودَفعته إليه. فسلم إليّ خمسمائة دينار ، فما أخذتها ، وقلت: يجب عليّ أن أعيده إليك ، ولا آخذ له جزاء ، فقال لي: لا بد أن تأخذ ، وألح عليَّ كثيرًا ، فلم أقبل ذلك منه ، فتركني ومضى.
وأما ما كان مني: فإني خرجتُ من مكة وركبتُ البحر، فانكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم ، وسلمتُ أنا على قطعة من المركب ، فبقيت مُدّةً في البحر لا أدري أين أذهب ، فوصَلت إلى جزيرة فيها قوم ، فقعَدتُ في بعض المساجد ، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليّ ، وقال: علمني القرآن . فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال.
قال. ثم إني رأيتُ في ذلك المسجد أوراقًا من مصحف ، فأخذتها أقرأ فيها فقالوا لي: تحسن تكتب?(1/34)
فقلت: نعم ، فقالوا: علمنا الخط ، فجاءوا بأولادهم من الصبيان ، والشباب ، فكنتُ أعلمهم ، فحصل لي أيضًا من ذلك شيء كثير ، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبيَّةً يتيمة ، ولها شيء من الدُنيا نريد أن تتزوج بها ، فامتنعتُ ، فقالوا: لا بد ، وألزموني، فأجبتهم إلى ذلك.
فلما زفوها إليَّ مددتُ عيني أنظر إليها ، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقًا في عنقها ، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه . فقالوا: يا شيخ ، كسرتَ قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ، ولم تنظر إليها ، فقصصتُ عليهم قصة العقد ، فصاحوا ، وصرخوا بالتهليل ، والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة ، فقلتُ: ما بكم. فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية ، وكان يقول: ما وجدتُ في الدنيا مسلمًا إلا هذا الذي رد عليَّ هذا العقد ، وكان يدعو ويقول: اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي ، والآن قد حصلت ، فبقيتُ معها مدة ورزقتُ منها بولدين.
ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي ، ثم مات الولدان ، فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار. وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال. هكذا ساق هذه الحكاية يوسف بن خليل الحافظ في معجمه (1).
وساقها ابن النجار في تاريخه ، وقال: هي حكاية عجيبة ، وأظن القاضي حكاها عن غيره.
وقد ذكرها أبو المظفر سبط بن الجوزي في تاريخه في ترجمة أبي الوفاء بن عقيل.
وذكر عن ابن عقيل: أنه حكى عن نفسه: أنه حج، فالتقط العقد ورده بالموسم ، ولم يأخذ ما بذل له من الدنانير، ثم قدم الشام ، وزار بيت المقدس ، ثم رجع إلى دمشق ، واجتاز بحلب في رجوعه إلى بغداد ، وأنَ تزوجه بالبنت كان بحلب.
__________
(1) ... في معجمه الورقتان (164و175) ، ذكره الدكتور عبدالرحمن العثيمين.(1/35)
ولكن أبا المظفر ليس بحجة فيما ينقله ، ولم يذكر للحكاية إسنادًا متصلاً إلى ابن عقيل، ولا عزاها إلى كتاب معروف ، ولا يعلم قدوم ابن عقيل إلى الشام ، فنِسبتُها إلى القاضي أبي بكر الأنصاري أنسب. والله أعلم.
71- في آخر كتاب الأشباه والنظائر للحافظ السيوطي ص541:
هَذِهِ مَسَائِلُ فِيمَا لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ :
ثَلَاثُونَ لَا عُذْرَ بِجَهْلٍ يُرَى بِهَا * وَزِدْهَا مِنْ الْأَعْدَادِ عَشْرًا لِتَكْمُلَا
فَأَوَّلُهَا بِكْرٌ تَقُولُ لِعَاقِدٍ : * جَهِلْت بِأَنَّ الصَّمْتَ كَالنُّطْقِ مِقْوَلَا
كَمَنْ سَكَتَتْ حِينَ الزَّوَاجِ فَجُومِعَتْ * فَقَالَتْ : أَنَا لَمْ أَرْض بِالْعَقْدِ أَوَّلَا
كَذَا شَاهِدٌ فِي الْمَالِ وَالْحَدِّ مُخْطِئًا * شَهَادَةَ صِدْقٍ ضَامِنٌ حِينَ بَدَّلَا
وَآكِلُ مَالٍ لِلْيَتِيمِ وَوَاطِئٌ * رَهِينَ اعْتِكَافٍ بِالشَّرِيعَةِ جَاهِلَا
كَذَا قَاذِفٌ شَخْصًا يَظُنُّ بِأَنَّهُ * رَقِيقٌ فَبَانَ الشَّخْصُ حُرًّا مُكَمَّلَا
وَمَنْ قَامَ بَعْدَ الْعَامِ يَشْفَعُ خَاطِرًا * مَعَ الْعِلْمِ بِالْمُبْتَاعِ وَالْبَيْعِ أَوَّلَا
وَمَنْ مُلِّكَتْ أَوْ خُيِّرَتْ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ * لِتَقْضِيَ حَتَّى فَارَقَتْ وَتَفَاصَلَا
كَذَاك طَبِيبٌ قَائِلٌ بِعِلَاجِهِ * بِلَا عِلْمٍ أَوْ مُفْتٍ تَعَدَّى تَجَاهُلَا
وَبَائِعُ عَبْدٍ بِالْخِيَارِ يَرُومُ أَنْ * يَرُدَّ وَقَدْ وَلَّى الزَّمَانُ مُهَرْوِلَا
وَمَنْ أَثْبَتَتْ إضْرَارَ زَوْجٍ فَأُمْهِلَتْ * فَجَامَعَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ مُعَاجِلَا
وَعَبْدٌ زَنَى أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ جَاهِلًا * بِعِتْقٍ فَحَدُّ الْحُرِّ يَجْرِي مُفَصَّلَا
وَيُفْسَخُ بَيْعٌ فَاسِدٌ مُطْلَقًا وَلَا * يُسَامَحُ فِيهِ مَنْ عَنْ الْحَقِّ حُوِّلَا(1/36)
وَكُلُّ زَكَاةٍ مِنْ دَفْعِهَا لِكَافِرٍ * وَغَيْرِ فَقِيرٍ ضَامِنٌ تِلْكَ مُسَجَّلَا
وَمَنْ يُعْتِقُ الشَّخْصَ الْكَفُورَ لِجَهْلِهِ * فَلَا يُجْزِي فِي كَفَّارَةٍ وَتَبَتُّلَا
كَذَا مُشْتَرِي مَنْ أَوْجَبَ الشَّرْعُ عِتْقَهُ * عَلَيْهِ وَلَا رَدَّ لَهُ وَلَهُ الْوِلَا
وَآخِذُ حَدٍّ مِنْ أَبِيهِ مُسْتَوٍ * كَتَحْلِيفِهِ إذْ بِالْعُقُوقِ تَزَيَّلَا
وَمَنْ يَقْطَعُ الْمَسْلُوكُ جَهْلًا فَلَا نَرَى * شَهَادَتَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تُقْبَلَا
كَمَنْ يُرِيَا عَدْلَيْنِ فَرْجًا وَمَحْرَمًا * يُبَاحُ وَحُرًّا يُسْتَرَقُّ فَأَهْمِلَا
وَسَارِقُ مَا فِيهِ النِّصَابُ مُؤَاخَذٌ * وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَرْفُ النِّصَابِ مُعَادِلَا
وَوَاطِئُ مَنْ قَدْ أُرْهِنَتْ عِنْدَهُ فَمَا * يَكُونُ لَهُ عَنْ حَدِّ ذَلِكَ مَعْزِلَا
كَذَلِكَ مَنْ يَزْنِي وَيَشْرَبُ جَاهِلًا * مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي حَدُّهُ لَيْسَ مُهْمَلَا
وَمَنْ رَدَّ رَهْنًا بَعْدَ حَوْزٍ لِرَبِّهِ * فَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَوْزَ صَارَ مُعَطَّلَا
وَتَخْيِيرُ مَنْ قَدْ أُعْتِقَتْ ثُمَّ جُومِعَتْ * تَفُوتُ بِجَهْلِ الْحُكْمِ وَالْعِتْقَ أَهْمِلَا
وَلَا يَنْفِ حَمْلَ الْعُرْسِ زَوْجٌ لَهَا * إذَا رَآهُ وَلَمْ يَنْهَضْ بِذَلِكَ مَعْدِلَا
وَمَنْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِ زَوْجٍ لِغَيْبَةٍ * فَجَا نَعْيُهُ رَدَّتْ مِنْ الْوِدِّ فَاضِلَا
وَمَنْ سَكَنَتْ حِينَ ارْتِجَاعٍ وَجُومِعَتْ * فَقَالَتْ : لَقَدْ كَانَ اعْتِقَادِي كَامِلَا
وَلَيْسَ لِمَنْ قَدْ حِيزَ عَنْهُ مَتَاعُهُ * مَقَالٌ إذَا مَا الْحَوْزُ كَانَ مُطَوَّلَا
وَقَدْ قَامَ بَعْدَ الْحَوْزِ يَطْلُبُ مِلْكَهُ * وَقِيلَ لَهُ : قَدْ بِعْت ذَلِكَ أَوَّلَا
وَمَنْ هُوَ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ مُجَامِعٌ * لِزَوْجَتِهِ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ مُكْمِلَا(1/37)
وَلَيْسَ لِذِي مَالٍ يُبَاعُ بِعِلْمِهِ * وَيَشْهَدُ قَبْضًا بَعْدَهُ أَنْ يُبَدَّلَا
وَمَنْ زَوْجُهَا قَدْ مَلَّكَ الْغَيْرَ أَمْرَهَا * فَلَمْ يَقْضِ حَتَّى جُومِعَتْ صَارَ مَعْزِلَا
وَإِنْ مَلَكَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ تَصَالَحَا * عَقِيبَ قَبُولٍ كَانَ لَيْسَ مُفَصَّلَا
وَمَا سُئِلَتْ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهَا إذَنْ * تَقُولُ ثَلَاثًا كَانَ قَصْدِي أَوَّلَا
وَإِنْ بَعْدَ تَمْلِيكٍ قَضَتْ بِبَيَانِهَا * فَقَالَتْ جَهِلْت الْحُكْمَ فِيهِ مُعَاجِلَا
فَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ إذَا قَالَ : لَمْ أُرِدْ * سِوَى طَلْقَةٍ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا خَلَا
وَإِنْ أَمَةٌ قَالَتْ وَبَائِعُهَا : لَقَدْ * تَزَوَّجَهَا شَخْصٌ فَفَارَقَ وَانْجَلَا
فَلَيْسَ لِمَنْ يَبْتَاعُهَا بَعْدَ عِلْمِهِ * بِذَلِكَ عُذْرٌ إنْ يَرِدْ إذْنٌ بِلَا
وَلَا يَطَأَنَّهَا أَوْ يُزَوِّجَهَا إلَى * ثُبُوتِ خُلُوٍّ مِنْ زَوَاجٍ تَحَوَّلَا
وَمَنْ قَبْلَ تَكْفِيرِ الظِّهَارِ مُجَامِعٌ * يَذُوقُ عِقَابًا بِاَلَّذِي قَدْ تَحَمَّلَا
وَحَقُّ الَّذِي قَدْ خُيِّرَتْ سَاقِطٌ إذَا * بِوَاحِدَةٍ قَالَتْ : قَضَيْت تَجَاهُلَا
وَلَيْسَ لَهَا عُذْرٌ بِدَعْوَى جَهَالَةٍ * وَذَاكَ الَّذِي قَدْ أَوْقَعَتْ عَادَ بَاطِلَا
وَمَنْ قَالَ : إنْ شَهْرَيْنِ غِبْتُ وَلَمْ أَعُدْ * فَأَمْرُك قَدْ صَيَّرْتُ عِنْدَكِ جَاعِلَا
فَمَرَّ وَلَمْ تُوقِعْ وَمَا أَشْهَدْت عَلَى * بَقَاهَا وَطَالَتْ صَارَ عَنْهَا مُحَوَّلَا
وَذَاكَ كَثِيرٌ فِي الْوُضُوءِ وَمِثْلُهَا * بِفَرْضِ صَلَاةٍ ثُمَّ حَجٍّ تَحَصَّلَا . اهـ
قلت: قد يظن أن هذه المنظومة في فروع الشافعية ، وليس كذلك ، بل هي
للشيخ بهرام بن عبد الله المالكي المتوفى عام 805هـ ، وقد طبعت مع شرح الشيخ الأمير محمد بن محمد الأزهري المالكي في دار الغرب الإسلامي.(1/38)
وينظر في الأشباه والنظائر ص199 : صورا لم يعذر فيها بالجهل .
72- قال الحافظ السيوطي في الأشباه والنظائر ص386:
في معرض كلامه عن ضابط الْكَبَائِرِ ، وعدها: ..وأما حصر الكبائر بالعد فلا يمكن استيفاؤه .. ، وأكثر من رأيته عدها عدها .. السبكي في "جمع الجوامع" فأورد منها خمسة وثلاثين كبيرة ، أكثر ها في الروضة ، و أصلها ، وَقَدْ أَوْرَدْتُهَا نَظْمًا فِي ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ لَا حَشْوَ فِيهَا فَقُلْت :
كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ * وَمُطْلَقِ الْمُسْكِرِ ثُمَّ السِّحْرِ
وَالْقَذْفِ وَاللِّوَاطِ ثُمَّ الْفِطْرِ * وَيَأْسِ رَحْمَةٍ وَأَمْنِ الْمَكْرِ
وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالشَّهَادَهْ * بِالزُّورِ وَالرِّشْوَةِ وَالْقِيَادَهْ
مَنْعُ زَكَاةٍ وَدِيَاثَةٌ فِرَارْ * خِيَانَةٌ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ظِهَارْ
نَمِيمَةٌ كَتْمُ شَهَادَةِ يَمِيَنْ * فَاجِرَةٍ عَلَى نَبِيِّنَا يَمِيَنْ
وَسَبُّ صَحْبِهِ وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ * سِعَايَةٌ عَقٌّ وَقَطْعُ الرَّحِمِ
حِرَابَةٌ تَقْدِيمُهُ الصَّلَاةَ أَوْ * تَأْخِيرُهَا وَمَالُ أَيْتَامٍ رَأَوْا
وَأَكْلُ خِنْزِيرٍ وَمَيْتٍ وَالرِّبَا * وَالْغُلِّ أَوْ صَغِيرَةٌ قَدْ وَاظَبَا . اهـ
قلت: انظر في عد الكبائر (نظما) بأكثر مما ذكر السيوطي ، وأعذب لفظا ، وأجمل نظما ؛ المنظومة الألفية في الآداب الشرعية ص68-71 ، للعلامة الأديب الفقيه ابن عبد القوي المرداوي الحنبلي.
73- في دليل الفالحين 1/ 254: نظم بعض المتأخرين آخر من مات من الصحابة في البلدان المتفرقة فقال:
آخر من مات من الصحابة * أبو الطفيل موته بمكة
سهل بن عبد الله بالمدينة * وأنس بن مالك بالبصرة
ومات بالشام أبو قرصافه * وابن أبي أوفى الحمام وافه
بالكوفة ، واليمن اذكر أبيضا * وبخرسان بريدة قضى
ولم تتم مائة إلا وقد * ماتو ولم يبق على الرض أحد(1/39)
رأى بعينيه النبي المصطفى * فاحفظ لنظمي ذا تنال الشرفا
قلت: ويزاد عليه :
آخر الصحب بحمص ماتا * أبو أمامة وذا قد فاتا اهـ .
74- في المزهر في علوم اللغة للحافظ السيوطي 1/87:
فائدة : قال أبو الحسن الشاري في فهرسته : كان شيخنا أبو ذر يقول: المختصرات التي فضلت على الأمهات أربعة : مختصر العين للزبيدي ، ومختصر الزاهر للزجاجي ، ومختصر سيرة ابن إسحاق لابن هشام ، ومختصر الواضحة للفضل بن سلمة . اهـ
75- في المزهر في علوم اللغة للحافظ السيوطي 2/319:
فصل : ومن بركة العلم وشكره عزوه إلى قائله .
قال الحافظ أبو الطاهر السلفي سمعت أبو الحسن الصيرفي يقول: سمعت أبا العباس الصوري يقول: قال لي عبد الغني بن سعيد: لما وصل كتابي إلى أبي عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه ، وذكر أنه أملاه على الناس ، وضمّن كتابه إلي الاعتراف بالفائدة ، وأنه لا يذكرها إلا عني ، وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم قال: حدثنا العباس بن محمد الدروي قال: سمعت أبا عبيد يقول: من شكر العلم أن تستفيد الشيء ، فإذا ذكر لك قلت: خفي علي كذا وكذا ، ولم يكن لي به علم حتى أفادني فلان فيه كذا وكذا ؛ فهذا شكر العلم . انتهى .
76- قال عبد العزيز بن محمد: وكان أبو جعفر[الطبري].. وكان إذا أهدى إليه مهد هدية مما يمكنه المكافأة عليه قبلها ، وكافأه ، وإن كانت مما لا يمكنه المكافأة عليه ردها ، واعتذر إلى مهديها ، ووجه إليه أبو الهيجاء بن حمدان ثلاثة آلاف دينار ، فلما نظر إليها عجب منها ، ثم قال: لا أقبل ما لا أقدر على المكافأة عنه ، ومن أين لي ما أكافىء عن هذا ؟!
فقيل: ما لهذا مكافأة إنما أراد التقرب إلى الله ـ عز وجل ـ فأبى أن يقبله ورده إليه .
معجم الأدباء 5/270.
77- قال الحافظ أبو زرعة الدمشقي: حدثنا عبيد بن حبان عن مالك قال : بلغني عن القاسم بن محمد كلمة أعجبتني ، وذاك أنه قال: من الرجال رجال لا تذكر عيوبهم . تاريخه ص193.(1/40)
وفي سير أعلام النبلاء 8/398: روى عبدان بن عثمان عن عبدالله [بن المبارك الإمام]قال: إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه = لم تذكر المساوئ ، وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن = لم تذكر المحاسن.
78- ذكرني فوكِ حماري أهلي !
زعموا أن رجلا شابا غزلا خرج يطلب حمارين لأهله ، فمر على امرأة منتقبة جميلة في النقاب ، فقعد بحذائها وترك طلب الحمارين ، وشغله ما سمع من حسن حديثها ، وما رأى من جمالها في النقاب ، فلما سفرت عن وجهها إذا لها أسنان مكفهرة منكرة مختلفة ، فلما رآها ذكر حماريه فقال: " ذكرني فوكِ حماري أهلي" = فذهب قوله مثلا. الأمثال للضبي ص126.
قال أبو هلال العسكري : يضرب مثلا للرجل يبصر الشيء ، فيذكر به حاجةً كان قد نسيها، وأصله أن رجلا خرج .. [ ذكر نحوه] . جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 1/390.
79- قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 5/205: أخبرنا القاضيان أبو عبد الله الصيمري ، وأبو القاسم التنوخي قالا: أخبرنا أبو الحسن منصور بن محمد بن منصور الحربي ، أخبرنا أبو محمد الزهري ، وفي حديث التنوخي قال: سمعت أبا محمد الزهري يقول: كان لثعلب عزاء ببعض أهله ، فتأخرت عنه ؛ لأنه خفي عني ، ثم قصدته معتذرا ، فقال لي: يا أبا محمد ما بك حاجة إلى أن تتكلف عذرا ، فإن الصديق لا يحاسب ، والعدو لا يحتسب له . واللفظ للتنوخي.
80- قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 5/209: أخبرني أحمد بن علي بن الحسين المحتسب ، أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن موسى ـ المعروف بابن العلاف ـ ، حدثنا أبو عمر الزاهد قال: كنت في مجلس أبي العباس ثعلب ، فسأله سائل عن شيء ؟
فقال: لا أدري .
فقال له: أتقول لا أدري ، وإليك تضرب أكباد الإبل ، وإليك الرحلة من كل بلد ؟!
فقال له ثعلب: لو كان لأمك بعدد ما لا أدري بعر لاستغنت.(1/41)
81- قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 5/211: حدثني محمد بن علي الصوري ـ حفظا ـ قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن أحمد بن سختويه ، والحسين بن سليمان بن بدر الصوريين يقولان: سمعنا أبا عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري يقول: سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: كنت عند أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب فقال لي: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن = ففازوا ، واشتغل أهل الفقه بالفقه = ففازوا ، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث = ففازوا ، واشتغلت أنا بزيد وعمرو ، فليت شعري ماذا يكون حالي في الآخرة ؟
فانصرفت من عنده فرأيت تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: "أقريء أبا العباس مني السلام وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل" .
قال ابن سختويه قال لنا أبو عبد الله الروذباري: أراد الكلام به يكمل ، والخطاب به يجمل ، وقال ابن بدر قال لنا الروذباري: أراد أن جميع العلوم مفتقرة إليه.
82- في ترجمة الشيخ نجم الدين القحفازي النحوي الحنفي علي بن داود في الوافي للصفدي 21/58:
وحكى لي نور الدين علي بن إسماعيل الصفدي قال: أنشد الشيخ نجم الدين يوما لغزا للجماعة وهم بين يديه في الحلقة يشتغلون وهو في مجزوء الكامل :
يا أيها الحبر الذي * علم العروض به امتزج
ابن لنا دائرة * فيها بسيط وهزج
ففكر الجماعة فيها زمانا ، فقال واحد منهم: هذه الساقية ، فقال له: دورت فيها زمانا حتى ظهرت لك.
يريد أنه ثور يدور في الساقية . اهـ .
83- وكتبتُ [الصفدي]..سؤالا يتعلق بالمعاني في قوله تعالى (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها) وهو من الطويل:
ألا إنما القرآن أكبر معجز * لأفضل من يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره * بإيجاز ألفاظ وبسط معان
ولكنني في الكهف أبصرت آية * بها الفكر في طول الزمان عناني
وما ذاك إلا استطعما أهلها فقد * نرى استطعما هم مثله ببيان
فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر * مكان ضمير إن ذاك لشان ؟(1/42)
وأما الجواب عن إعادة لفظه الأهل في قوله تعالى حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها ولم يقل استطعماهم والمحل محل الإضمار وفيه الإيجاز فقد علم أن البلاغة لا تختص بالإيجاز وإنما هو نوع من أنواعها وأن مدار حسن الكلام وارتفاع شأنه في القبول بإيراده مطابقا لمقتضى الحال فإن كان مقتضى الحال خليقا ببسط الكلام تعلقت البلاغة ببسطه وإن كان حقيقا بالإيجاز كانت البلاغة في إيراده كذلك ثم قد يعرض للبليغ أمور يحسن معها إيراد الكلام على خلاف مقتضى الظاهر فينزل غير السائل منزلة من يسأل إذا كان قد لوح له بما يقتضي السؤال وينزل غير المنكر منزلة المنكر إذا ظهرت عليه مخايل الإنكار ، ويوقع المضمر في موضع الظاهر والظاهر في موضع المضمر إلى غير ذلك من الأمور المذكورة في علم البلاغة والذي حسن إيقاع الظاهر موقع المضمر في الآية الكريمة أن الظاهر أدل على المعنى الذي وضع اللفظ له من المضمر لأنه يدل عليه بنفسه والمضمر يدل عليه بواسطة ما يفسره وقصد المتكلم هنا الإخبار عن الذين طلب منهم الإطعام أنهم أهل القرية لأن من غشية الضيف في منزله ولم يعتذر بعذر عن إكرامه بل قابله بالمنع مع ظهور حاجته التي أوجبت له أن يسأل منه ذلك لأن المسألة آخر أسباب الكسب يعلم بذلك أن الحامل له على الامتناع من إضافته لؤم الطبع واتباع مذموم البخل والشح المطاع كما قال الشاعر من الطويل:
حريص على الدنيا مضيع لدينه * وليس لما في بيته بمضيع
حتى روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كانوا أهل قرية لئاما " .(1/43)
ومن كانت هذه سجيته وهذا حاله كان حريا بالإعراض عنه وعدم مقابلته بالإحسان إليه ، فلما رأى موسى صلوات الله عليه إصلاح الخضر عليه السلام لجدار مشرف على السقوط في القرية التي هؤلاء أهلها من غير طلب أجر على ذلك منهم مع الحاجة إلى ذلك عجب من ذلك وأنكره حتى كأنه نسي ما قدمه من وعده إياه بالصبر وبعدم المصاحبة إن سأله عن شيء بعد ذلك مع حرصه على صحبته والتعلم منه ، وكان في إعادة لفظه الأهل في الآية الكريمة إقامة لعذر موسى عليه السلام في الاعتراض في هذه الحالة ؛ لأنها حالة لا يصبر عن الاعتراض فيها ؛ لأن حالهم يقتضي بذل الأجرة في إصلاح أمر دنياوي لحرصهم وشحهم ، فترك طلب الأجرة على إصلاح ذلك مع الضرورة والحاجة وقع إحسانا إلى أهلها الذين قابلوهما بالمنع عن الضيافة ، وكانت البلاغة متعلقة بلفظه الأهل التي هي الحاملة على الإعراض ظاهرا ، فأطلعه الخضر عليه السلام بأن الجدار إنما كان ليتيمين من أهلها واليتيم محل الرحمة ، وليس محلا لأن يطلب منه أجرة إما لعجزه لفقره ، وهو الظاهر ، أو لأنه لا يجوز تصرفه في ماله ، ولهذا قال: رحمة من ربك ، ولم يكن لأهلها الذين أبوا أن يضيفونا .
والله سبحانه وتعالى أعلم.
قلت [الصفدي]جواب الشيخ نجم الدين ـ رحمه الله تعالى ـ في غاية الحسن ، وهو كلام عارف بهذا الفن جار على القواعد .اهـ.
قلت: وأعقبه بجواب لابن الجاجب ، وأشار لجواب للسبكي .
84- في ترجمة أحمد بن محمد بن عثمان : أنه دخل إلى المدرسة فرأى الشيخ نجم الدين القحفازي خارجا من الطهارة ، فقال: يا مولانا آنستم محلكم !
فقال له الشيخ نجم الدين: قبحك الله . الدرر الكامنة 1/332.(1/44)
85- قال ابن الرصّاع (1) في كتاب تذكرة المحبين في شرح أسماء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم : قال بعض العارفين عند هذا الحديث [أتدرون من المفلس] : إنه فيه تشديد ، وفيه للعقلاء غاية الوعيد فإن الإنسان قل أن تسلم أفعاله ، وأقواله من الرياء ، ومكايد الشيطان ، وإن سلمت له خصلة فقل أن يسلم من أذية الخلق ، فإذا كان يوم القيامة ، وقد سلمت له خصلة مع قلة سلامتها طلب خصمك تلك الحسنة ، وأخذها منك بحكم مولاك عليك ، فإنه لا مال يوم القيامة تؤدي منه ما عليك ، بل من حسناتك يا مغبون إن كنت صائما بالنهار قائما بالليل جادا في طاعة الرحمن ، وقل أن تسلم من غيبة المسلمين ، وأذيتهم ، وأخذ ما لهم ، هذا حال من كان جادا في الطاعات ، فكيف من كان مثلنا جادا في جمع السيئات من أكل الحرام ، والشبهات ، والتقصير في الطاعات ، والإسراع إلى المخالفات . دليل الفالحين 1/541.
86- قال ابن الجوزي في المدهش 1/104: فصل تصرف العرب في اللفظ بالحركات والإعجام والقلب
واعلم أن لغة العرب واسعة ، ولهم التصرف الكثير ، فتراهم يتصرفون في اللفظة الواحدة ...
وتارة يقلبون حرفا من كلمة ولا يتغير عندهم معناه كقولهم : صاعقة وصاقعة ، وجبذ ، وجذب ، .. وأسير مكلب ومكبل ، وقفا الأثر وقاف الأثر ..
87- قال ابن الجوزي في المدهش 1/273: ما حظي الدينار بنقش اسم الملك حتى صبرت سبيكته على التردد إلى النار فنفت عنه كل كدر ، ثم صبرت على تقطيعها دنانير ، ثم صبرت على ضربها على السكة ، فحينئذ ظهر عليها رقم النقش {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ } .
88 - قال ابن الجوزي في المدهش 1/278:
__________
(1) ... محمد بن قاسم الأنصاري المالكي مترجم في الضوء اللامع 8/287(1/45)
الدنيا والشيطان خارجيان خارجان عليك ، خارجان عنك ، والنفس عدو مباطن ، ومن آداب الجهاد { قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم } ليس من بارز بالمحاربة كمَن كمِن ، ما دامت النفس حيةً تسعى = فهي حيةٌ تسعى ، أقل فعل لها تمزيق العمر بكف التبذير كالخرقاء وجدت صوفا .
89 - قال ابن الجوزي في المدهش 1/279:
يا هذا دبر دينك كما تدبر دنياك لو علق بثوبك مسمار رجعت إلى وراء لتخلصه ، هذا مسمار الإصرار قد نشب بقلبك ، فلو عدت إلى الندم خطوتين تخلصت .
90- في ترجمة الوزير فخر الملك من سير أعلام النبلاء 17/283
رفعت إليه سعاية برجل فوقّع فيها: السعاية قبيحة ، ولو كانت صحيحة ، ومعاذ الله أن نقبل من مهتوك في مستور ، ولولا أنك في خفارة شيبك لعاملناك بما يشبه مقالك ، ويردع أمثالك فاكتم هذا العيب ، واتق من يعلم الغيب . فأخذها فقهاء المكاتب ، وعلموها الصغار اهـ.
قلت: فكيف إذا كانت السعاية بمعروف ، وليس للمهتوك خفارة من شيب، نعوذ بالله من وظيفة إبليس.
- سَعايةٌ من رجال لا طَباخ بهم * قالوا بما جهلوا فينا وما علِموا .
آخر - لا تسعَ بين الصاحبين نميمةً * فلأجلها يتباغض الخِلانِ .
91- في المغني لأبي محمد الموفق 9/114: [تحت مسألة ميراث الخنثى المشكل]
فصل: وقد وجدنا في عصرنا شيئا شبيها بهذا ، لم يذكره الفرضيون ولم يسمعوا به ، فإنا وجدنا شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج لا ذكر ، ولا فرج ، أما أحدهما:
فذكروا أنه ليس له في قبله إلا لحمة ناتئة كالربوة يرشح البول منها رشحا على الدوام ، وأرسل إلينا يسألنا عن حكمه في الصلاة والتحرز من النجاسة في هذه السنة وهي سنة عشر وستمائة .
والثاني: شخص ليس له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوط ، ومنه يبول ، وسألت من أخبرني عنه عن زِيِّه ؟ فأخبرني أنه إنما يلبس لباس النساء ، ويخالطهن ، ويغزل معهن ، ويعد نفسه امرأة .(1/46)
وحدثت أن في بعض بلاد العجم شخصا ليس له مخرج أصلا لا قبل ولا دبر! وإنما يتقايأ ما يأكله ، وما يشربه. فهذا ، وما أشبهه في معنى الخنثى إلا أنه لا يمكن اعتباره بمباله ، فإن لم يكن له علامة أخرى ، فهو مشكل ينبغي أن يثبت له حكم الخنثى المشكل في ميراثه ، وأحكامه كلها ، والله تعالى أعلم.
92- نظم العلامة أبو عبد الله بن أبي الفتح البعلي أسماء عمات النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
أميمة أروى برة وصفية * وأم حكيم واختمن بعاتكة .
المطلع ص512 ، وتجد هناك نظما لأسماء أعمامه صلى الله عليه وسلم.
93- أين العمل بالعلم ؟!
قال أبو علي بن شهاب: سمعت أبا عبدالله بن بطة يقول: أستعمل عند منامي أربعين حديثا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . طبقات الحنابلة 3/261.
قال الخطيب البغدادي في كتابه اقتضاء العلم العمل: وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد ، والعمل الصالح ، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا ، وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي ، والرضى الميسور ، وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل ، والمحروم ، وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب ؟!
وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما ؟!
وهل المغرم بحبها إلا ككانزها
وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها =كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها ، وراعى واجباتها ، فلينظر امرؤ لنفسه ، وليغتنم وقته فإن الثواء قليل ، والرحيل قريب ، والطريق مخوف ، والاغترار غالب ، والخطر عظيم ، والناقد بصير ، والله تعالى بالمرصاد ، وإليه المرجع والمعاد (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
ص15-16.
قال سهل بن عبد الله : العلم كله دنيا والآخرة منه العمل به .
وقال : الدنيا جهل وموات إلا العلم ، والعلم كله حجة إلا العمل به ، والعمل كله هباء إلا الإخلاص ، والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به. ص28-29.(1/47)
قال مالك بن دينار : إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه ، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجورا ، أو فخرا . ص32
قال حفص بن حميد : دخلت على داود الطائي أسأله عن مسألة ـ وكان كريما ـ فقال: أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب أليس يجمع آلته ؟ فإذا أفنى عمره في الآلة فمتى يحارب ؟
إن العلم آلة العمل ، فإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟!
ص44-45.
وينظر مفتاح دار السعادة ص100
فائدة : صدر شريط (مُجدّد) للدكتور عبد الرحمن العايد عنوانه "الإلتزام الأجوف" ينبغي سماعه .
94- قال الإمام الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار 4/123:
والمتحري لدينه في اشتغاله بعيوب نفسه ما يشغله عن نشر مثالب الأموات ، وسب من لا يدري كيف حاله عند بارىء البريات ، ولا ريب أن تمزيق عرض من قدم على ما قدم ، وجثا بين يدي من هو بما تكنه الضمائر أعلم ـ مع عدم ما يحمل على ذلك : من جرح ، أو نحوه ـ أحموقة لا تقع لمتيقظ ، ولا يصاب بمثلها متدين بمذهب ، ونسأل الله السلامة بالحسنات ، ويتضاعف عند وبيل عقابها الحسرات ، اللهم اغفر لنا تفلتات اللسان ، والقلم في هذه الشعاب ، والهضاب وجنبنا عن سلوك هذه المسالك التي هي في الحقيقة مهالك ذوي الألباب.
95- في شرح مختصر التحرير للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عند قول المؤلف:
في الفصل اللغوي : (ولا ترادف في حد غير لفظي و محدود ، ولا شذر مذر.. )
قال الشيخ للطلاب : شذر مذر ! وشي [ما معناها ] ؟
[ثم وجه الكلام لأحدهم مداعبا] : يمكن محمد يعرف !
فقال محمد : مذر يعني أُم بالإنكليزي
الشيخ : أم ؟!
قال الطلاب وهو يضحكون : أم بالإنكليزي!
قال الشيخ وهو يضحك : وشذر بالإنكليزي ؟!
ثم قال الشيخ : شذر مذر يعني شتاتا ، ومذر جاءت للتوكيد التفرق ، ولو تسال العربي ما معنى مذر ؟
لقال ما قلتها إلا من باب التوكيد ، وإلا ما لها معنى ، لكن معنى الكلمتين مجتمعتين التفرق والشتات ..(1/48)
ثم بعدها قال : وهذا كما تشاهدون الآن بحث لغوي محظ قليل الفائدة حتى إن بعض الإخوان يريد نقل اللغة العربية إلى اللغة الإنكليزية (الشيخ والطلاب يضحكون) هذا يدل على أن الفائدة ما هي إلى ذاك.
نقلته بالمعنى ، وبتصرف يسير شريط رقم (4)
96- قال العلامة الشاطبي في الإفادات والإنشادات ص98:
لما توفي شيخنا الأستاذ الكبير العلم الخطير أبو عبد الله محمد بن الفخار، سألت الله عز وجل أن يرينيه في النوم ؛ فيوصيني بوصية أنتفع بها في الحالة التي أنا عليها من طلب العلم ، فلما نمت تلك الليلة رأيت كأني داخل عليه في داره التي كان يسكن بها، فقلت له يا سيدي
أوصني، فقال لي: لا تعترض على أحد .
97- قال العلامة الشاطبي في الإفادات والإنشادات ص153:
كنت يوما سائرا مع بعض الأصحاب إذ لقينا شيخنا الأستاذ المشاور أبا سعيد بن لب
أكرمه الله بقرب المدرسة، فسرنا معه إلى بابها ، ثم أردنا الانصراف، فدعانا إلى الدخول معه
إلى المدرسة، وقال: أردت أن أطلعكم على بعض مستنداتي في الفتوى الفلانية ، وما شاكلها
وأبين لكم وجه قصدي إلى التخفيف فيها ـ وكان قد أطلعنا على مكتوب بخطه جوابا عن
سؤال في يمين أفتى فيها بمراعاة اللفظ والميل إلى جانبه ، فنازعناه فيه في ذلك اليوم، وانفصل
المجلس على منازعته ـ ، فأرانا مسائل في "النهاية" و"أحكام ابن الفرس" وغيرهما ، وبسط لنا فيها
بما يقتضي: الاعتماد على لفظ الحالف ، وإن كان فيه خلاف مالِنيته بناء على قول من قال بذلك من أهل المذهب ، وغيرهم.
وقال: أردت أن أنبهكم على قاعدة في الفتوى وهي نافعة جدا ، ومعلومة من سنن العملاء ، وهي أنهم ما كانوا يشددون على السائل في الواقع إذا جاء مستفتيا.(1/49)
وكنت قبل هذا المجلس تترادف علي وجوه الإشكالات في أقوال مالك ، وأصحابه، فلما كان بعد ذلك المجلس شرح الله بنور ذلك الكلام صدري فارتفعت ظلمات تلك الإشكالات دفعة واحدة، فلله الحمد على ذلك ونسأله تعالى أن يجزيه عنا خيرا ، وجميع معلمينا بفضله.
98- قال العلامة الشاطبي في الإفادات والإنشادات ص156:
وقع يوما بيني وبين بعض من يتعاطى النظر في العلم من اليهود كلام في بعض المسائل إلى أن
أنجز الكلام إلى عيسى عليه السلام، فأخذ ينكر خلقه من غير أب ، ويقول:
وهل يكون شيء من غير مادة ؟
فقلت له بديهة: فيلزمك إذا أن يكون العالم مخلوقا من مادة ، وأنتم معشر اليهود لا تقولون بذلك ، فأحد الأمرين لازم إما صحة خلق عيسى من غير أب ، وإما بطلان خلق
العالم من غير مادة . (فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين).
99- قال العلامة الشاطبي في الإفادات والإنشادات ص100:
حدثني الأستاذ أبو علي الزواوي عن شيخه الأستاذ الشهير أبي عبد الله المسفر أنه قال:
إن تفسير ابن الخطيب [الفخر الرازي "مفاتيح الغيب"] احتوى على أربعة علوم نقلها من أربعة كتب، مؤلفوها كلهم معتزلة ؛ فأصول الدين نقلها من كتاب الدلائل لأبي الحسين.
وأصول الفقه نقلها من كتاب المعتمد لأبي الحسين أيضاً، وهو أحد نظار المعتزلة ...
قال: والتفسير من كتاب القاضي عبد الجبار.
والعربية والبيان من الكشاف للزمخشري.
100- قال الزجاجي في مجالس العلماء ص187:
حدثني بعض إخواني قال حدثني أحمد بن محمد بن رستم الطبري قال:
جاء رجل معتوه إلى مجلس أبي حاتم فوقف يسمع كلام أبي حاتم فقال له رجل: يا أبا حاتم لم نصبوا ما لا ينصرف من الأسماء في موضع الجر ؟
فقال: شبهوه بالفعل ، والفعل لا يدخله الجر .
فقال المعتوه : يا أبا حاتم القياس على ما يرى أسهل أم على ما يسمع ؟
فقال أبو حاتم : على ما يرى أسهل .
قال المعتوه : ما يشبه هذا ؟ وأخرج يده وقد ضم أنامله .
فقال أبو حاتم : لا أدري .(1/50)
قال : فأنت لا تحسن أن تشبه هذا الذي تراه بشيء ، فكيف تشبه ما لا ترى بما لا ترى ؟!
وأخرج يده الأخرى مضمومة الأنامل كما فعله بالأخرى فقال: يا غليظ الفطنة بعيد الذهن ، هذا يشبه هذا .
فخجل أبو حاتم ، وبقي أصحابه متعجبين .
فقال أبو حاتم : لا تعجبون من هذا ، أخبرني الأصمعي أن معتوها جاء إلى أبي عمرو بن العلا ، فقال : يا أبا عمرو لم سميت الخيل خيلا ؟
فبقي أبو عمرو ليس عنده جواب ، فقال : لا أدري.
فقال: لكني أدري .
فقال : علمنا نعلم .
قال : لاختيالها في المشي .
فقال أبو عمرو لأصحابه بعدما ولّى المجنون : اكتبوا الحكمة ، وارووها ، ولو عن معتوه .(1/51)